كتاب :البداية والنهاية
الامام الحافظ ابي الفداء اسماعيل بن كثير الدمشقي

بمؤمنين * وما تسألهم عليه من أجر إن هو إلا ذكر للعالمين) * [ يوسف: 102 ] إلى أن قال في آخرها * (لقد كان في قصصهم عبرة لاولى الالباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شئ وهدى ورحمة لقوم يؤمنون) * [ يوسف: 111 ] وقال تعالى: * (وقالوا لولا يأتينا بآية من ربه أو لم تأتهم بينة ما في الصحف الاولى) * [ طه: 133 ] وقال تعالى: * (قل أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق بعيد، سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد) * [ فصلت: 52 - 53 ] وعد تعالى أنه سيظهر الآيات: القرآن وصدقه وصدق من جاء به بما يخلقه في الآفاق من الآيات الدالة على صدق هذا الكتاب، وفي نفس المنكرين له المكذبين ما فيه حجة عليهم وبرهان قاطع لشبههم، حتى يستيقنوا أنه منزل من عند الله على لسان الصادق، ثم أرشد إلى دليل مستقل بقوله: * (أو لم يكف بربك أنه على كل شئ شهيد) * [ فصلت: 53 ] أي في العلم بأن الله يطلع على هذ الامر كفاية في صدق هذا المخبر عنه، إذ لو كان مفتريا عليه لعاجله بالعقوبة البليغة كما تقدم بيان ذلك.
وفي هذا القرآن إخبار عما وقع في المستقبل طبق ما وقع سواء بسواء، وكذلك في الاحاديث حسب ما قررناه في كتابنا التفسير، وما سنذكره من الملاحم والفتن كقوله تعالى: * (علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الارض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله) * (المزمل: 20 ] وهذه السورة من أوائل ما نزل بمكة وكذلك قوله تعالى في سورة اقتربت وهي مكية بلا خلاف: * (سيهزم الجمع ويولون الدبر، بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر) * [ القمر: 45 ] وقع مصداق هذه الهزيمة يوم بدر بعد ذلك * إلى أمثال هذا من الامور البينة الواضحة، وسيأتي فصل فيما أخبر به من الامور التي وقعت بعده عليه السلام طبق ما أخبر به * وفي القرآن الاحكام العادلة أمرا ونهيا، المشتملة على الحكم البالغة التي إذا تأملها ذو
الفهم والعقل الصحيح قطع بأن هذه الاحكام إنما أنزلها العالم بالخيرات، الرحيم بعباده، الذي يعاملهم بلطفه ورحمته، وإحسانه، قال تعالى * (وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا) * [ الانعام: 115 ] أي صدقا في الاخبار وعدلا في الاوامر والنواهي، وقال تعالى * (آلر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير) * [ هود: 1 ] أي أحكمت ألفاظه وفصلت معانيه، وقال تعالى * (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق) * [ الفتح: 28 ] أي العلم النافع والعمل الصالح * وهكذا روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال لكميل بن زياد: هو كتاب الله فيه خبر ما قبلكم، وحكم ما بينكم، ونبأ ما بعدكم * وقد بسطنا هذا كله في كتابنا التفسير بما فيه كفاية (ولله الحمد والمنة) فالقرآن العظيم معجز من وجوه كثيرة: من فصاحته، وبلاغته، ونظمه، وتراكيبه، وأساليبه، وما تضمنه من الاخبار الماضية والمستقبلة، وما اشتمل عليه من الاحكام المحكمة الجلية، والتحدي ببلاغة ألفاظة يخص فصحاء العرب، والتحدي بما اشتمل عليه من المعاني الصحيحة الكاملة - وهي أعظم في التحدي عند كثير من العلماء - يعم جميع [ أهل

الارض ] من الملتين، أهل الكتاب وغيرهم من عقلاء اليونان والهند والفرس والقبط وغيرهم من أصناف بني آدم في سائر الاقطار والامصار.
وأما من زعم من المتكلمين: أن الاعجاز إنما هو من صرف دواعي الكفرة عن معارضته مع إنكار ذلك، أو هو سلب قدرتهم على ذلك، فقول باطل وهو مفرع على اعتقادهم أن القرآن مخلوق، خلقه الله في بعض الاجرام، ولا فرق عندهم بين مخلوق ومخلوق، وقولهم: هذا كفر وباطل وليس مطابقا لما في نفس الامر، بل القرآن كلام الله غير مخلوق، تكلم به كما شاء تعالى وتقدس وتنزه عما يقولون علوا كبيرا، فالخلق كلهم عاجزون حقيقة وفي نفس الامر عن الاتيان بمثله ولو تعاضدوا وتناصروا على ذلك، بل لا تقدر الرسل الذين هم أفصح الخلق وأعظم الخلق وأكملهم، أن يتكلموا بمثل كلام الله وهذا القرآن [ الذي ] يبلغه الرسول صلى الله عليه وسلم عن الله، أسلوب كلامه لا يشبه أساليب كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأساليب كلامه عليه السلام المحفوظة عنه بالسند الصحيح إليه لا يقدر أحد من الصحابة ولا من بعدهم أن يتكلم
بمثل أساليبه في فصاحته وبلاغته، فيما يرويه من المعاني بألفاظه الشريفة، بل وأسلوب كلام الصحابة أعلى من أساليب كلام التابعين، وهلم جرا إلى زماننا.
[ و ] علماء السلف أفصح وأعلم، وأقل تكلفا، فيما يرونه من المعاني بألفاظهم من علماء الخلف وهذا يشهده من له ذوق بكلام الناس كما يدرك تفاوت ما بين أشعار العرب في زمن الجاهلية، وبين أشعار المولدين الذين كانوا بعد ذلك، ولهذا جاء الحديث الثابت في هذا المعنى وهو فيما رواه الامام أحمد قائلا: [ حدثنا ] حجاج، ثنا ليث، حدثني سعيد بن أبي سعيد، عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من الانبياء نبي إلا قد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة (1).
وقد أخرجه البخاري ومسلم من حديث الليث بن سعد به.
ومعنى هذا أن الانبياء عليهم السلام كل منهم قد أوتي من الحجج والدلائل على صدقه وصحة ما جاء به عن ربه ما فيه كفاية وحجة لقومه الذين بعث إليهم سواء آمنوا به ففازوا بثواب إيمانهم أو جحدوا فاستحقوا العقوبة، وقوله: وإنما كان الذي أوتيت، أي جله وأعظمه، الوحي الذي أوحاه إليه، وهو القرآن، الحجة المستمرة الدائمة القائمة في زمانه وبعده، فإن البراهين التي كانت للانبياء انقرض زمانها في حياتهم ولم يبق منها إلا الخبر عنها، وأما القرآن فهو حجة قائمة كأنما يسمعه السامع من في رسول الله صلى الله عليه وسلم فحجة الله قائمة به في حياته عليه السلام وبعد وفاته، ولهذا قال: فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة، أي لاستمرار ما آتاني الله من الحجة البالغة والبراهين الدامغة، فلهذا يكون يوم القيامة أكثر الانبياء تبعا.
__________
(1) أخرجه البخاري في فضائل القرآن حديث 4981.
وأعاده في الاعتصام عن عبد العزيز بن عبد الله.
وأخرجه مسلم في الايمان (71) باب.
حديث 239 ص 1 / 134 عن قتيبة بن سعيد.
والامام أحمد في مسنده ج 2 / 341، 451.

فصل
ومن الدلائل المعنوية أخلاقه عليه السلام الطاهرة، وخلقه الكامل، وشجاعته وحلمه وكرمه وزهده وقناعته وإيثار وجميل صحبته، وصدقه وأمانته، وتقواه وعبادته، وكرم أصله، وطيب مولده ومنشئه ومرباه.
كما قدمناه مبسوطا في مواضعه، وما أحسن ما ذكره شيخنا العلامة أبو العباس بن تيمية رحمه الله في كتابه الذي رد فيه على فرق النصارى واليهود وما أشبههم من أهل الكتاب وغيرهم، فإنه ذكر في آخره دلائل النبوة، وسلك فيها مسالك حسنة صحيحة منتجة بكلام بليغ يخضع له كل من تأمله وفهمه.
قال في آخر هذا الكتاب المذكور: فصل وسيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وأخلاقه وأقواله وأفعاله من آياته، أي من دلائل نبوته.
قال وشريعته من آياته، وأمته من آياته، وعلم أمته من آياته، ودينهم من آياته، وكرامات صالحي أمته من آياته، وذلك يظهر بتدبر سيرته من حين ولد إلى أن بعث، ومن حين بعث إلى أن مات، وتدبر نسبه وبلده وأصله وفصله، فإنه كان من أشرف أهل الارض نسبا من صميم سلالة إبراهيم، الذي جعل الله في ذريته النبوة والكتاب، فلم يأت بعد إبراهيم نبي إلا من ذريته، وجعل الله له ابنين: إسماعيل وإسحاق، وذكر في التوراة هذا وهذا، وبشر في التوراة بما يكون من ولد إسماعيل، ولم يكن من ولد إسماعيل من ظهر فيه ما بشرت به النبوات غيره، ودعا إبراهيم لذرية إسماعيل بأن يبعث الله فيهم رسولا منهم.
ثم الرسول صلى الله عليه وسلم من قريش صفوة بني إبراهيم، ثم من بني هاشم صفوة قريش، ومن مكة أم القرى وبلد البيت الذي بناه إبراهيم ودعا الناس إلى حجه، ولم يزل محجوبا من عهد إبراهيم، مذكروا في كتب الانبياء بأحسن وصف.
وكان صلى الله عليه وسلم من أكمل الناس تربية ونشأة، لم يزل معروفا بالصدق والبر [ ومكارم الاخلاق ] والعدل وترك الفواحش والظلم وكل وصف مذموم، مشهودا له بذلك عند جميع من يعرفه قبل النبوة، ومن آمن به ومن كفر بعد النبوة، ولا يعرف له شئ يعاب به لا في أقواله ولا في أفعاله ولا أخلاقه، ولا جرب عليه كذبة قط، ولا ظلم ولا فاحشة، وقد كان صلى الله عليه وسلم خلقه وصورته من أحسن الصور وأتمها وأجمعها للمحاسن الدالة على كماله، وكان أميا من قوم أميين لا يعرف هو ولا هم ما يعرفه
أهل الكتاب [ من ] التوراة والانجيل، ولم يقرأ شيئا من علوم الناس، ولا جالس أهلها، ولم يدع نبوة إلى أن أكمل [ الله ] له أربعين سنة، فأتى بأمر هو أعجب الامور وأعظمها، وبكلام لم يسمع الاولون والآخرون بنظيره، وأخبر بأمر لم يكن في بلده وقومه من يعرف مثله، ثم أتبعه أتباع الانبياء وهم ضعفاء الناس، وكذبه أهل الرياسة وعادوه، وسعوا في هلاكه من اتبعه بكل طريق، كما كان الكفار يفعلون بالانبياء وأتباعهم، والذين أتبعوه لم يتبعوه لرغبة ولا لرهبة فإنه لم يكن عنده مال يعطيهم، ولا جهات يوليهم إياها، ولا كان له سيف، بل كان السيف والجاه والمال مع أعدائه وقد آذوا أتباعه بأنواع الاذى وهم صابرون محتسبون لا يرتدون عن دينهم، لما خالط قلوبهم

من حلاوة الايمان والمعرفة، وكانت مكة يحجها العرب من عهد إبراهيم فيجتمع في الموسم قبائل العرب فيخرج إليهم يبلغهم الرسالة، ويدعوهم إلى الله صابرا على ما يلقاه من تكذيب المكذب، وجفاء الجافي، وإعراض المعرض، إلى أن اجتمع بأهل يثرب وكانوا جيران اليهود، وقد سمعوا أخباره منهم وعرفوه فلما دعاهم علموا أنه النبي المنتظر الذى يخبرهم به اليهود، وكانوا سمعوا من أخباره أيضا ما عرفوا به مكانته فإن أمره كان قد انتشر وظهر في بضع عشرة سنة.
فآمنوا به وبايعوه على هجرته، وهجرة أصحابه إلى بلدهم، وعلى الجهاد معه، فهاجر هو ومن اتبعه إلى المدينة، وبها المهاجرون والانصار ليس فيهم من آمن برغبة دنيوية، ولا برهبة إلا قليلا من الانصار أسلموا في الظاهر ثم حسن إسلام بعضهم، ثم أذن له في الجهاد، ثم أمر به، ولم يزل قائما بأمر الله على أكمل طريقة وأتمها، من الصدق والعدل والوفاء.
لا يحفظ له كذبة واحدة، ولا ظلم لاحد، ولا غدر بأحد، بل كان أصدق الناس وأعدلهم وأوفاهم بالعهد مع اختلاف الاحوال، من حرب وسلم، [ وأمن ] وخوف، وغنى وفقر، وقدرة وعجز، وتمكن وضعف، وقلة وكثرة، وظهور على العدو تارة، وظهور العدو تارة، وهو على ذلك كله لازم لاكمل الطرق وأتمها، حتى ظهرت الدعوة في جميع أرض العرب التي كانت مملوءة من عبادة الاوثان، ومن أخبار الكهان، وطاعة المخلوق في الكفر بالخالق، وسفك الدماء المحرمة، وقطيعة الارحام، لا يعرفون آخرة ولا
معادا، فصاروا أعلم أهل الارض وأدينهم وأعدلهم وأفضلهم، حتى أن النصارى لما رأوهم حين قدموا الشام قالوا: ما كان الذين صحبوا المسيح أفضل من هؤلاء.
وهذه آثار علمهم وعملهم في الارض وآثار غيرهم تعرف العقلاء فرق ما بين الامرين.
وهو صلى الله عليه وسلم مع ظهور أمره، وطاعة الخلق له، وتقديمهم له على الانفس والاموال، مات ولم يخلف درهما ولا دينارا، ولا شاة ولا بعيرا، إلا بغلته وسلاحه ودرعه مرهونة عند يهودي على ثلاثين وسقا من شعير ابتاعها لاهله، وكان بيده عقار ينفق منه على أهله، والباقي يصرفه في مصالح المسلمين، فحكم بأنه لا يورث ولا يأخذ ورثته شيئا من ذلك وهو في كل وقت يظهر من عجائب الآيات وفنون الكرامات ما يطول وصفه، ويخبرهم بما كان وما يكون، ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر، ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، ويشرع الشريعة شيئا بعد شئ، حتى أكمل الله دينه الذي بعثه به، وجاءت شريعته أكمل شريعة، لم يبق معروف تعرف العقول أنه معروف إلا أمر به، ولا منكر تعرف العقول أنه منكر إلا نهى عنه، لم يأمر بشئ فقيل: ليته لم يأمر به، ولا نهى عن شئ فقيل: ليته لم ينه عنه، وأحل لهم الطيبات لم يحرم منها شيئا كما حرم في شريعة غيره، وحرم الخبائث لم يحل منها شيئا كما استحل غيره، وجمع محاسن ما عليه الامم، فلا يذكر في التوراة والانجيل والزبور نوع من الخبر عن الله وعن الملائكة وعن اليوم الآخر إلا وقد جاء به على أكمل وجه، وأخبر بأشياء ليست في الكتب وليس في الكتب إيجاب لعدل وقضاء بفضل وندب إلى الفضائل وترغيب في الحسنات إلا وقد جاء به وبما هو أحسن منه، وإذا نظر اللبيب في العبادات التي شرعها وعبادات غيره من الامم ظهر له فضلها ورجحانها، وكذلك في الحدود والاحكام وسائر الشرائع، وأمته

أكمل الامم في كل فضيلة، وإذا قيس علمهم بعلم سائر الامم ظهر فضل علمهم، وإن قيس دينهم وعبادتهم وطاعتهم لله بغيرهم ظهر أنهم أدين من غيرهم، وإذا قيس شجاعتهم وجهادهم في سبيل الله وصبرهم على المكاره في ذات الله، ظهر أنهم أعظم جهادا وأشجع قلوبا، وإذا قيس سخاؤهم وبرهم وسماحة أنفسهم بغيرهم، ظهر أنهم أسخى وأكرم من غيرهم.
وهذه الفضائل
به نالوها، ومنه تعلموها، وهو الذي أمرهم بها، لم يكونوا قبلا متبعين لكتاب جاء هو بتكميله، كما جاء المسيح بتكميل شريعة التوراة، فكانت فضائل أتباع المسيح وعلومهم بعضها من التوراة، وبعضها من الزبور، وبعضها من النبوات، وبعضها من المسيح وبعضها ممن بعده من الحواريين ومن بعض الحواريين، وقد استعانوا بكلام الفلاسفة وغيرهم حتى أدخلوا - لما غيروا [ من ] دين المسيح - في دين المسيح أمورا من أمور الكفار المتناقضة لدين المسيح.
وأما أمة محمد صلى الله عليه وسلم فلم يكونوا قبله يقرؤن كتابا، بل عامتهم ما آمنوا بموسى وعيسى وداود والتوراة والانجيل والزبور إلا من جهته، وهو الذي أمرهم أن يؤمنوا بجميع الانبياء، ويقروا بجميع الكتب المنزلة من عند الله، ونهاهم عن أن يفرقوا بين أحد من الرسل، فقال تعالى في الكتاب الذي جاء به: * (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والاسباط وما أوتى موسى وعيسى وما أوتى النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون فان آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم) * [ البقرة: 136 - 137 ] وقال تعالى: * (آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله، وقالوا سمعنا وأطعنا، غفرانك ربنا وإليك المصير، لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت) * [ البقرة: 285 - 286 ] الآية * وأمته عليه السلام لا يستحلون أن يوجدوا شيئا من الدين غير ما جاء به، ولا يبتدعون بدعة ما أنزل الله بها من سلطان، ولا يشرعون من الدين ما لم يأذن به الله، لكن ما قصه عليهم من أخبار الانبياء وأممهم.
اعتبروا به، وما حدثهم أهل الكتاب موافقا لما عندهم صدقوه، وما لم يعلم صدقه ولا كذبه أمسكوا عنه، وما عرفوا بأنه باطل كذبوه، ومن أدخل في الدين ما ليس منه من أقوال متفلسفة الهند والفرس واليونان أو غيرهم، كان عندهم من أهل الالحاد والابتداع.
وهذا هو الدين الذي كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعون، وهو الذي عليه أئمة الدين الذين لهم في الامة لسان صدق، وعليه جماعة المسلمين وعامتهم، ومن خرج عن ذلك كان مذموما مدحورا عند الجماعة، وهو مذهب أهل السنة والجماعة، الظاهرين إلى قيام الساعة، الذذين قال
فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم ولا من خذلهم حتى تقوم الساعة " (1) وقد يتنازع بعض المسلمين مع اتفاقهم على هذا الاصل الذي هو
__________
(1) الحديث أخرجه ملسم في كتاب الفتن باب (5) الحديث 19 ص (2215).
عن أبي الربيه وقتيبة عن حماد بن زيد به.

دين الرسل عموما، ودين محمد صلى الله عليه وسلم خصوصا، ومن خالف في هذا الاصل كان عندهم ملحدا مذموما، ليسوا كالنصارى الذين ابتدعوا دينا ما قام به أكابر علمائهم وعبادهم وقاتل عليه ملوكهم، ودان به جمهورهم، وهو دين مبتدع ليس هو دين المسيح، ولا دين غيره من الانبياء، والله سبحانه أرسل رسله بالعلم النافع، والعمل الصالح، فمن اتبع الرسل حصل له سعادة الدنيا والآخرة، وإنما دخل في البدع من قصر في اتباع الانبياء علما وعملا * ولما بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، تلقى ذلك عنه المسلمون [ من أمته ]، فكل علم نافع وعمل صالح عليه أمة محمد، أخذوه عن نبيهم كما ظهر لكل عاقل أن أمته أكمل الامم في جميع الفضائل، العلمية والعملية، ومعلوم أن كل كمال في الفرع المتعلم هو في الاصل المعلم، وهذا يقتضي أنه عليه السلام كان أكمل الناس علما ودينا * وهذه الامور توجب العلم الضروري بأنه كان صادقا في قوله: " إني رسول الله إليكم جميعا " لم يكن كاذبا مفتريا، فإن هذا القول لا يقوله إلا من هو من خيار الناس وأكملهم، إن كان صادقا، أو من هو من أشر الناس وأخبثهم إن كان كاذبا، وما ذكر من كمال علمه ودينه يناقض الشر والخبث والجهل، فتعين أنه متصف بغاية الكمال في العلم والدين، وهذا يستلزم أنه كان صادقا في قوله: * (إني رسول الله إليكم جميعا) * [ الاعراف: 158 ] لان الذي لم يكن صادقا إما أن يكون متعمدا للكذب أو مخطئا والاول يوجب أنه كان ظالما غاويا، والثاني يقتضي أنه كان جاهلا ضالا، ومحمد صلى الله عليه وسلم كان عمله ينافي جهله، وكمال دينه ينافي تعمد الكذب، فالعلم بصفاته يستلزم العلم بأنه لم يكن يتعمد الكذب ولم يكن جاهلا يكذب بلا علم، وإذا انتفى هذا وذاك تعين أنه كان صادقا عالما بأنه صادق ولهذا نزهه الله
عن هذين الامرين بقوله تعالى: * (والنجم إذا هوى، ما ضل صاحبكم وما غوى، وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى) * [ النجم: 1 - 4 ] وقال تعالى عن الملك الذي جاء به: * (إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين) * [ التكوير: 19 - 21 ] ثم قال عنه: * (وما صاحبكم بمجنون: ولقد رآه بالافق المبين وما هو على الغيب بضنين، وما هو بقول شيطان رجيم، فأين تذهبون، إن هو إلا ذكر للعالمين) * [ التكوير: 22 - 27 ] وقال تعالى * (وإنه لتنزيل رب العالمين، نزل به الروح الامين، على قلبك لتكون من المنذرين، بلسان عربي مبين) * [ الشعراء: 192 - 195 ] إلى قوله: * (هل أنبئكم على من تنزل الشياطين، تنزل على كل أفاك أثيم، يلقون السمع وأكثرهم كاذبون) * [ الشعراء: 221 - 223 ] بين سبحانه أن الشيطان إنما ينزل على من يناسبه ليحصل به غرضه، فإن الشيطان يقصد الشر، وهو الكذب والفجور، ولا يقصد الصدق والعدل، فلا يقترن إلا بمن فيه كذب إما عمدا وإما خطأ وفجورا أيضا فإن الخطأ في الدين هو من الشيطان أيضا: كما قال ابن مسعود لما سئل عن مسألة: أقول فيها برأي فإن يكن صوابا فمن الله، وأن يكن خطأ فمني ومن الشيطان: والله ورسوله بريئان منه، فإن رسول الله برئ من تنزل الشياطين عليه في العمد والخطأ، بخلاف غير الرسول فإنه قد

يخطئ ويكون خطؤه من الشيطان، وإن كان خطؤه مغفورا له، فإذا لم يعرف له خبرا أخبر به كان فيه مخطئا، ولا أمرا أمر به كان فيه فاجرا علم أن الشيطان لم ينزل عليه وإنما ينزل عليه ملك كريم، ولهذا قال في الآية الاخرى عن النبي: * (إنه لقول رسول كريم، وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون، ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون، تنزيل من رب العالمين) * [ الحاقة: 40 - 43 ].
باب دلائل النبوة الحسية ومن أعظم ذلك كله انشقاق القمر المنير فرقتين، قال الله تعالى: * (اقتربت الساعة وانشق
القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر، وكذبوا واتبعوا أهواءهم وكل أمر مستقر، ولقد جاءهم من الانباء ما فيه مزدجر، حكمة بالغة فما تغنى النذر) * [ القمر: 1 - 5 ] وقد اتفق العلماء مع بقية الائمة على أن انشقاق القمر كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد وردت الاحاديث بذلك من طرق تفيد القطع عند الامة.
رواية أنس بن مالك * قال الامام أحمد: حدثنا عبد الرزاق: ثنا معمر عن قتادة عن أنس قال: سأل أهل مكة النبي صلى الله عليه وسلم آية فانشق القمر بمكة فرقتين، فقال: * (اقتربت الساعة وانشق القمر) * (1).
ورواه مسلم عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق.
وقال البخاري: حدثني عبد الله بن عبد الوهاب، ثنا بشر بن المفضل، ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس بن مالك أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية فأراهم القمر شقين، حتى رأوا حراء بينهما.
وأخرجاه في الصحيحين من حديث شيبان عن قتادة، ومسلم من حديث شعبة عن قتادة.
رواية جبير بن مطعم قال أحمد: حدثنا محمد بن كثير، ثنا سليمان بن كثير، عن حصين بن عبد الرحمن، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه قال: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصار فرقتين: فرقة على هذا الجبل وفرقة على هذا الجبل، فقالوا: سحرنا محمد، فقالوا: إن كان سحرنا فإنه لا
__________
(1) أخرجه الامام أحمد في مسنده 1 / 377، 413، 447 و 3 / 275، 278 و 4 / 82.
ومسلم في صحيحه 4 / 2159 والبخاري في المناقب حديث 3627 عن شيبان عن قتادة عن أنس.
وأعاده في كتاب مناقب الانصار حديث 3868 عن سعيد بن أبي عروبة فتح الباري 7 / 183 وأعاده في تفسير وانشق القمر فتح الباري 8 / 617.

يستطيع أن يسحر الناس * تفرد به أحمد * ورواية ابن جرير والبيهقي من طرق (1) عن حصين بن عبد الرحمن به.
رواية حذيفة بن اليمان
قال أبو جعفر بن جرير: حدثني يعقوب، حدثني ابن علية، أنا عطاء بن السائب، عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: نزلنا المدائن فكنا منها على فرسخ فجاءت الجمعة فحضر أبي وحضرت معه، فخطبنا حذيفة فقال: إن الله تعالى يقول: * (إقتربت الساعة وانشق القمر) * ألا وإن الساعة قد اقتربت، ألا وإن القمر قد انشق، ألا وإن الدنيا قد آذنت بفراق، ألا وإن اليوم المضمار وغدا السباق.
فقلت لابي: أتستبق الناس غدا ؟ فقال: يا بني إنك لجاهل، إنما هو السباق بالاعمال، ثم جاءت الجمعة الاخرى فحضرها فخطب حذيفة، فقال: ألا إن الله يقول: * (اقتربت الساعة وانشق القمر) * ألا وإن الدنيا قد آذنت بفراق، ورواه أبو زرعة الرازي في كتاب دلائل النبوة من غير وجه عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن عن حذيفة فذكر نحوه، وقال: ألا وإن القمر قد انشق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا وإن المضمار وغدا السباق، ألا وإن الغاية النار، والسابق من سبق إلى الجنة.
رواية عبد الله بن عباس قال البخاري: ثنا يحيى بن بكير، ثنا بكر، عن جعفر، عن عراك بن مالك، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال: انشق القمر في زمان النبي صلى الله عليه وسلم (2).
ورواه البخاري أيضا ومسلم من حديث بكر بن مضر عن جعفر بن ربيعة به.
طريق أخرى - قال ابن جرير: ثنا ابن مثنى، ثنا عبد الاعلى، ثنا داود بن أبي هند عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: " اقتربت الساعة وانشق القمر، وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر " قال: قد مضى ذلك، كان قبل الهجرة انشق القمر حتى رأوا شقيه.
وروى العوفي عن ابن عباس نحوا من هذا.
وقد روي من وجه آخر عن ابن عباس فقال أبو القاسم الطبراني: ثنا أحمد بن عمرو البزار، ثنا محمد بن يحيى القطيعي، ثنا محمد بن بكير، ثنا ابن جريج عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس قال: كسف القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: سحر القمر، فنزلت: * (اقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر) * وهذا سياق غريب * وقد يكون حصل للقمر مع انشقاقه كسوف فيدل على أن
انشقاقه إنما كان في ليالي إبداره والله أعلم.
__________
(1) رواه البيهقي في الدلائل 2 / 268 من طرق عن حصين، من طريق ابراهيم طهمان، وهشيم كلاهما عن حصين بن عبد الرحمن.
(2) أخرجه البخاري عن التفسير ح (4866) ومسلم في المنافقين (8) باب ح (48) ص (4 / 2159).

رواية عبد الله بن عمر بن الخطاب قال الحافظ أبو بكر البيهقي: أنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر أحمد بن الحسن القاضي قالا: ثنا أبو العباس الاصنم، ثنا العباس بن محمد الدوري: ثنا وهب بن جرير، عن شعبة، عن الاعمش [ عن مجاهد ] عن عبد الله بن عمر [ بن الخطاب ] في قوله: * (اقتربت الساعة وانشق القمر) * قال: وقد كان ذلك على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم انشق فلقتين فلقة من دون الجبل، وفلقة من خلف الجبل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم أشهد (1) وهكذا رواه مسلم والترمذي من طرق عن شعبة عن الاعمش عن مجاهد قال: مسلم كرواية مجاهد عن أبي معمر عن ابن مسعود وقال الترمذي: حسن صحيح.
رواية عبد الله بن مسعود قال الامام أحمد: ثنا سفيان، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، عن أبي معمر عن ابن مسعود قال: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم شقتين حتى نظروا إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أشهدوا (2).
ورواه البخاري ومسلم من حديث سفيان بن عيينة، وأخرجاه من حديث الاعمش عن إبراهيم عن أبي معمر عبد الله بن سخبرة عن ابن مسعود به.
قال البخاري: وقال أبو الضحى عن مسروق عن عبد الله بمكة.
وهذا الذي علقه البخاري قد أسنده أبو داود الطيالسي في مسنده، فقال: حدثنا أبو عوانة عن المغيرة عن أبي الضحى، عن مسروق، عن عبد الله بن مسعود قال: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت قريش: هذا سحر ابن أبي كبشة، قال: فقالوا:
انظروا ما يأتينا به السفار فإن محمدا لا يستطيع أن يسحر الناس كلهم، قال: فجاء السفار فقالوا ذلك (3).
وروى البيهقي عن الحاكم، عن الاصم، عن ابن عباس الدوري، عن سعيد بن سليمان، عن هشيم (4)، عن مغيرة، عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله قال: أنشق القمر بمكة حتى صار فرقتين، فقالت كفار قريش أهل مكة: هذا سحر سحركم به ابن أبي كبشة، انظروا المسافرين فإن كانوا رأوا ما رأيتم فقد صدق، وإن كانوا لم يروا ما رأيتم فهو سحر سحركم به، قال: فسئل السفار - وقدموا من كل وجه - فقالوا: رأيناه.
ورواه ابن جرير من حديث المغيرة وزاد: فأنزل الله: * (اقتربت الساعة وانشق القمر) * * وقال الامام أحمد: حدثنا مؤمل، عن
__________
(1) رواه البيهقي في الدلائل ج 2 / 267 ومسلم في صحيحه 4 / 2159 وما بين معكوفين في الحديث من الدلائل.
(2) رواه الامام أحمد في مسنده ج 1 / 377 ومن طريق الاعمش عن ابراهيم عن أبي معمر ج 1 / 456 وأخرجه البخاري في كتاب التفسير ح (3626) وفي مناقب الانصار ح 3869.
ومسلم ج 4 / 2158.
(3) رواه أبو نعيم في الدلائل (234) والبيهقي في دلائله 2 / 266.
(4) من دلائل البيهقي 2 / 266 وفي الاصل: هشام.

إسرائيل، عن سماك، عن إبراهيم، عن الاسود عن عبد الله قال: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رأيت الجبل بين فرقتي القمر.
وروى ابن جرير عن يعقوب الدوري عن ابن علية، عن أيوب عن محمد بن سيرين قال: نبئت أن ابن مسعود كان يقول: لقد انشق القمر، ففي صحيح البخاري عن ابن مسعود أنه كان يقول: خمس قد مضين: الروم، واللزام، والبطشة والدخان والقمر، في حديث طويل عنه مذكور في تفسير سورة الدخان، وقال أبو زرعة في الدلائل: حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي، حدثنا الوليد، عن الاوزاعي عن ابن بكير قال: انشق القمر بمكة والنبي صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة فخر شقتين فقال المشركون: سحره ابن أبي كبشة، وهذا مرسل من هذا الوجه فهذه طرق عن هؤلاء الجماعة من الصحابة، وشهرة هذا الامر تغني في إسناده مع وروده في الكتاب العزيز.
وما يذكره بعض القصاص من أن القمر دخل في
جيب النبي صلى الله عليه وسلم وخرج من كمه، ونحو هذا الكلام فليس له أصل يعتمد عليه، والقمر في حال انشقاقه لم يزايل السماء بل انفرق باثنتين وسارت إحداهما حتى صارت وراء جبل حراء، والاخرى من الناحية الاخرى، وصار الجبل بينهما، وكلتا الفرقتين في السماء وأهل مكة ينظرون إلى ذلك، وظن كثير من جهلتهم أن هذا شئ سحرت به أبصارهم، فسألوا من قدم عليهم من المسافرين فأخبروهم بنظير ما شاهدوه، فعلموا صحة ذلك وتيقنوه.
فإن قيل: فلم لم يعرف هذا في جميع أقطار الارض ؟ فالجواب ومن ينفي ذلك، ولكن تطاول العهد والكفرة يجحدون بآيات الله، ولعلهم لما أخبروا أن هذا كان آية لهذا النبي المبعوث، تداعت آراؤهم الفاسدة على كتمانه وتناسيه، على أنه قد ذكر غير واحد من المسافرين أنهم شاهدوا هيكلا بالهند مكتوبا عليه أنه بني في الليلة التي انشق القمر فيها.
ثم لما كان انشقاق القمر ليلا قد يخفي أمره على كثير من الناس لامور مانعة من مشاهدته في تلك الساعة، من غيوم متراكمة كانت تلك الليلة في بلدانهم، ولنوم كثير منهم، أو لعله كان في أثناء الليل حيث ينام كثير من الناس وغير ذلك من الامور والله أعلم.
وقد حررنا هذا فيما تقدم في كتابنا التفسير.
فأما حديث رد الشمس بعد مغيبها فقد أنبأني شيخنا المسند الرحلة بهاء الدين القاسم بن المظفر بن تاج الامناء بن عساكر [ إذنا ] وقال: أخبرنا الحافظ أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عساكر المشهور بالنسابة، قال: أخبرنا أبو المظفر بن القشيري وأبو القاسم المستملي قالا: ثنا أبو عثمان المحبر أنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن الحسن الد ؟ ا ؟ عا ؟ ى (1) بها، أنا محمد بن أحمد بن محبوب.
وفي حديث ابن القشيري: ثنا أبو العباس المحبوبي، ثنا سعيد بن مسعود ح، قال الحافظ أبو القاسم بن عساكر وأنا أبو الفتح الماهاني، أنا شجاع بن علي، أنا أبو عبد الله بن منده، أنا عثمان بن أحمد الننسي، أنا أبو أمية محمد بن إبراهيم قال: حدثنا عبيد الله بن موسى، ثنا
__________
(1) كذا في الاصل دون إعجام ولم اعثر عليه فيما لدينا من مراجع.

فضيل بن مرزوق عن إبراهيم بن الحسن، زاد أبو أمية بن الحسن عن فاطمة بنت الحسين عن
أسماء بنت عميس قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوحى إليه ورأسه في حجر علي فلم يصل العصر حتى غربت الشمس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صليت العصر ؟ وقال أبو أمية: صليت يا علي ؟ قال: لا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال أبو أميه: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة نبيك، وقال أبو أمية: رسولك، فاردد عليه الشمس.
قالت أسماء: فرأيتها غربت ثم رأيتها طلعت بعدما غربت.
وقد رواه الشيخ أبو الفرج بن الجوزي في الموضوعات من طريق أبي عبد الله بن مندة كما تقدم ومن طريق أبي جعفر العقيلي: ثنا أحمد بن داود، ثنا عمار بن مطر، ثنا فضيل بن مرزوق فذكره، ثم قال: وهذا حديث موضوع، وقد اضطرب الرواة فيه فرواه سعيد بن مسعود، عن عبيد الله بن موسى، عن فضيل بن مرزوق، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار، عن علي بن الحسن، عن فاطمة بنت علي عن أسماء.
وهذا تخليط في الرواية.
قال: وأحمد بن داود ليس بشئ، قال الدار قطني متروك كذاب، وقال ابن حبان كان يضع الحديث * وعمار بن مطر قال فيه العقيلي: كان يحدث عن الثقات بالمناكير، وقال ابن عدي: متروك الحديث.
قال: وفضيل بن مرزوق قد ضعفه يحيى، قال ابن حبان: يروي الموضوعات ويخطئ عن الثقات، وبه قال الحافظ بن عساكر.
قال: وأخبرنا أبو محمد، عن طاوس، أنا عاصم بن الحسن أنا أبو عمرو بن مهدي، أنا أبو العباس بن عقدة، ثنا أحمد بن يحيى الصوفي، حدثنا عبد الرحمن بن شريك، حدثني أبي عن عروة بن عبد الله بن قشير قال: دخلت على فاطمة بنت علي، فرأيت في عنقها خرزة، ورأيت في يديها مسكتين غليظتين - وهي عجوز كبيرة - فقلت لها: ما هذا ؟ فقالت: إنه يكره للمرأة أن تتشبه بالرجال، ثم حدثتني أن أسماء بنت عميس حدثتها: أن علي بن أبي طالب دفع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقد أوحى إليه فجلله بثوبه فلم يزل كذلك حتى أدبرت الشمس يقول: غابت أو كادت أن تغيب، ثم إن نبي الله صلى الله عليه وسلم سرى عنه فقال: أصليت يا علي ؟ قال: لا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم رد على علي الشمس، فرجعت حتى بلغت نصف المسجد، قال عبد الرحمن: وقال أبي حدثني موسى الجهني نحوه.
ثم قال الحافظ ابن عساكر: هذا حديث منكر، وفيه غير واحد من المجاهيل.
وقال الشيخ أبو الفرج بن
الجوزي في الموضوعات: وقد روى ابن شاهين هذا الحديث عن ابن عقدة فذكره، ثم قال: وهذا باطل، والمتهم به ابن عقدة، فانه كان رافضيا يحدث بمثالب الصحابة، قال الخطيب: ثنا علي بن محمد بن نصر، سمعت حمزة بن يوسف يقول: كان ابن عقدة بجامع براثا (1) يملي مثالب الصحابة أو قال: الشيخين فتركته، وقال الدار قطني: كان ابن عقدة رجل سوء، وقال ابن عدي: سمعت أبا بكر بن أبي غالب يقول: ابن عقدة لا يتدين بالحديث لانه كان يحمل شيوخا
__________
(1) براثا: محلة كانت في طرف بغداد في قبلة الكرخ، ولم يعد لها أثر.
(معجم البلدان).

بالكوفة على الكذب فيسوي لهم نسخا ويأمرهم أن يرووها، وقد بينا كذبه عن غير (1) شيخ بالكوفة * وقال الحافظ أبو بشر الدولابي في كتابه " الذرية الطاهرة ": حدثنا إسحاق بن يونس، ثنا سويد بن سعيد، ثنا المطلب بن زياد عن إبراهيم بن حبان، عن عبد الله بن حسن، عن فاطمة بنت الحسين، عن الحسين قال: كان رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجر علي وهو يوحى إليه فذكر الحديث بنحو ما تقدم، إبراهيم بن حبان هذا تركه الدار قطني وغيره، وقال محمد بن ناصر البغدادي الحافظ: هذا الحديث موضوع، قال شيخنا الحافظ أبو عبد الله الذهبي: وصدق ابن ناصر، وقال ابن الجوزي: وقد رواه ابن مردويه من طريق حديث داود بن فراهيج (2) عن أبي هريرة قال: نام رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأسه في حجر علي ولم يكن صلى العصر حتى غربت الشمس فلما قام رسول الله دعا له فردت عليه الشمس حتى صلى ثم غابت ثانية.
ثم قال: وداود ضعفه شعبة، ثم قال ابن الجوزي ومن تغفيل واضح هذا الحديث أنه نظر إلى صورة فضله ولم يتلمح عدم الفائدة، فإن صلاة العصر بغيبوبة الشمس صارت قضاء فرجوع الشمس لا يعيدها أداء، وفي الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن الشمس لم تحبس على أحد إلا ليوشع.
قلت: هذا الحديث ضعيف ومنكر من جميع طرقه فلا تخلو واحدة منها عن شيعي ومجهول الحال وشيعي ومتروك ومثل هذا الحديث لا يقبل فيه خبر واحد إذا اتصل سنده، لانه من باب ما تتوفر الدواعي على نقله فلا بد من نقله بالتواتر والاستفاضة لا أقل من ذلك، ونحن لا ننكر هذا في قدرة الله تعالى وبالنسبة
إلى جناب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد ثبت في الصحيح أنها ردت ليوشع بن نون، وذلك يوم حاصر بيت المقدس، واتفق ذلك في آخر يوم الجمعة وكانوا لا يقاتلون يوم السبت فنظر إلى الشمس وقد تنصفت للغروب فقال: إنك مأمورة، وأنا مأمور.
اللهم احبسها علي، فحبسها الله عليه حتى فتحوها.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم جاها وأجل منصبا وأعلى قدرا من يوشع بن نون، بل من سائر الانبياء على الاطلاق ولكن لا نقول إلا ما صح عندنا [ عنه ] ولا نسند إليه ما ليس بصحيح، ولو صح لكنا من أول القائلين به، والمعتقدين له وبالله المستعان.
قال الحافظ أبو بكر محمد بن حاتم بن زنجويه البخاري في كتابه " إثبات إمامة أبي بكر الصديق " فإن قال قائل من الروافض: إن أفضل فضيلة لابي الحسن وأدل [ دليل ] على إمامته ما روى عن أسماء بنت عميس قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوحى إليه ورأسه في حجر علي بن أبي طالب فلم يصل العصر حتى غربت الشمس، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: صليت ؟ قال: لا، فقال رسول الله: اللهم إنه كان في طاعتك وطاعة رسولك فاردد عليه الشمس، قالت أسماء: فرأيتها غربت ثم رأيتها طلعت بعد ما غربت.
قيل له: كيف لنا لو صح هذا الحديث فنحتج على مخالفينا من اليهود والنصارى، ولكن الحديث ضعيف جدا لا أصل له، وهذا مما كسبت أيدي الروافض، ولو ردت الشمس بعدما
__________
(1) في الاصول من عند، ولعل ما أثبتناه الصواب.
(2) في الاصل واهح، وفي هامش المطبوعة: كذا، وفي التيمورية برسم فراع - الامام وسيرد فراهيج بعد قليل.

غربت لرآها المؤمن والكافر ونقلوا إلينا أن في يوم كذا من شهر كذا في سنة كذا ردت الشمس بعدما غربت.
ثم يقال للروافض: أيجوز أن ترد الشمس لابي الحسن حين فاتته صلاة العصر، ولا ترد لرسول الله ولجميع المهاجرين والانصار وعلي فيهم حين فاتتهم صلاة الظهر والعصر والمغرب يوم الخندق ؟.
قال: وأيضا مرة أخرى عرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمهاجرين والانصار حين قفل من غزوة خيبر.
فذكر نومهم عن صلاة الصبح وصلاتهم لها بعد طلوع الشمس، قال: فلم يرد الليل على رسول الله وعلى أصحابه، قال: ولو كان هذا فضلا أعطيه رسول الله وما كان الله ليمنع رسوله
شرفا وفضلا - يعني أعطيه علي بن أبي طالب - ثم قال: وقال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: قلت لمحمد بن عبيد الطنافسي ما تقول فيمن يقول: رجعت الشمس على علي بن أبي طالب حتى صلى العصر ؟ فقال: من قال هذا فقد كذب، وقال إبراهيم بن يعقوب: سألت يعلى بن عبيد الطنافسي قلت: إن ناسا عندنا يقولون: إن عليا وصي رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجعت عليه الشمس، فقال: كذب هذا كله.
فصل " إيراد هذا الحديث من طرق متفرقة " أبو القاسم عبيد الله بن عبد الله بن أحمد الحسكاني يصنف فيه " تصحيح رد الشمس وترغيم النواصب الشمس " وقال: قد روي ذلك من طريق أسماء بنت عميس وعلي بن أبي طالب وأبي هريرة وأبي سعيد الخدري ثم رواه من طريق أحمد بن صالح المصري، وأحمد بن الوليد الانطاكي، والحسن بن داود ثلاثتهم عن محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، وهو ثقة أخبرني محمد بن موسى الفطري المدني وهو ثقة أيضا عن عون بن محمد، قال: وهو ابن محمد بن الحنفية عن أمه أم جعفر بنت محمد بن جعفر بن أبي طالب عن جدتها أسماء بنت عميس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بالصهباء من أرض خيبر ثم أرسل عليا في حاجة فجاء وقد صلى رسول الله العصر فوضع رأسه في حجر علي ولم يحركه حتى غربت الشمس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إن عبدك عليا احتبس نفسه على نبيه فرد عليه شرقها، قالت أسماء: فطلعت الشمس حتى رفعت على الجبال فقام علي فتوضأ وصلى العصر ثم غابت الشمس.
وهذا الاسناد فيه من يجهل حاله فإن عونا هذا وأمه لا يعرف أمرهما بعدالة وضبط يقبل بسببهما خبرهما فيما هو دون هدا المقام، فكيف يثبت بخبرهما هذا الامر العظيم الذي لم يروه أحد من أصحاب الصحاح ولا السنن ولا المسانيد المشهورة فالله أعلم.
ولا ندري أسمعت أم هذا من جدتها أسماء بنت عميس أو لا، ثم أورده هذا المص من طريق الحسين بن الحسن الاشقر وهو شيعي جلد وضعفه غير واحد عن الفضيل بن مرزوق.
عن إبراهيم بن الحسين بن الحسن.
عن فاطمة بنت الحسين الشهيد عن أسماء بنت عميس فذكر الحديث.
قال وقد رواه عن فضيل بن

مرزوق جماعة منهم، عبيد الله بن موسى، ثم أورده من طريق أبي جعفر الطحاوي من طريق عبد الله.
وقد قدمنا روايتنا له من حديث سعيد بن مسعود وأبي أمية الطرسوسي عن عبيد الله بن موسى العبسي، وهو من الشيعة.
ثم أورده هذا المص من طريق أبي جعفر العقيلي عن أحمد بن داود، عن عمار بن مطر، عن فضيل بن مرزوق، والاغر الرقاشي ويقال الرواسي أبو عبد الرحمن الكوفي مولى بني عنزة وثقة الثوري وابن عيينة، وقال أحمد: لا أعلم إلا خيرا وقال ابن معين: ثقة، وقال مرة: صالح ولكنه شديد التشيع، وقال مرة: لا بأس به، وقال أبو حاتم صدوق صالح الحديث يهم كثيرا يكتب حديثه ولا يحتج به.
وقال عثمان بن سعيد الدارمي: يقال: إنه ضعيف، وقال النسائي: ضعيف، وقال ابن عدي: أرجو أن لا بأس به.
وقال ابن حبان: منكر الحديث جدا كان يخطئ على الثقات ويروي عن عطية الموضوعات.
وقد روى له مسلم وأهل السنن الاربعة.
فمن هذه ترجمته لا يهتم بتعمد الكذب ولكنه قد يتساهل ولا سيما فيما يوافق مذهبه فيروي عمن لا يعرفه أو يحسن به الظن فيدلس حديثه ويسقطه ويذكر شيخه ولهذا قال في هذا الحديث الذي يجب الاحتراز فيه وتوقي الكذب فيه " عن " بصيغة التدليس،، ولم يأت بصيغة التحديث فلعل بينهما من يجهل أمره، على أن شيخه هذا - إبراهيم بن الحسن بن علي بن أبي طالب - ليس بذلك المشهور في حاله ولم يرو له أحد من أصحاب الكتب المعتمدة، ولا روى عنه غير الفضيل بن مرزوق هذا ويحيى بن المتوكل، قاله أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان ولم يتعرضا لجرح ولا تعديل.
وأما فاطمة بنت الحسين بن علي بن أبي طالب - وهي أخت زين العابدين - فحديثها مشهور روى لها أهل السنن الاربعة، وكانت فيمن قدم بها مع أهل البيت بعد مقتل أبيها إلى دمشق، وهي من الثقات ولكن لا يدري أسمعت هذا الحديث من أسماء أم لا ؟ فالله أعلم.
ثم رواه هذا المصنف من حديث أبي حفص الكناني: ثنا محمد بن عمر القاضي هو الجعابي، حدثني محمد بن القاسم بن جعفر العسكري من أصل كتابه، ثنا أحمد بن محمد بن
يزيد بن سليم، ثنا خلف بن سالم، ثنا عبد الرزاق سفيان الثوري، عن أشعث أبي الشعثاء عن أمه عن فاطمة - يعني بنت الحسين - عن أسماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا لعلي حتى ردت عليه الشمس، وهذا إسناد غريب جدا.
وحديث عبد الرزاق وشيخه الثوري محفوظ عند الائمة لا يكاد يترك منه شئ من المهمات فكيف لم يرو عن عبد الرزاق مثل هذا الحديث العظيم إلا خلف بن سالم بما قبله من الرجال الذين لا يعرف حالهم في الضبط والعدالة كغيرهم ؟ ثم إن أم أشعث مجهولة فالله أعلم.
ثم ساقه هذا المص من طريق محمد بن مرزوق: ثنا حسين الاشقر - وهو شيعي وضعيف كما تقدم - عن علي بن هاشم بن الثريد - وقد قال فيه ابن حبان: كان غالبا في التشيع يروي المناكير عن المشاهير - عن عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن علي بن الحسين بن الحسن، عن فاطمة بنت علي، عن أسماء بنت عميس فذكره، وهذا إسناد لا يثبت.
ثم أسنده من طريق عبد الرحمن بن شريك عن أبيه عن عروة بن عبد الله عن فاطمة بنت علي عن أسماء بنت

عميس فذكر الحديث كما قدمنا إيراده من طريق ابن عقدة عن أحمد بن يحيى الصوفي عن عبد الرحمن بن شريك، عن عبد الله النخعي.
وقد روى عنه البخاري في كتاب الادب وحدث عنه جماعة من الائمة وقال فيه أبو حاتم الرازي كان واهي الحديث وذكره ابن حبان في كتاب الثقات و [ قال ]: ربما أخطأ، وأرخ ابن عقدة وفاته سنة سبع وعشرين ومائتين وقد قدمنا أن الشيخ أبا الفرج بن الجوزي قال: إنما اتهم بوضعه أبا العباس بن عقدة، ثم أورد كلام الائمة فيه بالطعن والجرح وأنه كان يسوي النسخ للمشايخ فيرويهم إياها.
والله أعلم.
قلت: في سياق هذا الاسناد عن أسماء أن الشمس رجعت حتى بلغت نصف المسجد، وهذا يناقض ما تقدم من أن ذلك كان بالصهباء من أرض خيبر، ومثل هذا يوجب توهين الحديث وضعفه والقدح فيه.
ثم سرده من حديث محمد بن عمر القاضي الجعابي: ثنا علي بن العباس بن الوليد، ثنا عبادة بن يعقوب الرواجي، ثنا علي بن هاشم، عن صباح، عن عبد الله بن الحسن - أبي جعفر - عن حسين المقتول عن فاطمة عن أسماء بنت عميس قالت: لما كان يوم شغل علي لمكانه من قسم
المغنم حتى غربت الشمس أو كادت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما صليت ؟ قال: لا، فدعا الله فارتفعت الشمس حتى توسطت السماء فصلى علي، فلما غربت الشمس سمعت لها صريرا كصرير الميشار في الحديد.
وهذا أيضا سياق مخالف لما تقدم من وجوه كثيرة مع أن إسناده مظلم جدا فإن صباحا هذا لا يعرف وكيف يروي الحسين بن علي المقتول شهيدا عن واحد عن واحد عن أسماء بنت عميس ؟ هذا تخبيط إسنادا ومتنا، ففي هذا أن عليا شغل بمجرد قسم الغنيمة، وهذا لم يقله أحد ولا ذهب إلى جواز ترك الصلاة لذلك ذاهب، وإن كان قد جوز بعض العلماء تأخير الصلاة عن وقتها لعذر القتال كما حكاه البخاري عن مكحول والاوزاعي وأنس بن مالك في جماعة من أصحابه، واحتج لهم البخاري بقصة تأخير الصلاة يوم الخندق وأمره عليه السلام أن لا يصلي أحد منهم العصر، إلا في بني قريظة، وذهب جماعة من العلماء إلى أن هذا نسخ بصلاة الخوف، والمقصود أنه لم يقل أحد من العلماء إنه يجوز تأخير الصلاة بعذر قسم الغنيمة حتى يسند هذا إلى صنيع علي رضي الله عنه، وهو الراوي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الوسطى هي العصر، فإن كان [ هذا ] ثابتا على ما رواه هؤلاء الجماعة وكان علي متعمدا لتأخير الصلاة لعذر قسم الغنيمة وأقره عليه الشارع صار هذا وحده دليلا على جواز ذلك، ويكون أقطع في الحجة مما ذكره البخاري، لان هذا بعد مشروعية صلاة الخوف قطعا، لانه كان بخيبر سنة سبع، وصلاة الخوف شرعت قبل ذلك، وإن كان علي ناسيا حتى ترك الصلاة إلى الغروب فهو معذور فلا يحتاج إلى رد الشمس بل وقتها بعد الغروب والحالة هذه إذن كما ورد به الحديث.
والله أعلم * وهذا كله مما يدل على ضعف هذا الحديث، ثم إن جعلناه قضية أخرى وواقعة غير ما تقدم، فقد تعدد رد الشمس غير مرة ومع هذا لم ينقله أحد من أئمة العلماء ولا رواه أهل الكتب المشهورة وتفرد بهذه الفائدة هؤلاء الرواة الذين لا يخلو إسناد منها عن مجهول ومتروك ومتهم والله أعلم.
ثم أورد هذا المص من طريق أبي العباس بن

عقدة: حدثنا يحيى بن زكريا، ثنا يعقوب بن سعيد، ثنا عمرو بن ثابت قال: سألت عبد الله بن حسن بن حسين بن علي [ بن أبي طالب ] عن حديث رد الشمس على علي بن أبي طالب: هل يثبت عندكم ؟
فقال لي: ما أنزل الله في كتابه أعظم من رد الشمس، قلت: صدقت (جعلني الله فداك) ولكني أحب أن أسمعه منك، فقال: حدثني أبي - الحسن - عن أسماء بنت عميس أنها قالت: أقبل علي بن أبي طالب ذات يوم وهو يريد أن يصلي العصر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوافق رسول الله صلى الله عليه وسلم قد انصرف ونزل عليه الوحي فأسنده إلى صدره [ فلم يزل مسنده إلى صدره ] حتى أفاق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أصليت العصر يا علي ؟ قال: جئت والوحي ينزل عليك فلم أزل مسندك إلى صدري حتى الساعة، فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم القبلة - وقد غربت الشمس - وقال: اللهم إن عليا كان في طاعتك فارددها عليه، قالت أسماء: فأقبلت الشمس ولها صرير كصرير الرحى حتى كانت في موضعها وقت العصر، فقام علي متمكنا فصلى، فلما فرغ رجعت الشمس ولها صرير كصرير الرحى، فلما غابت اختلط الظلام وبدت النجوم.
وهذا منكر أيضا إسنادا ومتنا وهو مناقض لما قبله من السياقات، وعمرو بن ثابت هذا هو المتهم بوضع هذا الحديث أو سرقته من غيره، وهو عمرو بن ثابت بن هرمز البكري الكوفي مولى بكر بن وائل، ويعرف بعمرو بن المقدام الحداد، روى عن غير واحد من التابعين وحدث عنه جماعة منهم سعيد بن منصور وأبو داود وأبو الوليد الطيا لسيان، قال: تركه عبد الله بن المبارك وقال: لا تحدثوا عنه فإنه كان يسب السلف، ولما مرت به جنازته توارى عنها، وكذلك تركه عبد الرحمن بن مهدي، وقال أبو معين والنسائي: ليس بثقة ولا مأمون ولا يكتب حديثه.
وقال مرة أخرى هو وأبو زرعة وأبو حاتم: كان ضعيفا، زاد أبو حاتم: وكان ردئ الرأي شديد التشيع لا يكتب حديثه، وقال البخاري: ليس بالقوي عندهم، وقال أبو داود: كان من شرار الناس كان رافضيا خبيثا رجل سوء قال هنا: ولما مات لم أصل عليه، لانه قال لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم: كفر الناس إلا خمسة، وجعل أبو داود يذمه، وقال ابن حبان: يروي الموضوعات [ عن الاثبات ] وقال ابن عدي: والضعف على حديثه بين، وأرخوا وفاته في سنة سبع وعشرين ومائة، ولهذا قال شيخنا أبو العباس ابن تيمية: وكان عبد الله بن حسن وأبوه أجل قدرا من أن يحدثا بهذا الحديث قال هذا المصنف المنصف: وأما حديث أبي هريرة فأخبرنا عقيل بن الحسن العسكري، أنا أبو محمد صالح بن
الفتح النسائي، ثنا أحمد بن عمير بن حوصاء، ثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، ثنا يحيى بن يزيد بن عبد الملك النوفلي عن أبيه، ثنا داود بن فراهيج، وعن عمارة بن برد وعن أبي هريرة فذكره.
وقال: اختصرته من حديث طويل، وهذا إسناده مظلم ويحيى بن يزيد وأبوه وشيخه داود بن فراهيج كلهم مضعفون، وهذا هو الذي أشار ابن الجوزي إلى أن ابن مردويه رواه من طريق داود ابن فراهيج عن أبي هريرة وضعف داود هذا شعبة والنسائي وغيرهما.
والذي يظهر أن هذا مفتعل من بعض الرواة، أو قد دخل على أحدهم وهو لا يشعر (والله أعلم) قال: وأما

حديث أبي سعيد فأخبرنا محمد بن إسماعيل الجرجاني كتابة: أن أبا طاهر محمد بن علي الواعظ أخبرهم: أنا محمد بن أحمد بن متيم، أنا القاسم بن جعفر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب: [ حدثني أبي عن أبيه محمد عن أبيه عبد الله عن أبيه عمر قال: ] قال الحسين بن علي سمعت أبا سعيد الخدري يقول: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا رأسه في حجر علي.
وقد غابت الشمس فانتبه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا علي أصليت العصر ؟ قال: لا يا رسول الله ما صليت كرهت أن أضع رأسك من حجري وأنت وجع، فقال رسول الله: يا علي ادع يا علي أن ترد عليك الشمس، فقال علي يا رسول الله ادع أنت وأنا أؤمن، فقال: يا رب إن عليا في طاعتك وطاعة نبيك فاردد عليه الشمس، قال أبو سعيد: فو الله لقد سمعت للشمس صريرا كصرير البكرة حتى رجعت بيضاء نقية.
وهذا إسناد مظلم أيضا ومتنه منكر، ومخالف لما تقدمه من السياقات، وكل هذا يدل على أنه موضوع مصنوع مفتعل يسرقه هؤلاء الرافضة بعضهم من بعض، ولو كان له أصل من رواية أبي سعيد لتلقاه عنه كبار أصحابه كما أخرجا في الصحيحين من طريقه حديث قتال الخوارج، وقصة المخدج وغير ذلك من فضائل علي.
قال: وأما حديث أمير المؤمنين علي فاخبرنا أبو العباس الفرغاني، أنا أبو الفضل الشيباني، ثنا رجاء بن يحيى الساماني، ثنا هارون بن سعدان بسامرا سنة أربعين ومائتين، ثنا عبد الله بن عمرو بن الاشعث، عن داود بن الكميت، عن عمه المستهل بن زيد، عن أبيه زيد بن سلهب عن جويرية بنت شهر قالت: خرجت مع
علي بن أبي طالب فقال: يا جويرية إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يوحى إليه ورأسه في حجري فذكر الحديث، وهذا الاسناد مظلم وأكثر رجاله لا يعرفون والذي يظهر والله أعلم أنه مركب مصنوع مما عملته أيدي الروافض قبحهم الله ولعن من كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعجل له ما توعده الشارع من العذاب والنكال حيث قال وهو الصادق في المقال: من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار.
وكيف يدخل في عقل أحد من أهل العلم أن يكون هذا الحديث يرويه علي بن أبي طالب وفيه منقبة عظيمة له ودلالة معجزة باهرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم لا يروي عنه إلا بهذا الاسناد المظلم المركب على رجال لا يعرفون، وهل لهم وجود في الخارج أم لا ؟ الظاهر (والله أعلم) لا، ثم هو عن امرأة مجهولة العين والحال فأين أصحاب علي الثقات كعبيدة السلماني وشريح القاضي وعامر الشعبي وأضرابهم، ثم في ترك الائمة كمالك وأصحاب الكتب الستة وأصحاب المسانيد والسنن والصحاح والحسان رواية هذا الحديث وإيداعه في كتبهم أكبر دليل على أنه لا أصل له عندهم وهو مفتعل مأفوك بعدهم، وهذا أبو عبد الرحمن النسائي قد جمع كتابا في خصائص علي بن أبي طالب ولم يذكره، وكذلك لم يروه الحاكم في مستدركه وكلاهما ينسب إلى شئ من التشيع ولا رواه من رواه من الناس المعتبرين إلا على سبيل الاستغراب والتعجب، وكيف يقع مثل هذا نهارا جهرة وهو مما تتوفر الدواغي على نقله، ثم لا يروى إلا من طرق ضعيفة منكرة وأكثرها مركبة موضوعة

وأجود ما فيها ما قدمناه من طريق أحمد بن صالح المصري، عن ابن أبي فديك، عن محمد بن موسى الفطري، عن عون بن محمد، عن أمه أم جعفر، عن أسماء على ما فيها من التعليل الذي أشرنا إليه فيما سلف.
وقد اغتر بذلك أحمد بن صالح رحمه الله ومال إلى صحته، ورجح ثبوته، قال الطحاوي في كتابه مشكل الحديث: عن علي بن عبد الرحمن، عن أحمد بن صالح المصري أنه كان يقول: لا ينبغي لمن كان سبيله العلم التخلف عن حفظ حديث أسماء في رد الشمس، لانه من علامات النبوة.
وهكذا مال إليه أبو جعفر الطحاوي أيضا فيما قيل.
ونقل أبو القاسم الحسكاني هذا عن أبي عبد الله البصري المتكلم المعتزلي أنه قال: عود الشمس بعد مغيبها آكد حالا
فيما يقتضي نقله، لانه وإن كان فضيلة لامير المؤمنين فإنه من أعلام النبوة وهو مقارن لغيره في فضائله في كثير من أعلام النبوة.
وحاصل هذا الكلام يقتضي أنه كان ينبغي أن ينقل هذا نقلا متواترا، وهذا حق لو كان الحديث صحيحا، ولكنه لم ينقله كذلك فدل على أنه ليس بصحيح في نفس الامر والله أعلم.
قلت: والائمة في كل عصر ينكرون صحة هذا الحديث ويردونه ويبالغون في التشنيع على رواته كما قدمنا عن غير واحد من الحفاظ، كمحمد ويعلى بن عبيد الطنافسيين، وكابراهيم بن يعقوب الجوزجاني خطيب دمشق وكأبي بكر محمد بن حاتم البخاري المعروف بابن زنجويه، وكالحافظ أبي القاسم بن عساكر والشيخ أبي الفرج بن الجوزي وغيرهم من المتقدمين والمتأخرين، وممن صرح بأنه موضوع شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي والعلامة أبو العباس بن تيمية، وقال الحاكم أبو عبد الله النيسابوري: قرأت على قاضي القضاة أبي الحسن محمد بن صالح الهاشمي: ثنا عبد الله بن الحسين بن موسى، ثنا عبد الله بن علي [ بن ] المديني قال: سمعت أبي يقول: خمسة أحاديث يروونها ولا أصل لها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث: لو صدق السائل ما أفلح من رده، وحديث لا وجع إلا وجع العين، ولا غم إلا غم الدين، وحديث أن الشمس ردت على علي بن أبي طالب، وحديث أنا أكرم على الله من أن يدعني تحت الارض مائتي عام، وحديث أفطر الحاجم والمحجوم إنهما كانا يغتابان.
والطحاوي رحمه الله وإن كان قد اشتبه عليه أمره فقد روى عن أبي حنيفة رحمه الله إنكاره والتهكم بمن رواه، قال أبو العباس بن عقدة: ثنا جعفر بن محمد بن عمير، ثنا سليمان بن عباد، سمعت بشار بن دراع قال: لقي أبو حنيفة محمد بن النعمان فقال: عمن رويت حديث رد الشمس ؟ فقال: عن غير الذي رويت عنه: يا سارية الجبل، فهذا أبو حنيفة رحمه الله وهو من الائمة المعتبرين وهو كوفي لا يتهم على حب علي بن أبي طالب وتفضيله بما فضله الله به ورسوله وهو مع هذا ينكر على راويه وقول محمد بن النعمان له ليس بجواب بل مجرد معارضة بما لا يجدي، أي أنا رويت في فضل علي هذا الحديث وهو إن كان مستغربا فهو في الغرابة نظير ما رويته أنت في فضل عمر بن الخطاب في قوله: يا سارية الجبل.
وهذا ليس بصحيح من محمد بن النعمان، فإن هذا ليس كهذا إسنادا ولا متنا، وأين مكاشفة إمام
(قد شهد الشارع له بأنه محدث) بأمر خير من رد الشمس طالعة بعد مغيبها الذي هو أكبر

علامات الساعة ؟ والذي وقع ليوشع بن نون ليس ردا للشمس عليه، بل حبست ساعة قبل غروبها بمعنى تباطأت في سيرها حتى أمكنهم الفتح والله تعالى أعلم.
وتقدم ما أورده هذا المص من طرق هذا الحديث عن علي وأبي هريرة وأبي سعيد وأسماء بنت عميس، وقد وقع في كتاب أبي بشر الدولابي في الذرية الطاهرة: من حديث الحسين بن علي، والظاهر أنه عنه عن أبي سعيد الخدري كما تقدم والله أعلم.
وقد قال شيخ الرافضة جمال الدين يوسف بن الحسن الملقب بابن المطهر الحلي في كتابه في الامامة الذي رد عليه فيه شيخنا [ العلامة ] أبو العباس ابن تيمية قال ابن المطهر: التاسع رجوع الشمس مرتين إحداهما في زمن النبي صلى الله عليه وسلم والثانية بعده، أما الاولى فروى جابر وأبو سعيد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نزل عليه جبريل يوما يناجيه من عنده الله، فلما تغشاه الوحي توسد فخذ أمير المؤمنين فلم يرفع رأسه حتى غابت الشمس، فصلى علي العصر بالايماء فلما استيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: سل الله أن يرد عليك الشمس فتصلي قائما.
فدعا فردت الشمس فصلى العصر قائما.
وأما الثانية فلما أراد أن يعبر الفرات ببابل اشتغل كثير من الصحابة بدوابهم وصلى لنفسه في طائفة من أصحابه العصر وفات كثيرا منهم فتكلموا في ذلك فسأل الله رد الشمس فردت قال وقد نظمه الحميري فقال: ردت عليه الشمس لما فاته * وقت الصلاة وقد دنت للمغرب حتى تبلج نورها في وقتها * للعصر ثم هوت هوى الكوكب وعليه قد رت ببابل مرة * أخرى وما ردت لخلق مقرب قال شيخنا أبو العباس [ ابن تيمية ] رحمه الله: فضل علي وولايته وعلو منزلته عند الله معلوم ولله الحمد بطرق ثابتة أفادتنا العلم اليقيني لا يحتاج معها إلى ما لا يعلم صدقه أو يعلم أنه كذب، وحديث رد الشمس قد ذكره طائفة كأبي جعفر الطحاوي والقاضي عياض وغيرهما وعدوا ذلك من معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن المحققون من أهل العلم والمعرفة بالحديث يعلمون أن
هذا الحديث كذب موضوع، ثم أورد طرقه واحدة [ واحدة ] كما قدمنا وناقش أبا القاسم الحسكاني فيما تقدم، وقد أوردنا كل ذلك وزدنا عليه ونقصنا منه والله الموفق.
واعتذر عن أحمد بن صالح المصري في تصحيحه [ هذا الحديث ] بأنه اغتر بسنده، وعن الطحاوي بأنه لم يكن عنده نقل جيد للاسانيد كجهابذة الحفاظ، وقال في عيون كلامه: والذي يقطع به أنه كذب مفتعل.
قلت: وإيراد ابن المطهر لهذا الحديث من طريق جابر غريب.
ولكن لم يسنده وفي سياقه ما يقتضي أن عليا [ هو الذي ] دعا برد الشمس في الاولى والثانية، وأما إيراده لقصة بابل فليس لها إسناد وأظنه (والله أعلم) من وضع الزنادقة من الشيعة ونحوهم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يوم الخندق قد غربت عليهم الشمس ولم يكونوا صلوا العصر بل قاموا إلى بطحان وهو واد هناك فتوضاؤا وصلوا العصر بعد ما غربت الشمس، وكان علي أيضا فيهم ولم ترد لهم، وكذلك كثير من الصحابة الذين ساروا إلى بني قريظة فاتتهم العصر يومئذ حتى غربت الشمس ولم ترد لهم،

وكذلك لما نام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عن صلاة الصبح حتى طلعت الشمس صلوها بعد ارتفاع النهار ولم يرد لهم الليل، فما كان الله عز وجل ليعطي عليا وأصحابه شيئا من الفضائل لم يعطها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
وأما نظم الحميري فليس [ فيه ] حجة بل هو كهذيان بن المطهر هذا لا يعلم ما يقول من النثر وهذا لا يدري صحة ما ينظم بل كلاهما كما قال الشاعر: إن كنت أدري فعلى بدنه * من كثرة التخليط أني من أنه والمشهور عن علي في أرض بابل ما رواه أبو داود رحمه الله في سننه عن علي: أنه مر بأرض بابل وقد حانت صلاة العصر فلم يصل حتى جاوزها، وقال: نهاني خليلي صلى الله عليه وسلم أن أصلي بأرض بابل فانها ملعونة.
وقد قال أبو محمد بن حزم في كتابه الملل والنحل مبطلا لرد الشمس على علي بعد كلام ذكره رادا على من أدعى باطلا من الامر فقال ولا فرق بين من أدعى شيئا مما ذكرنا لفاضل وبين دعوى الرافضة رد الشمس على علي بن أبي طالب مرتين حتى ادعى بعضهم أن حبيب بن أوس قال:
فردت علينا الشمس والليل راغم * بشمس لهم من جانب الخدر تطلع نضا ضوءها صبغ الدجنة وانطوى * لبهجتها نور السماء المرجع (1) فو الله ما أدري علي بدا لنا فردت * له أم كان في القوم يوشع هكذا أورده ابن حزم في كتابه، وهذا الشعر تظهر عليه الركة والتركيب وأنه مصنوع والله أعلم.
ومما يتعلق بالآيات السماوية في باب دلائل النبوة، استسقاؤه عليه السلام ربه [ عز وجل ] لامته حين تأخر المطر فأجابه إلى سؤاله سريعا بحيث لم ينزل عن منبره إلا والمطر يتحادر على لحيته عليه السلام وكذلك استصحاؤه.
قال البخاري: ثنا عمرو بن علي، ثنا أبو قتيبة، ثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن أبيه قال: سمعت ابن عمر يتمثل بشعر أبي طالب: وأبيض يستسقي الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للارامل (2) قال البخاري: وقال أبو عقيل الثقفي عن عمر بن حمزة: ثنا سالم عن أبيه ربما ذكرت قول الشاعر وأنا أنظر إلى وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يستسقي، فما ينزل حتى يجيش كل ميزاب.
وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للارامل وهو قول أبي طالب * تفرد به البخاري وهذا الذي علقه قد أسنده ابن ماجة في سننه فرواه
__________
(1) نضا اللون: تغير، والمراد هنا أن ضوءها أزال ظلمة الدجنة.
(2) ثمال اليتامى: مغيثهم والقائم بأمرهم وتدبير شؤونهم.

عن أحمد بن الازهر عن أبي النضر عن أبي عقيل، عن عمر بن حمزة، عن سالم عن أبيه (1).
وقال البخاري: ثنا محمد - هو ابن سلام - ثنا أبو ضمرة، ثنا شريك بن عبد الله بن أبي نمر أنه سمع أنس بن مالك يذكر: أن رجلا دخل المسجد يوم جمعة من باب كان وجاه المنبر ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب، فاستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما فقال: يا رسول الله هلكت الاموال، وتقطعت
السبل، فادع الله لنا يغيثنا، قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فقال: اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، [ اللهم اسقنا ] قال أنس: ولا [ والله ] ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة ولا شيئا، وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار، قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت، قال: والله ما رأينا الشمس ستا، ثم دخل رجل من ذلك الباب في الجمعة المقبلة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم يخطب، فاستقبله قائما، وقال: يا رسول الله هلكت الاموال وانقطعت السبل، ادع الله يمسكها، قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه ثم قال: اللهم حوالينا ولا علينا.
اللهم على الآكام والجبال [ والظراب ] ومنابت الشجر.
قال: فانقطعت وخرجنا نمشي في الشمس، قال شريك: فسألت أنسا أهو الرجل الذي سأل أولا ؟ قال: لا أدري (2) وهكذا رواه البخاري أيضا ومسلم من حديث إسماعيل بن جعفر عن شريك به.
وقال البخاري: ثنا مسدد، ثنا أبو عوانة، عن قتادة عن أنس قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم جمعة إذ جاء رجل فقال: يا رسول الله قحط المطر، فادع الله أن يسقينا، فدعا فمطرنا فما كدنا أن نصل إلى منازلنا، فما زلنا نمطر إلى الجمعة المقبلة، قال: فقام ذلك الرجل أو غيره، فقال: يا رسول الله ادع الله أن يصرفه عنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم حوالينا ولا علينا، قال: فلقد رأيت السحاب يتقطع يمينا وشمالا يمطرون ولا يمطر [ أهل ] المدينة (3)، تفرد به البخاري من هذا الوجه.
وقال البخاري: ثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن أنس قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هلكت المواشي وتقطعت السبل، فادع الله، فدعا فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة ثم جاء فقال: تهدمت البيوت وتقطعت السبل وهلكت المواشي [ فادع الله أن يمسكها ] فقال: اللهم، على الآكام والظراب والاودية ومنابت
__________
(1) رواه البخاري في فتح الباري 2 / 492 وابن ماجة في سننه: كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها حديث 1272.
- يجيش: أي يتدفق الماء، من جاش البحر إذا علا، والعين إذا فاضت، والوادي إذا جرى.
(2) فتح الباري 2 / 501.
حديث 1013، وما بين معكوفين من الفتح.
- قزعة: بفتح الزاي والقاف: سحاب متفرق.
قال ابن سيدة: القزع قطع من السحاب رقاق.
زاد أبو
عبيد: وأكثر ما يجئ في الخريف.
- سلع: جبل معروف بالمدينة.
- الظراب: جمع ظرب.
قال القزاز: الجبل المنبسط ليس بالعالي، وقال الجوهري: الرابية الصغيرة.
(3) فتح الباري 2 / 508 حديث 1015.

الشجر، فانجابت عن المدينة انجياب الثوب (1).
وقال البخاري: ثنا محمد بن مقاتل، ثنا عبد الله ثنا الاوزاعي، ثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الانصاري، حدثني أنس بن مالك قال: أصابت الناس سنة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر يوم الجمعة، فقام أعرابي فقال: يا رسول الله هلك المال، وجاع العيال، فادع الله أن يسقينا، قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وما في السماء قزعة فو الذي نفسي بيده ما وضعها حتى ثار سحاب أمثال الجبال ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحادر على لحيته.
قال: فمطرنا يومنا ذلك ومن الغد ومن بعد الغد والذي يليه إلى الجمعة الاخرى، فقام ذلك الاعرابي أو قال غيره، فقال: يا رسول الله تهدم البناء، وغرق المال فادع الله لنا، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فقال: اللهم حوالينا ولا علينا، قال: فما جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يشير بيده إلى ناحية من السماء إلا انفرجت حتى صارت المدينة في مثل الجوية وسال الوادي - قناة - شهرا، ولم يجئ أحد من ناحية إلا حدث بالجود (2).
ورواه البخاري أيضا في الجمعة ومسلم من حديث الوليد عن الاوزاعي.
وقال البخاري: وقال أيوب بن سليمان: حدثني أبو بكر بن أبي أويس عن سليمان بن بلال قال: قال يحيى بن سعيد: سمعت أنس بن مالك قال: أتى [ رجل ] أعرابي من أهل البدو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة فقال: يا رسول الله هلكت الماشية، هلك العيال، هلك الناس، فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه يدعو، ورفع الناس أيديهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعون قال: فما خرجنا من المسجد حتى مطرنا فما زلنا نمطر حتى كانت الجمعة الاخرى، فأتى الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله بشق المسافر ومنع الطريق * قال البخاري: وقال الاويسي - يعني عبد الله -: حدثني محمد بن جعفر -
هو ابن كثير - عن يحيى بن سعيد وشريك، سمعا أنسا عن النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حتى رأيت بياض إبطيه (3).
هكذا علق هذين الحديثين ولم يسندهما أحد من أصحاب الكتب الستة بالكلية * وقال البخاري: ثنا محمد بن أبي بكر قال: حدثنا معتمر، عن عبيد الله، عن ثابت، عن أنس بن مالك قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يوم جمعة فقام الناس فصاحوا فقالوا: يا رسول الله قحط المطر، واحمرت الشجر، وهلكت البهائم، فادع الله أن يسقينا، فقال: اللهم اسقنا مرتين، وأيم الله ما نرى في السماء قزعة من سحاب، فنشأت سحابة وأمطرت، ونزل عن المنبر فصلى.
__________
(1) فتح الباري 2 / 508 حديث 1016.
(2) فتح الباري 2 / 519 حديث 1033 ومسلم في صلاة الاستسقاء ح (9) ص (614).
(3) فتح الباري 2 / 516 حديث رقم 1029 - 1030.
- بشق: أي مل.
وقال الخطابي: بشق: اشتد عليه الضرر، وقال إنما هي لثق وبشق ليس بشئ.
ويحتمل أن تكون مشق: أي صارت الطريق زلفة.
وقال ابن بطال: لم أجد ليشق في اللغة معنى.
وقال كراع: بشق: تأخر ولم يتقدم.
- الاويسي: هو عبد العزيز بن عبد الله قاله ابن حجر.

فلما انصرف لم تزل تمطر إلى الجمعة التي تليها، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم يخطب صاحوا إليه: تهدمت البيوت وانقطعت السبل، فادع الله يحبسها عنا، قال: فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: اللهم حوالينا ولا علينا، فتكشطت المدينة فجعلت تمطر حولها، ولا تمطر بالمدينة قطرة، فنظرت إلى المدينة وإنها لفي مثل الاكليل (1).
وقد رواه مسلم من حديث معتمر بن سليمان عن عبيد الله وهو ابن عمر العمري به * وقال الامام أحمد: حدثنا ابن أبي عدي، عن حميد قال: سئل أنس هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه ؟ فقال: قيل له يوم جمعة: يا رسول الله قحط المطر، وأجدبت الارض، وهلك المال، قال: فرفع يديه حتى رأيت بياض إبطيه فاستسقى، ولقد رفع يديه فاستسقى ولقد رفع يديه وما نرى في السماء سحابة، فما قضينا الصلاة حتى أن الشاب قريب الدار
ليهمه الرجوع إلى أهله، قال: فلما كانت الجمعة التي تليها قالوا: يا رسول الله تهدمت البيوت واحتبست الركبان، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سرعة ملالة ابن آدم وقال: اللهم حوالينا ولا علينا، قال: فتكشطت عن المدينة (2).
وهذا إسناد ثلاثي على شرط الشيخين ولم يخرجوه.
وقال البخاري وأبو داود واللفظ له: ثنا مسدد، ثنا حماد بن زيد، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك، وعن يونس بن عبيد، عن ثابت، عن أنس رضي الله عنه قال: أصاب أهل المدينة قحط على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينا هو يخطب يوم جمعة إذ قام رجل فقال: يا رسول الله هلكت الكراع، هلكت الشاء، فادع الله يسقينا، فمد يده ودعا.
قال أنس: وإن السماء لمثل الزجاجة، فهاجت الريح، أنشأت سحابا، ثم اجتمع، ثم أرسلت السماء عز إليها فخرجنا نخوض الماء حتى أتينا منازلنا فلم تزل تمطر إلى الجمعة الاخرى، فقام إليه ذلك الرجل أو غيره فقال: يا رسول الله تهدمت البيوت فادع الله يحبسه.
فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: حوالينا ولا علينا، فنظرت إلى السحاب يتصدع حول المدينة كأنه إكليل (3).
فهذه طرق متواترة عن أنس بن مالك لانها تفيد القطع عند أئمة هذا الشأن.
وقال البيهقي باسناده من غير وجه إلى أبي معمر سعيد بن أبي خيثم الهلالي، عن مسلم الملائي عن أنس بن مالك قال: جاء أعرابي فقال: يا رسول الله والله لقد أتيناك، وما لنا بعير يبسط ولا صبي يصطبح وأنشد: أتيناك والعذراء يدمي لبانها * وقد شغلت أم الصبي عن الطفل وألقى بكفيه الفتى لاستكانة * من الجوع ضعفا قائما وهو لا يخلي (4) ولا شئ مما يأكل الناس عندنا * سوى الحنظل العامي والعلهز الفسل وليس لنا إلا إليك فرارنا * وأين فرار الناس إلا إلى الرسل
__________
(1) فتح الباري - 2 / 512 حديث 1021.
(2) أخرجه أحمد في مسنده 3 / 104، 187، 194، 261، 271.
(3) فتح الباري 2 / 508 حديث 508.
(4) في دلائل البيهقي 6 / 141: من الجوع ضعفا ما يمر ولا يخلي.

قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهو يجر رداءه حتى صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم رفع يديه نحو السماء وقال: اللهم اسقنا غيثا مغيثا مرئيا مريعا سريعا غدقا طبقا عاجلا غير رائث، نافعا غير ضار تملا به الضرع، وتنبت به الزرع، وتحيى به الارض [ بعد موتها ] وكذلك تخرجون.
قال: فو الله ما ورد يده إلى نحره حتلى ألقت السماء بأوراقها (1)، وجاء أهل البطانة يصيحون: يا رسول الله الغرق الغرق، فرفع يديه إلى السماء وقال: اللهم حوالينا ولا علينا، فانجاب السحاب عن المدينة حتى أحدق بها كالاكليل فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ثم قال: لله در أبي طالب لو كان حيا قرت عيناه، من ينشد قوله ؟ فقام علي بن أبي طالب فقال: يا رسول الله كأنك أردت قوله: وأبيض يستسقى الغمام بوجهه * ثمال اليتامى عصمة للارامل يلوذ به الهلاك من آل هاشم * فهم عنده في نعمة وفواضل كذبتم وبيت الله يبزى محمد * ولما نقاتل دونه ونناضل ونسلمه حتى نصرع حوله * ونذهل عن أبنائنا والحلائل قال: وقام رجل من بني كنانة فقال: لك الحمد والحمد ممن شكر * سقينا بوجه النبي المطر دعا الله خالقه دعوة * إليه وأشخص منه البصر فلم يك إلا كلف (2) الرداء * وأسرع حتى رأينا الدرر رقاق العوالي عم البقاع (3) * أغاث به الله عينا مضر وكان كما قاله عمه * أبو طالب أبيض ذو غرر به الله يسقي بصوب الغمام * وهذا العيان كذاك الخبر فمن يشكر الله يلقى المزيد * ومن يكفر الله يلقى الغير قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن يك شاعر يحسن فقد أحسنت * وهذا السياق فيه غرابة ولا
يشبه ما قدمنا من الروايات الصحيحة المتواترة عن أنس فإن كان هذا هكذا محفوظا فهو قصة أخرى غير ما تقدم والله أعلم.
وقال الحافظ البيهقي: أنا أبو بكر بن الحارث الاصبهاني، ثنا أبو محمد بن حبان، ثنا عبد الله بن مصعب، ثنا عبد الجبار، ثنا مروان بن معاوية، ثنا محمد بن أبي ذئب المدني عن عبد الله بن محمد عمر بن حاطب الجمحي، عن أبى وجزة يزيد بن عبيد السلمي قال: لما قفل رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أتاه وفد بني فزارة فيهم بضعة عشر رجلا فيهم
__________
(1) في الدلائل: بأبراقها.
(2) في الدلائل: كإلقاء.
(3) في الدلائل: جم البعاق.

خارجة بن الحصين، والحر بن قيس - وهو أصغرهم - ابن أخي عيينة بن حصن، فنزلوا في دار رملة بنت الحارث من الانصار، وقدموا على إبل ضعاف عجاف وهم مسنتون، فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقرين بالاسلام، فسألهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بلادهم قالوا: يا رسول الله، أسنتت بلادنا، وأجدبت (1) أحياؤنا، وعريت عيالنا، وهلكت مواشينا، فادع ربك أن يغيثنا، وتشفع لنا إلى ربك ويشفع ربك إليك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سبحان الله، ويلك، هذا ما شفعت إلى ربي، فمن ذا الذي يشفع ربنا إليه، لا إله إلا الله وسع كرسيه السموات والارض وهو يئط من عظمته وجلاله كما يئط الرجل الجديد.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يضحك من شفقتكم وأزلكم (2) وقرب غياثكم، فقال الاعرابي: ويضحك ربنا يا رسول الله ؟ قال: نعم، فقال الاعرابي: لن نعدم يا رسول الله من رب يضحك خيرا، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصعد المنبر وتكلم بكلام، ورفع يديه - وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه في شئ من الدعاء إلا في الاستسقاء - ورفع يديه حتى رئي بياض إبطيه، وكان مما حفظ من دعائه: اللهم اسق بلدك وبهائمك، وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت، اللهم اسقنا مغيثا مريئا مريعا طبقا واسعا عاجلا غير آجل نافعا غير ضار، اللهم سقيا رحمة ولا سقيا عذاب ولا هدم ولا غرق ولا
محق، اللهم اسقنا الغيث وانصرنا على الاعداء، فقام أبو لبابة بن عبد المنذر، فقال: يا رسول الله إن التمر في المرابد، فقال رسول الله: اللهم اسقنا، فقال أبو لبابة: التمر في المرابد، ثلاث مرات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم اسقنا حتى يقوم أبو لبابة عريانا فيسد ثعلب مربده بازاره، قال: فلا والله ما في السماء من قزعة ولا سحاب وما بين المسجد وسلع من بناء ولا دار، فطلعت من وراء سلع سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت وهم ينظرون ثم أمطرت، فو الله ما رأوا الشمس ستا، وقام أبو لبابة عريانا يسد ثعلب مربده بازاره لئلا يخرج التمر منه، فقال رجل: يا رسول الله هلكت الاموال وانقطعت السبل، فصعد النبي صلى الله عليه وسلم المنبر فدعا ورفع يديه حتى رئي بياض إبطيه، ثم قال: اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب وبطون الاودية، ومنابت الشجر، فانجابت السحابة عن المدينة كانجياب الثوب (3).
وهذا السياق يشبه سياق مسلم الملائي عن أنس، ولبعضه شاهد في سنن أبي داود، وفي حديث أبي رزين العقيلي شاهد لبعضه والله أعلم.
وقال الحافظ أبو بكر البيهقي في الدلائل: أنا أبو بكر محمد بن الحسين بن علي بن المؤمل، أنا أبو أحمد محمد بن محمد الحافظ، أنا عبد الرحمن بن أبي حاتم، ثنا محمد بن حماد الظهراني، أنا سهل بن عبد الرحمن المعروف بالسدي بن عبدويه عن عبد الله بن عبد الله بن أبي أويس المدني عن عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب عن أبي
__________
(1) في الدلائل: وأجدبت جنابنا، وحربت عيالنا.
(2) في الدلائل: من شعثكم وأذاكم.
(3) رواه البيهقي في دلائل النبوة ج 6 / 143 - 144.

لبابة (1) بن عبد المنذر الانصاري قال: استسقى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم جمعة وقال: اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، فقام أبو لبابة فقال: يا رسول الله إن التمر في المرابد، وما في السماء من سحاب نراه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم اسقنا، فقام أبو لبابة فقال: يا رسول الله إن التمر في المرابد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم اسقنا، حتى يقوم أبو لبابة يسد ثعلب مربده بازاره،
فاستهلت السماء ومطرت، وصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم طاف الانصار بأبي لبابة (2) يقولون له: يا أبا لبابة، إن السماء والله لن تقلع حتى تقوم عريانا فتسد ثعلب مربدك بازارك، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فقام أبو لبابة عريانا يسد ثعلب مربده بازاره فأقلعت السماء.
وهذا إسناد حسن ولم يروه أحمد ولا أهل الكتب والله أعلم.
وقد وقع مثل هذا الاستسقاء في غزوة تبوك في أثناء الطريق كما قال عبد الله بن وهب: أخبرني عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال، عن عتبة بن أبي عتبة، عن نافع بن جبير.
عن عبد الله بن عباس: أنه قيل لعمر بن الخطاب: حدثنا عن شأن ساعة العسرة، فقال عمر: خرجنا إلى تبوك في قيظ شديد فنزلنا منزلا وأصابنا فيه عطش حتى ظننا أن رقابنا ستنقطع، حتى أن كان أحدنا ليذهب فيلتمس الرحل فلا يجده حتى يظن أن رقبته ستنقطع حتى أن الرجل لينحر بعيره فيعصر فرته فيشربه ثم يجعل ما بقي على كبده، فقال أبو بكر الصديق: يا رسول الله إن الله قد دعوك في الدعاء خيرا، فادع الله لنا، فقال: أو تحب ذلك ؟ قال: نعم، قال: فرفع يديه نحو السماء فلم يرجعهما حتى قالت السماء فأطلت ثم سكبت فملاوا ما معهم ثم ذهبنا ننظر فلم نجدها جاوزت العسكر.
وهذا إسناد جيد قوي ولم يخرجوه * وقد قال الواقدي كان مع المسلمين في هذه الغزوة إثنا عشر ألف بعير ومثلها من الخيل، وكانوا ثلاثين ألفا من المقاتلة، قال: ونزل من المطر ماء أغدق الارض حتى صارت الغدران تسكب بعضها في بعض وذلك في حمأة القيظ أي شدة الحر البليغ، فصلوات الله وسلامه عليه.
وكم له عليه السلام من مثل هذا في غير ما حديث صحيح ولله الحمد.
وقد تقدم أنه لما دعا على قريش حين استعصت أن يسلط الله عليها سبعا كسبع يوسف فأصابتهم سنة حصت كل شئ حتى أكلوا العظام والكلاب والعلهز، ثم أتى أبو سفيان يشفع عنده في أن يدعو الله لهم، فدعا لهم فرفع ذلك عنهم.
وقد قال البخاري: ثنا الحسن بن محمد، ثنا محمد بن عبد الله الانصاري، ثنا أبي عبد الله بن المثنى، عن ثمامة بن عبد الله بن أنس، عن أنس بن مالك أن عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بالعباس وقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا، قال فيسقون (3) * تفرد به البخاري.
__________
(1) في الدلائل: أبو امامة.
والصواب ما أثبتناه وهو أبو لبابة الانصاري المدني، اسمه بشير وقيل رفاعة بن عبد المنذر صحابي مشهور وكان أحد النقباء (تقريب التهذيب 2 / 467).
(2) من الدلائل: ج 6 / 144، وفي الاصل: فأتى أبا لبابة.
(3) أخرجه البخاري في الاستسقاء حديث 1010 فتح الباري 2 / 494.

فصل وأما المعجزات الارضية فمنها ما هو متعلق بالجمادات، ومنها ما هو متعلق بالحيوانات: فمن المتعلق بالجمادات تكثيره الماء في غير ما موطن على صفات متنوعة سنوردها بأسانيدها إن شاء الله، وبدأنا بذلك لانه أنسب باتباع ما أسلفنا ذكره من استسقائه وإجابة الله له.
قال البخاري: ثنا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وحانت صلاة العصر والتمس الناس الوضوء فلم يجدوه، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بوضوء فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده في ذلك الاناء فأمر الناس أن يتوضأوا منه فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه فتوضأ الناس حتى توضأوا من عند آخرهم (1)، وقد رواه مسلم والترمذي والنسائي من طرق عن مالك به وقال الترمذي: حسن صحيح.
طريق أخرى عن أنس قال الامام أحمد: حدثنا يونس بن محمد، ثنا حزم، سمعت الحسن يقول: حدثنا أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج ذات يوم لبعض مخارجه معه ناس من أصحابه، فانطلقوا يسيرون فحضرت الصلاة فلم يجد القوم ما يتوضأون به فقالوا: يا رسول الله ما نجد ما نتوضأ به، ورأى في وجوه أصحابه كراهية ذلك، فانطلق رجل من القوم فجاء بقدح من ماء يسير، فأخذ نبي الله فتوضأ منه، ثم مد أصابعه الاربع على القدح ثم قال: هلموا فتوضأوا، فتوضأ القوم حتى بلغوا فيما يريدون من الوضوء، قال الحسن: سئل أنس كم بلغوا ؟ قال: سبعين أو
ثمانين (2).
وهكذا رواه البخاري عن عبد الرحمن بن المبارك العنسي عن حزم بن مهران القطيعي به.
طريق أخرى عن أنس قال الامام أحمد: حدثنا ابن أبي عدي عن حميد ويزيد قال: أنا حميد المعني، عن أنس بن مالك قال: نودي بالصلاة فقام كل قريب الدار من المسجد وبقي من كان أهله نائي الدار فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمخصب من حجارة فصغر أن يبسط كفه فيه قال فضم أصابعه قال فتوضأ بقيتهم، قال حميد: وسئل أنس: كم كانوا ؟ قال: ثمانين أو زيادة.
وقد روى البخاري: عن عبد الله بن
__________
(1) أخرجه البخاري في المناقب حديث 3573 فتح الباري 6 / 580 والبيهقي في الدلائل 4 / 121 ومسلم عن اسحاق بن موسى الانصاري، عن معن عن مالك: في الفضائل ص (1783).
وأخرجه النسائي في الطهارة.
والترمذي في المناقب وقال: حسن صحيح.
(2) أخرجه البخاري في المناقب - علامات النبوة في الاسلام فتح الباري 6 / 581.

منير، عن يزيد بن هارون، عن حميد، عن أنس بن مالك قال: حضرت الصلاة فقام من كان قريب الدار من المسجد يتوضأ، وبقي قوم فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمخضب من حجارة فيه ماء فوضع كفه فصغر المخضب أن يبسط فيه كفه فضم أصابعه فوضعها في المخضب، فتوضأ القوم كلهم جميعا قلت: كم كانوا ؟ قال: كانوا ثمانين رجلا (1).
طريق أخرى عنه قال الامام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، ثنا سعيد إملاء عن قتادة عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بالزوراء (2) فأتى بإناء فيه ماء لا يغمر أصابعه فأمر أصحابه أن يتوضأوا فوضع كفه في الماء، فجعل الماء ينبع من بين أصابعه وأطراف أصابعه حتى توضأ القوم، قال: فقلت لانس: كم كنتم ؟ قال: كنا ثلثمائة (3) وهكذا رواه البخاري عن بندار بن أبي عدي: ومسلم عن أبي موسى، عن غندر كلاهما عن سعيد بن أبي عروبة، وبعضهم يقول عن شعبة، والصحيح
سعيد عن قتادة عن أنس قال: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بإناء وهو في الزوراء فوضع يده في الاناء فجعل الماء ينبع من بين أصابعه فتوضأ القوم، قال قتادة فقلت لانس: كم كنتم ؟ قال ثلثمائة أو زهاء ثلثمائة لفظ البخاري.
حديث البراء بن عاذب في ذلك قال البخاري: ثنا مالك بن إسماعيل، ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن البراء بن عازب قال: كنا يوم الحديبية أربع عشرة مائة، والحديبية بئر فنزحناها حتى لم نترك فيها قطرة، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على شفير البئر فدعا بماء فمضمض ومج في البئر فمكثنا غير بعيد ثم استقينا حتى روينا وروت أو صدرت ركابنا (4).
تفرد به البخاري إسنادا ومتنا.
حديث آخر عن البراء بن عاذب قال الامام أحمد: حدثنا عفان وهاشم، حدثنا سليمان بن المغيرة، حدثنا حميد بن هلال، حدثنا يونس - هو ابن عبيدة مولى محمد بن القاسم - عن البراء قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فأتينا على ركي ذمة يعني قليلة الماء قال: فنزل فيها ستة إناس أنا سادسهم ماحة فأدليت إلينا دلو قال.
ورسول الله صلى الله عليه وسلم على شفتي الركي فجعلنا فيها نصفها أو قراب ثلثيها فرفعت إلى
__________
(1) فتح الباري - علامات النبوة في الاسلام ح (3575) ص (6 / 581).
(2) الزوراء: مكان معروف بالمدينة عند السوق.
(3) فتح الباري علامات النبوة في الاسلام، ح (3572) ص (6 / 580).
ومسلم في الفضائل باب في معجزات النبي صلى الله عليه وآله ص (1783).
(4) فتح الباري - غزوة الحديبية ح (4150) ص 7 / 441.

رسول الله صلى الله عليه وسلم قال البراء: فكدت بأنائي هل أجد شيئا أجعله في حلقي ؟ فما وجدت فرفعت الدلو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فغمس يده فيها فقال ما شاء الله أن يقول: وأعيدت إلينا الدلو بما فيها، قال: فلقد رأيت أحدنا أخرج بثوب خشبة الغرق قال: ثم ساحت - يعني جرت نهرا - تفرد به الامام
أحمد، وإسناده جيد قوي، والظاهر أنها قصة أخرى غير يوم الحديبية والله أعلم.
حديث آخر عن جابر في ذلك قال الامام أحمد: ثنا سنان بن حاتم، ثنا جعفر - يعني ابن سليمان - ثنا الجعد أبو عثمان، ثنا أنس بن مالك عن جابر بن عبد الله الانصاري قال: اشتكى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه العطش قال فدعا بعس فصب فيه شئ من الماء ووضع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه يده وقال: استقوا، فاستقى الناس قال: فكنت أرى العيون تنبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
تفرد به أحمد من هذا الوجه، وفي إفراد مسلم (1) من حديث حاتم بن إسماعيل عن أبي حرزة، يعقوب بن مجاهد، عن عبادة بن الوليد بن عبادة، عن جابر بن عبد الله في حديث طويل قال فيه: سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزلنا واديا أفيح، فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته فاتبعته باداوة من ماء، فنظر رسول الله فلم ير شيئا يستتر به، وإذا بشجرتين بشاطئ الوادي، فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إحداهما، فأخذ بغصن من أغصانها، فقال: انقادي علي باذن الله، فانقادت معه كالبعير المخشوش (2) الذي يصانع قائده، حتى أتى الاخرى فأخذ بغصن من أغصانها فقال: انقادي علي [ بإذن الله ] فانقادت معه [ كذلك ] حتى إذا كان بالمنتصف مما بينهما لام بينهما - يعني جمعهما - فقال: التئما علي بإذن الله، فالتأمتا، قال جابر: فخرجت أحضر (3) مخافة أن يحس رسول الله بقربي، فيبتعد فجلست أحدث نفسي فحانت مني لفتة، فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم وإذا بالشجرتين قد افترقتا فقامت كل واحدة منهما على ساق، فرأيت رسول الله وقف وقفة فقال برأسه هكذا: يمينا وشمالا، ثم أقبل فلما انتهى إلي قال: يا جابر هل رأيت مقامي ؟ قلت: نعم يا رسول الله، قال: انطلق إلى الشجرتين فاقطع من كل واحدة منهما غصنا فأقبل بهما، حتى إذا قمت مقامي فأرسل غصنا عن يمينك وغصنا عن شمالك، قال جابر: فقمت فأخذت حجرا فكسرته وحددته (4) ؟ ؟ ؟ ذلق لي فأتيت الشجرتين فقطعت من كل واحدة منهما غصنا، ثم أقبلت حتى قمت مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلت غصنا عن يميني وغصنا عن يساري، ثم لحقت فقلت: قد فعلت يا
__________
(1) في كتاب الزهد (18) باب.
ص (2306 - 2309).
(2) البعير المخشوش: الذي يجعل في أنفه خشاش وهو عود يجعل في أنف البعير ويشد به حبل لينقاد به.
(3) خرجت أحضر: أي أعدو وأسعى سعيا شديدا.
(4) وحددته - وفي رواية مسلم وحسرته - أي نحيت عنه ما يمنع حدته بحيث صار كالسكين.
وانذلق لي: صار حادا.

رسول الله، قال فقلت: فلم ذاك ؟ قال: إني مررت بقبرين يعذبان، فأحببت بشفاعتي أن يرفع (1) ذلك عنهما ما دام الغصنان رطبين، قال: فأتينا العسكر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا جابر ناد الوضوء، فقلت: ألا وضوء ألا وضوء ألا وضوء ؟ قال: قلت يا رسول الله ما وجدت في الركب من قطرة، وكان رجل من الانصار يبرد لرسول الله في أشجاب (2) له على حمارة (3) من جريد قال: فقال لي: انطلق إلى فلان الانصاري فانظر هل ترى في أشجابه من شئ ؟ قال: فانطلقت إليه فنظرت فيها فلم أجد فيها إلا قطرة في عزلاء (4) شجب منها - لو أني أفرغته لشربه يابسه، فأتيت رسول الله فقلت: يا رسول الله لم أجد فيها إلا قطرة في عزلاء شجب منها، لو أني أفرغته لشربه يابسة قال: اذهب فأتني به، فأتيته فأخذه بيده فجعل يتكلم بشئ لا أدري ما هو، وغمرني بيده ثم أعطانيه فقال: يا جابر ناد بجفنة، فقلت: يا جفنة الركب، فأتيت بها تحمل فوضعتها بين يديه، فقال رسول الله بيده في الجفنة هكذا.
فبسطها وفرق بين أصابعه ثم وضعها في قعر الجفنة وقال: خذ يا جابر فصب علي وقل: بسم الله، فصببت عليه وقلت: بسم الله، فرأيت الماء يفور من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم فارت الجفنة ودارت حتى امتلات فقال: يا جابر ناد من كانت له حاجة بماء، قال فأتى الناس فاستقوا حتى رووا، فقلت: هل بقي أحد له حاجة ؟ فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من الجفنة وهي ملاى.
قال: وشكى الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الجوع، فقال: عسى الله أن يطعمكم، فأتينا سيف البحر.
فزجر (5) زجرة فألقى دابة، فأورينا على شقها النار، فطبخنا واشتوينا وأكلنا وشبعنا، قال جابر: فدخلت أنا وفلان وفلان وفلان حتى عد خمسة في محاجر (6) عينها ما يرانا أحد، حتى خرجنا وأخذنا ضلعا من أضلاعها فقوسناه ثم
دعونا بأعظم رجل (7) في الركب وأعظم حل في الركب وأعظم كفل في الركب فدخل تحتها ما يطأطئ رأسه.
وقال البخاري: ثنا موسى بن إسمعيل، ثنا عبد العزيز بن مسلم، ثنا حصين، عن سالم بن أبي الجعد عن جابر بن عبد الله قال: عطش الناس يوم الحديبية والنبي صلى الله عليه وسلم بين يديه ركوة يتوضأ [ منها ] فجهش الناس نحوه، قال: مالكم ؟ قالوا: ليس عندنا ماء نتوضأ ولا نشرب إلا ما بين يديك، فوضع يده في الركوة فجعل الماء يفور من بين أصابعه كأمثال العيون،
__________
(1) في مسلم: يرفه عنهما: أي يخفف.
(2) أشجاب: جمع شجب، وهو السقاء الذي قد أخلق وبلي وصار شنا.
يقال: شاجب أي يابس، وهو من الشجب الذي هو الهلاك.
(3) حمارة: أعواد تعلق عليها أسقية الماء.
(4) من مسلم، وفي الاصل: غرلا، وعزلاء: فم القربة.
(5) في مسلم: فزخر البحر زخرة: أي علا موجه.
(6) في مسلم: في حجاج عينها.
(7) من مسلم، وفي الاصل: جمل.

فشربنا وتوضأنا، قلت: كم كنتم ؟ قال لو كنا مائة ألف لكفانا، كنا خمس عشرة مائة (1).
وهكذا رواه مسلم من حديث حصين وأخرجاه من حديث الاعمش.
زاد مسلم وشعبة ثلاثتهم عن جابر بن سالم بن جابر، وفي رواية الاعمش كنا أربع عشرة مائة * وقال الامام أحمد: حدثنا يحيى [ بن حماد ] ثنا أبو عوانة عن الاسود بن قيس عن شقيق العبدي أن جابر بن عبد الله قال: غزونا أو سافرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن يومئذ بضع عشر ومائتان فحضرت الصلاة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل في القوم من ماء ؟ فجاءه رجل يسعى باداوة فيها شئ من ماء، قال فصبه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قدح، قال فتوضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحسن الوضوء ثم انصرف وترك القدح فركب الناس القدح تمسحوا وتمسحوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: على رسلكم حين سمعهم يقولون ذلك،
قال: فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم كفه في الماء ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بسم الله، ثم قال: اسبغوا الوضوء، قال جابر: فو الذي هو ابتلاني ببصري لقد رأيت العيون عيون الماء يومئذ تخرج من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم فما رفعها حتى توضأوا أجمعون (2).
وهذا إسناد جيد تفرد به أحمد * وظاهره كأنه قصة أخرى غير ما تقدم.
وفي صحيح مسلم عن سلمة بن الاكوع قال: قدمنا الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن أربع عشرة مائة أو أكثر من ذلك وعليها خمسون رأسا لا يرويها فقعد رسول الله على شفا الركية فإما دعا وإما بصق فيها قال: فجاشت فسقينا واستقينا (3).
وفي صحيح البخاري من حديث الزهري، عن عروة، عن المسور ومروان بن الحكم في حديث صلح الحديبية الطويل فعدل عنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء يتبرضه تبرضا فلم يلبثه الناس حتى نزحوه وشكى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العطش فانتزع سهما من كنانته ثم أمرهم أن يجعلوه فيه فو الله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه (4) * وقد تقدم الحديث بتمامه في صلح الحديبية، فأغنى عن إعادته، وروى ابن إسحاق عن بعضهم أن الذي نزل بالسهم ناجية بن جندب سائق البدن، قال وقيل: البراء بن عازب.
ثم رجح ابن إسحاق الاول.
حديث آخر عن ابن عباس في ذلك قال الامام أحمد: ثنا حسين الاشقر، ثنا أبو كدينة، عن عطاء عن أبي الضحى، عن ابن عباس: أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وليس في العسكر ماء فأتاه رجل فقال: يا رسول الله ليس في العسكر ماء، قال: هل عندك شئ ؟ قال: نعم، قال: فأتني، فأتاه بإناء فيه شئ من ماء
__________
(1) أخرجه البخاري في علامات النبوة في الاسلام فتح الباري 6 / 581.
(2) أخرجه أحمد في مسنده ج 2 / 169، 193، وأخرجه الدارمي في باب ما أكرم الله النبي صلى الله عليه وآله من تفجير الماء بين أصابعه من المقدمة 1 / 21.
(3) جزء من حديث طويل أخرجه مسلم في الجهاد - باب غزوة ذي قرد ص (1433).
(4) تقدم الحديث في الجزء الرابع - ورواه ابن هشام في السيرة 3 / 267 والبيهقي في الدلائل 4 / 112.

قليل، قال: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم أصابعه في فم الاناء وفتح أصابعه، قال فانفجرت من بين أصابعه عيون وأمر بلالا فقال: ناد في الناس الوضوء المبارك (1).
تفرد به أحمد، ورواه الطبراني من حديث عامر الشعبي عن ابن عباس بنحوه.
حديث عن عبد الله بن مسعود في ذلك قال البخاري: ثنا محمد بن المثنى، ثنا أبو أحمد الزبيري، ثنا إسرائيل، عن منصور، عن إبراهيم، عن علقمة عن عبد الله قال: كنا نعد الآيات بركة وأنتم تعدونها تخويفا، كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فقل الماء فقال: اطلبوا فضلة من ماء، فجاؤا بإناء فيه ماء قليل، فأدخل يده في الاناء ثم قال: حي على الطهور المبارك والبركة من الله عز وجل، قال: فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل (2).
ورواه الترمذي عن بندار عن أبي أحمد وقال: حسن صحيح.
حديث عن عمران بن حصين في ذلك قال البخاري: ثنا أبو الوليد، ثنا سلم بن زرير (3)، سمعت أبا رجاء قال: حدثنا عمران بن حصين أنهم كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسير فأدلجوا ليلتهم حتى إذا كان وجه الصبح عرسوا فغلبتهم أعينهم حتى ارتفعت الشمس، فكان أول من استيقظ من منامه أو بكر، وكان لا يوقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم من منامه حتى يستيقظ، فاستيقظ عمر فقعد أبو بكر عند رأسه فجعل يكبر ويرفع صوته حتى استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم فنزل وصلى بنا الغداة، فاعتزل رجل من القوم لم يصل معنا، فلما انصرف قال يا فلان ما يمنعك أن تصلي معنا ؟ قال: أصابتني جنابة، فأمره أن يتيمم بالصعيد ثم صلى، وجعلني رسول الله صلى الله عليه وسلم في ركوب بين يديه، وقد عطشنا عطشا شديدا، فبينما نحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نحن بامرأة سادلة رجليها بين مزادتين (4) فقلنا لها: أين الماء ؟ قالت: إنه لا ماء: فقلنا: كم بين أهلك وبين الماء ؟ قالت: يوم وليلة، فقلنا: انطلقي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت: وما رسول الله ؟ فلم نملكها من أمرها حتى استقبلنا بها النبي صلى الله عليه وسلم، فحدثته بمثل الذي حدثتنا غير أنها حدثته أنها موتمة فأمر بمزاديتها فمسح في العزلاوين (5) فشربنا عطاشا أربعين
رجلا حتى روينا، وملانا كل قربة معنا وإداوة، غير أنه لم نسق بعيرا وهي تكاد تفضي من الملء،
__________
(1) رواه أحمد في مسنده 1 / 251 ونقله البيهقي في الدلائل 4 / 128.
(2) أخرجه البخاري في باب علامات النبوة في الاسلام ح 3579 فتح الباري 6 / 587 والترمذي في المناقب عن محمد بن بشار عن أبي أحمد الزبيدي عن اسرائيل.
(3) من البخاري، وفي الاصل مسلم بن زيد.
(4) مزادتين: المزادة أكبر من القربة، والمزادتان حمل بعير.
(5) العزلاوين: تثنية عزلاء، وهو فم القربة والجمع عزالى.

ثم قال: هاتوا ما عندكم، فجمع لها من الكسر والتمر حتى أتت أهلها، قالت: أتيت أسحر الناس أو هو نبي كما زعموا، فهدى الله ذاك الصرم بتلك المرأة فأسلمت وأسلموا (1).
وكذلك رواه مسلم من حديث سلم بن رزين، وأخرجاه من حديث عوف الاعرابي، كلاهما عن رجاء العطاردي - واسمه عمران بن تيم - عن عمران بن حصين به * وفي رواية لهما فقال لها: اذهبي بهذا معك لعيالك واعلمي أنا لم نرزأك من مائك شيئا غير أن الله سقانا * وفيه أنه لما فتح العزلاوين سمى الله عز وجل.
حديث عن أبي قتادة في ذلك قال الامام أحمد: ثنا يزيد بن هارون، ثنا حماد بن سلمة، عن ثابت، عن عبد الله بن رباح، عن أبي قتادة قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فقال: إنكم إن لا تدركوا الماء غدا تعطشوا، وانطلق سرعان الناس يريدون الماء، ولزمت رسول الله صلى الله عليه وسلم فمالت برسول الله صلى الله عليه وسلم راحلته فنعس رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعمته فادعم ثم مال، فدعمته فادعم، ثم مال حتى كاد أن ينجفل عن راحلته فدعمته فانتبه فقال: من الرجل ؟ فقلت: أبو قتادة، قال: منذ كم كان مسيرك ؟ قلت: منذ الليلة، قال: حفظك الله كما حفظت رسوله، ثم قال: لو عرسنا، فمال إلى شجرة فنزل فقال: انظر هل ترى أحدا ؟ قلت: هذا راكب، هذان راكبان، حتى بلغ سبعة، فقال:
احفظوا علينا صلاتنا، فنمنا فما أيقظنا إلا حر الشمس فانتبهنا فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسار وسرنا هنيهة، ثم نزل فقال: أمعكم ماء ؟ قال: قلت: نعم معي ميضأة فيها شئ من ماء، قال: ائت بها، قال: فأتيته بها فقال: مسوا منها مسوا منها، فتوضأ القوم وبقيت جرعة فقال: ازدهر بها يا أبا قتادة فإنه سيكون لها نبأ، ثم أذن بلال وصلوا الركعتين قبل الفجر ثم صلوا الفجر، ثم ركب وركبنا فقال بعضهم لبعض: فرطنا في صلاتنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تقولون ؟ إن لك أمر دنياكم فشأنكم، وإن كان أمر دينكم فإلي، قلنا: يا رسول الله فرطنا في صلاتنا، فقال لا تفريط في النوم، إنما التفريط في اليقظة، فإذا كان ذلك فصلوها ومن الغد وقتها، ثم قال: ظنوا بالقوم، قالوا: إنك قلت بالامس: إن لا تدركوا الماء غدا تعطشوا، فالناس بالماء، قال: فلما أصبح الناس وقد فقدوا نبيهم، فقال بعضهم لبعض: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالماء وفي القوم أبو بكر وعمر، فقالا: أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن ليسبقكم إلى الماء ويخلفكم، وإن يطع الناس أبا بكر وعمر يرشدوا، قالها ثلاثا، فلما اشتدت الظهيرة رفع لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله هلكنا عطشا، تقطعت الاعناق، فقال: لا هلك عليكم، ثم قال: يا أبا قتادة أئت بالميضأة، فأتيته بها، فقال: احلل لي غمري - يعني قدحه - فحللته فأتيته به، فجعل يصب فيه ويسقى الناس فازدحم الناس عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أيها الناس أحسنوا الملا، فكلكم
__________
(1) أخرجه البخاري في علامات النبوة ح 3571 ومسلم في المساجد 1 / 474.

سيصدر عن ري، فشرب القوم حتى لم يبق غيري وغير رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصب لي.
فقال: اشرب يا أبا قتادة، قال: قلت: اشرب أنت يا رسول الله، قال إن ساقي القوم آخرهم، فشربت وشرب بعدي وبقي في الميضأة نحو مما كان فيها، وهم يومئذ ثلثمائة، قال عبد الله: فسمعني عمران بن حصين وأنا أحدث هذا الحديث في المسجد الجامع فقال: من الرجل ؟ قلت: أنا عبد الله بن رباح الانصاري، قال: القوم أعلم بحديثهم، انظر كيف تحدث فإني أحد السبعة تلك الليلة، فلما فرغت قال: ما كنت أحسب أحدا يحفظ هذا الحديث غيري (1) قال حماد بن
سلمة: وحدثنا حميد الطويل عن بكر بن عبد الله المزني عن عبد الله بن رباح، عن أبي قتادة الموصلي عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله وزاد قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عرس وعليه ليل توسد يمينه، وإذا عرس الصبح وضع رأسه على كفه اليمنى وأقام ساعده * وقد رواه مسلم عن شيبان بن فروخ عن سليمان بن المغيرة عن ثابت عن عبد الله بن رباح، عن أبي قتادة الحرب ربعي الانصاري بطوله وأخرج من حديث حماد بن سلمة بسنده الاخير أيضا.
حديث آخر عن أنس يشبه هذا روى البيهقي من حديث الحافظ أبي يعلي الموصلي: ثنا شيبان، ثنا سعيد بن سليمان الضبعي، ثنا أنس بن مالك: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جهز جيشا إلى المشركين فيهم أبو بكر فقال لهم: جدوا السير فإن بينكم وبين المشركين ماء.
إن يسبق المشركون إلى ذلك الماء شق على الناس وعطشتم عطشا شديدا أنتم ودوابكم، وتخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمانية أنا تاسعهم، وقال لاصحابه: هل لكم أن نعرس قليلا ثم نلحق بالناس ؟ قالوا: نعم يا رسول الله، فعرسوا فما أيقظهم إلا حر الشمس، فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم واستيقظ أصحابه، فقال لهم: تقدموا واقضوا حاجاتكم، ففعلوا ثم رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال لهم: هل مع أحد منكم ماء ؟ قال رجل منهم: يا رسول الله معي ميضأة فيها شئ من ماء، قال: فجئ بها: فجاء بها، فأخذها نبي الله صلى الله عليه وسلم فمسحها بكفيه ودعا بالبركة فيها، وقال لاصحابه: تعالوا فتوضأوا، فجاؤا وجعل يصب عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توضأوا كلهم، فأذن رجل منهم وأقام، فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم وقال لصاحب الميضأة ازدهر بميضأتك، فسيكون لها شأن، وركب رسول الله قبل الناس وقال لاصحابه: ما ترون الناس فعلوا ؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم.
فقال لهم: فيهم أبو بكر وعمرو سيرشد الناس، فقدم الناس وقد سبق المشركون إلى ذلك الماء فشق ذلك على الناس وعطشوا عطشا شديدا ركابهم ودوابهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أين صاحب الميضأة ؟ قالوا: هو هذا يا رسول الله، قال جئني بميضأتك، فجاء بها وفيها شئ من ماء، فقال لهم: تعالوا فاشربوا، فجعل يصب لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شرب الناس كلهم وسقوا دوابهم وركابهم وملاوا ما كان
__________
(1) أخرجه مسلم في صحيحه 1 / 472 والامام أحمد في مسنده ج 5 / 298.

معهم من إداوة وقربة ومزادة، ثم نهض رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المشركين، فبعث الله ريحا فضرب وجوه المشركين وأنزل الله نصره وأمكن من ديارهم فقتلوا مقتلة عظيمة، وأسروا أسارى كثيرة، واستاقوا غنائم كثيرة، ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس وافرين صالحين (1).
وقد تقدم قريبا عن جابر ما يشبه هذا وهو في صحيح مسلم.
وقدمنا في غزوة تبوك ما رواه مسلم من طريق مالك عن أبي الزبير، عن أبي الطفيل، عن معاذ بن جبل.
فذكر حديث جمع الصلاة في غزوة تبوك إلى أن قال: وقال - يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم -: إنكم ستأتون غدا إن شاء الله عين تبوك، وإنكم لن تأتوها حتى يضحى ضحى النهار، فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئا حتى آتي، قال: فجئناها وقد سبق إليها رجلان والعين مثل الشراك تبض بشئ، فسألها رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل مسستما من مائها شيئا ؟ قالا: نعم، فسبهما وقال لهما: ما شاء الله أن يقول ثم غرفوا من العين قليلا قليلا حتى اجتمع في شئ، ثم غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وجهه ويديه ثم أعاده فيها فجرت العين بماء كثير، فاستقى الناس ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معاذ يوشك إن طالت بك حياة أن ترى ما ها هنا قد ملئ جنانا.
وذكرنا في باب الوفود من طريق عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، عن زياد بن الحارث الصدائي في قصة وفادته فذكر حديثا طويلا فيه، ثم قلنا: يا رسول الله إن لنا بئرا إذا كان الشتاء وسعنا ماؤها واجتمعنا عليها، وإذا كان الصيف قل ماؤها فتفرقنا على مياه حولنا وقد أسلمنا، وكل من حولنا عدو، فادع الله لنا في بئرنا فيسعنا ماؤها فنجتمع عليه ولا نتفرق، فدعا بسبع حصيات ففركهن بيده ودعا فيهن ثم قال: اذهبوا بهذه الحصيات فإذا أتيتم البئر فألقوا واحدة واحدة واذكروا الله عز وجل، قال الصدائي: ففعلنا ما قال لنا، فما استطعنا بعد ذلك أن ننظر إلى قعرها - يعني البئر - وأصل هذا الحديث في المسند وسنن أبي داود والترمذي وابن ماجه وأما الحديث بطوله ففي دلائل (2) النبوة للبيهقي رحمه الله * وقال البيهقي (3): باب
ما ظهر في البئر التي كانت بقباء من بركته صلى الله عليه وسلم أخبرنا أبو الحسن محمد بن الحسين العلوي، ثنا أبو حامد بن الشرقي، أنا أحمد بن حفص بن عبد الله، نا أبي، حدثنا إبراهيم بن طهمان، عن يحيى بن سعيد، أنه حدثه أن أنس بن مالك أتاهم بقباء فسأله عن بئر هناك، قال: فدللته عليها، فقال: لقد كانت هذه،
__________
(1) الحديث في دلائل النبوة للبيهقي 6 / 134 - 135.
(2) دلائل النبوة للبيهقي 4 / 124 - 127.
وأخرجه الترمذي في الصلاة ح (199).
وأبو داود في الصلاة حديث (514).
وابن ماجة في الاذان ح (717).
والامام أحمد في المسند 4 / 169 ورواه البيهقي في السنن الكبرى 1 / 381، 1 / 399.
(3) دلائل النبوة ج 6 / 136.

وإن الرجل لينضح على حماره فينزح فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بذنوب فسقي، فإما أن يكون توضأ منه، وإما أن يكون تفل فيه ثم أمر به فأعيد في البئر، قال: فما نزحت بعد، قال: فرأيته بال ثم جاء فتوضأ، ومسح على جنبه ثم صلى.
وقال أبو بكر البزار: ثنا الوليد بن عمرو بن مسكين، ثنا محمد بن عبد الله بن مثنى عن أبيه عن ثمامة عن أنس قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلناه فسقيناه من بئر لنا في دارنا كانت تسمى النزور في الجاهلية فتفل فيها فكانت لا تنزح بعد.
ثم قال لا نعلم هذا يروى إلا من هذا الوجه.
باب تكثيره عليه السلام الاطعمة تكثيره اللبن في مواطن أيضا.
قال الامام أحمد: ثنا روح، ثنا عمر بن ذر عن مجاهد أن أبا هريرة كان يقول: والله إن كنت لاعتمد بكبدي على الارض من الجوع، وإن كنت لاشد الحجر على بطني من الجوع، ولقد قعدت يوما على طريقهم الذي يخرجون منه، فمر أبو بكر فسألته عن آية من كتاب الله عز وجل ما سألته إلا ليستتبعني (1) فلم يفعل، فمر عمر رضي الله عنه فسألته عن آية من كتاب الله ما سألته إلا ليستتبعني فلم يفعل، فمر أبو القاسم صلى الله عليه وسلم فعرف ما في وجهي وما في
نفسي فقال: أبا هريرة، قلت له: لبيك يا رسول الله، فقال: الحق واستأذنت فأذن لي فوجدت لبنا في قدح قال: من أين لكم هذا اللبن ؟ فقالوا: أهداه لنا فلان أو آل فلان، قال: أبا هر، قلت: لبيك يا رسول الله، قال: انطلق إلى أهل الصفة فادعهم لي، قال وأهل الصفة أضياف الاسلام لم يأووا إلى أهل ولا مال إذا جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم هدية أصاب منها وبعث إليهم منها، وإذا جاءته الصدقة أرسل بها إليهم ولم يصب منها - قال: وأحزنني ذلك وكنت أرجو أن أصيب من اللبن شربة أتقوى بها بقية يومي وليلتي، وقلت: أنا الرسول، فإذا جاء القوم كنت أنا الذي أعطيهم، وقلت: ما بيقى لي من هذا اللبن ولم يكن من طاعة الله وطاعة رسوله بد، فانطلقت فدعوتهم فأقبلوا فاستأذنوا لهم فأخذوا مجالسهم من البيت ثم قال: أبا هر خذ فأعطهم، فأخذت القدح فجعلت أعطيهم فيأخذ الرجل القدح فيشرب حتى يروى، ثم يرد القدح حتى أتيت على آخرهم، ودفعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ القدح فوضعه في يده وبقي فيه فضلة ثم رفع رأسه ونظر إلي وتبسم وقال: أبا هر، فقلت لبيك رسول الله قال: بقيت أنا وأنت، فقلت: صدقت يا رسول الله قال: فاقعد فاشرب، قال: فقعدت فشربت ثم قال لي: اشرب، فشربت، فما زال يقول لي: اشرب فأشرب حتى قلت: لا والذي بعثك بالحق ما أجد له في مسلكا، قال: ناولني القدح، فرددت إليه القدح فشرب من الفضلة (2).
ورواه البخاري عن أبي نعيم، وعن محمد بن مقاتل، عن عبد الله بن المبارك.
وأخرجه الترمذي عن عباد بن يونس بن
__________
(1) في البخاري: ليشبعني.
(2) أخرجه الامام أحمد في المسند ج 2 / 515 والبخاري في الرقاق عن أبي نعيم حديث 6452 فتح الباري 11 / 281.

بكير ثلاثتهم عن عمر بن ذر وقال الترمذي: صحيح.
وقال الامام أحمد: ثنا أبو بكر بن عياش، حدثني عن زر عن ابن مسعود قال: كنت أرعى غنما لعقبة بن أبي معيط، فمر بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر فقال: يا غلام هل من لبن ؟ قال: فقلت: نعم ولكني مؤتمن، قال: فهل من شاة لم ينز عليها الفحل ؟ فأتيته بشاة فمسح ضرعها فنزل لبن فحلبه في إناء فشرب وسقى
أبا بكر، ثم قال للضرع: اقلص، فقلص، قال: ثم أتيته بعد هذا فقلت: يا رسول الله علمني من هذا القول، قال: فمسح رأسي وقال: يا غلام يرحمك الله، فإنك عليم معلم (1).
ورواه البيهقي من حديث أبي عوانة عن عاصم عن أبي النجود عن زر عن ابن مسعود، وقال فيه: فأتيته بعناق جذعة فاعتقلها ثم جعل يمسح ضرعها ويدعو، وأتاه أبو بكر بجفنة فحلب فيها وسقى أبا بكر ثم شرب، ثم قال للضرع: اقلص فقلص فقلت: يا رسول الله علمني من هذا القول، فمسح رأسي وقال: إنك غلام معلم، فأخذت عنه سبعين سورة ما نازعنيها بشر.
وتقدم في الهجرة حديث أم معبد وحلبه عليه السلام شاتها، وكانت عجفاء لا لبن لها فشرب هو وأصحابه وغادر عندها إناء كبيرا من لبن حتى جاء زوجها.
وتقدم في ذكر من كان يخدمه من غير مواليه عليه السلام المقداد بن الاسود حين شرب اللبن الذي كان قد جاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قام في الليل ليذبح له شاة فوجد لبنا كثيرا فحلب ماملا منه إناء كبيرا جدا، الحديث * وقال أبو داود الطيالسي: ثنا زهير عن أبي إسحاق عن ابنة حباب انها أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة فاعتقلها وحلبها، فقال: ائتني بأعظم إناء لكم، فأتيناه بجفنة العجين، فحلب فيها حتى ملاها، ثم قال: أشربوا أنتم وجيرانكم.
وقال البيهقي: أنا أبو الحسين بن بشران ببغداد، أنا إسمعيل بن محمد الصفار، أنا محمد بن الفرج الازرق، ثنا عصمة بن سليمان الخزاز، ثنا خلف بن خليفة عن أبي هاشم الرماني عن نافع - وكانت له صحبة - قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر وكنا زهاء أربعمائة [ رجل ] فنزلنا في موضع ليس فيه ماء، فشق ذلك على أصحابه، وقالوا: رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم، قال: فجاءت شويهة لها قرنان، فقامت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فحلبها فشرب حتى روي، وسقى أصحابه حتى رووا، ثم قال: يا نافع املكها الليلة وما أراك تملكها، قال: فأخذتها فوتدت لها وتدا، ثم ربطتها بحبل ثم قمت في بعض الليل فلم أر الشاة، ورأيت الحبل مطروحا، فجئت رسول الله فأخبرته من قبل أن يسألني، وقال: يا نافع ذهب بها الذي جاء بها * قال البيهقي: ورواه محمد بن سعد عن خلف بن الوليد - أبي الوليد الازدي - عن خلف بن خليفة عن أبان (2).
وهذا حديث غريب جدا إسنادا ومتنا * ثم قال البيهقي: أنا أبو سعد الماليني، أنا
أبو أحمد بن عدي، أنا ابن العباس بن محمد بن العباس، ثنا أحمد بن سعيد بن أبي مريم، ثنا أبو
__________
(1) أخرجه الامام أحمد في مسنده 1 / 379 والفسوي في المعرفة والتاريخ 2 / 537.
والبيهقي في الدلائل 2 / 171 - 172.
وفي روايته: ان أبا بكر اعتقلها وأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله الضرع.
(2) رواه البيهقي في الدلائل - باب ما جاء في الشاة التي ظهرت فحلبت فأروت ج 6 / 137.

حفص الرياحي، ثنا عامر بن أبي عامر الخزاز، عن أبيه، عن الحسن بن سعد - يعني مولى أبي بكر - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: احلب لي العنز، قال: وعهدي بذلك الموضع لا عنز فيه، قال: فأتيت فإذا العنز حافل، قال: فاحتلبتها واحتفظت بالعنز وأوصيت بها، قال: فاشتغلنا بالرحلة ففقدت [ العنز ] فقلت: يا رسول الله قد فقدت العنز، فقال: إن لها ربا (1)، وهذا أيضا حديث غريب جدا إسنادا ومتنا وفي إسناده من لا يعرف حاله.
وسيأتي حديث الغزالة في قسم ما يتعلق من المعجزات بالحيوانات.
تكثيره عليه السلام السمن لام سليم قال الحافظ أبو يعلى: حدثنا شيبان، ثنا محمد بن زيادة البرجمي، عن أبي طلال، عن أنس عن أمه قال: كانت لها شاة فجمعت من سمنها في عكة فملات العكة ثم بعثت بها مع ربيبة (2) فقالت: يا ربيبة أبلغي هذه العكة رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتدم بها، فانطلقت بها ربيبة حتى أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله: هذه [ عكة ] سمن بعثت بها إليك أم سليم، قال: أفرغوا لها عكتها، ففرغت العكة فدفعت إليها فانطلقت بها وجاءت وأم سليم ليست في البيت فعلقت العكة على وتد، فجاءت أم سليم فرأت العكة ممتلئة تقطر، فقالت أم سليم: يا ربيبة أليس أمرتك أن تنطلقي بها إلى رسول الله ؟ فقالت: قد فعلت، فإن لم تصدقيني فانطلقي فسلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلقت ومعها ربيبة فقالت: يا رسول الله إني بعثت معها إليك بعكة فيها سمن، قال: قد فعلت، قد جاءت، قالت: والذي بعثك بالحق ودين الحق إنها لممتلئة تقطر سمنا، قال: فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا أم سليم أتعجبين إن كان الله أطعمك كما أطعمت
نبيه ؟ كلي وأطعمي، قالت: فجئت إلى البيت فقسمت في قعب لنا وكذا وكذا وتركت فيها ما أئتدمنا به شهرا أو شهرين.
حديث آخر في ذلك قال البيهقي: أنا الحاكم، أنا الاصم، ثنا عباس الدوري، ثنا علي بن بحر (3) القطان، ثنا خلف بن خليفة عن أبي هاشم الرماني، عن يوسف بن خالد، عن أوس بن خالد، عن أم أوس البهزية قالت: سليت سمنا لي فجعلته في عكة فأهديته لرسول الله فقبله وترك في العكة قليلا
__________
(1) المصدر السابق ج 6 / 138.
(2) رواه الهيثمي في الزوائد: 8 / 309 وقال: رواه أبو يعلى والطبراني: إلا انه قال: زينب بدل ربيبة، وفي اسنادهما اليشكري البرجمي وهو كذاب انتهى.
وأخرجه أبو نعيم في الدلائل ص 204 وفي روايته زينب قال في الاصابة 4 / 320 وقد عزاه للطبراني وفي حفظي: أن قوله زينب تصحيف وإنما هي ربيبة.
(3) في دلائل البيهقي 6 / 115: نجيح.

ونفخ فيها ودعا بالبركة ثم قال: ردوا عليها عكتها، فردوها عليها وهي مملوءة سمنا، قالت: فظننت أن رسول الله لم يقبلها فجاءت ولها صراخ، فقالت: يا رسول الله إنما سليته لك لتأكله، فعلم أنه قد استجيب له، فقال: اذهبوا فقولوا لها: فلتأكل سمنها، وتدعو بالبركة، فأكلت بقية عمر النبي صلى الله عليه وسلم وولاية أبي بكر وولاية عمر، وولاية عثمان، حتى كان من أمر علي ومعاوية ما كان.
حديث آخر روى البيهقي عن الحاكم، عن الاصم، عن أحمد بن عبد الجبار، عن يونس بن بكير، عن عبد الاعلى بن المسور القرشي، عن محمد بن عمر بن عطاء، عن أبي هريرة قال: كانت امرأة من دوس يقال لها: أم شريك، أسلمت في رمضان، فذكر الحديث في هجرتها وصحبة ذلك اليهودي لها، وأنها عطشت فأبى أن يسقيها حتى تهود، فنامت فرأت في النوم من يسقيها
فاستيقظت وهي ريانة، فلما جاء رسول الله قصت عليه القصة، فخطبها إلى نفسها فرأت نفسها أقل من ذلك وقالت: بل زوجني من شئت، فزوجها زيدا وأمر لها بثلاثين صاعا، وقال: كلوا ولا تكيلوا، وكانت معها عكة سمن هدية لرسول الله، فأمرت جاريتها أن تحملها إلى رسول الله، ففرغت وأمرها رسول الله إذا ردتها أن تعلقها ولا توكئها، فدخلت أم شريك فوجدتها ملاى، فقالت للجارية: ألم آمرك أن تذهبي بها إلى رسول الله ؟ فقالت: قد فعلت، فذكروا ذلك لرسول الله فأمرهم أن لا يوكئوها فلم تزل حتى أوكتها أم شريك ثم كالوا الشعير فوجدوه ثلاثين صاعا لم ينقص منه شئ (1).
حديث آخر في ذلك قال الامام أحمد: ثنا حسن، ثنا ابن لهيعة ثنا أبو الزبير عن جابر أن أم مالك البهزية كانت تهدي في عكة لها سمنا للنبي صلى الله عليه وسلم فبينما بنوها يسألونها الادام وليس عندها شئ فعمدت إلى عكتها التي كانت تهدي فيها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أعصرتيه ؟ فقلت: نعم قال: لو تركتيه ما زال ذلك مقيما.
ثم روى الامام أحمد بهذا الاسناد عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتاه رجل يستطعمه فأطعمه شطر وسق شعير فما زال الرجل يأكل منه هو وامرأته وضيف لهم حتى كالوه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو لم تكيلوه لاكلتم فيه ولقام لكم (2) * وقد روى هذين الحديثين مسلم من وجه آخر عن أبي الزبير عن جابر.
__________
(1) رواه البيهقي في حديث طويل في الدلائل ج 6 / 123 - 124.
(2) روى الامام أحمد الحديثين في مسنده ج 3 / 340 - 347.
والثاني في 3 / 337 - 347 ورواهما مسلم في الفضائل ج 4 / 1784.
والبيهقي في الدلائل 6 / 114.

ذكر ضيافة أبي طلحة الانصاري رسول الله صلى الله عليه وسلم قال البخاري: ثنا عبد الله بن يوسف، أخبرنا مالك، عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة أنه سمع أنس بن مالك يقول: قال أبو طلحة لام سليم: لقد سمعت صوت رسول الله
ضعيفا أعرف فيه الجوع، فهل عندك من شئ ؟ قالت: نعم، فأخرجت أقراصا من شعير ثم أخرجت خمارا لها فلفت الخبز ببعضه، ثم دسته تحت يدي ولا ثتني ببعضه، ثم أرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فذهبت به فوجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد ومعه الناس، فقمت عليهم، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسلك أبو طلحة ؟ فقلت: نعم: قال: بطعام ؟ قلت: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن معه: قوموا، فانطلق وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته، فقال أبو طلحة: يا أم سليم، قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس وليس عندنا ما نطعمهم، فقلت: الله ورسوله أعلم، فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة معه، فقال رسول الله: هلم يا أم سليم، ما عندك ؟ فأتت بذلك الخبز، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم ففت وعصرت أم سليم عكة فآدمته، ثم قال رسول الله فيه ما شاء الله أن يقول، ثم قال: ائذن لعشرة، فأذن لهم، فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا، ثم قال: ائذن لعشرة، فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا، ثم قال: ائذن لعشرة فأذن لهم فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال: ائذن لعشرة فأكل القوم كلهم والقوم سبعون أو ثمانون رجلا (1).
وقد رواه البخاري في مواضع أخر من صحيحه ومسلم من غير وجه عن مالك.
طريق آخر عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال أبو يعلى: ثنا هدبة بن خالد، ثنا مبارك بن فضالة، ثنا بكير وثابت البناني عن أنس أن أبا طلحة رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم طاويا فجاء إلى أم سليم فقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم طاويا فهل عندك من شئ ؟ قالت: ما عندنا إلا نحو من دقيق شعير قال، فاعجينه وأصلحيه عسى أن ندعو رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأكل عندنا، قال، فعجنته وخبزته فجاء قرصا فقال، يا أنس ادع رسول الله، فأتيت رسول الله ومعه أناس، قال مبارك أحسبه قال: بضعة وثمانون قال: فقلت: يا رسول الله أبو طلحة يدعوك، فقال لاصحابه: أجيبوا أبا طلحة، فجئت جزعا حتى أخبرته أنه قد جاء
__________
(1) أخرجه البخاري في المناقب ج 3578 فتح الباري 6 / 586، وفي الصلاة مختصرا باب 43.
وفي الايمان والنذور حديث 6688.
وأخرجه مسلم عن يحيى بن يحيى في الاشربة.
ص 1612.
والترمذي في المناقب
(5 / 595) والبيهقي في الدلائل 6 / 89.
- أبو طلحة: هو زيد بن سهل الانصاري زوج أم سليم والدة أنس - لاثتني ببعضه: أي لفتني به، يقال لاث العمامة على راسه أي عصبها - هلم: لغة حجازية، وهي عندهم لا يؤنث ولا يثنى ولا يجمع

بأصحابه قال بكر: فعدى قدمه وقال ثابت قال أبو طلحة: رسول الله أعلم بما في بيتي مني، وقالا جميعا عن أنس فاستقبله أبو طلحة فقال: يا رسول الله ما عندنا شئ إلا قرص، رأيتك طاويا فأمرت أم سليم فجعلت لك قرصا، قال: فدعا بالقرص ودعا بجفنة فوضعه فيها وقال: هل من سمن ؟ قال أبو طلحة قد كان في العكة شئ، قال: فجاء بها، قال: فجعل رسول الله وأبو طلحة يعصرانها حتى خرج شئ مسح رسول الله به سبابته ثم مسح القرص فانتفخ وقال: بسم الله.
فانتفخ القرص فلم يزل يصنع كذلك والقرص ينتفخ حتى رأيت القرص في الجفنة يميع، فقال: ادع عشرة من أصحابي، فدعوت له عشرة، قال: فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده وسط القرص وقال: كلوا بسم الله، فأكلوا من حوالي القرص حتى شبعوا، ثم قال، ادع لي عشرة أخرى، فدعوت له عشرة أخرى، فقال: كلوا بسم الله، فأكلوا من حوالي القرص حتى شبعوا، فلم يزل يدعو عشرة عشرة يأكلون من ذلك القرص حتى أكل منه بضعة وثمانون من حوالي القرص حتى شبعوا وإن وسط القرص حيث وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده كم هو * وهذا إسناد حسن على شرط أصحاب السنن ولم يخرجوه فالله أعلم.
طريق أخرى عن أنس بن مالك قال الامام أحمد: ثنا عبد الله بن نمير، ثنا سعد - يعني ابن سعيد بن قيس - أخبرني أنس بن مالك قال: بعثني أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لادعوه وقد جعل له طعاما، فأقبلت ورسول الله صلى الله عليه وسلم مع الناس، قال: فنظر إلي فاستحييت فقلت: أجب أبا طلحة، فقال للناس: قوموا، فقال أبو طلحة: يا رسول الله إنما صنعت شيئا لك قال: فمسها رسول الله ودعا فيها بالبركة، ثم
قال: أدخل نفرا من أصحابي عشرة، فقال: كلوا فأكلوا حتى شبعوا وخرجوا، وقال: أدخل عشرة فأكلوا حتى شبعوا فما زال يدخل عشرة ويخرج عشرة حتى لم يبق منهم أحد إلا دخل فأكل حتى شبع ثم هيأها فإذا هي مثلها حين أكلوا منها (1).
وقد رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة ومحمد بن عبد الله بن نمير كلاهما عن عبد الله بن نمير وعن سعيد بن يحيى الاموي عن أبيه كلاهما عن سعد بن سعيد بن قيس الانصاري.
طريق أخرى رواه مسلم في الاطعمة عن عبد بن حميد، عن خالد بن مخلد، عن محمد بن موسى، عن عبد الله بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس فذكر نحو ما تقدم.
وقد رواه أبو يعلى الموصلي عن محمد بن عباد المكي [ عن حاتم ] عن معاوية بن أبي مردد عن عبد الله بن عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه عن أبي طلحة فذكره.
والله أعلم.
__________
(1) الحديث في مسلم - كتاب الاشربة حديث 143 ص (3 / 1613)، والامام أحمد في مسنده 3 / 147، 218.

طريق أخرى عن أنس قال الامام أحمد: ثنا علي بن عاصم، ثنا حصين بن عبد الرحمن، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أنس بن مالك قال: أتى أبو طلحة بمدين من شعير فأمر به فصنع به طعاما ثم قال لي: يا أنس انطلق أئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فادعه وقد تعلم ما عندنا، قال: فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه عنده فقلت: إن أبا طلحة يدعوك إلى طعامه، فقام وقال للناس: قوموا فقاموا، فجئت أمشي بين يديه حتى دخلت على أبي طلحة فأخبرته، قال: فضحتنا، قلت: إني لم أستطع أن أرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره، فلما انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: اقعدوا، ودخل عاشر عشرة فلما دخل أتى بالطعام تناول فأكل وأكل معه القوم حتى شبعوا، ثم قال لهم: قوموا، وليدخل عشرة مكانكم، حتى دخل القوم كلهم وأكلوا، قال: قلت: كم كانوا ؟ قال: كانوا نيفا وثمانين،
قال: وفضل لاهل البيت ما أشبعهم (1) * وقد رواه مسلم في الاطعمة عن عمرو الناقد، عن عبد الله بن جعفر الرقي، عن عبيد الله بن عمرو عن عبد الملك بن عمير عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن أنس قال: أمر أبو طلحة أم سليم قال: اصنعي للنبي صلى الله عليه وسلم لنفسه خاصة طعاما يأكل منه، فذكر نحو ما تقدم.
طريق أخرى عن أنس قال أبو يعلي: ثنا شجاع بن مخلد، ثنا وهب بن جرير، ثنا أبي، سمعت جرير بن يزيد يحدث عن عمرو بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك قال: رأى أبو طلحة رسول الله في المسجد مضطجعا يتقلب ظهرا لبطن، فأتى أم سليم فقال: رأيت رسول الله مضطجعا في المسجد يتقلب ظهرا لبطن، فخبزت أم سليم قرصا، ثم قال لي أبو طلحة: اذهب فادع رسول الله، فأتيته وعنده أصحابه فقلت: يا رسول الله يدعوك أبو طلحة، فقام وقال: قوموا، قال: فجئت أسعى إلى أبي طلحة فأخبرته أن رسول الله قد كان تبعه أصحابه، فتلقاه أبو طلحة، فقال: يا رسول الله إنما هو قرص، فقال: إن الله سيبارك فيه، فدخل رسول الله وجئ بالقرص في قصعة، فقال: هل من سمن ؟ فجئ بشئ من سمن فغور القرص بأصبعه هكذا، ورفعها، ثم صب وقال: كلوا من بين أصابعي، فأكل القوم حتى شبعوا، ثم قال: أدخل علي عشرة، فأكلوا حتى شبعوا، حتى أكل القوم فشبعوا وأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو طلحة وأم سليم وأنا حتى شبعنا وفضلت فضلة أهديت لجيران لنا * ورواه مسلم في الاطعمة من صحيحه عن حسن الحلواني وعن وهب بن جرير بن حازم عن عمه جرير بن يزيد، عن عمرو بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك فذكر نحو ما تقدم (2).
__________
(1) مسند الامام أحمد 3 / 218.
ومسلم في الاشربة (20) باب ص 1613.
(2) رواه مسلم في صحيحه - في الاشربة ص 1614.

طريق أخرى عن أنس
قال الامام أحمد: ثنا يونس بن محمد، ثنا حماد - يعني ابن زيد - عن هشام عن محمد - يعني ابن سيرين - عن أنس قال حماد: والجعد قد ذكره، قال: عمدت أم سليم إلى نصف مد شعير فطحنته ثم عمدت إلى عكة كان فيها شئ من سمن فاتخذت منه خطيفة قال: ثم أرسلتني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فأتيته وهو في أصحابه فقلت: إن أم سليم أرسلتني إليك تدعوك، فقال: أنا ومن معي، قال: فجاء هو ومن معه، قال: فدخلت فقلت لابي طلحة: قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه، فخرج أبو طلحة فمشى إلى جنب النبي صلى الله عليه وسلم، قال: يا رسول الله إنما هي خطيفة اتخذتها أم سليم من نصف مد شعير، قال: فدخل فأتى به، قال: فوضع يده فيها.
ثم قال: أدخل عشرة، قال فدخل عشرة فأكلوا حتى شبعوا، ثم دخل عشرة فأكلوا ثم عشرة فأكلوا حتى أكل منها أربعون كلهم أكلوا حتى شبعوا، قال: وبقيت كما هي، قال: فأكلنا (1).
وقد رواه البخاري في الاطعمة عن الصلت بن محمد، عن حماد بن زيد، عن الجعد أبي عثمان عن أنس.
وعن هشام بن محمد عن أنس وعن سنان بن ربيعة عن أبي ربيعة عن أنس: أن أم سليم عمدت إلى مد من شعير جشته وجعلت منه خطيفة وعمدت إلى عكة فيها شئ من سمن فعصرته ثم بعثتني إلى رسول الله وهو في أصحابه، الحديث بطوله * ورواه أبو يعلى الموصلي: ثنا عمرو عن الضحاك، ثنا أبي، سمعت أشعث الحراني قال: قال محمد بن سيرين: حدثني أنس بن مالك أن أبا طلحة بلغه أنه ليس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم طعام، فذهب فأجر نفسه بصاع من شعير فعمل يومه ذلك فجاء به وأمر أم سليم أن تعمله خطيفة.
وذكر الحديث.
طريق آخر عن أنس قال الامام أحمد: ثنا يونس بن محمد، ثنا حرب بن ميمون عن النضر بن أنس عن أنس بن مالك قال: قالت أم سليم: اذهب إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم فقل: إن رأيت أن تغدي عندنا فافعل، جئته فبلغته، فقال: ومن عندي ؟ قلت: نعم، قال: انهضوا، قال: فجئته فدخلت على أم سليم وأنا لدهش لمن أقبل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فقالت أم سليم: ما صنعت يا أنس ؟ فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على إثر ذلك فقال: هل عندك سمن ؟ قالت: نعم، قد كان منه عندي
عكة فيها شئ من سمن، قال: فأت بها قالت: فجئت بها ففتح رباطها ثم قال: بسم الله اللهم أعظم فيها البركة، قال: فقال اقلبيها، فقلبتها فعصرها نبي الله صلى الله عليه وسلم وهو يسمي، فأخذت نقع قدر فأكل منها بضع وثمانون رجلا، وفضل فضلة فدفعها إلى أم سليم فقال: كلي وأطعمي جيرانك (2).
وقد رواه مسلم في الاطعمة عن حجاج بن الشاعر عن يونس بن محمد المؤدب به.
__________
(1) مسند الامام أحمد ج 2 / 297.
ونقله البيهقي في الدلائل ج 6 / 91 - 92.
(2) مسند الامام أحمد ج 3 / 342 ومسلم في الاشربة ج 3 / 1614 والبيهقي في الدلائل 6 / 91.

طريق اخرى قال أبو القاسم البغوي: ثنا علي بن المديني، ثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن عمرو بن يحيى بن عمارة المازني، عن أبيه، عن أنس بن مالك: أن أمه أم سليم صنعت خزيرا فقال أبو طلحة: اذهب يا بني فادع رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فجئته وهو بين ظهراني الناس، فقلت: إن أبي يدعوك، قال: فقام وقال للناس: انطلقوا، قال: فلما رأيته قام بالناس تقدمت بين أيديهم فجئت أبا طلحة فقلت: يا أبت قد جاءك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس، قال: فقام أبو طلحة على الباب وقال: يا رسول الله إنما كان شيئا يسيرا، فقال: هلمه، فإن الله سيجعل فيه البركة، فجاء به فجعل رسول الله يده فيه، ودعا الله بما شاء أن يدعو، ثم قال: أدخل عشرة عشرة، فجاء منهم ثمانون فأكلوا وشبعوا.
ورواه مسلم في الاطعمة عن عبد بن حميد، عن القعنبي، عن الدراوردي، عن يحيى بن عمارة بن أبي حسن الانصاري المازني [ عن أبيه ] عن أنس بن مالك بنحو ما تقدم.
طريق اخرى ورواه مسلم في الاطعمة أيضا: عن حرملة، عن ابن وهب، عن أسامة بن زيد الليثي، عن يعقوب بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس كنحو ما تقدم (1) * قال البيهقي: وفي بعض حديث هؤلاء: ثم أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكل أهل البيت وأفضلوا ما بلغ جيرانهم، فهذه طرق
متواترة عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه شاهد ذلك على ما فيه من اختلاف عنه في بعض حروفه، ولكن أصل القصة متواتر لا محالة كما ترى، ولله الحمد والمنة، فقد رواه عن أنس بن مالك إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة وبكر بن عبد الله المزني وثابت بن أسلم البناني [ والجعد بن عثمان ] وسعد بن سعيد أخو يحيى بن سعيد الانصاري، وسنان بن ربيعة وعبد الله بن عبد الله بن أبي طلحة وعبد الرحمن بن أبي ليلى وعمرو بن عبد الله بن أبي طلحة ومحمد بن سيرين والنضر بن أنس، ويحيى بن عمارة بن أبي حسن، ويعقوب بن عبد الله بن أبي طلحة * وقد تقدم غزوة الخندق حديث جابر في إضافته صلى الله عليه وسلم على صاع من شعير وعناق، فعزم عليه السلام على أهل الخندق بكمالهم، فكانوا ألفا أو قريبا من ألف، فأكلوا كلهم من تلك العناق وذلك الصاع حتى شبعوا وتركوه كما كان، وقد أسلفناه بسنده ومتنه وطرقه ولله الحمد والمنة.
ومن العجب الغريب ما ذكره الحافظ أبو عبد الرحمن بن محمد بن المنذر الهروي - المعروف بشكر - في كتاب " العجائب الغريبة "، في هذا الحديث فإنه أسنده وساقه بطوله وذكر في آخره شيئا غريبا فقال: ثنا محمد بن علي بن طرخان، ثنا محمد بن مسرور، أنا هاشم بن هاشم ويكنى بأبي برزة بمكة في المسجد الحرام، ثنا
__________
(1) رواه مسلم في صحيحه ج 3 / 1614.

أبو كعب البداح بن سهل الانصاري من أهل المدينة من الناقلة الذين نقلهم هارون إلى بغداد، سمعت منه بالمصيصة (1) عن أبيه سهل بن عبد الرحمن، عن أبيه عبد الرحمن بن كعب عن أبيه كعب بن مالك قال: أتى جابر بن عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعرف في وجهه الجوع فذكر أنه رجع إلى منزله فذبح داجنا كانت عندهم وطبخها وثرد تحتها في جفنة وحملها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمره أن يدعو له الانصار فأدخلهم عليه أرسالا فأكلوا كلهم وبقي مثل ما كان، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرهم أن يأكلوا ولا يكسروا عظما، ثم إنه جمع العظام في وسط الجفنة فوضع عليها يده ثم تكلم بكلام لا أسمعه إلا أني أرى شفتيه تتحرك، فإذا الشاة قد قامت تنفض أذنيها فقال: خذ شاتك يا جابر بارك الله لك فيها، قال: فأخذتها ومضيت، وإنها لتنازعني أذنها حتى أتيت بها البيت،
فقالت لي المرأة: ما هذا يا جابر ؟ فقلت: هذه والله شاتنا التي ذبحناها لرسول الله، دعا الله فأحياها لنا، فقالت: أنا شهد أنه رسول الله، أشهد أنه رسول الله، أشهد أنه رسول الله.
حديث آخر عن أنس في معنى ما تقدم قال أبو يعلى الموصلي والباغندي: ثنا شيبان، ثنا محمد بن عيسى بصري - وهو صاحب الطعام - ثنا ثابت البناني قلت لانس بن مالك: يا أنس أخبرني بأعجب شئ رأيته، قال: نعم يا ثابت خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فلم يعب علي شيئا أسأت فيه، وإن نبي الله صلى الله عليه وسلم لما تزوج زينب بنت جحش قالت لي أمي: يا أنس إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبح عروسا ولا أدري أصبح له غداء فهلم تلك العكة، فأتيتها بالعكة وبتمر فجعلت له حيسا فقالت: يا أنس اذهب بهذا إلى نبي الله وامرأته، فلما أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بتور من حجارة فيه ذلك الحيس قال: دعه ناحية البيت وادع لي أبا بكر وعمر وعليا وعثمان ونفرا من أصحابه، ثم ادع لي أهل المسجد ومن رأيت في الطريق، قال: فجعلت أتعجب من قلة الطعام ومن كثرة ما يأمرني أن أدعو الناس وكرهت أن أعصيه حتى امتلا البيت والحجرة، فقال: يا أنس هل ترى من أحد ؟ فقلت: لا يا رسول الله، قال: هات ذلك التور، فجئت بذلك التور فوضعته قدامه، فغمس ثلاث أصابع في التور فجعل التمر يربو فجعلوا يتغذون ويخرجون حتى إذا فرغوا أجمعون وبقي في التور نحو ما جئت به، فقال: ضعه قدام زينب، فخرجت وأسقفت عليهم بابا من جريد، قال ثابت: قلنا: يا أبا حمزة كم ترى كان الذين أكلوا من ذلك التور ؟ فقال: أحسب واحدا وسبعين أو اثنين وسبعين.
وهذا حديث غريب من هذا الوجه ولم يخرجوه.
__________
(1) المصيصة: مدينة على شاطئ جيحان من ثغور الشام بين انطاكية وبلاد الروم تقارب طرموس (معجم البلدان).

حديث آخر عن أبي هريرة في ذلك قال جعفر بن محمد الفريابي: ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا حاتم بن إسماعيل، عن أنيس بن
أبي يحيى، عن إسحاق بن سالم، عن أبي هريره قال: خرج علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أدع لي أصحابك من أصحاب الصفة، فجعلت أنبههم رجلا رجلا فجمعتهم فجئنا باب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنا فأذن لنا، قال أبو هريرة: فوضعت بين أيدينا صحفة أظن أن فيها قدر مد من شعير، قال: فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها يده وقال: كلوا بسم الله، قال: فأكلنا ما شئنا ثم رفعنا أيدينا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وضعت الصحفة: والذي نفسي بيده ما أمسى في آل محمد طعام ليس ترونه، قيل لابي هريرة: قدر كم كانت حين فرغتم منها ؟ قال: مثلها حين وضعت إلا أن فيها أثر الاصابع.
وهذه قصة غير قصة أهل الصفة المتقدمة في شربهم اللبن كما قدمنا.
حديث آخر عن أبي أيوب في ذلك قال جعفر الفريابي: ثنا أبو سلمة يحيى بن خلف، ثنا عبد الاعلى، عن سعيد الجريري، عن أبي الورد عن أبي محمد الحضرمي عن أبي أيوب الانصاري قال: صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولابي بكر طعاما قدر ما يكفيهما فأتيتهما به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذهب فادع لي ثلاثين من أشراف الانصار، قال: فشق ذلك علي، ما عندي شئ أزيده.
قال: فكأني تثاقلت (1)، فقال: اذهب فادع لي ثلاثين من أشراف الانصار، فدعوتهم فجاؤا فقال: اطعموا، فأكلوا حتى صدروا ثم شهدوا أنه رسول الله ثم بايعوه قبل أن يخرجوا ثم قال: اذهب فادع لي ستين من أشراف الانصار، قال أبو أيوب: فو الله لانا بالستين أجود مني بالثلاثين، قال: فدعوتهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تربعوا فأكلوا حتى صدروا ثم شهدوا أنه رسول الله وبايعوه قبل أن يخرجوا، قال: فاذهب فادع لي تسعين من الانصار، قال: فلانا أجود بالتسعين والستين مني بالثلاثين، قال: فدعوتهم فأكلوا حتى صدروا ثم شهدوا أنه رسول الله وبايعوه قبل أن يخرجوا، قال: فأكل من طعامي ذلك مائة وثمانون رجلا كلهم من الانصار (2).
وهذا حديث غريب جدا إسنادا ومتنا.
وقد رواه البيهقي من حديث محمد بن أبي بكر المقدمي عن عبد الاعلى به.
قصة أخرى في تكثير الطعام في بيت فاطمة قال الحافظ أبو يعلى: ثنا سهل بن الحنظلية، ثنا عبد الله بن صالح، حدثني ابن لهيعة،
عن محمد بن المنكدر، عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام أياما لم يطعم طعاما حتى شق ذلك عليه،
__________
(1) في رواية البيهقي: تغافلت.
(2) رواه البيهقي في الدلائل ج 6 / 94.

فطاف في منازل أزواجه فلم يصب عند واحدة منهن شيئا، فأتى فاطمة فقال: يا بنية هل عندك شئ آكله فإني جائع ؟ فقالت: لا والله بأبي أنت وأمي، فلما خرج من عندنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثت إليها جارة لها برغيفين وقطعة لحم فأخذته منها فوضعته في جفنة لها وغطت عليها وقالت: والله لاوثرن بهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسي ومن عندي، وكانوا جميعا محتاجين إلى شبعة طعام، فبعثت حسنا أو حسينا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجع إليها، فقالت له: بأبي أنت وأمي قد أتى الله بشئ فخبأته لك، قال: هلمي يا بنية، فكشفت عن الجفنة فإذا هي مملوءة خبزا ولحما، فلما نظرت إليها بهتت وعرفت أنها بركة من الله، فحمدت الله وصلت على نبيه صلى الله عليه وسلم وقدمته إلى رسول الله، فلما رآه حمد الله وقال: من أين لك هذا يا بنية ؟ قالت: يا أبت هو من عند الله، إن الله يرزق من يشاء بغير حساب، فحمد الله وقال: الحمد لله الذي جعلك يا بينة شبيهة سيدة نساء بني إسرائيل، فإنها كانت إذا رزقها الله شيئا فسئلت عنه قالت: هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى علي ثم أكل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلي وفاطمة وحسن وحسين، وجميع أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهل بيته جميعا حتى شبعوا، قالت: وبقيت الجفنة كما هي، فأوسعت بقيتها على جميع جيرانها، وجعل الله فيها بركة وخيرا كثيرا * وهذا حديث غريب أيضا إسنادا ومتنا * وقد قدمنا في أول البعثة حين نزل قوله تعالى: * (وأنذر عشيرتك الاقربين) * حديث ربيعة بن ماجد عن علي في دعوته عليه السلام بني هاشم - وكانوا نحوا من أربعين - فقدم إليهم طعاما من مد فأكلوا حتى شبعوا وتركوه كما هو، وسقاهم من عس شرابا حتى رووا وتركوه كما هو ثلاثة أيام متتابعة، ثم دعاهم إلى الله.
كما تقدم.
قصة أخرى في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال الامام أحمد: ثنا علي بن عاصم، ثنا سليمان التيمي، عن أبي العلاء بن الشخير عن سمرة بن جندب قال: بينما نحن عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتى بقصعة فيها ثريد، قال: فأكل وأكل القوم فلم يزالوا يتدا ولونها إلى قريب من الظهر، يأكل قوم ثم يقومون ويجئ قوم فيتعا قبونه، قال: فقال له رجل: هل كانت تمد بطعام ؟ قال: أما من الارض فلا، إلا أن تكون كانت تمد من السماء (1).
ثم رواه أحمد عن يزيد بن هارون، عن سليمان عن أبي العلاء، عن سمرة: أن رسول الله أتى بقصعة فيها ثريد فتعاقبوها إلى الظهر من غدوة، يقوم ناس ويقعد آخرون، قال له رجل: هل كانت تمد ؟ فقال له: فمن أين تعجب ما كانت تمد إلا من ههنا، وأشار إلى السماء (2).
وقد رواه الترمذي والنسائي أيضا من حديث معتمر بن سليمان، عن أبيه عن أبي العلاء واسمه يزيد بن عبد الله بن الشخير عن سمرة بن جندب به.
__________
(1) رواه الامام أحمد في مسنده ج 5 / 12.
(2) مسند أحمد ج 5 / 18.

قصة قصعة بين الصديق ولعلها هي القصة المذكورة في حديث سمرة والله أعلم قال البخاري: ثنا موسى بن إسمعيل، ثنا معتمر عن أبيه، ثنا أبو عثمان أنه حدثه عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما: أن أصحاب الصفة كانوا أناسا فقراء، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال مرة: من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث، ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس أو سادس أو كما قال: وإن أبا بكر جاء بثلاثة، وانطلق النبي صلى الله عليه وسلم بعشرة، وأبو بكر بثلاثة قال: فهو أنا وأبي وأمي: ولا أدري هل قال امرأتي وخادمي من بيتنا وبيت أبي بكر، وإن أبا بكر تعشى عند النبي صلى الله عليه وسلم ثم لبث حتى صلى العشاء، ثم رجع فلبث حتى تعشى رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء بعدما مضى من الليل ما شاء الله، قالت له امرأته: ما حبسك عن أضيافك أو ضيفك ؟ قال: أو ما عشيتيهم ؟ قالت: أبوا حتى تجئ قد عرضوا عليهم فغلبوهم.
فذهبت فاختبأت فقال: يا غنثر - فجدع
وسب - وقال: كلوا.
وقال: لا أطعمه أبدا، والله ما كنا نأخذ من لقمة إلا ربا من أسفلها أكثر منها حتى شبعوا وصارت أكثر مما كانت قبل: فنظر أبو بكر فإذا هي شئ أو أكثر.
فقال لامرأته - يا أخت بني فراس ؟ قالت: لا وقرة عيني، هي الآن أكثر مما قبل بثلاث مرار: فأكل منها أبو بكر وقال، إنما كان الشيطان - يعني يمينه - ثم أكل منها لقمة، ثم حملها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأصبحت عنده.
وكان بيننا وبين قوم عهد، فمضى الاجل فعرفنا اثنى عشر رجلا مع كل رجل منهم أناس الله أعلم كم مع كل رجل غير أنه بعث معهم، قال: فأكلوا منها أجمعون أو كما قال وغيرهم يقول: فتفرقنا (1).
هذا لفظه وقد رواه في مواضع أخر من صحيحه ومسلم من غير وجه عن أبي عثمان عبد الرحمن بن مل النهدي عن عبد الرحمن بن أبي بكر.
حديث آخر عن عبد الرحمن بن أبي بكر في هذا المعنى قال الامام أحمد: ثنا حازم، ثنا معتمر بن سليمان عن أبيه عن أبي عثمان عن عبد الرحمن بن أبي بكر أنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثين ومائة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل مع أحد منكم طعام ؟ فإذا مع رجل صاع من طعام أو نحوه فعجن ثم جاء رجل مشرق مشعان طويل بغنم يسوقها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أبيعا أم عطية ؟ أو قال: أم هدية ؟ قال: لا، بل بيع، فاشترى منه شاة فصنعت، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بسواد البطن أن يشوى، قال: وأيم الله ما من الثلاثين والمائة إلا قد حز له رسول الله صلى الله عليه وسلم حزة من سواد بطنها، إن كان شاهدا أعطاه إياه، وإن كان غائبا خبأ له، قال: وجعل منها قصعتين، قال فأكلنا منهما أجمعون وشبعنا وفضل في القصعتين فجعلناه على البعير، أو
__________
(1) أخرجه البخاري في المناقب - باب علامات النبوة في الاسلام حديث 3581، وأخرجه مسلم في الاشربة حديث 176 ص 1627.

كما قال (1) * وقد أخرجه البخاري ومسلم من حديث معتمر بن سليمان.
حديث آخر في تكثير الطعام في السفر قال الامام أحمد: حدثنا فزارة بن عمرو، أنا فليح، عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن
أبي هريرة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة غزاها فأرمل فيها المسلمون واحتاجوا إلى الطعام، فاستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في نحر الابل فأذن لهم، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: فجاء فقال: يا رسول الله إبلهم تحملهم وتبلغهم عدوهم ينحرونها ؟ ادع يا رسول الله بغبرات الزاد فادع الله عز وجل فيها بالبركة، قال: أجل، فدعا بغبرات الزاد فجاء الناس بما بقي معهم، فجمعه ثم دعا الله عز وجل فيه بالبركة ودعاهم بأوعيتهم فملاها وفضل فضل كثير، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أني عبد الله ورسوله، ومن لقي الله عز وجل بهما غير شاك دخل الجنة (2).
وكذلك رواه جعفر الفريابي عن أبي مصعب الزهري عن عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه سهيل به.
ورواه مسلم والنسائي جميعا عن أبي بكر بن أبي النضر عن أبيه عن عبيد الله الاشجعي عن مالك بن مغول عن طلحة بن مصرف عن أبي صالح، عن أبي هريرة به.
وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي: ثنا زهير، ثنا أبو معاوية عن الاعمش عن أبي صالح سعيد، أو عن أبي هريرة - شك الاعمش - قال: لما كانت غزوة تبوك أصاب الناس مجاعة فقالوا: يا رسول الله لو أذنت لنا فنحرنا نواضحنا فأكلنا وادهنا ؟ فقال: افعلوا فجاء عمر فقال: يا رسول الله إن فعلوا قل الظهر، ولكن ادعهم بفضل أزوادهم ثم ادع لهم عليها بالبركة لعل الله أن يجعل في ذلك البركة، فأمر رسول الله بنطع فبسط ودعا أزوادهم، قال: فجعل الرجل يجئ بكف التمر والآخر بالكسرة حتى اجتمع على النطع شئ من ذلك يسير، فدعا عليهم بالبركة ثم قال: خذوا في أوعيتكم، فأخذوا في أوعيتهم حتى ما تركوا في العسكر وعاء إلا ملاه، وأكلوا حتى شبعوا وفضلت فضلة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، لا يلقى الله بها عبد غير شاك فتحتجب عنه الجنة (3).
وهكذا رواه مسلم أيضا عن سهل بن عثمان وأبي كريب كلاهما عن أبي معاوية عن الاعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد وأبي هريرة فذكر مثله.
حديث آخر في هذه القصة قال الامام أحمد: ثنا علي بن إسحاق، ثنا عبد الله - هو ابن المبارك - أنا الاوزاعي، أنا
__________
(1) أخرجه البخاري في الهبة فتح الباري 5 / 230 ومسلم في الاشربة ص 1626 عن عبيد الله بن معاذ.
والامام أحمد في المسند 1 / 197 - 198.
(2) أخرجه أحمد في المسند 2 / 421 ومسلم في الاعيان ص 1 / 55 - 56.
(3) الحديث في صحيح مسلم في الايمان حديث 45 ص 1 / 56.

المطلب (1) بن حنطب المخزومي، حدثني عبد الرحمن بن أبي عمرة الانصاري، حدثني أبي قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة فأصاب الناس مخمصة فأستأذن الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم في نحر بعض ظهورهم وقالوا: يبلغنا الله به، فلما رأى عمر بن الخطاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد هم أن يأذن لهم في نحر بعض ظهورهم، قال: يا رسول الله كيف بنا إذا نحن لقينا العدو غدا جياعا رجالا ؟ ولكن إن رأيت يا رسول الله أن تدعو لنا ببقايا أزوادهم وتجمعها ثم تدعو الله فيها بالبركة، فإن الله سيبلغنا بدعوتك، أو سيبارك لنا في دعوتك، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم ببقايا أزوادهم فجعل الناس يجيئون بالحبة (2) من الطعام وفوق ذلك، فكان أعلاهم من جاء بصاع من تمر، فجمعها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قام فدعا ما شاء الله أن يدعو ثم دعا الجيش بأوعيتهم وأمرهم أن يحتثوا، فما بقي في الجيش وعاء إلا ملاوه، وبقي مثله، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أني رسول الله، لا يلقى الله عبد يؤمن بهما إلا حجبت عنه النار يوم القيامة (3).
وقد رواه النسائي من حديث عبد الله بن المبارك بإسناده نحو ما تقدم.
حديث آخر في هذه القصة قال الحافظ أبو بكر البزار: ثنا أحمد بن المعلى الادمي، ثنا عبد الله بن رجاء، ثنا سعيد بن سلمة، حدثني أبو بكر (4) - أظنه من ولد عمر بن الخطاب - عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن (5) أبي ربيعة أنه سمع أبا خنيس الغفاري أنه كان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تهامة حتى إذا كنا بعسفان جاءه أصحابه فقالوا: يا رسول الله جهدنا الجوع، فأذن لنا في الظهر أن نأكله، قال: نعم، فأخبر بذلك عمر بن الخطاب فجاء رسول الله فقال: يا نبي الله ما صنعت ؟ أمرت الناس أن
ينحروا الظهر، فعلى ما يركبون ؟ قال: فما ترى يا ابن الخطاب ؟ قال: أرى أن تأمرهم أن يأتوا بفضل أزوادهم فتجمعه في ثوب، ثم تدعو لهم، فأمرهم فجمعوا فضل أزوادهم في ثوب ثم دعا لهم ثم قال: أئتوا بأوعيتكم، فملا كل إنسان وعاءه، ثم أذن بالرحيل، فلما جاوز مطروا فنزل ونزلوا معه وشربوا من ماء السماء، فجاء ثلاثة نفر فجلس اثنان مع رسول الله وذهب الآخر معرضا، فقال رسول الله: ألا أخبركم عن النفر الثلاثة ؟ أما واحد فاستحى من الله فاستحى الله منه، وأما الآخر فأقبل تائبا فتاب الله عليه وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه.
ثم قال البزار:
__________
(1) في رواية البيهقي: المطلب بن عبد الله بن حنطب.
(2) في المسند: بالحثية.
(3) مسند الامام أحمد ج 3 / 418.
وأخرجه النسائي في السنن الكبرى عن أبي عمرة، وفي اليوم والليلة عن المطلب قال: حدثني عبد الرحمن بن أبي عمرة الانصاري قال: حدثني أبي...كذا في تحفة الاشراف 9 / 236.
(4) أبو بكر وهو بن عمرو بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن الخطاب.
(5) في رواية البيهقي: بن عبد الله بن أبي ربيعة.

لا نعلم روى أبو خنيس إلا هذا الحديث بهذا الاسناد (1) * وقد رواه البيهقي عن الحسين بن بشران عن أبي بكر الشافعي: ثنا إسحاق بن الحسن الخرزي، أنا أبو رحاء، ثنا سعيد بن سلمة، حدثني أبو بكر بن عمرو بن عبد الرحمن بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة أنه سمع أبا خنيس الغفاري فذكره.
حديث آخر عن عمر بن الخطاب في هذه القصة قال الحافظ أبو يعلى: ثنا ابن هشام - محمد بن يزيد الرفاعي -، ثنا ابن فضل، ثنا يزيد.
وهو ابن أبي زياد - عن عاصم بن عبيد الله بن عاصم عن أبيه عن جده عمر قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة فقلنا: يا رسول الله إن العدو قد حضر وهم شباع والناس جياع، فقالت
الانصار: ألا ننحر نواضحنا فنطعمها الناس ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان معه فضل طعام فليجئ به، فجعل الرجل يجئ بالمد والصاع وأقل وأكثر، فكان جميع ما في الجيش بضعا وعشرين صاعا، فجلس النبي صلى الله عليه وسلم إلى جنبه فدعا بالبركة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم خذوا ولا تنتهبوا، فجعل الرجل يأخذ في جرابه وفي غرارته، وأخذوا في أوعيتهم حتى أن الرجل ليربط كم قميصه فيملؤه، ففرغوا والطعام كما هو، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، لا يأتي بها عبد محق وقاه الله حر النار.
ووراه أبو يعلى أيضا عن إسحاق بن إسمعيل الطالقاني عن جرير عن يزيد بن أبي زياد فذكره.
وما قبله شاهد له بالصحة كما أنه متابع لما قبله.
والله أعلم.
حديث آخر عن سلمة بن الاكوع في ذلك قال الحافظ أبو يعلى: ثنا محمد بن بشار، ثنا يعقوب بن إسحاق الحضرمي القاري، ثنا عكرمة بن عمار، عن إياس بن سلمة عن أبيه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة خيبر فأمرنا أن نجمع ما في أزوادنا - يعني من التمر - فبسط نطعا نشرنا عليه أزوادنا قال: فتمطيت فتطاولت فنظرت فحزرته كربضة شاة ونحن أربع عشرة مائة قال: فأكلنا ثم تطاولت فنظرت فحزرته كربضة شاة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل من وضوء ؟ قال: فجاء رجل بنقطة في إداوته، قال: فقبضها فجعلها في قدح، قال: فتوضأنا كلنا ندغفقها دغفقة ونحن أربع عشرة مائة قال فجاء أناس فقالوا: يا رسول الله ألا وضوء ؟ فقال: قد فرغ الوضوء.
وقد رواه مسلم عن أحمد بن يوسف السلمي، عن النضر بن محمد، عن عكرمة بن عمار، عن إياس، عن أبيه سلمة، وقال: فأكلنا حتى شبعنا ثم حشونا جربنا.
وتقدم ما ذكره ابن إسحاق في حفر الخندق حيث قال: حدثني سعيد بن ميناء أنه قد حدث أن ابنة لبشير بن سعد - أخت النعمان بن بشير - قالت: دعتني أمي عمرة بنت رواحة فأعطتني جفنة من تمر في ثوبي ثم قالت: أي بنية، اذهبي إلى أبيك وخالك
__________
(1) الجزء الاخير من الحديث أخرجه البخاري في كتاب العلم فتح الباري 1 / 156.
ورواه البيهقي في الدلائل 6 / 122.

عبد الله بغدائهما قالت: فأخذتها فانطلقت بها فمررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا التمس أبي وخالي، فقال: تعالي يا بنية، ما هذا معك ؟ قالت: قلت يا رسول الله هذا تمر بعثتني به أمي إلى أبي بشير بن سعد وخالي عبد الله بن رواحة يتغديانه فقال: هاتيه، قالت: فصببته في كفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فما ملاتهما ثم أمر بثوب فبسط له ثم دعا بالتمر فنبذ فوق الثوب، ثم قال لانسان عنده: اصرخ في أهل الخندق أن هلم إلى الغداء، فاجتمع أهل الخندق عليه، فجعلوا يأكلون منه وجعل يزيد حتى صدر أهل الخندق عنه وإنه ليسقط من أطراف الثوب.
قصة جابر ودين أبيه وتكثيره عليه السلام التمر قال البخاري في دلائل النبوة: حدثنا أبو نعيم، ثنا زكريا، حدثني عامر، حدثني جابر أن أباه توفي وعليه دين فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت، إن أبي ترك عليه دينا وليس عندي إلا ما يخرج نخله، ولا يبلغ ما يخرج سنين ما عليه، فانطلق معي لكيلا يفحش علي الغرماء، فمشى حول بيدر من بيادر التمر، فدعا ثم آخر، ثم جلس عليه فقال: أنزعوا فأوفاهم الذي لهم وبقي مثل ما أعطاهم (1).
هكذا رواه هنا مختصرا.
وقد أسنده من طرق عن عامر بن شراحيل الشعبي عن جابر.
وهذا الحديث قد روي من طرق متعددة عن جابر بألفاظ كثيرة، وحاصلها أنه ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعائه له ومشيه في حائطه وجلوسه على تمره وفي الله دين أبيه، وكان قد قتل بأحد، وجابر كان لا يرجو وفاءه في ذلك العام ولا ما بعده، ومع هذا فضل له من التمر أكثر فوق ما كان يؤمله ويرجوه ولله الحمد والمنة.
قصة سلمان في تكثيره صلى الله عليه وسلم القطعة من الذهب لوفاء دينه في مكاتبته.
قال الامام أحمد: حدثنا يعقوب، حدثنا أبي، عن ابن إسحاق، حدثني يزيد بن أبي حبيب - [ عن ] (2) رجل من عبد القيس، عن سلمان قال: لما قلت: وأين تقع هذه من الذي علي يا رسول الله ؟ أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلبها على لسانه ثم قال: خذها فأوفهم منها، فأخذتها فأوفيتهم منها حقهم أربعين أوقية (3).
__________
(1) أخرجه البخاري في علامات النبوة - المناقب فتح الباري ح 3580.
ورواه في الجهاد، وفي المغازي والنكاح والاشربة.
وأخرجه في البيوع عن عبدان، عن جرير، وفي الاستقراض عن أبي عوانة عن مغيرة.
وفي المغازي عن عبيد الله بن موسى.
وأخرج ابن سعد في الطبقات ج 3 / 563 عن جابر بنحوه.
وأبو نعيم في الدلائل ص 156 عنه أطول منه.
(2) من المسند 5 / 444.
(3) الخبر رواه أحمد في مسنده 5 / 444 وابن هشام في السيرة 1 / 241.

ذكر مزود أبي هريرة وتمره قال الامام أحمد: حدثنا يونس، حدثنا حماد - يعني ابن زيد - عن المهاجر، عن أبي العالية عن أبي هريرة قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بتمرات فقال: [ قلت ] (1) ادع الله لي فيهن بالبركة قال: فصفهن بين يديه ثم دعا فقال لي: اجعلهن في مزود وأدخل يدك ولا تنثره قال: فحملت منه كذا كذا وسقا في سبيل الله ونأكل ونطعم، وكان لا يفارق حقوي.
فلما قتل عثمان رضي الله عنه انقطع عن حقوي فسقط (2) * ورواه الترمذي عن عمران بن موسى القزاز البصري.
عن حماد بن زيد، عن المهاجر عن أبي مخلد، عن رفيع أبي العالية عنه.
وقال الترمذي: حسن غريب من هذا الوجه.
طريق أخرى عنه قال الحافظ أبو بكر البيهقي: أخبرنا أبو الفتح هلال بن محمد بن جعفر الحفار، أنا الحسين بن يحيى بن عباس القطان، ثنا حفص بن عمرو (3)، ثنا سهل بن زياد، ثنا أيوب السختياني، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة فأصابهم عوز من الطعام فقال: يا أبا هريرة عندك شئ ؟ قال: قلت شئ من تمر في مزود لي، قال: جئ به، قال: فجئت بالمزود، قال: هات نطعا، فجئت بالنطع فبسطته، فأدخل يده فقبض على التمر، فإذا هو واحد وعشرون، [ ثم قال: بسم الله ] (4) فجعل يضع كل تمرة ويسمي، حتى
أتى على التمر، فقال به هكذا فجمعه، فقال: ادع فلانا وأصحابه، فأكلوا حتى شبعوا وخرجوا، ثم قال: ادع فلانا وأصحابه، فأكلوا حتى شبعوا وخرجوا، ثم قال: ادع فلانا وأصحابه فأكلوا وشبعوا وخرجوا، ثم قال: ادع فلانا وأصحابه فأكلوا وشبعوا وخرجوا (5)، وفضل، ثم قال لي: اقعد، فقعدت فأكل وأكلت، قال: وفضل تمر فأدخلته في المزود وقال لي: يا أبا هريرة إذا أردت شيئا فأدخل يدك وخذه ولا تكفى فيكفى عليك، قال: فما كنت أريد تمرا إلا أدخلت يدي فأخذت منه خمسين وسقا في سبيل الله، قال: وكان معلقا خلف رحلي فوقع في زمن عثمان فذهب.
__________
(1) من رواية البيهقي 6 / 109.
(2) رواه الترمذي في مناقب أبي هريرة 5 / 585.
والامام أحمد في مسنده ج 2 / 352 - وأبو نعيم في الدلائل ص 155 - المزود: هو الوعاء من جلد وغيره يجعل فيه الزاد.
وحقوي أي وسطي، والمراد موضع شد الازار.
(3) من الدلائل 6 / 110.
(4) من الدلائل سقطت من الاصل.
(5) في الدلائل العبارة: ثم دعا...كررت فقط ثلاث مرات.

طريق أخرى عن أبي هريرة في ذلك روى البيهقي من طريقين: عن سهل بن أسلم العدوي، عن يزيد بن أبي منصور، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: أصبت بثلاث مصيبات في الاسلام لم أصب بمثلهن: موت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنت صويحبه، وقتل عثمان، والمزود، قالوا: وما المزود يا أبي هريرة ؟ قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فقال: يا أبا هريرة أمعك شئ ؟ قال: قلت تمر في مزود، قال: جئ به، فأخرجت تمرا فأتيته به، قال: فمسه ودعا فيه ثم قال: ادع عشرة، فدعوت عشرة فأكلوا حتى شبعوا ثم كذلك حتى أكل الجيش كله وبقي من تمر معي في المزود، فقال أبا هريرة إذا أردت أن تأخذ منه شيئا فأدخل يدك فيه ولا تكفه قال: فأكلت منه حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وأكلت منه حياة أبي
بكر كلها، وأكلت منه حياة عمر كلها، وأكلت منه حياة عثمان كلها، فلما قتل عثمان انتهب ما في يدي (1) وانتهب المزود، ألا أخبركم كم أكلت منه ؟ أكلت منه أكثر من مائتي وسق.
طريق أخرى قال الامام أحمد: ثنا أبو عامر، ثنا إسمعيل - يعني ابن مسلم - عن أبي المتوكل عن أبي هريرة قال: أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من تمر، فجعلته في مكتل فعلقناه في سقف البيت فلم نزل نأكل منه حتى كان آخره إصابة أهل الشام حيث أغاروا بالمدينة.
تفرد به أحمد.
حديث عن العرباض بن سارية في ذلك رواه الحافظ بن عساكر في ترجمته من طريق محمد بن عمر الواقدي حدثني ابن أبي سبرة عن موسى بن سعد عن العرباض قال: كنت ألزم باب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحضر والسفر، فرأينا ليلة ونحن بتبوك أو ذهبنا لحاجة فرجعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تعشى ومن عنده، فقال: أين كنت منذ الليلة ؟ فأخبرته، وطلع جعال بن سراقة وعبد الله بن معقل المزني، فكنا ثلاثة كلنا جائع، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت أم سلمة فطلب شيئا نأكله فلم يجده، فنادى بلالا: هل من شئ ؟ فأخذ الجرب ينقفها فاجتمع سبع تمرات فوضعها في صحفة ووضع عليهم يده وسمى الله وقال: كلوا باسم الله، فأكلنا، فأحصيت أربعا وخمسين تمرة، كلها أعدها ونواها في يدي الاخرى وصاحباي يصنعان ما أصنع، فأكل كل منها خمسين تمرة، ورفعنا أيدينا فإذا التمرات السبع كما هن، يا بلال ارفعهن في جرابك، فلما كان الغد وضعهن في الصحفة وقال: كلوا بسم الله، فأكلنا حتى شبعنا وإنا لعشرة ثم رفعنا أيدينا وإنهن كما هن سبع، فقال: لولا أني أستحي من ربي عز وجل لاكلت من هذه التمرات حتى نرد إلى المدينة عن آخرنا، فلما
__________
(1) في دلائل البيهقي 6 / 110 - 111: بيتي.

رجع إلى المدينة طلع غليم من أهل المدينة فدفعهن إلى ذلك الغلام فانطلق يلوكهن.
حديث آخر
روى البخاري ومسلم من حديث أبي أسامة عن هشام بن عروة، عن أبيه عن عائشة قالت له: لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما في بيتي شئ يأكله ذو كبد إلا شطر شعير في رف لي فأكلت منه حتى طال علي فكلته ففني.
حديث آخر روى مسلم في صحيحه، عن سلمة بن شبيب، عن الحسن بن أعين، عن معقل، عن أبي الزبير، عن جابر: أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستطعمه فأطعمه شطر وسق شعير فما زال الرجل يأكل منه وامرأته وضيفهما حتى كاله فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لو لم تكله لاكلتم منه ولقام لكم.
وبهذا الاسناد عن جابر أن أم مالك كانت تهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في عكتها سمنا فيأتيها بنوها فيسألون الادم وليس عندها شئ فتعمد إلى التي كانت تهدي فيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فتجد فيه سمنا فما زال يقيم لها أدم بيتها حتى عصرتها، فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أعصرتيها ؟ قالت: نعم، فقال لو تركتيها ما زالت قائمة (1).
وقد رواهما الامام أحمد عن موسى.
عن ابن لهيعة، عن أبي الزبير، عن جابر.
حديث آخر قال البيهقي: أنا أبو عبد الله الحافظ، أنا أبو جعفر البغدادي، ثنا يحيى بن عثمان بن صالح، ثنا حسان بن عبد الله، ثنا ابن لهيعة، ثنا يونس بن يزيد، ثنا أبو إسحق، عن سعيد بن الحرث بن عكرمة عن جده نوفل بن الحرث بن عبد المطلب: أنه استعان رسول الله في التزويج فأنكحه امرأة فالتمس شيئا فلم يجده فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا رافع وأبا أيوب بدرعه فرهناها عند رجل من اليهود بثلاثين صاعا من شعير، فدفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، قال: فطعمنا منه نصف سنة ثم كلناه فوجدناه كما أدخلناه، قال نوفل: فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: لو لم تكله لاكلت منه ما عشت (2).
حديث آخر قال الحافظ البيهقي في الدلائل: أنا عبد الله بن يوسف الاصفهاني، أنا أبو سعيد بن
__________
(1) رواهما مسلم في صحيحه، في كتاب الفضائل 4 / 1784.
والجزء الاول رواه أحمد في مسنده 3 / 337، 347 والقسم الاخير منه 3 / 347.
(3) رواه البيهقي في الدلائل ج 6 / 114.

الاعرابي، ثنا عباس بن محمد الدوري، أنا أحمد بن عبد الله بن يونس، أنا أبو بكر بن عياش، عن هشام - يعني ابن حسان - عن ابن سيرين عن أبي هريرة قال: أتى رجل أهله فرأى ما بهم من الحاجة، فخرج إلى البرية، فقالت امرأته: اللهم ارزقنا ما نعتجن ونختبز، قال: فإذا الجفنة ملاى خميرا والرحا تطحن، والتنور ملاى خبزا وشواء، قال: فجاء زوجها فقال: عندكم شئ ؟ قالت: نعم رزق الله، فرفع الرحا فكنس ما حوله، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: لو تركها لدارت إلى يوم القيامة.
وأخبرنا علي بن أحمد بن عبدان، أنا أحمد بن عبيد الصفار، ثنا أبو إسمعيل الترمذي، ثنا أبو صالح عبد الله بن صالح، حدثني الليث بن سعد، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة: أن رجلا من الانصار كان ذا حاجة، فخرج، [ يوما ] وليس عند أهله شئ، فقالت امرأته: لو حركت رحاي وجعلت في تنوري سعفات فسمع جيراني صوت الرحا ورأوا الدخان، فظنوا أن عندنا طعاما وليس بنا خصاصة ؟ فقامت إلى تنورها فأوقدته وقعدت تحرك الرحا، قال: فأقبل زوجها وسمع الرحا، فقامت إليه لتفتح له الباب، فقال: ماذا كنت تطحنين ؟ فأخبرته، فدخلا وإن رحاهما لتدور وتصب دقيقا، فلم يبق في البيت وعاء إلا ملئ، ثم خرجت إلى تنورها فوجدته مملوءا خبزا، فأقبل زوجها فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، قال: فما فعلت الرحا ؟ قال: رفعتها ونفضتها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو تركتموها ما زالت لكم حياتي، أو قال حياتكم (1) * وهذا الحديث غريب سندا ومتنا.
حديث آخر وقال مالك: عن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضافه ضيف كافر فأمر بشاة فحلبت فشرب حلابها (2)، ثم أخرى فشرب حلابها، ثم أخرى
فشرب حلابها، حتى شرب حلاب سبع شياه، ثم إنه أصبح فأسلم فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر له بشاة فحلبت فشرب حلابها، ثم أمر له بأخرى فلم يستتمها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن المسلم يشرب في معا واحد، والكافر بشرب في سبعة أمعاء (3) * ورواه مسلم من حديث مالك.
حديث آخر قال الحافظ البيهقي: أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان، ثنا أحمد بن عبيد الصفار، حدثني محمد بن الفضل بن حاتم (4)، ثنا الحسين بن عبد الاول، ثنا حفص بن غياث، ثنا الاعمش.
__________
(1) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 105 - 106 في باب ما جاء في دعاء المرأة بالرزق.
(2) حلابها: الحلاب الاناء الذي يحلب فيه اللبن.
(3) رواه مسلم في صحيحه - كتاب الاشربة ح 2062 ص 3 / 1632.
(4) في الدلائل للبيهقي 6 / 117: جابر.

عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: ضاف النبي صلى الله عليه وسلم أعرابي، قال: فطلب له شيئا فلم يجد إلا كسرة في كوة قال: فجزأها رسول الله صلى الله عليه وسلم أجزاء، ودعا عليها وقال: كل ! قال فأكل فأفضل.
قال فقال: يا محمد إنك لرجل صالح، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أسلم، فقال: إنك لرجل صالح * ثم رواه البيهقي من حديث سهل بن عثمان عن حفص بن غياث باسناده نحوه.
حديث آخر قال الحافظ البيهقي: أنا أبو عبد الله الحافظ، أنا أبو علي الحسين بن علي الحافظ، قال وفيما ذكر عبدان الاهوازي، ثنا محمد بن زياد البرجمي، ثنا عبيد الله بن موسى، عن مسعر.
عن زبيد عن مرة، عن عبد الله بن مسعود قال: أضاف النبي صلى الله عليه وسلم ضيف، فأرسل إلى أزواجه يبتغي عندهن طعاما فلم يجد عند واحدة منهن شيئا، فقال: اللهم إني أسألك من فضلك ورحمتك فإنه لا يملكها إلا أنت، قال: فأهديت له شاة مصلية فقال: هذا من فضل الله ونحن ننتظر الرحمة.
قال أبو علي: حدثنيه محمد بن عبدان الاهوازي عنه، قال: والصحيح عن زبيد مرسلا، حدثناه
محمد بن عبدان حدثنا أبي، ثنا الحسن بن الحرث الاهوازي، أنا عبيد الله بن موسى، عن مسعر، عن زبيد فذكره مرسلا (1).
حديث آخر قال البيهقي: أنا أبو عبد الرحمن السلمي، ثنا أبو عمرو بن حمدان، أنا الحسن بن سفيان، ثنا إسحاق بن منصور، ثنا سليمان بن عبد الرحمن، ثنا عمرو بن بشر بن السرح، ثنا الوليد بن سليمان بن أبي السائب، ثنا واثلة بن الخطاب، عن أبيه، عن جده واثلة بن الاسقع قال: حضر رمضان ونحن في أهل الصفة فصمنا فكنا إذا أفطرنا أتي كل رجل منا رجل من أهل البيعة فانطلق به فعشاه فأتت علينا ليلة لم يأتنا أحد، وأصبحنا صياما (2)، وأتت علينا القابلة فلم يأتنا أحد، فانطلقنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرناه بالذي كان من أمرنا، فأرسل إلى كل امرأة من نسائه يسألها هل عندها شئ فما بقيت منهن امرأة إلا أرسلت تقسم: ما أمسى في بيتها ما يأكل ذو كبد، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجتمعوا فدعا وقال: اللهم إني أسألك من فضلك ورحمتك، فانها بيدك لا يملكها أحد غيرك، فلم يكن إلا ومستأذن يستأذن فإذا بشاة مصلية ورغف، فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعت بين أيدينا، فأكلنا حتى شبعنا، فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا سألنا الله من فضله ورحمته، فهذا فضله، وقد ادخر لنا عنده رحمته (3).
__________
(1) دلائل النبوة باب ما جاء في إجابة الله تعالى دعاء رسول الله صلى الله عليه وآله حين ضافه ضيف...6 / 128 - 129.
(2) من الدلائل 6 / 129 وفي الاصل صباحا.
(3) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 129 ورواه الطبراني واسناده حسن.

حديث الذراع قال الامام أحمد: حدثنا إسماعيل، ثنا [ يحيى بن أبي كثير عن أبي إسحاق ] (1)، حدثني رجل من بني غفار في مجلس سالم بن عبد الله، قال: حدثني فلان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بطعام من خبز ولحم فقال: ناولني الذراع فنوول ذراعا [ فأكلها ] قال يحيى: لا أعلمه إلا هكذا، ثم
قال: ناولني الذراع، فنوول ذراعا فأكلها ثم قال: ناولني الذراع، فقال: يا رسول الله إنما هما ذراعان، فقال وأبيك لو سكت ما زلت أناول منها ذراعا ما دعوت به، فقال سالم: أما هذه فلا، سمعت عبد الله بن عمر يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم.
هكذا وقع إسناد هذا الحديث وهو عن مبهم عن مثله، وقد روي من طرق أخرى * قال الامام أحمد (2): حدثنا خلف بن الوليد، حدثنا أبو جعفر - يعني الرازي - عن شرحبيل عن أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم، قال: أهديت له شاة فجعلها في القدر فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذا يا أبا رافع ؟ قال: شاة أهديت لنا يا رسول الله فطبختها في القدر، فقال: ناولني الذراع يا أبا رافع، فناولته الذراع، ثم قال: ناولني الذراع الآخر فناولته الذراع الآخر، ثم قال: ناولني الذراع الآخر، فقال: يا رسول الله إنما للشاة ذراعان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما إنك لو سكت لناولتني ذراعا فذراعا ما سكت، ثم دعا بماء فمضمض فاه، وغسل أطراف أصابعه ثم قام فصلى، ثم عاد إليهم فوجد عندهم لحما باردا فأكل ثم دخل المسجد فصلى ولم يمس ماء.
طريق أخرى عن أبي رافع قال الامام أحمد: ثنا مؤمل ثنا حماد، حدثني عبد الرحمن بن أبي رافع، عن عمته، عن أبي رافع قال: صنع لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة مصلية فأتى بها فقال لي: يا أبا رافع ناولني الذراع، فناولته، ثم قال: يا أبا رافع ناولني الذراع فناولته، ثم قال: يا أبا رافع ناولني الذراع، فقلت: يا رسول الله وهل للشاة إلا ذراعان ؟ ! فقال: لو سكت لناولتني منها ما دعوت به، قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه الذراع (3)، قلت: ولهذا لما علمت اليهود عليهم لعائن الله بخيبر سموه في الذراع في تلك الشاة التي أحضرتها زينب اليهودية فأخبره الذراع بما فيه من السم، لما نهس منه نهسة، كما قدمنا ذلك في غزوة خيبر مبسوطا.
طريق أخرى قال الحافظ أبو يعلى: ثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا زيد بن الحباب، حدثني قائد مولى عبيد الله بن أبي رافع، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق بشاة في مكتل فقال: يا أبا رافع
__________
(1) من مسند أحمد 2 / 48، وفي الاصل: يحيى بن اسحاق.
(2) في المسند 6 / 392.
(3) مسند الامام أحمد ج 6 / 8.

ناولني الذراع فناولته، ثم قال: يا أبا رافع ناولني الذراع فناولته، ثم قال: يا أبا رافع ناولني الذراع، فقلت: يا رسول الله أللشاة إلا ذراعان ؟ فقال: لو سكت ساعة ناولتنيه ما سألتك.
فيه انقطاع من هذا الوجه * وقال أبو يعلى أيضا: ثنا محمد بن أبي بكر المقدمي، ثنا فضيل بن سليمان، ثنا قايد مولى عبيد الله، حدثني عبيد الله أن جدته سلمى أخبرته أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى أبي رافع بشاة، وذلك يوم الخندق فيما أعلم، فصلاها أبو رافع ليس معها خبز ثم انطلق بها، فلقيه النبي صلى الله عليه وسلم راجعا من الخندق فقال: يا أبا رافع ضع الذي معك، فوضعه ثم قال: يا أبا رافع ناولني الذراع فناولته، ثم قال: يا أبار رافع ناولني الذراع فناولته، ثم قال: يا أبا رافع ناولني الذراع، فقلت: يا رسول الله هل للشاة غير ذراعين ؟ فقال: لو سكت لناولتني ما سألتك * وقد روي من طريق أبي هريرة.
قال الامام أحمد: ثنا الضحاك، ثنا ابن عجلان عن أبيه عن أبي هريرة أن شاة طبخت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطني الذراع، فناولته إياه، فقال: أعطني الذراع فناولته إياه، ثم قال: أعطني الذراع، فقال: يا رسول الله إنما للشاة ذراعان، قال: أما إنك لو التمستها لوجدتها (1).
حديث آخر قال الامام أحمد: حدثنا وكيع عن دكين بن سعيد الخثعمي، قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن أربعون وأربعمائة نسأله الطعام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: قم فأعطهم، فقال: يا رسول الله ما عندي إلا ما يقيظني والصبية، قال وكيع: القيظ في كلام العرب أربعة أشهر، قال: قم فأعطهم، قال: يا رسول الله سمعا وطاعة، قال: فقام عمر وقمنا فصعد بنا إلى غرفة له فأخرج المفتاح من حجزته ففتح الباب، قال دكين: فإذا في الغرفة من التمر شبيه بالفصيل الرابض،
قال: شأنكم، قال: فأخذ كل رجل منا حاجته ما شاء ثم التفت وإني لمن آخرهم فكأنا لم نرزأ منه تمرة (2).
ثم رواه أحمد عن محمد ويعلى أبي عبيد عن إسماعيل - وهو ابن أبي خالد - عن قيس - وهو ابن أبي حازم - عن دكين به.
ورواه أبو داود عن عبد الرحيم بن مطرف الرواسي عن عيسى بن يونس عن إسماعيل به.
حديث آخر قال علي بن عبد العزيز: ثنا أبو نعيم، ثنا حشرج بن نباتة، ثنا أبو نضرة، حدثني أبو رجاء قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى دخل حائطا لبعض الانصار، فإذا هو برسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تجعل لي إن أرويت حائطك هذا ؟ قال: إني أجهد أن أرويه فما أطيق ذلك، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم تجعل لي مائة تمرة أختارها من تمرك ؟ قال: نعم، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم
__________
(1) مسند الامام أحمد 2 / 517.
(2) مسند الامام أحمد ج 4 / 174.

الغرب، فما لبث أن أرواه حتى قال الرجل: غرقت حائطي، فاختار رسول الله صلى الله عليه وسلم من تمرة مائة تمرة، قال: فأكل هو وأصحابه حتى شبعوا ثم رد عليه مائة تمرة، كما أخذها.
هذا حديث غريب أورده الحافظ ابن عساكر في دلائل النبوة من أول تاريخه بسنده عن علي بن عبد العزيز البغوي، كما أوردناه.
وقد تقدم في ذكر إسلام سلمان الفارسي ما كان من أمر النخيل التي غرسها رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده الكريمة لسلمان فلم يهلك منهن واحدة.
بل أنجب الجميع وكن ثلثمائة، وما كان من تكثيره الذهب حين قلبه على لسانه الشريف حتى قضى منه سلمان ما كان عليه من نجوم كتابته وعتق رضي الله عنه وأرضاه.
باب انقياد الشجر لرسول الله صلى الله عليه وسلم قد تقدم الحديث الذي رواه مسلم من حديث حاتم بن إسمعيل، عن أبي حزرة يعقوب بن مجاهد، عن عبادة بن الوليد بن عبادة عن جابر بن عبد الله قال: سرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى نزلنا واديا
أفيح فذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقضي حاجته فاتبعته باداوة من ماء فنظر فلم ير شيئا يستتر به، وإذا شجرتان بشاطئ الوادي فانطلق إلى إحداهما فأخذ بغصن من أغصانها، وقال: انقادي علي بإذن الله، فانقادت معه كالبعير المخشوش الذى يصانع قائده، حتى أتى الشجرة الاخرى فأخذ بغصن من أغصانها وقال: انقادي علي بإذن الله، فانقادت معه كالبعير المخشوش الذي يصانع قائده، حتى إذا كان بالمنتصف فيما بينهما لام بينهما - يعني جمعهما -، وقال: التئما علي بإذن الله فالتأمتا، قال جابر: فخرجت أحضر مخافة أن يحس بقربي فيبعد، فجلست أحدث نفسي فحانت مني لفتة، فإذا أنا برسول الله مقبل، وإذا الشجرتان قد افترقتا وقامت كل واحدة منهما على ساق، فرأيت رسول الله وقف وقفة وقال برأسه هكذا يمينا وشمالا.
وذكر تمام الحديث في قصة الماء وقصة الحوت الذي دسره البحر كما تقدم ولله الحمد والمنة.
حديث آخر قال الامام أحمد: حدثنا أبو معاوية، ثنا الاعمش عن أبي سفيان - وهو طلحة بن نافع - عن أنس قال: جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم وهو جالس حزين قد خضب بالدماء من ضربة بعض أهل مكة، قال: فقال له: مالك ؟ فقال: فعل بي هؤلاء وفعلوا، قال: فقال له جبريل أتحب أن أريك آية ؟ قال: فقال: نعم، قال: فنظر إلى شجرة من وراء الوادي فقال: ادع تلك الشجرة، فدعاها قال: فجاءت تمشي حتى قامت بين يديه، فقال: مرها فلترجع فأمرها فرجعت إلى مكانها.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: حسبي (1).
وهذا إسناد على شرط مسلم ولم يروه إلا ابن ماجة عن محمد بن طريف عن أبي معاوية.
__________
(1) مسند الامام أحمد ج 3 / 113 ورواه ابن ماجة في الفتن ح 4028 وفي الزوائد قال: هذا اسناد صحيح إن كان أبو سفيان واسمه طلحة بن نافع سمع من جابر.

حديث أخر روى البيهقي من حديث حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن أبي رافع، عن عمر بن
الخطاب أن رسول الله كان على الحجون كئيبا لما أذاه المشركون، فقال: اللهم أرني اليوم آية لا أبالي من كذبني بعدها، قال: فأمر فنادى شجرة من قبل عقبة المدينة، فأقبلت تخد الارض حتى انتهت إليه، قال: ثم أمرها فرجعت إلى موضعها، قال: فقال: ما أبالي من كذبني بعدها من قومي.
ثم قال البيهقي: أنا الحاكم وأبو سعيد بن عمرو، قالا: ثنا الاصم، ثنا أحمد بن عبد الجبار عن يونس بن بكير، عن مبارك بن فضالة عن الحسن قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بعض شعاب مكة وقد دخله من الغم ما شاء الله من تكذيب قومه إياه، فقال: يا رب أرني ما أطمئن إليه ويذهب عني هذا الغم، فأوحى الله إليه: ادع إليك أي أغصان هذه الشجرة شئت، قال: فدعا غصنا فانتزع من مكانه ثم خد في الارض حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله: ارجع إلى مكانك، فرجع، فحمد الله رسول الله وطابت نفسه، وكان قد قال المشركون: أفضلت أباك وأجدادك يا محمد، فأنزل الله: * (أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون) * الآيات [ الزمر: 64 ] * قال البيهقي: وهذا المرسل يشهد له ما قبله (1).
حديث آخر قال الامام أحمد: ثنا أبو معاوية، ثنا الاعمش عن أبي ظبيان - وهو حصين بن جندب - عن ابن عباس قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل من بني عامر فقال: يا رسول الله أرني الخاتم الذي بين كتفيك، فإني من أطب الناس، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أريك آية ؟ قال: بلى، قال: فنظر إلى نخلة فقال: ادع ذلك العذق، فدعاه فجاء ينقز بين يديه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ارجع، فرجع إلى مكانه، فقال العامري: يا آل بني عامر، ما رأيت كاليوم رجلا اسحر من هذا (2).
هكذا رواه الامام أحمد، وقد أسنده البيهقي من طريق محمد بن أبي عبيدة عن أبيه، عن الاعمش، عن أبي ظبيان عن ابن عباس، قال: جاء رجل من بني عامر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن عندي طبا وعلما فما تشتكي ؟ هل يريبك من نفسك شئ إلى ما تدعو ؟ قال: أدعو إلى الله والاسلام، قال: فإنك لتقول قولا فهل لك من آية ؟ قال: نعم، إن شئت أريتك آية، وبين يديه شجرة، فقال لغصن منها: تعالى يا غصن، فانقطع الغصن من الشجرة، ثم أقبل
ينقز حتى قام بين يديه، فقال: ارجع إلى مكانك فرجع، فقال العامري: يا آل عامر بن صعصعة لا ألومك على شئ قلته أبدا (3).
وهذا يقتضي أنه سالم الامر ولم يجب من كل وجه.
وقد
__________
(1) دلائل البيهقي ج 6 / 13 - 14.
(2) مسند الامام أحمد ج 1 / 223.
(3) دلائل البيهقي ج 6 / 16.

قال البيهقي: أنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان، أنا أحمد بن عبيد الصفار، ثنا ابن أبي قماش ثنا ابن عائشة عن عبد الواحد بن زياد، عن الاعمش، عن سالم بن أبي الجعد عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى رسول الله فقال: ما هذا الذي يقول أصحابك ؟ قال: وحول رسول الله أعذاق وشجر، قال: فقال رسول الله: هل لك أن أريك آية ؟ قال: نعم، قال: فدعا عذقا منها فأقبل يخد الارض حتى وقف بين يديه يخد الارض ويسجد ويرفع رأسه حتى وقف بين يديه ثم أمره فرجع، قال: العامري وهو يقول: يا آل عامر بن صعصعة والله لا أكذبه بشئ يقوله أبدا (1).
طريق أخرى فيها أن العامري أسلم قال البيهقي: أخبرنا أبو نصر بن قتادة، أنا أبو علي حامد بن محمد بن الوفا (2)، أنا علي بن عبد العزيز، ثنا محمد بن سعيد بن الاصبهاني، أنا شريك، عن سماك، عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال: جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بما أعرف أنك رسول الله ؟ قال: أرأيت إن دعوت هذا العذق من هذه النخلة أتشهد أني رسول الله ؟ قال: نعم، قال فدعا العذق فجعل العذق ينزل من النخلة حتى سقط في الارض، فجعل ينقز حتى أتى رسول الله، ثم قال له: ارجع، فرجع حتى عاد إلى مكانه، فقال: أشهد أنك رسول الله، وآمن * قال البيهقي، رواه البخاري في التاريخ عن محمد بن سعيد الاصبهاني (3)، قلت: ولعله قال أولا إنه سحر ثم تبصر لنفسه فأسلم وآمن لما هداه الله عز وجل والله أعلم.
حديث آخر عن ابن عمر في ذلك قال الحاكم أبو عبد الله النيسابوري: أنا أبو بكر محمد بن عبد الله الوراق، أنا الحسين (4) بن سفيان، أنا أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن أبان الجعفي، ثنا محمد بن فضيل، عن أبي حيان، عن عطاء عن ابن عمر قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فأقبل أعرابي فلما دنا قال له رسول الله: أين تريد ؟ قال: إلى أهلي، قال: هل لك إلى خير ؟ قال: ما هو ؟ قال: تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله، قال: هل من شاهد على ما تقول ؟ قال: هذه الشجرة، فدعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي على شاطئ الوادي فأقبلت تخد
__________
(1) دلائل البيهقي 6 / 17.
(2) في الدلائل: أنبأنا أبو نصر عمر بن عبد العزيز بن قتادة، أنبأنا أبو علي حامد بن محمد الرفاء...(3) رواه البيهقي في الدلائل ج 6 / 15، والحاكم في المستدرك 2 / 620 وقال: " هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ".
(4) رواه البيهقي في الدلائل من طريق الحاكم، وفيه الحسن بن سفيان 6 / 14 - 15.

الارض خدا، فقامت بين يديه، فاستشهدها ثلاثا فشهدت أنه كما قال، ثم إنها رجعت إلى منبتها ورجع الاعرابي إلى قومه، فقال: إن يتبعوني أتيتك بهم وإلا رجعت إليك وكنت معك.
وهذا إسناد جيد ولم يخرجوه ولا رواه الامام أحمد.
والله أعلم.
باب حنين الجذع شوقا إلى رسول الله وشغفا من فراقه وقد ورد من حديث جماعة من الصحابة بطرق متعددة تفيد القطع عند أئمة هذا الشأن وفرسان هذا الميدان.
الحديث الاول عن أبي بن كعب قال الامام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي رحمه الله: حدثنا إبراهيم بن محمد،
قال: أخبرني عبد الله بن محمد بن عقيل عن الطفيل بن أبي كعب عن أبيه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي إلى جذع نخلة إذ كان المسجد عريشا، وكان يخطب إلى ذلك الجذع، فقال رجل من أصحابه: يا رسول الله هل لك أن نجعل لك منبرا تقوم عليه يوم الجمعة فتسمع الناس خطبتك ؟ قال: نعم، فصنع له ثلاث درجات هن اللاتي أعلى (1) المنبر، فلما صنع المنبر ووضع موضعه الذي وضعه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، بدا للنبي صلى الله عليه وسلم أن يقوم على ذلك المنبر فيخطب عليه، فمر إليه، فلما جاوز ذلك الجذع الذي كان يخطب إليه خار حتى تصدع وانشق، فنزل النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع صوت الجذع فمسحه بيده ثم رجع إلى المنبر، فلما هدم المسجد أخذ ذلك الجذع أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه، فكان عنده حتى بلي وأكلته الارضة وعاد رفاتا (2).
وهكذا رواه الامام أحمد بن حنبل عن زكريا بن عدي عن عبيد الله بن عمرو الرقي، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن الطفيل بن أبي بن كعب فذكره.
وعنده فمسحه بيده حتى سكن ثم رجع إلى المنبر، وكان إذا صلى صلى إليه، والباقي مثله، وقد رواه ابن ماجة عن إسماعيل بن عبد الله الرقي عن عبيد الله بن عمرو الرقي به.
الحديث الثاني عن أنس بن مالك قال الحافظ أبو يعلى الموصلي: ثنا أبو خيثمة، ثنا عمر بن يونس الحنفي: ثنا عكرمة بن عمار، ثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة، حدثنا أنس بن مالك: أن رسول الله كان يوم
__________
(1) من ابن ماجة، وفي الاصل على.
(2) رواه الامام أحمد في مسنده، 5 / 138 وابن ماجة في إقامة الصلاة حديث 1414.
والبيهقي في الدلائل 6 / 67.

الجمعة يسند ظهره إلى جذع منصوب في المسجد يخطب الناس، فجاءه رومي فقال: ألا أصنع لك شيئا تقعد عليه كأنك قائم ؟ فصنع له منبرا درجتان ويقعد على الثالثة، فلما قعد نبي الله على المنبر خار كخوار الثور، ارتج لخواره حزنا على رسول الله، فنزل إليه رسول الله من المنبر فالتزمه وهو يخور فلما التزمه سكت ثم قال: والذي نفس محمد بيده لو لم التزمه لما زال هكذا حتى يوم القيامة
حزنا على رسول الله، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فدفن (1)، وقد رواه الترمذي عن محمود بن غيلان عن عمر بن يونس به وقال: صحيح غريب من هذا الوجه.
طريق أخرى عن أنس قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده: ثنا هدبة، ثنا حماد، عن ثابت، عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يخطب إلى جذع نخلة، فلما اتخذ المنبر تحول إليه، فحن فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى احتضنه فسكن، وقال: لو لم أحتضنه لحن إلى يوم القيامة (2).
وهكذا رواه ابن ماجه عن أبي بكر بن خلاد، عن بهز بن أسد، عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس وعن حماد، عن عمار بن أبي عمار، عن ابن عباس به.
وهذا إسناد على شرط مسلم.
طريق أخرى عن أنس قال الامام أحمد: حدثنا هاشم، ثنا المبارك، عن الحسن، عن أنس بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب يوم الجمعة يسند ظهره إلى خشبة، فلما كثر الناس قال: ابنوا لي منبرا - أراد أن يسمعهم - فبنوا له عتبتين، فتحول من الخشبة إلى المنبر، قال: فأخبر أنس بن مالك أنه سمع الخشبة تحن حنين الواله، قال: فما زالت تحن حتى نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المنبر، فمشى إليها فاحتضنها فسكنت (3).
تفرد به أحمد، وقد رواه أبو القاسم البغوي عن شيبان بن فروخ، عن مبارك بن فضالة، عن الحسن عن أنس فذكره وزاد: فكان الحسن إذا حدث بهذا الحديث بكى ثم قال: يا عباد الله الخشبة تحن إلى رسول الله شوقا إليه لمكانه من الله، فأنتم أحق أن تشتاقوا إلى لقائه (4).
وقد رواه الحافظ أبو نعيم من حديث الوليد بن مسلم، عن سالم بن عبد الله الخياط، عن أنس بن مالك فذكره.
__________
(1) رواه البيهقي في الدلائل ج 2 / 558 والترمذي في المناقب باب (9).
(2) رواه ابن ماجة في إقامة الصلاة حديث 5، والبيهقي من طريق حماد عن عمار عن ابن عباس في الدلائل 2 / 558 - حن الجذع: من الحنين، وهو صوت كالانين يكون عند الشوق لمن يهواه إذا فارقه، ويوصف به الابل
كثيرا.
(3) رواه أحمد في مسنده ج 3 / 226.
(4) رواه البيهقي في الدلائل 2 / 559 من طريق ابن المبارك عن ابن فضالة عن الحسن عن أنس به.

طريق أخرى عن أنس قال أبو نعيم: ثنا أبو بكر بن خلاد، ثنا الحارث بن محمد بن أبي أسامة، ثنا يعلى بن عباد، ثنا الحكم عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إلى جذع فحن الجذع فاحتضنه وقال: لو لم أحتضنه لحن إلى يوم القيامة (1).
الحديث الثالث عن جابر بن عبد الله قال الامام أحمد: حدثنا وكيع، ثنا عبد الواحد بن أيمن، عن أبيه، عن جابر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب إلى جذع نخلة قال: فقالت امرأة من الانصار - وكان لها غلام نجار -: يا رسول الله إن لي غلاما نجارا أفآمره أن يتخذ لك منبرا تخطب عليه ؟ قال: بلى، قال: فاتخذ له منبرا، قال: فلما كان يوم الجمعة خطب على المنبر، قال: فأن الجذع الذي كان يقوم عليه كما يئن الصبي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن هذا بكى لما فقد من الذكر (2) * هكذا رواه أحمد، وقد قال البخاري: ثنا عبد الواحد بن أيمن، قال: سمعت أبي عن جابر بن عبد الله: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم يوم الجمعة إلى شجرة أو نخلة، فقالت امرأة من الانصار أو رجل: يا رسول الله ألا نجعل لك منبر ؟ قال: إن شئتم، فجعلوا له منبرا، فلما كان يوم الجمعة دفع إلى المنبر، فصاحت النخلة صياح الصبي، ثم نزل النبي صلى الله عليه وسلم فضمه إليه يئن أنين الصبي، الذي يسكن: قال: كانت تبكي على ما كانت تسمع من الذكر عندها (3) * وقد ذكره البخاري في غير ما موضع من صحيحه من حديث عبد الواحد بن أيمن عن أبيه وهو أيمن الحبشي المكي مولى ابن أبي عمرة المخزومي عن جابر به.
طريق اخرى عن جابر
قال البخاري: ثنا إسماعيل، حدثني أخي عن سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد، حدثني حفص بن عبيد الله بن أنس بن مالك: أنه سمع جابر بن عبد الله الانصاري يقول: كان المسجد مسقوفا على جذوع من نخل، فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب يقوم إلى جذع منها، فلما صنع له المنبر وكان عليه فسمعنا لذلك الجذع صوتا كصوت العشار، حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليها فسكنت.
تفرد به البخاري (4).
__________
(1) رواه أبو نعيم في الدلائل ص (142).
(2) رواه الامام أحمد في مسنده ج 3 / 300.
(3) أخرجه البخاري في الصلاة فتح الباري 1 / 543، وفي البيوع عن خلاد بن يحيى أيضا، وفي علامات النبوة في الاسلام عن أبي نعيم فتح الباري 6 / 601.
(4) في كتاب الجمعة، حديث 918 فتح الباري 2 / 397.
وفي علامات النبوة في الاسلام فتح الباري 6 / 602.
=

طريق أخرى عنه قال الحافظ أبو بكر البزار، ثنا محمد بن المثنى، ثنا أبو المساور، ثنا أبو عوانة، عن الاعمش عن أبي صالح - وهو ذكوان - عن جابر بن عبد الله وعن إسحاق عن كريب عن جابر قال: كانت خشبة في المسجد يخطب إليها النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: لو اتخذنا لك مثل الكرسي تقوم عليه ؟ ففعل فحنت الخشبة كما تحن الناقة الحلوج، فأتاها فاحتضنها فوضع يده عليها فسكنت.
قال أبو بكر البزار: وأحسب أنا قد حدثناه عن أبي عوانة عن الاعمش عن أبي صالح عن جابر، وعن أبي إسحاق عن كريب عن جابر بهذه القصة التي رواها أبو المساور عن أبي عوانة.
وحدثناه محمد بن عثمان بن كرامة، ثنا عبيد الله بن موسى، عن إسرائيل، عن أبي إسحق عن سعيد بن أبي كريب عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه.
والصواب إنما هو سعيد بن أبي كريب، وكريب خطأ ولا يعلم يروي عن سعيد بن أبي كريب إلا أبا إسحاق.
قلت: ولم يخرجوه من هذا الوجه وهو جيد.
طريق اخرى عن جابر قال الامام أحمد: ثنا يحيى بن آدم، ثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن أبي كريب عن جابر بن عبد الله قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إلى خشبة فلما جعل له منبر حنت حنين الناقة فأتاها فوضع يده عليها فسكنت.
تفرد به أحمد.
طريق اخرى عن جابر قال الحافظ أبو بكر البزار: ثنا محمد بن معمر، ثنا محمد بن كثير، ثنا سليمان بن كثير، عن الزهري عن سعيد بن المسيب، عن جابر بن عبد الله قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم إلى جذع قبل أن يجعل له المنبر فلما جعل المنبر حن الجذع حتى سمعنا حنينه، فمسح رسول الله صلى الله عليه وسلم يده عليه فسكن.
قال البزار: لا نعلم رواه عن الزهري إلا سليمان بن كثير * قلت: وهذا إسناد جيد رجاله على شرط الصحيح، ولم يروه أحد من أصحاب الكتب الستة، وقال الحافظ أبو نعيم في الدلائل: ورواه عبد الرزاق.
عن معمر، عن الزهري عن رجل سماه عن جابر ثم أورده من طريق أبي عاصم بن علي، عن سليمان بن كثير عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المسيب عن جابر مثله.
ثم قال: ثنا أبو بكر بن خلاد، ثنا أحمد بن علي الخراز، حدثنا عيسى بن المساور، ثنا الوليد بن مسلم، عن الاوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن جابر أن رسول الله كان يخطب إلى جذع فلما بنى المنبر حن لجذع فاحتضنه فسكن، وقال: لو أحتضنه لحن إلى يوم
__________
= ورواه البيهقي في السنن الكبرى 3 / 195.

القيامة * ثم رواه من حديث أبي عوانة عن الاعمش عن أبي صالح عن جابر، وعن أبي إسحاق عن كريب عن جابر مثله.
طريق أخرى عن جابر قال الامام أحمد: ثنا عبد الرزاق، أنا ابن جريج وروح قال: حدثنا ابن جريج: أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا خطب يستند إلى جذع نخلة من
سواري المسجد، فلما صنع له منبره واستوى عليه فاضطربت تلك السارية كحنين الناقة حتى سمعها أهل المسجد، حتى نزل إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتنقها فسكنت (1).
وقال روح: فسكتت * وهذا إسناد على شرط مسلم ولم يخرجوه.
طريق اخرى عن جابر قال الامام أحمد: ثنا ابن أبي عدي، عن سليمان عن أبي نضرة، عن جابر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم في أصل شجرة، أو قال: إلى جذع، ثم اتخذ منبرا قال: فحن الجذع، قال جابر حتى سمعه أهل المسجد حتى أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فمسحه فسكن، فقال بعضهم: لو لم يأته لحن إلى يوم القيامة (2).
وهذا على شرط مسلم ولم يروه إلا ابن ماجه عن بكير بن خلف، عن ابن أبي عدي، عن سليمان التيمي عن أبي نضرة المنذر بن مالك بن قطفة العبدي النضري عن جابر به.
الحديث الرابع عن سهل بن سعد قال أبو بكر بن أبي شيبة: ثنا سفيان بن عيينة عن أبي حازم قال: أتوا سهل بن سعد، فقالوا: من أي شئ منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستند إلى جذع في المسجد يصلي إليه إذا خطب، فلما اتخذ المنبر فصعد حن الجذع حتى أتاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوطنه حتى سكن (3).
وأصل هذا الحديث في الصحيحين وإسناده عن شرطهما، وقد رواه إسحاق بن راهويه وابن أبي فديك عن عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد، عن أبيه عن جده، ورواه عبد الله بن نافع وابن وهب، عن عبد الله بن عمر، عن ابن عباس بن سهل عن أبيه فذكره.
__________
(1) أخرجه النسائي في كتاب الجمعة - باب مقام الامام في الجمعة 3 / 102.
(2) رواه ابن ماجة في إقامة الصلاة حديث 1417 وقال في الزوائد: إسناده صحيح وابن أبي عدي ثقة.
وقال: وقد أخرجه النسائي عن جابر بسند آخر - وقد تقدم.
(3) من طريق سفيان أخرجه البخاري في الصلاة، باب الصلاة في السطوح والمنبر والخشب.
ومسلم في الصلاة باب 63 عن أبي بكر بن أبي شيبة، ورواه البخاري في الجمعة ح 917.
ومسلم في المساجد ص 1 / 386.
وابن ماجة في الصلاة ح 1416.

ورواه ابن لهيعة عن عمارة بن عرفة، عن ابن عباس بن سهل بن سعد عن أبيه بنحوه.
الحديث الخامس عن عبد الله بن عباس قال الامام أحمد: حدثنا عفان، ثنا حماد، عن عمار بن أبي عمار، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب إلى جذع قبل أن يتخذ المنبر، فلما اتخذ المنبر وتحول إليه حن عليه فأتاه فاحتضنه فسكن، قال: ولو لم أحتضنه لحن إلى يوم القيامة (1) * وهذا الاسناد على شرط مسلم ولم يروه إلا ابن ماجه من حديث حماد بن سلمة.
الحديث السادس عن عبد الله بن عمر قال البخاري: ثنا محمد بن المثنى، حدثنا يحيى بن كثير أبو غسان، ثنا أبو حفص واسمه عمر بن العلاء - أخو أبي عمرو بن العلاء - قال: سمعت نافعا عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب إلى جذع فلما اتخذ المنبر إليه، فحن الجذع فأتاه فمسح يده عليه.
وقال عبد الحميد: أنا عثمان بن عمر، أنا معاذ بن العلاء عن نافع بهذا.
ورواه أبو عاصم عن ابن أبي رواد، عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم (2).
هكذا ذكره البخاري * وقد رواه الترمذي عن عمرو بن علي الفلاس، عن عثمان بن عمرو ويحيى بن كثير، عن أبي غسان العنبري كلاهما عن معاذ بن العلاء به وقال: حسن صحيح غريب.
قال شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي في أطرافه: ورواه علي بن نصر بن علي الجهضمي، وأحمد بن خالد الخلال، وعبد الله بن عبد الرحمن الدارمي في آخرين عن عثمان بن عمر عن معاذ بن العلاء قال: وعبد الحميد هذا - يعني الذي ذكره البخاري - يقال: إنه عبد بن حميد والله أعلم.
قال شيخنا: وقد قيل إن قول البخاري: عن أبي حفص واسمه عمرو بن العلاء، وهم، والصواب معاذ بن العلاء كما وقع في رواية الترمذي * قلت: وليس هذا ثابتا في جميع النسخ، ولم أر في النسخ التي كتبت منها تسميته بالكلية والله أعلم.
وقد روى هذا الحديث الحافظ أبو نعيم من حديث عبد الله بن رجاء، عن عبيد الله بن
عمر، ومن حديث أبي عاصم عن ابن أبي رواد كلاهما عن نافع عن ابن عمر قال: قال تميم الداري ألا نتخذ لك منبرا.
فذكر الحديث.
__________
(1) مسند أحمد 1 / 249، 267، 363 وابن ماجة في الصلاة ح 1415.
(2) أخرجه البخاري في المناقب - علامات النبوة في الاسلام فتح الباري 6 / 601 وبهذا الاسناد أخرجه الترمذي في صلاة الجمعة، باب (10) ص 2 / 379.
- وعبد الحميد، جزم المزي ومن تبعه بأنه عبد بن حميد الحافظ المشهور وكان اسمه عبد الحميد، وقيل له عبد تخفيفا والحديث غير موجود في مسنده.
- ابن أبي رواد واسمه عبد العزيز، ورواد اسمه ميمون.
(3) أخرجه أحمد في مسنده ج 2 / 109.

طريق أخرى عن ابن عمر قال الامام أحمد: ثنا حسين، ثنا خلف عن أبي خباب - وهو يحيى بن أبي حية - عن أبيه عن عبد الله بن عمر قال: كان جذع نخلة في المسجد يسند رسول الله صلى الله عليه وسلم ظهره إليه إذا كان يوم جمعة أو حدث أمر يريد أن يكلم الناس، فقالوا: ألا نجعل لك يا رسول الله شيئا كقدر قيامك ؟ قال: لا عليكم أن تفعلوا، فصنعوا له منبرا ثلاث مراقي، قال: فجلس عليه، قال: فحار الجذع كما تخور البقرة جزعا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فالتزمه ومسحه حتى سكن.
تفرد به أحمد.
الحديث السابع عن أبي سعيد الخدري قال عبد بن حميد الليثي: ثنا علي بن عاصم، عن الجريري، عن أبي نضرة العبدي، حدثني أبو سعيد الخدري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة إلى جذع نخلة، فقال له الناس: يا رسول الله إنه قد كثر الناس - يعني المسلمين - وإنهم ليحبون أن يروك، فلو اتخذت منبرا تقوم عليه ليراك الناس ؟ قال: نعم، من يجعل لنا هذا المنبر ؟ فقام إليه رجل فقال: أنا، قال: تجعله ؟ قال: نعم، ولم يقل: إن شاء الله، قال: ما اسمك ؟ قال: فلان، قال:
أقعد، فقعد ثم عاد فقال: من يجعل لنا هذا المنبر ؟ فقام إليه رجل فقال: أنا، قال: تجعله، قال: نعم، ولم يقل: إن شاء الله، قال ما أسمك ؟ قال: فلان، قال: اقعد، فقعد، ثم عاد فقال: من يجعل لنا هذا المنبر ؟ فقام إليه رجل فقال: أنا، قال: تجعله، قال: نعم، ولم يقل: إن شاء الله، قال: ما اسمك ؟ قال: فلان، قال اقعد فقعد، ثم عاد فقال: من يجعل لنا هذا المنبر، فقام إليه رجل فقال: أنا، قال تجعله، قال نعم إن شاء الله، قال: ما اسمك ؟ قال: إبراهيم، قال: اجعله، فلما كان يوم الجمعة اجتمع الناس للنبي صلى الله عليه وسلم في آخر المسجد فلما صعد رسول الله صلى الله عليه وسلم المنبر فاستوى عليه فاستقبل الناس وحنت النخلة حتى أسمعتني وأنا في آخر المسجد، قال: فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المنبر فاعتنقها، فلم يزل حتى سكنت ثم عاد إلى المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن هذه النخلة إنما حنت شوقا إلى رسول الله، لما فارقها فو الله لم أنزل إليها فأعتنقها لما سكنت إلى يوم القيامة.
وهذا إسناد على شرط مسلم، ولكن في السياق غرابة.
والله تعالى أعلم.
طريق أخرى عن أبي سعيد قال الحافظ أبو يعلى: ثنا مسروق بن المرزبان، ثنا زكريا، عن مجالد، عن أبي الوداك وهو جبر بن نوف، عن أبي سعيد قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم إلى خشبة يتوكأ عليها يخطب كل جمة حتى أتاه رجل من الروم فقال: إن شئت جعلت لك شيئا إذا قعدت عليه كنت كأنك قائم، قال: نعم، قال: فجعل له المنبر، فلما جلس عليه حنت الخشبة حنين الناقة على ولدها، حتى نزل

النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده عليها، فلما كان الغد رآيتها قد حولت، فقلنا: ما هذا ؟ قالوا: جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر البارحة فحولوها.
وهذا غريب أيضا.
الحديث الثامن عن عائشة رضي الله عنها رواه الحافظ من حديث علي بن أحمد الحوار، عن قبيصة، عن حبان بن علي، عن صالح بن حبان، عن عبد الله بن بريدة عن عائشة فذكر الحديث بطوله وفيه أنه خيره بين الدنيا
والآخرة فاختار الجذع الآخرة وغار حتى ذهب فلم يعرف.
هذا حديث غريب إسنادا ومتنا.
الحديث التاسع عن أم سلمة رضي الله عنها روى أبو نعيم: من طريق شريك القاضي، وعمرو بن أبي قيس، ومعلى بن هلال ثلاثتهم عن عمار الدهني (1) عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أم سلمة قالت: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم خشبة يستند إليها إذا خطب، فصنع له كرسي أو منبر فلما فقدته خارت كما يخور الثور، حتى سمع أهل المسجد، فأتاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسكنت (2).
هذا لفظ شريك، وفي رواية معلى بن هلال: أنها كانت من دوم، وهذا إسناد جيد ولم يخرجوه، وقد روى الامام أحمد والنسائي من حديث عمار الدهني عن أبي سلمة عن أم سلمة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قوائم منبري في زاوية في الجنة (3) * وروى النسائي أيضا بهذا الاسناد: ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة (4)، فهذه الطرق من هذه الوجوه تفيد القطع بوقوع ذلك عند أئمة هذا الفن، وكذا من تأملها وأنعم فيها النظر والتأمل مع معرفته بأحوال الرجال وبالله المستعان * وقد قال الحافظ أبو بكر البيهقي: أنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو أحمد بن أبي الحسن، ثنا عبد الرحمن بن محمد بن إدريس الرازي قال: قال أبي - يعني أبا حاتم الرازي - قال عمرو بن سواد، قال لي الشافعي: ما أعطى الله نبيا ما أعطى محمدا صلى الله عليه وسلم، فقلت له: أعطى عيسى إحياء الموتى، فقال: أعطى محمدا الجذع الذي كان يخطب إلى جنبه حتى هئ له المنبر، فلما هئ له المنبر حن الجذع حتى سمع صوته، فهذا أكبر من ذلك (5).
__________
(1) من دلائل البيهقي، وفي الاصل الذهبي.
وهو عمار بن معاوية الدهني، أبو معاوية البجلي الكوفي صدوق يتشيع من الخامسة (تقريب التهذيب 2 / 446 / 48).
(2) رواه البيهقي في الدلائل ج 2 / 563.
(3) رواه أحمد في المسند وفيه: قوائم منبري رواتب في الجنة ج 6 / 289، 292، 318.
والنسائي في المساجد باب فضل مسجد النبي صلى الله عليه وآله 2 / 35 - 36.
(4) رواه البخاري في الصلاة في مسجد مكة (5) باب.
عن مسدد ومسلم في كتاب الحج (92) باب.
الحديث
502.
(5) دلائل النبوة 6 / 68.

باب تسبيح الحصى في كفه عليه الصلاة والسلام قال الحافظ أبو بكر البيهقي: أنا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبدان، أنا أحمد بن عبيد الصفار، ثنا الكديمي، ثنا قريش بن أنس، ثنا صالح بن أبي الاخضر، عن الزهري، عن رجل يقال له سويد بن يزيد السلمي، قال: سمعت أبا ذر يقول: لا أذكر عثمان إلا بخير بعد شئ رأيته، كنت رجلا أتبع خلوات رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيته يوما جالسا وحده، فاغتنمت خلوته فجئت حتى جلست إليه، فجاء أبو بكر فسلم عليه ثم جلس عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم جاء عمر فسلم وجلس عن يمين أبي بكر، ثم جاء عثمان فسلم ثم جلس عن يمين عمر، وبين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع حصيات، أو قال: تسع حصيات، فأخذهن في كفه، فسبحن حتى سمعت لهن حنينا كحنين النخل، ثم وضعهن فحرسن ثم أخذهن فوضعهن في كف أبي بكر فسبحن حتى سمعت لهن حنينا كحنين النخل، ثم وضعهن فخرسن، ثم تناولهن فوضعهن في يد عمر فسبحن حتى سمعت لهن حينيا كحنين النخل، ثم وضعهن فخرسن، ثم تناولهن فوضعهن في يد عثمان فسبحن حتى سمعت لهن حنينا كحنين النخل، ثم وضعهن فخرسن، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هذه خلافة النبوة.
قال البيهقي: وكذلك رواه محمد بن بشار (1) عن قريش بن أنس، عن صالح بن أبي الاخضر، وصالح لم يكن حافظا، والمحفوظ عن أبي حمزة عن الزهري، قال: ذكر الوليد بن سويد هذا الحديث عن أبي ذر هكذا (2) قال البيهقي.
وقد قال محمد بن يحيى الذهلي في الزهريات التي جمع فيها أحاديث الزهري: حدثنا أبو اليمان، ثنا شعيب قال: ذكر الوليد بن سويد أن رجلا من بني سليم كبير السن كان ممن أدرك أبا ذر بالربذة ذكر أنه بينما هو قاعد يوما في ذلك المجلس وأبو ذر في المجلس إذ ذكر عثمان بن عفان يقول السلمي: فأنا
أظن أن في نفس أبي ذر على عثمان معتبة لانزاله إياه بالربذة، فلما ذكر له عثمان عرض له أهل العلم بذلك، وهو يظن أن في نفسه عليه معتبة، فلما ذكره قال: لا تقل في عثمان إلا خيرا فإني أشهد لقد رأيت منه منظرا وشهدت منه مشهدا لا أنساه حتى أموت، كنت رجلا ألتمس خلوات
__________
(1) من البيهقي، وفي الاصل يسار.
(2) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 64 - 65 ورواه السيوطي في الخصائص الكبرى 2 / 74 وعزاه للبزار والطبراني في الاوسط وأبي نعيم والبيهقي والخبر فيه: - الكديمي وهو محمد بن يونس الكديمي، متروك.
قال الدار قطني: يتهم بالوضع.
وذكره ابن عراق في الوضاعين عن ابن عدي وابن حبان.
- صالح بن أبي الاخضر قال ابن معين: ليس بشئ له ترجمة في الميزان 2 / 288.

النبي صلى الله عليه وسلم لاسمع منه أو لآخذ عنه، فهرجت يوما من الايام، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم قد خرج من بيته فسألت عنه الخادم فأخبرني أنه في بيت، فأتيته وهو جالس ليس عنده أحد من الناس، وكأني حينئذ أرى أنه في وحي، فسلمت عليه فرد السلام، ثم قال: ما جاء بك ؟ فقلت: جاء بي الله ورسوله فأمرني أن أجلس، فجلست إلى جنبه، لا أسأله عن شئ ولا يذكره لي، فمكثت غير كثير، فجاء أبو بكر يمشي مسرعا فسلم عليه فرد السلام ثم قال: ما جاء بك ؟ قال: جاء بي الله ورسوله، فأشار بيده أن يجلس، فجلس إلى ربوة مقابل النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبينها الطريق، حتى إذا استوى أبو بكر جالسا فأشار بيده فجلس إلى جنبي عن يميني، ثم جاء عمر ففعل مثل ذلك، وقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، وجلس إلى جنب أبي بكر على تلك الربوة، ثم جاء عثمان فسلم فرد السلام وقال: ما جاء بك ؟ قال: جاء بي الله ورسوله، فأشار إليه بيده فقعد إلى الربوة ثم أشار بيده فقعد إلى جنب عمر، فتكلم النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة لم أفقه أولها غير أنه قال.
قليل ما يبقين، ثم قبض على حصيات سبع أو تسع أو قريب من ذلك، فسبحن في يده حتى سمع لهن حنين كحنين النخل في كف النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ناولهن أبا بكر وجاوزني فسبحن في كف أبي بكر كما سبحن في كف
النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أخذهن منه فوضعهن في الارض فخرسن فصرن حصا، ثم ناولهن عمر فسبحن في كفه كما سبحن في كف أبي بكر، ثم أخذهن فوضعهن في الارض فخرسن، ثم ناولهن عثمان فسبحن في كفه نحو ما سبحن في كف أبي بكر وعمر، ثم أخذهن فوضعهن في الارض فخرسن.
قال الحافظ ابن عساكر: رواه صالح بن أبي الاخضر عن الزهري، فقال: عن رجل يقال له سويد بن يزيد السلمي، وقول شعيب أصح.
وقال أبو نعيم في كتاب دلائل النبوة: وقد روى داود بن أبي هند، عن الوليد بن عبد الرحمن الحرشي، عن جبير بن نفير عن أبي ذر مثله.
ورواه شهر بن حوشب وسعيد بن المسيب عن أبي سعيد.
قال: وفيه عن أبي هريرة، وقد تقدم ما رواه البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه.
أنه قال: ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل.
حديث آخر في ذلك روى الحافظ البيهقي من حديث عبد الله بن عثمان بن إسحاق بن سعد بن أبي وقاص، قال: حدثني أبو أمي مالك بن حمزة بن أبي أسيد الساعدي، عن أبيه عن جده أبي أسيد الساعدي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس بن عبد المطلب: يا أبا الفضل لا ترم منزلك غدا أنت وبنوك حتى آتيكم فإن لي فيكم حاجة، فانتظروه حتى جاء بعد ما أضحى، فدخل عليهم فقال: السلام عليكم، فقالوا: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، قال: كيف أصبحتم ؟ قالوا: أصبحنا بخير نحمد الله، فكيف أصبحت بأبينا وأمنا أنت يا رسول الله ؟ قال: أصبحت بخير أحمد الله، فقال لهم: تقاربوا، تقاربوا، يزحف بعضكم إلى بعض، حتى إذا أمكنوه اشتمل عيهم بملاءته وقال: يا رب هذا عمي وصنو أبي، وهؤلاء أهل بيتي فاسترهم من النار

كسترتي إياهم بملاءتي هذه، وقال فأمنت أسكفة الباب وحوائط البيت فقالت: آمين آمين آمين (1).
وقد رواه أبو عبد الله بن ماجة في سننه مختصرا عن أبي إسحاق إبراهيم بن عبد الله بن حاتم الهروي عن عبد الله بن عثمان بن إسحاق بن سعد بن أبي وقاص الوقاصي الزهري روى عنه جماعة، وقد قال ابن معين: لا أعرفه، وقال أبو حاتم يروي أحاديث مشبهة.
حديث آخر قال الامام أحمد: ثنا يحيى بن أبي بكير، ثنا إبراهيم بن طهمان، حدثني سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لاعرف حجرا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث، إني لاعرفه الآن (2) رواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن يحيى بن أبي بكير به، ورواه أبو داود الطيالسي عن سليمان بن معاذ عن سماك به.
حديث آخر قال الترمذي: ثنا عباد بن يعقوب الكوفي، ثنا الوليد بن أبي ثور عن السدي عن عباد بن أبي يزيد (3) عن علي بن أبي طالب قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم بمكة فخرجنا في بعض نواحيها فما استقبله جبل ولا شجر إلا قال: السلام عليك يا رسول الله * ثم قال: وهذا حديث حسن غريب، وقد رواه غير واحد عن الوليد بن أبي ثور، وقالوا: عن عباد بن أبي يزيد منهم فروة بن أبي الفراء * ورواه الحافظ أبو نعيم من حديث زياد بن خيثمة عن السدي عن أبي عمارة الحيواني عن علي قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل لا يمر على شجر ولا حجر إلا سلم عليه، وقدمنا في المبعث أنه عليه السلام لما رجع وقد أوحى إليه جعل لا يمر بحجر ولا شجر ولا مدر ولا شئ إلا قال له: السلام عليك يا رسول الله، وذكرنا في وقعة بدر ووقعة حنين رميه عليه السلام بتلك القبضة من التراب وأمره أصحابه أن يتبعوها بالحملة الصادقة فيكون النصر والظفر والتأييد عقب ذلك سريعا، أما في وقعة بدر فقد قال الله تعالى في سياقها في سورة الانفال: * (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) * الآية وأما في غزوة حنين فقد ذكرناه في الاحاديث بأسانيده وألفاظه بما أغنى عن إعادته ههنا ولله الحمد والمنة.
حديث آخر ذكرنا في غزوة الفتح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل المسجد الحرام فوجد الاصنام حول الكعبة
__________
(1) رواه البيهقي في الدلائل 2 / 71 - 72 ورواه أبو نعيم في الدلائل ص 370 وعنهما نقله السيوطي في الخصائص الكبرى 2 / 77.
(2) أخرجه مسلم في الفضائل حديث (2) ص (1782) والترمذي في المناقب حديث (3626) 5 / 593 والدارمي في المقدمة، والامام أحمد في مسنده 5 / 89.
(3) في رواية البيهقي 2 / 153: عبد الله، وانظر الحاشية السابقة.

فجعل يطعنها بشئ في يده ويقول: جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا، قل جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد، وفي رواية أنه جعل لا يشير إلى صنم منها إلا خر لقفاه، وفي رواية: إلا سقط، وقال البيهقي: أنا أبو عبد الله الحافظ وأبو بكر أحمد بن الحسن القاضي قالا: ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب، ثنا بحر بن نصر وأحمد بن عيسى اللخمي، قالا: ثنا بشر بن بكير، أنا الاوزاعي عن ابن شهاب أنه قال: أخبرني القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق عن عائشة قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا مستترة بقرام [ فيه صورة ] فهتكه ثم قال: إن أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يشبهون بخلق الله (1)، قال الاوزاعي: وقالت عائشة: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بترس (2) فيه تمثال عقاب فوضع عليه يده فأذهبه الله عز وجل.
باب ما يتعلق بالحيوانات من دلائل النبوة قصة البعير الناد وسجوده له وشكواه إليه قال الامام أحمد: حدثنا حسين [ بن محمد ]، ثنا خلف بن خليفة، عن حفص هو ابن عمر، عن عمه أنس بن مالك قال: كان أهل بيت من الانصار لهم جمل يسنون عليه وأنه استصعب عليهم فمنعهم ظهره وأن الانصار جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: إنه كان لنا جمل نسني عليه، وأنه استصعب علينا ومنعنا ظهره، وقد عطش الزرع والنخل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاصحابه: قوموا، فقاموا فدخل الحائط والجمل في ناحيته، فمشى النبي صلى الله عليه وسلم نحوه، فقالت الانصار: يا رسول الله إنه صار مثل الكلب الكلب وإنا نخاف عليك صولته، فقال: ليس علي منه بأس، فلما نظر الجمل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل نحوه، حتى خر ساجدا بين يديه، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بناصيته أذل ما كانت قط، حتى أدخله في العمل، فقال له أصحابه: يا رسول الله
هذه بهيمة لا تعقل تسجد لك، ونحن [ نعقل فنحن ] أحق أن نسجد لك، فقال: لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لامرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها، والذي نفسي بيده لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تتفجر (3) بالقيح والصديد ثم استقبلته فلحسته ما أدت حقه (4).
وهذا إسناد جيد، وقد روى النسائي بعضه من حديث خلف بن خليفة به.
__________
(1) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 81 - قرام: ثوب رقيق.
(2) في رواية الدلائل: أتاني رسول الله صلى الله عليه وآله ببرنس.
(3) في المسند: تنبجس.
(4) رواه أحمد في المسند 3 / 159 وما بين معكوفتين في الحديث زيادة من المسند.

رواية جابر في ذلك قال الامام أحمد: حدثنا مصعب بن سلام سمعته من أبي مرتين، ثنا الاجلح، عن الذيال بن حرملة، عن جابر بن عبد الله قال: أقبلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفر حتى إذا دفعنا إلى حائط من حيطان بني النجار، إذا فيه جمل ولا يدخل الحائط أحد إلا شد عليه قال: فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء حتى أتى الحائط فدعا البعير فجاء واضعا مشفره إلى الارض حتى برك بين يديه، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هاتوا خطاما، فخطمه ودفعه إلى صاحبه، قال: ثم التفت إلى الناس فقال: إنه ليس شئ بين السماء والارض إلا يعلم أني رسول الله إلا عاصي الجن والانس (1).
تفرد به الامام أحمد، وسيأتي عن جابر من وجه آخر بسياق آخر إن شاء الله وبه الثقة.
رواية ابن عباس قال الحافظ أبو القاسم الطبراني: ثنا بشر بن موسى، ثنا يزيد بن مهران أخو خالد الجيار،
ثنا أبو بكر بن عياش عن الاجلح عن الذيال بن حرملة عن ابن عباس قال: جاء قوم إلى رسول الله فقالوا: يا رسول الله إن لنا بعيرا قد ند (2) في حائط، فجاء إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: تعال، فجاء مطأطئا رأسه حتى خطمه وأعطاه أصحابه، فقال له أبو بكر الصديق: يا رسول الله، كأنه علم أنك نبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بين لابتيها أحد إلا يعلم أني نبي الله إلا كفرة الجن والانس.
وهذا من هذا الوجه عن ابن عباس غريب جدا، والاشبه رواية الامام أحمد عن جابر، اللهم إلا أن يكون الاجلح قد رواه عن الذيال عن جابر عن ابن عباس والله أعلم.
طريق أخرى عن ابن عباس قال الحافظ أبو القاسم الطبراني: ثنا العباس بن الفضل الاسفاطي، ثنا أبو عون الزيادي، ثنا أبو عزة الدباغ (3)، عن أبي يزيد المديني، عن عكرمة عن ابن عباس: أن رجلا من الانصار كان له فحلان فاغتلما فأدخلهما حائطا فسد عليهما الباب، ثم جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأراد أن يدعو له، والنبي قاعد معه نفر من الانصار، فقال: يا نبي الله إني جئت في حاجة، فإن فحلين لي اغتلما، وإني أدخلتهما حائطا وسددت عليهما الباب، فأحب أن تدعو لي أن يسخرهما
__________
(1) مسند الامام أحمد ج 3 / 310.
(2) في رواية البيهقي 6 / 30: قطن أي أقام.
والحديث رواه أبو نعيم في الدلائل (325) عن الذيال عن جابر.
ورواه السيوطي في الخصائص الكبرى 2 / 56 وعزاه للبيهقي ولابي نعيم وللطبراني وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 9 / 4 وقال: رواه الطبراني ورجاله ثقات، وفي بعضهم ضعف..(3) أبو عزة الدباغ وثقه ابن حبان واسمه الحكم بن طهمان.

الله لي، فقال لاصحابه: قوموا معنا، فذهب حتى أتى الباب فقال: افتح، فاشفق الرجل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: افتح، ففتح الباب فإذا أحد الفحلين قريبا من الباب، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد له، فقال رسول الله: ائت بشئ أشد رأسه وأمكنك منه، فجاء بخطام فشد رأسه وأمكنه
منه، ثم مشى إلى أقصى الحائط إلى الفحل الآخر، فلما رآه وقع له ساجدا، فقال للرجل: ائتني بشئ أشد رأسه، فشد رأسه وأمكنه منه، فقال.
اذهب فإنهما لا يعصيانك، فلما رأى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك قالوا: يا رسول الله هذان فحلان سجدا لك أفلا نسجد لك ؟ قال لا آمر أحدا أن يسجد لاحد ولو أمرت أحدا أن يسجد لاحد لامرت المرأة أن تسجد لزوجها.
وهذا إسناد غريب ومتن غريب.
ورواه الفقيه أبو محمد عبد الله بن حامد في كتابه دلائل النبوة: عن أحمد بن حمدان السحري عن عمر بن محمد بن بجير البحتري، عن بشر بن آدم، عن محمد بن عون أبي عون الزيادي به.
وقد رواه أيضا من طريق مكي بن إبراهيم عن قائد أبي الورقاء عن عبد الله بن أبي أوفى عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو ما تقدم عن ابن عباس.
رواية أبي هريرة قال أبو محمد عبد الله بن حامد الفقيه: أخبرنا أحمد بن حمدان، أنا عمر بن محمد بن بجير، حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا جرير، عن يحيى بن عبيد الله، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: انطلقنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ناحية فأشرفنا إلى حائط فإذا نحن بناضح، فلما أقبل الناضح رفع رأسه فبصر برسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع جرانه على الارض، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: فنحن أحق أن نسجد لك من هذه البهيمة، فقال: سبحان الله، أدون الله ؟ ما ينبغي لاحد أن يسجد لاحد دون الله، ولو أمرت أحدا أن يسجد لشئ من دون الله لامرت المرأة أن تسجد لزوجها.
رواية عبد الله بن جعفر في ذلك قال الامام أحمد: حدثنا يزيد، ثنا مهدي بن ميمون عن محمد بن أبي يعقوب عن الحسن بن سعد عن عبد الله بن جعفر ح وثنا بهز وعفان قالا: ثنا مهدي، ثنا محمد بن أبي يعقوب عن الحسن بن سعد - مولى الحسن بن علي - عن عبد الله بن جعفر قال: أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم خلفه فأسر إلي حديثا لا أخبر به أحدا أبدا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب ما استتر به في حاجته هدف أو حائش نخل، فدخل يوما حائطا من حيطان الانصار، فإذا جمل قد أتاه فجرجر
وذرفت عيناه، وقال بهز وعفان: فلما رأى رسول الله حن وذرفت عيناه، فمسح رسول الله سراته وذفراه فسكن، فقال: من صاحب الجمل ؟ فجاء فتى من الانصار قال: هو لي يا رسول الله، فقال أما تتقي الله في هذه البهيمة التي ملككها الله لك إنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه (1).
وقد رواه
__________
(1) أخرجه أبو داود في الجهاد حديث (2549) عن موسى بن إسماعيل.
ومسلم في الحيض حديث (79) ص =

مسلم من حديث مهدي بن ميمون به.
رواية عائشة أم المؤمنين في ذلك قال الامام أحمد: ثنا عبد الصمد وعفان قالا: ثنا حماد - هو ابن سلمة - عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب، عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في نفر من المهاجرين والانصار فجاء بعير فسجد له فقال أصحابه: يا رسول الله تسجد لك البهائم والشجر، فنحن أحق أن نسجد لك، فقال: اعبدوا ربكم وأكرموا أخاكم، ولو كنت آمرا أحدا أن يسجد لاحد لامرت المرأة أن تسجد لزوجها، ولو أمرها أن تنقل من جبل أصفر إلى جبل أسود ومن جبل أسود إلى جبل أبيض كان ينبغي لها أن تفعله (1) * وهذا الاسناد على شرط السنن، وإنما روى ابن ماجة عن أبي بكر بن أبي شيبة عن عفان عن حماد به: لو أمرت أحدا أن يسجد لاحد لامرت المرأة أن تسجد لزوجها إلى آخره.
رواية يعلى بن مرة الثقفي، أو هي قصة أخرى قال الامام أحمد: ثنا أبو سلمة الخزاعي، ثنا حماد بن سلمة، عن عاصم بن بهدلة، عن جبيب (2) بن أبي جبيرة، عن يعلى بن سيابة قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في مسير له فأراد أن يقضي حاجته فأمر وديتين فانضمت إحداهما إلى الاخرى، ثم أمرهما فرجعتا إلى منابتهما، وجاء بعير فضرب بجرانه إلى الارض ثم جرجر حتى ابتل ما حوله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتدرون ما يقول البعير ؟ إنه يزعم أن صاحبه يريد نحره، فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أواهبه أنت لي ؟ فقال: يا رسول الله مالي مال أحب إلي منه، فقال: استوص به معروفا، فقال: لا جرم لا أكرم مالا لي كرامته يا رسول الله، قال: وأتى على قبر يعذب صاحبه فقال: إنه يعذب في غير كبير،
فأمر بجريدة فوضعت على قبره، وقال: عسى أن يخفف عنه ما دامت رطبة.
طريق أخرى عنه قال الامام أحمد: ثنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن عطاء بن السائب، عن عبد الله بن حفص (3) عن يعلى بن مرة الثقفي قال: ثلاثة أشياء رأيتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم: بينا نحن نسير
__________
= 1 / 268 وابن ماجة حديث (340) ص 1 / 122 كلاهما من طريق مهدي بن ميمون.
والامام أحمد ج 1 / 204.
وحائش نخل: بستان نخل.
(1) مسند الامام أحمد ج 6 / 76.
وابن ماجة في النكاح حديث (1852).
وفي الزوائد: " في اسناده علي بن زيد، وهو ضعيف لكن للحديث طرق أخر، ولد شاهدان من حديث طلق بن علي.
رواه الترمذي والنسائي.
ومن حديث أم سلمة رواه الترمذي وابن ماجة ".
(2) من المسند 4 / 172، وفي الاصل: حسين عن أبي جبيرة تحريف.
(3) من المسند 4 / 173 وفي الاصل جعفر.

معه إذ مررنا ببعير يسنى عليه، فلما رآه البعير جرجر، ووضع جرانه، فوقف عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال أين صاحب هذا البعير ؟ فجاء، فقال: بعنيه، فقال: لا بل أهبه لك، فقال: لا بل بعنيه، قال: لا بل نهبه لك إنه لاهل بيت ما لهم معيشة غيره،.
قال: أما إذ ذكرت هذا من أمره فإنه شكى كثرة العمل وقلة العلف فأحسنوا إليه، قال: ثم سرنا فنزلنا منزلا فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءت شجرة تشق الارض حتى غشيته ثم رجعت إلى مكانها، فلما استيقظ ذكرت له، فقال: هي شجرة استأذنت ربها عز وجل في أن تسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن لها، قال فمررنا بماء فأتته امرأة بابن لهابه جنة فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بمنخره فقال: أخرج إني محمد رسول الله، قال: ثم سرنا فلما رجعنا من سفرنا مررنا بذلك الماء فأتته امرأة بجزر (1) ولبن فأمرها أن ترد الجزر، وأمر أصحابه فشربوا من اللبن، فسألها عن الصبي فقالت: والذي بعثك بالحق ما رأينا منه ريبا بعدك.
طريق اخرى عنه
قال الامام أحمد: ثنا عبد الله بن نمير، ثنا عثمان بن حكيم، أخبرني عبد الرحمن بن عبد العزيز، عن يعلى بن مرة قال: لقد رأيت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثا ما رآها أحد قبلي، ولا يراها أحد بعدي: لقد خرجت معه في سفر حتى إذا كنا ببعض الطريق مررنا بامرأة جالسة معها صبي لها فقالت: يا رسول الله هذا صبي أصابه بلاء وأصابنا منه بلاء، يؤخذ في اليوم ما أدري كم مرة، قال: ناولينيه، فرفعته إليه فجعلته بينه وبين واسطة الرحل، ثم فغرفاه فنفث فيه ثلاثا وقال: بسم الله أنا عبد الله، اخسأ عدو الله، ثم ناولها إياه، فقال: القينا في الرجعة في هذا المكان فأخبرينا ما فعل، قال: فذهبنا ورجعنا فوجدناها في ذلك المكان معها شياه ثلاث، فقال: ما فعل صبيك ؟ فقالت: والذي بعثك بالحق ما حسسنا منه شيئا حتى الساعة، فاجترر هذه الغنم، قال: انزل فخذ منها واحدة ورد البقية، قال: وخرجت ذات يوم إلى الجبانة حتى إذا برزنا قال: ويحك انظر هل ترى من شئ يواريني ؟ قلت: ما أرى شيئا يواريك إلا شجرة ما أراها تواريك.
قال: فما بقربها ؟ قلت: شجرة مثلها أو قريب منها، قال: فاذهب إليهما فقل: إن رسول الله يأمركما أن تجتمعا بإذن الله، قال: فاجتمعتا فبرز لحاجته ثم رجع فقال: اذهب إليهما فقل لهما: إن رسول الله يأمركما أن ترجع كل واحدة منكما إلى مكانها، فرجعت.
قال: وكنت معه جالسا ذات يوم إذ جاء جمل نجيب (2) حتى صوى بجرانه بين يديه ثم ذرفت عيناه فقال ويحك انظر لمن هذا الجمل إن له لشأنا، قال: فخرجت ألتمس صاحبه فوجدته لرجل من الانصار فدعوته إليه فقال: ما شأن جملك هذا ؟ فقال وما شأنه ؟ قال: لا أدري والله ما شأنه،
__________
(1) جزر: الشاة التي تصلح للذبح.
(2) في المسند: جمل يخبب حتى صوب جرانه

عملنا عليه ونضحنا عليه حتى عجز عن السقاية فائتمرنا البارحة أن ننحره ونقسم لحمه، قال: فلا تفعل، هبه لي أو بعنيه، فقال: بل هو لك يا رسول الله، فوسمه بسمة الصدقة ثم بعث به (1).
طريق اخرى عنه قال الامام أحمد: ثنا وكيع، ثنا الاعمش، عن المنهال بن عمرو، عن يعلى بن مرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتته امرأة بابن لها قد أصابه لمم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اخرج عدو الله أنا رسول الله، قال: فبرأ، قال: فأهدت إليه كبشين وشيئا من أقط وشيئا من سمن، قال: فقال رسول الله: خذ الاقط والسمن وأحد الكبشين ورد عليها الآخر، ثم ذكر قصة الشجرتين كما تقدم (2) * وقال أحمد: ثنا أسود، ثنا أبو بكر بن عياش، عن حبيب بن أبي عمرة، عن المنهال بن عمرو، عن يعلى قال: ما أظن أن أحدا من الناس رأى من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا دون ما رأيت فذكر أمر الصبي والنخلتين وأمر البعير إلا أنه قال: ما لبعيرك يشكوك ؟ زعم أنك سانيه حتى إذا كبر تريد [ أن ] تنحره، قال: صدقت والذي بعثك بالحق قد أردت ذلك، والذي بعثك بالحق لا أفعل (3).
طريق أخرى عنه روى البيهقي عن الحاكم وغير عن الاصم: ثنا عباس بن محمد الدوري، ثنا حمدان بن الاصبهاني ثنا يزيد (4) عن عمرو بن عبد الله بن يعلى بن مرة، عن أبيه عن جده قال: رأيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أشياء ما رآها أحد قبلي، كنت معه في طريق مكة، فمر بامرأة معها ابن لها به لمم، ما رأيت لمما أشد منه، فقالت: يا رسول الله ابني هذا كما ترى، فقال إن شئت دعوت له، فدعا له، ثم مضى فمر على بعير ناد جرانه يرغو، فقال: علي بصاحب هذا البعير، فجئ به، فقال: هذا يقول: نتجت عندهم فاستعملوني، حتى إذا كبرت عندهم أرادوا أن ينحروني، قال: ثم مضى ورأى شجرتين متفرقتين فقال لي: إذهب فمرهما فليجتمعا لي، قال: فاجتمعتا فقضى حاجته، قال: ثم مضى فلما انصرف مر على الصبي وهو يلعب مع الغلمان وقد ذهب ما به وهيأت أمه أكبشا فأهدت له كبشين، وقالت: ما عاد إليه شئ من اللمم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما من شئ إلا ويعلم أني رسول الله، إلا كفرة أو فسقة الجن والانس (5).
فهذه طرق جيدة متعددة
__________
(1) مسند أحمد ج 4 / 170 - 171.
(2) مسند أحمد ج 4 / 171.
(3) مسند أحمد ج 4 / 173.
(4) في الدلائل: عن شريك.
(5) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 22 - 23.
وانظر في الرواية عن يعلى بن مرة: سنن ابن ماجة حديث (339) =

نفيد غلبة الظن أو القطع عند المتبحرين أن يعلى بن مرة حدث بهذه القصة في الجملة، وقد تفرد بهذا كله الامام أحمد دون أصحاب الكتب الستة ولم يرو أحد منهم شيئا سوى ابن ماجه فإنه روى عن يعقوب بن حميد بن كاسب عن يحيى بن سليم عن خيثم عن يونس بن خباب، عن يعلى بن مرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ذهب إلى الغائط أبعد.
وقد اعتنى الحافظ أبو نعيم بحديث البعير في كتابه دلائل النبوة، وطرقه من وجوه كثيرة، ثم أورد حديث عبد الله بن قرط اليماني قال: جئ رسول الله صلى الله عليه وسلم بست زود فجعلن يزدلفن إليه بأيتهن يبدأ، وقد قدمت الحديث في حجة الوداع.
قلت: قد أسلفنا عن جابر بن عبد الله نحو قصة الشجرتين، وذكرنا آنفا عن غير واحد من الصحابة نحوا من حديث الجمل لكن بسياق يشبه أن يكون [ غير ] هذا فالله أعلم.
وسيأتي حديث الصبي الذي كان يصرع ودعاؤه عليه السلام له وبرؤه في الحال من طرق أخرى.
وقد روى الحافظ البيهقي عن أبي عبد الله الحاكم وغيره (1) عن أبي العباس الاصم عن أحمد بن عبد الجبار، عن يونس بن بكير، عن إسماعيل بن عبد الملك، عن أبي الزبير عن جابر قال: خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد البراز تباعد حتى لا يراه أحد، فنزلنا منزلا بفلاة من الارض ليس فيها علم ولا شجر، فقال لي: يا جابر خذ الاداوة وانطلق بنا، فملات الاداوة ماء، وانطلقنا فمشينا حتى لا نكاد نرى، فإذا شجرتان بينهما أذرع، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا جابر انطلق فقل لهذه الشجرة: يقول لك رسول الله: الحقي بصاحبتك حتى أجلس خلفكما، ففعلت فرجعت فلحقت بصاحبتها، فجلس خلفهما حتى قضى حاجته، ثم رجعنا فركبنا رواحلنا فسرنا كأنما على رؤوسنا الطير تظلنا، وإذا نحن بامرأة قد عرضت لرسول الله
صلى الله عليه وسلم [ معها صبي تحمله ] (2) فقالت: يا رسول الله، إن ابني هذا يأخذه الشيطان كل يوم ثلاث مرات لا يدعه، فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم فتناوله فجعله بينه وبين مقدمة الرحل فقال: اخسأ عدو الله، أنا رسول الله، وأعاد ذلك ثلاث مرات، ثم ناولها إياه، فلما رجعنا وكنا بذلك الماء، عرضت لنا تلك المرأة ومعها كبشان تقودهما والصبي تحمله، فقالت: يا رسول الله اقبل مني هديتي، فو الذي بعثك بالحق إن عاد إليه بعد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خذوا أحدهما وردوا الآخر، قال: ثم سرنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بيننا، فجاء جمل ناد، فلما كان بين السماطين خر ساجدا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أيها الناس من صاحب هذا الجمل ؟ فقال فتية من الانصار: هو لنا يا رسول الله، قال: فما شأنه ؟ قالوا: سنونا عليه منذ عشرين سنة فلما كبرت سنه وكانت عليه
__________
= وسنن الدارمي: المقدمة (4) باب.
الحاكم في المستدرك 2 / 617 وقال: هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه بهذه الصياغة وقال الذهبي في تلخيصه: صحيح.
وأبو نعيم في الدلائل ص 327 - 329 ومجمع الزوائد للهيثمي 9 / 5 - 7.
(1) ذكره في الدلائل: وأبو سعيد محمد بن موسى بن الفضل.
(2) استدركت من الدلائل.

شحيمة أردنا نحره لنقسمه بين غلمتنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم تبيعونيه ؟ قالوا: يا رسول الله هو لك، قال: فأحسنوا إليه حتى يأتيه أجله، قالوا: يا رسول الله نحن أحق أن أن نسجد لك من البهائم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ينبغي لبشر أن يسجد لبشر، ولو كان ذلك كان النساء لازواجهن (1).
وهذا إسناد جيد رجاله ثقات * وقد روى أبو داود وابن ماجه من حديث إسماعيل بن عبد الملك بن أبي الصفراء عن أبي الزبير عن جابر أن رسول الله كان إذا ذهب المذهب أبعد.
ثم قال البيهقي: وحدثنا أبو عبد الله الحافظ، أنا أبو بكر بن إسحاق، أنا الحسين بن علي بن زياد، ثنا أبو حمنة، ثنا أبو قرة عن زياد - هو ابن سعد - عن أبي الزبير أنه سمع يونس بن خباب الكوفي يحدث أنه سمع أبا عبيدة يحدث عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان في
سفر إلى مكة فذهب إلى الغائط وكان يبعد حتى لا يراه أحد، قال: فلم يجد شيئا يتوارى به، فبصر بشجرتين، فذكر قصة الشجرتين وقصة الجمل بنحو من حديث جابر.
قال البيهقي: وحديث جابر أصح، قال: وهذه الرواية ينفرد بها زمعة بن صالح عن زياد - أظنه ابن سعد - عن أبي الزبير (2).
قلت: وقد يكون هذا أيضا محفوظا، ولا ينافي حديث جابر ويعلى بن مرة، بل يشهد لهما ويكون هذا الحديث عند أبي الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكي عن جابر.
وعن يونس بن خباب عن أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه والله أعلم.
وروى البيهقي من حديث معاوية بن يحيى الصدفي (3) - وهو ضعيف - عن الزهري عن خارجة بن زيد عن أسامة بن زيد حديثا طويلا نحو سياق حديث يعلى بن مرة وجابر بن عبد الله، وفيه قصة الصبي الذي كان يصرع ومجئ أمه بشاة مشوية فقال: ناوليني الذراع فناولته، ثم قال: ناوليني الذراع فناولته، ثم قال: ناوليني الذراع، فقلت كم للشاة من ذراع ؟ فقال: والذي نفسي بيده لو سكت لناولتيني ما دعوت * ثم ذكر قصة النخلات واجتماعهما وانتقال الحجارة معهما حتى صارت الحجارة رجما خلف النخلات (4).
وليس في سياقه قصة البعير فلهذا لم يورده بلفظه وإسناده وبالله المستعان.
__________
(1) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 18 - 19.
ورواه أبو داود في أول الطهارة مختصرا 1 / 1 وابن ماجة في الطهارة حديث 335.
وذكره مطولا الهيثمي في الزوائد 9 / 7 - 8 باختلاف وقال: " في الصحيح بعضه، ورواه الطبراني والبزار باختصار كثيرا ".
(2) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 20 وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: رواه الطبراني في الاوسط والكبير باختصار بنحوه إلا أنه قال في غزوة حنين...ورواه البزار بنحوه وفي اسناد الاوسط زمعة بن صالح وقد وثق على ضعفه وبقية رجاله حديثهم حسن وأسانيد الطريقين ضعيفة ".
(3) الصدفي: من الدلائل، وفي الاصل الصيرفي.
ومعاوية الصدفي، أبو روح الدمشقي سكن الري ضعيف، وما حدث بالشام أحسن مما حدث بالري من السابعة (تقريب 2 / 1245 / 261).
(4) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 25 - 26 وأبو نعيم في الدلائل (336 - 337).

وقد روى الحافظ ابن عساكر ترجمة غيلان بن سلمة الثقفي بسنده إلى يعلى بن منصور الرازي عن شبيب بن شيبة، عن بشر بن عاصم، عن غيلان بن سلمة قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأينا عجبا فذكر قصة الشجرتين واستتاره بهما عند الخلاء، وقصة الصبي الذي كان يصرع، وقوله: بسم الله أنا رسول الله.
أخرج عدو الله فعوفي * ثم ذكر قصة البعيرين النادين وأنهما سجدا له بنحو ما تقدم في البعير الواحد، فلعل هذه قصة أخرى، والله أعلم.
وقد ذكرنا فيما سلف حديث جابر وقصة جمله الذي كان قد أعيى، وذلك مرجعهم من تبوك وتأخره في أخريات القوم، فلحقه النبي صلى الله عليه وسلم فدعا له وضربه فسار سيرا لم يسر مثله حتى جعل يتقدم أمام الناس، وذكرنا شراءه عليه السلام منه، وفي ثمنه احتلاف كثير وقع من الرواة لا يضر أصل القصة كما بيناه.
وتقدم حديث أنس في ركوبه عليه السلام على فرس أبي طلحة حين سمع الناس صوتا بالمدينة فركب ذلك الفرس، وكان يبطئ، وركب الفرسان نحو ذلك الصوت، فوجدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رجع بعدما كشف ذلك الامر، فلم يجد له حقيقة، وكان قد ركبه عريا لا شئ عليه وهو متقلد سيفا، فرجع وهو يقول: لن تراعوا لن تراعوا، ما وجدنا من شئ، وإن وجدناه لبحرا.
أي لسابقا * وكان ذلك الفرس يبطأ قبل تلك الليلة فكان بعد ذلك لا يجاري ولا يكشف له غبار وذلك كله ببركته عليه الصلاة والسلام.
حديث آخر غريب في قصة البعير قال الشيخ أبو محمد عبد الله بن حامد الفقيه في كتابه " دلائل النبوة " وهو مجلد كبير حافل كثير الفوائد: أخبرني أبو علي الفارسي، حدثنا أبو سعيد، عن عبد العزيز بن شهلان القواس، حدثنا أبو عمرو عثمان بن محمد بن خالد الراسبي، حدثنا عبد الرحمن بن علي البصري، حدثنا سلامة بن سعيد بن زياد بن أبي هند الرازي، حدثني أبي، عن أبيه عن جده، حدثنا غنيم بن أوس - يعني الرازي - قال: كنا جلوسا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل بعير يعدو حتى وقف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فزعا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيها البعير اسكن، فإن تك صادقا فلك صدقك، وإن
تك كاذبا فعليك كذبك، مع أن الله تعالى قد أمن عائذنا، ولا يخاف لائذنا، قلنا: يا رسول الله ما يقول هذا البعير ؟ قال: هذا بعير هم أهله بنحره فهرب منهم فاستغاث بنبيكم، فبينا نحن كذلك إذا أقبل أصحابه يتعادون فلما نظر إليهم البعير عاد إلى هامة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله هذا بعيرنا هرب منا منذ ثلاثة أيام فلم نلقه إلا بين يديك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يشكو مر الشكاية، فقالوا: يا رسول الله ما يقول ؟ قال: يقول إنه ربي في إبلكم جوارا وكنتم تحملون عليه في الصيف إلى موضع الكلا فإذا كان الشتاء رحلتم إلى موضع الدفء، فقالوا: قد كان ذلك يا رسول الله، فقال: ما جزاء العبد الصالح من مواليه ؟ قالوا: يا رسول الله فإنا لا نبيعه ولا ننحره، قال: فقد استغاث فلم تغيثوه، وأنا أولى بالرحمة منكم، لان الله نزع الرحمة

من قلوب المنافقين وأسكنها في قلوب المؤمنين، فاشتراه النبي صلى الله عليه وسلم بمائة درهم، ثم قال: أيها البعير انطلق فأنت حر لوجه الله، فرغا على هامة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: رسول الله: آمين ثم رغا الثانية فقال آمين، ثم رغا الثالثة فقال: آمين، ثم رغا الرابعة فبكى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا: يا رسول الله ما يقول هذا البعير ؟ قال: يقول: جزاك الله أيها النبي عن الاسلام والقرآن خيرا، قلت: آمين، قال: سكن الله رعب أمتك يوم القيامة كما سكنت رعبي قلت: آمين قال: حقن الله دماء أمتك من أعدائها كما حقنت دمي، قلت: آمين، قال: لا جعل الله بأسها بينها، فبكيت وقلت: هذه خصال سألت ربي فأعطانيها ومنعني واحدة وأخبرني جبريل عن الله أن فناء أمتك بالسيف فجرى القلم بما هو كائن.
قلت: هذا الحديث غريب جدا لم أر أحدا من هؤلاء المصنفين في الدلائل أورده سوى هذا المصنف، وفيه غرابة ونكارة في إسناده ومتنه أيضا.
والله أعلم.
حديث في سجود الغنم له صلى الله عليه وسلم قال أبو محمد عبد الله بن حامد أيضا: قال يحيى بن صاعد: حدثنا محمد بن عوف الحمصي، حدثنا إبراهيم بن العلاء الزبيدي، حدثنا عباد بن يوسف الكندي أبو عثمان، حدثنا
أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس، عن أنس بن مالك قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم حائطا للانصار ومعه أبو بكر وعمر ورجل من الانصار، وفي الحائط غنم فسجدت له، فقال أبو بكر: يا رسول الله كنا نحن أحق بالسجود لك من هذه الغنم، فقال: إنه لا ينبغي أن يسجد أحد لاحد، ولو كان ينبغي لاحد أن يسجد لاحد لامرت المرأة أن تسجد لزوجها * غريب وفى إسناده من لا يعرف.
قصة الذئب وشهادته بالرسالة قال لامام أحمد: حدثنا يزيد، ثنا القاسم بن الفضل الحداني عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري قال: عدا الذئب على شاة فأخذها فطلبه الراعي فانتزعها منه، فأقعى الذئب على ذنبه فقال: ألا تتقي الله ؟ تنزع مني رزقا ساقه الله إلي ؟ فقال: يا عجبي ذئب يكلمني كلام الانس ! فقال الذئب: ألا أخبرك بأعجب من ذلك ؟ محمد صلى الله عليه وسلم بيثرب يخبر الناس بأنباء ما قد سبق، قال: فأقبل الراعى يسوق غنمه حتى دخل المدينة فزواها إلى زاوية من زواياها، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فنودي الصلاة جامعة، ثم خرج فقال للراعي: أخبرهم فأخبرهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدق، والذي نفس محمد بيده لا تقوم الساعة حتى يكلم السباع الانس، ويكلم الرجل عذبة سوطه، وشراك نعله، ويخبره فخذه بما أحدث أهله بعده (1).
وهذا إسناد على شرط الصحيح.
وقد صححه البيهقي ولم يروه إلا الترمذي من قوله:
__________
(1) رواه أحمد في مسنده 3 / 83 - 84، وبعضه في الترمذي في الفتن 4 / 476 ورواه البيهقي وصححه في الدلائل =

والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى يكلم السباع الانس إلى آخره، عن سفيان بن وكيع عن أبيه عن القاسم بن الفضل.
ثم قال: وهذا حديث حسن غريب صحيح لا نعرفه إلا من حديث القاسم وهو ثقة مأمون عند أهل الحديث وثقه يحيى وابن مهدي.
طريق أخرى عن أبي سعيد الخدري قال الامام أحمد: حدثنا أبو اليمان، أنا شعيب، حدثني عبد الله بن أبي حسين، حدثني
شهر أن أبا سعيد الخدري حدثه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بينا أعرابي في بعض نواحي المدينة في غنم له عدا عليه الذئب فأخذ شاة من غنمه فأدركه الاعرابي فاستنقذها منه وهجهجه فعانده الذئب يمشي، ثم أقعى مستذفرا بذنبه يخاطبه فقال: أخذت رزقا رزقنيه الله، قال: واعجبا من ذئب مستذفر بذنبه يخاطبني ! فقال: والله إنك لتترك أعجب من ذلك، قال: وما أعجب من ذلك ؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم في النخلتين بين الحرتين يحدث الناس عن أنباء ما قد سبق وما يكون بعد ذلك، قال: فنعق الاعرابي بغنمه حتى الجأها إلى بعض المدينة ثم مشى إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى ضرب عليه بابه، فلما صلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: أين الاعرابي صاحب الغنم ؟ فقام الاعرابي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: حدث الناس بما سمعت وبما رأيت، فحدث الاعرابي الناس بما رأى من الذئب وما سمع منه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم عند ذلك: صدق، آيات تكون قبل الساعة، والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى يخرج أحدكم من أهله فيخبره نعله أو سوطه أو عصاه بما أحدث أهله بعده (1).
وهذا على شرط أهل السنن ولم يخرجوه.
وقد رواه البيهقي من حديث النفيلي قال: قرأت على معقل بن عبد الله بن شهر بن حوشب عن أبي سعيد فذكره.
ثم رواه الحاكم وأبو سعيد بن أبي عمرو، عن الاصم، عن أحمد بن عبد الجبار، عن يونس بن بكير عن عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوشب عن أبي سعيد فذكره * ورواه الحافظ أبو نعيم من طريق عبد الرحمن بن يزيد بن تميم عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي سعيد فذكره.
حديث أبي هريرة في ذلك قال الامام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، أنا معمر، عن أشعث بن عبد الملك، عن شهر بن حوشب عن أبي هريرة قال: جاء ذئب إلى راعي غنم فأخذ منها شاة فطلبه الراعي حتى انتزعها منه، قال: فصعد الذئب على تل فأقعى فاستذفر وقال: عمدت إلى رزق رزقنيه الله عز وجل
__________
= وقال: هذا إسناد صحيح وله شاهد ومن وجه آخر عن أبي سعيد 6 / 42.
(1) رواه أحمد في مسنده ج 3 / 89.
والبيهقي في الدلائل 6 / 42 - 43.
ونقل قصة الذئب السيوطي في الخصائص الكبرى 2 / 61 وعزاها لاحمد، ولابن سعد، وللبزار والحاكم وللبيهقي ولابي نعيم كلهم من طرق عن أبي
سعيد الخدري.

انتزعته مني، فقال الرجل: لله إذا رأيت كاليوم ذئبا يتكلم، فقال الذئب: أعجب من هذا رجل في النخلات بين الحرتين يخبركم بما مضى وما هو كائن بعدكم، وكان الرجل يهوديا، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم وخبره فصدقه النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال رسول الله: إنها أمارة من أمارات بين يدي الساعة، قد أوشك الرجل أن يخرج فلا يرجع حتى تحدثه نعلاه وسوطه بما أحدثه أهله بعده (1)، تفرد به أحمد وهو على شرط السنن ولم يخرجوه، ولعل شهر بن حوشب قد سمعه من أبي سعيد وأبي هريرة أيضا.
والله أعلم.
حديث أنس في ذلك قال أبو نعيم في دلائل النبوة: ثنا عبد الله بن محمد بن جعفر، ثنا محمد بن يحيى بن منده، ثنا علي بن الحسن بن سالم، ثنا الحسين الرفا عن عبد الملك بن عمير عن أنس ح، وحدثنا سليمان - هو الطبراني -: ثنا عبد الله بن محمد بن ناجية، ثنا هشام بن يونس اللؤلؤي، ثنا حسين بن سليمان الرفا، عن عبد الملك بن عمير، عن أنس بن مالك قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فشردت علي غنمي، فجاء الذئب فأخذ منها شاة، فاشتد الرعاء خلفه، فقال: طعمة أطعمينها الله تنزعونها مني ؟ قال: فبهت القوم، فقال: ما تعجبون من كلام الذئب وقد نزل الوحي على محمد فمن مصدق ومكذب.
ثم قال أبو نعيم: تفرد به حسين بن سليمان عن عبد الملك.
قلت: الحسين بن سليمان الرفا هذا يقال له الطلخي كوفي أورد له ابن عدي عن عبد الملك بن عمير أحاديث ثم قال: لا يتابع عليها.
حديث ابن عمر في ذلك قال البيهقي: أخبرنا أبو سعد الماليني، أنا أبو أحمد بن عدي، ثنا عبد الله بن أبي داود السجستاني، ثنا يعقوب بن يوسف بن أبي عيسى، ثنا جعفر بن حسن، أخبرني أبو حسن، ثنا عبد الرحمن بن حرملة، عن سعيد بن المسيب قال: قال ابن عمر: كان راع على عهد
رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء الذئب فأخذ شاة ووثب الراعي حتى انتزعها من فيه، فقال له الذئب: أما تتقي الله أن تمنعني طعمة أطعمنيها الله تنزعها مني ؟ فقال له الراعي: العجب من ذئب يتكلم، فقال الذئب: أفلا أدلك على ما هو أعجب من كلامي ؟ ذلك الرجل في النخل يخبر الناس بحديث الاولين والآخرين أعجب من كلامي، فانطلق الراعي حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره وأسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: حدث به الناس.
قال الحافظ ابن عدي: قال لنا أبو بكر بن أبي داود: ولد هذا الراعي يقال لهم: بنو مكلم الذئب، ولهم أموال ونعم، وهم من خزاعة، واسم مكلم الذئب أهبان، قال: ومحمد بن أشعث الخزاعي من ولده * قال البيهقي: فدل على اشتهار ذلك، وهذا مما يقوي الحديث * وقد روي من حديث محمد بن إسماعيل البخاري في
__________
(1) رواه أحمد في مسنده ج 2 / 306.

التاريخ، حدثني أبو طلحة، حدثني سفيان بن حمزة الاسلمي، سمع عبد الله بن عامر الاسلمي، عن ربيعة بن أوس، عن أنس بن عمرو بن أهبان بن أوس قال: كنت في غنم لي فكلمه الذئب وأسلم، قال البخاري: إسناده ليس بالقوي.
ثم روى البيهقي عن أبي عبد الرحمن السلمي، سمعت الحسين بن أحمد الرازي، سمعت أبا سليمان المقري يقول: خرجت في بعض البلدان على حمار فجعل الحمار يحيد بي عن الطريق فضربت رأسه ضربات، فرفع رأسه إلي وقال لي: اضرب يا أبا سليمان فإنما على دماغك هو ذا يضرب، قال: قلت له: كلمك كلاما يفهم ! قال: كما تكلمني وأكلمك (1).
حديث آخر عن أبي هريرة في الذئب وقد قال سعيد بن مسعود: ثنا حبان بن علي، ثنا عبد الملك بن عمير، عن أبي الاوس (2) الحارثي عن أبي هريرة قال: جاء الذئب فأقعى بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وجعل يبصبص بذنبه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا وافد الذئاب، جاء ليسألكم أن تجعلوا له من أموالكم شيئا، قالوا: والله لا نفعل، وأخذ رجل من القوم حجرا فرماه فأدبر الذئب وله عواء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الذئب،
وما الذئب ؟.
وقد رواه البيهقي عن الحاكم عن أبي عبد الله الاصبهاني عن محمد بن مسلمة، عن يزيد بن هارون، عن شعبة، عن عبد الملك بن عمير عن رجل (3) به.
ورواه الحافظ أبو بكر البزار عن محمد بن المثنى، عن غندر عن شعبة عن عبد الملك بن عمير، عن رجل، عن مكحول، عن أبي هريرة فذكره.
وعن يوسف بن موسى، عن جرير بن عبد الحميد، عن عبد الملك بن عمير، عن أبي الاوبر (4)، عن أبي هريرة قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما صلاة الغداة ثم قال: هذا الذئب وما الذئب ؟ جاءكم يسألكم أن تعطوه أو تشركوه في أموالكم، فرماه رجل بحجر فمر أو ولى وله عواء.
وقال محمد بن إسحاق عن الزهري عن حمزة بن أبي أسيد قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة رجل من الانصار بالبقيع، فإذا الذئب مفترشا ذراعيه على الطريق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا جاء يستفرض فافرضوا له، قالوا: ترى رأيك يا رسول الله، قال: من كل سائمة شاة في كل عام، قالوا: كثير، قال: فأشار إلى الذئب أن خالسهم، فانطلق الذئب، رواه البيهقي (5) * وروى الواقدي عن رجل سماه عن المطلب بن
__________
(1) انظر دلائل النبوة للبيهقي 6 / 43 - 44.
(2) في رواية للبيهقي في الدلائل 2 / 40: سعيد بن منصور، حدثنا حبان بن علي، حدثنا عبد الملك بن عمير، عن أبي الادبر الحارثي - اسمه زياد - عن أبي هريرة وذكر الحديث.
(3) هو الحارثي أبو الادبر من بني الحارث بن كعب، يروي عن أبي هريرة، روى عنه عبد الملك بن عمير اسمه زياد ثقات ابن حبان 5 / 580.
انظر دلائل البيهقي 6 / 39.
(4) راجع الحاشية السابقة، وأبو الاوبر تحريف والصواب أبو الادبر.
(5) في الدلائل النبوة 6 / 40 من طريق محمد بن سلمة.

عبد الله بن حنطب قال: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة إذ أقبل ذئب فوقف بين يديه، فقال: هذا وافد السباع إليكم فإن أحببتم أن تفرضوا له شيئا لا يعدوه إلى غيره، وإن أحببتم تركتموه واحترزتم منه فما أخذ فهو رزقه، فقالوا: يا رسول الله ما تطيب أنفسنا له بشئ، فأومأ إليه
بأصابعه الثلاث أن خالسهم، قال: فولى وله عواء.
وقال أبو نعيم: ثنا سليمان بن أحمد، ثنا معاذ بن المثنى، ثنا محمد بن كثير، ثنا سفيان، ثنا الاعمش، عن شمر بن عطية، عن رجل من مزينة أن جهينة قال: أتت وفود الذئاب قريب من مائة ذئب حين صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقعين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذه وفود الذئاب، جئنكم يسألنكم لتفرضوا لهن من قوت طعامكم وتأمنوا على ما سواه، فشكوا إليه الحاجة، قال: فأدبروهم قال: فخرجن ولهن عواء.
وقد تكلم القاضي عياض على حديث الذئب فذكر عن أبي هريرة وأبي سعيد وعن أهبان بن أوس وأنه كان يقال له: مكلم الذئب، قال: وقد روى ابن وهب أنه جرى مثل هذا لابي سفيان بن حرب، وصفوان بن أمية، مع ذئب وجداه أخذ صبيا فدخل الصبي الحرم فانصرف الذئب فعجبا من ذلك، فقال الذئب: أعجب من ذلك محمد بن عبد الله بالمدينة يدعوكم إلى الجنة وتدعونه إلى النار، فقال أبو سفيان: واللات والعزى لان ذكرت هذا بمكة ليتركنها أهلوها.
قصة الوحش الذي كان في بيت النبي وكان يحترمه عليه السلام ويوقره ويجله قال الامام أحمد: حدثنا أبو نعيم، ثنا يونس عن مجاهد قال: قالت عائشة رضي الله عنها: كان لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم وحش، فإذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لعب واشتد، وأقبل وأدبر، فإذا أحس برسول الله صلى الله عليه وسلم قد دخل ربض فلم يترمرم ما دام رسول الله صلى الله عليه وسلم في البيت كراهية أن يؤذيه (1).
ورواه أحمد أيضا عن وكيع وعن قطن كلاهما عن يونس - وهو ابن أبي إسحاق السبيعي -.
وهذا الاسناد على شرط الصحيح.
ولم يخرجوه وهو حديث مشهور.
والله أعلم.
قصة الاسد وقد ذكرنا في ترجمة سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه حين انكسرت بهم السفينة فركب لوحا منها حتى دخل جزيرة في البحر فوجد فيها الاسد، فقال له: يا أبا الحارث إني سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فضرب منكبي وجعل يحاذيني حتى أقامني على الطريق، ثم همهم ساعة
__________
(1) لم يترمرم: أي سكن ولم يتحرك والحديث أخرجه الامام أحمد في مسنده 6 / 113، 150 ورواه الهيثمي في الزوائد 9 / 3 وعزاه لاحمد وأبي يعلى
والبزار والطبراني في الاوسط.
وذكره السيوطي في الخصائص الكبرى 2 / 63 عن البيهقي وأبي نعيم وأحمد وأبي يعلى والبزار والطبراني في الاوسط والدار قطني وابن عساكر.

فرأيت أنه يودعني * وقال عبد الرزاق ثنا معمر عن الحجبي عن محمد بن المنكدر: أن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطأ الجيش بأرض الروم، أو أسر في أرض الروم، فانطلق هاربا يلتمس الجيش، فإذا هو بالاسد، فقال: يا أبا الحارث إني مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان من أمري كيت وكيت، فأقبل الاسد يبصبصه حتى قام إلى جنبه، كلما سمع صوته أهوى إليه، ثم أقبل يمشي إلى جنبه، فلم يزل كذلك حتى أبلغه الجيش ثم رجع الاسد عنه * رواه البيهقي (1).
حديث الغزالة قال الحافظ أبو نعيم الاصبهاني رحمه الله في كتابه دلائل النبوة: حدثنا سليمان بن أحمد - إملاء - ثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة، ثنا إبراهيم بن محمد بن ميمون، ثنا عبد الكريم بن هلال الجعفي عن صالح المري، عن ثابت البناني، عن أنس بن مالك قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على قوم قد اصطادوا ظبية فشدوها على عمود فسطاط، فقالت: يا رسول الله، إني أخذت ولي خشفان، فاستأذن لي أرضعهما وأعود إليهم، فقال: أين صاحب هذه ؟ فقال القوم: نحن يا رسول الله، قال: خلوا عنها حتى تأتي خشفيها ترضعهما وترجع إليكم.
فقالوا: من لنا بذلك ؟ قال أنا: فأطلقوها فذهبت فأرضعت ثم رجعت إليهم فأوثقوها، فمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أين أصحاب هذه ؟ فقالوا: هو ذا نحن يا رسول الله، فقال: تبيعونيها ؟ فقالوا: هي لك يا رسول الله، فقال: خلو عنها، فأطلقوها فذهبت.
وقال أبو نعيم: حدثنا أبو أحمد محمد بن أحمد الغطريفي - من أصله -، ثنا أحمد بن موسى بن أنس بن نصر بن عبيد الله بن محمد بن سيرين بالبصرة، ثنا زكريا بن يحيى بن خلاد، ثنا حبان بن أغلب بن تميم، ثنا أبي، عن هشام بن حبان عن الحسن، عن ضبة بن محصن، عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجر من الارض إذا هاتف يهتف: يا رسول الله، يا رسول الله، قال فالتفت فلم أر أحدا،
قال: فمشيت غير بعيد فإذا الهاتف: يا رسول الله، يا رسول الله، قال: فالتفت فلم أر أحدا، وإذا الهاتف يهتف بي، فاتبعت الصوت وهجمت على ظبية مشدودة في وثاق، وإذا أعرابي منجدل في شملة نائم في الشمس، فقالت الظبية: يا رسول الله، إن هذا الاعرابي صادني قبل، ولي خشفان في هذا الجبل، فإن رأيت أن تطلقني حتى أرضعهما ثم أعود إلى وثاقي ؟ قال: وتفعلين ؟ قالت: عذبني الله عذاب العشار إن لم أفعل، فأطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فمضت فأرضعت الخشفين وجاءت، قال: فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوثقها إذا انتبه الاعرابي، فقال: بأبي أنت وأمي يا، رسول الله، إني أصبتها قبيلا.
فلك فيها من حاجة ؟ قال: قلت: نعم، قال: هي لك، فأطلقها فخرجت تعدو في الصحراء فرحا وهي تضرب برجليها في الارض وتقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله * قال أبو نعيم: وقد رواه آدم بن أبي إياس فقال: حدثني حبي
__________
(1) دلائل النبوة للبيهقي ج 6 / 46.

الصدوق، نوح بن الهيثم، عن حبان بن أغلب، عن أبيه، عن هشام بن حبان ولم يجاوزه به، وقد رواه أبو محمد عبد الله بن حامد الفقيه في كتابه دلائل النبوة من حديث إبراهيم بن مهدي، عن ابن أغلب بن تميم عن أبيه عن هشام بن حبان، عن الحسن بن ضبة بن أبي سلمة به * وقال الحافظ أبو بكر البيهقي: أنبأني أبو عبد الله الحافظ - إجازة - أنا أبو جعفر محمد بن علي بن دحيم الشيباني: ثنا أحمد بن حازم بن أبي عروة (1) الغفاري، ثنا علي بن قادم، ثنا أبو العلاء خالد بن طهمان، عن عطية عن أبي سعيد، قال: مر النبي صلى الله عليه وسلم بظبية مربوطة إلى خباء فقالت: يا رسول الله خلني حتى أذهب فأرضع خشفي ثم أرجع فتربطني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صيد قوم وربيطة قوم، قال: فأخذ عليها فحلفت له، قال: فحلها، فما مكثت إلا قليلا حتى جاءت وقد نفضت ما في ضرعها، فربطها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أتى خباء أصحابها، فاستوهبها منهم فوهبوها له فحلها، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو تعلم البهائم من الموت ما تعلمون، ما أكلتم منها سمينا أبدا * قال البيهقي: وروى من وجه آخر ضعيف: أخبرنا أبو بكر محمد (2) بن الحسن القاضي،
أنا أبو علي حامد بن محمد الهروي، ثنا بشر بن موسى، ثنا أبو حفص عمر بن علي، ثنا يعلى بن إبراهيم الغزالي (3)، ثنا الهيثم بن حماد عن أبي كثير عن يزيد بن أرقم قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض سكك المدينة، قال: فمررنا بخباء أعرابي، فإذا ظبية مشدودة إلى الخباء فقالت: يا رسول الله، إن هذا الاعرابي اصطادني، وإن لي خشفين في البرية.
وقد تعقد اللبن في أخلافي، فلا هو يذبحني فأستريح، ولا هو يدعني فأرجع إلى خشفي في البرية، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن تركتك ترجعين ؟ قالت: نعم وإلا عذبني الله عذاب العشار، قال: فأطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم تلبث أن جاءت تلمض، فشدها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخباء، وأقبل الاعرابي ومعه قربة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتبيعنيها ؟ قال: هي لك يا رسول الله، فأطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم * قال زيد بن أرقم: فأنا والله رأيتها تسبح في البرية.
وهي تقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله (4).
ورواه أبو نعيم: ثنا أبو علي محمد بن أحمد بن الحسن بن مطر، ثنا بشر بن موسى فذكره * قلت: وفي بعضه نكارة والله أعلم * وقد ذكرنا في باب تكثيره عليه السلام اللبن حديث تلك الشاة التي جاءت وهي في البرية، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن سعيد مولى أبي بكر يحلبها فحلبها، وأمره أن يحفظها فذهبت وهو لا يشعر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذهب بها الذي جاء بها * وهو مروي من
__________
(1) من الدلائل: غرزة.
(2) من الدلائل، وفي الاصل أحمد.
وهو محمد بن الحسن بن عمران الواسطي القاضي أصله شامي ثقة من التاسعة (تقريب التهذيب 2 / 154 / 141).
(3) في الدلائل: الغزال.
(4) رواه البيهقي في الدلائل باب ما جاء في كلام الظبية ج 6 / 34 - 35.
ورواه أبو نعيم في الدلائل ص (320) ورواه السيوطي في الخصائص 2 / 60 عن أنس بن مالك وعن أم سلمة وغيرهما.

طريقين عن صحابيين كما تقدم.
والله أعلم.
حديث الضب على ما فيه من النكارة والغرابة
قال البيهقي: أنا أبو منصور أحمد بن علي الدامغاني من ساكني قرية نامين من ناحية بيهق - قراءة عليه من أصل كتابه - ثنا أبو أحمد عبد الله بن عدي الحافظ - في شعبان سنة اثنتين [ وستين ] وثلثمائة - [ بجرجان ] ثنا محمد [ بن علي ] بن الوليد السلمي، ثنا محمد بن عبد الاعلى، ثنا معمر بن سليمان، ثنا كهمس، عن داود بن أبي هند، عن عامر [ عن ] ابن عمر، عن عمر بن الخطاب، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في محفل من أصحابه إذا جاء أعرابي من بني سليم قد صاد ضبا وجعله في كمه ليذهب به إلى رحله فيشويه ويأكله، فلما رأى الجماعة قال: ما هذا ؟ قالوا: هذا الذي يذكر أنه نبي، فجاء فشق الناس فقال: واللات والعزى ما شملت السماء على ذي لهجة أبغض إلي منك، ولا أمقت منك، ولولا أن يسميني قومي عجولا لعجلت عليك فقتلتك فسررت بقتلك: الاسود والاحمر والابيض وغيرهم.
فقال عمر بن الخطاب: يا رسول الله، دعني فأقوم فاقتله، قال: يا عمر ! أما علمت أن الحليم كاد أن يكون نبيا ؟ ثم أقبل على الاعرابي وقال: ما حملك على أن قلت ما قلت ؟ وقلت غير الحق ؟ ولم تكرمني في مجلسي ؟ فقال: وتكلمني أيضا ؟ - استخفافا برسول الله صلى الله عليه وسلم - واللات والعزى لا آمنت بك أو يؤمن بك هذا الضب - وأخرج الضب من كمه وطرحه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا ضب، فأجابه الضب بلسان عربي مبين يسمعه القوم جميعا: لبيك وسعديك يا زين من وافى القيامة قال: من تعبد يا ضب ؟ قال: الذي في السماء عرشه، وفي الارض سلطانه، وفي البحر سبيله، وفي الجنة رحمته، وفي النار عقابه، قال: فمن أنا يا ضب ؟ فقال: رسول رب العالمين، وخاتم النبيين، وقد أفلح من صدقك، وقد خاب من كذبك، فقال الاعرابي: والله لا أتبع أثرا بعد عين، والله لقد جئتك وما على ظهر الارض أبغض إلي منك، وإنك اليوم أحب إلي من والدي، ومن عيني ومني، وإني لاحبك بداخلي وخارجي، وسري وعلانيتي، وأشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فقال رسول الله: الحمد لله الذي هداك بي، إن هذا الدين يعلو ولا يعلى، ولا يقبل إلا بصلاة، ولا تقبل الصلاة إلا بقرآن، قال: فعلمني، فعلمه: قل هو الله أحد، قال: زدني فما سمعت في البسيط ولا في الوجيز (1) أحسن من هذا، قال: يا أعرابي: إن هذا كلام الله، ليس بشعر،
إنك إن قرأت: قل هو الله أحد مرة كان لك كأجر من قرأ ثلث القرآن، وإن قرأتها مرتين كان لك كأجر من قرأ ثلثي القرآن، وإذا قرأتها ثلاث مرات كان لك كأجر من قرأ القرآن كله، قال الاعرابي: نعم الاله إلهنا.
يقبل اليسير ويعطي الجزيل.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألك مال ؟
__________
(1) في البيهقي: الرجز.

فقال: ما في بني سليم قاطبة رجل هو أفقر مني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاصحابه.
أعطوه، فأعطوه حتى أبطروه، قال: فقام عبد الرحمن بن عوف فقال: يا رسول الله، إن له عندي ناقة عشراء، دون البختية وفوق الاعرى، تلحق ولا تلحق أهديت إلي يوم تبوك، أتقرب بها إلى الله عز وجل فأدفعها إلى الاعرابي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وصفت ناقتك، فأصف مالك عند الله يوم القيامة ؟ قال: نعم، قال: لك ناقة من درة جوفاء قوائمها من زبرجد أخضر، وعنقها من زبرجد أصفر، عليها هودج، وعلى الهودج السندس والاستبرق، وتمر بك على الصراط كالبرق الخاطف.
يغبطك بها كل من رآك يوم القيامة " فقال عبد الرحمن: قد رضيت.
فخرج الاعرابي فلقيه ألف أعرابي من بني سليم على ألف دابة، معهم ألف سيف وألف رمح، فقال لهم: أين تريدون ؟ قالوا: نذهب إلى هذا الذي سفه آلهتنا فنقتله.
قال: لا تفعلوا، أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وحدثهم الحديث، فقالوا بأجمعهم: نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ثم دخلوا، فقيل لرسول الله، فتلقاهم بلا رداء، ونزلوا عن ركبهم يقبلون حيث ولوا عنه وهم يقولون لا إله إلا الله محمد رسول الله، ثم قالوا: يا رسول الله: مرنا بأمرك.
قال: كونوا تحت راية خالد بن الوليد * فلم يؤمن من العرب ولا من غيرهم ألف غيرهم.
قال البيهقي: قد أخرجه شيخنا أو عبد الله الحافظ في المعجزات بالاجازة عن أبي أحمد بن عدي الحافظ (1).
قلت، ورواه الحافظ أبو نعيم في الدلائل عن أبي القاسم بن أحمد الطبراني - إملاء وقراءة - حدثنا محمد بن علي بن الوليد السلمي البصري أبو بكر بن كنانة: فذكر مثله.
ورواه أبو بكر الاسماعيلي عن محمد بن علي بن الوليد السلمي.
قال البيهقي: روي في ذلك عن
عائشة وأبي هريرة: وما ذكرناه هو أمثل الاسانيد فيه وهو أيضا ضعيف، والحمل فيه على هذا السلمي، والله أعلم.
حديث الحمار وقد أنكره غير واحد من الحفاظ الكبار فقال أبو محمد بن عبد الله بن حامد: أخبرنا أبو الحسن أحمد بن حمدان السحر كي، حدثنا عمر بن محمد بن بجير، حدثنا أبو جعفر محمد بن يزيد - إملاء -، أنا أبو عبد الله محمد بن عقبة بن أبي الصهباء، حدثنا أبو حذيفة عن عبد الله بن حبيب الهذلي، عن أبي عبد الرحمن السلمي عن أبي منظور قال: لما فتح الله على نبيه صلى الله عليه وسلم خيبر أصابه من سهمه أربعة أزواج بغال وأربعة أزواج خفاف، وعشر اواق ذهب وفضة، وحمار أسود، ومكتل، قال: فكلم النبي صلى الله عليه وسلم الحمار فكلمه الحمار، فقال له: ما اسمك، قال: يزيد بن
__________
(1) رواه البيهقي في الدلائل ج 6 / 36 - 38، ورواه أبو نعيم في الدلائل ص 320.
ونقله السيوطي في الخصائص 2 / 65 وعزاه للطبراني في الاوسط والصغير ولابن عدي وللحاكم في المعجزات وللبيهقي ولابي نعيم ولابن عساكر.
وما بين معكوفتين في الحديث زيادة استدركت من البيهقي.

شهاب، أخرج الله من نسل جدي ستين حمارا كلهم لم يركبهم إلا نبي، لم يبق من نسل جدي غيري، ولا من الانبياء غيرك، وقد كنت أتوقعك أن تركبني، قد كنت قبلك لرجل يهودي، وكنت أعثر به عمدا، وكان يجيع بطني ويضرب ظهري، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سميتك يعفور، يا يعفور، قال: لبيك، قال: تشتهي الاناث ؟ قال: لا، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يركبه لحاجته، فإذا نزل عنه بعث به إلى باب الرجل فيأتي الباب فيقرعه برأسه فإذا خرج إليه صاحب الدار أومأ إليه أن أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قبض النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى بئر كان لابي الهيثم بن النبهان فتردى فيها فصارت قبره جزعا منه على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حديث الحمرة وهو طائر مشهور قال أبو داود الطيالسي: ثنا المسعودي عن الحسن بن سعد، عن عبد الرحمن بن
عبد الله بن مسعود [ عن عبد الله ] (1)، قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فدخل رجل غيظة فأخرج بيضة حمرة فجاءت الحمرة ترف على رسول الله وأصحابه، فقال: أيكم فجع هذه ؟ فقال رجل من القوم: أنا أخذت بيضتها، فقال: رده رده رحمة بها (2).
وروى البيهقي: عن الحاكم وغيره (3) عن الاصم عن أحمد بن عبد الجبار: ثنا أبو معاوية عن أبي إسحاق الشيباني عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال: كنا مع رسول الله في سفر فمررنا بشجرة فيها فرخا حمرة فأخذناهما، قال: فجاءت الحمرة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تفرش، فقال: من فجع هذه بفرخيها ؟ قال: فقلنا: نحن، قال: ردوهما، فرددناهما إلى موضعهما فلم ترجع (4).
حديث آخر في ذلك وفيه غرابة قال البيهقي: أنا أبو عبد الله الحافظ ومحمد بن الحسين بن داود العلوي قالا: ثنا: أبو العباس محمد بن يعقوب الاموي، ثنا محمد بن عبيد بن عتبة الكندي، ثنا محمد بن الصلت، ثنا حبان، ثنا أبو سعيد البقال، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد الحاجة أبعد، قال: فذهب يوما فقعد تحت سمرة ونزع خفيه، قال: ولبس أحدهما، فجاء طير فأخذ الخف الآخر فحلق به في السماء.
فانسلت منه أسود سالح، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذه كرامة اكرمني الله بها، اللهم إني أعوذ بك من شر ما مشى على رجليه، ومن شر ما يمشي على بطنه.
__________
(1) من أبي داود والبيهقي.
(2) أخرجه أبو داود في الجهاد حديث 2675 وفي الادب بنفس الاسناد حديث 5268.
(3) ذكره في الدلائل: أبو سعيد محمد بن موسى.
(4) أخرجه البيهقي في الدلائل 6 / 32 - 33، وأبو داود (انظر الحاشية السابقة) ورواه السيوطي في الخصائص الكبرى 2 / 63 وعزاه للبيهقي وأبي نعيم الشيخ في كتاب العظمة كلهم عن ابن مسعود.

حديث آخر
قال البخاري: ثنا محمد بن المثنى، ثنا معاذ، حدثني أبي عن قتادة قال: حدثنا أنس بن مالك أن رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خرجا من عند النبي صلى الله عليه وسلم ومعهما مثل المصباحين بين أيديهما، فلما افترقا صار مع كل واحد منهما واحد حتى أتى أهله (1).
وقال عبد الرزاق: أنا معمر، عن ثابت، عن أنس: أن أسيد بن حضير الانصاري ورجلا آخر (2) من الانصار تحدثا عند النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة لهما حتى ذهب من الليل ساعة، وهي ليلة شديدة الظلمة، حتى خرجا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقلبان، وبيد كل واحد منهما عصية، فأضاءت عصى أحدهما لهما حتى مشيا في ضوئها، حتى إذا افترقت بهما الطريق أضاءت للآخر عصاه حتى مشى في ضوئها حتى أتى كل منهما في ضوء عصاه حتى بلغ أهله (3).
وقد علقه البخاري.
فقال: وقال معمر فذكره.
وعلقه البخاري أيضا عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس: أن عباد بن بشر وأسيد بن حضير خرجا من عند النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر مثله (4).
وقد رواه النسائي عن أبي بكر بن نافع، عن بشر بن أسيد، وأسنده البيهقي من طريق يزيد بن هارون كلاهما عن حماد بن سلمة به.
حديث آخر قال البيهقي: أنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله (5) الاصبهاني، ثنا أحمد بن مهران، ثنا عبيد الله بن موسى، أنا كامل بن العلاء، عن أبي صالح، عن أبي هريرة.
قال: كنا نصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العشاء وكان يصلي فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره، فإذا رفع رأسه أخذهما فوضعهما وضعا رفيقا، فإذا عاد عادا، فلما صلى جعل واحدا ههنا وواحدا ههنا، فجئته فقلت يا رسول الله ألا أذهب بهما إلى أمهما ؟ [ قال: لا ] (6) فبرقت برقة فقال: الحقا بأمكما، فما زالا يمشيان في ضوئها حتى دخلا (7).
حديث آخر قال البخاري في التاريخ: حدثني أحمد بن الحجاج، ثنا سفيان بن حمزة، عن كثير بن
__________
(1) أخرجه البخاري في المناقب - علامات النبوة في الاسلام حديث 3639 فتح الباري 6 / 632.
(2) هو عباد بن بشر - هكذا ذكره في المستدرك.
(3) أخرجه الحاكم في المستدرك 3 / 288 وقال: " صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه " ونقله السيوطي في الخصائص 2 / 80 وعزاه لابن سعد والحاكم والبيهقي وأبي نعيم.
ورواه أبو نعيم في الدلائل ص (492).
(4) أخرجه البخاري في مناقب الانصار حديث (3805).
والبيهقي في الدلائل ج 6 / 78.
(5) في دلائل البيهقي 6 / 76: عبد الوهاب.
(6) من الدلائل.
(7) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 76.
وأخرجه الامام أحمد في مسنده 2 / 513 وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 9 / 181 وقال: " رواه أحمد ورجال أحمد ثقات ".

زيد (1) عن محمد بن حمزة بن عمرو الاسلمي عن أبيه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتفرقنا في ليلة ظلماء دحمسة، فأضاءت أصابعي حتى جمعوا عليها ظهرهم، وما هلك منهم، وإن أصابعي لتنير.
ورواه البيهقي من حديث إبراهيم بن المنذر الحزامي.
عن سفيان بن حمزة.
ورواه الطبراني من حديث إبراهيم بن حمزة الزهري عن سفيان بن حمزة به.
حديث آخر قال البيهقي: حدثنا أبو عبد الله الحافظ، ثنا أبو محمد: أحمد بن عبد الله المدني، ثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، ثنا أبو كريب، ثنا زيد بن الحباب، ثنا عبد الحميد بن أبي عبس الانصاري من بني حارثة، أخبرني ميمون بن زيد بن أبي عبس، أخبرني أبي أن أبا عبس، كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلوات ثم يرجع إلى بني حارثة، فخرج في ليلة مظلمة مطيرة، فنور له في عصاه حتى دخل دار بني حارثة * قال البيهقي: أبو عبس ممن شهد بدرا (2).
قلت: وروينا عن يزيد بن الاسود وهو من التابعين أنه كان يشهد الصلاة بجامع دمشق من جسرين فربما أضاءت له إبهام قدمه في الليلة المظلمة * وقد قدمنا في قصة إسلام الطفيل بن عمرو الدوسي بمكة قبل الهجرة، وأنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم آية يدعو قومه بها، فلما ذهب إليهم وانهبط من الثنية أضاء له نور بين عينيه.
فقال: اللهم [ لا ] يقولوا: هو مثله.
فحوله الله إلى طرف سوطه حتى جعلوا يرونه
مثل القنديل.
حديث آخر فيه كرامة لتميم الداري روى الحافظ البيهقي: من حديث عفان بن مسلم، عن حماد بن سلمة، عن الجريري، [ عن أبي العلاء ] (3) عن معاوية بن حرمل قال: خرجت نار بالحرة فجاء عمر إلى تميم الداري فقال: قم إلى هذه النار، قال: يا أمير المؤمنين ومن أنا وما أنا ؟ قال: فلم يزل به حتى قام معه، قال: وتبعتهما، فانطلقا إلى النار، فجعل تميم يحوشها بيديه حتى دخلت الشعب ودخل تميم خلفها، قال: فجعل عمر يقول: ليس من رأى كمن لم ير، قالها ثلاثا.
حديث فيه كرامة لولي من هذه الامة وهي معدودة من المعجزات لان كل ما يثبت لولي فهو معجزة لنبيه.
قال الحسن بن عروة: ثنا عبد الله بن إدريس، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن أبي سبرة
__________
(1) من البخاري والبيهقي، وفي الاصل يزيد، وهو كثير بن زيد الاسلمي، أبو محمد المدني، ابن مافنة صدوق يخطئ من السابعة مات في آخر خلافة المنصور.
والخبر في دلائل البيهقي 6 / 79 ودلائل أبي نعيم ص (494) ونقله السيوطي في الخصائص (2 / 81).
(2) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 79 والحاكم في المستدرك 3 / 350 وقال الذهبي " مرسل ".
(3) من دلائل البيهقي 6 / 80.

النخعي، قال: أقبل رجل من اليمن فلما كان ببعض الطريق، نفق حماره فقام فتوضأ ثم صلى ركعتين ثم قال: اللهم إني جئت من الدفينة (1) مجاهدا في سبيلك وابتغاء مرضاتك، وأنا أشهد أنك تحيي الموتى وتبعث من في القبور، لا تجعل لاحد علي اليوم منة، أطلب إليك اليوم أن تبعث حماري، فقام الحمار ينفض أذنيه، قال البيهقي: هذا إسناد صحيح.
ومثل هذا يكون كرامة لصاحب الشريعة.
قال البيهقي: وكذلك رواه محمد بن يحيى الذهلي وغيره عن محمد بن عبيد، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي وكأنه عند إسماعيل عنهما.
والله أعلم (2).
طريق أخرى قال أبو بكر بن أبي الدنيا في كتاب " من عاش بعد الموت ": حدثنا إسحاق بن إسماعيل وأحمد بن بجير وغيرهما قالوا: ثنا محمد بن عبيد، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن الشعبي أن قوما أقبلوا من اليمن متطوعين في سبيل الله فنفق حمار رجل منهم فأرادوه أن ينطلق معهم فأبى، فقام فتوضأ وصلى ثم قال: اللهم إني جئت من الدفينة مجاهدا في سبيلك وابتغاء مرضاتك، وإني أشهد أنك تحيي الموتى وتبعث من في القبور، لا تجعل لاحد علي منة، فإني أطلب إليك أن تبعث لي حماري، ثم قام إلى الحمار [ فضربه ] فقام الحمار ينفض أذنيه، فأسرجه وألجمه، ثم ركبه وأجراه فلحق بأصحابه، فقالوا له: ما شأنك ؟ قال: شأني أن الله بعث حماري * قال الشعبي: فأنا رأيت الحمار بيع أو يباع في الكناسة - يعني بالكوفة -.
قال ابن أبي الدنيا: وأخبرني العباس بن هشام عن أبيه عن جده عن مسلم بن عبد الله بن شريك النخعي، أن صاحب الحمار رجل من النخع، يقال له نباتة بن يزيد، خرج في زمن عمر غازيا، حتى إذا كان يلقى عميرة نفق حماره فذكر القصة، غير أنه قال: فباعه بعد بالكناسة، فقيل له: تبيع حمارك وقد أحياه الله لك ؟ قال: فكيف أصنع ؟ وقد قال رجل من رهطه ثلاث أبيات فحفظت هذا البيت: ومنا الذي أحيا الاله حماره * وقد مات منه كل عضو ومفصل (3) وقد ذكرنا في باب رضاعه عليه السلام، ما كان من حمارة حليمة السعدية وكيف كانت تسبق الركب في رجوعها لما ركب معها عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو رضيع، وقد كانت أدمت بالركب في مسيرهم إلى مكة، وكذلك ظهرت بركته عليهم في شارفهم - وهي الناقة التي كانوا يحلبونها - وشياههم وسمنهم وكثرة ألبانها، صلوات الله وسلامه عليه.
__________
(1) في دلائل البيهقي: الدثنية.
(2) رواه البيهقي في الدلائل من طريق اسماعيل بن محمد الصفار عن الحسن بن عرفة، وفي أصول ابن كثير عروة.
وهو تصحيف.
وهو الحسن بن عرفة بن يزيد العبدي، أبو علي البغدادي صدوق من العاشرة مات سنة 257 وقد جاوز المئة.
(تقريب التهذيب 1 / 168).
(3) ذكره البيهقي في الدلائل من طريق أبي علي الحسين بن صفوان 6 / 49.

قصة أخرى مع قصة العلاء بن الحضرمي قال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثني خالد بن خداش بن عجلان المهلبي وإسماعيل بن بشار (1) قالا: ثنا صالح المري عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال: عدنا شابا من الانصار، فما كان بأسرع من أن مات، فأغمضناه ومددنا عليه الثوب، وقال بعضنا لامه: احتسبيه، قالت: وقد مات ؟ قلنا: نعم، فمدت يديها إلى السماء وقالت: اللهم إني آمنت بك، وهاجرت إلى رسولك، فإذا نزلت بي شدة دعوتك ففرجتها، فأسألك اللهم لا تحمل على هذه المصيبة، قال: فكشف الثوب عن وجهه، فما برحنا حتى أكلنا وأكل معنا.
وقد رواه البيهقي عن أبي سعد (2) الماليني عن ابن عبدي، عن محمد بن طاهر بن أبي [ الدميك عن عبيد الله ] (3) بن عائشة عن صالح بن بشير المري (4) - أحد زهاد البصرة وعبادها - مع لين في حديثه عن أنس فذكر القصة وفيه أن أم السائب كانت عجوزا عمياء * قال البيهقي: وقد روي من وجه آخر مرسل - يعني فيه انقطاع - عن ابن عدي وأنس بن مالك * ثم ساقه من طريق عيسى بن يونس عن عبد الله بن عون، عن أنس قال: أدركت في هذه الامة ثلاثا لو كانت في بني إسرائل لما تقاسمها الامم، قلنا: ما هي يا أبا حمزة ؟ قال: كنا في الصفة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتته امرأة مهاجرة ومعها ابن لها قد بلغ، فأضاف المرأة إلى النساء، وأضاف ابنها إلينا، فلم يلبث أن أصابه وباء المدينة، فمرض أياما ثم قبض، فغمضه النبي صلى الله عليه وسلم وأمر بجهازه، فلما أردنا أن نغسله، قال: يا أنس ائت أمه فأعلمها، فأعلمتها، قال: فجاءت حتى جلست عند قدميه فأخذت بهما، ثم قالت: اللهم إني أسلمت لك طوعا، وخالفت الاوثان زهدا، وهاجرت لك رغبة، اللهم لا تشمت بي عبدة الاوثان، ولا تحملني من هذه المصيبة مالا طاقة لي بحملها، قال: فو الله ما انقضى كلامها حتى حرك قدميه وألقى الثوب عن وجهه وعاش حتى قبض الله رسوله صلى الله عليه وسلم، وحتى هلكت أمه * قال: ثم جهز عمر بن الخطاب جيشا واستعمل عليهم العلاء بن الحضرمي، قال أنس: وكنت في
غزاته فأتينا مغازينا فوجدنا القوم قد بدروا (5) بنا فعفوا آثار الماء، والحر شديد، فجهدنا العطش ودوابنا وذلك يوم الجمعة، فما مالت الشمس لغروبها صلى بنا ركعتين ثم مد يده إلى السماء، وما نرى في السماء شيئا.
قال: فو الله ما حط يده حتى بعث الله ريحا وأنشأ سحابا، وأفرغت حتى ملات الغدر والشعاب، فشربنا وسقينا ركابنا، واستقينا، ثم أتينا عدونا وقد جاوزوا خليجا في البحر إلى جزيرة، فوقف على الخليج وقال: يا علي، يا عظيم، يا حليم، يا كريم، ثم قال:
__________
(1) في رواية البيهقي عن ابن أبي الدنيا: اسماعيل بن ابراهيم بن بسام.
(2) من الدلائل 6 / 50 وفي الاصل سعيد.
(3) من الدلائل وفي الاصل: ابن أبي الدميل عن عبد الله بن عائشة.
(4) المري من الدلائل وفي الاصل المزني تحريف.
(5) في البيهقي: قد نذروا.

أجيزوا بسم الله، قال: فأجزنا ما يبل الماء حوافر دوابنا، فلم نلبث إلا يسيرا فأصبنا العدو غيلة (1) فقتلنا وأسرنا وسبينا، ثم أتينا الخليج، فقال مثل مقالته، فأجزنا ما يبل الماء حوافر دوابنا، قال: فلم نلبث إلا يسيرا حتى رمى في جنازته، قال: فحفرنا له وغسلناه ودفناه، فأتى رجل بعد فراغنا من دفنه فقال: من هذا ؟ فقلنا: هذا خير البشر، هذا ابن الحضرمي، فقال: إن هذه الارض تلفظ الموتى، فلو نقلتموه إلى ميل أو ميلين، إلى أرض تقبل الموتى، فقلنا: ما جزاء صاحبنا أن نعرضه للسباع تأكله، قال: فاجتمعنا على نبشه، فلما وصلنا إلى اللحد إذا صاحبنا ليس فيه، وإذا اللحد مد البصر نور يتلالا، قال: فأعدنا التراب إلى اللحد ثم ارتحلنا * قال البيهقي رحمه الله: وقد روي عن أبي هريرة في قصة العلاء بن الحضرمي في استسقائه ومشيهم على الماء دون قصة الموت بنحو من هذا * وذكر البخاري في التاريخ لهذه القصة إسنادا آخر، وقد أسنده ابن أبي الدنيا عن أبي كريب عن محمد بن فضيل عن الصلت بن مطر العجلي عن عبد الملك بن سهم عن سهم بن منجاب قال: غزونا مع العلاء بن الحضرمي، فذكره.
وقال في
الدعاء: يا عليم، يا حليم، يا علي، يا عظيم، إنا عبيدك وفي سبيلك نقاتل عدوك، اسقنا غيثا نشرب منه ونتوضأ، فإذا تركناه فلا تجعل لاحد فيه نصيبا غيرنا، وقال في البحر: اجعل لنا سبيلا إلى عدوك، وقال في الموت: اخف جثتي ولا تطلع على عورتي أحدا فلم يقدر عليه (2) والله أعلم.
قصة أخرى قال البيهقي: أنا الحسين بن بشران، أنا إسماعيل الصفار، ثنا الحسن بن علي بن عثمان (3)، ثنا ابن نمير عن الاعمش عن بعض أصحابه قال: انتهينا إلى دجلة وهي مادة والاعاجم خلفها، فقال رجل من المسلمين: بسم الله، ثم اقتحم بفرسه، فارتفع على الماء، فقال الناس: بسم الله ثم اقتحموا فارتفعوا على الماء فنظر إليهم الاعاجم وقالوا: ديوان ديوان، ثم ذهبوا على وجوههم * قال: فما فقد الناس إلا قدحا كان معلقا بعذبة سرج، فلما خرجوا أصابوا الغنائم فاقتسموها فجعل الرجل يقول: من يبادل صفراء ببيضاء (4).
قصة أخرى قال البيهقي: أنا أبو عبد الرحمن السلمي، أنا أبو عبد الله بن محمد السمري، ثنا أبو العباس السراج، ثنا الفضل بن سهل وهارون بن عبد الله قالا: ثنا أبو النضر، ثنا سليمان بن
__________
(1) من البيهقي، وفي الاصل: عليه.
(2) رواه البيهقي في الدلائل 51 - 53.
(3) في الدلائل: عفان.
(4) رواه البيهقي في الدلائل ج 6 / 53 - 54.

المغيرة: أن أبا مسلم الخولاني جاء إلى دجلة وهي ترمي بالخشب من مدها، فمشى على الماء والتفت إلى أصحابه وقال: هل تفقدون من متاعكم شيئا فندعو الله عز وجل ؟ قال البيهقي: هذا إسناد صحيح (1).
قلت: وستأتي قصة مسلم الخولاني - واسمه عبد الله بن ثوب - مع الاسود العنسي حين ألقاه في النار فكانت عليه بردا وسلاما كما كانت على الخليل إبراهيم عليه السلام.
قصة زيد بن خارجة وكلامه بعد الموت وشهادته بالرسالة لمحمد صلى الله عليه وسلم وبالخلافة لابي بكر الصديق ثم لعمر ثم لعثمان رضي الله عنهم.
قال الحافظ أبو بكر البيهقي: أنا أبو صالح بن أبي طاهر العنبري، أنا جدي يحيى بن منصور القاضي، ثنا أبو علي: محمد بن عمرو بن كشمرد، أنا القعنبي، أنا سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أن زيد بن خارجة الانصاري ثم من بني الحارث بن الخزرج توفي زمن عثمان بن عفان فسجي بثوبه، ثم إنهم سمعوا جلجلة في صدره ثم تكلم ثم قال: أحمد أحمد في الكتاب الاول، صدق صدق أبو بكر الصديق الضعيف في نفسه القوي في أمر الله، في الكتاب الاول، صدق صدق عمر بن الخطاب القوي الامين في الكتاب الاول، صدق صدق عثمان بن عفان على منهاجهم مضت أربع وبقيت ثنتان أتت بالفتن، وأكل الشديد الضعيف وقامت الساعة وسيأتيكم عن جيشكم خبر، بئر أريس، وما بئر أريس.
قال يحيى: قال سعيد: ثم هلك رجل من بني خطمة فسجي بثوبه، فسمع جلجلة في صدره، ثم تكلم فقال: إن أخا بني الحارث بن الخزرج صدق صدق * ثم رواه البيهقي عن الحاكم عن أبي بكر بن إسحاق، عن موسى (2) بن الحسن عن القعنبي فذكره وقال: هذا إسناد صحيح وله شواهد * ثم ساقه من طريق أبي بكر: عبد الله بن أبي الدنيا في كتاب " من عاش بعد الموت ": حدثنا أبو مسلم عبد الرحمن بن يونس، ثنا عبد الله بن إدريس، عن إسماعيل بن أبي خالد.
قال: جاء يزيد بن النعمان بن بشير إلى حلقة القاسم بن عبد الرحمن بكتاب أبيه النعمان بن بشير - يعني إلى أمه - بسم الله الرحمن الرحيم من النعمان بن بشير إلى أم عبد الله بنت أبي هاشم، سلام عليك فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، فانك كتبت إلي لاكتب إليك بشأن، زيد بن خارجة، وأنه كان من شأنه أنه أخذه وجع في حلقه - وهو يومئذ من أصح الناس أو أهل المدينة - فتوفي بين صلاة الاولى وصلاة العصر، فأضجعناه لظهره وغشيناه ببردين وكساء، فأتاني آت في مقامي، وأنا أسبح بعد المغرب (3) فقال: إن زيدا قد تكلم بعد وفاته، فانصرفت إليه مسرعا،
__________
(1) رواه البيهقي في الدلائل 6 / 54.
(2) في الدلائل: قريش.
(3) في الدلائل 6 / 56 العصر.

وقد حضره قوم من الانصار، وهو يقول أو يقال على لسانه: الاوسط أجلد الثلاثة الذي كان لا يبالي في الله لومة لائم، كان لا يأمر الناس، أن يأكل قويهم ضعيفهم، عبد الله أمير المؤمنين صدق صدق كان ذلك في الكتاب الاول.
ثم قال: عثمان أمير المؤمنين وهو يعافي الناس، من ذنوب كثيرة، خلت اثنتان وبقي أربع، ثم اختلف الناس وأكل بعضهم بعضا فلا نظام [ وأبيحت الاحماء، ثم ارعوى المؤمنون ] (1) وقال: كتاب الله وقدره، أيها الناس: أقبلوا على أمير كم واسمعوا وأطيعوا، فمن تولى فلا يعهدن دما وكان أمر الله قدرا مقدورا، الله أكبر هذه الجنة وهذه النار، ويقولن النبيون والصديقون: سلام عليكم: يا عبد الله بن رواحة هل أحسست لي خارجة لابيه، وسعدا اللذين قتلا يوم أحد ؟ * (كلا إنها لظى نزاعة للشوى تدعو من أدبر وتولى وجمع فأوعى) * [ المعارج: 16 - 19 ] ثم خفت صوته، فسألت الرهط عما سبقني من كلامه، فقالوا: سمعناه يقول: أنصتوا أنصتوا، فنظر بعضنا إلى بعض فإذا الصوت من تحت الثياب، قال: فكشفنا عن وجهه فقال: هذا أحمد رسول الله، سلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، ثم قال: أبو بكر الصديق الامين، خليفة رسول الله كان ضعيفا في جسمه، قويا في أمر الله صدق صدق وكان في الكتاب الاول.
ثم رواه الحافظ البيهقي: عن أبي نصر بن قتادة، عن أبي عمرو بن بجير (2) عن علي بن الحسين [ بن الجنيد ] عن المعافى بن سليمان، عن زهير بن معاوية، عن إسماعيل بن أبي خالد فذكره وقال: هذا إسناد صحيح * وقد روى هشام بن عمار في كتاب البعث عن الوليد بن مسلم، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال: حدثني عمير بن هانئ، حدثني النعمان بن بشير قال: توفي رجل منا يقال له: خارجة بن زيد فسجينا عليه ثوبا، فذكر نحو ما تقدم * قال: البيهقي: وروي ذلك عن حبيب بن سالم عن النعمان بن بشير وذكر
بئر أريس، كما ذكرنا في رواية المسيب.
قال البيهقي: والامر فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتما فكان في يده، ثم كان في يد أبي بكر من بعده، ثم كان في يد عمر، ثم كان في يد عثمان حتى وقع منه في بئر أريس بعدما مضى من خلافته ست سنين فعند ذلك تغيرت عماله، وظهرت أسباب الفتن كما قيل على لسان زيد بن خارجة.
قلت: وهي المرادة من قوله مضت اثنتان وبقي أربع أو مضت أربع وبقي اثنتان، على اختلاف الرواية والله أعلم.
وقد قال البخاري في التاريخ (3): زيد بن خارجة الخزرجي الانصاري شهد بدرا، توفي زمن عثمان وهو الذي تكلم بعد الموت * قال البيهقي: وقد روى في التكلم بعد الموت عن جماعة بأسانيد صحيحة والله أعلم * قال ابن أبي الدنيا: ثنا خلف بن هشام البزار، ثنا خالد الطحان عن حصين عن عبد الله بن عبيد
__________
(1) من الدلائل، وفي الاصل: وانتجت الاكما، ثم ارعوى المؤمنين.
(2) في الدلائل: نجيد.
(3) التاريخ الكبير 2 / 1 / 383.

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55