كتاب : درر الحكام شرح غرر الأحكام
المؤلف : محمد بن فراموز الشهير بمنلا خسرو

فَيَبْقَيَانِ عَلَى الْحَيَاةِ وَظَاهِرٌ أَنَّ هَذَا مُخْتَصٌّ بِالْعَمْدِ فَإِنَّ الْقَاتِلَ فِي الْخَطَأِ لَا يُقْتَلُ بَلْ يَتَخَلَّصُ بِالدِّيَةِ وَبِهِ يَظْهَرُ الرَّدُّ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ فَلْيُتَأَمَّلْ فَإِنَّهُ مِمَّا تَفَرَّدْت بِهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مُلْهِمِ الصَّوَابِ وَإِلَيْهِ الْمَرْجِعُ وَالْمَآبُ ( إلَّا أَنْ يَعْفُوَ وَلِيُّهُ ) بِلَا بَدَلٍ ( أَوْ يُصَالِحَ بِبَدَلٍ ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ .
( وَ ) حُكْمُهُ أَيْضًا ( حِرْمَانُ الْإِرْثِ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا مِيرَاثَ لِقَاتِلٍ } ( وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ ) أَيْ فِي الْعَمْدِ عِنْدَنَا سَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا يَجِبُ فِيهِ الْقِصَاصُ أَوْ لَا كَالْأَبِ إذَا قَتَلَ ابْنَهُ عَمْدًا وَرَجُلٍ قَتَلَ مَنْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا عَمْدًا كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهَا شُرِعَتْ كَاسْمِهَا مَاحِيَةً لِلْإِثْمِ وَالْإِثْمُ فِي الْعَمْدِ أَكْثَرُ فَكَأَنْ ادَّعَى إلَى إيجَابِ الْكَفَّارَةِ وَلَنَا أَنَّ الْكَفَّارَةَ دَائِرَةٌ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَالْعُقُوبَةِ كَمَا مَرَّ فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ فَلَا تَجِبُ إلَّا بِسَبَبٍ دَائِرٍ بَيْنَ الْحَظْرِ وَالْإِبَاحَةِ كَالْخَطَأِ فَإِنَّهُ بِالنَّظَرِ إلَى أَصْلِ الْفِعْلِ مُبَاحٌ وَبِالنَّظَرِ إلَى الْمَحَلِّ الَّذِي أَصَابَهُ حَرَامٌ بِسَبَبِ تَرْكِ التَّثْبِيتِ
( قَوْلُهُ وَمَنْ ادَّعَى الشُّهْرَةَ فَعَلَيْهِ الْبَيَانُ ) بَيَانُهُ مَا قَالَ الْغَزِّيُّ فِي شَرْحِهِ قَدْ صَرَّحَ الْأَكْمَلُ فِي الْعِنَايَةِ بِأَنَّ الْحَدِيثَ مَشْهُورٌ عَلَى أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْعَامَّ لَمْ يُخَصَّ أَوْ لَا بَلْ خُصَّ مِنْهُ مَا لَوْ قَتَلَ غَيْرَ مَحْقُونِ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ وَخَصَّ مِنْهُ قَاتِلَ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ شُبْهَةُ وِلَادٍ أَوْ شُبْهَةِ مِلْكٍ فَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَمْ يَقَعْ مَوْقِعَ الْقَبُولِ ا هـ .
( قَوْلُهُ أَوْ يُصَالِحُ ) هُوَ عَفْوٌ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ يُبَدَّلُ كَالْخَطَأِ يَعْنِي وَشِبْهَ الْعَمْدِ

وَذَكَرَ الثَّانِيَ بِقَوْلِهِ ( وَأَمَّا شِبْهُ الْعَمْدِ وَهُوَ قَتْلُهُ قَصْدًا بِغَيْرِ مَا ذُكِرَ ) فِي الْعَمْدِ كَالْعَصَا وَالسَّوْطِ وَالْحَجَرِ الصَّغِيرِ وَأَمَّا الضَّرْبُ بِالْحَجَرِ وَالْخَشَبِ الْكَبِيرَيْنِ فَمِنْ شِبْهِ الْعَمْدِ أَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِغَيْرِهِ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّ فِي هَذَا الْفِعْلِ مَعْنَى الْعَمْدِيَّةِ بِاعْتِبَارِ قَصْدِ الْفَاعِلِ إلَى الضَّرْبِ وَمَعْنَى الْخَطَأِ بِاعْتِبَارِ عَدَمِ قَصْدِهِ إلَى الْقَتْلِ لِأَنَّ الْآلَةَ الَّتِي اسْتَعْمَلَهَا لَيْسَتْ بِآلَةِ الْقَتْلِ وَالْعَاقِلُ إنَّمَا يَقْصِدُ إلَى كُلِّ فِعْلٍ بِآلَتِهِ فَاسْتِعْمَالُهُ غَيْرَ آلَةِ الْقَتْلِ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ قَصْدِهِ إلَيْهِ فَكَانَ خَطَأً يُشْبِهُ الْعَمْدَ ( وَحُكْمُهُ الْإِثْمُ ) لِقَصْدِهِ مَا هُوَ مُحَرَّمٌ شَرْعًا ( وَالْكَفَّارَةُ ) لِأَنَّهُ خَطَأٌ نَظَرًا إلَى الْآلَةِ فَدَخَلَ تَحْتَ قَوْله تَعَالَى { وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً } الْآيَةَ .
وَبَيَّنَ الْكَفَّارَةَ بِقَوْلِهِ ( تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ ( فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ } الْآيَةَ .
وَالْإِطْعَامُ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فِيهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَنْصُوصٍ عَلَيْهِ وَإِثْبَاتُ الْإِبْدَالِ بِالرَّأْيِ لَا يَجُوزُ وَيُجْزِيهِ رَضِيعٌ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمٌ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ لِتَبَعِيَّتِهِ خَيْرَ الْأَبَوَيْنِ دِينًا وَالسَّلَامَةُ فِي أَطْرَافِهِ ثَابِتَةٌ ظَاهِرًا وَغَالِبًا وَلَا يُجْزِيهِ مَا فِي الْبَطْنِ لِأَنَّهُ عُضْوٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ اسْمِ الرَّقَبَةِ ( وَدِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ ) وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( بِلَا قَوَدٍ ) أَيْ لَيْسَ فِيهِ قَوَدٌ لِشِبْهِهِ بِالْخَطَأِ كَمَا عَرَفْت ( وَهُوَ ) أَيْ شِبْهُ الْعَمْدِ ( فِيمَا دُونَ النَّفْسِ ) مِنْ الْأَطْرَافِ ( عَمْدٌ ) يَعْنِي إذَا جَرَحَ عُضْوًا بِآلَةٍ جَارِحَةٍ وَجَبَ فِيهِ الْقِصَاصُ إنْ كَانَ مِمَّا يُرَاعَى فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ كَمَا سَيَأْتِي ( فَلَيْسَ فِيهِ ) أَيْ

فِيمَا دُونَ النَّفْسِ ( شِبْهُهُ ) أَيْ شِبْهُ الْعَمْدِ كَمَا لَوْ كَانَ فِي النَّفْسِ لِأَنَّ إتْلَافَ النَّفْسِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْآلَةِ وَمَا دُونَ النَّفْسِ لَيْسَ كَذَلِكَ
قَوْلُهُ خِلَافًا لِغَيْرِهِ ) أَيْ كَصَاحِبَيْهِ ( قَوْلُهُ وَحُكْمُهُ الْإِثْمُ ) مِنْ حُكْمِ شِبْهِ الْعَمْدِ حِرْمَانُ الْإِرْثِ أَيْضًا وَكَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ كَمَا ذَكَرَهُ فِيمَا قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ وَلَكِنَّهُ سَيَذْكُرُ مَا يُفِيدُهُ ( قَوْلُهُ وَالْكَفَّارَةُ ) هُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ صَاحِبُ الْإِيضَاحِ وَجَدْت فِي كُتُبِ أَصْحَابِنَا أَنْ لَا كَفَّارَةَ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْوُجُوبُ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ ( قَوْلُهُ وَالسَّلَامَةُ فِي أَطْرَافِهِ ثَابِتَةٌ ظَاهِرًا وَغَالِبًا ) الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ عَدَمِ وُجُوبِ ضَمَانِ دِيَةِ أَطْرَافِهِ فِي الْجِنَايَةِ عَلَيْهَا أَنَّ الْحَاجَةَ فِي التَّكْفِيرِ لِدَفْعِ الْوَاجِبِ وَالظَّاهِرُ يَصْلُحُ حُجَّةً لَهُ وَالْحَاجَةُ فِي الْإِتْلَافِ إلَى إلْزَامِ الضَّمَانِ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً فِيهِ وَلِأَنَّهُ يَظْهَرُ حَالَ الْأَطْرَافِ فِيمَا بَعْدَ التَّكْفِيرِ إذَا عَاشَ وَلَا كَذَلِكَ فِي الْإِتْلَافِ فَافْتَرَقَا كَذَا فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ لِلْغَزِّيِّ ( قَوْلُهُ يَعْنِي إذَا جَرَحَ عُضْوًا بِآلَةٍ جَارِحَةٍ وَجَبَ فِيهِ الْقِصَاصُ
إلَخْ ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ بَعْدَهُ لِأَنَّ إتْلَافَ النَّفْسِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْآلَةِ وَمَا دُونَ النَّفْسِ لَيْسَ كَذَلِكَ مُنَاقِضٌ لِكَلَامِهِ هَذَا ( قَوْلُهُ كَمَا سَيَأْتِي ) أَيْ فِي الْقَوَدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ

وَذَكَرَ الثَّالِثَ بِقَوْلِهِ ( وَإِمَّا خَطَأٌ وَهُوَ إمَّا فِي الْقَصْدِ كَرَمْيِهِ مُسْلِمًا وَلَوْ عَبْدًا يَظُنُّهُ صَيْدًا أَوْ حَرْبِيًّا ) فَإِنَّهُ لَمْ يُخْطِئْ فِي الْفِعْلِ حَيْثُ أَصَابَ مَا قَصَدَ رَمْيَهُ وَإِنَّمَا أَخْطَأَ فِي الْقَصْدِ أَيْ فِي الظَّنِّ حَيْثُ ظَنَّ الْآدَمِيَّ صَيْدًا وَالْمُسْلِمَ حَرْبِيًّا وَإِنَّمَا قَالَ وَلَوْ عَبْدًا لِدَفْعِ تَوَهُّمِ أَنَّ الْعَبْدَ مَالٌ وَضَمَانُ الْأَمْوَالِ لَا يَكُونُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ آدَمِيَّتُهُ لَا مَالِيَّتُهُ ( أَوْ ) خَطَأٌ ( فِي الْفِعْلِ كَرَمْيِهِ غَرَضًا فَأَصَابَ آدَمِيًّا ) فَإِنَّهُ أَخْطَأَ فِي الْفِعْلِ لَا الْقَصْدِ فَيَكُونُ مَعْذُورًا لِاخْتِلَافِ الْمَحَلِّ بِخِلَافِ مَا إذَا تَعَمَّدَ الضَّرْبَ مَوْضِعًا مِنْ جَسَدِهِ فَأَصَابَ مَوْضِعًا آخَرَ مِنْهُ فَمَاتَ حَيْثُ يَجِبُ الْقِصَاصُ إذْ جَمِيعُ الْبَدَنِ مَحَلٌّ وَاحِدٌ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى مَقْصُودِهِ فَلَا يُعْذَرُ وَإِنَّمَا صَارَ الْخَطَأُ نَوْعَيْنِ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَصَرَّفُ بِفِعْلِ الْقَلْبِ وَالْجَوَارِحِ فَيُحْتَمَلُ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا الْخَطَأُ عَلَى الِانْفِرَادِ كَمَا ذُكِرَ أَوْ الِاجْتِمَاعُ بِأَنْ يَرْمِيَ آدَمِيًّا يَظُنُّهُ صَيْدًا فَأَصَابَ غَيْرَهُ مِنْ النَّاسِ

وَذَكَرَ الرَّابِعَ بِقَوْلِهِ ( وَإِمَّا جَارٍ مَجْرَى الْخَطَأِ كَنَائِمٍ انْقَلَبَ عَلَى رَجُلٍ أَوْ سَقَطَ مِنْ السَّطْحِ عَلَيْهِ فَقَتَلَهُ ) فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِخَطَأٍ حَقِيقَةً لِعَدَمِ قَصْدِ النَّائِمِ إلَى شَيْءٍ حَتَّى يَكُونَ مُخْطِئًا لِمَقْصُودِهِ لَكِنْ لَمَّا وُجِدَ فِعْلُهُ حَقِيقَةً وَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُ مَا أَتْلَفَهُ كَفِعْلِ الطِّفْلِ فَجُعِلَ كَالْخَطَأِ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ كَالْمُخْطِئِ ( وَحُكْمُهُمَا ) أَيْ حُكْمُ الْخَطَأِ وَالْجَارِي مَجْرَاهُ ( الْإِثْمُ دُونَ إثْمِ الْقَتْلِ ) أَمَّا الْإِثْمُ فَلِتَرْكِ التَّحَرُّزِ فَإِنَّ الْأَفْعَالَ الْمُبَاحَةَ لَا تَجُوزُ مُبَاشَرَتُهَا إلَّا بِشَرْطِ أَنْ لَا يُؤْذِيَ أَحَدًا فَإِنْ آذَى فَقَدْ تَرَكَ التَّحَرُّزَ فَأَثِمَ وَأَمَّا كَوْنُهُ دُونَهُ فَلِعَدَمِ الْقَصْدِ ( وَالْكَفَّارَةُ وَالدِّيَةُ ) أَمَّا كَوْنُهُمَا حُكْمَ الْخَطَأِ فَبِالنَّصِّ وَأَمَّا كَوْنُهُمَا حُكْمَ الْجَارِي مَجْرَاهُ فَظَاهِرٌ ( وَحِرْمَانُ الْإِرْثِ ) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَقْصِدَ اسْتِعْجَالَ الْمِيرَاثِ وَأَظْهَرَ مِنْ نَفْسِهِ الْقَصْدَ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ وَأَنْ يَكُونَ مُتَنَاوِمًا لَمْ يَكُنْ نَائِمًا قَصْدًا إلَى اسْتِعْجَالِ الْإِرْثِ

وَذَكَرَ الْخَامِسَ بِقَوْلِهِ ( وَإِمَّا قَتْلٌ بِالسَّبَبِ ) أَيْ بِكَوْنِهِ سَبَبًا لِلْقَتْلِ ( كَإِتْلَافِهِ بِحَفْرِ الْبِئْرِ أَوْ وَضْعِ الْحَجَرِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ ) قَيْدٌ لِلْحَفْرِ وَالْوَضْعِ ( أَوْ ) وَضْعِ ( خَشَبَةٍ عَلَى قَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ ) مِمَّا هُوَ سَبَبٌ لِلْإِتْلَافِ ( إلَّا أَنْ يَمْشِيَ ) الْهَالِكُ ( عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى الْبِئْرِ وَنَحْوِهِ ( بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْحَفْرِ وَنَحْوِهِ ) فَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُ شَيْءٌ عَلَى الْحَافِرِ وَنَحْوِهِ ( وَحُكْمُهُ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ ) لِأَنَّ الْفَاعِلَ سَبَبُ التَّلَفِ وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِيهِ فَكَأَنَّهُ مُوقِعٌ فِي الْبِئْرِ وَدَافِعٌ عَلَيْهِ الْحَجَرَ فَوَجَبَ الدِّيَةُ وَهِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ ( بِلَا كَفَّارَةٍ وَلَا إثْمِ الْقَتْلِ ) لِأَنَّ الْقَتْلَ مِنْهُ مَعْدُومٌ حَقِيقَةً وَأُلْحِقَ بِهِ الْخَطَأُ فِي حَقِّ الضَّمَانِ فَبَقِيَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ عَلَى الْأَصْلِ وَإِنَّمَا قَالَ وَلَا إثْمَ الْقَتْلِ لِأَنَّهُ يَأْثَمُ بِالْحَفْرِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ ( وَلَا إرْثَ إلَّا هُنَا ) لِأَنَّ الْحِرْمَانَ بِسَبَبِ الْقَتْلِ وَلَا قَتْلَ هُنَا
قَوْلُهُ وَلَا إرْثَ إلَّا هُنَا ) مُسْتَغْنًى عَنْهُ فِي الْجُمْلَةِ لِأَنَّهُ قَدَّمَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَقْسَامِ مَعَ حُكْمِهِ إلَّا شِبْهَ الْعَمْدِ كَمَا ذَكَرْنَا

( بَابُ مَا يُوجِبُ الْقَوَدَ وَمَا لَا يُوجِبُهُ ) ( يَجِبُ بِقَتْلِ مَعْصُومِ الدَّمِ عَمْدًا ) قَيْدٌ لِلْقَتْلِ ( بِشَرَائِطَ ذُكِرَتْ ) مِنْ كَوْنِ الْقَاتِلِ مُكَلَّفًا
إلَخْ ( فَيُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْحُرِّ ) لِتَمَامِ الْمُمَاثَلَةِ ( وَبِالْعَبْدِ ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يُقْتَلُ الْحُرُّ بِالْعَبْدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ } وَلَنَا إطْلَاقُ قَوْله تَعَالَى { أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ } وَالتَّخْصِيصُ بِالذَّكَرِ لَا يَنْفِي مَا عَدَاهُ لَا يُقَالُ لَوْ دَلَّ لَوَجَبَ أَنْ لَا يُقْتَلَ الْعَبْدُ بِالْحُرِّ لِأَنَّ الشَّافِعِيَّ يُجِيبُ عَنْهُ بِأَنَّهُ تَفَاوُتٌ إلَى النُّقْصَانِ فَلَا يُمْنَعُ وَبِهِ يَنْدَفِعُ مَا قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ عَلَى أَنَّهُ إنْ دَلَّ يَجِبُ أَنْ لَا يُقْتَلَ الْعَبْدُ بِالْحُرِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ } ( وَالْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يُقْتَلُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ بِكَافِرٍ } وَلَنَا مَا رُوِيَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَ مُسْلِمًا بِذِمِّيٍّ } وَقَوْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّمَا أَعْطَوْا الْجِزْيَةَ لِتَكُونَ أَمْوَالُهُمْ كَأَمْوَالِنَا وَدِمَاؤُهُمْ كَدِمَائِنَا وَالْمُرَادُ بِمَا رُوِيَ الْحَرْبِيُّ لِسِيَاقِهِ وَلَا ذُو عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ وَالْعَطْفُ لِلْمُغَايَرَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَا يُقْتَلُ مُؤْمِنٌ وَلَا ذِمِّيٌّ بِكَافِرٍ فَيَكُونُ مُسْتَأْمَنًا ضَرُورَةً ( لَا هُمَا ) أَيْ لَا يُقْتَلُ مُسْلِمٌ وَذِمِّيٌّ ( بِمُسْتَأْمَنٍ ) غَيْرِ مَعْصُومِ الدَّمِ عَلَى التَّأْبِيدِ كَمَا مَرَّ ( بَلْ هُوَ بِمِثْلِهِ ) أَيْ يُقْتَلُ الْمُسْتَأْمَنُ بِالْمُسْتَأْمَنِ قِيَاسًا لِلْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمَا وَلَا يُقْتَلُ اسْتِحْسَانًا لِقِيَامِ مُبِيحِ الْقَتْلِ ( وَ ) يُقْتَلُ ( الْعَاقِلُ بِالْمَجْنُونِ وَالْبَالِغُ بِالصَّبِيِّ وَالصَّحِيحُ بِالْأَعْمَى وَالزَّمِنُ وَنَاقِصُ الْأَطْرَافِ وَالرَّجُلُ بِالْمَرْأَةِ ) لِلْعُمُومَاتِ ( وَالْفَرْعُ بِأَصْلِهِ وَإِنْ عَلَا ) لِعَدَمِ الْمُسْقِطِ ( لَا عَكْسُهُ ) أَيْ لَا يُقْتَلُ الْأَصْلُ

بِفَرْعِهِ يَتَنَاوَلُ الْأَبَ وَالْجَدَّ وَالْجَدَّةَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يُقَادُ الْوَلَدُ بِوَلَدِهِ } ( وَلَا سَيِّدٌ بِعَبْدِهِ وَمُدَبَّرِهِ وَمُكَاتَبِهِ وَعَبْدِ وَلَدِهِ ) لِأَنَّهُ لَا يَسْتَوْجِبُ لِنَفْسِهِ الْقِصَاصَ عَلَى نَفْسِهِ وَلَا وَلَدِهِ عَلَيْهِ ( وَعَبْدٍ بَعْضِهِ لَهُ ) لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَتَجَزَّأُ ( وَلَا ) أَيْ لَا يُقْتَلُ قَاتِلُ عَبْدِ الرَّهْنِ حَتَّى يَجْتَمِعَ عَاقِدَاهُ ( أَيْ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ ) لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا مِلْكَ لَهُ فَلَا يَلِي الْقِصَاصَ وَالرَّاهِنُ لَوْ تَوَلَّاهُ لَبَطَلَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فِي الرَّهْنِ فَشَرَطَ اجْتِمَاعَهُمَا لِيَسْقُطَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ بِرِضَاهُ .
وَذَكَرَ فِي الْعُيُونِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَثْبُتُ لَهُمَا وَإِنْ اجْتَمَعَا كَذَا فِي الْكَافِي ( وَلَا قَاتِلُ مُكَاتَبٍ قَتَلَ عَمْدًا عَنْ وَفَاءٍ ) أَيْ وَقَدْ تَرَكَ مَا يَفِي بِبَدَلِهِ .
( وَ ) عَنْ ( وَارِثٍ وَسَيِّدٍ وَإِنْ اجْتَمَعَا ) أَيْ الْوَارِثُ وَالسَّيِّدُ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ اخْتَلَفُوا فِي مَوْتِهِ حُرًّا أَوْ رَقِيقًا فَعَلَى الْأَوَّلِ الْوَلِيُّ هُوَ الْوَارِثُ وَعَلَى الثَّانِي الْمَوْلَى فَاشْتَبَهَ مَنْ لَهُ الْحَقُّ وَارْتَفَعَ الْقِصَاصُ ( فَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَارِثًا غَيْرَ سَيِّدِهِ أَوْ ) تَرَكَ ( وَلَا وَفَاءَ أَقَادَ سَيِّدُهُ لِتَعَيُّنِهِ وَلَا قَوَدَ بِقَتْلِ مُسْلِمٍ مُسْلِمًا ظَنَّهُ مُشْرِكًا بَيْنَ الصَّفَّيْنِ بَلْ يُكَفِّرُ وَيَدِي ) أَيْ يُعْطِي الدِّيَةَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَمْدٍ بَلْ خَطَأٍ ( مَاتَ ) شَخْصٌ ( بِفِعْلِ نَفْسِهِ ) بِأَنْ شَجَّ نَفْسَهُ ( وَ ) فِعْلِ ( زَيْدٍ ) بِأَنْ شَجَّهُ ( وَأَسَدٍ ) بِأَنْ عَقَرَهُ ( وَحَيَّةٍ ) بِأَنْ لَدَغَتْهُ ( ضَمِنَ زَيْدٌ ثُلُثَ الدِّيَةِ ) لِأَنَّ فِعْلَ الْأَسَدِ وَالْحَيَّةِ جِنْسٌ وَاحِدٌ فِي كَوْنِهِ هَدَرًا فِي الدَّارَيْنِ وَفِعْلُ نَفْسِهِ هَدَرٌ فِي الدُّنْيَا مُعْتَبَرٌ فِي الْعُقْبَى حَتَّى يَأْثَمَ بِالْإِجْمَاعِ وَفِعْلُ الْأَجْنَبِيِّ مُعْتَبَرٌ فِي الدَّارَيْنِ فَصَارَتْ الْأَفْعَالُ ثَلَاثَةَ أَجْنَاسٍ

فَتُوَزَّعُ دِيَةُ النَّفْسِ أَثْلَاثًا فَيَكُونُ التَّلَفُ بِفِعْلِ الْأَجْنَبِيِّ ثُلُثَهَا فَيَلْزَمُهُ ثُلُثُ الدِّيَةِ لَكِنْ فِي مَالِهِ لِأَنَّهُ عَمْدٌ وَالْعَاقِلَةُ لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى
( بَابُ مَا يُوجِبُ الْقَوَدَ وَمَا لَا يُوجِبُهُ ) ( قَوْلُهُ وَالْفَرْعُ بِأَصْلِهِ وَإِنْ عَلَا ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ وَجْهِ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ ( قَوْلُهُ وَلَا قَاتِلَ عَبْدِ الرَّهْنِ حَتَّى يَجْتَمِعَ عَاقِدَاهُ ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَإِنَّمَا وَجَبَ حُضُورُ الْمُرْتَهِنِ لِيَسْقُطَ حَقُّهُ بِرِضَاهُ وَلَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الرَّاهِنِ وَفِيهِ نَوْعُ إشْكَالٍ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ قَدْ تَمَّ بِالْهَلَاكِ فَكَيْفَ يُعْتَبَرُ رِضَاهُ لِسُقُوطِ حَقِّهِ ؟ يُمْكِنُ الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ غَيْرُ مُتَعَذَّرٍ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ الْقَوَدِ إمَّا بِالصُّلْحِ أَوْ بِدَعْوَى الشُّبْهَةِ فِي الْقَتْلِ فَيَصِيرُ خَطَأً كَذَا فِي الْكِفَايَةِ ا هـ .
وَحُكْمُ مَا إذَا حَضَرَ أَحَدُهُمَا وَاقْتَصَّ يُطْلَبُ مِنْ مَجْمَعِ الرِّوَايَاتِ ( قَوْلُهُ وَذَكَرَ فِي الْعُيُونِ
إلَخْ ) قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَهُوَ أَقْرَبُ إلَى النَّفَقَةِ ( قَوْلُهُ وَغَيْرُهُمَا ) مِنْهُ مَا فِي الْمُحِيطِ مِنْ الْمَشْيِ عَلَى عَدَمِ الْقَوَدِ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافَهُ وَلَوْ اجْتَمَعَ الرَّاهِنُ وَمُرْتَهِنُهُ قَوْلُهُ وَلَا قَاتِلَ مُكَاتَبٍ
إلَخْ ) كَذَا لَا قَوَدَ بِقَتْلِ عَبْدِ الْمُكَاتَبِ وَلَا بِقَتْلِ ابْنِ الْمُكَاتَبِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ ( قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَتْرُكْ وَارِثًا غَيْرَ سَيِّدِهِ أَوْ تَرَكَ وَلَا وَفَاءَ أَقَادَ ) هَذَا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَيْسَ لَهُ الْقَوَدُ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ

( شَهَرَ سَيْفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَجَبَ قَتْلُهُ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ شَهَرَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ سَيْفًا فَقَدْ أُحِلَّ دَمُهُ } أَيْ أَهْدَرَهُ وَإِنَّمَا وَجَبَ لِأَنَّ دَفْعَ الضَّرَرِ وَاجِبٌ ( وَلَا شَيْءَ بِهِ ) أَيْ بِقَتْلِهِ وَإِنَّمَا قَالَهُ بَعْدَ الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ لِجَوَازِ أَنْ يَجِبَ قَتْلُهُ لِدَفْعِ الشَّرِّ وَيَجِبُ بِقَتْلِهِ شَيْءٌ كَمَا فِي الْجَمَلِ الصَّائِلِ وَالْمَجْنُونِ كَمَا سَيَأْتِي ( كَذَا ) أَيْ يَجِبُ أَيْضًا ( قَتْلُ شَاهِرِ سِلَاحٍ عَلَى رَجُلٍ مُطْلَقًا ) أَيْ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فِي مِصْرٍ أَوْ غَيْرِهِ ( أَوْ ) شَاهِرٍ ( عَصًا لَيْلًا فِي مِصْرٍ أَوْ نَهَارًا فِي غَيْرِهِ فَقَتَلَهُ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ عَمْدًا ) حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِمَا مَرَّ ( تَبِعَ سَارِقَهُ الْمُخْرِجَ سَرِقَتَهُ لَيْلًا وَقَتَلَهُ جَازَ ) وَلَا يَجِبُ بِقَتْلِهِ شَيْءٌ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { قَاتِلْ دُونَ مَالِكِ } ( إذَا تَعَيَّنَ ) أَيْ الْقَتْلُ ( لِخَلَاصِ مَالِهِ ) وَإِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ لَمْ يَجُزْ وَكَذَا إذَا قَتَلَهُ قَبْلَ الْأَخْذِ إذَا قَصَدَ الْأَخْذَ وَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ دَفْعِهِ إلَّا بِالْقَتْلِ وَكَذَا إذَا دَخَلَ دَارَ رَجُلٍ بِالسِّلَاحِ فَغَلَبَ عَلَى ظَنِّ صَاحِبِ الدَّارِ أَنَّهُ قَاصِدٌ لِقَتْلِهِ حَلَّ قَتْلُهُ ( شَهَرَ عَصَا نَهَارًا فِي مِصْرٍ قَتَلَ مَنْ قَتَلَهُ عَمْدًا ) لِأَنَّ الْعَصَا لَيْسَ كَالسِّلَاحِ وَالظَّاهِرُ لُحُوقُ الْغَوْثِ نَهَارًا فِي الْمِصْرِ فَلَا يُفْضِي إلَى الْقَتْلِ ( شَهَرَ سِلَاحًا فَضَرَبَ فَانْصَرَفَ فَقَتَلَهُ الْمَضْرُوبُ يُقَادُ ) الْقَاتِلُ لِأَنَّهُ إذَا انْصَرَفَ عَادَتْ عِصْمَتُهُ الزَّائِلَةُ بِالضَّرْبِ فَإِذَا قَتَلَهُ آخَرُ قُتِلَ مَعْصُومًا فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ ( وَضَمِنَ قَاتِلُ مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ شَاهِرَيْنِ السِّلَاحَ وَلَوْ كَانَ قَتَلَهُمَا عَمْدًا الدِّيَةَ ) مَفْعُولٌ ضَمِنَ ( فِي مَالِهِ ) لِمَا مَرَّ أَنَّ الْعَوَاقِلَ لَا تَضْمَنُ الْعَمْدَ .
( وَ ) ضَمِنَ قَاتِلٌ ( جَمَلٍ صَالَ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ ) وَذَلِكَ لِأَنَّ فِعْلَ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ وَالدَّابَّةِ غَيْرُ مُتَّصِفٍ

بِالْحَضْرَةِ فَلَمْ يَقَعْ بَغْيًا فَلَا تَسْقُطُ الْعِصْمَةُ وَمُقْتَضَى قَتْلِ النَّفْسِ الْمَعْصُومَةِ فِي الْآدَمِيِّ وُجُوبُ الْقِصَاصِ لَكِنَّهُ امْتَنَعَ لِوُجُودِ الْمُبِيحِ وَهُوَ دَفْعُ الشَّرِّ فَيَجِبُ الدِّيَةُ فِيهِ وَالْقِيمَةُ فِي الدَّابَّةِ
( قَوْلُهُ شَهَرَ سَيْفًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَجَبَ قَتْلُهُ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ إذَا لَمْ يُمْكِنْ دَفْعُهُ إلَّا بِهِ ( قَوْلُهُ أَوْ شَاهِرٌ عَصًا لَيْلًا فِي مِصْرٍ ) لَوْ أَطْلَقَهُ عَنْ قَيْدِ الْمِصْرِ لَكَانَ أَوْلَى لِشُمُولِهِ غَيْرَهُ ( قَوْلُهُ فَقَتَلَهُ الْمَشْهُورُ عَلَيْهِ
إلَخْ ) كَذَا لَوْ قَتَلَهُ غَيْرُ الْمَشْهُورِ عَلَيْهِ دَفْعًا عَنْهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ تَبِعَ سَارِقَهُ ) يَعْنِي سَارِقَ قَدْرِ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَمَا فَوْقَهَا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ ( قَوْلُهُ إذَا تَعَيَّنَ ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ كَأَنْ صَاحَ عَلَيْهِ وَأَنْشَدَهُ اللَّهَ وَالْإِسْلَامَ ثَلَاثًا فَلَمْ يَتْرُكْهُ فَقَتَلَهُ حَيْثُ يُهْدَرُ دَمُهُ ( قَوْلُهُ وَضَمِنَ قَاتِلُ مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ شَاهِرَيْنِ الدِّيَةَ ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَقِيلَ يَنْفِيهَا أَيْ أَبُو يُوسُفَ الدِّيَةُ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ ( قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ قَتَلَهُمَا عَمْدًا ) لَا يَخْفَى أَنَّ ظَاهِرَ الْعِبَارَةِ شُمُولُ الْقَتْلِ خَطَأً بِمُقْتَضَى وَلَوْ الْوَصْلِيَّةُ وَلَا يَخْفَى فَسَادُهُ لِمَا أَنَّ الْخَطَأَ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي زِيَادَةُ الْوَاوِ مِنْ وَلَوْ فَتَكُونُ لَوْ شَرْطِيَّةً لِوُجُوبِ الدِّيَةِ فِي مَالِ قَاتِلِ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ دَفْعًا لِشَرِّهِمَا عَمْدًا

( يُقْتَصُّ بِجُرْحٍ ثَبَتَ عِيَانًا أَوْ بِشَهَادَةِ جَعْلِهِ مَجْرُوحًا وَذَا فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ ) يَعْنِي أَنَّ طَرِيقَ ثُبُوتِ الْقِصَاصِ سِوَى الْإِقْرَارِ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَجْرَحَ رَجُلٌ رَجُلًا بِمَحْضَرِ جَمَاعَةٍ فَمَاتَ مِنْهَا وَالثَّانِي أَنْ يَشْهَدَ رَجُلَانِ أَنَّهُ يَجْعَلُهُ مَجْرُوحًا وَذَا فِرَاشٍ حَتَّى مَاتَ ( وَلَوْ ) كَانَ جُرْحُهُ إيَّاهُ ( بِنَحْوِ مِسَلَّةٍ ) وَهِيَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ إبْرَةٌ عَظِيمَةٌ يُقَالُ لَهَا بِالْفَارِسِيَّةِ " جوال دوز " ( لَا بِنَحْوِ إبْرَةٍ وَإِنْ تَعَمَّدَ ) لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَعْنَى السِّلَاحِ ( إلَّا أَنْ يَغْرِزَ الْإِبْرَةَ فِي مَقْتَلِهِ ) أَيْ فِي مَوْضِعٍ يَقْتُلُ بِغَرْزِ الْإِبْرَةِ فِيهِ فَحِينَئِذٍ يَجِبُ الْقِصَاصُ كَذَا فِي الْكَافِي ( وَبِحَدِّ مَرٍّ ) عُطِفَ عَلَى نَحْوِ مِسَلَّةٍ أَيْ يُقْتَصُّ أَيْضًا بِجُرْحِ حَدِّ مَرٍّ وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ " كلنك " لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى السِّلَاحِ ( لَا ظَهْرِهِ ) لِأَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَرُوِيَ عَنْهُ إذَا جَرَحَ وَجَبَ بِهِ الْقِصَاصُ ( وَلَا عُودٍ أَوْ مُثْقَلٍ أَوْ خَنِقٍ ) وَهُوَ بِكَسْرِ النُّون مَصْدَرُ قَوْلِك خَنَقَهُ يَخْنُقُهُ كَذَا فِي الصِّحَاحِ ( أَوْ تَغْرِيقٍ أَوْ سَوْطٍ وَالَى فِي ضَرْبِهِ فَمَاتَ ) لِأَنَّ وُجُوبَ الْقِصَاصِ يَخْتَصُّ بِالْعَمْدِ الْمَحْضِ وَذَا بِأَنْ يُبَاشِرَ الْقَتْلَ بِآلَتِهِ وَهِيَ الْآلَةُ الْجَارِحَةُ لِأَنَّ الْجُرْحَ يَعْمَلُ فِي نَقْضِ الْبَيِّنَةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا وَغَيْرُهُ يَنْقُضُهَا بَاطِنًا لَا ظَاهِرًا وَقِوَامُهَا بِالظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ ( كُلُّ مَا هُوَ مِنْ جِنْسِ الْحَدِيدِ كَالصُّفْرِ وَالنُّحَاسِ وَالرَّصَاصِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْآنُكِ كَالْحَدِيدِ لَوْ ) كَانَ ( لَهُ حِدَّةٌ تَفَرُّقُ ) لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ فِي مَعْنَى السِّلَاحِ ( رَمَاهُ بِمِقْدَارِ حَدِيدٍ يُقْتَلُ بِهِ ) أَيْ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُقْتَلَ بِهِ ( فَجَرَحَهُ أَوْ لَا فَمَاتَ مِنْهُ قُتِلَ كَذَا لَوْ ضَرَبَهُ بِعَصَا رَأْسُهَا مُضَبَّبٌ بِالْحَدِيدِ وَقَدْ أَصَابَهُ الْحَدِيدُ فَجَرَحَهُ أَوْ لَا أَوْ ضَرَبَهُ بِقَدْرِ حَدِيدٍ أَوْ قَمْقَمَتِهِ أَوْ عَمُودِهِ

فَمَاتَ مِنْهُ ) كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَرَوَى الطَّحَاوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ إذَا لَمْ يَجْرَحْ كَمَا لَوْ ضَرَبَهُ بِالْعَصَا الْكَبِيرَةِ أَوْ الْحَجَرِ الْمُدَوَّرِ وَلَمْ يَجْرَحْ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ قَاضِي خَانْ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فِي الْحَدِيدِ وَمَا يُشْبِهُهُ كَالنُّحَاسِ وَغَيْرِهِ لَا يُشْتَرَطُ الْجُرْحُ لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ

( قَوْلُهُ يُقْتَصُّ بِجُرْحٍ ثَبَتَ عِيَانًا أَوْ بِشَهَادَةٍ
إلَخْ ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ذُكِرَتْ فِي الْكَنْزِ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ قَوْلُهُ وَلَا بِنَحْوِ إبْرَةٍ وَإِنْ تَعَمَّدَ إلَّا أَنْ يَغْرِزَ الْإِبْرَةَ فِي مَقْتَلِهِ ) هَذَا التَّفْصِيلُ عَلَى رِوَايَةٍ قَالَ فِي اخْتِيَارٍ رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَنْ ضَرَبَ رَجُلًا بِإِبْرَةٍ وَمَا يُشْبِهُهُ عَمْدًا فَمَاتَ لَا قَوَدَ فِيهِ وَفِي الْمَسْأَلَةِ وَنَحْوِهَا الْقَوَدُ لِأَنَّ الْإِبْرَةَ لَا يُقْصَدُ بِهَا الْقَتْلُ وَيُقْصَدُ بِالْمَسْأَلَةِ وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى إنْ غَرَزَ بِالْإِبْرَةِ فِي الْمَقْتَلِ قُتِلَ وَإِلَّا فَلَا ا هـ .
وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ ضَرَبَ بِإِبْرَةٍ أَوْ بِشَيْءٍ يُشْبِهُ الْإِبْرَةَ مُتَعَمِّدًا فَقَتَلَهُ فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ فَإِنْ ضَرَبَهُ بِمِسَلَّةٍ أَوْ نَحْوِهَا فَعَلَيْهِ الْقَوَدُ لِأَنَّ الْإِبْرَةَ مِمَّا لَا يُقْصَدُ بِهَا الْقَتْلُ وَإِنْ كَانَتْ جَارِحَةً لِأَنَّهَا آلَةُ الْخِيَاطَةِ دُونَ الْقَتْلِ فَإِذَا تَمَكَّنَ شُبْهَةُ عَدَمِ الْقَصْدِ امْتَنَعَ وُجُوبُ مَا لَا يُجَامِعُ الشُّبْهَةَ وَأَمَّا الْمِسَلَّةُ فَهِيَ آلَةٌ جَارِحَةٌ يُقْصَدُ بِهَا الْقَتْلُ وَفَرَّقَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ بَيْنَ مَا إذَا غَرَزَ بِإِبْرَةٍ فِي الْمَقْتَلِ أَوْ غَيْرِ الْمَقْتَلِ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ .
وَفِي نَوَادِرِ هِشَامٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَوْ ضَرَبَهُ بِإِبْرَةٍ وَطَعَنَ بِهَا فَأَلَحَّ عَلَيْهِ حَتَّى مَاتَ قُتِلَ ا هـ .
وَبِهَذَا تَعْلَمُ وَجْهَ اقْتِصَارِ قَاضِي خَانْ عَلَى عَدَمِ الْقِصَاصِ بِقَوْلِهِ وَإِنْ ضَرَبَهُ بِإِبْرَةٍ مُتَعَمِّدًا أَوْ مَا أَشْبَهَ الْإِبْرَةَ فَمَاتَ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ ا هـ .
وَتَعْلَمُ أَيْضًا وَجْهَ مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْجَوْهَرَةِ وَالْبَدَائِعِ مِنْ لُزُومِ الْقِصَاصِ بِالْقَتْلِ بِالْإِبْرَةِ عَمْدًا مُخَالِفًا لِقَاضِي خَانْ ( قَوْلُهُ وَبِحَدِّ مَرٍّ ) الْمَرُّ بِالْفَتْحِ الَّذِي يُعْمَلُ بِهِ فِي الطِّينِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ ( قَوْلُهُ لَا ظَهْرُهُ ) يَعْنِي وَلَمْ يَجْرَحْهُ وَهَذَا عَلَى رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ وَقَدَّمْنَا تَصْحِيحَهَا عَنْ

الْخُلَاصَةِ ( قَوْلُهُ وَرُوِيَ عَنْهُ ) أَيْ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا جَرَحَ وَجَبَ الْقِصَاصُ ظَاهِرٌ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْجُرْحُ بِنَحْوِ مُثْقَلِ الْحَدِيدِ وَكَذَا عَلَى رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ لِمَا عَلِمْت مِنْ تَصْحِيحِ الْقِصَاصِ فِي الْجُرْحِ بِنَحْوِ مُثْقَلِ الْحَدِيدِ ( قَوْلُهُ وَلَا عُودٌ أَوْ مُثْقَلٌ ) يَعْنِي مُثْقَلَ حَجَرٍ أَوْ خَشَبٍ لَا مُثْقَلَ حَدِيدٍ وَإِلَّا كَانَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَا قَالَهُ قَبْلَهُ وَبِحَدِّ مَرٍّ لَا ظَهْرِهِ لِأَنَّ ظَهْرَهُ مُثْقَلٌ وَلَكِنَّهُ مَعَ هَذَا يُنَاقِضُ مَا يَذْكُرُهُ عَقِبَهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ رَمَاهُ بِمِقْدَارِ حَدِيدٍ فَمَاتَ يُقْتَلُ بِهِ سَوَاءٌ جَرَحَهُ أَوْ لَا وَدَفَعَ الْمُنَاقَضَةَ بِأَنَّهُ مَشَى فِي كُلٍّ عَلَى رِوَايَةِ وَلَكِنَّهُ لَا يَنْبَغِي فِي مِثْلِ هَذَا الْمُخْتَصَرِ وَعَلِمْت التَّصْحِيحَ بِمَا فِي الْخُلَاصَةِ ( قَوْلُهُ أَوْ خَنِقٍ ) وَهُوَ بِكَسْرِ النُّونِ مَصْدَرٌ أَيْ مَصْدَرُ خَنَقَهُ إذَا عَصَرَ حَلْقَهُ قَالَ الْفَارَابِيُّ وَلَا يُقَالُ بِالسُّكُونِ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ ( قَوْلُهُ كُلُّ مَا هُوَ مِنْ جِنْسِ الْحَدِيدِ
إلَخْ ) تَقْيِيدُهُ بِالْحَدِيدِ لَيْسَ لَازِمًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ اللِّيطَةَ وَمُحَدَّدَ الْخَشَبِ وَالْحَجَرِ وَكُلَّ مُفَرِّقٍ لِلْأَجْزَاءِ كَالْحَدِيدِ ( قَوْلُهُ قَالَ قَاضِي خَانْ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ
إلَخْ ) قَدَّمَهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْجِنَايَاتِ وَقَدَّمْنَا تَصْحِيحَ رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ

( قَتَلَ مَنْ لَهُ وَلِيٌّ وَاحِدٌ فَلَهُ ) أَيْ لِذَلِكَ الْوَلِيِّ ( قَتْلُ الْقَاتِلِ قِصَاصًا ) قَبْلَ قَضَاءِ الْقَاضِي بِالْقِصَاصِ ( بِنَفْسِهِ ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ قَتَلَ الْقَاتِلُ أَيْ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ بِنَفْسِهِ الْقَاتِلَ ( أَوْ أَمَرَ الْغَيْرَ بِهِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى ذَلِكَ الْغَيْرِ ( إذَا كَانَ الْأَمْرُ ظَاهِرًا ) هَذَا قَيْدٌ لِجَمِيعِ مَا سَبَقَ يَعْنِي إذَا قَتَلَ رَجُلٌ رَجُلًا بِمَحْضَرِ جَمَاعَةٍ وَكَانَ لَهُ وَلِيٌّ وَاحِدٌ جَازَ لَهُ قَتْلُ الْقَاتِلِ بِنَفْسِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ مُتَعَدِّدًا فَإِنْ اتَّفَقُوا كَانُوا كَالْوَاحِدِ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ الْقَتْلُ وَجَازَ أَيْضًا أَنْ يَأْمُرَ آخَرَ بِقَتْلِهِ أَمَّا كَوْنُهُ قَيْدًا لِجَوَازِ الْقِصَاصِ لَهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَلِمَا مَرَّ فِي جَوَازِ الْقِصَاصِ بِجُرْحٍ ثَبَتَ عِيَانًا وَأَمَّا كَوْنُهُ قَيْدًا لِجَوَازِ الْأَمْرِ بِهِ فَلِأَنَّهُ لِمَا جَازَ لَهُ إنَابَةُ الْغَيْرِ مَنَابَهُ وَأَمَّا كَوْنُهُ قَيْدًا لِعَدَمِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ فَلِأَنَّ جَوَازَ الْقَتْلِ لِظُهُورِ الْأَمْرِ يُنَافِي الضَّمَانَ ( وَأَمَّا إذَا قَتَلَ ) أَيْ الْأَجْنَبِيُّ ( وَقَالَ الْوَلِيُّ أَمَرْته لَمْ يُصَدَّقْ وَيُقْتَلْ ) الْأَجْنَبِيُّ لِانْتِفَاءِ شَرْطِ جَوَازِ الْقَتْلِ وَهُوَ ظُهُورُ الْأَمْرِ ( وَيَلِي الْقِصَاصَ مَنْ يَرِثُ ) أَيْ كُلُّ مَنْ يَرِثُ الْمَقْتُولَ فَلَهُ وِلَايَةُ الْقِصَاصِ ( وَلَوْ ) كَانَ ( زَوْجًا أَوْ زَوْجَةً كَذَا الدِّيَةُ ) أَيْ يَسْتَحِقُّ الدِّيَةَ كُلُّ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْإِرْثَ ( وَلَيْسَ لِبَعْضِ الْوَرَثَةِ اسْتِيفَاؤُهُ إذَا كَانُوا كِبَارًا حَتَّى يَجْتَمِعُوا ) لِاحْتِمَالِ عَفْوِ الْغَائِبِ أَوْ صُلْحِهِ ( وَيَسْتَوْفِي الْكَبِيرَ قَبْلَ كِبَرِ الصَّغِيرِ ) لِأَنَّهُ حَقٌّ لَا يَتَجَزَّأُ لِثُبُوتِهِ بِسَبَبٍ لَا يَتَجَزَّأُ وَهُوَ الْقَرَابَةُ وَاحْتِمَالُ الْعَفْوِ أَوْ الصُّلْحِ مِنْ الصَّغِيرِ مُنْقَطِعٌ فَيَثْبُتُ لِكُلِّ وَاحِدٍ كَامِلًا كَمَا فِي وِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ

( قَوْلُهُ أَوْ أَمَرَ الْغَيْرَ بِهِ ) يَعْنِي وَاقْتَصَّ الْغَيْرُ بِحُضُورِهِ لِمَا يَأْتِي قَوْلُهُ لِانْتِفَاءِ شَرْطِ جَوَازِ الْقَتْلِ وَهُوَ ظُهُورُ الْأَمْرِ ) يَعْنِي أَمْرَ الْوَلِيِّ الْأَجْنَبِيِّ لَا أَمْرَ الْقَتْلِ لِأَنَّ مَوْضُوعَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْقَتْلَ ظَاهِرٌ ا هـ .
وَلِذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ ثُمَّ إذَا قَتَلَهُ الْمَأْمُورُ وَالْأَمْرُ ظَاهِرٌ صَارَ مُسْتَوْفِيًا وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فَأَمَّا إذَا قَتَلَهُ وَالْأَمْرُ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَأَنْكَرَ وَلِيُّ هَذَا الْقَتِيلِ الْأَمْرَ فَإِنَّهُ يَجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى الْقَاتِلِ وَلَا يُعْتَبَرُ تَصْدِيقُ الْوَلِيِّ لِأَنَّ الْقَتْلَ الْعَمْدَ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْقِصَاصِ فِي الْأَصْلِ فَلَوْ خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا إنَّمَا يَخْرُجُ بِالْأَمْرِ وَقَدْ كَذَّبَهُ وَلِيُّ هَذَا الْقَتِيلِ فِي الْأَمْرِ وَتَصْدِيقُ وَلِيِّ الْقِصَاصِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ لِأَنَّهُ صَدَّقَهُ بَعْدَ مَا بَطَلَ حَقُّهُ عَنْ الْقِصَاصِ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ فَصَارَ أَجْنَبِيًّا عَنْهُ فَلَا يُعْتَبَرُ تَصْدِيقُهُ فَلَمْ يَثْبُتْ الْأَمْرُ فَبَقِيَ الْقَتْلُ الْعَمْدُ مُوجِبًا لِلْقِصَاصِ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَلَيْسَ لِبَعْضِ الْوَرَثَةِ اسْتِيفَاؤُهُ
إلَخْ ) كَذَا فِي قَاضِي خَانْ ثُمَّ قَالَ وَلَيْسَ لَهُمْ وَلَا لِأَحَدِهِمْ أَنْ يُوَكِّلَ بِاسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ ا هـ .
وَكَذَا فِي الْخُلَاصَةِ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ وَقَدْ أَوْضَحَهُ فِي الْبَدَائِعِ بِقَوْلِهِ وَإِذَا كَانَ الْكُلُّ حُضُورًا لَا يَجُوزُ لَهُمْ وَلَا لِأَحَدِهِمْ أَنْ يُوَكِّلَ فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْوَكِيلِ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ مَعَ غَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْغَائِبَ قَدْ عَفَا وَلِأَنَّ فِي اشْتِرَاطِ حَضْرَةِ الْمُوَكِّلِ رَجَاءُ الْعَفْوِ مِنْهُ عِنْدَ مُعَايَنَةِ حُلُولِ الْعَقَبَةِ بِالْقَاتِلِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى { وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ } .
ا هـ .
وَالْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ اسْتَغْنَى عَنْ هَذَا بِمَا سَيَذْكُرُهُ بِقَوْلِهِ وَلَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِاسْتِيفَائِهِ بِغَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ وَقَدْ ذَكَرْته

لِمَا فِيهِ مِنْ التَّنْبِيهِ

( وَلَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِاسْتِيفَائِهِ ) أَيْ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ ( بِغَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ ) عَنْ الْمَجْلِسِ لِأَنَّهَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ وَشُبْهَةُ الْعَفْوِ ثَابِتَةٌ حَالَ غَيْبَتِهِ بَلْ هُوَ الظَّاهِرُ لِلنَّدْبِ الشَّرْعِيِّ ( قَتْلُ ) رَجُلٍ ( عَمْدًا رَجُلًا لَا وَلِيَّ لَهُ لِلْإِمَامِ قَتْلُهُ وَالصُّلْحُ ) لِأَنَّ السُّلْطَانَ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ ( لَا الْعَفْوُ ) لِأَنَّ فِيهِ ضَرَرَ الْعَامَّةِ ( وَيُقِيدُ أَبُو الْمَعْتُوهِ قَاطِعَ يَدِهِ وَقَاتِلَ قَرِيبِهِ ) يَعْنِي إذَا قَطَعَ رَجَلٌ يَدَ الْمَعْتُوهِ عَمْدًا أَوْ قَتَلَ قَرِيبَهُ كَوَلَدِهِ فَأَبُو الْمَعْتُوهِ يُقِيدُ مِنْ جَانِبِهِ لِأَنَّ لِأَبِيهِ وِلَايَةً عَلَى نَفْسِهِ فَيَلِيهِمَا كَالْإِنْكَاحِ ( وَيُصَالِحُ ) لِأَنَّهُ أَنْفَعُ لِلْمَعْتُوهِ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ فَلَمَّا مَلَكَ الِاسْتِيفَاءَ فَلَأَنْ يَمْلِكَ الصُّلْحَ أَوْلَى هَذَا إذَا صَالَحَ عَلَى قَدْرِ الدِّيَةِ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ وَإِلَّا لَا يَصِحُّ وَتَجِبُ الدِّيَةُ كَامِلَةً ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ( وَلَا بِعَفْوٍ ) لِأَنَّهُ إبْطَالٌ لِحَقِّهِ وَلِلْوَصِيِّ الصُّلْحُ فَقَطْ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْقِصَاصِ تَابِعَةٌ لِوِلَايَةِ النَّفْسِ وَهِيَ مُخْتَصَّةٌ بِالْأَبِ ( وَالصَّبِيُّ كَالْمَعْتُوهِ وَالْقَاضِي كَالْأَبِ ) فِي الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ
( قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ التَّوْكِيلُ بِاسْتِيفَائِهِ بِغَيْبَةِ الْمُوَكِّلِ ) ذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْوَكَالَةِ أَيْضًا ( قَوْلُهُ لِأَنَّهَا تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ ) الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ لِأَنَّهُ يَنْدَرِئُ لِرُجُوعِهِ لِلْقِصَاصِ ( قَوْلُهُ وَهِيَ مُخْتَصَّةٌ بِالْأَبِ ) الْمُرَادُ الِاخْتِصَاصُ النِّسْبِيُّ بِالنَّظَرِ إلَى مَا بَيْنَ الْأَبِ وَالْوَصِيِّ لَا مُطْلَقًا لِثُبُوتِ الْوِلَايَةِ لِنَحْوِ الْعَصَبَةِ

( وَيَسْقُطُ قَوَدُ نَفْسٍ وَمَا دُونَهَا وَرِثَهُ عَلَى أَبِيهِ ) بِأَنْ قَتَلَ أَبُوهُ أُمَّهُ عَمْدًا أَوْ قَطَعَ يَدَهَا عَمْدًا لَا يَسْتَوْفِيهِ ابْنُهُ بَلْ يَسْقُطُ لِحُرْمَةِ الْأُبُوَّةِ ( وَبِمَوْتِ الْقَاتِلِ ) لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ ( وَبِعَفْوِ الْأَوْلِيَاءِ وَصُلْحِهِمْ عَلَى مَالِ وَإِنْ قَلَّ ) لِأَنَّهُ حَقُّهُمْ فَيَجُوزُ تَصَرُّفُهُمْ كَيْفَ شَاءُوا ( وَيَجِبُ حَالًّا ) وَإِنْ لَمْ يَذْكُرُوا الْحُلُولَ وَالتَّأْجِيلَ لِأَنَّهُ مَالٌ وَاجِبٌ بِالْعَقْدِ وَالْأَصْلُ فِي أَمْثَالِهِ الْحُلُولُ كَالْمَهْرِ وَالثَّمَنِ .
( وَ ) يَسْقُطُ أَيْضًا ( بِصُلْحِ أَحَدِهِمْ وَعَفْوِهِ ) لِأَنَّ الْقَوَدَ إذَا ثَبَتَ لِلْجَمِيعِ فَكُلٌّ مِنْهُمْ يَتَمَكَّنُ مِنْ الصُّلْحِ وَالْعَفْوِ وَمِنْ ضَرُورَةِ سُقُوطِ حَقِّ الْبَعْضِ فِي الْقَوَدِ سُقُوطُ حَقِّ الْبَاقِينَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ ( وَلِلْبَاقِي حِصَّتُهُ مِنْ الدِّيَةِ ) لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ تَعَذَّرَ لِمَعْنًى فِي الْقَاتِلِ وَهُوَ ثُبُوتُ عِصْمَتِهِ بِعَفْوِ الْبَعْضِ فَيَجِبُ الْمَالُ كَمَا فِي الْخَطَأِ فَإِنَّ الْعَجْزَ عَنْ الْقِصَاصِ ثَمَّةَ لِمَعْنًى فِي الْقَاتِلِ وَهُوَ كَوْنُهُ خَاطِئًا وَلَا حِصَّةَ لِلْعَافِي لِإِسْقَاطِهِ حَقَّهُ
( قَوْلُهُ وَيَجِبُ حَالًّا ) يَعْنِي إلَّا أَنْ يُؤَجِّلَهُ الْوَلِيُّ أَجَلًا مَعْلُومًا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ

( صَالَحَ بِأَلْفٍ وَكِيلٌ وَوَلِيُّ عَبْدٍ وَحُرٍّ قَتَلَا ) أَيْ الْعَبْدُ وَالْحُرُّ ( بِالصُّلْحِ ) مُتَعَلِّقٌ بِوَكِيلٍ ( عَنْ دَمِهِمَا ) أَيْ الدَّمِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِمَا ( بِهِ ) أَيْ بِالْأَلْفِ ( تَنَصَّفَ بَيْنَهُمَا الْأَلْفُ ) يَعْنِي إنْ قَتَلَ حُرٌّ وَعَبْدٌ رَجُلًا عَمْدًا حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِمَا الدَّمُ فَوَكَّلَ الْحُرُّ وَمَوْلَى الْعَبْدِ رَجُلًا أَنْ يُصَالِحَ عَنْ دَمِهِمَا عَلَى أَلْفٍ فَفَعَلَ فَالْأَلْفُ عَلَى الْحُرِّ وَمَوْلَى الْعَبْدِ نِصْفَانِ ( وَيُقْتَلُ جَمْعٌ بِفَرْدٍ ) يَعْنِي إذَا قَتَلَ جَمَاعَةٌ وَاحِدًا عَمْدًا يُقْتَلُ الْجَمَاعَةُ بِهِ لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ( وَبِالْعَكْسِ ) يَعْنِي يُقْتَلُ وَاحِدٌ بِجَمَاعَةٍ قَتَلَهُمْ عَمْدًا ( وَيُكْتَفَى بِهِ ) أَيْ بِقَتْلِهِ لِلْجَمِيعِ ( وَلَا شَيْءَ ) مِنْ الْمَالِ ( إنْ حَضَرَ وَلِيُّهُمْ ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُقْتَلُ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمْ إنْ قَتَلَهُمْ بِالتَّعَاقُبِ وَيُقْتَضَى بِالدِّيَةِ لِمَنْ بَعْدَهُ فِي تَرِكَتِهِ لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ وَإِنْ قَتَلَهُمْ جَمِيعًا مَعًا أَوْ لَمْ يُعْرَفْ الْأَوَّلُ يَقْرَعُ بَيْنَهُمْ وَيَقْضِي بِالْقَوَدِ لِمَنْ خَرَجَ لَهُ الْقُرْعَةُ وَبِالدِّيَةِ لِلْبَاقِينَ وَقِيلَ لَهُمْ جَمِيعًا وَتُقْسَمُ الدِّيَاتُ بَيْنَهُمْ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ مِنْهُمْ قِتْلَاتٌ وَالْمَوْجُودُ مِنْهُ قَتْلٌ وَاحِدٌ فَلَا تَمَاثُلَ وَهُوَ الْقِيَاسُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ لَكِنْ تَرَكْنَاهُ لِلْإِجْمَاعِ وَلَنَا أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ قَاتِلٌ عَلَى الْكَمَالِ فَحَصَلَ التَّمَاثُلُ أَلَا يَرَى أَنَّ الْوَاجِبَ فِي قَتْلِ وَاحِدٍ جَمَاعَةً هُوَ الْقِصَاصُ وَلَوْلَا التَّمَاثُلُ لَمَا وَجَبَ ( وَلَوْ ) حَضَرَ وَلِيٌّ ( لِوَاحِدٍ ) مِنْ الْمَقْتُولِينَ ( قُتِلَ ) الْقَاتِلُ لَهُ ( وَسَقَطَ حَقُّ الْبَقِيَّةِ ) أَيْ حَقُّ أَوْلِيَاءِ بَقِيَّةِ الْمَقْتُولِينَ ( كَمَوْتِ الْقَاتِلِ ) أَيْ كَمَا سَقَطَ بِمَوْتِ الْقَاتِلِ حَتْفَ أَنْفِهِ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الِاسْتِيفَاءِ كَمَا مَرَّ

( قَوْلُهُ وَيُقْتَلُ جَمْعٌ بِفَرْدٍ ) هَذَا إذَا بَاشَرَ كُلُّ وَاحِدٍ جُرْحًا قَاتَلَا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَتَصْحِيحِ الْقُدُورِيِّ عَنْ الْجَوَاهِرِ قَوْلُهُ لِأَنَّ الْمَوْجُودَ مِنْهُمْ قِتْلَاتٌ ) لَعَلَّ الصَّوَابَ مِنْهُ ( قَوْلُهُ وَالْمَوْجُودُ مِنْهُ قَتْلٌ وَاحِدٌ ) صَوَابُ الْعِبَارَةِ وَمَا يَتَحَقَّقُ فِي حَقِّهِ قَتْلٌ وَاحِدٌ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُهُ سَابِقًا لِأَنَّ الْمَوْجُودَ مِنْهُمْ قِتْلَاتٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَوْجُودِ الْمُطْلَقُ أَيْ لِأَنَّ مَطْلُوبَهُمْ قِتْلَاتٌ وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ ثَانِيًا وَالْمَوْجُودُ مِنْهُ قَتْلٌ وَاحِدٌ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ وَمَا يَحْصُلُ بِقَتْلِهِ وَاحِدٌ وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنْ التَّكَلُّفِ

( قَوَدٌ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا ثُمَّ قَتَلَ الْآخَرُ إنْ عَلِمَ أَنَّ عَفْوَ الْبَعْضِ مُسْقِطٌ لَهُ يُقَادُ وَإِلَّا فَلَا ) يَعْنِي أَنَّ الْقِصَاصَ إذَا كَانَ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَعَفَا أَحَدُهُمَا وَظَنَّ صَاحِبُهُ أَنَّ عَفْوَ أَخِيهِ لَا يُؤَثِّرُ فِي حَقِّهِ فَقَتَلَ الْقَاتِلَ فَإِنَّهُ لَا يُقَادُ مِنْهُ وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا قَتْلٌ بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَكِنْ لَمَّا كَانَ مُتَأَوِّلًا وَمُجْتَهِدًا فِيهِ إذْ عِنْدَ الْبَعْضِ لَا يَسْقُطُ الْقِصَاصُ بِعَفْوِ أَحَدِهِمَا فَصَارَ ذَلِكَ التَّأْوِيلُ مَانِعًا وُجُوبَ الْقِصَاصِ كَذَا فِي الْمُحِيطِ
( قَوْلُهُ إنْ عَلِمَ أَنَّ عَفْوَ الْبَعْضِ مُسْقِطٌ لَهُ يُقَادُ ) قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَلَهُ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي مَالِ الْقَاتِلِ لِأَنَّ قَتْلَهُ تَمَحَّضَ حَرَامًا ( قَوْلُهُ وَإِلَّا فَلَا ) الْمُرَادُ بِعَدَمِ الْعِلْمِ الظَّنُّ أَيْ الِاعْتِقَادُ كَمَا فَسَّرَهُ بِهِ شَرْحًا وَإِلَّا فَعَدَمُ الْعِلْمِ بِالْحُكْمِ لَا يُعْتَبَرُ بِدَارِ الْإِسْلَامِ ( قَوْلُهُ فَصَارَ ذَلِكَ التَّأْوِيلُ ) يَنْبَغِي إسْقَاطُ الْفَاءِ مِنْهُ .
ا هـ .
وَإِذَا انْتَفَى الْقِصَاصُ بِتَأْوِيلِهِ لَزِمَهُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ

( رَجُلٌ جَرَحَ رَجُلًا وَأَشْهَدَ الْمَجْرُوحُ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّ فُلَانًا لَمْ يَجْرَحْهُ ثُمَّ مَاتَ الْمَجْرُوحُ فَلَا شَيْءَ عَلَى فُلَانٍ وَلَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عَلَيْهِ وَإِنْ عَفَا الْمَجْرُوحُ أَوْ الْأَوْلِيَاءُ بَعْدَ الْجُرْحِ قَبْلَ الْمَوْتِ جَازَ الْعَفْوُ ) اسْتِحْسَانًا كَذَا فِي فَتَاوَى الْمَسْعُودِيِّ
( قَوْلُهُ وَإِنْ عَفَا الْمَجْرُوحُ أَوْ الْأَوْلِيَاءُ
إلَخْ ) كَذَا أَطْلَقَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ وَالْمُحِيطِ وَالْمُرَادُ إذَا كَانَ الْمَجْرُوحُ حُرًّا أَمَّا إذَا كَانَ عَبْدًا فَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ عَفْوُهُ لِأَنَّ الْقِصَاصَ يَجِبُ حَقًّا لِلْمَوْلَى لَا لَهُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ

( لَا يَجِبُ الْقَوَدُ بِقَتْلِ عَبِيدِ الْوَقْفِ عَمْدًا ) كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ ( وَلَا يُقَادُ إلَّا بِالسَّيْفِ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا قَوَدَ إلَّا بِالسَّيْفِ } أَيْ لَا قَوَدَ يُسْتَوْفَى إلَّا بِالسَّيْفِ وَالْمُرَادُ بِالسَّيْفِ السِّلَاحُ هَكَذَا فَهِمَتْ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَقَالَ أَصْحَابُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَا قَوَدَ إلَّا بِالسِّلَاحِ وَإِنَّمَا كَنَّى بِالسَّيْفِ عَنْ السِّلَاحِ كَذَا فِي الْكَافِي
( قَوْلُهُ لَا يَجِبُ الْقَوَدُ بِقَتْلِ عَبْدِ الْوَقْفِ ) لَعَلَّ وَجْهَهُ اشْتِبَاهُ مَنْ لَهُ حَقُّ الْقِصَاصِ لِأَنَّ الْوَقْفَ حَبْسُ الْعَيْنِ عَلَى مِلْكِ الْوَاقِفِ عِنْدَ الْإِمَامِ وَعِنْدَهُمَا عَلَى حُكْمِ مِلْكِ اللَّهِ تَعَالَى ا هـ .
وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِمَا يَلْزَمُ الْقَاتِلَ وَلَعَلَّهُ الْقِيمَةُ فَلْيُنْظَرْ ( قَوْلُهُ وَلَا يُقَادُ إلَّا بِالسَّيْفِ ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَإِنْ أَرَادَ الْوَلِيُّ أَنْ يَقْتُلَ بِغَيْرِ السِّلَاحِ لَا يُمَكَّنُ وَلَوْ فَعَلَ يُعَزَّرُ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَيَصِيرُ مُسْتَوْفِيًا بِأَيِّ طَرِيقٍ قَتَلَهُ وَلَوْ بِسَوْقِ دَابَّتِهِ عَلَيْهِ أَوْ إلْقَائِهِ فِي بِئْرٍ وَيَأْثَمُ بِالِاسْتِيفَاءِ بِغَيْرِ طَرِيقٍ مَشْرُوعٍ لِمُجَاوَزَتِهِ حَدَّ الشَّرْعِ .

( بَابُ الْقَوَدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ ) ( هُوَ فِيمَا يُمْكِنُ فِيهِ حِفْظُ الْمُمَاثَلَةِ فَيُقَادُ قَاطِعُ الْيَدِ عَمْدًا مِنْ الْمِفْصَلِ ) حَتَّى إذَا كَانَ مِنْ نِصْفِ السَّاعِدِ لَمْ يُقَدْ لِامْتِنَاعِ حِفْظِ الْمُمَاثَلَةِ ( وَلَوْ كَانَ يَدُهُ أَكْبَرَ مِنْهَا كَذَا الرِّجْلُ ) فَإِنَّهَا إذَا قُطِعَتْ مِنْ الْمِفْصَلِ يُقَادُ وَلَوْ مِنْ نِصْفِ السَّاقِ لَا ( وَالْمَارِنُ ) فَإِنَّ مَارِنَ الْأَنْفِ إذَا قُطِعَ عَمْدًا يُقَادُ وَلَوْ مِنْ قَصَبَتِهِ فَلَا ( وَالْأُذُنُ ) فَإِنَّهُ إذَا قُطِعَتْ عَمْدًا يُقَادُ أَيْضًا .
( وَ ) كَذَا ( عَيْنٌ ضُرِبَتْ فَزَالَ ضَوْءُهَا وَبَقِيَتْ الْعَيْنُ ) وَبَيَّنَ طَرِيقَ الْقَوَدِ بِقَوْلِهِ ( فَيَجْعَلُ عَلَى وَجْهِهِ ) أَيْ الضَّارِبُ ( قُطْنَ رُطَبٍ وَيُقَابِلُ عَيْنَهُ بِمِرْآةٍ مُحْمَاةٍ ) فَإِنَّ ضَوْءَ عَيْنِهِ أَيْضًا يَزُولُ ( وَلَوْ قُلِعَتْ ) أَيْ عَيْنُهُ ( لَا ) أَيْ لَا يُقَادُ الِامْتِنَاعُ حِفْظِ الْمُمَاثَلَةِ قَوْلُهُ ( وَكُلُّ شَجَّةٍ ) عُطِفَ عَلَى الرَّجُلِ أَيْ كَذَا كُلُّ شَجَّةٍ ( يُرَاعَى فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ ) حَيْثُ يَثْبُتُ فِيهِ الْقَوَدُ كَالْمُوضِحَةِ وَهِيَ أَنْ يُظْهِرَ الْعَظْمَ كَمَا سَيَأْتِي

( بَابُ الْقَوَدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ ) ( قَوْلُهُ وَلَوْ مِنْ قَصَبَتِهِ فَلَا ) كَذَا قَالَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ إذَا قَطَعَ بَعْضَ الْقَصَبَةِ أَوْ كُلَّهَا فَلَا قِصَاصَ لِأَنَّهُ عَظْمٌ ا هـ كَذَا أَطْلَقَهُ .
وَفِي الْخَانِيَّةِ وَإِذَا قَطَعَ أَنْفَ الصَّبِيِّ مِنْ أَصْلِ الْعَظْمِ عَمْدًا كَانَ عَلَيْهِ الْقِصَاصُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ كَأَنْ يَجِدَ الرِّيحَ أَوْ لَمْ يَجِدْ وَفِي الْخَطَأِ الدِّيَةُ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَالْأُذُنِ ) أَيْ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ فِي قَوْلِهِ وَقَطْعِ يَدٍ مِنْ نِصْفِ سَاعِدٍ ا هـ .
وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَإِنْ قَطَعَ بَعْضَهَا أَيْ الْأُذُنِ إنْ كَانَ ذَلِكَ الْبَعْضُ يُمْكِنُ فِيهِ الْمُمَاثَلَةُ وَجَبَ الْقِصَاصُ بِقَدْرِهِ وَإِلَّا فَلَا ( قَوْلُهُ كَذَا عَيْنٌ ضُرِبَتْ فَزَالَ ضَوْءُهَا ) هَذَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ حَوْلَاءَ لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَلَا قِصَاصَ فِي عَيْنِ الْأَحْوَلِ ا هـ كَذَا أَطْلَقَهُ ، .
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَإِنْ بِعَيْنِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ حَوَلٌ لَا يُغَيِّرُ بَصَرَهُ وَلَا يُنْقِصُ يُقْتَصُّ مِنْ الَّذِي أَذْهَبَ ضَوْءَهُ ، وَإِنْ كَانَ الْحَوَلُ شَدِيدًا يُنْقِصُ الْبَصَرَ فَحُكُومَةٌ ا هـ .
وَلَمْ يُسْنِدْهُ لِقَائِلٍ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ بَعْدَ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ بِصِيغَةٍ وَعَنْ الْحَسَنِ
إلَخْ قَوْلُهُ وَكُلُّ شَجَّةٍ يُرَاعَى فِيهَا الْمُمَاثَلَةُ
إلَخْ ) قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ فَلَا قَوَدَ فِي مُوضِحَةِ الْأَصْلَعِ الَّذِي ذَهَبَ شَعْرُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الشَّاجُّ كَذَلِكَ ا هـ .
وَفِي الْمُحِيطِ قِيلَ لَا يَجْرِي الْقِصَاصُ فِي الشِّجَاجِ الَّتِي فِيهَا الْقِصَاصُ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ لِأَنَّ مَبْنَى الْقِصَاصِ عَلَى الْمُسَاوَاةِ فِي الْمَنْفَعَةِ وَالْقِيمَةِ وَلَمْ يُوجَدْ وَقِيلَ يَجْرِي وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ فِي الْمَبْسُوطِ لِأَنَّ فِي قَطْعِ الْأَطْرَافِ تَفْوِيتَ الْمَنْفَعَةِ وَإِلْحَاقَ الشَّيْنِ وَقَدْ تَفَاوَتَا فِي الْمَنْفَعَةِ لِمَا بَيَّنَّا وَلَيْسَ فِي هَذَا الشِّجَاجِ تَفْوِيتُ مَنْفَعَةٍ وَإِنَّمَا هُوَ إلْحَاقُ الشَّيْنِ وَقَدْ تَسَاوَيَا فِي إلْحَاقِ

الشَّيْنِ فَإِنَّهُ يُلْحِقُ الشَّيْنَ بِهَا بِالشِّجَاجِ مِثْلَ مَا يَلْحَقُهُ بِهِ .
ا هـ .

( لَا قَوَدَ فِي عَظْمٍ إلَّا السِّنَّ ) بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا قِصَاصَ فِي الْعَظْمِ } وَقَالَ عُمَرُ وَابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لَا قِصَاصَ فِي الْعَظْمِ إلَّا فِي السِّنِّ وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ ( وَإِنْ تَفَاوَتَا ) فِي الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ لِأَنَّهُ لَا يَقْتَضِي التَّفَاوُتَ فِي الْمَنْفَعَةِ ( فَتُقْلَعُ ) سِنُّ الضَّارِبِ ( إنْ قُلِعَتْ ) سِنُّ الْمَضْرُوبِ ( وَتُبْرَدُ ) أَيْ تُكْسَرُ بِالْمِبْرَدِ ( إنْ كُسِرَتْ ) إلَى أَنْ يَتَسَاوَيَا ( وَلَا ) قَوَدَ أَيْضًا ( فِي طَرَفَيْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ وَحُرٍّ وَعَبْدٍ وَعَبْدَيْنِ ) لِأَنَّ الْأَطْرَافَ فِي حُكْمِ الْأَمْوَالِ فَتَنْتِفِي الْمُمَاثَلَةُ لِلتَّفَاوُتِ فِي الْقِيمَةِ ( وَلَا ) قَوَدَ أَيْضًا ( فِي قَطْعِ يَدٍ مِنْ نِصْفِ السَّاعِدِ ) لِمَا مَرَّ ( وَجَائِفَةٍ بَرِئَتْ ) لِأَنَّ الْبُرْءَ فِي الْجَائِفَةِ نَادِرٌ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْرَحَ الثَّانِيَ عَلَى وَجْهٍ يَبْرَأُ مِنْهُ فَيَكُونُ إهْلَاكًا فَلَا يَجُوزُ وَأَمَّا إذَا لَمْ تَبْرَأْ فَإِنْ سَرَتْ وَجَبَ الْقَوَدُ وَإِلَّا فَلَا يُقَادُ إلَى أَنْ يَظْهَرَ الْحَالُ مِنْ الْبُرْءِ أَوْ السِّرَايَةِ ( وَلَا ) قَوَدَ أَيْضًا ( فِي لِسَانٍ وَذَكَرٍ ) لِامْتِنَاعِ حِفْظِ الْمُمَاثَلَةِ فِيهِمَا لِأَنَّ الِانْقِبَاضَ وَالِانْبِسَاطَ يَجْرِي فِيهِمَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ الْقَطْعُ مِنْ الْأَصْلِ يُقْتَصُّ ( إلَّا إذَا قَطَعَ ) مِنْ الذَّكَرِ ( الْحَشَفَةَ ) لِإِمْكَانِ حِفْظِ الْمُمَاثَلَةِ حِينَئِذٍ ( وَطَرَفُ الذِّمِّيِّ وَالْمُسْلِمِ سَوَاءً ) لِلتَّسَاوِي بَيْنَهُمَا فِي الْأَرْشِ ( وَخُيِّرَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ إنْ كَانَ يَدُ الْقَاطِعِ شَلَّاءَ أَوْ نَاقِصَةً ) أَيْ نَاقِصَةَ الْأَصَابِعِ ( أَوْ رَأْسُ الشَّاجِّ أَكْثَرَ ) مِنْ رَأْسِ الْمَشْجُوجِ ( بَيْنَ الْقَوَدِ وَالْأَرْشِ الْكَامِلِ ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ خُيِّرَ أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ مَا إذَا كَانَتْ يَدُ الْقَاطِعِ شَلَّاءَ أَوْ نَاقِصَةَ الْأَصَابِعِ بِخِلَافِ يَدِ الْمَقْطُوعِ فَلِأَنَّ اسْتِيفَاءَ حَقِّهِ بِكَمَالِهِ مُتَعَذَّرٌ فَيُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَتَجَوَّزَ بِدُونِ حَقِّهِ فِي الْقَطْعِ وَبَيْنَ أَنْ

يَأْخُذَ الْأَرْشَ كَامِلًا كَمَنْ أَتْلَفَ مِثْلِيًّا لِإِنْسَانٍ فَانْقَطَعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ إلَّا الرَّدِيءُ يُخَيَّرُ بَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الْمَوْجُودَ نَاقِصًا وَبَيْنَ أَنْ يَأْخُذَ الْقِيمَةَ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا إذَا كَانَ رَأْسُ الشَّاجِّ أَكْبَرَ بِأَنْ كَانَتْ الشَّجَّةُ اسْتَوْعَبَتْ مَا بَيْنَ قَرْنَيْ الْمَشْجُوجِ وَهِيَ لَا تَسْتَوْعِبُ مَا بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّاجِّ فَلِأَنَّ الشَّجَّةَ إنَّمَا كَانَتْ مُوجِبَةً لِكَوْنِهَا مُشِينَةً فَيَزْدَادُ الشَّيْنُ بِزِيَادَتِهَا وَفِي اسْتِيعَابِ مَا بَيْنَ قَرْنَيْ الشَّاجِّ زِيَادَةٌ عَلَى مَا فَعَلَ وَبِاسْتِيفَاءِ قَدْرِ حَقِّهِ لَا يَلْحَقُ الشَّاجُّ مِنْ الشَّيْنِ مِثْلُ مَا يَلْحَقُ الْمَشْجُوجَ فَيُخَيَّرُ كَمَا فِي الشَّلَّاءِ وَالصَّحِيحَةِ

( قَوْلُهُ لَا قَوَدَ فِي عَظْمٍ إلَّا السِّنَّ ) الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ السِّنَّ عَظْمٌ وَاخْتَلَفَ الْأَطِبَّاءُ فِي السِّنِّ هَلْ هُوَ عَظْمٌ أَوْ طَرَفُ عَصَبٍ يَابِسٍ كَذَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ فَتُقْلَعُ سِنُّ الضَّارِبِ إنْ قُلِعَتْ سِنُّ الْمَضْرُوبِ ) أَطْلَقَهُ وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي كَيْفِيَّةِ قِصَاصِ السِّنِّ فَفِي الْخَانِيَّةِ يَجِبُ الْقِصَاصُ ثُمَّ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يُؤْخَذُ سِنُّهُ بِالْمِبْرَدِ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى اللَّحْمِ وَيَسْقُطُ مَا سِوَاهُ ا هـ .
وَفِي التَّبْيِينِ لَا يَقْلَعُ سِنَّهُ قِصَاصًا لِتَعَذُّرِ اعْتِبَارِ الْمُمَاثَلَةِ فِيهِ فَرُبَّمَا تَفْسُدُ لَهَاتُهُ وَلَكِنْ يُبْرَدُ بِالْمِبْرَدِ إلَى مَوْضِعِ أَصْلِ السِّنِّ كَذَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الذَّخِيرَةِ وَالْمَبْسُوطِ ا هـ .
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَا يُقْلَعُ سِنُّ الْقَالِعِ وَلَكِنْ يُبْرَدُ إلَى أَنْ يَصِلَ إلَى اللَّحْمِ وَيَسْقُطَ مَا سِوَاهُ وَلَوْ نُزِعَ جَازَ وَالْبَرْدُ احْتِيَاطٌ لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى فَسَادِ اللَّحْمِ ا هـ .
وَلَا يَنْتَظِرُ حَوْلًا إلَّا أَنْ يَكُونَ صَبِيًّا وَسَيَأْتِي ( قَوْلُهُ وَتُبْرَدُ إنْ كُسِرَتْ ) هَذَا إنْ لَمْ يَسْوَدَّ الْبَاقِي وَإِنْ اسْوَدَّ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ فَإِنْ طَلَبَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ اسْتِيفَاءَ قَدْرِ الْمَكْسُورِ وَتَرَكَ مَا اسْوَدَّ لَا يَكُونُ لَهُ ذَلِكَ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ إذَا كَسَرَ السِّنَّ لَا قِصَاصَ فِيهِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الدِّيَاتِ .
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ وَفِي كَسْرِ بَعْضِ السِّنِّ إنَّمَا يُبْرَدُ بِالْمِبْرَدِ إنْ كُسِرَ عَنْ مَرَضٍ أَمَّا لَوْ عَنْ طُولٍ فَفِيهِ الْحُكُومَةُ ا هـ .
( قَوْله وَلَا قَوَدَ فِي طَرَفَيْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ ) قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَيَجِبُ الْأَرْشُ فِي مَالِهِ حَالًّا ( قَوْلُهُ وَلَا قَوَدَ فِي لِسَانٍ وَذَكَرٍ
إلَخْ ) كَذَا لَا قَوَدَ بِقَطْعِ بَعْضِ الشَّفَةِ لِتَعَذُّرِ اعْتِبَارِ الْمُمَاثَلَةِ فِيهِ وَإِنْ اسْتَقْصَاهَا بِالْقَطْعِ يُقْتَصُّ لِإِمْكَانِ اعْتِبَارِ الْمُمَاثَلَةِ فِيهَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ

وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ الْقَطْعُ مِنْ الْأَصْلِ يُقْتَصُّ ) كَذَا فِي التَّبْيِينِ ثُمَّ قَالَ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ أَيْ أَبِي يُوسُفَ مَا بَيَّنَّا ا هـ لَكِنْ بِلُزُومِ الْقِصَاصِ جَزَمَ قَاضِي خَانْ فَإِنَّهُ قَالَ وَفِي قَطْعِ الذَّكَرِ مِنْ الْأَصْلِ عَمْدًا قِصَاصٌ وَإِنْ قُطِعَ مِنْ وَسَطِهِ فَلَا قِصَاصَ فِيهِ وَهَذَا فِي ذَكَرِ الْفَحْلِ فَأَمَّا فِي ذَكَرِ الْخَصِيِّ وَالْعِنِّينِ فَحُكُومَةُ عَدْلٍ وَفِي ذَكَرِ الْمَوْلُودِ إنْ تَحَرَّكَ يَجِبُ الْقِصَاصُ إنْ كَانَ عَمْدًا وَالدِّيَةُ إنْ خَطَأً وَإِنْ لَمْ يَتَحَرَّكْ كَانَ فِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ ا هـ مِنْ غَيْرِ إسْنَادِ ذَلِكَ لِأَحَدٍ بَلْ جَعْلُهُ حُكْمًا مُطْلَقًا عَنْ الرِّوَايَةِ وَقَدْ نَقَلَ فِي الْمُحِيطِ عَنْ الْإِمَامِ مِثْلَ أَبِي يُوسُفَ وَنَصُّهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ قَطَعَ ذَكَرَهُ مِنْ أَصْلِهِ أَوْ مِنْ الْحَشَفَةِ اُقْتُصَّ مِنْهُ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ اسْتِيفَاؤُهُ عَلَى سَبِيلِ الْمُسَاوَاةِ إذْ لَهُ حَدٌّ مَعْلُومٌ فَأَشْبَهَ الْيَدَ مِنْ الْكُوعِ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَخُيِّرَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ إنْ كَانَ يَدُ الْقَاطِعِ شَلَّاءَ ) قَالَ فِي الْمُجْتَبَى هَذَا إذَا كَانَتْ الْيَدُ الشَّلَّاءُ يُنْتَفَعُ بِهَا أَمَّا إذَا لَمْ يُنْتَفَعْ بِهَا فَلَا تَكُونُ مَحَلًّا لِلْقِصَاصِ فَلَهُ دِيَةُ الْيَدِ كَامِلَةً مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى .
ا هـ .

( لَا تُقْطَعُ يَدَانِ بَيْدَانِ أَمَرَّا سِكِّينًا ) وَاحِدًا ( عَلَيْهَا فَقَطَعَتْ ) يَعْنِي إذَا قَطَعَ رَجُلَانِ يَدَ رَجُلٍ بِأَنْ أَخَذَا سِكِّينًا وَاحِدًا مِنْ جَانِبٍ وَأَمَرَّاهَا عَلَى يَدِهِ حَتَّى انْفَصَلَتْ لَا تُقْطَعُ يَدَاهُمَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تُقْطَعَانِ اعْتِبَارًا بِالْأَنْفُسِ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ تَابِعَةٌ لَهَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَّ أَحَدُهُمَا السِّكِّينَ مِنْ جَانِبٍ وَالْآخَرُ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ حَتَّى الْتَقَى السِّكِّينَانِ فِي الْوَسَطِ وَبَانَتْ الْيَدُ حَيْثُ لَا يَجِبُ الْقَوَدُ فِيهِ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذْ لَمْ يُوجَدْ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا إمْرَارُ السِّلَاحِ إلَّا عَلَى بَعْضِ الْعُضْوِ وَلَنَا أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَاطِعٌ لِلْبَعْضِ لِأَنَّ مَا قُطِعَ بِقُوَّةِ أَحَدِهِمَا لَمْ يُقْطَعْ بِقُوَّةِ الْآخَرِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقْطَعَ الْكُلُّ بِالْبَعْضِ وَلَا الثِّنْتَانِ بِالْوَاحِدَةِ لِانْعِدَامِ الْمُسَاوَاةِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَمَرَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ بِخِلَافِ النَّفْسِ فَإِنَّ الشَّرْطَ فِيهَا الْمُسَاوَاةُ فِي الْعِصْمَةِ فَقَطْ وَفِي الطَّرَفِ يُعْتَبَرُ الْمُسَاوَاةُ فِي الْمَنْفَعَةِ وَالْقِيمَةِ ( وَضَمِنَا دِيَتَهَا ) أَيْ ضَمِنَ الْقَاطِعَانِ دِيَةَ الْمَقْطُوعَةِ لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ بِفِعْلِهِمَا فَيَجِبُ عَلَيْهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا الرُّبْعُ مِنْ مَالِهِمَا لِمَا مَرَّ مِرَارًا
قَوْلُهُ لَا يُقْطَعُ يَدَانِ بِيَدٍ ) كَذَا جَمِيعُ مَا دُونَ النَّفْسِ لَا يُقْتَصُّ بِهِ إذَا أَتْلَفَهُ مَا زَادَ عَنْ وَاحِدٍ عَمْدًا كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ ( قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ مِرَارًا ) يَعْنِي مِنْ أَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَعْقِلُ الْعَمْدَ

( وَإِنْ قَطَعَ رَجُلٌ يُمْنَى رَجُلَيْنِ ) سَوَاءٌ قَطَعَهُمَا مَعًا أَوْ بِالتَّعَاقُبِ ( فَلَهُمَا ) إذَا حَضَرَا ( يَمِينُهُ ) أَيْ قَطْعُ يَمِينِهِ ( وَدِيَةُ يَدٍ ) أَيْ نِصْفُ دِيَةِ النَّفْسِ فَيَقْسِمَانِهِ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ أَمَّا ثُبُوتُ الْقَطْعِ لَهُمَا فَلِأَنَّ تَسَاوِيهِمَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ يُوجِبُ التَّسَاوِي فِي الِاسْتِحْقَاقِ وَلَا عِبْرَةَ بِالتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ كَالْغَرِيمَيْنِ فِي التَّرِكَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَابِتٌ فِي كُلِّ الْيَدِ لِتَقَرُّرِ السَّبَبِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَهُوَ الْقَطْعُ وَكَوْنُهُ مَشْغُولًا بِحَقِّ الْأَوَّلِ لَا يَمْنَعُ تَقَرُّرَ السَّبَبِ فَتَقَرَّرَ السَّبَبُ فِي حَقِّ الثَّانِي أَيْضًا وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الْقَاطِعُ لَهُمَا عَبْدًا اسْتَوَيَا فِي اسْتِحْقَاقِ رَقَبَتِهِ وَأَمَّا ثُبُوتُ الدِّيَةِ لَهُمَا فَلِمَا عَرَفْت أَنَّ الْأَطْرَافَ هَاهُنَا فِي حُكْمِ الْأَمْوَالِ وَعَرَفْت أَيْضًا أَنَّ الْقَوَدَ ثَابِتٌ لَهُمَا عَلَى الْكَمَالِ لَكِنْ كُلٌّ مِنْهُمَا لَمْ يَسْتَوْفِ حَقَّهُ كَمَا هُوَ حَقُّهُ فَلَزِمَ بِالضَّرُورَةِ اعْتِبَارُ مَالِيَّةِ الْأَطْرَافِ أَيْضًا كَيْ لَا يَبْقَى حَقُّ الْمَظْلُومِ عَلَى الظَّالِمِ وَلِهَذَا وَجَبَتْ الدِّيَةُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْقِصَاصُ فِي النَّفْسِ حَيْثُ يَكْتَفِي فِيهِ بِالْقَتْلِ لَهُمَا بِدُونِ الدِّيَةِ قَيَّدَ بِيُمْنَى رَجُلَيْنِ لِأَنَّهُ لَوْ قَطَعَ يَمِينَ رَجُلٍ وَيَسَارَ آخَرَ قَطَعَ يَدَاهُ بِهِمَا وَكَذَا إذَا قَطَعَهُمَا لِوَاحِدٍ ( فَإِنْ حَضَرَ أَحَدُهُمَا ) أَيْ أَحَدُ الْمَقْطُوعَيْنِ ( وَقَطَعَ ) يَدَ الْقَاطِعِ ( فَلِلْآخِرِ الدِّيَةُ ) أَيْ دِيَةُ يَدٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ لِلْحَاضِرِ أَنْ يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّأْخِيرُ لِيَحْضُرَ الْآخَرُ لِثُبُوتِ حَقِّهِ بِيَقِينٍ وَحَقُّ الْآخَرِ مُتَرَدِّدٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَطْلُبَ أَوْ يَعْفُوَ مَجَّانًا أَوْ صُلْحًا فَإِذَا اسْتَوْفَى الْأَوَّلُ تَمَامَ حَقِّهِ بِالْقَوَدِ بَقِيَ حَقُّ الثَّانِي فِي تَمَامِ دِيَةِ يَدٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ الْأَطْرَافَ لَيْسَتْ كَالنُّفُوسِ كَمَا مَرَّ

( قَوْلُهُ وَذَلِكَ لِأَنَّ حَقَّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثَابِتٌ فِي كُلِّ الْيَدِ لِتَقَرُّرِ السَّبَبِ فِي حَقِّ الثَّانِي ) يَعْنِي كَمَا تَقَرَّرَ الْحَقُّ لِلْأَوَّلِ وَلَا يَمْنَعُ تَقَرُّرَ السَّبَبِ لِلثَّانِي سَبْقُ السَّبَبِ لِلْأَوَّلِ وَلَا بُدَّ مِنْ هَذِهِ الْعِنَايَةِ وَيُرْشِدُ إلَيْهَا قَوْلُهُ بَعْدَهُ مُسْتَظْهِرًا وَلِهَذَا لَوْ كَانَ الْقَاطِعُ لَهُمَا عَبْدًا
إلَخْ

( رَمَى عَمْدًا فَنَفَذَ ) سَهْمُهُ ( إلَى آخَرَ فَمَاتَا يُقْتَصُّ لِلْأَوَّلِ ) لِأَنَّهُ عَمْدٌ ( وَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ لِلثَّانِي ) لِأَنَّهُ خَطَأٌ
( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ ) ( خَطَأٌ ) يَعْنِي فِي الْفِعْلِ

( قَطَعَ رَجُلٌ يَدَ رَجُلٍ ) آخَرَ ( ثُمَّ قَتَلَهُ أَخَذَ ) أَيْ الْقَاطِعُ ( بِهِمَا ) أَيْ بِمُوجِبِ قَطْعِهِ وَقَتْلِهِ ( فِي عَمْدَيْنِ وَمُخْتَلِفَيْنِ ) بِأَنْ قَطَعَ عَمْدًا وَقَتَلَ خَطَأً أَوْ عُكِسَ ( بَرِئَ بَيْنَهُمَا أَوْ لَا ) مُتَعَلِّقٌ بِالْعَمْدَيْنِ وَالْمُخْتَلِفِينَ أَمَّا فِي الْعَمْدَيْنِ فَإِنْ بَرِئَ بَيْنَهُمَا يُقْتَصُّ بِالْقَطْعِ ثُمَّ بِالْقَتْلِ وَإِنْ لَمْ يَبْرَأْ فَكَذَا عِنْدَهُ لِأَنَّهُ الْمِثْلُ صُورَةً وَمَعْنًى وَعِنْدَهُمَا يُقْتَلُ وَلَا يُقْطَعُ فَيَدْخُلُ جَزَاءُ الْقَطْعِ فِي جَزَاءِ الْقَتْلِ وَأَمَّا فِي الْمُخْتَلِفَيْنِ فَإِنَّهُ إذَا قَطَعَ عَمْدًا ثُمَّ قَتَلَ خَطَأً يُقْتَصُّ لِلْقَطْعِ وَيُؤْخَذُ دِيَةُ النَّفْسِ وَفِي عَكْسِهِ تُؤْخَذُ الدِّيَةُ لِلْقَطْعِ وَيُقْتَصُّ لِلْقَتْلِ لِاخْتِلَافِ الْجِنَايَتَيْنِ لِكَوْنِ أَحَدِهِمَا عَمْدًا وَالْآخَرِ خَطَأً .
( وَ ) أَخَذَ بِهِمَا أَيْضًا ( فِي خَطَأَيْنِ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ ) أَيْ يَجِبُ دِيَةُ الْقَطْعِ وَدِيَةُ الْقَتْلِ .
( وَ ) أَخَذَ ( بِدِيَةٍ ) وَاحِدَةٍ ( فِي خَطَأَيْنِ ) أَيْ خَطَأِ الْقَطْعِ وَخَطَأِ الْقَتْلِ ( لَا بُرْءَ بَيْنَهُمَا ) لِأَنَّ دِيَةَ الْقَطْعِ إنَّمَا تَجِبُ عِنْدَ اسْتِحْكَامِ أَثَرِ الْفِعْلِ وَهُوَ أَنْ يَعْلَمَ عَدَمَ السِّرَايَةِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الصُّورَةِ وَبَيْنَ عَمْدَيْنِ لَا بُرْءَ بَيْنَهُمَا أَنَّ الدِّيَةَ مِثْلٌ غَيْرُ مَعْقُولٍ فَالْأَصْلُ عَدَمُ وُجُوبِهَا بِخِلَافِ الْقِصَاصِ فَإِنَّهُ مِثْلٌ مَعْقُولٌ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْقَتْلَ إمَّا عَمْدٌ أَوْ خَطَأٌ وَالْقَطْعُ كَذَلِكَ صَارَ أَرْبَعَةً ثُمَّ إمَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُمَا بُرْءٌ أَوْ لَا صَارَ ثَمَانِيَةً وَقَدْ بَيَّنَ حُكْمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا ( كَمَا فِي ضَرْبِ مِائَةِ سَوْطٍ بَرِئَ مِنْ تِسْعِينَ وَلَمْ يَبْقَ أَثَرٌ وَمَاتَ مِنْ عَشْرَةٍ ) حَيْثُ يُكْتَفَى بِدِيَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّهُ لَمَّا بَرِئَ مِنْ تِسْعِينَ لَمْ تَبْقَ مُعْتَبَرَةً إلَّا فِي حَقِّ التَّعْزِيرِ وَكَذَا كُلُّ جِرَاحَةٍ انْدَمَلَتْ وَلَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فِي مِثْلِهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ أُجْرَةُ

الطَّبِيبِ وَثَمَنُ الْأَوْدِيَةِ ( وَإِنْ بَقِيَ ) أَيْ الْأَثَرُ ( وَجَبَ حُكُومَةُ عَدْلٍ ) وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا فِي الدِّيَاتِ ( وَدِيَةٌ ) لِلْقَتْلِ
قَوْلُهُ وَإِنْ بَقِيَ الْأَثَرُ ) يَعْنِي أَثَرَ التِّسْعِينَ سَوْطًا الَّتِي بَرِيءَ مِنْهَا وَجَبَ حُكُومَةُ عَدْلٍ فِيهَا مَعَ دِيَةٍ كَامِلَةٍ لِلنَّفْسِ لِلْقَتْلِ بِالْعَشَرَةِ الْمُكَمِّلَةِ لِلْمِائَةِ وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ

( عَفَا الْمَقْطُوعُ عَنْ الْقَاطِعِ فَمَاتَ مِنْهُ ضَمِنَ الدِّيَةَ ) يَعْنِي رَجُلٌ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ عَمْدًا فَعَفَا الْمَقْطُوعُ عَنْ الْقَاطِعِ ثُمَّ مَاتَ مِنْهُ فَعَلَى الْقَاطِعِ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ ( وَلَوْ ) عَفَا ( عَمَّا يَحْدُثُ مِنْهُ أَيْضًا أَوْ عَنْ الْجِنَايَةِ فَهُوَ عَفْوٌ عَنْ النَّفْسِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى الْقَاتِلِ ( فَالْخَطَأُ مِنْ الثُّلُثِ وَالْعَمْدُ مِنْ الْكُلِّ ) يَعْنِي إنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً وَقَدْ عَفَا عَنْهَا فَهُوَ عَفْوٌ عَنْ الدِّيَةِ فَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ لِأَنَّ الدِّيَةَ مَالٌ فَحَقُّ الْوَرَثَةِ يَتَعَلَّقُ بِهَا وَالْعَفْوُ وَصِيَّةٌ فَيَصِحُّ مِنْ الثُّلُثِ وَأَمَّا الْعَمْدُ فَمُوجِبُهُ قَوَدٌ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْوَرَثَةِ فَيَصِحُّ الْعَفْوُ عَنْهُ عَلَى الْكَمَالِ هَذَا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا الْعَفْوُ عَنْ الْقَطْعِ عَفْوٌ عَنْ النَّفْسِ أَيْضًا ( كَذَا الشَّجَّةُ ) يَعْنِي أَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الشَّجَّةِ كَالْعَفْوِ عَنْ الْقَطْعِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا عَفْوٌ عَنْ النَّفْسِ أَيْضًا
( قَوْلُهُ يَعْنِي قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ عَمْدًا ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَالْخَطَأُ كَالْعَمْدِ ( قَوْلُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَالْخَطَأُ مِنْ الثُّلُثِ وَالْعَمْدُ مِنْ الْكُلِّ ) لَا يَخْفَى مَا فِيهِ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ يُنْتَقَضُ بِمَا إذَا لَمْ تَخْرُجْ جِنَايَةُ الْخَطَأِ مِنْ الثُّلُثِ فَلَوْ قَالَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْعَمْدِ وَكَذَا الْخَطَأُ لَوْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ وَإِلَّا فَبِقَدْرِهِ لَكَانَ أَوْلَى

( قَطَعَتْ امْرَأَةٌ يَدَ رَجُلٍ عَمْدًا فَنَكَحَهَا عَلَى يَدِهِ ثُمَّ مَاتَ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَعَلَيْهَا دِيَةٌ فِي مَالِهَا وَعَلَى عَاقِلَتِهَا لَوْ خَطَأً ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الْعَفْوَ عَنْ الْيَدِ أَوْ الْقَطْعَ لَا يَكُونُ عَفْوًا عَمَّا يَحْدُثُ مِنْهُ فَكَذَا التَّزَوُّجُ عَلَى الْيَدِ أَوْ الْقَطْعُ لَا يَكُونُ تَزَوُّجًا عَلَى مَا يَحْدُثُ مِنْهُ عِنْدَهُ ثُمَّ إنْ كَانَ الْقَطْعُ عَمْدًا كَأَنْ تَزَوَّجَا عَلَى الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ هُوَ لَيْسَ بِمَالٍ عَلَى تَقْدِيرِ الِاسْتِيفَاءِ وَعَلَى تَقْدِيرِ السُّقُوطِ كَالْمُتَمَحِّضِ فَلَا يَصْلُحُ لِلْمَهْرِ فَيَجِبُ لَهَا عَلَيْهِ مَهْرُ الْمِثْلِ فَإِنْ قِيلَ قَدْ سَبَقَ أَنَّ الْقِصَاصَ لَا يَجْرِي بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي الطَّرَفِ فَكَيْفَ يَصِحُّ تَزَوُّجُهَا عَلَيْهِ قُلْنَا الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ لِلْعَمْدِ الْقِصَاصُ لِإِطْلَاقِ قَوْله تَعَالَى { وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ } وَإِنَّمَا سَقَطَ لِلتَّعَذُّرِ ثُمَّ تَجِبُ عَلَيْهَا الدِّيَةُ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ وَإِنْ تَضَمَّنَ مِنْ الْعَفْوِ لَكِنْ عَنْ الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ فَإِذَا سَرَى تَبَيَّنَ أَنَّهُ قَتْلٌ وَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ الْعَفْوُ فَتَجِبُ الدِّيَةُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْعَفْوِ عَنْ النَّفْسِ وَهِيَ فِي مَالِهَا لِأَنَّهُ عَمْدٌ وَالْعَاقِلَةُ لَا تَتَحَمَّلُهُ فَإِذَا وَجَبَ لَهُ الدِّيَةُ وَلَهَا الْمَهْرُ تَقَاصَّا إنْ اسْتَوَيَا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْثَرَ رَجَعَ صَاحِبُهُ عَلَى الْآخَرِ وَإِنْ كَانَ الْقَطْعُ خَطَأً كَأَنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَرْشِ الْيَدِ وَإِذَا سَرَى إلَى النَّفْسِ تَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا أَرْشَ لِلْيَدِ وَإِنَّ الْمُسَمَّى مَعْدُومٌ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى مَا فِي يَدِهِ وَلَا شَيْءَ فِيهَا وَالدِّيَةُ وَاجِبَةٌ بِنَفْسِ الْقَتْلِ لِأَنَّهُ خَطَأٌ وَلَا تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ لِأَنَّ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ أَقُولُ يَنْبَغِي أَنْ تَقَعَ الْمُقَاصَّةُ عَلَى الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ فِي الدِّيَةِ وَهُوَ عَدَمُ وُجُوبِهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ بَلْ فِي مَالِ الْقَاتِلِ كَمَا سَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ ( وَلَوْ ) نَكَحَهَا ( عَلَى يَدِهِ وَمَا

يَحْدُثُ مِنْهَا ) يَعْنِي السِّرَايَةَ ( أَوْ عَلَى الْجِنَايَةِ فَمَاتَ مِنْهُ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا لَوْ عَمْدًا ) لِأَنَّهُ نِكَاحٌ عَلَى الْقِصَاصِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يَصْلُحُ لِلْمَهْرِ فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا إذَا نَكَحَهَا عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ ( وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا ) أَيْ لَا دِيَةٌ وَلَا قِصَاصٌ لِأَنَّ حَقَّهُ الْقِصَاصُ وَقَدْ رَضِيَ بِسُقُوطِهِ عَلَى أَنَّهُ يَصِيرُ مَهْرًا وَهُوَ لَا يَصْلُحُ لَهُ فَسَقَطَ أَصْلًا ( وَرُفِعَ عَنْ الْعَاقِلَةِ قَدْرُ مَهْرِ مِثْلِهَا لَوْ خَطَأً ) لِأَنَّ هَذَا تَزَوُّجٌ عَلَى الدِّيَةِ وَهِيَ تَصْلُحُ لِلْمَهْرِ ( فَإِنْ سَاوَى ) أَيْ مَهْرُ الْمِثْلِ ( الدِّيَةَ وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُ ) أَيْ سِوَى مَهْرِ الْمِثْلِ ( فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ ) أَيْ الْعَاقِلَةِ لِأَنَّ التَّزَوُّجَ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ فَيُعْتَبَرُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَهُمْ لَا يَغْرَمُونَ شَيْئًا مِنْهُ لَهَا لِأَنَّهُمْ إنَّمَا يَتَحَمَّلُونَ عَنْهَا بِسَبَبِ جِنَايَتِهَا فَكَيْفَ يَغْرَمُونَ لَهَا .
( وَفِي الْأَكْثَرِ ) أَيْ إنْ كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ أَكْثَرَ مِنْ الدِّيَةِ ( لَمْ تَجِبْ الزِّيَادَةُ ) لِأَنَّهَا رَضِيَتْ بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ ( وَالزَّائِدُ ) ( فِي الْأَقَلِّ ) أَيْ إنْ كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ أَقَلَّ مِنْ الدِّيَةِ يُرْفَعُ عَنْ الْعَاقِلَةِ مَهْرُ الْمِثْلِ وَالزَّائِدُ مِنْهَا ( وَصِيَّةٌ لَهُمْ ) أَيْ لِلْعَاقِلَةِ وَتَصِحُّ لِأَنَّهُمْ مِنْ الْأَجَانِبِ فَإِنْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ يَرْفَعُ عَنْهُمْ أَيْضًا وَإِلَّا سَقَطَ عَنْهُمْ قَدْرُ الثُّلُثِ وَأَدَّوْا الْفَضْلَ إلَى الْوَلِيِّ إذْ لَا تَنْفُذُ الْوَصِيَّةُ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ

قَوْلُهُ أَقُولُ يَنْبَغِي أَنْ تَقَعَ الْمُقَاصَّةُ عَلَى الْقَوْلِ الْمُخْتَارِ فِي الدِّيَةِ ) لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ فِي الْعَجَمِ لَكِنَّهُ أَطْلَقَهُ لِلْإِحَالَةِ ( قَوْلُهُ وَإِلَّا سَقَطَ عَنْهُمْ قَدْرُ الثُّلُثِ وَأَدَّوْا الْفَضْلَ
إلَخْ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ قِيلَ لَا يَسْقُطُ مِنْهُ قَدْرُ نَصِيبِ الْقَاتِلِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْقَاتِلِ لَا تَصِحُّ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَسْقُطُ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَسْقُطْ نَصِيبُهُ لَكَانَ ذَلِكَ الْقَدْرُ هُوَ الْوَاجِبُ بِالْقَتْلِ فَتَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ عَنْهُ فَيُقْسَمُ عَلَيْهِمْ فَمَا أَصَابَ الْعَاقِلَةَ يَسْقُطُ لِمَا ذَكَرْنَا وَمَا أَصَابَ الْقَاتِلَ يَكُونُ هُوَ الْوَاجِبَ بِالْقَتْلِ فَيُقْسَمُ أَيْضًا فَيَلْزَمُ مِثْلُ ذَلِكَ مِنْ نَصِيبِهِ مِنْهُ أَيْضًا ثُمَّ هَكَذَا وَهَكَذَا إلَى أَنْ لَا يَبْقَى مِنْهُ شَيْءٌ انْتَهَى

( قُطِعَتْ يَدُهُ ) يَعْنِي قَطَعَ زَيْدٌ مَثَلًا يَدَ بَكْرٍ فَأَثْبَتَهُ بَكْرٌ عِنْدَ الْقَاضِي فَأَمَرَ بِالْقِصَاصِ ( فَاقْتَصَّ ) زَيْدٌ ( لَهُ ) أَيْ لِبَكْرٍ بِأَنْ قَطَعَ يَدَ زَيْدٍ ( فَمَاتَ ) الْمَقْطُوعُ الْأَوَّلُ وَهُوَ بَكْرٌ ( قُتِلَ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ ) وَهُوَ زَيْدٌ ( بِهِ ) أَيْ بِقَطْعِهِ سَابِقًا إذْ تَبَيَّنَ بِالسِّرَايَةِ أَنَّ الْجِنَايَةَ كَانَتْ قَتْلًا عَمْدًا وَإِنَّ حَقَّ الْمُقْتَصِّ لَهُ فِي الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَأَمَّا اسْتِيفَاءُ الْقَطْعِ مِنْ الْمُقْتَصِّ مِنْهُ فَلَا يُوجِبُ سُقُوطَ حَقِّ الْمُقْتَصِّ لَهُ فِي الْقَتْلِ .
( وَضَمِنَ دِيَةَ النَّفْسِ مَنْ قَطَعَ بِنَفْسِهِ يَدَ غَيْرِهِ قَوَدًا فَسَرَى ) يَعْنِي أَنَّ مَنْ لَهُ الْقِصَاصُ فِي الطَّرَفِ إذَا اسْتَوْفَاهُ بِنَفْسِهِ بِلَا حُكْمِ الْحَاكِمِ ثُمَّ سَرَى إلَى النَّفْسِ وَمَاتَ ضَمِنَ دِيَةَ النَّفْسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَضْمَنُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ وَهُوَ الْقَطْعُ فَسَقَطَ حُكْمُ سِرَايَتِهِ إذْ الِاحْتِرَازُ عَنْ السِّرَايَةِ خَارِجٌ عَنْ وُسْعِهِ فَلَا يَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ لِئَلَّا يَفْسُدَ بَابُ الْقِصَاصِ فَصَارَ كَالْإِمَامِ إذَا قَطَعَ السَّارِقَ وَسَرَى إلَى النَّفْسِ وَمَاتَ وَكَالْبَزَّاغِ وَالْفَصَّادِ وَالْحَجَّامِ وَالْخَتَّانِ وَلَهُ أَنَّهُ قَتَلَ بِغَيْرِ حَقٍّ لِأَنَّهُ حَقُّهُ فِي الْقَطْعِ وَالْمَوْجُودُ قَتْلٌ إلَّا أَنَّ الْقِصَاصَ سَقَطَ لِلشُّبْهَةِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُخْطِئِ لِأَنَّهُ قَصَدَ اسْتِيفَاءَ حَقِّهِ لَا الْقَتْلَ وَقَتْلُ الْخَطَأِ يُوجِبُ الدِّيَةَ بِخِلَافِ مَا ذَكَرُوا مِنْ الْمَسَائِلِ إذْ يَجِبُ الْحُكْمُ فِيهَا بِالْقِصَاصِ عَلَى الْقَاضِي بِتَقَلُّدِهِ وَالْعَمَلِ عَلَى الْبَزَّاغِ وَنَحْوِهِ بِالْعَقْدِ وَإِقَامَةُ الْوَاجِبِ لَا تَتَقَيَّدُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ كَالرَّمْيِ إلَى الْحَرْبِيِّ .
وَفِي مَسْأَلَتِنَا هُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الِاسْتِيفَاءِ وَالْعَفْوِ بَلْ الْعَفْوُ مَنْدُوبٌ فَيَتَقَيَّدُ اسْتِيفَاؤُهُ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ كَالرَّمْيِ إلَى الصَّيْدِ هَذَا مَا قَالُوا وَيَرُدُّ عَلَى ظَاهِرِهِ أَنَّ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ

بِنَفْسِهِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ إذَا أَوْرَثَ شُبْهَةً يَسْقُطُ بِهَا الْقِصَاصُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُورِثَ حُكْمُ الْقَاضِي فِي الصُّورَةِ الْأُولَى شُبْهَةً يَسْقُطُ بِهَا الْقِصَاصُ لِأَنَّ حُكْمَ الْقَاضِي لَيْسَ أَدْنَى مِنْ الْمُبَاشَرَةِ بِنَفْسِهِ أَقُولُ فِي دَفْعِهِ إنَّ حُكْمَ الْقَاضِي لَا يُورِثُ شُبْهَةً يُدْفَعُ بِهَا الْقِصَاصُ بَلْ يُوجِبُ الْقِصَاصُ عَلَى مُدَّعِي الْقَطْعِ لِأَنَّهُ إذَا ادَّعَاهُ وَأَثْبَتَهُ عِنْدَ الْقَاضِي كَانَ مُوجِبًا عَلَيْهِ الْحُكْمَ بِهِ فَيَكُونُ الْمُدَّعِي فِي حُكْمِ الْمُكْرِهِ لِلْقَاضِي كَمَا يَكُونُ الْمُسْتَوْفَى بِنَفْسِهِ فِي حُكْمِ الْمُخْطِئِ بَلْ يَكُونُ مُكْرَهًا حَقِيقَةً بِمُقْتَضَى تَعْرِيفِ الْإِكْرَاهِ وَهُوَ حَمْلُ الْغَيْرِ عَلَى فِعْلٍ بِمَا يُعْدَمُ رِضَاهُ بِهِ لَا اخْتِيَارُهُ فَإِذَا كَانَ فِي حُكْمِ الْمُكْرَهِ أَوْ مُكْرَهًا وَجَبَ الْقِصَاصُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ حِينَئِذٍ يَكُونُ آلَةً لَهُ وَيَكُونُ ذَلِكَ كَالْمُبَاشِرِ لِلْقَتْلِ الْعَمْدِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ

( قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَضْمَنُ
إلَخْ ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ ( قَوْلُهُ فَإِذَا أَوْرَثَ شُبْهَةً يَسْقُطُ بِهَا الْقِصَاصُ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُورِثَ حُكْمُ الْقَاضِي فِي الصُّورَةِ الْأُولَى شُبْهَةً يَسْقُطُ بِهَا الْقِصَاصُ
إلَخْ ) هَذَا حُكْمٌ عَلَى مَعْدُومٍ إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ ذِكْرُ حُكْمٍ مِنْ الْقَاضِي وَمَعَهُ قِصَاصٌ عَلَى الْمُدَّعِي وَلَا يَصِحُّ جَعْلُهُ مَفْهُومًا لِقَوْلِهِ سَابِقًا وَضَمِنَ دِيَةَ النَّفْسِ مَنْ قَطَعَ بِنَفْسِهِ يَدَ غَيْرِهِ قَوَدًا فَسَرَى قَوْلُهُ أَقُولُ فِي دَفْعِهِ إنَّ حُكْمَ الْقَاضِي لَا يُورِثُ شُبْهَةً يَنْدَفِعُ بِهَا الْقِصَاصُ بَلْ يُوجِبُ الْقِصَاصَ عَلَى مُدَّعِي الْقَتْلِ
إلَخْ ) بَعِيدُ الْإِسْنَادِ إلَى مَقَامِ الْمُؤَلِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ مُبَايِنٌ لِلْقَضَاءِ لِاسْتِنَادِهِ لِلْحُجَّةِ وَالْإِكْرَاهُ لَا حُجَّةَ مَعَهُ وَإِنَّمَا هُوَ بَغْيٌ مَحْضٌ وَلَوْ قِيلَ بِمَا ذُكِرَ لَمْ يَكُنْ لِلْقَضَاءِ فَائِدَةٌ وَلَا قَائِلَ بِهِ عَلَى أَنَّهُ لَوْ سُلِّمَ وَرَجَعَ الْأَمْرُ إلَى حَقِيقَةِ الْإِكْرَاهِ وَكَانَ الْقَاضِي آلَةً فِي يَدِ الْمُدَّعِي صَارَ الْقَضَاءُ مُنْعَدِمًا وَصَارَ الْمُدَّعِي مُسْتَوْفِيًا بِنَفْسِهِ وَهُوَ لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ حَقِيقَةً وَسَرَى إلَى النَّفْسِ لَا يُقْتَصُّ مِنْهُ لِلشُّبْهَةِ كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ مَتْنًا وَفِي إثْبَاتِ الْقِصَاصِ مَعَ الْقَضَاءِ عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ إبْطَالٌ لِلْمَتْنِ بَلْ لِكُلِّ مَتْنٍ وَلَا قَائِلَ بِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ

( وَأَرْشُ الْيَدِ ) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ دِيَةُ النَّفْسِ أَيْ ضَمِنَ أَرْشَ الْيَدِ ( مَنْ قَطَعَ يَدَ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ قَوَدٌ فَعَفَا عَنْهُ ) أَيْ قَطَعَ وَلِيُّ الْقَتِيلِ يَدَ الْقَاتِلِ ثُمَّ عَفَا عَنْ الْقَتْلِ ضَمِنَ دِيَةَ الْيَدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ إتْلَافَ النَّفْسِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهَا فَأَتْلَفَ الْبَعْضَ فَإِذَا عَفَا فَهُوَ عَمَّا سِوَى هَذَا الْبَعْضِ وَلَهُ أَنَّهُ اسْتَوْفَى غَيْرَ حَقِّهِ لَكِنْ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِلشُّبْهَةِ
( قَوْلُهُ وَأَرْشُ الْيَدِ مِنْ قَطْعٍ
إلَخْ ) يَعْنِي سَوَاءٌ قَضَى بِالْقِصَاصِ أَوْ لَمْ يَقْضِ وَذَلِكَ فِي مَالِهِ نَصَّ عَلَيْهِ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَالْبَزْدَوِيُّ ( قَوْلُهُ ضَمِنَ دِيَةَ الْيَدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) يَعْنِي إذَا بَرِئَتْ وَلَمْ تَسْرِ إلَى النَّفْسِ ( قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَضْمَنُ ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَهُمَا يَعْنِي الصَّاحِبَيْنِ أَهْدَرَاهُ أَيْ أَرْشَ الْيَدِ كَمَا لَوْ سَرَى إلَى نَفْسِهِ وَكَمَا لَوْ كَانَ لَهُ قِصَاصٌ فِي الطَّرَفِ فَقَطَعَ أَصَابِعَهُ ثُمَّ عَفَا عَنْهُ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ الْأَصَابِعَ وَهِيَ لِلْكَفِّ كَالْأَطْرَافِ لِلنَّفْسِ وَكَمَا لَوْ قَطَعَ وَمَا عَفَا وَمَا سَرَى ثُمَّ حَزَّ رَقَبَتَهُ قَبْلَ الْبَرَاءِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَوْ قَطَعَ وَمَا عَفَا وَبَرِيءَ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الصَّحِيحِ وَلَوْ حَزَّ رَقَبَتَهُ قَبْلَ الْبُرْءِ فَهُوَ اسْتِيفَاءٌ فَلَا يَضْمَنُ حَتَّى لَوْ حَزَّهَا بَعْدَ الْبُرْءِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فِي الصَّحِيحِ انْتَهَى ( تَنْبِيهٌ ) : لَا قِصَاصَ فِي الشَّعْرِ أَيَّ شَعْرٍ كَانَ كَمَا فِي قَاضِي خَانْ وَالْمُحِيطِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( بَابُ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ وَاعْتِبَارِ حَالَتِهِ ) أَيْ حَالَةِ الْقَتْلِ ( الْقَوَدُ يَثْبُتُ لِلْوَرَثَةِ بَدْءًا لَا إرْثًا ) اعْلَمْ أَنَّ هَاهُنَا طَرِيقَتَيْنِ أَحَدُهُمَا طَرِيقُ الْخِلَافَةِ وَهُوَ أَنْ يَثْبُتَ الْمِلْكُ لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً بِسَبَبٍ انْعَقَدَ فِي حَقِّ الْمُورِثِ كَمَا إذَا اتَّهَبَ الْعَبْدَ فَإِنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ ابْتِدَاءً لِلْمَوْلَى بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ عَنْ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَيْسَ أَهْلًا لِلْمِلْكِ وَالثَّانِي طَرِيقُ الْوِرَاثَةِ وَهُوَ أَنْ يَثْبُتَ الْمِلْكُ لِلْمُورِثِ ثُمَّ لِلْوَارِثِ بِالنَّقْلِ مِنْهُ إلَيْهِ فَذَهَبَ الْإِمَامَانِ إلَى الثَّانِي قَوْلًا بِأَنَّ الْقِصَاصَ مَوْرُوثٌ عَنْ الْمَيِّتِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ سِهَامُ الْوَرَثَةِ وَيَصِحُّ عَفْوُهُ قَبْلَ الْمَوْتِ وَيَقْضِي دُيُونَهُ مِنْهُ إذَا انْقَلَبَ مَالًا وَيَنْفُذُ وَصَايَاهُ مِنْهُ كَمَا فِي الدِّيَةِ وَذَهَبَ الْإِمَامُ إلَى الْأَوَّلِ قَوْلًا بِأَنَّ الْقِصَاصَ غَيْرُ مَوْرُوثٍ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ لِلتَّشَفِّي وَدَرْكِ الثَّأْرِ وَالْمَيِّتُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ وَإِنَّمَا يَثْبُتُ لِلْوَرَثَةِ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ بِسَبَبٍ انْعَقَدَ لِلْمَيِّتِ أَيْ يَقُومُونَ مَقَامَهُ فَيَسْتَحِقُّونَهُ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَثْبُتَ لِلْمَيِّتِ لِأَنَّ الْقِصَاصَ مِلْكُ الْفِعْلِ فِي الْمَحَلِّ بَعْدَ مَوْتِ الْمَجْرُوحِ وَلَا يُتَصَوَّرُ الْفِعْلُ مِنْ الْمَيِّتِ وَلِهَذَا صَحَّ عَفْوُ الْوَرَثَةِ قَبْلَ مَوْتِ الْمَجْرُوحِ وَإِنَّمَا صَحَّ عَفْوُ الْمَجْرُوحِ لِأَنَّ السَّبَبَ انْعَقَدَ لَهُ وقَوْله تَعَالَى { وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا } نَصَّ عَلَى أَنَّ الْقِصَاصَ يَثْبُتُ حَقًّا لِلْوَارِثِ ابْتِدَاءً بِخِلَافِ الدَّيْنِ وَالدِّيَةِ لِأَنَّ الْمَيِّتَ أَهْلٌ لِمِلْكِ الْمَالِ وَلِهَذَا لَوْ نَصَبَ شَبَكَةً فَتَعَلَّقَ بِهِ صَيْدٌ بَعْدَ مَوْتِهِ يَمْلِكُهُ وَأَصْلُ الِاخْتِلَافِ رَاجِعٌ إلَى أَنَّ اسْتِيفَاءَ الْقِصَاصِ حَقُّ الْوَرَثَةِ عِنْدَهُ وَحَقُّ الْمَيِّتِ عِنْدَهُمَا فَإِذَا كَانَ الْقِصَاصُ يَثْبُتُ حَقًّا لِلْوَرَثَةِ عِنْدَهُ ابْتِدَاءً ( فَلَا يَصِيرُ

أَحَدُهُمْ خَصْمًا عَنْ الْبَاقِينَ ) فِي إثْبَاتِ حَقِّهِمْ بِغَيْرِ وَكَالَةٍ مِنْهُمْ وَبِإِقَامَةِ الْحَاضِرِ الْبَيِّنَةَ لَا يَثْبُتُ الْقِصَاصُ فِي حَقِّ الْغَائِبِ ( فَلَوْ بَرْهَنَ ) أَحَدُهُمْ ( بِغَيْبَةِ أَخِيهِ عَلَى قَتْلِ أَبِيهِ فَحَضَرَ ) الْأَخُ الْغَائِبُ ( يُعِيدُهَا ) لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الِاسْتِيفَاءِ ( وَيُحْبَسُ الْقَاتِلُ ) إذَا أَقَامَ الْحَاضِرُ الْبَيِّنَةَ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ صَارَ مُتَّهَمًا بِالْقَتْلِ وَالْمُتَّهَمُ يُحْبَسُ ( بِخِلَافِ الْخَطَأِ وَالدَّيْنِ ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ يُعِيدُهَا أَيْ لَوْ كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً لَا يَحْتَاجُ إلَى إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ لِأَنَّ مُوجِبَهُ الْمَالُ وَطَرِيقُ ثُبُوتِهِ الْمِيرَاثُ وَكَذَا الدَّيْنُ إذَا أَقَامَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ بَيِّنَةً أَنَّ لِأَبِيهِ عَلَى فُلَانٍ كَذَا فَحَضَرَ أَخُوهُ لَا يُعِيدُهَا ( بَرْهَنَ الْقَاتِلُ عَلَى عَفْوِ الْغَائِبِ فَالْحَاضِرُ خَصْمٌ وَيَسْقُطُ الْقَوَدُ ) أَيْ إذَا كَانَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ غَائِبًا وَبَعْضُهُمْ حَاضِرًا فَأَقَامَ الْقَاتِلُ بَيِّنَةً عَلَى الْحَاضِرِ أَنَّ الْغَائِبَ قَدْ عَفَا فَالْحَاضِرُ خَصْمٌ لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَى الْحَاضِرِ سُقُوطَ حَقِّهِ فِي الْقَوَدِ وَانْتِقَالَهُ إلَى الْمَالِ فَإِذَا قَضَى عَلَيْهِ صَارَ الْغَائِبُ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ تَبَعًا لَهُ ( كَذَا لَوْ قُتِلَ عَبْدٌ لِرَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا غَائِبٌ ) يَعْنِي إذَا قُتِلَ عَبْدٌ لِرَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا غَائِبٌ فَادَّعَى الْقَاتِلُ عَلَى الْحَاضِرِ أَنَّ الْغَائِبَ قَدْ عَفَا عَنْهُ فَالْحَاضِرُ خَصْمٌ وَيَسْقُطُ الْقَوَدُ إنْ أَثْبَتَ لِمَا ذُكِرَ
بَابُ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ ( قَوْلُهُ اعْلَمْ
إلَخْ ) ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ

( أُخْبِرَ وَلِيَّانِ بِعَفْوِ شَرِيكِهِمَا فَهُوَ عَفْوٌ لِلْقِصَاصِ مِنْهُمَا ) يَعْنِي أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ عَمْدًا وَلَهُ ثَلَاثَةُ أَوْلِيَاءَ فَشَهِدَ اثْنَانِ مِنْهُمْ عَلَى صَاحِبِهِمَا أَنَّهُ قَدْ عَفَا فَإِنَّ إخْبَارَهُمَا عَفْوٌ لِلْقِصَاصِ مِنْهُمَا وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ أَرْبَعَةٍ ذَكَرَ الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ ( فَإِنْ صَدَّقَهُمَا ) أَيْ الْمُخْبِرَيْنِ ( الْقَاتِلُ وَالشَّرِيكُ فَلَا شَيْءَ لَهُ ) أَيْ الشَّرِيكِ لِأَنَّهُ بِتَصْدِيقِهِ أَبْطَلَ نَصِيبَهُ ( وَلَهُمَا ثُلُثَا الدِّيَةِ ) لِأَنَّ نَصِيبَهُمَا صَارَ مَالًا وَالثَّانِي بِقَوْلِهِ ( وَإِنْ كَذَّبَاهُمَا ) أَيْ كَذَّبَ الْقَاتِلُ وَالشَّرِيكُ الْمُخْبِرَيْنِ ( فَلَا شَيْءَ لِلْمُخْبِرَيْنِ ) لِأَنَّهُمَا بِإِخْبَارِهِمَا أَسْقَطَا حَقَّهُمَا فِي الْقِصَاصِ فَانْقَلَبَ مَالًا وَلَا مَالَ لَهُمَا لِتَكْذِيبِ الْقَاتِلِ وَالشَّرِيكِ ( وَلِشَرِيكِهِمَا ثُلُثُهَا ) لِأَنَّ حَقَّ الْمُخْبِرَيْنِ لَمَّا سَقَطَ فِي الْقِصَاصِ سَقَطَ حَقُّ شَرِيكِهِمَا فِيهِ لِعَدَمِ تَجَزِّيهِ وَانْتَقَلَ إلَى الْمَالِ وَسَقَطَ حَقُّهُمَا فِي الْمَالِ أَيْضًا لِمَا ذُكِرَ فَبَقِيَ حِصَّةُ شَرِيكِهِمَا وَهِيَ ثُلُثُ الدِّيَةِ وَالثَّالِثُ بِقَوْلِهِ ( وَإِنْ صَدَّقَهُمَا الْقَاتِلُ وَحْدَهُ ) أَيْ وَكَذَّبَهُمَا الشَّرِيكُ ( فَلِكُلٍّ مِنْهُمْ ثُلُثُهَا ) لِأَنَّهُ لَمَّا صَدَّقَهُمَا أَقَرَّ لَهُمَا بِثُلُثَيْ الدِّيَةِ فَلَزِمَ وَادَّعَى بُطْلَانَ حَقِّ الشَّرِيكِ فَلَمْ يُصَدَّقْ فَتَحَوَّلَ مَالًا وَغَرِمَ الْقَاتِلُ الدِّيَةَ أَثْلَاثًا وَالرَّابِعُ بِقَوْلِهِ ( وَإِنْ صَدَّقَهُمَا ) أَعْنِي الْمُخْبِرَيْنِ ( الشَّرِيكُ فَقَطْ ) أَيْ كَذَّبَهُمَا الْقَاتِلُ ( فَلَهُ ) أَيْ لَلشَّرِيكِ ( ثُلُثُهَا ) أَيْ يَغْرَمُ الْقَاتِلُ ثُلُثَ الدِّيَةِ وَهُوَ نَصِيبُ الشَّرِيكِ ( وَيَصْرِفُ إلَى الْمُخْبِرَيْنِ ) لِأَنَّ زَعْمَ الشَّرِيكِ أَنَّهُ عَفَا لِتَصْدِيقِهِ الْمُخْبِرَيْنِ فَلَا شَيْءَ لَهُ عَلَى الْقَاتِلِ وَلَهُمَا عَلَى الْقَاتِلِ ثُلُثَا الدِّيَةِ وَمَا فِي يَدِهِ وَهُوَ ثُلُثُ الدِّيَةِ مَالُ الْقَاتِلِ وَهُوَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِمَا فَيُصْرَفُ إلَيْهِمَا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ

شَيْءٌ لِأَنَّهُمَا ادَّعَيَا الْمَالَ عَلَى الْقَاتِلِ وَالْقَاتِلُ يُنْكِرُ فَلَمْ يَثْبُتْ وَمَا أَقَرَّ بِهِ الْقَاتِلُ لِلشَّرِيكِ قَدْ بَطَلَ بِتَكْذِيبِهِ وَجْهَ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْقَاتِلَ بِتَكْذِيبِهِ الْمُخْبِرَيْنِ قَدْ أَقَرَّ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِثُلُثِ الدِّيَةِ لِزَعْمِهِ أَنَّ الْقِصَاصَ سَقَطَ بِإِخْبَارِهِمَا بِالْعَفْوِ كَابْتِدَاءِ الْعَفْوِ مِنْهُمَا وَالْمُقَرُّ لَهُ مَا كَذَّبَ الْقَاتِلَ حَقِيقَةً بَلْ أَضَافَ الْوُجُوبَ إلَى غَيْرِهِ وَفِي مِثْلِهِ لَا يَرْتَدُّ الْإِقْرَارُ كَمَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ مِائَةٌ فَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ لَيْسَ لِي وَلَكِنَّهَا لِفُلَانٍ فَإِنَّ الْمَالَ لِلْمُقَرِّ لَهُ الثَّانِي كَذَا هُنَا
قَوْلُهُ أَخْبَرَ وَلِيَّانِ بِعَفْوٍ
إلَخْ ) فَسَّرَ الْإِخْبَارَ بِالشَّهَادَةِ لِيُفِيدَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ لِثُبُوتِ عَفْوِهِمَا بَيْنَ كَوْنِ الْإِخْبَارِ مُجَرَّدًا عَنْ الدَّعْوَى مِنْ الْقَاتِلِ بِعَفْوِ الثَّالِثِ وَلَا بَيْنَ كَوْنِهِ صَدَرَ بَعْدَ الدَّعْوَى مِنْ الْقَاتِلِ فَيَكُونُ شَهَادَةً فَكُلٌّ مِنْهُمَا مُسْتَلْزِمٌ لِعَفْوِهِمَا وَإِنْ اخْتَلَفَ مَا يَتَعَلَّقُ بِالِاسْتِحْقَاقِ لِاخْتِلَافِ الْحَالِ ( قَوْلُهُ وَإِنْ صَدَّقَهُمَا الشَّرِيكُ فَقَطْ فَلَهُ ثُلُثُهَا ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَكُونُ لَهُ الثُّلُثُ وَهُوَ قَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى الْقَاتِلِ شَيْئًا بِدَعْوَاهُ الْعَفْوَ قُلْت ارْتَدَّ إقْرَارُهُ بِتَكْذِيبِ الْقَاتِلِ إيَّاهُ فَوَجَبَ لَهُ ثُلُثُ الدِّيَةِ انْتَهَى ( قَوْلُهُ وَيُصْرَفُ إلَى الْمُخْبِرِينَ ) هُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ وَمَا فِي يَدِهِ ) أَيْ الشَّرِيكِ ( قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُ ) أَيْ الْقَاتِلُ

( اخْتَلَفَ شَاهِدَا الْقَتْلِ فِي زَمَانِهِ أَوْ مَكَانِهِ أَوْ آلَتِهِ ) بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا قَتَلَهُ بِعَصَا وَالْآخَرُ قَتَلَهُ بِالسَّيْفِ ( أَوْ قَالَ شَاهِدٌ قَتَلَهُ بِعَصَا ، وَ ) قَالَ ( الْآخَرُ جَهِلْت آلَةَ قَتْلِهِ لَغَتْ ) أَيْ شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّ الْقَتْلَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَالْآلَةِ وَتَخْتَلِفُ أَحْكَامُهَا وَالْمُطْلَقُ يُغَايِرُ الْمُقَيَّدَ فَكَانَ عَلَى كُلِّ قَتْلٍ شَهَادَةُ فَرْدٍ فَرُدَّتْ ( شَهِدَا بِقَتْلِهِ وَقَالَا جَهِلْنَا آلَتَهُ وَجَبَ الدِّيَةُ ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجِبَ شَيْءٌ لِأَنَّ الْقَتْلَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْآلَةِ فَجَهِلَ الْمَشْهُودَ بِهِ ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِقَتْلٍ مُطْلَقٍ وَالْمُطْلَقُ لَيْسَ بِمُجْمَلٍ لِيَمْتَنِعَ الْعَمَلُ بِهِ قَبْلَ الْبَيَانِ فَيَجِبُ أَقَلُّ مُوجِبَيْهِ وَهُوَ الدِّيَةُ وَتَجِبُ فِي مَالِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْقَتْلِ الْعَمْدُ فَلَا تَلْزَمُ الْعَاقِلَةَ لِمَا مَرَّ مِرَارًا
( قَوْلُهُ فَكَانَ عَلَى كُلِّ قَتْلٍ شَهَادَةُ فَرْدٍ فَرُدَّتْ ) كَذَا لَوْ كَمَّلَ النِّصَابَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا لِتَيَقُّنِ الْقَاضِي بِكَذِبِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ وَعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ بِالْقَبُولِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَمَّلَ أَحَدُ الْفَرِيقَيْنِ دُونَ الْآخَرِ حَيْثُ يُقْبَلُ الْكَامِلُ مِنْهُمَا لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ قَوْلُهُ وَتَجِبُ أَيْ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ ) يَعْنِي فِي ثَلَاثِ سِنِينَ

( أَقَرَّ كُلٌّ مِنْ رَجُلَيْنِ بِقَتْلِ زَيْدٍ وَقَالَ الْوَلِيُّ قَتَلْتُمَاهُ فَلَهُ قَتْلُهُمَا ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَقَرَّ بِانْفِرَادِهِ بِكُلِّ الْقَتْلِ وَبِالْقِصَاصِ عَلَيْهِ وَالْمُقَرُّ لَهُ صَدَّقَهُ فِي وُجُوبِ الْقَتْلِ عَلَيْهِ أَيْضًا لَكِنَّهُ كَذَّبَهُ فِي انْفِرَادِهِ بِالْقَتْلِ وَتَكْذِيبِ الْمُقَرِّ لَهُ الْمُقِرَّ فِي بَعْضِ مَا أَقَرَّ بِهِ لَا يُبْطِلُ إقْرَارَهُ فِي الْبَاقِي لِأَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ تَفْسِيقَهُ وَفِسْقُ الْمُقِرِّ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ إقْرَارِهِ ( وَلَوْ كَانَ مَكَانَ إقْرَارِ شَهَادَةٌ لَغَتْ ) أَيْ شَهِدَا بِقَتْلِ زَيْدٍ عَمْرًا وَآخَرَانِ بِقَتْلِ بَكْرٍ إيَّاهُ لَغَتْ الشَّهَادَتَانِ لِأَنَّ تَكْذِيبَ الْمَشْهُودِ لَهُ الشَّاهِدَ فِي بَعْضِ مَا شَهِدَ بِهِ يُبْطِلُ شَهَادَتَهُ لِأَنَّ التَّكْذِيبَ تَفْسِيقٌ وَفِسْقُ الشَّاهِدِ يُوجِبُ رَدَّ شَهَادَتِهِ
( قَوْلُهُ وَقَالَ الْوَلِيُّ قَتَلْتُمَاهُ فَلَهُ قَتْلُهُمَا ) قَيَّدَ بِقَوْلِهِ قَتَلْتُمَاهُ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ صَدَقْتُمَا لَيْسَ لَهُ قَتْلُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ تَصْدِيقَهُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَكْذِيبٌ لِلْآخَرِ فَكَأَنَّهُ قَالَ لِكُلٍّ قَتَلْته وَحْدَك فَيَكُونُ مُقِرًّا بِعَدَمِ قَتْلِ الْآخَرِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ قَتَلْتُمَاهُ لِأَنَّهُ دَعْوَى الْقَتْلِ مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقٍ لَهُمَا فَيَقْتُلُهُمَا بِإِقْرَارِهِمَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ أَيْ شَهِدَا بِقَتْلِ زَيْدٍ عَمْرًا وَآخَرَانِ بِقَتْلِ بَكْرٍ إيَّاهُ ) يَعْنِي وَقَالَ الْوَلِيُّ قَتَلْتُمَاهُ لَغَتْ الشَّهَادَتَانِ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ تَكْذِيبَ الْمَشْهُودِ لَهُ الشَّاهِدَ فِي بَعْضِ مَا شَهِدَ بِهِ يُبْطِلُ شَهَادَتَهُ ) الْمُرَادُ بِتَكْذِيبِهِ نَفْيُ اسْتِقْلَالِ كُلٍّ مِنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِمَا بِالْقَتْلِ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ قَتَلَاهُ لَمْ يُثْبِتْ الْقَتْلَ لِكُلٍّ مُنْفَرِدًا فَلِهَذَا صَارَ مُكَذِّبًا لِكُلٍّ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ فَلَغَتَا

( شَهِدَا ) عَلَى رَجُلٍ ( بِقَتْلِهِ خَطَأً وَحَكَمَ بِالدِّيَةِ فَجَاءَ الْمَشْهُودُ لَهُ بِقَتْلِهِ حَيًّا ضَمَّنَ الْعَاقِلَةَ الْوَلِيُّ ) لِأَنَّهُ قَبَضَ الدِّيَةَ بِغَيْرِ حَقٍّ ( أَوْ الشُّهُودَ ) لِأَنَّ الْمَالَ تَلِفَ بِشَهَادَتِهِمْ ( وَرَجَعُوا ) أَيْ الشُّهُودُ ( عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى الْوَلِيِّ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوا الْمَضْمُونَ وَهُوَ مَا فِي يَدِ الْوَلِيِّ كَالْغَاصِبِ مَعَ غَاصِبِ الْغَاصِبِ ( وَالْعَمْدُ كَالْخَطَأِ إلَّا فِي الرُّجُوعِ ) أَيْ إذَا كَانَ الشَّهَادَةُ عَلَى الْعَمْدِ فَقَتَلَ بِهِ ثُمَّ جَاءَ حَيًّا تَخَيَّرَ الْوَرَثَةُ بَيْنَ تَضْمِينِ الْوَلِيِّ الدِّيَةَ أَوْ الشُّهُودِ فَإِنْ ضَمَّنُوا الشُّهُودَ لَمْ يَرْجِعُوا عَلَى الْوَلِيِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُمْ أَوْجَبُوا هُنَا لِلْوَلِيِّ مَا لَيْسَ بِمَالٍ وَهُوَ الْقِصَاصُ فَلَا وَجْهَ لَأَنْ يَرْجِعُوا بِمَالٍ إذْ لَا مُمَاثَلَةَ بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُونَ عَلَى الْوَلِيِّ كَمَا فِي الْخَطَأِ

( وَلَوْ ) شَهِدَا ( عَلَى إقْرَارِهِ ) أَيْ إقْرَارِ الْقَاتِلِ بِالْخَطَأِ أَوْ الْعَمْدِ ثُمَّ جَاءَ حَيًّا لَمْ يَضْمَنَا إذْ لَمْ يَظْهَرْ كَذِبُهُمَا فِي شَهَادَتِهِمَا ( أَوْ ) شَهِدَا عَلَى شَهَادَةِ ( غَيْرِهِمَا فِي الْخَطَأِ ) وَقُضِيَ بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ ثُمَّ جَاءَ حَيًّا لَمْ يَضْمَنَا أَيْضًا إذَا لَمْ يَظْهَرْ كَذِبُهُمَا فِي شَهَادَتِهِمَا لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ شَهَادَةُ الْأُصُولِ عَلَى الْقَتْلِ لَا نَفْسُ الْقَتْلِ ( ضَمِنَ الْوَلِيُّ الدِّيَةَ ) فِي الصُّورَتَيْنِ لِلْعَاقِلَةِ إذْ ظَهَرَ أَنَّهُ أَخَذَهَا مِنْهُمْ بِغَيْرِ حَقٍّ

ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ مَسَائِلِ الشَّهَادَةِ فِي الْقَتْلِ شَرَعَ فِي مَسَائِلِ اعْتِبَارِ حَالَةِ الْقَتْلِ فَقَالَ ( الْعِبْرَةُ لِحَالَةِ الرَّمْيِ لَا الْوُصُولِ ) اعْلَمْ أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْعِبْرَةَ لِوَقْتِ الرَّمْيِ فِي حَقِّ الضَّمَانِ وَالْحِلِّ لِأَنَّ الضَّمَانَ أَنَّمَا يَجِبُ بِالْجِنَايَةِ وَإِنَّمَا يَصِيرُ الشَّخْصُ جَانِيًا بِفِعْلٍ يَدْخُلُ تَحْتَ اخْتِيَارِهِ وَهُوَ الرَّمْيُ لَا الْوُصُولُ ( فَتَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى مَنْ رَمَى مُسْلِمًا فَارْتَدَّ ) الْمَرْمِيُّ عَلَيْهِ ( فَوَصَلَ ) السَّهْمُ إلَيْهِ فَمَاتَ فَعَلَى الرَّامِي الدِّيَةُ لِوَرَثَةِ الْمُرْتَدِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَا شَيْءَ عَلَى الرَّامِي لِأَنَّ التَّلَفَ حَصَلَ فِي مَحَلٍّ غَيْرِ مَعْصُومٍ وَإِتْلَافُ غَيْرِ الْمَعْصُومِ هَدَرٌ وَلَهُ أَنَّ الْمَرْمِيَّ إلَيْهِ وَقْتَ الرَّمْيِ مَعْصُومٌ وَالْعِبْرَةُ بِهِ
( قَوْلُهُ فَتَجِبُ الدِّيَةُ عَلَى مَنْ رَمَى مُسْلِمًا فَارْتَدَّ ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ فِي قَلْبِهِ لَا تَجِبُ بِأَنْ رَمَى مُرْتَدًّا أَوْ كَافِرًا فَأَسْلَمَ وَهُوَ بِالْإِجْمَاعِ

( وَتَجِبُ الْقِيمَةُ لِسَيِّدِ عَبْدٍ رَمَى إلَيْهِ ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ أَيْ صَارَ مَرْمِيًّا إلَيْهِ ( فَأَعْتَقَهُ فَوَصَلَ ) السَّهْمُ إلَيْهِ فَمَاتَ لِأَنَّهُ وَقْتَ الرَّمْيِ مَمْلُوكٌ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجِبُ عَلَيْهِ فَضْلُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ مَرْمِيًّا إلَى غَيْرِ مَرْمِيٍّ
( قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجِبُ عَلَيْهِ فَضْلُ مَا بَيْنَ قِيمَتِهِ
إلَخْ ) وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ مُتَرَدِّدٌ رُوِيَ عَنْهُ إيجَابُ الْقِيمَةِ كَقَوْلِ الْإِمَامِ وَرُوِيَ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ

.
( وَ ) يَجِبُ ( الْجَزَاءُ عَلَى مُحْرِمٍ رَمَى صَيْدًا فَحَلَّ ) أَيْ خَرَجَ مِنْ الْإِحْرَامِ ( فَوَصَلَ ) السَّهْمُ إلَيْهِ لِأَنَّهُ وَقْتَ الرَّمْيِ مُحْرِمٌ ( لَا عَلَى حَلَالٍ رَمَاهُ فَأَحْرَمَ فَوَصَلَ ) لِأَنَّهُ وَقْتَ الرَّمْيِ غَيْرُ مُحْرِمٍ
( قَوْلُهُ لَا عَلَى حَلَالٍ رَمَاهُ فَأَحْرَمَ ) يُشِيرُ إلَى حِلِّهِ كَمَا لَوْ رَمَاهُ مُسْلِمًا فَارْتَدَّ

( وَلَا يَضْمَنُ مَنْ رَمَى مَقْضِيًّا عَلَيْهِ بِرَجْمٍ فَرَجَعَ شَاهِدُهُ فَوَصَلَ ) لِأَنَّهُ وَقْتَ الرَّمْيِ مُبَاحُ الدَّمِ

( كِتَابُ الدِّيَاتِ ) جَمْعُ دِيَةٍ مَصْدَرُ وَدَى الْقَاتِلُ الْمَقْتُولَ إذَا أَعْطَى وَلِيَّهُ الْمَالَ الَّذِي هُوَ بَدَلُ النَّفْسِ ثُمَّ قِيلَ لِذَلِكَ الْمَالِ دِيَةٌ تَسْمِيَةً بِالْمَصْدَرِ وَفَاؤُهَا مَحْذُوفَةٌ كَمَا فِي عِدَةٍ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَالْأَرْشُ اسْمٌ لِلْوَاجِبِ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ ( الدِّيَةُ أَلْفُ دِينَارٍ مِنْ الذَّهَبِ وَعَشْرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ مِنْ الْفِضَّةِ وَمِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ فَقَطْ ) يَعْنِي أَنَّ الدِّيَةَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تَكُونُ إلَّا مِنْ هَذِهِ الْأَمْوَالِ الثَّلَاثَةِ وَقَالَا مِنْهَا وَمِنْ الْبَقَرِ مِائَتَا بَقَرَةٍ وَمِنْ الْغَنَمِ أَلْفَا شَاةٍ وَمِنْ الْحُلَلِ مِائَتَا حُلَّةٍ كُلُّ حُلَّةٍ ثَوْبَانِ ( وَهَذِهِ ) أَيْ الْإِبِلُ ( فِي شِبْهِ الْعَمْدِ أَرْبَاعٌ ) بَيَّنَ الْأَرْبَاعَ بِقَوْلِهِ ( مِنْ بِنْتِ مَخَاضٍ ) خَمْسٌ وَعِشْرُونَ ( وَمِنْ بِنْتِ لَبُونٍ ) خَمْسٌ وَعِشْرُونَ ( وَمِنْ حِقَّةٍ ) خَمْسٌ وَعِشْرُونَ ( وَمِنْ جَذَعَةٍ ) خَمْسٌ وَعِشْرُونَ ( وَهِيَ ) الدِّيَةُ ( الْمُغَلَّظَةُ ) نَقَلَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْ شَرْحِ الْقُدُورِيِّ أَنَّ تَغْلِيظَ الدِّيَةِ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدٍ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ وَإِنْ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ التَّغْلِيظِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ مَا ذُكِرَ هَاهُنَا .
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ ثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعُونَ ثَنِيَّةً كُلُّهَا خَلِفَاتٌ فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا

( كِتَابُ الدِّيَاتِ ) قَوْلُهُ الدِّيَةُ أَلْفُ دِينَارٍ مِنْ الذَّهَبِ وَعَشْرَةُ آلَافٍ مِنْ الْفِضَّةِ وَمِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ وَكَلَامُهُ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْوَاجِبَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ سَوَاءٌ كَانَ الْقَتْلُ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَعَلَيْهِ يَكُونُ الْخِيَارُ لِلْقَاتِلِ فِي دَفْعِ أَيُّهَا شَاءَ وَلَوْ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ وَصَرِيحُ الْمُحِيطِ خِلَافُهُ حَيْثُ قَالَ وَأَمَّا مِقْدَارُهَا فَالدِّيَةُ نَوْعَانِ مُخَفَّفَةٌ وَمُغَلَّظَةٌ فَالْمُخَفَّفَةُ دِيَةُ الْخَطَأِ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَصْنَافٍ مِنْ الْإِبِلِ وَالْعَيْنِ وَالْوَرِقِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْإِبِلِ مِائَةٌ وَمِنْ الْعَيْنِ أَلْفُ دِينَارٍ وَمِنْ الْوَرِقِ عَشْرَةُ آلَافٍ وَلِلْقَاتِلِ الْخِيَارُ يُؤَدِّي أَيَّ نَوْعٍ شَاءَ وَأَمَّا كَيْفِيَّةُ أَسْنَانِ الْإِبِلِ فَفِي دِيَةِ الْخَطَأِ خَمْسَةُ أَنْوَاعٍ عِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ ابْنَ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَعِشْرُونَ حِقَّةً وَعِشْرُونَ جَذَعَةً وَأَمَّا الدِّيَةُ الْمُغَلَّظَةُ فَهِيَ دِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ خَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَخَمْسٌ وَعِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَكَذَلِكَ مِنْ الْجَذَعَاتِ وَالْحِقَاقِ انْتَهَى فَهَذَا نَصٌّ عَلَى مُوجِبِ شِبْهِ الْعَمْدِ وَعَلَى أَنَّ الْقَاتِلَ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ لَا يُخَيَّرُ بَيْنَ دَفْعِ الْوَرِقِ أَوْ الْعَيْنِ أَوْ الْإِبِلِ بَلْ اللَّازِمُ عَلَيْهِ الْإِبِلُ وَكَلَامُ الْهِدَايَةِ يُشِيرُ إلَى هَذَا وَهُوَ صَرِيحُ مَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ كِتَابِ الْجِنَايَاتِ مِنْ أَنَّ حُكْمَ شِبْهِ الْعَمْدِ الْإِثْمُ وَالْكَفَّارَةُ وَدِيَةٌ مُغَلَّظَةٌ عَلَى الْعَاقِلَةِ انْتَهَى فَلَوْ كَانَ الْوَاجِبُ ابْتِدَاءً مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْإِبِلِ لَمْ يَكُنْ لِلتَّغْلِيظِ فَائِدَةٌ لِأَنَّهُ يَخْتَارُ الْأَخَفَّ فَتَفُوتُ حِكْمَةُ التَّغْلِيظِ نَصًّا فَلْيَكُنْ عَلَى ذِكْرٍ مِنْك لَتُحَرِّرَهُ ( قَوْلُهُ وَقَالَا مِنْهَا وَمِنْ الْبَقَرِ
إلَخْ ) هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَيُؤْخَذُ الْبَقَرُ مِنْ أَهْلِ الْبَقَرِ وَالْحُلَلُ

مِنْ أَهْلِهَا قِيمَةُ كُلِّ بَقَرَةٍ خَمْسُونَ دِرْهَمًا وَقِيمَةُ كُلِّ حُلَّةٍ كَذَلِكَ وَهُوَ ثَوْبَانِ إزَارٌ وَرِدَاءٌ وَالشَّاءُ مِنْ أَهْلِ الشَّاءِ قِيمَةُ كُلِّ شَاةٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَتَفْسِيرُ الْحُلَّةِ بِالْإِزَارِ وَالرِّدَاءِ هُوَ الْمُخْتَارُ .
وَفِي النِّهَايَةِ قِيلَ فِي زَمَانِنَا قَمِيصٌ وَسَرَاوِيلُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ إنَّ تَغْلِيظَ الدِّيَةِ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ ) كَذَا عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ ثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعُونَ ثَنِيَّةً كُلُّهَا خَلِفَاتٌ فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا ) الضَّمِيرُ فِي كُلِّهَا لِلثَّنِيَّاتِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إلَّا أَنَّ دِيَةَ الْخَطَأِ شِبْهُ الْعَمْدِ مَا كَانَ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ مِنْهَا أَرْبَعُونَ فِي بُطُونِهَا أَوْلَادُهَا } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَضَى فِي شِبْهِ الْعَمْدِ بِثَلَاثِينَ حِقَّةً وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعِينَ خَلِفَةً مَا بَيْنَ ثَنِيَّةٍ إلَى بَازِلِ عَامِهِ كُلُّهَا خَلِفَاتٌ وَرَوَاهُ عَنْ عَلِيٍّ أَثْلَاثًا ثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ حِقَّةً وَثَلَاثٌ وَثَلَاثُونَ جَذَعَةً وَأَرْبَعٌ وَثَلَاثُونَ ثَنِيَّةً إلَى بَازِلِ عَامِهَا كُلُّهَا خَلِفَاتٌ كَذَا فِي الْبُرْهَانِ

( وَفِي الْخَطَأِ ) عُطِفَ عَلَى فِي شِبْهِ الْعَمْدِ أَيْ الْإِبِلُ فِي الْخَطَأِ ( أَخْمَاسٌ مِنْهَا ) أَيْ مِنْ الْمَذْكُورَاتِ الْأَرْبَعِ ( وَمِنْ ابْنِ مَخَاضٍ ) عِشْرُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ وَعِشْرُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَعِشْرُونَ حِقَّةً وَعِشْرُونَ جَذَعَةً وَعِشْرُونَ ابْنَ مَخَاضٍ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَأَخَذْنَا بِذَلِكَ

( وَكَفَّارَتُهَا مَا ذُكِرَ فِي النَّصِّ ) وَهُوَ عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ عَجَزَ عَنْهُ صَامَ شَهْرَيْنِ وَلَاءً ( وَلَا يَصِحُّ الْإِطْعَامُ ) إذْ لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ وَالْمَقَادِيرُ تُعْرَفُ بِالتَّوْقِيفِ
( قَوْلُهُ وَكَفَّارَتُهَا ) إفْرَادُ الضَّمِيرِ بِاعْتِبَارِ النَّفْسِ الْمَقْتُولَةِ وَالْأَوْلَى أَنْ يُثَنَّى لِيَظْهَرَ كَوْنُهُ لِلْقَتْلِ خَطَأً وَشِبْهَ عَمْدٍ إلَّا أَنْ يُقَالَ لَمَّا كَانَ شِبْهُ الْعَمْدِ خَطَأً بِالنَّظَرِ إلَى الْقَتْلِ وَإِنْ كَانَ عَمْدًا بِالنَّظَرِ إلَى الضَّرْبِ أُفْرِدَ الضَّمِيرُ لِاتِّحَادِ حُكْمِ الْكَفَّارَةِ فِي الْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ انْتَهَى عَلَى أَنَّ هَذَا أَيْ ذِكْرُ الْكَفَّارَةِ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَا قَدَّمَهُ أَوَّلَ كِتَابِ الْجِنَايَاتِ فَلَا احْتِيَاجَ إلَى إعَادَتِهِ بِمَا لَا مَزِيدَ عَلَيْهِ

( وَالْجَنِينُ ) إذْ لَمْ تُعْرَفْ حَيَاتُهُ وَلَا سَلَامَتُهُ ( وَيَصِحُّ رَضِيعٌ أَحَدُ أَبَوَيْهِ مُسْلِمٌ ) لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ تَبَعًا وَالظَّاهِرُ سَلَامَةُ أَطْرَافِهِ

( { وَدِيَةُ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ الرَّجُلِ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا } ) وَقَدْ وَرَدَ هَذَا اللَّفْظُ مَوْقُوفًا عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَرْفُوعًا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

( وَالذِّمِّيُّ فِيهَا ) أَيْ الدِّيَةِ ( كَالْمُسْلِمِ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { دِيَةُ كُلِّ ذِي عَهْدٍ فِي عَهْدِهِ أَلْفُ دِينَارٍ } وَبِهِ قَضَى أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
قَوْلُهُ وَالذِّمِّيُّ فِيهَا كَالْمُسْلِمِ ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ كِتَابِيًّا أَوْ مَجُوسِيًّا وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ لَيْسَ مِثْلَهُ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْجَوْهَرَةِ عَنْ النِّهَايَةِ فَقَالَ وَلَا دِيَةَ فِي الْمُسْتَأْمَنِ هُوَ الصَّحِيحُ انْتَهَى وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَالْمُسْتَأْمَنُ دِيَتُهُ مِثْلَيْ دِيَةِ الذِّمِّيِّ فِي الصَّحِيحِ لِمَا رَوَيْنَا انْتَهَى فَقَدْ اخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ

( وَفِي النَّفْسِ ) هُوَ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ خَبَرٌ لِقَوْلِهِ الْآتِي دِيَةٌ ( وَالْمَارِنُ وَاللِّسَانُ إنْ مَنَعَ النُّطْقَ أَوْ أَدَاءَ أَكْثَرِ الْحُرُوفِ وَالذَّكَرُ وَالْحَشَفَةُ وَالْعَقْلُ وَالسَّمْعُ وَالْبَصَرُ وَالشَّمُّ وَالذَّوْقُ وَاللِّحْيَةُ إنْ حُلِقَتْ وَلَمْ تَنْبُتْ وَشَعْرُ الرَّأْسِ ) أَيْضًا إنْ حُلِقَ وَلَمْ تَنْبُتْ ( دِيَةٌ ) اعْلَمْ أَنَّ الْجَانِيَ إنْ فَوَّتَ فِي الْأَطْرَافِ جِنْسَ الْمَنْفَعَةِ عَلَى الْكَمَالِ أَوْ زَوَالِ مَا قَصَدَ فِي الْآدَمِيِّ مِنْ كَمَالِ الْجَمَالِ تَجِبُ عَلَيْهِ كُلُّ الدِّيَةِ لِإِتْلَافِهِ النَّفْسَ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ مُلْحَقٌ بِالْإِتْلَافِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ تَعْظِيمًا لِلْآدَمِيِّ أَصْلُهُ { قَضَاءُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالدِّيَةِ كُلِّهَا فِي اللِّسَانِ وَالْأَنْفِ } وَقَدْ قَضَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ بِأَرْبَعِ دِيَاتٍ بِضَرْبَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَعَتْ عَلَى رَأْسِهِ ذَهَبَ بِهَا عَقْلُهُ وَسَمْعُهُ وَبَصَرُهُ وَكَلَامُهُ ( كَذَا كُلُّ مَا فِي الْبَدَنِ اثْنَانِ ) كَالْحَاجِبَيْنِ وَالْعَيْنَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ وَالْيَدَيْنِ وَالشَّفَتَيْنِ وَالْأُذُنَيْنِ وَالِاثْنَيْنِ وَثَدْيَيْ الْمَرْأَةِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ فِي كُلِّ اثْنَيْنِ مِنْهَا دِيَةٌ كَامِلَةٌ .
( وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُهَا ) كَذَا رُوِيَ فِي حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ نِصْفُ الدِّيَةِ } { وَفِيمَا كَتَبَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِي الْعَيْنَيْنِ الدِّيَةُ وَفِي أَحَدِهِمَا نِصْفُ الدِّيَةِ } وَلِأَنَّ فِي تَفْوِيتِ الِاثْنَيْنِ مِنْهَا تَفْوِيتُ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ أَوْ كَمَالِ الْجَمَالِ فَيَجِبُ كَمَالُ الدِّيَةِ وَفِي تَفْوِيتِ أَحَدِهِمَا تَفْوِيتُ النِّصْفِ فَيَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ

( قَوْلُهُ وَالْمَارِنُ ) كَذَا لَوْ قَطَعَهُ مَعَ الْقَصَبَةِ لَا يَزِيدُ عَلَى دِيَةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَالتَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ وَاللِّسَانُ إنْ مَنَعَ النُّطْقَ ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الدِّيَةُ بِلِسَانِ الْأَخْرَسِ وَالْوَاجِبُ فِيهِ مَا قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ أَمَّا لِسَانُ الْأَخْرَسِ فَفِيهِ الْحُكُومَةُ ( قَوْلُهُ أَوْ أَدَاءَ أَكْثَرِ الْحُرُوفِ ) كَذَا فِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ ا هـ .
وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ لَوْ قَدَرَ عَلَى التَّكَلُّمِ بِبَعْضِ الْحُرُوفِ قِيلَ تُقْسَمُ الدِّيَةُ عَلَى عَدَدِ الْحُرُوفِ وَقِيلَ عَلَى عَدَدِ حُرُوفٍ تَتَعَلَّقُ بِاللِّسَانِ فَبِقَدْرِ مَا لَا يَقْدِرُ يَجِبُ وَقِيلَ إنْ قَدَرَ عَلَى أَدَاءِ أَكْثَرِهَا تَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ لِحُصُولِ الْإِفْهَامِ مَعَ الِاخْتِلَالِ وَإِنْ عَجَزَ عَنْ أَدَاءِ الْأَكْثَرِ يَجِبُ كُلُّ الدِّيَةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ مَنْفَعَةُ الْكَلَامِ ا هـ .
وَفِي الْمُحِيطِ مِثْلُ الْهِدَايَةِ ثُمَّ قَالَ وَالْأَصَحُّ هُوَ الْأَوَّلُ انْتَهَى أَيْ قِسْمَةُ الدِّيَةِ عَلَى عَدَدِ الْحُرُوفِ مُطْلَقًا انْتَهَى وَكَذَا قَالَ الْإِمَامُ خُوَاهَرْ زَادَهْ الْأَوَّلُ أَصَحُّ أَيْ قِسْمَتُهَا عَلَى عَدَدِ الْحُرُوفِ وَهِيَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ حَرْفًا انْتَهَى وَلَكِنْ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُقْسَمُ عَلَى عَدَدِ حُرُوفِ اللِّسَانِ وَهِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ حَرْفًا انْتَهَى وَكَذَا قَالَ قَاضِي خَانْ وَإِنْ مَنَعَ بَعْضَ الْكَلَامِ دُونَ الْبَعْضِ تُقْسَمُ دِيَةُ اللِّسَانِ عَلَى الْحُرُوفِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِاللِّسَانِ فَتَجِبُ الدِّيَةُ بِقَدْرِ مَا فَاتَ انْتَهَى ( قَوْلُهُ وَاللِّحْيَةُ إنْ حُلِقَتْ وَلَمْ تَنْبُتْ ) يَعْنِي بَعْدَ تَأْجِيلِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ سَنَةً وَإِنْ مَاتَ قَبْلَ تَمَامِهَا وَلَمْ تَنْبُتْ لَا شَيْءَ عَلَى الْجَانِي وَإِنْ نَبَتَ بَعْضُهَا دُونَ بَعْضٍ فَفِيهِ حُكُومَةٌ وَهَذَا أَيْ لُزُومُ الدِّيَةِ فِي الْحُرِّ غَيْرِ الْكَوْسَجِ وَفِي الْعَبْدِ نُقْصَانُ الْقِيمَةِ عَلَى الظَّاهِرِ وَرَوَى الْحَسَنُ كَمَالَ الْقِيمَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي لِحْيَةِ الْكَوْسَجِ وَالْأَصَحُّ إنْ كَانَ فِي ذَقَنِهِ

شَعَرَاتٌ مَعْدُودَةٌ فَلَيْسَ فِي حَلْقِهِ شَيْءٌ لِأَنَّ وُجُودَهَا يَشِينُهُ وَلَا يَزِينُهُ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى الْخَدِّ وَالذَّقَنِ جَمِيعًا وَلَكِنَّهُ غَيْرُ مُتَّصِلٍ فَفِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَإِنْ كَانَ مُتَّصِلًا فَفِيهِ كَمَالُ الدِّيَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكَوْسَجٍ وَهَذَا إذَا لَمْ تَنْبُتْ كَمَا ذُكِرَ وَإِنْ نَبَتَ حَتَّى اسْتَوَى كَمَا كَانَ لَا يَجِبُ شَيْءٌ وَيُؤَدَّبُ عَلَى ذَلِكَ لِارْتِكَابِهِ الْمُحَرَّمَ فَإِنْ نَبَتَ أَبْيَضَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْحُرِّ وَعِنْدَهُمَا حُكُومَةُ عَدْلٍ كَمَا فِي الْعَبْدِ وَيَسْتَوِي الْعَمْدُ وَالْخَطَأُ فِي حَلْقِ الشَّعْرِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَقَاضِي خَانْ

( وَكَذَا أَشْفَارُ الْعَيْنَيْنِ ) حَيْثُ يَجِبُ فِي كُلِّهَا دِيَةٌ كَامِلَةٌ وَفِي الِاثْنَيْنِ مِنْهَا نِصْفُهَا ( وَفِي أَحَدِهَا ) أَيْ أَحَدِ الْأَشْفَارِ ( رُبْعُهَا ) أَيْ رُبْعُ الدِّيَةِ لِمَا ذُكِرَ
( قَوْلُهُ وَكَذَا شِفَارُ الْعَيْنَيْنِ ) يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْأَشْفَارِ حُرُوفُ الْعَيْنَيْنِ وَهُوَ حَقِيقَةٌ فِيهِ وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ الْأَهْدَابُ تَسْمِيَةً لِلْحَالِّ بِاسْمِ الْمَحَلِّ وَأَيُّهُمَا أُرِيدَ كَانَ مُسْتَقِيمًا لِأَنَّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ دِيَةً كَامِلَةً وَلَوْ قَطَعَ الْجُفُونَ بِأَهْدَابِهَا تَجِبُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ كَالْمَارِنِ مَعَ الْقَصَبَةِ وَالْمُوضِحَةِ مَعَ الشَّعْرِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَإِذَا نَبَتَتْ الْأَهْدَابُ فَلَا شَيْءَ وَلَا قِصَاصَ إنْ لَمْ تَنْبُتْ لِأَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِي الشَّعْرِ وَتَجِبُ الدِّيَةُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَقَدَّمْنَا مِثْلَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ التَّأْجِيلَ وَلَعَلَّهُ كَاللِّحْيَةِ

( وَفِي كُلِّ إصْبَعِ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ عُشْرُهَا ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فِي كُلِّ أُصْبُعٍ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ } ( وَمَا فِيهَا مَفَاصِلُ ) ثَلَاثَةٌ ( فَفِي أَحَدِهَا ثُلُثُ دِيَةِ أُصْبُعٍ ) لِأَنَّهُ ثُلُثُهَا ( وَنِصْفُهَا ) أَيْ نِصْفُ دِيَةِ أُصْبُعٍ ( لَوْ فِيهَا مِفْصَلَانِ ) كَالْإِبْهَامِ لِأَنَّهُ نِصْفُهَا وَهُوَ نَظِيرُ انْقِسَامِ دِيَةِ الْيَدِ عَلَى الْأَصَابِعِ ( كَمَا فِي كُلِّ سِنٍّ ) يَعْنِي يَجِبُ فِي كُلِّ سِنٍّ نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ وَهُوَ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { وَفِي كُلِّ سِنٍّ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ وَمِنْ الدَّرَاهِمِ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ } فَإِنْ قِيلَ لَوْ قُلْنَا بِذَلِكَ يَزِيدُ عَلَى دِيَةٍ وَاحِدَةٍ إذَا أَتْلَفَ كُلَّ الْأَسْنَانِ لِأَنَّهَا فِي الْغَالِبِ اثْنَانِ وَثَلَاثُونَ سِنًّا وَفِي إتْلَافِ كُلِّهَا إتْلَافُ النَّفْسِ مِنْ وَجْهٍ لِتَفْوِيتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ لِأَنَّهَا تَصِيرُ كَالْهَالِكَةِ مَعْنًى وَحُكْمُ الْإِتْلَافِ مِنْ وَجْهٍ لَا يَجُوزُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الْإِتْلَافِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ قُلْنَا هَذَا ثَابِتٌ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ بِالنَّصِّ فَلَا يَرِدُ السُّؤَالُ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا بِخِلَافِ الْقِيَاسِ كَانَ غَيْرَ مَعْقُولِ الْمَعْنَى فَلَا يَجِبُ أَنْ يُذْكَرَ لَهُ وَجْهٌ مَعْقُولٌ وَإِنْ أُرِيدَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ التَّبَرُّعِ فَالْوَجْهُ مَا ذَكَرَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ أَنَّ عَدَدَ الْأَسْنَانِ وَإِنْ كَانَ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ فَالْأَرْبَعَةُ الْأَخِيرَةُ وَهِيَ أَسَاسُ الْحُلُمِ فَلَا تَنْبُتُ لِبَعْضِ النَّاسِ وَقَدْ يَنْبُتُ لِبَعْضِهِمْ بَعْضُهَا وَلِلْبَعْضِ كُلُّهَا فَالْعَدَدُ الْمُتَوَسِّطُ لِلْأَسْنَانِ ثَلَاثُونَ ثُمَّ لِلْأَسْنَانِ مَنْفَعَتَانِ الزِّينَةُ وَالْمَضْغُ فَإِذَا سَقَطَ سِنٌّ بَطَلَ مَنْفَعَتُهَا بِالْكُلِّيَّةِ وَنِصْفُ مَنْفَعَةِ السِّنِّ الَّتِي تُقَابِلُهَا وَهِيَ مَنْفَعَةُ الْمَضْغِ وَإِنْ كَانَ النِّصْفُ الْآخَرُ وَهُوَ الزِّينَةُ بَاقِيًا وَإِذَا كَانَ الْعَدَدُ الْمُتَوَسِّطُ ثَلَاثِينَ فَمَنْفَعَةُ

السِّنِّ الْوَاحِدَةِ ثُلُثُ الْعُشْرِ وَنِصْفُ الْمَنْفَعَةِ سُدُسُ الْعُشْرِ وَمَجْمُوعُهُمَا نِصْفُ الْعُشْرِ
( قَوْلُهُ كَمَا فِي كُلِّ سِنٍّ
إلَخْ ) يَعْنِي سِنَّ الرَّجُلِ وَدِيَةُ سِنِّ الْمَرْأَةِ نِصْفُ دِيَةِ سِنِّ الرَّجُلِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ قَوْلُهُ فَالْوَجْهُ مَا ذَكَرَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ
إلَخْ ) هُوَ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرًا فِي الْجَوَابِ غَيْرَ مُطَّرِدٍ إذْ يُنْتَقَصُ بِقَطْعِ نَحْوِ الْإِبْهَامِ أَوْ الْمُسَبِّحَةِ لِعَدَمِ إيجَابِ الشَّارِعِ أَزْيَدَ مِنْ حِصَّتِهِ مِنْ تَمَامِ دِيَةِ النَّفْسِ وَإِنْ كَانَ جَارَتُهَا مِنْ الْأَصَابِعِ لَا يَحْصُلُ تَمَامُ مَنْفَعَتِهَا إلَّا بِمَا يُجَاوِرُهَا

( وَفِي عُضْوٍ زَالَ نَفْعُهُ بِضَرْبٍ دِيَتُهُ كَيَدٍ شُلَّتْ وَعَيْنٍ عَمِيَتْ وَصُلْبٍ انْقَطَعَ نَسْلُهُ ) لِأَنَّ وُجُوبَ الدِّيَةِ يَتَعَلَّقُ بِتَفْوِيتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ وَلَا عِبْرَةَ لِلصُّورَةِ بِلَا مَنْفَعَةٍ إلَّا إذَا تَجَرَّدَتْ عَنْ الْمَنْفَعَةِ عِنْدَ الْإِتْلَافِ فَحِينَئِذٍ تَجِبُ فِيهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ جَمَالٌ كَالْيَدِ الشَّلَّاءِ أَوْ أَرْشُهُ كَامِلًا إنْ كَانَ فِيهِ ذَلِكَ كَالْأُذُنِ الشَّاخِصَةِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ
( قَوْلُهُ فَانْقَطَعَ نَسْلُهُ ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ قَطْعَ النَّسْلِ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ فَحَقُّ الْعِبَارَةِ أَنْ يُقَالَ فَانْقَطَعَ مَاؤُهُ لِيُدَارَ الْحُكْمُ عَلَى سَبَبِهِ الظَّاهِرِ وَهُوَ نُزُولُ الْمَاءِ وَقَوْلُهُ وَذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ هُوَ لَمْ يَذْكُرْ فَانْقَطَعَ نَسْلُهُ بَلْ فَانْقَطَعَ مَاؤُهُ وَكَذَا قَالَ قَاضِي خَانْ ضُرِبَ عَلَى الظَّهْرِ فَانْقَطَعَ مَاؤُهُ وَعَلَّلَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِقَوْلِهِ لِأَنَّ فِيهِ تَفْوِيتَ مَنْفَعَةٍ كَامِلَةٍ وَهِيَ مَنْفَعَةُ النَّسْلِ انْتَهَى .

( فَصْلٌ ) ( لَا قَوَدَ فِي الشِّجَاجِ إلَّا فِي الْمُوضِحَةِ عَمْدًا ) وَهِيَ الَّتِي تُوضِحُ الْعَظْمَ أَيْ تُبِينُهُ لِإِمْكَانِ اعْتِبَارِ الْمُسَاوَاةِ فِيهَا بِأَنْ يَسِيرَ غَوْرُهَا بِالْمِسْبَارِ ثُمَّ يَتَّخِذَ حَدِيدَةً بِقَدْرِ ذَلِكَ فَيَقْطَعَ بِهَا مِقْدَارَ مَا قُطِعَ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَجِبُ الْقِصَاصُ فِيمَا دُونَهَا أَيْضًا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِإِمْكَانِ اعْتِبَارِ الْمُسَاوَاةِ فِيهِ أَيْضًا مِمَّا ذُكِرَ فِي الْمُوضِحَةِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ( وَفِيهَا خَطَأً نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ وَفِي الْهَاشِمَةِ عُشْرُهَا ) وَهِيَ الَّتِي تَكْسِرُ الْعَظْمَ
( فَصْلٌ فِي الشِّجَاجِ ) ( قَوْلُهُ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَجِبُ الْقِصَاصِ فِيمَا دُونَهَا ) شَامِلٌ لِلسِّمْحَاقِ وَفِيهِ تَسَامُحٌ لَمَّا قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ ذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ إنَّ مَا قَبْلَ الْمُوضِحَةِ فِيهِ الْقِصَاصُ إلَّا فِي السِّمْحَاقِ فَإِنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيهِ إجْمَاعًا لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَشُقَّ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى جِلْدَةٍ رَقِيقَةٍ فَوْقَ الْعَظْمِ وَإِنَّمَا خَصَّ مَا دُونَ الْمُوضِحَةِ بِالْحُكْمِ احْتِرَازًا عَمَّا فَوْقَهَا كَالْهَاشِمَةِ وَالْمُنَقِّلَةِ لِأَنَّهُ لَا قِصَاصَ فِيهِ إجْمَاعًا انْتَهَى ( قَوْلُهُ وَفِيهَا خَطَأً نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ ) يَعْنِي فَيَجِبُ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ إنْ كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ رَجُلًا وَنِصْفُهَا أَيْ الْخَمْسَةِ إنْ كَانَ امْرَأَةً كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ

( وَالْمُنَقِّلَةِ عُشْرُهَا وَنِصْفُ عُشْرِهَا ) وَهِيَ الَّتِي تُنَقِّلُ الْعَظْمَ بَعْدَ الْكَسْرِ ( وَالْآمَّةُ ) وَهِيَ الَّتِي تَصِلُ إلَى أُمِّ الدِّمَاغِ وَهِيَ جِلْدَةٌ رَقِيقَةٌ تَجْمَعُ الدِّمَاغَ وَبَعْدَ الْآمَّةِ شَجَّةٌ تُسَمَّى الدَّامِغَةَ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَهِيَ الَّتِي تَصِلُ إلَى الدِّمَاغِ لَمْ يَذْكُرْهَا مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ لِأَنَّ النَّفْسَ لَا تَبْقَى بَعْدَهَا عَادَةً فَتَكُونُ قَتْلًا لَا مِنْ الشِّجَاجِ وَالْكَلَامُ فِيهَا ( أَوْ الْجَائِفَةُ ) وَهِيَ الَّتِي تَصِلُ إلَى الْجَوْفِ ( ثُلُثُهَا ) كُلُّ ذَلِكَ ثَبَتَ بِالْحَدِيثِ ( وَفِي جَائِفَةٍ نَفَذَتْ ) إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ ( ثُلُثَاهَا ) لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَكَذَا حَكَمَ وَلِأَنَّهُمَا جَائِفَتَانِ ( وَفِي الْحَارِصَةِ ) هُوَ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ خَبَرٌ لِقَوْلِهِ الْآتِي حُكُومَةُ عَدْلٍ وَهِيَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ الَّتِي تَحْرِصُ الْجِلْدَ أَيْ تَخْدِشُهُ وَلَا يَخْرُجُ الدَّمُ ( وَالدَّامِعَةِ ) بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ الَّتِي تُظْهِرُ الدَّمَ وَلَا تُسِيلُهُ بَلْ تَجَمَّعُ فِي مَوْضِعِ الْجِرَاحَةِ كَالدَّمْعِ فِي الْعَيْنِ ( وَالدَّامِيَةِ ) وَهِيَ الَّتِي تُسِيلُ الدَّمَ ( وَالْبَاضِعَةِ ) وَهِيَ الَّتِي تُبْضِعُ الْجِلْدَ أَيْ تَقْطَعُهُ ( وَالْمُتَلَاحِمَةِ ) وَهِيَ الَّتِي تَأْخُذُ فِي اللَّحْمِ وَتَقْطَعُهُ ( وَالسِّمْحَاقِ ) وَهِيَ الَّتِي تَصِلُ إلَى جِلْدَةٍ رَقِيقَةٍ بَيْنَ اللَّحْمِ وَعَظْمِ الرَّأْسِ وَتُسَمَّى سِمْحَاقًا ( حُكُومَةُ عَدْلٍ ) إذْ لَيْسَ فِيهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ شَرْعًا وَلَا يُمْكِنُ إهْدَارُهَا فَيَجِبُ فِيهَا حُكُومَةُ عَدْلٍ وَهُوَ مَأْثُورٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَبَيَّنَ الْحُكُومَةَ بِقَوْلِهِ ( فَيُقَوَّمُ عَبْدًا بِلَا هَذَا الْأَثَرِ ثُمَّ مَعَهُ فَقَدْرُ التَّفَاوُتِ بَيْنَ الْقِيمَتَيْنِ مِنْ الدِّيَةِ هُوَ الْحُكُومَةُ ) فَيُفْرَضُ أَنَّ هَذَا الْحُرَّ عَبْدٌ وَقِيمَتُهُ بِلَا هَذَا الْأَثَرِ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَمَعَهُ تِسْعُمِائَةِ دِرْهَمٍ فَالتَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا مِائَةُ دِرْهَمٍ وَهُوَ عُشْرُ الْأَلْفِ فَيُؤْخَذُ هَذَا

التَّفَاوُتُ مِنْ الدِّيَةِ وَهِيَ عَشْرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ فَعُشْرُهَا أَلْفُ دِرْهَمٍ فَهُوَ حُكُومَةُ الْعَدْلِ ( وَبِهِ يُفْتَى ) احْتِرَازٌ عَمَّا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ يُنْظَرُ فِي مِقْدَارِ هَذِهِ الشَّجَّةِ مِنْ الْمُوضِحَةِ فَتَجِبُ بِقَدْرِ ذَلِكَ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ أَصَحُّ لِأَنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اعْتَبَرَهُ بِهَذَا الطَّرِيقِ فِيمَنْ قَطَعَ طَرَفَ لِسَانِهِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ

( قَوْلُهُ وَالْجَائِفَةُ مَوْضِعُهَا مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَالْعَانَةِ ) كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ ( قَوْلُهُ وَالدَّامِيَةُ وَهِيَ الَّتِي تُسِيلُ الدَّمَ ) كَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ قَالَ وَذَكَرَ الْمَرْغِينَانِيُّ أَنَّ الدَّامِيَةَ وَهِيَ الَّتِي تُدْمَى مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسِيلَ مِنْهَا دَمٌ هُوَ الصَّحِيحُ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ انْتَهَى ( قَوْلُهُ وَالْمُتَلَاحِمَةُ
إلَخْ ) هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَالِاخْتِلَافُ الَّذِي فِي تَفْسِيرِ الشِّجَاج رَاجِعٌ إلَى مَأْخَذِ الِاشْتِقَاقِ لَا الْحُكْمِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَكَذَا قَالَ قَاضِي خَانْ هِيَ الَّتِي تَدُقُّ وَلَا تَقْطَعُ قَوْلُهُ حُكُومَةُ عَدْلٍ ) لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْعَمْدِ وَغَيْرِهِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْكَافِي وَالْوِقَايَةِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَجِبُ الْقِصَاصُ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَكَمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ أَوَّلَ الْفَصْلِ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ ( قَوْلُهُ فَيُفْرَضُ أَنَّ هَذَا الْحُرَّ عَبْدٌ
إلَخْ ) قَالَهُ الطَّحَاوِيُّ ( قَوْلُهُ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ) صَحِيحٌ بِرُجُوعِهِ إلَى قَوْلِهِ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَبِهِ يُفْتَى احْتِرَازٌ
إلَخْ فَلَيْسَ عِبَارَةَ الزَّيْلَعِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ حِكَايَةِ قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّهُ لَوْ اُعْتُبِرَ بِذَلِكَ الطَّرِيقِ فَرُبَّمَا يَكُونُ نُقْصَانُ الْقِيمَةِ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ عُشْرِ الدِّيَةِ فَيُؤَدِّي إلَى أَنْ يُوجِبَ فِي هَذِهِ الشِّجَاجِ وَهُوَ مَا دُونَ الْمُوضِحَةِ أَكْثَرُ مِمَّا أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ فِي الْمُوضِحَةِ وَأَنَّهُ مُحَالٌ بَلْ الصَّحِيحُ الِاعْتِبَارُ بِالْمِقْدَارِ وَقَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ يَنْظُرُ الْمُفْتِي فِي هَذَا إنْ أَمْكَنَهُ الْفَتْوَى بِالثَّانِي بِأَنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ فِي الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ يُفْتِي بِالثَّانِي أَيْ قَوْلِ الْكَرْخِيِّ وَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ عَلَيْهِ ذَلِكَ يُفْتِي بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ أَيْسَرُ قَالَ وَكَانَ الْمَرْغِينَانِيُّ يُفْتِي بِهِ وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَنْظُرُ كَمْ

مِقْدَارُ هَذِهِ الشَّجَّةِ مِنْ أَقَلِّ شَجَّةٍ لَهَا أَرْشٌ مُقَدَّرٌ فَإِنْ كَانَ مِقْدَارُهُ مِثْلَ نِصْفِ شَجَّةٍ لَهَا أَرْشٌ أَوْ ثُلُثُهَا وَجَبَ نِصْفُ أَوْ ثُلُثُ أَرْشِ تِلْكَ الشَّجَّةِ وَإِنْ كَانَ رُبْعًا فَرُبْعٌ ذَكَرَهُ بَعْدَ الْقَوْلَيْنِ فَكَأَنَّهُ جَعَلَهُ قَوْلًا ثَالِثًا وَالْأَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ هَذَا تَفْسِيرًا لِقَوْلِ الْكَرْخِيِّ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ قَوْلُ الْكَرْخِيِّ أَصَحُّ إلَى آخِرِهِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ

( وَفِي أَصَابِعِ يَدٍ بِلَا كَفٍّ وَبِهَا نِصْفُ الدِّيَةِ ) يَعْنِي أَنَّ الْأَرْشَ لَا يَزِيدُ بِسَبَبِ الْكَفِّ لِأَنَّهُ تَابِعٌ بَلْ الْوَاجِبُ فِي كُلِّ أُصْبُعٍ عَشْرٌ مِنْ الْإِبِلِ فَيَكُونُ فِي الْخَمْسَةِ خَمْسُونَ ضَرُورَةً وَهُوَ نِصْفُ الدِّيَةِ ( وَمَعَ نِصْفِ السَّاعِدِ نِصْفُ دِيَةٍ ) لِلْأَصَابِعِ ( وَالْحُكُومَةُ ) السَّاعِدُ ( فِي كَفٍّ فِيهَا أُصْبُعٌ عُشْرُهَا ) لِأُصْبُعٍ ( وَإِنْ كَانَ أُصْبُعَانِ فَخُمُسُهَا ) لِلْأُصْبُعَيْنِ ( وَلَا شَيْءَ فِي الْكَفِّ ) لِمَا مَرَّ ( وَفِي أُصْبُعٍ زَائِدَةٍ ) وَهُوَ وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ خَبَرٌ لِقَوْلِهِ الْآتِي الْحُكُومَةُ
( قَوْلُهُ يَعْنِي أَنَّ الْأَرْشَ لَا يَزِيدُ بِسَبَبِ الْكَفِّ ) هَذَا فِي الثَّلَاثِ فَمَا زَادَ اتِّفَاقًا وَأَمَّا إذَا كَانَ مَعَهُ إصْبَعَانِ أَوْ إصْبَعٌ فَهُوَ تَبَعٌ أَيْضًا عِنْدَهُ وَأَوْجَبَا الْأَكْثَرَ مِنْ الْأَرْشِ وَحُكُومَةَ الْكَفِّ وَأَدْخَلَا الْأَقَلَّ فِي الْأَكْثَرِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ

( وَعَيْنُ صَبِيٍّ وَذَكَرُهُ وَلِسَانُهُ إنْ لَمْ يُعْلَمْ صِحَّتُهُ ) أَيْ صِحَّةُ كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ ( بِمَا دَلَّ عَلَى نَظَرِهِ ) فِي الْعَيْنِ ( وَبِحَرَكَةِ ذَكَرِهِ ) فِي الذَّكَرِ ( وَكَلَامِهِ ) فِي اللِّسَانِ ( الْحُكُومَةُ وَإِنْ عُلِمَتْ ) أَيْ صِحَّتُهُ ( فَالدِّيَةُ ) فَإِنَّ حُكْمَهُ بَعْدَ ذَلِكَ حُكْمُ الْبَالِغِ فِي الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ ( وَدَخَلَ أَرْشُ مُوضِحَةٍ أَذْهَبَتْ عَقْلَهُ أَوْ شَعْرَ رَأْسِهِ فِي الدِّيَةِ ) يَعْنِي إذَا شَجَّ رَجُلًا مُوضِحَةً فَذَهَبَ عَقْلُهُ أَوْ شَعْرُ رَأْسِهِ وَلَمْ يَنْبُتْ دَخَلَ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فِي الدِّيَةِ لِأَنَّ فَوَاتَ الْعَقْلِ يُبْطِلُ مَنْفَعَةَ جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ إذْ لَا يَنْتَفِعُ بِدُونِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَوْضَحَهُ فَمَاتَ وَأَرْشُ الْمُوضِحَةِ يَجِبُ بِفَوَاتِ جُزْءٍ مِنْ الشَّعْرِ حَتَّى لَوْ نَبَتَ الشَّعْرُ سَقَطَ أَرْشُهَا وَالدِّيَةُ وَجَبَتْ بِفَوَاتِ الشَّعْرِ وَقَدْ تَعَلَّقَا جَمِيعًا بِسَبَبٍ وَاحِدٍ وَهُوَ فَوَاتُ الشَّعْرِ فَيَدْخُلُ الْجُزْءُ فِي الْكُلِّ كَمَنْ قَطَعَ أُصْبُعَ رَجُلٍ فَشُلَّتْ بِهِ يَدُهُ ( بِخِلَافِ إذْهَابِ السَّمْعِ أَوْ الْبَصَرِ أَوْ النُّطْقِ ) أَيْ لَوْ شَجَّهُ مُوضِحَةً فَذَهَبَ أَحَدُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَا يَدْخُلُ أَرْشُ الْمُوضِحَةِ فِي أَرْشٍ وَاحِدٍ مِنْهَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا جِنَايَةٌ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَالْمَنْفَعَةُ مُخْتَصَّةٌ بِهِ فَأَشْبَهَ الْأَعْضَاءَ الْمُخْتَلِفَةَ بِخِلَافِ الْعَقْلِ لِأَنَّ نَفْعَهُ عَائِدٌ إلَى جَمِيعِ الْأَعْضَاءِ كَمَا مَرَّ ( طَرِيقُ مَعْرِفَةِ ذَهَابِ السَّمْعِ أَنْ يَتْرُكَ الْمَجْنِيَّ عَلَيْهِ حَتَّى يَغْفُلَ ثُمَّ يُنَادِيَ إنْ أَجَابَ أَوْ الْتَفَتَ عَلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَذْهَبْ ) كَذَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى ( وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ ذَهَابِ الْبَصَرِ أَنْ يُرَى أَهْلَ الْبَصِيرَةِ فَإِنْ قَالُوا بِذَهَابِهِ وَجَبَ الدِّيَةُ وَإِنْ قَالُوا لَا نَدْرِي اُعْتُبِرَ الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارُ ) بِأَنْ يَقُولَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ لِلْجَانِي أَذْهَبْت بَصَرِي فَإِذَا أَنْكَرَ يُطَالِبُ الْمُدَّعِيَ بِالْبَيِّنَةِ فَإِذَا عَجَزَ ( فَيَكُونُ الْقَوْلُ لِلضَّارِبِ مَعَ يَمِينِهِ عَلَى

الْبَتَاتِ دُونَ الْعِلْمِ ) أَيْ يَحْلِفُ بِأَنَّ هَذِهِ الْجِنَايَةَ لَمْ تَصْدُرْ عَنْهُ فَإِنْ نَكَلَ حَكَمَ عَلَيْهِ ذَكَرَهُ فِي الصُّغْرَى أَيْضًا
( قَوْلُهُ طَرِيقُ مَعْرِفَةِ ذَهَابِ السَّمْعِ
إلَخْ ) لَمْ يُبَيِّنْ بَعْدَهُ طَرِيقَ مَعْرِفَةِ ذَهَابِ الشَّمِّ وَالذَّوْقِ وَالْكَلَامِ وَرَأَيْت بِخَطِّ شَيْخِ أُسْتَاذِي الْعَلَّامَةِ عَلِيٍّ الْمَقْدِسِيِّ أَنَّ فِي الْكَلَامِ يَغْرِزُ لِسَانَهُ بِإِبْرَةٍ فَإِنْ خَرَجَ مِنْهُ دَمٌ أَسْوَدُ فَصَادِقٌ وَإِنْ خَرَجَ أَحْمَرُ فَلَا وَفِي الشَّمِّ بِالرَّوَائِحِ الْكَرِيهَةِ ا هـ .
( قُلْت ) وَالذَّوْقُ يُمْكِنُ مَعْرِفَتُهُ بِاسْتِغْفَالِهِ بِإِطْعَامِهِ نَحْوَ حَنْظَلٍ بَعْدَ خُلُوٍّ ( قَوْلُهُ وَطَرِيقُ مَعْرِفَةِ ذَهَابِ الْبَصَرِ
إلَخْ ) هَذَا وَقَالَ قَاضِي خَانْ قَالَ بَعْضُهُمْ إذَا أَخْبَرَ رَجُلَانِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّهُ قَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ يُؤْخَذُ بِقَوْلِهِمَا وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يُقَامُ الْمَضْرُوبُ مُسْتَقْبِلَ الشَّمْسِ مَفْتُوحَ الْعَيْنِ إنْ دَمَعَتْ عَيْنُهُ عُلِمَ أَنَّ بَصَرَهُ قَائِمٌ وَإِنْ لَمْ تَدْمَعْ عُلِمَ أَنَّهُ ذَهَبَ بَصَرُهُ ا هـ .
( قُلْت ) وَيُمْكِنُ اخْتِبَارُهُ بِإِلْقَاءِ حَيَّةٍ مَيِّتَةٍ بَيْنَ يَدَيْهِ غَفْلَةً وَنَحْوَهَا

( لَا قَوَدَ فِي إذْهَابِ عَيْنَيْهِ بَلْ دِيَةُ الْمُوضِحَةِ وَالْعَيْنَيْنِ ) يَعْنِي شَجَّ رَجُلًا مُوضِحَةً فَذَهَبَتْ عَيْنَاهُ فَلَا قِصَاصَ فِيهِ بَلْ تَجِبُ الدِّيَةُ فِيهِمَا لِأَنَّ سِرَايَةَ الْفِعْلِ مَعَ ابْتِدَاءِ الْفِعْلِ كَشَيْءٍ وَاحِدٍ فَإِنَّ السِّرَايَةَ لَا تَنْفَصِلُ عَنْ الْجِنَايَةِ وَقَدْ اتَّحَدَ الْمَحَلُّ مِنْ وَجْهٍ بِوَاسِطَةِ اتِّصَالِ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ آخِرُ الْفِعْلِ مُوجِبًا لِلْقَوَدِ لَا يَكُونُ أَوَّلُهُ مُوجِبًا لَهُ لِأَنَّهُ بِالنَّظَرِ إلَى الِابْتِدَاءِ إنْ كَانَ عَمْدًا فَبِالنَّظَرِ إلَى الِانْتِهَاءِ خَطَأً فَصَارَ خَطَأً مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَلَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلْقَوَدِ لِلشُّبْهَةِ

( وَلَا يُقْطَعُ أُصْبُعٌ شُلَّ جَارُهُ ) لِأَنَّهُ أَيْضًا مِنْ قَبِيلِ السِّرَايَةِ ( بَلْ الدِّيَةُ فِيهِمَا ) لِأَنَّ الْقِصَاصَ لَمَّا سَقَطَ وَجَبَ أَرْشُ كُلٍّ مِنْهُمَا لِكَوْنِهَا عُضْوَيْنِ مُسْتَقِلَّيْنِ ( أَوْ أُصْبُعٌ ) أَيْ لَا قَوَدَ أَيْضًا فِي أُصْبُعٍ ( قُطِعَ مِفْصَلُهُ الْأَعْلَى فَشُلَّ مَا بَقِيَ ) لِأَنَّهُ أَيْضًا مِنْ قَبِيلِ السِّرَايَةِ ( بَلْ دِيَةُ الْمِفْصَلِ ) لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ شَرْعًا ( فَقَطْ ) إنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِمَا بَقِيَ ( وَالْحُكُومَةُ فِيمَا بَقِيَ ) لِانْتِفَاءِ التَّقْدِيرِ الشَّرْعِيِّ فِيهِ ( إنْ انْتَفَعَ بِهِ ) وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ لِكَوْنِهِمَا عُضْوًا وَاحِدًا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ

( قَوْلُهُ بَلْ دِيَةُ الْمِفْصَلِ فَقَطْ إنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِمَا بَقِيَ وَالْحُكُومَةُ فِيمَا بَقِيَ إنْ انْتَفَعَ بِهِ ) سَهْوٌ فَإِنَّهُ أَوْجَبَ الْحُكْمَ مُخَالِفًا لِمَنْقُولِ الْمَذْهَبِ وَلَيْسَ صَحِيحًا فَإِنَّهُ نَقَلَ فِي النِّهَايَةِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إذَا قَطَعَ مِنْ أُصْبُعٍ مِفْصَلًا وَاحِدًا فَشُلَّ الْبَاقِي مِنْ الْأُصْبُعِ أَوْ الْكَفِّ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ وَلَكِنْ تَجِبُ الدِّيَةُ فِيمَا شُلَّ مِنْهُ إنْ كَانَ إصْبَعًا فَدِيَةُ الْإِصْبَعِ وَإِنْ كَانَ كَفًّا فَدِيَةُ الْكَفِّ وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ ا هـ .
وَقَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ مِفْصَلًا مِنْ إصْبَعٍ فَشُلَّ الْبَاقِي أَوْ قَطَعَ الْأَصَابِعَ فَشُلَّتْ الْكَفُّ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِي الْكُلِّ الْأَرْشُ وَيُجْعَلُ كُلُّهُ جِنَايَةً وَاحِدَةً ا هـ فَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَلْ دِيَةُ الْمِفْصَلِ فَقَطْ إنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِمَا بَقِيَ وَالْحُكُومَةُ فِيمَا بَقِيَ إنْ انْتَفَعَ بِهِ لَا يَسْتَقِيمُ ، وَهَذَا أَوَّلُ شَيْءٍ فَتَحَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَيَّ بِهِ كَتَبْته فِي سَنَةِ سِتَّ عَشْرَةَ وَأَلْفٍ فَلَهُ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ ( قَوْلُهُ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ) لَمْ يَذْكُرْهُ الزَّيْلَعِيُّ فَإِنَّ عِبَارَتَهُ وَإِنْ كَانَ عُضْوًا وَاحِدًا بِأَنْ قَطَعَ الْإِصْبَعَ مِنْ الْمِفْصَلِ الْأَعْلَى فَشُلَّ مَا بَقِيَ مِنْهَا يُكْتَفَى بِأَرْشٍ وَاحِدٍ إنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِمَا بَقِيَ وَإِنْ كَانَ يَنْتَفِعُ بِهِ تَجِبُ دِيَةُ الْمَقْطُوعِ وَتَجِبُ حُكُومَةُ عَدْلٍ فِي الْبَاقِي بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا إذَا كَسَرَ نِصْفَ السِّنِّ وَاسْوَدَّ مَا بَقِيَ أَوْ اصْفَرَّ أَوْ احْمَرَّ تَجِبُ دِيَةُ السِّنِّ كُلِّهِ بِالْإِجْمَاعِ ا هـ فَإِنْ قِيلَ لَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَلَامِ الزَّيْلَعِيِّ لِأَنَّ الزَّيْلَعِيَّ قَالَ يُكْتَفَى بِأَرْشٍ وَاحِدٍ إنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِمَا بَقِيَ وَهُوَ مَفْهُومُ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ الَّتِي هِيَ بَلْ دِيَةُ الْمِفْصَلِ فَقَطْ إنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِمَا بَقِيَ ( قُلْت ) قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ يُكْتَفَى بِأَرْشٍ وَاحِدٍ إنْ لَمْ يَنْتَفِعْ بِمَا بَقِيَ الْمُرَادُ بِهِ أَرْشُ إصْبَعٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ

وَكَذَا إذَا كُسِرَ نِصْفُ السِّنِّ
إلَخْ وَأَمَّا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَلْ دِيَةُ الْمِفْصَلِ فَقَطْ فَلَا يُفِيدُ ذَلِكَ بَلْ دِيَةُ الْمِفْصَلِ لَا دِيَةُ بَاقِي الْإِصْبَعِ أَيْضًا لِأَنَّهُ قَابَلَهُ بِقَوْلِهِ وَالْحُكُومَةُ فِيمَا بَقِيَ لِانْتِفَاءِ التَّقْدِيرِ الشَّرْعِيِّ فِيهِ إنْ انْتَفَعَ بِهِ ا هـ .

( وَلَا ) قَوَدَ أَيْضًا ( بِكَسْرِ نِصْفِ سِنٍّ ) أَسْوَدَ بَاقِيهَا أَوْ أَحْمَرَ أَوْ أَخْضَرَ وَدَخَلَهَا عَيْبٌ بِوَجْهٍ مَا ( بَلْ ) يَجِبُ ( كُلُّ دِيَةِ السِّنِّ ) كَذَا فِي الْكَافِي وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ ثُمَّ فِيمَا إذَا اخْضَرَّتْ أَوْ اسْوَدَّتْ أَوْ احْمَرَّتْ إنَّمَا تَجِبُ الدِّيَةُ ( إذَا فَاتَ مَنْفَعَةُ الْمَضْغِ وَإِلَّا فَلَوْ ) كَانَ السِّنُّ ( مِمَّا يُرَى ) حَالَ التَّكَلُّمِ ( تَجِبُ ) الدِّيَةُ ( أَيْضًا ) أَيْ كَمَا فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ ( وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ ) وَعَلَى هَذَا لَا يَبْقَى كَلَامُ الْكَافِي عَلَى إطْلَاقِهِ ( وَاخْتُلِفَ فِي الِاصْفِرَارِ وَالْمُخْتَارُ الدِّيَةُ ) كَمَا فِي سَائِرِ الْأَلْوَانِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ

( أَقَادَ ) يَعْنِي نَزَعَ رَجُلٌ سِنَّ رَجُلٍ فَانْتَزَعَ الْمَنْزُوعُ سِنُّهُ سِنَّ النَّازِعِ ( فَنَبَتَ سِنُّ الْأَوَّلِ أَوْ قَلَعَهَا ) أَيْ قَلَعَ رَجُلٌ سِنَّ رَجُلٍ ( فَرُدَّتْ إلَى مَكَانِهَا وَنَبَتَ عَلَيْهَا اللَّحْمُ وَجَبَ الْأَرْشُ فِي الصُّورَتَيْنِ ) أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِأَنَّهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الِاسْتِيفَاءَ كَانَ بِغَيْرِ حَقٍّ لَكِنْ لَا يَجِبُ الْقِصَاصُ لِلشُّبْهَةِ فَيَجِبُ الْمَالُ لِأَنَّ الْمُوجِبَ فَسَادُ الْمَنْبَتِ وَلَمْ يَفْسُدْ حَيْثُ نَبَتَ مَكَانَهَا أُخْرَى فَانْعَدَمَتْ الْجِنَايَةُ وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ نَبَاتَ اللَّحْمِ لَا اعْتِبَارَ لَهُ لِأَنَّ الْعُرُوقَ لَا تَعُودُ ( وَكَذَا الْأُذُنُ ) يَعْنِي إذَا قَطَعَ أُذُنَهُ فَأَلْصَقَهَا فَالْتَحَمَتْ يَجِبُ الْأَرْشُ لِأَنَّهَا لَا تَعُودُ إلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ ( لَا ) أَيْ لَا يَجِبُ ( الْأَرْشُ إنْ قُلِعَتْ فَنَبَتَتْ أُخْرَى ) لِأَنَّ الْجِنَايَةَ قَدْ زَالَتْ وَلِهَذَا لَوْ قَلَعَ سِنَّ صَبِيٍّ فَنَبَتَ فِي مَكَانِهَا أُخْرَى لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ بِالْإِجْمَاعِ لِعَدَمِ فَسَادِ الْمَنْبَتِ حَيْثُ نَبَتَ مَكَانَهَا أُخْرَى فَلَمْ تَفُتْ الْمَنْفَعَةُ وَلَا الزِّينَةُ ( أَوْ الْتَحَمَ شَجَّةٌ ) يَعْنِي شَجَّ رَجُلًا فَالْتَحَمَتْ وَلَمْ يَبْقَ لَهَا أَثَرٌ وَنَبَتَ الشَّعْرُ سَقَطَ الْأَرْشُ لِزَوَالِ الشَّيْنِ الْمُوجِبِ لَهُ ( أَوْ جَرَحَ بِضَرْبٍ ) يَعْنِي إنْ ضَرَبَ رَجُلًا مِائَةَ سَوْطٍ مَثَلًا فَجَرَحَهُ وَبَرِئَ وَلَمْ يَبْقَ أَثَرٌ سَقَطَ الْأَرْشُ لِزَوَالِ الشَّيْنِ ( وَلَمْ يَبْقَ أَثَرٌ ) قَيْدٌ لِلصُّورَتَيْنِ .

( قَوْلُهُ فَنَبَتَ سِنُّ الْأَوَّلِ ) يَعْنِي كَمَا كَانَ أَمَّا إذَا نَبَتَ مُعْوَجًّا فَعَلَيْهِ حُكُومَةُ عَدْلٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَوْ نَبَتَ إلَى النِّصْفِ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْأَرْشِ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَجَبَ الْأَرْشُ فِي الصُّورَتَيْنِ ) الْمُرَادُ بِالْأَرْشِ فِي الْأُولَى دِيَتُهَا لِمَا فِي الْخَانِيَّةِ أَنَّهُ خَمْسُمِائَةٍ ا هـ .
وَلَعَلَّهُ كَذَلِكَ فِي الثَّانِيَةِ لِمَا فِي التَّبْيِينِ أَنَّهُ عَلَى الْقَاطِعِ كَمَالُ الْأَرْشِ ثُمَّ قَالَ .
وَفِي النِّهَايَةِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا إذَا لَمْ تَعُدْ إلَى حَالِهَا الْأَوَّلِ بَعْدَ النَّبَاتِ فِي الْمَنْفَعَةِ وَالْجَمَالِ وَأَمَّا إذَا عَادَتْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ وَبَرِيءَ وَلَمْ يَبْقَ أَثَرُ سُقُوطِ الْأَرْشِ ) هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ عَلَيْهِ أَرْشُ الْأَلَمِ وَهُوَ حُكُومَةُ عَدْلٍ وَقَالَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الطَّبِيبِ .
وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ فَسَّرَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ عَلَيْهِ أَرْشُ الْأَلَمِ بِأُجْرَةِ الطَّبِيبِ وَالْمُدَاوَاةِ فَعَلَى هَذَا لَا خِلَافَ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ كَذَا فِي التَّبْيِينِ

( صَبِيٌّ ضَرَبَ سِنَّ صَبِيٍّ فَانْتَزَعَهَا يُنْتَظَرُ بُلُوغُ الْمَضْرُوبِ إنْ بَلَغَ وَلَمْ تَنْبُتْ تَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ وَلَوْ مِنْ الْعَجَمِ فَفِي مَالِهِ ) كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْمَعَاقِلِ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ
( قَوْلُهُ ضَرَبَ سِنَّ صَبِيٍّ فَانْتَزَعَهَا يَنْتَظِرُ بُلُوغَ الْمَضْرُوبِ ) قَيَّدَ بِالصَّبِيِّ لِمَا فِي النِّهَايَةِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يُسْتَأْنَى فِي سِنِّ الْبَالِغِ حَتَّى يَبْرَأَ لِأَنَّ نَبَاتَهُ نَادِرٌ وَلَا يُفِيدُ تَأْجِيلُهُ إلَى سَنَةٍ فَيُؤَخَّرُ إلَى الْبُرْءِ لِيَعْلَمَ عَاقِبَتَهُ وَعَزَاهُ إلَى التَّتِمَّةِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ .

( لَطَمَ ) رَجُلٌ ( رَجُلًا فَكَسَرَ بَعْضَ أَسْنَانِهِ يَسْتَحِقُّ ) الْمَضْرُوبُ ( مِنْ الضَّارِبِ ذَلِكَ الْقَدْرَ ) كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَطَرِيقُهُ أَنْ يَبْرُدَ بِالْمِبْرَدِ حَتَّى يَكُونَ سِنُّهُ مِثْلَ سِنِّ الْمَضْرُوبِ فَإِنْ قُلْت هَذَا لَيْسَ بِعَمْدٍ بَلْ شِبْهُهُ وَقَدْ مَرَّ أَنْ لَا قَوَدَ فِيمَا دُونَ الْعَمْدِ قُلْت قَدْ مَرَّ أَيْضًا أَنَّ شِبْهَ الْعَمْدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ عَمْدٌ فَلَا تَغْفُلْ .
( قَوْلُهُ لَطَمَ رَجُلًا فَكَسَرَ بَعْضَ أَسْنَانِهِ ) قَدَّمَ فِي بَابِ الْقَوَدِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ مَا يُغْنِي عَنْهُ وَقَدَّمْنَا تَقْيِيدَ الْقِصَاصِ فِي كَسْرِ بَعْضِ السِّنِّ بِمَا إذَا كَانَ عُرْضًا وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ بَعْدَ مَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْهَا أَنَّهُ إنْ كَانَ كَسْرًا مُسْتَوِيًا يُسْتَطَاعُ فِي مِثْلِهِ الْقِصَاصُ اقْتَصَّ مِنْهُ بِمِبْرَدٍ وَإِنْ كَانَ كَسْرًا مُنْثَلِمًا لَيْسَ بِمُسْتَوٍ بِحَيْثُ لَا يُسْتَطَاعُ أَنْ يُقْتَصَّ مِثْلُهُ فَعَلَيْهِ أَرْشُ ذَلِكَ .
ا هـ .

( لَا يُقَادُ جُرْحٌ إلَّا بَعْدَ بُرْءٍ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { يَسْتَأْنِي فِي الْجِرَاحَاتِ سَنَةً } أَيْ يَنْتَظِرُ وَلِأَنَّ الْجِرَاحَاتِ يُعْتَبَرُ فِيهَا مَآلُهَا لَا حَالُهَا لِاحْتِمَالِ السِّرَايَةِ إلَى النَّفْسِ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ قَتْلٌ وَإِنَّمَا يَسْتَقِرُّ الْأَمْرُ بِالْبُرْءِ ، عَمْدُ الْمَجْنُونَةِ وَالصَّبِيِّ خَطَأٌ ( وَعَلَى عَاقِلَتِهِمَا الدِّيَةُ ) لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ أَنَّهُ جَعَلَ عَقْلَ الْمَجْنُونِ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَقَالَ عَمْدُهُ وَخَطَؤُهُ سَوَاءٌ وَلِأَنَّ الصَّبِيَّ مَظِنَّةُ الْعُذْرِ وَالْعَاقِلُ الْخَاطِئُ لَمَّا اسْتَحَقَّ التَّخْفِيفَ حَتَّى وَجَبَ الدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ فَالصَّبِيُّ وَهُوَ أَعْذَرُ أَوْلَى بِهَذَا التَّخْفِيفِ ( إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ الْعَجَمِ ) وَإِنْ كَانَ مِنْهُمْ فَفِي مَالِهِ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ ( بِلَا كَفَّارَةٍ ) لِأَنَّهَا كَاسْمِهَا سِتَارَةٌ وَلَا ذَنْبَ لَهُمَا تَسْتُرُهُ لِأَنَّهُمَا مَرْفُوعَا الْقَلَمِ ( وَلَا حِرْمَانِ إرْثٍ ) لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ وَهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِهَا
( قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ أَنَّهُ الْمُخْتَارُ ) الضَّمِيرُ لِلِاسْتِثْنَاءِ .

( فَصْلٌ ) ( ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ حُرَّةٍ ) احْتِرَازٌ عَنْ الْأَمَةِ وَسَيَأْتِي حُكْمُهَا ( فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا وَجَبَتْ غُرَّةٌ هِيَ نِصْفُ عُشْرِ دِيَةِ الرَّجُلِ ) وَهُوَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ ( لَوْ ) كَانَ الْجَنِينُ ( ذَكَرًا وَعُشْرُ دِيَةِ الْمَرْأَةِ لَوْ ) كَانَ الْجَنِينُ ( أُنْثَى ) وَهِيَ أَيْضًا خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { فِي الْجَنِينِ غُرَّةُ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ قِيمَتُهُ خَمْسُمِائَةٍ } وَرُوِيَ أَوْ خَمْسُمِائَةٍ فَيَكُونُ الْغُرَّةُ نِصْفَ عُشْرِ الدِّيَةِ إنَّمَا سُمِّيَ الرَّقِيقُ غُرَّةً لِأَنَّهُ غُرَّةُ مَا يَمْلِكُ أَيْ خَيْرُهُ وَأَفْضَلُهُ وَأَطْلَقَ الْغُرَّةَ وَهِيَ الْوَجْهُ عَلَى الْجُمْلَةِ كَمَا قِيلَ رَقَبَةُ كَذَا فِي الْفَائِقِ ( فِي سَنَةٍ ) لِمَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ قَالَ بَلَغَنَا { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي سَنَةٍ } ( وَتُقْسَمُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ سِوَى ضَارِبِهِ ) إنْ كَانَ وَارِثًا لِمَا مَرَّ أَنَّ الْقَاتِلَ لَا يَرِثُ ( وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ ) أَيْ الضَّارِبُ لِأَنَّ فِيهَا مَعْنَى الْعُقُوبَةِ وَقَدْ عَرَفْت أَنَّهَا فِي النُّفُوسِ الْمُطْلَقَةِ فَلَا تَتَعَدَّاهَا ( وَدِيَةٌ ) عُطِفَ عَلَى غُرَّةٍ أَيْ وَفِيهِ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ ( إنْ كَانَ حَيًّا فَمَاتَ ) لِأَنَّهُ أَتْلَفَ حَيًّا بِالضَّرْبِ السَّابِقِ ( وَدِيَتَانِ إنْ كَانَ ) الْمَضْرُوبُ ( جَنِينَيْنِ فَمَاتَا ) لِأَنَّ الْجَزَاءَ يَتَعَدَّدُ بِتَعَدُّدِ الْجِنَايَةِ ( وَغُرَّةٌ وَدِيَةٌ إنْ ) كَانَ الْجَنِينُ ( مَيِّتًا فَمَاتَتْ الْأُمُّ ) الْغُرَّةُ لِلْجَنِينِ وَالدِّيَةُ لِلْأُمِّ ( وَدِيَةُ الْأُمِّ فَقَطْ إنْ مَاتَتْ ) الْأُمُّ ( فَأَلْقَتْ ) جَنِينًا ( مَيِّتًا ) لِأَنَّ مَوْتَ الْأُمِّ سَبَبٌ لِمَوْتِهِ ظَاهِرًا لِأَنَّ حَيَاتَهُ بِحَيَاتِهَا وَتَنَفُّسَهُ بِتَنَفُّسِهَا ( وَدِيَتَانِ إنْ أَلْقَتْ حَيًّا فَمَاتَ ) دِيَةٌ لِلْأُمِّ وَدِيَةٌ لِلْجَنِينِ لِأَنَّهُ قَتَلَهُمَا فَصَارَ كَمَا إذَا أَلْقَتْهُ حَيًّا وَمَاتَا

( فَصْلٌ ) ( قَوْلُهُ جُعِلَ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي سَنَةٍ ) أَيْ قُضِيَ بِالْغُرَّةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي سَنَةٍ لِمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ لَنَا مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ بَلَغْنَا { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالْغُرَّةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي سَنَةٍ }

( وَفِي جَنِينِ الْأَمَةِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ فِي الذَّكَرِ وَعُشْرُ قِيمَتِهِ فِي الْأُنْثَى ) لِأَنَّ الْقِيمَةَ فِي الْأَمَةِ كَالدِّيَةِ فِي الْحُرَّةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ كَوْنُ الْوَاجِبِ فِي الْأُنْثَى أَكْثَرَ مِنْ الْوَاجِبِ فِي الذَّكَرِ فِيمَا إذَا كَانَ قِيمَةُ الْجَارِيَةِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْغُلَامِ لِأَنَّهُ نَادِرٌ وَالْغَالِبُ أَنَّ قِيمَتَهُ تَزِيدُ عَلَى قِيمَتِهَا بِكَثِيرٍ حَتَّى إنْ قُوِّمَتْ جَارِيَةٌ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ يُقَوَّمُ غُلَامُ مِثْلِهَا فِي الصِّفَاتِ الْمَرْغُوبَةِ بِأَلْفَيْ دِرْهَمٍ فَلَا تَلْزَمُ الْأَكْثَرِيَّةُ هَذَا إذَا كَانَ الْجَنِينُ مِنْ غَيْرِ مَوْلَاهَا وَمِنْ غَيْرِ الْمَغْرُورِ وَأَمَّا إذَا كَانَ مِنْ أَحَدِهِمَا فَفِيهِ الْغُرَّةُ الْمَذْكُورَةُ فِي جَنِينِ الْحُرَّةِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى لِأَنَّهُ حُرٌّ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ( فَإِنْ ضُرِبَتْ فَأَعْتَقَ سَيِّدُهَا ) وَقَعَ فِي عِبَارَةِ الْوِقَايَةِ سَيِّدُهُ كَأَنَّهُ سَهْوٌ مِنْ النَّاسِخِ لِأَنَّ الضَّمِيرَ لِلْحَمْلِ وَهُوَ مُؤَخَّرٌ مُطْلَقًا ( حَمْلَهَا فَأَلْقَتْهُ فَمَاتَ وَجَبَ قِيمَتُهُ حَيًّا لَا دِيَتُهُ ) لِأَنَّ قَتْلَهُ بِالضَّرْبِ السَّابِقِ وَهُوَ كَانَ فِي حَالَةِ الرِّقِّ وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِحَالَةِ الرَّمْيِ لَا الْوُصُولِ وَيَلْزَمُ مِنْهُ كَوْنُ الْقِيمَةِ لِلْمَوْلَى لَا مُورِثِهِ

( قَوْلُهُ وَفِي جَنِينِ الْأَمَةِ
إلَخْ ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَمَا يَجِبُ مِنْ الْمَالِ فَهُوَ مِنْ مَالِ الضَّارِبِ حَالًّا وَقِيلَ يُوجِبُ أَبُو يُوسُفَ نَقْصَ قِيمَةِ الْأُمِّ إنْ تَمَكَّنَ فِيهَا نَقَصَ وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ لَا يَجِبُ شَيْءٌ كَالْبَهِيمَةِ ا هـ قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا كَانَ مِنْ أَحَدِهِمَا فَفِيهِ الْغُرَّةُ ) يَعْنِي وَتَكُونُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِمَا تَقَدَّمَ ( قَوْلُهُ وَهُوَ مُؤَخَّرٌ مُطْلَقًا ) أَيْ لَفْظًا وَرُتْبَةً وَلَيْسَ مِنْ الْمُوَضَّحِ الَّتِي اُسْتُثْنِيَتْ مِنْ عَوْدِ الضَّمِيرِ عَلَى مُتَأَخِّرٍ لَفْظًا وَرُتْبَةً وَهَذَا عَلَى النُّسْخَةِ الَّتِي وَقَعَتْ لِلْمُصَنِّفِ وَأَمَّا النُّسْخَةُ الصَّحِيحَةُ مِنْ نُسَخِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ الَّتِي فِيهَا تَأْنِيثُ الضَّمِيرِ فَلَا إشْكَالَ لِأَنَّهَا مِثْلُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ فَأَعْتَقَ سَيِّدُهَا

( وَمَا اسْتَبَانَ بَعْضُهُ كَالتَّامِّ ) أَيْ الْجَنِينُ الَّذِي اسْتَبَانَ بَعْضُ خَلْقِهِ بِمَنْزِلَةِ الْجَنِينِ التَّامِّ ( فِيمَا ذُكِرَ ) مِنْ الْأَحْكَامِ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا ( امْرَأَةٌ أَسْقَطَتْ مَيِّتًا بِدَوَاءٍ أَوْ فِعْلٍ ) كَضَرْبِهَا بَطْنَهَا مَثَلًا ( فَفِيهِ الْغُرَّةُ ) تَجِبُ عَلَى عَاقِلَتِهَا فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ ( إلَّا أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِ الزَّوْجِ ) فَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُ شَيْءٌ ( وَلَوْ أَمَرَتْ امْرَأَةً فَفَعَلَتْ لَا تَضْمَنُ الْمَأْمُورَةُ ) كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ .

( قَوْلُهُ امْرَأَةٌ أَسْقَطَتْ مَيِّتًا بِدَوَاءٍ أَوْ فِعْلٍ ) يَعْنِي عَمْدًا وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا وَفِي حَقِّ غَيْرِهَا لَا يُشْتَرَطُ قَصْدًا إسْقَاطُ الْوَلَدِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ ( قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بِإِذْنِ الزَّوْجِ ) كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ إذَا فَعَلَتْ ذَلِكَ بِإِذْنِ الزَّوْجِ لَا تَجِبُ الْغُرَّةُ لِعَدَمِ التَّعَدِّي .
ا هـ .
وَأَقُولُ هَذَا يَتَمَشَّى عَلَى الرِّوَايَةِ الضَّعِيفَةِ لَا عَلَى الصَّحِيحِ لِمَا قَالَ فِي الْكَافِي قَالَ لِغَيْرِهِ اُقْتُلْنِي فَقَتَلَهُ تَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ فِي الصَّحِيحِ لِأَنَّ الْإِبَاحَةَ لَا تَجْرِي فِي النُّفُوسِ وَسَقَطَ الْقِصَاصُ لِلشُّبْهَةِ بِاعْتِبَارِ الْإِذْنِ فِي رِوَايَةٍ لَا يَجِبُ شَيْءٌ لِأَنَّ نَفْسَهُ حَقُّهُ وَقَدْ أَذِنَ بِإِتْلَافِ حَقِّهِ .
ا هـ .
فَكَذَا الْغُرَّةُ أَوْ دِيَةُ الْجَنِينِ حَقُّهُ غَيْرَ أَنَّ الْإِبَاحَةَ مَنْفِيَّةٌ فَلَا تَسْقُطُ الْغُرَّةُ عَنْ عَاقِلَةِ الْمَرْأَةِ بِمُجَرَّدِ أَمْرِ زَوْجِهَا بِإِتْلَافِ الْجَنِينِ لِأَنَّ أَمْرَهُ لَا يَنْزِلُ عَنْ فِعْلِهِ فَإِنَّهُ إذَا ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَتِهِ فَأَلْقَتْ جَنِينًا لَزِمَ عَاقِلَةً الْغُرَّةُ وَلَا يَرِثُ مِنْهَا صَرَّحَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ فَلَوْ نَظَرْنَا لِكَوْنِ الْغُرَّةِ حَقَّهُ لَمْ يَجِبْ بِضَرْبِهِ شَيْءٌ لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْآدَمِيُّ لَا يَمْلِكُ أَحَدٌ إهْدَارَ آدَمِيَّتِهِ لَزِمَ مَا قَدَّرَهُ الشَّارِعُ بِإِتْلَافِهِ وَاسْتَحَقَّهُ غَيْرُ الْجَانِي أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ أَوْدَعَ عَبْدَهُ صَبِيًّا فَقَتَلَهُ الصَّبِيُّ تَضْمَنُهُ عَاقِلَتُهُ مَعَ كَوْنِهِ مِلْكًا لِمَوْلَاهُ وَقَدْ سُلِّطَ الصَّبِيُّ عَلَى إتْلَافِهِ بِوَضْعِهِ عِنْدَهُ وَلَمْ تُهْدَرْ آدَمِيَّتُهُ بِهِ فَلَزِمَ عَاقِلَتَهُ مُوجِبُ جِنَايَتِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْدَعَ الصَّبِيَّ طَعَامًا فَأَكَلَهُ وَأَتْلَفَهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي تَحْرِيرُهُ بِحَمْدِ اللَّهِ ( قَوْلُهُ وَلَوْ أَمَرَتْ امْرَأَةٌ
إلَخْ ) فِيهِ مَا فِي أَمْرِ الزَّوْجَةِ وَقَدْ عَلِمْته بَلْ اللُّزُومُ هُنَا أَظْهَرُ لِعَدَمِ أَمْرِ الزَّوْجِ وَبُطْلَانِ الْأَمْرِ لَوْ يَكُنْ .

( بَابُ مَا يَحْدُثُ فِي الطَّرِيقِ وَغَيْرِهِ ) ( أَحْدَثَ فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ كَنِيفًا ) وَهُوَ الْمُسْتَرَاحُ ( أَوْ مِيزَابًا ) وَهُوَ مَجْرَى الْمَاءِ ( أَوْ جُرْصُنًا ) وَهُوَ مَجْرَى مَاءٍ يُرَكَّبُ فِي الْحَائِطِ وَقِيلَ جِذْعٌ يُخْرَجُ مِنْ الْحَائِطِ لِيَبْنِيَ عَلَيْهِ ( أَوْ دُكَّانًا جَازَ ) إحْدَاثُهُ ( إنْ لَمْ يَضُرَّ بِهِمْ وَلِكُلٍّ ) مِنْ الْمَارَّةِ ( نَقْضُهُ ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ صَاحِبُ الْحَقِّ بِالْمُرُورِ بِنَفْسِهِ وَبِدَوَابِّهِ فَكَانَ لَهُ حَقُّ النَّقْضِ كَمَا فِي الْمِلْكِ الْمُشْتَرَكِ وَفِي طَرِيقِ الْخَاصَّةِ بِأَنْ يَكُونَ غَيْرَ نَافِذٍ ( لَا ) أَيْ لَا يَجُوزُ إحْدَاثُ شَيْءٍ مِنْهَا ( بِلَا إذْنِ الشُّرَكَاءِ وَإِنْ لَمْ يَضُرَّ ) لِأَنَّهُ كَالْمِلْكِ الْخَاصِّ بِهِمْ ( وَضَمِنَ دِيَةَ مَنْ مَاتَ بِسُقُوطِهَا ) عَلَيْهِ لِأَنَّهُ صَارَ سَبَبًا لِمَوْتِهِ ( كَمَا لَوْ وَضَعَ حَجَرًا أَوْ حَفَرَ بِئْرًا فِي الطَّرِيقِ أَوْ ) فِي ( غَيْرِ مِلْكِهِ فَتَلِفَ بِهِ نَفْسٌ ، وَ ) ضَمِنَ ( قِيمَةَ بَهِيمَةٍ تَلِفَتْ ) بِوَاحِدٍ مِنْ الْمَذْكُورَاتِ ( إنْ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ الْإِمَامُ ) فَإِنَّ الضَّمَانَ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ بِإِحْدَاثِ شَيْءٍ فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ إنَّمَا يَكُونُ إذَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ الْإِمَامُ ( لَا إنْ أَذِنَ أَوْ مَاتَ وَاقِعٌ فِي بِئْرِ طَرِيقٍ جُوعًا أَوْ غُمًّا ) بِضَمِّ الْغَيْنِ الْكُرْبَةُ وَالْمُرَادُ هُنَا اخْتِنَاقٌ مِنْ هَوَاءِ الْبِئْرِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إنْ مَاتَ غُمًّا يَجِبُ الضَّمَانُ لِأَنَّ الْغُمَّ بِسَبَبِ الْوُقُوعِ

( بَابُ مَا يُحْدِثُ الرَّجُلُ فِي الطَّرِيقِ وَغَيْرِهِ ) ( قَوْلُهُ وَلِكُلٍّ مِنْ الْمَارَّةِ نَقْضُهُ ) هَذَا إذَا كَانَ مِمَّنْ يَمْلِكُ التَّصَرُّفَ وَلَوْ بِالْإِذْنِ كَالصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ بِخِلَافِ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِمَا وَكَانَ لَيْسَ لَهُ مِثْلُهُ وَلَمْ يَأْذَنْ الْإِمَامُ لَهُ بِإِحْدَاثِهِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ كَالْمِلْكِ الْخَاصِّ بِهِمْ ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُمْ كَمَا هِيَ عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ ( قَوْلُهُ وَضَمِنَ دِيَةَ مَنْ مَاتَ بِسُقُوطِهَا ) يَعْنِي مَعَ عَاقِلَتِهِ لَا عَلَيْهِ وَحْدَهُ وَهَذَا إذَا أَصَابَهُ الطَّرَفُ الْخَارِجُ لِأَنَّ بِهِ التَّعَدِّيَ لَا الدَّاخِلَ وَلَوْ أَصَابَاهُ وَعَلِمَ ذَلِكَ وَجَبَ النِّصْفُ وَهُدِرَ النِّصْفُ وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ فَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجِبُ شَيْءٌ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَضْمَنُ النِّصْفَ وَبَقِيَّةُ تَفَارِيعِ الْمَسْأَلَةِ مِنْ إذْنِ الْفُعَلَاءِ بِالْبِنَاءِ وَغَيْرِهِ فِي التَّبْيِينِ وَالْهِدَايَةِ فَلْيُرَاجَعْ ( قَوْلُهُ وَضَمِنَ قِيمَةَ بَهِيمَةٍ ) أَيْ فِي مَالِهِ خَاصَّةً قَوْلُهُ لَا إنْ أَذِنَ ) مَعْطُوفٌ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدَهُ أَوْ مَاتَ وَاقِعٌ فِي بِئْرِ طَرِيقٍ جُوعًا وَقَيَّدَ بِالْجُوعِ لَا لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الْعَطَشِ لِأَنَّهُ مِثْلُهُ بَلْ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَا يَمُوتُ فِي الْبِئْرِ عَطَشًا ( قَوْلُهُ أَوْ غُمًّا بِضَمِّ الْغَيْنِ الْكُرْبَةُ ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ النَّفَسُ مَأْخُوذًا مِنْ الْحُرِّ نَصَبَهُ عَلَى الْحَالِيَّةِ أَوْ التَّمْيِيزِ أَوْ مَفْعُولٍ لَهُ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ
إلَخْ ) لَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَهُ يَضْمَنُ فِي الْوُجُوهِ كُلِّهَا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ

( نَحَّى حَجَرًا وَضَعَهُ آخَرُ ) فَعَطِبَ بِهِ رَجُلٌ ضَمِنَ الْمُنَحِّي لِأَنَّ فِعْلَ الْأَوَّلِ انْتَسَخَ بِفِعْلِهِ فَالضَّمَانُ عَلَيْهِ ( كَمَنْ حَمَلَ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ ظَهْرِهِ شَيْئًا فِي الطَّرِيقِ فَسَقَطَ ) شَيْءٌ مِنْهُمَا عَلَى آخَرَ فَتَلِفَ بِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ ( أَوْ أَدْخَلَ حَصِيرًا أَوْ قِنْدِيلًا أَوْ حَصَاةً فِي مَسْجِدِ غَيْرِهِ ) فَسَقَطَ شَيْءٌ مِنْهَا فَتَلِفَ بِهِ إنْسَانٌ ضَمِنَ قَيَّدَ بِمَسْجِدِ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مَسْجِدُ حَيِّهِ لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَسْجِدِ لِأَهْلِهِ لَا غَيْرِهِمْ كَنَصْبِ الْإِمَامِ وَاخْتِيَارِ الْمُتَوَلِّي وَنَحْوِ ذَلِكَ فَكَانَ فِعْلُهُمْ مُبَاحًا مُطْلَقًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ وَفِعْلُ غَيْرِهِمْ تَعَدِّيًا أَوْ مُبَاحًا مُقَيَّدًا بِشَرْطِ السَّلَامَةِ ( أَوْ جَلَسَ فِي مَسْجِدٍ ) سَوَاءٌ كَانَ مَسْجِدَ حَيِّهِ أَوْ مَسْجِدَ غَيْرِهِ حَالَ كَوْنِهِ ( غَيْرَ مُصَلٍّ فَعَطِبَ بِهِ أَحَدٌ ) بِأَنْ سَقَطَ عَلَيْهِ أَعْمَى فَتَلِفَ يَضْمَنُ قَيَّدَ بِكَوْنِهِ غَيْرَ مُصَلٍّ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُصَلِّيًا سَوَاءٌ صَلَّى الْفَرْضَ أَوْ النَّفَلَ لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ إنَّمَا بُنِيَ لِلصَّلَاةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُصَلِّيًا سَوَاءٌ جَلَسَ لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ لِلتَّعْلِيمِ أَوْ لِلصَّلَاةِ أَوْ نَامَ فِيهِ أَثْنَاءَ الصَّلَاةِ ضَمِنَ ( لَا ) أَيْ لَا يَضْمَنُ ( مَنْ سَقَطَ مِنْهُ رِدَاءٌ لَبِسَهُ ) عَلَى إنْسَانٍ فَعَطِبَ بِهِ قَيَّدَ بِاللُّبْسِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ حَامِلًا لَهُ فَسَقَطَ عَلَى إنْسَانٍ فَعَطِبَ بِهِ أَوْ سَقَطَ فَعَثَرَ بِهِ إنْسَانٌ ضَمِنَ وَالْفَرْقُ أَنَّ حَامِلَ الشَّيْءِ يَقْصِدُ حِفْظَهُ فَلَا حَرَجَ فِي التَّقْيِيدِ بِوَصْفِ السَّلَامَةِ بِخِلَافِ اللَّابِسِ فَلَوْ قُيِّدَ بِمَا ذُكِرَ لَزِمَ الْحَرَجُ فَجُعِلَ مُبَاحًا مُطْلَقًا

( قَوْلُهُ فَعَطِبَ بِهِ رَجُلٌ ) يَعْنِي أَوْ مَالٌ ( قَوْلُهُ فَسَقَطَ شَيْءٌ مِنْهَا عَلَى آخَرَ فَتَلِفَ بِهِ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ ) وَكَذَا لَوْ تَعَثَّرَ بِهِ بَعْدَ الْوُقُوعِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ أَوْ أَدْخَلَ حَصِيرًا أَوْ قِنْدِيلًا
إلَخْ ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَهُمَا لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَبِقَوْلِهِمَا يُفْتَى ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِلَا إذْنِ أَهْلِ الْمَسْجِدِ أَمَّا لَوْ كَانَ بِإِذْنِهِمْ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا كَمَا لَوْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَعَلَّقَ الْقِنْدِيلَ لِلْإِضَاءَةِ أَمَّا لَوْ عَلَّقَهُ لِلْحِفْظِ فَيَضْمَنُ اتِّفَاقًا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ ( قَوْلُهُ أَوْ جَلَسَ فِي مَسْجِدٍ غَيْرِ مُصَلٍّ
إلَخْ ) قَالَ قَاضِي خَانْ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّمَا يَضْمَنُ إذَا كَانَ الْجَالِسُ مَشْغُولًا بِعَمَلٍ لَا يُكْرَهُ فِي الْمَسْجِدِ كَدَرْسِ الْفِقْهِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ وَأَمَّا إذَا كَانَ مُعْتَكِفًا أَوْ كَانَ جَالِسًا لِانْتِظَارِ الصَّلَاةِ لَا يَكُونُ ضَامِنًا عِنْدَ الْكُلِّ ا هـ .
وَفِي التَّبْيِينِ وَإِنْ جَلَسَ فِيهِ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَعَطِبَ بِهِ أَحَدٌ ضَمِنَ إنْ كَانَ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ فِيهَا لَا وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَا يَضْمَنُ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَلَوْ كَانَ جَالِسًا لِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ أَوْ لِلتَّعْلِيمِ أَوْ لِلصَّلَاةِ أَوْ نَامَ فِيهِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ غَيْرِهَا أَوْ مَرَّ فِيهِ أَوْ قَعَدَ فِيهِ لِلْحَدِيثِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ ثُمَّ قَالَ وَذَكَرَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ أَنَّ الْأَظْهَرَ مَا قَالَاهُ لِأَنَّ الْجُلُوسَ مِنْ ضَرُورَاتِ الصَّلَاةِ فَيَكُونُ مُلْحَقًا بِهَا لِأَنَّ مَا ثَبَتَ ضَرُورَةً لِشَيْءٍ يَكُونُ حُكْمُهُ كَحُكْمِهِ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُصَلِّيًا
إلَخْ ) قَدْ عَلِمْت أَنَّهُ قَوْلُ الْإِمَامِ أَنَّ الْأَظْهَرَ مَا قَالَاهُ مِنْ عَدَمِ الضَّمَانِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَصَاحِبُ الْبُرْهَانِ

الصَّحِيحُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَقَوْلِهِمَا أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْمُنْتَظِرِ لِلصَّلَاةِ نَصَّ عَلَيْهِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ

( وَضَمِنَ ذُو حَائِطٍ مَالَ إلَى طَرِيقِ الْعَامَّةِ وَطَلَبَ نَقْضَهُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ ) رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ حُرٌّ أَوْ مُكَاتَبٌ لِأَنَّ النَّاسَ فِي الْمُرُورِ فِي الطَّرِيقِ شُرَكَاءُ وَطَرِيقُ الطَّلَبِ أَنْ يَقُولَ إنِّي تَقَدَّمْت إلَى هَذَا الرَّجُلِ لِهَدْمِ حَائِطِهِ وَهَذَا الْقَدْرُ يَكْفِي وَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِشْهَادِ وَذَكَرَهُ فِي الْكُتُبِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْإِثْبَاتِ عِنْدَ الْإِنْكَارِ ( مِمَّنْ ) مُتَعَلِّقٌ بِطَلَبَ ( يَمْلِكُهُ ) أَيْ النَّقْضَ ( كَالرَّاهِنِ ) لِلْحَائِطِ فَإِنَّهُ ( يَمْلِكُهُ بِفَكِّهِ ) أَيْ بِفَكِّ الرَّهْنِ وَإِرْجَاعِ الْمَرْهُونِ إلَى يَدِهِ ( وَأَبُ الطِّفْلِ وَالْوَصِيُّ ) فَإِنَّ لَهُمَا وِلَايَةَ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الصَّبِيِّ ( وَالْمُكَاتَبُ ) لِأَنَّهُ مَالِكٌ يَدًا فَوِلَايَةُ النَّقْضِ لَهُ ( وَالْعَبْدُ التَّاجِرُ ) وَلَوْ مَدْيُونًا لِأَنَّ وِلَايَةَ النَّقْضِ لَهُ ثُمَّ مَا تَلِفَ بِالسُّقُوطِ إنْ كَانَ مَالًا فَهُوَ فِي رَقَبَتِهِ وَإِنْ كَانَ نَفْسًا فَعَلَى عَاقِلَةِ الْمَوْلَى لَوْ لَهُ عَاقِلَةٌ لِأَنَّ الْإِشْهَادَ مِنْ وَجْهٍ عَلَى الْمَوْلَى وَضَمَانُ الْمَالِ أَلْيَقُ بِالْعَبْدِ وَضَمَانُ النَّفْسِ بِالْمَوْلَى ( فَلَمْ يَنْقُضْ ) مَنْ يَمْلِكُهُ ( فِي مُدَّةٍ يُمْكِنُ ) أَيْ نَقْضُهُ ( فِيهَا ) أَيْ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ ( مَالًا ) مَفْعُولُ ضَمِنَ ( وَعَاقِلَتُهُ ) عُطِفَ عَلَى ضَمِيرِ ضَمِنَ وَجَازَ لِلْفَصْلِ ( نَفْسًا ) مَفْعُولُ ضَمِنَ الْمُقَدَّرُ ( تَلَفَا ) أَيْ الْمَالُ وَالنَّفْسُ ( بِهِ ) أَيْ بِذَلِكَ الْحَائِطِ ( لَا ) أَيْ لَا يَضْمَنُ ( مَنْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ فَبَاعَ دَارِهِ وَقَبَضَهُ الْمُشْتَرِي أَوَّلًا ) كَذَا فِي الْكَافِي وَلَيْسَ فِي الْهِدَايَةِ لَفْظُ أَوَّلًا ( فَسَقَطَ ) الْحَائِطُ بَعْدَ الْبَيْعِ فَتَلِفَ بِهِ مَالٌ أَوْ نَفْسٌ وَإِنَّمَا لَمْ يَضْمَنْ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ بِتَرْكِ الْهَدْمِ مَعَ تَمَكُّنِهِ وَقَدْ زَالَ بِالْبَيْعِ بِخِلَافِ إشْرَاعِ الْجُنَاحِ لِأَنَّهُ كَانَ جَانِيًا بِالْوَضْعِ وَلَمْ يَنْفَسِخْ بِالْبَيْعِ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي إذْ لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُشْهِدَ عَلَيْهِ بَعْدَ شِرَائِهِ فَحِينَئِذٍ

يَضْمَنُ لِتَرْكِهِ التَّفْرِيغَ مَعَ تَمَكُّنِهِ بَعْدَ الطَّلَبِ ( أَوْ طَلَبَ مِمَّنْ لَا يَمْلِكُ نَقْضَهُ ) أَيْ لَا يَضْمَنُ مَنْ لَا يَمْلِكُ نَقْضَهُ وَإِنْ طَلَبَ مِنْهُ ( كَالْمُرْتَهِنِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْمُودِعِ وَالسَّاكِنِ ) لِعَدَمِ قُدْرَتِهِمْ عَلَى التَّصَرُّفِ ( مَالَ ) الْحَائِطُ ( إلَى دَارِ رَجُلٍ فَلَهُ الطَّلَبُ ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ ( فَيَصِحُّ تَأْجِيلُهُ وَإِبْرَاؤُهُ مِنْهَا ) أَيْ مِنْ الْجِنَايَةِ ( لَا إنْ مَالَ إلَى الطَّرِيقِ فَأَجَّلَهُ الْقَاضِي أَوْ الطَّالِبُ ) لِأَنَّهُ حَقُّ الْعَامَّةِ فَلَا يَجُوزُ لَهُمَا إبْطَالُهُ ( وَإِنْ بُنِيَ مَائِلًا بَدْءًا ضَمِنَ بِلَا طَلَبٍ كَمَا فِي إشْرَاعِ الْجُنَاحِ ) وَهُوَ إخْرَاجُ الْجُذُوعِ مِنْ الْجِدَارِ إلَى الطَّرِيقِ وَالْبِنَاءِ عَلَيْهِ ( وَنَحْوُهُ ) كَالْكَنِيفِ مَثَلًا
( قَوْلُهُ وَطَلَبَ نَقْضَهُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ
إلَخْ ) يَعْنِي مِنْ أَهْلِ الطَّلَبِ فَخَرَجَ الْعَبْدُ وَالصَّبِيُّ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْمُطَالَبَةِ بِحَقِّهِمَا فَكَذَا بِحَقِّ الْعَامَّةِ إلَّا إنْ أَذِنَ لَهُمَا فِي الْخُصُومَةِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ وَالْمُكَاتَبُ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ إنْ تَلِفَ حَالَ بَقَاءِ الْكِتَابَةِ تَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِتَعَذُّرِ الدَّفْعِ وَبَعْدَ عِتْقِهِ عَلَى عَاقِلَةِ الْمَوْلَى وَبَعْدَ الْعَجْزِ لَا تَجِبُ عَلَى أَحَدٍ لِعَدَمِ قُدْرَةِ الْمُكَاتَبِ وَعَدَمِ الْإِشْهَادِ عَلَى الْمَوْلَى قَوْلُهُ وَعَاقِلَتَهُ عُطِفَ عَلَى ضَمِيرِ ضَمِنَ ) الصَّوَابُ أَنَّهُ عُطِفَ عَلَى ذُو حَائِطٍ وَلَيْسَ فِيهِ ضَمِيرٌ لِكَوْنِهِ عَامِلًا فِي ظَاهِرٍ

( حَائِطٌ لِخَمْسَةٍ طُلِبَ نَقْضُهُ مِنْ أَحَدِهِمْ وَسَقَطَ عَلَى رَجُلٍ ) فَعَطِبَ بِهِ ( ضَمِنَ عَاقِلَتُهُ ) أَيْ عَاقِلَةُ الْمَطْلُوبِ مِنْهُ ( خُمُسَ الدِّيَةِ ) لِأَنَّ الطَّلَبَ صَحَّ فِي الْخُمُسِ فَيَكُونُ مُتَعَدِّيًا فَإِنْ قِيلَ الْوَاحِدُ مِنْ الشُّرَكَاءِ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَهْدِمَ شَيْئًا مِنْ الْحَائِطِ فَكَيْفَ يَصِحُّ الطَّلَبُ مِنْهُ قُلْنَا إنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ هَدْمِ نَصِيبِهِ يَتَمَكَّنُ مِنْ إصْلَاحِهِ بِوَجْهٍ وَهُوَ الْمُرَافَعَةُ إلَى الْحُكَّامِ وَبِهِ يَحْصُلُ الْغَرَضُ فَإِنْ تَرَكَ ضَمِنَ الْعَاقِلَةُ ( كَمَا ضَمِنُوا ) أَيْ الْعَاقِلَةُ ( ثُلُثَيْهَا إنْ حَفَرَ أَحَدُ ثَلَاثَةٍ فِي دَارِهِمْ بِئْرًا أَوْ بَنَى حَائِطًا ) فَعَطِبَ بِهِ إنْسَانٌ لِأَنَّ الْحَافِرَ وَالْبَانِيَ فِي الثُّلُثَيْنِ مُتَعَدٍّ .

( بَابُ جِنَايَةِ الْبَهِيمَةِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهَا ) الْأَصْلُ أَنَّ الْمُرُورَ فِي طَرِيقِ الْمُسْلِمِينَ مُبَاحٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي حَقِّهِ مِنْ وَجْهٍ وَفِي حَقِّ غَيْرِهِ مِنْ وَجْهٍ لِكَوْنِهِ مُشْتَرَكًا بَيْنَ كُلِّ النَّاسِ فَقُلْنَا بِالْإِبَاحَةِ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ لِيَعْتَدِلَ النَّظَرُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِيمَا يُمْكِنُ الِاعْتِرَاضُ عَنْهُ لَا فِيمَا لَا يُمْكِنُ لِأَنَّ تَقْيِيدَهُ بِهَا مُطْلَقًا يُؤَدِّي إلَى الْمَنْعِ مِنْ التَّصَرُّفِ وَسَدِّ بَابِهِ وَهُوَ مَفْتُوحٌ إذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَنَقُولُ ( ضَمِنَ الرَّاكِبُ فِي طَرِيقِ الْعَامَّةِ مَا وَطِئَتْ دَابَّتُهُ وَمَا أَصَابَتْ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا أَوْ رَأْسِهَا أَوْ كَدَمَتْ ) أَيْ عَضَّتْ بِمُقَدَّمِ أَسْنَانِهَا ( أَوْ خَبَطَتْ ) أَيْ ضَرَبَتْ ( بِيَدِهَا أَوْ صَدَمَتْ ) أَيْ ضَرَبَتْ بِنَفْسِهَا شَيْئًا يُقَالُ اصْطَدَمَ الْفَارِسَانِ إذَا ضَرَبَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ بِنَفْسِهِ فَإِنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُمْكِنٌ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ ضَرُورَاتِ السَّيْرِ فَقُيِّدَ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ عَنْهَا ( فَلَوْ حَدَثَتْ ) هَذِهِ الْأَشْيَاءُ ( فِي السَّيْرِ فِي مِلْكِهِ لَمْ يَضْمَنْ ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَدٍّ ( إلَّا فِي الْوَطْءِ ) وَهُوَ رَاكِبُهَا لِأَنَّ الْإِيطَاءَ مُبَاشَرَةٌ لِأَنَّهُ قَتَلَهُ بِثِقَلِهِ حَتَّى يُحْرَمَ الْمِيرَاثَ وَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ وَغَيْرُهُ بِسَبَبٍ وَفِيهِ يُشْتَرَطُ التَّعَدِّي فَصَارَ كَحَفْرِ الْبِئْرِ فِي مِلْكِهِ وَفِي الْمُبَاشَرَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ ( وَلَوْ ) حَدَثَتْ ( فِي السَّيْرِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ فَلَوْ ) كَانَ سَيْرُهُ ( بِإِذْنِهِ ) أَيْ بِإِذْنِ الْغَيْرِ ( كَانَ ذَلِكَ الْمِلْكُ كَمِلْكِهِ ) وَالسَّيْرُ فِيهِ كَالسَّيْرِ فِي مِلْكِهِ حَيْثُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِإِذْنِهِ ( ضَمِنَ مَا تَلِفَ مُطْلَقًا ) لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ ( لَا مَا نَفَحَتْ ) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ مَا وَطِئَتْ دَابَّتُهُ نَفْحُ الدَّابَّةِ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ ضَرْبُهَا بِحَدِّ حَافِرِهَا أَيْ لَا يَضْمَنُ مَا نَفَحَتْ ( بِرِجْلِهَا أَوْ ذَنَبِهَا سَائِرَةً ) إذْ

لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا مَعَ سَيْرِهَا حَتَّى لَوْ وَافَقَهَا فِي الطَّرِيقِ ضَمِنَ لِإِمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْ الْإِيقَافِ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ عَنْ النَّفْحَةِ فَصَارَ مُتَعَدِّيًا بِالْإِيقَافِ ( أَوْ عَطِبَ بِمَا رَاثَتْ أَوْ بَالَتْ فِي الطَّرِيقِ سَائِرَةً ) فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ أَيْضًا لِمَا مَرَّ مِنْ امْتِنَاعِ الِاحْتِرَازِ أَوْ أَوْقَفَهَا لَهُ فَإِنَّ بَعْضَ الدَّوَابِّ لَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إلَّا بَعْدَ الْوُقُوفِ ( فَلَوْ أَوْقَفَهَا لِغَيْرِهِ ضَمِنَ ) لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْإِيقَافِ ( إلَّا ) أَنْ يَكُونَ الْإِيقَافُ ( فِي مَوْضِعٍ أَذِنَ ) مِنْ قِبَلِ الْإِمَامِ ( بِإِيقَافِهَا فِيهِ ) فَحِينَئِذٍ لَا يَضْمَنُ لِعَدَمِ التَّعَدِّي ( وَإِنْ أَصَابَتْ بِيَدِهَا أَوْ رِجْلِهَا حَصَاةٌ أَوْ نَوَاةً أَوْ أَثَارَتْ غُبَارًا أَوْ حَجَرًا صَغِيرًا فَفَقَأَ عَيْنًا أَوْ أَفْسَدَ ثَوْبًا لَا يَضْمَنُ ) لِتَعَذُّرِ الِاحْتِرَازِ ( وَبِالْكَبِيرِ يَضْمَنُ ) لِإِمْكَانِ الِاحْتِرَازِ ( ضَمِنَ السَّائِقُ ) لِلدَّابَّةِ ( وَالْقَائِدُ لَهَا مَا أَصَابَتْ بِيَدِهَا لَا بِرِجْلِهَا ) أَيْ فِي كُلِّ صُورَةٍ يَضْمَنُ فِيهَا الرَّاكِبُ يَضْمَنُ فِيهَا السَّائِقُ وَالْقَائِدُ لِأَنَّهُمَا مُسَبَّبَانِ كَالرَّاكِبِ فِي غَيْرِ الْإِيطَاءِ فَيَجِبُ فِيهَا الضَّمَانُ بِالتَّعَدِّي كَالرَّاكِبِ وَهَذَا الْحُكْمُ مُطَّرِدٌ وَمُنْعَكِسٌ فِي الصَّحِيحِ وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّ السَّائِقَ يَضْمَنُ النَّفْحَةَ بِالرِّجْلِ لِأَنَّهُمَا بِمَرْأَى عَيْنِهِ فَيُمْكِنُهُ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا مَعَ السَّيْرِ وَغَائِبَةٌ عَنْ بَصَرِ الرَّاكِبِ وَالْقَائِدِ فَلَا يُمْكِنُهُمَا الِاحْتِرَازُ عَنْهَا وَعَلَيْهِ بَعْضُ الْمَشَايِخِ وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى الْأَوَّلِ ( وَعَلَيْهِ ) أَيْ الرَّاكِبِ ( الْكَفَّارَةُ ) لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ وَهِيَ حُكْمُ الْمُبَاشَرَةِ ( وَلَا يَرِثُ ) إنْ كَانَ الْمَقْتُولُ مُورِثَهُ ( لِذَلِكَ أَيْضًا بِخِلَافِهِمَا ) أَيْ السَّائِقِ وَالْقَائِدِ حَيْثُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِمَا وَيَرِثَانِ لِأَنَّهُمَا مُسَبَّبَانِ وَالْكَفَّارَةُ وَحِرْمَانُ الْإِرْثِ لَيْسَا مِنْ أَحْكَامِ التَّسْبِيبِ

( بَابُ جِنَايَةِ الْبَهِيمَةِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهَا ) ( قَوْلُهُ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِإِذْنِهِ ضَمِنَ مَا تَلِفَ مُطْلَقًا ) أَيْ إذَا كَانَ مَعَهَا كَمَا هُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَوْ أَدْخَلَهَا وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا وَلَمْ يُدْخِلْهَا لَا يَضْمَنُ شَيْئًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ قَوْلُهُ وَإِنْ أَصَابَتْ بِيَدِهَا
إلَخْ ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَالرَّاكِبُ وَالرَّدِيفُ وَالسَّائِقُ وَالْقَاعِدُ فِي الضَّمَانِ سَوَاءٌ ( قَوْلُهُ ضَمِنَ السَّائِقُ لِلدَّابَّةِ وَالْقَائِدُ مَا أَصَابَتْ بِيَدِهَا لَا رِجْلِهَا ) الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ لَا رِجْلِهَا النَّفْحَةُ بِهَا لَا وَطْؤُهَا بِهَا لِقَوْلِهِ كُلُّ صُورَةٍ فِيهَا الرَّاكِبُ يَضْمَنُ فِيهَا السَّائِقُ وَالْقَائِدُ ( قَوْلُهُ فَيَجِبُ فِيهَا الضَّمَانُ بِالتَّعَدِّي ) يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْعِبَارَةُ فَيَجِبُ عَلَيْهِمَا ( قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ بَعْضُ الْمَشَايِخِ ) يَعْنِي مَشَايِخَ الْعِرَاقِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى الْأَوَّلِ ) قَالَ الشَّيْخُ أَكْمَلُ الدِّينِ يُرِيدُ مَشَايِخَ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ فَمُحَصَّلُهُ أَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْقَائِدِ فِي النَّفْحَةِ اتِّفَاقًا وَخَالَفَ الْقُدُورِيُّ فِي السَّائِقِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ كَالْقَائِدِ كَمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ وَفِي الْمَوَاهِبِ وَالْجَوْهَرَةِ أَنَّهُ الْأَصَحُّ ( قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ أَيْ الرَّاكِبُ الْكَفَّارَةُ
إلَخْ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَمُرَادُهُ فِي الْإِيطَاءِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِلَأَنَّهُ مُبَاشِرٌ

( ضَمِنَ عَاقِلَةُ كُلِّ حُرٍّ فَارِسٍ أَوْ رَاجِلٍ ) ذَكَرَ الرَّاجِلَ فِي الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ ( دِيَةُ الْآخَرِ إنْ اصْطَدَمَا ) وَقَدْ مَرَّ مَعْنَى الِاصْطِدَامِ ( وَمَاتَا وَلَمْ يَكُونَا مِنْ الْعَجَمِ ) حَتَّى لَوْ كَانَا مِنْهُمْ وَجَبَ الدِّيَةُ فِي مَالِهِمْ كَمَا مَرَّ مِرَارًا ( أَوْ كَانَ ) أَيْ الِاصْطِدَامُ ( خَطَأً ) لِأَنَّ مَوْتَ كُلٍّ مِنْهُمَا مُضَافٌ إلَى فِعْلِ صَاحِبِهِ لِأَنَّ فِعْلَهُ فِي نَفْسِهِ مُبَاحٌ وَهُوَ الْمَشْيُ فِي الطَّرِيقِ فَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الضَّمَانِ بِالنِّسْبَةِ إلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ مُطْلَقًا فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَلَوْ اُعْتُبِرَ لَوَجَبَ نِصْفُ الدِّيَةِ فِيمَا إذَا وَقَعَ فِي بِئْرٍ فِي قَارِعَةِ الطَّرِيقِ إذْ لَوْلَا مَشْيُهُ وَثِقَلُهُ فِي نَفْسِهِ لَمَا هَوَى فِي الْبِئْرِ وَفِعْلُ صَاحِبِهِ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا لَكِنَّهُ مُقَيَّدٌ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَيَكُونُ سَبَبًا لِلضَّمَانِ عِنْدَ وُجُودِ التَّلَفِ بِهِ وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ ( وَلَوْ ) كَانَ الِاصْطِدَامُ ( عَمْدًا فَنِصْفُهَا ) أَيْ الْوَاجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ اتِّفَاقًا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَاتَ بِفِعْلِهِ وَفِعْلِ الْآخَرِ فَيُعْتَبَرُ نِصْفُ الدِّيَةِ وَيُهْدَرُ النِّصْفُ كَمَا إذَا جَرَحَ كُلٌّ مِنْهُمَا نَفْسَهُ وَصَاحِبَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي صُورَةَ الْعَمْدِ صَرِيحًا بَلْ فِي ضِمْنِ دَلِيلِ الْخَصْمِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْكِفَايَةِ يَجِبُ نِصْفُ الدِّيَةِ فِي الْعَمْدِ عَلَى عَاقِلَةِ كُلِّ وَاحِدٍ وَفِي الْخَطَأِ تَجِبُ الدِّيَةُ الْكَامِلَةُ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكُتُبِ خَلَا أَنَّهُ ذَكَرَ الْخَطَأَ فِي وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ وَالْعَمْدَ فِي بَيَانِ قَوْلِ الْخَصْمِ ( وَلَوْ ) كَانَ الْمُصْطَدِمَانِ ( عَبْدَيْنِ يُهْدَرُ دَمُهُمَا ) لِأَنَّ الْجِنَايَةَ تَعَلَّقَتْ بِرَقَبَتِهِمَا دَفْعًا وَفِدَاءً وَقَدْ فَاتَتْ لَا إلَى خَلْفٍ ( وَلَوْ ) كَانَ ( أَحَدُهُمَا حُرًّا وَالْآخَرُ عَبْدًا فَعَلَى عَاقِلَةِ الْحُرِّ ) الْمَقْتُولِ ( قِيمَةُ الْعَبْدِ فِي الْخَطَأِ ) فَيَأْخُذُهَا وَرَثَةُ حُرِّ الْمَقْتُولِ إذْ عَلَى أَصْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ

رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى تَجِبُ الْقِيمَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِأَنَّهُ ضَمَانُ الْآدَمِيِّ عِنْدَهُمَا فَقَدْ أَخْلَفَ الْعَبْدُ الْجَانِي بَدَلًا بِهَذَا الْقَدْرِ فَيَأْخُذُهُ وَرَثَةُ الْحُرِّ الْمَقْتُولِ وَيَبْطُلُ مَا زَادَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْخَلْفِ ( وَنِصْفُهَا فِي الْعَمْدِ ) أَيْ يَجِبُ عَلَى عَاقِلَةِ الْحُرِّ نِصْفُ قِيمَةِ الْعَبْدِ لِأَنَّ الْمَضْمُونَ فِي الْعَمْدِ النِّصْفُ وَهَذَا الْقَدْرُ يَأْخُذُهُ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ وَمَا عَلَى الْعَبْدِ فِي رَقَبَتِهِ وَهُوَ نِصْفُ دِيَةِ الْحُرِّ يَسْقُطُ إلَّا قَدْرُ مَا أَخْلَفَ مِنْ الْبَدَلِ وَهُوَ نِصْفُ الْقِيمَةِ .
( قَوْلُهُ أَوْ رَاجِلٍ دِيَةُ الْآخَرَيْنِ اصْطَدَمَا وَمَاتَا ) هَذَا إذَا وَقَعَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى قَفَاهُ وَإِنْ عَلَى وَجْهِهِمَا فَلَا شَيْءَ وَإِنْ أَحَدُهُمَا عَلَى قَفَاهُ ، وَالْآخَرُ عَلَى وَجْهِهِ فَدَمُ الَّذِي وَقَعَ عَلَى وَجْهِهِ هَدَرٌ وَهَذَا بِخِلَافِ تَجَاذُبِ الْحَبْلِ فَعَلَى عَاقِلَةِ كُلٍّ دِيَةُ الْآخَرِ إذَا وَقَعَا عَلَى وُجُوهِهِمَا وَإِنْ وَقَعَ أَحَدُهُمَا عَلَى وَجْهِهِ وَالْآخَرُ عَلَى قَفَاهُ فَدِيَةُ الَّذِي عَلَى قَفَاهُ هَدَرٌ لِأَنَّهُ سَقَطَ بِفِعْلِ نَفْسِهِ وَدِيَةُ الْآخَرِ عَلَى عَاقِلَةِ الْآخَرِ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ ( قَوْلُهُ وَلَوْ عَبْدَيْنِ يُهْدَرُ دَمُهُمَا ) سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً كَمَا فِي الْبُرْهَانِ

( وَضَمِنَهَا ) أَيْ الدِّيَةَ ( عَاقِلَةُ سَائِقِ دَابَّةٍ وَقَعَ بَعْضُ أَدَاتِهَا ) كَالسَّرْجِ وَاللِّجَامِ وَنَحْوِهِمَا ( عَلَى رَجُلٍ فَمَاتَ ) لِأَنَّهُ مِمَّا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ إذْ سُقُوطُهُ إمَّا لِعَدَمِ شَدِّهِ عَلَيْهَا أَوْ لِعَدَمِ إحْكَامِهِ .
( وَ ) ضَمِنَ أَيْضًا عَاقِلَةُ ( قَائِدٍ قِطَارٍ وَطِئَ بَعِيرٌ مِنْهُ رَجُلًا فَمَاتَ ) لِأَنَّ الْقَائِدَ عَلَيْهِ حِفْظُ الْقِطَارِ كَالسَّائِقِ وَقَدْ أَمْكَنَهُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَصَارَ مُتَعَدِّيًا بِالتَّقْصِيرِ فِيهِ إلَّا أَنَّ ضَمَانَ النَّفْسِ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَضَمَانَ الْمَالِ فِي مَالِهِ كَذَا فِي الْكَافِي ( وَلَوْ مَعَهُ ) أَيْ مَعَ الْقَائِدِ ( سَائِقٌ فِي جَانِبِ الْإِبِلِ ضَمِنَا ) إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا عَاقِلَةٌ وَإِنْ كَانَتْ ضَمِنَ عَاقِلَتُهُمَا لِأَنَّ الْقَائِدَ الْوَاحِدَ قَائِدٌ لِلْكُلِّ وَكَذَا سَائِقُهُ لِاتِّصَالِ الْأَزِمَّةِ ( وَأَمَّا إذَا ) لَمْ يَكُنْ فِي جَانِبِ الْإِبِلِ بَلْ ( تَوَسَّطَهَا ) أَيْ دَخَلَ بَيْنَ الْإِبِلِ ( وَأَخَذَ زِمَامَ وَاحِدٍ ) مِنْهَا ( ضَمِنَ وَحْدَهُ ) مَا عَطِبَ بِمَا هُوَ خَلْفَهُ وَيَضْمَنَانِ مَا عَطِبَ بِمَا هُوَ بَيْنَ يَدَيْهِ لِأَنَّ الْقَائِدَ لَا يَقُودُ مَا خَلْفَ السَّائِقِ لِانْقِطَاعِ الزِّمَامِ وَالسَّائِقُ يَسُوقُ مَا كَانَ إمَامَهُ

( قَتَلَ بَعِيرٌ رُبِطَ عَلَى قِطَارٍ يَسِيرُ بِلَا عِلْمِ قَائِدِهِ ) مُتَعَلِّقٌ بِرُبِطَ ( رَجُلًا ) مَفْعُولُ قَتَلَ ( ضَمِنَ عَاقِلَةُ الْقَائِدِ الدِّيَةَ ) لِأَنَّهُ قَائِدٌ لِلْكُلِّ فَيَكُونُ قَائِدًا لِذَلِكَ الْبَعِيرِ وَالْقَوَدُ سَبَبٌ لِوُجُودِ الضَّمَان وَمَعَ تَحَقُّقِ سَبَبِ الضَّمَانِ مِنْهُ لَا يَسْقُطُ الضَّمَانُ بِجَهْلِهِ ( وَرَجَعُوا ) أَيْ الْعَاقِلَةُ ( بِهَا ) أَيْ بِالدِّيَةِ ( عَلَى عَاقِلَةِ الرَّابِطِ ) لِأَنَّ الرَّابِطَ هُوَ الَّذِي أَوْقَعَهُ فِي هَذَا الضَّمَانِ حَيْثُ رَبَطَهُ بِالْقِطَارِ وَهُوَ مُتَعَدٍّ فِيمَا صَنَعَ فَصَارَ فِي التَّقْدِيرِ هُوَ الْجَانِي ( فَلَوْ رَبَطَ وَالْقِطَارُ وَاقِفٌ ضَمِنَهَا ) أَيْ الدِّيَةَ ( عَاقِلَةُ الْقَائِدِ بِلَا رُجُوعٍ ) لِأَنَّهُ قَادَ بَعِيرَ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِهِ لَا صَرِيحًا وَلَا دَلَالَةً فَلَا يَرْجِعُونَ بِمَا لَحِقَهُمْ عَلَى أَحَدٍ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالرَّبْطِ وَالْإِيقَافِ عَلَى الطَّرِيقِ لَكِنَّهُ زَالَ بِالْقَوَدِ فَصَارَ كَمَا لَوْ وَضَعَ حَجَرًا أَوْ حَوَّلَهُ غَيْرُهُ ( كَذَا إذَا عَلِمَ الْقَائِدُ ) بِالرَّبْطِ لَا يَرْجِعُونَ عَلَى عَاقِلِهِ الرَّابِطِ بِمَا لَحِقَهُمْ مِنْ الضَّمَانِ لِأَنَّ الْقَائِدَ رَضِيَ بِهِ وَالتَّلَفُ قَدْ اتَّصَلَ بِفِعْلِهِ فَلَا يَرْجِعُ بِهِ

( أَرْسَلَ كَلْبًا أَوْ طَيْرًا أَوْ سَاقَهُ ) أَيْ مَشَى خَلْفَهُ مَعَهُ وَإِنْ لَمْ يَمْشِ خَلْفَهُ فَمَا دَامَ فَوْرُهُ فَهُوَ سَائِقٌ لَهُ فِي الْحُكْمِ فَيُلْحَقُ بِالسَّوْقِ وَإِنْ تَرَاخَى انْقَطَعَ السَّوْقُ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ( فَأَصَابَ فِي فَوْرِهِ ضَمِنَ فِي الْكَلْبِ ) مَا أَتْلَفَهُ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَيْهِ مِنْ جِهَتِهِ فَأُضِيفَ فِعْلُهُ إلَيْهِ كَالْمُكْرَهِ يُضَافُ فِعْلُهُ إلَى الْمُكْرَهِ فِيمَا يَصْلُحُ آلَةً لَهُ ( لَا ) أَيْ لَا يَضْمَنُ ( فِي الطَّيْرِ ) أَيْ الْبَازِي وَالْفَرْقُ أَنَّ الْكَلْبَ يَحْتَمِلُ السَّوْقَ فَاعْتُبِرَ سَوْقُهُ وَالطَّيْرُ لَا يَحْتَمِلُهُ فَصَارَ وُجُودُ السَّوْقِ وَعَدَمُهُ سَوَاءً ( وَلَا كَلْبٌ لَمْ يَسُقْهُ ) لِعَدَمِ سَبَبِ الضَّمَانِ ( وَلَا دَابَّةٌ مُنْفَلِتَةٌ أَصَابَتْ نَفْسًا أَوْ مَالًا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { جُرْحُ الْعَجْمَاءِ جُبَارٌ } أَيْ هَدَرٌ وَهِيَ الْمُنْفَلِتَةُ وَلِأَنَّ الْفِعْلَ لَمْ يُضَفْ إلَيْهِ إذْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ مَا يُوجِبُ النِّسْبَةَ إلَيْهِ مِنْ الْإِرْسَالِ وَالسَّوْقِ وَنَحْوِهِمَا لَهُ كَلْبٌ يَأْكُلُ عِنَبَ الْكُرُومِ وَاشْتُهِرَ عَلَيْهِ فِيهِ وَلَمْ يَحْفَظْ حَتَّى أَكَلَ الْعِنَبَ لَمْ يَضْمَنْ وَإِنَّمَا يَضْمَنُ إذَا اُشْتُهِرَ عَلَيْهِ فِيمَا يَخَافُ مِنْهُ تَلَفُ بَنِي آدَمَ كَالْحَائِطِ الْمَائِلِ وَنَطْحِ الثَّوْرِ وَعَقْرِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ فَيَضْمَنُ إذَا لَمْ يَحْفَظْ

( ضَرَبَ دَابَّةً عَلَيْهَا رَاكِبٌ أَوْ نَخَسَهَا ) أَيْ طَعَنَهَا بِعَوْدٍ وَنَحْوِهِ ( فَنَفَحَتْ أَوْ ضَرَبَتْ بِيَدِهَا شَخْصًا آخَرَ ) غَيْرَ الطَّاعِنِ ( أَوْ نَفَرَتْ ) مَنْ ضَرَبَهُ أَوْ نَخَسَهُ ( فَصَدَمَتْهُ وَقَتَلَتْهُ ضَمِنَ هُوَ ) أَيْ الضَّارِبُ وَالنَّاخِسُ ( لَا الرَّاكِبُ ) لِأَنَّهُ الْمَرْوِيُّ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَلِأَنَّ النَّاخِسَ مُتَعَدٍّ فِي التَّسْبِيبِ وَالرَّاكِبُ فِي فِعْلِهِ غَيْرُ مُتَعَدٍّ فَيَتَرَجَّحُ جَانِبُهُ فِي التَّغْرِيمِ لِلتَّعَدِّي حَتَّى لَوْ كَانَ مُوقِفًا دَابَّتَهُ عَلَى الطَّرِيقِ يَكُونُ الضَّمَانُ عَلَى الرَّاكِبِ وَالنَّاخِسِ نِصْفَيْنِ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي الْإِيقَافِ أَيْضًا ( وَإِنْ نَفَحَتْ النَّاخِسَ فَأَهْلَكَتْهُ كَانَ دَمُهُ هَدَرًا ) لِأَنَّهُ كَالْجَانِي عَلَى نَفْسِهِ ( وَإِنْ أَلْقَتْ الرَّاكِبُ فَقَتَلَتْهُ كَانَتْ دِيَتُهُ عَلَى عَاقِلَةِ النَّاخِسِ ) لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ فِي تَسْبِيبِهِ ثُمَّ النَّاخِسُ إنَّمَا يَضْمَنُ إذَا كَانَ الْوَطْءُ فِي فَوْرِ النَّخْسِ حَتَّى يَكُونَ السَّوْقُ مُضَافًا إلَيْهِ وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي فَوْرِهِ فَالضَّمَانُ عَلَى الرَّاكِبِ لِانْقِطَاعِ أَثَرِ النَّخْسِ فَبَقِيَ السَّوْقُ مُضَافًا إلَى الرَّاكِبِ
قَوْلُهُ ضَرَبَ دَابَّةً عَلَيْهَا رَاكِبٌ أَوْ نَخَسَهَا ) يَعْنِي بِلَا أَمْرٍ وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُكَلَّفٍ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ

( وَ ) ضَمِنَ ( فِي فَقْءِ عَيْنِ شَاةِ الْقَصَّابِ مَا نَقَصَهَا ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا اللَّحْمُ فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهَا النُّقْصَانُ إلَّا بِحَسْبِهِ ( وَ ) ضَمِنَ ( فِي عَيْنِ بَقَرِ جَزَّارٍ وَجَزُورِهِ ) أَيْ إبِلِهِ ( وَالْحِمَارِ وَالْبَغْلِ وَالْفَرَسِ رُبْعَ الْقِيمَةِ ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { قَضَى فِي عَيْنِ الدَّابَّةِ بِرُبْعِ الْقِيمَةِ } وَهَكَذَا قَضَى عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلِأَنَّ إقَامَةَ الْعَمَلِ بِهَا إنَّمَا تُمْكِنُ بِأَرْبَعِ أَعْيُنٍ عَيْنَاهَا وَعَيْنَا الْمُسْتَعْمِلِ لَهَا فَصَارَتْ كَأَنَّهَا ذَاتُ أَعْيُنٍ أَرْبَعٍ فَيَجِبُ الرُّبْعُ بِفَوَاتِ أَحَدِهَا .

( بَابُ جِنَايَةِ الرَّقِيقِ وَالْجِنَايَةِ عَلَيْهِ ) ( جَنَى عَبْدٌ عَمْدًا فَفِي النَّفْسِ يَجِبُ الْقَوَدُ ) لِمَا مَرَّ ( إلَّا أَنْ يُصَالِحَ ) وَلِيُّ الْقَتِيلِ مَوْلَى الْعَبْدِ أَيْ يَقَعُ الصُّلْحُ بَيْنَ الْوَلِيِّ وَالْمَوْلَى ( أَوْ يَعْفُوَ ) أَيْ يَقَعَ الْعَفْوُ مِنْ الْوَلِيِّ ( وَلَمْ يَجُزْ الِاسْتِرْقَاقُ ) لِكَوْنِهِ مُبَاحَ الدَّمِ ( وَيَثْبُتُ ) أَيْ الْقَوَدُ ( بِإِقْرَارِهِ ) أَيْ الْعَبْدِ ( لَا إقْرَارِ الْمَوْلَى ) لِأَنَّ هَذَا الْإِقْرَارَ مِنْ الْعَبْدِ لَا تُهْمَةَ فِيهِ لِكَوْنِهِ عَائِدًا عَلَيْهِ بِالضَّرَرِ فَيُقْبَلُ وَهُوَ يَجْرِي عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ بِاعْتِبَارِ الْآدَمِيَّةِ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الدَّمِ فَلِهَذَا لَا يُقْبَلُ إقْرَارُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بِحَدٍّ وَلَا قِصَاصٍ وَإِنْ كَانَ هَذِهِ الْإِقْرَارُ يُصَادِفُ حَقَّ الْمَوْلَى لَكِنَّهُ ضِمْنِيٌّ فَلَمْ تَجِبْ مُرَاعَاتُهُ ( وَفِيمَا ) عُطِفَ عَلَى فِي النَّفْسِ ( دُونَهَا ) أَيْ دُونَ النَّفْسِ ( كَالْخَطَأِ ) أَيْ يَكُونُ كَالْقَتْلِ الْخَطَأِ فِي الْحُكْمِ وَبَيَّنَ الْحُكْمَ بِقَوْلِهِ ( دَفَعَهُ سَيِّدُهُ بِهَا ) أَيْ بِمُقَابَلَةِ الْجِنَايَةِ ( وَيَمْلِكُهُ وَلِيُّهَا ) أَيْ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ ( أَوْ فَدَاهُ بِأَرْشِهَا ) يَعْنِي أَنَّ سَيِّدَهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ دَفْعِ الْعَبْدِ وَالْفِدَاءِ بِالْأَرْشِ لِتَخْلِيصِ عَبْدِهِ لَكِنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ هُوَ الدَّفْعُ فِي الصَّحِيحِ وَلِهَذَا سَقَطَ الْوَاجِبُ بِمَوْتِ الْعَبْدِ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْوَاجِبِ بِخِلَافِ مَوْتِ الْحُرِّ الْجَانِي حَيْثُ يَجِبُ الْأَرْشُ عَلَى عَاقِلَتِهِ ( حَالًّا ) أَيْ كَائِنًا ، كُلٌّ مِنْ الدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ عَلَى الْحُلُولِ أَمَّا الدَّفْعُ فَلِأَنَّهُ عَيْنٌ وَلَا تَأْجِيلَ فِي الْأَعْيَانِ وَأَمَّا الْفِدَاءُ فَلِأَنَّهُ بَدَلُ الْعَيْنِ فَيَكُونُ فِي حُكْمِهِ وَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ شَيْئًا حَتَّى مَاتَ الْعَبْدُ بَطَلَ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لِفَوَاتِ مَحَلِّ حَقِّهِ كَمَا مَرَّ وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ اخْتِيَارِ الْفِدَاءِ لَمْ يَبْرَأْ لِتَحَوُّلِ الْحَقِّ مِنْ رَقَبَةِ الْعَبْدِ إلَى ذِمَّةِ الْمَوْلَى ( فَإِنْ فَدَاهُ فَجَنَى فَهِيَ كَالْأُولَى )

فَإِنَّهُ إذَا فَدَى خَلَصَ الْجَانِي عَنْ الْأُولَى فَصَارَتْ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ فَيَجِبُ بِالثَّانِيَةِ الدَّفْعُ أَوْ الْفِدَاءُ

بَابُ جِنَايَةِ الرَّقِيقِ وَالْجِنَايَةُ عَلَيْهِ ) ( قَوْلُهُ وَلَمْ يَجُزْ الِاسْتِرْقَاقُ لِكَوْنِهِ مُبَاحَ الدَّمِ ) لَعَلَّ الْمُرَادَ نَفْيُ الدَّفْعِ بِمُوجِبِ الْجِنَايَةِ لِأَنَّ مُوجِبَهَا الْقِصَاصُ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ بِهِ نَفْيُ الدَّفْعِ فِدَاءً عَنْ الْجِنَايَةِ لِأَنَّهُ يَصِحُّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ فِي قَوْلِهِ عَبْدٌ قَطَعَ يَدَ حُرٍّ عَمْدًا فَلْيُتَأَمَّلْ ( قَوْلُهُ وَفِيمَا دُونَهُمَا كَالْخَطَأِ ) لَمْ يَذْكُرْ مَا ثَبَتَ بِهِ الْخَطَأُ .
وَفِي الْبَدَائِعِ وَهَذِهِ الْجِنَايَةُ تَظْهَرُ بِالْبَيِّنَةِ وَإِقْرَارُ الْمَوْلَى وَعِلْمُ الْقَاضِي وَلَا تَظْهَرُ بِإِقْرَارِ الْعَبْدِ مَحْجُورًا كَانَ أَوْ مَأْذُونًا وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ إقْرَارُهُ لَا يُؤْخَذُ بِهِ لَا فِي الْحَالِ وَلَا بَعْدَ الْعِتْقِ وَكَذَلِكَ لَوْ أَقَرَّ بَعْدَ الْعَتَاقِ أَنَّهُ كَانَ جَنَى فِي حَالِ الرِّقِّ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ا هـ .
وَقَوْلُ الْبَدَائِعِ أَوْ عَلِمَ الْقَاضِي عَلَى غَيْرِ الْمُفْتِي بِهِ لِأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى عَدَمِ الْعَمَلِ بِعِلْمِ الْقَاضِي فِي زَمَانِنَا كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ عَنْ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ ( قَوْلُهُ لَكِنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ هُوَ الدَّفْعُ فِي الصَّحِيحِ ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّ الْوَاجِبَ الْأَصْلِيَّ هُوَ الْفِدَاءُ كَمَا فِي السِّرَاجِ وَالْجَوْهَرَةِ ( قَوْلُهُ وَلِهَذَا سَقَطَ الْوَاجِبُ بِمَوْتِ الْعَبْدِ ) أَيْ سَوَاءٌ مَاتَ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ بَعَثَهُ الْمَوْلَى فِي حَاجَةٍ فَعَطِبَ فِيهَا أَوْ اسْتَخْدَمَهُ كَمَا فِي النِّهَايَةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ .
وَفِي الْبَدَائِعِ هَذَا يَعْنِي الْقَوْلَ بِسُقُوطِ الْوَاجِبِ بِالْمَوْتِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَ مَنْ يَقُولُ حُكْمُ هَذِهِ الْجِنَايَةِ تَخْيِيرُ الْمَوْلَى بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ لَيْسَ بِسَدِيدٍ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَتَعَيَّنَ الْفِدَاءُ عِنْدَ هَلَاكِ الْعَبْدِ وَلَمْ يَبْطُلْ حَقُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مَا هُوَ الْأَصْلُ فِي الْمُخَيَّرِ بَيْنَ شَيْئَيْنِ إذَا هَلَكَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْآخَرُ ا هـ

.
( قَوْلُهُ وَأَمَّا الْفِدَاءُ فَلِأَنَّهُ بَدَلُ الْعَيْنِ فَيَكُونُ فِي حُكْمِهِ ) قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ فِي حُكْمِهِ الْقُدْرَةُ عَلَيْهِ لِصِحَّتِهِ مِنْ الْمُفْلِسِ اخْتَارَهُ عِنْدَ قَاضٍ أَوْ غَيْرِهِ ا هـ .
وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ اخْتَارَ أَصْلَ حَقِّهِمْ فَبَطَلَ حَقُّهُمْ فِي الْعَبْدِ لِأَنَّ وِلَايَةَ التَّعْيِينِ لِلْمَوْلَى لَا لِلْأَوْلِيَاءِ وَقَالَا لَا يَصِحُّ اخْتِيَارُهُ الْفِدَاءَ إذَا كَانَ مُفْلِسًا إلَّا بِرِضَى الْأَوْلِيَاءِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَلَا يَخْفَى أَنَّ قَوْلَهُ لِأَنَّهُ اخْتَارَ أَصْلَ حَقِّهِمْ إنَّمَا هُوَ عَلَى أَحَدِ الِاخْتِيَارَيْنِ فِيهِ

( وَإِنْ جَنَى جِنَايَتَيْنِ دَفَعَهُ بِهِمَا إلَى وَلِيِّهِمَا يَقْتَسِمَانِهِ بِنِسْبَةِ حَقَّيْهِمَا ) أَيْ عَلَى قَدْرِ أَرْشِ الْجِنَايَتَيْنِ ( أَوْ فَدَاهُ بِأَرْشِهِمَا ) لِأَنَّ تَعَلُّقَ الْأُولَى بِرَقَبَتِهِ لَا يَمْنَعُ تَعَلُّقَ الثَّانِيَةِ بِهَا كَالدُّيُونِ الْمُتَلَاحِقَةِ أَلَا يُرَى أَنَّ مِلْكَ الْمَوْلَى لَمْ يَمْنَعْ تَعَلُّقَ الْجِنَايَةِ فَحَقُّ الْمَحْنِيِّ عَلَيْهِ الْأَوَّلُ أَوْلَى أَنْ لَا يَمْنَعَ وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً يَقْتَسِمُونَ الْعَبْدَ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِمْ عَلَى قَدْرِ حِصَصِهِمْ وَإِنْ فَدَاهُ فَدَاهُ بِجَمِيعِ أُرُوشِهِمْ لِمَا ذُكِرَ أَنَّ تَعَلُّقَ الْأُولَى بِرَقَبَتِهِ لَا يَمْنَعُ تَعَلُّقَ الثَّانِيَةِ بِهَا
قَوْلُهُ وَإِنْ فَدَاهُ بِجَمِيعِ أُرُوشِهِمْ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَفْدِيَ مِنْ بَعْضِهِمْ وَيَأْخُذَ نَصِيبَهُ مِنْ الْعَبْدِ وَيَدْفَعَ الْبَاقِيَ إلَى غَيْرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمَقْتُولُ وَاحِدًا وَلَهُ وَلِيَّانِ أَوْ أَوْلِيَاءُ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَفْدِيَ مِنْ الْبَعْضِ وَيَدْفَعَ الْبَاقِيَ إلَى الْبَعْضِ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ مُتَّحِدٌ لِاتِّحَادِ سَبَبِهِ وَهُوَ الْجِنَايَةُ الْمُتَّحِدَةُ .
ا هـ .

( وَإِنْ وَهَبَهُ ) أَيْ الْمَوْلَى الْعَبْدَ الْجَانِيَ ( أَوْ بَاعَهُ أَوْ أَعْتَقَهُ أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ اسْتَوْلَدَهَا ) أَيْ الْجَارِيَةَ ( وَلَمْ يَعْلَمْ بِهَا ) أَيْ الْجِنَايَةِ ( ضَمِنَ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الْأَرْشِ وَإِنْ عَلِمَ غَرِمَ الْأَرْشَ ) فَإِنَّ الْمَوْلَى قَبْلَ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ وَلَمَّا لَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلدَّفْعِ بِلَا عِلْمِ الْمَوْلَى بِالْجِنَايَةِ لَمْ يَصِرْ مُخْتَارًا لِلْأَرْشِ فَقَامَتْ الْقِيمَةُ مَقَامَ الْعَبْدِ وَلَا فَائِدَةَ فِي التَّخْيِيرِ بَيْنَ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ فَوَجَبَ الْأَقَلُّ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْأَرْشِ ( كَمَا لَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِقَتْلِ زَيْدٍ أَوْ رَمْيِهِ أَوْ شَجِّهِ فَفَعَلَ ) أَيْ قَالَ إنْ قَتَلْت زَيْدًا فَأَنْتَ حُرٌّ فَقَتَلَ أَوْ قَالَ إنْ رَمَيْت زَيْدًا فَأَنْتَ حُرٌّ فَرَمَى أَوْ قَالَ إنْ شَجَجْت رَأْسَهُ فَأَنْتَ حُرٌّ فَشَجَّ غَرِمَ الْأَرْشَ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ حَيْثُ أَعْتَقَهُ عَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِ الْجِنَايَةِ .
( قَوْلُهُ وَإِنْ وَهَبَهُ أَيْ الْمَوْلَى الْعَبْدَ الْجَانِيَ
إلَخْ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا الْمَعْنَى بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الْجِنَايَةُ فِي النَّفْسِ أَوْ فِي الْأَطْرَافِ لِأَنَّ الْكُلَّ مُوجِبٌ لِلدَّفْعِ فَلَا يُخْتَلَفُ ( قَوْلُهُ كَمَا لَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ بِقَتْلِ زَيْدٍ ) يَعْنِي قَتْلًا يُوجِبُ الْمَالَ كَالْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ وَإِنْ عَلَّقَهُ بِجِنَايَةٍ تُوجِبُ الْقِصَاصَ بِأَنْ قَالَ لَهُ إنْ ضَرَبْته بِالسَّيْفِ فَأَنْتَ حُرٌّ فَلَا يَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى شَيْءٌ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ فِي الْقِصَاصِ فَلَمْ يَكُنْ الْمَوْلَى مُفَوِّتًا حَقَّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ بِالْعِتْقِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ

( قَطَعَ عَبْدٌ يَدَ حُرٍّ عَمْدًا وَدَفَعَ إلَيْهِ ) بِقَضَاءٍ أَوَّلًا ( فَأَعْتَقَهُ فَسَرَى ) فَمَاتَ مِنْهُ ( فَالْعَبْدُ صَلَحَ بِهَا ) فَإِنَّهُ إذَا أُعْتِقَ دَلَّ عَلَى أَنَّ قَصْدَهُ تَصْحِيحُ الصُّلْحِ إذْ لَا صِحَّةَ لَهُ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ صُلْحًا عَنْ الْجِنَايَةِ وَمَا يَحْدُثُ مِنْهَا ( وَإِنْ لَمْ يُعْتِقْهُ يُرَدُّ عَلَى سَيِّدِهِ ) لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُعْتِقْهُ وَسَرَى ظَهَرَ أَنَّ الْوَاجِبَ لَيْسَ الْمَالَ بَلْ الْقَوَدَ فَكَانَ الدَّفْعُ بَاطِلًا فَيُرَدُّ الْعَبْدُ عَلَى سَيِّدِهِ ( فَيَقْتُلُهُ الْوَلِيُّ أَوْ يَعْفُو ) أَيْ يُخَيَّرُ الْوَلِيُّ بَيْنَ الْقَتْلِ وَالْعَفْوِ لِأَنَّهُ مُبَاحُ الدَّمِ كَمَا مَرَّ

( جَنَى مَأْذُونٌ مَدْيُونٌ خَطَأً فَأَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ بِلَا عِلْمٍ بِهَا غَرِمَ لِرَبِّ الدَّيْنِ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ دَيْنِهِ وَلِوَلِيِّهَا ) أَيْ غَرِمَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ ( الْأَقَلَّ مِنْهَا ) أَيْ مِنْ الْقِيمَةِ ( وَمِنْ الْأَرْشِ ) فَإِنَّ السَّيِّدَ إذَا أَعْتَقَ الْمَأْذُونَ الْمَدْيُونَ غَرِمَ لِرَبِّ الدَّيْنِ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ وَإِذَا أَعْتَقَ الْعَبْدَ الْجَانِيَ جِنَايَةً خَطَأً غَرِمَ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الْأَرْشِ فَكَذَا عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ لِعَدَمِ الْمُزَاحِمِ بَيْنَهُمَا إذْ لَوْلَا الْإِعْتَاقُ لَدُفِعَ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ ثُمَّ يُبَاعُ لِلدَّيْنِ

( وَلَدَتْ مَأْذُونَةٌ مَدْيُونَةٌ وَلَدًا لَا يُدْفَعُ مَعَهَا لِجِنَايَتِهَا وَيُبَاعُ لِدَيْنِهَا ) لِأَنَّهُ دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهَا مُتَعَلِّقٌ بِرَقَبَتِهَا فَيَسْرِي إلَى الْوَلَدِ وَالدَّفْعُ لِلْجِنَايَةِ فِي ذِمَّةِ الْمَوْلَى وَإِنَّمَا يُلَاقِيهَا أَثَرُ الْفِعْلِ الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ الدَّفْعُ وَالسِّرَايَةُ تَكُونُ فِي الْأُمُورِ الشَّرْعِيَّةِ لَا الْحَقِيقِيَّةِ
( قَوْلُهُ وَلَدَتْ مَأْذُونَةٌ مَدْيُونَةٌ وَلَدًا ) أَيْ بَعْدَ لُحُوقِ الدَّيْنِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ لِأَنَّهَا إذَا وَلَدَتْ ثُمَّ لَحِقَهَا الدَّيْنُ لَا يَتَعَلَّقُ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِالْوَلَدِ بِخِلَافِ الْإِكْسَابِ حَيْثُ يَتَعَلَّقُ حَقُّ الْغُرَمَاءِ بِمَا كَسَبَتْ قَبْلَ الدَّيْنِ وَبَعْدَهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَظَهَرَ لِي أَنَّهُ لَا يُخَالِفُهُ مَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ مِنْ قَوْلِهِ وَلَوْ اكْتَسَبَ الْعَبْدُ الْجَانِي أَكْسَابًا أَوْ وَلَدَتْ الْجَانِيَةُ وَلَدًا فَاخْتَارَ الْمَوْلَى الدَّفْعَ لَمْ يَدْفَعْ الْوَلَدُ وَالْكَسْبَ .
ا هـ .
إذْ الظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ لَوْ اكْتَسَبَ الْعَبْدُ الْجَانِي أَنَّهُ غَيْرُ الْمَأْذُونِ فَلْيُتَأَمَّلْ

( عَبْدٌ لِرَجُلٍ ) زَعَمَ رَجُلٌ ( آخَرُ أَنَّ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ فَقَتَلَ ) أَيْ الْعَبْدُ الْمُعْتَقُ ( وَلِيًّا لَهُ ) أَيْ لِلزَّاعِمِ ( خَطَأً فَلَا شَيْءَ لَهُ ) أَيْ لِلزَّاعِمِ لِأَنَّهُ لَمَّا زَعَمَ أَنَّ مَوْلَاهُ أَعْتَقَهُ فَقَدْ أَقَرَّ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ عَلَى الْمَوْلَى دَفْعَ الْعَبْدِ وَلَا الْفِدَاءَ بِالْأَرْشِ وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِأَنَّهُ حُرٌّ فَيَصْدُقُ الزَّاعِمُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَيَسْقُطُ الدَّفْعُ وَالْفِدَاءُ وَلَا يَصْدُقُ فِي دَعْوَاهُ الدِّيَةَ عَلَيْهِمْ إلَّا بِحُجَّةٍ

( قَالَ قَتَلْت أَخَا زَيْدٍ قَبْلَ عِتْقِي خَطَأً وَقَالَ زَيْدٌ بَلْ بَعْدَهُ صَدَقَ الْأَوَّلُ ) لِأَنَّ زَيْدًا يَدَّعِي عَلَيْهِ شَيْئًا لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ لَا عَلَى الْعَاقِلَةِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ الْقَتْلَ الْخَطَأَ بَعْدَ الْعِتْقِ فَلَوْ أَقَرَّ بِهِ لَزِمَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْإِقْرَارِ لَا يَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ فَمُرَادُهُ قَتَلْته قَبْلَ عِتْقِي مَا قَتَلْته بَعْدَهُ حَذَرًا مِنْ لُزُومِ الضَّمَانِ عَلَيْهِ لَا مَعْنَاهُ الظَّاهِرُ لِيُفْهِمَ لُزُومَ الضَّمَانِ عَلَى الْمَوْلَى بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ إنْ لَمْ يَعْلَمْ بِالْجِنَايَةِ وَالدِّيَةِ إنْ عَلِمَ بِهَا مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى الْمَوْلَى

( وَإِنْ قَالَ قَطَعْت يَدَهَا قَبْلَ إعْتَاقِهَا وَقَالَتْ كَانَ بَعْدَهُ صُدِّقَتْ وَكَذَا فِي أَخْذِهِ مِنْهَا ) أَيْ عَتَقَ أَمَةً ثُمَّ قَالَ لَهَا قَطَعْت يَدَك أَوْ أَخَذْت مِنْك هَذَا الْمَالَ قَبْلَ مَا أَعْتَقْتُك وَقَالَتْ بَلْ بَعْدَهُ فَالْقَوْلُ لَهَا لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ ثُمَّ ادَّعَى الْبَرَاءَةَ وَهِيَ تُنْكِرُ فَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ ( لَا الْجِمَاعُ وَالْغَلَّةُ ) يَعْنِي إذَا قَالَ جَامَعْتهَا قَبْلَ الْإِعْتَاقِ أَوْ أَخَذْت الْغَلَّةَ قَبْلَهُ فَالْقَوْلُ لَهُ لِأَنَّ الظَّاهِرُ كَوْنُهُمَا حَالَ الرِّقِّ
قَوْلُهُ لَا الْجِمَاعُ وَالْغَلَّةُ ) قَالَ فِي الْمَوَاهِبِ إلَّا فِيمَا كَانَ قَائِمًا بِعَيْنِهِ فِي يَدِ الْمُقِرِّ لِأَنَّهُ مَتَى أَقَرَّ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهَا فَقَدْ أَقَرَّ بِيَدِهَا ثُمَّ ادَّعَى التَّمْلِيكَ عَلَيْهَا وَهِيَ تُنْكِرُ فَكَانَ الْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ فَلِذَا أَمَرَ بِالرَّدِّ وَكَذَا فِي التَّبْيِينِ

( أَمَرَ عَبْدُ مَحْجُورٍ أَوْ صَبِيٌّ صَبِيًّا بِقَتْلِ رَجُلٍ فَقَتَلَهُ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ ) لِأَنَّ الْمُبَاشِرَ هُوَ الصَّبِيُّ الْمَأْمُورُ فَتَضْمَنُ عَاقِلَتُهُ ( وَرَجَعُوا عَلَى الْعَبْدِ بَعْدَ عِتْقِهِ ) لِأَنَّهُ أَوْقَعَ الصَّبِيَّ فِي هَذِهِ الْوَرْطَةِ لَكِنَّ قَوْلَهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ لِحَقِّ الْمَوْلَى فَيَضْمَنُ بَعْدَ الْعِتْقِ ( لَا ) عَلَى ( الصَّبِيِّ الْآمِرِ ) لِقُصُورِ أَهْلِيَّتِهِ ( وَلَوْ كَانَ مَأْمُورُ الْعَبْدِ ) الْمَحْجُورِ عَبْدًا مَحْجُورًا ( مِثْلَهُ دَفَعَ السَّيِّدُ ) الْعَبْدَ ( الْقَاتِلَ أَوْ فَدَاهُ فِي الْخَطَأِ بِلَا رُجُوعٍ حَالًّا ) لِأَنَّ الْأَمْرَ قَوْلٌ وَقَوْلُ الْمَحْجُورِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ ( فَلَا يُؤْخَذُ بِهِ فِي الْحَالِ بَلْ بَعْدَ عِتْقِهِ ) لِزَوَالِ الْمَانِعِ وَهُوَ حَقُّ الْمَوْلَى ( بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الْفِدَاءِ ) لِأَنَّهُ مُخْتَارٌ فِي دَفْعِ الزِّيَادَةِ لَا مُضْطَرٌّ ( كَذَا ) الْحُكْمُ ( فِي الْعَمْدِ ) أَيْ دَفَعَ السَّيِّدُ الْقَاتِلَ أَوْ فَدَاهُ ثُمَّ رَجَعَ عَلَى الْعَبْدِ الْآمِرِ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الْفِدَاءِ ( إنْ كَانَ الْعَبْدُ الْقَاتِلُ صَغِيرًا ) لِأَنَّ عَمْدَ الصَّغِيرِ كَالْخَطَأِ ( وَلَوْ ) كَانَ ( كَبِيرًا اقْتَصَّ ) لِأَنَّهُ يَجْرِي بَيْنَ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ
( قَوْلُهُ وَرَجَعُوا عَلَى الْعَبْدِ بَعْدَ عِتْقِهِ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ بَعْدَ هَذَا وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ لِلْعَتَّابِيِّ لَا تَرْجِعُ الْعَاقِلَةُ عَلَى الْعَبْدِ أَيْضًا أَبَدًا لِأَنَّ هَذَا ضَمَانُ جِنَايَةٍ وَهُوَ عَلَى الْمَوْلَى لَا عَلَى الْعَبْدِ وَقَدْ تَعَذَّرَ إيجَابُهُ عَلَى الْمَوْلَى لِمَكَانِ الْحَجْرِ وَهَذَا أَوْفَقُ لِلْقَوَاعِدِ ( قَوْلُهُ بَلْ بَعْدَ عِتْقِهِ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الْفِدَاءِ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَعَلَى قِيَاسِ مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْعَتَّابِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ عَلَيْهِ لِمَا بَيَّنَّا

( قَتَلَ قِنٌّ عَمْدًا حُرَّيْنِ وَلِكُلٍّ وَلِيَّانِ فَعَفَا أَحَدُ وَلِيَّيْ كُلٍّ مِنْهُمَا دَفَعَ نِصْفَهُ إلَى الْآخَرَيْنِ أَوْ فَدَى بِدِيَةٍ ) هِيَ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ لِأَنَّ الرَّقَبَةَ بِحُكْمِ الْقَوَدِ صَارَتْ بَيْنَهُمَا لِكُلِّ وَاحِدٍ رُبْعُهُ فَإِذَا عَفَا اثْنَانِ بَطَلَ حَقُّهُمَا وَبَقِيَ حَقُّ الْآخَرَيْنِ فِي النِّصْفِ فَلِذَا قِيلَ لَهُ ادْفَعْ نِصْفَهُ وَأَمَّا الْفِدَاءُ فَقَدْ كَانَ بِعِشْرِينَ أَلْفًا فَإِذَا عَفَا اثْنَانِ بَطَلَ حَقُّهُمَا فَبَقِيَ حَقُّ كُلٍّ مِنْ الْبَاقِيَيْنِ فِي خَمْسَةِ آلَافٍ فَلِذَا فَدَاهُ بِعَشْرَةِ آلَافٍ إنْ شَاءَ ( وَإِنْ قَتَلَ ) الْقِنُّ ( أَحَدَهُمَا ) أَيْ أَحَدَ الْحُرَّيْنِ ( خَطَأً وَالْآخَرَ عَمْدًا فَعَفَا أَحَدُ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ فَدَى بِدِيَةٍ لِوَلِيِّ الْخَطَأِ وَبِنِصْفِهَا لِأَحَدِ وَلِيَّيْ الْعَمْدِ ) الَّذِي لَمْ يَعْفُ لِأَنَّ نِصْفَ الْحَقِّ بَطَلَ بِالْعَفْوِ فَبَقِيَ النِّصْفُ وَصَارَ مَالًا وَيَكُونُ خَمْسَةَ آلَافٍ وَلَمْ يَبْطُلْ شَيْءٌ مِنْ حَقِّ وَلِيِّ الْخَطَأِ وَكَانَ حَقُّهُمَا فِي كُلِّ الدِّيَةِ عَشَرَةُ آلَافٍ ( أَوْ دَفَعَ ) أَيْ الْقِنُّ ( إلَيْهِمْ ) يَعْنِي أَنَّ سَيِّدَهُ كَانَ مُخَيَّرًا بَيْنَ الْفِدَاءِ وَالدَّفْعِ فَإِنْ دَفَعَهُ دَفَعَهُ إلَيْهِمْ ( أَثْلَاثًا ) ثُلُثَاهُ لِوَلِيِّ الْخَطَأِ وَثُلُثُهُ لِلَّذِي لَمْ يَعْفُ مِنْ وَلِيِّ الْعَمْدِ ( عَوْلًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) فَيُضْرَبُ وَلِيَّا الْخَطَأِ بِالْكُلِّ وَغَيْرُ الْعَافِي بِالنِّصْفِ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي النِّصْفِ وَحَقَّهُمَا فِي الْكُلِّ فَصَارَ كُلُّ نِصْفٍ بَيْنَهُمَا فَصَارَ حَقُّ وَلِيِّ الْخَطَأِ فِي سَهْمَيْنِ وَحَقُّ غَيْرِ الْعَافِي فِي سَهْمٍ فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمْ أَثْلَاثًا ( وَأَرْبَاعًا مُنَازَعَةً عِنْدَهُمَا ) ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ لِوَلِيِّ الْخَطَأِ وَرُبْعُهُ لِأَحَدِ وَلِيِّ الْعَمْدِ لِأَنَّ النِّصْفَ سَلِمَ لِوَلِيِّ الْخَطَأِ بِلَا مُنَازَعَةٍ وَاسْتَوَتْ مُنَازَعَةُ الْفَرِيقَيْنِ فِي النِّصْفِ الْآخَرِ فَيُنَصِّفُ لِهَذَا يُقْسَمُ أَرْبَاعًا

( قَتَلَ عَبْدُهُمَا قَرِيبَهُمَا وَعَفَا أَحَدُهُمَا بَطَلَ كُلُّهُ ) لِأَنَّ مَا يَجِبُ مِنْ الْمَالِ يَكُونُ حَقَّ الْمَقْتُولِ لِأَنَّهُ بَدَلُ دَمِهِ وَلِهَذَا يُقْتَضَى مِنْهُ دُيُونُهُ وَتَنْفُذُ وَصَايَاهُ ثُمَّ الْوَرَثَةُ يَخْلُفُونَهُ فِيهِ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ حَاجَتِهِ وَالْمَوْلَى لَا يَسْتَوْجِبُ عَلَى عَبْدِهِ دَيْنًا فَلَا يَخْلُفُهُ الْوَرَثَةُ فِيهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

فَصْلٌ ( دِيَةُ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ قِيمَتُهَا فَإِنْ بَلَغَتْ ) أَيْ قِيمَتُهَا ( دِيَةَ حُرٍّ ) وَهِيَ عَشَرَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ ( أَوْ حُرَّةٍ ) وَهِيَ خَمْسَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ ( نَقَصَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمَا عَشَرَةٌ ) أَيْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ إشْعَارًا بِانْحِطَاطِ دَرَجَةِ الرَّقِيقِ عَنْ الْحُرِّ وَتَعْيِينُ الْعَشَرَةِ بِأَثَرِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ( وَلَوْ ) كَانَتْ الْقِيمَةُ ( أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ آلَافٍ ) مِنْ الدَّرَاهِمِ ( فِي الْعَبْدِ وَمِنْ خَمْسَةِ آلَافٍ فِي الْأَمَةِ ) .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ يَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ .
( وَفِي الْغَصْبِ ) يُعْتَبَرُ ( قِيمَتُهُ ) أَيْ قِيمَةُ كُلٍّ مِنْهُمَا ( بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ ) فَلَوْ غَصَبَ عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةُ دِينَارٍ وَهَلَكَ فِي يَدِهِ يَلْزَمُهُ تِلْكَ الْقِيمَةُ ( وَمَا قُدِّرَ مِنْ دِيَةِ الْحُرِّ قُدِّرَ مِنْ قِيمَةِ الْقِنِّ ) لِأَنَّ الْقِيمَةَ فِي الْقِنِّ كَالدِّيَةِ فِي الْحُرِّ لِأَنَّهُ بَدَلُ الدَّمِ ( فَفِي يَدِهِ ) أَيْ إتْلَافِ يَدِ الْقِنِّ يَلْزَمُ ( نِصْفُ قِيمَتِهِ ) كَمَا فِي دِيَةِ الْحُرِّ ( بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ فِي الصَّحِيحِ ) إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَجِبُ فِي قَطْعِ يَدِ الْعَبْدِ خَمْسَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ

( فَصْلٌ ) ( قَوْلُهُ فَلَوْ غَصَبَ عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةُ دِينَارٍ وَهَلَكَ فِي يَدِهِ يَلْزَمُهُ تِلْكَ الْقِيمَةُ ) تَمْثِيلُهُ بِمَنْ قِيمَتُهُ مِائَةٌ لَا يُنَاسِبُ الْمَقَامَ إذْ لَا يَظْهَرُ بِهِ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْجِنَايَةِ وَالْغَصْبِ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ قِيمَتُهُ أَلْفُ دِينَارٍ أَوْ أَكْثَرُ لِتَبْلُغَ الْقِيمَةُ دِيَةَ الْحُرِّ ( قَوْلُهُ فَفِي يَدِهِ يَلْزَمُهُ نِصْفُ قِيمَتِهِ ) إنَّمَا مَثَّلَ بِالْيَدِ لِيَخْرُجَ مَا لَوْ حَلَقَ لِحْيَتَهُ إذْ لَا يَلْزَمُ بِحَلْقِهَا غَيْرُ حُكُومَةِ عَدْلٍ عَلَى الصَّحِيحِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْعَبْدِ الْخِدْمَةُ لَا الْجَمَالُ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وُجُوبَ كَمَالِ الْقِيمَةِ لِأَنَّ الْجَمَالَ فِي حَقِّهِ مَقْصُودٌ أَيْضًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ نَقْلًا عَنْ الْعُيُونِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رَجُلٍ قَطَعَ أُذُنَيْ عَبْدٍ أَوْ أَنْفَهُ أَوْ حَلَقَ لِحْيَتَهُ فَلَمْ تَنْبُتْ فَعَلَيْهِ مَا نَقَصَهُ وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ عَلَيْهِ لِلْمَوْلَى قِيمَةً تَامَّةً إنْ دَفَعَ إلَيْهِ الْعَبْدَ ا هـ .
وَإِنَّمَا قَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِقَطْعِ يَدٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهُ لَوْ قَطَعَ يَدَيْ عَبْدٍ فَالسَّيِّدُ إمَّا أَنْ يَدْفَعَ الْعَبْدَ وَيُضَمِّنَ الْقَاطِعَ كُلَّ الْقِيمَةِ أَوْ يُمْسِكَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْقَاطِعِ كَمَا فِي فَقْءِ عَيْنِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا كَمَا فِي الْمُحِيطِ ( قَوْلُهُ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ تَجِبُ فِي قَطْعِ يَدِ الْعَبْدِ خَمْسَةُ آلَافٍ ) قَالَ فِي الْكَافِي عَنْ الْمَبْسُوطِ تَجِبُ خَمْسَةُ آلَافٍ إلَّا خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَكَذَا فِي الْبُرْهَانِ

( عَبْدٌ قَطَعَ يَدَهُ عَمْدًا فَأُعْتِقَ فَسَرَى أُقِيدَ إنْ وَرِثَهُ سَيِّدُهُ فَقَطْ ) أَيْ إنْ كَانَ وَارِثُ الْمُعْتَقِ سَيِّدَهُ فَقَطْ أَقَادَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا لِأَنَّ الْقَوَدَ يَجِبُ بِالْمَوْتِ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْجُرْحِ فَإِنْ اُعْتُبِرَ وَقْتُ الْجُرْحِ فَسَبَبُ الْوِلَايَةِ وَإِنْ اُعْتُبِرَ وَقْتُ الْمَوْتِ فَسَبَبُهَا الْوَرَثَةُ بِالْوَلَاءِ فَجَهَالَةُ سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ تَمْنَعُ الْقَوَدَ كَجَهَالَةِ الْمُسْتَحَقِّ وَلَهُمَا أَنَّ جَهَالَةَ السَّبَبِ لَا تُعْتَبَرُ عِنْدَ تَيَقُّنِ مَنْ لَهُ الْحَقُّ ( وَإِلَّا فَلَا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْوَارِثُ السَّيِّدَ فَقَطْ بَلْ لَهُ وَارِثٌ غَيْرُهُ لَمْ يُقَدْ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ إنْ كَانَ وَقْتَ الْجُرْحِ فَالْمُسْتَحِقُّ السَّيِّدُ وَإِنْ كَانَ وَقْتَ الْمَوْتِ فَذَلِكَ الْوَارِثُ أَوْ هُوَ مَعَ السَّيِّدِ فَجَهَالَةُ الْمُقْتَضِي لَهُ تَمْنَعُ الْحُكْمَ

( قَالَ ) الْمَوْلَى لِعَبْدَيْهِ ( أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَشُجَّا ) أَيْ صَارَا مَشْجُوجَيْنِ ( فَعَيَّنَ ) الْمَوْلَى ( وَاحِدًا ) لِلْحُرِّيَّةِ بِأَنْ قَالَ أَرَدْت هَذَا ( فَأَرْشُهُمَا لَهُ ) أَيْ لِلْمَوْلَى ( وَإِنْ قَتَلَهُمَا رَجُلٌ وَجَبَ دِيَةُ حُرٍّ وَقِيمَةُ عَبْدٍ ) وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيَانَ إنْشَاءٌ فِي حَقِّ الْمَحَلِّ إظْهَارٌ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَلِهَذَا إذَا مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ الْبَيَانِ يَشِيعُ الْعِتْقُ بَيْنَهُمَا وَبَعْدَ الشَّجَّةِ بَقِيَ مَحَلًّا لِلْبَيَانِ فَاعْتُبِرَ إنْشَاءً فِي حَقِّهِمَا وَبَعْدَ الْمَوْتِ لَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلْبَيَانِ فَاعْتُبِرَ إظْهَارًا مَحْضًا وَأَحَدُهُمَا حُرٌّ بِيَقِينٍ فَيَجِبُ قِيمَةُ عَبْدٍ وَدِيَةُ حُرٍّ ( وَلَوْ ) قَتَلَ ( كُلًّا ) مِنْهُمَا ( رَجُلٌ فَقِيمَةُ الْعَبْدَيْنِ ) لِأَنَّا لَمْ نَتَيَقَّنْ بِقَتْلِ كُلِّ وَاحِدٍ حُرًّا وَكُلٌّ مِنْ الْقَاتِلَيْنِ يُنْكِرُ ذَلِكَ فَعَلَيْهِمَا قِيمَتُهُمَا
( قَوْلُهُ وَإِنْ قَتَلَهُمَا رَجُلٌ ) يَعْنِي مَعًا كَمَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ ( قَوْلُهُ وَجَبَ دِيَةُ حُرٍّ وَقِيمَةُ عَبْدٍ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ هَذَا إذَا لَمْ يَخْتَلِفْ قِيمَتُهُمَا وَيَكُونُ كُلٌّ مِنْ الْقِيمَتَيْنِ وَالدِّيَةِ نِصْفَيْنِ بَيْنَ الْمَوْلَى وَالْوَرَثَةِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَإِنْ اخْتَلَفَ قِيمَتُهُمَا يَجِبُ نِصْفُ قِيمَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَدِيَةُ حُرٍّ فَيُقْسَمُ مِثْلُ الْأَوَّلِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَتَلَهُمَا عَلَى التَّعَاقُبِ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ لِلْأَوَّلِ لِمَوْلَاهُ وَالدِّيَةُ لِلثَّانِي لِوَرَثَتِهِ لِتَعَيُّنِهِ لِلْعِتْقِ بَعْدَ مَوْتِ الْأَوَّلِ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَلَوْ قَتَلَ كُلًّا مِنْهُمَا رَجُلٌ فَقِيمَةُ الْعَبْدَيْنِ ) هَذَا إذَا قَتَلَاهُمَا مَعًا أَوْ عَلَى التَّعَاقُبِ وَلَمْ يَدْرِ الْأَوَّلُ وَمَا يُؤْخَذُ يَكُونُ بَيْنَ الْمَوْلَى وَالْوَرَثَةِ نِصْفَيْنِ وَإِنْ قَتَلَاهُمَا عَلَى التَّعَاقُبِ فَعَلَى الْقَاتِلِ الْأَوَّلِ قِيمَتُهُ لِلْمَوْلَى لِتَعَيُّنِهِ لِلرِّقِّ وَعَلَى الثَّانِي دِيَتُهُ لِوَرَثَتِهِ لِتَعَيُّنِهِ لِلْعِتْقِ بَعْدَ مَوْتِ الْأَوَّلِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ

وَفِي ( فَقْءِ عَيْنَيْ عَبْدٍ دَفَعَهُ سَيِّدُهُ وَأَخَذَ قِيمَتَهُ أَوْ أَمْسَكَهُ بِلَا أَخْذِ النُّقْصَانِ ) يَعْنِي إذَا فَقَأَ رَجُلٌ عَيْنَيْ عَبْدٍ فَإِنْ شَاءَ مَوْلَاهُ دَفَعَهُ إلَيْهِ وَأَخَذَ قِيمَتَهُ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهُ وَلَمْ يَأْخُذْ النُّقْصَانَ وَقَالَا يُخَيَّرُ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْإِمْسَاكِ مَعَ أَخْذِ النُّقْصَانِ لِأَنَّ مَعْنَى الْمَالِيَّةِ لَمَّا كَانَ مُعْتَبَرًا وِفَاقًا أَنْ يَتَخَيَّرَ الْمَوْلَى عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ فَإِنَّ مَنْ خَرَقَ ثَوْبَ غَيْرِهِ خَرْقًا فَاحِشًا يُخَيَّرُ الْمَالِكُ بَيْنَ دَفْعِهِ إلَيْهِ وَتَضْمِينِهِ قِيمَتَهُ وَبَيْنَ إمْسَاكِ الثَّوْبِ وَتَضْمِينِ النُّقْصَانِ وَلَهُ أَنَّ الْمَالِيَّةَ إنْ كَانَتْ مُعْتَبَرَةً فِي الذَّاتِ فَالْآدَمِيَّةُ غَيْرُ مُهْدَرَةٍ فِيهَا وَفِي الْأَطْرَافِ أَيْضًا وَلِهَذَا لَوْ قَطَعَ عَبْدٌ يَدَ عَبْدٍ يُؤْمَرُ الْمَوْلَى بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ وَلَوْ كَانَ مَالًا مَحْضًا لَوَجَبَ أَنْ يُبَاعَ فِيهَا ثُمَّ مِنْ أَحْكَامِ الْآدَمِيَّةِ أَنْ لَا يَنْقَسِمَ الضَّمَانُ عَلَى الْأَجْزَاءِ وَلَا يَتَمَلَّكُ الْجُثَّةَ وَمِنْ أَحْكَامِ الْمَالِيَّةِ أَنْ تَنْقَسِمَ وَتَتَمَلَّكَ فَوَفَّرْنَا عَلَى الشَّبَهَيْنِ حَظَّهُمَا مِنْ الْحُكْمِ .
( قَوْلُهُ وَلَهُ أَنَّ الْمَالِيَّةَ إنْ كَانَتْ مُعْتَبَرَةً ) إنْ وَصَلْيَةٌ لَا شَرْطِيَّةٌ وَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُ اقْتِرَانَهَا بِالْوَاوِ قَوْلُهُ ثُمَّ مِنْ أَحْكَامِ الْآدَمِيَّةِ أَنْ لَا يَنْقَسِمَ الضَّمَانُ عَلَى الْأَجْزَاءِ ) يَعْنِي الْأَجْزَاءَ الْفَائِتَةَ وَالْقَائِمَةَ بَلْ يَكُونُ بِإِزَاءِ الْفَائِتَةِ لَا غَيْرُ ( قَوْلُهُ فَوَفَّرْنَا عَلَى الشَّبَهَيْنِ حَظَّهُمَا مِنْ الْحُكْمِ ) يَعْنِي فَقُلْنَا بِأَنَّهُ لَا يَنْقَسِمُ اعْتِبَارًا لِلْآدَمِيَّةِ وَيَتَمَلَّكُ الْجُثَّةَ اعْتِبَارًا لِلْمَالِيَّةِ .

( فَصْلٌ ) ( أَقَرَّ مُدَبَّرٌ أَوْ أُمُّ وَلَدٍ ) لَمْ يَذْكُرْ الْمُكَاتَبَ إذْ عُلِمَ حُكْمُهُ فِيمَا سَبَقَ مِنْ كِتَابِهِ ( بِجِنَايَةٍ ) خَطَأٍ ( لَمْ يَجُزْ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا ( وَلَوْ بَعْدَ الْعِتْقِ ) لِأَنَّ مُوجِبَ جِنَايَةِ الْخَطَأِ مِنْهُ عَلَى سَيِّدِهِ وَإِقْرَارُهُ لَا يَنْفُذُ عَلَيْهِ ( وَبَعْدَ إثْبَاتِهَا ) بِالنِّيَّةِ ( ضَمِنَ مَوْلَاهُ الْأَقَلَّ مِنْ الْأَرْشِ وَالْقِيمَةِ ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَضَى بِجِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ عَلَى مَوْلَاهُ وَكَانَ أَمِيرًا بِالشَّامِ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فَصَارَ إجْمَاعًا وَلِأَنَّهُ بِالتَّدْبِيرِ أَوْ الِاسْتِيلَادِ صَارَ مَانِعًا دَفْعَ الرَّقَبَةِ عِنْدَ الْجِنَايَةِ وَلَمْ يَصِرْ بِهِ مُخْتَارًا لِلدِّيَةِ لِأَنَّهُ غَيْرُ عَالِمٍ بِأَنَّهُ يَجْنِي فَصَارَ كَمَا لَوْ فَعَلَهُ بَعْدَ الْجِنَايَةِ غَيْرَ عَالِمٍ بِهَا وَإِنَّمَا وَجَبَ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الْأَرْشِ لِأَنَّ الْأَصْلَ وُجُوبُ الدَّفْعِ بِالْجِنَايَةِ وَقَدْ تَعَذَّرَ الدَّفْعُ بِسَبَبٍ مِنْ الْمَوْلَى فَتَجِبُ الْقِيمَةُ عَلَيْهِ لِمَنْعِهِ مِنْهُ وَلَا مَنْعَ مِنْ الْمَوْلَى فِي أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ وَلَا حَقَّ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ فِي أَكْثَرَ مِنْ الْأَرْشِ وَلَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ بَيْنَ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ فِي مُتَّحِدِي الْجِنْسِ بِخِلَافِ الْقِنِّ حَيْثُ خُيِّرَ بَيْنَ الدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ وَجِنْسُهُمَا مُخْتَلِفٌ
( فَصْلٌ ) ( قَوْله وَجِنْسُهُمَا مُخْتَلِفٌ ) الضَّمِيرُ لِلدَّفْعِ وَالْفِدَاءِ

( وَإِنْ جَنَى ) الْمُدَبَّرُ ( جِنَايَاتٍ لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ ) بِمُقَابَلَةِ عَيْنِ وَاحِدٍ فَيُشَارِكُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ ( الثَّانِيَةِ وَلِيَّ الْأُولَى فِي قِيمَةٍ دُفِعَتْ إلَيْهِ ) أَيْ وَلِيِّ الْأُولَى ( بِقَضَاءٍ ) وَلَا يَطْلُبُ مِنْ الْمَوْلَى شَيْئًا لِأَنَّهُ مَجْبُورٌ فِي الدَّفْعِ ( وَيُتْبِعُ مَوْلَاهُ أَوْ وَلِيُّ الْأُولَى لَوْ ) دُفِعَتْ إلَيْهِ ( بِدُونِهِ ) أَيْ بِدُونِ الْقَضَاءِ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ مَجْبُورًا فِي الدَّفْعِ
( قَوْلُهُ وَيُتْبِعُ مَوْلَاهُ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فَإِذَا أَخَذَ مِنْهُ رَجَعَ الْمَوْلَى عَلَى الْأَوَّلِ بِمَا ضَمِنَ لِلثَّانِي لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ

( جَنَى ) مُدَبَّرٌ ( خَطَأً فَمَاتَ لَمْ يَسْقُطْ الْقِيمَةُ عَنْ مَوْلَاهُ ) لِأَنَّهَا تَثْبُتُ عَلَيْهِ بِسَبَبِ تَدْبِيرِهِ وَبِالْمَوْتِ لَا يَسْقُطُ ذَلِكَ

( قَتَلَ الْمُدَبَّرُ مَوْلَاهُ خَطَأً يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ ) لِأَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ بِرَقَبَتِهِ وَقَدْ سَلِمَتْ لَهُ لِأَنَّهُ عَتَقَ بِمَوْتِ سَيِّدِهِ وَلَا وَصِيَّةَ لِلْقَاتِلِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّ رَقَبَتِهِ وَقَدْ عَجَزَ عَنْهُ فَعَلَيْهِ رَدُّ بَدَلِهَا وَهِيَ الْقِيمَةُ ( وَلَوْ ) قَتَلَهُ ( عَمْدًا قَتَلَهُ ) الْوَارِثُ ( وَاسْتَوْفَى قِيمَتَهُ ثُمَّ قَتَلَهُ ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِمَا ذُكِرَ مِنْ أَنَّ التَّدْبِيرَ وَصِيَّةٌ
إلَخْ

( غَصَبَ عَبْدًا قَطَعَ سَيِّدُهُ يَدَهُ فَسَرَى ضَمِنَ قِيمَتَهُ أَقْطَعَ وَإِنْ قَطَعَهُ سَيِّدُهُ فِي يَدِ غَاصِبِهِ فَسَرَى عِنْدَهُ لَمْ يَضْمَنْ ) لِأَنَّ الْغَصْبَ يُوجِبُ ضَمَانَ مَا غُصِبَ وَيَبْرَأُ الْغَاصِبُ بِاسْتِرْدَادِ الْمَغْصُوبِ وَالِاسْتِيلَاءِ عَلَيْهِ فَفِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَمَّا قَطَعَهُ الْمَوْلَى فِي يَدِهِ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ بِالْقَطْعِ فَوَجَبَ عَلَى الْغَاصِبِ قِيمَتُهُ أَقْطَعَ وَفِي الثَّانِيَةِ لَمَّا قَطَعَ الْمَوْلَى يَدَ عَبْدِهِ فِي يَدِ الْغَاصِبِ صَارَ مُسْتَرِدًّا لَهُ لِاسْتِيلَاءِ يَدِهِ عَلَيْهِ وَبَرِئَ الْغَاصِبُ مِنْ ضَمَانِهِ لِوُصُولِ مِلْكِهِ إلَيْهِ

( وَضَمِنَ ) عَبْدٌ ( مَحْجُورٌ غَصْبَ مِثْلِهِ فَمَاتَ بِيَدِهِ ) فَإِنَّ الْمَحْجُورَ يُؤَاخَذُ بِأَفْعَالِهِ حَتَّى لَوْ ثَبَتَ الْغَصْبُ بِالْبَيِّنَةِ يُبَاعُ فِيهِ دُونَ أَقْوَالِهِ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَا يُبَاعُ بَلْ يُؤَاخَذُ بِهِ بَعْدَ عِتْقِهِ

( جَنَى مُدَبَّرٌ عِنْدَ غَاصِبِهِ ثُمَّ عِنْدَ مَوْلَاهُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ لَهُمَا ) يَعْنِي إذَا غَصَبَ رَجُلٌ مُدَبَّرًا فَجَنَى عِنْدَهُ ثُمَّ رَدَّهُ إلَى مَوْلَاهُ فَجَنَى عِنْدَهُ أُخْرَى ضَمِنَ الْمَوْلَى لِوَلِيِّ الْجِنَايَتَيْنِ فَتَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّ مُوجَبَ جِنَايَةِ الْمُدَبَّرِ وَإِنْ كَثُرَتْ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ فَيَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى لِأَنَّهُ أَعْجَزَ نَفْسَهُ عَنْ الدَّفْعِ بِالتَّدْبِيرِ السَّابِقِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَصِيرَ مُخْتَارًا لِلْفِدَاءِ كَمَا فِي الْقِنِّ إذَا أَعْتَقَهُ بَعْدَ الْجِنَايَاتِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَعْلَمَهَا وَإِنَّمَا كَانَتْ الْقِيمَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي السَّبَبِ ( وَرَجَعَ بِنِصْفِهَا ) أَيْ رَجَعَ الْمَوْلَى بِنِصْفِ مَا ضَمِنَ مِنْ قِيمَةِ الْمُدَبَّرِ ( عَلَى الْغَاصِبِ ) لِأَنَّهُ ضَمِنَ بِالْقِيمَةِ الْجِنَايَتَيْنِ ، نِصْفُهَا بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَ الْغَاصِبِ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ لَحِقَهُ مِنْ جِهَةِ الْغَاصِبِ فَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَرُدَّ نِصْفَ الْعَبْدِ لِأَنَّ رَدَّ الْمُسْتَحَقِّ بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَ الْغَاصِبِ كَلَا رَدٍّ ( وَدَفَعَهُ إلَى الْأَوَّلِ ) أَيْ دَفَعَ الْمَوْلَى نِصْفَ الْقِيمَةِ الَّذِي أَخَذَهُ مِنْ الْغَاصِبِ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَدْفَعُهُ إلَيْهِ لِأَنَّ الَّذِي رَجَعَ بِهِ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ عِوَضُ مَا سَلَّمَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ لِأَنَّهُ إنَّمَا رَجَعَ عَلَى الْغَاصِبِ بِسَبَبِ ذَلِكَ فَلَا يَدْفَعُ إلَيْهِ لِئَلَّا يَجْتَمِعَ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكٍ وَاحِدٍ وَلَهُمَا أَنَّ حَقَّ الْأَوَّلِ فِي جَمِيعِ الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ حِينَ جَنَى عَلَيْهِ لَا يُزَاحِمُهُ أَحَدٌ فَيَسْتَحِقُّ كُلَّهَا وَإِنَّمَا يُنْتَقَصُ بِاعْتِبَارِ مُزَاحَمَةِ الثَّانِي فَإِذَا وَجَدَ شَيْئًا مِنْ بَدَلِ الْعَبْدِ فِي يَدِ الْمَالِكِ فَارِغًا يَأْخُذُهُ مِنْهُ لِيَتِمَّ حَقُّهُ وَ ( بِعَكْسِهِ ) يَعْنِي جَنَى عِنْدَ الْمَوْلَى خَطَأً ثُمَّ غَصَبَهُ رَجُلٌ فَجَنَى عِنْدَهُ ( لَا يَرْجِعُ ) الْمَوْلَى لِأَنَّ الْجِنَايَةَ

الْأُولَى كَانَتْ فِي يَدِهِ ( وَالْقِنُّ فِي الْفَصْلَيْنِ ) يَعْنِي إذَا جَنَى عِنْدَ غَاصِبِهِ ثُمَّ عِنْدَ مَوْلَاهُ أَوْ بِالْعَكْسِ ( كَالْمُدَبَّرِ ) لَكِنَّ ( الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَوْلَى يَدْفَعُ الْقِنَّ ) نَفْسَهُ ( وَقِيمَةَ الْمُدَبَّرِ ) فَإِذَا دَفَعَ الْقِنَّ رَجَعَ بِنِصْفِ قِيمَتِهِ عَلَى الْغَاصِبِ وَسَلِمَ لِلْمَالِكِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَهُمَا لَا يَسْلَمُ لَهُ بَلْ يَدْفَعُهُ إلَى الْأَوَّلِ وَإِذَا دَفَعَهُ إلَيْهِ يَرْجِعُ فِي الْفَصْلِ الْأَوَّلِ عَلَى الْغَاصِبِ وَفِي الثَّانِي لَا
( قَوْلُهُ وَرَجَعَ بِنِصْفِهَا عَلَى الْغَاصِب وَدَفَعَهُ إلَى الْأَوَّلِ ) أَقُولُ ثُمَّ يَرْجِعُ بِهِ ثَانِيًا عَلَى الْغَاصِبِ فَيَصِيرُ كَأَنَّ الْغَاصِبَ لَمْ يَرُدَّ وَلَمْ يَضْمَنْ لِمَوْلَاهُ شَيْئًا بَعْدَ ذَلِكَ إذَا لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ الْعَبْدِ أَوْ مِنْ بَدَلِهِ فِي يَدِهِ وَمَا يَأْخُذُهُ الْمَوْلَى ثَانِيًا مِنْ الْغَاصِبِ يَكُونُ لَهُ لِوُصُولِ كُلٍّ مِنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِمَا إلَى حَقِّهِ الْأَوَّلِ إلَى قِيمَةٍ كَامِلَةٍ وَالثَّانِي إلَى نِصْفِ قِيمَتِهِ فَمَا بَقِيَ يَكُونُ لِلْمَوْلَى وَلَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ هَذَا الْقَدْرَ وَلَا بُدَّ مِنْهُ وَإِلَّا فَلَا يَتَأَتَّى عَكْسُهَا الْمَذْكُورُ بَعْدَهَا فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ ( قَوْلُهُ وَبِعَكْسِهِ لَا يَرْجِعُ لَيْسَ الْمُرَادُ نَفْيَ الرُّجُوعِ مُطْلَقًا ) بَلْ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفٍ ثَانِيًا مِثْلَ الصُّورَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ بَلْ يَأْخُذُ مِنْهُ نِصْفًا فَقَطْ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْمُدَبَّرَ جَنَى عِنْدَ مَوْلَاهُ أَوَّلًا فَغَصَبَهُ رَجُلٌ فَجَنَى عِنْدَهُ ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى الْمَوْلَى ضَمِنَ الْمَوْلَى قِيمَتَهُ لِوَلِيِّ الْجِنَايَتَيْنِ فَتَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ بِنِصْفِ الْقِيمَةِ لِاسْتِحْقَاقِهِ بِالسَّبَبِ عِنْدَهُ فَيَدْفَعُهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى بِالْإِجْمَاعِ ثُمَّ إذَا دَفَعَهُ لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْغَاصِبِ بِالْإِجْمَاعِ ا هـ كَمَا فِي التَّبْيِينِ

( مُدَبَّرٌ غَصَبَ مَرَّتَيْنِ فَجَنَى فِي كُلِّ مَرَّةٍ ) يَعْنِي رَجُلٌ غَصَبَ مُدَبَّرًا فَجَنَى عِنْدَهُ ثُمَّ رَدَّهُ عَلَى مَوْلَاهُ ثُمَّ غَصَبَهُ فَجَنَى عِنْدَهُ جِنَايَةً أُخْرَى ( ضَمِنَ مَوْلَاهُ قِيمَتَهُ لَهُمَا ) أَيْ لِوَلِيِّ الْجِنَايَتَيْنِ لِأَنَّهُ مَنَعَ عَيْنَ الْعَبْدِ عَنْ الدَّفْعِ بِالتَّدْبِيرِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ كَمَا مَرَّ ( وَرَجَعَ بِهَا ) أَيْ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ ( عَلَى الْغَاصِبِ ) لِأَنَّ الْجِنَايَتَيْنِ كَانَتَا فِي يَدِهِ فَاسْتَحَقَّهُ الْمَوْلَى بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِالْكُلِّ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ فَإِنَّهُ هُنَاكَ اسْتَحَقَّ النِّصْفَ بِسَبَبٍ كَانَ عِنْدَهُ وَالنِّصْفَ بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ ( وَدَفَعَ ) أَيْ الْمَوْلَى ( نِصْفَهَا ) أَيْ نِصْفَ الْقِيمَةِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ الْغَاصِبِ ثَانِيًا ( إلَى الْأَوَّلِ ) أَيْ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ كُلَّ الْقِيمَةِ لِعَدَمِ الْمُزَاحِمِ عِنْدَ وُجُودِ جِنَايَتِهِ وَإِنَّمَا انْتَقَصَ حَقُّهُ بِحُكْمِ الْمُزَاحَمَةِ مِنْ بَعْدُ ( وَرَجَعَ ) أَيْ الْمَوْلَى ( بِهِ ) أَيْ بِالنِّصْفِ الَّذِي دَفَعَهُ ثَانِيًا إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى ( عَلَى الْغَاصِبِ ) لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ هَذَا النِّصْفِ ثَانِيًا بِسَبَبٍ كَانَ فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ وَيَسْلَمُ لَهُ ذَلِكَ وَلَا يَدْفَعُهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْأُولَى لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ وَلَا إلَى وَلِيِّ الثَّانِيَةِ إذْ لَا حَقَّ لَهُ إلَّا فِي النِّصْفِ لِسَبْقِ حَقِّ الْأَوَّلِ عَلَيْهِ وَقَدْ وَصَلَ ذَلِكَ إلَيْهِ ( وَأُمُّ الْوَلَدِ فِي كُلِّهَا ) أَيْ كُلِّ الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ ( كَالْمُدَبَّرِ ) لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي كَوْنِ الْمَانِعِ مِنْ الدَّفْعِ لِلْجِنَايَةِ مِنْ قِبَلِ الْمَوْلَى
( قَوْلُهُ فَاسْتَحَقَّهُ الْمَوْلَى ) كَذَا فِي النُّسَخِ وَالْمُرَادُ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ فَالْمِيمُ زَائِدَةٌ فِي الْمَوْلَى ( قَوْلُهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ ) يَعْنِي يَرْجِعُ الْمَوْلَى عَلَى الْغَاصِبِ بِالْكُلِّ

( غَصَبَ صَبِيًّا حُرًّا فَمَاتَ عِنْدَهُ فَجْأَةً أَوْ بِحُمَّى لَمْ يَضْمَنْ وَلَوْ مَاتَ بِصَاعِقَةٍ أَوْ نَهْشِ حَيَّةٍ ضَمِنَ عَاقِلَتُهُ الدِّيَةَ ) هَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَضْمَنَ فِي الْوَجْهَيْنِ كَمَا قَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْغَصْبِ فِي الْحُرِّ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمُكَاتَبِ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا لِكَوْنِهِ حُرًّا يَدًا مَعَ أَنَّهُ رَقِيقٌ رَقَبَةً فَالْحُرُّ يَدًا أَوْ رَقَبَةً أَوْلَى أَنْ لَا يَضْمَنَ بِهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ لَيْسَ بِضَمَانِ الْغَصْبِ بَلْ ضَمَانِ الْإِتْلَافِ بِالتَّسْبِيبِ لِنَقْلِهِ إلَى مَكَان فِيهِ الصَّوَاعِقُ وَالْحَيَّاتُ حَتَّى لَوْ نَقَلَهُ إلَى مَوْضِعٍ يَغْلِبُ فِيهِ الْحُمَّى ضَمِنَ كَذَا فِي الْكَافِي ( كَمَا فِي صَبِيٍّ أُودِعَ عَبْدًا فَقَتَلَهُ ) أَيْ إذَا أَوْدَعَ مَوْلَى الْعَبْدِ عَبْدَهُ صَبِيًّا فَقَتَلَهُ ضَمِنَ عَاقِلَةُ الصَّبِيِّ قِيمَتَهُ ( وَإِنْ أَتْلَفَ مَالًا بِإِيدَاعٍ لَا يَضْمَنُ ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَيَضْمَنُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالًا مَعْصُومًا وَلَهُمَا أَنَّ غَيْرَ الْعَبْدِ مَعْصُومٌ لِحَقِّ السَّيِّدِ وَقَدْ فَوَّتَهُ لِدَفْعِهِ إلَى يَدِ الصَّبِيِّ وَأَمَّا الْعَبْدُ فَعِصْمَتُهُ لِحَقِّهِ لِبَقَائِهِ عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّ الدَّمِ ( وَبِدُونِهِ يَضْمَنُ ) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ مُؤَاخَذٌ بِأَفْعَالِهِ

( قَوْلُهُ غَصَبَ صَبِيًّا حُرًّا ) يَعْنِي لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ يُعَبِّرُ يُعَارِضُهُ بِلِسَانِهِ فَلَا تَثْبُتُ يَدُهُ حُكْمًا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ نَقَلَهُ إلَى مَوْضِعٍ يَغْلِبُ فِيهِ الْحُمَّى ) لَيْسَتْ قَيْدًا لِأَنَّهُ كَذَلِكَ الْأَمْرَاضُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَالْبُرْهَانِ قَوْلُهُ ضَمِنَ لَيْسَ الْمُرَادُ ضَمَانَهُ وَحْدَهُ بَلْ مَعَ عَاقِلَتِهِ ( قَوْلُهُ كَمَا فِي صَبِيٍّ أُودِعَ عَبْدًا فَقَتَلَهُ ) التَّشْبِيهُ بِالنَّظَرِ إلَى أَصْلِ الضَّمَانِ عَلَى الْعَاقِلَةِ لِأَنَّ الْوَاجِبَ فِي مَسْأَلَةِ عَبْدِ الْقِيمَةِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ شَرْحًا وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْكَافِي نَقْلًا عَنْ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَالصَّدْرِ الشَّهِيدِ قَالَ وَقَوْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ فَعَلَى عَاقِلَتِهِ الدِّيَةُ يَحْتَمِلُهُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْقِيمَةَ وَإِنَّمَا آثَرَ لَفْظَ الدِّيَةِ لِأَنَّهَا بِإِزَاءِ الْآدَمِيَّةِ وَالْقِيمَةُ بِإِزَاءِ الْمَالِيَّةِ وَالْوَاجِبُ فِي الْعَبْدِ بِإِزَاءِ إبْرَاءِ ذِمَّتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ ا هـ .
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ بَعْدَ ذِكْرِ الْخِلَافِ فِي التَّفْسِيرِ ثُمَّ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ شَرَطَ فِي الْجَامِعِ أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ عَاقِلًا .
وَفِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِي صَبِيٍّ عُمْرُهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَنَةً وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْعَاقِلِ يَضْمَنُ بِالِاتِّفَاقِ لِأَنَّ التَّسْلِيطَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِيهِ وَفِعْلُهُ مُعْتَبَرٌ ا هـ .
وَكَتَبَ عَلَيْهِ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ مُحَمَّدٌ النِّحْرِيرِيُّ نَقْلًا عَنْ الشَّلَبِيِّ قَوْلُهُ أَيْ الزَّيْلَعِيُّ وَذَلِكَ دَلِيلٌ
إلَخْ تَبِعَ فِيهِ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْأَتْقَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مَذْهَبُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا إنَّ الصَّبِيَّ إذَا لَمْ يَكُنْ عَاقِلًا لَا يَضْمَنُ فِي قَوْلِهِمْ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ قَاضِي خَانْ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ ا هـ مَا عَنْ الشَّلَبِيِّ ثُمَّ كَتَبَ بَعْدَهُ وَقَالَ مِسْكِينٌ وَالْخِلَافُ فِي

الصَّبِيِّ الْعَاقِلِ فِي الصَّحِيحِ حَتَّى لَا يَضْمَنَ غَيْرُ الْعَاقِلِ بِالْإِجْمَاعِ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَإِنْ أَتْلَفَ مَالًا بِإِيدَاعٍ لَمْ يَضْمَنْ ) فَإِنْ قُلْت مَا الْفَرْقُ بَيْنَ ذَا وَبَيْنَ إتْلَافِهِ الْعَبْدَ الْمُودَعَ عِنْدَهُ مَعَ أَنَّهُ مَالٌ أَيْضًا قُلْت الْفَرْقُ أَنَّ عِصْمَةَ الْمَالِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ حَقُّ مَالِكِهِ فَيَمْلِكُ اسْتِهْلَاكَهُ وَلَهُ تَمْكِينُ غَيْرِهِ مِنْ اسْتِهْلَاكِهِ وَأَمَّا الْآدَمِيُّ الْمَمْلُوكُ فَعِصْمَتُهُ لِحَقِّ نَفْسِهِ لَا لِحَقِّ مَوْلَاهُ وَلِهَذَا بَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّ الدَّمِ وَلَيْسَ لِمَوْلَاهُ وِلَايَةُ اسْتِهْلَاكِهِ فَلَا يَمْلِكُ تَمْلِيكَهَا وَهَذَا الْفَرْقُ مُؤَدَّى قَوْلِهِ وَلَهُمَا
إلَخْ ( قَوْلُهُ غَيْرَ الْعَبْدِ ) بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ وَالرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَإِنَّمَا ضَبَطْته لِأَنَّهُ يَلْتَبِسُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ التَّنَاقُضُ بِمَا يَلِيهِ وَلِذَا أَوْضَحْته بِالْفَرْقِ الْمُتَقَدِّمِ وَإِنْ عُلِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ

( بَابُ الْقَسَامَةِ ) ) ( هِيَ أَيْمَانٌ تُقْسَمُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ الَّذِينَ وُجِدَ الْقَتِيلُ فِيهِمْ ) قَوْلُهُ ( مَيِّتٌ بِهِ جُرْحٌ ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي حَلَفَ لَهُ ( أَوْ أَثَرُ ضَرْبٍ أَوْ خَنِقٍ ) بِكَسْرِ النُّونِ ( أَوْ خُرُوجِ دَمٍ مِنْ أُذُنِهِ أَوْ عَيْنَيْهِ وُجِدَ فِي مَحَلَّةٍ أَوْ أَكْثَرُهُ ) عُطِفَ عَلَى ضَمِيرِ وُجِدَ وَجَازَ لِلْفَصْلِ أَيْ أَكْثَرُ الْبَدَنِ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ رَأْسُهُ أَوْ لَا ( أَوْ وُجِدَ نِصْفُهُ مَعَ رَأْسِهِ لَا يُعْلَمُ قَاتِلُهُ ) إذْ لَوْ عَلِمَ كَانَ هُوَ الْخَصْمَ وَسَقَطَ الْقَسَامَةُ ( وَادَّعَى وَلِيُّهُ الْقَتْلَ عَلَى أَهْلِهَا ) أَيْ كُلِّهِمْ ( أَوْ ) عَلَى ( بَعْضِهِمْ ) عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ ( حَلَفَ لَهُ ) أَيْ لِأَجْلِ ذَلِكَ الْمَيِّتِ ( خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْهُمْ ) أَيْ مِنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى أَهْلِ خَيْبَرَ أَنَّ هَذَا قَتِيلٌ وُجِدَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ فَمَا الَّذِي تُخْرِجُهُ فَكَتَبُوا إلَيْهِ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْحَادِثَةِ وَقَعَتْ فِي بَنِي إسْرَائِيلَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَمْرًا فَإِنْ كُنْت نَبِيًّا فَاسْأَلْ اللَّهَ تَعَالَى مِثْلَ ذَلِكَ فَكَتَبَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيْهِمْ أَنَّ اللَّهَ أَرَانِي أَنْ أَخْتَارَ مِنْكُمْ خَمْسِينَ رَجُلًا فَيَحْلِفُونَ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَا وَلَا عَلِمْنَا لَهُ قَاتِلًا ثُمَّ تَغْرَمُونَ الدِّيَةَ قَالُوا لَقَدْ قَضَيْت فِينَا بِالنَّامُوسِ } أَيْ بِالْوَحْيِ ( يَخْتَارُهُمْ الْوَلِيُّ ) إشَارَةً إلَى أَنَّ اخْتِيَارَ تَعْيِينِ الْخَمْسِينَ إلَى الْوَلِيِّ لِأَنَّ الْيَمِينَ حَقُّهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَخْتَارُ مَنْ يَتَّهِمُهُ بِالْقَتْلِ وَهُوَ الْفَسَقَةُ وَالشُّبَّانُ أَوْ صَالَحُوا أَهْلَ الْمَحَلَّةِ لِأَنَّ تَحَرُّزَهُمْ عَنْ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ أَبْلَغُ فَيَظْهَرُ الْقَاتِلُ ( قَائِلًا ) كُلٌّ مِنْهُمْ ( بِاَللَّهِ مَا قَتَلْته وَلَا عَلِمْت لَهُ قَاتِلًا لَا الْوَلِيُّ ) أَيْ لَا يَحْلِفُ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ

بِأَنَّهُمْ قَتَلُوهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إذَا كَانَ هُنَاكَ لَوْثٌ اسْتَحْلَفَ الْأَوْلِيَاءَ خَمْسِينَ يَمِينًا فَإِنْ حَلَفُوا يَقْضِي بِالدِّيَةِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَمْدًا كَانَتْ الدَّعْوَى أَوْ خَطَأً فِي قَوْلٍ وَفِي قَوْلٍ يَقْضِي بِالْقَوَدِ إذَا كَانَتْ الدَّعْوَى فِي الْعَمْدِ وَإِنْ نَكَلَ الْمُدَّعِي عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ فَإِنْ حَلَفُوا تُرِكُوا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ وَإِنْ نَكَلُوا فَيَلِيهِمْ الْقِصَاصُ فِي قَوْلٍ وَالدِّيَةُ فِي قَوْلٍ وَاللَّوْثُ الَّذِي ذَكَرَهُ قَرِينَةٌ حَالِيَّةٌ تُوقِعُ فِي الْقَلْبِ صِدْقَ الْمُدَّعِي بِأَنْ يَكُونَ هُنَاكَ عَلَامَةُ الْقَتْلِ عَلَى وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ كَالدَّمِ أَوْ ظَاهِرٌ يَشْهَدُ لِلْمُدَّعِي مِنْ عَدَاوَةٍ ظَاهِرَةٍ أَوْ شَهَادَةِ عَدْلٍ أَوْ جَمَاعَةٍ غَيْرِ عُدُولٍ أَنَّ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ قَتَلُوهُ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ لَهُ الظَّاهِرُ حَلَفَ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ لِلشَّافِعِيِّ فِي الْبِدَايَةِ بِيَمِينِ الْوَلِيِّ { قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْأَوْلِيَاءِ فَيُقْسِمُ مِنْكُمْ خَمْسُونَ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ } وَلِأَنَّ الْيَمِينَ حُجَّةٌ لِمَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ كَمَا فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى فَإِنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الذِّمَمِ الْبَرَاءَةُ وَالظَّاهِرُ يَشْهَدُ لِلْمُدَّعِي عِنْدَ قِيَامِ اللَّوْثِ وَقُرْبِ الْعَهْدِ فَتَكُونُ الْيَمِينُ حُجَّةً لَهُ وَلَكِنْ فِي هَذِهِ الْحُجَّةِ نَوْعُ شُبْهَةٍ وَالْقِصَاصُ عُقُوبَةٌ تَسْقُطُ بِهَا فَلِهَذَا وَجَبَ الدِّيَةُ فِي الْجَدِيدِ وَلَنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ } وَرَوَى ابْنُ الْمُسَيِّبِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَأَ بِالْيَهُودِ بِالْقَسَامَةِ وَجَعَلَ الدِّيَةَ عَلَيْهِمْ } لِوُجُودِ الْقَتِيلِ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَلِأَنَّ الْيَمِينَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ لِاسْتِحْقَاقِ فَلِسٍ فَكَيْفَ يَكُونُ حُجَّةً لِاسْتِحْقَاقِ نَفْسٍ وَالْيَمِينُ عِنْدَنَا لِيَظْهَرَ الْقَاتِلُ بِتَحَرُّزِهِمْ عَنْ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ

فَيُقِرُّوا فَيَجِبُ الْقِصَاصُ وَإِذَا حَلَفُوا حَصَلَ الْبَرَاءَةُ عَنْ الْقِصَاصِ ( ثُمَّ يَقْضِي عَلَى أَهْلهَا ) أَيْ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ ( بِالدِّيَةِ ) لِوُجُودِ الْقَتِيلِ بَيْنَهُمْ وَقَدْ ثَبَتَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَ الدِّيَةِ وَالْقَسَامَةِ } وَكَذَا عُمَرُ .
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

( بَابُ الْقَسَامَةِ ) ( قَوْلُهُ مَيِّتٌ بِهِ جُرْحٌ ) يَعْنِي إذَا كَانَ حُرًّا ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا عَاقِلًا أَوْ مَجْنُونًا وَأَمَّا إذَا كَانَ عَبْدًا فَتَجِبُ الْقَسَامَةُ وَالْقِيمَةُ إذَا وُجِدَ فِي غَيْرِ مِلْكِ سَيِّدِهِ وَلَا تَجِبُ الْغَرَامَةُ وَلَا الْقَسَامَةُ فِي سَائِرِ الْأَمْوَالِ وَالْبَهَائِمِ وَهَذَا عَلَى أَصْلِهِمَا وَأَمَّا عَلَى أَصْلِ أَبِي يُوسُفَ فَلَا قَسَامَةَ فِيهِ وَلَا دِيَةَ بِمَنْزِلَةِ الْبَهِيمَةِ وَكَذَا الْجَوَابُ فِي الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْمَأْذُونِ لَوْ فِي غَيْرِ دَارِ مَوْلَاهُمْ وَفِيهَا لَيْسَ فِيهِمْ شَيْءٌ إلَّا فِي الْمُكَاتَبِ فَتَجِبُ قِيمَتُهُ عَلَى مَوْلَاهُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ لَا عَلَى عَاقِلَتِهِ وَإِلَّا فِي الْمَأْذُونِ إنْ كَانَ مَدْيُونًا فَعَلَيْهِ قِيمَةٌ لِغُرَمَائِهِ حَالَّةٌ فِي مَالِهِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ .
وَفِي وَاقِعَاتِ النَّسَفِيِّ وَقِيمَةُ الْعَبْدِ تُؤْخَذُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ ( قَوْلُهُ حَلَفَ لَهُ ) لَا فَرْقَ فِي تَحْلِيفِ الْخَمْسِينَ بَيْنَ دَعْوَى الْقَتْلِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَأَمَّا الدِّيَةُ فَعَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ فِي دَعْوَى الْعَمْدِ وَعَلَى الْعَاقِلَةِ فِي الْخَطَأِ عَلَى مَا قَالَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَبِهِ اعْتَرَضَ ابْنُ الْمَلِكِ عَلَى مَتْنِ الْمَجْمَعِ بِإِلْزَامِهِ الْعَاقِلَةَ دِيَةَ الْقَتْلِ فِي الصُّورَتَيْنِ وَلَمْ يُفَصِّلْ فَيَرُدُّ عَلَى الْمُصَنِّفِ أَيْضًا وَسَنُبَيِّنُهُ فَلْيُحَرَّرْ قَوْلُهُ ثُمَّ يَقْضِي عَلَى أَهْلِهَا بِالدِّيَةِ ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ فَإِذَا حَلَفُوا يَقْضِي عَلَيْهِمْ بِالدِّيَةِ عِنْدَنَا فِي دَعْوَى الْعَمْدِ وَعَلَى عَاقِلَتِهِمْ فِي الْخَطَأِ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَالْخَانِيَّةِ وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ الْقَسَامَةُ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَالدِّيَةُ عَلَى عَوَاقِلِهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ

( وَإِنْ ادَّعَى وَلِيُّهُ الْقَتْلَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ غَيْرِهِمْ سَقَطَ الْقَسَامَةُ عَنْهُمْ ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى وَلِيُّ الْقَتِيلِ الْقَتْلَ عَلَى رَجُلٍ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ كَانَ ذَلِكَ إبْرَاءً مِنْهُ لِأَهْلِ الْمَحَلَّةِ حَتَّى لَا تُسْمَعَ دَعْوَاهُ بَعْدَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ ( وَإِنْ مِنْهُمْ فَلَا ) أَيْ وَإِنْ ادَّعَى عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِعَيْنِهِ لَا يُبْطِلُ الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ عَنْ أَهْلِهَا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ يَكُون ذَلِكَ إبْرَاءً مِنْهُ لِأَهْلِ الْمَحَلَّةِ كَذَا فِي الْجِنَايَةِ ( وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ ) أَيْ الْخَمْسُونَ ( فِيهَا ) أَيْ الْمَحَلَّةِ ( كَرَّرَ الْحَلِفَ عَلَيْهِمْ إلَى أَنْ يُتِمَّ ) أَيْ الْخَمْسُونَ ( وَمَنْ نَكَلَ مِنْهُمْ حُبِسَ حَتَّى يَحْلِفَ ) لِأَنَّ الْحَلِفَ فِيهِ وَاجِبٌ تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الدَّمِ وَلِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدِّيَةِ بِخِلَافِ النُّكُولِ فِي الْأَمْوَالِ لِأَنَّ الْحَلِفَ فِيهَا بَدَلٌ عَنْ أَصْلِ حَقِّهِ وَلِهَذَا يَسْقُطُ بِبَدَلِ الْمُدَّعِي وَهُنَا لَا تَسْقُطُ بِبَدَلِ الدِّيَةِ ( وَمُسْتَحْلِفٌ قَالَ قَتَلَهُ زَيْدٌ حَلَفَ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْت وَلَا عَرَفْت قَاتِلًا غَيْرَ زَيْدٍ ) لِأَنَّهُ يُرِيدُ إسْقَاطَ الْخُصُومَةِ عَنْ نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ فَلَا يُقْبَلُ وَيَحْلِفُ عَلَى مَا ذُكِرَ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِالْقَتْلِ صَارَ مُسْتَثْنًى عَنْ الْيَمِينِ فَبَقِيَ حُكْمُ مَنْ سِوَاهُ فَيَحْلِفُ عَلَيْهِ
( قَوْلُهُ وَإِنْ مِنْهُمْ فَلَا ) يَعْنِي فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ ( قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ ) هِيَ رِوَايَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ ( قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ فِيهَا كَرَّرَ الْحَلِفَ عَلَيْهِمْ ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا وُجِدَ الْعَدَدُ فَأَرَادَ الْوَلِيُّ تَكْرِيرَ الْحَلِفِ عَلَى بَعْضِهِمْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ كَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ يُرِيدُ إسْقَاطَ الْخُصُومَةِ عَنْ نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ فَلَا يُقْبَلُ ) كَذَا لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي حَقِّ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ قَتَلَهُ

( وَلَا قَسَامَةَ عَلَى صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ ) لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْقَوْلِ الصَّحِيحِ لِمَا عَرَفْت وَالْيَمِينُ قَوْلٌ ( وَامْرَأَةٌ وَعَبْدٌ ) لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ وَالْيَمِينُ عَلَى أَهْلِهَا

( وَلَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ ) عَلَى أَحَدٍ ( فِي حَقِّ مَيِّتٍ لَا أَثَرَ بِهِ أَوْ خَرَجَ دَمٌ مِنْ فَمِهِ أَوْ أَنْفِهِ أَوْ دُبُرِهِ أَوْ ذَكَرِهِ ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقَتِيلٍ إذْ لَا بُدَّ مِنْ أَثَرٍ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى كَوْنِهِ قَتِيلًا وَهُوَ مَا ذُكِرَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ بِخِلَافِ مَا ذُكِرَ هَاهُنَا لِأَنَّ الدَّمَ يَخْرُجُ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ عَادَةً بِلَا فِعْلِ أَحَدٍ
( قَوْله أَوْ خَرَجَ دَمٌ مِنْ فَمِهِ ) يَعْنِي وَهُوَ يَنْزِلُ مِنْ الرَّأْسِ وَإِنْ كَانَ يَعْلُو مِنْ الْجَوْفِ يَكُونُ قَتِيلًا بِخِلَافِ مَا ذَكَرَهَا هُنَا يَعْنِي إذَا وَجَدَ مَا ذُكِرَ مِنْ غَيْرِ ضَرْبٍ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْخَانِيَّةِ

( وَمَا تَمَّ خَلْقُهُ كَالْكَبِيرِ ) أَيْ إذَا وُجِدَ سِقْطٌ تَامُّ الْخَلْقِ بِهِ أَثَرٌ مِنْ هَذِهِ الْآثَارِ الْمَذْكُورَةِ فَهُوَ كَالْكَبِيرِ فِي الْأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ تَامَّ الْخَلْقِ يَنْفَصِلُ حَيًّا

( رَجُلٌ يَسُوقُ دَابَّةً عَلَيْهَا قَتِيلٌ ضَمِنَ عَاقِلَتُهُ ) أَيْ عَاقِلَةُ الرَّجُلِ ( دِيَتَهُ ) أَيْ دِيَةَ الْقَتِيلِ ( لَا أَهْلُ الْمَحَلَّةِ ) لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ فِي دَارِهِ ( كَذَا لَوْ قَادَهَا أَوْ رَكِبَهَا فَإِنْ اجْتَمَعُوا ) أَيْ الْقَائِدُ وَالسَّائِقُ وَالرَّاكِبُ ( ضَمِنُوا ) لِأَنَّهُ فِي أَيْدِيهِمْ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ
( قَوْلُهُ رَجُلٌ يَسُوقُ دَابَّةً
إلَخْ ) قَالَ الْإِمَامُ خُوَاهَرْ زَادَهْ هَذَا إذَا كَانَ يَسُوقُهَا سِرًّا مُتَحَشِّمًا أَمَّا إذَا سَاقَهَا نَهَارًا جِهَارًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَقَالَ فِي التَّبْيِينِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَى السَّائِقِ إلَّا إذَا كَانَ يَسُوقُهَا مُخْتَفِيًا ا هـ .
( قَوْلُهُ فَإِنْ اجْتَمَعُوا ضَمِنُوا ) يَعْنِي سَوَاءٌ كَانُوا مَالِكِينَ لِلدَّابَّةِ أَوْ لَا بِخِلَافِ الدَّارِ لِأَنَّ لَهُمْ تَدْبِيرَ الدَّابَّةِ مُطْلَقًا وَتَدْبِيرَ الدَّارِ لِمَالِكِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سَاكِنُهَا وَالدَّابَّةُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا أَحَدٌ فَعَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ

( وَلَوْ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ أَوْ قَبِيلَتَيْنِ فَعَلَى أَقْرَبِهِمَا ) { لِأَنَّ قَتِيلًا وُجِدَ بَيْنَ قَرْيَتَيْنِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ أَنْ يُمْسَحَ بَيْنَهُمَا فَوُجِدَ إلَى إحْدَى الْقَرْيَتَيْنِ أَقْرَبَ فَقَضَى عَلَيْهِمْ بِالْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ } وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِثْلُهُ ( وَإِنْ اسْتَوَتَا ) أَيْ الْقَرْيَتَانِ أَوْ الْقَبِيلَتَانِ ( فَعَلَيْهِمَا إنْ كَانَ ) أَيْ الْقَتِيلُ ( فِي مَوْضِعٍ يُسْمَعُ مِنْهُ صَوْتٌ ) لِأَهْلِ الْقَرْيَةِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى وَأَهْلُ الْقَرْيَتَيْنِ فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بِحَيْثُ يَبْلُغُ الصَّوْتُ يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ فَيُمْكِنُهُمْ النُّصْرَةُ وَقَدْ قَصَّرُوا وَإِذَا كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا يُسْمَعُ مِنْهُ الصَّوْتُ لَا يَلْزَمُهُمْ نُصْرَتُهُ فَلَا يُنْسَبُونَ إلَى التَّقْصِيرِ فَلَا يُجْعَلُونَ قَاتِلِينَ تَقْدِيرًا
( قَوْلُهُ إنْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ يُسْمَعُ مِنْهُ الصَّوْتُ ) كَذَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ جَازَ مَا بِهِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَقِيلَ هَذَا مَحْمُولٌ
إلَخْ ( قَوْلُهُ وَأَهْلُ قَرْيَتَيْنِ ) لَعَلَّهُ قَبِيلَتَيْنِ ثُمَّ إنَّهُ يُشْتَرَطُ السَّمَاعُ فِيمَا إذَا اسْتَوَتَا لِيَجِبَ عَلَيْهِمَا

( وُجِدَ ) أَيْ الْقَتِيلُ ( فِي دَارِ رَجُلٍ فَعَلَيْهِ الْقَسَامَةُ وَتَدِي عَاقِلَتُهُ إذَا ثَبَتَ أَنَّهَا لَهُ بِالْحُجَّةِ ) لِأَنَّ التَّدْبِيرَ فِي حِفْظِ الْمِلْكِ الْخَاصِّ إلَى الْمَالِكِ وَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِ لِأَنَّ نُصْرَتَهُ وَقُوَّتَهُ بِهِمْ وَهَذَا إذَا كَانَ لَهُ عَاقِلَةٌ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ كَمَا مَرَّ مِرَارًا ( إلَّا بِمُجَرَّدِ الْيَدِ ) حَتَّى لَوْ كَانَ بِهِ لَا تَدِي عَاقِلَتُهُ وَلَا نَفْسُهُ
( قَوْلُهُ وُجِدَ فِي دَارِ رَجُلٍ فَعَلَيْهِ الْقَسَامَةُ وَتَدِي عَاقِلَتُهُ ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَإِذَا كَانَتْ عَاقِلَتُهُ حَاضِرَةً فِي بَلَدِهِ تَدْخُلُ مَعَهُ فِي الْقَسَامَةِ كَالدِّيَةِ إذَا ثَبَتَ أَنَّهَا لَهُ بِالْبَيِّنَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ وَرَجَعَ أَبُو يُوسُفَ إلَى وُجُوبِ الْقَسَامَةِ عَلَيْهِ وَحْدَهُ كَمَا لَوْ كَانُوا غُيَّبًا وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَيْنِ وَوَفَّقَ بَيْنَهُمَا .
ا هـ .

( وَلَوْ ) وُجِدَ قَتِيلٌ ( فِي دَارِ نَفْسِهِ تَدِي عَاقِلَتُهُ وَرَثَتَهُ ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الدَّارَ حَالَ ظُهُورِ الْقَتِيلِ لِوَرَثَتِهِ فَالدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَتِهِمْ وَعِنْدَهُمَا وَعِنْدَ زُفَرَ لَا شَيْءَ فِيهِ وَبِهِ يُفْتَى لِمَا قَالُوا إنَّ الدَّارَ فِي يَدِهِ حَالَ ظُهُورِ الْقَتْلِ فَيُجْعَلُ كَأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ فَكَانَ هَدَرًا وَإِنْ كَانَتْ الدَّارُ لِلْوَرَثَةِ فَالْعَاقِلَةُ إنَّمَا يَتَحَمَّلُونَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ تَخْفِيفًا لَهُمْ وَلَا يُمْكِنُ الْإِيجَابُ عَلَى الْوَرَثَةِ لِلْوَرَثَةِ

( الْقَسَامَةُ عَلَى أَهْلِ الْخُطَّةِ ) أَيْ أَصْحَابِ الْأَمْلَاكِ الْقَدِيمَةِ الَّذِينَ كَانُوا تَمَلَّكُوهَا حِينَ فَتَحَ الْإِمَامُ الْبَلْدَةَ وَقَسَمَهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ بِخَطٍّ خَطَّهُ لِيَتَمَيَّزَ أَنْصِبَاؤُهُمْ ( لَا مَعَ السُّكَّانِ ) أَيْ لَا يَدْخُلُ السُّكَّانُ يَعْنِي الْمُسْتَأْجِرِينَ وَالْمُسْتَعِرِينَ مَعَ الْمُلَّاكِ فِي الْقَسَامَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا لِأَنَّ وِلَايَةَ التَّدْبِيرِ تَكُونُ بِالسُّكْنَى كَمَا تَكُونُ بِالْمِلْكِ أَلَا يُرَى { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ الْقَسَامَةَ وَالدِّيَةَ عَلَى الْيَهُودِ } وَإِنْ كَانُوا سُكَّانًا بِخَيْبَرَ وَلَهُمَا أَنَّ الْمَالِكَ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِنُصْرَةِ الْبُقْعَةِ لَا السُّكَّانَ وَأَهْلُ خَيْبَرَ مُقَرُّونَ عَلَى أَمْلَاكِهِمْ ( وَلَا الْمُشْتَرِينَ ) عِنْدَهُمَا أَيْضًا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ كُلُّهُمْ مُشْتَرِكُونَ لِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ بِتَرْكِ الْحِفْظِ مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةُ الْحِفْظِ وَهِيَ بِالْمِلْكِ وَقَدْ اسْتَوَوْا فِيهِ وَلَهُمَا أَنَّ صَاحِبَ الْخُطَّةِ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِتَدْبِيرِ الْمَحَلَّةِ وَهِيَ تُنْسَبُ إلَيْهِ لَا الْمُشْتَرِينَ وَقَلَّمَا يُزَاحِمُهُ الْمُشْتَرِي فِي التَّدْبِيرِ وَالْقِيَامِ بِحِفْظِ الْمَحَلَّةِ فَكَانَ هُوَ الْمُخْتَصَّ بِالْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ لَا الْمُشْتَرِي وَقِيلَ إنَّمَا أَجَابَ أَبُو حَنِيفَةَ بِهَذَا بِنَاءً عَلَى مَا شَاهَدَ مِنْ عَادَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ فِي زَمَانِهِ أَنَّ أَصْحَابَ الْخُطَّةِ فِي كُلٍّ يَقُومُونَ بِتَدْبِيرِ الْمَحَلَّةِ وَلَا يُشَارِكُهُمْ الْمُشْتَرِكُونَ فِي ذَلِكَ ( فَإِنْ بَاعَ كُلُّهُمْ ) يَعْنِي إنْ بَقِيَ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ الْخُطَّةِ فَكَذَلِكَ الْحُكْمُ لِأَنَّ الْمُشْتَرِينَ أَتْبَاعٌ لِأَهْلِ الْخُطَّةِ فَمَا بَقِيَ شَيْءٌ مِنْ الْأَصْلِ يَكُونُ الْحُكْمُ لَهُ دُونَ التَّبَعِ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ بَلْ بَاعَ كُلُّهُمْ ( فَعَلَى الْمُشْتَرِينَ ) اتِّفَاقًا لِزَوَالِ مَنْ يَتَقَدَّمُهُمْ عِنْدَهُمَا أَوْ يُزَاحِمُهُمْ عِنْدَهُ فَانْتَقَلَتْ عِنْدَهُمَا إلَيْهِمْ وَخَلَصَتْ عِنْدَهُ لَهُمْ

( قَوْلُهُ الْقَسَامَةُ عَلَى أَهْلِ الْخُطَّةِ ) كَذَا الدِّيَةُ عَلَيْهِمْ أَيْضًا وَيَنْبَغِي التَّفْصِيلُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمَحَلَّةِ فَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي دَعْوَى الْعَمْدِ عَلَيْهِمْ وَفِي الْخَطَأِ عَلَى عَاقِلَتِهِمْ ( قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ عَلَيْهِمْ جَمِيعًا ) ذَكَّرَ الضَّمِيرَ بِاعْتِبَارِ الْيَمِينِ ( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانُوا سُكَّانًا بِخَيْبَرَ ) عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ وَكَانُوا سُكَّانًا بِخَيْبَرَ قَوْلُهُ فَانْتَقَلَتْ عِنْدَهُمَا ) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَخَلَصَتْ عِنْدَهُ أَيْ أَبِي يُوسُفَ

( وُجِدَ ) قَتِيلٌ ( فِي دَارٍ ) مُشْتَرَكَةٍ ( بَيْنَ قَوْمٍ لِبَعْضِهِمْ أَكْثَرُ ) بِأَنْ كَانَ نِصْفُهَا لِرَجُلٍ مَثَلًا وَعُشْرُهَا لِرَجُلٍ وَبَاقِيهَا لِآخَرَ ( فَهِيَ عَلَى الرُّءُوسِ ) وَلَا يُعْتَبَرُ قَدْرُ الْأَنْصِبَاءِ لِاسْتِوَاءِ صَاحِبِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فِي الْحِفْظِ وَالتَّقْصِيرِ

( وَإِنْ بِيعَتْ ) دَارٌ ( وَلَمْ تُقْبَضْ ) حَتَّى وُجِدَ فِيهَا قَتِيلٌ ( فَعَلَى ) أَيْ الدِّيَةُ عَلَى ( عَاقِلَةِ الْبَائِعِ وَفِي الْبَيْعِ بِخِيَارٍ فَعَلَى عَاقِلَةِ ذِي الْيَدِ ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا إنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ خِيَارٌ فَعَلَى عَاقِلَةِ الْمُشْتَرِي وَإِنْ كَانَ فَعَلَى عَاقِلَةِ مَنْ تَصِيرُ لَهُ الدَّارُ سَوَاءٌ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ الْمُشْتَرِي فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ الْيَدُ وَهُمَا الْمِلْكُ

( وَإِنْ ) وُجِدَ الْقَتِيلُ ( فِي الْفُلْكِ ) فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ ( عَلَى مَنْ فِيهِ ) مِنْ الرُّكَّابِ وَالْمَلَّاحِينَ وَالْمَالِكُ وَغَيْرُهُ فِيهِ سَوَاءٌ وَكَذَا الْعَجَلَةُ ( وَفِي مَسْجِدِ مَحَلَّةٍ وَشَارِعِهَا ) أَيْ شَارِعِ الْمَحَلَّةِ احْتِرَازٌ عَنْ الشَّارِعِ الْأَعْظَمِ كَمَا سَيَأْتِي ( عَلَى أَهْلِهَا ) لِأَنَّهُمْ أَحَقُّ النَّاسِ بِالتَّدْبِيرِ فِيهِ ( وَفِي سُوقٍ مَمْلُوكٍ عَلَى الْمَالِكِ وَفِي غَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ الْمَمْلُوكِ ( وَالشَّارِعُ الْأَعْظَمُ وَالسِّجْنُ وَالْجَامِعُ لَا قَسَامَةَ ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهَا نَفْيُ تُهْمَةِ الْقَتْلِ وَذَا لَا يَتَحَقَّقُ فِي حَقِّ الْعَامَّةِ ( وَالدِّيَةُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ ) لِأَنَّ الْغُرْمَ بِالْغُنْمِ اعْلَمْ أَنَّ الطَّرِيقَ يَنْقَسِمُ ابْتِدَاءً إلَى قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا طَرِيقٌ خَاصٌّ وَهُوَ مَا يَخْتَصُّ بِوَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ وَيَكُونُ لَهُ مَدْخَلٌ لَا مَخْرَجٌ كَمَا ذَكَرُوا فِي بَحْثِ الزَّائِغَةِ الْمُسْتَطِيلَةِ وَالْآخَرُ طَرِيقٌ عَامٌّ وَهُوَ مَا لَا يَخْتَصُّ بِوَاحِدٍ أَوْ أَكْثَرَ وَيَكُونُ لَهُ مَدْخَلٌ وَمَخْرَجٌ وَيُسَمَّى هَذَا بِالشَّارِعِ وَهُوَ أَيْضًا قِسْمَانِ أَحَدُهُمَا شَارِعُ الْمَحَلَّةِ وَهُوَ مَا يَكُونُ الْمُرُورُ أَكْثَرِيًّا لِأَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَقَدْ يَكُونُ لِغَيْرِهِمْ أَيْضًا وَهَذَا مَا قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ وَفِي مَسْجِدِ مَحَلَّةٍ عَلَى أَهْلِهَا كَمَا لَوْ وُجِدَ فِي شَارِعِ الْمَحَلَّةِ وَالْآخَرُ الشَّارِعُ الْأَعْظَمُ وَهُوَ مَا يَكُونُ مُرُورُ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ فِيهِ عَلَى السَّوِيَّةِ كَالطَّرِيقِ الْوَاسِعَةِ فِي الْأَسْوَاقِ وَخَارِجِ الْبُلْدَانِ وَهَذَا مَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ وَجَدَ فِي الْجَامِعِ وَالشَّارِعِ الْأَعْظَمِ فَلَا قَسَامَةَ فِيهِ هَكَذَا يَجِبُ أَنْ يُعْلَمَ هَذَا الْمَقَامُ حَتَّى تَنْدَفِعَ الشُّبْهَةُ وَتَضْمَحِلَّ الْأَوْهَامُ

( قَوْلُهُ وَهُوَ أَيْضًا قِسْمَانِ أَحَدُهُمَا شَارِعُ الْمَحَلَّةِ ) قَدْ اعْتَرَضَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ وَنَفَى انْقِسَامَ الشَّارِعِ إلَى هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ فِي الْحُكْمِ بَلْ الشَّارِعُ وَاحِدٌ ا هـ .
وَهُوَ ظَاهِرٌ لِأَنَّ لُزُومَ الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ بِاعْتِبَارِ تَرْكِ التَّدْبِيرِ وَالْحِفْظِ وَلَا يَكُونُ إلَّا مَعَ الْخُصُوصِ بِالتَّفَرُّقِ فِي الْمَحَلِّ وَلِذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَلَا قَسَامَةَ فِي قَتِيلٍ يُوجَدُ فِي مَسْجِدِ الْجَامِعِ وَلَا فِي شَوَارِعِ الْعَامَّةِ وَلَا فِي جُسُورِ الْعَامَّةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ الْمِلْكُ وَلَا يَدُ الْخُصُوصِ ا هـ .
وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَهَذَا مَا مَالَ فِي النَّافِعِ
إلَخْ الْحَمْلُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ بَلْ الْحَمْلُ الصَّحِيحُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِشَارِعِ الْمَحَلَّةِ مَا لَيْسَ نَافِذًا وَأُرِيدَ فِي كَلَامِ النَّافِعِ بِالشَّارِعِ الطَّرِيقُ وَلِذَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَكَذَا إذَا وُجِدَ فِي مَسْجِدِ الْمَحَلَّةِ أَوْ فِي طَرِيقِ الْمَحَلَّةِ لِمَا قُلْنَا فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا فِي لُزُومِ الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ بِالْوُجْدَانِ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ عَلَى أَهْلِهَا وَعَدَمُ الْقَسَامَةِ فِي النَّافِذَةِ وَتَكُونُ الدِّيَةُ فِي بَيْتِ الْمَالِ

( وَفِي قَوْمٍ الْتَقَوْا بِالسَّيْفِ وَأُجْلُوا عَنْ قَتِيلٍ ) أَيْ تَفَرَّقُوا فَظَهَرَ فِي مَوْضِعِ اجْتِمَاعِهِمْ قَتِيلٌ ( عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ ) لِأَنَّ حِفْظَ الْمَحَلَّةِ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْهِمْ فَإِذَا لَمْ يُعْرَفْ مَنْ يُبَاشِرُهُ جُعِلَ عَلَيْهِمْ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ ( إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ الْوَلِيُّ عَلَى الْقَوْمِ أَوْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ ) فَلَمْ يَكُنْ عَلَى أَهْلِ الْمَحَلَّةِ شَيْءٌ لِأَنَّ هَذِهِ الدَّعْوَى تَضَمَّنَتْ بَرَاءَةً مِنْ الْقَسَامَةِ وَلَا عَلَى الْقَوْمِ حَتَّى يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ إذْ بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى لَا يَثْبُتُ الْحَقُّ لَكِنْ يَسْقُطُ الْحَقُّ عَنْ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ لِأَنَّ قَوْلَهُ حُجَّةٌ عَلَى نَفْسِهِ
( قَوْلُهُ وَفِي قَوْمٍ الْتَقَوْا بِالسَّيْفِ ) الْمُرَادُ مُطْلَقُ السِّلَاحِ وَهَذَا إذَا كَانُوا غَيْرَ مُتَأَوِّلِينَ جِهَةَ حَقٍّ كَذَا فِي الْبُرْهَانِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كَشْفِ الْغَوَامِضِ هَذَا إنْ كَانَ الْفَرِيقَانِ غَيْرَ مُتَأَوِّلَيْنِ اقْتَتَلُوا عَصَبِيَّةً وَإِنْ كَانُوا مُشْرِكَيْنِ أَوْ خَوَارِجَ فَلَا شَيْءَ وَيُجْعَلُ ذَلِكَ مِمَّنْ أَصَابَهُ الْعَدُوُّ ( قَوْلُهُ حَتَّى يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ ) يَعْنِي أَوْلِيَاءُ الْمَقْتُولِ أَيْ يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْقَوْمِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ حَتَّى يُقِيمَ أَيْ الْوَلِيُّ الْبَيِّنَةَ

( وُجِدَ ) قَتِيلٌ ( فِي بَرِّيَّةٍ لَا عِمَارَةَ بِقُرْبِهَا ) مَعْنَى الْقُرْبِ عَلَى مَا سِيقَ سَمَاعُ الصَّوْتِ ( أَوْ فِي نَهْرٍ كَبِيرٍ ) وَهُوَ مَا لَيْسَ فِي يَدِ أَحَدٍ وَلَا مِلْكِهِ كَالْفُرَاتِ مَثَلًا بِخِلَافِ النَّهْرِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ فِيهِ الشُّفْعَةَ لِاخْتِصَاصِ أَهْلِهَا بِهِ لِقِيَامِ يَدِهِمْ عَلَيْهِ فَيَكُونُ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَيْهِمْ فَقَوْلُ الْوِقَايَةِ أَوْ مَاءٌ يَمُرُّ بِهِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ ( فَهَدَرٌ ) لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بِهَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَلْحَقُهُ الْغَوْثُ مِنْ غَيْرِهِ فَلَا يُوصَفُ بِالتَّقْصِيرِ ( وَلَوْ ) كَانَ الْقَتِيلُ ( مُحْتَسِبًا بِالشَّاطِئِ فَعَلَى أَقْرَبِ الْقُرَى ) مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ عَلَى التَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ لِلْقُرْبِ
( قَوْلُهُ عَلَى التَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ لِلْقُرْبِ ) يَعْنِي بِحَيْثُ يُسْمَعُ مِنْهُ الصَّوْتُ

( وَلَوْ فِي أَرْضٍ أَوْ دَارٍ مَوْقُوفَتَيْنِ عَلَى أَرْبَابٍ مَعْلُومَةٍ فَعَلَيْهِمْ ) لِأَنَّهُمْ أَحَقُّ النَّاسِ بِالتَّدْبِيرِ فِيهِمَا ( وَلَوْ ) كَانَتْ مَوْقُوفَةً ( عَلَى مَسْجِدِ فَكَالْمَسْجِدِ ) أَيْ كَمَا لَوْ وُجِدَ فِي الْمَسْجِدِ وَقَدْ مَرَّ

( وَلَوْ ) وُجِدَ ( فِي مُعَسْكَرٍ فِي فَلَاةٍ غَيْرِ مَمْلُوكَةٍ فَفِي الْخَيْمَةِ وَالْفُسْطَاطِ عَلَى سَاكِنِيهِمَا ، وَ ) فِي ( خَارِجِهِمَا إنْ كَانُوا ) أَيْ سَاكِنُوا خَارِجِهِمَا ( قَبَائِلَ فَعَلَى ) قَبِيلَةٍ وُجِدَ ( الْقَتِيلُ ) فِيهَا وَلَوْ بَيْنَ الْقَبِيلَتَيْنِ كَانَ كَمَا بَيْنَ الْقَرْيَتَيْنِ ( وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ ) وَإِنْ نَزَلُوا جُمْلَةً مُخْتَلِفِينَ ( فَعَلَى أَهْلِ الْعَسْكَرِ ) كُلِّهِمْ لِأَنَّهُمْ لَمَّا نَزَلُوا جُمْلَةً صَارَتْ الْأَمْكِنَةُ كُلُّهَا بِمَنْزِلَةِ مَحَلَّةٍ وَاحِدَةٍ مَنْسُوبَةٍ إلَيْهِمْ فَتَجِبُ غَرَامَةُ مَا وُجِدَ فِي خَارِجِ الْخِيَامِ عَلَيْهِمْ ( وَلَوْ ) كَانَتْ الْأَرْضُ الَّتِي نَزَلَ فِيهَا الْعَسْكَرُ ( مَمْلُوكَةً فَعَلَى الْمَالِكِ ) أَيْ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُمْ سُكَّانٌ وَلَا يُزَاحِمُونَ الْمَالِكَ فِي الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ
قَوْلُهُ وَفِي مُعَسْكَرٍ فِي فَلَاةٍ
إلَخْ ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَإِنْ كَانَ الْقَوْمُ الْتَقَوْا قِتَالًا وَوُجِدَ قَتِيلٌ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ فَلَا قَسَامَةَ فِيهِ وَلَا دِيَةَ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَإِنْ كَانُوا لَقَوْا عَدُوَّهُمْ فَلَا قَسَامَةَ وَلَا دِيَةَ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ قَتِيلُهُمْ .
ا هـ .

( جُرِحَ فِي حَيٍّ فَنُقِلَ إلَى أَهْلِهِ فَبَقِيَ ذَا فِرَاشٍ فَمَاتَ فَالْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ عَلَى الْحَيِّ ) خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْجُرْحَ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْمَوْتُ صَارَ قَتْلًا وَلِهَذَا وَجَبَ الْقِصَاصُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ صَاحِبَ فِرَاشٍ ( رَجُلٌ مَعَهُ جُرْحٌ بِهِ رَمَقٌ فَحَمَلَهُ آخَرُ إلَى أَهْلِهِ فَمَكَثَ زَمَانًا لَمْ يَضْمَنْ الْحَامِلُ ) فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَفِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَضْمَنُ لِأَنَّ يَدَهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَحَلَّةِ فَوُجُودُهُ جَرِيحًا فِي يَدِهِ كَوُجُودِهِ فِيهَا
( قَوْلُهُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ ) أَيْ قَالَ لَا ضَمَانَ فِيهِ وَلَا قَسَامَةَ لِأَنَّ مَا حَصَلَ فِي تِلْكَ الْقَبِيلَةِ مَا دُونَ النَّفْسِ وَلَا قَسَامَةَ فِيهِ فَصَارَ كَمَا إذَا لَمْ يَكُنْ صَاحِبَ فِرَاشٍ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ الْجُرْحَ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْمَوْتُ
إلَخْ ) تَعْلِيلٌ لِلُزُومِ الْقَسَامَةِ وَالدِّيَةِ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي جُرِحَ فِيهِمْ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ

( رَجُلَانِ فِي بَيْتٍ بِلَا ثَالِثٍ وُجِدَ أَحَدُهُمَا قَتِيلًا ضَمِنَ الْآخَرُ دِيَتَهُ ) عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ عِنْدَهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ قَتَلَ نَفْسَهُ وَ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَقْتُلُ نَفْسَهُ

( وُجِدَ ) قَتِيلٌ ( فِي قَرْيَةِ امْرَأَةٍ كُرِّرَ الْحَلِفُ عَلَيْهَا وَتَدِي عَاقِلَتُهَا ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْقَسَامَةُ أَيْضًا عَلَى الْعَاقِلَةِ لِأَنَّهَا عَلَى أَهْلِ النُّصْرَةِ وَالْمَرْأَةُ لَيْسَتْ مِنْهَا فَأَشْبَهَتْ الصَّبِيَّ وَلَهُمَا أَنَّ الْقَسَامَةَ لِنَفْيِ التُّهْمَةِ مِنْ الْمَرْأَةِ مُتَخَفِّفَةٌ
( قَوْلُهُ وَتَدِي عَاقِلَتُهَا ) أَيْ الْمَرْأَةِ وَتُشَارِكُ عَاقِلَتُهَا فِي الدِّيَةِ عَلَى الْأَصَحِّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ

( بَطَلَ شَهَادَةُ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ بِقَتْلِ غَيْرِهِمْ ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى الْوَلِيُّ غَيْرَ أَهْلِ الْمَحَلَّةِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّ مِنْ أَهْلِهَا لَمْ تُقْبَلْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُمْ كَانُوا بِصَدَدِ أَنْ يَصِيرُوا خُصَمَاءَ وَقَدْ بَطَلَ بِدَعْوِي الْوَلِيِّ الْقَتْلَ عَلَى غَيْرِهِمْ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ كَالْوَكِيلِ بِالْخُصُومَةِ إذَا عُزِلَ قَبْلَ الْخُصُومَةِ وَلَهُ أَنَّهُمْ خُصَمَاءُ بِإِنْزَالِهِمْ قَاتِلِينَ لِلتَّقْصِيرِ الصَّادِرِ مِنْهُمْ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ وَإِنْ خَرَجُوا مِنْ الْخُصُومَةِ كَالْوَصِيِّ إذَا خَرَجَ مِنْ الْوِصَايَةِ بَعْدَمَا قَبِلَهَا ثُمَّ شَهِدَ ( وَعَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ ) أَيْ بَطَلَ شَهَادَتُهُمْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ بَعْدَمَا ادَّعَى الْوَلِيُّ الْقَتْلَ عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ قَائِمَةٌ مَعَ الْكُلِّ عَلَى مَا ذُكِرَ وَالشَّاهِدُ يَدْفَعُهَا عَنْ نَفْسِهِ فَيَكُونُ مُتَّهَمًا

( كِتَابُ الْمَعَاقِلِ ) جَمْعُ مَعْقُلَةٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّ الْقَافِ بِمَعْنَى الْعَقْلِ أَيْ الدِّيَةِ سُمِّيَتْ بِهِ لِأَنَّهَا تَعْقِلُ الدِّمَاءَ مِنْ أَنْ تُسْفَكَ وَمِنْهُ الْعَقْلُ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ عَنْ الْقَبَائِحِ ( الْعَاقِلَةُ ) هُمْ الَّذِينَ يُقْسَمُ عَلَيْهِمْ دِيَةُ الْقَتِيلِ خَطَأً ( أَهْلُ الدِّيوَانِ لِمَنْ هُوَ مِنْهُمْ تُؤْخَذُ مِنْ عَطِيَّاتِهِمْ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ ) وَهُمْ الْجَيْشُ الَّذِينَ كُتِبَتْ أَسْمَاؤُهُمْ فِي الدِّيوَانِ .
هَذَا عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ عَلَى الْعَشِيرَةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكَمَ عَلَيْهِمْ وَلَا نَسْخَ بَعْدَهُ وَلِأَنَّهَا صِلَةٌ فَالْأَقَارِبُ أَوْلَى بِهَا كَالْإِرْثِ وَالنَّفَقَاتِ ، وَلَنَا قَضِيَّةُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَإِنَّهُ لَمَّا دَوَّنَ الدَّوَاوِينَ جَعَلَ الدِّيَةَ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مِنْهُمْ فَكَانَ إجْمَاعًا وَلَيْسَ ذَلِكَ بِنَسْخٍ بَلْ تَقْرِيرُ مَعْنًى ؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ كَانَ عَلَى أَهْلِ النُّصْرَةِ وَقَدْ كَانَتْ بِأَنْوَاعٍ كَالْوَلَاءِ وَالْحِلْفِ وَالْعَدِّ وَهُوَ أَنْ يُعَدَّ رَجُلٌ مِنْ قَبِيلَةٍ ، وَفِي عَهْدِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَارَ بِالدِّيوَانِ فَجَعَلَهَا عَلَى أَهْلِهِ اتِّبَاعًا لِلْمَعْنَى ، وَلِهَذَا قَالُوا لَوْ كَانَ الْيَوْمَ قَوْمٌ يَتَنَاصَرُونَ بِالْحِرَفِ فَعَاقِلَتُهُمْ أَهْلُ الْحِرْفَةِ ، وَإِنْ كَانُوا يَتَنَاصَرُونَ بِالْحِلْفِ فَأَهْلُهُ ، وَالدِّيَةُ صِلَةٌ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ لَكِنَّ إيجَابَهَا فِيمَا هُوَ صِلَةٌ وَهُوَ الْعَطَاءُ أَوْلَى مِنْ إيجَابِهَا فِي أُصُولِ أَمْوَالِهِمْ ؛ لِأَنَّهَا أَخَفُّ وَمَا تَحَمَّلَتْ الْعَاقِلَةُ إلَّا لِلتَّخْفِيفِ ، وَالتَّقْدِيرُ بِثَلَاثِ سِنِينَ مَرْوِيٌّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَحْكِيٌّ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ( كَذَا مَا يَجِبُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ مِنْ الدِّيَةِ ) يَعْنِي يُؤْخَذُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عِنْدَنَا وَيَجِبُ حَالًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَسَتَأْتِي أَمْثِلَتُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
(

وَإِنْ خَرَجَتْ ) أَيْ الْعَطَايَا ( لِأَكْثَرَ مِنْهَا ) أَيْ مِنْ ثَلَاثِ سِنِينَ ( أَوْ أَقَلَّ ) مِنْهَا ( يُؤْخَذُ مِنْهُ ) أَيْ الْأَكْثَرُ أَوْ الْأَقَلُّ ( وَالْحَيُّ ) عَطْفٌ عَلَى أَهْلُ الدِّيوَانِ أَيْ الْعَاقِلَةُ الْقَبِيلَةُ ( لِمَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ ) أَيْ مِنْ أَهْلِ الدِّيوَانِ وَقَعَ فِي عِبَارَةِ الْوِقَايَةِ هَكَذَا أَوْ حَيُّهُ لِمَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ وَكَأَنَّهُ سَهْوٌ مِنْ النَّاسِخِ ؛ لِأَنَّ ضَمِيرَ حَيِّهِ لِمَنْ وَلَا وَجْهَ لِإِرْجَاعِهِ إلَيْهِ فَالصَّوَابُ وَالْحَيُّ لِمَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ ( يُؤْخَذُ مِنْ كُلٍّ ) أَيْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ آحَادِ الْعَاقِلَةِ ( فِي ) مَجْمُوعِ ( ثَلَاثِ سِنِينَ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ أَوْ أَرْبَعَةٌ فَقَطْ ) بِحَيْثُ يُؤْخَذُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ( فِي كُلِّ سَنَةٍ دِرْهَمٌ ) لِيَكُونَ الْمَأْخُوذُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ ( أَوْ مَعَ ثُلُثٍ ) أَيْ ثُلُثِ دِرْهَمٍ لِيَكُونَ الْمَأْخُوذُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ ( وَإِنْ لَمْ يَتَّسِعْ الْحَيُّ ضُمَّ إلَيْهِ أَقْرَبُ الْأَحْيَاءِ نَسَبًا الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ كَمَا فِي الْعَصَبَاتِ ) وَأَمَّا الْآبَاءُ وَالْأَبْنَاءُ فَاخْتُلِفَ فِي دُخُولِهِمْ ( وَالْقَاتِلُ كَأَحَدِهِمْ ) ؛ لِأَنَّهُ الْجَانِي فَلَا مَعْنَى لِإِخْرَاجِهِ وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ .
( وَ ) الْعَاقِلَةُ ( لِلْمُعْتَقِ حَيُّ مَوْلَاهُ ) لِأَنَّ نُصْرَتَهُ بِهِمْ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ } ( وَلِمَوْلَى الْمُوَالَاةِ مَوْلَاهُ ) الَّذِي عَاقَدَهُ ( وَحَيُّهُ ) أَيْ قَبِيلَةُ مَوْلَاهُ ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ يَتَنَاصَرُونَ فَأَشْبَهَ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ ( وَتَتَحَمَّلُ الْعَاقِلَةُ مَا يَجِبُ بِنَفْسِ الْقَتْلِ ) الْأَصْلُ فِي إيجَابِ الدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ بِالْخَطَأِ وَشِبْهِ الْعَمْدِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَوْلِيَاءِ الضَّارِبَةِ قُومُوا فَدُوهُ قَالَهُ حِينَ ضَرَبَتْ امْرَأَةٌ بَطْنَ امْرَأَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا فَرُفِعَ الْأَمْرُ إلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِأَنَّ الْخَاطِئَ مَعْذُورٌ وَكَذَا الْمُبَاشِرُ شِبْهَ الْعَمْدِ ؛ لِأَنَّ الْآلَةَ

لِلتَّأْدِيبِ لَا لِلْقَتْلِ ، وَلِلنَّفْسِ احْتِرَامٌ لَا يَجُوزُ إهْدَارُهَا وَلَا وَجْهَ لِإِيجَابِ الْقَوَدِ عَلَيْهِ ، وَفِي إيجَابِ مَالٍ عَظِيمٍ اسْتِئْصَالٌ لَهُ فَضُمَّ إلَيْهِ الْعَاقِلَةَ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا قَصَّرَ بِقُوَّةٍ فِيهِ وَهِيَ بِأَنْصَارِهِ وَهُمْ الْعَاقِلَةُ فَكَانُوا مُقَصِّرِينَ فِي تَرْكِ مُرَاقَبَتِهِ فَخُصُّوا بِهِ ( وَقَدْرَ أَرْشِ مُوضِحَةٍ فَصَاعِدًا ) لِمَا مَرَّ فِي فَصْلِ الشِّجَاجِ أَنَّ الْوَاجِبَ فِي الْمُوضِحَةِ فَصَاعِدًا الدِّيَةُ وَهِيَ عَلَى الْعَاقِلَةِ ( لَا ) أَيْ لَا يَتَحَمَّلُ الْعَاقِلَةَ ( مَا يَجِبُ بِصُلْحٍ أَوْ إقْرَارٍ وَلَمْ تُصَدِّقْهُ الْعَاقِلَةُ أَوْ عَمْدٍ سَقَطَ قَوَدُهُ بِشُبْهَةٍ أَوْ قَتَلَهُ ابْنُهُ عَمْدًا وَلَا جِنَايَةَ عَبْدٍ أَوْ عَمْدٍ وَمَا دُونَ أَرْشِ مُوضِحَةٍ ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { لَا تَعْقِلُ الْعَوَاقِلُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا وَلَا صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا وَلَا مَا دُونَ أَرْشِ الْمُوضِحَةِ } وَلِأَنَّ التَّحَمُّلَ لِلتَّحَرُّزِ عَنْ الِاسْتِئْصَالِ وَلَا اسْتِئْصَالَ فِي الْقَلِيلِ ، وَالتَّقْدِيرُ الْفَاصِلُ عُرِفَ بِالسَّمْعِ وَمَا نَقَصَ عَنْهُ لَا تَتَحَمَّلُهُ الْعَاقِلَةُ ( بَلْ الْجَانِي ) وَلَوْ صَدَّقَ الْعَاقِلَةُ الْجَانِي لَزِمَتْهُمْ الدِّيَةُ ؛ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ بِتَصَادُقِهِمْ وَالِامْتِنَاعُ كَانَ لِحَقِّهِمْ وَلَهُمْ وِلَايَةٌ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَتَجِبُ عَلَيْهِمْ .
( وَمَنْ لَيْسَ لَهُ دِيوَانٌ وَلَا حَيٌّ فَعَاقِلَتُهُ بَيْتُ الْمَالِ ) فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَقَالَ عِصَامٌ رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجِبُ فِي مَالِ الْجَانِي وَلَا يَجِبُ فِي بَيْتِ الْمَالِ بِالْإِجْمَاعِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ ( وَلَا عَاقِلَةَ لِلْعَجَمِ ) فِي الْخُلَاصَةِ لَوْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْ الْعَجَمِ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ أَنَّ الْأَئِمَّةَ اخْتَلَفُوا فِيهِ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا عَاقِلَةَ لِأَهْلِ الْعَجَمِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي شَيْخُ الْإِسْلَامِ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ .

( كِتَابُ الْمَعَاقِلِ ) ( قَوْلُهُ جَمْعُ مَعْقُلَةٍ بِمَعْنَى الْعَقْلِ ) أَيْ الدِّيَةِ .
لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إذَا كَانَ الْمُرَادُ بِهَا الدِّيَةَ فَقَدْ تَقَدَّمَ كِتَابُ الدِّيَاتِ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْكِتَابِ شَيْءٌ مِنْ بَيَانِ الدِّيَاتِ بَلْ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ وَهِيَ الْعَاقِلَةُ وَلِذَا تَرْجَمَ فِي الْبُرْهَانِ بِقَوْلِهِ بَابُ الْعَاقِلَةِ ا هـ .
وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ الْعَاقِلَةُ اسْمٌ مُشْتَقٌّ مِنْ الْعَقْلِ وَهُوَ الْمَنْعُ وَلِهَذَا يُقَالُ لِمَا يُعْقَلُ بِهِ الْبَعِيرُ عِقَالٌ ؛ لِأَنَّهُ يَمْنَعُهُ مِنْ النُّفُورِ وَمِنْهُ سُمِّيَ اللُّبُّ عَقْلًا ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَمْنَعُ الْإِنْسَانَ عَمَّا يَضُرُّهُ فَكَذَلِكَ عَاقِلَةُ الْإِنْسَانِ وَهُمْ أَهْلُ نُصْرَتِهِ مِمَّا يَمْنَعُونَهُ عَنْ قَتْلِ مَا لَيْسَ لَهُ قَتْلُهُ فَالْعَقْلُ الَّذِي هُوَ آلَةُ الْإِدْرَاكِ جَمْعُهُ عُقُولٌ وَالْعَقْلُ الَّذِي هُوَ الدِّيَةُ جَمْعُهُ الْمَعَاقِلُ وَمِنْهُ الْعَاقِلَةُ وَهُمْ الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَقْلَ وَهُوَ الدِّيَةُ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ الْعَاقِلَةُ هُمْ أَهْلُ الدِّيوَانِ ) لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ وَالذُّرِّيَّةَ مِمَّنْ لَهُ حَظٌّ فِي الدِّيوَانِ ، وَكَذَا الْمَجْنُونُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمْ مِنْ الدِّيَةِ وَاخْتُلِفَ فِي دُخُولِهِمْ لَوْ بَاشَرُوا الْقَتْلَ مَعَ الْعَاقِلَةِ فِي الْغَرَامَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمْ يُشَارِكُونَ الْعَاقِلَةَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ مِنْ وَقْتِ الْقَضَاءِ ) يَعْنِي لَا مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ وَنَظِيرُهُ وَلَدُ الْمَغْرُورِ فَإِنَّ قِيمَتَهُ لَا تَجِبُ قَبْلَ الْقَضَاءِ ، وَإِنَّمَا تَجِبُ قِيمَتُهُ بِالْقَضَاءِ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ .
قَوْلُهُ كَالْوَلَاءِ ) يَعْنِي وَلَاءَ الْعَتَاقَةِ ( قَوْلُهُ وَالْحِلْفِ ) قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْحِلْفُ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَسُكُونِ اللَّامِ الْعَهْدُ وَالْمُرَادُ بِهِ وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ ، .
وَفِي النِّهَايَةِ الْحِلْفُ بِكَسْرِ الْحَاءِ الْعَهْدُ يَكُونُ بَيْنَ الْقَوْمِ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ تَحَالَفُوا عَلَى التَّنَاصُرِ وَالْمُرَادُ هُنَا وَلَاءُ الْمُوَالَاةِ ( قَوْلُهُ وَالْعَدِّ وَهُوَ أَنْ

يُعَدَّ الرَّجُلُ مِنْ قَبِيلَةٍ ) يَعْنِي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ قَبِيلَتِهِمْ يُقَالُ فُلَانٌ عَدِيدُ بَنِي فُلَانٍ ( قَوْلُهُ كَذَا مَا يَجِبُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ مِنْ الدِّيَةِ يَعْنِي يُؤْخَذُ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ عِنْدَنَا ) قَالَ النَّاطِفِيُّ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَاقِلَةٌ فَفِي مَالِهِ يُؤَدِّي كُلَّ سَنَةٍ ثَلَاثَ دَرَاهِمَ أَوْ أَرْبَعَةً كَمَا فِي الْمُجْتَبَى قَالَ الْعَلَّامَةُ شَيْخُ أُسْتَاذِي الْعَلَّامَةُ الْمَقْدِسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قُلْت وَهَذَا حَسَنٌ لَا بُدَّ مِنْ حِفْظِهِ فَقَدْ رَأَيْتُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمَوَاضِعِ أَنَّهُ يَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَإِنْ خَرَجَتْ أَيْ الْعَطَايَا لِأَكْثَرَ مِنْهَا
إلَخْ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْعَطَايَا لِلسِّنِينَ الْمُسْتَقْبَلَةِ بَعْدَ الْقَضَاءِ حَتَّى لَوْ اجْتَمَعَتْ فِي السِّنِينَ الْمَاضِيَةِ قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالدِّيَةِ ثُمَّ خَرَجَتْ بَعْدَ الْقَضَاءِ لَا تُؤْخَذُ مِنْهَا ( قَوْلُهُ كَمَا فِي الْعَصَبَاتِ ) ظَاهِرٌ عَلَى الْقَوْلِ بِدُخُولِ آبَاءِ الْقَاتِلِ وَأَبْنَائِهِ ، وَأَمَّا عَلَى الْقَوْلِ بِعَدَمِ دُخُولِهِمْ فَيَبْدَأُ بِالْإِخْوَةِ ثُمَّ بَنِيهِمْ ثُمَّ بِالْأَعْمَامِ كَذَلِكَ
إلَخْ ( قَوْلُهُ وَالْعَاقِلَةُ لِلْمُعْتَقِ حَيُّ مَوْلَاهُ ) يَعْنِي مَعَ مَوْلَاهُ وَعَلَيْهِ نَصَّ الْبُرْهَانُ بِقَوْلِهِ وَيَعْقِلُ عَنْ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ مَوْلَاهُ وَقَبِيلَتُهُ عِنْدَنَا كَمَوْلَى الْعَتَاقَةِ ا هـ .
وَإِلَيْهِ يُشِيرُ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فَأَشْبَهَ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ .
قَوْلُهُ وَلَوْ صَدَّقَ الْعَاقِلَةُ الْجَانِيَ لَزِمَتْهُمْ الدِّيَةُ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَكَذَا إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ أَوْ الْمُقِرُّ ا هـ فَتُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ مَعَ الْإِقْرَارِ هُنَا ( قَوْلُهُ وَمَنْ لَيْسَ لَهُ دِيوَانٌ وَلَا حَيٌّ فَعَاقِلَتُهُ بَيْتُ الْمَالِ ) ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ مِنْ الْأَصْلِ أَنَّ بَيْتَ الْمَالِ لَا يَعْقِلُ مَنْ لَهُ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ سَوَاءٌ كَانَ مُسْتَحِقًّا لِلْمِيرَاثِ بِأَنْ كَانَ حُرًّا مُسْلِمًا أَوْ لَمْ يَكُنْ بِأَنْ كَانَ كَافِرًا أَوْ

عَبْدًا فَقَالَ : لَوْ أَنَّ حَرْبِيًّا مُسْتَأْمَنًا اشْتَرَى عَبْدًا مُسْلِمًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَأَعْتَقَهُ ثُمَّ مَاتَ مُعْتِقُهُ فَمِيرَاثُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ مُعْتَقَهُ رَقِيقٌ فِي الْحَالِ وَلَوْ جَنَى هَذَا الْمُعْتَقُ فَعَقْلُ جِنَايَتِهِ يَكُونُ عَلَيْهِ وَلَا يَكُونُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّ لَهُ وَارِثًا مَعْرُوفًا وَهُوَ الْمُعْتِقُ وَإِنْ كَانَ لَا يَسْتَحِقُّ مِيرَاثَهُ لِأَجَلِ الرِّقِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ .
ا هـ .

( كِتَابُ الْآبِقِ ) لَا يَخْفَى مُنَاسَبَتُهُ لِكِتَابِ الْجِنَايَاتِ وَتَوَابِعِهَا وَهُوَ مَمْلُوكٌ فَرَّ مِنْ مَالِكِهِ قَصْدًا ( نُدِبَ أَخْذُهُ لِقَادِرٍ عَلَيْهِ ) لِأَنَّ فِيهِ إحْيَاءَ مَالِيَّتِهِ وَلِلْمَالِ حُرْمَةٌ كَالنَّفْسِ وَإِعَانَةً لِمَوْلَاهُ ( وَاخْتُلِفَ فِي ) ( الضَّالِّ ) قِيلَ أَخْذُهُ أَفْضَلُ إحْيَاءً لَهُ لِاحْتِمَالِ الضَّيَاعِ وَقِيلَ تَرْكُهُ أَفْضَلُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْرَحُ مَكَانَهُ فَيَلْقَاهُ مَوْلَاهُ ، وَإِنْ عَرَفَ الْوَاجِدُ بَيْتَ مَوْلَاهُ فَالْأَوْلَى أَنْ يُوَصِّلَهُ إلَيْهِ ( فَيَأْتِيَ ) أَيْ الْآخِذُ ( بِهِ ) أَيْ بِالْآبِقِ ( إلَى الْقَاضِي فَيَحْبِسَهُ ) تَعْزِيرًا لَهُ وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مِنْ الْآبِقِ ثَانِيًا ، وَلِهَذَا لَا يُؤَجِّرُهُ إنْ كَانَ لَهُ مَنْفَعَةٌ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَيَجْعَلُهَا دَيْنًا عَلَى مَالِكِهِ فَيَأْخُذُهُ مِنْهُ إذَا جَاءَ أَوْ مِنْ ثَمَنِهِ إذَا بِيعَ ، وَلَا يُحْبَسُ الضَّالُّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ التَّعْزِيرَ وَلَا يَأْبَقُ ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مَنْفَعَةٌ آجَرَهُ وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ مِنْ أُجْرَتِهِ ( إلَى مَجِيءِ مَوْلَاهُ فَإِذَا جَاءَ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ ) أَنَّهُ لَهُ ( قِيلَ عَلَى الْقَاضِي وَقِيلَ عَلَى مَنْ نَصَّبَهُ الْقَاضِي ) لِحِفْظِ الْأَوَابِقِ وَنَحْوِهَا ( يُحَلِّفُهُ ) أَيْ الْقَاضِي أَوْ مَنْ يُنَصِّبُهُ الْمَوْلَى ( بِاَللَّهِ مَا أَخْرَجَهُ عَنْ مِلْكِهِ ) بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ ( فَيَدْفَعُهُ إلَيْهِ .
قِيلَ ) يَدْفَعُهُ ( بِالْكَفِيلِ ) لِزِيَادَةِ الِاحْتِيَاطِ ( وَقِيلَ لَا ) لِكَوْنِ الدَّفْعِ بَعْدَ الْإِثْبَاتِ ( وَإِنْ لَمْ يُقِمْهَا ) عَطْفٌ عَلَى أَقَامَ الْبَيِّنَةَ ( وَأَقَرَّ ) أَيْ الْعَبْدُ ( أَنَّهُ عَبْدُهُ أَوْ وَصَفَ ) الْمَوْلَى ( عَلَامَتَهُ وَحِيلَتَهُ دَفَعَهُ ) الْقَاضِي ( إلَيْهِ بِالْكَفِيلِ ، وَإِنْ ) ( أَنْكَرَ الْمَوْلَى إبَاقَهُ ) مَخَافَةَ أَخْذِ الْجُعْلِ مِنْهُ ( يَحْلِفُ ) بِاَللَّهِ مَا أَبَقَ ( وَيُدْفَعُ ) إلَيْهِ ( فَإِنْ طَالَ مَجِيئُهُ ) أَيْ مَجِيءُ الْمَوْلَى ( بَاعَهُ الْقَاضِي ، وَإِنْ عَلِمَ مَكَانَهُ ) لِئَلَّا يَتَضَرَّرَ الْمَوْلَى بِكَثْرَةِ النَّفَقَةِ ( وَأَمْسَكَ ثَمَنَهُ

وَأَنْفَقَ عَلَيْهِ ) أَيْ الْآبِقِ ( مِنْهُ ) أَيْ الثَّمَنِ ( وَدَفَعَ الْبَاقِيَ إلَيْهِ ) أَيْ إلَى الْمَوْلَى ( إنْ أَثْبَتَ ) أَنَّ لَهُ بِالْبَيِّنَةِ ( أَوْ بَيَّنَ الْحِلْيَةَ وَالْعَلَامَةَ وَلَيْسَ لَهُ ) أَيْ لِلْمَوْلَى ( فَسْخُهُ ) أَيْ فَسْخُ بَيْعِ الْقَاضِي ؛ لِأَنَّ بَيْعَهُ بِأَمْرِ الشَّرْعِ كَحُكْمِهِ لَا يُنْقَضُ ، وَإِنْ زَعَمَ الْمَوْلَى أَنَّهُ كَانَ كَاتَبَهُ أَوْ دَبَّرَهُ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى نَقْضِ الْبَيْعِ كَذَا فِي فَتَاوَى الْمَسْعُودِيِّ .
( وَلِمُوَصَّلِهِ ) خَبَرٌ لِقَوْلِهِ الْآتِي أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا ( إلَيْهِ ) أَيْ لِرَادِّ الْآبِقِ إلَى مَوْلَاهُ سَوَاءٌ كَانَ الْآبِقُ عَبْدًا ( مَحْجُورًا أَوْ مَأْذُونًا أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ أُمَّ وَلَدٍ ) لِأَنَّهُمْ مَمْلُوكُونَ فَيَحْصُلُ بِهِ إحْيَاءُ الْمَالِيَّةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ ؛ لِأَنَّهُ أَحَقُّ بِمَكَاسِبِهِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَمْلُوكٍ يَدًا كَمَا سَيَأْتِي ( مِنْ مُدَّةِ سَفَرٍ أَوْ أَكْثَرَ ) يَتَعَلَّقُ بِالْمُوَصِّلِ ( أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا ، وَإِنْ لَمْ يَعْدِلْهَا ) أَيْ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَقَلَّ مِنْهُ ( إنْ أَشْهَدَ أَنَّهُ أَخَذَهُ لِلرَّدِّ ) وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ فَلَا شَيْءَ لَهُ كَمَا سَيَأْتِي .
( وَ ) لِمُوَصَّلِهِ ( مِنْ أَقَلَّ مِنْهَا ) أَيْ مُدَّةِ السَّفَرِ ( بِقِسْطِهِ ) أَيْ بِحِسَابِهِ ؛ لِأَنَّ الْعِوَضَ يُوَزَّعُ عَلَى الْمُعَوَّضِ ضَرُورَةَ الْمُقَابَلَةِ .
( وَفِي الْأَخِيرَيْنِ ) أَيْ الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ ( إذَا مَاتَ الْمَوْلَى قَبْلَ وُصُولِهِمَا إلَيْهِ فَلَا جُعْلَ لَهُ ) لِأَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ فَتَكُونُ حُرَّةً وَلَا جُعْلَ فِي الْحُرِّ وَكَذَا الْمُدَبَّرُ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ فَكَذَا عِنْدَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ حُرٌّ مَدْيُونٌ إذْ الْإِعْتَاقُ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ مُكَاتَبٌ وَلَا جُعْلَ فِي الْمُكَاتَبِ كَمَا سَيَأْتِي ( فَإِنْ ) ( أَشْهَدَ ) أَيْ آخِذُ الْآبِقِ بِأَنَّهُ أَخَذَهُ لِيَرُدَّهُ إلَى مَوْلَاهُ ( وَأَبَقَ مِنْهُ ) ( لَمْ يَضْمَنْ ) لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ عِنْدَهُ وَلَمْ يَتَعَدَّ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُشْهِدْ ( ضَمِنَ

) لِأَنَّهُ غَاصِبٌ ( وَلَا شَيْءَ لَهُ ) فِي الْوَجْهَيْنِ أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّهُ إلَى مَوْلَاهُ وَأَمَّا فِي الثَّانِي فَلِأَنَّهُ بِتَرْكِهِ الْإِشْهَادَ صَارَ غَاصِبًا .
هَذَا عِنْدَهُمَا ، وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَلَا يَضْمَنُ وَيَسْتَحِقُّ الْجُعْلَ إذَا رَدَّهُ ؛ لِأَنَّ الْإِشْهَادَ عِنْدَهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِيهِ وَفِي اللُّقَطَةِ ( لَا جُعْلَ بِرَدِّ الْمُكَاتَبِ ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ يَدًا ( وَعَلَى الْمُرْتَهِنِ جُعْلُ الرَّهْنِ ) لِأَنَّ وُجُوبَ الْجُعْلِ لِلرَّادِّ بِإِصَابَةِ مَالِيَّةِ الْعَبْدِ ، وَمَالِيَّتُهُ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ إذْ مُوجَبُ الرَّهْنِ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ لِلْمُرْتَهِنِ مِنْ الْمَالِيَّةِ فَكَانَ الرَّادُّ عَامِلًا لَهُ فَيَجِبُ الْجُعْلُ عَلَيْهِ .
( وَإِنْ رُدَّ بَعْدَ مَوْتِ الرَّاهِنِ ) إذْ الرَّهْنُ لَا يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَهَذَا إذَا ( كَانَتْ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ وَفِي الْأَكْثَرِ قَدْرُ الدَّيْنِ عَلَيْهِ وَالْبَاقِي عَلَى الرَّاهِنِ ) لِأَنَّ حَقَّهُ بِالْقَدْرِ الْمَضْمُونِ وَصَارَ كَثَمَنِ الدَّوَاءِ وَالتَّخْلِيصِ عَنْ الْجِنَايَةِ بِالْفِدَاءِ فَإِنَّهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِالْقَدْرِ الْمَضْمُونِ فِيهِ ( وَإِنْ كَانَ مَدْيُونًا فَعَلَى ) أَيْ الْجُعْلُ عَلَى ( الْمَوْلَى إنْ اخْتَارَ الْقَضَاءَ ) أَيْ قَضَاءَ مَا عَلَى الْعَبْدِ مِنْ الدَّيْنِ ( وَإِنْ أَبَى ) مِنْ الْقَضَاءِ ( بِيعَ ) الْعَبْدُ ( فَبُدِئَ بِالْجُعْلِ ) أَيْ أَخَذَ صَاحِبُ الْجُعْلِ جُعْلَهُ أَوَّلًا ( وَالْبَاقِي لِلْغُرَمَاءِ ) لِأَنَّهُ مُؤْنَةُ الْمِلْكِ فَتَجِبُ عَلَى مَنْ يَسْتَقِرُّ الْمِلْكُ لَهُ ( وَإِنْ كَانَ ) الْعَبْدُ ( جَانِيًا فَعَلَى الْمَوْلَى الْفِدَاءُ ) أَيْ الْجُعْلُ عَلَى الْمَوْلَى إنْ اخْتَارَ الْفِدَاءَ ؛ لِأَنَّهُ طَهَّرَهُ عَنْ الْجِنَايَةِ بِاخْتِيَارِهِ الْفِدَاءَ وَتَبَيَّنَ أَنَّ الرَّادَّ أَحْيَا مَالِيَّتَهُ ( وَالْأَوْلِيَاءُ فِي الدَّفْعِ ) أَيْ الْجُعْلُ عَلَى الْأَوْلِيَاءِ إنْ اخْتَارَ الْمَوْلَى دَفْعَ الْعَبْدِ إلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّهُ أَحْيَا حَقَّهُمْ ( وَإِنْ كَانَ ) الْعَبْدُ ( مَوْهُوبًا فَعَلَى الْمَوْهُوبِ لَهُ وَإِنْ رَجَعَ

الْوَاهِبُ فِي هِبَتِهِ بَعْدَ الرَّدِّ ) لِأَنَّ الْمِلْكَ لِلْمَوْهُوبِ لَهُ عِنْدَ الرَّدِّ فَزَوَالُهُ بِالرُّجُوعِ بِتَقْصِيرٍ مِنْهُ وَهُوَ تَرَكَ التَّصَرُّفَ فِيهِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ الْوَاجِبُ بِالرَّدِّ ( وَإِنْ كَانَ لِصَبِيٍّ فَفِي مَالِهِ ) لِأَنَّهُ مُؤْنَةُ مِلْكِهِ ( وَإِنْ رَدَّهُ وَصِيُّهُ فَلَا جُعْلَ لَهُ ) لِأَنَّ تَدْبِيرَهُ وَاجِبٌ عَلَيْهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِهِ ( أَبَقَ بَعْدَ الْبَيْعِ وَقَبْلَ الْقَبْضِ خُيِّرَ الْمُشْتَرِي ) أَيْ فَالْمُشْتَرِي مُخَيَّرٌ ( إنْ شَاءَ صَبَرَ حَتَّى يَرْجِعَ ) الْآبِقُ ( أَوْ رَفَعَ ) الْأَمْرَ ( إلَى الْقَاضِي لِيَفْسَخَ ) الْعَقْدَ بِحُكْمِ عَجْزِ الْبَائِعِ عَنْ التَّسْلِيمِ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي فِي بَابِ التَّصَرُّفِ فِي الرَّهْنِ .
( كِتَابُ الْآبِقِ ) ( قَوْلُهُ فَيَأْتِي أَيْ الْآخِذُ بِهِ أَيْ بِالْآبِقِ إلَى الْقَاضِي ) يَعْنِي إنْ شَاءَ ، وَإِنْ شَاءَ حَفِظَهُ بِنَفْسِهِ ( قَوْلُهُ فَيَحْبِسُهُ ) لَيْسَ الْمُرَادُ حَبْسُهُ ابْتِدَاءً بَلْ إذَا رَفَعَهُ إلَيْهِ لَا يَقْبَلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ثُمَّ يَحْبِسُهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ وَلِمُوَصَّلِهِ
إلَخْ ) شَامِلٌ لِمَا لَوْ كَانَتْ أَمَةً يُوَلِّدُهَا فَلَهُ جُعْلٌ وَاحِدٍ مَا لَمْ يَكُنْ وَلَدُهَا مُرَاهِقًا فَيَجِبُ ثَمَانُونَ دِرْهَمًا ( قَوْلُهُ وَلِمُوَصَّلِهِ مِنْ أَقَلَّ مِنْهَا بِقِسْطِهِ ) أَيْ فَيُقْسَمُ الْأَرْبَعُونَ عَلَى الْأَيَّامِ الثَّلَاثَةِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ .
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ ذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ يُرْضَخُ إذَا وَجَدَهُ فِي الْمِصْرِ أَوْ خَارِجَ الْمِصْرِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا شَيْءَ لَهُ فِي الْمِصْرِ ثُمَّ إنْ اتَّفَقَا فِي الرَّضْخِ وَإِلَّا فَالْإِمَامُ يُقَدِّرُهُ ( قَوْلُهُ وَإِنْ رَدَّهُ وَصِيُّهُ فَلَا جُعْلَ لَهُ ) كَذَا أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ وَالِابْنُ إلَى أَحَدِهِمَا وَمَنْ فِي عِيَالِ سَيِّدِهِ وَأَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ وَمَنْ يَعُولُ الْيَتِيمَ وَمَنْ اسْتَعَانَ بِهِ الْمَالِكُ فِي رَدِّهِ إلَيْهِ وَالسُّلْطَانُ وَالشِّحْنَةُ وَالْخَفِيرُ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25