كتاب : المبدع شرح المقنع
المؤلف : إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد ابن مفلح، أبو إسحاق، برهان الدين

والمغشوش من الأثمان وغيرها وما يجمع أخلاطاً غيرمتميزة كالغالية والند والمعاجين ويصح فيما يترك فيه شيء غير مقصود لمصلحته كالجبن وخل التمر والسكنجبين وغيرها
فصل
الثاني: أن يصفه بما يختلف به الثمن ظاهرا
ـــــــ
"والمغشوش من الأثمان" لأن غشه يمنع العلم بالقدر المقصود منه فلم يصح ولما فيه من الغرر وظاهره: يصح فيها حيث لم تكن مغشوشة ويكون رأس المال غيرها "وغيرها" كاللبن المشوب بالماء والحنطة المختلطة بالزوان لأنه مجهول لا ينضبط بالصفة "وما يجمع أخلاطاً غير متميزة كالغالية والند والمعاجين" لعدم ضبطها بالصفة وفي معناه القسي المشتمل على الخشب والقرن والعقب والعراء والتور للعجز عن ضبط مقادير ذلك وتمييزه وفيه وجه يصح كالثياب وفي شهد وكتان وقنب يقضيانه وجهان "ويصح فيما يترك فيه شيئ غير مقصود لمصلحته كالجبن" فإن فيه أنفحة "والعجين" فان فيه ملحا "وخل التمر" فإن فيه ماء "والسكنجبين" فإن فيه خلا "وغيرها" كالخبز ولبن فيه ماء يسير ودهن ورد وبنفسج ولأن ذلك يسير غير مقصود لمصلحته فلم يؤثر
فرع: يصح السلم في اللبأ والخبز وما أمكن ضبطه مما مسته النار منع الشافعي السلم في كل معمول بالنار واستثنى النووي أربعة السكر والفانيد واللبأ والدبس والأشهر جوازه في اللحم المشوي والمطبوخ وقال القاضي: لا يصح لأنه يتفاوت كثيرا
فصل
"الثاني: أن يصفه بما يختلف به الثمن ظاهرا" لأن السلم عوض يثبت في الذمة فاشترط العلم به كالمثمن وطريقه الرؤية أو الصفة والأول ممتنع فتعين

فيذكر جنسه ونوعه وقدره وبلده وحداثته وقدمه وجودته ورداءته وما لا يختلف به الثمن لا يحتاج إلى ذكره
ـــــــ
الوصف "ف"على هذا "يذكر جنسه ونوعه وقدره وبلده وحداثته وقدمه وجودته ورداءته" بغير خلاف نعلمه ومختلف فيه كغير هذه الصفات فيكون ذكرها شرطا كالأول ذكره في الشرح ولا يجب استقصاء كل الصفات لأنه يتعذر وشرطه أن يكون الوصف بلغة يفهمها عدلان ليرجع إليهما عند التنازع
"وما لا يختلف به الثمن لا يحتاج إلى ذكره" لعدم الاحتياج إليه فعلى الأول يصف التمر بالنوع كبرني أو معقلي وبالجودة أو عكسها وبالقدر نحو كبار أو صغار وبالبلد نحو بغدادي لأنه أحلى وأقل بقاء لعذوبة مائه أو بصري وهو بخلافه وبالحداثة أو عكسها فإن أطلق العتيق أجزأ ما لم يكن معيبا
وإن شرط عتيق عام أو عامين فله شرطه وأما اللون فإن كان يختلف ذكره وإلا فلا والرطب كالتمر فيما ذكرنا إلا الحداثة وضدها وليس له من الرطب إلا ما أرطب كله. ويصف الحنطة بالنوع كسلموني وبالبلد كحوراني وبالقدر كصغار الحب أو كباره وبالحداثة وضدها واللون كما ذكرنا والشعير كالبر ويصف العسل بالبلد كفيجي ويجزئ ذلك عن ذكر النوع وبالزمان كخريفي وباللون كأبيض
ويصف السمن بالنوع كسمن ضأن وباللون كأبيض قال القاضي ويذكر المرعى ولا يحتاج إلى ذكر الحداثة وضدها لأن إطلاقه يقتضي الحديث ولا يصح السلم في عتيقه لأنه عيب ولا ينتهي إلى حد ينضبط به والزبد كالسمن ويزيد زبد يومه أو أمسه
ويصف اللبن بالنوع والمرعى ولا يحتاج إلى اللون ولا حلب يومه لأن إطلاقه يقتضي ذلك ويصف الجبن بالنوع والمرعى ورطب أو يابس واللبأ

ـــــــ
كاللبن ويزيد اللون والطبخ أو عدمه ويصف الحيوان بالنوع والسن والذكورة وضدها فإن كان رقيقا ذكر نوعه كتركي وسنه ويرجع في سن الغلام إليه إن كان بالغا وإلا فالقول قول سيده وإن لم يعلم رجع إلى أهل الخبرة والطول بالشبر معتبر فيه قال أحمد: يقول خماسي أو سداسي أسود أو أبيض أعجمي أو فصيح
وفي الترغيب فإن كان رجلا ذكر طويلا أو ربعا أو قصيرا وفي ذكر الكحل والدعج والبكارة والثيوبة ونحوها وجهان وقال ابن حمدان وفي اشتراط ثقل الأرداف ووضاءة الوجه وكون الحاجبين مقرونين وكذا الشعر سبطا أو ج اسمها أو أشقر أو أسود فتكون زرقاء والأنف أقنى وجهان
ويصف الإبل بالنتاج فيقول من نتاج بني فلان مكان النوع إن اختلف نتاجها وباللون كأبيض والخيل كالإبل فأما البغال فلا نتاج لها والحمير فلا يقصد نتاجها فيجعل مكان ذلك نسبتها إلى بلدها كرومي في البغال ومصري في الحمير والبقر والغنم إن عرف لها نتاج فكالإبل وإلا فكالحمير
ويصف اللحم بالسن والذكورة والعلف وضدها وبالنوع وموضع اللحم في الحيوان ويزيد في الذكر فحلا أو خصيا وإن كان لحم صيد لم يحتج إلى ذكر العلف والخصاء لكن يذكر الآلة أحبولة أو كلبا أو فهدا لأن ذلك يختلف واختار في المغني والشرح انه لا يشترط لأن التفاوت فيه يسير
وإذا لم يعتبر في الرقيق ذكر سمن وهزال ونحوهما مما يتباين به الثمن فهذا أولى ويلزمه قبول اللحم بعظامه أي: حيث أطلق لأنه يقطع كذلك فهو كالنوى في التمر
ولا يحتاج في لحم الطير إلى ذكر الأنوثة والذكورة إلا أن يختلف بذلك كلحم الدجاج ولا إلى موضع اللحم منه إلا أن يكون كثيرا يأخذ منه بعضه

ـــــــ
ولا يلزمه قبول الرأس والساقين لأنه لا لحم عليهما وفي عيون المسائل يعتبر ذكر الوزن في الطير كالكركي والبط لأن القصد لحمه ويصف السمك بالنوع كبردي والكبر والسمن وضدهما والطري أو الملح ولا يقبل الرأس والذنب بل ما بينهما ويصف الثياب بالنوع ككتان وبالبلد كبغدادي وبالطول أو الغلظ أو النعومة أو ضدها والغزل كذلك ويذكر مكان الطول أو العرض اللون نحو أبيض أو أصفر ويصف الإ بريسم باللون والبلد والغلظ والرقة
ويصف الصوف بالبلد واللون والطول أو القصر والذكورة أو الأنوثة وبالزمان كخريفي أو ربيعي لأن صوف الخريف أنظف وصوف الإناث أنعم وفي الشرح احتمال أنه لا يحتاج إلى ذكر الأنوثة والذكورة لأن التفاوت فيه يسير والشعر والوبر كالصوف
ويصف الكاغد بالطول والعرض والرقة أو الغلظ واستواء الصنعة وما يختلف به الثمن ويصف الرصاص والنحاس والحديد بالنوع كقلعي وبالنعومة أو ضدها وباللون إن كان يختلف به ويزيد في الحديد ذكرا أو أنثى فإن الذكر أحد وأمضى ويصف القصاع من الخشب بالنوع كجوز والصغر والكبر والعمق والضيق والثخانة والرقة ويصف السيف بالنوع كفولاذ وطوله وعرضه ورقته وغلظه وبلده وقدمه أو ضده ماض أو غيره ويصف قبيعته ويصف خشب البناء بالنوع والرطوبة أو ضدها وبالطول والدور أو سمكه وعرضه ويلزمه أن يدفع إليه من طرفه إلى طرفه بذلك الوصف فإن كان أحد طرفيه أغلظ مما وصف فقد زاده خيرا وإن كان أدق لم يلزمه قبوله وإن ذكر الوزن جاز ويصف حجارة الأرحية بالدور والثخانة والبلد والنوع ويضبط ما هو للبناء بذكر اللون والقدر والنوع والوزن ويصف الآجر واللبن بموضع التربة والدور والثخانة ويصف الجص والنورة باللون والوزن ولا يقبل ما أصابه الماء ولا قديما يؤثر فيه

فإن شرط الأجود لم يصح وإن شرط الأردأ فعلى وجهين وإن جاءه بدون ما وصف له أو نوع آخر فله أخذه ولا يلزمه وإن جاءه بجنس آخر لم يجز له أخذه
ـــــــ
ويصف العنبر باللون والوزن وإن شرط قطعة أو قطعتين جاز ويضبط العود الهندي ببلده وما يعرف به والمسك ونحوه بما يختلف به الثمن
"فإن شرط الأجود لم يصح" لتعذر الوصول إليه إلا نادرا إذ ما من جيد إلا ويحتمل أن يوجد أجود منه "وإن شرط الأردأ فعلى وجهين" كذا في المحرر والفروع أصحهما لا يصح لأنه لا ينحصر
والثاني: يصح لأن ما يدفعه إليه إن كان الموصوف فهو المسلم فيه وإن لم يكن فهو خير منه فيلزم المسلم قبوله بخلاف الأجود ويكفي جيد ورديء ويجزئ بأقلها أي: يترك الوصف على أقل درجة
"وإن جاءه بدون ما وصف له أو نوع آخر" من جنسه "فله أخذه" لأن الحق له وقد رضي بدونه ومع اتحادهما في الجنس يجعلهما كالشيء الواحد بدليل حرمة التفاضل" ولا يلزمه" لأن الإنسان لا يجبر على إسقاط حقه
وقال القاضي: وغيره: يلزمه قبوله حيث لم يكن أدنى لأنه من جنسه أشبه الزائد في الصفة ورد بأنه لم يأت بالمشروط فلم يلزمه قبوله كالأدنى وعنه: يحرم قبوله كغير جنسه نقله جماعة
"وإن جاءه بأجود منه من نوعه لزمه قبوله" في الأصح لأنه أتى بما تناوله العقد وزيادة منفعة وكشرطه وظاهره: ولو تضرر
والثاني: لا لأنه غيرما أسلم فيه وعنه: يحرم قبوله نقل صالح وعبد الله لا يأخذ فوق صفته بل دونها "وإن جاءه بجنس آخر لم يجز له أخذه" لقوله عليه السلام: "من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره" رواه أبو داود وابن ماجة من رواية عطية العوفي وضعفه جماعة من حديث أبي سعيد.

فإن جاءه وقال خذه وزدني درهما لم يجز وإن جاءه بزيادة في القدر فقال ذلك صح
فصل
الثالث: أن يذكر قدره بالكيل والوزن في الموزون والذرع في المذروع فإن أسلم في المكيل وزنا وفي الموزون كيلا لم يصح
ـــــــ
ونقل جماعة عن الإمام يأخذ أدنى كشعير عن بر بقدر كيله ولا يربح مرتين واحتج بابن عباس وبأنه أقل من حقه وحمل على أنهما جنس واحد "فإن جاءه" بالأجود "وقال: خذه وزدني درهما لم يجز" لأن الجودة صفة فلا يجوز إفرادها بالعقد كما لو كان مكيلا أو موزونا "وإن جاءه بزيادة في القدر فقال ذلك صح" لأن الزيادة هنا يجوز إفرادها بالبيع. مسألة: إذا قبض المسلم فيه فوجد به عيبا فله رده وإمساكه مع الأرش
فصل
"الثالث: أن يذكر بالكيل في المكيل والوزن في الموزون" لما روى ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أسلف في ثمر فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم" متفق عليه ولفظه لمسلم
"والذرع في المذروع" أي: يشترط معرفة قدر المسلم فيه بالذرع إن كان مذروعا وكذا المعدود لأنه عوض غائب يثبت في الذمة فاشترط معرفة قدره كالثمن
"فإن أسلم في المكيل وزنا وفي الموزون كيلا لم يصح" نص عليه في رواية الأثرم في المكيل لا يسلم فيه وزنا لأنه مبيع يشترط معرفة قدره فلم يجز بيعه بغير ما هو مقدر به في الأصل كبيع الربويات ولأنه قدره بغير ما هو مقدر به فلم يجز كما لو أسلم في المذروع وزنا وبالعكس فإنه لا يصح اتفاقا

وعنه: يصح ولا بد أن يكون المكيال معلوما فإن شرط مكيالا بعينه أو صنجة بعينها لم يصح وفي المعدود المختلف غيرالحيوان روايتان إحداهما يسلم فيه عددا والأخرى وزنا وقيل: يسلم في الجوز والبيض عددا وفي الفواكه والبقول وزنا
ـــــــ
"وعنه: يصح" نقلها المروذي وجزم بها في الوجيز وصححها في المغني والشرح ويحتمله كلام الخرقي لأن الغرض معرفة قدره وإمكان تسليمه من غيرتنازع فبأي قدر قدره جاز بخلاف الربويات فإن التماثل فيها شرط وأطلقهما في المحرر والفروع
"ولا بد أن يكون المكيال معلوما" عند العامة لأنه إذا كان مجهولا تعذر الاستيفاء به عند التلف وذلك مخل بالحكمة التي اشترط معرفة الكيل من أجلها وكذا الصنجة والذراع "فإن شرط مكيالا بعينه" أي: غيرمعلوم "أو صنجة بعينها" غير معلومة "لم يصح" لأنه قد يهلك فيتعذر معرفة المسلم فيه وهو غرر
وحكاه ابن المنذر إجماع من يحفظ عنه وظاهره: أنه إن كان معلوما لم يصح التعيين في الأصح وفي فساد العقد وجهان أظهرهما صحته
"وفي المعدود المختلف غير الحيوان" كفلوس مثلا ويكون رأس مالها عرض لا يجري فيهما ربا "روايتان إحداهما يسلم فيه عددا" قدمه في الرعاية لأن التفاوت في ذلك يسير ويذهب باشتراطه الكبر والصغر أو الوسط وإن بقي شيء يسير عفي عنه "والأخرى وزنا" لأنه يتباين والوزن يضبطه "وقيل: يسلم في الجوز والبيض عددا" قدمه في الفروع وذكر في الشرح أنه الأظهر لأن التفاوت في المتقارب يسير
ولهذا لا تكاد القيمة تتفاوت بين البيضتين والجوزتين بخلاف البطيخ فإنه يتباين كثيرا
"وفي الفواكه" كالرمان والسفرجل "والبقول وزنا" لأنه يختلف كثيرا ويتباين

فصل
الرابع: أن يشترط أجلا معلوما له وقع الثمن كالشهر ونحوه فإن أسلم حالا.
ـــــــ
جدا فلا ينضبط إلا بالوزن
فائدة: إذا كان المسلم فيه مما لا يمكن وزنه بميزان كالأرحية والأحجار الكبار وزنت بالسفينة فتنزك في الماء ثم ينزل فيها ذلك فينظر إلى أي: موضع يغوص فيعلمه ثم يرفع وينزل مكانه رمل ونحوه إلى أن يبلغ الماء الموضع المعلم ثم يوزن بميزان
فصل
"الرابع: أن يشترط أجلا معلوما" نقله الجماعة لأمره عليه السلام بالأجل كالكيل والوزن ولأنه أمر بها تبيينا لشروط السلم ومنعا منه بدونها بدليلأنه لا يصح إذا انتفى الكيل أو الوزن ولأنه إنما جاز رخصة للمرفق ولا يحصل إلا بالأجل إذ الحلول يخرجه عن اسمه ومعناه "له وقع في الثمن" عادة قاله الأصحاب "كالشهر" كذا قدره غيره به ونقله في الواضح عن أصحابنا وليس هذا في كلام أحمد.
واحتج أصحابنا بأن الأصل أنه لا يجوز السلم لأنه باع مجهولا لا يملكه يتعذر تسليمه فرخص فيه لحاجة المفلس ولا حاجة مع القدرة
قال في الفروع وهذا إنما يدل على اعتباره الأجل في الجملة مع أنه قال في عيون المسائل هو معتمد المسألة: وسرها
والأولى أن يقال: إن الأجل إنما اعتبر ليتحقق المرفق الذي شرع من أجله السلم فلا يحصل ذلك بالمدة التي لا وقع لها في الثمن "ونحوه" وفي الكافي كنصفه وفي الشرح وما قارب الشهر
"فإن أسلم حالا" لم يصح لحديث ابن عباس وعنه: يصح حالا ذكرها

أو إلى أجل قريب كاليوم ونحوه لم يصح إلا أن يسلم في شيء يأخذ فيه كل يوم أجزاء معلومة فيصح وإن أسلم في جنس إلى أجلين أو في جنسين إلى أجل صح.
ـــــــ
القاضي وأبو الخطاب وأومأ إليه في رواية أبي طالب أهل المدينة يقولون لا يحتاج إلى مدة وهو قياس ولكن إلى أجل أحب إلي وهي مع بقية النصوص تدل على الأجل القريب لكن إن وقع بلفظ البيع صح حالا
قال القاضي: ويجوز التفرق قبل قبض رأس المال لأنه بيع ويحتمل أن لا يصح لأنه بيع دين بدين ذكره في الكافي "أو إلى أجل قريب كاليوم ونحوه لم يصح" لفوات شرطه وهو أن مثل ذلك لا وقع له في الثمن وعنه: أن الأجل شرط ولو كان يوما ذكرها القاضي وقيل: لا يصح إلى شهر "إلا أن يسلم في شيء يأخذ منه كل يوم أجزاء معلومة فيصح" ولا بد أن يكون الأجل مقدرا بزمن معلوم نص عليه في رواية الأثرم إذ الحاجة داعية إلى ذلك وظاهره: التعميم في كل ما يصح السلم فيه
وقال أبو الخطاب فإن أسلم في لحم أو خبز يأخذ منه كل يوم أرطالا معلومة جاز نص عليه فظاهره اختصاص الجواز بهما ونصره ابن المنجا فعلى ما ذكرنا إذا قبض البعض وتعذر قبض الباقي رجع بقسطه من الثمن ولا يجعل الباقي فضلا على المقبوض لتماثل أجزائه فيقسط الثمن بالسوية كما إذا بين أجله وقيل: يصح إن بين قسط كل أجل وثمنه. "وإن أسلم في جنس إلى أجلين" صح لأن كل بيع جاز إلى أجل جاز إلى أجلين وآجال كبيوع الأعيان "أو في جنسين إلى أجل صح" كالبيع "ولا بد أن يكون الأجل مقدرا بزمن معلوم" فعلى هذا يسلم إلى وقت يعلم بالأهلة نحو أول الشهر وأوسطه وآخره وآخر يوم منه معين لقوله تعالى: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ} [البقرة:189]
ولا خلاف في صحة التأجيل بذلك فلو جعله إلى شهر رمضان تعلق بأوله وكذا إن قال: محله شهر كذا يصح وقيل: لا ولو قال: إلى ثلاثة أشهر

ولا بد أن يكون الأجل مقدرا بزمن معلوم فإن أسلم إلى الحصاد أو الجداد أو شرط الخيار إليه فعلى روايتين.
ـــــــ
كان إلى انقضائها فإن كانت مبهمة كان ابتداؤها حين تلفظه بها وإن قال إلى شهر كذا انصرف إلى الهلالي ما لم يكن في أثنائه فإنه يعمل بالعدد فإن علقه باسم يتناول شيئين كربيع وجمادى والعيد انصرف إلى أولهما قطع به في المغني والشرح وقيل: لا يصح وهو الذي أورده في التلخيص مذهبا
ويدخل في كلامه ما إذا عين الوقت كعيد الفطر أو يوم عرفة للعلم به فإن كان معلوما بغير الأهلة وكان المسلمون كشباط أو عيد لا يختلف فيه كالنيروز والمهرجان صح ذكره فإن أسلم إلى الحصاد أو الجداد أو شرط الخيار إليه فعلى روايتين في المغني والشرح لأنه معلوم أشبه عيد المسلمين
وظاهر الخرقي وابن أبي موسى لا كما لو أسلم إلى السعانين وعيد الفطير مما يجهله المسلمون غالبا ولا يجوز رحمة أهل الذمة فيه وظاهره: أن الأجل إذا لم يكن معلوما عند المتعاقدين أو أحدهما لا يصح للجهالة
"فإن أسلم إلى الحصاد أو الجداد أو شرط الخيار إليه فعلى روايتين" المذهب أنه لا يصح أن يؤجل إلى الحصاد والجداد لقول ابن عباس: لا تتبايعوا إلى الحصاد والدياس ولا تتبايعوا إلا إلى شهر معلوم ولأنه يختلف فلم يجز أن يكون أجلا كقدوم زيد
لا يقال: قد روي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى يهودي: أن ابعث إلي ثوبين إلى الميسرة لأنه رواه حرمي بن عمارة قال أحمد: فيه غفلة وهو صدوق وقال ابن المنذر أخاف أن يكون من غفلانه حيث لم يتابع عليه ثم لا خلاف أنه لا يصلح للأجل. والثانية: يجوز روي عن ابن عمر أنه كان يبتاع إلى العطاء وهو محمول على وقت العطاء لا فعله فإن نفس العطاء يتقدم ويتأخر فهو مجهول قال في

وإذا جاءه بالسلم قبل محله ولا ضرر في قبضه، وإلا فلا.
ـــــــ
الشرح: ويحتمل أنه أراد نفس العطاء لكونه يتقارب أشبه الحصاد ولأنه اختلاف يسير فلم يؤثر كرأس السنة وعلم منه وجه الروايتين فيما إذا كان الخيار في البيع إليهما
فرع: يقبل قول المسلم إليه مع يمينه في الأشهر في اشتراط الأجل وقدره وبقائه وفراغه "وإذا جاءه بالسلم" أي: المسلم فيه إذ المصدر يطلق ويراد به المفعول كما يعبر عن السرقة بالمسروق وبالرهن عن المرهون "قبل محله" بكسر الحاء "ولا ضرر في قبضه لزمه قبضه" لأن غرضه حاصل مع زيادة تعجيل المنفعة فجرى مجرى زيادة الصفة وهذا فيما لا يتغير كالحديد والنحاس ولا يختلف قديمه وحديثه كالزيت والعسل "وإلا فلا" أي: إذا أحضره قبل الأجل وفي قبضه ضرر لا يلزمه قبضه وهو صادق بصور
إما لكونه مما يتغير كالفاكهة والأطعمة أو كان قديمه دون حديثه كالحبوب لأن له غرضا في تأخيره بأن يحتاج إلى أكله أو إطعامه في ذلك الوقت
وإن كان حيوانا لم يأمن تلفه ويحتاج إلى نفعه وكذا ما يحتاج في حفظه كالقطن أو كان الوقت مخوفا فهو كنقص صفة فيه وفي الروضة إن كان مما يتلف أو يتغير قديمه وحديثه لزمه قبضه وإلا فلا
وهذا خلاف ما جزم به الأكثر وعلم منه أنه إذا أحضره في محله لزمه قبضه مطلقا كالمبيع المعين فإن امتنع من قبضه قيل له إما أن تقبض أو تبرى فإن أصر بريء ذكره في المغني في المكفول به والأشهر يرفعه إلى الحاكم فينوب عنه في قبضه لا إبرائه لأن قبض الحاكم كقبض المالك وهذا فيما إذا أتاه بالمسلم فيه على صفته
فرع: حكم كل دين لم يحل إذا أتى به كذلك ونقل بكر وحنبل في دين الكتابة: لا يلزمه ذكرها جماعة لأنه قد يعجز فيرق ولأن بقاءه في

فصل
الخامس: أن يكون المسلم فيه عام الوجود في محله فإن كان لا يوجد فيه أولا يوجد إلا نادرا كالسلم في العنب والرطب إلى غيروقته لم يصح
ـــــــ
ملكه حق له لم يرض بزواله
ومن أراد قضاء دين عن غيره لم يرض رب الدين أو أعسر بنفقة زوجته فبذلها أجنبي لم يجبر رب الدين والزوجة
فصل
"الخامس: أن يكون المسلم فيه عام الوجود في محله" غالبا بغير خلاف نعلمه لوجوب تسليمه إذن "فإن كان لا يوجد فيه" لم يصح لأنه لا يمكن تسليمه غالبا عند وجوبه أشبه بيع الآبق بل أولى "أو لا يوجد إلا نادرا كالسلم في العنب والرطب إلى غيروقته" كما لو أسلم فيهما إلى شباط أو آذار "لم يصح" لانتفاء شرطه ولأنه لا يؤمن انقطاعه فلا يغلب على الظن القدرة على تسليمه عند وجوده كما لو أسلم في جارية وولدها وظاهره: أنه لا يشترط وجوده حال العقد وكذا لا يشترط عدمه في الأصح حكاهما ابن عبدوس
"وإن أسلم في ثمرة بستان بعينه أو قرية صغيرة" أو في نتاج من فحل بني فلان أو غنمه أو في مثل هذا الثوب "لم يصح" لأنه لا يؤمن تلفه وانقطاعه أشبه ما لو أسلم في شيء قدره بمكيال معلوم أو صنجة بعينها
دليل الأصل ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه أسلف إليه يهودي من تمر حائط بني فلان فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أما من حائط بني فلان فلا" رواه ابن ماجه ورواه الجوزجاني في المترجم وقال أجمع العلماء على كراهة هذا البيع وقال ابن المنذر المنع منه كالإجماع لاحتمال الجائحة
ونقل أبو طالب وغيره يصح إذا بدا صلاحه أو استحصد واحتج بابن

وإن أسلم في ثمرة بستان بعينه أو قرية صغيرة لم يصح وإن أسلم إلى محل يوجد فيه عاما فانقطع خير بين الصبر وبين الفسخ والرجوع برأس ماله أو عوضه إن كان معدوما في أحد الوجهين وفي الآخر ينفسخ بنفس التعذر.
ـــــــ
عمر
وقال أبو بكر: إذا كان قد بلغ وأمنت عليه الجائحة ويعارضه ما سبق
"وإن أسلم إلى محل يوجد فيه عاما فانقطع" بأن لم تحمل الثمار تلك السنة مثلا "خير" المسلم "بين الصبر" إلى أن يوجد فيطالب به "وبين الفسخ" كغيره "والرجوع برأس ماله" أي: مع وجوده لأن العقد إذا زال وجب رد الثمن
ويجب رد عينه إن كان باقيا لأنه عين حقه "أو عوضه إن كان معدوما" لتعذر رده ثم إن كان مثليا استحق مثله وإلا قيمته كالمتلف "في أحد الوجهين" هو متعلق بقوله خير
"وفي الآخر: ينفسخ بنفس التعذر" لكون المسلم فيه من ثمرة العام بدليل وجوب التسليم منها أشبه ما لو باعه قفيزا من صبرة فهلكت فيرجع برأس ماله على ما ذكرنا والأول هو الأشهر والأصح
فإن العقد صحيح وإنما تعذر التسليم فهو كمن اشترى عبدا فأبق قبل القبض ولأنهما لو تراضيا على دفع المسلم فيه من غير ثمرة العام جاز وإنما أجبر على الدفع منه لكونه بصفة حقه
تنبيه: إذا أخر القبض في أوانه مع إمكانه فهل يلزمه الصبر إلى أوانه بعد أو يتخير بينه وبين الفسخ فيه وجهان وقيل: إن تعذر بعضه فسخ الكل أو صبر
فرع: إذا أسلم ذمي إلى ذمي في خمرفأسلم أحدهما فقال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه أن المسلم يأخذ دراهمه لأن الأول تعذر عليه استيفاء المعقود عليه والآخر تعذر عليه الإيفاء.

فصل
السادس: أن يقبض رأس المال في مجلس العقد وهل يشترط كونه معلوم القدر والصفة كالمسلم فيه على وجهين.
__________
فصل
"السادس: أن يقبض رأس مال السلم في مجلس العقد" أي: قبل التفرق نص عليه واستنبطه الشافعي من قوله عليه السلام: "من أسلف فليسلف" أي: فليعط قال لأنه لا يقع اسم السلف فيه حتى يعطيه ما سلفه قبل أن يفارق من أسلفه انتهى.
وحذارا أن يصير بيع دين بدين فيدخل تحت النهي ولا يجوز شرط تأخير العوض فيه فلم يجز التفرق قبل القبض كالصرف ويشترط قبض جميعه فلو قبض البعض ثم افترقا بطل فيما لم يقبض والأشهر أنه يصح في المقبوض فلو جعل دينا سلما لم يصح لكن لو كان عنده أمانة أو عين مغصوبة صح لأنه في معنى القبض
أصل: المجلس هنا كمجلس الصرف وهما كمجلس الخيار في ظاهر كلام الأصحاب وفي الجامع الصغير أنه إذا تأخر قبض رأس مال السلم اليومين والثلاثة لم يصح
"وهل يشترط كونه معلوم القدر والصفة كالمسلم فيه" أم تكفي مشاهدته؟ "على وجهين" كذا في المحرر والفروع أحدهما يشترط ذلك قاله القاضي وأبو الخطاب وصاحب التلخيص وجزم به في الوجيز لأنه عقد يتأخر بتسليم المعقود عليه فوجب معرفة رأس ماله ليرد بدله كالقرض والشركة فعلى هذا لا يجوز أن يكون رأس المال جوهرة لعدم تأتي الصفة عليه فإن فعلا بطل العقد.
ويرده إن كان موجودا وإلا قيمته فإن اختلفا فيها قبل قول المسلم إليه

وإن أسلم ثمنا واحدا في جنسين لم يجز حتى يبين ثمن كل جنس.
ـــــــ
لأنه غارم وفي الانتصار يقع العقد بقيمة مثلي لأنه قد يضمنه بأقل وأكثر وهو ربا وظاهر كلام غيره بمثله وكذا الأجرة والثاني: لا يشترط وهو ظاهر الخرقي ومال إليه في المغني والشرح لأنه عوض مشاهد فلم يحتج إلى معرفته كبيوع الأعيان
تنبيه: كل مالين حرم النساء فيهما لا يجوز إسلام أحدهما في الآخر لأن السلم من شرطه التأجيل وما ذكره الخرقي أنه لا يجوز النساء في العروض هو إحدى الروايات فعلى هذا لا يجوز إسلام بعضها في بعض
وقال ابن أبي موسى وذكره القاضي هو ظاهر كلام أحمد إنه يشترط أن يكون رأس مال السلم أحد النقدين فعلى هذا لا يجوز أن يكون المسلم فيه ثمنا والأصح أنه يصح إسلام عرض في عرض وفي ثمن
"وإن أسلم ثمنا واحدا في جنسين" قال في التنقيح أو ثمنين في جنس لم يصح حتى يعين ثمن كل جنس وقدر كل ثمن نص عليهما "لم يجز حتى يبين ثمن كل جنس" نقله الجماعة لأن ما يقابل كل واحد من الجنسين مجهول فلم يجز كما لو عقد عليه مفردا بثمن مجهول ولما فيه من الغرر
والثانية: يجوز قبل البيان لأنه إذا جاز أن يسلم في شيء واحد إلى أجلين من غير بيان فكذا هنا فعلى هذا لو تعذر أحدهما رجع بقسطه من رأس المال
وفي المغني والشرح: الجواز تخريجا لعدم اطلاعهما عليها وظاهره: ولو كان الثمن مختلفا وقال ابن أبي موسى لا يجوز إسلام خمسة دنانير وخمسين درهما في كر حنطة إلا أن يبين حصة كل واحد من الثمن وفيه نظر إذ الرجوع ممكن بقدر الحصة.

فصل
السابع: أن يسلم في الذمة فإن أسلم في عين لم يصح ولا يشترط ذكر مكان الإيفاء إلا أن يكون موضع العقد لا يمكن الوفاء فيه كالبرية فيشترط ذكره ويكون الوفاء في موضع العقد فإن شرط الوفاء فيه كان تأكيدا وإن شرطه في غيره صح وعنه: لا يصح.
ـــــــ
فصل
"السابع: أن يسلم في الذمة فإن أسلم في عين" كدار وشجرة ثابتة "لم يصح" لأنه ربما تلف قبل أوان تسليمه فلم يصح كما لو شرط مكيالا بعينه غير معلوم لأن المعين يمكن بيعه في الحال فلا حاجة إلى السلم فيه "ولا يشترط ذكر مكان الإيفاء" ذكره القاضي وحكاه ابن المنذر عن أحمد وجماعة لأنه عليه السلام لم يذكره ولأنه عقد معاوضة أشبه بيوع الأعيان
وقيل: إن كان لحمله مؤونة وجب شرطه وإلا فلا "إلا أن يكون موضع العقد لا يمكن الوفاء فيه كالبرية" والبحر "فيشترط ذكره" لتعذر الوفاء في موضع العقد وليس البعض أولى من البعض فاشترط تعيينه بالقول كالكيل
وقال القاضي:لا يشترط ويوفى بأقرب الاماكن إليه "و" يجب أن "يكون الوفاء في موضع العقد" نص عليه مع المشاححة لأن العقد يقتضي التسليم في مكانه فاكتفى بذلك عن ذكره وله أخذه في غيره إن رضيا فلو قال خذه وأجرة حمله مثله إلى موضع الوفاء لم يصح قال القاضي كأخذ بدل السلم
"فإن شرط الوفاء فيه" أي: في موضع العقد صح و"كان تأكيدا" لأنه شرط ما يقتضيه العقد أشبه شرط الحلول في الثمن "وإن شرطه في غيره صح" على الأصح لأنه بيع فصح شرط الإيفاء في غير مكانه كبيوع الأعيان "وعنه: لا يصح" قطع بها أبو بكر في التنبيه: لأنه شرط خلاف مقتضى العقد فلم يصح كما لو شرط أن لا يسلمه والفرق واضح.

ولا يجوز بيع المسلم فيه قبل قبضه ولا هبته ولا أخذ غيره مكانه ولاالحوالة به ويجوز بيع الدين المستقر لمن هو في ذمته.
ـــــــ
فرع: يقبل قول المسلم إليه في تعيينه مع يمينه فلو قال هذا الذي اقبضتني وهو معيب فأنكر قدم قول القابض.
"ولا يجوز بيع المسلم فيه قبل قبضه" بغير خلاف نعلمه لنهيه عليه السلام عن بيع الطعام قبل قبضه ولأنه بيع لم يدخل في ضمانه فلم يجز بيعه قبل قبضه كالطعام وهو شامل للشركة والتولية لأنهما بيع في الحقيقة وظاهره: ولو لمن هو في ذمته
"ولا هبته" لأنها نقل للملك قبل قبضه فلم يصح كالبيع "ولا أخذ غيره مكانه" لقوله عليه السلام: "من أسلف في شيء فلا يصرفه إلى غيره" ولأن أخذ العوض عن بيع له فلم يجز كبيعه لغيره وظاهره: سواء كان المسلم فيه موجودا أو معدوما وسواء كان العوض مثله في القيمة أو أقل أو أكثر
"ولا الحوالة به" لأنها لا تصح إلا على دين مستقر والسلم بعرضية الفسخ ولأنه نقل للملك على غير وجه الفسخ فلم يصح كالبيع وذلك بأن يحيل المسلم إليه بما عليه للمسلم على من له مثله من قرض أو بدل متلف ونحوه ولا عليه كما إذا أحال المسلم بما له على المسلم بما عليه من قرض أو بدل متلف ولو برأس مال سلم بعد فسخه وفيه وجه
"ويجوز بيع الدين المستقر" كقرض ومهر بعد دخول وأجرة استوفى نفعها أو فرغت مدتها وقيمة متلف ونحوه "لمن هو في ذمته" لخبر ابن عمر: كنا نبيع الأبعرة بالبقيع بالدنانير ونأخذ عنها الدراهم وبالدراهم ونأخذ عنها الدنانير فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شيء" رواه أبو داود وابن ماجة
فدل على جواز بيع ما في الذمة من أحد النقدين بالآخر وغيره يقاس عليه وفي بيع دين الكتابة مع أنه غيرمستقر وجهان لا رأس مال سلم بعد فسخه في

بشرط أن يقبض عوضه في المجلس ولا يجوز لغيره وتجوز الإقالة في السلم، وتجوز في بعضه في إحدى الروايتين
ـــــــ
المنصوص "بشرط أن يقبض عوضه في المجلس" للخبر ولأنه إذا لم يقبضصار بيع دين بدين وهذا إن باعه بما لا يباع به نسيئة أو بموصوف في الذمة وإلا فلا يشترط
وقيل: بلى "ولا يجوز لغيره" أي: لغير من هو في ذمته لأنه غيرقادر على تسليمه أشبه بيع الآبق
وعنه: يصح منهما قال الشيخ تقي الدين نص عليه في مواضع وعنه: لا يصح منهما اختاره الخلال وذكره في عيون المسائل عن صاحبه كدين السلم
وفي المبهج وغيره رواية يصح فيه واختار الشيخ تقي الدين وهو قول ابن عباس لكن بقدر القيمة فقط لئلا يربح فيما لم يضمن
فرع: لا تصح هبة دين لغير غريم ونقل حرب صحته وأطلق الشيخ تقي الدين روايتين فيه وفي بيعه من غيره
"وتجوز الإقالة في" دين "السلم" حكاه ابن المنذر إجماع من يحفظ عنه من أهل العلم لأنها فسخ للعقد ورفع له من أصله وليست بيعا على الأصح وحكى ابن الزاغوني في جوازها فيه روايتين بناء على أنها بيع قال ابن حمدان ولا تصح الإقالة منه إن جعلت بيعا وإلا صحت الإقالة في كله وقيل: تصح في كله وإن جعلت بيعا
"وتجوز في بعضه في إحدى الروايتين" جزم به في الوجيز وغيره لأن الإقالة مندوب إليها وكل مندوب إليه جاز في الجميع جاز في البعض كالإبراء والإنظار
والثانية: لا تجوز وقد رويت كراهتها عن ابن عمر وابن المسيب لأن السلم يقل فيه الثمن من أجل التأجيل فإذا فسخ في البعض بقي البعض بالباقي

إذا قبض رأس مال السلم أو عوضه في مجلس الإقالة وإن انفسخ العقد بإقالة أوغيرها لم يجز أن يأخذ عن الثمن عوضا من غيرجنسه وإذا كان لرجل سلم وعليه سلم من جنسه فقال لغريمه اقبض سلمي لنفسك ففعل لم يصح قبضه لنفسه وهل يقع قبضه للآمر على وجهين.
ـــــــ
من الثمن وبمنفعته الجزء الذي فسخ فيه فلم يجز كما لو شرط ذلك في ابتداء العقد "إذا قبض رأس مال السلم" إن كان موجودا "أو عوضه" إن كان معدوما
"في مجلس الإقالة" لأنه إذا لم يقبض أحد الأمرين يصير ذلك دينا على المسلم إليه وعليه بقدر السلم فيصير ذلك بمعنى البيع والسلف وهو منهي عنه قاله ابن المنجا وهذا قول أبي الخطاب واختاره ابن حمدان والأشهر أنه لا يشترط ذلك
"وإن انفسخ العقد بإقالة أو غيرها لم يجز أن يأخذ عن الثمن عوضا من غير جنسه" قاله الشريف أبو جعفر لقوله عليه السلام: "من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره" وفي الاستدلال به نظر على المسلم إليه بعقد السلم فلم يجز أخذ عوضه كالمسلم فيه وقال القاضي: يجوز أخذ العوض عنه لأنه عوض مستقر في الذمة فجاز أخذ العوض عنه كالقرض ولأنه مال عاد إليه بفسخ العقد فجاز أخذ العوض عنه كثمن المبيع
والفرق أن المسلم بالعقد بعد فسخه ولا يجوز أن يجعل ثمنا في شيء آخر لأنه بيع دين بدين وظاهره: أن له أخذ العوض من جنسه لأنه إذا جاز أخذ النوع من النوع في السلم بشرط اتحاد الجنس فلأن يجوز أخذ النوع عن نوع آخر برأس مال السلم بطريق الأولى. "وإذا كان لرجل سلم وعليه سلم من جنسه فقال لغريمه اقبض سلمي لنفسك ففعل لم يصح قبضه لنفسه" لأن قبضه لنفسه حوالة به والحوالة بالسلم غير صحيحة
"وهل يقع قبضه للآمر على وجهين" هما روايتان حكاهما في الشرح والفروع أحدهما يصح لأنه أذن له في القبض أشبه قبض وكيله وكما

وإن قال: اقبضه لي ثم اقبضه لنفسك صح وإن قال أنا أقبضه لنفسي وخذه بالكيل الذي تشاهده فهل يجوز على روايتين وإن اكتاله ثم تركه في الكيال وسلمه إلى غريمه فقبضه صح القبض لهما وإن قبض المسلم فيه جزافا فالقول قوله في قدره.
ـــــــ
لو نوى المأمور القبض للآمر
والثاني: وهو الأصح انه: لا يصح لأنه لم يجعله نائبا له في القبض فلم يقع له بخلاف الوكيل فعليه يبقى على ملك المسلم إليه ولو قال احضر كيله لأقبضه لك ففعل لم يصح قبضه للثاني وهل يكون قابضا لنفسه؟ فيه وجهان أولاهما نعم لأن القبض قد وجد من مستحقه أشبه ما لو نوى القبض لنفسه فعلى هذا إذا قبضه للآخر صح
"وإن قال اقبضه لي ثم اقبضه لنفسك صح" على الأصح لأنه استنابة في قبضه له فإذا قبضه لموكله جاز أن يقبضه لنفسه كما لو كان له وديعة عند من له عليه دين
والأخرى: لا يصح فلو قال الآمر أحضرنا حتى اكتاله لنفسي ثم تكتاله أنت وفعلا صح "وإن قال أنا اقبضه لنفسي وخذه بالكيل الذي تشاهده فهل يجوز على روايتين" أشهرهما الجواز وبه جزم في الوجيز لأنه علمه وشاهد كيله فلا معنى لاعتبار كيله مرة أخرى والثانية: لا يصح لأنه عليه السلام نهى عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان أشبه ما لو قبضه جزافا
"وإن اكتاله ثم تركه في المكيال وسلمه إلى غريمه فقبضه صح القبض لهما" لأن الأول قد اكتاله حقيقة والثاني: حصل له استمرار الكيل واستدامته كابتدائه كما أن استدامة الركوب ركوب مع أنه لا يحصل زيادة علم بابتدائه فلا معنى له
"وإن قبض المسلم فيه" وكذا كل دين "جزافا فالقول قوله" أي: قول القابض مع يمينه في قدره لأنه أعلم بكيله وهو منكر للزائد والأصل عدمه.

وإن قبضه كيلا أو وزنا ثم ادعى غلطا لم يقبل قوله في أحد الوجهين وهل يجوز الرهن والكفيل بالمسلم؟ فيه على روايتين.
ـــــــ
وهل له أن يتصرف في قدر حقه قبل اعتباره فيه وجهان ويده على الباقي قيل يد أمانة وقيل: يضمنه لمالكه لأنه قبضه على أنه عوض عماله وفي طريقة بعض اصحابنا في ضمن الرهن لو دفع إليه عينا وقال خذ حقك منها تعلق حقه بها ولا يضمنها بتلفها
"وإن قبضه كيلا أو وزنا ثم ادعى غلطا لم يقبل قوله في أحد الوجهين" جزم به في الوجيز لأن الأصل عدم الغلط والآخر: يقبل لأنه أعلم بكيل ما قبضه ولأن الأصل أنه لم يقبض غيرما ثبت بإقراره وأطلقهما في الفروع كغيره وقيده إذا ادعى ما يغلط بمثله وهو ظاهر فلو وجد زيادة على ذلك فهي مضمونة في يده قاله جماعة
فرع: من قبض دينه ثم بان لا دين له ضمنه ولو أقر بأخذ مال غيره لم يبادر إلى إيجاب ضمانه حتى يفسر أنه عدوان ومن أذن لغريمه في الصدقة بدينه عنه أو صرفه أو المضاربة به لم يصح ولا يبرأ وعنه: يصح وبناه القاضي على شرائه من نفسه وفي النهاية على قبضه من نفسه لموكله وفيه روايتان وكذا إن عزله وضارب به
"وهل يجوز الرهن والكفيل بالمسلم؟ فيه على روايتين" إحداهما: ونقلها المروزي وغيره بأنه لا يصح وهو اختيار الخرقي وأبي بكر وابن عبدوس وقدمه في الفروع ورويت كراهته عن علي وابن عباس وابن عمر إذ وضع الرهن الاستيفاء من ثمنه عند تعذر الاستيفاء من الغريم ولا يمكن استيفاء المسلم فيه من ثمن الرهن ولا من ذمة الضامن حذارا من أن يصرفه إلى غيره
وفيه نظر لأن الضمير في لا يصرفه راجع إلى المسلم فيه ولكن يشتري ذلك من ثمن الرهن ويسلمه ويشتريه الضامن ويسلمه لئلا يصرفه إلى غيره
والثانية: نقلها حنبل يجوز واختارها المؤلف وصاحب الوجيز لقوله

ـــــــ
تعالى: {يَا أيهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَاينْتُمْ بِدَيْنٍ} إلى قوله: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: الآية283]
قال ابن عباس وابن عمر السلم مراد منها وداخل فيها فهي كالنص فيه والكفيل كالرهن بجامع الوثيقة ولأنه أحد نوعي البيع فجاز التوثقة بما في الذمة كبيوع الأعيان وحكاية عنهما في المغني الكراهة يحتمل أنه رواية أخرى عنهما
فعليها: لصاحب الحق مطالبة من شاء منهما وأيهما قضاه برئت ذمتهما منه وإن زال العقد بطل الرهن والضمان وعلى المسلم إليه رد مال السلم في الحال ولا يشترط قبضه في المجلس لأنه ليس بعوض ويكون كبقية الرهون تلزم بالقبض أو بمجرد العقد إن لم يكن معينا على رواية وإذا لم تلزم ولم يقبض فللمسلم الفسخ والخلاف في المسلم فيه جار في رأس مال السلم

باب القرض
ـــــــ
باب القرضالقرض: مصدر قرض الشيء يقرضه بكسر الراء إذا قطعه والقرض اسم مصدر بمعنى الاقتراض وهو بفتح القاف وحكي كسرها وهو في اللغة القطع ومنه سمى المقراض وهو دفع المال إلى الغير لينتفع به ويرد بدله وهو نوع من المعاملات مستثنى عن قياس المعاوضات لمصلحة لاحظها الشارع رفقا بالمحاويج
والأصل فيه قوله عليه السلام في حديث ابن مسعود: "ما من مسلم يقرض مسلما قرضا مرتين إلا كان كصدقة مرة" وروى أبو رافع: أن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بكرا وعن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رأيت ليلة أسري بي على باب الجنة مكتوبا الصدقة بعشر أمثالها والقرض بثمانية عشر فقلت يا جبريل ما بال القرض أفضل من الصدقة قال لأن السائل يسأل وعنده والمستقرض لا يستقرض إلا من حاجة" رواه ابن ماجه والأول وأجمع المسلمون على

وهو من المرافق المندوب إليها ويصح في كل عين يجوز بيعها.
ـــــــ
جوازه
"وهو من المرافق "واحده مرفق بفتح الميم مع كسر الفاء وفتحها وهو ما ارتفقت به وانتفعت "المندوب إليها" في حق المقرض لقوله عليه السلام: "من كشف عن مؤمن كربة من كرب الدنيا فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة" قال أبو الدرداء لأن أقرض دينارين ثم يردان ثم اقرضهما أحب إلي من أن أتصدق بهما
ولأن فيه تفريجا عن غيره وقضاء لحاجته فكان مندوبا إليه كالصدقة وليس بواجب قال أحمد: لا إثم على من سأل فلم يعط لأنه من المعروف وهو مباح للمقترض وليس مكروها قال أحمد: ليس القرض من المسألة أي: لا يكره لفعله عليه السلام ولو كان مكروها كان أبعد الناس منه ومن أراد أن يستقرض فليعلم المقرض بحاله ولا يغره من نفسه إلا الشيء اليسير الذي لا يتعذر رد مثله
وقال أحمد: إذا اقترض لغيره ولم يعلمه بحاله لم يعجبني قال وما أحب أن يقترض بجاهه لإخوانه
تنبيه: يشترط معرفة قدره ووصفه وأن يكون المقرض ممن يصح تبرعه كالبيع وحكمه في الإيجاب والقبول كما سبق ويصح بلفظه وبلفظ السلف لورود الشرع بهما وبكل لفظ يؤدي معناهما نحو ملكتك هذا على أن ترد بدله أو توجد قرينة تدل عليه وإلا فهو هبة فإن اختلفا فيه قبل قول الموهوب له لأن الظاهر معه
"ويصح في كل عين يجوز بيعها" مكيلا كان أو موزونا أو غيرهما لأنه عليه السلام استسلف بكرا ولأن ما ثبت سلما يملك بالبيع ويضبط بالوصف فجاز قرضه كالمكيل ولأن المقصود يحصل به لكونه ينتفع به ويتمكن من بيعه فدل على أن ما لا يثبت فيه الذمة سلما كالحنطة المختلطة بالشعير لا

إلا بني آدم والجواهر ونحوها مما لا يصح السلم فيه في أحد الوجهين فيهما ويثبت الملك فيه بالقبض.
ـــــــ
يجوز وكقرض المنافع "إلا بني آدم والجواهر ونحوها مما لا يصح السلم فيه في أحد الوجهين فيهما" أي: لا يصح فيهما
أما بنو آدم فقال أحمد: أكره قرضهم فيحتمل التحريم فلا يصح قرضهم اختاره القاضي وجزم به في الوجيز لأنه لم ينقل ولا هو من المرافق ولأنه يفضي إلى أن يقترض جارية يطؤها ثم يردها ويحتمل كراهة التنزيه فيصح قرضهم وهو قول ابن جريج والمزني لأنه مال يثبت في الذمة سلما فصح قرضه كسائر البهائم
وقيل: قرض العبد لا الأمة إلا أن يقرضهن من محارمهن لأن الملك بالقرض ضعيف لكونه لا يمنعها من ردها على المقرض فلا يستباح به الوطء كالملك في مدة الخيار ورد بأنه عقد ناقل فاستوى فيه العبد والأمة ولا نسلم ضعف الملك فيه فإنه مطلق كسائر التصرفات بخلاف الملك زمن الخيار
وأما الجواهر ونحوها فلا يصح قرضها في وجه لأنه لا ينضبط بالصفة فلا يمكن رد المثل فأتى القرض رد المثل
والثاني: بلى وهو اختيار القاضي وظاهر الوجيز لأن الجواهر وما لا مثل له تجب فيه القيمة وأطلقهما في المحرر والفروع كالمقنع
فرع: سأله أبو الصقر: عين بين أقوام لهم نوب في أيام يقترض الماء من نوبة صاحب الخميس ليسقي به ليرد عليه يوم السبت؟ قال إذا كان محدودا يعرف كم يخرج منه فلا بأس وإلا أكرهه
"ويثبت الملك فيه بالقبض" لأنه عقد يقف التصرف فيه على القبض فوقف الملك عليه كالهبة ويتم بالقبول وله الشراء به من مقرضه نقله مهنا وفي الفروع ويلزم مكيل وموزون بقبضه وفي غيره روايتان.

فلا يملك المقرض استرجاعه وله طلب بدله وإن رده المقترض عليه بعينه لزمه قبوله ما لم يتغيب أو يكن فلوسا أو مكسرة فيحرمها السلطان فتكون له القيمة وقت القرض
ـــــــ
"فلا يملك المقرض استرجاعه" لأنه قد لزم من جهته فلم يملك الرجوع فيه كالمبيع لكونه أزال ملكه عنه بعقد لازم من غير خيار "وله طلب بدله" أي: في الحال لأن القرض يثبت في الذمة حالا فكان له طلبه كسائر الديون الحالة ولأنه سبب يوجب رد المثل أو القيمة فكان حالا كالإتلاف فعلى هذا لو اقرضه تفاريق ثم طالبه بها جملة كان له ذلك لأن الجميع حال وكالبيع
"وإن رده المقترض عليه" بعينه "لزمه قبوله" لأنه رده على صفة حقه فلزمه قبوله كالسلم وسواء تغير سعره أو لا وظاهره: لا فرق بين أن يكون ما اقترضه بدله من جنسه أو لا وهو قول في المذهب والمعروف فيه أنه يلزمه قبول المثلي وذلك بشرطين
أحدهما: "ما لم يتغيب" كحنطة ابتلت أو عفنت لأن عليه في قبوله ضررا لأنه دون حقه
الثاني: ما لم يتغير ونبه عليه بقوله "أو تكن فلوسا أو مكسرة فيحرمها السلطان" أي: يترك المعاملة بها لأنه كالعيب فلا يلزمه قبولها "فتكون له القيمة" من غيرجنسه إن جرى فيه ربا الفضل "وقت القرض" سواء كانت باقية أو استهلكها نص عليه في الدراهم المكسرة فقال يقومها كم تساوي يوم أخذها ثم يعطيه وسواء نقصت قيمتها قليلا أو كثيرا
وقيل: له القيمة يوم الخصومة وهو ظاهر كلامه في رواية حنبل وذكر أبو بكر في التنبيه: وقدمه في الرعاية أن له قيمتها يوم فسدت وتركت المعاملة بها لأنه كان يلزمه رد مثلها ما دامت نافقة فلما فسدت انتقل إلى قيمتها كما لو عدم المثل وقال القاضي: إن نفقت في بعض المواضع لزمه أخذها وإن ترك الناس المعاملة بها فله قيمتها وقيل: إن رخصت فله القيمة ونصه وجزم به في الوجيز انه يرد مثلها إذا رخصت

و يجب رد المثل في المكيل والموزون والقيمة في الجواهر ونحوها وفيما سوى ذلك وجهان ويثبت العوض في الذمة حالا وإن أجله.
ـــــــ
تنبيه: المغشوشة إذ حرمها السلطان حكمها كذلك والخلاف جار فيما إذا كانت ثمنا وظاهر الفروع فيه قولان له القيمة وقت العقد كما هو المنصوص أو يوم فسدت وإن شرط رده بعينه أو باع درهما بدرهم هو دفعه إليه لم يصح
"ويجب رد المثل في المكيل والموزون" إجماعا لأنه يضمن في الغصب والإتلاف بمثله فكذا هنا مع أن المثل أقرب شبها بالقرض من القيمة فإن أعوز المثل لزمه قيمته يوم الإعواز لأنها حينئذ تثبت في الذمة "والقيمة في الجواهر ونحوها" اذا قيل بجواز قرضها لأنها من ذوات القيم ولا مثل لها لكونها لا تنضبط بالصفة وتكون القيمة يوم قبضها
"وفيما سوى ذلك وجهان" كذا في المحرر والفروع أحدهما يرد القيمة وهو ظاهر الوجيز لأن ما أوجب المثل في المثليات أوجب القيمة فيما لا مثل له كالإتلاف وتكون القيمة يوم القرض الثاني: يجب رد مثله لفعله عليه السلام ولأن ما ثبت في السلم ثبت في القرض كالمثلي بخلاف الإتلاف لأن القيمة فيه أخصر ولا مسامحة فيه ويعتبر في مثل صفاته تقريبا. فإن تعذر المثل فعليه قيمته يوم تعذره لكن لو اقترض خبزا أو خميرا عددا ورد عددا بلا قصد زيادة جاز نص عليه وعنه: لا كما لو أقرضه صغيرا يقصد أن يعطيه كبيرا
"ويثبت العوض في الذمة" لأنه بدل مقبوض اشبه عوض ثمن المبيع إذا كان مستحقا "حالا وان أجله" لأنه عقد منع فيه من التفاضل فمنع الأجل فيه كالصرف إذ الحال لا يتأجل بالتأجيل وهو عدة وتبرع لا يلزم الوفاء به
قال أحمد: القرض حال وينبغي أن يفي بوعده وخالف الشيخ تقي الدين أنه لا يحرم تأجيله وذكره وجها لقوله عليه السلام: "المسلمون عند

ويجوز شرط الرهن والضمين فيه ولا يجوز شرط ما يجر نفعا نحو أن يسكنه داره أو يقضيه خيرا منه أو في بلد آخر ويحتمل جواز هذا الشرط.
ـــــــ
شروطهم" وكل دين حال كالقرض
"ويجوز شرط الرهن والضمين فيه" لأنه عليه السلام استقرض من يهودي شعيرا ورهنه درعه متفق عليه ولأن ما جاز فعله جاز شرطه ولأنه يراد للتوثق بالحق وليس ذلك بزيادة. والضمين كالرهن فلو عينهما وجاء بغيرهما لم يلزم البائع قبوله وإن كان ما أتى به خيرا من المشروط وحينئذ يخير بين فسخ العقد وبين إمضائه بلا رهن ولا كفيل وهل له الأرش إلحاقا له بالعيوب وذكر المجد أنه المذهب أو لا أرش إلحاقا له بالتدليس وهو ظاهر الأكثر على قولين
"ولا يجوز شرط ما يجر نفعا نحو أن يسكنه داره أو يقضيه خيرا منه" كل قرض شرط فيه زيادة فهو حرام إجماعا لأنه عقد إرفاق وقربة فإذا شرط فيه الزيادة أخرجه عن موضوعه ولا فرق بين الزيادة في القدر أو الصفة مثل أن يقرضه مكسرة فيعطيه صحاحا أو نقدا ليعطيه خيرا منه
وفي الفروع: إذا قضاه صحاحا عن مكسرة أقل لعلة ربا الفضل لم يجز وإلا جاز نص عليه فإذا شرط أن يوفيه أنقص منه لم يجز إن كان مما يجري فيه الربا لإفضائه إلى فوات المماثلة وكذا إن كان في غيره على الأشهر وفي فساد القرض روايتان
وكذا إذا شرط القضاء "في بلد آخر" لأن فيه نفعا في الجملة ذكر القاضي أن للوصي قرض مال اليتيم في بلد ليوفيه في بلد آخر ليربح خطر الطريق وفي المغني والشرح إن لم يكن لحمله مؤونة وإلا حرم
"ويحتمل جواز هذا الشرط" حكاه ابن المنذر عن أحمد وصححه في المغني وروي عن علي وابن عباس لأنه ليس بزيادة في قدر ولا صفة بل فيه مصلحة لهما فجاز كشرط الرهن وعنه: لا بأس به على وجه المعروف.

وإن فعله بغير شرط أو قضى خيرا منه أو أهدى له هدية بعد الوفاء جاز لأن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف بكرا فرد خيرا منه وقال: "خيركم أحسنكم قضاء" وإن فعله قبل الوفاء لم يجز إلا أن تكون العادة جارية بينهما به قبل القرض.
ـــــــ
"وإن فعله بغير شرط" ولا مواطأة نص عليه "أو قضى خيرا منه أو أهدى له هدية بعد الوفاء جاز" على الأصح "لأن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف بكرا فرد خيرا منه وقال: "خيركم أحسنكم قضاء" متفق عليه من حديث أبي رافع ولأنه لم يجعل تلك الزيادة عوضا في القرض ولا وسيلة إليه ولا إلى استيفاء دينه أشبه مالم يكن قرض
والثانية: المنع روي عن أبي بن كعب وابن عباس أنه يأخذ مثل قرضه ولا يأخذ فضلا لئلا يكون قرضا جر منفعة وحرم الحلواني أخذ أجود مع العادة والأظهر أن الظرف متعلق بفعله لا بأهدى لأنه يلزم من تعلقه بأهدى أن المستقرض لو أسكن المقرض داره بغير عوض جاز إذا كان بغير شرط سواء كان ذلك قبل الوفاء أو بعده
"وإن فعله قبل الوفاء لم يجز" على الأصح لما روى أنس مرفوعا قال: "إذا أقرض أحدكم قرضا فأهدي إليه أو حمله على الدابة فلا يركبها ولا يقبله إلا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك" رواه ابن ماجه من رواية إسماعيل بن عياش عن عتبة بن حميد وفيهما كلام عن يحيى بن إسحاق وفيه جهالة
والثانية: الجواز ما لم يشرطه وظاهر ما نقله حنبل أن المقرض لا يمنع من جواز هدية المقترض "إلا أن تكون العادة جارية بينهما به قبل القرض" لما ذكرناه فإن لم تكن عادة حرم إلا أن ينوي احتسابه من دينه أو مكافأته نص عليه ولو استضافه حسب له ما أكله نص عليه ويتوجه لا
وظاهر كلامهم أنه في الدعوات كغيره وقيل: علمه أن المقترض يزيده شيئا كشرطه وقيل: لا ذكره في الفروع فلو وجد ما سبق حالة

وإذا أقرضه أثمانا فطالبه بها ببلد آخر لزمته وإن أقرضه غيرها لم تلزمه فإن طالبه بالقيمة لزمه أداؤها
ـــــــ
الوفاء فإن كان النفع صفة في الوفاء بأن قضاه خيرا منه فيجوز وإن كان زيادة في القضاء بأن يقرضه درهما فيعطيه أكثر منه لم يجز لأنه ربا وصرح في المغني والكافي بأن الزيادة في القدر والصفة جائز للخبر
وحكى أبو الخطاب في الزيادة من غير تقييد روايتين
"وإذا أقرضه أثمانا فطالبه بها ببلد آخر لزمته" لأنه أمكنه قضاء الحق من غير ضرر فلزمه كما لو طالبه ببلد القرض ولأن القيمة لا تختلف فانتفى الضرر
"وإن أقرضه غيرها" كالحنطة والفلوس "لم يلزمه" لأنه لا يلزمه حمله إليه وظاهره: ولو لم يكن لحمله مؤونة "فإن طالبه بالقيمة لزمه أداؤها" لأنه إذا تعذر رد المثل تعينت القيمة والاعتبار بقيمة البلد الذي أقرضه فيه لأنه المكان الذي يجب التسليم فيه
وظاهره: ولو نقصت القيمة ببلد القبض فليس له إلا الناقصة والمذهب أنه إذا اقترض ببلد فطلب منه في غيره بدله إلا ما كان لحمله مؤنة وقيمته في بلد القرض أنقص فتلزمه قيمته إذن فيه فقط وفي المغني إذا كان لحمله مؤنة لا يلزمه لأنه لا يلزمه حمله إليه ولا يجبر رب الدين على أخذ قرضه هناك إذا بذل له إلا فيما لامؤنة لحمله فإنه يلزمه مع أمن البلد والطريق وبدل المغصوب التالف كذلك.
مسائل
الأولى: إذا أقرض غريمه المعسر أو المفلس ألفا ليوفيه منه ومن دينه الأول كل وقت شيئا جاز نقله مهنا ونقل حنبل يكره
الثانية: إذا أقرض أكاره ما يشتري به بقرا يعمل بها في أرضه وبذرا يبذره

ـــــــ
فيها وقال: أقرضني ألفا وادفع إلي أرضك أزرعها بالثلث بلا شرط حرم وجوزه في المغني والشرح وكرهه في الترغيب
ولو أمره ببذره وأنه في ذمته كالمعتاد ففاسد له قيمة المثل ولو تلف لم يضمنه لأنه أمانة ذكره الشيخ تقي الدين
الثالثة: إذا أقرض من له عليه بر ما يشتريه به يوفيه اياه فكرهه سفيان وجزم به في المستوعب وفي المغني يجوز
الرابعة: إذا قال اقترض لي مائة ولك عشرة صح لأنه في مقابلة ما بذله من جاهه فلو قال اضمنها عني ولك عشرة لم يجز نص عليهما لأنه ضامن فيكون قرضا جر منفعة ومنع الأزجي
الخامسة: إذا اقترض منه دراهم ثم اشترى منه بها شيئا فخرجت زيوفا فالبيع صحيح ولا يرجع البائع على المشتري ببدل الثمن لأنها دراهمه فعيبها عليه وإنما له على المشتري بدل ما أقرضه اياه بصفته زيوفا قاله أحمد وحمله في الشرح على أنه إذا باعها وهو يعلم عيبها أما إذا باعه بثمن في ذمته ثم قبض هذه بدلا عنها فينبغي أن تجب له دراهم خالية من العيب وترد هذه عليه وللمشتري ردها على البائع وفاء عن القرض ويبقى الثمن في ذمته
السادسة: لو أقرض ذمي ذميا خمرا ثم أسلما أو أحدهما بطل القرض ولم يجب على المقترض شيء والله أعلم

باب الرهن
ـــــــ
باب الرهنهو في اللغة: الثبوت والدوام يقال ماء راهن أي: راكد ونعمة راهنة أي: دائمة وقيل: هو الحبس لقوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر:38] أي: محبوسة وهو قريب من الأول لأن المحبوس

وهو وثيقة بالحق لازم في حق الراهن جائز في حق المرتهن يجوز عقده مع الحق
ـــــــ
ثابت في مكان لا يزايله قال الشاعر:
وفارقتك برهن لا فكاك له يوم الوداع فأضحى الرهن قد غلقا
شبه لزوم قلبه لها واحتباسه عندها لوجده بها بالرهن الذي يلزمه المرتهن فيحبسه عنده ولا يفارقه وغلق الرهن استحقاق المرتهن اياه لعجز الراهن عن فكاكه
"وهو وثيقة بالحق" لأن الحق يستوفى منه عند تعذر الوفاء من المدين فعلى هذا هو في الشرع جعل عين مالية وثيقة بدين يستوفى منها عند تعذر استيفائه ممن هو عليه وفي الزركشي توثقة دين بعين أو بدين على قول يمكن أخذه منه إن تعذر الوفاء من غيره
وهو جائز بالإجماع وسنده قوله تعالى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة:283] والسنة مستفيضة بذلك ويجوز في الحضر كالسفر خلافا لمجاهد ورد بفعله عليه السلام وذكر السفر في الآية خرج مخرج الغالب لكون الكاتب يعدم في السفر غالبا وهو لا يشترط مع ذكره فيها
وليس بواجب إجماعا لأنه وثيقة بالدين فلم يجب كالضمان.
تنبيه: يشترط أن يكون الراهن مطلق التصرف كالبيع وفي الترغيب ويصح تبرعه لأنه تبرع وفي المستوعب وغيره لولي رهنه عند أمين لمصلحة كحل دين عليه ولا يصح بدون إيجاب وقبول أو ما يدل عليهما ولا بد من معرفة قدره وصفته وجنسه وملكه ولو منافعه بإجارة وإعارة بإذن مؤجر ومعير
"لازم في حق الراهن" أي: بعد قبضه لأن الحظ فيه لغيره فلزم من جهته كالضمان في حق الضامن "جائز في حق المرتهن" لأن الحظ فيه له وحده فكان له فسخه كالمضمون له "يجوز عقده مع الحق" بأن يقول بعتك هذا بعشرة إلى شهر ترهنني بها عبدك فيقول اشتريت منك ورهنتك

وبعده ولا يجوز قبله إلا عند أبي الخطاب ويصح رهن كل عين يجوز بيعها إلا المكاتب إذا قلنا: استدامة القبض شرط لم يجز رهنه
ـــــــ
عبدي لأن الحاجة داعية إلى جوازه إذن "وبعده" بالإجماع لأنه دين ثابت تدعو الحاجة إلى أخذ الوثيقة به كالضمان ولأنه تعالى: جعل الرهن بدلا عن الكتابة فيكون في محلها ومحلها بعد وجوب الحق وتأكد ذلك بأن ذكره بعد المداينة بفاء التعقيب
"ولا يجوز قبله" نص عليه في رواية ابن منصور لأنه وثيقة بحق فلم يجز قبل ثبوته كالشهادة ولأن الرهن أيضا تابع للحق فلا يسبقه كالثمن لا يتقدم المبيع "إلا عند أبي الخطاب" فإنه يجوز ويحتمله كلام أحمد قاله في الانتصار لأنه وثيقة بالحق فجاز قبله كالضمان أو فجاز على حق يحدث في المستقبل كضمان الدرك ورد بالمنع ولو سلم فالفرق أن الضمان إلزام مال تبرعا بالقول فجاز من غيرحق ثابت كالنذر
وصورته أن يقول رهنتك هذا بعشرة تقرضنيها فسلمه إليه ثم أقرضه اياها فهي جائزة على قوله وظاهر المذهب بطلانها لتعليقه بشرط
تنبيه: يصح بكل دين واجب أو مآله إليه حتى على عين مضمونة ومقبوض بعقد فاسد ونفع إجارة في الذمة لا على دية على عاقلة قبل الحول لا ما بعده وقيل: وجعل قبل العمل وجهان كدين كتابة
ولا يصح بعهدة مبيع وعوض غير ثابت في الذمة كثمن معين وأجرة معينة في إجارة وإجارة منافع معينة كدار ونحوها
"ويصح رهن كل عين يجوز بيعها" لأن المقصود منه الاستيثاق بالدين ليتوصل إلى استيفائه من ثمن الرهن عند تعذر استيفائه من الراهن وهذا يتحقق في كل عين يجوز بيعها ويشمل ذلك صورا
ويستثنى منه رهن المنافع "إلا المكاتب إذا قلنا: استدامة القبض شرط لم يجز رهنه" وجزم به في الوجيز وصححه في المغني والشرح لأن استدامة

ويجوز رهن ما يسرع إليه الفساد بدين مؤجل ويباع ويجعل ثمنه رهنا
ـــــــ
القبض غير ممكنة في حقه لمنافاتها مقتضى الكتابة
وقال القاضي:قياس المذهب صحة رهنه وهو ظاهر المحرر والفروع لأنه يجوز بيعه وأيفاء الدين من ثمنه فعلى هذا لا يصح شرط منعه من التصرف ويمكن من الكسب وما يؤديه من النجوم رهنا معه وإن عجز ثبت الرهن فيه وفي إكسابه وإن عتق بقي ما أداه رهنا كمن مات بعد كسبه
فرع: المعلق عتقه بصفة إن كانت توجد بعد حل الدين لم يصح وإن كان يحل قبلها صح لإمكان بيعه وإن احتمل الأمران كقدوم زيد فقياس المذهب صحته كالمريض والمدبر. "ويجوز رهن ما يسرع إليه الفساد" كالعنب والرطب لأنه يجوز بيعه فيحصل المقصود "بدين مؤجل" ليس قيدا فيه أو يصح بالحال وإنما ذكره تنبيها على أن التأجيل لا أثر له في منع صحة ذلك لأنه ربما توهم أن عقد الرهن يقتضي بقاء المرهون إلى الاستحقاق "ويباع" على الأصح "ويجعل ثمنه رهنا" لأن الثمن بدل العين وبدل الشيء يقوم مقامه وهذا إذا لم يحل الدين فإن كان قد حل فإنه يقضى الدين من ثمنه
صرح به في المغني والشرح ونقل أبو طالب فيمن رهن وغاب فخاف المرتهن فساده أو ذهابه فليأت السلطان حتى يبيعه كما أرسل ابن سيرين إلى إياس بن معاوية يأذن له في بيعه فإذا باعه حفظه حتى يجيء صاحبه فيدفعه إليه بأمره حتى يكون صاحبه يقضيه
وظاهر المتن: لا فرق بين ما يمكن تجفيفه أو لا وفي المغني والشرح إن أمكن تجفيفه فعلى الراهن تجفيفه لأنه من مؤنة حفظه وتبقيته أشبه نفقة الحيوان.
قال ابن المنجا: فيحمل كلامه هنا عليه وفيه نظر فعلى هذا إن شرط المرتهن بيعه أو أذن له فيه بعد العقد أو اتفقا على أن الراهن يبيعه أو غيره باعه وإلا باعه الحاكم فإن أطلقا فالخلاف.

ويصح رهن المشاع ثم إن رضي الشريك والمرتهن بكونه في يد أحدهما أو غيرهما جاز وإن اختلفا جعله الحاكم في يد أمين أو بأجرة ويجوز رهن الميع غير المكيل والموزون والمعدود والمذروع قبل قبضه إلا على ثمنه في أحد الوجهين.
ـــــــ
"ويصح رهن المشاع" في قول الجماهير لأنه يجوز بيعه في محل الحق أشبه المفرز واقتضى ذلك صحة رهن بعض نصيبه من المشاع لكن في رهن حصته من معين يمكن قسمته فيه وجهان كبيعه وفي الانتصار لا يصح بيعه نص عليه
وعلل القاضي المنع باحتمال أن يقتسم الشريكان فيحصل الرهن في حصة شريكه
"ثم إن رضي الشريك والمرتهن بكونه في يد أحدهما أو غيرهما جاز" لأن الحق لهما لا يتجاوزهما "وإن اختلفا جعله الحاكم في يد أمين" وقيل: من جاز توكيله جاز جعل الرهن عنده مطلقا وفيه نظر
"أمانة أو بأجرة" لأن قبض المرتهن واجب ولا يمكن ذلك منفردا لكونه مشاعا فتعين ما ذكرنا لكونه وسيلة إلى القبض الواجب وفي إيجار الحاكم عليهما وجهان ويعتبر فيمن هو عنده منع الخلوة المحرمة وكونه مسلما إذا كان المرهون مسلما كالمصحف
"ويجوز رهن المبيع غيرالمكيل والموزون والمعدود والمذروع قبل قبضه" أي: على غيرثمنه لأنه يجوز بيعه قبل قبضه فصح رهنه كما بعد القبض وسواء رهنه عند بائعه أو غيره "إلا على ثمنه في أحد الوجهين" فإنه لا يجوز لأن المبيع محبوس بالثمن فلا فائدة في صيرورته رهنا لأن بين الرهن والبيع تنافيا لأن حكم الرهن أن يباع في الدين عند التعذر وحكم البيع أيفاء الثمن من غيره
والثاني: يصح وهو المنصوص لأن الثمن صار دينا في الذمة والمبيع صار ملكا للمشتري فجاز رهنه بالثمن كغيره من الديون ومقتضاه أن المكيل والموزون والمعدود والمذروع لا يصح رهنه قبل قبضه كالبيع.

وما لا يجوز بيعه لا يجوز رهنه إلا الثمرة قبل بدو صلاحها من غير شرط القطع في أحد الوجهين
ـــــــ
"وما لا يجوز بيعه لا يجوز رهنه" لأن القصد من الرهن استيفاء الدين من ثمنه عند التعذر وما لا يجوز بيعه لا يمكن فيه ذلك وهو شامل لصور أم الولد والوقف والعين المرهونة فإن قال للمرتهن زدني مالا يكون الذي عندك رهنا به وبالدين الأول لم يجز وكذا رهن المصحف
نقل الجماعة عنه أنه قال لا أرخص في رهن المصحف
والمجهول وما لا يقدر على تسليمه والأرض الموقوفة على المسلمين كسواد العراق وحكم بنائها كحكمها فإن كان من غير ترابها أو الشجر المجدد فيها فالمذهب صحته وقد تقدم ذلك والمبيع في مدة الخيار إلا أن يرهنه المشتري فالخيار له وحده فيصح ويبطل خياره ذكره أبو بكر ومال غيره وخرج بلى إن أجازه ربه وإن بان أنه أذن فيه أو أنه له فوجهان.
"إلا الثمرة قبل بدو صلاحها" والزرع الأخضر "من غير شرط القطع في أحد الوجهين" إختاره القاضي وجزم به في المحرر والوجيز لأن النهي عن البيع إنما كان لعدم الأمن من العاهة ولهذا أمر بوضع الجوائح وذلك مفقود هنا وبتقدير تلفها لا يفوت حق المرتهن من الدين لتعلقه بذمة الراهن فمتى حل الحق بيع وإن اختار المرتهن تأخير بيعه فله ذلك
والثاني: لا يصح كالبيع فعليه إن رهنها مع الأصل فقولا تفريق الصفقة
ملحق: تستثنى الجارية دون ولدها وبالعكس ويباعان فلو رهنت الأم بمفردها قومت دونه ثم معه فما زاد على قيمتها فهو قيمته وقيل: تقوم ذات ولد ويقوم هو معها إذا علم به المرتهن فإن كانت حاملا به وقت الرهن أو حملت به فهو رهن
ولو رهن الوارث تركة الميت أو باعها وعلى الميت دين صح على الأشهر

ولا يصح رهن العبد المسلم لكافر إلا عند أبي الخطاب إذا شرطا كونه في يد مسلم ولا يلزم الرهن إلا بالقبض.
ـــــــ
وإن رهن ثمرة إلى محل يحدث فيه أخرى لا تتميز فهو باطل لأنه مجهول حين حلول الحق وإن رهنها بدين حال أو شرط قطعها عند خوف اختلاطها جاز لأنه لا غرر فيه فإن لم يقطعها حتى اختلطت لم يبطل الرهن لأنه وقع صحيحا لكن إن سمح الراهن ببيع الجميع على قدر ثمنه جاز
وإن اختلفا وتشاحا قدم قول الراهن مع يمينه لأنه منكر
"ولا يصح رهن العبد المسلم لكافر" مطلقا لأن مقتضى الرهن أن يكون في يد المرتهن وهو ليس بأهل لذلك ولو شرطاه في يد مسلم لأن الكافر لا يد له على مسلم بدليل أنه يؤمر ببيع عبده إذا أسلم "إلا عند أبي الخطاب إذا شرطا كونه في يد مسلم" عدل لأنه مال فجاز رهنه كسائر الأموال ويبيعه الحاكم إذا امتنع مالكه قال في الشرح وهذا أولي لأن مقصود الرهن يحصل من غيرضرر وأطلق في الفروع الخلاف وهما في رهن المصحف لكافر إذا شرطا كونه في يد مسلم وألحقت به كتب الحديث
فرع: لا يقرأ فيه أحد بلا إذن ربه وقيل: بلى إن لم يضر ماليته وإن طلب أحد ليقرأ فيه لم يجب بذله وقيل: بلى وقيل: عند الحاجة إليه
"ولا يلزم الرهن" في حق الراهن "إلا بالقبض" هذا هو المذهب لقوله تعالى: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} ولأنه عقد إرفاق يفتقر إلى القبول فافتقر إلى القبض كالقرض وسواء قبضه المرتهن أو من اتفقا عليه وظاهره: لا فرق بين المكيل والموزون وغيرهما صرح به في المغني والشرح
وقال بعض أصحابنا: يلزم في المكيل والموزون بالقبض وفيما اسمهاهما روايتان كالبيع وفي القياس نظر لأنه يوهم أن البيع في غيرهما لا يلزم في رواية وليس كذلك إذ لا خلاف في لزومه وفهم منه أنه قبل القبض صحيح وليس بلازم لأنه يجوز للراهن فسخه والتصرف فيه بكل نوع

واستدامته شرط في اللزوم فإن أخرجه المرتهن باختياره إلى الراهن زال لزومه.
ـــــــ
فإن كان ببيع أو عتق أو نحوهما بطل حكم الرهن لتعذر الاستيفاء من ثمنه وإن كان بتدبير أو إجارة أو تزويج فلا لأنه لا يمنع من البيع فلا يمنع صحة الرهن وظاهر الخرقي وابن أبي موسى وابن عقيل في التذكرة تبعا لشيخه القاضي أبي يعلى في الجامع الصغير أن القبض شرط في صحة الرهن
وصفة قبضه كمبيع فلو رهنه دارا وخلى بينه وبينها وللراهن فيها قماش لم يمنع من صحة التسليم لأن اتصالها بملك الراهن لا يمنع صحة التسليم كالثمرة في الشجرة ويعتبر في القبض إذن ولي الأمر في الأشهر ويبطل إذنه بنحو إغماء وخرس فلو رهنه ما في يده ولو غصبا فكبته اياه ويزول ضمانه
"واستدامته شرط في اللزوم" وهو قول أكثرهم للآية الكريمة ولأنها إحدى حالتي الرهن فكان القبض فيه شرطا كالابتداء بخلاف الهبة فإن القبض في ابتدائها يثبت الملك فإذا ثبت استغنى عن القبض والرهن يراد للوثيقة ليتمكن من بيعه واستيفاء دينه منه فإذا لم يكن في يده زال ذلك وهذا على القول بأن ابتداء القبض شرط في اللزوم وإن قلنا: ليس بشرط فيه ففي الاستدامة كذلك قاله في الشرح
لكن لو أجره أو أعاره لمرتهن أو غيره بإذنه فلزومه باق على المذهب وعنه: يزول نصره القاضي وغيره فعليها يعود بمضي إجارة وإعارة من مرتهن
"فإن أخرجه المرتهن باختياره إلى الراهن زال لزومه" لأن استدامة القبض شرط في اللزوم وقد زالت إذ المشروط ينتفي بانتفاء شرطه وظاهره: ولو كان نيابة عنه صرح به في الفروع وبقي العقد كأنه لم يوجد فيه قبض سواء أخرجه بإجارة أو إعارة أو إيداع ونحوه
وقوله: "باختياره" يحترز به عما لو أخرجه لا باختياره كالغصب ونحوه لأن ذلك لا يزيل اللزوم لأن يد المرتهن ثابتة عليه حكما

فإن رده إليه عاد اللزوم ولو رهنه عصيرا فتخمر زال لزومه فإن تخلل عاد لزومه بحكم العقد السابق وعنه: ان القبض واستدامته في المتعين ليس بشرط فمتى امتنع الراهن من تقبيضه أجبر عليه.
ـــــــ
"فإن رده إليه" أي: إلى المرتهن "عاد اللزوم" نص عليه لأنه أقبضه باختياره فلزم به كالأول ولا يحتاج إلى تجديد عقد لأن العقد السابق لم يطرأ عليه ما يبطله أشبه ما لو تراخى القبض عن العقد
"ولو رهنه عصيرا فتخمر زال لزومه" لأن تخميره بمنزلة إخراجه من يده لأنه لا يد لمسلم على خمر لأن صيرورته خمرا يمنع من صحة العقد فلأن يخرجه عن اللزوم بطريق الأولى: وتجب إراقته حينئذ فإن أريق بطل العقد فيه ولا خيار للمرتهن لأن التلف حصل في يده وهذا بالنسبة إلى المسلمين
"فإن تخلل عاد لزومه بحكم العقد السابق" كما لو زالت يد المرتهن عنه ثم عادت إليه فلو استحال خمرا قبل قبض المرتهن بطل العقد فيه ولم يعد بعوده خلا لأنه عقد ضعيف لعدم القبض أشبه إسلام أحد الزوجين قبل الدخول
وذكر القاضي أنه إذا استحال خمرا بعد القبض أنه يبطل الرهن فيه ثم إذا عاد خلا عاد ملكا لصاحبه مرهونا بالعقد السابق لأنه يعود ملكا بحكم الملك الأول فيعود حكم الرهن ورد بأن اليد لم تزل عنه حكما بدليل ما لو غصبه منه غاصب فتخلل في يده كان ملكا للمغصوب منه
قال في المغني: ولم تظهر لي فائدة الخلاف بعد اتفاقهم على عوده رهنا باستحالته خلا وأرى القول ببقائه رهنا أقرب إلى الصحة لأن العقد لو بطل لما عاد صحيحا من غير ابتداء عقد
"وعنه: أن القبض واستدامته في المتعين ليس بشرط" حكاه في التعليق عن أصحابنا وهو المذهب عند ابن عقيل فيلزم بمجرد العقد كالبيع
"فمتى" هذا تفريع على هذه الرواية "امتنع الراهن من تقبيضه أجبر عليه" كالبيع فإن رده المرتهن على الراهن بعارية أو غيرها ثم طلبه أجبر الراهن

وتصرف الراهن في الرهن لا يصح
ـــــــ
على رده لأن الرهن صحيح والقبض واجب له فيجبر عليه كبيعه
تنبيه: إذا استعار شيئا ليرهنه جاز إجماعا وسواء بين الدين أو لا لكن لو عين المرتهن أو القدر الذي يرهنه عليه فخالف لم يصح لأنه لم يؤذن له فيه وله الرجوع فيه قبل إقباضه كقبل العقد وقدم في التلخيص لا كبعده خلافا للانتصار فيه وله مطالبة الراهن بفكاكه حالا كان أو مؤجلا في محل الحق وقبله لأن العارية لا تلزم فمتى حل الحق ولم يقبضه فللمرتهن بيعه واستيفاء دينه منه
ويرجع المعير بقيمته أو بمثله لا بما بيع نص عليه وقطع في المحرر واختاره في الترغيب بأكثرهما فإن تلف ضمنه الراهن وهو المستعير بقيمته سواء تلف بتفريط أولا نص عليه لأن العارية مضمونة وفي الفروع ويتوجه في مستأجر من مستعير
وإن قك المعير الرهن بإذن الراهن رجع وإن كان متبرعا فلا وإن قضاه بغير إذنه محتسبا بالرجوع فروايتان
"وتصرف الراهن في الرهن" اللازم بالبيع والإجارة والوقف ونحوه لا يصح لأنه تصرف يبطل حق المرتهن من الوثيقة وليس بمبني على السرأية والتغليب فلم يصح بغير إذن المرتهن كفسخ الرهن
فأما انتفاعه به كاستخدام ونحوه بغير إذن المرتهن فلا لأنها عين محبوسة فلم يكن للمالك الانتفاع بها كالمبيع المحبوس عند البائع على قبض ثمنه لكن لا يمنع من سقي شجر وتلقيح وإنزاء فحل على إناث مرهونة ومداواة وفصد بل من قطع سلعة فيها خطر
وحينئذ إن لم يتفقا على المنافع لم يجز الانتفاع وكانت معطلة على الإجارة أو الإعارة جاز في ظاهر قول الخرقي والأجرة رهن وذكر أبو بكر في الخلاف أنها تعطل مطلقا ورد بأنه تضييع للمال وهو منهي عنه شرعا.

إلا العتق فإنه ينفذ وتؤخذ منه قيمته رهنا مكانه ويحتمل ألا ينفذ عتق المعسر
ـــــــ
وقال ابن حمدان: للراهن الانتفاع بما لا ينقص قيمته ولا يضره كركوب وسكنى فإن أراد غرس الأرض والدين حال منع وإن كان مؤجلا فاحتمالان
"إلا العتق فإنه" يحرم على الأصح لما فيه من إبطال حق المرتهن من الوثيقة و "ينفذ" نص عليه وهو قول شريك والحسن بن صالح لأنه إعتاق من مالك تام الملك فنفذ كعتق المستأجر ولأن الرهن عين محبوسة لاستيفاء الحق فنفذ فيها عتق المالك كالمبيع في يد بائعه والعتق مبني على السرأية والتغليب بدليل أنه ينفذ في ملك الغير ففي ملكه بطريق الأولى. فعلى هذا إن كان موسرا "تؤخذ منه قيمته" لأنه أبطل حق المرتهن من الوثيقة أشبه ما لو أتلفه ويعتبر حال الإعتاق لأنه وقت الإتلاف فجعلت "رهنا مكانه" لأنها نائبة عن العين أو بدل عنها
وكذا حكم ما لو قتله بقصاص استحقه عليه أو أحبل الأمة بلا إذن المرتهن أو أقر بالعتق وكذبه فعليه القيمة تكون رهنا وإن كان معسرا فهي في ذمته فإن أيسر قبل حلول الحق أخذت منه فجعلت رهنا إلا أن يختار تعجيل الحق فيقضيه وإن أيسر بعد حلول الحق طولب بالدين خاصة لأن ذمته تبرا به من الحقين معا
"وعنه: لا ينفذ عتق المعسر" اختاره أبو محمد الجوزي وذكرها أبو الخطاب في الهداية احتمالا وفي المحرر تخريجا لأن نفوذ عتقه يسقط الوثيقة وبدلها فلم ينفذ لما فيه من الإضرار بالمرتهن وكما لو أعتق شركا له في عبد وهو معسر
وفي طريقة بعض أصحابنا إن كان معسرا يستسعي العبد بقدر قيمته تجعل رهنا وفيه نظر لأن فيه إيجاب الكسب على العبد ولا صنع ولا جناية منه فكان إلزام الغرم للمتلف أولى

وقال القاضي:له تزويج الأمة ويمنع الزوج من وطئها ومهرها رهن معها والأول أصح وإن وطئ الجارية.
ـــــــ
وقيل: ولا ينفذ عتق غيره وذكره في المبهج رواية وإذا لم نقل بالنفوذ فظاهر كلامهم أنه لا ينفذ بعد زوال الرهن وفيه احتمال وهذا إذا لم يأذن المرتهن فإن أذن صح العتق وسقط حقه من الوثيقة ولا قيمة له وإن رجع بعد الإذن وعلم الراهن به بطل وإلا فوجهان
وكذا يصح رجوعه في كل تصرف أذن فيه قبل وقوعه فإن اختلفا قدم قول المرتهن ووارثه في نفي الإذن لأن الأصل إلا أن الوارث يمينه على نفي العلم ومن نكل قضي عليه وألحق بعض أصحابنا الوقف بالعتق لأن فيه حق الله تعالى:
"وقال القاضي" وجماعة من أصحابنا وذكره أبو بكر رواية: "له تزويج الأمة" المرهونة لأن محل عقد النكاح غير محل عقد الرهن بدليل صحة رهن الأمة المزوجة لأن الرهن لا يزيل الملك فلم يمنع التزويج كالإجارة
"ويمنع" المرتهن "الزوج من وطئها" وهو مراد من عبر بقوله دون تسليمها لئلا تحبل فتنقص قيمتها وتقل الرغبة فيها وربما تلفت بسبب الحمل "ومهرها رهن معها" لأنه من نماء الرهن فكان رهنا "والأول أصح" وهو قول الأكثر لأن التزويج يذهب رغبات المشترين فيها فيوجب نقصان قيمتها فلم يملكه الراهن كفسخ العقد
ولانسلم تغاير المحلين بل محلهما واحد وتتناول الجملة وإنما صح رهن المزوجة لبقاء معظم المنفعة فيها وبقائها محلا للبيع كما يصح رهن المستأجر
والرهن يفارق الإجارة من حيث إن التزويج لا يؤثر في مقصود الإجارة ولا يمنع المستأجر من استيفاء المنفعة المستحقة له ويؤثر في مقصود الرهن هو استيفاء الدين من ثمنها لأن تزويجها إنما يمنع البيع أو ينقص الثمن فيتعذر استيفاء الدين كاملا
"وإن وطئ" الراهن "الجارية" المرهونة فقد ركب محرما في قول الأكثر

فأولدها وخرجت من الرهن وأخذت منه قيمتها فجعلت رهنا وإن أذن له المرتهن في بيع الرهن أو هبته ونحو ذلك ففعل صح وبطل الرهن
ـــــــ
وحكاه ابن المنذر إجماعا لأن من يحرم وطؤها لا فرق فيه بين الآيسة والصغيرة كالمعتدة ولأن الوقت الذي تحبل فيه يختلف فمنع منه جملة لكن لا حد عليه لأنها ملكه ولا مهر عليه إن كانت ثيبا كالاستخدام فإن تلف جزء منها أو نقصها فعليه قيمة ما تلف كالجناية تجعل رهنا معها وإلا قضاه من الحق إن كان قد حل
وجزم في الفروع وقاله في عيون المسائل والشيرازي في المنتخب إنه يحرم وطؤها على راهن إلا بشرط وإن لم تحبل فأرش البكارة فقط كجناية
"فأولدها خرجت من الرهن" لأنها صارت أم ولد له وعبارة الأكثر كالمؤلف وان الحكم يترتب على الولادة وليس بمراد بل الحكم منوط بالإحبال
"وأخذت منه قيمتها" حين إحبالها لأنه فوتها على المرتهن فوجب أن يؤخذ منه بدلها كما لو أتلفها "فجعلت رهنا" لأنها بدل والبدل يعطى حكم مبدله فإن كان معسرا كان في ذمته وهذا إذا صدقه المرتهن أنها ولدته من وطئه وإلا فالرهن بحاله قاله في التلخيص فإن كان الوطء بإذن المرتهن خرجت من الرهن ولا شيء للمرتهن لأنه أذن في سبب ينافي حقه.
لا يقال: إنما أذن بالوطء ولم يأذن في الإحبال لإفضائه إليه ولا يقف على اختياره فالإذن في سببه إذن فيه
مسألة: إذا أقر بالوطء حال العقد أو قبل لزومه فحكمهما واحد ويصح الرهن لأن الأصل عدم الحمل أما إذا أقر به بعد لزومه فيقبل في حقه فقط لأن إقرار الإنسان على غيره لا يقبل ويحتمل قبوله في حق المرتهن أيضا لأنه اقر في ملكه بما لا تهمة فيه
"وإن أذن له المرتهن في بيع الرهن أو هبته ونحو ذلك" كوقفه "ففعل صح" لأن المنع كان لحقه فإذا أذن زال "وبطل الرهن" لأن هذا تصرف ينافي

إلا أن يأذن له في بيعه بشرط أن يجعل ثمنه رهنا أو يعجل دينه من ثمنه ونماء الرهن وكسبه وأرش الجناية عليه من الرهن ومؤنته على الراهن
ـــــــ
الرهن فلا يجتمع مع ما ينافيه "إلا أن يأذن له في بيعه بشرط أن يجعل ثمنه رهنا" مكانه "أو يعجل دينه من ثمنه" فإنه يصح البيع والشرط ويلزم ذلك لأنه لو شرط ذلك بعد حلول الحق جاز فكذا قبله
وحاصله إن كان الدين حالا أخذه من الثمن وإلا بقي رهنا وإن شرط تعجيل الدين من ثمنه صح البيع ولغا الشرط ويكون الثمن رهنا وفي المحرر وإن باعه بإذن شرط فيه أن يعجل له دينه المؤجل من ثمنه لم يصح البيع وهو رهن بحاله وقيل: يصح وفي كون الثمن رهنا وجهان ويلغو شرط التعجيل قولا واحدا
فرع: إذا اختلفا في الإذن قبل قول المرتهن لأنه منكر عليه واختلفا في الشرط قبل قول الراهن في الأصح لأن الأصل عدمه
"ونماء الرهن وكسبه وأرش الجناية عليه من الرهن" أي: يكون في يده كالأصل بمعنى أنه إذا احتيج إلى بيعه في وفاء الدين بيع مع الأصل لأن الرهن عقد على العين فيدخل فيه ما ذكر كالبيع والهبة وفي الجناية عليه لأنها بدل جزء فكانت من الرهن كقيمته إذا أتلفه إنسان
ولا فرق في النماء بين المتصل كالسمن وتعلم صنعة والمنفصل كالكسب والأجرة والولد والثمرة والصوف
"ومؤنته على الراهن" لما روى سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه" رواه الشافعي والدارقطني وقال إسناد حسن متصل ولأنه ملك للراهن فكان عليه الإنفاق كالطعام وهو شامل لما إذا احتاج إلى مداواة لمرض أو جرح وأجرة من يرده إذا أبق ومؤنة جناية وأجرة تسوية وجداد وتجفيف ونحوه
فإن كان ماشية تحتاج إلى إطراق فحل لم يجبر الراهن عليه لأنه ليس عليه ما يتضمن زيادة في الرهن وليس ذلك مما يحتاج إليه لبقائها ولا يمنع منه لكونه

وكفنه إن مات وأجرة مخزنه إن كان مخزون وهو أمانة في يد المرتهن إن تلف بغير تعد منه فلا شيء عليه ولا يسقط بهلاكه شيء من دينه
ـــــــ
زيادة فيها من غيرضرر على المرتهن
"وكفنه إن مات" كبقية مؤنة تجهيزه لأن ذلك تابع لمؤنته وهو من جملة غرمه "وأجرة مخزنه أن كان مخزونا" كأجرة حافظه "وهو أمانة في يد المرتهن" للخبر ولأنه لو ضمن لامتنع الناس من فعله خوفا من الضمان وذلك وسيلة إلى تعطيل المداينات والقروض وفيه ضرر عظيم وهو منفي شرعا ولأنه وثيقة بالدين فلا يضمن كالزيادة على قدر الدين وظاهره: ولو قبل عقد الرهن نقله ابن منصور كبعد الوفاء
"إن تلف بغير تعد منه فلا شيء عليه" قاله علي رضي الله عنه لأنه أمانة في يده فلم يكن في تلفه شيء كالوديعة وعنه: يضمنه المرتهن كما لو أعاره أو ملكه أو استعمله نص عليه. وتأولها القاضي على المتعدي وامتنع من ذلك ابن عقيل فأجراها على ظاهرها لما روى عطاء أن رجلا رهن فرسا فنفق عند المرتهن فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك فقال: "ذهب حقك" ولأنها عين مقبوضة للاستيفاء فيضمنها من قبضها لذلك. وجوابه: بأنها مقبوضة بعقد بعضه أمانة فكان جميعه أمانة كالوديعة وحديث عطاء كان يفتي بخلافه مع أن الدارقطني قال يرويه إسماعيل بن أمية وكان كذابا وقيل: مصعب بن ثابت وهو ضعيف ولو سلم فهو محمول على أنه ذهب حقك من الوثيقة بدليل أنه لم يسأل عن قدر الدين أو قيمته وظاهره: أنه إذا تعدى أو فرط أنه يضمن كالوديعة وفي بقاء الرهينة لأنه يجمع أمانة واستيثاقا فبقي أحدهما وجهان
"ولا يسقط بهلاكه شيء من دينه" نص عليه لأنه كان ثابتا في ذمة الراهن قبل التلف ولم يوجد ما يسقطه فبقي بحاله وكما لو دفع إليه عبدا يبيعه ويأخذ حقه من ثمنه وكحبس عين مؤجرة بعد الفسخ على الأجرة بخلاف

وإن تلف بعضه فباقيه رهن بجميع الدين ولا ينفك شيء من الرهن حتى يقضي جميع الدين وإن رهنه عند رجلين فوفى أحدهما انفك في نصيبه
ـــــــ
حبس البائع المشتري على ثمنه فإنه يسقط في رواية بتلفه لأنه عوضه والرهن ليس بعوض الدين لأن الدين لا يسقط بتفاسخهما ذكره في الانتصار وعيون المسائل
"وإن تلف بعضه فباقيه رهن بجميع الدين" لأن الدين كله يتعلق بجميع أجزاء الرهن
فرع: إذا قبض الرهن فوجده مستحقا لزمه رده على مالكه والرهن باطل من أصله فإن أمسكه مع عمله حتى تلف استقر الضمان عليه وللمالك تضمين أيهما شاء فإن ضمن الراهن لم يرجع على أحد وإن ضمن المرتهن رجع عليه وإن لم يعلم بالغصب حتى تلف فالحكم على ما ذكرنا وإن تلف بغير تفريطه فثالثها للمالك تضمين أيهما شاء ويستقر الضمان على الغاصب
"ولا ينفك شيء من الرهن حتى يقضي جميع الدين" حكاه ابن المنذر إجماع من يحفظ عنه لأن حق الوثيقة يتعلق بجميع الرهن فيصير محبوسا بكل الحق وبكل جزء منه لا ينفك منه شيء حتى يقضي جميعه سواء كان مما يمكن قسمته أو لا وكالضمان والشهادة
تنبيه: يقبل قول المرتهن في التلف وقيل: والرد قال أحمد: في مرتهن ادعى ضياعه إن اتهمه أحلفه وإلا لم يحلفه وكذا إن ادعاه بحادث ظاهر وشهدت بينة بالحادث قبل قوله فيه وكذا وكيل وسيأتي
"وإن رهنه عند رجلين فوفى أحدهما انفك في نصيبه" لأن عقد الواحد مع الاثنين بمنزلة عقدين فكأنه رهن كل واحد منهما النصف منفردا وقال أبو الخطاب يكون رهناعند الآخر حتى يوفيه نظرا إلى أن العقد واحد وحمله في المغني والشرح على أنه ليس للراهن مقاسمة المرتهن لما عليه فيه

وإن رهنه رجلان شيئا فوفاه أحدهما انفك في نصيبه وإذا حل الدين وامتنع من وفائه فإن كان الراهن أذن للمرتهن أو العدل في بيعه باعه ووفى الدين وإلا رفع الأمر إلى الحاكم فيجبره على وفاء الدين أو بيع الرهن
ـــــــ
من الضرر فصار جميعه رهنا
وعلى الأول لو طلب المقاسمة فإن كان مما لا تنقصه القسمة كالمكيل والموزون أجيب إليها وإلا فلا لما فيه من الضرر على المرتهن ويبقى في يده بعضه رهن وبعضه وديعة
"وإن رهنه رجلان شيئا فوفاه أحدهما انفك في نصيبه" لأن الراهن متعدد فتعلق ما على كل منهما بنصيبه لأن الرهن لا يتعلق بملك الغير إلا إذا كان مأذونا فيه ولم يوجد ونقل مهنا خلافه فلو رهن اثنان عبدا لهما عند اثنين بألف فهذه أربعة عقود ويصير كل ربع منه رهنا بمائتين وخمسين فمتى قضى في شيء انفك من الرهن بقدر ذلك ذكره القاضي
فرع: إذا قضى بعض دينه أو أبرئ منه وببعضه رهن أو كفيل فعما نواه فإن أطلق ولم ينو فله صرفه إلى أيهما شاء وقيل: يوزع بينهما بالحصص "وإذا حل الدين" لزم الراهن الإيفاء لأنه دين حال فلزم إبقاؤه كالذي لا رهن به "وامتنع من وفائه فإن كان الراهن أذن للمرتهن أو للعدل في بيعه باعه" نص عليه لأنه مأذون له فيه
وفي بيعه بقيمته وجهان بإذن مرتهن لأن البيع لحقه فلم يجز حتى يأذن فيه ولا يحتاج إلى تجديد إذن من الراهن في ظاهر كلام أحمد وقيل: بلى حكاه القاضي لأنه قد يكون له غرض في قضاء الحق من غيره "ووفي الدين" لأنه هو المقصود بالبيع وما فضل من ثمنه لمالكه وإن بقي من الدين شيء فعلى الراهن
"وإلا" أي: إذا لم يأذن في البيع ولم يوف "رفع الأمر إلى الحاكم فيجبره على وفاء الدين أو بيع الرهن" لأن هذا شأن الحاكم فإن امتنع حبسه أو

فإن لم يفعل باعه الحاكم وقضى دينه
فصل
وإذا شرط في الرهن جعله على يد عدل صح وقام قبضه مقام قبض المرتهن
__________
عزره حتى يفعل ما يأمره به "فإن لم يفعل" أي: أصر على المنع أو كان غائبا أو تغيب قاله في الرعاية الكبرى "باعه الحاكم" عليه نص عليه لأنه تعين طريقا إلى أداء الواجب أداؤه "وقضى دينه" لأنه حق تعين عليه فإذا امتنع من أدائه قام الحاكم مقامه فيه كالإيفاء من جنس الدين وظاهره: أنه ليس للمرتهن بيعه بغير إذن ربه أو إذن حاكم وقيل: بلى فإن لم يأذن المرتهن في بيعه قال له الحاكم ائذن فيه وخذ دينك من ثمنه أو أبرئه منه
فرع: إذا جهل رب الرهن وأيس من معرفته فللمرتهن بيعه والصدقة به بشرط ضمانه نص عليه وفي إذن حاكم في بيعه مع القدرة وأخذ حقه من ثمنه مع عدمه روايتان كشراء وكيل.
فصل
"وإذا شرط في الرهن جعله على يد عدل صح" لأنه قبض في عقد فجاز التوكيل فيه كقبض الموهوب "وقام قبضه مقام قبض المرتهن" في قول أكثر العلماء وخالف فيه الحكم وغيره لأن القبض من تمام العقد فتعلق بالمتعاقدين كالإيجاب والقبول وجوابه ما سبق وبأنه وكيل وقبضه كقبض الموكل مع أنه لو وكل في الإيجاب والقبول صح وما ذكروه ينتقض بالقبض في البيع فيما يعتبر فيه القبض وظاهره: يقتضي جواز جعل الرهن على يد من يجوز توكيله وهو الجائز التصرف
فلا يجوز أن يكون صبيا ولا عبدا بغير إذن سيده لأن منافعه لسيده فلا يجوز تضييعها في الحفظ بغير إذنه ولا مكاتبا بغير جعل لأنه ليس له التبرع بمنافعه

وإن شرط جعله في يد اثنين لم يكن لأحدهما الانفراد بحفظه وليس للراهن ولا للمرتهن إذا لم يتفقا ولا للحاكم نقله عن يد العدل إلا أن يتغير حاله وله رده إليهما.
ـــــــ
"وإن شرط جعله في يد اثنين لم يكن لأحدهما الانفراد بحفظه" لأن المتراهنين لم يرضيا إلا بحفظهما معا فلا يجوز لأحدهما الانفراد كالوصيين فعلى هذا يجعل في مخزن عليه لكل واحد منهما قفل وإن سلمه أحدهما إلى الآخر فعليه ضمان النصف لأن القدر الذي تعدى فيه
"وليس للراهن ولا للمرتهن إذا لم يتفقا ولاللحاكم نقله عن يد العدل" لأن العدل ما دام بحاله لم يتغير عن الأمانة قال في الشرح وغيره ولا حدثت بينه وبين أحدهما اسمهاوة فليس لأحدهم نقله عن يده لأنهما رضيا به في الابتداء ولأنهما إذا لم يملكاه فالحاكم أولى وظاهره: أنهما إذا اتقفا على نقله جاز صرح به في المغني والشرح لأن الحق لهما لا يعدوهما.
"إلا أن يتغير حاله: بفسق أو ضعفه عن الحفظ أو اسمهاوة فلكل منهم نقله عن يده لأن في مقامه في يده ضررا على الطالب فإن اتفقا على شخص بصفاته جاز فإن اختلفا وضعه الحاكم عند عدل فلو اختلفا في تغير حاله بحث الحاكم وعمل بما ظهر له وكذا لو كان عند المرتهن فتغير حاله فللراهن رفع الأمر إلى الحاكم ليضعه عند عدل فإن مات هو أو العدل لم يكن لورثتهما إمساكه إلا برضاهما
"وله" أي: للعدل "رده إليهما" وعليهما قبوله لأنه أمين مقطوع بالحفظ فلم يلزمه المقام عليه كسائر الأمانات فإن امتنعا أجبرهما الحاكم وينصب أمينا يقبضه لهما إذا تغيبا لأن له ولاية على الممتنع من الحق
فدل على أنه إذا دفعه إلى أمين امتناعهما أنه يضمن صرح به جماعة وكذا لو تركه العدل عند آخر مع وجودهما فإن امتنعا ولم يجد حاكما فتركه عند عدل لم يضمن فإن امتنع أحدهما لم يكن له دفعه إلى

ولا يملك رده إلى أحدهما فإن فعل فعليه رده إلى يده فإن لم يفعل ضمن حق الآخر وإن أذنا له في البيع لم يبع إلا بنقد البلد فإن كان فيه نقود باع بجنس الدين فإن لم يكن فيها جنس الدين باع بما يرى أنه أصلح.
ـــــــ
الآخر فإن فعل ضمن
والفرق أن العدل يمسكه لهما وأحدهما يمسكه لنفسه هذا إذا كانا حاضرين فإن كانا غائبين نظرت فإن كان للعدل عذر رفعه إلى الحاكم يقبضه منه أو نصب عدلا يقبضه لهما فإن لم يجد حاكما أودعه ثقة وإن لم يكن عذر والغيبة بعيدة قبضه الحاكم فإن لم يجده فثقة وإن كانت قريبة فكالحاضرين وإن كان أحدهما حاضرا فكالغائبين
"ولا يملك رده إلى أحدهما" لأن للآخر حظا في إمساكه في يده وفي رده إلى أحدهما تضييع وظاهره: ولو كان أحدهما حاضرا والآخر مسافرا صرح به في الشرح وغيره
"فإن فعل فعليه رده إلى يده" أي: إلى يد نفسه لأن في ذلك عودا للحق إلى مستحقه "وإن لم يفعل ضمن حق الآخر" لأنه فوت عليه ما استحقه بعقد الرهن أشبه ما لو أتلفه.
"فإن أذنا له" أي: للعدل "في البيع لم يبع إلا بنقد البلد" لأن الحظ في ذلك للرواج فيه "فإن كان فيه نقود باع بجنس الدين" لأنه أقرب إلى وفاء الحق "فإن لم يكن فيها جنس الدين باع بما يرى أنه أصلح" لأن عليه الاحتياط فيما هو متوليه كالحاكم
والمذهب أنه يبيع بأغلب نقوده إذا تعددت فإن تساوت فبجنس الدين فإن عدم فبما ظنه أصلح فإن تساوت عين حاكم قاله في المغني والشرح ورجحه ابن المنجا لأنه أعرف بالأحظ وأبعد من التهمة فإن عينا نقدا تعين ولم تجز مخالفتهما لأن الحق لهما فإن اختلفا لم يقبل قول واحد منهما.

وإن قبض الثمن فتلف في يده فهو من ضمان الراهن وإن استحق المبيع رجع المشتري على الراهن وإن ادعى دفع الثمن إلى المرتهن فأنكر ولم يكن قضاه ببينة ضمن وعنه: لا يضمن إلا أن يكون أمر بالاشهاد فلم يفعل.
ـــــــ
فعلى هذا يرفع إلى الحاكم ويأمر ببيعه بنقد البلد سواء كان من جنس الحق أو لم يكن وافق قول أحدهما أو لم يوافق لأن الحظ في ذلك
قال المؤلف والأولى: أن يبيعه بما فيه الحظ
"وإن" باع بإذنهما ثم "قبض الثمن فتلف في يده" من غير تفريط "فهو من ضمان الراهن" لأن الثمن في يد العدل أمانة فهو كالوكيل فإن اختلفا في قبضه من المشتري فوجهان أحدهما لا يقبل لأنه إبراء للمشتري من الثمن كما لو أبرأه من غيره
والثاني: بلى لأنه أمين "وإن استحق المبيع رجع المشتري على الراهن" لأن المبيع له فالعهدة عليه كما لو باع بنفسه وحينئذ لا رجوع له على العدل ومحله إذا علم المشتري أنه وكيل قاله في المغني والشرح لا يقال يرجع المشتري على العدل لكونه قبض الثمن بغير حق لأنه سلمه إليه على أنه أمين في قبضه يسلمه إلى المرتهن فإن كان الراهن مفلسا أو ميتا فالمرتهن والمشتري أسوة الغرماء لأنهم تساووا في ثبوت حقوقهم في الذمة
ويستثنى من ذلك لو بان مستحقا بعد دفع الثمن إلى المرتهن رجع المشتري على المرتهن لأنه صار إليه بغير حق فكان رجوعه عليه كما لو قبضه منه فلو رده المشتري بعيب رجع على الراهن أو الوكيل إن لم يعلم أنه وكيل
"وإن ادعى" أي: العدل "دفع الثمن إلى المرتهن فأنكر ولم يكن قضاه ببينة ضمن وعنه: لا يضمن إلا أن يكون أمر بالإشهاد فلم يفعل" وجملته أن العدل إذا ادعى دفع الثمن إلى المرتهن وأنكر ولا بينة للعدل فعلى ضربين أحدهما أن يكون أمر بالإشهاد ولم يشهد فيضمن لتفريطه ومخالفة أمر موكله إلا أن يقضيه بحضرة الموكل.

وهكذا الحكم في الوكيل وان شرط أن يبيعه المرتهن أو العدل صح وان عزلهما صح عزله.
ـــــــ
الثاني: مطلق وفيه روايتان إحداهما وهي المذهب أنه يضمن لأنه فرط حيث لم يشهد ولأنه إنما أذن له في قضاء مبرئ ولم يحصل وحينئذ فيرجع المرتهن على راهنه ثم هو على العدل. ومحله ما إذا كان القضاء بغير بينة فإن كان بها لم يضمن لعدم تفريطه سواء كانت البينة قائمة أو معدومة وشرطه اسمهالتهم وأن لا يكون بحضرة الموكل صرح به جماعة لأنه لا يعد مفرطا
والثانية: لا يضمن اختاره ابن عقيل لأنه أمين وفي الشرح وغيره إذا ادعى دفع الثمن إلى المرتهن وجهان أحدهما يقبل على الراهن لا المرتهن ذكره القاضي لأنه وكيل الراهن في دفع الثمن ووكيل المرتهن في الحفظ فلم يقبل قوله في حقه
والثاني: يقبل قوله على المرتهن في إسقاط الضمان عن نفسه ولا يقبل في نفي الضمان عن غيره ذكره الشريف أبو جعفر لأنه أمين فعليه إذا حلف العدل سقط الضمان عنه ولم يثبت على المرتهن أنه قبضه "وهكذا الحكم في الوكيل" فيما ذكرنا لأنه في معناه
"وإن شرط أن يبيعه المرتهن أو العدل صح" لأن كلا منهما أهل للوكالة فصح كالأجنبي ويصح بيعه لأنه شرط فيه مصلحة للمرتهن لا ينافي مقتضى الرهن فصح كما لو شرط صفة فيه
"وإن عزلهما صح عزله" في المنصوص كسائر الوكالات وحينئذ لا يملك البيع وقال ابن أبي موسى يتوجه لنا أنه لا ينعزل فإن أحمد منع الحيلة وهذا يفتح باب الحيلة للراهن فإنه يشرط ذلك للمرتهن فيجيبه إليه ثم يعزله ولأن وكالته صارت من حقوق الرهن فلم يكن للراهن إسقاطه كسائر حقوقه ورد بأنه لا يمنع جوازه كما لو شرط الرهن في البيع فإنه لا يصير لازما.

وإن شرط أن لا يبيعه عند الحلول أو إن جاءه بحقه وإلا فالرهن له لم يصح الشرط وفي صحة الرهن روايتان.
ـــــــ
"وإن شرط أن لا يبيعه عند الحلول" أي: حلول الحق فهو شرط فاسد لأنه ينافي مقتضى العقد ومثله إذا شرط أن لا يستوفى الدين من ثمنه أو لا يباع ما خيف تلفه أو يبيع الرهن بأي ثمن كان أو لا يبيعه إلا بما يرضيه أو شرط الخيار للراهن أو أن لا يكون العقد لازما في حقه أو بوقت الرهن
"وإن جاءه بحقه وإلا فالرهن له" أي: بالدين أو فهو مبيع بالدين الذي عليك "لم يصح الشرط" بغير خلاف نعلمه لما روى عبد الله بن جعفر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يغلق الرهن" رواه الأثرم
قلت لأحمد: ما معنى لا يغلق الرهن قال لا يدفع رهنا إلى رجل ويقول إن جئتك بالدراهم إلى كذا وإلا فالرهن لك ولأنه علق البيع على شرط لأنه جعله مبيعا بشرط أن لا يوفيه الحق في محله والبيع المعلق بشرط لا يصح
"وفي صحة الرهن روايتان" مبنيتان على الروايتين في البيع قاله في الفروع وغيره إحداهما لا يصح جزم به في الوجيز وقدمه في الشرح ونصره لأنه رهن بشرط فاسد فأفسده كما لو شرط توفيته
والثانية: لا نصرها أبو الخطاب في رؤوس المسائل واستدل بالخبر فنفى غلق الرهن دون أصله فدل على صحته لأن فيه شرطا فاسدا ولم يحكم بفساده وقيل: ما ينقص بفساده حق المرتهن يبطله وجها واحدا ومالا فوجهان وقيل: إن شرط رهنا موقتا أو شرطه يوما ويوما لا فسد الرهن وهل يفسد بسائرها على وجهين بناء على الشروط الفاسدة في البيع. وحكى في المغني عن القاضي أنه قال يحتمل فساد الرهن بالشرط الفاسد بكل حال لأن العاقد إنما بذل ملكه بهذا الشرط فإذا لم يسلم له أفضى إلى أخذ ماله بغير رضاه والقياس يقتضي ذلك في البيع لكن ترك فيه للأثر ثم إذا بطل

فصل
إذا اختلفا في قدر الدين أو الرهن أو رده أو قال أقبضتك عصيرا قال بل خمرا فالقول قول الراهن.
__________
وكان في بيع ففي بطلانه لأخذه حظا من الثمن أم لانفراده عنه كمهر في نكاح احتمالان
فرع: إذا تبايعا بشرط أن يكون المبيع رهنا على ثمنه لم يصح قاله ابن حامد لأن المبيع حين شرط رهنه لم يكن ملكا له وسواء شرط أنه يقبضه ثم يرهنه أو شرط رهنه قبل قبضه وعنه: إذا حبس المبيع ببقية الثمن فهو غاصب ولا يكون رهنا إلا أن يكون شرط عليه في نفس البيع وهذا يدل على صحة الشرط وحملها القاضي على أنه شرط عليه في البيع رهناً غير المبيع فيكون له حبس المبيع حتى يقبض الرهن فإن لم يف له وإلا فسخ البيع.
فصل
"إذا اختلفا في قدر الدين" أن قال المرتهن لي عليك ألف رهنتني عليها عبدك فلانا فقال الراهن بلى هي مائة "و الرهن" أن قال المرتهن هذا العبد والأمة فقال الراهن بل أحدهما قدم قوله لأنه منكر والقول قوله في أصل العقد فكذا في صفته
"و رده" أن قال المرتهن رددته إليك وقال الراهن لم أقبضه قبل قوله لأن الأصل معه والمرتهن قبض العين لمنفعته فلم يقبل قوله في الرد كالمستأجر وقيل: يقبل قول المرتهن لأنه أمين وفي التذكرة ان من قبل قوله من الأمناء في الرد لم يحلف فلو طلب منه الرد وقبل قوله فهل له تأخيره ليشهد فيه وجهان إن حلف وإلا فلا
"وقال أقبضتك عصيرا قال" لمرتهن "بل خمرا" في عقد مشروط فيه الرهن "فالقول قول الراهن" نص عليه لأنهما اختلفا فيما يفسد به العقد

وإن أقر الراهن أنه أعتق العبد قبل رهنه عتق وأخذت منه قيمته فجعلت رهنا وإن أقر انه كان جنى أو أنه باعه أو غصبه قبل على نفسه ولم يقبل على المرتهن.
ـــــــ
فقبل قول من ينفيه أولا لأن المرتهن معترف بعقد وقبض ويدعي فساده والأصل السلامة.
فرع: إذا قال أرسلت وكيلك فرهنني عبدك هذا على عشرين قبضها قال ما أمرته إلا بعشرة وصارت إلي سئل الرسول فإن صدق الراهن فعليه اليمين دون الراهن لأن الدعوى على غيره فإذا حلف الوكيل برئا معا وإن نكل فعليه العشرة المختلف فيها ولا يرجع بها على أحد.
وإن صدق المرتهن وادعى أنه سلم العشرين إلى الراهن قبل قول الراهن مع يمينه وإن نكل قضي عليه بالعشرة ويدفع إلى المرتهن وإن حلف برئ وعلى الوكيل غرامة العشرة للمرتهن.
"وإن أقر الراهن أنه أعتق العبد قبل رهنه عتق" لأن السيد غيرمتهم في الإقرار بعتقه لأنه لو أنشأ ذلك عتق فكذا إذا أخبر لأن كل من صح منه إنشاء عقد صح منه الإقرار به وقيل: لا يقبل منه كما لو أقر به بعد بيعه
"و" على الأول "أخذت منه قيمته فجعلت رهنا" مكانه لأنه فوت عليه الوثيقة بالعتق فلزمته القيمة تجعل رهنا جبرا لما فاته من الوثيقة هذا إذا كان موسرا فإن كان معسرا فعلى ما سبق وشرطه أن يكذبه المرتهن في ذلك
"وإن أقر أنه كان جنى أو أنه باعه أو غصبه قبل على نفسه" لأنه مقر على نفسه فقبل كما لو أقر له بدين "ولم يقبل على المرتهن" أي: مع تكذيبه اياه لأنه متهم في حقه وقول الغير على غيره غير مقبول
فعلى هذا إذا كذبه المرتهن وولي الجناية لم يسمع قوله وإن صدقه ولي الجناية لزمه أرشها إن كان موسرا لأنه حال بين المجني عليه وبين رقبة الجاني بفعله أشبه ما لو قتله
وإن كان معسرا تعلق حق المجني عليه برقبته إذا انفك الرهن وحينئذ

إلا أن يصدقه
فصل
وإذا كان الرهن مركوبا أو محلوبا فللمرتهن أن يركب ويحلب بقدر نفقته متحريا للعدل في ذلك.
ـــــــ
فيستحق المشتري والمغصوب منه الرهن إذا انفك منه لأن اعترافه مقتض لذلك حالا ومآلا خولف في الحال لأجل حق المرتهن فمتى زال عمل المقتضى عمله.
وفي الشرح يلزمه قيمته للمغصوب منه لأنه حال بينه وبينه برهنه وفيه شيء لكن على المرتهن اليمين أنه لا يعلم ذلك
"إلا أن يصدقه" فإنه يبطل الرهن لوجود المقتضى السالم عن المعارض وقيل: إن أقر ببيعه أو غصبه أو جنايته وهو موسر كإقراره بنسب مطلقا صح ولزمته قيمته رهنا كالعتق وقيل: يبطل إقراره مجانا ويحلف على البت.
فصل
"وإذا كان الرهن مركوبا أو محلوبا فللمرتهن أن يركب ويحلب بقدر نفقته" وجملته أن الرهن ينقسم إلى حيوان وغيره والأول نوعان أحدهما إذا كان مركوبا أو محلوبا فنص أحمد في رواية محمد بن الحكم وأحمد بن القاسم أن للمرتهن أن يركب ويحلب بقدر نفقته "متحريا للعدل في ذلك" هذا هو المشهور لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الظهر يركب بنفقته إذاكان مرهونا ولبن الدر بنفقته إذا كان مرهونا وعلى الذي يركب ويشرب النفقة" رواه البخاري
ولأن الحيوان نفقته واجبة وللمرتهن فيه حق وقد أمكنه استيفاء حقه فجاز كما يجوز للمرأة أخذ مؤنتها من مال زوجها عند عدم الإنفاق عليها لا يقال من منافعه مع بقاء عينه المراد به أن الراهن ينفق وينتفع لأنه مدفوع بما روي "إذا كانت الدابة مرهونة فعلى المرتهن علفها" فجعل المرتهن هو المنفق فيكون هو المنتفع.

ـــــــ
وقوله: "بنفقته" أي: بسببها إذ الانتفاع عوض النفقة وذلك إنما يتأتى من المرتهن أما الراهن فإنفاقه وانتفاعه ليسا بسبب الركوب ولو تركت لذهبت مجانا وكذا اللبن لو ترك لفسد وبيعه أولا فأولا متعذر
والحيوان لا بد له من نفقة فقد يتعذر من المالك وبيع بعض الرهن فيها قد يفوت الحق بالكلية وهذا فيما إذا أنفق محتسبا بالرجوع فإن كان متبرعا لم ينتفع رواية واحدة
ثم إن فضل من اللبن شيء ولم يمكن بقاؤه إلى حلول الدين فله بيعه بإذن مالكه وإلا باعه الحاكم
وعنه: لا يحتسب له بما أنفق ولا ينتفع من الرهن بشيء وهو قول أكثر العلماء لقوله عليه السلام لا يغلق الرهن من راهنه له غنمه وعليه غرمه رواه الشافعي والدارقطني وحسن إسناده من حديث أبي هريرة ولأنه ملك غيره لم يأذن له في ذلك فلم يكن له كغير الرهن والأولى أصح
ويدخل في المحلوب ما إذا كانت أمه مرضعة فله أن يسترضعها بقدر نفقتها ذكره أبو بكر ونص عليه ابن حمدان وعلى ما ذكره المؤلف لا فرق بين أن ينفق مع تعذر النفقة من الراهن لغيبة أو امتناع أو مع القدرة على أخذها منه أو استئذانه صرح به في المغني والشرح وذكر جماعة مع غيبة ربه زاد ابن حمدان أو امتناعه
النوع الثاني: الحيوان غير المركوب والمحلوب كالعبد والأمة فليس للمرتهن أن ينفق عليه ويستخدمه بقدرها في ظاهر المذهب قصرا للنص على مورده.
والثانية: بلى لفهم العلة وهو ذهاب المنفعة ونقل حنبل يستخدم العبد وفي الكافي إنه قد خالف الجماعة وهذا كله إذا كان الدين غير قرض فإن كان قرضا لم يجز نص عليه حذارا من قرض جر منفعة
القسم الثاني: غير ذلك وهو مما لا يحتاج إلى مؤنة كالدار والمتاع فلا يجوز للمرتهن الانتفاع بشيء منه بغير خلاف نعلمه لأن نماء الرهن يسلك

وإن انفق على الرهن بغير إذن الراهن مع إمكانه فهو متبرع وإن عجز عن استئذانه ولم يستأذن الحاكم فعلى روايتين وكذلك الحكم في الوديعة وفي نفقة الجمال إذا هرب الجمّال وتركها في يد المكتري.
ـــــــ
به مسلكه نعم إن أذن له الراهن في الانتفاع ولم يكن الدين عن قرض جاز لوجود طيب النفس
"وإن أنفق على الرهن" أي: الحيوان "بغير إذن الراهن مع إمكانه فهو متبرع" أي: لا يرجع بشيء صرح به أبو الخطاب وغيره لأنه تصدق به فلم يرجع بعوضه كالصدقة على مسكين أو لأنه مفرط حيث لم يستأذن المالك إذ الرجوع فيه معنى المعاوضة فافتقر إلى الإذن والرضى كسائر المعاوضات
وظاهره: ولو نوى الرجوع وصرح به في الفروع واقتضى أنه إذا أنفق بإذن المالك أنه يرجع لأنه ناب عنه في الإنفاق اشبه ما لو وكله فيه
"وإن عجز عن استئذانه ولم يستأذن الحاكم فعلى روايتين" إحداهما يرجع جزم بها في الوجيز لأنه أنفق عليه عند العجز عن استئذانه وهو محتاج إليه لحراسة حقه أشبه ما لو عجز عن استئذان الحاكم.
والثانية: لا يرجع بشيء لأن النفقة معاوضة فافتقرت إلى رضى المالك أو من يقوم مقامه كسائر المعاوضات
ومقتضاه: أنه إذا عجز عن استئذانه واستأذن الحاكم أنه يرجع لأنه يقوم مقام المالك
وفي الفروع إذا تعذر رجع إن أشهد بالأقل مما أنفق أو نفقة مثله وإلا فروايتان
"وكذلك الحكم في الوديعة وفي نفقة الجمال إذا هرب الجمال وتركها في يد المكتري" لأنها أمانة أشبهت الرهن وذكر الجمال على سبيل ضرب المثال لأن حكم كل حيوان مؤجر كذلك

وإن انهدمت الدار فعمرها المرتهن بغير إذن الراهن لم يرجع به رواية واحدة
فصل
وإذا جنى الرهن جناية موجبة للمال تعلق أرشها برقبته ولسيده فداؤه بالأقل من قيمته أو أرش جنايته
ـــــــ
"وإن انهدمت الدار فعمرها المرتهن بغير إذن الراهن لم يرجع به رواية واحدة" لأن عمارتها ليست بواجبة على الراهن فلم يكن لغيره أن ينوب عنه فيما لا يلزمه بخلاف نفقة الحيوان لحرمته في نفسه وحينئذ ليس له الانتفاع بها بقدر عمارتها وله الرجوع بآلته فقط على المذهب.
وقيل: وبما يحفظ به مالية الدار وأطلق في النوادر أنه يرجع وقاله الشيخ تقي الدين فيمن عمر وقفا بالمعروف ليأخذ عوضه أخذه من مغله.
فصل
"وإذا جنى الرهن" كالعبد "جناية موجبة للمال" سواء كانت على إنسان أو ماله "تعلق أرشها برقبته" أي: برقبة الجاني وقدمت على حق المرتهن بغير خلاف نعلمه لأنها مقدمة على حق المالك والملك أقوى من الرهن فأولى أن يقدم على الرهن لا يقال حق المرتهن يقدم أيضا على حق المالك لأن حق المرتهن ثبت من جهة المالك بعقده بخلاف حق الجناية فإنه ثبت بغير اختياره مقدما على حقه فيقدم على ما ثبت بعقده لأن حق الجناية يختص بالعين فيسقط بفواتها وحق المرتهن لا يسقط بفوات العين ولا يختص بها فكان تعلقه بها أخف وأدنى
"ولسيده فداؤه بالأقل من قيمته أو أرش جنايته" على الأصح لأنه إن كان الأرش أقل فالمجني عليه لا يستحق أكثر من أرش جنايته وإن كانت القيمة أقل فلا يلزم السيد أكثر منها لأن ما يدفعه عوض عن العبد فلا يلزمه أكثر من قيمته كما لو أتلفه.

أو يبيعه في الجناية أو يسلمه إلى ولي الجناية فيملكه وعنه: إن اختار فداءه لزمه جميع الأرش فإن فداه فهو رهن بحاله وإن سلمه بطل الرهن فإن لم يستغرق الأرش قيمته بيع منه بقدره وباقيه رهن وقيل: يباع جميعه ويكون باقي ثمنه رهنا وإن اختار المرتهن فداءه ففداه بإذن الراهن رجع به.
ـــــــ
"أو يبيعه في الجناية أو يسلمه إلى ولي الجناية فيملكه" لأن حق المجني عليه في قيمته لا في عينه فيثبت التخيير في هذه الأمور.
"وعنه: إن اختار فداءه لزمه جميع الأرش" بالغا ما بلغ لأنه ربما رغب فيه راغب فيشتريه بأكثر من قيمته "فإن فداه فهو رهن بحاله" لأن حق المرتهن قائم لوجود سببه فلم يبطل الرهن وإنما قدم حق المجني عليه لقوته فإذا زال ظهر حق المرتهن "وإن سلمه" في الجناية أو باعه "بطل الرهن" لأن الجناية تعلقت بالعبد وبالتسليم استقر كونه عوضا عنها فبطل كونه محلا للرهن أشبه ما لو تلف أو ظهر مستحقا لغيره
"فإن لم يستغرق الأرش قيمته" أي: قيمة العبد "بيع منه بقدره" على المذهب لأن بيعه إنما جاز ضرورة فتتقدر بقدر الحق "وباقيه رهن" لزوال المعارض لكن إن تعذر بيع بعضه بيع كله للضرورة المقتضية لبيعه ويكون باقي ثمنه رهنا وصرح به في الكافي
"وقيل: يباع جميعه" قدمه في المحرر لأن بيع البعض تشقيص له وهو عيب ينقص به الثمن وفيه ضرر بالمالك والمرتهن وهو مدفوع لقوله عليه السلام لا ضرر ولا إضرار "و" حينئذ "يكون باقي ثمنه" بعد دفع أرش الجناية "رهنا" لأنه بدل عن الرهن وعوض عنه فتعلق به ما كان متعلقا بمبدله وأطلق في البلغة والفروع الوجهين كأبي الخطاب فإن امتنع السيد من ذلك فالمرتهن مخير بين فدائه وتسليمه
"وإن اختار المرتهن فداءه" في كم يفديه "ففداه بإذن الراهن رجع به" لأنه أدى بإذن مالكه فوجب أن يستحق الرجوع به عليه كقضاء دينه بإذنه.

وإن فداه بغير إذنه فهل يرجع به على روايتين وإن جنى عليه جناية موجبة للقصاص فلسيده القصاص فإن اقتص فعليه قيمة أقلهما قيمة تجعل مكانه.
ـــــــ
"وإن فداه بغير إذنه فهل يرجع به؟ على روايتين" بناء على ما لو قضى دينه بغير إذنه ومحل الرجوع ما إذا كان يعتقده وتركه المؤلف لظهوره لأن المتبرع لا رجوع له لكن لو زاد في الفداء على الواجب لم يرجع به وجها واحدا فلو بذل المرتهن الفداء لتكون العين رهنا عليه وعلى الدين الأول فقال القاضي يجوز لأن المجني عليه يملك بيع الرهن وإبطاله فصار بمنزلة الرهن الجائز قبل قبضه والزيادة فيه قبل لزومه جائزة وفيه وجه بالمنع لأن العبد رهن بدين فلم يجز رهنه بدين آخر كغيره
"وإن جنى عليه جناية موجبة للقصاص" فالخصم في ذلك سيده لأنه المالك والأرش الواجب بالجناية ملكه وإنما للمرتهن فيه حق الوثيقة أشبه العبد المستأجر وقال أبو الخطاب ليس له القصاص بغير رضى المرتهن لما فيه من إسقاط حقه من الوثيقة
وجوابه: بإيجاب القيمة تجعل رهنا فلم يسقط حقه من الوثيقة وعلى المذهب لو ترك السيد المطالبة أو أخرها لغيبة أو له عذر يمنعه منها فللمرتهن المطالبة بها لأن حقه متعلق بموجبها كما لو كان الجاني سيده "فإن اقتص فعليه قيمة أقلهما قيمة تجعل مكانه" نص عليه لأنه أتلف مالا استحق بسبب إتلاف الرهن فغرم قيمته كما لو كانت الجناية موجبة للمال. وإنما وجب أقل القيمتين لأن حق المرتهن متعلق بالمالية والواجب من المال هو أقل القيمتين فعلى هذا لو كان الرهن يساوي عشرة والجاني خمسة أو بالعكس لم يكن عليه إلا الخمسة لأنه في الأولى: لم يفوت على المرتهن إلا ذلك القدر وفي الثانية: لم يكن حق المرتهن متعلقا إلا بذلك القدر
وفي المغني أن اقتص منه أخذت قيمته فجعلت رهنا وظاهره: أنه يجب على الراهن جميع قيمة الجاني قال ابن المنجا: وهو متجه لأنه بدل

وكذلك إن جنى على سيده فاقتص منه هو أو ورثته وإن عفا السيد على مال أو كانت موجبة للمال فما قبض منه جعل مكانه وإن عفا السيد عن المال صح في حقه ولم يصح في حق المرتهن فإذا انفك الرهن رد إلى الجاني.
ـــــــ
عن الرهن فكان كله رهنا وفيه شيء فإنه صرح بخلافه وقيل: لا يجب شيء.
قال في المحرر وهو أصح عندي لأنه لم يجب بالجناية مال ولا استحق بحال وليس على الراهن أن يستسعي للمرتهن في اكتساب مال.
وعلى الأول فيما إذا كان القصاص قتلا فإن كان جرحا أو قلع سن ونحوه فالواجب بالعفو أقل الأمرين من أرش الجراح أو قيمة الجاني وإن عفا مطلقا انبنى على موجب العمد.
"وكذلك إن جنى على سيده فاقتص منه هو أو ورثته" لأنه في الحكم كما إذا جنى عليه أجنبي فاقتص الراهن منه لأنهما يستويان معنى فوجب تساويهما حكما
"وإن عفا السيد على مال أو كانت موجبة للمال" فإنه يتعلق به حق الراهن والمرتهن ويجب من غالب نقد البلد كقيم المتلفات فلو أراد الراهن أن يصالح عنها أو يأخذ عنها عرضا لم يجز إلا بإذن المرتهن فإن أذن جاز لأن الحق لهما" فما قبض منه جعل مكانه" لأنه بدل عنه فيعطى حكمه
"وإن عفا السيد عن المال صح في حقه" فيسقط حقه قاله القاضي "ولم يصح في حق المرتهن" لأن عفوه صادف حقا له وحقا لغيره فصح في حقه لأنه لا مانع منه بخلاف المرتهن لما فيه من إبطال حقه فتؤخذ القيمة من الجاني تكون رهنا
"فإذا انفك الرهن رد إلى الجاني" لزوال المانع وكما لو أقر أن الرهن مغصوب أو جان فإن استوفى الدين من الأرش ففي الشرح احتمالان أحدهما يرجع الجاني على العافي لأن ماله ذهب في قضاء دينه فلزمته

وقال أبو الخطاب يصح وعليه قيمته وإن وطئ المرتهن الجارية من غير شبهة فعليه الحد والمهر.
ـــــــ
غرامته كما لو استعاره فرهنه
والثاني: لا رجوع له لأنه لم يوجد في حق الجاني ما يقتضي وجوب الضمان فإنما استوفى بسبب منه حال ملكه أشبه ما لو جنى إنسان على عبده ثم رهنه لغيره فتلف بالجناية السابقة.
"وقال أبو الخطاب يصح العفو" مطلقا لأنه أسقط دينه عن غريمه فصح كسائر ديونه "و" تجب "عليه قيمته" تكون رهنا لينجبر به حق المرتهن وقال بعض أصحابنا لا يصح مطلقا. قال في المغني وهو أصح في النظر لأن حق المرتهن متعلق به فلم يصح عفوه عنه كالرهن نفسه فإن قال المرتهن أسقطت حقي من ذلك سقط لأنه ينفع الراهن ولا يضره وإن قال أسقطت الأرش أو أبرأت منه لم يسقط لأنه ملك الراهن وهل يسقط حقه؟ فيه وجهان. فرع: لو أقر أحد بالجناية على الرهن وكذباه فلا شيء لهما وإن كذبه المرتهن فلا شيء له وللراهن الأرش وإن صدقه المرتهن وحده تعلق حقه بالأرش وله قبضه فإذا قضى الراهن حقه أو أبرأ منه رجع الأرش إلى الجاني فإن استوفى حقه من الأرش لم يملك الجاني مطالبة الراهن بشيء لأنه مقر له باستحقاقه
"وإن وطئ المرتهن الجارية من غيرشبهة" فهو حرام إجماعا "فعليه الحد" أي: إذا كان عالما بالتحريم لأنه لا شبهة له فيه فإن الرهن وثيقة بالدين ولا يدخل ذلك في إباحة الوطء مع أن وطء المستأجرة يوجب الحد مع ملكه لمنافعها فهذا أولى وعنه: لا حد والمذهب خلافها. "والمهر" لأنه استوفى المنفعة المملوكة لسيدها بغير إذنه فكان عليه عوضها كأرش بكارتها وظاهره: يجب عليه سواء أكرهها أو طاوعته اعتقد الحل

وولده رقيق وإن وطئها بإذن الراهن وادعى الجهالة وكان مثله يجهل ذلك فلا حد عليه ولا مهر وولده حر لا تلزمه قيمته
ـــــــ
أو لا أو ادعى شبهة أو لم يدعها لأن المهر حق آدمي فلا يسقط بالشبهات
"وولده رقيق" لأنه لا ملك له فيها ولا شبهة ملك أشبه الأجنبي
"وإن وطئها بإذن الراهن وادعى الجهالة" بالتحريم "وكان مثله يجهل ذلك" كالناشئ ببادية أو حديث عهد بالإسلام فلا حد عليه لأن ذلك شبهة والحد يدرأ بها "ولا مهر" لأنه يجب للسيد بسبب الوطء وقد أذن فيه أشبه ما لو أتلفها بإذنه ولأن المالك أذن في استيفاء المنفعة فلم يجب عوضها كالحرة المطاوعة
"وولده حر" لأنه وطئها معتقدا إباحة وطئها فهو كما لو وطئها يظنها أمته "لا تلزمه قيمته" بخلاف المغرور لأنه حدث عن وطء مأذون فيه فلم تلزمه قيمة الولد كالمهر وقال ابن عقيل لا تسقط قيمة الولد لأنه أحال بين الولد وبين مالكه باعتقاده فلزمته قيمته كالمغرور وفرق بين المهر والولد من حيث إن الإذن صريح في الوطء الموجب للمهر فأسقطه بخلاف الولد فإن الإذن في الوطء ليس بصريح في الإحبال فلم يسقطه
قال في النهاية والأول أصح لأن الإذن في الوطء إذن فيما يترتب عليه فلم تلزمه قيمته كالمهر وهذان الوجهان مع الإذن وظاهره: أنه إذا كان مثله لا يجهل ذلك كالناشئ ببلاد الإسلام فدعواه الجهل غير مقبولة ويكون ولده رقيقا
مسألة: له بيع ما جهل ربه إن أيس من معرفته والصدقة به بشرط الضمان نص عليه فإن عرفهم خيرهم بين الأجر ويغرم لهم وفي إذن حاكم في بيعه مع القدرة وأخذ حقه من ثمنه مع عدمه روايتان كشراء وكيل.

باب الضمان
وهو ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام الحق
__________
باب الضمانوهو ثابت بالإجماع وسنده قوله تعالى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف:72] والزعيم الكفيل قاله ابن عباس ويقال فيه أيضا ضمين وكفيل وقبيل وحميل وصبير وهي بمعنى.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الزعيم غارم" رواه أبو داود والترمذي وحسنه
"وهو ضم ذمة الضامن إلى ذمة المضمون عنه في التزام الحق" فعلى هذا الضمان مشتق من الضم ورد بأن لام الكلمة في الضم ميم وفي الضمان نون وشرط صحة الاشتقاق توافق الأصل والفرع: في الحروف وأجيب بأنه من الاشتقاق الأكبر وهو المشاركة في أكثر الأصول مع ملاحظة المعنى
وقال القاضي: هو مشتق من التضمن لأن ذمة الضامن تتضمن الحق وقال ابن عقيل هو مأخوذ من الضمن فذمة الضامن في ضمن ذمة المضمون عنه وهذا بالنسبة إلى الاشتقاق. وعرفه المجد بأنه التزام الانسان في ذمته دين المديون مع بقائه عليه وليس بمانع لدخول كل من لم يصح تبرعه فيه ولا جامع لخروج ضمان ما لم يجب والأعيان المضمونة ودين الميت إن برئ بمجرد الضمان على رواية
وفي الوجيز التزام الرشيد مضمونا في يد غيره أو ذمته حالا أو مآلا على وجه يؤول إلى اللزوم وهو أشمل من الذي قبله
وفي الفروع وهو التزام من يصح تبرعه ما وجب على غيره مع بقائه وقد لا يبقى وهو دين الميت وما قد يجب
تنبيه: لا بد في الضمان من ضامن ومضمون عنه وله ويصح بالألفاظ السابقة لا بقوله أؤدي إليك أو أحضر قال في الفروع بل بالتزامه

ولصاحب الحق مطالبة من شاء منهما في الحياة والموت فإن برئت ذمة المضمون عنه برئ الضامن وإن برئ الضامن أو أقر ببراءته لم يبرأ المضمون عنه.
ـــــــ
وهو ظاهر كلام جماعة قال الشيخ تقي الدين قياس المذهب بكل لفظ فهم منه الضمان عرفا.
"ولصاحب الحق مطالبة من شاء منهما في الحياة والموت" أي: لا يبرأ المضمون عنه بنفس الضمان كما يبرأ المحيل بل يثبت الحق في ذمتهما لمنعه الزكاة عليهما وصحة هبته لهما ولأن الكفيل لو قال التزمت وتكفلت بالمطالبة دون أصل الدين لم يصح وفاقا
وفي الانتصار لا ذمة ضامن لأن شيئا واحدا لا يشغل محلين ورد بأن تعلقه بمحلين على سبيل الاستيثاق كتعلق دين الرهن به وبذمة الراهن كذا هنا فعلى هذا لربه مطالبتهما معا وأحدهما ذكره الشيخ تقي الدين وغيره والمذهب حياة وموتا لقوله عليه السلام "نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه" ولحديث أبي قتادة "الآن قد بردت عليه جلده" قال أحمد: يأخذ من شاء بحقه
"فإن برئت ذمة المضمون عنه" بإبراء أو قضاء أو حوالة "برئ الضامن" بغير خلاف نعلمه لأنه تبع له والضمان وثيقة فإذا برئ الأصل زالت الوثيقة كالرهن
"وإن برئ الضامن أو أقر ببراءته لم يبرأ المضمون عنه" لأنه أصل فلا يبرأ ببراءة التبع وهذا إذا انفرد الضامن فلو تعدد صح سواء ضمن كل واحد منهم جميع الدين أو جزءا منه ولم يبرأ أحد منهم بإبراء الآخر لكن لو ضمن كل واحد منهم الجميع برئ الكل باداء أحدهم وبرئوا بإبراء المضمون عنه
وإن ضمن أحد الضامنين الآخر لم يصح لأن الحق ثبت في ذمته بضمانه الأصل فهو أصل فلا يجوز أن يصير فرعا بخلاف الكفالة لأنها ببدنه لا بما في ذمته.

ولو ضمن ذمي لذمي عن ذمي خمراً فأسلم المضمون له او المضمون عنه برئ هو والضامن معا ولا يصح إلا من جائز التصرف ولا يصح من صبي ولا يصح من مجنون ولا سفيه
ـــــــ
فلو سلمه أحدهما برئ وبرئ كفيله به لا من إحضار مكفول به
"ولو ضمن ذمي لذمي عن ذمي خمراً فأسلم المضمون له أو المضمون عنه برئ هو والضامن معا" إذا أسلم المضمون له برئ المضمون عنه لأن مالية الخمر بطلت في حقه فلم يملك مطالبته والضامن لأنه تبع للأصل ويبرآن بإسلام المضمون عنه لأنه صار مسلما ولا يجوز وجوب خمر على مسلم والضامن فرعه
وذكر أبو الخطاب وجها أنهما لا يبرآن لأن المضمون له يملك الخمر فلا يسقط كما لو أعاره عبدا فرهنه على خمر ثم أسلم المستعير فإنه يلزمه فك الرهن وحينئذ له قيمتها وقيل: أو يوكل ذميا يشتريها ولم يتعرض المؤلف لإسلام الضامن ولا شك أنه يبرأ وحده
"ولا يصح إلا من جائز التصرف" أي: ممن يصح تصرفه في ماله لأنه إيجاب مال بعقد فلم يصح من غيرجائز التصرف كالبيع رجلا كان أو امرأة فإن كان مريضا مخوفا فمن ثلثه وإلا فهو كالصحيح والأخرس إن فهمت إشارته صح ضمانه.
"ولا يصح من صبي" غير مميز بلا خلاف وكذا المميز وعنه: يصح قال في الشرح وخرج أصحابنا صحته على الروايتين في صحة إقراره وتصرفه بإذن وليه
"ولا يصح من مجنون ولا سفيه" لعدم صحة تصرفهما وقيل: يصح من سفيه ويتبع به بعد فك حجره لأن إقراره صحيح ويتبع به بعد فك حجره كذا ضمانه وظاهره: أن المحجور عليه لفلس يصح ضمانه وصرح به المؤلف في الحجر لأنه من أهل التصرف.

ولا من عبد بغير إذن سيده ويحتمل أن يصح ويتبع به بعد العتق وإن ضمن بإذن سيده صح وهل يتعلق برقبته أو ذمة سيده على روايتين ولا يصح إلا برضى الضامن.
ـــــــ
ويتبع به بعده من ماله وعنه: لا يصح ذكرها في التبصرة قال في الفروع فيتوجه عليها عدم تصرفه في ذمته.
فرع: لو قال ضمنت وأنا صبي وأنكره المضمون له قدم قوله وذكره القاضي قياس قول أحمد لأن معه سلامة العقد أشبه ما لو اختلفا في شرط فاسد وقيل: يقدم قول الضامن لأن الأصل عدم البلوغ وعدم وجوب الحق والحكم فيمن عرف له حال جنون كذلك وإن لم يعرف له حال جنون فالقول قول المضمون له لأن الأصل عدمه.
"ولا من عبد بغير إذن سيده" لأنه عقد تضمن إيجاب مال فلم يصح بغير إذن السيد كالنكاح وسواء كان مأذونا له في التجارة أو لا صرح به في الشرح وظاهره: ولو مكاتبا لأنه تبرع بالتزام مال أشبه نذر الصدقة بمال معين
"ويحتمل أن يصح ويتبع به بعد العتق" هذا رواية عن أحمد لأنه لا ضرر على السيد فيه فصح منه ولزمه بعد العتق كالإقرار بالإتلاف.
"وإن ضمن بإذن سيده؟ صح" لأنه لو أذن له في التصرف لصح فكذا هنا لكن في المكاتب وجه بالمنع لأنه ربما أدى إلى تفويت الحرية
"وهل يتعلق برقبته أو ذمة سيده؟ على روايتين" كذا ذكره أبو الخطاب كاستدانته بإذنه قال القاضي قياس المذهب تعلق المال برقبته لأنه دين لزمه بفعله فتعلق برقبته كأرش جنايته وقال ابن عقيل ظاهر المذهب أنه يتعلق بذمة السيد فإن أذن له سيده في الضمان ليكون القضاء من المال الذي في يده صح ويكون ما في ذمته متعلقا بالمال الذي في يد العبد كتعلق حق الجناية برقبة الجاني كما لو قال لحر ضمنت لك هذا الدين على أن تأخذ من مالي هذا صح
"ولا يصح إلا برضى الضامن" لأنه التزام حق فاعتبر رضاه كسائر العقود

ولا يعتبر رضى المضمون له ولا المضمون عنه ولا معرفة الضامن لهما ولا كون الحق معلوما ولا واجبا إذا كان مآله إلى الوجوب
ـــــــ
التي يلزم العاقد منها حق وظاهره: أنه لا يصح ضمان المكره صرح به في المغني والشرح لأنه التزام مال فلم يصح بغير رضى الملتزم كالنذر
"ولا يعتبر رضى المضمون له" لأن أبا قتادة ضمن من غيررضى المضمون له تركها الشارع عليه السلام ولأنه وثيقة لا يعتبر فيها قبض كالشهادة ولأنه ضمان دين أشبه ضمان بعض الورثة دين الميت.
"ولا المضمون عنه بغير خلاف نعلمه لحديث أبي قتادة ولأنه لو قضى الدين عنه بغير إذنه ورضاه صح فكذا إذا ضمن عنه ولا معرفة الضامن لهما" لأنه لا يعتبر رضاهما فكذا معرفتهما وقال القاضي: تعتبر معرفتهما ليعلم هل المضمون عنه أهل لاصطناع المعروف إليه أم لا ولأنه تبرع فلا بد من معرفة من يتبرع عنه والمضمون له فيؤدي إليه
وذكر وجها آخر أنه يعتبر معرفة المضمون له فقط وجوابه الخبر
"ولا" يعتبر "كون الحق معلوما" لقوله تعالى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف72] وهو غيرمعلوم لأنه يختلف مع أنه التزام حق في الذمة من غيرمعاوضة فصح في المجهول كالإقرار ولأنه يصح تعليقه بغرر وخطر وهو ضمان العهدة
وإذا قال ألق متاعك في البحر وعلي ضمانه فيصح في المجهول كالعتاق والطلاق وفي ضمان بعض الدين وجهان أصحهما لا يصح
"ولا واجبا إذا كان مآله إلى الوجوب" بل يصح ضمان مالم يجب إذ الآية الكريمة دلت على ضمان حمل بعير مع أنه لم يكن وجب
لا يقال الضمان ضم ذمة إلى ذمة فإذا لم يكن على المضمون عنه شيء فلا ضم لأنه قد ضم ذمته إلى ذمة المضمون عنه في أنه يلزمه ما يلزمه ويثبت في ذمته ما يثبت فيها وهذا كاف وله إبطاله قبل وجوبه في الأصح.

ولو قال: ضمنت لك ما على فلان أو ما تداينه به صح ويصح ضمان دين الضامن.
ـــــــ
وظاهره: أنه إذا لم يكن واجبا ولا مآله إلى الوجوب لا يوجد فيه ضم ذمة إلى ذمة مطلقا. "ولو قال ضمنت لك ما على فلان" مثال المجهول ومثله ما نقله في المغني والشرح أنا ضامن لك ما تقوم به البينة أو ما يقر به لك أو ما يقضي به عليه "أو ما تداينه به صح" أيما تعطيه في المستقبل
وإن قال أنا وركبان السفينة ضامنون وأطلق ضمن وحده بالحصة وفي الترغيب وجهان بها أو الجميع وإن رضوا لزمهم ويتوجه الوجهان وإن قالوا ضمناه لك فبالحصة وإن قال كل واحد منا ضامنه لك فالجميع
تنبيه: يصح ضمان السوق وهو أن يضمن ما يلزم التاجر من دين وما يقبضه من عين مضمونة وتجوز كتابته والشهادة به لمن ير جوازه لأنه محل اجتهاد قاله الشيخ تقي الدين قال ويصح ضمان حارس ونحوه وتجار حرب ما يذهب من البلد أو البحر وهو شبيه بضمان ما لم يجب
"ويصح ضمان دين الضامن" نحو أن يضمن الضامن ضامن آخر لأنه دين لازم في ذمته فصح ضمانه كسائر الديون فعلى هذا يثبت الحق في ذمة الثلاثة أيهم قضاه برئت ذممهم كلها لأنه حق واحد فإذا سقط لم يجب مرة أخرى فيبرأ الثاني: بإبراء الأول ولا عكس وإن قضى الدين الضامن الأول رجع على المضمون عنه وإن قضاه الثاني: رجع على الأول ثم رجع الأول على المضمون عنه إذا كان واحد أذن وإلا ففي الرجوع له روايتان
فلو ضمن المضمون عنه الضامن لم يصح لأن الضمان يقتضي التزامه الحق في ذمته والحق لازم له فلا يتصور التزامه ثانيا ولأنه أصل فلا يصير فرعا لكن لو ضمنه من غيرالدين جاز وعلم منه أن كل دين يصح أخذ رهن به أنه يصح ضمانه.

ودين الميت المفلس وغيره ولا تبرأ ذمته قبل القضاء في أصح الروايتين ويصح ضمان عهدة المبيع عن البائع للمشتري وعن المشتري للبائع
ـــــــ
"و" يصح ضمان "دين الميت المفلس وغيره" فصح الضمان عن كل غريم وجب عليه حق حيا كان أو ميتا مليئا أو مفلسا وهو قول أكثر العلماء لأن أبا قتادة ضمن دين الميت وقيد الميت بالمفلس تنبيها على من يمنع صحة ذلك
"ولا تبرأ ذمته" أي: ذمة الميت "قبل القضاء في أصح الروايتين" جزم به في الوجيز وغيره لقوله عليه السلام: "نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه" ولما أخبر أبو قتادة النبي صلى الله عليه وسلم بوفاء الدينارين فقال: "الآن بردت جلدته" رواه أحمد ولأنه وثيقة بدين فلم يسقط قبل القضاء كالرهن
والثانية: ونص عليها في رواية يوسف بن موسى أنه يبرأ بمجرد الضمان لما روى أبو سعيد الخدري قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في جنازة فلما وضعت قال "هل على صاحبكم من دين" قالوا درهمان فقال: "صلوا على صاحبكم" فقال علي هما علي يا رسول الله وأنا لهما ضامن فقام فصلى عليه ثم أقبل على علي فقال: "جزاك الله عن الإسلام خيرا وفك رهانك كما فككت رهان أخيك" رواه الدارقطني
"ويصح ضمان عهدة المبيع عن البائع للمشتري" وهو أن يضمن شخص عن البائع الثمن إذا خرج المبيع مستحقا أو رد بعيب
"وعن المشتري للبائع" وهو أن يضمن الثمن الواجب بالبيع قبل تسليمه أو إن ظهر به عيب أو استحق فضمان العهدة في الموضعين ضمان الثمن أو بعضه عن أحدهما للآخر وهو صحيح عند الجماهير لأن الحاجة تدعو إلى الوثيقة وهي ثلاثة الشهادة والرهن والضمان فالأولى: لا يستوفى منها الحق والثانية: يبقى مرهونا إلى أن يؤدي فلم يبق غير الضمان.
ولأنه لو لم يصح لامتنعت المعاملات مع من لم يعرف ذلك وفيه ضرر عظيم رافع لأصل الحكمة التي شرع البيع من أجلها ومثل ذلك لا يرد به الشرع

ولا يصح ضمان دين الكتابة في أصح الروايتين ولا يصح ضمان الأمانات كالوديعة ونحوها إلا أن يضمن التعدي فيها.
ـــــــ
وظاهره: صحة ضمان العهدة عن البائع للمشتري قبل قبض الثمن وبعده
وقال القاضي: يصح بعده لأنه لو خرج قبل القبض مستحقا لم يجب على البائع شيء وهو مبني على ضمان ما لم يجب إذا كان مفضيا إلى الوجوب كالجعالة وألفاظه ضمنت عهدته أو ثمنه أو دركه ويقول المشتري ضمنت خلاصك منه أو ثمنه فلو ضمن له خلاص المبيع فقال أحمد: لا يحل واختاره أبو بكر لأنه إذا خرج حرا أو مستحقا لم يستطع خلاصه
وفي دخول نقض بناء المشتري في ضمانها ورجوعه بالدرك مع اعترافه بصحة البيع وقيام بينة ببطلانه وجهان وإن باعه بشرط ضمان دركه إلا من زيد ثم ضمن دركه منه أيضا لم يعد صحيحا ذكره في الانتصار
مسألة: يصح ضمان نقص صنجة ويرجع بقوله مع يمينه "ولا يصح ضمان دين الكتابة في أصح الروايتين" وقاله أكثر العلماء لأنه ليس بلازم ولا مآله إلى اللزوم لأن المكاتب له تعجيز نفسه والامتناع من الأداء فإذا لم يلزم الاصل فالفرع أولى
والثانية: يصح لأنه دين على المكاتب فصح ضمانه كبقية الديون والفرق ظاهر وعلى الأولى: لا فرق بين أن يضمنه حر أو عبد وخصها القاضي بالحر لسعة تصرفه
"ولا يصح ضمان الأمانات كالوديعة ونحوها" كالعين المؤجرة والشركة لانها غيرمضمونة على صاحب اليد فكذا على ضامنه
وفي عيون المسائل لأنه لا يلزمه إحضارها وإنما على المالك أن يقصد الموضع فيقبضها
"إلا أن يضمن التعدي فيها" فيصح ضمانها في ظاهر كلام أحمد لأنها مضمونة على من هي في يده أشبهت الغصوب وعنه: صحة ضمانها

فأما الاعيان المضمونة كالغصوب والعواري والمقبوض على وجه السوم فيصح ضمانها وإن قضى الضامن الدين متبرعا لم يرجع بشيء وإن نوى الرجوع وكان الضمان والقضاء بغير إذن المضمون عنه فهل يرجع على روايتين.
ـــــــ
مطلقا وحملها الأصحاب على تعديه لتصريحه به.
"وأما الأعيان المضمونة كالغصوب والعواري والمقبوض على وجه السوم" من بيع وإجارة "فيصح ضمانها" جزم به الأصحاب لأنها مضمونة على من هي في يده كالحقوق الثابتة في الذمة وعنه: لا لأن الأعيان غير ثابتة في الذمة والضمان لما يثبت فيها وغايته أنه يلزمه قيمتها عند التلف وهي مجهولة
وجوابه: أن الضمان في الحقيقة إنما هو ضمان استنقاذها وردها أو قيمتها عند تلفها فهي كعهدة المبيع فالمقبوض على وجه السوم بأن ساومه وقطع ثمنه أو ساومه فقط ليريه أهله إن رضوه وإلا رده
فروع: يصح ضمان الجعل في الجعالة والمسابقة والمفاضلة وأرش الجناية نقدا كقيم المتلفات أو حيوانا كالديات ونفقة الزوج سواء كانت يومها أو مستقبلة لأن نفقة اليوم واجبة والمستقبلة مآلها إلى اللزوم ويلزمه ما يلزم الزوج في قياس المذهب وقال القاضي: إذا ضمن النفقة المستقبلة لزمه نفقة المعسرلأن الزيادة على ذلك تسقط بالإعسار فأما الماضية فإن كانت واجبة صح ضمانها وإلا فلا
مسألة: للضامن مطالبة المضمون عنه بتخليصه في الأصح إذا طولب وقيل: أولى إذا ضمنه بإذنه في الأصح
"وإن قضى الضامن الدين" أو أحال به "متبرعا لم يرجع بشيء" لأنه متطوع بذلك أشبه الصدقة وسواء ضمن بإذنه أو لا
"وإن نوى الرجوع" وقيل: أو أطلق وهو ظاهر نقل ابن منصور "وكان الضمان والقضاء بغير إذن المضمون عنه فهل يرجع؟ على روايتين" إحداهما

وإن أذن في أحدهما فله الرجوع بأقل الأمرين مما قضى أو قدر الدين.
ـــــــ
وهي المذهب يرجع به لأنه قضاء مبرئ من دين واجب عليه فكان من ضمان من هو عليه كالحاكم إذا قضاه عنه عند امتناعه.
والثانية: لا رجوع لأنه بغير إذن ولو استحق الرجوع لاستحقه أبو قتادة ولو استحقه صار دينا له على الميت ولو كان كذلك لامتنع من الصلاة وكما لو علف دابته بغير إذن. وأجاب في المغني والشرح بأنه تبرع بالضمان والقضاء قصدا لتبرئة ذمته ليصلي عليه السلام عليه مع علمه بأنه لم يترك وفاء وعلم منه أنه إذا ضمن بأمره وقضى بأمره أنه يرجع
قال في المغني والشرح سواء قال اضمن عني وأدعني أو أطلق لأنه ضمن ودفع بأمره أشبه ما لو كان مخالطا له
فرع: حكم من أدى عن غيره دينا واجبا كذلك في الرجوع إلا فيما يفتقر إلى نية كالزكاة ونحوها "وإن أذن في أحدهما" وهي صورتان أحدهما أن يضمن بأمره ويقضي بغير أمره فله الرجوع لأنه لما ضمن بإذنه تضمن ذلك القضاء لأنه يجب عليه الأداء أشبه ما لو اذن فيه صريحا
والثانية: عكسها وهو أن يضمن بغير إذنه ويؤدي بأمره فكذلك لأنه أدى دينه بأمره فرجع عليه أشبه ما لو لم يكن ضامنا
وعنه: لا رجوع فيهما اختاره أبو محمد الجوزي
قال ابن عقيل يظهر فيها كذبح أضحية غيره بلا إذنه في منع الضمان والرجوع لأن القضاء هنا إبراء لتحصيله الإجزاء بالذبح وحيث قيل به "فله الرجوع بأقل الأمرين مما قضى أو قدر الدين" لأنه إن كان الأقل الدين لزائد لم يكن واجبا عليه فهو متبرع بأدائه وإن كان المقضي أقل إنما يرجع بما غرم ولهذا لو أبرأه غريمه لم يرجع بشيء فإن دفع عن الدين عرضا رجع بأقل الأمرين من قيمته أو قدر الدين.

وإن أنكر المضمون له القضاء وحلف لم يرجع الضامن على المضمون عنه سواء صدقه أو كذبه.
ـــــــ
فرع: لو تغيب مضمون عنه قادر قاله الشيخ تقي الدين وأطلقه في موضع آخر فأمسك الضامن وغرم شيئا بسبب ذلك وأنفقه في حبس رجع به على المضمون عنه
تنبيه: إذا كان على رجلين مائة على كل واحد منهما نصفها وهما متضامنان فضمن آخر عن أحدهما المائة بأمره وقضاها سقط الحق عن الجميع وله الرجوع بها على الذي ضمن عنه ولم يكن له أن يرجع على الآخر بشيء في إحدى الروايتين لأنه لم يضمن عنه ولا أذن له في القضاء فإذا رجع على الذي ضمن عنه رجع على الآخر بنصفها إن كان ضمن عنه بإذنه لأنه ضمنها عنه بإذنه وقضاها ضامنه
والثانية: له الرجوع على الآخر بالمائة لأنها وجبت له على من أداها عنه فملك الرجوع بها عليه كالأصيل ذكره في المغني والشرح
"وإن أنكر المضمون له القضاء" أي: إذا ادعى الضامن أنه قضى الدين وأنكر المضمون له ولا بينة "وحلف لم يرجع الضامن على المضمون عنه" لأنه ما أذن للضامن إلا في قضاء مبرئ ولم يوجد وحينئذ القول قول المضمون له لأنه منكر
وله مطالبة الضامن والأصيل "سواء صدقه" المضمون عنه "أو كذبه" لأن المانع من الرجوع تفريط الضامن من حيث إنه قضى بغير بينة وذلك مشترك بين التصديق والتكذيب.
ثم اعلم: إن كان القضاء ببينة عادلة حاضرة فواضح وكذا إن كانت ميتة أو غائبة وصدقه لأنه معترف أنه ما قضى ولا فرط وإن كانت مردودة بأمر ظاهر كالكفر والفسق الظاهر لم يرجع الضامن مطلقا لتفريطه فإن ردت بأمر خفي كالفسق الباطن أو لكون الشهادة مختلفا فيها كشهادة العبيد فاحتمالان.

وإن اعترف بالقضاء وأنكر المضمون عنه لم يسمع إنكاره وإن قضى المؤجل قبل أجله لم يرجع حتى يحل وإن مات المضمون عنه أو الضامن فهل يحل الدين عليه على روايتين.
ـــــــ
وكذا شاهد واحد ودعواه موتهم وأنكر الإشهاد وإن قضاه بغير بينة بحضرة المضمون عنه فالأصح أنه يرجع لأنه هو المفرط والثاني: لا كغيبته
فرع: إذا رجع المضمون له على الضامن فاستوفى منه مرة ثانية رجع على المضمون عنه بما قضاه ثانيا لبراءة ذمته به ظاهرا قاله القاضي ورجحه في الشرح وفيه احتمال يرجع بالأول للبراءة منه باطنا
"وإن اعترف" المضمون له "بالقضاء وأنكر المضمون عنه لم يسمع إنكاره" لأن ما في ذمته حق للمضمون له فإذا اعترف بالقبض من الضامن فقد اعترف بأن الحق الذي له صار للضامن فيجب أن يقبل إقراره لكونه إقرارا في حق نفسه
وفيه وجه لا لأن الضامن مدع لما يستحق به الرجوع على المديون وقول المضمون له شهادة على فعل نفسه فلا يقبل وأجيب بالتزامه
فرع: إذا قال المضمون له للضامن برئت إلي من الدين وقيل: أو لم يقل إلي فهو مقر بقبضه لا أبرأتك فلو قال وهبتك الحق تمليك له فيرجع على المديون وقيل: إبراء فلا
"وإن قضى" الضامن الدين "المؤجل قبل أجله لم يرجع حتى يحل" لأنه لا يجب له أكثر مما كان للغريم ولأنه متبرع بالتعجيل فلم يرجع قبل الأجل كما لو قضاه أكثر من الدين والحوالة به ليقبضه سواء قبض الغريم من المحال عليه أو تعذر عليه الاستيفاء
"وإن مات المضمون عنه أو الضامن فهل يحل الدين؟ على روايتين" أشهرهما: لا يحل لأن التأجيل حق من حقوق الميت فلم يبطل بموته

وأيهما حل عليه لم يحل على الآخر ويصح ضمان الحال مؤجلا وإن ضمن المؤجل حالا لم يلزمه قبل أجله في أصح الوجهين.
ـــــــ
كسائر حقوقه بشرطه قاله في الوجيز.
والثانية: يحل لأن ذمة الميت خربت به فلو لم يحل لأدى إلى ضياع حقه.
"وأيهما حل عليه لم يحل على الآخر" أي: إذا مات المضمون عنه و قلنا: يحل بموته لم يحل على الضامن لأن الإنسان لا يحل عليه دين بموت غيره بل يبقى حالا بالنسبة إلى الأصل مؤجلا بالنسبة إلى الفرع:
وكذا إذا مات الضامن لكن إذا استوفى الغريم من تركته لم يكن لورثته مطالبة المضمون عنه حتى يحل الحق لأنه مؤجل عليه فلا يستحق مطالبته قبل أجله
"ويصح ضمان الحال مؤجلا" نص عليه لحديث رواه ابن ماجة عن ابن عباس مرفوعا ولأنه ضمن مالا بعقد مؤجل فكان مؤجلا كالبيع وحينئذ يصير حالا على المضمون عنه له مطالبته متى شاء مؤجلا على الضامن لا يقال الحال لا يتأجل وكيف يثبت في ذمتيهما مختلفا لأن الحق يتأجل في ابتداء ثبوته بعقد وهنا كذلك لأنه لم يكن ثابتا عليه حالا
ويجوز تخالف ما في الذمتين بدليل لو مات المضمون عنه والدين مؤجل فإن قضاه قبل الأجل رجع في الحال وعلى الثانية: لا يرجع به قبل الأجل لأنه لم يأذن في القضاء قبل ذلك
"وإن ضمن المؤجل حالا" لم يصر حالا و "لم يلزمه قبل أجله في أصح الوجهين" لأن الضامن فرع المضمون عنه فلا يستحق مطالبته دون أصله
والثاني: يلزمه قبل أجله لأن مقتضى صحة الضمان كذلك وقيل: لا يصح الضمان للمخالفة فعلى الأول إذا قضاه قبل الأجل لم يرجع عليه حتى يحل لأن الضمان لم يغيره عن تأجيله.

باب الكفالة

فصل في الكفالة
وهي التزام إحضار المكفول به وتصح ببدن من عليه دين وبالأعيان المضمونة ولا تصح ببدن من عليه حد.
__________
فصل في الكفالة
وهي صحيحة لقوله تعالى: {قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ} [يوسف:66] ولأن الحاجة داعية إلى الاستيثاق بضمان المال أو البدن وضمان المال يمتنع منه كثير من الناس فلو لم تجز الكفالة بالنفس لأدى إلى الحرج وعدم المعاملات المحتاج إليها
"وهي التزام" الرشيد "إحضار المكفول به" لأن العقد في الكفالة واقع على بدن المكفول به فكان إحضاره هو الملتزم به كالضمان ويعتبر رضى الكفيل وتعيين المكفول به إذا كان عليه حق ولا يعتبر إذنه وتنعقد بألفاظ ضمان
"وتصح ببدن من عليه دين" لأن الدين حق مالي فصحت الكفالة به كالضمان سواء كان الدين معلوما أو مجهولا
والحاصل: أنه تصح الكفالة ببدن كل من يلزمه الحضور في مجلس الحكم بدين لازم فتصح الكفالة بالصبي والمجنون لأنه قد يلزم إحضارهما مجلس الحكم للشهادة عليهما بالإتلاف ويستثنى منه دين الكتابة
وتصح الكفالة بالكفيل فإن برئ الأول برئ الثاني: من غيرعكس "وبالأعيان المضمونة" لصحة ضمانها فيرد أعيانها أو قيمتها إن تلفت وظاهره: أنه لا تصح الكفالة بالأمانات لكن قال أبو الخطاب وإحضار وديعة وكفالة بزكاة وأمانة لنصه فيمن قال ادفع ثوبك إلى هذا الرفاء فأنا ضامنه لا يضمن حتى يثبت أنه دفعه إليه
"ولا تصح ببدن من عليه حد" لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا كفالة في حد" ولأنها استيثاق يلزم الكفيل ما

أو قصاص ولا بغير معين كأحد هذين وإن كفل بجزء شائع من إنسان أو عضو أو كفل بإنسان على أنه إن جاء به وإلا فهو كفيل بآخر أو ضامن ما عليه صح في أحد الوجهين.
ـــــــ
على المكفول به عند تعذر إحضاره والحد مبناه على الإسقاط والدرء بالشبهة فلا يدخل فيه الاستيثاق ولا يمكن استيفاؤه من غيرالجاني
وظاهره: لا فرق بين أن يكون حقا لله كحد الزنى والسرقة أو لآدمي كحد القذف.
"أو قصاص" لأنه بمنزلة من عليه حد قال في المحرر إلا لأخذ مال كالدية وغرم مالية السرقة فتصح
"ولا بغير معين كأحد هذين" لأنه غيرمعلوم في الحال ولا في المآل ولا يمكن تسليمه بخلاف ضمان المجهول وفيه وجه ولا تصح الكفالة بالزوجة أو الشاهد
"وإن كفل بجزء شائع من إنسان أو عضو أو كفل بإنسان على أنه إن جاء به وإلا فهو كفيل بآخر أو ضامن ما عليه صح في أحد الوجهين" وفيه مسائل:
الأولى: إذا كفل بجزء شائع من إنسان كثلثه أو ربعه فهي صحيحة على المذهب لأنه لا يمكن إحضار ذلك إلا بإحضار الكل
الثانية: إذا كفل عضوا معينا منه كيده أو رجله فهي صحيحة لأنه لا يمكنه إحضاره على صفته إلا بإحضار الكل والثاني: لا يصح فيهما لأن تسليم ذلك وحده متعذر والسراية ممتنعة قال القاضي لا تصح الكفالة ببعض البدن بحال لأن مالا يشرى لا يصح إذا خص به عضوا كالبيع والإجارة ذكره في المغني والشرح
قال ابن المنجا: وما ذكره من التعليل لا يدل على عدم الصحة في الجزء الشائع لأن بيع ذلك وإجارته جائزة وفيه نظر لأنهما خصاه بالعضو

ولا تصح إلا برضى الكفيل وفي رضى المكفول به وجهان
ـــــــ
وظاهره: لا فرق في العضو بين الوجه وغيره سواء كان مما لا يبقى البدن بدونه كالرأس أولا كاليد
وجزم في الكافي والشرح أنها تصح بالوجه لأنه يكنى به عن الكل فصح كبدنه وجزم في الوجيز بأنها تصح فيما تبقى الحياة بدونه لا العكس
الثالثة: إذا كفل بإنسان على أنه إن جاء به وإلا فهو كفيل بآخر أو ضامن ما عليه صح قاله أبو الخطاب وقدمه في المحرر وجزم به في الوجيز لأنه كفالة أو ضمان فصح تعليقه على شرط كضمان العهدة
وقال القاضي:لا يصح لأنه تعليق عقد على آخر فلم يصح وهذا الخلاف جار فيما إذا علقه بغير سبب الحق والخلاف في المؤقت كالمعلق بشرطه فلو كفله شهرا لم يصح عند القاضي لأنه حق لآدمي فلم يجز توقيته كالهبة
وفي "التنبيه": إذا مضت المدة ولم يحضره لزمه ما عليه وعند غيرهما لا يلزمه شيء بعد مضي المدة إذا لم يطالبه بإحضاره فيها
فرع: إذا قال كفلت بدن فلان على أن يبرأ الكفيل لم يصح في الأصح لأنه شرط شرطا لا يلزم الوفاء به فيفسد عقد الكفالة وفيه وجه
وقيل: يصح الشرط لأنه شرط تحويل الوثيقة فعليه لا تلزمه الكفالة إلا أن يبرأ الكفيل منها "ولا تصح إلا برضى الكفيل" لأنه لا يلزمه الحق ابتداء إلا برضاه "وفي رضى المكفول به وجهان" أشهرهما لا يعتبر رضاه كالضمان والثاني: بلى وجزم به في الوجيز لأن المقصود إحضاره فإذا كفل بغير إذنه لم يلزمه الحضور معه بخلاف الضمان فإن الضامن يقضي الحق ولا يحتاج إلى المضمون عنه وظاهره: أنه لا يعتبر رضى المكفول له لأنها وثيقة لا قبض فيها فصحت من غيررضاه كالشهادة.

ومتى أحضر المكفول به وسلمه برئ إلا أن يحضره قبل الأجل وفي قبضه ضرر وإن مات المكفول به أو تلفت العين بفعل الله تعالى.
ـــــــ
"ومتى أحضر المكفول به" مكان العقد بعد حلول الدين "وسلمه بريء" مطلقا إذا لم تكن يد حائلة ظالمة قاله في المغني والمستوعب والشرح وعنه: لا يبرأ حتى يقول قد برئت لك منه أو قد سلمته إليك وقاله ابن أبي موسى والأول أصح لأنه عقد على عمل فبرئ منه بالعمل المعقود عليه كالإجارة فإن امتنع من تسليمه حيث لا ضرر برئ كالمسلم فيه
وقيل: إن امتنع أشهد على امتناعه رجلين وبرئ وقال القاضي: يرفعه إلى الحاكم فيسلمه إليه فإن لم يجده أشهد
"إلا أن يحضره قبل الأجل وفي قبضه ضرر" مثل أن تكون حجة الغريم غائبة أو لم يكن يوم مجلس الحكم أو الدين مؤجل أو هناك ظالم يمنعه منه فلا يلزم قبوله كالمسلم فيه
وعلم منه: أن الكفالة تصح مؤجلة لكن يعتبر أن يكون معلوما فلو جعله إلى أجل مجهول لم يصح وإن جعله إلى الحصاد ونحوه خرج على الخلاف قال في الشرح والأولى: صحته هنا لأنه تبرع من غير عوض فصح كالنذر
ثم إن عين مكانا لتسليمه تعين ولم يبرأ بإحضاره في غيره وإن أطلق تعين مكان العقد وقال القاضي: يبرأ بإحضاره بمكان آخر من البلد وعنه: وغيره وفيه سلطان اختاره جماعة. وقيل: إن كان عليه ضرر في إحضاره بمكان آخر لم يبرأ وقال الشيخ تقي الدين إن كان المكفول به في حبس الشرع فسلمه إليه فيه برئ ولا يلزمه إحضاره منه إليه عند أحد من الأئمة ويمكنه الحاكم من إخراجه ليحاكم غريمه ثم يرده وإن ضمن معرفته أخذ به نقله أبو طالب والشيخان كالكفيل
"وإن مات المكفول به أو تلفت العين بفعل الله تعالى: "قبل المطالبة" أو سلم

أو سلم نفسه برئ الكفيل وإن تعذر إحضاره مع بقائه لزم الكفيل الدين أو عوض العين.
ـــــــ
"أو سلم نفسه برئ الكفيل" وفيه مسائل:
الأولى: إذا مات المكفول به فإنه يبرأ الكفيل وتسقط الكفالة في المنصوص لأن الحضور سقط عنه فبرئ كفيله كما لو أبرئ من الدين وقيل: لا تسقط ويطالب بما عليه إن لم يشرط فيها عدم ضمانه لأن الكفيل وثيقة فإذا مات من عليه الحق استوفي من الوثيقة كالرهن والفرق واضح لأن الرهن تعلق به المال فاستوفي منه
وظاهره: بقاؤها بموت الكفيل فيؤخذ من تركته ما كفل به فإن كان دينا مؤجلا فوثق ورثته وإلا حل في الأقيس أو المكفول له
الثانية: إذا تلفت العين بفعل الله تعالى: فإنه يبرأ الكفيل لأن تلفها بمنزلة موت المكفول به
وظاهره: أنها إذا تلفت بفعل آدمي فإنها لا تسقط ويجب على المتلف بدلها
الثالثة: إذا سلم المكفول به نفسه بشرطه برئ كفيله كما لو قضى المديون عنه الدين
تنبيه: إذا كفل إنسانا أو ضمنه ثم قال لم يكن عليه حق قدم قول خصمه لأن الأصل صحة الكفالة أو بقاء الدين وعليه اليمين فإن نكل قضى عليه وإذا قال برئت من الدين الذي كفلته به لم يكن إقرارا بقبض الحق ويبرأ الكفيل وحده وإذا مات المديون فأبرأه رب الدين فلم تقبل ورثته برئ مع كفيله
"وإن تعذر إحضاره مع بقائه لزم الكفيل الدين أو عوض العين" لعموم قوله عليه السلام: "الزعيم غارم" ولأنها أحد نوعي الكفالة فوجب الغرم بها كالكفالة بالمال
وقال ابن أبي موسى: وكفيل الوجه ضامن للمال في أحد الوجهين إلا أن

وإن غاب أمهل الكفيل بقدر ما يمضي فيحضره فإن تعذر إحضاره ضمن ما عليه وإذا طالب الكفيل المكفول به بالحضور معه لزمه ذلك إن كانت الكفالة بإذنه أو طالبه صاحب الحق بإحضاره.
ـــــــ
يشرط لا مال عليه فلا يلزمه قولا.
والثاني: فسادها لإضافتها إلى عضو قاله المجد وقال ابن عقيل قياس المذهب لا يلزمه إن امتنع بسلطان وألحق به معسر ومحبوس ونحوهما لاستواء المعنى
"وإن غاب" في موضع معلوم "أمهل الكفيل" ولم يطالبه "بقدر ما يمضي فيحضره" له ليتحقق إمكان التسليم وسواء كانت المسافة قريبة أو بعيدة فلو ارتد ولحق بدار الحرب لم يؤخذ الكفيل بالحق حتى يمضي زمن يمكنه رده "فإن تعذر إحضاره" أو كانت الغيبة منقطعة ولم يعلم مكانه "ضمن ما عليه" وأخذ به وذكر ابن حمدان أنه إذا انقطع خبره وجهل محله لزمه ما عليه انتهى
فلو أدى ما لزمه ثم قدر على المكفول به فظاهر كلامهم أنه في رجوعه عليه كضامن وأنه لا يسلمه إلى المكفول له ثم يسترد ما أداه بخلاف مغصوب تعذر إحضاره مع بقائه لامتناع بيعه
"وإذا طالب الكفيل المكفول به بالحضور معه" ليسلمه إلى المكفول له"لزمه ذلك إن كانت الكفالة بإذنه" لأنه شغل ذمته من أجله بإذنه فلزمه تخليصها كما لو استعار عبده فرهنه بإذنه فإن عليه تخليصه إذا طلبه سيده "أو طالبه صاحب الحق بإحضاره" أي: لزمه الحضور وظاهره: وإن كانت بغير إذنه لأن حضوره حق للمكفول له وقد استناب الكفيل في ذلك أشبه ما لو صرح له بالوكالة
"وإلا فلا" أي: لا يلزمه ذلك إن كفل بغير إذنه أو لم يطالب به صاحب الحق لأن المكفول به لم يشغل ذمته وإنما شغلها الكفيل باختياره ولم يوكله صاحب الحق.

وإلا فلا وإذا كفل اثنان برجل فسلمه أحدهما لم يبرأ الآخر وإن كفل واحد لاثنين فأبرأه أحدهما لم يبرأ من الآخر.
ـــــــ
فرع: لو قال لآخر اضمن عن فلان أو اكفل بفلان ففعل كان ذلك لازما للمباشر لا الآمر فلو قال أعط فلانا كذا ففعل لم يرجع على الآمر بشيء إلا أن يقول أعطه عني.
"وإذا كفل اثنان برجل فسلمه أحدهما لم يبرأ الآخر" لأن إحدى الوثيقتين انحلت من غير استيفاء فلم تنحل الأخرى كما لو أبرأ أحدهما أو انفك أحد الرهنين من غير قضاء بخلاف المكفول به إذا سلم نفسه لأنه أصل فيبرآن ببراءته لأنهما فرعاه وقيل: يبرأ اختاره صاحب النهاية كما لو قضى الدين أحد الضامنين فإنه يبرأ الآخر
وأجاب في "الفصول" بأن الوثيقة برئت بقبض ما فيها فلهذا برئت الأخرى بخلاف هذا وقيل: إن كفلاه معا أو وكل منهما الآخر في تسليمه برئ وإلا فلا
"وإن كفل واحد لاثنين فأبرأه أحدهما لم يبرأ من الآخر" لأن عقد الواحد مع الاثنين بمنزلة العقدين فقد التزم إحضاره عند كل واحد منهما فإذا أبرأه أحدهما بقي حق الآخر كما لو كان في عقدين وكما لو ضمن دينا لاثنين فوفى أحدهما حقه
خاتمة: إذا أحال رب الحق أو أحيل به أو زال العقد برئ الكفيل وبطل الرهن ويثبت لوارثه وفي الرعاية في الصورة الأولى احتمال وجهين في بقاء الضمان ونقل مهنا فيها يبرأ وأنه إن عجز مكاتب رق وسقط الضمان
وذكر القاضي: لو أقاله في سلم به رهن حبسه برأس ماله ولو ضمنه اثنان فقال كل واحد أنا ضامن لك الدين فهو ضمان اشتراك في انفرادفله مطالبة كل منهما بالدين كله وإن قالا ضمنا لك الدين فهو بينهما بالحصص.

ـــــــ
وفي "القواعد" انه إذا ضمن اثنان دين رجل فيه وجهان أحدهما أن كل واحد ضامن لجميع الدين نص عليه في رواية مهنا والثاني: أنه بالحصة إلا أن يصرحوا بما يقتضي خلافه مثل أن يقولوا ضمنا لك وكل واحد منا ضامن الدين وهذا قول القاضي وصاحب المغني وبناه القاضي على أن الصفقة تتعدد بتعدد الضامنين فيصير الضمان موزعا عليهما والله أعلم

باب الحوالة
والحوالة تنقل الحق من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه
ـــــــ
باب الحوالةوهي ثابتة بالإجماع ولا عبرة وسنده السنة الصحيحة فمنها ما خرجه الشيخان عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مطل الغني ظلم وإذا أتبع أحدكم على ملئ فليتبع" وفي لفظ "من أحيل بحقه على مليء فليحتل"
وهي بفتح الحاء وكسرها واشتقاقها من تحويل الحق من ذمة إلى ذمة أخرى وقيل: إنها بيع دين بدين فإن المحيل يشتري ما في ذمته بماله في ذمة الآخر وجاز تأخير القبض رخصة فيدخلها خيار المجلس وفي المغني والشرح أن الصحيح انها عقد إرفاق منفرد بنفسه ليس بمحمول على غيره لأنها لو كانت بيعا لكانت بيع دين بدين ولما جاز التفرق قبل القبض لأنها بيع مال الربا بجنسه ولأن لفظها يشعر بالتحول فعليه لا يدخلها خيار وتلزم بمجرد العقد وهذا أشبه بكلام أحمد وأصوله
ولا بد فيها من محيل ومحتال ومحال عليه وتصح بلفظها أو معناها الخاص
"والحوالة تنقل الحق من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه" لما بينا أنها مشتقة من التحويل وحيث صحت الحوالة برئت ذمة المحيل وانتقل الحق إلى ذمة المحال عليه

فلا يملك المحتال الرجوع عليه بحال ولا تصح إلا بثلاثة شروط أحدها: أن يحيل على دين مستقر نص عليه لأن ما ليس بمستقر بعرضية السقوط إذ مقتضاها التزام المحال عليه بالدين مطلقا ولا يثبت فيما هذا صفته فإن أحال على مال الكتابة أو السلم أو الصداق قبل الدخول لم يصح.
ـــــــ
"فلا يملك المحتال الرجوع عليه" أي: على المحيل "بحال" لأن الحق انتقل فلا يعود بعد انتقاله هذا إذا اجتمعت شروطها ورضي بها المحتال ولم يشترط اليسار سواء أمكن استيفاء الحق أو تعذر لمطل أو فلس أو موت أو جحد الحق ولا بينة به وحلف عليه في قول الجماهير. وعنه: إذا كان المحال عليه مفلسا ولم يعلم المحتال به فله الرجوع واختاره جمع إذ الفلس عيب في المحال عليه فكان له الرجوع كالمبيع المعيب والأول المذهب لما روى سعيد بن المسيب أن جده حزنا كان له على علي دينا فأحاله به فمات المحال عليه فأخبره.
فقال: اخترت علينا أبعدك الله فأبعده بمجرد احتياله ولم يخبره ان له الرجوع لأنها براءة من دين ليس فيها قبض ممن هو عليه ولا ممن يدفع عنه أشبه ما لو أبرأه من الدين والحوالة بمنزلة القبض.
"ولا تصح إلا بثلاثة شروط، أحدها: أن يحيل على دين مستقر" نص عليه، لأن ما لا بمستقر بعرضيه السقوط، إذ مقتضاه التزام المحال عليه بالدين مطلقا ولا يثبت فيما هذا صفته "فإن أحال على مال الكتابة أو السّلم أو الصداق قبل الدخول لم يصح" وهنا صور:
الأولى: إذا أحال على مال الكتابة غير صحيح لأنه ليس بمستقر فإن له أن يمتنع من أدائه لبعض بعجزه وظاهره: ولو حل في المنصوص وتصح الحوالة عليه بدين آخر إذ حكمه حكم الأحرار في المداينات.
الثانية: إذا أحال على مال السلم لا يصح لأنه يتعرض للفسخ بانقطاع المسلم فيه لأنها لا تصح إلا فيما يجوز أخذ العوض عنه وهو ممتنع في السلم لقوله من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره لكن في صحتها في رأس ماله بعد فسخه وجهان.

وإن أحال المكاتب سيده أو الزوج امرأته صح والثاني: اتفاق الدينين في الجنس والصفة والحلول والتأجيل.
ـــــــ
الثالثة: إذا أحالت بصداقها قبل الدخول لم تصح لأنه غيرمستقر بدليل سقوطه بردتها أو نصفه بطلاقها.
ومثله إذا أحال البائع بالثمن على المشتري في مدة الخيار وظاهره: أنها إذا أحالت به بعد الدخول أنه يصح لأنه مستقر.
"وإن أحال المكاتب سيده" بنجم قد حل "أو الزوج امرأته صح" لأن له تسليمه إليها وحوالته به تقوم مقام تسليمه وكذا إذا أحال المشتري بالثمن للبائع في مدة الخيار وظاهره: أنه لا يشترط استقرار المحال به وهو المذهب وقال أبو الخطاب وجزم به الحلواني يشترط استقراره كالمحال عليه فعليه لا يصح في ذلك لعدم استقراره.
"والثاني: اتفاق الدينين" أي: تماثل الحقين "في الجنس" كذهب بذهب أو دراهم بدراهم فإن أحال من عليه ذهب بفضة أو عكسه لم يصح "والصفة" كصحاح بصحاح أو مضربة بمثلها فلو اختلفا لم يصح.
"والحلول" أي: بأن يكونا حالين "والتأجيل" أي: بأن يكونا مؤجلين ويعتبر اتفاق الأجل فلو كان أحدهما يحل بعد شهر والآخر بعد شهرين لم يصح لأنها إرفاق كالقرض فلو جوزت مع الاختلاف لصار المطلوب منها الفضل فتخرج عن موضوعها.
واكتفى بما ذكره عن ذكر التساوي في القدر لأن الأجل إذا منع لكونه يقابله قسط تقديرا فالزيادة المحققة أولى.
فرع: إذا صحت الحوالة فتراضيا بأن يدفع خيرا من حقه أو بدونه في الصفة أو تعجيلة أو تأجيله أو عوضه جاز ذكره في المغني والشرح وذكر في الترغيب الأولة فظاهره منع عوضه ونقل سندي فيمن أحاله عليه بدينار فأعطاه عشرين درهما لا ينبغي إلا ما أعطاه.

والثالث: أن يحيل برضاه ولا يعتبر رضى المحال عليه ولا رضى المحتال إن كان المحال عليه مليئا.
ـــــــ
"والثالث: أن يحيل برضاه" بغير خلاف لأن الحق عليه فلا يلزمه اداؤه من جهة الدين على المحال عليه بشرط المقاصة وعلم المال لأنها إن كانت بيعا فلا تصح في مجهول وإن كانت تحول الحق فيعتبر فيها التسليم والجهالة تمنع منه.
فتصح في كل ما يثبت مثله في الذمة بالإتلاف من الأثمان والحبوب والأدهان فلا تصح بما لا يصح السلم فيه كالجوهر وفيما يصح السلم فيه غير المثلي كالمذروع والمعدود وجهان. وفي الحوالة بإبل الدية على من عليه مثلها وجهان فإن أحال بإبل الدية على إبل القرض صح إن قيل يرد فيه المثل وإن قلنا: برد القيمة فلا لاختلاف الجنس وإن كان بالعكس لم تصح مطلقا.
"ولا يعتبر رضى المحال عليه" لأن للمحيل أن يستوفي الحق بنفسه وبوكيله وقد أقام المحتال مقام نفسه في القبض فلزم المحال عليه الدفع إليه كالوكيل "ولا رضى المحتال إن كان المحال عليه مليئا" بل يجب عليه القبول نص عليه لظاهر الأمر.
وفسر المليء في رواية إسماعيل العجلي أن يكون مليئا بماله وقوله وبدنه فماله القدرة على الوفاء وقوله أن لا يكون مماطلا وبدنه إمكان حضوره مجلس الحكم قاله الزركشي
وفي الشرح والمحرر ماله القدرة على الوفاء وقوله إقراره بالدين وبدنه الحياة فإن امتنع من القبول أجبر عليه في الأصح وفي براءة ذمة المحيل قبل أن يجبره الحاكم روايتان.
إحداهما: نعم نقلها الجماعة وهي المذهب فلو هلك المحال عليه معسرا أو مات أو جحد فلا شيء له.

وإن ظنه مليئا فبان مفلسا ولم يكن رضي بالحوالة رجع عليه وإلا فلا ويحتمل أن يرجع وإذا أحال المشتري البائع بالثمن أو أحال البائع عليه به فبان البيع باطلا فالحوالة باطلة.
ـــــــ
والثانية: لا يبرأ إلا أن يجبره الحاكم لكن تنقطع المطالبة بمجرد الحوالة ويصير بمثابة من بذل ما عليه من دين فامتنع ربه من قبضه أجبره الحاكم على القبض ولا تبرأ ذمة الغريم قبل ذلك.
"وإن ظنه مليئا فبان مفلسا ولم يكن رضي بالحوالة رجع عليه" ذكره في الوجيز وغيره لأن الفلس عيب ولم يرض به فاستحق الرجوع كالمبيع المعيب "وإلا فلا" أي: إذا رضي بالحوالة فلا رجوع له نص عليه لأنه مع الرضى يزول شغل الذمة فلا يعود بعد زواله ويحتمل أن يرجع هذا رواية كشرطها.
وفي المغني احتمالان وفي الكافي روايتان وظاهره: أنه إذا رضي المحتال بها مع علمه بفلس المحال عليه انه لا رجوع له بغير خلاف لرضاه بدون حقه كالمعيب.
"وإذا أحال المشتري البائع بالثمن أو أحال البائع عليه به فبان البيع باطلا" كما لو اشترى عبدا فظهر حرا أو مستحقا "فالحوالة باطلة" لأنه ببطلان البيع تبينا أن لا ثمن على المشتري والحوالة فرع: على الثمن فإذا يبطل الفرع: لبطلان أصله فيرجع المشتري على من كان له عليه الدين في مسألة: حوالته وعلى المحال عليه في مسألة: الحوالة عليه لا على البائع لأن الحوالة لما بطلت وجب بقاء الحق على ما كان.
ويعتبر ثبوت ذلك ببينة أو اتفاقهم فلو اتفقا على حرية العبد وكذبهما المحتال لم يقبل قولهما عليه لأنهما يبطلان حقه كما لو باع المشتري ثم اعترف هو وبائعه انه كان حرا وإن أقاما بينة لم تسمع لأنهما كذباها بدخولهما في التبايع لكن إن أقامها العبد قبلت وبطلت الحوالة وإن صدقهما المحتال وادعى أنها بغير ثمن العبد قبل قوله مع يمينه وإن اتفق

وإن فسخ البيع بعيب أو إقالة لم تبطل الحوالة وللبائع أن يحيل المشتري على من أحال المشتري عليه في الصورة الأولى وللمشتري أن يحيل المحتال عليه على البائع في الثانية: ويحتمل أن تبطل إن لم يكن قبضها.
ـــــــ
المحيل والمحتال على حريته وكذبهما المحال عليه لم يقبل قولهما عليه لأنه إقرار على غيرهما وتبطل الحوالة.
ولو اعترف المحتال والمحال عليه وإذا قال أحلتك قال بل وكلتني أو قال وكلتك قال بل أحلتني بذلك عتق لإقرار من هو في يده بحريته وبطلت الحوالة بالنسبة إليهما ولم يكن للمحتال الرجوع على المحيل لأن دخوله معه في الحوالة اعتراف ببراءته.
"وإن فسخ البيع بعيب أو إقالة" أو خيار أو انفسخ النكاح ونحوه بعد الحوالة "لم تبطل الحوالة" لأن عقد البيع لم يرتفع هنا فلم يسقط الثمن فلم تبطل الحوالة لانتفاء المبطل وكما لو أخذ البائع بحقه عوضا وحينئذ للمشتري الرجوع على البائع فيهما لأنه لما رد العوض استحق الرجوع بالعوض والرجوع في عينه متعذر للزوم الحوالة فوجب في بدله وإذا لزم البدل وجب على البائع لأنه هو الذي انتفع بمبدله.
"وللبائع أن يحيل المشتري على من أحال المشتري عليه في الصورة الأولى: وللمشتري أن يحيل المحتال عليه على البائع في الثانية" لأن دين البائع ثابت على من أحاله المشتري عليه ودين المشتري ثابت على البائع ثبوتا مستقرا فصحت الحوالة عليه كسائر الحقوق المستقرة.
"ويحتمل أن تبطل إن لم يكن قبضها" حكاه في المحرر والفروع قولا وقدمه في الكافي لأن الحوالة بالثمن وقد تسقط بالفسخ فوجب بطلان الحوالة لذهاب حقه من المال كما لو ظهر المبيع مستحقا.
فعلى هذا في بطلان إذن المشتري للبائع وجهان.
وأبطل القاضي الحوالة به لا عليه لتعلق الحق بثالث وظاهره: أنها لا تبطل إذا كان المحتال قبضها وجها واحدا لأنه قبض منه بإذنه "وإذا" أمر رجلا بقبض دين له غريمه ثم اختلفا "قال: أحلتك قال: بل وكلتني"

وإذا قال أحلتك قال بل وكلتني أو قال وكلتك قال بل أحلتني فالقول قول مدعي الوكالة وإن اتفقا على أنه قال أحلتك وادعى أحدهما أنه أريد بها الوكالة وأنكر الآخر ففي أيهما يقبل قوله وجهان وإن قال أحلتك بدينك فالقول قول مدعي الحوالة وجها واحدا.
ـــــــ
في قبضه وديني باق في ذمتك "أو قال: وكلتك" بلفظ الوكالة "قال: بل أحلتني" بلفظ الحوالة "فالقول قول مدعي الوكالة" مع يمينه لأنه يدعي بقاء الحق على ما كان وينكر انتقاله.
فأما إن كان لأحدهما بينة حكم بها لأن اختلافهما في اللفظ وهو ما يمكن إقامة البينة عليه.
"وإن اتفقا على أنه قال: أحلتك" أو أحلتك بديني "وادعى أحدهما: أنه أريد بها الوكالة وأنكر الآخر ففي أيهما يقبل قوله؟ وجهان" كذا في الكافي والفروع أحدهما وهو المذهب يقبل قول مدعي الوكالة لأن الأصل بقاء الحق على المحال عليه والمحتال يدعي نقله والمحيل ينكره والقول قول المنكر.
والثاني: يقبل قول مدعي الحوالة لأن الظاهر معه لموافقة دعواه الحقيقة ودعوى خصمه المجاز فعليه يحلف المحتال ويثبت حقه في ذمة المحال عليه ويستحق مطالبته ويسقط عن المحيل
وعلى الأول يحلف المحيل ويبقى حقه في ذمة المحال عليه وعليهما إن كان المحتال قبض الحوالة من المحال عليه وتلف في يده فقد برئ كل واحد منهما من صاحبه ولا ضمان عليه سواء تلف بتفريط أو غيره وإن لم يتلف فوجهان.
"وإن قال أحلتك بدينك باتفاقهما على ذلك ثم اختلفا فالقول قول مدعي الحوالة وجها واحدا" وكذا في المحرر لأن الحوالة بدينه لا تحتمل الوكالة فلم يقبل قول مدعيها.

__________
تنبيهات
الأول: الحوالة على ماله من الديون إذن في الاستيفاء فقط وللمحتال الرجوع ومطالبة محيله وإحالة من لا دين عليه على من دينه عليه وكالة ومن لا دين عليه في مثله وكالة في اقتراض وكذا مدين على بريء فلا يصارفه نص عليه وفي الموجز والتبصرة إن رضي البريء بالحوالة صار ضامنا يلزمه الأداء ذكره في الفروع.
الثاني: من ثبت له على غريمه مثل ما له عليه قدرا وصفة تساقطا فإن اختلفا في القدر سقط الأقل ومثله من الأكثر وعنه: برضاهما وعنه: أو أحدهما وعنه: لا يتقاص الدينان كما لو كان أحدهما دين سلم وفي الفروع أو كانا من غير الأثمان.
الثالث: إذا كان له دين على آخر فطالبه فقال أحلت به فلانا الغائب وأنكر رب المال قبل قوله مع يمينه ويعمل بالبينة.
الرابع: إذا نوى المديون وفاء دينه وإلا فهو متبرع وإن وفاه حاكم قهرا كفت نيته إن قضاه من مديون وفي لزوم رب الدين بنية قبض دينه وجهان وإن رد بدل عين نوى ذكره ابن عقيل.

باب الصلح
__________
باب الصلحوهو ثابت بالإجماع وسنده عموم قوله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات:9]. {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء:128].
والسنة شهيرة بذلك فمنها ما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما" رواه أبو داود.

الصلح في الأموال قسمان أحدهما: صلح على الإقرار وهو نوعان أحدهما: الصلح على جنس الحق مثل أن يقر له بدين فيضع عنه بعضه أو بعين فيهب له بعضها ويأخذ الباقي صح إن لم يكن بشرط مثل أن يقول على أن تعطيني الباقي
ـــــــ
والترمذي وقال: حسن صحيح وصححه الحاكمز
وهو أنواع صلح بين المسلمين وأهل الحرب وبين أهل العدل والبغي وبين الزوجين إذا خيف الشقاق بينهما وصلح بين المتخاصمين وهو المقصود هنا.
ومعناه لغة: قطع المنازعة.
وشرعا: معاقدة يتوصل بها إلى الإصلاح بين المتخاصمين.
"الصلح في الأموال قسمان: أحدهما: صلح على الإقرار وهو نوعان أحدهما الصلح على جنس الحق مثل أن يقر له بدين فيضع عنه بعضه أو بعين" كدار "فيهب له بعضها ويأخذ الباقي فيصح" لأن الإنسان لا يمنع من إسقاط بعض حقه كما لا يمنع من استيفائه لأنه عليه السلام كلم غرماء جابر ليضعوا عنه وقضية كعب مع ابن أبي حدرد شاهدة بذلك. قال أحمد: إذا كان لرجل على آخر دين ليس عنده وفاء فوضع عنه بعض حقه وأخذ منه الباقي كان ذلك جائزا لهما إذا كان بلفظ الإبراء فإن كان بلفظ الصلح فأشهر الروايتين أنه لا يصح وهي الأصح لأنه صالح عن بعض ماله ببعض فهو هضم للحق والثانية: وهي ظاهر الموجز والتبصرة ويحتمله كلام المؤلف يصح وبالجملة فقد منع الخرقي وابن أبي موسى الصلح على الإقرار وأباه الأكثرون كما اقتضاه كلام المؤلف
فعلى الأول: إن وفاه من جنس حقه فهو وفاء من غيرجنسه معاوضة وان أبرأه من بعضه فهو إبراء وإن وهبه بعض العين فهو هبة ولا يسمى صلحا فالخلاف إذن في التسمية قاله في المغني والشرح وأما المعنى فمتفق عليه.
وشرطه "إن لم يكن بشرط مثل أن يقول: على أن تعطيني الباقي" في

أو يمنعه حقه بدونه ولا يصح ذلك ممن لا يملك التبرع كالمكاتب والمأذون له وولي اليتيم إلا في حال الإنكار وعدم البينة ولو صالح على المؤجل ببعضه حالا لم يصح وإن وضع بعض المال وأجل باقيه دون التأجيل.
ـــــــ
الأصح لأنه أكل لمال الغير بالباطل وهضم للحق "أو يمنعه حقه بدونه" أي: بدون الصلح فلا يصح قولا واحدا.
"ولا يصح ذلك ممن لا يملك التبرع كالمكاتب والمأذون له وولي اليتيم" لأنه تبرع وهؤلاء لا يملكونه "إلا في حال الإنكار وعدم البينة" فإنه يصح ومثله ناظر الوقف وصرح به أبو العباس ابن تيمية في شرحه على المحرر لأن استيفاء البعض عند العجز عن استيفاء الكل أولى من تركه
وظاهره: أنه مع الإقرار أو وجود البينة لا يملكونه لما قلنا: ويصح عما ادعى على موليه وبه بينة وقيل: أو لا
"ولو صالح عن المؤجل ببعضه حالا لم يصح" نقله الجماعة لأنه يبذل القدر الذي يحطه عوضا عن تعجيل ما في ذمته ومع الحلول والتأجيل لا يجوز كما لو أعطاه عشرة حالة بعشرين مؤجلة وفي الإرشاد والمبهج رواية بالصحة واختارها الشيخ تقي الدين لبراءة الذمة هنا وكدين الكتابة جزم به الأصحاب ونقله ابن منصور وقال ليس بينه وبين سيده ربا فدل أنه إنما جوزه على هذا الأصل والأشهر عكسه.
"وإن وضع بعض الحال وأجل باقيه" كما لو صالحه عن مائة حالة بخمسين مؤجلة "صح الإسقاط" لأنه أسقطه عن طيب نفسه ولا مانع من صحته لأنه ليس في مقابله تأجيل فوجب أن يصح كما لو أسقطه كله وعنه: لا يصح وصححها أبو الخطاب لأنه هضم للحق والأول أصح.
"دون التأجيل" على الأصح لأن الحال لا يتأجل ولأنه وعد وكذا لو صالحه عن مائة صحاح بخمسين مكسرة هل هو إبراء من الخمسين ووعد في الأخرى قاله في الفروع.

وإن صالح عن الحق بأكثر منه من جنسه مثل أن يصالح عن دية الخطأ أو عن قيمة متلف بأكثر منها من جنسها لم يصح وإن صالحه بعوض قيمته أكثر منها صح فيهما وإن صالحه عن بيت على أن يسكنه سنة أو يبني له فوقه غرفة لم يصح وإن قال أقر لي بديني وأعطيك منه مائة ففعل صح الإقرار ولم يصح الصلح
ـــــــ
"وإن صالح عن الحق بأكثر منه من جنسه مثل أن يصالح عن دية الخطأ أو عن قيمة متلف بأكثر منها من جنسها لم يصح" جزم به في الوجيز وصححه الشيخ تقي الدين وانه قياس قول أحمد لأن الدية والقيمة تثبت في الذمة بقدره فلم يجز أن يصالح عنها بأكثر منها من جنسها كالثابتة عن قرض إذ الزائد لا مقابل له فيكون حراما لأنه من أكل المال بالباطل وكالمثلي.
وقيد في الفروع وغيره المتلف بكونه غير مثلي ويخرج على ذلك تأجيل القيمة قاله القاضي وغيره وفي المغني والشرح رواية بأنه يصح أن يصالح عن المائة الثابتة بالتلف بمائة مؤجلة لأنه عاوض عن المتلف بمائة مؤجلة فجاز كما لو باعه اياه وذكر الشيخ تقي الدين رواية بتأجيل الحال في المعاوضة لا التبرع.
"وإن صالحه بعوض قيمته أكثر منها صح فيهما" لأنه لا ربا بين العوض والمعوض فصح كما لو باعه ما يساوي خمسة بدرهم.
"وإن صالحه عن بيت" أي: إذا ادعى عليه بيتا فصالحه "على أن يسكنه سنة أو يبني له فوقه غرفة" أو صالحه على بعضه "لم يصح" جزم به الأصحاب لأنه يصالحه عن ملكه على ملكه أو منفعته فمتى فعل ذلك كان تبرعا متى شاء أخرجه منها وإن فعله على سبيل المصالحة معتقدا إيجابه عليه بالصلح رجع عليه بأجرة ما سكن وأخذ ما كان في يده من الدار لأنه أخذه بعقد فاسد.
"وإن قال له أقر لي بديني وأعطيك" أو خذ" منه مائة ففعل صح الإقرار" لأنه أقر بحق يحرم عليه إنكاره "ولم يصح الصلح" لأنه يجب عليه

فإن صالح إنسانا ليقر له بالعبودية أو امرأة لتقر له بالزوجية لم يصح وإن دفع المدعى عليه العبودية إلى المدعي مالا صلحا عن دعواه صح.
ـــــــ
الإقرار بما عليه من الحق فلم يحل له أخذ العوض عما يجب عليه فعلى هذا يرد ما أخذ لأنه تبين كذبه بإقراره وان الدين عليه فلزمه أداؤه بغير عوض
"وإن صالح إنسانا" مكلفا "ليقر به بالعبودية" أي: بأنه مملوكه "او امرأة لتقر له بالزوجية لم يصح" لأن ذلك صلح يحل حراما لأن إرقاق النفس وبذل المرأة نفسها بعوض لا يجوز. "وإن دفع المدعى عليه العبودية إلى المدعي مالا صلحا عن دعواه صح" لأنه يجوز أن يعتق عبده بعوض ويشرع ذلك في حق الدافع لقطع الخصومة المتوجهة عليه زاد في المغني والشرح ويدفع اليمين الواجبة وظاهره: أن المرأة إذا دفعت إليه عوضا عن هذه الدعوة ليكف نفسه عنها لم يصح وهو وجه في المغني وهو ظاهر البلغة لأن الدفع في الإنكار لافتداء اليمين وقطع الخصومة.
ولا يمين عليها ولأن خروج البضع من ملك الزوج لا قيمة له وإنما أجيز الخلع لأجل الحاجة إلى افتداء نفسها.
والثاني: يصح ذكره أبو الخطاب وابن عقيل وجزم به في الوجيز لأن المدعي يأخذ عوضا عن حقه في النكاح فجاز كعوض الخلع والمرأة تبذله لقطع الخصومة وإزالة الشرور بما توجهت اليمين عليها لكون الحاكم يرى ذلك.
فلو صالحته ثم ثبتت الزوجية فإن قلنا: الصلح باطل فالنكاح باق بحاله لأنه لم يوجد من الزوج طلاق ولا خلع وإن قلنا: هو صحيح فوجهان أحدهما كذلك والثاني: تبين منه بأخذ العوض لأنه أخذ العوض عما كان يستحقه من نكاحها فكان خلعا كما لو أقرت له بالزوجية فخالعها.

النوع الثاني: أن يصالح عن الحق بغير جنسه فهو معاوضة فإن كان بأثمان عن أثمان فهو صرف وإن كان بغير الأثمان فهو بيع وإن كان بمنفعة كسكنى دار فهو إجارة تبطل بتلف الدار كسائر الإجارات
ـــــــ
ولو ادعت أن زوجها طلقها ثلاثا فصالحها على مال لتترك دعواها لم يصح وقيل: بلى كما لو بذلت له عوضا ليطلقها ثلاثا.
"النوع الثاني" من صلح الإقرار "ان يصالح عن الحق بغير جنسه فهو معاوضة" كما لو اعترف له بعين في يده أو دين في ذمته ثم يعوضه عنه بما يجوز تعويضه.
وهو ينقسم إلى أقسام نبه عليها بقوله: "فإن كان بأثمان عن أثمان فهو صرف" لأنه بيع أحد النقدين بالآخر فيشترط له القبض في المجلس ونحوه "وإن كان بغير الأثمان فهو بيع" لأنه مبادلة المال بالمال وهو موجود هنا وفيه شيء.
ولو قال: بعرض فبيع لكان أولى فعلى هذا يشترط فيه العلم به كالمبيع ويصح بلفظ الصلح في ظاهر كلامه وهو المذهب.
فرع: إذا صالح عن دين فيجوز بغير جنسه مطلقا ويحرم بجنسه بأكثر أو أقل على سبيل المعاوضة وبشيء في الذمة يحرم التفرق قبل القبض.
"وإن كان بمنفعة كسكنى دار" أو خدمة عبد أو يعمل له عملا معلوما "فهو إجارة" لأنها بيع المنافع "تبطل بتلف الدار كسائر الإجارات" فإن تلفت قبل استيفاء شيء من المنفعة انفسخت ورجع بما صالح عنه وبعد استيفاء بعضها ينفسخ فيما بقي منها ويرجع بقسط ما بقي.
وقيل: تبطل بناء على تفريق الصفقة وقيل: إن صالح عن دين أو عين بخدمة أو سكنى صح فإن تلفت العين قبل الانتفاع بطل الصلح ورجع بمقابله وإن كان عن إنكار رجع بالدعوى وإن كان عن إقرار رجع فيما أقر له به وإن كان استوفى البعض رجع ببقية حقه.

وإن صالحت المرأة بتزويج نفسها صح فإن كان الصلح عن عيب في مبيعها فتبين أنه ليس بعيب رجعت بأرشه لا بمهرها وإن صالح عما في الذمة بشيء في الذمة لم يجز التفرق قبل القبض.
ـــــــ
مسألتان
الأولى: إذا صالحه على أن يزوجه أمته صح بشرطه وكان المصالح عنها صداقها فإن انفسخ النكاح قبل الدخول بأمر يسقط الصداق رجع الزوج بما صالح عنه وإن طلقها قبل الدخول رجع بنصفه.
الثانية: إذا صالحه بخدمة عبد سنة صح وكانت إجارة فإن أعتق العبد في أثناء المدة صح عتقه وللمصالح أن يستوفي نفعه في المدة ولا يرجع العبد على سيده بشيء لأنه ما أزال ملكه بالعتق إلا عن الرقبة والمنافع حينئذ مملوكه لغيره ولأنه أعتقه مسلوب المنفعة فلم يرجع بشيء كما لو أعتق زمنا أو أمة مزوجة وقيل: يرجع على سيده بأجرة مثله.
"وإن صالحت المرأة" أي: بعد اعترافها له بدين أو عين "بتزويج نفسها صح" ويكون صداقا لها لأن عقد التزويج يقتضي عوضا فإذا جعلت ذلك عوضا عن الحق الذي عليها صح كغيره "فإن كان الصلح عن عيب في مبيعها فتبين أنه ليس بعيب" كبياض في عين الرقيق ظنه عمى وانتفاخ بطن الأمة يظنها حاملا "رجعت بأرشه" أي: بأرش العيب لأنه صداقها "لا بمهرها" أي: مهر مثلها وحينئذ مهرها أرشه صرح به في المحرر والفروع.
فعلى هذا إن كان موجودا ثم زال كمبيع كان مريضا فعوفي لا شيء لها لأن زوال العيب بعد ثبوته حال العقد لا يوجب بطلان الأرش لا يقال قياس ما تقدم في المصراة أنه إذا صار لبنها عادة وطلقت المزوجة يمتنع الرد فإذا زال العيب تعين أن لا أرش لأن الرد فسخ للملك بسبب العيب فيستدعي مردودا بخلاف الأرش فإنه عوض عما فات من العيب فلم يسقط وقت العقد بزواله بعده؟
"وإن صالح عما في الذمة بشيء في الذمة لم يجز التفرق قبل القبض،

لأنه بيع دين بدين ويصح الصلح عن المجهول بمعلوم إذا كان مما لا يمكن معرفته للحاجة.
ـــــــ
لأنه بيع دين بدين" وهو منهي عنه شرعا ولأنه إذا حصل التفرق قبل القبض كان كل واحد من العوضين دينا لأن محله الذمة.
"ويصح الصلح عن المجهول" عينا كان أو دينا سواء جهلاه أو جهله من عليه الحق "بمعلوم" نص عليه بنقد ونسيئة بشرط "إذا كان مما لا يمكن معرفته" أي: يتعذر علمه.
قال أحمد: في الرجل يصالح عن الشيء فإن علم أنه أكثر منه لم يجز إلا أن يوقفه إلا أن يكون مجهولا لا يدري لقوله عليه السلام لرجلين اختصما في مواريث درست بينهما "استهما وتوخيا الحق وليحلل أحدكما صاحبه" رواه أحمد وأبو داود ولأنه إسقاط حق فصح في المجهول كالعتاق والطلاق "للحاجة" ولأنه إذا صالح مع العلم وإمكان أداء الحق بعينه فلأن يصح مع الجهل أولى
ولو قيل بعدم جوازه لأفضى إلى ضياع الحق ولا نسلم أنه فرع: البيع فإن البيع يصح في المجهول عند الحاجة كاساسات الحائط وطي البئر
وظاهره: أنه إذا كان الصلح بمجهول أنه لا يصح لأن تسليمه واجب والجهالة تمنعه وإن لم يتعذر علمه فكبراءة من مجهول وظاهر نصوصه أنه لا يصح وهو ظاهر ما جزم به في الإرشاد وقطع به الشيخان والشرح لعدم الحاجة
قال أحمد: إن صولحت المرأة من ثمنها لم يصح الصلح واحتج بقول شريح ولأن المبيح للصلح الحاجة وهي منتفية هنا فلم يصح كالبيع وخرج في التعليق والانتصار في صلح المجهول والإنكار من البراءة من المجهول عدم الصحة وخرجه في التبصرة من الإبراء من عيب لم يعلما به وقيل: لا يصح عن أعيان بمجهولة لكونه إبراء وهي لا تقبل.

فصل
القسم الثاني: أن يدعي عليه عينا أو دينا فينكره ثم يصالحه على مال فيصح.
__________
فصل
"القسم الثاني" صلح على الإنكار وهو "أن يدعي عليه عينا أو دينا فينكره" أو يسكت "ثم يصالحه على مال فيصح" في قول أكثر العلماء لعموم ما سبق فإن قلت قوله عليه السلام: "إلا صلحا أحل حراما" وهذا داخل فيه لأنه لم يكن له أن يأخذ من مال المدعى عليه فحل بالصلح.
فالجواب: أنه لا يصح دخوله فيه ولا يمكن حمل الخبر عليه لأمرين أحدهما: أن ما ذكرتم يوحد في الصلح بمعنى الهبة فإنه يحل للموهوب ما كان حراما
الثاني: لو حل به المحرم لكان الصلح صحيحا فإن الصلح الفاسد لا يحل الحرام وإنما معناه ما يتوصل به إلى تناول المحرم مع بقائه على تحريمه كما لو صالحه على استرقاق حر ولأنه يصح مع الأجنبي فصح مع الخصم كالصلح على الإقرار
وشرط صحته أن يكون المدعي يعتقد حقية ما ادعاه والمدعى عليه عكسه فيدفع إلى المدعي شيئا افتداء ليمينه وقطعا للخصومة وصيانة لنفسه عن التبذل وحضور مجلس الحكم فإن ذوي الأنفس الشريفة يصعب عليها ذلك ولأن الشريعة وردت بجلب المصالح ودرء المفاسد وهذا كذلك إذ المدعي يأخذ عوض حقه الثابت له في اعتقاده سواء كان المأخوذ من جنس حقه أو لم يكن
لكن إن أخذ من جنس حقه لم يجز بأكثر لأن الزائد لا مقابل له وإن كان من غير جنسه جاز وظاهره: أنه إذا ادعى عليه وديعة أو تفريطا فيها أو قراضا فأنكر وصالحه على مال فهو جائز ذكره في الشرح وغيره.

ويكون بيعا في حق المدعي حتى إن وجد بما أخذ عيبا فله رده وفسخ الصلح وإن كان شقصا مشفوعا ثبتت فيه الشفعة ويكون إبراء في حق الآخر فلا يرد ما صالح عنه بعيب ولا تؤخذ به شفعة ومتى كان أحدهما عالما بكذب نفسه فالصلح باطل في حقه وما أخذه حرام عليه وإن صالح عن المنكر أجنبي بغير إذنه صح.
ـــــــ
"ويكون بيعا في حق المدعي" لأنه يعتقده عوضا عن حقه فيلزمه حكم اعتقاده "حتى إن وجد بما أخذ عيبا فله رده وفسخ الصلح" كما لو اشترى شيئا فوجده معيبا "وإن كان شقصا مشفوعا ثبتت فيه الشفعة" لأنه بيع لكونه أخذه عوضا كما لو اشتراه فإن صالح ببعض عين المدعى فهو فيه كمنكر وفيه خلاف.
"ويكون إبراء في حق الآخر" أي: المنكر لأنه دفع المال افتداء ليمينه وإزالة الضرر عنه لا عوضا عن حق يعتقده "فلا يرد ما صالح عنه بعيب ولا تؤخذ به شفعة" لاعتقاده أنه ليس بعوض.
أصل: لم يتعرض المؤلف لحلول المأخوذ ولا تأجيله ولكن ذكر ابن أبي موسى في الإرشاد أنه يصح بنقد ونسيئة لأن المدعي ملجأ إلى التأخير بتأخير خصمه
قال في الترغيب وظاهره: لا تثبت فيه أحكام البيع إلا فيما يختص البائع من شفعة عليه وأخذ زيادة مع اتحاد الجنس واقتصر المجد على قول أحمد إذا صالحه على بعض حقه بتأخير جاز.
"ومتى كان أحدهما عالما بكذب نفسه فالصلح باطل في حقه" لأنه عالم بالحق قادر على إيصاله إلى مستحقه غير معتقد أنه محق "وما أخذه حرام عليه" لأنه أكل للمال بدعواه الباطلة الكاذبة ولا يشهد له إن علم ظلمه نقله المروذي "وإن صالح عن المنكر أجنبي بغير إذنه صح" لأنه قصد براءة ذمته أشبه ما لو قضى دينه اعترف للمدعي بصحة دعواه أولا. وظاهره: أنه لا فرق بين أن يكون المدعى دينا أو عينا وهو كذلك في الدين؛

ولم يرجع عليه في أصح الوجهين وإن صالح الأجنبي لنفسه لتكون المطالبة له غير معترف بصحة الدعوى أو معترفا بها عالما بعجزه عن استنقاذها لم يصح.
ـــــــ
لأن قضاء الدين جائز مطلقا لقضية أبي قتادة وجزم به الأصحاب وفي العين إذا لم يذكر أن المنكر وكله وجهان أحدهما: يصح وهو ظاهر المتن والوجيز افتداء ليمينه وقطعا للخصومة
والثاني: لا يصح جزم به في المحرر وظاهره: أنه يصح مع إذنه ويرجع عليه لأنه وكيله فلو قال صالحني عن الملك الذي تدعيه ففي كونه مقرا له وجهان
"ولم يرجع عليه في أصح الوجهين" لأنه أدى عنه ما لا يلزمه أداؤه
والثاني: يرجع كالضمان والفرق واضح وهما إذا نوى الرجوع وخرجه القاضي وأبو الخطاب على الروايتين فيما إذا قضى دينه الثابت بغير إذنه وفي هذا التخريج نظر لأن هذا لا يثبت وجوبه على المنكر ولا يلزمه أداؤه إلى المدعي فكيف يلزمه أداؤه إلى غيره؟ "وإن صالح الأجنبي لنفسه لتكون المطالبة له غيرمعترف بصحة الدعوى" فالصلح باطل لأنه يشتري منه ما لم يثبت له ولا تتوجه إليه خصومة يفتدي منها أشبه ما لو اشترى ملك غيره "او معترفا بها عالما بعجزه عن استنقاذها لم يصح" لأنه اشترى ما لا يقدر البائع على تسليمه كشراء الآبق وظاهره: لا فرق بين أن يكون المصالح عنه دينا أو عينا
وفرق بينهما في المغني والشرح فصححاه في العين لأنه اشترى منه ملكه الذي يقدر على قبضه ومنعاه في الدين لما ذكرناه وحكيا عن بعض الأصحاب صحته وفيه نظر لأن بيع الدين المقر به من غير من هو في ذمته لا يصح ففي ذمة منكر معجوز عن قبضه أولى
فإن اشتراه وهو يظن أنه عاجز عن قبضه فتبين أن قبضه ممكن صح في الأصح ويحتمل أن يفرق بين من يعلم أن البيع يفسد بالعجز عن تسليم

وإن ظن القدرة عليه صح ثم إن عجز عن ذلك فهو مخير بين فسخ الصلح وإمضائه.
فصل
يصح الصلح عن القصاص،
ـــــــ
المبيع وبين من لا يعلم ذلك
"وإن ظن القدرة عليه صح" أي: مع الاعتراف بصحة الدعوى لأنه اشترى منه ملكه الذي يقدر على تسليمه "ثم إن عجز عن ذلك فهو مخير بين فسخ الصلح" لأنه لم يسلم له المعقود عليه فكان له الرجوع إلى بدله "وإمضائه" لأن الحق له كالرد بالعيب وفي المغني والشرح احتمال أنه إن تبين أنه لا يقدر على تسليمه تبينا أن الصلح كان فاسدا لأن الشرط هو القدرة على قبضه وهو معدوم حال العقد فهو كما لو اشترى عبده فتبين أنه كان آبقا
تنبيه: إذا قال أجنبي أنا وكيل المدعى عليه في مصالحتك وهو مقر لك في الباطن فظاهر الخرقي أنه لا يصح لأنه هضم للحق وقال القاضي: يصح ومتى صدقه المنكر ملك العين ولزمه ما أدى عنه وإن أنكر الوكالة حلفه وبرئ وحكم ملكها في الباطن إن كان وكله فلا يقدح إنكاره وإن لم يوكله لم يملكها ويحتمل أن يقف على الإجازة فإن قال الأجنبي للمدعي قد عرف المدعى عليه صحة دعواك وهو يسألك ان تصالحه عنه وقد وكلني في المصالحة عنه صح وإن صالح عن المنكر بشيء ثم اقام بينة أن المنكر أقر قبل الصلح بالملك للمدعي لم يسمع ولم ينقض الصلح ولو شهدت بأصل الملك.
فصل
هذا شروع في الصلح عما ليس بمال يصح الصلح عن القصاص ولم يفرقوا بين إقرار وإنكار قال في المحرر والمغني يجوز عن قود وسكنى دار وعيب وإن لم يجز بيع ذلك لأنه لقطع الخصومة.

بديات وبكل ما يثبت مهرا ولو صالح سارقا ليطلقه أو شاهدا ليكتم شهادته أو شفيعا عن شفعته أو مقذوفا عن حده لم يصح الصلح.
ـــــــ
وقال في الفصول وإن القود له بدل وهو الدية كالمال وذكره المجد وقال إن أراد بيعها من الغير صح ومنه قياس المذهب جوازه فإنه بمعنى الصلح بلفظ البيع وانه يتخرج فيه كالإجارة بلفظ البيع وانه صرح به أصحابنا بصحة الصلح عن المجهول بلفظ البيع في صبرة أتلفها جهلا كيلها ذكره القاضي "بديات" لأن الحسن والحسين وسعيد بن العاصي بذلوا للذي وجب له القصاص على هدبة بن خشرم سبع ديات فأبى أن يقبلها ولأن المال غير متعين فلا يقع العوض في مقابلته.
"وبكل ما يثبت مهرا" قاله الأصحاب لأنه يصح إسقاطه فلأن يصح الصلح عليه من باب أولى وإن جاوز الدية ذكره في المحرر والفروع وحاصله أنه يصح الصلح عن دم العمد بدون ديته وأكثر إن وجب القود عينا أو طلب الولي و قلنا: يجب أحد شيئين وفي الترغيب لا يصح على جنس الدية إن قيل موجبه أحد شيئين ولم يختر الولي شيئا إلا بعد تعيين الجنس من إبل أو غنم حذارا من الربا وظاهر كلامهم يصح حالا ومؤجلا وذكره المجد
فرع: إذا صالح عنه بعبد فخرج مستحقا رجع بقيمته في قول الجميع وكذا إن خرج حرا ومع جهالته كدار وشجرة تجب ديته أو أرش الجرح فإن علما بحريته أو كونه مستحقا رجع بالدية لبطلان الصلح بعلمهما وإن صالح عن دار فبان عوضه مستحقا رجع بها وقيل: بقيمته مع الإنكار لأن الصلح بيع في الحقيقة بخلاف الصلح عن القصاص فإنه ليس ببيع وإنما يأخذ عوضا عن القصاص
"ولو صالح سارقا ليطلقه أو شاهدا ليكتم شهادته أو شفيعا عن شفعته أو مقذوفا عن حده لم يصح الصلح" وفيه أمور:
الأول: إذا صالح سارقه ليطلقه لم يصح لأن الرفع إلى السلطان ليس حقا

وتسقط الشفعة وفي الحد وجهان وإن صالحه على أن يجري على
ـــــــ
يجوز الاعتياض عنه فلم يجز كسائر ما لا حق فيه وكذا حكم الزاني والشارب
الثاني: إذا صالح شاهدا ليكتم شهادته لم يصح لأن كتمانها حرام لم يصح الاعتياض عنه ويشمل صورا:
منها: أن يصالحه على أن لا يشهد عليه بحق تلزمه الشهادة به كدين آدمي أو حق لله تعالى لا يسقط بالشبهة كالزكاة
ومنها: أن يصالحه على أن لا يشهد عليه بالزور فهو حرام كما لو صالحه على أن لا يقتله ولا يغصب ماله ومنها أن يصالحه على ألا يشهد عليه بما يوجب حد الزنى والسرقة فلا يجوز الاعتياض في الكل
الثالث: إذا صالح الشفيع عن شفعته لم يصح لأنها ثبتت لإزالة الضرر فإذا رضي بالعوض تبينا أن لا ضرر فلا استحقاق فيبطل العوض لبطلان معوضه
نقل ابن منصور الشفعة لاتباع ولا توهب و حينئذ تسقط الشفعة جزم به في الوجيز لما قلنا: ه وفيه وجه لا تسقط لأن فيها حقا لله تعالى: وأطلقهما في المحرر والفروع
الرابع: إذا صالح مقذوفا عن حده لم يجز أخذ العوض عنه كحد الزنى وإن قلنا: هو له فليس له الاعتياض عنه لأنه ليس بمال ولا يؤول إليه بخلاف القصاص
"وفي" سقوط "الحد" به "وجهان" مبنيان على أن حد القذف هل هو حق لله تعالى: فلا يسقط أو له فيسقط بصلحه وإسقاطه كالقصاص جزم به في الوجيز
فرع: لا يصح الصلح بعوض عن خيار "وإن صالحه على أن يجري على

أرضه أو سطحه ماء معلوما صح ويجوز أن يشتري ممرا في دار وموضعا يفتحه بابا وبقعة يحفرها بئرا.
ـــــــ
أرضه أو سطحه ماء معلوما صح" لأن الحاجة داعية إلى ذلك واشترط العلم به لأنه يختلف ضرره بكثرته وقلته وطريق العلم إما بمشاهدة وإما بمعرفة مساحته فيقدر في الأرض بالفدان وفي السطح بصغره أو كبره ويشترط معرفة الموضع الذي يخرج منه إلى السطح لأن ذلك يختلف فإن كان بعوض مع بقاء ملكه فإجارة وإلا فبيع
ولا يعتبر بيان عمقه لأنه إذا ملك الموضع كان له إلى تخومه ولا تعيين المدة إذ العقد على المنفعة في موضع الحاجة من غير تقدير مدة جائز كالنكاح
وفي القواعد: ليس بإجارة محضة لعدم تقدير المدة بل هو شبيه بالبيع ودل على أنه لا يحدث ساقية في وقف
وذكره القاضي وابن عقيل لأنه لا يملكها كالمؤجرة وجوزه في المغني لأن الأرض له ويتصرف فيها كيف شاء ما لم ينقل الملك فدل أن الباب والخوخة ونحوهما لا يجوز في مؤجرة وفي موقوفة الخلاف أو يجوز قولا واحدا قال في الفروع وهو أولى والظاهر أنه لا تعتبر المصلحة وإذن الحاكم بل عدم الضرر
تنبيه: يحرم إجراء مائه في أرض غيره بلا إذنه لتضرره أو ارضه وكزرعه في أرض غيره وعنه: لا لقول عمر رواه مالك والأول أقيس لأنه موافق للأصول وقول عمر خالفه محمد بن مسلمة فعلى الثانية: تعتبر الضرورة جزم به في الشرح وقيل: مع الحاجة ولو مع حفر ونقل أبو الصقر إذا أساح عينا تحت أرض فانتهى حفره إلى أرض لرجل أو دار فليس له منعه من ظهر الأرض ولابطنها إذا لم يكن عليه مضرة وفيه حديث الخشبة
"ويجوز أن يشتري ممرا في دار وموضعا في حائط يفتحه بابا وبقعة يحفرها بئرا" لأن ذلك يجوز بيعها وإجارتها فجاز الاعتياض عنها بالصلح،

وعلو بيت يبني عليه بنيانا موصوفا فإن كان البيت غيرمبني لم يجز في أحد الوجهين وفي الآخر يجوز إذا وصف العلو والسفل وإن حصل في هوائه أغصان شجرة غيره فطالبه بإزالتها لزمه ذلك فإن أبى فله قطعها.
ـــــــ
كالدرب وليس هذا خاصاً بالدار بل الأملاك كلها كذلك ولو غبر ممرا في ملكه لكان أولى ويشترط أن يكون ذلك معلوما
"و" يجوز أن يشتري "علو بيت يبني عليه بنيانا موصوفا" لأنه ملك للبائع فجاز بيعه كالأرض ومعنى موصوفا أي: معلوما وظاهره: أنه لا يجوز أن يحدث ذلك على الوقف. قال في الاختيارات: وليس لأحد أن يبني على الوقف ما يضر به اتفاقا وكذا إن لم يضر به عند الجمهور
"فإن كان البيت غير مبني لم يجز في أحد الوجهين" ذكره القاضي وغيره لأنه بيع العلو دون القرار فلم يجز كالمعدوم "وفي الآخر يجوز" جزم به في المحرر والوجيز وصححه في الفروع لأنه ملك للمصالح فجاز له أخذ العوض عنه كالقرار
وشرطه "إذا وصف العلو والسفل" ليكون معلوما ويصح فعل ذلك صلحا أبدا وإجارة مدة معلومة أيضا
"وإن حصل في هوائه أغصان شجرة غيره فطالبه بإزالتها" أي: بإزالة أغصانها "لزمه ذلك" لأن الهواء تابع للقرار فوجب إزالة ما يشغله من ملك غيره كالدابة إذا دخلت ملكه وطريقه إما القطع أوليه إلى ناحية أخرى ولا فرق بين أن يكون خاصاً به أوله فيه شركة. "فإن أبى فله" أيمالك الهواء "قطعها" ولو عبر بالإزالة كغيره لكان أولى لأن ذلك إخلاء ملكه الواجب إخلاؤه وظاهره: أنه لا يفتقر إلى حكم بذلك وصرح به الأصحاب لأنه أمكنه إزالتها بلا إتلاف ولا قطع من غير سفه ولا غرامة فلم يجز له إتلافها كالبهيمة فإن أتلفها في هذه الحال،

فإن صالحه عن ذلك بعوض لم يجز وإن اتفقا على أن الثمرة له أو بينهما جاز ولم يلزم.
ـــــــ
غرمها فإن لم يمكنه إزالتها إلا بالإتلاف فله ذلك ولا شيء عليه
لكن قيل لأحمد يقطعه هو قال لا يقول لصاحبه حتى يقطع ولا يجبر المالك على الإزالة لأنه من غير فعله فإن تلف بها شيء لم يضمنه قدمه في الشرح وذكر احتمالا وهو وجه ضده
"فإن صالحه عن ذلك بعوض لم يجز" قاله أبو الخطاب سواء كان الغصن رطبا أو يابسا لأن الرطب يزيد ويتغير واليابس ينقص وربما ذهب كله
وقال القاضي: وجزم به في الوجيز إن كان الأغصان رطبة لم يجز الصلح عنها لزيادتها في كل وقت بخلاف اليابسة واشترط القاضي في اليابس أن يكون معتمدا على نفس الحائط فإن كان في الهواء فلا لأنه تبع للهواء المجرد
وقال ابن حامد وابن عقيل بجوازه مطلقا لأن الجهالة في المصالح عنه لا تمنع الجواز لكونها لا تمنع التسليم بخلاف العوض فإنه يفتقر إلى العلم به لوجوب التسليم وأيده في المغني وقال هو اللائق بمذهب أحمد لأن الحاجة داعية إلى ذلك لكثرتها في الأملاك المتجاورة وفي القطع إتلاف وضرر والزيادة المتجددة يعفى عنها كالسمن الحادث في المستأجر للركوب. "وإن اتفقا على أن الثمرة له" أي: لمالك الهواء "أو بينهما جاز" لأن الصلح على الثمرة أو بعضها أسهل من القطع ونقل المروذي وإسحاق أن أحمد سئل عن ذلك فقال لا أدري قال في المغني فيحتمل الصحة لما روى مكحول مرفوعا: "أيما شجرة ظللت على قوم فهو بالخيار بين قطع ما ظلل أو أكل ثمرها" ويحتمل عدمها وقاله الأكثر فإن الثمرة وجوها مجهولان ومن شرط الصلح العلم بالعوض
"ولم يلزم" إذ لزومه يؤدي إلى ضرر مالك الشجرة لتأبد استحقاق الثمرة عليه أو إلى ضرر مالك الهواء لتأبد بقاء الأغصان في ملكه.

ولا يجوز أن يشرع إلى طريق نافذ جناحا ولا ساباطا ولا دكانا ولا أن يفعل ذلك في ملك إنسان ولادرب غير نافذ إلا بإذن أهله.
ـــــــ
فرع: ثمرة غصن في هواء طريق عام للمسلمين ذكره في المبهج
آخر: حكم عروق الشجرة إذا امتدت إلى أرض غيره كالغصن سواء أثرت ضررا لتأثيرها في المصانع وطي الآبار وأساسات الحيطان أولا وقيل: عنه إنما يثبت ذلك مع الضرر
"ولا يجوز أن يشرع إلى طريق نافذ جناحا" وهو الروشن على أطراف خشب مدفونة في الحائط "ولا ساباطا" وهو المستوفي للطريق كله على جدارين "ولا دكانا" لأنه تصرف في ملك غيره بغير إذنه كغير النافذ ولا فرق بين أن يضر بالمارة أو لا لأنه إذا لم يضر حالا فقد يضر مآلا أذن الإمام فيه أولا لأنه ليس له أن يأذن في مالا مصلحة للمسلمين فيه لا سيما إذا احتمل أن يكون ضرارا عليهم في المآل
فعلى هذا يضمن ما تلف به والمذهب أنه يجوز ذلك في غير الدكان بإذن الإمام أو نائبه بلا ضرر لأنه نائب عن المسلمين فجرى إذنه مجرى إذنهم وفي الفروع جوزه الأكثر بإذن الإمام وفي الترغيب وأمكن عبور محمل وقيل: ورمح قائما بيد فارس ولم يعتبره أكثرهم بل يكون بحيث لا يضر بالعمارات والمحامل
فرع: حكم الميازيب والدكة كالجناح وقد روي أن عمر اجتاز على دار العباس وقد نصب ميزابا إلى الطريق فقلعه فقال تقلعه وقد نصبه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فقال والله لا ينصبه إلا على ظهري فانحنى حتى صعد على ظهره فنصبه ولأن العادة جارية به وفي سقوط نصف الضمان بتآكل أصله وجهان
"ولا أن يفعل ذلك في ملك إنسان ولا درب غيرنافذ إلا بإذن أهله" لأن المنع لحقهم فإذا رضوا بإسقاطه جاز والاستثناء راجع إلى الجمل الأخيرة؛

فإن صالح عن ذلك بعوض جاز في أحد الوجهين وإذا كان ظهر داره في درب غيرنافذ ففتح فيه بابا لغير الاستطراق جاز ويحتمل أن لا يجوز وإن فتحه للاستطراق لم يجز إلا بإذنهم في أحد الوجهين
ـــــــ
لأن أهل الطريق النافذ جميع المسلمين فالاذن من جميعهم غيرمتصور فلا فائدة في الحكم عليه بالجواز
"فإن صالح عن ذلك بعوض جاز في أحد الوجهين" قاله أبو الخطاب وجزم به في الوجيز وصححه في الفروع لأنه يجوز الصلح بغير عوض فجاز اخذ عوضه كالقرار وشرطه أن ما يخرجه معلوم المقدار من الخروج والعلو
والثاني: لا يجوز قاله القاضي لأنه بيع للهواء وظاهره: التعميم والمصرح به في كلام القاضي ونقله عنه في الكافي بأن المنع في الجناح والساباط وأما الدكان فلا يتأتى فيها العلة لكونها تبنى على القرار لا على هوائه
"وإذا كان ظهر داره في درب غيرنافذ ففتح فيه بابا لغير الاستطراق جاز" لأن له رفع جميع حائطه فبعضه أولى "ويحتمل أن لا يجوز" حكاه ابن عقيل لأن شكل الباب مع تقادم العهد ربما استدل به على حق الاستطراق فيضر بأهل الدرب بخلاف رفع الحائط فإنه لا يدل على شيء
"وإن فتحه للاستطراق لم يجز" إذ لا حق له في الدرب الذي هو ملك غيره "إلا بإذنهم" لأن الحق لهم وقد رضوا بإسقاطه "في أحد الوجهين" هو متعلق بقوله لم يجز لا المستثنى والوجه الثاني: يجوز لأنه يملك رفعه والأول أولى لأنه يجعل لنفسه حق الاستطراق في محل مملوك لغيره
وظاهره: أنه يجوز فتحه في درب نافذ لأنه يرتفق بما لم يتعين بملك أحد عليه لا يقال فيه إضرار بأهل الطريق لجعله نافذا يستطرق إليه من الشارع لأنه لا يصير الطريق نافذا وإنما تصير داره نافذة وليس لأحد استطراقها.

وإن صالحهم جاز ولو أن بابه في آخر الدرب ملك نقله إلى أوله ولم يملك نقله إلى داخل منه في أحد الوجهين.
ـــــــ
"وإن صالحهم جاز" لأن ذلك حقهم فجاز أخذ العوض عنه كسائر الحقوق "ولو أن بابه في آخر الدرب" أي: غير النافذ "ملك نقله إلى أوله" أي: بلا ضرر لأنه ترك بعض حقه لأن له الاستطراق إلى آخره
وفي الترغيب وقيل: لا محاذيا لباب غيره وجزم به في الوجيز
فعلى الأول: أن أراد نقله إلى موضعه الأول كان له ذلك "ولم يملك نقله إلى داخل منه" وهو تلقاء صدر الزقاق "في أحد الوجهين" نص عليه لأنه تقدم بابه إلى موضع الاستطراق له ولم يأذن فيه من فوقه وقيل: وأسفل منه ويكون إعارة في الأشبه
وظاهر نقل يعقوب يجوز إن سد الأول واختاره ابن أبي موسى والثاني: الجواز لأن له في الابتداء جعل بابه حيث شاء فتركه له لا يسقط حقه منه
فروع
الأول: إذا كان في الدرب بابان لرجلين أحدهما في أول الدرب والآخر في داخله فلصاحب الداخل تحويله حيث شاء لأنه لا منازع له فيما يجاوز الباب الأول إذا قلنا: ليس للقريب أن يقدمه إلى داخل وعلى الثاني: لكل منهما تقديمه فإن كان في داخل الدرب باب لثالث فحكم الأوسط كالأول
الثاني: إذا كان لرجل داران متلاصقتان ظهر كل منهما إلى ظهر الأخرى بابهما في دربين مشتركين غيرنافذ جاز له رفع الحاجب بينهما وجعلهما دارا واحدة فإن فتح بابا بينهما ليتمكن من التطرق إلى كلا الدربين فقال القاضي لا يجوز لأنه يثبت له حق الاستطراق في درب لا ينفذ من دار ولم يكن فيها طريق وفي المغني الأشبه الجواز لأن له رفع الحاجز فبعضه أولى
الثالث: يحرم إحداثه في ملكه ما يضر بجاره كحمام وتنور وكنيف فإن فعل فله منعه كابتداء إحيائه وكدق وسقي يتعدى إليه بخلاف طبخه

وليس له أن يفتح في حائط جاره ولا الحائط المشترك روزنة ولا طاقا إلا بإذن صاحبه وليس له وضع خشبة عليه إلا عند الضرورة
ـــــــ
وخبزه لأنه يسير وعنه: ليس له منعه في ملكه المختص به ولم يتعلق به حق غيره وكتعلية داره في ظاهر كلام المؤلف ولو أفضى إلى سد الفضاء عن جاره قاله الشيخ تقي الدين وقد احتج أحمد بقوله عليه السلام "لا ضرر ولا إضرار" فيتوجه المنع قاله في الفروع
"وليس له" أي: يحرم عليه "أن يفتح في حائط جاره ولا الحائط المشترك روزنة ولا طاقا" لأنه انتفاع بملك غيره وتصرف فيه بما يضره وكذا يحرم عليه أن يغرز فيه وتدا أو يحدث حائطا وكذا يمنع من بناء سترة ذكره جماعة وحمل القاضي نصه يلزمه النفقة مع شريكه على السترة على سترة قديمة انهدمت واختار في المستوعب وجوبها مطلقا على نصه
ويباح استناده إليه وإسناد شيء لايضره لأنه لا مضرة فيه والتحرز منه يشق وفي النهاية في منعه احتمالان وله الجلوس في ظله ونظره في ضوء سراجه
نقل المروذي: يستأذنه أعجب إلي فإن منعه حاكمه ونقل جعفر لا يستأذنه
قال الشيخ تقي الدين العين والمنفعة التي لا قيمة لها عادة لا يصح أن يرد عليها عقد بيع أو إجارة اتفاقا "إلا بإذن صاحبه" لأن الحق له فإن صالحه عن ذلك بعوض جاز
"وليس له وضع خشبة عليه إلا عند الضرورة" فيجوز نص عليه لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يمنعن جار جاره أن يضع خشبة على جداره" ثم يقول أبو هريرة: مالي أراكم عنها معرضين والله لأرمين بها بين أكتافكم متفق عليه
ومعناه لأضعن هذه السنة بين أكتافكم ولأحملنكم على العمل بها وقيل:

بأن لا يمكنه التسقيف إلا به وعنه: ليس له وضع خشبة على جدار المسجد وهذا تنبيه: على أنه لا يضع على جدار جاره.
ـــــــ
معناه لأضعن جذوع الجيران على أكتافكم مبالغة ولأنه انتفاع بحائط جاره على وجه لا يضر به أشبه الاستناد إليه
وفي المغني والشرح إنه يجوز لحاجة نص عليه ومحله ما لم يضر بالحائط فإن أضر به لم يجز بغير خلاف نعلمه وإن أمكن وضعه على غيره فقال أكثر الأصحاب لا يجوز وذهب ابن عقيل إلى جوازه للخبر
"بأن لا يمكنه التسقيف إلا به" هذا تفسير للضرورة وظاهره: لا فرق بين أن يكون له حائط واحد أو حائطان وصرح به في المغني واشترط القاضي وأبو الخطاب لجوازه أن يكون له حائط واحد ولجاره ثلاثة ورده في المغني والشرح بأنه ليس في كلام أحمد
وإنما قال في رواية أبي داود لا يمنعه إذا لم يكن ضرر وكان الحائط يبقى ولأنه قد يمتنع التسقيف على حائطين إذا كانا متقاربين أو كان البيت واسعا يحتاج أن يجعل فيه جسرا ثم يضع الخشب على ذلك الجسر
قال المؤلف: والأولى: اعتباره بما ذكرنا ولا فرق بين أن يكون لبالغ أو يتيم عاقل أو مجنون لا يقال قياسه يجوز فتح الطاق ونحوه لأن وضع الخشب ينفع الحائط ويمكنه بخلاف فتح الطاق فإنه يضره
"وعنه: ليس له وضع خشبة على جدار المسجد" نقلها أبو طالب واختارها أبو بكر وأبو محمد الجوزي لأن القياس يقتضي المنع ترك في حق الجار للخبر فيبقى ما اسمهاه على مقتضى القياس "وهذا تنبيه" أي: خرج منها أبو الخطاب وجها "على أنه لا يضع على جدار جاره" لأنه إذا امتنع من وضعه على الجدار المشترك بين المسلمين وله فيه حق فلأن يمنع من الملك المختص بغيره أولى.

وإن كان بينهما حائط فانهدم فطالب أحدهما صاحبه ببنائه معه أجبر عليه.
ـــــــ
ويتأكد المنع بأن حق الله مبني على السهولة والمسامحة بخلاف حق الآدمي فإنه مبني على الشح والضيق.
مسائل
الأولى: إذا ملك وضع خشبة على حائط فزال بسقوطه أو قلعه أو سقوط الحائط ثم أعيد فله إعادة خشبة عليه لأن السبب المجوز لوضعه مستمر فاستمر الاستحقاق
الثانية: إذا ملك وضع خشبة على جدار غيره لم يملك إجارته ولا إعارته لأنه إنما ملك ذلك للحاجة ولا حاجة هنا فلو أراد مالك الجدار إجارته أو إعارته على وجه يمنع هذا المستحق لم يملكه كما لو أراد هدم الحائط من غير حاجة
الثالثة: إذا أذن له المالك في وضع خشبة أو البناء على جداره بعوض جاز سواء كان إجارة في مدة معلومة أو صلحا على وضعه على التأييد ومتى زال فله إعادته ويحتاج أن يكون البناء معلوم العرض والطول والسمك والآلات من الطين واللبن ونحوه
وإن كان في الموضع الذي يجوز له لم يجز أن يأخذ عوضا لأنه يأخذ عوض ما يجب عليه بذله
الرابعة: إذا وجد خشبة أو بناءة أو مسيل مائه في حق غيره فالظاهر وضعه بحق فمتى زال فله إعادته لأن هذا الظاهر لا يزول حتى يعلم ما يخالفه
"وإن كان بينهما حائط" مشترك "فانهدم فطالب أحدهما صاحبه ببنائه معه أجبر عليه" نقله الجماعة وصححه القاضي وقدمه في المحرر والفروع وذكر

وعنه: لا يجبرلكن ليس له منعه من بنائه فإن بناه بآلته فهو بينهما
ـــــــ
أنه اختيار الأصحاب لقوله عليه السلام "لا ضرر ولا إضرار" وكنقصه عند خوف سقوطه وكالقسمة
"وعنه: لا يجبر" اختاره أبو محمد الجوزي والمؤلف وقال هو أقوى في النظر لأنه ملك لا حرمة له في نفسه فلم يجبر مالكه على الإنفاق عليه كما لو انفرد وفارق القسمة لأنها لدفع الضرر عنهما بما لا ضرر فيه والبناء فيه ضرر لما فيه من الغرامة والضرر لا يزول بمثله
وقد يكون الممتنع لا نفع له في الحائط أو يكون الضرر عليه أكثر من النفع أو يكون معسرا وجوابه بأن عدم حرمة الملك إن لم يوجب فحرمة شريكه الذي يتضرر بترك البناء موجب وفارق البناء المفرد من حيث إنه لا يفوت به حق ولا يتضرر به
وقولهم الضرر لا يزال بالضرر مدفوع بما روى أبو حفص العكبري عن أبي هريرة مرفوعا: "من حق الجار أن لا يرفع البنيان على جاره ليسد عليه الريح" وقولهم: "قد يكون الممتنع إلى آخره" ينتقض بوضع خشبه عليه وأما المعسر فلا قائل بإلزامه معها
"لكن" عليها "ليس له منعه من بنائه" لأن له حقا في الحمل ورسما في الحائط فلا يجوز منعه منه "فإن بناه بآلته فهو بينهما" على الشركة كما كان لأن الثاني: إنما أنفق على التأليف وذلك أثر لا عين فملكها وحينئذ فليس له منع شريكه من الانتفاع به قبل أخذ نصف تأليفه في الأشهر كما ليس له نقضه وصرح به في النهاية
وقيل: يملك منعه حتى يؤدي ما يخصه من الغرامة وأبداه ابن المنجا بحثا من عنده وحكى الأول عن الأصحاب ثم قال وفيه نظر وينبغي أن يؤدي إلى آخره إذ لو لم يكن كذلك لأدى إلى ضياع حق الشريك ولأنه إذا أجبر على العمل فكذا يجبر على وزن أجرة البناء كما يجبره على وزن الآلات.

وإن بناه بآلة من عنده فهو له وليس للآخر الانتفاع به فإن طلب ذلك خير الباني بين أخذ نصف قيمته منه وبين أخذ آلته وإن كان بينهما نهر أو بئر أو دولاب أو ناعورة أو قناة واحتاج إلى عمارة ففي إجبار الممتنع روايتان وليس لأحدهما منع صاحبه من عمارته وإذا عمره فالماء بينهما على الشركة.
ـــــــ
"وإن بناه بآلة من عنده فهو له" لأنه ملكه "وليس للآخر الانتفاع به" قبل أداء ما وجب عليه لأنه تصرف في ملك غيره بغير إذنه وحينئذ فله منعه من رسم طرح خشب حتى يدفع نصف قيمة حقه
وعنه: ما يخصه من غرامة لأنه نائبه معنى ويلزمه قبولها فإن اراد نقضه فليس له ذلك إذا بناه بآلة فقط وإن أراد غير الباني نقضه لم يملكه مطلقا وله طلب نفقته مع الإذن
وفيه بنية رجوع على الأولى: الخلاف "فإن طلب ذلك" أي: الانتفاع "خير الباني بين أخذ نصف قيمته منه" لأن في ذلك جمعا بين الحقين وبين أخذ آلته لما في ذلك من استيفاء الحق.
فرع: لو بنيا جدارا بينهما نصفين والنفقة كذلك على أن ثلثه لواحد وباقيه للآخر وأن كلا منهما يحمله ما احتاج لم يصح فلو وصفا الحمل فوجهان فإن لم يكن بين فطلب أحدهما من الآخر بناء حاجز لم يجبر الآخر عليه رواية واحدة فإن أراد البناء وحده كان له ذلك في ملكه خاصة
"وإن كان بينهما نهر أو بئر أو دولاب أو ناعورة أو قناة واحتاج إلى عمارة ففي إجبار الممتنع روايتان" أشهرهما الإجبار وجزم به في الوجيز بناء على الحائط المنهدم "وليس لأحدهما منع صاحبه من عمارته" كالحائط "وإذا عمره فالماء بينهما على الشركة" لأن العامر ليس فيه عين بل أثر فيجب أن يعود بينهما على ما كان ودل ذلك على أنه إذا أنفق عليه لم يكن له منع الآخر من نصيبه من الماء لأنه ينبع من ملكهما وإنما أثر أحدهما في نقل الطين منه.

ـــــــ
تنبيه: إذا كان سطح أحدهما أعلى فليس له الصعود على سطحه على وجه يشرف على جاره ويلزمه بناء سترة تمنع مشارفة الأسفل نقله ابن منصور وقيل: ويشاركه كاستوائهما وإذا اتفقا على بنا ء حائط بستان فبناه أحدهما فما تلف من الثمرة بسبب إهمال الآخر ضمن نصيب شريكه ذكره الشيخ تقي الدين وفي إجبار الممتنع لبناء السفل بطلب الآخر روايات
الثالثة: وهي أشهر ينفرد صاحبه به وعنه: يشاركه صاحب العلو فيجبر على مساعدته والبناء معه وهو قول أبي الدرداء لأنه حائط يشتركان في الانتفاع به أشبه الحائط بين ملكهما ومن له طبقة ثالثة في اشتراك الثلاثة في بناء السفل ثم الاثنان في الوسط الروايتان فإن بناه الأعلى ففي منعه الأسفل من الانتفاع بالعرصة قبل أخذ القيمة احتمالان.

كتاب الحجر
باب الحجر
كتاب الحجروهو على ضربين حجر لحق الغير نذكر منه هاهنا الحجر على المفلس
ـــــــ
كتاب الحجر
هو في اللغة المنع والتضييق ومنه سمي الحرام حجرا قال الله تعالى: {وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً} [الفرقان:22] أي: حراما محرما وسمي العقل حجرا لأنه يمنع صاحبه من ارتكاب ما يقبح وتضر عاقبته
وهو في الشرع منع خاص يمنع الإنسان من التصرف في ماله والأصل في مشروعيته قوله تعالى: {وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} [النساء:5] أي: أموالهم لكن أضيفت إلى الأولياء لأنهم قائمون عليها مدبرون لها وقوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء:6] الآية وإذا ثبت الحجر على هذين ثبت على المجنون من باب أولى
"وهو على ضربين حجر لحق الغير" أي: لغير المحجور عليه كالمفلس والمريض والزوجة بما زاد على الثلث في تبرع على رواية والعبد والمكاتب والمشتري ماله في البلد أو قريب منه بعد تسليمه المبيع والراهن والمشتري بعد طلب شفيع
وضرب لحقه كالصغير والمجنون والسفيه "نذكر منه هاهنا الحجر على المفلس" أي: لحق الغرماء فالمفلس المعدم ومنه الخبر المشهور "من تعدون المفلس فيكم؟" قالوا من لا درهم له ولا متاع قال: "ليس ذلك المفلس ولكن المفلس من يأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال ويأتي وقد ظلم هذا وأخذ من عرض هذا فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن بقي عليه شيء أخذ من سيئاتهم فرد عليه ثم طرح في النار" رواه مسلم بمعناه
فقولهم ذلك إخبار عن حقيقة المفلس لأنه عرفهم ولغتهم وقوله ليس ذلك المفلس يجوز لم يرد به نفي الحقيقة بل أراد فلس الآخرة لأنه أشد،

ومن لزمه دين مؤجل لم يطالب به قبل اجله ولم يحجر عليه من أجله فإن أراد سفرا يحل الدين قبل مدته فلغريمه منعه إلا أن يوثقه برهن أو كفيل وإن كان لا يحل قبله ففي منعه روايتان.
ـــــــ
وأعظم حتى إن فلس الدنيا عنده بمنزلة الغنى
ومنه قولهم أفلس بالحجة إذا عدمها وقيل: هو من قولهم ثمر مفلس إذا خرج منه نواه فهو خروج الإنسان من ماله
فحجر الفلس منع حاكم من عليه دين حال يعجز عنه ماله الموجود من التصرف فيه والمفلس من لا مال له ولا ما يدفع به حاجته وعند الفقهاء من دينه أكثر من ماله
"ومن لزمه دين مؤجل لم يطالب به قبل" حلول "أجله" لأنه لا يلزمه أداؤه قبل الأجل ومن شرط المطالبة لزوم الأداء "ولم يحجر عليه من أجله" لأن المطالبة لا تستحق فكذا الحجر "فإن أراد سفرا يحل الدين قبل مدته" أي: قبل قدومه "فلغريمه منعه" لأن عليه ضررا في تأخير حقه عن محله "إلا أن يوثقه برهن" يجوز "أو كفيل" مليء لزوال الضرر إذن
"وإن كان لا يحل قبله ففي منعه روايتان" إحداهما: له منعه
قال في المغني: هو ظاهر كلام أحمد وقدمه في المحرر وجزم به في الوجيز وصححه في الفروع لأن قدومه عند المحل غير متيقن ولا ظاهر فملك منعه إلا بوثيقة
والثانية: لا يملك منعه وهي ظاهر الخرقي لأن هذا السفر ليس بأمارة على منع الحق في محله فلم يملك منعه منه كالسفر القصير والمذهب أنهما في غيرجهاد متعين زاد في الفروع وأمر مخوف لأن في ذلك تعريضا لفوات النفس فلا يأمن من فوات الحق فلو أحرم به لم يملك تحليله
وقال الشيخ تقي الدين وله منع عاجز حتى يقيم كفيلا ببدنه ووجهه في الفروع.

وإن كان حالا وله مال يفي به لم يحجر عليه ويأمره الحاكم بوفائه فإن أبى حبسه فإن أصر على الحبس باع ماله وقضى دينه.
ـــــــ
"وإن كان حالا" وهو عاجز عن وفاء بعضه حرم مطالبته والحجر عليه وملازمته "و" إن كان "له مال يفي به" أي: بدينه الحال "لم يحجر عليه" لعدم الحاجة إلى ذلك لأن الغرماء يمكنهم المطالبة بحقوقهم في الحال
"ويأمره الحاكم بوفائه" أي: بعد الطلب لأن الغرماء إذا طلبوا ذلك منه تعين عليه لما فيه من فصل القضاء المنتصب له والمذهب يجب إذن على الفور ويمهل بقدر ذلك اتفاقا لكن إن خاف غريمه منه احتاط بملازمته أو كفيل أو ترسيم عليه قاله الشيخ تقي الدين
"فإن أبى حبسه" لما روى عمرو بن الشريد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته" رواه أحمد وأبو داود وغيرهما
قال أحمد: قال وكيع: عرضه شكواه وعقوبته حبسه
وليس لحاكم إخراجه حتى يتبين له أمره أو يبرئه غريمه فإذا صح عند الحاكم عسرته أخرجه ولم يسعه حبسه فإن أصر على عدم الوفاء مع القدرة ضرب ذكره في المنتخب وغيره
قال في الفصول وغيره يحبسه فإن أبى عزره قال ويكرر حبسه وتعزيره حتى يقضيه قال الشيخ تقي الدين لا أعلم فيه نزاعا لكن لا يزاد كل يوم على أكثر التعزير إن قيل يتقدر
فائدة: روى البخاري من حديث أبي موسى الحبس على الدين من الأمور المحدثة وأول من حبس عليه شريح وكان الخصمان يتلازمان قال ابن هبيرة فأما الحبس الآن على الدين فلا أعرف أنه يجوز عند أحد من المسلمين وأنا على إزالته حريص ورد بأن الحبس عليه مذهب مالك والشافعي والنعمان وأبي عبيد وعبيد الله بن الحسن وغيرهم
"فإن أصر على الحبس" ولم يقض الدين "باع" الحاكم "ماله وقضى دينه" لما

وإن ادعى الإعسار وكان دينه عن عوض كالبيع وأعرض أو عرف له مال سابق حبس إلى أن يقيم بينة على نفاذ ماله أو إعساره وهل يحلف معها على وجهين،
ـــــــ
روى كعب بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم: حجر على معاذ ماله وباعه في دين كان عليه رواه الخلال والدارقطني من رواية إبراهيم بن معاوية وقد ضعف ورواه الحاكم وقال على شرطهما.
وظاهره: يجب نقل حرب إذا تقاعد بحقوق الناس يباع عليه ويقضى وقال الشيخ تقي الدين لا يلزمه ذلك وهو ظاهر ما قدمه في الفروع.
فرع: إذا مطله بحقه أحوجه إلى الشكاية فما غرمه بسبب ذلك فعلى المماطل "وإن ادعى الإعسار وكان دينه عن عوض كالبيع والقرض أو عرف له مال سابق" زاد جماعة والغالب بقاؤه "حبس" لأن الأصل بقاء ماله وحبسه وسيلة إلى قضاء دينه كالمقر بيساره. وكذا إذا لزمه عن غير مال كالضمان وأقر بالملاءة فيقبل قول غريمه أنه لا يعلم عسرته بدينه "إلى أن يقيم بينة على نفاد ماله" أي: تلفه وتقبل البينة من أهل الخبرة الباطنة وغيرها لأن التلف يطلع عليه "أو إعساره" لأن البينة تظهر عسرته فوجب اعتبارها وحينئذ لا يجوز حبسه ويجب إنظاره.
ولا تحل ملازمته لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} [البقرة:280] وتعتبر البينة به أن يكون من أهل الخبرة الباطنة ذكره في المغني والشرح.
"وهل يحلف معها" أي: مع البينة انه معسر "على وجهين" أحدهما لا يحلف وهو ظاهر كلام أحمد قال القاضي سواء شهدت بتلف المال أو الإعسار لأنها بينة مقبولة فلم يستحلف معها كما لو شهدت بأن هذا عبده والثاني: بلى وذكره ابن أبي موسى عن أصحابنا لاحتمال أن يكون له مال باطن خفي على البينة والمذهب كما قطع به الشيخان وصححه في الرعاية والفروع أنها إن شهدت بالتلف فطلب منه اليمين على

وإن لم يكن كذلك حلف وخلي سبيله وإن كان له مال لا يفي بدينه،
ـــــــ
عسرته لزمه ذلك لأن اليمين على أمر محتمل خلاف ما شهدت به البينة وإن شهدت بالإعسار فلا لما فيه من تكذيب البينة
تنبيه: ظاهر كلامهم أنه متى توجه حبسه حبس ولو كان أجيرا في مدة الإجارة أو امرأة مزوجة لأن الإجارة والزوجية لا تمنع من الحبس إن قيل به
وذكر الشيخ تقي الدين فيما إذا كان المدعي امرأة على زوجها فإذا حبس لم يسقط من حقوقه عليها شيء قبل الحبس بل يستحقه عليها كحبسه في دين غيره فله إلزامها بملازمة بيته فإن خاف أن تخرج منه بلا إذنه فله أن يسكنها حيث لا يمكنها الخروج كما لو سافر عنها
"وإن لم يكن كذلك" أي: لم يكن دينه عن عوض كأرش جناية أو قيمة متلف أو مهر أو عوض خلع أو ضمان ولم يقر بالملاءة ولم يعرف له مال سابق "حلف" أنه لا مال له "وخلي سبيله" لأن الأصل عدم المال
قال ابن المنذر: الحبس عقوبة ولا نعلم له ذنبا يعاقب به والأصل عدم ماله بخلاف من علم له مال فإنه يحبس حتى يعلم ذهابه وفي الترغيب يحبس إلى ظهور إعساره وفي البلغة إلى أن يثبت وظاهر الخرقي يحبس في الحالين والمذهب ما تقدم.
مسألة: يحرم أن يحلف معسر لا حق عليه ويتأول نص عليه ومن سئل عن غريب وظن إعساره شهد.
فائدة: قال أحمد: ثنا عفان ثنا عبد الوارث ثنا محمد بن جحادة عن سليمان ابن بريدة عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أنظر معسرا فله بكل يوم مثله صدقة قبل أن يحل الدين فإذا حل الدين فأنظره فله بكل يوم مثليه صدقة" إسناده جيد
"وإن كان له مال لا يفي بدينه" أي: الحال ولا كسب له ولا ما ينفق منه.

فسأل غرماؤه الحاكم الحجر عليه لزمته إجابتهم ويستحب إظهاره والإشهاد عليه.
فصل
ويتعلق بالحجر عليه أربعة أحكام أحدها: تعلق حق الغرماء بماله فلا يقبل إقراره عليه ولا يصح تصرفه فيه إلا العتق على إحدى الروايتين.
ـــــــ
غيره أو خيف تصرفه فيه فسأل غرماؤه الحاكم الحجر عليه لزمته إجابتهم لأنه عليه السلام حجر على معاذ لما سأله غرماؤه والأصح ان طلب البعض كالكل وظاهره: أنه لا يحجر عليه من غيرسؤال الغرماء لكن لو طلبه المفلس وحده فوجهان المذهب لا يلزمه إجابته. "ويستحب إظهاره" أي: إظهار الحجر عليه "والإشهاد عليه" لأن في ذلك إعلاما للناس بحاله فلا يعامله أحد إلا على بصيرة و ليثبت عند حاكم آخر فلا يحتاج إلى إبتداء حجر ثان وهل للحاكم أن يشفع في إسقاط بعض الدين على روايتين.
فصل
"ويتعلق بالحجر عليه أربعة أحكام أحدها تعلق حق الغرماء بماله" لأنه لو لم يكن كذلك لما كان في الحجر عليه فائدة ولأنه يباع في ديونهم فكانت حقوقهم متعلقة به كالرهن "فلا يقبل إقراره عليه" لأن حقوق الغرماء متعلقة بأعيان ماله فلم يقبل الإقرار عليه كالعين المرهونة
"ولا يصح تصرفه فيه" لأنه محجور عليه بحكم الحاكم أشبه السفيه ومرادهم بالتصرف إذا كان مستأنفا فإن كان غير مستأنف كرد بعيب اشتراه قبل الحجر وفسخه بالخيار المشترط قبل الحجر نفذ ولا يتقيد بالأحظ في أصح الوجهين قاله في البلغة
"إلا العتق على إحدى الروايتين" كالتدبير اختارها أبو بكر لأنه عتق من

وإن تصرف في ذمته بشراء أو ضمان أو إقرار صح ويتبع به بعد فك الحجر عنه،
ـــــــ
مالك فنفذ كالراهن لأن الشارع متشوف إليه ولذلك صح معلقه وكمل مبعضه زاد في المستوعب وصدقه بيسير
والثانية: لا ينفذ اختارها أبو الخطاب في رؤوس المسائل وصححها في المغني والشرح وهي المذهب لأنه ممنوع من التبرع لحق الغرماء فلم ينفذ عتقه كالمريض الذي يستغرق بدينه ماله ولأن الحاكم لم ينشئ الحجر إلا للمنع من التصرف وفي صحة العتق إبطال لذلك. وعلم من ذلك أن تصرفه في ملكه بالبيع ونحوه قبل الحجر عليه صحيح نص عليه لأنه رشيد غير محجور عليه ولأن سبب المنع الحجر فلا يتقدم سببه وقيل: لا ينفذ واختاره الشيخ تقي الدين وعنه: له منع ابنه من تصرفه في ماله إن أضره وعلى الأول يحرم إن أضر بغريمه ذكره الآدمي البغدادي
فرع: لو أكرى جملا بعينه أو دارا لم ينفسخ بالفلس والمكتري أحق بها حتى تنقضي مدته.
آخر: يكفر هو وسفيه بصوم فإن فك حجره قبل تكفيره وقدر كفر بغيره
"وإن تصرف في ذمته بشراء أو ضمان أو إقرار صح" لأنه أهل للتصرف فالحجر متعلق بماله لا بذمته منه فوجب صحة تصرفه في ذمته عملا بأهليته السالمة عن معارضة الحجر. "ويتبع به بعد فك الحجر عنه" لأنه حق عليه لم يتعلق بماله قبل فك الحجر لحق الغرماء فوجب أن يتبع به بعد فك الحجر عنه لزوال العارض وليس لأرباب هذه الحقوق مشاركة الغرماء لأن من علم بفلسه وعامله فقد رضي بالتأخير ومن لم يعلم فقد فرط أما إن ثبت عليه حق ببينة شارك صاحبه الغرماء لأنه دين ثابت قبل الحجر عليه أشبه ما لو شهد به قبل الحجر.

وإن جنى شارك المجني عليه الغرماء وإن جنى عبده قدم حق المجني عليه بثمنه.
فصل
الثاني: ان من وجد عنده عينا باعها اياه فهو أحق بها،
__________
"وإن جنى" المفلس "شارك المجني عليه الغرماء" لأن حقه ثبت على الجاني بغير اختيار من له الحق ولم يرض بتأخيره كما قبل الحجر عليه
وحكم الجناية إذا كانت موجبة للقصاص وصولح على مال حكم الجناية الموجبة للمال ابتداء لا يقال أرش الجناية هنا يقدم على الغرماء كما تقدم جناية العبد المرهون على حق المرتهن لأن دين الجناية والغرماء يتعلق فيهما بالذمة بخلاف جناية العبد المرهون فإنها متعلقة بالعين تفوت بفواتها
"وإن جنى عبده قدم حق المجني عليه بثمنه" لأن حقه تعلق بالعين فيقدم على من تعلق حقه بالذمة
كما يقدم حق المرتهن بثمن الرهن على الغرماء ولأن حق المجني عليه يقدم على المرتهن فأولى أن يقدم على حق الغرماء
مسألة: إذا وجب له قود فله أخذه وتركه مجانا نص عليه وما أخذه أو عفا عنه فللغرماء أخذه وكذا لو عفا مطلقا و قلنا: الواجب بقتل العمد أحد شيئين.
فصل
"الثاني: أن من وجد عنده عينا باعها اياه فهو أحق بها" روي عن علي وعمار وأبي هريرة لحديث أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من أدرك متاعه عند إنسان أفلس فهو أحق به" متفق عليه
قال أحمد: لو أن حاكما حكم أنه أسوة الغرماء ثم رفع إلى رجل يرى

بشرط أن يكون المفلس حيا،
ـــــــ
العمل بالحديث جاز له نقض حكمه ذكره في المغني والشرح ويحتمل أن لا ينقض وحينئذ البائع بالخيار بين الرجوع فيها وبين أن يكون أسوة الغرماء وسواء كانت السلعة مساوية لثمنها أو لا
وظاهره: لا يفتقر الفسخ إلى حكم حاكم لثبوته بالنص كفسخ المعتقة وقيل: بل بناء على تسويغ الاجتهاد وهو على التراخي كالرجوع في الهبة وقيل: على الفور نصره القاضي كخيار الشفعة وهما مبنيان على الروايتين في الرد بالعيب قاله في الشرح فلو بذل الغرماء الثمن لصاحب السلعة لم يلزمه قبوله نص عليه
فإن دفعوا الثمن إلى المفلس فبذله للبائع لم يكن له الفسخ لأنه زال العجز عن تسليم الثمن فزال ملك الفسخ كما لو أسقط الغرماء حقهم
وفيما إذا باعه بعد حجره في ذمته وتعذر الاستيفاء أقوال ثالثها له خيار الفسخ إذا كان جاهلا به وهو ظاهر كلام جماعة لأن العالم دخل على بصيرة بخراب الذمة كما لو اشترى معيبا يعلم عيبه بخلاف الجاهل
ويستثنى من ذلك ما إذا كان المبيع صيدا والبائع محرم فإنه لا يملك الرجوع فيه كما لو اشتراه وظاهره: اختصاص هذا الحكم بالبيع وليس كذلك فلو اقترض مالا ثم أفلس وعين المال قائمة فله الرجوع فيها
أو أصدق امرأة عينا ثم انفسخ نكاحها بسبب من جهتها يسقط صداقها إن طلقها قبل الدخول فاستحق الرجوع في نصفه وقد أفلست ووجد عين ماله فهو أحق به وظاهره: أنه لا رجوع لورثة البائع لظاهر الخبر
والأصح: أنه يثبت لهم "بشرط أن يكون المفلس حيا" إلى أخذها لما روى أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيما رجل باع متاعا فأفلس الذي ابتاعه ولم يقبض الذي باعه من ثمنه شيئا فوجد متاعه بعينه فهو أحق به وإن مات المشتري فصاحب المتاع أسوة الغرماء" رواه مالك وأبو داود مرسلا ورواه أبو داود مسندا من حديث إسماعيل بن عياش

ولم ينقد من ثمنها شيئا والسلعة بحالها لم يتلف بعضها،
ـــــــ
عن الزبيدي عن الزهري عن أبي بكر عن أبي هريرة قال أبو داود وحديث مالك أصح. فعلى هذا: البائع أسوة الغرماء سواء علم بفلسه قبل الموت فحجر عليه ثم مات أو مات فتبين فلسه ولأن الملك انتقل عن المفلس إلى الورثة أشبه ما لو باعه
وعنه: له الرجوع لما روى عمر بن خلدة قال أتينا أبا هريرة في صاحب لنا قد أفلس فقال لأقضينّ فيكم بقضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من افلس أو مات فوجد رجل متاعه بعينه فهو احق به" رواه أبو داود
وجوابه: بأنه مجهول الإسناد قاله ابن المنذر وهذا الشرط لم يذكره في التلخيص والبلغة
"ولم ينقد من ثمنها شيئا" ولا أبرئ من بعضه فإن كان قد نقد من ثمنها أو أبرئ منه فهو أسوة الغرماء لأن في الرجوع في قسط ما بقي تبعيضا للصفقة على المشتري وإضرارا له لا يقال لا ضرر فيه لكون مال المفلس يباع ولا يبقى لأن الضرر متحقق مع البيع فإنه لا يرغب فيه كالرغبة منفردا فينقص ثمنه فيتضرر المفلس والغرماء ولأنه سبب يفسخ به البيع فلم يجز مع تشقيصه كالرد بالعيب
"والسلعة بحالها لم يتلف بعضها" للخبر فلو ذهب بعض أطراف العبد أو عينه أو بعض الثوب أو انهدم بعض الدار أو تلفت الثمرة فيما إذا اشترى شجرا مثمرا لم تظهر ثمرته قاله في والشرح فهو اسوة الغرماء لأنه لم يجدها بعينها إذ الشارع جعله شرطا في الرجوع
ولا فرق بين أن يرضى بالموجود بجميع الثمن أو يأخذه بقسطه منه لأنه فات شرط الرجوع
فإن باع بعضه أو وهبه أو وقفه أو خلطه بغيره على وجه لا يتميز،

ولم تتغير صفتها بما يزيل اسمها كنسج الغزل وخبز الدقيق ولم يتعلق بها حق من شفعة أو جناية،
ـــــــ
كزيت بمثله فهو كتلفه وظاهره: ولو كان المبيع عينين وفيه روايتان إحداهما: ونقلها أبو طالب لا رجوع بل هو أسوة الغرماء لأنه لم يجد المبيع بعينه
والثانية: بلى نقلها الحسن بن ثواب وقدمها في المحرر لأن السالم من المبيع وجده بعينه فيدخل في العموم وحينئذ يأخذ الباقي بقسطه من الثمن وعليها يفرق بينها وبين ما إذا قبض بعض الثمن لأن المقبوض من الثمن مقسط على المبيع فيقع القبض من ثمن كل واحدة من العينين وقبض شيء من ثمن ما يريد الرجوع فيه مبطل له بخلاف التلف فإنه لا يلزم من تلف أحد العينين تلف شيء من العين الأخرى
"ولم تتغير صفتها بما يزيل اسمها كنسج الغزل وخبز الدقيق" وجعل الزيت صابونا والخشبة بابا والشريط إبرا ونحو ذلك لأنه لم يجد متاعه بعينه فلم يكن له الرجوع كالتلف
وكما لو كان نوى فنبت شجرا قاله ابن المنجا وفيه شيء فإنهم اختلفوا في الحب إذا صار زرعا وبالعكس والنوى إذا نبت شجرا والبيض إذا صار فراخا فذهب القاضي وصاحب التلخيص أنه لا يسقط الرجوع لأن الخارج هو نفسه والأشهر عندنا أنه لا يملك الرجوع كما هو ظاهر كلام المؤلف
ودخل في كلامه ما لو كان المبيع أمة بكرا فوطئها المشتري أنه لا رجوع له لما ذكرنا وفيه وجه بلى كالرد بالعيب في الأصح ووطء غيره كهو "ولم يتعلق بها حق" للغير "من شفعة" وجزم به المحققون لأن حقه أسبق لكونه ثبت بالبيع والبائع حقه ثبت بالحجر وما كان أسبق فهو أولى
وقال ابن حامد: للبائع أخذه لعموم الخبر وفي ثالث إن طالب بها فهو أحق لتأكد حقه بالمطالبة وإلا فلا
"أو جناية" فإن كان المبيع عبدا فجنى ثم أفلس المشتري فالمذهب: أن

أو رهن ونحوه ولم تزد زيادة متصلة كالسمن وتعلم صنعة وعنه: أن الزيادة لا تمنع الرجوع،
ـــــــ
البائع أسوة الغرماء لأن الرهن يمنع الرجوع وحق الجناية مقدم عليه فأولى أن يمنع
والثاني: لا يمنع لأنه حق يمنع تصرف السيد بالبيع وغيره فلا يمنع الرجوع كما لو ثبت في ذمته دين
فعلى هذا يخير إن شاء رجع فيه ناقصا بأرش الجناية وإن شاء ضرب بثمنه مع الغرماء وقيل: ما نقص من قيمته رجع بقسطه من ثمنه
"أو رهن" بغير خلاف نعلمه للخبر ولأن المفلس عقد قبل الفلس عقدا منع نفسه من التصرف فلم يملك الرجوع كما لو وهبه ولأن في الرجوع إضرارا بالمرتهن والضرر لا يزال بمثله فإن كان دين المرتهن دون قيمة الرهن بيع كله فقضى منه دينه وباقيه يرد على مال المفلس فإن بيع بعضه فباقيه يشترك فيه الغرماء
وقال القاضي: يرجع فيه البائع لأنه عين ماله فلو كان المبيع عينين فرهن إحداهما فهل يملك البائع الرجوع في الأخرى؟ على وجهين بناء على الروايتين فيما إذا تلفت إحداهما "ونحوه" كالعتق
مسألة: إذا أفلس بعد خروجه من ملكه بوقف ونحوه فلا رجوع له فإن أفلس بعد رجوعه إلى ملكه فأوجه ثالثها إن عاد إليه بفسخ كإقالة فله الرجوع لا إذا عاد بسبب جديد لأنه لم يصل إليه من جهته فلو اشتراها ثم باعها ثم اشتراها فقيل البائع الأول أولى لسبقه وقيل: يقرع
"ولم تزد زيادة متصلة كالسمن وتعلم صنعة" هذا اختيار الخرقي وقاله في الإرشاد والموجز لأن الرجوع فسخ بسبب حادث فلم يملك به الرجوع في عين المال الزائد زيادة متصلة كفسخ النكاح بالإعسار أو الرضاع
"وعنه: أن الزيادة لا تمنع الرجوع" هذا هو المنصوص عن أحمد وهو

فأما الزيادة المنفصلة والنقص بهزال أو نسيان صنعة فلا يمنع الرجوع،
ـــــــ
المذهب لعموم الخبر ولأنه فسخ لا يمنع منه الزيادة المنفصلة فكذا المتصلة كالرد بالعيب وفارق الرد هنا الرد بالفسخ بالإعسار أو الرضاع من حيث إن الزوج يمكنه الرجوع في قيمة العين فيحصل له حقه تاما وها هنا لا يمكن البائع الرجوع في جميع الثمن لمزاحمة الغرماء فلا يحصل له حقه تاما ونصر في المغني والشرح الأول
"فأما الزيادة المنفصلة" كالولد والثمرة" والنقص بهزال أو نسيان صنعة فلا يمنع الرجوع" بغير خلاف بين أصحابنا قاله في الشرح وفيه شيء لأن البائع وجد عين ماله فكان أحق به بخلاف المتصلة وقيل: يمنع وحكاه في الموجز والتبصرة رواية كالمتصلة وعلى الأول لا فرق بين أن ينقص بالزيادة أو لا إذا كان على صفته
"والزيادة للمفلس" في ظاهر الخرقي وقاله القاضي وابن حامد وصححه في المغني والشرح وجزم به في الوجيز لأنها زيادة حصلت في ملكه فكانت له يؤيده "الخراج بالضمان"
"وعنه: للبائع "نص عليه وهو الأشهر لأنها زيادة فكانت للبائع كالمتصلة وحكاه في المغني قولا لأبي بكر وانه أخذه من قول أحمد في ولد الجارية ونتاج الدابة وقياسهم على المتصلة غيرصحيح لأنه يتبع في الفسوخ والرد بالعيب بخلاف المنفصلة
قال في المغني: ولا ينبغي أن يقع في هذا خلاف لظهوره وأما نقص المال بذهاب صفة مع بقاء عينه فلا يمنع لأن فقد الصفة لا يخرجه عن كونه عين ماله لكن يتخير بين أخذه ناقصا بجميع حقه وبين أن يضرب مع الغرماء بكمال ثمنه لأن الثمن لا يتقسط على صفة السلعة من سمن وهزال وعلم ونحوه فيصير كنقصه لتغير الأسعار
"وإن صبغ الثوب أو قصره" أولت السويق بزيت "لم يمنع الرجوع" ذكره الأصحاب لأن العين قائمة مشاهدة لم يتغيراسمها ولا صفتها

والزيادة للمفلس وعنه: للبائع وإن صبغ الثوب أو قصره لم يمنع الرجوع والزيادة للمفلس وإن غرس أو بنى فيها فله الرجوع ودفع قيمة الغراس والبناء فيملكهما،
ـــــــ
"والزيادة للمفلس" لأنها حصلت بفعله في ملكه فيكون شريكا للبائع بما زاد عن قيمة الثوب والسويق وإن حصل نقص فعلى المفلس لكن إن نقصت قيمتها فيخير البائع بين أخذهما ناقصين ولا شيء له وبين تركهما وهو أسوة الغرماء لأن هذا نقص صفته فهو كالهزال
وقيل: لا رجوع إن زادت القيمة لأنه اتصل بالمبيع زيادة للمفلس فمنعت الرجوع كالسمن
وحاصله إذا قصر الثوب لم يخل من حالين أحدهما أن لا تزيد قيمته بذلك فللبائع الرجوع والثاني: أن تزيد قيمته به فظاهر الخرقي أنه لا يملك الرجوع لأنه زاد زيادة لا تتميز فهي كالسمن
وقال القاضي وأصحابه: له الرجوع لأنه أدرك متاعه بعينه فعلى هذا إن كانت القصارة بفعل المفلس أو بأجرة وفاها فهما شريكان في الثوب فإن اختار البائع دفع قيمة الزيادة إلى المفلس لزمه قبولها لأنه يتخلص بذلك من ضرر الشركة أشبه ما لو دفع الشفيع قيمة البناء إلى المشتري وإن لم يختر بيع الثوب وأخذ كل واحد بقدر حقه
فلو كان قيمة الثوب خمسة فصار يساوي ستة فللمفلس سدسه وللبائع خمسة أسداسه وإن كان العمل من صانع لم يستوف أجره فله حبس الثوب على استيفاء أجرته اقتصر عليه في الشرح
"وإن غرس" المفلس الأرض "أو بنى فيها فله" أي: للبائع "الرجوع" هذا هو الأصح قبل قلع غرس أو بناء لأنه أدرك متاعه بعينه ومال المشتري دخل على وجه التبع كالصبغ "ودفع قيمة الغراس والبناء فيملكهما" لأنهما حصلا في ملكه لغيره بحق فكان له أخذه بقيمته كالشفيع ويملك البائع قلعه وضمان

إلا أن يختار المفلس والغرماء القلع ومشاركته بالنقص فإن أبوا القلع وأبى البائع دفع القيمة سقط الرجوع،
ـــــــ
نقصه كالمعير إذا رجع في أرضه بعد غرس المستعير
والثاني: لا يملك الرجوع إلا بعد القلع لأنه غرس المفلس وبناؤه فلم يجبر على بيعه لهذا البائع ولا على قلعه كما لو لم يرجع في الأرض وعلى الأول لو قلعه المفلس والغرماء لزمهم تسوية الأرض وأرش نقصها الحاصل به ويضرب بالنقص مع الغرماء وعلى الثاني لا.
"إلا أن يختار المفلس والغرماء القلع ومشاركته بالنقص" لأن البائع لا حق له في الغراس والبناء فلا يملك إجبار مالكهما على المعاوضة فعلى هذا يرجع في أرضه ويضرب مع الغرماء بأرش نقصها لأن ذلك نقص حصل لتخليص ملك المفلس فكان عليه كما لو دخل فصيل دارا فكبر ولم يمكن إخراجه إلا بالانهدام
"فإن أبوا القلع وأبى البائع دفع القيمة سقط الرجوع" في الأصح لما فيه من الضرر على المشتري والغرماء والضرر لا يزال بمثله ولأن عين مال البائع صارت مشغولة بملك غيره فسقط حقه من الرجوع كما لو كان مسامير فسمر بها بابا أو خشبة فبنى عليها دارا وظاهره: أنهم إذا امتنعوا من القلع لم يجبروا لوضعه بحق
وقال القاضي: له الرجوع لأنه أدرك متاعه بعينه وكالثوب إذا صبغه وجوابه المنع ولو سلم فيفرق بينهما من حيث إن الصبغ يفرق في الثوب فصار كالصفة بخلاف الغراس والبناء فإنها أعيان متميزة وبأن الثوب لا يراد للبقاء بخلاف الأرض فعلى قوله إذا رجع في الأرض بقي الغراس والبناء للمفلس
فإن اتفق الجميع على البيع بيعت الأرض بما فيها وأخذ كل واحد قدر حصته وقيل: يباع الغرس مفردا وعلى الأول يقسم الثمن على قدر القيمتين فتقوم الأرض خالية ثم تقوم وهما بها فقيمة الأرض خالية للبائع،

ـــــــ
والزيادة للمفلس والغرماء
تنبيه: شرط بعض أصحابنا أيضا أن يكون الثمن حالا فإن كان مؤجلا فلا رجوع للبائع قاله أبو بكر وصاحب التلخيص فيه لعدم تمكنه من المطالبة
وظاهر كلامه هنا وقاله الأكثر أن هذا ليس بشرط والمنصوص أنه يوقف إلى الأجل ثم يعطاه وقال ابن أبي موسى له أخذه في الحال
ومحل الرجوع إذا استمر العجز عن أخذ الثمن فإن تجدد للمفلس مال بعد الحجر وقبل الرجوع فلا رجوع إذن
مسائل
الأولى: لو اشترى أرضا فزرعها ثم أفلس يقر الزرع لربه مجانا إلى الحصاد فإن اتفق المفلس والغرماء على الترك أو القطع جاز وإن اختلفوا وله قيمة بعد القطع قدم قول من يطلبه
الثانية : إذا اشترى نخلا فأطلع ثم أفلس قبل التأبير فالطلع زيادة متصلة في الأصح وإن كان بعده فمنفصلة وحكم الشجر كذلك
الثالثة: إذا اشترى غراسا فغرسه في أرضه ثم أفلس ولم تزد الغراس فله الرجوع فيه فإن أخذه لزمه تسوية الأرض وأرش نقصها فإن بذل الغرماء والمفلس له القيمة لم يجبر على قبولها وإن امتنع من القلع فبذلوا القيمة له ليملكه المفلس أو أرادوا قلعه وضمان النقص فلهم ذلك وكذا لو أرادوا قلعه من غيرضمان النقص في الأصح
الرابعة: إذا اشترى أرضا من شخص وغراسا من آخر وغرسه فيها ثم أفلس ولم يزد فلكل الرجوع في عين ماله ولصاحب الأرض قلع الغراس من غير ضمان فإن قلعه بائعه لزمه تسوية الأرض وأرش نقصها الحاصل به فإن بذل صاحب الغراس قيمة الأرض لصاحبها لم يجبر على ذلك وفي العكس إذا امتنع من القلع له ذلك في الأصح.

فصل
الثالث: بيع الحاكم ماله وقسم ثمنه وينبغي أن يحضره ويحضر الغرماء ويبيع كل شيء في سوقه،
ـــــــ
الخامسة: رجوع البائع فسخ للبيع لا يحتاج إلى معرفة المبيع ولا إلى القدرة على تسليمه فلو رجع بثمن آبق صح وصار له فإن قدر أخذه وإن تلف فمن ماله وإن بان تلفه حين استرجعه بطل استرجاعه وإن رجع في مبيع اشتبه بغيره قدم تعيين المفلس لإنكاره دعوى استحقاق البائع وإن مات بائع مدينا فمشتر أحق بطعام وغيره ولو قبل قبضه نص عليه.
فصل
"الثالث: بيع الحاكم ماله وقسم ثمنه" على الغرماء لأنه عليه السلام لما حجر على معاذ باع ماله في دينه وقسم ثمنه بين غرمائه ولفعل عمر ولأنه محجور عليه يحتاج إلى قضاء دينه فجاز بيع ماله بغير رضاه كالسفيه ولا يباع إلا بثمن مثله المستقر في وقته أو أكثر لكن إن كان ماله من جنس الدين قسمه على الغرماء من غير بيع صرح به في الشرح والفروع. "وينبغي" أي: يستحب "أن يحضره" أي: المفلس وقت البيع لفوائد منها أن يحضر ثمن متاعه ويضبطه ومنها أنه أعرف بالجيد من متاعه فإذا حضر تكلم عليه ومنها أنه تكثر فيه الرغبة ومنها أنه أطيب لنفسه وأسكن لقلبه ووكيله كهو قاله في البلغة
"ويحضر الغرماء" لأنه لهم وربما رغبوا في شيء فزادوا في ثمنه وأطيب لقلوبهم وأبعد للتهمة قال في الشرح وغيره وربما يجد أحدهم عين ماله فيأخذها
"ويبيع كل شيء في سوقه" لأنه أحوط وأكثر لطلابه فلو باعه في غير سوقه بثمن مثله صح لأن الغرض تحصيل الثمن كالوكالة ويبيع بنقد البلد لأنه أصلح فإن كان فيه نقود باع بأغلبها فإن تساوت باع بجنس الدين.

ويترك له من ماله ما تدعو إليه حاجته من مسكن وخادم وينفق عليه بالمعروف إلى أن يخلو من قسمه بين غرمائه ويبدأ ببيع ما يسرع إليه الفساد ثم بالحيوان ثم بالأثاث ثم بالعقار ويعطي المنادي أجرته من المال،
ـــــــ
"و" يجب "أن يترك له من ماله ما تدعو إليه حاجته من مسكن وخادم" لأن ذلك مما لا غنى له عنه فلم يبع في دينه ككتابه وقوته لكن لو كان له داران يستغني بإحداهما أو كانت واسعة تفضل عن مسكن مثله بيع وكذا الخادم إذا كان نفيسا
"وينفق عليه بالمعروف إلى أن يخلو من قسمه بين غرمائه" لقوله عليه السلام: "ابدأ بنفسك ثم بمن تعول" لأن ملكه باق عليه قبل القسمة وذكر في المغني والشرح أنه ينفق عليه من ماله إن لم يكن له كسب ولم يتعرض المؤلف لنفقة عياله وكسوتهم
ولا خلاف في وجوب نفقة زوجته وتكون دينا عليه وكسوتها وكذا أولاده وأقاربه والواجب فيهما أدنى ما ينفق على مثله ويكسى وتترك له آلة حرفة أوما يتجر به إن عدمها نص عليه وفي الموجز والتبصرة وفرس يحتاج إلى ركوبها ونقل عبد الله يباع الكل إلا المسكن وما يواريه من ثياب وخادما يحتاجه
"ويبدأ ببيع ما يسرع إليه الفساد" كالفاكهة ونحوها لأن بقاءه يتلفه بيقين "ثم بالحيوان" لأنه معرض للإتلاف ويحتاج في بقائه "ثم بالأثاث" لأنه يخاف عليه وتناله الأيادي "ثم بالعقار" لأنه لا يخاف تلفه بخلاف غيره وبقاؤه أشهر له وأكثر لطلابه والعهدة على المفلس فقط إذا ظهر مستحقا قاله في الشرح
"ويعطي المنادي أجرته من المال" لأن البيع حق على المفلس لكونه طريقا إلى وفاء دينه وهذا إذا لم يوجد متبرع
وقيل: أجرته من بيت المال مع إمكانه لأنه من المصالح فإن لم يمكن،

ويبدأ بالمجني عليه فيدفع إليه الأقل من الأرش أو ثمن الجاني ثم بمن له رهن فيختص بثمنه،
ـــــــ
فمن المال وكذا الخلاف فيمن يحفظ المتاع ويحمله ونحوهما وقيل: لا ينادي على عقار بل يعلم به أهل البلد وقاله القاضي وجماعة
ويشترط فيه أن يكون ثقة فإن اتفق الكل على ثقة أمضاه الحاكم وإن كان غير ثقة رده بخلاف المرهون إذا اتفق الراهن والمرتهن على غيرثقة لم يكن له رده والفرق أن للحاكم هنا نظرا فإنه قد يظهر غريم آخر فإن اختلف المفلس في ثقة والغرماء في آخر قدم المتطوع منهما وإلا قدم أوثقهما وأعرفهما قاله ابن المنجا
وفي الفروع قدم من شاء منهما والمراد مع التساوي في الصفات
"ويبدأ بالمجني عليه" أي: إذا كان عبده الجاني لأن الحق متعلق بعينه يفوت بفواتها بخلاف بقية الغرماء فلو كان هو الجاني فالمجني عليه أسوة الغرماء لأن حقه متعلق بالذمة فيدفع إليه الأقل من الأرش أو ثمن الجاني لأن الأقل إن كان الأرش فهو لا يستحق إلا أرش الجناية وإن كان ثمن الجاني فهو لا يستحق غيره لأن حقه متعلق بعينه
فعلى هذا إذا فضل شيء من ثمن الجاني عن أرش الجناية قسم على بقية الغرماء "ثم بمن له رهن" كذا أطلقه في المحرر والوجيز والمذهب أنه مقيد باللزوم
"فيختص بثمنه" أي: يباع سواء كان بقدر دينه أولا ويختص المرتهن بثمنه بشرطه وسواء كان المفلس حيا أو ميتا لأن حقه متعلق بعين الرهن وذمة الراهن بخلاف الغرماء
وعنه: إذا مات الراهن أو أفلس فالمرتهن أحق به ولم يعتبر وجود قبضه بعد موته أو قبله وفي الرعاية يختص بثمن الرهن على الأصح.

فإن فضل له فضل ضرب به مع الغرماء وإن فضل منه فضل رد على المال ثم بمن له عين مال يأخذها ثم يقسم الباقي بين باقي الغرماء على قدر ديونهم فإن كان فيهم من له دين مؤجل لم يحل وعنه: يحل ويشاركهم،
ـــــــ
"فإن فضل له فضل ضرب به مع الغرماء" لأنه ساواهم في ذلك وإن فضل منه أي: من الرهن "فضل رد على المال" لأنه انفك من الرهن بالوفاء فصار كسائر مال المفلس
أصل: لم يذكر المؤلف حكم مستأجر العين حيث أفلس المؤجر وهو أحق بها لأن حقه متعلق بالعين والمنفعة وهي مملوكة له في هذه المدة بخلاف ما لو استأجرها في الذمة فإنه أسوة الغرماء لعدم تعلق حقه بالعين
"ثم بمن له عين مال يأخذها" بالشروط السابقة "ثم يقسم الباقي بين باقي الغرماء" لتساوي حقوقهم في تعلقها بذمة المفلس "على قدر ديونهم" لأن فيه تسوية بينهم ومراعاة لكمية حقوقهم فلو قضى الحاكم أو المفلس بعضهم لم يصح لأنهم شركاؤه فلم يجز اختصاصه دونهم ولا يلزمهم بيان أن لا غريم سواهم بخلاف الورثة ذكره في الترغيب والفصول وغيرهما لئلا يأخذ أحدهم ما لا حق له فيه
"فإن كان فيهم من له دين مؤجل لم يحل" هذا هو المذهب المعروف وحكاه القاضي رواية واحدة لأن الأجل حق للمفلس فلا يسقط بفلسه كسائر حقوقه ولأنه لا يوجب حلول ماله فلا يوجب حلول ما عليه كالإغماء "وعنه: يحل" حكاها أبو الخطاب دفعا للضرر عن ربه ولأن الإفلاس يتعلق به الدين بالمال فأسقط الأجل كالموت
"ويشاركهم" كبقية الديون الحالة وعنه: إن وثق لم يحل لزوال الضرر والأجل نقلها ابن منصور والأول أصح وقياسهم على الموت مردود بالمنع ثم بتقدير تسليمه يفرق فإن ذمة الميت خربت بخلاف المفلس
فعلى هذا لا يوقف له شيء ولا يرجع على الغرماء إذا حل نعم إذا حل قبل

ومن مات وعليه دين مؤجل لم يحل إذا وثق الورثة وعنه: يحل،
ـــــــ
القسمة شاركهم وإن كان بعد قسمة البعض شاركهم في الباقي بجميع دينه ويضرب باقي الغرماء ببقية ديونهم.
"ومن مات وعليه دين مؤجل لم يحل" هذا هو المختار لعامة الأصحاب "إذا وثق الورثة" بأقل الأمرين من قيمة التركة أو الدين بكفيل مليء أو رهن لأن الأجل حق للميت فورث عنه كسائر حقوقه
وظاهره: أنه يحل إذا لم يوثقوا على الأشهر جزم به الشيخان لغلبة الضرر "وعنه: يحل" اختاره ابن أبي موسى لأنه إما أن يبقى في ذمة الميت أو الورثة أو متعلق بالمال فالأول منتف لخرابها وتعذر مطالبته
والثاني: كذلك لأنهم لم يلتزموا الدين ولا رضي صاحب الدين بذممهم وهي مختلفة متباينة.
والثالث: ممنوع لأنه لا يجوز تعليقه على الأعيان وتأجيله لأنه ضرر على الميت لأن ذمته مرتهنة بدينه وعلى صاحب المال لتأخر حقه وقد يسقط لتلف العين وعلى الورثة لأنهم لا ينتفعون بالأعيان ولا يتصرفون فيها
وظاهره: ولو قبله ربه وعنه: لا يحل مطلقا اختاره أبو محمد الجوزي كدينه
مسائل
الأولى: إذا ورثه بيت المال فوجهان أحدهما يحل لعدم وارث معين ولهذا للإمام أن يقطع الأراضي وإن كانت لجميع المسلمين والثاني: ينتقل إلى بيت المال ويضمن الإمام للغرماء.
الثانية: ظاهر كلامهم أنه إذا جن وعليه دين مؤجل أنه لا يحل وفي التلخيص كما سبق وكذا في حله بجنون
الثالثة: إذا مات وعليه دين حال ودين مؤجل و قلنا: لا يحل وماله بقدر

وإن ظهر غريم بعد قسم ماله رجع على الغرماء بقسطه وإن بقيت على المفلس بقية وله صنعة فهل يجبر على إيجار نفسه لقضائها؟ على روايتين
ـــــــ
الحال فهل يترك له ما يخصه ليأخذه أو يوفى الحال ويرجع على ورثته صاحب المؤجل بحصته إذا حل أو لا يرجع فيه أوجه.
الرابعة: إذا مات وعليه دين لم يمنع نقل التركة إلى الورثة فإن تصرفوا فيها صح كتصرف السيد في الجاني فإن تعذر وفاؤه فسخ تصرفهم وعنه: يمنع
وفي الانتصار الصحيح أنه في ذمة ميت والتركة رهن وفي الترغيب الدين وإن قل يمنعه من التصرف نظرا له فعلى ذلك لا يصح تصرف كل من الغرماء والورثة إلا بإذن الآخر وإن ضمنه ضامن وحل على أحدهما لم يحل على غيره
"وإن ظهر غريم بعد قسم ماله" لم ينقض خلافا ل المكافي "رجع على الغرماء بقسطه" لأنه لو كان حاضرا شاركهم فكذا إذا ظهر وفي المغني هي قسمة بان الخطأ فيها كقسمة أرضا أو ميراثا ثم بان شريك أو وارث قال الأزجي فلو كان له ألف اقتسمها غريماه نصفين ثم ظهر ثالث دينه كدين أحدهما رجع على كل واحد بثلث ما قبضه وإن كان أحدهما قد أتلف ما قبضه فظاهر المذهب أن الثالث: يأخذ من الآخر ثلث ما قبضه من غير زيادة.
فرع: ذكر المؤلف في فتاويه لو وصل مال لغائب فأقام رجل بينة أن له عليه دينا وأقام آخر بينة إن طالبا جميعا اشتركا وإن طالب أحدهما اختص به لاختصاصه بما يوجب التسليم وعدم تعلق الدين بماله قال في الفروع ومراده ولم يطالب أصلا وإلا شاركه مالم يقبضه
"وإن بقيت على المفلس بقية" من الديون "وله صنعة فهل يجبر على إيجار نفسه لقضائها؟ على روايتين" الأشهر أنه يجبر لأنه عليه السلام باع سرقا في دينه القدرة أبعرة رواه الدارقطني من رواية خالد بن مسلم الزنجي وفيه ضعف
والحر لا يباع فعلم أنه باع منافعه إذ المنافع تجري مجرى الأعيان في صحة

ولا ينفك عنه الحجر إلا بحكم حاكم فإذا فك عنه الحجر فلزمته ديون وحجر عليه شارك غرماء الحجر الأول غرماء الحجر الثاني: فإن كان المفلس حق له به شاهد واحد فأبى أن يحلف معه،
ـــــــ
العقد عليها وتحريم أخذ الزكاة فكذا هنا ولأن الإجارة عقد معارضة فجاز إجباره عليها كبيع ماله وكوقف وأم ولد استغني عنها
والثانية: لا لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ} االبقرة ولقوله عليه السلام: "خذوا ما وجدتم فليس لكم إلا ذلك" رواه مسلم
ولأنه تكسب للمال فلم يجبر عليه كقبول هبة ووصية وتزويج أم ولد ورد مبيع وإمضائه وفيه وجه مع الأحظ وأخذ دية عن قود والأول أصح والآية محمولة على من لا صنعة له وادعاء الفسخ في الحديث بعيد لأنه يلزم ثبوته بالاحتمال بدليل أنه لم يثبت أن بيع الحر كان جائزا في وقت في شريعتنا فتبين أن المراد ببيعه بيع منافعه مع انه أحسن من حمله النسخ وحينئذ يبقى الحجر ببقاء دينه إلى الوفاء
ولو طلبوا إعادته لما بقي بعد فك الحاكم لم يجبهم
"ولا ينفك عنه الحجر إلا بحكم حاكم" لأنه ثبت بحكمه فلا يزول إلا به كالمحجور عليه لسفه وقيل: يزول بقسمة ماله لأنه حجر عليه لأجله فإذا زال ملكه عنه زال الحجر كزوال حجر المجنون بزوال جنونه والفرق واضح فإنه ثبت بنفسه فزال بزواله بخلاف هذا ولأن فراغ ماله يحتاج إلى معرفة وبحث فوقف ذلك على الحاكم بخلاف الجنون
"فإذا فك عنه الحجر فلزمته ديون" وظهر له مال "وحجر عليه شارك غرماء الحجر الأول غرماء الحجر الثاني" لأنهم تساووا في ثبوت حقوقهم في ذمته فوجب أن يتساووا في المشاركة كغرماء الميت إلا أن الأولين يضربون ببقية ديونهم والآخرين يضربون بجميعها. "فإن كان للمفلس حق له به شاهد واحد فأبى أن يحلف معه" لم يجبر

لم يكن الغرماء أن يحلفوا.
فصل
الحكم الرابع: انقطاع المطالبة عن المفلس فمن أقرضه شيئا أو باعه لم يملك المطالبة حتى ينفك الحجر عنه.
فصل
الضرب الثاني: المحجور عليه لحظه وهو الصبي والمجنون والسفيه،
__________
لأنا لا نعلم صدق الشاهد "لم يكن للغرماء أن يحلفوا" لأنهم يثبتون ملكا لغريمهم لتتعلق حقوقهم به بعد ثبوته فلم يجز كالمرأة تحلف لإثبات ملك زوجها لتتعلق نفقتها به وكالورثة قبل موت موروثهم
وعلم منه أن المفلس إذا حلف مع شاهده ثبت المال وتعلقت به حقوق الغرماء.
فصل
"الحكم الرابع: انقطاع المطالبة عن المفلس" للنص ولأن قوله: {فَنَظِرَةٌ} خبر بمعنى الأمر أي: أنظروه إلى يساره مع قوله ليس لكم إلا ذلك "فمن اقرضه شيئا أو باعه لم يملك مطالبته" لتعلق حق الغرماء بعين ماله "حتى ينفك الحجر عنه" لأنه هو الذي أتلف ما له بمعاملة من لا شيء له لكن إذا وجد البائع والمقرض أعيان مالهما فهل لهما الرجوع فيها؟ على وجهين أحدهما: لهما ذلك للخبر والثاني: لا فسخ لهما لأنهما دخلا على بصيرة بخراب الذمة كما لو اشترى معيبا يعلم به.
فصل
"الضرب الثاني: المحجور عليه لحظه" إذ المصلحة تعود عليه بخلاف المفلس "وهو الصبي والمجنون والسفيه" إذ الحجر على هؤلاء حجر عام لأنهم يمنعون

فلا يصح تصرفهم قبل الإذن ومن دفع إليهم ماله ببيع أو قرض رجع فيه ما كان باقيا وإن تلف فهو من ضمان مالكه علم بالحجر أو لم يعلم وإن جنوا فعليهم أرش جنايتهم ومتى عقل المجنون وبلغ الصبي ورشدا انفك الحجر عنهما بغير حكم حاكم نص عليه،
ـــــــ
التصرف في أموالهم وذممهم "فلا يصح تصرفهم قبل الإذن" لأن تصحيح تصرفهم يفضي إلى ضياع مالهم وفيه ضرر عليهم "ومن دفع إليهم" أو إلى أحدهم "ماله ببيع أو قرض رجع فيه ما كان باقيا" لأنه عين ماله "وإن تلف" أو أتلفه "فهو من ضمان مالكه" لأنه سلطه عليه برضاه
وقيل: يضمن مجنون "علم بالحجر" لأنه فرط "أو لم يعلم" لتفريطه لكونه في مظنة الشهرة وقيل: يضمن سفيه جهل حجره هذا إذا كان صاحبه سلطه عليه فأما إن حصل في يده باختيار مالكه من غيرتسليط كالوديعة والعارية فوجهان فيه
ومن أعطوه مالا ضمنه حتى يأخذه وليه وإن أخذه ليحفظه لم يضمنه في الأصح وكذا إن أخذ مغصوبا ليحفظه لربه "وإن جنوا فعليهم أرش جنايتهم" لأنه لا تفريط من المالك والإتلاف يستوي فيه الأهل وغيره وكذا حكم المغصوب لحصوله في يده بغير اختيار المالك
"ومتى عقل المجنون وبلغ الصبي ورشدا انفك الحجر عنهما" فأما المجنون فبالاتفاق لأن الحجر عليه لجنونه فإذا زال وجب زوال الحجر لزوال علته وأما الصبي فلقوله تعالى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً} [النساء الآية:6].
"بغير حكم حاكم نص عليه" وفي المغني والشرح بغير خلاف في المجنون وفيه وجه أنه يفتقر إليه كالسفيه لأنه موضع اجتهاد فاحتيج في معرفة ذلك إليه وأما الصبي فلأن اشتراط ذلك زيادة على النص ولأنه محجور عليه بغير حكم حاكم فيزول بغير حكمه كالحجر على المجنون وفيه وجه وسواء رشده الولي أو لا.

ودفع إليهما مالهما ولا ينفك قبل ذلك بحال والبلوغ يحصل بالاحتلام،
ـــــــ
قال الشيخ تقي الدين: فلو نوزع في الرشد فشهد شاهدان قبل لأنه قد يعلم بالاستفاضة ومع عدمها له اليمين على وليه أنه لا يعلم رشده ولو تبرع وهو تحت الحجر فقامت بينة برشده نفذ "ودفع إليهما مالهما" لأن المانع من الدفع هو الحجر وقد زال وحكاه ابن المنذر اتفاقا لأن منعه من التصرف إنما كان لعجزه عنه وحفظا لماله فإذا صار أهلا للتصرف زال الحجر لزوال سببه
"ولا ينفك قبل ذلك بحال" ولو صار شيخا وروى الجوزجاني في المترجم قال كان القاسم بن محمد يلي أمر شيخ من قريش ذي أهل ومال لضعف عقله
ولأن المجنون الحجر عليه لجنونه فوجب استمراره عليه والصبي علق الله تعالى: الدفع إليه بشرطين والحكم المعلق بهما منتف بانتفاء أحدهما
قال ابن المنذر: وأكثر علماء الأمصار من أهل الحجاز والشام والعراق يرون الحجر على كل مضيع لماله صغيرا كان أو كبيرا
فرع: إذا كان لرجل مال وهو يقتر على نفسه ويضيق على عياله ويمنعهم من تناول الأشياء التي يتناولها أدنى الناس فيحجر الحاكم عليه بمعنى أنه ينصب له وليا ينفق عليه وعلى عياله بالمعروف وفيه احتمال وهو المذهب
"والبلوغ يحصل بالاحتلام" وهو خروج المني من القبل بغير خلاف لقوله تعالى: {وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا} [النور:59] ولقوله عليه السلام: "وعن الصبي حتى يحتلم"
قال ابن المنذر: أجمعوا على أن الفرائض والأحكام تجب على المحتلم العاقل
"أو بلوغ خمسة عشر سنة" أي: استكمالها لما روى ابن عمر قال:

أو بلوغ خمسة عشر سنة أو نبات الشعر الخشن حول القبل وتزيد الجارية بالحيض والحمل،
ـــــــ
عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني متفق عليه ولمسلم فاستصغرني وردني مع الغلمان
فإن قلت: بين أحد والخندق سنتان وجوابه: أن عرضه يوم أحد كان في أول سنة أربع عشرة ويوم الخندق عند استكمال خمس عشرة سنة لا يقال إجازته يوم الخندق لقوته لا لبلوغه لأنه صرح به في الخبر السابق مع أن رواية البيهقي بإسناد حسن ولم يرني بلغت رافعة للسؤال
يؤيده ما روى الشافعي أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى عماله أن لا يفرضوا إلا لمن بلغ خمس عشرة سنة
"أو نبات الشعر الخشن حول القبل" لأنه عليه السلام لما حكم سعد بن معاذ في بني قريظة فحكم بقتلهم وسبي ذراريهم وأمر أن يكشف عن مؤتزريهم فمن أنبت فهو من المقاتلة ومن لم ينبت فهو من الذرية فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لقد حكم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة" متفق عليه وقضية عطية القرظي شاهدة بذلك رواه الخمسة والحاكم وقال على شرطهما ولأن الإنبات يلازمه البلوغ غالبا ويستوي فيه الذكر والأنثى كالاحتلام
والخنثى يعتبر فيه الإنبات حول الفرجين وتقييده الشعر بالخشن ليخرج الزغب الضعيف فإنه ينبت للصغير
"وتزيد الجارية" على الذكر "بالحيض" بغير خلاف نعلمه لقوله عليه السلام: "لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار" رواه الترمذي وحسنه وعنه: لا يحكم ببلوغها بغيره نقلها جماعة قال أبو بكر: هي قول أول
"والحمل" لأنه دليل إنزالها ولأن الله تعالى أجرى العادة بخلق الولد من ماءيهما لقوله تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الْأِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجْ

والرشد الصلاح في المال ولا يدفع إليه ماله حتى يختبر،
ـــــــ
مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطارق:5-7] فعلى هذا يحكم ببلوغها في الوقت الذي حملت فيه قاله في الشرح
والمذهب: أنه يحكم ببلوغها إذا ولدت منذ ستة أشهر لأنه اليقين وفي التلخيص فإن كانت ممن لا يوطأ كأن طلقها زوجها وأتت بولد لأكثر مدة الحمل من حين طلاقها فيحكم ببلوغها قبل المفارقة
تنبيه: إذا حاض خنثى مشكل من فرجه وأنزل من ذكره وقيل: أو وجد أحدهما أو وجدا من مخرج واحد فقد بلغ فإن أمنى وحاض من مخرج واحد فلا ذكر ولا أنثى وفي البلوغ وجهان وقيل: لا يحكم بأن الخنثى ذكر بإنزاله من فرجه ولا بأنه أنثى بحيضه ولا ببلوغه بهما معا ولا بأحدهما والصحيح أن الإنزال علامة البلوغ مطلقا
"والرشد: الصلاح في المال" في قول أكثر العلماء لقوله تعالى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ } [النساء:6] قال ابن عباس: يعني صلاحا في أموالهم
وقال مجاهد: إذا كان عاقلا ولأن العدالة لا تعتبر في الرشد في الدوام فلا تعتبر في الابتداء كالزهد في الدنيا وهو مصلح لماله أشبه العدل فعلى هذا يدفع إليه ماله وإن كان مفسدا لدينه كمن يترك الصلاة ويمنع الزكاة ونحو ذلك
وقيل: والدّين اختاره ابن عقيل وقال: هو الأليق بمذهبنا قال في التلخيص نص عليه لأن الفاسق غيررشيد واستدل ابن عقيل بالآية الكريمة فإنها نكرة في سياق الامتنان فتعم
"ولا يدفع إليه ماله حتى يختبر" لقوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء:6] أي: اختبروهم فعلق الدفع على الاختبار والبلوغ وإيناس الرشد فوجب اختباره بتفويض التصرف إليه
وهو يختلف "فإن كان من أولاد التجار فبأن يتكرر منه البيع والشراء فلا

فإن كان من أولاد التجار فبأن يتكرر منه البيع والشراء فلا يغبن وإن كان من أولاد الرؤساء والكتاب فبأن يستوفي على وكيله فيما وكله فيه والجارية بشرائها القطن واستجادته ودفعها الأجرة إلى الغزالات والاستيفاء عليهن وأن يحفظ ما في يده عن صرفه فيما لا فائدة فيه كالغناء والقمار وشراء المحرمات ونحوه وعنه: لا يدفع إلى الجارية مالها بعد رشدها حتى تتزوج وتلد أو تقيم في بيت الزوج سنة،
ـــــــ
يغبن" غالبا غبنا فاحشا "وإن كان من أولاد الرؤساء والكتاب" وهو المراد من قوله في المغني والشرح وإن كان من أولاد الدهاقين والكبراء الذين يصان أمثالهم عن الأسواق "فبأن يستوفي على وكيله فيما وكله فيه" وزاد أبان يدفع إليه نفقة مدة لينفقها في مصالحه فإن صرفها في مواقعها ومصارفها فهو رشيد
"والجارية بشرائها القطن واستجادته" وكذا الكتان والإبريسم "ودفعها الأجرة إلى الغزالات والاستيفاء عليهن" فإذا وجدت ضابطة لما في يدها مستوفية من وكيلها دل على رشدها
"و" يشترط مع ما ذكرنا "أن يحفظ ما في يده عن صرفه فيما لا فائدة فيه كالغناء والقمار وشراء المحرمات ونحوه" كالخمر وآلات اللهو لأن من صرف ماله في ذلك عد سفيها مبذرا عرفا فكذا شرعا ولأن الشخص قد يحكم بسفهه بصرف ماله في المباح فلأن يحكم بسفهه في صرف ماله في المحرم بطريق الأولى: قاله ابن المنجا وفيه نظر فإن ابن عقيل وجماعة ذكروا أن ظاهر كلام أحمد أن التبذير والإسراف ما أخرجه في الحرام لقوله لو أن الدنيا لقمة فوضعها الرجل في في أخيه لم يكن إسرافا لكن قال الشيخ تقي الدين إذا أصرفه في مباح قدرا زائدا على المصلحة وقال ابن الجوزي في التبذير قولان أحدهما: إنفاق المال حق الثاني: الإسراف المتلف للمال لقوله تعالى: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} الإسراء وظاهره: أنه إذا أصرفه فيما فيه فائدة أو ليس بحرام لا يكون قادحا فيه وفي النهاية يقدح إذا تصدق بحيث يضر بعياله أو كان وحده ولم يثق بإمانة "وعنه" نقلها أبو طالب عنه "لا يدفع إلى الجارية مالها بعد رشدها حتى تتزوج وتلد أو تقيم في بيت الزوج سنة"،

ووقت الاختبار قبل البلوغ وعنه: بعده.
فصل
ولا تثبت الولاية على الصبي والمجنون إلا للأب ثم لوصيه،
ـــــــ
اختارها أبو بكر والقاضي والشيرازي وابن عقيل لما روى شريح قال عهد إلي عمر بن الخطاب أن لا أجيز لجارية عطية حتى تحول في بيت زوجها حولا أو تلد رواه سعيد في سننه ولم نعرف له مخالفا والأول أشهر وأصح وهو أنها إذا بلغت ورشدت دفع إليها مالها وكالرجل وكالتي دخل بها وحديث عمر لم يعلم انتشاره في الصحابة فلا يترك به عموم الكتاب مع أنه خاص في منع العطية فلم يمنع من تسليم مالها فعلى هذه الرواية إذا لم تتزوج دفع إليها إذا عنست أي: كبرت وبرزت للرجال وقيل: يدوم عليها "ووقت الاختبار قبل البلوغ" على الأصح لقوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء:6] الآية فظاهرها أن ابتلاءهم قبل البلوغ لأنه سماهم يتامى وإنما يكون ذلك قبل البلوغ ومد اختبارهم إلى البلوغ بلفظ حتى فدل على أنه قبله ولأن تأخيره إلى البلوغ يقتضي الحجر على البالغ الرشيد لكونه ممتدا حتى يختبر ويعلم رشده واختباره يمنع ذلك وقيل: يمنعه في الجارية لنقص خبرتها بالخفر وبالجملة هو مخصوص بالمراهق الذي يعرف المعاملة والمصلحة "وعنه: بعده" فيهما أومأ إليه أحمد لأن تصرفه قبل ذلك تصرف ممن لم يوجد فيه مظنة العقل وبيع الاختبار وشراؤه صحيح.
فصل
"ولا تثبت الولاية على الصبي والمجنون إلا للأب" الرشيد لأنها ولاية فقدم فيها الأب كولاية النكاح ولكمال شفقته ولهذا يجوز أن يشتري لنفسه من مال ولده بخلاف غيره وظاهره: ولو كافرا على ولده الكافر وتكفي العدالة ظاهرا لأن تفويضها إلى الفاسق تضييع للمال فلم يجز كالسفيه
وقيل: ومستور ثم لوصيه ما لم يعلم فسقه لأنه نائبه أشبه وكيله في

ثم للحاكم ولا يجوز لوليهما أن يتصرف في مالهما إلا على وجه الحظ لهما فإن تبرع أو حابى أو زاد على النفقة عليهما أو على من تلزمهما مؤنته بالمعروف ضمن،
ـــــــ
الحياة وظاهره: ولو بجعل وثم متبرع ذكره في الخلاف ونقل ابن منصور لا يقبض للصبي إلا الأب أو وصي وقاض فظاهره التسوية بين الأخيرين والمذهب يقدم الوصي
وعنه: يلي الجد ففي تقديمه على وصيه وجهان وجوابه أن الجد لا يدلي بنفسه وإنما يدلي بالأب فلم يل مال الصغير كالأخ
"ثم للحاكم" لأن الولاية انقطعت من جهته فثبتت للحاكم كولاية النكاح لأنه ولي من لا ولي له أي: بالصفات المعتبرة فإن لم يوجد فأمين يقوم به اختاره الشيخ تقي الدين وقال في حاكم عاجز كالعدم نقل ابن الحكم فيمن عنده مال تطالبه الورثة فيخاف من أمره نرى أن يخبر الحاكم ويرفعه إليه
قال: أما حكامنا هؤلاء اليوم فلا أرى أن يتقدم إلى أحد منهم شيئا وظاهره: أنه لا ولاية لغير هؤلاء لأن المال محل الخيانة ومن سواهم قاصر مأمون على المال فلم يملكه كالأجنبي. لكن سأله الأثرم عن رجل مات وله ورثة صغار كيف أصنع فقال إن لم يكن لهم وصي ولهم أم مشفقة يدفع إليها
"ولا يجوز لوليهما أن يتصرف في مالهما إلا على وجه الحظ لهما" لقوله تعالى: {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام:152] والمجنون في معناه ولقوله عليه السلام: "لا ضرر ولا إضرار" رواه أحمد
"فإن تبرع" بهبة أو صدقة "أو حابى" بزيادة أو نقصان "أو زاد على النفقة عليها أو على من تلزمهما مؤنته بالمعروف ضمن" لأنه مفرط فضمن كتصرفه في مال غيرهما ومراده والله أعلم أن يضمن القدر الزائد على الواجب لا مطلقا.

ولا يجوز أن يشتري من مالهما شيئا لنفسه ولا يبيعهما إلا الأب ولوليهما مكاتبة رقيقهما وعتقه على مال وتزويج إمائهما والسفر بمالهما،
ـــــــ
"ولا يجوز أن يشتري من مالهما شيئا لنفسه" لأنه عليه السلام نهى الوصي عن ذلك والحاكم في معناه "ولا يبيعهما" لأنه كالشراء معنى فيساويه حكما "إلا الأب" فيجوز اتفاقا لأنه يلي بنفسه فجاز أن يتولى طرفي العقد كالنكاح والتهمة بين الوالد وولده منتفية إذ من طبعه الشفقة عليه والميل إليه وترك حظ نفسه لحظه وبهذا فارق الوصي والحاكم. "ولوليهما مكاتبة رقيقهما" لأن فيه تحصيلا لمصلحة الدنيا والآخرة وفي الشرح إذا كان الحظ فيه مثل أن تكون قيمته مائة فيكاتبه على مائتين وفي الترغيب أنها تجوز لغير الحاكم. "وعتقه على مال" لأنه معاوضة لليتيم فيها حظ فملكها وليه كالبيع وظاهره: مطلقا لكن في الشرح إذا أعتقه بمال بقدر قيمته أو أقل لم يجز لعدم الحظ فيه وظاهره: أنه لا يجوز عتقه مجانا وعنه: بلى لمصلحة اختاره أبو بكر بأن تكون له أمة لها ولد يساويان مجتمعين مائة ولو أفردت ساوت مائتين ولا يمكن إفرادها بالبيع فتعتق الأخرى لتكثر قيمة الباقية.
فرع: له هبة ما له بعوض قاله القاضي وجماعة "وتزويج إمائهما" إن كان فيه مصلحة لأن فيه إعفافهن وتحصينهن عن الزنى ووجوب نفقتهن على الأزواج والمراد إذا طلبن منه ذلك أو رأى المصلحة فيه لأنه نائب عن مالكهن وعبر في المحرر والفروع بالرقيق وهو أعم. وعنه: يجوز لخوف فساده وعنه: لا يزوج أمة لتأكد حاجته إليها فيتوجه على هذا إذا كان اليتيم مستغنيا عن خدمتها أنه يجوز تزويجها إذا كان فيه مصلحة وفي الرعاية له تزويج عبده بأمته وتزويجها بغير عبده ولا يزوج عبده بغير أمته
"والسفر بمالهما" للتجارة وغيرها في مواضع آمنة في قول الجمهور لما روى

والمضاربة به والربح كله لليتيم وله دفعه مضاربة بجزء من الربح وبيعه نساء وقرضه برهن،
ـــــــ
عبد الله بن عمرو مرفوعا: "من ولي يتيما له مال فليتجر به ولا يتركه حتى تأكله الصدقة" وروي موقوفا على عمر وهو أصح ولأنه احظ للمولى عليه لكون نفقته في ربحه كما يفعله البالغون في أموالهم ولا يتجر إلا في المواضع الآمنة ومنع في المجرد والمغني والكافي من السفر به إلا لضرورة
"والمضاربة به والربح كله لليتيم" أي: إذا أتجر الولي بنفسه لأنه نماء مال اليتيم فلا يستحقه غيره إلا بعقد ولا يعقدها الولي لنفسه للتهمة وفيه وجه يجوز أن يأخذ مضاربة لنفسه لأنه جاز له أن يدفعه بذلك فجاز له أخذه
"وله دفعه مضاربة بجزء من الربح" لأن عائشة ابضعت مال محمد بن أبي بكر إذ الولي نائب عنه فيما فيه مصلحته وهذا مصلحة لما فيه من استبقاء ماله وحينئذ فللمضارب ما وافقه عليه الولي من الربح في قولهم جميعا وقيل: أجرة مثله وعند ابن عقيل بأقلهما
"وبيعه نساء" أي: إلى أجل إذا كان الحظ فيه قاله في الشرح لأنه قد يكون الثمن فيه أكثر لأن الأجل يأخذ قسطا من الثمن "وقرضه" على الأصح فيهما "برهن" لأنه أجود من إيداعه لما فيه من تعريضه للتلف
وقوله: "برهن" يحتمل أنه شرط فيهما فيأخذ على الثمن في الأولى: رهنا قال في الشرح أو كفيلا موثقا به فيحفظ الثمن به وفي الثانية واضح
وظاهره: أنه لا يجوز بغير رهن لأنه قد لا يأمن عوده لفلس ونحوه وقاله أيضا في الترغيب والمذهب زاد في المستوعب وإشهاد فيه روايتان فإن أمكنه أخذ الرهن وتركه فاحتمالان والمذهب جوازهما لمصلحة جزم به في المحرر والوجيز وقدمه في الفروع وذكر في المغني والشرح يقرضه لحاجة سفر أو خوف عليه أو غيرهما
وعلى المذهب لا يقرضه إلا لمليء أمين ليأمن جحوده ويقدر على

وشراء العقار لهما وبناؤه بما جرت عادة أهل بلده به إذا رأى المصلحة في ذلك كله وله شراء الأضحية لليتيم الموسر نص عليه،
ـــــــ
الإيفاء ذكره في الشرح ولا يقرضه لمودة ومكافأة نص عليه
فرع: له إيداعه مع إمكان قرضه ذكره في المغني وظاهره: متى جاز إيداعه وظاهر كلام الأكثر يجوز إيداعه لقولهم يتصرف بالمصلحة وقد يراه مصلحة ولا ضمان عليه إن تلف لعدم تفريطه وفي الكافي لا يودعه إلا لحاجة وانه يقرضه لحظه بلا رهن
"وشراء العقار لهما" لأنه مصلحة لكونه يحصل منه المغل مع بقاء الأصل وإذا جازت المضاربة فيه فهذا أولى "وبناؤه" لأنه في معنى الشراء إلا أن يكون الشراء أحظ وهو ممكن فيتعين تقديمه "بما جرت عادة أهل بلده به" وكذا في الوجيز لأنه العرف وقال الأصحاب يبنيه بالآجر دون اللبن لأنه إذا هدم فسد بخلاف الأول ولا بالجص لأنه يلتزق بالآجر ولو قدر فيفضي إلى كسره
وفي المغني أن له بناءه بما يرى الحظ فيه وليس كل الأماكن يبنى فيها بالآجر ولا يقدر فيها على الجيد وإن وجد فبقيمة كثيرة جدا
فلو قيد البناء بذلك أفضى إلى فوات الحظ فيحمل قولهم على من عادتهم البناء به كالعراق ونحوها ولا يصح حمله في حق غيرهم
"إذا رأى المصلحة في ذلك كله" هذا راجع إلى قوله: "ولوليهما إلى آخره" لأن المصلحة إذا انتفت في شيء من ذلك لم يكن قربانا بالتي هي أحسن وقد نهي عنه وظاهر الشرح أنه راجع إلى الشراء والبناء وفيه شيء
"وله شراء الأضحية لليتيم الموسر نص عليه" لأنه يوم عيد وفرح وجبر قلبه وإلحاقه بمن له أب كالثياب الحسنة مع استحباب التوسعة في هذا اليوم وهذا إذا كان موسرا لا يتضرر بشرائها فعلى هذا يحرم صدقته منها وفي الانتصار عن أحمد يجب لقوله للوصي التضحية عن اليتيم من ماله فدل أنها كزكاة.

وتركه في المكتب وأداء الأجرة عنه ولا يبيع عقارهما إلا لضرورة أو غبطة وهو أن يزاد في ثمنه الثلث فصاعداً،
ـــــــ
وعنه: لا يجوز ذلك لأنها إخراج من ماله بغير عوض فلم يجز كالهدية وحمل في المغني كلام أحمد على حالين فيمنع منها إذا كان الطفل لا يعقلها ولا يفرح بها ولا ينكسر قلبه بتركها وعكسه بعكسه
فائدة: ويفعل في مال اليتيم ما هو أرفق له من خلط وإفراد فلو مات من يتجر ليتيمه ولنفسه بماله وقد اشترى شيئا ولم يعرف لمن هو فالمذهب أنه يقرع فمن قرع حلف وأخذ وله الإذن لصغيرة في لعب بلعب غير مصورة وشراؤها بمالها نص عليهما
"وتركه في المكتب" ليتعلم الخط وما ينفعه "وأداء الأجرة عنه" لأنه من مصالحه أشبه نفقة مأكوله وملبوسه وكذا مداواته بأجرة بغير إذن حاكم نص عليه
ويجوز أن يسلمه في صناعة لمصلحته قاله في الشرح وله حمله بأجرة ليشهد الجماعة قاله في المجرد والفصول وإذنه في تصدقه بيسير قاله في المذهب
"ولا يبيع عقارهما إلا لضرورة" كحاجتهما إلى نفقة أو كسوة أو قضاء دين وليس له ما يدفع به حاجته لأن الضرورة لا بد من دفعها "أو غبطة" بأن يزاد في ثمنه زيادة على ثمن المثل قاله القاضي في الموضعين المذكورين وذكر هذا في الفروع قولا ثم فسرها المؤلف تبعا لأبي الخطاب
"وهو أن يزاد في ثمنه الثلث فصاعداً" لتكون المصلحة ظاهرة بينة والمذهب أن للولي البيع للمصلحة بدون ما ذكره المؤلف لأنه قد يكون بيعه أولى لكونه في مكان لا غلة فيه أو فيه غلة يسيرة أو لسوء الجار أو ليعمر به عقاره الآخر أو ذلك قال في الشرح متى كان الحظ في بيعه جاز وإلا فلا وهذا اختيار شيخنا وهو الصحيح إن شاء الله تعالى.

وإن وصى لأحدهما بمن يعتق عليه ولا تلزمه نفقته لإعسار الموصى له أو لغير ذلك وجب على الولي قبول الوصية وإلا لم يجز له قبولها.
فصل
ومن فك عنه الحجر فعاود السفه أعيد الحجر،
ـــــــ
وحاصله أنه لا يباع إلا بثمن المثل فلو نقص منه لم يصح ذكره في المغني والشرح
"وإن وصى لأحدهما بمن يعتق عليه ولا تلزمه نفقته لإعسار الموصى له أو غير ذلك وجب على الولي قبول الوصية" لأنه مصلحة محضة لا ضرر فيها وإلا لم يجز له قبولها أي: إذا لزمته النفقة حرم على الولي قبولها لما فيه من الضرر بتفويت ماله بالنفقة عليه.
فصل
"ومن فك عنه الحجر" لرشده أو بلوغه ودفع إليه ماله "فعاود السفه أعيد الحجر عليه" في قول الجماهير لما روى عروة بن الزبير: أن عبد الله بن جعفر ابتاع بيعا فقال علي لآتين عثمان ليحجر عليك فأتى عبد الله بن جعفر الزبير فذكر ذلك له فقال الزبير أنا شريكك في البيع فأتى علي عثمان فذكر لي القضية فقال الزبير أنا شريكه في البيع فقال عثمان كيف أحجر على رجل شريكه الزبير رواه الشافعي
قال أحمد: لم أسمع هذا إلا من أبي يوسف القاضي وهذه قضية اشتهرت ولم تنكر فكانت إجماعا ولأنه سفيه فيحجر عليه كما لو بلغ سفيها نظرا إلى دوران الحكم مع العلم والحاجر هنا الحاكم نقله الجماعة وهو وليه وقيل: أو أبوه وقيل: إن زال الحجر برشده بلا حكم عاد بمجرده
وجه الأول: أن التبذير يختلف فيحتاج إلى الاجتهاد وإذا افتقر السبب إلى الاجتهاد لم يثبت إلا بحكم الحاكم كالحجر على المفلس بخلاف الجنون،

ولا ينظر في ماله إلا الحاكم ولا ينفك عنه إلا بحكمه وقيل: ينفك عنه بمجرد رشده ويستحب إظهار الحجر عليه والإشهاد عليه ويصح تزوجه بإذن وليه وقال القاضي: يصح من غيرإذنه،
ـــــــ
فإنه لا يفتقر إلى الاجتهاد بغير خلاف
فرع: لو فسق ولم يبذر لم يحجر عليه وإن اعتبر في رشده إصلاح دينه فوجهان "ولا ينظر في ماله إلا الحاكم" لأن الحجر عليه يفتقر إلى الحاكم فكذا النظر في ماله "ولا ينفك عنه" أي: عن السفيه "إلا بحكمه" على الصحيح لأنه حجر ثبت بحكمه فلم يزل إلا به كالمفلس.
"وقيل: ينفك عنه بمجرد رشده" قاله أبو الخطاب لأن سبب الحجر زال فيزول بزواله كما في حق الصبي والمجنون
وجوابه: بأن الرشد يفتقر إلى اجتهاد في معرفته وزوال تبذيره فكان كابتداء الحجر عليه وفارق الصبي والمجنون فإن الحجر عليهما بغير حكم حاكم فيزول بغير حكمه
فرع: الشيخ الكبير ينكر عقله يحجر عليه قاله أحمد يعني إذا كبر واختل عقله كالمجنون لعجزه عن التصرف في ماله ونقل المروزي أرى أن يحجر الابن على الأب إذا أسرف بأن يضعه في الفساد وشراء المغنيات ونحوه
"ويستحب إظهار الحجر عليه" ليظهر أمره "والإشهاد عليه" وقد صرح بالعلة فقال "لتجتنب معاملته" وقد علم منه أن الإشهاد عليه ليس بشرط لأنه ينتشر أمره لشهرته وإن رأى الحاكم أن ينادي عليه بذلك ليعرفه الناس فعل قاله في الشرح
"ويصح تزوجه بإذن وليه" قاله أبو الخطاب وقدمه في الرعاية لأنه لا يأذن إلا بما فيه مصلحة له وحاجته تدعو إليه وليس مآله إلى التبذير وظاهره: أنه لا يصح بغير إذنه لأنه تصرف يجب به مال فلم يصح بغير إذن وليه كالشراء
"وقال القاضي: يصح من غيرإذنه" جزم به في الوجيز وصححه في

وهل يصح عتقه على روايتين وإن أقر بحد أو قصاص أو نسب أو طلق زوجته أخذ به
ـــــــ
الفروع لأنه عقد غير مالي فصح منه كخلعه وطلاقه ولزوم المال فيه بطريق الضمن وفي إجباره وجهان فإن أذن ففي لزومه تعيين المرأة وجهان ويتقيد بمهر المثل ويحتمل لزومه زيادة إذن فيها كتزويجه بها في وجه فإن عضله استقل
وإن علم أنه يطلق اشترى له جارية وإن خالع على مال لم يدفع إليه وقال القاضي: بلى فعلى الأول إذا أتلفه بعد قبضه لا ضمان عليه ولا تبرأ المرأة بدفعه إليه وهو من ضمانها إن أتلفه أو تلف في يده لأنها سلطته عليه
"وهل يصح عتقه على روايتين" أرجحهما وجزم به في الوجيز أنه لا يصح لأنه تبرع أشبه هبته ووقفه ولأنه محجور عليه لحفظ ماله فلم يصح كعتق الصبي
والثانية: بلى لأنه عتق من مكلف تام الملك فصح كالمفلس والراهن ورد بأن الحجر عليهما لحق غيرهما وفي عتقهما خلاف وظاهره: أنه يصح تدبيره ووصيته لأن ذلك محض مصلحة لأنه تقرب إلى الله تعالى: بماله بعد غناه عنه وكذا يصح استيلاده وتعتق الأمة بموته لأنه إذا صح من المجنون فمن السفيه أولى
فرع: يكفر بصوم كمفلس وإن فك حجره قبل تكفيره وقدر عتق ويستقل بما لا يتعلق بمال مقصوده
"وإن أقر" أي: المحجور عليه "بحد" أي: بما يوجبه كالزنى والسرقة "أو قصاص أو نسب أو طلق زوجته أخذ به" قال ابن المنذر هو إجماع من نحفظ عنه لأنه غير متهم في نفسه والحجر إنما يتعلق بماله فنقل على نفسه إذ الحجر لا تعلق له به والطلاق ليس بتصرف في المال فلا يمنع كالإقرار بالحد بدليل أنه يصح من العبد بغير إذن سيده مع منعه من التصرف في المال.

وإن أقر بمال لم يلزمه في حال حجره ويحتمل أن لا يلزمه مطلقا وحكم تصرف وليه حكم تصرف ولي الصبي والمجنون.
فصل
وللولي أن يأكل من مال المولى عليه بقدر عمله إذا احتاج إلى ذلك.
ـــــــ
تنبيه: لو اقر بما يوجب قصاصا فعفى المقر له على مال فوجهان
"وإن اقر بمال" كالدين أو ما يوجبه كجناية الخطأ وشبه العمد وإتلاف المال وغصبه "لم يلزمه في حال حجره" لأنه محجور عليه لحظه أشبه الصبي ولو قتلناه في الحال لزال معنى الحجر
وظاهره: أنه يلزمه ما أقر به بعد فك الحجر عنه في قول عامة الأصحاب لأنه مكلف فيلزمه ما أقر به عند زواله كالراهن والمفلس.
"ويحتمل أن لا يلزمه مطلقا" اختاره المؤلف ونصره في الشرح لأن المنع من نفوذ إقراره في حال الحجر عليه حفظ ماله ودفع الضرر عنه ونفوذه بعد فكه عنه لا يفيد إلا تأخير الضرر عليه إلى أكمل حالتيه لكن إن علم صحة ما أقر به كدين جناية ونحوه لزمه أداؤه ذكره في الشرح والوجيز
"وحكم تصرف وليه حكم تصرف ولي الصبي والمجنون" على ما سلف لأن ولايته على السفيه لحظه أشبه ولي الصبي.
فصل
"وللولي أن يأكل من مال المولى عليه بقدر عمله إذا احتاج إلى ذلك" لقوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:6] ولما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني فقير وليس لي شيء ولي يتيم فقال: "كل من مال يتيمك غير مسرف" رواه أبو بكر وروى ابن بطة عن الحسن العرني مرفوعا معناه.
ولأنه إنما يستحق بعمله فتقيد بقدره والمذهب كما جزم به الجماعة:

وهل يلزمه عوضه إذا أيسر على روايتين وكذلك يخرج في الناظر في الوقف
ـــــــ
أن له الأقل من أجرة مثله أو قدر كفايته لأنه يستحقه بالعمل والحاجة جميعا فلم يجز أن يأخذ إلا ما وجد فيه وفي الأيضاح إذا قدره حاكم وقيده في الرعاية والوجيز إن شغله ذلك عن كسب ما يقوم بكفايته
قال ابن رزين: يأكل فقير ومن يمنعه من معاشه بمعروف وظاهره: أنه لا يحل له تناول شيء مع غناه لقوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ} [النساء:6] وعنه: بلى اختاره ابن عقيل كالعمل في الزكاة وحمل الآية على الاستحباب
وعنه: لا يجوز للوصي أن يأكل شيئا من مال اليتيم مطلقا
"وهل يلزمه عوضه إذا أيسر على روايتين" كذا في المحرر الأصح أنه لا يلزمه لأن ذلك جعل عوضا له عن عمله فلم يلزمه عوضه كالأجير والمضارب ولأنه يقال أمر بالأكل ولم يذكر عوضا
والثانية: بلى وقاله مجاهد وعطاء وسعيد بن جبير لأنه استباحة بالحاجة من مال غيره فلزمه عوضه كالمضطر إلى طعام غيره وجوابه بأن العوض وجب عليه في ذمته بخلافه هنا وهذا الخلاف في غيرالأب قاله في المغني والشرح وإذا قلنا: برد البدل فيتوجه برده إلى الحاكم لأنه لا يبرئ نفسه بنفسه
"وكذلك يخرج في الناظر في الوقف" إذا لم يشرط له شيئا وهذا التخريج ذكره أبو الخطاب وغيره لأنه يساوي الوصي معنى وحكما ونص أحمد في الناظر أنه يأكل بمعروف وظاهره: ولو لم يكن محتاجا قاله في القواعد وعنه: أيضا إذا اشترط قيل له فيقضي دينه قال ما سمعت
قال الشيخ تقي الدين: لا يقدم بمعلومه بلا شرط إلا أن يأخذ أجرة عمله مع فقره كوصي اليتيم وفرق القاضي بين الوصي بأنه لا يمكنه موافقته على

ومتى زال الحجر عنه فادعى على الولي تعديا أو ما يوجب ضمانا فالقول قول الولي وكذلك القول قوله في دفع المال إليه بعد رشده وهل للزوج أن يحجر على امرأته في التبرع بما زاد على الثلث من مالها على روايتين.
ـــــــ
الأجرة والوكيل يمكنه
"ومتى زال الحجر عنه فادعى على الولي تعديا أو ما يوجب ضمانا" كدعوى النفقة وقدرها ووجود الغبطة والضرورة والمصلحة والتلف
"فالقول قول الولي" مع يمينه لأنه يقبل قوله في عدم التفريط فكذا هنا كالمودع وهذا ما لم يخالف عادة وعرفا وظاهره: أنه يحلف الولي ولو كان حاكما وهو رواية
والمذهب أنه لا يحلف الحاكم فلو قال أنفقت عليك منذ سنتين فقال منذ سنة قدم قول الصبي لأن الأصل يوافقه وظاهره: أن الحظ والغبطة لا تفتقر إلى ثبوت ذلك عند الحاكم. "وكذلك القول قوله في دفع المال إليه بعد رشده" هذا هو المذهب لأنه أمين أشبه المودع وقيل: يقبل قول الصبي لقوله تعالى: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ} [النساء:6] فمتى ترك الإشهاد فقد فرط فلزمه الضمان فعليه لا يقبل قول الولي إلا ببينة وكذلك الحكم في المجنون والسفية
"وهل للزوج" الرشيد قاله في الرعاية "أن يحجر على امرأته" أي: الرشيدة "في التبرع بما زاد على الثلث من مالها على روايتين" كذا في الرعاية أرجحهما ليس له منعها وهي ظاهر الخرقي وجزم بها في الوجيز وقدمها في الفروع لقوله تعالى: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء:6] وهي ظاهرة في فك الحجر عنهن وإطلاقهن في التصرف بدليل قوله عليه السلام: "يا معشر النساء تصدقن ولو من حليكن" وكن يتصدقن ويقبل منهن ولم يستفصل.

ـــــــ
ولأن من وجب دفع ماله إليه لرشده جاز له التصرف بغير إذن كالغلام
والثانية: يملك منعها من ذلك أي: بزيادة على الثلث نصره القاضي وأصحابه لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يجوز للمرأة عطية في مالها إلا بإذن زوجها إذ هو مالك عصمتها" رواه أبو داود ولأن حق الزوج يتعلق بمالها وينتفع به وإذا أعسر بالنفقة أنظرته فجرى مجرى حقوق الورثة المتعلقة بمال المريض
وجوابه: بأن شعيبا لم يدرك عبد الله بن عمرو وليس لهم حديث يدل على تحديد المنع بالثلث وقياسهم على المريض فاسد لأن المرض سبب يفضي إلى وصول المال إليهم بالميراث والزوجية إنما تجعله من أهل الميراث فهي أحد وصفي العلة فلا يثبت الحكم بمجردها كما لا يثبت لها الحجر على زوجها وظاهره: أنه لا يملك منعها من التبرع بما دون الثلث وعنه: بلى صححها في عيون المسائل قال لا تهب شيئا إلا بإذنه ولا ينفذ عتقها إلا بإذنه لظاهر الخبر.

فصل في الإذن
يجوز لولي الصبي المميز أن يأذن له في التجارة في إحدى الروايتين،
ـــــــ
فصل في الإذن"يجوز لولي الصبي المميز أن يأذن له في التجارة في إحدى الروايتين" جزم به في الوجيز وهو المرجح لقوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء:6] الآية أي: اختبروهم لتعلموا رشدهم وإنما يتحقق ذلك بتفويض الأمر إليهم من البيع والشراء ونحوه ولأنه عاقل محجور عليه فصح تصرفه بإذن وليه كالعبد
والثانية: لا يصح حتى يبلغ لأنه غير مكلف كغير المميز ولأن العقل لا يمكن الوقوف منه على الحد الذي يصلح به التصرف لخفائه فجعل الشارع له ضابطا وهو البلوغ فعلى المذهب لو تصرف بلا إذن لم يصح وقيل:

ويجوز ذلك لسيد العبد ولا ينفك عنهما الحجر إلا فيما أذن لهما فيه وفي النوع الذي أمرا به وإن أذن له في جميع أنواع التجارة لم يجز له أن يؤجر نفسه ولا يتوكل لغيره وهل له أن يوكل فيما يتولى مثله بنفسه على وجهين،
ـــــــ
بلى ويقف على الإجازة وبناهما في الشرح على تصرف الفضولي
"ويجوز ذلك لسيد العبد" بغير خلاف نعلمه لأن الحجر عليه إنما كان لحق السيد فجاز له التصرف بإذنه لزوال المانع
"ولا ينفك عنهما الحجر إلا فيما أذن لهما فيه وفي النوع الذي أمرا به" لأن كل واحد منهما يتصرف بالإذن من جهة آدمي فوجب أن يختص بما أذن له فيه وأمره به دون غيره كالوكيل والمضارب
وفي الانتصار رواية إن أذن لعبده في نوع ولم ينه عن غيره ملكه أي: جاز أن يتجر في غيره وينفك عنه الحجر مطلقا لأن إطلاق الإذن لا يتبعض كبلوغ الصبي وجوابه بأنه ينتقض بما إذا أذن له في شراء ثوب يلبسه ونحوه والرق سبب الحجر وهو موجود وظاهر كلامهم أنه كمضارب في البيع نسيئة وغيره ودل كلامه على أنه إذا كان لاثنين فأذن له أحدهما أنه لا يجوز له التصرف لأنه يقع بمجموعه
"وإن أذن له في جميع أنواع التجارة لم يجز له أن يؤجر نفسه ولا يتوكل لغيره" لأنه عقد على نفسه فلا يملكه إلا بإذن كبيع نفسه وتزويجه ولأن ذلك يشغله عن التجارة المقصودة بالإذن وفي إيجار عبيده وبهائمه خلاف في الانتصار وفي صحة شراء من يعتق على سيده وامرأته وزوج ربة المال وجهان أصحهما صحته وعليه إن صح وعليه دين فقيل يعتق وقيل: يباع فيه ومثله مضارب والأشهر يصح كمن نذر عتقه وشراءه من حلف لا يملكه. "وهل له أن يوكل فيما يتولى مثله بنفسه على وجهين" أحدهما: لا يجوز جزم به في الوجيز لأنه متصرف بالإذن فاختص بما أذن فيه،

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24