كتاب : درر الحكام شرح غرر الأحكام
المؤلف : محمد بن فراموز الشهير بمنلا خسرو

لِإِنْسَانٍ وَيَلْزَمُهُ طَاعَتُهُ فَيَدْخُلُ الْأَجِيرُ مَعَ مُسْتَأْجِرِهِ وَالْمَحْمُولُ مَعَ حَامِلِهِ وَالْغَرِيمُ مَعَ صَاحِبِ الدَّيْنِ إنْ كَانَ مُعْسِرًا مُفْلِسًا وَالْأَعْمَى مَعَ قَائِدِهِ الْمُتَطَوِّعِ بِقَوْدِهِ .
ا هـ .
قُلْتُ لَا يَخْفَى عَدَمُ اطِّرَادِ الْعِلَّةِ فِي الْجَمِيعِ .

( السُّلْطَانُ إذَا سَافَرَ قَصَرَ إلَّا إذَا طَافَ فِي وِلَايَتِهِ ) مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْصِدَ مَا يَصِلُ إلَيْهِ فِي مُدَّةِ السَّفَرِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يَكُونُ مُسَافِرًا ( أَوْ طَلَبَ الْعَدُوَّ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنْ يُدْرِكَهُ ) فَإِنَّهُ أَيْضًا لَا يَكُونُ مُسَافِرًا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ ( وَفِي الرُّجُوعِ يَقْصُرُ ) إنْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْزِلِهِ مَسِيرَةُ سَفَرٍ .

( سَافَرَ كَافِرٌ وَصَبِيٌّ مَعَ أَبِيهِ ) أَيْ خَرَجَا قَاصِدَيْنِ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَصَاعِدًا ( فَأَسْلَمَ ) الْكَافِرُ ( وَبَلَغَ ) الصَّبِيُّ ( وَبَيْنَهُمَا وَبَيْنَ مَنْزِلِهِمَا ) أَيْ مَقْصِدِهِمَا بِالسَّفَرِ ( أَقَلُّ مِنْ الْمُدَّةِ قَالُوا ) أَيْ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ ( الْمُسْلِمُ يَقْصُرُ ) فِيمَا بَقِيَ مِنْ السَّفَرِ ( وَالصَّبِيُّ يُتِمُّ ) ؛ لِأَنَّ نِيَّةَ الْكَافِرِ مُعْتَبَرَةٌ فَكَانَ مُسَافِرًا مِنْ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ فَإِنَّهُ مِنْ هَذَا الْوَقْتِ يَكُونُ مُسَافِرًا إذْ الْفَرْضُ أَنَّ الْبَاقِيَ لَيْسَ بِمُدَّةِ السَّفَرِ ( وَقِيلَ يُتِمَّانِ ) بِنَاءً عَلَى عَدَمِ الْعِبْرَةِ بِنِيَّةِ الْكَافِرِ ( أَيْضًا ، وَقِيلَ يَقْصُرَانِ ) بِنَاءً عَلَى تَبَعِيَّةِ الِابْنِ لِلْأَبِ الْمُسَافِرِ .
( قَوْلُهُ سَافَرَ كَافِرٌ وَصَبِيٌّ مَعَ أَبِيهِ ) الصُّورَةُ الَّتِي قَدَّمْنَاهَا عَنْ الْكَمَالِ فِيمَا إذَا خَرَجَ الصَّبِيُّ بِنَفْسِهِ وَلَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ بِهِ فَإِنَّ التَّبَعِيَّةَ غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ لِعَدَمِ لُزُومِ حُكْمِ السَّفَرِ فِي حَقِّهِ وَإِذَا بَلَغَ انْقَطَعَتْ التَّبَعِيَّةُ .
( قَوْلُهُ : وَقِيلَ يَقْصُرَانِ بِنَاءً عَلَى تَبَعِيَّةِ الِابْنِ لِلْأَبِ الْمُسَافِرِ ) قَدْ عَلِمْت أَنَّ التَّبَعِيَّةَ غَيْرُ مُؤَثِّرَةٍ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ ؛ لِأَنَّهُ ، وَإِنْ قَصَرَ إنَّمَا ذَلِكَ تَخَلُّقٌ لَا لُزُومٌ فِي حَقِّهِ .

( بَابُ الْجُمُعَةِ ) ( هِيَ فَرِيضَةٌ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ } وَالْأَمْرُ بِالسَّعْيِ إلَى شَيْءٍ خَالِيًا عَنْ الصَّارِفِ لَا يَكُونُ إلَّا لِإِيجَابِهِ ( شَرْطُ صِحَّتِهَا الْمِصْرُ ) فَلَا تَجُوزُ فِي الْقُرَى خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ( وَهُوَ مَا لَا يَسَعُ أَكْبَرُ مَسَاجِدِهِ أَهْلَهُ ) يَعْنِي مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ لَا سُكَّانُهُ مُطْلَقًا ( أَوْ مَا لَهُ مُفْتٍ ) ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ وَأَمِيرٌ وَقَاضٍ يُنَفِّذُ الْأَحْكَامَ وَيُقِيمُ الْحُدُودَ وَكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ مَنْقُولٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَالْأَوَّلُ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ وَالثَّانِي اخْتِيَارُ الثَّلْجِيِّ ( أَوْ فِنَاؤُهُ ) عَطْفٌ عَلَى الْمِصْرِ وَالضَّمِيرُ لَهُ ( وَهُوَ مَا اتَّصَلَ بِهِ ) أَيْ الْمِصْرِ ( مُعَدٌّ لِمَصَالِحِهِ ) كَرَكْضِ الدَّوَابِّ وَجَمْعِ الْعَسْكَرِ وَالْخُرُوجِ لِلرَّمْيِ وَدَفْنِ الْمَوْتَى وَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ( وَ ) شَرْطُ صِحَّتِهَا أَيْضًا ( السُّلْطَانُ أَوْ مَنْ أَمَرَهُ السُّلْطَانُ ) بِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ ( مَاتَ وَالِي الْمِصْرِ فَجَمَّعَ ) أَيْ أَقَامَ الْجُمُعَةَ ( بِهِمْ خَلِيفَةُ ) أَيْ الْمَيِّتِ ( أَوْ صَاحِبِ الشَّرَطِ ) بِفَتْحِ الشِّينِ وَالرَّاءِ بِمَعْنَى الْعَلَامَةِ وَهُوَ الَّذِي يُقَالُ لَهُ شِحْنَةٌ سُمِّيَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا لِأَنْفُسِهِمْ عَلَامَةً يُعْرَفُونَ بِهَا ( أَوْ الْقَاضِي جَازَ ) ؛ لِأَنَّ أَمْرَ الْعَامَّةِ مُفَوَّضٌ إلَيْهِمْ ذَكَرَ قَاضِي خَانْ ( وَلَا عِبْرَةَ لِنَصْبِ الْعَامَّةِ إلَّا إذَا لَمْ يُوجَدْ مَنْ ذُكِرَ ) مِنْ خَلِيفَةِ الْمَيِّتِ أَوْ صَاحِبِ الشُّرَطِ أَوْ الْقَاضِي .

( بَابُ الْجُمُعَةِ ) جُمُعَةٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِهَا وَفَتْحِهَا حَكَى ذَلِكَ الْفَرَّاءُ وَالْوَاحِدِيُّ ، كَذَا فِي الْبَحْرِ .
وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ : الْمِيمُ سَاكِنَةٌ عِنْدَ أَهْلِ اللِّسَانِ وَالْقُرَّاءُ تَضُمُّهَا ا هـ .
وَفِي الْمِصْبَاحِ : ضَمُّ الْمِيمِ لُغَةُ الْحِجَازِ وَفَتْحُهَا لُغَةُ بَنِي تَمِيمٍ وَإِسْكَانُهَا لُغَةُ عَقِيلٍ وَقَرَأَ بِهَا الْأَعْمَشُ وَالْجَمْعُ جُمَعٌ وَجُمُعَاتٌ مِثْلُ غُرَفٍ وَغُرُفَاتٍ فِي وُجُوهِهَا ا هـ .
وَقَالَ الْكَاكِيُّ أُضِيفَ إلَيْهَا الْيَوْمُ وَالصَّلَاةُ ثُمَّ كَثُرَ الِاسْتِعْمَالُ حَتَّى حُذِفَ مِنْهَا الْمُضَافُ .
( قَوْلُهُ هِيَ فَرْضٌ ) قَالَ الْكَاكِيُّ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ فَرِيضَةٌ مُحْكَمَةٌ جَاحِدُهَا كَافِرٌ بِالْإِجْمَاعِ وَهِيَ فَرْضُ عَيْنٍ إلَّا عِنْدَ ابْنِ كَجٍّ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُ يَقُولُ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَهُوَ غَلَطٌ ذَكَرَهُ فِي الْحِلْيَةِ وَشَرْحِ الْوَجِيزِ ا هـ .
وَقَالَ الْكَمَالُ الْجُمُعَةُ فَرِيضَةٌ مُحْكَمَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ يَكْفُرُ جَاحِدُهَا ، وَذَكَرَ الْأَدِلَّةَ ثُمَّ قَالَ ، وَإِنَّمَا أَكْثَرْنَا فِيهِ نَوْعًا مِنْ الْإِكْثَارِ لِمَا نَسْمَعُ عَنْ بَعْضِ الْجَهَلَةِ أَنَّهُمْ يُنْسِبُونَ إلَى مَذْهَبِ الْحَنَفِيَّةِ عَدَمَ افْتِرَاضِهَا وَمُنْشَأُ غَلَطِهِمْ مَا سَيَأْتِي مِنْ قَوْلِ الْقُدُورِيِّ وَمَنْ صَلَّى الظُّهْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي مَنْزِلِهِ وَلَا عُذْرَ لَهُ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ وَجَازَتْ صَلَاتُهُ ، وَإِنَّمَا أَرَادَ حَرُمَ عَلَيْهِ وَصَحَّتْ الظُّهْرُ فَالْحُرْمَةُ لِتَرْكِ الْفَرْضِ وَصِحَّةُ الظُّهْرِ لِمَا سَنَذْكُرُ ، وَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهَا فَرْضٌ آكَدُ مِنْ الظُّهْرِ وَبِإِكْفَارِ جَاحِدِهَا .
ا هـ .
( قَوْلُهُ شَرْطُ صِحَّتِهَا
إلَخْ ) أَقُولُ فَجُمْلَةُ شُرُوطِ الصِّحَّةِ سِتَّةٌ الْمِصْرُ وَالْجَمَاعَةُ وَالْخُطْبَةُ وَالسُّلْطَانُ وَالْوَقْتُ وَالْأَذَانُ الْعَامُّ .
( قَوْلُهُ أَوْ مَا لَهُ مُفْتٍ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ ) أَقُولُ لَكِنَّهُ زَادَ فِيهِ وَبَلَغَتْ أَبْنِيَتُهُ أَبْنِيَةَ مِنًى ا هـ .
وَإِذَا كَانَ الْقَاضِي أَوْ الْأَمِيرُ يُفْتِي أَغْنَى عَنْ التَّعَدُّدِ

كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ .
( قَوْلُهُ وَأَمِيرٌ ) الْمُرَادُ بِالْأَمِيرِ وَالٍ يَقْدِرُ عَلَى إنْصَافِ الْمَظْلُومِ مِنْ الظَّالِمِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ .
( قَوْلُهُ وَيُقِيمُ الْحُدُودَ ) إنَّمَا قَالَهُ بَعْدَ قَوْلِهِ يُنَفِّذُ الْأَحْكَامَ ؛ لِأَنَّ تَنْفِيذَ الْأَحْكَامِ لَا يَسْتَلْزِمُ إقَامَةَ الْحُدُودِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَ قَاضِيَةً تُنَفِّذُ الْأَحْكَامَ وَلَيْسَ لَهَا إقَامَةُ الْحُدُودِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَاكْتَفَى بِذِكْرِ الْحُدُودِ عَنْ الْقِصَاصِ لِأَنَّ مَنْ مَلَكَ إقَامَتَهَا مَلَكَهُ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ .
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ فَظَاهِرُهُ أَنَّ الْبَلْدَةَ إذَا كَانَ قَاضِيهَا أَوْ أَمِيرُهَا امْرَأَةً لَا تَكُونُ مِصْرًا فَلَا تَصِحُّ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ فِيهَا وَالظَّاهِرُ خِلَافُهُ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ الْمَرْأَةُ إذَا كَانَتْ سُلْطَانًا فَأَمَّرَتْ رَجُلًا صَالِحًا لِلْإِمَامَةِ حَتَّى صَلَّى بِهِمْ الْجُمُعَةَ جَازَ إنَابَتُهَا ؛ لِأَنَّهَا تَصْلُحُ سُلْطَانًا وَقَاضِيًا فِي الْجُمْلَةِ .
ا هـ .
قُلْتُ وَفِيمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ تَأَمُّلٌ ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي نَائِبِ السُّلْطَانِ إذَا كَانَ امْرَأَةً لَا فِي السُّلْطَانِ إذَا كَانَ امْرَأَةً ( قَوْلُهُ وَكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ مَنْقُولٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ) أَقُولُ وَعَنْهُ رِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ هُوَ كُلُّ مَوْضِعٍ يَسْكُنُ فِيهِ عَشَرَةُ آلَافِ نَفَرٍ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ ا هـ .
وَقِيلَ يُوجَدُ فِيهِ عَشَرَةُ آلَافِ مُقَاتِلٍ وَفِي الْمِصْرِ أَقْوَالٌ غَيْرُ هَذِهِ .
( قَوْلُهُ وَالْأَوَّلُ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ ) أَقُولُ الصَّوَابُ أَنَّ الْأَوَّلَ فِيمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ اخْتِيَارُ الثَّلْجِيِّ بِالْمُثَلَّثَةِ وَالْجِيمِ وَالثَّانِي اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ وَذَلِكَ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ الثَّانِي مِنْ كَلَامِ هَذَا الْمُصَنِّفُ أَوَّلًا فِي كَلَامِهِ ثُمَّ قَالَ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَالْأَوَّلُ اخْتِيَارُ الْكَرْخِيِّ
إلَخْ ، وَكَذَا فِي الْعِنَايَةِ هَذَا وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ اسْتِوَاءُ الْقَوْلَيْنِ فِي تَعْرِيفِ الْمِصْرِ ، وَقَدْ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إنَّ الْأَوَّلَ أَيْ

التَّعْرِيفَ بِأَنَّهُ كُلُّ مَوْضِعٍ لَهُ أَمِيرٌ وَقَاضٍ
إلَخْ هُوَ الظَّاهِرُ أَيْ مِنْ الْمَذْهَبِ كَمَا قَالَهُ الْكَمَالُ .
وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى ا هـ لَكِنْ نَقَلَ الْكَاكِيُّ عَنْ الْمُجْتَبَى أَنَّ قَوْلَ الثَّلْجِيِّ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ ا هـ .
وَقَالَ ابْنُ شُجَاعٍ هُوَ أَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ .
وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ ا هـ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَالْهِدَايَةِ أَنْ لَا قَوْلَ فِي تَعْرِيفِ الْمِصْرِ لِلْإِمَامِ .
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْمِصْرُ كُلُّ بَلْدَةٍ فِيهَا سِكَكٌ وَأَسْوَاقٌ وَلَهَا رَسَاتِيقُ وَوَالٍ يُنْصِفُ الْمَظْلُومَ مِنْ الظَّالِمِ وَعَالِمٌ يُرْجَعُ إلَيْهِ فِي الْحَوَادِثِ وَهُوَ الْأَصَحُّ ا هـ .
وَمِثْلُهُ فِي الْبَدَائِعِ وَهَذَا أَخَصُّ مِمَّا عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَكِنْ نَقَلَ الْكَمَالُ تَصْحِيحَهُ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ فَقَالَ بَعْدَ نَقْلِهِ قِيلَ وَهُوَ الْأَصَحُّ .
( قَوْلُهُ أَوْ فِنَاؤُهُ ) أَقُولُ إنَّمَا لَمْ يَقُلْ كَالْقُدُورِيِّ أَوْ مُصَلَّاهُ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْصُورٍ عَلَيْهِ بَلْ جَمِيعُ أَفْنِيَةِ الْمِصْرِ كَالْمِصْرِ .
( قَوْلُهُ وَهُوَ مَا اتَّصَلَ بِهِ أَيْ الْمِصْرِ ) أَقُولُ اتِّصَالُهُ لَيْسَ قَيْدًا احْتِرَازِيًّا عَنْ الْمُنْفَصِلِ لِمَا قَالَ الْكَمَالُ وَفِنَاؤُهُ هُوَ الْمَكَانُ الْمُعَدُّ لِمَصَالِحِ الْمِصْرِ مُتَّصِلٌ بِهِ أَوْ مُنْفَصِلٌ بِغَلْوَةٍ ، كَذَا قَدَّرَهُ مُحَمَّدٌ فِي النَّوَادِرِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ .
وَقَوْلُهُ أَعْنِي الْكَمَالَ وَهُوَ الْمُخْتَارُ ذَكَرَهُ الْكَمَالُ فِي بَابِ الْمُسَافِرِ وَجَعَلَهُ تَحْدِيدًا لِلْفِنَاءِ .
وَقَالَ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي النَّوَادِرِ وَكَلَامُ الْكَمَالِ هُنَا فِي بَيَانِ الْحَدِّ الْفَاصِلِ بَيْنَ الْمِصْرِ وَالْفِنَاءِ فَجَعَلَ الْفَاصِلَ قَدْرَ الْغَلْوَةِ وَأَسْنَدَهُ لِمُحَمَّدٍ أَيْضًا فَاخْتَلَفَ الْمَرْوِيُّ بِهَذَا عَنْ النَّوَادِرِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْغَلْوَةِ هُنَا فِي الْحَدِّ الْفَاصِلِ وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِمَقَامِ

النَّظَرِ فَإِنَّ الْإِمَامَ الْأَعْظَمَ لَمْ يُقَدِّرْ الْفِنَاءَ بِمَسَافَةٍ ، وَكَذَا جَمْعٌ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ وَهُوَ الَّذِي لَا يَعْدِلُ عَنْهُ فَإِنَّ الْفِنَاءَ بِحَسَبِ كِبَرِ الْمِصْرِ وَصِغَرِهَا وَلَنَا فِيهِ رِسَالَةٌ لِبَيَانِ صِحَّةِ الْجُمُعَةِ فِي الْجَامِعِ الْمَبْنِيِّ عِنْدَ سَبِيلِ عَلَّانَ بِفِنَاءِ مِصْرَ الْمَحْرُوسَةِ ؛ لِأَنَّ الْفِنَاءَ هُوَ الْمُعَدُّ لِمَصَالِحِ الْمِصْرِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ وَبَعْضُهُمْ قَدَّرَهُ بِفَرْسَخٍ وَبِفَرْسَخَيْنِ وَبِثَلَاثَةِ فَرَاسِخَ ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ ، وَقِيلَ بِمِيلٍ ، وَقِيلَ بِمِيلَيْنِ ، وَقِيلَ بِثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ ، وَقِيلَ إنَّمَا تَجُوزُ فِي الْفِنَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمِصْرِ مَزْرَعَةٌ ا هـ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَدَمُ وُجُوبِ الْجُمُعَةِ عَلَى مَنْ قَرُبَ مِنْ الْمِصْرِ وَلَكِنْ قَالَ الْكَمَالُ وَمَنْ كَانَ فِي مَكَان مِنْ تَوَابِعِ الْمِصْرِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ أَهْلِ الْمِصْرِ فِي وُجُوبِ الْجُمُعَةِ عَلَيْهِ بِأَنْ يَأْتِيَ الْمِصْرَ فَيُصَلِّيَهَا فِيهِ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ الْمَوْضِعُ يُسْمَعُ فِيهِ النِّدَاءُ مِنْ الْمِصْرِ فَهُوَ مِنْ تَوَابِعِهِ وَإِلَّا فَلَا وَعَنْهُ كُلُّ قَرْيَةٍ مُتَّصِلَةٍ بِرَبَضِ الْمِصْرِ وَغَيْرُ الْمُتَّصِلَةِ لَا وَعَنْهُ أَنَّهَا تَجِبُ فِي ثَلَاثَةِ فَرَاسِخَ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ قَدْرِ مِيلٍ ، وَقِيلَ قَدْرِ مِيلَيْنِ ، وَقِيلَ سِتَّةٌ ، وَقِيلَ إنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَحْضُرَ الْجُمُعَةَ وَيَبِيتَ بِأَهْلِهِ مِنْ غَيْرِ تَكَلُّفٍ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ وَإِلَّا فَلَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَهَذَا حَسَنٌ ا هـ .
وَقَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الذَّخِيرَةِ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى إنْ كَانَ عَلَى قَدْرِ فَرْسَخٍ مِنْ الْمِصْرِ يَجِبُ عَلَيْهِ حُضُورُ الْجُمُعَةِ ا هـ .
وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا تَجِبُ عَلَى مَنْ هُوَ خَارِجَ الرَّبَضِ وَيُوجِبُهَا أَبُو يُوسُفَ عَلَى مَنْ كَانَ دَاخِلَ حَدِّ الْإِقَامَةِ الَّذِي مَنْ فَارَقَهُ يَصِيرُ مُسَافِرًا وَمَنْ وَصَلَ إلَيْهِ يَصِيرُ مُقِيمًا وَهُوَ الْأَصَحُّ ؛

لِأَنَّ وُجُوبَهَا مُخْتَصٌّ بِأَهْلِ الْمِصْرِ وَالْخَارِجُ عَنْ هَذَا الْحَدِّ لَيْسَ أَهْلَهُ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا .
ا هـ .
( قَوْلُهُ أَوْ أَمَرَهُ السُّلْطَانُ ) هُوَ الْأَمِيرُ أَوْ الْقَاضِي أَوْ الْخُطَبَاءُ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَدَخَلَ الْعَبْدُ إذَا قُلِّدَ وِلَايَةَ نَاحِيَةٍ فَتَجُوزُ إقَامَتُهُ ، وَإِنْ لَمْ تَجُزْ أَقْضِيَتُهُ وَأَنْكِحَتُهُ وَالْمَرْأَةُ إذَا كَانَتْ سُلْطَانَةً يَجُوزُ أَمْرُهَا بِالْإِقَامَةِ لَا إقَامَتُهَا ا هـ كَمَا فِي الْفَتْحِ .

( وَجَازَتْ ) الْجُمُعَةُ ( بِمِنًى فِي الْمَوْسِمِ لِلْخَلِيفَةِ أَوْ أَمِيرِ الْحِجَازِ ) وَهُوَ السُّلْطَانُ بِمَكَّةَ ( فَقَطْ ) قَيْدٌ لِلْمَجْمُوعِ أَيْ لَا تَجُوزُ بِعَرَفَاتٍ وَلَا بِمِنًى فِي غَيْرِ الْمَوْسِمِ وَلَا بِمِنًى فِي الْمَوْسِمِ لِأَمِيرِ الْمَوْسِمِ وَهُوَ الْمُسَمَّى بِأَمِيرِ الْحَاجِّ .
( قَوْلُهُ وَجَازَتْ بِمِنًى ) ، وَإِنَّمَا لَا يُصَلَّى بِهَا الْعِيدُ لِلتَّخْفِيفِ لَا لِكَوْنِهَا لَيْسَتْ مِصْرًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ .
( قَوْلُهُ وَلَا بِمِنًى فِي غَيْرِ أَيَّامِ الْمَوْسِمِ ) هُوَ الْمُعْتَمَدُ ، وَقِيلَ تَجُوزُ فِي جَمِيعِ الْأَيَّامِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهَا مِنْ فِنَاءِ مَكَّةَ وَلَيْسَتْ مِنْ فِنَائِهَا .

.
( وَ ) شَرْطُ صِحَّتِهَا أَيْضًا ( وَقْتُ الظُّهْرِ فَتَبْطُلُ ) الْجُمُعَةُ ( بِخُرُوجِهِ ) أَيْ وَقْتِ الظُّهْرِ فَيُقْضَى الظُّهْرُ وَلَا تُقَامُ الْجُمُعَةُ .
( وَ ) شَرْطُ صِحَّتِهَا أَيْضًا ( الْخُطْبَةُ نَحْوُ تَسْبِيحَةٍ ) وَعِنْدَهُمَا لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرٍ طَوِيلٍ يُسَمَّى خُطْبَةً وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا بُدَّ مِنْ خُطْبَتَيْنِ يَشْتَمِلُ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى التَّحْمِيدِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْوَصِيَّةِ بِالتَّقْوَى وَالْأُولَى عَلَى الْقِرَاءَةِ وَالثَّانِيَةُ عَلَى الدُّعَاءِ لِلْمُؤْمِنِينَ ( قَبْلَهَا ) أَيْ الْجُمُعَةِ ( فِي وَقْتِهَا ) فَلَوْ صَلَّى بِلَا خُطْبَةٍ أَوْ بِهَا بَعْدَ الصَّلَاةِ أَوْ قَبْلَ الْوَقْتِ بَطَلَتْ الْجُمُعَةُ فَتُعَادُ فِي وَقْتِهَا .
( وَ ) شَرْطُ صِحَّتِهَا أَيْضًا ( الْجَمَاعَةُ وَأَقَلُّهَا ثَلَاثَةُ رِجَالٍ سِوَى الْإِمَامِ فَإِنْ نَفَرُوا ) أَيْ تَفَرَّقَ الْجَمَاعَةُ ( قَبْلَ سُجُودِهِ ) أَيْ الْإِمَامِ ( بَطَلَتْ ) الْجُمُعَةُ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهَا وَلَزِمَ الْبَدْءُ بِالظُّهْرِ ( وَإِنْ بَقِيَ ثَلَاثَةٌ أَوْ نَفَرُوا بَعْدَ سُجُودِهِ أَتَمَّهَا ) ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطُ الِانْعِقَادِ ، وَقَدْ انْعَقَدَتْ فَلَا يُشْتَرَطُ دَوَامُهَا ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ شَرْطًا لَهُ .
( وَ ) شَرْطُ صِحَّتِهَا أَيْضًا ( الْإِذْنُ الْعَامُّ ) أَيْ أَنْ يَأْذَنَ الْأَمِيرُ لِلنَّاسِ إذْنًا عَامًّا حَتَّى لَوْ أَغْلَقَ بَابَ قَصْرِهِ وَصَلَّى بِأَصْحَابِهِ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ وَخَصَائِصِ الدِّينِ فَتَجِبُ إقَامَتُهَا عَلَى سَبِيلِ الِاشْتِهَارِ ، وَإِنْ فَتَحَ بَابَ قَصْرِهِ وَأَذِنَ لِلنَّاسِ بِالدُّخُولِ جَازَ وَكُرِهَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْضِ حَقَّ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ .

( قَوْلُهُ نَحْوُ تَسْبِيحَةٍ ) أَقُولُ وَالِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ مَكْرُوهٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَالْخُطْبَةُ شَرْطُ الِانْعِقَادِ فِي حَقِّ مَنْ يُنْشِئُ التَّحْرِيمَةَ لِلْجُمُعَةِ لَا فِي حَقِّ كُلِّ مَنْ صَلَّاهَا وَسَنَذْكُرُ مَا يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ عَنْ الْفَتْحِ .
( قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرٍ طَوِيلٍ
إلَخْ ) هُوَ أَنْ يُثْنِيَ عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ وَيُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَدْعُوَ لِلْمُسْلِمِينَ لِلتَّوَارُثِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ .
( قَوْلُهُ قَبْلَهَا أَيْ الْجُمُعَةِ فِي وَقْتِهَا ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَكَمَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الْخُطْبَةِ وَقْتُ الظُّهْرِ يُشْتَرَطُ حُضُورُ مُصَلِّي الْجُمُعَةِ وَيَكْفِي لِوُقُوعِهَا الشَّرْطُ حُضُورُ وَاحِدٍ ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَهُوَ خِلَافُ مَا يُفِيدُهُ شَرْحُ الْكَنْزِ قَالَ بِحَضْرَةِ جَمَاعَةٍ تَنْعَقِدُ بِهِمْ الْجُمُعَةُ ، وَإِنْ الْجَوْهَرَةِ ، ثُمَّ لِلْخُطْبَةِ شَرْطَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ تَكُونَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَالثَّانِي بِحَضْرَةِ الرِّجَالِ ا هـ لَكِنْ قَالَ الْكَمَالُ بَعْدَ هَذَا : ثُمَّ يُشْتَرَطُ عِنْدَهُ أَيْ الْإِمَامِ فِي التَّسْبِيحَةِ وَالتَّحْمِيدَةِ أَنْ تُقَالَ عَلَى قَصْدِ الْخُطْبَةِ فَلَوْ حَمِدَ لِعُطَاسٍ لَا تُجْزِئُ عَنْ الْوَاجِبِ أَيْ عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ الرِّوَايَتَيْنِ وَمُقْتَضَى هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ لَوْ خَطَبَ وَحْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَحْضُرَهُ أَحَدٌ أَنَّهُ يَجُوزُ وَهَذَا الْكَلَامُ هُوَ الْمُعْتَمَدُ لِأَبِي حَنِيفَةَ فَوَجَبَ اعْتِبَارُ مَا يَتَفَرَّعُ عَنْهُ وَفِي الْأَصْلِ قَالَ فِيهِ رِوَايَتَانِ فَلْيَكُنْ الْمُعْتَبَرُ إحْدَاهُمَا الْمُتَفَرِّعَةَ وَعَلَى الْأُخْرَى لَا بُدَّ مِنْ حُضُورِ وَاحِدٍ كَمَا قَدَّمْنَا ا هـ .
وَفِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا تَجُوزُ الْخُطْبَةُ وَحْدَهُ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ فَإِنْ نَفَرُوا قَبْلَ سُجُودِهِ بَطَلَتْ ) أَقُولُ ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يُحْرِمُوا مَعَهُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى حَتَّى رَكَعَ وَلَمْ يُشَارِكُوهُ فِي الرُّكُوعِ فَإِنْ أَدْرَكُوهُ فِي الرُّكُوعِ صَحَّتْ كَمَا فِي

التَّبْيِينِ وَعَزَاهُ قَاضِي خَانْ إلَى الْأَصْلِ وَمَا جَزَمَ بِهِ فِي الْجَوْهَرَةِ مِنْ عَدَمِ الصِّحَّةِ فِيمَا إذَا كَبَّرُوا بَعْدَ الْقِرَاءَةِ ضَعِيفٌ لِنَقْلِ قَاضِي خَانْ لَهُ بِصِيغَةِ التَّمْرِيضِ .
( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ شَرْطُ الِانْعِقَادِ ) أَقُولُ وَهَذَا كَالْخُطْبَةِ بِخِلَافِ الْوَقْتِ فَإِنَّهُ شَرْطٌ لِلْأَدَاءِ وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي الِانْعِقَادِ أَنْ يُحْرِمَ مَعَهُ مَنْ حَضَرَ الْخُطْبَةَ وَبِهِ صَرَّحَ قَاضِي خَانْ فَقَالَ لَوْ خَطَبَ الْإِمَامُ وَكَبَّرَ وَالْقَوْمُ قُعُودٌ يَتَحَدَّثُونَ ثُمَّ جَاءَ آخَرُونَ لَمْ يَجُزْ كَأَنَّهُ وَحْدَهُ حَتَّى يُكَبِّرَ الْأَوَّلُونَ قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ ا هـ .
وَلَكِنْ قَالَ بَعْدَهُ إذَا خَطَبَ وَفَرَغَ فَذَهَبَ ذَلِكَ الْقَوْمُ وَجَاءَ قَوْمٌ آخَرُونَ لَمْ يَشْهَدُوا الْخُطْبَةَ فَصَلَّى بِهِمْ الْجُمُعَةَ جَازَ ؛ لِأَنَّهُ خَطَبَ وَالْقَوْمُ حُضُورٌ فَتَحَقَّقَ الشَّرْطُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي النَّوَادِرِ إذَا جَاءَ قَوْمٌ آخَرُونَ وَلَمْ يَرْجِعْ الْأَوَّلُونَ يُصَلِّي بِهِمْ أَرْبَعًا إلَّا أَنْ يُعِيدَ الْخُطْبَةَ ا هـ .

( وَشَرْطُ وُجُوبِهَا ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ شَرْطُ صِحَّتِهَا ( الْإِقَامَةُ بِمِصْرٍ وَالصِّحَّةُ وَالْحُرِّيَّةُ وَالذُّكُورَةُ وَالْبُلُوغُ وَالْعَقْلُ وَسَلَامَةُ الْعَيْنِ وَالرِّجْلِ فَفَاقِدُهَا ) أَيْ فَاقِدُ هَذِهِ الشُّرُوطِ ( وَنَحْوُهُ ) كَالْمُخْتَفِي مِنْ السُّلْطَانِ الظَّالِمِ وَالْمَسْجُونِ ( إنْ صَلَّاهَا تَقَعُ فَرْضًا ) ؛ لِأَنَّ السُّقُوطَ لِأَجْلِهِ تَخْفِيفًا فَإِذَا تَحَمَّلَهُ جَازَ عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ كَالْمُسَافِرِ إذَا صَامَ ( جَازَتْ ) الْجُمُعَةُ ( فِي مَوَاضِعَ مِنْ الْمِصْرِ ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ ؛ لِأَنَّ فِي الِاجْتِمَاعِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ فِي مَدِينَةٍ كَبِيرَةٍ حَرَجًا بَيِّنًا وَهُوَ مَدْفُوعٌ ( الصَّالِحُ لِلْإِمَامَةِ فِي غَيْرِهَا صَالِحٌ فِيهَا فَجَازَتْ لِلْمُسَافِرِ وَالْعَبْدِ وَالْمَرِيضِ ) .
وَقَالَ زُفَرُ لَا تَجُوزُ ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَيْهِمْ كَالصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ وَلَنَا أَنَّهُمْ أَهْلٌ لِلْإِمَامَةِ ، وَإِنَّمَا سَقَطَ عَنْهُمْ الْوُجُوبُ تَخْفِيفًا لِلرُّخْصَةِ فَإِذَا حَضَرُوا تَقَعُ فَرْضًا كَالْمُسَافِرِ إذَا صَامَ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ أَهْلٍ وَالْمَرْأَةُ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَصْلُحُ إمَامًا لِلرِّجَالِ ( وَتَنْعَقِدُ ) الْجُمُعَةُ ( بِهِمْ ) أَيْ بِحُضُورِهِمْ حَتَّى لَوْ لَمْ يَحْضُرْ غَيْرُهُمْ جَازَتْ ؛ لِأَنَّهُمْ صَلَحُوا لِلْإِمَامَةِ فَأَوْلَى أَنْ يَصْلُحُوا لِلِاقْتِدَاءِ .

( قَوْلُهُ وَسَلَامَةُ الْعَيْنِ وَالرِّجْلِ ) فَإِنْ وَجَدَ الْأَعْمَى قَائِدًا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا تَجِبُ وَلَا تَجِبُ عَلَى الْمُقْعَدِ ، وَإِنْ وَجَدَ حَامِلًا اتِّفَاقًا .
( قَوْلُهُ فَفَاقِدُهَا وَنَحْوُهُ كَالْمُخْتَفِي
إلَخْ ) أَقُولُ ، وَكَذَا الشَّيْخُ الْكَبِيرُ الَّذِي ضَعُفَ مُلْحَقٌ بِالْمَرِيضِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِ شُمُولُ مَنْ لَيْسَ حُرًّا ، وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي الْمُكَاتَبِ وَالْمَأْذُونِ وَالْعَبْدِ الَّذِي حَضَرَ بَابَ الْمَسْجِدِ لِحِفْظِ الدَّابَّةِ إذَا لَمْ يُخِلَّ بِالْحِفْظِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَجْرِيَ الْخِلَافُ فِي مُعْتَقِ الْبَعْضِ إذَا كَانَ يَسْعَى ا هـ .
كَذَا قَالَهُ الْكَمَالُ قُلْت وَمَا بَحَثَهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَوْهَرَةِ قَالَ وَهَلْ تَجِبُ عَلَى الْمُكَاتَبِ قَالَ بَعْضُهُمْ نَعَمْ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا وَالْأَصَحُّ الْوُجُوبُ ، وَكَذَا مُعْتَقُ الْبَعْضِ فِي حَالِ سِعَايَتِهِ كَالْمُكَاتَبِ .
وَأَمَّا الْمَأْذُونُ فَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ ، كَذَا فِي الْفَتَاوَى ا هـ ( قَوْلُهُ وَتَنْعَقِدُ بِهِمْ ) أَيْ ، وَلَوْ كَانَ إمَامُهُمْ مِثْلَهُمْ كَمَا قَدَّمَهُ .

( وَكُرِهَ يَوْمَهَا ) أَيْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ( بِمِصْرٍ ) احْتِرَازٌ عَنْ السَّوَادِ ( ظُهْرُ مَعْذُورٍ وَمَسْجُونٍ وَمُسَافِرٍ وَأَهْلِ مِصْرٍ فَاتَتْهُمْ الْجُمُعَةُ بِجَمَاعَةٍ ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ ظُهْرُ مَعْذُورٍ ، وَإِنَّمَا كُرِهَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِخْلَالِ بِالْجُمُعَةِ ؛ لِأَنَّهَا جَامِعَةٌ لِلْجَمَاعَاتِ بِخِلَافِ أَهْلِ السَّوَادِ إذْ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِمْ ، وَلَوْ صَلَّوْا أَجْزَأَهُمْ لِاسْتِجْمَاعِ شَرَائِطِهِ وَمِنْهُ يُعْلَمُ كَرَاهَةُ ظُهْرِ غَيْرِ الْمَعْذُورِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى .
( وَ ) كُرِهَ ( ظُهْرُ غَيْرِهِمْ ) أَيْ غَيْرِ الْمَعْذُورِ وَالْمَسْجُونِ وَالْمُسَافِرِ ( قَبْلَهَا ) أَيْ الْجُمُعَةِ لِمَا مَرَّ مِنْ الْإِخْلَالِ ( فَإِنْ نَدِمَ ) وَأَرَادَ أَنْ يَحْضُرَهَا ( وَسَعَى إلَيْهَا وَالْإِمَامُ فِيهَا ) أَيْ فِي الصَّلَاةِ ( بَطَلَ ظُهْرُهُ ) بِمُجَرَّدِ سَعْيِهِ إلَيْهَا سَوَاءٌ ( أَدْرَكَهَا أَوْ لَا ) ، وَقَالَا لَا يَبْطُلُ حَتَّى يَدْخُلَ مَعَ الْإِمَامِ ؛ لِأَنَّ السَّعْيَ دُونَ الظُّهْرِ فَلَا يَنْقُضُهُ بَعْدَ تَمَامِهِ وَالْجُمُعَةُ فَوْقَهُ فَتَنْقُضُهُ فَصَارَ كَالْمُتَوَجِّهِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ وَلَهُ أَنَّ السَّعْيَ إلَى الْجُمُعَةِ مِنْ خَصَائِصِ الْجُمُعَةِ فَيَنْزِلُ مَنْزِلَتَهَا فِي حَقِّ انْتِقَاضِ الظُّهْرِ احْتِيَاطًا بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا لَا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَعْيٍ إلَيْهَا وَلَا بِمَعْنَاهُ .

( قَوْلُهُ : وَإِنَّمَا كُرِهَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِخْلَالِ بِالْجُمُعَةِ ) أَقُولُ لَيْسَ مُطَّرِدًا بِالنَّظَرِ لِمَنْ فَاتَتْهُ الْجُمُعَةُ .
( قَوْلُهُ وَكُرِهَ ظُهْرُ غَيْرِهِمْ ) أَقُولُ ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ .
وَقَالَ الْكَمَالُ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ الْمُرَادِ حَرُمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ وَصَحَّتْ الظُّهْرُ ، وَذَكَرَ وَجْهَهُ .
( قَوْلُهُ فَإِنْ نَدِمَ وَسَعَى إلَيْهَا وَالْإِمَامُ فِيهَا ) أَقُولُ وَكَانَ بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ أَنْ يُدْرِكَهَا ، وَكَذَا يَبْطُلُ ظُهْرُهُ بِالسَّعْيِ إذَا لَمْ يَكُنْ شَرَعَ الْإِمَامُ فِيهَا بَلْ أَقَامَهَا بَعْدَ السَّعْيِ .
وَأَمَّا إذَا كَانَ قَدْ فَرَغَ مِنْهَا فَسَعَى أَوْ كَانَ سَعْيُهُ مُقَارِنًا لِفَرَاغِهَا أَوْ لَمْ يُقِمْهَا الْإِمَامُ لِعُذْرٍ أَوْ لِغَيْرِهِ فَلَا يَبْطُلُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَالْجَوْهَرَةِ ، وَلَوْ كَانَ الْإِمَامُ فِي الْجُمُعَةِ وَقْتَ الِانْفِصَالِ وَلَكِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُدْرِكَهَا لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ لَا تَبْطُلُ عِنْدَ الْعِرَاقِيِّينَ وَتَبْطُلُ عِنْدَ مَشَايِخِ بَلْخِي وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْجَوْهَرَةِ .
( قَوْلُهُ بَطَلَ ظُهْرُهُ بِمُجَرَّدِ سَعْيِهِ ) أَقُولُ وَالْمُعْتَبَرُ فِي السَّعْيِ الِانْفِصَالُ عَنْ دَارِهِ فَلَا تَبْطُلُ قَبْلَهُ عَلَى الْمُخْتَارِ ، وَقِيلَ إذَا خَطَا خُطْوَتَيْنِ فِي الْبَيْتِ الْوَاسِعِ يَبْطُلُ ، كَذَا فِي الْفَتْحِ .
( قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّ السَّعْيَ إلَى الْجُمُعَةِ
إلَخْ ) أَقُولُ لَا فَرْقَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ بَيْنَ الْمَعْذُورِ كَالْعَبْدِ وَغَيْرِهِ حَتَّى لَوْ صَلَّى الْمَرِيضُ الظُّهْرَ ثُمَّ سَعَى إلَى الْجُمُعَةِ بَطَلَ ظُهْرُهُ عَلَى الْخِلَافِ خِلَافًا لِزُفَرَ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ .

( وَمُدْرِكُهَا فِي التَّشَهُّدِ أَوْ سُجُودِ السَّهْوِ يُتِمُّهَا ) ؛ لِأَنَّ مَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ صَلَّى مَعَهُ مَا أَدْرَكَ وَبَنَى عَلَيْهِ الْجُمُعَةَ عِنْدَهُمَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا } .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ أَدْرَكَ مَعَهُ أَكْثَرَ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بَنَى عَلَيْهَا الْجُمُعَةَ ، وَإِنْ أَدْرَكَ أَقَلَّهَا بَنَى عَلَيْهَا الظُّهْرَ .
( قَوْلُهُ : وَقَالَ مُحَمَّدٌ إنْ أَدْرَكَ مَعَهُ أَكْثَرَ الثَّانِيَةِ ) قَالَ الْكَمَالُ بِأَنْ يُشَارِكَهُ فِي رُكُوعِهَا لَا بَعْدَ الرَّفْعِ

( لَا يَسْتَحْلِفُ الْإِمَامُ لِلْخُطْبَةِ أَصْلًا وَالصَّلَاةِ ابْتِدَاءً ) يَعْنِي أَنَّ الِاسْتِحْلَافَ لِلْخُطْبَةِ لَا يَجُوزُ أَصْلًا وَلَا لِلصَّلَاةِ ابْتِدَاءً ( بَلْ يَجُوزُ بَعْدَمَا أَحْدَثَ الْإِمَامُ ) وَهَذَا مَعْنَى مَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فِي كِتَابِ أَدَبِ الْقَاضِي بِخِلَافِ الْمَأْمُورِ بِإِقَامَةِ الْجُمُعَةِ حَيْثُ يَسْتَخْلِفُ ؛ لِأَنَّهُ عَلَى شَرَفِ الْفَوَاتِ لِتَوَقُّتِهِ فَكَانَ الْأَمْرُ بِهِ إذْنًا بِالِاسْتِخْلَافِ ، وَقَدْ قَالَ شُرَّاحُهُ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَسْتَحْلِفَ ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ الْجُمُعَةِ عَلَى شَرَفِ الْفَوَاتِ لِتَوَقُّتِهِ بِوَقْتٍ يَفُوتُ الْأَدَاءُ بِانْقِضَائِهِ فَكَانَ الْأَمْرُ بِهِ مِنْ الْخَلِيفَةِ إذْنًا بِالِاسْتِخْلَافِ دَلَالَةً لَكِنْ إنَّمَا يَجُوزُ ذَلِكَ إذَا كَانَ الْغَيْرُ يَسْمَعُ الْخُطْبَةَ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ شَرَائِطِ افْتِتَاحِ الْجُمُعَةِ ، وَوَجْهُهُ أَنَّ الْخُطْبَةَ وَالْإِمَامَةَ بَعْدَهَا مِنْ أَفْعَالِ السُّلْطَانِ كَالْقَضَاءِ فَلَمْ تَجُزْ لِغَيْرِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ لَمْ تَجُزْ وَتَحْقِيقُهُ مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو الْمُعِينِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لَا يَجُوزُ اسْتِخْلَافُ الْقَاضِي إلَّا إذَا فَوَّضَ السُّلْطَانُ ذَلِكَ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَفَادَ الْقَضَاءَ بِالْإِذْنِ فَفِي حَقِّ مَنْ لَمْ يُؤْذَنْ بَقِيَ عَلَى مَا كَانَ قَبْلَ الْإِذْنِ وَيَجُوزُ اسْتِخْلَافُهُ بَعْدَ مَا فَوَّضَ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ ذَلِكَ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ كَمَا مَلَكَ الْقَضَاءَ بِنَفْسِهِ بَيْنَ النَّاسِ وَاعْتُبِرَ هَذَا بِالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ إذَا وَكَّلَ غَيْرَهُ بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ حَيْثُ كَانَ لَهُ أَنْ يُعِيرَ ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ تَحْدُثُ عَلَى مِلْكِهِ فَيَمْلِكُ تَمْلِيكَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِ فَيَكُونُ مُتَصَرِّفًا بِحُكْمِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّهُ مُتَصَرِّفٌ بِحُكْمِ الْإِذْنِ فَيَمْلِكُ بِقَدْرِ مَا أُذِنَ لَهُ ثُمَّ قَالَ وَعَبَّرَ مَشَايِخُنَا عَنْ هَذَا ، وَقَالُوا مَنْ قَامَ مَقَامَ غَيْرِهِ لِغَيْرِهِ لَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُقِيمَ غَيْرَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ وَمَنْ قَامَ مَقَامَ غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ كَانَ لَهُ أَنْ

يُقِيمَ غَيْرَهُ مَقَامَ نَفْسِهِ وَالْفِقْهُ مَا بَيَّنَّا فَإِنْ قِيلَ هَلْ تَجُوزُ خَطَابَةُ النَّائِبِ بِحُضُورِ الْأَصِيلِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِذْنِ كَمَا جَازَ حُكْمُ النَّائِبِ وَتَصَرُّفُ الْوَكِيلِ عِنْدَ حُضُورِ الْقَاضِي وَالْمُوَكِّلِ عِنْدَ عَدَمِ الْإِذْنِ قُلْنَا لَا ؛ لِأَنَّ مَدَارَهُمَا حُضُورُ الرَّأْيِ فَإِذَا وُجِدَ جَازَ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ إذْ لَا مَدْخَلَ لِلرَّأْيِ فِي إقَامَتِهَا ( إلَّا إذَا أَذِنَ ) أَيْ لَا يَجُوزُ اسْتِخْلَافُهُ لَهُمَا إلَّا إذَا كَانَ مَأْذُونًا مِنْ السُّلْطَانِ لِلِاسْتِخْلَافِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ ذَلِكَ وَهَذَا مِمَّا يَجِبُ حِفْظُهُ فَإِنَّ النَّاسَ عَنْهُ غَافِلُونَ .
( قَوْلُهُ لَا يَسْتَخْلِفُ الْإِمَامُ لِلْخُطْبَةِ أَصْلًا وَالصَّلَاةِ بَدْءًا
إلَخْ ) .
أَقُولُ ظَاهِرُهُ أَنَّ هَذَا فُهِمَ مِنْ الْمُصَنِّفِ عَنْ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ وَلَا دَلِيلَ فِيمَا ذَكَرَهُ عَلَيْهِ .
وَقَالَ صَاحِبُ النَّهْرِ جَزَمَ مُنْلَا خُسْرو بِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْخَطِيبِ أَنْ يَسْتَخْلِفَ بِلَا إذْنٍ وَالنَّاسُ عَنْهُ غَافِلُونَ وَرَدَّ عَلَيْهِ ابْنُ الْكَمَالِ فِي رِسَالَةٍ خَاصَّةٍ لَهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَرْهَنَ فِيهَا عَلَى الْجَوَازِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ وَأَطْنَبَ فِيهَا وَأَبْدَعَ وَالْكَثِيرَ مِنْ الْفَوَائِدِ أَوْدَعَ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ سِيَاقِ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ اسْتِنَابَةِ الْخَطِيبِ مُطْلَقًا وَتَقْيِيدُ الشَّارِحِ أَيْ الزَّيْلَعِيِّ هَذَا بِمَا إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ مِمَّا لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَفَادَ أَنَّهُ لَوْ عُزِلَ نَائِبُ الْمِصْرِ لَا يَحْتَاجُ الْخُطَبَاءُ إلَى إذْنِ الثَّانِي وَلَنَا رِسَالَةٌ سَمَّيْتهَا إتْحَافُ الْأَرِيبِ بِجَوَازِ اسْتِنَابَةِ الْخَطِيبِ يَنْبَغِي مُرَاجَعَتُهَا .

( بِالْأَذَانِ الْأَوَّلِ ) وَجَبَ السَّعْيُ وَكُرِهَ الْبَيْعُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ } ، وَقِيلَ بِالْأَذَانِ الثَّانِي ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَوَجَّهَ عِنْدَ الْأَذَانِ الثَّانِي لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ السُّنَّةِ قَبْلَهَا وَمِنْ اسْتِمَاعِ الْخُطْبَةِ بَلْ يُخْشَى عَلَيْهِ فَوَاتُ الْجُمُعَةِ لَمْ يَقُلْ وَحَرُمَ الْبَيْعُ ، وَإِنْ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ بِوُجُوبِ السَّعْيِ وَحُرْمَةِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقْتَ الْأَذَانِ جَائِزٌ وَلَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ كَمَا تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ وَالْأُصُولِ وَلِهَذَا أَوْرَدَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ لَفْظَ الْكَرَاهَةِ بَدَلَ الْحُرْمَةِ .

قَوْلُهُ وَكُرِهَ الْبَيْعُ ) أَقُولُ أَيْ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقْتَ الْأَذَانِ جَائِزٌ ) أَيْ صَحِيحٌ .
( قَوْلُهُ وَلِهَذَا أَوْرَدَ بَعْضُ الشُّرَّاحِ
إلَخْ ) هُوَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ وَنَظَرَ الْأَتْقَانِيُّ فِي إطْلَاقِ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ الْحُرْمَةَ عَلَى الْبَيْعِ وَقْتَ الْأَذَانِ فَقَالَ فِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ وَقْتَ الْأَذَانِ جَائِزٌ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ وَبِهِ صُرِّحَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ لَا يُعْدِمُ الْمَشْرُوعِيَّةَ ا هـ .
وَكَتَبَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ مَا صُورَتُهُ أَقُولُ النَّظَرُ سَاقِطٌ ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ أَيْضًا لَا تُعْدِمُ الْمَشْرُوعِيَّةَ ، وَتَصْرِيحُ الطَّحَاوِيِّ بِالْكَرَاهَةِ لَا يُنَافِي مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ إذْ الْكَرَاهَةُ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ا هـ .
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ إنَّهُ يَصِحُّ إطْلَاقُ الْحُرْمَةِ عَلَى الْمَكْرُوهِ تَحْرِيمًا كَمَا وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ وَبِهِ انْدَفَعَ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَمَا قِيلَ إنَّ السَّعْيَ مَنْدُوبٌ فَغَيْرُ صَحِيحٍ ، وَإِنَّمَا لَمْ يَقُلْ أَيْ صَاحِبُ الْكَنْزِ وَيُفْتَرَضُ السَّعْيُ مَعَ أَنَّهُ فَرْضٌ لِلِاخْتِلَافِ فِي وَقْتِهِ وَاَلَّذِي يَبِيعُ وَيَشْتَرِي فِي الْمَسْجِدِ أَعْظَمُ إثْمًا وَأَثْقَلُ وِزْرًا .
ا هـ .

( وَبِخُرُوجِ الْإِمَامِ ) أَيْ صُعُودِهِ إلَى الْمِنْبَرِ ( حَرُمَ الصَّلَاةُ وَالْكَلَامُ إلَى تَمَامِ الصَّلَاةِ ) لَمْ يَقُلْ إلَى تَمَامِ الْخُطْبَةِ كَمَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ لِمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ أَنَّهُمَا يُكْرَهَانِ مِنْ حِينِ خُرُوجِ الْإِمَامِ إلَى أَنْ يَفْرُغَ مِنْ الصَّلَاةِ وَمَنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ ، وَإِنْ كَانَتْ سُنَّةَ الْجُمُعَةِ يَقْطَعُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فَإِنْ صَلَّى رَكْعَةً ضَمَّ إلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى وَسَلَّمَ ، وَإِنْ كَانَ فِي الثَّالِثَةِ أَتَمَّ الْأَرْبَعَ .

( قَوْلُهُ وَبِخُرُوجِ الْإِمَامِ ) أَيْ صُعُودِهِ الْمِنْبَرَ كَذَا فَسَّرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَصَاحِبُ الْبُرْهَانِ .
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ ، وَكَذَا فِي الْمُضْمَرَاتِ ، وَذَكَرَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ مَعْنَى خَرَجَ أَيْ مِنْ الْمَقْصُورَةِ وَظَهَرَ عَلَيْهِمْ ، وَقِيلَ صَعِدَ الْمِنْبَرَ .
( قَوْلُهُ حَرُمَ الصَّلَاةُ وَالْكَلَامُ ) أَقُولُ قَدْ خَالَفَ صَنِيعَهُ أَوَّلًا ؛ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّهُ عَدَلَ عَنْ إطْلَاقِ الْحُرْمَةِ عَلَى الْبَيْعِ مَعَ تَصْرِيحِ الْهِدَايَةِ بِالْحُرْمَةِ فِيهِ وَلَمْ يَتَّبِعْ الْهِدَايَةَ هُنَا بَلْ عَدَلَ إلَى إطْلَاقِ الْحُرْمَةِ ، وَقَدْ صَرَّحْت بِالْكَرَاهَةِ ، وَكَذَلِكَ صَاحِبُ الْعِنَايَةِ ؛ لِأَنَّهُ أَوْرَدَ لَفْظَ الْكَرَاهَةِ بَدَلَ الْحُرْمَةِ هُنَاكَ ، وَقَدْ أَوْرَدَ لَفْظَ الْحُرْمَةِ هُنَا بَدَلَ الْكَرَاهَةِ ا هـ .
وَالْمُرَادُ بِالْكَلَامِ مَا سِوَى التَّسْبِيحِ وَنَحْوِهِ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ كُلُّ كَلَامٍ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ .
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ الْأَحْوَطُ الْإِنْصَاتُ أَيْ مُطْلَقًا ا هـ .
وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ نَقْلًا عَنْ الْقُنْيَةِ الْكَلَامُ فِي خُطْبَةِ الْعِيدِ غَيْرُ مَكْرُوهٍ اتِّفَاقًا ا هـ قُلْت وَيُخَالِفُهُ مَا نُقِلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى الِاسْتِمَاعُ إلَى خُطْبَةِ النِّكَاحِ وَالْخَتْمِ وَسَائِرِ الْخُطَبِ وَاجِبٌ وَالْأَصَحُّ الِاسْتِمَاعُ إلَى الْخُطْبَةِ مِنْ أَوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ ذِكْرُ الْوُلَاةِ .
ا هـ .
قُلْتُ وَصَاحِبُ الْقُنْيَةِ هُوَ صَاحِبُ الْمُجْتَبَى فَالْمُعَوَّلُ عَلَى مَا فِي الْمُجْتَبَى لِتَقَدُّمِ الشُّرُوعِ عَلَى الْفَتَاوَى .
ا هـ .
وَيُكْرَهُ لِلْخَطِيبِ أَنْ يَتَكَلَّمَ حَالَ الْخُطْبَةِ لِلْإِخْلَالِ بِالنَّظْمِ إلَّا إذَا كَانَ أَمْرًا بِمَعْرُوفٍ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ .
وَقَالَ فِي السِّرَاجِ إنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ وَأَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَدْبَرَهُمْ فِي صُعُودِهِ ا هـ .
وَمَنْ بَعُدَ مِنْ الْإِمَامِ اخْتَلَفُوا فِيهِ فَعَنْ الثَّانِي وَاخْتَارَ ابْنُ سَلَمَةَ السُّكُوتَ وَنُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى اخْتَارَ

قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ .
وَأَمَّا دِرَاسَةُ الْفِقْهِ وَالنَّظَرُ فِيهِ فَكَرِهَهُ الْبَعْضُ ، وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِهِ وَعَنْ الثَّانِي أَنَّهُ كَانَ يُصَحِّحُ الْكُتُبَ فِي وَقْتِ الْخُطْبَةِ بِالْقَلَمِ وَلَا يَحِلُّ لِلسَّامِعِ الْكَلَامُ أَصْلًا ، وَإِنْ أَمْرًا بِمَعْرُوفٍ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ ا هـ .
وَلِذَا قَالَ فِي الْبَحْرِ اعْلَمْ أَنَّهُ تُعُورِفَ أَنَّ الْمُرَقِّيَ لِلْخَطِيبِ يَقْرَأُ الْحَدِيثَ النَّبَوِيَّ وَأَنَّ الْمُؤَذِّنِينَ يُؤَمِّنُونَ عِنْدَ الدُّعَاءِ وَيَدْعُونَ لِلصَّحَابَةِ بِالرِّضْوَانِ وَلِلسُّلْطَانِ بِالنَّصْرِ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَكُلُّهُ حَرَامٌ عَلَى مُقْتَضَى مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَأَغْرَبُ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَقِّيَ يَنْهَى عَنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ بِمُقْتَضَى الْحَدِيثِ الَّذِي يَقْرَؤُهُ ثُمَّ يَقُولُ انْصِتُوا رَحِمَكُمْ اللَّهُ وَلَمْ أَرَ نَقْلًا فِي وَضْعِ هَذَا الْمُرَقِّي فِي كُتُبِ أَئِمَّتِنَا .
ا هـ .
قُلْتُ ، وَإِنَّمَا قَيَّدَ بِمَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الْكَلَامُ قَبْلَ نُطْقِ الْخَطِيبِ عِنْدَ الصَّاحِبَيْنِ .
( قَوْلُهُ لَمْ يَقُلْ إلَى تَمَامِ الْخُطْبَةِ
إلَخْ ) أَقُولُ لَا يَخْفَى أَنَّ مُقَابَلَةَ نَقْلٍ بِآخَرَ لَا يَقْتَضِي أَرْجَحِيَّةَ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ مُجَرَّدًا عَنْ مُرَجِّحٍ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُعَلِّلَ لِلْمُحِيطِ كَمَا قَالَ الْأَتْقَانِيُّ لَوْ قَالَ أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ مَكَانَ قَوْلِهِ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ لَكَانَ أَحْسَنَ ؛ لِأَنَّ الرِّوَايَةَ مَحْفُوظَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْكَلَامَ يُكْرَهُ عِنْدَهُ بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ ا هـ .
قَوْلُهُ وَمَنْ كَانَ فِي صَلَاةٍ ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ الْمُرَادُ مِنْ الصَّلَاةِ التَّطَوُّعُ .
وَأَمَّا صَلَاةُ الْفَائِتَةِ فَتَجُوزُ وَقْتَ الْخُطْبَةِ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ ا هـ .
وَكَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ .
ا هـ .
قُلْت لَعَلَّ الْمُرَادَ مُطْلَقُ الْفَائِتَةِ ؛ لِأَنَّ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهَا إنْ كَانَتْ مُسْتَحِقَّةَ التَّرْتِيبِ فَصِحَّةُ الْجُمُعَةِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى قَضَائِهَا فَلْيُنْظَرْ .

( قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَتْ سُنَّةَ الْجُمُعَةِ يُسَلِّمُ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ ) أَقُولُ الصَّحِيحُ خِلَافُهُ وَهُوَ بِهِ يُتِمُّ سُنَّةَ الْجُمُعَةِ أَرْبَعًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الصُّغْرَى وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ وَالْمُبْتَغَى ؛ لِأَنَّهَا بِمَنْزِلَةِ صَلَاةٍ وَاحِدَةٍ وَاجِبَةٍ ا هـ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ وَبِخُرُوجِ الْإِمَامِ حَرُمَ الصَّلَاةُ
إلَخْ غَيْرُ مُكَرَّرٍ بِمَا تَقَدَّمَ فِي فَصْلِ الْجَهْرِ مِنْ لُزُومِ الْإِنْصَاتِ وَاسْتِمَاعِ الْخُطْبَةِ ؛ لِأَنَّ هَذَا فِيهِ بَيَانُ ابْتِدَاءِ الِاسْتِمَاعِ وَانْتِهَائِهِ بِخِلَافِ ذَلِكَ ، وَلِأَنَّ هَذَا مَحَلُّهُ .

( فَإِذَا جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ أُذِّنَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَسُنَّ أَنْ يَخْطُبَ خُطْبَتَيْنِ بَيْنَهُمَا جِلْسَةٌ قَائِمًا طَاهِرًا ) ؛ لِأَنَّهُ الْمَأْثُورُ الْمُتَوَارَثُ ( وَأُقِيمَ بَعْدَ تَمَامِهَا لَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ غَيْرُ الْخَطِيبِ ) ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ مَعَ الْخُطْبَةِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُقِيمَهَا اثْنَانِ ، وَإِنْ فُعِلَ جَازَ .
( قَوْلُهُ وَسُنَّ أَنْ يَخْطُبَ ) قَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْجَوَامِعِ يَنْبَغِي لِلْخَطِيبِ إذَا صَعِدَ الْمِنْبَرَ أَنْ يَتَعَوَّذَ بِاَللَّهِ فِي نَفْسِهِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْقُنْيَةِ .
( قَوْلُهُ بَيْنَهُمَا جِلْسَةٌ لَمْ يُبَيِّنْ مِقْدَارَهَا ) .
وَعِنْدَ الطَّحَاوِيِّ مِقْدَارَ مَا يَمَسُّ مَوْضِعَ جُلُوسِهِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِقْدَارَ ثَلَاثِ آيَاتٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّجْنِيسِ وَغَيْرِهِ .
( قَوْلُهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُصَلِّيَ غَيْرُ الْخَطِيبِ ) ، وَإِنْ فَعَلَ جَازَ .
وَقَوْلُهُ خَطَبَ صَبِيٌّ
إلَخْ فِيهِ رَدٌّ لِمَا ادَّعَاهُ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الِاسْتِخْلَافِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَفِي قَاضِي خَانْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَإِلَى الْمِصْرِ إذَا اعْتَلَّ وَأَمَرَ رَجُلًا بِأَنْ يُصَلِّيَ الْجُمُعَةَ بِالنَّاسِ وَصَلَّى بِهِمْ أَجْزَأَتْهُ وَأَجْزَأَتْهُمْ ا هـ .
وَهَذَا نَصٌّ أَيْضًا عَنْ الْمُجْتَهِدِ فِي جَوَازِ الِاسْتِخْلَافِ مِنْ غَيْرِ إذْنِ السُّلْطَانِ صَرِيحًا وَفِيهِ رَدٌّ لِجَوَابِ سُؤَالِهِ الَّذِي اخْتَرَعَهُ بِمَنْعِهِ خَطَابَةَ النَّائِبِ مَعَ حُضُورِ الْأَصْلِ .

( خَطَبَ صَبِيٌّ بِإِذْنِ السُّلْطَانِ وَصَلَّى بَالِغٌ جَازَ ) ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ .

( لَا بَأْسَ فِي السَّفَرِ يَوْمَهَا إذَا خَرَجَ مِنْ عُمْرَانِ الْبَلَدِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ ) أَيْ وَقْتِ الظُّهْرِ ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ إنَّمَا تَجِبُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَهُوَ مُسَافِرٌ فِيهِ الْقَرَوِيُّ إذَا دَخَلَ الْمِصْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إنْ نَوَى أَنْ يَمْكُثَ ثَمَّةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ ، وَإِنْ نَوَى أَنْ يَخْرُجَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ قَبْلَ الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَفِي الثَّانِي لَمْ يَصِرْ وَإِذَا قَدِمَ الْمُسَافِرُ الْمِصْرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لَا يَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ مَا لَمْ يَنْوِ الْإِقَامَةَ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا قَالَهُ قَاضِي خَانْ كُلُّ بَلْدَةٍ فُتِحَتْ بِالسَّيْفِ عَنْوَةً يَخْطُبُ الْخَطِيبُ عَلَى مِنْبَرِهَا بِالسَّيْفِ يُرِيهِمْ أَنَّهَا فُتِحَتْ بِالسَّيْفِ فَإِذَا رَجَعْتُمْ عَنْ الْإِسْلَامِ فَذَلِكَ بَاقٍ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى تَرْجِعُوا إلَى الْإِسْلَامِ وَكُلُّ بَلْدَةٍ أَسْلَمَ أَهْلُهَا طَوْعًا يَخْطُبُ الْخَطِيبُ فِيهَا بِلَا سَيْفٍ وَمَدِينَةُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فُتِحَتْ بِلَا سَيْفٍ فَيَخْطُبُ الْخَطِيبُ بِلَا سَيْفٍ وَمَكَّةُ فُتِحَتْ بِالسَّيْفِ فَيَخْطُبُونَ بِالسَّيْفِ ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة .

( قَوْلُهُ لَا بَأْسَ فِي السَّفَرِ يَوْمَهَا
إلَخْ ) ، كَذَا نَقَلَهُ الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيُّ فِي نُورِ الشَّمْعَةِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ ثُمَّ نَقَلَ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ التَّهْذِيبِ أَنَّهُ يُكْرَهُ الْخُرُوجُ مِنْ الْمِصْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ بَعْدَ النِّدَاءِ قِيلَ الْمُعْتَبَرُ هُوَ الْأَذَانُ الْأَوَّلُ ، وَقِيلَ الثَّانِي وَفِي صَلَاةِ الْجَلَّابِيِّ أَنَّ السَّفَرَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ يَجُوزُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ قَالَ الرَّازِيِّ إلَّا أَنْ يَكُونَ دَخَلَ الْإِمَامُ فِي الْجُمُعَةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ السَّفَرُ قَالَ الْمَقْدِسِيُّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُرَاعَى هَذَا وَيُعْتَبَرَ .
ا هـ .
قُلْتُ وَكَلَامُ التَّهْذِيبِ وَالرَّازِيِّ وَاضِحٌ لِإِطْلَاقِ الْخِطَابِ بِالسَّعْيِ إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِأَوَّلِ الْوَقْتِ وَآخِرِهِ .
( قَوْلُهُ الْقَرَوِيُّ إذَا دَخَلَ الْمِصْرَ
إلَخْ ) لَعَلَّ الْمُرَادَ إذَا لَمْ يَكُنْ مُسَافِرًا .
( قَوْلُهُ إذَا قَدِمَ الْمُسَافِرُ ) مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ مِنْ شَرْطِهَا الْإِقَامَةَ .
( قَوْلُهُ يَخْطُبُ الْخَطِيبُ عَلَى مِنْبَرِهَا بِالسَّيْفِ ) لَمْ يُبَيِّنْ كَيْفِيَّةَ أَخْذِهِ مَعَهُ .
وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُضْمَرَاتِ أَنَّ الْخَطِيبَ يَتَقَلَّدَهُ وَنُقِلَ عَنْ الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ أَنْ يَقُومَ وَالسَّيْفُ بِيَسَارِهِ وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَيْهِ .
ا هـ .

( بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ ) ( تَجِبُ ) صَلَاتُهُمَا ( عَلَى مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ بِشَرَائِطِهَا ) وُجُوبُهَا رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَمَا نُقِلَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ عِيدَانِ اجْتَمَعَا فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ فَالْأَوَّلُ سُنَّةٌ وَالثَّانِي فَرِيضَةٌ مُؤَوَّلٌ بِأَنَّ وُجُوبَهَا ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ ( سِوَى الْخُطْبَةِ ) فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ شَرَائِطِ الْعِيدَيْنِ بَلْ سُنَّةٌ وَهِيَ تُخَالِفُ خُطْبَةَ الْجُمُعَةِ بِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تَصِحُّ بِدُونِهَا بِخِلَافِ الْعِيدِ وَبِأَنَّهَا فِي الْجُمُعَةِ مُقَدَّمَةٌ عَلَى الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الْعِيدِ ، وَلَوْ قَدَّمَهَا فِي الْعِيدِ أَيْضًا جَازَ وَلَا تُعَادُ الْخُطْبَةُ بَعْدَ الصَّلَاةِ ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ ( وَتُقَدَّمُ عَلَى صَلَاةِ الْجِنَازَةِ إذَا اجْتَمَعَتَا ) ، وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ بِخِلَافِهِ .
( وَ ) تُقَدَّمُ ( صَلَاةُ الْجِنَازَةِ عَلَى الْخُطْبَةِ ) ، كَذَا فِي الْقُنْيَةِ .

( بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ ) أَيْ وَمُتَعَلَّقِهِمَا وَسُمِّيَ يَوْمُ الْعِيدِ بِالْعِيدِ ؛ لِأَنَّ لِلَّهِ فِيهِ عَوَائِدَ الْإِحْسَانِ إلَى عِبَادِهِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ .
وَقَالَ الْكَاكِيُّ الْعِيدُ يَوْمُ مَجْمَعٍ سُمِّيَ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْعَوْدِ وَهُمْ يَعُودُونَ إلَيْهِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى وَهُوَ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْغَالِبَةِ عَلَى يَوْمِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى وَجَمْعُهُ أَعْيَادٌ فِي الصِّحَاحِ كَانَ مِنْ حَقِّ جَمْعِهِ أَنْ يُقَالَ أَعْوُدٌ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْعَوْدِ وَلَكِنْ جُمِعَ بِالْيَاءِ لِلُزُومِهَا عَلَى الْوَاحِدِ أَوْ لِلْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَعْوَادِ الْخَشَبَةِ ا هـ .
وَقِيلَ فِي تَسْمِيَتِهِ أَوْجُهٌ أُخَرُ .
( قَوْلُهُ تَجِبُ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ
إلَخْ ) فِيهِ إخْرَاجٌ لِلْعِيدِ وَفِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ الْمَمْلُوكُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعِيدُ إذَا أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ ؛ لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَهَا بَدَلٌ بِخِلَافِ الْعِيدِ .
وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ بَعْدَ نَقْلِهِ يَنْبَغِي أَيْضًا أَنْ لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الْعِيدُ كَمَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ لَا تَصِيرُ مَمْلُوكَةً لَهُ بِالْإِذْنِ فَحَالُهُ بَعْدَ الْإِذْنِ كَحَالِهِ قَبْلَهُ ا هـ قُلْت يُؤَيِّدُهُ مَا جُزِمَ بِهِ فِي الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ أَنَّ الْعَبْدَ الْمَأْذُونَ لَهُ بِحُضُورِ الْجُمُعَةِ يُتَخَيَّرُ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَهُوَ أَلْيَقُ بِالْقَوَاعِدِ ا هـ .
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ إذَا أَذِنَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَخَلَّفَ فِي قَوْلٍ ، وَقِيلَ لَهُ ذَلِكَ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ ) ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ ، وَقَالَ الْكَمَالُ أَيْ الْأَصَحُّ رِوَايَةً وَدِرَايَةً .
ا هـ .
قُلْتُ : وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الصَّحِيحُ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ ، وَقَالَ الْأَكْثَرُونَ إنَّهَا وَاجِبَةٌ .
( قَوْلُهُ عِيدَانِ اجْتَمَعَا ) قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ أَطْلَقَ الْعِيدَيْنِ عَلَى أَحَدِهِمَا وَالْجُمُعَةَ لِمُشَابَهَةٍ بَيْنَهُمَا فِي حُضُورِ الْجَمْعِ الْعَظِيمِ صَلَاتَهُمَا

عَلَى طَرِيقَةِ التَّغْلِيبِ الْعُمْرَيْنِ وَالْقَمَرَيْنِ أَوْ نَظَرًا إلَى اجْتِمَاعِهِمَا فِي أَصْلِ الْمَعْنَى قَبْلَ الْغَلَبَةِ عَلَى يَوْمِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى ، وَقَدْ جَاءَتْ الْجُمُعَةُ بِاسْمِ الْعِيدِ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لِكُلِّ مُؤْمِنٍ فِي كُلِّ شَهْرٍ أَرْبَعَةُ أَعْيَادٍ أَوْ خَمْسَةٌ } ، وَقَالَ قَائِلُهُمْ عِيدٌ وَعِيدٌ وَعِيدٌ صِرْنَ مُجْتَمِعَةً وَجْهُ الْحَبِيبِ وَيَوْمَ الْعِيدِ وَالْجُمُعَةِ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْعِيدِ ) أَيْ فَتَصِحُّ بِدُونِ الْخُطْبَةِ وَلَكِنْ مَعَ الْإِسَاءَةِ .
( قَوْلُهُ : وَلَوْ قَدَّمَهَا فِي الْعِيدَيْنِ أَيْضًا جَازَ ) أَيْ صَحَّ ، وَقَدْ أَسَاءَ ( قَوْلُهُ وَتُقَدَّمُ عَلَى صَلَاةِ الْجِنَازَةِ ) أَقُولُ الضَّمِيرُ فِي تُقَدَّمُ رَاجِعٌ إلَى صَلَاةِ الْعِيدِ لَا الْخُطْبَةِ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ وَتُقَدَّمُ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ عَلَى الْخُطْبَةِ .

( وَنُدِبَ يَوْمَ الْفِطْرِ الْأَكْلُ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَالِاسْتِيَاكُ وَالِاغْتِسَالُ وَالتَّطَيُّبُ وَلُبْسُ أَحْسَنِ الثِّيَابِ ) ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ كَذَلِكَ وَفِي يَوْمِ النَّحْرِ لَا يَأْكُلُ حَتَّى يَرْجِعَ فَيَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ ( وَأَدَاءُ الْفِطْرَةِ ثُمَّ الْخُرُوجُ إلَى الْجَبَّانَةِ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { اغْنُوهُمْ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ } وَفِي التَّعْجِيلِ تَفْرِيغُ قَلْبِ الْفَقِيرِ لِلصَّلَاةِ وَالْخُرُوجُ إلَيْهَا سُنَّةٌ ( وَإِنْ وَسِعَهُمْ الْمَسْجِدُ وَلَا بَأْسَ بِإِخْرَاجِ الْمِنْبَرِ إلَيْهَا فِي زَمَانِنَا ) ، كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ .

( قَوْلُهُ نُدِبَ يَوْمَ الْفِطْرِ الْأَكْلُ قَبْلَ الصَّلَاةِ ) سَوَاءٌ فِيهِ الْقَرَوِيُّ وَالْمِصْرِيُّ مِمَّنْ كَانَ صَائِمًا .
وَقَالَ الْكَمَالُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ الْمَأْكُولُ حُلْوًا لِمَا فِي الْبُخَارِيِّ { كَانَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ وَيَأْكُلَهُنَّ وِتْرًا } ا هـ .
وَقَالَهُ فِي الْبَحْرِ مَا يَفْعَلُهُ النَّاسُ فِي زَمَانِنَا مِنْ جَمْعِ التَّمْرَ مَعَ اللَّبَنِ وَالْفِطْرِ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي السُّنَّةِ .
( قَوْلُهُ قَبْلَ الصَّلَاةِ ) أَقُولُ وَيُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُهُ فِي ابْتِدَاءِ الْيَوْمِ لِمَا قَالَ الْكَمَالُ يُسْتَحَبُّ تَعْجِيلُ الْإِفْطَارِ قَبْلَ الصَّلَاةِ ، وَلَوْ لَمْ يَأْكُلْ قَبْلَهَا لَا يَأْثَمُ ، وَلَوْ لَمْ يَأْكُلْ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ رُبَّمَا يُعَاقَبُ .
( قَوْلُهُ وَالِاغْتِسَالُ ) ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ الْغُسْلَ لِلْيَوْمِ وَقَدَّمْنَا تَصْحِيحَ كَوْنِهِ لِلصَّلَاةِ ا هـ .
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى فَإِنْ قُلْت عُدَّ الْغُسْلُ هَهُنَا مُسْتَحَبًّا وَفِي الطَّهَارَةِ سُنَّةً قُلْت لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ سُنَّةٌ وَسَمَّاهُ مُسْتَحَبًّا لِاشْتِمَالِ السُّنَّةِ عَلَى الْمُسْتَحَبِّ وَعَدَّ سَائِرَ الْمُسْتَحَبَّاتِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا فِي بَعْضِ الْكُتُبِ سُنَّةً .
( قَوْلُهُ وَلُبْسُ أَحْسَنِ الثِّيَابِ ) قَالَ فِي الْبَحْرِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ تَقْدِيمُ الْأَحْسَنِ مِنْ الثِّيَابِ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَبْيَضَ ، وَالدَّلِيلُ دَالٌّ عَلَيْهِ وَسَاقَهُ ثُمَّ قَالَ وَمِنْ الْمُسْتَحَبِّ إظْهَارُ الْفَرَحِ وَالْبَشَاشَةِ وَإِكْثَارُ الصَّدَقَةِ حَسَبَ الطَّاقَةِ وَالتَّبْكِيرُ وَهُوَ سُرْعَةُ الِانْتِبَاهِ وَالِابْتِكَارُ وَهُوَ الْمُسَارَعَةُ إلَى الْمُصَلَّى وَصَلَاةُ الْغَدَاةِ فِي مَسْجِدِ حَيِّهِ .
( قَوْلُهُ ثُمَّ الْخُرُوجُ إلَى الْجَبَّانَةِ ) لَيْسَ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ نُدِبَ بَلْ مُسْتَأْنَفٌ وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ مَسْنُونٌ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ الْآتِي وَالْخُرُوجُ إلَيْهَا مَسْنُونٌ .
وَأَمَّا الْخُرُوجُ إلَى الصَّلَاةِ مُجَرَّدًا

عَنْ كَوْنِهِ مَخْصُوصًا بِالْجَبَّانَةِ فَوَاجِبٌ وَالْمُسْتَحَبُّ الْخُرُوجُ مَاشِيًا وَالرُّجُوعُ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ وَالتَّهْنِئَةُ بِتَقَبَّلَ اللَّهُ مِنَّا وَمِنْكُمْ لَا تُنْكَرُ كَمَا فِي الْبَحْرِ ، وَكَذَا الْمُصَافَحَةُ بَلْ هِيَ سُنَّةٌ عَقِبَ الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا وَعِنْدَ كُلِّ لُقِيٍّ وَلَنَا فِيهَا رِسَالَةٌ سَمَّيْتهَا سَعَادَةَ أَهْلِ الْإِسْلَامِ بِالْمُصَافَحَةِ عَقِبَ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ .
( قَوْلُهُ وَالْخُرُوجُ إلَيْهَا أَيْ الْجَبَّانَةِ سُنَّةٌ ، وَإِنْ وَسِعَهُمْ الْمَسْجِدُ ) أَقُولُ هَذَا عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّجْنِيسِ .
( قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِإِخْرَاجِ الْمِنْبَرِ
إلَخْ ) هَذَا بِخِلَافِ مَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ لَا يُخْرَجُ الْمِنْبَرُ إلَى الْجَبَّانَةِ يَوْمَ الْعِيدِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي بِنَاءِ الْمِنْبَرِ فِي الْجَبَّانَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ يُكْرَهُ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُكْرَهُ وَفِي نُسْخَةِ الْإِمَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ هَذَا حَسَنٌ فِي زَمَانِنَا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا بَأْسَ .

( وَلَا يُكَبَّرُ جَهْرًا فِي طَرِيقِهَا ) خِلَافًا لَهُمَا وَنَقَلَ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّهُ قَالَ لَا يَنْبَغِي أَنْ تُمْنَعَ الْعَامَّةُ مِنْ ذَلِكَ لِقِلَّةِ رَغْبَتِهِمْ فِي الْخَيْرَاتِ .
( قَوْلُهُ وَلَا يُكَبِّرُ فِي الطَّرِيقِ جَهْرًا خِلَافًا لَهُمَا ) أَقُولُ وَرُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ الْجَهْرُ بِهِ كَقَوْلِهِمَا .
وَفِي الْخُلَاصَةِ مَا يُفِيدُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي أَصْلِ التَّكْبِيرِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالتَّكْبِيرُ سِرًّا فِي طَرِيقِ الْمُصَلَّى مُسْتَحَبٌّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَقْطَعُ التَّكْبِيرَ إذَا انْتَهَى إلَى الْمُصَلَّى فِي رِوَايَةٍ وَفِي رِوَايَةٍ حَتَّى يَفْتَتِحَ الصَّلَاةَ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ .

( وَلَا يَتَنَفَّلُ قَبْلَ صَلَاتِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَفْعَلْهُ مَعَ حِرْصِهِ عَلَى الصَّلَاةِ ، وَلَوْ جَازَ لَفَعَلَهُ تَعْلِيمًا لِلْجَوَازِ .

( قَوْلُهُ وَلَا يَتَنَفَّلُ قَبْلَ صَلَاتِهِ ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ كُلَّ وَاحِدٍ ، وَلَوْ لَمْ يُصَلِّ الْعِيدَ وَهُوَ صَرِيحُ مَا نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ لَكِنْ يُخَالِفُهُ مَا قَالَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ لَا يَتَنَفَّلُ فِي الْمُصَلَّى قَبْلَ الْعِيدِ ثُمَّ قَالَ وَأَشَارَ الشَّيْخُ أَيْ الْقُدُورِيُّ إلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ أَيْ التَّنَفُّلِ فِي الْبَيْتِ ؛ لِأَنَّهُ قَيَّدَ بِالْمُصَلَّى .
ا هـ .
قُلْتُ وَهُوَ قَوْلُ الْبَعْضِ ، وَعَامَّتُهُمْ عَلَى الْكَرَاهَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ مُطْلَقًا وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ يَتَنَفَّلُ بَعْدَ صَلَاتِهِ وَلَكِنَّهُ مَكْرُوهٌ فِي الْمُصَلَّى عِنْدَ الْعَامَّةِ كَمَا كُرِهَ التَّنَفُّلُ فِي الْمُصَلَّى قَبْلَهَا اتِّفَاقًا وَحَكَى الزَّيْلَعِيُّ الِاتِّفَاقَ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ قَبْلَهَا فِي الْمُصَلَّى وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْجَوْهَرَةِ قَالَ فِيهَا وَلَا يَتَنَفَّلُ فِي الْمُصَلَّى قَبْلَ الْعِيدِ وَالْمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ بِمَسْنُونٍ لَا أَنَّهُ يُكْرَهُ ا هـ .
وَكَذَلِكَ يُخَالِفُهُ قَوْلُ الْكَمَالِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ قَبْلَهَا وَفِي الْمُصَلَّى وَالْبَيْتِ وَبَعْدَهَا فِي الْمُصَلَّى خَاصَّةً ا هـ فَيُتَأَمَّلُ فِيمَا فِيهِمَا مَعَ حِكَايَةِ الزَّيْلَعِيِّ الِاتِّفَاقَ الْمَذْكُورَ ا هـ .
وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَيُكْرَهُ التَّنَفُّلُ قَبْلَهَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ قَبْلَهَا ؛ لِأَنَّ التَّنَفُّلَ بَعْدَهَا غَيْرُ مَكْرُوهٍ اتِّفَاقًا قِيلَ يُكْرَهُ فِي الْمُصَلَّى خَاصَّةً وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ ا هـ قُلْت إطْلَاقُ حِكَايَتِهِ الِاتِّفَاقَ عَلَى عَدَمِ كَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ بَعْدَهَا مُخَالِفٌ لِمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ مِنْ أَنَّهُ يُكْرَهُ بَعْدَهَا فِي الْمُصَلَّى عِنْدَ الْعَامَّةِ ، وَإِنْ حُمِلَ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِالِاتِّفَاقِ الِاتِّفَاقَ عَلَى عَدَمِ كَرَاهَتِهِ إذَا كَانَ فِي غَيْرِ الْمُصَلَّى لَا يُنَاسِبُهُ قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ ا هـ قُلْتُ فَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ بِهِ مَا يُفْهَمُ مِنْ كَلَامِ

الْمُصَنِّفِ وَهُوَ أَنَّهُ إنَّمَا يُكْرَهُ التَّنَفُّلُ بَعْدَ الصَّلَاةِ إذَا كَانَ فِي الْمُصَلَّى كَمَا حَمَلَ الْكَمَالُ النَّفْيَ عَلَيْهِ لِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا رَجَعَ إلَى مَنْزِلِهِ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ } .
وَفِي الْخُلَاصَةِ يُسْتَحَبُّ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِيدِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَالَ الْكَاكِيُّ أَيْ بَعْدَ الرُّجُوعِ إلَى مَنْزِلِهِ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْعِيدِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ نَبْتٍ نَبَتَ وَبِكُلِّ وَرَقَةٍ حَسَنَةً } ، وَقِيلَ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى بَعْدَ الْفَاتِحَةِ سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى وَفِي الثَّانِيَةِ بَعْدَهَا وَالشَّمْسِ وَفِي الثَّالِثَةِ بَعْدَهَا وَاللَّيْلِ وَفِي الرَّابِعَةِ بَعْدَهَا وَالضُّحَى .
ا هـ .

( وَقْتُهَا مِنْ ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ إلَى الزَّوَالِ ) ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الْعِيدَ وَالشَّمْسُ عَلَى قَدْرِ رُمْحٍ أَوْ رُمْحَيْنِ وَرُوِيَ { أَنَّ قَوْمًا شَهِدُوا بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ بَعْدَ الزَّوَالِ فَأَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخُرُوجِ إلَى الْمُصَلَّى مِنْ الْغَدِ } ، وَلَوْ جَازَ الْأَدَاءُ بَعْدَ الزَّوَالِ لَمَا أَخَّرَهُ ( يُصَلِّي بِهِمْ الْإِمَامُ رَكْعَتَيْنِ مُكَبِّرًا وَمُثْنِيًا قَبْلَ ) تَكْبِيرَاتٍ ( زَوَائِدَ وَهِيَ ثَلَاثٌ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَيُوَالِي بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ ) يَعْنِي أَنَّ الْإِمَامَ يُكَبِّرُ لِلِافْتِتَاحِ ثُمَّ يَسْتَفْتِحُ ثُمَّ يُكَبِّرُ ثَلَاثًا ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً ثُمَّ يُكَبِّرُ لِلرُّكُوعِ فَإِذَا قَامَ إلَى الثَّانِيَةِ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً أَوَّلًا ثُمَّ يُكَبِّرُ ثَلَاثًا ثُمَّ يُكَبِّرُ لِلرُّكُوعِ ( وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الزَّوَائِدِ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ } ، وَذَكَرَ مِنْهَا تَكْبِيرَاتِ الْأَعْيَادِ وَيَسْكُتُ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ مِقْدَارَ ثَلَاثِ تَسْبِيحَاتٍ ؛ لِأَنَّهَا تُقَامُ بِجَمْعٍ عَظِيمٍ وَبِالْمُوَالَاةِ تُشْتَبَهُ عَلَى مَنْ كَانَ بَعِيدًا .

( قَوْلُهُ يُصَلِّي بِهِمْ الْإِمَامُ رَكْعَتَيْنِ مُكَبِّرًا
إلَخْ ) أَقُولُ إنَّمَا نَصَّ عَلَى التَّكْبِيرِ لِلِافْتِتَاحِ ، وَإِنْ صَحَّ الشُّرُوعُ بِغَيْرِهِ مِنْ الْأَذْكَارِ لِمَا قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْمَنَافِعِ رِعَايَةُ لَفْظِ التَّكْبِيرِ فِي الِافْتِتَاحِ وَاجِبٌ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ دُونَ غَيْرِهَا حَتَّى يَجِبَ سُجُودُ السَّهْوِ إذَا قَالَ فِيهَا اللَّهُ أَجَلُّ سَاهِيًا ، وَكَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ قُلْتُ لَا اخْتِصَاصَ لِلْعِيدِ بِوُجُوبِ افْتِتَاحِ كُلِّ صَلَاةٍ كَمَا حَقَّقَهُ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ .
( قَوْلُهُ وَهِيَ ثَلَاثٌ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ) أَقُولُ لَوْ كَبَّرَ كَمَا يَقُولُ الشَّافِعِيُّ جَازَ وَالْخِلَافُ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ ، وَلَوْ كَبَّرَ الْإِمَامُ أَكْثَرَ مِنْ تَكْبِيرِ ابْنِ مَسْعُودٍ اتَّبَعَهُ الْمَأْمُومُ مَا لَمْ يَتَجَاوَزْ الْمَأْثُورَ وَذَلِكَ سِتَّةَ عَشَرَ فَإِذَا زَادَ لَا يَلْزَمُهُ مُتَابَعَتُهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ .
( قَوْلُهُ وَيُوَالِي بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ ) أَقُولُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَسْبُوقًا بِرَكْعَةٍ وَيَرَى رَأْيَ ابْنِ مَسْعُودٍ فَيَقْرَأُ أَوَّلًا ثُمَّ يُكَبِّرُ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ وَفِي النَّوَادِرِ يُكَبِّرُ أَوَّلًا ؛ لِأَنَّ مَا يَقْضِيهِ الْمَسْبُوقُ أَوَّلَ صَلَاتِهِ فِي حَقِّ الْأَذْكَارِ إجْمَاعًا وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ الْبُدَاءَةَ بِالتَّكْبِيرِ تُؤَدِّي إلَى الْمُوَالَاةِ بَيْنَ التَّكْبِيرَاتِ وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ ، وَلَوْ بَدَأَ بِالْقِرَاءَةِ يَكُونُ مُوَافِقًا لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَيُكَبِّرُ بِرَأْيِ نَفْسِهِ كَمَا لَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامُ ، كَذَا فِي الْفَتْحِ وَاللَّاحِقُ بِرَأْيِ إمَامِهِ كَمَا فِي الْكَافِي ، وَلَوْ تَرَكَ الْمُوَالَاةَ بَيْنَ الْقِرَاءَتَيْنِ كَالشَّافِعِيِّ صَحَّ وَالْخِلَافُ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ لَا الْجَوَازِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَأَمَرَ بَنُو الْعَبَّاسِ النَّاسَ بِالْعَمَلِ بِقَوْلِ جَدِّهِمْ ابْنِ الْعَبَّاسِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَعَنْ هَذَا صَلَّى أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ بِالنَّاسِ حِينَ قَدِمَ بَغْدَادَ صَلَاةَ الْعِيدِ وَكَبَّرَ تَكْبِيرَ ابْنِ عَبَّاسٍ فَإِنَّهُ صَلَّى خَلْفَهُ هَارُونُ الرَّشِيدُ

فَأَمَرَهُ بِذَلِكَ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ .
وَقَالَ الْكَاكِيُّ وَالْمَسْأَلَةُ مُجْتَهَدٌ فِيهَا وَطَاعَةُ الْإِمَامِ فِيمَا لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ وَاجِبَةٌ وَهَذَا لَيْسَ بِمَعْصِيَةٍ ؛ لِأَنَّهُ قَوْلُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ .
( قَوْلُهُ ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً ) أَقُولُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ السُّورَةُ فِي الْأُولَى سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى وَفِي الثَّانِيَةِ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ .
( قَوْلُهُ ثُمَّ يُكَبِّرُ لِلرُّكُوعِ ) قَالَ فِي الْبَحْرِ وَهُوَ وَاجِبٌ يَجِبُ بِتَرْكِهِ سُجُودُ السَّهْوِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ .
ا هـ .
قُلْتُ وَيُخَالِفُهُ مَا قَالَهُ الْكَمَالُ فِي بَابِ سُجُودِ السَّهْوِ لَا يَجِبُ إلَّا بِتَرْكِ وَاجِبٍ فَلَا يَجِبُ بِتَرْكِ تَكْبِيرَاتِ الِانْتِقَالِ إلَّا فِي تَكْبِيرَةِ رُكُوعِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ صَلَاةِ الْعِيدِ فَإِنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِالزَّوَائِدِ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الزَّوَائِدِ ) أَقُولُ إلَّا أَنْ يُدْرِكَ الْإِمَامَ رَاكِعًا فَيُكَبِّرُ بِلَا رَفْعٍ ( قَوْلُهُ وَيَسْكُتُ بَيْنَ كُلِّ تَكْبِيرَتَيْنِ ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا ذِكْرٌ مَسْنُونٌ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْعِنَايَةِ .
وَقَالَ الْكَرْخِيُّ التَّسْبِيحُ أَوْلَى مِنْ السُّكُوتِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ .
( قَوْلُهُ مِقْدَارَ ثَلَاثِ تَسْبِيحَاتٍ ) هَذَا التَّقْدِيرُ لَيْسَ بِلَازِمٍ بَلْ يَخْتَلِفُ بِكَثْرَةِ الزِّحَامِ وَقِلَّتِهِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ .

( وَيَخْطُبُ بَعْدَهَا خُطْبَتَيْنِ ) ؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَعَلَ كَذَلِكَ بِخِلَافِ الْجُمُعَةِ فَإِنَّ الْخُطْبَةَ فِيهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّهَا شَرْطُهَا وَالشَّرْطُ مُقَدَّمٌ ( يُعَلِّمُ فِيهَا أَحْكَامَ الْفِطْرَةِ ) ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ لِأَجْلِهِ فَإِنْ قِيلَ قَدْ سَبَقَ أَنَّ الْمَنْدُوبَ أَدَاءُ الْفِطْرَةِ قَبْلَ الْخُرُوجِ إلَى الْجَبَّانَةِ وَأَدَاؤُهَا قَبْلَ الْعِلْمِ مُحَالٌ وَالْخُطْبَةُ لَيْسَتْ إلَّا بَعْدَ الْخُرُوجِ إلَيْهَا فَبَيْنَ الْكَلَامَيْنِ تَنَافٍ قُلْنَا لَا تَنَافِيَ ؛ لِأَنَّ مَنْدُوبِيَّةَ تَقْدِيمِ الْفِطْرَةِ عَلَى الْخُرُوجِ لَا تُنَافِي جَوَازَ تَأْخِيرِهَا عَنْ الْخُرُوجِ فَجَازَ أَنْ لَا يَعْلَمَ بَعْضُ الْخَارِجِينَ كَيْفِيَّةَ أَدَائِهَا فَيُفِيدُ التَّعْلِيمُ بِالنَّظَرِ إلَيْهِمْ .
( قَوْلُهُ وَيَخْطُبُ بَعْدَهَا خُطْبَتَيْنِ ) أَقُولُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَفْتَتِحَ الْأُولَى بِتِسْعِ تَكْبِيرَاتٍ تَتْرَى وَالثَّانِيَةَ بِسَبْعٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ .
( قَوْلُهُ يُعَلِّمُ فِيهَا أَحْكَامَ الْفِطْرَةِ ) أَقُولُ وَهِيَ خَمْسَةٌ عَلَى مَنْ تَجِبُ وَلِمَنْ تَجِبُ وَمَتَى تَجِبُ وَكَمْ تَجِبُ وَمِمَّ تَجِبُ وَتَفْصِيلُهَا سَيَأْتِي فِي صَدَقَةِ الْفِطْرَةِ .
( قَوْلُهُ فَإِنْ قِيلَ قَدْ سَبَقَ
إلَخْ ) هَذَا ، وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ يَنْبَغِي لِلْخَطِيبِ أَنْ يُعَلِّمَهُمْ أَحْكَامَهَا فِي الْجُمُعَةِ الَّتِي قَبْلَهَا لِيَأْتُوا بِهَا جَمِيعِهَا فِي مَحَالِّهَا قَالَ وَلَمْ يَرَهُ مَنْقُولًا وَالْعِلْمُ أَمَانَةٌ فِي عُنُقِ الْعُلَمَاءِ .
ا هـ .

( فَاتَتْهُ مَعَ الْإِمَامِ لَا تُقْضَى ) يَعْنِي أَنَّ الْإِمَامَ صَلَّاهَا مَعَ جَمَاعَةٍ وَفَاتَتْ بَعْضَ النَّاسِ لَا يَقْضِيهَا فِي الْوَقْتِ وَبَعْدَهُ ؛ لِأَنَّهَا بِصِفَةِ كَوْنِهَا صَلَاةَ الْعِيدِ لَمْ تُعْرَفْ قُرْبَةً إلَّا بِشَرَائِطَ لَا تَتِمُّ بِالْمُنْفَرِدِ .
( قَوْلُهُ فَاتَتْهُ مَعَ الْإِمَامِ ) كَلِمَةُ مَعَ مُتَعَلِّقَةٌ بِالضَّمِيرِ الْمُسْتَتِرِ فِي فَاتَتْهُ أَيْ الصَّلَاةُ لَا بِفَاتَتْ وَالْمَعْنَى فَاتَتْهُ هُوَ الصَّلَاةُ بِالْجَمَاعَةِ وَلَيْسَ مَعْنَاهُ فَاتَتْ عَنْهُ وَعَنْ الْإِمَامِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ .
( قَوْلُهُ لَا تُقْضَى ) أَقُولُ ، وَلَوْ دَخَلَ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ أَفْسَدَهَا لَا يَقْضِيهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ .

( وَتُؤَخَّرُ بِعُذْرٍ إلَى الْغَدِ ) أَيْ تُؤَخَّرُ صَلَاةُ عِيدِ الْفِطْرِ إلَى الْغَدِ إذَا مَنَعَ مِنْ إقَامَتِهَا عُذْرٌ بِأَنْ غُمَّ عَلَيْهِمْ الْهِلَالُ وَشُهِدَ عِنْدَ الْإِمَامِ بِالْهِلَالِ بَعْدَ الزَّوَالِ أَوْ قَبْلَهُ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ جَمْعُ النَّاسِ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ صَلَّاهَا فِي يَوْمِ غَيْمٍ وَظَهَرَ أَنَّهَا وَقَعَتْ بَعْدَ الزَّوَالِ ( فَقَطْ ) أَيْ لَا تُؤَخَّرُ إلَى بَعْدِ الْغَدِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا أَنْ لَا تُقْضَى كَالْجُمُعَةِ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ بِمَا رَوَيْنَا مِنْ تَأْخِيرِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إلَى الْغَدِ وَلَمْ يُرْوَ تَأْخِيرُهُ إلَى مَا بَعْدَ الْغَدِ فَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ .
( قَوْلُهُ فَقَطْ أَيْ لَا تُؤَخَّرُ إلَى بَعْدِ الْغَدِ ) أَقُولُ لَوْ جَعَلَ قَوْلَهُ فَقَطْ خَادِمًا فِي قَوْلِهِ وَتُؤَخَّرُ بِعُذْرٍ وَفِي إلَى الْغَدِ لَكَانَ أَوْلَى مِنْ قَصْرِهِ عَلَى الْأَخِيرِ لِقَوْلِهِ فِيمَا سَيَأْتِي لَوْ أَخَّرُوهَا إلَى الْغَدِ بِلَا عُذْرٍ لَمْ يَجُزْ .

( وَالْأَحْكَامُ ) الْمَذْكُورَةُ ( فِي الْفِطْرِ هِيَ الْأَحْكَامُ فِي الْأَضْحَى لَكِنْ فِيهِ ) أَيْ الْأَضْحَى ( جَازَ تَأْخِيرُهَا ) أَيْ الصَّلَاةِ ( إلَى ثَالِثِ أَيَّامِ النَّحْرِ بِلَا عُذْرٍ بِكَرَاهَةٍ وَ ) جَازَ تَأْخِيرُهَا إلَى الثَّالِثِ ( بِهِ ) أَيْ بِعُذْرٍ ( بِدُونِهَا ) أَيْ الْكَرَاهَةِ فَإِنَّهَا مُؤَقَّتَةٌ بِوَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ فَتَجُوزُ مَا دَامَ وَقْتُهَا بَاقِيًا وَلَا تَجُوزُ بَعْدَ خُرُوجِهِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تُقْضَى وَالْعُذْرُ هُنَا لِنَفْيِ الْكَرَاهَةِ وَفِي الْفِطْرِ لِلْجَوَازِ حَتَّى لَوْ أَخَّرُوهَا إلَى الْغَدِ بِلَا عُذْرٍ لَمْ يَجُزْ .
( وَ ) لَكِنْ فِيهِ ( نُدِبَ تَأْخِيرُ الْأَكْلِ عَنْهَا ) أَيْ الصَّلَاةِ بِخِلَافِ الْفِطْرِ .
( قَوْلُهُ وَنُدِبَ تَأْخِيرُ الْأَكْلِ عَنْهَا ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هَذَا فِي حَقِّ الْمِصْرِيِّ أَمَّا الْقَرَوِيُّ فَإِنَّهُ يَذُوقُ مِنْ حِينِ أَصْبَحَ وَلَا يُمْسِكُ كَمَا فِي عِيدِ الْفِطْرِ ا هـ .
وَأَطْلَقَ فِي الْمِصْرِيِّ فَشَمِلَ مَنْ لَا يُضَحِّي ، وَقِيلَ إنَّمَا يُسْتَحَبُّ تَأْخِيرُ الْأَكْلِ لِمَنْ يُضَحِّي لِيَأْكُلَ مِنْ أُضْحِيَّتِهِ أَوَّلًا أَمَّا فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَلَا ، ثُمَّ قِيلَ الْأَكْلُ قَبْلَ الصَّلَاةِ مَكْرُوهٌ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ نُدِبَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ .

.
( وَ ) فِيهِ ( يُكَبَّرُ ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ ( جَهْرًا فِي الطَّرِيقِ ) بِخِلَافِ الْفِطْرِ .
( وَ ) فِيهِ ( يُعَلِّمُ ) الْإِمَامُ ( فِي الْخُطْبَةِ تَكْبِيرَ التَّشْرِيقِ وَالْأُضْحِيَّةَ ) بِخِلَافِ الْفِطْرِ ( وَالتَّعْرِيفُ ) وَهُوَ أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ يَوْمَ عَرَفَةَ فِي مَوْضِعٍ تَشَبُّهًا بِالْوَاقِفِينَ بِعَرَفَاتٍ ( لَيْسَ بِشَيْءٍ ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ ( وَيَجِبُ تَكْبِيرُ التَّشْرِيقِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ } وَالتَّشْرِيقُ فِي اللُّغَةِ تَقْدِيدُ اللَّحْمِ وَعَنْ الْخَلِيلِ التَّكْبِيرُ التَّشْرِيقُ فَالْإِضَافَةُ لِلْبَيَانِ فَقِيلَ التَّسْمِيَةُ بِتَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ وَقَعَتْ عَلَى قَوْلِهِمَا ؛ لِأَنَّ شَيْئًا مِنْ التَّكْبِيرِ لَا يَقَعُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ عِنْدَهُ كَمَا سَيَأْتِي وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ بِاعْتِبَارِ الْقُرْبِ أُخِذَ اسْمُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ هِيَ الثَّلَاثَةُ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ وَأَيَّامُ النَّحْرِ هِيَ يَوْمُ الْعِيدِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ فَالْأَوَّلُ مِنْ الْأَرْبَعَةِ نَحْرٌ بِلَا تَشْرِيقٍ وَالرَّابِعُ تَشْرِيقٌ بِلَا نَحْرٍ وَالِاثْنَانِ نَحْرٌ وَتَشْرِيقٌ وَالتَّكْبِيرُ قَوْلُهُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ أَصْلُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ { أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا جَاءَ بِالْقُرْبَانِ خَافَ الْعَجَلَةَ عَلَى إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ فَلَمَّا رَآهُ إبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ فَلَمَّا عَلِمَ إسْمَاعِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالْفِدَاءِ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ } فَبَقِيَ فِي الْآخَرَيْنِ وَاجِبًا ( مَرَّةً ) بِأَنْ يَقُولَ مَا نَقَلْنَاهُ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ مَرَّةً وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ التَّكْبِيرَ عِنْدَهُ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ اللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا يَزِيدُ عَلَيْهَا وَلَهُ فِي

التَّهْلِيلِ بَعْدَهُ قَوْلَانِ .

( قَوْلُهُ بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ ) إنَّمَا قَالَهُ لِيَشْمَلَ كُلَّ مُصَلٍّ إذْ لَوْ بَنَاهُ لِلْمَعْلُومِ رُبَّمَا تُوُهِّمَ أَنَّهُ مُخْتَصٌّ بِالْإِمَامِ كَمَا اخْتَصَّ بِالتَّعْلِيمِ .
( قَوْلُهُ جَهْرًا ) أَقُولُ وَالْجَهْرُ سُنَّةٌ فِيهِ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ .
( قَوْلُهُ فِي الطَّرِيقِ ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يَقْطَعُ التَّكْبِيرَ عِنْدَ انْتِهَائِهِ إلَى الْمُصَلَّى وَهُوَ رِوَايَةٌ وَفِي رِوَايَةٍ حَتَّى يَشْرَعَ الْإِمَامُ فِي الصَّلَاةِ كَمَا فِي الْكَافِي .
( قَوْلُهُ وَيُعَلِّمُ الْإِمَامُ فِي الْخُطْبَةِ تَكْبِيرَ التَّشْرِيقِ ) قَالَ فِي الْبَحْرِ هَكَذَا ذَكَرُوا مَعَ أَنَّ تَكْبِيرَ التَّشْرِيقِ يَحْتَاجُ إلَى تَعْلِيمِهِ قَبْلَ يَوْمِ عَرَفَةَ لِلْإِتْيَانِ بِهِ فِيهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَلِّمَ فِي خُطْبَةِ الْجُمُعَةِ الَّتِي يَلِيهَا الْعِيدُ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ وَالتَّعْرِيفُ وَهُوَ أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ
إلَخْ ) أَقُولُ مُقْتَضَى تَفْسِيرِهِ أَنَّ مَدْلُولَ التَّعْرِيفِ خَاصٌّ بِمَا فَسَّرَهُ بِهِ وَلَيْسَ لِمَا نَذْكُرُ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّعْرِيفُ الَّذِي يَصْنَعُهُ النَّاسُ وَهُوَ أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ يَوْمَ عَرَفَةَ
إلَخْ لِمَا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ إنَّمَا قَيَّدَ بِقَوْلِهِ يَصْنَعُهُ النَّاسُ لِمَا أَنَّهُ يَجِيءُ لِمَعَانٍ لِلْإِعْلَامِ وَالتَّطَيُّبِ مِنْ الْعَرْفِ وَهُوَ الرِّيحُ ، وَإِنْشَادِ الضَّالَّةِ وَالْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ وَالتَّشَبُّهِ بِأَهْلِ عَرَفَةَ وَهُوَ الْمُرَادُ هَهُنَا ا هـ قَوْلُهُ يَوْمَ عَرَفَةَ ) أَقُولُ عَرَفَةُ اسْمُ الْيَوْمِ فَالْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ وَعَرَفَاتٌ اسْمُ الْمَكَانِ .
( قَوْلُهُ لَيْسَ بِشَيْءٍ ) ظَاهِرُ مِثْلِ هَذَا اللَّفْظِ أَنَّهُ مَطْلُوبُ الِاجْتِنَابِ أَيْ فَيُكْرَهُ فِعْلُهُ لِمُقَابَلَتِهِ بِقَوْلِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ فَيَكُونُ مَكْرُوهًا فِي رِوَايَةِ الْأُصُولِ .
( قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ ) أَيْ أَنَّهُ يُكْرَهُ ، وَكَذَلِكَ قَالَ الْكَمَالُ وَالْأَوْلَى الْكَرَاهَةُ ؛ لِأَنَّ الْوُقُوفَ عُهِدَ قُرْبَةً فِي مَكَان

مَخْصُوصٍ فَلَا يَكُونُ قُرْبَةً فِي غَيْرِهِ .
ا هـ .
قُلْتُ وَهَذَا لَا يُفِيدُ الْكَرَاهَةَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُعَلَّلَ بِمَا فِي الْكَافِي مِنْ قَوْلِهِ بَعْدَ مَا ذَكَرَ وَلَا يَجُوزُ الِاخْتِرَاعُ فِي الدِّينِ ا هـ .
ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ ، وَلِأَنَّ فِيهِ حَسْمًا لِمَفْسَدَةٍ اعْتِقَادِيَّةٍ تُتَوَقَّعُ مِنْ الْعَوَامّ وَنَفْسُ الْوُقُوفِ وَكَشْفُ الرُّءُوسِ يَسْتَلْزِمُ التَّشَبُّهَ ، وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْ وَالْحَقُّ أَنَّهُ إنْ عَرَضَ الْوُقُوفُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ بِسَبَبٍ يُوجِبُهُ كَالِاسْتِسْقَاءِ مَثَلًا لَا يُكْرَهُ أَمَّا قَصْدُ ذَلِكَ الْيَوْمِ بِالْخُرُوجِ فِيهِ فَهُوَ مَعْنَى التَّشَبُّهِ إذَا تَأَمَّلْت وَمَا فِي الْجَامِعِ التُّمُرْتَاشِيِّ لَوْ اجْتَمَعُوا لِشَرَفِ ذَلِكَ الْيَوْمِ جَازَ يُحْمَلُ عَلَيْهِ بِلَا وُقُوفٍ وَكَشْفٍ .
ا هـ .
قُلْتُ ، وَكَذَلِكَ يُحْمَلُ مَا ذَكَرَهُ الْكَافِي بِقَوْلِهِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ بِسُنَّةٍ ، وَإِنَّمَا هُوَ حَدَثٌ أَحْدَثَهُ النَّاسُ فَمَنْ فَعَلَهُ جَازَ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ وَيَجِبُ تَكْبِيرُ التَّشْرِيقِ
إلَخْ ) أَقُولُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْأَكْثَرِ ، وَقِيلَ سُنَّةٌ لِمُوَاظَبَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَادُ مِنْ الْآيَةِ ذِكْرُ اسْمَ اللَّهِ عَلَى الذَّبِيحَةِ نَسْخًا لِذِكْرِهِمْ عَلَيْهَا غَيْرَهُ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَالْفَتْحِ لَكِنْ قَالَ الْكَمَالُ دَلِيلُ السُّنَّةِ أَنْهَضُ .
( قَوْلُهُ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ ) هِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَالْأَيَّامُ الْمَعْلُومَاتُ هِيَ أَيَّامُ الْعَشْرِ عِنْدَ الْمُفَسِّرِينَ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ ، وَقِيلَ كُلٌّ مِنْهُمَا أَيَّامُ التَّشْرِيقِ ، وَقِيلَ الْمَعْلُومَاتُ يَوْمُ النَّحْرِ وَيَوْمَانِ بَعْدَهُ وَالْمَعْدُودَاتُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ كَمَا فِي الْبَحْرِ .
( قَوْلُهُ وَعَنْ الْخَلِيلِ التَّكْبِيرِ ) أَقُولُ وَنَصْبُهُ كَمَا قَالَهُ الْكَاكِيُّ قَالَ الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ التَّشْرِيقُ التَّكْبِيرُ ، وَإِنْ كَانَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ تَقْدِيدِ اللَّحْمِ وَالْقِيَامِ فِي الْمَشْرِقَةِ كَمَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الصِّحَاحِ وَغَيْرُهُ ا هـ
وَفِي الْبَحْرِ قَالَ النَّضْرُ بْنُ

شُمَيْلٍ يُطْلَقُ التَّشْرِيقُ عَلَى رَفْعِ الصَّوْتِ بِالتَّكْبِيرِ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ فَالْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ ) أَقُولُ وَبِهِ جَزَمَ الْكَمَالُ فَقَالَ الْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ أَيْ التَّكْبِيرُ الَّذِي هُوَ التَّشْرِيقُ فَإِنَّ التَّكْبِيرَ لَا يُسَمَّى تَشْرِيقًا إلَّا إذَا كَانَ بِتِلْكَ الْأَلْفَاظِ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَيَّامِ الْمَخْصُوصَةِ فَهُوَ حِينَئِذٍ مُتَفَرِّعٌ عَلَى قَوْلِ الْكُلِّ أَيْ التَّعْبِيرُ بِتَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ مُتَفَرِّعٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَاحِبَيْهِ .
( قَوْلُهُ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ هِيَ الثَّلَاثَةُ
إلَخْ ) أَقُولُ ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ .
وَقَالَ الْكَمَالُ وَعَلَى هَذَا أَيْ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ فَمَا فِي الْخُلَاصَةِ لَا يَصِحُّ فَإِنَّ التَّشْرِيقَ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى التَّكْبِيرِ أَوْ الذَّبْحِ أَوْ تَشْرِيقِ اللَّحْمِ لِإِظْهَارِهِ لِلشَّمْسِ بَعْدَ تَقْطِيعِهِ لِيَتَقَدَّدَ وَعَلَى كُلٍّ مِنْهَا يَدْخُلُ يَوْمُ النَّحْرِ فِيهَا إلَّا أَنْ يُقَالَ التَّشْرِيقُ بِالْمَعْنَى الثَّالِثِ لَا يَكُونُ فِي الْأَوَّلِ ظَاهِرًا .
ا هـ .
( قَوْلُهُ وَالتَّكْبِيرُ قَوْلُهُ اللَّهُ أَكْبَرُ
إلَخْ ) ، كَذَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ .
( قَوْلُهُ أَصْلُ ذَلِكَ مَا رُوِيَ
إلَخْ ) ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا نَصُّ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ مَأْثُورٌ عَنْ الْخَلِيلِ وَلَكِنْ قَالَ الْكَمَالُ لَمْ يَثْبُتْ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ ذَلِكَ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ مَأْثُورًا عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ وَسَنَدُهُ جَيِّدٌ ا هـ .
( قَوْلُهُ فَلَمَّا عَلِمَ إسْمَاعِيلُ ) كَذَا صَرَّحَ فِي الْعِنَايَةِ بِأَنَّ الذَّبِيحَ إسْمَاعِيلُ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِهِ فِي الْكَافِي بَلْ قَالَ فَعُلِمَ الذَّبِيحُ .
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ فِيهِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ فَطَائِفَةٌ قَالُوا بِأَنَّهُ إسْمَاعِيلُ وَطَائِفَةٌ بِأَنَّهُ إِسْحَاقُ وَالْحَنَفِيَّةُ قَائِلُونَ بِالْأَوَّلِ وَرَجَّحَهُ الْإِمَامُ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ فِي الْبُسْتَانِ ا هـ .
( قَوْلُهُ فَبَقِيَ فِي الْآخَرَيْنِ وَاجِبًا ) أَقُولُ اقْتَصَرَ عَلَى الْقَوْلِ

بِالْوُجُوبِ اتِّبَاعًا لِلْأَكْثَرِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ ، وَإِنْ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ فَبَقِيَ فِي الْآخَرَيْنِ إمَّا سُنَّةً أَوْ وَاجِبًا .

( مِنْ فَجْرِ ) يَوْمِ ( عَرَفَةَ ) بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ عُلَمَائِنَا فِيهِ لِاتِّفَاقِ كِبَارِ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ ( إلَى عَصْرِ الْعِيدِ ) فَيَكُونُ التَّكْبِيرُ عَقِيبَ ثَمَانِ صَلَوَاتٍ ( فَوْرَ ) مُتَعَلِّقٌ يَجِبُ أَيْ عَقِيبَ ( فَرْضٍ ) بِلَا فَصْلٍ يَمْنَعُ الْبِنَاءَ فَخَرَجَ بِالْفَرْضِ النَّوَافِلُ وَصَلَاةُ الْعِيدِ ( أَدَّى ) خَرَجَ بِهِ الْقَضَاءُ إذْ لَا تَكْبِيرَ فِيهِ ( بِجَمَاعَةٍ مُسْتَحَبَّةٍ ) خَرَجَ بِهِ جَمَاعَةُ النِّسَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُنَّ رَجُلٌ إذْ لَا تَكْبِيرَ فِيهَا أَيْضًا ( عَلَى إمَامٍ مُقِيمٍ ) فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمُنْفَرِدِ وَلَا إمَامٍ مُسَافِرٍ أَوْ امْرَأَةٍ أَوْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى وَالْمَفَاوِزِ .
( وَ ) عَلَى ( مُقْتَدٍ ) مُسَافِرٍ أَوْ قَرَوِيٍّ أَوْ امْرَأَةٍ ( وَقَالَا ) يَجِبُ التَّكْبِيرُ ( فَوْرَ كُلِّ فَرْضٍ مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ أُدِّيَ بِالْجَمَاعَةِ أَوْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ الْمُصَلِّي رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً مُسَافِرًا أَوْ مُقِيمًا فِي الْمِصْرِ أَوْ الْقُرَى ( إلَى عَصْرِ ) الْيَوْمِ ( الْخَامِسِ مِنْ ) يَوْمِ ( عَرَفَةَ ) وَهُوَ الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ الَّذِي هُوَ تَشْرِيقٌ وَلَيْسَ بِنَحْرٍ ( وَبِهِ ) أَيْ بِالتَّكْبِيرِ إلَى هَذَا الْوَقْتِ وَعَدَمِ الِاقْتِصَارِ إلَى عَصْرِ الْعِيدِ ( يُعْمَلُ ) الْآنَ احْتِيَاطًا فِي بَابِ الْعِبَادَاتِ ( وَلَا يَتْرُكُهُ الْمُؤْتَمُّ ، وَإِنْ تَرَكَهُ الْإِمَامُ ) ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدَّى بَعْدَ الصَّلَاةِ لَا فِيهَا فَلَمْ يَكُنْ الْإِمَامُ فِيهِ حَتْمًا كَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ بِخِلَافِ سُجُودِ السَّهْوِ ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدَّى فِي الصَّلَاةِ ( وَيُكَبِّرُ الْمَسْبُوقُ ) ؛ لِأَنَّهُ مُقْتَدٍ تَحْرِيمَةً لَكِنَّهُ لَا يُكَبِّرُ مَعَ الْإِمَامِ بَلْ ( عَقِيبَ الْقَضَاءِ ) أَيْ قَضَاءِ مَا فَاتَهُ وَمِنْهُ يُعْلَمُ حَالُ اللَّاحِقِ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ خَلْفَ الْإِمَامِ بِالتَّمَامِ .

( قَوْلُهُ فَوْرَ فَرْضٍ ) أَيْ عَيْنِيٍّ قَوْلُهُ بِلَا فَصْلٍ يَمْنَعُ الْبِنَاءَ ) أَقُولُ كَالْقَهْقَهَةِ وَالْحَدَثِ الْعَمْدِ وَالتَّكَلُّمِ عَامِدًا أَوْ سَاهِيًا وَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ وَمُجَاوَزَةِ الصُّفُوفِ فِي الصَّحْرَاءِ ، وَلَوْ صَرَفَ وَجْهَهُ عَنْ الْقِبْلَةِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ وَلَمْ يُجَاوِزْ الصُّفُوفَ يُكَبِّرُ ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الصَّلَاةِ بَاقِيَةٌ ، وَإِنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ أَيْ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْ الصَّلَاةِ إنْ شَاءَ ذَهَبَ فَتَوَضَّأَ وَيَرْجِعُ وَيُكَبِّرُ ، وَإِنْ شَاءَ كَبَّرَ مِنْ غَيْرِ تَطْهِيرٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُؤَدِّي فِي تَحْرِيمَةِ الصَّلَاةِ فَلَا يُشْتَرَطُ لَهُ الطَّهَارَةُ قَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ وَالْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ يُكَبِّرُ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ الْمَسْجِدِ لِلطَّهَارَةِ ، كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ ا هـ .
وَكَذَا قَالَ الْكَمَالُ لَوْ أَحْدَثَ نَاسِيًا بَعْدَ السَّلَامِ قَبْلَ التَّكْبِيرِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يُكَبِّرُ وَلَا يَخْرُجُ لِلطَّهَارَةِ ا هـ .
وَيُخَالِفُهُ مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ ، وَإِنْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ قَبْلَ أَنْ يُكَبِّرَ تَوَضَّأَ وَكَبَّرَ عَلَى الصَّحِيحِ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ فَخَرَجَ بِالْفَرْضِ النَّوَافِلُ ) أَيْ وَالْوِتْرُ وَخَرَجَ صَلَاةُ الْجِنَازَةِ لِمَا قَيَّدْنَا بِهِ الْفَرْضَ .
( قَوْلُهُ وَصَلَاةُ الْعِيدِ ) قَالَ فِي الْبَحْرِ نَقْلًا عَنْ الْمُجْتَبَى الْبَلْخِيُّونَ يُكَبِّرُونَ عَقِيبَ صَلَاةِ الْعِيدِ ؛ لِأَنَّهَا تُؤَدَّى بِجَمَاعَةٍ فَأَشْبَهَ الْجُمُعَةَ ا هـ .
وَفِي مَبْسُوطِ أَبِي اللَّيْثِ لَوْ كَبَّرَ عَلَى إثْرِ صَلَاةِ الْعِيدِ لَا بَأْسَ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ تَوَارَثُوا هَكَذَا فَوَجَبَ أَنْ يُتَّبَعَ تَوَارُثُ الْمُسْلِمِينَ .
( قَوْلُهُ إذْ لَا تَكْبِيرَ فِيهِ ) أَيْ الْقَضَاءِ ( أَقُولُ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ يُكَبِّرُ فَوْرَ فَائِتَةِ هَذِهِ الْأَيَّامِ إذَا قَضَاهَا فِيهَا ، وَإِنْ قَضَى فَائِتَتَهَا فِيهَا مِنْ الْعَامِ الْقَابِلِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُكَبِّرُ ، وَإِنْ قَضَاهَا فِي غَيْرِهَا لَا يُكَبِّرُ كَمَا لَوْ قَضَى فَائِتَةَ غَيْرِهَا فِيهَا .
(

قَوْلُهُ خَرَجَ بِهِ جَمَاعَةُ النِّسَاءِ ) أَقُولُ وَجَمَاعَةُ الْعُرَاةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ ا هـ .
وَمَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ إنَّ شَرْطَ الْجَمَاعَةِ الْمُسْتَحَبَّةِ احْتِرَازٌ عَنْ جَمَاعَةٍ غَيْرِ مُسْتَحَبَّةٍ كَجَمَاعَةِ النِّسَاءِ وَالْعَبِيدِ فِيهِ نَظَرٌ مِنْ حَيْثُ إطْلَاقُ عَدَمِ الِاسْتِحْبَابِ عَلَى جَمَاعَةِ الْعَبِيدِ نَظَرَهُ الشَّيْخُ شِهَابُ الدِّينِ الشَّلَبِيُّ .
ا هـ .
قُلْتُ التَّنْظِيرُ غَيْرُ مُتَّجِهٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا فِيمَا لَمْ يَرِدْ قَوْلٌ بِهِ ، وَقَدْ قِيلَ بِعَدَمِ وُجُوبِ التَّكْبِيرِ عَلَى جَمَاعَةِ الْعَبِيدِ كَمَا نَذْكُرُهُ ، وَإِنْ كَانَ خِلَافَ الْأَصَحِّ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُنَبِّهَ عَلَى ضَعْفِهِ دُونَ أَنْ يُقَالَ فِيهِ نَظَرٌ .
( قَوْلُهُ وَإِلَّا إمَامٌ مُسَافِرٌ ) أَقُولُ عَلَى هَذَا يَجِبُ عَلَى مَنْ اقْتَدَى بِهِ مِنْ الْمُقِيمِينَ لَوَجَدَ أَنَّ الشَّرْطَ فِي حَقِّهِمْ .
( قَوْلُهُ وَمُقْتَدٍ بِهِ ) أَطْلَقَهُ عَنْ قَيْدِ الْحُرِّيَّةِ كَالْإِمَامِ فَشَمِلَ مَا لَوْ أَمَّ الْعَبْدُ مِثْلَهُ فَيَجِبُ عَلَى الْجَمِيعِ التَّكْبِيرُ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ .
( قَوْلُهُ وَبِهِ أَيْ بِالتَّكْبِيرِ إلَى هَذَا الْوَقْتِ وَعَدَمُ الِاقْتِصَارِ إلَى عَصْرِ الْعِيدِ يُعْمَلُ ) أَقُولُ وَالْفَتْوَى عَلَيْهِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ عَنْ الْمُصَفَّى ، وَقَدْ خَصَّ الْمُصَنِّفُ إرْجَاعَ الضَّمِيرِ بِمَا ذَكَرَ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَا يُعْمَلُ بِقَوْلِهِمَا مِنْ الْوُجُوبِ فِي حَقِّ كُلِّ مُصَلٍّ مَعَ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ مِنْ أَنَّ التَّكْبِيرَ تَبِعَ الْفَرِيضَةَ فَكُلُّ مَنْ أَدَّى فَرِيضَةً فَعَلَيْهِ التَّكْبِيرُ حَتَّى يُكَبِّرَ الْمُسَافِرُ وَأَهْلُ الْقُرَى وَمَنْ صَلَّى وَحْدَهُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ وَبِهِ إلَى قَوْلِهِ ، وَقَالَا يَجِبُ التَّكْبِيرُ فَوْرَ كُلِّ فَرْضٍ
إلَخْ لِيَشْمَلَ .

( بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ ) ( إمَامُ الْجُمُعَةِ أَوْ مَأْمُورُ السُّلْطَانِ ) أَيْ مَنْ أَمَرَهُ السُّلْطَانُ أَنْ يُصَلِّيَ هَذِهِ الصَّلَاةَ ( يُصَلِّي بِالنَّاسِ عِنْدَ الْكُسُوفِ رَكْعَتَيْنِ كَالنَّفْلِ ) أَيْ عَلَى هَيْئَةِ النَّفْلِ ( بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ ، وَ ) لَا جَهْرٍ ، وَ ( لَا خُطْبَةٍ وَبِرُكُوعٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ بِرُكُوعَيْنِ فِيهِ ( وَيُطَوِّلُ ) الْإِمَامُ ( الْقِرَاءَةَ فِيهِمَا ) أَيْ الرَّكْعَتَيْنِ ( وَبَعْدَهُمَا يَدْعُو حَتَّى تَنْجَلِيَ ) الشَّمْسُ ( وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ ) أَيْ الْإِمَامُ أَوْ مَأْمُورُ السُّلْطَانِ ( صَلَّوْا فُرَادَى كَالْخُسُوفِ وَالرِّيحِ ) الشَّدِيدَةِ ( وَالظُّلْمَةِ ) الْهَائِلَةِ ( وَالْفَزَعِ ) أَيْ الْخَوْفِ الْغَالِبِ مِنْ الْعَدُوِّ .

( بَابُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ ) هَذَا مِنْ بَابِ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى سَبَبِهِ وَالْكُسُوفُ لِلشَّمْسِ وَالْخُسُوفُ لِلْقَمَرِ وَهُمَا فِي اللُّغَةِ النُّقْصَانُ ، وَقِيلَ الْكُسُوفُ ذَهَابُ الضَّوْءِ وَالْخُسُوفُ ذَهَابُ الدَّائِرَةِ ، كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ قُلْت وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ عَابَ مِنْ أَهْلِ الْأَدَبِ مُحَمَّدًا فِي قَوْلِهِ لَيْسَ فِي كُسُوفِ الْقَمَرِ جَمَاعَةٌ بِأَنَّهُ إنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي الْقَمَرِ لَفْظُ الْخُسُوفِ وَبِالرَّدِّ صَرَّحَ الْكَاكِيُّ فَقَالَ قُلْنَا الْخُسُوفُ ذَهَابُ دَائِرَتِهِ أَيْ الْقَمَرِ وَالْكُسُوفُ ذَهَابُ ضَوْئِهِ وَمُرَادُ مُحَمَّدٍ هَذَا النَّوْعَ فَلِذَا ذَكَرَ الْكُسُوفَ فَإِذَنْ لَا طَعْنَ عَلَيْهِ ا هـ .
وَكَذَا أَجَابَ فِي الْعِنَايَةِ عَنْ مُحَمَّدٍ بِمَا فِي الْمُغْرِبِ يُقَالُ كُسِفَتْ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ جَمِيعًا ا هـ .
وَقَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ فَيَكُونُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ صَحِيحًا وَأَنَّ مُخَطِّئَهُ مُخْطِئٌ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ يُصَلِّي بِالنَّاسِ عِنْدَ الْكُسُوفِ رَكْعَتَيْنِ ) أَقُولُ لَمْ يُصَرِّحْ الْمُصَنِّفُ بِحُكْمِهِمَا .
وَقَالَ الْكَمَالُ صَلَاةُ الْكُسُوفِ سُنَّةٌ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ الْجُمْهُورِ أَوْ وَاجِبَةٌ عَلَى قَوْلِهِ وَاسْتِنَانُ صَلَاةِ الِاسْتِسْقَاءِ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَظَهَرَ وَجْهُ تَرْتِيبِ أَبْوَابِهَا ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ وَاخْتَارَ فِي الْأَسْرَارِ أَيْ لِأَبِي زَيْدٍ وُجُوبَهَا أَيْ صَلَاةِ الْكُسُوفِ لِلْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ فَافْزَعُوا إلَى الصَّلَاةِ } وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْأَمْرَ لِلنَّدَبِ ا هـ .
وَعَلَى هَذَا أَيْ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلنَّدَبِ إجْمَاعُ مَنْ سِوَى بَعْضِ الْأَصْحَابِ ثُمَّ مَنْ أَوْجَبَهَا مِنْهُمْ قِيلَ إنَّمَا أَوْجَبَهَا لِلشَّمْسِ لَا لِلْقَمَرِ وَهُوَ مَحْجُوجٌ بِالْإِجْمَاعِ قَبْلَهُ وَبِأَنَّهُ صَلَّاهَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْمٌ وَتَأَخَّرَ آخَرُونَ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ تَهَدَّدَ الْمُخَلَّفِينَ ، وَقَدْ قَرَنَ الْأَمْرَ بِالصَّلَاةِ فِيهَا بِالْأَمْرِ بِالدُّعَاءِ وَالصَّدَقَةِ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ وَذَلِكَ

مُسْتَحَبٌّ إجْمَاعًا ا هـ .
كَذَا نَقَلَ شَيْخُنَا عَنْ شَيْخِهِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْقِرَانَ فِي النَّظْمِ لَا يُوجِبُ الْقِرَانَ فِي الْحُكْمِ
( قَوْلُهُ بِلَا أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ ) أَقُولُ وَيُنَادَى الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ لِيَجْتَمِعُوا إنْ لَمْ يَكُون اجْتَمَعُوا كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ وَلَا جَهْرٍ ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ .
وَفِي الْجَوْهَرَةِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجْهَرُ فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ رِوَايَتَانِ إحْدَاهُمَا مِثْلُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّانِيَةُ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ ( قَوْلُهُ وَلَا خُطْبَةٍ ) هَذَا بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ فِيهِ أَثَرٌ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ .
( قَوْلُهُ وَبِرُكُوعٍ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ) مُسْتَدْرَكٌ بِقَوْلِهِ كَالنَّفْلِ .
( قَوْلُهُ وَيُطَوِّلُ الْقِرَاءَةَ فِيهِمَا أَيْ الرَّكْعَتَيْنِ ) أَقُولُ ، وَكَذَا يُطِيلُ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ مِقْدَارَ طُولِ الْقِرَاءَةِ .
وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَامَ فِي الْأُولَى بِقَدْرِ الْبَقَرَةِ وَفِي الثَّانِيَةِ بِقَدْرِ آلِ عِمْرَانَ } وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يَقْرَأُ فِي الْأُولَى الْفَاتِحَةَ وَسُورَةَ الْبَقَرَةِ إنْ كَانَ يَحْفَظُهَا أَوْ مَا يَعْدِلُهَا مِنْ غَيْرِهَا إنْ لَمْ يَحْفَظْهَا فِي الثَّانِيَةِ آلَ عِمْرَانَ أَوْ مَا يَعْدِلُهَا وَيَجُوزُ تَطْوِيلُ الْقِرَاءَةِ وَتَخْفِيفُ الدُّعَاءِ وَبِالْقَلْبِ فَإِذَا خَفَّفَ أَحَدَهُمَا طَوَّلَ الْآخَرَ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يُبْقِي عَلَى الْخُشُوعِ وَالْخَوْفِ إلَى انْجِلَاءِ الشَّمْسِ فَأَيُّ ذَلِكَ فَعَلَ فَقَدْ وُجِدَ ا هـ .
وَقَالَ الْكَمَالُ بَعْدَ سِيَاقِ دَلِيلِ أَفْضَلِيَّةِ التَّطْوِيلِ وَهَذِهِ الصُّورَةُ حِينَئِذٍ مُسْتَثْنَاةٌ مِمَّا سَلَفَ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ مِنْ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُطَوِّلَ بِهِمْ الْإِمَامُ الصَّلَاةَ ، وَلَوْ خَفَّفَهَا جَازَ وَلَا يَكُونُ مُخَالِفًا لِلسُّنَّةِ ثُمَّ قَالَ وَالْحَقُّ أَنَّ السَّنَةَ التَّطْوِيلُ

وَالْمَنْدُوبُ مُجَرَّدُ اسْتِيعَابِ الْوَقْتِ أَيْ بِالصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ .
( قَوْلُهُ وَبَعْدَهُمَا يَدْعُو ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلْإِمَامِ قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَيَدْعُو جَالِسًا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ إنْ شَاءَ أَوْ قَائِمًا مُسْتَقْبِلَ النَّاسِ وَيُؤَمِّنُونَ عَلَى دُعَائِهِ حَتَّى تَنْجَلِيَ الشَّمْسُ ا هـ .
وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ وَهَذَا الْأَخِيرُ أَحْسَنُ ، كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ عَنْ النِّهَايَةِ .
( قَوْلُهُ حَتَّى تَنْجَلِيَ ) الْمُرَادُ كَمَالُ الِانْجِلَاءِ لَا ابْتِدَاؤُهُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ لَمْ يَحْضُرْ صَلَّوْا فُرَادَى ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُمْ يَجْتَمِعُونَ لِلصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ فُرَادَى .
( قَوْلُهُ وَالظُّلْمَةِ الْهَائِلَةِ ) أَيْ بِالنَّهَارِ وَالرِّيحِ الشَّدِيدِ وَالزَّلَازِلِ وَالصَّوَاعِقِ وَانْتِشَارِ الْكَوَاكِبِ وَالضَّوْءِ الْهَائِلِ بِاللَّيْلِ وَالثَّلْجِ وَالْأَمْطَارِ الدَّائِمَةِ وَعُمُومِ الْأَمْرَاضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأَفْزَاعِ وَالْأَهْوَالِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ الْآيَاتِ الْمُخَوِّفَةِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَاَللَّهُ يُخَوِّفُ عِبَادَهُ لِيَتْرُكُوا الْمَعَاصِيَ وَيَرْجِعُوا إلَى طَاعَتِهِ الَّتِي فِيهَا فَوْزُهُمْ وَخَلَاصُهُمْ وَأَقْرَبُ أَحْوَالِ الْعَبْدِ فِي الرُّجُوعِ إلَى رَبِّهِ الصَّلَاةُ ، وَذَكَرَ فِي الْبَدَائِعِ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ فِي مَنَازِلِهِمْ .
وَفِي الْمُجْتَبَى قِيلَ الْجَمَاعَةُ جَائِزَةٌ عِنْدَنَا لَكِنَّهَا لَيْسَتْ بِسُنَّةٍ ، كَذَا فِي الْبَحْرِ .

( بَابُ الِاسْتِسْقَاءِ ) ( لَا جَمَاعَةَ فِيهِ وَلَا خُطْبَةَ بَلْ هُوَ دُعَاءٌ وَاسْتِغْفَارٌ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا } حَيْثُ جَعَلَهُ سَبَبًا لِإِرْسَالِ السَّمَاءِ أَيْ الْغَيْثِ ( فَإِنْ صَلَّوْا فُرَادَى جَازَ وَلَا يُقَلِّبُ فِيهِ رِدَاءَهُ ) .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُقَلِّبُ الْإِمَامُ فِيهِ رِدَاءَهُ دُونَ الْقَوْمِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ وَحَقِيقَةُ قَلْبِهِ إنْ كَانَ مُرَبَّعًا أَنْ يَجْعَلَ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ وَأَسْفَلَهُ أَعْلَاهُ ، وَإِنْ كَانَ مُدَوَّرًا أَيْ جُبَّةً أَنْ يَجْعَلَ الْأَيْمَنَ أَيْسَرَ وَالْأَيْسَرَ أَيْمَنَ .

( بَابُ الِاسْتِسْقَاءِ ) الِاسْتِسْقَاءُ طَلَبُ السُّقْيَا يُقَالُ سَقَى اللَّهُ وَأَسْقَاهُ ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْقُرْآنِ { وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا } { وَأَسْقَيْنَاكُمْ مَاءً فُرَاتًا } كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ .
وَقَالَ الْكَاكِيُّ الِاسْتِسْقَاءُ طَلَبُ السَّقْيِ وَالسَّقْيُ مَصْدَرٌ وَطَلَبُ الْمَاءِ يَكُونُ فِي ضِمْنِهِ كَالِاسْتِغْفَارِ طَلَبُ الْمَغْفِرَةِ وَغَفْرُ الذُّنُوبِ فِي ضِمْنِهِ .
وَفِي الْمُجْتَبَى الِاسْتِسْقَاءُ طَلَبُ السَّقْيَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَالْفَزَعِ إلَيْهِ وَالِاسْتِغْفَارِ ، وَقَدْ ثَبَتَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ لَا جَمَاعَةَ فِيهِ ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَا يُصَلِّي الْإِمَامُ بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا سُنَّةٌ عِنْدَهُمَا .
وَفِي الْمَبْسُوطِ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ مَعَ أَبُو حَنِيفَةَ وَفِي الْخُجَنْدِيِّ مَعَ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ مَعَ مُحَمَّدٍ قَالَهُ الشَّلَبِيُّ نَقْلًا عَنْ الْبَدَائِعِ .
( قَوْلُهُ وَلَا خُطْبَةَ ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْجَمَاعَةِ وَلَا جَمَاعَةَ فِيهَا عِنْدَهُ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَخْطُبُ بَعْدَ الصَّلَاةِ خُطْبَةً وَاحِدَةً .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ خُطْبَتَيْنِ وَيَكُونُ مُعْظَمُ الْخُطْبَةِ عِنْدَهُمَا الِاسْتِغْفَارَ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ .
( قَوْلُهُ بَلْ هُوَ دُعَاءٌ ) أَقُولُ وَذَلِكَ أَنْ يَدْعُوَ الْإِمَامُ قَائِمًا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ رَافِعًا يَدَيْهِ وَالنَّاسُ قُعُودٌ مُسْتَقْبِلِينَ الْقِبْلَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى دُعَائِهِ بِاَللَّهُمِ اسْقِنَا غَيْثًا مُغِيثًا هَنِيئًا مَرِيئًا مَرِيعًا غَدَقًا عَاجِلًا غَيْرَ رَائِثٍ مُجَلَّلًا سَحًّا طَبَقًا دَائِمًا وَمَا أَشْبَهَهُ سِرًّا وَجَهْرًا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ ( قَوْلُهُ : فَإِنْ صَلَّوْا فُرَادَى جَازَ ) أَقُولُ ، كَذَا نَصَّ فِي الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَيْسَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ صَلَاةٌ مَسْنُونَةٌ فِي جَمَاعَةٍ فَإِنْ صَلَّى النَّاسُ وُحْدَانًا جَازَ .
وَقَالَ الْكَمَالُ مَفْهُومُهُ اسْتِنَانُهَا فُرَادَى وَهُوَ غَيْرُ

مُرَادٍ ا هـ .
وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ فَإِنْ صَلَّى النَّاسُ وُحْدَانًا جَازَ وَلَا يُكْرَهُ ا هـ .
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ هَذَا أَيْ إطْلَاقُ الْجَوَازِ يَنْفِي كَوْنَهَا سُنَّةً أَوْ مُسْتَحَبَّةً وَلَكِنْ إنْ صَلَّوْا وُحْدَانًا لَا يَكُونُ بِدْعَةً وَلَا يُكْرَهُ ثُمَّ حَكَى مَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ التُّحْفَةِ ، وَقَالَ إنَّهُ يَنْفِي مَشْرُوعِيَّتَهَا مُطْلَقًا .
ا هـ .
وَالظَّاهِرُ نَفْيُ مَشْرُوعِيَّةِ الْإِذْنِ فَتَكُونُ مَكْرُوهَةً ؛ لِأَنَّهُ مُقَابِلٌ لِمَا قَدَّمَهُ لَا أَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ مَشْرُوعِيَّةِ الطَّلَبِ فَتَكُونُ مُبَاحَةً .
( قَوْلُهُ : وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُقَلِّبُ رِدَاءَهُ ) يَعْنِي إذَا مَضَى صَدْرٌ مِنْ الْخُطْبَةِ وَهُوَ بِالتَّخْفِيفِ .
( قَوْلُهُ دُونَ الْقَوْمِ ) أَيْ لَا يُقَلِّبُ الْقَوْمُ أَرْدِيَتَهُمْ قِيلَ وَهُوَ بِالتَّشْدِيدِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَكْثِيرٌ .

( وَلَا يَحْضُرُ ذِمِّيٌّ ) ؛ لِأَنَّهُ لِاسْتِنْزَالِ الرَّحْمَةِ ، وَإِنَّمَا يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ الْعَذَابُ وَاللَّعْنَةُ .
( قَوْلُهُ وَلَا يَحْضُرُ ذِمِّيٌّ ) قَالَ الْكَاكِيُّ ، وَلَوْ خَرَجَ أَهْلُ الذِّمَّةِ مَعَ أَنْفُسِهِمْ إلَى بِيَعِهِمْ وَكَنَائِسِهِمْ أَوْ إلَى الصَّحْرَاءِ لَمْ يُمْنَعُوا مِنْ ذَلِكَ فَلَعَلَّ اللَّهَ يَسْتَجِيبُ دُعَاءَهُمْ اسْتِعْجَالًا لِحَظِّهِمْ فِي الدُّنْيَا ، وَذَكَرَ وَجْهَهُ ا هـ .
وَنَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ خِلَافًا فِي أَنَّهُ هَلْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يُسْتَجَابُ دُعَاءُ الْكَافِرِ وَلَمْ يُرَجِّحْ ، وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ يُسْتَجَابُ ا هـ .
وَيُخَالِفُ مَا قَالَهُ الْكَاكِيُّ قَوْلُ الْكَمَالِ لَا يُمَكَّنُونَ مِنْ أَنْ يَسْتَسْقُوا وَحْدَهُمْ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُسْقَوْا فَقَدْ يُفْتَنُ بِهِ ضُعَفَاءُ الْعَوَامّ ا هـ .
( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ لِاسْتِنْزَالِ الرَّحْمَةِ ) ، وَإِنَّمَا يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ اللَّعْنَةُ ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ .
وَقَالَ الْكَمَالُ أَوْرَدَ عَلَيْهِ إنْ أُرِيدَ الرَّحْمَةُ الْخَاصَّةُ فَمَمْنُوعٌ ، وَإِنَّمَا هُوَ لِاسْتِنْزَالِ الْغَيْثِ الَّذِي هُوَ رَحْمَةُ الْعَامَّةِ لِأَهْلِ الدُّنْيَا وَالْكَافِرُ مِنْ أَهْلِهَا ا هـ .
وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ الرَّحْمَةُ مُطْلَقًا أَمَّا الْعَامَّةُ فَبِلَا شَكٍّ .
وَأَمَّا الْخَاصَّةُ فَلِأَنَّ التَّضَرُّعَ ، وَإِنْ كَانَ بِخُصُوصِ مَطْلُوبٍ فَقَدْ تَنْزِلُ بِهِ الْمَغْفِرَةُ خُصُوصًا إذَا كَانَ مَعَ التَّوْبَةِ وَتَقْدِيمِ الْعِبَادَةِ وَهُمْ ، وَإِنْ جَازَ أَنْ يُسْقَوْا فَهُمْ مَعَ ذَلِكَ مَنْزِلُ اللَّعْنَةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ يُكْرَهُ الْكَوْنُ فِي جَمْعٍ يَكُونُ كَذَلِكَ بَلْ وَأَنْ يَمُرَّ فِي أَمْكِنَتِهِمْ إلَّا أَنْ يُهَرْوِلَ وَيُسْرِعَ ، وَقَدْ وَرَدَ بِذَلِكَ آثَارٌ وَحِينَئِذٍ فَيُكْرَهُ أَنْ يَجْتَمِعَ جَمْعُهُمْ إلَى جَمْعِ الْمُسْلِمِينَ فَلْيُتَأَمَّلْ ، كَذَا بِخَطِّ أُسْتَاذِي عَلَى هَامِشِ فَتْحِ الْقَدِيرِ .

( وَيَخْرُجُونَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ ) ؛ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ ضُرِبَتْ لِإِبْلَاءِ الْأَعْذَارِ وَيَخْرُجُونَ مُشَاةً فِي ثِيَابٍ خَلَقٍ غَسِيلَةٍ أَوْ مُرَقَّعَةٍ مُتَذَلِّلِينَ مُتَوَاضِعِينَ خَاشِعِينَ لِلَّهِ نَاكِسِي رُءُوسِهِمْ وَيُقَدِّمُونَ الصَّدَقَةَ فِي كُلِّ يَوْمٍ قَبْلَ خُرُوجِهِمْ ( وَقِيلَ لَا صَلَاةَ فِيهِ ) قَالَ فِي التُّحْفَةِ لَا صَلَاةَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ .
( قَوْلُهُ وَيَخْرُجُونَ ) قَالَ الْكَمَالُ إلَّا فِي مَكَّةَ وَبَيْتِ الْمَقْدِسِ فَيَجْتَمِعُونَ فِي الْمَسْجِدِ .
ا هـ .
قُلْتُ يَنْبَغِي كَذَلِكَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ فَيَجْتَمِعُونَ فِي الْمَسْجِدِ النَّبَوِيِّ ؛ لِأَنَّهُ لَا أَشْرَفَ مِنْ مَحَلٍّ حَلَّ فِيهِ خَيْرُ خَلْقِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
( قَوْلُهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ لَمْ يُنْقَلْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ قِيلَ يُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَمَا أَطَاقُوا مِنْ الصَّدَقَةِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الْمَظَالِمِ وَالتَّوْبَةِ مِنْ الْمَعَاصِي ثُمَّ يَخْرُجُ بِهِمْ الْيَوْمَ الرَّابِعَ وَبِالْعَجَائِزِ وَالصِّبْيَانِ مُتَنَظِّفِينَ فِي ثِيَابِ بِذْلَةٍ مُتَوَاضِعِينَ لِلَّهِ تَعَالَى وَيُسْتَحَبُّ إخْرَاجُ الدَّوَابِّ ا هـ .
وَكَذَلِكَ يَخْرُجُ بِالشُّيُوخِ الْكِبَارُ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { لَوْلَا شُيُوخٌ رُكَّعٌ وَصِبْيَانٌ رُضَّعٌ وَبَهَائِمُ رُتَّعٌ لَصُبَّ عَلَيْكُمْ الْعَذَابُ صَبًّا } وَلَعَلَّ اللَّهَ يَنْظُرُ إلَى ضَعْفِهَا فَيَرْحَمَ ، ذَكَرَهُ الْكَاكِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ .

( بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ ) ( لَمْ يُجَوِّزْهَا أَبُو يُوسُف بَعْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا شُرِعَتْ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِإِحْرَازِ فَضِيلَةِ الصَّلَاةِ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا الْمَعْنَى انْعَدَمَ بَعْدَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ( وَجَوَّزَاهَا ) ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَقَامُوهَا بَعْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَبَبُهَا الْخَوْفُ وَهُوَ يَتَحَقَّقُ بَعْدَهُ أَيْضًا ( فَإِذَا خِيفَ مِنْ عَدُوٍّ أَوْ سَبُعٍ حَاضِرَيْنِ ) إشَارَةٌ إلَى مَا قَالُوا الْخَوْفُ الَّذِي يَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي قُلْنَا إذَا كَانَ الْعَدُوُّ بِقُرْبٍ مِنْهُمْ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ وَبِمُقَابِلَتِهِمْ فَأَمَّا إذَا كَانَ بِبُعْدٍ مِنْهُمْ أَوْ ظَنُّوا عَدُوًّا بِأَنْ رَأَوْا سَوَادًا أَوْ غُبَارًا فَصَلَّوْا صَلَاةَ الْخَوْفِ فَظَهَرَ غَيْرُ ذَلِكَ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُمْ .

( بَابُ صَلَاةِ الْخَوْفِ ) هَذَا مِنْ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى شَرْطِهِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَيُخَالِفُهُ مَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ أَنَّ سَبَبَهَا الْخَوْفُ وَالتَّوْفِيقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ مَنْ قَالَ إنَّهَا مِنْ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى شَرْطِهِ نَظَرَ إلَى الْكَيْفِيَّةِ الْمَخْصُوصَةِ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ شَرْطُهَا الْعَدُوُّ وَمَنْ قَالَ سَبَبُهَا الْخَوْفُ نَظَرَ إلَى أَنَّ سَبَبَ أَصْلِ الصَّلَاةِ الْخَوْفُ .
( قَوْلُهُ فَإِذَا خِيفَ مِنْ عَدُوٍّ ) أَوْلَى مِنْ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا حَيْثُ قَالَ إنْ اشْتَدَّ الْخَوْفُ ؛ لِأَنَّ الِاشْتِدَادَ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ الشَّرْطُ حُضُورُ عَدُوٍّ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ .
( قَوْلُهُ أَوْ سَبُعٍ ) عَطْفٌ مُبَايِنٌ ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَوَّلِ مِنْ بَنِي آدَمَ .
( قَوْلُهُ حَاضِرِينَ ) كَانَ الْمُنَاسِبُ إفْرَادَ الضَّمِيرِ فَيَقُولُ حَاضِرٌ ؛ لِأَنَّ الْعَطْفَ بِأَوْ لِكَوْنِهَا لِأَحَدِ الشَّيْئَيْنِ إلَّا أَنْ تُحْمَلَ عَلَى الْوَاوِ وَخَوْفُ الْحَرْقِ وَالْغَرَقِ كَالسَّبُعِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ قَوْلُهُ أَوْ ظَنُّوا عَدُوًّا
إلَخْ ) قَيَّدَ بُطْلَانَ الصَّلَاةِ بِظُهُورِهِ غَيْرِ مَا ظَنُّوا وَهُوَ مُقَيَّدٌ أَيْضًا بِمَا إذَا تَجَاوَزَتْ الطَّائِفَةُ الصُّفُوفَ فَإِذَا لَمْ يَتَجَاوَزْ ثُمَّ تَبَيَّنَ خِلَافُ مَا ظَنُّوا بَنَوْا اسْتِحْسَانًا كَمَنْ انْصَرَفَ عَلَى ظَنِّ الْحَدَثِ يَتَوَقَّفُ الْفَسَادُ إذَا ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ عَلَى مُجَاوَزَةِ الصُّفُوفِ وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ جَوَازَهَا لَوْ ظَهَرَ كَمَا ظَنُّوا وَبِهِ صَرَّحَ الْكَمَالُ .
( قَوْلُهُ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُمْ ) يَعْنِي إلَّا الْإِمَامَ لِعَدَمِ الْمُفْسِدِ فِي حَقِّهِ .

( جَعَلَ الْإِمَامُ طَائِفَةً بِإِزَاءِ الْمَخُوفِ وَصَلَّى بِأُخْرَى رَكْعَةً لَوْ ) كَانَ ( مُسَافِرًا أَوْ فِي الْفَجْرِ أَوْ الْجُمُعَةِ أَوْ الْعِيدَيْنِ ، وَ ) صَلَّى ( رَكْعَتَيْنِ لَوْ ) كَانَ ( مُقِيمًا وَفِي غَيْرِ الثُّنَائِيِّ ) هَكَذَا قَالَ لِيَتَنَاوَلَ صَلَاةَ الْمَغْرِبِ فَإِنَّ حُكْمَهَا كَحُكْمِ الرُّبَاعِيِّ ( وَمَضَوْا إلَى الْمَخُوفِ وَجَاءَتْ الْأُخْرَى وَصَلَّى بِهِمْ مَا بَقِيَ ) مِنْ رَكْعَتَيْنِ فِي الرُّبَاعِيِّ وَرَكْعَةٍ فِي الثُّلَاثِيِّ ( وَسَلَّمَ ) الْإِمَامُ ( وَحْدَهُ وَذَهَبُوا ) أَيْ هَذِهِ الطَّائِفَةُ ( إلَيْهِ ) أَيْ الْمَخُوفِ ( وَجَاءَتْ ) الطَّائِفَةُ ( الْأُولَى وَأَتَمُّوا ) صَلَاتَهُمْ ( بِلَا قِرَاءَةٍ وَسَلَّمُوا ) ؛ لِأَنَّهُمْ لَاحِقُونَ فَكَأَنَّهُمْ خَلْفَ الْإِمَامِ ( ثُمَّ ) جَاءَ ( الْأُخْرَى وَأَتَمُّوا ) صَلَاتَهُمْ ( بِقِرَاءَةٍ ) ؛ لِأَنَّهُمْ مَسْبُوقُونَ ( وَإِنْ اشْتَدَّ خَوْفُهُمْ صَلَّوْا رُكْبَانًا فُرَادَى بِالْإِيمَاءِ إلَّا جِهَةَ قُدْرَتِهِمْ ) فَإِنْ قَدَرُوا عَلَى تَوَجُّهِ الْقِبْلَةِ تَوَجَّهُوا إلَيْهَا وَإِلَّا فَإِلَى مَا يَقْدِرُونَ عَلَى التَّوَجُّهِ إلَيْهِ .

( قَوْلُهُ جَعَلَ الْإِمَامُ طَائِفَةً
إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ اعْلَمْ أَنَّ صَلَاةَ الْخَوْفِ عَلَى الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ إنَّمَا تَلْزَمُ إذَا تَنَازَعَ الْقَوْمُ فِي الصَّلَاةِ خَلْفَ الْإِمَامِ أَمَّا إذَا لَمْ يَتَنَازَعُوا فَالْأَفْضَلُ أَنْ يُصَلِّيَ بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ تَمَامَ الصَّلَاةِ وَيُصَلِّي بِالْأُخْرَى إمَامٌ آخَرُ تَمَامَهَا ا هـ .
وَهُنَاكَ كَيْفِيَّاتٌ أُخْرَى مَعْلُومَةٌ فِي الْخِلَافِيَّاتِ ، وَذَكَرَ فِي الْمُجْتَبَى أَنَّ الْكُلَّ جَائِزٌ ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْأَوْلَى ، كَذَا فِي الْبَحْرِ .
( قَوْلُهُ وَمَضَوْا إلَى الْمَخُوفِ ) أَيْ مُشَاةً لِمَا سَنَذْكُرُهُ .
( قَوْلُهُ وَرَكْعَةٍ فِي الثُّلَاثِيِّ ) أَيْ لَوْ الثُّنَائِيُّ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ اشْتَدَّ خَوْفُهُمْ صَلَّوْا رُكْبَانًا ) اشْتِدَادُهُ هُنَا أَنْ لَا يَدَعَهُمْ الْعَدُوُّ يُصَلُّونَ نَازِلِينَ بَلْ يَهْجُمُ بِالْمُحَارَبَةِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ .
( قَوْلُهُ : صَلَّوْا رُكْبَانًا فُرَادَى ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ حَالَ رُكُوبِهِمْ وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا إذَا كَانَ الْمُقْتَدِي وَالْإِمَامُ عَلَى دَابَّةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ كَمَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ .

( وَتَفْسُدُ ) صَلَاتُهُمْ ( بِالْقِتَالِ وَالْمَشْيِ وَالرُّكُوبِ ) ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ .
( قَوْلُهُ وَتَفْسُدُ صَلَاتُهُمْ بِالْقِتَالِ ) أَيْ إذَا كَانَ بِعَمَلٍ كَثِيرٍ ، وَلَوْ قَاتَلَ بِعَمَلٍ قَلِيلٍ كَالرَّمْيَةِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ، وَقَدْ أَوْرَدَ صَاحِبُ الْبُرْهَانِ نَقْضًا عَلَى هَذَا وَهُوَ جَوَازُ قَتْلِ الْحَيَّةِ فِي الصَّلَاةِ ، وَإِنْ كَانَ بِعَمَلٍ كَثِيرٍ عَلَى الظَّاهِرِ ا هـ قُلْتُ وَجَوَابُهُ مَا فِي الْكَافِي مِنْ أَنَّ قَتْلَ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ مُسْتَثْنًى بِالنَّصِّ أَيْ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ وَالْمُعَالَجَةِ ثَمَّ أَقَلُّ ظَاهِرًا فَلَا يَلْحَقُ بِهِ دَلَالَةٌ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ وَالْمَشْيُ ) أَقُولُ كَذَا فِي الْبُرْهَانِ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ وَمَنْ وَافَقَهُ افْتِتَاحُهَا حَالَةَ كَوْنِهِ مَاشِيًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْكَافِي حَيْثُ قَالَ وَلَمْ تَجُزْ لِمَاشٍ أَيْ إنْ كَانَ مَاشِيًا هَارِبًا مِنْ الْعَدُوِّ لَمْ يُمْكِنْهُ الْوَقْفُ لِيُصَلِّيَ فَإِنَّهُ لَا يُصَلِّي مَاشِيًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ا هـ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى الْمَشْيِ فِيهَا لِغَيْرِ إرَادَةِ الِاصْطِفَافِ بِمُقَابَلَةِ الْعَدُوِّ أَمَّا الْمَشْيُ لِلِاصْطِفَافِ فَمُسْتَفَادٌ جَوَازُهُ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَذَهَبُوا ثُمَّ جَاءُوا وَبِهِ صَرَّحَ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ كَالتَّبْيِينِ وَالْجَوْهَرَةِ وَالْبَدَائِعِ وَعِبَارَتُهَا ، وَلَوْ رَكِبَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ عِنْدَنَا ؛ لِأَنَّ الرُّكُوبَ عَمَلٌ كَثِيرٌ وَهُوَ مِمَّا لَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْمَشْيِ فَإِنَّهُ أَمْرٌ لَا بُدَّ مِنْهُ حَتَّى يَصْطَفُّوا بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ .
ا هـ .

( تَتِمَّةٌ ) حَمْلُ السِّلَاحِ فِي الصَّلَاةِ عِنْدَ الْخَوْفِ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَنَا لَا وَاجِبٌ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ وَمَالِكٌ عَمَلًا بِظَاهِرِ الْأَمْرِ فِي قَوْله تَعَالَى { وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ } الْآيَةَ قُلْنَا هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ ؛ لِأَنَّ حَمْلَهُ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِهَا فَلَا يَجِبُ فِيهَا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ .

( بَابُ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ ) ( صَحَّ فِيهَا النَّفَلُ ) وِفَاقًا ( وَالْفَرْضُ ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ( مُنْفَرِدًا وَ بِجَمَاعَةٍ ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ وُجُوهُهُمْ إلَّا لِمَنْ قَفَاهُ إلَى وَجْهِ الْإِمَامِ ) فَإِنَّهَا لَا تَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ تَقَدَّمَ إمَامَهُ وَمَنْ سِوَاهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ وَتَوَجَّهَ إلَى الْقِبْلَةِ ( كَذَا لَوْ تَحَلَّقُوا ) أَيْ صَحَّ صَلَاتُهُمْ ( فِيهَا ، وَلَوْ ) كَانَ ( بَعْضُهُمْ قُدَّامَ الْإِمَامِ مُسْتَقْبِلًا ) بِوَجْهِهِ ( إلَيْهِ اقْتَدُوا مِنْ الْجَوَانِبِ لَوْ بَعْضُهُمْ أَقْرَبُ إلَيْهَا ) أَيْ الْكَعْبَةِ ( مِنْ الْإِمَامِ جَازَ ) اقْتِدَاؤُهُ ( إلَّا لِمَنْ فِي جَانِبِهِ ) لِتَقَدُّمِهِ عَلَى الْإِمَامِ بِخِلَافِ مَنْ فِي جَانِبٍ آخَرَ ؛ لِأَنَّهُ خَلْفَ الْإِمَامِ حُكْمًا فَلَا يَضُرُّ الْقُرْبُ إلَيْهَا ( اقْتَدُوا مِنْ خَارِجٍ بِإِمَامٍ فِيهَا وَالْبَابُ مَفْتُوحٌ جَازَ ) اقْتِدَاؤُهُمْ ؛ لِأَنَّ وُقُوفَ الْإِمَامِ فِيهَا وَبَابُهَا مَفْتُوحٌ كَوُقُوفِهِ فِي الْمِحْرَابِ فِي سَائِرِ الْمَسَاجِدِ .

( بَابُ الصَّلَاةِ فِي الْكَعْبَةِ ) فِي الْبَابِ زِيَادَةٌ عَنْ التَّرْجَمَةِ وَهُوَ حَسَنٌ .
( قَوْلُهُ وَبِجَمَاعَةٍ ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ وُجُوهُهُمْ ) شَامِلٌ لِمَا إذَا كَانَ وَجْهُ الْمُقْتَدِي بِجَنْبِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ ، وَكَذَا لَمَّا إذَا كَانَ وَجْهُهُ لِوَجْهِهِ ، وَإِنْ كُرِهَ وَبِهِ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ .
( قَوْلُهُ : كَذَا لَوْ تَحَلَّقُوا فِيهَا
إلَخْ ) مُسْتَدْرَكٌ بِقَوْلِهِ وَبِجَمَاعَةٍ ، وَإِنْ اخْتَلَفَ وُجُوهُهُمْ .
( قَوْلُهُ اقْتَدَوْا مِنْ الْجَوَانِبِ لَوْ بَعْضُهُمْ أَقْرَبُ إلَيْهَا مِنْ الْإِمَامِ جَازَ ) أَقُولُ لَوْ أَتَى بِوَاوِ الْحَالِ مَكَانَ لَوْ مِنْ قَوْلِهِ لَوْ بَعْضُهُمْ كَمَا فَعَلَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ لَكَانَ أَوْلَى .
( قَوْلُهُ إلَّا لِمَنْ فِي جَانِبِهِ ) أَيْ إذَا تَمَحَّضَ كَوْنُهُ فِي جِهَةِ إمَامِهِ .
وَأَمَّا إذَا وَقَفَ مُسَامِتًا لِرُكْنٍ فِي جَانِبِ الْإِمَامِ وَكَانَ أَقْرَبَ إلَيْهَا مِنْ الْإِمَامِ فَيَنْبَغِي عَدَمُ الصِّحَّةِ احْتِيَاطًا لِتَرْجِيحِ جِهَةِ الْإِمَامِ وَلَمْ أَرَهُ مَنْقُولًا وَهَذِهِ صُورَتُهُ .
وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ أَقْرَبَ إلَيْهَا مِنْ الْإِمَامِ فَلَا خَفَاءَ فِي صِحَّةِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ ، وَقَدْ تَوَهَّمَ عَدَمَ صِحَّتِهَا بَعْضُ مَنْ يَعِظُ بِالْحَرَمِ الشَّرِيفِ حَتَّى مَنَعَ النَّاسَ مِنْ الصَّلَاةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي جَانِبَيْ الْحِجْرِ وَرَأَيْتُهُ وَكُنْتُ طَائِفًا سَنَةَ إحْدَى وَعِشْرِينَ بَعْدَ الْأَلْفِ مُحْرِمًا كَآحَادِ النَّاسِ الْفُقَرَاءِ وَهُوَ يُنَازِعُ الْإِمَامَ الْحَنَفِيَّ بِالْحِجْرِ فَالْإِمَامُ يَقُولُ لَهُ صَلَاةَ مُحَاذِي الرُّكْنِ صَحِيحَةٌ لِكَوْنِهِ مُتَأَخِّرًا عَنْ الْإِمَامِ فَهُوَ فِي حُكْمِ مَنْ بِجِهَتِهِ وَذَلِكَ الْوَاعِظُ يَقُولُ لَا تَصِحُّ صَلَاةُ مَنْ يُحَاذِي الرُّكْنَ إلَى آخِرِ الْمَسْجِدِ فَلَمَّا أَسْعَفْتُ الْإِمَامَ بِمَا قَدَّمْنَاهُ صَارَ الْوَاعِظُ يُصْعِدُ النَّظَرَ نَحْوِي كَالْمُسْتَهْزِئِ بِزِيِّ وَطَالَ الْمَجَالُ وَزَالَ الْمُحَالُ ، وَقَدْ كَانَ مَنَعَ النَّاسَ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهِ مُدَّةً ثُمَّ مَرَرْتُ وَقْتَ الظُّهْرِ وَإِذَا الصَّفُّ مُلْتَئِمٌ وَالنَّاسُ يُصَلُّونَ خَلْفَ الْإِمَامِ كَمَا

كَانَ قَبْلَ مَنْعِ الْوَاعِظِ فَقَالَ لِي الْإِمَامُ جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا هَذَا فِي صَحِيفَتِكَ فَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى إظْهَارِ شَرِيعَتِهِ .

( وَكُرِهَتْ ) الصَّلَاةُ ( فَوْقَهَا ) ، وَإِنْ جَازَتْ ؛ لِأَنَّهُ يُنَافِي تَعْظِيمَهَا .

( بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ وَالشَّكِّ ) ( يَجِبُ ) أَيْ سُجُودُ السَّهْوِ ، وَقِيلَ يُسَنُّ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ ( بَعْدَ تَسْلِيمَتَيْنِ ) اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَالْإِمَامُ أَبُو الْيُسْرِ وَالْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ ( أَوْ تَسْلِيمَةٍ ) اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْكَافِي وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَصَاحِبُ الْإِيضَاحِ قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ يُسَلِّمُ بِتَسْلِيمَتَيْنِ وَهُوَ الْأَصَحُّ ؛ لِأَنَّهُ قَوْلُ كِبَارِ الصَّحَابَةِ كَعُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَالْأَخْذُ بِرِوَايَةِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ كَانُوا قَرِيبًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلَى وَالرِّوَايَةُ الْأُخْرَى عَنْ عَائِشَةَ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَعَائِشَةُ كَانَتْ فِي صَفِّ النِّسَاءِ وَسَهْلٌ كَانَ فِي صَفِّ الصِّبْيَانِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمَا لَمْ يَسْمَعَا التَّسْلِيمَةَ الثَّانِيَةَ ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُسَلِّمُ الثَّانِيَةَ أَخْفَضَ مِنْ الْأُولَى هَذَا هُوَ الْمَسْطُورُ فِي الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ وَسَوْقُ كَلَامِ الْفَرِيقَيْنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْقَوْلَيْنِ لِلْإِمَامِ الْأَعْظَمِ .
وَفِي الْمَجْمَعِ نَسَبَ الثَّانِي إلَى مُحَمَّدٍ وَالْأَوَّلَ إلَيْهِمَا وَمَا وَجَدْتُهُ فِي كِتَابِ الْإِمَامِ نَقَلَهُ صَاحِبُ مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ بِقِيلَ وَعَلَى كَوْنِهِمَا قَوْلَهُ يُنَاسِبُ مَا قِيلَ الْمُخْتَارُ لِلْمُنْفَرِدِ تَسْلِيمَتَانِ وَلِلْإِمَامِ تَسْلِيمَةٌ ؛ لِأَنَّهُ إذَا سَلَّمَ ثِنْتَيْنِ رُبَّمَا يَشْتَغِلُ بَعْضُ الْجَمَاعَةِ بِمَا يُنَافِي الصَّلَاةَ ( سَجْدَتَانِ ) فَاعِلُ يَجِبُ ( وَتَشَهُّدٌ وَسَلَامٌ ) يَمِينًا وَيَسَارًا ( بِتَرْكِ وَاجِبٍ سَهْوًا ) إذْ فِي الْعَمْدِ يَأْثَمُ وَلَا تَجِبُ سَجْدَةٌ ( كَرُكُوعٍ قَبْلَ الْقِرَاءَةِ ) فَإِنَّ تَقْدِيمَهَا عَلَى الرُّكُوعِ وَاجِبٌ لَا فَرْضٌ خِلَافًا لِزُفَرَ .
وَأَمَّا تَقْدِيمُ الْقِيَامِ عَلَى الرُّكُوعِ وَالرُّكُوعِ عَلَى السُّجُودِ فَفَرْضٌ كَمَا سَبَقَ

تَحْقِيقُهُ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ ( وَتَأْخِيرُ الْقِيَامِ إلَى الثَّالِثَةِ بِزِيَادَةٍ عَلَى التَّشَهُّدِ ) قِيلَ بِحَرْفٍ وَالصَّحِيحُ بِقَدْرِ مَا يُؤَدَّى فِيهِ رُكْنٌ ( وَرُكُوعَيْنِ ) فَإِنَّ الِاقْتِصَارَ عَلَى الْوَاحِدِ وَاجِبٌ فَفِي الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ تَرْكُهُ ( وَالْجَهْرُ فِيمَا يُخَافِتُ وَعَكْسِهِ ) وَاخْتُلِفَ فِي مِقْدَارِهِ وَالْأَصَحُّ قَدْرُ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ فِي الْفَصْلَيْنِ ( وَتَرْكُ الْقُعُودِ الْأَوَّلِ ) وَسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ الْمَذْكُورَةِ فِي بَابِ صِفَةِ الصَّلَاةِ ( وَإِنْ تَكَرَّرَ ) أَيْ تَرْكُ الْوَاجِبِ يَعْنِي تَجِبُ سَجْدَةٌ عَلَى تَقْدِيرِ تَكَرُّرِ تَرْكِ الْوَاجِبِ .

( بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ ) إضَافَتُهُ إلَى السَّبَبِ وَهِيَ الْأَصْلُ إذْ هِيَ لِلِاخْتِصَاصِ وَأَقْوَاهُ اتِّصَالُ الْمُسَبَّبِ بِالسَّبَبِ وَالسَّهْوُ الْغَفْلَةُ قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ فَرَّقُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النِّسْيَانِ بِأَنَّ النَّاسِيَ إذَا ذَكَّرْتَهُ تَذَكَّرَ وَالسَّاهِي بِخِلَافِهِ .
وَقَالَ الْحَدَّادِيُّ النِّسْيَانُ غُرُوبُ الشَّيْءِ عَنْ النَّفْسِ بَعْدَ حُضُورٍ وَالسَّهْوُ قَدْ يَكُونُ عَمَّا كَانَ الْإِنْسَانُ عَالِمًا بِهِ وَعَمَّا لَا يَكُونُ عَالِمًا بِهِ ، كَذَا فِي شَرْحِ نَظْمِ الْكَنْزِ لِلْمَقْدِسِيِّ وَلَكِنَّ الْفُقَهَاءَ لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَهُمَا ( قَوْلُهُ وَالشَّكِّ ) ، كَذَا هُوَ ثَابِتٌ فِي بَعْضِ النُّسَخِ فَيَكُونُ مَعْطُوفًا عَلَى الْمُضَافِ وَالتَّقْدِيرُ هَذَا بَابٌ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ سُجُودِ السَّهْوِ وَأَحْكَامِ الشَّكِّ وَلَا تُفَرِّقُ الْفُقَهَاءُ بَيْنَ السَّهْوِ وَالشَّكِّ فِي الْحُكْمِ وَالْأُدَبَاءُ عَرَّفُوا الشَّكَّ بِأَنَّهُ تَسَاوِي أَمْرَيْنِ لَا مَزِيَّةَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ وَالظَّنُّ تَسَاوِيهِمَا وَجِهَةُ الصَّوَابِ أَرْجَحُ وَالْوَهْمُ تَسَاوِيهِمَا وَجِهَةُ الْخَطَإِ أَرْجَحُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ .
( قَوْلُهُ : وَقِيلَ يُسَنُّ ) قَائِلُهُ الْقُدُورِيُّ ، وَذَكَرَ أَنَّهُ سُنَّةٌ عِنْدَ عَامَّةِ أَصْحَابِنَا .
( قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ ) أَيْ أَنَّهُ يَجِبُ ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ ، وَقَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الْقُدُورِيِّ ا هـ .
وَنَصَّ مُحَمَّدٌ عَلَى وُجُوبِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ .
( قَوْلُهُ بَعْدَ تَسْلِيمَتَيْنِ ) بَيَانٌ لِمَحَلِّهِ الْمَسْنُونِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ قَبْلَ السَّلَامِ ، وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ قَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ الْمَذْهَبَيْنِ قَوْلًا وَفِعْلًا وَهَذَا الْخِلَافُ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ وَلَا خِلَافَ فِي الْجَوَازِ قَبْلَ السَّلَامِ وَبَعْدَهُ ا هـ قُلْت لَكِنْ يُكْرَهُ قَبْلَهُ تَنْزِيهًا ذَكَرَهُ الْمَقْدِسِيُّ .
( قَوْلُهُ أَوْ تَسْلِيمَةٍ ) اقْتَصَرَ عَلَى هَذَا الشَّيْخُ الْمَقْدِسِيُّ فِي شَرْحِهِ كَالنُّقَايَةِ تَبَعًا لِلْأَكْثَرِ وَأَطْلَقَهُ

الْمُصَنِّفُ فَشَمِلَ الْإِمَامَ وَالْمُنْفَرِدَ وَاخْتَلَفَ فِي جِهَةِ التَّسْلِيمَةِ فَقِيلَ يُسَلِّمُ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ ؛ لِأَنَّهَا هَيْئَةُ التَّسْلِيمِ الْمَسْنُونُ ذَكَرَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ .
( قَوْلُهُ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ ) أَقُولُ بَلْ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَيْ خُوَاهَرْ زَادَهْ لَوْ سَلَّمَ تَسْلِيمَتَيْنِ لَا يَأْتِي بِسُجُودِ السَّهْوِ بَعْدَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ كَالْكَلَامِ .
وَفِي الْخَبَّازِيَّةِ الْأَحْوَطُ قَبْلَ السَّلَامِ الثَّانِي .
وَفِي الْمُجْتَبَى وَهُوَ الْأَصَحُّ .
وَفِي الْمُحِيطِ عَلَى قَوْلِ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ يَكْتَفِي بِتَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ الْأَضْمَنُ لِلِاحْتِيَاطِ ذَكَرَهُ الْكَاكِيُّ .
وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي الِاعْتِمَادُ عَلَيْهِ تَصْحِيحُ الْمُجْتَبَى أَنَّهُ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ فَقَطْ ؛ لِأَنَّهُ الْمَعْهُودُ وَبِهِ يَحْصُلُ التَّحْلِيلُ فَلَا حَاجَةَ إلَى غَيْرِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ سَجْدَتَانِ فَاعِلُ يَجِبُ ) أَقُولُ قَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ أَنَّ الْفَاعِلَ هُوَ الضَّمِيرُ فِي يَجِبُ فَلْيُتَأَمَّلْ فِيهِ وَالْإِتْيَانُ بِسُجُودِ السَّهْوِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ الْوَقْتُ صَالِحًا حَتَّى إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ بَعْدَ السَّلَامِ الْأَوَّلِ سَقَطَ عَنْهُ ، وَكَذَا إذَا احْمَرَّتْ فِي قَضَاءِ الْفَائِتَةِ أَوْ خَرَجَ وَقْتُ الْجُمُعَةِ وَكُلُّ مَا يَمْنَعُ الْبِنَاءَ إذَا وُجِدَ بَعْدَ السَّلَامِ يُسْقِطُ السَّهْوَ كَمَا فِي الْفَتْحِ .
( قَوْلُهُ وَتَشَهُّدٌ وَسَلَامٌ ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ السَّهْوَ يَرْفَعُ التَّشَهُّدَ .
وَأَمَّا رَفْعُ الْقَعْدَةِ فَلَا بِخِلَافِ السَّجْدَةِ الصُّلْبِيَّةِ وَسَجْدَةِ التِّلَاوَةِ وَإِذَا تَذَكَّرَ إحْدَاهُمَا فِي الْقَعْدَةِ فَسَجَدَهَا فَإِنَّهَا تَرْفَعُ الْقَعْدَةَ فَيَفْتَرِضُ الْقُعُودَ بَعْدَهُمَا ؛ لِأَنَّ مَحَلَّهُمَا قَبْلَ الْقَعْدَةِ وَعَلَى هَذَا لَوْ سَلَّمَ بِمُجَرَّدِ رَفْعِهِ مِنْ سَجْدَةِ السَّهْوِ يَكُونُ تَارِكًا لِلْوَاجِبِ فَلَا تَفْسُدُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَقْعُدْ بَعْدَ تَيْنِكَ السَّجْدَتَيْنِ حَيْثُ تَفْسُدُ الصَّلَاةُ لِتَرْكِ الْفَرْضِ وَهَذَا فِي

سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ .
( قَوْلُهُ إذْ فِي الْعَمْدِ يَأْثَمُ وَلَا تَجِبُ سَجْدَةٌ ) أَقُولُ أَشَارَ بِهِ إلَى ضَعْفِ الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَجِبُ السَّهْوُ بِتَرْكِ بَعْضِ الْوَاجِبَاتِ عَمْدًا كَمَا نَقَلَهُ الْمَقْدِسِيُّ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ ا هـ .
وَهِيَ ثَلَاثَةٌ تَرْكُ الْقَعْدَةِ الْأُولَى عَمْدًا وَتَأْخِيرُ إحْدَى سَجْدَتَيْ الرَّكْعَةِ الْأُولَى إلَى آخِرِ الصَّلَاةِ وَتَفَكُّرُهُ عَمْدًا حَتَّى شَغَلَهُ عَنْ رُكْنٍ لِشَكِّهِ فِي أَفْعَالِ صَلَاتِهِ .
( قَوْلُهُ قِيلَ بِحَرْفٍ ) أَيْ مِثْلُ قَوْلِهِ اللَّهُمَّ .
( قَوْلُهُ وَرُكُوعَيْنِ ) أَقُولُ وَالْمُعْتَبَرُ مِنْهُمَا الْأَوَّلُ وَهُوَ رِوَايَةُ بَابِ الْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ وَفِي رِوَايَةِ بَابِ السَّهْوِ الثَّانِي وَعَلَى هَذَا فَمَا ذَكَرَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ قَرَأَ الْمَسْنُونَ ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ أَحَبَّ أَنْ يُزِيدَ فِي الْقِرَاءَةِ فَقَرَأَ لَا يَرْتَفِضُ الْأَوَّلُ إنَّمَا هُوَ عَلَى رِوَايَةِ بَابِ الْحَدَثِ كَمَا فِي الْفَتْحِ .
( قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ قَدْرُ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ
إلَخْ ) ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَهَذَا فِي حَقِّ الْإِمَامِ أَمَّا الْمُنْفَرِدُ فَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ إذَا جَهَرَ فِي السِّرِّيَّةِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ .

( عَلَى مُنْفَرِدٍ ) مُتَعَلَّقُ يَجِبُ ( وَ ) عَلَى ( مُقْتَدٍ بِسَهْوِ إمَامِهِ إنْ سَجَدَ إمَامُهُ ) ، وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ لَمْ يَسْجُدْ الْمُؤْتَمُّ بِخِلَافِ تَكْبِيرِ التَّشْرِيقِ كَمَا مَرَّ فِي بَابِهِ ( لَا بِسَهْوِهِ ) أَيْ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُقْتَدِي بِسَهْوِهِ إذْ لَوْ سَجَدَ وَحْدَهُ خَالَفَ إمَامَهُ ، وَإِنْ سَجَدَ مَعَهُ الْإِمَامُ انْقَلَبَتْ الْإِمَامَةُ اقْتِدَاءً .
( قَوْلُهُ عَلَى مُنْفَرِدٍ ) أَقُولُ إلَّا فِيمَا إذَا جَهَرَ فِي مَحَلِّ الْإِخْفَاءِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ .

( وَيُصَلِّي ) عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( فِي التَّشَهُّدِ الثَّانِي وَالْأَحْوَطُ التَّصْلِيَةُ فِيهِمَا ) أَيْ فِي التَّشَهُّدَيْنِ ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ ( الْمَسْبُوقُ يَسْجُدُ مَعَ إمَامِهِ ) ، وَإِنْ كَانَ سَهْوُهُ فِيمَا فَاتَ عَنْهُ ثُمَّ يَقْضِي مَا فَاتَ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَقُومَ قَبْلَ سُجُودِ الْإِمَامِ ( وَلَوْ قَامَ قَبْلَ سُجُودِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ لِيَسْجُدَ مَعَهُ إنْ لَمْ يُقَيِّدْ الرَّكْعَةَ بِالسُّجُودِ ) ، وَإِنْ قَيَّدَهَا بِهِ لَا يَعُودُ ( وَلَوْ سَهَا فِيهِ ) أَيْ فِيمَا يُقْضَى ( سَجَدَ ثَانِيًا ) لِهَذَا السَّهْوِ .

( قَوْلُهُ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي التَّشَهُّدِ الثَّانِي ) أَيْ تَشَهُّدِ السَّهْوِ ، وَكَذَا يَأْتِي بِالدُّعَاءِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ .
( قَوْلُهُ وَالْأَحْوَطُ
إلَخْ ) هُوَ قَوْلُ الطَّحَاوِيِّ .
( قَوْلُهُ الْمَسْبُوقُ يَسْجُدُ مَعَ إمَامِهِ ) أَقُولُ ، وَكَذَا الْمُقِيمُ خَلْفَ الْمُسَافِرِ ثُمَّ يُتِمُّ صَلَاتَهُ ، وَلَوْ دَخَلَ الْمَأْمُومُ مَعَ الْإِمَامِ بَعْدَ مَا سَجَدَ سَجْدَةً لِلسَّهْوِ يُتَابِعُهُ فِي الثَّانِيَةِ وَلَا يَقْضِي الْأُولَى ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ .
( قَوْلُهُ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَقُومَ قَبْلَ سُجُودِ الْإِمَامِ ) قَالَ الْكَمَالُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُعَجِّلَ بِالْقِيَامِ بَلْ يُؤَخِّرُ حَتَّى يَنْقَطِعَ ظَنُّهُ عَنْ سُجُودِ الْإِمَامِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَلَوْ قَامَ قَبْلَ سُجُودِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعُودَ لِيَسْجُدَ مَعَهُ إنْ لَمْ يُقَيِّدْ الرَّكْعَةَ بِالسُّجُودِ ) أَقُولُ وَعَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الْقِيَامَ وَالرُّكُوعَ لِارْتِفَاضِهِمَا بِمُتَابَعَتِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَعُدْ وَقَيَّدَ رَكْعَتَهُ بِالسَّجْدَةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ كَمَا قَالَ فِي الْبُرْهَانِ ، وَلَوْ سَلَّمَ الْإِمَامُ وَعَلَيْهِ سَهْوٌ فَقَامَ الْمَسْبُوقُ فَقَرَأَ وَرَكَعَ وَلَمْ يَسْجُدْ فَسَجَدَ الْإِمَامُ لِسَهْوِهِ يُتَابِعُهُ فِيهِ لِعَدَمِ تَأَكُّدِ انْفِرَادِهِ وَيَقْعُدُ مَعَهُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ ثُمَّ يُعِيدُ الْقِيَامَ وَالرُّكُوعَ لِارْتِفَاضِهِمَا بِمُتَابَعَتِهِ ، وَإِنْ لَمْ يُتَابِعْهُ وَقَيَّدَ رَكْعَتَهُ بِالسَّجْدَةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ ، وَإِنْ سَجَدَ قَبْلَهُ أَيْ قَبْلَ سُجُودِ إمَامِهِ لَا يُتَابِعُهُ لِتَأَكُّدِ انْفِرَادِهِ وَيَسْجُدُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ لِسَهْوِ الْإِمَامِ اسْتِحْسَانًا لِالْتِزَامِهِ أَنْ يَفْعَلَ مِثْلَهُ ا هـ .
وَفِي الْبَدَائِعِ خِلَافُهُ فَلَا تَفْسُدُ بِتَرْكِ الْمُتَابَعَةِ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ قَيَّدَهَا بِهِ لَا يَعُودُ ) ؛ لِأَنَّ انْفِرَادَهُ قَدْ تَأَكَّدَ ، كَذَا عَلَّلَهُ قَاضِي خَانْ وَمَفْهُومُهُ أَنَّهُ إذَا عَادَ وَسَجَدَ مَعَ الْإِمَامِ فَسَدَتْ .
( قَوْلُهُ فَلَوْ سَهَا أَيْ الْمَسْبُوقُ فِيهِ أَيْ فِيمَا يَقْضِي سَجَدَ

ثَانِيًا ) أَقُولُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَابَعَ الْإِمَامَ كَفَاهُ سَجْدَتَانِ وَتَنْتَظِمُ الثَّانِيَةُ الْأُولَى ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ ، وَلَوْ سَلَّمَ مَعَ الْإِمَامِ أَوْ قَبْلَهُ فَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ ، وَلَوْ بَعْدَهُ لَزِمَهُ وَقِيلَ يَلْزَمُهُ فِي التَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى ذَكَرَهُ الْمَقْدِسِيُّ .

.
( كَذَا اللَّاحِقُ ) يَعْنِي يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ لِسَهْوِ إمَامِهِ بِأَنْ سَهَا حَالَ نَوْمِ الْمُقْتَدِي أَوْ ذَهَابِهِ إلَى الْوُضُوءِ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمُصَلِّي خَلْفَهُ .
قَوْلُهُ : كَذَا اللَّاحِقُ ) أَقُولُ لَكِنْ لَا يُتَابِعُهُ إذَا انْتَبَهَ حَالَ اشْتِغَالِ الْإِمَامِ بِالسَّهْوِ أَوْ جَاءَ إلَيْهِ مِنْ الْوُضُوءِ بَلْ يَبْدَأُ بِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ ثُمَّ يَسْجُدُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ قَالَ الْمَقْدِسِيُّ ، وَذَكَرَ الْفَرْقَ فِي شَرْحِهِ .
( قَوْلُهُ يَعْنِي يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ
إلَخْ ) إنَّمَا صَدَّرَ شَرْحَ الْمَتْنِ بِصِيغَةِ يَعْنِي إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمَتْنَ لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ مَتْنًا كَذَا اللَّاحِقُ رُبَّمَا أَوْهَمَ أَنَّ اللَّاحِقَ كَالْمَسْبُوقِ يَلْزَمُهُ السُّجُودُ بِسَهْوِهِ فِيمَا يَقْضِيهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ قَدَّمَ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ أَنَّ اللَّاحِقَ لَا يَأْتِي بِقِرَاءَةٍ وَلَا سَهْوٍ فِيمَا يَقْضِيهِ .

( سَهَا عَنْ الْقُعُودِ الْأَوَّلِ فِي ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ أَوْ الثَّلَاثِ مِنْ الْفَرْضِ ) احْتَرَزَ بِهِ عَنْ النَّفْلِ ؛ لِأَنَّ الْقَعْدَةَ الْأُولَى مِنْهُ كَالْقَعْدَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ الْفَرْضِ حَتَّى يَعُودَ إلَيْهَا لَا مَحَالَةَ ( وَإِنْ اسْتَوَى قَائِمًا ، وَذَكَرَهُ ) أَيْ الْقُعُودَ الْأَوَّلَ ( وَهُوَ إلَيْهِ ) أَيْ الْقُعُودِ ( أَقْرَبُ ) بِأَنْ لَمْ يَرْفَعْ رُكْبَتَيْهِ مِنْ الْأَرْضِ ( عَادَ وَلَا سَهْوَ ) ؛ لِأَنَّ مَا يَقْرَبُ إلَى الشَّيْءِ يَأْخُذُ حُكْمَهُ كَفِنَاءِ الْمِصْرِ ( وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَقْرَبَ إلَيْهِ بَلْ إلَى الْقِيَامِ بِأَنْ رَفَعَ رُكْبَتَيْهِ ( قَامَ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ ) ، وَقِيلَ يَعُودُ إلَى الْقُعُودِ مَا لَمْ يَسْتَقِمْ قَائِمًا وَهُوَ الْأَصَحُّ ، كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ .

( قَوْلُهُ احْتَرَزَ بِهِ عَنْ النَّفْلِ
إلَخْ ) ، كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ عَنْ الْوَجِيزِ .
وَقَالَ أَنَّهُ يَعُودُ فِي النَّفْلِ مَا لَمْ يُقَيِّدْ بِالسَّجْدَةِ ا هـ .
وَقَالَ الْمَقْدِسِيُّ حَكَى فِيهِ خِلَافًا فِي الْمُحِيطِ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ وَهُوَ إلَيْهِ أَقْرَبُ ) قَدَّمَ مَفْعُولَ أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ تَوْسِعَةً كَمَا صَرَّحَ بِهِ صَدْرُ الْأَفَاضِلِ فِي ضِرَامِ السَّقْطِ ، وَإِنْ أَبَاهُ النَّحْوِيُّونَ قَالَهُ ابْنُ كَمَالِ بَاشَا .
( قَوْلُهُ بِأَنْ لَمْ يَرْفَعْ رُكْبَتَيْهِ ) مِنْ الْأَرْضِ أَيْ ، وَقَدْ رَفَعَ أَلْيَتَيْهِ عَنْهَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ قَالَ ، وَقِيلَ مَا لَمْ يَنْصِبْ النِّصْفَ الْأَسْفَلَ فَهُوَ إلَى الْقُعُودِ أَقْرَبُ ا هـ .
وَعَلَى هَذَا الْأَخِيرِ اقْتَصَرَ فِي الْكَافِي ، وَقَالَ الْكَمَالُ الْأَصَحُّ فِيهِ أَيْ التَّفْسِيرِ مَا فِي الْكَافِي أَنَّهُ بِأَنْ يَسْتَوِيَ النِّصْفُ الْأَسْفَلُ يَعْنِي وَظَهْرُهُ بَعْدُ مُنْحَنٍ فَمَا لَمْ يَسْتَوِ فَهُوَ إلَى الْقُعُودِ أَقْرَبُ ا هـ فَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّهُ لَا سُجُودَ عَلَيْهِ إذَا عَادَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ كَمَا سَيَأْتِي .
( قَوْلُهُ عَادَ وَلَا سَهْوَ ) أَقُولُ وَنَفْيُ السَّهْوِ هُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْعِنَايَةِ وَالتَّبْيِينِ وَالْبُرْهَانِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَضْلِيِّ ، وَقِيلَ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ إذَا كَانَ لِلْقُعُودِ أَقْرَبُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَالْوَلْوالِجِيَّة وَهُوَ الْمُخْتَارُ ( قَوْلُهُ : كَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ ) وَمِثْلُهُ فِي الْبُرْهَانِ حَيْثُ قَالَ إنَّهُ يَعُودُ مَا لَمْ يَسْتَتِمَّ قَائِمًا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهِيَ الْأَصَحُّ ا هـ قُلْت فَإِنْ اسْتَتَمَّ قَائِمًا ثُمَّ عَادَ قَالَ فِي التَّبْيِينِ وَالْبُرْهَانِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ فِي الصَّحِيحِ لِتَكَامُلِ الْجِنَايَةِ بِرَفْضِ الْفَرْضِ لِمَا لَيْسَ بِفَرْضٍ ا هـ .
وَقَالَ الْمَقْدِسِيُّ فِي شَرْحِهِ قَدْ صَحَّحَ فِي الدِّرَايَةِ وَالْمُجْتَبَى الصِّحَّةَ ، وَذَكَرَهُ الْكَمَالُ بَحْثًا ، وَذَكَرَ ابْنُ عَوْفٍ وَالْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحَيْهِمَا لِلْقُدُورِيِّ إنْ عَادَ إلَى الْقُعُودِ يَكُونُ

مُسِيئًا وَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَيَسْجُدُ لِتَأْخِيرِ الْوَاجِبِ وَبَالَغَ فِي الْمُجْتَبَى فِي رَدِّ الْقَوْلِ بِالْفَسَادِ وَجَعَلَ قَوْلَهُمْ إنَّهُ رَفَضَ الْفَرْضَ غَلَطًا بَلْ هُوَ تَأْخِيرٌ كَمَا لَوْ سَهَا عَنْ السُّورَةِ فَرَكَعَ فَإِنَّهُ يَرْفُضُ الرُّكُوعَ وَيَعُودُ إلَى الْقِيَامِ وَيَقْرَأُ لِأَجْلِ الْوَاجِبِ وَكَمَا لَوْ سَهَا عَنْ الْقُنُوتِ وَرَكَعَ فَإِنَّهُ لَوْ عَادَ وَقَنَتَ لَا تَفْسُدُ عَلَى الْأَصَحِّ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا فِي الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ ، وَلَوْ قَامَ الْمَأْمُومُ سَاهِيًا عَادَ ؛ لِأَنَّ الْقُعُودَ فَرْضٌ عَلَيْهِ لِلْمُتَابَعَةِ .
ا هـ .

( وَإِنْ سَهَا عَنْ الْأَخِيرِ ) حَتَّى قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ فِي الرُّبَاعِيَّةِ وَالرَّابِعَةِ فِي الثُّلَاثِيَّةِ وَالثَّالِثَةِ فِي الثُّنَائِيَّةِ ( عَادَ مَا لَمْ يَسْجُدْ ) ؛ لِأَنَّ فِيهِ إصْلَاحَ صَلَاتِهِ وَأَمْكَنَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ مَا دُونَ الرَّكْعَةِ لَيْسَ بِمَحَلِّ الرَّفْضِ ( وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ ) ؛ لِأَنَّهُ أَخَّرَ فَرْضًا ( وَإِنْ سَجَدَ ) مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ مَا لَمْ يَسْجُدْ ( صَارَ فَرْضُهُ نَفْلًا وَضَمَّ ) فِي الرُّبَاعِيِّ رَكْعَةً ( سَادِسَةً إنْ شَاءَ ) إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ نَفْلٌ لَمْ يَشْرَعْ فِيهِ قَصْدًا فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إتْمَامُهُ .
( وَفِي الثُّلَاثِيِّ الصَّائِرِ أَرْبَعًا لَا يَحْتَاجُ إلَى الضَّمِّ ) إذْ الرَّكَعَاتُ الثَّلَاثُ بِضَمِّ الرَّابِعَةِ إلَيْهَا تَحَوَّلَتْ إلَى النَّفْلِ فَحَصَلَتْ الصَّلَاةُ التَّامَّةُ .
( وَفِي الثُّنَائِيِّ الصَّائِرِ ثَلَاثًا ) وَهُوَ الْفَجْرُ ( لَا يَضُمُّ ) رَابِعَةً لِيَكُونَ الْكُلُّ نَفْلًا ؛ لِأَنَّ التَّنَفُّلَ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِأَكْثَرَ مِنْ سُنَّةِ الْفَجْرِ مَكْرُوهٌ ( وَإِنْ قَعَدَ الْأَخِيرَ ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ ، وَإِنْ سَهَا عَنْ الْأَخِيرِ ( ثُمَّ قَامَ سَهْوًا ) وَلَمْ يُسَلِّمْ ( عَادَ وَسَلَّمَ إلَّا أَنْ يَسْجُدَ لِلْخَامِسَةِ فِي الرُّبَاعِيِّ وَالرَّابِعَةِ فِي الثُّلَاثِيِّ فَيُتِمُّ فَرْضَهُ ) لِوُجُودِ الْقُعُودِ الْأَخِيرِ ( وَيَضُمُّ سَادِسَةً فِي الرُّبَاعِيِّ ) لَمْ يَقُلْ هُنَا إنْ شَاءَ كَمَا قَالَ فِي الْأَوَّلِ مَعَ أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِي الصُّورَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ ضَمَّ السَّادِسَةِ هَاهُنَا آكَدُ مِنْ ضَمِّهَا هُنَاكَ ؛ لِأَنَّ فَرْضَهُ قَدْ تَمَّ هَاهُنَا لَكِنْ بِتَأْخِيرِ السَّلَامِ يَجِبُ سُجُودُ السَّهْوِ فَلَوْ قَطَعَ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ بِأَنْ لَا يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ لَزِمَ تَرْكُ الْوَاجِبِ ، وَلَوْ جَلَسَ مِنْ الْقِيَامِ وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ لَمْ يُؤَدِّ سُجُودَ السَّهْوِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَسْنُونِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَضُمَّ سَادِسَةً وَيَجْلِسَ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ وَيَسْجُدَ لِلسَّهْوِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَإِنَّ الْفَرِيضَةَ ثَمَّةَ لَمْ تَبْقَ لِيَحْتَاجَ إلَى

تَدَارُكِ نُقْصَانِهَا ( وَلَوْ عَصْرًا ) إشَارَةٌ إلَى ضَعْفِ مَا قِيلَ لَا يَضُمُّ فِي الْعَصْرِ لِكَرَاهَةِ النَّفْلِ بَعْدَهَا ، وَقِيلَ يَضُمُّ ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِمَقْصُودٍ وَالنَّهْيُ عَنْ التَّنَفُّلِ بَعْدَ الْعَصْرِ يَتَنَاوَلُ الْمَقْصُودَ فَلَا يُكْرَهُ بِدُونِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ ، كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ .
( وَ ) يَضُمُّ ( خَامِسَةً فِي الثُّلَاثِيِّ لِتَصِيرَ الرَّكْعَتَانِ ) فِي الصُّورَتَيْنِ ( نَفْلًا ، وَإِنْ لَمْ تَنُوبَا سُنَّةَ الظُّهْرِ وَالْعِشَاءِ وَالْمَغْرِبِ ) ؛ لِأَنَّ مُوَاظَبَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمَا كَانَتْ بِتَحْرِيمَةٍ مُبْتَدَأَةٍ .

( قَوْلُهُ وَالثَّالِثَةُ فِي الثُّنَائِيَّةِ ) تَسْمِيَةُ الْقُعُودِ فِيهَا بِالْأَخِيرِ بِاعْتِبَارِ الْمُشَاكَلَةِ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ سَجَدَ صَارَ فَرْضُهُ نَفْلًا ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَيَبْطُلُ فَرْضُهُ بِوَضْعِ الْجَبْهَةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ؛ لِأَنَّهُ سُجُودٌ كَامِلٌ .
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَرْفَعُهُ ؛ لِأَنَّهُ تَمَامُ الشَّيْءِ بِآخِرِهِ وَهُوَ الرَّفْعُ وَلَمْ يَصِحَّ مَعَ الْحَدَثِ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ فِي السُّجُودِ يَبْنِي عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ .
وَقَالَ الْكَمَالُ اخْتَارَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَغَيْرُهُ لِلْفَتْوَى قَوْلَ مُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّهُ أَرْفَقُ وَأَقْيَسُ .
( قَوْلُهُ وَضَمَّ سَادِسَةً ) أَقُولُ وَلَا سَهْوَ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ لِفَسَادِ الْفَرْضِيَّةِ لَا يُجْبَرُ بِالسُّجُودِ كَمَا فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ ( قَوْلُهُ إنْ شَاءَ
إلَخْ ) تَصْرِيحٌ بِعَدَمِ الْوُجُوبِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْمَبْسُوطُ حَيْثُ قَالَ وَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَشْفَعَ الْخَامِسَةَ وَيُخَالِفُهُ عِبَارَةُ الْقُدُورِيِّ حَيْثُ قَالَ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَضُمَّ سَادِسَةً قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى الْوُجُوبِ ا هـ .
وَكَذَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ لَفْظُ الْأَصْلِ يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ عَلَيْهِ أَنْ يُضِيفَ وَكَلِمَةُ عَلَى لِلْإِيجَابِ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ وَفِي الثُّنَائِيِّ الصَّائِرِ ثَلَاثًا وَهُوَ الْفَجْرُ لَا يَضُمُّ
إلَخْ ) أَقُولُ ، كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ بِعَدَمِ الضَّمِّ لِكَرَاهَةِ التَّنَفُّلِ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ بِأَكْثَرَ مِنْ سُنَّتِهِ قُلْت الزِّيَادَةُ حَاصِلَةٌ بِمَا صَلَّاهُ لِانْقِلَابِهِ نَفْلًا ، وَقَدْ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ قَبْلَ هَذَا أَنَّهُ فِي الْعَصْرِ يَضُمُّ عَلَى الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّ الْكَرَاهَةَ فِيمَا إذَا قَصَدَ لَا فِيمَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ ا هـ فَالْعِلَّةُ جَارِيَةٌ فِي الْفَجْرِ وَلَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ بَيْنَ مَا إذَا جَلَسَ فِي آخِرِهِ وَمَا لَمْ يَجْلِسْ عَلَى أَنَّا نَقُولُ يَجِبُ الضَّمُّ أَخْذًا بِظَاهِرِ الْأَصْلِ وَصَرَّحَ فِي التَّجْنِيسِ بِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى

رِوَايَةِ هِشَامٍ مِنْ عَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ فِي عَدَمِ كَرَاهِيَةِ الضَّمِّ كَمَا فِي الْبَحْرِ .
( قَوْلُهُ عَادَ وَسَلَّمَ ) أَقُولُ وَلَا يُعِيدُ التَّشَهُّدَ ، وَإِنَّمَا يَعُودُ مَعَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُعِدْ وَسَلَّمَ قَائِمًا حُكِمَ بِصِحَّةِ فَرْضِهِ لِيَأْتِيَ بِالسَّلَامِ فِي مَوْضِعِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ حَالَ الْقِيَامِ وَهَلْ يَتَّبِعُهُ الْقَوْمُ فِي هَذَا الْقِيَامِ قِيلَ نَعَمْ فَإِنْ عَادَ عَادُوا مَعَهُ ، وَإِنْ مَضَى فِي النَّافِلَةِ يَتَّبِعُونَهُ وَالصَّحِيحُ مَا ذَكَرَهُ الْبَلْخِيُّ عَنْ عُلَمَائِنَا مِنْ أَنَّهُ لَا يَتَّبِعُونَهُ فِي الْبِدْعَةِ وَيَنْتَظِرُونَهُ فَإِنْ عَادَ قَبْلَ السَّجْدَةِ تَبِعُوهُ فِي السَّلَامِ ، وَإِنْ سَلَّمَ سَلَّمُوا فِي الْحَالِ وَلَا يَخْفَى عَدَمُ مُتَابَعَتِهِمْ لَهُ فِيمَا إذَا قَامَ قَبْلَ الْقَعْدَةِ ، كَذَا فِي الْفَتْحِ .
( قَوْلُهُ لَمْ يَقُلْ هَهُنَا إنْ شَاءَ
إلَخْ ) نَقَلَهُ الشُّمُنِّيُّ عَنْ شَرْحِ الْوِقَايَةِ ( قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ ، كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ ) أَقُولُ ، وَكَذَا قَالَ الْكَمَالُ الْمُخْتَارُ أَنْ يَضُمَّ ، وَكَذَا لَوْ تَطَوَّعَ آخِرَ اللَّيْلِ فَلَمَّا صَلَّى رَكْعَةً طَلَعَ الْفَجْرُ الْأَوْلَى أَنْ يُتِمَّهَا ثُمَّ يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَنَفَّلْ بِأَكْثَرَ مِنْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ قَصْدًا ا هـ فَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ طَلَعَ الْفَجْرُ عِنْدَ افْتِتَاحِهِمَا فَظَاهِرُ الْجَوَابِ أَنَّهُمَا تُجْزِئَانِهِ عَنْ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ وَفِي جَامِعِ الْإِسْبِيجَابِيِّ وَهُوَ الْأَصَحُّ .
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْخَيْزَاخَزِيُّ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَفَخْرُ الْإِسْلَامِ وَقَاضِي خَانْ لَا تَنُوبَانِ وَهُوَ الْأَصَحُّ .

( وَيَسْجُدُ ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَيَضُمُّ ( لِلسَّهْوِ ) لِتَأْخِيرِ السَّلَامِ ( وَمُقْتَدٍ بِهِ فِيهِمَا ) أَيْ الرَّكْعَتَيْنِ الزَّائِدَتَيْنِ فِي الصُّورَتَيْنِ ( صَلَّاهُمَا ) بِتَبَعِيَّةِ الْإِمَامِ ( وَقَضَاهُمَا إنْ أَفْسَدَ ) ؛ لِأَنَّهُ شَرَعَ قَصْدًا ( وَفِي الْفَجْرِ الصَّائِرِ ثَلَاثًا لَا يَضُمُّ رَابِعَةً ) لِكَرَاهَةِ النَّفْلِ بَعْدَهُ كَمَا كُرِهَ قَبْلَهُ مُطْلَقًا وَفِي الْعَصْرِ يُكْرَهُ بَعْدَهُ إذَا شَرَعَ بِالْقَصْدِ لَا قَبْلَهُ مُطْلَقًا .
( قَوْلُهُ وَمُقْتَدٍ بِهِ فِيهِمَا صَلَّاهُمَا ) أَيْ لَزِمَهُ صَلَاتُهُمَا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَلَا يَلْزَمُهُ غَيْرُهُمَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقْضِيَ أَيْ يُصَلِّيَ سِتًّا قَالَ فِي الْوَجِيزِ وَهُوَ الْأَصَحُّ ، كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ .
( قَوْلُهُ وَقَضَاهُمَا إنْ أَفْسَدَ ) هَذَا عِنْدَهُمَا وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ .
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ اعْتِبَارًا بِالْإِمَامِ .
( قَوْلُهُ فِي الصُّورَتَيْنِ ) أَيْ صُورَةِ الْخَامِسَةِ فِي الرُّبَاعِيِّ وَالرَّابِعَةِ فِي الثُّلَاثِيِّ .
( قَوْلُهُ وَفِي الْفَجْرِ الصَّائِرِ ثَلَاثًا لَا يَضُمُّ رَابِعَةً ) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَمُقْتَضَى التَّصْحِيحِ الْمُتَقَدِّمِ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ الضَّمُّ لِعَدَمِ الْقَصْدِ .
( قَوْلُهُ كَمَا كُرِهَ قَبْلَهُ مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ قَصَدَ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ لِمُقَابَلَتِهِ بِقَوْلِهِ وَفِي الْعَصْرِ يُكْرَهُ بَعْدَ إذَا شَرَعَ بِالْقَصْدِ
إلَخْ هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَجْلِسْ فِي الْفَجْرِ وَقَامَ لِثَلَاثَةٍ لَا يَضُمُّ وَقَدَّمْنَا عَلَى مُقْتَضَى التَّصْحِيحِ مِنْ الضَّمِّ فِي الْعَصْرِ أَنَّهُ يَضُمُّ فِي الْفَجْرِ فَكَذَلِكَ هُنَا .

لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ حَالِ الْفَرْضِ بِالنَّظَرِ إلَى السَّهْوِ فِي الْقُعُودِ أَرَادَ بَيَانَ حَالِ النَّفْلِ فِيهِ تَتْمِيمًا لِلْأَقْسَامِ فَقَالَ ( تَرَكَ الْقُعُودَ الْأَوَّلَ فِي النَّفْلِ سَهْوًا سَجَدَ وَلَمْ يَفْسُدْ ) وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ يَفْسُدَ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ وَرِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا يَفْسُدُ وَيَجِبُ سَجْدَتَا السَّهْوِ بِتَرْكِهِ سَاهِيًا ؛ لِأَنَّ التَّطَوُّعَ كَمَا شُرِعَ رَكْعَتَيْنِ شُرِعَ أَرْبَعًا أَيْضًا فَإِذَا تَرَكَ الْقَعْدَةَ وَقَامَ إلَى الشَّفْعِ الثَّانِي أَمْكَنَنَا أَنْ نَجْعَلَ الْكُلَّ صَلَاةً وَاحِدَةً وَفِي الْوَاحِدَةِ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ لَمْ يُفْرَضْ إلَّا الْقَعْدَةُ الْأَخِيرَةُ وَهِيَ قَعْدَةُ الْخَتْمِ وَالتَّحَلُّلِ كَمَا فِي الظُّهْرِ بِخِلَافِ صَلَاةِ الْفَجْرِ ؛ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ رَكْعَتَيْنِ لَا غَيْرُ وَبِضَمِّ الشَّفْعِ الثَّانِي لَا يَصِيرُ الْكُلُّ صَلَاةً وَاحِدَةً وَهَذَا الْفِقْهُ وَهُوَ أَنَّ الْقَعْدَةَ الْأَخِيرَةَ لَيْسَتْ مِنْ الْأَرْكَانِ وَلَكِنَّهَا فُرِضَتْ لِلْخَتْمِ ؛ لِأَنَّ خَتْمَ الْمَفْرُوضِ فَرْضٌ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ الْقَعْدَةُ الْأُولَى فَرْضًا فَإِذَا قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ هَاهُنَا صَارَتْ الصَّلَاةُ مِنْ ذَوَاتِ الْأَرْبَعِ فَلَمْ تَكُنْ الْقَعْدَةُ الْأُولَى لِلْخَتْمِ فَلَمْ تَبْقَ فَرْضًا كَمَا فِي الْفَرْضِ ، كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ .
( قَوْلُهُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَا تَفْسُدُ وَيَجِبُ سَجْدَتَا السَّهْوِ ) أَقُولُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي قَاضِي خَانْ .
( قَوْلُهُ أَمْكَنَنَا أَنْ نَجْعَلَ الْكُلَّ صَلَاةً وَاحِدَةً ) أَيْ فَيَجِبُ الْجُلُوسُ عَلَى كُلِّ شَفْعٍ فَإِذَا تَرَكَهُ لَزِمَ السَّهْوُ .
( قَوْلُهُ لَا تَصِيرُ الْكُلُّ صَلَاةً وَاحِدَةً ) أَيْ مَفْرُوضَةً .

( تَنَفَّلَ رَكْعَتَيْنِ وَسَهَا فَسَجَدَ لَا يَبْنِي ) أَيْ لَا يُصَلِّي بِهَذِهِ التَّحْرِيمَةِ صَلَاةً بِلَا تَجْدِيدِ تَحْرِيمَةٍ ؛ لِأَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ وَقَعَ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ ( وَلَوْ بَنَى صَحَّ ) لِبَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ .
( وَ ) لَكِنْ ( أَعَادَهُ ) أَيْ سُجُودَ السَّهْوِ ؛ لِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ مِنْ السُّجُودِ وَقَعَ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ فَلَا يُعْتَدُّ بِهِ .
قَوْلُهُ تَنَفَّلَ رَكْعَتَيْنِ
إلَخْ ) نَفْيُ الْبِنَاءِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِحْبَابِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبُرْهَانِ .
( قَوْلُهُ وَلَكِنْ أَعَادَهُ أَيْ سُجُودَ السَّهْوِ ) هُوَ الْمُخْتَارُ لِمَا قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ ذَكَرَ جَدِّي صَاحِبُ الْمُحِيطِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ أَنَّ الْمُخْتَارَ هُوَ الْإِعَادَةُ ؛ لِأَنَّ مَا أَتَاهُ مِنْ السُّجُودِ بَطَلَ فَيُعِيدُهُ ا هـ .
وَكَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ يُعِيدُهُ هُوَ الْمُخْتَارُ ، وَقِيلَ لَا يُعِيدُ ؛ لِأَنَّ الْجَبْرَ حَصَلَ بِالْأَوَّلِ ا هـ .
وَهَذَا الْأَخِيرُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ الْأَعْمَشِ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ كَمَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى .

( سَلَامُ مَنْ عَلَيْهِ السَّهْوُ يُخْرِجُهُ مَوْقُوفًا ) لَا قَطْعًا ( حَتَّى يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ بِهِ وَيَبْطُلُ وُضُوءُهُ بِالْقَهْقَهَةِ وَيَصِيرُ فَرْضُهُ أَرْبَعًا بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ إنْ سَجَدَ ) شَرْطٌ لِقَوْلِهِ يَصِحُّ ( وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ ( فَلَا ) يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ الْمَذْكُورَةُ ( وَسَلَامُهُ ) أَيْ سَلَامُ مَنْ عَلَيْهِ السَّهْوُ ( لِلْقَطْعِ ) أَيْ بِنِيَّةِ قَطْعِ الصَّلَاةِ ( لَا يَقْطَعُ ) ؛ لِأَنَّ نِيَّتَهُ لِتَغْيِيرِ الْمَشْرُوعِ فَيَلْغُو كَمَا لَوْ نَوَى الظُّهْرَ سِتًّا بَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ لِلسَّهْوِ لِبَقَاءِ التَّحْرِيمَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا سَلَّمَ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلسَّجْدَةِ الصُّلْبِيَّةِ حَيْثُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَالْفَرْقُ أَنَّ سُجُودَ السَّهْوِ يُؤْتَى بِهِ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ وَهِيَ بَاقِيَةٌ وَالصُّلْبِيَّةُ يُؤْتَى بِهَا فِي حَقِيقَتِهَا ، وَقَدْ بَطَلَتْ بِالسَّلَامِ الْعَمْدِ ( مَا لَمْ يَتَحَوَّلْ ) عَنْ الْقِبْلَةِ ( أَوْ يَتَكَلَّمْ ) فَإِنَّهُمَا يُبْطِلَانِ التَّحْرِيمَةَ ( وَقِيلَ ) لَا يَقْطَعُ بِالتَّحَوُّلِ ( مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ أَوْ يَخْرُجْ مِنْ الْمَسْجِدِ ) وَالْأَصْلُ أَنْ يَسْجُدَ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ أَوْ يَخْرُجَ ، وَإِنْ مَشَى أَوْ انْحَرَفَ عَنْ الْقِبْلَةِ وَبِهِ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ .

( قَوْلُهُ سَلَامُ مَنْ عَلَيْهِ السَّهْوُ يُخْرِجُهُ مَوْقُوفًا
إلَخْ ) هَذَا عِنْدَهُمَا .
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ الصَّلَاةِ أَصْلًا لَا مَوْقُوفًا وَلَا بَاتًّا كَمَا فِي الْعِنَايَةِ .
( قَوْلُهُ إنْ سَجَدَ شَرْطٌ لِقَوْلِهِ يَصِحُّ
إلَخْ ) أَقُولُ شَرْطُ السُّجُودِ وَاضِحٌ فِي مَسْأَلَةِ الِاقْتِدَاءِ لِاتِّفَاقِ الْمَشَايِخِ عَلَيْهِ .
وَأَمَّا شَرْطُ السُّجُودِ لِانْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ وَلِلُزُومِ الْإِتْمَامِ فَقَدْ تَابَعَ فِيهِ صَرِيحَ غَايَةِ الْبَيَانِ .
وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ إنَّهُ ظَاهِرُ الْهِدَايَةِ وَهُوَ غَلَطٌ فَلَا تَنْتَقِضُ الطَّهَارَةُ وَلَا يَلْزَمُهُ الْإِتْمَامُ عِنْدَهُمَا سَوَاءٌ سَجَدَ أَمْ لَمْ يَسْجُدْ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَهُوَ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْعِنَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِمَا ا هـ قُلْت وَذَلِكَ أَنَّ الْخُرُوجَ بِالسَّلَامِ الْمَذْكُورِ لَيْسَ مَعْنَاهُ الْخُرُوجَ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ بَلْ مَعْنَاهُ الْخُرُوجُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِكُلٍّ بِفَرْضِيَّةِ الْعَوْدِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ ا هـ فَإِذَا قَهْقَهَ لَمْ تُصَادِفْ حُرْمَةُ الصَّلَاةِ فَلَا تَنْتَقِضُ طَهَارَتُهُ عِنْدَهُمَا كَمَا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ نَصَّ عَلَيْهِ تَاجُ الشَّرِيعَةِ ا هـ .
وَتَعَذَّرَ الْعَوْدُ إلَى السُّجُودِ بَعْدَ الْقَهْقَهَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ هَذَا هُوَ الْوَجْهُ لِعَدَمِ نَقْضِ الطَّهَارَةِ مُطْلَقًا عِنْدَهُمَا وَالْوَجْهُ لِعَدَمِ صَيْرُورَةِ فَرْضِهِ أَرْبَعًا بِنِيَّةِ الْإِقَامَةِ مَا قَالَهُ الْكَمَالُ أَنَّ النِّيَّةَ لَمْ تَحْصُلْ فِي حُرْمَةِ الصَّلَاةِ وَيَسْقُطُ سُجُودُ السَّهْوِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَجَدَ تَغَيَّرَ فَرْضُهُ فَيَكُونُ مُؤَدِّيًا سُجُودَ السَّهْوِ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ فَيَتْرُكُهُ وَيَقُومُ وَلَا يُؤْمَرُ بِأَدَاءِ شَيْءٍ إذَا كَانَ فِي أَدَائِهِ إبْطَالُهُ ا هـ .
وَمِثْلُهُ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ .

( مُصَلَّيْ الظُّهْرِ سَلَّمَ عَلَى الرَّكْعَتَيْنِ يَتَوَهَّمُ الْإِتْمَامَ ) أَيْ يَتَوَهَّمُ أَنَّهُ ( أَتَمَّهَا ) أَيْ أَتَمَّ الظُّهْرَ أَرْبَعًا ( وَسَجَدَ لِلسَّهْوِ ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ كَذَلِكَ ( بِخِلَافِ مَا لَوْ سَلَّمَ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ مُسَافِرٌ أَوْ أَنَّهَا الْجُمُعَةُ أَوْ كَانَ ) الْمُصَلِّي ( قَرِيبَ الْعَهْدِ بِالْإِسْلَامِ فَظَنَّ أَنَّ الظُّهْرَ ) أَيْ فَرْضَهُ ( رَكْعَتَانِ أَوْ ) كَانَ ( فِي الْعِشَاءِ فَظَنَّ أَنَّهَا التَّرَاوِيحُ حَيْثُ تَبْطُلُ ) صَلَاتُهُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ ؛ لِأَنَّهُ سَلَّمَ عَامِدًا .

لَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ .
( قَوْلُهُ لَا يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ ) أَيْ لِدَفْعِ الْفِتْنَةِ بِعَدَمِ عِلْمِ الْجَمِيعِ بِهِ وَفَسَادِ صَلَاةِ مَنْ لَمْ يُتَابِعْ الْإِمَامَ عِنْدَ مَنْ يَرَاهُ .

( شَكُّ مَنْ لَيْسَ ) الشَّكُّ ( عَادَتَهُ ) وَقَعَ فِي عِبَارَةِ الْفُقَهَاءِ وَشَكُّ أَوَّلِ مَرَّةٍ قَالَ فِي الْكَافِي مَعْنَاهُ أَنَّ الشَّكَّ لَيْسَ بِعَادَةٍ لَهُ لَا أَنَّهُ لَمْ يَشُكَّ فِي عُمُرِهِ قَطُّ ( أَنَّهُ كَمْ صَلَّى ) مُتَعَلِّقٌ بِشَكُّ ( اسْتَأْنَفَ ، وَإِنْ كَثُرَ ) الشَّكُّ ( عَمِلَ بِغَالِبِ ظَنِّهِ ، وَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ ) ظَنُّهُ ( أَخَذَ بِالْأَقَلِّ وَقَعَدَ فِي كُلِّ مَا ظَنَّهُ آخِرَهَا ) أَيْ الصَّلَاةِ ( شَكَّ فِيهَا ) أَيْ صَلَاتِهِ ( فَتَفَكَّرَ ) فِي ذَلِكَ ( حَتَّى اسْتَيْقَنَ إنْ طَالَ ) تَفَكُّرُهُ ( قَدْرَ مَا يُمْكِنُ فِيهِ أَدَاءُ رُكْنٍ ) مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ ( وَجَبَتْ السَّجْدَةُ ) عَلَيْهِ ( وَلَوْ ) لَمْ يَكُنْ طَالَ تَفَكُّرُهُ ذَلِكَ الْقَدْرَ بَلْ كَانَ ( دُونَهُ لَا ) تَجِبُ السَّجْدَةُ ؛ لِأَنَّ الْفِكْرَ الطَّوِيلَ مِمَّا يُؤَخِّرُ الْأَرْكَانَ عَنْ مَوَاضِعِهَا وَالْفِكْرُ الْقَلِيلُ مِمَّا لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ فَجُعِلَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ ، كَذَا فِي تُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ .

( قَوْلُهُ شَكَّ ) يَعْنِي فِي صَلَاتِهِ ، وَقَدْ صَرَّحَ بِالظَّرْفِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ ، وَقَالَ الْكَمَالُ قَيَّدَ بِالظَّرْفِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَكَّ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا أَوْ بَعْدَ مَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ لَا يُعْتَبَرُ إلَّا إنْ وَقَعَ فِي التَّعْيِينِ لَيْسَ غَيْرُ ، فَإِنْ تَذَكَّرَ بَعْدَ الْفَرَاغِ أَنَّهُ تَرَكَ فَرْضًا وَشَكَّ فِي تَعْيِينِهِ قَالُوا يَسْجُدُ سَجْدَةً وَاحِدَةً ثُمَّ يَقْعُدُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي رَكْعَةً بِسَجْدَتَيْنِ ثُمَّ يَقْعُدُ ثُمَّ يَسْجُدُ لِلسَّهْوِ .
( قَوْلُهُ قَالَ فِي الْكَافِي مَعْنَاهُ
إلَخْ ) أَقُولُ هَذَا أَحَدُ مَا قِيلَ فِيهِ وَهُوَ قَوْلُ السَّرَخْسِيِّ .
وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ أَيْ أَوَّلُ مَا عَرَضَ لَهُ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْفَضْلِ ، وَقِيلَ أَوَّلُ مَا وَقَعَ لَهُ فِي عُمُرِهِ وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالْخَانِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ كَذَا أَفَادَهُ الْمَقْدِسِيُّ .
( قَوْلُهُ وَقَعَدَ فِي كُلِّ مَا ظَنَّهُ آخِرَهَا ) ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ ، وَقَالَ الْكَمَالُ فِي هَذِهِ الْإِفَادَةِ قُصُورٌ ، وَذَكَرَ وَجْهَهُ .
وَفِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مَا يُخَالِفُهُ وَيُوَافِقُ كَلَامَ الْمُصَنِّفِ وَالْهِدَايَةِ فَمَنْ أَرَادَ فَلْيَنْظُرْ فِيهِمَا .

( بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ ) ( يَجِبُ ) مُوَسَّعًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ الْإِمَامِ وَفَوْرًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ ( سَجْدَةٌ ) فَاعِلُ يَجِبُ ( فِيهَا ) أَيْ فِي تِلْكَ السَّجْدَةِ ( تَسْبِيحُ السُّجُودِ ) يَعْنِي سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ( بِشُرُوطِ الصَّلَاةِ ) وَقَدْ تَقَدَّمَتْ ( بَيْنَ تَكْبِيرَتَيْنِ ) مُتَعَلِّقٌ بِسَجْدَةٌ ( بِلَا رَفْعِ يَدٍ ) يَعْنِي أَنَّ مَنْ أَرَادَ سُجُودَهَا كَبَّرَ وَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ وَسَجَدَ ثُمَّ كَبَّرَ وَرَفَعَ رَأْسهُ اعْتِبَارًا بِسَجْدَةِ الصَّلَاةِ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ( وَلَا تَشَهُّدَ وَلَا سَلَامَ ) لِأَنَّ ذَلِكَ لِلتَّحَلُّلِ وَهُوَ يَسْتَدْعِي سَبْقَ التَّحْرِيمَةِ وَقَدْ عُدِمَتْ هَاهُنَا ( عَلَى مَنْ تَلَا آيَةً ) مُتَعَلِّقٌ بِيَجِبُ ( وَلَوْ بِالْفَارِسِيَّةِ ) ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ ( مِنْ الْأَرْبَعَ عَشْرَ الْمَعْرُوفَةِ ) وَهِيَ فِي آخِرِ الْأَعْرَافِ وَفِي الرَّعْدِ وَالنَّحْلِ وَبَنِي إسْرَائِيلَ وَمَرْيَمَ وَأُولَى الْحَجِّ وَالْفُرْقَانِ وَالنَّمْلِ وَالَمْ السَّجْدَةِ وَصِّ وَحُمَّ السَّجْدَةِ وَالنَّجْمِ وَانْشَقَّتْ وَاقْرَأْ ( مِمَّنْ ) بَيَانٌ لِمَنْ فِي قَوْلِهِ عَلَى مَنْ تَلَا يَعْنِي إذَا تَلَا آيَةَ السَّجْدَةِ مَنْ ( تَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ ) أَدَاءً وَقَضَاءً وَجَبَ عَلَيْهِ السُّجُودُ

بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ ) هَذَا مِنْ إضَافَةِ الْحُكْمِ إلَى سَبَبِهِ وَقَصَرَ السَّبَبَ عَلَى التِّلَاوَةِ دُونَ السَّمَاعِ لِأَنَّ السَّبَبَ فِي حَقِّ السَّامِعِ التِّلَاوَةُ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ بَعْضِ مَشَايِخِنَا وَهُوَ الصَّحِيحُ وَلَئِنْ سُلِّمَ أَنَّ السَّمَاعَ سَبَبٌ فِي حَقِّهِ لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ لِكَوْنِ التِّلَاوَةِ أَصْلًا فِي الْبَابِ ( قَوْلُهُ يَجِبُ مُوَسَّعًا
إلَخْ ) أَقُولُ هَذَا الِاخْتِلَافُ فِي الْخَارِجِيَّةِ لَا الصَّلَاتِيَّةِ لِمَا قَالَ فِي الْبَحْرِ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى التَّرَاخِي إنْ لَمْ تَكُنْ صَلَاتِيَّةً وَإِنَّمَا يَتَضَيَّقُ عَلَيْهِ الْوُجُوبُ فِي آخِرِ عُمُرِهِ كَمَا فِي سَائِرِ الْوَاجِبَاتِ الْمُوَسَّعَةِ وَأَمَّا الصَّلَاتِيَّةُ فَإِنَّهَا تَجِبُ مُضَيَّقًا ا هـ .
وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ تَجِبُ الصَّلَاتِيَّةُ مُوَسَّعًا بِالنِّسْبَةِ لِمَحَلِّهَا كَمَا لَوْ تَلَا فِي أَوَّلِ صَلَاتِهِ وَسَجَدَهَا فِي آخِرِهَا وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ صَلَاتِيَّةً أَوْ غَيْرَهَا وَهُوَ الْأَصَحُّ وَالْكَرَاهَةُ تَنْزِيهِيَّةٌ فِي غَيْرِ الصَّلَاتِيَّةِ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ تَحْرِيمِيَّةً لَكَانَ وُجُوبُهَا عَلَى الْفَوْرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ( قَوْلُهُ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ ) أَقُولُ وَقَدْ ذَكَرَ فِيهَا آخِرَ الْبَابِ ( قَوْلُهُ فِيهَا تَسْبِيحُ السُّجُودِ ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ هُوَ الْأَصَحُّ وَقَالَ الْكَمَالُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ مَا صَحَّحَ عَلَى عُمُومِهِ ، فَإِنْ كَانَتْ السَّجْدَةُ فِي الصَّلَاةِ فَيَقُولُ فِيهَا مَا يُقَالُ فِيهَا ، فَإِنْ كَانَتْ فَرِيضَةً قَالَ سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى أَوْ نَفْلًا قَالَ مَا شَاءَ مِمَّا وَرَدَ كَسَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ
إلَخْ وَقَوْلُهُ اللَّهُمَّ اُكْتُبْ لِي عِنْدَك بِهَا أَجْرًا وَضَعْ عَنِّي بِهَا وِزْرًا وَاجْعَلْهَا لِي عِنْدَك ذُخْرًا وَتَقَبَّلْهَا مِنِّي كَمَا تَقَبَّلْتَهَا مِنْ عَبْدِك دَاوُد ، وَإِنْ كَانَ خَارِجَ الصَّلَاةِ قَالَ كُلَّ مَا أُثِرَ مِنْ ذَلِكَ ا هـ .
( قَوْلُهُ يَعْنِي سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ) أَيْ ثَلَاثًا وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا شَيْئًا أَجْزَأَهُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ ( قَوْلُهُ

بِشُرُوطِ الصَّلَاةِ ) يَعْنِي إلَّا التَّحْرِيمَةَ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ بَيْنَ تَكْبِيرَتَيْنِ لِلرَّفْعِ وَالْوَضْعِ وَكُلٌّ مِنْ التَّكْبِيرَتَيْنِ سُنَّةٌ كَمَا صَحَّحَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُومَ فَيَخِرَّ سَاجِدًا كَمَا فِي الْفَتْحِ وَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ مَا وَقَعَ فِي السِّرَاجِ الْوَهَّاجِ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ قَاعِدًا لَا يَقُومُ لَهَا فَخِلَافُ الْمَذْهَبِ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ لَا يُؤْمَرُ التَّالِي بِالتَّقَدُّمِ وَلَا بِالِاصْطِفَافِ وَلَكِنْ يَسْجُدُ وَيَسْجُدُونَ مَعَهُ حَيْثُ كَانُوا وَكَيْفَ كَانُوا كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ ( قَوْلُهُ عَلَى مَنْ تَلَا آيَةً ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ تَمَامُ الْآيَةِ لِلُزُومِ السُّجُودِ وَلَكِنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ إذَا قَرَأَ حَرْفَ السَّجْدَةِ وَقَبْلَهُ كَلِمَةً أَوْ بَعْدَهُ كَلِمَةً وَجَبَ السُّجُودُ وَقِيلَ لَا يَجِبُ إلَّا أَنْ يَقْرَأَ أَكْثَرَ آيَةِ السَّجْدَةِ وَلَوْ قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ كُلَّهَا إلَّا الْحَرْفَ الَّذِي فِي آخِرِهَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ السُّجُودُ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَقَوْلُ الْجَوْهَرَةِ إلَّا أَنْ يَقْرَأَ أَكْثَرَ آيَةِ السَّجْدَةِ يَعْنِي مَعَ حَرْفِ السَّجْدَةِ لِمَا قَالَ فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ فَوَائِدِ السفكردري لَوْ تَلَا مِنْ أَوَّلِ الْآيَةِ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْآيَةِ وَتَرَكَ الْحَرْفَ الَّذِي فِيهِ السَّجْدَةُ لَمْ يَسْجُدْ وَإِنْ قَرَأَ الْحَرْفَ الَّذِي فِيهِ السَّجْدَةُ إنْ قَرَأَ مَا بَعْدَهُ أَوْ قَبْلَهُ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ الْآيَةِ تَجِبُ السَّجْدَةُ وَمَا لَا فَلَا ا هـ .
( قَوْلُهُ وَلَوْ بِالْفَارِسِيَّةِ ) أَقُولُ التِّلَاوَةُ مُوجِبَةٌ عَلَى التَّالِي اتِّفَاقًا فَهِمَ أَوْ لَمْ يَفْهَمْ كَمَا فِي الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ وَالنَّمْلِ ) أَقُولُ وَيَجِبُ فِيهَا عِنْدَ قَوْله تَعَالَى { رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ } وَعِنْدَ قَوْله تَعَالَى { وَمَا يُعْلِنُونَ } عَلَى قِرَاءَةِ غَيْرِ الْكِسَائِيّ وَعِنْدَ قَوْله تَعَالَى { أَلَّا يَسْجُدُوا } عَلَى قِرَاءَةِ الْكِسَائِيّ وَمَوْضِعُ السُّجُودِ مِنْ ص { وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ } عِنْدَنَا وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ { وَحُسْنَ مَآبٍ }

وَاَلَّتِي مِنْ حم السَّجْدَةِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى { وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ } ذَكَرَهُ الشُّمُنِّيُّ وَفِي الِانْشِقَاقِ { وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ } كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ أَدَاءً وَقَضَاءً ) الْوَاوُ وَبِمَعْنَى أَوْ لِمَا سَنَذْكُرُهُ وَبِهِ صَرَّحَ الْبَزَّازِيُّ

( فَتَجِبُ عَلَى الْأَصَمِّ ) إذَا تَلَا لِأَنَّهُ أَهْلُ الْأَدَاءِ وَالْقَضَاءِ ( وَالْمُحْدِثِ وَالْجُنُبِ وَالسَّكْرَانِ ) إذَا تَلَوْا لِأَنَّهُمْ أَهْلُ الْقَضَاءِ ( لَا ) عَلَى ( الْكَافِرِ وَالْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ ) لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا أَهْلًا لَهُمَا ( أَوْ سَمِعَهُمَا ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ تَلَا آيَةَ ( وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ ) أَيْ السَّمَاعَ ( فَهِمَ أَوْ لَمْ يَفْهَمْ ) إذَا أَخْبَرَ أَنَّهُ قَرَأَ آيَةَ سَجْدَةٍ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ ( مِمَّنْ ذَكَرَ ) مُتَعَلِّقٌ بِسَمِعَهَا وَمَنْ ذَكَرَ هُوَ الْأَصَمُّ
إلَخْ
( قَوْلُهُ وَالْمَجْنُونِ ) عَلَّلَ عَدَمَ اللُّزُومِ عَلَيْهِ بِعَدَمِ لُزُومِ الْقَضَاءِ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِيمَنْ زَادَ جُنُونُهُ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إذًا فِيمَا دُونَهُ يَقْضِي فَمُقْتَضَاهُ لُزُومُ السَّجْدَةِ عَلَيْهِ بِتِلَاوَتِهِ وَسَيُصَرِّحُ بِهِ عَنْ النَّوَادِرِ وَكَذَا النَّائِمُ أَهْلٌ لِلْقَضَاءِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ بِتِلَاوَتِهِ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَعَلَى الثَّانِيَةِ لَا تَلْزَمُهُ حَكَاهُمَا فِي الْجَوْهَرَةِ ( قَوْلُهُ فَهِمَ أَوْ لَمْ يَفْهَمْ إذَا أُخْبِرَ ) هَذَا فِي الْقِرَاءَةِ بِالْعَرَبِيَّةِ وَإِنْ كَانَ بِالْفَارِسِيَّةِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يُشْرَطُ فَهْمُهَا وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ عَنْ الْمُحِيطِ الصَّحِيحُ إنَّهَا مُوجَبَةٌ اتِّفَاقًا لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ بِالْفَارِسِيَّةِ قُرْآنٌ مَعْنًى لَا نَظْمًا فَبِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى تُوجِبُ السَّجْدَةَ وَبِاعْتِبَارِ النَّظْمِ لَا تُوجِبُهَا فَتَجِبُ احْتِيَاطًا بِخِلَافِ الصَّلَاةِ عِنْدَهُمَا ، فَإِنَّهَا تَجُوزُ بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى وَلَا تَجُوزُ بِاعْتِبَارِ النَّظْمِ فَلَمْ تَجُزْ احْتِيَاطًا .
ا هـ .

.
( وَ ) سَمِعَ ( مِنْ النَّائِمِ ) قَالَ قَاضِي خَانْ وَإِنْ سَمِعَهَا مِنْ نَائِمٍ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالصَّحِيحُ الْوُجُوبُ ( لَا ) عَلَى مَنْ سَمِعَهَا ( مِنْ الطَّيْرِ وَالْمَجْنُونِ الْمَطْبَقِ وَالصَّدَى وَالْمُؤْتَمِّ ) لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِمْ لِلْقِرَاءَةِ فَالْقِرَاءَةُ مِنْهُمْ كَلَا قِرَاءَةٍ وَالْمَسْمُوعُ كَلَا مَسْمُوعٍ أَمَّا الثَّلَاثَةُ الْأُوَلُ فَظَاهِرَةٌ وَأَمَّا الرَّابِعُ فَلِأَنَّ الْمُؤْتَمَّ مَحْجُورٌ عَنْ الْقِرَاءَةِ لِنَفَادِ تَصَرُّفِ الْإِمَامِ عَلَيْهِ وَتَصَرُّفِ الْمَحْجُورِ لَا حُكْمَ لَهُ بِخِلَافِ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَنَحْوِهِمَا لِأَنَّهُمْ مَنْهِيُّونَ وَالنَّهْيُ غَيْرُ الْحَجْرِ قَالَ فِي تَلْخِيصِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ الْمَسْمُوعُ مِنْ الْمُؤْتَمِّ كَهُوَ مِنْ الْمَجْنُونِ وَالطَّيْرِ وَالصَّدَى لَا يُوجِبُ شَيْئًا وَقَالَ قَاضِي خَانْ تَجِبُ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ إذَا قَرَأَ آيَةَ السَّجْدَةِ أَوْ سَمِعَهَا مِمَّنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ أَوْ لَا تَجِبُ بِحَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ كُفْرٍ أَوْ صِغَرٍ وَبَيْنَهُمَا مُخَالَفَةٌ ظَاهِرَةٌ فِي حَقِّ الْمَجْنُونِ أَقُولُ وَجْهُ التَّوْفِيقِ أَنَّ مُرَادَ قَاضِي خَانْ بِالْمَجْنُونِ الْمَجْنُونُ الْغَيْرُ الْمُطْبَقِ وَمُرَادُ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ الْمَجْنُونُ الْمُطْبَقُ يُؤَيِّدُهُ مَا نَقَلَهُ الزَّاهِدِيُّ عَنْ النَّوَادِرِ أَنَّ الْجُنُونَ إذَا قَصُرَ فَكَانَ يَوْمًا وَلَيْلَة أَوْ أَقَلَّ تَلْزَمُهُ تَلَاهَا أَوْ سَمِعَهَا فَالتَّحْقِيقُ أَنَّ الْجُنُونَ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ قَاصِرٌ كَمَا مَرَّ وَكَامِلٌ وَغَيْرُ مُطْبِقٍ وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَكِنَّهُ قَدْ يَزُولُ وَكَامِلٌ مُطْبِقٌ وَهُوَ الَّذِي لَا يَزُولُ ، وَالْأَشْخَاصُ أَيْضًا بِالنَّظَرِ إلَى سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ : أَحَدُهَا مَنْ يَلْزَمُ بِتِلَاوَتِهِ عَلَيْهِ وَبِسَمَاعِهَا مِنْهُ عَلَى غَيْرِ سَجْدَةٍ وَمِنْهُ الْمَجْنُونُ الْقَاصِرُ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي النَّوَادِرِ وَثَانِيهَا : مَنْ لَا يَلْزَمُهُ بِتِلَاوَتِهِ عَلَيْهِ سَجْدَةٌ لَكِنْ تَلْزَمُ بِسَمَاعِهَا مِنْهُ عَلَى غَيْرِهِ وَمِنْهُ الْمَجْنُونُ الْكَامِلُ

الْغَيْرُ الْمُطْبَقِ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ وَثَالِثُهَا مَنْ لَا يَلْزَمُهُ بِتِلَاوَتِهَا شَيْءٌ لَا عَلَيْهِ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ بِالسَّمَاعِ مِنْهُ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ صَاحِبُ التَّلْخِيصِ هَذَا مَا تَيَسَّرَ لِي فِي هَذَا الْمَقَامِ بِعَوْنِ الْمَلِكِ الْعَلَّامِ ، الْحَمْدُ لِلَّهِ مُلْهِمِ الصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ

( قَوْلُهُ وَسَمِعَ مِنْ النَّائِمِ
إلَخْ ) كَذَا نَقَلَ فِي الْجَوْهَرَةِ عَدَمَ اللُّزُومِ بِالسَّمَاعِ مِنْ النَّائِمِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ وَالْمَجْنُونِ عَلَى أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ .
وَفِي الْفَتَاوَى إذَا سَمِعَهَا مِنْ مَجْنُونٍ يَجِبُ وَكَذَا مِنْ النَّائِمِ الْأَصَحُّ الْوُجُوبُ أَيْضًا ا هـ فَقَدْ اخْتَلَفَ الرِّوَايَةُ وَالتَّصْحِيحُ ( قَوْلُهُ وَالصَّدَى ) هُوَ الَّذِي يُجِيبُك مِثْلَ صَوْتِك فِي الْجِبَالِ وَغَيْرِهَا كَمَا فِي الصِّحَاحِ ( قَوْلُهُ وَالْمُؤْتَمِّ ) هَذَا فِي حَقِّ مَنْ كَانَ مُقْتَدِيًا لَا مُطْلَقًا إذْ يَجِبُ عَلَى مَنْ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ بِسَمَاعِهِ مِنْ الْمُقْتَدِي كَمَا سَيَذْكُرُهُ ( قَوْلُهُ وَبَيْنَهُمَا مُخَالَفَةٌ ظَاهِرَةٌ فِي حَقِّ الْمَجْنُونِ
إلَخْ ) أَقُولُ الْمُخَالَفَةُ مُقَرَّرَةٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْجَوْهَرَةِ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ وَقَدْ حَكَى تَصْحِيحَ كُلٍّ مِنْ لُزُومِ السُّجُودِ وَعَدَمِهِ بِالسَّمَاعِ مِنْ الْمَجْنُونِ فَيُحْمَلُ كَلَامُ قَاضِي خَانْ عَلَى رِوَايَةٍ وَكَلَامَ صَاحِبِ التَّلْخِيصِ عَلَى الْأُخْرَى وَهَذَا هُوَ الْوَجْهُ فِي التَّوْفِيقِ لَا مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ مِنْ تَقْسِيمِ الْجُنُونِ إلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ بَلْ هُوَ عَلَى قِسْمَيْنِ مُطْبَقٌ وَغَيْرُهُ ، وَإِنْ اُخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ الْمُطْبَقِ وَمَا جَعَلَهُ ثَالِثًا لِأَقْسَامِ الْجُنُونِ مِنْ أَنَّهُ الْمُطْبَقُ الَّذِي لَا يَزُولُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ لِأَنَّهُ مَا مِنْ سَاعَةٍ إلَّا وَيُرْتَجَى زَوَالُهُ فَهُوَ الْقِسْمُ الثَّانِي لِأَنَّا لَا نَعْلَمُ عَدَمَ زَوَالِهِ إلَّا بِالْمَوْتِ قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى الْمَجْنُونُ إذَا تَلَا يَلْزَمُهُ السُّجُودُ إذَا أَفَاقَ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُطْبَقًا وَقَالَ فِيهَا فِي كِتَابِ النِّكَاحِ تَفْسِيرُ الْجُنُونِ الْمُطْبَقِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَكْثَرُ السُّنَّةِ وَفِي رَاوِيَةٍ عَنْهُ أَكْثَرُ مِنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَكَانَ مُحَمَّدٌ يَقُولُ أَوَّلًا شَهْرٌ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ سُنَّةٌ كَامِلَةٌ وَقَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ شَهْرٌ ، وَبِهِ يُفْتِي لَا مَحَالَةَ فَفِي الصَّلَوَاتِ سِتُّ صَلَوَاتٍ وَفِي

الصَّوْمِ وَالزَّكَاةِ عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي ذَكَرْنَا .
ا هـ .

( وَيُؤَدَّى ) أَيْ سُجُودُ التِّلَاوَةِ ( بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ ) غَيْرِ رُكُوعِ الصَّلَاةِ وَسُجُودِهَا كَائِنَيْنِ ( فِي الصَّلَاةِ لَهَا ) أَيْ لِلتِّلَاوَةِ ( وَ ) تُؤَدَّى ( بِرُكُوعِ الصَّلَاةِ ) إذَا كَانَ الرُّكُوعُ ( عَلَى الْفَوْرِ ) أَيْ عَقِيبَ قِرَاءَةِ الْآيَةِ ( إنْ نَوَاهُ ) أَيْ كَوْنَ الرُّكُوعِ لِسُجُودِ التِّلَاوَةِ .
( وَ ) يُؤَدَّى أَيْضًا ( بِسُجُودِهَا ) أَيْ الصَّلَاةِ ( كَذَلِكَ ) أَيْ عَلَى الْفَوْرِ ( وَإِنْ لَمْ يَنْوِهِ ) يَعْنِي لَوْ تَلَاهَا فِي صَلَاتِهِ إنْ شَاءَ رَكَعَ لَهَا وَإِنْ شَاءَ سَجَدَ ثُمَّ قَامَ فَقَرَأَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ السَّجْدَةِ إظْهَارُ الْخُشُوعِ لِلْمَعْبُودِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالرُّكُوعِ أَيْضًا وَيَتَأَدَّى بِالسَّجْدَةِ الصُّلْبِيَّةِ لِأَنَّهَا تُوَافِقُهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ أَجْمَعُوا أَنَّ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ تَتَأَدَّى بِسَجْدَةِ الصَّلَاةِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ التِّلَاوَةَ وَاخْتَلَفُوا فِي الرُّكُوعِ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ لَا بُدَّ لِلرُّكُوعِ مِنْ النِّيَّةِ حَتَّى يَنُوبَ عَنْ التِّلَاوَةِ نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ

( قَوْلُهُ وَيُؤَدِّي بِرُكُوعِ الصَّلَاةِ عَلَى الْفَوْرِ
إلَخْ ) أَقُولُ اُخْتُلِفَ فِي انْقِطَاعِ الْفَوْرِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ بِقِرَاءَةِ ثَلَاثِ آيَاتٍ بَعْدَ آيَةِ السَّجْدَةِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ إنَّمَا يَقْطَعُ أَكْثَرَ مِنْ الثَّلَاثِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَمُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ وَقَاضِي خَانْ وَقَالَ الْكَمَالُ بَعْدَ سِيَاقِ مِثْلِهِ ، وَسَيَظْهَرُ أَنَّ قَوْلَ الْحَلْوَانِيِّ هُوَ الرِّوَايَةُ ( قَوْلُهُ إنْ نَوَاهُ ) هَذَا عَلَى قَوْلِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَقَالَ غَيْرُهُ لَا تُشْتَرَطُ إلَيْهِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ قَوْلُهُ وَقَالَ الْخُلَاصَةُ أَجْمَعُوا أَنَّ سَجْدَةَ التِّلَاوَةِ تَتَأَدَّى بِسَجْدَةِ الصَّلَاةِ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ ) يَعْنِي إذَا لَمْ يَنْقَطِعْ الْفَوْرُ كَمَا لَوْ قَرَأَ آيَتَيْنِ نَصَّ عَلَيْهِ الْكَمَالُ وَقَاضِي خَانْ وَصَاحِبُ الْبَزَّازِيَّةِ لَكِنْ نَقَلَ الْكَمَالُ عَنْ الْبَدَائِعِ مَا يُفِيدُ ثُبُوتَ الْخِلَافِ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ نَقْلِهِ فَلَمْ يَصِحَّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ نَقْلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِهَا أَيْ وَقَدْ كَانَ عَلَى الْفَوْرِ فَلَا بُدَّ مِنْ النِّيَّةِ فِي قَوْلٍ ( قَوْلُهُ اخْتَلَفُوا فِي الرُّكُوعِ
إلَخْ ) يَعْنِي إذَا لَمْ يَنْقَطِعْ الْفَوْرُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ ( قَوْلُهُ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ
إلَخْ ) يَعْنِي وَقَالَ غَيْرُهُ بِخِلَافِهِ وَإِنَّمَا اخْتَارَ قَوْلَهُ وَلِمُوَافَقَتِهِ نَصَّ مُحَمَّدٍ

( يَسْجُدُ الْمُؤْتَمُّ بِتِلَاوَةِ الْإِمَامِ وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ ) لِالْتِزَامِهِ مُتَابَعَتَهُ ( وَلَوْ تَلَا الْمُؤْتَمُّ لَمْ يَسْجُدَا ) أَيْ الْإِمَامُ وَالْمَأْتَمُ لِمَا عَرَفْت أَنَّ الْمَأْتَمَ مَحْجُورٌ عَلَيْهِ فَلَا حُكْمَ لِفِعْلِهِ ( أَصْلًا ) أَيْ لَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا بَعْدَهَا ( بِخِلَافِ الْخَارِجِ ) مِنْ الصَّلَاةِ إذَا سَمِعَ مِنْ الْمُؤْتَمِّ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْحَجْرَ ثَبَتَ فِي حَقِّ الْمُصَلِّينَ فَلَا يَعْدُوهُمْ
( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْخَارِجِ مِنْ الصَّلَاةِ إذَا سَمِعَ مِنْ الْمُؤْتَمِّ
إلَخْ ) هَكَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ هُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَمَّا قِيلَ لَا يَسْجُدُهَا عَلَى قَوْلِهِمَا لِلْحَجْرِ بَلْ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ الْحَجْرَ
إلَخْ ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ بِعُمُومِ عَدَمِ اللُّزُومِ كَمَا قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ وَاسْتَضْعَفَ بَعْضُهُمْ تَعْلِيلَ الْمُصَنِّفِ بِالْحَجْرِ عَنْ الْقِرَاءَةِ إذْ مُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يَجِبَ عَلَى السَّامِعِ مِنْ الْمُقْتَدِي خَارِجَ الصَّلَاةِ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ لِأَنَّ الْحَجْرَ ثَبَتَ فِي حَقِّهِمْ فَلَا يَعْدُوهُمْ يَدْفَعُ هَذَا الِاسْتِضْعَافَ وَضَعَّفَ الْأَتْقَانِيُّ مَا قَالَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ مَا قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ مَرْدُودٌ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْمَحْجُورِ لِغَيْرِهِ صَحِيحٌ كَالصَّبِيِّ إذَا حُجِرَ عَلَيْهِ يَعْنِي وَاسْتَمَرَّ حَجْرُهُ يَظْهَرُ فِي حَقِّهِ لَا حَقِّ غَيْرِهِ حَتَّى يَصِحَّ تَصَرُّفُهُ لِغَيْرِهِ .
ا هـ .

( سَمِعَ الْمُصَلِّي ) الْآيَةَ ( مِنْ غَيْرِهِ لَمْ يَسْجُدْ فِيهَا ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَلَاتِيَّةٍ لِأَنَّ سَمَاعَهُمْ هَذِهِ السَّجْدَةَ لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ ( بَلْ يَسْجُدُ بَعْدَهَا ) أَيْ الصَّلَاةِ لِتَحَقُّقِ سَبَبِهَا ( وَلَوْ سَجَدَ فِيهَا لَمْ تُجْزِئْهُ ) لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْ إدْخَالِ مَا لَيْسَ مِنْ الصَّلَاةِ فِيهَا وَقَدْ وَجَبَتْ السَّجْدَةُ كَامِلَةً بِسَبَبٍ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَلَوْ أَدَّى فِيهَا يَقَعُ نَاقِصًا فَلَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ الْعُهْدَةِ ( بَلْ أَعَادَهُ ) أَيْ السُّجُودَ ( دُونَهَا ) أَيْ الصَّلَاةِ لِأَنَّ مُجَرَّدَ السُّجُودِ لَا يُنَافِي إحْرَامَ الصَّلَاةِ
( قَوْلُهُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَلَاتِيَّةٍ ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ صَوَابُ النِّسْبَةِ فِيهَا صَلَوِيَّةٌ بِرَدِّ أَلْفِهِ وَاوًا وَحَذْفِ التَّاءِ ، وَإِذَا كَانُوا قَدْ حَذَفُوهَا فِي نِسْبَةِ الْمُذَكَّرِ إلَى الْمُؤَنَّثِ كَنِسْبَةِ الرَّجُلِ إلَى بَصْرَةَ مَثَلًا فَقَالُوا بَصْرِيٌ لَا بَصْرَتِيٌّ كَيْ لَا يَجْتَمِعَ تَاءَانِ فِي نِسْبَةِ الْمُؤَنَّثِ فَيَقُولُونَ بَصْرَتِيٌّ فَكَيْفَ بِنِسْبَةِ الْمُؤَنَّثِ إلَى الْمُؤَنَّثِ ا هـ .
وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَنَّهُ خَطَأٌ مُسْتَعْمَلٌ وَهُوَ عِنْدَ الْفُقَهَاءِ خَيْرٌ مِنْ صَوَابٍ نَادِرٍ ا هـ .
( قَوْلُهُ : بَلْ أَعَادَهُ دُونَهَا ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى رَدِّ مَا فِي النَّوَادِرِ مِنْ فَسَادِ الصَّلَاةِ بِالسُّجُودِ قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَالصَّحِيحُ أَنْ لَا تَفْسُدَ صَلَاتُهُ عِنْدَ الْكُلِّ ا هـ .
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ قَيَّدَ فِي التَّنْجِيسِ وَالْمُجْتَبَى وَالْوَلْوالِجِيَّة عَدَمَ الْفَسَادِ بِأَنْ لَا يُتَابِعَ الْمُصَلِّي السَّامِعَ الْقَارِئَ ، فَإِنْ تَابَعَهُ الْمُصَلِّي فَسَدَتْ صَلَاتُهُ لِلْمُتَابَعَةِ وَلَا تُجْزِئُهُ السَّجْدَةُ عَمَّا سَمِعَ .
ا هـ .

( سَمِعَ ) رَجُلٌ ( مِنْ إمَامٍ ) لَيْسَ هُوَ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ ( وَلَمْ يَأْتَمَّ بِهِ ) أَصْلًا ( أَوْ ائْتَمَّ فِي رَكْعَةٍ أُخْرَى سَجَدَ خَارِجَهَا ) أَيْ خَارِجَ الصَّلَاةِ لِوُجُودِ السَّبَبِ وَعَدَمِ الْأَدَاءِ فِي الصَّلَاةِ ( وَإِنْ ائْتَمَّ فِيهَا ) أَيْ فِي الرَّكْعَةِ الَّتِي سَمِعَهَا فِيهَا قَبْلَ سُجُودِ إمَامِهِ ( سَجَدَ مَعَهُ ) لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ سَمِعَهَا سَجَدَهَا مَعَهُ كَمَا مَرَّ فَهَاهُنَا أَوْلَى ( وَإِنْ ائْتَمَّ فِيهَا بَعْدَهُ ) أَيْ بَعْدَ سُجُودِ إمَامِهِ ( لَا ) يَسْجُدُ ( مُطْلَقًا ) أَيْ لَا فِي الصَّلَاةِ وَلَا خَارِجَهَا لِأَنَّهُ صَارَ مُدْرِكًا لَهَا بِإِدْرَاكِ تِلْكَ الرَّكْعَةِ
( قَوْلُهُ أَوْ ائْتَمَّ فِي رَكْعَةٍ أُخْرَى سَجَدَ خَارِجَهَا ) أَقُولُ هَذَا أَحَدُ قَوْلَيْنِ ذَكَرَهُمَا الزَّيْلَعِيُّ بِصِيغَةِ قِيلَ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ لِأَحَدِهِمَا وَالثَّانِي لَا يَسْجُدُ خَارِجَهَا وَلَكِنْ اقْتَصَرَ الْكَمَالُ عَلَى مِثْلِ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَكَذَلِكَ فِي النُّقَايَةِ ( قَوْلُهُ وَإِنْ ائْتَمَّ فِيهَا بَعْدَهُ
إلَخْ ) هَذَانِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ كَمَنْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الرُّكُوعِ مِنْ ثَالِثَةِ الْوِتْرِ لَا يَقْنُتُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ وَسَجْدَةٌ مَحَلُّهَا الصَّلَاةُ لَا تُقْضَى خَارِجَهَا ) هَذَا إذَا لَمْ تَفْسُدْ الصَّلَاةُ أَمَّا إذَا فَسَدَتْ وَلَمْ يَسْجُدْ فَعَلَيْهِ السَّجْدَةُ خَارِجَهَا لِأَنَّهَا لَمَّا فَسَدَتْ بَقِيَ مُجَرَّدُ الْقِرَاءَةِ فَلَمْ تَكُنْ صَلَاتِيَّةً وَلَوْ أَدَّاهَا فِيهَا ثُمَّ فَسَدَتْ يُعِيدُ السَّجْدَةَ إلَّا إذَا أُفْسِدَتْ بِالْحَيْضِ ، فَإِنَّهَا تَسْقُطُ ، وَإِذَا لَمْ يَسْجُدْ حَتَّى فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ يَأْثَمُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَدَائِعِ وَالْمَخْرَجُ لَهُ التَّوْبَةُ كَسَائِرِ الذُّنُوبِ وَإِيَّاكَ أَنْ تَفْهَمَ مِنْ قَوْلِهِمْ بِسُقُوطِهَا عَدَمَ الْإِثْمِ ، فَإِنَّهُ خَطَأٌ فَاحِشٌ كَمَا رَأَيْت بَعْضَهُمْ يَقَعُ فِيهِ كَذَا فِي الْبَحْرِ

( وَسَجْدَةٌ مَحَلُّهَا الصَّلَاةُ لَا تُقْتَضَى خَارِجَهَا ) لِأَنَّهَا صَلَاتِيَّةٌ وَلَهَا مَزِيَّةُ الصَّلَاةِ فَلَا تَتَأَدَّى بِالنَّاقِصِ لَمْ يَقُلْ وَسَجْدَةٌ وَجَبَتْ فِي الصَّلَاةِ احْتِرَازٌ عَمَّا وَجَبَتْ فِيهَا وَمَحَلُّ أَدَائِهَا خَارِجَهَا كَمَا إذَا سَمِعَ الْمُصَلِّي مِمَّنْ لَيْسَ مَعَهُ أَوْ سَمِعَ مِنْ إمَامِهِ وَاقْتَدَى بِهِ فِي رَكْعَةٍ أُخْرَى ( تَلَا خَارِجَهَا ) أَيْ الصَّلَاةِ ( فَسَجَدَ وَأَعَادَ فِيهَا سَجَدَ أُخْرَى ) لِأَنَّهُ إذَا سَجَدَ قَبْلَ الصَّلَاةِ لَا يَقَعُ عَمَّا وَجَبَ فِي الصَّلَاةِ

( قَوْلُهُ لِأَنَّهَا صَلَاتِيَّةٌ وَلَهَا مَزِيَّةُ الصَّلَاةِ فَلَا تَتَأَدَّى بِالنَّاقِصِ ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ لَيْسَ فِي الْمَتْنِ وَالشَّرْحِ أَيْ فَتْحِ الْقَدِيرِ مَا أَيْ وَجْهٌ يَقْتَضِي عَدَمَ قَضَائِهَا إذَا فَاتَتْ عَنْ مَحَلِّهَا لِأَنَّ مُجَرَّدَ كَوْنِهَا لَهَا مَزِيَّةٌ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنَّ الَّتِي خَارِجَ الصَّلَاةِ لَا تَقُومُ مَقَامَهَا لِأَنَّ الصَّلَاةَ فِي الْوَقْتِ لَهَا مَزِيَّةٌ عَلَى الْفَائِتَةِ وَهِيَ تَقُومُ مَقَامَهَا وَلَا نَقْصَ فِي حَقِيقَةِ الْخَارِجِيَّةِ مِنْ حَيْثُ هِيَ ا هـ .
وَفِي الْبَدَائِعِ مَا يُفِيدُ أَنَّ الصَّلَاتِيَّةَ تُقْضَى بَعْدَ السَّلَامِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ بِمُنَافٍ لِحُرْمَتِهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ قَوْلُهُمْ الصَّلَاتِيَّةُ لَا تُقْضَى خَارِجَهَا بِهَذَا وَأَنْ يُرَادَ بِالْخَارِجِ الْخَارِجُ عَنْ حُرْمَتِهَا قَالَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ لَمْ يَقُلْ وَسَجْدَةٌ
إلَخْ ) كَذَا قَالَهُ ابْنُ كَمَالِ بَاشَا وَمَنْ قَالَ وَسَجْدَةٌ وَجَبَتْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ ( قَوْلُهُ تَلَا خَارِجَهَا فَسَجَدُوا عَادَ فِيهَا سَجَدَ أُخْرَى ) أَقُولُ : فَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ فِي الصَّلَاةِ أَيْضًا لَا يَبْقَى عَلَيْهِ إلَّا الْإِثْمُ لِأَنَّ مَا تَلَاهَا خَارِجَ الصَّلَاةِ صَارَتْ صَلَاتِيَّةً وَهِيَ لَا تُقْضَى خَارِجَهَا وَهِيَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَفِي رَاوِيَةِ النَّوَادِرِ لَا تَسْقُطُ الْأُولَى بَلْ يُؤَدِّيهَا إذَا فَرَغَ مِنْ الصَّلَاةِ كَذَا فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ لِلْبَزْدَوِيِّ وَلَوْ عَكَسَ بِأَنْ تَلَا فِي الصَّلَاةِ فَسَجَدَ ثُمَّ سَلَّمَ وَأَعَادَ تِلْكَ الْآيَةَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَسْجُدَ أُخْرَى وَفِي نَوَادِرِ الصَّلَاةِ لَا يَجِبُ أُخْرَى وَوَفَّقَ أَبُو اللَّيْثِ بَيْنَهَا فَقَالَ : إنْ تَكَلَّمَ بَعْدَ السَّلَامِ يَجِبُ أُخْرَى لِأَنَّ الْكَلَامَ يَقْطَعُ حُكْمَ الْمَجْلِسِ ، وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أُخْرَى وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ

( وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ أَوَّلًا كَفَتْهُ وَاحِدَةٌ ) لِأَنَّ الصَّلَاتِيَّةَ اسْتَتْبَعَتْ غَيْرَهَا ، وَإِنْ لَمْ يَتَّحِدْ الْمَجْلِسُ ( كَمَنْ كَرَّرَهَا فِي مَجْلِسٍ ) حَيْثُ كَفَتْ وَاحِدَةٌ سَوَاءٌ قَرَأَ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ سَجَدَ أَوْ قَرَأَ وَسَجَدَ ثُمَّ قَرَأَهَا فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ ( لَا مَجْلِسَيْنِ ) فَإِنَّ تَكْرَارَهَا فِيهِمَا يُوجِبُ سَجْدَتَيْنِ ( وَلَوْ بَدَّلَهَا ) أَيْ قَرَأَ بَدَلَ الْآيَةِ الْأُولَى آيَةً أُخْرَى ( فِي مَجْلِسٍ لَمْ تَكْفِ ) وَاحِدَةٌ بَلْ وَجَبَ سَجْدَتَانِ الْأَصْلُ أَنَّ مَبْنَى السَّجْدَةِ عَلَى التَّدَاخُلِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَهُوَ تَدَاخُلُ السَّبَبِ لَا الْحُكْمِ وَهُوَ أَلْيَقُ بِالْعِبَادَاتِ لِلِاحْتِيَاطِ وَالثَّانِي بِالْعُقُوبَاتِ لِإِظْهَارِ كَرَمِ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَإِمْكَانِ التَّدَاخُلِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْمَجْلِسِ لِكَوْنِهِ جَامِعًا لِلْمُتَفَرِّقَاتِ ، فَإِذَا اخْتَلَفَ عَادَ الْحُكْمُ إلَى الْأَصْلِ

( قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَسْجُدْ أَوَّلًا كَفَتْهُ وَاحِدَةٌ ) هَذَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَنَوَادِرِ الصَّلَاةِ لِأَبِي حَفْصٍ وَأَمَّا عَلَى رَاوِيَةِ النَّوَادِرِ لِأَبِي سُلَيْمَانَ ، فَإِنَّهَا لَا تَسْتَتْبِعُ الْأُولَى الثَّانِيَةَ وَيَسْجُدُ لِلْأُولَى إذَا فَرَغَ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ ( قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَتَّحِدْ الْمَجْلِسُ ) أَيْ حُكْمًا وَهَذَا عَلَى تَسْلِيمِ الْوَجْهِ لِمَا رَوَى أَبُو سُلَيْمَانَ وَهُوَ أَنَّ الْمَجْلِسَ يَتَبَدَّلُ حُكْمًا لِأَنَّ مَجْلِسَ التِّلَاوَةِ غَيْرُ مَجْلِسِ الصَّلَاةِ وَأَمَّا عَلَى الظَّاهِرِ فَالْمَجْلِسُ مُتَّحِدٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا أَمَّا حَقِيقَةً فَظَاهِرٌ لِشُرُوعِهِ فِي مَكَانِهِ وَهُوَ عَمَلٌ قَلِيلٌ وَبِهِ لَا يَخْتَلِفُ الْمَجْلِسُ ، وَأَمَّا حُكْمًا فَلِأَنَّ التِّلَاوَتَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلًّا مِنْهُمَا عِبَادَةٌ بِخِلَافِ نَحْوِ الْأَكْلِ وَلَوْ لَمْ يَتَّحِدْ حَقِيقَةً أَوْ تَبَدَّلَ حُكْمًا بِعَمَلِ غَيْرِ الصَّلَاةِ لَا تَكْفِيهِ سَجْدَةُ الصَّلَاةِ عَمَّا وَجَبَ قَبْلَهَا كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالتَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ الْأَصْلُ أَنَّ مَبْنَى السَّجْدَةِ عَلَى التَّدَاخُلِ ) يَعْنِي إذَا أَمْكَنَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَإِمْكَانُهُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْمَجْلِسِ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ يَتَكَرَّرَ لِأَنَّ التِّلَاوَةَ سَبَبٌ لِلْوُجُوبِ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ تَدَاخُلٌ فِي السَّبَبِ لَا الْحُكْمِ ) أَقُولُ وَالْأَصْلُ هُوَ التَّدَاخُلُ فِي الْحُكْمِ لِأَنَّهُ أَمْرٌ حُكْمِيٌّ ثَبَتَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ إذْ الْأَصْلُ أَنَّ لِكُلِّ سَبَبٍ مُسَبَّبًا فَيَلِيقُ التَّدَاخُلُ بِالْأَحْكَامِ لَا بِالْأَسْبَابِ لِثُبُوتِ الْأَسْبَابِ حِسًّا لَكِنَّا لَوْ قُلْنَا بِالتَّدَاخُلِ فِي الْحُكْمِ فِي الْعِبَادَاتِ لَبَطَلَ التَّدَاخُلُ لِأَنَّهُ بِالنَّظَرِ إلَى الْأَسْبَابِ يَتَعَدَّدُ وَبِالنَّظَرِ إلَى الْحُكْمِ يَتَّحِدُ فَيَتَعَدَّدُ احْتِيَاطًا فِي الْعِبَادَاتِ لِأَنَّ مَبْنَاهَا عَلَى التَّكْثِيرِ بِخِلَافِ الْعُقُوبَاتِ ، فَإِنَّ مَبْنَاهَا عَلَى الدَّرْءِ وَالْعَفْوِ كَمَا فِي الْكَافِي وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ التَّدَاخُلَ فِي السَّبَبِ تَنُوبُ فِيهِ

الْوَاحِدَةُ عَمَّا قَبْلَهَا وَعَمَّا بَعْدَهَا وَفِي التَّدَاخُلِ فِي الْحُكْمِ لَا تَنُوبُ إلَّا عَمَّا قَبْلَهَا حَتَّى لَوْ زَنَى فَحُدَّ ثُمَّ زَنَى فِي الْمَجْلِسِ يُحَدُّ ثَانِيًا كَمَا فِي الْكَافِي وَالتَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ : فَإِذَا اخْتَلَفَ عَادَ الْحُكْمُ إلَى الْأَصْلِ ) أَيْ تَكَرَّرَ الْحُكْمُ بِتَكَرُّرِ السَّبَبِ

( وَإِسْدَاءُ الثَّوْبِ وَالِانْتِقَالُ مِنْ غُصْنٍ إلَى غُصْنٍ تَبْدِيلٌ ) لِوُجُودِ الِاخْتِلَافِ حَقِيقَةً وَعَدَمِ الْجَامِعِ حُكْمًا بِخِلَافِ زَوَايَا الْمَسْجِدِ وَالْبَيْتِ فَإِنَّهَا فِي حُكْمِ مَكَان وَاحِدٍ بِدَلِيلِ صِحَّةِ الِاقْتِدَاءِ ( لَا الْفِعْلُ الْقَلِيلُ ) يَعْنِي أَنَّهُ لَيْسَ بِتَبْدِيلٍ ( كَالْقِيَامِ ) حَيْثُ كَفَتْ سَجْدَةٌ وَاحِدَةٌ سَوَاءً وَقَعَتْ بَعْدَ الْفِعْلِ كَأَنْ تَلَا فَقَامَ ثُمَّ ثَنَّى فَسَجَدَ أَوْ قَبْلَهُ كَأَنْ تَلَا فَسَجَدَ ثُمَّ قَامَ فَثَنَّى ( وَمَشَى خُطْوَةً أَوْ خُطْوَتَيْنِ وَأَكَلَ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ وَشَرِبَ شَرْبَةَ مَاءٍ وَالتَّكَلُّمُ بِكَلَامٍ يَسِيرٍ وَنَحْوِهَا ) مِمَّا لَا يَتَبَدَّلُ بِهِ الْمَجْلِسُ كَالْقُعُودِ وَالِاتِّكَاءِ وَالرُّكُوبِ وَالنُّزُولِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَلَا آيَةَ سَجْدَةٍ أُخْرَى أَوْ ثَنَّى بَعْدَ فِعْلٍ كَثِيرٍ كَمَشْيِ خُطُوَاتٍ فَإِنَّهَا لَا تَكْفِي

( قَوْلُهُ : وَإِسْدَاءُ الثَّوْبِ
إلَخْ ) هُوَ الْأَصَحُّ وَكَذَا يَتَكَرَّرُ فِي الدِّيَاسَةِ لِلِاحْتِيَاطِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ اعْلَمْ أَنَّ تَكَرُّرَ الْوُجُوبِ فِي التَّسْدِيَةِ بِنَاءً عَلَى الْمُعْتَادِ فِي بِلَادِهِمْ مِنْ أَنَّهَا أَنْ يَغْرِسَ الْحَائِكُ خَشَبًا لِيُسَوِّيَ فِيهَا السُّدَى ذَاهِبًا وَجَائِيًا ، وَأَمَّا عَلَى مَا هِيَ فِي بِلَادِ الْإِسْكَنْدَرِيَّة وَغَيْرِهَا بِأَنْ يُدِيرَهُ عَلَى دَائِرَةٍ عُظْمَى وَهُوَ جَالِسٌ فِي مَكَان وَاحِدٍ فَلَا يَتَكَرَّرُ الْوُجُوبُ ا هـ ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ زَوَايَا الْمَسْجِدِ أَوْ الْبَيْتِ ) كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَقِيلَ : إذَا كَانَ الْبَيْتُ كَبِيرًا وَالْمَسْجِدُ عَظِيمًا كَالْجَامِعِ يَخْتَلِفُ الْمَجْلِسُ ( قَوْلُهُ : أَوْ أَكَلَ لُقْمَةً أَوْ لُقْمَتَيْنِ ) كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَجَعَلَ الْكَثِيرَ مَا فَوْقَ ثِنْتَيْنِ وَكَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَقَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ عَنْ الرَّوْضَةِ بِالْأَكْلِ لَا يَخْتَلِفُ الْمَجْلِسُ حَتَّى يَشْبَعَ وَبِالشُّرْبِ حَتَّى يُرْوَى وَبِالْكَلَامِ وَالْعَمَلِ حَتَّى يَكْثُرَ اسْتِحْسَانًا كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَعَلَى مَا ذَكَرَهُ التُّمُرْتَاشِيُّ صَاحِبُ الْجَوْهَرَةِ ( قَوْلُهُ : وَالرُّكُوبِ ) يَعْنِي فِي مَحَلِّ قِرَاءَتِهِ وَالنُّزُولِ يَعْنِي مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسِيرَ عَنْ مَحَلِّ قِرَاءَتِهِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ

( كَرَّرَهَا رَاكِبًا ) حَالَ كَوْنِهِ ( غَيْرَ مُصَلٍّ تَتَكَرَّرُ ) السَّجْدَةُ لِأَنَّ سَيْرَ الدَّابَّةِ يُضَافُ إلَى رَاكِبِهَا حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا أَتْلَفَتْ الدَّابَّةُ فَاعْتُبِرَ مَكَانُ الْأَرْضِ لَا ظَهْرُ الدَّابَّةِ وَإِنَّمَا قَالَ غَيْرَ مُصَلٍّ لِأَنَّ حُرْمَةَ الصَّلَاةِ تَجْعَلُ الْأَمْكِنَةَ كَمَكَانٍ وَاحِدٍ وَلَوْلَاهُ لَمَا صَحَّتْ صَلَاتُهُ إذْ اخْتِلَافُ الْمَكَانِ يَمْنَعُ صِحَّتَهَا

( وَفِي فُلْكٍ رَكْعَةٍ وَرَكْعَتَيْنِ لَا ) يَعْنِي لَوْ كَرَّرَهَا فِي فُلْكٍ لَا تَتَكَرَّرُ السَّجْدَةُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّ الْفُلْكَ كَالْبَيْتِ إذْ جَرَيَانُهَا لَا يُضَافُ إلَيْهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَجَرَيْنَ بِهِمْ } وَلَوْ كَرَّرَ الْمُصَلِّي فِي رَكْعَةٍ كَفَتْهُ سَجْدَةٌ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا لِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ وَلَوْ فِي رَكْعَتَيْنِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ
( قَوْلُهُ وَفِي رَكْعَتَيْنِ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ) أَقُولُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجِبُ أُخْرَى وَتَمَامُهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ

( تَبَدُّلُ مَجْلِسِ السَّامِعِ لَا التَّالِي يُوجِبُ ) سَجْدَةً ( أُخْرَى عَلَيْهِ ) أَيْ السَّامِعِ ( لَا عَكْسُهُ ) أَيْ تَبَدُّلُ مَجْلِسِ التَّالِي لَا يُوجِبُ سَجْدَةً أُخْرَى عَلَى السَّامِعِ ( وَلَا يَرْفَعُ ) السَّامِعُ ( رَأْسَهُ قَبْلَ التَّالِي ) لِأَنَّهُ كَالْإِمَامِ لَهُ
( قَوْلُهُ : تَبَدُّلُ مَجْلِسِ السَّامِعِ
إلَخْ ) أَقُولُ وَتَكَرُّرُ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ ( قَوْلُهُ لَا عَكْسُهُ
إلَخْ ) هَذَا أَيْ عَدَمُ التَّكَرُّرِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَضَعُفَ الْقَوْلُ بِالتَّكَرُّرِ هُنَا وَظَاهِرُ الْكَافِي تَرْجِيحُ التَّكَرُّرِ كَمَا فِي الْفَتْحِ

( وَكُرِهَ قِرَاءَةُ إمَامٍ يُخَافِتُ ) أَيْ كُرِهَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْرَأَهَا فِي صَلَاةٍ يُخَافِتُ فِيهَا لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى اشْتِبَاهِ الْأَمْرِ عَلَى الْقَوْمِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ فِي رُكُوعِهِ عَلَى الْفَوْرِ

( وَ ) كُرِهَ أَيْضًا ( تَرْكُ آيَتِهَا وَقِرَاءَةُ الْبَاقِي ) لِأَنَّهُ يُوهِمُ الِاسْتِنْكَافَ عَنْهَا وَالْفِرَارَ عَنْ لُزُومِ السَّجْدَةِ عَلَيْهِ

( وَنُدِبَ ضَمُّ آيَةٍ أَوْ أَكْثَرَ إلَيْهَا ) دَفْعًا لِتَوَهُّمِ التَّفْضِيلِ ( وَإِخْفَاؤُهَا عَنْ السَّامِعِ ) شَفَقَةً عَلَيْهِ ( وَالْقِيَامُ ثُمَّ السُّجُودُ ) رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا وَلِأَنَّ الْخُرُوجَ فِيهِ أَكْمَلُ
( قَوْلُهُ : وَنَدَبَ ضَمُّ آيَةٍ أَوْ أَكْثَرَ إلَيْهَا
إلَخْ ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى عَدَمِ كَرَاهَةِ إفْرَادِهَا بِالْقِرَاءَةِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْكَنْزِ وَالْكَافِي وَالْهِدَايَةِ ( فَائِدَةٌ مُهِمَّةٌ لِكِفَايَةِ كُلِّ مُهِمَّةٍ ) قَالَ الْكَمَالُ وَالْكَافِي قِيلَ مَنْ قَرَأَ آيَ السَّجْدَةِ كُلَّهَا فِي مَجْلِسٍ وَاحِدَةٍ وَسَجَدَ لِكُلٍّ مِنْهَا كَفَاهُ اللَّهُ مَا أَهَمَّهُ ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَإِخْفَاؤُهَا عَنْ السَّامِعِ شَفَقَةً عَلَيْهِ ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ عَنْ الْمُحِيطِ قَالَ مَشَايِخُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ إنْ كَانَ الْقَوْمُ مُتَأَهِّبِينَ لِلسُّجُودِ وَيَقَعُ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ أَدَاءُ السَّجْدَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَهَا جَهْرًا حَتَّى يَسْجُدَ الْقَوْمُ مَعَهُ لِأَنَّ فِي هَذَا حَثًّا لَهُمْ عَلَى الطَّاعَةِ ، وَإِنْ كَانُوا مُحْدِثِينَ أَوْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ أَدَاءُ السَّجْدَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَهَا فِي نَفْسِهِ وَلَا يَجْهَرُ تَحَرُّزًا عَنْ تَأْثِيمِ الْمُسْلِمِ وَذَلِكَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ .
ا هـ .
( تَتِمَّةٌ ) سَجْدَةُ الشُّكْرِ لَا عِبْرَةَ بِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهِيَ مَكْرُوهَةٌ عِنْدَهُ لَا يُثَابُ عَلَيْهَا وَتَرْكُهَا أَوْلَى وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَعِنْدَهُمَا قُرْبَةٌ يُثَابُ عَلَيْهَا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَهَيْئَتُهَا كَهَيْئَةِ التِّلَاوَةِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَفِي فُرُوقِ الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ قَالَ سَجْدَةُ الشُّكْرِ جَائِزَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا وَاجِبَةٌ وَهُوَ مَعْنَى مَا رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ مَشْرُوعَةً أَيْ وُجُوبًا ا هـ .
وَقَالَ فِي الْقَاعِدَةِ الْأُولَى مِنْ الْأَشْبَاهِ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي سُنِّيَّتِهَا لَا فِي الْجَوَازِ .
ا هـ .

( بَابُ الْجَنَائِزِ ) جَمْعُ جِنَازَةٍ وَهِيَ بِالْفَتْحِ الْمَيِّتُ وَبِالْكَسْرِ السَّرِيرُ ( سُنَّ تَوْجِيهُ الْمُحْتَضَرِ ) أَيْ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ ( إلَى الْقِبْلَةِ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ ) اعْتِبَارًا بِحَالِ الْوَضْعِ فِي الْقَبْرِ لِأَنَّهُ أَشْرَفَ عَلَيْهِ ( وَجَازَ الِاسْتِلْقَاءُ وَقَدَمَاهُ إلَيْهَا ) أَيْ الْقِبْلَةِ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ لِنَزْعِ الرُّوحِ وَالْأَوَّلُ هُوَ السُّنَّةُ ( وَرَفْعُ رَأْسِهِ قَلِيلًا ) لِيَصِيرَ وَجْهُهُ إلَى الْقِبْلَةِ لَا السَّمَاءِ ( وَيُلَقَّنُ بِذِكْرِ الشَّهَادَتَيْنِ عِنْدَهُ ) لِأَنَّ الْأُولَى لَا تُقْبَلُ بِدُونِ الثَّانِيَةِ وَلَا يُؤْمَرُ بِهَا مَخَافَةَ أَنْ يَتَضَجَّرَ وَيَرُدَّهَا ( وَبَعْدَ مَوْتِهِ يُشَدُّ لَحْيَاهُ وَتُغْمَضُ عَيْنَاهُ ) بِذَلِكَ جَرَى التَّوَارُثُ وَفِيهِ تَحْسِينُهُ فَيُسْتَحْسَنُ

( بَابُ الْجَنَائِزِ ) ( قَوْلُهُ : جَمْعُ جِنَازَةٍ ) إنَّمَا سُمِّيَتْ جِنَازَةً لِأَنَّهَا مَجْمُوعَةٌ مُهَيَّأَةٌ مِنْ جُنِزَ الشَّيْءُ فَهُوَ مَجْنُوزٌ ، وَإِذَا جُمِعَ قَالَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ ( قَوْلُهُ : وَهِيَ بِالْفَتْحِ الْمَيِّتُ وَبِالْكَسْرِ السَّرِيرُ ) كَذَا فِي الْعِنَايَةِ ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ هُمَا لُغَتَانِ وَعَنْ الْأَصْمَعِيِّ لَا يُقَالُ بِالْفَتْحِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : سُنَّ تَوْجِيهُ الْمُحْتَضَرِ ) قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ هَذَا إذَا لَمْ يَشُقَّ عَلَيْهِ ، فَإِنْ شَقَّ تُرِكَ عَلَى حَالِهِ وَالْمَرْجُومُ لَا يُوَجَّهُ وَيُسْتَحَبُّ لِأَقْرِبَائِهِ وَجِيرَانِهِ أَنْ يَدْخُلُوا عَلَيْهِ وَيَتْلُونَ سُورَةَ يس وَاسْتَحْسَنَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ قِرَاءَةُ سُورَةِ الرَّعْدِ وَيَخْرُجُ مِنْ عِنْدِهِ الْحَائِضُ وَالنُّفَسَاءُ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَقَالَ الْكَمَالُ لَا يَمْتَنِعُ حُضُورُ الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَقْتَ الِاحْتِضَارِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : أَيْ مَنْ حَضَرَهُ الْمَوْتُ ) تَوْجِيهٌ لِتَسْمِيَتِهِ مُحْتَضَرًا وَوَجَّهَهُ أَيْضًا بِحُضُورِ مَلَائِكَةِ الْمَوْتِ وَقَدْ يُقَالُ : اُحْتُضِرَ أَيْ مَاتَ وَعَلَامَةُ الِاحْتِضَارِ أَنْ تَسْتَرْخِيَ قَدَمَاهُ فَلَا تَنْتَصِبَانِ وَيَنْعَوِجَ أَنْفُهُ وَيَنْخَسِفَ صُدْغَاهُ وَتَمْتَدَّ جِلْدَةُ خُصْيَتِهِ لِاشْتِمَارِ الْخُصْيَتَيْنِ بِالْمَوْتِ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَتَمْتَدَّ جَلْدَةُ وَجْهِهِ فَلَا يُرَى فِيهَا تَعَطُّفٌ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ أَيْسَرُ لِنَزْعِ الرُّوحِ ) كَذَا نَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِقَوْلِهِ وَالْمُعْتَادُ فِي زَمَانِنَا أَنْ يُلْقَى عَلَى قَفَاهُ وَقَدَمَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ قَالُوا هُوَ أَيْسَرُ لِخُرُوجِ الرُّوحِ وَلَمْ يَذْكُرُوا وَجْهَ ذَلِكَ وَلَا يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ إلَّا نَقْلًا وَلَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ هُوَ أَسْهَلُ لِتَغْمِيضِ عَيْنَيْهِ وَشَدِّ لَحْيَيْهِ عَقِبَ الْمَوْتِ وَأَمْنَعُ مِنْ تَقَوُّسِ أَعْضَائِهِ .
ا هـ .
قُلْت : وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ هَذَا الثَّانِيَ هُوَ مُرَادُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ لِاقْتِصَارِهِ عَلَى قَوْلِهِ وَالْمُخْتَارُ فِي بِلَادِنَا الِاسْتِلْقَاءُ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ ا هـ لِعَدَمِ تَقْيِيدِهِ

بِكَوْنِهِ أَيْسَرَ لِخُرُوجِ الرُّوحِ ( قَوْلُهُ : وَيُلَقَّنُ بِذِكْرِ الشَّهَادَتَيْنِ عِنْدَهُ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ } ، وَأَمَّا التَّلْقِينُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهُوَ فِي الْقَبْرِ فَقِيلَ يُفْعَلُ وَقِيلَ لَا يُلَقَّنُ وَقِيلَ لَا يَأْمُرُ بِهِ وَلَا يَنْهَى عَنْهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ ، وَأَمَّا تَلْقِينُ الْمَيِّتِ فِي الْقَبْرِ فَمَشْرُوعٌ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحْيِيهِ فِي الْقَبْرِ وَصُورَتُهُ أَنْ يُقَالَ : يَا فُلَانَ بْنَ فُلَانَةَ أَوْ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ اُذْكُرْ دِينَك الَّذِي كُنْتَ عَلَيْهِ وَقُلْ رَضِيتُ بِاَللَّهِ رَبًّا وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا وَالْأَشْهَرُ أَنَّ السُّؤَالَ حِينَ يُدْفَنُ وَقِيلَ فِي بَيْتِهِ تُقْبَضُ عَلَيْهِ الْأَرْضُ وَتَنْطَبِقُ كَالْقَبْرِ ، فَإِنْ قِيلَ هَلْ يُسْأَلُ الطِّفْلُ الرَّضِيعُ فَالْجَوَابُ أَنَّ كُلَّ ذِي رُوحٍ مِنْ بَنِي آدَمَ ، فَإِنَّهُ يُسْأَلُ فِي الْقَبْرِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ السُّنَّةِ لَكِنْ يُلَقِّنُهُ الْمَلَكُ فَيَقُولُ لَهُ : مَنْ رَبُّك ثُمَّ يَقُولُ لَهُ : قُلْ اللَّهُ رَبِّي ثُمَّ يَقُولُ لَهُ : مَا دِينُك ثُمَّ يَقُولُ لَهُ قُلْ دِينِي الْإِسْلَامُ ثُمَّ يَقُولُ لَهُ مَنْ نَبِيُّك ثُمَّ يَقُولُ لَهُ قُلْ نَبِيِّ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُلَقِّنُهُ بَلْ يُلْهِمُهُ اللَّهُ حَتَّى يُجِيبَ كَمَا أَلْهَمَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْمَهْدِ ا هـ .
وَرَوَى الضَّحَّاكُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ الْأَطْفَالَ يُسْأَلُونَ عَنْ الْمِيثَاقِ الْأَوَّلِ وَالسُّؤَالُ لَا يَخْتَصُّ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ : إنَّ السُّؤَالَ فِي الْقَبْرِ لِهَذِهِ الْأَمَةِ خَاصَّةً كَذَا فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ وَقَالَ الْبَزَّازِيَّةُ السُّؤَالُ فِيمَا يَسْتَقِرُّ فِيهِ الْمَيِّتُ حَتَّى لَوْ أَكَلَهُ سَبُعٌ فَالسُّؤَالُ فِي بَطْنِهِ ، فَإِنْ

جُعِلَ فِي تَابُوتٍ أَيَّامًا لِنَقْلِهِ إلَى مَكَان آخَرَ لَا يُسْأَلُ مَا لَمْ يُدْفَنْ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ وَلَا يُؤْمَرُ بِهَا مَخَافَةَ أَنْ يَضْجَرَ ) أَقُولُ : وَقَالُوا إذَا ظَهَرَ مِنْهُ كَلِمَاتٌ تُوجِبُ الْكُفْرَ لَا يُحْكَمُ بِكُفْرِهِ وَيُعَامَلُ مُعَامَلَةَ مَوْتَى الْمُسْلِمِينَ حَمْلًا عَلَى أَنَّهُ فِي حَالِ زَوَالِ عَقْلِهِ وَلِذَا اخْتَارَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ أَنْ يَذْهَبَ عَقْلُهُ قَبْلَ مَوْتِهِ لِهَذَا الْخَوْفِ وَبَعْضُهُمْ اخْتَارُوا قِيَامَهُ حَالَ الْمَوْتِ كَذَا فِي الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ : وَيُغْمِضُ عَيْنَاهُ ) وَيَقُولُ مُغْمِضُهُ بِسْمِ اللَّهِ وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ اللَّهُمَّ يَسِّرْ عَلَيْهِ أَمْرَهُ وَسَهِّلْ عَلَيْهِ مَا بَعْدَهُ وَأَسْعِدْهُ بِلِقَائِك وَاجْعَلْ مَا خَرَجَ إلَيْهِ خَيْرًا مِمَّا خَرَجَ عَنْهُ وَيُوضَعُ عَلَى بَطْنِهِ حَدِيدٌ لِئَلَّا يَنْتَفِخَ وَيُكْرَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عِنْدَهُ حَتَّى يُغَسَّلَ ا هـ .
وَذَكَرَ فِي النُّتَفِ أَنَّهُ يُقْرَأُ عِنْدَ الْمُحْتَضَرِ الْقُرْآنُ إلَى أَنْ يُرْفَعَ ا هـ يَعْنِي إلَى أَنْ تُرْفَعَ رُوحُهُ ا هـ .
وَهَذَا يَخْرُجُ عَلَى أَنَّهُ يَجِبُ غُسْلُهُ لِحَدَثٍ حَلَّ بِهِ أَوْ لِنَجَاسَتِهِ بِالْمَوْتِ فَعَلَى الْأَوَّلِ لَا يُكْرَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عِنْدَهُ لِأَنَّهُ يَجُوزُ مِنْ الْمُحْدَثِ وَعِنْدَهُ وَعَلَى الثَّانِي وَهُوَ الرَّاجِحُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي النِّهَايَةِ يُكْرَهُ لَهُ الْقِرَاءَةُ لِأَنَّ الْقُرْآنَ يَجِبُ تَنْزِيهُهُ عَنْ مَحَلِّ النَّجَاسَةِ وَالْقَاذُورَاتِ كَذَا بِخَطِّ الشَّيْخِ بَدْرِ الدِّينِ الشَّهَاوِيِّ ا هـ .
وَقَالَ فِي الْمِعْرَاجِ لَوْ قَرَأَ عَلَيْهِ الْقُرْآنَ قَبْلَ غَسْلِهِ كُرِهَ لَا بَعْدَهُ .
ا هـ .
( تَنْبِيهٌ ) : قَالَ فِي نَتَائِجِ الْفَتَاوَى إذَا مَاتَ الْمُسْلِمُ تُوضَعُ يَدُهُ الْيُمْنَى فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ وَالْيُسْرَى فِي الْأَيْسَرِ وَلَا يَجُوزُ وَضْعُ الْيَدَيْنِ عَلَى صَدْرِ الْمَيِّتِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { اجْعَلُوا أَمْوَاتَكُمْ بِخِلَافِ الْكَافِرِينَ ، فَإِنَّهُمْ يَضَعُونَ يَدَ الْمَيِّتِ عَلَى صَدْرِهِ } .
ا هـ .

( وَلَا بَأْسَ بِإِعْلَامِ النَّاسِ بِمَوْتِهِ وَيُعَجَّلُ فِي تَجْهِيزِهِ فَيُوضَعُ عَلَى تَخْتِ مُجَمَّرٍ وِتْرًا ) كَكَفَنِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْظِيمِ الْمَيِّتِ ، وَاخْتِيَارُ الْوِتْرِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ اللَّهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ }
( قَوْلُهُ : وَلَا بَأْسَ بِإِعْلَامِ النَّاسِ بِمَوْتِهِ ) قَالَ قَاضِي خَانْ لَا بَأْسَ بِأَنْ يُؤَذِّنَ قَرَابَتُهُ وَإِخْوَانُهُ بِمَوْتِهِ وَيُكْرَهُ النِّدَاءُ فِي الْأَسْوَاقِ ا هـ فِي الْبَحْرِ كَرِهَ بَعْضُهُمْ أَنْ يُنَادَى عَلَيْهِ فِي الْأَسْوَاقِ وَالْأَزِقَّةِ لِأَنَّهُ نَعْيُ الْجَاهِلِيَّةِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّ فِيهِ تَكْثِيرَ الْجَمَاعَةِ مِنْ الْمُصَلِّينَ عَلَيْهِ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ لَهُ وَتَحْرِيضَ النَّاسِ عَلَى الطَّهَارَةِ وَالِاعْتِبَارِ بِهِ وَالِاسْتِعْدَادِ ، وَلَيْسَ ذَلِكَ نَعْيَ الْجَاهِلِيَّةِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَبْعَثُونَ إلَى الْقَبَائِلِ يَنْعُونَ مَعَ ضَجِيجٍ وَبُكَاءٍ وَعَوِيلٍ وَتَعْدِيدٍ ا هـ .
وَقَالَ الْكَمَالُ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ بَعْدُ إنْ لَمْ يَكُنْ مَعَ تَنْوِيهٍ بِذِكْرِهِ وَتَفْحِيمٍ بَلْ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ الْفَقِيرُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَيُعَجِّلُ فِي تَجْهِيزِهِ فَيُوضَعُ عَلَى تَخْتٍ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ إنَّمَا يُوضَعُ عَلَيْهِ كَمَا مَاتَ وَلَا يُؤَخَّرُ إلَّا وَقْتَ الْغُسْلِ ا هـ .
وَيُوضَعُ التَّخْتُ كَيْف اتَّفَقَ عَلَى الْأَصَحِّ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ اخْتَارَهُ طُولًا كَصَلَاتِهِ بِالْإِيمَاءِ وَمِنْهُمْ مَنْ اخْتَارَهُ عَرْضًا كَمَا يُوضَعُ فِي الْقَبْرِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ ( قَوْلُهُ مُجْمِرٍ وِتْرًا ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ السَّرِيرَ يُجَمَّرُ قَبْلَ وَضْعِ الْمَيِّتِ عَلَيْهِ وَكَيْفِيَّةُ أَنْ يُدَارَ بِالْمُجْمَرِ حَوْلَ السَّرِيرِ إمَّا مَرَّةً أَوْ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا وَلَا يُزَادُ عَلَيْهَا كَذَا فِي التَّبْيِينِ

( وَيُجَرَّدُ ) عَنْ ثِيَابِهِ ( وَتُسْتَرُ عَوْرَتُهُ الْغَلِيظَةُ وَقِيلَ مُطْلَقًا وَيُوَضَّأُ بِلَا مَضْمَضَةٍ وَاسْتِنْشَاقٍ ) لِتَعَذُّرِ إخْرَاجِ الْمَاءِ ( وَيُصَبُّ عَلَيْهِ مَاءٌ مَغْلِيٌّ بِسِدْرٍ وَحُرْضٍ ) وَهُوَ الْأُشْنَانُ مُبَالَغَةً فِي التَّنْظِيفِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مَاءٌ كَذَلِكَ ( فَخَالِصٌ ) أَيْ يُصَبُّ عَلَيْهِ مَاءٌ خَالِصٌ لِحُصُولِ أَصْلِ الْمَقْصُودِ

( قَوْلُهُ : وَيُجَرَّدُ عَنْ ثِيَابِهِ ) أَيْ لِغُسْلِهِ لِأَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا إذَا كَانَ خُنْثَى مُشْكِلًا ، فَإِنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ قِيلَ يُيَمَّمُ وَقِيلَ يُغَسَّلُ فِي ثِيَابِهِ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى كَمَا فِي الْفَتْحِ وَقَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ الْخُنْثَى يُيَمَّمُ وَلَا يُغَسَّلُ ا هـ .
وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَقِيلَ يُغَسَّلُ فِي كِوَارَةٍ وَقِيلَ فِي ثِيَابِهِ إذَا كَانَ بَالِغًا بِالسِّنِّ أَوْ مُرَاهِقًا وَالْأَجْنَبِيَّةُ يُيَمِّمُهَا الْأَجْنَبِيُّ بِخِرْقَةٍ إذَا لَمْ تُوجَدْ النِّسَاءُ ، فَإِنْ وُجِدَ رَجُلٌ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ يُيَمِّمُهَا بِلَا خِرْقَةٍ كَمَا تَيَمُّمُهُ وَلَا يُغَسِّلُهُ إلَّا زَوْجَتُهُ لَا أُمُّ وَلَدِهِ كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ ، وَإِذَا لَمْ يَبْلُغْ الصَّغِيرُ وَالصَّغِيرَةُ حَدَّ الشَّهْوَةِ يُغَسِّلُهُمَا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَقَدَّرَهُ فِي الْأَصْلِ بِأَنْ يَكُونَ قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلزَّوْجِ رُؤْيَةُ زَوْجَتِهِ .
وَفِي الْمُجْتَبَى لَا بَأْسَ بِتَقْبِيلِ الْمَيِّتِ ا هـ .
وَغُسْلُ الْمَيِّتِ شَرِيعَةٌ مَاضِيَةٌ لِمَا رُوِيَ أَنَّ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا قُبِضَ نَزَلَ جِبْرِيلُ بِالْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ وَغَسَّلُوهُ وَقَالُوا لِوَلَدِهِ هَذِهِ سُنَّةُ مَوْتَاكُمْ كَذَا فِي الْكَافِي ( قَوْلُهُ : وَيَسْتُرُ عَوْرَتَهُ الْغَلِيظَةَ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ ( قَوْلُهُ وَقِيلَ مُطْلَقًا ) هُوَ رِوَايَةُ النَّوَادِرِ فَيَسْتُرُ مِنْ سُرَّتِهِ إلَى تَحْتِ رُكْبَتِهِ وَصَحَّحَهَا فِي النِّهَايَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَكَذَا صَحَّحَهَا فِي التَّبْيِينِ وَهَذَا شَامِلٌ لِلْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ لِأَنَّ عَوْرَةَ الْمَرْأَةِ لِلْمَرْأَةِ كَالرَّجُلِ لِلرَّجُلِ وَتُغَسَّلُ الْعَوْرَةُ تَحْتَ السُّتْرَةِ وَيَدُهُ مَلْفُوفَةٌ بِخِرْقَةٍ ( قَوْلُهُ : وَوُضِّئَ ) أَقُولُ إلَّا إذَا كَانَ صَغِيرًا لَا يَعْقِلُ الصَّلَاةَ فَيُغَسَّلُ بِلَا وُضُوءٍ ( قَوْلُهُ : بِلَا مَضْمَضَةٍ وَاسْتِنْشَاقٍ ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ ا هـ إلَّا إذَا كَانَ جُنُبًا كَذَا نُقِلَ عَنْ شَرْحِ الْمَقْدِسِيِّ

وَاسْتَحْسَنَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنْ يَلُفَّ الْغَاسِلُ عَلَى أُصْبُعِهِ خِرْقَةً يَمْسَحُ بِهَا أَسْنَانَهُ وَلَهَاتَهُ وَشَفَتَيْهِ وَمَنْخَرَيْهِ وَعَلَيْهِ عَمَلُ النَّاسِ الْيَوْمَ وَيَفْعَلُهُ ابْتِدَاءً وَلَا يَبْدَأُ بِغَسْلِ يَدَيْهِ إلَى رُسْغَيْهِ وَيَمْسَحُ رَأْسَهُ فِي الْمُخْتَارِ وَلَا يُؤَخِّرُ غَسْلَ رِجْلَيْهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَاخْتَلَفَا فِي إنْجَائِهِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يُنَجِّيهِ مِثْلَ مَا كَانَ يَسْتَنْجِي فِي حَيَاتِهِ وَلَكِنْ يَلُفُّ خِرْقَةً عَلَى يَدِهِ فَيَغْسِلُ حَتَّى يُطَهِّرَ الْمَوْضِعَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُنَجَّى كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ : وَحُرْضٍ ) بِضَمِّ الْحَاءِ يَجُوزُ فِي الرَّاءِ السُّكُونُ وَالضَّمُّ كَمَا فِي الصِّحَاحِ ( قَوْلُهُ وَهُوَ الْأُشْنَانُ ) كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ الْحُرْضُ أُشْنَانٌ غَيْرُ مَطْحُونٍ ( قَوْلُهُ : وَإِلَّا فَخَالِصٌ ) أَقُولُ وَيُفْعَلُ بِهِ هَذَا قَبْلَ التَّرْتِيبِ الْآتِي لِيَبْتَلَّ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّرَنِ

( وَيَغْسِلُ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ بِالْخِطْمِيِّ ) لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي اسْتِخْرَاجِ الْوَسَخِ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فَبِالصَّابُونِ وَنَحْوِهِ ( ثُمَّ يُضْجَعُ عَلَى يَسَارِهِ ) لِتَكُونَ الْبُدَاءَةُ بِجَانِبِ يَمِينِهِ ( وَيُغَسَّلُ ) بِالْمَاءِ وَالسِّدْرِ ( حَتَّى يَصِلَ الْمَاءُ إلَى مَا يَلِي التَّخْتَ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الْمَيِّتِ ( ثُمَّ ) يُضْجَعُ ( عَلَى يَمِينِهِ كَذَلِكَ ) أَيْ وَيُغَسَّلُ حَتَّى يَصِلَ الْمَاءُ إلَى مَا يَلِي التَّخْتَ مِنْهُ ( ثُمَّ يُجْلِسُهُ ) أَيْ الْغَاسِلُ الْمَيِّتَ ( مُسْنِدًا ) الْمَيِّتَ إلَى نَفْسِهِ ( وَيَمْسَحُ بَطْنَهُ بِلِينٍ ) تَحَرُّزًا عَنْ تَلْوِيثِ الْكَفَنِ ( وَالْخَارِجُ يَغْسِلُ وَغُسْلُهُ لَا يُعَادُ ) وَكَذَا وُضُوءُهُ لِأَنَّ الْغُسْلَ عُرِفَ بِالنَّصِّ وَقَدْ حَصَلَ مَرَّةً ( ثُمَّ يُنَشِّفُ بِثَوْبٍ ) لِئَلَّا تَبْتَلَّ أَكْفَانُهُ
( قَوْلُهُ : وَيَغْسِلُ رَأْسَهُ وَلِحْيَتَهُ بِالْخِطْمِيِّ ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَحَلَّ غَسْلِ رَأْسِهِ بِالْخِطْمِيِّ إذَا كَانَ لَهُ شَعْرٌ وَبِهِ صَرَّحَ الْكَمَالُ

( وَلَا يَقُصُّ ظُفْرَهُ وَلَا يُسَرِّحُ شَعْرَهُ ) لِأَنَّهُ لِلزِّينَةِ وَقَدْ اُسْتُغْنِيَ عَنْهَا ( وَيَجْعَلُ عَلَى رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ الْحَنُوطَ ) لِأَنَّ التَّطَيُّبَ سُنَّةٌ ( وَعَلَى مَسَاجِدِهِ ) جَمْعُ مَسْجَدٍ بِفَتْحِ الْجِيمِ بِمَعْنَى مَوْضِعِ السُّجُودِ وَهُوَ جَبْهَتُهُ وَأَنْفُهُ وَيَدَاهُ وَرُكْبَتَاهُ وَقَدَمَاهُ ( الْكَافُورَ ) فَإِنَّهُ كَانَ يَسْجُدُ بِهَذِهِ الْأَعْضَاءِ فَتُخَصُّ بِزِيَادَةِ كَرَامَةٍ وَصِيَانَةٍ لَهَا عَنْ سُرْعَةِ الْفَسَادِ
( قَوْلُهُ الْحُنُوطَ ) هُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ أَشْيَاءَ طَيِّبَةٍ وَلَا بَأْسَ بِسَائِرِ الطِّيبِ إلَّا الزَّعْفَرَانَ وَالْوَرْسَ فِي حَقِّ الرَّجُلِ لَا الْمَرْأَةِ وَلَيْسَ فِي الْغُسْلِ اسْتِعْمَالُ الْقُطْنِ فِي الرِّوَايَاتِ الظَّاهِرَةِ ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجْعَلُ الْقُطْنَ فِي مَنْخَرَيْهِ وَفَمِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي صِمَاخِهِ أَيْضًا قَالَ بَعْضُهُمْ فِي دُبُرِهِ أَيْضًا قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَاسْتَقْبَحَهُ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ كَذَا فِي الْفَتْحِ

( وَإِذَا جَرَى الْمَاءُ عَلَى الْمَيِّتِ أَوْ أَصَابَهُ الْمَطَرُ لَمْ يَكُنْ غُسْلًا فَالْغَرِيقُ يُغَسَّلُ ) كَذَا قَالَ قَاضِي خَانْ ( وَسُنَّةُ الْكَفَنِ لَهُ ) أَيْ لِلرَّجُلِ ( إزَارٌ وَقَمِيصٌ وَلِفَافَةٌ ) وَكُلٌّ مِنْ الْإِزَارِ وَاللِّفَافَةِ مِنْ الْقَرْنِ إلَى الْقَدَمِ وَالْقَمِيصُ مِنْ الْمَنْكِبَيْنِ إلَى الْقَدَمَيْنِ وَهُوَ بِلَادَ دَخَارِيص وَلَا جَيْبٍ وَلَا كُمَّيْنِ وَلَا يَلُفُّ أَطْرَافَهُ ( وَاسْتَحْسَنَ الْعِمَامَةَ ) أَيْ اسْتَحْسَنَ الْمُتَأَخِّرُونَ ( وَلَهَا ) أَيْ لِلْمَرْأَةِ ( دِرْعٌ ) وَهُوَ مَا تَلْبَسُهُ الْمَرْأَةُ فَوْقَ الْقَمِيصِ ( وَإِزَارٌ وَخِمَارٌ ) وَهُوَ مَا تَسْتُرُ بِهِ الْمَرْأَةُ رَأْسَهَا ( وَلِفَافَةٌ وَخِرْقَةٌ لِرَبْطِ ثَدْيَيْهَا وَكِفَايَتُهُ ) أَيْ الْكَفَنِ ( لَهُ إزَارٌ وَلِفَافَةٌ وَلَهَا هُمَا ) أَيْ الْإِزَارُ وَاللِّفَافَةُ ( وَخِمَارٌ وَضَرُورَتُهُ لَهُمَا مَا يُوجَدُ ) مِنْ الْأَثْوَابِ وَإِذَا أَرَادُوا التَّكْفِينَ ( يَبْسُطُ اللِّفَافَةَ وَ ) يَبْسُطُ ( الْإِزَارَ عَلَيْهَا وَيُقَمَّصُ الْمَيِّتُ وَيُوضَعُ عَلَى الْإِزَارِ وَيُلَفُّ يَسَارُهُ ) أَيْ الْإِزَارِ ( ثُمَّ يَمِينُهُ ) كَمَا فِي الْحَيَاةِ ( ثُمَّ ) تُلَفُّ ( اللِّفَافَةُ كَذَلِكَ وَهِيَ ) أَيْ الْمَرْأَةُ ( تُلْبَسُ الدِّرْعُ وَيُجْعَلُ شَعْرُهَا ضَفِيرَتَيْنِ عَلَى صَدْرِهَا فَوْقَهُ ) أَيْ الدِّرْعِ .
( وَ ) يُجْعَلُ ( الْخِمَارُ فَوْقَهُ ) أَيْ الدِّرْعِ ( تَحْتَ اللِّفَافَةِ وَإِنْ خِيفَ انْتِشَارُهُ ) أَيْ الْكَفَنِ ( عُقِدَ ) مِنْ طَرَفَيْهِ ( الْغَسِيلُ وَالْجَدِيدُ فِيهِ ) أَيْ الْكَفَنِ ( سَوَاءٌ ) لَا رُجْحَانَ لِلثَّانِي ( وَلَا بَأْسَ بِالْبَرُودِ وَالْكَتَّانِ وَفِي النِّسَاءِ بِالْحَرِيرِ وَالْمُزَعْفَرِ وَالْمُعَصْفَرِ )

( قَوْلُهُ : وَإِذَا جَرَى الْمَاءُ إلَى قَوْلِهِ كَذَا قَالَ قَاضِي خَانْ ) أَقُولُ لَكِنَّهُ لَمْ يَجْزِمْ بِهِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ لِأَنَّ عِبَارَتَهُ إذَا جَرَى الْمَاءُ عَلَى الْمَيِّتِ أَوْ أَصَابَهُ الْمَطَرُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَنُوبُ عَنْ الْغُسْلِ لِأَنَّا أُمِرْنَا بِالْغُسْلِ وَجَرَيَانِ الْمَاءِ ، وَإِصَابَةُ الْمَطَرِ لَيْسَ بِغُسْلٍ ، الْغَرِيقُ يُغَسَّلُ ثَلَاثًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي رَاوِيَةٍ إنْ نَوَى الْغُسْلَ عِنْدَ الْإِخْرَاجِ مِنْ الْمَاءِ يُغَسَّلُ مَرَّتَيْنِ ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ يُغَسَّلُ ثَلَاثًا وَعَنْهُ فِي رَاوِيَةٍ يُغَسَّلُ مَرَّةً وَاحِدَةً ا هـ .
وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ هَذَا شَرْطٌ لِإِسْقَاطِ الْوَاجِبِ عَنَّا لَا أَنَّهُ شَرْطٌ لِطَهَارَةِ الْمَيِّتِ وَلِذَا قَالَ الْكَمَالُ بَعْدَ سِيَاقِهِ كَلَامَ قَاضِي خَانْ كَانَ هَذِهِ قَدْ ذَكَرَ فِيهَا الْقَدْرَ الْوَاجِبَ وَقَالَ الْكَمَالُ قَبْلَ سِيَاقِهِ وَهَلْ يُشْتَرَطُ لِلْغُسْلِ النِّيَّةُ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِإِسْقَاطِ وُجُوبِهِ عَنْ الْمُكَلَّفِ الْغَاسِلِ لَا لِتَحْصِيلِ طَهَارَتِهِ هُوَ وَشَرْطُ صِحَّةِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ .
ا هـ .
قُلْتُ يُخَالِفُهُ مَا قَالَ قَاضِي خَانْ بَعْدَ مَا تَقَدَّمَ مَيِّتٌ غَسَّلَهُ أَهْلُهُ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الْغُسْلِ أَجْزَأَهُمْ ذَلِكَ ا هـ فَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْوَاجِبَ الْإِتْيَانُ بِالْغُسْلِ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ نِيَّةٍ ( تَتِمَّةٌ ) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمُغَسِّلُ طَاهِرًا وَيُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ جُنُبًا أَوْ حَائِضًا وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَكُونَ غُسْلُ الْمَيِّتِ مَجَّانًا ، وَإِنْ ابْتَغَى الْغَاسِلُ أَجْرًا ، فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ غَيْرُهُ يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ وَإِلَّا لَا ، وَأَمَّا اسْتِئْجَارُ الْخَيَّاطِ لِخِيَاطَةِ الْكَفَنِ فَاخْتَلَفُوا فِيهِ وَأُجْرَةُ الْحَمَّالِينَ وَالدَّفَّانِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كَذَا فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ لِلْعَيْنِيِّ ( قَوْلُهُ : وَسُنَّةُ الْكَفَنِ
إلَخْ ) .
أَقُولُ أَصْلُ التَّكْفِينِ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ وَكَوْنُهُ عَلَى هَذَا الشَّكْلِ مَسْنُونٌ قَوْلُهُ : وَكُلٌّ مِنْ الْإِزَارِ وَاللِّفَافَةِ مِنْ الْقَرْنِ إلَى

الْقَدَمِ ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا وَقَالَ الْكَمَالُ لَا إشْكَالَ فِي أَنَّ اللِّفَافَةَ مِنْ الْقَرْنِ إلَى الْقَدَمِ وَأَنَا لَا أَعْلَمُ وَجْهَ مُخَالَفَةِ إزَارِ الْمَيِّتِ إزَارَ الْحَيِّ مِنْ السُّنَّةِ ا هـ أَيْ فِي أَنَّهُ مِنْ الْحَقْوِ وَالْقَرْنُ هُنَا بِمَعْنَى الشَّعْرِ ( قَوْلُهُ : وَلَا جَيْبَ ) كَذَا فِي الْكَافِي وَهُوَ بَعِيدٌ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالْجَيْبِ الشِّقُّ النَّازِلُ إلَى الصَّدْرِ قَالَهُ الْكَمَالُ ( قَوْلُهُ : وَاسْتَحْسَنَ الْعِمَامَةَ
إلَخْ ) كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَاسْتَدَلَّ لَهُ الْكَمَالُ بِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ يُعَمِّمُهُ وَيَجْعَلُ الْعَذَبَةَ عَلَى وَجْهِهِ ا هـ فَقَدْ أَطْلَقَا فِيهَا وَقَالَ فِي الْمِعْرَاجِ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إنْ كَانَ عَالِمًا مَعْرُوفًا أَوْ مِنْ الْأَشْرَافِ يُعَمَّمُ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ الْأَوْسَاطِ لَا يُعَمَّمُ .
وَفِي الْمُجْتَبَى وَتُكْرَهُ الْعِمَامَةُ فِي الْأَصَحِّ ( قَوْلُهُ : وَكِفَايَتُهُ
إلَخْ ) أَقُولُ وَكَفَنُ السُّنَّةِ أَوْلَى إنْ كَانَ بِالْمَالِ كَثْرَةٌ وَبِالْوَرَثَةِ قِلَّةٌ ، وَإِنْ كَانَ عَلَى الْعَكْسِ فَكَفَنُ الْكِفَايَةِ أَوْلَى كَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ ( قَوْلُهُ : وَيُجْعَلُ شَعْرُهَا
إلَخْ ) لَمْ يُبَيِّنْ فِي أَيْ مَحَلٍّ تُوضَعُ الْخِرْقَةُ وَلَا مِقْدَارَ عَرْضِهَا وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ الْخِرْقَةُ فَوْقَ الْأَكْفَانِ كَيْ لَا تَنْتَشِرَ وَعَرْضُهَا مَا بَيْنَ الثَّدْيِ إلَى السُّرَّةِ وَقِيلَ مَا بَيْنَ الثَّدْيِ إلَى الرُّكْبَةِ ا هـ وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ الْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ الْخِرْفَةُ مِنْ الثَّدْيَيْنِ إلَى الْفَخِذَيْنِ .
وَفِي الْمُسْتَصْفَى مِنْ الصَّدْرِ إلَى الرُّكْبَتَيْنِ قَالَ الْخُجَنْدِيُّ وَتُرْبَطُ الْخِرْقَةُ عَلَى الثَّدْيَيْنِ فَوْقَ الْأَكْفَانِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَوْقَ ثَدْيَيْهَا وَالْبَطْنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ ( تَنْبِيهٌ ) : الْخُنْثَى يُكَفَّنُ كَالْمَرْأَةِ احْتِيَاطًا وَيُجَنَّبُ الْحَرِيرَ وَالْمُعَصْفَرَ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَيُغَطِّي رَأْسَ الْمُحْرِمِ وَوَجْهَهُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَالْمُرَاهِقُ فِي

التَّكْفِينِ كَالْبَالِغِ وَالْمُرَاهِقَةُ كَالْبَالِغَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ .
وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى الْمُكَفَّنُونَ اثْنَا عَشَرَ وَذَكَرَ الْأَرْبَعَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ أَيْ الْبَالِغِينَ وَالْمُرَاهِقِينَ ، وَالْخَامِسُ الصَّبِيُّ الَّذِي لَمْ يُرَاهِقْ فَيُكَفَّنُ فِي خِرْقَتَيْنِ إزَارٍ وَرِدَاءٍ ، وَإِنْ كُفِّنَ فِي وَاحِدٍ أَجْزَأَ ، وَ السَّادِسُ : الصَّبِيَّةُ الَّتِي لَمْ تُرَاهِقْ فَعَنْ مُحَمَّدٍ كَفَنُهَا ثَلَاثَةٌ وَهَذَا أَكْثَرُ وَالسَّابِعُ : السِّقْطُ فَيُلَفُّ وَلَا يُكَفَّنُ كَالْعُضْوِ مِنْ الْمَيِّتِ وَالثَّامِنُ : الْخُنْثَى الْمُشْكِلُ فَيُكَفَّنُ كَتَكْفِينِ الْجَارِيَةِ أَيْ الْمَرْأَةِ وَيُنْعَشُ وَيُسَجَّى قَبْرُهُ وَالتَّاسِعُ : الشَّهِيدُ وَسَيَأْتِي وَالْعَاشِرُ : الْمُحْرِمُ وَهُوَ كَالْحَلَالِ عِنْدَنَا وَتَقَدَّمَ وَالْحَادِيَ عَشَرَ الْمَنْبُوشُ الطَّرِيُّ فَيُكَفَّنُ كَاَلَّذِي لَمْ يُدْفَنْ وَالثَّانِي عَشَرَ الْمَنْبُوشُ الْمُنْتَفِخُ فَيُكَفَّنُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ .
ا هـ .

( وَمَنْ لَا مَالَ لَهُ فَكَفَنُهُ عَلَى مَنْ ) تَجِبُ ( عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ وَاخْتُلِفَ فِي الزَّوْجِ وَالْأَصَحُّ الْوُجُوبُ عَلَيْهِ ) كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ ( وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ ) مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ ( فَفِي بَيْتِ الْمَالِ صَلَاتُهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ ) أَيْ إنْ أَدَّى الْبَعْضُ سَقَطَ عَنْ الْكُلِّ وَإِلَّا أَثِمَ الْكُلُّ
( قَوْلُهُ فَكَفَنُهُ عَلَى مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ ) أَقُولُ : فَإِنْ تَعَدَّدَ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ فَالْكَفَنُ عَلَيْهِمْ بِقَدْرِ مِيرَاثِهِمْ كَالنَّفَقَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : وَاخْتُلِفَ فِي الزَّوْجِ ) أَيْ قَالَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عَلَيْهِ وَلَوْ تَرَكَتْ مَالًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهُ فَفِي بَيْتِ الْمَالِ ) أَقُولُ : فَإِنْ لَمْ يُعْطِ ظُلْمًا أَوْ عَجْزًا فَعَلَى النَّاسِ وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ أَنْ يَسْأَلُوا لَهُ إنْ لَمْ يَقْدِرُوا بِخِلَافِ الْحَيِّ إذَا لَمْ يَجِدْ ثَوْبًا يُصَلِّي فِيهِ لَيْسَ عَلَى النَّاسِ أَنْ يَسْأَلُوا لَهُ لِقُدْرَتِهِ عَلَى سُؤَالٍ كَذَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ ( قَوْلُهُ صَلَاتُهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ ) أَقُولُ هُوَ بِالْإِجْمَاعِ وَسَبَبُ وُجُوبِهَا الْمَيِّتُ الْمُسْلِمُ وَرُكْنُهَا التَّكْبِيرَاتُ وَالْقِيَامُ ، وَشَرْطُهَا عَلَى الْخُصُوصِ الْإِسْلَامُ وَالْغُسْلُ وَتَقَدَّمَ الْمَيِّتُ عَلَى الْإِمَامِ وَحُضُورِهِ فَلَا يُصَلِّي عَلَى غَائِبٍ وَلَا عُضْوٍ عُلِمَ مَوْتُ صَاحِبِهِ إلَّا أَنْ يُوجَدَ أَكْثَرُ بَدَنِهِ أَوْ نِصْفُهُ مَعَ رَأْسٍ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَسُنَّتُهَا التَّحْمِيدُ وَالثَّنَاءُ وَالدُّعَاءُ وَآدَابُهَا كَثِيرَةٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَالْفَتْحِ وَأَفْضَلُ صُفُوفِهَا آخِرُهَا وَفِي غَيْرِهَا أَوَّلُهَا إظْهَارًا لِلتَّوَاضُعِ لِتَكُونَ شَفَاعَتُهُ أَدْعَى إلَى الْقَبُولِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ

( يُصَلَّى عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مَاتَ إلَّا الْبُغَاةَ وَقُطَّاعَ الطَّرِيقِ إذَا قُتِلُوا فِي الْحَرْبِ ) هَذَا الْقَيْدُ إشَارَةٌ إلَى كُلِّ مَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ أَنَّ أَهْلَ الْبَغْيِ إذَا قُتِلُوا بَعْدَ مَا وَضَعَتْ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا يُصَلِّي عَلَيْهِمْ كَذَا قُطَّاعُ الطَّرِيقِ إنْ أَخَذَهُمْ الْإِمَامُ ثُمَّ قَتَلَهُمْ يُصَلِّي عَلَيْهِمْ ( وَكَذَا الْمُكَابِرُ فِي الْمِصْرِ لَيْلًا بِالسِّلَاحِ ) لَا يُصَلِّي عَلَيْهِ إذَا قُتِلَ فِي تِلْكَ الْحَالِ
( قَوْلُهُ : يُصَلَّى عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مَاتَ إلَّا الْبُغَاةَ ) أَيْ عَلَى الْإِمَامِ الْعَدْلِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْحَصْرِ لَمْ يَسْتَوْعِبْ إذْ الْعَصَبِيَّةُ وَالْقَاتِلُ بِالْخَنْقِ غِيلَةً كَالْبُغَاةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ

( وَإِنْ غَسَّلُوا قَاتِلَ نَفْسِهِ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ لَا عَلَى قَاتِلِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ ) زَجْرًا لَهُ
( قَوْلُهُ : وَإِنْ غَسَّلُوا ) يَعْنِي عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ قَالَ فِي الْمُحِيطِ فِي غُسْلِ الْمَقْتُولِينَ بِالْبَغْيِ وَقَطْعِ الطَّرِيقِ رِوَايَتَانِ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِمْ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَرَجَّحَ ابْنُ وَهْبَانَ غُسْلَ الْبَاقِي دُونَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ ا هـ .
وَلَكِنْ يَرُدُّ عَلَيْهِ مَا حَكَاهُ فِي الْبُرْهَانِ أَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يُغَسِّلْ أَهْلَ النَّهْرَوَانِ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ ا هـ .
( قَوْلُهُ : قَاتِلُ نَفْسِهِ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ ) الْمُرَادُ قَاتِلُهَا عَمْدًا وَهَذَا مَا قَالَهُ بَعْضُ الْمَشَايِخِ حَاكِيًا فِيهِ خِلَافًا بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَصَاحِبَيْهِ عِنْدَهُمَا يُصَلَّى عَلَيْهِ لَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَبِقَوْلِهِمَا أَفْتَى الْحَلْوَانِيُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَقَالَ رُكْنُ الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ السُّغْدِيُّ الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَبِهِ أَفْتَى ظَهِيرُ الدِّينِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَقَيَّدْنَا بِالْعَمْدِ لِأَنَّهُ لَوْ قَتَلَهَا خَطَأً ، فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ اتِّفَاقًا وَقَاتِلُ نَفْسِهِ أَعْظَمُ وِزْرًا وَإِثْمًا مِنْ قَاتِلِ غَيْرِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ : لَا عَلَى قَاتِلِ أَحَدِ أَبَوَيْهِ ) وَالْمُرَادُ بِهِ الْعَمْدُ ( قَوْلُهُ زَجْرًا لَهُ ) لَوْ قَالَ إهَانَةً لَهُ وَزَجْرًا لِغَيْرِهِ لَكَانَ أَوْلَى

( وَهِيَ ) أَيْ صَلَاتُهُ ( أَرْبَعُ تَكْبِيرَاتٍ يَرْفَعُ يَدَهُ فِي الْأُولَى فَقَطْ ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي كُلِّهَا ( وَثَنَاءٌ بَعْدَهَا ) أَيْ بَعْدَ الْأُولَى كَمَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ ( وَصَلَاةٌ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الثَّانِيَةِ ) كَمَا يُصَلَّى فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ بَعْدَ التَّشَهُّدِ ( وَدُعَاءٌ بَعْدَ الثَّالِثَةِ ) الدُّعَاءُ لِلْبَالِغِينَ هَذَا ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِحَيِّنَا وَمَيِّتِنَا وَشَاهِدِنَا وَغَائِبِنَا وَصَغِيرِنَا وَكَبِيرِنَا وَذَكَرِنَا وَأُنْثَانَا اللَّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْته مِنَّا فَأَحْيِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَمَنْ تَوَفَّيْته مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الْإِيمَانِ وَخُصَّ هَذَا الْمَيِّتَ بِالرَّحْمَةِ وَالْغُفْرَانِ اللَّهُمَّ إنْ كَانَ مُحْسِنًا فَزِدْ فِي إحْسَانِهِ وَإِنْ كَانَ مُسِيئًا فَتَجَاوَزْ عَنْهُ وَلَقِّهِ الْأَمْنَ وَالْبُشْرَى وَالْكَرَامَةَ وَالزُّلْفَى بِرَحْمَتِك يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ( وَتَسْلِيمَتَانِ بَعْدَ الرَّابِعَةِ ) وَعَنْ الشَّافِعِيِّ يُسَلِّمُ وَاحِدَةً يَبْدَأُ بِهَا مِنْ يَمِينِهِ وَيَخْتِمُهَا فِي يَسَارِهِ مُدِيرًا وَجْهَهُ ( لَا قِرَاءَةَ فِيهَا ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ ( وَلَا تَشَهُّدَ وَلَوْ كَبَّرَ ) الْإِمَامُ تَكْبِيرًا ( خَامِسًا لَمْ يُتَّبَعْ ) لِأَنَّهُ مَنْسُوخٌ ( لَا يَسْتَغْفِرُ ) الْمُصَلِّي ( فِي ) التَّكْبِيرِ ( الثَّالِثِ لِصَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ ) إذْ لَا ذَنْبَ لَهُمَا ( بَلْ يَقُولُ ) بَعْدَ الدُّعَاءِ بِمَا يَدْعُو بِهِ لِلْبَالِغِينَ كَمَا مَرَّ ( اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا فَرَطًا ) أَيْ أَجْرًا يَتَقَدَّمُنَا ( اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا ذُخْرًا ) أَيْ خَيْرًا بَاقِيًا ( اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ لَنَا شَافِعًا مُشَفَّعًا ) أَيْ مَقْبُولَ الشَّفَاعَةِ ( وَيَقُومُ الْإِمَامُ بِإِزَاءِ صَدْرِ الْمَيِّتِ مُطْلَقًا ) أَيْ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الْقَلْبِ وَفِيهِ نُورُ الْإِيمَانِ فَيَكُونُ الْقِيَامُ عِنْدَهُ إشَارَةً إلَى الشَّفَاعَةِ لِإِيمَانِهِ

( قَوْلُهُ : يَرْفَعُ يَدَهُ فِي الْأُولَى فَقَطْ ) هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ ( قَوْلُهُ : وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي كُلِّهَا ) اخْتَارَهُ كَثِيرٌ مِنْ مَشَايِخِ بَلْخِي كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَكَانَ نُصَيْرٌ يَرْفَعُ تَارَةً وَلَا يَرْفَعُ أُخْرَى كَذَا فِي الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ : كَمَا فِي سَائِرِ الصَّلَوَاتِ ) هَذَا قَوْلُ بَعْضِهِمْ فَيَقُول سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك
إلَخْ وَقَالَ الْأَكْمَلُ أَرَى أَنَّهُ مُخْتَارُ الْمُصَنِّفِ أَيْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ يَعْنِي وَإِنْ كَانَ قَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّهُ يُكَبِّرُ تَكْبِيرَةً يَحْمَدُ اللَّهَ عَقِيبَهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ ( قَوْلُهُ الدُّعَاءُ لِلْبَالِغِينَ هَذَا )
إلَخْ ( أَقُولُ لَا تَوْقِيتَ فِي الدُّعَاءِ ) سِوَى أَنَّهُ بِأُمُورِ الْآخِرَةِ ، وَإِنْ دَعَا بِالْمَأْثُورِ فَمَا أَحْسَنَهُ وَأَبْلَغَهُ وَمِنْ الْمَأْثُورِ حَدِيثُ { عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جِنَازَةٍ فَحَفِظَ مِنْ دُعَائِهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ وَعَافِهِ وَاعْفُ عَنْهُ وَأَكْرِمْ نُزُلَهُ وَوَسِّعْ مُدْخَلَهُ وَاغْسِلْهُ بِالْمَاءِ وَالثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَنَقِّهِ مِنْ الْخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الْأَبْيَضُ مِنْ الدَّنَسِ وَأَبْدِلْهُ دَارًا خَيْرًا مِنْ دَارِهِ وَأَهْلًا خَيْرًا مِنْ أَهْلِهِ وَزَوْجًا خَيْرًا مِنْ زَوْجِهِ وَأَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ وَأَعِذْهُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ النَّارِ قَالَ عَوْفٌ حَتَّى تَمَنَّيْت أَنْ أَكُونَ أَنَا ذَلِكَ الْمَيِّتُ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ رَوَاهُ الْكَمَالُ أَيْضًا ( قَوْلُهُ : وَتَسْلِيمَتَيْنِ بَعْدَ الرَّابِعَةِ ) يَعْنِي مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ بَعْدَهَا وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَاسْتَحْسَنَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ { رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } أَوْ { رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا } الْآيَةَ وَيَنْوِي بِالتَّسْلِيمَتَيْنِ الْمَيِّتَ مَعَ الْقَوْمِ كَمَا فِي الْفَتْحِ مَا قَالَ قَاضِي خَانْ لَا يَنْوِي الْإِمَامُ الْمَيِّتَ فِي

تَسْلِيمَتَيْ الْجِنَازَةِ بَلْ مَنْ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ وَمِثْلُهُ فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ وَالْجَوْهَرَةِ ( قَوْلُهُ : لَا قِرَاءَةَ فِيهَا
إلَخْ ) وَقَالَ فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ إنْ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ بِنِيَّةِ الدُّعَاءِ لَا بَأْسَ بِهِ ، وَإِنْ قَرَأَهَا بِنِيَّةِ الْقِرَاءَةِ لَا يَجُوزُ ا هـ أَقُولُ نَفْيُ الْجَوَازِ فِيهِ تَأَمُّلٌ لِأَنَّا رَأَيْنَا فِي كَثِيرٍ مِنْ مَوَاضِعِ الْخِلَافِ اسْتِحْبَابُ رِعَايَتِهِ كَإِعَادَةِ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ وَالْمَرْأَةِ فَيَكُونُ رِعَايَةُ صِحَّةِ الصَّلَاةِ بِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ عَلَى قَصْدِ الْقُرْآنِ كَذَلِكَ بَلْ وَلِي لِأَنَّ الْإِمَامَ الشَّافِعِيَّ يَفْرِضُهَا فِي الْجِنَازَةِ فَتَأَمَّلْ وَلَا يَجْهَرُ بِشَيْءٍ مِنْ الْحَمْدِ وَالثَّنَاءِ وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْإِخْفَاءُ أَوْلَى وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ السُّنَّةُ أَنْ يُسْمِعَ الصَّفَّ الثَّانِيَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمْ لَا يَجْهَرُونَ كُلَّ الْجَهْرِ وَلَا يُسِرُّونَ كُلَّ الْإِسْرَارِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَيْنَ ذَلِكَ كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ ( قَوْلُهُ : فَرَطًا ) بِفَتْحَتَيْنِ أَيْ أَجْرًا يَتَقَدَّمُنَا فَسَّرَ بِهِ الْفَرَطَ فَأَغْنَى عَنْ قَوْلِ الْكَنْزِ بَعْدَهُ وَاجْعَلْهُ لَنَا أَجْرًا وَمَحْمَلُ قَوْلِ الْكَنْزِ عَلَى تَفْسِيرِ الْفَرَطِ بِالْفَارِطِ الَّذِي يَسْبِقُ الْوَارِدَ إلَى الْمَاءِ لِئَلَّا يَلْزَمَ التَّكْرَارُ بِالْفَرَطِ مَعَ قَوْلِهِ وَاجْعَلْهُ لَنَا أَجْرًا كَمَا فِي الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ : ذُخْرًا ) بِضَمِّ الذَّالِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الذَّخِيرَةِ

( الْجَنَائِزُ إذَا اجْتَمَعَتْ فَالْإِفْرَادُ بِالصَّلَاةِ أَوْلَى ) ثُمَّ الْأَوْلَى أَنْ يُقَدَّمَ الْأَفْضَلُ مِنْهُمْ ( وَإِنْ أَرَادَ الْجَمْعَ بِهَا ) أَيْ بِالصَّلَاةِ يَعْنِي الصَّلَاةَ عَلَى الْمَجْمُوعِ مَرَّةً ( جَعَلَهَا ) أَيْ الْجَنَائِزَ ( صَفًّا طُولًا مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ ) بِحَيْثُ يَكُونُ صَدْرُ كُلٍّ قُدَّامَ الْإِمَامِ ( وَرَاعَى التَّرْتِيبَ ) بِأَنْ يَضَعَ الرِّجَالَ مِمَّا يَلِي الْإِمَامَ فَالصِّبْيَانَ فَالْخَنَاثَى فَالنِّسَاءُ فَالصِّبْيَاتِ وَالصَّبِيُّ الْحُرُّ يُقَدَّمُ عَلَى الْعَبْدِ وَالْعَبْدُ عَلَى الْمَرْأَةِ ، ثُمَّ تَكَلَّمُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْوَضْعِ مِنْ حَيْثُ الْمَكَانُ قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يُوضَعُ رَجُلٌ خَلْفَ رَجُلٍ ، رَأْسُ الْآخَرِ أَسْفَلُ مِنْ رَأْسِ الْأَوَّلِ يُوضَعُونَ هَكَذَا دَرْجًا وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ حَسَنٌ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَاحِبَيْهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا دُفِنُوا كَذَلِكَ وَإِنْ وَضَعُوا رَأْسَ كُلٍّ بِإِزَاءِ رَأْسِ صَاحِبِهِ فَحَسَنٌ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ حَاصِلٌ وَهُوَ الصَّلَاةُ عَلَيْهِمْ ( سَبَقَ ) الْمُصَلِّي ( بِتَكْبِيرَةٍ ) صَدَرَتْ مِنْ الْإِمَامِ ( أَوْ بِتَكْبِيرَتَيْنِ ) يَنْتَظِرُ لِيُكَبِّرَ الْإِمَامُ فَيُكَبِّرَ مَعَهُ ( فَإِذَا سَلَّمَ ) الْإِمَامُ ( قَضَى ) الْمُقْتَدِي ( مَا عَلَيْهِ ) مِنْ التَّكْبِيرِ ( قَبْلَ رَفْعِ الْجِنَازَةِ ) لِأَنَّ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ بِدُونِهَا لَا تُتَصَوَّرُ ( وَلَا يَنْتَظِرُ الْحَاضِرُ فِي التَّحْرِيمَةِ ) يَعْنِي لَوْ كَانَ حَاضِرًا فَلَمْ يُكَبِّرْ مَعَ الْإِمَامِ لَا يَنْتَظِرُ الثَّانِيَةَ لِأَنَّهُ كَالْمُدْرِكِ

( قَوْلُهُ : وَرَاعَى التَّرْتِيبَ ) لَمْ يَنُصَّ عَلَى حُكْمِهِ وَلَعَلَّهُ لِلنَّدْبِ وَلَمْ يُبَيِّنْ كَيْفِيَّةَ التَّرْتِيبِ فِي الدُّعَاءِ وَهَلْ يُكْتَفَى بِدُعَاءٍ أَوْ يُفْرِدُ كُلًّا بِهِ وَيُقَدِّمُ الْبَالِغِينَ فَلْيَنْظُرْ ( قَوْلُهُ : بِأَنْ يَضَعَ الرِّجَالَ
إلَخْ ) أَقُولُ وَلَوْ اجْتَمَعُوا فِي قَبْرٍ وُضِعُوا عَلَى عَكْسِ هَذَا التَّرْتِيبِ ( قَوْلُهُ : سَبَقَ
إلَخْ ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُكَبِّرُ حِينَ يَحْضُرُ وَلَوْ كَبَّرَ لَمَّا حَضَرَ وَلَمْ يَنْتَظِرْ لَا تَفْسُدُ عِنْدَهُمَا لَكِنْ مَا أَدَّاهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ كَذَا فِي الْبَحْرِ عَلَى الْخُلَاصَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ كَيْفِيَّةَ الدُّعَاءِ لِلْمَسْبُوقِ هَلْ يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِيمَا هُوَ فِيهِ أَوْ يُرَتِّبُ بِاعْتِبَارِ ابْتِدَاءِ الصَّلَاةِ فَيُنْظَرُ ثُمَّ إنَّنِي رَأَيْتُهُ نَقْلًا وَهُوَ أَنَّهُ يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِيمَا هُوَ فِيهِ ( قَوْلُهُ : فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَضَى مَا عَلَيْهِ مِنْ التَّكْبِيرِ ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَغَيْرِهِ وَيَقْضِيهِ نَسَقًا بِغَيْرِ دُعَاءٍ لِأَنَّهُ لَوْ قَضَاهُ بِهِ تُرْفَعُ الْجِنَازَةُ فَتَبْطُلُ الصَّلَاةُ ا هـ .
وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ إذَا أَمْكَنَ الْإِتْيَانُ بِالدُّعَاءِ فَعَلَ ( قَوْلُهُ : قَبْلَ رَفْعِ الْجِنَازَةِ ) لَمْ يُبَيِّنْ هَلْ الْمُرَادُ رَفْعُهَا بِالْأَيْدِي أَوْ عَلَى الْأَكْتَافِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ أَنَّهَا إذَا رُفِعَتْ بِالْأَيْدِي وَلَمْ تُوضَعْ عَلَى الْأَكْتَافِ ذَكَرَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِالتَّكْبِيرِ ا هـ .
وَيُخَالِفُهُ مَا قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ ، فَإِنْ رُفِعَتْ عَلَى الْأَيْدِي وَلَمْ تُوضَعْ عَلَى الْأَكْتَافِ كَبَّرَ فِي الظَّاهِرِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا إذَا كَانَ أَقْرَبَ إلَى الْأَكْتَافِ ، وَإِنْ أَقْرَبَ إلَى الْأَرْضِ كَبَّرَ ا هـ .
وَيَنْبَغِي أَنْ يُعَوِّلَ عَلَى مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ لِأَنَّهُ كَمَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَوْ رُفِعَتْ قَطَعَ التَّكْبِيرَ إذَا رُفِعَتْ عَلَى الْأَكْتَافِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَ إلَى الْأَرْضِ أَقْرَبَ يَأْتِي بِالتَّكْبِيرِ لَا إذَا كَانَ إلَى

الْأَكْتَافِ أَقْرَبَ وَقِيلَ لَا يَقْطَعُ حَتَّى تُبَاعِدَ ا هـ .
وَلَا يُخَالِفُهُ مَا سَنَذْكُرُ مِنْ أَنَّهَا لَا يَصِحُّ إذَا كَانَ الْمَيِّتُ عَلَى أَيْدِي النَّاسِ لِأَنَّهُ يُغْتَفَرُ فِي الْبَقَاءِ مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الِابْتِدَاءِ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ كَالْمُدْرِكِ ) يُفِيدُ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُدْرِكٍ حَقِيقَةً بَلْ اُعْتُبِرَ مُدْرِكًا لِحُضُورِهِ التَّكْبِيرَ دَفْعًا لِلْحَرَجِ إذْ حَقِيقَتُهُ إدْرَاكُ التَّكْبِيرِ كَالرَّكْعَةِ بِفِعْلِهَا مَعَ الْإِمَامِ وَلَوْ شَرَطَ فِي التَّكْبِيرِ الْمَعِيَّةَ ضَاقَ الْأَمْرُ جِدًّا إذْ الْغَالِبُ تَأَخُّرُ النِّيَّةِ قَلِيلًا عَنْ تَكْبِيرِ الْإِمَامِ فَاعْتُبِرَ مُدْرِكًا لِحُضُورِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ

( وَإِنْ جَاءَ بَعْدَمَا كَبَّرَ الْإِمَامُ الرَّابِعَةَ فَاتَتْهُ الصَّلَاةُ ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُكَبِّرُ وَاحِدَةً وَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ قَضَى ثَلَاثَ تَكْبِيرَاتٍ كَمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا خَلْفَ الْإِمَامِ وَلَمْ يُكَبِّرْ حَتَّى كَبَّرَ الْإِمَامُ الرَّابِعَةَ وَالصَّحِيحُ قَوْلُهُمَا إذْ لَا وَجْهَ لَأَنْ يُكَبِّرَ وَاحِدَةً لِأَنَّ كُلَّ تَكْبِيرَةٍ مِنْهَا كَرَكْعَةٍ مِنْ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ وَالْإِمَامُ لَا يُكَبِّرُ بَعْدَهُ لِيُتَابِعَهُ ، وَالْأَصْلُ فِي الْبَابِ عِنْدَهُمَا أَنَّ الْمُقْتَدِيَ يَدْخُلُ فِي تَكْبِيرَةِ الْإِمَامِ ، فَإِذَا فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْ الرَّابِعَةِ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الدُّخُولُ .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَدْخُلُ إذَا بَقِيَتْ التَّحْرِيمَةُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ
( قَوْلُهُ : كَمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا خَلْفَ الْإِمَامِ ) أَقُولُ يَظْهَرُ لِي أَنَّ كَوْنَهُ خَلْفَ الْإِمَامِ لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ الْمَدَارُ عَلَى حُضُورِهِ لِمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ وَلَوْ كَبَّرَ الْإِمَامُ أَرْبَعًا وَالرَّجُلُ حَاضِرٌ ، فَإِنَّهُ يُكَبِّرُ مَا لَمْ يُسَلِّمْ الْإِمَامُ وَيَقْضِي الثَّلَاثَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَرَوَى الْحَسَنُ أَنَّهُ لَا يُكَبِّرُ وَقَدْ فَاتَتْهُ ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَالصَّحِيحُ قَوْلُهُمَا ) أَيْ فِي فَوَاتِ الصَّلَاةِ لِمَنْ جَاءَ بَعْدَ الرَّابِعَةِ قَبْلَ السَّلَامِ وَيُخَالِفُهُ مَا ذَكَرْنَاهُ عَنْ الْمُحِيطِ قُبَيْلَهُ لَا أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا بِالْحُضُورِ وَعَدَمِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ

( الْأَوْلَى بِالْإِمَامَةِ السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ ) وَهُوَ أَمِيرُ الْبَلَدِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَلِيُّ الْمَيِّتِ أَوْلَى ، وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَمَّا مَاتَ الْحَسَنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدَّمَ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ قَالَ لَوْلَا السُّنَّةُ لَمَا قَدَّمْتُك وَكَانَ سَعِيدٌ وَالِيَ الْمَدِينَةِ يَوْمَئِذٍ ( فَالْقَاضِي فَإِمَامُ الْحَيِّ فَالْوَلِيُّ وَلَا بَأْسَ بِإِذْنِ الْأَوْلَى ) وَلِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ لِأَنَّ التَّقَدُّمَ حَقُّهُ فَيَمْلِكُ إبْطَالَهُ بِتَقْدِيمِ غَيْرِهِ لَمْ يَقُلْ الْوَلِيُّ لِيَتَنَاوَلَ السُّلْطَانَ وَغَيْرَهُ ( لِغَيْرٍ فِيهَا ) أَيْ الصَّلَاةِ ( فَإِنْ صَلَّى غَيْرُهُ ) أَيْ غَيْرُ الْأَوْلَى ( وَيُعِيدُهَا ) أَيْ الْأَوْلَى ( إنْ شَاءَ ) لِتَصَرُّفِ الْغَيْرِ فِي حَقِّهِ ( وَإِنْ صَلَّى ) الْأَوْلَى ( لَا يُصَلِّي غَيْرُهُ بَعْدَهُ ) لِأَنَّ الْفَرْضَ يَتَأَدَّى بِالْأَوْلَى وَالتَّنَفُّلُ بِهَا غَيْرُ مَشْرُوعٍ

( قَوْلُهُ : الْأَوْلَى بِالْإِمَامَةِ السُّلْطَانُ أَوْ نَائِبُهُ ) يَعْنِي إنْ لَمْ يَحْضُرْ السُّلْطَانُ ( قَوْلُهُ فَالْقَاضِي فَإِمَامُ الْحَيِّ ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ لَكِنَّ إمَامَ الْحَيِّ لَا يَجِبُ تَقْدِيمُهُ كَمَنْ قَبْلَهُ بَلْ يُسْتَحَبُّ ، وَإِنَّمَا يُسْتَحَبُّ إذَا كَانَ أَفْضَلَ مِنْ الْوَلِيِّ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ .
وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ إمَامُ الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ أَوْلَى مِنْ إمَامِ الْحَيِّ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ كَالْهِدَايَةِ أَنَّ إمَامَ الْحَيِّ يَلِي الْقَاضِيَ وَيُخَالِفُهُ مَا قَالَ الْكَمَالُ الْخَلِيفَةُ أَوْلَى إنْ حَضَرَ ثُمَّ إمَامُ الْمِصْرِ وَهُوَ سُلْطَانُهُ ثُمَّ الْقَاضِي ثُمَّ صَاحِبُ الشُّرَطِ ثُمَّ خَلِيفَةُ الْوَالِي ثُمَّ خَلِيفَةُ الْقَاضِي ثُمَّ إمَامُ الْحَيِّ .
ا هـ .
وَظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ صَاحِبَ الشُّرَطِ غَيْرُ أَمِيرِ الْبَلَدِ .
وَفِي الْمِعْرَاجِ مَا يُفِيدُ أَنَّهُ هُوَ حَيْثُ قَالَ الشُّرَطُ بِالسُّكُونِ وَالْحَرَكَةِ خِيَارُ الْجُنْدِ وَالْمُرَادُ أَمِيرُ الْبَلَدِ كَأَمِيرِ بُخَارَى ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ صَلَّى غَيْرُ الْأَوْلَى يُعِيدُهَا إنْ شَاءَ ) أَقُولُ وَلَا يُعِيدُ مَعَ الْوَالِي مَنْ صَلَّى مَعَ غَيْرِهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ لِابْنِ وَهْبَانَ وَفِي كَلَام الْمُصَنِّفِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالتَّقَدُّمِ غَيْرُ مُقَدَّمٍ عَلَى الْأَوْلَى لِبُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ وَهُوَ الْمُفْتِي بِهِ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ إنْ شَاءَ إلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعُدْ لَا إثْمَ عَلَى أَحَدٍ لِسُقُوطِ الْفَرْضِ بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ وَالْإِعَادَةُ إنَّمَا هِيَ لِحَقِّ الْأَوْلَى لَا لِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَحْرِ

( وَإِنْ دُفِنَ بِلَا صَلَاةٍ صُلِّيَ عَلَى قَبْرِهِ مَا لَمْ يُظَنَّ تَفَسُّخُهُ ) وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ أَكْبَرُ الرَّأْيِ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْأَشْخَاصِ ( وَقِيلَ قُدِّرَ بِثَلَاثَةِ ) أَيَّامٍ ( وَلَمْ تَجُزْ ) صَلَاتُهَا ( رَاكِبًا اسْتِحْسَانًا ) يَعْنِي مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى النُّزُولِ وَأَيْضًا لَمْ يُصَلُّوا قَاعِدِينَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقِيَامِ وَالْقِيَاسُ الْجَوَازُ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ ( وَكُرِهَتْ فِي مَسْجِدٍ هُوَ فِيهِ ) كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ فِي رِوَايَةٍ وَتَنْزِيهٍ فِي أُخْرَى وَأَمَّا الَّذِي بُنِيَ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ فَلَا تُكْرَهُ فِيهِ ( وَاخْتُلِفَ فِي الْخَارِجِ ) بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ أَنَّ الْكَرَاهَةَ لِأَجْلِ التَّلْوِيثِ أَوْ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ لِلْمَكْتُوبَاتِ لَا لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ

( قَوْلُهُ : وَإِنْ دُفِنَ بِلَا صَلَاةٍ
إلَخْ ) أَيْ بِأَنْ أُهِيلَ عَلَيْهِ التُّرَابُ سَوَاءٌ غُسِّلَ أَوْ لَا لِأَنَّهُ صَارَ مُسَلَّمًا لِمَالِكِهِ تَعَالَى وَخَرَجَ عَنْ أَيْدِينَا فَلَا يُتَعَرَّضُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِزَوَالِ إمْكَانِ غُسْلِهِ أَيْ شَرْعًا فَتَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ بِلَا غُسْلٍ نَظَرًا لِكَوْنِهَا دُعَاءً مِنْ وَجْهٍ هُنَا لِلْعَجْزِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَهُلَّ ، فَإِنَّهُ يُخْرَجُ وَيُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : وَلَمْ تَجُزْ رَاكِبًا
إلَخْ ) كَذَا لَا تَجُوزُ عَلَى مَيِّتٍ هُوَ عَلَى دَابَّةٍ أَوْ أَيْدِي النَّاسِ عَلَى الْمُخْتَارِ يَعْنِي مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ : وَكُرِهَتْ فِي مَسْجِدٍ هُوَ فِيهِ ) أَقُولُ وَالْكِرْهَةُ هُنَا بِاتِّفَاقِ أَصْحَابِنَا كَمَا فِي الْعِنَايَةِ ( قَوْلُهُ : وَتَنْزِيهٍ فِي أُخْرَى ) قَالَ الْكَمَالُ وَيَظْهَرُ لِي أَنَّ الْأَوْلَى كَوْنُهَا تَنْزِيهِيَّةً وَذَكَرَ وَجْهَهُ ( قَوْلُهُ : وَاخْتُلِفَ فِي الْخَارِجِ ) أَيْ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمَيِّتِ إذَا كَانَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَجَمِيعُ الْقَوْمِ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ فِي الْكَافِي مَالَ فِي الْمَبْسُوطِ إلَى عَدَمِ الْكَرَاهَةِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ لِخَشْيَةِ التَّلْوِيثِ ا هـ .
وَقَالَ الْكَمَالُ الْأَوْفَقُ إطْلَاقُ الْكَرَاهَةِ .
وَفِي الْخُلَاصَةِ يُكْرَهُ سَوَاءٌ كَانَ الْمَيِّتُ وَالْقَوْمُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ كَانَ الْمَيِّتُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَالْقَوْمُ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ كَانَ الْإِمَامُ مَعَ بَعْضِ الْقَوْمِ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَالْقَوْمُ الْبَاقُونَ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ الْمَيِّتُ فِي الْمَسْجِدِ وَالْإِمَامُ وَالْقَوْمُ خَارِجَ الْمَسْجِدِ هَذَا فِي الْفَتْوَى الصُّغْرَى قَالَ هُوَ الْمُخْتَارُ خِلَافًا لِمَا أَوْرَدَهُ النَّسَفِيُّ ا هـ مَا نَقَلَهُ الْكَمَالُ قُلْت وَمَا أَوْرَدَهُ النَّسَفِيُّ هُوَ مَا نَقَلَهُ الشَّيْخُ أَكْمَلُ الدِّينِ فِي الْعِنَايَةِ مِنْ حِكَايَةِ الِاتِّفَاقِ عَلَى عَدَمِ الْكَرَاهَةِ فِيمَا إذَا كَانَ الْمَيِّتُ وُضِعَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ وَالْبَاقِي فِيهِ وَنَقَلَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَذَكَرَ عَنْ

كَرَاهِيَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الِاخْتِلَافَ فِيهِ

( وُلِدَ فَمَاتَ إنْ اسْتَهَلَّ ) الِاسْتِهْلَالُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْحَيَاةِ مِنْ بُكَاءٍ أَوْ تَحْرِيكِ عُضْوٍ ( سُمِّيَ وَغُسِّلَ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ ( غُسِّلَ ) فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ( وَأُدْرِجَ فِي خِرْقَةٍ وَدُفِنَ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ كَصَبِيِّ سُبِيَ مَعَ أَحَدِ أَبَوَيْهِ وَلَوْ ) سُبِيَ ( بِدُونِهِ أَوْ بِهِ فَأَسْلَمَ هُوَ أَوْ الصَّبِيُّ صُلِّيَ عَلَيْهِ ) لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ حُكْمًا

( قَوْلُهُ وُلِدَ فَمَاتَ إنْ اسْتَهَلَّ
إلَخْ ) لَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ التَّسَامُحِ لِأَنَّ تَرْتِيبَهُ الْمَوْتَ عَلَى الْوِلَادَةِ مُفِيدٌ لِلْحَيَاةِ قَبْلَهُ فَلَا يَحْسُنُ التَّفْصِيلُ بَعْدَهُ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ كَالْكَنْزِ وَمَنْ اسْتَهَلَّ صُلِّيَ عَلَيْهِ وَإِلَّا لَا وَاسْتَهَلَّ عَلَى بِنَاءِ الْفَاعِلِ لِأَنَّ الْمُرَادَ هُنَا رَفْعُ الصَّوْتِ لَا الْإِبْصَارُ ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْمُغْرِبِ أَهَلُّوا الْهِلَالَ وَاسْتَهَلُّوهُ رَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ وَأُهِلَّ وَاسْتُهِلَّ عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ إذَا أَبْصَرُوا ا هـ .
وَلَكِنَّ الْمُرَادَ هُنَا مَا هُوَ أَعَمُّ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى الْحَيَاةِ دُونَ اخْتِصَاصِهِ بِرَفْعِ الصَّوْتِ كَمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ الِاسْتِهْلَالُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْحَيَاةِ
إلَخْ يَعْنِي الْحَيَاةَ الْمُسْتَقِرَّةَ وَلَا عِبْرَةَ بِالِانْقِبَاضِ وَبَسْطِ الْيَدِ وَقَبْضِهَا لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ حَرَكَةُ الْمَذْبُوحِ وَلَا عِبْرَةَ بِهَا حَتَّى لَوْ ذُبِحَ رَجُلٌ فَمَاتَ أَبُوهُ وَهُوَ يَتَحَرَّكُ لَمْ يَرِثْهُ الْمَذْبُوحُ لِأَنَّ لَهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ حُكْمَ الْمَيِّتِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَالْمُعْتَبَرُ فِي ذَلِكَ خُرُوجُ أَكْثَرِهِ حَيًّا حَتَّى لَوْ خَرَجَ أَكْثَرُهُ وَهُوَ يَتَحَرَّكُ صَلَّى عَلَيْهِ وَفِي الْأَقَلِّ لَا كَمَا فِي الْفَتْحِ وَيُقْبَلُ قَوْلُ الْأُمِّ وَالْقَابِلَةِ فِي الِاسْتِهْلَالِ لِلصَّلَاةِ لَا الْمِيرَاثِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُقْبَلُ قَوْلُ الْقَابِلَةِ الْعِدْلَةِ فِي الْمِيرَاثِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ فِي الْمِيرَاثِ إلَّا شَهَادَةَ مَنْ يَثْبُتُ بِهِ الْمَالُ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُجْتَبَى وَالْبَدَائِعِ لَكِنْ بِصِيغَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ غُسِّلَ ) أَقُولُ لَا خِلَافَ فِي غُسْلِهِ إذَا كَانَ تَامَّ الْخَلْقِ وَالسِّقْطُ الَّذِي لَمْ يَتِمَّ خَلْقُهُ فِي غُسْلِهِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ وَالْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُغَسَّلُ وَيَلُفُّ فِي خِرْقَةٍ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ وَفَتْحِ

الْقَدِيرِ وَقَاضِي خَانْ وَالْبَزَّازِيَّةِ وَالظَّهِيرِيَّةِ ذَكَرُوا جَمِيعًا الْخِلَافَ وَالِاخْتِيَارُ وَقَدْ نَقَلَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِمُصَنِّفِهِ وَتَبِعَهُ شَارِحُهُ ابْنُ مَلَكٍ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِ غُسْلِهِ كَعَدَمِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَبِهِ يَضْعُفُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالْخُلَاصَةِ وَحَمْلُهُمَا عَلَى السَّهْوِ قُلْت وَتَسْهِيَتُهُ لَهُمَا غَيْرُ ظَاهِرَةٍ وَيُمْكِنُ التَّوْفِيقُ بِأَنَّ مَنْ نَفَى غُسْلَهُ أَرَادَ الْغُسْلَ الْمُرَاعَى فِيهِ وَجْهُ السُّنَّةِ وَمَنْ أَثْبَتَهُ أَرَادَ الْغُسْلَ فِي الْجُمْلَةِ كَصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهِ عَنْ غَيْرِ وُضُوءٍ وَتَرْتِيبٍ لِفِعْلِهِ كَغُسْلِهِ ابْتِدَاءً بِحُرْضٍ وَسِدْرٍ ( قَوْلُهُ : فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ) أَقُولُ الصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ فِي الْمُخْتَارِ لِأَنَّ ظَاهِرَ الرِّوَايَةِ أَنَّهُ لَا يُغَسَّلُ لَمَّا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَسْتَهِلَّ أُدْرِجَ فِي خِرْقَةٍ كَرَامَةً لِبَنِي آدَمَ وَلَمْ يُصَلَّ عَلَيْهِ لِمَا رَوَيْنَا وَيُغَسَّلُ فِي غَيْرِ الظَّاهِرِ مِنْ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ نَفْسٌ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ الْمُخْتَارُ ا هـ .
وَقَالَ فِي الْمِعْرَاجِ رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ الْأُصُولِ أَنَّهُ يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَبِهِ أَخَذَ الطَّحَاوِيُّ وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَبِهِ أَخَذَ الْكَرْخِيُّ ( قَوْلُهُ : كَصَبِيِّ سَبْيٍ بِأَحَدِ أَبَوَيْهِ ) أَيْ فَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ تَبَعًا لَهُ وَالْمَجْنُونُ الْبَالِغُ كَالصَّبِيِّ كَمَا الْبَحْرِ وَالتَّبَعِيَّةُ إنَّمَا هِيَ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا لَا فِي الْعُقْبَى فَلَا يُحْكَمُ بِأَنَّ أَطْفَالَهُمْ فِي النَّارِ أَلْبَتَّةَ بَلْ فِيهِ خِلَافٌ قِيلَ يَكُونُونَ خَدَمَ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَقِيلَ إنْ كَانُوا قَالُوا بَلَى يَوْمَ أَخْذِ الْعَهْدِ عَنْ اعْتِقَادٍ فَفِي الْجَنَّةِ وَإِلَّا فَفِي النَّارِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ فِيهِمْ إنِّي أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُعَذِّبُ أَحَدًا بِغَيْرِ ذَنْبٍ وَهَذَا نَفْيٌ لِهَذَا التَّفْصِيلِ وَتَوَقَّفَ فِيهِمْ أَبُو حَنِيفَةَ

كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَالتَّوَقُّفُ الْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَوْلَادِ الْمُسْلِمِينَ مَرْدُودٌ عَلَى الرَّاوِي كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ ( قَوْلُهُ : أَوْ بِهِ ) أَيْ بِأَحَدِ أَبَوَيْهِ فَأَسْلَمَ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى تَقْدِيمِ تَبَعِيَّةِ أَحَدِ أَبَوَيْنِ عَلَى الدَّارِ وَالسَّابِي ، وَاخْتُلِفَ فِي تَقْدِيمِ الدَّارِ وَالسَّابِي بَعْدَ تَبَعِيَّةِ الْوِلَادَةِ فَاَلَّذِي فِي الْهِدَايَةِ تَبَعِيَّةُ الدَّارِ .
وَفِي الْمُحِيطِ تَبَعِيَّةُ الْيَدِ ثُمَّ الدَّارِ قَالَ الْكَمَالُ وَلَعَلَّهُ أَيْ مَا فِي الْمُحِيطِ أَوْلَى ، فَإِنَّ مَنْ وَقَعَ فِي سَهْمِهِ صَبِيٌّ مِنْ الْغَنِيمَةِ فَمَاتَ فِي دَارِ الْحَرْبِ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُجْعَلُ مُسْلِمًا تَبَعًا لِصَاحِبِ الْيَدِ ا هـ .
وَنَقَلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ كَشْفِ الْأَسْرَارِ شَرْحَ أُصُولِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ لَوْ سَرَقَ ذِمِّيٌّ صَبِيًّا وَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ فَمَاتَ الصَّبِيُّ ، فَإِنَّهُ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَيَصِيرُ مُسْلِمًا بِتَبَعِيَّةِ الدَّارِ وَلَا يُعْتَبَرُ الْآخِذُ حَتَّى وَجَبَ تَخْلِيصُهُ مِنْ يَدِهِ ا هـ قَالَ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا وَهِيَ وَارِدَةٌ عَلَى مَا فِي الْمُحِيطِ ، فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ أَنْ يُصَلَّى عَلَيْهِ تَقْدِيمًا لِتَبَعِيَّةِ الْيَدِ عَلَى الدَّارِ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى الْخِلَافِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : أَوْ الصَّبِيُّ ) يَعْنِي إذَا كَانَ يَعْقِلُ كَمَا قَيَّدَهُ بِهِ فِي بَابِ الْمُرْتَدِّينَ وَقَيَّدَهُ بِهِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَغَيْرُهُ وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ إلَّا أَنْ يُقِرَّ بِالْإِسْلَامِ وَهُوَ يَعْقِلُ صِفَةَ الْإِسْلَامِ الْمَذْكُورَةِ فِي حَدِيثِ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { أَنْ تُؤْمِنَ بِاَللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخَرِ وَالْقَدْرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ مِنْ اللَّهِ } وَقِيلَ مَعْنَاهُ يَعْقِلُ الْمَنَافِعَ وَالْمَضَارَّ وَأَنَّ الْإِسْلَامَ هُدًى وَاتِّبَاعَهُ خَيْرٌ وَالْكُفْرَ ضَلَالَةٌ وَاتِّبَاعَهُ شَرٌّ ا هـ .
وَلَيْسَ الْمُرَادُ عَلَى الْأَوَّلِ مَا يَظْهَرُ مِنْ التَّوَقُّفِ فِي جَوَابِ مَا الْإِيمَانُ مَا الْإِسْلَامُ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا

الْخَوَاصُّ ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنْ يَذْكُرَ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ وَمَا يُوجِبُ الْإِيمَانُ بِحَضْرَتِهِ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ هَلْ أَنْتَ مُصَدِّقٌ بِهَذَا ، فَإِذَا قَالَ نَعَمْ كَانَ ذَلِكَ كَافِيًا ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ حُكْمًا ) يَعْنِي فِي صُورَةِ التَّبَعِيَّةِ أَمَّا إذَا أَسْلَمَ هُوَ فَهُوَ مُسْلِمٌ حَقِيقَةً

( كَافِرٌ مَاتَ ) عَبْدًا كَانَ أَوْ حُرًّا ( يُغَسِّلُهُ وَلِيُّهُ الْمُسْلِمُ ) مِنْ مَوْلَاهُ أَوْ أَقَارِبِهِ ( لَا كَالْمُسْلِمِ ) أَيْ لَا غُسْلًا كَغُسْلِ الْمُسْلِمِ ( وَيُلْقِهِ فِي خِرْقَةٍ وَيَدْفِنُهُ فِي حَفِيرَةٍ )

( قَوْلُهُ : يُغَسِّلُهُ وَلِيُّهُ الْمُسْلِمُ ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ وَلَهُ وَلِيٌّ مُسْلِمٌ عِبَارَةٌ مُعَيَّنَةٌ وَمَا دَفَعَ بِهِ مِنْ أَنَّهُ أَرَادَ الْقَرِيبَ لَا يُفِيدُ لِأَنَّ الْمُؤَاخَذَةَ إنَّمَا هِيَ عَلَى نَفْسِ التَّعْبِيرِ بِهِ بَعْدَ إرَادَةِ الْقَرِيبِ بِهِ ا هـ وَقَالَ فِي الْكَافِي : فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مُسْلِمٌ دُفِعَ إلَى أَهْلِ دِينِهِ ، وَإِنَّمَا يَقُومُ الْمُسْلِمُ بِغُسْلِ قَرِيبِهِ الْكَافِرِ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ قَرِيبٌ مُشْرِكٌ ، فَإِنْ كَانَ فَلَا يَتَوَلَّى الْمُسْلِمُ بِنَفْسِهِ ا هـ .
وَهَذَا عَلَى سَبِيلِ الْأَوْلَوِيَّةِ لِمَا فِي الْعِنَايَةِ عَنْ الْأَصْلِ كَافِرٌ مَاتَ وَلَهُ ابْنٌ مُسْلِمٌ يُغَسِّلُهُ وَيُكَفِّنُهُ وَيَدْفِنُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مِنْ أَقْرِبَائِهِ الْكُفَّارِ مَنْ يَتَوَلَّى أَمْرَهُ ، فَإِنْ كَانَ ثَمَّةَ أَحَدٌ مِنْهُمْ فَالْأَوْلَى أَنْ يُخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ ا هـ .
وَمِثْلُهُ فِي الْبُرْهَانِ وَيَتْبَعُ الْجِنَازَةَ مِنْ بَعِيدٍ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ كُفْرُهُ عَنْ ارْتِدَادٍ ، فَإِنْ كَانَ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ يُحْفَرُ لَهُ حَفِيرَةٌ وَيُلْقَى فِيهَا كَالْكَلْبِ وَلَا يُدْفَعُ إلَى مَنْ انْتَقَلَ إلَى دِينِهِمْ صَرَّحَ بِهِ فِي غَيْرِ مَا كِتَابٍ ( قَوْلُهُ أَوْ أَقَارِبِهِ ) أَطْلَقَهُ فَشَمَلَ ذَوِي الْأَرْحَامِ ( قَوْلُهُ : أَيْ لَا غُسْلًا كَغُسْلِ الْمُسْلِمِ ) ذَكَرَ الْمَحْبُوبِيُّ وَغَيْرُهُ إنَّمَا يُغَسَّلُ الْكَافِرُ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ عَامَّةٌ فِي بَنِي آدَمَ وَلِأَنَّهُ حَالُ رُجُوعِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيَكُونُ ذَلِكَ حُجَّةً عَلَيْهِ لَا تَطْهِيرًا حَتَّى لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ أَفْسَدَهُ كَمَا فِي الْمِعْرَاجِ ( قَوْلُهُ وَيَدْفِنُهُ فِي حُفْرَةٍ ) أَيْ مِنْ غَيْرِ لَحْدٍ وَلَا تَوْسِعَةٍ كَمَا فِي الْكَافِي وَيُلْقَى فِي الْحَفِيرَةِ وَلَا يُوضَعُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ، وَإِذَا مَاتَ الْمُسْلِمُ وَلَيْسَ لَهُ إلَّا قَرِيبٌ كَافِرٌ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَلِيَ ذَلِكَ بِأَنْ يَفْعَلَهُ الْمُسْلِمُونَ وَيُكْرَهُ أَنْ يَدْخُلَ الْكَافِرُ قَبْرَ قَرَابَتِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِيَدْفِنَهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَقَوْلُهُ

يَنْبَغِي يَجِبُ حَمْلُهُ عَلَى الْوُجُوبِ كَمَا لَا يَخْفَى

( تُحْمَلُ الْجِنَازَةُ بِوَضْعِ مُقَدَّمِهَا ثُمَّ مُؤَخَّرِهَا عَلَى ) الْكَتِفِ ( الْيَمِينِ كَذَا الْيَسَارُ ) يَعْنِي تُحْمَلُ بِوَضْعِ مُقَدَّمِهَا ثُمَّ مُؤَخَّرِهَا عَلَى الْكَتِفِ الْيَسَارِ ( وَيُسْرَعُ بِهَا لَا خَبَبًا ) أَيْ يَمْشُونَ بِهَا مُسْرِعِينَ بِلَا عَدْوٍ
( قَوْلُهُ بِوَضْعِ مُقَدَّمِهَا ثُمَّ مُؤَخَّرِهَا
إلَخْ ) الْيَمِينُ الْمُقَدَّمُ هُوَ يَمِينُ الْمَيِّتِ وَهُوَ يَسَارُ الْجِنَازَةِ لِأَنَّ الْمَيِّتَ يُوضَعُ عَلَيْهَا عَلَى قَفَاهُ فَكَانَ يَمِينُ الْمَيِّتِ هُوَ يَسَارَهَا وَيَسَارُهَا يَمِينَهُ وَفِي حَالَةِ الْمَشْيِ يُقَدَّمُ الرَّأْسُ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ يَنْبَغِي أَنْ يَحْمِلَهَا مِنْ كُلِّ جَانِبٍ عَشْرَ خُطُوَاتٍ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ حَمَلَ جِنَازَةً أَرْبَعِينَ خُطْوَةً كَفَّرَتْ عَنْهُ أَرْبَعِينَ كَبِيرَةً } قَوْلُهُ وَيُسْرِعُ بِهَا لَا خَبَبًا ) حَدُّهُ أَنْ لَا يَضْطَرِبَ الْمَيِّتُ عَلَى الْجِنَازَةِ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُسْرِعَ تَجْهِيزَهُ كُلَّهُ

( وَكُرِهَ الْجُلُوسُ قَبْلَ وَضْعِهَا عَنْ الْأَكْتَافِ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ تَبِعَ الْجِنَازَةَ فَلَا يَجْلِسْ حَتَّى تُوضَعَ }

( وَنُدِبَ الْمَشْيُ خَلْفَهَا ) لِمَا رَوَيْنَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْجِنَازَةُ مَتْبُوعَةٌ } وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الِاتِّعَاظِ بِهَا وَالتَّعَاوُنِ فِي حَمْلِهَا إنْ اُحْتِيجَ إلَيْهِ ( وَيُلْحَدُ الْقَبْرُ وَلَا يُشَقُّ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { اللَّحْدُ لَنَا وَالشَّقُّ لِغَيْرِنَا } ( إلَّا فِي أَرْضٍ رَخْوَةٍ ) فَلَا بَأْسَ بِالشَّقِّ وَاِتِّخَاذُ تَابُوتٍ مِنْ حَجَرٍ أَوْ حَدِيدٍ وَيُفْرَشُ فِيهِ التُّرَابُ ( وَيُدْخَلُ مِنْ قِبَلِ الْقِبْلَةِ وَيَقُولُ وَاضِعُهُ بِسْمِ اللَّهِ ) أَيْ وَضَعْنَاك مُتَلَبِّسِينَ بِاسْمِ اللَّهِ ( وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ) أَيْ سَلَّمْنَاك عَلَى مِلَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَيُوَجَّهُ إلَيْهَا ) أَيْ الْقِبْلَةِ إذْ بِهِ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَيَحِلُّ الْعُقْدَةَ الَّتِي عَلَى الْكَفَنِ ) لِخَوْفِ الِانْتِشَارِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِهِ وَلِلْأَمْنِ مِنْ الِانْتِشَارِ ( وَيُسَوَّى اللَّبِنُ وَالْقَصَبُ لَا الْخَشَبُ وَالْآجُرُّ وَجُوِّزَ فِي أَرْضٍ رَخْوَةٍ ) كَذَا فِي الْكَافِي ( وَيُسَجَّى قَبْرُهَا لَا قَبْرُهُ ) لِأَنَّ مَبْنَى حَالِهِنَّ عَلَى الِاسْتِتَارِ بِخِلَافِهِمْ ( وَيُهَالُ التُّرَابُ عَلَيْهِ ) لِلتَّوَارُثِ ( وَيُسَنَّمُ الْقَبْرُ وَلَا يُرَبَّعُ وَلَا يُجَصَّصُ ) لِلنَّهْيِ عَنْهُمَا

( قَوْلُهُ : وَنُدِبَ الْمَشْيُ خَلْفَهَا
إلَخْ ) هُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَشْيِ أَمَامَهَا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَكَانَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَمْشِي خَلْفًا وَقَالَ : إنَّ فَضْلَ الْمَاشِي خَلْفَهَا عَلَى الْمَاشِي أَمَامَهَا كَفَضْلِ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ عَلَى النَّافِلَةِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ ، وَإِنْ كَانَ مَعَهَا نَائِحَةٌ أَوْ صَائِحَةٌ زُجِرَتْ ، فَإِنْ لَمْ تَنْزَجِرْ فَلَا بَأْسَ بِالْمَشْيِ مَعَهَا وَلَا تُتْرَكُ السُّنَّةُ بِمَا اُقْتُرِنَ بِهَا مِنْ الْبِدْعَةِ وَيُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ وَيَذْكُرُ فِي نَفْسِهِ وَقَدْ جَاءَ سُبْحَانَ مَنْ قَهَرَ عِبَادَهُ بِالْمَوْتِ وَتَفَرَّدَ بِالْبَقَاءِ سُبْحَانَ الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَلَا يَرْجِعُ قَبْلَ الدَّفْنِ بِلَا إذْنِ أَهْلِهِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ ( قَوْلُهُ : وَيُلْحَدُ الْقَبْرُ ) أَيْ بَعْدَ عُمْقِهِ وَاخْتَلَفُوا فِي عُمْقِهِ قِيلَ نِصْفُ الْقَامَةِ وَقِيلَ إلَى الصَّدْرِ ، وَإِنْ زَادَ فَحَسَنٌ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ : وَيُسَنَّمُ الْقَبْرُ ) صَرَّحَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِوُجُوبِ التَّسْنِيمِ .
وَفِي الْمُجْتَبَى بِاسْتِحْبَابِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ وَلَا يُجَصَّصُ ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ يَحْرُمُ الْبِنَاءُ عَلَيْهِ لِلزِّينَةِ وَيُكْرَهُ لِلْأَحْكَامِ بَعْدَ الدَّفْنِ لَا الدَّفْنُ فِي مَكَان بُنِيَ فِيهِ قِبْلَةٌ لِعَدَمِ كَوْنِهِ قَبْرًا حَقِيقَةً بِدُونِهِ وَيُعْلَمُ بِعَلَامَتِهِ .
ا هـ .
وَإِنْ اُحْتِيجَ إلَى الْكِتَابَةِ حَتَّى لَا يَذْهَبَ الْأَثَرُ لَا وَيُمْتَهَنُ فَلَا بَأْسَ بِهِ فَأَمَّا الْكِتَابَةُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَلَا كَذَا فِي الْبَحْرِ وَيُكْرَهُ الدَّفْنُ فِي الْأَمَاكِنِ الَّتِي تُسَمَّى فَسَاقِيَّ وَلَا يُدْفَنُ صَغِيرٌ وَلَا كَبِيرٌ فِي الْبَيْتِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ خَاصٌّ بِالْأَنْبِيَاءِ بَلْ يُنْقَلُ إلَى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ كَذَا فِي الْفَتْحِ

( وَلَا يُخْرَجُ ) الْمَيِّتُ ( مِنْهُ ) أَيْ الْقَبْرِ ( إلَّا أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ مَغْصُوبَةً أَوْ أُخِذَتْ بِالشُّفْعَةِ ) وَطَلَبَ الْمَالِكُ فَحِينَئِذٍ يُخْرَجُ ( مَاتَ فِي سَفِينَةٍ يُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُرْمَى بِهِ فِي الْبَحْرِ ) كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ
( قَوْلُهُ : وَلَا يُخْرَجُ مِنْهُ ) أَيْ الْقَبْرِ يَعْنِي بَعْدَمَا أُهِيلَ عَلَيْهِ التُّرَابُ لِلنَّهْيِ الْوَارِدِ عَنْ نَبْشِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ صَرَّحُوا بِحُرْمَتِهِ ( قَوْلُهُ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْأَرْضُ مَغْصُوبَةً ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ : يُخْرَجُ لِحَقِّ صَاحِبِهَا إنْ شَاءَ ، وَإِنْ شَاءَ سَوَّاهُ مَعَ الْأَرْضِ وَانْتَفَعَ بِهَا زِرَاعَةً وَغَيْرَهُ وَلَيْسَ مِنْ الْغَصْبِ مَا إذَا دُفِنَ فِي قَبْرٍ حَفَرَهُ الْغَيْرُ لِيَدْفِنَ فِيهِ فَلَا يُنْبَشُ وَلَكِنْ يَضْمَنُ قِيمَةَ الْحَفْرِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَأَشَارَ بِكَوْنِ الْأَرْضِ مَغْصُوبَةً إلَى جَوَازِ نَبْشِهِ لِحَقِّ الْآدَمِيِّ كَمَا إذَا سَقَطَ مَتَاعُهُ أَوْ كُفِّنَ بِثَوْبٍ مَغْصُوبٍ أَوْ دُفِنَ مَعَهُ مَالُ إحْيَاءٍ لَحِقَ الْمُحْتَاجَ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَلَوْ وُضِعَ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ أَوْ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْسَرِ أَوْ جَعَلَ رَأْسَهُ مَوْضِعَ رِجْلَيْهِ وَأُهِيلَ التُّرَابُ لَمْ يُنْبَشْ وَإِلَّا فَعَلَ بِهِ السُّنَّةَ وَلَوْ بَلِيَ الْمَيِّتُ وَصَارَ تُرَابًا جَازَ دَفْنُ غَيْرِهِ فِي قَبْرِهِ وَزَرْعُهُ وَالْبِنَاءُ عَلَيْهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ : مَاتَ فِي سَفِينَةٍ
إلَخْ ) الْمُرَادُ إنْ كَانَ الْبَرُّ بَعِيدًا وَخِيفَ الضَّرَرُ وَعَنْ أَحْمَدَ يُثَقَّلُ إنْ شَبَّ وَعَنْ الشَّافِعِيَّةِ كَذَلِكَ إنْ كَانَ قَرِيبًا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ وَإِلَّا شُدَّ بَيْنَ لَوْحَيْنِ لِيَقْذِفَهُ الْبَحْرُ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَالْبُرْهَانِ

( مَاتَتْ حَامِلٌ وَوَلَدُهَا حَيٌّ تُشَقُّ بَطْنُهَا ) مِنْ جَنْبِهَا الْأَيْسَرِ ( وَيُخْرَجُ وَلَدُهَا ) كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَفِيهَا أَيْضًا وَيُسْتَحَبُّ فِي الْقَتِيلِ وَالْمَيِّتِ دَفْنُهُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فِي مَقَابِرِ أُولَئِكَ الْمُسْلِمِينَ وَإِنْ نُقِلَ قَبْلَ الدَّفْنِ إلَى قَدْرِ مِيلٍ أَوْ مِيلَيْنِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَكَذَا لَوْ مَاتَ فِي غَيْرِ بَلَدِهِ يُسْتَحَبُّ تَرْكُهُ فَإِنْ نُقِلَ إلَى مِصْرٍ آخَرَ لَا بَأْسَ بِهِ لَا تُكَسَّرُ عِظَامُ الْيَهُودِ وَنَحْوِهِمْ إذَا وُجِدَتْ فِي قُبُورِهِمْ وَيُكْرَهُ الْقُعُودُ عَلَى الْقُبُورِ وَقَلْعُ الشَّجَرِ وَالْحَشِيشِ مِنْ الْمَقْبَرَةِ وَلَا بَأْسَ فِي الْيَابِسِ

( قَوْلُهُ : مَاتَتْ حَامِلٌ إلَى قَوْلِهِ وَكَذَا فِي الْخَانِيَّةِ ) أَقُولُ عِبَارَتُهَا امْرَأَةٌ وَمَاتَتْ وَالْوَلَدُ يَضْطَرِبُ فِي بَطْنِهَا قَالَ مُحَمَّدٌ يُشَقُّ بَطْنُهَا وَيُخْرَجُ الْوَلَدُ لَا يَسَعُ إلَّا ذَلِكَ ا هـ .
وَنَقَلَ الْكَمَالُ عَنْ التَّجْنِيسِ حَامِلٌ مَاتَتْ وَاضْطَرَبَ فِي بَطْنِهَا شَيْءٌ وَكَانَ رَأْيُهُمْ أَنَّهُ وَلَدٌ حَيٌّ شُقَّ بَطْنُهَا فَرْقٌ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا إذَا ابْتَلَعَ دُرَّةً فَمَاتَ وَلَمْ يَدَّعِ مَالًا عَلَيْهِ قِيمَةٌ وَلَا يُشَقُّ بَطْنُهُ .
وَفِي الِاخْتِيَارِ جَعَلَ عَدَمَ شَقِّ بَطْنِهِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَرَوَى الْجُرْجَانِيِّ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يُشَقُّ لِأَنَّ حَقَّ الْآدَمِيِّ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَمُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الظَّالِمِ الْمُتَعَدِّي ا هـ .
ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ وَهَذَا أَوْلَى وَالْجَوَابُ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّ ذَلِكَ الِاحْتِرَامَ يَزُولُ بِتَعَدِّيهِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ نُقِلَ قَبْلَ الدَّفْنِ إلَى قَدْرِ مِيلٍ
إلَخْ ) أَشَارَ بِهِ إلَى كَرَاهَةِ نَقْلِهِ إلَى مَا فَوْقَ مِيلَيْنِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَإِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ نَبْشُهُ وَنَقْلُهُ بَعْدَ الدَّفْنِ وَهُوَ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا لِحَقِّ الْغَيْرِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَاتَّفَقَتْ كَلِمَةُ الْمَشَايِخِ فِي امْرَأَةٍ دُفِنَ ابْنُهَا وَهِيَ غَائِبَةٌ فِي غَيْرِ بَلَدِهَا فَلَمْ تَصْبِرْ وَأَرَادَتْ نَقْلَهُ أَنَّهُ لَا يَسَعُهَا ذَلِكَ فَتَجْوِيزُ شَوَاذِّ بَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ كَذَا قَالَهُ الْكَمَالُ ( قَوْلُهُ : فَإِنْ نُقِلَ إلَى مِصْرٍ آخَرَ لَا بَأْسَ بِهِ ) أَقُولُ نَقَلَ مِثْلَهُ الْكَمَالُ عَنْ التَّجْنِيسِ فَقَالَ لَا إثْمَ فِي النَّقْلِ مِنْ بَلَدٍ إلَى بَلَدٍ لَمَّا نُقِلَ أَنَّ يَعْقُوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَاتَ بِمِصْرَ فَنُقِلَ إلَى الشَّامِ وَمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ نَقَلَ تَابُوتَ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَعْدَ مَا أَتَى عَلَيْهِ زَمَانٌ مِنْ مِصْرَ إلَى الشَّامِ لِيَكُونَ مَعَ آبَائِهِ ا هـ .
أَيْ مَا فِي التَّجْنِيسِ ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا وَلَمْ تَتَوَفَّرْ فِيهِ

شُرُوطُ كَوْنِهِ شَرْعًا لَنَا ثُمَّ نَقَلَ عَنْ التَّجْنِيسِ أَيْضًا أَنَّهُ يُكْرَهُ نَقْلُهُ إلَى بَلْدَةٍ أُخْرَى لِأَنَّهُ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يُفِيدُ وَفِيهِ تَأْخِيرُ دَفْنِهِ وَكَفَى بِذَلِكَ كَرَاهَةً .
ا هـ .
قُلْتُ وَأَيْضًا لَا يُمَاثِلُ الْأَنْبِيَاءُ غَيْرَهُمْ لِكَوْنِهِمْ أَطْيَبَ مَا يَكُونُ فِي حَالَةِ الْمَوْتِ كَالْحَيَاةِ لَا يَعْتَرِيهِمْ تَغَيُّرٌ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِمْ مَنْ يَبْقَى جِيفَةً أَشَدَّ نَتْنًا مِنْ جِيفَةِ الْكَلْبِ تُؤْذِي كُلَّ مَنْ مَرَّتْ بِهِ ( قَوْلُهُ : لَا يُكْسَرُ عِظَامُ الْيَهُودِ
إلَخْ ) كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَعَلَّلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْوَاقِعَاتِ بِقَوْلِهِ ؛ لِأَنَّ الذِّمِّيَّ لَمَّا حُرِّمَ إيذَاؤُهُ فِي حَيَاتِهِ لِذِمَّتِهِ فَتَجِبُ صِيَانَتُهُ عَنْ الْكَسْرِ بَعْدَ مَوْتِهِ ا هـ .
وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّهُ خَاصٌّ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ دُونَ الْحَرْبِيِّينَ ( قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ الْقُعُودُ عَلَى الْقُبُورِ ) كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ وَكَذَلِكَ يُكْرَهُ وَطْؤُهُ وَالنَّوْمُ وَقَضَاءُ الْحَاجَةِ وَكُلُّ مَا لَمْ يُعْهَدْ مِنْ السُّنَّةِ وَالْمَعْهُودُ لَيْسَ إلَّا زِيَارَتَهَا وَالدُّعَاءَ عِنْدَهَا قَائِمًا وَاخْتُلِفَ فِي إجْلَاسِ الْقَارِئِينَ لِيَقْرَءُوا عِنْدَ الْقَبْرِ وَالْمُخْتَارُ عَدَمُ الْكَرَاهَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَزِيَارَةُ الْقُبُورِ مَنْدُوبَةٌ لِلرِّجَالِ وَقِيلَ تَحْرُمُ عَلَى النِّسَاءِ ، وَ الْأَصَحُّ أَنَّ الرُّخْصَةَ ثَابِتَةٌ لَهُمَا وَيُسْتَحَبُّ قِرَاءَةُ يس لِمَا وَرَدَ مَنْ دَخَلَ الْمَقَابِرَ فَقَرَأَ سُورَةَ يس خَفَّفَ اللَّهُ عَنْهُمْ يَوْمَئِذٍ وَكَانَ لَهُ بِعَدَدِ مَا فِيهَا حَسَنَاتٌ كَذَا فِي الْبَحْرِ فِي ( قَوْلُهُ : وَلَا بَأْسَ فِي الْيَابِسِ ) كَذَا الرُّطَبُ لِحَاجَةٍ قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَلَا يُسْتَحَبُّ قَطْعُ الرُّطَبِ إلَّا لِحَاجَةٍ

( بَابُ الشَّهِيدِ ) سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ مَشْهُودٌ لَهُ بِالْجَنَّةِ بِالنَّصِّ أَوْ لِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ يَشْهَدُونَ مَوْتَهُ إكْرَامًا لَهُ أَوْ لِأَنَّهُ حَيٌّ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى حَاضِرٌ اعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ فِي هَذَا الْبَابِ { شُهَدَاءُ أُحُدٍ فَإِنَّهُمْ كُفِّنُوا وَصُلِّيَ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يُغَسَّلُوا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي حَقِّهِمْ زَمِّلُوهُمْ بِكُلُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ وَلَا تُغَسِّلُوهُمْ } الْحَدِيثَ وَكُلُّ مَنْ بِمَعْنَاهُمْ يُلْحَقُ بِهِمْ فِي عَدَمِ الْغُسْلِ وَمَنْ لَيْسَ بِمَعْنَاهُمْ وَلَكِنَّهُ قُتِلَ ظُلْمًا أَوْ مَاتَ حَرِيقًا أَوْ غَرِيقًا أَوْ مَبْطُونًا فَلَهُمْ ثَوَابُ الشُّهَدَاءِ مَعَ أَنَّهُمْ يُغَسَّلُونَ وَهُمْ شُهَدَاءُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا يَرَى أَنَّ عُمَرَ وَعَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا حُمِلَا إلَى بَيْتِهِمَا بَعْدَ الطَّعْنِ وَغُسِّلَا وَكَانَا شَهِيدَيْنِ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا فِي الْكَافِي وَالْمَقْصُودُ هَاهُنَا تَعْرِيفُ شَهِيدٍ هُوَ بِمَعْنَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي تَرْكِ الْغُسْلِ وَلِهَذَا قَالَ ( هُوَ مُسْلِمٌ طَاهِرٌ ) احْتِرَازٌ عَمَّنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ كَالْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ ( بَالِغٌ ) احْتِرَازٌ عَنْ الصَّبِيِّ ( قُتِلَ ظُلْمًا ) احْتِرَازٌ عَنْ مَنْ قُتِلَ حَدًّا أَوْ قِصَاصًا ( وَلَمْ يَجِبْ بِنَفْسِ الْقَتْلِ مَالٌ ) احْتِرَازٌ عَنْ قَتْلٍ وَجَبَ بِهِ مَالٌ وَإِنَّمَا قَالَ بِنَفْسِ الْقَتْلِ لِأَنَّ الْأَبَ إذَا قَتَلَ ابْنَهُ بِحَدِيدَةٍ ظُلْمًا يَكُونُ الِابْنُ شَهِيدًا لِأَنَّ الْمَالَ وَإِنْ وَجَبَ لَمْ يَجِبْ بِنَفْسِ الْقَتْلِ بَلْ بِسُقُوطِ الْقِصَاصِ لِشُبْهَةِ الْأُبُوَّةِ ( وَلَمْ يُرْتَثَّ ) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ يُقَالُ ارْتَثَّ الْجَرِيحُ أَيْ حُمِلَ مِنْ الْمَعْرَكَةِ وَبِهِ رَمَقٌ وَالِارْتِثَاثُ فِي الشَّرْعِ أَنْ يُرْتَفَقَ بِشَيْءٍ مِنْ مَرَافِقِ الْحَيَاةِ أَوْ يَثْبُتَ لَهُ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْأَحْيَاءِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ

( بَابُ الشَّهِيدِ ) الْمَقْتُولُ مَيِّتٌ بِأَجَلِهِ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ ، وَإِنَّمَا بَوَّبَ لِلشَّهِيدِ بِحِيَالِهِ لِاخْتِصَاصِهِ بِالْفَضِيلَةِ فَكَانَ إفْرَادُهُ مِنْ بَابِ الْمَيِّتِ عَلَى حِدَةٍ كَإِفْرَادِ جِبْرِيلَ مِنْ الْمَلَائِكَةِ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ ( قَوْلُهُ : الْحَدِيثَ ) تَمَامُهُ ، فَإِنَّهُ مَا مِنْ جَرِيحٍ يُجْرَحُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا وَهُوَ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَوْدَاجُهُ تَشْخَبُ دَمًا اللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ .
كَذَا فِي الْكَافِي وَالْهِدَايَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ هُوَ غَرِيبٌ وَرَوَى أَحَادِيثَ صَحِيحَةً فِي عَدَمِ غُسْلِ الشَّهِيدِ ( قَوْلُهُ : وَكُلُّ مَنْ بِمَعْنَاهُمْ يَلْحَقُ بِهِمْ
إلَخْ ) قَالَهُ فِي الْكَافِي عِنْدَ قَوْلِهِ أَوْ ارْتَثَّ فَقَالَ ثُمَّ الْمُرْتَثُّ ، وَإِنْ غُسِّلَ فَلَهُ ثَوَابُ الشُّهَدَاءِ كَالْحَرِيقِ وَالْغَرِيقِ وَالْمَبْطُونِ وَالْغَرِيبِ ا هـ .
وَهُوَ أَوْفَرُ فَائِدَةً مِنْ نَقْلِ الْمُصَنِّفِ إيَّاهُ بِالْمَعْنَى ( قَوْلُهُ : كَذَا فِي الْكَافِي ) أَقُولُ : لَكِنْ لَا عَلَى مِثْلِ هَذَا الْوَضْعِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ بَلْ بِالْمَعْنَى مِنْ الْبَابِ ( قَوْلُهُ : احْتِرَازٌ عَمَّنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ كَالْجُنُبِ وَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ ) أَقُولُ الْمُرَادُ بِوُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَى الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وُجُوبُهُ فِي الْجُمْلَةِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمَا الْغُسْلُ كَمَا لَوْ لَمْ يَنْقَطِعْ دَمُ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَقَدْ عُرِفَ أَنَّهُ حَيْضٌ وَنِفَاسٌ لَا يُغَسَّلُ الشَّهِيدُ مِنْهُمَا فِي رَاوِيَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالصَّحِيحُ أَنَّ مَا قَبْلَ الِانْقِطَاعِ كَمَا بَعْدَهُ فَيَجِبُ التَّغْسِيلُ عِنْدَهُ مُطْلَقًا وَعِنْدَهُمَا لَا يُغَسَّلَانِ مُطْلَقًا كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ ( قَوْلُهُ : بَالِغٌ احْتِرَازٌ عَنْ الصَّبِيِّ ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمْ كَالْبَالِغِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمَجْنُونُ كَالصَّبِيِّ كَمَا فِي السِّرَاجِ فَكَانَ يَنْبَغِي إبْدَالُ لَفْظِ بَالِغٍ بِمُكَلَّفٍ لِيَخْرُجَ الصَّبِيُّ

وَالْمَجْنُونُ ( قَوْلُهُ : قُتِلَ ظُلْمًا ) يَعْنِي بِأَنْ قَتَلَهُ أَهْلُ الْحَرْبِ أَوْ الْبَغْيِ أَوْ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ مُبَاشَرَةً أَوْ تَسَيُّبًا مِنْهُمْ كَمَا لَوْ طَعَنُوهُمْ حَتَّى أَلَقُوهُمْ فِي نَارٍ أَوْ مَاءٍ بِالطَّعْنِ أَوْ الدَّفْعِ وَالْكَرِّ عَلَيْهِمْ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ أَوْ نَفَّرُوا دَابَّةً فَصَدَمَتْ مُسْلِمًا أَوْ رَمَوْا نَارًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَهَبَّتْ بِهَا رِيحٌ إلَى الْمُسْلِمِينَ أَوْ أَرْسَلُوا مَاءً فَغَرَقَ بِهِ مُسْلِمٌ ، فَإِنَّهُ شَهِيدٌ اتِّفَاقًا ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ يُضَافُ إلَى الْعَدُوِّ تَسَبُّبًا أَمَّا لَوْ انْفَلَتَتْ مِنْهُمْ دَابَّةُ كَافِرٍ فَأَوْطَأَتْ مُسْلِمًا مِنْ غَيْرِ سِيَاقٍ أَوْ رَمَى مُسْلِمٌ إلَى الْكُفَّارِ فَأَصَابَ مُسْلِمًا أَوْ نَفَرَتْ دَابَّةُ مُسْلِمٍ مِنْ سَوَادِ الْكُفَّارِ أَوْ نَفَرَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهُمْ فَأَلْجَؤُهُمْ إلَى خَنْدَقٍ أَوْ نَارٍ أَوْ نَحْوِهِ فَأَلْقَوْا أَنْفُسَهُمْ أَوْ جَعَلُوا حَوْلَهُمْ الْحَسَكَ فَمَشَى عَلَيْهَا مُسْلِمٌ فَمَاتَ لَمْ يَكُنْ شَهِيدًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَقَوْلُهُ فَأَلْقَوْا أَنْفُسَهُمْ فِي الْخَنْدَقِ أَيْ مِنْ غَيْرِ كَرٍّ وَلَا طَعْنٍ وَلَا دَفْعٍ مِنْ الْعَدُوِّ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ ( قَوْلُهُ : وَلَمْ يُرْتَثَّ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ) كَذَا فِي الْمِعْرَاجِ عَنْ الصِّحَاحِ ثُمَّ قَالَ .
وَفِي الْإِيضَاحِ مَعْنَى الِارْتِثَاثِ هُوَ أَنَّ خَلَقَ شَهَادَتِهِ مِنْ قَوْلِك ثَوْبٌ رَثٌّ أَيْ خَلَقٌ .
ا هـ .

( سَوَاءٌ قَتَلَهُ بَاغٍ أَوْ حَرْبِيٌّ أَوْ قُطَّاعُ الطَّرِيقِ وَلَوْ بِغَيْرِ آلَةٍ جَارِحَةٍ ) لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ شُهَدَاءُ أُحُدٍ كَمَا عَرَفْتَ وَلَمْ يَكُنْ كُلُّهُمْ قَتِيلَ السَّيْفِ وَالسِّلَاحِ فَفِيهِمْ مَنْ دُمِغَ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ وَفِيهِمْ مَنْ قُتِلَ بِالْعَصَا وَقَدْ عَمَّهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْأَمْرِ بِتَرْكِ الْغُسْلِ ( أَوْ ) قَتَلَهُ ( غَيْرُهُمْ بِهَا ) أَيْ بِجَارِحَةٍ فَإِنَّ مُسْلِمًا قَتَلَهُ غَيْرُ بَاغٍ أَوْ غَيْرُ قَاطِعِ الطَّرِيقِ وَمُسْلِمًا قَتَلَهُ ذِمِّيٌّ بِجَارِحَةٍ ظُلْمًا يَكُونُ شَهِيدًا

( أَوْ وُجِدَ ) عَطْفٌ عَلَى قُتِلَ ظُلْمًا ( جَرِيحًا مَيِّتًا فِي مَعْرَكَتِهِمْ ) أَيْ مَعْرَكَةِ الْبَاغِي وَنَحْوِهِ وَاشْتَرَطَ الْجِرَاحَةَ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ قَتِيلٌ لَا مَيِّتٌ حَتْفَ أَنْفِهِ ( فَيُنْزَعُ عَنْهُ غَيْرُ الصَّالِحِ لِلْكَفَنِ ) كَالْفَرْوِ وَالْحَشْوِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَالسِّلَاحِ وَالْخُفِّ فَإِنَّهَا تُنْزَعُ ( وَيُزَادُ ) إنْ نَقَصَ ( وَيُنْقَصُ ) إنْ زَادَ ( لِيَتِمَّ ) الْكَفَنُ ( وَلَا يُغَسَّلُ ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ كَمَا مَرَّ ( وَيُصَلَّى عَلَيْهِ ) إكْرَامًا لَهُ وَتَعْظِيمًا ( وَيُدْفَنُ بِدَمِهِ ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى شُهَدَاءِ أُحُدٍ وَقَدْ مَرَّ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَهَى عَنْ غُسْلِهِمْ وَالشَّافِعِيُّ يُخَالِفُنَا فِي الصَّلَاةِ ( فَيُغَسَّلُ مِنْ وُجِدَ قَتِيلًا فِي مِصْرٍ فِيمَا ) أَيْ فِي مَوْضِعٍ ( يَجِبُ ) إذَا وُجِدَ ( فِيهِ ) أَيْ الْقَتِيلِ ( الْقَسَامَةُ ) احْتِرَازٌ عَنْ الْجَامِعِ وَالشَّارِعِ ( وَلَمْ يُعْلَمُ قَاتِلُهُ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ وُجِدَ قَتِيلًا فِي الْمِصْرِ غُسِّلَ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ فَخُفِّفَ أَثَرُ الظُّلْمِ إلَّا إذَا عُلِمَ أَنَّهُ قُتِلَ بِحَدِيدَةٍ ظُلْمًا لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ الْقِصَاصُ وَقَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ أَقُولُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ مُخَالِفَةٌ لِمَا ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ لِأَنَّ رِوَايَةَ الْهِدَايَةِ فِيمَا إذَا لَمْ يُعْلَمْ قَاتِلُهُ لِأَنَّهُ عَلَّلَ بِوُجُوبِ الْقَسَامَةِ وَلَا قَسَامَةَ إلَّا إذَا لَمْ يُعْلَمْ الْقَاتِلُ فَفِي صُورَةِ عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْقَاتِلِ إذَا عُلِمَ أَنَّ الْقَتْلَ بِالْحَدِيدَةِ فَفِي رِوَايَةِ الْهِدَايَةِ لَا يُغَسَّلُ لِأَنَّ نَفْسَ هَذَا الْقَتْلِ أَوْجَبَ الْقِصَاصَ وَأَمَّا وُجُوبُ الدِّيَةِ وَالْقَسَامَةِ فَلِعَارِضِ الْعَجْزِ عَنْ إقَامَةِ الْقِصَاصِ فَلَا يُخْرِجُهُ هَذَا الْعَارِضُ عَنْ أَنْ يَكُونَ شَهِيدًا وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ الذَّخِيرَةِ فَيُغَسَّلُ وَعِبَارَةُ الذَّخِيرَةِ هَكَذَا وَإِنْ حَصَلَ الْقَتْلُ بِحَدِيدَةٍ ، فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ قَاتِلُهُ تَجِبُ الدِّيَةُ وَالْقَسَامَةُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فَيُغَسَّلُ وَإِنْ عُلِمَ قَاتِلُهُ لَمْ يُغَسَّلْ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25