كتاب : المبدع شرح المقنع
المؤلف : إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد ابن مفلح، أبو إسحاق، برهان الدين

وإن رآه سيده أو وليه يتجر فلم ينهه لم يصر مأذونا له وما استدان العبد فهو في رقبته يفديه سيده أو يسلمه وعنه: يتعلق بذمته يتبع به بعد العتق إلا المأذون له هل يتعلق برقبته أو ذمة سيده؟ على روايتين.
ـــــــ
والثاني: بلى لأنه ملك التصرف بنفسه فملكه بنائبه كالمالك الرشيد ولأنه أقامه مقام نفسه.
"وإن رآه سيده أو وليه يتجر فلم ينهه لم يصر مأذونا له" كتزويجه وبيعه ماله لأنه تصرف يفتقر إلى الإذن فلم يقم السكوت مقامه كما لو تصرف أحدهما في الرهن والآخر ساكت وكتصرف الأجانب
"وما استدان العبد" يقال استدان وادان وتدين بمعنى واحد "فهو في رقبته" نقله الجماعة "يفديه سيده أو يسلمه" كالجناية
"وعنه: يتعلق بذمته يتبع به بعد العتق" لأن صاحب الحق رضي بتأخير حقه لكونه عامل من لا مال له فعلى المذهب إن أعتقه فعلى مولاه نقله أبو طالب
"إلا المأذون له هل يتعلق برقبته أو ذمة سيده على روايتين" وحاصله أن لتصرف العبد حالتين إحداهما أن يكون غيرمأذون له ولتصرفه حالتان إحداهما: أن يتصرف ببيع أو شراء بعين المال فهذا لا يصح على المذهب كالغاصب
وقيل: بلى ويقف على الإجازة كالفضولي
الثانية: أن يتصرف في ذمته وفيه وجهان وحكاهما المجد روايتين إحداهما: يصح تصرفه إلحاقا له بالمفلس إذا الحجر عليه لحق السيد
والثانية: لا يصح لأنه محجور عليه كالسفيه فعلى الأول ما اشتراه أو اقترضه إن وجد في يده انتزع منه لتحقق إعساره قاله في المغني والتلخيص
وإن أخذه سيده لم ينتزع منه على المشهور لأنه وجد مملوكه بحق أشبه ما

ـــــــ
لو وجد في يده صيدا ونحوه واختار في التلخيص جواز الانتزاع منه لأن الملك وقع للسيد ابتداء
وإن تلف بيد السيد لم يضمنه واستقر ثمنه في رقبة العبد أو ذمته على الخلاف وكذا إن تلف في يد العبد وعلى الثاني: وهو فساد التصرف يرجع مالك العين حيث وجدها فإن كانت تالفة فله قيمته أو مثله إن كان مثليا ثم إن كان التلف في يد العبد رجع عليه وتعلق برقبته كالجناية
وعنه: يتعلق بذمته لعموم ما روي عن الفقهاء التابعين من أهل المدينة قال كانوا يقولون دين المملوك في ذمته رواه البيهقي في سننه وإن كان التلف بيد السيد فكذلك على مقتضى كلام المجد وفي المغني والشرح والتلخيص أنه يرجع إن شاء على السيد وإن شاء على العبد
الحالة الثانية: أن يكون مأذونا له فما استدانه ببيع أو قرض فأشهر الروايات أنه يتعلق بذمة السيد لأنه غر الناس بمعاملته وقيده في الوسيلة بما إذا كان قدر قيمته والمذهب مطلقا
ولا فرق في الذي استدانه بين أن يكون في الذي أذن فيه أو لا بأن يأذن له في التجارة في البر فيتجر في غيره لأنه لا ينفك أن يظن الناس أنه مأذون له في ذلك أيضا
وعنه: يتعلق برقبة العبد كجنايته ولأنه قابض للمال المتصرف فيه أشبه غير المأذون له وعنه: يتعلق بذمة السيد لإذنه ورقبة العبد لقبضه وعنه: بذمته ونقل صالح وعبد الله يؤخذ السيد بما أدان لما أذن له فيه فقط ونقل ابن منصور إذا أدان فعلى سيده وإن جنى فعلى سيده وفي الروضة إذا أذن له مطلقا لزمه كلما ادان
وإن قيده بنوع لم يذكر فيه استدانة فبرقبته كغير المأذون وبنى الشيخ تقي الدين الخلاف في أن تصرفه مع الإذن هل هو لسيده فيتعلق ما ادانه بذمته كوكيله أو لنفسه فيتعلق برقبته فيه روايتان.

وإذا باع السيد عبده المأذون له شيئا لم يصح في أحد الوجهين وفي الآخر يصح إذا كان عليه دين بقدر قيمته ويصح إقرار المأذون له في قدر ما أذن له فيه وإن حجر عليه وفي يده مال ثم أذن له فاقر به صح ولا يبطل الاذن بالإباق،
ـــــــ
ومحل الخلاف ما إذا ثبت ببينة أو إقرار السيد أما إذا أنكره السيد ولا بينة به فإنه يتعلق بذمة العبد إن أقر به وإلا فهو هدر قاله الزركشي ومقتضى كلام الأكثر جريان الخلاف. "وإذا باع السيد عبده المأذون له شيئا لم يصح في أحد الوجهين" هذا ظاهر المذهب لأنه مملوكه فلا يثبت له دين في ذمته كغير المأذون له "وفي الآخر يصح إذا كان عليه دين بقدر قيمته" لأنه إذا قلنا: إن الدين يتعلق برقبته فكأنه صار مستحقا لأصحاب الديون فيصير كعبد غيره وقيل: يصح مطلقا "ويصح إقرار المأذون له في قدر ما أذن له فيه" لأن مقتضى الإقرار الصحة ويجوز ترك فيما لم يأذن له فيه سيده لحق السيد فوجب أن يبقى فيما عداه على مقتضاه
وظاهره: أنه لا يصح فيما زاد لما ذكرنا
"وإن حجر عليه وفي يده مال ثم أذن له فأقربه صح" لأن المانع من صحة إقراره الحجر عليه وقد زال ولأن تصرفه فيه صحيح فصح إقراره به كالحر وقيل: لا يصح إلا في الشيء اليسير.
"ولا يبطل الإذن بالإباق" في الأصح لأنه لا يمنع ابتداء الإذن له في التجارة فلم يمنع استدامته كما لو غصبه غاصب أو حبس بدين عليه وكتدبير واستيلاد
وقيل: يبطل به لأنه يزيل ولاية السيد عنه في التجارة بدليل أنه لا يجوز بيعه ولا هبته. وجوابه: بأن سبب الولاية باق وهو الرق مع أنه يجوز بيعه وهبته لمن يقدر عليه ويبطل بالمغصوب وفيه بكتابة وحرية وأسر خلاف في الانتصار،

ولا يصح تبرع المأذون له بهبة الدراهم وكسوة الثياب ويجوزهديته للمأكول وإعارة دابته وهل لغير المأذون الصدقة من قوته بالرغيف ونحوه إذا لم يضر به؟ على روايتين،
ـــــــ
وفي الموجز والتبصرة يزول ملكه بحرية وغيرها كحجر على سيده وليس إباقه فرقة نص عليه
فرع: له معاملة عبد ولو لم يثبت كونه مأذونا له خلافا للنهاية نقل مهنا فيمن اشترى من عبد ثوبا فوجد به عيبا فقال العبد أنا غيرمأذون لي في التجارة لم يقبل منه لأنه إنما أراد أن يدفع عن نفسه ولو أنكر سيده إذنه يتوجه الخلاف
وقال الشيخ تقي الدين: إن علم بتصرفه لم يقبل ولو قدر صدقه فتسليطه عدوانا منه فيضمن وفي طريقة بعض أصحابنا التجار أتلفوا أموالهم لما لم يسألوا الولي إذ الأصل عدم الإذن للعبد وهو ظاهر
"ولا يصح تبرع المأذون له بهبة الدراهم وكسوة الثياب" ونحوه لأن ذلك ليس من التجارة ولا يحتاج إليه كغير المأذون له وظاهره: وإن قل
"ويجوز هديته للمأكول وإعارة دابته" وعمل دعوة ونحوه بلا إسراف لأنه عليه السلام كان يجيب دعوة المملوك وروى أبو سعيد مولى أبي أسيد أنه تزوج فحضر دعوته جماعة من الصحابة منهم ابن مسعود وأبو حذيفة وأبو ذر فامهم وهو يومئذ عبد رواه صالح في مسائله ولأنه مما جرت به عادة التجار فيما بينهم فيدخل في عموم الإذن
وقال في النهاية الأظهر أنه لا يجوز لأنه تبرع بمال مولاه فلم يجز كنكاحه وكمكاتب في الأصح
"وهل لغير المأذون الصدقة من قوته بالرغيف ونحوه إذا لم يضر به على روايتين" أصحهما: له ذلك بمالايضره لأنه مما جرت العادة بالمسامحة فيه فجاز كصدقة المرأة من بيت زوجها والثانية: المنع منه لأن المال لسيده وإنما أذن له في الأكل فلم يملك الصدقة به كالضيف لا يتصدق بما أذن له في أكله.

وهل للمرأة الصدقة من بيت زوجها بغير إذنه بنحو ذلك على روايتين
ـــــــ
مسألة: ما كسبه العبد غير المأذون من مباح أو قبله من هبة ووصية فلسيده وكذا اللقطة وقيل: لا يقبل الكل إلا بإذنه وإن قيل أو التقط وعرف بلا إذنه فهو للعبد إن قلنا: يملك بالتمليك ولا يصح قبول سيده عنه مطلقا فإن لم يملك واختاره الأصحاب فهو لسيده يعتقه ولسيده أخذه منه ولا يتصرف في ملكه إلا بإذن سيده
"وهل للمرأة الصدقة من بيت زوجها بغير إذنه بنحو ذلك؟" أي: باليسير "على روايتين" المشهور في المذهب: لها ذلك لما روت عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أنفقت المرأة من طعام زوجها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها أجر ما كسب وللخازن مثل ذلك لا ينقص بعضهم من أجر بعض شيئا" متفق عليه ولم يذكر إذنا إذالعادة السماح وطيب النفس به إلا أن تضطرب العادة ويشك في رضاه أو يكون بخيلا ويشك في رضاه فلا يجوز
والثانية: لا نقلها أبو طالب لما روى أبو أمامة الباهلي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تنفق المرأة شيئا من بيتها إلا بإذن زوجها" قيل يا رسول الله ولا الطعام قال "ذلك أفضل أموالنا" رواه سعيد
ولأنها تبرعت بمال غيرها فلم يجز كالصدقة بثيابه والأول أصح لأن أحاديثها خاصة صحيحة فتقدم على غيرها
والإذن العرفي كالحقيقي إلا أن يمنعها من التصرف فيه مطلقا وكمن يطعمها ولم يعلم رضاه ولم يفرق أحمد ويلحق بها من كان في بيته كجاريته وعبده المتصرف في بيت سيده لوجود المعنى فيه.

باب الوكالة
تصح الوكالة بكل قول يدل على الإذن،
ـــــــ
باب الوكالةالوكالة بفتح الواو وكسرها التفويض يقال وكله أي: فوض إليه ووكلت أمري إلى فلان أي: فوضت إليه واكتفيت به وقد تطلق ويراد بها الحفظ وهي اسم مصدر بمعنى التوكيل. واصطلاحا التفويض في شيء خاص في الحياة والأحسن فيها أنها استنابة الجائز التصرف مثله فيما تدخله النيابة
وهي جائزة بالإجماع وسنده قوله تعالى: {فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ} [الكهف:19] الآية وقد وكل صلى الله عليه وسلم عروة بن الجعد في شراء الشاة وأبا رافع في تزوج ميمونة وعمرو بن أمية الضمري في تزوج أم حبيبة
والمعنى شاهد بذلك لأن الحاجة تدعو إليه فإن كل أحد لا يمكنه فعل ما يحتاج إليه بنفسه. "تصح الوكالة بكل قول يدل على الإذن" نص عليه نحو افعل كذا أو أذنت لك في فعله لأنه لفظ دال على الإذن فصح كلفظها الصريح ونقل جعفر إذا قال بع هذا ليس بشيء حتى يقول وكلتك فاعتبر انعقادها بلفظها الصريح وتأوله القاضي على التأكيد لنصه على انعقاد البيع باللفظ والمعاطاة كذا الوكالة قال ابن عقيل هذا دأب شيخنا أن يحمل نادر كلام أحمد على أظهره ويصرفه عن ظاهره والواجب أن يقال كل لفظ رواية ويصحح الصحيح.
قال الأزجي: ينبغي أن يعول في المذهب على هذا لئلا يصير المذهب رواية واحدة وقد دل كلام القاضي على انعقادها بفعل دال كبيع.

وكل قول أو فعل يدل على القبول ويصح القبول على الفور والتراخي بأن يوكله في بيع شيء فيبيعه بعد سنة أو يبلغه أنه وكله منذ شهر فيقول قبلت ولا يجوز التوكيل والتوكل في شيء إلا ممن يصح تصرفه فيه.
ـــــــ
وهو ظاهر كلام المؤلف فيمن دفع ثوبه إلى قصار أو خياط قال في الفروع وهو أظهر وكالقبول وظاهره: أنها تصح مؤقتة ومعلقة بشرط نص عليه كوصية وإباحة أكل وقضاء وإمارة وكتعليق تصرف.
واختار في عيون المسائل أنه لا يصح تعليقها بشرط كتعليق فسخها.
"وكل قول" والأصح "أو فعل يدل على القبول" لأن وكلاء النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنهم سوى امتثال أوامره ولأنه إذن في التصرف فجاز القبول بالفعل كاكل الطعام وكذا سائر العقود الجائزة كشركة ومضاربة ومساقاة ونحوها.
"ويصح القبول على الفور" بلا شبهة كسائر العقود "والتراخي بأن يوكله في بيع شيء فيبيعه بعد سنة أو يبلغه أنه وكله منذ شهر فيقول قبلت" لأن قبول وكلائه عليه السلام كان بفعلهم وكان متراخيا عن توكله اياهم ولأنه إذن في التصرف والإذن قائم ما لم يرجع عنه أشبه الإباحة.
وظاهره: أنه يعتبر تعيين الوكيل وقاله القاضي وأصحابه وفي الانتصار ولو وكل زيدا وهو أو لم يعرف موكله لم يصح.
"ولا يجوز التوكيل والتوكل في شيء إلا ممن يصح تصرفه فيه" لأن من لا يصح تصرفه بنفسه فنائبه أولى فلو وكله في بيع ما سيملكه أو طلاق من يتزوجها لم يصح إذ الطلاق لا يملكه في الحال ذكره الأزجي.
وذكر غيره إن قال إن تزوجت هذه فقد وكلتك في طلاقها أو إن اشتريت هذا العبد فقد وكلتك في عتقه صح إن قلنا: يصح تعليقهما على ملكهما وإلا فلا.
وكل من صح تصرفه بنفسه صح منه ما ذكرنا لأن كلا منهما يملك التصرف.

ويجوز التوكيل في كل حق آدمي من العقود والفسوخ والعتق والطلاق والرجعة وتملك المباحات من الصيد والحشيش ونحوه،
ـــــــ
بنفسه فجاز أن يستنيب غيره وأن ينوب عن غيره لانتفاء المفسد وشرطه أن يكون مما تدخله النيابة فلا يصح توكيل فاسق في إيجاب نكاح إلا على رواية وفي قبوله وجهان. ويصح توكيل المرأة في طلاق نفسها وغيرها وتوكيل العبد في قبول نكاح لأنه يجوز أن يقبله لنفسه بإذن سيده وللمكاتب أن يوكل فيما يتصرف فيه بنفسه وله أن يتوكل لغيره بجعل لأنه من اكتساب المال وليس له أن يتوكل بغير جعل إلا بإذن سيده وصحة وكالة المميز في طلاق وغيره مبني على صحته منه وفي الرعاية روايتان لنفسه أو غيره بلا إذن ويصح أن يتوكل واجد للطول في قبول نكاح أمة لمباح له وغني لفقير في قبول زكاة لأن سلبهما القدرة تنزيها وقبول نكاح أخته ونحوها من أبيه الأجنبي قاله في الوجيز وغيره. "ويجوز التوكيل في كل حق آدمي من العقود" لأنه عليه السلام وكل عروة ابن الجعد في الشراء وسائر العقود كالإجارة والقرض والمضاربة والإبراء في معناه لأن الحاجة تدعو إليه لأنه قد لا يحسن البيع والشراء أو لا يمكنه الخروج إلى السوق أو يحط ذلك من منزلته فأباحها الشارع دفعا للحاجة وتحصيلا للمصلحة
ومقتضاه أنه يصح التوكيل في الإقرار وقيل: التوكيل فيه إقرار جزم به في المحرر وفي إثبات القصاص وفي المطالبة بالحقوق وإثباتها والمحاكمة فيها حاضرا كان الموكل أو غائبا صحيحا أو مريضا في قول الجمهور
"والفسوخ والعتق والطلاق" لأنه يجوز التوكيل في الإنشاء فجاز في الإزالة بطريق الأولى: "والرجعة" لأن الحاجة تدعو إلى ذلك "وتملك المباحات من الصيد والحشيش ونحوه" كإحياء الموات واستيفاء المواريث لأنها تملك مال بسبب لا يتعين عليه فجاز كالابتياع والاتهاب.

إلا الظهار واللعان والأيمان ويجوز أن يوكل من يقبل له النكاح ومن يزوج وليته إذا كان الوكيل ممن يصح منه ذلك لنفسه وموليته ويصح في كل حق لله تعالى: تدخله النيابة من العبادات
ـــــــ
وقيل: من وكل في احتشاش واحتطاب فهل يملك الوكيل ما أخذه أو موكله فيه وجهان. "إلا الظهار" لأنه قول منكر وزور يحرم عليه فعله فلم تجز الاستنابة فيه كالايلاء "واللعان والأيمان" لأنها أيمان فلا تدخلها النيابة كالعبادات البدنية والنذر والقسامة كذلك ويستثنى أيضا القسم بين الزوجات لأنها تتعلق بالزوج لأمر يختص به والشهادة لأنا تتعلق بالشاهد والرضاع لأنه يختص بالمرضعة والالتقاط فإذا فعل ذلك فالتقط كان أحق به من الأمر والاغتنام لأنه يستحق بالحضور والغصب والجناية لأنه محرم
"ويجوز أن يوكل من يقبل له النكاح" لفعله عليه السلام ولأن الحاجة قد تدعو إلى ذلك فإنه ربما احتاج إلى التزوج من مكان بعيد لا يمكنه السفر إليه كما تزوج عليه السلام أم حبيبة وهي بأرض الحبشة
"ومن يزوج وليته" لأن الحاجة تدعو إلى ذلك اشبه البيع "إذا كان الوكيل ممن يصح ذلك منه لنفسه وموليته" يحترز به عن الصبي والمجنون فإن توكيلهما غيرصحيح وعن الفاسق فإن توكيله في الإيجاب كذلك لأنه لا يصح أن يتولى نكاح موليته بنفسه إذ لا ولاية لفاسق وفيه إشعار بأنه يصح أن يكون وكيلا في القبول وقد تقدم
"ويصح في كل حق لله تعالى: تدخله النيابة من العبادات" كتفرقة صدقة وزكاة ونذر وكفارة لأنه عليه السلام كان يبعث عماله لقبض الصدقات وتفريقها وحديث معاذ شاهد بذلك وكذا الحج والعمرة فإنه يجوز أن يستنيب من يفعله بشرطه ويجوز أن يقول لغيره أخرج زكاة مالي من مالك
فأما العبادات البدنية المحضة كالصلاة والصوم والطهارة من الحدث فلا يجوز التوكيل فيها فإنها تتعلق ببدن من هي عليه وكذا الصيام المنذور فإنه

والحدود في إثباتها واستيفائها ويجوز الاستيفاء في حضرة الموكل وغيبته إلا القصاص وحد القذف عند بعض أصحابنا لا يجوز في غيبته ولا يجوز للوكيل التوكيل فيما يتولى مثله بنفسه إلا بإذن الموكل،
ـــــــ
يفعل عن الميت وليس بتوكيل
لكن يستثنى من الصلاة ركعتا الطواف فإنها تبع للحج ومن الطهارة صب الماء وإيصاله إلى الاعضاء وتطهير البدن والثوب من النجاسة
"والحدود في إثباتها واستيفائها" لقوله عليه السلام: "واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها" فاعترفت فأمر بها فرجمت متفق عليه فقد وكله في الإثبات والاستيفاء جميعا
وقال أبو الخطاب: لا يجوز في إثباتها لأنها تسقط بالشبهات وقد أمرنا بدرئها والتوكيل يوصل إلى الإيجاب وجوابه الخبر وبأن الحاكم إذا استناب دخل فيها الحدود فإذا دخلت في التوكيل بطريق العموم فالتخصيص بدخولها أولى والوكيل يقوم مقام الموكل في درئها بالشبهات
"ويجوز الاستيفاء في حضرة الموكل وغيبته" نص عليه لعموم الأدلة ولأن ما جاز استيفاؤه في حضرة الموكل جاز في غيبته كسائر الحقوق "إلا القصاص وحد القذف عند بعض أصحابنا لا يجوز في غيبته" وقد أومأ إلي أحمد لأنه يحتمل أن يعفو عنه حال غيبته فيسقط وهذه شبهة تمنع الاستيفاء لأن العفو مندوب إليه فإذا حضر الموكل احتمل أن يرحمه فيعفو.
والمذهب له الاستيفاء في الغيبة مطلقا أما الزنى وشبهه فظاهر لأنه لا يحتمل العفو حتى يدرأ بالشبهة واحتمال العفو في غيره بعيد لأن الظاهر أنه لو عفا لأعلم وكيله به والأصل عدمه فلا يؤثر ألا ترى أن قضاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يحكمون في البلاد ويقيمون الحدود التي تدرأ بالشبهات مع احتمال الفسخ
"ولا يجوز للوكيل التوكيل فيما يتولى مثله بنفسه إلا بإذن الموكل" نقله ابن

وعنه: يجوز وكذلك الوصي والحاكم ويجوز توكيله فيما لا يتولى مثله بنفسه،
ـــــــ
منصور لأنه لم يأذن له في التوكيل ولا تضمنه إذنه لكونه يتولى مثله ولأنه استئمان فيما يمكنه النهوض فيه فلم يكن له أن يوليه من لا يأمنه عليه كالوديعة
"وعنه: يجوز" نقلها حنبل لأن الوكيل له أن يتصرف بنفسه فملكه نائبه كالمالك ورد بأن المالك يتصرف في ملكه كيف شاء بخلاف الوكيل وهذا مع الإطلاق فلو نهاه عنه لم يجز بغير خلاف لأن ما نهاه عنه ليس بداخل في إذنه فلم يجز كما لو لم يوكله وعكسه إذا أذن له فيه أو قال اصنع ما شئت فإنه يجوز بغير خلاف لأنه عقد أذن له فيه فكان له فعله كالتصرف المأذون فيه
"وكذلك الوصي والحاكم" أي: حكمهما حكم الوكيل لأن كل واحد منهما متصرف بالإذن كالوكيل لكن قال القاضي المنصوص عن أحمد جوازه وقدمه في المحرر ونقل في المغني عن القاضي في المصراة أنه يجوز للوصي أن يستنيب مطلقا وفي الوكيل روايتان. والفرق أن الوكيل يمكنه الاستئذان بخلاف الوصي ثم قال وقال أبو بكر في الوصي روايتان كالوكيل قال في المغني والجمع بينهما أولى لأنه متصرف في مال غيره بالإذن أشبه الوكيل وإنما يتصرف فيما اقتضته الوصية كالوكيل إنما يتصرف فيما اقتضته الوكالة ويلحق بهذا مضارب وولي في نكاح غيرمجبر وقيل: يجوز من الولي أبا كان أو غيره قدمه في الشرح.
مسألة: يجوز للحاكم أن يستنيب من غير مذهبه ذكره القاضي في الأحكام السلطانية وابن حمدان في الرعاية وفي الفروع إذا استناب حاكم من غير أهل مذهبه إن كان لكونه أرجح فقد أحسن وإلا لم تصح الاستنابة إذا لم يمنع إن كان له الحكم وهو مبني على تقليد غيرإمامه وإلا انبنى هل يستنيب فيما لا يملكه كتوكيل مسلم ذميا في شراء خمر وانه نائب المستنيب أو الأول
"ويجوز توكيله فيما لا يتولى مثله بنفسه" أي: إذا كان العمل مما يرتفع

أو يعجز عنه لكثرته ويجوز توكيل عبد غيره بإذن سيده ولا يجوز بغير إذنه فإن وكله بإذنه في شراء نفسه من سيده فعلى وجهين
ـــــــ
الوكيل عن مثله كالأعمال الدنيئة في حق أشراف الناس المرتفعين عن فعله عادة فإن الإذن ينصرف إلى ما جرت به العادة أو كان يعمله بنفسه لكنه "يعجز عنه لكثرته" لأن الوكالة اقتضت جواز التوكيل فجاز في جميعه كما لو أذن فيه لفظا
وقال القاضي: عندي أنه يوكل فيما زاد على ما يتمكن من فعله لأن التوكيل إنما جاز للحاجة فاختص بها بخلاف وجود إذنه فإنه مطلق ولا يوكل إلا أمينا إلا أن يعين له سواه فإنه يجوز مطلقا لأنه قطع نظره بتعيينه وعلى الأول لو وكل أمينا فصار خائنا فله عزله لأن تمكينه من التصرف مع الخيانة تفريط ووكل عنك وكيل وكيله ووكل عني أو يطلق وكيل موكله في الأصح ولا يوصي وكيل مطلقا
"ويجوز توكيل عبد غيره بإذن سيده" لأن المنع لحقه فإذا اذن صار كالحر وكالتصرف "ولا يجوز بغير إذنه" لأنه محجور عليه "فإن وكله بإذنه" وقيل: أولا "في شراء نفسه من سيده فعلى وجهين" وفي الفروع روايتان إحداهما: يصح نصرها في الشرح وجزم بها في الوجيز وغيره لأنه يجوز أن يو كله في شراء عبد غيره،فجاز أن يشتري نفسه، كالمرأة لما جاز تو كيلها في طلاق غيرها جاز توكيلها في طلاق نفسها.
والثانية: لا؛ لأن يد العبد كيد سيده، أشبه مالو وكله في الشراء من نفسه، ولهذا يحكم للإنسان بما في يد غيره، وفي "المغني" و"الشرح": إن هذا الوجه لايصح ؛لأن أكثر ما يقدر جعل توكيل كتوكيل سيده ؛ولأن الولي في النكاح يجوز أن يتولى طرفي العقد، فكذا هنا، فلو قال العبد اشتريت نفسي لزيد وصدقاه صح، ولزم زيد الثمن، وإن قال السيد ما اشتريت نفسك إلا لنفسك عتق ؛لإقرار السيد على نفسه بما يعتق به العبد، ويلزم العبد الثمن في ذمّته لسيده.

والوكالة عقد جائز بين الطرفين، لكل منهما فسخها. وتبطل بالموت والجنون والحجر للسفيه،
ـــــــ
لأن الظاهر وقوع العقد له، وإن صدقه السيد، وكذّب زيد نظرت في تكذيبه، فإن كذبه في الوكالة حلف، وبرئ، وللسيد فسخ البيع واسترجاع عبده لتعذر ثمنه، وإن صدقه في الوكالة وقال: مااشتريت نفسك لي، قبل قول العبد؛لأن الوكيل يقبل قوله في التصرف المأذون فيه.
تنبيه: لو وكل العبد في إعتاق عبيده، والمرأة في طلاق نسائه، لم يملك إعتاق نفسه، ولا هي طلاق نفسها؛ لأنه بإطلاقه ينصرف إلى التصرف في غيره، وقيل: بلى؛ لأن اللفظ يعمه، فلو وكل غريمه في إبراء نفسه صح، كتوكيل العبد في إعتاق نفسه، فلو وكله في إبراء غرمائه لم يملك إبراء نفسه في المشهور، كما لو وكله في حبس غرمائه أوخصومتهم."والوكالة عقد جائز من الطرفين"، لأنها من جهة الموكل إذن،ومن جهة الوكيل بدل نفع،وكلاهما جائز "لكل واحد منهما فسخها" أي: متى شاء لأنها إذن في التصرف فملكه كالإذن في أكل طعامه
وإن قال كلما عزلتك فقد وكلتك انعزل بكلما وكلتك فقد عزلتك وهي الوكالة الدورية قال في التلخيص وهي على أصلنا صحيحة في صحة التعليق وصورتها أن تقول كلما عزلتك فأنت وكيلي وطريقه في العزل أن يقول كلما عدت وكيلي فقد عزلتك وهي فسخ معلق بشرط
وقال الشيخ تقي الدين: لا يصح لأنه يؤدي إلى أن تصير العقود الجائزة لازمة وذلك تغيير لقاعدة الشرع وليس مقصود المعلق إيقاع الفسخ وإنما قصده الامتناع من التوكيل وحله قبل وقوعه والعقود لا تفسخ قبل انعقادها
"وتبطل بالموت والجنون" المطبق وفيه وجه وهو ظاهر الوجيز والحجر للسفه لأن الوكالة تعتمد الحياة والعقل وعدم الحجر فإذا انتفى ذلك انتفت صحتها لانتفاء ما يعتمد عليه وهو أهلية التصرف وظاهره: أن الحجر لفلس لا يبطلها وصرح به في المغني والشرح لأن الوكيل لم

وكذلك كل عقد جائز كالشركة والمضاربة ولا تبطل بالسكر والإغماء والتعدي وهل تبطل بالردة وحرية عبده على وجهين.
ـــــــ
يخرج عن أهلية التصرف
لكن إن حجر على الموكل فإن كانت الوكالة في أعيان ماله بطلت لانقطاع تصرفه فيها وإن كانت في غيرها فلا وتبطل أيضا في طلاق الزوجة بوطئها وفي عتق العبد بكتابته وتدبيره ذكره في المحرر "وكذلك كل عقد جائز كالشركة والمضاربة" لأن الكل مشترك معنى فوجب أن يساويه حكما
"ولا تبطل بالسكر" لأنه لا يخرجه عن أهلية التصرف فإن فسق به بطلت فيما ينافيه كالإيجاب في النكاح لخروجه عن أهليه التصرف بخلاف الوكيل في القبول فإنه لا ينعزل بفسق موكله ولا بفسقه في الأشهر لأنه يجوز أن يقبل لنفسه فجاز لغيره كالعدل لكن إن كان وكيلا فيما تشترط فيه الأمانة كوكيل ولي اليتيم وولي الوقف انعزل بفسقه وفسق موكله
"والإغماء" لانه لا تثبت عليه الولاية وكذا النوم وإن خرج عن أهلية التصرف "والتعدي" أي: تعدي الوكيل كلبس الثوب وركوب الدابة لأن الوكالة اقتضت الأمانة والإذن فإذا زالت الأولى بالتعدي بقي الإذن بحاله
والوجه الثاني: أنها تبطل به لأنها عقد أمانة فبطلت بالتعدي كالوديعة ورد بالفرق فإن الوديعة مجرد أمانة فنافاها التعدي بخلاف الوكالة فإنها إذن في التصرف وتضمنت الأمانة وأطلقهما في المحرر والفروع
فعلى الأول: يصير ضامنا فإذا تصرف كما قال موكله صح وبرئ من ضمانه لدخوله في ملك المشتري وضمانه ويصيرالثمن في يده أمانة فإذا اشترى شيئا وظهر به عيب صار مضمونا عليه لأن العقد المزيل للضمان زال فعاد ما زال به
"وهل تبطل بالردة وحرية عبده على وجهين" أحدهما وجزم به في الوجيز أنها لا تبطل بالردة لأنها لا تمنع ابتداء الوكالة فكذا لا تمنع استدامتها كسائر الكفر وسواء لحق بدار الحرب أولا.

وهل ينعزل الوكيل بالموت والعزل قبل علمه؟ على روايتين.
ـــــــ
والثاني: تبطل بها إذا قلنا: يزول ملكه ويبطل تصرفه والوكالة تصرف وفي المغني إن كانت من الوكيل لم تبطل لأن ردته لا تؤثر في تصرفه وإنما تؤثر في ماله وإن كانت من الموكل فوجهان مبنيان على صحة تصرف المرتد في ماله وفي الشرح إنها لا تبطل بردة الموكل فيما له التصرف فيه فأما الوكيل في ماله فينبني على صحة تصرف نفسه فإن قلنا: يصح تصرفه لم تبطل وإن قلنا: هو موقوف فهي كذلك وإن قلنا: يبطل تصرفه بطلت فإن كانت حال ردته فالأوجه
الثانية: إذا وكل عبده ثم أعتقه لم تبطل قدمه في الشرح وصححه وجزم به في الوجيز لأن زوال ملكه لا يمنع ابتداء الوكالة فلا يمنع استدامتها وكإباقة
والثاني: بلى لأن توكيل عبده ليس بتوكيل في الحقيقة وإنما هو استخدام بحق الملك فيبطل بزوال الملك وكذا الخلاف فيما إذا باعه أو وكل عبد غيره ثم باعه سيده فلو اشتراه الموكل منه لم تبطل لأن ملكه اياه لا ينافي اذنه له في البيع والشراء
وكذا الخلاف فيما إذا وكل عبد غيره ثم أعتقه وفي المغني أنها لا تبطل وجها واحدا لأن هذا توكيل في الحقيقة والعتق غير مناف وفي جحدها من أحدهما وقيل: عمدا وجهان والأشهر فيهن أنها لا تبطل
تنبيه: تبطل بتلف العين الموكل في التصرف فيها لأن محلها قد ذهب فلو وكله في الشراء مطلقا ونفد ما دفعه إليه بطلت لأنه إنما وكله في الشراء به وإن استقرضه الوكيل فهو كتلفه ولو عزل عوضه لأنه لا يصير للموكل حتى يقبضه
"وهل ينعزل الوكيل بالموت والعزل قبل علمه؟ على روايتين" لا خلاف أن الوكيل إذا علم بموت الموكل أو عزله ان تصرفه باطل وإن لم يعلم فاختار الأكثر وذكر الشيخ تقي الدين أنه الأشهر أن تصرفه غيرنافذ لأنه رفع عقد

وإذا وكل اثنين لم يجز لأحدهما الانفراد بالتصرف إلا أن يجعل ذلك.
ـــــــ
لا يفتقر إلى رضى صاحبه فصح بغير علمه كالطلاق
والثانية: ونص عليها في رواية ابن منصور وغيره أنه لا ينعزل اعتمادا على أن الحكم لا يثبت في حقه قبل العلم كالأحكام المبتدأة ولقوله تعالى: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ} [البقرة:275] الآية وينبني عليهما تضمينه واختار الشيخ تقي الدين أنه لا يضمن لأنه لم يفرط وذكر وجها أنه ينعزل بالموت لا بالعزل وقاله جمع من العلماء
واعلم أن القاضي والمؤلف وجماعة يجعلون الخلاف في نفس انفساخ الوكالة قبل العلم وظاهر الخرقي والشرح وكلام المجد يجعلونه في نفوذ التصرف وهو أوفق لمنصوص أحمد وليس بينهما فرق في المغني ولهذا قال الشيخ تقي الدين هو لفظي وذكر أنه لو باع أو تصرف فادعى أنه عزله قبله لم يقبل فلو أقام بينة ببلد آخر وحكم به حاكم فإن لم ينعزل قبل العلم صح تصرفه وإلا كان حكما على الغائب
ولو حكم قبل هذا الحكم بالصحة حاكم لا يرى عزله قبل العلم فإن كان بلغه ذلك نفذ والحكم الناقض له مردود وإلا وجوده كعدمه والحاكم الثاني: إذا لم يعلم بأن العزل قبل العلم أو علم ولم يره أو رآه ولم ير نقض الحكم المتقدم فحكمه كعدمه
فرع: لا ينعزل مودع قبل علمه خلافا لأبي الخطاب فما بيده أمانة ومثله مضارب
"وإذا وكل اثنين لم يجز لأحدهما الانفراد بالتصرف" لأنه لم يرض تصرف أحدهما منفردا بدليل إضافة الغير إليه "إلا أن يجعل ذلك" أي: الانفراد بالتصرف إليه لأنه مأذون فيه أشبه ما لو كان منفردا فلو وكلهما في حفظ ماله حفظاه معا في حرز لهما لأن قوله افعلا كذا يقتضي اجتماعهما على فعله بخلاف بعتكما حيث كان منقسما بينهما لأنه لا يمكن أن يكون الملك لهما على الاجتماع فلو غاب أحدهما لم يكن للآخر أن يتصرف.

ولا يجوز للوكيل في البيع أن يبيع لنفسه وعنه: يجوز إذا زاد على مبلغ ثمنه في النداء أو وكل من يبيع وكان هو أحد المشترين.
ـــــــ
ولا للحاكم ضم أمين ليتصرفا بخلاف ما لو مات أحد الوصيين فإن للحاكم ضم أمين والفرق أن الموكل رشيد جائز التصرف لا ولاية للحاكم عليه بخلاف الوصية فإن له نظرا في حق الميت واليتيم ولهذا لو لم يوص إلى أحد أقام الحاكم أمينا في النظر لليتيم فإن كان أحدهما غائبا فادعى الحاضر وأقام بينة سمعها الحاكم وحكم بثبوتها لهما فإذا حضر الغائب تصرفا معا
لا يقال: هو حكم للغائب لأنه يجوز تبعا لحق الحاضر كما يجوز أن يحكم بالوقف لمن لم أصحهما لأجل من يستحقه في الحال فلو جحدها الغائب أو عزل نفسه لم يكن للآخر أن يتصرف
"ولا يجوز للوكيل في البيع أن يبيع لنفسه" على المذهب لأن العرف في البيع بيع الرجل من غيره فحملت الوكالة عليه وكما لو صرح به ولأنه يلحقه تهمة ويتنافى الغرضان في بيعه لنفسه فلم يجز كما لو نهاه وكذا شراؤه من نفسه لكن لو أذن له جاز ويتولى طرفيه في الأصح فيهما إذا انتفت التهمة كأب الصغير
وكذا توكيله في بيعه وآخر في شرائه ومثله نكاح ودعوى فيدعي أحدهما ويجيب عن الآخر ويقيم حجة كل واحد منهما وقال الأزجي في الدعوى الذي يقع الاعتماد عليه لا يصح للتضاد
"وعنه: يجوز إذا زاد على مبلغ ثمنه في النداء أو وكل من يبيع وكان هو أحد المشترين" لأن بذلك يحصل غرض الموكل من الثمن أشبه ما لو باعه لأجنبي وفي الكافي والشرح أن الجواز معلق بشرطين أحدهما: أن يزيد على مبلغ ثمنه في النداء الثاني: أن يتولى النداء غيره قال القاضي يحتمل أن يكون الثاني: واجبا وهو أشبه بكلامه ويحتمل أن يكون مستحباز وفي الفروع وعنه: يبيع من نفسه إذا زاد ثمنه في النداء وقيل: أو وكل

وهل يجوز أن يبيعه لولده أو والده أو مكاتبه على وجهين ولا يجوز أن يبيع نساء ولا يغير نقد البلد ويحتمل أن يجوز كالمضارب،
ـــــــ
بائعا وهو ظاهر رواية حنبل وقيل: هما وذكر الأزجي احتمالا لا يعتبران لأن دينه وأمانته تحمله على الحق وربما زاد لا يقال كيف يوكل بالبيع وهو ممنوع منه على المشهور لأنه يجوز التوكيل فيما لا يتولى مثله بنفسه والنداء مما لم تجر العادة أن يتولاه أكثر الوكلاء بأنفسهم
قال ابن المنجا: وفيه نظر لأن الوكيل إذا جاز له أن يعطي ما وكل فيه لمن ينادي عليه لما ذكر فالعقد لا بد له من عاقد ومثله يتولاه فلا يجوز أن يوكل عنه غيره ويمكن التخلص من ورود هذا الإشكال بأن يجعل بدل التوكيل في البيع التوكيل في الشراء
"وهل يجوز أن يبيعه لولده" الكبير "أو والده أو مكاتبه؟ على وجهين" كذا أطلقهما في المحرر والفروع أحدهما: المنع لأنه متهم في حقهم ويميل إلى ترك الاستقصاء عليهم في الثمن كتهمته في حق نفسه ولذلك لا تقبل شهادته لهم والثاني: يجوز لأنهم غيره وقد امتثل أمر الموكل ووافق العرف في بيع غيره أشبه الأجنبي وذكر الأزجي أن الخلاف في الأخوة والأقارب كذلك
فرع: الحاكم وأمينه وناظر الوقف والمضارب كالوكيل
"ولا يجوز أن يبيع نساء ولا يغير نقد البلد" على المذهب لأن الموكل لو باع بنفسه وأطلق انصرف إلى الحلول ونقد البلد فكذا وكيله فلو تصرف بغير ذلك لنفع وغرض لم يصح لأن عقد الوكالة لم يقتضه وفيه احتمال وهو رواية في الموجز وكما لو وكله في شراء بلح في الصيف وفحم في الشتاء فخالف ذكره أبو الخطاب ومحله في الفحم في غير تجارة
فإن كان في البلد نقدان باع بأغلبهما فإن تساويا خير
"ويحتمل أن يجوز" هذا رواية عن أحمد لقوله بع كيف شئت كالمضارب على الأصح فيه والفرق بينهما من حيث إن المقصود في المضاربة الربح وهو في النساء أكثر ولا يتعين ذلك في الوكالة بل ربما كان المقصود

وإن باع بدون ثمن المثل أو بأنقص مما قدره له صح ويضمن النقص ويحتمل أن لا يصح وإن باع بأكثر من ثمن المثل صح
ـــــــ
تحصيل حاجته فتفوت بتأخير الثمن ولأن استيفاء الثمن في المضاربة على المضارب فيعود الضرر عليه واستيفاء الثمن في الوكالة على الموكل فيعود ضرر الطلب عليه وهو لم يرض به
وهذا الخلاف إنما هو مع الإطلاق فلو عين له شيئا تعين ولم يجز مخالفته لأنه متصرف بإذنه.
فائدة: إذا ادعيا الإذن في ذلك قبل قولهما وقيل: قول المالك
"وإن باع بدون ثمن المثل أو بأنقص مما قدره له صح" نص عليه وقدمه في المحرر وصححه ابن المنجا لأن من صح بيعه بثمن المثل صح بدونه كالمريض "ويضمن" الوكيل "النقص" لأن فيه جمعا بين حظ المشتري بعدم الفسخ وحظ البائع بوجوب التضمين وأما الوكيل فلا يعتبر حظه لأنه مفرط وفي قدره وجهان أحدهما ما بين ثمن المثل وما باعه
والثاني: ما يتغابن الناس به وما لا يتغابنون لأن ما يتغابن الناس به عادة كدرهم في عشرة فإنه يصح بيعه به ولا ضمان عليه لأنه لا يمكن التحرز منه فلو حضر من يزيد على ثمن المثل لم يجز أن يبيعه به لأن عليه طلب الحظ لموكله فلو باع به ثم حضر من يزيد في مدة الخيار لم يلزمه فسخ العقد على الأشهر لأن الزيادة منهي عنها "ويحتمل أن لا يصح" هذا رواية عنه وصححها في المغني
وذكر في الشرح أنها أقيس وفي الفروع هي أظهر لأنه بيع غيرمأذون فيه أشبه بيع الأجنبي وقيل: هو كتصرف الفضولي نص عليه فإن تلف فضمن الوكيل رجع على مشتر كتلفه عنده وعلى الصحة لا يضمن عبد لسيده ولا صبي لنفسه
"وإن باع بأكثر من ثمن المثل صح" لأنه باع المأذون وزاده خيرا زيادة منفعة والعرف يقتضيه أشبه ما لو وكله في الشراء فاشتراه

سواء أكانت الزيادة من جنس الثمن الذي أمره به أو لم تكن وإن قال بعه بدرهم فباعه بدينار صح في أحد الوجهين وإن قال بعه بألف نساء فباعه بألف حالة صح،
ـــــــ
بدون ثمن المثل أو بأنقص مما قدره له "سواء أكانت الزيادة من جنس الثمن الذي أمره به" كمن أذن له في البيع بمائة درهم فباعه بها وبعشرة أخرى "أولم تكن" كدينار وثوب وقيل: لا يصح جنس الأثمان
تنبيه: يجوز للوكيل البيع والشراء بشرط الخيار له وقيل: مطلقا وتزكية بينة خصمه ومخاصمة في ثمن مبيع بان مستحقا في وجه وإن شرط الخيار فلموكله ولنفسه لهما ولا تصح لنفسه فقط ويختص بخيار مجلس ويختص به موكله إن حضره
فائدة: الوصي وناظر الوقف كالوكيل فيما إذا باع بدون ثمن المثل أو اشترى بأكثر منه ذكره الشيخ تقي الدين وتضمينه مع اجتهاده وعدم تفريطه مشكل فإن قواعد المذهب تشهد له بروايتي فيما إذا رمى إلى صف الكفار يظنه كافرا فبان مسلما ففي ضمان دينه روايتان
"وإن قال بعه بدرهم فباعه بدينار صح في أحد الوجهين" هذا هو الأشهر لأنه مأذون فيه عرفا فإن من رضي بدرهم رضي مكانه بدينار
والثاني: وهو قول القاضي لا يصح لأنه خالف موكله في الجنس أشبه ما لو باعه بثوب يساوي دينارا أو كما لو قال بعه بمائة درهم فباعه بمائة ثوب قيمتها أكثر من الدراهم وأطلقهما في الفروع
ولو باعه بدرهم وعرض فالأصح لا تبطل في زائد بحصته وإن اختلط الدرهم بآخر له عمل بظنه ويقبل قوله حكما ذكره القاضي
"وإن قال بعه بألف نساء فباعه بألف حالة صح" في الأصح لأنه زاده خيرا فهو كما له وكله في بيعه بعشرة فباعه بأكثر منها وظاهره: أنه إذا باع حالا بدون ثمنها نسيئة أو بدون ما عينه له لم ينفذ تصرفه لأنه خالف موكله.

إن كان لا يستضر بحفظ الثمن في الحال وإن وكله في الشراء فاشترى بأكثر من ثمن المثل أو بأكثر مما قدره له أو وكله في بيع شيء فباع نصفه لم يصح وإن اشتراه بما قدره له مؤجلا أو قال اشتر لي شاة بدينار فاشترى له شاتين تساوي إحداهما دينارا أو اشترى له شاة تساوي دينارا بأقل منه صح،
ـــــــ
وشرط المؤلف "إن كان لا يستضر بحفظ الثمن في الحال" جزم به في الوجيز فظاهره أنه إذا استضر بحفظ الثمن في الحال أنه لا يصح لأن حكم الإذن إنما يثبت في المسكوت عنه لتضمنه المصلحة فإذا كان يتضرر به علم انتفاؤها فتنتفي الصحة
وحكم خوف التلف والتعدي عليه كذلك لاشتراك الكل في المعنى وما ذكره المؤلف هو قول والمذهب صحته مطلقا مالم ينهه والثاني: لا يصح للمخالفة
"وإن وكله في الشراء فاشترى بأكثر من ثمن المثل أو بأكثر مما قدره له" لم يصح لأنه تصرف غيرمأذون فيه وهذا إذا كان مما يتغابن الناس بمثله ذكره في الشرح وهذا يشكل بما سبق والمذهب فيه كما قدمه في المحرر وجزم به في الوجيز أنه يصح ويضمن الزيادة هو ومضارب
"أو وكله في بيع شيء فباع نصف لم يصح" لأنه بيع غيرمأذون فيه ولما فيه من الضرر أشبه ما لو وكله في شراء شيء فاشترى بعضه ومحله ما إذا باعه بدون ثمن المثل فلو باعه بثمن جميعه صح ذكره في المغني والشرح والوجيز وعلى الأول ما لم يبع الباقي أو يكن عبيدا أو صبرة ونحوها فيصح مفرقا ما لم يأمره ببيعه صفقة واحدة
"وإن اشتراه بما قدره له مؤجلا" صح في الأصح لأنه زاده خيرا وقيل: إن لم يتضرر وقيل: لا يصح للمخالفة "أو قال اشتر لي شاة بدينار فاشترى له شاتين تساوي إحداهما دينارا أو اشترى له شاة تساوي دينارا بأقل منه صح" لما روى أحمد عن سفيان عن شبيب هو ابن غرقدة سمع الحي

وإلا فلا.
ـــــــ
يخبرون عن عروة بن الجعد: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معه بدينار يشتري له به أضحيه وقال مرة أو شاة فاشترى له اثنتين فباع واحدة بدينار وأتاه بالأخرى فدعا له بالبركة فكان لو اشترى التراب لربح فيه
وفي رواية: قال: هذا ديناركم وهذه شاتكم قال: "كيف صنعت؟!" فذكره ورواه البخاري في ضمن حديث متصل لعروة حدثنا علي بن عبد الله ثنا سفيان
ولأنه حصل له المأذون فيه وزيادة وفي الأخيرة حصل المقصود وزيادة لأنه مأذون فيه عرفا فإن من رضي بشراء شيء بدينار يرضى بأقل منه وكذا إذا اشترى شاتين كل منهما تساوي دينارا وفيه رواية في المبهج كفضولي وإن أبقى ما يساويه ففي بيع الآخر بغير إذن الموكل وجهان أحدهما: لا يجوز لأنه غيرمأذون فيه أشبه بيع الشاتين
والثاني: وهو ظاهر كلام أحمد الجواز لظاهر الخبر "وإلا فلا" يصح إذا كانت كل منهما تساوي أقل من دينار لأنه لم يحصل له المقصود فلم يقع البيع له لكونه غيرمأذون فيه لفظا ولا عرفا وكذا الشاة الموكل في شرائها بدينار تساوي أقل منه لما ذكرنا
وفي عيون المسائل إن ساوى كل منهما نصف دينار صح للموكل لا للوكيل وإن كان كل واحدة لا تساوي نصف دينار فروايتان إحداهما يصح ويقف على إجازة الموكل لخبر عروة
تنبيه: إذا وكله في شراء معين بمائة فاشتراه بدونها جاز ما لم ينهه عن الشراء بأقل منها لمخالفة قوله ونصه وإن قال اشتره بها ولا تشتره بخمسين جاز له شراؤه بما فوق الخمسين فإن اشتراه بما دون الخمسين جاز في وجه ومن وكل في شراء شيء معين بثمن معلوم فله شراؤه لنفسه بمثل ذلك الثمن وغيره
"وليس له شراء معيب" أي: لا يجوز له لأن الإطلاق يقتضي السلامة،

وليس له شراء معيب فإن وجد بما اشترى عيبا فله الرد فإن قال البائع موكلك قد رضي بالعيب فالقول قول الوكيل مع يمينه إنه لا يعلم ذلك
ـــــــ
ولذلك جاز له الرد به ومحله ما لم يعينه له موكله فإن فعل عالما بعيبه لزمه إن لم يرضه موكله ولم يرده وكذا لا يرده الموكل وحكاه في الحاشية قولا وفيه نظر فإن اشتراه بعين المال لم يصح على المذهب
"فإن وجد بما اشترى عيبا" أي: جهل عيبه "فله الرد" لأنه قائم مقام الموكل وله أيضا الرد لأنه ملكه فإن حضر قبل رد الوكيل ورضي بالعيب لم يكن للوكيل رده لأن الحق له بخلاف المضارب لأن له حقا فلا يسقط برضى غيره فإن طلب البائع الإمهال حتى يحضر الموكل لم يلزمه ذلك لأنه لم يأمن فوات الرد فإن أخره بناء على قول فلم يرض به الموكل فله الرد وإن قلنا: هو على الفور لأنه أخره بإذن البائع وإن أنكر البائع أن الشراء وقع له لزم الوكيل وقيل: الموكل وله أرشه
وذكر الأزجي إن جهل عيبه وقد اشترى بعين المال فهل يقع عن الموكل؟ فيه خلاف
"فإن قال البائع موكلك قد رضي بالعيب فالقول قول الوكيل مع يمينه" لأنه منكر والقول قوله معها لأن الأصل عدم الرضى فلا يقبل إلا ببينة فإن لم يقمها لم يستحلف الوكيل إلا أن يدعي علمه فيحلف على نفي العلم ذكره في الشرح
"إنه لا يعلم ذلك" أي: لا يعلم رضى موكله لأنه يجوز أن يعلم رضاه وهو مسقط للردة وإنما كانت على النفي لأنها على فعل الغير فإذا حلف أخذ حقه في الحال وقيل: يقف على حلف موكله إن طلبه الخصم وكذا قول كل غريم لوكيل غائب في قبض حقه أبرأني موكلك أو قبضه ويحكم ببينة إن حكم على غائب
"فإن رده فصدق الموكل البائع في الرضى بالعيب فهل يصح الرد؟ على

فإن رده فصدق الموكل البائع في الرضى بالعيب فهل يصح الرد على وجهين وإن وكله في شراء معين فاشتراه ووجده معيبا فهل له رده قبل إعلام الموكل على وجهين فإن قال اشتر لي بعين هذا الثمن فاشترى له في ذمته لم يلزم الموكل فإن قال اشتر لي في ذمتك وانقد الثمن فاشترى بعينه صح ولزم الموكل،
ـــــــ
وجهين" كذا في الشرح والفروع أشهرهما لا يصح الرد وهو باق للموكل لأن رضى الموكل بالعيب عزل للوكيل عن الرد ومنع له بدليل أن الوكيل لو علمه لم يكن له الرد فعلى هذا للموكل استرجاعه وللبائع رده عليه
والثاني: يصح بناء على أن الوكيل لا ينعزل قبل العلم بعزله فيكون الرد صادف ولاية فعلى هذا يجدد الموكل العقد
"وإن وكله في شراء معين فاشتراه ووجده معيبا فهل له رده قبل إعلام الموكل؟ على وجهين" كذا في الفروع أحدهما: له ذلك لأن الأمر يقتضي السلامة أشبه ما لو وكله في شراء موصوف
والثاني: وهو الأشهر: لا لأن الموكل قطع نظره بالتعيين فربما رضيه بجميع صفاته وعلى الأول المعين وإن علم عيبه قبل شرائه فهل له شراؤه فيه وجهان مبنيان على رده إذا علم عيبه بعد شرائه والمقدم له شراؤه
"فإن قال: اشتر لي بعين هذا الثمن فاشترى له في ذمته لم يلزم الموكل" لأن الثمن إذا تعين انفسخ العقد بتلفه أو كونه مغصوبا ولم يلزمه ثمن في ذمته وهذا غرض صحيح للموكل فلم تجز مخالفته
وظاهره: ولو نقد المعين ويقع الشراء للوكيل وهل يقف على إجازة الموكل فيه الروايتان "فإن قال: اشتر لي في ذمتك وانقد الثمن فاشترى بعينه صح ولزم الموكل" ذكره أصحابنا لأنه أذن له في عقد يلزمه به الثمن مع بقاء الدراهم وتلفها فكان إذنا في عقد لا يلزمه الثمن إلا مع بقائها.

وإن أمره ببيعه في سوق بثمن فباعه به في آخر صح وإن قال بعه لزيد فباعه من غيره لم يصح.
ـــــــ
وقيل: إن رضي به وإلا بطل وقيل: لا يصح لأنه قد يكون له غرض في الشراء في الذمة لشبهة فيها أو يختار وقوع عقد لا ينفسخ بتلفها ولا تبطل بتحريمها فلم يجز مخالفة غرضه لصحته وإن أطلق جاز وليس له العقد مع فقير وقاطع طريق إلا أن يأمره نقله الأثرم
"وإن أمره ببيعه في سوق بثمن فباعه به في آخر صح" لأن القصد البيع بما قدره له وقد حصل كالإجارة وغيرها هذا إذا كان هو وغيره سواء فإن كان له غرض صحيح تعين كما لو كان السوق معروفا بجودة النقد أو كثرة الثمن أو حله أو صلاح أهله
"وإن قال بعه لزيد فباعه من غيره لم يصح" بغير خلاف نعلمه لأنه قد يقصد نفعه فلا تجوز مخالفته
وفي المغني والشرح إلا أن يعلم بقرينة أو صريح أنه لا غرض له في عين المشتري
قاعدة: حقوق العقد وهي تسليم الثمن وقبض المبيع والرد بالعيب وضمان الدرك يتعلق بالموكل لأنه لا يعتق قريب وكيل عليه وقال أبو حنيفة يدخل في ملك الوكيل ثم ينتقل عنه إلى الموكل ورد بأنه قبل عقدا لغيره فوجب أن ينتقل الملك إليه كالأب والوصي وكما لو تزوج له
ويتفرع: عليهما: لو وكل مسلم ذميا في شراء خمر فاشتراه له لم يصح على الأول لا الثاني: وإذا باع الوكيل بثمن معين ثبت الملك للموكل في الثمن وإن كان في الذمة فللموكل والوكيل المطالبة به وعنده ليس للموكل المطالبة به
وفي المغني والشرح إن اشترى وكيل في شراء في الذمة فكضامن وقال الشيخ تقي الدين فيمن وكل في بيع أو استئجار فإن لم يتم موكله في العقد فضامن وإلا فروايتان وظاهر المذهب يضمنه ولو وكل رجلا

وإن وكله في بيع شيء ملك تسليمه ولم يملك قبض ثمنه صح إلا بقرينة فإن تعذر قبضه لم يلزم الوكيل شيء وإن وكله في بيع فاسد أو كل قليل وكثير لم يصح،
ـــــــ
يستسلف له ألفا في كر حنطة ففعل ملك الموكل ثمنها والوكيل ضامن
"وإن وكله في بيع شيء ملك تسليمه" لأن إطلاق الوكالة في البيع يقتضي التسليم لكونه من تمامه "ولم يملك قبض ثمنه" كذا أطلقه الأكثر لأنه قد يوكل في البيع من لا يأمنه على قبض الثمن والمذهب عند الشيخين أنه يقيد "إلا بقرينة" فعلى هذا إن كانت قرينة الحال تدل على القبض مثل توكيله في بيع شيء في سوق غائب عن الموكل أو بموضع يضيع الثمن بترك قبض الوكيل له كان إذنا في قبضه فإن تركه ضمنه لأنه يعد مفرطا
وإن لم تدل القرينة على ذلك لم يكن له قبضه وقيل: يملكه مطلقا لأنه من موجب البيع فملكه كتسليم المبيع فلا يسلمه قبله فإن فعل ضمنه وعلى الأول "فإن تعذر قبضه لم يلزم الوكيل شيء" كظهور مبيعه مستحقا أو معيبا كحاكم وأمينه ولأنه ليس بمفرط فيه لكونه لا يملكه
تنبيه: وكله في شراء شيء ملك تسليم ثمنه لأنه من تتمته وحقوقه كتسليم المبيع فإن اشترى عبدا فنقد ثمنه فخرج مستحقا فهل يملك أن يخاصم البائع في الثمن على وجهين. وإن اشترى شيئا وقبضه وأخر تسليم ثمنه لغير عذر فهلك في يده ضمنه نص عليه وليس لوكيل في بيع تقليبه على مشتر إلا بحضرته وإلا ضمن ذكره في النوادر ويتوجه العرف ولا بيعه ببلد آخر في الأصح فيضمن ويصح ومع مؤنة نقل لا ذكره في الانتصار
"وإن وكله في بيع فاسد" أي: لم يصح ولم يملكه لأن الله تعالى: لم يأذن فيه ولأن الموكل لا يملكه فوكيله كذلك وأولى وكشرطه على وكيل في بيع أن لا يسلمه المبيع "أو كل قليل وكثير لم يصح" ذكره الأزجي اتفاق الأصحاب لأنه يدخل فيه كل شيء من هبة ماله وطلاق نسائه وإعتاق رقيقه فيعظم الغرر

وإن وكله في بيع ماله كله صح وإن قال اشتر لي ما شئت أو عبدا بما شئت لم يصح حتى يذكر النوع وقدر الثمن وعنه: ما يدل على أنه يصح وإن وكله في الخصومة لم يكن وكيلا في القبض.
ـــــــ
والضرر ولأن التوكيل لا بد وأن يكون في تصرف معلوم
ومثله: وكلتك في شراء ما شئت من المتاع الفلاني فلو قال وكلتك بما إلي من التصرفات فاحتمالان وقيل: يصح في كل قليل وكثير كبيع ماله أو المطالبة بحقوقه أو الإبراء أو ما شاء منه يؤيده قول المروذي بعث بي أبو عبد الله في حاجة وقال كل شيء تقول على لساني فأنا قلته
"وإن وكله في بيع ماله كله صح" لأنه يعرف ماله فيقل الغرر وذكر الأزجي في بع من عبيدي من شئت أن من للتبعيض فلا يبيعهم إلا واحدا ولا الكل لاستعمال هذا في الأقل غالبا وقال هذا ينبني على أصل وهو استثناء الأكثر وفيه نظر "وإن قال اشتر لي ما شئت أو عبدا بما شئت لم يصح" لأن ما يمكن شراؤه والشراء به يكثر فيكثر فيه الغرر
"حتى يذكر النوع" وعليه اقتصر القاضي لأنه إذا ذكر نوعا فقد أذن في أغلاه ثمنا فيقل الغرر فيه "وقدر الثمن" وهو رواية لانتفاء الغرر فمن اعتبره جوز أن يذكر أكثر الثمن وأقله وحكاه في الفروع قولا واقتصر عليه في الشرح وصريح كلامه أنه لا بد للصحة من اعتبار الأمرين وقاله أبو الخطاب
"وعنه: ما يدل على أنه يصح" فإنه روي عنه فيمن قال ما اشتريت من شيء فهو بيننا أن هذا جائز وأعجبه وهذا توكيل في شراء كل شيء لأنه إذن في التصرف فجاز من غيرتعيين كالإذن في التجارة وكما لو قال بع من مالي ما شئت والإطلاق يقتضي شراء عبد مسلم عند ابن عقيل لجعله الكفر عيبا
"وإن وكله في الخصومة لم يكن وكيلا في القبض" لأن الإذن لم يتناوله نطقا ولا عرفا لأنه قد يرضى للخصومة من لا يرضاه للقبض إذ معنى الوكالة في الخصومة الوكالة في إثبات الحق وذكر ابن البنا في تعليقه: أنه وكيل في

وإن وكله في القبض كان وكيلا في الخصومة في أحد الوجهين وإن وكله في قبض الحق من إنسان لم يكن له قبضه من وارثه،
ـــــــ
القبض لأنه مأمور فتكون الخصومة ولا تنقطع إلا به وعلم منه جواز التوكيل في الخصومة. وذكر القاضي في قوله تعالى: {وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً} [النساء:105] أنه لا يجوز لأحد أن يخاصم عن غيره في إثبات حق أو نفيه وهو غيرعالم بحقيقة أمره وفي المغني في الصلح نحوه. ولا يصح ممن علم ظلم موكله في الخصومة قاله في الفنون فظاهره يصح إذا لم يعلم فلو ظن ظلمه جاز ويتوجه المنع ومع الشك احتمالان
وعلى ما ذكره لا يقبل إقراره على موكله بقبض ولا غيره نص عليه ويقبل إقراره بعيب فيما باعه واختار جماعة لا وله إثبات وكالته في غيبة موكله في الأصح وإن قال أجب خصمي عني احتمل لخصومة واحتمل بطلانها ذكره في الفروع
"وإن وكله في القبض كان وكيلا في الخصومة في أحد الوجهين" جزم به في الوجيز وهو المذهب لأنه لا يتوصل إلى القبض إلا بالتثبت فكان إذنا فيه عرفا لأن القبض لا يتم إلا به فملكه كما لو وكله في شراء شيء ملك تسليم ثمنه
والثاني: لا يملكها لأنهما معنيان مختلفان فالوكيل في أحدهما لا يكون وكيلا في الآخر وكعكسه وأطلق في المحرر والفروع الخلاف وقيل: إن كان الموكل عالما بجحد من عليه الحق أو مطله كان توكيلا في الخصومة لوقوف القبض عليه وعلى الجواز لا فرق بين كون الحق عينا أو دينا
"وإن وكله في قبض الحق من إنسان لم يكن له قبضه من وارثه" لأنه لم يؤمر بذلك ولا يقتضيه العرف ومقتضاه أن له قبضه من وكيله وهو كذلك لأنه قائم مقامه
فإن قلت: فالوارث نائب عن الموروث فهو كالوكيل وجوابه أن الوكيل

وإن قال: اقبض حقي الذي قبله فله القبض من وارثه وإن قال اقبضه اليوم لم يملك قبضه غدا وإن وكله في الإيداع فأودع ولم يشهد لم يضمن وإن وكله في قضاء دين فقضاه ولم يشهد فأنكره الغريم ضمن إلا أن يقضيه بحضرة الموكل.
ـــــــ
إذا دفع بإذنه جرى مجرى تسليمه وليس الوارث كذلك فإن الحق انتقل إليهم واستحقت المطالبة عليهم لا بطريق النيابة عن الموروث ولهذا لو حلف لا يفعل شيئا حنث بفعل وكيله دون مورثه
"وإن قال: اقبض حقي الذي قبله" أو عليه "فله القبض من وارثه" لأن الوكالة اقتضت قبض حقه مطلقا فشمل القبض من الوارث لأنه من حقه "وإن قال: اقبضه اليوم لم يملك قبضه غدا" لتقييدها بزمان معين لأنه قد يختص غرضه في زمن حاجته إليه "وإن وكله في الإيداع فأودع ولم يشهد لم يضمن" إذا أنكر المودع نقله الأصحاب لعدم الفائدة في الإشهاد إذ المودع يقبل قوله في الرد والتلف فلم يكن مفرطا في عدم الإشهاد
وفيه وجه وذكره القاضي رواية أنه يضمن لأن الوديعة لا تثبت إلا ببينة فهو كما لو وكله في قضاء دين وبأن الفائدة في الإشهاد هو ثبوت الوديعة فلو مات أخذت من تركته فإن قال الوكيل دفعت المال إلى المودع فأنكر قبل قول الوكيل لأنهما اختلفا في تصرفه فيما وكل فيه
"وإن وكله في قضاء دين فقضاه ولم يشهد فأنكره الغريم ضمن" الوكيل لأنه مفرط حيث لم يشهد قال القاضي سواء صدقه أو كذبه لأنه إنما أذن في قضاء مبرئ ولم يوجد
"إلا أن يقضيه بحضرة الموكل" فإنه لا يضمن على الأصح لأن حضوره قرينة رضاه بالدفع بغير بينة وقيل: لا يضمن بناء على أن الساكت لا ينسب إليه قول
وعنه: لا يرجع بشيء إلا أن يكون أمر بالإشهاد فلم يفعل قدمه في الفروع لتفريطه فعليها إن صدقه الموكل في الدفع لم يرجع عليه بشيء وإن كذبه قبل قول الوكيل مع يمينه لأنه ادعى فعل ما أمره به موكله.

فصل
والوكيل أمين لا ضمان عليه فيما تلف في يده من غير تفريط والقول قوله مع يمينه في الهلاك ونفي التفريط،
ـــــــ
وعنه: لا يضمن مطلقا اختاره ابن عقيل كقضائه بحضرته وعلى اعتبارها إذا اشهد عدولا فماتوا أو غابوا فلا ضمان لعدم تفريطه وإن أشهد بينة فيها خلاف فوجهان
وقال ابن حمدان: إن كان لموكله الامتناع من الوفاء بدون الإشهاد لزم الوكيل الإشهاد فإن تركه ضمن وإن لم يكن لموكله الامتناع لم يلزمه ولا ضمان بتركه فإن قال أشهدت فماتوا أو أذنت فيه بلا بينة أو قضيت بحضرتك صدق الموكل للأصل ويتوجه في الأولى: لا وان في الثانية: الخلاف كما هو ظاهر كلام بعضهم ذكره في الفروع.
فصل
"والوكيل أمين لا ضمان عليه فيما تلف في يده بغير تفريط" لأنه نائب المالك في اليد والتصرف فكان الهلاك في يده كالهلاك في يد المالك كالمودع وكذا حكم كل من في يده شيء لغيره على سبيل الأمانة كالوصي ونحوه وظاهره: سواء كان بجعل أولا وأنه لا فرق بين تلف العين الموكل فيها أو تلف ثمنها لأنه أمين
وظاهره: أنه يضمن إن فرط بأن لا يحفظ ذلك في حرز مثلها وفي المغني أو يركب الدابة أو يلبس الثوب أو يطلب منه المال فيمتنع من دفعه لغير عذر لأن التعدي أبلغ من التفريط. "والقول قوله مع يمينه في الهلاك ونفي التفريط" أي: إذا ادعى الموكل عليه ما يقتضي الضمان لأنه أمين والأصل براءة ذمته مما يدعى عليه ولو كلف إقامة البينة على ذلك لامتنع الناس من الدخول في الأمانات مع دعوى الحاجة إليها.

ولو قال بعت الثوب وقبضت الثمن فتلف فالقول قوله وإن اختلفا في رده إلى الموكل فالقول قوله إن كان متطوعا وإن كان بجعل فعلى وجهين وكذلك يخرج في الأجير والمرتهن.
ـــــــ
والمذهب أنه إذا ادعى التلف بأمر ظاهر كحريق عام ونهب جيش كلف إقامة البينة عليه ثم يقبل قوله فيه
"ولو قال بعت الثوب وقبضت الثمن فتلف فالقول قوله" ذكره ابن حامد لأنه يملك البيع والقبض فقبل قوله فيهما كالولي المجبر ولأنه أمين ويتعذر إقامة البينة على ذلك فلا يكلفها كالمودع وقيل: لا يقبل قوله لأنه يقر بحق لغيره على موكله فلم يقبل كما لو أقر بدين عليه
فرع: وكله في شراء شيء فاشتراه واختلفا في قدر ثمنه قبل قول الوكيل وقال القاضي: يقبل قول الموكل إلا أن يكون عين له الشراء بما ادعاه فقال اشتر لي عبدا بألف فادعى أنه اشتراه بها قبل قوله وإلا فالموكل لأن من قبل قوله في أصل شيء قبل في صفته
"وإن اختلفا في رده" سواء كان العين أو ثمنها "إلى الموكل فالقول قوله إن كان متطوعا" قولا واحدا قاله في المحرر لأنه قبض المال لنفع مالكه فقط فقبل قوله فيه كالوصي والمودع وقيل: لا وجزم به ابن الجوزي في قوله تعالى: {فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} [النساء:6] الآية ولم يخالفه وعلى الأول يقبل مع يمينه
وفي التذكرة ان من قبل قوله من الأمناء لم يحلف والتلف كالرد "وإن كان بجعل فعلى وجهين" أشهرهما أنه لا يقبل إلا ببينة لأنه قبض المال لنفع نفسه فلم يقبل قوله في ذلك كالمستعير والثاني: بلى لأنه أمين
"وكذلك يخرج في الأجير والمرتهن" لاشتراك الكل في قبض العين لمنفعة القابض ونص أحمد في المضارب أنه لا يقبل قوله كالمستعير فلو أنكر الوكيل قبض المال ثم ثبت فادعى الرد أو التلف لم يقبل لثبوت خيانته بجحده ولو أقام به بينة في وجه لأنه مكذب لها.

ـــــــ
والثاني: يقبل لأنه يدعي ذلك قبل وجود خيانته
مسألة: كل أمين قبل قوله في الرد وطلب منه فهل له تأخيره حتى يشهد عليه فيه وجهان إن قلنا: يحلف وإلا لم يؤخره لذلك وفيه احتمال ومن لا يقبل قوله في الرد كالمستعير ولا حجة عليه بالأخذ لم يؤخر رده للإشهاد عليه وقال ابن حمدان بلى كما لو أخذه وفي ذمته مال لزيد أو في يده لم يلزمه دفعه إلى وكيله حتى يشهد عليه بقبضه
ومن عليه دين بحجة لم يلزمه دفعه إلى ربه إلا ببينة تشهد عليه بقبضه
فرع: إذا تلف ما وكل في بيعه أو الشراء به بتعد أو تفريط أو أتلفه هو أو غيره لم يتصرف في بدله بحال وإن وزن من ماله بدل الثمن واشترى بعينه لموكله ما أمره به لم يصح وكذا إن اشتراه في نعته ثم نقده وعنه: هو موقوف على إجازة موكله
"وإن قال: أذنت لي في البيع نساء وفي الشراء بخمسة" أو قال: وكلتك في بيع هذا العبد قال بل في بيع الأمة "فانكره فعلى وجهين" المذهب أنه يقبل قول الوكيل ونص عليه في المضارب لأنه أمين في التصرف فقبل قوله كالخياط
والثاني: وقاله القاضي وجزم به في الوجيز يقبل قول المالك لأنه يقبل قوله في أصل الوكالة فكذا في صفتها فعليه لو قال اشتريت لك هذه الجارية فقال إنما أذنت في شراء غيرها قبل قول المالك مع يمينه فإذا حلف برئ من الشراء ثم إن كان الشراء وقع بعين المال فهو باطل وترد الجارية إلى بائعها إن صدقه وإن كذبه ان الشراء لغيره أو بمال غيره صدق البائع لأن الظاهر أن ما في يد الإنسان له
فإن ادعى الوكيل علمه بذلك حلف أنه لا يعلم ولزم الوكيل غرامة الثمن للموكل ودفع الثمن للبائع وتبقى الجارية في يده لا تحل له لأنه إن كان صادقا فهي للموكل وإن كان كاذبا فهي للبائع فإن أراد حلها اشتراها ممن

وإن قال اذنت له في البيع نساء وفي الشراء بخمسة فأنكره فعلى وجهين وإن قال وكلتني أن أتزوج لك فلانة ففعلت وصدقته المرأة فأنكر فالقول قول المنكر بغير يمين وهل يلزم الوكيل نصف الصداق على وجهين
ـــــــ
هي له في الباطن فإن امتنع رفع الأمر إلى الحاكم ليرفق به لبيعه اياها ليثبت له الملك ظاهرا وباطنا ويصير ما ثبت له في ذمته قصاصا بالذي أخذ منه الآخر ظلما فإن امتنع لم يجبر لأنه عقد مراضاة ذكره في المغني والشرح
وإن قال بعتكها إن كانت لي أو إن كنت أذنت لك في شرائها بكذا فقال القاضي لا يصح لتعليقه على شرط وقيل: بلى لأن هذا أمر واقع يعلمان وجوده فلا يضر جعله شرطا كبعتك هذه الأمة إن كانت أمة
فرع: إذا قبض الوكيل الثمن فهو أمانة في يده لا يلزمه تسليمه قبل طلبه ولا يضمنه بتأخيره فإن طلبه فأخر الرد مع إمكانه فتلف ضمنه فإن وعده رده ثم ادعى أنه كان رده أو تلف فإن صدقه الموكل فظاهر وإن كذبه لم يقبل وإن أقام به بينة فوجهان
"وإن قال وكلتني أن أتزوج لك فلانة ففعلت وصدقته المرأة فأنكر فالقول قول المنكر" لأنهما اختلفا في أصل الوكالة فقبل قول الموكل إذ الأصل عدمها ولم يثبت أنه أمينه فقبل قوله عليه "بغير يمين" نص عليه لأن الوكيل يدعي حقا لغيره
ومقتضاه أنه يستحلف إذا ادعته المرأة صرح به في المغني والشرح والوجيز لأنها تدعي الصداق في ذمته فإذا حلف لم يلزمه شيء
"وهل يلزم الوكيل نصف الصداق على وجهين" وذكر غيره روايتين أصحهما لا يلزمه شيء لتعلق حقوق العقد بالموكل وهذا ما لم يضمنه فإن ضمنه فلها الرجوع عليه بنصفه لضمانه عنه
والثاني: يلزمه نصف الصداق لأنه ضامن للثمن في البيع وللبائع مطالبته فكذا هنا ولأنه فرط حيث لم يشهد على الزوج بالعقد والصداق والأول أولى،

ويجوز التوكيل بجعل وبغيره فلو قال بع ثوبي بعشرة فما زاد فلك صح.
ـــــــ
ويفارق الشراء لأن الثمن مقصود للبائع والعادة تعجيله بخلاف النكاح قاله في المغني والشرح ويلزم الموكل طلاقها في المنصوص لإزالة الاحتمال
وقيل: لا لأنه لم يثبت في حقه نكاح ولو مات أحدهما لم يرثه الآخر لأنه لم يثبت صداقها فترثه وهو منكر أنها زوجته فلا يرثها
تنبيه: قد علم مما سبق أنه إذا صدق على الوكالة فيقبل قول الوكيل وكذا في كل تصرف وكل فيه وهو المذهب لأنه مأذون له أمين قادر على الإنشاء وهو أعرف
وعنه: يقبل قول موكله في النكاح لأنه لا تتعذر إقامة البينة عليه لكونه لا ينعقد إلا بها ذكره القاضي وغيره كأصل الوكالة
"ويجوز التوكيل بجعل" أي: معلوم لأنه عليه السلام كان يبعث عماله لقبض الصدقات ويجعل لهم على ذلك جعلا ولأنه تصرف لغيره لا يلزمه فهو كرد الآبق وظاهره: أنه يستحق الجعل بالبيع مثلا قبل قبض الثمن جزم به في المغني والشرح ما لم يشرطه عليه ويستحقه ببيعه نساء إن صح
وفي الفروع هل يستحقه قبل تسليم ثمنه يتوجه الخلاف فإن كان الجعل مجهولا فسدت ويصح تصرفه بالإذن وله أجر مثله
"وبغيره" أي: بغير جعل بغير خلاف نعلمه لأنه عليه السلام وكل أنيسا في إقامة الحد وعروة في الشراء بغير جعل
"فلو قال بع ثوبي بعشرة فما زاد فلك صح" نص عليه روي عن ابن عباس رواه سعيد بإسناد جيد ولم نعرف له في عصره مخالفا فكان كالإجماع وكرهه الثوري وفاقا لأبي حنيفة والشافعي لأنه أجر مجهول يحتمل الوجود والعدم.

فصل
وإن كان عليه حق لإنسان فادعى رجل أنه وكيل صاحبه في قبضه فصدقه لم يلزمه الدفع إليه وإن كذبه لم يستحلف وإن دفعه إليه فأنكر صاحب الحق الوكالة حلف ورجع على الدافع وحده وإن كان المدفوع وديعة فوجدها أخذها وإن تلفت فله تضمين من شاء منهما ولا يرجع من ضمنه على الآخر.
ـــــــ
ورد بأنها عين تنمي بالعمل عليها فهو كدفع ماله مضاربة وبه علل أحمد فعلى هذا إن باعه بزيادة فهي له وإن باعه بما عينه فلا شيء له لأنه جعل له الزيادة وهي معدومة فهو كالمضارب إذا لم يربح.
فصل
"وإن كان عليه حق لإنسان فادعى رجل أنه وكيل صاحبه في قبضه فصدقه لم يلزمه الدفع إليه" لأن عليه فيه منعه لجواز أن ينكر الموكل الوكالة فيستحق الرجوع عليه اللهم إلا أن تقوم به بينة وسواء كان الحق في ذمته أو وديعة عنده
"وإن كذبه لم يستحلف" لعدم فائدة استحلافه وهو الحكم عليه بالنكول "وإن دفعه إليه فأنكر صاحب الحق الوكالة حلف" أي: الموكل لأنه يحتمل صدق الوكيل فيها "ورجع على الدافع وحده" لأن حقه في ذمته ولم يبرأ منه بتسليمه إلى غير وكيله ويرجع الدافع على الوكيل مع بقائه أو تعديه وظاهره: أنه إذا صدق الوكيل برئ الدافع "وإن كان المدفوع وديعة فوجدها" صاحبها "أخذها" لأنها عين حقه
"وإن تلفت فله تضمين من شاء منهما" أي: من الدافع والقابض لأن الدافع ضمنها بالدفع والقابض قبض مالا يستحقه "ولا يرجع من ضمنه على الآخر" لأن كل واحد منهما يدعي أن ما يأخذه المالك ظلم ويقر بأنه لم يوجد من صاحبه تعد فلا يرجع على صاحبه بظلم غيره إلا أن يكون الدافع

وإن كان ادعى أن صاحب الحق أحاله به ففي وجوب الدفع إليه مع التصديق واليمين مع الإنكار وجهان وإن ادعى أنه مات وأنا وارثه لزمه الدفع إليه مع التصديق واليمين مع الإنكار.
ـــــــ
دفعها إلى الوكيل من غير تصديق فيرجع على الوكيل ذكره الشيخ تقي الدين وفاقا لكونه لم يقر بوكالته ولم يثبت ببينة
قال ومجرد التسليم ليس تصديقا ثم قال وإن صدقه ضمن في أحد القولين في مذهب أحمد بل نصه لأنه متى لم يتبين صدقه فقد غره نقل مهنا فيمن بعث إلى من عنده دنانير أو ثياب يأخذ دينارا أو ثوبا فأخذ أكثر فالضمان على الباعث يعني الذي أعطاه ويرجع هو بالزيادة على الرسول وهو ظاهر كلام أبي بكر
"وإن كان ادعى أن صاحب الحق أحاله به ففي وجوب الدفع إليه مع التصديق واليمين مع الإنكار وجهان" كذا في المحرر أحدهما وهو الأولى: والأشبه أنه لا يلزمه ذلك لأن الدفع إليه غيرمبرئ لاحتمال أن ينكر المحيل الحوالة فهو كدعوى الوكالة والوصية
والثاني: يلزمه الدفع إليه لأنه معترف أن الحق انتقل إليه أشبه الوارث ورد بأن وجوب الدفع إلى الوارث كونه مستحقا والدفع إليه مبرئ بخلافه هنا فإلحاقه بالوكيل أولى ووجوب اليمين مع الإنكار وعدمه مخرج على وجوب الدفع مع التصديق ولهذا عطفه عليه
وتقبل بينة المحال عليه على المحيل فلا يطالبه وتعاد لغائب محتال بعد دعواه فيقضي بها له إذن
"وإن ادعى أنه مات وأنا وارثه لزمه الدفع إليه مع التصديق" لأنه لا وارث له سواه بغير خلاف نعلمه لأنه مقر له بالحق وأنه يبرأ بهذا الدفع فلزمه كما لو جاء صاحب الحق "واليمين مع الإنكار" أي: على نفي العلم لأنها على نفي فعل الغير وإنما لزمته هنا لأن من لزمه الدفع مع الإقرار لزمه اليمين مع الإنكار كسائر الحقوق المالية.

ـــــــ
مسائل
الأولى: قال أحمد: إذا دفع إلى رجل ثوبا ليبيعه فوهب له المشتري منديلا فالمنديل لصاحب الثوب.
وقال في رجل وكل آخر في اقتضاء دين وغاب فأخذ الوكيل به رهنا فتلف الرهن في يد الوكيل أساء في أخذه ولا ضمان عليه.
وقال في رجل أعطى آخر دراهم يشتري بها شيئا فخلطها بدراهمه فضاعا فلا شيء عليه وقال القاضي: إن خلطها بما لا يتميز ضمنها إن كان بغير إذنه كالوديعة.
الثانية: الوكالة والعزل لا يثبت بخبر الواحد وقيل: بلى فعلى الأول إن أخبر بتوكيل وظن صدقه تصرف بشرط الضمان إن أنكر الموكل وقال الأزجي إذا تصرف بناء على هذا الخبر فهل يضمن فيه وجهان.
الثالثة: إذا شهد بها اثنان ثم قال أحدهما عزله لم تثبت وكالته ويتوجه بلى كقوله بعد الحكم بصحتها وكقول واحد غيرهما فلو قالا عزله ثبت العزل ولو أقاما الشهادة حسبة بلا دعوى الوكيل فشهدا عند حاكم ان فلانا الغائب وكل هذا فإن اعترف أو قال ما علمت هذا وأنا أتصرف عنه ثبتت الوكالة وعكسه ما لم أعلم صدقه وإن أطلق طولب بالتفسير.

كتاب الشركة
باب الشركة
بسم الله الحمن الرحيم
كتاب الشركةوهي على خمسة أضرب احدها: شركة العنان وهي أن
ـــــــ
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الشركة
شركة بوزن نعمة وبوزن سرقة زاد بعضهم وبوزن تمرة وهي ثابتة بالإجماع وسنده قوله تعالى: {وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} [ص:24] و الخلطاء هم الشركاء ولقوله عليه السلام: "إن الله تعالى يقول أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خانه خرجت من بينهما" رواه أبو داود من حديث أبي هريرة ورواته ثقات
وهي عبارة عن الإجتماع في استحقاق أو تصرف فهي نوعان شركة أملاك وشركة عقود وهي المقصود هنا
"وهي على خمسة أضرب" ويعتبر لسائر أنواعها أن يكون جائز التصرف لأنه عقد على التصرف في المال فلم يصح من غير جائز التصرف في المال كالبيع
"أحدها: شركة العنان" سميت بذلك لأن الشريكين فيها يتساويان في المال والتصرف كالفارسين إذا سويا بين فرسيهما وتساويا في السير وقال الفراء هي مشتقة من عن الشيء إذا عرض يقال عنت لي حاجة إذا عرضت لأن كل منهما قد عن له أي: عرض له مشاركة صاحبه
وقيل: هي مأخوذة من عانه إذا عارضه فكل منهما عارض صاحبه بمثل ماله وعمله وقوله في الشرح إنه راجع إلى قول الفراء ليس بظاهر
"وهي" جائزة إجماعا ذكره ابن المنذر وإن اختلف في بعض شروطها "أن

يشترك اثنان بماليهما ليعملا فيه ببدنيهما وربحه لهما فينفذ تصرف كل واحد منهما فيهما بحكم الملك في نصيبه والوكالة في نصيب شريكه ولا تصح إلا بشرطين:
أحدهما: أن يكون رأس المال دراهم أو دنانير.
ـــــــ
يشترك اثنان" فما فوقهما سواء كانا مسلمين أو أحدهما ولا تكره مشاركة كتابي إن ولي المسلم التصرف نص عليه لنهيه عليه السلام عن مشاركة اليهودي والنصراني إلا أن يكون الشراء والبيع بيد المسلم رواه الخلال بإسناده عن عطاء وكرهه الأزجي وروي عن ابن عباس ولم نعرف له في الصحابة مخالفا ولأن أموالهم ليست بطيبة فإنهم يبيعون الخمر ويتبايعون بالربا وكالمجوس نص عليه "بماليهما" المعلومين سواء كان المالان متساويين قدرا وجنسا وصفة أولا ويعتبر حضور ماليهما لتقرير العمل وتحقيق الشركة إذن كمضاربة نص عليه
ولو اشتركا في مختلط بينهما شائعا صح إن علما قدر ما لكل منهما وهذا القيد أخرج المضاربة لأن المال فيها من جانب والعمل من آخر بخلافها لكونها تجمع مالا وعملا من كل جانب بدليل قوله: "ليعملا فيه ببدنيهما" والأصح أو أحدهما لكن بشرط أن يكون له أكثر من ربح ماله وبقدره إبضاع وبدونه لا يصح وفيه وجه "وربحه لهما" لانه نماء ملكهما وعملهما متساويا ومتفاضلا على ما شرطاه لأن الربح يستحق بالمال تارة وبالعمل أخرى كالمضارب
"فينفذ تصرف كل واحد منهما فيهما بحكم الملك في نصيبه" وهو ظاهر "والوكالة في نصيب شريكه" لأنه متصرف بجهة الإذن فهو كالوكالة ودل أن لفظ الشركة يغني عن إذن صريح في التصرف وهذا هو الأصح والمعمول به عند أصحابنا قاله في الفصول. "ولاتصح إلا بشرطين أحدهما: أن يكون رأس المال دراهم أو دنانير" فتصح بغير خلاف إذا كانت غيرمغشوشة لأنها قيم الأموال وأثمان

وعنه: تصح بالعروض ويجعل رأس المال قيمتها وقت العقد وهل تصح بالمغشوش والفلوس على وجهين.
ـــــــ
البياعات ولم يزل الناس يشتركون فيها في كل عصر من غير نكير فلا تصح بالعروض على المذهب لأن الشركة بها إما أن تقع على أعيانها أو على قيمتها أو على ثمنها وكل ذلك لا يجوز أما الأول فلأن العقد يقتضي الرجوع عند المفاضلة برأس المال ولا مثل له فيرجع به
واما الثاني: فلأن القيمة قد تزيد بحيث يستوعب جميع الربح وقد تنقص بحيث يشاركه الآخر في ثمن ملكه الذي ليس بربح مع أن القيمة غير متحققة المقدار فيفضي إلى التنازع. وأما الثالث: فلأن الثمن معدوم حال العقد ولا يملكانها لأنه إن أراد ثمنها الذي اشتراها به فقد خرج عن ملكه وصار للبائع وإن أراد ثمنها الذي يبيعها به فإنها تصير شركة معلقة على شرط وهي بيع الأعيان
"وعنه: تصح بالعروض" اختاره أبو بكر وأبو الخطاب وقدمه في المحرر لأن مقصود الشركة جواز تصرفهما في المالين جميعا وكون الربح بينهما وهذا يحصل في العروض من غير غرر كما يحصل في الأثمان
"ويجعل رأس المال قيمتها وقت العقد" ليتمكن العامل من رد رأس المال عند التفاضل كما أنا جعلنا نصاب زكاتها قيمتها وسواء كانت العروض من ذوات الأمثال كالحبوب أولا وفي الرعاية وعنه: يصح بكل عرض متقوم وقيل: مثلي
"وهل تصح بالمغشوش والفلوس على وجهين" كذا في المحرر وبناهما على القول بأنها لا تصح إلا بنقد وقيدهما في الفروع بالنافقتين وفي الترغيب في فلوس نافقة روايتان أحدهما: وهو المذهب انها لا تصح لأن المغشوش لا ينضبط غشه فلا يمكن رد مثله والفلوس تزيد قيمتها وتنقص أشبهت العروض ويستثنى منه الغش اليسير لمصلحته كحبة فضه في دينار ذكره في المغني

الثاني: أن يشترطا لكل واحد جزءا من الربح مشاعا معلوما فإن قالا الربح بيننا فهو بينهما نصفين فإن لم يذكرا الربح أو شرطا لاحدهما جزءا مجهولا
ـــــــ
والشرح لأنه لا يمكن التحرز منه.
والثاني: يصح لأن الغش يستهلك في المغشوش والفلوس بشبهة الثمن قال أحمد: لاأرى السلم في الفلوس لأنه يشبه الصرف وظاهره: لا فرق بين أن تكون كاسدة أو رابحة لانها إن كانت كاسدة كان رأس المال قيمتها كالعروض وإن كانت نافقة كان رأس المال مثلها وكذا المغشوش وفي ثالث إن كانت الفلوس نافقة جاز وإلا فلا لشبهها بالنقدين
"الثاني: أن يشترطا لكل واحد جزءا من الربح مشاعا معلوما" كالثلث و الربع لأن الربح مستحق لهما بحسب الاشتراط فلم يكن بد من اشتراطه كالمضاربة واشترط كونه مشاعا لأنه لو عين دراهم معلومة احتمل أن لا يربح غيرها فيأخذ جميع الربح واحتمل أن لا يربح فيأخذ من رأس المال جزءا وقد يربح كثيرا فيستضر من شرطت له واشترط كونه معلوما لان الجهل به يفضي إلى التنازع وهو بينهما على ما شرطاه لأن العمل يستحق به الربح كالمضاربة وقد يتفاضلان فيه لقوة حذقه
"فإن قالا: الربح بيننا فهو بينهما نصفين" لأنه أضافه إليهما إضافة واحدة من غيرترجيح فاقتضى التسوية كقوله هذه الدار بيني وبينك
"فإن لم يذكرا الربح" لم يصح كالمضاربة لأنه المقصود من الشركة فلا يجوز الإخلال به فعلى هذا يكون الربح بينهما على قدر المالين
"أو شرطا لأحدهما جزءا مجهولا" فكذلك لأن الجهالة تمنع تسليم الواجب ولأنه هو المقصود منها فلم يصح مع الجهالة كالثمن لكن لو قال لك مثل ما شرط لفلان وهما يعلمانه صح.

أو دراهم معلومة أو ربح أحد الثوبين لم يصح وكذلك الحكم في المساقاة والمزارعة ولا يشترط أن يخلطا المالين ولا أن يكونا من جنس واحد وما يشتريه كل واحد منهما بعد الشركة فهو بينهما.
ـــــــ
"أو دراهم معلومة" لم يصح لما ذكرنا ولأن العامل ينبغي أن تكون حصته معلومة بالقدر فإذا جهلت الأجزاء فسدت وكذا لو جعل لنفسه جزءا وعشرة دراهم وحكاه ابن المنذر في القراض إجماع من يحفظ عنه فيما إذا جعلا أو لأحدهما دراهم معلومة فلو قال لك نصف الربح إلا عشرة دراهم بطلت لزيادتها
"أو ربح أحد الثوبين" أو ربح أحدى السفرتين أو ربح تجارته في شهر أو عام بعينه "لم يصح" لأنه قد يربح في ذلك المعين دون غيره أو بالعكس فيختص أحدهما بالربح وهو مخالف لموضوع الشركة بغير خلاف نعلمه
"وكذلك الحكم في المساقاة والمزارعة" قياسا على الشركة "ولا يشترط أن يخلطا المالين" لأنه عقد يقصد به الربح فلم يشترط فيه ذلك كالمضاربة ولأنه عقد على التصرف فلم يشترط فيه الخلط كالوكالة "ولا أن يكونا من جنس واحد" نص عليه فيجوز لأحدهما أن يخرج دنانير والآخر دراهم لأنهما الأثمان فصحت الشركة فيهما كالجنس الواحد فإذا اقتسما رجع كل بماله ثم يقتسمان الفضل نص عليه وذكره عن محمد بن الحسن ولا يشترط تساويهما في القدر في قول الجمهور وقال القاضي: متى تفاضلا قوما المتاع بنقد البلد وقوما مال الآخر به ويكون التقويم حين صرفا الثمن فيه ورد بأنها شركة صحيحة رأس المال فيها الأثمان فيكون الرجوع بجنس رأس المال كما لو كان الجنس واحدا
"وما يشتريه كل واحد منهما بعد عقد الشركة فهو بينهما" لأن العقد وقع على ذلك ولأنه أمينه ووكيله وفي الشرح من شرط صحتها أن يأذن كل منهما لصاحبه في التصرف والأصح لا يشترط فإن اشتراه لنفسه فهو له؛

وإن تلف أحد المالين فهو من ضمانهما والوضعية على قدر المال.
فصل
ويجوز لكل واحد منهما أن يبيع ويشتري ويقبض ويقبض ويطالب بالدين ويخاصم فيه ويحيل ويحتال ويرد بالعيب.
ـــــــ
لأنه أعلم بنيته.
"وإن تلف أحد المالين فهو من ضمانهما" بعد الخلط إتفاقا وكذا قبله على الأشهر لأن العقد اقتضى أن يكون المالان كالمال الواحد فكذا في الضمان وكنمائه لصحة القسمة بالكلام كخرص ثمار فكذا الشركة احتج به أحمد قاله الشيخ تقي الدين وعنه: من ضمان صاحبه
"والوضيعة" أي: الخسران "على قدر المال" بالحساب لأنها عبارة عن نقصان رأس المال وهو مختص بالقدر فيكون النقص منه دون غيره وسواء كانت الوضيعة لتلف أو نقصان في الثمن أو غير ذلك ومقتضاه أنه لا شيء على العامل في المضاربة بل هي مختصة بملك ربه كالمزارعة.
فصل
"ويجوز لكل واحد منهما أن يبيع" أي: حالا "ويشتري" مساومة ومرابحة وغيرهما لأنه بالنسبة إلى شريكه وكيل فملكهما كالوكيل "ويقبض ويقبض" لأنه مؤتمن في ذلك فملكهما بخلاف الوكيل في قبض الثمن فإنه قد لا يأتمنه
"ويطالب بالدين ويخاصم فيه" لأن من ملك قبض شيء ملك المطالبة والمخاصمة فيه بدليل ما لو وكله في قبض دينه
"ويحيل ويحتال" لأنهما عقد معارضة وهو يملكها
"ويرد بالعيب" سواء وليه هو أو صاحبه لأن الوكيل يرد به فالشريك أولى وظاهره: ولو رضي به شريكه.

و يقابل ويفعل كل ما هو من مصلحة تجارتهما وليس له أن يكاتب الرقيق ولا يزوجه ولا يعتقه بمال ولا يهب ولا يقرض ولا يحابي ولا يضارب إلا بالمال.
ـــــــ
"ويقربه" أي: بالعيب كما يقبل إقرار الوكيل على موكله به نص عليه فإذا ردت عليه بعيب خير بين قبولها أو إعطاء أرش العيب أو يحط من ثمنه أو يؤخر ثمنه لأجل العيب "ويقايل" لأن الحظ قد يكون فيها وظاهره: مطلقا وهو الأصح في الشرح لأنها إن كانت بيعا فقد أذن له فيه و إن كانت فسخا ففسخ البيع المضر من مصلحة التجارة فملكه كالرد بالعيب بكذا في المغني وغيره أنها فسخ فلا يملكها لأنه ليس من التجارة
"ويفعل كل ما هو من مصلحة تجارتهما" لأن مبناها على الوكالة والأمانة فيقبل إقراره بالثمن أو بعضه أو أجرة المنادي أو الحمال لأن هذا عادة التجار وله أن يستأجر من مال الشركة ويؤجر لأن المنافع أجريت مجرى الأعيان فصار كالشراء والبيع وله المطالبة بالأجر لهما وعليهما لأن حقوق العقد لا تختص بالعاقد
"وليس له أن يكاتب الرقيق" لأنه لم يأذن فيه شريكه والشركة تنعقد على التجارة وليست منها "ولا يزوجه" لما ذكرنا سيما وتزويج العبد ضرر محض "ولا يعتقه بمال" ولا غيره "ولا يهب" نقل حنبل يتبرع ببعض الثمن لمصلحته "ولا يقرض" وظاهره: ولو برهن "ولا يحابي" لأن الشركة انعقدت على التجارة وهذه ليست منها
"ولا يضارب بالمال" لأن ذلك يثبت في المال حقوقا ويستحق ربحه لغيره وفيه تخريج من توكيله ولا أجرة للثاني على ربه وعنه: بلى وقيل: على الأول مع غاصب ومع علمه لا شيء له وربحه لربه وعلى الأول كما لا يجوز له خلط مال الشركة بماله ولا مال غيره لأنه يتضمن إيجاب حقوق في المال وليس هو من التجارة المأذون فيها وعنه: يجوز بمال نفسه لأنه

ولا يأخذ به سفتجة ولا يعطيها إلا بإذن شريكه.
وهل له أن يودع او يبيع نساء أو يبضع أو يوكل فيما يتولى مثله أو يرهن أو يرتهن على وجهين.
ـــــــ
مأمور فيدخل فيها أذن فيه ذكره القاضي.
"ولا يأخذ به سفتجة" لأن فيها خطرا ومعناه أن يدفع إلى إنسان شيئا من مال الشركة ويأخذ منه كتابا إلى وكيله ببلد آخر ليستوفي منه المال
"ولا يعطيها" بأن يأخذ من إنسان بضاعة ويعطيه بثمن ذلك كتابا إلى وكيله ببلد آخر ليستوفي منه ذلك "إلا بإذن شريكه" لأنه يصير من التجارة المأذون فيها وهو راجع إلى الكتابة وما بعدها والصواب الصحة مطلقا فيهما لمصلحة لخوف طريق ونحوه في الأولى.
فائدة: ما يخرجه الشريك على المال من الشيل والحط والعشر والحفارة وما يتعلق بالبذرقة يحتسب به على شريكه قاله في الفصول: وهل له ان يودع أو يبيع نساء أو يبضع أو يوكل فيما يتولى مثله أو يرهن أو يرتهن على وجهين: وفيه مسائل:
الأولى: في الإيداع وفيه روايتان إحداهما: له ذلك جزم به في الوجيز وصححه في الشرح وزاد عند الحاجة إليه لأنه عادة التجار والثانية: وهي أصح الوجهين في المحرر المنع لأنها ليست من الشركة وفيه غرر
الثانية: في البيع إلى أجل وهو يخرج على الروايتين في الوكيل وقد تقدم فإن اشترى شيئا بنقد عنده مثله أو نقد من غير جنسه أو اشترى بشيئ من ذوات الأمثال وعنده مثله جاز وإلا فالشراء له خاصة وربحه له وضمانه عليه
الثالثة: في الإبضاع وهو في الاصل عبارة عن طائفة من المال تبعث للتجارة قاله الجوهري ويأتي تفسيره والأصح أنه لا يملكه لما فيه من الغرر والثاني: بلى وجزم به في الوجيز لأنه عادة التجار.

وليس له أن يستدين على مال الشركة.
ـــــــ
الرابعة: التوكيل فيما يتولى مثله بنفسه وفيه وجهان مبنيان على الوكيل وقيل: يجوز للشريك التوكيل بخلاف الوكيل لأنه يستفيد مثل عقد موكله بخلاف وكيل الشريك فإنه لا يستفيد مثل عقد موكله بل يستفيد ما هو أخص منه فإن وكل ملك الآخر عزله ويتصرف المعزول في قدر نصيبه وعلم منه أنه يملك التوكيل فيما لا يتولى مثله بنفسه.
الخامسة: في الرهن والإرتهان والأصح أنه يملكهما زاد في الشرح عند الحاجة لأن الرهن يراد للإيفاء والإرتهان يراد للإستيفاء وهو يملكهما فكذا ما يراد لهما والثاني: ليس له ذلك لأن فيه خطرا وعلى الاول فرق بين أن يكون ممن ولي العقد أو من غيره لكون القبض من حقوق العقد فلو قال إعمل برأيك ورأى مصلحة جاز الكل لأنه فوض إليه الرأي في التصرف الذي تقتضيه الشركة فجاز كل ما هو من التجارة
تنبيه: لم يذكر المؤلف السفر بالمال والأصح أنه يملكه مع الأمن وفيه رواية صححها الأزجي وإن سافر والغالب العطب ضمن ذكره أبو الفرج وظاهر كلام غيره فيما ليس الغالب السلامة وذكر جماعة أنه يتجر ولي اليتيم بماله موضع أمن فإن لم يعلما بخوفه أو بفلس مشتر فلا ضمان ذكره أبو يعلى الصغير
فرع: إذا ادعى هلاكه بسبب خفي صدق في الأصح وإن كان بسبب ظاهر لم يضمنه إذا أقام بينة به ويحلف معها أنه هلك به ويصدق منكر الخيانة وإن قال لما بيده هذا لي أولنا أو اشتريته منها لي أو لنا صدق مع يمينه سواء ربح أو خسر وإن قال صار لي بالقسمة صدق منكرها
"وليس له أن يستدين على مال الشركة" لأنه يدخل فيها أكثر مما رضي الشريك بالمشاركة فيه فلم يجز كما لو ضم إليها ألفا من ماله ومعناها أن يشتري بأكثر من رأس المال أو بثمن ليس معه من جنسه.

فإن فعل فهو عليه وربحه له إلا أن يأذن شريكه وإن أخر حقه من الدين جاز وإن تقاسما الدين في الذمة لم يصح في إحدى الروايتين.
وإن ابرأ من الدين لزم في حقه دون صاحبه وكذلك إن أقر بمال.
__________
"فإن فعل فهو عليه وربحه له" قال أحمد: في رواية صالح فيمن استدان من المال بوجهة ألفا فهو له وربحه له و وضيعته عليه ومعناه أنه يختص بنفعه وضره لكونه لم يقع للشركة "إلا أن يأذن شريكه" فإنه يجوز كبقية أفعال التجارة المأذون فيها وقال القاضي: إذا استقرض شيئا لزمهما وربحه لهما لأنه تمليك مال بمال أشبه الصرف ورد بالفرق فإن الصرف بيع وإبدال عين بعين فهو كبيع الثياب
"وإن أخر حقه من الدين" الحال "جاز" لأنه أسقط حقه من المطالبة فصح أن ينفرد به كالإبراء فلو قبض شريكه شيئا مما لم يؤخر كان له مشاركته فيه وقيل: وله تأخير حق شريكه ويضمنه إن تلف أو مات المدين
"وإن تقاسما الدين في الذمة لم يصح في إحدى الروايتين" نص عليه في رواية حنبل وجزم به في الوجيز وصححه ابن عقيل لأن الذمم لا تتكافأ ولا تتعادل والقسمة تقتضيها لأنها بغير تعديل بمنزلة البيع ولا يجوز بيع الدين فعليها لو تقاسما ثم توى بعض المال رجع الذي توى ماله على الآخر
والثانية: ونقلها حرب وقدمها في الرعاية الجواز لأن الاختلاف لايمنع القسمة كاختلاف الأعيان فعليها لا رجوع إذا أبرأ كل منهما صاحبه وأطلقهما في الفروع إذا كان في ذمم لاذمة واحدة لأنه لا تمكن القسمة وهي إفراز ولا يتصور فيها فعلى الأول إن تكافأت فقياس المذهب من الحوالة على وقال القاضي: يقبل إقراره على مال الشركة مليء وجوبه قاله الشيخ تقي الدين.
"وإن أبرأ من الدين" أو أجل ثمن المبيع في مدة الخيار"لزم في حقه" لأنه تبرع "دون صاحبه" لأنه ليس من التجارة و كالصدقة "وكذلك إن أقر بمال" أي: يلزم المقر دون صاحبه على المذهب سواء أقر بدين أو عين لأن شريكه إنما أذن له في

وقال القاضي: يقبل إقراره على مال الشركة وعلى كل واحد منهما أن يتولى ما جرت العادة أن يتولاه من نشر الثوب وطيه وختم الكيس و إحرازه فإن استأجر من يفعل ذلك فالأجرة عليه.
ـــــــ
التجارة وليس الإقرار داخلا فيها
"وقال القاضي: يقبل إقراره على مال الشركة" لأن له أن يشتري نساء وهو إقرار ببقاء الثمن قاله ابن المنجا وفيه شيء وعلله في الشرح بأن له أن يشتري من غيرأن يسلم الثمن في المجلس فلو لم يقبل إقراره لضاعت أموال الناس وامتنعوا من معاملته لأن ذلك مما يحتاج إليه كالإقرار بالعيب وقيده في الرعاية في الإقرار و الفروع قبل الفرقة بينهما لا بعدهما.
مسألة: أقر غريم لهما بدين عند حاكم فطلب أحدهما حبسه ومنع الآخر منه ففي وجوب حبسه روايتان قاله في المستوعب وغيره
تنبيه: إذا كان بينهما دين مشترك بإرث او إتلاف قال الشيخ تقي الدين أو ضريبة سبب استحقاقها واحد فلشريكه الأخذ من الغريم ومن القابض جزم به الأكثر لأنهما سواء في الملك وظاهره: ولو أخرجه القابض برهن أو قضاء دين كالمقبوض بعقد فاسد وعنه: يختص به وقاله جماعة منهم أبو العالية وابن سيرين كما لو تلف المقبوض في يد قابضه تعين حقه فيه ولم يرجع على الغريم لعدم تعديه وإن كان بعقد أو بعد تأجيل شريكه حقه فوجهان أحدهما له المشاركة كالموروث والثاني: لا لأنه مستقل بالعقد على نصيبه فهو كالمنفردين
"و" يجب "على كل واحد منهما أن يتولى ما جرت العادة أن يتولاه من نشر الثوب وطيه وختم الكيس وإحرازه" فأتى النقد لأن إطلاق الإذن يحمل على العرف وهو يقتضي أن مثل هذه الأمور يتولاها بنفسه.
"فإن استأجر من يفعل ذلك فالأجرة عليه" في ماله لأنه بذلها عوضا عما يلزمه.

وما جرت العادة أن يستنيب فيه فله أن يستأجر من يفعله فإن فعله ليأخذ أجرته فهل له ذلك على وجهين.
فصل
والشروط في الشركة ضربان صحيح مثل أن يشترط أن لا يتجر إلا في نوع من المتاع أو بلد بعينه أو لا يبيع إلا بنقد معلوم أو لا يسافر بالمال ولا يبيع إلا من فلان.
ـــــــ
"وما جرت العادة أن يستنيب فيه" كحمل الطعام والمتاع ووزن ما ينقل والنداء "فله أن يستأجر" من مال الشركة "من يفعله" لأنه العرف
"فإن فعله لياخذ اجرته فهل له ذلك؟ على وجهين" هما روايتان في المغني والمحرر الأصح أنه لا شيء له لأنه تبرع بما يلزمه فلم يستحق شيئا كالمراة التي تستحق خادما إذا أخدمت نفسها والثاني: بلى لأنه فعل ما لا بد من فعله فاستحق الأجرة كالأجنبي وعلى الأول إذا شرطها إستحقها
فرع: إذا استأجر أحدهما الآخر فيما لا يستحق أجرته إلا بعمل فيه كنقل طعام بنفسه أو غلامه أو دابته جاز نقله الأكثر كداره وعنه: لالعدم إمكان إيقاع العمل فيه لعدم تمييز نصيبهما اختاره ابن عقيل ويحرم على شريك في زرع فرك شيء من سنبله يأكله بلا إذن ويتجه عكسه قاله في الفروع.
فصل
"والشروط في الشركة ضربان:" لأنهما عقد فانقسمت شروطها إلى صحيح وفاسد كالبيع "صحيح مثل: أن يشترط أن لا يتجر إلا في نوع من المتاع" سواء كان مما يعم وجوده أولا وقال في الرعاية عام الوجود والمراد به عمومه حال العقد في الموضع المعين للتجارة لا عمومه في سائر الازمنة والامكنة "أو بلد بعينه" كمكة ونحوها "أو لا يبيع إلا بنقد معلوم أو لا يسافر بالمال أو لايبيع إلا من فلان" أو لا يشتري إلا من فلان فهذا كله

وفاسد مثل أن يشترط ما يعود بجهالة الربح أو ضمان المال أو أن عليه من الوضيعة اكثر من قدر ماله أو ان يوليه ما يختار من السلع أو يرتفق بها أو لا يفسخ الشركة مدة بعينها فما يعود بجهالة الربح يفسد به العقد ويخرج في سائرها روايتان.
ـــــــ
صحيح سواء كان الرجل مما يكثر المتاع عنده أو يقل لأنه عقد يصح تخصيصه برجل أو بلد معينين كالوكالة فإن جمع البيع والشراء من واحدة فإنه لا يضر ذكره في المستوعب وفي المغني والشرح خلافه وهو ظاهر
"وفاسد مثل أن يشترط ما يعود بجهالة الربح" كما لو شرط ربح أحد الكيسين أو الألفين أو جزءا مجهولا كنصيب لأنه يفضي إلى جهل حق كل واحد من الربح أو إلى فواته حيث شرط دراهم معلومة "أو ضمان المال" لمنافاته مقتضى العقد "أو أن عليه من الوضيعة أكثر من قدر ماله" للمنافاة "أو أن يوليه ما يختار من السلع" إذ لا مصلحة للعقد فيه أشبه ما لو شرط ما ينافيه
مسألة: إذا شرط أحدهما على الآخر متى باعه فهو أحق به من غيره فقال أحمد: أحب إلي أن يفي بشرطه وقال ابن عقيل وذكره في الشرح وغيره انه شرط باطل لأنه يقطع إطلاق تصرف الشريك الآخر وظاهر كلام احمد خلافه
"أو يرتفق بها" كلبسه الثوب واستخدامه العبد "أولا يفسخ الشركة مدة بعينها" لأنها عقد جائز فاشتراط لزومها ينافي مقتضاها كالوكالة مع أنه يصح توقيتها كالوكالة نص عليه. "فما يعود بجهالة الربح يفسد به العقد" لأن الفساد لمعنى في العوض المعقود عليه فافسد العقد كما لو جعل رأس المال خمرا ولأن الجهالة تمنع من التسليم فيفضي إلى التنازع. "ويخرج في سائرها" أي: باقيها "روايتان" المنصوص عنه أن العقد صحيح ويلغو الشرط لأنه عقد على مجهول فلم تبطله الشروط الفاسدة كالنكاح.

وإذا فسد العقد قسم الربح على قدر المالين وهل يرجع أحدهما باجرة عمله على وجهين.
ـــــــ
والثانية: يبطل وذكره في المحرر تخريجا لأنه شرط فاسد فأبطل العقد كالمزارعة إذا شرط البذر من العامل وكالشروط الفاسدة في البيع ولأنه إنما رضي بالعقد بهذا الشرط فإذا فسد فات الرضى به
"وإذا فسد العقد قسم الربح على قدر المالين" لأن التصرف صحيح لكونه بإذن مالكه والربح نماء المال فربح المضاربة للمالك وعليه أجرة مثل العامل مطلقا والعنان والوجوه على قدر المالين والأبدان تقسم أجرة ما تحمله بالسرية والوضيعة بقدر المالين وظاهره: أنه إذا لم تفسد فإن الربح يقسم بينهما على ما شرطاه كرواية في الفاسد "وهل يرجع أحدهما بأجرة عمله؟" أي: نصف عمله "على وجهين" كذا في المحرر أحدهما: لا رجوع جزم به في الوجيز وصححه في شرح المحرر لأنهما عملا لأنفسهما فلا يرجع أحدهما على الآخر بما لم يعمل له فعليه يقتسمان الربح على ما شرطاه لأنه عقد يجوز أن يكون عوضه مجهولا فوجب المسمى في فاسده كالنكاح
والثاني: يرجع جزم به في الكافي وهو الأصح لأنه عمل في نصيب شريكه فيرجع به لأنه عقد ينبغي الفصل فيه في ثاني الحال فوجب أن يقابل العمل فيه عوض كالمضاربة فإن تساوى عملهما تقاص الدينان وإن فضل أحدهما تقاص دين القليل بمثله ويرجع على الآخر بالفضل وقال ابن حمدان إن قسم الربح على قدرهما رجع و إلا فلا وقال القاضي: إن فسد العقد لجهل الربح فكذلك وإن فسد لغيره وجب المسمى فيه كالصحيح لأنه عقد يصح مع جهل العوض فوجب المسمى فيه مع فساده كالنكاح
فرع: إذا مات أحدهما فلوارثه إتمام الشركة فيأذن كل منهما للآخر في التصرف وقيل: إن كان المال عرضا جدد عقدا وله المطالبة بالقسمة فإن كان على الميت دين تعلق بتركته وليس للوارث الشركة فيه حتى يقضي دينه فإن قضاه من غير مال الشركة فله إتمامها وإن قضاه منها بطلت في قدر ما مضى.

فصل
الثاني: المضاربة وهي أن يدفع ماله إلى آخر يتجر فيه.
ـــــــ
تنبيه: كل عقد فاسد من أمانة وتبرع بمضاربة وشركة ووكالة ووديعة كصحيح في ضمان وعدمه وكل عقد لازم يجب الضمان في صحيحه يجب في فاسده كبيع وإجارة ونكاح.
فصل
"الثاني: المضاربة" وهي تسمية أهل العراق مأخوذة من الضرب في الأرض وهو السفر فيها للتجارة قال تعالى: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل:20] ويحتمل أن تكون من ضرب كل منهما بسهم من الربح وسماه أهل الحجاز قراضا فقيل هو مشتق من القطع يقال قرض الفأر الثوب أي: قطعه فكأن صاحب المال اقتطع منه قطعة وسلمها إلى العامل واقتطع له قطعة من ربحها وقيل: هو مشتق من المساواة والموازنة يقال تقارض الشاعران إذا توازنا
وهي جائزة بالإجماع حكاه ابن المنذر وروى حميد بن عبدالله عن أبيه عن جده أن عمر بن الخطاب أعطاه مال يتيم مضاربة يعمل به في العراق وروي جوازه عن عثمان وعلي وابن مسعود وحكيم بن حزام ولم يعرف لهم مخالف مع أن الحكمة تقتضيه لأن بالناس حاجة إليها فإن النقدين لا تنمي إلا بالتجارة وليس كل من يملكها يحسن التجارة ولا كل من يحسنها له مال فشرعت لدفع الحاجة
"وهي أن يدفع ماله إلى آخر يتجر فيه" يشترط في المال المدفوع أن يكون معلوما فلو دفع صبرة نقد أو أحد كيسين لم يصح قوله إلى آخر ليس شرطا فيه فلو دفعه إلى اثنين فأكثر مضاربة في عقد واحد جاز قوله يتجر فيه ظاهر.

والربح بينهما على ما شرطاه فإن قال خذه واتجر به والربح كله لي فهو إبضاع وإن قال والربح كله لك فهو قرض وإن قال والربح بيننا فهو بينهما نصفين وإن قال خذه مضاربة والربح كله لك أو لي لم يصح.
ـــــــ
"والربح بينهما على ما شرطاه" أي: من شرط صحتها تقدير نصيب العامل منه لأنه لا يستحقه إلا بالشرط فلو قال خذ هذا المال مضاربة ولم يذكر سهم العامل فالربح كله لرب المال والوضيعة عليه وللعامل أجرة مثله نص عليه وهو قول الجمهور فلو شرط جزءا من الربح لعبد أحدهما أو لعبدهما صح وكان لسيده وإن شرطاه لأجنبي أو لولد أحدهما أو امرأته أو قريبه وشرطا عليه عملا مع العامل صح وكانا عاملين وإلا لم تصح المضاربة كما لو قال لك الثلثان على أن تعطي امرأتك نصفه
"فإن قال خذه واتجر به والربح كله لي فهو إبضاع" أي: يصير جميع الربح لرب المال لا شيء للعامل فيه فيصير وكيلا متبرعا لأنه قرن به حكم الإبضاع فانصرف إليه فلو قال مع ذلك وعليك ضمانه لم يضمنه لأن العقد يقتضي كونه أمانة غيرمضمون فلا يزول ذلك بشرطه
"وإن قال والربح كله لك فهو" أي: المال المدفوع "قرض" لا قراض لأن اللفظ يصلح له وقد قرن به حكمه فانصرف إليه كالتمليك فإن قرن به ولا ضمان عليك فهو قرض شرط فيه نفي الضمان فلم ينتف به
"وإن قال والربح بيننا فهو بينهما نصفين" لأنه أضافه إليهما إضافة واحدة ولم يترجح فيها أحدهما على الآخر فاقتضى التسوية كهذه الدار بيني وبينك
"وإن قال خذه مضاربة والربح كله لك أو لي لم يصح" لأن المضاربة تقتضي كون الربج بينهما فإذا شرط اختصاص أحدهما بالربح فقد شرط ما ينافي مقتضى العقد ففسد كما لو شرط الربح كله في شركة العنان لأحدهما ويفارق إذا لم يقل مضاربة لأن اللفظ يصلح لما أثبت حكمه من الإبضاع والقرض وينفذ تصرف العامل لأن الإذن باق.

وإن قال: ولك ثلث الربح صح والباقي لرب المال وإن قال: ولي ثلث الربح فهل يصح؟ على وجهين.
وإن اختلفا لمن الجزء المشروط فهو للعامل.
ـــــــ
"وإن قال" خذه مضاربة "ولك ثلث الربح" أو ربعه أو جزء معلوم "صح" لأن نصيب العامل معلوم "والباقي لرب المال" لأنه يستحق الربح بماله لكونه نماؤه وفرعه والعامل يأخذ بالشرط فما شرط له استحقه وما بقي فلرب المال بحكم الأصل
"وإن قال" ولي ثلث الربح" ولم يذكر نصيب العامل "فهل يصح؟ على وجهين" أصحهما: يصح وقاله أبو ثور لأن الربح يستحقانه فإذا قدر نصيب أحدهما منه فالباقي للآخر بمفهوم اللفظ كما علم أن ثلث الميراث للأب من قوله تعالى: {وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} [النساء:11] والثاني: لا يصح لأن العامل إنما يستحق بالشرط ولم يوجد فتكون المضاربة فاسدة فإن قال لي النصف ولك الثلث وسكت عن الباقي صح وكان لرب المال وإن قال خذه مضاربة على الثلث أو بالثلث صح وكان تقديرا لنصيب العامل
تنبيه: إذا قال لك ثلث الربح وثلث ما بقي من الربح صح وله خمسة أتساعه وإن قال لك ربع الربح وربع ما يبقى فله ثلاثة أثمان ونصف ثمن سواء عرفا الحساب أو جهلاه في الأصح
"وإن اختلفا لمن الجزء المشروط" قليلا كان أو كثيرا "فهو للعامل" لأنه يستحقه بالعمل وهو يقل ويكثر وإنما تقدر حصته بالشرط بخلاف رب المال فإنه يستحق الربح بماله ويحلف مدعيه لأنه يحتمل خلاف ما قاله فيجب لنفي الإحتمال فلو اختلفا في قدر الجزء بعد الربح فقال العامل شرطت لي النصف وقال رب المال الثلث قدم له لأنه منكر للزيادة وعنه: يقبل قول العامل إذا ادعى تسمية المثل أو دونها لأن الظاهر معه ولو قيل بالتحالف

وكذلك حكم المساقاة والمزارعة وحكم المضاربة حكم الشركة فيما للعامل أن يفعله أو لا يفعله وما يلزمه فعله وفي الشروط وإذافسدت فالربح لرب المال وللعامل الأجر وعنه: له الأقل من الأجرة أو ما شرط له من الربح.
ـــــــ
لم يبعد كالبيع فإن أقام كل منهما بينة قدمت بينة العامل.
"وكذلك حكم المساقاة والمزارعة" قياسا عليها لأن العامل في كل منهما إنما يستحق بالعمل وشمل هذا التشبيه للأحكام السابقة
"وحكم المضاربة حكم الشركة فيما للعامل أن يفعله أو لا يفعله وما يلزمه فعله وفي الشروط" لاشتراكهما في التصرف بالإذن فما جاز للشريك فعله جاز للمضارب وما منع منه منع منه وما اختلف فيه فهاهنا مثله وما جاز أن يكون رأس مال الشركة جاز أن يكون رأس مال المضاربة ولا يعتبر قبض رأس المال وتكفي مباشرته وقيل: يعتبر نطفة
"وإذا فسدت" المضاربة "فالربح لرب المال" قال القاضي هذا هو المذهب لأنه نماء ماله وإنما يستحق العامل بالشرط فإذا فسدت فسد الشرط فلم يستحق شيئا "وللعامل الأجرة" أي: أجرة مثله نص عليه لأن عمله كان في مقابلة المسمى فإذا لم تصح التسمية وجب رد عمله عليه وذلك متعذر فوجب له أجرة المثل كما لو اشترى شراء فاسدا فقبضه وتلف أحد العوضين في يد قابضه فوجب رد بدله وسواء ظهر في المال ربح أو لا
"وعنه: له الأقل من الأجرة أو ما شرط له من الربح" لأنه إن كان الأقل الأجرة فهو لا يستحق غيرها لبطلان الشرط وإن كان الأقل المشروط فهو قد رضي به واختار الشريف أبو جعفر أن الربح بينهما على ما شرطاه واحتج بأن أحمد قال إذا اشتركا في العروض قسم الربح على ما شرطاه فأثبت فيها ذلك مع فسادها
ورد بأن كلامه محمول على صحة الشركة بالعروض والتصرف فيها صحيح

وإن شرطا تأقيت المضاربة فهل تفسد على روايتين.
وإن قال بع هذا العرض وضارب بثمنه أو أقبض وديعتي وضارب بها وإذا قدم الحاج فضارب بهذا صح.
ـــــــ
مستندا إلى الإذن كالوكيل لايقال لو اشترى شراء فاسدا ثم تصرف فيه لم ينفذ مع أن البائع قد أذن له في التصرف لأن المشتري يتصرف من جهة الملك لا بالإذن
"وإن شرطا تأقيت المضاربة" بأن يقول ضاربتك على هذه الدراهم سنة فإذا مضت فلا تبع ولا تشتر "فهل تفسد" على روايتين" أصحهما: الصحة قال مهنا سألت أحمد عن رجل أعطى آخر ألفا مضاربة شهرا فإذا مضى يكون قرضا قال فإن جاء الشهر وهو متاع قال إذا باع المتاع يكون قرضا لأنه قد يكون لرب المال فيه غرض
والثانية: لا تصح وهي اختيار أبي حفص العكبري لأنه عقد يقع مطلقا فإذا شرط قطعه لم يصح كالنكاح ولأنه ليس من مقتضى العقد ولا مصلحته ورد بانه تصرف يتوقت بنوع من المتاع فجاز توقيته بالزمان كالوكالة
"وإن قال بع هذا العرض وضارب بثمنه" صح لأنه وكيل في بيع العرض وإذا باعه صار الثمن في يده أمانة أشبه ما لو كان المال عنده وديعة "أو أقبض وديعتي وضارب بها" لأنه وكيل في قبض الوديعة ومأذون له في التصرف مؤتمنا عليه فجاز جعله مضاربة كما لو قال اقبضه من غلامي وضارب به وكما لو كان في يد إنسان وديعة فقال له ربها ضارب بها "وإذا قدم الحاج فضارب بهذا صح" لأنه إذن في التصرف فجاز تعليقه على شرط مستقبل كالوكالة
فرع: إذا قال ضارب بعين المال الذي غصبته مني صح كالوديعة فإذا ضارب به سقط عنه الضمان وقال القاضي: لا يزول ضمان الغصب إلا بدفعه ثمنا لأن القراض لا ينافي الضمان بدليل ما لو تعدى ورد بانه ممسك بإذن مالكه ولا يختص بنفعه أشبه ما لو قبضه ثم قبضه اياه.

وإن قال ضارب بالدين الذي عليك لم يصح.
وإن أخرج مالا ليعمل هو فيه وآخر والربح بينهما صح ذكره الخرقي وقال القاضي: إذا شرط المضارب أن يعمل معه رب المال لم يصح وإن شرط عمل غلامه فعلى وجهين.
ـــــــ
"وإن قال ضارب بالدين الذي عليك" أو تصدق به عني "لم يصح" نص عليه وهو قول أكثر العلماء لأن المال الذي في يد من عليه الدين له وإنما يصير لغريمه بقبضه ولم يوجد وقال بعض أصحابنا يصح لأنه اشترى شيئا للمضاربة فقد اشتراه بإذن مالكه ودفع الثمن إلى من أذن له في دفع الثمن إليه فتبرأ ذمته منه فلو قال أعزل المال الذي عليك وضارب به صح سواء اشتراه بعين المال أو في الذمة لأنه اشترى لغيره بمال نفسه
فرع: إذا دفع إليه ألفا مضاربة وقال له أضف إليها واتجربهما والربح لك ثلثاه ولي ثلثه صح وكان شركة ومضاربة وإن شرط غيرالعامل لنفسه ثلثي الربح لم يجز خلافا للقاضي "وإن أخرج مالا ليعمل هو فيه وآخر والربح بينهما صح ذكره الخرقي" نص عليه في رواية أبي الحارث ويكون مضاربة لأن غيرصاحب المال يستحق المشروط بعمله من الربح في مال غيره وهذا حقيقة المضاربة "وقال القاضي" تبعا لابن حامد واختاره أبو الخطاب.
"إذا شرط المضارب أن يعمل معه رب المال لم يصح" وهو قول أكثرهم لأن المضاربة تقتضي تسليم المال إلى المضارب فإذا شرط عليه العمل لم يتسلمه لأن يده عليه وذلك يخالف مقتضاها وحمل القاضي كلام أحمد والخرقي على أن رب المال عمل فيه من غير شرط والأول أظهر لأن العمل أحد ركني المضاربة فجاز أن ينفرد به أحدهما مع وجود الأمرين من الآخر كالمال وقولهم إن المضاربة تقتضي إلى آخره ممنوع وإنما تقتضي إطلاق التصرف في مال غيره بجزء مشاع من ربحه وهذا حاصل مع اشتراكهما في العمل.
"وإن شرط عمل غلامه فعلى وجهين" أشهرهما: يصح لأن عمل الغلام في

فصل
وليس للعامل شراء من يعتق على رب المال فإن فعل صح وعتق وضمن ثمنه وعنه: يضمن قيمته علم أو لم يعلم وقال أبو بكر إن لم يعلم لم يضمن ويحتمل أن لا يصح البيع.
ـــــــ
مال سيده يصح ضمه إليه كما لو ضم إليه بهيمته يحمل عليها والثاني: لا لأن يد العبد كيد سيده وعمله كعمله.
فصل
"وليس للعامل شراء من يعتق على رب المال" أي: بغير إذنه لأن فيه ضررا ولاحظ للتجارة فيه إذ هي معقودة للربح حقيقة أو مظنة وهما متنفيان هنا
"فإن فعل صح" الشراء في ظاهر كلام أحمد لأنه مال متقوم قابل للعقود فصح شراء العامل له كما لو اشترى من نذر رب المال حريته إذا ملكه "وعتق" أي: على رب المال لأنه ملكه وذلك موجب للعتق وتنفسخ فيه المضاربة "وضمن" العامل "ثمنه" لأن التفريط منه "وعنه: يضمن قيمته" لأن الملك ثبت فيه ثم تلف أشبه ما لو أتلفه بفعله "علم" أنه يعتق بالشراء "أولم يعلم" على المذهب لأن الإتلاف الموجب للضمان لا فرق فيه بين العلم والجهل.
"وقال أبو بكر: إن لم يعلم لم يضمن" لأنه معذور إذ التلف حاصل المعنى في المبيع ولم يعلم به فلم يضمنه كما لو أشترى معيبا لم يعلم عيبه فتلف به وفي الشرح ويتوجه أن لا يضمن وإن علم.
"ويحتمل أن لا يصح البيع" لأن الإذن في المضاربة إنما ينصرف إلى ما يمكن بيعه والربح فيه ومن يعتق على رب المال ليس كذلك وقيده في الشرح إذا كان الثمن عينا لأن العامل اشترى ما ليس له أن يشتريه وإن كان اشتراه بثمن في الذمة وقع الشراء للعاقد وليس له دفع الثمن من مال المضاربة فإن فعل ضمن في قول أكثر الفقهاء فأما إذا اشتراه بإذنه صح لأنه يصح شراؤه بنفسه،

وإن اشترى امرأته صح وانفسخ نكاحه وإن اشترى من يعتق على نفسه ولم يظهر ربح لم يعتق وإن ظهر ربح فهل يعتق على وجهين.
ـــــــ
فكذا نائبه.
فإن كان على المأذون له دين يستغرق قيمته وما في يده و قلنا: يتعلق برقبته فعليه دفع قيمته إلى الغرماء لأنه أتلفه عليهم بالعتق وإن نهاه عنه فهو باطل إن أطلق فوجهان كشرائه امرأة رب المال "وإن اشترى" المضارب "امرأته" أو بعضها "صح" لأنه اشترى ما يمكن طلب الربح فيه أشبه ما لو اشترى أجنبية "وانفسخ نكاحه" لأنها دخلت في ملك زوجها فإن كان قبل الدخول فهل يلزم الزوج نصف الصداق فيه وجهان فإن قلنا: يلزمه رجع به على العامل لأنه سبب تقريره عليه فيرجع عليه كما لو أفسدت امرأته نكاحها بالرضاع ذكره في المغني والشرح
فرع: إذا اشترى زوج ربة المال صح وانفسخ نكاحها ولا ضمان عليه فيما يفوت من المهر لبعض من النفقة لأن ذلك لايعود إلى المضاربة وإنما هو بسب آخر ولا فرق بين شرائه في الذمة أو بعين مال
"وإن اشترى" المضارب "من يعتق على نفسه ولم يظهر ربح لم يعتق" لأنه لا يملكه وإنما هو ملك رب المال وقيل: بلى لسابقته "وإن ظهر ربح فهل يعتق؟ على وجهين" هما مبنيان على أن العامل متى يملك الربح فإن قلنا: يملكه بالقسمة لم يعتق منه شيء لأنه لم يملكه وإن قلنا: بالظهور فوجهان:
أحدهما: واختاره أبو بكر لا يعتق لأن ملكه غيرتام لكون الربح وقاية لرأس المال
والثاني: يعتق منه بقدر حصته إن كان معسرا ويقوم عليه باقية إن كان موسرا وهو قول القاضي لأنه ملكه بفعله فعتق عليه أشبه ما لو اشتراه بماله وإن اشتراه ولم يظهر ربح ثم ظهر بعد ذلك والعبد باق في التجارة فهو كما لو كان ظاهرا.

وليس للمضارب أن يضارب لآخر إذا كان فيه ضرر على الأول فإن فعل رد نصيبه من الربح في شركة الأول.
ـــــــ
مسألة: إذا تعدى المضارب بالشرط أو فعل ما ليس له فعله أو ترك ما يلزمه ضمن المال ولا أجرة له وربحه لمالكه وقيل: له أجرة المثل وعنه: له الأقل منها أو ما سمي له من الربح وعنه: يتصدقان قال ابن عقيل هذا على سبيل الورع وقيل: إن اشترى بعين المال بطل على المذهب والنماء للبائع
وعنه: إن أجازه ربه صح وملك النماء وإلا بطل
"وليس للمضارب" أن يشتري بأكثر من رأس المال لعدم تناول الإذن له فإن فعل صح وكان له وهل يقف على إجازة رب المال فيه روايتان "أن يضارب لآخر إذا كان فبه ضرر على الأول" ولم يأذن فيه ككون المال الثاني: كثيرا فيستوعب زمانه فيشغله عن تجارة الأول وقال أكثر الفقهاء بجوازه لأنه عقد لا يملك به منافعه كلها فلم يمنع من المضاربة كما لو لم يكن فيه ضرر وكالأجير المشترك
ورد بأنها تنعقد على الحظ والنماء فإذا فعل ما يمنعه لم يجز له كما لو أراد التصرف بألفين وظاهره: أنه إذا لم يكن فيها ضرر على الأول انه لا يمنع بغير خلاف نعلمه وكما لو أذن فيها
"فإن فعل رد نصيبه من الربح في شركة الأول" نص عليه لأنه استحق ذلك بالمنفعة التي استحقت بالعقد الأول فينظر في المضاربة الثانية: فيدفع إلى رب مالها منه نصيبه لأن العدوان من المضارب لا يسقط حق رب المال الثاني: ويأخذ المضارب نصيبه من الربح فيضمه إلى ربح المضاربة الأولى: فيتسمانه قال في المغني والشرح النظر يقتضي أن رب المضاربة لا يستحق من ربح الثانية: شيئا لأنه إنما يستحق بمال أو عمل وهما منتفيان وتعدي المضارب بترك العمل واشتغاله عن المال الأول لا يوجب عوضا كما لو اشتغل بالعمل في مال نفسه أو آجر نفسه.

وليس لرب المال أن يشتري من مال المضاربة شيئا لنفسه وعنه: يصح وكذلك شراء السيد من عبده المأذون له وإن اشترى أحد الشريكين نصيب شريكه صح وإن اشترى الجميع بطل في نصيبه وفي نصيب شريكه وجهان ويتخرج أن يصح في الجميع وليس للمضارب نفقة
ـــــــ
"وليس لرب المال أن يشتري من مال المضاربة شيئا لنفسه" هذا هو الراجح لأنه ملكه فلم يصح شراؤه له كشرائه من وكيله "وعنه: يصح صححها" الأزجي لأنه قد تعلق به حق المضارب فجاز شراؤه منه كمكاتبه والفرق ظاهر فإن السيد لا يملك ما في يد المكاتب ولا تجب زكاته عليه وعلى الثانية: يأخذ بالشفعة وظاهره: أن له الشراء من غير المضاربة في النصوص قال أحمد: إن لم بيعه مرابحة فهو أعجب إلي فإن المضارب له أن يشتري من مال المضاربة إذا لم يظهر ربح نص عليه وهو قول الجمهور لأنه ملك غيره فصح كشراء الوكيل من موكله وإن ظهر ربح فلا
"وكذلك شراء السيد من عبده المأذون له" وقيل: يصح إذا استغرقته الديون لأن الغرماء يأخذون ما في يده لأنه صار مستحقا لهم لتعلق الدين برقبته والأصح المنع لأن ملك السيد لم يزل عنه واستحقاق انتزاع ما في يده لا يوجب زوال الملك كالمفلس
"وإن اشترى أحد الشريكين نصيب شريكه صح" لأنه ملك لغيره فصح شراؤه كالأجنبي إلا أن من علم مبلغ شيء لم يبعه صبرة وإلا جاز بكيله أو وزنه ونقل حنبل المنع في غيرمكيل أو موزون وعلله في النهاية بعدم التعيين فيهما
"وإن اشترى الجميع بطل في نصيبه" لأنه ملكه "وفي نصيب شريكه وجهان" مبنيان على تفريق الصفقة والمذهب صحته "ويتخرج أن يصح في الجميع" بناء على صحة شراء رب المال من مال المضاربة
"وليس للمضارب نفقة" لأنه دخل على أنه يستحق من الربح شيئا فلم

إلا بشرط فإن شرطها له وأطلق فله جميع نفقته من المأكول والملبوس بالمعروف وإن اختلفا رجع في القوت إلى الإطعام في الكفارة وفي الملبوس إلى أقل ملبوس مثله وإن أذن له في التسري واشترى جارية ملكها وصار ثمنها قرضا نص عليه.
ـــــــ
يستحق غيره إذ لو استحقها لأفضى إلى إختصاصه به حيث لم يربح سوى النفقة "إلا بشرط" نص عليه كوكيل وقال الشيخ تقي الدين أو عادة ولأن في تقديرها قطعا للمنازعة "فإن شرطها له" قال أحمد: في رواية الأثرم أحب إلي أن يشترط نفقة محدودة وله ما قدر له من مأكول وملبوس ومركوب وغيره "وأطلق" صح نص عليه "فله جميع نفقته من المأكول والملبوس بالمعروف" لأنه كذلك تجب نفقته ونص أحمد أنه يستحق المأكول فقط إلا أن يطول سفره ويحتاج إلى تجديد كسوة فإنه يجوز قاله في المغني و الشرح ونقل حنبل ينفق على معنى ما كان ينفق على نفسه غير متعد بالنفقة ولا مضر بالمال ولم يذهب إلى تقديرها لأن الأسعار تختلف
"وإن اختلفا رجع في القوت إلى الإطعام في الكفارة وفي الملبوس إلى أقل ملبوس مثله" وقاله أبو الخطاب لأنه العادة فينصرف الإطلاق إليه كما انصرف إليه في الإطعام في الكفارة والأولى أن يرجع فيهما إلى قوت مثله وملبوس مثله كالزوجة جزم به في المحرر"
مسألة: لو كان معه مضاربة ثانية أو مال لنفسه فالنفقة على قدر المالين إلا أن يشرط أحدهما النفقة من ماله مع علمه بذلك فلو لقيه ببلد أذن في سفره إليه وقد نض المال فله نفقة رجوعه في وجهه وجزم في الشرح بخلافه لأنه إنما يستحقه ما دام في القراض وقد زال فزالت
"وإن أذن له في التسري فاشترى" من مال المضاربة "جارية ملكها" لأن رب المال قد أذن له في التسري والإذن فيه يستدعي الإذن في الوطء لأن البضع لا يباح إلا بملك أو نكاح "وصار ثمنا قرضا" في ذمته "نص عليه" لأن رب المال لم يوجد منه ما يدل على تبرعه به فوجب كونه قرضا لأنه المتيقن ونقل يعقوب

وليس للمضارب ربح حتى يستوفي رأس المال وإن اشترى سلعتين فربح إحداهما وخسر في الأخرى أو تلفت جبرت الوضيعة من الربح.
ـــــــ
اعتبار تسمية ثمنها وعنه: له التسري بإذنه أي: يكون ملكا به مجانا واختار أبو بكر الأول وهو عند القاضي رواية واحدة
تنبيه: إذا وطىء جارية من المال عزر نص عليه وقيل: يحد قبل الربح ذكره ابن رزين وذكر غيره إن ظهر ربح عزر ويلزمه المهر وقيمتها إن أولدها وإلا حد عالم ونصه يعزر ويسقط من المهر والقيمة قدر حق العامل وليس لرب المال وطء الامة ولو عدم الربح لأنه ينقصها إن كانت بكرا أو يعرضها للخروج من المضاربة والتلف فإن فعل فلا حد عليه فإن أحبلها صارت أم ولد له وهو حر لأنها ملكه وتخرج من المضاربة وتحسب قيمتها ويضاف إليه بقية المال فإن كان فيه ربح فللعامل حصته منه
"وليس للمضارب ربح حتى يستوفي رأس المال" بغير خلاف نعلمه يعني أنه لا يستحق أخذ شيء من الربح حتى يسلم رأس المال إلى ربه فمتى كان فيه ربح وخسران جبرت الوضيعة من الربح لأنه هو الفاضل عن رأس المال وما لم يفضل فليس بربح فلو كان مائة فخسر عشرة ثم أخذ ربه عشرة نقص بها وقسطها مما خسر درهم وتسع ويبقى رأس المال ثمانية وثمانين وثمانية اتساع درهم ولو ربح فيها عشرين فأخذها رب المال فقد أخذ سدسه فنقص رأس المال سدسه وهو ستة عشر وثلثان وحظها من الربح ثلاثة وثلث
فرع: يحسب من الربح المهر والثمرة والأجرة وأرش العيب وكذا نتاج الحيوان وفي الفروع ويتوجه وجه
"وإن اشترى سلعتين فربح في إحداهما وخسر في الأخرى أو تلفت" إحداهما "جبرت الوضيعة من الربح" أي: وجب جبر الخسران من الربح ولا يستحق المضارب شيئا إلا بعد كمال رأس المال لأنها مضاربة واحدة ويلحق بذلك ما إذا تعيب أو نزل سعره بعد التصرف ونقل حنبل وقبله جبرت

وإن تلف بعض رأس المال قبل التصرف فيه انفسخت فيه المضاربة وإن تلف المال ثم اشترى سلعة للمضاربة فهي له وثمنها عليه إلا أن يجيزه رب المال وإن تلف بعد الشراء فالمضاربة بحالها والثمن على رب المال.
ـــــــ
الوضيعة من ربح باقيه قبل قسمته ناضا أو تنضيضه مع محاسبته نص عليهما.
ونقل ابن منصور وحرب إذا احتسبا وعلما مالهما واحتج به في الإنتصار وإنه يحتمل أنه بستحق ربح ربحه "وإن تلف بعض رأس المال قبل التصرف فيه انفسخت فيه المضاربة" وكان رأس المال الباقي خاصة لأنه مال هلك على جهته قبل التصرف أشبه التالف قبل القبض وفارق ما بعد التصرف لأنه دار في التجارة وشرع فيما قصد بالعقد من التصرفات المؤدية إلى الربح
فرع: لو دفع إليه ألفين في وقتين لم يخلطهما نص عليه ويتوجه جوازه وإن أذن قبل تصرفه في الأول أو بعده وقد نض المال جاز لزوال المعنى المقتضي للمنع
"وإن تلف المال ثم اشترى سلعة للمضاربة فهي له وثمنها عليه" لأنه إشتراها في ذمته وليست من المضاربة لانفساخها بالتلف واختصت به ولو كانت للمضاربة لكان مستدينا على غيره والاستدانة على الغير بغير إذنه لا تجوز وسواء علم بتلف المال قبل نقد الثمن أو جهله "إلا أن يجيزه رب المال" فيجوز في رواية وهو مبني على تصرف الفضولي والمذهب أنه للعامل بكل حال لأن هذا زيادة في مال المضاربة فلم تجز
"وإن تلف بعد الشراء" قيل نقد ثمنها "فالمضاربة بحالها" لأن الموجب لفسخها هو التلف ولم يوجد حين الشراء ولا قبله "والثمن على رب المال" لأن الشراء صادف المضاربة باقية بحالها وذلك يوجب كون المشترى له والثمن عليه وحينئذ فلرب السلعة مطالبة كل منهما بالثمن ويرجع به على العامل ويصير رأس المال الثمن دون التالف لأنه تلف قبل التصرف فيه فهو كما لو تلف قبل قبضه.

وإذا ظهر الربح لم يكن للعامل أخذ شيء منه إلا بإذن رب المال وهل يملك العامل حصته من الربح قبل القسمة على روايتين.
وإن طالب العامل البيع فأبى رب المال أجبر إن كان فيه ربح وإلا فلا.
ـــــــ
مسألة: من أتلفه ضمن الربح للآخر ثم إن كان تلفه بعد التصرف فالمضاربة بحالها وإلا فهي في قدر ثمنها.
"وإذا ظهر الربح لم يكن للعامل أخذ شيء منه" لأمور أحدها: أن الربح وقاية لرأس المال فلا يأمن الخسران الذي ينجبر بالربح الثاني: أن رب المال شريكه فلم يكن له مقاسمة نفسه الثالث: أن ملكه غير مستقر عليه لأنه بعرضية أن يخرج عن يده لجبران خسارة المال "إلا بإذن رب المال" لأن الحق لا يخرج عنها ظهر منه أنه يحرم قسمةالربح والعقد باق إلا باتفاقهما
"وهل يملك العامل حصته من الربح قبل القسمة؟ على روايتين" إحداهما: وهي المذهب والمجزوم بها عند الأكثر أنه يملك حصته منه بظهوره لأن الشرط صحيح فيثبت مقتضاه وهو أن يكون له جزء من الربح وكما يملك الساقي حصته من الثمرة بظهورها في الأصح والثانية: لا يملكه إلا بالقسمة اختارها القاضي وغيره لأنه لو ملكه به لاختص بربحه ولوجب أن يكون شريكا لرب المال كشريكي العنان ولأنه لو اشترى عبدين بالمال كل واحد يساويه فأعتقهما رب المال عتقا ولم يضمن للعامل شيئا ذكره الأزجي مع أنه ذكر لو اشترى قريبه فعتق لزمه حصته من الربح كما لو أتلفه والثالثة: يملكه بالمحاسبة وإن انفسخ القراض والمال عرض فرضي رب المال أن يأخذ بماله عرضا والتنضيض والفسخ فعلى الأولى: لا يستقر كشرطه ورضاه بضمانه وفي عتق من يعتق عليه وقيل: ولو لم يظهر ربح وجهان
فرع: إتلاف المالك كالقسمة فيغرم نصيب الآخر وكذا الأجنبي
"وإن طلب العامل البيع فأبى رب المال أجبر" أي: على البيع "إن كان فيه ربح" نص عليه لأن حق العامل في الربح لا يظهر إلا بالبيع فأجبر الممتنع من أدائه كسائر الحقوق "وإلا فلا" أي: إذا لم يظهر ربح لم يجبر الممتنع على

وإن انفسخ القراض والمال عرض فرضي رب المال أن يأخذ بماله عرضا أو طلب البيع فله ذلك.
ـــــــ
البيع لأنه لاحق للعامل فيه وقد رضيه مالكه كذلك فلا يجبر على بيعه وقيل: يجبر مطلقا لأنه ربما زاد فيه راغب فزاد على ثمن المثل فيكون للعامل فيه حظ ورد بأنها حصلت بعد الفسخ فلم يستحقها العامل فعلى تقدير الخسارة يتجه منعه من ذلك ذكره الأزجي.
فرع: للعامل شراء البعض من المالك إن لم يظهر ربح وقيل: مطلقا وكذا من نفسه ويحتمل أن لا يصح مطلقا
"وإن انفسخ القراض والمال عرض فرضي رب المال أن يأخذ بماله عرضا" أي: فله تقويمه ودفع حصته لأنه أسقط البيع عن المضارب وأخذ العروض بثمنها الذي يحصل من غيره وحينئذ يملكها نص عليه إن لم يكن حيلة فإن ارتفع السعر لم يطالبه بقسطه في الأصح قال ابن عقيل لو قصد رب المال الحيلة ليختص بالربح بأن كان العامل اشترى خزا في الصيف ليربح في الشتاء أو يرجو دخول موسم أو قفل أن حقه يبقى في الربح قال الأزجي أصل المذهب أن الحيل لا أثر لها.
"أو طلب" رب المال "البيع فله ذلك" أي: يجبر العامل على بيعه وقبض ثمنه حيث لم يرض المالك هذا هو الأصح لأن عليه رد المال ناضا كما أخذه
والثاني: لا يجبر إذا لم يكن في المال ربح او أسقط حقه منه لأنه بالفسخ زال تصرفه وصار أجنبيا من المال أشبه الوكيل إذا اشترى ما يستحق الرد فأخره حتى زالت الوكالة وإذا لم يلزمه ففي استقراره بالفسخ وجهان وذكر المؤلف وغيره يلزمه بقدر رأس المال
فرع: إذا كان رأس المال دنانير فصار دراهم أو بالعكس فكعرض ذكره الأصحاب وقال الأزجي إن قلنا: هما شيء واحد وهو قيمة الأشياء لم يلزمه ولا فرق لقيام كل واحد مقام الآخر وإذا نض رأس المال لم يلزم العامل أن ينض له الباقي لأنه شركة بينهما ولو كان صحاحا فنض قراضة أو

وإن كان دينا لزم العامل تقاضيه وإن قارض في المرض فالربح من رأس المال وإن زاد على أجرة المثل ويقدم به على سائر الغرماء وإن مات المضارب لم يعرف مال المضاربة فهو دين في تركه وكذلك الوديعة.
ـــــــ
مكسرة لزم العامل ردها إلى الصحاح فيبيعها بصحاح أو بعرض ثم يشتريها به.
"وإن كان دينا لزم العامل تقاضيه" مطلقا أي: إن ظهر ربح أولا لأن المضاربة تقتضي رد المال على صفته والديون لا تجري مجرى الناض فلزمه ذلك كما لو ظهر ربح وقيل: يلزمه في قدره ولا يلزم وكيلا وذكر أبو الفرج يلزمه رده على حاله إن فسخ بلا إذنه قال وكذا شريكا "وإن قارض في المرض" صح لأنه عقد ينبغي فيه الفضل أشبه المعاوضة "فالربح من رأس المال" ولا يحتسب به من ثلثه "وإن زاد على أجر المثل" لأن ذلك غير مستحق من مال رب المال وإنما حصل بعمل المضارب فيما يوجد منه يحدث على ملك العامل ولا يزاحم به أصحاب الوصايا لأنه لو أقرض المال كان الربح كله للمقترض فبعضه أولى بخلاف ما لو حابى الأجير في الأجر فإنه يحتسب بالمحاباة من ثلثه لأن الأجر يؤخذ من ماله.
"ويقدم به على سائر الغرماء" أي: إذا مات رب المال لأنه يملك الربح بالظهور فكان شريكا فيه ولأن حقه متعلق بعين المال لا الذمة فكان مقدما على مايتعلق بالذمة كالجناية أو يقال حقه متعلق بالمال قبل الموت فكان أسبق فقدم كالرهن
فرع: إذا شرط في المزارعة والمساقاة أكثر من أجر المثل فقيل مثلها لأن الثمرة تخرج من ملكهما كالربح وقيل: من ثلثه كالأجير.
"وإن مات الضارب" نص عليه وعنه: غيرفجأة "ولم يعرف مال المضاربة" أي: جهل "فهو دين في تركته" أي: صاحبه أسوة الغرماء عملا بالأصل ولأنه لما أخفاه ولم يعينه فكأنه غاصب فيتعلق بذمته وكما لو جن جنونا مطبقا مأيوسا من برئه ذكره في الرعاية الكبرى "وكذلك الوديعة" لاستوائهما في المعنى والأصح أنها في تركته وفيها في الترغيب إلا أن يموت فجأة وزاد في التلخيص أو يوصي

فصل
والعامل أمين والقول قوله فيما يدعيه من هلاك وخسران.
ـــــــ
إلى عدل ويذكر جنسها كقوله قميص فلم يوجد وإن مات وصي وجهل بقاء مال موليه قال في الفروع فيتوجه كذلك قال شيخنا هو في تركته.
مسألة: إذا مات رب المال منع المضارب من البيع والشراء إلا بإذن الوارث نص عليه وظاهره: بقاء العامل على قراضه لأنه إتمام له لا ابتداء قراض وحكى القاضي وجها وفي المغني هو أقيس بطلانه لأن القراض قد بطل بالموت وهذا ابتداء قراض على عروض نعم لو كان ناضا كان ابتداء قراض والربح مشترك بينهما.
وقال القاضي: للعامل البيع حتى ينض المال ويظهر الربح إلاأن يختار رب المال تقويمه ودفع الخصومة فله ذلك وعليه يحمل كلام أحمد.
وإن أراد المضاربة والمال عرض فمضاربة مبتدأة وإن مات العامل أو جن فإن كان المال ناضا جاز وكذا إن كان عرضا في قول.
ولو أراد المالك تقرير وارثه فمضاربة مبتدأة ولا يبيع عرضا بلا إذنه فيبيعه حاكم ويقسم الربح.
فصل
"والعامل أمين" لأنه متصرف في مال غيره بإذنه لا لمحض منفعته فكان أمينا كالوكيل بخلاف المستعير فإنه قبضه لمنفعته خاصة "والقول قوله فيما يدعيه من هلاك وخسران" لأن تأمينه يقتضي ذلك ولأنه مدعى عليه وهو ينكره والقول قول المنكر مع يمينه وكما يقبل قوله في قدر رأس المال إجماعا ذكره ابن المنذر وذكر الحلواني فيه روايات كعوض كتابة والثالثة: يتحالفان وجزم أبو محمد الجوزي بقول رب المال.

وما يذكر أنه اشتراه لنفسه أو للقراض وما يدعى عليه من خيانة والقول قول رب المال في رده إليه والجزء المشروط للعامل وفي الإذن في البيع نساء أو الشراء بكذا.
ـــــــ
"وما يذكر أنه اشتراه لنفسه أو للقراض" لأن الاختلاف هنا في نيته وهو أعلم بها فقبل قوله فيما نواه كنية الزوج في كناية الطلاق فلو اشترى شيئا فقال المالك كنت نهيتك عن شرائه فأنكره العامل قبل قوله لأن الأصل عدم النهي وكما يقبل قوله في أنه ربح أم لا.
"وما يدعى عليه من خيانة" أو تفريط لما ذكرنا "والقول قول رب المال" مع يمينه "في رده إليه" نص عليه لأنه قبض المال لمنفعة نفسه فلم يقبل قوله في الرد كالمستعير ولأن رب المال منكر فقدم قوله وقيل: يقبل قول العامل لأنه أمين ومعظم النفع لرب المال فالعامل كالمودع وهو مبني على دعوى الوكيل الرد إذا كان يجعل قاله في الشرح
"والجزء المشروط للعامل" أي: إذا اختلفا في قدر المشروط بعد الربح قدم قول المالك نص عليه في رواية ابن منصور وسندي وهو قول أكثرهم لأنه منكر للزيادة التي ادعاها العامل والقول قول المنكر وكقبوله في صفة خروجه عن يده.
"وفي الإذن في البيع نساء أو الشراء بكذا" أي: إذا أنكر رب المال بأن قال إنما أذنت في البيع حالا وفي الشراء بثلاثة قدم قوله وحكاه في الشرح قولا لأن الأصل عدم الإذن والقول قوله في أصل الإذن فكذا في صفته والمنصوص أنه يقبل قول العامل لأنهما اتفقا على الإذن واختلفا في صفته كما لو قال نهيتك عن شراء عبد فأنكر وهذا هوالمذهب في البيع نساء وما جزم به المؤلف لا نعرف به رواية ولا وجهاً غير أن صاحب المستوعب حكى بعد هذا أن ابن أبي موسى قال ويتجه أن يكون القول قول رب المال فظن بعضهم أنه وجه والفرق بينهما ظاهر لأنه لم يوجد في الأذن في المقدار قرينة تدل على صدق العامل والأصل ينفي قوله فوجب العمل به لوجود مقتضاه بخلاف الإذن في البيع

وحكي عنه أن القول قول العامل إن ادعى أجرة المثل.
وإن قال العامل: ربحت ألفا ثم خسرتها أو هلكت قبل قوله وإن قال غلطت لم يقبل قوله.
ـــــــ
نساء فإن فيه قرينة تدل على صدق العامل فعارضت الأصل إذ عقد المضاربة يقتضي الربح والنساء مظنته.
"وحكي عنه أن القول قول العامل إن ادعى أجرة المثل" زاد في المغني و الشرح تبعا لابن عقيل أو ما يتغابن الناس به لأن الظاهر صدقه فلو ادعى أكثر قبل قول رب المال كالزوجين إذا اختلفا في الصداق
"وإن قال العامل ربحت ألفا ثم خسرتها أو هلكت قبل قوله" لأنه أمين يقبل قوله كالوكيل المتبرع "وإن قال: غلطت" أو كذبت أو نسيت "لم يقبل قوله" لأنه مقر فلا يقبل قوله في الرجوع عن إقراره كدعواه أقتراضا تمم به رأس المال بعد إقراره به لرب المال وعنه: يقبل لأمانته ونقل أبوداود ومهنا إذا أقر بربح ثم قال إنما كنت أعطيك من رأس مالك يصدق قال أبو بكر وعليه العمل ويتخرج أن لا يقبل إلا ببينة لأنه مدع للغلط فإذا قامت البينة عليه قبل كسائر الدعاوي.
تنبيه: إذا دفع إليه مبلغا يتجر فيه فربح فقال العامل هو قرض ربحه لي وقال المالك هو قراض ربحه بيننا قبل قول المالك لأنه ملكه فكان القول قوله في صفة خروجه عن يده فإذا حلف قسم الربح بينهما وقيل: يتحالفان وللعامل أكثر الأمرين مما شرط له من الربح أو أجرة مثله فإن أقام كل منهما بينة فنص أحمد أنهما يتعارضان ويقسم الربح بينهما وهو معنى كلام الأزجي وقدم في الفروع تقدم بينة عامل لأنه خارج وقيل: عكسه.

فصل
الثالث: شركة الوجوه وهي أن يشتركا على أن يشتريا بجاههما دينا فما ربحا فهو بينهما وكل واحد منهما وكيل صاحبه كفيل عنه بالثمن والملك بينهما على ما شرطا والوضيعة على قدر ملكيهما فيه والربح بينهما على ما شرطاه.
ـــــــ
فصل
"الثالث: شركة الوجوه" سميت به لأنهما يعاملان فيها بوجههما والجاه والوجه واحد يقال فلان وجيه إذا كان ذا جاه وهي جائزة إذ معناها وكالة كل واحد منهما صاحبه في الشراء والبيع والكفالة بالثمن وكل ذلك صحيح لاشتمالها على مصلحة من غيرمضرة. "وهي أن يشتركا على أن يشتريا بجاهيهما دينا" أي: في ذممهما من غيرأن يكون لهما مال "فما ربحا فهو بينهما" على ما شرطاه وسواء عين أحدهما لصاحبه ما يشتريه أو قدره أو وقت أو لم يعين شيئا من ذلك فلو قال كل منهما للآخر ما اشتريت من شيء فبيننا صح. "وكل واحد منهما وكيل صاحبه كفيل عنه بالثمن" لأن مبناها على الوكالة والكفالة لأن كل واحد منهما وكيل للآخر فيما يشتريه ويبيعه كفيل عنه بالثمن.
"والملك بينهما على ما شرطاه" لقوله عليه السلام: "المؤمنون على شروطهم" ولأن العقد مبناه على الوكالة فتقيد بما أذن فيه.
"والوضيعة على قدر ملكيهما فيه. كشركة العنان لأنها في معناها "والربح على ما شرطاه" لأن العمل منهما قد يتساويان فيه فكان الربح بحسب الشرط كالعنان فإذا كان لأحدهما ثلث الربح كان له ثلث المشتري وإن كان له نصفه كان له نصف المشتري لأن الأصل في الربح المال فكل جزء من الربح

ويحتمل أن يكون على قدر مالكيهما وهما في التصرفات كشريكي العنان الرابع: شركة الأبدان وهي ان يشتركا فيما يكتسبان بأبدانهما فهي شركة صحيحه.
ـــــــ
بإزاء جزء من المال فاذا علم نصيب أحدهما من الربح علم قدر ما يملكه من المال لأنه تابع له.
"ويحتمل أن يكون على قدر ملكيهما" قاله القاضي وجزم به في الفصول لأن الربح يستحق بالضمان إذ الشركة وقعت عليه خاصة إذ لا مال لهما فيشتركان فيه على العمل والضمان لا تفاضل فيه فلا يجوز التفاضل في الربح والأول المذهب لأنهما شريكان في المال والعمل فجاز تفاضلهما في الربح مع تساويهما في المال كشريكي العنان.
"وهما في التصرفات كشريكي العنان" يعني فيما يجب لهما وعليهما وفي إقرارهما وخصومتهما وغير ذلك على ما مر وهل ما يشتريه أحدهما بينهما أم تعتبر النية كوكالة فيه وجهان قال في الفروع ويتوجه في عنان مثله وقطع جماعة النية
فرع: إذا قضى بمال المضاربة دينه ثم اتجر بوجهه وأعطى رب المال نصف الربح فنقل صالح أما الربح فأرجو إذا كان متفضلا عليه.
فصل
"الرابع: شركة الأبدان" وبدأ بها في المحرر "وهي أن يشتركا" أي: اثنان فأكثر "فيما يكتسبان بأبدانهما" أي: يشتركون فيما يكتسبون بأيديهم وصنائعهم فما رزق الله فهو بينهم وفي الفروع وهي أن يشتركا فيما يتقبلان في ذممهما من عمل.
"فهي شركة صحيحة" نص عليه لما روى أبو داود بإسناده عن عبد الله قال اشتركت أنا وسعد وعمار يوم بدر فلم أجىء أنا وعمار بشيء وجاء سعد

وما يتقبله أحدهما من العمل يصير في ضمانهما يطالبان به ويلزمهما عمله فهل تصح مع اختلاف الصنائع على وجهين وتصح في الاحتشاش والاصطياد والتلصص على دار الحرب وسائر المباحات.
ـــــــ
بأسيرين ومثله لا يخفى عن النبي صلى الله عليه وسلم وقد أقرهم وقال أحمد: أشرك بينهم النبي صلى الله عليه وسلم فإن قلت المغانم مشتركة بين الغانمين فكيف يصح اختصاص هؤلاء بالشركة فيها وقال بعض الشافعية غنائم بدر كانت لمن أخذها قبل أن يشرك بينهم بدليل أنه يقال من أخذ شيئا فهو له فكان من قبيل المباحات ويجوز أن يكون شرك بينهمم فيما يصيبونه من الأسلاب والنفل وبأن الله إنما جعل الغنيمة لنبيه واختلفوا في الغنائم فانزل الله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ} [الأنفال:1] الآية والشركة كانت قبل ذلك والربح على ما شرطاه نص عليه.
"وما يتقبله أحدهما من العمل يصير في ضمانهما يطالبان به ويلزمهما عمله" لأن شركة الأبدان لاتنعقد إلا على ذلك وذكر المؤلف عن القاضي احتمالا لا يلزم أحدهما ما يلزم الآخر كالوكيلين.
"فهل تصح مع اختلاف الصنائع؟" كقصار مع خياط "على وجهين" الأصح الصحة لأنهما اشتركا في تكسب مباح فصح كما لو اتفقت الصنائع والثاني: لا يصح اختاره أبوالخطاب لأن مقتضاها أن ما يتقبله كل واحد من العمل يلزمهما ويطالبان به ولا يتأتى ذلك مع اختلاف صنائعهما لأنه لا قدرة له عليه ورد بأن تحصيل ذلك يمكنه بالأجرة أو بمن يتبرع له بعمله.
تنبيه: لا يشترط محل عملهما ولا تساويهما فيه ولكل واحد منهما طلب الأجرة وللمستأجر دفعها إلى أحدهما ومن تلف بيده بغير تفريط لم يضمن وإن فرط أو تعدى ضمن فقط فإذا أقر أحدهما بما في يده قبل عليه وعلى شريكه لأن اليد له ولا يقبل إقراره بما في يد شريكه لأنه لا يد له على ذلك.
"وتصح في الاحتشاش" لأنه اشتراك في مكسب مباح كالقصارة "والاصطياد والتلصص على دار الحرب وسائر المباحات" كالحطب والثمار المأخوذة من

فإن مرض أحدهما فالمكسب بينهما فإن طالبه الصحيح ان يقيم مقامه لزمه ذلك وإن اشتركا على أن يحملا على دابتيهما والأجرة بينهما صح وإذا تقبلا حمل شيء فحملاه عليهما
ـــــــ
الجبال والمعادن وهذا هو الأصح فيهن ونص أحمد في رواية أبي طالب واحتج له بالاشتراك في الغنيمة فقال يشتركان فيما يصيبان من سلب المقتول لأن القاتل يختص به دون الغانمين. "فإن مرض أحدهما فالمكسب بينهما" أي: إذا عمل أحدهما دون الآخر فالمكسب بينهما نص عليه في رواية إسحاق بن ماهان قاله ابن عقيل واحتج له الإمام بحديث سعد وسواء ترك العمل لعذر أو غيره وهو الأصح فيه.
"فإن طالبه الصحيح أن يقيم مقامه لزمه ذلك" لأنهما دخلا على أن يعملا فإذا تعذر العمل بنفسه لزمه أن يقيم مقامه توفية للعقد ما يقتضيه فإن امتنع فللآخر الفسخ.
فرع: تصح شركة شهود قاله الشيخ تقي الدين ولأحدهما أن يقيم مقامه إن كان على عمل في الذمة وإن كان الجعل على شهادته بعينه فالاصح جوازه وموجب العقد المطلق التساوي في العمل والأجر ولو عمل أكثر ولم يتبرع طالب بالزيادة وكذا الخلاف في شركة الدلالين وجزم في الترغيب وغيره وهو الأشهر بعدم صحتها لأنه لا بد فيها من وكالة وهي على هذا الوجه لا تصح كآجر دابتك والأجرة بيننا.
"وإن اشتركا على أن يحملا على دابتهما والأجرة بينهما صح" لأن الحمل في الذمة وهو نوع اكتساب والدابتان آلتان أشبها الأداة ولو اشتركا في أجرو عين الدابتين أو أنفسهما إجارة خاصة لم يصح
"وإذا تقبلا حمل شيء فحملاه عليهما" أوعلى غير الدابتين صحت الشركة لأن تقبلهما الحمل أثبت الضمان في ذمتهما ولهما أن يحملا بأي

صحت الشركة والأجرة بينهما على ما شرطاه وإن آجراهما بأعيانهما فلكل واحد منهما أجرة دابته.
ـــــــ
ظهر كان أشبه ما لو تقبلا قصارة فقصراها بغير أداتهما "والاجرة بينهما على ما شرطاه" كشركة الوجوه وقيل: نصفين كما لو أطلقا.
"وإن آجراهما بأعيانهما فلكل واحد منهما أجرة دابته" أي: إذا آجرا دابتيهما بأعيانهما على حمل شيء بأجرة معلومة واشتركا على ذلك لم تصح الشركة في الأصح واستحق كل منهما أجرة دابته لأنه لم يجب ضمان الحمل في ذمتهما وإنما استحق المكتري منفعة البهيمة التي استأجرها ولهذا تنفسخ الإجارة بموت الدابة المستأجرة إذ الشركة إنما تنعقد على الضمان في ذممهما أو على عملهما وهذا ليس بواحد منهما وهذا يتضمن الوكالة. وعلى هذا الوجه لا تصح ولهذا لو قال آجر عبدك والأجرة بيننا أربعة والثمن بيننا لم يصح وقيل: بلى وحكاه في المغني احتمالا كما لو اشتركا فيما يكتسبان بأبدانهما من المباح فإن أعان أحدهما صاحبه في التحميل والنقل فله أجرة مثله لأنها منافع وفاها بشبهة عقد.
تنبيه: اشترك اثنان لأحدهما آلة قصارة ولآخر بيت يعملان بها فيه صح ولو اشترك ثلاثة لأحدهم دابة وللآخر راويه ومن الثالث: العمل على ما رزق الله بينهم فهو صحيح ويعمل به على ما اتفقوا عليه وقال القاضي: العقد فاسد فعلى هذا الأجر كله للسقاء وعليه لصاحبيه أجرة المثل واقتصر عليه في الفصول لأن هذا ليس شركة ولا مضاربة لأنه لا يجوز أن يكون رأس مالهما العروض ولا إجارة لافتقارها إلى مدة معلومة واجر معلوم والأول المذهب لأنها عين تنمى بالعمل عليها وكذا الخلاف لو كانوا أربعة لأحدهم دابة ولآخر رحى ولثالث دكان ومن الرابع العمل.
مسألة: قال ابن عقيل وغيره لو دفع شبكة إلى صياد ليصيد بها السمك بينهما نصفين فالصيد كله للصياد ولصاحب الشبكة أجرة مثلها وقياس قول احمد

وإن جمعا بين شركة العنان والأبدان والوجوه والمضاربة صح.
فصل
الخامس: شركة المفاوضة وهي أن يدخلا في الشركة الأكساب النادرة كوجدان لقطة أو ركاز وما يحصل لهما من ميراث وما يلزم احدهما من ضمان غصب.
أو أرش جناية ونحو ذلك فهذه شركة فاسدة.
ـــــــ
صحتها فما رزق الله فهو بينهما على ما شرطاه لأنها عين تنمى بالعمل فصح دفعها ببعض نمائها كالأرض وقفيز الطحان ان يعطى الطحان أقفزة معلومة يطحنها بقفيز دقيق منها ينبني على ذلك.
فرع: دفع دابته إلى آخر بعمل عليها وما رزق الله بينهما نصفين او ما شرطاه صح نص عليه لأنها عين تنمي بالعمل عليها فصحت ببعض نمائها كالنقدين وفي الفصول هي مضاربة على القول بصحتها في العروض وليست شركة نص عليه وقيل: لا تصح والربح كله لرب المال وللعامل أجرة مثله.
"وإن جمعا بين شركة العنان والأبدن والوجوه والمضاربة صح" لأن كل واحد منها يصح منفردا فصح مع غيره قال ابن المنجا: وكما لو ضم ماء طهورا إلى مثله وهذا هو أحد قسمي شركة المفاوضة.
فصل
"الخامس: شركة المفاوضة" وهي مفاعلة يقال فاوضه مفاوضة أي: جازاه وتفاوضوا في الأمر أي: فاوض بعضهم بعضا "وهي أن يدخلا في الشركة الأكساب النادرة كوجدان" بكسر الواو مصدر وجد "لقطة أو ركاز وما يحصل لهما من ميراث وما يلزم أحدهما من ضمان غصب أو أرش جناية ونحو ذلك فهذه شركة فاسدة" نص عليه لأنه يكثر فيها

ـــــــ
الغرر ولم تصح بين مسلم وذمي فلم تصح بين المسلمين كسائر العقود المنهي عنها ولأن حصول الكسب فيها وهم ولأنها تضمنت كفالة وغيرها مما لا يقتضيه العقد فكانت باطلة.
والثاني: تفويض كل منهما إلى صاحبه شراء وبيعا ومضاربة وتوكيلا وابتياعا في الذمة ومسافرة بالمال وارتهانا وضمان ما يرى من الأعمال فشركة صحيحةوكذا لو اشتركا في كل ما ثبت لهما أو عليهما إن لم يدخلا فيها كسبا نادرا وغرامه وأطلق في المحرر إن شرط أن يشتركافي كل ما ثبت لهما أو عليهما كشرط فاسد وذكره في الرعاية قولا وفي طريقة بعض أصحابنا شركة المفاوضة أن يقول أنت شريكي في كل ما يحصل لي بأي جهة كانت من إرث وغيره وفيها روايتان المنصور لا يصح. والله أعلم.

باب المساقاة
تجوز المساقاة في النخل وفي كل شجر له ثمر مأكول ببعض ثمرته،
ـــــــ
باب المساقاةهي مفاعلة من السقي لأنه أهم أمرها وكانت النخل بالحجاز تسقى نضحا أي: من الآبار فيعظم أمره وتكثر مشقته وهي عبارة أن يدفع إنسان شجرة إلى آخر ليقوم بسقيه وما يحتاج إليه بجزء معلوم له من ثمره قاله في المغني والشرح وليس بجامع لخروج ما يدفعه إليه ليغرسه ويعمل عليه ولا بمانع لدخول ماله ثمر غير مقصود كالصنوبر.
و الأصل في جوازها السنة فمنها ما روى ابن عمر قال عامل النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع متفق عليه وقال أبو جعفر عامل النبي صلى الله عليه وسلم أهل خيبر بالشطر ثم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ثم أهلوهم إلى اليوم يعطون الثلث أو الربع وهذا عمل به الخلفاء الراشدون ولم ينكر فكان كالإجماع.
"تجوز المساقاة في النخل" وعليه اقتصر داود "وفي كل شجر له ثمر مأكول" لأن الحاجة تدعو إلى ذلك لأن كثيرا من الناس لا شجر لهم ويحتاجون إلى الثمر ففي تجويز المساقاة دفع الحاجتين وحصول المنفعة لهما فجاز كالمضاربة والمنتفع به كالمأكول ومقتضى ما ذكروه أنها لا تصح على ما لا ثمر له كالحور أو له ثمر غير مقصود كالصنوبر ذكره في المغني والشرح بغير خلاف نعلمه إذ ليس منصوصا عليه ولا هو في معنى المنصوص لكن إن قصد ورقة كالتوت أو زهره كالورد فالقياس جوازه لأنه في معنى الثمرة لكونه يتكرر كل عام ويمكن أخذه.
وقد يقال إن المنصوص يشمله.
"ببعض ثمرته" أي: بجزء مشاع كالثلث ونحوه للخبر لا على صاع أو آصع

وتصح بلفظ المساقاة والمعاملة وما في معناهما وتصح بلفظ الإجارة في أحد الوجهين.
ـــــــ
أو ثمرة نخلة بعينها لما فيه من الغرر إذ يحتمل أن لا يحصل إلا ذلك فيتضرر المالك أو يكثر الحاصل فيتضرر العامل وتكون التسمية له لأن المالك يستحق بالأصل ومقتضاه أن تكون من تلك الثمرة فلو شرط له ثمر نخل غيرالذي ساقاه عليه أو ثمرة سنة غيرالذي ساقاه عليها لم يصح لمخالفة موضوعها ولا فرق فيه بين السقي والبعل عند من يجوزها.
أصل: لا يقال ابن عمر قد رجع عماروى لقوله كنا نخابر أربعين سنة حتى حدثنا رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المخابرة لأنه لا يجوز حمل حديث رافع على ما يخالف الإجماع لأنه عليه السلام لم يزل يعامل أهل خيبر حتى مات ثم عمل به الخلفاء ثم من بعدهم فكيف يتصور نهيه عليه السلام عن ذلك وقد روى طاووس أن أعلمهم يعني ابن عباس أخبر أنه صلى الله عليه وسلم لم ينه عنه وقال: "لأن يمنح أحدكم أخاه أرضا خيرا له من أن يأخذ عليه أجرا معلوما" متفق عليه ثم حديث رافع محمول على ما قلنا: لما روي البخارى بإسناده قال كنا أكثر الأنصار حقلا فكنا نكري الأرض على أن لنا هذه ولهم هذه فربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه فنهانا عنه فأما الورق فلم ينهنا.
ورجوع ابن عمر يحتمل أنه رجع عن شيء من المعاملات الفاسدة مع أن فيه اضطرابا قال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسأل عن حديث رافع فقال يروى فيه ضروب كأنه يريد اختلاف الروايات عنه.
"وتصح" من كل جائز التصرف "بلفظ المساقاة" لأنها موضوعها حقيقة "والمعاملة" لقوله عامل أهل خيبر "وما في معناهما" كفالحتك واعمل في بستاني هذا حتى تكمل ثمرته لأن القصد المعنى فإذا أتى بلفظ دال عليه صح كالبيع.
"وتصح" هي ومزارعة "بلفظ الإجارة في أحدالوجهين" جزم به في الوجيز لأنه مؤد للمعنى فصح به العقد كسائر الألفاظ المتفق عليها والثاني: لا واختاره

وقد نص أحمد في رواية جماعة فيمن قال آجرتك هذه الأرض بثلث ما يخرج منها أنه يصح وهذه مزارعة بلفظ الإجارة ذكره أبو الخطاب وقال أكثر أصحابنا هي إجارة والأول أقيس وأصح وهل تصح على ثمرة موجودة على روايتين.
ـــــــ
أبو الخطاب لأن الإجارة يشترط لها ما لا يشترط للمساقاة وهما مختلفان في اللزوم والجواز فلم تصح بلفظ الإجارة كما لا تصح بلفظ البيع.
"وقد نص أحمد في رواية جماعة فيمن قال آجرتك هذه الأرض بثلث ما يخرج منها أنه يصح وهذه مزارعة بلفظ الإجارة ذكره أبو الخطاب" فعبر بالإجارة عن المزارعة على سبيل المجاز كما يعبر عن الشجاع بالأسد فعلى هذا يكون نهيه عن كراء الأرض بثلث ما يخرج منها أنه ينصرف إلى الإجارة الحقيقية لا المزارعة.
"وقال: أكثر أصحابنا هي إجارة" لأنها مذكورة بلفظها فتكون إجارة حقيقية ويشترط فيها شروط الإجارة وتصح ببعض الخارج منها كما تصح بالدراهم ونص عليه واختاره الأكثر وعنه: لا اختاره ابوالخطاب والمؤلف وقيل: تكره وإن صح إجارة أو مزارعة فلم يزرع نظر إلى معدل المغل فيجب القسط المسمى فيه "والأول أقيس وأصح" دليلا عنده إذ الخبر يدل عليه واللفظ قد يعدل عن حقيقته إلى مجازه لدليل.
"وهل تصح على ثمرة موجودة؟" لم تكمل وعلى زرع نابت ينمي بالعمل "على روايتين" إحداهما: لا يجوز لأنه عليه السلام عامل أهل خيبر بشطر ما تخرج منها من ثمر أو زرع وذلك مفقود هنا ولأن الثمرة إذا ظهرت فقد حصل المقصود وصار بمنزلة مضاربته على المال بعد ظهور الربح والثانية: وهي الأصح الجواز لأنها إذا جازت في المعدوم مع كثرة الغرر فيها فمع وجودها وقلة الغرر فيها أولى ومحلها إذا بقي من العمل ما تزيد به الثمرة كالتأبير والسقي والإصلاح فإن بقي ما لا تزيد به كالجداد لم يجز بغير خلاف.

وإن ساقاه على شجر يغرسه ويعمل عليه حتى يثمر بجزء من الثمرة صح.
ـــــــ
"وإن ساقاه على شجر يغرسه ويعمل عليه حتى يثمر بجزء من الثمرة صح" في المنصوص قال في رواية ابي داود إذا قال لرجل اغرس في أرضي هذه شجرا أو نخلا فما كان من غلة فلك بعملك كذا فإجارة واحتج بحديث خيبر ولأن العمل وعوضه معلومان فصحت كالمساقاة على شجر موجود ويعتبر أن يكون الغراس من رب الأرض كالمزارعة فإن كان من العامل فعلى الروايتين في المزارعة إذا شرط البذر من العامل.
وقال القاضي: المعاملة باطلة وصاحب الأرض مخير بين تكليفه قلعها ويضمن له نقصها وبين تركها في أرضه ويدفع إليه قيمتها فإن اختار العامل قلع شجره فله ذلك سواء بذل له القيمة أو لا لأنه ملكه فلم يمنع من تحويله وإن اتفقا على إبقاء الغراس ودفع أجر الأرض جاز.
تنبيه: ظاهر نصه أنها تصبح بجزء من الشجر وبجزء منهما كالمزارعة وهي المغارسة والمناصبةاختاره أبو حفص العكبري والقاضي "تعليقه" والشيخ تقي الدين وذكره ظاهر المذهب ولو كان مغروسا ولو كان ناظر وقف وأنه لا يجوز لناظر بعده بيع نصيب الوقف بلا حاجة وان لحاكم الحكم بلزومها في محل النزاع فقط والحكم به من جهة عوض المثل ولو لم تقم به بينة لأنه الأصل في العقود قال في الفروع ويتوجه اعتبار بينة وقدم في المغني والشرح أنه لا يصح فلو دفعها إليه على أن الأرض والشجر بينهما فذلك فاسد بغير خلاف نعلمه.
فرع: عملا في شجر بينهما نصفين وشرطا التفاضل في ثمره صح كاشتراط العامل من كل نوع جزءا معلوما وكتعدده ويشترط لصحتها أن يكون الشجر معلوما كالبيع فإن ساقاه على بستان لم يره ولم يوصف له لم يصح كمساقاته على أحدهذين الحائطين.

والمساقاة عقد جائز في ظاهر كلامه لا تفتقر إلى ذكر مدة ولكل واحد منهما فسخها فمتى انفسخت بعد ظهور الثمرة فهي بينهما.
وإن فسخ العامل قبل ظهورها فلا شيء له وإن فسخ رب المال فعليه للعامل أجرة عمله.
وقيل: هي عقد لازم
ـــــــ
"والمساقاة عقد جائز في ظاهر كلامه" وكذا المزارعة أومأ إليه أحمد في رواية الأثرم وقد سئل عن الأكار يخرج من الضيعة من غيرأن يخرجه صاحبها فلم يمنعه من ذلك ذكره ابن حامد وقاله بعض المحدثين لما روى مسلم عن ابن عمر في قضية خيبر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نقركم على ذلك ما شئنا" ولو كان لازما لم يجز بغير تقدير مدة ولا أن يجعل الخيرة إليه في مدة إقرارهم ولأنها عقد على جزء من نماء المال فكانت جائزة كالمضاربة.
"لا تفتقر إلى ذكر مدة" لأنه عليه السلام لم يضرب لأهل خيبر مدة ولا خلفاؤه من بعده وكما لا تفتقر إلى القبول لفظا "ولكل واحد منهما فسخها" لأنه شأن العقود الجائزة "فمتى انفسخت بعد ظهور الثمرة فهي بينها" على ما شرطاه لأنها حدثت على ملكيهما ويلزم العامل تمام العمل كالمضارب.
"وإن فسخ العامل قبل ظهورها فلا شيء له" لأنه رضي بإسقاط حقه فهو كعامل المضاربة والجعالة "وإن فسخ رب المال" أي: قبل ظهور الثمرة "فعليه للعامل أجرة عمله" أي: أجرة مثله لأنه منعه من إتمام عمله الذي يستحق به العوض كجعالة وفارق رب المال في المضاربة إذا فسخها قبل ظهور الربح لأن هذا يفضي إلى ظهور الثمرة غالبا فلولا الفسخ لظهرت الثمرة فملك نصيبه منها بخلاف المضاربة فإنه لا يعلم إفضاؤها إلى الربح. "وقيل: هي عقد لازم" في قول أكثر الفقهاء لأنه عقد معاوضة فكان لازما كالإجارة إذ لو كانت جائزة لملك رب المال فسخها إذا ظهرت فيسقط سهم العامل فيتضرر.

يفتقر إلى ضرب مدة يكمل فيها الثمر وإن جعلا مدة لا تكمل فيها لم تصح وهل للعامل أجرة على وجهين وإن جعلا مدة قد تكمل فيها وقد لا تكمل فهل تصح على وجهين فإن قلنا: لا تصح فهل للعامل أجرة على وجهين.
ـــــــ
"يفتقر إلى ضرب مدة يكمل فيها الثمر" لأنهاأشبه بالإجارة لكونها تقتضي العمل مع بقائها ولا يتقدر أكثر المدة بل يجوز ما يتفقان عليه من المدة التي يبقى فيها الشجر وإن طالت وقيل: لا يجوز أكثر من ثلاثين سنة رد بأنه تحكم وتوقيت لا يصار إليه إلا بدليل.
"وإن جعلا مدة لا تكمل فيها لم تصح" لأن المقصود إشتراكهما في الثمرة ولا توجد في أقل منها.
"وهل للعامل أجرة؟ على وجهين" أي: إذا ظهرت الثمرة ولم تكمل فله أجرة مثله لأنه لم يرض إلا بعوض وهو جزء من الثمرة وهو موجود لكن لا يمكن تسليمه فاستحق أجرة المثل كالإجارة الفاسدة.
والثاني: لا شيء له لأنه رضي بالعمل بغير عوض فهو كالمتبرع وكما لو لم تظهر الثمرة. "وإن جعلا مدة قد تكمل فيها وقد لا تكمل "إو إلى الجداد أو إدراكها "فهل تصح؟" المساقاة "على وجهين" أصحهما: تصح لأن الشجر يحتمل أن يحمل ويحتمل عدمه والمساقاة جائزة فيه والثاني: لا تصح لأنه عقد على معدوم ليس الغالب وجوده فلم تصح كالسلم فعلى الأول له حصته من الثمرة.
"فإن قلنا: لا تصح فهل للعامل أجرة على وجهين" أظهرهما: وذكره في المغني وجها واحدا له أجر المثل لأنه لم يرض بغير عوض ولم يسلم إليه فاستحق أجر المثل سواء حملت أو لا.
والثاني: لا شيء له كما لو شرطا مدة لايكمل فيها الشجر غالبا.

وإن مات العامل تمم الوارث فإن أبى استؤجر على العمل من تركته فإن تعذر فلرب المال الفسخ فإن فسخ بعد ظهور الثمرة فهي بينهما وإن فسخ قبل ظهورها فهل له أجرة على وجهين.
ـــــــ
"وإن مات العامل" أو جن أو حجر عليه لسفه انفسخت على المذهب كرب المال وإن قيل بلزومها "تمم الوارث" لأنها عقد لازم كالإجارة "فإن أبى" لم يجبر لأن الوارث لا يلزمه من الحقوق التي على موروثه إلا ما أمكن دفعه من تركته والعمل ليس كذلك "استؤجر" أي: استأجر الحاكم "على العمل من تركته" لأن العمل كان عليه فوجب أن يتعلق بتركته كسائر ما عليه.
"فإن تعذر" أي: الاستئجار بأن لا تركة له "فلرب المال الفسخ" لأنه تعذر استيفاء المعقود عليه فثبت له الفسخ كما لو تعذر ثمن المبيع قبل قبضه.
"فإن فسخ بعد ظهور الثمرة فهي بينهما" لأنها حدثت على ملكيهما و كالمضاربة إذا انفسخت بعد ظهور الربح فيباع من نصيب العامل ما يحتاج إليه لأجر ما بقي من العمل وإن احتيج إلى بيع الجميع بيع ثم إن كانت الثمرة قد بدا صلاحها خير المالك بين البيع والشراء فإن اشترى نصيب العامل جاز وإن اختار باع نصيبه والحاكم نصيب العامل وبقية العمل عليهما.
وإن أبى باع الحاكم نصيب عامل فقط وما يلزمه يستأجر عنه والباقي لورثته وإن لم يبد صلاحها خير مالك فإن بيع لأجنبي لم يبع إلا بشرط القطع.
ولا يباع نصيب عامل وحده وفي شراء المالك له واستحقاق الميت أجرة وجهان وكذا الحكم إذا انفسخت المساقاة بموت العامل إذا قلنا: بجوازها وأبى الوارث العمل ذكره في الشرح وغيره.
"وإن فسخ قبل ظهورها فهل له أجرة على وجهين" أظهرهما: له الأجرة لأن العقد يقتضي العوض المسمى فإذا تعذر رجع في الأجرة كما لو فسخ بغير عذر والثاني: لا شيء له لأن الفسخ مستند إلى موته أشبه ما لو فسخ هو

وكذلك إن هرب العامل فلم يوجد له ما ينفق عليها فإن عمل فيها رب المال بإذن حاكم أو إشهاد رجع به وإلا فلا.
فصل
ويلزم العامل ما فيه صلاح الثمرة وزيادتها من السقي والحرث والزبار والتلقيح والتشميس وإصلاح طرق الماء وموضع التشميس ونحوه
ـــــــ
"وكذلك إن هرب العامل فلم يوجد له ما ينفق عليها" أي: حكمه حكم ما إذا مات لأنهما اشتركا في تعذر العمل وتضررالمالك بتعذر الفسخ وظاهره: أنه إذا وجد له مالا أو أمكنه الإقتراض عليه من بيت المال أو غيره فعل ذلك وكذا إذا وجد من يعمله بأجرة مؤجلة إلى وقت إدراك الثمرة والأولى: أن العامل لا يستحق أجرة لتركه العمل باختياره كما لو تركه منغير هرب مع القدرة عليه.
"فإن عمل فيها رب المال بإذن حاكم أو إشهاد رجع به" أي: بما أنفق لأن الحاكم نائب عن الغائب ولأنه إذا أشهد على الإنفاق مع عجزه عن إذن الحاكم فهو مضطر فإن أمكنه استئذان الحاكم فأنفق بنية الرجوع ولم يستأذنه فوجهان مبنيان على ما إذا قضى دينه بغير إذنه "وإلا فلا" أي: لا رجوع له إذا لم يوجد إذن ولا إشهاد لأنه متبرع بالإنفاق كما لو تبرع بالصدقة وحكم ما لو استأجر أو اقترض بإذن الحاكم حكم ما لو عمل فيها بإذنه. فرع: إذا بان الشجر مستحقا فله أجرة مثله على غاصبه واختار في التبصرة أنها جائزة من جهة عامل لازمة من جهة مالك مأخوذة من الإجارة وفيه شيء.
فصل
"ويلزم العامل ما فيه صلاح الثمرة وزيادتها من السقي والحرث والزبار والتلقيح والتشميس وإصلاح طرق الماء وموضع التشميس ونحوه" كآلة حرث وبقرة وتفريق زبل وقطع الحشيش المضر وقطع الشجر اليابس،

وعلى رب المال ما فيه حفظ الأصل من سد الحيطان وإجراء الأنهار وحفر البئر والدولاب وما يديره.
وقيل: كل ما يتكرر كل عام فهو على العامل ومالا فلا.
ـــــــ
وحفظ الثمر على الشجر إلى أن يقسم وإن كان مما يشمس فعليه تشميسه وفي الفنون وغيره والفأس النحاس تقطع الدغل لأنه يلزم العامل بإطلاق عقد المساقاة ما فيه صلاح الثمرة وزيادتها وهذا كله منه.
"وعلى رب المال ما فيه حفظ الأصل من سد الحيطان وإجراء الأنهار وحفر البئر والدولاب وما يديره" من آلة ودابة وجزم به الأكثر وشراء ما يلقح به وماء وتحصيل زبل وذكر المؤلف تبعا لابن أبي موسى أن بقر الدولاب على العامل لأنها ليست من العمل وذكر ابن رزين روايتين في بقر حرث وسقاية وما يلقح به.
"وقيل: كل ما يتكرر كل عام" كالحرث "فهو على العامل" قال في المغني وهذا أصح إلا في شراء ما يلقح به فإنه على رب المال وإن تكرر لأنه ليس من العمل "ومالا فلا" لأن ذلك لا تعلق له ومعناه أشبه ما فيه حفظ الأصل وفي الناظور لما بدا صلاحه وجهان.
وهذا كله إذا أطلق العقد فإن شرط أن يكون عليه ما يلزمه فهو تأكيد وإن شرط على أحدهما ما يلزم الآخر فمنعه القاضي وأبو الخطاب فتفسد المساقاة لأ نه شرط ينافي مقتضى العقد فأفسدته كالمضاربة إذا شرط العمل فيها على رب المال وقد نص أحمد على أن الجداد عليهما إلا أن يشرطه على العامل فيؤخذ منه صحة شرط كل واحد ما على الآخر أو بعضه لكن يعتبر ما يلزم كلا منهما معلوما وفي المغني وأن يعمل العامل أكثر العمل والأشهر يفسد الشرط وفي العقد روايتان وذكر أبو الفرج يفسد بشرط خراج أو بعضه على عامل قال الشيخ تقي الدين والسياج على المالك ويتبع في الكلف السلطانية العرف ما لم يكن شرط.

وحكم العامل حكم المضارب فيما يقبل قوله فيه وما يرد.
وإن ثبتت خيانته ضم إليه من يشاركه فإن لم يمكن حفظه استؤجر من ماله من يعمل العمل وإن شرط أن سقى سيحا فله الربع وإن سقى بكلفة فله النصف لم يصح في أحد الوجهين.
ـــــــ
"وحكم العامل حكم المضارب فيما يقبل قوله فيه وما يرد" لأن المالك قد ائتمنه أشبه المضارب وكذا في مبطل العقد وجزء مشروط وفي الموجز إن اختلفا فيما شرط له صدق عامل في أصح الروايتين ويحلف إن اتهم ذكره في المغني والشرح وذكر غيرهما للمالك ضم أمين بأجرة من نفسه.
"وإن ثبتت خيانته ضم إليه من يشاركه" لأنه أمكن دفع الضرر عن المالك بذلك مع بقاء العامل على عمله والأجرة عليه.
"فإن لم يمكن حفظه استؤجر من ماله من يعمل العمل" لأنه تعذر استيفاء العمل منه فليستوف بغيره كما لو هرب أو عجز عن العمل.
تنبيه: يملك العامل حصته من الثمرة بظهورها فلو تلفت إلا واحدة فهي بينهما وقيل: لا يملكه إلا بالمقاسمة كالمضاربة ورد بأن القراض يملك الربح فيه بالظهور ولا يجوز أن يجعل للعامل فضل دراهم زائدا على ما شرطه له من الثمرة بغير خلاف ولا أن يساقي غيره على الأرض أو الشجر.
"وإن شرط إن سقى سيحا" ونصبه أو على نزع الخافض "فله الربع وإن سقى بكلفة فله النصف" وإن زرعها شعيرا فله الربع وإن زرعها حنطة فله النصف "لم يصح في أحد الوجهين" هذا هو المذهب لأن العمل مجهول والنصيب مجهول وهو في معنى بيعتين في بيعة والثاني: يصح بناء على قوله في الإجارة إن خطته روميا فلك درهم وإن خطته فارسيا فلك نصف درهم قاله في الشرح وفيه شيء سيأتي وكقوله ما زرعت من شيء فلي نصفه لقصة أهل خيبر فإن زرعها جنسين فأكثر وبين قدر كل جنس وحقه منه صح وإلا فلا.

وإن قال: ما زرعت من شعير فلي ربعه وما زرعت من حنطة فلي نصفه أو ساقيتك على هذا البستان بالنصف على أن أساقيك الآخر بالربع لم يصح وجها واحدا.
ـــــــ
"وإن قال ما زرعت من شعير فلي ربعه وما زرعت من حنطة فلي نصفه" لم يصح لأن ما يزرعه من كل منها مجهول القدر فهو كما لو شرط له في المساقاة ثلث هذا النوع ونصف الآخر "أو ساقيتك على هذا البستان بالنصف على أن أساقيك الآخر بالربع لم يصح وجها واحدا" لأنه شرط عقدا في عقد فلم يصح كالبيع وكذا إذا قال لك الخمسان إن كانت عليك خسارة وإلا فلك الربع نص عليه وقيل: بلى.
فرع: إذا آجره الأرض وساقاه على الشجر فكجمع بيع وإجارة وإن كان حيلة فالمذهب بطلانه وذكر القاضي في إبطال الحيل جوازه ثم إن كانت المساقاة في عقد ثان فهل تفسد أولاهما فيه وجهان وإن جمعهما في عقد فكتفريق صفقة وللمستاجر فسخ الإجارة وقال الشيخ تقي الدين سواء صحت الإجارة أو لا فما ذهب من الشجر ذهب ما يقابله من العوض.

فصل في المزارعة
تجوز المزارعة بجزء معلوم يجعل للعامل من الزرع.
ـــــــ
فصل في المزارعةهي: مفاعلة من الزرع وهي دفع أرض وحب لمن يزرعه ويقوم عليه بجزء مشاع معلوم منه.
"تجوز المزارعة بجزء" مشاع "معلوم يجعل للعامل من الزرع" هذا قول أكثر العلماء قال البخاري قال أبو جعفر ما بالمدينة أهل بيت إلا يزرعون على الثلث والربع وزارع علي وابن مسعود وسعد وعمر بن عبد العزيز والقاسم وعروة وآل أبي بكر وآل عمر وابن سيرين وعامل عمر على أنه إن جاء

فان كان في الأرض شجر فزارعه على الأرض وساقاه على الشجر صح.
ـــــــ
بالبذر فله الشطر وإن جاؤوا بالبذر فلهم كذا.
وحكى أبو الخطاب في المساقاة رواية بمنعها وعن ابن عباس الأمران وحديث رافع وإن كان في الصحيحين ففيه اضطراب كثير قال ابن المنذر وقد أنكره فقيهان من الصحابة زيد بن ثابت وابن عباس لا يقال أحاديثكم محمولة على الأرض التي بين النخيل وأحاديث النهي على الأرض البيضاء لأنه بعيد من أوجه:
أولا: أنه يبعد أن تكون بلدة كبيرة يأتي منها أربعون ألف وسق وليس فيها أرض بيضاء وتبعد معاملتهم بعضهم على بعض لنقل الرواة القصة على العموم.
ثانيا: لا دليل على ما ذكرتم من التأويل وما قلنا: ه ورد مفسرا.
ثالثا: أن قولكم يفضي إلي تقييد كل من الحديثين وما ذكرناه فيه حمل أحدهما على الآخر.
رابعا: إن عمل الخلفاء والفقهاء من الصحابة وغيرهم دال على ما ذكرنا.
خامسا: إن مذهبنا صار مجمعا عليه فلا يجوز لأحد خلافه مع أن القياس يقتضيه لأن الأرض عين تنمي بالعمل فجازت المعاملة عليها ببعض نمائها كالمال في المضاربة والنخل في المساقاة والحاجة داعية إليها لكون أصحاب الأرض لا يقدرون على زرعها والأكثر يحتاجون إلى الزرع ولا أرض فاقتضت الحكمة جوازها قال الشيخ تقي الدين هي أحل من الإجارة لاشتراكهما في المغنم والمغرم.
"فإن كان في الأرض شجر فزارعه على الأرض وساقاه على الشجر صح" لأن كل واحد منهما عقد لو انفرد لصح فكذا إذا اجتمعا وسواء قل بياض الأرض أو كثر نص عليه وسواء تساوى نصيب العامل فيهما أو اختلف وسواء كان بلفظ المعاملة أو المساقاة فلو زارعه على أرض فيها شجر لم يجز للعامل اشتراط ثمرتها لأنه اشترط كل الثمرة فلم يجز كما لو كان الشجر

ولا يشترط كون البذر من رب الأرض وظاهر المذهب اشتراطه. وإن شرط رب الأرض أن يأخذ مثل بذره ويقتسما الباقي.
ـــــــ
أكثر من الثلث.
فرع: لا تجوز إجارة أرض وشجر فيها قال أحمد: أخاف أنه استأجر شجرا لم يثمر وذكر أبو عبيدة تحريمه إجماعا وجوزه ابن عقيل تبعا ولو كان الشجر أكثر لأن عمر ضمن حديقة أسيد بن حضير لما مات ثلاث سنين لوفاء دينه رواه حرب وغيره ولأنه وضع الخراج على أرض الخراج وهو أجرة وجوز الشيخ تقي الدين إجارة الشجر مفردا ويقوم عليها المستأجر كأرض لزرع فإن تلفت الثمرة فلا أجرة وإن نقصت عن العادة فالفسخ أو الأرش لعدم المنفعة المقصودة بالعقد وهو كجائحة.
"ولا يشترط كون البذر من رب الأرض" فيجوز أن يخرجه العامل في قول عمر وابن مسعود وغيرهما ونص عليه في رواية مهنا وصححه في المغني والشرح واختاره أبو محمد الجوزي والشيخ تقي الدين لأن الأصل المعول عليه في المزارعة قضية خيبر ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن البذر على المسلمين.
"وظاهر المذهب اشتراطه" نص عليه في رواية جماعة واختاره عامة الأصحاب لأنهما يشتركان في نمائه فوجب ان يكون رأس المال من أحدهما كالمضاربة ورد بأنه قياس في مقابلة نص ثم هو منقوض بما إذا اشترك مالان وبدن أحدهما.
تنبيه: إذا كان البذر بينهما نصفين وشرطا المناصفة في الزرع فهو بينهما سواء قيل بصحة المزارعة أو فسادها فإن حكم بصحتها لم يرجع أحدهما على الآخر بشيء وإن حكمنا بفسادها فعلى العامل نصف أجر الأرض وله على ربها نصف أجر عمله فيتقاصان بقدر الأقل منهما ويرجع أحدهما على الآخر بالفضل وإن شرطا التفاضل في الزرع فظاهر على الصحة وعلى الفساد الزرع بينهما على قدر البذر ويتراجعان كما ذكرنا.
"وإن شرط رب الأرض أن يأخذ مثل بذره ويقتسما الباقي" لم يصح كأنه

أو شرطا لأحدهما قفزانا معلومة أو دراهم معلومة أو زرع ناحية معينة من الأرض فسدت المزارعة والمساقاة ومتى فسدت فالزرع لصاحب البذر وعليه أجرة صاحبه.
وحكم المزارعة حكم المساقاة فيما ذكرنا.
ـــــــ
اشترط لنفسه قفزانا معلومة وهو شرط فاسد تفسد به المزارعة لأن الأرض لم تخرج إلا ذلك القدر فيختص به المالك وربما لا تخرجه وموضوعها على الاشتراك.
"أو شرطا لأحدهما قفزانا معلومة" لما ذكرنا "أو دراهم معلومة" لأنه ربما لا تخرج الأرض ما يساوي ذلك فيؤدي إلى الضرر "أو زرع ناحية من الأرض فسدت المزارعة والمساقاة" بإجماع العلماء كأن يشترط ما على الجداول قيل وهي المخابرة سواء كان منفردا أو شرطه مع نصيبه لأن الخبر الصحيح في النهي عنه غيرمعارض ولا منسوخ ولأنه ربما تلف ما عين له دون الآخر فينفرد أحدهما بالغلة دون صاحبه.
"ومتى فسدت فالزرع لصاحب البذر" لأنه عين ماله ينقلب من حال إلى حال وينمو فهو كأغصان الشجر إذا غرس "وعليه أجرة صاحبه" لأنه دخل على أن يأخذ ما سمي له فإذا فات رجع إلى بدله لكونه لم يرض بالعمل مجانا فعلى المذهب إن كان البذر من العامل فهو له وعليه أجرة مثل الأرض لربها وهي المخابرة وإن كان البذر من رب الأرض فهو له وعليه أجرة مثل العامل وإن كان منهما فالزرع بينهما ويتراجعان بالفاضل.
فرع: يشترط معرفة جنس البذور ولو تعدد وقدره فلو دفعه إلى صاحب أرض ليزرعه فيها وما يخرج يكون بينهما فهو فاسد لأن البذر ليس من رب الأرض ولا من العامل فالزرع لمالك البذر وعليه أجرة الأرض والعمل وقيل: يصح مأخوذ من مسألة الاشتراك.
"وحكم المزارعة حكم المساقاة فيما ذكرنا" أي: من الجواز واللزوم وأنها لا

والحصاد على العامل نص عليه وكذلك الجداد وعنه: أن الجداد عليهما وإن قال أنا أزرع الأرض ببذري وعواملي وتسقيها بمائك والزرع بيننا فهل تصح؟ على روايتين.
ـــــــ
تجوز إلا بجزء مشاع معلوم للعامل وما يلزمه ورب الأرض وغير ذلك من أحكامها لأنها معاملة على الأرض ببعض نمائها.
"والحصاد على العامل نص عليه" لقصة خيبر ولأنه من العمل الذي لا يستغنى عنه وقيل: عليهما للاشتراك فيه وفي الموجز فيه وفي دياس وبذره وحفظه ببيدره روايتا جداد واللقاط كالحصاد ويكرهان ليلا نص عليه.
"وكذلك الجداد" أي: على العامل لأنه من العمل فكان عليه كالتشميس "وعنه: أن الجداد عليهما" وهو الأصح بصحتهما لأنه يوجد بعد تكامل النماء أشبه نقله إلى منزله ونصر في المغني والشرح الأول ونقض دليل الثانية: بالتشميس وفارق النقل إلى المنزل فإنه يكون بعد القسمة وزوال العقد أشبه المخزن.
"وإن قال أنا أزرع الأرض ببذري وعواملي وتسقيها بمائك والزرع بيننا فهل تصح؟ على روايتين" كذا في الفروع إحداهما لا تصح اختارها القاضي وصححها في المغني والشرح لأن موضوع المزارعة على أن يكون من أحدهما الأرض ومن الآخر العمل وصاحب الماء ليس منه أرض ولا عمل ولا بذر ولأن الماء لا يباع ولا يستأجر فكيف تصح المزارعة به والثانية: بلى نقلها يعقوب وحرب واختارها أبو بكر لأن الماء من جملة ما يحتاج إليه الزرع فجاز جعله من أحدهما كالأرض والعمل ولأنه لما جاز إيجار الأرض ببعض ما يخرج منها وهو مجهول جاز أن يجعل عوض الماء كذلك ورد بالمنع في العلة الأخيرة وبتقدير التسليم فما المانع؟
فرع: آجر أرضه للزرع فزرعها فلم تنبت ثم نبت في سنة أخرى فهو للمستأجر وعليه أجرة الأرض مدة احتسابها.

وإن زارع شريكه في نصيبه صح.
ـــــــ
"وإن زارع شريكه في نصيبه صح" في الأصح لأنه بمنزلة شراء الشريك نصيب شريكه وشرطه أن يجعل له في الزرع أكثر من نصيبه مثل أن تكون الأرض بينهما نصفين فيجعل للعامل الثلثين فيصير السدس حصته في المزارعة فصار كأنه قال زارعتك على نصيبي بالثلث فصح كالأجنبي والثاني: لا تصح لأن النصف للمزارع ولا يصح أن يزارع الإنسان لنفسه فإذا فسد في نصيبه فسد في الجميع كما لو جمع في البيع بين ما يجوز وما لا يجوز.
مسائل
الأولى: اشترك ثلاثة من أحدهم البذر ومن الآخر الأرض ومن الثالث: العمل على أن ما فتح الله تعالى بينهم فهو فاسد نص عليه وقاله جماهير العلماء لأن موضوع المزارعة أن البذر من رب الأرض أو العامل وليست شركة ولا إجارة فعلى هذا الزرع لصاحب البذر وعليه لصاحبيه أجرة مثلها وفي الصحة تخريج وذكره الشيخ تقي الدين رواية واختاره وفي مختصر ابن رزين أنه الأظهر فإن كان البقر من رابع فحديث مجاهدوضعفه أحمد لأنه جعل فيه الزرع لرب البذر والنبي صلى الله عليه وسلم جعله لرب الأرض.
الثانية: اشترك ثلاثة في أرض لهم على أن يزرعوها ببذرهم ودوابهم وأعوانهم على أن ما خرج منها بينهم على قدر ما لهم جاز بغير خلاف نعلمه.
الثالثة: ما سقط من حب وقت حصاد فنبت عاما آخر فلرب الأرض نص عليه وفي المبهج وجه لهما وفي الرعاية لرب الأرض مالكا أو مستأجرا أو مستعيرا وقيل: له حكم كغيره وقيل: غصب وكذا نص فيمن باع قصيلا فحصد وبقي يسير فصار سنبلا فلرب الأرض.
الرابعة: لا خلاف في إباحة ما يتركه الحصاد وكذا اللقاط وفي الرعاية:

__________
يحرم منعه نقل المروذي إنما هو بمنزلة المباح ونقل عنه لا ينبغي أن يدخل مزرعة أحد إلا بإذنه وقال لم ير بأسا بدخوله يأخذ كلا وشوكا لإباحته ظاهرا وعرفا وعادة.
* * *
انتهى بحمد الله تعالى المجلد الرابع
ويليه بعون الله تعالى المجلد الخامس

المجلد الخامس
تابع لكتاب الشركة
باب الإجارة
باب الإجارة
وهي عقد على المنافع
__________
باب الإجارة
هي مشتقة من الأجر وهو العوض ومنه سمي الثواب أجرا لأن الله تعالى يعوض العبد به على طاعته أو صبره على معصيته وهي ثابتة بالإجماع ولا عبرة بمخالفة عبدالرحمن الأصم وسنده قوله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: من الآية6] و {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [القصص:26] القصص الآية و {قَالَ لَوْ شِئْتَ لَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً} [الكهف: من الآية77].
وعن عائشة في حديث الهجرة قالت واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلا من بني الديل هاديا خريتا والخريت الماهر بالهداية رواه البخاري. وعن عتبة بن الندر قال "كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فقرأ {طسم} حتى بلغ قصة موسى عليه السلام فقال: "إن موسى آجر نفسه ثمان سنين أو عشر سنين على عفة فرجه و طعام بطنه" رواه ابن ماجه من رواية مسلمة بن علي وقد ضعفه جماعة.
والحاجة داعية إليها إذ كل أحد لا يقدر على عقار يسكنه ولا على حيوان يركبه ولا على صنعة يعملها وهم لا يبذلون ذلك مجانا فجوزت طلبا لتحصيل الرزق وحدها في الوجيز بأنها عوض معلوم في منفقعة معلومة من عين معينة أو موصوفة في الذمة أو في عمل معلوم ويرد عليه دخول الممر وعلو بيت ونحوه والمنافع المحرمة وما فتح عنوة ولم يقسم فيما فعله عمر رضي الله عنه.
"وهي عقد على المنافع" في قول أكثر العلماء وذكر بعض أن المعقود عليه العين لأنها الموجودة والعقد يضاف إليها فتقول أجرتك داري ورد بأن المعقود عليه هو المستوفى بالعقد ذلك هو المنافع دون الأعيان إذ الأجر في مقابلة المنفعة بدليل أنه يضمن دون العين وإضافة العقد إلى العين لأنها

تنعقد بلفظ الإجارة والكراء وما في معناهما وفي لفظ البيع وجهان ولا تصح إلا بشروط ثلاثة أحدهما معرفة المنفعة إما بالعرف كسكنى الدار شهرا
__________
محل المنفعة كما يضاف عقد المساقاة إلى البستان والمعقود عليه الثمرة فتؤخذ المنافع شيئا فشيئا وانتفاعه تابع له وقد قيل هي خلاف القياس والأصح لا لأن من لا يخصص العلة لا يتصور عنده مخالفة قياس صحيح ومن خصصها فإنما يكون الشيء خلاف القياس إذا كان المعنى المقتضى للحكم موجودا فيه وتخلف الحكم عنه وفي البلغة لها خمسة أركان الصيغة والأجرة والمتعاقدان والمنفعة.
"تنعقد بلفظ الإجارة والكراء" لأنهما موضوعان لها "وما في معناهما" لحصول المقصود به إن أضافه إلى العين فإن أضافه إلى المنفعة بأن قال أجرتك منفعة داري شهرا صح في الأصح "وفي لفظ البيع وجهان" كذا في الفروع به لأنها بيع فانعقدت بلفظه كالصرف والثاني لا لأن فيها معنى خاصة فافتقرت إلى لفظ يدل على ذلك المعنى ولأنها تضاف إلى العين التي يضاف إليها البيع إضافة واحدة فافتقرت إلى لفظ يفرق بينهما كالعقود المتباينة وبناه الشيخ تقي الدين على أن هذه المعاوضة نوع من البيع أو شبيه به وفي التلخيص مضافا إلى النفع كبعتك نفع هذه الدار شهرا وإلا لم يصح نحو بعتكها شهرا ولاتنعقد إلا من جائز التصرف كالبيع.
"ولا تصح إلا بشروط ثلاثة أحدها معرفة المنفعة" أنها هي العقود عليها فاشترط العلم بها كالبيع "إما بالعرف" أي ما يتعارفه الناس بينهم "كسكنى الدار شهرا" لأنها لاتكرى إلا لذلك فلا يعمل فيها حدادة ولا قصارة ولا دابة والأشهر ولا مخزنا للطعام ويستحق ماء البئر تبعا للدار في الأصح قيل لأحمد يجيىء زوار عليه أن يخبر صاحب البيت بهم قال ربما كثروا ورأى أن يخبر وله إسكان ضيف وزائر وفي الرعاية يجب ذكر السكنى وصفتها وعدد من يسكنها وصفتهم إن إختلفت الأجرة ورد بأن التفاوت في

وخدمة العبد سنة وإما بالوصف كحمل زبرة حديد وزنها كذا إلى موضع معين يذكر طوله وعرضه وسمكه وآلته
__________
السكنى يسير فلم يحتج إلى ضبطه.
"وخدمة العبد" ولو عبر بالآدمي لعم "سنة" لأنها معلومة بالعرف فلم يحتج إلى بيانها كالسكنى وفي النوادر والرعاية يخدم ليلا ونهارا فإن استأجره للعمل استحقه ليلا قال أحمد أجير المشاهرة يشهد الأعياد والجمع قيل له فيتطوع بالركعتين قال ما لم يضر بصاحبه لأن الصلاة مستثناة من الخدمة فإن استأجر حرة أو أمة للخدمة صرف وجهه عن النظر وعلم منه إباحة إجارة العقار والحيوان حكاه ابن المنذر إجماعا.
"وإما بالوصف كحمل زبرة حديد وزنها كذا إلى موضع معين" أي لا بد من ذكر الوزن والمكان الذي تحمل إليه لأن المنفعة إنما تعرف بذلك فيشترط ذلك في كل محمول فلو كان كتابا فوجد المحمول إليه غائبا فله الأجر لذهابه ورده وفي الرعاية وهو ظاهر الترغيب إن وجده ميتا فالمسمى فقط ويرده.
"وبناء حائط يذكر طوله وعرضه وسمكه وآلته" لأن المعرفة لا تحصل إلا بذلك والغرض يختلف فلم يكن بد من ذكره فيذكر آلة البناء من حجارة أو آجر أو لبن فلو عمله ثم سقط فله أجره لأنه وفي بعمله وإن فرط أو بناه محلولا فسقط لزمه إعادته وغرامة ما تلف منه وإن شارطه على رفعه أذرعا معلومة فرفع بعضه ثم سقط فعليه ما سقط وإتمام ما وقعت عليه الإجارة من الذرع.
فرع: يجوز الإستئجار لضرب اللبن ويكون على مدة وعمل فإن قدره بالعمل احتاج إلى تعيين عدده وذكر قالبه وموضع الضرب لأنه يختلف باعتبار التراب والماء ولا يكتفي بمشاهدة القالب إذا لم يكن معروفا كالسلم ولا يلزمه إقامته ليجف وقيل بلى إن كان قد عرف مكانه

وإجارة أرض معينة لغرس كذا أو زرع أو بناء معلوم وإن استأجر للركوب وذكر المركوب فرسا أو بعيرا ونحوه وإن كان للحمل لم يحتج إلى ذكره
__________
"وإجارة أرض معينة" أي معلومة "لغرس كذا أو زرع أو بناء معلوم" لأنها تؤجر لذلك كله وضرره يختلف فوجب بيانه ويأتي الخلاف فيما إذا أطلق.
"وإن استأجر للركوب ذكر المركوب فرسا أو بعيرا ونحوه" لأن منافعها تختلف ويشترط معرفته برؤية أو صفة كمبيع وما يركب به من سرج وغيره وكيفية سيره كقطوف ونحوه وقدم في الترغيب لا يشترط وظاهره أنه لا يحتاج إلى ذكوريته وأنوثيته في الأصح لأن التفاوت بينهما يسير ولا بد من معرفة الراكب كمبيع وقال الشريف لا يجزىء فيه إلا الرؤية لأن الصفة لا تأتي عليه ومعرفة المحامل والأوطئة والأغطية ونحوها إما برؤية أو صفة أو وزن وقيل لا يجب ذكر توابع الراكب فلو شرط حمل زاد معلوم وأطلق فله حمل ما نقص كالماء وقيل لا بأكل معتاد وفي وجوب تقدير الطعام في السفر احتمالان.
"وإن كان للحمل لم يحتج إلى ذكره" لأن الغرض في ذلك لا يختلف لكن إن كان المحمول خزفا أو زجاجا تعين معرفة الدابة في الأصح لأن فيه غرضا وقيل يعتبر مطلقا ويتوجه مثله ما يدير دولابا أو رحى واعتبره في التبصرة ويشترط معرفة محمول برؤية أو صفة ويذكر جنسه من حديد وقطن لأن ضرره يختلف واكتفى ابن عقيل وصاحب الترغيب بالوزن

فصل
الثاني معرفة الأجرة بما تحصل به معرفة الثمن إلا أنه يصح أن يستأجر الأجير بطعامه وكسوته وكذلك الظئر
__________
فصل
"الثاني معرفة الأجرة بما تحصل به معرفة الثمن" بغير خلاف نعلمه لما روى أبو سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى عن استئجار الأجير حتى يبين له أجره" رواه أحمد ويعتبر العلم بها مضبوطا بالكيل أو الوزن لأنها أحد العوضين فاشترط معرفتها كالعوض في البيع فإن كان معلوما بالمشاهدة كصبرة نقد أو طعام فوجهان فإن كان في الذمة فكالثمن وإن كان معينا فكالمبيع فلو آجر الدار بعمارتها لم تصح للجهالة ولو آجرها بمعين على أن ما يحتاج إليه بنفقة المستأجر محتسبا به من الأجرة صح لأن الاصطلاح على المالك وقد وكله فيه ولو شرط أن يكون عليه خارجا عن الأجرة لم يصح.
"إلا أنه يصح أن يستأجر الأجير بطعامه وكسوته" روي عن أبي بكر وعمر وأبي موسى لما تقدم من قوله عليه السلام: "رحم الله أخي موسى". الخبر وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يثبت نسخه ولأن العادة جارية به من غيرنكير فكان كالإجماع ولأنه مقيس على الظئر المنصوص عليه فقام العوض فيه مكان التسمية كنفقة الزوجية وعنه لا يجوز اختاره القاضي لأنه مجهول وإنما جاز في الظئر للنص وعلى الأول يكون الإطعام والكسوة عند التنازع كالزوجية نص عليه وعنه كمسكين في الكفارة قال في الشرح لأن للكسوة عرفا وهي كسوة الزوجات وللإطعام عرفا وهو الإطعام في الكفارت وفي الملبوس إلى أقل ملبوس مثله لأن الإطلاق يجزىء فيه أقل ما يتناوله اللفظ كالوصية وليس له أن يطعمه إلا ما يوافقه من الأغذية فإن احتاج إلى دواء لمرضه لم يلزم المستأجر لعدم شرطه وعنه يصح في دابة بعلفها.
"وكذلك الظئر" إجماعا لقوله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ}

ويستحب أن تعطى عند الفطام عبدا أو وليدة إذا كان المسترضع موسرا وإن دفع ثوبه إلى خياط أو قصار ليعملاه ولهما
__________
[الطلاق: من الآية6] واسترضع النبي صلى الله عليه وسلم لولده إبراهيم ولان الحاجة تدعو إليه لأن الطفل في العادة لا يعيش إلا بالرضاع فإن جعل الأجرة طعامها وكسوتها جاز على المذهب لقوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: من الآية233] وعنه المنع منه لانه يختلف فيكون مجهولا فعلى الصحة لو استأجر للرضاع دون الحضانة أو بالعكس اتبع فإن اطلق للرضاع دخلت الحضانة في وجه للعرف والثاني لا لأن العقد لم يتناولها إذ الحضانة عبارة عن تربية الطفل وحفظه وجعله في سريره ودهنه وكحله وغسل خرقه ونحوه ويشترط لصحة العقد العلم بمدة الرضاع ومعرفة الطفل بالمشاهدة قال القاضي أو بالصفة وموضع الرضاع ومعرفة العوض والمعقود عليه في الرضاع وخدمة الطفل وحمله ووضع الثدي في فيه واللبن تبع كالصبغ وقيل اللبن قال القاضي هو أشبه لأنه المقصود ولهذا يستحق الأجر بالرضاع دون الخدمة وهذا خاص بالآدميين للضرورة إلى حفظه وبقائه.
مسألة: للمرضعة أن تأكل وتشرب ما يدر لبنها ويصلح به وللمكتري مطالبتها بذلك فلو سقته لبن غنم أو دفعته إلى غيرها فلاأجرة لها لأنها لم تفي بالمعقود عليه.
"ويستحب أن تعطى" إذا كانت حرة "عند الفطام عبدا أو وليدة إذا كان المسترضع موسرا" لما روى أبو داود بإسناده عن حجاج بن حجاج الأسلمي عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله ما يذهب عني مذمة الرضاع قال: "الغرة العبد أو الأمة " المذمة بكسر الذال من الذمام وبفتحها من الذم ولأن ذلك سبب حياة الولد وبقائه فاستحب للموسر جعل الجزاء رقبة لتناسب ما بين النعمة والشكر وأوجبه أبوبكر لما ذكرناه فإن كانت المرضعة أمة سن إعتاقها لأنه تحصل به المجازاة.
"وإن دفع ثوبه إلى قصار أو خياط ليعملاه" أي بالقصر أو الخياطة ولهما

عادة بأجره صح ولهما ذلك وإن لم يعقد عقد إجارة وكذلك دخول الحمام والركوب في سفينة الملاح وتجوز إجارة دار بسكنى دار وخدمة عبد وتزويج إمرأة وتجوز إجارة الحلي باجرة من جنسه وقيل لا يصح
__________
عادة بأجرة صح ولهما ذلك" أي أجرة المثل "وإن لم يعقدا عقد إجارة" لأن العرف الجاري بذلك يقوم مقام القول فصار كنقد البلد وقيل يستحق الأجرة من عرف بأخذها وهذا إذا كان منتصبين لذلك وإلا لم يستحقا أجرا إلا بعقد أو بشرط العوض أو تعريض لأنه لم يجد عرف يقوم مقام العقد فهو كما لو عمل بغير إذن مالكه وكذا لو دفع متاعه ليبيعه نص عليه أو استعمل حمالا أو شاهدا أو نحوه فله أجرة مثله ولو لم يكن له عادة بأخذ الأجرة.
"وكذلك دخول الحمام والركوب في سفينة الملاح" أي يستحقان أجرة المثل بدون عقد لأن شاهد الحال يقتضيه فصار كالتعريض وكذا لو حلق رأسه أو غسله أو شرب منه ماء قاله في الرعاية وما يعطاه الحمامي فهو أجرة المكان والسطل والمئزر ويدخل الماءتبعا وليس عليه ضمان الثياب إلا أن يستحفظه إياها بالقول صريحا ذكره في التلخيص "وتجوز إجارة دار بسكنى دار وخدمة عبد وتزويج امرأة" لقصة شعيب عليه السلام لأنه جعل النكاح عوض الأجرة ولأن كل ما جاز أن يكون ثمنا في البيع جاز أن يكون عوضا في الإجارة فكما جاز أن يكون العوض عينا جاز أن يكون منفعة سواء كان الجنس واحدا كالأول أو مختلفا كالثاني ومنعها أبو حنيفة في المتفق دون المختلف كسكنى دار بمنفعة بهيمة لأن الجنس الواحد عنده يحرم فيه النساء.
وجوابه: بأن المنافع في الإجارة ليست في تقدير النسيئة ولو كانت نسيئة ما جاز في جنسين لأنه يكون بين دين بدين قاله في المغني والشرح.
"وتجوز إجارة الحلي" للبس والعارية نص عليه وقاله أكثر العلماء "بأجرة من جنسه" لأن الحلي عين ينتفع بها منفعة مباحة مقصودة مع بقائها فجاز كالأراضي "وقيل لا يصح" لأنها تحتك بالاستعمال فيذهب منه أجزاء وإن كانت يسيرة فيحصل الأجر في مقابلتها ومقابلة الانتفاع بها يفضي إلى بيع ذهب بذهب وشيء

وإن قال إن خطت هذا الثوب اليوم فلك درهم وإن خطته غدا فلك نصف درهم فهل يصح على روايتين
__________
آخر وعنه الوقف.
قال القاضي هذا محمول على إجارته بأجرة من جنسه فأما بغير جنسه فلا بأس لتصريحه بجوازه وما ذكره أولا هو الأولى لأنه لو قدر نقصها فهو شيء يسير لا يقابل بعوض ولا يكاد يظهر في وزن ولو ظهر فالأجرة في مقابة الانتفاع لا في مقابلة الأجر لأن الأجر إنما هو عوض المنفعة ولو كان في مقابلة الجزء الذاهب لما جاز إجارة أحد النقدين وصله لإفضائه إلى التفرق قبل القبض.
تنبيه: علم مما سبق أنه لو استأجر من يسلخ له بهيمة بجلدها لم يجز لأنه لا يعلم هل يعلم يخرج سليما أولا وهل هو ثخين أو رقيق ولأنه لا يجوز أن يكون عوضا في البيع فكذا هنا فلو سلخها بذلك فله أجر المثل وكذا لو استأجر راعيا بثلث درهما ونسلها وصوفها أو جميعه نص عليه في رواية سعيد بن محمد النسائي إذ العوض معدوم مجهول لا يدري هل يوجد أم لا ولا يصلح ثمنا لا يقال قد جوزتم دفع الدابة إلى من يعمل عليها بجزء من مغلها لأنه جاز تشبيها بالمضاربة لأنها عين تنمي بالعمل فجاز بخلافه هنا مع أن المجد حكى رواية بالجواز وحينئذ فلا فرق وقياس ذلك لو دفع نحله إلى من يقوم عليه بجزء من عسله أو شمعه والمذهب لا يصح لحصول نمائه بغير عمله واختار الشيخ تقي الدين الجواز فلو اكتراه على رعيها مدة معلومة بجزء معلوم منها صح لأن العمل والمدة والأجر معلوم أشبه ما لو جعله دراهم.
"وإن قال إن خطت هذا الثوب اليوم فلك درهم وإن خطته غدا فلك نصف درهم فهل يصح على روايتين" أصحهما لا يصح لأنه عقد واحد اختلف فيه العوض بالتقديم والتأخير فلم يصح كما لو قال بعتك بدينار نقدا بدينارين نسيئة فعلى هذا له أجر المثل إن فعل والثانية يصح قاله

وإن قال إن خطته روميا فلك درهم وإن خطته فارسيا فلك نصف درهم فعلى وجهين وإن اكراه دابة فقال إن رددتها اليوم فكراؤها خمسة وإن رددتها غدا فكراؤها عشرة فقال أحمد لا بأس به وقال القاضي يصح في اليوم الأول دون الثاني وإن إكراه دابة عشرة أيام بعشرة دراهم فما زاد فله بكل يوم درهم فقال أحمد هو جائز وقال القاضي يصح في العشرة وحدها
__________
الحارث العكلي لأنه سمى لكل عمل عوضا معلوما كما لو قال كل دلو بتمرة وكذا الخلاف إن زرعها برا فبخمسه وذرة بعشرة.
"وإن قال إن خطته روميا فلك درهم وإن خطته فارسيا فلك نصف درهم فعلى وجهين" بناء على التي قبلها والأصح أنه لا يصح لأنه عقد معاوضةلم يتعين فيه العوض ولا المعوض بخلاف كل دلو بتمرة من حيث إن العمل الثاني ينضم إلى الأول ولكل عوض مقدر وعنه فيمن استأجر رجلا يحمل له كتابا إلى الكوفة وقال إن أوصلته يوم كذا فلك عشرون وإن تأخرت بعده فلك عشرة أنها فاسدة وله أجر المثل.
"وإن أكراه دابة فقال إن رددتها اليوم فكراؤها خمسة وإن رددتها غدا فكراؤها عشرة فقال أحمد لا بأس به" نقله عبد الله وجزم به في الوجيز لأنه لا يؤدي إلى التنازع "وقال القاضي يصح في اليوم الأول" لأنه معلوم "دون الثاني" قال في الشرح والظاهر عن أحمد فساد العقد على قياس بيعتين في بيعة ثم قال وقياس حديث علي والأنصاري صحته "وإن أكراه دابة عشرة أيام بعشرة دراهم فما زاد فله بكل يوم درهم فقال أحمد" في رواية أبي الحارث "هو جائز" لأن لكل عمل عوضا معلوما فهو كما لو استقى كل دلو بتمرة ونقل عبد الله وابن منصور نحوه.
"وقال القاضي يصح في العشرة وحدها" لأن المؤجر الذي تقابله العشرة معلوم دون ما بعده لأن مدته غير معلومة فلم تصح كما لو قال:

ونص أحمد رحمه الله على أنه لا يجوز أن يكتري لمدة غزاته وإن سمى لكل يوم شيئا معلوما فجائز وإن أكراه كل شهر بدرهم أو كل دلو بتمرة فالمنصوص أنه يصح وكلما دخل شهر لزمهما حكم الإجارة
__________
استأجرتك لتحمل هذه الصبرة وهي عشرة أقفزة بدرهم وما زاد فلك بحسابه وجوابه بأنه لا نص للإمام فيها وقياس قوله صحتها ولو سلم فسادها فالقفزان الذي شرط حملها غير معلومة وهي مختلفة فلم يصح العقد لجهالتها بخلاف الأيام فإنها معلومة.
"ونص أحمد على أنه لا يجوز أن يكتري لمدة غزاته"وهو قول اكثر العلماء لأن المدة والعمل مجهولان فلم يجز كما لو استأجر لمدة سفره في تجارته لاختلافها طولا وقصرا فإن فعل فله أجر المثل "إن سمى لكل يوم شيئا معلوما فجائز" أن علي بن أبي طالب آجر نفسه كل دلو بتمرة ولم ينكره النبي صلى الله عليه وسلم ولأن الأجر ولكل واحد منهما الفسخ ثم تقضي كل شهر وكل يوم معلومان فصح كما لو آجر شهرا كل يوم كذا وحينئذ فلا بد من تعيين ما يستأجر له من ركوب وحمل معلوم ويستحق الأجر المسمى سواء أقامت أو سارت لأن المنافع ذهبت في مدته كما لو استأجر دارا وأغلقها وعنه لا يصح لأن المدة مجهولة "ن أكراه كل شهر بدرهم أو كل دلو بتمرة فالمنصوص أنه يصح" اختاره الخرقي والقاضي وعامة أصحابه والشيخان لما روي عن علي قال "جعت مرة جوعا شديدا فخرجت أطلب العمل في عوالي المدينة فإذا أنا بامرأة قد جمعت مدرا فظننت أنها تريد بله فقاطعتها كل ذنوب بتمرة فمدرت ستة عشر ذنوبا فعدت لي ستة عشر تمرة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فاخبرته فأكل معي منها" رواه أحمد ومثله إذا باعه الصبرة كل قفيز بدرهم فالعلم بالثمن يتبع العلم بالمثمن فهنا كذلك العلم بالأجر يتبع العلم بالمنفعة.
فعلى هذا تلزم الإجارة في الشهر الأول بإطلاق العقد قاله في المغني والشرح وما بعده يكون مراعى ونبه عليه بقوله وكلما دخل شهرا لزمهما حكم الإجارة وقاله أكثر الأصحاب لأن دخوله بمنزلة إيقاع العقد

ولكل واحد منهما الفسخ عند تقضي كل شهر وقال أبو بكر وابن حامد لا يصح
__________
على عينه ابتداء "لكل واحد منهما الفسخ" أن يقول فسخت الإجارة في الشهر الآخر وليس بفسخ على الحقيقة لأن العقد الثاني لم يثبت قاله في الشرح.
"عند تقضي كل شهر" لأن اللزوم إنما كان لأجل الدخول المنزل منزلة إيقاع العقد ابتداء ولم يوجد بعد ومقتضاه أنه بمجرد دخول الشهر الآخر يلزم ولم يملكا الفسخ قال ابن الزاغوني يلزم بقية الشهور إذا شرع في أول الجزء من ذلك الشهر وقال القاضي له الفسخ في جميع اليوم الأول من الشهر الثاني وبه قطع المجد وأورده ابن حمدان مذهبا وهو أظهر وفي المغني والشرح إذا ترك التلبس به فهو كالفسخ لاتلزمه أجرة لعدم العقد.
"وقال أبو بكر وابن حامد" وابن عقيل حكاه عنه في الشرح "لايصح" العقد وهو رواية لأن المدة مجهولة وحملا كلام أحمد على أنه وقع على معينة وليس بظاهر أما لو قال آجرتك داري عشرين شهرا كل شهر بدرهم فهو جائز بغير خلاف نعلمه لأن المدة والأجر معلومان وليس لواحد منهما الفسخ لأنها مدة واحدة أشبه ما لو قال أجرتك عشرين شهرا بعشرين درهما.
فرع: إذا قال آجرتك شهرا بدرهم و ما زاد فبحسابه صح في الشهر الأول ويحتمل أن يصح في كل شهر تلبس به فلو قال أجرتك هذا الشهر بدرهم وكل شهر بعد ذلك بدرهم صح في الأول وفيما بعده وجهان

فصل
الثالث أن تكون المنفعة مباحة مقصودة فلا تجوز الإجارة على الزنى والزمر والغناء ولا إجارة الدار لتجعل كنيسة أو بيت نار أو لبيع الخمر ولا يجوز الاستئجار على حمل الميتة والخمر
__________
فصل
"الثالث أن تكون المنفعة مباحة" لغير ضرورة مقدور عليه قاله في المحرر والفروع كإجارة دار يجعلها مسجدا وشجر لنشر ثيابه وقعوده بظله مقصودة فلا يجوز استئجار شمع ليتجمل به ويرده وطعام ليتجمل به على مائدته ثم يرده ولا ثوب يوضع على سرير الميت ذكره في المغني والشرح ولأن ما لا يقصد لا يقابل بالعوض ويعتبر فيها أن تكون متقومة فلو استأجر تفاحة للشم لم يصح ومملوكة للمستأجر فلو اكترى دابة لركوب المؤجر فلا ذكره القاضي وأصحابه.
"فلا تجوز الإجارة على الزنى والزمر والغناء" لأن المنفعة المحرمة مطلوب عدمها وصحة الإجارة تنافيها إذ المنفعة المحرمة لا تقابل بالعوض في البيع فكذا في الإجارة أشبه إجارة أمته للزنى وحكاه ابن المنذر إجماعا في المغنية والنائحة.
"ولا إجارة الدار لتجعل كنيسة أو بيت نار" مع ظن الفعل سواء شرط ذلك في العقد أولا والمراد بها النار التي يعبدها المجوس أو من يعبدها "أو لبيع الخمر" ولأنه فعل محرم فلم تجز الإجارة عليه كإجارة عبده للفجور ولما فيه من الإعانة على المعصية.
"ولا يجوز الاستئجار على حمل الميتة" أي للأكل ويستثنى منه المضطر قاله في الرعاية وغيرها "والخمر" أي للشرب لأنه عليه السلام لعن حاملها والمحمولة إليه ويصح لإلقائها وإراقتها وفي الفروع إن طرحها كأكلها

وعنه يصح ويكره أكل أجرته
فصل
والإجارة على ضربين أحدهما إجارة عين فيجوز إجارة كل عين يمكن استيفاء المنفعة المباحة منها مع بقائها فيجوز له استئجار حائط ليضع عليه اطراف خشبه وحيوان ليصيد به إلا الكلب واستئجار كتاب ليقرأ فيه
__________
"وعنه يصح" لأنه لا يتعين عليه "ويكره أكل أجرته" لاختلاف العلماء في حرمته وعنه فيمن حمل خنزيرا لذمية أو خمرا لنصراني أكره أكل أجرته ويقضى للحمال بالكراء فإن كان لمسلم فهو أشد قال القاضي هذا محمول على أنه استاجره ليريقها فأما للشرب فمحظور لا يحل أخذ الأجر عليه وبعد في المغني هذا التأويل وفي الرعاية هل يأكل الأجر أو يتصدق به فيه وجهان
فصل
"والإجارة على ضربين أحدهما إجارة عين فيجوز إجارة كل عين يمكن استيفاء المنفعة المباحة منها مع بقائها" كالأرض والدور والبهائم والثياب ونحوها "فيجوز له ليضع عليه أطراف خشبه" أي إذا كان الخشب معلوما لأنه منفعة مباحة مقصودة مقدور على تسليمها واستيفائها فجازت كالسطح للنوم عليه "وحيوان ليصيد به" كالفهد والبازي في مدة معلومة لأن فيه نفعا مباحا تجوز إعارته له فكذا إجارته وفي التبصرة أنه يصح إجارتها للصيد مع أنه ذكر في بيعها الخلاف وعلم منه أن سباع البهائم والطير التي لا يصلح للصيد لا تجوز إجارتها لعدم النفع فيها.
"إلا الكلب" فإنه لا يجوز كالخنزير لعدم جواز البيع وقيل يجوز لصيد وحراسة لوجود النفع المباح "واستئجار كتاب" فيه علم مباح "ليقرأ فيه" لأنه

إلا المصحف في أحد الوجهين واستئجار النقد للتحلي والوزن لاغير فإن أطلق الإجارة لم تصح في أحد الوجهين وتصح في الآخر وينتفع بها في ذلك ويجوز استئجار ولده لخدمته
__________
نفع مقصود يحتاج إليه وكذا النسخ والرواية منه ولو عبر بالانتفاع لعم وتجوز إجارة كتاب فيه خط حسن ينقل منه ويكتب عليه على قياس ذلك قاله في الشرح "إلا المصحف في أحد الوجهين" جزم به في الوجيز لأنه لا يصح بيعه إجلالا لكتاب الله تعالى وكلامه عن المعاوضة به فلم تجز إجارته والثاني بلى لأنه انتفاع مباح كالإعارة وسائر الكتب ولا يلزم من عدم البيع عدم جواز الإجارة كالحر والوقف وأم الولد.
فرع يصح نسخ المصحف بأجرة نص عليه فإنه نسخه ذمي ولم يحمله فوجهان.
"واستئجار النقد للتحلي" أي لتحلية امرأة "والوزن" لأنه أمكن الإنتفاع بها مع بقاء عينها وذكر جماعة فيه بأجرة من جنسه "لاغير" من الاتفاق ونحوه لما فيه من إذهاب عينها وبقاؤها شرط.
"فإن أطلق الإجارة لم تصح في أحد الوجهين" قاله القاضي وجزم به في الوجيز وقدمه في الرعاية الكبرى لأن الإجارة تقتضي الإنتفاع وهو في النقدين إنما هو بأعيانهما وحينئذ يصير قرضا لأنه إذا أطلق الانتفاع حمل على المعتاد.
"وتصح في الآخر" قاله أبو الخطاب وصححه في المغني لأن العقد متى أمكن حمله على الصحة كان أولى من إفساده.
"وينتفع بها في ذلك" أي في الوزن والتحلي لأنهما هما اللذان حمل العقد عليهما أشبه استئجار الدار مطلقا فإنه يصح ويحمل على السكنى ووضع المتاع فيها.
"ويجوز استئجار ولده لخدمته" كالأجنبي وسائر الأقارب غيرالأب وله

وامرأة لرضاع ولده وحضانته ولا تصح إلا بشروط خمسة أحدها أن يعقد على نفع العين دون اجزائها فلا تصح إجازة الطعام للأكل ولا الشمع لشعله ولا حيوان ليأخذ لبنه
__________
استئجار مسلم لعمل مباح وعنه غيرخدمة وقيل إن استأجره لعمل مباح في ذمته صح والإفلا ويجوز استئجار ذمي لبناء مسجد ونحوه "وامرأة لرضاع ولده وحضانته" لقوله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ} [الطلاق: من الآية6] الآية وقوله عليه السلام " لا ترضع لكم الحمقاء" يدل بمفهومه على جواز استرضاع غيرها ولأن كل عقد يصح مع غير الزوج فيصح معه كالبيع ولا فرق بين أن تكون في حبال الزوج أو مطلقة في الأصح وقال القاضي لا يجوز وحمل كلام الخرقي على أنها في حبال زوج آخر ورد بأنها لو كانت في حبال زوج آخر لسقط حقها من الحضانة ثم ليس لها أن ترضع إلا بإذن زوجها وبقية الأقارب كالأم في الجواز بغير خلاف نعلمه.
"ولاتصح إلا بشروط خمسة أحدها أن يعقد على نفع العين دون أجزائها" لأن الإجارة هي بيع المنافع فلا تدخل الأجزاء فيها "فلا تصح إجارة الطعام للأكل ولا الشمع لشعله" لأن هذا لا ينتفع به إلا بإتلاف عينه فلم يجز كما لو استأجر دينارا لينفقه فلو اكترى شمعة ليسرجها ويرد بقيتها وثمن ما ذهب وأجر الباقي فهو فاسد لأنه يشمل بيعا وإجارة وما وقع عليه عقد البيع مجهول وحيث جهل جهل الآخران.
"ولا حيوان ليأخذ لبنه" كالإبل ونحوها وأخذ الصوف والشعر والوبر كاللبن وجوز الشيخ تقي الدين إجارة الحيوان لأخذ لبنه فإن قام عليها المستأجر وعلفها فكاستئجار الشجر وإن علفها ربها وأخذ المشتري اللبن فبيع وليس هذا بغرر فإنه كمنيحة الشاة وهو عاريتها للإنتفاع بلبنها كما يعيره الدابة لركوبها لأن هذا يحدث شيئا فشيئا فهو بالمنافع أشبه فإلحاقه بها أولى

إلا في الظئر ونقع البئر فإنه يدخل تبعا الثاني معرفة العين برؤية
__________
"إلا في الظئر" فإنه يجوز وقد تقدم "ونقع البئر" أي ماؤها المستنقع فيها قاله ابن فارس وعبر في المبهج وغيره وماء بئر "فإنه يدخل تبعا" هو عائد إلى الأجير لافراده الضمير ولا يصح عوده إلى الظئر لأن المعقود عليه إن كان الخدمة فلا يصح استثناؤها مما ذكر لأنها ليست من جنس المستثنى منه لأن خدمة المرضعة تقع مع بقاء العين وإن كان اللبن فلا يصح قوله يدخل تبعا لأنه معقود عليه فهو أصل لا تبع بخلاف نقع البئر فإن هواء البئر وعمقه فيه نوع انتفاع لمرور الدلو فيه وفي التبصرة يعود ذلك إليهما انتهى.
وكذا حبر ناسخ وخيوط خياط وكحل كحال ومرهم طبيب ومنعه في المغني قال ابن عقيل يجوز استئجار البئر ليسقى منه أياما معلوما وفي الفصول أنه لا يستحق بالإجارة لأنه إنما يملك بحيازته.
تنبيه: ذهب جمهور العلماء إلى أنه لا يجوز إجارة الفحل للضراب لنهيه عليه السلام عن عسب الفحل متفق عليه ولأن المقصود الماء وهو محرم لا قيمة له فلم يجز أخذ العوض عنه كالميتة وصرح أبو الخطاب وجها بجوازه بناء على إجارة الظئر والبئرلأن الحاجة تدعو إليه فينبغي أن يوقع العقد على العمل ويقدره بمرة أو مرتين وقيل يقدر بالمدة وهو بعيد إلا أن يكتري فحلا لإطراق ماشية كثيرة والمذهب الأول.
فإن احتاج إليه ولم يجد من يطرقه له جاز أن يبذل الكراء وليس للمطرق أخذه فإن أطرق إنسان فحله بغير شرط فأهديت له هدية لذلك فلا بأس قاله في المغني والشرح ونقل ابن القاسم لم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى شيئا للحجام فحمله القاضي على ظاهره وأنه مقتضى النظر وحمله في المغني على الورع وهو ظاهر قال الشيخ تقي الدين فلو أنزاه على فرسه فنقص ضمن نقصه.
"الثاني معرفة العين" المؤجر "برؤية" إن كانت لا تنضبط بالصفات كالدار

أو صفة في أحد الوجهين وتصح في الآخر بدونه وللمستأجر خيار الرؤية.
الثالث القدرة على التسليم فلا تصح إجازة الآبق والشارد ولا الطير في الهواء و المغصوب ممن لا يقدر على أخذه ولا يجوز إجارة المشاع مفردا لغير شريكه وعنه ما يدل على جوازه
__________
والحمام "أو صفة" إن كانت تنضبط بها كالبيع "في أحد الوجهين" وهو الأشهر وعليه الأكثر فلو استأجر دارا أو حماما فلا بد من الرؤية كالمبيع لأن الغرض يختلف بالصغر والكبر ومعرفة مائه ومشاهدة الإيوان ومطرح الرماد ومصرف الماء مع أن أحمد كره كراء الحمام لانه يدخله من تنكشف عورته فيه وحمله ابن حامد على التنزيه والعقد صحيح وحكاه ابن المنذر إجماعا حيث حدده وذكر جميع آلته شهورا مسماة.
"وتصح في الآخر بدونه" كالبيع إذا الخلاف هنا مبني على الخلاف في البيع "وللمستأجر خيار للرؤية" لأنه إذا اشترى ما لم يره ولم يوصف له الخيار فكذا هنا.
"الثالث القدرة على التسليم" لأنها بيع المنافع أشبهت بيع الأعيان "فلا تصح إجارة الآبق والشادر ولا الطير في الهواء ولا المغصوب ممن لا يقدر على أخذه" لأنه لا يمكن تسليم المعقود عليه فلا تصح إجارته كبيعه "ولا يجوز إجارة المشاع مفردا لغير شريكه" جزم به في الوجيز وقدمه في الفروع ونقله في الشرح عن الأصحاب لأنه لا يقدر على تسليمه إلا بتسليم نصيب شريكه ولا ولاية له عليه فلم يصح كالمغصوب.
"وعنه ما يدل على جوازه" اختاره أبو حفص العكبري وأبوالخطاب والحلواني والحافظ ابن عبد الهادي في حواشيه وصاحب الفائق وغيرهم وعليه العمل لأنه معلوم يجوز بيعه فجارت إجارته كالمفرز وكشريكه وكما لو آجره الشريكان معا قال بعض أصحابنا في طريقته

الرابع اشتمال العين على المنفعة فلا تجوز إجارة بهيمة زمنة للحمل ولا أرض لا تنبت الزرع.
الخامس كون المنفعة مملوكة للمؤجر أو مأذونا له فيها فيجوز للمستأجر إجارة العين لمن يقوم مقامه
__________
والصحيح صحة رهنه وإجارته وهبته ولا خلاف في صحة بيعه عند الأربعة وفيه خلاف ذكره ابن حزم وهل إيجار لاثنين وهما الواحد أو تصح فيه وجهان وكذا وصيته بمنفعته فلو كانت الدار لواحد فآجر نصفها صح ثم إن آجر الآخر للأول صح وإن كان لغيره فوجهان.
فرع إذا استأجر ذمي مسلم للخدمة لم يجز نص عليه لأنه حبس يتضمن إذلال المسلم فلم يصح على الأصح بخلاف ما إذا آجر نفسه في عمل معين في الذمة كالخياطة فإنه يجوز بغير خلاف نعلمه.
فائدة:
إذا استأجر ديكا يوقظه للصلاة لم يجز نقله إبراهيم.
"الرابع اشتمال العين على المنفعة فلا تجوز إجارة بهيمة زمنة للحمل ولا أرض" سبخة "لا تنبت الزرع" لأن الإجارة عقد على المنفعة ولا يمكن ويجوز للمؤجر وغيره تسليم هذه المنفعة في هذه العين فلا تصح إجارتها كالآبق قال في الموجز وحمام لحمل الكتب لتعذبه وفيه احتمال قال في التبصرة هو أولى.
"الخامس كون المنفعة مملوكة للمؤجر أو مأذونا له فيها" لأنها بيع المنافع فاشترط فيه ذلك كالبيع فلو تصرف فيما لا يملكه ولا إذن له فيه لم يجز كبيعه وقيل بلى ويقف على الإجارة كالبيع "فيجوز للمستأجر إجارة العين" أي بعد قبضها نص عليه وجزم به في الوجيز وقاله جمع لأن المنفعة مملوكة له فجاز له إجارتها كبيع المبيع "لمن يقوم مقامه" أي في الانتفاع أو دونه لأن المنفعة لما كانت مملوكة له جاز له أن يستوفيها بنفسه ونائبه ولا يجوز لمن هو أكثر ضررا منه

ويجوز للمؤجر وغيره بمثل الأجرة وزيادة.
وعنه لا تجوز بزيادة وعنه إن جدد فيها عمارة جازت الزيادة وإلا فلا
__________
وذكر القاضي أنه لا يجوز له إجارتها لنهيه عليه السلام عن ربح ما لم يضمن والمنافع لم تدخل في ضمانه لعدم قبضها أشبه بيع المكيل قبل قبضه وجوابه بأن قبض العين قائم مقام قبض المنافع كبيع الثمرة على الشجر فأما إجارتها قبل قبضها من غيرالمؤجر فوجهان: أحدهما يجوز لأن قبض العين لا ينتقل به الضمان إليه فلم يقف جواز التصرف عليه والثاني المنع لأن المنافع مملوكة بعقد معاوضة فاعتبر في جواز العقد عليها القبض كالأعيان.
"ويجوز للمؤجر" ما لم يكن حيلة كعينة وظاهره أنه يجوز قبل القبض وفي الشرح أنها إذا لم تجز من غير المؤجر فوجهان هنا أحدهما لا يجوز كغيره والثاني بلى لأن القبض لا يتعذر عليه بخلاف الأجنبي وأصلهما بيع الطعام قبل قبضه هل يصح من بائعه؟ على روايتين "وغيره" وقد سبق "بمثل الأجرة" فلا شبهة فيه "وزيادة" نص عليه وهو المذهب لأن كل عقد جاز برأس المال جاز بأكثر كبيع المبيع بعد قبضه.
"وعنه لا تجوز بزيادة" لنهيه عليه السلام عن ربح ما لم يضمن والمنفعة في الإجارة غير مضمونة "وعنه إن جدد فيها عمارة جازت الزيادة لأن الربح وقع في مقابلة العمارة وإلا فلا أي وإن لم يجدد فيها عمارة لم تجز الزيادة" فلو فعل تصدق بالزيادة وعنه إن أذن المؤجر فيها جازت وإلا فلا.
مسألة: سئل أحمد عن رجل يتقبل عملا من الأعمال فتقبله بأقل من ذلك يجوز له الفضل قال ما أدري هي
مسألة: فيها بعض الشيء وقال النخعي في الخياط إذا تقبل بأجر معلوم فإن أعان فيها أخذ فضلا وإلا فله.
وحمل قوله في الشرح على مذهبه فيمن إستأجر شيئا لا يؤجره بزيادة وقياس المذهب جوازه سواء أعان فيه شيء أم لا كالبيع

وللمستعير إجارتها إذا أذن له المعير مدة بعينها.
وتجوز إجارة الوقف فإن مات المؤجر فأنتقل إلى من بعده لم تنفسخ الإجارة في أحد الوجهين وللثاني حصته من الأجرة
__________
"وللمستعير إجارتها" لأنه لو أذن له في بيعها لجاز فكذا إجارتها ولأن الحق له فجاز بإذنه إذا أذن له المعير مدة بعينها لأن الإجارة عقد لازم لا تجوز إلا في مدة معينة.
"وتجوز إجارة الوقف" لأن منافعه مملوكة للموقوف عليه فجاز له إجارتها كالمستأجر "فإن مات المؤجر فانتقل إلى من بعده لم تنفسخ الإجارة في أحد الوجهين" ذكر القاضي في المجرد أنه قياس المذهب وجزم به في الوجيز وقدمه في الفروع لأنه آجر ملكه في زمن ولايته فلم تبطل بموته كما لو أجر ملكه الطلق "وللثاني حصته من الأجرة" أي من حين موت الأول فإن كان قبضها رجع في تركته بحصته لأنه تبين عدم إستحقاقه لها فإن تعذر أخذها فظاهر كلامهم أنها تسقط وإن لم يقبض فمن مستأجر.
وذكر الشيخ تقي الدين أنه ليس لناظر وقف ونحوه تعجيلها كلها إلا لحاجة ولو شرطه لم يجز لأن الموقوف عليه يأخذ ما لم يستحقه الآن وعليه للبطن الثاني أن يطالبوا بالأجرة للمستأجر لأنه لم يكن لهم التسلف ولهم أن يطالبوا الناظر.
والثاني: أنها تنفسخ فيما بقي منها جزم به القاضي في خلافه وقال أنه كلام ظاهر أحمد وابنه أبو الحسين وابن شاقلا وابن عقيل لأن البطن الثاني يستحق العين بجميع منافعها تلقيا من الواقف بانقراض الأول بخلاف الطلق فإن المالك ملك من جهة الموروث فلا يملك إلا ماخلفه وحق المالك لم ينقطع عن ميراثه بالكلية بل آثاره باقية فيه ولهذا تقضى منه ديونه وتنفذ وصاياه فعلي هذا يرجع مستأجر على ورثه مؤجر قابض بحصته من الباقي وخرج في المغني والشرح وجها ببطلان الإجارة من أصلها بناء على تفريق الصفقة وحينئذ يلزم المستأجر أجر المثل ثم إن كانت الأجرة مقسطة على أشهر الإجارة أو أعوامها

وإن آجر الولي اليتيم أو السيد العبد ثم بلغ الصبي وعتق العبد لم تنفسخ الإجارة ويحتمل أن تنفسخ
__________
فهي صفقتان في الأصح لاتبطل جميعها ببطلان بعضها وإن لم تكن مقسطة فهي صفقة واحدة فيطرد فيها الخلاف. واعلم أنها لا تنفسخ إذا كان الآجر الناظر العام أو من شرطه له وكان أجنبيا بموته ولا عز له.
فرع: إذا آجر الوقف بأجرة المثل فطلبه غيرمستأجره بزيادة فلا فسخ وكذا لو آجره المتولي على ما هو على سبيل الخير وقيل بلى وقاله بعض الحنفية قال في المفيد لهم لا يعرف له وجه.
أصل: تجوز إجارة الإقطاع كموقوف ذكره الشيخ تقي الدين وخالف فيه جمع فلو آجره ثم انتقل عنه إلى غيره بإقطاع آخر فكموقوف ذكره في القواعد "وإن آجر الولي اليتيم" أو ماله "أو السيد العبد" مدة "ثم بلغ الصبي" ورشد "وعتق العبد" في اثنائها "لم تنفسخ الإجارة" على المذهب ونصره القاضي وأصحابه لأنه تصرف له تصرفا لازما فلا تنفسخ ببلوغ الصبي كما لو زوجه أو باع عقاره ولا يعتق العبد كما لو زوج أمته ثم باعها "ويحتمل أن تنفسخ" هذا وجه لأنه أجره مدة لا ولاية له عليها بالكلية أشبه إجارة الوقف ويفترقان من حيث أنه ينبرم في الحال وينقطع عنه نعم لو كان بلوغه في مدة الخيار ففيه نظر وكذلك النكاح ينبرم من حينه ويستقر المهر فيه بالدخول بخلاف الإجارة فإن الأجرة تقسط على المدة ولا يستقر الملك فيها إلا باستيفاء المنافع شيئا بعد شيء وذكر في المغني والشرح وجها أنه إذا آجره مدة يعلم بلوغه فيها قطعا لم يصح في الزائد ويخرج الباقي على تفريق الصفقة
تنبيه: إذا مات الولي أو عزل وانتقلت عنه الولاية إلى غيره لم يبطل عقده لأنه تصرف وهو من أهل التصرف فيما له الولاية عليه فلم يبطل تصرفه كما لو مات ناظر الوقف أوعزل أو الحاكم

فصل
وإجارة العين تنقسم قسمين أحدهما أن تكون على مدة معلومة كإجارة الدار شهراً والأرض عاماً والعبد للخدمة أو للرعي مدة معلومة ويسمى الأجير فيها الأجير الخاص ويشترط أن تكون المدة معلومة يغلب على الظن بقاء العين فيها وإن طالت
__________
فصل
"وإجارة العين تنقسم قسمين أحدهما أن تكون على مدة معلومة كإجارة الدار شهراً" وهو اسم لما بين الهلالين سواء كان تاماً أو ناقصاً "والأرض عاماً" وشاهده قوله تعالى {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة: من الآية189] فلو قدرها بسنة مطلقة حمل على الهلالية لأنها المعهودة فإذا وصفها به كان تأكيداً فإن قال عددية فهي ثلائمائة وستون يوماً فإن قال رومية أو شمسية أو فارسية أو قبطية وهما يعلمان جاز وكان ثلاثمائة وخمسة وستون يوماً فإن أشهر الروم منها سبعة أحد وثلاثون يوماً وأربعة ثلاثون يوما وواحد ثمانية وعشرون يوماً وهو شباط وزاده الحساب ربعاً وشهور القبط كلها ثلاثون ثلاثون زادوها خمسة لتساوي سنتهم السنة الرومية "والعبد للخدمة أو للرعي مدة معلومة" فعلم منه أن إحارة العين تارة تكون في الآدمي وتارة في غيره من المنازل والدواب وقد حكاه ابن المنذر إجماعاً "ويسمى الأحير فيها الأجير الخاص" لاختصاص المستأجر بمنفعته في مدة الإجارة لايشاركه فيها غيره "ويشترط أن تكون المدة معلومة" هذا تكرار "يغلب على الظن بقاء العين فيها" لأن المدة هي الضابطة للمعقود عليه المعرفة له فاشترط العلم بها كالمكيلات "وإن طالت" في قول أكثر العلماء لأن المصحح لها كون المستأجر يمكنه استيفاء المنفعة منها غالبا وظاهره ولو ظن عدم العاقد ولو مدة لا يظن فناء الدنيا فيها وقيل بلى تصح إلى سنة اختاره ابن حامد وقيل ثلاثين وحكاه في الرعاية نصا

ولا يشترط أن تلي العقد فلو أجره سنة خمس في سنة أربع صح يوماً سواء كانت العين مشغولة وقت العقد أو لم تكن
__________
لأن الغالب أن الأعيان لا تبقى إلى أكثر منها وتتغير الأسعار ولا فرق بين الوقف والملك بل الوقف أولى قاله في الرعاية وفيه نظر والسقف والبسيط سواء.
فرع: ليس لوكيل مطلق إيجارها مدة طويلة بل العرف كسنتين ونحوهما قاله الشيخ تقي الدين
مسألة: لو علقها على ما يقع اسمه على شيئن كالعيد وربيع صح وانصرف إلى الأول قاله في المغني والشرح وقال القاضي لا يصح حتى يعين ذلك على شهر مفرد فلا بد من تعيينه من أي سنة وعلى يوم يبينه من أي أسبوع.
"ولا يشترط أن تلي العقد" لأنها مدة يجوز العقد عليها مع غيرها فجاز العقد عليها مفردة كالتي تلي العقد "فلو أجره سنة خمس في سنة أربع صح سواء العين مشغولة وقت العقد" بإجارة أو رهن إن قدر على تسليمها ثم وجوبه "أو لم تكن" لأنه إنما تشترط القدرة على التسليم ثم وجوبه كالسلم فإنه لا يشترط وجود القدرة عليه حال العقد وقال ابن عقيل لا يتصرف مالك العقار في المنافع بإجارة ولا عارية إلا بعد إنقضاء المدة واستيفاء المنافع المستحقة عليه بعقد الإجارة لأنه ما لم تنقض المدة له حق الاستيفاء فلا يصح تصرفات المالك في محبوس بحق لأنه يتعذر التسليم المستحق بالعقد فمراد الأصحاب متفق وهو أنه يجوز إجارة المؤجر ويعتبر التسليم وقت وجوبه وأنه لا يجوز إيجاره لمن يقوم مقام المؤجر وظاهر إطلاق كثير من أصحابنا أنه لا يصح إجارة المشغول بملك غير المستأجر وقال الشيخ تقي الدين بجوازه فيمن استأجر أرضا من جندي وغرسها قصبا ثم انتقل الإقطاع عن الجندي أن الثاني لا يلزمه حكم الإجارة وأنه إن شاء أن يؤجرها لمن له القصب أو لغيره.
تنبيه: إذا وقعت على مدة تلي العقد لم يشترط ذكر ابتدائها وهي من حين

وإذا آجره في أثناء شهر سنة استوفى شهرا بالعدد وسائرها بالأهلة وعنه يستوفي الجميع بالعدد وكذلك الحكم في كل ما تعتبر فيه الأشهر كعدة الوفاة وشهري صيام الكفارة
فصل
القسم الثاني إجارتها لعمل معلوم كإجارة الدابة للركوب إلى موضع معين أو بقر لحرث مكان
__________
العقد وإن كانت لا تليه اشترط كالانتهاء فلو آجره شهرا أو سنة لم يصح نص عليه لأنه مطلق فافتقر إلى التعيين وعنه يصح اختاره في المغني ونصره في الشرح وابتداؤها من حين العقد لقصة شعيب وكمدة التسليم.
"وإذا آجره في أثناء شهر سنة استوفى شهرا بالعدد" أي الأول نص عليه في نذر وصوم لأنه تعذر استيفاؤه بالهلال فتممناه بالعدد "وسائرها بالأهلة" لأنه أمكن استيفاؤها بالأهلة فوجب اعتباره لأنه الأصل "وعنه يستوفي الجميع بالعدد" لأن الشهر الأول ينبغي أن يكمل من الثاني فيحصل ابتداء الشهر الثاني في أثنائه وكذا في كل شهر يأتي بعده "وكذلك الحكم في كل ما تعتبر فيه الأشهر كعدة الوفاة وشهري صيام الكفارة" نص عليهما في نذر ولأنه ساوى ما تقدم معنى قال الشيخ تقي الدين إلى مثل تلك الساعة.
فصل
"القسم الثاني إجارتها" أي العين "لعمل معلوم" لأن الإجارة عقد معاوضة فوجب أن يكون العوض فيها معلوما لئلا يفضي إلى التنازع والاختلاف كالبيع "كإجارة الدابة للركوب إلى موضع معين أو بقر لحرث مكان" لأنها خلقت له وقد أخرجاه في الصحيحين وتعتبر معرفة الأرض بالمشاهدة لاختلافها بالصلابة والرخاوة وتقدير العمل إما بالمدة كيوم وإما بمعرفة الأرض كهذه أو بالمساحة كجريب فإن قدره بالمدة فلا بد من معرفة البقر التي تعمل عليها

أو دياس زرع أو استئجار عبد ليدله على طريق أو رحى لطحن قفزان معلومة فيشترط معرفة العمل وضبطه بما لا يختلف
__________
لأن الغرض يختلف باختلافها ويجوز أن يستأجرها مفردة ليتولى رب الأرض الحرث بها ومع صاحبها بآلتها وبدونها وتكون الآلة من عند صاحب الأرض "أو دياس زرع" لأنها منفعة مباحة مقصودة كالحرث وليس ذلك خاصا بها لكن إن كان على مدة احتيج إلى معرفة الحيوان لأن الغرض يختلف فمنه ماروثه طاهر ومنه ما هو نجس ولا يحتاج إلى معرفة عينه وإن كان على زرع معين أو موصوف فلا كالحرث.
فائدة
يجوز إكتراء الحيوان لغير ما خلق له كالبقر للركوب أو الحمل والإبل والحمر للحرث لأنها منفعة مقصودة أمكن استيفاؤها من الحيوان لم يرد الشرع بتحريمها فجاز كالتي خلقت له وقولها إنما خلقت للحرث أي معظم نفعها ولا يمنع ذلك الانتفاع بها في شيء آخر
"أو استئجار عبد ليدله على طريق" لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر استأجرا عبد الله بن الأريقط هاديا خريتا وهو الماهر بالهداية ليدلهما على الطريق إلى المدينة ولو عبر بمن لعم "أو رحى لطحن قفزان معلومة" ويحتاج إلى معرفة جنس المطحون لأنه يختلف فمنه ما يسهل ومنه ما يعسر فلا بد من معرفته لتزول الجهالة "فيشترط معرفة العمل وضبطه بما لا يختلف" لأن العمل إذا لم يكن معروفا مضبوطا بما ذكر يكون مجهولا فلا تصح الإجارة معه لأن العمل هو المعقود عليه فاشترط معرفته وضبطه بما ذكر كالمبيع.
مسائل:
الأولى يجوز استئجار بهيمة لإدارة الرحى وتفتقر إلى معرفة الحجر بالمشاهدة أو الصفة لأن عملهما فيه يختلف وإلى تقدير العمل بالزمان كيوم أو بالطعام

فصل
الضرب الثاني عقد على منفعة في الذمة مضبوطة بصفات كالسلم كخياطة ثوب وبناء دار وحمل إلى موضع معين
__________
كقفيز ويذكر جنسه إن اختلف وإن إكراها لإدارة دولاب فلا بد من مشاهدته ويقدر بالزمان وملء الحوض.
الثانية: يجوز استئجار كيال أو وزان لعمل معلوم أو في مدة معينة بغير خلاف.
الثالثة: يجوز أن يستأجر رجلا ليلازم غريما يستحق ملازمته وعنه يكره وعنه لا بأس به الرابعة: يجوز الاستئجار لحفر الآبار والأنهار والقني كالخدمة ولا بد من تقدير العمل ويفتقر إلى معرفة الأرض في الأصح فإذا حفر بئرا فعليه شيل التراب فإن تهرر من جانبيه أو سقطت بهيمة لم يلزمه شيله وكان على صاحب الأرض فإن وصل إلى صخرة أو جماد يمنع الحفر لم يلزمه وله الفسخ فإن فسخ فله من الأجر بقسط ما عمل فيقسط الأجر على ما عمل وعلى ما بقي ولا يقسط على أذرع ونحوه لأن أعلاه يسهل نقل التراب منه بخلاف أسفله ونبع الماء منه كالصخرة إذا ظهرت.
الخامسة: يجوز أن يستأجر من يبيع له أثوابا معينة فإن استأجره على شراء ثياب معينة من رجل معين أو على بيعها من رجل معين ففي الصحة احتمالان
فصل
"الضرب الثاني عقد على منفعة في الذمة مضبوطة بصفات كالسلم كخياطة ثوب وبناء دار وحمل إلى موضع معين" نقول يجوز للآدمي أن يؤجر نفسه بغير خلاف لأن موسى عليه السلام آجر نفسه لرعاية الغنم ولأنه ينتفع به مع بقاء عينه أشبه الأرض ثم إن كانت على مدة بعينها وعمل بعينه فواضح وإن كانت على عمل موصوف في الذمة فيكون

ولا يكون الأجير فيها إلا آدميا جائز التصرف ويسمى الأجير المشترك ولا يجوز الجمع بين تقدير المدة والعمل كقوله استأجرتك لتخيط لي هذا الثوب في يوم لم يصح ويحتمل أن يصح
__________
كالسلم أي لا بد أن يكون مضبوطا بصفات السلم ليحصل العلم بت.
"ولا يكون الأجير فيها إلا آدميا" لأنها متعلقة بالذمة ولا ذمة لغير الآدمي "جائز التصرف" لأنها معاوضة لعمل في الذمة فلم يجز من غيرجائز التصرف "ويسمى الأجير المشترك" لأنه يتقبل أعمالا لجماعة فتكون منفعته مشتركة بينهم ويلزمه الشروع عقب العقد وإن ترك ما يلزمه قال الشيخ تقي الدين بلا عذر فتلف بسببه ضمنه وله الاستنابة فإن مرض أو هرب اكترى من يعمله عليه فإن شرط مباشرته بنفسه فلا عمل ولا استنابة إذا وفي المغني إن اختلف القصد فيه كنسج لم يلزمه ولا المكتري قبوله وإن تعذر فله الفسخ وينفسخ العقد بتلف محل عمل معين.
"ولا يجوز الجمع بين تقدير المدة والعمل كقوله استأجرتك لتخيط لي هذا الثوب في يوم لم يصح" في الأشهر لأن الجمع بينهما يزيد الإجارة غررا لا حاجة إليه لأنه قد يخلو من العمل قبل انقضاء اليوم فإن استعمل في بقيته فقد زاد على ما وقع العقد عليه وإن لم يعمل كان تاركا للعمل في بعضه فهذا غرر أمكن التحرز منه ولم يوجد مثله في محل الوفاق فلم يجز العقد معه.
"ويحتمل أن يصح" هذا رواية لأن الإجارة معقودة على العمل والمدة إنما ذكرت للتعجيل فلا يفسد العقد وكجعالة و فيها وجه قال في التبصرة وإن اشترط تعجيل العمل في أقصى ممكن فله شرطه وعليها إذا تم العمل قبل انقضاء المدة لم يلزمه العمل في بقيتها كقضاء الدين قبل أجله وإن مضت المدة قبل العمل فللمستأجر الفسخ فإن رضي بالبقاء عليه لم يكن للآخر الفسخ فإن اختار امضاء العقد طالبه بالعمل فقط كالسلم إذا صبر عند التعذر وإن فسخ قبل العمل سقط الأجر والعمل وإن كان بعد عمل بعضه فله أجر المثل لأن العقد انفسخ وسقط المسمى

ولا تصح الإجارة على عمل يختص فاعله أن يكون من أهل القربة كالحج والأذان ونحوهما وعنه تصح
__________
"ولا تصح الإجارة على عمل يختص فاعله أن يكون من أهل القربة" أي مسلما "كالحج" أي النيابة فيه "والأذان ونحوهما" كإمامة الصلاة وتعليم قرآن في المشهور لما روى عبادة قال علمت ناسا من أهل الصفة القرآن فاهدى لي رجل منهم قوسا فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال "إن سرك أن يقلدك الله قوسا من نار فاقبلها" وعن أبي بن كعب أنه علم رجلا سورة من القرآن فأهدى له خميصة أو ثوبا فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إنك لو لبستها ألبسك الله مكانها ثوبا من نار" رواهما الأثرم ولأن من شرط هذه الأفعال كونها قربة إلى الله تعالى فلم يجز أخذ الأجرة كما لو استأجر قوما يصلون خلفه.
"وعنه تصح" لأنه عليه السلام زوج رجلا بما معه من القرآن متفق عليه فإذا جاز تعليم القرآن عوضا في النكاح وقام مقام المهر جاز أخذ الأجر عليه ولحديث أبي سعيد في الرقية ولأنه يجوز أخذ الرزق عليه من بيت المال فجاز أخذ الأجر عليه كبناء المساجد مع أن الحاجة داعية إلى الاستنابة في الحج وغيره وكمن أعطى بلا شرط نص عليه وكجعالة وفيها وجهان و في المنتخب الجعل في حج كأجرة والأول أصح لأن تعليم القرآن وجعله صداقا فيه عنه اختلاف وليس في الخبر تصريح به فيحتمل أنه زوجه بغير صداق إكراما له كما زوج أبا طلحة أم سليم على إسلامه ولو سلم جوازه فالفرق بين المهر والأجر أن المهر ليس بعوض محض لأنه يجوز خلو العقد عن تسميته ويصح مع فساده بخلاف الأجر وأما الرقية فنص أحمد على جوازها لأنها مداواة والمأخوذ عليها جعل وفي حديث وفقه وجهان أشهرها المنع وكذا القضاء قاله ابن حمدان وجوز ذلك الشيخ تقي الدين لحاجة ونقل حنبل يكره للمؤذن أن ياخذ على أذانه أجرا وظاهره أن ما لا يختص فاعله أن يكون من أهل القربة فيجوز كتعليم الخط والحساب وفي المبهج لا مشاهرة وله أخذ رزق على ما يتعدى نفعه لا على ما لا يتعدى

وإن استأجره ليحجمه صح ويكره للحر أكل أجرته ويطعمه الرقيق والبهائم وقال القاضي لا تصح
فصل
وللمستأجر استيفاء المنفعة بنفسه.
__________
نفعه كصوم وصلاة خلفه ونحوه.
"وإن استأجره ليحجمه صح" في الأصح لما روى ابن عباس "احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وأعطى الحجام أجرة" قال ابن عباس ولو كان حراما لم يعطه متفق عليه ولأنها منفعة مباحة لا يختص فاعلها أن يكون من أهل القربة فجاز الاستشجار عليه كالقصد والختان ونحوهما.
"ويكره للحر أكل أجرته" لقوله عليه السلام: "كسب الحجام خبيث" متفق عليه و لا يلزمه منه التحريم فإنه قد سمى البصل والثوم خبيثين مع إباحتهما وخص الحر بذلك تنزيها له وعنه يحرم ومنع في الشرح أن يكون عن أحمد نصا بالتحريم وإنما قال نحن نعطيه كما أعطى النبي صلى الله عليه وسلم وقال القاضي في الخلاف يحرم على السيد خاصة دون سائر الأحرار واستنبطه من كلام أحمد.
"ويطعمه الرقيق والبهائم" لقوله عليه السلام "أطعمه ناضحتك ورقيقك" رواه الترمذي وحسنه وفي الرعاية مثله وقيل يكره وهو ظاهر لأن الخبر يدل على إباحته إذ غير جائز ان يطعم رقيقه ما يحرم أكله فإن الرقيق آدمي منع منه ما يمنع الحر.
"وقال القاضي" والحلواني "لا تصح" الإجارة نص عليه وقدمه في الرعاية لظاهرالخبر وكذا أخذه بلا شرط وجوزه في الشرح ويصرفه في علف دابته ومؤنة صناعته ويحل أكله وكذا جزم به الحلواني لغير حر
فصل
وللمستاجر استيفاء المنفعة بنفسه لأن أصل العقد يراد للعاقد فلو شرط عليه

وبمثله ولا يجوز بمن هو أكثر ضررا منه ولا بمن يخالف ضرره ضرره وله أن يستوفي المنفعة وما دونها في الضرر من جنسها فإذا اكترى لزرع الحنطة فله زرع الشعير ونحوه وليس له زرع دخن ونحوه
__________
استيفاؤها بنفسه فقياس قول أصحابنا صحة العقد وبطلان الشرط لأنه ينافي مقتضى العقد إذ موجبه ملك المنفعة والتسليط على استيفائها بنفسه ونائبه وقيل يصح لأنه قد يكون له غرض في تخصيصه
"وبمثله" أي إذا كان مثله في الضرر أو دونه لأنه لم يزد على استيفاء حقه فيعتبر كون راكب مثله في طول وقصر لا المعرفة بالركوب خلافا للقاضي لأن التفاوت في غير هذا يسير.
"ولا يجوز فيمن هو أكثر ضررا منه" لأن العقد اقتضى استيفاء منفعة مقدرة فلا يجوز بأكثر منه لأنه زائد على ما عقد عليه "ولا بمن يخالف ضرره ضرره" لأنه يستوفي أكثر من حقه أو غيرما يستحقه "وله أن يستوفي المنفعة" المعقود عليها من زرع أو بناء لأنه هو المقصود وما دونها في الضرر من جنسها لأنه إذا كان له استيفاء نفس المنفعة المعقود عليها فما دونها أولى قال أحمد إذا استأجر دابة ليحمل عليها تمرا فحمل عليها حنطة أرجو أن لا يكون به بأس إذا كان الوزن واحدا.
"فإذا اكترى لزرع الحنطة فله زرع الشعير ونحوه" كباقلاء لأنه دونه في الضرر وعلم منه جواز زرع الحنطة لأنها المعقود عليها فلو قال ازرع حنطة ولا تزرع غيرها فذكر القاضي بطلان الشرط لأن مقتضى العقد استيفاء المنفعة كيف شاء فلم يصح الشرط وفيه وجه أنه لا يجوز له زرع غير ما عينه حتى لو وصف الحنطة بأنها سمراء لم يجز أن يزرع بيضاء لأنه عينه فلم يجز العدول عنه كالدراهم في الثمن ورد بالفرق والماء على رب الأرض.
"وليس زرع دخن وغيره" كقطن لأنه فوقه في الضرر فإن فعل لزمه المسمى مع تفاوتهما في أجر المثل نص عليه واوجب أبو بكر والمؤلف أجر المثل

ولا يملك الغرس ولا البناء وإن اكتراها لأحدهما لم يملك الآخر فإن اكتراها للغرس ملك الزرع وإن اكترى دابة للركوب أو الحمل لم يملك الآخر وإن اكتراها لحمل الحديد أو القطن لم يملك حمل الآخر فإن فعل فعليه أجرة المثل
__________
خاصة ومثله لو سلك طريقا أشق قاله في الشرح والفروع.
"ولا يملك الغرس ولا البناء" لما ذكرنا "وإن اكتراها لأحدهما لم يملك الآخر" لأن ضرر كل واحد يخالف ضرر الآخر لأن الغرس يضر بباطن الأرض والبناء يضر بظاهرها "وإن اكتراها للغرس ملك الزرع" لأن ضرره أقل من ضرر الغرس وهو من جنسه لأن كل منهما يضر بباطن الأرض وإن اكتراها للبناء هل يملك الزرع وفيه وجهان
تنبيه: إذا اكترى أرضا ليزرعها أو يغرسها لم يصح لعدم التعيين فلو قال لزرع ما شاء أو غرسه أو وغرسه صح في الأصح فيهما كزرع ما شئت وغرس ما شئت وإن أطلق وتصلح لزرع وغيره صح في الأصح وقال الشيخ تقي الدين إن أطلق أو قال انتفع بها بما شئت فله زرع وغرس وبناء.
"وإن اكترى دابة للركوب أو الحمل لم يملك الآخر" لاختلاف الضرر لأن الراكب يعين الظهر بحركته فلا يملك الحمل والركوب أشد على الظهر لأنه يباع في مكان واحد والمتاع يتفرق على جنبيه فلا يملك الركوب فإذا اكتراها لحمل دقيق من طاحون فلم يجده طحن وجبت أجرتها وإن اكتراها إلى بلد فله الركوب إلى مقره وقيل بل إلى أول عمارته.
"وإن اكتراها لحمل الحديد أو القطن لم يملك حمل الآخر" على المعروف لأنه إذا اكتراها لحمل الحديد لم يحمل قطنا لأنه يتجافى وتهب فيه الريح فيتعب الظهر وعكسه ولأن الحديد يجتمع في موضع واحد فيثقل عليه وقيل بلى بوزنه ولا يضمن الدابة.
"فإن فعل" كان ضامنا "وعليه أجرة المثل" لأنه عدل عن المعقود عليه إلى غيره أشبه ما لو استأجر أرضاً فزرع غيرها.

وإن اكتراها لحمولة شيء فزاد عليه أو إلى موضع فجاوزه فعليه الأجرة المذكورة وأجرة المثل للزائد ذكره الخرقي وقال أبو بكر عليه أجرة المثل للجميع وإن تلفت ضمن قيمتها إلا أن تكون في يد صاحبها فيضمن نصف قيمتها في أحد الوجهين
__________
"وإن اكتراها لحمولة شيء فزاد عليه أو إلى موضع فجاوزه فعليه الأجرة المذكورة" أي المسماة لاستيفاء المعقود عليه متميزا عن غيره "وأجرة المثل للزائد ذكره الخرقي" قال القاضي لا يختلف فيه أصحابنا أي في الثانية وحكاه أبو الزناد عن الفقهاء السبعة لأنه متعد في ذلك فهو كغاصب.
"وقال أبو بكر عليه أجرة المثل للجميع" لأنه عدل عن المعقود عليه إلى غيره أشبه ما لو فعل بغير إجارة ولم يصرح به أبو بكر فيما إذا اكترى لحمولة شيء فزاد عليه وإنما أخذ ذلك من قوله إذا استأجر أرضا لزرع شعير فزرعها حنطة أن عليه أجرة المثل للجميع فجمع القاضي بين
مسألة: الخرقي ومسألة أبي بكر فينقل كلا منهما إلى الأخري لتساويهما في أن الزيادة لا تتميز فيكون فيهما وجهان وليس كذلك فإنه يفرق بينهما فإن ما حصل التعدي فيه في الحمل متميز بخلاف الزرع فإنه متعد به كله أشبه الغاصب ولهذا علل أبو بكر بالعدول عن المعقود عليه فإلحاقها بما إذا اكترى إلى موضع فجاوزه أشد لشدة شبهها به وهو الذي قطع به في الكافي والمحرر مع أن أحمد نص في الزرع أنه ينظر ما يدخل على الأرض من النقصان فيعطاه رب الأرض فيقال أجرة مثلها إذا زرعها حنطة مائة واجرة مثلها إذا زرعها شعيرا ثمانون فالواجب ما بينهما وهو عشرون ونظيره لو اكترى غرفة ليجعل فيها أقفزة معلومة فزاد عليها ولو اكتراها ليجعل فيها قنطار قطن فجعل قنطار حديد ففي الأولى له المسمى وأجراء الزيادة وفي الثانية يخرج فيها الخلاف في مسألة الزرع.
"وإن تلفت ضمن قيمتها" سواء تلفت في الزيادة أو بعد ردها إلى المسافة لأنه متعد أشبه الغاصب "إلا أن تكون في يد صاحبها" ولا شيء عليها "فيضمن نصف قيمتها في أحد الوجهين" لأنه اجتمع عليها يدان يد صاحبها ويد المستأجر فالذي

__________
يقابله النصف فيضمن وكما لو زاد شوطا في الحد والثاني تلزمه القيمة كلها حيث لم يرض مالكها وهو المذهب ونصره الأكثر إناطة بالتعدي وسكوت صاحبها لا يدل على الرضى كما لو أبيع ملكه وهو ساكت لم يمنعه وذكر القاضي في الشرح الصغير أنه لا ضمان لوجود يد المالك وذكر في موضع آخر إن تلفت في يد راكبها أو له عليها حمل ضمنها وإن كان سلمها لمالكها ليسقيها أو ليمسكها فلا ضمان عليه ووافقه في المغني والشرح على ذلك إلا أنهما استثنيا فيما إذا تلفت في يد مالكها بسبب تعبها من الحمل ونحوه فالضمان على المتعدي كما لو ألقى حجرا في سفينة موقرة فغرقها ولا يسقط الضمان بردها إلى المسافة
فرع: لو اكترى زورقا فزواه مع زورق فغرقا ضمن لأنها مخاطرة لاحتياجهما إلى المساواة ككفة الميزان كما لو اشترى ثورا لاستقاء الماء فجعل فدانا.
أصل: إذا اكترى لنسخ كتاب يباح ما فيه أو خياطة أو قصارة أو صبغ أو كحل أو مداواة جرح صح ولزمه حبر وخيوط وكحل ومرهم ونحو ذلك وقيل يلزم مستأجر وهو معنى ما في المستوعب وقيل بل يتبع العرف وقيل الكل على الأجير إلا الخيوط فإنها على المستأجر وجزم في فصل ويلزم المؤجر كل ما يتمكن به من النفع كزمام الجمل ورحله وحزامه والشد عليه وشد الأحمال والمحامل والرفع والحط ولزوم البعير لينزل لصلاة الفرض الشرح أنه لا يجوز اشتراط الدواء على الطبيب بخلاف الكحل للحاجة إليه وليس له محادثته حال النسخ وإن أخطأ محمود بشيء يسير عفي عنه وإن كثير فلا وهو عيب يرد به
مسألة: استأجره مدة فكحله فلم تبرأ عينه استحق الأجر في قول الأكثر فإن شارطه على البرء فهي جعالة فلو برأ بغير كحله أو تعذر من جهة المستأجر فله أجر مثله

فصل
ويلزم المؤجر كل ما يتمكن به من النفع كزمام الجمل ورحله وحزامه والشد عليه وشد الأحمال والمحامل أو الرفع والحط ولزوم البعير لينزل لصلاة الفرض ومفاتيح الدار وعمارتها وما جرت عادته به
__________
فصل
"ويلزم المؤجر كل ما يتمكن به من النفع كزمام الجمل" وهو الذي يقوده به "ورحله وحزامه" بكسر الحاء وهو ما تحزم به البردعة ونحوها "والشد عليه وشد الأحمال والمحامل أو الرفع والحط ولزوم البعير لينزل لصلاة الفرض" وقضاء حاجة الإنسان والطهارة ويدع البعير واقفا حتى يقضي ذلك وفرض الكفاية كالعين وذكر جماعة أن نزوله لسنة راتبة كفرض فإن كان الراكب لا يقدر على الركوب والبعير قائم فعلى الجمال أن يترك له البعير لركوبه وإلا لم يلزمه فإن كان قويا حال العقد ثم عرض الضعف أو بالعكس فالاعتبار بحال الركوب لأن العقد اقتضى ركوبه بحسب العادة قاله في الشرح وفي آخر لا فلو أراد إطالة الصلاة فطالبه الجمال بقصرها لم يلزمه والمشي المعتاد قرب المنزل لا يلزم راكبا ضعيفاأو امرأة وإن كان جلدا قويا فاحتمالان
فرع: أجرة دليل وبكرة وحبل ودلو على مكتر كمحمل وغطاء ووطاء فوق الرحل قال في الترغيب وعدل القماش على مكر إن كانت في الذمة.
"ومفاتيح الدار" أي عليه تسليم مفاتيحها لأن عليه التمكين من الانتفاع وبه يحصل وهي أمانة في يد المستأجر "وعمارتها" فلو سقط حائط أوخشبة أو انكسرت فعليه بناء الحائط وإبدال الخشبة وتبليط الحمام وعمل الأبواب والبرك ومجرى الماء لأن بذلك يحصل الانتفاع ويتمكن منه "وما جرت عادته به" كالقتب للجمل والسرج واللجام للفرس والبردعة والإكاف للبغل والحمار لأن العادة جارية به ويلزمه سائق وقائد قاله في الفروع وذكر في المغني والشرح إن كانت الإجارة على تسليم الراكب البهيمة ليركبها لنفسه فكل

فأما تفريغ البالوعة والكنيف فيلزم المستأجر إذا تسلمها فارغة
فصل
والاجارة عقد لازم من الطرفين ليس لأحدهما فسخها
__________
ذلك عليه وقد سلمها وتنظيف السطح من الثلج على المؤجر قاله في التلخيص فأما تفريغ البالوعة والكنيف وما في الدار من زبل وقمامة ومصارف البغوي فيلزم المستأجر تنظيفها إذا استلمها فارغة من ذلك لأنه حصل بفعل المكتري فكان عليه تنظيفه كما لو طرح فيها قماشا
مسألة: إذا شرط على المكتري الحمام أو غيره أن مدة تعطيله عليه لم يصح لأنه لا يجوز أن يؤجره مدة لا يمكن الانتفاع في بعضها ولا يجوز ان يشرط أنه يستوفي بقدرها بعد انقضاء مدته لأنه يؤدي إلى جهالة مدة الإجارة فإن أطلق وتعطل خير بين الإمساك بكل الأجر وبين الفسخ وقيل له أرش العبيد فإن لم يعلم به حتى انقضت المدة فعليه جميع الأجر وإن شرط أن ينفق مستأجر ما يحتاجه من عمارة واجبة لم يصح فإن أنفق بناء على هذا الشرط رجع به على الآجر ويقبل قوله قي قدره لأنه منكر وإن أنفق بغير إذنه فلا رجوع بشيء فإن بدأ له قبل تقضي المدة فعليه الأجرة وإن حوله المالك.
خاتمة: يصح كراء العقبة بالعمل أن يركب في بعض الطريق ويمشي في بعض ولا بد من العلم به إما بالفراسخ أو بالزمان فإن شرط أن يركب يوما ويمشي آخر جاز فإن أطلق فاحتمالان وإن اكترى اثنان جملا يتعابان عليه جاز والاستيفاء بينهما بحسب الاتفاق فإن تشاحا قسم بينهما بالفراسخ أو بالزمان و إن اختلفا في البادي منهما أقرع بينهما في الأصح
فصل
"والإجارة عقد لازم من الطرفين" لأنها عقد معاوضة أشبهت البيع ولأنها نوع من المبيع وإنما اختصت باسم كالصرف والسلم "ليس لأحدهما فسخها"

فإن بدا له قبل تقضي المدة فعلية الأجرة وإن حوله المالك قبل تقضيها لم يكن له أجرة لما سكن نص عليه ويحتمل أن له من الأجرة بقسطه
__________
للزومها إلا أن يجد العين معيبة عيبا لم يعلم به فله الفسخ بغير خلاف نعلمه لأنه عيب في المعقود عليه فاثبت الخيار كالعيب في المبيع والعيب الذي يرد به ما تنقص به المنفعة كالبعير الذي يتأخر عن القافلة وربض البهيمة بالحمل وكونها جموحا أو عضوضا ونحوه وفي المكتري للخدمة ضعف البصر والجنون وفي الدار انهدام الحائط والخوف من سقوطها وانقطاع الماء من بئرها فإن رضي بالمقام لزمه جميع الأجر وإن اختلفا فيه رجع إلى أهل الخبرة هذا إذا كان العقد على العين فإن كانت موصوفة في الذمة لم تنفسخ وعلى المكري إبداله كالمسلم فيه فإن عجز عن الإبدال أو امتنع منه فله الفسخ.
"فان بداله قبل تقضي المدة فعلية الأجرة" لأنها عقد لازم يقتضي أن يملك المؤجر الأجر والمستأجر المنافع وقد وجدت فترتب مقتضاها فإن سكن الآجر بعض المدة فهل تلزمه أجرة المثل أو بالقسط على وجهين.
"وإن حوله المالك قبل تقضيها" أي تقضي المدة المعقود عليها "لم يكن له أجرة لما سكن نص عليه" وعليه الأصحاب لأنه لم يسلم له ما تناوله عقد الإجارة فلم يستحق شيئا كما لو استأجره ليحفر له عشرين ذراعا فحفر بعضها وامتنع من الباقي أو ليحمل له كتابا إلى بلد فحمله بعض الطريق "ويحتمل أن له من الأجرة بقسطه" وهو قول أكثر الفقهاء لأنه استوفى ملك غيره على وجه المعاوضة فلزمه عوضه كالمبيع إذا استوفى بعضه ومنعه المالك بقيته والأول أولى
تنبيه: إذا أبى المؤجر تسليم ما أجره أو منع مستأجره الانتفاع به كل المدة فله الفسخ وجها واحدا ذكره في المغني والشرح وقيل يبطل العقد مجانا وكذا إذا اكترى عبده للخدمة مدة وامتنع من تمامها أو آجر نفسه لبناء حائط أو خياطة وامتنع من تمام العمل مع القدرة عليه

وإن هرب الأجير حتى انقضت المدة انفسخت الإجارة وإن كانت على عمل في الذمة خير المستأجر بين الفسخ والصبر وإن هرب الجمال أو مات وترك الجمال أنفق عليها فإذا انقضت الإجارة باعها الحاكم
__________
"وإن هرب الأجير حتى انقضت المدة انفسخت الإجارة" لأن المعقود عليه يفوت بانقضائها أشبه تلف العين وظاهره أنها لا تنفسخ قبل انقضائها وصرح به في المغني لأن المدة إذا لم تنقض لم يفت المعقود عليه وفيه شيء فقد فات بعضه.
"وإن كانت على عمل في الذمة" كخياطة ثوب وبناء حائط أو حمل على موضع معلوم استؤجر من ماله من يعمل العمل فإن تعذر "خير المستأجر بين الفسخ والصبر" لأنه عمل في الذمة ليس له مدة يفوت بفواتها وقيل يبطل العقد ولا أجرة له في زمن الهرب وقيل ولا قبله وحكم من آجر نفسه مدة وهرب أو امتنع من العمل كذلك وكذا لو آجره دابة ثم شردت.
"وإن هرب الجمال أو مات وترك الجمال أنفق عليهاالحاكم من مال الجمال" إن كان له مال لأن نفقة الحيوان واجبة على المالك وهو غائب والحاكم نائبه "أو أذن للمستأجر في النفقة عليها" من ماله بالمعروف ليكون دينا عليه لأنه موضع حاجة ولأن إقامة أمين غيرالمستأجر تشق وتتعذر مباشرته كل وقت.
فإذا رجع واختلفا في النفقة فإن كان الحاكم قدرها قبل قول المستأجر فيها وكذا إن كانت غيرمقدرة وكانت بالمعروف لأنه أمين فإن لم يجد حاكما أو عجز عن إستئذانه فله أن ينفق عليها فإن نوى الرجوع وأشهد رجع وإن لم يشهد فوجهان وقياس المذهب أنه يرجع قياسا على نفقة الآبق وعيال الغائب قاله في المغني فإن أنفق من غيراستئذان مع القدرة عليه وأشهد على ذلك ففي رجوعه وجهان فإن لم يكن مع المستأجر مال ينفق عليها لم يجز أن يبيع منها شيئا لأنه إنما يكون من المالك أو نائبه أو من له ولاية عليه.
"فإذا انقضت الإجارة باعها الحاكم" لما ذكرنا وكذا إن كان فيها فضلة عن

ووفى المنفق وحفظ باقي ثمنها لصاحبه وتنفسخ الإجارة بتلف العين المعقود عليها
__________
الكراء "ووفى المنفق" لأن في ذلك تخليصا لذمة الجمال وإيفاء لحق صاحب النفقة "وحفظ باقي ثمنها لصاحبه" لأن الحاكم يلزمه حفظ مال الغائب فلو هرب الجمال بجماله ولم يجد المستأجر ما يستوفي منه حقه فله الفسخ لأنه تعذر عليه قبض المعقود عليه فإن فسخ وكان الجمال قد قبض الأجر فهو دين في ذمته وإن اختار المقام وكانت على عمل في الذمة فله ذلك فيطالبه متى قدر عليه وإن كانت على مدة وانقضت في هربه انفسخت الإجارة وإن كان العقد علي موصوف غير معين لم ينفسخ العقد ويرفع الأمر إلى الحاكم فإن وجد له مالا اكترى به وإلا اقترض عليه ما يكتري به فإن دفعه ليكتري بنفسه جاز وإن كان القرض من المكتري جاز وصار دينا في ذمة الجمال وإن كان العقد على معين لم يجز إبداله لأن العقد تعلق بعينه فيخير المكتري.
"وتنفسخ الإجارة بتلف العين المعقود عليها" كدابة نفقت وعبد مات لأن المنفعة زالت بالكلية بتلف المعقود عليه فانفسخت كتلف المبيع قبل قبضه وله أحوال:
أحدها: أن تتلف العين قبل قبضها ولا خلاف في انفساخها.
الثاني: أن تتلف عقب قبضها وقبل مضي مدة لا أجر لها فتنفسخ أيضا ويسقط الأجرعند عامة الفقهاء.
الثالث: أن تتلف بعد مضي بعض المدة فينفسخ فيما بقي من المدة خاصة في الأصح كما لو اشترى صبرتين فقبض إحداهما وتلفت الأخرى بأمر سماوي قبل قبضها ثم إن كان آخر المدة متساويا وقد استوفى نصفها فعليه نصف الأجرة.
وإن اختلف بأن يكون أجرها في الصيف أكثر من الشتاء أو بالعكس فإن الأجر المسمى يقسط على ذلك فإذا قيل أجرها في الصيف يساوي مائة وفي الشتاء يساوي خمسين وكان قد سكن الصيف فعليه بقدر ثلثي المسمى وقيل يلزمه بحصته من المسمى

وموت الصبي المرتضع وموت الراكب إذا لم يكن من يقوم مقامه في استيفاء المنفعة وانقلاع الضرس الذي اكترى لقلعه أو برئه ونحو هذا وإن اكترى دارا فانهدمت أو أرضا للزرع فانقطع ماؤها انفسخت الإجارة فيما بقي من المدة في أحد الوجهين
__________
"وموت الصبي المرتضع" لأنه تعذر استيفاء المعقود عليه لكون غيره لا يقوم مقامه لاختلافهم في الرضاع وقد يدر اللبن على ولد دون آخر فإن كان موته عقب العقد زالت الإجارة من أصلها ورجع المستأجر بالأجر كله وإن كان بعض مضي مدة رجع بحصة ما بقي وكذا ينفسخ بموت المرضعة لفوات المنفعة بهلاك محلها وعنه لا ينفسخ بموتها اختاره أبو بكر ويجب في مالها أجر من ترضعه تمام الوقت كالدين وجوابه بأن المعقود عليه هلك أشبه هلاك البهيمة المستأجرة.
"وموت الراكب إذا لم يكن من يقوم مقامه في استيفاء المنفعة" بأن لم يكن له وارث أو كان غائبا كمن يموت بطريق مكة ويترك جمله فظاهر كلام أحمد أنها تنفسخ فيما بقي لأنه قد جاء أمر غالب يمنع المستأجر منفعة العين أشبه ما لو غصبت ولأن بقاء العقد ضرر في حقهما وظاهره أنها لا تنفسخ إذا كان له من يقوم مقامه لأن الاستيفاء غير متعذر وبه يحصل الجمع بين هذا وبين قوله ولا تنفسخ بموت المكري ولا المكتري.
"وانقلاع الضرس الذي اكترى لقلعه أو برئه" لتعذر استيفاء المعقود عليه كالموت فإن لم يبرأ وامتنع المستأجر من قلعه لم يجبر "ونحو هذا" كاستئجار طبيب ليداويه فبرأ
تنبيه: ظاهره أن المستأجر إذا أتلف العين فإنها يثبت فيها ما تقدم ويضمن ما أتلف ومثله جب المرأة زوجها فإنها تضمن ولها الفسخ.
"وإن اكترى دارا فانهدمت أو أرضا للزرع فانقطع ماؤها انفسخت الإجارة فيما بقي من المدة في أحد الوجهين" هذا مقتضى كلام الخرقي والوجيز وقطع به

وفي الآخر يثبت للمستأجر خيار الفسخ ولا تنفسخ بموت المكري ولا المكتري
__________
ابن أبي موسى وغيره واختاره المؤلف وقدمه في الفروع لأن المقصود بالعقد قد فات أشبه ما لو تلف وقيل وتنفسخ فيما مضى "وفي الآخر يثبت للمستأجر خيار الفسخ" صححه في التلخيص وقاله القاضي في الدار لإمكان الانتفاع بالعرصة بنصب خيمه أو جمع حطب ونحو ذلك أشبه نقص العين أما لو زالت منافعها بالكلية أو الذي بقي فيها لا يباح استيفاؤه بالعقد كدابة استأجرها للركوب فصارت لا تصلح إلا للحمل فإنه ينفسخ العقد وجها واحدا وقال القاضي في الأرض ملكا انقطع ماؤها لا تنفسخ الإجارة ويخير فإن اختار المقام لزمه جميع الأجر وإن لم يختر الفسخ ولا الإمضاء إما لجهله بأن له الفسخ أو لغير ذلك فله الفسخ
فرع: إذا آجره أرضا بلا ماء صح فإن أطلق فاختار المؤلف صحتها مع علمه بحالها وقيل لا كظنه إمكان تحصيله وإن ظن وجوده بالأمطار وزيادة الأنهار صح جزم به جماعة كالعلم وفي الترغيب وغيره وجهان.
"ولا تنفسخ بموت المكري ولا المكتري" نص عليه وقاله أكثر العلماء لأنها عقد لازم فلم ينفسخ بموت العاقد مع بالإجماع المعقود عليه.
وعنه تنفسخ بموت مكتر لا قائم مقامه كبرء ضرس اكترى لقلعه لأن استيفاء المنفعة يتعذر بموته.
وجوابه بأن المستأجر قد ملك المنافع وان الأجرة قد ملكت عليه كاملة وقت العقد ويلزمهم ما لو زوج أمته ثم مات وفي الرعاية من استؤجر لحج أو عمرة فمات بطل العقد وعنه لا بل وارثه كهو وقيل إن مات قبل الإحرام فلا أجرة له وقيل له أجرة المثل لما قطع من المسافة الواجب قطعها وإن مات بعد الأركان فله الأجرة وعليه دم لما بقي.
وإن عمل بعضها فله بقدر ما عمل وعليه أجرة من يعمل الباقي "ولا" تنفسخ

ولا بعذر لأحدهما مثل أن يكتري للحج فتضيع نفقته أو دكانا فيحترق متاعه وإن غصبت العين خير المستأجر بين الفسخ ومطالبة الغاصب بأجرة المثل فإن فسخ فعليه أجرة ما مضى وقال الخرقي فان جاء امر غالب يحجز المستأجر عن منفعة ما وقع عليه العقد فعليه من الأجرة بقدر مدة انتفاعه
__________
"بعذر لأحدهما مثل أن يكتري للحج فتضيع نفقته أو دكانا فيحترق متاعه" في قول الجماهير لأنه عقد لا يجوز فسخه لغير عذر فلم يجز لعذر من غير المعقود عليه كالبيع ويفارق الإباق فإنه عذر في المعقود عليه.
"وإن غصبت العين خير المستأجر بين الفسخ ومطالبة الغاصب باجرة المثل" لأن في عدم ثبوت الخيار تأخيرا لحقه ولأن تعذر الانتفاع بذلك من غيرجهته عيب في المعقود عليه فملك الخيرة به كالعيب في المبيع وحينئذ له الخيار بين الفسخ والرجوع بالمسمى فيما بقي من المدة وبين البقاء على العقد ومطالبة الغاصب بأجرة المثل ولم ينفسخ العقد بمجرد الغصب لأن المعقود عليه لم يفت مطلقا بل فات إلي بدل وهوالقيمة أشبه ما لو أتلف الثمرة المبيعة آدمي قبل قطعها وخرج أبو الخطاب الانفساخ إن قيل بعدم ضمان منافع الغصب وفي الانتصار تنفسخ تلك المدة والأجرة للمؤجر لاستيفاء المنافع على ملكه فلو غصبها مالكها فلا شيء له مطلقا نص عليه وقيل بلى كغصب وغيره.
"فإن فسخ فعليه اجرة ما مضى" وكان الحكم فيه كما لو انفسخ العقد بتلف العين فإن ردت في أثناء المدة ولم يكن فسخ استوفى ما بقي منها ويكون فيما مضى مخيرا فإن كانت الإجارة على عين موصوفة في الذمة لزمه بدلها فإن تعذر فله الفسخ وإن كانت على عين معينة لعمل خير بين الصبر والفسخ إلى أن يقدر عليها.
"وقال الخرقي وإن جاء أمر غالب يحجز المستأجر عن منفعة ما وقع عليه العقد فعليه من الأجرة بقدر مدة انتفاعه" هذا تأكيد لوجوب الأجرة فيما مضى وقوله شامل لغصب العين وتلفها وحدوث ما يمنع من الانتفاع بها كانهدام دار

ومن استؤجر لعمل شيء فمرض أقيم مقامه من يعمله والأجرة عليه فإن وجدالعين معيبة أو حدث بها عيب فله الفسخ فإن فسخ فعليه أجرة ما مضى
__________
وغرق الأرض وحدوث خوف عام لأنه أمر غالب فثبت له الخيار كغصب العين فلو كان خاصا بالمستأجر اقرب أعدائه أو حلولهم في طريقة لم يملك الفسخ كمرضه وحبسه.
"ومن استؤجر لعمل شيء" في الذمة ولم يشرط عليه مباشرته "فمرض اقيم مقامه من يعمله" ليخرج من الحق الواجب في ذمته كالمسلم فيه "والأجرة عليه" أي على المريض لأنها في مقابلة ما وجب عليه ولا يلزم المستأجر إنظاره لأن العقد بإطلاقه يقتضي التعجيل ما لم يختلف القصد فيه كالفسخ فإن كانت الإجارة على عينه في مدة أو غيرها كأن تخيط لي أنت هذا الثوب لم يقم غيره مقامه كالبيع بل يخير المستأجر بين الفسخ والصبر حتى يتبين له الحال "فإن وجدا العين معيبة أو حدث بها عيب" وهو ما يظهر به تفاوت الأجر فله الفسخ إن لم يزل بلا ضرر يلحقه والإمضاء مجانا وظاهره أنها لا تنفسخ بذلك وهو مخير بين الإمساك بكل الأجر ذكره ابن عقيل وجزم به في المغني والشرح وذكر المجد يروي مع الأرش في قياس المذهب وبين الفسخ استدراكا لظلامته ولا يبطل الخيار بالتأخير.
"فإن فسخ فعليه أجرة ما مضى" لأن المنافع لا يحصل قبضها إلا بالاستيفاء فإن بادر المكري إلى إزالته من غيرضرر يلحق المستأجر كإصلاح تشعيث الدار فلا خيار له لعدم الضرر فإن سكنها مع عيبها فعليه الأجرة علم أو لم يعلم ولو احتاجت إلى تجديد فإن جدد وإلا فسخ وليس له إجباره على التجديد في الأصح
مسألة: متى زرع الأرض فغرقت أو تلف أو لم تنبت فلا خيار له وتلزمه الأجرة نص عليه فإن تعذر زرعها لغرقها فله الخيار وكذا لقلة ماء قبل زرعها أو بعده أو عابت بغرق يعيب به بعض الزرع واختار شيخنا أو برد

ويجوز بيع العين المستأجرة ولا تنفسخ الإجارة إلا أن يشتريها المستأجر فتنفسخ في إحدى الروايتين
__________
أو فأر أو عذر فإن أمضاه فله الأرش كعيب الاعيان وإن فسخ فعليه القسط قبل القبض ثم أجرة المثل إلى كماله وما لم يرو من الأرض فلا أجرة له اتفاقا ذكره في الفروع.
"ويجوز بيع العين المستأجرة" نص عليه سواء باعها لمستأجرها أو لغيره لأنها عقد على المنافع فلم يمنع الصحة كبيع الأمة المزوجة ولأن يد المستأجر على المنافع والبيع على الرقبة فلا يمنع ثبوت اليد على أحدهما تسليم الآخر وإن منعت التسليم في الحال فلا تمنعه في الوقت الذي يجب فيه التسليم وهو عند انقضاء الإجارة وتكفي القدرة على التسليم حينئذ كالمسلم فيه ولمشتر الفسخ أو الإمضاء إن لم يعلم ذكره في المغني والشرح لأن ذلك عيب قاله أحمد وفي الرعاية له الأرش مع الإمساك وإن علم ورضي لم يتصرف في العين حتى تفرغ المدة .
"ولا تنفسخ الإجارة" لأنها سابقة على عقد البيع واللاحق لا يوجب فسخ السابق كما لو زوج أمته ثم باعها "إلا أن يشتريها المستأجر فتنفسخ في إحدى الروايتين" كذا أطلقهما في الفروع وحكاهما في المغني والشرح وجهين أحدهما ينفسخ فيما بقي من المدة لأن ملك الرقبة لما منع ابتداء الإجارة منع استدامتها كالنكاح لما منع ملك اليمين منع استدامته فعلى هذا يسقط عن المشتري الأجر فيما بقي كما لو تلفت العين وإن كان المؤجر قبض الأجر كله حسب عليه من الثمن إن كان من جنسه والثانية وهي الأصح لا تنفسخ لأنه ملك المنفعة بعقد ثم ملك الرقبة بآخر فلم يتنافيا كملك الثمرة عند الأصل فيجتمع على المشتري الأجر والثمن للبائع كما لو كان المشتري غيره ولو آجرها لمؤجرها فإن قلنا لا تنفسخ صح وإلا فلا
فرع: إذا ورث المستأجر العين المؤجر أو وهبت له أو أخذها بوصية أو صداق أو عوض في خلع أو في صلح ونحوه فالحكم فيه كما لو اشترها

فصل
ولا ضمان على الأجير الخاص وهو الذي يسلم نفسه إلى المستأجر فيما يتلف في يده إلا أن يتعدى ويضمن الأجير المشترك ما جنت يده من تخريق الثوب وغلطه في تفصيله
__________
فصل
"ولا ضمان على الأجير الخاص" نص عليه "وهو الذي يسلم نفسه إلى المستأجر" أي يقع عليه العقد مدة معلومة يستحق المستأجر نفعها في جمعها سوى فعل الصلوات الخمس في أوقاتها بسننها وصلاة جمعة وعيد ولا يستنيب وسمي خاصاً لاختصاص المستأجر بنفعه تلك المدة وقيل هو من سلم نفسه لعمل معلوم مباح.
"فيما يتلف في يده" الجار ومجروره متعلق بقوله ولا ضمان لأن عمله غير مضمون عليه فلم يضمن ما تلف به كالقصاص ولأنه نائب عن المالك في صرف منافعه فيما أمر به فلم يضمن كالوكيل "إلا أن يتعدى" لأنه تلف بتعدية أشبه الغاصب قال جماعة أو تفريط ومثله في الشرح بالخباز إذا أسرف في الوقود أو ألزقه قبل وقته أو بتركه بعد وقته حتى يحترق وفيه شيء وذهب ابن أبي موسى أنه يضمن ما جنت يده وعن أحمد يضمن ما تلف بأمر خفي لا يعلم إلا من جهته.
"ويضمن الأجير المشترك" وهو من قدر نفعه بعمل كخياطة ثوب أو بناء حائط وسمي مشتركا لأنه يتقبل أعمالا لجماعة في وقت واحد يعمل لهم فيشتركون في منفعته كالحائك والقصار والطباج والحمال فكل منهم ضامن "ما جنت يده من تخريق الثوب وغلطه في تفصيله" روي ذلك عن عمر وعلي وشريح والحسن لأن عمله مضمون لكونه لا يستحق العوض إلا بالعمل وإن الثوب لو تلف في حرزه بعد عمله لم يكن له أجرة فيما عمل

ولا ضمان عليه فيما تلف من حرزه أو بغير فعله ولا أجرة له فيما عمل فيه وعنه يضمن مطلقا
__________
فيه بخلاف الخاص وما تولد منه يجب أن يكون مضمونا كالعدوان بقطع عضو وظاهره لافرق بين أن يعمل في بيته أو بيت المستأجر وهو ظاهر كلام أحمد والخرقي ولا ان يكون المستأجر على المتاع وصرح به القاضي في تعليقه وجماعة لأن ضمانه لجنايته واختار القاضي في المجرد وأصحابه أنه يضمن إن كان عمله في بيت نفسه فأما إن كان في ملك المستأجر من خياطة ونحوها فلا.
"ولا ضمان عليه فيما تلف من حرزه أو بغير فعله" في ظاهر المذهب وعليه أكثر الأصحاب لأن العين في يده أمانة اشبه المودع وعنه ان كان التلف بأمر ظاهر كالحريق واللصوص الغالبين ونحوهم فلا ضمان وإن كان بأمر خفي كالضياع ونحوه ضمن للتهمة.
"ولا أجرة له فيما عمل فيه" لأنه لم يسلم عمله إلى المستأجر فلم يستحق عوضه كالمبيع من الطعام إذا تلف في يد بائعه قبل تسليمه وظاهره مطلقا سواء كان في بيت المستأجر أو غيره بناء كان أو غيره و في المحرر إلا ما عمله في بيت ربه وعنه إن كان بناء وعنه ومنقول عمله في بيت ربه وفي الفنون له الأجرة مطلقا لأن وضعه النفع فيما عينه له كالتسليم إليه كدفعه إلى البائع غرارة وقال ضع الطعام فيها فكاله فيها كان ذلك قبضا لأنها كيده.
"وعنه يضمن مطلقا" لقوله عليه السلام "وعلى اليد ما أخذت حتى تؤديه" ولأنه قبض العين لمنفعة نفسه من غير استحقاق فلزمه ضمانها كالمستعير قال صاحب التلخيص ومحل الروايات إذا لم تكن يد المالك عليها فإن كانت فلا ضمان بحال.
فرع: إذا استعمل مشترك خاصاً صح ولكل منهما حكم نفسه

ولا ضمان على حجام ولا ختان ولا بزاغ ولا طبيب إذا عرف منهم حذق الصنعة ولم تجن أيديهم ولا ضمان على الراعي إذا لم يتعد
__________
"ولا ضمان على حجام ولا ختان ولا بزاغ" وهو البيطار "ولا طبيب" خاصاً كان كل منهم أو مشتركا "إذا عرف منهم حذق الصنعة ولم تجن أيديهم" لأنه فعل فعلا مباحا فلم يضمن سرايته كحد لأنه يمكن أن يقال أقطع قطعا لا يسري بخلاف دق دقا لا يخرقه.
واقتضى ذلك أنهم إذا لم يكن لهم حذق في الصنعة أنهم يضمنون لأنه لا تحل لهم مباشرة القطع فإذا قطع فقد فعل محرما فيضمن سرايته بدليل قوله عليه السلام من تطبب بغير علم فهو ضامن رواه أبو داود فلو كان فيهم حذق الصنعة وجنت أيديهم بأن تجاوز الختان إلى بعض الحشفة أو تجاوز الطبيب بقطع السلعة موضعها أو بآلة كالة يكثر ألمها وجبت لأن الإتلاف لا يختلف ضمانه بالعمد والخطأ وكما لو قطعه إبتداء.
وحكى ابن أبي موسى إذا ماتت طفلة من الختان فديتها على عاقلة خاتنتها قضى به عمر بن الخطاب وأنه لو استأجر لحلق رؤؤس يوما فجنى عليها بجراحة لا يضمن كجنايته في قصاره ونحوها ويعتبر لعدم الضمان في ذلك إذن مكلف أو ولي والا ضمن.
واختار في الهدي لا يضمن لأنه محسن
"ولا ضمان على الراعي إذا لم يتعد" بغير خلاف نعلمه إلا ما روي عن الشعي فلو جاء بجلد شاة وقال هذا جلد شاتك قبل قوله وعنه لا والصحيح الأول لأنه مؤتمن على الحفظ أشبه المودع ولأنها عين قبضت بحكم الإجارة أشبهت العين المستأجرة.
واقتضى ذلك أن ما تلف بتعديه أنه ضامن له بغير خلاف وجواز إجارة الراعي وقصة شعيب مع موسى عليه السلام شاهدة بذلك فإذا عقد على معينة تعينت في الأصح فلا يبدلها ويبطل العقد فيما تلف منها وإن عقد

وإذا حبس الصانع الثوب على أجرته فتلف ضمنه وإن تلف الثوب بعد عمله خير المالك بين تضمينه إياه غير معمول ولا اجرة له وبين تضمينه إياه معمولا ويدفع إليه أجرته.
__________
على موصوف ذكر نوعه وكبره وصغره إلا أن تكون ثم قرينة أو عرف صارف إلى بعضها ولا يلزمه رعي سخالها فإن ذكر عددا تعين وإن أطلق لم يجز وقال القاضي يصح ويحمل على العادة.
"وإذا حبس الصانع الثوب على أجرته فتلف ضمنه" لأنه لم يرهنه عنده ولا أُذن له في إمساكه فلزمه الضمان كالغاصب.
وقال ابن حمدان إن كان صبغه منه فله حبسه وإن كان من رب الثوب أو قد قصره احتمل وجهين وفي المنثور إن خاطه أو قصره وغزله فتلف بسرقة أو نار فمن مالكه ولا أجرة لأن الصنعة غيرمتميزة كقفيز من صبرة ويستثنى على الأول ما إذا أفلس مستأجره ثم جاء بائعه يطلبه فللصانع حبسه.
"وإن تلف الثوب بعد عمله خير المالك" لأن الجناية على ماله فكانت الخيرة إليه دون غيره "بين تضمينه إياه غيرمعمول ولا أجرة له" لأن الأجرة إنما تجب بالتسليم ولم يوجد "وبين تضمينه إياه معمولا ويدفع إليه أجرته" لأنه لولم يدفع إليه الأجرة لاجتمع على الأجير فوات الأجرة وضمان ما يقابلها ولأن المالك إذا ضمنه ذلك معمولا يكون في معنى تسليم ذلك معمولا فيجب أن يدفع إليه الأجرة لحصول التسليم الحكمي ويقدم قوله في صفة عمله ذكره ابن رزين ومثله تلف أجير مشترك ذكره القاضي وغيره وقال أبو الخطاب تلزمه قيمته موضع تلفه وله أجرته إليه وكذا عمله غير صفة شرطه أي لا أجرة له في الزيادة لأنه غير مأمور بها وعليه ضمان نقص الغزل المنسوج فيها وفي المغني والشرح له المسمى إن زاد الطول فقط ولم ينقص الأصل بها وإن زاد في العرض فوجهان والظاهر أنه لا اجرة له والفرق بأنه يمكن قطع الزائد في الطول ويبقى الثوب على ما أراد بخلاف العرض وإن نقصهما أو أحدهما فقيل لاشيء له ويضمن كنقص الأصل وقيل

وإذا ضرب المستأجر الدابة بقدر العادة أو كبحها أو الرائض الدابة لم يضمن ما تلفت به وإن قال أذنت لي في تفصيله قباء قال بل قميصا فالقول قول الخياط نص عليه
__________
بحصته من المسمى وقيل لا شيء له في نقص العرض بخلاف النقص في الطول فإن له حصته في المسمى
فرع: إذا أخطأ قصار ودفع الثوب إلى غيرمالكه ضمنه فإن قطعه قابضه غرم أرش قطعه كدراهم أنفقها ويرده مقطوعا على الأصح فإن تلف عنده ضمنه كما لو علم وعنه لا لعجزه عن دفعه.
"وإذا ضرب المستأجر الدابة بقدر العادة أو كبحها" أي جذبها لتقف وفي الشرح يحثها به على السير لتلحق القافلة ويقال بالخاء المعجمة "أو الرائض الدابة" أي معلمها "لم يضمن ما تلف به" لأنه تلف من فعل مستحق فلم يضمناه كما لو تلفت تحت الحمل وظاهره أنه يجب الضمان إذا زاد على العادة وصرح به في الكافي لأنه جناية على ملك الغير فوجب الضمان كالغاصب وقد اقتضى ذلك جواز ضرب المستأجر الدابة للاستصلاح لأنه عليه السلام نخس بعير جابر وضربه وكان أبو بكر ينخس بعيره بمحجنه فلو اكتراها وتركها في اصطبله فماتت فهدر وإن سقط عليها ضمنها
تنبيه: العين المؤجرة أمانة في يد مستأجرها إن تلفت بغير تفريط لم يضمنها ولا فرق بين الإجارة الصحيحة والفاسدة فإذا انقضت المدة رفع يده عنها ولم يلزمه الرد أومأ إليه في رواية ابن منصور لأنه لو وجب ضمانها لوجب ردها كالعارية وحينئذ تبقى في يده أمانة كالوديعة وقيل يجب ردها مع القدرة إن طلبت منه قطع القاضي به في الخلاف وقيل مطلقا ويضمنه إن تلف مع إمكان رده كعارية ومؤنة الرد على مالكها في الأصح كمودع فلو شرط على مستأجر ضمانها لم يصح الشرط في الأصح وفي العقد وجهان.
"وإن قال أذنت لي في تفصيله قباء قال بل قميصا فالقول قول الخياط نص عليه" في رواية ابن منصورلأنهما اتقفا على الإذن واختلفا

__________
في صفته فكان القول قول المأذون له كالمضارب فعلى هذا يحلف الخياط لبعض عنه الغرمويستحق أجر المثل وقيل يقبل قول ربه اختاره المؤلف لأنهما اختلفا في صفة الإذن فيقبل قوله فيها لأن الأصل عدم الإذن المختلف فيها فعليها يحلف أنه ما أذن في قطعة قباء ويغرم الأجير نقصه ولا أجرة له وعنه يعمل بظاهر الحال كاختلاف الزوجين في متاع البيت وقيل بالتحالف كالاختلاف في ثمن المبيع وحكم الصباغ إذا قال أذنت في صبغة أحمر قال بل أصفر كذلك
تنبيه: إذا دفع إلى خياط ثوبا وقال إن كان يقطع قميصا فاقطعه فقال هو يقطع فقطعه ولم يكفه أو قال انظر هل يكفيني قميصا فقال نعم فقال اقطعه فقطعه ولم يكفه ضمنه فيهما فإن قال اقطعه قميص رجل فقطعه قميص امرأة غرم ما بين قيمته صحيحا ومقطوعا في الأصح وقيل يغرم ما بين قيمتها فإن أكراه ليلبسه لم ينم فيه ليلا ولا وقت القيلولة ولم يأتزر به فإن ارتدى به جاز في الأقيس.
مسألة: إذا اختلفا في قدر الأجرة تحالفا كالبيع نص عليه ويبدأ بيمين الآجر وكذا إذا اختلفا في المدة وعنه يصدق المؤجر وعنه المستأجر وعلى التحالف إن كان بعد المدة فأجرة المثل لتعذر رد المنفعة وإن كان في أثنائها فبالقسط فلو اختلفا في التعدي قبل قول المستأجر لأنه أمين فإن قال بعد القبض مرض العبد أو أبق أو شردت الدابة فلم أقدر على ردها صدق وحلف على الأصح وعنه يقبل قول المؤجر فلو ادعى مرضه وأصابه صحيحا قبل قول المالك سواء صدقه العبد أو كذبه نص عليه وعنه يقبل قول المستأجر في الإباق دون المرض فلو اختلفا في وقت هلاك العين قدم قول المستأجر لأن الأصل عدم الانتفاع

فصل
وتجب الأجرة بنفس العقد إلا أن يتفقا على تأخيرها ولا يجب تسليم أجرة العمل في الذمة حتى يتسلمه
__________
فصل
"وتجب الأجرة بنفس العقد" أي إذا أطلق وكان العقد وقع على عين كأرض ودار ونحوهما أو ذمة لأن المؤجر يملك الأجرة بنفس العقد كما يملك البائع الثمن بالبيع وحينئذ تكون حالة من نقد بلد العقد إن لم يشترطا غيره وقال طائفة لم يملكها ولا يستحق المطالبة بها إلا يوما بيوم إلا أن يشترط تعجيلها لقوله تعالى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: من الآية6] أمر بايتائهن بعد الرضاع ولقوله عليه السلام: "ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يوفه أجره" ولأنه عوض لم يملك فلم يجب تسليمه كالعوض في العقد الفاسد.
وجوابه بأنه عوض أطلق في عقد معاوضة فيستحق بمطلق العقد كالثمن والصداق وله الوطء وأما الآية فتحتمل أنه اراد الإيتاء عند الشروع في الرضاع أو تسليم نفسها وتحققه أن الإيتاء في وقت لا يمنع وجوبه قبله لقوله تعالى: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء: من الآية24] والصداق يجب قبل الاستمتاع مع أنهما إنما وردا فيمن استؤجر على عمل.
فأما ما وقعت الإجارة فيه على مدة فلا تعرض لها فيه "إلا أن يتفقا على تأخيرها" فلا يجب كما لو اتفقا على تأخير الثمن واقتضى ذلك جواز تأجيلها وقيل إن لم يكن نفعا في الذمة وقيل يجب قبضها في المجلس كرأس مال السلم فلا تحل مؤجلة بموت في أصح قولي العلماء وإن حل دين به لأن حلها مع تأخير استيفاء المنفعة ظلم قاله الشيخ تقي الدين "ولا يجب تسليم أجرةالعمل في الذمة حتى يتسلمه" وإن وجبت بالعقد وعلى هذا وردت النصوص ولأن الأجير إنما يوفى أجره إذا قضى عمله لأنه عوض فلا يستحق تسليمه إلا مع تسليم المعوض كالصداق والثمن وفارق الإجارة

وإذا انقضت الإجارة وفي الأرض غراس أو بناء لم يشترط قلعه عند انقضائها خير المالك بين أخذه بالقيمة أو تركه بالأجرة أو قلعه وضمان نقصه
__________
على الأعيان لأن تسليمها أجري مجرى تسليم نفعها ومتى كانت على عمل في الذمة لم يحصل تسليم المنفعة ولا يقوم مقامها فيتوقف استحقاق تسليم الأجر على تسليم العمل فإن عمل بعضه فله أجرة المثل لما عمل وقيل إن كان معذورا في ترك العمل وإلا احتمل وجهين وقال ابن أبي موسى من استؤجر لعمل معلوم استحق الأجر عند ايفاء العمل وإن استؤجر كل يوم بأجرة معلومة فله أجر كل يوم عند تمامه
تنبيه: يستقر الأجر كاملا باستيفاء المنفعة وبتسليم العين ومضي المدة ولا مانع له من الانتفاع أو بفراغ عمل بيد مستأجر ويدفعه إليه بعد عمله فلو بذل له تسليم العين وامتنع المستأجر حتى انقضت المدة استقر الأجر عليه كما لو كانت بيده وان كانت على عمل فذكر الأصحاب أنها تستقر إذا مضت مدة يمكن الاستيفاء منها وصحح في المغني أنه لا أجر عليه لأنه عقد على ما في الذمة فلم يستقر عوضه بذل التسليم كالمسلم فيه.
"وإذا انقضت الإجارة وفي الأرض غراس أو بناء لم يشترط قلعه عند انقضائها" بل أطلق وكانت أو أجرت لذلك "خير المالك" أي رب الأرض "بين أخذه بالقيمة" أي بدفع قيمة الغراس أو البناء فيملكه مع أرضه لأن الضرر يزول بذلك وفي الفائق إذا كانت الأرض وقفا لم يملك التملك الا بشرط واقف أو رضى مستحق الريع.
"أو تركه بالأجرة" اي أجرة المثل "أو قلعه وضمان نقصه" لما فيه من الجمع بين الحقين وظاهره لا فرق بين كون المستأجر وقف ما بناه اولا وهذا ما لم يقلعه مالكه ولم يكن البناء مسجدا ونحوه فلا يهدم اختاره في الفنون والشيخ تقي الدين فإن قلت هلا ملك القلع من غيرضمان النقص كما هو مذهب أبي حنيفة ومالك لأن تقدير المدة في الإجارة يقتضي تفريغها عند انقضائها كالمستأجر

وإن شرط قلعه لزمه ذلك ولم تجب تسوية الأرض إلا بشرط وإن كان فيها زرع بقاؤه بتفريط المستأجر فللمالك أخذه بالقيمة أو تركه بالأجرة وإن كان بغير تفريط
__________
للزرع قلت لقوله عليه السلام "ليس لعرق ظالم حق" فإنه يدل على أن غير الظالم له حق وهنا كذلك لأنه غرس بإذن المالك ولم يشترط قلعه فلم يجبر عليه من غير ضمان النقص كما لو استعارها للغرس ثم رجع قبل انقضائها فإن شرط فيها بقاء غرس فهو صحيح على الأصح كإطلاقه فإن اختار رب الأرض القلع فهو على مستأجر وليس عليه تسوية الحفر قاله في التلخيص وغيره وإن اختاره مالكه لزمه تسوية الحفر قاله في المغني والشرح وغيرهما.
"وإن شرط قلعه لزمه ذلك" وفاء بموجب شرطه فإن قلت إذا كان إطلاق العقد فيهما يقتضي التأبيد فشرط القلع ينافي مقتضى العقد فيفسده قلت اقتضاؤه التأبيد إنما هو من حيث إن العادة تبقيتهما فإذا أطلقه حمل على العادة فإذا شرط خلافه جاز لزم تركه بالأجرة كما لو باع بغير نقد البلد وحينئذ لا يجب على رب الأرض غرامة نقص.
"ولم يجب تسوية الأرض" على المستأجر لأنهما دخلا على ذلك لرضاهما بالقلع إلا بشرط لما ذكرنا على إبقائه بأجرة أو غيرها جاز إذا شرطا مدة معلومة وظهر مما سبق أن للمستأجر أن يغرس ويبني قبل انقضاء المدة إذا استأجرها لذلك فإذا انقضت فلا.
"وإن كان فيها زرع بقاؤه بتفريط المستأجر" مثل أن يزرع زرعا لم تجر العادة بكماله قبل انقضاء المدة "فللمالك أخذه بالقيمة" ما لم يختر المستأجر قلع زرعه في الحال وتفريغ الأرض فله ذلك ولا يلزمه وقيل للمالك أخذه بنفقته "أو تركه بالأجرة" أي بأجرة المثل لما زاد على المدة لأنه أبقى زرعه في أرض غيره بعدوانه كالغاصب وذكر القاضي ان على المستأجر نقل الزرع وتفريغ الأرض وإن اتفقا على تركه بعوض جاز.
"وإن كان بغير تفريط" مثل أن يزرع زرعا ينتهي في المدة عادة ثم يتأخر لبرد أو

لزم تركه بالأجرة وإذا تسلم العين في الإجارة الفاسدة حتى انقضت المدة فعليه أجرة المثل سكن أو لم يسكن وإذا اكترى بدراهم واعطاه عنها دنانير ثم انفسخ العقد رجع المستاجر بالدراهم
__________
غيره "لزم تركه بالأجرة" لحصول زرعه في أرض غيره بإذنه من غير تفريط فهو كما لو أعاره أرضا فزرعها ثم رجع المالك قبل كمال الزرع.
فرع: إذا أراد المستأجر زرع شيء لا يدرك مثله في مدة الإجارة فللمالك منعه فإن زرع لم يملك مطالبته بقلعه قبل المدة لأنه في أرض ملك نفعها فلو اكتراها مدة لزرع ما لا يكمل فيها وشرط قلعه عند فراغها صح وإن شرط البقاء حتى يكمل أو سكت فسد العقد فإذا فرغت المدة والزرع قائم فهو كمفرط في الأصح.
"وإذا تسلم العين في الإجارة الفاسدة حتى انقضت المدة فعليه أجرة المثل" لمدة بقائها في يده "سكن أو لم يسكن" لأن المنافع تلفت تحت يده بعوض لم يسلم له فرجع إلى قيمتها كما لو استوفاه ويتخرج على قول أبي بكر أنه يضمن بالأجرة المسماة واختاره الشيخ تقي الدين وذكر أنه قياس المذهب أخذا له من النكاح وعن أحمد لا شيء له لأنه عقد فاسد على منافع لم يستوفها فلم يلزمه عوضا كالنكاح الفاسد فأما إن بذل التسليم في الإجارة الفاسدة فلم يتسلمها فلا أجر عليه لأن المنافع لم تتلف تحت يده
فرع: المبيع بعقد فاسد كمستعير فقط ذكره في المجرد والفصول والمغني لتضمنه إذنا وفي الفروع توجيه أنه في وجه كغصب وفي القواعد أنه المذهب المعروف وانه لا ينعقد وتترتب عليه احكام الغصب وخرج أبو الخطاب في انتصاره صحة التصرف في البيع الفاسد في النكاح واعترضه أحمد الحربي في تعليقه.
"وإذا اكترى بدراهم وأعطاه عنها دنانير ثم انفسخ العقد رجع المستأجر بالدراهم" لأن العقد إذا انفسخ رجع كل من المتعاقدين في العوض الذي بذله

وعوض العقد هو الدراهم والمؤجر أخذ الدنانير بعقد آخر ولم ينفسخ أشبه ما إذا قبض الدراهم ثم صرفها بدنانير

باب السبق
تجوز المسابقة على الدواب والأقدام وسائر الحيوانات والسفن والمزاريق وغيرها
__________
باب السبقهو مصدر سبق يسبق سبقا والسبق بتحريك الباء الشيء الذي يسابق عليه وبسكونها المسابقة وهي المجاراة بين حيوان وغيره والمناضلة المسابقة بالرمي والرهان في الخيل والسباق في الخيل والرمي والإجماع على جوازه بغير عوض وسنده قوله تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: من الآية60] الآية وصح من حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل المضمرة من الحفيا إلى ثنية الوادع وبين التي لم تضمر من ثنيةالوداع إلى مسجد بني زريق قال موسى بن عقبة من الحفياء إلى ثنيه الوداع ستة أميال أو سبعة وقال سفيان من الثنية إلى مسجد بني زريق ميل أو نحوه.
"تجوز المسابقة على الدواب والأقدام" لما روت عائشة قالت سابقني النبي صلى الله عليه وسلم فسبقته فلما أخذني اللحم سابقته فسبقني فقال: "هذه بتلك" رواه احمد وأبو داود وسابق سلمة بن الأكوع رجلا من الأنصار بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه مسلم.
"وسائر الحيوانات" كإبل وخيل وبقر وطيور في الأصح ومنعه الآمدي في حمام "والسفن والمزاريق" جمع مزراق وهو الرمح القصير "وغيرها" كمجانيق ورمي أحجار بمقاليع ورفع أحجار ليعرفوا الأشد منهم وصراع لأنه عليه السلام صارع ركانه فصرعه رواه أبو داود.
فوائد: قال في الوسيلة يكره الرقص واللعب كله ومجالس الشعرولا يجوز بعوض إلا في الإبل والخيل والسهام وذكر

ولا يجوز بعوض إلا في الإبل والخيل والسهام
__________
ابن عقيل وغيره يكره لعبه بارجوحة ونحوها وفي النصيحة من وثب وثبة مرحا ولعبا بلا نفع فانقلب فذهب عقله عصي وقضى الصلاة ولا يجوز اللعب بالطاب والنقيلة ذكره الشيخ تقي الدين وقال كل فعل افضى إلى المحرم كثيرا حرمه الشارع إذا لم يكن فيه مصلحة راجحة لأنه يكون سببا للشر والفساد وقال ما ألهى وشغل عما أمر الله به فهو منهي عنه وإن لم يحرم جنسه كبيع وتجارة وغيرهما.
وما روي أن عائشة وجواري معها كن يلعبن باللعب والنبي صلى الله عليه وسلم يراهن رواه أحمد وغيره وكانت لها أرجوحة قبل أن تتزوج رواه أبو داود بإسناد جيد فيرخص فيه للصغار ما لا يرخص فيه للكبار قاله الشيخ تقي الدين في خبر ابن عمر في زمارة الراعي قال في الفروع ويتوجه كذا في العيد ونحوه لقصة أبي بكر وقوله عليه السلام له "دعهما فإنها أيام عيد" .
"ولا يجوز بعوض إلا في الإبل والخيل والسهام" كذا في المحرر والوجيز وابدل في الفروع السهام بسلاح وهو أولى لما روى ابو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر" رواه الخمسة ولم يذكر ابن ماجة أو نصل وإسناده حسن واختصت هذه الثلاثة باخذ العوض فيها لأنها من آلات الحرب المأمور بتعليمها وإحكامها وذكر ابن البنا وجها أنه يجوز السبق بالطيور المعدة لأخبار الأعداء وقد صارع النبي صلى الله عليه وسلم ركانة على شياه فصرعه فأخذها ثم عاد مرارا فأسلم فرد النبي صلى الله عليه وسلم غنمه رواه أبو داوود في مراسيله مع الصراع والسبق بالإقدام ونحوهما طاعة إذا قصد به نصر الإسلام وأخذ السبق عليه أخذ الحق فالمغالبة الجائزة تحل بالعوض إذا كانت مما ينفع في الدين اختاره الشيخ تقي الدين ويجوز أخذ الرهان في العلم لقيام الدين بالجهاد والعلم.
وفي الروضه يختص جواز السبق بالأنواع الثلاثة الحافر فيعم كل ذي حافر والخف فيعم كل ذي خف والنصل فيختص النشاب والنبل ولا.

بشروط خمسة أحدها تعيين المركوب والرماة سواء كانا اثنين أو جماعتين ولا يشترط تعيين الراكبين ولا القوسين الثاني أن يكون المركوبان والقوسان من نوع واحد فلا يجوز بين عربي وهجين ولا بين قوس عربية وفارسية
__________
يصح السبق والرمي في غير هذه الثلاثة مع الجعل وعدمه ولتعميمه وجه وذكر ابن عبد البر تحريم الرهن في غير الثلاثة إجماعا.
"بشروط خمسة أحدها تعيين المركوب" برؤية "والرماة" لأن القصد معرفة جوهر الحيوان الذي يسابق عليهما وسرعة عدوهما ومعرفة حذق الرماة ولا يحصل إلا بالتعيين بالرؤية فلو عقد اثنان نضالا مع كل منهما نفر غيرمتعينين لم يجز لذلك وإن عقدوا قبل التعيين على أن ينقسموا بعد العقد بالتراضي جاز لا بقرعة وإن بان بعض الحزب كثير الإصابة أو عكسه فادعى ظن خلافه لم يقبل.
"سواء كانا اثنين أو جماعتين" لأنه عليه السلام مر على أصحاب له ينتضلون فقال: "ارموا وأنا مع ابن الأدرع" فأمسك الآخرون فقال: "ارموا وأنا معكم كلكم" صحيح ولأنه إذا جاز أن يكونوا اثنين جاز أن يكونوا جماعتين لأن القصد معرفة الحذق. "ولا يشترط تعيين الراكبين ولا القوسين" لأن الغرض معرفة عدو الفرس وحذق الرامي دون الراكب والقوس لأنهما آلة للمقصود فلو يشترط تعينهما كالسرج فكل ما تعين لا يجوز إبداله كالمتعين في البيع وما لا يتعين يجوز ويحتمل الجواز إبداله مطلقا فعلى هذا إن شرطا لا يرمي بغير هذا القوس ولا بغير هذا السهم ولايركب غيرهذا الراكب فهو فاسد لأنه ينافي مقتضى العقد وفي الرعاية إن عقدا على قوس معينة فانتقل إلى نوعه جاز وإن شرط عليه أن لا ينتقل فوجهان.
"الثاني أن يكون المركوبان والقوسان من نوع واحد" لأن التفاوت بين النوعين معلوم بحكم العادة أشبها الجنسين "فلا يجوز بين عربي وهجين" وهو من عربي فقط "ولا بين قوس عربية" وهو قوس النبل "وفارسية" وهو قوس

ويحتمل الجواز الثالث تحديد المسافة والغاية ومدى الرمي على ما جرت به العادة الرابع كون العوض معلوما
__________
النشاب قاله الأزهري نص أحمد على جواز المسابقة بالقوس الفارسية لانعقاد الإجماع على الرمي بها وإباحة حملها وقال أبو بكر يكره لما روى ابن ماجه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى مع رجل قوسا فارسية فقال: "لا، ألقها، فإنها ملعونة ولكن عليكم بالقسي العربية وبرماح القنا فبها يؤيد الله هذا الدين وبها يمكن الله لكم في الأرض" ورواه الأثرم والجواب بأنه يحتمل أنه لعنها لحمل العجم لها في ذلك العصر قبل أن يسلموا أو منع العرب من حملها لعدم معرفتهم بها.
"ويحتمل الجواز" وهو وجه ذكره القاضي لأن التفاوت بينهما قريب لاتفاق الجنس واطلقهما في الفروع وعلم منه أنه إذا كان جنسين كالفرس والبعير أنه لا يجوز لأنه لا يكاد يسبق الفرس فلا يحصل الغرض.
"الثالث تحديد المسافة والغاية" أي يكون لابتداء عدوهما وآخره غاية لا يختلفان فيه لأن الغرض معرفة الأسبق ولا يحصل إلا بتساويهما في الغاية لأن أحدهم قد يكون مقصرا في أول عدوه سريعا في آخره وبالعكس فيحتاج إلى ذلك.
"ومدى الرمي" إما بالمشاهدة أو بالذراع لأن الإصابة تختلف بالقرب والبعد "على ما جرت به العادة" لأن الزائد على ذلك قد يؤدي إلى عدم العلم بالسابق لبعد المسافة فلو استبقا بغير غاية لينظر أيهما يقف أولا لم يجز وكذا لو جعلا مسافة بعيدة في الرمي تتعذر الإصابة في مثلها غالبا وهو ما زاد على ثلاثمائة ذراع لأن الغرض يفوت بذلك ذكره في الشرح وغيره وقيل أنه ما رمى في أربعمائة ذراع إلا عقبة بن عامر الجهني وهل المراد به ذراع اليد أم غيره لم أر فيه نقلا.
"الرابع كون العوض معلوما" بالمشاهدة أو بالقدر أو بالصفة لأنه مال في

الخامس الخروج عن شبهة القمار بأن لا يخرج جميعهم فإن كان الجعل من الإمام أو من أحد غيرهما أو من أحدهما على أن من سبق أخذه جاز وإن جاءا معا فلا شيء لهما وإن سبق المخرج أحرزه سبقه ولم يأخذ من الآخر شيئا وإن سبق الآخر أحرز سبق صاحبه فإن أخرجا معا لم يجز إلا أن يدخلا بينهما محللا
__________
عقد فاشترط العلم به كسائر العقود ويشترط فيه أن يكون مباحا ويجوز حالا ومؤجلا وبعضه كقوله إن نضلتني فلك دينار وقفيز حنطة بعد شهر كالبيع غير أنه يحتاج إلى صفة الحنطة بما يعلم به السلم وهذا العوض تمليك بشرط سبقه.
"الخامس الخروج عن شبهة القمار" لأن القمار محرم فشبهه مثله "بأن لا يخرج جميعهم" لأنه إذا أخرج كل واحد منهم فهو قمار لأنه لا يخلو إما أن يغنم أو يغرم ومن لم يخرج بقي سالما من الغرم "فإن كان الجعل من الإمام" صح سواء كان من ماله أو من بيت المال لأن فيه مصلحة وحثا على تعليم الجهاد ونفعا للمسلمين ونص على أنه مختص به لتولية الولايات "أو من أحد غيرهما أو من أحدهما على أن من سبق أخذه جاز" لأنه إذا جاز من غيرهما فلأن يجوز من أحدهما بطريق الأولى ويشترط في غير الإمام بذل العوض من ماله فيقول إن سبقتني فلك عشرة وإن سبقتك فلا شيء عليك "وإن جاءا معا فلا شيء لهما" لأنه لا سابق فيهما "وإن سبق المخرج أحرز سبقه" أي سبق نفسه "ولم يأخذ من الآخر شيئا" لأنه لو أخذ منه شيئا كان قمارا "وإن سبق الآخر أحرز سبق صاحبه" أي سبق المخرج لأنه سبقه فملك المال الذي جعله عوضا في الجعالة كالعوض المجعول في رد الضالة فإن كان العوض في الذمة فهو دين يقضي به عليه ويجبر على تسليمه إن كان موسرا وإن أفلس ضرب به مع الغرماء
تنبيه: السبق بفتح الباء الجعل الذي يسابق عليه يقال سبق إذا أخذ وأعطى فهو من الأضداد.
"فإن أخرجا معا" أي العوض "لم يجز" وكان قمارا "إلا أن يدخلا بينهما

يكافىء فرسه فرسيهما أو بعيره بعيريهما أو رميه رمييهما فإن سبق احرز سبقيهما وإن سبقاه أحرزا سبقيهما ولم يأخذا منه شيئا وإن سبق أحدهما أحرز السبقين وإن سبق معه المحلل فسبق الآخر بينهما وإن قال المخرج من سبق فله عشرة ومن صلى فله كذا لم يصح
__________
محللا" فإنه يجوز أن يخرجا سواء أخرجاه متساويا أو متفاضلا ولم يجز أن يخرج المحلل شيئا وهو قول سعيد بن المسيب والزهري والأوزاعي لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أدخل فرسا بين فرسين وهو لا يأمن أن يسبق فليس قمارا ومن أدخل فرسا بين فرسين وقد أمن أن يسبق فهو قمار" رواه أبو داود فجعله قمارا إذا أمن السبق لأنه لا يخلو كل واحد منهما أن يغنم أو يغرم وإذا لم يأمن أن يسبق لم يكن قمارا لأن كل واحد منهما يجوز أن يخلو عن ذلك يشترط في المحلل "أن يكافىء فرسه فرسيهما أو بعيره بعيريهما أو رميه رمييهما" للخبر السابق "فإن سبقهما أحرز سبقيهما" اتفاقا لأنه جعل لمن سبق "وإن سبقاه أحرزا سبقيهما" لأن المحلل لم يسبقهما "ولم يأخذا منه" أي من المحلل "شيئا" لأنه لم يشترط عليه لمن سبقه شيئا "وإن سبق أحدهما أحرز السبقين" لأنهما قد جعلاه لمن سبق وقد وجد.
"وإن سبق معه المحلل فسبق الأخر بينهما" أي بين السابق والمحلل نصفين لأنهما قد اشتركا فيه فوجب أن يشتركا في عوضه وسواء كان المستبقون اثنين أو أكثر وظاهره أنه يكفي محلل واحد وقال الآمدي لا يجوزأكثر لدفع الحاجة وقيل بل أكثر وجزم به في الشرح واختار الشيخ تقي الدين لا محلل وأنه أولى بالعدل من كون السبق من أحدهما وأبلغ في تحصيل مقصود كل منهما وهو بيان عجز الآخر.
"وإن قال المخرج" أي من غير المتسابقين "من سبق فله عشرة ومن صلى فله كذلك لم يصح" إذاكانا اثنين لأنه لا فائدة في طلب السبق فلا يحرص عليه لأنه سواء بينهما وإن كانوا أكثر من ثلاثة فقال ذلك صح لأن كل واحد منهم يطلب أن يكون سابقا أو مصليا.

وإن قال من صلى فله خمسة صح وإن شرطا أن السابق يطعم السبق أصحابه أو غيرهم لم يصح الشرط.
__________
"وإن قال من صلى فله خمسة صح" لأن كلا منهما يجتهد أن يكون سابقا ليحرز أكثر العوضين والمصلي هو الثاني لأن رأسه عند صلا الآخر والصلوان هما العظمان النائبان من جانب الذنب وفي الأثر عن علي قال سبق أبو بكر وصلى عمر وخبطتنا فتنة قال الشاعر:
إن تبتدر غاية يوما لمكرمة
تلق السوابق فينا والمصلينا
فإن قال للمجلي وهو الأول مائة وللمصلي وهو الثاني تسعون وللتالي وهو الثالث ثمانون وللبارع وهو الرابع سبعون وللمرتاح وهو الخامس ستون وللخطي وهوالسادس خمسون وللعاطف وهو السابع أربعون وللمؤمل وهو الثامن ثلاثون وللطيم وهو التاسع عشرون وللسكيت وهوالعاشر عشرة وللفسكل وهو الآخر خمسة صح لأن كل واحد يطلب السبق أو ما يليه وذكر الثعالبي في فقه اللغة أن المجلي هو الثاني والمصلي هو الثالث فلو جعل للمصلي أكثر من المجلي أو جعل لما بعده أكثر منه أو لم يجعل للمصلي شيئا لم يصح لأنه يفضي إلى أن لا يقصد السبق بل يقصد التأخر فيفوت المقصود
مسألة: إذا قال لعشرة من سبق منكم فله عشرة فسبق اثنان فهي بينهما وإن سبق تسعة وتأخر واحد فالعشرة للتسعة وقيل لكل من السابقين عشرة كما لو قال من رد عبدي فله عشرة فرد كل واحد عبدا وفارق ما لو قال من رد عبدي فرده تسعة لأن كل واحد منهم لم يرده وإنما رده حصل من الكل.
"وإن شرطا أن السابق يطعم السبق أصحابه" أو بعضهم "أو غيرهم" أو إن سبقتني فلك كذا ولا أرمي أبدا أو شهراً "لم يصح الشرط" لأنه عوض علي عمل فلا يستحقه غير العامل كالعوض في رد الآبق واختار الشيخ تقي الدين صحة شرطه لاستاذه وشراء قوس وكراء حانوت وإطعام الجماعة

وفي صحة المسابقة وجهان
فصل
والمسابقة جعالة لكل واحد منهما فسخها إلا أن يظهر الفضل لأحدهما فيكون له الفسخ دون صاحبه وتنفسخ بموت أحد المتعاقدين وقيل هي عقد لازم ليس لأحدهما فسخها لكنها تنفسخ بموت أحد المركوبين وأحد الراميين
__________
لأنه مما يعين علي الرمي.
"وفي صحة المسابقة وجهان" أشهرهما أنه لا يفسد ونصره في الشرح لأنها عقد لا تتوقف صحتها على تسمية بدل فلم يفسد بالشرط الفاسد كالنكاح والثاني يفسد لأنه بدل العوض لهذا الغرض فإذا لم يحصل له غرضه لا يلزمه العوض فعليه إن كان المخرج السابق أحرز سبقه وإن كان الآخر قله أجر عمله لأنه عمل بعوض لم يسلم له فاستحق أجر المثل كالإجارة الفاسدة
فصل
"والمسابقة جعالة لكل واحد منهما فسخها" أي قبل الشروع لأنها عقد على ما لا يتحقق القدرة على تسليمه فكان جائزا كرد الآبق وله الزيادة والنقصان في العوض ولم يلزم الآخر إجابته ولا يؤخذ بعوضها رهن ولا كفيل "إلا أن يظهر الفضل لأحدهما" مثل أن يسبق بفرسه في بعض المسافة أو يصيب بسهامه أكثر منه "فيكون له الفسخ" لأن الحق له "دون صاحبه" أي المفضول لأنه لو جاز له ذلك لفاتت غرض المسابقة فلا يحصل المقصود.
"وتنفسخ بموت أحد المتعاقدين" كوكالة "وقيل هي عقد لازم" لأنه يشترط فيها كون العوض معلوما فكانت لازمة كالإجارة "ليس لأحدهما فسخها" لأنه شأن العقود اللازمة "لكنها تنفسخ بموت أحد المركوبين وأحد الراميين" لأن

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24