كتاب :البداية والنهاية
الامام الحافظ ابي الفداء اسماعيل بن كثير الدمشقي

حتى إذا صعد مشى رواه مسلم.
وقالت حبيبة بنت أبي تجراة يسعى يدور به إزاره من شدة السعي.
رواه أحمد.
وفي صحيح مسلم عن جابر كما تقدم أنه رقي على الصفا حتى رأى البيت.
وكذلك على المروة.
وقد قدمناه من حديث محمد بن إسحاق عن أبي جعفر الباقر، عن جابر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أناخ بعيره على باب المسجد يعني حتى طاف ثم لم يذكر أنه ركبه حال ما خرج إلى الصفا وهذا كله مما يقتضي أنه عليه السلام سعى بين الصفا والمروة ماشيا ولكن قال مسلم: ثنا عبد بن حميد، ثنا محمد - يعني ابن بكر - انا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع على راحلته بالبيت وبين الصفا والمروة على بعير ليراه الناس وليشرف وليسألوه فإن الناس غشوه، ولم يطف النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا.
ورواه مسلم أيضا: عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن علي بن مسهر، وعن علي بن خشرم، عن عيسى بن يونس، وعن محمد بن حاتم عن يحيى بن سعيد كلهم عن ابن جريج به وليس في بعضها وبين الصفا والمروة.
وقد رواه أبو داود عن أحمد بن حنبل، عن يحيى بن سعيد القطان، عن ابن جريج، أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: طاف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة
الوداع على راحلته بالبيت وبين الصفا والمروة.
ورواه النسائي: عن الفلاس عن يحيى، وعن عمران بن يزيد، عن سعيد بن إسحاق كلاهما عن ابن جريج به.
فهذا محفوظ من حديث ابن جريج وهو مشكل جدا لان بقية الروايات عن جابر وغيره تدل على أنه عليه السلام كان ماشيا بين الصفا والمروة، وقد تكون رواية أبي الزبير عن جابر لهذه الزيادة وهي قوله وبين الصفا والمروة مقحمة أو مدرجة ممن بعد الصحابي والله أعلم.
أو أنه عليه السلام طاف بين الصفا والمروة بعض الطوفان على قدميه وشوهد منه ما ذكر فلما ازدحم الناس عليه وكثروا ركب كما يدل عليه حديث ابن عباس الآتي قريبا.
وقد سلم ابن حزم أن طوافه الاول بالبيت كان ماشيا وحمل ركوبه في الطواف على ما بعد ذلك وادعى أنه كان راكبا في السعي بين الصفا والمروة قال: لانه لم يطف بينهما إلا مرة واحدة ثم تأول قول جابر حتى إذا انصبت قدماه في الوادي رمل بأنه لم يصدق ذلك وان كان راكبا فإنه إذا انصب بعيره فقد انصب كله وانصبت قدماه مع سائر جسده.
قال: وكذلك ذكر الرمل يعني به رمل الدابة براكبها وهذا التأويل بعيد جدا.
والله أعلم.
وقال أبو داود: ثنا أبو سلمة موسى، ثنا حماد، أنبأنا أبو عاصم الغنوي، عن أبي الطفيل قال: قلت لابن عباس: يزعم قومك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رمل بالبيت وأن ذلك من سنته.
قال: صدقوا وكذبوا فقلت: ما صدقوا وما كذبوا ؟ قال: صدقوا رمل رسول الله وكذبوا ليس بسنة: إن قريشا قالت زمن الحديبية دعوا محمدا وأصحابه حتى يموتوا موت النغف، فلما صالحوه على أن يحجوا من العام المقبل، فيقيموا بمكة ثلاثة أيام فقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركون من قبل قعيقعان فقال رسول الله لاصحابه أرملوا بالبيت ثلاثا وليس بسنة.
قالت: يزعم قومك أن رسول الله طاف بين الصفا

والمروة على بعير وأن ذلك سنة.
قال: صدقوا وكذبوا قلت: ما صدقوا وما كذبوا.
قال: صدقوا قد طاف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الصفا والمروة على بعير، وكذبوا ليست بسنة، كان الناس لا يدفعون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يصرفون عنه فطاف على بعير ليسمعوا كلامه وليروا مكانه ولا تناله أيديهم هكذا رواه أبو داود: وقد رواه مسلم: عن أبي كامل، عن عبد الواحد بن زياد.
عن
الجريري، عن أبي الطفيل، عن ابن عباس فذكر فضل الطواف بالبيت بنحو ما تقدم.
ثم قال قلت لابن عباس: أخبرني عن الطواف بين الصفا والمروة راكبا أسنة هو فإن قومك يزعمون أنه سنة، قال: صدقوا وكذبوا.
قلت: فما قولك صدقوا وكذبوا ؟ قال إن رسول الله كثر عليه الناس يقولون هذا محمد هذا محمد ! حتى خرج العواتق من البيوت وكان رسول الله لا يضرب الناس بين يديه، فلما كثر عليه الناس ركب.
قال ابن عباس: والمشي والسعي أفضل.
هذا لفظ مسلم، وهو يقتضي أنه إنما ركب في أثناء الحال.
وبه يحصل الجمع بين الاحاديث والله أعلم.
وأما ما رواه مسلم في صحيحه حيث قال: ثنا محمد بن رافع، ثنا يحيى بن آدم، ثنا زهير، عن عبد الملك بن سعيد، عن أبي الطفيل قال: قلت لابن عباس: أراني قد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فصفه لي قلت: رأيته عند المروة على ناقة وقد كثر الناس عليه فقال ابن عباس: ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم إنهم كانوا لا يضربون عنه، ولا يكرهون.
فقد تفرد به مسلم، وليس فيه دلالة على أنه عليه السلام سعى بين الصفا والمروة راكبا إذ لم يقيد ذلك بحجة الوداع ولا غيرها وبتقدير أن يكون ذلك في حجة الوداع فمن الجائز أنه عليه السلام بعد فراغه من السعي وجلوسه على المروة وخطبته الناس وأمره إياهم من لم يسق الهدي منهم أن يفسخ الحج إلى العمرة فحل الناس كلهم إلا من ساق الهدي كما تقدم في حديث جابر.
ثم بعد هذا كله أتى بناقته فركبها وسار إلى منزلة بالابطح كما سنذكره قريبا.
وحينئذ رآه أبو الطفيل عامر بن واثلة البكري، وهو معدود في صغار الصحابة.
قلت قد ذهب طائفة من العراقيين كأبي حنيفة وأصحابه والثوري إلى أن القارن يطوف طوافين، ويسعى سعيين، وهو مروي عن علي وابن مسعود ومجاهد والشعبي.
ولهم أن يحتجوا بحديث جابر الطويل ودلالة على أنه سعى بين الصفا والمروة ماشيا وحديثه هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم سعى بينهما راكبا على تعداد الطواف بينهما مرة ماشيا ومرة راكبا.
وقد روى سعيد بن منصور في سند عن علي رضي الله عنه أنه أهل بحجة وعمرة فلما قدم مكة طاف بالبيت وبالصفا والمروة لعمرته ثم عاد فطاف بالبيت وبالصفا والمروة لحجته ثم أقام حراما إلى يوم النحر هذا لفظه.
ورواه أبو ذر الهروي في مناسكه عن علي أنه جمع بين الحج والعمرة فطاف لهما طوافين وسعى
لهما سعيين، وقال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل.
وكذلك رواه البيهقي والدارقطني والنسائي في خصائص علي فقال البيهقي في سننه: أنبأنا أبو بكر بن الحارث الفقيه، أنبأنا علي بن عمر الحافظ، أنبأنا أبو محمد بن صاعد، ثنا محمد بن زنبور، ثنا فضيل بن عياض، عن منصور، عن إبراهيم، عن مالك بن الحارث أو منصور، عن مالك بن الحارث عن أبي نصر قال: لقيت

عليا وقد أهللت بالحج وأهل هو بالحج والعمرة.
فقلت: هل أستطيع أن أفعل كما فعلت ؟ قال: ذلك لو كنت بدأت بالعمرة قلت: كيف أفعل إذا أردت ذلك ؟ قال: تأخذ إداوة من ماء فتفيضها عليك ثم تهل بهما جميعا ثم تطوف لهما طوافين وتسعى لهما سعيين، ولا يحل لك حرام دون يوم النحر.
قال منصور: فذكرت ذلك لمجاهد قال: ما كنا نفئ إلا بطواف واحد، فأما الآن فلا نفعل.
قال الحافظ البيهقي وقد رواه سفيان بن عيينة، وسفيان الثوري، وشعبة عن منصور فلم يذكر فيه السعي.
قال: وأبو نصر هذا مجهول.
وإن صح فيحتمل أنه أراد طواف القدوم وطواف الزيارة.
قال وقد روي بأسانيد أخر عن علي مرفوعا وموقوفا ومدارها على الحسن بن عمارة وحفص بن أبي داود وعيسى بن عبد الله، وحماد بن عبد الرحمن كلهم ضعيف، لا يحتج بشئ مما رووه في ذلك.
والله أعلم.
قلت: والمنقول في الاحاديث الصحاح خلاف ذلك فقد قدمنا عن ابن عمر في صحيح البخاري: أنه أهل بعمرة وأدخل عليها الحج، فصار قارنا وطاف لهما طوافا واحدا بين الحج والعمرة وقال هكذا فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد روى الترمذي وابن ماجه والبيهقي من حديث الدراوردي عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر.
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من جمع بين الحج والعمرة طاف لهما طوافا واحدا وسعى لهما سعيا واحدا.
قال الترمذي: وهذا حديث حسن غريب.
قلت: إسناده على شرط مسلم.
وهكذا جرى لعائشة أم المؤمنين فإنها كانت ممن أهل بعمرة لعدم سوق الهدي معها، فلما حاضت أمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تغتسل وتهل بحج مع عمرتها فصارت قارنة فلما رجعوا من منى طلبت أن يعمرها من يعد الحج فأعمرها تطييبا لقلبها كما جاء مصرحا به في الحديث.
وقد قال الامام أبو عبد الله الشافعي أنبأنا مسلم - هو ابن
خالد - الزنجي عن ابن جريج عن عطاء أن رسول الله قال لعائشة: طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة يكفيك لحجك وعمرتك.
وهذا ظاهره الارسال وهو مسند في المعنى بدليل ما قال الشافعي أيضا: أخبرنا ابن عيينة عن ابن أبي نجيح، عن عطاء عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الشافعي: وربما قال سفيان، عن عطاء عن عائشة وربما قال عن عطاء أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة فذكره قال الحافظ البيهقي: ورواه ابن أبي عمر، عن سفيان بن عيينة موصولا.
وقد رواه مسلم من حديث وهيب عن ابن طاوس عن ابن عباس عن أبيه عن عائشة بمثله.
وروى مسلم من حديث ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابرا يقول دخل رسول الله على عائشة وهي تبكي فقال: مالك تبكين ؟ قالت: أبكي إن الناس حلوا ولم أحل وطافوا بالبيت، ولم أطف وهذا الحج قد حضر قال: إن هذا أمر قد كتبه الله على بنات آدم، فاغتسلي وأهلي بحج، ففعلت ذلك، فلما طهرت، قال: طوفي بالبيت وبين الصفا والمروة ثم حللت من حجك وعمرتك قالت: يا رسول الله إني أجد في نفسي من عمرتي، أني لم أكن طفت حتى حججت قال: اذهب بها يا عبد الرحمن فأعمرها من التنعيم.
وله من حديث ابن جريج أيضا أخبرني أبو الزبير سمعت جابرا قال: لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا، وعند أصحاب أبي حنيفة

رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الذين ساقوا الهدي كانوا قد قرنوا بين الحج والعمرة كما دل عليه الاحاديث المتقدمة.
والله أعلم.
وقال الشافعي: أنبأنا ابراهيم بن محمد، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عن علي قال في القارن يطوف طوافين ويسعى سعيين قال الشافعي: وقال بعض الناس طوفان وسعيان، واحتج فيه برواية ضعيفة عن علي.
قال جعفر يروى عن علي قولنا رويناه عن النبي صلى الله عليه وسلم لكن قال أبو داود: ثنا هارون بن عبد الله ومحمد بن رافع.
قالا: ثنا أبو عاصم، عن معروف يعني ابن خربوذ المكي حدثنا أبو الطفيل قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت على راحلته يستلم الركن بمحجن ثم يقبله، زاد محمد بن رافع ثم خرج إلى الصفا والمروة فطاف سبعا على راحلته وقد رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي داود الطيالسي عن معروف بن خربوذ به بدون
الزيادة التي ذكرها محمد بن رافع وكذلك رواه عبيد الله بن موسى عن معروف بدونها ورواه الحافظ البيهقي عن أبي سعيد بن أبي عمرو، عن الاصم، عن يحيى بن أبي طالب، عن يزيد بن أبي حكيم، عن يزيد بن مالك، عن أبي الطفيل بدونها فالله أعلم.
وقال الحافظ البيهقي: أنبأنا أبو بكر بن الحسن، وأبو زكريا بن أبي إسحاق قالا: ثنا أبو جعفر محمد بن علي بن رحيم، ثنا أحمد بن حازم، أنبأنا عبيد الله بن موسى، وجعفر بن عون قالا: أنبأنا أيمن بن نابل، عن قدامة بن عبد الله بن عمار قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسعى بين الصفا والمروة، على بعير لا ضرب ولا طرد ولا إليك إليك.
وقال البيهقي كذا قالا: وقد رواه جماعة غير أيمن فقالوا: يرمي الجمرة يوم النحر قال: ويحتمل أن يكونا صحيحين.
قلت رواه الامام أحمد في مسنده: عن وكيع، وقران بن تمام، وأبي قرة موسى بن طارف قاضي أهل اليمن، وأبي أحمد محمد بن عبد الله الزبيري، ومعتمر بن سليمان، عن أيمن بن نابل الحبشي أبي عمران المكي نزيل عسقلان مولى أبي بكر الصديق، وهو ثقة جليل من رجال البخاري عن قدامة بن عبد الله بن عمار الكلابي، أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة يوم النحر من بطن الوادي على ناقة صهباء لا ضرب ولا طرد ولا إليك إليك.
وهكذا رواه الترمذي عن أحمد بن منيع، عن مروان بن معاوية وأخرجه النسائي عن إسحاق بن راهويه، وابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة، كلاهما عن وكيع كلاهما عن أيمن بن نابل، عن قدامة كما رواه الامام أحمد.
وقال الترمذي: حسن صحيح.
فصل قال جابر في حديثه: حتى إذا كان آخر طوافه عند المروة قال: إني استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق الهدي.
رواه مسلم ففيه دلالة على من ذهب إلى أن السعي بين الصفا والمروة أربعة عشر كل ذهاب وإياب يحسب مرة قاله جماعة من أكابر الشافعية.
وهذا الحديث رد عليهم لان آخر الطواف عن قولهم يكون عند الصفا لا عند المروة ولهذا قال أحمد في روايته في حديث جابر فلما كان السابع عند المروة قال: أيها الناس إني لو استقبلت من أمري ما استدبرت لم أسق

الهدي، وجعلتها عمرة فمن لم يكن معه هدي فليحل وليجعلها عمرة فحل الناس كلهم.
وقال مسلم: فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدي.
فصل روى أمره عليه السلام لمن لم يسق الهدي بفسخ الحج إلى العمرة خلق من الصحابة يطول ذكرنا لهم هاهنا وموضع سرد ذلك كتاب الاحكام الكبير إن شاء الله.
وقد اختلف العلماء في ذلك فقال مالك وأبو حنيفة والشافعي: كان ذلك من خصائص الصحابة ثم نسخ جواز الفسخ لغيرهم وتمسكوا بقول أبي ذر رضي الله عنه لم يكن فسخ الحج إلى العمرة إلا لاصحاب محمد صلى الله عليه وسلم رواه مسلم، وأما الامام أحمد فرد ذلك.
وقال: قد رواه أحد عشر صحابيا فأين تقع هذه الرواية من ذلك وذهب رحمه الله إلى جواز الفسخ لغير الصحابة.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما بوجوب الفسخ على كل من لم يسق الهدي بل عنده أنه يحل شرعا إذا طاف بالبيت ولم يكن ساق هديا صار حلالا بمجرد ذلك، وليس عنه النسك إلا القران لمن ساق الهدي، أو التمتع لمن لم يسق، فالله أعلم.
قال البخاري: ثنا أبو النعمان، ثنا حماد بن زيد، عن عبد الملك بن جريج، عن عطاء، عن جابر، وعن طاوس عن ابن عباس.
قالا: قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه صبح رابعة من ذي الحجة يهلون بالحج لا يخلطه شئ فلما قدمنا أمرنا فجعلناها عمرة، وأن نحل إلى نسائنا ففشت تلك المقالة.
قال عطاء قال جابر: فيروح أحدنا إلى منى وذكره يقطر منيا.
قال جابر - يكفه - فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: بلغني أن قوما يقولون كذا وكذا والله لانا أبر وأتقى لله منهم، ولو أني استقبلت من أمري ما استدبرت ما أهديت، ولولا أن معي الهدي لاحللت فقام سراقة بن جعشم.
فقال، يا رسول الله هي لنا أو للابد ؟ فقال: بل للابد.
قال مسلم: ثنا قتيبة، ثنا الليث هو ابن سعد، عن أبي الزبير عن جابر.
أنه قال: أقبلنا مهلين مع رسول الله بحج مفرد وأقبلت عائشة بعمرة حتى إذا كنا بسرف عركت (1) حتى إذا قدمنا طفنا بالكعبة والصفا والمروة، وأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحل منا من لم يكن معه هدي.
قال: فقلنا حل ماذا قال الحل كله فواقعنا النساء وتطيبنا بالطيب، ولبسنا ثيابا وليس بيننا وبين عرفة إلا أربع ليال فهذان الحديثان فيهما
التصريح بأنه عليه السلام قدم مكة عام حجة الوداع لصبح رابعة ذي الحجة وذلك يوم الاحد حين ارتفع النهار وقت الضحاء لان أول ذي الحجة تلك السنة كان يوم الخميس بلا خلاف لان يوم عرفة منه كان يوم الجمعة بنص حديث عمر بن الخطاب الثابت في الصحيحين كما سيأتي.
فلما قدم عليه السلام يوم الاحد رابع الشهر بدأ كما ذكرنا بالطواف بالبيت ثم بالسعي بين الصفا والمروة فلم انتهى طوافه بينهما عند المروة، أمر من لم يكن معه هدي أن يحل من إحرامه حتما فوجب ذلك عليهم لا محالة، ففعلوه وبعضهم متأسف لاجل أنه عليه السلام لم يحل من إحرامه لاجل سوقه ؟
__________
(1) عركت: حاضت.

الهدي، وكانوا يحبون موافقته عليه السلام والتأسي به، فلما رأى ما عندهم من ذلك.
قال لهم: لو استقبلت من أمري ما استدبرت، لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة، أي لو أعلم أن هذا ليشق عليكم لكنت تركت سوق الهدي حتى أحل كما أحللتم، ومن هاهنا تتضح الدلالة على أفضلية التمتع كما ذهب إليه الامام أحمد أخذا من هذا فإنه قال: لا أشك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قارنا ولكن التمتع أفضل لتأسفه عليه، وجوابه أنه عليه السلام لم يتأسف على التمتع لكونه أفضل من القران في حق من ساق الهدي وإنما تأسف عليه لئلا يشق على أصحابه في بقائه على إحرامه وأمره لهم بالاحلال، ولهذا والله أعلم لما تأمل الامام أحمد هذا السر نص في رواية أخرى عنه على أن التمتع أفضل في حق من لم يسق الهدي لامره عليه السلام من لم يسق الهدي من أصحابه بالتمتع وأن القران أفضل في حق من ساق الهدي كما اختار الله عز وجل لنبيه صلوات الله وسلامه عليه في حجة الوداع وأمره له بذلك كما تقدم.
والله أعلم.
فصل ثم سار صلوات الله وسلامه عليه، بعد فراغه من طوافه بين الصفا والمروة وأمره بالفسخ لمن لم يسق الهدي، والناس معه حتى نزل بالابطح شرقي مكة، فأقام هنالك بقية يوم الاحد ويوم الاثنين والثلاثاء والاربعاء حتى صلى الصبح من يوم الخميس كل ذلك يصلي بأصحابه هنالك ولم
يعد إلى الكعبة من تلك الايام كلها.
قال البخاري (1): باب من لم يقرب الكعبة ولم يطف حتى يخرج إلى عرفة ويرجع بعد الطواف الاول: حدثنا محمد بن أبي بكر، ثنا فضيل بن سليمان، ثنا موسى بن عقبة قال: أخبرني كريب، عن عبد الله بن عباس قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة فطاف سبعا (2) وسعى بين الصفا والمروة ولم يقرب الكعبة بعد طوافه بها حتى رجع بها من عرفة.
انفرد به البخاري.
فصل وقدم - في هذا الوقت ورسول الله صلى الله عليه وسلم منيخ بالبطحاء خارج مكة - علي من اليمن وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد بعثه كما قدمنا إلى اليمن أميرا بعد خالد بن الوليد رضي الله عنهما فلما قدم وجد زوجته فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حلت كما حل أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين لم يسوقوا الهدي، واكتحلت ولبست ثيابا صبيغا فقال: من أمرك بهذا ؟ قالت: أبي، فذهب محرشا عليها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره أنها حلت ولبست ثيابا صبيغا واكتحلت، وزعمت أنك أمرتها بذلك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: صدقت، صدقت.
صدقت ثم قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: بم أهللت حين أوجبت
__________
(1) في كتاب الحج - 70 باب الحديث (1625) فتح الباري 3 / 485.
(2) سقطت عند البخاري.

الحج ؟ قال: باهلال كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم قال: فإن معي الهدي فلا تحل، فكان جماعة الهدي الذي جاء به علي من اليمن والذي أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم من المدينة واشتراه في الطريق مائة من الابل واشتركا في الهدي جميعا.
وقد تقدم هذا كله في صحيح مسلم رحمه الله.
وهذا التقرير يرد الرواية التي ذكرها الحافظ أبو القاسم الطبراني رحمه الله من حديث عكرمة عن ابن عباس.
أن عليا تلقى النبي صلى الله عليه وسلم إلى الجحفة والله أعلم.
وكان أبو موسى في جملة من قدم مع علي ولكنه لم يسق هديا فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يحل بعد ما طاف للعمرة وسعى ففسخ حجه إلى العمرة وصار متمتعا فكان يفتي بذلك في أثنا خلافة عمر بن الخطاب، فلما رأى عمر بن الخطاب أن يفرد الحج عن
العمرة ترك فتياه مهابة لامير المؤمنين عمر رضي الله عنه وأرضاه.
وقال الامام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أنبأنا سفيان، عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه.
قال: رأيت بلالا يؤذن ويدور، ويتبع فاه هاهنا وهاهنا وأصبعاه في أذنه.
قال: ورسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة له حمراء أراها من أدم.
قال: فخرج بلال بين يديه بالعنزة (1) فركزها فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال عبد الرزاق وسمعته بمكة قال: بالبطحاء يمر بين يديه الكلب والمرأة والحمار وعليه حلة حمراء كأني انظر إلى بريق ساقيه قال سفيان: نراها حبرة.
وقال أحمد: ثنا وكيع، ثنا سفيان عن عون بن أبي جحيفة عن أبيه.
قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بالابطح وهو في قبة له حمراء، فخرج بلال بفضل وضوئه فمن ناضح ونائل.
قال: فأذن بلال فكنت اتتبع فاه هكذا وهكذا - يعني يمينا وشمالا - قال ثم ركزت له عنزة فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه جبة له حمراء أو حلة حمراء وكأني انظر إلى بريق ساقيه، فصلى بنا إلى عنزة الظهر أو العصر ركعتين، تمر المرأة والكلب والحمار لا يمنع ثم لم يزل يصلي ركعتين حتى أتى المدينة.
وقال مرة: فصلى الظهر ركعتين والعصر ركعتين وأخرجاه في الصحيحين من حديث سفيان الثوري.
وقال أحمد أيضا: ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة وحجاج عن الحكم سمعت أبا جحيفة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهاجرة إلى البطحاء فتوضأ وصلى الظهر ركعتين وبين يديه عنزة، وزاد فيه عون عن أبيه عن أبي جحيفة وكان يمر من ورائنا الحمار والمرأة.
قال: حجاج في الحديث ثم قام الناس فجعلوا يأخذون يده فيمسحون بها وجوههم.
قال، فأخذت يده فوضعتها على وجهي فإذا هي أبرد من الثلج وأطيب ريحا من المسك.
وقد أخرجه صاحبا الصحيح من حديث شعبة بتمامه.
فصل فأقام عليه السلام بالابطح كما قدمنا، يوم الاحد ويوم الاثنين ويوم الثلاثاء ويوم الاربعاء.
وقد حل الناس إلا من ساق الهدي وقدم في هذه الايام علي بن أبي طالب من اليمن بمن معه من المسلمين وما معه من الاموال، ولم يعد عليه السلام إلى الكعبة بعد ما طاف بها، فلما أصبح عليه
__________
(1) العنزة: رميح بين العصا والرمح فيه زج.

السلام يوم الخميس صلى بالابطح الصبح من يومئذ، وهو يوم التروية (1) ويقال له يوم منى لانه يسار فيه إليها.
وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب قبل هذا اليوم.
ويقال للذي قبله فيما رأيته في بعض التعاليق يوم الزينة لانه يزين فيه البدن بالجلال ونحوها.
فالله أعلم.
قال الحافظ البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أحمد بن محمد بن جعفر الجلودي، ثنا محمد بن إسماعيل بن مهران، ثنا محمد بن يوسف، ثنا أبو قرة، عن موسى بن عقبة، عن نافع عن ابن عمر.
قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب يوم التروية خطب الناس فأخبرهم بمناسكهم، فركب عليه السلام قاصدا إلى منى قبل الزوال وقيل بعده وأحرم الذين كانوا قد حلوا بالحج من الابطح حين توجهوا إلى منى وانبعثت رواحلهم نحوها.
قال عبد الملك: عن عطاء، عن جابر بن عبد الله: قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحللنا حتى كان يوم التروية، وجعلنا مكة منا بظهر، لبينا بالحج.
ذكره البخاري تعليقا مجزوما.
وقال مسلم: ثنا محمد بن حاتم، ثنا يحيى بن سعيد، عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير عن جابر.
قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أحللنا أن نحرم إذا توجهنا إلى منى.
قال: وأهللنا من الابطح.
وقال عبيد بن جريج لابن عمر رأيتك إذا كنت بمكة أهل الناس إذا رأوا الهلال ولم تهل أنت حتى يوم التروية.
فقال لهم أر النبي صلى الله عليه وسلم يهل حتى تنبعث به راحلته.
رواه البخاري في جملة حديث طويل (2).
قال البخاري: وسئل عطاء عن المجاوز منى يلبي بالحج فقال: كان ابن عمر يلبي يوم التروية إذا صلى الظهر واستوى على راحلته قلت: هكذا كان ابن عمر يصنع إذا حج معتمرا يحل من العمرة فإذا كان يوم التروية لا يلبي حتى تنبعث به راحلته متوجها إلى منى كما أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذي الحليفة بعد ما صلى الظهر وانبعثت به راحلته، لكن يوم التروية لم يصل النبي صلى الله عليه وسلم الظهر بالابطح وإنما صلاها يومئذ بمنى وهذا مما لا نزاع فيه.
قال البخاري (3): باب أين يصلي الظهر يوم التروية.
حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا إسحاق الازرق، ثنا سفيان عن عبد العزيز بن رفيع قال: سألت أنس بن مالك قال قلت: أخبرني بشئ عقلته (4) من رسول الله صلى الله عليه وسلم أين صلى الظهر والعصر يوم التروية ؟ قال: بمنى.
قلت: فأين
صلى العصر يوم النفر ؟ قال: بالابطح.
ثم قال: افعل كما يفعل أمراؤك وقد أخرجه بقية الجماعة إلا ابن ماجه من طرق عن إسحاق بن يوسف الازرق عن سفيان الثوري به.
وكذلك رواه الامام أحمد عن إسحاق بن يوسف الازرق به.
وقال الترمذي حسن صحيح يستغرب من حديث الازرق عن الثوري.
ثم قال البخاري أنبأنا علي سمع أبا بكر بن عياش ثنا عبد العزيز بن رفيع.
قال
__________
(1) يوم التروية: وهو اليوم الثامن من ذي الحجة، سمي التروية لانهم كانوا يروون فيها إبلهم ويتروون من الماء لان تلك الاماكن لم تكن إذ ذاك فيها آبار ولا عيون.
(2) في كتاب اللباس - باب النعال السبتية وغيرها.
(3) في كتاب الحج - 83 باب الحديث 1653 فتح الباري 3 / 507.
(4) من البخاري، وفي الاصل عقلت، وفي النسخ المطبوعة.
علقت.

لقيت أنس بن مالك وحدثني إسماعيل بن أبان، ثنا أبو بكر بن عياش، عن عبد العزيز قال: خرجت إلى منى يوم التروية، فلقيت أنسا ذاهبا على حمار فقلت: أين صلى النبي صلى الله عليه وسلم هذا اليوم الظهر ؟ فقال أنظر حيث يصلي أمراؤك فصل.
وقال أحمد: ثنا أسود بن عامر، ثنا أبو كدينة، عن الاعمش، عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى خمس صلوات بمنى.
وقال أحمد أيضا: حدثنا أسود بن عامر، ثنا أبو محياة يحيى بن يعلى التيمي، عن الاعمش، عن الحكم عن مقسم، عن ابن عباس.
أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر يوم التروية بمنى، وصلى الغداة يوم عرفة بها.
وقد رواه أبو داود عن زهير بن حرب، عن أحوص، عن جواب، عن عمار بن زريق، عن سليمان بن مهران الاعمش به.
ولفظه: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر يوم التروية والفجر يوم عرفة بمنى.
وأخرجه الترمذي عن الاشج، عن عبد الله بن الاجلح، عن الاعمش بمعناه.
وقال ليس هذا مما عده شعبة فيما سمعه الحكم عن مقسم.
وقال الترمذي: ثنا أبو سعيد الاشج، ثنا عبد الله بن الاجلح، عن إسماعيل بن مسلم، عن عطاء، عن ابن عباس قال: صلى بنا رسول الله بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ثم غدا إلى عرفات.
ثم قال:
وإسماعيل بن مسلم قد تكلم فيه.
وفي الباب عن عبد الله بن الزبير، وأنس بن مالك.
وقال الامام أحمد (1) عمن رأى النبي صلى الله عليه وسلم أنه راح إلى منى يوم التروية وإلى جانبه بلال بيده عود عليه ثوب يظلل به رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني من الحر - تفرد به أحمد.
وقد نص الشافعي على أنه عليه السلام ركب من الابطح إلى منى بعد الزوال، ولكنه إنما صلى الظهر بمنى فقد يستدل له بهذا الحديث.
والله أعلم.
وتقدم في حديث جعفر بن محمد، عن أبيه عن جابر.
قال: فحل الناس كلهم وقصروا إلا النبي صلى الله عليه وسلم ومن كان معه هدي فلما كان يوم التروية توجهو إلى منى فأهلوا بالحج، وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر، ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس وأمر بقبة له من شعر فضربت له بنمرة فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية، فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة، فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصواء فرحلت له فأتى بطن الوادي فخطب الناس.
وقال: إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا كل شئ من أمر الجاهلية موضوع تحت قدمي، ودماء الجاهلية موضوعة وان أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث، وكان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل.
__________
(1) بياض في الاصل، وفي الفتح الرباني - كتاب الحج 3 باب 178 عن أبي أمامة عمن رأى النبي صلى الله عليه وآله...علق البنا قال: عمن رأى النبي صلى الله عليه وآله: يفيد أن أبا اسامة روى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله بواسطة، وقد جاء الحديث عند الطبراني في الكبير بغير واسطة، فيحتمل انه رواه مرتين، مرة بواسطة ومرة عن النبي صلى الله عليه وآله بغير واسطة، ويحتمل أنه عنى نفسه بقوله: عمن رأى النبي صلى الله عليه وآله وأبهم نفسه لغرض والله أعلم (الفتح الرباني ج 11 / 214).

وربا الجاهلية موضوع وأول ربا أضع ربانا ربا العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله، واتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولكم عليهم أن لا يوطئن فرشكم أحد تكرهونه، فإن فعلن ذلك فاضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن عليكم رزقهن
وكسوتهن بالمعروف وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعدي إن اعتصمتم به كتاب الله، وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون ؟ قالوا نشهد إنك قد بلغت وأديت ونصحت.
فقال: بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكتها على الناس، اللهم أشهد اللهم اشهد اللهم اشهد.
ثلاث مرات.
وقال أبو عبد الرحمن النسائي: أنبأنا علي بن حجر، عن مغيرة، عن موسى بن زياد بن حذيم بن عمرو السعدي، عن أبيه عن جده.
قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته يوم عرفة في حجة الوداع: اعلموا أن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا كحرمة شهركم هذا كحرمة بلدكم هذا.
وقال أبو داود: باب الخطبة على المنبر بعرفة.
حدثنا هناد، عن ابن أبي زائدة، ثنا سفيان بن عيينة، عن زيد بن أسلم، عن رجل من بني ضمرة عن أبيه أو عمه.
قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر بعرفة.
وهذا الاسناد ضعيف.
لان فيه رجلا مبهما ثم تقدم في حديث جابر الطويل أنه عليه السلام خطب على ناقته القصواء.
ثم قال أبو داود: ثنا مسدد، ثنا عبد الله بن داود، عن سلمة بن نبيط، عن جل من الحي عن أبيه نبيط: أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم واقفا بعرفة على بعير أحمر يخطب.
وهذا فيه مبهم أيضا.
ولكن حديث جابر شاهد له.
ثم قال أبو داود: حدثنا هناد بن السري، وعثمان بن أبي شيبة.
قالا: ثنا وكيع عن عبد المجيد بن أبي عمرو.
قال حدثني العداء بن خالد بن هوذة.
وقال هناد عن عبد المجيد، حدثني خالد بن العداء بن هوذة قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس يوم عرفة على بعير قائما في الركابين.
قال أبو داود: رواه ابن العلاء عن وكيع كما قال هناد.
وحدثنا عباس بن عبد العظيم، ثنا عثمان بن عمر، ثنا عبد المجيد أبو عمرو، عن العداء بن خالد بمعناه.
وفي الصحيحين عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بعرفات: من لم يجد نعلين فليلبس الخفين ومن لم يجد إزارا فليلبس السراويل للمحرم.
وقال محمد بن إسحاق: حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه عباد قال: كان الرجل الذي يصرخ في الناس بقول رسول الله وهو بعرفة ربيعة بن أمية بن خلف.
قال [ يقول له ] (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم قل أيها الناس إن رسول الله يقول: هل تدرون أي شهر هذا ؟ فيقولون: الشهر الحرام، فيقول: قل لهم إن الله قد حرم عليكم دماءكم
وأموالكم كحرمة شهركم هذا.
ثم يقول قل: أيها الناس إن رسول الله يقول هل تدرون أي بلد هذا ؟.
وذكر تمام الحديث.
وقال محمد بن إسحاق: حدثني ليث بن أبي سليم، عن شهر بن حوشب، عن عمرو بن خارجة قال: بعثني عتاب بن أسيد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو
__________
(1) ما بين معكوفين من ابن هشام.

واقف بعرفة في حاجة فبلغته ثم وقفت تحت ناقته وإن لعابها (1) ليقع على رأسي فسمعته يقول: أيها الناس إن الله أدى إلى كل ذي حق حقه، وإنه لا تجوز وصية لوارث، والولد للفراش، وللعاهر الحجر، ومن ادعى إلى غير أبيه، أو تولى غير مواليه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله له صرفا ولا عدلا (2).
وراه الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث قتادة عن شهر بن حوشب، عن عبد الرحمن بن غنم، عن عمرو بن خارجة به.
وقال الترمذي: حسن صحيح قلت وفيه اختلاف على قتادة والله أعلم.
وسنذكر الخطبة التي خطبها عليه السلام بعد هذه الخطبة يوم النحر وما فيها من الحكم والمواعظ والتفاصيل والآداب النبوية إن شاء الله.
قال البخاري (3): باب التلبية والتكبير إذا غدا من منى إلى عرفة: حدثنا عبد الله بن يوسف، أنبأنا مالك، عن محمد بن أبي بكر الثقفي أنه سأل أنس بن مالك - وهما غاديان من منى إلى عرفة - كيف كنتم تصنعون في هذا اليوم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: كان يهل منا المهل فلا ينكر عليه، ويكبر المكبر منا فلا ينكر عليه.
وأخرجه مسلم من حديث مالك وموسى بن عقبة كلاهما عن محمد بن أبي بكر بن عوف بن رباح الثقفي الحجازي عن أنس به.
وقال البخاري: ثنا عبد الله بن مسلمة ثنا مالك، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله: أن عبد الملك بن مروان كتب إلى الحجاج بن يوسف (4) أن يأتم بعبد الله بن عمر في الحج، فلما كان يوم عرفة جاء ابن عمر وأنا معه حين زاغت الشمس - أو زالت الشمس - فصالح عند فسطاطه: أين هذا ؟ فخرج إليه.
فقال اين عمر الرواح.
فقال: الآن ؟ قال: نعم ! فقال: أنظرني حتى أفيض علي ماء.
فنزل ابن عمر حتى خرج، فسار بيني
وبين أبي، فقلت: إن كنت تريد أن تصيب السنة اليوم فأقصر الخطبة وعجل الوقوف فقال ابن عمر: صدق.
ورواه البخاري أيضا عن القعنبي عن مالك.
وأخرجه النسائي من حديث أشهب وابن وهب عن مالك.
ثم قال البخاري بعد روايته هذا الحديث: وقال الليث: حدثني عقيل، عن ابن شهاب عن سالم: أن الحجاج عام نزل بابن الزبير، سأل عبد الله: كيف تصنع في هذا الموقف ؟ فقال: إن كنت تريد السنة فهجر بالصلاة (5) يوم عرفة.
فقال ابن عمر: صدق، إنهم كانوا يجمعون بين الظهر والعصر في السنة.
فقلت لسالم: أفعل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هل تبتغون بذلك إلا سنة (6).
وقال أبو داود: ثنا أحمد بن حنبل، ثنا يعقوب، ثنا أبي
__________
(1) في ابن هشام: لغامها، واللغام الرغوة التي تخرج على فم البعير.
(2) سيرة ابن هشام ج 4 / 252 - 253.
(3) في كتاب الحج - 86 باب الحديث (1659) فتح الباري 3 / 510.
(4) كان ذلك حين أرسل عبد الملك بن مروان الحجاج بن يوسف الثقفي لقتال ابن الزبير.
(5) هجر بالصلاة: أي صل بالهاجرة وهي شدة الحر.
(6) فتح الباري 3 / 514 الحديث 1662 وآخره: وهل يتبعون بذلك إلا سنته ؟.

عوف عن ابن إسحاق عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غدا من منى حين صلى الصبح صبيحة يوم عرفة، فنزل بنمرة وهي منزل الامام الذي ينزل به بعرفة، حتى إذا كان عند صلاة الظهر راح رسول الله صلى الله عليه وسلم مهجرا فجمع بين الظهر والعصر.
وهكذا ذكر جابر في حديثه بعد ما أورد الخطبة المتقدمة قال: ثم أذن بلال ثم أقام فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئا.
وهذا يقتضي أنه عليه السلام خطب أولا ثم أقيمت الصلاة ولم يتعرض للخطبة الثانية.
وقد قال الشافعي: أنبأنا إبراهيم بن محمد وغيره، عن جعفر بن محمد، عن أبيه وعن جابر في حجة الوداع.
قال: فراح النبي صلى الله عليه وسلم إلى الموقف بعرفة فخطب الناس الخطبة الاولى، ثم أذن بلال ثم أخذ النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة الثانية ففرغ من الخطبة وبلال من الاذان، ثم أقام بلال
فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر.
قال البيهقي تفرد به إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى.
قال مسلم: عن جابر ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات، وجعل جبل المشاة بين يديه واستقبل القبلة.
وقال البخاري: ثنا يحيى بن سليمان، عن ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث، عن بكير عن كريب عن ميمونة: أن الناس شكوا في صيام النبي صلى الله عليه وسلم فأرسلت إليه بحلاب وهو واقف في الموقف فشرب منه والناس ينظرون وأخرجه مسلم عن هارون بن سعيد الايلي عن ابن وهب به.
وقال البخاري: أنبأنا عبد الله بن يوسف، أنبأنا مالك، عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله، عن عمير مولى ابن عباس عن أم الفضل بنت الحارث أن ناسا تماروا عندها يوم عرفة في صوم النبي صلى الله عليه وسلم فقال بعضهم: هو صائم، وقال بعضهم: ليس بصائم فأرسلت إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره فيشربه.
ورواه مسلم من حديث مالك أيضا.
وأخرجاه من طرق أخر عن أبي النضر به.
قلت أم الفضل هي أخت ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين وقصتهما واحدة والله أعلم.
وصح إسناد الارسال إليها لانه من عندها اللهم إلا أن يكون بعد ذلك أو تعدد الارسال من هذه ومن هذه.
والله أعلم.
وقال الامام أحمد: ثنا إسماعيل، ثنا أيوب قال: لا أدري أسمعته من سعيد بن جبير أم عن بنيه عنه.
قال: أتيت على ابن عباس وهو بعرفة وهو يأكل رمانا.
وقال: أفطر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة وبعثت إليه أم الفضل بلبن فشربه.
وقال أحمد: ثنا وكيع، ثنا ابن أبي ذئب، عن صالح مولى التؤمة عن ابن عباس: أنهم تماروا في صوم النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة فأرسلت أم فضل إلى رسول الله بلبن فشربه.
وقال الامام أحمد: ثنا عبد الرزاق وأبو بكر قالا: أنبأنا ابن جريج قال: قال عطاء: دعا عبد الله بن عباس الفضل بن عباس إلى الطعام يوم عرفة، فقال: إني صائم، فقال عبد الله: لا تصم فإن رسول الله قرب إليه حلاب فيه لبن يوم عرفة فشرب منه، فلا تصم فإن الناس مستنون بكم.
وقال ابن بكير وروح: إن الناس يستنون بكم.
وقال البخاري: ثنا سليمان بن حرب، ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: بينا رجل واقف مع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفة إذ وقع عن راحلته فوقصته أو قال فأوقصته فقال النبي صلى الله عليه وسلم اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبين

ولا تمسوه طيبا ولا تخمروا رأسه ولا تحنطوه، فإن الله يبعثه يوم القيامة ملبيا.
ورواه مسلم عن أبي الربيع الزهراني، عن حماد بن زيد.
وقال النسائي: أنبأنا إسحاق بن ابراهيم هو ابن راهويه، أخبرنا وكيع، أنبأنا سفيان الثوري، عن بكير بن عطاء، عن عبد الرحمن بن يعمر الديلي قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة وأتاه أناس من أهل نجد فسألوه عن الحج فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الحج عرفة) فمن أدرك ليلة عرفة قبل طلوع الفجر من ليلة جمع فقد تم حجه.
وقد رواه بقية أصحاب السنن من حديث سفيان الثوري.
زاد النسائي وشعبة عن بكير بن عطاء به، وقال النسائي: أنبأنا قتيبة، أنبأنا سفيان، عن عمرو بن دينار، أخبرني عمرو بن عبد الله بن صفوان أن يزيد بن شيبان قال: كنا وقوفا بعرفة مكانا بعيدا من الموقف، فأتانا ابن مربع الانصاري فقال: إني رسول رسول الله إليكم يقول لكم: كونوا على مشاعركم فإنكم على إرث من إرث أبيكم ابراهيم.
وقد رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث سفيان بن عيينة به.
وقال الترمذي: هذا حديث حسن، ولا نعرفه إلا من حديث ابن عيينة عن عمرو بن دينار.
وابن مربع اسمه زيد بن مربع الانصاري، وإنما يعرف له هذا الحديث الواحد.
وقال وفي الباب عن علي وعائشة وجبير بن معطم والشريد بن سويد: وقد تقدم من رواية مسلم: عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف.
زاد مالك في موطئه: وارفعوا عن بطن عرفة.
فصل فيما حفظ من دعائه عليه السلام وهو واقف بعرفة: قد تقدم أنه عليه السلام أفطر يوم عرفة فدل على أن الافطار هناك أفضل من الصيام، لما فيه من التقوى على الدعاء لانه المقصود الاهم هناك، ولهذا وقف عليه السلام وهو راكب على الراحلة من لدن الزوال إلى أن غربت الشمس.
وقد روى أبو داود الطيالسي في مسنده: عن حوشب بن عقيل، عن مهدي الهجري، عن عكرمة عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة.
وقال الامام أحمد: حدثنا
عبد الرحمن بن مهدي، ثنا حوشب بن عقيل، حدثني مهدي المحاربي، حدثني عكرمة مولى ابن عباس قال: دخلت على أبي هريرة في بيته فسألته عن صوم يوم عرفة بعرفات فقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم عرفة بعرفات.
وقال عبد الرحمن مرة عن مهدي العبدي: وكذلك رواه أحمد: عن وكيع، عن حوشب، عن مهدي العبدي فذكره، وقد رواه أبو داود عن سليمان بن ح حرب عن حوشب.
والنسائي عن سليمان بن معبد عن سليمان بن حرب به.
وعن الفلاس عن ابن مهدي به.
وابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد كلاهما عن وكيع عن حوشب.
وقال الحافظ البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، وأبو سعيد بن أبي عمرو قالا: حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا أبو أسامة الكلبي، ثنا حسن بن الربيع، ثنا الحارث بن عبيد، عن حوشب بن عقيل، عن مهدي الهجري، عن عكرمة عن ابن عباس قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم

عن صوم يوم عرفة بعرفة.
قال البيهقي: كذا قال الحارث بن عبيد، والمحفوظ عن عكرمة عن أبي هريرة.
وروى أبو حاتم محمد بن حبان البستي في صحيحه: عن عبد الله بن عمرو أنه سئل عن صوم يوم عرفة فقال: حججت مع رسول الله فلم يصمه ومع أبي بكر فلم يصمه ومع عمر فلم يصمه وأنا فلا أصومه ولا آمر به ولا أنهى عنه.
قال الامام مالك: عن زياد بن أبي زياد مولى ابن عباس عن طلحة بن عبيد الله بن كريز: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أفضل الدعاء يوم عرفة وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
قال البيهقي هذا مرسل.
وقد روي عن مالك باسناد آخر موصولا وإسناده ضعيف.
وقد روى الامام أحمد والترمذي من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أفضل الدعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شئ قدير.
وللامام أحمد أيضا: عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده.
قال: كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شئ قدير.
وقال أبو عبد الله بن منده.
أنبأنا أحمد بن إسحاق بن أيوب النيسابوري، ثنا أحمد بن
داود بن جابر الاحمسي، ثنا أحمد بن إبراهيم الموصلي، ثنا فرج بن فضالة، عن يحيى بن سعيد، عن نافع عن ابن عمر.
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعائي ودعاء الانبياء قبلي عشية عرفة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير.
وقال الامام أحمد: ثنا يزيد يعني ابن عبد ربه الجرجسي، ثنا بقية بن الوليد، حدثني جبير بن عمرو القرشي، عن أبي سعيد الانصاري، عن أبي يحيى، مولى آل الزبير بن العوام، عن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بعرفة يقرأ هذه الآية * (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم) * [ آل عمران: 18 ] وأنا على ذلك من الشاهدين يا رب.
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني في مناسكه: ثنا الحسن بن مثنى بن معاذ العنبري، ثنا عفان بن مسلم، ثنا قيس بن الربيع، عن الاغر بن الصباح، عن خليفة عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل ما قلت أنا والانبياء قبلي عشية عرفة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير.
وقال الترمذي في الدعوات: ثنا محمد بن حاتم المؤدب، ثنا علي بن ثابت، ثنا قيس بن الربيع، وكان من بني أسد، عن الاغر بن الصباح، عن خليفة بن حصين عن علي رضي الله عنه قال: كان أكثر ما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة في الموقف: اللهم لك الحمد كالذي نقول، وخير مما نقول اللهم لك صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي، ولك رب تراثي، أعوذ بك من عذاب القبر ووسوسة الصدر وشتات الامر.
اللهم إني أعوذ بك من شر ما تهب به الريح.
ثم قال: غريب من هذا الوجه، وليس إسناده بالقوي.
وقد رواه الحافظ البيهقي من طريق موسى بن عبيدة عن أخيه عبد الله بن عبيدة، عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أكثر دعاء من كان قبلي ودعائي يوم عرفة أن أقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير.
اللهم اجعل في بصري نورا وفي سمعي نورا، وفي قلبي نورا.

اللهم اشرح لي صدري، ويسر لي أمري.
اللهم إني أعوذ بك من وسواس الصدر، وشتات الامر، وشر فتنة القبر، وشر ما يلج في الليل وشر ما يلج في النهار وشر ما تهب به الرياح وشر
بوائق الدهر.
ثم قال: تفرد به موسى بن عبيدة وهو ضعيف.
وأخوه عبد الله لم يدرك عليا: وقال الطبراني في مناسكه: حدثنا يحيى بن عثمان النصري، ثنا يحيى بن بكير، ثنا يحيى بن صالح الايلي، عن إسماعيل بن أمية، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس قال: كان فيما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: اللهم إنك تسمع كلامي وترى مكاني وتعلم سري وعلانيتي، ولا يخفى عليك شئ من أمري، أنا البائس الفقير المستغيث المستجير، الوجل المشفق المعترف بذنبه، أسألك مسألة المسكين، وأبتهل إليك ابتهال الذليل، وأدعوك دعاء الخائف الضرير: من خضعت لك رقبته، وفاضت لك عبرته، وذل لك جسده ورغم لك أنفه.
اللهم لا تجعلني بدعائك رب شقيا وكن بي رؤوفا رحيما، يا خير المسؤولين ويا خير المعطين.
وقال الامام أحمد: حدثنا هشيم: أنبأنا عبد الملك ثنا عطاء.
قال قال أسامة بن زيد: كنت رديف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات فرفع يديه: يدعو فمالت به ناقته فسقط خطامها قال: فتناول الخطام باحدى يديه وهو رافع يده الاخرى.
وهكذا رواه النسائي عن يعقوب بن إبراهيم عن هشيم، وقال الحافظ البيهقي.
أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب، ثنا علي بن الحسن، ثنا عبد المجيد بن عبد العزيز، ثنا ابن جريج، عن حسين بن عبد الله الهاشمي، عن عكرمة عن ابن عباس قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو بعرفة يداه إلى صدره كاستطعام المسكين.
وقال أبو داود الطيالسي في مسنده: حدثنا عبد القاهر بن السري، حدثني ابن كنانة بن العباس بن مرداس، عن أبيه، عن جده عباس بن مرداس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا عشية عرفة لامته بالمغفرة والرحمة فأكثر الدعاء، فأوحى الله إليه إني قد فعلت إلا ظلم بعضهم بعضا، وأما ذنوبهم فيما بيني وبينهم فقد غفرتها، فقال: يا رب إنك قادر على أن تثيب هذا المظلوم خيرا من مظلمته، وتغفر لهذا الظالم فلم يجبه تلك العشية، فلما كان غداة المزدلفة أعاد الدعاء فأجابه الله تعالى إني قد غفرت لهم.
فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له بعض أصحابه: يا رسول الله تبسمت في ساعة لم تكن تتبسم فيها.
قال: تبسمت من عدو الله إبليس إنه لما علم أن الله عز وجل قد استجاب لي في أمتي أهوى يدعو بالويل والثبور، ويحثو التراب على رأسه.
ورواه أبو داود السجستاني في سننه: عن عيسى بن إبراهيم
البركي وأبي الوليد الطيالسي كلاهما عن عبد القاهر بن السري، عن كنانة بن عباس بن مرداس عن أبيه عن جده مختصرا.
ورواه ابن ماجه عن أيوب بن محمد الهاشمي بن عبد القاهر بن السري، عن عبد الله بن كنانة بن عباس، عن أبيه عن جده به مطولا: ورواه ابن جرير: في تفسيره عن إسماعيل بن سيف العجلي، عن عبد القاهر بن السري، عن ابن كنانة يقال له أبو لبابة عن أبيه عن جده العباس بن مرداس فذكره.
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني: ثنا إسحاق بن إبراهيم الدبري، ثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر عمن سمع قتادة يقول: ثنا جلاس بن

عمرو، عن عبادة بن الصامت.
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة: أيها الناس إن الله تطول عليكم في هذا اليوم، فغفر لكم إلا التبعات (1) فيما بينكم، ووهب مسيئكم لمحسنكم.
وأعطى محسنكم ما سأل.
فادفعوا بسم الله.
فلما كانوا بجمع.
قال: إن الله قد غفر لصالحكم وشفع لصالحيكم في طالحيكم، تنزل الرحمة فتعمهم، ثم تفرق الرحمة (2) في الارض فتقع على كل تائب ممن حفظ لسانه ويده.
وإبليس وجنوده على جبال عرفات ينظرون ما يصنع الله بهم، فإذا نزلت الرحمة دعا هو وجنوده بالويل والثبور، كنت أستفزهم حقبا من الدهر (3) المغفرة فغشيتهم، فيتفرقون يدعون بالويل والثبور.
ذكر ما نزل على رسول الله من الوحي في هذا الموقف قال الامام أحمد: ثنا جعفر بن عون، ثنا أبو العميس، عن قيس بن مسلم، عن طارق بن شهاب.
قال: جاء من اليهود إلى عمر بن الخطاب فقال: يا أمير المؤمنين إنكم تقرأون آية في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا.
قال وأي آية هي ؟ قال: قوله تعالى: * (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) * [ المائدة: 3 ] فقال عمر: والله إني لاعلم اليوم الذي نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والساعة التي نزلت فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة في يوم جمعة (4).
ورواه البخاري عن الحسن بن الصباح عن جعفر بن عون.
وأخرجه أيضا مسلم والترمذي والنسائي من طرق عن قيس بن مسلم به.
ذكر إفاضته عليه السلام من عرفات إلى المشعر الحرام قال جابر في حديثه الطويل: فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس، وذهبت الصفرة قليلا قليلا، حين غاب القرص فأردف أسامة خلفه، ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد شنق لناقته القصواء الزمام حتى إن رأسها ليصيب مورك رجله، ويقول بيده اليمنى: أيها الناس السكينة السكينة ! كلما أتى جبلا من الجبال أرخى لها قليلا حتى تصعد حتى أتى المزدلفة، فصلى بها المغرب والعشاء بأذان وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئا.
رواه مسلم.
وقال البخاري (5) باب السير إذا دفع من
__________
(1) التبعات: ما يتبع المال من نوائب الحقوق، وهو من تبعت الرجل بحقي، والتبيع: الذي يتبعك بحق يطالبك به.
والمعنى أن الله تعالى يغفر الذنوب كلها إلا حقوق الآدميين المتعلقة بالذمة ليطالب بها حقا.
(2) في رواية الترغيب: المغفرة.
(3) بياض بالاصل، ولعله (خوف المغفرة).
(4) رواه البخاري في كتاب الايمان (33) باب الحديث (45).
وفي كتاب التفسير - باب اليوم أكملت لكم دينكم.
وأخرجه مسلم في التفسير - الحديث (5).
والترمذي في تفسير سورة المائدة (5 / 250) والنسائي في كتاب الحج.
(5) في كتاب الحج - 92 باب الحديث 1666.

عرفة.
حدثنا عبد الله بن يوسف، أنبأنا مالك، عن هشام بن عروة عن أبيه.
قال: سئل أسامة وأنا جالس: كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يسير في حجة الوداع حين دفع ؟ قال: كان يسير العنق (1)، فإذا وجد فجوة نص.
قال هشام - والنص - فوق العنق.
ورواه الامام أحمد وبقية الجماعة إلا الترمذي من طرق عدة عن هشام بن عروة عن أبيه عن أسامة بن زيد.
وقال الامام أحمد: ثنا يعقوف، ثنا أبي، عن ابن إسحاق، عن هشام بن عروة عن أبيه، عن أسامة بن زيد قال: كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة قال: فلما وقعت الشمس دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سمع حطمة الناس خلفه.
قال: رويدا أيها الناس عليكم السكينة إن البر ليس بالايضاع (2).
قال: فكان
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التحم عليه الناس أعنق، وإذا وجد فرجة نص، حتى أتى المزدلفة فجمع فيها بين الصلاتين المغرب والعشاء الآخرة.
ثم رواه الامام أحمد من طريق محمد بن إسحاق حدثني إبراهيم بن عقبة، عن كريب عن أسامة بن زيد فذكر مثله.
وقال الامام أحمد: ثنا أبو كامل، ثنا حماد، عن قيس بن سعد، عن عطاء عن ابن عباس، عن أسامة بن زيد قال: أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة وأنا رديفه، فجعل يكبح راحلته حتى إن ذفراها (3) ليكاد يصيب قادمة الرحل.
ويقول: يا أيها الناس عليكم السكينة والوقار فإن البر ليس في إيضاع الابل.
وكذا رواه عن عفان عن حماد بن سلمة به ورواه النسائي من حديث حماد بن سلمة به.
ورواه مسلم عن زهير بن حرب، عن يزيد بن هارون، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء، عن ابن عباس عن أسامة بنحوه.
قال وقال أسامة: فما زال يسير على هينة حتى أتى جمعا.
وقال الامام أحمد: حدثنا أحمد بن الحجاج، ثنا ابن أبي فديك، عن ابن أبي ذئب، عن شعبة، عن ابن عباس، عن أسامة بن زيد.
أنه ردف رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة حتى دخل الشعب ثم أهراق الماء وتوضأ، ثم ركب ولم يصل.
وقال الامام أحمد: ثنا عبد الصمد، ثنا همام، عن قتادة، عن عروة، عن الشعبي، عن أسامة بن زيد أنه حدثه.
قال: كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أفاض من عرفات، فلم ترفع راحلته رجلها غادية حتى بلغ جمعا.
وقال الامام أحمد: ثنا سفيان، عن إبراهيم بن عقبة، عن كريب، عن ابن عباس أخبرني أسامة بن زيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم أردفه من عرفة فلما أتى الشعب نزل فبال ولم يقل أهراق الماء فصببت عليه فتوضأ وضوءا خفيفا فقلت: الصلاة ؟ فقال: الصلاة أمامك: قال: ثم أتى المزدلفة فصلى المغرب ثم حلوا رحالهم ثم صلى العشاء.
كذا رواه الامام أحمد عن كريب، عن ابن عباس عن أسامة بن زيد فذكر.
ورواه النسائي عن الحسين بن حرب (4)، عن سفيان بن عيينة، عن إبراهيم بن عقبة،
__________
(1) العنق: بفتح المهملة والنون: هو السير الذي بين الابطاء والاسراع.
وقال الزمخشري: الخطو الفسيح وقال القزاز: العنق: سير سريع.
(2) الايضاع: الاسراع.
(3) ذفراه: تثنية ذفرى وهي العظم الشاخص خلف الاذن.
(4) الحديث في سنن النسائي 2 / 46 وفيه: حدثنا وكيع قال: حدثنا سفيان...

ومحمد بن أبي حرملة كلاهما عن كريب عن ابن عباس عن أسامة.
قال شيخنا أبو الحجاج المزي في أطرافه والصحيح كريب عن أسامة.
وقال البخاري: ثنا عبد الله بن يوسف، أنبأنا مالك، عن موسى بن عقبة عن كريب، عن أسامة بن زيد.
أنه سمعه يقول: دفع رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفة فنزل الشعب فبال ثم توضأ فلم يسبغ الوضوء، فقلت له: الصلاة ؟ فقال: الصلاة أمامك.
فجاء المزدلفة فتوضأ فأسبغ ثم أقيمت الصلاة فصلى المغرب ثم أناخ كل انسان بعيره في منزله ثم أقيمت الصلاة فصلى العشاء، ولم يصل بينهما.
وهكذا رواه البخاري أيضا عن القعنبي، ومسلم عن يحيى بن يحيى، والنسائي عن قتيبة عن مالك عن موسى بن عقبة به.
وأخرجاه من حديث يحيى بن سعيد الانصاري، عن موسى بن عقبة أيضا.
ورواه مسلم من حديث إبراهيم بن عقبة، ومحمد بن عقبة، عن كريب كنحو رواية أخيهما موسى بن عقبة عنه.
وقال البخاري أيضا: ثنا قتيبة، ثنا إسماعيل بن جعفر، عن محمد بن أبي حرملة (1)، عن كريب، عن أسامة بن زيد.
أنه قال: ردفت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم الشعب الايسر الذي دون المزدلفة أناخ فبال، ثم جاء فصببت عليه الوضوء فتوضأ وضوءا خفيفا.
فقلت: الصلاة يا رسول الله ؟ قال: الصلاة أمامك، فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتى المزدلفة فصلى ثم ردف الفضل رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة جمع.
قال كريب: فأخبرني عبد الله بن عباس عن الفضل: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يزل يلبي حتى بلغ الجمرة.
ورواه مسلم عن قتيبة، ويحيى بن يحيى، ويحيى بن أيوب، وعلي بن حجر أربعتهم عن إسماعيل بن جعفر به.
وقال الامام أحمد: ثنا وكيع، ثنا عمر بن ذر، عن مجاهد، عن أسامة بن زيد.
أن رسول الله أردفه من عرفة.
قال فقال الناس: سيخبرنا صاحبنا ما صنع.
قال فقال أسامة: لما دفع من عرفة فوقف، كف رأس راحلته حتى أصاب رأسها واسطة الرحل أو كاد يصيبه يشير إلى الناس بيده السكينة السكينة
السكينة ! ! حتى أتى جمعا ثم أردف الفضل بن عباس قال فقال الناس: سيخبرنا صاحبنا بما صنع رسول الله فقال الفضل: لم يزل يسير سيرا لينا كسيره بالامس، حتى أتى على وادي محسر فدفع فيه حتى استوت به الارض.
وقال البخاري: ثنا سعيد بن أبي مريم، ثنا إبراهيم بن سويد، حدثني عمرو بن أبي عمرو، ومولى المطلب (2)، أخبرني سعيد بن جبير، مولى والبة الكوفي، حدثني ابن عباس.
أنه دفع النبي صلى الله عليه وسلم يوم عرفة فسمع النبي صلى الله عليه وسلم وراءه زجرا شديدا وضربا للابل فأشار بسوطه إليهم وقال: أيها الناس عليكم بالسكينة ! فإن البر ليس بالايضاع.
تفرد به البخاري من هذا الوجه.
وقد تقدم رواية الامام أحمد ومسلم والنسائي هذا من طريق عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس، عن أسامة بن زيد.
فالله أعلم.
وقال الامام أحمد: حدثنا إسماعيل بن عمر، ثنا المسعودي، عن الحكم، عن مقسم عن ابن عباس.
قال: لما أفاض رسول الله من عرفات
__________
(1) محمد بن أبي حرملة المدني مولى آل حويطب ولا يعرف اسم أبيه، وكان ينسب إلى جد مواليه.
(2) المطلب هو ابن عبد الله بن حنطب.

أوضع الناس، فأمر رسول الله مناديا ينادي: أيها الناس ليس البر بايضاع الخيل ولا الركاب.
قال: فما رأيت من رافعة يديها غادية حتى نزل جمعا.
وقال الامام أحمد: ثنا حسين وأبو نعيم.
قالا: ثنا إسرائيل عن عبد العزيز بن رفيع، قال: حدثني من سمع ابن عباس يقول: لم ينزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من عرفات وجمع إلا أريق الماء.
وقال الامام أحمد: ثنا يزيد بن هارون، أخبرنا عبد الملك، عن أنس بن سيرين قال: كنت مع ابن عمر بعرفات فلما كان حين راح رحت معه، حتى الامام فصلى معه الاولى والعصر ثم وقف وأنا وأصحاب لي حتى أفاض الامام فأفضنا معه حتى انتهينا إلى المضيق دون المأزمين فأناخ وأنخنا، ونحن نحسب أنه يريد أن يصلي فقال غلامه الذي يمسك راحلته: إنه ليس يريد الصلاة ولكنه ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم لما انتهى إلى هذا المكان قضى حاجته، فهو يحب أن يقضي حاجته.
وقال البخاري: ثنا موسى، ثنا جويرية، عن نافع.
قال: كان عبد الله بن عمر يجمع بين المغرب والعشاء بجمع غير أنه يمر بالشعب الذي أخذه
رسول الله صلى الله عليه وسلم فيدخل فينتقص ويتوضأ ولا يصلي حتى يجيئ جمعا.
تفرد به البخاري رحمه الله من هذا الوجه.
وقال البخاري: ثنا آدم بن أبي ذئب، عن الزهري، عن سالم بن عبد الله عن ابن عمر قال: جمع النبي صلى الله عليه وسلم المغرب والعشاء بجمع كل واحدة منهما بإقامة، ولم يسح بينهما ولا على إثر واحدة منهما.
ورواه مسلم: عن يحيى بن يحيى، عن مالك، عن الزهري، عن سالم عن ابن عمر.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى المغرب والعشاء بالمزدلفة جميعا.
ثم قال مسلم: حدثني حرملة، حدثني ابن وهب، أخبرني يونس عن ابن شهاب أن عبيد الله بن عبد الله بن عمر أخبره أن أباه قال: جمع رسول الله بين المغرب والعشاء بجمع ليس بينهما سجدة فصلى المغرب ثلاث ركعات وصلى العشاء ركعتين فكان عبد الله يصلي بجمع كذلك حتى لحق بالله.
ثم روى مسلم من حديث شعبة عن الحكم وسلمة بن كهيل عن سعيد بن جبير.
أنه صلى المغرب بجمع والعشاء باقامة واحدة ثم حدث عن ابن عمر أنه صلى مثل ذلك.
وحدث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع مثل ذلك.
ثم رواه من طريق الثوري عن سلمة عن سعيد بن جبير عن ابن عمر.
قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المغرب والعشاء بجمع صلى المغرب ثلاثا والعشاء ركعتين باقامة واحدة.
ثم قال مسلم: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا عبد الله بن جبير، ثنا إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي إسحاق.
قال قال سعيد بن جبير: أفضنا مع ابن عمر حتى أتينا جمعا فصلى بنا المغرب والعشاء باقامة واحدة ثم انصرف، فقال: هكذا صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا المكان.
وقال البخاري: ثنا خالد بن مخلد، ثنا سليمان بن بلال، حدثني يحيى بن سعيد، حدثني عدي بن ثابت، حدثني عبد الله بن يزيد الخطمي، حدثني أبو يزيد الانصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع في حجة الوداع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة ورواه البخاري أيضا في المغازي: عن القعنبي عن مالك ومسلم من حديث سليمان بن بلال، والليث بن سعد ثلاثتهم عن يحيى بن سعيد الانصاري، عن عدي بن ثابت.
ورواه النسائي أيضا عن الفلاس، عن يحيى القطان، عن شعبة عن عدي بن ثابت به.

ثم قال البخاري (1): باب من أذن وأقام لكل واحدة منهما.
حدثنا عمرو بن خالد، ثنا زهير بن
حرب، ثنا أبو إسحاق سمعت عبد الرحمن بن يزيد يقول: حج عبد الله (2) فأتينا المزدلفة حين الاذان بالعتمة أو قريبا من ذلك، فأمر رجلا فأذن وأقام ثم صلى المغرب، وصلى بعدها ركعتين، ثم دعا بعشائه فتعشى، ثم أمر رجلا فأذن وأقام.
قال عمرو: - لا أعلم الشك إلا من زهير ثم صلى العشاء ركعتين فلما طلع الفجر.
قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي هذه الساعة إلا هذه الصلاة في هذا المكان من هذا اليوم.
قال عبد الله: هما صلاتان تحولان عن وقتهما، صلاة المغرب بعد ما يأتي الناس المزدلفة، والفجر حين يبزغ الفجر.
قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعله.
وهذا اللفظ وهو قوله والفجر حين يبزغ الفجر أبين وأظهر من الحديث الآخر الذي رواه البخاري عن حفص بن عمر بن غياث عن أبيه عن الاعمش عن عمارة عن عبد الرحمن عن عبد الله بن مسعود.
قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى صلاة بغير ميقاتها إلا صلاتين جمع بين المغرب والعشاء وصلاة الفجر قبل ميقاتها.
ورواه مسلم من حديث أبي معاوية وجرير عن الاعمش به.
وقال جابر في حديثه: ثم اضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى طلع الفجر، فصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة.
وقد شهد معه هذه الصلاة عروة بن مضرس بن أوس بن حارثة بن لام الطائي.
قال الامام أحمد: ثنا هشيم، ثنا ابن أبي خالد، وزكريا عن الشعبي أخبرني عروة بن مضرس قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بجمع فقلت: يا رسول الله جئتك من جبلي طيئ أتعبت نفسي، وأنضيت راحلتي والله ما تركت من جبل إلا وقفت عليه فهل لي من حج ؟ فقال: من شهد معنا هذه الصلاة يعني صلاة الفجر بجمع، ووقف معنا حتى يفيض منه، وقد أفاض قبل ذلك من عرفات ليلا أو نهارا فقد نم حجه وقضى تفثه (3).
وقد رواه الامام أحمد أيضا وأهل السنن الاربعة من طرق عن الشعبي عن عروة بن مضرس.
وقال الترمذي: حسن صحيح.
فصل وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم طائفة من أهله بين يديه من الليل قبل حطمة الناس من المزدلفة إلى منى.
قال البخاري (4): باب من قدم ضعفة أهله بالليل فيقفون بالمزدلفة ويدعون، ويقدم إذا غاب القمر.
حدثنا يحيى بن بكير، ثنا الليث، عن يونس، عن ابن شهاب.
قال قال
سالم: كان عبد الله بن عمر يقدم ضعفة أهله فيقفون عند المشعر الحرام [ بالمزدلفة ] (5).
بليل
__________
(1) في كتاب الحج - 97 باب الحديث 1675.
(2) هو عبد الله بن مسعود.
(3) التفث: الشعث وما كان من نحو قص الاظفار والشارب وحلق العانة وغير ذلك.
(4) في كتاب الحج - 98 باب - الحديث 1676 - 1677 - 1678.
(5) من البخاري.

فيذكرون الله ما بدا لهم، ثم يدفعون (1) قبل أن يقف الامام وقبل أن يدفع، فمنهم من يقدم منى لصلاة الفجر، ومنهم من يقدم بعد ذلك، فإن قدموا رموا الجمرة.
وكان ابن عمر يقول: أرخص في أولئك رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا سليمان بن حرب، ثنا حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس.
قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم من جمع بليل.
وقال البخاري: ثنا علي بن عبد الله، ثنا سفيان، أخبرني عبد الله بن أبي يزيد سمع ابن عباس يقول: أنا ممن قدم النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المزدلفة في ضعفة أهله.
وروى مسلم: من حديث ابن جريج، أخبرني عطاء عن ابن عباس.
قال: بعث بي رسول الله صلى الله عليه وسلم من جمع بسحر مع ثقله.
وقال الامام أحمد: ثنا سفيان الثوري، ثنا سلمة بن كهيل، عن الحسن العرني (2) عن ابن عباس قال: قدمنا رسول الله أغيلمة بني عبد المطلب على حراثنا فجعل يلطح (3) أفخاذنا بيده ويقول: أبني لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس.
قال ابن عباس: ما أخال أحدا يرمي الجمرة حتى تطلع الشمس.
وقد رواه أحمد أيضا عن عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان الثوري فذكره.
وقد رواه أبو داود: عن محمد بن كثير، عن الثوري به.
والنسائي عن محمد بن عبد الله بن يزيد، عن سفيان بن عيينة، عن سفيان الثوري به.
وأخرجه ابن ماجه: عن أبي بكر بن أبي شيبة، وعلي بن محمد كلاهما عن وكيع عن مسعر، عن سفيان الثوري كلاهما عن سلمة بن كهيل به.
وقال أحمد: ثنا يحيى بن آدم، ثنا أبو الاحوص، عن الاعمش، عن الحكم بن عيينة عن مقسم عن ابن عباس.
قال: مر بنا
رسول الله ليلة النحر وعلينا سواد من الليل، فجعل يضرب أفخاذنا ويقول: أبني أفيضوا لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس.
ثم رواه الامام أحمد من حديث المسعودي، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس.
قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ضعفة أهله من المزدلفة بليل فجعل يوصيهم أن لا يرموا جمرة العقبة حتى تطلع الشمس.
وقال أبو داود: ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا الوليد بن عقبة، ثنا حمزة الزيات بن حبيب، عن عطاء عن ابن عباس.
قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم ضعفة أهله بغلس ويأمرهم - يعني أن لا يرموا الجمرة حتى تطلع الشمس - وكذا رواه النسائي عن محمود بن غيلان، عن بشر بن السري، عن سفيان، عن حبيب.
قال: الطبراني وهو ابن أبي ثابت عن عطاء عن ابن عباس فخرج حمزة الزيات من عهدته وجاد إسناد الحديث.
والله أعلم وقد قال البخاري: ثنا مسدد، عن يحيى عن ابن جريج حدثني عبد الله مولى أسماء عن أسماء أنها نزلت ليلة جمع عند المزدلفة فقامت تصلي فصلت ساعة ثم قالت يا بني هل غاب القمر ؟ قلت لا فصلت ساعة ثم قالت هل غاب القمر ؟ قلت: نعم ! قالت فارتحلوا فارتحلنا فمضينا حتى رمت الجمرة ثم رجعت فصلت الصبح في منزلها فقلت لها يا هنتاه ما أرانا إلا قد غلسنا فقالت: يا بني
__________
(1) في البخاري: يرجعون، وما اثبتناه رواية مسلم وهي أوضح.
(2) العرني: نسبة إلى عرينة بن نذير، بطن من بجيلة.
اللباب 2 / 133.
(3) يلطح: من اللطح يضرب ببطن الكف ضربا ليس بالشديد.

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن للظعن.
ورواه مسلم من حديث ابن جريج به فإن كانت أسماء بنت الصديق رمت الجمار قبل طلوع الشمس كما ذكر هاهنا عن توقيف فروايتها مقدمة على رواية ابن عباس لان إسناد حديثها أصح من إسناد حديثه، اللهم إلا أن يقال: إن الغلمان أخف حالا من النساء وأنشط فلهذا أمر الغلمان بأن لا يرموا قبل طلوع الشمس، وأذن للظعن في الرمي قبل طلوع الشمس لانهم أثقل حالا وأبلغ في التستر.
والله أعلم.
وإن كانت أسماء لم تفعله عن توقيف فحديث ابن عباس مقدم على فعلها.
لكن يقوي الاول قول أبي دواد: ثنا محمد بن خلاد
الباهلي، ثنا يحيى، عن ابن جريج أخبرني عطاء، أخبرني مخبر عن أسماء أنها رمت الجمرة بليل قلت: إن رمينا الجمرة بليل قالت: إنا كنا نصنع هذا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال البخاري: ثنا أبو نعيم، ثنا أفلح بن حميد، عن القاسم بن (1) محمد، عن عائشة قالت: نزلنا المزدلفة فاستأذنت النبي صلى الله عليه وسلم سودة أن تدفع قبل حطمة الناس - وكانت امرأة بطيئة - فآذن لها، فدفعت قبل حطمة الناس، وأقمنا نحن حتى أصبحنا، ثم دفعنا بدفعه، فلان أكون استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم كما استأذنت سودة أحب إلي من مفروح به.
وأخرجه مسلم عن القعنبي عن أفلح بن حميد به.
وأخرجاه في الصحيحين من حديث سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة به.
وقال أبو داود: ثنا هارون بن عبد الله، ثنا ابن أبي فديك عن الضحاك - يعني ابن عثمان - عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة.
أنها قالت أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر، ثم مضت فأفاضت وكان ذلك اليوم الذي يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو داود - يعني عندها -.
انفرد به أبو داود وهو إسناد جيد قوي رجاله ثقات.
ذكر تلبيته عليه السلام بالمزدلفة قال مسلم: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا الاحوص، عن حصين عن كثير بن مدرك عن عبد الرحمن بن يزيد.
قال: قال عبد الله ونحن بجمع سمعت الذي أنزلت عليه سورة البقرة يقول في هذا المقام، لبيك اللهم لبيك.
فصل في وقوفه عليه السلام بالمشعر الحرام ودفعه من المزدلفة قبل طلوع الشمس وإيضاعه في وادي محسر قال الله تعالى * (فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام) * الآية [ البقرة: 198 ] وقال جابر في حديثه: فصلى الفجر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة، ثم ركب القصواء حتى أتى المشعر الحرام، فاستقبل القبلة، فدعا الله عز وجل وكبره وهلله ووحده، فلم يزل واقفا حتى أسفر جدا، ودفع قبل أن تطلع الشمس، وأردف الفضل بن عباس وراءه.
وقال
__________
(1) في نسخ البداية " عن " تحريف، وهو القاسم بن محمد بن أبي بكر والد عبد الرحمن الراوي عنه.

البخاري: ثنا حجاج بن منهال، ثنا شعبة، عن أبي إسحاق (1).
قال سمعت عمرو بن ميمون يقول: شهدت عمر صلى بجمع الصبح،، ثم وقف فقال: إن المشركين كانوا لا يفيضون حتى تطلع الشمس، ويقولون أشرق ثبير، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ خالفهم، ثم ] (2) أفاض قبل أن تطلع الشمس.
وقال البخاري: ثنا عبد الله بن رجاء، ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد.
قال: خرجت مع عبد الله إلى مكة ثم قدمنا جمعا فصلى صلاتين: كل صلاة وحدها بأذان وإقامة، والعشاء بينهما ثم صلى الفجر حين طلع الفجر - قائل يقول: طلع الفجر وقائل يقول: لم يطلع الفجر - ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن هاتين الصلاتين حولتا عن وقتهما في هذا المكان: المغرب [ والعشاء ] (3)، فلا تقدم الناس جمعا حتى يعتموا (4) وصلاة الفجر هذه الساعة.
ثم وقف حتى أسفر.
ثم قال: لو أن أمير المؤمنين أفاض الآن أصاب السنة.
فلا أدري أقوله كان أسرع أو دفع عثمان، فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة يوم النحر.
وقال الحافظ البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو عبد الله محمد بن يعقوب الشيباني، ثنا يحيى بن محمد بن يحيى، ثنا عبد الرحمن بن المبارك العبسي، ثنا عبد الوارث بن سعيد، عن ابن جريج، عن محمد بن قيس بن مخرمة، عن المسور بن مخرمة.
قال: خطبنا رسول الله بعرفة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد فإن أهل الشرك والاوثان كانوا يدفعون من هاهنا عند غروب الشمس، حتى تكون الشمس على رؤوس الجبال مثل عمائم الرجال على رؤسها، هدينا مخالف لهديهم.
وكانوا يدفعون من المشعر الحرام عند طلوع الشمس على رؤوس الجبال مثل عمائم الرجال على رؤوسها.
هدينا مخالف لهديهم.
قال ورواه عبد الله بن إدريس، عن ابن جريج، عن محمد بن قيس بن مخرمة مرسلا.
وقال الامام أحمد: ثنا أبو خالد سليمان بن حيان، سمعت الاعمش، عن الحكم، عن مقسم عن ابن عباس.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفاض من المزدلفة قبل طلوع الشمس.
وقال البخاري: ثنا زهير بن حرب، ثنا وهب بن جرير، ثنا
أبي، عن يونس الايلي، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عباس.
أن أسامة كان ردف النبي صلى الله عليه وسلم من عرفة إلى المزدلفة، ثم أردف الفضل من المزدلفة إلى منى.
قال: فكلاهما قال لم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يلبي حتى رمى جمرة العقبة.
ورواه ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس وروى مسلم: من حديث الليث بن سعد، عن أبي الزبير، عن أبي معبد عن ابن عباس عن الفضل بن عباس.
وكان رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في عشية عرفة وغداة جمع للناس حين دفعوا: عليكم بالسكينة وهو كاف ناقته حتى دخل محسرا وهو من منى قال: عليكم بحصى الخذف الذي يرمي به الجمرة
__________
(1) من البخاري، وهو أبو اسحاق السبيعي، وفي الاصل ابن اسحاق تحريف.
(2) من البخاري: فتح الباري - كتاب الحج - الحديث 1684.
(3) سقطت من الاصل، واستدركت من البخاري.
(4) من البخاري وفي الاصل يقيموا تحريف.
ويعتموا: أي يدخلوا في العتمة وهو وقت العشاء الآخرة.

قال: ولم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبي حتى رمى الجمرة.
وقال الحافظ البيهقي باب الايضاع في وادي محسر: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو عمرو المقري، وأبو بكر الوراق، أنبأنا الحسن بن سفيان، ثنا هشام بن عمار، وأبو بكر بن أبي شيبة قالا: ثنا حاتم بن إسماعيل، ثنا جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر في حج النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: حتى إذا أتى محسرا، حرك قليلا.
رواه مسلم في الصحيح عن أبي بكر بن شيبة.
ثم روى البيهقي: من حديث سفيان الثوري، عن أبي الزبير عن جابر.
قال: أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه السكينة وأمرهم بالسكينة وأوضع في وادي محسر، وأمرهم أن يرموا الجمار بمثل حصى الخذف وقال: خذوا عني مناسككم لعلي لا أراكم بعد عامي هذا.
ثم روى البيهقي: من حديث الثوري، عن عبد الرحمن بن الحارث، عن زيد بن علي عن أبيه، عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفاض من جمع حتى أتى محسرا، فقرع ناقته حتى جاوز الوادي فوقف، ثم أردف الفضل ثم أتى الجمرة فرماها.
هكذا رواه مختصرا.
وقد قال الامام أحمد: ثنا أبو أحمد محمد بن عبد الله الزبيري، ثنا سفيان بن
عبد الرحمن بن الحارث بن عياش بن أبي ربيعة، عن زيد بن علي، عن أبيه، عن عبيد الله بن أبي رافع عن علي.
قال وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرفة فقال: إن هذا الموقف وعرفة كلها موقف، وأفاض حين غابت الشمس وأردف أسامة فجعل يعنق على بعيره والناس يضربون يمينا وشمالا لا يلتفت إليهم.
ويقول السكينة أيها الناس ثم أتى جمعا فصلى بهم الصلاتين المغرب والعشاء ثم بات حتى أصبح ثم أتى قزح (1) فوقف على قزح فقال: هذا الموقف وجمع كلها موقف.
ثم سار حتى أتى محسرا فوقف عليه فقرع دابته فخبت حتى جاز الوادي ثم حبسها، ثم أردف الفضل وسار حتى أتى الجمرة فرماها ثم أتى المنحر.
فقال: هذا المنحر ومنى كلها منحر.
قال واستفتته جارية شابة من خثعم.
فقالت: إن أبي شيخ كبير قد أفند (2).
وقد ادركته فريضة الله في الحج فهل يجزئ عنه أن أودي عنه ؟ قال: نعم ! فأدي عن أبيك.
قال ولوى عنق الفضل فقال له العباس: يا رسول الله لم لويت عنق ابن عمك ؟ قال: رأيت شابا وشابة فلم آمن الشيطان عليهما.
قال: ثم جاءه رجل فقال: يا رسول الله حلقت قبل أن أنحر.
قال أنحر ولا حرج.
ثم أتاه آخر.
فقال: يا رسول الله أني أفضت قبل أن أحلق قال: أحلق أو قصر ولا حرج.
ثم أتى البيت فطاف ثم أتى زمزم فقال: يا بني عبد المطلب سقايتكم ولولا أن يغلبكم الناس عليها لنزعت معكم.
وقد رواه أبو داود: عن أحمد بن حنبل، عن يحيى بن آدم عن سفيان الثوري.
ورواه الترمذي عن بندار عن أبي أحمد الزبيري.
وابن ماجه عن علي بن محمد، عن يحيى بن آدم.
وقال الترمذي حسن صحيح لا نعرفه من حديث علي إلا من هذا الوجه.
قلت وله شواهد من وجوه صحيحة مخرجة في الصحاح وغيرها فمن ذلك قصة الخثعمية وهو في الصحيحين من طريق الفضل وتقدمت في
__________
(1) قزح: جبل بالمزدلفة..(2) أفند: الفند أصله الكذب، والفند، الهرم حتى الخرف.

حديث جابر وسنذكر من ذلك ما تيسر.
وقد حكى البيهقي باسناد عن ابن عباس أنه أنكر الاسراع في وادي محسر.
وقال: إنما كان ذلك من الاعراب.
قال: والمثبت مقدم على النافي قلت
وفي ثبوته عنه نظر.
والله أعلم.
وقد صح ذلك عن جماعة من الصحابة عن رسول الله وصح من صنيع الشيخين أبي بكر وعمر أنهما كانا يفعلان ذلك فروى البيهقي عن الحاكم عن النجاد وغيره.
عن أبي علي محمد بن معاذ بن المستهل المعروف بدران عن القعنبي، عن أبيه، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن المسور بن مخرمة أن عمر كان يوضع ويقول: إليك تعدوا قلقا وضينها (1) * مخالف دين النصارى دينها ذكر رميه عليه السلام جمرة العقبة وحدها يوم النحر وكيف رماها ومتى رماها ومن أي موضع رماها وبكم رماها وقطعه التلبية حين رماها قد تقدم من حديث أسامة والفضل وغيرهما من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، أنه عليه السلام لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة.
وقال البيهقي: أنبأنا الامام أبو عثمان، أنبأنا أبو طاهر بن خزيمة، أنبأنا جدي - يعني إمام الائمة - محمد بن إسحاق بن خزيمة، ثنا علي بن حجر، ثنا شريك، عن عامر بن شقيق، عن أبي وائل عن عبد الله.
قال: رمقت النبي صلى الله عليه وسلم فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة بأول حصاة.
وبه عن ابن خزيمة، ثنا عمر بن حفص الشيباني، ثنا حفص بن غياث، ثنا جعفر بن محمد عن أبيه، عن علي بن الحسين، عن ابن عباس عن الفضل.
قال: أفضت مع رسول الله من عرفات فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة يكبر مع كل حصاة ثم قطع التلبية مع آخر حصاة.
قال البيهقي وهذه زيادة غريبة ليست في الروايات المشهورة عن ابن عباس عن الفضل وان كان ابن خزيمة قد اختارها.
وقال محمد بن إسحاق: حدثني أبان بن صالح عن عكرمة.
قال: أفضت مع الحسين بن علي فما أزال أسمعه يلبي حتى رمى جمرة العقبة فلما قذفها أمسك.
فقلت ما هذا فقال: رأيت أبي علي بن أبي طالب يلبي حتى رمى جمرة العقبة وأخبرني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك.
وتقدم من حديث الليث عن أبي الزبير، عن أبي معبد عن ابن عباس عن أخيه الفضل.
أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الناس في وادي محسر بحصى الخذف الذي يرمى به الجمرة.
رواه مسلم.
وقال أبو العالية: عن ابن عباس حدثني الفضل.
قال قال
لي رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة يوم النحر: هات فألقط لي حصا فلقطت له حصيات مثل حصى الخذف فوضعهن في يده فقال: بأمثال هؤلاء بأمثال هؤلاء، وإياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين.
رواه البيهقي وقال جابر في حديثه حتى أتى بطن محسر، فحرك قليلا ثم سلك الطريق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى، حتى أتى الجمرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع
__________
(1) الوضين: حزام الرحل، والقلق: المتسع، كناية عن هزال الناقة.

كل حصاة منها مثل حصى الخذف، رمى من بطن الوادي.
رواه مسلم.
وقال البخاري: وقال جابر رضي الله عنه رمى النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر ضحى، ورمى بعدد ذلك بعد الزوال.
وهذا الحديث الذي علقه البخاري أسنده مسلم من حديث ابن جريج أخبرني أبو الزبير سمع جابرا.
قال: رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجمرة يوم النحر ضحى وأما بعد فإذا زالت الشمس.
وفي الصحيحين من حديث الاعمش عن إبراهيم، عن عبد الرحمن بن يزيد.
قال: رمى عبد الله من بطن الوادي فقلت: يا أبا عبد الرحمن إن ناسا يرمونها من فوقها.
فقال: والذي لا إله غيره هذا مقام الذي أنزلت عليه سورة البقرة لفظ البخاري.
وفي لفظ له: من حديث شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم، عن عبد الرحمن، عن عبد الله بن مسعود: أنه أتى الجمرة الكبرى فجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه ورمى بسبع.
وقال: هكذا أرمى الذي أنزلت عليه سورة البقرة.
ثم قال البخاري (1): باب من رمى الجمار بسبع يكبر مع كل حصاة قاله ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا إنما يعرف في حديث جابر من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر كما تقدم أنه أتى الجمرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها مثل حصى الخذف.
وقد روى البخاري في هذه الترجمة من حديث الاعمش عن إبراهيم عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله بن مسعود أنه رمى الجمرة من بطن الوادي بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة.
ثم قال من هاهنا والذي لا إله غير قام الذي أنزلت عليه سورة البقرة.
وروى مسلم من حديث ابن جريج أخبرني أبو الزبير سمع جابر بن عبد الله.
قال: رأيت رسول الله يرمي الجمرة بسبع مثل حصى الخذف.
وقال
الامام أحمد، ثنا يحيى بن زكريا، ثنا حجاج، عن الحكم، عن أبي القاسم - يعني مقسما - عن ابن عباس.
أن النبي صلى الله عليه وسلم رمى الجمرة جمرة العقبة يوم النحر راكبا.
ورواه الترمذي عن أحمد بن منيع، عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة: وقال حسن.
وأخرجه ابن ماجه: عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن أبي خالد الاحمر عن الحجاج بن أرطاة به.
وقد روى أحمد وأبو داود وابن ماجه والبيهقي من حديث يزيد بن [ أبي ] (2) زياد، عن سليمان بن عمرو بن الاحوص، عن أمه أم جندب الازدية.
قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمار من بطن الوادي وهو راكب، يكبر مع كل حصاة ورجل من خلفه يستره فسألت عن الرجل فقالوا: الفضل بن عباس فازدحم الناس.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس لا يقتل بعضكم بعضا، وإذا رميتم الجمرة فارموه بمثل حصى الخذف.
لفظ أبي داود وفي رواية له قالت: رأيته عند جمرة العقبة راكبا ورأيت بين أصابعه حجرا فرمى ورمى الناس ولم يقم عندها.
ولابن ماجه قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر عند جمرة العقبة وهو راكب على بغلة.
وذكر الحديث وذكر البغلة هاهنا غريب جدا.
وقد روى مسلم في صحيحه من حديث ابن جريج: أخبرني أبو الزبير سمعت جابر بن عبد الله يقول: رأيت
__________
(1) في كتاب الحج - 138 باب.
الحديث 1750.
(2) زيادة من سنن أبي داود ج 1 / 309.

رسول الله صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرة على راحلته يوم النحر، ويقول: لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه.
وروى مسلم أيضا من حديث زيد بن أبي أنيسة، عن يحيى بن الحصين، عن جدته أم الحصين سمعتها تقول: حججت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، فرأيته حين رمى جمرة العقبة وانصرف وهو على راحلته يوم النحر وهو يقول: لتأخذوا مناسككم فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه.
وفي رواية قالت: حججت مع رسول الله حجة الوداع.
فرأيت أسامة وبلالا أحدهما آخذ بخطام ناقة النبي صلى الله عليه وسلم والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة.
وقال الامام أحمد: ثنا أبو أحمد محمد بن عبد الله الزبيري، ثنا أيمن بن
نابل، ثنا قدامة بن عبد الله الكلابي.
أنه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى جمرة العقبة من بطن الوادي يوم النحر على ناقة له صهباء، لا ضرب ولا طرد ولا إليك إليك.
ورواه أحمد أيضا: عن وكيع ومعتمر بن سليمان وأبي قرة موسى بن طارق الزبيدي ثلاثتهم عن أيمن بن نائل به.
ورواه أيضا عن أبي قرة عن سفيان الثوري عن أيمن.
وأخرجه النسائي وابن ماجه من حديث وكيع به.
ورواه الترمذي عن أحمد بن منيع عن مروان بن معاوية عن أيمن بن نابل به.
وقال هذا حديث حسن صحيح.
وقال الامام أحمد: ثنا نوح بن ميمون، ثنا عبد الله - يعني العمري - عن نافع، قال: كان ابن عمر يرمي جمرة العقبة على دابته يوم النحر، وكان لا يأتي سائرها بعد ذلك إلا ماشيا.
وزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يأتيها إلا ماشيا ذاهبا وراجعا.
ورواه أبو داود عن القعنبي عن عبد الله العمري به.
فصل قال جابر: ثم انصرف إلى المنحر فنحر ثلاثا وستين بيده، ثم أعطى عليا فنحر ما غير وأشركه في هديه، ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها.
وسنتكلم على هذا الحديث.
وقال الامام أحمد بن حنبل: ثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن حميد الاعرج، عن محمد بن ابراهيم التيمي، عن عبد الرحمن بن معاذ عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: خطب النبي صلى الله عليه وسلم بمنى ونزلهم منازلهم فقال: لينزل المهاجرون هاهنا، وأشار إلى ميمنة القبلة، والانصار هاهنا، وأشار إلى ميسرة القبلة.
ثم لينزل الناس حولهم.
قال: وعلمهم مناسكهم ففتحت أسماع أهل منى حتى سمعوه في منازلهم.
قال فسمعته يقول: أرموا الجمرة بمثل حصى الخذف وكذا رواه أبو داود: عن أحمد بن حنبل إلى قوله ثم لينزل الناس حولهم.
وقد رواه الامام أحمد عن عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه، وأبو داود: عن مسدد، عن عبد الوارث، وابن ماجه: من حديث ابن المبارك، عن عبد الوارث، عن حميد بن قيس الاعرج، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن عبد الرحمن بن معاذ التيمي قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بمنى ففتحت أسماعنا حتى كأنا نسمع ما يقول الحديث.
ذكر جابر بن

عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أشرك علي بن أبي طالب في الهدي وأن جماعة الهدي الذي قدم به علي من اليمن، والذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة من الابل، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر بيده الكريمة ثلاثا وستين بدنة.
قال ابن حبان وغيره: وذلك مناسب لعمره عليه السلام فإنه كان ثلاثا وستين سنة.
وقد قال الامام أحمد: ثنا يحيى بن آدم، ثنا زهير، ثنا محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسم، عن ابن عباس.
قال: نحر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحج مائة بدنة نحر منها بيده ستين وأمر ببقيتها فنحرت وأخذ من كل بدنة بضعة فجمعت في قدر فأكل منها وحسى من مرقها.
قال: ونحر يوم الحديبية سبعين فيها جمل أبي جهل فلما صدت عن البيت حنت كما تحن إلى أولادها.
وقد روى ابن ماجه بعضه عن أبي بكر بن أبي شيبة، وعلي بن محمد، عن وكيع عن سفيان الثوري عن ابن أبي ليلى به.
وقال الامام أحمد: ثنا يعقوب، ثنا أبي، عن محمد بن إسحاق حدثني رجل عن عبد الله بن أبي نجيح، عن مجاهد بن جبر، عن ابن عباس.
قال: أهدى رسول الله في حجة الوداع مائة بدنة نحر منها ثلاثين بدنة بيده، ثم أمر عليا فنحر ما بقي منها.
وقال: قسم لحومها وجلودها وجلالها بين الناس، ولا تعطين جزارا منها شيئا وخذ لنا من كل بعير جدية من لحم، واجعلها في قدر واحدة حتى نأكل من لحمها ونحسو من مرقها ففعل.
وثبت في الصحيحين: من حديث مجاهد، عن ابن أبي ليلى، عن علي.
قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنه، وأن أتصدق بلحومها وجلودها وأجلتها، وأن لا أعطي الجزار منها شيئا وقال: نحن نعطيه من عندنا.
وقال أبو داود: ثنا محمد بن حاتم، ثنا عبد الرحمن بن مهدي، ثنا عبد الله بن المبارك، عن حرملة بن عمران، عن عبد الله بن الحارث الازدي سمعت عرفة بن الحارث الكندي.
قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتى بالبدن فقال: أدع لي أبا حسن فدعي له علي.
فقال: خذ بأسفل الحربة، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأعلاها ثم طعنا بها البدن، فلما فرغ ركب بغلته وأردف عليا.
تفرد به أبو داود وفي إسناده ومتنه غرابة.
والله أعلم.
وقال الامام أحمد: حدثنا أحمد بن الحجاج، أنبأنا عبد الله، أنبأنا الحجاج بن أرطاة، عن الحكم عن أبي
القسم - يعني مقسما - عن ابن عباس.
قال: رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم جمرة العقبة ثم ذبح ثم حلق.
وقد ادعى ابن حزم أنه ضحى عن نسائه بالبقر وأهدى بمنى بقرة وضحى هو بكبشين أملحين.
صفة حلقه رأسه الكريم عليه الصلاة والتسليم قال الامام أحمد: ثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن الزهري، عن سالم عن ابن عمر.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حلق في حجته.
ورواه النسائي عن إسحاق بن إبراهيم - هو ابن راهويه - عن عبد الرزاق.
وقال البخاري: ثنا أبو اليمان، ثنا شعيب قال: قال نافع: ان عبد الله بن عمر يقول: حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته.
ورواه مسلم من حديث موسى بن عقبة عن نافع به.
وقال البخاري: ثنا عبد الله بن محمد بن أسماء، ثنا جويرية بن أسماء، عن نافع أن عبد الله بن عمر.
قال: حلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وطائفة من أصحابه وقصر بعضهم.
ورواه مسلم: من حديث

الليث، عن نافع به وزاد قال عبد الله قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يرحم الله المحلقين مرة أو مرتين.
قالوا: يا رسول الله والمقصرين قال والمقصرين.
وقال مسلم: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا وكيع وأبو داود الطيالسي، عن يحيى بن الحصين عن جدته: أنها سمعت رسول الله في حجة الوداع دعا للمحلقين ثلاثا وللمقصرين مرة ولم يقل وكيع في حجة الوداع.
وهكذا روى هذا الحديث مسلم من حديث مالك وعبيد الله (1) عن نافع، عن ابن عمر وعمارة عن أبي زرعة عن أبي هريرة والعلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه عن أبي هريرة.
وقال مسلم: ثنا يحيى بن يحيى، ثنا حفص بن غياث، عن هشام، عن ابن سيرين عن أنس بن مالك.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى منى فأتى الجمرة فرماها ثم أتى منزله بمنى ونحر.
ثم قال للحلاق: خذ وأشار إلى جانبه الايمن ثم الايسر ثم جعل يعطيه الناس.
وفي رواية أنه حلق شقه الايمن فقسمه بين الناس من شعرة وشعرتين وأعطى شقه الايسر لابي طلحة.
وفي رواية له: أنه أعطى الايمن لابي طلحة وأعطاه الايسر وأمره أن يقسمه بين الناس.
وقال الامام أحمد: حدثنا سليمان بن حرب، ثنا سليمان بن المغيرة، عن ثابت عن أنس.
قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم والحلاق يحلقه وقد أطاف به أصحابه ما يريدون أن يقع شعرة إلا في يد
رجل.
انفرد به أحمد.
فصل ثم لبس عليه السلام ثيابه وتطيب بعد ما رمى جمرة العقبة، ونحر هديه، وقبل أن يطوف بالبيت طيبته عائشة أم المؤمنين.
قال البخاري: ثنا علي بن عبد الله بن المديني، ثنا سفيان - هو ابن عيينة - ثنا عبد الرحمن بن القاسم بن محمد، وكان أفضل أهل زمانه.
أنه سمع أباه وكان أفضل أهل زمانه يقول: إنه سمع عائشة تقول طيبت رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي هاتين حين أحرم، ولحله حين أحل قبل أن يطوف وبسطت يديها.
وقال مسلم: ثنا يعقوب الدورقي وأحمد بن منيع قالا: ثنا هشيم، أنبأنا منصور، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه عن عائشة.
قالت: كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يحرم ويحل يوم النحر قبل أن يطوف بالبيت بطيب فيه مسك.
وروى النسائي من حديث سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن عروة عن عائشة.
قالت: طيبت رسول الله لحرمه حين أحرم ولحله بعدما رمى جمرة العقبة قبل أن يطوف بالبيت.
وقال الشافعي: أنبأنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار عن سالم.
قال قالت عائشة: أنا طيبت رسول الله لحله وإحرامه.
ورواه عبد الرزاق، عن معمر عن الزهري، عن سالم عن عائشة فذكره.
وفي الصحيحين من حديث ابن جريج: أخبرني عمر بن عبد الله بن عروة أنه سمع عروة والقاسم يخبران عن عائشة.
أنها قالت: طيبت رسول الله بيدي بذريرة في حجة الوداع للحل والاحرام.
ورواه مسلم: من حديث الضحاك بن عثمان، عن أبي الرجال عن أمه عمرة، عن عائشة به.
__________
(1) في نسخ البداية المطبوعة: وعبد الله وأشار مصححه في هامشه: وفي التيمورية عبيد الله - والامام.

وقال سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن الحسن العوفي، عن ابن عباس.
أنه قال، إذا رميتم الجمرة فقد حللتم من كل شئ كان عليكم حراما إلا النساء حتى تطوفوا بالبيت.
فقال رجل: والطيب يا أبا العباس فقال له: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يضمخ رأسه بالمسك أفطيب هو أم لا ؟ وقال محمد بن إسحاق: حدثني أبو عبيدة، عن عبد الله بن زمعة، عن أبيه وأمه زينب بنت أم
سلمة عن أم سلمة قالت: كانت الليلة التي يدور فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة النحر فكان رسول الله عندي فدخل وهب بن زمعة، ورجل من آل أبي أمية متقمصين.
فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضتما ؟ قالا: لا.
قال: فانزعا قميصيكما فنزعاهما.
فقال له وهب: ولم يا رسول الله ؟ فقال: هذا يوم أرخص لكم فيه إذا رميتم الجمرة ونحرتم هديا إن كان لكم فقد حللتم من كل شئ حرمتم منه إلا النساء حتى تطوفوا بالبيت فإذا رميتم ولم تفيضوا صرتم حرما كما كنتم أول مرة حتى تطوفوا بالبيت.
وهكذا رواه أبو داود: عن أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين كلاهما عن ابن أبي عدي عن ابن إسحاق فذكره.
وأخرجه البيهقي: عن الحاكم عن أبي بكر بن أبي إسحاق، عن أبي المثنى العنبري، عن يحيى بن معين وزاد في آخره.
قال أبو عبيدة: وحدثتني أم قيس بنت محصن.
قالت: خرج من عندي عكاشة بن محصن في نفر من بني أسد متقمصين، عشية يوم النحر ثم رجعوا إلينا عشيا وقمصهم على أيديهم يحملونها فسألتهم فأخبروها بمثل ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لوهب بن زمعة وصاحبه وهذا الحديث غريب جدا.
لا أعلم أحدا من العلماء قال به.
ذكر إفاضته صلى الله عليه وسلم إلى البيت العتيق قال جابر: ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم [ فأفاض ] (1) إلى البيت فصلى بمكة الظهر، فأتى بني عبد المطلب وهم يسقون على زمزم.
فقال: أنزعوا بني عبد المطلب فلولا أن تغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم، فناولوه دلوا فشرب منه.
رواه مسلم ففي هذا السياق ما يدل على أنه عليه السلام ركب إلى مكة قبل الزوال فطاف بالبيت ثم لما فرغ صلى الظهر هناك.
وقال مسلم أيضا: أخبرنا محمد بن نافع، أنبأنا عبد الرزاق أنبأنا عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفاض يوم النحر ثم رجع فصلى الظهر بمنى.
وهذا الخلاف حديث جابر وكلاهما عند مسلم، فإن عللنا بهما أمكن أن يقال إنه عليه السلام صلى الظهر بمكة ثم رجع إلى منى فوجد الناس ينتظرونه فصلى بهم والله أعلم.
ورجوعه عليه السلام إلى منى في وقت الظهر ممكن لان ذلك الوقت كان صيفا والنهار طويل وإن كان قد صدر منه عليه السلام أفعال كثيرة في صدر هذا النهار
فإنه دفع فيه من المزدلفة بعدما أسفر الفجر جدا ولكنه قبل طلوع الشمس، ثم قدم منى فبدأ يرمي جمرة العقبة بسبع حصيات.
ثم جاء فنحر بيده ثلاثا وستين بدنة ونحر على بقية المائة، ثم أخذت
__________
(1) من صحيح مسلم.

من كل بدنة بضعة ووضعت في قدر وطبخت حتى نضجت فأكل من ذلك اللحم وشرب من ذلك المرق.
وفي غبون (1) ذلك حلق رأسه عليه السلام وتطيب، فلما فرغ من هذا كله ركب إلى البيت وقد خطب عليه السلام في هذا اليوم خطبة عظيمة ولست أدري أكانت قبل ذهابه إلى البيت أو بعد رجوعه منه إلى منى.
فالله أعلم.
والقصد أنه ركب إلى البيت فطاف به سبعة أطواف راكبا ولم يطف بين الصفا والمروة كما ثبت في صحيح مسلم عن جابر وعائشة رضي الله عنهما، ثم شرب من ماء زمزم، ومن نبيذ تمر من ماء زمزم.
فهذا كله مما يقوي قول من قال: إنه عليه السلام صلى الظهر بمكة كما رواه جابر.
ويحتمل أنه رجع إلى منى في آخر وقت الظهر فصلى بأصحابه بمنى الظهر أيضا.
وهذا هو الذي أشكل على ابن حزم، فلم يدر ما يقول فيه وهو معذور لتعارض الروايات الصحيحة فيه.
والله أعلم.
وقال أبو داود: ثنا علي بن بحر وعبد الله بن سعيد المعني.
قالا: ثنا أبو خالد الاحمر، عن محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه عن عائشة.
قالت: أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه حين صلى الظهر ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق يرمي الجمرة إذا زالت الشمس كل جمرة بسبع حصيات، ويكبر مع كل حصاة.
قال ابن حزم: فهذا جابر وعائشة قد اتفقا على أنه عليه السلام صلى الظهر يوم النحر بمكة وهما والله أعلم أضبط لذلك من ابن عمر.
كذا قال وليس بشئ فإن رواية عائشة هذه ليست ناصة أنه عليه السلام صلى الظهر بمكة، بل محتملة إن كان كان المحفوظ في الرواية: حتى صلى الظهر، وإن كانت الرواية حين صلى الظهر.
وهو الاشبه فإن ذلك دليل على أنه عليه السلام صلى الظهر بمنى قبل أن يذهب إلى البيت وهو محتمل والله سبحانه وتعالى أعلم.
وعلى هذا فيبقى مخالفا لحديث جابر فإن هذا يقتضي أنه صلى الظهر بمنى قبل أن يركب إلى البيت وحديث جابر يقتضي أنه ركب إلى البيت
قبل أن يصلي الظهر وصلاها بمكة.
وقد قال البخاري: وقال أبو الزبير عن عائشة وابن عباس أخر النبي صلى الله عليه وسلم - يعني طواف الزيارة إلى الليل - وهذا والذي علقه البخاري فقد رواه الناس من حديث يحيى بن سعيد وعبد الرحمن بن مهدي، وفرج بن ميمون، عن سفيان الثوري، عن أبي الزبير، عن عائشة وابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم أخر الطواف يوم النحر إلى الليل.
ورواه أهل السنن الاربعة من حديث سفيان به.
وقال الترمذي حسن.
وقال الامام أحمد: حدثنا محمد بن عبد الله، ثنا سفيان، عن أبي الزبير، عن عائشة وابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زار ليلا.
فإن حمل هذا على أنه أخر ذلك إلى ما بعد الزوال كأنه يقول إلى العشي صح ذلك.
وأما إن حمل على ما بعد الغروب فهو بعيد جدا ومخالف لما ثبت في الاحاديث الصحيحة المشهورة من أنه عليه السلام طاف يوم النحر نهارا، وشرب من سقاية زمزم.
وأما الطواف الذي ذهب في الليل إلى البيت بسببه فهو طواف الوداع.
ومن الرواة من يعبر عنه بطواف الزيارة كما سنذكره إن شاء الله.
أو طواف زيارة محضة قبل طواف الوداع وبعد طواف الصدر الذي هو طواف الفرض.
وقد ورد حديث
__________
(1) كذا في الاصول، ولعله تحريف، وفي سيرة ابن كثير: وفي غضون ذلك وهو مناسب أكثر.

سنذكره في موضعه.
أن رسول الله كان يزور البيت كل ليله من ليالي منى وهذا بعيد أيضا.
والله أعلم.
وقد روى الحافظ البيهقي: من حديث عمرو بن قيس، عن عبد الرحمن، عن القاسم، عن أبيه عن عائشة: أن رسول الله أذن لاصحابه فزاروا البيت يوم النحر ظهيرة، وزار رسول الله صلى الله عليه وسلم مع نسائه ليلا.
وهذا حديث غريب جدا أيضا.
وهذا قول طاوس وعروة بن الزبير: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخر الطواف يوم النحر إلى الليل.
والصحيح من الروايات وعليه الجمهور أنه عليه السلام طاف يوم النحر بالنهار، والاشه أنه كان قبل الزوال ويحتمل أن يكون بعده والله أعلم.
والمقصود أنه عليه السلام لما قدم مكة طاف بالبيت سبعا وهو راكب ثم جاء زمزم وبنوا عبد المطلب يستقون منها ويسقون الناس، فتناول منها دلوا فشرب منه وأفرغ عليه منه.
كما قال
مسلم: أخبرنا محمد بن منهال الضرير، ثنا يزيد بن زريع، ثنا حميد الطويل، عن بكر بن عبد الله المزني، سمع ابن عباس يقول وهو جالس معه عند الكعبة: قدم النبي صلى الله عليه وسلم على راحلته وخلفه أسامة فأتيناه باناء فيه نبيذ فشرب وسقى فضله أسامة.
وقال: أحسنتم وأجملتم هكذا فاصنعوا.
قال ابن عباس فنحن لا نريد أن نغير ما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي رواية عن بكر أن اعرابيا قال لابن عباس: مالي أرى بني عمكم يسقون اللبن والعسل وأنتم تسقون النبيذ، أمن حاجة بكم أم من بخل ؟ فذكر له ابن عباس هذا الحديث.
وقال أحمد: حدثنا روح، ثنا حماد، عن حميد، عن بكر، عن عبد الله أن اعرابيا قال لابن عباس.
ما شأن آل معاوية يسقون الماء والعسل، وآل فلان يسقون اللبن، وأنتم تسقون النبيذ.
أمن بخل بكم أم حاجة ؟ فقال ابن عباس ما بنا بخل ولا حاجة ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءنا ورديفه أسامة بن زيد فاستسقى فسقيناه من هذا - يعني نبيذ السقاية - فشرب منه وقال أحسنتم هكذا فاصنعوا.
ورواه أحمد: عن روح ومحمد بن بكر، عن ابن جريج، عن حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس، وداود بن علي بن عبد الله بن عباس عن ابن عباس فذكره.
وروى البخاري: عن إسحاق بن سليمان [ حدثنا خالد ] (1) عن خالد [ الحذاء ] (2) عن عكرمة عن ابن عباس.
أن رسول الله جاء إلى السقاية فاستسقى فقال العباس: يا فضل اذهب إلى أمك (3) فأت رسول الله بشراب من عندها.
فقال: اسقني ! فقال: يا رسول الله إنهم يجعلون أيديهم فيه.
قال: اسقني ! فشرب منه، ثم أتى زمزم وهم يسقون ويعملون فيها.
فقال: اعملوا فإنكم على عمل صالح.
ثم قال: لولا أن تغلبوا لنزعت حتى أضع الحبل على هذه - يعني عاتقه - وأشار إلى عاتقه.
وعنده من حديث عاصم عن الشعبي أن ابن عباس قال: سقيت النبي صلى الله عليه وسلم من زمزم فشرب وهو قائم.
قال
__________
(1) من صحيح مسلم، وخالد هو خالد الطحان.
(2) من البخاري - الحديث 1635 فتح الباري 3 / 491.
(3) وهي لبابة بنت الحارث الهلالية أم الفضل وعبد الله ابنا العباس.

عاصم فحلف عكرمة - ما كان يومئذ إلا على بعير.
وفي رواية ناقته.
وقال الامام أحمد: ثنا هشيم، ثنا يزيد بن أبي زياد، عن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت وهو على بعير واستلم الحجر بمحجن كان معه.
قال وأتى السقاية فقال: أسقوني ! فقالوا: إن هذا يخوضه الناس ولكنا نأتيك به من البيت.
فقال: لا حاجة لي فيه اسقوني مما يشرب الناس.
وقد روى أبو داود: عن مسدد، عن خالد الطحان، عن يزيد بن أبي زياد عن عكرمة، عن ابن عباس.
قال: قدم رسول الله مكة ونحن نستقي فطاف على راحلته الحديث.
وقال الامام أحمد: حدثنا روح وعفان قالا: ثنا حماد، عن قيس وقال عفان في حديثه أنبأنا قيس، عن مجاهد عن ابن عباس.
أنه قال: جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى زمزم فنزعنا له دلوا فشرب، ثم مج فيها ثم أفرغناها في زمزم.
ثم قال: لولا أن تغلبوا عليها لنزعت بيدي - انفرد به أحمد وإسناده على شرط مسلم.
فصل ثم إنه صلى الله عليه وسلم لم يعد الطواف بين الصفا والمروة مرة ثانية بل اكتفى بطوافه الاول.
كما روى مسلم في صحيحه من طريق ابن جريج: أخبرني أبو الزبير، سمعت جابر بن عبد الله يقول: لم يطف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافا واحدا.
قلت والمراد بأصحابه هاهنا الذين ساقوا الهدي وكانوا قارنين.
كما ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: - وكانت أدخلت الحج على العمرة فصارت قارنة - يكفيك طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة لحجك وعمرتك.
وعند أصحاب الامام أحمد أن قول جابر وأصحابه عام في القارنين والمتمتعين.
ولهذا نص الامام أحمد على أن المتمتع يكفيه طواف واحد عن حجه وعمرته وإن تحلل بينهما تحلل.
وهو قول غريب مأخذه ظاهر عموم الحديث.
والله أعلم.
وقال أصحاب أبي حنيفة في المتمتع كما قال المالكية والشافعية إنه يجب عليه طوافان وسعيان حتى طردت الحنفية ذلك في القارن وهو من إفراد مذهبهم أنه يطوف طوافين ويسعى سعيين ونقلوا ذلك عن علي موقوفا.
وروي عنه مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد قدمنا الكلام على ذلك كله عند الطواف وبينا أن أسانيد ذلك ضعيفة مخالفة للاحاديث الصحيحة.
والله أعلم.
فصل ثم رجع عليه السلام إلى منى بعد ما صلى الظهر بمكة كما دل عليه حديت جابر.
وقال ابن عمر: رجع فصلى الظهر بمنى رواهما مسلم كما تقدم قريبا ويمكن الجمع بينهما بوقوع ذلك بمكة وبمنى والله أعلم.
وتوقف ابن حزم في هذا المقام فلم يجزم فيه بشئ وهو معذور لتعارض النقلين الصحيحين فيه فالله أعلم.
وقال محمد بن إسحاق، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة قالت: أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه حين صلى الظهر ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق يرمي الجمرات إذا زالت الشمس كل جمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة.

ورواه أبو داود منفردا به.
وهذا يدل على أن ذهابه عليه السلام إلى مكة يوم النحر كان بعد الزوال.
وهذا ينافي حديث ابن عمر قطعا وفي منافاته لحديث جابر نظر.
والله أعلم.
فصل وقد خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا اليوم الشريف خطبة عظيمة تواترت بها الاحاديث ونحن نذكر منها ما يسره الله عز وجل.
قال البخاري (1): باب الخطبة أيام منى.
حدثنا علي بن عبد الله، ثنا يحيى بن سعيد، ثنا فضيل بن غزوان، ثنا عكرمة عن ابن عباس.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس، يوم النحر.
فقال: يا أيها الناس أي يوم هذا ؟ قالوا: يوم حرام.
قال: فأي بلد هذا ؟ قالوا: بلد حرام.
قال: فأي شهر هذا ؟ قالوا: شهر حرام قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا.
قال: فأعادها مرارا ثم رفع رأسه فقال: اللهم هل بلغت اللهم قد بلغت قال ابن عباس: فوالذي نفسي بيده إنها لوصيته إلى أمته - فليبلغ الشاهد الغائب لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض.
ورواه الترمذي عن الفلاس عن يحيى القطان به.
وقال حسن صحيح.
وقال البخاري أيضا: حدثنا عبد الله بن محمد، ثنا أبو عامر، ثنا قرة (2)، عن محمد بن سيرين أخبرني عبد الرحمن بن أبي بكرة، عن أبيه ورجل أفضل في نفسي من عبد الرحمن
حميد بن عبد الرحمن، عن أبي بكرة رضي الله عنه.
قال: خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر فقال: أتدرون أي يوم هذا ؟ قلنا الله ورسوله أعلم.
فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه.
قال: أليس هذا يوم النحر ؟ قلنا: بلى ! قال: أي شهر هذا ؟ قلنا: الله ورسوله أعلم.
فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه.
قال: أليس ذو الحجة ؟ قلنا: بلى ! قال: أي بلد هذا ؟ قلنا: الله ورسوله أعلم.
فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه.
قال: أليس بالبلدة الحرام ؟ قلنا: بلى ! قال: فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم.
ألا هل بلغت ؟ قالوا: نعم ! قال: اللهم اشهد، فليبلغ الشاهد الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع، فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض.
ورواه البخاري ومسلم من طرق عن محمد بن سيرين به.
ورواه مسلم: من حديث عبد الله بن عون، عن ابن سيرين، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه فذكره.
وزاد في آخره: ثم انكفأ إلى كبشين أملحين فذبحهما وإلى جذيعة من الغنم فقسمها بيننا.
وقال الامام أحمد: ثنا إسماعيل، أنبأنا أيوب، عن محمد بن سيرين عن أبي بكرة.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب في حجته فقال: ألا إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والارض، السنة اثنى عشر شهرا منها أربعة
__________
(1) في كتاب الحج - 132 باب.
الحديث 1739.
(2) أبو عامر هو العقدي، وقرة هو ابن خالد.

حرم، ثلاثة متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان.
ثم قال: ألا أي يوم هذا ؟ قلنا: الله ورسوله أعلم.
فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه.
قال: أليس يوم النحر ؟ قلنا: بلى ! ثم قال: أي شهر هذا ؟ قلنا: الله ورسوله أعلم.
فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه.
قال أليس ذا الحجة ؟ قلنا بلى ! ثم قال: أي بلد هذا ؟ قلنا: الله ورسوله أعلم.
فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه.
قال: أليست البلدة ؟ قلنا: بلى ! قال: فإن دماءكم وأموالكم - لاحسبه - قال وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم
هذا في بلدكم هذا، وستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم ألا لا ترجعوا بعدي ضلالا يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا هل بلغت.
ألا ليبلغ الشاهد الغائب فلعل من يبلغه يكون أوعى له من بعض من سمعه.
هكذا وقع في مسند الامام أحمد عن محمد بن سيرين عن أبي بكرة.
وهكذا رواه أبو داود عن مسدد.
والنسائي عن عمرو بن زرارة كلاهما عن إسماعيل - وهو ابن علية - عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي بكرة به.
وهو منقطع لان صاحبا الصحيح أخرجاه من غير وجه عن أيوب وغيره عن محمد بن سيرين، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه به.
وقال البخاري أيضا: ثنا محمد بن المثنى، ثنا يزيد بن هارون، أنبأنا عاصم بن محمد بن زيد، عن أبيه عن ابن عمر.
قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم بمنى: أتدرون أي يوم هذا ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم.
قال: فإن هذا يوم حرام، أفتدرون أي بلد هذا ؟ قالوا: الله ورسوله أعلم.
قال: بلد حرام.
قال: أفتدرون أي شهر هذا ؟ قالو: الله ورسوله أعلم.
قال: شهر حرام.
قال: فإن الله حرم عليكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا.
وقد أخرجه البخاري في أماكن متفرقة من صحيحه وبقية الجماعة إلا الترمذي من طرق عن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر، عن جده عبد الله بن عمر، فذكره قال البخاري.
وقال هشام بن الغاز: أخبرني نافع عن ابن عمر: وقف النبي صلى الله عليه وسلم يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج بهذا.
وقال: هذا يوم الحج الاكبر.
فطفق النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اللهم أشهد.
وودع الناس فقالوا: هذه حجة الوداع.
وقد أسند هذا الحديث أبو داود: عن مؤمل بن الفضل، عن الوليد بن مسلم.
وأخرجه ابن ماجه: عن هشام بن عمار، عن صدقة بن خالد كلاهما عن هشام بن الغاز بن ربيعة الجرشي أبي العباس الدمشقي به (1).
وقيامه عليه السلام بهذه الخطبة عند الجمرات يحتمل أنه بعد رميه الجمرة يوم النحر وقبل طوافه.
ويحتل أنه بعد طوافه ورجوعه إلى منى ورميه بالجمرات لكن يقوي الاول ما رواه النسائي حيث قال: حدثنا عمرو بن هشام الحراني، ثنا محمد بن سلمة، عن أبي عبد الرحيم (2) عن زيد بن أبي أنيسة، عن يحيى بن حصين الاحمسي، عن جدته أم حصين (3)
__________
(1) في الخلاصة: أبي عبد الله الدمشقي.
(2) أبو عبد الرحيم واسمه خالد بن أبي يزيد وهو خال محمد بن مسلمة روى عنه وكيع وحجاج الاعور.
(3) أم الحصين: هي الاحمسية صحابية شهدت حجة الوداع مع النبي صلى الله عليه وآله روى عنها يحيى بن الحصين، والعيزار بن حريث.

قالت: حججت في حجة النبي صلى الله عليه وسلم فرأيت بلالا آخذا بقود راحلته، وأسامة بن زيد رافع عليه ثوبه يظله من الحر وهو محرم حتى رمى جمرة العقبة.
ثم خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه وذكر قولا كثيرا.
وقد رواه مسلم: من حديث زيد بن أبي أنيسة، عن يحيى بن الحصين، عن جدته أم الحصين قالت: حججت مع رسول الله حجة الوداع فرأيت أسامة وبلالا أحدهما آخذ بخطام ناقة رسول الله، والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة.
قالت: فقال رسول الله قولا كثيرا.
ثم سمعته يقول: إن أمر عليكم عبد مجدع - حسبتها قالت: أسود - يقودكم بكتاب الله فاسمعوا له وأطيعوا.
وقال الامام أحمد: ثنا محمد بن عبيد الله، ثنا الاعمش، عن أبي صالح - وهو - ذكوان السمان - عن جابر.
قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر فقال: أي يوم أعظم حرمة ؟ قالوا: يومنا هذا.
قال: أي شهر أعظم حرمة ؟ قالوا: شهرنا هذا.
قال: أي بلد أعظم حرمة ؟ قالوا: بلدنا هذا.
قال: فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا هل بلغت قالوا: نعم.
قال: اللهم اشهد.
انفرد به أحمد من هذا الوجه وهو على شرط الصحيحين.
ورواه أبو بكر بن أبي شيبة عن أبي معاوية عن الاعمش به.
وقد تقدم حديث جعفر بن محمد، عن أبيه عن جابر في خطبته عليه السلام يوم عرفة.
فالله أعلم.
قال الامام أحمد: ثنا علي بن بحر، ثنا عيسى بن يونس، عن الاعمش، عن أبي صالح عن أبي سعيد الخدري.
قال قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فذكر معناه.
وقد رواه ابن ماجه: عن هشام بن عمار، عن عيسى بن يونس به.
وإسناده على شرط الصحيحين.
فالله أعلم.
وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا أبو هشام، ثنا حفص، عن الاعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة وأبي سعيد.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال: أي يوم هذا ؟ قالوا: يوم حرام.
قال:
فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا.
ثم قال البزار: رواه أبو معاوية، عن الاعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، وأبي سعيد.
وجمعهما لنا أبو هشام عن حفص بن غياث عن الاعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة وأبي سعيد.
قلت وتقدم رواية أحمد له عن محمد بن عبيد الطنافسي، عن الاعمش، عن أبي صالح، عن جابر بن عبد الله فلعله عند أبي صالح عن الثلاثة.
والله أعلم.
وقال هلال بن يساف، عن سلمة بن قيس الاشجعي.
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: إنما هن أربع، لا تشركوا بالله شيئا، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ولا تزنوا، ولا تسرقوا.
قال: فما أنا بأشح عليهن مني حين سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رواه أحمد والنسائي: من حديث منصور، عن هلال بن يساف.
وكذلك رواه سفيان بن عيينة، والثوري عن منصور.
وقال ابن حزم في حجة الوداع.
حدثنا أحمد بن عمر بن أنس العذري، ثنا أبو ذر عبد الله بن أحمد الهروي الانصاري، ثنا أحمد بن عبدان الحافظ بالاهواز، ثنا سهل بن موسى بن شيرزاد، ثنا موسى بن عمرو بن عاصم، ثنا أبو العوام، ثنا محمد بن جحادة، عن زياد بن علاقة، عن أسامة بن شريك.
قال: شهدت رسول الله في حجة الوداع وهو يخطب وهو يقول: أمك وأباك وأختك

وأخاك ثم أدناك أدناك قال: فجاء قوم فقالوا: يا رسول الله قبلنا بنو يربوع.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تجني نفس على أخرى.
ثم سأله رجل نسي أن يرمي الجمار.
فقال: ارم ولا حرج.
ثم أتاه آخر فقال: يا رسول الله نسيت الطواف: فقال: طف ولا حرج.
ثم أتاه آخر حلق قبل أن يذبح قال: اذبح ولا حرج.
فما سألوه يومئذ عن شئ إلا قال: لا حرج لا حرج.
ثم قال: قد أذهب الله الحرج إلا رجلا اقترض امرأ مسلما فذلك الذي حرج وهلك.
وقال: ما أنزل الله داء إلا أنزل له دواء إلا الهرم.
وقد روى الامام أحمد وأهل السنن بعض هذا السياق من هذه الطريق.
وقال الترمذي: حسن صحيح.
وقال الامام أحمد: ثنا حجاج، حدثني شعبة، عن علي بن مدرك سمعت أبا زرعة يحدث عن جرير وهو جده عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال في حجة الوداع: يا جرير استنصت
الناس.
ثم قال في خطبته: لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض.
ثم رواه أحمد: عن غندر وعن ابن مهدي كل منهما عن شعبة به.
وأخرجاه في الصحيحين من حديث شعبة به.
وقال أحمد ثنا ابن نمير، ثنا إسماعيل، عن قيس قال: بلغنا أن جريرا قال قال رسول الله: استنصت الناس ثم قال عند ذلك لا أعرفن بعد ما أرى ترجعون كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض.
ورواه النسائي من حديث عبد الله بن نمير به.
وقال النسائي: ثنا هناد بن السري، عن أبي الاحوص، عن ابن غرقدة عن سليمان بن عمرو عن أبيه.
قال: شهدت رسول الله في حجة الوداع يقول: أيها الناس ثلاث مرات أي يوم هذا قالوا يوم الحج الاكبر.
قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا ولا يجني جان على والده، ألا إن الشيطان قد يئس أن يعبد في بلدكم هذا ولكن سيكون له طاعة في بعض ما تحتقرون من أعمالكم فيرضى، ألا وإن كل ربا من ربا الجاهلية يوضع لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون، وذكر تمام الحديث.
وقال أبو داود: باب من قال خطب (1) يوم النحر.
حدثنا هارون بن عبد الله، ثنا هشام بن عبد الملك، ثنا عكرمة - هو ابن عمار - ثنا الهرماس بن زياد الباهلي قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس على ناقته العضباء (2) يوم الاضحى بمنى.
ورواه أحمد والنسائي من غير وجه عن عكرمة بن عمار عن الهرماس.
قال: كان أبي مردفي فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس بمنى يوم النحر على ناقته العضباء.
لفظ أحمد وهو من ثلاثيات المسند ولله الحمد.
ثم قال أبو داود (3) ثنا مؤمل الفضل الحراني، ثنا الوليد، ثنا ابن جابر، ثنا سليم بن عامر [ الكلاعي ] (4) سمعت أبا أمامة يقول: سمعت خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى يوم
__________
(1) من سنن أبي داود 2 / 198، وفي الاصل: يخطب.
والحديث 1954.
(2) العضباء: مقطوعة الاذن.
قال الاصمعي: كل قطع في الاذن فهو جدع، فإن جاوز الربع فهي عضباء.
وقال أبو عبيد: العضباء التي قطع نصف اذنها فما فوق، وقال الخليل: العضباء مشقوقة الاذن.
وقال الحربي: العضباء اسم لها.
(3) المصدر السابق - الحديث 1955، ورواه أحمد في مسنده ج 5 / 251، 262.
(4) من سنن أبي داود.

النحر وقال الامام أحمد: ثنا عبد الرحمن، عن معاوية بن صالح، عن سليم بن عامر الكلاعي.
سمعت أبا أمامة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ على الجدعاء واضع رجليه في الغرز يتطاول ليسمع الناس.
فقال بأعلا صوته ألا تسمعون ؟ فقال رجل من طوائف الناس: يا رسول الله ماذا تعهد إلينا فقال " اعبدوا ربكم، وصلوا خمسكم، وصوموا شهركم وأطيعوا إذا أمرتم تدخلوا جنة ربكم " فقلت: يا أبا أمامة مثل ما أنت يومئذ.
قال: أنا يومئذ ابن ثلاثين سنة أزاحم البعير أزحزحه قدما لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
ورواه أحمد أيضا: عن زيد بن الحباب، عن معاوية بن صالح، وأخرجه الترمذي عن موسى بن عبد الرحمن الكوفي، عن زيد بن الحباب.
وقال حسن صحيح.
قال الامام أحمد: ثنا أبو المغيرة، ثنا إسماعيل بن عباس، ثنا شرحبيل بن مسلم الخولاني، سمعت أبا أمامة الباهلي يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: في خطبته عام حجة الوداع إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث، والولد للفراش وللعاهر الحجر، وحسابهم على الله.
ومن ادعى إلى غير أبيه أو انتمى إلى غير مواليه فعليه لعنه الله التابعة إلى يوم القيامة، لا تنفق امرأة من بيتها إلا بأذن زوجها.
فقيل يا رسول الله ولا الطعام.
قال: ذاك أفضل أموالنا.
ثم قال رسول الله: العارية مؤداة والمنحة مردودة، والدين مقضى، والزعيم غارم (1).
ورواه أهل السنن الاربعة من حديث إسماعيل بن عياش.
وقال الترمذي: حسن.
ثم قال أبو داود: رحمه الله باب متى يخطب (2) يوم النحر.
حدثنا عبد الوهاب بن عبد الرحيم الدمشقي، ثنا مروان، عن هلال بن عامر المزني، حدثني رافع بن عمرو المزني.
قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب الناس بمنى حين ارتفع الضحى على بغلة شهباء، وعلي يعبر عنه والناس بين قائم وقاعد.
ورواه النسائي: عن دحيم، عن مروان الفزاري به.
وقال الامام أحمد: حدثنا أبو معاوية، ثنا هلال بن عامر المزني عن أبيه.
قال: رأيت رسول الله يخطب الناس بمنى على بغلة وعليه برد أحمر.
قال: ورجل من أهل بدر بين يديه يعبر عنه.
قال: فجئت حتى أدخلت يدي
بين قدمه وشراكه.
قال: فجعلت أعجب من بردها.
حدثنا محمد بن عبيد ثنا شيخ من بني فزارة، عن هلال بن عامر المزني عن أبيه.
قال: رأيت رسول الله على بغلة شهباء وعلي يعبر عنه.
ورواه أبو داود من حديث أبي معاوية عن هلال بن عامر.
ثم قال أبو داود (3): باب من يذكر الامام في خطبته بمنى: حدثنا مسدد، ثنا عبد الوارث، عن حميد الاعرج، عن محمد بن إبراهيم التيمي، عن عبد الرحمن بن معاذ التيمي.
قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بمنى ففتحت أسماعنا حتى كنا نسمع ما يقول ونحن في منازلنا، فطفق يعلمهم مناسكهم حتى بلغ
__________
(1) مسند الامام أحمد ج 4 / 238 و 5 / 267.
(2) في السنن: أي وقت يخطب: ج 2 / 198 حديث 1956.
(3) في كتاب المناسك - ج 2 / 198.
والحديث رقم: 1957.

الجمار، فوضع السباحتين ثم قال حصى الخذف (1).
ثم أمر المهاجرين فنزلوا في مقدم المسجد، وأمر الانصار فنزلوا من وراء المسجد ثم نزل الناس بعد ذلك.
وقد رواه أحمد عن عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه.
وأخرجه النسائي من حديث ابن المبارك عن عبد الوارث كذلك.
وتقدم رواية الامام (أحمد) له عن عبد الرزاق عن معمر عن محمد بن إبراهيم التيمي عن عبد الرحمن بن معاذ عن (2) رجل من الصحابة.
فالله أعلم.
وثبت في الصحيحين، من حديث ابن جريج، عن الزهري، عن عيسى بن طلحة، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينا هو يخطب يوم النحر فقام إليه رجل فقال: كنت أحسب أن كذا وكذا قبل كذا وكذا.
ثم قام آخر فقال: كنت أحسب أن كذا وكذا قبل كذا، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم افعل ولا حرج.
وأخرجاه من حديث مالك.
زاد مسلم ويونس عن الزهري به.
وله ألفاظ كثيرة ليس هذا موضع استقصائها.
ومحله كتاب الاحكام وبالله المستعان وفي لفظ الصحيحين.
قال فما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم عن شئ قدم ولا أخر إلا قال: افعل ولا حرج.
فصل
ثم نزل عليه السلام بمنى حيث المسجد اليوم فيما يقال، وأنزل المهاجرين يمنته، والانصار يسرته، والناس حولهم من بعدهم.
وقال الحافظ البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا علي بن محمد بن عقبة الشيباني بالكوفة، ثنا إبراهيم بن إسحاق الزهري، ثنا عبيد الله بن موسى، أنبأنا إسرائيل، عن إبراهيم بن المهاجر، عن يوسف بن ماهك عن أم مسيكة عن عائشة.
قالت: قيل يا رسول الله ألا نبني لك بمنى بناء يظلك.
قال: لا منى مناخ من سبق.
وهذا إسناد لا بأس به وليس هو في المسند ولا في الكتب الستة من هذا الوجه.
وقال أبو داود: ثنا أبو بكر محمد بن خلاد الباهلي، ثنا يحيى، عن ابن جريج [ حدثني حريز ] (3) أو أبو حريز - الشك من يحيى - أنه سمع عبد الرحمن بن فروخ، يسأل ابن عمر قال: إنا نتبايع بأموال الناس فيأتي أحدنا مكة، فيبيت على المال فقال: أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فبات بمنى وظل.
انفرد به أبو داود.
ثم قال أبو داود (4): ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا ابن نمير وأبو أسامة، عن عبيد الله، عن نافع عن ابن عمر قال: استأذن العباس رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيت بمكة ليالي منى من أجل سقايته فأذن له.
__________
(1) العبارة عند أبي داود: فوضع اصبعيه السبابتين، ثم قال: بحصى الخذف.
(2) قال صاحب الفتح الرباني: روي الحديث بثلاثة طرق ثبت بها ان عبد الرحمن من الصحابة، وأنه روى الحديث بدون واسطة بينه وبين النبي صلى الله عليه وآله، ورواه مرة بواسطة، ويحتمل انه هو، وأراد عدم التصريح باسم نفسه لامر ما، فقال عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله يعني نفسه.
(3) سقطت من نسخ البداية المطبوعة.
والحديث في سنن أبي داود - كتاب المناسك - ج 2 / 198 حديث (1958).
(4) المصدر السابق - حديث 1959.
ج 2 / 199.

وهكذا رواه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن نمير زاد البخاري: وأبي ضمرة أنس بن عياض زاد مسلم: وأبي أسامة حماد بن أسامة.
وقد علقه البخاري عن أبي أسامة وعقبة بن خالد كلهم عن عبيد الله بن عمر به.
وقد كان صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه بمنى ركعتين كما ثبت عنه ذلك في
الصحيحين من حديث ابن مسعود وحارثة بن وهب رضي الله عنهما.
ولهذا ذهب طائفة من العلماء إلى أن سبب هذا القصر النسك كما هو قول طائفة من المالكية وغيرهم.
قالوا ومن قال: إنه عليه السلام كان يقول بمنى لاهل مكة: أتموا فإنا قوم سفر فقد غلط إنما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح وهو نازل بالابطح كما تقدم.
والله أعلم.
وكان صلى الله عليه وسلم يرمي الجمرات الثلاث في كل يوم من أيام منى بعد الزوال كما قال جابر فيما تقدم ماشيا كما قال ابن عمر فيما سلف كل جمرة بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة.
ويقف عند الاولى وعند الثانية يدعو الله عز وجل ولا يقف عند الثالثة.
قال أبو داود: ثنا علي بن بحر وعبدد الله بن سعيد المعني قالا: ثنا أبو خالد الاحمر، عن محمد بن إسحاق عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه عن عائشة قالت: أفاض رسول الله صلى الله عليه وسلم من آخر يومه حين صلى الظهر، ثم رجع إلى منى فمكث بها [ ليالي ] (1) أيام التشريق، يرمي الجمرة إذا زالت الشمس، كل جمرة بسبع حصيات ويكبر مع كل حصاة ويقف عند الاولى والثانية فيطيل المقام ويتضرع ويرمي الثالثة لا يقف عندها.
انفرد به أبو داود.
وروى البخاري من غير وجه: عن يونس بن يزيد، عن الزهري عن سالم عن ابن عمر.
أنه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات يكبر على إثر كل حصاة ثم يتقدم ثم يسهل فيقوم مستقبل القبلة طويلا، ويدعو ويرفع يديه، ثم يرمي الوسطى، ثم يأخذ ذات الشمال فيسهل فيقوم مستقبل القبلة ويدعو، ويرفع يديه ويقوم طويلا، ثم يرمي جمرة ذات العقبة من بطن الوادي، ولا يقف عندها ثم ينصرف فيقول: هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعله.
وقال وبرة بن عبد الرحمن: قام ابن عمر عند العقبة، بقدر قراءة سورة البقرة.
وقال أبو مجلز حزرت قيامه بعد قراءة سورة يوسف ذكرهما البيهقي.
وقال الامام أحمد: حدثنا سفيان بن عيينة، عن عبد الله بن أبي بكر، عن أبيه عن أبي القداح عن أبيه.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص للرعاء أن يرموا يوما ويدعوا يوما.
وقال أحمد ثنا محمد بن أبي بكر وأنبأ روح ثنا ابن جريج، أخبرني محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو، عن أبيه عن أبي القداح بن عاصم بن عدي عن أبيه.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أرخص للرعاء أن يتعاقبوا فيرموا يوم النحر ثم يدعوا يوما وليلة ثم يرموا الغد.
وقال الامام أحمد: ثنا عبد الرحمن، ثنا مالك عن
عبد الله بن بكر عن أبيه عن أبي القداح بن عاصم بن عدي عن أبيه.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص لرعاء الابل في البيتوتة بمنى حتى يرموا يوم النحر ثم يرمون يوم النحر ثم يرمون الغد أو من بعد الغد ليومين ثم يرمون يوم النفر (1).
وكذا رواه عن عبد الرزاق عن مالك بنحوه.
وقد رواه أهل السنن
__________
(1) من سنن أبي داود ج 2 / 201 حديث رقم 1973.
(2) قال ابن حجر: لستة أيام متوالية من أيام ذي الحجة أسماء: الثامن يوم التروية، والتاسع عرفة، والعاشر =

الاربعة من حديث مالك ومن حديث سفيان بن عيينة به.
قال الترمذي: ورواية مالك أصح.
وهو حديث حسن صحيح.
فصل فيما ورد من الاحاديث الدالة على أنه عليه السلام خطب الناس بمنى في اليوم الثاني من أيام التشريق وهو أوسطها قال أبو داود باب أي يوم يخطب (1): حدثنا محمد بن العلاء، أنبأنا ابن المبارك، عن إبراهيم بن نافع، عن ابن أبي نجيح عن أبيه عن رجلين من بني بكر.
قالا: رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب بين أوسط أيام التشريق، ونحن عند راحلته وهي خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي خطب بمنى.
إنفرد به أبو داود.
ثم قال أبو داود: ثنا محمد بن بشار، ثنا أبو عاصم، ثنا ربيعة بن عبد الرحمن بن حصين (2) حدثتني جدتي سراء بنت نبهان - وكانت ربة بيت في الجاهلية -.
قالت: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الرؤوس فقال: أي يوم هذا ؟ قلنا: الله ورسوله أعلم ! قال: أليس أوسط أيام التشريق.
انفرد به أبو داود.
قال أبو داود: وكذلك قال عم أبي حرة الرقاشي (3) أنه خطب أوسط أيام التشريق.
وهذا الحديث قد رواه الامام أحمد (4) متصلا مطولا فقال: ثنا عثمان، ثنا حماد بن سلمة، أنبأنا علي بن زيد، عن أبي حرة الرقاشي عن عمه.
قال: كنت آخذا بزمام ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في أوسط أيام التشريق أذود عنه الناس.
فقال: يا أيها الناس أتدرون في أي شهر أنتم وفى أي يوم أنتم وفي أي بلد أنتم ؟ قالوا: في يوم حرام وشهر حرام وبلد حرام.
قال: فإن
دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى أن تلقونه.
ثم قال: اسمعوا مني تعيشوا، ألا لا تظلموا ألا لا تظلموا ألا لا تظلموا، إنه لا يحل مال امرء مسلم إلا بطيب نفس منه، ألا إن كل دم ومال ومأثرة كانت في الجاهلية تحت قدمي هذه إلى يوم القيامة، وإن أول دم يوضع دم (5) ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب كان مسترضعا في بني سعد فقتلته هذيل.
ألا إن كل ربا في الجاهلية موضوع وإن الله قضى أن أول ربا يوضع ربا العباس بن عبد المطلب لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون، ألا وإن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السموات والارض ثم قرأ * (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم
__________
= النحر، والحادي عشر القر، والثاني عشر النفر الاول، والثالث عشر النفر الثاني.
وذكر مكي بن أبي طالب ان السابع يسمى يوم الزينة - انكره عليه النووي.
وأيام التشريق هي الثلاثة الايام التي بعد يوم النحر.
وأوسطها - الثاني منها - يوم الرؤوس.
سمي بذلك لانهم كانوا يأكلون فيه رؤوس الاضاحي.
(1) في السنن - كتاب المناسك: باب أي يوم يخطب بمنى.
(2) في سنن أبي داود: ابن حصن.
(3) في الاصل أبو حمزة، وما أثبتناه من السنن، وميزان الاعتدال والخلاصة.
(4) سنن أبي داود - ج 2 / 197 ومسند الامام أحمد ج 5 / 72.
(5) كذا في الاصول دم ربيعة، وقد تقدم انه ابن ربيعة.

خلق السموات والارض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم) *، [ التوبة 36 - 37 ]، ألا لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض، ألا إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون ولكنه في التحريش بينكم، واتقوا الله في النساء فإنهن عندكم عوان (1) لا يملكن لانفسهن شيئا، وإن لهن عليكم حقا ولكم عليهن حق أن لا يوطئن فرشكم أحد غيركم، ولا يأذن في بيوتكم لاحد تكرهونه.
فإن خفتم نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح، ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف، وإنما أخذتموهن بأمانة الله وأستحللتم فروجهن بكلمة
الله، ألا ومن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها وبسط يده وقال: ألا هل بلغت ألا هل بلغت ! ثم قال: ليبلغ الشاهد الغائب فإنه رب مبلغ أسعد من سامع.
قال حميد قال الحسن حين بلغ هذه الكلمة: قد والله بلغوا أقواما كانوا أسعد به (2).
وقد روى أبو داود في كتاب النكاح من سننه: عن موسى بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن أبي حرة الرقاشي - واسمه حنيفة - عن عمه ببعضه في النشوز.
قال ابن حزم: جاء أنه خطب يوم الرؤوس وهو اليوم الثاني من يوم النحر بلا خلاف عن أهل مكة، وجاء أنه أوسط أيام التشريق فيحتمل على أن أوسط بمعنى أشرف كما قال تعالى * (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) * [ البقرة: 143 ].
وهذا المسلك الذى سلكه ابن حزم بعيد.
والله أعلم.
وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا الوليد بن عمرو بن مسكين، ثنا أبو همام محمد بن الزبرقان، ثنا موسى بن عبيدة، عن عبد الله بن دينار، وصدقة بن يسار عن عبد الله بن عمر قال: نزلت هذه السورة على رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى وهو في أوسط أيام التشريق في حجة الوداع.
* (إذا جاء نصر الله والفتح) * فعرف أنه الوداع فأمر براحلته القصواء (3) فرحلت له ثم ركب، فوقف الناس بالعقبة فاجتمع إليه ما شاء الله من المسلمين، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله.
ثم قال: أما بعد أيها الناس، فإن كل دم كان في الجاهلية فهو هدر، وإن أول دمائكم أهدر دم ربيعة بن الحارث كان مسترضعا في بني ليث فقتلته هذيل.
وكل ربا في الجاهلية فهو موضوع، وإن أول رباكم أضع ربا العباس بن عبد المطلب، أيها الناس إن الزمان قد استدار كهيئة يوم خلق الله السموات والارض، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر منها أربعة حرم رجب - مضر - الذي بين جمادى وشعبان، وذو القعدة وذو الحجة والمحرم * (ذلك الدين
__________
(1) العواني: الاسرى، جمع عان.
(2) رواه الهيثمي في مجمع الزوائد 2 / 265 وقال: رواه أحمد، وأبو حرة الرقاشي وثقه أبو داود وضعفه ابن معين، وفيه علي بن زيد وفيه كلام.
(3) القصواء: الناقة التي قطع طرف اذنها، ولم تكن ناقة النبي صلى الله عليه وآله قصواء وإنما كان هذا لقبا لها.
وقد جاء في الحديث انه كان له: ناقة تسمى العضباء، وأخرى تسمى الجدعاء.
وفي حديث آخر صلماء.
فيحتمل أن
يكون الجميع صفة ناقة واحدة.
ويؤيد ذلك ما روي في حديث علي حين بعثه النبي صلى الله عليه وآله يبلغ أهل مكة سورة براءة.
فرواه ابن عباس انه ركب ناقته صلى الله عليه وآله القصواء، وفي رواية جابر العضباء وفي رواية غيرهما الجدعاء.

القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم) * الآية [ التوبة: 36 ] * (إنما النسئ زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله) * [ التوبة: 37 ] كانوا يحلون صفرا عاما ويحرمون المحرم عاما ويحرمون صفر عاما ويحلون المحرم عاما فذلك النسئ.
يا أيها الناس من كان عنده وديعة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها، أيها الناس إن الشيطان قد يئس أن يعبد ببلادكم آخر الزمان،.
وقد يرضى عنكم بمحقرات الاعمال، فاحذروه على دينكم بمحقرات الاعمال، أيها الناس إن النساء عندكم عوان أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله.
لكم عليهن حق ولهن عليكم حق، ومن حقكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم غيركم، ولا يعصينكم في معروف، فإن فعلن ذلك فليس لكم عليهن سبيل، ولهن رزقهن وكسوتهن بالمعروف، فإن ضربتم فاضربوا ضربا غير مبرح.
ولا يحل لامرء من مال أخيه إلا ما طابت به نفسه، أيها الناس إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لم تضلوا كتاب الله فاعملوا به، أيها الناس أي يوم هذا ؟ قالوا: يوم حرام قال: فأي بلد هذا ؟ قالوا: بلد حرام قال: أي شهر هذا ؟ قالوا: شهر حرام.
قال: فإن الله حرم دماءكم وأموالكم وأعراضكم كحرمة هذا اليوم في هذا البلد وهذا الشهر، ألا ليبلغ شاهدكم غائبكم، لا نبي بعدي ولا أمة بعدكم ثم رفع يديه فقال: اللهم أشهد (1).
حديث الرسول صلى الله عليه وسلم يزور البيت كل ليلة من ليالي منى قال البخاري يذكر عن أبي حسان عن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يزور البيت في أيام منى، هكذا ذكره معلقا بصيغة التمريض وقد قال الحافظ البيهقي: أخبرناه أبو الحسن بن عبدان، أنبأنا أحمد بن عبيد الصفار، ثنا العمري، أنبأنا ابن عرعرة فقال: دفع إلينا معاذ بن هشام كتابا قال: سمعته من أبي ولم يقرأه.
قال: فكان فيه عن قتادة عن أبي حسان عن ابن عباس.
أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم كان يزور البيت كل ليلة ما دام بمنى.
قال وما رأيت أحدا واطأه عليه.
قال البيهقي: وروى الثوري في الجامع عن طاوس عن ابن عباس.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان يفيض كل ليلة - يعني ليالي منى - وهذا مرسل.
فصل اليوم السادس من ذي الحجة.
قال بعضهم يقال له: يوم الزينة (2) لانه يزين فيه البدن بالجلال وغيرها، واليوم السابع يقال له يوم التروية لانهم يتروون فيه من الماء ويحملون منه ما يحتاجون إليه حال الوقوف وما بعده، واليوم الثامن يقال له يوم منى لانهم يرحلون فيه من الابطح
__________
(1) رواه مطولا الهيثمي في زوائده 2 / 2067 وقال: قلت في الصحيح وغيره طرف منه، ورواه البزار وفيه موسى بن عبيدة وهو ضعيف.
(2) تقدم التعليق قريبا وقول ابن حجر في اسمائها.
ص 219.

إلى منى، واليوم التاسع يقال له يوم عرفة لوقوفهم فيه بها، واليوم العاشر يقال له يوم النحر ويوم الاضحى ويوم الحج الاكبر، واليوم الذي يليه يقال له يوم القر لانهم يقرون فيه، ويقال له يوم الرؤوس لانهم يأكلون فيه رؤوس الاضاحي وهو أول أيام التشريق، وثاني أيام التشريق يقال له: يوم النفر الاول لجواز النفر فيه، وقيل هو اليوم الذي يقال له يوم الرؤوس، واليوم الثالث من أيام التشريق يقال له: يوم النفر الآخر.
قال الله تعالى: * (فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه) * الآية [ البقرة: 203 ].
فلما كان يوم النفر الآخر وهو اليوم الثالث من أيام التشريق وكان يوم الثلاثاء ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه فنفر بهم من منى فنزل المحصب وهو واد بين مكة ومنى فصلى به العصر.
كما قال البخاري: حدثنا محمد بن المثنى، ثنا إسحاق بن يوسف، ثنا سفيان الثوري عن عبد العزيز بن رفيع.
قال سألت أنس بن مالك: أخبرني عن شئ عقلته (1) عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أين صلى الظهر يوم التروية ؟ قال: بمنى.
قلت: فأين صلى العصر يوم النفر ؟ قال: بالابطح (2)، افعل كما يفعل أمراؤك.
وقد روى أنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر يوم النفر بالابطح وهو
المحصب.
فالله أعلم.
قال البخاري: حدثنا عبد المتعال بن طالب، ثنا ابن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، أن قتادة حدثه أن أنس بن مالك حدثه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه صلى الظهر والعصر [ والمغرب ] (3) والعشاء، ورقد رقدة في المحصب ثم ركب إلى البيت فطاف به.
قلت - يعني طواف الوداع -.
وقال البخاري ثنا عبد الله بن عبد الوهاب، ثنا خالد بن الحارث.
قال: سئل عبيد الله (4) عن المحصب فحدثنا عبيد الله عن نافع قال: نزل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعمر وابن عمر.
وعن نافع: أن ابن عمر كان يصلي بها - يعني المحصب - والظهر والعصر أحسبه قال: والمغرب قال خالد: لا أشك في العشاء ثم يهجع هجعة ويذكر ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال الامام أحمد: ثنا نوح بن ميمون، أنبأنا عبد الله، عن نافع عن ابن عمر.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان نزلوا المحصب هكذا رأيته في مسند الامام أحمد من حديث عبد الله العمري عن نافع.
وقد روى الترمذي هذا الحديث عن إسحاق بن منصور وأخرجه ابن ماجه عن محمد بن يحيى كلاهما عن عبد الرزاق عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر.
قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وعثمان ينزلون الابطح.
قال الترمذي: وفي الباب عن عائشة وأبي رافع وابن عباس وحديث ابن عمر حسن غريب.
وإنما نعرفه من حديث عبد الرزاق عن عبيد الله بن عمر به.
وقد رواه مسلم: عن محمد بن
__________
(1) من البخاري، وفي الاصل بشئ غفلته.
(2) الابطح: أي البطحاء التي بين مكة ومنى وهي ما انبطح من الوادي واتسع وهي التي يقال لها المحصب والمعرس وحدها ما بين الجبلين إلى المقبرة.
(3) من البخاري - كتاب الحج.
فتح الباري ج 3 / 466.
(4) من البخاري فتح الباري 3 / 467، وفى الاصل عبد الله، وهو عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب.

مهران الرازي، عن عبد الرزاق، عن معمر عن أيوب، عن نافع عن ابن عمر.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا ينزلون الابطح.
ورواه مسلم أيضا من حديث صخر بن جويرية، عن نافع عن
ابن عمر: أنه كان ينزل المحصب (1) وكان يصلي الظهر يوم النفر بالحصبة.
قال نافع: قد حصب رسول الله صلى الله عليه وسلم والخلفاء بعده.
وقال الامام أحمد: حدثنا يونس، ثنا حماد - يعني ابن سلمة - عن أيوب وحميد، عن بكر بن عبد الله عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالبطحاء ثم هجع هجعه، ثم دخل - يعني مكة - فطاف بالبيت.
ورواه أحمد أيضا عن عفان عن حماد، عن حميد، عن بكر، عن ابن عمر فذكره وزاد في آخره: وكان ابن عمر يفعله.
وكذلك رواه أبو داود: عن أحمد بن حنبل.
وقال البخاري: ثنا الحميدي، ثنا الوليد، ثنا الاوزاعي، حدثني الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة.
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغد يوم النحر - بمنى - نحن نازلون غدا بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر - يعني بذلك المحصب - الحديث.
ورواه مسلم: عن زهير بن حرب، عن الوليد بن مسلم، عن الاوزاعي فذكر مثله سواء.
وقال الامام أحمد: ثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن الزهري، عن علي بن الحسين، عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد.
قال قلت: يا رسول الله أين تنزل غدا - في حجته - ؟ قال: وهل ترك لنا عقيل منزلا، ثم قال: نحن نازلون غدا إن شاء الله بخيف بني كنانة - يعني المحصب - حيث قاسمت قريشا على الكفر، وذلك أن بني كنانة حالفت قريشا على بني هاشم أن لا يناكحوهم ولا يبايعوهم ولا يؤوهم - يعني حتى يسلموا إليهم رسول الله - ثم قال عند ذلك: " لا يرث المسلم الكافر، ولا الكافر المسلم " قال الزهري - والخيف - الوادي.
أخرجاه من حديث عبد الرزاق، وهذان الحديثان فيهما دلالة على أنه عليه السلام قصد النزول في المحصب مراغمة لما كان تمالا عليه كفار قريش لما كتبوا الصحيفة في مصارمة بني هاشم وبني المطلب حتى يسلموا إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قدمنا بيان ذلك في موضعه.
وكذلك نزله عام الفتح فعلى هذا يكون نزوله سنة مرغبا فيها، وهو أحد قولي العلماء.
وقد قال البخاري: ثنا أبو نعيم، أنبأنا سفيان، عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة قالت: إنما كان منزلا ينزله النبي صلى الله عليه وسلم ليكون أسمح لخروجه - يعني الابطح -.
وأخرجه مسلم من حديث هشام به ورواه أبو داود عن أحمد بن حنبل، عن يحيى بن سعيد، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة: إنما نزل رسول الله المحصب ليكون أسمح لخروجه وليس بسنة،
فمن شاء نزله ومن شاء لم ينزله (2).
وقال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله ثنا سفيان.
قال قال عمرو، عن عطاء، عن ابن عباس قال: ليس التحصيب بشئ (3) إنما هو منزل نزله رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ورواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره عن سفيان وهو ابن عيينة به.
وقال أبو داود:
__________
(1) في النسخة التيمورية: أنه كان يرى المحصب سنة.
(2) سنن أبي داود - كتاب المناسك - حديث 2008.
(3) أي أن التحصيب ليس من أمر المناسك - الذي يلزم فعله، قاله ابن المنذر.

ثنا أحمد بن حنبل، وعثمان بن أبي شيبة ومسدد المعني قالوا: ثنا سفيان، ثنا صالح بن كيسان، عن سليمان بن يسار قال قال أبو رافع: لم يأمرني - يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم - أن أنزله، ولكن ضربت قبته (1) فيه فنزله.
قال مسدد: وكان على ثقل (2) النبي صلى الله عليه وسلم وقال عثمان - يعني [ في ] (3) الابطح -.
ورواه مسلم عن قتيبة وأبي بكر وزهير بن حرب عن سفيان بن عيينة به.
والمقصود أن هؤلاء كلهم اتفقوا على نزول النبي صلى الله عليه وسلم في المحصب لما نفر من منى، ولكن اختلفوا فمنهم من قال: لم يقصد نزوله، وإنما نزله اتفاقا ليكون أسمح لخروجه، ومنهم من أشعر كلامه بقصده عليه السلام نزوله، وهذا هو الاشبه وذلك أنه عليه السلام أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت، وكانوا قبل ذلك ينصرفون من كل وجه كما قال ابن عباس فأمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت - يعني طواف الوداع -.
فأراد عليه السلام أن يطوف هو ومن معه من المسلمين بالبين طواف الوداع، وقد نفر من منى قريب الزوال، فلم يكن يمكنه أن يجئ البيت في بقية يومه، ويطوف به ويرحل إلى ظاهر مكة من جانب المدينة، لان ذلك قد يتعذر على هذا الجم الغفير، فاحتاج أن يبيت قبل مكة ولم يكن منزل أنسب لمبيته من المحصب، الذي كانت قريش قد عاقدت بني كنانة على بني هاشم وبني المطلب فيه، فلم يبرم الله لقريش أمرا بل كبتهم وردهم خائبين، وأظهر الله دينه ونظر نبيه وأعلا كلمته، وأتم له الدين القويم، وأوضح به الصراط المستقيم، فحج بالناس وبين لهم شرائع الله وشعائره، وقد نفر بعد إكمال المناسك، فنزل في الموضع الذي تقاسمت قريش فيه على الظلم
والعدوان والقطيعة، فصلى به الظهر والعصر والمغرب والعشاء وهجع هجعة، وقد كان بعث عائشة أم المؤمنين مع أخيها عبد الرحمن ليعمرها من التنعيم، فإذا فرغت أتته، فلما قضت عمرتها ورجعت أذن في المسلمين بالرحيل إلى البيت العتيق.
كما قال أبو داود: حدثنا وهب بن بقية، ثنا خالد، عن أفلح، عن القاسم، عن عائشة قالت: أحرمت من التنعيم بعمرة، فدخلت فقضيت عمرتي، وانتظرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بالابطح حتى فرغت، وأمر الناس بالرحيل.
قالت: وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
البيت فطاف به ثم خرج (4).
وأخرجاه في الصحيحين من حديث أفلح بن حميد ثم قال أبو داود: ثنا محمد بن بشار ثنا أبو بكر - يعني الحنفي - ثنا أفلح عن القاسم، عن (5) عائشة - قالت: خرجت معه - يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم -، - [ في ] (6) - النفر الآخر ونزل المحصب.
قال أبو داود: فذكر ابن بشار بعثها إلى التنعيم.
قالت: ثم جئت سحرا، فأذن في الصحابة بالرحيل، فارتحل
__________
(1) سقطت من نسخ البداية المطبوعة.
(2) ثقل: بفتح الثاء والقاف: متاع.
(3) من سنن أبي داود.
والحديث في - كتاب المناسك رقم 2009 ج 2 / 209.
(4) سنن أبي داود - كتاب المناسك حديث 2005.
(5) في الاصل: يعني تحريف.
(6) من أبي داود.

فمر بالبيت قبل صلاة الصبح فطاف به حين خرج، ثم انصرف متوجها إلى المدينة.
ورواه البخاري عن محمد بن بشار به.
قلت: والظاهر أنه عليه السلام صلى الصبح يومئذ عند الكعبة بأصحابه وقرأ في صلاته تلك بسورة * (والطور وكتاب مسطور في رق منشور والبيت المعمور والسقف المرفوع والبحر المسجور) * السورة بكمالها.
وذلك لما رواه البخاري حيث قال: حدثنا إسماعيل، حدثني مالك، عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل، عن عروة بن الزبير، عن زينب بنت أبي سلمة، عن أم سلمة
زوج النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: شكوت إلى رسول الله أني أشتكي، قال طوفي من وراء الناس وأنت راكبة، فطفت ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي حينئذ إلى جنب البيت وهو يقرأ والطور وكتاب مسطور.
وأخرجه بقية الجماعة إلا الترمذي من حديث مالك بإسناد نحوه.
وقد رواه البخاري من حديث هشام بن عروة، عن أبيه عن زينب، عن أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وهو بمكة وأراد الخروج ولم تكن أم سلمة طافت وأرادت الخروج فقال لها: " إذا أقيمت صلاة الصبح فطوفي على بعيرك والناس يصلون " فذكر الحديث فأما ما رواه الامام أحمد: حدثنا أبو معاوية ثنا هشام بن عروة، عن أبيه، عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أمرها أن توافي معه صلاة الصبح يوم النحر بمكة فهو إسناد كما ترى على شرط الصحيحين ولم يخرجه أحد من هذا الوجه بهذا اللفظ ولعل قوله يوم النحر غلط من الراوي أو من الناسخ وإنما هو يوم النفر ويؤيده ما ذكرناه من رواية البخاري.
والله أعلم.
والمقصود أنه عليه السلام لما فرغ من صلاة الصبح طاف بالبيت سبعا ووقف في الملتزم بين الركن الذي فيه الحجر الاسود وبين باب الكعبة فدعا الله عز وجل وألزق جسده بجدار الكعبة.
قال الثوري عن المثنى بن الصباح، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده.
قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلزق وجهه وصدره بالملتزم.
المثنى ضعيف.
فصل ثم خرج عليه السلام من أسفل مكة كما قالت عائشة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل مكة من أعلاها وخرج من أسفلها.
أخرجاه.
وقال ابن عمر دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم: من الثنية العليا التي بالبطحاء، وخرج من الثنية السفلى.
رواه البخاري ومسلم وفي لفظ دخل من كداء وخرج من كدى.
وقد قال الامام أحمد: ثنا محمد بن فضيل، ثنا أجلح بن عبد الله، عن أبي الزبير عن جابر قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة عند غروب الشمس فلم يصل حتى أتى سرف وهي على تسعة أميال من مكة وهذا غريب جدا، وأجلح فيه نظر، ولعل هذا في غير حجة الوداع فإنه عليه السلام كما قدمنا طاف بالبيت بعد صلاة الصبح فماذا أخره إلى وقت الغروب.
هذا غريب جدا، اللهم إلا أن يكون ما ادعاه ابن حزم صحيحا من أنه عليه السلام رجع إلى المحصب من مكة بعد طوافه بالبيت
طواف الوداع ولم يذكر دليلا على ذلك إلا قول عائشة حين رجعت من اعتمارها من التنعيم فلقيته

بصعدة، وهو مهبط على أهل مكة أو منهبطه، وهو مصعد.
قال ابن حزم: الذي لا شك فيه أنها كانت مصعدة من مكة وهو منهبط لانها تقدمت إلى العمرة وانتظرها حتى جاءت، ثم نهض عليه السلام إلى طواف الوداع فلقيها منصرفه إلى المحصب من مكة.
وقال البخاري: باب من نزل بذي طوى إذا رجع من مكة، وقال محمد بن عيسى، حدثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن نافع عن ابن عمر.
أنه كان إذا أقبل بات بذي طوى حتى إذا أصبح دخل، وأذا نفر مر بذي طوى وبات بها حتى يصبح، وكان يذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك.
هكذا ذكر هذا معلقا بصيغة الجزم.
وقد أسند هو ومسلم من حديث حماد بن زيد به لكن ليس فيه ذكر المبيت بذي طوى في الرجعة.
فالله أعلم.
فائدة عزيزة.
فيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استصحب معه من ماء زمزم شيئا، قال الحافظ أبو عيسى الترمذي: حدثنا أبو كريب، ثنا خلاد بن يزيد الجعفي، ثنا زهير بن معاوية، عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة: أنها كانت تحمل من ماء زمزم وتخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحمله، ثم قال هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.
وقال البخاري: ثنا محمد بن مقاتل أخبرنا عبد الله - هو ابن المبارك - ثنا موسى بن عقبة عن سالم ونافع عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قفل من الغزو أو الحج أو من العمرة، يبدأ فيكبر ثلاث مرات ثم يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شئ قدير، آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون، صدق الله وعده، ونصر عبده، وهزم الاحزاب وحده.
والاحاديث في هذه كثيرة ولله الحمد والمنة.
فصل في إيراد الحديث الدال على أنه عليه السلام خطب بمكان بين مكة والمدينة مرجعه من حجة الوداع قريب من الجحفة - يقال له غدير خم -
فبين فيها فضل علي بن أبي طالب وبراءة عرضه مما كان تكلم فيه بعض من كان معه بأرض اليمن، بسبب ما كان صدر منه إليهم من المعدلة التي ظنها بعضهم جورا وتضييقا وبخلا، والصواب كان معه في ذلك، ولهذا لما تفرغ عليه السلام من بيان المناسك ورجع إلى المدينة بين ذلك في أثناء الطريق، فخطب خطبة عظيمة في اليوم الثامن عشر من ذي الحجة عامئذ وكان يوم الاحد بغدير خم تحت شجرة هناك، فبين فيها أشياء.
وذكر من فضل علي وأمانته وعدله وقربه إليه ما أزاح به ما كان في نفوس كثير من الناس منه.
ونحن نورد عيون الاحاديث الواردة في ذلك ونبين ما فيها من صحيح وضعيف بحول الله وقوته وعونه، وقد اعتنى بأمر هذا الحديث أبو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير والتاريخ فجمع فيه مجلدين أورد فيهما طرقه وألفاظه، وساق الغث والسمين والصحيح والسقيم، على ما جرت به عادة كثير من المحدثين يوردون ما وقع

لهم في ذلك الباب من غير تمييز بين صحيحه وضعيفه.
وكذلك الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر أورد أحاديث كثيرة في هذه الخطبة.
ونحو نورد عيون ما روي في ذلك مع إعلامنا أنه لا حظ للشيعة فيه ولا متمسك لهم ولا دليل لما سنبينه وننبه عليه، فنقول وبالله المستعان.
قال محمد بن إسحاق - في سياق حجة الوداع - حدثني يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي عمرة، عن يزيد بن طلحة بن يزيد بن ركانة.
قال: لما أقبل علي من اليمن ليلقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، تعجل إلى رسول الله واستخلف على جنده الذين معه رجلا من أصحابه، فعمد ذلك الرجل فكسى كل رجل من القوم حلة من البز الذي كان مع علي، فلما دنا جيشه خرج ليلقاهم، فإذا عليهم الحلل.
قال: ويلك ما هذا ؟ قال: كسوت القوم ليتجملوا به إذا قدموا في الناس.
قال ويلك: انزع قبل أن ينتهي به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: فانتزع الحلل من الناس، فردها في البز، قال: وأظهر الجيش شكواه لما صنع بهم.
قال ابن إسحاق: فحدثني عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر بن حزم، عن سليمان بن محمد بن كعب بن عجرة، عن عمته زينب بنت كعب - وكانت عند أبي سعيد الخدري - عن أبي سعيد.
قال: أشتكى الناس عليا فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فينا
خطيبا، فسمعته يقول: أيها الناس لا تشكوا عليا فوالله أنه لاخشن في ذات الله أو في سبيل الله [ من أن يشكى ] (1).
ورواه الامام أحمد من حديث محمد بن إسحاق به.
وقال: إنه لاخشن في ذات الله أو في سبيل الله.
وقال الامام أحمد حدثنا الفضل بن دكين، ثنا ابن أبي غنية (2)، عن الحكم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس عن بريدة قال: غزوت مع علي اليمن فرأيت منه جفوة، فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت عليا فتنقصته فرأيت وجه رسول الله يتغير.
فقال يا بريدة ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم، قلت: بلى يا رسول الله ! قال: " من كنت مولاه فعلي مولاه ".
وكذا رواه النسائي، عن أبي داود الحراني، عن أبي نعيم الفضل بن دكين، عن عبد الملك بن أبي غنية بإسناده نحوه.
وهذا إسناد جيد قوي رجاله كلهم ثقات.
وقد روى النسائي في سننه: عن محمد بن المثنى، عن يحيى بن حماد، عن أبي معاوية عن الاعمش عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم.
قال: لما رجع رسول الله من حجة الوداع ونزل غدير خم أمر بدوحات فقممن (3) ثم قال: " كأني قد دعيت فأجبت، إني قد تركت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، ثم قال: الله مولاي وأنا ولي كل مؤمن، ثم أخذ بيد علي فقال: من كنت مولاه فهذا وليه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " فقلت لزيد سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما كان في الدوحات أحد إلا رآه بعينيه وسمعه بأذنيه.
تفرد به النسائي من هذا الوجه.
قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي وهذا
__________
(1) من ابن هشام.
(2) في الاصل عينة، وفي المسند: ابن أبي عيينة عن الحسن.
وأثبتنا ما في الخلاصة: ابن أبي غنية.
(3) قممن: كنسن.

حديث صحيح.
وقال ابن ماجه: حدثنا علي بن محمد: أنا أبو الحسين، أنبأنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد بن جدعان، عن عدي بن ثابت، عن البراء بن عازب.
قال: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع التي حج فنزل في الطريق، فأمر: الصلاة جامعة فأخذ بيد علي فقال: " ألست بأولى
بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا: بلى ! قال: ألست بأولى بكل مؤمن من نفسه ؟، قالوا: بلى ! قال: فهذا ولي من أنا مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ".
وكذا رواه عبد الرزاق، عن معمر عن علي بن زيد بن جدعان، عن عدي عن البراء.
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي والحسن بن سفيان: ثنا هدبة، ثنا حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، وأبي هارون عن عدي بن ثابت عن البراء.
قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فلما أتينا على غدير خم كشح لرسول الله صلى الله عليه وسلم تحت شجرتين، ونودي في الناس الصلاة جامعة، ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وأخذ بيده فأقامه عن يمينه فقال: " ألست أولى بكل امرئ من نفسه ؟ قالوا: بلى ! قال: فإن هذا مولى من أنا مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " فلقيه عمر بن الخطاب فقال: هنيئا لك أصبحت وأمسيت مولى كل مؤمن ومؤمنة.
ورواه ابن جرير عن أبي زرعة عن موسى بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة، عن علي بن زيد وأبي هارون العبدي - وكلاهما ضعيف - عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب به.
وروى ابن جرير هذا الحديث من حديث موسى بن عثمان الحضرمي - وهو ضعيف جدا - عن أبي إسحاق السبيعي، عن البراء وزيد بن أرقم.
فالله أعلم.
وقال الامام أحمد: حدثنا ابن نمير، ثنا عبد الملك، عن أبي عبد الرحيم الكندي، عن زاذان أبي عمر قال سمعت عليا بالرحبة (1) وهو ينشد الناس من شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم، وهو يقول ما قال ؟ قال فقام اثنا عشر رجلا فشهدوا أنهم سمعوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول: " من كنت مولاه فعلي مولاه " تفرد به أحمد وأبو عبد الرحيم هذا لا يعرف.
وقال عبد الله بن الامام أحمد في مسند أبيه: حديث علي بن حكيم الاودي: أخبرنا شريك، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن وهب، وعن زيد بن يثيغ، قال: نشد علي الناس في الرحبة من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم ما قال إلا قام ؟ قال: فقام من قبل سعيد ستة ومن قبل زيد ستة فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي يوم غدير خم " أليس الله أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا: بلى ! قال: اللهم من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " قال عبد الله وحدثني علي بن حكيم، أنا شريك، عن أبي إسحاق، عن عمرو ذي أمر، مثل حديث أبي إسحاق يعني عن سعيد وزيد وزاد فيه: " وانصر من نصره
واخذل من خذله " قال عبد الله وحدثنا علي ثنا شريك، عن الاعمش عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله.
وقال النسائي في كتاب " خصائص علي ": حدثنا الحسين بن حرب، ثنا الفضل بن موسى، عن الاعمش، عن أبي إسحاق عن سعيد بن وهب.
قال قال علي في الرحبة: أنشد بالله رجلا سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم يقول: " إن الله ولي المؤمنين
__________
(1) الرحبة: قرية بحذاء القادسية على مرحلة من الكوفة على يسار الحجاج إذا أرادوا مكة.

ومن كنت وليه فهذا وليه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره " وكذلك رواه شعبة عن أبي إسحاق وهذا إسناد جيد.
ورواه النسائي أيضا من حديث إسرائيل عن أبي إسحاق عن عمرو ذي أمر.
قال نشد علي الناس بالرحبة فقام أناس فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله يقول يوم غدير خم: " من كنت مولاه فإن عليا مولاه.
اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه.
وأحب من أحبه، وابغض من أبغضه وانصر من نصره " ورواه ابن جرير: عن أحمد بن منصور، عن عبد الرزاق، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن زيد بن وهب وعبد خير عن علي.
وقد رواه ابن جرير: عن أحمد بن منصور عن عبيد الله بن موسى - وهو شيعي ثقة - عن فطر بن خليفة عن أبي إسحاق، عن زيد بن وهب، وزيد بن يثيغ وعمرو ذي أمر: أن عليا أنشد الناس بالكوفة وذكر الحديث.
وقال عبد الله بن أحمد: حدثني عبيد الله بن عمر القواريري، ثنا يونس بن أرقم، ثنا يزيد بن أبي زياد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى شهدت عليا في الرحبة ينشد الناس فقال: أشهد الله من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم يقول " من كنت مولاه فعلي مولاه " لما قام فشهد.
قال عبد الرحمن: فقام اثنا عشر رجلا بدريا كأني أنظر إلى أحدهم فقالوا نشهد أنا سمعنا رسول الله يقول يوم غدير خم " ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجي أمهاتهم، فقلنا: بلى يا رسول الله ! قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه " إسناد ضعيف غريب.
وقال عبد الله بن أحمد: حدثنا أحمد بن عمير الوكيعي، ثنا زيد بن الحباب، ثنا الوليد بن عقبة بن ضرار القيسي، أنبأنا سماك، عن عبيد بن الوليد القيسي قال: دخلت على عبد الرحمن بن أبي ليلى،
فحدثني أنه شهد عليا في الرحبة قال: أنشد بالله رجلا سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهده يوم غدير خم إلا قام ولا يقوم إلا من قد رآه فقام اثنا عشر رجلا فقالوا: قد رأيناه وسمعناه حيث أخذ بيده يقول " اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، وأخذل من خذله " فقام إلا ثلاثة لم يقوموا فدعا عليهم فأصابتهم دعوته.
وروى أيضا عن عبد الاعلى بن عامر التغلبي وغيره عن عبد الرحمن بن أبي ليلى به.
وقال ابن جرير: ثنا أحمد بن منصور، ثنا أبو عامر العقدي وروى ابن أبي عاصم، عن سليمان الغلابي عن أبي عامر العقدي، ثنا كثير بن زيد، حدثني محمد بن عمر بن علي، عن أبيه عن علي: أن رسول الله حضر الشجرة بخم فذكر الحديث وفيه: من كنت مولاه فإن عليا مولاه.
وقد رواه بعضهم عن أبي عامر، عن كثير، عن محمد بن عمر بن علي عن علي منقطعا.
وقال إسماعيل بن عمرو البجلي وهو ضعيف عن مسعر عن طلحة بن مصرف، عن عميرة بن سعد: أنه شهد عليا على المنبر يناشد أصحاب رسول الله من سمع رسول الله يوم غدير خم فقام اثنا عشر رجلا منهم أبو هريرة وأبو سعيد وأنس بن مالك فشهدوا أنهم سمعوا رسول الله يقول: " من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه " وقد رواه عبيد الله بن موسى.
عن هاني بن أيوب وهو ثقة عن طلحة بن مصرف به.
وقال عبد الله بن أحمد: حدثني حجاج بن الشاعر، ثنا شبابة، ثنا نعيم بن حكيم، حدثني أبو مريم ورجل من جلساء علي عن علي.
أن

رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم غدير خم: " من كنت مولاه فعلي مولاه ".
قال: فزاد الناس بعد - وال من والاه، وعاد من عاداه.
روى أبو داود بهذا السند حديث المخرج.
وقال الامام أحمد: حدثنا حسين بن محمد وأبو نعيم المعني.
قالا: ثنا قطن عن أبي الطفيل.
قال جمع علي الناس في الرحبة - يعني رحبة مسجد الكوفة - فقال: أنشد الله كل من سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم ما سمع لما قام فقام ناس كثير فشهدوا حين أخذ بيده فقال للناس: " أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟ قالوا: نعم ! يا رسول الله قال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه " قال فخرجت كأن في نفسي شيئا فلقيت زيد بن أرقم.
فقلت له إني سمعت عليا يقول:
كذا وكذا.
قال فما تنكر ؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك له.
هكذا ذكره الامام أحمد في مسند زيد بن أرقم رضي الله عنه.
ورواه النسائي من حديث الاعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن أبي الطفيل، عن زيد بن أرقم به وقد تقدم.
وأخرجه الترمذي: عن بندار، عن غندر، عن شعبة، عن سلمة بن كهيل سمعت أبا الطفيل يحدث عن أبي سريحة - أو زيد بن أرقم - شك شعبة.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من كنت مولاه فعلي مولاه.
ورواه ابن جرير: عن أحمد بن حازم، عن أبي نعيم، عن كامل أبي العلاء، عن حبيب بن أبي ثابت عن يحيى بن جعدة، عن زيد بن أرقم.
وقال الامام أحمد: حدثنا عفان، ثنا أبو عوانة، عن المغيرة عن أبي عبيد، عن ميمون أبي عبد الله.
قال قال زيد بن أرقم وأنا أسمع: نزلنا مع رسول الله منزلا يقال له وادي خم فأمر بالصلاة فصلاها بهجير.
قال: فخطبنا وظل رسول الله بثوب على شجرة ستره من الشمس.
فقال: " ألستم تعلمون - أو ألستم تشهدون - أني أولى بكل مؤمن من نفسه ؟ قالوا: بلى ! قال: فمن كنت مولاه فإن عليا مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ".
ثم رواه أحمد: عن غندر، عن شعبة، عن ميمون أبي عبد الله، عن زيد بن أرقم إلى قوله من كنت مولاه فعلي مولاه.
قال ميمون حدثني بعض القوم عن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه ".
وهذا إسناد جيد رجاله ثقات على شرط السنن وقد صحح الترمذي بهذا السند حديثا في الريث.
وقال الامام أحمد: ثنا يحيى بن آدم، ثنا حنش بن الحارث بن لقيط الاشجعي، عن رباح بن الحارث قال: جاء رهط إلى علي بالرحبة، فقالوا: السلام عليك يا مولانا.
قال: كيف أكون مولاكم وأنتم قوم عرب.
قالوا: سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم يقول: من كنت مولاه فهذا مولاه.
قال رباح: فلما مضوا تبعتهم فسألت من هؤلاء ؟ قالوا: نفر من الانصار منهم أبو أيوب الانصاري.
وقال الامام أحمد: ثنا حنش، عن رباح بن الحارث.
قال: رأيت قوما من الانصار قدموا على علي في الرحبة فقال: من القوم ؟ فقالوا: مواليك يا أمير المؤمنين فذكر معناه هذا لفظ وهو من أفراده.
وقال ابن جرير: ثنا أحمد بن عثمان أبو الجوزاء، ثنا محمد بن خالد بن عثمة، ثنا موسى بن يعقوب الزمعي وهو صدوق حدثني مهاجر بن مسمار عن عائشة بنت سعد سمعت أباها يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
يوم الجحفة وأخذ بيد علي فخطب.
ثم قال: " أيها الناس إني وليكم قالوا: صدقت ! فرفع يد علي

فقال هذا وليي والمؤدي عني وإن الله موالي من والاه، ومعادي من عاداه ".
قال شيخنا الذهبي: وهذا حديث حسن غريب.
ثم رواه ابن جرير: من حديث يعقوب بن جعفر بن أبي كبير، عن مهاجر بن مسمار فذكر الحديث وأنه عليه السلام وقف حتى لحقه من بعده وأمر برد من كان تقدم فخطبهم الحديث.
وقال أبو جعفر بن جرير الطبري في الجزء الاول من كتاب غدير خم - قال شيخنا أبو عبد الله الذهبي: وجدته في نسخة مكتوبة عن ابن جرير - حدثنا محمود بن عوف الطائي، ثنا عبيد الله بن موسى، أنبأنا إسماعيل بن كشيط، عن جميل بن عمارة، عن سالم بن عبد الله بن عمر.
قال ابن جرير - أحسبه قال عن عمر - وليس في كتابي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو آخذ بيد علي " من كنت مولاه فهذا مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه ".
وهذا حديث غريب.
بل منكر وإسناده ضعيف.
قال البخاري في جميل بن عمارة هذا فيه نظر.
وقال المطلب بن زياد: عن عبد الله بن محمد بن عقيل، سمع جابر بن عبد الله يقول: كنا بالجحفة بغدير خم فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم من خباء أو فسطاط فأخذ بيد علي.
فقال: " من كنت مولاه فعلي مولاه ".
قال شيخنا الذهبي: هذا حديث حسن وقد رواه ابن لهيعة، عن بكر بن سوادة، وغيره عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن جابر بنحوه.
وقال الامام أحمد: حدثنا يحيى بن آدم، وابن أبي بكير.
قالا: ثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن حبشي بن جنادة.
قال يحيى بن آدم وكان قد شهد حجة الوداع.
قال قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم علي مني وأنا منه، ولا يؤدي عني إلا أنا أو علي وقال ابن أبي بكير لا يقضي عني ديني إلا أنا أو علي.
وكذا رواه أحمد أيضا: عن أبي أحمد الزبيري، عن إسرائيل.
قال الامام أحمد وحدثناه الزبيري، ثنا شريك، عن أبي إسحاق، عن حبشي بن جنادة مثله.
قال فقلت لابي إسحاق: أين سمعت منه ؟ قال: وقف علينا على فرس في مجلسنا في جبانة السبيع.
وكذا رواه أحمد: عن أسود بن عامر، ويحيى بن آدم عن شريك.
ورواه الترمذي عن إسماعيل بن موسى، عن شريك، وابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة، وسويد بن سعيد، وإسماعيل بن موسى
ثلاثتهم عن شريك به.
ورواه النسائي: عن أحمد بن سليمان، عن يحيى بن آدم، عن إسرائيل به.
وقال الترمذي حسن صحيح غريب.
ورواه سليمان بن قرم - وهو متروك - عن أبي إسحاق عن حبش بن جنادة سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم غدير خم: " من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه ".
وذكر الحديث.
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، أنبأنا شريك، عن أبي يزيد الاودي عن أبيه.
قال: دخل أبو هريرة المسجد فاجتمع الناس إلى فقام إليه شاب.
فقال أنشدك بالله أسمعت رسول الله يقول: " من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه " قال نعم ! ورواه ابن جرير: عن أبي كريب، عن شاذان، عن شريك به تابعه إدريس الاودي، عن أخيه أبي يزيد، واسمه داود بن يزيد به.
ورواه ابن جرير أيضا: من حديث إدريس وداود عن أبيهما عن أبي هريرة فذكره.
فأما الحديث الذي رواه ضمرة عن ابن شوذب، عن مطر الوراق، عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة.
قال لما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم

بيد علي قال: " من كنت مولاه فعلي مولاه فأنزل الله عز وجل * (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي) *.
قال أبو هريرة وهو يوم غدير خم من صام يوم ثمان عشرة من ذي الحجة كتب له صيام ستين شهرا.
فإنه حديث منكر جدا بل كذب لمخالفته لما ثبت في الصحيحين عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أن هذه الآية نزلت في يوم الجمعة يوم عرفة.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف بها كما قدمنا وكذا قوله إن صيام يوم الثامن عشر من ذي الحجة وهو يوم غدير خم يعدل صيام ستين شهرا لا يصح لانه قد ثبت ما معناه في الصحيح أن صيام شهر رمضان بعشرة أشهر فكيف يكون صيام يوم واحد يعدل ستين شهرا هذا باطل.
وقد قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي: بعد إيراده هذا الحديث هذا حديث منكر جدا.
ورواه حبشون الخلال، وأحمد بن عبد الله بن أحمد النيري وهما صدوقان عن علي بن سعيد الرملي عن ضمرة.
قال ويروى هذا الحديث من حديث عمر بن الخطاب، ومالك بن الحويرث، وأنس بن مالك وأبي سعيد وغيرهم بأسانيد واهية.
قال: وصدر الحديث متواتر أتيقن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله وأما اللهم وال من والاه فزيادة قوية الاسناد وأما هذا
الصوم فليس بصحيح ولا والله ما نزلت هذه الآية إلا يوم عرفة قبل غدير خم بأيام والله تعالى أعلم.
وقال الطبراني: حدثنا علي بن إسحاق الوزير الاصبهاني، حدثنا علي بن محمد المقدمي، حدثنا محمد بن عمر بن علي المقدمي، حدثنا علي بن محمد بن يوسف بن شبان بن مالك بن مسمع، حدثنا سهل بن حنيف بن سهل بن مالك أخي كعب بن مالك عن أبيه عن جده.
قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة من حجة الوداع صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه.
ثم قال: أيها الناس إن أبا بكر لم يسؤني قط، فاعرفوا ذلك له.
أيها الناس إني عن أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف والمهاجرين الاولين راض فاعرفوا ذلك لهم.
أيها الناس احفظوني في أصحابي وأصهاري وأحبابي لا يطلبكم الله بمظلمة أحد منهم.
أيها الناس ارفعوا ألسنتكم عن المسلمين وإذا مات أحد منهم فقولوا فيه خيرا.
* (بسم الله الرحمن الرحيم) *.
سنة إحدى عشرة من الهجرة استهلت هذه السنة وقد استقر الركاب الشريف النبوي بالمدينة النبوية المطهرة مرجعه من حجة الوداع، وقد وقعت في هذه السنة أمور عظام من أعظمها خطبا وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه عليه السلام نقله الله عز وجل من هذه الدار الفانية إلى النعيم الابدي في محلة عالية رفيعة ودرجة في الجنة لا أعلى منها ولا أسنى كما قال تعالى: * (وللآخرة خير لك من الاولى ولسوف يعطيك ربك فترضى) * [ الضحى: 4 ] وذلك بعدما أكمل أداء الرسالة التي أمره الله تعالى بإبلاغها، ونصح أمته ودلهم على خير ما يعلمه لهم، وحذرهم ونهاهم عما فيه مضرة عليهم في دنياهم وأخراهم.
وقد قدمنا ما رواه صاحبا الصحيح من حديث عمر بن الخطاب أنه قال نزل قوله تعالى * (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) * [ المائدة: 3 ] يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف بعرفة.
وروينا من طريق جيد: أن عمر بن الخطاب حين نزلت هذه الآية بكى فقيل

ما يبكيك ؟ فقال: إنه ليس بعد الكمال إلا النقصان، وكأنه استشعر وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وقد أشار عليه السلام إلى ذلك فيما رواه مسلم من حديث ابن جريج، عن أبي الزبير عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
وقف عند جمرة العقبة وقال لنا: خذوا عني مناسككم فلعلي لا أحج بعد عامي هذا.
وقدمنا ما رواه الحافظان أبو بكر البزار والبيهقي من حديث موسى بن عبيدة الربذي، عن صدقة بن يسار عن ابن عمر.
قال: نزلت هذه السورة * (إذا جاء نصر الله والفتح) * في أوسط أيام التشريق فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه الوداع فأمر براحلته القصواء فرحلت ثم ذكر خطبته في ذلك اليوم كما تقدم (1).
وهكذا قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما لعمر بن الخطاب حين سأله عن تفسير هذه السورة بمحضر كثير من الصحابة ليريهم فضل ابن عباس وتقدمه وعلمه حين لامه بعضهم على تقديمه وإجلاسه له مع مشايخ بدر.
فقال: إنه من حيث تعلمون ثم سألهم وابن عباس حاضر عن تفسير هذه السورة * (إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا) * فقالوا: أمرنا إذا فتح لنا أن نذكر الله ونحمده ونستغفره فقال: ما تقول يا بن عباس ؟ فقال: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم نعي إليه.
فقال عمر: لا أعلم منها إلا ما تعلم (2).
وقد ذكرنا في تفسير هذه السورة ما يدل على قول ابن عباس من وجوه وإن كان لا ينافي ما فسر به الصحابة رضي الله عنهم وكذلك ما رواه الامام أحمد حدثنا وكيع، عن ابن أبي ذئب، عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حج بنسائه قال: " إنما هي هذه الحجة ثم الزمن ظهور الحصر ".
تفرد به أحمد من هذا الوجه.
وقد رواه أبو داود في سننه من وجه آخر جيد.
والمقصود أن النفوس استشعرت بوفاته عليه السلام في هذه السنة، ونحن نذكر ذلك ونورد ما روي فيما يتعلق به من الاحاديث والآثار وبالله المستعان ولنقدم على ذلك ما ذكره الائمة محمد بن إسحاق بن يسار، وأبو جعفر بن جرير، وأبو بكر البيهقي في هذا موضع قبل الوفاة من تعداد حججه وغزواته وسراياه وكتبه ورسله إلى الملوك فلنذكر ذلك ملخصا مختصرا ثم نتبعه بالوفاة.
ففي الصحيحين (3) من حديث أبي إسحاق السبيعي، عن زيد بن أرقم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا تسع عشرة غزوة، وحج بعدما هاجر حجة الوداع ولم يحج بعدها.
قال أبو إسحاق وواحدة بمكة كذا قال أبو إسحاق السبيعي.
وقد قال زيد بن الحباب، عن سفيان الثوري، عن جعفر بن محمد، عن أبيه عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حج ثلاث حجات: حجتين قبل أن يهاجر، وواحدة
بعدما هاجر معها عمرة وساق ستا وثلاثين بدنة وجاء علي بتمامها من اليمن (4).
وقد قدمنا من غير
__________
(1) انظر دلائل النبوة للبيهقي ج 5 / 447.
(2) الحديث أخرجه البخاري في كتاب التفسير (4) باب.
الحديث (4970) فتح الباري (8 / 734).
(3) في البخاري - كتاب المغازي (77) باب الحديث 4404.
ومسلم في 15 كتاب الحج (35) باب الحديث (218).
(4) تقدم ان ما ساقه رسول الله صلى الله عليه وآله معه من الهدي ست وستون، وأتى علي بتمام المئة من اليمن.

واحد من الصحابة منهم أنس بن مالك في الصحيحين أنه عليه السلام: اعتمر أربع عمر عمرة الحديبية وعمرة القضاء وعمرة الجعرانة والعمرة التي مع حجة الوداع.
وأما الغزوات فروى البخاري: عن أبي عاصم النبيل (1) عن يزيد بن أبي عبيد عن سلمة بن الاكوع.
قال: غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات ومع زيد بن حارثة تسع غزوات يؤمره علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي الصحيحين: عن قتيبة، عن حاتم بن إسماعيل عن يزيد (2) عن سلمة.
قال غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات و [ خرجت ] (3) فيما يبعث من البعوث تسع غزوات: مرة علينا أبو بكر ومرة علينا أسامة بن زيد.
وفي صحيح البخاري من حديث إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء.
قال: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس عشرة غزوة.
وفي الصحيحين من حديث شعبة عن أبي إسحاق عن البراء: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا تسع عشرة غزوة وشهد معه منها سبع عشرة أولها العشير أو العسير.
وروى مسلم: عن أحمد بن حنبل، عن معتمر، عن كهمس بن الحسن، عن ابن بريدة عن أبيه: أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ست عشرة غزوة.
وفي رواية لمسلم من طريق الحسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه: أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع عشرة غزوة قاتل منها في ثمان.
وفي رواية عنه بهذا الاسناد وبعث أربعا وعشرين سرية قاتل يوم بدر وأحد والاحزاب والمريسيع وخيبر ومكة وحنين.
وفي صحيح مسلم: من حديث أبي الزبير عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غزا إحدى وعشرين غزوة غزوت معه منها تسع عشرة غزوة ولم أشهد بدرا ولا أحدا منعني أبي فلما قتل أبي يوم
أحد لم أتخلف عن غزاة غزاها.
وقال عبد الرزاق أنبأنا معمر عن الزهري.
قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمان عشرة غزوة.
؟ ؟ ؟ ؟ ؟ وسمعته مرة يقول أربعا وعشرين غزوة فلا أدري أكان ذلك وهما أو شيئا سمعته بعد ذلك.
وقال قتادة: غزا رسول الله تسع عشرة قاتل في ثمان منها، وبعث من البعوث أربعا وعشرين.
فجميع غزواته وسراياه ثلاث وأربعون.
وقد ذكر عروة بن الزبير والزهري وموسى بن عقبة ومحمد إسحاق بن يسار وغير واحد من أئمة هذا الشأن: أنه عليه السلام قاتل يوم بدر في رمضان من سنة اثنتين، ثم في أحد في شوال سنة ثلاث، ثم الخندق وبني قريظة في شوال أيضا من سنة اثنتين، ثم في أحد في شوال سنة ثلاث، ثم الخندق وبني قريظة في شوال أيضا من سنة أربع وقيل خمس، في بني المصطلق بالمريسيع في شعبان سنة خمس، ثم في خيبر في صفر سنة سبع ومنهم من يقول سنة ست والتحقيق أنه في أول سنة سبع وآخر سنة ست، ثم قاتل أهل مكة في رمضان سنة ثمان وقاتل هوازن وحاصر أهل الطائف في شوال وبعض ذي الحجة سنة ثمان كما تقدم تفصيله، وحج في سنة ثمان بالناس عتاب بن أسيد نائب مكة، ثم في سنة تسع أبو بكر الصديق، ثم حج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسلمين سنة عشر.
وقال محمد بن
__________
(1) واسمه الضحاك بن مخلد.
والحديث في فتح الباري 7 / 517، رقم 4272.
(2) في نسخ البداية المطبوعة زيد تحريف.
(3) من البخاري.

إسحاق (1): وكان جميع ما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه الكريمة سبعا وعشرين غزوة: غزوة ودان وهي غزوة الابواء، ثم غزوة بواط من ناحية رضوى، ثم غزوة العشيرة من بطن ينبع، ثم غزوة بدر الاولى بطلب كرز بن جابر، ثم غزوة بدر العظمى التي قتل الله فيها صناديد قريش، ثم غزوة بني سليم حتى بلغ الكدر، ثم غزوة السويق بطلب أبا سفيان بن حرب، ثم غزوة غطفان وهي غزوة ذي أمر، ثم غزوة بحران معدن بالحجاز، ثم غزوة أحد، ثم حمراء الاسد، ثم غزوة بني النضير، ثم غزوة ذات الرقاع من نخل، ثم غزوة بدر الآخرة، ثم غزوة دومة الجندل، ثم غزوة الخندق،
ثم غزوة بني قريظة، ثم غزوة بني لحيان من هذيل، ثم غزوة ذي قرد، ثم غزوة بني المصطلق من خزاعة، ثم غزوة الحديبية لا يريد قتالا، فصده المشركون، ثم غزوة خيبر، ثم غزوة القضاء، ثم غزوة الفتح، ثم غزوة حنين، ثم غزوة الطائف، ثم غزوة تبوك.
قال ابن إسحاق: قاتل منها في تسع غزوات: غزوة بدر وأحد والخندق وقريظة والمصطلق وخيبر والفتح وحنين والطائف.
قلت: وقد تقدم ذلك كله مبسوطا في أماكنه بشواهده وأدلته ولله الحمد.
قال ابن إسحاق (2): وكانت بعوثه عليه السلام وسراياه ثمانيا وثلاثين من بين بعث وسرية، ثم شرع رحمه الله في ذكر تفصيل ذلك.
وقد قدمنا ذلك كله أو أكثره مفصلا في مواضعه ولله الحمد والمنة.
ولنذكر ملخص ما ذكره ابن إسحاق: بعث عبيدة بن الحارث إلى أسفل ثنية المرة، ثم بعث حمزة بن عبد المطلب إلى الساحل من ناحية العيص، ومن الناس من يقدم هذا على بعث عبيدة كما تقدم فالله أعلم، بعث سعد بن أبي وقاص إلى الخرار، بعث عبد الله بن جحش إلى نخلة، بعث زيد بن حارثة إلى القردة، بعث محمد بن مسلمة إلى كعب بن الاشرف، بعث مرثد بن أبي مرتد [ الغنوي ] إلى الرجيع، بعث المنذر بن عمرو إلى بئر معونة، بعث أبي عبيدة إلى ذي القصة، بعث عمر بن الخطاب إلى برية في أرض بني عامر، بعث علي إلى اليمن، بعث غالب بن عبد الله الكلبي إلى الكديد فأصاب بني الملوح أغار عليهم في الليل فقتل طائفة منهم فاستاق نعمهم فجاء نفرهم في طلب النعم فلما اقتربوا حال بينهم واد من السيل وأسروا في مسيرهم هذا الحارث بن مالك بن البرصاء.
وقد حرر ابن إسحاق هذا ها هنا وقد تقدم بيانه، بعث علي بن أبي طالب إلى أرض فدك، بعث أبي العوجاء السلمي إلى بني سليم أصيب هو وأصحابه، بعث عكاشة إلى الغمرة، بعث أبي سلمة بن عبد الاسد إلى قطن وهو ماء بنجد لبني أسد، بعث محمد بن مسلمة إلى القرطاء من هوازن، بعث بشير بن سعد إلى بني مرة بفدك، وبعثه أيضا إلى ناحية حنين، بعث زيد بن حارثة إلى الجموم من أرض بني سليم، بعث زيد بن حارثة إلى جذام من أرض بني خشين.
قال ابن هشام: وهي من أرض حسمى وكان سببها فيما ذكره ابن إسحاق وغيره: أن دحية بن خليفة لما
__________
(1) سيرة ابن هشام ج 4 / 256.
(2) سيرة ابن هشام ج 4 / 257.
ونقلها عنه البيهقي في الدلائل ج 5 / 467 - 468.

رجع من عند قيصر وقد أبلغه كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى الله فأعطاه من عنده تحفا وهدايا فلما بلغ واديا في أرض بني جذام يقال له شنار أغار عليه الهنيد بن عوص وابنه عوص بن الهنيد الضليعيان.
والضليع بطن من جذام فأخذا ما معه فنفر حي (1) منهم قد أسلموا فاستنقذوا ما كان قد أخذ لدحية فروده عليه فلما رجع دحية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبره الخبر واستسقاه دم الهنيد وابنه عوص، فبعث حينئذ زيد بن حارثة في جيش إليهم فساروا إليهم من ناحية الاولاج فأغار بالماقص من ناحية الحرة، فجمعوا ما وجدوا من مال وناس وقتلوا الهنيد وابنه ورجلين من بني الاحنف، ورجلا من بني خصيب فلما احتاز زيد أموالهم وذراريهم اجتمع نفر منهم برفاعة بن زيد.
وكان قد جاءه كتاب من رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى الله فقرأه عليهم رفاعة فاستجاب له طائفة منهم، ولم يكن زيد بن حارثة يعلم ذلك فركبوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة في ثلاثة أيام فأعطوه الكتاب فأمر بقراءته جهرة على الناس.
ثم قال: رسول الله كيف أصنع بالقتلى ثلاث مرات.
فقال رجل منهم يقال له أبو زيد بن عمرو أطلق لنا يا رسول الله من كان حيا ومن قتل فهو تحت قدمي هذه فبعث معهم رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب فقال علي: إن زيدا لا يطيعني فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم سيفه علامة فسار معهم على جمل لهم فلقوا زيدا وجيشه ومعهم الاموال والذراري بفيفاء الفحلتين فسلمهم علي جميع ما كان أخذ لهم لم يفقدوا منه شيئا (2).
بعث زيد بن حارثة أيضا إلى بني فزارة بوادي القرى فقتل طائفة من أصحابه وارتث هو من بين القتلى، فلما رجع آلى أن لا يمس رأسه غسل من جنابة حتى يغزوهم أيضا، فلما استبل من جراحه بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثانيا في جيش فقتلهم بوادي القرى، وأسر أم قرفة فاطمة بنت ربيعة بن بدر وكانت عند مالك بن حذيفة بن بدر ومعها ابنة لها [ وعبد الله بن مسعدة ]، فأمر زيد بن حارثة قيس بن المسحر اليعمري فقتل أم قرفة واستبقى ابنتها وكانت من بيت شرف يضرب بأم قرفة المثل في عزها، وكانت بنتها مع سلمة بن الاكوع فاستوهبها منه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاها إياه، فوهبها
رسول الله لخاله حزن بن أبي وهب فولدت له ابنه عبد الرحمن.
بعث عبد الله بن رواحة إلى خيبر مرتين: إحداهما التي أصاب فيها اليسير بن رزام (3) وكان يجمع غطفان لغزو رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث رسول الله عبد الله بن رواحة في نفر منهم عبد الله بن أنيس، فقدموا عليه فلم يزالوا يرغبونه ليقدموه على رسول الله صلى الله عليه وسلم فسار معهم فلما كانوا بالقرقرة (4)، على ستة أميال من خيبر، ندم اليسير على مسيره ففطن له عبد الله بن أنيس - وهو يريد
__________
(1) وهم بنو الضبيب، رهط رفاعة بن زيد.
(2) الخبر في سيرة ابن هشام ج 4 / 260 - 265.
(3) قال ابن هشام: رزام، وفي ابن سعد والواقدي: أسير بن زارم.
(4) في ابن سعد والواقدي: قرقرة ثبار.
وفي مغازي موسى بن عقبة قرقرة تيار.
وقال صاحب وفاء الوفا: ثبار على ستة أميال من خيبر.

السيف - فضربه بالسيف فأطن قدمه وضربه اليسير بمخرش (1) من شوحط في رأسه فأمه، ومال كل رجل من المسلمين على صاحبه من اليهود فقتله، إلا رجلا واحدا أفلت على قدميه، فلما قدم ابن أنيس تفل في رأسه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يقح (2) جرحه ولم يؤذه.
قلت: وأظن البعث الآخر (3) إلى خيبر لما بعثه عليه السلام خارصا على نخيل خيبر والله أعلم.
بعث عبد الله بن عتيك وأصحابه إلى خيبر فقتلوا أبا رافع اليهودي، بعث عبد الله بن أنيس إلى خالد بن سفيان بن نبيح فقتله بعرنة.
وقد روى ابن إسحاق قصته هاهنا مطولة وقد تقدم ذكرها في سنة خمس والله أعلم، بعث زيد بن حارثة وجعفر وعبد الله بن رواحة إلى مؤتة من أرض الشام فأصيبوا كما تقدم، بعث كعب بن عمير (4) إلى ذات أطلاح من أرض الشام فأصيبوا جميعا أيضا، بعث عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر إلى بني العنبر من تميم فأغار عليهم فأصاب منهم أناسا ثم ركب وفدهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أسراهم فأعتق بعضا وفدى بعضا.
بعث غالب بن عبد الله أيضا إلى أرض بني مرة فأصيب بها مرداس بن نهيك حليف لهم من
الحرقة من جهينة قتله أسامة بن زيد ورجل من الانصار.
أدركاه فلما شهرا السلاح قال: لا إله إلا الله فلما رجعا لامهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أشد اللوم فاعتذرا بأنه ما قال ذلك إلا تعوذا من القتل.
فقال لاسامة هلا شققت عن قبله وجعل يقول لاسامة: من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة.
قال أسامة: فما زال يكررها حتى لوددت أن لم أكن أسلمت قبل ذلك.
وقد تقدم الحديث بذلك.
بعث عمرو بن العاص إلى دات السلاسل من أرض بني عذرة يستنفر العرب إلى الشام، وذلك أن أم العاص بن وائل كانت من بلي، فلذلك بعث عمرا يستنفرهم ليكون أنجع فيهم فلما وصل إلى ماء لهم يقال له السلسل خافهم فبعث يستمد رسول الله، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سرية فيهم أبو بكر وعمر وعليها أبو عبيدة بن الجراح فلما انتهوا إليه تأمر عليهم كلهم عمرو وقال إنما بعثتم مددا لي فلم يمانعه أبو عبيدة لانه كان رجلا سهلا لينا هينا عند أمر الدنيا فسلم له وانقاد معه، فكان عمرو يصلي بهم كلهم ولهذا لما رجع.
قال: يا رسول الله أي الناس أحب إليك ؟ قال: عائشة.
قال فمن الرجال ؟ قال: أبوها.
بعث عبد الله بن أبي حدرد إلى بطن أضم وذلك قبل فتح مكة وفيها قصة محلم بن جثامة وقد تقدم مطولا في سنة سبع، بعث ابن أبي حدرد أيضا إلى الغابة، بعث عبد
__________
(1) مخرش وتروى مخراش وهي عصا معوجة الرأس.
والشوحط: ضرب من شجر في الجبال.
(2) في ابن هشام: فلم تقح ولم تؤذه، وفي الواقدي: فلم تقح بعد ذلك ولم تؤذني.
(3) قال الواقدي في مغازيه عن عروة بن الزبير: غزا عبد الله بن رواحة خيبر مرتين.
الاولى بعثه النبي إلى خيبر في رمضان في ثلاثة نفر ينظر إلى خيبر وحال أهلها ما يريدون وما يتكلمون به...فأقبلوا حتى ناحية خيبر وتفرقوا...ووعوا ما سمعوا من أسير وغيره ثم عادوا بعد ثلاثة أيام.
وأخبروا النبي صلى الله عليه وآله بما رأوه وسمعوه.
والبعث الآخر في شوال وهو البعث الذي تقدم، (1 / 566).
(4) في الاصل عمرو، وما أثبتناه من ابن هشام، وابن سعد.

الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل.
قال محمد بن إسحاق: حدثني من لا أتهم عن عطاء بن أبي رباح.
قال: سمعت رجلا من أهل البصرة يسأل عبد الله بن عمر بن الخطاب، عن إرسال العمامة
من خلف الرجل إذا اعتم.
قال: فقال عبد الله: أخبرك إن شاء الله عن ذلك تعلم أني كنت عاشر عشرة رهط من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعبد الرحمن بن عوف وابن مسعود ومعاذ بن جبل وحذيفة بن اليمان وأبو سعيد الخدري وأنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل فتى من الانصار، فسلم على رسول الله ثم جلس.
فقال: يا رسول الله أي المؤمنين أفضل ؟ قال: أحسنهم خلقا.
قال: فأي المؤمنين أكيس ؟ قال: أكثرهم ذكرا للموت وأحسنهم استعدادا له، قبل أن ينزل به أولئك الاكياس، ثم سكت الفتى.
وأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا معشر المهاجرين خمس خصال إذ نزلن بكم - وأعوذ بالله أن تدركوهن - أنه لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يغلبوا عليها إلا ظهر فيهم الطاعون والاوجاع، التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤنة وجور السلطان، ولم يمنعوا الزكاة من أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، فلولا البهائم ما مطروا، وما نقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط عيهم عدو من غيرهم، فأخذ بعض ما كان في أيديهم، وما لم يحكم أئمتهم بكتاب الله ويجبروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم.
قال: ثم أمر عبد الرحمن بن عوف أن يتجهز لسرية بعثه عليها، فأصبح وقد اعتم بمعامة من كرابيس سوداء فأدناه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم نقضها ثم عممه بها، وأرسل من خلفه أربع أصابع أو نحوا من ذلك.
ثم قال: هكذا يا بن عوف فاعتم، فإنه أحسن وأعرف، ثم أمر بلالا أن يدفع إليه اللواء فدفعه إليه، فحمد الله وصلى على نفسه، ثم قال: خذه يا بن عوف اغزوا جميعا في سبيل الله، فقاتلوا من كفر بالله، لا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدا فهذا عهد الله وسيرة نبيكم فيكم.
فأخذ عبد الرحمن بن عوف اللواء.
قال ابن هشام: فخرج إلى دومة الجندل، بعث أبي عبيدة بن الجراح وكانوا قريبا من ثلاثمائة راكب إلى سيف البحر، وزوده عليه السلام جرابا من تمر وفيها قصة العنبر وهي الحوت العظيم الذي دسره البحر (1) وأكلهم كلهم منه قريبا من شهر حتى سمنوا وتزودوا منه وشائق أي شرائح، حتى رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطعموه منه فأكل منه كما تقدم بذلك الحديث.
قال ابن هشام: ومما لم يذكر ابن إسحاق من البعوث (2) - يعني هاهنا -، بعث عمرو بن أمية الضمري لقتل أبي سفيان صخر بن حرب بعد
مقتل خبيب بن عدي وأصحابه، فكان من أمره ما قدمناه وكان مع عمرو بن أمية جبار بن صخر، ولم يتفق لهما قتل أبي سفيان بل قتلا رجلا غيره وأنزلا خبيبا عن جذعه، وبعث سالم بن عمير أحد
__________
(1) دسره البحر: أي دفعه.
(2) خطأ السهيلي ابن هشام فيما ادعاه على ابن اسحاق من اغفاله بعض البعوث، قال: " هو غلط منه، قد ذكره ابن اسحاق، عن جعفر بن عمرو بن أمية بن عمرو بن أمية فيما حدث أسد عن يحيى بن زكريا عن ابن اسحاق " (الروض الانف ج 2 / 263).

البكائين إلى أبي عفك أحد بني عمرو بن عوف وكان قد نجم نفاقه حين قتل رسول الله الحارث بن سويد بن الصامت كما تقدم.
فقال يرثيه ويذم - قبحه الله - الدخول في الدين: لقد عشت دهرا وما أن أرى * من الناس دارا ولا مجمعا أبر عهودا وأوفى لمن * يعاقد فيهم إذا ما دعا من أولاد قيلة في جمعهم * يهد الجبال ولم يخضعا فصدعهم راكب جاءهم * حلال حرام لشتى معا فلو أن بالعز صدقتم * أو الملك تابعتم تبعا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
من لي بهذا الخبيث، فانتدب له سالم بن عمير هذا فقتله فقالت أمامة المريدية في ذلك: تكذب دين الله والمرء أحمدا * لعمرو الذي أمناك بئس الذي يمني (1) حباك حنيف (2) آخر الليل طعنة * أبا عفك خذها على كبر السن وبعث عمير بن عدي الخطمي لقتل العصماء بنت مروان من بني أمية بن زيد كانت تهجو الاسلام وأهله، ولما قتل أبو عفك المذكور أظهرت النفاق وقالت في ذلك: بأست بني مالك والنبيت * وعوف وباست بني الخزرج أطعتم أتاوى من غيركم * فلا من مراد ولا مذحج
ترجونه بعد قتل الرؤوس * كما يرتجي ورق المنضج ألا آنف يبتغي غرة * فيقطع من أمل المرتجي قال فأجابها حسان بن ثابت فقال: بنو وائل وبنو واقف * وخطمة دون بني الخزرج متى ما دعت سفها ويحها * بعولتها والمنايا تجي فهزت فتى ماجدا عرقه * كريم المداخل والمخرج فضرجها من نجيع الدما * وبعيد الهدو فلم يحرج فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بلغه ذلك: ألا آخذ لي من ابنة مروان ؟ فسمع ذلك عمير بن عدي فلما أمسى من تلك الليلة سرى عليها [ في بيتها ] (3) فقتلها.
ثم أصبح فقال: يا رسول الله قتلتها.
__________
(1) شطره في ابن هشام: لعمر الذي أمناك أن بئس ما يمني.
(2) من ابن هشام، وفي الاصل حفيف.
(3) من ابن هشام.

فقال: نصرت الله ورسوله يا عمير.
قال: يا رسول الله هل علي من شأنها.
قال: لا تنتطح فيها عنزان.
فرجع عمير إلى قومه، وهم يختلفون في قتلها وكان لها خمسة بنون.
فقال: أنا قتلتها فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون فذلك أول يوم عز الاسلام في بني خطمة فأسلم منهم بشر كثير، لما رأوا من عز الاسلام.
ثم ذكر البعث الدين أسروا ثمامة بن أثال الحنفي وما كان من أمره في إسلامه.
وقد تقدم ذلك في الاحاديث الصحاح.
وذكر ابن هشام أنه هو الذي قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤمن يأكل في معى واحد والكافر يأكل في سبعة أمعاء.
لما كان من قلة أكله بعد إسلامه، وأنه لما انفصل عن المدينة دخل مكة معتمرا وهو يلبي فنهاه أهل مكة عن ذلك فأبى عليهم وتوعدهم بقطع الميرة عنهم من اليمامة فلما عاد إلى اليمامة منعهم الميرة حتى كتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعادها إليهم.
وقال بعض بني حنيفة:
ومن الذي لبى بمكة محرما * برغم أبي سفيان في الاشهر الحرم وبعث علقمة بن مجزز المدلجي ليأخد بثأر أخيه وقاص بن مجزز يوم قتل بذي قرد فاستأذن رسول لله ليرجع في آثار القوم فأذن له وأمره على طائفة من الناس فلما قفلوا أذن لطائفة منهم في التقدم واستعمل عليهم عبد الله بن حذافة وكانت فيه دعابة فاستوقد نارا، وأمرهم أن يدخلوها فلما عزم بعضهم على الدخول.
قال إنما كنت أضحك فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم.
قال: من أمركم بمعصية الله فلا تطيعوه.
والحديث في هذا ذكره ابن هشام عن الدراوردي، عن محمد بن عمرو بن علقمة، عن عمرو بن الحكم بن ثوبان عن أبي سعيد الخدري، وبعث كرز بن جابر لقتل أولئك النفر الذين قدموا المدينة وكانوا من قيس من بجيلة، فاستوخموا المدينة واستوبؤها فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرجوا إلى إبله فيشربوا من أبوالها وألبانها، فلما صحوا قتلوا راعيها وهو يسار مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذبحوه وغرزوا الشوك في عينيه واستاقوا اللقاح.
فبعث في آثارهم كرز بن جابر في نفر من الصحابة فجاؤوا بأولئك النفر من بجيلة مرجعه عليه السلام من غزوة ذي قرد فأمر فقطع ايديهم وأرجلهم وسملت أعينهم، وهؤلاء النفر إن كانوا هم المذكورين في حديث أنس المتفق عليه أن نفرا ثمانية من عكل أو عرينة قدموا المدينة الحديث، والظاهر أنهم هم فقد تقدم قصتهم مطولة.
وإن كانوا غيرهم فها قد أوردنا عيون ما ذكره ابن هشام.
والله أعلم قال ابن هشام: وغزوة علي بن أبي طالب [ اليمن ] (1) التي غزاها مرتين.
قال أبو عمرو المدني: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا إلى اليمن، وخالدا في جند آخر.
وقال إن اجتمعتم فالامير علي بن أبي طالب.
قال: وقد ذكر ابن إسحاق.
بعث خالد ولم يذكره في عدد البعوث والسرايا فينبغي أن تكون العدة في قوله تسعا وثلاثين.
قال ابن إسحاق: وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد بن زيد بن حارثة إلى الشام وأمره أن يوطئ الخيل تخوم البلقاء والداروم من أرض فلسطين، فتجهز الناس وأوعب مع أسامة المهاجرون الاولون.
قال ابن هشام:
__________
(1) سقطت من الاصل، واستدركت من ابن هشام.

وهو آخر بعث بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال البخاري حدثنا إسماعيل، ثنا مالك، عن عبد الله بن
دينار، عن عبد الله بن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بعثا وأمر عليهم أسامة بن زيد فطعن الناس في إمارته، فقام النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه من قبل وأيم الله إن كان لخليقا للامارة وإن كان لمن أحب الناس إلي وإن هذا لمن أحب الناس إلي بعده.
ورواه الترمذي من حديث مالك.
وقال حديث صحيح حسن.
وقد انتدب كثير من الكبار من المهاجرين الاولين والانصار في جيشه فكان من أكبرهم عمر بن الخطاب ومن قال: إن أبا بكر كان فيهم فقد غلط.
فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشتد به المرض وجيش أسامة مخيم بالجرف وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يصلي بالناس كما سيأتي فكيف يكون في الجيش وهو إمام المسلمين بإذن الرسول من رب العالمين، ولو فرض أنه قد انتدب معهم فقد استثناه الشارع من بينهم بالنص عليه للامامة في الصلاة التي هي أكبر أركان الاسلام، ثم لما توفي عليه الصلاة والسلام استطلق الصديق من أسامة عمر بن الخطاب فأذن له في المقام عند الصديق ونفذ الصديق جيش أسامة كما سيأتي بيانه وتفصيله في موضعه إن شاء الله.
فصل في الآيات والاحاديث المنذرة بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيف ابتدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمرضه الذي مات فيه قال الله تعالى: * (إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون) * [ الزمر: 30 ] وقال تعالى: * (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفائن مت فهم الخلدون) * [ الانبياء: 34 ].
وقال تعالى: * (كل نفس ذائقة الموت ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون) * [ الانبياء: 35 ] * (وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور) * [ آل عمران: 185 ].
وقال تعالى: * (وما محمد إلا رسول قد دخلت من قبله الرسل أفائن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا وسيجزي الله الشاكرين) * [ آل عمران: 144 - 145 ].
وهذه الآية هي التي تلاها الصديق يوم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما سمعها الناس كأنهم لم يسمعوها قبل.
وقال تعالى:
* (إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا) * [ النصر: 1 - 3 ].
قال عمر بن الخطاب وابن عباس: هو أجل رسول الله نعي إليه.
وقال ابن عمر نزلت أوسط أيام التشريق في حجة الوداع فعرف رسول الله أنه الوداع، فخطب الناس خطبة أمرهم فيها ونهاهم، الخطبة المشهورة كما تقدم.
وقال جابر: رأيت رسول الله

يرمي الجمار فوقف.
وقال: " لتأخذوا (1) عني مناسككم فلعلي لا أحج بعد عامي هذا ".
وقال عليه السلام لابنته فاطمة كم سيأتي: " إن جبريل كان يعارضني بالقرآن في كل سنة مرة وإنه عارضني به العام مرتين وما أرى ذلك إلا اقتراب أجلي ".
وفي صحيح البخاري من حديث أبي بكر بن عياش عن أبي حصين، عن أبي صالح، عن أبي هريرة.
قال: كان رسول الله يعتكف في كل شهر رمضان عشرة أيام فلما كان من العام الذي توفي فيه اعتكف عشرين يوما (2)، وكان يعرض عليه القرآن في كل رمضان، فلما كان العام الذي توفي فيه عرض عليه القرآن مرتين (3).
وقال محمد بن إسحاق رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع في ذي الحجة فأقام بالمدينة بقيته والمحرم وصفرا وبعث أسامة بن زيد فبينا الناس على ذلك ابتدئ رسول الله صلى الله عليه وسلم بشكواه الذي قبضه الله فيه إلى ما أراده الله من رحمته وكرامته في ليال بقين (4) من صفر أو في أول شهر ربيع الاول، فكان أول ما ابتدئ به رسول الله من ذلك فيما ذكر لي أنه خرج إلى بقيع الغرقد، من جوف الليل، فاستغفر لهم ثم رجع إلى أهله، فلما أصبح ابتدئ بوجعه من يومه ذلك.
قال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن جعفر عن عبيد بن جبر (5) مولى الحكم عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن أبي مويهبة (6) مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: بعثني رسول الله من جوف الليل فقال: يا أبا مويهبة إني قد أمرت أن استغفر لاهل هذا البقيع فانطلق معي، فانطلقت معه فلما وقف بين أظهرهم.
قال: السلام عليكم يا أهل المقابر، ليهن لكم ما أصبحتم فيه مما أصبح الناس فيه، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم، يتبع آخرها أولها.
الآخرة شر من الاولى، ثم أقبل علي فقال: يا أبا مويهبة، إني قد أوتيت مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيه، ثم الجنة، فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة.
قال قلت: بأبي أنت وأمي،
فخذ مفاتيح خزائن الدنيا والخلد فيها، ثم الجنة.
قال: لا والله يا أبا مويهبة.
لقد اخترت لقاء ربي والجنة، ثم استغفر لاهل البقيع، ثم انصرف فبدئ برسول الله وجعه الذي قبضه الله فيه.
لم يخرجه أحد من أصحاب الكتب.
وإنما رواه أحمد عن يعقوب بن إبراهيم عن أبيه عن محمد بن
__________
(1) تقدم نص الحديث وفيه: وقال لنا: خذوا عني.
(2) أخرجه البخاري في كتاب الاعتكاف (17) باب الحديث (2044) وأبو داود في الصوم الحديث 2466 وابن ماجه في الصيام (58) باب الحديث (1769).
والدارمي في الصوم.
والامام أحمد في مسنده (2 / 336، 355).
(3) البخاري في كتاب فضائل القرآن (7) باب الحديث (4998) (4) قال الواقدي: لليلتين بقيتا من صفر.
(5) في ابن هشام: عبد الله بن عمر عن عبيد بن جبير، وفي الطبري عن ابن اسحاق: عبد الله بن عمر بن علي...(6) أبو مويهبة: مولى رسول الله صلى الله عليه وآله من مولدي مزينة شهد غزوة المريسيع، كان ممن يقود جمل عائشة انظر ترجمة له في الاصابة (4 / 188).

إسحاق به (1).
وقال الامام أحمد: ثنا أبو النضر، ثنا الحكم بن فضيل، ثنا يعلى بن عطاء، عن عبيد بن جبر عن أبي مويهبة.
قال: أمر رسول الله أن يصلي على أهل البقيع فصلى عليهم ثلاث مرات فلما كانت [ ليلة الثانية ] (2) قال: يا أبا مويهبة أسرج لي دابتي.
قال فركب ومشيت حتى انتهى إليهم فنزل عن دابته وأمسكت الدابة فوقف.
أو قال - قام عليهم - فقال: ليهنكم ما أنتم فيه مما فيه الناس، أتت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع بعضها بعضا، الآخرة أشد من الاولى، فليهنكم ما أنتم فيه مما فيه الناس.
ثم رجع فقال: يا أبا مويهبة إني أعطيت.
أو قال: خيرت بين مفاتيح ما يفتح على أمتي من بعدي والجنة أو لقاء ربي قال فقلت: بأبي أنت وأمي فاخترنا.
قال: لان ترد علي عقبها ما شاء الله فاخترت لقاء ربي، فما لبث بعد ذلك إلا سبعا أو ثمانيا حتى قبض.
وقال عبد
الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال: قال رسول الله: نصرت بالرعب وأعطيت الخزائن وخيرت بين أن أبقى حتى أرى ما يفتح على أمتي وبين التعجيل فاخترت التعجيل.
قال البيهقي: وهذا مرسل وهو شاهد لحديث أبي مويهبة (3) قال ابن إسحاق وحدثني يعقوب بن عتبة، عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن (4) مسعود بن عائشة.
قالت: رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من البقيع فوجدني وأنا أجد صداعا في رأسي وأن أقول وارأساه.
فقال: بل أنا والله يا عائشة وارأساه قالت: ثم قال: وما ضرك لو مت قبل فقمت عليك وكفنتك وصليت عليك ودفنتك.
قالت قلت: والله لكأني بك لو فعلت ذلك لقد رجعت إلى بيتي فأعرست فيه ببعض نسائك.
قالت: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ونام به وجعه وهو يدور على نسائه حتى استعز به في بيت ميمونة، فدعا نساءه، فاستأذنهن أن يمرض في بيتي فأذن له.
قالت: فخرج رسول الله بين رجلين من أهله أحدهما الفضل بن عباس ورجل آخر عاصبا رأسه تخط قدماه [ الارض ] (5) حتى دخل بيتي.
قال عبيد الله فحدثت به ابن عباس فقال: أتدري من الرجل الآخر ؟ هو علي بن أبي طالب.
وهذا الحديث له شواهد ستأتي قريبا.
وقال البيهقي: أنبأنا الحاكم، أنبأنا الاصم، أنبأنا أحمد بن عبد الجبار، عن يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق: حدثني يعقوب بن عتبة، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله عن عائشة.
قالت: دخل علي رسول الله وهو يصدع وأنا أشتكي رأسي فقلت: وارأساه ! فقال: بل أنا والله يا عائشة وارأساه ! ثم قال: وما عليك لو مت قبلي فوليت أمرك، وصليت عليك وواريتك.
فقلت: والله إني لاحسب لو كان ذلك، لقد خلوت ببعض نسائك في
__________
(1) أخرجه الحاكم في المستدرك 3 / 55 - 56 وقال: صحيح على شرط مسلم، وقال الذهبي: صحيح.
ونقله الطبري عنه في تاريخه 3 / 190.
(2) من مسند الامام أحمد 3 / 488، وفي الاصل: فلما كانت الثالثة.
(3) رواه البيهقي في دلائله ج 7 / 163.
(4) من ابن هشام والطبري، وفي الاصل عن ابن مسعود.
(5) من الطبري 3 / 191.

بيتى من آخر النهار [ فأعرست بها ]، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم تمادى به وجعه فاستعز (1) به وهو يدور على نسائه في بيت ميمونة، فاجتمع إليه أهله.
فقال العباس: إنا لنرى برسول الله صلى الله عليه وسلم ذات الجنب فهلموا فلنلده، فلدوه (2) فأفاق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: من فعل هذا ؟ فقالوا: عمك العباس تخوف أن يكون بك ذات الجنب.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنها من الشيطان، وما كان الله ليسلطه علي، لا يبقى في البيت أحد إلا لددتموه، إلا عمي العباس، فلد أهل البيت كلهم، حتى ميمونة.
وإنها لصائمة يومئذ وذلك بعين رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي، فأذن له، فخرج وهو بين العباس ورجل آخر - لم تسمه - تخط قدماه بالارض [ إلى بيت عائشة ].
قال عبيد الله قال ابن عباس: الرجل الآخر علي بن أبي طالب (3).
قال البخاري: حدثنا سعيد بن عفير، ثنا الليث، حدثني عقيل، عن ابن شهاب أخبرني عبيد الله بن عبد الله بن عتبة.
أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: لما ثقل رسول الله واشتد به وجعه، استأذن أزواجه أن يمرض في بيتي فأذن له، فخرج وهو بين الرجلين، تخط رجلاه الارض بين عباس قال: ابن عبد المطلب وبين رجل آخر.
قال عبيد الله: فأخبرت عبد الله - يعني ابن عباس - بالذي قالت عائشة.
فقال لي عبد الله بن عباس: هل تدري من الرجل الآخر الذي لم تسم عائشة ؟ قال قلت: لا ! قال ابن عباس: هو علي، فكانت عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تحدث أن رسول الله لما دخل بيتي، واشتد به وجعه.
قال: هريقوا علي من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن، لعلي أعهد إلى الناس.
فأجلسناه في مخضب لحفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ثم طفقنا نصب عليه من تلك القرب، حتى طفق يشير إلينا بيده أن قد فعلتن.
قالت عائشة: ثم خرج إلى الناس فصلى لهم وخطبهم (4).
وقد رواه البخاري أيضا في مواضع أخر من صحيحه ومسلم من طرق عن الزهري به.
وقال البخاري: حدثنا إسماعيل، ثنا سليمان بن بلال قال هشام بن عروة أخبرني أبي عن عائشة.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسأل في مرضه الذي مات فيه: أين أنا غدا أين أنا غدا ؟ يريد يوم عائشة فأذن له أزواجه أن يكون حيث شاء، فكان في بيت عائشة حتى مات عندها.
قالت عائشة رضي الله عنها: فمات في اليوم الذي كان يدور علي فيه في بيتي، وقبضه الله وإن رأسه
لبين سحري ونحري وخالط ريقه ريقي.
قالت: ودخل عبد الرحمن بن أبي بكر ومعه سواك يستن به فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فقلت له: أعطني هذا السواك يا عبد الرحمن، فأعطانيه فقضمته ثم مضغته فأعطيته رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستن به وهو مسند إلى صدري (5).
انفرد به البخاري من هذا
__________
(1) استعز: استعز به المرض واستعز عليه اشتد وجعه وغلبه على نفسه.
(2) اللدود: ما يسقاه المريض من الادوية في أحد شقي فمه.
(3) الحديث في دلائل البيهقي ج 7 / 169 - 170 وما بين معكوفين فيه استدراك من الدلائل.
(4) رواه البخاري في كتاب المغازي (83) باب الحديث (4442).
ومسلم في كتاب الصلاة (21) باب الحديث (92).
(5) البخاري في كتاب المغازي - (83) باب.
الحديث (4450) فتح الباري (8 / 144).

الوجه.
وقال البخاري: أخبرنا عبد الله بن يوسف، ثنا الليث، حدثني ابن الهاد عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة.
قالت: مات النبي صلى الله عليه وسلم وأنه لبين حاقنتي وذاقنتي فلا أكره شدة الموت لاحد أبدا بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال البخاري: حدثنا حيان، أنبأنا عبد الله، أنبأنا يونس عن ابن شهاب قال أخبرني عروة أن عائشة أخبرته.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى نفث على نفسه بالمعوذات ومسح عنه بيده، فلما اشتكى وجعه الذي توفي فيه طفقت أنفث عليه (1) بالمعوذات التي كان ينفث وأمسح بيد النبي صلى الله عليه وسلم عنه.
ورواه مسلم من حديث ابن وهب عن يونس بن يزيد الايلي عن الزهري به.
والفلاس ومسلم عن محمد بن حاتم كلهم.
وثبت في الصحيحين من حديث أبي عوانة، عن فراس، عن الشعبي، عن مسروق، عن عائشة قالت: اجتمع نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم عنده لم يغادر منهن امرأة فجاءت فاطمة تمشي لا تخطئ، مشيتها مشية أبيها.
فقال: مرحبا بابنتي فأقعدها عن يمينه أو شماله.
ثم سارها بشئ فبكت، ثم سارها فضحكت.
فقلت لها: خصك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسرار وأنت تبكين ! فلما أن قامت.
قلت أخبريني ما سارك.
فقالت: ما كنت لافشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلما توفي قلت لها: أسألك لما لي عليك من الحق لما أخبرتيني.
قالت: أما الآن فنعم !
قالت سارني في الاول قال لي: إن جبريل كان يعارضني في القرآن كل سنة مرة، وقد عارضني في هذا العام مرتين ولا أرى ذلك إلا لاقتراب أجلي، فاتقي الله وأصبري فنعم السلف أنا لك، فبكيت.
ثم سارني فقال: أما ترضي أن تكوني سيدة نساء المؤمنين أو سيدة نساء هذه الامة فضحكت (2).
وله طرق عن عائشة.
وقد روى البخاري: عن علي بن عبد الله، عن يحيى بن سعيد القطان، عن سفيان الثوري، عن موسى بن أبي عائشة، عن عبيد الله بن عبد الله، عن عائشة.
قالت: لددنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه فجعل يشير إلينا أن لا تلدوني، فقلنا كراهية المريض للدواء فلما أفاق قال: ألم أنهكم أن لا تلدوني ؟ قلنا كراهية المريض للدواء.
فقال: لا يبقى أحد في البيت إلا لد وأنا أنظر، إلا العباس فإنه لم يشهدكم.
قال البخاري: ورواه ابن أبي الزناد عن هشام عن أبيه عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم (3).
وقال البخاري: وقال يونس، عن الزهري قال عروة قالت عائشة: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه الذي مات فيه يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم (4).
هكذا ذكره البخاري معلقا.
وقد
__________
(1) في البخاري: أنفث على نفسه.
(2) البخاري: كتاب الاستئذان (43) باب من ناجى بين يدي الناس.
ومسلم في كتاب فضائل الصحابة (15) باب حديث (99).
وأخرجه الامام أحمد في مسنده (6 / 282) ورواه ابن سعد في طبقاته (2 / 247).
(2) البخاري - كتاب المغازي حديث 4458.
(4) البخاري في كتاب المغازي - حديث (4428).
والبيهقي في الدلائل ج 7 / 172 وأحمد في مسنده (6 / 18).

أسنده الحافظ البيهقي عن الحاكم، عن أبي بكر بن محمد (1) بن أحمد بن يحيى الاشقر، عن يوسف بن موسى، عن أحمد بن صالح، عن عنبسة، عن يونس بن يزيد الايلي، عن الزهري به.
وقال البيهقي: أنبأنا الحاكم، أنبأنا الاصم، أنبأنا أحمد بن عبد الجبار، عن أبي معاوية، عن الاعمش، عن عبد الله بن مرة، عن أبي الاحوص، عن عبد الله بن مسعود.
قال: لئن أحلف تسعا
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل قتلا أحب إلي من أن أحلف واحدة أنه لم يقتل، وذلك أن الله اتخذه نبيا واتخذه شهيدا (2).
وقال البخاري: ثنا إسحاق بن بشر حدثنا شعيب (3) عن أبي حمزة حدثني أبي عن الزهري.
قال: أخبرني عبد الله بن كعب بن مالك الانصاري - وكان كعب بن مالك أحد الثلاثة الذين تيب عليهم - أن عبد الله بن عباس أخبره: أن علي بن أبي طالب خرج من عند رسول الله في وجعه الذي توفي فيه فقال الناس: يا أبا الحسن، كيف أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فقال: أصبح بحمد الله بارئا.
فأخذ بيده عباس بن عبد المطلب.
فقال له: أنت والله بعد ثلاث عبد العصا، وإني والله لارى رسول الله صلى الله عليه وسلم سوف يتوفى من وجعه هذا، إني لاعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت.
اذهب بنا إلى رسول الله فلنسأله فيمن هذا الامر ؟ إن كان فينا علمنا ذلك.
وإن كان في غيرنا علمناه فأوصى بنا.
فقال علي: إنا والله لئن سألناها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فمنعناها لا يعطيناها الناس بعده، وإني والله لا أسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
انفرد به البخاري، وقال البخاري: ثنا قتيبة، ثنا سفيان، عن سليمان الاحول عن سعيد بن جبير.
قال: قال ابن عباس: يوم الخميس وما يوم الخميس ؟ اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه.
فقال: ائتوني أكتب لكم كتابا لا تضلوا (4) بعده أبدا فتنازعوا - ولا ينبغي عند نبي تنازع - فقالوا: ما شأنه أهجر (5) استفهموه.
فذهبوا يردون عنه.
فقال: دعوني، فالذي أنا فيه خير مما تدعوني إليه، فأوصاهم بثلاث قال: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم، وسكت عن الثالثة أو قال فنسيتها.
ورواه البخاري في موضع آخر ومسلم من حديث سفيان بن عيينة به.
ثم قال البخاري: حدثنا علي بن عبد الله، ثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال: لما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي البيت رجال فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هلموا أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا.
فقال بعضهم: إن رسول الله قد غلبه الوجع، وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله، فاختلف أهل
__________
(1) في البيهقي: أبو بكر محمد...(2) دلائل النبوة ج 7 / 172.
(3) في البخاري: حدثني اسحاق، أخبرنا بشر بن شعيب بن أبي حمزة.
واسحاق هو ابن راهويه.
(فتح الباري
8 / 142).
(4) في البخاري: لن تضلوا.
فتح الباري 8 / 132.
(5) من البخاري، وفي الاصل يهجر.
أهجر: أي هل تغير كلامه واختلط بسسبب المرض، ووقوع ذلك من النبي صلى الله عليه وآله مستحيل لانه معصوم في صحته ومرضه لقوله تعالى: * (وما ينطق عن الهوى) *.

البيت واختصموا.
فمنهم من يقول قربوا يكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده.
ومنهم من يقول غير ذلك.
فلما أكثروا اللغو والاختلاف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوموا.
قال عبيد الله، قال: ابن عباس إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم (1).
ورواه مسلم عن محمد بن رافع وعبد بن حميد كلاهما عن عبد الرزاق بنحوه.
وقد أخرجه البخاري في مواضع من صحيحه من حديث معمر ويونس عن الزهري به.
وهذا الحديث مما قد توهم به بعض الاغبياء من أهل البدع من الشيعة وغيرهم كل مدع أنه كان يريد أن يكتب في ذلك الكتاب ما يرمون إليه من مقالاتهم، وهذا هو التمسك بالمتشابه.
وترك المحكم وأهل السنة يأخذون بالمحكم.
ويردون ما تشابه إليه، وهذه طريقة الراسخين في العلم كما وصفهم الله عز وجل في كتابه، وهذا الموضع مما زل فيه أقدام كثير من أهل الضلالات، وأما أهل السنة فليس لهم مذهب إلا اتباع الحق يدورون معه كيفما دار، وهذا الذي كان يريد عليه الصلاة والسلام أن يكتبه قد جاء في الاحاديث الصحيحة التصريح بكشف المراد منه.
فإنه قد قال الامام أحمد: حدثنا مؤمل، ثنا نافع، عن ابن عمرو ثنا ابن أبي مليكة، عن عائشة.
قالت لما كان وجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قبض فيه قال " ادعوا لي أبا بكر وابنه لكي لا يطمع في أمر أبي بكر طامع ولا يتمناه متمن.
ثم قال: يأبى الله ذلك والمؤمنون ".
مرتين.
قالت عائشة: فأبى الله ذلك والمؤمنون، انفرد به أحمد من هذا الوجه وقال أحمد: حدثنا أبو معاوية، ثنا عبد الرحمن بن أبي بكر القرشي، عن ابن أبي مليكة عن عائشة.
قالت لما ثقل رسول الله قال لعبد الرحمن بن أبي بكر: " ائتني بكتف أو لوح حتى أكتب لابي بكر كتابا لا يختلف عليه أحد، فلما ذهب عبد الرحمن ليقوم.
قال: " أبى الله والمؤمنون أن
يختلف عليك يا أبا بكر " انفرد به أحمد من هذا الوجه أيضا.
وروى البخاري: عن يحيى بن يحيى، عن سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد عن عائشة.
قالت: قال رسول الله: لقد هممت أن أرسل إلى أبي بكر وابنه فأعهد أن يقول القائلون أو يتمنى متمنون.
فقال: يأبى الله - أو يدفع المؤمنون أو يدفع الله ويأبى المؤمنون.
وفي صحيح البخاري ومسلم من حديث إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه.
قال: أتت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرها أن ترجع إليه.
فقالت: أرأيت إن جئت ولم أجدك - كأنها تقول الموت - قال: " إن لم تجديني فأت أبا بكر ".
والظاهر والله أعلم أنها إنما قالت ذلك له عليه السلام في مرضه الذي مات فيه صلوات الله وسلامه عليه، وقد خطب عليه الصلاة والسلام في يوم الخميس قبل أن يقبض عليه السلام بخمس أيام خطبة عظيمة بين فيها فضل الصديق من سائر الصحابة مع ما كان قد نص عليه أن يؤم الصحابة أجمعين كما سيأتي بيانه مع حضورهم كلهم.
ولعل خطبته هذه كانت عوضا عما أراد أن يكتبه في الكتاب، وقد اغتسل عليه السلام بين يدي هذه الخطبة الكريمة فصبوا عليه من سبع قرب لم تحلل أوكيتهن وهذا من باب الاستشفاء بالسبع كما وردت بها الاحاديث في
__________
(1) فتح الباري 8 / 132.

غير هذا الموضع، والمقصود أنه عليه السلام اغتسل ثم خرج فصلى الناس ثم خطبهم كما تقدم في حديث عائشة رضي الله عنها.
ذكر الاحاديث الواردة في ذلك.
قال البيهقي: أنبأنا الحاكم، أنبأنا الاصم، عن أحمد بن عبد الجبار، عن يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، عن الزهري عن أيوب بن بشير.
أن رسول الله قال في مرضه: أفيضوا علي من سبع قرب من سبع آبار شتى، حتى أخرج فأعهد إلى الناس.
ففعلوا فخرج فجلس على المنبر فكان أول ما ذكر، بعد حمد الله والثناء عليه، ذكر أصحاب أحد، فاستغفر لهم ودعا لهم.
ثم قال: يا معشر المهاجرين إنكم أصبحتم تزيدون، والانصار على هيئتها لا تزيد، وإنهم عيبتي التي أويت إليها، فأكرموا كريمهم، وتجاوزوا عن مسيئهم.
ثم قال عليه السلام: أيها
الناس إن عبدا من عباد الله قد خيره الله بين الدنيا، وبين ما عند الله.
فاختار ما عند الله، ففهمها أبو بكر رضي الله عنه، من بين الناس فبكى.
وقال: بل نحن نفديك بأنفسنا وأبنائنا وأموالنا (1).
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: على رسلك يا أبا بكر ! أنظروا إلى هذه الابواب الشارعة في المسجد فسدوها، إلا ما كان من بيت أبي بكر فإني لا أعلم أحدا عندي أفضل [ يدا ] (2) في الصحبة منه.
هذا مرسل له شواهد كثيرة.
وقال الواقدي: حدثني فروة بن زبيد بن طوسا، عن عائشة بنت سعد، عن أم ذرة، عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم.
قالت: خرج رسول الله عاصبا رأسه بخرقة فلما استوى على المنبر، تحدث الناس بالمنبر واستكفوا.
فقال: والذي نفسي بيده إني لقائم على الحوض الساعة.
ثم تشهد فلما قضى تشهده كان أول ما تكلم به، أن أستغفر للشهداء الذين قتلوا بأحد.
ثم قال: إن عبدا من عباد الله خير بين الدنيا، وبين ما عند الله فاختار العبد ما عند الله، فبكى أبو بكر فعجبنا لبكائه.
وقال: بأبي وأمي نفديك بآبائنا وأمهاتنا وأنفسنا وأموالنا.
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو المخير وكان أبو بكر أعلمنا برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وجعل رسول الله يقول له: على رسلك (3).
وقال الامام أحمد: حدثنا أبو عامر، ثنا فليح، عن سالم أبي النضر، عن بشر بن سعيد، عن أبي سعيد قال: خطب رسول الله الناس فقال: إن الله خير عبدا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ذلك العبد ما عند الله.
قال: فبكى أبو بكر.
قال: فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله عن عبد، فكان رسول الله هو المخير وكان أبو بكر أعلمنا به.
فقال رسول الله: إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر، لو كنت متخذا خليلا غير ربي لاتخذت أبا بكر خليلا، ولكن خلة الاسلام ومودته لا يبقى في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر (4).
وهكذا رواه البخاري من حديث أبي عامر العقدي به.
ثم رواه
__________
(1) سقطت عند البيهقي.
(2) من دلائل البيهقي ج 7 / 178.
(3) نقله البيهقي عن الواقدي 7 / 178.
(4) أخرجه البخاري في كتاب مناقب الانصار (45) باب هجرة النبي صلى الله عليه وآله وأصحابه إلى المدينة.
ومسلم في كتاب فضائل الصحابة (11) باب من فضائل أبي بكر.
والامام أحمد في مسنده ج 3 / 18 ورواه البيهقي في =

الامام أحمد عن يونس عن فليح عن سالم أبي النضر، عن عبيد بن حنين وبشر بن سعيد عن أبي سعيد به.
وهكذا رواه البخاري ومسلم من حديث فليح ومالك بن أنس، عن سالم، عن بشر بن سعيد، وعبيد بن حنين كلاهما عن أبي سعيد بنحوه.
وقال الامام أحمد: حدثنا أبو الوليد، ثنا هشام، ثنا أبو عوانة، عن عبد الملك، ابن أبي المعلى عن أبيه.
أن رسول الله خطب يوما فقال: إن رجلا خيره ربه بين أن يعيش في الدنيا ما شاء أن يعيش فيها يأكل من الدنيا ما شاء أن يأكل منها، وبين لقاء ربه فاختار لقاء ربه فبكى أبو بكر.
فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا تعجبون من هذا الشيخ أن ذكر رسول الله رجلا صالحا خيره ربه، بين البقاء في الدنيا وبين لقاء ربه فاختار لقاء ربه، فكان أبو بكر أعلمهم بما قال رسول الله.
فقال أبو بكر: بل نفديك بأموالنا وأبنائنا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من الناس أحد أمن علينا في صحبته، وذات يده من ابن أبي قحافة، ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت ابن أبي قحافة، ولكن ود وإخاء وإيمان، ولكن ود وإخاء وإيمان، مرتين وإن صاحبكم خليل الله عز وجل (1).
تفرد به أحمد.
قالوا: وصوابه أبو سعيد بن المعلى (2) فالله أعلم.
وقد روى الحافظ البيهقي: من طريق إسحاق بن إبراهيم - هو ابن راهويه - ثنا زكريا بن عدي، ثنا عبيد الله بن عمرو الرقي، عن زيد بن أبي أنيسة، عن عمرو بن مرة عن عبد الله بن الحارث، حدثني جندب.
أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يتوفى بخمس وهو يقول: قد كان لي منكم أخوة وأصدقاء، وإني أبرأ إلى كل خليل من خلته ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا، وإن ربي اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا، وإن قوما ممن كان قبلكم يتخذون قبور أنبيائهم وصلحائهم مساجد فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك (3).
وقد رواه مسلم في صحيحه عن إسحاق بن راهويه بنحوه، وهذا اليوم الذي كان قبل وفاته عليه السلام بخمسة أيام هو يوم الخميس الذي ذكره ابن عباس فيما تقدم.
وقد روينا هذه الخطبة من طريق ابن عباس.
قال الحافظ البيهقي: أنبأنا أبو الحسن علي بن محمد المقرئ، أنبأنا الحسن بن محمد بن إسحاق حدثنا يوسف بن يعقوب - هو ابن عوانة الاسفراييني -.
قال: ثنا محمد بن أبي بكر، ثنا وهب بن جرير،
ثنا أبي، سمعت يعلى بن حكيم، يحدث عن عكرمة عن ابن عباس.
قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه عاصبا رأسه بخرقة، فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه.
ثم قال: إنه ليس من الناس أحد أمن علي بنفسه وماله من أبي بكر، ولو كنت متخذا من الناس خليلا، لاتخذت أبا
__________
= الدلائل ج 7 / 174.
(1) مسند الامام أحمد ج 3 / 478 و 4 / 211، والترمذي في كتاب المناقب - باب مناقب أبي بكر الصديق.
والبيهقي في الدلائل ج 7 / 175.
(2) وذكره البيهقي باسمه وقال: أبو المعلى الانصاري.
(3) دلائل البيهقي ج 7 / 176 ومسلم في كتاب المساجد (3) باب النهي عن بناء المساجد على القبور حديث (23).

بكر خليلا، ولكن خلة الاسلام أفضل، سدوا عني كل خوخة في المسجد غير خوخة أبي بكر (1).
رواه البخاري عن عبيد الله بن محمد الجعفي عن وهب بن جرير بن حازم عن أبيه به.
وفي قوله عليه السلام سدوا عني كل خوخة - يعني الابواب الصغار - إلى المسجد غير خوخة أبي بكر إشارة إلى الخلافة أي ليخرج منها إلى الصلاة بالمسلمين.
وقد رواه البخاري أيضا من حديث عبد الرحمن بن سليمان بن حنظلة بن الغسيل عن عكرمة عن ابن عباس.
أن رسول الله خرج في مرضه الذي مات فيه عاصبا رأسه بعصابة دسماء ملتحفا بملحفة على منكبيه فجلس على المنبر فذكر الخطبة، وذكر فيها الوصاة بالانصار إلى أن قال: فكان آخر مجلس جلس فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبض - يعني آخر خطبة خطبها عليه السلام.
وقد روي من وجه آخر عن ابن عباس بإسناد غريب ولفظ غريب.
فقال الحافظ البيهقي: أنبأنا علي بن أحمد بن عبدان، أنبأنا أحمد بن عبيد الصفار، ثنا ابن أبي قماش، وهو محمد بن عيسى، ثنا موسى بن إسماعيل، أبو عمران الجبلي، ثنا معن بن عيسى القزاز، عن الحارث بن عبد الملك بن عبد الله بن أناس (2) الليثي، عن القاسم بن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن أبيه، عن عطاء، عن ابن عباس عن الفضل بن عباس.
قال: أتاني رسول
الله صلى الله عليه وسلم وهو يوعك وعكا شديدا، وقد عصب رأسه فقال: خذ بيدي يا فضل.
قال: فأخذت بيده حتى قعد على المنبر.
ثم قال: ناد في الناس يا فضل.
فناديت: الصلاة جامعة.
قال: فاجتمعوا، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيبا فقال: أما بعد أيها الناس إنه قد دنى مني خلوف من بين أظهركم ولن تروني في هذا المقام فيكم، وقد كنت أرى أن غيره غير مغن عني حتى أقومه فيكم، ألا فمن كنت جلدت له ظهرا فهذا ظهري فليستقد، ومن كنت أخذت له مالا فهذا مالي فليأخذ منه، ومن كنت شتمت له عرضا فهذا عرضي فليستقد، ولا يقولن قائل أخاف الشحناء من قبل رسول الله، ألا وإن الشحناء ليست من شأني ولا من خلقي، وان أحبكم إلي من أخذ حقا إن كان له علي أو حللني فلقيت الله عز وجل وليس لاحد عندي مظلمة.
قال: فقام منهم رجل فقال: يا رسول الله لي عندك ثلاثة دراهم.
فقال: أما أنا فلا أكذب قائلا.
ولا مستحلفه على يمين فيم كانت لك عندي ؟ قال: أما تذكر أنه مر بك سائل فأمرتني فأعطيته ثلاثة دراهم.
قال: أعطه يا فضل.
قال: وأمر به فجلس.
قال عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقالته الاولى.
ثم قال: يا أيها الناس من كان عنده من الغلول شئ فليرده، فقام رجل.
فقال: يا رسول الله عندي ثلاثة دراهم غللتها في سبيل الله.
قال: فلم غللتها ؟ قال: كنت إليها محتاجا.
قال: خذها منه يا فضل.
ثم عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقالته الاولى وقال: يا أيها الناس من أحس من نفسه شيئا فليقم أدعو الله له.
فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله إني لمنافق وإني لكذوب وإني لنئوم (3).
فقال عمر بن الخطاب: ويحك أيها
__________
(1) دلائل البيهقي ج 7 / 176 وأخرجه البخاري في 62 كتاب فضائل الصحابة - باب من فضائل أبي بكر.
(2) في البيهقي: إياس.
(3) في نسخ البداية المطبوعة: لشؤوم تحريف.

الرجل لقد سترك الله لو سترت على نفسك.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه يا بن الخطاب فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة، اللهم ارزقه صدقا وأيمانا وأذهب عنه النوم إذا شاء.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: عمر معي وأنا مع عمر والحق بعدي مع عمر (1).
وفي إسناده ومتنه غرابة شديدة.
ذكر أمره عليه السلام أبا بكر الصديق رضي الله عنه أن يصلي بالصحابة أجمعين قال الامام أحمد: ثنا يعقوب، ثنا أبي عن ابن إسحاق قال وقال ابن شهاب الزهري: حدثني عبد الملك بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام، عن أبيه (2) عن عبد الله بن زمعة بن الاسود بن المطلب بن أسد.
قال: لما استعز برسول الله وأنا عنده في نفر من المسلمين دعا بلال للصلاة فقال: مروا من يصلي بالناس.
قال فخرجت فإذا عمر في الناس، وكان أبو بكر غائبا فقلت: قم يا عمر فصل بالناس.
قال: فقام فلما كبر عمر سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته وكان عمر رجلا مجهرا فقال رسول الله: فأين أبو بكر ؟ يأبى الله ذلك والمسلمون، يأبى الله ذلك والمسلمون.
قال: فبعث إلي أبي بكر فجاء بعدما صلى عمر تلك الصلاة فصلى بالناس.
وقال عبد الله بن زمعة.
قال لي عمر: ويحك ماذا صنعت يا بن زمعة والله ما ظننت حين أمرتني إلا أن رسول الله أمرني بذلك، ولولا ذلك ما صليت.
قال قلت: والله ما أمرني رسول الله ولكن حين لم أر أبا بكر رأيتك أحق من حضر بالصلاة (3).
وهكذا رواه أبو داود من حديث ابن إسحاق حدثني الزهري.
ورواه يونس بن بكير عن ابن إسحاق: حدثني يعقوب بن عتبة، عن أبي بكر بن عبد الرحمن، عن عبد الله بن زمعة فذكره.
وقال: أبو داود ثنا أحمد بن صالح، ثنا ابن أبي فديك، حدثني موسى بن يعقوب، عن عبد الرحمن بن إسحاق عن ابن شهاب، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أن عبد الله بن زمعة أخبره بهذا الخبر.
قال: لما سمع النبي صلى الله عليه وسلم صوت عمر.
قال ابن زمعة: خرج النبي صلى الله عليه وسلم حتى أطلع رأسه من حجرته ثم قال: لا لا لا يصلي للناس إلا ابن أبي قحافة، يقول ذلك مغضبا.
وقال البخاري: ثنا عمر بن حفص، ثنا أبي، ثنا الاعمش، عن إبراهيم.
قال الاسود: كنا عند عائشة فذكرنا المواظبة على الصلاة والمواظبة لها.
قالت: لما مرض النبي صلى الله عليه وسلم مرضه الذي مات فيه فحضرت الصلاة فأذن بلال.
فقال: مروا أبا بكر فليصل بالناس، فقيل له إن أبا بكر رجل أسيف إذا قام مقامك لم يستطع أن يصلي بالناس، وأعاد فأعادوا له فأعاد الثالثة.
فقال: إنكن صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصل بالناس.
فخرج أبو بكر فوجد النبي صلى الله عليه وسلم في نفسه خفة
__________
(1) رواه البيهقي في الدلائل باب ما روي في خطبة رسول الله صلى الله عليه وآله ج 7 / 179 - 180.
(2) في الاصل: عن أبيه، عن عبد الله بن هشام عن أبيه...تحريف وما أثبتناه من ابن هشام ومسند الامام أحمد.
(3) مسند الامام أحمد ج 4 / 322 وسيرة ابن هشام ج 4 / 303.

فخرج يهادي بين رجلين كأني أنظر إلى رجليه تخطان من الوجع، فأراد أبو بكر أن يتأخر فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم أن مكانك.
ثم أتى به حتى جلس إلى جنبه.
قيل للاعمش: فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وأبو بكر يصلي بصلاته والناس يصلون بصلاة أبي بكر ؟ فقال برأسه نعم ! ثم قال البخاري: رواه أبو داود عن شعبة بعضه وزاد أبو معاوية عن الاعمش: جلس عن يسار أبي بكر فكان أبو بكر يصلي قائما.
وقد رواه البخاري في غير ما موضع من كتابه ومسلم والنسائي وابن ماجه من طرق متعددة عن الاعمش به.
منها ما رواه البخاري عن قتيبة ومسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة، ويحيى بن يحيى، عن أبي معاوية به.
وقال البخاري: ثنا عبد الله بن يوسف أنبأنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه: مروا أبا بكر فليصل بالناس (1).
قال ابن شهاب: فأخبرني عبيد الله بن عبد الله عن عائشة أنها قالت: لقد عاودت رسول الله في ذلك وما حملني على معاودته إلا أني خشيت أن يتشاءم الناس بأبي بكر، وإلا أني علمت أنه لن يقوم مقامه أحد إلا تشاءم الناس به، فأحببت أن يعدل ذلك رسول الله عن أبي بكر إلى غيره.
وفي صحيح مسلم من حديث عبد الرزاق عن معمر عن الزهري.
قال وأخبرني حمزة بن عبد الله بن عمر عن عائشة قالت: لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتي.
قال: مروا أبا بكر فليصل بالناس.
قالت قلت يا رسول الله: إن أبا بكر رجل رقيق إذا قرأ القرآن لا يملك دمعه، فلو أمرت غير أبي بكر.
قالت والله ! ما بي إلا كراهية أن يتشاءم الناس بأول من يقوم في مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت فراجعته مرتين أو ثلاثا.
فقال: ليصل بالناس أبو بكر فإنكن صواحب يوسف (2).
وفي الصحيحين من حديث عبد الملك بن عمير، عن أبي بردة عن أبي موسى عن أبيه.
قال: مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: مروا أبا
بكر فليصل بالناس.
فقالت عائشة يا رسول الله إن أبا بكر رجل رقيق، متى يقم مقامك لا يستطيع أن يصلي بالناس.
قال فقال: مروا أبا بكر يصل بالناس فإنكن صواحب يوسف.
قال: فصلى أبو بكر حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم (3).
وقال الامام أحمد: ثنا عبد الرحمن بن مهدي، أنبأنا زائدة [ بن قدامة ]، عن موسى بن أبي عائشة، عن عبيد الله بن عبد الله.
قال: دخلت على عائشة فقلت: ألا تحدثيني عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: بلى ! ثقل برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه فقال: أصلى الناس ؟ قلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله.
فقال: صبوا إلي ماء في المخضب ففعلنا.
قالت: فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمي عليه، ثم أفاق، فقال: أصلى الناس ؟ قلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله.
قال: ضعوا لي ماء في المخضب ففعلنا.
فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمي عليه ثم أفاق فقال: أصلى الناس ؟ قلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله قال: ضعوا لي ماء في المخضب ففعلنا.
فاغتسل ثم ذهب لينوء فأغمي عليه ثم أفاق فقال: أصلى الناس ؟ قلنا: لا هم ينتظرونك يا رسول الله قالت: والناس عكوف
__________
(1) أخرجه البخاري - في كتاب الاذان - فتح الباري 2 / 164 حديث (679).
(2) صحيح مسلم - كتاب الصلاة - (21) باب استخلاف الامام الحديث (94) ص (1 / 313).
(3) أخرجه البخاري - كتاب الاذان (46) باب أهل العلم والفضل أحق بالامامة الحديث (678).

في المسجد ينتظرون رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر بأن يصلي بالناس، وكان أبو بكر رجلا رقيقا.
فقال: يا عمر صل بالناس فقال: أنت أحق بذلك فصلى بهم تلك الايام ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد خفة، فخرج بين رجلين أحدهما العباس لصلاة الظهر، فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر فأومأ إليه أن لا يتأخر، وأمرهما فأجلساه إلى جنبه فجعل أبو بكر يصلي قائما ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي قاعدا.
قال عبيد الله: فدخلت على ابن عباس فقلت: ألا أعرض عليك ما حدثتني عائشة عن مرض رسول الله ؟ قال: هات فحدثته فما أنكر منه شيئا غير أنه قال: سمت لك الرجل الذي كان مع العباس قلت: لا، قال: هو علي (1).
وقد رواه البخاري ومسلم جميعا عن أحمد بن يونس عن زائدة به.
وفي رواية فجعل أبو بكر يصلي بصلاة رسول الله وهو قائم والناس
يصلون بصلاة أبي بكر ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد.
قال البيهقي ففي هذا: أن النبي صلى الله عليه وسلم تقدم في هذه الصلاة وعلق أبو بكر صلاته بصلاته.
قال: وكذلك رواه الاسود وعروة عن عائشة.
وكذلك رواه الارقم بن شرحبيل عن ابن عباس - يعني بذلك - ما رواه الامام أحمد: حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة، حدثني أبي عن أبي إسحاق، عن الارقم بن شرحبيل عن ابن عباس.
قال: لما مرض النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا بكر أن يصلي بالناس، ثم وجد خفة فخرج فلما أحس به أبو بكر أراد أن ينكص، فأومأ إليه النبي صلى الله عليه وسلم فجلس إلى جنب أبي بكر عن يساره واستفتح من الآية التي انتهى إليها أبو بكر رضي الله عنه.
ثم رواه أيضا عن وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أرقم عن ابن عباس بأطول من هذا.
وقال وكيع مرة فكان أبو بكر يأتم بالنبي صلى الله عليه وسلم والناس يأتمون بأبي بكر.
ورواه ابن ماجه عن علي بن محمد، عن وكيع، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق عن أرقم بن شرحبيل، عن ابن عباس بنحوه.
وقد قال الامام أحمد: ثنا شبابة بن سوار، ثنا شعبة عن نعيم بن أبي هند، عن أبي وائل عن مسروق عن عائشة قالت: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم خلف أبا بكر قاعدا في مرضه الذي مات فيه وقد رواه الترمذي والنسائي من حديث شعبة وقال الترمذي حسن صحيح.
وقال أحمد: ثنا بكر بن عيسى، سمعت شعبة بن الحجاج، عن نعيم بن أبي هند، عن أبي وائل، عن مسروق عن عائشة: أن أبا بكر صلى بالناس ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الصف.
وقال البيهقي: أخبرنا أبو الحسين بن الفضل القطان، أنبأنا عبد الله بن جعفر، أنبأنا يعقوب بن سفيان، حدثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا شعبة، عن سليمان الاعمش، عن إبراهيم عن الاسود عن عائشة.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبا بكر (2).
وهذا إسناد جيد ولم يخرجوه.
قال البيهقي: وكذلك رواه حميد عن أنس بن مالك ويونس عن الحسن مرسلا.
ثم أسند ذلك من طريق هشيم، أخبرنا يونس عن الحسن.
قال هشيم: وأنبأنا حميد، عن أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج وأبو بكر يصلي بالناس، فجلس
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب الهبة (14) باب هبة الرجل لامرأته والمرأة لزوجها.
ومسلم في كتاب الصلاة (21) باب استخلاف الامام الحديث 91.
والامام أحمد في مسنده 2 / 52 و 6 / 251.
(2) دلائل البيهقي ج 7 / 192.

إلى جنبه وهو في بردة قد خالف بين طرفيها، فصلى بصلاته.
قال البيهقي: وأخبرنا علي بن أحمد بن عبدان.
أنبأنا أحمد بن عبيد الصفار، ثنا عبيد بن شريك، أنبأنا ابن أبي مريم، أنبأنا محمد بن جعفر، أخبرني حميد أنه سمع أنسا يقول: آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع القوم في ثوب واحد ملتحفا به خلف أبي بكر (1).
قلت وهذا إسناد جيد على شرط الصحيح ولم يخرجوه، وهذا التقييد جيد بأنها آخر صلاة صلاها مع الناس صلوات الله وسلامه عليه.
وقد ذكر البيهقي: من طريق سليمان بن بلال، ويحيى بن أيوب عن حميد عن أنس.
أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر في ثوب واحد برد مخالفا بين طرفيه فلما أراد أن يقوم.
قال: أدع لي أسامة بن زيد، فجاء فأسند ظهره إلى نحره.
فكانت آخر صلاة صلاها قال البيهقي: ففي هذا دلالة إن هذه الصلاة كانت صلاة الصبح من يوم الاثنين يوم الوفاة لانها آخر صلاة صلاها لما ثبت أنه توفي ضحى يوم الاثنين (2).
وهذا الذي قاله البيهقي أخذه مسلما من مغازي موسى بن عقبة فإنه كذلك ذكر.
وكذا روى أبو الاسود عن عروة وذلك ضعيف بل هذه آخر صلاة صلاها مع القوم كما تقدم تقييده في الرواية الاخرى والحديث واحد فيحمل مطلقه على مقيده ثم لا يجوز أن تكون هذه صلاة الصبح من يوم الاثنين يوم الوفاة لان تلك لم يصلها مع الجماعة بل في بيته لما به من الضعف، صلوات الله وسلامه عليه والدليل على ذلك ما قال البخاري في صحيحه: حدثنا أبو اليمان، أنبأنا شعيب، عن الزهري، أخبرني أنس بن مالك وكان تبع النبي صلى الله عليه وسلم وخدمه وصحبه.
أن أبا بكر كان يصلي لهم في وجع النبي صلى الله عليه وسلم الذي توفي فيه، حتى إذا كان يوم الاثنين وهم صفوف في الصلاة، فكشف النبي صلى الله عليه وسلم ستر الحجرة، ينظر إلينا وهو قائم كأن وجهه ورقة مصحف تبسم يضحك، فهممنا أن نفتتن من الفرح برؤية النبي صلى الله عليه وسلم ونكص أبو بكر على عقبيه ليصل الصف، وظن أن النبي صلى الله عليه وسلم خارج إلى الصلاة، فأشار إلينا صلى الله عليه وسلم أن أتموا صلاتكم وأرخى الستر وتوفي من يومه صلى الله عليه وسلم (3).
وقد رواه مسلم من حديث سفيان بن عيينة وصالح (4) بن كيسان، ومعمر عن الزهري عن أنس.
ثم قال البخاري: ثنا أبو معمر، ثنا عبد الوارث، ثنا عبد العزيز، عن أنس بن مالك.
قال: لم يخرج النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثا فأقيمت
الصلاة، فذهب أبو بكر يتقدم فقال نبي الله بالحجاب (5).
فرفعه فلما وضح وجه النبي صلى الله عليه وسلم ما نظرنا منظرا كان أعجب إلينا من وجه النبي صلى الله عليه وسلم حين وضح لنا فأومأ النبي صلى الله عليه وسلم بيده إلى أبي بكر أن يتقدم
__________
(1) المصدر السابق.
الجزء والصفحة.
(2) دلائل البيهقي ج 7 / 193.
(3) أخرجه البخاري - كتاب الاذان (45) باب الحديث 680 وأخرجه مسلم في كتاب الصلاة 21 باب الحديث 98.
ص 1 / 315.
(4) من مسلم، وفي الاصل صبيح تحريف.
(5) في الاصل: فقال نبي الله: عليكم بالحجاب، وأثبتنا عبارة البخاري، وعبارة البيهقي: فرفع النبي صلى الله عليه وآله الحجاب.
والحديث من صحيح البخاري كتاب الاذان (46) باب.
ومسلم المصدر السابق الحديث (100).

وأرخى النبي صلى الله عليه وسلم الحجاب فلم يقدر عليه حتى مات صلى الله عليه وسلم.
ورواه مسلم من حديث عبد الصمد بن عبد الوارث عن أبيه به.
فهذا أوضح دليل على أنه عليه السلام لم يصل يوم الاثنين صلاة الصبح مع الناس، وأنه كان قد انقطع عنهم لم يخرج إليهم ثلاثا.
قلنا فعلى هذا يكون آخر صلاة صلاها معهم الظهر كما جاء مصرحا به في حديث عائشة المتقدم، ويكون ذلك يوم الخميس لا يوم السبت ولا يوم الاحد كما حكاه البيهقي عن مغازي موسى بن عقبة وهو ضعيف، ولما قدمنا من خطبته بعدها ولانه انقطع عنهم يوم الجمعة، والسبت، والاحد، وهذه ثلاثة أيام كوامل.
وقال الزهري عن أبي بكر بن أبي سبرة.
أن أبا بكر صلى بهم سبع عشرة صلاة.
وقال غيره عشرين صلاة فالله أعلم.
ثم بدا لهم وجهه الكريم صبيحة يوم الاثنين فودعهم بنظرة كادوا يفتتنون بها ثم كان ذلك آخر عهد جمهورهم به ولسان حالهم يقول كما قال بعضهم: وكنت أرى كالموت من بين ساعة * فكيف ببين كن موعده الحشر والعجب أن الحافظ البيهقي أورد هذا الحديث من هاتين الطريقين.
ثم قال ما حاصله:
فلعله عليه السلام احتجب عنهم في أول ركعة ثم خرج في الركعة الثانية فصلى خلف أبي بكر، كما قال عروة وموسى بن عقبة.
وخفي ذلك على أنس بن مالك أو أنه ذكر بعض الخبر وسكت عن آخره.
وهذا الذي ذكره أيضا بعيد جدا لان أنسا قال: فلم يقدر عليه حتى مات.
وفي رواية قال: فكان ذلك آخر العهد به.
وقول الصحابي مقدم على قول التابعي والله أعلم.
والمقصود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم أبا بكر الصديق إماما للصحابة كلهم في الصلاة التي هي أكبر أركان الاسلام العملية.
قال الشيخ أبو الحسن الاشعري: وتقديمه له أمر معلوم بالضرورة من دين الاسلام.
قال: وتقديمه له دليل على أنه أعلم الصحابة واقرؤهم لما ثبت في الخبر المتفق على صحته بين العلماء.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يؤم القوم اقرؤهم لكتاب الله، فإن كانوا في القراءة سواء فأعلمهم بالسنة، فإن كانوا في السنة سواء فأكبرهم سنا، فإن كانوا في السن سواء فأقدمهم مسلما قلت: وهذا من كلام الاشعري رحمه الله مما ينبغي أن يكتب بماء الذهب ثم قد اجتمعت هذه الصفات كلها في الصديق رضي الله عنه وأرضاه وصلاة الرسول صلى الله عليه وسلم خلفه في بعض الصلوات كما قدمنا بذلك الروايات الصحيحة لا ينافي ما روي في الصحيح أن أبا بكر ائتم به عليه السلام لان ذلك في صلاة أخرى كما نص على ذلك الشافعي وغيره من الائمة رحمهم الله عز وجل.
فائدة: استدل مالك والشافعي وجماعة من العلماء ومنهم البخاري بصلاته عليه السلام قاعدا وأبو بكر مقتديا به قائما والناس بأبي بكر على نسخ قوله عليه السلام في الحديث المتفق عليه حين صلى ببعض أصحابه قاعدا.
وقد وقع عن فرس فجحش شقة فصلوا وراءه قياما فأشار إليهم أن اجلسوا فلما انصرف.
قال: كذلك والذي نفسي بيده تفعلون كفعل فارس والروم يقومون على عظمائهم وهم جلوس.
وقال إنما جعل الامام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا

رفع فارفعوا، وإذا سجد فاسجدوا، وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون.
قالوا: ثم إنه عليه السلام أمهم قاعدا وهم قيام في مرض الموت فدل على نسخ ما تقدم.
والله أعلم.
وقد تنوعت مسالك الناس في الجواب عن هذا الاستدلال على وجوه كثيرة موضع ذكرها كتاب الاحكام الكبير
إن شاء الله وبه الثقة وعليه التكلان.
وملخص ذلك أن من الناس من زعم أن الصحابة جلسوا لامره المتقدم وإنما استمر أبو بكر قائما لاجل التبليغ عنه صلى الله عليه وسلم.
ومن الناس من قال: بل كان أبو بكر هو الامام في نفس الامر كما صرح به بعض الرواة كما تقدم.
وكان أبو بكر لشدة أدبه مع الرسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبادره بل يقتدي به فكأنه عليه السلام صار إمام الامام فلهذا لم يجلسوا لاقتدائهم بأبي بكر وهو قائم، ولم يجلس الصديق لاجل أنه إمام ولانه يبلغهم عن النبي صلى الله عليه وسلم الحركات والسكنات والانتقالات والله أعلم.
ومن الناس من قال: فرق بين أن يبتدئ الصلاة خلف الامام في حال القيام فيستمر فيها قائما وإن طرأ جلوس الامام في أثنائها كما في هذه الحال وبين أن يبتدي الصلاة خلف إمام جالس فيجب الجلوس للحديث المتقدم.
والله أعلم.
ومن الناس من قال: هذا الصنيع والحديث المتقدم دليل على جواز القيام والجلوس وإن كلا منهما سائغ جائز الجلوس لما تقدم والقيام للفعل المتأخر.
والله أعلم.
احتضاره ووفاته عليه السلام قال الامام أحمد: ثنا أبو معاوية، ثنا الاعمش، عن إبراهيم التيمي، عن الحارث بن سويد، عن عبد الله هو ابن مسعود.
قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يوعك فمسسته.
فقلت: يا رسول الله إنك لتوعك وعكا شديدا.
قال: أجل ! إني أوعك كما يوعك الرجلان منكم قلت: إن لك أجرين.
قال: " نعم ! والذي نفسي بيده ما على الارض مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله عنه خطاياه كما تحط الشجرة ورقها ".
وقد أخرجه البخاري ومسلم من طرق متعددة عن سليمان بن مهران الاعمش به.
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده: حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل، ثنا عبد الرزاق، أنبأنا معمر، عن زيد بن أسلم، عن رجل، عن أبي سعيد الخدري.
قال: وضع يده على النبي صلى الله عليه وسلم فقال والله ما أطيق أن أضع يدي عليك من شدة حماك.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنا معشر الانبياء يضاعف لنا البلاء كما يضاعف لنا الاجر، إن كان النبي من الانبياء ليبتلي بالقمل حتى يقتله، وإن كان الرجل ليبتلي بالعري حتى يأخذ العباءة فيجوبها، وإن كانوا ليفرحون بالبلاء كما يفرحون بالرخاء " فيه رجل مبهم لا يعرف بالكلية.
فالله أعلم.
وقد روى البخاري ومسلم من
حديث سفيان الثوري، وشعبة بن الحجاج زاد مسلم - وجرير - ثلاثتهم عن الاعمش، عن أبي وائل، شقيق بن سلمة عن مسروق، عن عائشة.
قالت: ما رأيت الوجع على أحد أشد منه على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي صحيح البخاري: من حديث يزيد بن الهاد، عن عبد الرحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة.
قالت: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم بين حاقنتي وذاقنتي، فلا أكره شدة الموت لاحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي الحديث الآخر الذي رواه [ البخاري ] - في صحيحه - قال: قال رسول الله:

" أشد الناس بلاء الانبياء ثم الصالحون ثم الامثل فالامثل يبتلي الرجل على حسب دينه فإن كان في دينه صلابة شدد عليه في البلاء ".
وقال الامام أحمد: حدثنا يعقوب، ثنا أبي، حدثنا محمد بن إسحاق، حدثني سعيد بن عبيد بن السباق، عن محمد بن أسامة بن زيد، عن أبيه أسامة بن زيد.
قال: لما ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم هبطت وهبط الناس معي إلى المدينة فدخلت على رسول الله.
وقد أصمت فلا يتكلم فجعل يرفع يديه إلى السماء ثم يصيبها علي (1) أعرف أنه يدعو لي.
ورواه الترمذي، عن أبي كريب، عن يونس بن بكير، عن ابن إسحاق وقال حسن غريب.
وقال الامام مالك في موطائه: عن إسماعيل بن أبي حكيم: أنه سمع عمر بن عبد العزيز يقول: كان من آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن قال: قاتل الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد لا يبقين دينان بأرض العرب.
هكذا رواه مرسلا عن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز رحمه الله.
وقد روى البخاري ومسلم من حديث الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن عائشة وابن عباس.
قالا: لما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذ اغتم كشفها عن وجهه.
فقال وهو كذلك: " لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " يحذر ما صنعوا (2).
وقال الحافظ البيهقي: أنبأنا أبو بكر بن أبي رجاء الاديب، أنبأنا أبو العباس الاصم، ثنا أحمد بن عبد الجبار، ثنا أبو بكر بن عياش، عن الاعمش عن أبي سفيان عن جابر بن عبد الله.
قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قبل موته بثلاث: أحسنوا الظن بالله (3).
وفي بعض الاحاديث كما رواه مسلم من حديث الاعمش عن أبي سفيان طلحة بن نافع عن جابر.
قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يموتن
أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى ".
وفي الحديث الآخر يقول الله تعالى: " أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي خيرا ".
وقال البيهقي: أنبأنا الحاكم، حدثنا الاصم، ثنا محمد بن إسحاق الصغاني: ثنا أبو خيثمة زهير بن حرب، ثنا جرير، عن سليمان التيمي، عن قتادة عن أنس.
قال: كانت عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حضره الوفاة: " الصلاة وما ملكت أيمانكم " حتى جعل يغرغر بها [ في صدره ] (4) وما يفصح بها لسانه.
وقد رواه النسائي عن إسحاق بن راهويه، عن جرير بن عبد الحميد به.
وابن ماجه عن أبي الاشعث عن معتمر بن سليمان عن أبيه به.
وقال الامام أحمد: حدثنا أسباط بن محمد، ثنا التيمي، عن قتادة عن أنس بن مالك.
قال: كانت عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حين حضره الموت الصلاة وما ملكت أيمانكم حتى جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يغرغر بها صدره وما
__________
(1) في الاصل يصيبها على وجهه، وأثبت ما في مسند الامام أحمد ج 5 / 201.
(2) أخرجه البخاري عن يحيى بن بكير في: كتاب اللباس - 19 باب الحديث 5815.
وفي كتاب الصلاة، وفي المغازي، وفي ذكر بني إسرائيل في كتاب الانبياء.
وأخرجه مسلم في كتاب المساجد (3) باب النهي عن بناء المساجد على القبور (الحديث: 22).
(3) انظر الحاشية السابقة، ودلائل البيهقي ج 7 / 204.
(4) سقطت من الاصل، واستدركت من دلائل البيهقي ج 7 / 205.
والحديث أخرجه ابن ماجه في كتاب الوصايا (1) باب.
الحديث (2697) واسناده حسن.

يكاد يفيض بها لسانه.
وقد رواه النسائي وابن ماجه من حديث سليمان بن طرخان وهو التيمي، عن قتادة عن أنس به.
وفي رواية للنسائي عن قتادة، عن صاحب له، عن أنس به.
وقال أحمد: ثنا بكر بن عيسى الراسبي، ثنا عمر بن الفضل، عن نعيم بن يزيد، عن علي بن أبي طالب.
قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن آتيه بطبق يكتب فيه ما لا تضل أمته من بعده، قال: فخشيت أن تفوتني نفسه.
قال قلت: إني أحفظ وأعي.
قال: أوصي بالصلاة والزكاة وما ملكت أيمانكم.
تفرد به أحمد من هذا الوجه.
وقال يعقوب بن سفيان: ثنا أبو النعمان محمد بن الفضل، ثنا أبو عوانة، عن
قتادة، عن سفينة، عن أم سلمة قالت: كانت عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته الصلاة وما ملكت أيمانكم حتى جعل يلجلجها في صدره، وما يفيض بها لسانه.
وهكذا رواه النسائي عن حميد بن مسعدة، عن يزيد بن زريع، عن سعد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن سفينة، عن أم سلمة به قال البيهقي: والصحيح ما رواه عفان، عن همام، عن قتادة عن أبي الخليل عن سفينة عن أم سلمة به (1).
وهكذا رواه النسائي أيضا وابن ماجه: من حديث يزيد بن هارون، عن همام، عن قتادة، عن صالح أبي الخليل، عن سفينة عن أم سلمة به.
وقد رواه النسائي أيضا عن قتيبة، عن أبي عوانة، عن قتادة عن سفينة عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكره.
ثم رواه: عن محمد بن عبد الله بن المبارك، عن يونس بن محمد قال: حدثنا عن سفينة فذكر نحوه.
وقال أحمد: ثنا يونس، ثنا الليث، عن يزيد بن الهاد، عن موسى بن سرجس عن القاسم، عن عائشة قالت: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يموت، وعنده قدح فيه ماء، فيدخل يده في القدح، ثم يمسح وجهه بالماء ثم يقول: اللهم أعني على سكرات الموت (2).
ورواه الترمذي والنسائي وابن ماجه من حديث الليث به.
وقال الترمذي غريب.
وقال الامام أحمد: حدثنا وكيع، عن إسماعيل، عن مصعب بن إسحاق بن طلحة عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ليهون علي أني رأيت بياض كف عائشة في الجنة.
تفرد به أحمد وإسناده لا بأس به.
وهذا دليل على شدة محبته عليه السلام لعائشة رضي الله عنها.
وقد ذكر الناس معان كثيرة في كثرة المحبة ولم يبلغ أحدهم هذا المبلغ وما ذاك إلا لانهم يبالغون كلاما لا حقيقة له وهذا كلام حق لا محالة ولا شك فيه.
وقال حماد بن زيد: عن أيوب عن ابن أبي مليكة.
قال قالت عائشة: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، [ ويومي ] (3) وتوفي بين سحري ونحري وكان جبريل يعوذه بدعاء إذا مرض، فذهبت أعوذه، فرفع بصره إلى السماء وقال: في الرفيق الاعلى، في الرفيق
__________
(1) نصه في البيهقي عن أم سلمة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقول في مرضه: الله الله الصلاة وما ملكت أيمانكم، قالت: فجعل يتكلم به، وما يفيض.
(الدلائل ج 7 / 205) (2) أخرجه الامام أحمد في مسند (6 / 64، 70، 77، 151).
والترمذي في كتاب الجنائز (8) باب.
حديث رقم 978.
وابن ماجه في كتاب الجنائز (64) باب.
الحديث 1623.
(3) من دلائل البيهقي ج 7 / 206.
والحديث أخرجه البخاري في كتاب المغازي (83) باب مرض رسول الله صلى الله عليه وآله ووفاته.
الحديث (4451).

الاعلى ودخل عبد الرحمن بن أبي بكر، وبيده جريدة رطبة، فنظر إليها، فظننت أن له بها حاجة.
قالت: فأخذتها فنفضتها فدفعتها إليه، فاستن بها أحسن ما كان مستنا، ثم ذهب يناولنيها فسقطت من يده قالت فجمع الله بين ريقي وريقه في آخر يوم من الدنيا وأول يوم من الآخرة.
ورواه البخاري عن سليمان بن جرير عن حماد بن زيد به.
وقال البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو نصر أحمد بن سهل الفقيه ببخارى، ثنا صالح بن محمد الحافظ البغدادي، ثنا داود بن (1) عمرو بن زهير الضبي، ثنا عيسى بن يونس، عن عمر بن سعيد بن أبي حسين، أنبأنا ابن أبي مليكة، أن أبا عمرو ذكوان مولى عائشة أخبره أن عائشة كانت تقول: إن من نعمة الله علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي في يومي وفي بيتي وبين سحري ونحري، وأن الله جمع بين ريقي وريقه عند الموت.
قالت: دخل علي أخي بسواك معه، وأنا مسندة رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صدري فرأيته ينظر إليه.
وقد عرفت أنه يحب السواك ويألفه.
فقلت: آخذه لك فأشار برأسه، أي نعم ! فلينته له فأمره على فيه.
قالت: وبين يديه ركوة أو علبة فيها ماء، فجعل يدخل يده في الماء، فيمسح بها وجهه.
ثم يقول: لا إله إلا الله.
إن للموت لسكرات ثم نصب أصبعه اليسرى، وجعل يقول: في الرفيق الاعلى في الرفيق الاعلى حتى قبض ومالت يده في الماء (2).
ورواه البخاري عن محمد، عن عيسى بن يونس.
وقال أبو داود الطيالسي: ثنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم: سمعت عروة يحدث عن عائشة قالت: كنا نحدث أن النبي لا يموت حتى يخير بين الدنيا والآخرة.
قالت: فلما كان مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي مات فيه عرضت له بحة.
فسمعته يقول: مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
قالت عائشة: فظننا أنه كان يخير (3).
وأخرجاه من حديث شعبة به.
وقال الزهري أخبرني سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير في رجال من أهل العلم أن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول وهو صحيح: إنه لم يقبض نبي حتى يرى
مقعده من الجنة ثم يخير.
قالت عائشة: فلما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم - ورأسه على فخدي - غشي عليه ساعة، ثم أفاق، فأشخص بصره إلى سقف البيت.
وقال: اللهم الرفيق الاعلى، فعرفت أنه الحديث الذي كان حدثناه، وهو صحيح أنه لم يقبض نبي قط، حتى يرى مقعده من الجنة ثم يخير.
قالت عائشة فقلت: إذا لا تختارنا.
وقالت عائشة: كانت تلك الكلمة آخر كلمة تكلم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم الرفيق الاعلى (4).
أخرجاه من غير وجه عن الزهري به.
وقال سفيان هو الثوري عن
__________
(1) من البيهقي، وفي الاصل عن تحريف.
(2) أخرجه البيهقي في دلائله ج 7 / 206 - 207.
والبخاري في - فتح الباري 8 / 144 الحديث (4149).
(3) أخرجه البخاري في كتاب المغازي (83) باب.
الحديث (4435).
ورواه البيهقي في الدلائل ج 7 / 208.
(4) رواه البيهقي في الدلائل ج 7 / 208 وقال: رواه البخاري في الصحيح عن بشر بن محمد بن المبارك.
فتح الباري 8 / 136 حديث 4437.
وأخرجه مسلم من وجه آخر عن الزهري.

إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي بردة، عن عائشة قالت: أغمي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في حجري فجعلت أمسح وجهه وأدعو له بالشفاء.
فقال: لا، بل أسأل الله الرفيق الاعلى الاسعد مع جبريل وميكائيل وإسرافيل.
رواه النسائي من حديث سفيان الثوري به.
وقال البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ وغيره (1)، قالوا: ثنا أبو العباس الاصم، ثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم، ثنا أنس بن عياض، عن هشام بن عروة، عن عباد بن عبد الله بن الزبير، أن عائشة أخبرته أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصغت إليه قبل أن يموت وهو مسند إلى صدرها يقول: اللهم اغفر لي وارحمني والحقني بالرفيق.
أخرجاه من حديث هشام بن عروة.
وقال الامام أحمد: حدثنا يعقوب، ثنا أبي، عن ابن إسحاق: حدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير، عن أبيه عباد، سمعت عائشة تقول: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم بين سحري ونحري وفي دولتي، ولم أظلم فيه أحدا فمن سفهي وحداثة سني.
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض وهو في حجري ثم وضعت رأسه على وسادة، وقمت ألدم مع النساء وأضرب
وجهي.
وقال الامام أحمد: حدثنا محمد بن عبد الله بن الزبير، ثنا كثير بن زيد، عن المطلب بن عبد الله.
قال قالت عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من نبي إلا تقبض نفسه ثم يرى الثواب ثم ترد إليه فيخير بين أن ترد إليه وبين أن يلحق، فكنت قد حفظت ذلك منه فإني لمسندته إلى صدري فنظرت إليه حين مالت عنقه فقلت: قد قضى فعرفت الذي قال، فنظرت إليه حين ارتفع فنظر.
قالت قلت: إذا والله لا يختارنا.
فقال: مع الرفيق الاعلى في الجنة مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
تفرد به أحمد ولم يخرجوه.
وقال الامام أحمد: حدثنا عفان، أنبأنا همام، أنبأنا هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة.
قالت قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأسه بين سحري ونحري.
قالت: فلما خرجت نفسه لم أجد ريحا قط أطيب منها.
وهذا إسناد صحيح على شرط الصحيحين ولم يخرج أحد من أصحاب الكتب الستة.
ورواه البيهقي: من حديث حنبل بن إسحاق عن عفان.
وقال البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو العباس الاصم، ثنا أحمد بن عبد الجبار، ثنا يونس، عن أبي معشر، عن محمد بن قيس (2)، عن أم سلمة قالت: وضعت يدي على صدر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات فمرت لي جمع آكل، وأتوضأ، وما يذهب ريح المسك من يدي.
وقال أحمد: حدثنا عفان وبهز قالا: ثنا سليمان بن المغيرة، ثنا حميد بن هلال عن أبي بردة.
قال دخلت على عائشة فأخرجت إلينا إزارا غليظا ما يصنع باليمن وكساء من التي يدعون الملبدة فقالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض في هذين الثوبين.
وقد رواه الجماعة إلا النسائي من طرق عن حميد بن هلال به.
وقال الترمذي حسن صحيح.
وقال الامام أحمد: حدثنا بهز، ثنا حماد بن سلمة: أنبأنا أبو عمران الجوني، عن يزيد بن بابنوس.
قال ذهبت أنا وصاحب لي إلى
__________
(1) ذكرهم في الدلائل ج 7 / 209 أبو طاهر الفقيه، وأبو زكريا بن أبي اسحاق وأبو سعيد بن أبي عمرو.
والحديث في البخاري: فتح الباري 8 / 138 حديث رقم (4440).
(2) في الاصل: عن محمد بن قيس عن أبي عروة عن أم سلمة.
وأثبت ما في دلائل البيهقي ج 7 / 219.

عائشة فاستأذنا عليها فألقت لنا وسادة وجذبت إليها الحجاب.
فقال صاحبي: يا أم المؤمنين ما
تقولين في العراك قالت وما العراك ؟ فضربت منكب صاحبي.
قالت: مه آذيت أخاك.
ثم قالت: ما العراك المحيض ! قولوا ما قال الله عز وجل في المحيض.
ثم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوشحني وينال من رأسي وبيني وبينه ثوب وأنا حائض.
ثم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مر ببابي مما يلقى الكلمة ينفعني الله بها فمر ذات يوم فلم يقل شيئا ثم مر فلم يقل شيئا مرتين أو ثلاثا فقلت يا جارية ضعي لي وسادة على الباب وعصبت رأسي فمر بي.
فقال يا عائشة ما شأنك فقلت: أشتكي رأسي.
فقال: أنا وارأساه فذهب فلم يلبث إلا يسيرا حتى جئ به محمولا في كساء فدخل علي وبعث إلى النساء، فقال إني قد اشتكيت وإني لا أستطيع أن أدور بينكن فأذن لي فلاكن عند عائشة فكنت أمرضه ولم أمرض أحدا قبله فبينما رأسه ذات يوم على منكبي إذ مال رأسه نحو رأسي فظننت أنه يريد من رأسي حاجة فخرجت من فيه نقطة (1) باردة فوقعت على نقرة نحري فاقشعر لها جلدي فظننت أنه غشي عليه فسجيته ثوبا فجاء عمر والمغيرة بن شعبة فاستأذنا فأذنت لهما وجذبت إلي الحجاب.
فنظر عمر إليه فقال: واغشياه ما أشد غشى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قاما فلما دنوا من الباب قال المغيرة: يا عمر مات رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: كذبت بل أنت رجل تحوسك فتنة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يموت حتى يفني الله المنافقين.
قالت: ثم جاء أبو بكر فرفعت الحجاب فنظر إليه فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أتاه من قبل رأسه فحدرناه فقبل جبهته ثم قال وانبياه ثم رفع رأسه فحدرناه وقبل جبهته ثم قال واصفياه ثم رفع رأسه وحدرناه وقبل جبهته وقال واخليلاه مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرج إلى المسجد وعمر يخطب الناس ويتكلم ويقول إن رسول الله لا يموت حتى يفني الله المنافقين.
فتكلم أبو بكر: فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن الله يقول * (إنك ميت وإنهم ميتون) * [ الزمر: 30 ] حتى فرغ من الآية.
* (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه) * [ آل عمران: 144 ] حتى فرغ من الآية ثم قال: فمن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ومن كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات.
فقال عمر: أو إنها في كتاب الله ؟ ما شعرت أنها في كتاب الله.
ثم قال عمر: يا أيها الناس هذا أبو بكر وهو ذو شيبة (2) المسلمين فبايعوه فبايعوه.
وقد روى أبو داود والترمذي في
الشمائل من حديث مرحوم بن عبد العزيز العطار، عن أبي عمران الجوني به ببعضه.
وقال الحافظ البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو بكر بن إسحاق، أخبرنا أحمد بن إبراهيم بن ملحان، ثنا يحيى بن بكير، ثنا الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب أخبرني أبو سلمة عن عبد الرحمن أن عائشة أخبرته: أن أبا بكر أقبل على فرس من مسكنه بالسنح، حتى نزل فدخل المسجد فلم يكلم
__________
(1) في مسند أحمد: نطفة.
(2) في النسخة التيمورية: ذا شبة، وفي الاصل ذو سبية، وما أثبتناه من سيرة ابن كثير.
وذو الشيبة: أقدمهم وأولاهم.

الناس، حتى دخل على عائشة فيمم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مسجى ببرد حبرة، فكشف عن وجهه ثم أكب عليه فقبله ثم بكى.
ثم قال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله، والله لا يجمع الله عليك موتتين أبدا أما الموتة التي كتبت عليك فقدمتها.
قال الزهري وحدثني أبو سلمة عن ابن عباس أن أبا بكر خرج وعمر يكلم الناس.
فقال: اجلس يا عمر ! فأبى عمر أن يجلس.
فقال: اجلس يا عمر.
فأبى عمر أن يجلس.
فتشهد أبو بكر، فأقبل الناس إليه.
فقال: أما بعد فمن كان منكم يعبد محمدا فإن محمدا قد مات، ومن كان يعبد الله، فإن الله حي لا يموت قال الله تعالى: * (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبل الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم) * الآية.
قال: فوالله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر، فتلقاها منه الناس كلهم فما سمع بشر من الناس إلا يتلوها.
قال الزهري وأخبرني سعيد بن المسيب: أن عمر قال: والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها، فعرفت أنه الحق فعقرت حتى ما تقلني رجلاي، وحتى هويت إلى الارض، وعرفت حين سمعته تلاها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات (1).
ورواه البخارري عن يحيى بن بكير به.
وروى الحافظ البيهقي: من طريق ابن لهيعة، ثنا أبو الاسود، عن عروة بن الزبير في ذكر وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: وقام عمر بن الخطاب يخطب الناس ويتوعد من قال مات بالقتل والقطع، ويقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غشية لو قد قام قتل وقطع، وعمرو بن قيس بن زائدة بن الاصم بن أم مكتوم
[ قائم ] (2) في مؤخر المسجد يقرأ * (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل) * الآية والناس في المسجد يبكون ويموجون لا يسمعون، فخرج عباس بن عبد المطلب على الناس.
فقال: يا أيها الناس، هل عند أحد منكم من عهد من رسول الله صلى الله عليه وسلم في وفاته فليحدثنا.
قالوا: لا ! قال: هل عندك يا عمر من علم ؟ قال: لا ! فقال العباس: اشهدوا أيها الناس أن أحدا لا يشهد على رسول الله بعهد عهده إليه في وفاته، والله الذي لا إله إلا هو لقد ذاق رسول الله صلى الله عليه وسلم الموت.
قال: وأقبل أبو بكر رضي الله عنه من السنح (3) على دابته حتى نزل بباب المسجد، وأقبل مكروبا حزينا فاستأذن في بيت ابنته عائشة، فأذنت له فدخل، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قد توفي على الفراش والنسوة حوله، فخمرن وجوههن، واستترن من أبي بكر إلا ما كان من عائشة، فكشف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فجثى عليه يقبله ويبكي ويقول: ليس ما يقوله ابن الخطاب شيئا، توفي رسول الله والذي نفسي بيده رحمة الله عليك يا رسول الله ما أطيبك حيا وميتا، ثم غشاه بالثوب ثم خرج سريعا إلى المسجد يتخطى رقاب الناس حتى أتى المنبر، وجلس عمر حين رأى أبا بكر مقبلا إليه وقام أبو بكر إلى جانب المنبر، ونادى الناس فجلسوا وأنصتوا فتشهد أبو بكر بما علمه من التشهد.
وقال: إن الله عز وجل نعى نبيه إلى نفسه وهو حي بين أظهركم ونعاكم إلى أنفسكم وهو الموت حتى لا يبقى منكم
__________
(1) الحديث في دلائل البيهقي 7 / 216، وفتح الباري 8 / 145 الحديث (4454).
(2) من البيهقي.
(3) السنح: مكان في عوالي المدينة وفيه منزل أبي بكر الصديق.

أحد إلا الله عز وجل.
قال تعالى * (وما محمد إلا رسول الله قد خلت من قبله الرسل) * الآية فقال عمر: هذه الآية في القرآن ؟ والله ما علمت أن هذه الآية نزلت قبل اليوم وقد قال الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم: * (إنك ميت وإنهم ميتون) * [ الزمر: 30 ] وقال الله تعالى: * (كل شئ هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون) * [ الرحمن: 26 - 27 ] وقال تعالى: * (كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام) * [ القصص: 88 ] وقال: * (كل نفس ذائقة الموت إنما توفون
أجوركم يوم القيامة) * [ آل عمران: 144 ] وقال: إن الله عمر محمدا صلى الله عليه وسلم وأبقاه حتى أقام دين الله، وأظهر أمر الله وبلغ رسالة الله، وجاهد في سبيل الله، ثم توفاه الله على ذلك، وقد ترككم على الطريقة فلن يهلك هالك إلا من بعد البينة والشفاء فمن كان الله ربه فإن الله حي لا يموت، ومن كان يعبد محمدا وينزله إلها فقد هلك إلهه.
فاتقوا الله أيها الناس، واعتصموا بدينكم وتوكلوا على ربكم، فإن دين الله قائم، وإن كلمة الله تامة، وإن الله ناصر من نصره ومعز دينه، وأن كتاب الله بين أظهرنا وهو النور والشفاء.
وبه هدى الله محمدا صلى الله عليه وسلم.
وفيه حلال الله وحرامه، والله لا نبالي من أجلب علينا من خلق الله، إن سيوف الله لمسلولة، ما وضعناها بعد ولنجاهدن من خالفنا كما جاهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يبغين أحد إلا على نفسه.
ثم انصرف معه المهاجرون، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث في غسله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه (1).
قلت كما سنذكره مفصلا بدلائله وشواهده إن شاء الله تعالى وذكر الواقدي عن شيوخه.
قالوا: ولما شك في موت النبي صلى الله عليه وسلم.
فقال بعضهم مات ! وقال بعضهم لم يمت، وضعت أسماء بنت عميس يدها على كتفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: قد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد رفع الخاتم من بين كتفيه، فكان هذا الذي قد عرف به موته.
هكذا أورده الحافظ البيهقي في كتابه دلائل النبوة (2) من طريق الواقدي وهو ضعيف وشيوخه لم يسمون ثم هو منقطع بكل حال ومخالف لما صح وفيه غرابة شديدة، وهو رفع لخاتم فالله أعلم بالصواب.
وقد ذكر الواقدي وغيره في الوفاة أخبارا كثيرة فيها نكارات وغرابة شديدة أضربنا عن أكثرها صفحا لضعف أسانيدها ونكارة متونها ولا سيما ما يورده كثير من القصاص المتأخرين وغيرهم فكثير منه موضوع لا محالة وفي الاحاديث الصحيحة والحسنة المروية في الكتب المشهورة غنية عن الاكاذيب ومالا يعرف سنده.
والله أعلم.
فصل في ذكر أمور مهمة وقعت بعد وفاته صلى الله عليه وسلم وقبل دفنه ومن أعظمها وأجلها وأيمنها بركة على الاسلام وأهله بيعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه
__________
(1) رواه البيهقي في الدلائل ج 7 / 217 - 218.
(2) دلائل النبوة ج 7 / 219.

وذلك لانه عليه الصلاة والسلام لما مات كان الصديق رضي الله عنه قد صلى بالمسلمين صلاة الصبح وكان إذ ذاك قد أفاق رسول الله صلى الله عليه وسلم إفاقة من غمرة ما كان فيه من الوجع وكشف ستر الحجرة ونظر إلى المسلمين وهم صفوف في الصلاة خلف أبي بكر فأعجبه ذلك وتبسم صلوات الله وسلامه عليه، حتى هم المسلمون أن يتركوا ما هم فيه من الصلاة لفرحهم به وحتى أراد أبو بكر أن يتأخر ليصل الصف، فأشار إليهم أن يمكثوا كما هم وأرخى الستارة وكان آخر العهد به عليه الصلاة والسلام، فلما انصرف أبو بكر رضي الله عنه من الصلاة دخل عليه، وقال لعائشة: ما أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قد أقلع عنه الوجع وهذا يوم بنت خارجة يعني إحدى زوجتيه وكانت ساكنة بالسنح شرقي المدينة فركب على فرس له وذهب إلى منزله وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم حين اشتد الضحى من ذلك اليوم وقيل عند زوال الشمس.
والله أعلم.
فلما مات واختلف الصحابة فيما بينهم فمن قائل يقول مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن قائل لم يمت فذهب سالم بن عبيد وراء الصديق إلى السنح فأعلمه بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء الصديق من منزله حين بلغه الخبر فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم منزله، وكشف الغطاء عن وجهه وقبله وتحقق أنه قد مات خرج إلى الناس فخطبهم إلى جانب المنبر، وبين لهم وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قدمنا وأزاح الجدل وأزال الاشكال، ورجع الناس كلهم إليه وبايعه في المسجد جماعة من الصحابة ووقعت شبهة لبعض الانصار وقام في أذهان بعضهم جواز استخلاف خليفة من الانصار وتوسط بعضهم بين أن يكون أمير من المهاجرين وأمير من الانصار، حتى بين لهم الصديق أن الخلافة لا تكون إلا في قريش فرجعوا إليه وأجمعوا عليه كما سنبينه وننبه عليه.
قصة سقيفة بني ساعدة قال الامام أحمد: ثنا إسحاق بن عيسى الطباع، ثنا مالك بن أنس: حدثني ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن ابن عباس أخبره أن عبد الرحمن بن عوف رجع إلى
رحله - قال ابن عباس وكنت أقرئ عبد الرحمن بن عوف فوجدني وأنا أنتظره - وذلك بمنى في آخر حجة حجها عمر بن الخطاب فقال عبد الرحمن بن عوف: إن رجلا أتى عمر بن الخطاب فقال: إن فلانا يقول لو قد مات عمر بايعت فلانا فقال عمر: إني قائم العشية إن شاء الله في الناس فمحذرهم هؤلاء الرهط الذين يريدون أن يغصبوهم أمرهم.
قال عبد الرحمن: فقلت: يا أمير المؤمنين لا تفعل فإن الموسم يجمع رعاع الناس وغوغاءهم وأنهم الذين يغلبون على مجلسك إذا قمت في الناس، فأخشى أن تقول مقالة يطير بها أولئك فلا يعوها ولا يضعوها مواضعها ولكن حتى تقدم المدينة فإنها دار الهجرة والسنة وتخلص بعلماء الناس وأشرافهم فتقول ما قلت متمكنا فيعون مقالتك ويضعوها مواضعها.
قال عمر: لئن قدمت المدينة صالحا لاكلمن بها الناس في أول مقام أقومه فلما قدمنا المدينة في عقب ذي الحجة وكان يوم الجمعة عجلت الرواح صكة الاعمى قلت

لمالك: وما صكة الاعمى (1) ؟ قال إنه لا يبالي أي ساعة خرج لا يعرف الحر والبرد أو نحو هذا.
فوجدت سعيد بن زيد، عند ركن المنبر الايمن قد سبقني فجلست حذاءه تحك ركبتي ركبته فلم أنشب أن طلع عمر فلما رأيته قلت: ليقولن العشية على هذا المنبر مقالة ما قالها عليه أحد قبله.
قال: فأنكر سعيد بن زيد ذلك وقال: ما عسيت أن يقول ما لم يقل أحد ؟ فجلس عمر على المنبر فلما سكت المؤذن قام: فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: أما بعد أيها الناس فإني قائل مقالة وقد قدر لي أن أقولها لا أدري لعلها بين يدي أجلي فمن وعاها وعقلها فليحدث بها حيث انتهت به راحلته، ومن لم يعها فلا أحل له أن يكذب علي، إن الله بعث محمدا بالحق وأنزل عليه الكتاب، فكان فيما أنزل عليه آية الرجم فقرأناها ووعيناها وعقلناها ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل لا نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة قد أنزلها الله عز وجل، فالرجم في كتاب الله حق على من زنا إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف، ألا وإنا قد كنا نقرأ لا ترغبوا عن آبائكم فإن كفرا بكم أن ترغبوا عن آبائكم، ألا وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تطروني كما أطري عيسى بن مريم فإنما أنا عبد فقولوا: عبد
الله ورسوله.
وقد بلغني أن قائلا منكم يقول لو قد مات عمر بايعت فلانا فلا يغترن امرؤ أن يقول إن بيعة أبي بكر كانت فلتة (2) فتمت ألا وأنها كانت كذلك إلا إن الله وقى شرها وليس فيكم اليوم من تقطع إليه الاعناق مثل أبي بكر، وأنه كان من خبرنا حين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم إن عليا والزبير ومن كان معهما تخلفوا في بيت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وتخلف عنها الانصار بأجمعها في سقيفة بني ساعدة واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر، فقلت له: يا أبا بكر انطلق بنا إلى إخواننا من الانصار، فانطلقنا نؤمهم حتى لقينا رجلان صالحان فذكرا لنا الذي صنع القوم فقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين ؟ فقلت نريد إخواننا من الانصار فقالا: لا عليكم.
أن لا تقربوهم واقضوا أمركم يا معشر المهاجرين.
فقلت: والله لنأتينهم فانطلقنا حتى جئناهم في سقيفة بني ساعدة، فإذا هم مجتمعون وإذا بين ظهرانيهم رجل مزمل فقلت من هذا ؟ قالوا: سعد بن عبادة فقلت ماله قالوا: وجع فلما جلسنا قام خطيبهم: فأثنى على الله بما هو أهله وقال: أما بعد فنحن أنصار الله وكتيبة.
الاسلام وأنتم يا معشر المهاجرين رهط نبينا وقد دفت دافة منكم تريدون أن تختزلونا من أصلنا، وتحصنونا (3) من الامر فلما سكت أردت أن أتكلم وكنت قد زورت مقالة أعجبتني أردت أن أقولها بين يدي أبي بكر وكنت أداري منه بعض الحد وهو كان أحكم مني، وأوقر والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري إلا قالها في بديهته وأفضل حين سكت.
فقال: أما بعد فما ذكرتم من خير فأنتم
__________
(1) صكة الاعمى، وفي النهاية صكة عمى.
والصكة شدة الهاجرة، وعمى رجل من العمالقة أغار على قوم في الظهيرة فاجتاحهم، فقيل صكة عمى.
(2) في الكامل: فتنة.
(3) يغصبونا (الطبري - ابن الاثير).

أهله، وما تعرف العرب هذا الامر إلا لهذا الحي من قريش هم أوسط العرب نسبا ودارا وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين أيهما شئتم.
وأخذ بيدي وبيد أبي عبيدة بن الجراح فلم أكره مما قال غيرها كان والله أن أقدم فتضرب عنقي لا يقربني ذلك إلى إثم أحب إلي أن أتأمر على قوم فيهم أبو
بكر إلا أن تعير نفسي عند الموت.
فقال قائل من الانصار: أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب (1) منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش فقلت لمالك: ما يعني أنا جديلها المحكك وعذيقها المرجب ؟ قال: كأنه يقول أنا داهيتها.
قال: فكثر اللغط وارتفعت الاصوات حتى خشينا الاختلاف.
فقلت: أبسط يدك يا أبا بكر فبسط يده فبايعته وبايعه المهاجرون ثم بايعه الانصار، ونزونا على سعد بن عبادة فقال قائل منهم: قتلتم سعدا فقلت قتل الله سعدا.
قال عمر: أما والله ما وجدنا فيما حضرنا أمرا هو أرفق من مبايعة أبي بكر خشينا إن فارقنا القوم ولم تكن بيعة أن يحدثوا بعدنا بيعة فإما نبايعهم على مالا نرضى وإما أن نخالفهم فيكون فساد.
فمن بايع أميرا عن غير مشورة المسلمين فلا بيعة له ولا بيعة للذي بايعه تغرة (2) أن يقتلا.
قال مالك: فأخبرني ابن شهاب عن عروة: أن الرجلين اللذين لقياهما عويم بن ساعدة ومعن بن عدي.
قال ابن شهاب: وأخبرني سعيد بن المسيب أن الذي قال أنا جذيلها المحكك وعذيقها المرجب هو الحباب بن المنذر.
وقد أخرج هذا الحديث الجماعة في كتبهم من طرق عن مالك وغيره عن الزهري به.
وقال الامام أحمد: حدثنا معاوية، عن عمرو، ثنا زائدة، ثنا عاصم، وحدثني حسين بن علي، عن زائدة، عن عاصم، عن زر عن عبد الله - هو ابن مسعود - قال لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قالت الانصار: منا أمير ومنكم أمير، فأتاهم عمر فقال: يا معشر الانصار، ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر أبا بكر أن يؤم الناس فأيكم تطيب نفسه أن يتقدم أبا بكر.
فقالت الانصار: نعوذ بالله أن نتقدم أبا بكر.
ورواه النسائي عن إسحاق بن راهويه، وهناد بن السري، عن حسين بن علي الجعفي عن زائدة به.
ورواه علي بن المديني، عن حسين بن علي وقال صحيح لا أحفظه إلا من حديث زائدة، عن عاصم.
وقد رواه النسائي أيضا من حديث سلمة بن نبيط، عن نعيم بن أبي هند، عن نبيط بن شريط، عن سالم بن عبيد عن عمر مثله وقد روي عن عمر بن الخطاب نحوه من طريق آخر.
وجاء من طريق محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي بكر عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن عمر.
أنه قال قلت: يا معشر المسلمين إن أولى الناس بأمر نبي الله ثاني اثنين إذ هما في الغار وأبو بكر السباق المسن ثم أخذت بيده وبدرني رجل من الانصار فضرب على يده قبل أن أضرب
على يده، ثم ضربت على يده وتبايع الناس.
وقد روى محمد بن سعد: عن عارم بن الفضل، عن حماد بن زيد، عن يحيى بن سعيد، عن القاسم بن محمد فذكر نحوا من هذه القصة وسمى هذا
__________
(1) الجذيل: عود ينصب للجربى لتحتك به، يريد أنه يشتفي برأيه.
والعذيق: تصغير عذق، وهو النخلة بما عليها.
والمرجب الذي ضم أعذاقه إلى سعفاته وشدت بالخوص لئل تنفضها الريح.
(2) تغرة: مصدر غررته إذا ألقيته في الغرر، أي خوف التغرة.

الرجل الذي بايع الصديق قبل عمر بن الخطاب.
فقال: هو بشير بن سعد والد النعمان بن بشير.
اعتراف سعد بن عبادة بصحة ما قاله الصديق يوم السقيفة قال الامام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا أبو عوانة، عن داود بن عبد الله الاودي، عن حميد بن عبد الرحمن قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه في صائفه من المدينة.
قال: فجاء فكشف عن وجهه فقبله.
وقال: فداك أبي وأمي ما أطيبك حيا وميتا، مات محمد ورب الكعبة.
فذكر الحديث.
قال: فانطلق أبو بكر وعمر يتعادان حتى أتوهم فتكلم أبو بكر فلم يترك شيئا أنزل في الانصار ولا ذكره رسول الله من شأنهم إلا ذكره.
وقال: لقد علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو سلك الناس واديا وسلكت الانصار واديا سلكت وادي الانصار.
ولقد علمت يا سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: - وأنت قاعد - قريش ولاة هذا الامر فبر الناس تبع لبرهم وفاجرهم تبع لفاجرهم.
فقال له سعد: صدقت نحن الوزراء وأنتم الامراء.
وقال الامام أحمد: حدثنا علي بن عباس، ثنا الوليد بن مسلم، أخبرني يزيد بن سعيد بن ذي عضوان العبسي، عن عبد الملك بن عمير.
اللخمي، عن رافع الطائي رفيق أبي بكر الصديق في غزوة ذات السلاسل قال: وسألته عما قيل في بيعتهم.
فقال: وهو يحدثه عما تقاولت به الانصار وما كلمهم به وما كلم به عمر بن الخطاب الانصار وما ذكرهم به من إمامتي إياهم بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه فبايعوني لذلك وقبلتها منهم، وتخوفت أن تكون فتنة بعدها ردة.
وهذا إسناد جيد قوي ومعنى هذا: أنه رضي الله عنه إنما قبل الامام تخوفا أن يقع فتنة أربى من تركه قبولها رضي الله عنه وأرضاه.
قلت كان هذا في بقية يوم
الاثنين فلما كان الغد صبيحة يوم الثلاثاء اجتمع الناس في المسجد فتممت البيعة من المهاجرين والانصار قاطبة وكان ذلك قبل تجهيز رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما.
قال البخاري: أنبأنا إبراهيم بن موسى، ثنا هشام، عن معمر، عن الزهري: أخبرني أنس بن مالك أنه سمع خطبة عمر الاخيرة حين جلس على المنبر، وذلك الغد من يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر صامت لا يتكلم.
قال: كنت أرجو أن يعيش رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يدبرنا - يريد بذلك أن يكون آخرهم - فإن يك محمد قد مات فإن الله قد جعل بين أظهركم نورا تهتدون به هدى الله محمدا صلى الله عليه وسلم وأن أبا بكر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وثاني اثنين وأنه أولى المسلمين بأموركم، فقدموا فبايعوه وكانت طائفة قد بايعوه قبل ذلك في سقيفة بني ساعدة وكانت بيعة العامة على المنبر.
قال الزهري عن أنس بن مالك سمعت عمر يقول يومئذ لابي بكر: اصعد المنبر ! فلم يزل به حتى صعد المنبر فبايعه عامة الناس وقال محمد بن إسحاق: حدثني الزهري، حدثني أنس بن مالك.
قال: لما بويع أبو بكر في السقيفة وكان الغد جلس أبو بكر على المنبر، وقام عمر فتكلم قبل أبي بكر، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: أيها الناس إني قد كنت قلت لكم بالامس مقالة ما كانت [ إلا عن رأيي ] (1) وما وجدتها في كتاب
__________
(1) من الطبري.

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55