كتاب : درر الحكام شرح غرر الأحكام
المؤلف : محمد بن فراموز الشهير بمنلا خسرو

قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَوْ نَوَى بِهِ التَّطَوُّعَ أَجْزَأَ عَنْ الرُّكْنِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الدَّمُ كَذَلِكَ بَلْ أَوْلَى لَكِنَّهُ قَدْ يُقَالُ لَمَّا كَانَ طَوَافُ الرُّكْنِ فَرْضًا مُتَعَيِّنًا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وُجُوبًا كَانَ النَّظَرُ لِإِيقَاعِ مَا طَافَهُ عَنْهُ وَتَلْغُو نِيَّتُهُ غَيْرُهُ وَأَمَّا الْأُضْحِيَّةُ فَهِيَ مُتَعَيِّنَةٌ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ كَالْمُتْعَةِ فَلَا تَقَعُ الْأُضْحِيَّةُ مَعَ تَعَيُّنِهَا عَنْ غَيْرِهَا ا هـ .
( قَوْلُهُ وَجَازَ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ بَعْدَ إحْرَامِهَا أَيْ الْعُمْرَةِ ) أَقُولُ يَعْنِي فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ صِحَّةِ الْإِحْرَامِ لَهَا قَبْلَ الْأَشْهُرِ صِحَّةُ الصَّوْمِ ( قَوْلُهُ لَا قَبْلَهُ ) أَيْ الْإِحْرَامِ يَعْنِي : وَلَوْ صَامَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ وُجُودِ سَبَبِهِ وَهُوَ التَّمَتُّعُ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ شَاءَ الْمُتَمَتِّعُ سَوْقَ الْهَدْيِ ) شُرُوعٌ فِي بَيَانِ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ أَحْكَامِ الْمُتَمَتِّعِ وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْأَوَّلِ الَّذِي لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ ( قَوْلُهُ أَحْرَمَ وَسَاقَ ) عَبَّرَ بِالْوَاوِ فَصَدَقَ بِمَا لَوْ أَحْرَمَ ابْتِدَاءً بِالنِّيَّةِ وَالتَّلْبِيَةِ ثُمَّ سَاقَ أَوْ سَاقَ مُقَارِنًا لِلنِّيَّةِ وَالْأَفْضَلُ الْإِحْرَامُ بِالتَّلْبِيَةِ فَيَأْتِي بِهَا قَبْلَ التَّقْلِيدِ وَالسَّوْقِ كَيْ لَا يَكُونَ مُحْرِمًا بِالتَّوَجُّهِ مَعَهَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ ، وَالسَّوْقُ أَفْضَلُ مِنْ قَوْدِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَبَقِيَ قَيْدٌ لَا بُدَّ مِنْهُ وَهُوَ أَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ مُحْرِمًا بِالتَّقْلِيدِ وَالتَّوَجُّهِ إذَا حَصَلَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَمَّا إذَا لَمْ يَحْصُلَا فِيهَا لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا مَا لَمْ يُدْرِكْ الْهَدْيَ وَيَسِيرِ مَعَهُ ؛ لِأَنَّ تَقْلِيدَ هَدْيِ الْمُتْعَةِ فِي غَيْرِ الْأَشْهُرِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ وَيَكُونُ تَطَوُّعًا وَهَدْيُ التَّطَوُّعِ مَا لَمْ يُدْرِكْهُ وَيَسِيرُ مَعَهُ لَا يَصِيرُ مُحْرِمًا كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ عَنْ النِّهَايَةِ ( قَوْلُهُ وَهُوَ شَقُّ سَنَامِهَا مِنْ الْأَيْسَرِ ) هَذَا تَفْسِيرٌ لِهَذَا الْإِشْعَارِ الْمَخْصُوصِ

وَتَفْسِيرُهُ لُغَةً الْإِدْمَاءُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ وَهُوَ الْأَشْبَهُ بِالصَّوَابِ ) أَيْ تَفْسِيرُ الْإِشْعَارِ بِشَقِّ سَنَامِهَا مِنْ الْأَيْسَرِ هُوَ الْأَشْبَهُ بِالصَّوَابِ يَعْنِي فِي الرِّوَايَةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى خِلَافِ مَا وَقَعَ فِي الْقُدُورِيِّ أَنَّهُ يُشَقُّ سَنَامُهَا مِنْ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ ( قَوْلُهُ وَأَبُو حَنِيفَةَ إنَّمَا كَرِهَ هَذَا الصُّنْعَ
إلَخْ ) .
أَيْ خِلَافًا لَهُمَا فَقَالَا يُشْعِرُ وَهُوَ أَحْسَنُ عِنْدَهُمَا مِنْ التَّقْلِيدِ اتِّبَاعًا لِمَا فِي الصَّحِيحِ وَغَيْرِهِ ( قَوْلُهُ ، وَقِيلَ إنَّمَا كَرِهَ إشْعَارَ أَهْلِ زَمَانِهِ ) كَذَا حَمَلَهُ الطَّحَاوِيُّ وَقَالَ الْكَمَالُ هُوَ الْأَوْلَى وَقَالَ فِي الْبَحْرِ اخْتَارَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ ( قَوْلُهُ لِمُبَالَغَتِهِمْ فِيهِ ) أَيْ فَكَانُوا لَا يُحْسِنُونَهُ ؛ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ مُجَرَّدُ شَقِّ الْجِلْدِ لِيُدْمِيَ وَلَا يُبَالِغُ فِيهِ إلَى اللَّحْمِ ( قَوْلُهُ فَبِحَلْقِهِ يَوْمَ النَّحْرِ حَلَّ مِنْ إحْرَامَيْهِ ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى بَقَاءِ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ كَمَا تُفِيدُهُ عِبَارَاتُ الْأَصْحَابِ ، وَهِيَ الظَّاهِرَةُ خِلَافًا لِمَا فِي النِّهَايَةِ مِنْ قَوْلِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَمَنْ تَابَعَهُ إنَّ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ انْتَهَى بِالْوُقُوفِ وَلَمْ يَبْقَ إلَّا فِي حَقِّ التَّحَلُّلِ قَالَ شَارِحُ الْكَنْزِ ، وَهَذَا بَعِيدٌ ؛ لِأَنَّ الْقَارِنَ إذَا جَامَعَ بَعْدَ الْوُقُوفِ يَجِبُ عَلَيْهِ بَدَنَةٌ لِلْحَجِّ وَشَاةٌ لِلْعُمْرَةِ وَبَعْدَ الْحَلْقِ قَبْلَ الطَّوَافِ شَاتَانِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ .

( الْمَكِّيُّ يُفْرِدُ فَقَطْ ) أَيْ لَا تَمَتُّعَ لَهُ ، وَلَا قِرَانَ ؛ لِأَنَّ شَرْعِيَّتَهُمَا لِلتَّرَفُّهِ بِإِسْقَاطِ إحْدَى السَّفْرَتَيْنِ ، وَهَذَا فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ ( مَنْ اعْتَمَرَ بِلَا سَوْقٍ ثُمَّ عَادَ إلَى بَلَدِهِ فَقَدْ أَلَمَّ ) أَيْ أَبْطَلَ تَمَتُّعَهُ مِنْ قَبِيلِ ذِكْرِ الْمَلْزُومِ وَإِرَادَةِ اللَّازِمِ إذْ قَدْ عَرَفْت مَعْنَى التَّمَتُّعِ فَاَلَّذِي اعْتَمَرَ بِلَا سَوْقِ الْهَدْيِ لَمَّا عَادَ إلَى بَلَدِهِ صَحَّ إلْمَامُهُ فَبَطَلَ تَمَتُّعُهُ ( وَمَعَ سَوْقِهِ لِلْهَدْيِ تَمَتُّعٌ ) فَإِنَّهُ إذَا سَاقَ الْهَدْيَ فَلَا يَكُونُ إلْمَامُهُ صَحِيحًا إذْ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّحَلُّلُ فَيَكُونُ عَوْدُهُ وَاجِبًا فَإِنْ عَادَ وَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ كَانَ مُتَمَتِّعًا ( فَإِنْ طَافَ لَهَا أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةٍ قَبْلَ أَشْهُرِهِ وَتَمَّمَهَا فِيهَا وَحَجَّ فَقَدْ تَمَتَّعَ ) ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ عِنْدَنَا شَرْطٌ فَيَصِحُّ تَقْدِيمُهُ عَلَى أَشْهُرِ الْحَجِّ ، وَإِنَّمَا تُعْتَبَرُ أَدَاءُ الْأَفْعَالِ فِيهَا ، وَقَدْ وُجِدَ الْأَكْثَرُ وَلَهُ حُكْمُ الْكُلِّ ( وَلَوْ طَافَ أَرْبَعَةً قَبْلَهَا ) أَيْ الْأَشْهُرِ ( لَا ) يَكُونُ مُتَمَتِّعًا ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى الْأَكْثَرَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ ( كُوفِيٌّ ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي مُتَمَتِّعٌ ( حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ فِيهَا ) أَيْ الْأَشْهُرِ ( وَسَكَنَ بِمَكَّةَ أَوْ بَصْرَةَ وَحَجَّ ) فِي عَامِهِ ذَلِكَ ( مُتَمَتِّعٌ ) ؛ لِأَنَّ السَّفَرَ الْأَوَّلَ لَمْ يَنْتَهِ بِرُجُوعِهِ إلَى الْبَصْرَةِ كَأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمِيقَاتِ ( وَلَوْ ) أَتَى بِعُمْرَةٍ ، وَ ( أَفْسَدَهَا وَرَجَعَ مِنْ الْبَصْرَةِ وَقَضَاهَا وَحَجَّ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا ) ؛ لِأَنَّ حُكْمَ السَّفَرِ الْأَوَّلِ لَمَّا بَقِيَ بِالرُّجُوعِ إلَى الْبَصْرَةِ كَأَنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ مَكَّةَ وَلَا تَمَتُّعَ لِلسَّاكِنِ فِيهَا ( إلَّا إذَا أَلَمَّ بِأَهْلِهِ ثُمَّ أَتَى بِهِمَا ) فَإِنَّهُ إذَا أَلَمَّ بِأَهْلِهِ ثُمَّ رَجَعَ وَأَتَى بِالْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ كَانَ هَذَا إنْشَاءَ سَفَرٍ لِانْتِهَاءِ السَّفَرِ الْأَوَّلِ بِإِلْمَامٍ فَاجْتَمَعَ نُسُكَانِ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ فَيَكُونُ

مُتَمَتِّعًا ( وَأَيًّا أَفْسَدَ أَتَمَّهُ بِلَا دَمٍ ) أَيْ مَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ فَأَيَّهمَا أَفْسَدَ مَضَى فِيهِ إذْ لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ عَنْ عُهْدَةِ الْإِحْرَامِ إلَّا بِالْأَفْعَالِ وَسَقَطَ دَمُ التَّمَتُّعِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْتَفِقْ بِأَدَاءِ النُّسُكَيْنِ الصَّحِيحَيْنِ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ ( وَالْقِرَانُ أَفْضَلُ مِنْهُ ) أَيْ التَّمَتُّعِ ( ، وَهُوَ ) أَيْ التَّمَتُّعُ أَفْضَلُ ( مِنْ الْإِفْرَادِ ) فَيَكُونُ الْقِرَانُ أَفْضَلَ مِنْهُمَا أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ فِيهِ جَمْعًا بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ فَأَشْبَهَ الصَّوْمَ وَالِاعْتِكَافَ وَالْحِرَاسَةَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَصَلَاةَ اللَّيْلِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ فِي التَّمَتُّعِ جَمْعًا بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ فِي الْجُمْلَةِ فَأَشْبَهَ الْقِرَانَ

( قَوْلُهُ الْمَكِّيُّ يُفْرِدُ فَقَطْ ) أَقُولُ كَذَلِكَ أَهْلُ مَا دُونَ الْمَوَاقِيتِ إلَى الْحَرَمِ ، وَهَذَا مَا دَامَ مُقِيمًا بِمَكَّةَ أَوْ وَطَنِهِ فَإِذَا خَرَجَ إلَى الْكُوفَةِ وَقَرَنَ صَحَّ بِلَا كَرَاهَةٍ ؛ لِأَنَّ عُمْرَتَهُ وَحَجَّتَهُ مِيقَاتَانِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْآفَاقِيِّ قَالَ الْمَحْبُوبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا إذَا خَرَجَ إلَى الْكُوفَةِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَأَمَّا إذَا خَرَجَ بَعْدَهَا فَقَدْ مُنِعَ مِنْ الْقِرَانِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِخُرُوجِهِ مِنْ الْمِيقَاتِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَقَوْلُ الْمَحْبُوبِيِّ هُوَ الصَّحِيحُ نَقَلَهُ الشَّيْخُ الشَّلَبِيُّ عَنْ الْكَرْمَانِيُّ ثُمَّ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ ، وَإِنَّمَا خَصَّ الْقِرَانَ بِالذِّكْرِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا خَرَجَ الْمَكِّيُّ إلَى الْكُوفَةِ وَاعْتَمَرَ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا عَلَى مَا نَذْكُرُهُ ا هـ قُلْت هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّ التَّمَتُّعَ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْ الْمَكِّيِّ ؛ لِأَنَّ شَرْطَهُ أَنْ لَا يُلِمَّ بِأَهْلِهِ بَعْدُ الْعُمْرَةَ إلْمَامًا صَحِيحًا وَالْمَكِّيُّ إلْمَامُهُ صَحِيحٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا فِي إحْدَى صُورَتَيْ التَّمَتُّعِ كَمَا نَذْكُرُهُ ( قَوْلُهُ أَيْ لَا تَمَتُّعَ لَهُ ، وَلَا قِرَانَ ) أَقُولُ الْمُرَادُ نَهْيُهُ عَنْ الْفِعْلِ لَا نَفْيُ الْفِعْلِ لِمَا نَذْكُرُ مِنْ أَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الْمَشْرُوعِيَّةَ فَإِنْ فَعَلَ الْقِرَانَ صَحَّ وَأَسَاءَ كَمَا يَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي إضَافَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ هَذَا وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ ظَاهِرُ الْكُتُبِ مُتُونًا وَشُرُوحًا وَفَتَاوَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُمْ أَيْ أَهْلِ مَكَّةَ تَمَتُّعٌ ، وَلَا قِرَانٌ .
وَفِي التُّحْفَةِ أَنَّهُ يَصِحُّ تَمَتُّعُهُمْ وَقِرَانُهُمْ فَإِنَّهُ نَقَلَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ عَنْهَا أَنَّهُمْ لَوْ تَمَتَّعُوا جَازَ وَأَسَاءُوا أَوْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ دَمُ الْجَبْرِ وَهَكَذَا ذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ ا هـ .
وَقَالَ الْكَمَالُ مُقْتَضَى كَلَامِ أَئِمَّةِ الْمَذْهَبِ أَيْ الْمُقْتَضِي لِعَدَمِ الصِّحَّةِ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ مِنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ يَعْنِي بِهِ صَاحِبَ التُّحْفَةِ

الْقَائِلَ بِالصِّحَّةِ مَعَ الْإِسَاءَةِ ا هـ .
قُلْتُ قَدْ ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ فِي بَابِ إضَافَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ التُّحْفَةِ وَكَذَلِكَ فِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ مِنْ الشُّرُوحِ وَالْمُتُونِ أَنَّ الْمَكِّيَّ إذَا طَافَ شَوْطَ الْعُمْرَةِ فَأَحْرَمَ بِحَجٍّ رَفَضَهُ فَإِنْ مَضَى الْمَكِّيُّ عَلَيْهِمَا وَلَمْ يَرْفُضْ شَيْئًا أَجْزَأَهُ قَالَ الْكَمَالُ ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى أَفْعَالَهُمَا كَمَا الْتَزَمَهُمَا غَيْرَ أَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } يَعْنِي التَّمَتُّعَ وَالْقِرَانَ دَخَلَ فِي مَفْهُومِهِ وَسَمَّاهُ الْمُصَنِّفُ أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ نَهْيًا بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى وَهُوَ عَنْ فِعْلٍ شَرْعِيٍّ فَلَا يَمْنَعُ تَحَقُّقَ الْفِعْلِ عَلَى وَجْهِ الْمَشْرُوعِيَّةِ بِأَصْلِهِ غَيْرَ أَنَّهُ يَتَحَمَّلُ إثْمَهُ كَصِيَامِ يَوْمِ النَّحْرِ بَعْدَ أَنْ نَذَرَهُ ا هـ .
وَقَالَ الشَّيْخُ أَكْمَلُ الدِّينِ فِي الْعِنَايَةِ ، وَإِنْ مَضَى أَيْ الْمَكِّيُّ عَلَيْهِمَا وَأَدَّاهُمَا أَجْزَأَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى أَفْعَالَهُمَا كَمَا الْتَزَمَهُمَا غَيْرَ أَنَّهُ مَنْهِيٌّ وَالنَّهْيُ لَا يَمْنَعُ تَحَقُّقَ الْفِعْلِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِنَا أَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي الْمَشْرُوعِيَّةَ دُونَ النَّفْيِ قِيلَ : ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَوَّلِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا فِي حَقِّ الْمَكِّيِّ غَيْرُ مَشْرُوعٍ ثُمَّ ذَكَرَ هَاهُنَا أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ تَحَقُّقَ الْفِعْلِ وَمَعْنَاهُ كَمَا قُلْنَا إنَّهُ يَقْتَضِي الْمَشْرُوعِيَّةَ فَكَانَ التَّنَاقُضُ فِي كَلَامِهِ ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ غَيْرُ مَشْرُوعٍ كَامِلًا فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ وَبِهِ يَنْدَفِعُ التَّنَاقُضُ ا هـ .
كَلَامُ الْعِنَايَةِ فَبِهَذَا عَلِمْت أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي صِحَّةِ قِرَانِ الْمَكِّيِّ وَتَمَتُّعِهِ وَأَنَّ مَا ادَّعَاهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ ظَاهِرَ الْكُتُبِ عَدَمُ صِحَّتِهِ مَمْنُوعٌ وَأَنَّ مَا قَالَهُ الْكَمَالُ مِنْ أَنَّ مُقْتَضَى كَلَامِ

الْأَئِمَّةِ أَوْلَى بِالِاعْتِبَارِ مِمَّا قَالَهُ صَاحِبُ التُّحْفَةِ قَدْ خَالَفَهُ بِنَفْسِهِ فِي بَابِ إضَافَةِ الْإِحْرَامِ إلَى الْإِحْرَامِ وَكَذَلِكَ فَعَلَ صَاحِبِ الْبَحْرِ وَعَلَى تَسْلِيمِ ثُبُوتِ الْمُخَالَفَةِ بِصَرِيحِ لَا يَصِحُّ فِي كَلَامِهِمْ تَنْتَفِي الْمُخَالَفَةُ بِحَمْلٍ لَا يَصِحُّ عَلَى نَفْيِ الشَّرْعِيَّةِ الْمُثَابِ عَلَيْهَا وَيُحْمَلُ كَلَامُ صَاحِبِ التُّحْفَةِ عَلَى التَّمَتُّعِ اللُّغَوِيِّ الَّذِي مَعَهُ الْإِسَاءَةُ فَحَصَلَ الِاتِّفَاقُ عَلَى وُجُودِ الْقِرَانِ وَالتَّمَتُّعِ مِنْ الْمَكِّيِّ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُبَاحٍ لَهُ وَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبَدَائِعِ مِنْ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ التَّمَتُّعُ مِنْ الْمَكِّيِّ لِمَا أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ التَّمَتُّعِ أَنْ لَا يُلِمَّ بِأَهْلِهِ إلْمَامًا صَحِيحًا وَالْإِلْمَامُ مَوْجُودٌ مِنْهُ قُلْتُ هَذَا خَاصٌّ بِمَا أَرَادَهُ مِنْ إحْدَى صُورَتَيْ التَّمَتُّعِ وَهُوَ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ إذَا حَلَقَ أَلَمَّ بِأَهْلِهِ لِتَحَلُّلِهِ بِالْحَلْقِ وَأَمَّا إذَا سَاقَ الْهَدْيَ فَإِلْمَامُهُ بِأَهْلِهِ غَيْرُ إلْمَامٍ صَحِيحٍ لِبَقَائِهِ عَلَى الْإِحْرَامِ وَأَيْضًا لَوْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ وَلَمْ يَحْلِقْ لِلْعُمْرَةِ لَمْ يَكُنْ مُلِمًّا بِأَهْلِهِ إلْمَامًا صَحِيحًا فَإِذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ الْحَلْقِ مِنْ عَامِهِ وُجِدَ مِنْهُ التَّمَتُّعُ لِعَدَمِ مَا يَمْنَعُ صِحَّتَهُ ، وَإِنْ كَانَ مَنْهِيًّا عَنْهُ فَدَعْوَى عَدَمِ تَصَوُّرِ وُجُودِ تَمَتُّعِهِ خَاصٌّ بِصُورَةٍ وَيُتَصَوَّرُ بِصُورَتَيْنِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فَثَبَتَ صِحَّةُ تَمَتُّعِ الْمَكِّيِّ كَمَا صَحَّ قِرَانُهُ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مُحَرَّرًا بِحَمْدِ اللَّهِ ( قَوْلُهُ مَنْ اعْتَمَرَ بِلَا سَوْقٍ
إلَخْ ) أَقُولُ هَذَا إذَا حَلَقَ فَإِنْ عَادَ إلَى أَهْلِهِ قَبْلَ الْحَلْقِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ فِي أَهْلِهِ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ وَقُيِّدَ بِالْمُتَمَتِّعِ إذْ الْقَارِنُ لَا يَبْطُلُ قِرَانُهُ بِالْعَوْدِ وَالتَّقْيِيدُ بِبَلَدِهِ قَوْلُهُمْ جَمِيعًا أَمَّا إذَا رَجَعَ إلَى غَيْرِ بَلَدِهِ كَانَ مُتَمَتِّعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي

الْجَوْهَرَةِ ( قَوْلُهُ فَيَكُونُ عَوْدُهُ وَاجِبًا ) يَعْنِي إذَا كَانَ عَلَى عَزْمِ الْمُتْعَةِ ، وَالتَّقْيِيدُ بِعَزْمِ الْمُتْعَةِ لِنَفْيِ اسْتِحْقَاقِ الْعَوْدِ شَرْعًا عِنْدَ عَدَمِهِ فَإِنَّهُ لَوْ بَدَا لَهُ بَعْدَ الْعُمْرَةِ أَنْ لَا يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ لَا يُؤَاخَذُ بِذَلِكَ أَيْ لَا يُؤَاخَذُ بِقَضَاءِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ لَمْ يُحْرِمْ بِالْحَجِّ بَعْدُ وَإِذَا ذَبَحَ الْهَدْيَ أَوْ أَمَرَ بِذَبْحِهِ يَقَعُ تَطَوُّعًا كَذَا فِي الْفَتْحِ قُلْت وَإِذَا تَحَلَّلَ كَانَ تَارِكًا لِلْوَاجِبِ وَهُوَ الْحَلْقُ فِي الْحَرَمِ ( قَوْلُهُ : وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ أَدَاءُ الْأَفْعَالِ فِيهَا ) أَقُولُ إنَّمَا خُصَّتْ الْمُتْعَةُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ؛ لِأَنَّ أَشْهُرَ الْحَجِّ كَانَ مُتَعَيَّنًا لِلْحَجِّ قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَأَدْخَلَ اللَّهُ الْعُمْرَةَ فِيهَا إسْقَاطًا لِلسَّفَرِ الْجَدِيدِ عَنْ الْغُرَبَاءِ فَكَانَ اجْتِمَاعُهُمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ رُخْصَةً وَتَمَتُّعًا كَذَا فِي الْبَحْرِ وَقَدَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَى اشْتِرَاطِ الْإِتْيَانِ بِأَكْثَرِ الْعُمْرَةِ فِي الْقِرَانِ كَالتَّمَتُّعِ ( قَوْلُهُ وَسَكَنَ بِمَكَّةَ أَوْ بَصْرَةَ ) عَدَلَ عَنْ قَوْلِهِمْ أَقَامَ ؛ لِأَنَّ قَيْدَ الْإِقَامَةِ اتِّفَاقِيٌّ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتَّخِذَ مَكَّةَ أَوْ بَصْرَةَ دَارًا أَوْ لَا صَرَّحَ بِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ عَنْ الْبَدَائِعِ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ أَتَى ) الضَّمِيرُ يَرْجِعُ لِلْكُوفِيِّ وَقَوْلُهُ بِعُمْرَةٍ يَعْنِي فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ أَفْسَدَهَا لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا ، وَإِنَّمَا قُيِّدَتْ بِفِعْلِهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ؛ لِأَنَّهُ إذَا اعْتَمَرَ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَأَفْسَدَهَا وَأَتَمَّهَا عَلَى الْفَسَادِ فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الْمِيقَاتِ حَتَّى دَخَلَ أَشْهُرُ الْحَجِّ فَقَضَى عُمْرَتَهُ فِيهَا ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ اتِّفَاقًا وَعَلَيْهِ دَمُ جَبْرٍ ، وَإِنْ خَرَجَ إلَى غَيْرِ أَهْلِهِ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لِمَوْضِعٍ لِأَهْلِهِ الْمُتْعَةُ ثُمَّ عَادَ وَدَخَلَ الْمِيقَاتَ قَبْلَ دُخُولِ أَشْهُرِ الْحَجِّ مُحْرِمًا لِلْقَضَاءِ وَقَضَاهَا فِي

أَشْهُرِ الْحَجِّ وَحَجَّ مِنْ عَامِهِ كَانَ مُتَمَتِّعًا ، وَإِنْ دَخَلَ الْمِيقَاتَ فِي الْأَشْهُرِ لَا يَكُونُ مُتَمَتِّعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعِنْدَهُمَا هُوَ مُتَمَتِّعٌ فِي الْوَجْهَيْنِ وَالْخُرُوجُ إلَى الْمِيقَاتِ مِنْ غَيْرِ مُجَاوَزَتِهِ بِمَنْزِلَةِ عَدَمِ الْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ عَلَى الْمَشْهُورِ فَلَا يَتَمَتَّعُ مَنْ فَعَلَهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ إلَّا إذَا أَلَمَّ بِأَهْلِهِ ) يَعْنِي بَعْدَ مَا مَضَى فِي الْفَاسِدِ وَبَعْدَ مَا حَلَّ مِنْهُ ثُمَّ أَتَى بِهِمَا أَيْ بِقَضَاءِ الْعُمْرَةِ وَبِأَدَاءِ الْحَجِّ ( قَوْلُهُ وَسَقَطَ عَنْهُ دَمُ التَّمَتُّعِ ) أَيْ وَلَزِمَهُ دَمٌ جَبْرٌ لِلْفَسَادِ

بَابُ الْجِنَايَاتِ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِ الْمُحْرِمِينَ شَرَعَ فِيمَا يَعْتَرِيهِمْ مِنْ الْعَوَارِضِ مِنْ الْجِنَايَاتِ وَالْإِحْصَارِ وَالْفَوَاتِ ، وَهِيَ جَمْعُ جِنَايَةٍ وَالْمُرَادُ بِهَا فِعْلُ مَا لَيْسَ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَفْعَلَهُ ، ثُمَّ الْوَاجِبُ بِهَا قَدْ يَكُونُ دَمًا ، وَقَدْ يَكُونُ دَمَيْنِ ، وَقَدْ يَكُونُ تَصَدُّقًا أَوْ دَمًا ، وَقَدْ يَكُونُ غَيْرَ ذَلِكَ فَأَرَادَ تَفْصِيلَهَا فَقَالَ ( وَجَبَ دَمٌ عَلَى مُحْرِمٍ بَالِغٍ إنْ طَيَّبَ عُضْوًا ) كَامِلًا فَمَا زَادَ كَالرَّأْسِ ( وَالسَّاقِ وَالْفَخِذِ وَنَحْوِهَا )

( بَابُ الْجِنَايَاتِ ) أَيْ وَغَيْرِهَا لِمَا فِي الْبَابِ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى التَّرْجَمَةِ ( قَوْلُهُ : وَهِيَ جَمْعُ جِنَايَةٍ ) جَمَعَهَا بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِهَا ( قَوْلُهُ : وَالْمُرَادُ بِهَا ) يَعْنِي فِي هَذَا الْبَابِ فَعَلَ مَا لَيْسَ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَفْعَلَهُ وَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ كَمَا فِي الْفَتْحِ الْجِنَايَةُ فِعْلٌ مُحَرَّمٍ وَالْمُرَادُ هُنَا خَاصٌّ مِنْهُ وَهُوَ مَا يَكُونُ حُرْمَتُهُ بِسَبَبِ الْإِحْرَامِ أَوْ الْحَرَمِ ( قَوْلُهُ : وَقَدْ يَكُونُ تَصَدُّقًا أَوْ دَمًا ) يَعْنِي أَوْ صَوْمًا عَلَى التَّخْيِيرِ كَمَا لَوْ حَلَقَ بِعُذْرٍ ( قَوْلُهُ : وَقَدْ يَكُونُ غَيْرَ ذَلِكَ ) أَيْ كَقِيمَةِ صَيْدٍ لَا يَبْلُغُ دَمًا وَلَا صَدَقَةً مُطْلَقَةً وَهِيَ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ ؛ لِأَنَّ الصَّدَقَةَ إذَا أُطْلِقَتْ يُرَادُ بِهَا نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ وَذَلِكَ كَتَمْرَةٍ بِقَتْلِ جَرَادَةٍ أَوْ رُبْعِ صَاعٍ بِقَتْلِ حَمَامَةٍ ( قَوْلُهُ : وَجَبَ دَمٌ ) كَذَا فِي الْمَجْمَعِ وَفَسَّرَهُ شَارِحُهُ ابْنُ الْمَلِكِ بِقَوْلِهِ أَيْ شَاةٌ ا هـ وَلَمْ يَذْكُرْ سِرَّهُ وَصَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ بِقَوْلِهِ أَشَارَ أَيْ فِي الْكَنْزِ بِقَوْلِهِ تَجِبُ شَاةٌ إلَى أَنَّ سَبْع الْبَدَنَةِ لَا يَكْفِي فِي هَذَا الْبَابِ بِخِلَافِ دَمِ الشُّكْرِ ا هـ لَكِنْ قَالَ بَعْدَهُ فِيمَا لَوْ أَفْسَدَ حَجَّهُ بِجِمَاعٍ فِي أَحَدِ السَّبِيلَيْنِ أَنَّهُ يَقُومُ الشِّرْكُ فِي الْبَدَنَةِ مَقَامَهَا أَيْ الشَّاةِ ا هـ فَلْيُتَأَمَّلْ .
( قَوْلُهُ : بَالِغٍ ) لَقَدْ أَحْسَنَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ بِذِكْرِ قَيْدِ الْبُلُوغِ كَصَاحِبِ الْمَجْمَعِ وَالْمَوَاهِبِ حَيْثُ قَالَ : لَا يَجِبُ عَلَى الصَّبِيِّ الْمُحْرِمِ فِي جِنَايَتِهِ شَيْءٌ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِ الْإِحْرَامِ كَالْبَالِغِ وَلَنَا أَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ وَفِعْلُهُ غَيْرُ مَوْصُوفٍ بِالْحُرْمَةِ فَلَا يَكُونُ جَانِيًا ا هـ .
وَهَذَا الْقَيْدُ لَا بُدَّ مِنْهُ وَلَمْ يُذْكَرْ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ ( قَوْلُهُ : إنْ طَيَّبَ عُضْوًا كَامِلًا فَمَا زَادَ ) يَعْنِي فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ فَإِنْ كَانَ فِي مَجَالِسَ فَلِكُلِّ طِيبٍ كَفَّارَةٌ سَوَاءٌ

كَفَّرَ لِلْأَوَّلِ أَوْ لَا عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ مَا لَمْ يُكَفِّرْ لِلْأُولَى وَالطِّيبُ جِسْمٌ لَهُ رَائِحَةٌ طَيِّبَةٌ وَالزَّعْفَرَانُ وَالْبَنَفْسَجُ وَالْيَاسَمِينُ وَالْغَالِيَةُ وَالرَّيْحَانُ وَالْوَرْدُ وَالْوَرْسُ وَالْعُصْفُرُ طِيبٌ وَإِطْلَاقُ الْعُضْوِ يَشْمَلُ الْفَمَ حَتَّى لَوْ أَكَلَ طِيبًا كَثِيرًا بِحَيْثُ يَلْتَزِقُ بِكُلِّ فَمِهِ أَوْ أَكْثَرِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ دَمٌ وَفِي قَلِيلِهِ صَدَقَةٌ بِقَدْرِ الدَّمِ حَتَّى لَوْ الْتَزَقَ الطِّيبُ بِثُلُثِ فَمِهِ لَزِمَهُ صَدَقَةٌ تَبْلُغُ ثُلُثَ الدَّمِ وَإِنْ الْتَزَقَ بِنِصْفِهِ فَصَدَقَةٌ تَبْلُغُ نِصْفَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَا لَا شَيْءَ يَأْكُلُهُ مُطْلَقًا كَأَكْلِهِ مَعَ الطَّعَامِ وَأَطْلَقَ الْمُصَنِّفُ الْوُجُوبَ عَنْ قَيْدِ الزَّمَانِ فَأَفَادَ وُجُوبَ الدَّمِ ، وَلَوْ أَزَالَ الطِّيبَ عَنْ عُضْوِهِ مِنْ سَاعَتِهِ ، وَهَذَا بِخِلَافِ الثَّوْبِ الْمُطَيَّبِ كُلَّهُ أَوْ أَكْثَرُهُ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ لِوُجُوبِ الدَّمِ بِلُبْسِهِ مُطَيَّبًا دَوَامُهُ يَوْمًا فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ وَالْمُعْتَبَرُ فِي وُجُوبِ الدَّمِ كَثْرَةُ الطَّيِّبِ فِي الثَّوْبِ وَالْمَرْجِعُ فِيهِ الْعُرْفُ ، وَوَرَدَ التَّنْصِيصُ فِي الْمُجَرَّدِ عَلَى أَنَّ الشِّبْرَ فِي الشِّبْرِ قَلِيلٌ وَفِي الْقَلِيلِ صَدَقَةٌ إنْ لَبِسَهُ يَوْمًا كَامِلًا وَإِنْ لَبِسَهُ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ فَقَبْضَةٌ وَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ بِمَفْهُومِ الشَّرْطِ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ بِشَمِّ الطِّيبِ قَصْدًا لَكِنَّهُ يُكْرَهُ مَا لَمْ يَكُنْ مُطَيَّبًا بِهِ قَبْلَ إحْرَامِهِ فَلَا يُكْرَهُ ، وَكَذَا يُكْرَهُ شَمُّ الثِّمَارِ الطَّيِّبَةِ كَالتُّفَّاحِ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَجْلِسَ فِي حَانُوتِ عَطَّارٍ قَصْدًا ، وَلَوْ دَخَلَ بَيْتًا قَدْ أُجْمِرَ فِيهِ فَعَلِقَ بِثَوْبِهِ رَائِحَتُهُ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ انْتَقَلَ الطِّيبُ بَعْدَ الْإِحْرَامِ مِنْ عُضْوٍ إلَى عُضْوٍ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا تَطَيَّبَ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَكَفَّرَ ، ثُمَّ بَقِيَ عَلَيْهِ الطِّيبُ وَأَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ وُجُوبُ الْكَفَّارَةِ

أَيْضًا بِإِبْقَائِهِ بَعْدَ التَّكْفِيرِ وَإِنْ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَأَصَابَ فَمَه أَوْ يَدَهُ خَلُوقٌ كَثِيرٌ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَإِنْ كَانَ قَلِيلًا فَصَدَقَةٌ وَسَنَذْكُرُ بَيَانَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْفَتْحِ وَالْمَجْمَعِ وَالْبَحْرِ وَغَيْرِهَا ( قَوْلُهُ : كَالرَّأْسِ ) بَيَانٌ لِلْمُرَادِ مِنْ الْعُضْوِ ، فَلَيْسَ كَأَعْضَاءِ الْعَوْرَةِ فَلَا تَكُونُ الْأُذُنُ مَثَلًا عُضْوًا مُسْتَقِلًّا وَاعْلَمْ أَنَّ الْمُصَنِّفَ اعْتَبَرَ كَغَيْرِهِ الْكَثِيرَ مِنْ الطِّيبِ بِالْعُضْوِ وَالْقَلِيلَ بِمَا دُونَهُ وَبِهِ صَرَّحَ الْإِمَامُ مُحَمَّدٌ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ ، وَقَدْ أَشَارَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ إلَى أَنَّ الدَّمَ يَجِبُ بِالتَّطَيُّبِ الْكَثِيرِ وَالصَّدَقَةَ بِالْقَلِيلِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْعُضْوَ وَمَا دُونَهُ فَفَهِمَ مِنْ ذَلِكَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ أَنَّ الْكَثْرَةَ تُعْتَبَرُ فِي نَفْسِ الطِّيبِ لَا فِي الْعُضْوِ فَإِنْ كَانَ مِثْلُ كَفَّيْنِ مِنْ مَاءِ الْوَرْدِ وَكَفٍّ مِنْ الْغَالِيَةِ ، وَقَدْرٌ مِنْ الْمِسْكِ يَسْتَكْثِرُهُ النَّاسُ فَإِنَّهُ يَكُونُ كَثِيرًا وَإِلَّا فَهُوَ قَلِيلٌ ، وَلَوْ كَانَ كَثِيرًا فِي نَفْسِهِ كَكَفٍّ مِنْ مَاءِ الْوَرْدِ وَوَفَّقَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ بِأَنَّهُ إنْ كَانَ الطِّيبُ قَلِيلًا فَالْعِبْرَةُ لِلْعُضْوِ لَا لِلطِّيبِ حَتَّى لَوْ طَيَّبَ بِهِ عُضْوًا كَامِلًا لَزِمَهُ دَمٌ وَإِنْ طَيَّبَ أَقَلَّ لَزِمَهُ صَدَقَةٌ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَالْعِبْرَةُ لِلطِّيبِ لَا لِلْعُضْوِ حَتَّى لَوْ طَيَّبَ بِهِ رُبْعَ عُضْوٍ لَزِمَهُ دَمٌ وَفِيمَا دُونَهُ صَدَقَةٌ ، وَهَذَا التَّوْفِيقُ هُوَ التَّوْفِيقُ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ كَذَا فِي الْبَحْرِ

( أَوْ خَضَّبَ رَأْسَهُ بِحِنَّاءٍ ) ؛ لِأَنَّهُ طِيبٌ ( أَوْ ادَّهَنَ ) أَيْ اسْتَعْمَلَ الدُّهْنَ فِي عُضْوٍ ( بِزَيْتٍ أَوْ حَلَّ ، وَلَوْ ) كَانَا ( خَالِصَيْنِ ) فَإِنَّ الدُّهْنَ الْمُطَيِّبَ كَدُهْنِ الْبَنَفْسَجِ وَنَحْوِهِ يُوجِبُ الدَّمَ اتِّفَاقًا ، وَأَمَّا الْخَالِصُ فَيُوجِبُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعِنْدَهُمَا يُوجِبُ الصَّدَقَةَ ( أَوْ لَبِسَ مَخِيطًا أَوْ سَتَرَ رَأْسَهُ يَوْمًا ) كَامِلًا وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْهُ فَعَلَيْهِ الصَّدَقَةُ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا لَبِسَ أَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ فَعَلَيْهِ دَمٌ ( أَوْ حَلَقَ رُبْعَ رَأْسِهِ أَوْ ) حَلَقَ ( مَحَاجِمَهُ أَوْ إحْدَى إبْطَيْهِ أَوْ عَانَتَهُ أَوْ رَقَبَتَهُ أَوْ قَصَّ أَظَافِيرَ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ فِي مَجْلِسٍ أَوْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ فِيهِ ) فَإِنَّ الْكُلَّ إذَا كَانَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لَا يُزَادُ عَلَى دَمٍ وَاحِدٍ ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ وَإِنْ كَانَ فِي مَجَالِسَ تَجِبُ أَرْبَعَةُ دِمَاءٍ إنْ قَلَّمَ فِي كُلِّ مَجْلِسٍ يَدًا أَوْ رِجْلًا ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ فَيَتَقَيَّدُ التَّدَاخُلُ بِاتِّحَادِ الْمَجْلِسِ كَمَا فِي آيَةِ السَّجْدَةِ وَإِنْ قَصَّ يَدًا أَوْ رِجْلًا فِيهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ إقَامَةً لِلرُّبْعِ مَقَامَ الْكُلِّ كَمَا فِي الْحَلْقِ وَإِنْ قَصَّ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَظَافِيرَ فَعَلَيْهِ صَدَقَةٌ كَمَا سَيَأْتِي ( أَوْ طَافَ لِلْقُدُومِ أَوْ لِلصَّدْرِ جُنُبًا أَوْ لِلْفَرْضِ مُحْدِثًا ، وَلَوْ لَهُ جُنُبًا فَبَدَنَةٌ ) أَيْ لَوْ طَافَ لِلْفَرْضِ جُنُبًا فَالْوَاجِبُ بَدَنَةٌ ؛ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ أَغْلَظُ مِنْ الْحَدَثِ فَيَجِبُ جَبْرُ نُقْصَانِهَا بِالْبَدَنَةِ إظْهَارًا لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَهُمَا ، وَكَذَا إذَا طَافَ أَكْثَرَهُ جُنُبًا ؛ لِأَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ ( أَوْ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَاتٍ قَبْلَ الْإِمَامِ أَوْ تَرَكَ أَقَلَّ سُبْعِ الْفَرْضِ ) أَيْ تَرَكَ ثَلَاثَةَ أَشْوَاطٍ أَوْ أَقَلَّ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ ( وَبِتَرْكِ أَكْثَرِهِ ) أَيْ أَرْبَعَةِ أَشْوَاطٍ أَوْ أَكْثَرَ ( بَقِيَ مُحْرِمًا حَتَّى يَطُوفَهُ أَوْ تَرَكَ طَوَافَ الصَّدْرِ أَوْ أَرْبَعَةً مِنْهُ أَوْ

السَّعْيَ أَوْ الْوُقُوفَ بِجَمْعٍ ) يَعْنِي مُزْدَلِفَةَ ( أَوْ الرَّمْيَ كُلَّهُ أَوْ فِي يَوْمٍ أَوْ الرَّمْيَ الْأَوَّلَ أَوْ أَكْثَرَهُ ) أَيْ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرَ ( أَوْ مَسَّ بِشَهْوَةٍ ) عَطْفٌ عَلَى تَرَكَ ( أَوْ قَبَّلَ أَوْ أَخَّرَ الْحَلْقَ أَوْ طَوَافَ الْفَرْضِ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ أَوْ قَدَّمَ نُسُكًا عَلَى آخَرَ ) كَالْحَلْقِ قَبْلَ الرَّمْيِ وَنَحْرِ الْقَارِنِ قَبْلَ الرَّمْيِ وَالْحَلْقِ قَبْلَ الذَّبْحِ ( أَوْ حَلَقَ فِي حِلٍّ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا ) أَيْ حَلَقَ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ ، وَأَمَّا إذَا خَرَجَ أَيَّامَ النَّحْرِ فَحَلَقَ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ دَمَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ( أَوْ خَرَجَ حَاجًّا مِنْ الْحَرَمِ قَبْلَ التَّحَلُّلِ ، ثُمَّ عَادَ بِخِلَافِ مُعْتَمِرٍ خَرَجَ ، ثُمَّ عَادَ فَقَصَّرَ ) حَيْثُ لَا يَلْزَمُ دَمٌ قَالَ فِي الْوِقَايَةِ أَوْ حَلَقَ فِي حِلٍّ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ لَا فِي مُعْتَمِرٍ رَجَعَ مِنْ حِلٍّ ، ثُمَّ قَصَّرَ أَوْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ أَقُولُ فِيهِ تَكَلُّفٌ لِوُجُوهٍ .
الْأَوَّلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ لِأَجْلِ الْخُرُوجِ مِنْ إحْرَامِ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَلَا يَخْفَى مَا فِي دَلَالَةِ اللَّفْظِ عَلَيْهِ مِنْ التَّكَلُّفِ وَلِذَا قَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِمُحْرِمٍ فِي قَوْلِهِ إنْ طَيَّبَ مُحْرِمٌ فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَإِنْ لَمْ يُطَابِقْ الْوَاقِعَ الثَّانِي أَنَّ الْمَعْطُوفَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ لَا فِي مُعْتَمِرٍ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ ظَاهِرًا إذْ مَعْنَاهُ أَنَّ الْمُعْتَمِرَ إنْ خَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ ، ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ وَقَصَّرَ لَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ ، بَلْ حَقُّ الْعِبَارَةِ أَنْ يُقَالَ أَوْ خَرَجَ حَاجٌّ مِنْ الْحَرَمِ قَبْلَ التَّحَلُّلِ ، ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ لَا مُعْتَمِرٌ رَجَعَ إلَى آخِرِهِ الثَّالِثُ أَنَّ ظَاهِرَ قَوْلِهِ أَوْ قَبَّلَ يُوهِمُ عَطْفَهُ عَلَى قَصَّرَ مَعَ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى حَلَقَ وَلِذَا غَيَّرْت الْعِبَارَةَ هَاهُنَا إلَى مَا تَرَى .

( قَوْلُهُ : أَوْ خَضَّبَ رَأْسَهُ بِحِنَّاءٍ ) الْحِنَّاءُ مَمْدُودٌ مُنَوَّنٌ ؛ لِأَنَّهُ فِعَالٌ لَا فَعَلَاءٌ لِيَمْنَعَ صَرْفَهُ أَلِفُ التَّأْنِيثِ ، بَلْ الْهَمْزَةُ فِيهِ أَصْلِيَّةٌ وَلُزُومُ الدَّمِ فِيمَا إذَا كَانَ مَائِعًا فَإِنْ كَانَ ثَخِينًا فَلَبَّدَ الرَّأْسَ فَفِيهِ دَمَانِ لِلطِّيبِ وَالتَّغْطِيَةِ إنْ دَامَ يَوْمًا أَوْ لَيْلَةً عَلَى رَأْسِهِ أَوْ رُبْعِهِ ، وَكَذَا إذَا غَلَّفَ الْوَسْمَةَ كَذَا فِي الْفَتْحِ قُلْت إلَّا أَنَّهُ يُشْكِلُ بِقَوْلِهِمْ إنَّ التَّغْطِيَةَ بِمَا لَيْسَ بِمُعْتَادٍ لَا تُوجِبُ شَيْئًا ، وَقَدْ أَلْزَمُوا بِتَغْطِيَتِهِ بِالْحِنَّاءِ الْجَزَاءَ فَلْيُتَأَمَّلْ ا هـ .
وَغَلَّفَ الْوَسِمَةَ أَيْ غَلَّفَ بِهَا رَأْسَهُ لِلصُّدَاعِ فَغَطَّتْهَا وَهِيَ بِكَسْرِ السِّينِ وَسُكُونِهَا وَالْأَوَّلُ أَفْصَحُ وَهُوَ لُغَةُ الْحِجَازِ شَجَرَةٌ وَرَقُهَا خِضَابٌ وَإِنَّمَا أَفْرَدَ الْحِنَّاءَ بِالذِّكْرِ وَإِنْ دَخَلَتْ تَحْتَ الطِّيبِ لِخَفَاءِ كَوْنِهَا طِيبًا وَإِنَّمَا اقْتَصَرَ عَلَى الرَّأْسِ وَلَمْ يَذْكُرْ اللِّحْيَةَ كَمَا ذَكَرَهَا فِي الْأَصْلِ لِيُفِيدَ أَنَّ الرَّأْسَ بِانْفِرَادِهَا مَضْمُونَةٌ وَأَنَّ الْوَاوَ فِي الْأَصْلِ بِمَعْنَى أَوْ بِدَلِيلِ الِاقْتِصَارِ عَلَى الرَّأْسِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَضْمُونٌ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَمْ يُبَيِّنْ بِمَاذَا يَكُونُ الضَّمَانُ وَبَيَّنَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِقَوْلِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ مَضْمُونٌ بِالدَّمِ ا هـ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ ، وَهَذَا سَهْوٌ مِنْ الزَّيْلَعِيِّ ؛ لِأَنَّ اللِّحْيَةَ مَضْمُونَةٌ بِالصَّدَقَةِ كَمَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ ا هـ .
وَقَالَ أَخُوهُ فِي النَّهْرِ أَقُولُ ، بَلْ هُوَ أَيْ صَاحِبُ الْبَحْرِ السَّاهِي وَذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَ الْمِعْرَاجِ إنَّمَا نَقَلَ هَذَا عَنْ الْمَبْسُوطِ فِيمَا لَوْ اخْتَضَبَ بِالْوَسْمَةِ وَلَفْظُهُ عَلَيْهِ دَمٌ لِخِضَابِ رَأْسِهِ بِالْوَسْمَةِ لَا لِلْخِضَابِ ، بَلْ لِتَغْطِيَةِ الرَّأْسِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فَإِنْ خَضَّبَ لِحْيَتَهُ بِهِ ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ دَمٌ ، وَلَكِنْ إنْ خَافَ مِنْ قَتْلِ الدَّوَابِّ

أَعْطَى شَيْئًا ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْجِنَايَةِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُتَكَامِلٍ فَيَلْزَمُهُ الدَّمُ وَالصَّدَقَةُ مِنْهُمَا أَيْ مِنْ خِضَابِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ .
ا هـ .
قُلْت وَالْمُرَادُ بِالصَّدَقَةِ هُنَا غَيْرُ الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهَا بِتَقْدِيرِهَا بِنِصْفِ صَاعٍ ، بَلْ أَعَمُّ لِقَوْلِهِ فِي الْمِعْرَاجِ أَعْطَى شَيْئًا فَإِطْلَاقُ صَاحِبِ الْبَحْرِ فِيهِ مَا فِيهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ أَيْضًا ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ طِيبٌ ) دَلِيلُهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْحِنَّاءُ طِيبٌ } .
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَغَيْرُهُ ؛ وَلِأَنَّ لَهُ رَائِحَةً مُسْتَلَذَّةً وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ذَكِيَّةً كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : أَيْ اسْتَعْمَلَ الدُّهْنَ فِي عُضْوٍ ) يَعْنِي عَلَى قَصْدِ التَّطَيُّبِ ، أَمَّا لَوْ دَاوَى بِهِ جُرْحَهُ أَوْ شُقُوقَ رِجْلَيْهِ أَوْ أَقْطَرَهُ فِي أُذُنِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ فِي نَفْسِهِ وَإِنَّمَا هُوَ أَصْلُ الطِّيبِ أَوْ طِيبٌ مِنْ وَجْهٍ فَيُشْتَرَطُ اسْتِعْمَالُهُ عَلَى وَجْهِ التَّطَيُّبِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا أَكَلَهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ اسْتِعْمَالَ الطِّيبِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَدَاوَى بِالْمِسْكِ وَمَا أَشْبَهَهُ ؛ لِأَنَّهُ طِيبٌ بِنَفْسِهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِاسْتِعْمَالِهِ لَكِنَّهُ يَتَخَيَّرُ إذَا كَانَ بِعُذْرٍ بَيْنَ الدَّمِ وَالصَّوْمِ وَالْإِطْعَامِ عَلَى مَا سَيَأْتِي ، وَهَذَا إذَا أَكَلَهُ كَمَا هُوَ ، وَفِيهِ خِلَافُهُمَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ فَإِنْ جَعَلَهُ فِي طَعَامٍ وَطَبَخَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ خَلَطَهُ بِمَا يُؤْكَلُ بِلَا طَبْخٍ فَإِنْ كَانَ مَغْلُوبًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ إذَا وُجِدَتْ رَائِحَتُهُ وَإِنْ كَانَ غَالِبًا وَجَبَ الْجَزَاءُ وَإِنْ لَمْ تَظْهَرْ رَائِحَتُهُ ، وَلَوْ خَلَطَهُ بِمَشْرُوبٍ وَهُوَ غَالِبٌ فَفِيهِ الدَّمُ وَإِنْ كَانَ مَغْلُوبًا فَصَدَقَةٌ إلَّا أَنْ يَشْرَبَ مِرَارًا فَدَمٌ فَإِنْ كَانَ الشُّرْبُ تَدَاوِيًا يُخَيَّرُ فِي خِصَالِ الْكَفَّارَةِ مِنْ الْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْفَرْقَ بَيْنَ

الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ ا هـ .
وَلَمْ يَذْكُرْ بِمَاذَا تُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ .
وَقَالَ الْحَلَبِيُّ فِي مَنَاسِكِهِ لَمْ أَرَهُمْ تَعَرَّضُوا بِمَاذَا تُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ فَظَهَرَ لِي أَنَّهُ إنْ وُجِدَ مِنْ الْمُخَالِطِ رَائِحَةُ الطِّيبِ كَمَا قَبْلَ الْخَلْطِ وَأَحَسَّ الذَّوْقُ السَّلِيمُ بِطَعْمِهِ فِيهِ حِسًّا ظَاهِرًا فَهُوَ غَالِبٌ وَإِلَّا فَهُوَ مَغْلُوبٌ وَلَمْ أَرَهُمْ تَعَرَّضُوا لِلتَّفْصِيلِ أَيْضًا بَيْنَ الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ أَكْلِ الطِّيبِ وَحْدَهُ وَأَنَّهُ بِإِثْبَاتِهِ فِيهَا لِجَدِيرٍ فَيُقَالُ إنْ كَانَ الطِّيبُ غَالِبًا فَأَكَلَ مِنْهُ أَوْ شَرِبَ كَثِيرًا فَعَلَيْهِ دَمٌ وَإِلَّا صَدَقَةٌ وَإِنْ كَانَ مَغْلُوبًا وَأَكَلَ مِنْهُ أَوْ شَرِبَ كَثِيرًا فَصَدَقَةٌ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَلَعَلَّ الْكَثِيرَ مَا يَعُدُّهُ الْعَارِفُ الْقَوْلَ الَّذِي لَا يَشُوبُهُ شَرُّهُ وَنَحْوُهُ كَثِيرًا وَالْقَلِيلُ مَا عَدَاهُ ، ثُمَّ قَالَ وَلَا شَيْءَ فِي أَكْلِ مَا يُتَّخَذُ مِنْ الْحَلْوَى الْمُتَّخَذَةِ بِالْعُودِ وَنَحْوِهِ وَيُكْرَهُ إذَا وُجِدَتْ رَائِحَتُهُ مِنْهُ بِخِلَافِ الْحَلْوَى الْمُضَافِ إلَى أَجْزَائِهَا الْمَاوَرْدُ وَالْمِسْكُ فَإِنَّ فِي أَكْلِ الْكَثِيرِ دَمًا وَالْقَلِيلِ صَدَقَةً ا هـ .
كَذَا فِي الْبَحْرِ فَلْيُتَأَمَّلْ فِي حُكْمِ الْمِسْكِ الْمُضَافِ إلَى الْحَلْوَى مَعَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ اخْتِلَاطِهِ بِمَا يُؤْكَلُ وَطُبِخَ وَفِيمَا إذَا لَمْ يُطْبَخْ .
( قَوْلُهُ : بِزَيْتٍ أَوْ حَلٍّ ) الْحَلُّ بِالْمُهْمَلَةِ الشَّيْرَجُ وَاحْتُرِزَ بِهِمَا عَنْ السَّمْنِ وَالشَّحْمِ إذْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِالدُّهْنِ بِهِمَا نَقَلَهُ فِي النِّهَايَةِ عَنْ التَّجْرِيدِ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ( قَوْلُهُ : وَأَمَّا الْخَالِصُ
إلَخْ ) أَقُولُ كَذَا الْخِلَافُ فِيمَا لَوْ غَسَلَ رَأْسَهُ بِخَطْمِي فَيَلْزَمُهُ دَمٌ عِنْدَ الْإِمَامِ وَصَدَقَةٌ عِنْدَهُمَا قِيلَ قَوْلُهُ : فِي خَطْمِي الْعِرَاقِ وَلَهُ رَائِحَةٌ ، وَقَوْلُهُمَا فِي خَطْمِي الشَّامِ وَلَا رَائِحَةَ لَهُ فَلَا خِلَافَ ، وَلَوْ غَسَلَ بِالصَّابُونِ وَالْحَرَضِ لَا رِوَايَةَ فِيهِ وَقَالُوا لَا شَيْءَ

عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ وَلَا يُقْتَلُ الْقَمْلُ كَذَا فِي الْفَتْحِ قُلْت ذَكَرَ أَصْحَابُ الْخَوَاصِّ أَنَّ الصَّابُونَ يَقْتُلُ الصِّئْبَانَ .
( قَوْلُهُ : أَوْ لَبِسَ مَخِيطًا ) أَقُولُ حَقِيقَةُ لُبْسِ الْمَخِيطِ أَنْ يَحْصُلَ بِوَاسِطَةِ الْخِيَاطَةِ اشْتِمَالٌ عَلَى الْبَدَنِ وَاسْتِمْسَاكٌ وَمِنْهُ إدْخَالُ الْيَدَيْنِ فِي الْقَبَاءِ أَوْ تَزْرِيرُهُ فَيَجِبُ الْجَزَاءُ بِفِعْلِ أَحَدِهِمَا وَلَيْسَ تَزْرِيرُ الْقَبَاءِ كَعَقْدِ الْإِزَارِ بِحَبْلٍ أَوْ غَيْرِهِ إذْ لَا يَجِبُ شَيْءٌ بِعَقْدِهِ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْمَخِيطَ بِالْبَدَنِ كَالْمَخِيطِ وَذَلِكَ كَالْبُرْنُسِ وَالزَّرَدِيَّةِ وَمَا صُنِعَ بِتَلْزِيقٍ وَدَوَامُ اللُّبْسِ بَعْدَمَا أَحْرَمَ وَهُوَ لَابِسُهُ كَإِنْشَائِهِ بَعْدَهُ بِخِلَافِ انْتِفَاعِهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالطِّيبِ السَّابِقِ عَلَيْهِ لِلنَّصِّ فِيهِ ، وَلَوْلَاهُ لَأَوْجَبْنَا عَلَيْهِ أَيْضًا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُكْرَهِ وَالْمُخْتَارِ وَالنَّائِمِ إذَا غَطَّى رَأْسَهُ أَوْ أَلْبَسَ فِي لُزُومِ الْجَزَاءِ ، وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ اللِّبَاسِ مِنْ قَمِيصٍ وَعِمَامَةٍ وَخُفٍّ بِسَبَبٍ وَاحِدٍ يَوْمًا أَوْ أَيَّامًا أَوْ كَانَ يَنْزِعُهَا لَيْلًا وَيُعَاوِدُ لُبْسَهَا نَهَارًا أَوْ عَكْسُهُ فَعَلَيْهِ جَزَاءٌ وَاحِدٌ مَا لَمْ يَعْزِمْ عَلَى التَّرْكِ عِنْدَ الْخَلْعِ وَمَا لَمْ يَكُنْ كَفَّرَ بَيْنَ اللُّبْسَيْنِ وَإِلَّا تَعَدَّدَ الْجَزَاءُ كَمَا يَتَعَدَّدُ فِيمَا إذَا اضْطَرَّ إلَى لُبْسِ ثَوْبٍ فَلَبِسَ ثَوْبَيْنِ لَا عَلَى مَحَلِّ الضَّرُورَةِ لِتَعَدُّدِ السَّبَبِ نَحْوُ أَنْ يَضْطَرَّ إلَى قَمِيصٍ فَلَبِسَهُ وَقَلَنْسُوَةً ، أَمَّا لَوْ لَبِسَ ثَوْبَيْنِ عَلَى مَحَلِّ الضَّرُورَةِ لِوَاحِدٍ أَوْ اُضْطُرَّ إلَى قَلَنْسُوَةٍ فَلَبِسَهَا مَعَ عِمَامَةٍ فَعَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : أَوْ سَتَرَ رَأْسَهُ يَوْمًا كَامِلًا ) أَقُولُ أَوْ لَيْلَةً كَامِلَةً وَتَغْطِيَةُ رُبْعِ الرَّأْسِ أَوْ الْوَجْهِ كَتَغْطِيَةِ الْكُلِّ كَمَا فِي الْفَتْحِ ، وَسَوَاءٌ كَانَ السَّتْرُ بِمَخِيطٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا يُغَطَّى بِهِ عَادَةً كَالْقَلَنْسُوَةِ وَالْعِمَامَةِ وَالْخُوذَةِ لِلْمُقَاتِلِ

إلَّا أَنَّهُ يُخَيَّرُ بَيْنَ الدَّمِ وَالصَّوْمِ وَالْإِطْعَامِ لِعُذْرِ الْقِتَالِ كَمَا فِي قَاضِي خَانْ فَخَرَجَ مَا لَا يُغَطَّى بِهِ عَادَةً كَالطَّسْتِ وَالْأَجَّانَةِ وَعِدْلِ الْبُرِّ ، وَلَوْ دَخَلَ تَحْتَ سِتْرِ الْكَعْبَةِ فَإِنْ كَانَ يُصِيبُ رَأْسَهُ وَوَجْهَهُ كُرِهَ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَلَا بَأْسَ بِهِ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ ، وَقَدْ بَيَّنَ الْمُصَنِّفُ الْوَاجِبَ بِالْجِنَايَةِ مِنْ حَيْثُ الْوَقْتُ وَالْعُذْرُ مِنْ جَمِيعِ الرَّأْسِ وَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الدَّمِ بِهِ وَلَمْ يُبَيِّنْ حُكْمَ الْبَعْضِ مِنْ الرَّأْسِ وَالْمَرْوِيُّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الرُّبْعَ كَالْكُلِّ اعْتِبَارًا بِالْحَلْقِ نَصَّ عَلَيْهِ الزَّيْلَعِيُّ وَعَلَيْهِ اقْتَصَرَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ ، ثُمَّ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ اعْتَبَرَ فِيهِ الْأَكْثَرَ ا هـ .
وَقَالَ الْكَمَالُ هَذَا الْقَوْلُ أَوْجَهُ فِي النَّظَرِ ، ثُمَّ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَقِيَاسُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنَّهُ يُعْتَبَرُ الْوُجُوبُ فِيهِ مِنْ الدَّمِ بِحِسَابِهِ وَنَقَلَ صَاحِبُ الْبَحْرِ عَنْ مُحَمَّدٍ مِثْلَ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ مِنْ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْأَكْثَرُ ا هـ ، وَلَا بَأْسَ أَنْ يُغَطِّيَ أُذُنَيْهِ وَقَفَاهُ وَمِنْ لِحْيَتِهِ مَا هُوَ أَسْفَلُ مِنْ الذَّقَنِ بِخِلَافٍ فِيهِ وَعَارِضَهُ وَذَقَنَهُ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى أَنْفِهِ دُونَ ثَوْبٍ كَذَا فِي الْفَتْحِ .
( قَوْلُهُ : أَوْ حَلَقَ رُبْعَ رَأْسِهِ ) أَقُولُ كَذَا رُبْعُ لِحْيَتِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَفِي الثَّلَاثِ شَعَرَاتٍ كَفٌّ مِنْ طَعَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ وَهُوَ خِلَافُ مَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ أَنَّهُ لِكُلِّ شَعْرَةٍ نَتَفَهَا مِنْ رَأْسِهِ وَأَنْفِهِ أَوْ لِحْيَتِهِ كَفٌّ مِنْ طَعَامٍ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَالْمُرَادُ بِالْحَلْقِ إزَالَةُ الشَّعْرِ سَوَاءٌ كَانَ بِالْمُوسَى أَوْ بِغَيْرِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ مُخْتَارًا أَوْ لَا فَلَوْ أَزَالَهُ بِالنُّورَةِ أَوْ النَّتْفِ أَوْ أَحْرَقَ شَعْرَهُ أَوْ مَسَّهُ بِيَدِهِ فَسَقَطَ فَهُوَ كَالْحَلْقِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَنَاثَرَ شَعْرُهُ بِالْمَرَضِ أَوْ النَّارِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ (

قَوْلُهُ : أَوْ حَلَقَ مِحْجَمَهُ ) يَعْنِي وَاحْتَجَمَ حَتَّى إذَا لَمْ يَتَعَقَّبْهُ الْحِجَامَةُ لَا يَجِبُ إلَّا الصَّدَقَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَا عَلَيْهِ صَدَقَةٌ بِحَلْقِهِ لِلْحِجَامَةِ كَمَا إذَا حَلَقَهُ لِغَيْرِ الْحِجَامَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ وَالْمَحَاجِمُ جَمْعُ مِحْجَمٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ اسْمُ آلَةٍ مِنْ الْحِجَامَةِ وَبِفَتْحِ الْمِيمِ جَمْعُ مَحْجَمَةٍ اسْمُ مَوْضِعِ الْحِجَامَةِ ( قَوْلُهُ : أَوْ إحْدَى إبْطَيْهِ أَوْ عَانَتَهُ أَوْ رَقَبَتَهُ ) أَقُولُ خَصَّ لُزُومَ الدَّمِ بِحَلْقِ أَحَدِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَامِلًا ؛ لِأَنَّ الرُّبْعَ مِنْهَا لَا يُعْتَبَرُ بِالْكُلِّ ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ فِيهَا بِالِاقْتِصَارِ عَلَى الْبَعْضِ فَلَا يَكُونُ حَلْقُ بَعْضِهَا وَلَوْ بَلَغَ أَكْثَرَهَا مُوجِبًا إلَّا لِلتَّصَدُّقِ وَالْحُكْمُ بِوُجُوبِ الدَّمِ بِحَلْقِ الْأَكْثَرِ مِنْهَا ضَعِيفٌ بِخِلَافِ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ ، وَذَكَرَ فِي الْإِبْطَيْنِ الْحَلْقَ كَمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ .
وَفِي الْأَصْلِ النَّتْفُ وَهُوَ السُّنَّةُ وَالْأَوَّلُ دَلِيلُ الْجَوَازِ مِنْ التَّبْيِينِ وَالْبَحْرِ ( تَنْبِيهٌ ) : لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِحُكْمِ شَارِبِ الْمُحَرَّمِ .
وَقَالَ فِي الْفَتْحِ إنْ أَخَذَ مِنْ شَارِبِهِ أَوْ أَخَذَهُ كُلَّهُ أَوْ حَلَقَهُ فَعَلَيْهِ طَعَامٌ لَا دَمٌ هُوَ الصَّحِيحُ وَالطَّعَامُ حُكُومَةُ عَدْلٍ بِأَنْ يَنْظُرَ إلَى الْمَأْخُوذِ مَا نِسْبَتُهُ مِنْ رُبْعِ اللِّحْيَةِ مُنْفَرِدَةً عَنْ الشَّارِبِ فَيَجِبُ بِحِسَابِهِ فَإِنْ كَانَ مِثْلَ رُبْعِ رُبْعِهَا لَزِمَهُ قِيمَةُ رُبْعِ الشَّاةِ أَوْ ثُمُنُهَا فَثُمُنُهَا وَهَكَذَا كَمَا تُفِيدُهُ الْهِدَايَةُ أَوْ يُعْتَبَرُ بِهَا مُنْضَمًّا مَعَهَا الشَّارِبُ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَإِنْ أَخَذَ الْمُحْرِمُ مِنْ شَارِبِ حَلَالٍ أَطْعَمَ مَا شَاءَ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَ فِي مَجَالِسَ تَجِبُ أَرْبَعَةُ دِمَاءٍ ) هَذَا عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ كَمَا إذَا أَفْطَرَ أَيَّامًا وَلَمْ يُكَفِّرْ لَزِمَتْهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ ( قَوْلُهُ : كَمَا فِي آيَةِ السَّجْدَةِ ) الْإِلْحَاقُ بِآيَةِ السَّجْدَةِ إنَّمَا هُوَ فِي

تَقْيِيدِ التَّدَاخُلِ بِالْمَجْلِسِ لَا فِي إثْبَاتِ التَّدَاخُلِ نَفْسِهِ وَإِلَّا كَانَ بِلَا جَامِعٍ ؛ لِأَنَّهُ فِي آيِ السَّجْدَةِ لِلُزُومِ الْحَرَجِ بِاسْتِمْرَارِ الْعَادَةِ بِتَكْرَارِ الْآيَاتِ لِلدِّرَاسَةِ وَالتَّدَبُّرِ لِلِاتِّعَاظِ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : إقَامَةً لِلرُّبْعِ مُقَامَ الْكُلِّ ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ مِنْ حَيْثُ جَعْلُ الْيَدِ مَثَلًا رُبْعًا ؛ لِأَنَّهَا عُضْوٌ مُسْتَقِلٌّ ( قَوْلُهُ : كَمَا فِي الْحَلْقِ ) أَقُولُ وَلَا يَكُونُ حَلْقُ الرَّأْسِ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ مُوجِبًا لِأَرْبَعَةِ دِمَاءٍ ، بَلْ لِدَمٍ وَاحِدٍ ، وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَقَ الْإِبْطَيْنِ فِي مَحَلَّيْنِ لَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا دَمٌ وَاحِدٌ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ قَصَّ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَظَافِيرَ
إلَخْ ) فِيهِ إيهَامٌ سَنَذْكُرُهُ عِنْدَ كَلَامِهِ فِي مُوجِبِ ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( قَوْلُهُ : أَوْ طَافَ لِلْقُدُومِ ) كَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي كُلِّ طَوَافٍ هُوَ تَطَوُّعٌ فَيَجِبُ الدَّمُ لَوْ طَافَهُ جُنُبًا وَالصَّدَقَةُ لَوْ مُحْدِثًا لِوُجُوبِهِ بِالشُّرُوعِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَيُؤْمَرُ بِالْإِعَادَةِ فِي الْحَدَثِ اسْتِحْبَابًا وَفِي الْجَنَابَةِ إيجَابًا وَإِنْ أَعَادَهُ قَبْلَ الذَّبْحِ سَقَطَ الدَّمُ أَيْ وَالصَّدَقَةُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ .
وَقَالَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ مَحَلُّ سُقُوطِ الدَّمِ إذَا أَعَادَ السَّعْيَ مَعَ الطَّوَافِ وَإِنْ لَمْ يُعِدْهُ فَعَلَيْهِ دَمٌ ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ الْأَوَّلَ لَمَّا اُنْتُقِضَ وَاعْتُبِرَ الثَّانِي كَانَ السَّعْيُ وَاقِعًا قَبْلَ الطَّوَافِ الْمُعْتَدِّ بِهِ فَيَجِبُ الدَّمُ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ ، وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِعَدَمِ إعَادَةِ السَّعْيِ ؛ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ فِي السَّعْيِ وَإِنَّمَا الشَّرْطُ أَنْ يُؤْتَى بِهِ عَلَى أَثَرِ طَوَافٍ مُعْتَدٍّ بِهِ مِنْ وَجْهٍ وَلِهَذَا يَتَحَلَّلُ بِهِ ا هـ .
وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ ، وَإِذَا أَعَادَ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ الْمُعْتَبَرُ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي جَابِرٌ لَهُ .
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ

الْمُعْتَبَرُ الثَّانِي وَيَكُونُ فَسْخًا لِلْأَوَّلِ وَفَائِدَتُهُ تَظْهَرُ فِي إعَادَةِ السَّعْيِ فَعَلَى قَوْلِ الْكَرْخِيِّ لَا تَجِبُ إعَادَتُهُ وَعَلَى قَوْلِ الرَّازِيِّ تَجِبُ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ قَدْ انْفَسَخَ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَاتَّفَقُوا فِي الْمُحْدِثِ أَنَّهُ إذَا أَعَادَهُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي جَابِرٌ لَهُ ا هـ .
وَصَحَّحَ صَاحِبُ الْإِيضَاحِ قَوْلَ الْكَرْخِيِّ كَمَا فِي الْفَتْحِ ، وَإِذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ بَعْدَمَا طَافَ الْفَرْضَ جُنُبًا وَلَمْ يُعِدْهُ وَلَمْ يَذْبَحْ فَالْأَفْضَلُ لَهُ الْعَوْدُ وَيَعُودُ بِإِحْرَامٍ جَدِيدٍ وَإِنْ لَمْ يُعِدْ وَبَعَثَ بَدَنَةً أَجْزَأَهُ وَإِنْ كَانَ عَوْدُهُ بَعْدَ طَوَافِهِ مُحْدِثًا فَالْأَفْضَلُ إرْسَالُ الشَّاةِ ، وَلَوْ لَمْ يَطُفْ لِلْفَرْضِ أَصْلًا وَرَجَعَ إلَى أَهْلِهِ يَعُودُ بِإِحْرَامِهِ الَّذِي هُوَ بِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ ( تَنْبِيهٌ ) : لَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِمَا إذَا طَافَ لِلْعُمْرَةِ مُحْدِثًا .
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ يَجِبُ عَلَيْهِ شَاةٌ إذَا طَافَ لِعُمْرَتِهِ وَسَعَى لَهَا مُحْدِثًا ، وَلَوْ يُعِدْهُمَا حَتَّى رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ كَتَرْكِ الطَّهَارَةِ فِي طَوَافِ الْفَرْضِ وَنَقَلَ الْكَمَالُ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَوْ طَافَ لِلْعُمْرَةِ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ شَاةٌ ، وَلَوْ تَرَكَ مِنْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ شَوْطًا فَعَلَيْهِ دَمٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لِلصَّدَقَةِ فِي الْعُمْرَةِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : أَوْ أَفَاضَ مِنْ عَرَفَاتٍ قَبْلَ الْإِمَامِ ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ .
وَقَالَ الْكَمَالُ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ ؛ لِأَنَّهُ الْمَدَارُ إلَّا أَنَّ الْإِفَاضَةَ مِنْ الْإِمَامِ لَمَّا لَمْ تَكُنْ قَطُّ إلَّا عَلَى الْوَجْهِ الْوَاجِبِ أَعْنِي بَعْدَ الْغُرُوبِ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ بِاعْتِبَارِهَا ا هـ حَتَّى لَوْ أَبْطَأَ الْإِمَامُ بِالدَّفْعِ بَعْدَ الْغُرُوبِ يَجُوزُ لِلنَّاسِ الدَّفْعُ قَبْلَهُ وَأَشَارَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي الدَّلِيلِ إلَى خُصُوصِ الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ وَلَنَا أَنَّ الِاسْتِدَامَةَ أَيْ فِي الْمَوْقِفِ إلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ وَاجِبَةٌ ا هـ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ

يُفِيضَ بِاخْتِيَارِهِ أَوْ نَدَبَهُ بِغَيْرِهِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ ا هـ فَإِنْ عَادَ إلَى عَرَفَةَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَرَوَى ابْنُ شُجَاعٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ سُقُوطَ الدَّمِ قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَهُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّهُ اسْتِدْرَاكُ الْمَتْرُوكِ وَإِنْ عَادَ قَبْلَ الْغُرُوبِ حَتَّى أَفَاضَ مَعَ الْإِمَامِ بَعْدَ غُرُوبِهَا فَقَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَالْقَوْلُ بِالسُّقُوطِ أَظْهَرُ خُصُوصًا عَلَى التَّصْحِيحِ السَّابِقِ كَذَا فِي الْبَحْرِ قُلْت ، وَقَدْ نَصَّ فِي الْجَوْهَرَةِ عَلَى التَّصْحِيحِ بِقَوْلِهِ فَإِنْ عَادَ قَبْلَ الْغُرُوبِ سَقَطَ عَنْهُ الدَّمُ عَلَى الصَّحِيحِ .
ا هـ .
فَالصَّحِيحُ السُّقُوطُ بِالْعَوْدِ مُطْلَقًا أَيْ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَبَعْدَهُ ( قَوْلُهُ : أَوْ تَرَكَ أَقَلَّ سُبْعِ الْفَرْضِ ) أَقُولُ لَا يُتَصَوَّرُ هَذَا إلَّا إذَا لَمْ يَطُفْ لِلصَّدْرِ شَيْئًا فَإِنَّهُ لَوْ طَافَهُ انْتَقَلَ مِنْهُ إلَى طَوَافِ الْفَرْضِ مَا يُكْمِلُهُ ، ثُمَّ يَنْظُرُ إلَى الْبَاقِي مِنْ طَوَافِ الصَّدْرِ إنْ كَانَ أَقَلَّهُ لَزِمَهُ صَدَقَةٌ وَإِلَّا فَدَمٌ ، وَلَوْ كَانَ طَافَ لِلصَّدْرِ فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ، وَقَدْ تَرَكَ مِنْ طَوَافِ الزِّيَارَةِ أَكْثَرَهُ كَمَّلَ مِنْ الصَّدْرِ وَلَزِمَهُ دَمَانِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ دَمٌ لِتَأْخِيرِ ذَلِكَ وَدَمٌ لِتَرْكِهِ أَكْثَرَ طَوَافِ الصَّدْرِ وَإِنْ كَانَ تَرَكَ أَقَلَّهُ لَزِمَهُ لِلتَّأَخُّرِ دَمٌ وَصَدَقَةٌ لِلْمَتْرُوكِ مِنْ الصَّدْرِ كَمَا فِي الْفَتْحِ قُلْت وَلَا يَخْتَصُّ هَذَا بِطَوَافِ الْوَدَاعِ ، بَلْ أَيُّ طَوَافٍ حَصَلَ بَعْدَ الْوُقُوفِ كَانَ لِلْفَرْضِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ ( قَوْلُهُ : وَبِتَرْكِ أَكْثَرِهِ بَقِيَ مُحْرِمًا ) أَيْ فِي حَقِّ النِّسَاءِ حَتَّى يَطُوفَهُ وَكُلَّمَا جَامَعَ لَزِمَهُ دَمٌ إذَا تَعَدَّدَتْ الْمَجَالِسُ إلَّا أَنْ يَقْصِدَ رَفْضَ الْإِحْرَامِ بِالْجِمَاعِ الثَّانِي كَمَا فِي الْفَتْحِ وَسَنَذْكُرُ تَمَامَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَرِيبًا فِيمَا إذَا جَامَعَ قَبْلَ الْوُقُوفِ .
( قَوْلُهُ : أَوْ تَرَكَ طَوَافَ الصَّدْرِ أَوْ أَرْبَعَةً مِنْهُ ) أَقُولُ لَا

يَتَحَقَّقُ التَّرْكُ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ ( قَوْلُهُ : أَوْ السَّعْيَ ) أَقُولُ وَلَوْ هَذَا إذَا تَرَكَهُ بِلَا عُذْرٍ ، أَمَّا لَوْ تَرَكَ السَّعْيَ بِعُذْرٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَلَوْ رَكِبَ فِيهِ بِلَا عُذْرٍ لَزِمَهُ دَمٌ ، وَلَوْ أَعَادَهُ بَعْدَمَا حَلَّ وَجَامَعَ لَمْ يَلْزَمْهُ دَمٌ ، وَكَذَا لَوْ أَتَى بِهِ بَعْدَمَا رَجَعَ لَكِنَّهُ يَعُودُ بِإِحْرَامٍ جَدِيدٍ وَتَرْكُ أَكْثَرِهِ كَتَرْكِهِ وَتَرْكُ أَقَلِّهِ يُوجِبُ لِكُلِّ شَوْطٍ نِصْفَ صَاعٍ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ دَمًا فَيُنْقِصُ مِنْهُ مَا شَاءَ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَذَكَرْته هَاهُنَا لِعَدَمِ ذِكْرِ الْمُصَنِّفِ إيَّاهُ فِيمَا يُوجِبُ الصَّدَقَةَ وَقَدَّمْنَا أَنَّ الْوَاجِبَ فِي السَّعْيِ الْبُدَاءَةُ بِالصَّفَا فَيَجِبُ دَمٌ لَوْ بَدَأَ بِالْمَرْوَةِ .
( قَوْلُهُ : أَوْ الْوُقُوفَ بِجَمْعٍ ) قَدَّمْنَا أَنَّ وَقْتَهُ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَآخِرُهُ طُلُوعُ الشَّمْسِ فَالْوُقُوفُ فِي غَيْرِ وَقْتِهِ كَتَرْكِهِ يُوجِبُ دَمًا لَوْ بِلَا عُذْرٍ ( قَوْلُهُ : أَوْ الرَّمْيَ كُلَّهُ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ يَتَحَقَّقُ التَّرْكُ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ الرَّمْيِ وَهُوَ الْيَوْمُ الرَّابِعُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ قُرْبَةً إلَّا فِيهَا وَمَا دَامَتْ الْأَيَّامُ فَالْإِعَادَةُ مُمْكِنَةٌ فَيَرْمِيهَا عَلَى التَّأْلِيفِ ا هـ ، ثُمَّ بِتَأْخِيرِ رَمْيِ كُلِّ يَوْمٍ إلَى الْيَوْمِ الثَّانِي يَجِبُ الدَّمُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَعَ الْقَضَاءِ خِلَافًا لَهُمَا وَإِنْ أَخَّرَهُ إلَى اللَّيْلِ فَرَمَاهُ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّانِي فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الدَّمُ بِتَأْخِيرِهِ إلَى الْغُرُوبِ وَلَا يَقْضِيهِ بِاللَّيْلِ لِأَنَّ وَقْتَهُ قَدْ خَرَجَ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ : أَوْ فِي يَوْمٍ ) يَعْنِي إذَا تَرَكَ رَمْيَ يَوْمٍ كَامِلًا لَزِمَهُ دَمٌ ؛ لِأَنَّهُ نُسُكٌ تَامٌّ ( قَوْلُهُ : أَوْ الرَّمْيَ الْأَوَّلَ أَوْ أَكْثَرَهُ
إلَخْ ) قَدْ خَصَّ الْمُصَنِّفُ لُزُومَ الدَّمِ فِيمَا إذَا تَرَكَ أَكْثَرَ رَمْيِ الْيَوْمِ بِيَوْمِ النَّحْرِ

كَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ فَلَمْ يُفِدْ ذَلِكَ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَيَّامِ وَالْحُكْمُ كَذَلِكَ فَيَجِبُ دَمٌ بِتَرْكِ إحْدَى عَشْرَةَ حَصَاةً فَمَا فَوْقَهَا مِنْ رَمْيِ كُلِّ يَوْمٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ : أَوْ مَسَّ بِشَهْوَةٍ ) لَمْ يَشْتَرِطْ فِيهِ الْإِنْزَالَ كَمَا لَمْ يَشْتَرِطْهُ فِي الْهِدَايَةِ مُوَافَقَةً لِمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْأَصْلِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا صَحَّحَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِقَاضِي خَانْ مِنْ اشْتِرَاطِ الْإِنْزَالِ قَالَ لِيَكُونَ جِمَاعًا مِنْ وَجْهِ كَذَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : أَوْ قَبَّلَ ) الْكَلَامُ فِيهَا كَالْكَلَامِ فِي الْمَسِّ بِشَهْوَةٍ مِنْ الْخِلَافِ فِي اشْتِرَاطِ الْإِنْزَالِ وَعَدَمِهِ لِلُزُومِ الدَّمِ ( قَوْلُهُ : أَوْ طَوَافَ الْفَرْضِ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ ) أَقُولُ هَذَا إذَا كَانَ بِغَيْرِ عُذْرٍ حَتَّى لَوْ حَاضَتْ قَبْلَ أَيَّامِ النَّحْرِ وَاسْتَمَرَّ بِهَا حَتَّى مَضَتْ لَا شَيْءَ عَلَيْهَا بِالتَّأْخِيرِ وَإِنْ حَاضَتْ فِي أَثْنَائِهَا وَجَبَ الدَّمُ بِالتَّفْرِيطِ فِيمَا تَقَدَّمَ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ عَنْ الْوَجِيزِ وَأَفَادَ شَيْخُنَا أَنَّهُ لَا تَفْرِيطَ لِعَدَمِ وُجُوبِ الطَّوَافِ عَيْنًا فِي أَوَّلِ وَقْتِهِ فَفِي إلْزَامِهَا بِالدَّمِ ، وَقَدْ حَاضَتْ فِي الْأَثْنَاءِ نَظَرٌ ا هـ .
وَإِنْ أَدْرَكَتْ مِنْ آخِرِ أَيَّامِ النَّحْرِ بَعْدَمَا طَهُرَتْ مِقْدَارَ مَا تَطُوفُ أَكْثَرَ الْأَشْوَاطِ قَبْلَ الْغُرُوبِ وَلَمْ تَطُفْ لَزِمَهَا دَمٌ كَمَا فِي الْفَتْحِ .
( قَوْلُهُ : أَوْ قَدَّمَ نُسُكًا عَلَى نُسُكٍ ) أَيْ وَقَدْ فَعَلَهُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَإِنَّمَا ذَكَرْت هَذَا حَتَّى لَا يَكُونَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِقَوْلِهِ قَبْلَهُ أَوْ أَخَّرَ الْحَلْقَ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا طَافَ فِي الْأَيَّامِ وَأَخَّرَ الْحَلْقَ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ وُجِدَ التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ فَيَجِبُ دَمٌ ( قَوْلُهُ : كَالْحَلْقِ قَبْلَ الرَّمْيِ ) مُمَاثِلُهُ الطَّوَافُ قَبْلَ الْحَلْقِ أَوْ الرَّمْيِ ، وَهَذَا فِي الْمُفْرِدِ وَغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ أَفْعَالَ الْمُفْرِدِ ثَلَاثَةٌ الرَّمْيُ وَالْحَلْقُ وَالطَّوَافُ وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الذَّبْحُ فَلَا يَضُرُّهُ تَقْدِيمُهُ

وَتَأْخِيرُهُ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَلْزَمُ شَيْءٌ بِتَقْدِيمِ نُسُكٍ عَلَى نُسُكٍ إلَّا أَنَّهُ يَكُونُ مُسِيئًا كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمَبْسُوطِ ( قَوْلُهُ : أَيْ حَلَقَ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ
إلَخْ ) أَقُولُ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا الْقَيْدَ مُلْزِمٌ لِدَمَيْنِ فِي الْمُعْتَمِرِ كَالْحَاجِّ إذَا حَلَقَ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ بَعْدَ أَيَّامِ النَّحْرِ ، وَذَكَرَ مِثْلَهُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا ، وَقَدْ نَسَبَهُ الْمُصَنِّفُ لِلزَّيْلَعِيِّ وَهُوَ خَطَأٌ فَإِنَّ لُزُومَ الدَّمَيْنِ إنَّمَا هُوَ خَاصٌّ بِالْحَاجِّ لِمَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَلْقُ فِي الْحَرَمِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ ، وَأَمَّا الْمُعْتَمِرُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَلْقُ إلَّا فِي الْحَرَمِ وَلَا يَخْتَصُّ حَلْقُهُ بِزَمَانٍ بِالْإِجْمَاعِ وَلَيْسَ مَا ذَكَرَهُ عِبَارَةَ الزَّيْلَعِيِّ ؛ لِأَنَّهُ قَالَ أَوْ حَلَقَ فِي الْحِلِّ أَيْ يَجِبُ دَمٌ إذَا حَلَقَ فِي الْحِلِّ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالْمُرَادُ فِيمَا إذَا حَلَقَ لِلْحَجِّ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ ، وَأَمَّا إذَا خَرَجَ أَيَّامَ النَّحْرِ فَحَلَقَ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ دَمَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ا هـ .
وَإِصْلَاحُ الْعِبَارَةِ أَنْ يُزَادَ فِيهَا التَّصْرِيحُ بِفَاعِلِ حَلَقَ فَيُقَالُ أَيْ حَلَقَ الْحَاجُّ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ ، وَأَمَّا إذَا خَرَجَ
إلَخْ ( تَتِمَّةٌ ) الْمُفَادُ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَئِمَّتِنَا أَنَّ جَمِيعَ الْحَرَمِ مَحَلٌّ لِلْحَلْقِ وَلَا يَخْتَصُّ وُجُوبُ الْحَلْقِ بِمَا كَانَ مِنْهُ فَمَا وَقَعَ فِي صَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَابْنِ كَمَالٍ بَاشَا مِنْ قَوْلِهِ أَوْ حَلَقَ فِي حِلٍّ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَإِنَّ الْحَلْقَ اخْتَصَّ بِمِنًى وَهُوَ مِنْ الْحَرَمِ ا هـ ، لَيْسَ الْمُرَادُ اخْتِصَاصَهُ بِمِنًى عَلَى وَجْهِ الْوُجُوبِ ، بَلْ هِيَ وَغَيْرُهَا مِنْ الْحَرَمِ سَوَاءٌ ، أَمَّا اخْتِصَاصُهُ بِهَا فَهُوَ مَسْنُونٌ لِمَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ السُّنَّةُ جَرَتْ بِالْحَلْقِ بِمِنًى وَهُوَ مِنْ الْحَرَمِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : أَوْ خَرَجَ حَاجًّا مِنْ الْحَرَمِ قَبْلَ التَّحَلُّلِ ، ثُمَّ عَادَ ) أَقُولُ

كَذَا نَصَّ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَابْنُ كَمَالٍ بَاشَا وَإِطْلَاقُهُ لَيْسَ بِصَوَابٍ لِأَنَّ ذَاتَ الْخُرُوجِ مِنْ الْحَرَمِ لَا يَلْزَمُ بِهِ شَيْءٌ عَلَى الْمُحْرِمِ لِمَا نَذْكُرُ وَذَلِكَ أَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ قَالَ الْمُعْتَمِرُ إذَا حَلَقَ فِي الْحِلِّ بَعْدَمَا خَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ لَزِمَهُ دَمٌ لِتَفْوِيتِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْحَلْقُ فِي الْحَرَمِ فَإِنْ عَادَ وَحَلَقَ فِيهِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِإِتْيَانِهِ بِمَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْحَلْقُ فِي الْحَرَمِ ا هـ .
وَلَمَّا لَمْ يَذْكُرْ مَسْأَلَةَ خُرُوجِ الْحَاجِّ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ بَعْدَ شَرْحِهِ مَسْأَلَةَ خُرُوجِ الْمُعْتَمِرِ ، وَلَوْ فَعَلَ الْحَاجُّ ذَلِكَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ دَمُ التَّأْخِيرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ا هـ فَقَدْ نَصَّ عَلَى أَنَّ الدَّمَ الَّذِي يَلْزَمُ الْحَاجَّ إنَّمَا هُوَ لِتَأْخِيرِ الْحَلْقِ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ وَيُقَيِّدُ أَنَّهُ إذَا أَعَادَ بَعْدَمَا خَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ وَحَلَقَ فِيهِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَهَذَا لَا يَتَوَقَّفُ فِيهِ مَنْ لَهُ أَدْنَى إلْمَامٍ بِمَسَائِلِ الْفِقْهِ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ عَلَى أَنَّ مَسْأَلَةَ الْحَاجِّ مُسْتَغْنًى عَنْهَا بِمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ أَوْ أَخَّرَ الْحَلْقَ

( وَدَمَانِ ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ دَمٌ فِي قَوْلِهِ وَجَبَ دَمٌ فِي أَوَّلِ الْبَابِ ( عَلَى قَارِنٍ حَلَقَ قَبْلَ ذَبْحِهِ ) دَمٌ لِلْحَلْقِ قَبْلَ أَوَانِهِ وَدَمٌ لِتَأْخِيرِ الذَّبْحِ عَنْ الْحَلْقِ ( وَعَلَى مَنْ طَافَ لِلرُّكْنِ جُنُبًا وَلِلصَّدْرِ فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ طَاهِرًا ، وَلَوْ مُحْدِثًا فِي الْأَوَّلِ فَدَمٌ ) عَلَى مَا مَرَّ يَعْنِي لَوْ طَافَ لِلزِّيَارَةِ جُنُبًا وَطَافَ لِلصَّدْرِ فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ طَاهِرًا يَجِبُ دَمَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَا دَمٌ وَلَوْ طَافَ لِلزِّيَارَةِ مُحْدِثًا وَطَافَ لِلصَّدْرِ فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ طَاهِرًا يَجِبُ دَمٌ وَاحِدٌ اتِّفَاقًا وَالْفَرْقُ أَنَّ طَوَافَ الصَّدْرِ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي لَمْ يَنْتَقِلْ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ ؛ لِأَنَّ طَوَافَ الصَّدْرِ وَاجِبٌ وَإِعَادَةُ طَوَافِ الزِّيَارَةِ بِالْحَدَثِ مُسْتَحَبَّةٌ فَلَمْ يَنْتَقِلْ إلَيْهِ ، وَفِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَجَبَ نَقْلُ طَوَافِ الصَّدْرِ إلَى طَوَافِ الزِّيَارَةِ ؛ لِأَنَّ الْإِعَادَةَ وَاجِبَةٌ وَفِي إقَامَةِ هَذَا الطَّوَافِ مُقَامَ طَوَافِ الزِّيَارَةِ فَائِدَةُ إسْقَاطِ الْبَدَنَةِ عَنْهُ ، وَقَدْ وُجِدَتْ الْعَزِيمَةُ فِي ابْتِدَاءِ الْإِحْرَامِ لِلْأَفْعَالِ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَشْرُوعِ فَبَطَلَتْ نِيَّتُهُ عَلَى خِلَافِهِ وَوَجَبَ صَرْفُهُ إلَى مَا عَلَيْهِ كَمَنْ عَلَيْهِ السَّجْدَةُ الصُّلْبِيَّةُ إذَا سَجَدَ لِلسَّهْوِ يُصْرَفُ إلَى الصُّلْبِيَّةِ دُونَ السَّهْوِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ طَافَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ فِي آخِرِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَلَمْ يَطُفْ لِلصَّدْرِ فَيَجِبُ دَمٌ لِتَرْكِ طَوَافِ الصَّدْرِ وَدَمٌ لِتَأْخِيرِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ عَنْ أَيَّامِ النَّحْرِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَا يَجِبُ لِتَرْكِ طَوَافِ الصَّدْرِ وَلَا شَيْءَ بِتَرْكِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ

( قَوْلُهُ : وَدَمَانِ عَلَى قَارِنٍ حَلَقَ قَبْلَ ذَبْحِهِ دَمٌ لِلْحَلْقِ قَبْلَ أَوَانِهِ وَدَمٌ لِتَأْخِيرِ الذَّبْحِ عَنْ الْحَلْقِ ) أَقُولُ كَذَا نَصَّ فِي الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ فَإِنْ حَلَقَ الْقَارِنُ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ فَعَلَيْهِ دَمَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ دَمٌ بِالْحَلْقِ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ ؛ لِأَنَّ أَوَانَهُ بَعْدَ الذَّبْحِ وَدَمٌ بِتَأْخِيرِ الذَّبْحِ عَنْ الْحَلْقِ ، وَعِنْدَهُمَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ وَاحِدٌ وَهُوَ الْأَوَّلُ وَلَا يَجِبُ بِسَبَبِ التَّأْخِيرِ شَيْءٌ ا هـ .
وَقَالَ الْكَمَالُ هَذَا سَهْوٌ مِنْ الْقَلَمِ ، بَلْ أَحَدُ الدَّمَيْنِ بِمَجْمُوعِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ وَالْآخَرُ دَمُ الْقِرَانِ وَالدَّمُ الَّذِي يَجِبُ عِنْدَهُمَا دَمُ الْقِرَانِ لَيْسَ غَيْرُ لَا لِلْحَلْقِ قَبْلَ أَوَانِهِ ، وَلَوْ وَجَبَ ذَلِكَ لَزِمَ فِي كُلِّ تَقْدِيمِ نُسُكٍ عَلَى نُسُكٍ دَمَانِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَنْفَكُّ عَنْ الْأَمْرَيْنِ وَلَا قَائِلَ بِهِ ا هـ ، وَكَذَا الْأَكْمَلُ وَالْأَتْقَانِيُّ خَطَّآ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ وَمُعْتَمَدُهُمْ فِي ذَلِكَ مُخَالَفَةُ الْهِدَايَةِ لِمَا هُوَ الْأَصْلُ فِي وَضْعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهُوَ الْجَامِعُ الصَّغِيرُ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ قَارِنٌ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ قَالَ عَلَيْهِ دَمَانِ دَمُ الْقِرَانِ وَدَمٌ آخَرُ ؛ لِأَنَّهُ حَلَقَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ يَعْنِي عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ ا هـ .
وَحَمَلَ فِي الْكَافِي قَوْلَ الْهِدَايَةِ عَلَى مَا رَوَى عَنْ بَعْضِهِمْ مِثْلَهُ ، وَقَدْ رَدَّهُ الشَّيْخُ أَكْمَلُ الدِّينِ وَالْأَتْقَانِيُّ ( قَوْلُهُ : وَقَالَا يَجِبُ دَمٌ لِتَرْكِ طَوَافِ الصَّدْرِ وَلَا شَيْءَ بِتَرْكِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ ) هَكَذَا فِي النُّسَخِ وَلَعَلَّ صَوَابَهُ وَلَا شَيْءَ بِتَأْخِيرِ طَوَافِ الزِّيَارَةِ

( وَتَصَدُّقٌ ) عَطْفٌ عَلَى فَاعِلِ وَجَبَ فِي أَوَّلِ الْبَابِ أَوْ عَلَى قَوْلِهِ وَدَمَانِ ( بِنِصْفِ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ إنْ طَيَّبَ أَقَلَّ مِنْ عُضْوٍ أَوْ سَتَرَ رَأْسَهُ أَوْ لَبِسَ أَقَلَّ مِنْ يَوْمٍ أَوْ حَلَقَ أَقَلَّ مِنْ رُبْعِ رَأْسِهِ أَوْ قَصَّ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَظْفَارٍ أَوْ خَمْسَةٍ مُتَفَرِّقَةٍ أَوْ طَافَ لِلْقُدُومِ أَوْ لِلصَّدْرِ مُحْدِثًا أَوْ تَرَكَ ثَلَاثَةً مِنْ سُبْعِ الصَّدْرِ أَوْ إحْدَى جِمَارٍ ثَلَاثٍ أَوْ حَلَقَ رَأْسَ غَيْرِهِ ) أَيْ مُحْرِمٍ آخَرَ

( قَوْلُهُ : وَتَصَدُّقٌ ) بِالتَّنْوِينِ أَيْ وَجَبَ تَصَدُّقٌ ( قَوْلُهُ : أَوْ قَصَّ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَظْفَارٍ ) أَقُولُ يَعْنِي مِنْ عُضْوٍ وَاحِدٍ أَوْ عُضْوَيْنِ وَتَبِعَ فِي الْعِبَارَةِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَتَبِعَهُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا وَهِيَ شَامِلَةٌ لِمَا فَوْقَ الْوَاحِدِ إلَى الْأَرْبَعِ فَيَجِبُ فِي الْجَمِيعِ نِصْفُ صَاعٍ لِقَوْلِهِ قَبْلُ وَتَصَدَّقَ بِنِصْفِ صَاعٍ إنْ طَيَّبَ
إلَخْ وَهُوَ غَلَطٌ لِمَا فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ كَالْهِدَايَةِ وَشُرُوحِهَا وَإِنْ قَصَّ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةِ أَظَافِيرَ فَعَلَيْهِ بِكُلِّ ظُفْرٍ صَدَقَةٌ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ دَمًا فَيُنْقِصُ مَا شَاءَ ( قَوْلُهُ : أَوْ خَمْسَةً مُتَفَرِّقَةً ) فِيهِ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ لِمَا فِي الْكَافِي أَيْضًا لَوْ قَصَّ سِتَّةَ عَشَرَ ظُفْرًا مِنْ كُلِّ عُضْوٍ أَرْبَعَةً يَجِبُ بِكُلِّ ظُفْرٍ طَعَامُ مِسْكِينٍ إلَى أَنْ يَبْلُغَ ذَلِكَ دَمًا فَحِينَئِذٍ يُنْقِصُ مَا شَاءَ ا هـ ، وَكَذَا فِي غَيْرِهِ مِنْ الْمُعْتَبَرَاتِ ( قَوْلُهُ : أَوْ طَافَ لِلْقُدُومِ أَوْ لِلصَّدْرِ مُحْدِثًا ) قَدَّمْنَا أَنَّ كُلَّ طَوَافِ تَطَوُّعٍ فَهُوَ كَذَلِكَ حَتَّى لَوْ كَانَ جُنُبًا فِي الْقُدُومِ أَوْ التَّطَوُّعِ أَعَادَهُ وَلَزِمَهُ دَمٌ إنْ لَمْ يُعِدْهُ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ طَوَافَ التَّحِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ سُنَّةٌ وَإِنْ أَعَادَ فَهُوَ أَفْضَلُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ وَبِهَذَا ظَهَرَ بُطْلَانُ مَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَعْزِيًّا إلَى الْإِسْبِيجَابِيِّ مِنْ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ لَوْ طَافَ جُنُبًا أَوْ مُحْدِثًا ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي عَدَمَ وُجُوبِ الطَّهَارَةِ لِلطَّوَافِ ؛ وَلِأَنَّ طَوَافَ التَّطَوُّعِ إذَا شُرِعَ فِيهِ صَارَ وَاجِبًا بِالشُّرُوعِ ، ثُمَّ يَدْخُلُهُ النَّقْصُ بِتَرْكِ الطَّهَارَةِ فِيهِ كَذَا فِي الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ : أَوْ تَرَكَ ثَلَاثَةً مِنْ سُبْعِ الصَّدْرِ ) أَقُولُ فِيهِ كَمَا فِي قَصِّ الْأَظْفَارِ لِكُلِّ شَوْطٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ ( قَوْلُهُ : أَوْ إحْدَى جِمَارٍ ثَلَاثٍ ) أَيْ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي أَوْ الثَّالِثِ أَوْ الرَّابِعِ لَوْ

أَقَامَهُ وَيَجِبُ لِكُلِّ حَصَاةٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ إلَّا أَنْ يَبْلُغَ دَمًا فَيُنْقِصُ مَا شَاءَ فَتَنَبَّهْ لِهَذَا .
( قَوْلُهُ : أَوْ حَلَقَ رَأْسَ غَيْرِهِ ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ إزَالَةَ مَا يَنْمُو مِنْ بَدَنِ الْإِنْسَانِ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ لِاسْتِحْقَاقِهِ الْأَمَانَ بِمَنْزِلَةِ نَبَاتِ الْحَرَمِ فَلَا يَفْتَرِقُ الْحَالُ بَيْنَ شَعْرِهِ وَشَعْرِ غَيْرِهِ إلَّا أَنَّ كَمَالَ الْجِنَايَةِ فِي شَعْرِهِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : أَيْ مُحْرِمٍ آخَرَ ) أَقُولُ كَانَ الْوَاجِبُ إبْقَاءَ الْمَتْنِ عَلَى إطْلَاقِهِ لِيَشْمَلَ مَا لَوْ حَلَقَ لِحَلَالٍ فَيَلْزَمُهُ الصَّدَقَةُ وَبِهِ صَرَّحَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ ا هـ ، وَإِذَا حَلَقَ لِمُحْرِمٍ كَانَ عَلَى الْمَحْلُوقِ دَمٌ سَوَاءٌ كَانَ بِأَمْرِهِ أَوْ مُكْرَهًا أَوْ نَائِمًا وَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْحَالِقِ خِلَافًا لِزُفَرَ لِإِدْخَالِهِ فِي الْوَرْطَةِ وَلَنَا أَنَّ الرَّاحَةَ حَصَلَتْ لَهُ كَالْمَغْرُورِ لَا يَرْجِعُ بِالْعُقْرِ عَلَى مَنْ غَرَّهُ لِمُقَابَلَتِهِ بِاللَّذَّةِ كَمَا فِي الْكَافِي

( وَذَبْحٌ أَوْ تَصَدُّقٌ ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ تَصَدُّقٌ ( بِثَلَاثَةِ أَصْوُعِ طَعَامٍ عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ أَوْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ) يَعْنِي أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ ( إنْ طَيَّبَ أَوْ حَلَقَ بِعُذْرٍ )

( قَوْلُهُ : وَذَبْحٌ ) مَرْفُوعٌ مَنُونٌ لِعَطْفِهِ عَلَى مَا قَدَّمَهُ مِنْ الْفَاعِلِ أَيْ وَجَبَ ذَبْحُ شَاةٍ فِي الْحَرَمِ وَالتَّقْيِيدُ بِالْحَرَمِ يَمْنَعُ إجْزَاءَهَا بِذَبْحِهَا فِي غَيْرِهِ بِالِاتِّفَاقِ مَا لَمْ يَتَصَدَّقْ بِاللَّحْمِ عَلَى سِتَّةٍ وَيَبْلُغُ قِيمَةُ نَصِيبِ كُلٍّ مِنْهُمْ نِصْفَ صَاعِ بُرٍّ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْإِسْبِيجَابِيِّ ا هـ ، وَإِذَا ذَبَحَ فِي الْحَرَمِ أَجْزَأَهُ وَالْقُرْبَةُ فِيهِ لَهَا جِهَتَانِ جِهَةُ الْإِرَاقَةِ وَجِهَةُ التَّصَدُّقِ فَلِلْأُولَى لَا يَجِبُ غَيْرُهُ إذَا سُرِقَ مَذْبُوحًا وَلِلثَّانِيَةِ يَتَصَدَّقُ بِلَحْمِهِ وَلَا يَأْكُلُ مِنْهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : أَوْ تَصَدُّقٌ ) قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ الصَّدَقَةُ تُجْزِيهِ عِنْدَنَا حَيْثُ أَحَبَّ إلَّا أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ وَيَجُوزُ فِيهَا التَّمْلِيكُ وَالْإِبَاحَةُ أَعْنِي التَّغْذِيَةَ وَالتَّعْشِيَةَ عِنْدَهُمَا .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يُجْزِيهِ إلَّا التَّمْلِيكُ ا هـ .
وَقَالَ فِي التَّبْيِينِ وَالْهِدَايَةِ يَجُوزُ الْإِبَاحَةُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ ا هـ فَلَمْ يَذْكُرَا لِأَبِي حَنِيفَة قَوْلًا وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَخَّرَ قَوْلَ مُحَمَّدٍ بِدَلِيلِهِ وَقَبِلَهُ الزَّيْلَعِيُّ .
وَقَالَ الْكَمَالُ قِيلَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ الْحَدِيثُ الَّذِي فَسَّرَ الْآيَةَ فِيهِ لَفْظُ الْإِطْعَامِ فَكَانَ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ الْحَدِيثَ لَيْسَ مُفَسِّرًا لِمُجْمَلٍ ، بَلْ مُبَيِّنٌ لِلْمُرَادِ بِالْإِطْلَاقِ وَهُوَ حَدِيثٌ مَشْهُورٌ عَمِلَتْ بِهِ الْأُمَّةُ فَجَازَتْ الزِّيَادَةُ ، ثُمَّ الْمَذْكُورُ فِي الْآيَةِ الصَّدَقَةُ وَتَحَقُّقُ حَقِيقَتِهَا بِالتَّمْلِيكِ فَيَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ فِي الْحَدِيثِ الْإِطْعَامُ عَلَى الْإِطْعَامِ الَّذِي هُوَ الصَّدَقَةُ وَإِلَّا كَانَ مُعَارِضًا وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ بِالِاسْمِ الْأَعَمِّ وَاَللَّهُ أَعْلَم ا هـ .
( قَوْلُهُ : أَصْوُعٍ ) عَلَى وَزْنِ أَرْجُلٍ جَمْعُ صَاعٍ ( قَوْلُهُ : عَلَى سِتَّةِ مَسَاكِينَ ) قَالَ فِي الْبَحْرِ ظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ

التَّصَدُّقِ عَلَى سِتَّةٍ حَتَّى لَوْ تَصَدَّقَ عَلَى أَقَلَّ مِنْ السِّتَّةِ أَوْ عَلَى أَكْثَرَ لَا يُجْزِيهِ ؛ لِأَنَّ الْعَدَدَ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ فِي الْحَدِيثِ وَيَنْبَنِي عَلَى الْقَوْلِ بِجَوَازِ الْإِبَاحَةِ أَنَّهُ لَوْ غَدَّى مِسْكِينًا وَاحِدًا أَوْ عَشَّاهُ أَيْ سِتَّةَ أَيَّامٍ أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذًا مِنْ مَسْأَلَةِ الْكَفَّارَاتِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : أَوْ صَامَ ) كَذَا فِي النُّسَخِ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ الْمَاضِي وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِصِيغَةِ الِاسْمِ فَيُقَالُ أَوْ صِيَامٌ لِعَطْفِهِ عَلَى تَصَدُّقٍ ا هـ .
وَيَصُومُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ مُفَرَّقًا أَوْ مُتَتَابِعًا كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَغَيْرِهَا ( قَوْلُهُ : إنْ طَيَّبَ أَوْ حَلَقَ ) أَقُولُ أَوْ لَبِسَ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ ، وَلَكِنْ الْمُصَنِّفُ اقْتَصَرَ كَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَكَانَ يَنْبَغِي اتِّبَاعُهُمَا الْهِدَايَةَ ( قَوْلُهُ : بِعُذْرٍ ) قَيْدٌ لِلثَّلَاثَةِ الطِّيبِ وَالْحَلْقِ وَاللُّبْسِ ، وَالْعُذْرُ كَخَوْفِ الْهَلَاكِ مِنْ الْبَرْدِ وَالْمَرَضِ وَلُبْسِ السِّلَاحِ لِلْقِتَالِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْخَوْفُ غَلَبَةُ الظَّنِّ لَا مُجَرَّدُ الْوَهْمِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي التَّيَمُّمِ وَعَوَارِضِ الصَّوْمِ وَلْيُتَنَبَّهْ لِمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ فِي هَذَا الْمَحَلِّ مِنْ إلْزَامِ دَمٍ آخَرَ أَوْ صَدَقَةٍ فِي قَوْلِهِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَتَعَدَّى مَوْضِعَ الضَّرُورَةِ فَيُغَطِّي رَأْسَهُ بِالْقَلَنْسُوَةِ فَقَطْ إنْ انْدَفَعَتْ الضَّرُورَةُ بِهَا وَحِينَئِذٍ فَلَفُّ الْعِمَامَةِ عَلَيْهَا حَرَامٌ وَمُوجِبٌ لِلدَّمِ إنْ اسْتَمَرَّ يَوْمًا وَصَدَقَةٍ بِأَقَلِّهِ ا هـ ؛ لِأَنَّهُ مُخَالِفَ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ عَدَمِ تَعَدُّدِ الْجَزَاءِ بِلُبْسِ الْعِمَامَةِ مَعَ الْقَلَنْسُوَةِ ، وَقَدْ اُضْطُرَّ إلَى الْقَلَنْسُوَةِ فَقَطْ ، وَبِهِ صَرَّحَ فِي تُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ أَيْضًا عَلَى أَنَّ صَاحِبَ الْبَحْرِ نَاقَضَ هَذَا بِقَوْلِهِ بَعْدَهُ ، وَكَذَا إذَا انْدَفَعَتْ الضَّرُورَةُ بِلُبْسِ جُبَّةٍ فَلَبِسَ جُبَّتَيْنِ إلَّا أَنَّهُ يَكُونُ آثِمًا وَتَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ مُخَيَّرٌ فِيهَا ا هـ .
( تَنْبِيهٌ ) قَالَ صَاحِبُ

الْبَحْرِ لَمْ أَرَ لَهُمْ صَرِيحًا أَنَّ الدَّمَ أَوْ الصَّدَقَةَ مُكَفِّرٌ لِهَذَا الْإِثْمِ مُزِيلٌ لَهُ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ أَوْ لَا بُدَّ مِنْهَا مَعَهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي الْحُدُودِ هَلْ هِيَ كَفَّارَاتٌ لِأَهْلِهَا أَوْ لَا وَهَلْ يَخْرُجُ الْحَجُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَبْرُورًا بِارْتِكَابِهِ هَذِهِ الْجِنَايَةِ وَإِنْ كَفَّرَ عَنْهَا أَوْ لَا الظَّاهِرُ بَحْثًا لَا نَقْلًا أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ .
ا هـ .

.
قَوْلُهُ ( وَوَطْؤُهُ وَلَوْ نَاسِيًا قَبْلَ وُقُوفِ فَرْضٍ ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ ( يَفْسُدُ حَجُّهُ وَيَمْضِي وَيَذْبَحُ وَيَقْضِي مِنْ قَابِلٍ وَلَمْ يَفْتَرِقَا ) أَيْ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُفَارِقَهَا فِي قَضَاءِ مَا أَفْسَدَاهُ ( وَ ) وَطْؤُهُ ( بَعْدَ وُقُوفِهِ ) أَيْ وُقُوفِ الْفَرْضِ ( لَمْ يَفْسُدْ وَتَجِبُ بَدَنَةٌ وَ ) إنْ وَطِئَ ( بَعْدَ الْحَلْقِ ) لَمْ يَفْسُدْ أَيْضًا ( وَ ) تَجِبُ ( شَاةٌ ، وَ ) وَطْؤُهُ ( فِي عُمْرَتِهِ قَبْلَ طَوَافِ أَرْبَعَةٍ يُفْسِدُهَا ) أَيْ الْعُمْرَةَ ( فَيَمْضِي وَيَذْبَحُ وَيَقْضِي ، وَإِذَا وَطِئَ ) فِي عُمْرَتِهِ ( بَعْدَ أَرْبَعَةٍ ) أَيْ بَعْدَ طَوَافِهِ أَرْبَعَةً ( ذَبَحَ وَلَمْ يُفْسِدْ ) الْوَطْءُ عُمْرَتَهُ

( قَوْلُهُ : وَوَطْؤُهُ وَلَوْ نَاسِيًا ) أَقُولُ يَعْنِي فِي قُبُلِ أَوْ دُبُرِ آدَمِيٍّ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ سَوَاءٌ أَنْزَلَ أَمْ لَمْ يُنْزِلْ مُكْرَهًا أَوْ جَاهِلًا وَيَفْسُدُ حَجُّ الْمَرْأَةِ بِالْجِمَاعِ ، وَلَوْ نَائِمَةً أَوْ مُكْرَهَةً ، وَلَوْ كَانَ الْمُجَامِعُ لَهَا صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا وَلَزِمَهَا دَمٌ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ ، وَإِذَا كَانَتْ مُكْرَهَةً تَرْجِعُ عَلَى الزَّوْجِ فِيمَا عَنْ الْقَاضِي أَبِي حَازِمٍ لَا فِيمَا عَنْ ابْنِ شُجَاعٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ .
ا هـ .
وَيَفْسُدُ حَجُّ الصَّبِيِّ بِالْجِمَاعِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ كَمَا فِي الْوَلْوَالِجيَّةِ وَغَيْرِهَا وَيُخَالِفُهُ مَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ كَانَ صَبِيًّا يُجَامِعُ مِثْلُهُ فَسَدَ حَجُّهَا دُونَهُ ، وَلَوْ كَانَتْ هِيَ صَبِيَّةً أَوْ مَجْنُونَةً انْعَكَسَ الْحُكْمُ ا هـ ، وَضَعَّفَ صَاحِبُ الْبَحْرِ مَا قَالَهُ فِي الْفَتْحِ وَتَبِعَهُ أَخُوهُ صَاحِبُ النَّهْرِ ، وَقَالَ يَدُلُّ عَلَى ضَعِيفِ مَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُمْ لَوْ أَفْسَدَ الصَّبِيُّ حَجَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ ا هـ ، وَفِيهِ تَأَمُّلٌ ؛ لِأَنَّ الْفَسَادَ لَا يَنْحَصِرُ فِي الْجِمَاعِ إذْ يَكُونُ بِفَوْتِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَقَيَّدْنَا الْوَطْءَ بِأَحَدِ سَبِيلَيْ آدَمِيٍّ لِمَا قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ الْإِنْزَالُ بِوَطْءِ الْبَهِيمَةِ أَوْ الِاسْتِمْنَاءُ بِالْكَفِّ يُوجِبُ شَاةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يُفْسِدُ الْحَجَّ وَلَا الْعُمْرَةَ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ا هـ ، وَقَدْ وَعَدْنَا بِتَتِمَّةِ الْكَلَامِ عَلَى الْجِمَاعِ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا تَعَدَّدَ الْجِمَاعُ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ لِامْرَأَةٍ أَوْ نِسْوَةٍ لَزِمَتْهُ شَاةٌ فَإِنْ جَامَعَ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ قَبْلَ الْوُقُوفِ وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ رَفَضَ الْحَجَّةَ الْفَاسِدَةَ لَزِمَهُ دَمٌ آخَرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ، وَلَوْ نَوَى بِالْجِمَاعِ الثَّانِي رَفْضَ الْفَاسِدَةِ لَا يَلْزَمُهُ بِالثَّانِي شَيْءٌ ، كَذَا فِي الْفَتْحِ عَنْ خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ وَقَاضِي خَانْ ا هـ ، وَكَذَا فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ مِنْ

الْقَاعِدَةِ الثَّامِنَةِ قَالَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ لَوْ جَامَعَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى مَعَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ نِسْوَةٍ إلَّا أَنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا فِي الْجِمَاعِ بَعْدَ الْوُقُوفِ فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى عَلَيْهِ بَدَنَةٌ وَفِي الثَّانِيَةِ عَلَيْهِ الشَّاةُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ ا هـ .
وَعَلَّلَ فِي الْفَتْحِ عَدَمَ لُزُومِ الدَّمِ فِيمَا إذَا نَوَى بِالْجِمَاعِ الثَّانِي رَفْضَ الْحَجِّ الْفَاسِدِ بِأَنَّهُ أَسْنَدَ إلَى قَصْدٍ وَاحِدٍ وَهُوَ تَعْجِيلُ الْإِحْلَالِ وَإِنْ أَخْطَأَ فِي تَأْوِيلِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ التَّحَلُّلُ بِالْأَفْعَالِ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ الْإِحْرَامِ إلَّا بِهَا وَعَلَى هَذَا سَائِرُ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ ا هـ .
وَالتَّأْوِيلُ الْفَاسِدُ مُعْتَبَرٌ فِي رَفْعِ الضَّمَانِ كَالْبَاغِي إذَا أَتْلَفَ مَالَ الْعَادِلِ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّهُ تَلِفَ عَنْ تَأْوِيلٍ كَذَا فِي الْكَافِي .
ا هـ .
قُلْت وَيُنْظَرُ فِي قَوْلِهِ يَلْزَمُهُ التَّحَلُّلُ بِالْأَفْعَالِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ الْإِحْرَامِ إلَّا بِهَا ا هـ مَعَ مَا سَنَذْكُرُهُ مِنْ تَحْلِيلِ الْمَوْلَى أَمَتَهُ بِنَحْوِ قَصِّ ظُفْرٍ وَبِالْجِمَاعِ وَإِنْ كَانَ لَا يَنْبَغِي لَهُ فِعْلُهُ ابْتِدَاءً ( قَوْلُهُ : قَبْلَ وُقُوفِ فَرْضٍ ) أَيْ قَبْلَ وُقُوفٍ هُوَ فَرْضٌ فَالْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ لَا عَلَى مَعْنَى فِي فَرْضٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الْفَاسِدِ بِالْجِمَاعِ قَبْلَ الْوُقُوفِ لِحَجٍّ مُطْلَقًا

( إنْ قَتَلَ مُحْرِمٌ صَيْدًا أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ قَاتِلَهُ مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَوْ لَا أَوْ كَانَ سَهْوًا أَوْ عَمْدًا ( فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ ، وَلَوْ ) كَانَ الصَّيْدُ ( سَبُعًا غَيْرَ صَائِلٍ وَلَا شَيْءَ فِي الصَّائِلِ أَوْ ) كَانَ الصَّيْدُ ( مُسْتَأْنَسًا أَوْ حَمَامًا مُسَرْوَلًا ) وَهُوَ الَّذِي فِي رِجْلَيْهِ رِيشٌ كَالسَّرَاوِيلِ .
وَقَالَ مَالِكٌ إنَّهُ أَلُوفٌ مُسْتَأْنَسٌ فَصَارَ كَالْبَطِّ قُلْنَا هُوَ صَيْدٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ وَإِنَّمَا لَا يَطِيرُ لِثِقَلِهِ ( أَوْ هُوَ مُضْطَرٌّ إلَى أَكْلِهِ ) بِالْجُوعِ أَوْ غَيْرِهِ ( وَهُوَ ) أَيْ جَزَاؤُهُ ( مَا قَوَّمَهُ عَدْلَانِ فِي مَقْتَلِهِ أَوْ ) فِي ( أَقْرَبِ مَكَان مِنْهُ وَ ) الْجَزَاءُ ( فِي السَّبُعِ لَا يَزِيدُ عَلَى شَاةٍ ) وَإِنْ كَانَ أَكْبَرَ مِنْهَا ( ثُمَّ لَهُ ) أَيْ لِلْمُحْرِمِ ( أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ هَدْيًا وَيَذْبَحَهُ بِمَكَّةَ أَوْ طَعَامًا وَيَتَصَدَّقَ عَلَى كُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ أَوْ شَعِيرٍ لَا أَقَلَّ مِنْهُ ، أَوْ يَصُومَ عَنْ طَعَامِ كُلِّ مِسْكِينٍ يَوْمًا وَإِنْ فَضَلَ عَنْ طَعَامِ مِسْكِينٍ ) طَعَامُ الْمِسْكِينِ نِصْفُ صَاعٍ وَمَا فَضَلَ يَكُونُ أَقَلَّ مِنْهُ ( تَصَدَّقَ بِهِ ) أَيْ بِمَا فَضَلَ ( أَوْ صَامَ يَوْمًا بَدَلَهُ وَيَجِبُ مَا نَقَصَ بِجَرْحِهِ وَنَتْفِ شَعْرِهِ وَقَطْعِ عُضْوِهِ ) أَيْ وَلَوْ جَرَحَ صَيْدًا أَوْ نَتَفَ شَعْرَهُ أَوْ قَطَعَ عُضْوًا مِنْهُ ضَمِنَ مَا نَقَصَ اعْتِبَارًا لِلْبَعْضِ بِالْكُلِّ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ ( وَتَجِبُ الْقِيمَةُ ) أَيْ قِيمَةِ الصَّيْدِ كَامِلَةً ( بِنَتْفِ رِيشِهِ وَقَطْعِ قَوَائِمِهِ ) حَتَّى خَرَجَ عَنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ ؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَ عَلَيْهِ الْأَمْنَ بِتَفْوِيتِ آلَةِ الِامْتِنَاعِ فَيَضْمَنُ جَزَاءَهُ ( وَكَسْرِ بَيْضِهِ ) أَيْ تَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْبَيْضِ بِكَسْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَصْلُ الصَّيْدِ وَلَهُ عَرْضِيَّةُ أَنْ يَصِيرَ صَيْدًا فَنُزِّلَ مَنْزِلَتَهُ احْتِيَاطًا مَا لَمْ يَفْسُدْ فَإِنْ فَسَدَ بِأَنْ صَارَ مَذِرَةً لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ ( وَكَسْرِهِ وَخُرُوجِ فَرْخٍ مَيِّتٍ ) يَعْنِي إذَا خَرَجَ بَعْدَ

كَسْرِ الْبَيْضِ فَرْخٌ مَيِّتٌ يَجِبُ قِيمَةُ الْفَرْخِ حَيًّا ، هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ لَا تَخْلُو مِنْ أَنْ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ حَيًّا وَمَاتَ بِالْكَسْرِ أَوْ عَلِمَ أَنَّهُ كَانَ مَيِّتًا أَوْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ مَوْتَهُ بِسَبَبِ الْكَسْرِ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ ضَمِنَ قِيمَتَهُ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي فَلَا شَيْءَ وَإِنْ كَانَ الثَّالِثُ فَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَغْرَمَ سِوَى الْبَيْضَةِ ؛ لِأَنَّ حَيَاةَ الْفَرْخِ غَيْرُ مَعْلُومَةٍ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ تَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْفَرْخِ حَيًّا ؛ لِأَنَّ الْبَيْضَ مُعَدٌّ لِيَخْرُجَ مِنْهُ الْفَرْخُ الْحَيُّ وَالْكَسْرُ قَبْلَ أَوَانِهِ سَبَبٌ لِمَوْتِهِ فَيُحَالُ بِهِ عَلَيْهِ احْتِيَاطًا كَذَا فِي الْعِنَايَةِ ( وَذَبْحِ الْحَلَالِ صَيْدَ الْحَرَمِ ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَتَصَدَّقُ بِهَا وَسَيَجِيءُ فَائِدَةُ التَّقْيِيدِ بِالْحَلَالِ ( وَحَلْبِهِ ) أَيْ يَجِبُ عَلَى مَنْ حَلَبَ صَيْدَ الْحَرَمِ قِيمَةُ لَبَنِهِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَجْزَاءِ الصَّيْدِ فَأَشْبَهَ كُلَّهُ

( قَوْلُهُ : إنْ قَتَلَ مُحْرِمٌ صَيْدًا ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ اعْلَمْ أَنَّ الصَّيْدَ هُوَ الْحَيَوَانُ الْمُمْتَنِعُ الْمُتَوَحِّشُ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ وَهُوَ نَوْعَانِ بَرِّيٌّ وَهُوَ مَا يَكُونُ تَوَالُدُهُ وَتَنَاسُلُهُ فِي الْبَرِّ وَبَحْرِيٌّ وَهُوَ مَا يَكُونُ تَوَالُدُهُ فِي الْمَاءِ ؛ لِأَنَّ الْمَوْلِدَ هُوَ الْأَصْلُ وَالتَّعَيُّشُ بَعْدَ ذَلِكَ عَارِضٌ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِهِ وَيَحْرُمُ الْأَوَّلُ عَلَى الْمُحْرِمِ دُونَ الثَّانِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى { لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } وقَوْله تَعَالَى { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ } ، الْآيَةَ .
وَالْخَمْسُ الْفَوَاسِقُ خَارِجَةٌ بِالنَّصِّ عَلَى مَا يَجِيءُ .
ا هـ .
وَيَحِلُّ لِلْمُحْرِمِ اصْطِيَادُ الْبَحْرِيِّ سَوَاءً كَانَ مَأْكُولًا أَوْ لَا وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَالْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا وَبِهِ يَظْهَرُ ضَعْفُ مَا فِي مَنَاسِكِ الْكَرْمَانِيُّ مِنْ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ إلَّا مَا يُؤْكَلُ خَاصَّةً كَذَا فِي الْبَحْرِ وَلَا فَرْقَ فِي وُجُوبِ الْجَزَاءِ بِقَتْلِ صَيْدِ الْبَرِّ بَيْنَ الْمُبَاشَرَةِ وَالتَّسْبِيبِ إذَا كَانَ مُتَعَدِّيًا فِيهِ فَلَوْ نَصَبَ شَبَكَةً لِلصَّيْدِ أَوْ حَفَرَ لِلصَّيْدِ حَفِيرَةً فَعَطِبَ صَيْدٌ ضَمِنَ ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ ، وَلَوْ نَصَبَ فُسْطَاطًا لِنَفْسِهِ فَتَعَلَّقَ بِهِ فَمَاتَ أَوْ حَفَرَ حَفِيرَةً لِلْمَاءِ أَوْ الْحَيَوَانِ يُبَاحُ قَتْلُهُ كَالذِّئْبِ فَعَطِبَ فِيهَا لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ إلَى حَيَوَانٍ مُبَاحٍ فَأَخَذَ مَا يَحْرُمُ أَوْ أَرْسَلَهُ إلَى صَيْدٍ فِي الْحِلِّ وَهُوَ حَلَالٌ فَتَجَاوَزَ إلَى الْحَرَمِ فَقَتَلَ صَيْدًا أَوْ طَرَدَ الصَّيْدَ حَتَّى أَدْخَلَهُ فِي الْحَرَمِ فَقَتَلَهُ بِهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُعْتَدٍ فِي التَّسْبِيبِ وَلَا يُشْبِهُ هَذِهِ الرَّمْيَةَ فِي الْحِلِّ فَأَصَابَهُ فِي الْحَرَمِ ؛ لِأَنَّهُ تَمَّتْ جِنَايَتُهُ بِالْمُبَاشَرَةِ وَلَا مَا لَوْ انْقَلَبَ مُحْرِمٌ نَائِمٌ عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَهُ ؛ لِأَنَّ الْمُبَاشَرَةَ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا عَدَمُ التَّعَدِّي فَيَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ وَيَتَعَدَّدُ الْجَزَاءُ بِتَعَدُّدِ الْمَقْتُولِ

إلَّا إذَا قَصَدَ بِهِ التَّحَلُّلَ وَرَفَضَ إحْرَامَهُ فَعَلَيْهِ لِذَلِكَ كُلِّهِ دَمٌ وَاحِدٌ كَذَا فِي الْفَتْحِ أَيْ وَإِنْ لَمْ يَرْتَفِضْ بِالنَّظَرِ لِلتَّحَلُّلِ فَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ إلَّا بِالْأَفْعَالِ كَمَا قَدَّمَهُ .
( قَوْلُهُ : أَوْ دَلَّ عَلَيْهِ قَاتِلَهُ ) الضَّمِيرُ فِي دَلَّ لِلْمُحْرِمِ فَخَرَجَ دَلَالَةُ الْحَلَالِ ، وَلَوْ عَلَى صَيْدِ الْحَرَمِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ وَلَا بُدَّ مِنْ شُرُوطٍ لِلُزُومِ الْجَزَاءِ بِالدَّلَالَةِ أَحَدُهَا وَتُفْهَمُ مِنْ لَفْظِ الدَّلَالَةِ عَدَمُ عِلْمِ الْمَدْلُولِ بِمَكَانِ الصَّيْدِ وَتَصْدِيقُهُ فِي الدَّلَالَةِ حَتَّى لَوْ كَذَّبَهُ وَصَدَّقَ غَيْرَهُ لَا ضَمَانَ عَلَى مَنْ زَعَمَ كَذِبَهُ وَاتِّصَالُ الْقَتْلِ بِالدَّلَالَةِ وَبَقَاءُ الدَّالِّ مُحْرِمًا عِنْدَ أَخْذِ الْمَدْلُولِ وَأَخْذُهُ قَبْلَ أَنْ يَنْقَلِبَ ، وَلَوْ أَمَرَهُ بِقَتْلِهِ بَعْدَمَا أَخَذَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ وَعَلَى هَذَا إذَا أَعَارَهُ سِكِّينًا لِيَقْتُلَهُ بِهَا وَلَيْسَ مَعَ الْآخِذِ مَا يَقْتُلُهُ بِهِ أَوْ قَوْسًا أَوْ نَشَّابًا يَرْمِيهِ بِهِ وَمَا فِي الْأَصْلِ مِنْ أَنَّهُ لَا جَزَاءَ عَلَى صَاحِبِ السِّكِّينِ حُمِلَ عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمُسْتَعِيرُ يَقْدِرُ عَلَى ذَبْحِهِ وَصَرَّحَ بِهِ فِي السِّيَرِ بِأَنَّهُ عَلَى صَاحِبِ السِّكِّينِ الْجَزَاءُ ، وَكَذَا إذَا دَلَّ عَلَى قَوْسٍ وَنَشَّابٍ مَنْ رَآهُ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ لِبُعْدِهِ .
وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْأَصَحُّ عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْجَزَاءُ عَلَى الْمُعِيرِ عَلَى كُلِّ حَالٍ كَذَا فِي الْفَتْحِ قُلْت وَلَعَلَّ وَجْهَهُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ عَنْ الْمُحِيطِ لَوْ أَعَارَهُ سِكِّينًا لَا جَزَاءَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ يَتَوَصَّلُ إلَى قَتْلِهِ بِدُونِ سِكِّينٍ بِأَنْ يَخْنُقَهُ ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَلَوْ كَانَ الصَّيْدُ سَبُعًا غَيْرَ صَائِلٍ ) قَالَ فِي الْبَحْرِ أَرَادَ بِالسَّبُعِ كُلَّ حَيَوَانٍ لَا يُؤْكَلُ مِمَّا لَيْسَ مِنْ الْفَوَاسِقِ السَّابِقَةِ وَالْحَشَرَاتِ سَوَاءٌ كَانَ سَبُعًا أَوْ لَا ، وَلَوْ كَانَ خِنْزِيرًا أَوْ قِرْدًا أَوْ فِيلًا وَالسَّبُعُ اسْمٌ لِكُلِّ مُخْتَطِفٍ مُنْتَهِبٍ جَارِحٍ قَاتِلٍ عَادٍ عَادَةً ا هـ .

وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَفِي شَرْحِهِ الْأَسَدُ حَيَوَانٌ مُمْتَنِعٌ مُتَوَحِّشٌ فَيُمْنَعُ الْمُحْرِمُ مِنْ قَتْلِهِ كَالضَّبُعِ .
وَفِي الْفَتَاوَى الْأَسَدُ بِمَنْزِلَةِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ وَالذِّئْبِ ا هـ لَفْظُ الْجَوْهَرَةِ ، وَقَدْ ذَكَرَ مِثْلَ مَا فِي الْفَتَاوَى صَاحِبُ الْبَدَائِعِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ الْكَمَالُ فَقَالَ الْأَسَدُ وَالذِّئْبُ وَالنَّمِرُ وَالْفَهْدُ يَحِلُّ قَتْلُهُ وَلَا شَيْءَ فِيهَا وَإِنْ لَمْ يَصُلْ ، وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا ، بَلْ ذَكَرَهُ حُكْمًا مَسْكُوتًا فِيهِ قَالَ الْكَمَالُ ، ثُمَّ رَأَيْنَاهُ رِوَايَةً عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ الْأَسَدُ بِمَنْزِلَةِ الذِّئْبِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ السِّبَاعُ كُلُّهَا صَيْدٌ إلَّا الْكَلْبَ وَالذِّئْبَ ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَلَا شَيْءَ فِي الصَّائِلِ ) أَيْ سَبُعًا كَانَ أَوْ صَيْدًا غَيْرَهُ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْجَوْهَرَةِ وَالصَّوْلُ الْحَمْلُ أَيْ الْوَثْبُ لِإِيصَالِ الْأَذَى وَأَطْلَقَ فِي عَدَمِ وُجُوبِ شَيْءٍ بِالصَّائِلِ ، وَذَكَرَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهُ إذَا أَمْكَنَهُ دَفْعُهُ بِغَيْرِ سِلَاحٍ فَقَتَلَهُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ ا هـ .
( قَوْلُهُ : أَوْ حَمَامًا مُسَرْوَلًا ) بِفَتْحِ الْوَاوِ كَمَا فِي الْفَتْحِ ، وَقَالَ فِي الْبَحْرِ إنَّمَا قَيَّدَ بِهِ مَعَ أَنَّ الْحُكْمَ فِي الْحَمَامِ مُطْلَقًا كَذَلِكَ لِمَا أَنَّ فِيهِ خِلَافَ مَالِكٍ وَلْيُفْهَمْ غَيْرُهُ بِالْأَوْلَى ا هـ .
وَالْحَمَامَةُ الْمُصَوِّيَةُ فِي كَوْنِهَا صَيْدًا رِوَايَتَانِ كَمَا فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ وَقَاضِي خَانْ ( قَوْلُهُ : فَصَارَ كَالْبَطِّ ) كَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ .
وَقَالَ فِي الْكَافِي فَصَارَ كَالدَّجَاجِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا صَحِيحٌ فِي الْحُكْمِ لِمَا قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ الْحَمَامُ مُتَوَحِّشٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ وَالِاسْتِئْنَاسُ عَارِضٌ بِخِلَافِ الْبَطِّ الَّذِي يَكُونُ فِي الْحِيَاضِ وَالْبُيُوتِ فَإِنَّهُ أَلُوفٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ ا هـ .
وَالْمُرَادُ بِهِ الْبَطُّ الْكَسْكَرِيُّ الَّذِي يُقَالُ لَهُ إوَزُّ ( قَوْلُهُ : أَوْ هُوَ مُضْطَرٌّ إلَى أَكْلِهِ ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَجِدْ

إلَّا هُوَ ، وَإِذَا وَجَدَ مَيْتَةً وَصَيْدًا ، وَقَدْ اُضْطُرَّ فَالْمَيْتَةُ أَوْلَى فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالْحَسَنُ يَذْبَحُ الصَّيْدَ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ .
وَفِي الْمَبْسُوطِ خِلَافُهُ حَيْثُ قَالَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ يَتَنَاوَلُ الصَّيْدَ وَيُؤَدِّي الْجَزَاءَ ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ الْمَيِّتَةِ أَغْلَظُ لِارْتِفَاعِ حُرْمَةِ الصَّيْدِ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْإِحْرَامِ فَهِيَ مُؤَقَّتَةٌ بِهِ بِخِلَافِ حُرْمَةِ الْمَيِّتَةِ فَعَلَيْهِ أَنْ يَقْصِدَ أَخَفَّ الْحُرْمَتَيْنِ دُونَ أَغْلَظِهِمَا وَالصَّيْدُ وَإِنْ كَانَ مَحْظُورَ الْإِحْرَامِ لَكِنْ عِنْدَ الضَّرُورَةِ يَرْتَفِعُ الْحَظْرُ فَيَقْتُلُهُ وَيَأْكُلُ مِنْهُ وَيُؤَدِّي الْجَزَاءَ كَذَا فِي الْفَتْحِ .
وَقَالَ الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بْنُ الشَّيْخِ عَبْدِ اللَّهِ الْغَزِّيِّ صَاحِبُ تَنْوِيرِ الْأَبْصَارِ فِي نَظْمٍ لَهُ إنَّ الْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يَأْكُلَ الْمَيْتَةَ ا هـ ، وَلَوْ وَجَدَ صَيْدًا أَوْ مَال الْغَيْرِ فَالصَّيْدُ ، وَعَنْ بَعْضِ أَصْحَابِنَا مَنْ وَجَدَ طَعَامَ الْغَيْرِ لَا تُبَاحُ لَهُ الْمَيْتَةُ ، وَعَنْ ابْن سِمَاعَةَ الْغَصْبُ أَوْلَى مِنْ الْمَيْتَةِ وَبِهِ أَخَذَ الطَّحَاوِيُّ وَخَيَّرَهُ الْكَرْخِيُّ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ أَيْ جَزَاؤُهُ مَا قَوَّمَهُ عَدْلَانِ ) قَيْدُ الْمُثَنَّى لَيْسَ لَازِمًا لِمَا نَصَّ فِي الْهِدَايَةِ بِلَفْظِ قَالُوا الْوَاحِدُ يَكْفِي وَالْمُثَنَّى أَحْوَطُ وَأَبْعَدُ مِنْ الْغَلَطِ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ ، وَقِيلَ يُعْتَبَرُ الْمُثَنَّى هُنَا بِالنَّصِّ ا هـ ، وَمِثْلُهُ فِي الْجَوْهَرَةِ وَالْكَافِي وَالتَّبْيِينِ وَالْعِنَايَةِ .
وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ قَيَّدَ أَيْ صَاحِبُ الْكَنْزِ بِالْعَدْلَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ الْوَاحِدَ لَا يَكْفِي لِظَاهِرِ النَّصِّ وَصَحَّحَهُ فِي شَرْحِ الدُّرَرِ ، ثُمَّ نَقَلَ عِبَارَةَ الْهِدَايَةِ عَقِبَهُ وَقَلَّدَهُ أَخُوهُ صَاحِبُ النَّهْرِ فِي أَنَّ صَاحِبَ الدُّرَرِ صَحَّحَ لُزُومَ الْمُثَنَّى وَأَنْتَ تَرَى أَنْ لَا تَصْحِيحَ فِيهَا وَكَانَ يَنْبَغِي لَهُمَا اقْتِفَاءُ أَثَرِ الْكَمَالِ حَيْثُ قَالَ قَوْلُهُ

: أَيْ فِي الْهِدَايَةِ ، وَقِيلَ يُعْتَبَرُ الْمُثَنَّى أَيْ فِي الْحُكْمِ الْمُقَوَّمِ وَاَلَّذِي لَمْ يُوجِبُوهُ أَيْ الْمُثَنَّى حَمَلُوا الْعَدَدَ فِي الْآيَةِ عَلَى الْأَوْلَوِيَّةِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ زِيَادَةُ الْإِحْكَامِ وَالْإِتْقَانِ وَالظَّاهِرُ الْوُجُوبُ وَقَصْدُ الْإِحْكَامِ وَالْإِتْقَانِ لَا يُنَافِيهِ ، بَلْ قَدْ يَكُونُ دَاعِيَتَهُ وَيُقَوَّمُ الصَّيْدُ بِمَا فِيهِ مِنْ الْخِلْقَةِ لَا بِمَا زَادَهُ التَّعْلِيمُ فَلَوْ كَانَ بَازِيًا صَيُودًا أَوْ حَمَامًا يَجِيءُ مِنْ بَعِيدٍ قُوِّمَ لَا بِاعْتِبَارِ الصُّيُودِيَّةِ وَالْمَجِيءِ مِنْ بَعِيدٍ فَإِذَا كَانَ مَمْلُوكًا كَانَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ لِمَالِكِهِ يُعْتَبَرُ فِيهَا مَا يَزِيدُهُ التَّعْلِيمُ وَقِيمَتُهُ لِلْجِنَايَةِ لَا يُعْتَبَرُ فِيهَا ذَلِكَ حَتَّى إذَا قَتَلَ بَازِيَ نَفْسِهِ الْمُعَلَّمَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ غَيْرَ مُعَلَّمٍ ، وَإِذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ بِأَمْرِ خِلْقِيٍّ كَمَا إذَا كَانَ طَيْرًا يُصَوِّتُ فَازْدَادَتْ قِيمَتُهُ لِذَلِكَ فَفِي اعْتِبَارِ ذَلِكَ فِي الْجَزَاءِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ لَا يُعْتَبَرُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الصَّيْدِيَّةِ فِي شَيْءٍ وَفِي أُخْرَى يُعْتَبَرُ ؛ لِأَنَّهُ وَصْفٌ ثَابِتٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ كَالْحَمَامِ إذَا كَانَ مُطَوَّقًا ( قَوْلُهُ : فِي مَقْتَلِهِ أَوْ أَقْرَبَ مَكَان مِنْهُ ) أَقُولُ كَلِمَةُ أَوْ لِلتَّوْزِيعِ لَا لِلتَّخْيِيرِ يَعْنِي أَنَّهُ يَقُومُ فِي مَكَانِ قَتْلِهِ إنْ كَانَ لَهُ فِيهِ قِيمَةٌ وَإِلَّا فَفِي أَقْرَبِ مَوْضِعٍ مِنْهُ لَهُ قِيمَةٌ فِيهِ وَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ زَمَانِ الْقَتْلِ أَيْضًا لِاخْتِلَافِ الْقِيمَةِ بِاخْتِلَافِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ ( قَوْلُهُ : وَالْجَزَاءُ فِي السَّبُعِ لَا يَزِيدُ عَلَى شَاةٍ ) هَذَا بِاعْتِبَارِ مَا يَجِبُ لِلَّهِ تَعَالَى لِمَا قَالَ قَاضِي خَانْ الصَّيْدُ الْمَمْلُوكُ تَجِبُ قِيمَتُهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ .
وَقَالَ الشَّيْخُ زَيْنٌ يَعْنِي عَلَيْهِ قِيمَتَانِ قِيمَةٌ لِمَالِكِهِ مُطْلَقًا وَقِيمَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى لَا تُجَاوِزُ قِيمَةَ شَاةٍ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : ثُمَّ لَهُ أَيْ لِلْمُحْرِمِ أَنْ

يَشْتَرِيَ بِهِ
إلَخْ ) إشَارَةً إلَى أَنَّ التَّخْيِيرَ فِي أَحَدِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ لِلْقَاتِلِ لَا لِمَنْ قَوَّمَ الصَّيْدَ الْمَقْتُولَ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ إنْ كَانَ الصَّيْدُ مِمَّا لَا مِثْلَ لَهُ مِنْ النَّعَمِ الْخِيَارُ إلَى الْحُكْمَيْنِ وَفِي مَالِهِ مِثْلُهُ مِنْ النَّعَمِ لَا خِيَارَ فِيهِ لِلْحُكْمَيْنِ وَيَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ مِثْلُ الْمَقْتُولِ ، فِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ وَحِمَارِ الْوَحْشِ بَقَرَةٌ وَهَكَذَا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ ( قَوْلُهُ : وَيَذْبَحُهُ بِمَكَّةَ ) أَيْ بِالْحَرَمِ ، وَإِذَا ذَبَحَهُ فِي الْحَرَمِ جَازَ التَّصَدُّقُ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ كَهَدْيِ الْمُتْعَةِ لِوُجُودِ الْقُرْبَةِ بِالْإِرَاقَةِ فِي مَكَانِهَا ، وَلَوْ ذَبَحَهُ فِي الْحِلِّ لَا يَجُوزُ إلَّا أَنْ يُعْطِيَ كُلَّ فَقِيرٍ قَدْرَ قِيمَةِ نِصْفِ صَاعِ بُرٍّ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ اللَّحْمِ مِثْلَ قِيمَةِ الْمَقْتُولِ فَبِهَا وَإِلَّا فَيُكْمِلُ وَلَا يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ مِنْ الْجَزَاءِ عَلَى مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهُ وَيَجُوزُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْمُسْلِمُ أَحَبُّ ، وَلَوْ أَكَلَ مِنْ الْجَزَاءِ غَرِمَ قِيمَةَ مَا أَكَلَ كَذَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : أَوْ طَعَامًا وَيَتَصَدَّقُ عَلَى الْمَسَاكِينِ ) وَالْإِبَاحَةُ تَكْفِي فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ فِي الْإِطْعَامِ كَالتَّمْلِيكِ صَرَّحَ بِهِ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَلَا يَكْفِي فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَيَجُوزُ دَفْعُ قِيمَةِ نِصْفِ الصَّاعِ لِلْفَقِيرِ قِيَاسًا عَلَى الْفِطْرِ ( قَوْلُهُ : لَا أَقَلَّ مِنْهُ ) أَيْ لَا يَجْزِيهِ لَوْ دَفَعَ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ وَيَكُونُ تَطَوُّعًا ، وَكَذَا مَا أَعْطَاهُ زَائِدًا عَنْ نِصْفِ صَاعٍ لِفَقِيرٍ وَاحِدٍ وَيَقَعُ الزَّائِدُ تَطَوُّعًا نَصَّ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ مَا كِتَابٍ .
وَقَالَ الشَّيْخُ زَيْنٌ بَعْدَ نَقْلِ مِثْلِهِ ، وَقَدْ حَقَّقْنَا فِي بَابِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُفَرِّقَ نِصْفَ الصَّاعِ عَلَى مَسَاكِينَ عَلَى الْمَذْهَبِ وَأَنَّ الْقَائِلَ بِالْمَنْعِ الْكَرْخِيُّ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ هُنَا خُصُوصًا وَالنَّصُّ هُنَا مُطْلَقٌ

فَيَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ فَضَلَ عَنْ طَعَامِ مِسْكِينٍ ) الضَّمِيرُ فِيهِ رَاجِعٌ لِلطَّعَامِ وَهُوَ فَاعِلُ فَضَلَ أَيْ فَضَلَ أَقَلُّ مِنْ نِصْفِ صَاعٍ ( قَوْلُهُ : نِصْفِ صَاعٍ ) بِالْجَرِّ بَدَلٌ مِنْ طَعَامِ مِسْكِينٍ ( قَوْلُهُ : أَوْ صَامَ يَوْمًا بَدَلَهُ ) كَذَا الْحُكْمُ لَوْ كَانَ الْجَزَاءُ لَا يَبْلُغُ نِصْفَ صَاعٍ تَخَيَّرَ إنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهِ وَإِنْ شَاءَ صَامَ يَوْمًا بَدَلَهُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَغَيْرِهَا وَيَجُوزُ الْجَمْعُ هُنَا بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْإِطْعَامِ بِخِلَافِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ أَصْلٌ كَالْإِطْعَامِ فِي الْجَزَاءِ ، وَأَمَّا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَالصَّوْمُ بَدَلٌ عَنْ التَّكْفِيرِ بِالْمَالِ فَلَا يَجُوزُ الْجَمْعُ فِيهَا بَيْنَ الْأَصْلِ وَالْبَدَلِ لِلتَّنَافِي كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ : وَيَجِبُ مَا نَقَصَ بِجَرْحِهِ وَنَتْفِ شَعْرِهِ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ هَذَا إذَا بَرِئَ وَبَقِيَ أَثَرُهُ وَإِنْ لَمْ يَبْقَ لَهُ أَثَرٌ لَا يَضْمَنُ لِزَوَالِ الْمُوجِبِ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَلْزَمُهُ صَدَقَةٌ لِلْأَلَمِ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَلَعَ سِنَّهُ أَوْ ضَرَبَ عَيْنَهُ فَابْيَضَّتْ فَنَبَتَ لَهُ سِنٌّ أَوْ زَالَ الْبَيَاضُ ، وَذَكَرَ فِي الْعِنَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْبَدَائِعِ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الضَّمَانُ بِخِلَافِ جَرْحِ الْآدَمِيِّ إذَا انْدَمَلَ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ أَثَرٌ حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِزَوَالِ الشَّيْنِ ا هـ .
وَقَالَ الشَّيْخُ زَيْنُ الدِّينِ الظَّاهِرُ إطْلَاقُ لُزُومِ أَرْشِ النَّقْصِ .
ا هـ .
قُلْت يَعْنِي الظَّاهِرَ بِالنِّسْبَةِ لِمَا حَصَلَ عِنْدَهُ لَا أَنَّهُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَلِذَا قَالَ أَخُوهُ الشَّيْخُ عُمَرُ صَاحِبُ النَّهْرِ إنَّ كَلَامَ الْبَدَائِعِ هُوَ الْمُنَاسِبُ لِلْإِطْلَاقِ ا هـ ، وَلَوْ غَابَ لَمْ يَدْرِ مَاتَ أَوْ لَا لَزِمَ كُلُّ الْقِيمَةِ اسْتِحْسَانًا ( قَوْلُهُ : وَقَطْعِ عُضْوِهِ ) أَيْ يَجِبُ مَا نَقَصَ بِهِ ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ قَوْلِهِ بَعْدَهُ فَإِنْ أَخْرَجَهُ لَزِمَهُ كُلُّ قِيمَتِهِ ، وَهَذَا إذَا لَمْ يَقْصِدْ الْإِصْلَاحَ

فَإِنْ قَصَدَهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا إذَا خَلَّصَ حَمَامَةً مِنْ سِنَّوْرٍ أَوْ سَبُعٍ أَوْ شَبَكَةٍ أَوْ خَيْطًا مِنْ رِجْلِهِ فَقُطِعَتْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ، وَكَذَا فِي كُلِّ فِعْلٍ قَصَدَ بِهِ الْإِصْلَاحَ كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ الدِّرَايَةِ وَإِنْ جَرَحَهُ ، ثُمَّ قَتَلَهُ قَبْلَ التَّكْفِيرِ وَجَبَ قِيمَتُهُ وَسَقَطَ أَرْشُ الْجِرَاحَةِ وَإِنْ كَفَّرَ أَوَّلًا كَفَّرَ ثَانِيًا كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : وَتَجِبُ الْقِيمَةُ بِنَتْفِ رِيشِهِ ) أَيْ إذَا كَانَ يَمْتَنِعُ بِهِ الطَّيَرَانُ فَلَوْ كَانَ لَا يَمْتَنِعُ بِهِ كَالنَّعَامَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ النَّقْصَ بِنَتْفِ رِيشِهَا ؛ لِأَنَّهَا تَمْتَنِعُ بِجَرْيِهَا مَعَ مُسَاعَدَةِ جَنَاحَيْهَا وَلَمْ أَرَهُ مَنْصُوصًا ( قَوْلُهُ : وَقَطْعِ قَوَائِمِهِ ) يَظْهَرُ لِي أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ قَطْعُ كُلِّ الْقَوَائِمِ ، بَلْ إذَا قَطَعَ بَعْضَهَا وَفَاتَ بِهِ الِامْتِنَاعُ وَجَبَ الْجَزَاءُ فَلْيُنْظَرْ ا هـ ، وَإِذَا قَتَلَ الصَّيْدَ بَعْدَمَا أَخْرَجَهُ عَنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ قَالَ فِي الْوَجِيزِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا جَزَاءٌ وَاحِدٌ إنْ كَانَ قَبْلَ التَّكْفِيرِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ ( قَوْلُهُ : عَنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ ) الْحَيِّزُ يُشَدَّدُ وَيُخَفَّفُ وَهُوَ الْجِهَةُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ ( قَوْلُهُ : وَكَسْرِ بَيْضِهِ ) كَذَا بِشَيِّهِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ ، وَكَذَا لَوْ أَلْقَاهُ فِي مَاءٍ أَوْ دَفَنَهُ فِي تُرَابٍ يَلْزَمُهُ الْجَزَاءُ لِمَا قَالَ فِي الْفَتْحِ لَوْ نَفَّرَ طَيْرًا عَنْ بَيْضِهِ حَتَّى فَسَدَ أَوْ وَضَعَ بَيْضَ الصَّيْدِ تَحْتَ الدَّجَاجِ فَفَسَدَ لَزِمَهُ الْجَزَاءُ وَإِنْ خَرَجَ مِنْهَا فَرْخٌ وَطَارَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ا هـ .
وَهَلْ قَوْلُهُ : وَطَارَ قَيْدٌ مُعْتَبَرٌ أَوْ اتِّفَاقِيٌّ فَلْيُنْظَرْ ( تَنْبِيهٌ ) إذَا شَوَى الْبَيْضَ أَوْ الْجَرَادَ وَضَمِنَهُ لَا يَحْرُمُ أَكْلُهُ وَلَا يَلْزَمُ شَيْءٌ بِأَكْلِهِ سَوَاءٌ أَكَلَهُ مُحْرِمٌ أَوْ حَلَالٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفْتَقِرُ إلَى الذَّكَاةِ فَلَا يَصِيرُ مَيْتَةً وَلِهَذَا يُبَاحُ أَكْلُ الْبَيْضِ قَبْلَ شَيِّهِ كَذَا فِي الْبَحْرِ .
ا هـ .
قُلْت يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ اللَّبَنُ

الْمَحْلُوبُ مِنْ الصَّيْدِ ( قَوْلُهُ : فَإِنْ فَسَدَ بِأَنْ صَارَ مَذِرَةً لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ شَيْءٌ ) شَامِلٌ لِبَيْضِ النَّعَامَةِ فَإِذَا فَسَدَ لَا شَيْءَ بِكَسْرِهِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ .
وَقَالَ الْكَمَالُ فَانْتَفَى بِهَذَا مَا قَالَ الْكَرْمَانِيُّ إذَا كَسَرَ بَيْضَ نَعَامَةٍ مَذِرَةٍ وَجَبَ الْجَزَاءُ ؛ لِأَنَّ لِقِشْرِهَا قِيمَةٌ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ نَعَامَةٍ لَا يَجِبُ شَيْءٌ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ بِالْإِحْرَامِ لَيْسَ مَنْهِيًّا عَنْ التَّعَرُّضِ لِلْقِشْرِ ، بَلْ لِلصَّيْدِ فَقَطْ وَلَيْسَ لِلْمِذَرَّةِ عَرْضِيَّةُ الصَّيْدِيَّةِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَكَسْرِهِ وَخُرُوجِ فَرْخٍ مَيِّتٍ ) لَا يَخْفَى مَا فِي إطْلَاقِ الْمَتْنِ مِنْ الْمُسَاهَلَةِ فِي لُزُومِ الْجَزَاءِ بِخُرُوجِ الْفَرْخِ مَيِّتًا لِمَا ذَكَرَهُ فِي تَقْسِيمِ الْمَسْأَلَةِ شَرْحًا مِنْ عَدَمِ الضَّمَانِ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ ( قَوْلُهُ : وَذَبَحَ الْحَلَالُ صَيْدَ الْحَرَمِ ) أَقُولُ إنَّمَا خَصَّ لُزُومَ الْجَزَاءِ بِالْقَتْلِ لِيُخْرِجَ إشَارَةَ غَيْرِ الْمُحْرِمِ إلَى صَيْدِ الْحَرَمِ فَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا الْجَزَاءُ عَلَى الْقَاتِلِ .
وَقَالَ زُفَرُ عَلَى الدَّالِّ أَيْضًا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ ( قَوْلُهُ : أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ ) بِتَذْكِيرِ الضَّمِيرِ لِرُجُوعِهِ إلَى الصَّيْدِ الْمَقْتُولِ وَعَبَّرْنَا بِالْمَقْتُولِ إشَارَةً إلَى أَنَّ ذَبْحَ الْحَلَالِ صَيْدَ الْحَرَمِ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَيَكُونُ مَيْتَةً كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ الْكَمَالُ فِي قَوْلِهِ لَوْ أَكَلَ الْمُحْرِمُ مِنْ صَيْدِ ذَبَحَهُ غَرِمَ قِيمَةَ مَا أَكَلَ مَعَ ضَمَانِ جَزَاءِ الصَّيْدِ ، وَكَذَا فِي الْبُرْهَانِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ

( وَقَطْعِ حَشِيشِهِ وَشَجَرِهِ النَّابِتِ بِنَفْسِهِ وَلَيْسَ مِمَّا يُنْبَتُ ) أَيْ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ ( وَلَوْ ) كَانَ ذَلِكَ الشَّجَرُ ( مَمْلُوكًا ) إشَارَةً إلَى أَنَّ مَا وَقَعَ فِي الْوِقَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ قَوْلِهِمْ غَيْرُ مَمْلُوكٍ غَيْرُ مُفِيدٍ ؛ لِأَنَّ شُرَّاحَ الْهِدَايَةِ وَغَيْرَهُمْ قَالُوا إنَّ حَشِيشَ الْحَرَمِ وَشَجَرَهُ عَلَى نَوْعَيْنِ شَجَرٌ أَنْبَتَهُ النَّاسُ وَشَجَرٌ نَبَتَ بِنَفْسِهِ وَكُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى نَوْعَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ مِنْ جِنْسِ مَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ أَوْ لَا يَكُونُ وَالْأَوَّلُ بِنَوْعَيْهِ لَا يُوجِبُ الْجَزَاءَ وَالْأَوَّلُ مِنْ الثَّانِي كَذَلِكَ وَإِنَّمَا الْجَزَاءُ فِي الثَّانِي مِنْهُ وَهُوَ مَا يَنْبُتُ بِنَفْسِهِ وَلَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ وَيَسْتَوِي فِيهِ أَنْ يَكُونَ مَمْلُوكًا لِإِنْسَانٍ بِأَنْ نَبَتَ فِي مِلْكِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ حَتَّى قَالُوا فِي رَجُلٍ نَبَتَ فِي مِلْكِهِ أُمُّ غِيلَانٍ فَقَطَعَهَا إنْسَانٌ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهَا لِمَالِكِهَا وَعَلَيْهِ قِيمَةٌ أُخْرَى لِحَقِّ الشَّرْعِ ( إلَّا مَا جَفَّ ) حَيْثُ يَجُوزُ قَطْعُهُ بِلَا غُرْمٍ ( وَلَا صَوْمَ فِي الْأَرْبَعَةِ ) أَيْ لَا يَصُومُ فِي ذَبْحِ الْحَلَالِ صَيْدَ الْحَرَمِ وَحَلْبِهِ وَقَطْعِ حَشِيشِهِ وَشَجَرِهِ بَدَلَ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ مَا وَجَبَ هَاهُنَا مِنْ الْقِيمَةِ غَرَامَةٌ وَلَيْسَ بِكَفَّارَةٍ فَأَشْبَهَ ضَمَانَ الْأَمْوَالِ فَلَا يَتَأَدَّى بِالصَّوْمِ وَإِنَّمَا قَالَ ذَبْحَ الْحَلَالِ ؛ لِأَنَّ الذَّابِحَ لَوْ كَانَ مُحْرِمًا تَتَأَدَّى كَفَّارَتُهُ بِالصَّوْمِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ ( وَلَا يُرْعَى الْحَشِيشُ ) مِنْ الْحَرَمِ ( وَلَا يُقْطَعُ إلَّا الْإِذْخِرُ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدُ شَوْكُهَا } ، وَأَمَّا الْإِذْخِرُ فَقَدْ اسْتَثْنَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَجُوزُ قَطْعُهُ وَرَعْيُهُ ( وَالْكَمْأَةُ ) فَإِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ جُمْلَةِ النَّبَاتِ

( قَوْلُهُ : وَشَجَرِهِ النَّابِتِ بِنَفْسِهِ ) أَقُولُ وَالشَّجَرَةُ الَّتِي بَعْضُ أَصْلِهَا فِي الْحَرَمِ فَهِيَ كَاَلَّتِي جَمِيعُ أَصْلِهَا فِي الْحَرَمِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَتُعْتَبَرُ أَغْصَانُهَا فِي حَقِّ صَيْدٍ عَلَيْهَا حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَى غُصْنٍ مِنْهَا فِي الْحِلِّ حَلَّ صَيْدُهُ بِخِلَافِ عَكْسِهِ ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِمَحَلِّ قِيَامِ الصَّيْدِ فَلَوْ كَانَ رَأْسُهُ فِي الْحِلِّ وَقَوَائِمُهُ فِي الْحَرَمِ فَضَرَبَ فِي رَأْسِهِ ضَمِنَ ، وَلَوْ كَانَ بِعَكْسِهِ لَا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَقَيَّدَ بِقَطْعِ الشَّجَرِ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُ وَرَقِ شَجَرِ الْحَرَمِ وَلَا شَيْءَ فِيهِ إذَا كَانَ لَا يَضُرُّ بِالشَّجَرِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ مَمْلُوكًا ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَا وَقَعَ فِي الْوِقَايَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ قَوْلِهِمْ غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ غَيْرُ مُفِيدٍ أَقُولُ مَنْعُ الْفَائِدَةِ مَمْنُوعٌ لِمَا قَالَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ إنْ قَيَّدَ غَيْرَ الْمَمْلُوكَةِ لِإِفَادَةِ عَدَمِ تَعَدُّدِ الْقِيمَةِ ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ بِسَبَبِ تَعَلُّقِ الْحَرَمِ ا هـ ، ثُمَّ أَقُولُ فِي كُلٍّ مِنْ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ قُصُورٌ مِنْ حَيْثُ ظَاهِرُهَا ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفْهَمُ مِنْ عِبَارَةِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ مَتْنًا حُكْمُ الْمَمْلُوكَةِ هَلْ يَكُونُ الضَّمَانُ مُتَعَدِّدًا أَوْ لَا وَلَا يُعْلَمُ مِنْ عِبَارَةِ صَاحِبِ الدُّرَرِ مَتْنًا إلَّا لُزُومُ قِيمَةٍ وَاحِدَةٍ سَوَاءٌ كَانَ الْمَقْطُوعُ مَمْلُوكًا أَوْ لَا وَهِيَ مُتَعَدِّدَةٌ فِي الْمَمْلُوكِ كَمَا ذَكَرَهُ شَرْحًا .
( قَوْلُهُ : وَالْأَوَّلُ بِنَوْعَيْهِ لَا يُوجِبُ الْجَزَاءَ وَالْأَوَّلُ مِنْ الثَّانِي كَذَلِكَ ) أَقُولُ وَذَلِكَ أَنَّ الَّذِي يُنْبِتُهُ النَّاسُ غَيْرُ مُسْتَحِقٍّ لِلْأَمْنِ بِالْإِجْمَاعِ وَمَا لَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ عَادَةً إذَا أَنْبَتَهُ النَّاسُ الْتَحَقَ بِمَا يَنْبُتُ عَادَةً فَكَانَ غَيْرَ مُسْتَحِقِّ الْأَمْنِ إلْحَاقًا بِمَحَلِّ الْإِجْمَاعِ بِجَامِعِ انْقِطَاعِ كَمَالِ النِّسْبَةِ إلَى الْحَرَمِ عِنْدَ النِّسْبَةِ إلَى غَيْرِهِ بِالْإِنْبَاتِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْعِنَايَةِ ، وَإِذَا

كَانَ الْجَزَاءُ مُنْتَفِيًا فِي هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ مِنْ الْأَقْسَامِ لَا يَنْتَفِي ضَمَانُهَا لِمَالِكِهَا لَوْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ الْقِسْمِ الرَّابِعِ وَبِهِ صَرَّحَ الْبُرْجَنْدِيُّ فِي شَرْحِ النُّقَايَةِ ( قَوْلُهُ : حَتَّى قَالُوا فِي رَجُلٍ نَبَتَ فِي مِلْكِهِ أُمُّ غِيلَانٍ
إلَخْ ) كَذَا مِثْلُهُ فِي الْهِدَايَةِ وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ النَّبَاتَ يُمْلَكُ بِالْأَخْذِ فَكَيْفَ تَجِبُ الْقِيمَةُ بَعْدَ ذَلِكَ وَالثَّانِي أَنَّ الْحَرَمَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ لِأَحَدٍ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ قَوْلُهُ : وَقِيمَةٌ أُخْرَى ضَمَانًا لِمَالِكِهِ وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { النَّاسُ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ الْمَاءِ وَالْكَلَإِ وَالنَّارِ } مَحْمُولٌ عَلَى خَارِجِ الْحَرَمِ ، وَأَمَّا حُكْمُ الْحَرَمِ فَبِخِلَافِهِ ؛ لِأَنَّهُ حَرَامُ التَّعَرُّضِ بِالنَّصِّ كَصَيْدِهِ عَنْ الثَّانِي بِأَنَّهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى تَمَلُّكَ أَرْضِ الْحَرَمِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ ، أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُتَصَوَّرُ الثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ عِنْدَهُ تَمَلُّكُ أَرْضِ الْحَرَمِ ، بَلْ هِيَ سَوَائِبُ وَأَرَادَ بِالسَّوَائِبِ الْأَوْقَافَ وَإِلَّا فَلَا سَائِبَةَ فِي الْإِسْلَامِ هَذَا وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ مَا إذَا قَطَعَ الْمَالِكُ أُمَّ غِيلَانٍ مِنْ أَرْضِهِ وَيَنْبَغِي عَلَى مَا ذُكِرَ أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ قِيمَةٌ وَاحِدَةٌ لِلَّهِ إلَّا أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ مِنْ الْجَزَاءِ حَيْثُ قَالَ فِيهَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِي أُمِّ غِيلَانٍ تَنْبُتُ فِي الْحَرَمِ فِي أَرْضِ رَجُلٍ لَيْسَ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ قَطْعُهُ وَلَا قَلْعُهُ ، وَلَوْ قَلَعَهُ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ ا هـ ، وَإِذَا لَزِمَ الْقَاطِعَ الْقِيمَةُ مَلَكَهُ وَكُرِهَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِهِ بَيْعًا وَغَيْرَهُ لِتَطَرُّقِ النَّاسِ لِذَلِكَ فَيُؤَدِّي إلَى اسْتِئْصَالِ شَجَرِ الْحَرَمِ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكَرَاهَةَ تَحْرِيمِيَّةٌ ، وَلَوْ بَاعَهُ جَازَ لِلْمُشْتَرِي

الِانْتِفَاعُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ انْقِطَاعِ النَّمَاءِ بِخِلَافِ صَيْدِ الْحَرَمِ فَإِنَّ بَيْعَهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ أَدَّى قِيمَتَهُ لِعَدَمِ مِلْكِهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ : إلَّا مَا جَفَّ ) أَيْ مِنْ الشَّجَرِ وَالْحَشِيشِ حَيْثُ يَجُوزُ قَطْعُهُ بِلَا غُرْمٍ وَصَرَّحْنَا بِأَنَّهُ لَا شَيْءَ بِقَطْعِ الْجَافِّ مِنْ الْحَشِيشِ وَالشَّجَرِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبُرْهَانِ وَغَيْرِهِ فَقَالَ وَحَرُمَ قَطْعُ مَا نَبَتَ فِي الْحَرَمِ مِنْ شَجَرٍ وَكَلَأٍ إلَّا الْإِذْخِرَ وَالْجَافَّ ا هـ .
وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ فَإِنْ قَطَعَ حَشِيشَ الْحَرَمِ أَوْ شَجَرَهُ الَّذِي لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ وَهُوَ مِمَّا لَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ إلَّا فِيمَا جَفَّ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهَا بِسَبَبِ الْحَرَمِ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدُ شَوْكُهَا } ، ثُمَّ قَالَ { وَمَا جَفَّ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ لَا ضَمَانَ فِيهِ } ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَامٍ وَلَا يُرْعَى حَشِيشُ الْحَرَمِ وَلَا يُقْطَعُ إلَّا الْإِذْخِرُ ا هـ .
وَقَالَ الْكَمَالُ فِي حَاصِلِ وُجُوهِ الْمَسْأَلَةِ إنَّ النَّابِتَ فِي الْحَرَمِ إمَّا إذْخِرٌ أَوْ غَيْرُهُ ، وَقَدْ جَفَّ أَوْ انْكَسَرَ أَوْ لَيْسَ وَاحِدًا مِنْهُمَا إلَى أَنْ قَالَ وَاَلَّذِي فِيهِ الْجَزَاءُ هُوَ مَا نَبَتَ بِنَفْسِهِ وَلَيْسَ مِنْ جِنْسِ مَا يُنْبِتُهُ النَّاسُ وَلَا مُنْكَسِرًا وَلَا جَافًّا وَلَا إذْخِرًا وَلَا بُدَّ فِي إخْرَاجِ مَا خَرَجَ عَنْ حُكْمِ الْجَزَاءِ مِنْ دَلِيلٍ فَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ الْإِذْخِرَ خَرَجَ بِالنَّصِّ وَمَا أَثْبَتُوهُ بِقِسْمَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ ، وَأَمَّا الْجَافُّ وَالْمُنْكَسِرُ فَفِي مَعْنَاهُ فَاعْلَمْ أَنَّ الْأَلْفَاظَ الَّتِي وَرَدَتْ فِي هَذَا الْبَابِ الشَّجَرُ وَالشَّوْكُ وَالْخَلَا فَالْخَلَا الرَّطْبُ مِنْ الْكَلَإِ ، وَكَذَا الشَّجَرُ اسْمٌ لِلْقَائِمِ الَّذِي بِحَيْثُ يَنْمُو فَإِذَا جَفَّ فَهُوَ حَطَبٌ وَالشَّوْكُ لَا يُعَارِضُهُ ؛ لِأَنَّهُ أَعَمُّ يُقَالُ عَلَى الرَّطْبِ وَالْجَافِّ فَلْيَحْلِلْ عَلَى أَحَدِ نَوْعَيْهِ دَفْعًا لِلْمُعَارَضَةِ ا هـ ، وَإِذَا عَلِمْت ذَلِكَ فَلَا مُعَوَّلَ عَلَى مَا

فَرَّقَ بِهِ الْبُرْجَنْدِيُّ بَيْنَ الشَّجَرِ وَالْكَلَإِ حَيْثُ قَالَ اعْلَمْ أَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْكَلَأُ إنْ كَانَ مَمْلُوكًا لِأَحَدٍ أَوْ مُنْبَتًا أَوْ جَافًّا لَا يَكُونُ فِيهِ الْجَزَاءُ لِحَقِّ الْحَرَمِ لَكِنْ الْمَذْكُورُ فِي الْكُتُبِ أَنَّ قَطْعَ الْكَلَإِ مُطْلَقًا يُوجِبُ الْجَزَاءَ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشَّجَرِ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَيُمْكِنُ حَمْلُ عِبَارَةِ الْمَتْنِ عَلَى مُقْتَضَى الْقِيَاسِ بِأَنْ يَجْعَلَ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْصَرِفًا إلَى الْحَشِيشِ وَالشَّجَرِ مَعًا ا هـ ، وَعِبَارَةُ الْمَتْنِ أَيْ مَتْنِ الْوِقَايَةِ أَوْ قَطْعِ حَشِيشِهِ أَوْ شَجَرِهِ إلَّا مَمْلُوكًا أَوْ مُنْبَتًا أَوْ جَافًّا ا هـ فَلَا يُعْتَمَدُ عَلَى مَا قَالَهُ ؛ لِأَنَّ سَنَدَهُ قَوْلُهُ : إنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْكُتُبِ وُجُوبُ الْجَزَاءِ بِقَطْعِ الْكَلَإِ مُطْلَقًا وَهُوَ مَمْنُوعٌ لِمَا عَلِمْت مِنْ تَقْيِيدِهِ فِي الْفَتْحِ وَمِثْلُهُ فِي التَّبْيِينِ وَالْبُرْهَانِ وَالْبَحْرِ ، بَلْ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِالْإِطْلَاقِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ مَدْلُولِ لَفْظِ الْحَشِيشِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ يُؤْخَذُ مِمَّا قَالَهُ النَّوَوِيُّ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ الْحَشِيشُ اسْمٌ لِلْيَابِسِ وَالْفُقَهَاءُ يُطْلِقُونَ الْحَشِيشَ عَلَى الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ مَجَازًا وَسُمِّيَ الرَّطْبُ حَشِيشًا بِاعْتِبَارِ مَا يَئُولُ إلَيْهِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدُ شَوْكُهَا } ) قَالَ فِي الْبَحْرِ الْخَلَا بِالْقَصْرِ الْحَشِيشُ وَاخْتِلَاؤُهُ قَطْعُهُ وَالْعَضَدُ قَطْعُ الشَّجَرِ مِنْ بَابِ ضَرَبَ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ .
وَفِي الْفَتْحِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ الْخَلَا هُوَ الرَّطْبُ مِنْ الْكَلَإِ ( قَوْلُهُ : وَالْكَمْأَةَ
إلَخْ ) كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ ، ثُمَّ قَالَ : وَلِأَنَّهَا لَا تَنْمُو وَلَا تَبْقَى فَأَشْبَهَتْ الْيَابِسَ مِنْ النَّبَاتِ ا هـ فَفِيهِ نَصٌّ عَلَى جَوَازِ قَطْعِ الْحَشِيشِ الْيَابِسِ مَعَ التَّصْرِيحِ بِمَا قَدَّمَهُ قَبْلَهُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ قَطَعَ حَشِيشَ الْحَرَمِ أَوْ شَجَرًا غَيْرَ مَمْلُوكٍ ضَمِنَ قِيمَتَهُ إلَّا مَا جَفَّ

فَلَا ضَمَانَ فِيهِ وَيَحِلُّ الِانْتِفَاعُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ حَطَبٌ وَلَيْسَ بِنَامٍ وَثُبُوتُ الْحُرْمَةِ بِسَبَبِ الْحَرَمِ لِمَا يَكُونُ نَامِيًا فِيهِ ا هـ ، وَلَوْ قَدَّرَ كَوْنَهَا أَيْ الْكَمْأَةِ نَبَاتًا كَانَتْ مِنْ الْجَافِّ كَمَا فِي الْفَتْحِ

( وَ ) تَجِبُ ( صَدَقَةٌ وَإِنْ قَلَّتْ بِقَتْلِ قَمْلَةٍ أَوْ جَرَادَةٍ وَلَا شَيْءَ بِقَتْلِ غُرَابٍ وَحِدَأَةٍ وَعَقْرَبٍ وَحَيَّةٍ وَفَأْرَةٍ وَكَلْبٍ عَقُورٍ ) قَدْ ذُكِرَ الذِّئْبُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ ، وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ الذِّئْبُ ( وَبَعُوضٍ وَبُرْغُوثٍ وَقُرَادٍ وَسُلَحْفَاتٍ وَلَهُ ذَبْحُ الشَّاةِ وَالْبَقَرِ وَالْبَعِيرِ وَالدَّجَاجِ وَالْبَطِّ الْأَهْلِيِّ وَأَكْلُ مَا صَادَهُ حَلَالٌ وَذَبْحُهُ بِلَا دَلَالَةِ مُحْرِمٍ وَأُمِرَ بِهِ حَلَالٌ دَخَلَ الْحَرَمَ ) .
قَالَ فِي الْهِدَايَةِ : وَمَنْ دَخَلَ الْحَرَمَ بِصَيْدٍ إلَى آخِرِهِ وَقَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَهُوَ حَلَالٌ حَتَّى يَظْهَرَ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّ فِي الْمُحْرِمِ لَا يَتَوَقَّفُ وُجُوبُ الْإِرْسَالِ عَلَى دُخُولِ الْحَرَمِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِرْسَالُ بِمُجَرَّدِ الْإِحْرَامِ بِالِاتِّفَاقِ وَلِهَذَا قُلْت حَلَالٌ دَخَلَ الْحَرَمَ ( بِصَيْدٍ فِي يَدِهِ ) أَيْ يَدِهِ الْحَقِيقِيَّةِ الَّتِي هِيَ الْجَارِحَةُ حَتَّى إذَا كَانَ فِي رَحْلِهِ أَوْ قَفَصِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِرْسَالُ ذَكَرَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ ( أَرْسَلَهُ ) أَيْ عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَهُ

( قَوْلُهُ : وَصَدَقَةٌ وَإِنْ قَلَّتْ بِقَتْلِ قَمْلَةٍ ) يَعْنِي ، وَقَدْ أَخَذَهَا مِنْ بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ فَيَتَصَدَّقُ لِقَضَاءِ التَّفَثِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ ا هـ حَتَّى لَوْ قَتَلَ قَمْلَةً سَاقِطَةً عَلَى الْأَرْضِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ، وَلَوْ قَتَلَ قَمْلَةَ غَيْرِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ عَنْ الْخُجَنْدِيِّ وَبِهِ صَرَّحَ فِي غَيْرِهَا مُعَلِّلًا بِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَيْدٍ وَلَيْسَ فِي قَتْلِ قَمْلَةِ الْغَيْرِ إزَالَةُ التَّفَثِ عَنْ الْقَاتِلِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ا هـ .
وَإِلْقَاءُ قَمْلِ نَفْسِهِ وَإِشَارَتُهُ إلَيْهِ مُوجِبٌ لِلصَّدَقَةِ عَلَيْهِ وَالْقَمْلَتَانِ وَالثَّلَاثُ كَالْوَاحِدَةِ فِي الْجَزَاءِ وَفِي الزَّائِدِ عَلَى الثَّالِثِ بَالِغًا مَا بَلَغَ نِصْفُ صَاعٍ كَذَا فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبُ خِلَافًا لِمَا فِي الْفَتَاوَى كَقَاضِي خَانْ أَنَّ الْعَشَرَةَ فَمَا فَوْقَهَا كَثِيرٌ فَيَجِبُ بِهِ نِصْفُ صَاعٍ ، وَهَذَا إذَا قَتَلَهَا قَصْدًا أَوْ أَلْقَى ثَوْبَهُ فِي الشَّمْسِ أَوْ غَسَلَهَا لِقَصْدِ قَتْلِهَا ، وَلَوْ أَلْقَاهُ لَا لِقَتْلِهَا فَمَاتَتْ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ .
وَفِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلْبُرْجُنْدِيِّ مِثْلُهُ ، ثُمَّ نُقِلَ خِلَافُهُ عَنْ الْمَنْصُورِيَّةِ وَهُوَ نَفْيُ الْجَزَاءِ بِإِلْقَاءِ ثَوْبِهِ فِي الشَّمْسِ وَنَحْوِهَا لِقَتْلِ الْقَمْلِ ( قَوْلُهُ : أَوْ جَرَادَةٍ ) قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الْجَرَادِ الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ كَالْقَمْلِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَالْقَمْلِ فَفِي الثَّلَاثِ وَمَا دُونَهَا يَتَصَدَّقُ بِمَا شَاءَ وَفِي الْأَرْبَعِ فَأَكْثَرَ يَتَصَدَّقُ بِنِصْفِ صَاعٍ ( قَوْلُهُ : وَلَا شَيْءَ بِقَتْلِ غُرَابٍ
إلَخْ ) .
أَطْلَقَ نَفْيَ الْجَزَاءِ بِقَتْلِ الْمَذْكُورَاتِ فَأَفَادَ عَدَمَ اسْتِيعَابِ جَزَاءٍ بِقَتْلِهَا سَوَاءٌ كَانَ الْقَاتِلُ مُحْرِمًا أَوْ حَلَالًا فِي الْحَرَمِ أَوْ غَيْرِهِ وَالْمُرَادُ بِالْغُرَابِ الَّذِي يَأْكُلُ الْجِيَفَ وَيَخْلِطُ ؛ لِأَنَّهُ يَبْتَدِئُ بِالْأَذَى ، أَمَّا الْعَقْعَقُ فَغَيْرُ مُسْتَثْنًى ؛

لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى غُرَابًا وَلَا يَبْتَدِئُ بِالْأَذَى كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَوْلُ الْهِدَايَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَبْتَدِئُ بِالْأَذَى قِيلَ لِأَنَّهُ يَقَعُ عَلَى دُبُرِ الدَّابَّةِ ، وَقِيلَ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ فِي قَوْلِهِ فِي الْعَقْعَقِ وَلَا يَبْتَدِئُ بِالْأَذَى نَظَرٌ ؛ لِأَنَّهُ يَقَعُ عَلَى دُبُرِ الدَّابَّةِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَالْجَوَابُ عَنْ النَّظَرِ أَنَّ فِي الْعَقْعَقِ رِوَايَتَيْنِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مِنْ الصَّيُودِ كَذَا فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ فَلَا اعْتِرَاضَ عَلَى الْهِدَايَةِ وَغُرَابُ الزَّرْعِ لَا يُقْتَلُ وَيَرْمِيهِ الْمُحْرِمُ لِيُنَفِّرَهُ عَنْ الزَّرْعِ كَذَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : وَحِدَأَةٍ ) بِكَسْرِ الْحَاءِ طَائِرٌ مَعْرُوفٌ وَالْجَمْعُ الْحِدَأُ ا هـ ، وَبِفَتْحِ الْحَاءِ فَأْسٌ يُنْقَرُ بِهَا الْحِجَارَةُ لَهَا رَأْسَانِ كَذَا فِي الْبَحْرِ وَفِي شَرْحِ النُّقَايَةِ لِلْبُرْجُنْدِيِّ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا وَفَتْحِ الدَّالِ بِلَا مَدٍّ طَائِرٌ يَصِيدُ الْفَأْرَ وَالْجَرَادَ .
( قَوْلُهُ : وَفَأْرَةٍ ) بِالْهَمْزِ وَاحِدَةُ الْفَأْرِ وَجَمْعُهُ فِيرَانٌ كَذَا فِي الْبَحْرِ ، وَقَالَ الْبُرْجَنْدِيُّ بِهَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ وَيَجُوزُ فِيهَا التَّسْهِيلُ ا هـ .
وَلَا شَيْءَ فِيهَا أَهْلِيَّةً أَوْ وَحْشِيَّةً وَالسِّنَّوْرُ كَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي رِوَايَةِ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ مَا كَانَ مِنْهُ بَرِّيًّا فَهُوَ مُتَوَحِّشٌ كَالصَّيُودِ يَجِبُ بِقَتْلِهِ الْجَزَاءُ كَذَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : قَدْ ذُكِرَ الذِّئْبُ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ
إلَخْ ) أَقُولُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا جَوَابَ سُؤَالٍ مُقَدَّرٍ هُوَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الذِّئْبَ فِي الْمَتْنِ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ قَدْ ذُكِرَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَيْ وَفِي بَعْضِهَا لَمْ يُذْكَرْ فَاقْتَفَى أَثَرَ الَّتِي لَمْ تَذْكُرْهُ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ الذِّئْبُ فَهُوَ نَصٌّ عَلَيْهِ إلَّا أَنَّهُ إذَا أُرِيدَ بِهِ الذِّئْبُ لَا يُعْلَمُ حُكْمُ الْكَلْبِ نَصًّا فَيَلْحَقُ بِهِ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ ، وَلَكِنْ صَاحِبُ الْكَنْزِ وَالْهِدَايَةِ صَرَّحَا بِعَدَمِ شَيْءٍ بِقَتْلِ

الذِّئْبِ وَالْكَلْبِ ، وَإِذَا أُرِيدَ بِالْكَلْبِ الْعَقُورِ الذِّئْبُ يَكُونُ مُكَرَّرًا فِي كَلَامِهِمَا وَلَعَلَّ هَذَا هُوَ السِّرُّ فِي عَدَمِ ذِكْرِ الْمُصَنِّفِ لَهُ مَتْنًا أَيْضًا ، هَذَا وَقَدْ فَرَّقَ الطَّحَاوِيُّ بَيْنَ الْكَلْبِ وَالذِّئْبِ فَلَمْ يُجْعَلْ الذِّئْبُ مِنْ الْفَوَاسِقِ كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْبَحْرِ ا هـ ، وَلَكِنْ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ أَنَّ السِّبَاعَ كُلَّهَا صَيْدٌ إلَّا الذِّئْبَ وَالْكَلْبَ كَذَا فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ ( قَوْلُهُ : وَبَعُوضٍ ) قَالَ فِي الْبَحْرِ الْبَعُوضُ صِغَارُ الْبَقِّ الْوَاحِدَةُ بَعُوضَةٌ بِالْهَاءِ وَاشْتِقَاقُهُ مِنْ الْبَعْضِ ؛ لِأَنَّهَا كَبَعْضِ الْبَقَّةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { : مَثَلًا مَا بَعُوضَةً } كَذَا فِي ضِيَاءِ الْحَلُومِ ا هـ وَلَا شَيْءَ بِقَتْلِ الْكِبَارِ وَالصِّغَارِ وَالسُّلَحْفَاةُ بِضَمِّ الْفَاءِ وَفَتْحِ الْعَيْنِ وَاحِدَةُ السَّلَاحِفِ مِنْ خَلْقِ الْمَاءِ وَيُقَالُ أَيْضًا سُلَحْفِيَةٌ بِالْيَاءِ ( تَنْبِيهٌ ) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ النَّمْلَ وَنَصَّ فِي الْكَنْزِ كَمَا شَرَحَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِعَدَمِ شَيْءٍ بِقَتْلِهِ ، وَقَالَ الْمُرَادُ بِالنَّمْلِ السَّوْدَاءُ وَالصَّفْرَاءُ الَّتِي تُؤْذِي بِالْعَضِّ وَمَا لَا تُؤْذِي لَا يَحِلُّ قَتْلُهَا ، وَلَكِنْ لَا تُضْمَنُ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِصَيْدٍ وَلَا هِيَ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ الْبَدَنِ ا هـ .
وَفِي الْغَايَةِ عَنْ الْمُحِيطِ لَيْسَ فِي الْقَنَافِذِ وَالْخَنَافِسِ وَالْوَزَغِ وَالذُّبَابِ وَالزُّنْبُورِ وَالْحَلَمَةِ وَصَيَّاحِ اللَّيْلِ وَالصَّرْصَرِ وَأُمِّ حَنِينٍ وَابْنِ عِرْسٍ شَيْءٌ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ هَوَامِّ الْأَرْضِ وَحَشَرَاتِهِمَا وَلَيْسَتْ بِصَيُودٍ وَلَا هِيَ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ الْبَدَنِ ا هـ ، وَقَالَ الْكَمَالُ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي قَتْلِ الْقُنْفُذِ رِوَايَتَانِ جَعَلَهُ نَوْعًا مِنْ الْفَأْرَةِ وَفِي أُخْرَى جَعَلَهُ كَالْيَرْبُوعِ فَفِيهِ الْجَزَاءُ .
وَفِي الْفَتَاوَى لَا شَيْءَ فِي ابْنِ عِرْسٍ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَأَطْلَقَ غَيْرُهُ لُزُومَ الْجَزَاءِ فِي الضَّبِّ وَالْيَرْبُوعِ وَالسَّمُّورِ وَالسِّنْجَابِ وَالدَّلَقِ وَالثَّعْلَبِ وَابْنِ عِرْسٍ وَالْأَرْنَبِ مِنْ غَيْرِ

حِكَايَةِ خِلَافٍ فِي شَيْءٍ ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَالْبَطِّ الْأَهْلِيِّ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ الْمُرَادُ بِالْبَطِّ الَّتِي تَكُونُ فِي الْمَسَاكِنِ وَالْحِيَاضِ وَلَا تَطِيرُ ؛ لِأَنَّهَا أَلُوفٌ بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ كَالدَّجَاجِ ، وَأَمَّا الَّتِي تَطِيرُ فَصَيْدٌ فَيَجِبُ بِقَتْلِهَا الْجَزَاءُ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَامِيسُ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ فَإِنَّهُ فِي بِلَادِ السُّودَانِ وَحْشِيٌّ وَلَا يُعْرَفُ مِنْهُ مُسْتَأْنَسٌ عِنْدَهُمْ ا هـ ، وَلَوْ نَزَا ظَبْيٌ عَلَى شَاةٍ يَلْحَقُ وَلَدُهَا بِهَا كَذَا فِي الْبَحْرِ قَوْلُهُ : وَذَبْحُهُ بِلَا دَلَالَةٍ ) شُرِطَ أَنْ لَا يَكُونَ دَالًّا عَلَى الصَّيْدِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ ، وَقِيلَ لَا يَحْرُمُ بِالدَّلَالَةِ قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ ( قَوْلُهُ : حَتَّى إذَا كَانَ فِي رَحْلِهِ أَوْ فِي قَفَصِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِرْسَالُ ذَكَرَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ ) أَقُولُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ جَزْمُهُ بِعَدَمِ الْإِرْسَالِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ فِيمَا إذَا كَانَ الْقَفَصُ لَيْسَ فِي يَدِهِ الْحَقِيقِيَّةِ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي يَدَيْهِ الْحَقِيقِيَّةِ فَيُمْكِنُ أَنْ يَجْرِيَ فِيهِ الْخِلَافُ الْجَارِي فِي الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ وَهِيَ مَا إذَا أَحْرَمَ وَفِي بَيْتِهِ أَوْ قَفَصِهِ صَيْدٌ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَفَادَ ضَعْفَ الْقَوْلِ بِلُزُومِ الْإِرْسَالِ فِيمَا إذَا كَانَ الْقَفَصُ فِي يَدَيْهِ حَيْثُ قَالَ ، وَمَنْ أَحْرَمَ وَفِي بَيْتِهِ أَوْ قَفَصٍ مَعَهُ صَيْدٌ ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَهُ ، وَقِيلَ إذَا كَانَ الْقَفَصُ فِي يَدِهِ لَزِمَهُ إرْسَالُهُ لَكِنْ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضِيعُ ا هـ ، وَكَذَلِكَ فِي التَّبْيِينِ وَجَعَلَ فِي الْبَحْرِ حُكْمَ دَاخِلِ الْحَرَمِ بِالصَّيْدِ كَالْحُكْمِ فِيمَنْ أَحْرَمَ فَقَالَ قَوْلُهُ : أَيْ فِي الْكَنْزِ ، وَمَنْ دَخَلَ الْحَرَمَ بِصَيْدٍ أَرْسَلَهُ أَرَادَ بِهِ مَا إذَا دَخَلَ بِهِ وَهُوَ مُمْسِكٌ لَهُ بِيَدِهِ الْجَارِحَةِ ؛ لِأَنَّهُ سَيُصَرِّحُ بِأَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ وَفِي بَيْتِهِ أَوْ قَفَصِهِ صَيْدٌ لَا يُرْسِلُهُ فَكَذَلِكَ إذَا دَخَلَ الْحَرَمَ وَمَعَهُ صَيْدٌ فِي قَفَصِهِ لَا فِي يَدِهِ لَا يُرْسِلُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ

بَيْنَهُمَا ا هـ .
( قَوْلُهُ : أَيْ عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَهُ ) لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ إرْسَالِهِ تَسَيُّبَهُ ؛ لِأَنَّ تَسَيُّبَ الدَّابَّةِ حَرَامٌ ، بَلْ يُطْلِقُهُ عَلَى وَجْهٍ لَا يَضِيعُ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ بِهَذَا الْإِرْسَالِ حَتَّى لَوْ خَرَجَ إلَى الْحِلِّ فَلَهُ أَنْ يُمْسِكَهُ ، وَلَوْ أَخَذَهُ إنْسَانٌ يَسْتَرِدُّهُ وَأَطْلَقَ فِي الصَّيْدِ فَشَمِلَ مَا إذَا كَانَ مِنْ الْجَوَارِحِ أَوْ لَا فَلَوْ دَخَلَ الْحَرَمَ وَمَعَهُ بَازِي فَأَرْسَلَهُ فَقَتَلَ حَمَامَ الْحَرَمِ فَإِنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا هُوَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْبَحْرِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ

( وَرَدَّ بَيْعَهُ ) أَيْ الْبَيْعَ الَّذِي أَتَى بِهِ بَعْدَ دُخُولِهِ فِي الْمَحْرَمِ ( إنْ بَقِيَ ) فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ( وَإِلَّا جَزَى ) أَيْ أَعْطَى قِيمَتَهُ ( كَبَيْعِ الْمُحْرِمِ صَيْدَهُ ) أَيْ يَرُدُّ الْمُحْرِمُ الْبَيْعَ إنْ كَانَ قَائِمًا وَتَجِبُ الْقِيمَةُ إنْ كَانَ فَائِتًا سَوَاءٌ بَاعَهُ مِنْ مُحْرِمٍ أَوْ حَلَالٍ ( لَا صَيْدًا ) عَطْفٌ عَلَى ضَمِيرِ أَرْسَلَهُ ( فِي بَيْتِهِ أَوْ قَفَصٍ مَعَهُ إنْ أَحْرَمَ ) أَيْ إنْ أَحْرَمَ وَفِي بَيْتِهِ أَوْ قَفَصِهِ صَيْدٌ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُرْسِلَهُ ؛ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ لَا يُنَافِي مَالِكِيَّةَ الصَّيْدِ وَمُحَافَظَتَهُ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى فَإِنْ صِيدَ فِيهَا صَارَ صَيْدَ الْحَرَمِ فَيَجِبُ تَرْكُ التَّعَرُّضِ لَهُ
( قَوْلُهُ : وَرَدَّ بَيْعَهُ
إلَخْ ) لَا فَرْقَ فِي لُزُومِ رَدِّ الْبَيْعِ بَيْنَ أَنْ يَبِيعَهُ فِي الْحَرَمِ أَوْ بَعْدَمَا أَخْرَجَهُ مِنْهُ فَبَاعَهُ خَارِجَ الْحَرَمِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِالْإِدْخَالِ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ وَلَا يَخْلُ إخْرَاجُهُ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ .
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ إشَارَةٌ بِقَوْلِهِ رَدَّ الْبَيْعَ إلَى أَنَّهُ فَاسِدٌ لَا بَاطِلٌ .
ا هـ .
قُلْت وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْكَافِي بِقَوْلِهِ فَإِنْ بَاعَ الصَّيْدَ بَعْدَمَا أَدْخَلَهُ فِي الْحَرَمِ فَسَدَ الْبَيْعُ ا هـ ، وَكَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ الْبَيْعُ فَاسِدٌ لِمَكَانِ النَّهْيِ

( أَرْسَلَ صَيْدًا فِي يَدِ مُحْرِمٍ إنْ أَخَذَهُ حَلَالٌ ضَمِنَ وَإِلَّا فَلَا ، قَتَلَ مُحْرِمٌ صَيْدَ مِثْلِهِ يُجْزِي كُلٌّ ) لِأَنَّ الْآخِذَ مُتَعَرِّضٌ لِلصَّيْدِ بِتَفْوِيتِ الْأَمْنِ وَالْقَاتِلُ مُقَرِّرٌ لِذَلِكَ وَالتَّقْرِيرُ كَالِابْتِدَاءِ فِي حَقِّ التَّضْمِينِ كَشُهُودِ الطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ إذَا رَجَعُوا ( وَيَرْجِعُ آخِذُهُ عَلَى قَاتِلِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ بِالْقَتْلِ جَعَلَ فِعْلَ الْآخِذِ عِلَّةً ، فَيَكُونُ فِي مَعْنَى مُبَاشَرَةِ عِلَّةِ الْعِلَّةِ فَيُحَالُ بِالضَّمَانِ إلَيْهِ

( قَوْلُهُ : أَرْسَلَ صَيْدًا فِي يَدِ مُحْرِمٍ إنْ أَخَذَهُ حَلَالٌ ضَمِنَ ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ وَلَهُ أَنَّهُ مِلْكُهُ وَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ تَرْكُ التَّعَرُّضِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِتَفْوِيتِ يَدِهِ الْحَقِيقِيَّةِ لَا مُطْلَقِ يَدِهِ ، فَإِنْ ادَّعَيَا الثَّانِيَ مَنَعْنَاهُ أَوْ الْأَوَّلَ سَلَّمْنَاهُ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِإِرْسَالِهِ ، وَلَوْ فِي قَفَصٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ .
وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ هُوَ الْقِيَاسُ ، وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ ، وَهَذَا نَظِيرُ اخْتِلَافِهِمْ فِيمَنْ أَتْلَفَ الْمَعَازِفَ ا هـ .
وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَرْسَلَهُ مِنْ يَدِهِ الْحَقِيقِيَّةِ ، أَمَّا لَوْ أَرْسَلَهُ مِنْ الْحُكْمِيَّةِ فَهُوَ ضَامِنٌ اتِّفَاقًا ( قَوْلُهُ : وَإِلَّا فَلَا ) أَيْ وَإِنْ أَخَذَهُ مُحْرِمٌ لَا يَضْمَنُ مُرْسِلُهُ ، وَهَذَا بِالِاتِّفَاقِ سَوَاءٌ الْيَدُ الْحَقِيقِيَّةُ وَالْحُكْمِيَّةُ لِعَدَمِ مِلْكِهِ بِالْأَخْذِ مُحْرِمًا ؛ لِأَنَّ الْمُحْرِمَ لَا يَمْلِكُ الصَّيْدَ بِسَبَبٍ مَا .
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِمْ الْمُحْرِمُ لَا يَمْلِكُ الصَّيْدَ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ الِاخْتِيَارِيَّةِ كَالشِّرَاءِ وَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ وَالْوَصِيَّةِ ، وَأَمَّا السَّبَبُ الْجَبْرِيُّ فَيَمْلِكُهُ بِهِ كَمَا إذَا وَرِثَ الْمُحْرِمُ مِنْ قَرِيبِهِ صَيْدًا صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُحِيطِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَيَرْجِعُ آخِذُهُ عَلَى قَاتِلِهِ ) أَيْ الْمُحْرِمِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ حَلَالًا فَإِنَّهُ يَرْجِعُ عَلَيْهِ الْمُحْرِمُ بِمَا غَرِمَهُ ، وَلَوْ لَمْ يَلْزَمْ الْقَاتِلَ شَيْءٌ بِالْقَتْلِ يَلْزَمُهُ مَا قَرَّرَهُ مِنْ الضَّمَانِ عَلَى الْمُحْرِمِ ، ثُمَّ إنَّمَا يَرْجِعُ عَلَى الْقَاتِلِ أَنْ لَوْ كَفَّرَ بِالْمَالِ ، وَأَمَّا إذَا كَفَّرَ بِالصَّوْمِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَغْرَمْ شَيْئًا كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ الْقَاتِلِ صَبِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا أَوْ مَجُوسِيًّا فِي ثُبُوتِ الرُّجُوعِ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ

( مَا بِهِ دَمٌ عَلَى الْمُفْرِدِ فَعَلَى الْقَارِنِ بِهِ دَمَانِ ) دَمٌ لِحَجِّهِ وَدَمٌ لِعُمْرَتِهِ ( إلَّا بِجَوَازِ الْمِيقَاتِ غَيْرُ مُحْرِمٍ ) فَإِنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْمِيقَاتِ إحْرَامٌ وَاحِدٌ نَقَلَ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ أَنَّ وُجُوبَ الدَّمَيْنِ عَلَى الْقَارِنِ فِيمَا إذَا كَانَ قَبْلَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ وَأَمَّا بَعْدَهُ فَفِي الْجِمَاعِ يَجِبُ عَلَيْهِ دَمَانِ وَفِي غَيْرِهِ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ دَمٌ وَاحِدٌ ( يُثَنَّى جَزَاءُ صَيْدٍ قَتَلَهُ مُحْرِمَانِ ) فَإِنَّهُ جَزَاءُ الْفِعْلِ وَهُوَ مُتَعَدِّدٌ ( وَيَتَّحِدُ لَوْ قَتَلَ صَيْدَ الْحَرَمِ حَلَالَانِ ) فَإِنَّ جَزَاءَ صَيْدِ الْحَرَمِ جَزَاءُ الْمَحِلِّ وَهُوَ وَاحِدٌ

( قَوْلُهُ : مَا بِهِ دَمٌ عَلَى الْمُفْرِدِ فَعَلَى الْقَارِنِ بِهِ دَمَانِ ) كَذَا الصَّدَقَةُ تَتَعَدَّدُ عَلَى الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ الَّذِي سَاقَ الْهَدْيَ أَيْ إذَا أَحْرَمَ بِالْحَجِّ أَيْضًا كَالْقَارِنِ فِي تَعَدُّدِ الْجَزَاءِ ، وَهَذَا أَيْ التَّعَدُّدُ إنَّمَا نَعْنِي بِهِ الْجِنَايَاتِ الَّتِي لَا اخْتِصَاصَ لَهَا بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ كَلُبْسِ الْمَخِيطِ وَالتَّطَيُّبِ وَالْحَلْقِ وَالتَّعَرُّضِ لِلصَّيْدِ ، أَمَّا مَا يَخْتَصُّ بِأَحَدِهِمَا فَلَا كَتَرْكِ الرَّمْيِ وَطَوَافِ الصَّدْرِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَمِثْلُهُ الْوُقُوفُ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَإِمْدَادُ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ إلَى الْغُرُوبِ ( قَوْلُهُ : إلَّا بِجَوَازِ الْمِيقَاتِ غَيْرَ مُحْرِمٍ ) قَالَ فِي الْبَحْرِ هَذَا اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ دَاخِلًا فِيمَا قَبْلَهُ ؛ لِأَنَّ صَدْرَ الْكَلَامِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا لَزِمَ الْمُفْرِدَ بِسَبَبِ الْجِنَايَةِ عَلَى إحْرَامِهِ وَبِالْمُجَاوَزَةِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا لِيَخْرُجَ ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ دَمٌ سَوَاءٌ أَحْرَمَ بَعْدَ ذَلِكَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ بِهِمَا أَوْ لَمْ يُحْرِمْ أَصْلًا فَلَا حَاجَةَ إلَى اسْتِثْنَائِهِ فِي كَلَامِهِمْ .
ا هـ .
قُلْت لَكِنْ ذَكَرَ لِبَيَانِ قَوْلِ زُفَرَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْقَارِنِ بَعْدَ الْمُجَاوَزَةِ دَمَانِ وَالْجَوَابُ عَنْهُ فِي التَّبْيِينِ وَأَوْرَدَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مَسَائِلَ عَلَى اقْتِصَارِهِمْ فِي الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى هَذِهِ وَأَجَابَ عَنْهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ فَلْيُرَاجِعْهُ مَنْ رَامَهُ ( قَوْلُهُ : نَقَلَ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ
إلَخْ ) كَذَا نَقَلَهُ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ إنَّمَا بَقِيَ فِي حَقِّ التَّحَلُّلِ لَا غَيْرُ .
ا هـ .
قُلْت وَإِذَا لَمْ يَبْقَ إلَّا فِي حَقِّ التَّحَلُّلِ كَانَ مُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يَفْتَرِقَ إجْمَاعٌ وَغَيْرُهُ فِي عَدَمِ تَعَدُّدِ الْجَزَاءِ ا هـ ، وَلِذَا قَالَ الشَّيْخُ زَيْنٌ بَعْدَ نَقْلِهِ وَقَدَّمْنَاهُ أَنَّ الْمَذْهَبَ بَقَاءُ إحْرَامِ عُمْرَةِ الْقَارِنِ بَعْدَ الْوُقُوفِ إلَى الْحَلْقِ فَلَا يَنْتَهِي

إلَّا بِهِ وَمَا فِي الْأَجْنَاسِ كَمَا نَقَلَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ مِنْ أَنَّ الْقَارِنَ إذَا قَتَلَ صَيْدًا بَعْدَ الْوُقُوفِ يَلْزَمُهُ دَمٌ وَاحِدٌ فَمُفَرَّعٌ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِانْتِهَاءِ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ بِالْوُقُوفِ وَعَلِمْت ضَعْفَهُ ا هـ .
( قَوْلُهُ : يُثَنَّى جَزَاءُ صَيْدٍ قَتَلَهُ مُحْرِمَانِ ) لَيْسَ الْمُثَنَّى قَيْدًا ، بَلْ الْمُرَادُ بِهِ التَّعَدُّدُ لِمَا قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ لَوْ كَانُوا عَشَرَةً أَوْ أَكْثَرَ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الْجَزَاءُ كَامِلًا ( قَوْلُهُ : فَإِنَّهُ جَزَاءُ الْفِعْلِ ) كَذَا فِي صَحِيحِ النُّسَخِ وَفِي غَيْرِهَا الْقَتْلُ بِالْقَافِ وَالتَّاءِ وَلَيْسَ صَوَابًا ؛ لِأَنَّ الْقَتْلَ لَا يَتَعَدَّدُ بَلْ الْفِعْلُ ( قَوْلُهُ : وَيَتَّحِدُ لَوْ قَتَلَ صَيْدَ الْحَرَمِ حَلَالَانِ ) هَذَا إذَا قَتَلَاهُ بِضَرْبَةٍ فَلَا شَكَّ فِي لُزُومِ نِصْفِ الْجَزَاءِ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا ، أَمَّا إذَا ضَرَبَهُ كُلٌّ ضَرْبَةً فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلٍّ مَا تَقْتَضِيهِ ضَرْبَتُهُ ، ثُمَّ يَجِبُ عَلَى كُلٍّ نِصْفُ قِيمَتِهِ مَضْرُوبًا بِضَرْبَتَيْنِ ؛ لِأَنَّ عِنْدَ اتِّحَادِ فِعْلِهِمَا جَمِيعُ الصَّيْدِ صَارَ مُتْلَفًا بِفِعْلِهِمَا فَضَمِنَ كُلٌّ نِصْفَ الْجَزَاءِ ، وَعِنْدَ الِاخْتِلَافِ الْجَزَاءُ الَّذِي تَلِفَ بِضَرْبَةِ كُلٍّ هُوَ الْمُخْتَصُّ بِإِتْلَافِهِ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ وَالْبَاقِي مُتْلَفٌ بِفِعْلَيْهِمَا فَعَلَيْهِمَا ضَمَانُهُ ، كَذَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْمَبْسُوطِ .
وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ تَفَارِيعُ لِهَذِهِ يَنْبَغِي عِلْمُهَا ، وَلَوْ اشْتَرَكَ مُحْرِمُونَ وَمُحِلُّونَ فِي قَتْلِ صَيْدِ الْحَرَمِ وَجَبَ جَزَاءٌ وَاحِدٌ يُقْسَمُ عَلَى عَدَدِهِمْ وَيَجِبُ عَلَى كُلِّ مُحْرِمٍ مَعَ مَا خَصَّهُ مِنْ ذَلِكَ جَزَاءٌ كَامِلٌ وَإِنْ كَانَ مَعَهُمْ مَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ كَصَبِيٍّ وَكَافِرٍ يَجِبُ عَلَى الْحَلَالِ بِقَدْرِ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الْقَسْمِ لَوْ قُسِمَتْ عَلَى الْكُلِّ كَذَا فِي الْفَتْحِ ( تَنْبِيهٌ ) لِحُدُودِ الْحَرَمِ عَلَامَاتٌ مَنْصُوبَةٌ فِي جَمِيعِ جَوَانِبِهِ نَصَّبَهَا إبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَكَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُرِيهِ

مَوَاضِعَهَا ، ثُمَّ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَجْدِيدِهَا ، ثُمَّ عُمَرُ ، ثُمَّ عُثْمَانُ ، ثُمَّ مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَهِيَ إلَى الْآنَ ، وَقَدْ نَظَمَ حُدُودَ الْحَرَمِ الشَّرِيفِ الْقَاضِي أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ النُّوَيْرِيُّ بِقَوْلِهِ وَلِلْحَرَمِ التَّحْدِيدُ مِنْ أَرْضِ طَيْبَهْ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ إذَا رُمْت إتْقَانَهْ وَسَبْعَةُ أَمْيَالٍ عِرَاقٌ وَطَائِفٌ وَجُدَّةُ عَشْرٌ ثُمَّ تِسْعٌ جِعْرَانَهْ وَمِنْ يَمَنٍ سَبْعٌ بِتَقْدِيمِ سِينِهَا وَقَدْ كَمَلَتْ فَاشْكُرْ لِرَبِّك إحْسَانَهْ وَفِي الْبَيْتِ الْأَخِيرِ خِلَافٌ هَلْ هُوَ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ قُلْت يُغْنِي عَنْ الْبَيْتِ الثَّالِثِ مَا لَوْ جَعَلَ النِّصْفَ وَالْأَوَّلَ مِنْ الْبَيْتِ الثَّانِي هَكَذَا وَمِنْ يَمَنٍ سَبْعٌ عِرَاقٌ وَطَائِفٌ وَجُدَّةُ عَشْرٌ ثُمَّ تِسْعٌ جِعْرَانَهْ وَلَيْسَ لِلْمَدِينَةِ الْمُنَوَّرَةِ حَرَمٌ عِنْدَنَا فَيَجُوزُ الِاصْطِيَادُ فِيهَا وَقَطْعُ حَشِيشِهَا وَرَعْيُهُ

( بَطَلَ بَيْعُ الْمُحْرِمِ صَيْدًا وَشِرَاؤُهُ وَحَرُمَ ذَبْحُهُ وَغَرِمَ قِيمَةَ مَا أَكَلَ لَا مُحْرِمٌ لَمْ يَذْبَحْهُ ) أَيْ لَوْ أَكَلَهُ مُحْرِمٌ آخَرُ لَمْ يَغْرَمْ فَقَوْلُهُ لَا مُحْرِمٌ عَطْفٌ عَلَى ضَمِيرِ غَرِمَ وَجَازَ لِلْفَصْلِ
( قَوْلُهُ : بَطَلَ بَيْعُ الْمُحْرِمِ صَيْدًا وَشِرَاؤُهُ ) هَذَا إذَا اصْطَادَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ ، أَمَّا إذَا اصْطَادَهُ وَهُوَ حَلَالٌ وَبَاعَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ ، وَلَوْ اصْطَادَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ وَبَاعَهُ وَهُوَ حَلَالٌ جَازَ الْبَيْعُ ، وَإِذَا اشْتَرَى حَلَالٌ مِنْ حَلَالٍ صَيْدًا فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى أَحْرَمَ أَحَدُهُمَا بَطَلَ الْبَيْعُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَحَرُمَ ذَبْحُهُ ) أَيْ مَذْبُوحُهُ حَرَامٌ عَلَيْهِ وَعَلَى غَيْرِهِ ( قَوْلُهُ : وَغَرِمَ قِيمَةَ مَا أَكَلَ ) هَذَا إذَا كَانَ بَعْدَ أَدَاءِ ضَمَانِ قِيمَةِ الْمَقْتُولِ ، أَمَّا إذَا كَانَ قَبْلَ أَدَاءِ الضَّمَانِ فَلَا يَغْرَمُ قِيمَةَ مَا أَكَلَ لِدُخُولِهِ فِي ضَمَانِ النَّفْسِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعِنْدَهُمَا لَا يَغْرَمُ قِيمَةَ مَا أَكَلَ مُطْلَقًا ( قَوْلُهُ : لَا مُحْرِمٌ لَمْ يَذْبَحْهُ ) الْفَرْقُ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَبَيْنَ الْمُحْرِمِ الَّذِي قَتَلَهُ أَنَّ حُرْمَتَهُ عَلَى الْقَاتِلِ مِنْ جِهَتَيْنِ لِكَوْنِهِ مَيْتَةً وَتَنَاوَلَهُ مَحْظُورُ إحْرَامِهِ ، وَأَمَّا الَّذِي لَمْ يَذْبَحْهُ فَإِنَّمَا هُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِ بِجِهَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ كَوْنُهُ مَيْتَةً فَإِنْ لَمْ يَتَنَاوَلْ مَحْظُورَ إحْرَامِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ بِأَكْلِ الْمَيْتَةِ سِوَى التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ كَذَا فِي الْبَحْرِ

( وَلَدَتْ ظَبْيَةٌ أُخْرِجَتْ مِنْ الْحَرَمِ وَمَاتَا غَرِمَهُمَا ) أَيْ الظَّبْيَةَ وَالْوَلَدَ ؛ لِأَنَّ الصَّيْدَ بَعْدَ الْإِخْرَاجِ مِنْ الْحَرَمِ بَقِيَ مُسْتَحِقَّ الْأَمْنِ شَرْعًا وَلِهَذَا وَجَبَ رَدُّهُ إلَى مَأْمَنِهِ وَهَذِهِ صِفَةٌ شَرْعِيَّةٌ فَتَسْرِي إلَى الْأَوْلَادِ كَمَا فِي الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّيَّةِ وَالْكِتَابَةِ وَنَحْوِهَا ( وَإِنْ أَدَّى جَزَاءَهَا ، ثُمَّ وَلَدَتْ لَمْ يُجْزِهِ ) أَيْ لَيْسَ عَلَيْهِ جَزَاءُ الْوَلَدِ إذْ بَعْدَ أَدَاءِ جَزَاءِ الْأُمِّ لَمْ تَبْقَ آمِنَةً ؛ لِأَنَّ وُصُولَ الْخَلَفِ كَوُصُولِ الْأَصْلِ

( قَوْلُهُ : غَرِمَهُمَا ) أَيْ الْمُخْرِجُ سَوَاءٌ كَانَ مُحْرِمًا أَوْ حَلَالًا ( قَوْلُهُ : وَهَذِهِ صِفَةٌ شَرْعِيَّةٌ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ ) وَقَالَ الْكَمَالُ هَذِهِ أَيْ كَوْنُهَا مُسْتَحِقَّةَ الْأَمْنِ بِالرَّدِّ إلَى الْمَأْمَنِ صِفَةٌ شَرْعِيَّةٌ فَالتَّأْنِيثُ هُوَ بِاعْتِبَارِ الْخَبَرِ مِثْلُ زَيْدٍ هُوَ هَدِيَّةٌ إلَيْك وَلَا يَصِحُّ عَلَى اعْتِبَارِ اكْتِسَابِ الْكَوْنِ لِلتَّأْنِيثِ مِنْ الْمُضَافِ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ هُنَا مِمَّا لَا يَصِحُّ حَذْفُهُ وَإِقَامَةُ الْمُضَافِ إلَيْهِ مُقَامَهُ لِفَسَادِ الْمَعْنَى ؛ لِأَنَّهُ ضَمِيرُ الظَّبْيَةِ وَلَا يَصِحُّ الظَّبْيَةُ صِفَةٌ شَرْعِيَّةٌ بِخِلَافِ نَحْوِ شَرِقَتْ صَدْرُ الْقَنَاةِ مِنْ الدَّمِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ أَدَّى جَزَاءَهَا فَوَلَدَتْ لَمْ يُجْزِهِ ) كَذَلِكَ كُلُّ زِيَادَةٍ فِيهَا مِنْ سِمَنٍ أَوْ شَعْرٍ إنْ كَانَ قَبْلَ التَّكْفِيرِ يَضْمَنُ الزِّيَادَةَ وَيَضْمَنُ الْأَصْلَ وَإِنْ كَانَ بَعْدَهُ لَا يَضْمَنُهَا ، وَلَوْ ذَبَحَ الْأُمَّ أَوْ الْأَوْلَادَ يَحِلُّ ؛ لِأَنَّهُ صَيْدُ الْحِلِّ لِلْحَلَالِ وَيُكْرَهُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ : إذْ بَعْدَ جَزَاءِ الْأُمِّ لَمْ تَبْقَ أَمِنَةً ) الضَّمِيرُ فِي تَبْقَ لِلْأُمِّ أَيْ انْتَفَى عَنْهَا اسْتِحْقَاقُ الْأَمْنِ بِأَدَاءِ ضَمَانِهَا ؛ لِأَنَّ وُصُولَ الْخَلَفِ وَهُوَ جَزَاؤُهَا إلَى مَا أَمَرَ بِهِ الشَّارِعُ كَوُصُولِ الْأَصْلِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ ، وَذَكَرَ الْكَمَالُ بَحْثًا مِنْهُ ، وَقَالَ هَذَا أَدْيَنُ لِلَّهِ بِهِ وَمُحَصِّلُهُ أَنَّهُ إنْ أَعْطَى الْجَزَاءَ وَكَانَ يَقْدِرُ عَلَى إعَادَتِهَا إلَى الْحَرَمِ لَا يَقَعُ كَفَّارَةً وَلَا يَحِلُّ بَعْدَهُ التَّعَرُّضُ لَهَا وَإِنْ كَانَ حَالَ الْعَجْزِ عَنْهُ بِأَنْ هَرَبَتْ فِي الْحِلِّ بَعْدَمَا أَخْرَجَهَا إلَيْهِ خَرَجَ بِالْجَزَاءِ عَنْ عُهْدَتِهَا وَيُكْرَهُ اصْطِيَادُهَا بَعْدَ أَدَاءِ الْجَزَاءِ وَالْهَرَبِ إذَا ظَفِرَ بِهَا لِشُبْهَةِ كَوْنِ دَوَامِ الْعَجْزِ شَرْطَ إجْزَاءِ الْكَفَّارَةِ إلَّا إذَا اصْطَادَهَا لِيَرُدَّهَا إلَى الْحَرَمِ ا هـ ، وَنَاقَشَهُ فِيهِ صَاحِبُ الْبَحْرِ

( آفَاقِيّ أَرَادَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ ) قَيَّدَ بِإِرَادَتِهِمَا إذْ لَوْ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا مِنْهُمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ بِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ ( وَجَاوَزَ مِيقَاتَهُ لَزِمَهُ دَمٌ فَإِنْ عَادَ فَأَحْرَمَ أَوْ مُحْرِمًا ) أَيْ إنْ عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ حَالَ كَوْنِهِ مُحْرِمًا فِي الطَّرِيقِ ( لَمْ يَشْرَعْ فِي نُسُكٍ ) وَإِنَّمَا قَالَ ( وَلَبَّى ) احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِهِمَا فَإِنَّ الْعَوْدَ إلَى الْمِيقَاتِ مُحْرِمًا كَافٍ لِسُقُوطِ الدَّمِ عِنْدَهُمَا ، وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْعَوْدِ مُحْرِمًا مُلَبِّيًا ( سَقَطَ ) أَيْ الدَّمُ اللَّازِمُ ( وَإِلَّا فَلَا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعُدْ إلَى الْمِيقَاتِ أَوْ عَادَ وَلَكِنْ بَعْدَمَا شَرَعَ فِي نُسُكٍ بِأَنْ ابْتَدَأَ بِالطَّوَافِ أَوْ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ فَلَا يَسْقُطُ الدَّمُ ( كَمَكِّيٍّ يُرِيدُ الْحَجَّ وَمُتَمَتِّعٍ فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ وَخَرَجَا مِنْ الْحَرَمِ وَأَحْرَمَا ) تَشْبِيهٌ بِالْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي لُزُومِ الدَّمِ فَإِنَّ إحْرَامَ الْمَكِّيِّ مِنْ الْحَرَمِ وَالْمُتَمَتِّعُ بِالْعُمْرَةِ لَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ وَأَتَى بِالْعُمْرَةِ صَارَ مَكِّيًّا وَإِحْرَامُهُ مِنْ الْحَرَمِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ بِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ بِلَا إحْرَامٍ

( قَوْلُهُ : أَفَاقِيٌّ أَرَادَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ ) لَيْسَ قَيْدُهُ مُعْتَبَرَ الْمَفْهُومِ لِمَا نَذْكُرُهُ قَرِيبًا ( قَوْلُهُ : قَيَّدَ بِإِرَادَتِهِمَا ) إذْ لَوْ لَمْ يُرِدْ شَيْئًا مِنْهُمَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ بِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ كَذَا قَالَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَتَبِعَهُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِمَا نَذْكُرُ ، وَمَنْشَأُ ذَلِكَ مَا تُوُهِّمَ مِنْ الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ فِيهَا ، وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَيْ مِنْ لُزُومِ الدَّمِ بِالْمُجَاوَزَةِ إنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ فَإِنْ دَخَلَ الْبُسْتَانُ لِحَاجَةٍ فَلَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ ا هـ ، وَهَذَا الْوَهْمُ مَدْفُوعٌ لِمَا قَالَ الْكَمَالُ قَوْلُهُ : أَيْ فِي الْهِدَايَةِ ، وَهَذَا إذَا أَرَادَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ يُوهِمُ ظَاهِرُهُ أَنَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ إذَا جَاوَزَ غَيْرَ مُحْرِمٍ وَجَبَ الدَّمُ إلَّا أَنْ يَتَلَافَاهُ مَحَلُّهُ مَا إذَا كَانَ الْكُوفِيُّ قَاصِدًا النُّسُكَ فَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ ، بَلْ التِّجَارَةَ أَوْ السِّيَاحَةَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْإِحْرَامِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا ذَكَرَهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْغَالِبَ فِي قَاصِدِي مَكَّةَ مِنْ الْآفَاقِيِّينَ قَصْدُ النُّسُكِ فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إذَا أَرَادَ الْحَجَّ أَوْ الْعُمْرَةَ إذَا أَرَادَ مَكَّةَ ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ تَوْجِيهِهِ وَمُوجِبُ هَذَا الْحَمْلِ أَنَّ جَمِيعَ الْكُتُبِ نَاطِقَةٌ بِلُزُومِ الْإِحْرَامِ عَلَى مَنْ قَصَدَ مَكَّةَ سَوَاءٌ قَصَدَ النُّسُكَ أَمْ لَا ، وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي فَصْلِ الْمَوَاقِيتِ ، ثُمَّ قَالَ الْكَمَالُ بَعْدَ سِيَاقِهِ وَلَا أَصْرَحُ مِنْ هَذَا شَيْءٌ ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُعْلَمَ قَصْدُ الْحَرَمِ فِي كَوْنِهِ مُوجِبًا لِلْإِحْرَامِ لِقَصْدِهِ مَكَّةَ ا هـ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ آفَاقِيٌّ مُسْلِمٌ بَالِغٌ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ وَجَاوَزَ مِيقَاتَهُ لَزِمَهُ دَمٌ
إلَخْ وَلَمْ يُقَيِّدْ بِالْحُرِّ لِشُمُولِ الرَّقِيقِ فَإِذَا تَجَاوَزَ بِلَا إحْرَامٍ ، ثُمَّ أَذِنَ لَهُ مَوْلَاهُ فَأَحْرَمَ

مِنْ مَكَّةَ لَزِمَهُ دَمٌ يُؤْخَذُ بِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ وَإِنْ جَاوَزَهُ صَبِيٌّ أَوْ كَافِرٌ فَأَسْلَمَ وَبَلَغَ لَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : فَإِنْ عَادَ فَأَحْرَمَ ) أَيْ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَسَوَاءٌ عَادَ إلَى الْمِيقَاتِ الَّذِي تَجَاوَزَهُ أَوْ عَادَ إلَى غَيْرِهِ أَقْرَبَ أَوْ أَبْعَدَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ كَانَ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مُحَاذِيًا لِمَا فَاتَهُ أَوْ أَبْعَدَ وَإِلَّا لَمْ يَسْقُطْ الدَّمُ بِالرُّجُوعِ إلَيْهِ وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : لَمْ يَشْرَعْ فِي نُسُكٍ ) سَيُبَيِّنُ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الطَّوَافَ ، وَلَوْ شَرْطًا ( قَوْلُهُ : أَوْ مُحْرِمًا لَمْ يَشْرَعْ فِي نُسُكٍ وَلَبَّى ) أَيْ عِنْدَهُ وَالتَّقْيِيدُ بِالظَّرْفِ لِبَيَانِ أَنَّ التَّلْبِيَةَ لَوْ حَصَلَتْ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ لَا عِنْدَهُ لَا تَكْفِي لِمَا قَالَ فِي الْبَحْرِ قَيَّدَ أَيْ فِي الْكَنْزِ بِقَوْلِهِ ، ثُمَّ عَادَ مُحْرِمًا مُلَبِّيًا أَيْ فِي الْمِيقَاتِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ عَادَ مُحْرِمًا وَلَمْ يُلَبِّ فِي الْمِيقَاتِ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ الدَّمُ وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَوْ عَادَ مُحْرِمٌ وَلَمْ يُلَبِّ فِيهِ لَكِنْ لَبَّى بَعْدَمَا جَاوَزَهُ ، ثُمَّ رَجَعَ وَمَرَّ بِهِ سَاكِتًا فَإِنَّهُ يَسْقُطُ عَنْهُ بِالْأَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ فَوْقَ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فِي تَعْظِيمِ الْبَيْتِ ا هـ .
وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّلْبِيَةَ فِي الْعَوْدِ إنَّمَا تُسْقِطُ الدَّمَ إذَا حَصَلَتْ عِنْدَ الْمِيقَاتِ أَوْ خَارِجَهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ( قَوْلُهُ : وَإِلَّا فَلَا أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعُدْ إلَى الْمِيقَاتِ
إلَخْ ) لَمْ يَذْكُرْ مَا يَحْتَمِلُهُ الْمَتْنُ مِنْ تَصَوُّرِ الْعَوْدِ بِلَا إحْرَامٍ لِانْفِهَامِ حُكْمِهِ مِنْ لُزُومِ الدَّمِ بِمَا سَبَقَ ( قَوْلُهُ : بِأَنْ ابْتَدَأَ بِالطَّوَافِ أَوْ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ ) كَذَا فِي النُّسَخِ الْعَطْفُ بِأَوْ فَيُفِيدُ أَنَّ اسْتِلَامَ الْحَجَرِ فَقَطْ يَمْنَعُ سُقُوطَ الدَّمِ .
وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ لَوْ عَادَ بَعْدَمَا ابْتَدَأَ الطَّوَافَ وَاسْتَلَمَ الْحَجَرَ لَا يَسْقُطُ

عَنْهُ الدَّمُ ا هـ .
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ وَمَا وَقَعَ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ التَّقْيِيدِ بِاسْتِلَامِ الْحَجَرِ مَعَ الطَّوَافِ فَلَيْسَ احْتِرَازِيًّا ، بَلْ الطَّوَافُ يُؤَكِّدُ الدَّمَ مِنْ غَيْرِ اسْتِلَامٍ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْعِنَايَةِ ا هـ .
وَلِذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْ الْكَمَالُ الِاسْتِلَامَ فَقَالَ ، وَلَوْ عَادَ بَعْدَمَا ابْتَدَأَ الطَّوَافَ ، وَلَوْ شَوْطًا لَا يَسْقُطُ الدَّمُ بِالِاتِّفَاقِ ، وَكَذَا إذَا لَمْ يَعُدْ حَتَّى شَرَعَ فِي الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطُوفَ ا هـ فَلْيُحَرَّرْ هَلْ مُجَرَّدُ الِاسْتِلَامِ مَانِعٌ لِلسُّقُوطِ أَوْ لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ طَوَافٍ ( قَوْلُهُ : كَمَكِّيٍّ يُرِيدُ الْحَجَّ وَمُتَمَتِّعٍ فَرَغَ مِنْ عُمْرَتِهِ
إلَخْ ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَمْ يُقَيَّدْ الْمُعْتَمِرَ بِكَوْنِهِ خَرَجَ يُرِيدُ الْحَجَّ .
وَقَالَ الْكَمَالُ لَمْ أَرَ تَقْيِيدَ مَسْأَلَةِ الْمُتَمَتِّعِ بِمَا إذَا خَرَجَ عَلَى قَصْدِ الْحَجِّ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَيَّدَ بِهِ وَأَنَّهُ لَوْ خَرَجَ لِحَاجَةٍ إلَى الْحِلِّ ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مِنْهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَالْمَكِّيِّ وَيَسْقُطُ الدَّمُ بِالْعَوْدِ إلَى مِيقَاتِهِ عَلَى مَا عُرِفَ ( قَوْلُهُ : وَالْمُتَمَتِّعُ بِالْعُمْرَةِ لَمَّا دَخَلَ مَكَّةَ
إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ ظَاهِرُهُ مَسْأَلَةٌ ذُكِرَتْ فِي الْمَنَاسِكِ أَنَّ بِدُخُولِ أَرْضِ الْحَرَمِ يَصِيرُ لَهُ حُكْمُ أَهْلِ مَكَّةَ فِي الْمِيقَاتِ وَهِيَ أَنَّ مَنْ جَاوَزَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ فَأَحْرَمَ بِحَجَّةٍ ، ثُمَّ أَحْرَمَ مِنْ الْحَرَمِ بِعُمْرَةٍ لَزِمَهُ دَمَانِ دَمٌ لِتَرْكِ الْمِيقَاتِ وَدَمٌ لِتَرْكِ مِيقَاتِ الْعُمْرَةِ ؛ لِأَنَّهُ فِي حَقِّ مَنْ صَارَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ الْحِلُّ

( دَخَلَ كُوفِيٌّ الْبُسْتَانَ لِحَاجَةٍ فَلَهُ دُخُولُ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ وَمِيقَاتُهُ الْبُسْتَانُ كَالْبُسْتَانِيِّ ) بُسْتَانُ بَنِي عَامِرٍ مَوْضِعٌ دَاخِلَ الْمِيقَاتِ خَارِجَ الْحَرَمِ فَإِذَا دَخَلَهُ لِحَاجَتِهِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ لِكَوْنِهِ غَيْرَ وَاجِبِ التَّعْظِيمِ فَإِذَا دَخَلَهُ الْتَحَقَ بِأَهْلِهِ وَيَجُوزُ لِأَهْلِهِ دُخُولُ مَكَّةَ غَيْرَ مُحْرِمٍ لَكِنْ إنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَمِيقَاتُهُ الْبُسْتَانُ أَيْ جَمِيعُ الْحِلِّ الَّذِي بَيْنَ الْبُسْتَانِ وَالْحَرَمِ كَالْبُسْتَانِيِّ ( وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِمَا ) أَيْ الْبُسْتَانِيِّ ، وَمَنْ دَخَلَهُ ( إنْ أَحْرَمَا مِنْ الْحِلِّ وَوَقَفَا بِعَرَفَاتٍ ) لِأَنَّهُمَا أَحْرَمَا مِنْ مِيقَاتِهِمَا ا هـ .
( قَوْلُهُ : فَإِذَا دَخَلَهُ الْتَحَقَ بِأَهْلِهِ ) يَعْنِي سَوَاءٌ نَوَى مُدَّةَ الْإِقَامَةِ أَوْ لَمْ يَنْوِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ شَرَطَ نِيَّةَ الْإِقَامَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا كَذَا فِي الْعِنَايَةِ

( دَخَلَ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ لَزِمَهُ حَجٌّ أَوْ عُمْرَةٌ وَصَحَّ مِنْهُ ) أَيْ مِمَّا لَزِمَهُ بِسَبَبِ دُخُولِ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ ( لَوْ خَرَجَ ) فِي عَامِهِ ذَلِكَ إلَى الْمِيقَاتِ وَأَحْرَمَ ( وَحَجَّ عَمَّا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْعَامِ لَا بَعْدَهُ ) وَقَالَ فِي زُفَرَ لَا يَصِحُّ وَهُوَ الْقِيَاسُ اعْتِبَارًا بِمَا لَزِمَهُ بِسَبَبِ النَّذْرِ وَصَارَ كَمَا إذَا تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ وَلَنَا أَنَّهُ تَدَارَكَ الْمَتْرُوكَ فِي وَقْتِهِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مُحْرِمًا عِنْدَ دُخُولِ مَكَّةَ تَعْظِيمًا لِهَذِهِ الْبُقْعَةِ لَا أَنْ يَكُونَ إحْرَامُهُ لِدُخُولِ مَكَّةَ عَلَى التَّعْيِينِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَلَا يَتَأَدَّى إلَّا بِالْإِحْرَامِ مَقْصُودًا كَمَا فِي الِاعْتِكَافِ الْمَنْذُورِ فَإِنَّهُ يَتَأَدَّى بِصَوْمِ رَمَضَانَ مِنْ هَذِهِ السَّنَةِ دُونَ الْعَامِ الثَّانِي كَمَا مَرَّ

( قَوْلُهُ : وَصَحَّ مِنْهُ ) أَيْ مِمَّا لَزِمَ بِسَبَبِ دُخُولِ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ يَعْنِي مَنْ أَخَّرَ دُخُولَهُ دَخَلَهُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ دَخَلَ مَكَّةَ مِرَارًا غَيْرَ مُحْرِمٍ وَجَبَ عَلَيْهِ لِكُلِّ مَرَّةٍ حَجَّةٌ أَوْ عُمْرَةٌ فَإِذَا خَرَجَ فَأَحْرَمَ بِنُسُكٍ أَجْزَأَهُ عَنْ دُخُولِهِ الْأَخِيرِ لَا عَمَّا قَبْلَهُ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ قَالَ لِأَنَّ الْوَاجِبَ قَبْلَ الْأَخِيرِ صَارَ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَلَا يَسْقُطُ إلَّا بِالتَّعْيِينِ بِالنِّيَّةِ ا هـ كَذَا فِي الْفَتْحِ .
( قَوْلُهُ : لَوْ خَرَجَ فِي عَامِهِ ذَلِكَ إلَى الْمِيقَاتِ وَأَحْرَمَ ) كَذَا قَيَّدَ الْخُرُوجِ إلَى الْمِيقَاتِ مِنْ عَامِهِ فِي الْهِدَايَةِ .
وَفِي الْبَدَائِعِ مَا يَقْتَضِي عَدَمَ تَقْيِيدِهِ بِالْخُرُوجِ إلَى الْمِيقَاتِ كَمَا نَقَلَهُ الْكَمَالُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ أَقَامَ بِمَكَّةَ حَتَّى تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ ، ثُمَّ أَحْرَمَ يُرِيدُ قَضَاءَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِدُخُولِ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ أَجْزَأَهُ فِي ذَلِكَ مِيقَاتُ أَهْلِ مَكَّةَ فِي الْحَجِّ بِالْحَرَمِ وَفِي الْعُمْرَةِ بِالْحِلِّ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَامَ بِمَكَّةَ صَارَ فِي حُكْمِ أَهْلِهَا فَيُجْزِئُهُ إحْرَامُهُ مِنْ مِيقَاتِهِمْ ا هـ .
وَتَعْلِيلُهُ يَقْتَضِي أَنْ لَا حَاجَةَ إلَى تَقْيِيدِهِ بِتَحْوِيلِ السَّنَةِ ا هـ ، وَلَوْ خَرَجَ وَأَهَلَّ مِنْ مِيقَاتٍ أَقْرَبَ مِمَّا جَاوَزَهُ أَجْزَأَهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ عَنْ الْمَبْسُوطِ ، ثُمَّ التَّقْيِيدُ بِخُرُوجِهِ إلَى الْمِيقَاتِ يُسْقِطُ الدَّمَ الَّذِي لَزِمَهُ بِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ غَيْرَ مُحْرِمٍ بِالْإِحْرَامِ مِنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ فَإِذَا أَحْرَمَ مِنْ دَاخِلِ الْمِيقَاتِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ دَمُ الْمُجَاوَزَةِ ؛ لِأَنَّ الْمُتَقَرَّرَ عَلَيْهِ أَمْرَانِ دَمُ الْمُجَاوَزَةِ وَلُزُومُ نُسُكٍ بِدُخُولِ مَكَّةَ بِلَا إحْرَامٍ ، وَقَدْ عَلِمْت حُكْمَ كُلٍّ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ ( قَوْلُهُ : وَحَجُّ عَمَّا عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْعَامِ ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مَا عَلَيْهِ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ أَوْ حَجَّةً مَنْذُورَةً ، وَكَذَا إذَا أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ مَنْذُورَةٍ فَلَوْ قَالَ وَأَحْرَمَ عَمَّا عَلَيْهِ

وَأَتَمَّهُ فِي عَامِهِ لَكَانَ أَوْلَى لِيَشْمَلَ الْعُمْرَةَ الْمَنْذُورَةَ ( قَوْلُهُ : لَا أَنْ يَكُونَ إحْرَامُهُ لِدُخُولِ مَكَّةَ عَلَى التَّعْيِينِ ) أَيْ لَيْسَ الْمُرَادُ وُجُوبَ تَعْيِينِ الْإِحْرَامِ لِدُخُولِ مَكَّةَ ، بَلْ أَيُّ إحْرَامٍ لِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ مُجْزِئٌ لِوُجُودِ تَعْظِيمِ الْبُقْعَةِ ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ مَا إذَا تَحَوَّلَتْ السَّنَةُ ) أَيْ فَحَجَّ عَمَّا عَلَيْهِ لَا يُجْزِئُهُ .
وَقَالَ الْكَمَالُ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَا فَرْقَ بَيْنَ سَنَةِ الْمُجَاوَزَةِ وَسَنَةٍ أُخْرَى فَإِنَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ إذَا دَخَلَهَا بِلَا إحْرَامٍ لَيْسَ إلَّا وُجُوبُ الْإِحْرَامِ بِأَحَدِ النُّسُكَيْنِ فَقَطْ فَفِي أَيِّ وَقْتٍ فَعَلَ ذَلِكَ يَقَعُ أَدَاءً إذْ الدَّلِيلُ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ فِي سَنَةٍ وَاحِدَةٍ مُعَيَّنَةٍ لِيَصِيرَ بِفَوَاتِهَا دَيْنًا يُقْضَى فَمَهْمَا أَحْرَمَ مِنْ الْمِيقَاتِ بِنُسُكٍ عَلَيْهِ تَأَدَّى هَذَا الْوَاجِبُ فِي ضِمْنِهِ وَعَلَى هَذَا إذَا تَكَرَّرَ الدُّخُولُ بِلَا إحْرَامٍ مِنْهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَحْتَاجَ إلَى التَّعْيِينِ وَإِنْ كَانَتْ أَسْبَابًا مُتَعَدِّدَةَ الْأَشْخَاصِ دُونَ النَّوْعِ كَمَا قُلْنَا فِيمَنْ عَلَيْهِ يَوْمَانِ مِنْ رَمَضَانَ فَصَامَ يَنْوِي مُجَرَّدَ قَضَاءِ مَا عَلَيْهِ وَلَمْ يُعَيِّنْ الْأَوَّلَ وَلَا غَيْرَهُ جَازَ ، وَكَذَا لَوْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ فَكَذَا نَقُولُ إذَا رَجَعَ مِرَارًا فَأَحْرَمَ كُلَّ مَرَّةٍ بِنُسُكٍ حَتَّى أَتَى عَلَى عَدَدِ دَخَلَاتِهِ خَرَجَ عَنْ عُهْدَةِ مَا عَلَيْهِ .
ا هـ .

( جَاوَزَ مِيقَاتَهُ بِلَا إحْرَامٍ فَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَأَفْسَدَهَا مَضَى وَقَضَى وَلَا دَمَ لِتَرْكِ مِيقَاتِهِ ) لِأَنَّهُ يَصِيرُ قَاضِيًا حَقَّ الْمِيقَاتِ بِالْإِحْرَامِ مِنْهُ فِي الْقَضَاءِ ( مَكِّيٌّ طَافَ لِعُمْرَتِهِ شَوْطًا فَأَحْرَمَ بِالْحَجِّ رَفَضَهُ ) أَيْ عَلَيْهِ أَنْ يَرْفُضَ الْحَجَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَكِّيَّ مَنْهِيٌّ عَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْإِحْرَامَيْنِ ، وَعِنْدَهُمَا يَرْفُضُ الْعُمْرَةَ ( وَعَلَيْهِ دَمٌ ) لِأَجْلِ الرَّفْضِ ( وَحَجٌّ وَعُمْرَةٌ ) لِأَنَّهُ كَفَائِتِ الْحَجِّ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عَجَزَ عَنْ الْمُضِيِّ فِي الْحَجِّ بَعْدَ شُرُوعِهِ وَعَلَى فَائِتِهِ حَجٌّ وَعُمْرَةٌ ( وَلَوْ أَتَمَّهُمَا صَحَّ ) لِأَنَّهُ أَدَّاهُمَا كَمَا الْتَزَمَهُمَا لَكِنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَالنَّهْيُ عَنْ الْأَفْعَالِ الشَّرْعِيَّةِ يُحَقِّقُ الْمَشْرُوعِيَّةَ .
( وَ ) لَكِنْ ( ذَبَحَ ) لِلنُّقْصَانِ ، وَهَذَا دَمُ جَبْرٍ وَفِي الْآفَاقِيِّ دَمُ شُكْرٍ

( قَوْلُهُ : مَضَى وَقَضَى ) أَيْ مِنْ أَحَدِ مَوَاقِيتِ الْإِحْرَامِ لَا مِنْ الْحَرَمِ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ الْآتِي شَرْحًا ( قَوْلُهُ : وَلَا دَمَ لِتَرْكِ مِيقَاتِهِ ) أَيْ وَعَلَيْهِ دَمٌ لِفَسَادِ الْعُمْرَةِ ( قَوْلُهُ : ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ قَاضِيًا ) حَقَّ الْمِيقَاتِ بِالْإِحْرَامِ مِنْهُ فِي الْقَضَاءِ لَا يَخْفَى عَدَمُ فَهْمِهِ مِنْ الْمَتْنِ فَكَانَ يَنْبَغِي الْإِشَارَةُ إلَيْهِ فِيهِ ( قَوْلُهُ : مَكِّيٌّ
إلَخْ ) قَدَّمْنَا فِي الْقِرَانِ مَا يُغْنِي عَنْ الْكَلَامِ هُنَا وَحَاصِلُهُ صِحَّةُ قِرَانٍ وَصِحَّةُ تَمَتُّعٍ لِلْمَكِّيِّ مَعَ الْإِسَاءَةِ وَدُفِعَ الْقَوْلُ بِعَدَمِ صِحَّتِهِمَا مِنْهُ ( قَوْلُهُ : طَافَ لِعُمْرَتِهِ شَوْطًا
إلَخْ ) كَذَلِكَ يَرْفُضُهَا لَوْ أَتَى بِأَقَلِّ أَشْوَاطِهَا ، وَلَوْ فَعَلَ هَذَا آفَاقِيٌّ كَانَ قَارِنًا فَإِنْ أَتَى الْمَكِّيُّ بِأَكْثَرِ أَشْوَاطِهَا رُفِضَ الْحَجُّ بِلَا خِلَافٍ ، وَلَوْ فَعَلَ هَذَا آفَاقِيٌّ كَانَ مُتَمَتِّعًا ، وَإِذَا لَمْ يَطُفْ الْمَكِّيُّ لِلْعُمْرَةِ شَيْئًا يَرْفُضُهَا اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : أَيْ عَلَيْهِ أَنْ يَرْفُضَ الْحَجَّ ) الرَّفْضُ التَّرْكُ مِنْ بَابَيْ طَلَبَ وَضَرَبَ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الرَّفْضُ بِالْفِعْلِ بِأَنْ يَحْلِقَ مَثَلًا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ لِقَصْدِ تَرْكِ الْحَجِّ وَإِنْ حَصَلَ بِهِ التَّحَلُّلُ مِنْ الْعُمْرَةِ كَذَا فِي الْبَحْرِ وَلَا يَكْتَفِي بِالْقَوْلِ وَالنِّيَّةِ ، وَإِذَا أَحْرَمَ بِحَجَّتَيْنِ يَرْفُضُ إحْدَاهُمَا بِشُرُوعِهِ فِي الْأَعْمَالِ كَمَا نَذْكُرُهُ

( مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَحَجَّ ، ثُمَّ أَحْرَمَ يَوْمَ النَّحْرِ بِآخَرَ ) أَيْ بِحَجٍّ آخَرَ ( فَإِنْ حَلَقَ لِلْأَوَّلِ لَزِمَهُ الْآخَرُ ) حَتَّى يَقْضِيَ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ ( بِلَا دَمٍ وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَحْلِقْ لِلْأَوَّلِ ( فَبِهِ ) أَيْ لَزِمَهُ الْآخَرُ بِالدَّمِ ( قَصَّرَ ) بَعْدَ الْإِحْرَامِ الثَّانِي ( أَوَّلًا ) أَصْلُ هَذَا أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ إحْرَامَيْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِدْعَةٌ فَإِذَا حَلَقَ فِي الْإِحْرَامِ الْأَوَّلِ انْتَهَى الْإِحْرَامُ الْأَوَّلُ فَلَمْ يَصِرْ جَامِعًا بَيْنَ إحْرَامَيْ الْحَجَّتَيْنِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَمُ الْجَمْعِ فَإِذَا لَمْ يَحْلِقْ فِي الْأَوَّلِ صَارَ جَامِعًا بَيْنَ إحْرَامَيْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَبَعْدَ هَذَا إنْ حَلَقَ تَحَلَّلَ عَنْ الْأَوَّلِ وَجَنَى عَلَى الثَّانِي ؛ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ فَلَزِمَهُ دَمٌ إجْمَاعًا وَإِنْ لَمْ يَحْلِقْ حَتَّى حَجَّ فِي الْعَامِ الثَّانِي فَعَلَيْهِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِتَأْخِيرِ الْحَلْقِ عَنْ الْإِحْرَامِ الْأَوَّلِ ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ وَإِلَّا فَبِهِ قَصَّرَ أَوَّلًا ( أَتَى بِعُمْرَةٍ ) أَيْ بِأَفْعَالِهَا ( إلَّا الْحَلْقَ فَأَحْرَمَ بِأُخْرَى ذَبَحَ ) ؛ لِأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ إحْرَامَيْ الْعُمْرَةِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ فَلَزِمَهُ دَمٌ

( قَوْلُهُ : مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَحَجَّ
إلَخْ ) قَيَّدَ بِقَوْلِهِ وَحَجَّ لِمَا أَنَّهُ إذَا فَاتَهُ الْحَجُّ فَأَحْرَمَ بِآخَرَ يَرْفُضُهُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ آخِرَ الْبَابِ ، وَحَاصِلُ تَقْسِيمِ الْجَمْعِ بَيْنَ إحْرَامَيْ حَجَّتَيْنِ فَصَاعِدًا مَذْكُورٌ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ( قَوْلُهُ : أَصْلُ هَذَا أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ إحْرَامَيْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِدْعَةٌ ) الْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ وَالْمُرَادُ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ حَجَّتَيْنِ أَوْ عُمْرَتَيْنِ فِي الْإِحْرَامِ بِدْعَةٌ لَا أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ إحْرَامِ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ بِدْعَةٌ لِصِدْقِهِ بِالْمُتَمَتِّعِ وَالْقَارِنِ وَلَيْسَ الْمُقْسِمَ ، وَقَدْ عَطَفَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِأَوْ فَقَالَ الْجَمْعُ بَيْنَ إحْرَامَيْ الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ بِدْعَةٌ ا هـ .
( قَوْلُهُ : فَإِذَا لَمْ يَحْلِقْ فِي الْأَوَّلِ صَارَ جَامِعًا بَيْنَ إحْرَامَيْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ) صَوَابُهُ صَارَ جَامِعًا بَيْنَ إحْرَامَيْ الْحَجَّتَيْنِ لِمَا أَنَّهُ الْمُتَحَدِّثُ عَنْهُ لَا عَنْ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ ( قَوْلُهُ : أَتَى بِعُمْرَةٍ إلَّا الْحَلْقَ فَأَحْرَمَ بِأُخْرَى ذَبَحَ ) أَقُولُ وَهُوَ دَمُ جِنَايَةٍ وَنَصَّ عَلَى وُجُوبِ الدَّمِ بِإِدْخَالِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْعُمْرَةِ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إلَّا التَّقْصِيرُ ، وَكَذَلِكَ فِي الْحَجِّ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي مَنَاسِكِ الْمَبْسُوطِ وَعَدَمُ ذِكْرِ الدَّمِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْحَجَّتَيْنِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَيْسَ نَفْيًا بَعْدَ وُجُودِ الْمُوجِبِ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْمُوجِبَ لَهُ فِي الْعُمْرَتَيْنِ وَهُوَ عَدَمُ الْمَشْرُوعِيَّةِ ثَابِتٌ فِي الْحَجَّتَيْنِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا لَا يَتِمُّ وَعَلَيْهِ جَعَلَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ فِي لُزُومِ الدَّمِ لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْحَجَّتَيْنِ رِوَايَتَيْنِ

( آفَاقِيٌّ أَحْرَمَ بِهِ ) أَيْ بِالْحَجِّ ( ثُمَّ بِهَا ) أَيْ بِالْعُمْرَةِ ( لَزِمَاهُ ) لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا مَشْرُوعٌ لِلْآفَاقِيِّ كَالْقِرَانِ ( وَبَطَلَتْ ) الْعُمْرَةُ ( بِالْوُقُوفِ قَبْلَ أَفْعَالِهَا لَا بِالتَّوَجُّهِ إلَى عَرَفَاتٍ وَإِنْ طَافَ لَهُ ) أَيْ لِلْحَجِّ يَعْنِي طَوَافَ الْقُدُومِ ( ثُمَّ أَحْرَمَ بِهَا ) أَيْ بِالْعُمْرَةِ ( فَمَضَى عَلَيْهِمَا ذَبَحَ ) ؛ لِأَنَّهُ بَانٍ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ ( وَنُدِبَ رَفْضُهَا ) لِأَنَّ إحْرَامَ الْحَجِّ تَأَكَّدَ بِشَيْءٍ مِنْ أَعْمَالِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَطُفْ لِلْحَجِّ ( فَإِنْ رَفَضَ قَضَى ) لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ فِيهَا ( وَذَبَحَ ) لِرَفْضِهَا
( قَوْلُهُ : لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا مَشْرُوعٌ لِلْآفَاقِيِّ كَالْقِرَانِ ) يَعْنِي كَالْقِرَانِ الِابْتِدَائِيِّ بِأَنْ أَهَلَّ بِهِمَا مَعًا ، فَلَيْسَ تَشْبِيهًا لِلشَّيْءِ بِنَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ هَذَا قِرَانٌ بَقَاءً فَهُوَ كَالْقِرَانِ ابْتِدَاءً فِي الْمَشْرُوعِيَّةِ قَوْلُهُ : وَبَطَلَتْ الْعُمْرَةُ بِالْوُقُوفِ
إلَخْ ) هَكَذَا ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَنْزِ ، وَقَدْ سَبَقَ لَهُمْ ذِكْرُهَا فِي الْقِرَانِ وَنَبَّهَ عَلَى ذَلِكَ فِي الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ أَيْ فِيمَا إذَا أَحْرَمَ بِهِمَا مَعًا ( قَوْلُهُ : فَإِذَا طَافَ لَهُ ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِهَا أَيْ بِالْعُمْرَةِ فَمَضَى عَلَيْهِمَا ذَبَحَ ؛ لِأَنَّهُ بَانٍ أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ ) أَقُولُ هَذَا يُفِيدُ أَنَّ الدَّمَ دَمُ جَبْرٍ وَهُوَ مُخْتَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَاخْتَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَقَاضِي خَانْ وَالْإِمَامُ الْمَحْبُوبِيُّ أَنَّهُ دَمُ شُكْرٍ وَإِنْ كَانَ هُوَ أَكْثَرَ إسَاءَةً مِنْ الَّذِي أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ بَعْدَ الْحَجِّ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ لَهُ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَيْرِهَا ، وَذَكَرَ الْكَمَالُ مَا يَقْتَضِي أَرْجَحِيَّةَ قَوْلِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُ ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَطُفْ لِلْحَجِّ ) أَيْ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ رَفْضُ الْعُمْرَةِ

( حَجَّ فَأَهَلَّ بِعُمْرَةٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَوْ فِي ثَلَاثَةٍ تَلِيهِ لَزِمَتْهُ ) لِأَنَّ الْجَمْعَ بَيْنَ إحْرَامَيْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ صَحِيحٌ ( وَرُفِضَتْ ) أَيْ يَلْزَمُهُ الرَّفْضُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَدَّى رُكْنَ الْحَجِّ وَهُوَ الْوُقُوفُ فَيَصِيرُ بَانِيًا أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، وَقَدْ كُرِهَتْ الْعُمْرَةُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ ( أَيْضًا وَقُضِيَتْ مَعَ دَمٍ ) لِلرَّفْضِ ( وَإِنْ مَضَى صَحَّ وَيَجِبُ دَمٌ ) لِارْتِكَابِ فِعْلٍ مَكْرُوهٍ ( فَائِتُ الْحَجِّ أَهَلَّ بِهِ أَوْ بِهَا رَفَضَ وَقَضَى وَذَبَحَ ) أَيْ فَائِتُ الْحَجِّ إذَا أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ يَجِبُ أَنْ يَرْفُضَ الْإِحْرَامَ وَيَتَحَلَّلَ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ ؛ لِأَنَّ فَائِتَ الْحَجِّ يَجِبُ عَلَيْهِ هَذَا ، ثُمَّ يَقْضِي مَا أَحْرَمَ بِهِ لِصِحَّةِ الشُّرُوعِ وَيَذْبَحُ وَإِنَّمَا يَرْفُضُ إحْرَامَ الْحَجِّ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ جَامِعًا بَيْنَ إحْرَامَيْ الْحَجِّ فَيَرْفُضُ الثَّانِيَ وَإِنَّمَا يَرْفُضُ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ إذْ يَجِبُ عَلَيْهِ عُمْرَةٌ لِفَوَاتِ الْحَجِّ فَيَصِيرُ بِالْإِحْرَامِ جَامِعًا بَيْنَ الْعُمْرَتَيْنِ فَيَرْفُضُ الثَّانِيَةَ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَمٌ لِلتَّحَلُّلِ قَبْلَ أَوَانِهِ بِالرَّفْضِ

( قَوْلُهُ : وَرُفِضَتْ ) حَكَى فِيهِ خِلَافًا فِي الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ وَقِيلَ إذَا حَلَقَ لِلْحَجِّ ، ثُمَّ أَحْرَمَ لَا يَرْفُضُهَا عَلَى ظَاهِرِ مَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ ، وَقِيلَ يَرْفُضُهَا احْتِرَازًا عَنْ الْمَنْهِيِّ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ وَمَشَايِخُنَا عَلَى هَذَا ا هـ أَيْ عَلَى وُجُوبِ الرَّفْضِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْحَلْقِ وَصَحَّحَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ ؛ لِأَنَّهُ بَقِيَ عَلَيْهِ وَاجِبَاتٌ مِنْ الْحَجِّ كَالرَّمْيِ وَطَوَافِ الصَّدْرِ وَسُنَّةِ الْمَبِيتِ ، وَقَدْ كُرِهَتْ الْعُمْرَةُ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ فَيَصِيرُ بَانِيًا أَفْعَالَ الْعُمْرَةِ عَلَى أَفْعَالِ الْحَجِّ بِلَا رَيْبٍ كَذَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ مَضَى صَحَّ وَيَجِبُ دَمٌ لِارْتِكَابِ فِعْلٍ مَكْرُوهٍ ) أَفَادَ أَنَّ الدَّمَ لِلْكَفَّارَةِ .
وَفِي الْهِدَايَةِ مَا يُفِيدُ اخْتِلَافًا فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ نَقَلَهُ بِصِيغَةِ قَالُوا ، وَهَذَا دَمُ كَفَّارَةٍ ( قَوْلُهُ : وَيَتَحَلَّلُ بِأَفْعَالِ الْعُمْرَةِ ) أَيْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقَلِبَ إحْرَامُهُ إحْرَامَ الْعُمْرَةِ

{ بَابُ مُحْرِمٍ أُحْصِرَ } الْإِحْصَارُ لُغَةً الْمَنْعُ مُطْلَقًا يُقَالُ حَصَرَهُ الْعَدُوُّ وَمَا حَصَرَهُ الْمَرَضُ وَفِي الشَّرْعِ مَنَعَ الْخَوْفُ أَوْ الْمَرَضُ مِنْ وُصُولِ الْمُحْرِمِ إلَى تَمَامِ حَجَّتِهِ أَوْ عُمْرَتِهِ فَإِذَا أُحْصِرَ ( بِعَدُوٍّ أَوْ مَرَضٍ ) جَازَ لَهُ التَّحَلُّلُ فَحِينَئِذٍ ( بَعَثَ الْمُفْرِدُ دَمًا وَالْقَارِنُ دَمَيْنِ ) لِاحْتِيَاجِهِ إلَى التَّحَلُّلِ عَنْ إحْرَامَيْنِ ( وَعَيَّنَ يَوْمَ الذَّبْحِ ) أَيْ وَأَعَدَّ مَنْ يَبْعَثُهُ يَوْمًا بِعَيْنِهِ يَذْبَحُهُ فِيهِ ( فِي الْحَرَمِ ) لَا الْحِلِّ ( وَلَوْ ) كَانَ يَوْمُ الذَّبْحِ ( قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ ) وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَ مُحْصَرًا بِالْعُمْرَةِ فَكَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ مُحْصَرًا بِالْحَجِّ لَمْ يَجُزْ لَهُ الذَّبْحُ إلَّا فِي يَوْمِ النَّحْرِ ( وَبِذَبْحِهِ يُحِلُّ بِلَا حَلْقٍ وَتَقْصِيرٍ ) وَهَذَا أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْوِقَايَةِ يُقْبَلُ حَلْقٌ وَتَقْصِيرٌ ( وَعَلَيْهِ إنْ حَلَّ مِنْ حَجٍّ حَجٌّ وَعُمْرَةٌ ) لَزِمَهُ الْحَجُّ بِالشُّرُوعِ وَالْعُمْرَةُ لِلتَّحَلُّلِ ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى فَائِتِ الْحَجِّ ( وَمِنْ عُمْرَةٍ عُمْرَةٌ ) هِيَ قَضَاؤُهَا ( وَمِنْ قِرَانٍ حَجَّةٌ وَعُمْرَتَانِ ) أَمَّا الْحَجُّ وَإِحْدَاهُمَا فَلِأَنَّهُ فِي مَعْنَى فَائِتِ الْحَجِّ كَمَا مَرَّ فِي الْمُفْرِدِ ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِخُرُوجِهِ مِنْهَا بَعْدَ صِحَّةِ الشُّرُوعِ ( وَإِذَا زَالَ إحْصَارُهُ ) أَيْ الْقَارِنِ ( وَأَمْكَنَهُ إدْرَاكُ الْهَدْيِ وَالْحَجِّ تَوَجَّهَ ) أَيْ لَزِمَهُ التَّوَجُّهُ لِأَدَاءِ الْحَجِّ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لِعَجْزِهِ عَنْ إدْرَاكِ الْهَدْيِ فَكَانَ فِي حُكْمِ الْبَدَلِ ، وَقَدْ قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ فَسَقَطَ اعْتِبَارُهُ كَالْمُكَفِّرِ بِالصَّوْمِ لِعَجْزِهِ عَنْ الْعِتْقِ إذَا قَدَرَ عَلَى الرَّقَبَةِ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعِتْقُ كَذَا هَذَا وَيَصْنَعُ بِالْهَدْيِ مَا شَاءَ ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ ، وَقَدْ كَانَ عَيَّنَهُ لِجِهَةٍ فَاسْتَغْنَى عَنْهَا ( وَمَعَ أَحَدِهِمَا فَقَطْ أَوْ بِدُونِهِمَا لَهُ أَنْ يُحِلَّ ) فَإِنْ أَدْرَكَ

الْهَدْيَ لَا الْحَجَّ فَيَتَحَلَّلُ ؛ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ الْأَصْلِ ، وَكَذَا لَوْ أَدْرَكَ الْحَجَّ لَا الْهَدْيَ اسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَحَلَّلْ يُضَيِّعُ مَالَهُ مَجَّانًا وَحُرْمَةُ الْمَالِ كَحُرْمَةِ النَّفْسِ فَيَتَحَلَّلُ كَمَا إذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يُدْرِكْ وَاحِدًا مِنْهُمَا لِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ ( وَمَنْعُهُ ) أَيْ مَنْعُ الْمُحْرِمِ ( بِمَكَّةَ عَنْ رُكْنَيْ الْحَجِّ ) يَعْنِي الطَّوَافَ وَالْوُقُوفَ بِعَرَفَاتٍ ( إحْصَارٌ لَهُ ) إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْوُصُولُ إلَى الْأَفْعَالِ فَكَانَ مُحْصَرًا كَمَا إذَا كَانَ فِي الْحِلِّ ( لَا عَنْ أَحَدِهِمَا ) يَعْنِي إذَا قَدَرَ عَلَى أَحَدِهِمَا لَا يَكُونُ مُحْصَرًا ، أَمَّا عَلَى الطَّوَافِ فَلِأَنَّ فَائِتَ الْحَجِّ يَتَحَلَّلُ بِهِ وَالدَّمُ بَدَلٌ عَنْهُ فِي التَّحَلُّلِ ، وَأَمَّا عَلَى الْوُقُوفِ فَلِوُقُوعِ الْأَمْنِ عَنْ الْفَوَاتِ

( بَابُ مُحْرِمٍ أُحْصِرَ ) ( قَوْلُهُ : وَفِي الشَّرْعِ مَنْعُ الْخَوْفِ أَوْ الْمَرَضِ ) أَقُولُ لَا يَخْتَصُّ بِهَذَيْنِ لِمَا نَذْكُرُهُ وَلِذَا قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ مَنْعِ الْمُحْرِمِ عَنْ الْوُقُوفِ وَالطَّوَافِ بِعُذْرٍ شَرْعِيٍّ .
( قَوْلُهُ : فَإِذَا أُحْصِرَ بِعَدُوٍّ أَوْ مَرَضٍ
إلَخْ ) مَثَّلَ بِهَذَيْنِ الْمِثَالَيْنِ إشَارَةً إلَى خِلَافِ الْإِمَامِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ حَيْثُ قَالَ لَا إحْصَارَ إلَّا بِعَدُوٍّ ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي حَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ وَكَانُوا مَحْصُورِينَ بِالْعَدُوِّ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ } وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ أَنَّ الْإِحْصَارَ يَكُونُ بِالْمَرَضِ وَبِالْعَدُوِّ الْحَصْرُ لَا الْإِحْصَارُ كَذَا قَالَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ مِنْهُمْ الْفَرَّاءُ وَابْنُ السِّكِّيتِ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَالْكِسَائِيُّ وَالْأَخْفَشُ وَالْعُتْبِيُّ وَغَيْرُهُمْ وَأَئِمَّةُ اللُّغَةِ الْمُتْقِنُونَ لِهَذَا الْفَنِّ .
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عَلَى ذَلِكَ جَمِيعُ أَهْلِ اللُّغَةِ وَلَا وَجْهَ لِمَا ذُكِرَ مِنْ السَّبَبِ ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا لِخُصُوصِ السَّبَبِ وَلَئِنْ كَانَ مُخْتَصًّا بِهِ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ فَيَتَنَاوَلُ الْمَرَضَ دَلَالَةً كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَمِنْ الْإِحْصَارِ هَلَاكُ النَّفَقَةِ وَمَوْتُ مَحْرَمِ الْمَرْأَةِ أَوْ زَوْجِهَا فِي الطَّرِيقِ وَفِي التَّجْنِيسِ إذَا سُرِقَتْ نَفَقَتُهُ وَقَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ فَلَيْسَ بِمُحْصَرٍ وَإِلَّا فَمُحْصَرٌ ؛ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ ، وَلَوْ أَحْرَمَتْ الْمَرْأَةُ وَلَا زَوْجَ لَهَا وَلَا مَحْرَمَ فَهِيَ مُحْصَرَةٌ لَا تُحِلُّ إلَّا بِالدَّمِ ؛ لِأَنَّهَا مُنِعَتْ شَرْعًا آكَدَ مِنْ الْمَنْعِ بِسَبَبِ الْعَدُوِّ ، وَكَذَا فِي الْفَتْحِ ، وَهَذَا الْمُحْصَرُ الَّذِي يَتَحَلَّلُ بِالدَّمِ ، وَأَمَّا الْمُحْصَرُ الَّذِي يَتَحَلَّلُ بِغَيْرِ ذَبْحِ الْهَدْيِ فَكُلُّ مُحْصَرٍ مُنِعَ عَنْ الْمُضِيِّ فِي مُوجِبِ الْإِحْرَامِ شَرْعًا لِحَقِّ الْعَبْدِ كَالْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ إذَا أَحْرَمَا

بِغَيْرِ إذْنِ الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى فَلَهُمَا تَحْلِيلُهُمَا بِغَيْرِ كَرَاهَةٍ بِشَيْءٍ مِنْ مَحْظُورَاتِ الْإِحْرَامِ وَلَا يَحْصُلُ التَّحْلِيلُ بِالْقَوْلِ وَيُكْرَهُ التَّحْلِيلُ لَوْ أَذِنَ بِالْإِحْرَامِ وَعَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَبْعَثَ الْهَدْيَ أَوْ ثَمَنَهُ إلَى الْحَرَمِ لِيُذْبَحَ عَنْهَا ؛ لِأَنَّهَا تَحَلَّلَتْ بِغَيْرِ طَوَافٍ وَعَلَيْهَا حَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ كَالرَّجُلِ الْمُحْصَرِ إذَا تَحَلَّلَ بِالْهَدْيِ وَعَلَى الْعَبْدِ إذَا أَعْتَقَ هَدْيَ الْإِحْصَارِ وَقَضَاءُ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ ، وَإِذَا أُحْصِرَ ، وَقَدْ أَحْرَمَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ الْمَوْلَى إنْفَاذُ هَدْيٍ عَنْهُ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ مُخْتَصَرَ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ عَلَى الْمَوْلَى أَنْ يَذْبَحَ عَنْهُ هَدْيًا فِي الْحَرَمِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَبَعْضُهُ مِنْ قَاضِي خَانْ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ ( قَوْلُهُ : جَازَ لَهُ التَّحَلُّلُ ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ التَّحَلُّلِ بِالْهَدْيِ أَوْ الْأَفْعَالِ إذَا قَدَرَ وَبِهِ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ تَعْبِيرِ الْمَبْسُوطِ بِعَلَيْهِ ( قَوْلُهُ : بَعَثَ الْمُفْرِدُ دَمًا ) أَقُولُ وَإِذَا بَعَثَ إنْ شَاءَ أَقَامَ وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بَعَثَ الشَّاةَ بِعَيْنِهَا ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَعَذَّرُ فَلَهُ بَعْثُ قِيمَتِهَا لِتُشْتَرَى فَتُذْبَحَ فِي الْحَرَمِ ، وَلَوْ لَمْ يَجِدْ مَا يُذْبَحُ لَا يَقُومُ الصَّوْمُ وَلَا الْإِطْعَامُ مَقَامَهُ ، بَلْ يَبْقَى مُحْرِمًا إلَى الْوُجْدَانِ أَوْ التَّحَلُّلِ بِالْأَفْعَالِ وَيَكْفِيهِ سُبْعُ بَدَنَةٍ كَمَا فِي الْكَافِي ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا لَمْ يَجِدْ هَدْيًا يُقَوِّمُ الْهَدْيَ بِالطَّعَامِ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ ذَلِكَ صَامَ عَنْ كُلِّ نِصْفِ صَاعٍ يَوْمًا كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ .
( قَوْلُهُ : وَالْقَارِنُ دَمَيْنِ ) أَقُولُ فَإِنْ بَعَثَ وَاحِدًا لِلْحَجِّ وَيَبْقَى فِي إحْرَامِ الْعُمْرَةِ فَذَبَحَ لَمْ يَتَحَلَّلْ عَنْ وَاحِدٍ مِنْ إحْرَامَيْهِ ؛ لِأَنَّ التَّحَلُّلَ مِنْهُمَا شُرِعَ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَغَيْرِهَا ( قَوْلُهُ :

وَبِذَبْحِهِ يُحِلُّ بِلَا حَلْقٍ وَتَقْصِيرٍ ) أَيْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْحَلْقُ وَإِنْ حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ فَهُوَ حَسَنٌ أَيْ مُسْتَحَبٌّ عِنْدَهُمَا ، .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ قَيْلَ الْحَلْقُ وَاجِبٌ ، وَقِيلَ مُسْتَحَبٌّ أَيْضًا أَيْ كَمَا قَالَا ، وَهَذَا إذَا أُحْصِرَ فِي الْحِلِّ ، أَمَّا إذَا أُحْصِرَ بِالْحَرَمِ فَالْحَلْقُ وَاجِبٌ كَذَا فِي شَرْحِهِ ، ثُمَّ إذَا كَانَ فِي الْحِلِّ وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَلْقُ وَأَرَادَ أَنْ يَتَحَلَّلَ فَعَلَ أَدْنَى مَا يَحْظُرُهُ الْإِحْرَامُ لِيَخْرُجَ بِهِ مِنْ الْعِبَادَةِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَمِثْلُهُ فِي الْكَافِي عَلَى صِيغَةِ الْجَزْمِ ، وَلَكِنْ نَقَلَهُ الْبُرْجَنْدِيُّ عَنْ الْمُصَفَّى بِصِيغَةِ قِيلَ وَنَصُّهُ : وَقِيلَ إنَّمَا لَا يَجِبُ الْحَلْقُ عَلَى قَوْلِهِمَا إذَا كَانَ الْإِحْصَارُ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ ، أَمَّا إذَا أُحْصِرَ فِي الْحَرَمِ فَعَلَيْهِ الْحَلْقُ كَذَا فِي الْمُصَفَّى ا هـ .
وَفِي التَّقْيِيدِ بِالذَّبْحِ فِي الْحَرَمِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ ذَبَحَ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ أَوْ بَقِيَ حَيًّا فَحَلَّ الْمُحْصَرُ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَعَلَيْهِ دَمٌ لِإِحْلَالِهِ وَهُوَ عَلَى إحْرَامِهِ كَمَا كَانَ حَتَّى يَحْصُلَ مَا يَتَحَلَّلُ بِهِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَغَيْرِهَا ( قَوْلُهُ : وَعَلَيْهِ إنْ حَلَّ مِنْ حَجٍّ حَجٌّ وَعُمْرَةٌ ) هَذَا إنْ قَضَاهُ مِنْ قَابِلٍ ، أَمَّا إذَا قَضَاهُ مِنْ عَامِهِ لَمْ تَلْزَمْهُ الْعُمْرَةُ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى فَائِتِ الْحَجِّ ، وَكَذَلِكَ الْقَارِنُ لَوْ قَضَى مِنْ عَامِهِ لَا تَلْزَمُهُ عُمْرَةُ الْقَضَاءِ كَذَا فِي الْبَحْرِ وَالْجَوْهَرَةِ وَالتَّبْيِينِ وَنِيَّةُ الْقَضَاءِ شَرْطٌ فِي غَيْرِ مَا أَحْرَمَ بِهِ مِنْ حَجَّةِ الْفَرْضِ فِي الْقَضَاءِ ( قَوْلُهُ : وَإِذَا زَالَ إحْصَارُهُ ) أَيْ الْقَارِنِ فِيهِ قُصُورٌ لِتَفْسِيرِ الضَّمِيرِ بِالْقَارِنِ خَاصَّةً وَلَا يَخْتَصُّ بِهِ فَكَانَ يَنْبَغِي إبْقَاءُ الْمَتْنِ عَلَى عُمُومِهِ لِشُمُولِهِ الْمُفْرِدَ إذْ لَا يَخْتَصُّ وُجُوبُ التَّوَجُّهِ مَعَ إمْكَانِ إدْرَاكِ الْهَدْيِ وَالْحَجِّ بِالْقَارِنِ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ كَانَ لِعَجْزِهِ عَنْ إدْرَاكِ الْهَدْيِ
إلَخْ )

كَذَا فِي النُّسَخِ وَلَعَلَّ صَوَابَهُ عَنْ إدْرَاكِ الْحَجِّ وَهُوَ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَتَحَلَّلَ بِالْهَدْيِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِعَجْزِهِ عَنْ إدْرَاكِ الْحَجِّ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِحُرُوفِهِ ، وَكَذَا عِبَارَةُ الْكَافِي ( قَوْلُهُ : وَمَعَ أَحَدِهِمَا فَقَطْ أَوْ بِدُونِهِمَا لَهُ أَنْ يُحِلَّ ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لَهُ أَنْ لَا يَتَوَجَّهَ وَيَتَحَلَّلَ بِذَبْحِ الْهَدْيِ إذْ عِبَارَتُهُ تُوهِمُ التَّحَلُّلَ قَبْلَهُ وَإِنْ فُهِمَ الْحُكْمُ مِمَّا سَبَقَ وَأَخْصَرُ وَأَحْسَنُ مِنْهُ قَوْلُ الْكَنْزِ فَإِنْ زَالَ الْإِحْصَارُ وَقَدَرَ عَلَى الْهَدْيِ وَالْحَجِّ تَوَجَّهَ وَإِلَّا لَا ( قَوْلُهُ : وَكَذَا لَوْ أَدْرَكَ الْحَجَّ لَا الْهَدْيَ ) أَقُولُ وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَتَوَجَّهَ ؛ لِأَنَّ فِيهِ إيفَاءً بِمَا الْتَزَمَ كَمَا الْتَزَمَ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ لَوْ بَعَثَ الْمُحْصَرُ هَدْيًا ، ثُمَّ زَالَ الْإِحْصَارُ وَحَدَثَ آخَرُ وَنَوَى أَنْ يَكُونَ عَنْ الثَّانِي جَازَ وَحَلَّ بِهِ ، وَكَذَا لَوْ بَعَثَ جَزَاءَ صَيْدٍ ، ثُمَّ أُحْصِرَ فَنَوَاهُ لِلْإِحْصَارِ أَوْ قَلَّدَ بَدَنَةً وَأَوْجَبَهَا ، ثُمَّ أُحْصِرَ فَنَوَاهَا لَهُ جَازَ وَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ مَكَانَ مَا أَوْجَبَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تُجْزِيهِ إلَّا عَنْ التَّطَوُّعِ ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ كَالْوَقْفِ وَخَرَجَتْ عَنْ مِلْكِهِ عِنْدَهُ فَلَا يَمْلِكُ صَرْفَهَا إلَى غَيْرِ تِلْكَ الْجِهَةِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : لَا عَنْ أَحَدِهِمَا
إلَخْ ) أَقُولُ اُسْتُغْنِيَ بِهَذَا عَنْ مَسْأَلَةٍ أَفْرَدَهَا بِالذِّكْرِ فِي الْكَنْزِ بِقَوْلِهِ قَبْلَهُ وَلَا إحْصَارَ بَعْدَمَا وَقَفَ بِعَرَفَةَ .
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ : ثُمَّ إذَا دَامَ الْإِحْصَارُ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ فَعَلَيْهِ لِتَرْكِ الْوُقُوفِ بِالْمُزْدَلِفَةِ دَمٌ وَلِتَرْكِ رَمْيِ الْجِمَارِ دَمٌ وَلِتَأْخِيرِ الْحَلْقِ وَطَوَافِ الزِّيَارَةِ دَمٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا بَيَّنَّا ا هـ .
( قُلْت ) وَيُشْكِلُ عَلَيْهِ مَا قَدَّمْنَاهُ أَنَّهُ إذَا تَرَكَ وَاجِبًا لِعُذْرٍ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ ا هـ ، وَاخْتَلَفُوا فِي تَحَلُّلِهِ

فِي مَكَانِهِ فِي الْحِلِّ قِيلَ لَا يَتَحَلَّلُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ تَحَلَّلَ فِي مَكَانِهِ يَقَعُ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ ، وَلَوْ أَخَّرَهُ لِيَحْلِقَ فِي الْحَرَمِ يَقَعُ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ وَتَأْخِيرُهُ عَنْ الزَّمَانِ أَهْوَنُ مِنْ تَأْخِيرِهِ عَنْ الْمَكَانِ ، وَقِيلَ يَتَحَلَّلُ فِي الْحَالِ ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَمْتَدُّ الْإِحْصَارُ فَيَحْتَاجُ إلَى الْحَلْقِ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ فَيَفُوتُ الزَّمَانُ وَالْمَكَانُ جَمِيعًا فَتَحَمُّلُ أَحَدِهِمَا أَوْلَى قَالَ الْعَتَّابِيُّ وَهُوَ الْأَظْهَرُ كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ

( عَجَزَ ) عَنْ الْحَجِّ بِنَفْسِهِ ( فَأَحَجَّ ) أَيْ أَمَرَ غَيْرَهُ بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ ( صَحَّ عَنْهُ إنْ مَاتَ مُسْتَمِرَّ الْعَجْزِ وَنَوَاهُ ) أَيْ الْمَأْمُورُ الْحَجَّ ( عَنْ الْعَاجِزِ ) فَإِذَا وُجِدَ الشَّرْطَانِ صَحَّ الْإِحْجَاجُ وَإِلَّا فَلَا قَالَ قَاضِي خَانْ هَذَا إنْ كَانَ الْآمِرُ عَاجِزًا يُرْجَى زَوَالُهُ كَالْمَرَضِ وَالْحَبْسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ كَالزَّمَانَةِ وَالْعَمَى جَازَ أَنْ يَأْمُرَ غَيْرَهُ بِالْحَجِّ

( قَوْلُهُ : عَجَزَ عَنْ الْحَجِّ ) الْمُرَادُ بِهِ حَجُّ الْفَرْضِ وَكَانَ يَنْبَغِي التَّصْرِيحُ بِهِ إذْ النَّفَلُ لَا يُشْتَرَطُ الْعَجْزُ لِصِحَّةِ الْأَمْرِ بِهِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّ وُجْدَانَ الْعَجْزِ قَبْلَ الْأَمْرِ شَرْطٌ فَلَوْ أَمَرَ الصَّحِيحُ رَجُلًا بِالْحَجِّ عَنْهُ ، ثُمَّ عَجَزَ لَمْ يُجْزِهِ وَبِهِ صَرَّحَ قَاضِي خَانْ وَمِنْ شَرَائِطِ النِّيَابَةِ الرُّكُوبُ إذَا أَوْصَى بِالْحَجِّ رَاكِبًا فَيَضْمَنُ الْمَأْمُورُ النَّفَقَةَ لَوْ مَشَى وَمِنْهَا كَوْنُ أَكْثَرِ النَّفَقَةِ مِنْ مَالِ الْآمِرِ وَفِيهِ وَفَاءٌ بِمَا أَنْفَقَ إذْ قَدْ يُبْتَلَى بِالْإِنْفَاقِ مِنْ غَيْرِهِ كَالْوَكِيلِ وَمِنْهَا الْأَمْرُ بِالْحَجِّ فَلَا يَجُوزُ حَجُّ الْغَيْرِ عَنْهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ إلَّا الْوَارِثَ يَحُجُّ عَنْ مُوَرِّثِهِ فَإِنَّهُ يُجْزِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِوُجُودِ الْأَمْرِ دَلَالَةً كَذَا فِي الْبَحْرِ وَبَاقِي الشُّرُوطِ مَعْلُومَةٌ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ ( قَوْلُهُ : قَالَ قَاضِي خَانْ هَذَا إذَا كَانَ الْآمِرُ عَاجِزًا
إلَخْ ) أَقُولُ ظَاهِرُهُ لَا يُفِيدُ غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ جَوَازِ الْأَمْرِ بِالْحَجِّ عَنْ الْغَيْرِ ، وَلَكِنْ الْمُرَادُ أَنَّ اسْمَ الْإِشَارَةِ فِي قَوْلِ قَاضِي خَانْ هَذَا رَاجِعٌ إلَى شَرْطِ اسْتِمْرَارِ الْعَجْزِ إلَى الْمَوْتِ فَخَصَّصَهُ بِعَجْزٍ يُرْجَى زَوَالُهُ كَالْحَبْسِ ، أَمَّا مَنْ بِهِ عُذْرٌ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ يَعْنِي عَادَةً كَالْعَمَى وَالزَّمَانَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ أَمْرُهُ بِالْحَجِّ أَيْ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ دَوَامِ عَجْزِهِ حَتَّى إذَا زَالَ عَمَاهُ لَا يَبْطُلُ الْحَجُّ عَنْهُ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ قَاضِي خَانْ قَالَ قَبْلَ هَذَا لَا يَصِحُّ أَمْرُهُ بِالْحَجِّ إلَّا إذَا كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْحَجِّ بِنَفْسِهِ عَجْزًا يَدُومُ إلَى الْمَوْتِ ، ثُمَّ قَالَ هَذَا إذَا كَانَ
إلَخْ فَبَيَّنَ الْعَجْزَ الَّذِي يُشْتَرَطُ دَوَامُهُ فَحَاصِلُ الْحُكْمِ أَنَّ الْآمِرَ إذَا كَانَ عُذْرُهُ يُرْجَى زَوَالُهُ فَالْأَمْرُ مُرَاعًى فَإِنْ اسْتَمَرَّ الْعَجْزُ إلَى الْمَوْتِ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْ الْآمِرِ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ كَانَ عُذْرُهُ لَا يُرْجَى زَوَالُهُ كَالْعَمَى

فَأَحَجَّ غَيْرَهُ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْهُ سَوَاءٌ اسْتَمَرَّ ذَلِكَ أَوْ زَالَ ، صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ وَالْمَبْسُوطِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ ا هـ .
وَقَالَ الْبُرْجَنْدِيُّ إنَّ دَوَامَ الْعَجْزِ إلَى الْمَوْتِ شَرْطٌ سَوَاءٌ كَانَ الْعَجْزُ بِمَعْنًى لَا يَزُولُ أَصْلًا كَالزَّمَانَةِ أَوْ بِعَارِضٍ يُتَوَهَّمُ زَوَالُهُ فَإِنْ اسْتَمَرَّ بِهِ إلَى الْمَوْتِ وَقَعَ جَائِزًا عَنْ الْآمِرِ وَإِلَّا فَعَلَيْهِ حَجُّ الْإِسْلَامِ وَالْمُؤَدِّي يَصِيرُ تَطَوُّعًا لِلْآمِرِ كَذَا فِي الْكَافِي ا هـ مَا قَالَهُ الْبُرْجَنْدِيُّ ( قُلْت ) إنْ أَرَادَ كَافِي النَّسَفِيِّ فَهُوَ غَلَطٌ ؛ لِأَنَّ عِبَارَةَ الْكَافِي الشَّرْطُ الْعَجْزُ الدَّائِمُ إلَى وَقْتِ الْمَوْتِ إنْ كَانَ الْحَجُّ فَرْضًا ؛ لِأَنَّهُ فَرْضُ الْعُمُرِ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ عَجْزٌ مُسْتَوْعِبٌ لِبَقِيَّةِ الْعُمُرِ لِيَقَعَ بِهِ الْيَأْسُ عَنْ الْأَدَاءِ بِالْبَدَنِ فَقُلْنَا إنْ عَجَزَ لِمَعْنًى لَا يَزُولُ كَالزَّمَانَةِ صَحَّ الْأَدَاءُ بِالنَّائِبِ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَ بِعَارِضٍ يُتَوَهَّمُ زَوَالُهُ بِأَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ مَسْجُونًا كَانَ الْأَدَاءُ بِالنَّائِبِ مُرَاعًى فَإِنْ اسْتَمَرَّ بِهِ الْعُذْرُ إلَى الْمَوْتِ تَحَقَّقَ الْيَأْسُ عَنْ الْأَدَاءِ بِالْبَدَنِ فَوَقَعَ الْمُؤَدِّي جَائِزًا وَإِلَّا تَبَيَّنَ أَنَّ الْيَأْسَ لَمْ يَتَحَقَّقْ عَنْ الْأَدَاءِ بِالْبَدَنِ فَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ وَالْمُؤَدِّي تَطَوَّعَ لَهُ .
ا هـ .

( حَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ بِالْأَمْرِ يَقَعُ عَنْهُ ) أَيْ الْمَيِّتِ ( فِي الصَّحِيحِ ) وَقِيلَ لَا يَقَعُ عَنْهُ وَيَكُونُ لَهُ ثَوَابُ النَّفَقَةِ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّ الْآثَارَ تَدُلُّ عَلَيْهِ وَلِهَذَا تُشْتَرَطُ النِّيَّةُ عَنْ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ وَيَذْكُرُهُ الْحَاجُّ فِي التَّلْبِيَةِ فَيَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي وَمِنْ فُلَانٍ ( وَإِذَا مَرِضَ ) الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ ( فِي الطَّرِيقِ لَيْسَ لَهُ دَفْعُ الْمَالِ إلَى غَيْرِهِ لِيَحُجَّ ) ذَلِكَ الْغَيْرُ ( عَنْ الْمَيِّتِ إلَّا إذَا قِيلَ لَهُ ) أَيْ الْمَأْمُورِ ( وَقْتَ الدَّفْعِ اصْنَعْ مَا شِئْت فَحِينَئِذٍ جَازَ ) دَفْعُهُ ( مَرِضَ أَوْ لَا ) لِأَنَّهُ صَارَ وَكِيلًا مُطْلَقًا

( قَوْلُهُ : حَجَّ عَنْ الْمَيِّتِ بِالْأَمْرِ يَقَعُ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ ) أَقُولُ لَا يَخْتَصُّ بِالْمَيِّتِ لِمَا قَالَ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ فِيمَنْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ أَنَّ أَصْلَ الْحَجِّ يَقَعُ عَنْ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ ، وَذَكَرَ دَلِيلَهُ ( قَوْلُهُ : وَقِيلَ لَا يَقَعُ عَنْهُ وَيَكُونُ لَهُ ثَوَابُ النَّفَقَةِ ) هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ عَامَّةُ الْمُتَأَخِّرِينَ كَمَا فِي الْكَشْفِ ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ لَا ثَمَرَةَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُمْ اتَّفَقُوا أَنَّ الْفَرْضَ يَسْقُطُ عَنْ الْآمِرِ وَلَا يَسْقُطُ عَنْ الْمَأْمُورِ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَنْوِيَهُ عَنْ الْآمِرِ وَهُوَ دَلِيلُ الْمَذْهَبِ وَأَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَهْلِيَّةُ النَّائِبِ لِصِحَّةِ الْأَفْعَالِ حَتَّى لَوْ أَمَرَ ذِمِّيًّا لَا يَجُوزُ وَهُوَ دَلِيلُ الضَّعْفِ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِالثَّمَرَةِ ، وَقَدْ يُقَالُ إنَّهَا تَظْهَرُ فِيمَنْ حَلَفَ أَنْ لَا يَحُجَّ فَعَلَى الْمَذْهَبِ إذَا حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ لَا يَحْنَثُ وَعَلَى الضَّعِيفِ يَحْنَثُ إلَّا أَنْ يُقَالَ إنَّ الْعُرْفَ أَنَّهُ قَدْ حَجَّ وَإِنْ وَقَعَ عَنْ غَيْرِهِ فَيَحْنَثُ اتِّفَاقًا كَذَا فِي الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ : وَيَذْكُرُهُ الْحَاجُّ فِي التَّلْبِيَةِ ) فَيَقُولُ اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي وَمِنْ فُلَانٍ كَذَا فِي قَاضِي خَانْ وَفِيهِ تَأَمُّلٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ فِي التَّلْبِيَةِ لَمَّا فَرَّعَهُ بِقَوْلِهِ فَيَقُولُ اللَّهُمَّ
إلَخْ وَأَيْضًا يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي عَنْ فُلَانٍ حَتَّى لَا يَكُونَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي الِاشْتِرَاكَ بَيْنَهُمَا فِي نِيَّةِ الْحَجِّ فَيَصِيرُ بِهِ مُخَالِفًا

( خَرَجَ إلَى الْحَجِّ وَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ وَأَوْصَى بِالْحَجِّ عَنْهُ إنْ فُسِّرَ شَيْءٌ فَالْأَمْرُ عَلَى مَا فُسِّرَ وَإِلَّا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ إنْ وَفَّى بِهِ ثُلُثَهُ ، وَعِنْدَهُمَا يَحُجُّ مِنْ حَيْثُ مَاتَ ) هَذِهِ الْمَسَائِلُ مِنْ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ
( قَوْلُهُ : خَرَجَ إلَى الْحَجِّ وَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ وَأَوْصَى
إلَخْ ) أَقُولُ وَلَا تَكُونُ الْوَصِيَّةُ وَاجِبَةً عَلَيْهِ عَلَى مَا قَالَ فِي التَّجْنِيسِ إنَّمَا يَجِبُ الْإِيصَاءُ بِالْحَجِّ عَلَى مَنْ قَدَرَ إذَا لَمْ يَخْرُجْ إلَى الْحَجِّ حَتَّى مَاتَ فَأَمَّا مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ فَخَرَجَ عَنْ عَامِهِ فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِيصَاءُ بِالْحَجِّ لِأَنَّهُ لَمْ يُؤَخِّرْ بَعْدَ الْإِيجَابِ قَالَ الْكَمَالُ وَهُوَ قَيْدٌ حَسَنٌ ا هـ .
( قَوْلُهُ : فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ بَلَدِهِ إنْ وَفَّى بِهِ ثُلُثَهُ ) قَالَ قَاضِي خَانْ بَعْدَهُ فَإِنْ كَانَ لَهُ وَطَنَانِ فِي مَوْضِعَيْنِ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ أَقْرَبِهِمَا إلَى مَكَّةَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ مَاتَ .
ا هـ .

( أَوْصَى بِالْحَجِّ فَتَطَوَّعَ عَنْهُ رَجُلٌ لَمْ يُجْزِهِ ) كَذَا فِي التَّجْرِيدِ
( قَوْلُهُ : أَوْصَى بِالْحَجِّ فَتَطَوَّعَ عَنْهُ رَجُلٌ لَمْ يُجْزِهِ ) أَطْلَقَ الرَّجُلَ الْمُتَطَوِّعَ فَشَمِلَ الْوَارِثَ وَبِهِ صَرَّحَ قَاضِي خَانْ بِقَوْلِهِ الْمَيِّتُ إذَا أَوْصَى بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِمَالِهِ فَتَبَرَّعَ عَنْهُ الْوَارِثُ أَوْ الْأَجْنَبِيُّ لَا يَجُوزُ .
ا هـ .
قُلْت يَعْنِي لَا يَجُوزُ عَنْ فَرْضِ الْمَيِّتِ وَإِلَّا فَلَهُ ثَوَابُ ذَلِكَ الْحَجِّ ا هـ .
وَإِنْ لَمْ يُوصِ فَتَبَرَّعَ عَنْهُ الْوَارِثُ بِالْإِحْجَاجِ أَوْ الْحَجِّ بِنَفْسِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُجْزِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَإِنْ أَوْصَى بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فَحَجَّ عَنْهُ ابْنُهُ لِيَرْجِعَ فِي التَّرِكَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَالدَّيْنِ إذَا قَضَاهُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ ، وَلَوْ حَجَّ عَلَى أَنْ لَا يَرْجِعَ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ عَنْ الْمَيِّتِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مَقْصُودُهُ وَهُوَ ثَوَابُ الْإِنْفَاقِ كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّجْنِيسِ وَيُخَالِفُهُ مَا قَالَ قَاضِي خَانْ بَعْدَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ ، وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فَأَحَجَّ الْوَارِثُ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَا لِيَرْجِعَ عَلَيْهِ جَازَ لِلْمَيِّتِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ ا هـ فَقَدْ فَرَّقَ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ مَا إذَا حَجَّ الْوَارِثُ بِنَفْسِهِ وَبَيْنَ مَا إذَا حَجَّ غَيْرُهُ عَنْ الْمَيِّتِ وَلَمْ يَذْكُرْ وَجْهَ الْفَرْقِ فَلْيُنْظَرْ

( وَمَنْ حَجَّ عَنْ آمِرَيْهِ ) يَعْنِي رَجُلًا أَمَرَهُ رَجُلَانِ بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُمَا فَحَجَّ لَمْ يَقَعْ عَنْهُمَا ، بَلْ ( يَقَعُ عَنْهُ ) أَيْ الْمَأْمُورِ ( وَضَمِنَ مَالَهُمَا ) إنْ أَنْفَقَ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ صَرَفَ نَفَقَةَ الْآمِرِ إلَى حَجِّ نَفْسِهِ ( وَلَا يَجْعَلُهُ ) أَيْ لَا يَقْدِرُ الْمَأْمُورُ أَنْ يَجْعَلَ الْحَجَّ ( عَنْ أَحَدِهِمَا ) وَلَكِنْ ( جَازَ عَنْ أَحَدِ أَبَوَيْهِ ) فَإِنَّهُ إنْ حَجَّ عَنْهُمَا جَازَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ عَنْ أَيِّهِمَا شَاءَ ؛ لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِجَعْلِ ثَوَابِ عَمَلِهِ لِأَحَدِهِمَا أَوْ لَهُمَا وَفِي الْأَوَّلِ يَفْعَلُ بِحُكْمِ الْآمِرِ ، وَقَدْ خَالَفَهُ فَيَقَعُ عَنْهُ ( وَدَمُ الْإِحْصَارِ عَلَى الْآمِرِ وَفِي مَالِهِ لَوْ مَيِّتًا ) لِأَنَّهُ الَّذِي أَدْخَلَهُ فِي هَذِهِ الْوَرْطَةِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَخْلِيصُهُ ( وَدَمُ الْقِرَانِ وَالْجِنَايَةِ عَلَى الْحَاجِّ ) أَمَّا دَمُ الْقِرَانِ فَلِأَنَّهُ وَجَبَ شُكْرًا لِمَا وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ وَالْمَأْمُورُ مُخْتَصٌّ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ ؛ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْفِعْلِ مِنْهُ هَذَا إذَا أَذِنَ لَهُ الْآمِرُ بِالْقِرَانِ وَإِلَّا فَيَصِيرُ مُخَالِفًا فَيَضْمَنُ النَّفَقَةَ ، وَأَمَّا دَمُ الْجِنَايَةِ فَلِأَنَّهُ الْجَانِي فَيَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَتُهُ ( وَضَمِنَ ) الْحَاجُّ عَنْ الْغَيْرِ ( النَّفَقَة ) ( إنْ جَامَعَ قَبْلَ وُقُوفِهِ ) وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ بِمَالِ نَفْسِهِ

( قَوْلُهُ : وَمَنْ حَجَّ عَنْ آمِرَيْهِ
إلَخْ ) أَيْ إذَا أَمَرَهُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالْحَجِّ عَنْهُ عَلَى الِانْفِرَادِ فَأَهَلَّ عَنْهُمَا فَهِيَ عَنْهُ وَيَضْمَنُ النَّفَقَةَ لَهُمَا وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ إمَّا أَنْ يُحْرِمَ عَنْهُمَا جَمِيعًا أَوْ عَنْ أَحَدِهِمَا غَيْرَ عَيْنٍ أَوْ أَطْلَقَ فَإِنْ نَوَاهُمَا جَمِيعًا فَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ وَإِنْ أَحْرَمَ عَنْ أَحَدِهِمَا غَيْرَ عَيْنٍ فَإِنْ مَضَى عَلَى ذَلِكَ صَارَ مُخَالِفًا بِالِاتِّفَاقِ ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَيْسَ أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ وَإِنْ عَيَّنَ أَحَدَهُمَا قَبْلَ الطَّوَافِ وَالْوُقُوفِ جَازَ اسْتِحْسَانًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ بِلَا تَوَقُّفٍ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَإِنْ أَطْلَقَ بِأَنْ سَكَتَ عَنْ ذِكْرِ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ مُعَيِّنًا وَمُبْهِمًا لَا نَصَّ فِيهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَصِحَّ التَّعْيِينُ هُنَا إجْمَاعًا لِعَدَمِ الْمُخَالَفَةِ قَطْعًا كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَالْكَافِي ( قَوْلُهُ : بَلْ وَقَعَ عَنْهُ ) أَيْ الْمَأْمُورِ قَالَ فِي الْبَحْرِ فَيَقَعُ عَنْ الْمَأْمُورِ نَقْلًا وَلَا يُجْزِيهِ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ ا هـ .
وَقَالَ الْكَمَالُ لَوْ أَمَرَهُ بِالْحَجِّ فَقَرَنَ مَعَهُ عُمْرَةً لِنَفْسِهِ لَا يَجُوزُ وَيَضْمَنُ اتِّفَاقًا ، ثُمَّ قَالَ وَلَا تَقَعُ الْحَجَّةُ عَنْ حَجَّةِ الْإِسْلَامِ عَنْ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يَقَعُ بِإِطْلَاقِ النِّيَّةِ وَهُوَ قَدْ صَرَفَهَا عَنْهُ فِي النِّيَّةِ وَفِيهِ نَظَرٌ ا هـ .
( قَوْلُهُ : لَكِنْ جَازَ عَنْ أَحَدِ أَبَوَيْهِ ) أَيْ وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُمَا أَمْرٌ بِالْحَجِّ عَنْهُ كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ شَرْحًا وَإِنْ كَانَ الْمَتْنُ بِخِلَافِهِ ظَاهِرًا وَحُكْمُ الْأَجْنَبِيَّيْنِ كَالْوَالِدَيْنِ إذَا لَمْ يَكُنْ أَمْرٌ لَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا كَمَا فِي الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ : فَإِنَّهُ إنْ حَجَّ عَنْهُمَا
إلَخْ ) يُفِيدُ بِطَرِيقٍ أَوْلَى أَنَّهُ إذَا أَهَلَّ عَنْ أَحَدِهِمَا عَلَى الْإِبْهَامِ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهَا عَنْ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قُلْت ) وَتَعْلِيلُ الْمَسْأَلَةِ يُفِيدُ وُقُوعَ الْحَجِّ عَنْ

الْفَاعِلِ فَيَسْقُطُ بِهِ الْفَرْضُ عَنْهُ وَإِنْ جَعَلَ ثَوَابَهُ لِغَيْرِهِ قَالَ فِي الْفَتْحِ وَمَبْنَاهُ عَلَى أَنَّ نِيَّتَهُ لَهُمَا تَلْغُو بِسَبَبِ أَنَّهُ غَيْرُ مَأْمُورٍ مِنْ قِبَلِهِمَا أَوْ أَحَدِهِمَا فَهُوَ مُعْتَبَرٌ فَتَقَعُ الْأَعْمَالُ عَنْهُ أَلْبَتَّةَ وَإِنَّمَا يُجْعَلُ لَهُمَا الثَّوَابُ ا هـ .
وَيُفِيدُ ذَلِكَ مَا فِي الْأَحَادِيثِ الَّتِي رَوَاهَا الْكَمَالُ بِقَوْلِهِ اعْلَمْ أَنَّ فِعْلَ الْوَلَدِ ذَلِكَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ جِدًّا لِمَا أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لِمَنْ حَجَّ عَنْ أَبَوَيْهِ أَوْ قَضَى عَنْهُمَا مَغْرَمًا بُعِثَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ الْأَبْرَارِ } وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ { مَنْ حَجَّ عَنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ فَقَدْ قَضَى عَنْهُ حَجَّتَهُ وَكَانَ لَهُ فَضْلُ عَشْرِ حِجَجٍ } وَأَخْرَجَ أَيْضًا عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا حَجَّ الرَّجُلُ عَنْ وَالِدَيْهِ تُقْبَلُ مِنْهُ وَمِنْهُمَا وَاسْتَبْشَرَتْ أَرْوَاحُهُمَا وَكُتِبَ عِنْدَ اللَّهِ بَرًّا } ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَدَمُ الْإِحْصَارِ عَلَى الْآمِرِ ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ .
وَقَالَ أَبِي يُوسُفَ عَلَى الْحَاجِّ ؛ لِأَنَّ دَفْعَ ضَرَرِ امْتِدَادِ الْإِحْرَامِ رَاجِعٌ إلَيْهِ ( قَوْلُهُ : وَفِي مَالِهِ لَوْ مَيِّتًا ) فِيهِ خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ كَمَا تَقَدَّمَ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى قَوْلِهِمَا هَلْ هُوَ مِنْ الثُّلُثِ أَوْ مِنْ كُلِّ الْمَالِ فَقِيلَ مِنْ الثُّلُثِ كَالزَّكَاةِ ، وَقِيلَ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ وَجَبَ حَقًّا لِلْمَأْمُورِ فَصَارَ دَيْنًا كَذَا فِي الْهِدَايَةِ ( قَوْلُهُ : وَدَمُ الْقِرَانِ
إلَخْ ) كَذَا الْمُتْعَةُ ( قَوْلُهُ : وَإِلَّا فَيَصِيرُ مُخَالِفًا ) أَشَارَ بِهِ إلَى رَدِّ مَا ذَكَرَ ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إنْ نَوَى الْعُمْرَةَ عَنْ نَفْسِهِ لَا يَصِيرُ مُخَالِفًا ، وَلَكِنْ يَرُدُّ مِنْ النَّفَقَةِ بِقَدْرِ حِصَّةِ الْعُمْرَةِ وَهُوَ خِلَافٌ إلَى خَيْرٍ كَالْوَكِيلِ

بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِأَلْفٍ إذَا اشْتَرَاهُ بِخَمْسِمِائَةٍ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ فَإِنَّهُ مَأْمُورٌ بِتَجْرِيدِ السَّفَرِ لِلْمَيِّتِ وَيَحْصُلُ لَهُ ثَوَابُ النَّفَقَةِ وَتَنْقِيصُهَا يُنْقِصُ الثَّوَابَ بِقَدْرِهِ فَكَانَ الْخِلَافُ ضَرَرًا عَلَيْهِ كَذَا فِي الْفَتْحِ

( وَإِنْ مَاتَ ) الْحَاجُّ عَنْ الْغَيْرِ أَوْ سُرِقَتْ نَفَقَتُهُ مِنْهُ فِي الطَّرِيقِ ( يَحُجُّ مِنْ مَنْزِلِ آمِرِهِ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ ) مِنْ مَالِهِ ، .
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ الْمُفْرَزِ لِلْحَجِّ إنْ بَقِيَ شَيْءٌ وَإِلَّا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ اعْتِبَارًا لِقِسْمَةِ الْوَصِيِّ بِقِسْمَةِ الْمُوصِي فَإِنَّهُ لَوْ أَفْرَزَ فِي حَيَاتِهِ مَالًا وَدَفَعَهُ إلَى رَجُلٍ لِيَحُجَّ عَنْهُ وَمَاتَ فَهَلَكَ الْمَالُ فِي يَدِ النَّائِبِ لَا يُؤْخَذُ غَيْرُهُ فَكَذَا إذَا أَفْرَزَ الْوَصِيُّ ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَحُجُّ عَنْهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ الْأَوَّلِ ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ نَفَاذِ الْوَصِيَّةِ الثُّلُثُ فَمَتَى بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ يَنْفُذُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ قِسْمَةَ الْوَصِيِّ وَعَزْلَهُ الْمَالَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْوَجْهِ الَّذِي عَيَّنَهُ الْمُوصِي وَلَمْ يُسَلِّمْ إلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَالَ قَدْ ضَاعَ فَتُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ ( لَا مِنْ حَيْثُ مَاتَ ) كَمَا هُوَ قَوْلُهُمَا وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ مِنْ مَنْزِلِ آمِرِهِ وَوَجْهُهُ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ أَنَّ سَفَرَهُ لَمْ يَبْطُلْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { ، وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ } الْآيَةَ .
وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ مَاتَ فِي طَرِيقِ الْحَجِّ كُتِبَ لَهُ حَجَّةٌ مَبْرُورَةٌ فِي كُلِّ سَنَةٍ } ، وَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ اُعْتُبِرَتْ الْوَصِيَّةُ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ وَوَجْهُ قَوْلِهِ وَهُوَ الْقِيَاسُ أَنَّ الْقَدْرَ الْمَوْجُودَ مِنْ السَّفَرِ قَدْ بَطَلَ فِي حَقِّ أَحْكَامِ الدُّنْيَا قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ ، الْحَدِيثَ .
وَتَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ مِنْ أَحْكَامِ الدُّنْيَا فَبَقِيَتْ الْوَصِيَّةُ مِنْ وَطَنِهِ كَأَنَّ الْخُرُوجَ لَمْ يُوجَدْ

( قَوْلُهُ : يَحُجُّ مِنْ مَنْزِلِ آمِرِهِ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِ آمِرِهِ ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَدْ أَطْلَقَ الْمُوصِي بِالْحَجِّ وَلَمْ يُعَيِّنْ مَكَانًا يَحُجُّ عَنْهُ مِنْهُ وَكَانَ ثُلُثُ مَا بَقِيَ يَكْفِي لِذَلِكَ بِأَنْ عَيَّنَ مَكَانًا يَحُجُّ عَنْهُ مِنْهُ اتِّفَاقًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَإِنْ كَانَ الْمَالُ لَا يَكْفِي مِنْ مَنْزِلِ الْمُوصِي يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ اسْتِحْسَانًا كَمَا فِي الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ : .
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ
إلَخْ ) صُورَةُ الْمَسْأَلَةِ رَجُلٌ لَهُ أَرْبَعَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ أَوْصَى أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فَمَاتَ وَكَانَ مِقْدَارُ الْحَجِّ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَدَفَعَهَا الْوَصِيُّ إلَى مَنْ يَحُجُّ عَنْهُ فَسُرِقَ فِي الطَّرِيقِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يُؤْخَذُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ مِنْ التَّرِكَةِ وَهُوَ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَإِنْ سُرِقَ ثَانِيًا يُؤْخَذُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ مَرَّةً أُخْرَى هَكَذَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يُؤْخَذُ مَا بَقِيَ مِنْ ثُلُثِ جَمِيعِ الْمَالِ وَهُوَ ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةٌ وَثَلَاثُونَ دِرْهَمًا وَثُلُثٌ فَإِنْ سُرِقَ ثَانِيًا لَا يُؤْخَذُ مَرَّةً أُخْرَى .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ إذَا سُرِقَتْ الْأَلْفُ الَّتِي دَفَعَهَا أَوَّلًا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ وَإِنْ بَقِيَ مِنْهَا شَيْءٌ يَحُجُّ بِهِ لَا غَيْرُ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَوَجْهُ الْأَقْوَالِ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ ( قَوْلُهُ : لَا مِنْ حَيْثُ مَاتَ ) الضَّمِيرُ فِيهِ يَرْجِعُ إلَى الْحَاجِّ عَنْ الْغَيْرِ ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ لَوْ مَاتَ الْآمِرُ فِي الطَّرِيقِ ( قَوْلُهُ : وَوَجْهُهُ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ ) أَيْ وَجْهُ قَوْلِهِمَا وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ
إلَخْ ، وَقَدْ خَالَفَ الْمُصَنِّفُ صَنِيعَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَالزَّيْلَعِيِّ بِتَقْدِيمِ تَعْلِيلِ قَوْلِهِمَا وَكَانَ يَنْبَغِي مُتَابَعَتُهُ لَهُمَا لِمَا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ نَقْلًا عَنْ النِّهَايَةِ ، ثُمَّ تَأْخِيرُ تَعْلِيلِهِمَا عَنْ تَعْلِيلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمُ اللَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُمَا مُخْتَارَ الْمُصَنِّفِ أَيْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ لِمَا أَنَّ قَوْلَهُمَا اسْتِحْسَانٌ وَقَوْلَ

أَبِي حَنِيفَةَ قِيَاسٌ وَالْمَأْخُوذُ بِهِ فِي عَامَّةِ الصُّوَرِ حُكْمُ الِاسْتِحْسَانِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ } الْحَدِيثَ ) تَمَامُهُ { إلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ } .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ قَالَهُ الْكَمَالُ : ثُمَّ قَالَ وَمَا رَوَاهُ أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي وَجْهِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّمَا يَدُلُّ عَلَى انْقِطَاعِ الْعَمَلِ وَالْكَلَامُ فِي بُطْلَانِ الْقَدْرِ الَّذِي وُجِدَ فِي حُكْمِ الْعِبَادَةِ وَالثَّوَابِ وَهُوَ غَيْرُهُ وَغَيْرُ لَازِمِهِ ؛ لِأَنَّ انْقِطَاعَ الْعَمَلِ لِفَقْدِ الْعَامِلِ لَا يَسْتَلْزِمُ مَا كَانَ قَدْ وُجِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ .
وَقَالَ تَعَالَى { وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إيمَانَكُمْ } فِيمَا كَانَ مُعْتَدًّا بِهِ حِينَ وُجِدَ ، ثُمَّ طَرَأَ الْمَنْعُ مِنْهُ وَجَوَابُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُرَادَ بِعَدَمِ الِانْقِطَاعِ فِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ وَالِانْقِطَاعِ فِي أَحْكَامِ الدُّنْيَا وَهُوَ الَّذِي مُوجِبُهُ هُنَاكَ كَمَنْ صَامَ إلَى نِصْفِ النَّهَارِ فِي رَمَضَانَ ، ثُمَّ حَضَرَهُ الْمَوْتُ يَجِبُ أَنْ يُوصِيَ بِفِدْيَةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَإِنْ كَانَ ثَوَابُ إمْسَاكِ ذَلِكَ الْيَوْمِ بَاقِيًا ا هـ ( تَتِمَّةٌ ) يَجُوزُ إحْجَاجُ الصَّرُورَةِ وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ وَيُكْرَهُ .
وَقَالَ الْكَمَالُ الَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ إنْ حَجَّ الصَّرُورَةَ عَنْ غَيْرِهِ إنْ كَانَ بَعْدَ تَحَقُّقِ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ بِمِلْكِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَالصِّحَّةِ فَهُوَ مَكْرُوهٌ كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ ؛ لِأَنَّهُ يَضِيقُ عَلَيْهِ وَالْحَالَةُ هَذِهِ فِي أَوَّلِ سِنَى الْإِمْكَانِ فَيَأْثَمُ بِتَرْكِهِ ، وَكَذَا لَوْ تَنَفَّلَ لِنَفْسِهِ وَمَعَ ذَلِكَ يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ النَّهْيَ لَيْسَ لِعَيْنِ الْحَجِّ الْمَفْعُولِ ، بَلْ لِغَيْرِهِ وَهُوَ خَشْيَةَ أَنْ لَا يُدْرِكَ الْفَرْضَ إذْ الْمَوْتُ فِي سَنَةٍ غَيْرُ نَادِرٍ ا هـ .
وَفِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ يُكْرَهُ إحْجَاجُ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ ، وَالصَّرُورَةَ وَالْأَفْضَلُ

إحْجَاجُ الْحُرِّ الْعَالِمِ بِالْمَنَاسِكِ الَّذِي حَجَّ عَنْ نَفْسِهِ ، ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَهُوَ الَّذِي يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَإِلَّا قَالَ وَيَجِبُ إحْجَاجُ الْحُرِّ
إلَخْ وَالْحَقُّ أَنَّهَا تَنْزِيهِيَّةٌ عَلَى الْآمِرِ تَحْرِيمِيَّةٌ عَلَى الصَّرُورَةِ الَّتِي اجْتَمَعَتْ فِيهِ شُرُوطُ الْحَجِّ وَلَمْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ آثِمٌ بِالتَّأْخِيرِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ

( الْهَدْيُ ) وَهُوَ مَا يُهْدَى إلَى الْحَرَمِ لِيُتَقَرَّبَ بِهِ فِيهِ ( مِنْ إبِلٍ وَبَقَرٍ وَغَنَمٍ وَلَا يَجِبُ تَعْرِيفُهُ ) أَيْ الذَّهَابِ بِهِ إلَى عَرَفَاتٍ ، وَقِيلَ الْمُرَادُ الْإِعْلَامُ كَالتَّقْلِيدِ ( وَلَمْ يَجُزْ فِيهِ إلَّا جَائِزُ الْأُضْحِيَّةِ ) وَسَيَجِيءُ بَيَانُهَا عَنْ قَرِيبٍ ( وَجَازَ الْغَنَمُ ) فِي كُلِّ شَيْءٍ ( إلَّا فِي طَوَافِ فَرْضٍ جُنُبًا وَوَطْئِهِ بَعْدَ الْوُقُوفِ ) حَيْثُ لَا يَجُوزُ فِيهِمَا إلَّا الْبَدَنَةُ ( أَكَلَ ) أَيْ جَازَ الْأَكْلُ ، بَلْ اُسْتُحِبَّ ( مِنْ هَدْيِ تَطَوُّعٍ وَمُتْعَةٍ وَقِرَانٍ فَقَطْ ) ؛ لِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ فَيَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهَا بِمَنْزِلَةِ الْأُضْحِيَّةِ بِخِلَافِ سَائِرِ الْهَدَايَا ؛ لِأَنَّهَا دِمَاءُ كَفَّارَاتٍ شُرِعَتْ جَزَاءً لِلْجِنَايَةِ فَيَتَعَلَّقُ بِهَا الْحِرْمَانُ عَنْ الِانْتِفَاعِ بِهَا لِزِيَادَةِ الزَّجْرِ ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّهْيُ عَنْ أَكْلِهَا ( وَيَذْبَحُ الْأَخِيرَيْنِ يَوْمَ النَّحْرِ ) أَيْ يَتَعَيَّنُ يَوْمُ النَّحْرِ لِذَبْحِهِمَا .
( وَ ) يَذْبَحُ ( غَيْرَهُمَا مَتَى شَاءَ وَتَعَيَّنَ الْحَرَمُ لِلْكُلِّ ) مِنْ الْهَدَايَا ( لَا فَقِيرِهِ لِصَدَقَتِهِ ) أَيْ لَا يَتَعَيَّنُ فَقِيرُ الْحَرَمِ لِصَدَقَتِهِ قَالَ فِي الْوِقَايَةِ وَتَعَيَّنَ يَوْمُ النَّحْرِ لِذَبْحِ الْأَخِيرَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مَتَى شَاءَ كَمَا تَعَيَّنَ الْحَرَمُ لِلْكُلِّ لَا فَقِيرِهِ لِصَدَقَتِهِ أَقُولُ رَبْطُ غَيْرِهَا مَتَى شَاءَ إلَى مَا قَبْلَهُ مُحْتَاجٌ إلَى تَكَلُّفٍ وَاعْتِسَافٍ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى أَهْلِ مَعْرِفَةٍ وَإِنْصَافٍ وَالْعِبَارَةُ الْمُخْتَارَةُ هَاهُنَا أَخْصَرُ وَأَدَلُّ عَلَى الْمَقْصُودِ مِنْهَا ( وَتَصَدَّقَ بِجُلِّهِ وَخِطَامِهِ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَ جَزَّارٍ مِنْهُ وَلَا يَرْكَبُ إلَّا لِضَرُورَةٍ وَلَا يَحْلُبُ لَبَنَهُ وَيُعَالِجُ لِقَطْعِهِ ) بِنَضْحِ ضَرْعِهِ بِمَاءٍ بَارِدٍ

( قَوْلُهُ : وَلَا يَجِبُ تَعْرِيفُهُ ) أَقُولُ : وَإِذَا لَمْ يَجِبْ تَعْرِيفُهُ فَمَا كَانَ دَمَ شُكْرٍ اُسْتُحِبَّ تَعْرِيفُهُ وَمَا كَانَ دَمَ كَفَّارَةٍ اُسْتُحِبَّ إخْفَاؤُهُ وَسَتْرُهُ كَقَضَاءِ الصَّلَاةِ يُسْتَحَبُّ إخْفَاؤُهَا ، وَلَوْ قَلَّدَ دَمَ الْإِحْصَارِ وَدَمَ الْجِنَايَاتِ جَازَ وَلَا بَأْسَ بِهِ كَمَا فِي الْجَوَاهِرِ ا هـ .
وَوَقْتُ تَقْلِيدِهِ مِنْ بَلَدِهِ إنْ بَعَثَ بِهِ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ فَمِنْ حَيْثُ يَحْرُمُ هُوَ السُّنَّةُ كَذَا فِي الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ : إلَّا فِي طَوَافِ فَرْضٍ جُنُبًا ) أَيْ أَوْ وَهِيَ حَائِضٌ أَوْ نُفَسَاءُ ( قَوْلُهُ : وَوَطِئَهُ بَعْدَ الْوُقُوفِ ) أَيْ قَبْلَ الْحَلْقِ كَمَا تَقَدَّمَ ( قَوْلُهُ : أَكْل ) أَيْ جَازَ الْأَكْلُ وَلَهُ أَنْ يُطْعِمَ الْأَغْنِيَاءَ أَيْضًا مِمَّا يَجُوزُ لَهُ أَكْلُهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : بَلْ اُسْتُحِبَّ ) أَيْ لِلِاتِّبَاعِ الْفِعْلِيِّ الثَّابِتِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ مِنْ لُحُومِ كُلِّ هَدَايَاهُ } وَعَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِلَفْظِ مِنْ إشَارَةً إلَى أَنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يُفْعَلَ كَمَا فِي الْأُضْحِيَّةِ مِنْ التَّصَدُّقِ بِالثُّلُثِ وَطَعَامِ الثُّلُثِ وَادِّخَارِ الثُّلُثِ وَمَحَلُّ جَوَازِ الْأَكْلِ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ إذَا بَلَغَ الْحَرَمَ ، أَمَّا إذَا لَمْ يَبْلُغْ بِأَنْ عَطِبَ أَوْ ذَبَحَهُ فِي الطَّرِيقِ فَلَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَرَمِ تَتِمُّ الْقُرْبَةُ فِيهِ بِالْإِرَاقَةِ وَفِي غَيْرِ الْحَرَمِ لَا يَحْصُلُ بِهِ ، بَلْ بِالتَّصَدُّقِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّصَدُّقِ لِيَحْصُلَ ، وَلَوْ أَكَلَ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ مِمَّا لَا يَحِلُّ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ ضَمِنَ مَا أَكَلَ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْبَحْرِ وَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ ( قَوْلُهُ : فَقَطْ ) أَيْ فَلَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْ بَقِيَّةِ الْهَدَايَا كَدِمَاءِ الْكَفَّارَاتِ كُلِّهَا وَالنُّذُورِ وَهَدْيِ الْإِحْصَارِ كَمَا فِي الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ : وَيَذْبَحُ الْأَخِيرَيْنِ يَوْمَ النَّحْرِ ) أَرَادَ بِالْيَوْمِ زَمَانَ النَّحْرِ وَهُوَ الْأَيَّامُ الثَّلَاثَةُ ( قَوْلُهُ : أَيْ يَتَعَيَّنُ يَوْمُ

النَّحْرِ لِذَبْحِهِمَا ) أَيْ فَلَا يُجْزِئُهُ لَوْ ذَبَحَ قَبْلَ أَيَّامِ النَّحْرِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنْ أَخَّرَهُ أَجْزَأَهُ إلَّا أَنَّهُ تَارِكٌ لِلْوَاجِبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلِلسُّنَّةِ عِنْدَهُمَا فَيَلْزَمُهُ دَمٌ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : وَيَذْبَحُ غَيْرَهُمَا مَتَى شَاءَ ) شَامِلٌ دَمَ التَّطَوُّعِ فَيَجُوزُ ذَبْحُهُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ ، وَلَكِنْ ذَبْحُهُ يَوْمَ النَّحْرِ أَفْضَلُ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَوْلُهَا هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ الْقُدُورِيِّ لَا يَجُوزُ ذَبْحُ هَدْيِ التَّطَوُّعِ وَالْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ إلَّا يَوْمَ النَّحْرِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَتَعَيَّنَ الْحَرَمُ لِلْكُلِّ مِنْ الْهَدَايَا ) أَيْ فَلَا تُجْزِيهِ لَوْ ذَبَحَهَا فِي غَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ تَطَوُّعًا أَوْ غَيْرَهُ يَعْنِي إلَّا مَا عَطِبَ مِنْ هَدْيِ التَّطَوُّعِ فَيَذْبَحُهُ فِي مَحَلِّ عَطَبِهِ كَمَا تَقَدَّمَ ا هـ ، وَيَجُوزُ الذَّبْحُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ شَاءَ مِنْ الْحَرَمِ وَلَا يَخْتَصُّ بِمِنًى وَمِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ لَا يَجُوزُ إلَّا بِمِنًى وَالصَّحِيحُ مَا قُلْنَا كَذَا فِي الْفَتْحِ وَقَوْلُ الْكَمَالِ أَوْ غَيْرِهِ أَيْ غَيْرِ التَّطَوُّعِ كَالْهَدْيِ الْمَنْذُورِ بِخِلَافِ الْبَدَنَةِ الْمَنْذُورَةِ فَإِنَّهَا لَا تَتَقَيَّدُ بِالْحَرَمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ ذَبْحُهَا فِي غَيْرِ الْحَرَمِ قِيَاسًا عَلَى الْهَدْيِ الْمَنْذُورِ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ كَذَا فِي الْبَحْرِ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ نَحْرَ الْمَنْذُورَةِ بِمَكَّةَ فَتَتَقَيَّدُ بِالْحَرَمِ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْكَافِي وَتَحَصَّلَ أَنَّ الدِّمَاءَ قِسْمَانِ مَا يَخْتَصُّ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَمَا يَخْتَصُّ بِالْمَكَانِ فَقَطْ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْمُرَادُ دِمَاءُ الْحَجِّ وَإِنَّمَا حَمَلْت كَلَامَهُ عَلَى دِمَاءِ الْحَجِّ ؛ لِأَنَّ الدِّمَاءَ أَرْبَعَةٌ مَا يَخْتَصُّ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ كَدَمِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ وَمَا يَخْتَصُّ بِالْمَكَانِ وَهُوَ مَا بَقِيَ مِنْ دِمَاءِ الْحَجِّ وَالْهَدَايَا الْمَنْذُورَةِ وَالْمُتَطَوَّعِ بِهَا إلَى مَا عَطِبَ مِنْ

التَّطَوُّعِ وَمَا يَخْتَصُّ بِالزَّمَانِ كَدَمِ الْأَضَاحِيِّ وَمَا لَا يَخْتَصُّ بِزَمَانٍ وَلَا مَكَان كَدَمِ الْعَقِيقَةِ وَالْوَكِيرَةِ ( قَوْلُهُ : لَا يَتَعَيَّنُ فَقِيرُ الْحَرَمِ لِصَدَقَتِهِ ) أَقُولُ إلَّا أَنَّ مَسَاكِينَ الْحَرَمِ أَفْضَلُ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرُهُمْ أَحْوَجَ مِنْهُمْ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ ( قَوْلُهُ : رَبْطُ وَغَيْرَهُمَا مَتَى شَاءَ إلَى مَا قَبْلَهُ مُحْتَاجٌ إلَى تَكَلُّفٍ وَاعْتِسَافٍ ) هَذَا إذَا تَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ فِي غَيْرِهِمَا تَعَيَّنَ فَلَا يُنَاسِبُهُ مَتَى شَاءَ ، وَأَمَّا إذَا قُدِّرَ لَهُ عَامِلٌ يُنَاسِبُهُ كَذَبْحٍ فَلَا اعْتِسَافَ كَمَا فِي قَوْلِ الْقَائِلِ وَزَجَّجْنَا الْحَوَاجِبَ وَالْعَيُونَا أَيْ كَحَّلْنَا وَعَلَفْتهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا أَيْ سَقَيْتهَا ( قَوْلُهُ : وَتَصَدَّقَ بِجُلِّهِ وَخِطَامِهِ ) الْجُلُّ مَا يُلْبَسُ عَلَى الدَّابَّةِ اتِّقَاءَ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ وَالْخِطَامُ الزِّمَامُ وَهُوَ مَا يُجْعَلُ فِي أَنْفِ الْبَعِيرِ ، وَإِذَا وَلَدَتْ الْبَدَنَةُ بَعْدَمَا اشْتَرَاهَا لِهَدْيِهِ ذَبَحَ وَلَدَهَا مَعَهَا ، وَلَوْ بَاعَ الْوَلَدَ عَلَيْهِ قِيمَتُهُ فَإِنْ اشْتَرَى بِهَا هَدْيًا فَحَسَنٌ وَإِنْ تَصَدَّقَ بِهَا فَحَسَنٌ اعْتِبَارًا لِلْقِيمَةِ بِالْوَلَدِ فَإِنَّ الْأَفْضَلَ أَنْ يُذْبَحَ ، وَلَوْ تَصَدَّقَ بِهِ كَذَلِكَ أَجْزَأَهُ فَكَذَلِكَ بِالْقِيمَةِ كَذَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَ جَزَّارٍ مِنْهُ ) فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَ ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافُ اللَّحْمِ أَوْ مُعَاوَضَةً ، وَلَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ جَازَ كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : وَلَا يَرْكَبُهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ ) قَالَ فِي الْبَحْرِ صَرَّحَ فِي الْمُحِيطِ بِأَنَّ رُكُوبَهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ حَرَامٌ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا كَرَاهَةَ تَحْرِيمٍ ؛ لِأَنَّ الدَّلِيلَ لَيْسَ قَطْعِيًّا وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ لَا يَحْمِلُ عَلَيْهِ أَيْضًا وَإِلَى أَنَّهُ لَوْ رَكِبَ أَوْ حَمَلَ فَنَقَصَتْ ضَمِنَ مَا نَقَصَ وَيَتَصَدَّقُ بِهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ دُونَ الْأَغْنِيَاءِ وَأَطْلَقَهُ أَيْ الْهَدْيَ فَشَمِلَ مَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهُ وَمَا لَا يَجُوزُ لِصَاحِبِهِ وَالْأَغْنِيَاءِ

وَإِنَّمَا جَازَ لَهُ الرُّكُوبُ حَالَةَ الضَّرُورَةِ لِمَا .
رَوَاهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ مَرْفُوعًا { ارْكَبْهَا بِالْمَعْرُوفِ إذَا لَجَئْت إلَيْهَا حَتَّى تَجِدَ ظَهْرًا } ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ أَنَّهَا إنْ نَقَصَتْ بِرُكُوبِهِ لِضَرُورَةٍ فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ا هـ .
( قُلْت ) الْمُصَرَّحُ بِهِ خِلَافُهُ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَمَنْ سَاقَ بَدَنَةً فَاضْطُرَّ إلَى رُكُوبِهَا فَإِنْ رَكِبَهَا أَوْ حَمَلَ عَلَيْهَا مَتَاعَهُ وَنَقَصَ مِنْهَا شَيْءٌ ضَمِنَ النُّقْصَانَ وَتَصَدَّقَ بِهِ وَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْهَا لَمْ يَرْكَبْهَا ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَوْجَبَهَا بِالسَّوْقِ وَبِالرُّكُوبِ يَصِيرُ كَالْمُرْتَجِعِ لَهَا ا هـ ، وَكَذَا صَرَّحَ الْبُرْجَنْدِيُّ بِقَوْلِهِ وَلَا يَرْكَبُ إلَّا لِضَرُورَةٍ بِأَنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ الْمَشْيِ ، وَإِذَا رَكِبَهَا وَانْتَقَصَ بِرُكُوبِهِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ ا هـ ، وَكَذَا صَرَّحَ فِي الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ وَإِنْ اسْتَغْنَى عَنْ ذَلِكَ لَمْ يَرْكَبْهَا إلَّا أَنْ يَحْتَاجَ إلَى رُكُوبِهَا لِمَا رُوِيَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يَسُوقُ بَدَنَةً فَقَالَ ارْكَبْهَا وَيْلَك } وَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ كَانَ عَاجِزًا مُحْتَاجًا ، وَلَوْ رَكِبَهَا فَانْتَقَصَ بِرُكُوبِهِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُ مَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ ا هـ .
وَمِثْلُهُ فِي كَافِي النَّسَفِيِّ وَمِثْلُهُ فِي الْفَتْحِ عَنْ كَافِي الْحَاكِمِ قَالَ فَإِنْ رَكِبَهَا أَوْ حَمَلَ مَتَاعَهُ عَلَيْهَا لِلضَّرُورَةِ ضَمِنَ مَا نَقَصَهَا ذَلِكَ يَعْنِي إنْ نَقَصَهَا ذَلِكَ ضَمِنَهُ ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَلَا يَحْلُبُ لَبَنَهُ وَيُعَالِجُ لِقَطْعِهِ ) هَذَا إذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ وَقْتِ الذَّبْحِ فَإِنْ كَانَ بَعِيدًا يَحْلُبُهَا وَيَتَصَدَّقُ بِلَبَنِهَا كَيْ لَا يَضُرَّ ذَلِكَ بِهَا وَإِنْ صَرَفَهُ إلَى حَاجَةِ نَفْسِهِ تَصَدَّقَ بِمِثْلِهِ أَوْ بِقِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ ( قَوْلُهُ : يَنْضَحُ ضَرْعُهُ بِمَاءٍ بَارِدٍ ) النَّضْحُ الرَّشُّ وَنَضَحَ يَنْضِحُ بِكَسْرِ الضَّادِ مِنْ بَابِ ضَرَبَ كَمَا فِي الْفَتْحِ .
وَفِي الْبَحْرِ عَنْ

الْمِصْبَاحِ الْمُنِيرِ يَنْضَحُ مِنْ بَابَيْ ضَرَبَ وَنَفَعَ فَعَلَى هَذَا تُكْسَرُ ضَادُهُ وَتُفْتَحُ ا هـ .
وَقَالَ فِي الْكَنْزِ وَيَنْضِحُ ضَرْعَهَا بِالنُّقَاخِ بِالنُّونِ الْمَضْمُومَةِ وَالْقَافِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ الْمَاءُ الْعَذْبُ الَّذِي يَنْفُخُ الْفُؤَادَ بِبَرْدِهِ كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَالْمُغْرِبِ فَفِيهِ زِيَادَةٌ عَنْ لَفْظِ الْمَاءِ الْبَارِدِ وَهُوَ كَوْنُهُ عَذْبًا

( مَا عَطِبَ أَوْ تَعَيَّبَ بِفَاحِشٍ فَفِي وَاجِبِهِ إبْدَالُهُ وَالْمَعِيبُ لَهُ وَفِي نَقْلِهِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَنَحَرَ بَدَنَةَ النَّفْلِ إنْ عَطِبَتْ ) أَيْ قَرُبَتْ إلَى الْهَلَاكِ ( فِي الطَّرِيقِ وَصَبَغَ نَعْلَهَا ) أَيْ قِلَادَتَهَا ( بِدَمِهَا وَضَرَبَ بِهِ صَفْحَةَ سَنَامِهَا لِيَأْكُلَ الْفَقِيرُ فَلَوْ شَهِدُوا بِوُقُوفِهِمْ بَعْدَ وَقْتِهِ لَا تُقْبَلُ وَلَوْ ) شَهِدُوا بِوُقُوفِهِمْ ( قَبْلَهُ ) أَيْ قَبْلَ وَقْتِهِ ( قُبِلَتْ إنْ أَمْكَنَ التَّدَارُكُ ) يَعْنِي أَنَّهُمْ وَقَفُوا فِي يَوْمٍ وَشَهِدَ قَوْمٌ بِأَنَّهُمْ وَقَفُوا بَعْدَ يَوْمِ الْوُقُوفِ أَيْ وَقَفُوا يَوْمَ النَّحْرِ لَا تُقْبَلُ وَيُجْزِيهِمْ حَجُّهُمْ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُجْزِيَهُمْ ؛ لِأَنَّهُ عُرِفَ عِبَادَةً مُخْتَصًّا بِزَمَانٍ وَمَكَانٍ فَلَا يَكُونُ عِبَادَةً بِدُونِهِمَا فَصَارَ كَمَا لَوْ وَقَفُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ أَوْ فِي غَيْرِ عَرَفَاتٍ ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ عَلَى النَّفْيِ ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُمْ نَفْيُ حَجِّهِمْ فَلَا تُقْبَلُ ؛ وَلِأَنَّ الِاحْتِرَازَ عَنْ الْخَطَإِ غَيْرُ مُمْكِنٍ وَالتَّدَارُكُ مُتَعَذِّرٌ وَفِي الْأَمْرِ بِالْإِعَادَةِ حَرَجٌ ظَاهِرٌ فَوَجَبَ أَنْ يُكْتَفَى بِهِ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَفُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فَإِنَّ التَّدَارُكَ مُمْكِنٌ

( قَوْلُهُ : أَوْ تَعَيَّبَ بِفَاحِشٍ ) هُوَ مَا يَكُونُ مَانِعًا مِنْ الْأُضْحِيَّةِ ( قَوْلُهُ : لِيَأْكُلَ الْفَقِيرُ فَقَطْ ) تَقَدَّمَ تَوْجِيهُهُ ( قَوْلُهُ : شَهِدُوا بِوُقُوفِهِمْ بَعْدَ وَقْتِهِ لَا تُقْبَلُ ) كَذَلِكَ لَوْ شَهِدُوا فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي هُمْ بِهَا فِي مِنًى مُتَوَجِّهِينَ إلَى عَرَفَاتٍ أَنَّ الْيَوْمَ الَّذِي خَرَجْنَا بِهِ مِنْ مَكَّةَ الْمُسَمَّى بِيَوْمِ التَّرْوِيَةِ كَانَ التَّاسِعَ لَا الثَّامِنَ وَلَا يُمْكِنُ لَلْإِمَامَ الْوُقُوفُ بِأَنْ يَسِيرَ إلَى عَرَفَاتٍ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ لِيَقِفَ لَيْلَةَ النَّحْرِ بِالنَّاسِ أَوْ أَكْثَرِهِمْ لَمْ يُعْمَلْ بِهَا وَيَقِفُ مِنْ الْغَدِ بَعْدَ الزَّوَالِ ؛ لِأَنَّهُمْ وَإِنْ شَهِدُوا عَشِيَّةَ عَرَفَةَ لَكِنْ لَمَّا تَعَذَّرَ الْوُقُوفُ فِيمَا بَقِيَ مِنْ اللَّيْلِ صَارَ كَشَهَادَتِهِمْ بَعْدَ الْوَقْتِ وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ يُمْكِنُهُ الْوُقُوفُ فِي اللَّيْلِ مَعَ النَّاسِ أَوْ أَكْثَرِهِمْ وَلَا يُدْرِكُهُ ضَعَفَةُ النَّاسِ لَزِمَهُ الْوُقُوفُ فَإِنْ لَمْ يَقِفْ فَاتَ حَجُّهُ لِتَرْكِ الْوُقُوفِ فِي وَقْتِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ وَلَا يَجُوزُ وُقُوفُ الشُّهُودِ قَبْلَ الْإِمَامِ اعْتِمَادًا عَلَى مَا عِنْدَهُمْ وَعَلَيْهِمْ إعَادَتُهُ مَعَ الْإِمَامِ ، وَكَذَا لَوْ أَخَّرَ الْإِمَامُ الْوُقُوفَ لِمَعْنًى يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ لَمْ يَجُزْ وُقُوفُ مَنْ وَقَفَ قَبْلَهُ لِعَدَمِ وُقُوعِهِ فِي وَقْتِهِ شَرْعًا ؛ لِأَنَّ الْوُقُوفَ وَقْتُهُ شَرْعًا هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي وَقَفَ فِيهِ النَّاسُ عَلَى اعْتِقَادِ أَنَّهُ التَّاسِعُ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { صَوْمُكُمْ يَوْمَ تَصُومُونَ وَفِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ وَعَرَفَتُكُمْ يَوْمَ تُعَرِّفُونَ وَأَضْحَاكُمْ يَوْمَ تُضَحُّونَ } أَيْ وَقْتَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى الْيَوْمُ الَّذِي يَقِفُ فِيهِ النَّاسُ عَنْ اجْتِهَادٍ وَرَأَى أَنَّهُ يَوْمَ عَرَفَةَ كَمَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ : وَلَوْ شَهِدُوا بِوُقُوفِهِمْ قَبْلَهُ قُبِلَتْ إنْ أَمْكَنَ التَّدَارُكُ ) قَالَ الْكَمَالُ رَحِمَهُ اللَّهُ الْكَلَامُ فِي تَصْوِيرِ ذَلِكَ وَلَا شَكَّ أَنَّ وُقُوفَهُمْ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ

عَلَى أَنَّهُ التَّاسِعُ لَا يُعَارِضُهُ شَهَادَةُ مَنْ شَهِدَ أَنَّهُ الثَّامِنُ ؛ لِأَنَّ اعْتِقَادَهُ الثَّامِنَ إنَّمَا يَكُونُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ أَوَّلَ ذِي الْحِجَّةِ ثَبَتَ بِإِكْمَالِ عِدَّةِ ذِي الْقَعْدَةِ وَاعْتِقَادُ أَنَّهُ التَّاسِعُ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ رُوِيَ قَبْلَ الثَّلَاثِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ فَهَذِهِ شَهَادَاتٌ عَلَى الْإِثْبَاتِ ، وَالْقَائِلُونَ إنَّهُ الثَّامِنُ حَاصِلُ مَا عِنْدَهُمْ نَفْيٌ مَحْضٌ وَهُوَ أَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ وَرَآهُ الَّذِينَ شَهِدُوا وَهِيَ شَهَادَةٌ لَا مُعَارِضَ لَهَا ا هـ .
وَقَالَ الشَّيْخُ زَيْنٌ بَعْدَ نَقْلِهِ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى خِلَافِ مَا وَقَفَ النَّاسُ لَا يَثْبُتُ بِهَا شَيْءٌ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ وَهُوَ إنَّمَا يَتِمُّ أَنْ لَوْ انْحَصَرَ التَّصْوِيرُ فِيمَا ذَكَرَهُ أَيْ الْكَمَالُ ، بَلْ صُورَتُهُ لَوْ وَقَفَ الْإِمَامُ بِالنَّاسِ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهُ الْيَوْمُ التَّاسِعُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَشَهِدَ قَوْمٌ أَنَّهُ الْيَوْمُ الثَّامِنُ فَقَدْ تَبَيَّنَ خَطَؤُهُ وَالتَّدَارُكُ مُمْكِنٌ فَهِيَ شَهَادَةٌ لَا مُعَارِضَ لَهَا وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ ، وَلَوْ وَقَفُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ لَمْ يُجْزِهِمْ وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ عُلِمَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ تَحْتَاجُ إلَى تَفْصِيلٍ وَلَا بِدْعَ فِيهِ ، بَلْ هُوَ مُتَعَيِّنٌ ا هـ .
( قُلْت ) يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ حَمْلُ الْإِمَامِ عَلَى الْوُقُوفِ بِمُجَرَّدِ الظَّنِّ مُسْتَحِيلٌ فِي هَذَا الْمَوْقِفِ الْعَظِيمِ وَقَالُوا غَلَبَةُ الظَّنِّ مُنَزَّلَةٌ مَنْزِلَةَ الْيَقِينِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ .
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ نَقْلًا عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ لَا يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَقْبَلَ فِي هَذَا شَهَادَةَ الِاثْنَيْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ا هـ .
وَقَالَ فِي الْكَافِي قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ لَا يَسْمَعَ هَذِهِ الشَّهَادَةَ وَيَقُولُ قَدْ تَمَّ حَجُّ النَّاسِ وَلَا رِفْقَ فِي شَهَادَتِكُمْ لَهُمْ ، بَلْ فِيهِ تَهْيِيجُ الْفِتْنَةِ وَالْفِتْنَةُ نَائِمَةٌ لَعَنَ

اللَّهُ مَنْ أَيْقَظَهَا ( قَوْلُهُ : وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ عَلَى النَّفْيِ ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ .
وَقَالَ الْكَمَالُ لَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّهَا قَامَتْ عَلَى الْإِثْبَاتِ حَقِيقَةً وَهِيَ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ فِي لَيْلَةٍ قَبْلَ رُؤْيَةِ أَهْلِ الْمَوْقِفِ وَتَمَامِهِ فِيهِ ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَفُوا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فَإِنَّ التَّدَارُكَ مُمْكِنٌ ) عَلِمْت مَا فِيهِ

( رَمَى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي ) مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ ( الْجَمْرَةَ الْوُسْطَى وَالثَّالِثَةَ ) وَتَرَكَ الْأُولَى ( فَإِنْ ) قَصَدَ التَّكْمِيلَ وَ ( رَمَى الْأُولَى ) فَقَطْ ( جَازَ ) لِحُصُولِ الْكُلِّ ، وَلَوْ بِلَا تَرْتِيبٍ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ ( أَوْ ) رَمَى ( الْكُلَّ بِالتَّرْتِيبِ حَسُنَ ) لِرِعَايَةِ التَّرْتِيبِ الْمَسْنُونِ
( قَوْلُهُ : لِرِعَايَةِ التَّرْتِيبِ الْمَسْنُونِ ) وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ جَمْرَةٍ قُرْبَةٌ مَقْصُودَةٌ بِنَفْسِهَا فَلَا يَتَعَلَّقُ الْجَوَازُ بِتَقْدِيمِ الْبَعْضِ عَلَى الْبَعْضِ بِخِلَافِ السَّعْيِ ؛ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِلطَّوَافِ وَبِخِلَافِ الْمَرْوَةِ فَإِنَّ الْبُدَاءَةَ مِنْ الصَّفَا ثَبَتَ بِالنَّصِّ وَهُوَ قَوْلُهُ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { ابْدَءُوا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ } ، وَأَمَّا التَّرْتِيبُ الْوَاقِعُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَمَرَاتِ فَمَحْمُولٌ عَلَى السُّنَّةِ إذْ مُجَرَّدُ الْفِعْلِ لَا يُفِيدُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ كَمَا فِي الْفَتْحِ

( نَذَرَ حَجًّا مَشْيًا مَشَى حَتَّى يَطُوفَ الْفَرْضَ ) يَعْنِي أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا فَإِنَّهُ لَا يَرْكَبُ حَتَّى يَطُوفَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ

( قَوْلُهُ : فَإِنَّهُ لَا يَرْكَبُ حَتَّى يَطُوفَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ ) أَيْ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَرْكَبَ حَتَّى يَطُوفَ طَوَافَ الزِّيَارَةِ وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَخَيَّرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ بَيْنَ الرُّكُوبِ وَالْمَشْيِ بَعْدَ النَّذْرِ ؛ لِأَنَّ الْحَجَّ مَاشِيًا مَكْرُوهٌ وَرَاكِبًا أَفْضَلُ ، وَجْهُ رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَنَّ مَنْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا عَلَى وَجْهِ الْكَمَالِ لَا يَتَأَدَّى نَاقِصًا وَالْمَشْيُ فِي الْحَجِّ صِفَةٌ كَمَال قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ حَجَّ مَاشِيًا فَلَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ حَسَنَةٌ مِنْ حَسَنَاتِ الْحَرَمِ قِيلَ مَا حَسَنَاتُ الْحَرَمِ قَالَ كُلُّ حَسَنَةٍ بِسَبْعِمِائَةٍ } وَالْمَشْيُ الْوَاجِبُ لَهُ نَظِيرٌ فِي الشَّرْعِ الْمَكِّيِّ الْفَقِيرُ إذَا أَمْكَنَهُ الْمَشْيُ إلَى عَرَفَاتٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ مَاشِيًا ، وَكَذَا الطَّوَافُ وَمَا كَرِهَ الْإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ الْمَشْيَ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا كَرِهَهُ إذَا كَانَ مَظِنَّةَ سُوءِ الْخُلُقِ كَأَنْ يَكُونَ صَائِمًا مَعَ الْمَشْيِ أَوْ مِمَّنْ لَا يُطِيقُ الْمَشْيَ ، فَيَكُونُ سَبَبًا لِلْإِثْمِ فِي مُجَادَلَةِ الرَّفِيقِ وَالْخُصُومَةِ وَإِلَّا فَلَا شَكَّ أَنَّ الْمَشْيَ أَفْضَلُ فِي نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى التَّوَاضُعِ وَالتَّذَلُّلِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَمَّا كُفَّ بَصَرُهُ مَا أَسِفْت عَلَى شَيْءٍ كَأَسَفِي عَلَى أَنْ لَمْ أَحُجَّ مَاشِيًا فَإِنَّ اللَّهَ قَدَّمَ الْمُشَاةَ فَقَالَ تَعَالَى { يَأْتُوك رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ } مِنْ الْعِنَايَةِ وَفَتْحِ الْقَدِيرِ ( تَنْبِيهٌ ) لَمْ يَذْكُرْ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ أَيِّ مَحَلٍّ يُبْتَدَأُ بِالْمَشْيِ وَالْكَمَالُ قَالَ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي مَحَلِّ وُجُوبِ ابْتِدَاءِ الْمَشْيِ ؛ لِأَنَّ مُحَمَّدًا لَمْ يَذْكُرْهُ قِيلَ مِنْ الْمِيقَاتِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مِنْ بَيْتِهِ ؛ لِأَنَّهُ الْمُرَادُ عُرْفًا ا هـ .
وَلَمْ يَذْكُرْ أَيْضًا حُكْمَ مَا لَوْ رَكِبَ ، وَقَالَ فِي كَافِي النَّسَفِيِّ إنْ رَكِبَ فِي الْكُلِّ أَرَاقَ دَمًا ، وَكَذَا إنْ رَكِبَ فِي الْأَكْثَرِ وَإِنْ رَكِبَ فِي الْأَقَلِّ تَصَدَّقَ

بِقَدْرِهِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّمَا يَرْكَبُ إذَا بَعُدَتْ الْمَسَافَةُ وَشَقَّ الْمَشْيُ فَإِذَا قَرُبَتْ وَهُوَ مِمَّنْ يَعْتَادُ الْمَشْيَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَرْكَبَ

( اشْتَرَى جَارِيَةً أَحْرَمَتْ بِالْإِذْنِ ) أَيْ إذْنِ مَوْلَاهَا حَتَّى لَوْ أَحْرَمَتْ بِدُونِهِ لَا تَكُونُ مُحْرِمَةً ( لَهُ ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي ( أَنْ يُحَلِّلَهَا بِقَصِّ شَعْرٍ أَوْ قَلْمِ ظُفْرٍ فَيُجَامِعُهَا وَهُوَ أَوْلَى مِنْ التَّحْلِيلِ بِالْجِمَاعِ ) تَعْظِيمًا لِأَمْرِ الْحَجِّ

( قَوْلُهُ : حَتَّى لَوْ أَحْرَمَتْ بِدُونِهِ لَا تَكُونُ مُحْرِمَةً ) سَهْوٌ وَالصَّوَابُ أَنَّهَا تَكُونُ مُحْرِمَةً ، وَلَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهَا الْمَوْلَى قَالَ فِي الْكَافِي إنَّ الْإِذْنَ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِبَقَاءِ الْإِحْرَامِ لَا لِلِابْتِدَاءِ فَإِنَّهَا لَوْ أَحْرَمَتْ بِغَيْرِ إذْنٍ صَحَّ وَلَهُ أَنْ يُحَلِّلَهَا .
وَقَالَ الْكَمَالُ الْأَصْلُ أَنَّ الْعَبْدَ وَالْأَمَةَ إذَا أَحْرَمَ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ الْمَوْلَى فَلَهُ أَنْ يَمْنَعَهُ وَيُحَلِّلَهُ بِلَا هَدْيٍ وَذَلِكَ بِأَنْ يَصْنَعَ بِهِ أَدْنَى مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ بِالْإِحْرَامِ كَقَلْمِ ظُفْرٍ وَنَحْوِهِ وَعَلَيْهِ بَعْدَ الْعِتْقِ هَدْيُ الْإِحْصَارِ وَحَجَّةٌ وَعُمْرَةٌ إنْ كَانَ الْإِحْرَامُ بِحَجَّةٍ وَإِنْ أَحْرَمَ بِإِذْنِ الْمَوْلَى كُرِهَ لَهُ تَحْلِيلُهُ ، وَلَوْ حَلَّلَهُ حَلَّ ا هـ .
وَكَذَا مِثْلُهُ فِي الْبَدَائِعِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي الْإِحْصَارِ وَغَيْرِ مَا كِتَابٍ ، وَذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ الْمَسْأَلَةَ كَمَا هِيَ فِي مَتْنِ الْمُصَنِّفِ ، وَقَالَ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يُحَلِّلَهَا وَيُجَامِعَهَا .
وَقَالَ زُفَرُ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ هَذَا عَقْدٌ سَبَقَ مِلْكُهُ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ فَسْخِهِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى مَنْكُوحَةً وَلَنَا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ قَائِمٌ مَقَامَ الْبَائِعِ ، وَقَدْ كَانَ لِلْبَائِعِ أَنْ يُحَلِّلَهَا فَكَذَا الْمُشْتَرِي إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ ذَلِكَ لِلْبَائِعِ لِمَا فِيهِ مِنْ خُلْفِ الْوَعْدِ ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَمْ يُوجَدْ فِي حَقِّ الْمُشْتَرِي ا هـ .
وَفِي الْمَسْأَلَةِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ التَّحْلِيلُ بِقَوْلِهِ حَلَلْتُك ، بَلْ بِفِعْلِهِ أَوْ بِفِعْلِهَا بِأَمْرِهِ كَالِامْتِشَاطِ بِأَمْرِهِ بِقَصْدِ التَّحْلِيلِ ، وَلَوْ جَامَعَ زَوْجَتَهُ الَّتِي أَحْرَمَتْ بِنَفْلٍ أَوْ أَمَتَهُ الْمُحْرِمَةَ وَلَا يَعْلَمُ بِإِحْرَامِهَا أَوْ عَلِمَ وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ التَّحْلِيلَ لَمْ يَكُنْ تَحْلِيلًا ، وَقَدْ فَسَدَ حَجُّهَا ، وَلَوْ حَلَّلَهَا فَأَحْرَمَتْ فَحَلَّلَهَا فَأَحْرَمَتْ هَكَذَا مِرَارًا ، ثُمَّ حَجَّتْ مِنْ عَامِهَا أَجْزَأَهَا عَنْ كُلِّ التَّحْلِيلَاتِ ، وَلَوْ لَمْ تَحُجَّ إلَّا مِنْ قَابِلٍ

كَانَ عَلَيْهَا لِكُلِّ تَحْلِيلٍ عُمْرَةٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَهَذَا آخِرُ مَا أَوْرَدْنَاهُ فِي رُبْعِ الْعِبَادَاتِ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَوْفَرِ مِنَّتِهِ وَالْهِبَاتِ وَاَللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَسْأَلُ وَبِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَوَسَّلُ أَنْ يَنْفَعَنِي وَالْمُسْلِمِينَ بِهِ النَّفْعَ الْعَمِيمَ وَأَنْ يَصُونَهُ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ أُعِيذُهُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إذَا وَقَبَ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ

{ كِتَابُ الْأُضْحِيَّةِ .
وَجْهُ مُنَاسَبَةِ هَذَا الْكِتَابِ بِكِتَابِ الْحَجِّ وُقُوعُ الْأُضْحِيَّةِ فِي أَيَّامِهِ وَهِيَ اسْمٌ لِمَا يُضَحَّى بِهَا وَتُجْمَعُ عَلَى أَضَاحِيَّ عَلَى وَزْنِ أَفَاعِلَ مِنْ أَضْحَى يُضْحِي إذَا دَخَلَ فِي الضُّحَى وَيُسَمَّى مَا يُذْبَحُ أَيَّامَ النَّحْرِ بِذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ يُذْبَحُ وَقْتَ الضُّحَى تَسْمِيَةً لَهُ بِاسْمِ وَقْتِهِ وَفِي الشَّرْعِ اسْمٌ لِحَيَوَانٍ مَخْصُوصٍ بِسِنٍّ مَخْصُوصٍ يُذْبَحُ بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ فِي يَوْمٍ مَخْصُوصٍ عِنْدَ وُجُودِ شَرَائِطِهَا وَسَبَبِهَا ، وَشَرَائِطُهَا الْإِسْلَامُ وَالْإِقَامَةُ وَالْيَسَارُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ ، وَسَبَبُهَا الْوَقْتُ وَهُوَ أَيَّامُ النَّحْرِ وَرُكْنُهَا ذَبْحُ مَا يَجُوزُ ذَبْحُهَا ( هِيَ شَاةٌ مِنْ فَرْدٍ ) أَيْ مِنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ لَا يَجُوزُ مِنْهُ أَقَلُّ مِنْ شَاةٍ ( وَبَدَنَةٌ ) هِيَ بَعِيرٌ ( أَوْ بَقَرَةٌ ) كَمَا مَرَّ ( مِنْهُ ) أَيْ مِنْ وَاحِدٍ ( إلَى سَبْعَةٍ ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ الْبَدَنَةُ كُلُّهَا إلَّا عَنْ وَاحِدٍ ؛ لِأَنَّ الْإِرَاقَةَ قُرْبَةٌ وَاحِدَةٌ وَهِيَ لَا تَتَجَزَّأُ إلَّا أَنَّا تَرَكْنَاهُ بِالْأَثَرِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ { جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ وَالْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ } وَلَا نَصَّ فِي الشَّاةِ فَبَقِيَتْ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ وَتَجُوزُ عَنْ سِتَّةٍ أَوْ خَمْسَةٍ أَوْ ثَلَاثَةٍ ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ وَإِنَّمَا تَجُوزُ عَنْ سَبْعَةٍ ( إنْ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمْ أَقَلُّ مِنْ سُبْعٍ ) حَتَّى إذَا مَاتَ رَجُلٌ وَتَرَكَ ابْنًا وَامْرَأَةً وَبَقَرَةً وَضَحَّيَا بِهَا لَمْ تَجُزْ فِي نَصِيبِ الِابْنِ أَيْضًا لِفَوَاتِ وَصْفِ الْقُرْبَةِ فِي الْبَعْضِ وَعَدَمِ تَجَزِّي هَذَا الْفِعْلُ فِي كَوْنِهِ قُرْبَةً كَذَا فِي الْكَافِي ( وَصَحَّ ) لِوَاحِدٍ ( إشْرَاكُ سِتَّةٍ ) أَيْ جَعْلُهُمْ شُرَكَاءَ لَهُ ( فِي بَدَنَةٍ مَشْرِيَّةٍ ) اشْتَرَاهَا ذَلِكَ الْوَاحِدُ ( لِأُضْحِيَّةٍ ) اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ ؛ لِأَنَّهُ أَعَدَّهَا

لِلْقُرْبَةِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ قَدْ يَجِدُ بَقَرَةً سَمِينَةً وَلَا يَجِدُ الشَّرِيكَ وَقْتَ الشِّرَاءِ فَمَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى هَذَا ( وَنُدِبَ كَوْنُهُ ) أَيْ الْإِشْرَاكِ ( قَبْلَ الشِّرَاءِ ) لِيَكُونَ أَبْعَدَ عَنْ الْخِلَافِ ، وَعَنْ صُورَةِ الرُّجُوعُ فِي الْقُرْبَةِ ( وَيُقْسَمُ اللَّحْمُ وَزْنًا لَا جُزَافًا إلَّا إذَا ضُمَّ مَعَهُ مِنْ أَكَارِعِهِ أَوْ جِلْدِهِ ) أَيْ يَكُونُ فِي كُلِّ جَانِبٍ شَيْءٌ مِنْ اللَّحْمِ وَمِنْ الْأَكَارِعِ أَوْ يَكُونُ فِي كُلِّ جَانِبٍ شَيْءٌ مِنْ اللَّحْمِ وَبَعْضُ الْجِلْدِ أَوْ يَكُونُ فِي جَانِبٍ لَحْمٌ وَأَكَارِعُ وَفِي آخَرَ لَحْمٌ وَجِلْدٌ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ صَرْفًا لِلْجِنْسِ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ

( كِتَابُ الْأُضْحِيَّةِ ) ( قَوْلُهُ : وَهِيَ اسْمٌ لِمَا يُضَحَّى بِهَا ) كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ .
وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ الْأُضْحِيَّةُ فِي اللُّغَةِ اسْمٌ لِمَا يُذْبَحُ فِي يَوْمِ الْأَضْحَى ( قَوْلُهُ : وَتُجْمَعُ عَلَى أَضَاحِيَّ ) يَعْنِي بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ .
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ تُجْمَعُ عَلَى أَضَاحِيَّ بِالتَّشْدِيدِ عَلَى أَفَاعِلَ كَالْأَرَاوِيِّ جَمْعُ الْأَرْوِيَةِ وَيُقَالُ ضَحِيَّةٌ وَضَحَايَا كَهَدِيَّةٍ وَهَدَايَا وَيُقَالُ أَضْحَاةٌ وَتُجْمَعُ عَلَى أَضْحَى كَأَرْطَاةٍ وَأَرْطَى ا هـ .
وَقَالَ الْفَرَّاءُ الْأَضْحَى يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَفِيهَا ثَمَانِ لُغَاتٍ ضَمُّ الْهَمْزِ مَعَ تَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا وَكَسْرِ الْهَمْزَةِ مَعَ تَشْدِيدِ الْيَاءِ وَتَخْفِيفِهَا وَمَعَ حَذْفِ الْهَمْزَةِ لُغَتَانِ فَتْحُ الضَّادِ وَكَسْرُهَا وَأَضْحَاةٌ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا ا هـ نَقَلَهَا الشَّيْخُ نُورُ الدِّينِ الزِّيَادِيُّ الشَّافِعِيُّ فِي حَاشِيَتِهِ ( قَوْلُهُ : فِي يَوْمٍ مَخْصُوصٍ ) الْمُرَادُ بِالْيَوْمِ الْوَقْتُ لِيَشْمَلَ الذَّبْحَ لَيْلًا ( قَوْلُهُ : عِنْدَ وُجُودِ شَرَائِطِهَا ) يَقْتَضِي أَنَّ الْفَقِيرَ وَالْمُسَافِرَ إذَا ذَبَحَهَا لَا تَكُونُ أُضْحِيَّةً شَرْعًا وَفِيهِ تَأَمُّلٌ وَأَيْضًا يَتَكَرَّرُ قَوْلُهُ : عِنْدَ وُجُودِ سَبَبِهَا بِقَوْلِهِ فِي وَقْتٍ ؛ لِأَنَّ الْوَقْتَ هُوَ السَّبَبُ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ فِي الشَّرِيعَةِ عِبَارَةٌ عَنْ ذَبْحِ حَيَوَانٍ مَخْصُوصٍ فِي وَقْتٍ مَخْصُوصٍ ا هـ لَكِنْ يَحْتَاجُ إلَى زِيَادَةِ نِيَّةِ الْقُرْبَةِ ( قَوْلُهُ : وَشَرَائِطُهَا الْإِسْلَامُ وَالْإِقَامَةُ ) سَوَاءٌ الْإِقَامَةُ فِي الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى وَالْأَحْضَارِ وَالْبَوَادِي لِأَهْلِهَا وَلَيْسَ الْمِصْرُ شَرْطًا لِلْوُجُوبِ ، وَذَكَرَ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ لَا تَجِبُ الْأُضْحِيَّةُ عَلَى الْحَاجِّ وَأَرَادَ بِالْحَاجِّ الْمُسَافِرَ ، وَأَمَّا أَهْلُ مَكَّةَ فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ الْأُضْحِيَّةُ وَإِنْ حَجُّوا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ ، وَقَالَ فِي مَبْسُوطِ السَّرَخْسِيِّ .
وَفِي الْأَصْلِ قَالَ هِيَ وَاجِبَةٌ عَلَى أَهْلِ

الْأَمْصَارِ مَا خَلَا الْحَاجَّ وَأَرَادَ بِأَهْلِ الْأَمْصَارِ الْمُقِيمِينَ وَبِالْحَاجِّ الْمُسَافِرِينَ فَأَمَّا أَهْلُ مَكَّةَ فَعَلَيْهِمْ الْأُضْحِيَّةُ وَإِنْ حَجُّوا ا هـ قُلْت فَمَا نَقَلَهُ فِي الْجَوْهَرَةِ عَنْ الْخُجَنْدِيِّ أَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَى الْحَاجِّ إذَا كَانَ مُحْرِمًا وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ ا هـ يُحْمَلُ عَلَى إطْلَاقِ الْأَصْلِ وَيُحْمَلُ كَمَا حَمَلَهُ عَلَى الْمُسَافِرِ ا هـ .
وَمَا قَالَهُ قَاضِي خَانْ ، أَمَّا صِفَتُهَا فَهِيَ وَاجِبَةٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ الْمُوسِرِ الْمُقِيمِ فِي الْأَمْصَارِ دُونَ الْمُسَافِرِ ا هـ لَا يَكُونُ قَيْدًا مُخْرِجًا لِلْمُقِيمِ بِغَيْرِ الْأَمْصَارِ ( تَنْبِيهٌ ) مَا ذُكِرَ مِنْ الشَّرَائِطِ شَرَائِطُ وُجُوبِهَا وَشَرَائِطُ صِحَّتِهَا تُعْلَمُ مِنْ بَاقِي كَلَامِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ الْحُرِّيَّةَ صَرِيحًا لِعِلْمِهَا مِنْ قَوْلِهِ وَالْيَسَارُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْعَقْلَ وَالْبُلُوغَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْخِلَافِ ، ثُمَّ إنَّهَا تَجِبُ فِي وَقْتِهَا مُوَسَّعًا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينِ جُزْءٍ مِنْهُ كَوَقْتِ الصَّلَاةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْأَقَاوِيلِ حَتَّى إذَا صَارَ أَهْلًا فِي آخِرِهِ بِأَنْ أَسْلَمَ أَوْ أَعْتَقَ أَوْ أَيْسَرَ أَوْ أَقَامَ فِي آخِرِهِ يَجِبُ وَبِعَكْسِهِ لَا كَمَا يَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ ، وَلَوْ ضَحَّى فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَهُوَ فَقِيرٌ ، ثُمَّ أَيْسَرَ فِي آخِرِهِ عَلَيْهِ إعَادَتُهَا هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ .
وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ مَنْ قَالَ لَا يُعِيدُ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَبِهِ نَأْخُذُ ا هـ ، وَلَوْ كَانَ مُوسِرًا فِي جَمِيعِ الْوَقْتِ فَلَمْ يُضَحِّ حَتَّى مَضَى الْوَقْتُ ، ثُمَّ صَارَ فَقِيرًا صَارَتْ قِيمَتُهَا دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ يَتَصَدَّقُ بِهَا مَتَى وَجَدَهَا ، وَلَوْ مَاتَ الْمُوسِرُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ قَبْلَ أَنْ يُضَحِّيَ سَقَطَتْ عَنْهُ وَفِي الْحَقِيقَةِ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْوُجُوبَ عِنْدَ الْأَدَاءِ أَوْ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَلَمْ يُوجَدْ وَهِيَ وَاجِبَةٌ بِالْقُدْرَةِ الْمُمْكِنَةِ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُوسِرَ إذَا اشْتَرَى شَاةً

لِلْأُضْحِيَّةِ فِي أَوَّلِ أَيَّامِ النَّحْرِ وَلَمْ يُضَحِّ حَتَّى مَضَتْ ، ثُمَّ افْتَقَرَ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهَا أَوْ بِعَيْنِهَا وَلَا تَسْقُطُ عَنْهُ الْأُضْحِيَّةُ فَلَوْ كَانَتْ بِالْقُدْرَةِ الْمُيَسَّرَةِ لَكَانَ دَوَامُهَا شَرْطًا كَمَا فِي الزَّكَاةِ وَالْعُشْرِ وَالْخَرَاجِ حَيْثُ يَسْقُطُ بِهَلَاكِ النِّصَابِ وَالْخَارِجِ وَاصْطِلَامُ الزَّرْعِ آفَةٌ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ ( قَوْلُهُ : وَسَبَبُهَا الْوَقْتُ ) لَا نِزَاعَ فِي سَبَبِيَّتِهِ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ أَيَّامُ النَّحْرِ ) مِنْ إضَافَةِ السَّبَبِ إلَى حُكْمِهِ يُقَالُ يَوْمُ الْأَضْحَى كَقَوْلِهِمْ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَيَوْمُ الْعِيدِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ ( قَوْلُهُ : وَرُكْنُهَا
إلَخْ ) كَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَهَا وَهُوَ الْخُرُوجُ عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ فِي الدُّنْيَا وَالْوُصُولُ إلَى الثَّوَابِ بِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْعُقْبَى كَذَا فِي الْعِنَايَةِ ( قَوْلُهُ : إلَى سَبْعَةٍ ) أَيْ مُرِيدِينَ الْقُرْبَةَ وَسَوَاءٌ اتَّفَقَتْ جِهَاتُ الْقُرْبَةِ أَوْ اخْتَلَفَتْ كَأُضْحِيَّةٍ وَجَزَاءِ صَيْدٍ وَإِحْصَارٍ وَكَفَّارَةِ شَيْءٍ أَصَابَهُ فِي الْإِحْرَامِ وَتَطَوُّعٍ وَمُتْعَةٍ وَقِرَانٍ وَعَقِيقَةٍ عَنْ وَلَدٍ وُلِدَ لَهُ مِنْ قَبْلُ كَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ فِي نَوَادِرِ الضَّحَايَا وَلَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا أَرَادَ أَحَدُهُمْ الْوَلِيمَةَ وَهِيَ ضِيَافَةُ التَّزْوِيجِ وَيَنْبَغِي أَنَّهُ يَجُوزُ وَرَوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ كُرِهَ الِاشْتِرَاكُ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْجِهَةِ وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ لَوْ كَانَ هَذَا مِنْ نَوْعٍ وَاحِدٍ لَكَانَ أَحَبَّ إلَيَّ وَهَكَذَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ ، ( قُلْت ) إلَّا أَنَّهُ يُشْكِلُ مَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمْ يُرِيدُ الْعَقِيقَةَ بِمَا قَدَّمَهُ قَبْلَهُ بِنَحْوِ وَرَقَتَيْنِ مِنْ أَنَّ وُجُوبَ الْأُضْحِيَّةِ نَسَخَ كُلَّ دَمٍ كَانَ قَبْلَهَا مِنْ الْعَقِيقَةِ وَالرَّجَبِيَّةِ وَالْعَتِيرَةِ ، وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْعَقِيقَةِ مَنْ شَاءَ فَعَلَ ، وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَفْعَلْ ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى الْإِبَاحَةِ فَيَمْنَعُ كَوْنَهُ سُنَّةً ، وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ

الصَّغِيرِ وَلَا يُعَقُّ عَنْ الْغُلَامِ وَلَا عَنْ الْجَارِيَةِ وَأَنَّهُ أَشَارَ إلَى الْكَرَاهَةِ ؛ لِأَنَّ الْعَقِيقَةَ كَانَتْ فَضْلًا وَمَتَى نُسِخَ الْفَضْلُ لَا تَبْقَى إلَّا الْكَرَاهَةُ ، ثُمَّ قَالَ فِي دَلِيلِنَا رُوِيَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ عَنْ الْعَقِيقَةِ فَقَالَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يُحِبُّ الْعُقُوقَ مَنْ شَاءَ فَلْيَعُقَّ عَنْ الْغُلَامِ شَاتَيْنِ ، وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةً } هَذَا يَنْفِي كَوْنَ الْعَقِيقَةِ سُنَّةً ؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَ الْعَقَّ بِالْمَشِيئَةِ ، وَهَذَا أَمَارَةُ الْإِبَاحَةِ ا هـ .
وَقَوْلُهُ : فِي الْبَدَائِعِ يَنْبَغِي أَنْ تَجُوزَ إذَا كَانَ أَحَدُهُمْ يَرَى الْوَلِيمَةَ يُؤَيِّدُهُ مَا فِي الْمُبْتَغِي مِنْ التَّنْصِيصِ عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ حَيْثُ قَالَ الْوَلِيمَةُ طَعَامُ الْعُرْسِ وَالْخُرْسُ طَعَامُ الْوِلَادَةِ وَالْمَأْدُبَةُ طَعَامُ الْخِتَانِ وَالْوَكِيرَةُ طَعَامُ الْبِنَاءِ وَالْعَقِيقَةُ طَعَامُ الْحَلْقِ وَالنَّقِيعَةُ طَعَامُ الْقَادِمِ وَالْوَضِيمَةُ طَعَامُ التَّعْزِيَةِ وَكُلُّهَا لَيْسَتْ بِسُنَّةٍ إلَّا طَعَامَ الْعُرْسِ فَإِنَّهُ سُنَّةٌ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ } وَيَنْبَغِي أَنْ يَدْعُوَ الْجِيرَانَ وَالْأَقْرِبَاءَ وَالْأَصْدِقَاءَ وَيَصْنَعَ لَهُمْ طَعَامًا وَيَذْبَحَ لَهُمْ وَيَنْبَغِي لِلرَّجُلِ أَنْ يُجِيبَ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ آثِمٌ وَإِنْ كَانَ صَائِمًا أَجَابَ وَدَعَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَائِمًا أَكَلَ ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَتَجُوزُ عَنْ سِتَّةٍ أَوْ خَمْسَةٍ أَوْ ثَلَاثَةٍ ) أَقُولُ ، وَكَذَا عَنْ الِاثْنَيْنِ فِي الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّ نِصْفَ السَّبْعِ يَكُونُ تَبَعًا لِثَلَاثَةِ الْأَسْبَاعِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ وَالْعِنَايَةِ وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِ الْمَشَايِخِ إنَّهُ لَا يَجُوزُ ( قَوْلُهُ : لَمْ يَجُزْ فِي نَصِيبِ الِابْنِ ) اقْتَصَرَ فِي نُسْخَةٍ عَلَى بَيَانِهِ وَإِنْ كَانَ نَصِيبُ الْأُمِّ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ عَدَمُ الْإِجْزَاءِ فِي نَصِيبِهَا بِالْأَوْلَى وَالتَّعْلِيلُ يُرْشِدُ إلَيْهِ وَفِي نُسْخَةٍ إثْبَاتُ لَفْظَةِ أَيْضًا فَهِيَ نَصٌّ فِي

الْحُكْمِ وَمِمَّا يَتَفَرَّعُ عَلَى مِنْوَالِ هَذَا مَا إذَا اشْتَرَكَ سَبْعَةٌ فِي خَمْسِ بَقَرَاتٍ أَوْ أَكْثَرَ فَذَبَحُوهَا أَجْزَأَهُمْ ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ فِي كُلِّ بَقَرَةٍ سُبْعًا ، وَلَوْ اشْتَرَكَ ثَمَانِيَةٌ فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ لَمْ تُجْزِهِمْ ؛ لِأَنَّ كُلَّ بَقَرَةٍ بَيْنَهُمْ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَسْهُمٍ ، فَيَكُونُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْقَصَ مِنْ السُّبْعِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَكَ الثَّمَانِيَةُ فِي ثَمَانِيَةٍ مِنْ الْبَقَرِ لَا تُجْزِيهِمْ ؛ لِأَنَّ كُلَّ بَقَرَةٍ تَكُونُ عَلَى ثَمَانِيَةِ أَسْهُمٍ وَلَا رِوَايَةَ فِي هَذِهِ وَإِنَّمَا هُوَ بِالْقِيَاسِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ ( قَوْلُهُ : وَصَحَّ لِوَاحِدٍ إشْرَاكُ سِتَّةٍ ) مَحْمُولٌ عَلَى الْغِنَى ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَتَعَيَّنْ لِوُجُوبِ التَّضْحِيَةِ بِهَا وَمَعَ ذَلِكَ يُكْرَهُ لَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ خُلْفِ الْوَعْدِ ، وَقَدْ قَالُوا فِي الْغِنَى إذَا اشْتَرَكَ بَعْدَ مَا اشْتَرَاهَا لِلْأُضْحِيَّةِ أَنَّهُ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالثَّمَنِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ مُحَمَّدٌ لِقِصَّةِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ فَكَذَلِكَ هُنَا فَأَمَّا إذَا كَانَ فَقِيرًا فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُشْرِكَ فِيهَا ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَهَا عَلَى نَفْسِهِ بِالشِّرَاءِ لِلْأُضْحِيَّةِ فَتَعَيَّنَتْ لِلْوُجُوبِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ مَا أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ ا هـ ، وَلَكِنْ لَمْ يَجْزِمْ بِكَرَاهَةِ اشْتِرَاكِ الْغَنِيِّ فِي الْهِدَايَةِ ، بَلْ قَالَ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُكْرَهُ الِاشْتِرَاكُ بَعْدَ الشِّرَاءِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَنُدِبَ كَوْنُهُ أَيْ الْإِشْرَاكِ قَبْلَ الشِّرَاءِ ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ الْأَصْلِ ، وَقَالَ فِيهِ أَسْتُحْسِنَ ذَلِكَ أَيْ جَوَازَ الْإِشْرَاكِ بَعْدَ الشِّرَاءِ وَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ أَيْ الْإِشْرَاكَ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا كَانَ أَحْسَنَ ا هـ .
وَتَبِعَهُ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْمَبْسُوطِ فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ عِبَارَتَهُ تُوهِمُ أَنَّهُ ثَابِتٌ بِالسُّنَّةِ وَلَا تُفِيدُهُ عِبَارَتُهُمْ ( قَوْلُهُ : فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ ) أَقُولُ وَنَفَى جَوَازَ قَسْمِ لَحْمِ

الْأُضْحِيَّةِ جُزَافًا بِمَعْنًى لَا يَصِحُّ لَا بِمَعْنًى لَا يَحِلُّ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْعًا حَقِيقِيًّا فَيَقْتَضِي الْحُرْمَةَ بِالْفَضْلِ ، بَلْ إنَّهُ كَهِبَةِ مَشَاعٍ يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ فَلَا يَمْلِكُ الْمَوْهُوبُ لَهُ الْعَيْنَ بِمُجَرَّدِ نَقْضِهِ فَلِلْمَالِكِ نَقْضُ الْقِسْمَةِ حَتَّى إذَا لَمْ أَلْهَبْهَا حَتَّى أَكَلَ اللَّحْمَ تَمَّ الْأَمْرُ وَلَا حُرْمَةَ وَلَا ضَمَانَ لِرِضَا الْمَالِكِ بِإِتْلَافِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ إطْعَامُهُ الْأَغْنِيَاءَ وَغَيْرَهُمْ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي

( وَتَجِبُ ) .
وَفِي الْجَوَامِعِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا سُنَّةٌ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهَا سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَوَجْهُ الْوُجُوبِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : مَنْ وَجَدَ سَعَةً فَلَمْ يُضَحِّ فَلَا يَقْرَبَنَّ مُصَلَّانَا } .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَمِثْلُ هَذَا الْوَعِيدِ لَا يَلْحَقُ إلَّا بِتَرْكِ الْوَاجِبِ ( عَلَى حُرٍّ ) فَإِنَّهَا قُرْبَةٌ مَالِيَّةٌ فَلَا تَتَأَدَّى إلَّا بِالْمِلْكِ وَالْمَالِكُ هُوَ الْحُرُّ ( مُسْلِمٍ ) فَإِنَّ الْقُرْبَةَ لَا تُتَصَوَّرُ إلَّا مِنْ الْمُسْلِمِ ( مُقِيمٍ ) فَإِنْ أَدَاءَهَا يَخْتَصُّ بِأَسْبَابٍ تَشُقُّ عَلَى الْمُسَافِرِ وَتَفُوتُ بِمُضِيِّ الْوَقْتِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ عَنْهُ كَالْجُمُعَةِ ( مُوسِرٍ يَسَارَ الْفِطْرَةِ ) فَإِنَّ الْعِبَادَةَ لَا تَجِبُ إلَّا عَلَى الْقَادِرِ وَهُوَ الْغَنِيُّ وَمِقْدَارُهُ مَا يَجِبُ بِهِ صَدَقَةُ الْفِطْرِ ( لِنَفْسِهِ ) مُتَعَلِّقٌ بِتَجِبُ ( لَا طِفْلِهِ ) أَيْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ لِأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ ؛ لِأَنَّهَا قُرْبَةٌ مَحْضَةٌ وَالْأَصْلُ فِي الْعِبَادَاتِ أَنْ لَا تَجِبَ عَلَى أَحَدٍ بِسَبَبِ غَيْرِهِ بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ فَإِنَّ فِيهَا مَعْنَى الْمُؤْنَةِ ، وَالسَّبَبُ فِيهَا رَأْسٌ يَمُونُهُ وَيَلِي عَلَيْهِ ، وَهَذَا الْمَعْنَى يَتَحَقَّقُ فِي حَقِّ الْوَلَدِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ تَجِبُ عَلَيْهِ لِوَلَدِهِ الصَّغِيرِ ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى نَفْسِهِ ( بَلْ يُضَحِّي أَبُوهُ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ ) أَيْ مِنْ مَالِ الطِّفْلِ ( إنْ كَانَ ) لَهُ مَالٌ ( أَوْ ) يُضَحِّي ( وَصِيُّهُ بَعْدَهُ ) أَيْ بَعْدَ الْأَبِ ( وَأَكَلَ الطِّفْلُ وَبَاقِيهِ ) بَعْدَ الْأَكْلِ ( بِبَدَلٍ بِمَا يُنْتَفَعُ بِعَيْنِهِ ) مِنْ آلَاتِ الْبَيْتِ وَنَحْوِهَا فِي الْهِدَايَةِ ، الْأَصَحُّ أَنَّهُ يُضَحِّي مِنْ مَالِهِ وَيَأْكُلُ مِنْهُ مَا أَمْكَنَ وَيَبْتَاعُ بِمَا بَقِيَ مَا يُنْتَفَعُ بِعَيْنِهِ .
وَفِي الْكَافِي ، الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجِبُ ذَلِكَ وَلَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يَفْعَلَهُ مِنْ مَالِهِ أَيْ مِنْ مَالِ

الصَّغِيرِ
( قَوْلُهُ : وَتَجِبُ ) هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَرَوَى ابْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا عَرِيضَةٌ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ ( قَوْلُهُ : فِي الْجَوَامِعِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ) قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَالْجَوَامِعِ اسْمُ كِتَابٍ فِي الْفِقْهِ صَنَّفَهُ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ .
( قَوْلُهُ : أَيْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ لِأَوْلَادِهِ الصِّغَارِ ) أَقُولُ وَيُسْتَحَبُّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ ( قَوْلُهُ : فِي الْهِدَايَةِ
إلَخْ ) أَقُولُ وَأَصَحُّ مَا يُفْتَى بِهِ مِنْ التَّصْحِيحَيْنِ عَدَمُ الْوُجُوبِ قَالَ فِي مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ لَا تَجِبُ عَلَى طِفْلِهِ الْفَقِيرِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَلَا عَنْ الْغَنِيِّ مِنْ مَالِهِ فِي أَصَحِّ مَا يُفْتَى بِهِ ( قَوْلُهُ : وَلَيْسَ لِلْأَبِ أَنْ يَفْعَلَهُ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ ) قَالَ قَاضِي خَانْ وَعَلَى الرِّوَايَةِ الَّتِي لَا تَجِبُ فِي مَالِ الصَّغِيرِ لَيْسَ لِلْأَبِ وَالْوَصِيِّ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ فَإِنْ فَعَلَ الْأَبُ لَا يَضْمَنُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَيَضْمَنُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ فَإِنْ فَعَلَ الْوَصِيُّ يَضْمَنُ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ ، وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَضْمَنُ كَمَا لَا يَضْمَنُ الْأَبُ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ الصَّبِيُّ يَأْكُلُ لَا يَضْمَنُ وَإِلَّا يَضْمَنُ وَالْمَعْتُوهُ وَالْمَجْنُونُ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ ، أَمَّا الَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ فَهُوَ كَالصَّحِيحِ .
ا هـ .

( لَا تُذْبَحُ ) الْأُضْحِيَّةُ ( فِي الْمِصْرِ قَبْلَ الصَّلَاةِ ) أَيْ صَلَاةِ الْعِيدِ ( وَتُذْبَحُ فِي غَيْرِهِ بَعْدَ طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ إلَى غُرُوبِ الْيَوْمِ الثَّالِثِ ) فَإِنَّ أَوَّلَ وَقْتِ التَّضْحِيَةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فِي حَقِّ الْمِصْرِيِّ وَبَعْدَ طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ وَآخِرُهُ قُبَيْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ ( وَاعْتُبِرَ الْآخِرُ لِلْفَقِيرِ وَالْغَنِيِّ وَالْوِلَادَةِ وَالْمَوْتِ ) فَإِنَّهُ إذَا كَانَ غَنِيًّا فِي أَوَّلِ أَيَّامِ النَّحْرِ فَقِيرًا فِي آخِرِهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ وَفِي الْعَكْسِ تَجِبُ وَإِنْ وُلِدَ فِي الْيَوْمِ الْآخِرِ تَجِبُ عَلَيْهِ وَإِنْ مَاتَ فِيهِ لَا تَجِبُ ( وَكُرِهَ الذَّبْحُ لَيْلًا ) وَإِنْ جَازَ لِاحْتِمَالِ الْغَلَطِ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ ( تُرِكَتْ ) التَّضْحِيَةُ ( وَمَضَتْ أَيَّامُهَا ) اعْلَمْ أَنَّ أَيَّامَ النَّحْرِ ثَلَاثَةٌ وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ أَيْضًا ثَلَاثَةٌ وَالْكُلُّ يَمْضِي بِأَرْبَعَةٍ أَوَّلُهَا نَحْرٌ لَا غَيْرُ وَآخِرُهَا تَشْرِيقٌ لَا غَيْرُ وَالْمُتَوَسِّطَانِ نَحْرٌ وَتَشْرِيقٌ وَالتَّضْحِيَةُ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْ التَّصَدُّقِ بِثَمَنِ الْأُضْحِيَّةِ ؛ لِأَنَّهَا تَقَعُ وَاجِبَةً أَوْ سُنَّةً وَالتَّصَدُّقُ تَطَوُّعٌ مَحْضٌ ، وَإِذَا تُرِكَتْ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ التَّضْحِيَةِ ( تَصَدَّقَ بِهَا ) أَيْ بِالْأُضْحِيَّةِ نَفْسِهَا ( حَيَّةً نَاذِرٌ لِمُعَيَّنَةٍ ) أَيْ مَنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ شَاةٌ ، وَقَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أُضَحِّيَ بِهَذِهِ الشَّاةِ تَصَدَّقَ بِهَا أَيْضًا ( فَقِيرٌ شَرَاهَا ) أَيْ الْأُضْحِيَّةَ ( لَهَا ) أَيْ لِلتَّضْحِيَةِ فَإِنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْفَقِيرِ بِالشِّرَاءِ بِنِيَّةِ التَّضْحِيَةِ عِنْدَنَا .
( وَ ) تَصَدَّقَ ( بِقِيمَتِهَا غَنِيٌّ شَرَاهَا أَوْ لَا ) يَعْنِي إنْ كَانَ غَنِيًّا تَصَدَّقَ بِقِيمَةِ الْأُضْحِيَّةِ اشْتَرَى أَوْ لَمْ يَشْتَرِ ؛ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى الْغَنِيِّ فَإِذَا فَاتَ الْوَقْتُ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ إخْرَاجًا لَهُ عَنْ الْعُهْدَةِ كَالْجُمُعَةِ تُقْضَى بَعْدَ فَوَاتِهَا ظُهْرًا وَالصَّوْمِ بَعْدَ الْعَجْزِ فِدْيَةٌ

( قَوْلُهُ : لَا تُذْبَحُ الْأُضْحِيَّةُ فِي الْمِصْرِ قَبْلَ الصَّلَاةِ ) أَجْوَدُ مِنْ قَوْلِ الْكَنْزِ لَا يَذْبَحُ مِصْرِيٌّ قَبْلَ الصَّلَاةِ ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ إذَا ذَبَحَ فِي الْمِصْرِ لَمَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ حِيلَةُ الْمِصْرِيِّ إذَا أَرَادَ التَّعْجِيلَ أَنْ يَبْعَثَ بِهَا إلَى خَارِجِ الْمِصْرِ فِي مَوْضِعٍ يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَقْصُرَ فِيهِ فَيُضَحِّيَ فِيهِ كُلَّمَا طَلَعَ الْفَجْرُ ؛ لِأَنَّ وَقْتَهَا مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَإِنَّمَا أُخِّرَتْ إلَى مَا بَعْدَ الصَّلَاةِ فِي الْمِصْرِ كَيْ لَا يَشْتَغِلَ بِهَا عَنْ الصَّلَاةِ ، ثُمَّ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ قَبْلَ الصَّلَاةِ حَقِيقَةُ الْفَرَاغِ مِنْهَا عَلَى مَا قَالَ قَاضِي خَانْ فَإِنْ ضَحَّى بَعْدَمَا قَعَدَ الْإِمَامُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ قَبْلَ السَّلَامِ لَا يَجُوزُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجُوزُ وَيَكُونُ مُسِيئًا ، وَلَوْ ضَحَّى بَعْدَمَا سَلَّمَ الْإِمَامُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً جَازَتْ الْأُضْحِيَّةُ عِنْدَ الْكُلِّ ا هـ وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ لَوْ ذَبَحَ بَعْدَمَا قَعَدَ الْإِمَامُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ قَالُوا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ كَانَ فِي خِلَالِ الصَّلَاةِ وَعَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يَجُوزُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْخُرُوجَ بِصُنْعِهِ فَرْضٌ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا فَإِنْ اشْتَغَلَ الْإِمَامُ فَلَمْ يُصَلِّ الْعِيدَ أَوْ تَرَكَ ذَلِكَ مُتَعَمِّدًا حَتَّى زَالَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ حَلَّ الذَّبْحُ بِغَيْرِ صَلَاةٍ فِي الْأَيَّامِ كُلِّهَا ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا زَالَتْ الشَّمْسُ بَعْدُ فَاتَ وَقْتُ الصَّلَاةِ وَإِنَّمَا يَخْرُجُ الْإِمَامُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَالثَّالِثِ عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ ، وَالتَّرْتِيبُ شَرْطٌ فِي الْأَدَاءِ لَا فِي الْقَضَاءِ كَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ انْتَهَى كَلَامُ الْبَدَائِعِ وَهَكَذَا نَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ الْمُحِيطِ وَهُوَ نَقَلَهُ عَنْ الْقُدُورِيِّ فِي شَرْحِهِ وَنَقَلَ الزَّيْلَعِيُّ أَيْضًا عَنْ الْمُحِيطِ أَنَّهُ لَا يُجْزِيهِمْ الْأُضْحِيَّةُ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي قَبْلَ الزَّوَالِ إلَّا إذَا كَانُوا لَا

يَرْجُونَ أَنْ يُصَلِّيَ الْإِمَامُ فَحِينَئِذٍ يُجْزِيهِمْ .
ا هـ .
وَالْإِمَامُ إذَا صَلَّى الْعِيدَ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ وَضَحَّى النَّاسُ ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ أَجْزَأَتْهُمْ الصَّلَاةُ وَالذَّبَائِحُ لِلضَّرُورَةِ كَذَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي ( تَنْبِيهٌ ) قَالَ فِي مَبْسُوطِ السَّرَخْسِيِّ لَيْسَ عَلَى أَهْلِ مِنًى يَوْمَ النَّحْرِ صَلَاةُ الْعِيدِ ؛ لِأَنَّهُمْ فِي وَقْتِ صَلَاةِ الْعِيدِ مَشْغُولُونَ بِأَدَاءِ الْمَنَاسِكِ فَلَا يَلْزَمُهُمْ صَلَاةُ الْعِيدِ وَيَجُوزُ لَهُمْ التَّضْحِيَةُ بَعْدَ انْشِقَاقِ الْفَجْرِ كَمَا يَجُوزُ لِأَهْلِ الْقُرَى ا هـ .
وَمِنْ الظَّاهِرِ أَنَّ أَهْلَ مِنًى هُمْ مَنْ بِهَا مِنْ الْحَاجِّ وَأَهْلِ مَكَّةَ ( قَوْلُهُ : وَتُذْبَحُ فِي غَيْرِهِ بَعْدَ طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ ) شَامِلٌ لِأَهْلِ الْبَوَادِي ، وَقَدْ قَالَ قَاضِي خَانْ فَأَمَّا أَهْلُ السَّوَادِ وَالْقُرَى وَالرِّبَاطَاتِ عِنْدَنَا يَجُوزُ لَهُمْ التَّضْحِيَةُ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي مِنْ الْيَوْمِ الْعَاشِرِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ ، وَأَمَّا أَهْلُ الْبَوَادِي لَا يُضَحُّونَ إلَّا بَعْدَ صَلَاةِ أَقْرَبِ الْأَئِمَّةِ إلَيْهِمْ ا هـ .
وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ التَّبْيِينِ وَمَا سَنَذْكُرُهُ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ مِنْ إطْلَاقِ جَوَازِ التَّضْحِيَةِ لِغَيْرِ الْمِصْرِيِّ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَشَمِلَ أَهْلُ الْبَوَادِيَ ( قَوْلُهُ : فَإِنَّ أَوَّلَ وَقْتِ التَّضْحِيَةِ بَعْدَ الصَّلَاةِ فِي حَقِّ الْمِصْرِيِّ وَبَعْدَ طُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ ) فِيهِ نَظَرٌ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ أَوَّلُ وَقْتِ الْأُضْحِيَّةِ عِنْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ إلَّا أَنَّ فِي حَقِّ أَهْلِ الْأَمْصَارِ يُشْتَرَطُ تَقْدِيمُ الصَّلَاةِ عَلَى الْأُضْحِيَّةِ فَلَا تَصِحُّ قَبْلَهَا لِعَدَمِ الشَّرْطِ لَا لِعَدَمِ الْوَقْتِ وَلِهَذَا جَازَتْ التَّضْحِيَةُ فِي الْقُرَى بَعْدَ انْشِقَاقِ الْفَجْرِ ، وَدُخُولُ الْوَقْتِ لَا يَخْتَلِفُ فِي حَقِّ أَهْلِ الْأَمْصَارِ وَالْقُرَى ا هـ .
وَقَدَّمْنَا مِثْلَهُ ( قَوْلُهُ : اعْلَمْ أَنَّ أَيَّامَ النَّحْرِ ثَلَاثَةٌ )

لَكِنْ أَفْضَلُهَا أَوَّلُهَا وَأَدْوَنُهَا آخِرُهَا كَمَا فِي قَاضِي خَانْ ( قَوْلُهُ : وَالتَّضْحِيَةُ فِيهَا أَفْضَلُ مِنْ التَّصَدُّقِ بِثَمَنِ الْأُضْحِيَّةِ
إلَخْ ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ .
وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ هَذَا الدَّلِيلُ يَشْمَلُ الْغَنِيَّ وَالْفَقِيرَ ا هـ .
( قُلْت ) فِيهِ إيهَامُ جَوَازِ التَّصَدُّقِ بِالْقِيمَةِ عَنْ وَاجِبِ الْأُضْحِيَّةِ لِلْغَنِيِّ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَلَا يُجْزِيهِ التَّصَدُّقُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ بِالْقِيمَةِ لِمَا قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ إنَّهُ لَا إشْكَالَ أَنَّ الْمُوسِرَ لَا يُجْزِيهِ التَّصَدُّقُ بِالْقِيمَةِ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ ؛ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لِإِرَاقَةِ الدَّمِ وَإِقَامَةُ الْمُتَقَوِّمِ مَقَامُ مَا لَيْسَ بِمُتَقَوِّمٍ لَا يَجُوزُ وَإِرَاقَةُ الدَّمِ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ، وَأَمَّا فِي حَقِّ الْفَقِيرِ التَّضْحِيَةُ أَفْضَلُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْجَمْعِ بَيْنَ التَّقَرُّبِ بِإِرَاقَةِ الدَّمِ وَالتَّصَدُّقِ ا هـ بِمَعْنَاهُ ( قَوْلُهُ : وَالتَّصَدُّقُ ) أَيْ بِثَمَنِهَا تَطَوُّعٌ مَحْضٌ فَكَانَتْ هِيَ أَفْضَلُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ : نَاذِرٌ لِمُعَيَّنَةٍ ) شَامِلٌ لِلْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ إلَّا أَنَّ الْغَنِيَّ إذَا عَنَى بِالنَّذْرِ الْإِخْبَارَ عَنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ بِإِيجَابِ الشَّارِعِ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا هِيَ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ بِشَاتَيْنِ عِنْدَنَا شَاةٍ لِأَجْلِ النَّذْرِ وَشَاةٍ بِإِيجَابِ الشَّرْعِ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا التَّضْحِيَةُ بِشَاةٍ وَاحِدَةٍ ، وَلَوْ قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ أَيَّامِ النَّحْرِ تَلْزَمُهُ شَاتَانِ بِلَا خِلَافٍ ؛ لِأَنَّ الصِّيغَةَ لَا تَحْتَمِلُ الْإِخْبَارَ عَنْ الْوَاجِبِ إذْ لَا وُجُوبَ قَبْلَ الْوَقْتِ ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ ذَلِكَ وَهُوَ مُعْسِرٌ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ ، ثُمَّ أَيْسَرَ فِيهَا فَعَلَيْهِ شَاتَانِ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ ( قَوْلُهُ : وَفَقِيرٌ شَرَاهَا لَهَا ) كَذَا لَوْ اشْتَرَاهَا غَنِيٌّ لَهَا وَافْتَقَرَ بَعْدَمَا مَضَتْ أَيَّامُ النَّحْرِ عَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِعَيْنِهَا أَوْ بِقِيمَتِهَا وَإِنْ افْتَقَرَ بَعْدَ الشِّرَاءِ لَهَا قَبْلَ مُضِيِّ

أَيَّامِ النَّحْرِ سَقَطَتْ عَنْهُ كَمَا فِي قَاضِي خَانْ ( قَوْلُهُ : وَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهَا غَنِيٌّ شَرَاهَا أَوَّلًا ) لَمْ يَتَعَرَّضْ لِلتَّصَدُّقِ بِعَيْنِهَا وَيُفِيدُهُ مَا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ إنَّهَا وَاجِبَةٌ عَلَى الْغَنِيِّ عَيَّنَهَا أَوْ لَمْ يُعَيِّنْهَا وَعَلَى الْفَقِيرِ بِالشِّرَاءِ بِنِيَّةِ التَّضْحِيَةِ عِنْدَنَا فَإِذَا فَاتَ وَقْتُ التَّقَرُّبِ بِالْإِرَاقَةِ وَالْحَقُّ مُسْتَحَقٌّ وَجَبَ التَّصَدُّقُ بِالْعَيْنِ أَوْ الْقِيمَةِ إخْرَاجًا لَهُ عَنْ الْعُهْدَةِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : كَالْجُمُعَةِ تُقْضَى بَعْدَ فَوَاتِهَا ظُهْرًا ) ظَاهِرٌ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ الْجُمُعَةَ فَرْضُ الْوَقْتِ لَا عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ هُوَ الظُّهْرُ

( صَحَّ ) لِلتَّضْحِيَةِ ( الْجَذَعُ مِنْ الضَّأْنِ ) الضَّأْنُ مَا يَكُونُ لَهُ أَلْيَةٌ وَالْجَذَعُ شَاةٌ لَهَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ ( وَ ) صَحَّ ( الثَّنِيُّ فَصَاعِدًا مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَهُوَ ) أَيْ الثَّنِيُّ ( ابْنُ خَمْسٍ مِنْ الْأَوَّلِ ) أَيْ الْإِبِلِ ( وَحَوْلَيْنِ مِنْ الثَّانِي ) أَيْ الْبَقَرِ ( وَحَوْلٍ مِنْ الثَّالِثِ ) أَيْ الْغَنَمِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الثَّنِيَّ فَصَاعِدًا يُجْزِئُ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ إلَّا الضَّأْنَ فَإِنَّ الْجَذَعَ مِنْهُ يُجْزِئُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { ضَحُّوا بِالثَّنَايَا إلَّا أَنْ يَعْسَرَ عَلَى أَحَدِكُمْ فَلْيَذْبَحْ الْجَذَعَ مِنْ الضَّأْنِ } .
( وَ ) صَحَّ ( الْجَمَّاءُ ) أَيْ الَّتِي لَا قَرْنَ لَهَا ( وَالْخَصِيُّ وَالثَّوْلَاءُ ) أَيْ الْمَجْنُونَةُ ( لَا الْعَمْيَاءُ وَالْعَوْرَاءُ ) أَيْ ذَاتُ عَيْنٍ وَاحِدَةٍ ( وَالْعَجْفَاءُ ) بِحَيْثُ لَا مُخَّ فِي عِظَامِهَا ( وَعَرْجَاءُ لَا تَمْشِي إلَى الْمَنْسَكِ وَمَقْطُوعٌ يَدُهَا أَوْ رِجْلُهَا وَمَا ذَهَبَ الْأَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِ أُذُنِهَا أَوْ ذَنَبِهَا أَوْ عَيْنِهَا أَوْ أَلْيَتِهَا ) وَقِيلَ الثُّلُثُ ، وَقِيلَ الرُّبْعُ وَعِنْدَهُمَا إنْ بَقِيَ أَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ أَجْزَأَهُ

( قَوْلُهُ : وَالْجَذَعُ شَاةٌ لَهُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَا مَعْزًا أَوْ ضَأْنًا وَجَذَعُ الضَّأْنِ يَجُوزُ إذَا كَانَ عَظِيمًا سَمِينًا لَوْ رَآهُ إنْسَانٌ يَحْسَبُهُ ثَنِيًّا وَالثَّنِيُّ مِنْ الضَّأْنِ أَفْضَلُ مِنْ جَذَعِهِ وَالْأُنْثَى مِنْ الْإِبِلِ أَفْضَلُ مِنْ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى مِنْ الْبَقَرِ أَفْضَلُ مِنْ الذَّكَرِ إذَا اسْتَوَيَا فِي الْقِيمَةِ وَاللَّحْمِ ؛ لِأَنَّ لَحْمَهَا أَطْيَبُ وَالذَّكَرُ مِنْ الْمَعْزِ أَفْضَلُ ، وَكَذَا الذَّكَرُ مِنْ الضَّأْنِ إذَا كَانَ مَوْجُوءًا أَيْ خَصِيًّا وَاسْتَوَيَا وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي أَنَّ الْبَدَنَةَ أَفْضَلُ مِنْ الشَّاةِ الْوَاحِدَةِ أَوْ قَلْبُهُ قَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ قِيمَةُ الشَّاةِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْبَدَنَةِ فَالشَّاةُ أَفْضَلُ .
وَقَالَ شَيْخُ الْإِمَامِ الْجَلِيلِ أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ رَحِمَهُ اللَّهُ الْبَدَنَةُ أَفْضَلُ .
وَقَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ أَبُو جَعْفَرٍ الْكَبِيرُ إنْ كَانَتْ قِيمَةُ الشَّاةِ وَالْبَدَنَةِ سَوَاءً كَانَتْ الشَّاةُ أَفْضَلَ ؛ لِأَنَّ لَحْمَهَا أَطْيَبُ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْبَقَرَةُ أَفْضَلُ ؛ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ لَحْمًا وَالشَّاةُ أَفْضَلُ مِنْ سُبْعِ الْبَقَرَةِ إذَا اسْتَوَيَا فِي الْقِيمَةِ وَاللَّحْمِ ؛ لِأَنَّ لَحْمَ الشَّاةِ أَطْيَبُ فَإِنْ كَانَ الْبَقَرَةُ أَكْثَرَ لَحْمًا فَسُبْعُ الْبَقَرَةِ أَفْضَلُ وَالْبَقَرَةُ أَفْضَلُ مِنْ سِتِّ شِيَاهٍ إذَا اسْتَوَيَا قِيمَةً وَلَحْمًا وَسَبْعُ شِيَاهٍ أَفْضَلُ مِنْ بَقَرَةٍ كَذَا فِي قَاضِي خَانْ .
وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ يُسْتَحَبُّ أَنْ تَكُونَ أَسْمَنَ وَأَحْسَنَ ؛ لِأَنَّهَا مَطِيَّةُ الْآخِرَةِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { عَظِّمُوا ضَحَايَاكُمْ فَإِنَّهَا عَلَى الصِّرَاطِ مَطَايَاكُمْ وَمَهْمَا كَانَتْ الْمَطِيَّةُ أَعْظَمَ وَأَسْمَنَ كَانَتْ عَلَى الْجَوَازِ عَلَى الصِّرَاطِ أَقْدَرَ وَأَفْضَلُ الشَّاةِ أَنْ يَكُونَ كَبْشًا أَمْلَحَ أَقْرَنَ مَوْجُوءًا } وَالْأَقْرَن الْعَظِيمُ وَالْأَمْلَحُ الْأَبْيَضُ رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { دَمُ الْغَبْرَاءِ عِنْدَ اللَّهِ مِثْلُ دَمِ السَّوْدَاوَيْنِ وَإِنَّ

أَحْسَنَ الَّذِي عِنْدَ اللَّهِ الْبَيَاضُ وَاَللَّهُ خَلَقَ الْجَنَّةَ بَيْضَاءَ وَخَلَقَ أَهْلَهَا بِيضًا } وَالْمَوْجُوءُ هُوَ مَدْقُوقُ الْخُصْيَتَيْنِ قِيلَ هُوَ الْخَصِيُّ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَرْبِطَ الْأُضْحِيَّةَ قَبْلَ أَيَّامِ النَّحْرِ بِأَيَّامٍ وَأَنْ يُقَلِّدَهَا وَيُجَلِّلَهَا قَالَ فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي وَيَتَصَدَّقُ بِجِلَالِهَا وَقَلَائِدِهَا اعْتِبَارًا بِالْهَدَايَا وَالْجَامِعُ أَنَّ ذَلِكَ يُشْعِرُ بِتَعْظِيمِهَا ، وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى { ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ } ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَصَحَّ الْجَمَّاءُ ) وَهِيَ الَّتِي لَا قَرْنَ لَهَا سَوَاءٌ كَانَ خِلْقَةً أَوْ مَسْكُورًا كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَقَاضِي خَانْ وَالتَّبْيِينِ .
وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ فَإِنْ بَلَغَ الْكَسْرُ الْمُشَاشَ لَا يُجْزِي وَالْمُشَاشُ رُءُوسُ الْعِظَامِ مِثْلُ الرُّكْبَتَيْنِ وَالْمِرْفَقَيْنِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَالثَّوْلَاءُ ) هَذَا إذَا كَانَتْ تُعْتَلَفُ ، أَمَّا إذَا كَانَتْ لَا تُعْتَلَفُ لَا يُجْزِيهِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَحَكَاهُ فِي الْهِدَايَةِ بِصِيغَةِ قِيلَ .
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ يُضَحَّى بِالثَّوْلَاءِ إذَا كَانَتْ تُعْتَلَفُ بِأَنْ كَانَتْ سَمِينَةً لَمْ يَمْنَعْهَا مِنْ السَّوْمِ وَالرَّعْيِ وَإِنْ كَانَ يَمْنَعُهَا مِنْهُ لَا تُجْزِيهِ ا هـ .
وَلَا بَأْسَ بِالْجَرْبَاءِ السَّمِينَةِ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ ( قَوْلُهُ : وَالْعَجْفَاءُ بِحَيْثُ لَا مُخَّ فِي عِظَامِهَا ) وَيُقَالُ لِلْمُخِّ نَقِيٌّ ، وَإِذَا اشْتَرَاهَا سَمِينَةً فَصَارَتْ عَجْفَاءَ لَا يَجُوزُ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ وَفِي الطَّحَاوِيِّ يَجُوزُ كَمَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي ( قَوْلُهُ : وَعَرْجَاءُ لَا تَمْشِي عَلَى الْمَنْسَكِ ) أَيْ الْمَذْبَحِ ( قَوْلُهُ : وَمَا ذَهَبَ الْأَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِ أُذُنِهَا
إلَخْ ) رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْأَصْلِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ .
وَقَالَ قَاضِي خَانْ الصَّحِيحُ أَنَّ الثُّلُثَ وَمَا دُونَهُ قَلِيلٌ وَمَا زَادَ عَلَيْهِ كَثِيرٌ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَقِيلَ الثُّلُثُ ) أَيْ مَانِعُ رِوَايَةِ أَبِي يُوسُفَ عَنْ الْإِمَامِ وَإِنْ كَانَ

أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ جَازَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ ( قَوْلُهُ : أَوْ عَيْنُهَا ) قَالُوا مَعْرِفَةُ الْمِقْدَارِ الذَّاهِبِ مِنْ الْعَيْنِ بِشَدِّ الْمَعِيبَةِ بَعْدَ إمْسَاكِ الْعَلَفِ عَنْهَا يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ .
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ بَعْدَمَا جَاءَتْ ، ثُمَّ يُقَرَّبُ الْعَلَفُ إلَيْهَا قَلِيلًا قَلِيلًا فَإِذَا رَأَتْهُ عُلِمَ عَلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ ، ثُمَّ تُشَدُّ عَيْنُهَا الصَّحِيحَةُ وَيُقَرَّبُ إلَيْهَا قَلِيلًا قَلِيلًا حَتَّى إذَا رَأَتْهُ عُلِمَ مِنْ مَكَانِهِ ، ثُمَّ يُنْظَرُ إلَى تَفَاوُتِ مَا بَيْنَهُمَا فَإِنْ كَانَ ثُلُثًا فَالذَّاهِبُ هُوَ الثُّلُثُ أَوْ نِصْفًا فَنِصْفٌ ، وَلَوْ تَعَيَّبَتْ فِي حَالَةِ الْإِضْجَاعِ بِنَحْوِ كَسْرِ وَذَهَابِ عَيْنٍ لَا يَضُرُّ ، وَلَوْ انْفَلَتَتْ بَعْدَهُ وَأَخَذَهَا مِنْ فَوْرِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ : وَقِيلَ الرُّبْعُ ) أَيْ مَانِعُ لَا مَا دُونَهُ ، وَهَذَا رِوَايَةُ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْبَلْخِيّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ : وَعِنْدَهُمَا إنْ بَقِيَ الْأَكْثَرُ مِنْ النِّصْفِ أَجْزَأَهُ ) اخْتَارَهُ أَبُو اللَّيْثِ وَقَوْلُهُمَا رِوَايَةُ رَابِعَةٌ عَنْ الْإِمَامِ .
وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ الْإِمَامِ وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْإِضَافِيَّةِ فَمَا كَانَ مُتَضَايِقَةً أَقَلَّ مِنْهُ يَكُونُ كَثِيرًا وَمَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْهُ يَكُونُ قَلِيلًا إلَّا أَنَّهُ قَالَ بِعَدَمِ الْجَوَازِ إذَا كَانَا سَوَاءً احْتِيَاطًا لِاجْتِمَاعِ جِهَةِ الْجَوَازِ وَعَدَمِهِ أَوْ ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ بَقَاءُ الْأَكْثَرِ لِلْجَوَازِ وَلَمْ يُوجَدْ .
ا هـ .
( تَنْبِيهٌ ) يُكْرَهُ ذَبْحُ الشَّاةِ الْحَامِلِ إذَا كَانَتْ مُشْرِفَةً عَلَى الْوِلَادَةِ كَمَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي وَلَا تَجُوزُ الْهَتْمَاءُ وَهِيَ الَّتِي لَا أَسْنَانَ لَهَا ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْأَسْنَانِ الْكَثْرَةُ وَالْقِلَّةُ كَالْأُذُنِ وَالذَّنَبِ ، وَعَنْهُ أَنَّهُ إنْ بَقِيَ مَا يُمْكِنُ الِاعْتِلَافُ بِهِ أَجْزَأَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ ا

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25