كتاب : المبدع شرح المقنع
المؤلف : إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد ابن مفلح، أبو إسحاق، برهان الدين

ولا ينقض من حكم حاكمهم ألا ما ينقض من حكم غيره وإن استعانوا بأهل الذمة فأعانوهم انتقض عهدهم إلا أن يدعوا أنهم ظنوا أنه يجب عليهم معونة من استعان بهم من المسلمين ونحو ذلك فلا ينتقض عهدهم
__________
خرجوا على الإمام فلا تقبل لهم شهادة لأنهم فساق
"ولا ينقض من حكم حاكمهم إلا ما ينقض من حكم غيره" لأن نفيهم في أمر يسوغ فيه التأويل أشبه الاختلاف في الفروع فعلى هذا إن خالف حكم حاكمهم نصا أو إجماعا أو كان ممن يستحل دماء أهل العدل وأموالهم نقض حكمه
فرع: إذا كتب قاضيهم إلى قاضي أهل العدل جاز قبول كتابه لأنه قاض ثابت القضاء وفي المغني والشرح والترغيب الأولى رد كتابه قبل حكمه كسرا لقلوبهم فأما الخوارج إذا ولوا قاضيا لم يجز قضاؤه للفسق وفي المغني والشرح احتمال يصح قضاؤه دفعا للضرر كما لو أقام الحد أو أخذ جزيته وخراجا وزكاة
"وإن استعانوا بأهل الذمة فأعانوهم" طوعا مع علمهم بأن ذلك لا يجوز "انتقض عهدهم" قدمه في الرعاية والفروع وجزم به في الوجيز وصححه ابن أبي موسى كما لو انفردوا بقتالهم وحكمهم حكم أهل الحرب وقيل لا ينتقض لأن أهل الذمة لا يعرفون المحق من المبطل فيكون ذلك شبهة لهم فعلى هذا حكمهم حكم البغاة في قتل مقبلهم والكف عن أسيرهم ومدبرهم وجريحهم والمعاهد كالذمي قاله في الرعاية وفي الكافي والشرح إن حكمه حكم أهل الحرب إلا أن يقيم بينة على الإكراه لأن عقد الذمة مؤبد ولا يجوز نقضه لخوف الخيانة منهم ويلزم الدفع عنهم والمستأمنون بخلاف هذا "إلا أن يدعوا أنهم ظنوا أنه يجب عليهم معونة من استعان بهم من المسلمين ونحو ذلك فلا ينتقض عهدهم" وجها واحدا لأن ما ادعوه محتمل فلا ينتقض عهدهم مع الشبهة وفي الرعاية في الأصح وفي الترغيب وجهان "ويغرمون ما أتلفوه من نفس أو مال" في الأصح حال الحرب وغيره ,

ويغرمون ما أتلفوه من نفس أو مال وإن استعانوا بأهل الحرب وأمنوهم لم يصح أمانهم وإن أظهر قوم رأي الخوارج ولم يجتمعوا لحرب لم يتعرض لهم
__________
بخلاف أهل البغي لأن هؤلاء لا تأويل لهم لأن سقوط الضمان عن المسلمين كيلا يؤدي إلى تنفيرهم عن الرجوع إلى الطاعة وأهل الذمة لا حاجة بنا إلى ذلك فيهم والثاني لا يضمنون كالمسلمين
"وإن استعانوا بأهل الحرب وأمنوهم" أو عقدوا لهم ذمة "لم يصح أمانهم" لأن الأمان من شرط صحته إلزام كفهم عن المسلمين ولأهل العدل قتلهم لمن لم يؤمنوه وحكم أسيرهم حكم أسير أهل الحرب قبل الاستعانة بهم فأما البغاة فلا يجوز لهم قتلهم لأنهم أمنوهم فلا يجوز لهم الغدر بهم قال في الفروع إلا أنهم في أمان بالنسبة إلى بغاة
أصل: إذا استعانوا بمستأمنين فأعانوهم انتقض عهدهم وصاروا كأهل الحرب لأنهم تركوا كفهم عن قتال المسلمين فإن فعلوا ذلك مكرهين لم ينتقض عهدهم وإن ادعوه لم يقبل إلا ببينة لأن الأصل عدمه
"وإن أظهر قوم رأي الخوارج" مثل تكفير من ارتكب كبيرة وترك الجماعة "ولم يجتمعوا لحرب" ولم يخرجوا عن قبضة الإمام ولم يسفكوا دما حراما فحكى القاضي عن أبي بكر أنه لا يحل بذلك قتلهم ولا قتالهم ولهذا قال "لم يتعرض لهم" وهذا قول جمهور الفقهاء لما روي "أن علي بن أبي طالب كان يخطب فقال رجل بباب المسجد لا حكم إلا لله فقال علي كلمة حق أريد بها باطل ثم قال لكم علينا ثلاث لا نمنعكم مساجد الله أن تذكروا فيها اسم الله ولا نمنعكم الفيء ما دامت أيديكم معنا ولا نبدؤكم بقتال لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتعرض للمنافقين الذين كانوا معه في المدينة" فعلى هذا حكمهم في ضمان النفس والمال حكم المسلمين وسأله المروذي عن قوم من أهل البدع يتعرضون ويكفرون قال لا تعرضوا لهم قلت وأي شيء يكره من أن يحبسوا قال لهم والدات وأخوات وقال في رواية ابن منصور الحرورية إذا دعوا إلى ما هم عليه إلى دينهم فقاتلهم وإلا فلا يقاتلون .

وإن سبوا الإمام عزرهم وإن جنوا جناية أو أتوا حدا أقامه عليهم
__________
"وإن سبوا الإمام" أو غيره من أهل العدل صريحا "عزرهم" لأنهم ارتكبوا محرما لا حد فيه ولا كفارة وإن عرضوا بالسب ففي تعزيرهم وجهان وقال في الإباضية وسائر أهل البدع يستتابون فإن تابوا وإلا ضربت أعناقهم وأما من رأى تكفيرهم فمقتضى قوله أنهم يستتابون فإن تابوا وإلا قتلوا لكفرهم "وإن جنوا جناية أو أتوا حدا أقامه عليهم" لقول علي في ابن ملجم لما جرحه أطعموه واسقوه واحبسوه فإن عشت فأنا ولي دمي وإن مت فاقتلوه ولا تمثلوا به ولأنهم ليسوا ببغاة فهم كأهل العدل فيما لهم وعليهم ولأن في إسقاط ذلك عنهم تجرئتهم على الفعل وذلك مطلوب العدم
أصل: قال أحمد في مبتدع داعية له دعاة أرى حبسه وكذا في التبصرة على الإمام منعهم وردعهم ولا يقاتلهم إلا أن يجتمعوا لحربه فكبغاة وقال أحمد أيضا في الحرورية الداعية يقاتل كبغاة ونقل ابن منصور يقاتل من منع الزكاة وكل من منع فريضة فعلى المسلمين قتاله حتى يأخذوها منه اختاره أبو تقي الدين وقال أجمعوا أن كل طائفة ممتنعة عن شريعة متواترة من شرائع الإسلام يجب قتالها حتى يكون الدين كله لله كالمحاربين وأولى
وذكر ابن عقيل عن الأصحاب تكفير من خالف في أصل كخوارج ورافضة ومرجئة وذكره غيره روايتين فيمن قال لم يخلق الله المعاصي أو وقف فيمن حكمنا بكفره وفيمن سب مستحل وإن استحله كفر وفي المغني يخرج في كل محرم استحل بتأويل كالخوارج وفي نهاية المبتدئ من سب صحابيا مستحلا كفر وإلا فسق وذكر ابن حامد كفر الخوارج والرافضة والقدرية والمرجئة ومن لم يكفر من كفرناه فسق وهجر وفي كفره وجهان والذي ذكره هو وغيره من رواية المروذي وأبي طالب ويعقوب وغيرهم أنه لا يكفر قال الشيخ تقي الدين وهي ظاهر نصوصه بل صريحة فيه وإنما كفرنا الجهمية لا أعيانهم .

وإن اقتتلت طائفتان لعصبية أو طلب رئاسة فهما ظالمتان وتضمن كل واحدة ما أتلفت على الأخرى
__________
"وإن اقتتلت طائفتان لعصبية أو طلب رئاسة فهما ظالمتان" لأن كل واحدة باغية على صاحبتها "وتضمن كل واحدة ما أتلفت على الأخرى" لأنها أتلفت نفسا معصومة ومالا معصوما قال الشيخ تقي الدين فأوجبوا الضمان على مجموع الطائفة وإن لم يعلم عين المتلف قال وإن تقابلا تقاصا لأن المباشر والمعين واحد عند الجمهور قال وإن جهل قدر ما نهبه كل طائفة من الأخرى تساويا ومن دخل للإصلاح فقتلته طائفة ضمنته وإن جهلت ضمنتاه قال ابن عقيل ويخالف المقتول في زحام الجامع والطواف لأن الزحام هنا ليس فيه تعد بخلاف الأول

باب حكم المرتد
وهو الذي يكفر بعد إسلامه فمن أشرك بالله
__________
باب حكم المرتدالمرتد: لغة الراجع يقال ارتد فهو مرتد: إذا رجع وشرعا: هو الراجع عن دين الإسلام إلى الكفر إما نطقا أو اعتقادا أو شكا وقد يحصل بالفعل ولهذا قال "وهو الذي يكفر بعد إسلامه" لأنه بيان له قال تعالى {وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [البقرة: 217] وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من بدل دينه فاقتلوه" رواه الجماعة إلا مسلما قال الترمذي هو حسن صحيح والعمل عليه عند أهل العلم وأجمعوا على وجوب قتل المرتد
"فمن أشرك بالله" أي: إذا كفر طوعا ولو هازلا بعد إسلامه وقيل وكرها والأصح بحق فإذا أقر بالإسلام ثم أنكره أو أنكر الشهادتين أو إحداهما كفر بغير خلاف وحينئذ لا يجوز أن يهادنوا على الموادعة ولا أن يصالحوا بما يقرون به على ردتهم بخلاف أهل الحرب ذكره القاضي .

أو جحد ربوبيته أو وحدانيته أو صفة من صفاته أو اتخذ لله صاحبة أو ولدا أو جحد نبيا أو كتابا من كتب الله أو شيئا منه أو سب الله أو رسوله كفر
__________
"أو جحد ربوبيته أو وحدانيته" لأن جاحد ذلك مشرك بالله تعالى "أو" جحد "صفة من صفاته" اللازمة قاله في الرعاية لأنه كجاحد الوحدانية وفي الفصول شرطه أن تكون الصفة متفقا على إثباتها "أو اتخذ لله صاحبة أو ولدا" لأنه تعالى نزه نفسه عن ذلك ونفاه عنه فمتخذه مخالف له غير منزه له عن ذلك "أو جحد نبيا" لأنه مكذب لله جاحد لنبوة نبي من أنبيائه "أو" جحد "كتابا من كتب الله أو شيئا منه" لأن جحد شيء منه كجحده كله لاشتراكهما في كون الكل من عند الله تعالى
"أو سب الله أو رسوله كفر" لأنه لا يسب واحدا منهما إلا وهو مكذب جاحد به وكذا إذا ادعى النبوة قال الشيخ تقي الدين أو كان مبغضا لرسوله ولما جاء به اتفاقا
فرع: إذا كذب على نبي من الأنبياء وقيل مستحلا أو قذفه كفر وإن استحل الكذب المحرم على غيره كفر وإن كذبه فيما يعلم صدقه فيه غير مستحل أثم فإن اعترف به عزر فإن تاب من الكذب عليه عليه السلام قبلت في ظاهر كلام الأصحاب وغيرهم وحكى ابن الصلاح عن أحمد وطائفة أنها لا تقبل ونقل عبد الله الحلبي عن أحمد تقبل فيما بينه وبين الله تعالى ولا يكتب عنه حديث رواه الخلال وإن كذب نصراني موسى عليه السلام خرج من دينه لأن عيسى صدق به لا العكس لأنه لم يصدق بعيسى ولا بشر له
"ومن جحد وجوب العبادات الخمس أو شيئا منها" أو الطهارة لها "أو أحل الزنى أو الخمر" أو شك فيه "أو شيئا من المحرمات الظاهرة المجمع على تحريمها" كالدم "لجهل عرف ذلك" ليصير عالما به "وإن كان ممن لا يجهل ذلك" كالناشئ بين المسلمين في الأمصار "كفر" لأنه مكذب لله تعالى ولرسوله ولسائر الأمة .

ومن جحد وجوب العبادات الخمس أو شيئا منها أو أحل الزنى أو الخمر أو شيئا من المحرمات الظاهرة المجمع على تحريمها لجهل عرف ذلك وإن كان ممن لا يجهل ذلك كفر وإن ترك شيئا من العبادات الخمس تهاونا لم يكفر وعنه يكفر إلا الحج لا يكفر بتأخيره بحال
__________
فرع: قال جماعة أو سجد لشمس أو قمر وفي الترغيب أو أتى بقول أو فعل صريح في الاستهزاء بالدين قال الشيخ تقي الدين أو توهم أن من الصحابة أو التابعين أو تابعيهم قاتل مع الكفار أو أجاز ذلك أو أصر في دارنا على خمر أو خنزير غير مستحل وذكر بعض أصحابنا يكفر جاحد تحريم النبيذ والمسكر كله كالخمر
"وإن ترك شيئا من العبادات الخمس تهاونا لم يكفر" الظاهر: أن المراد بها مباني الإسلام ولا شك أن تارك الشهادتين تهاونا كافر بغير خلاف نعلمه في المذهب وأما بقية ذلك فكما ذكره إلا الصلاة فإنه يدعى إليها فإن امتنع فإنه يستتاب كمرتد فإن أصر كفر بشرطه
وإذا ترك شرطا أو ركنا مجمعا عليه كان كتركها وإن كان مختلفا فيه وهو معتقد وجوبه فقال ابن عقيل حكمه حكم تارك الصلاة وقال المؤلف عليه الإعادة ولا يكفر من أجل ذلك بحال وفي المحرر إذا ترك تهاونا فرض الصلاة أو الزكاة أو الصوم أو الحج بأن عزم ألا يفعله أبدا أو أخره إلى عام يغلب على الظن موته قبله استتيب كالمرتد فإن أصر قتل حدا وعنه كفرا نقلها أبو بكر واختارها وعنه يختص الكفر بالصلاة وعنه تهاونا كزكاة إذا قاتل الإمام عليها
"وعنه يكفر إلا الحج لا يكفر بتأخيره بحال" لأن في وجوبه على الفور خلافا وعنه لا كفر ولا قتل في الصوم والحج خاصة
فرع: من أظهر الإسلام وأسر الكفر فمنافق كافر كعبد الله بن أبي بن سلول فإن أظهر أنه قائم بالواجب وفي قلبه ألا يفعل فنفاق لقوله تعالى في ثعلبة {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ} الآية [التوبة:75] وهل يكفر على وجهين .

فمن ارتد عن الإسلام من الرجال والنساء وهو بالغ عاقل دعي إليه ثلاثة أيام وضيق عليه فإن لم يتب قتل
__________
"فمن ارتد عن الإسلام من الرجال والنساء" روي عن أبي بكر وعلي وقاله أكثر العلماء لعموم قوله عليه السلام "من بدل دينه فاقتلوه" ولقوله عليه السلام "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة" متفق عليه ولأنه فعل يوجب الحد فاستوى فيه الرجل والمرأة كالزنى وما روي أن أبا بكر استرق نساء بني حنيفة فمحمول على أنه تقدم لهم إسلام وأما نهيه عن قتل المرأة فالمراد به الأصلية بدليل أنه لا يقتل الشيوخ ولا المكافيف "وهو بالغ عاقل" مختار لأن الطفل الذي لا يعقل والمجنون ومن زال عقله بنوم أو إغماء أو شرب دواء مباح لا تصح ردته ولا حكم لكلامه بغير خلاف في المذهب
"دعي إليه" أي لا يقتل حتى يستتاب وهو قول أكثر العلماء وهي واجبة نصره القاضي والمؤلف لأنه عليه السلام أمر باستتابته رواه الدارقطني ولقول عمر رواه مالك وغيره ولا يلزم من تحريم القتل وجوب الضمان بدليل نساء الحرب "ثلاثة أيام" في قول الأكثر لما روى محمد بن عبد الله بن عبد القاري عن أبيه قال "قدم رجل على عمر من قبل أبي موسى فسأله عن الناس فأخبره فقال هل من مغربة خبر قال نعم رجل كفر بعد إسلامه فقال ما فعلتم به قال قربناه فضربنا عنقه فقال عمر فهلا حبستموه ثلاثا وأطعمتموه كل يوم رغيفا واستتبتموه لعله يتوب ويراجع أمر الله عز وجل اللهم إني لم أحضر ولم أرض إذ بلغني" رواه مالك ولأنه لو لم يجب لما برئ من فعلهم ولأنه أمكن استصلاحه فلم يجز إتلافه قبل استصلاحه كالثوب النجس ولأنها مدة يتكرر فيها الرأي ويتقلب النظر فلا يحتاج إلى أكثر منها وعنه لا يجوز تأجيله بل يجب قتله في الحال إلا أن يطلب الأجل فيؤجل ثلاثا "وضيق عليه" بالحبس وغيره ليرجع إلى الحق "فإن لم يتب قتل" لحديث ابن عباس "من بدل دينه فاقتلوه" ولا يجوز أخذ فداء عنه لأن كفره أغلظ "وعنه لا تجب

وعنه: لا تجب استتابته بل تستحب ويجوز قتله في الحال ويقتل بالسيف ولا يقتله إلا الإمام أو نائبه فإن قتله غيره بغير إذنه أساء وعزر ولا ضمان عليه سواء قتل قبل الاستتابة أو بعدها.
__________
استتابته" روي عن الحسن وطاووس لأنه عليه السلام لم يذكر ذلك ولقول معاذ لا أجلس حتى يقتل ولأنه يقتل لكفره فلم تجب استتابته كالأصلي "بل تستحب" للاختلاف في وجوبها وأقلها الاستحباب ويجوز قتله في الحال كالأصلي والأول أصح لأن الخبر محمول على القتل بعد الاستتابة والخبر الآخر روي فيه أن المرتد استتيب قبل قدوم معاذ رواه أبو داود وقال الزهري يدعى ثلاث مرات فإن أبى ضربت عنقه وقال النخعي يستتاب أبدا وهذا يفضي إلى أنه لا يقتل أبدا وهو مخالف للسنة والإجماع "ويقتل بالسيف" لقوله رضي الله عنه "قربناه فضربنا عنقه" ولأنه إذا أطلق انصرف إليه لأنه أسرع لزهوق النفس ولا يجوز حرقه بالنار وروي عن أبي بكر رضي الله عنه أنه أمر بتحريقهم والأول أولى لقوله عليه السلام "من بدل دينه فاقتلوه ولا تعذبوا بعذاب الله" يعني النار رواه البخاري ولا يقتله إلا الإمام أو نائبه حرا كان أو عبدا في قول عامة العلماء ونصره في الشرح لأنه قتل لحق الله تعالى فكان إلى الإمام أو نائبه كقتل الحر ولقوله عليه السلام "أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم" لا يتناول القتل في الردة لأنه قتل لكفره ولا حد في حقه وخبر حفصة لما بلغ عثمان تغيظ عليها وشق عليه والجلد في الزنى تأديب عنده بخلاف القتل
"فإن قتله غيره بغير إذنه أساء وعزر" لافتئاته على الإمام أو نائبه ولا ضمان عليه أي على القاتل لأنه محل غير معصوم "سواء قتل قبل الاستتابة أو بعدها" لأنه مهدر الدم في الجملة وردته مبيحة لدمه وهي موجودة قبل الاستتابة كما هي موجودة بعدها
فإن لحق بدار الحرب فلكل واحد قتله بلا استتابة وأخذ ما معه من مال وما تركه بدارنا معصوم نص عليه وقيل يصير فيئا في الحال وصححه المجد .

وإذا عقل الصبي الإسلام صح إسلامه وردته
__________
فرع: رسول الكفار لا يقتل ولو كان مرتدا حكاه في الفروع عن الهدي بدليل رسول مسيلمة وفي الفنون في مولود برأسين فبلغ نطق أحدهما بالكفر والآخر بالإسلام إن نطقا معا ففي أيهما يغلب احتمالان قال والصحيح إن تقدم الإسلام فمرتد
"وإذا عقل الصبي الإسلام صح إسلامه وردته" في ظاهر المذهب لإسلام علي بن أبي طالب وهو صبي وعد ذلك من مناقبه وسبقه وقال
سبقتكم إلى الإسلام طرا

صبيا ما بلغت أوان حلمي
يقال: هو أول من أسلم ومن الرجال أبو بكر ومن النساء خديجة ومن العبيد بلال وقال عروة أسلم علي والزبير وهما ابنا ثمان سنين ولم يرد على أحد إسلامه من صغير أو كبير لقوله عليه السلام "من قال لا إله إلا الله دخل الجنة" ولأن من صح إسلامه صحت ردته كالبالغ وقوله عليه السلام "كل مولود يولد على الفطرة" "وأمرت أن أقاتل الناس." الخبرين والصبي داخل في ذلك وإذا صح إسلامه كتب له لا عليه وتحصل له سعادة الدارين لا يقال الإسلام يوجب عليه الزكاة في ماله ونفقة قريبه المسلم وحرمة ميراث قريبه الكافر وفسخ نكاحه لأن الزكاة نفع محض لأنها سبب النماء والزيادة محصنة للمال والميراث والنفقة أمر متوهم وذلك مجبور بحصول الميراث للمسلمين وسقوط نفقة أقاربه الكفار ثم هو ضرر مغمور بالنسبة إلى ما يحصل له من سعادة الآخرة والخلاص من الشقاء والخلود في الجحيم وشرطه أن يعقل الإسلام ومعناه أن يعلم أن الله ربه لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وهذا لا خلاف في اشتراطه فإن الطفل الذي لا يعقل لا يتحقق منه اعتقاد الإسلام وإنما كلامه لقلقة بلسانه لا يدل على شيء ذكره في المغني وغيره وشرط الخرقي مع ذلك وتبعه في الوجيز أن يكون له عشر سنين لأنه عليه السلام أمر بضربه على الصلاة لعشر وجوابه بأن أكثر المصححين لإسلامه لم يشترطوا ذلك ولم يحدوا له حدا من السنين وحكاه ابن المنذر عن أحمد لأن المقصود متى حصل لا حاجة إلى زيادة عليه .

وعنه: يصح إسلامه دون ردته وعنه لا يصح شيء منهما حتى يبلغ والمذهب الأول وإن أسلم ثم قال لم أدر ما قلت لم يلتفت إلى قوله وأجبر على الإسلام ولا يقتل حتى يبلغ ويجاوز ثلاثة أيام من وقت بلوغه فإن ثبت على كفره قتل.
__________
"وعنه: يصح إسلامه دون ردته" قال في الفروع وهي أظهر لأن الإسلام محض مصلحة ونفع فصح منه بخلاف الردة فعلى هذا حكمه حكم من لم يرتد فإن بلغ وأصر على الكفر كان مرتدا "وعنه لا يصح شيء منهما حتى يبلغ" لقوله عليه السلام "رفع القلم عن ثلاث.." الخبر ولأنه قول تثبت به الأحكام فلم يصح من الصبي كالهبة والعتق ولأنه غير مكلف أشبه الطفل وعنه يصح من ابن سبع سنين لأمره بالصلاة وقال ابن أبي شيبة يصح من ابن خمس سنين وأخذه من إسلام علي
"والمذهب الأول" نصره القاضي في الخلاف وعليه فقهاء الأصحاب وعليهن يحال بينه وبين الكفار قال في الانتصار يتولاه المسلمون ويدفن بمقابرهم وإن فرضيته مترتبة على صحته كصحته تبعا وكصوم مريض ومسافر رمضان
"وإن أسلم" ثم رجع "ثم قال لم أدر ما قلت لم يلتفت إلى قوله" كالبالغ "وأجبر على الإسلام" لأنه محكوم بإسلامه لمعرفتنا بعقله لأنه كفر بعد إسلامه ولهذا صح إسلامه لأنه محض مصلحة أشبه الوصية وعنه ينتقل منه ولا يجبر على الإسلام لأنه في مظنة النقص وصدقه جائز ذكره أبو بكر والعمل على الأول لأنه قد ثبت عقله للإسلام ومعرفته به وفعله فعل العقلاء وقد تكلم بكلامهم "ولا يقتل حتى يبلغ" أي الصبي لا يقتل إذا ارتد حتى يبلغ سواء قلنا بصحة ردته أو لا لأن الغلام لا تجب عليه عقوبة بدليل أنه لا يتعلق به حكم الزنى والقتل فكذا لا يجب أن يتعلق به حكم الردة "ويجاوز ثلاثة أيام من وقت بلوغه" لأجل وجوب استتابته ثلاثا "فإن ثبت على كفره قتل" لأنه مرتد مصر على ردته فوجب قتله سواء كان مرتدا قبل بلوغه أو لا وسواء كان مسلما أصليا فارتد أو كافرا فأسلم صبيا ثم ارتد .

ومن ارتد وهو سكران لم يقتل حتى يصحو وتتم له ثلاثة أيام من وقت ردته فإن مات في سكره مات كافرا وعنه لا تصح ردته
__________
فرع: من أسلم وقال لم أدر ما قلت أو لم أعتقد الإسلام وإنما أظهرت الشهادتين صار مرتدا نص عليه في مواضع وعنه يقبل منه مع ظن صدقه نقلها عنه محمد بن الحكم
"ومن ارتد وهو سكران" صحت ردته في ظاهر المذهب وجزم به الأكثر وصححه في الرعاية كإسلامه لقول علي إذا سكر هذى وإذا هذى افترى وعلى المفتري ثمانون فأوجبوا عليه حد الفرية التي يأتي بها في سكره واعتبروا مظنتها ولأنه يصح طلاقه فصحت ردته كالصاحي ولأنه لا يزول عقله بالكلية ولهذا يتقي المحذورات ويفرح بما يسره ويغتم بما يضره ويزول سكره عن قرب أشبه الناعس بخلاف المجنون
"لم يقتل حتى يصحو" فيكمل عقله ويفهم ما يقال له وتزول شبهته لأن القتل جعل للزجر "وتتم له ثلاثة أيام من وقت ردته" لأن زوال العقل حصل بتعديه بخلاف الصبي فإن استمر سكره أكثر من ثلاث لم يقتل حتى يصحو ثم يستتاب عقب صحوه فإن تاب وإلا قتل في الحال "فإن مات" أو قتل "في سكره مات كافرا" لأنه هلك بعد ارتداده ولم ترثه ورثته من المسلمين
"وعنه: لا تصح ردته" لأن ذلك متعلق بالاعتقاد والقصد والسكران لا يصح عقده أشبه المعتوه ولأنه زائل العقل غير مكلف أشبه المجنون وجوابه المنع بأنه ليس بمكلف فإن الصلاة واجبة عليه وعنه يصح إسلامه فقط حكاها ابن البنا
تنبيه: علم مما سبق: أنه لا تصح ردة مجنون ولا إسلامه لأنه لا قول له فإن ارتد في صحته ثم جن لم يقتل في حال جنونه لأنه يقتل بالإصرار على الردة والمجنون لا يوصف بالإصرار فإن قتل أحد هؤلاء عزر القاتل ولا ضمان عليه لأنه قتل كافرا لا عهد له أشبه قتل نساء أهل الحرب .

وهل تقبل توبة الزنديق ومن تكررت ردته أو من سب الله ورسوله أو الساحر على
روايتين إحداهما لا تقبل توبته ويقتل بكل حال
__________
"وهل تقبل توبة الزنديق" وهو المنافق الذي يظهر الإسلام ويخفي الكفر "ومن تكررت ردته أو من سب الله أو رسوله أو الساحر؟" أي من كفر بسحره "على روايتين إحداهما لا تقبل توبته ويقتل بكل حال" الأشهر أنها لا تقبل توبتهم جزم بها في الوجيز وقدمها في الفروع وذكر ابن حمدان أنها أظهر واختارها أبو بكر لأن عليا أتي بزنادقة فسألهم فجحدوا فقامت عليه البينة فقتلهم ولم يستتبهم رواه أحمد في مسائل عبد الله ولأن في قبول توبته خطرا لأنه لا سبيل إلى الثقة به ولأن إبقاءه يؤدي إلى السلطة في الباطن على إفساد عقائد المسلمين وفيه ضرر عظيم
فرع: من أظهر الخير وأبطن الفسق فكالزنديق في توبته في قياس المذهب ذكره ابن عقيل وحمل رواية قبول توبة الساحر على المتظاهر وعكسه بعكسه وكذا من تكررت ردته لقوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً} [النساء: 137] ولما روى الأثرم بإسناده عن ظبيان بن عمارة أن ابن مسعود أتي برجل فقال له إنه قد أتي بك مرة فزعمت أنك تبت وأراك قد عدت فقتله وعنه لا تقبل إن تكررت ثلاثا
أما من سب الله أو رسوله فالأصح أنها لا تقبل توبته لأن ذنبه عظيم جدا أشبه الزنديق ونقل حنبل أو تنقصه وقيل ولو تعريضا نقل حنبل من عرض بشيء من ذكر الرب فعليه القتل مسلما كان أو كافرا وهو مذهب أهل المدينة وفي الفصول عن أصحابنا لا تقبل إن سب النبي صلى الله عليه وسلم لأنه حق آدمي لم يعلم إسقاطه وأنها تقبل إن سب الله لأنه يقبل التوبة في خالص حقه وجزم به في عيون المسائل لأن الخالق منزه عن النقائص فلا تلحق به بخلاف المخلوق فإنه محل لها فافترقا
وأما الساحر فنقل ابن هبيرة أنها لا تقبل توبته في ظاهر المذهب وهو ظاهر ما نقل عن الصحابة ولم ينقل عن أحد منهم أنه استتاب ساحرا وحديث

والأخرى:تقبل توبته كغيره وتوبة المرتد إسلامه وهو أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله
__________
عائشة في المرأة التي أتت هاروت وماروت يدل عليه ولأن السحر معنى في القلب لا يزول بالتوبة أشبه الزنديق "والأخرى تقبل توبته كغيره" وهو ظاهر الخرقي زنديقا كان أو غيره روي عن علي وابن مسعود واختاره الخلال وقال إنه أولى على مذهب أبي عبد الله وقدمه في الكافي والرعاية لقوله تعالى {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] ولقوله عليه السلام "لم أؤمر أن أنقب عن قلوب الناس" متفق عليه ورجح هذا في الشرح وأجاب عن قتل ابن النواحة بأنه إنما قتله لظهور كذبه في توبته لأنه أظهرها وما زال عما كان عليه من الكفر ويحتمل أنه قتله لغير ذلك وقال في رواية أبي طالب إن أهل المدينة يقولون في الزنديق لا يستتاب قال أحمد كنت أقول ذلك أيضا ثم هبته قال القاضي وظاهره أنه رجع فلو زعم أن لله ولدا فقد سب الله بدليل قوله عليه السلام إخبارا عن ربه يشتمني ابن آدم وما ينبغي له أن يشتمني أما شتمه إياي فزعم أن لي ولدا ولا شك أن توبته مقبولة بغير خلاف فإذا قبلت توبة من سب الله تعالى فمن سب نبيه أولى أن تقبل والصحيح الأولى لأن أدلتها خاصة والثانية عامة والخاص مقدم على العام
فرع: الخلاف في قبول توبتهم إنما هو في الظاهر في أحكام الدنيا من ترك قتالهم وثبوت أحكام الإسلام في حقهم وأما قبولها في الباطن فلا خلاف فيه حيث صدق ذكره ابن عقيل والمؤلف وجماعة وفي إرشاد ابن عقيل رواية لا تقبل توبة زنديق باطنا وضعفها وقال كمن تظاهر بالصلاح إذا أتى معصية فتاب منها وإن قتل علي زنديقا لا يدل على عدم قبولها كتوبة قاطع طريق بعد القدرة وذكر القاضي وأصحابه رواية لا تقبل توبة داعية إلى بدعة مضلة اختارها أبو إسحاق بن شاقلا وفي الرعاية من كفر ببدعة قبلت توبته على الأصح
"وتوبة المرتد" وكل كافر "إسلامه وهو أن يشهد ألا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله" لحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "أمرت أن أقاتل

إلا أن تكون ردته بإنكار فرض أو إحلال محرم أو جحد نبي أو كتاب أو إلى دين من يعتقد أن محمدا بعث إلى العرب خاصة فلا يصح إسلامه حتى يقر بما جحده ويشهد أن محمدا بعث إلى العالمين أو يقول أنا بريء من كل دين يخالف دين الإسلام
__________
الناس حتى يشهدوا ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله عز وجل" متفق عليه وهذا يثبت به إسلام الكافر الأصلي فكذا المرتد ولا يحتاج مع ثبوت إسلامه إلى الكشف عن صحة ردته وهذا يمكن لمن كانت ردته بجحد الوحدانية أو جحد رسالة محمد عليه السلام وظاهره لا يغني قوله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله عن كلمة التوحيد وعنه بلى قدمها في الرعاية لأن يهوديا قال للنبي صلى الله عليه وسلم أشهد أنك رسول الله ثم مات فقال النبي صلى الله عليه وسلم "صلوا على صاحبكم" ذكره أحمد في رواية مهنا محتجا به ولأنه لا يقر برسالة محمد إلا ويقر بمن أرسله وعنه من مقر به قال في الشرح وبهذا جاءت الأخبار وهو الصحيح لأن من جحد شيئين لا يزول جحده إلا بإقرارهما جميعا قال في الفروع ويتوجه احتمال يكفي التوحيد ممن لا يقر به كوثني لظاهر الأخبار ولخبر أسامة وقتله الكافر الحربي بعد قوله لا إله إلا الله لأنه مصحوب بما يتوقف عليه الإسلام ومستلزم له وفاقا للشافعية وغيرهم فلو قال أشهد أن النبي رسول الله لم يحكم بإسلامه لأنه يحتمل أن يريد غير نبينا صلى الله عليه وسلم
"إلا أن تكون ردته بإنكار فرض أو إحلال محرم أو جحد نبي أو كتاب أو إلى دين من يعتقد أن محمدا بعث إلى العرب خاصة فلا يصح إسلامه حتى يقر بما جحده" لأن ردته بجحده فإذا لم يقر بما جحده بقي الأمر على ما كان عليه من الردة الموجبة لتكفيره فإذا كانت ردته باعتقاد أن محمدا بعث إلى العرب فلا بد وأن "يشهد أن محمدا بعث إلى العالمين" ولابد أن يقول مع ذلك كلمة الشهادتين ولا يكفي مجرد إقراره بما جحده "أو يقول أنا بريء من كل دين يخالف الإسلام" لأنه يحتمل أن يريد بالشهادة ما يعتقده ولأن

وإذا مات المرتد فأقام وارثه بينة أنه صلى بعد الردة حكم بإسلامه
__________
الرجوع إلى الإسلام لا يكون إلا بذلك
فرع: يكفي جحده لردته بعد إقراره بها في الأصح كرجوعه عن حد لا بعد بينة بل يجدد إسلامه قال جماعة يأتي بالشهادتين ونقل ابن الحكم فيمن أسلم ثم تهود أو تنصر فشهد عليه عدول فقال لم أفعل وأنا مسلم قبل قوله قال الشيخ تقي الدين اتفق الأئمة أن المرتد إذا أسلم عصم دمه وماله وإن لم يحكم به حاكم ولا يحتاج إلى أن يقر بما شهد عليه به فإذا لم يشهد عليه عدل لم يفتقر الحكم إلى إقراره بل إخراجه إلى ذلك قد يكون كذبا ولهذا لا يجوز بناء حكم على هذا الإقرار كالإقرار الصحيح فإنه قد علم أنه لقنه وأنه فعله خوف القتل وهو إقرار تلجئه
تنبيه: ظاهر كلامه أنه إذا قال أنا مؤمن أو مسلم لم يكتف بذلك ونقل أبو طالب في اليهودي إذا قال قد أسلمت أو أنا مسلم يجبر عليه قد علم ما يراد منه ونصر القاضي وابن البنا الاكتفاء بذلك عن الشهادتين لما روى المقداد أنه قال "يا رسول الله أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار فقاتلني فضرب أحدى يدي بالسيف فقطعها ثم لاذ مني بشجرة فقال أسلمت أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها قال لا تقتله" رواه مسلم ولأن ذلك اسم لشيء فإذا أخبر به فقد أخبر بذلك الشيء وذكر المؤلف احتمالا أن هذا في الكافر الأصلي أو من جحد الوحدانية أما من كفر بجحد نبي أو كتاب أو فريضة ونحوه فلا يصير مسلما بهذا لأنه ربما اعتقد أن الإسلام ما هو عليه فإن أهل البدع كلهم يعتقدون أنهم مسلمون ومنهم من هو كافر
فرع: إذا شهد عليه بأنه كفر وادعى الإكراه قبل مع قرينة ولو شهد عليه بكلمة كفر فادعاه قبل مطلقا في الأصح لأن تصديقه ليس فيه تكذيب للبينة وإن أسلم على صلاتين قبل منه وأمر بالخمس
"وإذا مات المرتد فأقام وارثه بينة أنه صلى بعد الردة حكم بإسلامه" لقوله عليه السلام "من صلى صلاتنا" الخبر سواء صلى في جماعة أو منفردا في دار الحرب أو الإسلام لأنها ركن يختص به الإسلام فحكم

ولا يبطل إحصان المسلم بردته ولا عباداته التي فعلها في إسلامه إذا عاد إلى الإسلام
فصل ومن ارتد لم يزل ملكه موقوفا وتصرفاته موقوفة
__________
بإسلامه كالشهادتين ولأن ما كان إسلاما في دار الحرب كان إسلاما في دار الإسلام كالشهادتين ومقتضاه: أنها إذا شهدت بأنه أتى بغيرها من زكاة أو صوم أو حج لا يحكم بإسلامه ولا يثبت الإسلام حتى يأتي بصلاة تتميز عن صلاة الكهان ولا تحصل بمجرد القيام وذكر ابن تميم أن من حج أو صام يقصد رمضان أو آتى ماله على وجه الزكاة أو أذن في غير محل الأذان قال ابن حمدان أو غير وقته هل يحكم بإسلامه على وجهين واختار القاضي أنه يحكم بإسلامه بالحج فقط
"ولا يبطل إحصان المسلم بردته" يعني إذا كان محصنا فارتد ثم أسلم لم يزل إحصانه بل إذا زنى فإنه يرجم لأنه ثبت له حكم الإحصان والأصل بقاء ما كان عليه "ولا عباداته التي فعلها في إسلامه إذا عاد إلى الإسلام" لأنه فعلها على وجهها وبرئت ذمته منها فلم تعد إلى ذمته كدين الآدمي وفي الرعاية في الصوم وجهان في وجوب القضاء وقدم فيها وفي المحرر أنه إذا صلى ثم كفر ثم أسلم في وقتها لم يعدها وقيل بلى وإن حج ثم كفر ثم أسلم فروايتان أشهرهما لا يعيد
فصل
"ومن ارتد لم يزل ملكه" أي لا يحكم بزوال ملكه قدمه في الكافي والمحرر والمستوعب ونصره في الشرح لأن الردة سبب يبيح دمه فلم يزل ملكه بها كزنى المحصن لأن زوال العصمة لا يلزم منه زوال الملك كالقاتل في المحاربة وأهل الحرب "بل يكون موقوفا وتصرفاته" من البيع والهبة والوقف ونحوه "موقوفة" على المذهب قاله ابن المنجا لأنه مال تعلق به حق الغير ؛

فإن أسلم ثبت ملكه وتصرفاته وإلا بطلت وتقضى ديونه وأروش جناياته وينفق على من تلزمه مؤنته وما أتلف من شيء ضمنه ويتخرج في الجماعة الممتنعة ألا تضمن ما أتلفته وقال أبو بكر يزول ملكه بردته
__________
فكان التصرف فيه موقوفا كتبرع المريض
ولكن المذهب أنه يمنع من التصرف فيه قاله القاضي وأصحابه وفي الوسيلة نص عليه ونقل ابن هانئ يمنع منه واختار المؤلف أنه يترك عند ثقة وجعل في الترغيب كلام القاضي والمؤلف واحدا وكذا ذكره ابن البنا وغيره ونص عليه أحمد ولم يقولوا يترك عند ثقة بل قالوا يمنع منه "فإن أسلم ثبت ملكه وتصرفاته" وكان ذلك صحيحا "وإلا بطلت" أي إذا مات أو قتل في ردته كان باطلا تغليظا عليه بقطع ثوابه بخلاف المريض وينتقل ماله فيئا من حين موته وفي المحرر على ذلك تنفذ معاوضته ويقر بيده وتوقف تبرعاته وترد بموته مرتدا "وتقضى ديونه" لا دين متجدد في الردة "وأروش جناياته" لأن ذلك حق واجب عليه"وينفق على من تلزمه مؤنته" لأن ذلك واجب بإيجاب الشرع أشبه الدين "وما أتلف من شيء ضمنه" نص عليه لأن الإتلاف يوجب الضمان على المسلم فلأن يوجب على المرتد بطريق الأولى وعنه إن فعله بدار حرب أو في جماعة مرتدة ممتنعة فلا اختاره الخلال وصاحبه والمؤلف لفعل الصحابة وكالكافر الأصلي إجماعا وقيل هم كبغاة قال وإن المرتد تحت حكمنا ليس محاربا يضمن إجماعا
فرع: يؤخذ بحد فعله في ردته نص عليه كقبلها وظاهر نقل مهنا واختاره جماعة إن أسلم فلا كعبادته "ويتخرج في الجماعة الممتنعة ألا تضمن ما أتلفته" لأنها في معنى البغاة ولأن الباغي إنما لم يضمن ما أتلفه لأن في تضمينه تنفيرا له عن الرجوع إلى قبضة الإمام وهذا المعنى موجود في الجماعة المرتدة الممتنعة
وصحح في الشرح والرعاية أنه لا ضمان عليهم فيما أتلفوه حال الحرب "وقال أبو بكر يزول ملكه بردته" وأختاره أبو إسحاق وصاحب التبصرة

ولا يصح تصرفه وإن أسلم رد إليه بل يكون تمليكا مستأنفا وإذا أسلم فهل يلزمه قضاء ما ترك من العبادات على روايتين وإذا ارتد الزوجان ولحقا بدار الحرب ثم قدر عليهما لم يجز استرقاقهما
__________
والطريق الأقرب وهو رواية لأن عصمة نفسه وماله إنما يثبت بإسلامه فزوال إسلامه مزيل عصمتهما كما لو لحق بدار الحرب ولأن المسلمين ملكوا إراقة دمه بردته فوجب أن يملكوا أمواله بها وعنه إن مات أو قتل تبينا زواله من حين ردته فلو باع شقصا مشفوعا أخذ بالشفعة على الأولى وعلى الثانية يجعل في بيت المال "ولا يصح تصرفه" لأن ملكه قد زال بردته وجوابه أن ملكه قد تعلق به حق غيره في بقاء ملكه فيه فكان تصرفه موقوفا كتصرف المريض "وإن أسلم رد إليه تمليكا مستأنفا" أي جديدا لزواله بردته
تذنيب: إذا تزوج لم يصح لأنه لا يقر على النكاح كنكاح الكافر مسلمة وكذا لو زوج موليته لأن النكاح لا يكون موقوفا فلو وجد منه سبب يقتضي التمليك كالصيد والاتهاب والشراء ثبت الملك إن بقي ملكه وإلا فلا واحتج به في الفصول على بقاء ملكه وأن الدوام أولى وعلى رواية يرثه مسلم أو أهل دينه الذي اختاره فكمسلم فيه وفي الانتصار لا قطع بسرقته لعدم عصمته "وإذا أسلم فهل يلزمه قضاء ما ترك من العبادات الخمس على روايتين" إحداهما يقضي صححها في الرعاية وجزم بها في الوجيز لأنها عبادة واجبة التزم بوجوبها واعترف به في زمن إسلامه فلزمه القضاء كغير المرتد والثانية لا يلزمه وهي الأشهر لقوله تعالى {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] وكالحربي ولأن أبا بكر رضي الله عنه لم يأمر المرتدين بقضاء ما فاتهم وقدم المجد وابن تميم أنه يلزمه قضاء ما تركه قبل الردة من صلاة وصوم وزكاة وقيل يقضي غير الحج رواية واحدة وذكر ابن تميم وابن حمدان أنه لو جن بعد تركه لم تسقط عنه الصلاة وإن حاضت سقطت
"وإذا ارتد الزوجان ولحقا بدار الحرب ثم قدر عليهما لم يجز استرقاقهما" لأنه لا يقر على الردة يدل عليه قوله عليه السلام "من بدل

ولا استرقاق أولادهما الذين ولدوا في دار الإسلام ومن لم يسلم منهم قتل ويجوز استرقاق من ولد منهم بعد الردة وهل يقرون على كفرهم على روايتين
__________
دينه فاقتلوه" ولم ينقل أن الذين سباهم أبو بكر كانوا أسلموا ولا يثبت لهم حكم الردة وقول علي تسبى المرتدة ضعفه أحمد
"ولا استرقاق أولادهما الذين ولدوا في الإسلام" لأنه محكوم بإسلامه بإسلام والده وكولد من أسر من ذمة "ومن لم يسلم منهم قتل" للخبر ويعتبر فيه بلوغهم "ويجوز استرقاق من ولد منهم بعد الردة" في المنصوص لأنه محكوم بكفره لأنه ولد بين أبوين كافرين وليس بمرتد نص عليه وهو ظاهر كلام جماعة كولد الحربيين وعنه لا يجوز استرقاقهم
فرع: الحمل حال ردته ظاهر كلام الخرقي أنه كالحادث بعد كفره واقتصر عليه في الشرح وفي الكافي الحمل كالولد الظاهر لأنه موجود ولهذا يرث
"وهل يقرون" أي من ولد بعد الردة "على كفرهم؟ على روايتين" إحداهما وجزم بها في الوجيز يقر على كفره كأولاد أهل الحرب وكالكافر الأصلي والجامع بينهما اشتراكهما في جواز الاسترقاق
والثانية لا يقرون فإذا أسلموا رقوا لأنهم أولاد من لا يقر على كفر فلا يقرون كالموجودين قبل الردة قال في الفروع وهل يقر بجزية أم الإسلام ويرق أو القتل فيه روايتان
فرع: إذا لحق بدار حرب فهو وما معه كحربي وما بدارنا فيء من حين موته ولو ارتد أهل بلد وجرى فيه حكمهم فدار حرب يغنم ما لهم وولد حدث بعد الردة وعلى الإمام قتالهم
فصل
اعلم أن السحر عقد ورقي وكلام يتكلم به أو يعمل شيئا يؤثر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة له وله حقيقة في قول الأكثر فمنه ما

فصل
والساحر الذي يركب المكنسة فتسير به في الهواء ونحوه يكفر ويقتل
__________
يقتل ومنه ما يمرض ومنه ما يمنع الرجل من وطء امرأته ومنه ما يفرق بينهما وقال بعض العلماء إنه لا حقيقة له وإنما هو تخييل لقوله تعالى {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى} [طه: 66] وجوابه قوله تعالى {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} يعني السواحر اللاتي يعقدن في سحرهن ولولا أن له حقيقة لما أمر بالاستعاذة منه
قال الأصحاب يكفر الساحر بتعلمه وتعليمه كاعتقاد حله وعنه لا اختاره ابن عقيل وجزم به في التبصرة وكفره أبو بكر بعمله قال في الترغيب هو أشد تحريما وحمل ابن عقيل كلام أحمد في كفره على معتقده وأن فاعله يفسق ويقتل حدا
"و" هو "الساحر الذي يركب المكنسة فتسير به في الهواء ونحوه يكفر" لقوله تعالى {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} [البقرة: 103] "ويقتل" بالسيف لما روى جندب مرفوعا قال "حد الساحر ضربة بالسيف" رواه الترمذي وقال الصحيح عن جندب موقوف وعن بجالة بن عبد قال كنت كاتبا لجزء بن معاوية عم الأحنف بن قيس فأتانا كتاب عمر قبل موته بسنة أن اقتلوا كل ساحر وساحرة رواه أحمد وسعيد وفي رواية فقتلنا ثلاث سواحر في يوم واحد وقتلت حفصة جارية لها سحرتها رواه مالك وروي عن عثمان وابن عمر وعن أحمد لا يقتل به لحديث عائشة في المدبرة التي سحرتها فباعتها ولقوله عليه السلام "لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث " الخبر فإن قتل به قتل وعلى الأول هذا في الساحر المسلم فأما ساحر أهل الكتاب فلا يقتل بسحره على الأصح وفي التبصرة إن اعتقد جوازه .

فأما الذي يسحر بالأدوية والتدخين وسقي شيء لا يضر فلا يكفر ولا يقتل ولكن يعزر ويقتص منه إن فعل ما يوجب القصاص وأما الذي يعزم على الجن و يزعم أنه يجمعها فتطيعه فلا يكف ولا يقتل وذكره أبو الخطاب في السحرة الذين يقتلون.
__________
"فأما الذي يسحر بالأدوية والتدخين وسقي شيء لا يضر فلا يكفر ولا يقتل" ذكره الأصحاب لأن الله تعالى وصف الساحرين الكافرين بأنهم يفرقون بين المرء وزوجه فيختص الكفر بهم ويبقي من سواهم من السحرة على أصل العصمة "ولكن يعزر" إذا ارتكب معصية وفي عيون المسائل إنه يعزر بما يردعه وما قاله غريب ووجهه أنه يقصد الأذى بكلامه وعمله على وجه فتطيعه فلا يكفر ولا يقتل وذكره أبو الخطاب في السحرة الذين يقتلون ويقتص منه إن فعل ما يوجب القصاص وأما الذي يعزم على الجن ويزعم أنه يجمعها المكر والحيلة أشبه السحر ولهذا يعلم بالعادة والعرف أنه يؤثر وينتج ما يعمله السحر أو أكثر فيعطى حكمه تسوية بين المتماثلين والمتقاربين لا سيما إن قلنا يقتل الآمر بالقتل على رواية فهنا أولى
"ويقتص منه إن فعل ما يوجب القصاص" كما يقتص من المسلم وإلا فالدية
"وأما الذي يعزم على الجن ويزعم أنه يجمعها فتطيعه فلا يكفر ولا يقتل" وهو المعزم وكذا من يحل السحر وقد توقف أحمد عنها قال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسأل عن رجل يزعم أنه يحل السحر فقال رخص فيه بعض الناس ثم قال ما أدري ما هذا وفيه وجهان وفي الشرح إن كان يحله بشيء من القرآن أو الذكر فلا بأس به وإن كان بشيء من السحر فقط توقف أحمد "وذكره أبو الخطاب" تبعا للقاضي وقدمه في المحرر "في السحرة الذين يقتلون" لما ذكرنا وذكر القاضي في هذا تفصيلا فقال الساحر إن اعتقد أن الكواكب فاعلة ويدعي بسحره معجزات لا يجوز وجود مثلها إلا للأنبياء مثل أن يدعي أن الجن تخبره بالمغيبات وأنه يقدر على تغيير صور الأشياء والطيران في الهواء والمشي على الماء فهو كافر وإن اعتقد أن الله تعالى هو الفاعل المدبر لذلك عند وجود هذا الفعل من جهته لم يصدقه
وقال ابن عقيل لا يكفر إلا بالاعتقاد لأن السحر صناعة تعود بفساد أحوال__________
وأخذ أموال وقتل نفوس وهذا القدر بالمباشرة لا يوجب التكفير
أصل: مشعبذ وقائل بزجر طير وضارب بحصى وشعير وقداح إن لم يعتقد إباحته وأنه لا يعلم به عزر وكف عنه وإلا كفر ويحرم طلسم ورقية بغير عربية وقيل يكره
فرع: من قبلت توبته لم يجب تعزيره في ظاهر كلامهم لأنه لم يجب غير القتل وقد سقط والحد إذا سقط بالتوبة أو استوفي لم تجز الزيادة عليه كسائر الحدود قال الشيخ تقي الدين فيمن شفع عنده في شخص فقال لو جاء النبي صلى الله عليه وسلم يشفع ما قبل إن تاب بعد القدرة عليه قبل لا قبلها في أظهر قولي العلماء ويسوغ تعزيره أي بعد التوبة مسائل: الأولى: إذا أسلم أبوا حمل أو طفل أو أحدهما لا جد وجدة والمنصوص أو مميز لم يبلغ ونقل ابن منصور لم يبلغ عشرا فمسلم
الثانية: إذا ماتا أو أحدهما في دارنا وقيل أو دار حرب فمسلم على الأصح نقله واختاره الأكثر وفي الموجز والتبصرة لا بموت أحدهما نقل أبو طالب في زفر أو نصراني مات وله ولد صغير فهو مسلم إذا مات أبواه ويرث أبويه ونقل جماعة إن كفله المسلمون فمسلم ويرث الولد الميت لعدم تقدم الإسلام واختلاف الدين ليس من جهته كالطلاق في المرض ولأنه يرث إجماعا فلا يسقط بمختلف فيه وهو الإسلام وكما تصح الوصية لأم ولده ولأنه لا يمتنع حصول إرثه قبل اختلاف الدين كما قالوا الدين لا يمنع الإرث وإن لم يكن الميت مالكا يوم الموت لكن في حكم المالك ذكره القاضي
الثالثة: أطفال الكفار في النار وعنه الوقف واختار ابن عقيل وابن الجوزي أنهم في الجنة كأطفال المسلمين ومن بلغ منهم مجنونا واختار الشيخ تقي الدين تكليفهم في القيامة ويتبع أبويه في الإسلام كصغير فيعايا بها نقل ابن منصور فيمن ولد أعمى أبكم أصم وصار رجلا هو بمنزلة الميت هو مع أبويه وإن كانا مشركين ثم أسلما بعد ما صار رجلا قال هو معهما قال في الفروع وتوجه مثلهما من لم تبلغه الدعوة .

الرابعة: من أطلق الشارع كفره كدعواه غير أبيه ومن أتى عرافا فصدقه بما يقول فقيل كفر النعمة وقيل قارب الكفر وذكر ابن حامد روايتين إحداهما: تشديد وتأكيد والثانية يجب الوقف ولا نقطع بأنه ينقل عن الملة نص عليه
خاتمة: قال الأصحاب معرفة الله تعالى وجبت شرعا نص عليه وقيل بلى وكذا إن عدما أو أحدهما بلا موت كزنى ذمية ولو بكافر واشتباه ولد مسلم بكافر نص عليهما والله أعلم

كتاب الأطعمة
باب الأطعمة
كتاب الأطعمةوالأصل فيها الحل فيحل كل طعام طاهر لا مضرة فيه من الحبوب والثمار وغيرها
__________
كتاب الأطعمة
وهي جمع طعام قال الجوهري هو ما يؤكل وربما خص به البر والمراد هنا ما يؤكل ويشرب فيتبين ما يباح أكله وشربه وما يحرم
"والأصل فيها الحل" لقوله تعالى {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً} [البقرة: 29] ولقوله تعالى {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ} [الأعراف: 157] لكن قال الشيخ تقي الدين لمسلم وقال أيضا الله أمر بالشكر وهو العمل بطاعته بفعل المأمور وترك المحذور فإنما أحل الطيبات لمن يستعين بها على طاعته لقوله تعالى {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} الآية [المائدة: 93] ولهذا لا يجوز أن يعان بالمباح على المعصية كمن يعطي الخبز واللحم لمن يشرب الخمر ويستعين به على الفواحش وقوله تعالى {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} أي عن الشكر عليه
"فيحل كل طعام طاهر" يحترز به عن النجس "لا مضرة فيه" على ما فيه مضرة كالسموم ثم مثل ذلك بقوله "من الحبوب والثمار" فهو بيان لما يحل أكله مما جمع الصفات المذكورة "وغيرها" أي غير الحبوب والثمار مما يجمع الطعم والطهارة وعدم المضرة وقد سأله الشالنجي عن المسك يجعل في الدواء

فأما النجاسات كالميتة والدم وغيرها وما فيه مضرة من السموم ونحوها فمحرمة والحيوانات مباحة إلا الحمر الأهلية وما له ناب يفرس به كالأسد والنمر والذئب والفهد والكلب.
__________
ويشربه قال لا بأس به فأما النجاسات كالميتة والدم فمحرمة لقوله تعالى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} [المائدة: 3] ولأن أكل الميتة أقبح من الادهان بدهنها والاستصباح وهو حرام فلأن يحرم ما هو أقبح منه بطريق الأولى "وغيرهما" أي غير ذلك من النجاسات محرم فلأنه خبيث وقد حرم الله أكل الخبيث وفي الخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن فأرة وقعت في سمن فقال "لا تقربوه" وفي الأكل قربانه وهو منهي عنه وهو يقتضي التحريم
"وما فيه مضرة من السموم ونحوها فمحرمة" لقوله تعالى {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] ولأن ذلك يقتل غالبا فحرم أكله لإفضائه إلى الهلاك ولذا عد من أطعم السم لغيره قاتلا وفي الواضح المشهور أن السم نجس وفيه احتمال لأكله عليه السلام من الذراع المسمومة "والحيوانات مباحة" لقوله تعالى {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ} [المائدة: 1] ولعموم النصوص الدالة على الإباحة "إلا الحمر الأهلية" فإنها محرمة في قول أكثر العلماء قال أحمد خمسة وعشرون من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كرهوها قال ابن عبد البر لا خلاف في تحريمها وسنده حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم "نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل" متفق عليه وعن ابن عباس وعائشة أنهما قالا بظاهر قوله تعالى {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً} الآية [الأنعام: 145] وأجاب في الخلاف بأن معناه قل لا أجد فيما نزل من القرآن وحديث غالب بن أبجر مختلف الإسناد ولا يعرج عليه مع ما عارضه مع أن الإذن بالتناول منها محمول على حال الاضطرار
فرع: حكم ألبانها كهي ورخص فيه عطاء وطاووس والزهري والأول أصح لأن حكم اللبن كاللحم
"وما له ناب يفرس به" نص عليه "كالأسد والنمر والذئب والفهد والكلب" لما روى أبو ثعلبة الخشني قال "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكل كل ذي

والخنزير وابن آوى والسنور وابن عرس والنمس والقرد إلا
__________
ناب من السباع" متفق عليه وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "كل ذي ناب حرام" رواه مسلم قال ابن عبد البر هذا حديث ثابت مجمع على صحته وهو نص صريح يخص به عموم الآيات فيدخل فيه الأسد ونحوه وقيل يختص بمن يبدأ بالعدوى وروي عن الشعبي أنه سئل "عن رجل يداوى بلحم كلب قال لا شفاه الله فدل على أنه محرم
"والخنزير" وهو محرم بالنص والإجماع مع أنه ليس له ناب يفرس به وابن آوى سئل أحمد عنه وعن ابن عرس فقال كل شيء ينهش بأنيابه فهو من السباع وكل شيء يأخذ بمخاليبه فمما نهى الله عنه قال ابن عقيل هذا منه يعطي أنه لا يراعى فيهما القوة وأنه أضعف من الثعلب وإن الأصحاب اعتبروا القوة ولأنه مستطاب ولأنه يشبه الكلب ورائحته خبيثة فيدخل في قوله تعالى {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157] والسنور الأهلي لما روى جابر "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل الهر" رواه أبو داود وابن ماجة والترمذي وقال غريب قال أحمد أليس قال الشيخ تقي الدين ليس في كلامه إلا الكراهة وجعله أحمد قياسا وأنه يقال يعمها اللفظ ونقل حنبل هو سبع ويعمل بأنيابه كالسبع ونقل فيه جماعة يكره قال الحسن هو مسخ "وابن عرس" وقد تقدم
"والنمس" لأنه من جملة السباع
"والقرد" قال ابن عبد البر لا أعلم خلافا بين العلماء في تحريم أكله وأنه لا يجوز بيعه وروى الشعبي "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لحم القرد" ولأنه سبع له ناب فيدخل في عموم التحريم وهو مسخ فيكون من الخبائث المحرمة
تنبيه: لم يتعرض المؤلف لذكر الدب وهو محرم مطلقا خلافا لابن رزين وفي الرعاية وقيل كبير وهو سهو قال أحمد إن لم يكن له ناب فلا بأس به وهو محمول على الصغير والأشهر أنه حرام مطلقا وكذا الفيل
"إلا الضبع" فإنه مباح وإن كان له ناب لما روى جابر قال سألت رسول الله

الضبع وما له مخلب من الطير يصيد به كالعقاب والبازي والصقر والشاهين والحدأة والبومة وما يأكل الجيف كالنسر والرخم واللقلق وغراب البين والأبقع
__________
صلى الله عليه وسلم عن الضبع فقال "هو صيد ويجعل فيه كبش إذا صاده المحرم" رواه أبو داود لا يقال بأنه داخل في عموم النهي لأن الدال على حله خاص والنهي عام ولا شك أن الخاص مقدم على العام
"وما له مخلب" بكسر الميم وهو بمنزلة الظفر للإنسان "من الطير يصيد به" نص عليه "كالعقاب والبازي والصقر والشاهين والحدأة والبومة" في قول أكثر العلماء لما روى ابن عباس قال "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كل ذي مخلب من الطير" رواه أبو داود وعن خالد بن الوليد مرفوعا نحوه وقال أبو الدرداء وابن عباس "ما سكت الله عنه فهو مما عفى عنه" وقال الليث والأوزاعي لا يحرم شيء من الطير لعموم الآيات المبيحة وجوابه الخبر وبه يخص عموم الآيات وكذا كل ما أمر الشارع بقتله أو نهى عنه وفي الترغيب تحريما إذ لو حل لقيده بغير مأكله
"وما يأكل الجيف" نص عليه "كالنسر والرخم واللقلق وغراب البين والأبقع" لقوله عليه السلام "خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم" الخبر فذكر منها الغراب والباقي كهو للمشاركة بينهما في أكلها الجيف ولأنه عليه السلام أباح قتلها في الحرم ولا يجوز قتل صيد مأكول في الحرم ولأن ما يؤكل لا يحل قتله إذا قدر عليه بل يذبح ويؤكل ونقل عبد الله وغيره يكره وجعل فيه الشيخ تقي الدين روايتي الجلالة وإن غالب أجوبة أحمد ليس فيها تحريم ونقل حرب لا بأس به لأنه لا يأكل الجيف "وما يستخبث" أي ما تستخبثه العرب والأصح ذو اليسار وقيل على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقال جماعة والمروءة فهو محرم لقوله تعالى {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} وما استطابته فهو طيب لقوله تعالى {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ} والذين تعتبر استطابتهم واستخباثهم هم أهل الحجاز من أهل الأمصار لأنهم هم الذين نزل عليهم الكتاب وخوطبوا به وبالسنة فرجع مطلق ألفاظها إلى عرفهم ولم يعتبر

وما يستخبث كالقنفذ والفأر والحيات والعقارب والحشرات كلها وما تولد من مأكول وغيره كالبغل والسمع ولد الضبع من الذئب والعسبار ولد الذئبة من الذيخ
__________
أهل البوادي لأنهم للضرورات والمجاعة يأكلون ما وجدوا ولهذا سئل بعضهم عما يأكلون فقال كل ما دب ودرج إلا أم جنين
وما لا تعرفه العرب ولا ذكر في الشرع يرد إلى أقرب الأسماء شبها به وعن أحمد وقدماء أصحابه لا أثر لاستخباث العرب فإن لم يحرمه الشرع حل قاله الشيخ تقي الدين "كالقنفذ" لقوله عليه السلام "هو من الخبائث" رواه سعيد وأبو داود قال أبو هريرة "هو حرام" رواه سعيد وعلل أحمد القنفذ بأنه يبلغه أنه مسخ أي لما مسخ على صورته دل على خبثه ولأنه يشبه المحرمات ويأكل الحشرات أشبه الجرذ "والفأرة" وهي الفويسقة نص عليه "والحيات" جمع حية لأمره عليه السلام محرما بقتلها رواه مسلم ولأن لها نابا نص عليه "والعقارب" والوطواط نص عليهما لقوله تعالى {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} "والحشرات كلها" كالديدان وبنات وردان والخنافس والزنابير والنحل وفيهما رواية في الإشارة وفي الروضة يكره ذباب وزنبور وفي التبصرة في خفاش وخطاف وجهان وكره أحمد الخفاش لأنه مسخ قال الشيخ تقي الدين هل هي للتحريم فيه وجهان
"وما تولد من مأكول وغيره كالبغل" وهو محرم نص عليه عند كل من حرم الحمار الأهلي "والسمع ولد الضبع من الذئب والعسبار ولد الذئبة من الذيخ" وهو الذكر من الضبعان فيكون العسبار عكس السمع وظاهره ولو تميز كحيوان من نعجة نصفه خروف ونصفه كلب قاله الشيخ تقي الدين لا متولد من مباحين كبغل من وحش وخيل وما تولد من مأكول طاهر كذباب الباقلاء يؤكل تبعا لا أصلا في الأصح فيهما وقال ابن عقيل يحل بموته قال ويحتمل كونه كذباب فيه روايتان قال أحمد في الباقلاء المدود يجتنبه أحب إلي وإن لم يتقذره فأرجو وقال عن تفتيش الثمر المدود لا بأس به إذا علمه .

وفي الثعلب والوبر وسنور البر واليربوع روايتان وما عدا ذلك مباح كبهيمة الأنعام
__________
فرع: إذا كان أحد أبويه المأكولين مغصوبا فهو تبع لأمه حلا وحرمة وملكا
"وفي الثعلب والوبر وسنور البر واليربوع روايتان" وفيه مسائل
الأولى: أكثر الروايات عن أحمد تحريم الثعلب واختارها الخلال وصححها الحلواني وقدمها في الفروع نقل عبد الله أنه قال فيه لا أعلم أحدا رخص فيه إلا عطاء وكل شيء اشتبه عليك فدعه ولأنه سبع فيدخل في عموم الخبر والثانية: يباح اختارها الشريف وأبو بكر لأنه يفدي في الحرم والإحرام والأول أظهر للنهي عن كل ذي ناب من السباع.
الثانية: الوبر هو مباح قاله في الشرح واقتصر عليه في الكافي وقاله عطاء وطاووس لأنه يأكل النبات وليس له ناب يفرس به وليس هو من المستخبثات فكان مباحا كالأرنب والثانية حرام وقاله القاضي قياسا على السنور
الثالثة: سنور البر والأشهر أنه محرم وصححه الحلواني وقدمه في الفروع لأنه عليه السلام نهى عن أكل الهر فيدخل فيه البري والثانية مباح لأنه بري أشبه الحمار البري
الرابعة: اليربوع وهو مباح نصره في الشرح وقدمه في الكافي وقاله عطاء وعروة لقضاء عمر فإنه حكم فيه بجفرة ولأن الأصل الإباحة والثانية حرام لأنه يشبه الفأر وكبق
وهذا الخلاف في هدهد وصرد وفي سنجاب وجهان أحدهما محرم واختاره القاضي لأنه ينهش بنابه أشبه الجرذ والسنور والثاني يباح أشبه اليربوع وكذا الخلاف في الغداف والفنك وما عدا هذا مباح بلا كراهة لعموم الأدلة الدالة على الإباحة كبهيمة الأنعام لقوله تعالى {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ} [المائدة: 1] وهي الإبل والبقر والغنم والخيل عرابها وبراذينها نص عليه وهو قول أكثر

والخيل والدجاج والوحشي من البقر والظباء والحمر والزرافة والنعامة والأرنب
__________
الفقهاء لما روى جابر قال "نهى النبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل" متفق عليه ولأنه حيوان طاهر مستطاب ليس بذي ناب ولا مخلب فكان حلالا كبهيمة الأنعام وقال الأوزاعي يكره لقوله تعالى {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: 8]
وعن خالد بن الوليد قال "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لحوم الحمر الأهلية وخيلها وبغالها" رواه أبو داود والنسائي وابن ماجة وجوابه بأن قال أبو داود هو منسوخ وقال النسائي حديث الإباحة أصح ويشبه إن كان صحيحا أن يكون منسوخا
قال النووي اتفق العلماء على أنه حديث ضعيف وقال الإمام أحمد ليس له إسناد جيد وقال فيه رجلان لا يعرفان وأما الآية فإنهم يتمسكون بدليل خطابها وهم لا يقولون به مع أن نصه على ركوبها لكونه أغلب منافعها لا يدل على تحريم أكلها وفي برذون رواية بالوقف
"والدجاج" على اختلاف أنواعها وقال أبو موسى "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأكل الدجاج" "والوحشي من البقر والظباء والحمر" والتيس والوعل والمها وسائر الوحش من الصيود كلها وظاهره ولو تأنس وهو مجمع عليه إلا ما روي عن طلحة بن مصرف أن الحمار الوحشي إذا تأنس واعتلف هو بمنزلة الأهلي قال أحمد وما ظننت أنه روي في هذا شيء وليس الأمر عندي كما قال ولأن الضب إذا تأنست لم تحرم كالأهلي إذا توحش لم يحل
"والزرافة" في المنصوص لأنها تشبه البعير إلا أن عنقها أطول من عنقه وجسمها ألطف من جسمه وأعلا منه وذلك لا أثر له في تحريمها ولأنها مستطابة ليس لها ناب ولا هي من المستخبثات أشبهت الإبل وعنه الوقف فيها وحرمها أبو الخطاب والأول أصح "والنعامة" بغير خلاف علمناه لقضاء الصحابة فيها بالفدية إذا قتلها المحرم "والأرنب" لأن النبي صلى الله عليه وسلم قبله" متفق عليه وأمر بأكلها رواه أبو داود ولأنه حيوان مستطاب ليس بذي ناب أشبه الظباء ولا نعلم قائلا بتحريمه إلا ما روي عن عمرو بن العاص قاله في الشرح وذكر

والضبع والضب والزاغ وغراب الزرع وسائر حيوان البحر إلا الضفدع والحية والتمساح
__________
السامري وابن حمدان رواية بتحريمها "والضبع" وقد علم حكمها فيما سبق وفيها رواية قاله ابن البنا وهي قول أكثر العلماء لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الضبع فقال "ومن يأكل الضبع" لكن هذا حديث تفرد به عبد الملك بن المخارق وهو متروك الحديث وفي الروضة إن عرف منه أكل ميتة فكجلالة والضب قال ابن هبيرة رواية واحدة وقاله الأكثر لما روى ابن عباس قال "دخلت أنا وخالد ابن الوليد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة فأتى بضب محنوذ فرفع يده فقلت أحرام هو يا رسول الله قال لا ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه" قال خالد فاحتززته فأكلته ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر" متفق عليه وحديث النهي فيه ليس بثابت "والزاغ" وهو صغير أغبر "وغراب الزرع" وهو أسود كبير يطير مع الزاغ ولأن مرعاهما الزرع والحبوب أشبها الحجل وقيل هما واحد
"وسائر" أي باقي "الطير" كالفواخت والقنابر والقطى والكركي والكروان والبط والأوز والحبارى لقول سفينة "أكلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حبارى" رواه أبو داود وكذلك الغرانيق والطواويس وطير الماء وأشباه ذلك ونقل مهنا يؤكل الأيل قيل إنه يأكل الخبائث فعجب من ذلك "وجميع حيوان البحر" لقوله تعالى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} [المائدة: 96] ولقوله عليه السلام لما سئل عن ماء البحر فقال "هو الطهور ماؤه الحل ميتته" رواه مالك وفي الخبر أن الله أباح كل شيء في البحر لابن آدم "إلا الضفدع" نص عليه وقدمه أكثر الأصحاب وفي الخبر "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن قتله" رواه أحمد وأبو داود والنسائي وقول الشعبي لو أكل أهلي الضفادع لأطعمتهم لا يعارضه "والحية" لأنها من الخبائث وفيها وجه وأطلقهما في الفروع
"والتمساح" وفي الوجيز كـ "المقنع" والأصح أنه محرم ونص عليه وعلله بأنه يأكل الناس قال أحمد يؤكل كل شيء في البحر إلا الضفدع والحية

وقال ابن حامد وإلا الكوسج وقال أبو علي النجاد لا يباح من البحر ما يحرم نظيره في البر كخنزير الماء وإنسانه وتحرم الجلالة التي أكثر علفها النجاسة ولبنها وبيضها حتى تحبس
__________
والتمساح وفيه رواية أنه يباح لأنه حيوان البحر "وقال ابن حامد" والقاضي "وإلا الكوسج" وهو مقتضى تعليل أحمد في التمساح بكذا في الرعاية أنه حلال وهو مقتضى مذهب الشافعي والأول أشهر وهو سمكة في البحر لها خرطوم كالمنشار تفترس وربما التقمت ابن آدم وقصمته نصفين وهي القرش ويقال إنها إذا صيدت ليلا وجدوا في جوفها شحمة طبية وإن صيدت نهارا لم يجدوها "وقال أبو على النجاد" وحكاه ابن عقيل عن أبي بكر النجاد وحكاه في التبصرة رواية "لا يباح من البحر ما يحرم نظيره في البر كخنزير الماء وإنسانه" لأن ذلك غير مباح في البر ويدخل فيه كلب الماء والمذهب أنه مباح لما روى البخاري أن الحسن بن علي ركب على سرج عليه جلد من جلود كلاب الماء وهو قول أكثر العلماء
"وتحرم الجلالة التي أكثر علفها" أي غذائها "النجاسة" كذا في المحرر والوجيز وقدمه في الفروع لما روى ابن عمر قال "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل الجلالة وألبانها" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال حسن غريب وفي رواية لأبي داود نهى عن ركوب الجلالة وفي أخرى له نهى عن ركوب جلالة الإبل وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده "أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الحمر الأهلية وعن ركوب الجلالة وأكل لحمها" رواه أحمد وأبو داود والنسائي قال القاضي هي التي تأكل العذرة فإذا كان أكثر علفها النجاسة حرم لحمها ولبنها وإن كان أكثر علفها الطاهر لم يحرم قال المؤلف وتحديدها يكون أكثر علفها النجاسة لم أسمعه عن أحمد ولا هو ظاهر كلامه لكن يمكن تحديده بما يكون كثيرا في مأكولها ويعفى عن اليسير
"ولبنها" لما روى ابن عباس قال "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن شرب لبن الجلالة" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه وإسناده ثقات "وبيضها" ولحمها ولبنها ولأنه متولد من النجاسة "حتى تحبس" وتطعم

وعنه تكره ولا تحرم وتحبس ثلاثا وعنه يحبس الطائر ثلاثا والشاة سبعا وما عدا ذلك أربعين يوما
وما سقي بالماء النجس من الزروع والثمار محرم وإن سقي بالطاهر
__________
الطاهر إذ المنع يزول بحبسها "وعنه تكره ولا تحرم" قال في الشرح والعمل عليها لأنهم مختلفون في حرمته ولأنه حيوان أصله الإباحة لا ينجس بأكل النجاسات لأن شارب الخمر لا يحكم بتنجيس أعضائه والكافر الذي يأكل الخنزير والمحرمات لا يحكم بنجاسة ظاهره إذ لو نجس لما طهر بالإسلام والاغتسال وعلى الأول
"وتحبس ثلاثا" أي تحبس ثلاثة أيام نص عليه وهو المذهب لأن ابن عمر كان إذا أرادا أكلها حبسها ثلاثا وأطعمت الطاهرات "وعنه يحبس الطائر ثلاثا والشاة سبعا وما عدا ذلك" من الإبل والبقر "أربعين يوما" قدمها في الكافي لما روى عبد الله ابن عمرو بن العاص قال "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإبل الجلالة أن يؤكل لحمها ولا يشرب لبنها ولا يحمل عليها إلا الأدم ولا يركبها الناس حتى تعلف أربعين ليلة" رواه الخلال ولأنها أعظم جسما وعنه يحبس غير طائر أربعين وعنه والبقر ثلاثين ذكره في الواضح وهو وهم قاله ابن بطة وجزم به في الروضة وقيل الكل أربعين وهو ظاهر رواية الشالنجي قال في المحرر لا يجوز أن تعلف الإبل والبقر التي لا يراد ذبحها بالقرب الأطعمة النجسة أحيانا انتهى
ويحرم علفها نجاسة تؤكل قريبا أو تحلب قريبا وإن تأخر ذبحه أو حلبه وقيل بقدر حبسها المعتبر جاز في الأصح كغير المأكول على الأصح فيه وعنه يكره إطعام الميتة كلبا معلما أو طائرا معلما والنص جوازه ونقل جماعة تحريم علفها مأكولا وقيل يجوز مطلقا
فرع: كره أحمد ركوبها لأنها ربما عرقت فأصابه وعنه يحرم وسأله ابن هانئ بقرة شربت خمرا أيجوز أكلها قال لا حتى تنتظر أربعين يوما ذكره ابن بطة وأطلق في الروضة تحريم الجلالة وأن مثله خروف ارتضع من كلبة ثم شرب لبنا طاهرا وهو معنى كلام غيره .

طهر وحل وقال ابن عقيل ليس بنجس ولا يحرم بل يطهر بالاستحالة كالدم يستحيل لبنا
ـــــــ
"وما سقي" أو سمد "بالماء النجس من الزروع والثمار محرم" نجس نص عليه جزم به في الكافي والوجيز وقدمه السامري وابن حمدان لما روى ابن عباس قال كنا نكري أراضي رسول الله صلى الله عليه وسلم ونشترط عليهم أن لا يدملوها بعذرة الناس ولولا أن ما يزرع فيها يحرم لم يكن في الاشتراط فائدة. ولأنه يتغذى بالنجاسة وتتربى فيها أجزاؤه والاستحالة لا تطهر ذكر أبو بكر في التنبيه أنه لا يؤكل من ثمر بشجرة في المقبرة ولم يفرق قال السامري هو محمول عندي على المقبرة العتيقة
"وإن سقي بالطاهر" أي بالطهور بحيث يستهلك عين النجاسة "طهر وحل" لأن الماء الطهور معد لتطهير النجاسة وكالجلالة إذا حبست وأطعمت الطاهرات "وقال ابن عقيل" وهو قول أكثر الفقهاء وجزم به في التبصرة "ليس بنجس ولا يحرم" بل هو طاهر مباح بل يطهر بالاستحالة لأن النجاسة تستحيل في باطنها فتطهر بالاستحالة "كالدم يستحيل" في أعضاء الحيوان الرجعة لبنا فطهر بالاستحالة وهذا المعنى موجود في الزرع والثمر ونقل جعفر أنه كره العذرة ورخص في السرجين.
مسائل: كره أحمد أكل طين لضرورة وسأل رجل يزيد بن هارون عن أكل المدر فقال حرام قال الله تعالى {كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً} [البقرة: 168] ولم يقل كلوا الأرض وذكر بعضهم أن أكله عيب إن كان يتداوى به كالأرمني أو كان لا مضرة فيه ولا نفع كاليسير جاز قاله في الشرح وكذا يكره أكل غدة وأذن وقلب وبصل وثوم ونحوهما ما لم ينضجه بطبخ نص عليه وحب ديس بحمر ومداومة أكل لحم ولا بأس بلحم نيء ولحم منتن نص عليه وذكر جماعة فيهما يكره وجعله في الانتصار في الثانية اتفاقا ويكره أن يتعمد القوم حين يوضع الطعام فيفجأهم والخبز الكبار وقال ليس فيه بركة ووضعه تحت القصعة لاستعماله له وحرمه الآمدي وأطلق في المستوعب وغيره الكراهة إلا من طعام من عادته السماحة .

فصل
ومن اضطر إلى محرم مما ذكرنا حل له ما يسد رمقه وهل له الشبع على روايتين وإن وجد طعاما لا يعرف مالكه وميته وصيدا وهو محرم فقال أصحابنا يأكل الميتة
__________
فصل
"ومن اضطر إلى محرم مما ذكرنا" سوى سم ونحوه بأن يخاف تلفا وقيل أو ضررا وفي المنتخب أو مرضا أو انقطاعا عن الرفقة ومراده ينقطع فيهلك كما ذكره في الرعاية أكل وجوبا نص عليه وذكره الشيخ تقي الدين وفاقا وقيل ندبا وهو المراد بقوله "حل له ما يسد رمقه" اختاره الأكثر لقوله تعالى {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173] ويحرم ما زاد على الشبع إجماعا "وهل له الشبع على روايتين" أظهرهما: أنه لا يباح وهو ظاهر الوجيز والفروع لأن الآية دلت على تحريم الميتة واستثنى ما اضطر إليه فإذا اندفعت الضرورة لم يحل الأكل كحالة الابتداء
والثانية: يباح اختارها أبو بكر لما روى جابر ابن سمرة أن رجلا نزل الحرة فنفقت عنده ناقة فقالت امرأته اسلخها حتى نقدد شحمها ولحمها ونأكله فقال حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله فقال "هل عندك غنى يغنيك قال لا قال فكلوها" رواه أبو داود ولأن ما جاز سد الرمق منه جاز الشبع منه كالمباح وقيل هذا مقيد بدوام الخوف وينبني عليهما تزوده قاله في الترغيب وجوزه جماعة ونقل ابن منصور والفضل يتزود إن خاف الحاجة واختاره أبو بكر قال كما يتيمم ويترك الماء إذا خاف كذا هنا وهذا إن لم يكن في سفر محرم فإن كان فيه ولم يتب فلا ويجب تقديم السؤال قبل أكله نص عليه وقال لسائل قم قائما ليكون لك عذر عند الله قال القاضي يأثم إذا لم يسأل ونقل الأثرم إن اضطر إلى المسألة فهي مباحة قيل فإن توقف قال ما أظن أحدا يموت من الجوع الله يأتيه برزقه "وإن وجد طعاما لا يعرف مالكه" أي جهله "وميتة وصيدا وهو محرم فقال أصحابنا يأكل

ويحتمل أن يحل له الطعام والصيد إذا لم تقبل نفسه الميتة وإن لم يجد إلا طعاما لم يبذله مالكه فإن كان صاحب الطعام مضطرا إليه فهو أحق به وإلا لزمه بذله
__________
الميتة" وقاله سعيد بن المسيب وزيد بن أسلم لأن حق الله مبني على المسامحة والمساهلة بخلاف حق الآدمي فإنه مبني على الشح والضيق وحقه يلزمه غرامته بخلاف حق الله فإنه لا عوض فيه وفي الفنون قال حنبلي الذي يقتضيه مذهبنا خلاف هذا
"ويحتمل أن يحل له الطعام والصيد إذا لم تقبل نفسه الميتة" هذا وجه لأنه قادر على الطعام الحلال أشبه ما لو بذله مالكه وفي الكافي هي أولى إن طابت نفسه وإلا أكل الطعام لأنه مضطر وفي مختصر ابن رزين ولو بقتاله ثم صيدا ثم ميتة فلو علمه وبذله ففي بقاء حله كبذل حرة بضعها لمن لم يجد طولا منع وتسليم فإن بذله بثمن مثله لزمه وقال ابن عقيل لا يلزم معسرا على احتمال فإن وجد صيدا وطعاما أكل من الطعام وإن وجد لحم صيد ذبحه محرم وميتة أكل من الصيد قاله القاضي وقال أبو الخطاب يأكل من الميتة فإن اشتبهت ميتة بمذكاة تحرى على الأشهر ولو وجد ميتتين إحداهما مختلف فيها أكل منها
"وإن لم يجد إلا طعاما لم يبذله مالكه فإن كان صاحب الطعام مضطرا إليه فهو أحق به" ولا يجوز لغيره أخذه لأنه ساواه في الضرورة وانفرد بالملك أشبه غير حالة الاضطرار وهذا في غير النبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان له أخذ الماء من العطشان ويلزم كل أحد أن يقيه بنفسه وماله وعلى الأول إن أخذه منه أحد فمات لزمه ضمانه لأنه قتله بغير حق فإن كان صاحب الطعام مضطرا إليه في ثاني الحال فهل يملكه أو يدفعه إلى المضطر إليه في الحال فيه وجهان أظهرهما له إمساكه قاله في الرعاية واختاره المؤلف وظاهره أنه لا يجوز له إيثاره وفي الهدي له ذلك وأنه غاية الجود لقوله تعالى {وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9] ولفعل جماعة من الصحابة وعد ذلك في مناقبهم
"وإلا" أي وإن لم يكن صاحب الطعام مضطرا إليه "لزمه بذله" لأنه

بقيمته فإن أبى فللمضطر أخذه قهرا ويعطيه قيمته فإن منعه فله قتاله على ما يسد رمقه أو قدر شبعه على اختلاف الروايتين فإن قتل صاحب الطعام لم يجب ضمانه وإن قتل المضطر فعليه ضمانه، فإن لم يجد إلا آدميا مباح الدم كالحربي والزاني المحصن حل قتله وأكله وإن وجد معصوما ميتا ففي جواز أكله وجهان
__________
يتعلق به إحياء نفس آدمي معصوم فلزمه بذله كما يلزمه بذل منافعه في تخليصه من الغرق "بقيمته" نص عليه وظاهره ولو في ذمة معسر وفيه احتمال وفي زيادة لا تجحف وجهان وفي الانتصار وعيون المسائل فرضا بعوضه وقيل مجانا اختاره الشيخ تقي الدين كالمنفعة في الأشهر "فإن أبى فللمضطر أخذه" بالأسهل فإن امتنع أخذه "قهرا" لأنه يستحقه دون مالكه "ويعطيه قيمته" أي يعطي المالك قيمته لئلا يجتمع عليه فوات العين وفوات المالية "فإن منعه فله قتاله" جزم به في الكافي والوجيز وصححه في الرعاية وفي الترغيب وجه وهو الذي ذكره ابن أبي موسى أنه لا يجوز قتاله كما ذكر في دفع الصائل "على ما يسد رمقه" وهو الأولى قاله في الشرح "أو قدر شبعه" لأنه منعه من الواجب عليه أشبه مانعي الزكاة
"على اختلاف الروايتين" للتنبيه على أن المبيح للقتال منع ما يباح له لأنه الواجب لكن لو لم يبعه إلا بأكثر من ثمن المثل أخذه وأعطاه قيمته وقال القاضي يقاتله "فإن قتل صاحب الطعام لم يجب ضمانه" لأنه ظالم بقتاله أشبه الصائل "وإن قتل المضطر فعليه ضمانه" لأنه قتل ظلما
"فإن لم يجد إلا آدميا مباح الدم كالحربي والزاني المحصن حل قتله وأكله" لأنه لا حرمة له فهو بمنزلة السباع فلو وجده ميتا فله أكله "وإن وجد معصوما ميتا ففي جواز أكله وجهان": أحدهما لا يجوز صححه في الرعاية وهو قول أكثر الأصحاب لأن الحي والميت يشتركان في الحرمة بدليل قوله عليه السلام "كسر عظم الميت ككسر عظم الحي"
والثاني: بلى اختاره أبو الخطاب وابن عقيل وجزم به في الوجيز لأن الأكل من اللحم لا من العظم والمراد بالخبر التشبيه في أصل الحرمة لا

فصل
ومن مر بثمر في شجر لا حائط عليه ولا ناظر فله الأكل منه ولا
__________
بمقدارها بدليل اختلافهما في الضمان والقود قال المؤلف وهو أولى وظاهره أنه إذا كان حيا أنه لا يحل قتله ولا إتلاف عضو منه مسلما كان أو كافرا وهذا لا اختلاف فيه لأن المعصوم الحي مثل المضطر فلا يجوز له أن يبقي نفسه بإتلافه
تنبيه: إذا لم يجد المضطر شيئا لم يبح له أكل بعض أعضائه لأنه يتلفه لتحصيل ما هو موهوم فلو وجد المضطر من يطعمه ويسقيه لم يحل له الامتناع منه ولا العدول إلى الميتة إلا أن يخاف أن يسمه فيه أو يكون الطعام فيه مضرة أو يخاف أن يمرضه ومن اضطر إلى نفع مال الغير مع بقاء عينه كدفع برد واستقاء ماء وكونه وجب بذله مجانا مع عدم حاجته إليه وقيل يجب العوض
مسألة: سئل أحمد عن الجبن فقال يؤكل من كل أحد فقيل له عن الجبن الذي تصنعه المجوس فقال ما أدري وذكر أن أصح حديث فيه حديث عمر أنه سئل عن الجبن وقيل له تعمل فيه الإنفحة الميتة قال سموا اسم الله وكلوا ولا يجوز أن يشتري جوزا أو بيضا قومر به
فصل
"ومن مر بثمر في شجر لا حائط عليه" نص عليه ولم يذكره في الموجز "ولا ناظر" ولم يذكره في الوسيلة "فله الأكل منه" هذا هو المشهور في المذهب ونصره في الشرح ولا ضمان عليه وفي المستوعب أنه اختيار أكثر شيوخنا لما روى أبو سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "إذا أتيت حائط بستان فناد صاحب البستان فإن أجابك وإلا فكل من غير أن تفسد" رواه أحمد وابن ماجة ورجاله ثقات وروى سعيد بإسناد عن الحسن عن سمرة مرفوعا نحوه وفعله أنس وعبد الرحمن بن سمرة وأبو برزة وهو قول عمر وابن عباس وقيده

يحمل وعنه: لا يحل ذلك إلا لحاجة وفي الزرع وشرب لبن الماشية روايتان
__________
ابن الزاغوني بأنه يأكل بقدر شهوته ولا يشبع ومقتضى كلامه أنه يجوز الأكل من الساقط وصرح به في المحرر والوجيز وهو ظاهر وحكاه في الفروع رواية وفي الترغيب يجوز لمستأذن ثلاثا للخبر وظاهره أنه إذا كان محوطا بحائط أو ناطور فلا يأكل منه لأن إحرازه بذلك يدل على شح صاحبه وكذا إذا كان مجموعا إلا لمضطر ولا يرمي شجرا نص عليه ولا يصعدها "ولا يحمل" شيئا بحال سواء كان محتاجا أو لا لأن الأدلة دلت على جواز الأكل فقط فإن في حديث أبي سعيد فكل من غير أن تفسد وفي حديث عمر "ولا تتخذ خبنة"
"وعنه لا يحل ذلك إلا لحاجة" وقال قد فعله غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذ قوله "فإن دماءكم وأموالكم حرام عليكم.." الخبر يدل على حرمة الأكل من مال الغير مطلقا ترك العمل به مع الحاجة لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا أنه سئل عن الثمر المعلق فقال " ما أصاب منه من ذي الحاجة غير متخذ خبنة فلا شيء عليه ومن أخرج منه شيئا فعليه غرامة مثله والعقوبة" رواه الترمذي وحسنه وعنه الرخصة للمسافر فقط وهو وجه في الرعاية وفي المستوعب لا يختلف قوله فيما سقط للمحتاج وغيره واحتج في الكافي والشرح لها بقوله عليه السلام لرافع لا ترم وكل ما وقع صححه الترمذي وعنه ويضمنه اختارها في المبهج للعمومات
"وفي الزرع" القائم "وشرب لبن الماشية روايتان" كذا في المحرر والفروع وفيه مسألتان: الأولى أنه لا يأكل من الزرع القائم شيئا لأن الرخصة إنما وردت في الثمار لأن الله تعالى خلقها رطبة فالنفس تتوق إليها بخلاف الزرع
والثانية: وهي أشهر أنه يأكل من الفريك لأن العادة جارية بأكله رطبا أشبه الثمر وألحق به المؤلف وغيره الباقلاء والحمص الأخضر وهو ظاهر الثانية في شرب لبن الماشية يجوز في رواية لما روى الحسن عن سمرة مرفوعا قال "إذا

ويجب على المسلم ضيافة المسلم المجتاز به يوما وليلة فان أبى فللضيف طلبه عند الحاكم
__________
أتى أحدكم على ماشية فإن كان فيها صاحبها فليستأذنه وإن لم يجبه أحد فليحتلب وليشرب ولا يحمل" رواه الترمذي وصححه وقال العمل عليه عند بعض أهل العلم والثانية لا يجوز لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لا يحتلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه" متفق عليه وحملها في الرعاية على ما إذا لم يكن لها حائط أو حافظ وهذا إذا لم يكن مضطرا فإن كان كذلك جاز مطلقا ويقدمه على الميتة لأنه مختلف فيه فهو أسهل
"ويجب على المسلم ضيافة المسلم المجتاز به" قال أحمد الضيافة على المسلمين كل من نزل به ضيف كان عليه أن يضيفه لما روى المقداد بن كريمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ليلة الضيف واجبة على كل مسلم فإن أصبح بفنائه محروما كان دينا عليه إن شاء اقتضاه وإن شاء ترك" رواه سعيد وأبو داود وإسناده ثقات وصححه في الشرح وروى أحمد وأبو داود "فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه" وفي حديث عقبة "فإن لم يفعلوا فلهم حق الضيف الذي ينبغي لهم" متفق عليه وظاهره أن ضيافة الكافر لا تجب وهو كذلك بل في رواية وتجب لذمي نقله الجماعة واختاره في المغني والشرح لأن الضيافة كصدقة التطوع وإنها لا تجب إلا للمسافر لكن ظاهر نصوصه أنها تجب لحاضر وفيه وجهان للأصحاب في قرية وفي مصر روايتان منصوصتان جزم في المحرر والوجيز أن المسلم تجب عليه ضيافة المسلم المجتاز به في القرى لا الأمصار "يوما وليلة" وهو الأشهر فيه نقله الجماعة لما روى أبو شريح الخزاعي مرفوعا قال "الضيافة ثلاثة أيام وجائزته يوم وليلة" متفق عليه وذكر ابن أبي موسى أنها تجب ثلاثة أيام لهذا الخبر وهي قدر كفايته مع أدم وفي الواضح ولفرسه تبن لا شعير قال في الفروع ويتوجه وجه كأدمه وأوجب شيخنا المعروف عادة قال كزوجة وقريب ورفيق ومن قدم لضيفانه طعاما لم يجز له قسمته لأنه أباحه ذكره في الانتصار وغيره
"فإن أبى فللضيف طلبه عند الحاكم" أي يحاكمه ويطلب حق ضيافته فإن

وتستحب ضيافته ثلاثا فما زاد فهو صدقة ولا يجب عليه إنزاله في بيته إلا ألا يجد مسجدا أو رباطا يبيت فيه
__________
تعذر جاز له الأخذ من ماله نص عليه ونقل الشالنجي إذا بعثوا في السبيل يضيفهم من مروا به ثلاثة أيام فإن أبوا أخذوا منهم مثل ذلك
"وتستحب ضيافته ثلاثا" لخبر أبي شريح "فما زاد" أي على الثلاثة "فهو صدقة" لأنه تبرع فكان كصدقة النفل "ولا يجب عليه إنزاله في بيته" لما فيه من الحرج والمشقة والخبر إنما ورد في الضيافة فقط وأوجبه في المفردات مطلقا كالنفقة "إلا ألا يجد مسجدا أو رباطا يبيت فيه فيلزمه إنزاله في بيته للضرورة وعن عائشة مرفوعا "من نزل بقوم فلا يصومن إلا بإذنهم" رواه الترمذي وابن ماجة وإسناده ضعيف قال في كشف المشكل في النهي عن صوم الأضحى الناس فيه تبع لوفد الله تعالى عند بيته وهم كالضيف فلا يحسن صومه عند مضيفه
فائدة: من امتنع من الطيبات بلا سبب شرعي فمذموم مبتدع والمنقول عن أحمد أنه امتنع من أكل البطيخ لعدم علمه بكيفية أكل النبي صلى الله عليه وسلم له كذب ذكره الشيخ تقي الدين

باب الذكاة
لا يباح شيء من الحيوان المقدور عليه بغير ذكاة إلا الجراد وشبهه
__________
باب الذكاةيقال ذكى الشاة ونحوها تذكية أي ذبحها والاسم الذكاة والمذبوح ذكي فعيل بمعنى مفعول
"لا يباح شيء من الحيوان" المباح "المقدور عليه بغير ذكاة" وقاله في الوجيز وغيره لقوله تعالى {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] وقال ابن عقيل في البحري أو عقر لأنه ممتنع كحيوان البر "إلا الجراد وشبهه" فإنه يباح بغير ذكاة لقوله صلى الله عليه وسلم "أحل لنا ميتتان الحوت والجراد" رواه أحمد وابن ماجة من حديث عبد

والسمك وسائر ما لا يعيش إلا في الماء فلا ذكاة له. وعنه في السرطان وسائر البحري أنه يحل بلا ذكاة
__________
الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر وعبد الرحمن مختلف فيه ولأنه لا دم له ويباح بما فيه "والسمك وسائر ما لا يعيش إلا في الماء فلا ذكاة له" لا نعلم فيه خلافا للأخبار ولا فرق بين ما مات بسبب أو بغيره وأجمعوا على إباحة ما مات بسبب مثل أن صاده إنسان أو نبذه البحر أو جزر عنه واختلف في الطافي ونصوصه لا بأس به ما لم يتقذره وعنه لا يباح لحديث جابر وما مات فيه وطفا فلا تأكلوه رواه أبو داود والدارقطني وذكر أن الصواب أنه موقوف وفي عيون المسائل بعد أن ذكر عن الصديق وغيره حله قال وما يروى خلاف ذلك فمحمول على التنزيه ولعل المراد عند قائله لقوله تعالى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} [المائدة: 96] وهو ما رمى به قال ابن عباس ما مات فيه وقال النبي صلى الله عليه وسلم في البحر "هو الطهور ماؤه الحل ميتته" وعن أبي شريح مرفوعا قال "إن الله ذبح ما في البحر لبني آدم" رواه الدارقطني وذكره البخاري عنه موقوفا وقال ابن عقيل ما لا نفس له سائلة يجري مجرى ديدان الخل والباقلاء فيحل بموته ويحتمل أنه كالذباب وفيه روايتان فإن حرم لم ينجس وعنه بلى وعنه مع دم
فرع: كره أحمد شيء سمك حي لا جراد وقال ابن عقيل فيهما يكره على الأصح ويحرم بلعه حيا ذكره ابن حزم إجماعا وفي المغني والشرح يكره
"وعنه في السرطان وسائر البحري أنه يحل بلا ذكاة" لأن السرطان لا دم فيه قال أحمد السرطان لا باس به قيل له يذبح قال لا وذلك لأن مقصود الذبح إنما هو إخراج الدم وتطييب اللحم بإزالته عنه فأما ما لا دم له فلا حاجة إلى ذبحه ومقتضاه أن ما كان مأواه البحر وهو يعيش في البر كطير الماء والسلحفاة وكلب الماء فلا يحل إلا بذبحه وهذا هو الصحيح في المذهب وعنه بلى وذهب إليه قوم للأخبار والأصح في السرطان أنه لا يحل إلا بالذكاة .

وعنه في الجراد لا يؤكل إلا أن يموت بسبب ككبسه وتغريقه ويشترط للذكاة شروط أربعة
أحدها أهلية الذابح وهو أن يكون عاقلا مسلما أو كتابيا فتباح ذبيحته ذكرا كان أو أنثى وعنه لا تباح ذبيحة نصارى بني تغلب
__________
"وعنه في الجراد لا يؤكل إلا أن يموت بسبب ككبسه وتغريقه" لأن ذلك بمنزلة الذبح له فوجب اعتباره فيه كالذبح في غيره والأول المذهب للخبر ولأن ما أبيحت ميتته لم يعتبر له سبب بدليل السمك
"ويشترط للذكاة" وفي الروضة والعمدة للنحر "شروط أربعة" قاله معظم الأصحاب "أحدها أهلية الذابح" وهو المذكي "وهو أن يكون عاقلا" ليصح قصد التذكية ولو مكرها ذكره في الانتصار وغيره قال في الفروع ويتوجه فيه كذبح مغصوب وظاهر كلامهم لا يعتبر قصد الأكل وفي التعليق لو تلاعب بسكين على حلق شاة فصار ذبحا ولم يقصد حل أكلها لم تبح وعلل ابن عقيل تحريم ما قتله محرم لصوله بأنه لم يقصد أكله أو وطئه آدمي إذا قتل وفي الترغيب هل يكفي قصد الذبح أم لابد من قصد الإحلال فيه وجهان "مسلما أو كتابيا" لقوله تعالى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] قال البخاري قال ابن عباس طعامهم ذبائحهم وروى سعيد بإسناد جيد عن ابن مسعود قال لا تأكلوا من الذبائح إلا ما ذبح المسلمون وأهل الكتاب والعدل والفاسق سواء ولو مميزا وفي الموجز والتبصرة لا دون عشر "فتباح ذبيحته ذكرا كان أو أنثى" ولو قنا وهو كالحر إجماعا ذكره ابن حزم واختلف في ذبح الصبي وقيده أحمد بإطاقة الذبح والجنب والآبق نقل حنبل في الأقلف لا صلاة له ولا حج هي من تمام الإسلام ونقل الجماعة لا بأس وفي المستوعب يكره جنب ومثله حائض وظاهره إباحة ذكاة أعمى وذكره في المحرر والوجيز وغيرهما
"وعنه لا تباح ذبيحة نصارى بني تغلب" في الأظهر قاله ابن هبيرة لما روى سعيد ثنا هشيم عن يونس عن ابن سيرين عن عبيدة السلماني عن علي قال "لا تأكلوا من ذبائح نصارى بني تغلب" وظاهر المتن والفروع وصححه في

ولا من أحد أبويه غير كتابي ولا تباح ذكاة مجنون ولا سكران ولا طفل غير مميز ولا وثني ولا مجوسي ولا مرتد
فصل
الثاني: الآلة وهو أن يذبح بمحدد سواء كان من حديد أو حجر أو
__________
الكافي والشرح الإباحة لعموم الآية وفي الترغيب في الصابئة روايتان مأخذهما هل هم من النصارى أم لا ونقل حنبل من ذهب مذهب عمر فإنه قال يسبتون جعلهم بمنزلة اليهود وكل من يصير إلى كتاب فلا بأس بذبيحته "ولا من أحد أبويه غير كتابي" قاله في الكافي والمستوعب تغليبا للتحريم والأشهر الحل مطلقا للعموم قال ابن حمدان من أقر بجزية حلت ذكاته وإلا فلا "ولا تباح ذكاة مجنون" وفي معناه المغمى عليه في حال إغمائه "ولا سكران ولا طفل غير مميز" لأنه لا يصح منهم القصد أشبه ما لو ضرب إنسانا بالسيف فقطع عنق شاة
"ولا وثني ولا مجوسي" أما المجوس فلا تحل ذبائحهم لمفهوم الأية ولخبر رواه أحمد وكسائر الكفار غير أهل الكتاب وشذ أبو ثور فأباح صيده وذبيحته لقوله عليه السلام "سنوا بهم سنة أهل الكتاب" رواه الشافعي وفيه انقطاع ولأنهم يقرون بالجزية كأهل الكتاب قال إبراهيم الحربي خرق أبو ثور الإجماع وفيه نظر فإن ما صاده المجوس من سمك وجراد ففيه روايتان أصحهما عند ابن عقيل التحريم وأما الوثني فحكمه كالمجوس بل هم شر منهم لأن المجوس لهم شبه كتاب
"ولا مرتد" لأنه لا يقر كالوثني ونقل عبد الله تحل ذكاة مرتد إلى أحد الكتابين وقال ابن حمدان إن انتقل إلى دين يقر أهله بكتاب وجزية وأقر عليه حلت ذكاته وإلا فلا
فصل
"الثاني: الآلة وهو أن يذبح بمحدد سواء كان من حديد أو حجر أو

قصب أو غيره إلا السن والظفر لقول النبي صلى الله عليه وسلم "ما أنهر الدم فكل" ليس السن والظفر فإن ذبح بآلة مغصوبة حل في أصح الوجهين
فصل
الثالث: أن يقطع الحلقوم والمريء
__________
قصب أو غيره" كخشب "إلا السن والظفر" نص على ذلك "لقول النبي صلى الله عليه وسلم "ما أنهر الدم فكل ليس السن والظفر" متفق عليه من حديث رافع ولأن جارية كعب بن مالك أبصرت بشاة من غنمه موتا فكسرت حجرا فذبحته به "فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأكلها" رواه البخاري وفيه فوائد وفي عظم غير سن روايتان كذا في المحرر والفروع أشهرهما أنه يباح لدخوله في عموم اللفظ قال في الشرح وهي أصح والثانية: لا لأن النبي صلى الله عليه وسلم علل تحريم الذبح بالسن بكونه عظما "فإن ذبح بآلة مغصوبة حل" في أصح الوجهين لأن الذكاة وجدت ممن له أهلية الذبح كما لو كان المذبوح مغصوبا والثاني لا لأنه منهي عنه أشبه ما لو استجمر بالروث وعنه إن كان المذكى مغصوبا فهو ميتة واختارها أبو بكر ومثلها سكين ذهب ونحوها ذكره في الانتصار والموجز والتبصرة وفي الترغيب يحرم بعظم ولو بسهم نصله عظم
فصل
"الثالث: أن يقطع" من الحيوان المقدور عليه "الحلقوم والمريء" وهي الوهدة التي تربط بين أصل العنق والصدر ولا يجوز في غير ذلك إجماعا قال عمر النحر في اللبة والحلق لمن قدر احتج به أحمد وروى سعيد والأثرم عن أبي هريرة قال "بعث النبي صلى الله عليه وسلم بديل بن ورقاء يصيح في فجاج بيتنا ألا إن الذكاة في الحلق واللبة" رواه الدارقطني بإسناد جيد وأما حديث أبي العشراء عن أبيه قال قلت يا رسول الله أما تكون الذكاة في الحلق واللبة قال "لو طعنت في فخذها لأجزأك" رواه أحمد وقال أبو العشراء ليس بمعروف وحديثه غلط وأبو داود والترمذي وقال غريب وقال البخاري في حديثه واسمه وسماعه من أبيه نظر وقال المجد في أحكامه هذا فيما لم يقدر عليه فعلى هذا يشترط قطع الحلقوم

وعنه: يشترط مع ذلك قطع الودجين وإن نحره أجزأه
__________
والمريء وهما مجرى الطعام والنفس اختاره الخرقي وقدمه في الرعاية والكافي وذكر أنه أولى ورجحه في الشرح لأنه قطع في محل الذبح ما لا تبقى الحياة معه أشبه ما لو قطع الأربعة واختص الذبح بالمحل المذكور لأنه مجمع العروق بالذبح فيه الدماء السيالة ويسرع زهوق الروح فيكون أطيب للحم وأخف على الحيوان "وعنه يشترط مع ذلك قطع الودجين" اختاره أبو محمد الجوزي وجزم به في الروضة لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن شريطة الشيطان وهي التي تذبح فتقطع الجلد ولا تفري الأوداج رواه أبو داود وقال سعيد ثنا إسماعيل بن زكريا عن سليمان التيمي عن أبي مجلز عن ابن عباس قال إذا أهريق الدم وقطع الودج فكل إسناده حسن وهما عرقان محيطان بالحلقوم
وعنه أو أحدهما وفي الإيضاح الحلقوم والودجين وفي الإرشاد المريء والودجين وفي الكافي والرعاية يكفي قطع الأوداج وحدها لكن لو قطع أحدهما مع الحلقوم أو المريء أولى بالحل قاله الشيخ تقي الدين وذكر وجها يكفي قطع ثلاث من الأربعة وظاهره لا يضر رفع يده إن أتم الذكاة على الفور واعتبر في الترغيب قطعا تاما فلو بقي من الحلقوم جلدة ولم ينفذ القطع وانتهى الحيوان إلى حركة المذبوح ثم قطع الجلدة لم يحل
فرع: إذا أبان رأسه بالذبح لم يحرم به المذبوح قدمه في المحرر وأكله مباح قاله في المستوعب وفي الرعاية يكره ويحل وعنه لا يحل والأول المذهب قال أحمد لو أن رجلا ضرب رأس بطة أو شاة بالسيف يريد بذلك الذبيحة كان له أن يأكل روي عن علي وعمران لأنه اجتمع قطع ما لا تبقى الحياة معه مع الذبح
"وإن نحره أجزأه" أي إذا نحر ما يذبح أجزأه في قول الأكثر كعكسه لقوله عليه السلام ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل وقالت أسماء نحرنا فرسا وفي رواية ذبحنا وقالت عائشة "نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بقرة" ولأنه ذكاه في محله فجاز أكله كالحيوان الآخر ونقل ابن أبي موسى أنه توقف في ذبح البقر قال والأول عنه أظهر وعنه يكره ذبح إبل .

وهو أن يطعنه بمحدد في لبته والمستحب أن ينحر البعير ويذبح ما سواه فإن عجز عن ذلك مثل أن يند البعير أو يتردى في بئر فلا يقدر على ذبحه صار كالصيد إذا جرحه في أي موضع أمكنه فقتله حل أكله إلا أن يموت بغيره مثل أن يكون رأسه في الماء فلا يباح
__________
وعنه ولا تؤكل "وهو أن يطعنه بمحدد في لبته" فبيان لمعنى النحر وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه هكذا يفعلون ونقل الميموني أن ابن عباس وابن عمر قالا النحر في اللبة والذبح في الحلق والذبح والنحر في البقر واحد "والمستحب أن ينحر البعير ويذبح ما سواه" بغير خلاف قاله في الشرح لقوله تعالى {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] ولقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً البقرة} [البقرة: 67] وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالنحر لأن أغلب ماشية قومه الإبل وأمر بنو إسرائيل بالذبح لأن غالب ماشيتهم البقر ولأنه عليه السلام نحر البدن وذبح كبشين أملحين بيده متفق عليه وفي الترغيب رواية ينحر البقر وعند ابن عقيل إن ما صعب وضعه بالأرض نحر "فإن عجز عن ذلك مثل أن يند البعير" أي إذا ذهب على وجهه شاردا "أو يتردى" أي يسقط "في بئر فلا يقدر على ذبحه صار كالصيد إذا جرحه في أي موضع أمكنه فقتله حل أكله" روي عن علي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وعائشة وقاله أكثر العلماء لما روي رافع بن خديج قال "كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فند بعير وفي القوم خيل يسيرة فطلبوه فأعياهم فأهوى إليه رجل بسهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم "إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش فما غلبكم فاصنعوا به هكذا" متفق عليه ولأن الاعتبار في الذكاة بحال الحيوان وقت ذبحه لا بأصله بدليل الوحشي إذا قدر عليه وجبت ذكاته في الحلق واللبة فكذلك الأهلي إذا توحش وذكر أبو الفرج يقتل مثله غالبا وقال مالك لا يجوز أكله إلا أن يذكى قال أحمد لعله لم يبلغه حديث رافع "إلا أن يموت بغيره مثل أن يكون رأسه في الماء فلا يباح" نص عليه وهو قول الأصحاب لأنه لا يعلم أن الذبح قتله ولأن الماء أعان على قتله فحرم كما لو جرح الصيد مسلم ومجوسي وقيل يحل إن جرحه بجرح موح .

وإن ذبحها من قفاها وهو مخطئ فأتت السكين على موضع ذبحها وهي في الحياة أكلت وإن فعله عمدا فعلى وجهين وكل ما وجد فيه سبب الموت كالمنخنقة والمتردية والنطيحة وأكيلة السبع إذا أدرك ذكاتها وفيها حياة مستقرة أكثر من حركة المذبوح حلت
__________
"وإن ذبحها من قفاها وهو مخطئ فأتت السكين" ولو عبر بالآلة لعم "على موضع ذبحها وهي في الحياة" أي فيه حياة مستقرة ويعلم ذلك بوجود الحركة وعنه أو لا وفي المغني غلب بقاؤها "أكلت" قدمه في المستوعب والفروع وجزم به في المحرر والوجيز لأنها حلت بالذبح وفي الترغيب رواية يحرم مع حياة مستقرة وهو ظاهر ما رواه جماعة
"وإن فعله عمدا فعلى وجهين" وفي المحرر والفروع هما روايتان إحداهما لا تباح روي عن علي وهو ظاهر الخرقي لأنه في غير محل الذبح كما لو بقر بطنها والثانية تحل إذا بقيت فيها حياة مستقرة قبل قطع الحلقوم والمريء وقاله القاضي وهي أصح لأن الذبح إذا أتى على ما فيه حياة مستقرة حل كالمتردية وعنه ما يدل على إباحته مطلقا وفي الشرح إن ذبحها من قفاها ولم يعلم هل كانت فيه حياة مستقرة قبل قطع الحلقوم والمريء أو لا نظرت فإن كان الغالب بقاء ذلك لحدة الآلة وسرعة القطع فالأولى إباحته وإن كانت كالة وأبطأ قطعه وطال تعذيبه لم يبح
فرع: ملتو عنقه كمعجوز عنه قاله القاضي وقيل حكمه كذلك
"وكل ما وجد فيه سبب الموت كالمنخنقة والمتردية والنطيحة وأكيلة السبع إذا أدرك ذكاتها وفيها حياة مستقرة أكثر من حركة المذبوح حلت" لقوله تعالى {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] ولحديث جارية كعب ولما روي سعيد ثنا سفيان حدثني الزبير بن الربيع عن أبي طلحة الأسدي قال أتيت ابن عباس فسمعته يقول في شاة وقع قصبتها أي الأمعاء بالأرض فأدركها فذبحها بحجر يلقي ما أصاب الأرض ويأكل سائرها وسواء انتهت إلى حال يعلم أنها لا تعيش معه أو تعيش قاله في الشرح وقدم السامري أنها إذا بلغت مبلغا لا

وإن صارت حركتها كحركة المذبوح لم تحل
فصل
الرابع: أن يذكر اسم الله عند الذبح
__________
تعيش لمثله لم تحل قال ابن هبيرة هو أظهر الروايتين وذكره ابن أبي موسى إن رجا حياتها حلت وفي المحرر والوجيز أنها تحل بشرط أن تتحرك عند الذبح ولو بيد أو رجل أو طرف ذنب وحكاه في الفروع قولا وقيل أو لا ونقل الأثرم وغيره ما تيقن أنه يموت بالسبب وعنه لدون أكثر يوم لم يحل والصحيح أنها إذا كانت تعيش زمانا يكون الموت بالذبح أسرع منه حلت بالذبح وعنه يحل مذكى قبل موته مطلقا وفي كتاب الآدمي البغدادي وتشترط حياة يذهبها الذبح اختاره أبو محمد الجوزي وعنه إن تحرك ذكره في المبهج ونقله عبد الله والمروذي وأبو طالب وفي الترغيب لو ذبح وشك في الحياة المستقرة ووجد ما يقارب الحركة المعهودة في التذكية المعتادة حل في المنصوص ومرادهم بالحياة المستقرة ما جاز بقاؤها أكثر اليوم
"وإن صارت حركتها كحركة المذبوح لم تحل" لأنه صار في حكم الميتة كما لو ذبحها بعد ذبح الوثني وكذا في الكافي وغيره
فرع: ومريضة وما صيد بشبكة أو شرك أو أحبولة أو فخ أو أنقذه من مهلكة فهو كمنخنقة
فصل
"الرابع: أن يذكر اسم الله عند الذبح" وذكر جماعة أو قبله قريبا فصل بكلام أو لا كالطهارة فعلى هذا إن سمى على شاة ثم أخذ السكين أو كانت بيده فتركها وأخذ أخرى أو تحدث ثم ذبح حلت لأنه سمى عليها لقوله تعالى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] والفسق حرام لقوله تعالى {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ} الآية [الأنعام: 145] ولأنه أمر به وأطلق و"كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذبح سمى ,

وهو أن يقول بسم الله لا يقوم غيرها مقامها إلا الأخرس فانه يومئ إلى السماء فان ترك التسمية عمدا لم تبح وإن تركها ساهيا أبيحت وعنه تباح في الحالين
__________
فحمل المطلق على المقيد "وهو أن يقول بسم الله" لأن إطلاق التسمية تنصرف إليها ولو بغير العربية لأن المقصود ذكر اسم الله وقد حصل بخلاف التكبير والسلام فإن المقصود لفظه وفي المحرر أنه إن سمى بغير العربية من لا يحسنها فعلى وجهين صحح في الرعاية عدم الإجزاء لا يقوم غيرها مقامها كالتسبيح والتهليل والتكبير وسؤال المغفرة وقدمه في المستوعب والرعاية وهو احتمال في الشرح وقيل يكفي تكبير ونحوه ويضمن أجير تركها إن حرمت واختار في النوادر لغير شافعي قال في الفروع ويتوجه يضمنه النقص إن حلت "إلا الأخرس فإنه يومئ إلى السماء" لأن إشارته تقوم مقام النطق وكذا إذا علم أنه أشار إشارة تدل على التسمية
فرع: يسن التكبير معها نص عليه وقيل لا كالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في المنصوص وفي المنتخب لا يجوز ذكره معها شيئا واختار ابن شاقلا أنه يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم عندها "فإن ترك التسمية عمدا" أو جهلا "لم تبح وإن تركها ساهيا أبيحت" ذكر في الكافي أنها المذهب وجزم بها في الوجيز وذكر السامري أنها أكثر الروايات عنه لحديث الأحوص بن حكيم بن حزام عن راشد بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ذبيحة المسلم حلال وإن لم يسم ما لم يتعمد" رواه سعيد لكن الأحوص ضعيف وعن ابن عباس فيمن نسي التسمية قال المسلم فيه اسم الله تعالى وإن لم يذكر التسمية رواه سعيد بإسناد جيد وعن القاسم بن محمد قال عمر لا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه رواه سعيد والآية محمولة على تركها عمدا لقوله تعالى {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} والأكل مما نسيت عليه التسمية ليس بفسق لقوله عليه السلام عفي لأمتي عن الخطأ والنسيان وقال أحمد في قوله تعالى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} يعني الميتة نقلها الميموني "وعنه تباح في الحالين" لما روي أنه رخص أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في أكل ما لم يذكر اسم الله

وعنه لا تباح فيهما وتحصل ذكاة الجنين بذكاة أمه إذا خرج ميتا أو متحركا كحركة المذبوح وإن كانت فيه حياة مستقرة لم يبح إلا بذبحه
__________
عليه وعن أبي هريرة قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أرأيت الرجل يذبح وينسى أن يسمي قال "اسم الله على كل مسلم" رواه ابن عدي والدارقطني ولأن التسمية لو اشترطت لما حلت الذبيحة مع الشك في وجودها لأن الشك في الشرط شك في المشروط والذبيحة مع الشك في وجود التسمية حلال بدليل حل ذبيحة أهل الكتاب مع أن الأصل عدم إتيانهم بها بل الظاهر أنهم لا يسمون وذلك أبلغ في المنع من الشك
"وعنه لا تباح فيهما" قدمها في المحرر والفروع لقوله تعالى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} ولأن الشيء متى كان شرطا لا يعذر في تركه سهوا كالوضوء مع الصلاة وعنه يختص المسلم باشتراطها ونقل حنبل عكسها لأن المسلم فيه اسم الله وسيأتي الكلام على الصيد
فرع: إذا شك في تسمية الذابح حل فلو وجد شاة مذبوحة في موضع يباح ذبح أكثر أهله حلت وإلا فلا
"وتحصل ذكاة الجنين" المأكول "بذكاة أمه إذا خرج ميتا أو متحركا كحركة المذبوح" روي عن علي وابن عمر لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ذكاة الجنين ذكاة أمه" رواه أبو داود بإسناد جيد ولأحمد والترمذي وحسنه وابن ماجة مثله من حديث أبي سعيد من رواية مجالد وهو ضعيف قال الترمذي والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم ورواه الدارقطني من حديث ابن عمر وأبي هريرة ولأن الجنين متصل بها اتصال خلقة يتغذى بغذائها فتكون ذكاتها بذكاتها كأعضائها ولأن الذكاة في الحيوان تختلف على حسب الإمكان والقدرة ولا يمكن ذبح الحيوان قبل انفصاله إلا بأن تجعل ذكاة أمه ذكاته لكن استحب أحمد ذبحه ليخرج دمه وعنه لا بأس
"وإن كانت فيه حياة مستقرة لم يبح إلا بذبحه" نقله الجماعة لأنه نفس أخرى وهو مستقل بحياته وقدم في المحرر وجزم به في الوجيز - أنه

وسواء أشعر أو لم يشعر
فصل
ويكره توجيه الذبيحة إلى غير القبلة والذبح بآلة كالة
__________
كالمنخنقة ونقل الميموني إن خرج حيا فلابد من ذبحه وعنه يحل بموته قريبا "وسواء أشعر أو لم يشعر" لإطلاق الخبر وقال ابن عمر ذكاته ذكاة أمه إذا أشعر وقاله جماعة لما روى سعيد ثنا سفيان ثنا الزهري عن أبي بن كعب قال كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقولون إذا أشعر الجنين فذكاته ذكاة أمه وقال ابن المنذر كان الناس على إباحته إلى أن جاء النعمان فقال لا يحل لأن ذكاة نفس لا تكون ذكاة نفسين وجوابه ما سبق وحكم بإباحته تيسيرا على عباده ولا يؤثر في ذكاة أمه تحريمه كتحريم أبيه ولو وجأ بطن أمه فأصاب مذبحه يذكى والأم ميتة ذكره الأصحاب
فائدة: قوله عليه السلام "ذكاة الجنين ذكاة أمه" من رفع جعله خبر مبتدأ محذوف تقديره هو ذكاة أمه فلا يحتاج الجنين إلى تذكيته هذا مذهبنا والجمهور ومن نصب قدره كذكاة الجنين فلما حذف الجار نصب فعليه يفتقر الجنين إلى ذبح مستأنف لكن قدره ابن مالك في رواية النصب تقديره ذكاة الجنين في ذكاة أمه وهو الموافق لرواية الرفع المشهورة
فصل
"ويكره توجيه الذبيحة إلى غير القبلة" قاله ابن عمر وابن سيرين لما روي "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ضحى وجه أضحيته إلى القبلة وقال {وَجَّهْتُ وَجْهِيَ}" الآيتين [الأنعام: 80,79] ولأنه قد يكون قربة كالأضحية فكره توجيه الذبيحة إلى غير القبلة كالأذان فيسن توجيهها إلى القبلة على شقها الأيسر ورفقه بها وحمله على الآلة بقوة وإسراعه بالشحط والذبح بآلة كالة لقوله عليه السلام "إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته" قال الشيخ تقي

وأن يحد السكين والحيوان يبصره وأن يكسر عنق الحيوان أو يسلخه حتى يبرد فإن فعل أساء وأكلت وإذا ذبح الحيوان ثم غرق في ماء أو وطئ عليه شيء يقتل مثله فهل يحل على روايتين وإذا ذبح الكتابي ما يحرم عليه كذي الظفر لم يحرم علينا
__________
الدين في هذا الحديث إن الإحسان واجب على كل حال حتى في حال إزهاق النفوس ناطقها وبهيمها ولأن الذبح بآلة كالة فيه تعذيب للحيوان "وأن يحد السكين والحيوان يبصره" لأن عمر رأى رجلا وضع رجله على شاة وهو يحد السكين فضربه حتى أفلت الشاة ويكره ذبح شاة والآخر ينظر إليه كذلك
"وأن يكسر عنق الحيوان أو يسلخه حتى يبرد" أي حتى تزهق نفسه لقوله عليه السلام "لا تعجلوا الأنفس أن تزهق" رواه الدارقطني بإسناد ضعيف وعن عمر معناه ولأن في ذلك تعذيبا للحيوان وحرمهما القاضي وغيره نقل حنبل لا يفعل وفي الترغيب يكره قطع رأسه قبل سلخه ونقل حنبل لا يفعل وكذا يكره قطع عضو منه قبل الزهوق وقاله الأكثر
"فإن فعل أساء وأكلت" لأن ذلك حصل بعد حلها وذبحها سئل أحمد عن رجل ذبح دجاجة فأبان رأسها فقال يأكلها قيل له والذي بان منها قال نعم قال البخاري قال ابن عمر وابن عباس "إذا قطع الرأس فلا بأس به فلو قطع منه شيئا وفيه حياة مستقرة فهو ميتة" رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال حسن غريب والعمل عليه عند أهل العلم ولأن إباحته إنما تحصل بالذبح وليس هذا بذبح نقل ابن منصور أكره نفخ اللحم قال في المغني الذي للبيع لأنه غش "وإذا ذبح الحيوان ثم غرق في ماء أو وطئ عليه شيء يقتل مثله فهل يحل على؟ روايتين" أنصهما لا يحل وذكره الخرقي وجزم به في الوجيز لأن ذلك يعين على زهوق النفس فيحصل من سبب مبيح ومحرم والثانية بلى قدمها في الرعاية وذكر في الكافي والشرح أنها قول أكثر أصحابنا وهي قول أكثر الفقهاء لحصول ذبحه وطرئان الأسباب المذكورة حصل بعد الموت بالذبح فلم يؤثر ما أصابه لحصوله بعد الحكم بحله "وإذا ذبح الكتابي ما يحرم عليه كذي الظفر" من الإبل ونحوها "لم يحرم علينا" في

وإن ذبح حيوانا غيره لم تحرم علينا الشحوم المحرمة عليهم وهو شحم الثرب والكليتين في ظاهر كلام أحمد واختار ابن حامد وحكاه عن الخرقي في كلام مفرد.
__________
ظاهر كلام أحمد قال ابن حمدان وهو أظهر لأنه من أهل الذكاة وذبح ما يحل لنا أشبه المسلم وقدم في المحرر والرعاية وجزم به في الوجيز أنه يحرم وقيل لا كظنه تحريمه عليه فلم يكن ذكر أبو الحسين أن الخلاف في ذي الظفر كالخلاف في تحريم الشحوم المحرمة عليهم وعلم منه أنها تحل ذبيحتنا لهم مع اعتقادهم تحريمها لأن الحكم لاعتقادنا
مسألة: ذو الظفر ما ليس بمنفرج الأصابع كإبل ونعام وبط ووز قاله ابن عباس وجمع وقيل هي الإبل خاصة وعند ابن قتيبة هي كل ذي حافر من الدواب ومخلب من الطير "وإن ذبح" أي الكتابي "حيوانا غيره" أي ما يحل له "لم تحرم علينا الشحوم المحرمة عليهم وهو شحم الثرب" وهو بوزن فلس يغشى الكرش والأمعاء رقيق "والكليتين" واحدها كلية وكلوة بضم الكاف فيهما والجمع كليات وكلى
"في ظاهر كلام أحمد واختاره ابن حامد" وأبو الخطاب وجزم به في الوجيز "وحكاه عن الخرقي في كلام مفرد" لما روى عبد الله بن مغفل قال "أصبت من شحم يوم خيبر فالتزمته فقلت لا أعطي اليوم أحدا شيئا فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم متبسما" رواه مسلم ولأنها ذكاة أباحت اللحم فأباحت الشحم كذكاة المسلم وكذبح حنفي حيوانا فتبين حاملا ونحوه وعلم منه أنه يحرم على اليهود شحم الثرب والكلية من بقر وغنم نص عليه لقوله تعالى {وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا} [الأنعام: 146] أي حرمنا على اليهود كل ذي ظفر وجميع شحوم البقر والغنم وهي الثرب والكلى {إِلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا} ما علق بالظهر والجنب من داخل {أَوِ الْحَوَايَا} وهي المصارين {أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ} هو شحم الإلية لما فيها من العظم "واختار أبو الحسن التميمي والقاضي" وأبو بكر وأبو حفص البرمكي واختاره الأكثر قاله في الواضح

واختار أبو الحسن التميمي والقاضي تحريمه وإن ذبح لعيده أو ليتقرب به إلى شيء يعظمونه لم يحرم نص عليه ومن ذبح حيوانا فوجد في بطنه جرادا أو طائرا فوجد في حوصلته حبا أو وجد الحب في بعر الجمل لم يحرم
__________
وصححه في عيون المسائل "تحريمه" لقوله تعالى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] وهذا ليس من طعامهم ولأنه جزء من البهيمة لم تبح لذابحها فلم تبح لغيره كالدم وعلله القاضي بأن الذكاة تفتقر إلى القصد والكتابي لم يقصد ذكاة هذا الشحم وجوابه أن الآية حجة لنا فإن معنى طعامهم ذبائحهم فعلى هذا يجوز تملكها منهم
فرع: يحرم علينا إطعامهم شحما من ذبحنا نص عليه وقال ابن عقيل نسخ في حقهم أيضا
"وإن ذبح لعيده أو ليتقرب به إلى شيء يعظمونه لم يحرم" نص عليه لأنه من جملة طعامهم فدخل في عموم الآية ولأنه قصد الذكاة وهو ممن تحل ذبيحته وعنه لا تحل اختاره الشيخ تقي الدين لأنه أهل به لغير الله تعالى والأول هو المعول عليه لما روي عن العرباض بن سارية قال "كلوا وأطعموني" رواه سعيد من رواية إسماعيل بن عياش عن بشر بن كريت الأملولي وعن أبي أمامة وأبي الدرداء كذلك رواهما سعيد من رواية إسماعيل بن عياش عن أبي بكر بن أبي مريم الشامي وهو ضعيف وفي الرعاية إنه مكروه نص عليه
ويحرم على الأصح أن يذكر عليه اسم غير الله ونقل عبد الله لا يعجبني ما ذبح للزهرة والكواكب والكنيسة وكل شيء ذبح لغير الله وذكر الآية وعلم منه أن ما ذبحه مسلم لكتابي أو مجوسي من ذلك فإنه يحل نص عليه
"ومن ذبح حيوانا فوجد في بطنه جرادا" أو سمكة في بطن أخرى "أو طائرا فوجد في حوصلته حبا أو وجد الحب في بعر الجمل لم يحرم" صححه المؤلف والجد ونصره في الشرح لقوله عليه السلام "أحل لنا ميتتان ودمان.." الخبر ولأنه حيوان طاهر في محل طاهر لا تعتبر له ذكاة فأبيح كالطافي .

وعنه يحرم
__________
"وعنه يحرم" لأنه رجيع فيكون مستخبثا وفي عيون المسائل يحرم جراد في بطن سمك لأنه من صيد البر وميتته حرام لا العكس كحل ميتة صيد البحر
تنبيه: يحرم بول طاهر كروثه وأباحه القاضي وذكر رواية في بول الإبل وفاقا لمحمد بن الحسن ونقل الجماعة فيه لا وكلامه في الخلاف يدل على حل بوله وروثه لأنه معتاد يحلله كاللبن وبأنه تبع للحم واحتج في الفصول بإباحة شربه كاللبن ودلت على الوصف قصة العرنيين

كتاب الصيد
باب الصيد
كتاب الصيدومن صاد صيدا فأدركه حيا حياة مستقرة لم يحل إلا بالذكاة
__________
كتاب الصيد
وهو في الأصل مصدر صاد يصيد صيدا فهو صائد ثم أطلق على المصيد تسمية للمفعول بالمصدر وأجمعوا على إباحته وسنده قوله تعالى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ} [المائدة: 96] وقوله تعالى {يَسْأَلونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} الآية [المائدة: 4] والسنة شهيرة بذلك منها حديث عدي وأبي ثعلبة متفق عليهما
وهو ما كان وحشيا حلالا غير مقدور عليه وهو مباح لنا صيده قدمه في الرعاية والفروع واستحبه ابن أبي موسى ويكره لهوا وهو أطيب مأكول وقال الأزجي الزراعة أفضل مكسب وقيل عمل اليد وقيل التجارة وأفضلها في بز وعطر وزرع وغرس وماشية وأبغضها في رقيق وصوف وأفضل الصنائع خياطة مع أنه نص على أن كل ما نصح فيه فهو حسن وأدناها حياكة وحجامة ونحوهما وأشدها كراهة صبغ وصياغة وحدادة ونحوها
"ومن صاد صيدا فأدركه حيا حياة مستقرة لم يحل إلا بالذكاة" يعني إذا أدركه متحركا فوق حركة مذبوح واتسع الوقت لتذكيته لم يبح إلا بها ذكره

فإن خشي موته ولم يجد ما يذكيه به أرسل الصائد له عليه ليقتله في إحدى الروايتين واختاره الخرقي فإن لم يفعل وتركه حتى مات لم يحل وقال القاضي يحل والرواية الأخرى لا يحل إلا أن يذكيه.
__________
معظم الأصحاب وقدمه في المحرر والفروع لأنه مقدور عليه أشبه سائر ما قدر على ذكاته ولأن ما كان كذلك فهو في حكم الحي بدليل قصة عمر رضي الله عنه وعنه يحل بموته قريبا وعنه دون معظم يوم وفي التبصرة دون نصفه "فإن خشي موته ولم يجد ما يذكيه به أرسل الصائد له عليه ليقتله في إحدى الروايتين واختاره الخرقي" قدمه في الفروع وجزم به في الوجيز وصححه جماعة منهم السامري لأنه صيد قتله الجارح له من غير إمكان ذكاته فأبيح كما لو أدركه ميتا وعبارة الخرقي أشلى الصائد وفي المغني معنى أشلى في العربية دعاه إلا أن العامة تستعمله بمعنى أغراه ويحتمل أن الخرقي أراد دعاه ثم أرسله وهو ظاهر ومقتضاه أنه إذا لم يخش موته أو وجد معه ما يذكيه بها لم يحل إلا بها لأنه مقدور على ذكاته وكما لو لم يمكنه الذهاب به إلى منزله فيذكيه "فإن لم يفعل وتركه حتى مات لم يحل" جزم به في الوجيز وقدمه في المحرر لأن الإرسال ذكاة ولو قدر على ذكاته فلم يذكه حتى مات لم يحل فكذا هنا "وقال القاضي" وعامة أصحابنا "يحل" بالإرسال قاله في التبصرة لأن إدارك الصيد بلا آلة تذكية كلا إدراك ولو لم يدركه حيا لحل فكذا إذا أدركه بلا آلة "والرواية الأخرى لا يحل إلا أن يذكيه" وهي قول أكثرهم لأنه مقدور عليه فلم يبح بقتل الجارح كالأنعام وصححه في المغني لأنه حيوان لا يباح بغير التذكية إذا كانت معه فلم يبح بغيرها إذا لم يكن معه آلة كسائر المقدور على تذكيته ومسألة الخرقي على ما يخاف موته إن لم يقتله الحيوان أو يذكى فإن كان فيه حياة يمكن بقاؤه إلى أن يأتي إلى منزله فليس فيه اختلاف لأنه لا يباح إلا بالذكاة
فرع: إذا امتنع عليه من الذبح فجعل يعدو منه يومه حتى مات تعبا ونصبا حل ذكره القاضي واختار ابن عقيل خلافه لأن الإتعاب يعينه على الموت فصار كالماء .

وإن رمى صيدا فأثبته ثم رماه آخر فقتله لم يحل ولمن أثبته قيمته مجروحا على قاتله إلا أن يصيب الأول مقتله دون الثاني أو يصيب الثاني مذبحه فيحل وعلى الثاني ما خرق من جلده وإن أدرك الصيد متحركا كحركة المذبوح فهو كالميت ومتى أدركه ميتا حل بشروط أربعة أحدها أن يكون الصائد من أهل الذكاة
__________
"وإن رمى صيدا فأثبته" أي منعه من الامتناع وحبسه عنه ملكه "ثم رماه آخر فقتله لم يحل" لأنه صار مقدورا عليه فلم يبح إلا بذبحه "ولمن أثبته قيمته مجروحا على قاتله" لأنه أتلفه عليه "إلا أن يصيب الأول مقتله دون الثاني أو يصيب الثاني مذبحه فيحل" لأنه ذكاة فإن ادعى كل واحد منهما أنه الأول حلف كل منهما وبرئ من الضمان لأن الأصل براءة ذمته
وإن اتفقا على السابق وأنكر الثاني كون الأول أثبته قبل قوله لأن الأصل بقاء امتناعه ويحرم على الأول لاعترافه بتحريمه ويحل للثاني فإن رمياه ووجداه ميتا ولم يعلم من أثبته منهما فهو بينهما وإن وجداه ميتا حل لأن الأصل بقاء امتناعه وعلى الثاني ما خرق من جلده لأنه لم يتلف سوى ذلك قال في الرعاية إذا رمى صيدا فأثبته ملكه ثم إن رماه آخر فقتله فإن كان الأول أصاب مقتله والثاني مذبحه قصدا حل وعليه للأول غرم ما خرق من جلده وقيل بل ما بين كونه حيا مجروحا وكونه مذكى وفي غير ذلك يحرم وعلى الثاني قيمته مجروحا بالجرح الأول إن لم يدرك الأول ذبحه بل ميتا أو كمذبوح وإن أدركه حيا حياة مستقرة فلم يذبحه فمات ضمنه الثاني كذلك قال في المحرر وقال القاضي يضمن نصف قيمته مجروحا بالجرحين مع أرش نقصه وعندي إنما يضمن نصف قيمته مجروحا بالجرح الأول لا غير
"وإن أدرك الصيد متحركا كحركة المذبوح فهو كالميت" أي لا يحتاج إلى ذكاة لأن عقره كذكاته "ومتى أدركه ميتا حل" لأن الاصطياد أقيم مقام الذكاة والجارح له آلة السكين وعقره بمنزلة قطع الأوداج "بشروط أربعة أحدها أن يكون الصائد من أهل الذكاة" لقوله عليه السلام "فإن أخذ الكلب

فإن رمى مسلم ومجوسي صيدا أو أرسلا عليه جارحا أو شارك كلب المجوسي كلب المسلم في قتله لم يحل وإن أصاب سهم أحدهما المقتل دون الآخر فالحكم له
__________
ذكاة" متفق عليه والصائد بمنزلة المذكي فتشترط فيه الأهلية وفي المجوسي رواية في ما صاده من سمك وجراد أنه لا يحل لما روى سعيد ثنا إسماعيل بن عياش حدثني عبد الله بن عبيد الكلاعي عن سليمان بن موسى عن الحسن قال أدركت سبعين رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يأكلون من صيد المجوس إسماعيل عن الشاميين حجة وفي الأعمى قويل لابن حمدان إنه لا يحل لتعذر قصده صيدا معينا وظاهر ما ذكروه أن ما لا يفتقر إلى ذكاة كالحوت إذا صاده من لا تباح ذكاته أنه يباح واختاره الخرقي وصححه في الكافي أنه لا ذكاة له أشبه ما لو وجده ميتا "فإن رمى مسلم ومجوسي صيدا أو أرسلا عليه جارحا" أو جارحا غير معلم أو غير مسمى عليه "أو شارك كلب المجوسي كلب المسلم في قتله" أو وجد مع كلبه كلبا لا يعرف مرسله أو لا يعرف حاله أو مع سهمه سهما كذلك "لم يحل" لقول النبي صلى الله عليه وسلم "إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل وإن وجدت معه غيره فلا تأكل إنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره" متفق عليه ولأنه اجتمع في قتله مبيح ومحرم فغلبنا التحريم كالمتولد بين ما يؤكل وما لا يؤكل ولأن الأصل الحظر فإذا شككنا في المبيح رد إلى أصله وكذا لو أرسل كلبه المعلم فاسترسل معه آخر بنفسه
فرع: إذا أرسل جماعة كلابا بشرطه وسموا فوجدوا الصيد قتيلا لا يدرون من قتله حل وإن اختلفوا أو كانت الكلاب متعلقة به فهو بينهم وإلا كان لمن كلبه متعلق به وعلى من حكمنا له به اليمين وإن كان قتيلا والكلاب ناحية وقف الأمر حتى يصطلحوا وقيل يقرع بينهم وعلى الأول إن خيف فساده باعوه ثم اصطلحوا على ثمنه
"وإن أصاب سهم أحدهما المقتل دون الآخر فالحكم له" قدمه في المحرر والرعاية والفروع لأنه هو القاتل فوجب أن يترتب عليه الحكم وفي

ويحتمل ألا يحل وإن رد كلب المجوسي الصيد على كلب المسلم فقتله حل وعنه لا يحل وإن صاد المسلم بكلب المجوسي حل وإن صاد المجوسي بكلب المسلم لم يحل.وإن أرسل المسلم كلبا فزجره المجوسي حل وإن أرسله المجوسي فزجره المسلم لم يحل.
__________
الشرح فإن أصاب أحدهما مقتله دون الآخر مثل أن يكون الأول قد عقره موحيا ثم أصابه الثاني وهو غير موح فالحكم للأول وإن كان الجرح الثاني موحيا فهو مباح إن كان الأول مسلما لأن الإباحة حصلت به "ويحتمل ألا يحل" هذا رواية وجزم بها في الروضة كما لو أسلم بعد إرساله له لكن لو أثخنه كلب المسلم ثم قتله الآخر وفيه حياة مستقرة حرم ويضمنه له
فرع: إذا رمى سهما ثم ارتد أو مات بين رميه وإصابته حل
"وإن رد كلب المجوسي الصيد على كلب المسلم فقتله حل" لأن جارحة المسلم انفردت بقتله فأبيح كما لو رمى المجوسي سهمه فرد الصيد فأصابه سهم المسلم فقتله أو أمسك المجوسي شاة فذبحها مسلم "وإن صاد المسلم بكلب المجوسي حل" ولو كان في ملكه ذكر في الكافي أنه المذهب وفاقا وهو غير مكروه ذكره أبو الخطاب وأبو الوفاء وابن الزاغوني لأنه آلة أشبه ما لو صاده بقوته وسهمه وعنه لا يحل وإن كان لمسلم لقوله تعالى {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} [المائدة: 4] وكلب المجوسي غير معلم من مسلم وجوابه أن الآية دلت على إباحة الصيد بما علمناه وما علمه غيرنا فهو في معناه وكرهه جماعة منهم جابر والحسن ومجاهد والنخعي والثوري
"وإن صاد المجوسي بكلب المسلم لم يحل" في قول الجميع كما لو صاد بقوسه ولأنه ليس من أهل الذكاة "وإن أرسل المسلم كلبا فزجره المجوسي" فزاد عدوه أو ذبح ما أمسكه له مجوسي بكلبه وقد جرحه غير موح "حل" لأن الصائد هو المسلم وهو من أهل الذكاة "وإن أرسله المجوسي فزجره المسلم" وقيل ولم يزد عدو كلبه بزجر المسلم "لم يحل" لأن الصائد ليس من أهل الذكاة إذ العبرة بالإرسال .

فصل
الثاني: الآلة وهي نوعان: محدد فيشترط له ما يشترط لآلة الذكاة ولا بد من جرحه به فإن قتله بثقلة لم يبح وإن صاد بالمعراض أكل ما قتل بحده دون عرضه وإن نصب مناجل أو سكاكين وسمى عند نصبها فقتلت صيدا أبيح
__________
فصل
"الثاني: الآلة وهي نوعان محدد فيشترط له ما يشترط لآلة الذكاة" لأنها مما لابد منها فيجب أن يشترط للمحدد ما يشترط لآلة الذكاة "ولابد من جرحه به" نص عليه لقوله صلى الله عليه وسلم لعدي "ما رميت بالمعراض فخرق فكله وإن أصابه بعرضه فلا تأكله" متفق عليه "فإن قتله بثقلة لم يبح" لأنه وقيذ فيدخل في عموم الآية وسواء أكان بشبكة أو فخ أو بندقة ولو شدخته نقله الميموني "وإن صاد بالمعراض" قال في المشارق هو خشبة محددة الطرف وقيل فيه حديدة "أكل ما قتل بحده" قال أحمد المعراض يشبه السهم يحذف به الصيد فربما أصاب الصيد بحده فخرق فهو مباح "دون عرضه" للخبر وفي الترغيب والمستوعب ولم يجرحه وهو ظاهر نصوصه لأنه وقيذ وهو قول الأكثر وحكم الصوان الذي له حد كالمعراض "وإن نصب مناجل أو سكاكين وسمى عند نصبها فقتلت صيدا أبيح" إذا جرحه روي عن ابن عمر وقاله الحسن وقتادة لأن النصب جرى مجرى المباشرة في الضمان فكذا في الإباحة وقال الشافعي لا يباح بحال كما لو نصب سكينا فذبحت شاة ولأنه لو رمى سهما وهو لا يرى صيدا فقتل صيدا لم يحل وهذا أولى وجوابه قوله عليه السلام "كل ما ردت عليك يدك" ولأنه قتل الصيد بما له حد جرت العادة بالصيد به أشبه ما لو رماه وفارق ما إذا نصب سكينا فإن العادة لم تجر بالصيد بها وإذا رمى سهما وهو لا يرى صيدا فليس ذلك بمعتاد والظاهر أنه لا يصيب صيدا فلم يصح قصده بخلاف هذا وقيل يحل

وإن قتل بسهم مسموم لم يبح إذا غلب على ظنه أن السم أعان على قتله ولو رماه فوقع في ماء أو تردى من جبل أو وطئ عليه شيء فقتله لم يحل إلا أن يكون الجرح موحيا كالذكاة فهل يحل على روايتين
__________
مطلقا فإن بان منه عضو فحكمه حكم البائن بضربة الصائد وحيث حل فظاهره يحل ولو ارتد أو مات "وإن قتل بسهم مسموم لم يبح إذا غلب على ظنه أن السم أعان على قتله" كذا عبر به في الهداية والمذهب والمحرر والوجيز لأنه اجتمع مبيح ومحرم فغلب المحرم وكسهمي مسلم ومجوسي ولأنه يخاف من ضرر السم فعلى هذا إن لم يغلب على ظنه أن السم أعان على قتله فهو مباح وفي الكافي وغيره إذا اجتمع في الصيد مبيح ومحرم مثل أن يقتله بمثقل ومحدد أو بسهم مسموم وغيره إلى آخره لم يبح لقوله عليه السلام "وإن وجدت معه غيره فلا تأكل" وبأن الأصل الحظر فإذا شككنا في المبيح رد إلى أصله ونقل ابن منصور إذا علم أنه أعان لم يأكل قال في الفروع وليس هذا في كلام أحمد بمراد وفي الفصول إذا رمى بسهم مسموم لم يبح لعل السم أعان عليه فهو كما لو شارك السهم تغريق بالماء
"ولو رماه فوقع في ماء أو تردى من جبل أو وطئ عليه شيء فقتله لم يحل" لأنه يغلب على الظن موته بالمشارك "إلا أن يكون الجرح موحيا كالذكاة فهل يحل على روايتين" كذا في المحرر أشهرهما واختارها الخرقي أنه يحرم لأنه اجتمع مبيح ومحرم أشبه المتولد بين مأكول وغيره والثانية يحل وجزم به أكثر الأصحاب لأنه قد صار في حكم الميت بالذبح وجوابه قوله عليه السلام "فإن وجدته غريقا في الماء فلا" متفق عليه وهذا ظاهر قول ابن مسعود رواه سعيد وإسناده ثقات ولا خلاف في تحريمه إذا كانت الجراح غير موحية ويستثنى من ذلك ما لو وقع في الماء على وجه لا يقتله مثل أن يكون رأسه خارجا من الماء أو يكون من طير الماء الذي لا يقتله الماء أو كان التردي لا يقتل مثل ذلك الحيوان فلا خلاف في إباحته لأن التردي والوقوع إنما حرم خشية أن يكون قاتلا أو معينا على القتل وهذا منتف هنا .

وإن رماه في الهواء فوقع على الأرض فمات حل وإن رمى صيدا فغاب عنه ثم وجده ميتا لا أثر به غير سهمه حل وعنه إن كانت الجراح موحية حل وإلا فلا وعنه إن وجده في يومه حل وإلا فلا
__________
"وإن رماه في الهواء" أو على شجرة أو جبل ولو عبر بالعلو لعم "فوقع على الأرض فمات حل" لأن الظاهر زهوق روحه بالرمي لا بالوقوع وعنه يحل بجرح موح جزم به في الروضة لقوله تعالى {وَالْمُتَرَدِّيَةُ} [المائدة: 3] وجوابه أن سقوطه لا يمكن الاحتراز عنه فوجب أن يحل كما لو أصابه فوقع على جنبه والماء يمكن الاحتراز عنه بخلاف الأرض
"وإن رمى صيدا فغاب عنه ثم وجده ميتا لا أثر به غير سهمه حل" في الأشهر عن أحمد وهو الأصح لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله أفتني في سهمي قال "ما رد عليك سهمك فكل" قال فإن تغيب عني قال "وإن تغيب عنك ما لم تجد فيه غير سهمك" رواه أبو داود ولأن جرحه بسهمه سبب إباحته وقد وجد يقينا والمعارض له مشكوك فيه وكما لو وجده بفم كلبه أو وهو يعبث به أو سهمه فيه ولا فرق فيه بين أن تكون الجراحة موحية أو لا وجده ميتا في يومه أو في غيره لكن لو غاب قبل تحقق الإصابة ثم وجده عقيرا وحده والسهم والكلب ناحية لم يبح "وعنه إن كانت الجراح موحية حل" لأنه إذا كان كذلك ظهر إسناد الزهوق إليه "وإلا فلا" أي إذا لم يكن موحيا لم يظهر إسناد الزهوق إليه "وعنه إن وجده في يومه حل وإلا فلا" لما روى ابن عباس قال "إذا رميت فأقعصت فكل وإن رميت فوجدت فيه سهمك من يومك أو ليلتك فكل وإن غاب عنك فلا تأكل لأنك لا تدري ما حدث بعدك" لا يقال الأول مطلق وهذا مقيد فيحمل عليه لأنه متبين له وقد جاء مصرحا به في حديث عدي مرفوعا قال "إذا رميت الصيد فوجدته بعد يومين ليس فيه إلا أثر سهمك فكل" وعنه إن غاب مدة قريبة حل وإلا فلا ونقل ابن منصور إن غاب نهارا حل لا ليلا قال ابن عقيل وغيره لأن الغالب من حال الليل تخطف الهوام وعنه يكره أكل ما غاب .

وإن وجد به غير أثر سهمه مما يحتمل أن يكون أعان على قتله لم يبح وإن ضربه فأبان منه عضوا وبقيت فيه حياة مستقرة لم يبح ما أبان منه وإن بقى معلقا بجلدة حل وإن أبانه ومات في الحال حل الجميع وعنه لا يباح ما أبان منه وإن أخذ قطعة من حوت ونحوه وأفلت حيا أبيح ما أخذ منه
__________
"وإن وجد به غير أثر سهمه مما يحتمل أن يكون أعان على قتله لم يبح" نص عليه للأخبار وكما لو وجد مع كلبه كلبا سواه ولم يعتبروا هنا بالظن كالسهم المسموم قال في الفروع وتتوجه التسوية لعدم الفرق وأن المراد بالظن الاحتمال فأما إن كان الأثر مما لا يقتل مثله فهو مباح لأن هذا يعلم أنه لم يقتله
فرع: إذا غاب قبل عقره ثم وجد سهمه أو كلبه عليه ففي المنتخب والمغني أنه حلال وعنه يحرم كما لو وجد سهمه أو كلبه ناحية وظاهر رواية الأثرم وحنبل حله وجزم به في الروضة
"وإن ضربه فأبان منه عضوا وبقيت فيه حياة مستقرة لم يبح ما أبان منه" هذا المذهب لقوله عليه السلام "ما أبين من حي فهو ميت" وعنه إن ذكي حل البائن وإن كثر كبقيته وإن قطعه قطعتين أو قطع رأسه حل الجميع فإن لم تبق فيه حياة معتبرة فروايتان أشهرهما إباحتهما روي عن علي
والثانية: لا يباح ما أبان منه لعموم الخبر والأول المذهب لأن ما كان ذكاة لبعضه كان ذكاة لجميعه كما لو قده نصفين والخبر يقتضي أن يكون الباقي حيا حتى يكون المنفصل منه ميتا "وإن بقي معلقا بجلدة حل" رواية واحدة لأنه لم يبن "وإن أبانه ومات في الحال حل الجميع" على المشهور كما لو قطعه قطعتين "وعنه لا يباح ما أبان منه" للخبر ولأن ما أبين منه لا يمنع بقاء الحياة في العادة فلم يبح كما لو أدركه الصياد وفيه حياة مستقرة وجوابه سبق بدليل المذبوح فإنه ربما بقي ساعة وربما مشى حتى يموت ومع هذا هو حلال "وإن أخذ قطعة من حوت ونحوه وافلت حيا أبيح ما أخذ منه" لأن أقصى

وأما ما ليس بمحدد كالبندق والحجر والعصا والشبكة والفخ فلا يباح ما قتل به لأنه وقيذ
__________
ما فيه أنه ميتة وميتته حلال للخبر
تذنيب: قال أحمد لا بأس بصيد الليل قال يزيد بن هارون ما علمت أحدا كرهه ولم يكره أحمد صيد الفراخ الصغار من أوكارها وفي المستوعب لا بأس بصيد الصيد الوحشي بالليل من غير أوكارها ويكره في غيرها وقال الحسن لا بأس بالطريدة كان المسلمون يفعلون ذلك في مغازيهم واستحسنه أبو عبد الله ومعناها أن يقع الصيد بين القوم فيقطع كل منهم قطعة بسيفه حتى يؤتى على آخره وهو حي قال وليس هو عندي إلا أن يصيد الصيد يقع بينهم لا يقدرون على ذكاته ويأخذونه قطعا ذكره في المغني والشرح
"وأما ما ليس بمحدد كالبندق والحجر الذي لا حد له والعصا والشبكة والفخ فلا يباح ما قتل به بغير خلاف نعلمه إلا عن الحسن وروى شعبة عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن سعيد بن المسيب قال عمار "إذا رميت بالحجر أو المعراض أو البندقة فذكرت اسم الله فكل وإن قل" وجوابه قوله تعالى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ} الآية [المائدة: 3] "لأنه وقيذ" لأنه قتله بغير محدد فوجب ألا يباح كما لو ضرب شاة بعصا فماتت قال ابن قتيبة الموقوذة التي تضرب حتى توقذ أي تشرف على الموت قال قتادة كانوا يضربونها بالعصا فإذا ماتت أكلوها دليل الأكثر ما روى سعيد ثنا أبو معاوية ثنا الأعمش عن إبراهيم عن عدي مرفوعا "إذا رميت فسميت فخرقت فكل وإن لم تخرق فلا تأكل ولا تأكل من المعراض إلا ما ذكيت ولا تأكل من البندقة إلا ما ذكيت" ورواه أحمد أيضا وإبراهيم لم يلق عديا قال في المغني ولو شدخه أو خرقه نص عليه
فائدة: يكره الصيد بمثقل لا يجرح وعن عبد الله بن مغفل قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الخذف وقال "إنها لا تصيد صيدا ولا تنكأ عدوا ولكنها تكسر السن وتفقأ العين" أخرجاه في الصحيحين

النوع الثاني الجارحة فيباح ما قتلته إذا كانت معلمة إلا الكلب الأسود البهيم فلا يباح صيده والجوارح نوعان ما يصيد بنانه كالكلب والفهد بثلاثة أشياء بأن يسترسل إذا أرسل وينزجر إذا زجر وإذا أمسك لم يأكل
__________
"النوع الثاني الجارحة فيباح ما قتلته إذا كانت معلمة" لقوله تعالى {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] قال ابن حزم اتفقوا فيما إذا قتله الكلب الذي هو غير معلم وكل سبع من طير أو ذي أربع غير معلم ولم يدرك فيه حياة أصلا أنه لا يحل ولو ذكي وحينئذ ما قتلته الجارحة جرحا وعنه وصدما وخنقا اختاره ابن حامد وأبو محمد الجوزي فيباح "إلا الكلب الأسود البهيم" وهو ما لا بياض فيه نص عليه وذكر السامري والمؤلف هو الذي لا يخالط لونه لون سواه وقال ثعلب وإبراهيم الحربي كل لون لم يخالطه لون آخر فهو بهيم قيل لهما من كل لون قالا نعم قال أحمد ما أعلم أحدا يرخص فيه يعني من السلف فلا يباح صيده نص عليه لأنه عليه السلام أمر بقتله وقال "إنه شيطان" رواه مسلم وهو العلة والسواد علامة كما يقال إذا رأيت صاحب السلاح فاقتله فإنه مرتد فالعلة الردة ونقل إسماعيل بن سعيد الكراهة وأباحه الأكثر لعموم الآية والخبر وكغيره من الكلاب والأول المذهب وعنه بلى ومثله في أحكامه ما بين عينيه بياض جزم به في المغني والشرح ويحرم اقتناؤه كخنزير قال جماعة يقتل فدل على وجوبه ونقل موسى بن سعيد لا بأس به "والجوارح نوعان ما يصيد بنابه كالكلب والفهد" وفي المذهب والترغيب والنمر "فتعليمه بثلاثة أشياء بأن يسترسل إذا أرسل وينزجر إذا زجر" لا في وقت رؤيته للصيد قاله في المغني وغيره "وإذا أمسك لم يأكل" لقوله عليه السلام "فلا تأكل فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه" متفق عليه ولأن العادة في المعلم ترك الأكل فكان شرطا كالانزجار إذا زجر وهذا لم يذكره الآدمي البغدادي قال في المغني لا أحسب هذه الخصال تعتبر في غير الكلب فإنه الذي يجيب صاحبه إذا دعاه وينزجر إذا زجر والفهد

ولا يعتبر تكرر ذلك منه فإن أكل بعد تعلمه لم يحرم ما تقدم من صيده ولم يبح ما أكل منه في إحدى الروايتين والأخرى يحل والثاني ذو المخلب كالبازي والصقر والعقاب والشاهين فتعليمه بأن يسترسل إذا أرسل ويجيب إذا دعي ولا يعتبر ترك الأكل
__________
لا يكاد يجيب داعيا وإن عد متعلما فيكون التعليم في حقه بترك الأكل خاصة أو بما يعده أهل العرف متعلما "ولا يعتبر تكرر ذلك منه" اختاره الشريف أبو جعفر وأبو الخطاب وقدمه في المحرر والرعاية لأنه تعلم صنعة أشبه سائر الصنائع وقال القاضي يعتبر تكرر ذلك منه حتى يصير في العرف معلما وأقل ذلك ثلاث نصره في المغني لأن ترك الأكل يحتمل أن يكون لشبع أو عارض فيعتبر تكراره وحينئذ يعتبر ثلاثا كالاستجمار والأقراء والشهور في العدة والصنائع لا يمكن من فعلها إلا من تعلمها وترك الأكل ممكن الوجود من المتعلم وغيره فعلى هذا يحل في الرابعة وقيل مرتين فيحل في الثالثة
"فإن أكل بعد تعلمه لم يحرم ما تقدم من صيده" رواية واحدة قاله في المستوعب واقتصر عليه في الكافي والشرح وصححه في المحرر وهو قول أكثرهم لعموم الآية والأخبار ولأنه قد وجد مع اجتماع شروط التعليم فيه فلا يحرم بالاحتمال وقيل يحرم لأنه لو كان معلما ما أكل
"ولم يبح ما أكل منه في إحدى الروايتين" وهي الصحيحة لقوله عليه السلام "فإن أكل فلا تأكل" ورواه سعيد ثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس ورواه أيضا عن أبي هريرة وقيل حين الصيد جزم به ابن عقيل وقيل قبل مضيه ولا يخرج بأكله عن كونه معلما فيباح صيده بعد ذلك وفيه احتمال "والأخرى يحل" روي عن سعد وسلمان وأبي هريرة وابن عمر حكاه عنهم أحمد ولقوله تعالى {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] ولا حجة فيها مع أن حديثنا هو المعمول به وأصح فلو شرب من دمه ولم يأكل منه لم يحرم نص عليه وفي الانتصار من دمه الذي جرى وكرهه الشعبي والثوري "والثاني: ذو المخلب كالبازي والصقر والعقاب والشاهين فتعليمه بأن يسترسل إذا أرسل ويجيب إذا دعي ولا يعتبر ترك الأكل

ولا بد أن يجرح الصيد فإن قتله بصدمته أو خنقه لم يبح وقال ابن حامد يباح وما أصابه فم الكلب هل يجب غسله على وجهين
فصل
الثالث: إرسال الآلة قاصدا للصيد فإن استرسل الكلب أو غيره بنفسه لم يبح صيده وإن زجره
__________
لقول ابن عباس "إذا أكل الكلب فلا تأكل وإن أكل الصقر فكل" رواه الخلال ولأن تعليمه بالأكل ويتعذر تعليمه بدونه فلم يقدح في تعليمه بخلاف الكلب "ولابد أن يجرح الصيد فإن قتله بصدمته أو خنقه لم يبح" قدمه في الكافي والمستوعب والرعاية وجزم به في الوجيز وقاله الأكثر لأنه قتل بغير جرح أشبه ما لو قتله بالحجر والبندق "وقال ابن حامد يباح" لعموم الآية والخبر والأول أولى لأن العموم فيهما مخصوص بما ذكر من الدليل الدال على عدم إباحته "وما أصابه فم الكلب هل يجب غسله؟ على وجهين" كذا في المحرر وهما روايتان في الفروع أحدهما يجب قدمه في الكافي والرعاية وصححه في المستوعب كغيره من المحال والثاني لا وجزم به في الوجيز لأن الله تعالى ورسوله أمرا بأكله ولم يأمرا بغسله
فصل
"الثالث: إرسال الآلة قاصدا للصيد" فعلى هذا لو سقط سيف من يده عليه فعقره أو احتكت شاة بشفرة في يده لم تحل "فإن استرسل الكلب أو غيره بنفسه لم يبح صيده" في قول أكثرهم وقال عطاء والأوزاعي يؤكل إذا جرحه الصائد وقال إسحاق إذا سمى ثم انفلاته أبيح وروى بإسناده عن ابن عمر أنه سئل عن الكلاب تنفلت من مرابطها فتصيد الصيد قال إذا سمى فكل قال الخلال هذا على معنى قول أبي عبد الله وجوابه قوله عليه السلام "إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل" متفق عليه ولأن إرسال الجارحة جعل بمنزلة الذبح ولهذا اعتبرت التسمية معه "وإن زجره" أي لم

إلا أن يزيد عدوه بزجره فيحل وإن أرسل كلبه أو سهمه إلى هدف فقتل صيدا أو أرسله يريد الصيد ولا يرى صيدا لم يحل صيده إذا قتله وإن رمى حجرا يظنه صيدا فأصاب صيدا لم يحل ويحتمل أن يحل
__________
يحل لأن الزجر لم يزد شيئا عن استرسال الصائد بنفسه "إلا أن يزيد عدوه بزجره فيحل" لأن زجره له أثر في عدوه فصار كما لو أرسله لأن فعل الآدمي إذا انضاف إلى فعل البهيمة كان الاعتبار بفعل الآدمي بدليل ما لو عدا على إنسان فأغراه آدمي فأصابه ضمن فلو أرسله بغير تسمية ثم سمى وزجره فزاد عدوه فظاهر كلام أحمد إباحته لأنه انزجر بتسميته وزجره أشبه التي قبلها وقال القاضي لا لأن الحكم تعلق بالإرسال الأول بخلاف ما إذا استرسل بنفسه ونقل حرب إن صاد من غير أن يرسله لا يعجبني واحتج بأنه لم يذكر اسم الله عليه وفي الروضة إن استرسل الطائر بنفسه فصاد وقتل حل وأكل منه بخلاف الكلب
"وإن أرسل كلبه أو سهمه إلى هدف" وهو كل مرتفع من بناء أو كثيب رمل أو جبل "فقتل صيدا أو أرسله يريد الصيد ولا يرى صيدا لم يحل صيده إذا قتله" لأن قصد الصيد شرط ولم يوجد وقيل لا يحرم في السهم
"وإن رمى حجرا يظنه صيدا فأصاب صيدا لم يحل" قدمه السامري وجزم به في الوجيز لأنه لم يقصد صيدا على الحقيقة وكما لو أرسله على غير شيء أو ظنه أو علمه غير صيد فأصاب صيدا "ويحتمل أن يحل" اختاره في المغني لأن صحة القصد تنبني على الظن وقد وجد وصح قصده وكما لو رمى صيدا فأصاب غيره أو هو وغيره نص عليه فإن شك هل هو صيد أم لا لم يبح لأن صحة القصد تنبني على العلم ولم يوجد
تتمة: إذا قصد إنسانا أو حجرا أو رمى عبثا غير قاصد صيدا فقتله لم يحل لأنه لم يقصد صيدا لكون القصد لا يتحقق إلا بعلمه وإن ظنه صيدا فإذا هو صيد حل وإن ظنه كلبا أو خنزيرا لم يبح قال في الرعاية وإن رمى ما ظنه حجرا أو آدميا فبان صيدا أو رمى حجرا ظنه صيدا فأصاب صيدا أو سمع

وإن رمى صيدا فأصاب غيره حل وإن رمى صيدا فقتل جماعة حل وإن أرسل سهمه على صيد فأعانته الريح فقتلته ولولاها ما وصل حل وإن رمى صيدا فأثبته ملكه فإن تحامل فأخذه غيره لزمه رده وإن لم يثبته فدخل خيمة إنسان فأخذه فهو لآخذه ولو وقع في شبكته صيد.
__________
حسا ليلا أو رأى سوادا فأرسل عليه جارحة أو سهمه فأصاب صيدا فوجهان وقيل إن ظنه آدميا معصوما أو بهيمة أو حجرا فقتله فإذا هو صيد لم يبح
"وإن رمى صيدا فأصاب غيره حل" والجارح كالسهم في هذا نص عليه لعموم الآية والخبر ولأنه أرسله على صيد فحل ما صاده كما لو أرسلها على كبار فتفرقت عن صغار أو كما لو أخذ صيدا في طريقه "وإن رمى صيدا فقتل جماعة حل" لأن شرط الحل قصد الصيد في الجملة لا قصد الصيد بعينه وهو موجود فيهما "وإن أرسل سهمه على صيد فأعانته الريح فقتلته ولولاها ما وصل حل" لأنه قتله بسهمه ورميه أشبه ما لو وقع سهمه على حجر فرده على الصيد فقتله ولأن الإرسال له حكم الحل والريح لا يمكن الاحتراز عنها فسقط اعتبارها
"وإن رمى صيدا فأثبته ملكه" لأنه أزال امتناعه أشبه ما لو قتله "فإن تحامل فأخذه غيره لزمه رده" لأنه ملكه فلزمه كما يلزمه رد ملك غيره كالشاة ونحوها "وإن لم يثبته فدخل خيمة إنسان" أو غيرها "فأخذه فهو لآخذه" لأن الأول لم يملكه لكونه ممتنعا فملكه الثاني بأخذه وقال ابن حمدان إن خرج منها وإلا فلا وقيل هو لصاحب الخيمة ولو نصب خيمة للأخذ ملكه وإن مات فيها فهو له
فرع: إذا رمى طيرا على شجرة في دار قوم فطرحه في دارهم فأخذوه فهو للرامي لأنه ملكه بإزالة امتناعه ذكره في الشرح وفي عيون المسائل إن حمل نفسه فسقط خارج الدار فهو له وإن سقط فيها فهو لهم وفي الرعاية لغيره أخذه على الأصح والمنصوص أنه للموحي
"ولو وقع في شبكته" أو فخه أو شركه "صيد" فهو له لأنه أثبته بآلته "فإن

فإن خرقها وذهب بها فصاده آخر فهو للثاني وإن كان في سفينة فوثبت سمكة فوقعت في حجره فهي له دون صاحب السفينة
__________
خرقها وذهب بها فصاده آخر فهو للثاني" لأنه لم يملكه الأول وما معه لقطة فإن كان يمشي بالشبكة على وجه لا يقدر على الامتناع فهو لصاحبها لكن إن أمسكه الصائد وثبتت يده عليه ثم انفلت منه لم يزل ملكه عنه كما لو شردت فرسه أو ند بعيره ويستثنى من ذلك ما لو صاده فوجد عليه علامة كقلادة في عنقه أو قرط في أذنه فلو وجد طائرا مقصوص الجناح فلقطة ويملك الصيد بإلجائه إلى مضيق يعجز عن الانفلات منه وكذا إذا وقع في دبق يمنعه من الطيران "وإن كان في سفينة فوثبت سمكة فوقعت في حجره فهي له دون صاحب السفينة" قدمه في المحرر والرعاية وجزم به في المستوعب والشرح لأن السمك من الصيد المباح فملكت بالسبق إليها كما لو فتح حجره للأخذ زاد في الوجيز ما لم تكن السفينة معدة للصيد في هذا الحال وقيل هو قبل أن يأخذه على الإباحة فيكون لمن أخذه ومقتضاه أنها إذا وقعت في السفينة فهي لصاحبها لأن السفينة ملكه ويده عليها لكن إن كانت السمكة وثبت بفعل إنسان لقصد الصيد فهي له دون من وقعت في حجره لأن الصائد أثبتها بذلك
فرع: إذا دخلت ظبية داره فأغلق بابه وجهلها أو لم يقصد تملكها ومثله إحياء أرض بها كنز ملكه كنصب خيمة وفي الترغيب إن دخل الصيد داره فأغلق بابه أو برجه فسد المنافذ أو حصلت السمكة في بركته فسد مجرى الماء فقيل يملكه وقيل إن سهل تناوله منه وإلا كمتحجر للإحياء ويحتمل اعتبار قصد التملك بغلق وسد فعلى الأول ما يبنيه الناس من الأبرجة فتعشعش بها الطيور يملكون الفراخ إلا أن تكون الطيور مملوكة فهي لأربابها نص عليه ولو تحول طير من برج زيد إلى برج عمرو لزم عمرو رده وإن اختلط ولم يتميز منع عمرو من التصرف على وجه ينقل الملك حتى يصطلحا ولو باع أحدهما الآخر حقه أو وهبه صح في الأقيس

وإن صنع بركة ليصيد بها السمك فما حصل فيها ملكه وإن لم يقصد بها ذلك لم يملكه وكذلك إن حصل في أرضه سمك أو عشش فيها طائر لم يملكه ولغيره أخذه ويكره صيد السمك بالنجاسة وصيد الطير بالشباش
__________
"وإن صنع بركة ليصيد بها السمك فما حصل فيها ملكه" لأنها آلة للصيد قصد بها السمك فملكه وكما لو وقع في شبكة أو فخ أو منجل "وإن لم يقصد بها ذلك لم يملكه" كما لو توحل الصيد في أرضه وفي الترغيب ظاهر كلامه يملكه بالتوحل "وكذلك إن حصل في أرضه سمك أو عشش فيها طائر لم يملكه" لأن الأرض ليست معدة لذلك أشبه البركة التي لم يقصد بها الاصطياد نقل صالح وحنبل فيمن صاد من نخلة بدار قوم هو له فإن رماه ببندقة فوقع فيها فهو لأهلها "ولغيره أخذه" على الأصح قاله في الرعاية كما يجوز له أخذ الماء والكلأ ولأنه باق على الإباحة الأصلية لكن يأثم بدخولها بدون إذن ربها وقيل مستأجرها أولى من ربها والمنصوص أنه للمؤجر
"ويكره صيد السمك بالنجاسة" قدمه في المستوعب والرعاية وجزم به في الوجيز لما فيه من أكل السمك للنجاسة فيصير كالجلالة وعنه يحرم قدمه في الفروع ونقله الأكثر وقال استعن عليهم بالسلطان وفي المبهج فيه وبمحرم روايتان وكره أحمد الصيد ببنات وردان وقال مأواها الحشوش وكذا بالضفادع "وصيد الطير بالشباش" وهو طائر تخيط عينيه ويربط لأن فيه تعذيبا للحيوان
وكذا يكره من وكره أطلقه في الترغيب وغيره لا بليل وظاهر رواية ابن القاسم لا كالفرخ منه ولا بما يسكر نص على ذلك وفي مختصر ابن رزين يكره بليل
فائدة: لا بأس بشبكة وفخ ودبق قال أحمد وكل حيلة وذكر جماعة يكره بمثقل كبندق وكره الشيخ تقي الدين الرمي به مطلقا لنهي عثمان ونقل ابن منصور لا بأس ببيع البندق يرمى به الصيد لا للعبث وقال ابن هبيرة هو معصية فلو منعه الماء حتى صاده حل أكله وحرمه في الرعاية ,

وإذا أرسل الصيد وقال أعتقتك لم يزل ملكه عنه ويحتمل أن يزول ويملكه من أخذه
فصل
الرابع: التسمية عند إرسال السهم أو الجارحة فإن تركها لم يبح سواء تركها عمدا أو سهوا
__________
ونقل حنبل لا يصاد الحمام إلا أن يكون وحشيا
"وإذا أرسل الصيد وقال أعتقتك لم يزل ملكه عنه" في ظاهر المذهب وذكره ابن حزم إجماعا كبهيمة الأنعام وكانفلاته أو ند أياما ثم صاده آخر نص عليه ولأن الإرسال والإعتاق لا يوجب زوال ذلك قال ابن عقيل لا يجوز أعتقتك في حيوان مأكول لأنه فعل الجاهلية
"ويحتمل أن يزول ويملكه من أخذه" لأن الأصل الإباحة والإرسال يرده إلى أصله بخلاف بهيمة الأنعام ولأن الإرسال هنا بعيد وهو رد الصيد إلى الخلاص من أيدي الآدميين ولهذا روي عن أبي الدرداء أنه اشترى عصفورا من صبي فأطلقه ولأنه يجب إرساله على المحرم إذا أحرم بخلاف بهيمة الأنعام قال بعض أصحابنا العتق إحداث قوة تصادف الرق وهو ضعف شرعي يقوم بالمحل فيمنعه عن دفع يد الاستيلاء عنه والرق غير المالية
فصل
"الرابع: التسمية" في الجملة لقوله تعالى {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] وللأخبار "عند إرسال السهم أو الجارحة" لأن ذلك هو الفعل الموجود من المرسل فاعتبرت التسمية عنده كما يعتبر عند الذبح وذكر جماعة أو قبله قريبا فصل بكلام أو لا
"فإن تركها لم يبح سواء تركها عمدا أو سهوا" في ظاهر المذهب نصره في الشرح وجزم به في الوجيز وقدمه في الفروع وذكر القاضي في الخلاف أنه المذهب الصحيح وأنه رواه الجماعة للآية والأخبار والفرق بين

وعنه إن نسيها على السهم أبيح وإن نسيها على الجارحة لم تبح
__________
الصيد والذبيحة أن الذبح وقع في محله فجاز أن يسامح فيه بخلاف الصيد ولأن في الصيد نصوصا خاصة ولأن الذبيحة تكثر ويكثر النسيان فيها
"وعنه إن نسيها على السهم أبيح" لقوله عليه السلام "عفي لأمتى عن الخطأ والنسيان" "وإن نسيها على الجارحة لم تبح" والفرق بينهما أن السهم آلة حقيقة وليس له اختيار بخلاف الحيوان فإنه يفعل باختياره وعنه تسقط مع السهو مطلقا ذكره ابن حزم إجماعا قال الخلال سها حنبل في نقله وعنه سنة نقل الميموني الآية في الميتة قد رخص أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم "في أكل ما لم يسم عليه" وعنه يختص المسلم باشتراطها ونقل حنبل عكسها لأن المسلم فيه اسم الله وليس بجاهل كناس الصوم ذكره في المنتخب وسبق ما يتعلق بذلك
مسألة: إذا سمى على سهم ثم ألقاه وأخذ غيره لم يبح ما صاد به جزم به في الشرح والرعاية لأنه لما لم يمكن اعتبار التسمية على صيد بعينه اعتبرت على الآلة التي يصيد بها بخلاف الذبيحة وقيل يباح كما لو سمى على سكين وأخذ غيرها

كتاب الأيمان
__________
كتاب الأيمانوهي جمع يمين واليمين القسم والجمع أيمن وأيمان سمي بذلك لأنه كان أحدهم يضرب يمينه على يمين صاحبه فاليمين توكيد الحكم بذكر معظم على وجه مخصوص فهي جملة خبرية تؤكد بها أخرى وهما كشرط وجزاء والأصل فيها الإجماع وسنده قوله تعالى {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} [المائدة: 89] وقوله تعالى {وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} [النحل: 91] والسنة شهيرة بذلك منها: لعبد

واليمين
__________
الرحمن ابن سمرة "إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فأت الذي هو خير وكفر يمينك" متفق عليه ووضعها في الأصل لتأكيد المحلوف عليه لقوله تعالى {وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ} [يونس: 53] و {قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ} [التغابن: 7] ويصح من كل مكلف مختار قاصد لليمين ولا يصح من غير مكلف للخبر ولأنه قول يتعلق به حق فلم يصح من غير مكلف كالإقرار وفي المميز وجه قاله في المذهب وفي السكران وجهان بناء على التكليف وعدمه قاله في المغني والشرح وبناه في الكافي على طلاقه وتصح من الكافر وتلزمه الكفارة بالحنث نص عليه في مواضع وقاله جمع وقال لا تنعقد يمينه لقوله تعالى {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ} [التوبة: 12] ولأنه ليس بمكلف وجوابه أن عمر نذر في الجاهلية أن يعتكف فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالوفاء بنذره ولأنه من أهل القسم لقوله تعالى {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} [المائدة: 106] قال القاضي في الخلاف ولا خلاف أنه يستحلف عند الحاكم وكل من صحت يمينه عند الحاكم صحت يمينه عند الانفراد كالمسلم وعن الآية أنهم لا يفون بها لقوله تعالى {أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ} ولا نسلم أنه غير مكلف.
"اليمين" تنقسم خمسة أقسام واجب كالتي ينجي بها إنسانا معصوما من هلكة وكذا إنجاء نفسه مثل أن تتوجه أيمان القسامة في دعوى القتل عليه وهو برئ ومندوب كحلف يتعلق به مصلحة من إصلاح بين متخاصمين وإن حلف على فعل طاعة أو ترك معصية فقيل هو مندوب لأن ذلك يدعوه إلى فعل الطاعة وترك المعصية وقيل لا لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يكونوا يفعلونه في الأغلب ولو كان طاعة لم يخلوا به ولأن ذلك يجري مجرى النذر
ومباح كالحلف على فعل مباح أو تركه والحلف على الخبر بشيء هو صادق فيه أو يظن أنه صادق
ومكروه كالحلف على ترك مكروه ولا يلزم حديث الأعرابي والذي بعثك بالحق لا أزيد على هذا ولا أنقص لأن اليمين على تركها لا يزيد على تركها ولو تركها لم ينكر عليه ومنه الحلف على البيع والشراء .

التي تجب بها الكفار هي اليمين بالله تعالى أو صفة من صفاته وأسماء الله تعالى قسمان أحدهما ما لا يسمى به غيره نحو والله والقديم الأزلي والأول الذي ليس قبله شيء والآخر الذي ليس بعده شيء وخالق الخلق ورازق العالمين فهذا القسم به يمين بكل حال والثاني ما يسمى به غيره وإطلاقه ينصرف إلى الله تعالى كالرحمن والرحيم والعظيم والقادر والرب والمولى والرازق ونحوه فهذا إن نوى بالقسم به اسم الله تعالى أو أطلق فهو يمين وإن نوى غيره فليس بيمين
__________
وحرام: وهو الحلف الكاذب ومنه الحلف على معصية أو ترك واجب ومتى كانت اليمين على فعل واجب أو ترك محرم فحلها حرام وإن كانت على مندوب أو ترك مكروه فحلها مكروه وإن كانت على مباح فحلها مباح قال في الرعاية وحفظ اليمين أولى وإن كانت على فعل مكروه وترك مندوب فحلها مندوب وإن كانت على فعل محرم أو ترك واجب فحلها واجب "التي تجب بها الكفارة" بشرط الحنث "هي اليمين بالله تعالى أو صفة من صفاته" لأن اليمين إذا أطلقت تنصرف إليه ولأن صفات الله تعالى قديمة فكان الحلف بها موجبا للكفارة كالحلف بالله تعالى وكوجه الله تعالى نص عليه وعظمته وإرادته وقدرته وعلمه "وأسماء الله تعالى قسمان أحدهما ما لا يسمى به غيره نحو والله والقديم الأزلي والأول الذي ليس قبله شيء والآخر الذي ليس بعده شيء وخالق الخلق ورازق العالمين" وكذا رب العالمين ومالك يوم الدين ورب السموات والأرض "فهذا القسم به يمين بكل حال" نوى به اليمين أولا لأن اليمين بذلك صريح في مقصوده فلم يفتقر إلى نية كصريح الطلاق ونحوه "والثاني ما يسمى به غيره وإطلاقه ينصرف إلى الله تعالى كالرحمن والرحيم والعظيم والقادر والرب والمولى والرازق ونحوه فهذا إن نوى بالقسم به اسم الله تعالى أو أطلق فهو يمين" لأنه بإطلاقه ينصرف إليه "وإن نوى غيره فليس بيمين" لأنه

وأما ما لا يعد من أسمائه كالشيء والموجود فإن لم ينو به الله تعالى لم يكن يمينا وإن نواه كان يمينا وقال القاضي لا يكون يمينا أيضا وإن قال وحق الله وعهد الله وأيم الله وأمانة الله وميثاقه وقدرته
__________
يستعمل في غيره قال الله تعالى {ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ} [يوسف50] و {اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ} [يوسف:42] {فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} [النساء: 8] {بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 128] ومثل رحمان اليمامة ورجل رحيم والمولى المعتق والقادر باكتسابه والعالم في البلد ورازق الجند لأنه لما أراد به غيره لم يبق يمينا لعدم تناوله لما يوجب القسم وفي المغني والكافي إن الرحمن من القسم الأول قال في الشرح وهو أولى لأن ذلك إنما يسمى به غير الله مضافا لقولهم في مسيلمة رحمان اليمامة والذي ذكره المؤلف هنا أورده السامري وابن حمدان مذهبا وذكر القاضي في الخلاف والتعليق أنه إذا قال والرب والخالق والرازق لا فعلت كذا وأطلق ولم ينو اليمين أنه يخرج على روايتي أقسم وقيل يمين مطلقا وقاله طلحة العاقولي.
"وأما ما لا يعد من أسمائه" ولا ينصرف إطلاقه إليه ويحتمله "كالشيء والموجود" والحي والعالم والمؤمن والكريم "فإن لم ينو به الله تعالى لم يكن يمينا" لأن الحلف الذي تجب به الكفارة لم يقصد ولا اللفظ ظاهر في إرادته فوجب ألا يترتب عليه ما يترتب على الحلف بالله تعالى "وإن نواه كان يمينا" على المذهب لأنه يصح أن يقسم بشيء يصح أن يراد به الله تعالى قاصدا به الحلف فكان يمينا مكفرة كالملك والقادر "وقال القاضي لا يكون يمينا أيضا" لأن اليمين إنما تنعقد بحرمة الاسم فمع الاشتراك لا تكون له حرمة والنية المجردة بها اليمين وجوابه أنه أقسم باسم الله تعالى قاصدا الحلف به فكان يمينا وما انعقدت بالنية المجردة وإنما انعقدت بالاسم المحتمل المراد به اسم الله تعالى فإن النية تصرف اللفظ إلى بعض محتملاته فيصير كالمصرح به كالكنايات "وإن قال وحق الله وعهد الله وايم الله وأمانة الله ,

وعظمته وكبريائه وجلاله وعزته ونحو ذلك فهو يمين
__________
وميثاقه وقدرته وعظمته وكبريائه وجلاله وعزته ونحو ذلك فهو يمين" وفيه مسائل:
الأولى إذا قال في حلفه وحق الله فهي يمين مكفرة وقاله الأكثر لأن لله حقوقا يستحقها لنفسه من البقاء والعظمة والجلال والعزة وقد اقترن عرف الاستعمال بالحلف بها فينصرف إلى صفة الله تعالى كقوله وقدرة الله الثانية إذا قال وعهد الله وكفالته فهي يمين مكفرة لأن عهد الله يحتمل كلامه الذي أمرنا به ونهانا لقوله تعالى {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ} [يس: 60] وكلامه قديم صفة له ويحتمل أنه استحقاق لما تعبدنا به وقد ثبت عرف الاستعمال فيجب أن يكون يمينا بإطلاقه كقوله وكلام الله وإذا ثبت هذا فإنه إذا قال علي عهد الله وميثاقه لأفعلن كذا فهو يمين وفيه رواية ذكرها ابن عقيل لأن العهد من صفات الفعل فلا يكون الحلف به يمينا كما لو قال وخلق الله الثالثة إذا قال وايم الله فهي يمين مكفرة في الأصح لأنه عليه السلام كان يقسم به وانضم إليه عرف الاستعمال فوجب أن يصرف إليه كالحلف بعمر الله وعنه إن نوى اليمين وإلا فلا اختارها أبو بكر.
فائدة: "ايم" كايمن وهمزته همزة وصل تفتح وتكسر وميمه مضمومة وقالوا ايمن الله بضم الميم والنون مع كسر الهمزة وفتحها وقال الكوفيون ألفها ألف قطع وهي جمع يمين فكانوا يحلفون باليمين فيقولون ويمين الله قاله أبو عبيد وهو مشتق من اليمن والبركة
الرابعة: إذا قال في حلفه وأمانة الله فهي يمين مكفرة نص عليه ولا يختلف المذهب فيه إذا نوى صفة الله تعالى لما ذكر في عهد الله
الخامسة: إذا قال في حلفه وميثاق الله وقدرته كعلم الله تعالى فإن نوى القسم بالمعلوم والمقدور فقدم في الرعاية أنه ليس يمينا والمنصوص أنه يمين
مسألة: يكره الحلف بالأمانة لما روى بريده مرفوعا قال ليس منا من حلف بالأمانة رواه أبو داود ورجاله ثقات.
السادسة: إذا قال في قسمه وعظمة الله وكبريائه وجلاله فهو يمين

وإن قال: والعهد والميثاق وسائر ذلك ولم يضفه إلى الله تعالى لم يكن يمينا إلا أن ينوي صفة الله تعالى وعنه يكون يمينا وإن قال لعمرو الله كان يمينا وقال أبو بكر لا يكون يمينا إلا أن ينوي
__________
مكفرة في قولهم جميعا كعزة الله وعلمه لأن هذه من صفات ذاته لم يزل موصوفا بها وقد وردت الأخبار بالحلف بعزة الله تعالى.
"وإن قال والعهد والميثاق وسائر ذلك" أي باقيه "ولم يضفه إلى الله تعالى لم يكن يمينا" لأنه يحتمل غير الله فلم يكن يمينا كالشيء والموجود "إلا أن ينوي" بإطلاقه "صفة الله تعالى" فيكون يمينا على المذهب لأن النية تجعل للعهد ونحوه كأمانة الله تعالى ولأنه حلف بصفة من صفات الله تعالى "وعنه" بإطلاقه "يكون يمينا" لأن اللام إذا كانت للتعريف صرفته إلى عهد الله تعالى وإن كانت للاستغراق دخل فيه ذلك والأول أشهر وجزم به في المستوعب والوجيز لأنه يحتمل غير ما تجب به الكفارة مع أن أحمد غلظ أمر العهد وقال هو شديد في عشرة مواضع من كتاب الله تعالى وحلفت عائشة لا تكلم ابن الزبير فلما كلمته أعتقت أربعين رقبة وكانت تبكي حتى تبل خمارها وتقول واعهداه قال ويكفر إذا حلف بالعهد وحنث بأكثر من كفارة يمين.
"وإن قال لعمرو الله كان يمينا" نصره القاضي في الخلاف وذكر أنه المذهب وقدمه في المحرر والفروع وجزم به في الوجيز لأنه أقسم بصفة من صفات الله تعالى فهو كالحلف ببقاء الله تعالى كقوله تعالى {لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الحجر: 72] وقال الشاعر
إذا رضيت كرام بني بشير لعمرو الله أعجبني رضاها
إذ العمر بفتح العين وضمها الحياة واستعمل في القسم المفتوح خاصة واللام للابتداء وهو مرفوع بالابتداء والخبر محذوف وجوبا تقديره قسمي
"وقال أبو بكر لا يكون يمينا إلا أن ينوي" هذا رواية لأنه إنما يكون يمينا بتقدير خبر محذوف فكأنه قال لعمرو الله ما أقسم به فيكون مجازا والمجاز لا ينصرف إليه الإطلاق والأول أصح لأن احتياج الكلام إلى تقدير لا يضر ؛

وإن حلف بكلام الله تعالى أو بالمصحف أو بالقرآن فهي يمين فيها كفارة واحدة وعنه بكل آية كفارة وإن قال أحلف بالله أو أشهد بالله أو أقسم بالله أو أعزم بالله كان يمينا
__________
لأن اللفظ إذا اشتهر في العرف صار من الأسماء العرفية فيحمل عليه عند الإطلاق دون موضوعه الأصلي
فرع: إذا قال لعمرك الله فقيل هو مثل نشدتك الله وإن قال لعمرك أو لعمري أو عمرك فليس بيمين في قول أكثرهم لأنه أقسم بحياة مخلوق ونقل الجوزجاني إذا قال لعمري كان يمينا وقاله الحسن فتجب به الكفارة
"وإن حلف بكلام الله تعالى أو بالمصحف أو بالقرآن" أو آية منه "فهي يمين" في قول عامتهم لأن القرآن كلام الله تعالى وصفة من صفات ذاته فتنعقد اليمين به ولم يكره أحمد الحلف بالمصحف لأن الحالف إنما قصد المكتوب فيه وهو القرآن فإنه عبارة عما بين دفتي المصحف بالإجماع "فيها كفارة واحدة" قدمه الأئمة منهم الجد وهو قياس المذهب وقاله الأكثر لأن الحلف بصفات الله تعالى وتكرار اليمين بها لا يوجب أكثر من كفارة فهذا أولى وكسائر الأيمان
"وعنه بكل آية كفارة" إن قدر قال في الكافي هي المنصوصة عنه واختارها الخرقي وهي قول الحسن لما روى مجاهد مرفوعا "من حلف بسورة من القرآن فعليه بكل آية كفارة ويمين صبر" ورواه الأثرم ورواه بمعناه أبو نصر السجزي وابن أبي داود في فضائل القرآن من حديث أبي هريرة وروي عن ابن مسعود أيضا قال أحمد ما أعلم شيئا يدفعه وعنه يجب مطلقا وفي الفصول وجه بكل حرف وفي الروضة من حلف بالمصحف فحنث فكفارة واحدة رواية واحدة "وإن قال أحلف" أو حلفت "بالله أو أشهد بالله أو أقسم بالله أو أعزم بالله كان يمينا" في قول الأكثر سواء نوى اليمين أو أطلق ويشهد لذلك قوله تعالى {فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} [المائدة: 106] {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ} [الأنعام: 109] {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ} [النور:6] .

وإن لم يذكر اسم الله لم يكن يمينا إلا أن ينوي وعنه يكون يمينا
فصل
وحروف القسم: الباء
__________
وقال عبد الله بن رواحة
أقسمت بالله لتنزلنه

طائعة أو لتكرهنه
وأنشد أعرابي
أقسم بالله لتفعلنه
ولأنه لو قال بالله ولم يذكر الفعل كان يمينا فإذا ضم إليه ما يؤكده كان أولى وحكاه ابن هبيرة عن الأكثر في أقسم وأشهد بالله "وإن لم يذكر اسم الله لم يكن يمينا" لأنه يحتمل القسم بالله ويحتمل القسم بغيره فلم يكن يمينا كغيره مما يحتملهما "إلا أن ينوي" لأن النية تصرف اللفظ إلى القسم بالله فيجب جعله يمينا كما لو صرح به وقد ثبت له عرف الشرع والاستعمال "وعنه يكون يمينا" لقول أبي بكر للنبي صلى الله عليه وسلم أقسمت عليك لتخبرني بما أصبت مما أخطأت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تقسم يا أبا بكر" رواه أبو داود ولقول العباس للنبي صلى الله عليه وسلم أقسمت عليك لتبايعنه فبايعه النبي صلى الله عليه وسلم وقال "أبررت قسم عمي" لكن قال في المغني والشرح عزمت وأعزم ليس يمينا ولو نوى لأنه لا شرع ولا لغة ولا فيه دلالة عليه ولو نوى
تنبيه: إذا قال آليت وآلي وأولي بالله يمين فيها كفارة صرح به جماعة وإن نوى الخبر عما يفعله ثانيا أو عما فعله ماضيا فليس يمينا قدمه في الرعاية وكذا إن قال علي يمين وأراد عقد اليمين لأنه لم يأت باسم الله تعالى ولا صفته وإن قال قسما بالله فهو يمين تقديره أقسمت قسما
فصل
"وحروف القسم: الباء" وهي الأصل لأنها الحرف التي تصل بها الأفعال

والواو والتاء باسم الله خاصة ويجوز القسم بغير حرف القسم فيقول الله لأفعلن بالجر والنصب وإن قال الله لأفعلن مرفوعا كان يمينا إلا أن يكون من أهل العربية ولا ينوي به اليمين
__________
القاصرة عن التعدي إلى مفعولاتها وتدخل على المضمر والمظهر "والواو" وهي بدل منها ويليها المظهر وهي أكثر استعمالا "والتاء" وهي بدل من الواو وتختص "باسم الله خاصة" فإذا أقسم بأحد هذه الحروف الثلاثة في موضعه كان قسما صحيحا لأنه موضوع له وقد جاء في كتاب الله العزيز وكلام العرب فإن ادعى أنه لم يرد القسم بها لم يقبل وقيل بلى في تالله لأقومن إذا قال أردت قيامي بمعونة الله تعالى ولا يقبل في الحرفين الآخرين والأول أولى
مسألة: جوابه في الإيجاب إن خفيفة وثقيلة وباللام في المبتدأ والفعل المضارع مقرونا بنوني التوكيد وقد يتعاقبان وفي الماضي مع قد وقد تحذف معها اللام لطول الكلام وفي النفي بما وإن بمعناها وبلا وتحذف لامه لفظا نحو والله أفعل
"ويجوز القسم بغير حرف القسم فيقول الله لأفعلن بالجر والنصب" والمراد: انقعاد اليمين لأنه لغة صحيحة وقد ورد به عرف الاستعمال في الشرع فروى ابن مسعود أنه لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه قتل أبا جهل قال له النبي صلى الله عليه وسلم "إنك قتلته" قال آلله إني قتلته وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأسامة لما طلق امرأته "آلله ما أردت إلا واحدة؟!" وفي اللغة قال امرؤ القيس
فقلت يمين الله أبرح قاعدا

ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي
"وإن قال الله لأفعلن مرفوعا كان يمينا" لأنه في العرف العام يمين ولم يوجد ما يصرفه عنه فوجب كونه يمينا كالقسم المحض وفي المغني لا كما لو كان القائل من أهل العربية "إلا أن يكون من أهل العربية" ولا ينوي به اليمين لأنه ليس بيمين في عرف أهل اللغة ولا نواها مقتضاه أنه إذا نواها كان يمينا لأنه قصد القسم أشبه ما لو جر وفي الشرح فإن قال الله لأفعلن بالرفع ونوى اليمين فهو يمين إلا أنه قد لحن وإن لم ينو فقال أبو الخطاب :

ويكره الحلف بغير الله تعالى وصفاته.
__________
يكون يمينا إلا أن يكون من أهل العربية وقيل لا يكون يمينا في حق العامي انتهى
قال القاضي ولو تعمده لم يضر لأنه لا يحيل المعنى وقال الشيخ تقي الدين الأحكام تتعلق بما أراده الناس بالألفاظ الملحونة كقوله حلفت بالله رفعا ونصبا والله بأصوم أو بأصلي ونحوه وكقول الكافر أشهد أن محمدا رسول الله برفع الأول ونصب الثاني
فرع: هاء الله يمين بالنية قاله أكثر الأصحاب وعدها في المستوعب حرف قسم وإن لم ينو فالظاهر لا يكون يمينا لأنه لم يقترن بها عرف ولا نية ولا جوابه حرف يدل على القسم
"ويكره الحلف بغير الله تعالى وصفاته" قدمه في الرعاية وجزم به في المستوعب قيل لأحمد يكره الحلف بعتق أو طلاق أو شيء قال سبحان الله لم لا يكره لا يحلف إلا بالله تعالى لما روى عمر مرفوعا قال "إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت" متفق عليه ويحتمل أن يكون محرما قدمه في المحرر والفروع وجزم به في الوجيز قال ابن مسعود وغيره لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلى من أن أحلف بغيره صادقا
قال الشيخ تقي الدين لأن حسنة التوحيد أعظم من حسنة الصدق وسيئة الكذب أسهل من سيئة الشرك يؤيده ما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من حلف بغير الله فقد أشرك" رواه الترمذي وحسنه ورجاله ثقات فعلى هذا اختار الشيخ تقي الدين أنه يعزر مع تحريمه واختار فيمن حلف بعتق أو طلاق وحنث يخير بين أن يوقعه أو يكفر كحلفه بالله ليوقعنه وذكر أن الطلاق يلزمني ونحوه يمين بالاتفاق وخرجه على نصوص أحمد وهو خلاف صريحها وعنه يجوز لقوله عليه السلام للأعرابي الذي سأله عن الصلاة "أفلح وأبيه إن صدق" ولأن الله تعالى أقسم ببعض مخلوقاته وجوابه ما قال ابن

ويحتمل أن يكون محرما ولا تجب الكفارة باليمين به سواء أضافه إلى الله تعالى مثل قوله ومعلوم الله وخلقه ورزقه وبيته أو لم يضفه مثل والكعبة والنبي وقال أصحابنا تجب الكفارة بالحلف برسول الله خاصة
__________
عبد البر إن هذه اللفظة غير محفوظة وإنما أقسم بمخلوقاته فإنها دالة على قدرته وعظمته ولله أن يقسم بما شاء وقيل في أقسامه إضمار القسم أي برب هذه الأشياء فعلى الأول يستغفر الله تعالى قال ابن حزم اتفقوا أن من حلف بحق زيد أو عمرو وبحق أبيه أنه آثم ولا كفارة عليه.
"ولا تجب الكفارة باليمين به" لأن الكفارة وجبت في الحلف بالله وصفاته صيانة للاسم الأعظم وغيره لا يساويه "سواء أضافه إلى الله تعالى مثل قوله ومعلوم الله وخلقه ورزقه وبيته أو لم يضفه مثل والكعبة والنبي" لاشتراكهما في الحلف بغير الله تعالى "وقال أصحابنا تجب الكفارة بالحلف برسول الله خاصة" ونص عليه في رواية أبي طالب فقال فيمن حلف بحق رسول الله وجبت عليه الكفارة لأنه أحد شرطي الشهادة أشبه الحلف باسم الله تعالى والتزم ابن عقيل أن الحلف بغيره من الأنبياء كهو والأشهر أنها لا تجب به وهو قول أكثر الفقهاء لدخوله في عموم الأحاديث وكسائر الأنبياء وقول أحمد محمول على الاستحباب
فرع: لا يلزمه إبرار قسم في الأصح كإجابة سؤال بالله قال الشيخ تقي الدين إنما يجب على معين فلا تجب إجابة سائل يقسم على الناس وروى أحمد والترمذي وقال حسن غريب عن ابن عباس مرفوعا قال وأخبركم بشر الناس قلنا نعم يا رسول الله قال "الذي يسأل بالله ولا يعطى به" فدل على إجابة من سأل بالله .

فصل
ويشترط لوجوب الكفارة ثلاثة شروط أحدها أن تكون اليمين منعقدة وهي التي يمكن فيها البر والحنث وذلك الحلف على مستقبل ممكن وأما اليمين على الماضي فليست منعقدة وهي نوعان يمين الغموس وهي التي يحلف بها كاذبا عالما بكذبه
__________
فصل
"ويشترط لوجوب الكفارة" وهي على الحالف في قول ابن عمر وأهل المدينة والعراق وحكي عنه على المحنث "ثلاثة شروط أحدها أن تكون اليمين منعقدة" لأن غير المنعقدة إما غموس أو نحوها وإما لغو ولا كفارة في واحد منهما "وهي التي يمكن فيها البر والحنث" لأن اليمين للحنث والمنع "وذلك الحلف على مستقبل ممكن" لقوله تعالى {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ} الآية [المائدة: 89] فأوجب الكفارة بالأيمان المنعقدة قال ابن جرير معناها أوجبتموها على أنفسكم فظاهره إرادة المستقبل من الزمان لأن العقد إنما يكون في المستقبل دون الماضي قال ابن عبد البر اليمين التي فيها الكفارة بالإجماع هي اليمين على المستقبل من الأفعال "وأما اليمين على الماضي فليست منعقدة" لأن شرط الانعقاد إمكان البر والحنث وذلك في الماضي متعذر وحاصله كما قاله في الرعاية أن الحلف على مستقبل إرادة تحقيق خبر فيه ممكن بقول يقصد به الحث على فعل الممكن أو تركه والحلف على الماضي إما بر وهو الصادق وإما غموس وهو الكاذب أو لغو وهو ما لا أجر فيه ولا إثم ولا كفارة والأولى أنها عبارة عن تحقيق الأمر أو توكيده بذكر اسم الله تعالى أو صفة من صفاته.
"وهي نوعان: يمين الغموس" وهي اليمين الكاذبة الفاجرة يقتطع بها حق غيره وسميت غموسا لأنها تغمس صاحبها في الإثم ثم في النار وغموس للمبالغة "وهي التي يحلف بها" على الماضي "كاذبا عالما بكذبه" ظاهر المذهب أن

وعنه فيها الكفارة ومثلها الحلف على مستحيل كقتل الميت وإحيائه وشرب ماء الكوز ولا ماء فيه الثاني لغو اليمين وهو أن يحلف على شيء يظنه فيبين بخلافه فلا كفارة فيها
__________
يمين الغموس لا كفارة فيها ونقله عن أحمد الجماعة وهو قول أكثر العلماء لأنها يمين غير منعقدة ولا توجب برا ولا يمكن فيها أشبهت اللغو ولأن الكفارة لا ترفع إثمها فلا تشرع فيها قال ابن مسعود كنا نعد من اليمين التي لا كفارة فيها اليمين الغموس رواه البيهقي بإسناد جيد وهي من الكبائر للخبر الصحيح التي لا تمحوها الكفارة "وعنه فيها الكفارة" لأنها تجمع الحلف بالله تعالى والمخالفة مع القصد فوجبت فيها الكفارة كالمستقبل وحينئذ يأثم كما يلزمه عتق وطلاق وظهار وحرام ونذر فيكفر كاذب في لعانه.
"مثلها الحلف على مستحيل كقتل الميت وإحيائه وشرب ماء الكوز ولا ماء فيه" أما المستحيل عقلا كصوم أمس والجمع بين الضدين فإذا حلف لم تنقعد يمينه قاله أبو الخطاب وقدمه في الكافي وغيره لعدم تصور البر فيها كاليمين الغموس وقال القاضي تنعقد يمينه موجبة للكفارة في الحال وهو قياس المذهب لأنها يمين على مستقبل ولا فرق بين أن يعلم استحالته أو لا وأما المستحيل عادة كإحياء الميت وقلب الأعيان فإذا حلف على فعله انعقدت يمينه قاله القاضي وأبو الخطاب وقطع به السامري لأنه يتصور وجوده وتلزمه الكفارة في الحال لأنه مأيوس منه وقياس المذهب أنها غير منعقدة كالتي قبلها قاله في الكافي وجزم بهما في الوجيز وفي الرعاية أوجه في المحال عادة فقط
"الثاني: لغو اليمين وهو أن يحلف على شيء" ماض "يظنه فيبين بخلافه فلا كفارة فيها" وحكاه ابن عبد البر إجماعا وفي الكافي هو ظاهر المذهب لقوله تعالى {لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} وهذا منه ولأنه يكثر فلو وجبت فيه الكفارة لشق وتضرروا به وهو منتف شرعا وكيمين الغموس وعنه فيه الكفارة وليس من لغو اليمين وذكره ابن عقيل بمعناه قالت عائشة أيمان اللغو ما كان في المراء والمزاحة والهزل والحديث الذي لا يعقد

فصل
الثاني: أن يحلف مختارا فإن حلف مكرها لم تنعقد يمينه وإن سبقت اليمين على لسانه من غير قصد إليها كقوله لا والله وبلى والله في عرض حديثه فلا كفارة عليه.
__________
عليه القلب وأيمان الكفارة كل يمين حلف عليها على جد من الأمر في غضب أو غيره إسناده جيد واحتج به الأصحاب وذكر ابن هبيرة عن الأكثر أن لغو اليمين أن يحلف بالله على أمر يظنه فيتبين بخلافه سواء قصده أم لم يقصده وخصه أحمد بالماضي فقط وقطع جماعة بحنثه في عتق وطلاق لوجود الصفة وقيل إن عقدها يظن صدق نفسه فبان خلافه فكمن حلف على فعل شيء وفعله ناسيا
فصل
"الثاني أن يحلف مختارا فإن حلف مكرها لم تنعقد يمينه" ذكره الأصحاب لقوله عليه السلام "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" وعنه تنعقد حكاها أبو الخطاب لخبر حذيفة رواه مسلم وككفارة الصيد وجوابه قوله عليه السلام "ليس على مقهور يمين" ولأنه قول أكره عليه بغير حق فلم يصح ككلمة الكفر وكفارة الصيد كمسألتنا.
"وإن سبقت اليمين على لسانه من غير قصد إليها كقوله لا والله وبلى والله في عرض حديثه" عرض الشيء بالضم جانبه وبالفتح خلاف طوله "فلا كفارة عليه" على الأصح وهو قول أكثرهم لأنها من لغو اليمين لما روى عطاء عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "اللغو في اليمين كلام الرجل في بيته لا والله وبلى والله" رواه أبو داود قال ورواه الزهري وعبد الله بن أبي سليمان ومالك بن مغول عن عطاء عن عائشة موقوفا وكذا رواه البخاري ولأن اللغو في كلام العرب الكلام غير المعقود عليه وهذا كذلك وذكر ابن هبيرة أنه إذا جرى على لسانه يمين على قول مستقبل فإن يمينه تنعقد في رواية فإن حنث فيها ,

الثالث الحنث في يمينه بأن يفعل ما حلف على تركه أو يترك ما حلف على فعله مختارا ذاكرا وإن فعله ناسيا أو مكرها فلا كفارة عليه وعنه على الناسي كفارة وإن حلف فقال إن شاء الله لم يحنث
__________
وجبت الكفارة وفي المحرر والرعاية فلا كفارة عليه إن كان في الماضي زاد في الرعاية في الأشهر وإن كان في المستقبل فروايتان وذكر السامري وغيره أنه لا كفارة فيها سواء قلنا هي من لغو اليمين أم لا وذكر ابن عقيل أن فيها الكفارة إن قلنا ليس هو من لغو اليمين
"الثالث: الحنث في يمينه" لأن من لم يحنث لا كفارة عليه لأنه لم يهتك حرمة القسم "بأن يفعل ما حلف على تركه أو يترك ما حلف على فعله" لأن الحنث الإثم ولا وجود له إلا بما ذكر "مختارا ذاكرا" لأن غيرهما المكره والناسي ونبه عليهما بقوله "وإن فعله ناسيا أو مكرها فلا كفارة عليه" ذكره في الوجيز ونصر في الشرح أنه لا يحنث في يمين مكفرة ويحنث في عتق وطلاق قال السامري اختاره أكثر شيوخنا ولأن فعل المكره لا ينسب إليه فلم تكن عليه كفارة كما لو لم يفعله وقال أبو الخطاب الإكراه كالنسيان لشمول الحديث لهما وذكر في الشرح المكره على الفعل ينقسم إلى قسمين أحدهما أن يلجأ إليه فلا يحنث في قول أكثرهم الثاني أن يكره بالضرب ونحوه ففيه روايتان إحداهما يحنث ككفارة الصيد ونصر في الشرح عدمه ولا نسلم الكفارة في الصيد بل إنما تجب على المكره.
"وعنه على الناسي كفارة" لأن الفعل ينسب إليه في الجملة أشبه الذاكر والفرق واضح.
"وإن حلف فقال إن شاء الله لم يحنث" ويسمى هذا استثناء لقوله عليه السلام "من حلف فقال إن شاء الله لم يحنث" رواه أحمد والترمذي وقال سألت محمدا عنه فقال هذا خطأ أخطأ فيه عبد الرزاق ورواه النسائي ولفظه قد استثنى وابن ماجة ولفظه فله ثنياه وعن ابن عمر مرفوعا قال "من حلف على يمين فقال: إن شاء الله فلا حنث عليه" رواه أحمد

فعل أو ترك إذا كان متصلا باليمين
__________
والنسائي والترمذي وحسنه وقال رواه غير واحد عن ابن عمر موقوفا ولا نعلم أحدا رفعه عن أيوب السختياني والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم ولأنه متى قال لأفعلن إن شاء الله فقد علمنا أنه متى شاء الله فعل ومتى لم يفعل لم يشأ الله.
"فعل أو ترك إذا كان متصلا باليمين" من غير فصل بكلام أجنبي ولا سكوت يمكن الكلام فيه لأن الاستثناء من تمام الكلام فاعتبر اتصاله كالشرط وجوابه وخبر المبتدأ والاستثناء ب إلا فعلى هذا لو سكت لانقطاع نفسه أو عطس ونحوه لم يمنع صحة الاستثناء وعنه مع فصل يسير ولم يتكلم جزم به في عيون المسائل قال في رواية أبي داود حديث ابن عباس "والله لأغزون قريشا ثم سكت ثم قال إن شاء الله" ثم لم يغزهم إنما هو استثناء بالقرب ولم يخلط كلامه بغيره ونقل عنه إسماعيل بن سعيد مثله ويحتمله كلام الخرقي فإنه قال إذا لم يكن بين اليمين والاستثناء كلام وعنه وفي المجلس وحكاه في الإرشاد عن بعض أصحابنا قدم الاستثناء على الجزاء أو أخره وعن ابن عباس إذا استثنى بعد سنة فله ثنياه وهو قول مجاهد وهذا لا يصح قال أحمد حديث النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن سمرة "إذا حلفت على يمين." الخبر ولم يقل فاستثن ولو جاز لأمر به وحمله في موضع آخر على قوله تعالى {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ.} الآية [الكهف: 23] فهذا استثناء من الكذب لأن الكذب ليس فيه كفارة وهو أشد من اليمين لأن اليمين تكفر والكذب لا يكفر قال ابن الجوزي فائدته الخروج من الكذب وفي المبهج يصح ولو تكلم ويشترط نطقه إلا من مظلوم خائف نص عليه ولم يقل في المستوعب خائف لأن يمينه غير منعقدة أو لأنه بمنزلة المتأول
وفي اعتبار قصد الاستثناء وجهان فائدتهما فيمن سبق على لسانه عادة أو أتى به تبركا ولم يعتبره الشيخ تقي الدين وإن شك في الاستثناء فالأصل عدمه قال الشيخ تقي الدين إلا ممن عادته الاستثناء واحتج بالمستحاضة تعمل بالعادة والتمييز ولم تجلس أقل الحيض والأصل وجوب العبادة

وإذا حلف ليفعلن شيئا ونوى وقتا بعينه تقيد به وإن لم ينو لم يحنث حتى ييأس من فعله إما بتلف المحلوف عليه أو موت الحالف ونحو ذلك وإذا حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها استحب له الحنث والتكفير ولا يستحب تكرار الحلف
__________
"وإذا حلف ليفعلن شيئا ونوى وقتا بعينه تقيد به" لأن النية تصرف ظاهر اللفظ إلى غير ظاهره فلأن تصرفه إلى وقت آخر بطريق الأولى "وإن لم ينو لم يحنث حتى ييأس من فعله إما بتلف المحلوف عليه أو موت الحالف ونحو ذلك" لقول عمر يا رسول الله ألم تخبرنا أنا سنأتي البيت ونطوف به قال "بلى أفأخبرتك أنك تأتيه العام؟" قال لا "قال فإنك آتيه ومطوف به" ولأن المحلوف على فعله لم يتوقف بوقت معين وفعله ممكن فلم تحصل مخالفة ما حلف عليه وذلك يوجب عدم الحنث لأن شرطه المخالفة "وإذا حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها استحب له الحنث والتكفير" كذا في المحرر والوجيز وقدمه في الفروع لأخبار منها خبر عبد الرحمن بن سمرة وأبي موسى متفق عليهما وعن عائشة "أن أبا بكر رضي الله عنه لم يحنث في يمين حتى أنزل الله كفارة اليمين فقال لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني" رواه البخاري وقدم في الترغيب أن بره وإقامته على يمينه أولى وسبق تقسيمه إلى الخمسة ولا يستحب تكرار الحلف كذا في المستوعب والفروع وظاهره الكراهة وصرح بها في الرعاية لقوله تعالى {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ} [القلم: 10] هذا ذم له يقتضي كراهة فعله فإن لم يخرج إلى حد الإكثار فليس بمكروه إلا أن يقترن به ما يقتضي كراهته ونقل حنبل لا يكثر الحلف لأنه مكروه لقوله تعلى {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} [البقرة: 224] وبعضهم كرهه مطلقا وجوابه بأنه عليه السلام حلف في غير حديث ولو كان مكروها كان أبعد الناس منه وأما الآية فمعناها لا تجعلوا أيمانكم بالله مانعة لكم من البر والتقوى والإصلاح بين الناس قال أحمد وذكر حديث ابن عباس بإسناده في قوله تعالى {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ} الرجل يحلف ألا يصل قرابته وقد جعل الله له مخرجا في التكفير ,

وإن دعي إلى الحلف عند الحاكم وهو محق استحب افتداء يمينه فإن حلف فلا بأس
فصل
وإن حرم أمته أو شيئا من الحلال
__________
فليكفر عن يمينه ويبر وإن كان النهي عاد إلى اليمين فالنهي عنه الحلف على قول البر والتقوى والإصلاح بين الناس لا على كل يمين "وإن دعي إلى الحلف عند الحاكم وهو محق استحب" وفي الفروع وغيره فالأولى "افتداء يمينه" لما روي "أن عثمان والمقداد تحاكما إلى عمر في مال استقرضه المقداد فجعل عمر اليمين على المقداد فردها على عثمان فقال عمر لقد أنصفك فأخذ عثمان ما أعطاه المقداد ولم يحلف فقيل له في ذلك فقال خفت أن يوافق قدر بلاء فيقال يمين عثمان.
"فإن حلف فلا بأس" كذا في المحرر والوجيز قال بعض أصحابنا تركه أولى فيكون مكروها والأشهر أنه ليس بمكروه وإنما هو مباح كتركه لأن الله تعالى أمر نبيه عليه السلام أن يحلف على تصديق ما أخبره في ثلاثة مواضع في القرآن في سبأ ويس والتغابن وقال عمر على المنبر وفي يده عصا "أيها الناس لا تمنعنكم اليمين من حقوقكم" ولأنه حلف صدق على حق أشبه الحلف عند غير الحاكم قال في الفروع ويتوجه فيه يستحب لمصلحة كزيادة طمأنينة وتوكيد الأمر وغيره ومنه قوله عليه السلام لعمر عن صلاة العصر "والله ما صليتها" تطمينا منه لقلبه
فرع: ذكر في المستوعب والرعاية أنه إن أراد اليمين عند غير الحاكم فالمشروع أن يقول والذي نفسي بيده والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لا ومقلب القلوب وما أشبه ذلك
فصل
"وإن حرم أمته أو شيئا من الحلال" كطعام ولباس ونحوهما سوى الزوجة

لم يحرم وعليه كفارة يمين إن فعله ويحتمل أن يحرم عليه تحريما تزيله الكفارة وإن قال هو يهودي أو كافر أو بريء من الله أو من الإسلام أو القرآن أو النبي صلى الله عليه وسلم إن فعل ذلك فقد فعل محرما وعليه كفارة إن فعل في إحدى الروايتين
__________
"لم يحرم" على المذهب لأنه تعالى سماه يمينا بقوله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ..} [التحريم: 1] إلى قوله {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} واليمين على الشيء لا تحرمه فكذا إذا حرمه ولأنه لو كان محرما لتقدمت الكفارة عليه كالظهار ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بفعله وسماه خيرا "وعليه كفارة يمين إن فعله" نص عليه لقوله تعالى {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2] يعنى التكفير وسبب نزولها أنه عليه السلام قال "لن أعود إلى شرب العسل" متفق عليه وزاد البخاري تعليقا وقد حلفت وعن ابن عباس وابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل تحريم الحلال يمينا ومقتضاه أنه إذا ترك ما حرمه على نفسه أنه لا شيء عليه "ويحتمل أن يحرم عليه تحريما تزيله الكفارة" هذا وجه لقوله تعالى {لمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1] وكتحريم الزوجة وجوابه أنه إذا أراد التكفير فله فعل المحلوف عليه وحل فعله مع كونه محرما تناقض وكذا تعليقه بشرط نحو إن أكلته فهو علي حرام نقله أبو طالب قال في الانتصار وطعامي علي كالميتة والدم واليمين تنقسم إلى أحكام التكليف الخمسة وهل تستحب على فعل طاعة أو ترك معصية فيه وجهان "وإن قال هو يهودي أو كافر أو بريء من الله أو من الإسلام أو القرآن أو النبي صلى الله عليه وسلم إن فعل ذلك فقد فعل محرما" لما روى ثابت بن الضحاك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من حلف على يمين بملة غير الإسلام كاذبا فهو كما قال" متفق عليه وعن بريدة مرفوعا قال "من قال إنه بريء من الإسلام وإن كان كاذبا فهو كما قال وإن كان صادقا لم يعد إلى الإسلام" رواه أحمد والنسائي وابن ماجة بإسناد جيد وسواء كان منجزا أو معلقا بشرط "وعليه كفارة" يمين "إن فعل في إحدى الروايتين" قدمه في المستوعب والرعاية والمحرر وجزم به في الوجيز لحديث زيد بن ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم

وإن قال أنا استحل الزنى ونحوه فعلى وجهين وإن قال عصيت الله أو أنا أعصي الله في كل ما أمرني أو محوت المصحف إن فعلت فلا كفارة عليه وإذا قال عبد فلان حر لأفعلن فليس بشيء
__________
سئل عن الرجل يقول هو يهودي أو نصراني أو مجوسي أو بريء من الإسلام في اليمين يحلف بها فيحنث في هذه الأشياء فقال عليه كفارة يمين رواه أبو بكر ولأن قول هذه الأشياء يوجب هتك الحرمة فكان يمينا كالحلف بالله تعالى بخلاف هو فاسق إن فعله لإباحته في حال والثانية لا كفارة عليه وصححها المؤلف لأنه لم يرد ولا هو في معنى المنصوص عليه وعنه الوقف نقلها حرب وإن قال أنا أستحل الزنى ونحوه فعلى وجهين إذا قال هو يستحل ما حرم الله أو عكس وأطلق أو علقه وحنث فوجهان لأن استحلال ذلك أو تحريمه يوجب الكفر فيخرج على الروايتين قبلها وجزم في الوجيز وهو ظاهر ما قدمه في المحرر أنه إن فعل ذلك فقد فعل محرما وعليه كفارة يمين "وإن قال عصيت الله أو أنا أعصي الله في كل ما أمرني أو محوت المصحف إن فعلت فلا كفارة عليه" نص عليه وقدمه في المحرر والرعاية وجزم به في الكافي والشرح لأن هذه الأشياء لا نقص فيها يقتضي الوجوب ولا هي في معنى ما سبق فيبقى الحالف على البراءة الأصلية واختار في المحرر أنه إذا قال عصيت الله في كل ما أمرني أنه يمين لدخول التوحيد فيه وقال ابن عقيل في محوت المصحف هو يمين لأن الحالف لم يقصد بقوله محوته إلا إسقاط حرمته فصار كقوله هو يهودي ولأنه إذا أسقط حرمته كان يمينا كذا إذا أتى بما في معناه "وإذا قال عبد فلان حر لأفعلن فليس بشيء" أي فلغو وكذا إن علقه لأن تعليق الشيء بالشرط أثره أن يصير عند الشرط كالمطلق وإذا كان المطلق لا يوجب شيئا فكذا المعلق ولا يعتق العبد إذا حنث بغير خلاف لأنه لا يعتق بتنجيزه فالمعلق أولى ولا تلزمه كفارة لأنه حلف بإخراج مال غيره كما لو قال مال فلان صدقة .

وعنه عليه كفارة إن حنث وإن قال أيمان البيعة تلزمني فهي يمين رتبها الحجاج فتشتمل على اليمين بالله تعالى والطلاق والعتاق وصدقة المال فإن كان الحالف يعرفها ونواها انعقدت يمينه بما فيها وإلا فلا شيء عليه
__________
"وعنه عليه كفارة إن حنث" لأنه حلف بالعتق فيما لا يقع إلا بالحنث كما لو قال لله علي أن أعتق فلانا والأول أصح والفرق بينهما أن قوله لله علي إلى آخره أنه نذر فأوجب الكفارة لكون النذر كاليمين وتعليق العتق بخلافه
فرع: إذا قال إن فعلت كذا فمال فلان صدقة أو فعل فلان الحج أو هو بريء من الإسلام وأشباه ذلك فليس بيمين ولا تجب به كفارة بغير خلاف نعلمه قاله المؤلف وذكر السامري فيه الخلاف.
"وإن قال أيمان البيعة تلزمني" البيعة: المبايعة أن يحلف بها عند المبايعة والأمر المهم وكانت البيعة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين بالمصافحة "فهي يمين رتبها الحجاج" بن يوسف بن الحكم بن عقيل الثقفي ولاه عبد الملك بن مروان قتال ابن الزبير فحاصره بمكة ثم قتله وأخرجه فصلبه فولاه عبد الملك الحجاز ثلاث سنين ثم ولاه العراق وهو ابن ثلاث وثلاثين فوليها عشرين سنة فزلزل أهلها وروى ابن قتيبة عن عمر أنه قال يا أهل الشام تجهزوا لأهل العراق فإن الشيطان قد باض فيهم وفرخ اللهم عجل لهم الغلام الثقفي الذي يحكم فيهم بحكم الجاهلية لا يقبل من محسنهم ولا يتجاوز عن مسيئهم.
"فتشتمل على اليمين بالله تعالى والطلاق والعتاق وصدقة المال" ذكره الأصحاب زاد بعضهم والحج "فإن كان الحالف يعرفها ونواها انعقدت يمينه بما فيها" من الطلاق والعتاق لأن اليمين بهما تنعقد بالكناية فكذا ما عداهما في قول القاضي وقدمه في الرعاية واستثنى في الوجيز اليمين بالله تعالى وهو قول القاضي وجزم به في الكافي لأن الكفارة إنما وجبت فيها لما ذكر فيها من اسم الله المعظم ولا يوجد ذلك في الكناية "وإلا فلا شيء عليه" أي : إذا

ويحتمل ألا تنعقد بحال إلا في الطلاق والعتاق وإن قال علي نذر أو يمين إن فعلت كذا وفعله فقال أصحابنا عليه كفارة يمين
__________
لم يعرفها ولم ينوها فلغو لأن ذلك إنما ينعقد بالكناية ولا مدخل لها في ذلك ولأنه لا يصح مع النية فيما لا يعرفه وسئل أبو القاسم الخرقي عنها فقال لست أفتي فيها بشيء ثم قال إلا أن يلتزم الحالف بجميع ما فيها من الأيمان فقال يعرفها أو لا يعرفها قال نعم فيؤخذ منه أنها تنعقد إذا نواها وإن لم يعرفها.
"يحتمل ألا تنعقد بحال" لما ذكرنا "إلا في الطلاق والعتاق" لانعقادهما بالكناية وقيل والصدقة وفي الترغيب إن علمها لزمه عتق وطلاق
فرع: لم يذكر المؤلف حكم أيمان المسلمين ويلزمه فيها عتق وطلاق وظهار ونذر ويمين بالله بنية ذلك وفي اليمين بالله الوجهان وألزم القاضي الحالف بالكل ولو لم ينو ومن حلف بأحدها فقال آخر يميني من يمينك أو عليها أو مثلها ينوي التزام مثلها لزمه نص عليه في طلاق وفي المكفرة وجهان وذكر السامري أنه إذا كانت يمين الأول مما ينعقد بالكناية كطلاق وعتق انعقدت يمين الثاني وإلا فلا وفي الكافي والشرح أن اليمين بالله لا تنعقد وإن لم ينو شيئا لم تنعقد يمينه لأن الكناية لا تنعقد بغير نية وهذا ليس بصريح
"وإن قال علي نذر أو يمين إن فعلت كذا وفعله فقال أصحابنا عليه كفارة يمين" وجزم به في الوجيز لما روى الترمذي وصححه عن عقبة مرفوعا قال كفارة النذر إذا لم يسم كفارة يمين وإن قال مالي للمساكين وأراد به اليمين فكفارة يمين ذكره في المستوعب والرعاية .

فصل كفارة اليمين
وهي تجمع تخييرا وترتيبا فيخير فيها بين ثلاثة أشياء إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة والكسوة للرجل ثوب يجزئه أن يصلي فيه وللمرأة درع وخمار.
__________
فصل كفارة اليمين"وهي تجمع تخييرا وترتيبا" فالتخيير بين الإطعام والكسوة والعتق والترتيب فيها بين ذلك وبين الصيام والأصل في ذلك قوله تعالى {لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة: 89] وفي السنة أحاديث وأجمعوا على مشروعية الكفارة في اليمين بالله تعالى.
"فيخير فيها بين ثلاثة أشياء إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة" وقد سبق ذكر العتق والإطعام في الظهار ويجزئ أن يطعم بعضا ويكسو بعضا نص عليه وفيه قول كبقية الكفارات من جنسين وكعتق مع غيره "والكسوة للرجل ثوب يجزئه أن يصلي فيه" الفرض نقله حرب وقاله في التبصرة كوبر وصوف وما يسمى كسوة ولو عتيقا لم تذهب قوته فإذا ذهبت منفعته باللبس فلا يجوز كالحب المعيب "وللمرأة درع وخمار" لأن ما دون ذلك لا يجزئ لبسه في الصلاة ويسمى عريانا شرعا فوجب أن لا يجزئ وقال أكثر العلماء يتقدر ذلك بأقل ما يقع عليه الاسم وجوابه أن الكسوة أحد أنواع الكفارة فلم يجز فيها ما يقع عليه الاسم كالإطعام والإعتاق ولأن التكفير عبادة تعتبر فيها الكسوة أشبهت الصلاة ونص على الدرع والخمار ,

فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام متتابعات إن شاء قبل الحنث وإن شاء بعده ولا يجوز تقديمها على اليمين
__________
كالخرقي وغيره لأن الستر غالبا لا يحصل إلا بذلك وإلا فلو أعطاها ثوبا واسعا يستر بدنها ورأسها أجزأ ذلك إناطة بستر عورتها في الصلاة "فمن لم يجد" أي إذا عجز عن العتق والإطعام والكسوة "فصيام ثلاثة أيام" للآية متتابعات أي بلا عذر في ظاهر المذهب وقدمه في المحرر والفروع وجزم به في الوجيز لقراءة أبي وابن مسعود فصيام ثلاثة أيام متتابعات حكاه أحمد ورواه الأثرم فالظاهر أنهما سمعاه من النبي صلى الله عليه وسلم فيكون خبرا وكصوم الظهار وعنه له تفريقها وقال ابن عقيل هل الدين كزكاة فيصوم أم لا كفطره فيه روايتان ولا ينتقل إلى الصوم إلا إذا عجز كعجزه عن زكاة الفطر نص عليه فإن كان ماله غائبا استدان إن قدر وإلا صام.
فرع: تجب كفارة ونذر على الفور نص عليه إن شاء قبل الحنث وإن شاء بعده سواء كان صوما أو غيره وهو قول أكثرهم وممن روي عنه تقديم الكفارة قبل الحنث عمر وابنه وابن عباس وسلمان وعن عبد الرحمن بن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "يا عبد الرحمن إذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فكفر عن يمينك ثم ائت الذي هو خير" رواه أبو داود والنسائي ورجاله ثقات ولأنه كفر بعد سببه فجاز ككفارة الظهار والقتل بعد الجرح وكتعجيل الزكاة بعد وجود النصاب والحنث شرط وليس بسبب وظاهره أنهما سواء في الفضيلة نص عليه وعنه بعده أفضل للخروج من الخلاف وهذا محله ما لم يكن الحنث حراما فإنه إذا كان كذلك كفر بعده مطلقا وفي الواضح على رواية حنثه بعزمه على مخالفة يمينه بنيته لا يجوز بل لا يصح وفي رواية لا يجوز بصوم لأنه تقديم عبادة كصلاة واختار في التحقيق أنه لا يجوز قبل الحنث كما لو كفر قبل اليمين وكحنث محرم في وجه.
"ولا يجوز تقديمها على اليمين" عند أحد من العلماء لأنه تقديم للحكم قبل سببه كتقديم الزكاة قبل ملك النصاب مع أن ابن حزم ذكر أنهم اختلفوا في

ومن كرر إيمانا قبل التكفير فعليه كفارة واحدة وعنه لكل يمين كفارة والظاهر أنها إن كانت على فعل واحد فكفارة واحدة وإن كانت على أفعال فلكل يمين كفارة
__________
تقديمها "ومن كرر أيمانا قبل التكفير فعليه كفارة واحدة" اختاره الأكثر وذكر أبو بكر أن أحمد رجع عن غيره لأن الكفارة حد بدليل قوله عليه السلام الحدود كفارات لأهلها فوجب أن تتداخل كالحدود.
"وعنه: لكل يمين كفارة" وقاله أبو عبيد فيمن قال علي عهد الله وميثاقه وكفالته ثم حنث فعليه ثلاث كفارات ولأن كل واحدة منهن مثل الأولى وكما لو اختلف موجبها كيمين وظهار وعنه إن حلف أيمانا على شيء واحد لكل يمين كفارة إلا أن ينوي التأكيد أو التفهيم "والظاهر أنها إن كانت على فعل واحد" كوالله لا قمت والله لا قمت فكفارة واحدة وإن كانت على أفعال نحو والله لا قمت والله لا قعدت "فلكل يمين كفارة" هذا رواية ونصرها في الشرح لأنها إذا كانت على فعل واحد كان سببها واحدا فالطاهر أنه أراد التأكيد وإن كانت على أفعال فلأنها أيمان لا يحنث في إحداهن بالحنث في الأخرى فوجب في كل يمين كفارتها كالمختلفة والأول أصح لأنها كفارات من جنس فقد أحلت كالحدود وأجاب في الشرح بأن الحدود وجبت للزجر وتندرئ في الشبهة والموالاة بينها ربما أفضى إلى التلف لأنها عقوبة بدنية بخلاف مسألتنا
فرع: إذا حلف يمينا واحدة على أجناس مختلفة وحنث في الجميع فكفارة واحدة بغير خلاف نعلمه لأن اليمين واحدة والحنث واحد فإنه يحنث بفعل واحد من المحلوف عليه وتنحل يمينه فإن أخرجها ثم حنث في أخرى فكفارة أخرى لا نعلم فيه خلافا كما لو وطئ في رمضان فكفر ثم وطئ ثانية
تنبيه: مثله الحلف بنذور مكررة أو بطلاق مكفر قاله شيخنا نقل ابن منصور فيمن حلف نذورا كثيرة مسماة إلى بيت الله أن لا يكلم أباه أو أخاه فعليه كفارة يمين وقال شيخنا فيمن قال الطلاق يلزمه لأفعلن كذا وكرره -:لم يقع

وإن كانت الأيمان مختلفة الكفارة كالظهار واليمين بالله تعالى فلكل يمين الأيمان كفارتها وكفارة العبد الصوم وليس لسيده منعه منه ومن نصفه حر فحكمه في الكفارة حكم الأحرار
__________
أكثر من واحدة إذا لم ينو فيتوجه مثله إن قمت فأنت طالق وكرره ثلاثا وذكر المؤلف أنه يقع بها ثلاث إجماعا وكان الفرق أنه يلزمه من الشرط الجزاء فتقع الثلاث معا للتلازم ولا ربط في اليمين ولأنها للزجر والتطهير فهي كالحدود بخلاف الطلاق والأصل حمل اللفظ على فائدة أخرى ما لم يعارضه معارض ذكره في الفروع.
"إن كانت الأيمان مختلفة الكفارة كالظهار واليمين بالله تعالى فلكل يمين كفارتها" لأنها أجناس فلم تتداخل كالحدود من أجناس.
"كفارة العبد الصوم" لأنه كفارة الحر المعسر وهو أحسن حالا من العبد ويجزئه الصوم بغير خلاف ويصح بإعتاق وإطعام بإذن سيده إن قلنا يملك بالتمليك وإلا فلا وهل له إعتاق نفسه على وجهين "وليس لسيده منعه منه" ولا من نذره كصوم رمضان وقضائه وفي الرعاية إن حلف أو حنث بإذنه روعي الحلف فقط "ومن نصفه حر" وعبارة المحرر والوجيز والفروع ومن بعضه وهو أولى "فحكمه في الكفارة حكم الأحرار" لأنه يملك ملكا تاما أشبه الحر الكامل وقيل لا يكفر بعتق لأنه لا يثبت له الولاء وجوابه بالمنع
فرع: يكفر كافر ولو مرتدا بغير صوم

باب جامع الأيمان
ويرجع في الأيمان إلى النية
__________
باب جامع الأيمان"ويرجع في الأيمان إلى النية" أي إلى نية حالف ليس ظالما نص عليه ولفظه يحتملها فمتى نوى بيمينه ما يحتمله تعلقت يمينه بما نواه دون ما لفظ

وإن لم تكن له نية رجع إلى سبب اليمين وما هيجها فإذا حلف ليقضينه حقه غدا فقضاه قبله لم يحنث إذا قصد ألا يتجاوزه أو كان السبب يقتضيه
__________
به سواء نوى ظاهر اللفظ أو مجازه مثل أن ينوي موضوع اللفظ أو الخاص بالعام أو بالعكس أو غير ذلك لقوله عليه السلام "وإنما لامرئ ما نوى" فتدخل فيه الأيمان ولأن كلام الشارع يصرف إلى ما دل الدليل على ما أراده دون ظاهر اللفظ فكلام المتكلم مع اطلاعه على تعين إرادته أولى ويقبل حكما مع قرب الاحتمال من الظاهر ومع توسطه روايتان أشهرهما القبول.
مسألة: يجوز التعريض في المخاطبة لغير السهو بلا حاجة اختاره الأكثر وقيل لا ذكره الشيخ تقي الدين واختاره لأنه تدليس كتدليس المبيع وقد كره أحمد التدليس وقال لا يعجبني ونصه لا يجوز التعريض مع اليمين.
"فإن لم تكن له نية رجع إلى سبب اليمين وما هيجها" قدمه في الخرقي والإرشاد والمبهج وجزم به في الوجيز وحكي رواية وقدمه القاضي بموافقته الوضع وعنه يقدم عليه وذكرها القاضي وعليها عموم لفظه احتياطا ثم إلى التعيين وقيل يقدم عليه وضع لفظه شرعا أو عرفا أو لغة وفي المذهب في الاسم والعرف وجهان وذكر أنه النية ثم السبب ثم مقتضى لفظه عرفا أو لغة "فإذا حلف ليقضينه حقه غدا فقضاه قبله لم يحنث إذا قصد ألا يتجاوزه أو كان السبب يقتضيه" لأن مقتضى اليمين تعجيل القضاء ولأن السبب يدل على النية فإن لم ينو ذلك ولا كان السبب يقتضيه فظاهر كلام الخرقي وقدمه في الرعاية وغيرها أنه لا يبرأ إلا بقضائه في الغد وقال القاضي يبرأ في كل حال لأن عرف هذه اليمين في القضاء التعجيل فتنصرف اليمين المطلقة إليه والأول أصح فلو حلف ليقضينه غدا وقصد مطله فقضاه قبله حنث ذكره في المحرر والرعاية فإن كان كأكل شيء أو بيعه فإن عين وقتا ولم ينو ما يقتضي تعجيله ولا كان سبب يمينه يقتضيه لم يبرأ إلا أن يفعله في وقته نصره المؤلف وغيره وذكر القاضي أنه يبرأ بتعجيله عن وقته .

وإن حلف لا يبيع ثوبه إلا بمائة فباعه بأكثر لم يحنث وإن باعه بأقل حنث وإن حلف لا يدخل دارا ونوى اليوم لم يحنث بالدخول في غيره وإن دعي إلى غداء فحلف لا يتغدى اختصت يمينه به إذا قصده وإن حلف لا يشرب له الماء من العطش يقصد قطع المنة حنث بأكل خبزه واستعارة دابته وكل ما فيه المنة
__________
"وإن حلف: لا يبيع ثوبه إلا بمائة فباعه بأكثر لم يحنث" لأنه لم يخالف ما حلف عليه "وإن باعه بأقل حنث" لأن قرينة الحال تدل على ذلك كما لو حلف ماله علي وله علي شيء كثير.
"وإن حلف لا يدخل دارا ونوى اليوم لم يحنث بالدخول في غيره" لأن العبرة في الأيمان بالنية ولأن اللفظ العام يصير بالإرادة خاصا ولو كانت يمينه خاصة كقوله لا دخلت دارا اليوم لم يحنث بالدخول في غيره فكذا إذا نواه, وفي الفروع إن حلف لا يدخل دارا ونوى اليوم قبل حكما وعنه لا ويدين "وإن دعي إلى غداء فحلف لا يتغدى اختصت يمينه به إذا قصده" أي اختصت يمينه بالغداء عند الداعي إذا قصده لأن اللفظ وإن كان عاما لكن القصد خصصه فصار كما لو دعي إلى غداء فحلف لا يتغدى عند الداعي وفيه وجه.
"وإن حلف لا يشرب له الماء من العطش يقصد قطع المنة حنث بأكل خبزه واستعارة دابته وكل ما فيه المنة" لأن ذلك للتنبيه على ما هو أعلى منه كقوله تعالى {وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً} [النساء: 49] يريد لا يظلمون شيئا ولقول الشاعر:
ولا يظلمون الناس حبة خردل
ونص عليه أحمد في مواضع ذكره القاضي في الخلاف وذكر ابن عقيل لا أقل منه كقعوده في ضوء ناره وعلى ما ذكره المؤلف إن لم يقصد قطع المنة لم يحنث إلا أن يكون ثم سبب وإن كان لهذه اليمين عادة وعرف,

وإن حلف لا يلبس ثوبا من غزلها يقصد قطع منتها فباعه واشترى بثمنه ثوبا فلبسه حنث وإن حلف لا يأوي معها في دار يريد جفاءها ولم يكن للدار سبب هيج يمينه فأوى معها في غيرها حنث
__________
فهو كمن حلف ليقضينه حقه غدا فقضاه قبله.
"إن حلف لا يلبس ثوبا من غزلها يقصد قطع منتها فباعه واشترى بثمنه ثوبا فلبسه حنث" وكذا إن انتفع بثمنه نص عليه في رواية أبي طالب وذكره القاضي في الخلاف وهو قول أكثرهم لقوله عليه السلام "لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها وأكلوا ثمنها" ويحنث بالانتفاع به في غير اللبس لأنه نوع انتفاع به يلحق المنة به وإن لم يقصد قطع المنة ولا كان سبب يمينه يقتضي ذلك لم يحنث إلا بما تناولته يمينه وهو لبسه خاصة فإن نوى اجتناب اللبس خاصة قدمت النية على السبب وجها واحدا قاله في المغني لأن النية وافقت مقتضى اللفظ ولا يتعدى الحكم إلى كل ما فيه منة جزم به في الكافي والشرح وقدمه في الرعاية لأن لكونه ثوبا من غزلها أثرا في داعية اليمين فلم يجز حذفه وقيل إن انتفع بما لها فيه منة بقدره أو أزيد حنث جزم به في الترغيب وذكر في التعليق والمفردات وغيرهما يحنث بشيء منها لأنه لا يمحو منتها إلا بالامتناع مما يصدر عنها مما يتضمن منة ليخرج مخرج الوضع العرفي
تنبيه: إذا كان اللفظ أعم من السبب كرجل امتنت عليه زوجته ببيتها فحلف لا يسكن بيتا فقيل يحمل اللفظ على عمومه ككلام الشارع والأشهر أن العبرة بخصوص السبب لأن قرينة حاله دالة على إرادة الخاص أشبه ما لو نواه لإقامة السبب مقام النية.
"وإن حلف لا يأوي معها في دار يريد جفاءها ولم يكن للدار سبب هيج يمينه فأوى معها في غيرها حنث" أو لا عدت رأيتك تدخلينها ينوي منعها حنث ولو لم يرها لمخالفته ما حلف على تركه ومعنى الإيواء الدخول يقال أويت أنا وآويت غيري لقوله تعالى {إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى

وإن حلف لعامل لا يخرج إلا بإذنه فعزل أو على زوجته فطلقها أو على عبده فأعتقه ونحوه يريد ما دام كذلك انحلت يمينه فإن لم تكن له نية انحلت يمينه أيضا ذكره القاضي لأن الحال تصرف اليمين إليه
__________
الْكَهْفِ} [الكهف: 10] {وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ} [المؤمنون:50]
فإن اجتمع معها فيما ليس بدار ولا بيت لم يحنث سواء كانت الدار سبب يمينه أو لم تكن لأنه قصد جفاءها بهذا النوع ونقل ابن هانئ أقل الإيواء ساعة وجزم به في الترغيب.
مسألة: إذا حلف لا يدخل عليها بيتا فدخل عليها فيما ليس ببيت فإن قصد جفاءها ولم يكن للدار سبب هيج يمينه حنث وإلا فلا قاله في المغني والشرح فإن دخل على جماعة هي فيهم يقصد الدخول عليها حنث وكذا إن لم يقصد شيئا وإن استثناها بقلبه فوجهان فإن دخل بيتا لا يعلم أنها فيه فوجدها فيه فهو كالدخول عليها ناسيا وفيه روايتان فإن قلنا لا يحنث فأقام فهل يحنث على وجهين.
"وإن حلف لعامل لا يخرج إلا بإذنه فعزل أو على زوجته فطلقها أو على عبده فأعتقه ونحوه يريد ما دام كذلك انحلت يمينه" لأن الخروج بعد ما ذكر بغير الإذن خروج لم يتناوله لتخصيص اللفظ بإرادة زمن العمالة والزوجية والعبودية "فإن لم تكن له نية انحلت يمينه أيضا ذكره القاضي لأن الحال تصرف اليمين إليه" لأن السبب يدل على النية في الخصوص لدلالتها عليه في العموم ولو نوى الخصوص لاختصت يمينه به فكذا إذا وجد ما يدل عليها وقدم في الرعاية أنها لا تنحل لأن لفظ الشارع إذا كان عاما لسبب خاص وجب الأخذ بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كذلك يمين الحالف لأن اليمين إذا تعلقت بعين موصوفة تعلقت بالعين وإن تغيرت الصفة وذكر القاضي فيمن حلف لعامل لا يخرج إلا بإذنه فعزل أنها لا تنحل في قياس المذهب وهو وجه والأول أولى .

وذكر في موضع آخر أن السبب إذا كان يقتضي التعميم عممناه به وإن اقتضى الخصوص مثل من نذر لا يدخل بلدا لظلم رآه فيه فزال الظلم فقال أحمد النذر يوفى به والأول أولى لأن السبب يدل على النية فصار كالمنوي سواء وإن حلف لا رأيت منكرا إلا رفعته إلى فلان القاضي فعزل انحلت يمينه إن نوى ما دام قاضيا وإن لم ينو احتمل وجهين
__________
"وذكر في موضع آخر أن السبب إذا كان يقتضي التعميم عممناه به وإن اقتضى الخصوص مثل من نذر لا يدخل بلدا لظلم رآه فيه فزال الظلم فقال أحمد النذر يوفى به" نظرا إلى عموم اللفظ فيجب أن يعتبر والأول أولى لأن السبب يدل على النية فصار كالمنوي سواء لأن أصوله تقتضي تقديم النية والسبب على عموم اللفظ وذلك يقتضي تخصيص اللفظ العام وقصره على الحاجة فكذا تجب في هذه المسائل لكونها داخلة في القواعد الكلية
تنبيه: إذا اختلف السبب والنية مثل أن امتنت عليه امرأته بغزلها فحلف لا يلبس ثوبا من غزلها ينوي اجتناب اللبس خاصة دون الانتفاع بثمنه وغيره قدمت النية على السبب وجها واحدا لأن النية وافقت مقتضى اللفظ وإن نوى بيمينه ثوبا واحدا فكذلك في ظاهر قول الخرقي وقال القاضي يقدم السبب لأن اللفظ ظاهر في العموم والسبب وهو الامتنان يؤكد ذلك الظاهر والأول أصح لأن السبب إنما اعتبر لدلالته على القصد فإذا خالف حقيقة القصد لم يعتبر فكان وجوده كعدمه فلم يبق إلا اللفظ بعمومه والنية تخصه على ما بيناه.
"وإن حلف لا رأيت منكرا إلا رفعته إلى فلان القاضي فعزل انحلت يمينه إن نوى ما دام قاضيا" لأن الرفع بمنزلة الخروج فيما إذا حلف لعامل لا يخرج إلا بإذنه ونوى ما دام عاملا
"وإن لم ينو احتمل وجهين" أحدهما لا تنحل قال القاضي هو قياس المذهب والثاني بلى وهو ظاهر الوجيز لأنه لا يقال رفعه إليه إلا في حال ولايته فعلى الأول إذا رفعه إليه بعد العزل بر وإلا فلا وإذا رأى منكرا في

.
__________
ولايته وأمكن رفعه ولم يرفعه حتى عزل لم يبر وهل يحنث بعزله فيه وجهان أحدهما يحنث كما لو مات
والثاني لا لأنه لم يتحقق فواته لاحتمال أن يلي فيرفعه إليه وإن مات قبل إمكان رفعه إليه حنث في الأصح وإن لم يعين الوالي إذن ففي تعيينه وجهان في الترغيب للتردد بين تعيين العهد والجنس وفيه لو علم به بعد علمه فقيل فات البر كما لو رآه معه وقيل لا لإمكان صورة الرفع فعلى الأولى هي كإبرائه من دين بعد حلفه ليقضيه وفيه وجهان وكذا قوله جوابا لقولها تزوجت علي فقال كل امرأة لي طالق فإنها تطلق معهم نص عليه أخذا بالأعم من لفظ وسبب.
مسائل: الأولى: إذا حلف لا رأيتك تدخلين دار زيد يريد منعها فدخلت حنث وإن لم يرها وإن حلف لا يبيت عند فلانة فمكث عندها حتى مضى أكثر الليل حنث لأن البيتوتة تقع عليه وإن مكث أقل فعلى الخلاف في فعل بعض المحلوف عليه.
الثانية: إذا حلف: لا يكفل بمال فكفل ببدن فقال أصحابنا يحنث وقال المؤلف والقياس عدمه وذكر السامري وابن حمدان يحنث إلا إذا شرط البراءة من المال وصححنا هذا الشرط
الثالثة: إذا حلف: لا يأوي مع زوجته هذا العيد فقال أحمد في رواية إسماعيل بن سعيد إذا عيد الناس دخل إليها قلت فإن قال أيام العيد فقال على ما يعرفه الناس ويعهدون بينهم وقد روي عن ابن عباس قال "حق على المسلمين إذا رأوا هلال شوال أن يكبروا حتى يفرغوا من عيدهم" يعني من صلاتهم وقال ابن أبي موسى ويتوجه أن لا يأوي عندها في عيد الفطر حتى تغيب شمس يومه ولا يأوي في عيد الأضحى حتى تغيب شمس آخر يوم من أيام التشريق .

فصل
فإن عدم ذلك رجع إلى التعيين فإذا حلف لا يدخل دار فلان هذه فدخلها وقد صارت فضاء أو حماما أو مسجدا أو باعها فلان أو لا لبست هذا القميص فجعله سراويل أو رداء أو عمامة ولبسه أو لا كلمت هذا الصبي فصار شيخا أو امرأة فلان أو صديقه فلانا أو غلامه سعدا فطلقت الزوجة وزالت الصداقة وعتق العبد وكلمهم أو لا أكلت لحم هذا الحمل فصار كبشا أو لا أكلت هذا الرطب فصار تمرا أو دبسا أو خلا
__________
فصل
"فإن عدم ذلك" أي النية والسبب "رجع إلى التعيين" كذا في الكافي والوجيز وصححه في المحرر والرعاية لأن التعيين أبلغ من دلالة الاسم على المسمى لأنه ينفي الإبهام بالكلية بخلاف الاسم ولهذا لو شهد عدلان على عين شخص وجب على الحاكم الحكم عليه بخلاف ما لو شهد على مسمى باسم لم يجب حتى يثبت أنه المسمى بذلك وكذا يقدم التعيين على الصفة والإضافة وقيل تقدم الصفة عليه "فإذا حلف لا يدخل دار فلان هذه فدخلها وقد صارت فضاء أو حماما أو مسجدا أو باعها فلان" لأن التعيين يقتضي الحنث وزوال الاسم ينفيه والتعيين راجح على الاسم "أو: لا لبست هذا القميص فجعله سراويل أو رداء أو عمامة ولبسه" لما ذكرنا "أو لا كلمت هذا الصبي فصار شيخا أو امرأة فلان أو صديقه فلانا أو غلامه سعدا فطلقت الزوجة وزالت الصداقة وعتق العبد وكلمهم" لأن الإضافة فيها تقتضي وصف المحلوف على عدم كلامه بالزوجية والصداقة أو كونه غلاما والصفة كالاسم بل أضعف فإذا غلب التعيين على الاسم فلأن يغلب على الصفة أولى "أو: لا أكلت لحم هذا الحمل فصار كبشا أو لا أكلت هذا الرطب فصار تمرا أو دبسا أو خلا" لأنه كسكنى الدار والقميص من غير فرق .

أو لا أكلت هذا اللبن فتغير أو عمل منه شيء فأكله حنث في ذلك كله ويحتمل ألا يحنث
فصل
فإن عدم ذلك رجعنا إلى ما يتناوله الاسم والأسماء تنقسم إلى ثلاثة أقسام شرعية وحقيقية وعرفية
__________
"أو لا أكلت هذا اللبن فتغير أو عمل منه شيء فأكله" لأن تغيره وخلط شيء آخر معه بمنزلة زوال الاسم وذلك لا يضر.
"حنث في ذلك كله" أي: في المسائل السابقة كلها كقوله دار فلان فقط أو التمر الحديث فعتق أو الرجل الصحيح فمرض وكالسفينة تنقض ثم تعاد.
"ويحتمل ألا يحنث" وقاله ابن عقيل لأنه لو حلف على ذلك كله ناويا للصفة التي حلف عليها لم يحنث إذا زالت وقرينة الحال تدل على إرادة ذلك فصار كالمنوي واختاره القاضي والمؤلف في نحو بيضة صارت فرخا وإن حلف ليأكلن هذه البيضة أو التفاحة فعمل منها شرابا أو ناطفا فالوجهان وكذلك سائر المسائل ذكره في المحرر والفروع
فصل
"فإن عدم ذلك" أي التعيين مع عدم النية والسبب "رجعنا إلى ما يتناوله الاسم" لأنه دليل على إرادة المسمى ولا معارض له هنا فوجب أن يرجع إليه عملا به لسلامته عن المعارضة "والأسماء تنقسم إلى ثلاثة أقسام شرعية وحقيقية وعرفية" ما له مسمى واحد كالرجل والمرأة تنصرف اليمين إلى مسماه بغير خلاف وما له موضوع شرعي وموضوع لغوي كالوضوء فتنصرف اليمين إلى الموضوع الشرعي عند الإطلاق لا نعلم فيه خلافا وما له موضوع حقيقي ومجاز لم يشتهر كالأسد فتنصرف اليمين إلى الحقيقة ككلام الشارع وما اشتهر مجازه حتى صارت الحقيقة مغمورة فيه فهو أقسام منها ما يغلب على

فأما الشرعية: فهي أسماء لها موضوع في الشرع وموضوع في اللغة كالصلاة والصوم والزكاة والحج ونحوه فاليمين المطلقة تنصرف إلى الموضوع الشرعي وتتناول الصحيح منه فإذا حلف لا يبيع فباع بيعا فاسدا أو لا ينكح فنكح نكاحا فاسدا لم يحنث إلا أن يضيف اليمين إلى شيء لا تتصور فيه الصحة مثل أن يحلف لا يبيع الخمر أو الحر فيحنث بصورة البيع
__________
الحقيقة بحيث لا يعلمها أكثر الناس كالراوية في العرف اسم للمزادة وفي الحقيقة لما يستقى عليه من الحيوانات والظعينة في العرف للمرأة وفي الحقيقة الناقة التي يظعن عليها فتنصرف اليمين إلى المجاز لأنه الذي يريده بيمينه ويفهم من كلامه أشبه الحقيقة في غيره وسيأتي بقية أنواعها "فأما الشرعية فهي أسماء لها موضوع في الشرع وموضوع في اللغة كالصلاة والصوم والزكاة والحج ونحوه فاليمين المطلقة تنصرف إلى الموضوع الشرعي" لأن ذلك هو المتبادر إلى الفهم عند الإطلاق لأن الشارع إذا قال صل تعين عليه فعل الصلاة المشتملة على الأفعال إلا أن يقترن بكلامه ما يدل على إرادة الموضوع اللغوي فكذا يمين الحالف "وتتناول الصحيح منه" لأن الفاسد ممنوع منه بأصل الشرع فلا حاجة إلى المنع من فعله باليمين "فإذا حلف لا يبيع فباع بيعا فاسدا أو لا ينكح فنكح نكاحا فاسدا لم يحنث" نصره في الشرح وقدمه الجماعة وجزم به في الوجيز لأن اليمين على ذلك تتناول الصحيح منه ولأنه المشروع وعنه يحنث لوجوده صورة وعنه في البيع دون النكاح الفاسد قاله ابن أبي موسى وقال أبو الخطاب إن نكحها نكاحا مختلفا فيه فوجهان وقال ابن حمدان إن اعتقد صحته حنث وإلا فلا ومقتضاه أنه إذا كان بيعا بشرط الخيار أنه يحنث ونص عليه لأنه بيع شرعي فيحنث به كاللازم وإن حلف لا ملكت هذا فاشتراه شراء فاسدا لم يحنث وفيه احتمال.
"إلا أن يضيف اليمين إلى شيء لا تتصور فيه الصحة مثل أن يحلف لا يبيع الخمر أو الحر فيحنث بصورة البيع" أي إذا قيد يمينه بممتنع الصحة كما

وذكر القاضي فيمن قال لامرأته إن سرقت مني شيئا وبعته فأنت طالق ففعلت لم تطلق وإن حلف لا يصوم لم يحنث حتى يصوم يوما
__________
ذكره فيحنث في الأصح بصورة البيع لأنه يتعذر حمل يمينه على عقد صحيح فتعين محلا لها.
"وذكر القاضي فيمن قال لامرأته إن سرقت مني شيئا وبعتيه فأنت طالق ففعلت لم تطلق" قال في الرعاية هو أقيس وخرجه السامري على الخلاف الذي ذكره ابن أبي موسى والشراء كالبيع وخالف في عيون المسائل في إن سرقت مني شيئا وبعتيه كما لو حلف لا يبيع فباع بيعا فاسدا وإن حلف لتبيعنه فباعه بعرض بر وكذا نسيئة وقيل ينقض يمينه
فرع: إذا حلف لا يبيع أو لا يزوج فأوجب ولم يقبل المشتري والزوج لم يحنث لا نعلم فيه خلافا لأنه لا يتم إلا بالقبول فلم يقع على الإيجاب بدونه وإن قبله حنث نص عليه وإن حلف ليتزوجن بر بعقد صحيح سواء كان له امرأة أو لا وسواء كانت نظيرتها أو أعلى منها إلا أن يحتال على حل يمينه بتزويج لا يحصل المقصود والمذهب يبر بدخوله بنظيرتها والمراد والله أعلم بمن تغمها وتتأذى بها لظاهر رواية أبي طالب وفي المفردات وغيرها أو مقاربها وقال الشيخ تقي الدين المنصوص أن يتزوج ويدخل ولا تشترط مماثلتها واعتبر في الروضة حتى في الجهاز ولم يذكر دخولا وإن حلف ليطلقن ضرتها ففي بره برجعي خلاف وإن حلف لا تسريت فوطئ جارية حنث قدمه في الرعاية والمحرر وقال القاضي لا يحنث حتى يطأ فينزل فحلا كان أو خصيا وعنه إن عزل فلا حنث وجه الأول أن التسري مأخوذ من السر وهو الوطء قال تعالى {وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً} [البقرة: 235] لأن ذلك حكم تعلق بالوطء فلم يعتبر فيه الإنزال ولا التحصين كسائر الأحكام والأول أولى "وإن حلف لا يصوم لم يحنث حتى يصوم يوما" لأن إمساك بعض يوم ليس بصوم شرعي وهذا إذا لم ينو عددا وأقل ذلك يوم لأنه ليس في الشرع صوم مفرد أقل من يوم فلزمه لأنه

وإن حلف لا يصلي لم يحنث حتى يصلي ركعة وقال القاضي إن حلف لا صليت صلاة لم يحنث حتى يفرغ مما يقع عليه اسم الصلاة وإن حلف لا يصلي حنث بالتكبير وإن حلف لا يهب زيدا شيئا ولا يوصي له ولا يتصدق عليه ففعل ولم يقبل زيد حنث
__________
اليقين والمذهب أنه يحنث بشروع صحيح وقيل إن حنث بفعل بعض المحلوف وما ذكره المؤلف حكاه في المحرر والفروع قولا كقوله صوما وكحلفه ليفعلنه وإن كان صائما فدام فوجهان.
"وإن حلف لا يصلي لم يحنث حتى يصلي ركعة" بسجدتيها وقاله أبو الخطاب لأنه أقل ما يطلق عليه اسم الصلاة وقيل بلى إذا صلى ركعتين والمذهب كما قدمه في المستوعب والمحرر والرعاية وجزم به في الوجيز ونسبه في الفروع إلى الأصحاب أنه يحنث بالشروع الصحيح.
"وقال القاضي إن حلف لا صليت صلاة لم يحنث حتى يفرغ مما يقع عليه اسم الصلاة" لأنه يطلق عليه أنه مصل فيجب أن يكون ما هو فيه صلاة قال في الشرح ويشبه هذا ما إذا قال لزوجته إن حضت حيضة فأنت طالق فإنها لا تطلق حتى تحيض ثم تطهر وإن قال إن حضت فأنت طالق طلقت بأول الحيض وشمل كلامه صلاة الجنازة فيدخل في العموم وذكره أبو الخطاب وأما الطواف فقال المجد ليس صلاة مطلقة ولا مضافة لكن في كلام أحمد إنه صلاة وقال أبو الحسين وغيره في الحديث الطواف بالبيت مثل الصلاة في الأحكام كلها إلا فيما استثناه وهو النطق ولم يذكر المؤلف حكم الحج وحاصله أنه إذا حلف لا يحج حنث بإحرامه به وقيل بفراغ أركانه ويحنث بحج فاسد وإن كان محرما فدام فوجهان "وإن حلف لا يصلي حنث بالتكبير" هذا قول القاضي لأنه يدخل في الصلاة بذلك ويطلق عليه أنه مصل فيجب أن يكون ما هو فيه صلاة والأول أصح لأن ما ذكر ثانيا موجود فيمن شرع "وإن حلف لا يهب زيدا شيئا ولا يوصي له ولا يتصدق عليه" ولا يعيره ولا يهدي له "ففعل ولم يقبل زيد حنث" ذكره

وإن حلف لا يتصدق عليه فوهبه لم يحنث وإن حلف لا يهبه فتصدق عليه حنث وقال أبو الخطاب لا يحنث وإن أعاره لم يحنث إلا عند أبي الخطاب
__________
الأصحاب وقاله ابن شريح لأن ذلك لا عوض له فيحنث بالإيجاب فقط كالوصية وفي الموجز والتبصرة والمستوعب مثله في بيع وقاله القاضي في إن بعتك فأنت حر ولأن الاسم يقع عليها بدون القبول لقوله تعالى {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ} الآية [البقرة: 180] أراد الإيجاب لأن الوصية تصح قبل موت الموصي ولا قبول لها حينئذ
فرع: إذا نذر أن يهبه شيئا بر بالإيجاب كيمينه وقد يقال يحمل على الكمال ذكره الشيخ تقي الدين "وإن حلف: لا يتصدق عليه فوهبه لم يحنث" في الأصح لأن الصدقة نوع من الهبة ولا يحلف الحالف على نوع بفعل نوع آخر ولا يثبت للجنس حكم النوع ولهذا حرمت الصدقة على النبي صلى الله عليه وسلم ولم تحرم الهبة ولا الهدية لحديث بريرة وقيل يحنث لما ذكرناه وإن حلف لا يهبه فتصدق عليه حنث لأنه من أنواع الهبة كما لو أهدى إليه أو أعمره فإن أعطاه من صدقة واجبة أو نذر أو كفارة لم يحنث لأن ذلك حق لله يجب إخراجه فليس هو هبة منه فإن تصدق عليه تطوعا حنث لم يذكر ابن هبيرة عن أحمد غيره "وقال أبو الخطاب لا يحنث" هذا رواية لأنهما يختلفان اسما وحكما وجه الأول أنه تبرع بعين في الحياة فيحنث به كالهدية ولأن الصدقة تسمى هبة واختلاف التسمية لكون الصدقة نوعا من الهبة فتختص باسم دونها كاختصاص الهدية والعمرى باسمين ولم يخرجهما ذلك عن كونهما هبة.
"وإن أعاره لم يحنث" لأن العارية إباحة والهبة تمليك وهذا هو الصحيح قاله القاضي لأن المستعير لا يملك المنفعة وإنما يستحقها ولهذا يملك المعير الرجوع فيها ولا يملك المستعير إجارتها "إلا عند أبي الخطاب" فإنه يحنث لأن العارية هبة المنفعة وهي قائمة مقام هبة العين بدليل صحة مقابلة المنفعة

وإن وقف عليه حنث وإن أوصى له لم يحنث وإن باعه وحاباه حنث ويحتمل ألا يحنث
فصل
القسم الثاني: الأسماء الحقيقية إذا حلف لا يأكل اللحم فأكل الشحم أو المخ أو الكبد أو الطحال أو القلب أو الكرش أو
__________
بالعوض كالعين.
"وإن وقف عليه حنث" لأنه تبرع له بعين في الحياة فهو في العرف هبة وقيل لا يحنث كوصية له ولأنه لا يملك على رواية وبناه في المغني على الملك فإن قلنا يملكه حنث بمساواته الهبة وإن قلنا بعدم ملكه فلا قال ابن المنجا ولقائل أن يقول لا يحنث وإن قلنا يملكه لأن الإنسان ممنوع من هبة أولاده الذكور والإناث بالسوية فلم يلزم من المنع من الهبة المنع من الوقف.
"وإن أوصى له لم يحنث" لأن الهبة تمليك في الحياة بخلاف الوصية.
"وإن باعه وحاباه حنث" قاله أبو الخطاب وجزم به في الوجيز لأنه ترك له بعض المبيع بغير عوض أو وهبه بعض الثمن "ويحتمل ألا يحنث" هذا وجه وهو أولى لأنها معاوضة يملك الشفيع أخذ جميع المبيع ولو كان هبة أو بعضه لم يملك أخذ كله وأطلق في الفروع الخلاف ويحنث بالهدية خلافا لأبي الخطاب وإن أضافه لم يحنث لأنه لم يملكه شيئا وإنما أباح له الأكل ولهذا لا يملك التصرف فيه بغيره وإن أسقط عنه دينا لم يحنث إلا أن ينوي لأن الهبة تمليك عين
فصل
"القسم الثاني: الأسماء الحقيقة" وهي نسبة إلى الحقيقة وهو اللفظ المستعمل في وضع أول
"وإذا حلف لا يأكل اللحم فأكل الشحم أو المخ أو الكبد أو الطحال أو القلب أو الكرش أو المصران أو الإلية ,

المصران أو الإلية والدماغ والقانصة لم يحنث وإن أكل المرق لم يحنث وقد قال أحمد لا يعجبني قال أبو الخطاب هذا على سبيل الورع
__________
والدماغ والقانصة لم يحنث" لأنه لا يسمى لحما وينفرد علقه باسمه وصفته ولو أمر وكيله بشراء لحم فاشترى شيئا من هذه لم يكن ممتثلا ولا ينفذ الشراء وقال كثير من العلماء يحنث بأكل ذلك لأنه لحم حقيقة قال في الشرح لا نسلم أنه لحم حقيقة بل هو من الحيوان كالعظم وعلى الأول يحنث إذا قصد اجتناب الدسم ولا يحنث بأكل كارع وذنب فإن أكل من الشحم الذي على الظهر والجنب وفي تضاعيف اللحم لم يحنث في ظاهر قول الخرقي وقال القاضي وأبو الخطاب يحنث بأكله لأنه لا يسمى شحما ولا بائعه شحاما ويسمى لحما سمينا ولو وكل في شراء اللحم فاشتراه لزمه وجه الأول قوله تعالى {وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ} الآية [الأنعام: 146] لأنه يشبه الشحم في صفته وذوبه ولا نسلم أنه لا يسمى شحما ولا أنه بمفرده يسمى لحما ولا يسمى بائعه شحاما بل لحاما لأنه يسمى ما هو الأصل دون التبع وفي كلا الدليلين نظر إذ بمجرد شبه الشيء بالشيء لا يقتضي أن يسمى باسمه ويعطى حكمه على أن شبه سمين الظهر بالإلية أقرب من شبهه بالشحم
فرع: لم يتعرض المؤلف لحكم لحم الرأس واللسان والسنام وما لا يؤكل لحمه أو أكل السمين وفيه وجهان أحدهما لا يحنث لأن اسم اللحم لا ينصرف عند الإطلاق إليه وعنه فيمن حلف لا يشتري لحما فاشترى رأسا أو كارعا لا يحنث إلا أن ينوي والثاني بلى لأنه لحم ويحنث بأكل لحم ما لا يؤكل لحمه ذكره في الشرح واقتصر عليه.
"وإن أكل المرق لم يحنث" في الأصح لأنه ليس بلحم "وقد قال أحمد: لا يعجبني" وهو قول القاضي لأنه لا يخلو من قطع اللحم "قال أبو الخطاب هذا على سبيل الورع" لأنه ليس بلحم حقيقة ولا يطلق عليه فلم يحنث به كالكبد ولا نسلم أن أجزاء اللحم فيه وإنما فيه ماء اللحم ودهنه

وإن حلف لا يأكل الشحم فأكل شحم الظهر حنث وإن حلف لا يأكل لبنا فأكل زبدا أو سمنا أو كشكا أو مصلا أو جبنا لم يحنث وإن حلف على الزبد والسمن فأكل لبنا لم يحنث وإن حلف لا يأكل الفاكهة فأكل من ثمر الشجر كالجوز
__________
"وإن حلف لا يأكل الشحم فأكل شحم الظهر حنث" أي إذا أكل بياض اللحم كسمين الظهر يحنث في قول الخرقي وقدمه في المحرر وجزم به في الوجيز لأن ذلك يسمى شحما ويشارك شحم البطن في اللون والذوب وظاهر الآية والعرف يشهد لذلك وهو قول طلحة العاقولي وعلى هذا يحنث بأكل الإلية وقال القاضي وغيره الشحم هو الذي يكون في الجوف من شحم الكلى وغيره فعلى هذا لا يحنث بأكل الإلية أو اللحم الأبيض قال الزركشي وهذا هو الصواب فإن أكل اللحم الأحمر لم يحنث لأنه لا يظهر فيه شيء من الشحم وقال الخرقي يحنث لأن اللحم لا يخلو من شحم.
"وإن حلف لا يأكل لبنا فأكل زبدا أو سمنا أو كشكا أو مصلا أو جبنا" أو أقطا "لم يحنث" نص عليه اقتصر عليه في الكافي وقدمه في الرعاية وغيرها لأنه لا يسمى لبنا وهذا إن لم يظهر طعمه كما ذكره المؤلف بعد وعنه يحنث فيها وقال القاضي يحتمل أن يقال في الزبد إن ظهر فيه لبن حنث بأكله وإلا فلا وعلى الأول لو أكل من لبن الأنعام أو الصيد أو لبن آدمية حنث حليبا كان أو رائبا مائعا أو جامدا لأن الجميع لبن.
"وإن حلف على الزبد والسمن فأكل لبنا لم يحنث" ذكره معظم الأصحاب لأنه لا يسمى زبدا ولا سمنا وفي المغني إن لم يظهر فيه الزبد لم يحنث وإن ظهر حنث لأن ظهوره كوجوده وكذا إن حلف على الزبد فأكل سمنا وإن أكل سمنا وإن أكل جبنا لم يحنث وكذلك سائر ما يصنع من اللبن وإن حلف لا يأكل سمنا فأكل شيئا مما يصنع من اللبن سوى السمن لم يحنث وفي الزبد وجه فإن أكل السمن منفردا أو في طبيخ يظهر فيه طعمه حنث
"وإن حلف لا يأكل الفاكهة فأكل من ثمر الشجر غير بري "كالجوز

واللوز والتمر والرمان حنث وإن أكل البطيخ حنث ويحتمل إلا يحنث ولا يحنث بأكل القثاء والخيار وإن حلف لا يأكل رطبا فأكل مذنبا حنث وإن أكل تمرا أو بسرا أو حلف لا يأكل تمرا فأكل رطبا أو دبسا أو ناطفا لم يحنث
__________
واللوز والتمر والرمان" والموز والأترج والنبق والأصح ولو يابسا كصنوبر وعناب "حنث" لأن ذلك يسمى فاكهة عرفا وشرعا ويسمى بائع ثمرة النخل والرمان فاكهانيا لا يقال ينبغي أن يكونا ليسا من الفاكهة لقوله تعالى {فِيهِمَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} لأنهما ثمرة شجرة يتفكه بهما كسائر الأشياء والعطف لا يقتضي المغايرة بل لتشريفهما وتخصيصهما لقوله تعالى {مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ} الآية [البقرة: 97] وليس منها زيتون وبلوط وبطم وزعرور أحمر وآس وسائر ثمر بري لا يستطاب وإن حلف لا يأكل من هذه الشجرة حنث بالثمرة فقط ولو لقط من تحتها.
"وإن أكل البطيخ حنث" جزم به في المستوعب والوجيز لأنه ينضج ويحلو أشبه ثمرة الشجر "ويحتمل أن لا يحنث" ذكره في الكافي والمحرر وجها لأنه ثمر بقلة كالخيار "ولا يحنث بأكل القثاء والخيار" وسائر الخضروات كقرع وباذنجان وجزر ولفت وفجل وقلقاس لأنه لا يسمى فاكهة ولا هو في معناه "وإن حلف لا يأكل رطبا فأكل مذنبا" وهو الذي بدا فيه الإرطاب من ذنبه وباقيه بسر ومنصفا وهو الذي بعضه بسر وبعضه رطب أو لا يأكل بسرا فأكل ذلك "حنث" قدمه في المحرر ونصره في الشرح وجزم به في الوجيز لأن آكله قد أكل الرطب وقال ابن عقيل لا يحنث لأنه لا يسمى رطبا
فرع: حلف واحد ليأكلن رطبا وآخر ليأكلن بسرا فأكل الأول ما في النصف من الرطبة وأكل الآخر باقيها بر
"وإن أكل تمرا أو بسرا" لم يحنث لأنه ليس برطب "أو حلف لا يأكل تمرا فأكل رطبا أو دبسا أو ناطفا لم يحنث" ذكره في المحرر والوجيز لأنه

أو حلف لا يأكل أدما حنث بأكل البيض والشواء والجبن والملح والزيتون واللبن وسائر ما يصبغ به وفي التمر وجهان وإن حلف لا يلبس شيئا فلبس ثوبا أو درعا أو جوشنا أو خفا أو نعلا حنث
__________
ليس بثمر وإن أكل رطبا غير بسر قال ابن حمدان أو هما عن مذنب فلا حنث "وإن حلف لا يأكل أدما حنث بأكل البيض والشواء" نص عليه "والجبن والملح" في الأشهر فيه "والزيتون واللبن وسائر ما يصبغ به" أي ما يغمس فيه الخبز ويسمى ذلك المغموس فيه صبغا لأن ما جرت العادة بأكل الخبز به هو التأدم قال الله تعالى {وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ} [المؤمنون: 20] وقال النبي صلى الله عليه وسلم "نعم الأدم الخل" رواه مسلم وقال النبي صلى الله عليه وسلم "ائتدموا بالزيت وادهنوا به" رواه ابن ماجة ورجاله ثقات وقال النبي صلى الله عليه وسلم "سيد أدم أهل الدنيا والآخرة اللحم" رواه ابن قتيبة في غريبه وقال النبي صلى الله عليه وسلم "سيد إدامكم الملح" رواه ابن ماجة بإسناد ضعيف ولأنه يؤكل به الخبز عادة ويعد للتأدم فكان أدما "وفي التمر وجهان" كذا في المحرر والفروع أحدهما هو أدم وجزم به في الوجيز لأن النبي صلى الله عليه وسلم "وضع تمرة على كسرة وقال هذه إدام هذه" رواه أبو داود والبخاري في تاريخه والثاني لا لأنه لا يؤتدم به عادة وهو فاكهة قال في الفروع ويتوجه عليهما زبيب ونحوه وهو ظاهر كلام جماعة وفي المغني والشرح لا يحنث
فرع: القوت خبز وفاكهة يابسة ولبن ونحوه وقيل قوت أهل بلده ويحنث بحب يقتات في الأصح والطعام ما يؤكل ويشرب وفي ماء ودواء وورق شجر وتراب ونحوها وجهان والعيش عرفا الخبز وفي اللغة العيش الحياة فيتوجه ما يعيش به فيكون كالطعام.
"وإن حلف لا يلبس شيئا فلبس ثوبا أو درعا أو جوشنا أو خفا أو نعلا حنث" لأنه ملبوس حقيقة وعرفا فحنث به كالثياب لكن لو أدخل يده في الخف أو النعل لم يحنث وإن حلف لا يلبس ثوبا حنث كيف لبسه ولو تعمم به ولو ارتدى بسراويل أو اتزر بقميص لابطيه ولا بتركه على رأسه ,

وإن حلف لا يلبس حليا فلبس حلية ذهب أو فضة أو جوهر حنث وإن لبس عقيقا او سبجا لم يحنث وإن لبس الدراهم والدنانير في مرسلة فعلى وجهين وإن حلف لا يركب دابة فلان ولا يلبس ثوبه ولا يدخل داره فركب دابة عبده ولبس ثوبه ودخل داره أو فعل ذلك فيما أستأجره فلا حنث
__________
ولا بنومه عليه وإن تدثر به فوجهان وإن قال قميصا فاتزر به لم يحنث وإن ارتدى فوجهان "وإن حلف لا يلبس حليا فلبس حلية ذهب أو فضة أو جوهر حنث" لقوله تعالى {وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا} [فاطر: 12] وقوله تعالى {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً} [الحج: 23] وقال ابن عمر قال الله تعالى للبحر الشرقي "إني جاعل فيك الحلية والصيد والطيب" وكذهب وجده.
"وإن لبس عقيقا أو سبجا" وحريرا "لم يحنث" لأنه ليس بحلي كخرز الزجاج وفي الوسيلة تحنث المرأة بحرير "وإن لبس الدراهم والدنانير" زاد في الرعاية المفردين ومنطقة محلاة لا سيف "في مرسلة فعلى وجهين" أحدهما لا حنث وجزم به في الوجيز لأنه ليس بحلي إذا لم يلبسه فكذا إذا لبسه
والثاني بلى كلبس سوار وخاتم ولأنها من حلي الرجال ولا يقصد بلبسها محلاة إلا التجمل بها
فرع: إذا حلف لا يلبس خاتما فلبسه في غير خنصر حنث لأنه لابس ولا فرق بين الخنصر وغيره إلا من حيث الاصطلاح على تخصيصه بالخنصر وكما لو حلف لا يلبس قلنسوة فجعلها في رجله وجوابه بأنه عيب ومشقة بخلافه هنا.
"وإن حلف لا يركب دابة فلان أو لا يلبس ثوبه أو لا يدخل داره فركب دابة عبده ولبس ثوبه ودخل داره أو فعل ذلك فيما استأجره فلا حنث" نقول: إذا حلف لا يدخل دار زيد فدخل دار عبده حنث بغير خلاف نعلمه لأن دار العبد ملك للسيد والثوب والدابة كالدار لأنهما

وإن ركب دابة استعارها فلان لم يحنث وإن حلف لا يركب دابة عبده فركب دابة جعلت برسمه حنث وإن حلف لا يدخل دارا فدخل سطحها حنث
__________
مملوكان للسيد فيتناولهما يمين الحالف وأما كونه يحنث إذا فعل ذلك فيما استأجره فلان لأن الدار تضاف إلى ساكنها كإضافتها إلى مالكها لقوله تعالى {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ} [الطلاق: 1] {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} [الأحزاب: 33] ولأن الإضافة للاختصاص ولأن ساكن الدار مختص بها فكانت إضافتها إليه صحيحة وهي مستعملة في العرف وأما الإقرار كما لو قال هذه دار زيد وفسر إقراره بسكناها احتمل أن يقبل تفسيره ولو سلم بقرينة الإقرار يصرفه إلى الملك ولو حلف لا دخلت مسكن زيد حنث بدخوله الدار التي يسكنها ولو قال هذا السكن لزيد كان مقرا له بها.
"وإن ركب دابة استعارها فلان" أو غصبها "لم يحنث" لأن فلانا لا يملك منافع الدابة وفارق مسألة الدار فإنه لم يحنث في الدار لكونه استعارها أو غصبها وإنما يحنث لسكناه بها فأضيفت إليه ولو غصبها أو استعارها من غير أن يسكنها لم تصح إضافتها إليه وعنه يحنث بدخول الدار المستعارة وذكره ابن عقيل في الفصول لوجود شرطه وفي الرعاية إن قال لا أسكن مسكنه ففيما لا يسكنه زيد من ملكه وما يسكنه بغصب وجهان وفي الترغيب الأقوى إن كان سكنه مرة حنث وإن قال ملكه ففيما استأجره خلاف في الانتصار
"وإن حلف لا يركب دابة عبده فركب دابة جعلت برسمه حنث" لأنه مختص بها حينئذ كحلفه لا يركب رحل هذه الدابة ولا يبيعه "وإن حلف لا يدخل دارا فدخل سطحها حنث" لأنه من الدار وحكمه حكمها بدليل صحة الاعتكاف فيه ومنع الجنب من اللبث فيه فوجب أن يحنث إذا دخله كما لو دخل الدار نفسها وإن حلف ليخرجن من الدار فصعد سطحها لم يبر فإن كان ثم نية أو سبب أو قرينة عمل بها فإن صعد على

وإن دخل طاق الباب احتمل وجهين وإن حلف لا يكلم إنسانا حنث بكلام كل إنسان وإن زجره فقال تنح أو اسكت حنث.
__________
شجرة حتى صار في مقابلة سطحها بين حيطانها حنث وإن لم ينزل بين حيطانها فهل يحنث فيه احتمالان وكذا إن كانت الشجرة في غير الدار فتعلق بفرع: ماد على الدار في مقابلة سطحها فإن أقام على حائط الدار فوجهان أحدهما يحنث ذكره القاضي لأنه داخل في حدها على سطحها والثاني لا لأنه لا يسمى داخلا.
"وإن دخل طاق الباب احتمل وجهين" أحدهما: يحنث لأنه دخل في حدها والثاني: لا وصححه في المغني لأنه لا يسمى داخلا وقال القاضي إن قام في موضع إذا أغلق الباب كان خارجا منه لم يحنث وجزم به في الوجيز.
"وإن حلف لا يكلم إنسانا حنث بكلام كل إنسان" لأنها نكرة في سياق النفي فتعم ولفعله المحلوف عليه حتى لو سلم عليه حنث لأن السلام كلام تبطل به الصلاة فيحنث به كغيره وفي الرعاية إن سلم عليه ولم يعرفه فوجهان وإن صلى المحلوف عليه إماما وسلم من الصلاة لم يحنث نص عليه وكذا إن أرتج عليه فيها ففتح عليه الحالف.
"وإن زجره فقال تنح أو اسكت حنث" لأن ذلك كلام فيدخل في ما حلف على عدمه وقياس المذهب لا فلو كاتبه أو راسله حنث إلا أن يكون أراد ألا يشافهه وقاله أكثر الأصحاب وعنه لا يحنث إلا أن يكون بنية أو سبب يمينه يقتضي هجرانه لأنه يصح نفيه ولو كانت الرسالة تكليما لتناول موسى وغيره من الرسل ولم يختص بكونه كليم الله تعالى واحتج الأصحاب بقوله تعالى {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ} الآية [الشورى: 51] لأنه وضع لإفهام الآدميين أشبه الخطاب والصحيح أن هذا ليس بتكليم والاستثناء في الآية من غير الجنس كما في الآية الأخرى {آيَةً قَالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً} [آل عمران:41] والرمز ليس بتكليم لكن إن نوى ترك مواصلة أو سبب أو

وإن حلف لا يبتدئه بكلام فتكلما معا حنث وإن حلف لا يكلمه حينا فذلك ستة أشهر نص عليه وإن قال زمنا أو دهرا أو بعيدا أو مليا رجع إلى أقل ما يتناوله اللفظ.
__________
كان سبب يمينه يقتضي هجرانه فإنه يحنث.
"وإن حلف لا يبتدئه بكلام" أو لا كلمت فلانا حتى يكلمني أو حتى يبدأني بكلام "فتكلما معا حنث" في الأصح لأن كل واحد منهما مبتدئ إذ لم يتقدمه كلام سواه وفي الرعاية قلت لا لكن إذا قال لا بدأته بكلام فتكلما معا لم يحنث جزم به في المحرر والوجيز لعدم البداية والثاني بلى لما تقدم وأطلقهما في الفروع.
"وإن حلف لا يكلمه حينا" ولم ينو شيئا "فذلك ستة أشهر نص عليه" لأن الحين المطلق في كلام الله تعالى أقله ستة فيحمل مطلق كلام الآدمي عليه قال في الفروع ويتوجه أقل زمن يقع على القليل كالكثير لقوله تعالى {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [الروم: 17]
فإن قلت ترد للسنة لقوله تعالى {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم: 20] ويراد به يوم القيامة لقوله تعالى {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} [ص: 88] ويراد به ساعة لقوله تعالى {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ} ويقال جئته منذ حين وإن كان أتاه من ساعة ويراد به مدة طويلة لقوله تعالى {فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ} [المؤمنون: 54] فالجواب أنه يصح الإطلاق في ذلك كله وإنما الكلام في الإطلاق الخالي عن الإرادة مع أن عكرمة وسعيد بن جبير وأبا عبيدة قالوا في قوله تعالى {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم: 20] ستة أشهر واختلف فيها عن ابن عباس وما استشهدوا به من المطلق في كلام الله تعالى فما ذكرناه أقل فحمل على اليقين وقيل إن عرفه فللأبد كالدهر والعمر أما إذا قيد لفظه أو بينه بزمن فإنها تتقيد به "وإن قال زمنا أو دهرا أو بعيدا أو مليا رجع إلى أقل ما يتناوله اللفظ" جزم به في الوجيز وقدمه في الفروع لأن ما زاد عليه مشكوك في إرادته والأصل عدمه . وعند

وإن قال: عمرا احتمل ذلك واحتمل أن يكون أربعين عاما وقال القاضي هذه الألفاظ كلها مثل الحين إلا بعيدا أو مليا فإنه على أكثر من ستة أشهر وإن قال الأبد والدهر فذلك على الزمان كله والحقب ثمانون سنة والشهور اثنا عشر شهرا عند القاضي وعند أبي الخطاب ثلاثا كالأشهر والأيام ثلاثة وإن حلف لا يدخل باب هذه الدار فحول ودخله حنث
__________
القاضي: إن زمنا كحين وقال ابن عقيل في وقت ونحوه الأشبه بمذهبنا ما يؤثر في مثله من المؤاخذة والزمان كحين واختار في المحرر وقطع له في الوجيز أنه للأبد كالدهر وذكر ابن أبي موسى أنه إذا حلف لا يكلمه زمانا فهو إلى ثلاثة أشهر "وإن قال عمرا احتمل ذلك" أي يرجع فيه إلى أقل ما تناوله اللفظ واحتمل أن يكون أربعين عاما لقوله تعالى {فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ} [يونس: 16] وهو قول حسن قال أبو الخطاب ما ورد فيه من ذلك يرجع إليه كالحين فأما غيره فإن كانت له نية وإلا حمل على أقل ما يقع عليه الاسم من العمر والدهر "وقال القاضي هذه الألفاظ كلها مثل الحين" لما تقدم "إلا بعيدا أو مليا" زاد في الرعاية أو طويلا "فإنه على أكثر من ست أشهر وإن قال الأبد والدهر" والعمر "فذلك على الزمان كله" لأن الألف واللام للاستغراق وذلك يوجب دخول الزمان كله "والحقب" بضم الحاء "ثمانون سنة" نصره في الشرح وجزم به في المستوعب والوجيز روي عن علي وابن عباس في تفسير الآية وقاله الجوهري في صحاحه وقال القاضي وقدمه في الفروع هو أدنى زمان لأنه المتيقن وقيل أربعون عاما وقيل للأبد "والشهور اثنا عشر عند القاضي" وجزم به في الوجيز لقوله تعالى {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً} [التوبة: 36] "وعند أبي الخطاب" وقدمه في الرعاية والفروع "ثلاثا" لأنه جمع "كالأشهر" فإنها ثلاثة وجها واحدا "والأيام ثلاثة" لأنها أقل الجمع وإن عين أياما تبعتها الليالي.
"وإن حلف لا يدخل باب هذه الدار فحول ودخله حنث" لأنه فعل

وإن حلف لا يكلمه إلى حين الحصاد انتهت يمينه بأوله ويحتمل أن يتناول جميع مدته وإن حلف لا مال له وله مال غير زكوي أو دين على الناس حنث وإن حلف لا يفعل شيئا فوكل من فعله حنث إلا أن ينوي
__________
ما حلف على تركه وكذا إذا جعل لها بابا آخر مع بقاء الأول أو قلع الباب ونصبه في دار أخرى لم يحنث بالدخول من الموضع الذي نصب فيه الباب وإن حلف لا يدخل هذه الدار من بابها فدخلها من غير الباب لم يحنث ويتخرج بلى إذا أراد بيمينه اجتناب الدار لكن إن كان للدار سبب هيج اليمين كما لو حلف لا يأوي مع زوجته في دار فأوى معها في غيرها.
"وإن حلف لا يكلمه إلى حين الحصاد انتهت يمينه بأوله" لأن إلى لانتهاء الغاية فتنتهي عند أولها لقوله تعالى {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] "ويحتمل أن يتناول جميع مدته" هذا رواية لأن إلى تستعمل بمعنى مع لقوله تعالى {مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ} [الصف: 14] ولأن الظاهر أنه قصد هجرانه واللفظ صالح لتناول الجميع.
"وإن حلف لا مال له وله مال غير زكوي أو دين على الناس حنث" لأنه مال فوجب أن يحنث للمخالفة في يمينه والدين مال ينعقد عليه الحول ويصح تصرفه فيه بالإبراء والحوالة أشبه المودع ولأن المال ما تناوله الناس عادة لطلب الربح مأخوذ من الميل من يد إلى يد وجانب إلى جانب قاله في الواضح والملك يختص الأعيان من الأموال ولا يعم الدين وعن أحمد إذا نذر الصدقة بجميع ماله إنما يتناول نذره الصامت من ماله لأن إطلاق المال ينصرف إليه فلو كان له مال مغصوب حنث وكذا إن كان ضائعا في وجه فإن ضاع على وجه قد أيس من عوده لم يحنث في الأشهر ويحتمل ألا يحنث في كل موضع لا يقدر على أخذ ماله وظاهره أنه إذا تزوج أو اشترى عقارا ونحوه لا يحنث "وإن حلف لا يفعل شيئا فوكل من فعله حنث إلا أن ينوي" اقتصر عليه أكثر الأصحاب لأن فعل وكيله كفعله نص عليه ولأن الفعل يطلق

فصل
فأما الأسماء العرفية فهي أسماء اشتهر مجازها حتى غلب على الحقيقة كالراوية والظعينة والدابة والغائط والعذرة ونحوها فتتعلق اليمين بالعرف دون الحقيقة
__________
على الموكل فيه والآمر به فحنث كما لو حلف لا يحلق رأسه فأمر من حلقه وذكر ابن أبي موسى أنه يحنث إلا أن تكون عادته جارية بمباشرة ذلك الفعل بنفسه فلا وجزم به في الوجيز فإذا وكل فيه وأضاف إلى الموكل فلا حنث وإن أطلق فوجهان وإن حلف لا يكلم عبدا اشتراه زيد فكلم عبدا اشتراه وكيله أو لا يضرب عبده فضربه بأمره حنث
قاعدة: تطلق امرأة من حلف لا يكلم زنديقا بقائل بخلق القرآن قاله سجادة قال أحمد ما أبعده والسفلة من لم يبال بما قال وما قيل له ونقل عبد الله من يدخل الحمام بغير مئزر ولا يبالي على أي معصية رئي قال ابن الجوزي الرعاع السفلة والغوغاء نحو ذلك وأصل الغوغاء صغار الجراد
فصل
"فأما الأسماء العرفية فهي أسماء اشتهر مجازها حتى غلب على الحقيقة" لأنها إذا لم تشتهر تكون مجازا لغة وسميت عرفية لاستعمال أهل العرف لها في غير المعنى اللغوي وذلك أن اللفظ قد يكون حقيقة لغوية في معنى ثم يصير مدلوله على معنى آخر عرفي ولا شبهة في وقوع ذلك "كالراوية" للمزادة في العرف وفي الحقيقة الجمل الذي يستقى عليه "والظعينة" هي في العرف للمرأة وفي الحقيقة للناقة التي يظعن عليها "والدابة" اسم لذوات الأربع وفي الحقيقة اسم لما دب "والغائط والعذرة" في العرف الخارج المستقذر وفي الحقيقة الغائط المكان المطمئن من الأرض والعذرة فناء الدار "ونحوها" أي نحو هذه الأشياء "فتتعلق اليمين بالعرف" لأنه يعلم أن الحالف لا يريد غيره فصار كالمصرح به "دون الحقيقة" لأنها صارت مهجورة ولا يعرفها أكثر الناس .

وإن حلف على وطء امرأته تعلقت يمينه بجاعها وإن حلف على وطء دار تعلقت يمينه بدخولها راكبا أو ماشيا أو حافيا أو منتعلا وإن حلف لا يشم الريحان فشم الورد والبنفسح والياسمين أو لا يشم الورد والبنفسح فشم دهنهما أو ماء الورد فالقياس أنه لا يحنث وقال بعض أصحابنا يحنث وإن حلف لا يأكل لحما فأكل سمكا حنث عند
__________
"وإن حلف على وطء امرأته تعلقت يمينه بجماعها" لأنه الذي ينصرف اللفظ في العرف إليه وإن حلف لا يتسرى حنث بوطئها أيضا وقد سبق "وإن حلف على وطء دار تعلقت يمينه بدخولها" لأنها غير قابلة للجماع فوجب تعلق يمينه بدخولها "راكبا أو ماشيا أو حافيا أو منتعلا" لأن اليمين محمولة على الدخول وكذا إن حلف لا يضع قدمه في الدار وقال أبو ثور إن دخلها راكبا لم يحنث لأنه لم يضع قدمه فيها وهل يحنث بدخول مقبرة قال في الفروع يتوجه لا إن قدم العرف وإلا حنث وقد قال بعض العلماء في قوله عليه السلام "السلام عليكم دار قوم مؤمنين" إن اسم الدار يقع على المقابر قال وهو الصحيح فإن الدار في اللغة يقع على الربع المسكون وعلى الخراب غير المأهول.
"وإن حلف لا يشم الريحان فشم الورد والبنفسج والياسمين" ولو كان يابسا "أو لا يشم الورد والبنفسج فشم دهنهما أو ماء الورد فالقياس أنه لا يحنث" وهذا قول القاضي وجزم به في الوجيز لأنه المسمى عرفا ويمينه تختص بالريحان الفارسي "وقال بعض أصحابنا يحنث" قدمه السامري والمجد وابن حمدان وصححه في الفروع وحينئذ يحنث بشم كل نبت ريحه طيب كمرزجوش لأنه يتناوله اسم الريحان حقيقة وعلم منه أنه لا يحنث بشم الفاكهة وجها واحدا
فرع: إذا حلف لا يشم طيبا فشم نبتا طيب الريح كالخزام ونحوه حنث في الأشهر
"وإن حلف لا يأكل لحما فأكل سمكا حنث عند الخرقي" قدمه

الخرقي ولم يحنث عند ابن أبي موسى وإن أكل لا يأكل رأسا ولا بيضا حنث بأكل رؤوس الطير والسمك وبيض السمك والجراد عند القاضي وعند أبي الخطاب لا يحنث إلا بأكل رأس جرت العادة بأكله منفردا أو بيض يزايل بائضه حال الحياة
__________
السامري والجد وجزم به ابن هبيرة وصاحب الوجيز وهو المذهب لقوله تعالى {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً} [النحل: 14] ولأنه جسم حيوان يسمى لحما فحنث بأكله كلحم الطير وتقديما للشرع واللغة "ولم يحنث عند ابن أبي موسى" إلا أن ينويه لأنه لا ينصرف إليه إطلاق اسم اللحم ولو وكل في شراء لحم فاشترى له سمكا لم يلزمه ويصح أن ينفي عنه الاسم فيقال ما أكلت لحما وإنما أكلت سمكا وكما لو حلف لا قعدت تحت سقف فإنه لا يحنث بقعوده تحت السماء وقد سماه الله تعالى {سَقْفاً مَحْفُوظاً} َلأنه مجاز كذا هنا والأول هو ظاهر المذهب
والفرق بين مسألة اللحم والسقف أن الظاهر أن من حلف لا يقعد تحت سقف يمكنه التحرز منه والسماء ليست كذلك فعلم أنه لم يردها بيمينه ولأن التسمية ثم مجاز وهنا حقيقة لكونه من حيوان يصلح للأكل فكان الاسم فيه حقيقة كلحم الطير لقوله تعالى {وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} [الواقعة: 21] "وإن حلف لا يأكل رأسا ولا بيضا حنث بأكل رؤوس الطير والسمك وبيض السمك والجراد" وغير ذلك "عند القاضي" قدمه في الرعاية وجزم به في الوجيز لعموم الاسم فيه حقيقة وعرفا أشبه ما لو حلف لا يشرب ماء فإنه يحنث بشرب الماء الملح والماء النجس ومن حلف لا يأكل خبزا حنث بكل خبز وفي الترغيب إن كان خبز بلده الأرز حنث به وفي حنثه بخبز غيره الوجهان "وعند أبي الخطاب لا يحنث إلا بأكل رأس جرت العادة بأكله منفردا أو بيض يزايل بائضه حال الحياة" لأنه لا ينصرف إليه اللفظ عرفا فلم يحنث كما لو حلف لا يأكل شواء فأكل بيضا ونقله في الشرح عنه وأنه قول أكثر العلماء وهو الصحيح وقيل بيض السمك والجراد يزايلهما في الحياة ولا يؤكل في حياتهما وفي المحرر والفروع

وإن حلف لا يدخل بيتا فدخل مسجدا أو حماما أو بيت شعر أو أدم أو لا يركب فركب سفينة حنث عند أصحابنا ويحتمل ألا يحنث فإن حلف لا يتكلم فقرأ أو سبح أو ذكر الله تعالى لم يحنث
__________
كالمقنع وفي الترغيب إن كان بمكان العادة إفراده بالبيع فيه حنث وفي غير مكانه وجهان نظرا إلى أصل العادة أو عادة الحالف وحاصله أنه لا يحنث بأكل شيء يسمى بيضا غير بيض الحيوان ولا بشيء يسمى رأسا غير رؤوس الحيوان لأن ذلك ليس برأس ولا بيض.
"وإن حلف لا يدخل بيتا فدخل مسجدا أو حماما أو بيت شعر أو أدم" حنث نص عليه لأنهما بيتان حقيقة لقوله تعالى {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} [النور: 36] وقوله تعالى {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ} الآية [آل عمران: 96] وقوله عليه السلام "بئس البيت الحمام" رواه أبو داود وغيره وفيه ضعف وإذا كان في الحقيقة بيتا وفي عرف الشارع حنث بدخوله كبيت الإنسان وأما بيت الشعر والأدم فلأن اسم البيت يقع عليه حقيقة وعرفا لقوله تعالى {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعَامِ بُيُوتاً} الآية [النحل: 80] وظاهره أن الخيمة كذلك قدمه في الرعاية واقتصر عليه السامري وحكاه في الفروع منصوصا عليه وذكر في الكافي والشرح أنه لا يحنث بدخولها لكن إن عين خيمة اقتلعت وضربت في موضع آخر أو نقلها حنث وعلم مما سبق أنه لا يحنث بدخول دهليز دار أو صفتها لأنه لا يسمى بيتا
"أو لا يركب فركب سفينة حنث عند أصحابنا" لأنه ركوب لقوله تعالى {ارْكَبُوا فِيهَا} [هود: 41] {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ} [العنكبوت: 65] ويحتمل ألا يحنث وهو قول أكثرهم لأنه لا يسمى بيتا ولا ركوبا في العرف وظاهره أن الاحتمال في الصور كلها وظاهر المغني أنه في المسجد والحمام فقط قال لأن أهل العرف لا تسمي ذلك بيتا.
"فإن حلف لا يتكلم فقرأ أو سبح أو ذكر الله تعالى لم يحنث" في

وإن دق عليه إنسان فقال "ادخلوها بسلام آمنين" يقصد تنبيهه لم يحنث وإن حلف لا يضرب امرأته فخنقها أو نتف شعرها أو عضها حنث
__________
قول أكثر العلماء لأن الكلام في العرف لا يطلق إلا على كلام الآدميين وقال زيد بن أرقم كنا نتكلم في الصلاة حتى نزلت {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام وأمر الله تعالى زكريا بالتسبيح مع قطع الكلام عنه وقال إن قرأ في الصلاة لم يحنث وإلا حنث ومقتضى مذهبه أنه يحنث لأنه كلام كقوله تعالى {وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى} [الفتح: 26] وقوله عليه السلام "كلمتان حبيبتان إلى الرحمن خفيفتان على اللسان" الخبر والأول أشهر لأن ما لا يحنث به في الصلاة لا يحنث به خارجا منها كالإشارة وما ذكروه يبطل بذكر الله تعالى المشروع في الصلاة.
"وإن دق عليه إنسان" بابه "فقال ادخلوها بسلام آمنين" يقصد تنبيهه بالقرآن "لم يحنث" لأن هذا من كلام الله تعالى ويمينه إنما تنصرف إلى كلام الآدميين قال ابن المنجا فإن قيل لو قال ذلك في الصلاة لبطلت ولو لم يكن من كلام الآدميين لما بطلت قيل في ذلك منع وإن سلم فالفرق أن الصلاة لا تصح إلا بالقرآن وقد وقع التردد فيه أن ذلك قرآن ولا يصح مع الشك في شرطها بخلاف الحلف فإن شرط الحنث فيه كون المتكلم به كلام الآدميين وقد وقع التردد فيه فلا يحنث بالشك في شرطه وفي المذهب وجه وظاهره أنه إذا لم يقصد القرآن أنه يحنث ذكره الأصحاب لأنه من كلام الآدميين وحقيقة الذكر ما نطق به فتحمل يمينه عليه ذكره في الانتصار قال الشيخ تقي الدين الكلام يتضمن فعلا كالحركة ويتضمن ما يقترن بالفعل من الحروف والمعاني فلهذا يجعل القول قسما للفعل وقسما آخر وينبني عليه من حلف لا يعمل عملا فقال قولا كالقراءة هل يحنث فيه وجهان
فرع: إذا حلف لا يسمع كلام الله فسمع القرآن فإنه يحنث إجماعا قاله أبو الوفاء
وإن حلف لا يضرب امرأته فخنقها أو نتف شعرها أو عضها-

وإن حلف ليضربنه مائة سوط فجمعها فضربه بها ضربة واحدة لم يبر في يمينه
فصل
وإن حلف لا يأكل شيئا فأكله مستهلكا في غيره مثل إن حلف
__________
حنث" لأنه قصد ترك تأليمها وقد آلمها وقال أبو الخطاب يحتمل ألا يحنث بذلك إلا أن يقصد ألا يؤلمها أومأ إليه في رواية مهنا وهو قول في الرعاية لكن لو عضها للتلذذ ولم يقصد تأليمها لم يحنث وإن حلف ليضربنها ففعل ذلك بر لوجود المقصود بالضرب وإن ضربها بعد موتها لم يبر وهل اللطم والوكز ضرب يحتمل وجهين قاله ابن حمدان.
"وإن حلف ليضرنه مائة سوط فجمعها فضربه بها ضربة واحدة لم يبر في يمينه" نصره في الشرح واقتصر عليه السامري وصاحب الوجيز وقدمه في الرعاية والفروع لأن هذا هو المفهوم في العرف لأن السوط هنا آلة أقيمت مقام المصدر وانتصب انتصابه لأن معنى كلامه لأضربنه مائة ضربة بسوط وهذا هو المفهوم من يمينه والذي يقتضيه لغة فلا يبر بما يخالف ذلك وعنه يبر اختاره ابن حامد لقول أحمد في المريض الذي عليه الحد يضرب بعثكال النخل يسقط عنه الحد وكحلفه ليضربنه بمائة وأجاب في الشرح عن قصة أيوب بأن هذا الحكم لو كان عاما لما خص بالمنة عليه وعن المريض المجلود بأنه إذا لم يتعد هذا الحكم في الحد الذي ورد النص فيه فلأن لا يتعدى إلى اليمين أولى
فرع: إذا حلف ليضربنه بعشرة أسواط فجمعها فضربه بها بر وإن حلف ليضربنه عشر مرات لم يبر بضربه عشرة أسواط دفعة واحدة بغير خلاف وكذا إن حلف ليضربنه عشر ضربات
فصل
"وإن حلف لا يأكل شيئا فأكله مستهلكا في غيره مثل إن حلف:

ألا يأكل لبنا فأكل زبدا أو لا يأكل سمنا فأكل خبيصا فيه سمن لا يظهر فيه طعمه أو لا يأكل بيضا فأكل ناطفا أو لا يأكل شحما فأكل اللحم الأحمر أو لا يأكل شعيرا فأكل حنطة فيها حبات شعير لم يحنث وإن ظهر طعم السمن أو طعم شيء من المحلوف عليه حنث وقال الخرقي يحنث بأكل اللحم الأحمر وحده وقال غيره يحنث بأكل حنطة فيها حبات شعير
__________
ألا يأكل لبنا فأكل زبدا أو لا يأكل سمنا فأكل خبيصا فيه سمن لا يظهر فيه طعمه أو لا يأكل بيضا فأكل ناطفا أو لا يأكل شحما فأكل اللحم الأحمر أو لا يأكل شعيرا فأكل حنطة فيها حبات شعير لم يحنث" قدمه في المستوعب و الكافي في اللحم الأحمر وصححه المؤلف وجزم به في الوجيز لأن المستهلك لا يقع عليه اسم الذي حلف عليه فلم يحنث بأكل المستهلك فيه كما لو حلف لا يأكل رطبا فأكل تمرا ولأن المستهلك في الشيء يصير وجوده كعدمه والظاهر من الحالف على ذلك أنه إنما حلف لمعنى في المحلوف عليه وإذا كان كذلك تعين عدم الحنث لانتفاء المعنى المحلوف من أجله.
"وإن ظهر طعم السمن أو طعم شيء من المحلوف عليه حنث" كما لو أكل ذلك منفردا وكحلفه على اللبن فإنه يحنث بمسماه ولو من صيد وآدمية.
"وقال الخرقي يحنث بأكل اللحم الأحمر وحده لأنه لا يكاد يخلو من شحم فيحنث به وإن قل لأنه يظهر في الطبيخ فيبين على وجه المرق وفارق من حلف لا يأكل سمنا فأكل خبيصا فيه سمن لا يظهر طعمه ولا لونه لأن هذا قد يظهر الدهن فيه.
"وقال غيره يحنث بأكل حنطة فيها حبات شعير" لأن الشعير يمكن تمييزه بتركه فيه وأكله له أكل لما منع نفسه من أكله مع القدرة عليه أشبه ما لو أكل منفردا وفي الترغيب إن طحنه لم يحنث وإلا حنث في الأصح والمذهب الأول فلو حلف لا يأكل حنطة فأكلها خبزا أو طحينا حنث لأن الحنطة لا تؤكل حبا عادة فانصرفت يمينه إلى أكلها في جميع أحوالها

فصل
وإن حلف لا يأكل سويقا فشربه أو لا يشربه فأكله فقال الخرقي يحنث وقال أحمد فيمن حلف لا يشرب نبيذا فثرد فيه وأكله لا يحنث فيخرج في كل ما حلف لا يأكله فشربه أو لا يشربه فأكله وجهان وقال القاضي إن عين المحلوف عليه حنث وإن لم يعينه لم يحنث
__________
مسألة: إذا حلف لا يأكل في هذه القرية فأكل فيها أو في حد من حدودها حنث ذكره في المستوعب قال أحمد فيمن حلف لا يدخل هذه القرية فأوى إلى ناحية منها مما هو في حدها حنث لأن الناحية والحد من جملة القرية ذكره القاضي
فصل
"وإن حلف لا يأكل سويقا فشربه أو لا يشربه فأكله فقال الخرقي يحنث" هذا رواية لأن الحالف على ترك شيء يقصد به في العرف اجتناب ذلك الشيء بالكلية فحملت اليمين عليه ألا ترى إلى قوله تعالى {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ} [النساء: 2] فإنه يتناول تحريم شربها ولو قال طبيب لمريض لا تأكل العسل كان ناهيا له عن شربه وبالعكس.
"وقال أحمد فيمن حلف لا يشرب نبيذا فثرد فيه وأكله لا يحنث" هذه رواية ثانية نقلها مهنا وقدمها في المحرر لأن الأفعال أنواع كالأعيان وإن حلف على نوع من الأنواع لم يحنث بغيره كذلك الأفعال "فيخرج في كل ما حلف لا يأكله فشربه أو لا يشربه فأكله وجهان" مبنيان على الخلاف السابق "وقال القاضي إن عين المحلوف عليه حنث وإن لم يعينه لم يحنث" هذا رواية وجزم بها في الوجيز لأن تغير صفة المحلوف عليه لا ينفي الحنث فكذلك تغير صفة الفعل وإذا لم يعينه فلا حنث لأنه لم تحصل المخالفة من جهة

وإن حلف لا يطعمه حنث بأكله وشربه وإن ذاق ولم يبلعه لم يحنث وإن حلف لا يأكل مائعا فأكله بالخبز حنث
__________
الاسم ولا من جهة التعيين قال في الشرح ليس للتعيين أثر في الحنث وعدمه فإن الحنث في المعين إنما كان لتناوله ما حلف عليه وإجراء معنى الأكل والشرب على التناول العام فيهما وهذا لا فرق فيه بين التعيين وعدمه وعدم الحنث معلل بأنه لم يفعل الفعل الذي حلف على تركه وإنما فعل غيره وهذا في المعين كهو في المطلق لعدم الفارق بينهما
فرع: إذا حلف لا يأكل ولا يشرب أو لا يفعلهما فمص رمانا أو قصب سكر فروايتان أنصهما لا حنث ذكره في الكافي وذكر ابن عقيل أن أحمد نص فيمن حلف لا يأكل فمص قصب السكر أو الرمان حنث وإن حلف لا يأكل سكرا أو لا يشربه فتركه في فيه حتى ذاب وابتلعه فعلى الخلاف
"وإن حلف لا يطعمه حنث بأكله وشربه" ومصه لقوله تعالى {وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ} [البقرة: 249] ولأن ذلك كله طعم "وإن ذاق ولم يبلعه لم يحنث" في قولهم جميعا لأنه ليس بأكل ولا شرب بدليل أن الصائم لا يفطر به فلو حلف لا يذوقه حنث بأكله أو شربه أو ذوقه لأنه ذوق وزيادة وفي الرعاية حنث بأكله وشربه ثم قال قلت فيمن لا ذوق له نظر
"وإن حلف لا يأكل مائعا فأكله بالخبز حنث" لقوله عليه السلام "كلوا الزيت" ولأنه يسمى أكلا ويؤكل في العادة كذلك
فرع: إذا حلف لا يشرب من الكوز فصب منه في إناء وشرب لم يحنث وعكسه إن اغترف بإناء من النهر أو البئر وقال ابن عقيل يحتمل عدم حنثه بكرعه من النهر لعدم اعتباره كحلفه لا يلبس هذا الثوب فتعمم به .

فصل
وإن حلف لا يتزوج ولا يتطهر ولا يتطيب فاستدام ذلك لم يحنث وإن حلف لا يركب ولا يلبس فاستدام ذلك حنث وإن حلف لا يدخل دارا هو داخلها فأقام فيها حنث عند القاضي ولم يحنث عند أبي الخطاب
__________
فصل
"وإن حلف لا يتزوج ولا يتطهر ولا يتطيب فاستدام ذلك لم يحنث" في قولهم جميعا لأنه لا يطلق اسم الفعل على مستديم هذه الثلاثة فلا يقال تزوجت شهرا ولا تطهرت شهرا ولا تطيبت شهرا وإنما يقال منذ شهر ولم ينزل الشارع استدامة التزويج والطيب منزلة استدامته في تحريمه في الإحرام "وإن حلف لا يركب ولا يلبس" ولا يقوم ولا يقعد ولا يسافر "فاستدام ذلك حنث" وهو قول أكثرهم لأن المستديم يطلق عليه ذلك بدليل أنه يقال ركب شهرا ولبس شهرا وقد اعتبر الشارع هذا في الإحرام حيث حرم لبس المخيط فأوجب الكفارة باستدامته كما أوجبها في ابتدائه وقال أبو محمد الجوزي في اللبس إن استدامه حنث إن قدر على نزعه ويلحق ما لو حلف لا يلبس من غزلها وعليه منه شيء نص عليه أو لا يطأ فاستدام ذلك ذكره في الانتصار أو لا يضاجعها على فراش فضاجعته ودام نص عليه لأن المضاجعة تقع على الاستدامة ولهذا يقال اضطجع على الفراش ليلة قال القاضي وابن شهاب الخروج والنزع لا يسمى سكنا ولا لبسا والنزع جماع لاشتماله على إيلاج وإخراج فهو شطره وجزم في منتهى الغاية لا يحنث بالنزع في الحال وفاقا وكذا إذا حلف لا يمسك ذكره في الخلاف أو لا يشاركه فدام ذكره في الروضة "وإن حلف لا يدخل دارا هو داخلها فأقام فيها حنث عند القاضي" لم يذكر ابن هبيرة عن أحمد غيره وجزم به في الوجيز وصححه في الفروع لأن استدامة المقام في ملك الغير كابتدائه في التحريم "ولم يحنث عند أبي الخطاب" لأن الدخول لا يستعمل في

وإن حلف لا يدخل على فلان بيتا فدخل فلان عليه فأقام معه فعلى الوجهين وإن حلف لا يسكن دارا أو لا يساكن فلانا وهو مساكنه فلم يخرج في الحال حنث إلا أن يقيم لنقل متاعه أو يخشى على نفسه الخروج فيقيم إلى أن يمكنه وإن خرج دون متاعه وأهله حنث
__________
الاستدامة ولهذا يقال دخلتها منذ شهر ولا يقال دخلتها شهرا فجرى مجرى التزويج ولأن الانفصال من خارج إلى داخل ولا يوجد في الإقامة قال أحمد أخاف أن يكون قد حنث قال السامري فحمله أبو الخطاب على أنه قصد الامتناع من الكون في داخلها وإلا فلا يحنث حتى يبتدئ دخولها وقيل لا يحنث إلا أن ينوي فرقة أهلها أو عدم الكون فيها أو السبب يقتضيه وإلا إذا دخل "وإن حلف لا يدخل على فلان بيتا فدخل فلان عليه فأقام معه فعلى الوجهين" لأن الإقامة هنا كالإقامة في المسألة التي قبلها والأصح الحنث إن لم تكن له نية "وإن حلف لا يسكن دارا" وهو ساكنها أو لا يركب دابة هو راكبها أو لا يلبس ثوبا هو لابسه "أو لا يساكن فلانا وهو مساكنه فلم يخرج في الحال حنث" لأن استدامة السكنى سكنى بدليل أنه يصح أن يقال سكن الدار شهرا "إلا أن يقيم لنقل متاعه" وأهله ذكره في المغني وغيره لأن الانتقال لا يكون إلا بالأهل والمال ويكون نقله على ما جرت به العادة لا ليلا وإن تردد إلى الدار لنقل المتاع أو عيادة مريض لم يحنث ذكره في الكافي ونصره في الشرح لأن هذا ليس بسكنى وقال القاضي يحنث إن دخلها وإن تردد زائرا فلا لأنها ليست سكنى ذكره الشيخ تقي الدين وفاقا ولو طالت مدتها "أو يخشى على نفسه الخروج فيقيم إلى أن يمكنه" لأنه أقام لدفع الضرر وإزالته عند ذلك مطلوبة شرعا فلم يدخل تحت النهي "وإن خرج دون متاعه" المقصود "وأهله" مع إمكان نقلهم وظاهر نقل ابن هانئ وهو ظاهر الواضح وغيره أو ترك له به شيئا "حنث" وهو قول أكثرهم لأن السكنى تكون بالأهل والمال ولهذا يقال فلان ساكن في البلد الفلاني وهو غائب عنه وإن نزل بلدا بأهله وماله فيقال سكنه لكن إن خرج عازما على السكنى بنفسه منفردا عن أهله الذين في الدار لم يحنث زاد في الشرح فيما

إلا أن يودع متاعه أو يعيره أو تأبى امرأته الخروج معه ولا يمكنه إكراهها فيخرج وحده فلا يحنث وإن حلف لا يساكن فلانا فبنيا بينهما حائطا وهما متساكنان حنث وإن كان في الدار حجرتان كل حجرة تختص ببابها ومرافقها فسكن كل واحدة حجرة لم يحنث وإن حلف ليخرجن من هذه البلدة فخرج وحده دون أهله بر
__________
بينه وبين الله تعالى وقيل إن خرج بأهله فسكن بموضع وقيل أو وجده بما يتأثث به فلا
فرع: إذا أقام في الدار لإكراه أو ليل أو يحول بينه وبين الخروج أبواب مغلقة أو لعدم ما ينقل عليه متاعه أو منزل ينتقل إليه أياما وليالي في طلب النقلة لم يحنث وإن أقام غير ناو لها حنث ذكره في الكافي والشرح
"إلا أن يودع متاعه أو يعيره" أو يزول ملكه عنه "أو تأبى امرأته الخروج معه ولا يمكنه إكراهها فيخرج وحده فلا يحنث" لأن زوال اليد والعجز لا يتصور معهما حنث "وإن حلف لا يساكن فلانا فبنيا بينهما حائطا وهما متساكنان حنث" هذا هو المذهب إذا كانا في دار حالة اليمين وتشاغلا ببناء الحائط لأنهما متساكنان قبل انفراد إحدى الدارين من الأخرى لا نعلم فيه خلافا قاله في الشرح وذكر السامري والمجد قولا بأنه لا يحنث فإن خرج أحدهما منها وقسماها حجرتين وفتحا لكل واحدة منهما بابا وبينهما حاجز وسكن كل واحد حجرة لم يحنث لأنهما غير متساكنين وقال مرة لا يعجبني ذلك ويحتمله قياس المذهب لكونه عين الدار والأول أصح لأنه لم يساكنه فيها "وإن كان في الدار حجرتان كل حجرة تختص ببابها ومرافقها فسكن كل واحد حجرة" ولا نية ولا سبب قاله في الرعاية والفروع لم يحنث لأن كل واحد ساكن في حجرته فلا يكون مسكنا لغيره وكذا إن سكنا في دارين متجاورتين قال في الفنون فيمن قال أنت طالق ثلاثا إن دخلت علي البيت ولا كنت لي زوجة إن لم تكتبي لي نصف مالك فكتبت له بعد ستة عشر يوما تقع الثلاث لأنه يقع باستدامة المقام فكذا استدامة الزوجية
"وإن حلف ليخرجن من هذه البلدة فخرج وحده دون أهله بر" لأن

وإن حلف: ليخرجن من الدار فخرج دون أهله لم يبر وإن حلف ليخرجن من هذه البلدة أو ليرحلن عن هذه الدار ففعل فهل له العود إليها على روايتين
فصل
إذا حلف لا يدخل دارا فحمل فأدخلها
__________
حقيقة الخروج لم يعارضها معارض فوجب حصول البر لحصول الحقيقة وكذا إن حلف ليخرجن من الدار ولا يأوي أو ينزل فيها نص عليهما أو لا يسكن البلد أو ليرحلن منه فكحلفه لا يسكن الدار قاله في الفروع.
"وإن حلف ليخرجن من الدار فخرج دون أهله لم يبر" لأن الدار يخرج منها صاحبها كل يوم عادة وظاهر حاله إرادة خروج غير المعتاد بخلاف البلد وإن حلف لا يسكنها وهو خارج عنها فدخلها أو كان فيها غير ساكن فدام جلوسه فوجهان وقيل إن قصد الامتناع من الكون فيها حنث وإلا فلا وقيل إن انتقل إليها برحله الذي يحتاجه الساكن حنث وإلا فلا وقال القاضي ولو بات ليلتين فلا حنث وفي الشرح إذا حلف على الرحيل عن بلد لم يبر إلا برحيل أهله "وإن حلف ليخرجن من هذه البلدة أو ليرحلن عن هذه الدار ففعل فهل له العود إليها على روايتين" إحداهما لا شيء عليه في العود قدمه في الرعاية ورجحه في الكافي والشرح وصححه في الفروع لأن يمينه على الخروج وقد خرج فانحلت يمينه وإذا كان كذلك صار بمنزلة من لم يحلف ولقوله إن خرجت فلك درهم استحق بخروج أول ذكره القاضي وغيره والثانية: يحنث بالعود لأن ظاهر حاله قصد هجران ما حلف على الرحيل منه والعود ينافي مقصود يمينه فأما إن كان له نية أو سبب أو قرينة عمل بها
فصل
"إذا حلف لا يدخل دارا فحمل فأدخلها" ولم يمكنه الامتناع لم

ويمكنه الامتناع فلم يمتنع أو حلف لا يستخدم رجلا فخدمه وهو ساكت فقال القاضي يحنث ويحتمل ألا يحنث وإن حلف ليشربن الماء أو ليضربن غلامه غدا فتلف المحلوف عليه قبل الغد حنث عند الخرقي ويحتمل ألا يحنث
__________
يحنث نص عليه ولا نعلم فيه خلافا فإن حمل بغير أمره "ويمكنه الامتناع فلم يمتنع" حنث في المنصوص واختاره القاضي كما لو حمل بأمره وقال أبو الخطاب فيه وجهان
أحدهما بلى لما تقدم والثاني: لا يحنث كما لو لم يمكنه الامتناع وعلى الأول كيفما دخل باختياره حنث مطلقا ولو من غير بابها ويستثنى منه ما لو أكره بضرب ونحوه فالأصح أنه لا يحنث للخبر والمعنى "أو حلف لا يستخدم رجلا فخدمه وهو ساكت فقال القاضي يحنث" لأنه قصد اجتناب خدمته ولم يحصل "ويحتمل أن لا يحنث" وهو وجه لأنه استخدمه والسكوت لا يدل على الرضى ولهذا يملك الذي شق ثوبه مطالبة الذي شقه وقيل إن كان عبده حنث لأن عبده يخدمه عادة فمعنى يمينه لأمنعنك خدمتي فإذا لم ينهه ولم يمنعه فإنه يحنث بخلاف عبد غيره وقال أبو الخطاب يحنث فيهما واقتصر عليه ابن هبيرة.
"وإن حلف ليشربن الماء أو ليضربن غلامه غدا فتلف المحلوف عليه قبل الغد حنث عند الخرقي" نصره في الشرح وجزم به في الوجيز وصححه ابن المنجا وقدمه في الفروع كما لو حلف ليحجن العام فلم يقدر على الحج لمرض أو ذهاب نفقة لأن الامتناع لمعنى في المحل أشبه ما لو ترك ضرب العبد لصغر به أو ترك الحالف الحج لصعوبة الطريق ويحنث عقيب تلفهما نص عليه وقدمه في المحرر والرعاية وجزم به في الوجيز وقيل في آخر الغد.
"ويحتمل أن لا يحنث" وقاله الأكثر لأنه تعذر فعل المحلوف عليه لا من جهته أشبه المكره أما لو تلف المحلوف عليه بفعله واختياره فإنه يحنث وجها واحدا قال في الشرح فإن تلف العبد في غد قبل التمكن من ضربه فكما لو مات في يومه وإن مات في غد قبل التمكن من ضربه حنث وجها واحدا وإن ضربه اليوم لم يبر نصره في الشرح وقدمه في الرعاية كما لو حلف ليصومن

وإن مات الحالف لم يحنث وإن حلف ليقضينه حقه فأبرأه فهل يحنث على وجهين وإن مات المستحق فقضى ورثته لم يحنث وقال القاضي يحنث وإن باعه بحقه عرضا لم يحنث عند ابن حامد وحنث عند القاضي
__________
يوم الجمعة فصام يوم الخميس وقال القاضي يبر وقال ابن حمدان إن أراد أنه لا يتجاوزه وإلا حنث وإن جن العبد فضربه بر وإلا فلا.
"وإن مات الحالف" أي قبل الغد أو جن فلم يفق إلا بعد خروج الغد "لم يحنث" لأن الحنث إنما يحصل بفوات المحلوف عليه في وقته وهو الغد والحالف قد خرج أن يكون من أهل التكليف قبل ذلك فلا يمكن حنثه بخلاف موت المحلوف عليه والأصح أنه إذا مات فيه فإنه يحنث في آخر حياته فإن مات الحالف في غد بعد التمكن من ضربه فلم يضربه حنث وجها واحدا وكذا إن هرب العبد أو مرض أو الحالف فلم يقدر على ضربه.
"وإن حلف ليقضينه حقه فأبرأه" منه قبل مجيئه "فهل يحنث على وجهين" هما مبنيان على ما إذا حلف على فعل شيء فتلف قبل فعله أحدهما: الحنث لأن الحلف على القضاء والإبراء ليس بقضاء بدليل أنه يصح أن يقال ما قضاني حقي وإنما أبرأته منه والثاني: وهو الأصح عدمه لأن الغرض من القضاء حصول البراءة منه فلا يحنث وفي الترغيب أصلهما إذا منع من الإيفاء في غد كرها لا يحنث على الأصح وأطلق في التبصرة فيهما الخلاف.
"وإن مات المستحق فقضى ورثته لم يحنث" قاله أبو الخطاب وقدمه السامري والمجد وجزم به في الوجيز لأن قضاء ورثته يقوم مقام قضائه في إبراء ذمته فكذلك في يمينه "وقال القاضي يحنث" كما لو حلف ليضربن عبده غدا فمات العبد اليوم والأول هو المنصور لأن موت العبد يخالف ذلك لأن ضرب غيره لا يقوم مقام ضربه.
"وإن باعه بحقه عرضا لم يحنث عند ابن حامد" قدمه السامري والمجد وجزم به في الوجيز وصححه في الفروع لأنه قضاه حقه "وحنث عند القاضي" لأنه لم يقض الحق الذي عليه بعينه فإن كانت يمينه لا فارقتك ولي

وإن حلف ليقضينه حقه عند رأس الهلال فقضاه عند غروب الشمس في أول الشهر بر وإن حلف لا فارقته حتى أستوفي حقي فهرب منه حنث وقال الخرقي لا يحنث وإن فلسه الحاكم وحكم عليه بفراقه خرج على الروايتين
__________
قبلك حق لم يحنث وجها واحدا وإن منع منه فالروايتان وهما في المذهب إن كره "وإن حلف ليقضينه حقه عند رأس الهلال" أو مع رأسه أو إلى رأسه أو إلى استهلاله أو عند رأس الشهر "فقضاه عند غروب الشمس في أول الشهر بر" على المذهب لأن ذلك هو الوقت المحلوف عليه لأن غروب الشمس هو آخره ولو تأخر فراغ كيله لكثرته ذكره في المغني وذكر السامري وقدمه في الرعاية أنه إذا قضاه قبل الغروب في آخر الشهر بر وإن فاته حنث ثم قال في الرعاية قلت فيخرج ضده إن عذر ويحنث إذا تأخر بعد الغروب مع إمكانه وفي الترغيب لا تعتبر المقارنة فتكفي حالة الغروب.
"وإن حلف لا فارقته حتى أستوفي حقي فهرب منه حنث" نص عليه وذكره ابن الجوزي ظاهر المذهب لأن معنى اليمين لا حصل منا فرقة وقد حصل وكإذنه ولقوله لا افترقنا "وقال الخرقي لا يحنث" هذا رواية قدمها في الكافي والترغيب ونصرها في الشرح وصححها ابن حمدان لأن اليمين على فعل نفسه ولم توجد المفارقة إلا من غيره واختار في المحرر وجزم به في الوجيز أنه إن أمكنه متابعته وإمساكه حنث وإلا فلا فإن أذن له الحالف في الفرقة ففارقه فالمذهب أنه يحنث.
"وإن فلسه الحاكم وحكم عليه بفراقه خرج على الروايتين" في الإكراه إذا فلسه الحاكم وصده عنه والمذهب الحنث وكذا إن لم يحكم بفراقه ففارقه لعلمه بوجوب مفارقته نص عليه وإن لم يصده الحاكم بعد فلسه حنث وقيل إن قضاه حقه من غير جنسه وهو ناو الوفاء ففارقه فلا وقال القاضي إن كان لفظه لا فارقتك ولي قبلك حق لم يحنث وإن قال حتى أستوفي حقي منك حنث وكذا إن أحاله به فقبل وانصرف وإن ظن أنه بر

وإن حلف لا افترقنا فهرب منه حنث وقدر الفراق ما عده الناس فراقا كفرقه البيع
__________
فوجهان وإن فارقه عن كفيل أو رهن أو أبرأه منه حنث وإن وجدها مستحقها وأخذها خرج على الروايتين في الناسي
فرع: إذا حلف المطلوب ألا يعطيه شيئا فوفاه عنه غيره بلا إذنه فلا حنث وإن حلف لا فارقتك حتى آخذ حقي ففر الغريم حنث الحالف وإن أكره على إطلاقه فوجهان وإن فر الحالف فلا على الأشهر
"وإن حلف لا افترقنا فهرب منه حنث" لأن يمينه تقتضي ألا تحصل بينهما فرقة بوجه من جهة اللفظ والمعنى وقد حصلت وإن حلف لا أخذت حقك مني فأكره على دفعه حنث وإن وضعه الحالف بين يديه أو في حجره فلم يأخذه لم يحنث لأنه لا يضمن بمثل هذا مال ولا صيد ويحنث لو كانت يمينه لا أعطيك لأنه يعد عطاء إذ هو تمكين وتسليم بحق فهو كتسليم ثمن ومثمن وأجرة وزكاة وإن أخذه حاكم فدفعه إلى الغريم وأخذه حنث نص عليه كقوله لا تأخذ حقك علي وعند القاضي لا كقوله ولا أعطيكه.
"وقدر الفراق ما عده الناس فراقا كفرقه البيع" لأن الشرع رتب على ذلك أحكاما ولم يبين مقداره فوجب الرجوع فيه إلى العادة كالقبض والحرز

باب النذر
__________
باب النذريقال نذرت أنذر بكسر الذال وضمها نذرا فأنا ناذر أي أوجب على نفسه شيئا تبرعا والأصل فيه بعد الإجماع قوله تعالى {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [الإنسان: 7] {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج:29] وقوله عليه السلام "من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه" رواه البخاري من حديث عائشة ويتعين الوفاء به ولا يستحب لنهيه عليه السلام عنه وقال "إنه لا

وهو أن يلزم نفسه لله تعالى شيئا ولا يصح إلا من مكلف مسلما كان أو كافرا ولا يصح إلا بالقول وإن نواه من غير قول لم يصح ولا يصح في محال ولا واجب فلو قال لله علي صوم أمس أو صوم رمضان لم ينعقد.
__________
يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل" متفق عليه وهذا نهي كراهة لأنه لو كان حراما لما مدح الموفيين به لأن ذمهم من ارتكاب المحرم أشد من طاعتهم في وفائه ولو كان مستحبا لفعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وقال ابن حامد لا يرد قضاء ولا يملك به شيئا محدثا وتوقف الشيخ تقي الدين في تحريمه وحرمه طائفة من أهل الحديث وقال ابن حامد المذهب مباح "وهو أن يلزم نفسه لله تعالى شيئا" يحترز به عن الواجب بالشرع فيقول لله علي كذا وقال ابن عقيل إلا مع دلالة حال وفي المذهب بشرط إضافته فيقول لله علي "ولا يصح إلا من مكلف" فلا ينعقد من غير مكلف كالإقرار وكالطفل "مسلما كان أو كافرا" ذكر في المستوعب وغيره أنهما سواء وشرطه أن يكون مختارا أما الأول فظاهر وأما الثاني فيصح منه ولو بعبادة نص عليه لحديث عمر إني كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة فقال النبي صلى الله عليه وسلم "أوف بنذرك" وهو قول المغيرة والمخزومي والبخاري وابن جرير وقال الأكثر لا يصح نذره وحملوا خبر عمر على الندب وقيل يصح منه غير عبادة لأن نذره لها كالعبادة لا اليمين "ولا يصح إلا بالقول" لأنه التزام فلم ينعقد بغيره كالنكاح والطلاق "وإن نواه من غير قول لم يصح" كاليمين "ولا يصح في محال ولا واجب فلو قال لله علي صوم أمس أو صوم رمضان لم ينعقد" وفيه مسألتان الأولى: أنه لا ينعقد نذر المستحيل كصوم أمس قدمه في الكافي وجزم به في الوجيز وغيره لأنه لا يتصور انعقاده والوفاء به أشبه اليمين على المستحيل وقيل تجب الكفارة قال المؤلف والصحيح في المذهب أن النذر كاليمين وموجبه موجبها إلا في لزوم الوفاء به إذا كان قربة وأمكنه فعله بدليل قوله عليه السلام لأخت عقبة لما نذرت المشي ولم تطقه فقال "لتكفر عن يمينها ولتركب" وفي رواية "ولتصم ثلاثة أيام" قال أحمد أذهب إليه وعن عقبة بن عامر مرفوعا :

والنذر المنعقد على خمسة أقسام أحدها النذر المطلق وهو أن يقول لله علي نذر فتجب به كفارة يمين الثاني نذر اللجاج والغضب وهو ما يقصد به المنع من شيء أو الحمل عليه كقوله إن كلمتك فلله علي الحج أو صوم سنة أو عتق عبدي أو الصدقة بمالي فهذا يمين يتخير بين فعله والتكفير
__________
"كفارة النذر كفارة اليمين" رواه مسلم ولأنه قد ثبت أن حكمه حكم اليمين في أحد أقسامه وهو نذر اللجاج فكذلك في سائره سوى ما استثناه الشرع الثانية أنه لا ينعقد نذر الواجب كصوم رمضان قاله أكثر أصحابنا لأن النذر التزام ولا يصح التزام ما هو لازم والمذهب أنه ينعقد موجبا لكفارة يمين إن تركه كما لو حلف لا يفعله ففعله فإن النذر كاليمين
فرع: من نذر فعل واجب أو حرام أو مكروه أو مباح انعقد نذره موجبا للكفارة إن لم يفعل مع بقاء الوجوب والتحريم والكراهة والإباحة بحالهن كما لو حلف على فعل ذلك وعنه أنه لاغ ولا كفارة فيه
"والنذر المنعقد على خمسة أقسام أحدها النذر المطلق وهو أن يقول لله علي نذر" ولا نية له وفعله "فتجب به كفارة يمين" وفاقا للأكثر لما روى عقبة بن عامر مرفوعا "كفارة النذر إذا لم يسم كفارة يمين" رواه ابن ماجة والترمذي وقال حسن صحيح غريب وروى أبو داود وابن ماجة معناه من حديث ابن عباس وقاله ابن مسعود وجابر وعائشة ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم
"الثاني نذر اللجاج والغضب وهو ما علقه بشرط يقصد به المنع من شيء أو الحمل عليه كقوله إن كلمتك فلله علي الحج أو صوم سنة أو عتق عبدي أو الصدقة بمالي فهذا" إن وجد شرطه فهو " يمين يتخير بين فعله والتكفير" في ظاهر المذهب لما روى عمران بن حصين قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول "لا نذر في غضب وكفارته كفارة يمين" رواه سعيد ولأنها يمين فيتخير فيها بين الأمرين كاليمين بالله تعالى لأن هذا جمع للصفتين فيخرج عن العهدة بكل واحد منهما وعنه يتعين كفارة يمين للخبر وفي الواضح :

الثالث نذر المباح كقوله لله علي أن ألبس ثوبي أو أركب دابتي فهذا كاليمين يتخير بين فعله وبين كفارة اليمين وإن نذر مكروها كالطلاق استحب أن يكفر ولا يفعله
__________
يلزمه الوفاء بما قال نقل صالح إذا فعل المحلوف عليه فلا كفارة بلا خلاف ولا يضر قوله على مذهب من يلزم بذلك أو لا أقلد من يرى الكفارة ذكره الشيخ تقي الدين لأن الشرع لا يتغير بتوكيل قال في الفروع ويتوجه كأنت طالق بتة قال شيخنا وإن قصد لزوم الجزاء عند الشرط لزمه مطلقا عند أحمد نقل الجماعة فيمن حلف بحجة إن أراد يمينا كفر يمينه وإن أراد نذرا فعلى حديث عقبة
فرع: إذا قال إن فعلت كذا فعبدي حر ففعله عتق لأن العتق يصح تعليقه بشرط أشبه الطلاق وإن قال إن بعتك ثوبي فهو صدقة فقال فإن اشتريته فهو صدقة فاشتراه منه لزم كل واحد كفارة يمين ذكره السامري وابن حمدان
"الثالث نذر المباح كقوله لله علي أن ألبس ثوبي أو أركب دابتي فهذا كاليمين يتخير بين فعله وبين كفارة اليمين" لما سبق وعنه لا كفارة فيه واختاره الأكثر لقوله عليه السلام "لا نذر إلا فيما ابتغي به وجه الله" ولما روى ابن عباس قال "بينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إذا هو برجل قائم فسأل عنه فقالوا أبو إسرائيل نذر أن يقوم في الشمس ولا يستظل ولا يتكلم وأن يصوم فقال النبي صلى الله عليه وسلم مروه فليتكلم وليستظل وليقعد وليتم صومه" رواه البخاري فلم يأمره بكفارة فإن وفى به أجزأه لأن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدف فقال "فأوفي بنذرك" رواه أبو داود أحمد والترمذي وصححه من حديث بريدة ولأنه لو حلف على فعل مباح بر بفعله فكذا إذا نذره لأن النذر كاليمين
"وإن نذر مكروها كالطلاق استحب أن يكفر" ليخرج عن عهدة نذره "ولا يفعله" لأن ترك المكروه أولى فإن فعله فلا كفارة عليه قال في الشرح :

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24