كتاب : درر الحكام شرح غرر الأحكام
المؤلف : محمد بن فراموز الشهير بمنلا خسرو

هـ .
وَقَالَ قَاضِي خَانْ وَاَلَّتِي لَا أَسْنَانَ لَهَا وَهِيَ تُعْتَلَفُ لَا تَجُوزُ وَإِنْ بَقِيَ لَهَا بَعْضُ الْأَسْنَانِ إنْ بَقِيَ مِنْ الْأَسْنَانِ قَدْرُ مَا تُعْتَلَفُ جَازَ وَإِلَّا فَلَا ا هـ .
وَفِي الْبَدَائِعِ ، وَأَمَّا الْهَتْمَاءُ وَهِيَ الَّتِي لَا أَسْنَانَ لَهَا فَإِنْ كَانَتْ تُرْعَى وَتُعْتَلَفُ جَازَتْ وَإِلَّا فَلَا ا هـ .
وَأَمَّا السَّكَّاءُ وَهِيَ الَّتِي لَا أُذُنَ لَهَا خِلْقَةً لَا تَجُوزُ وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةً تَجُوزُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ بَعْدَ أَنْ تُسَمَّى أُذُنًا قَالَهُ قَاضِي خَانْ وَلَا تَجُوزُ الْجَلَّالَةُ وَهِيَ الَّتِي لَا تَأْكُلُ غَيْرَ الْعُذْرَةِ وَلَا الْحَذَّاءُ وَهِيَ مَقْطُوعَةُ الضَّرْعِ وَلَا الْمُصَرَّمَةُ وَهِيَ الَّتِي لَا تَسْتَطِيعُ أَنْ تَرْضِعَ فَصِيلَهَا وَلَا الْجَدَّاءُ وَهِيَ الَّتِي يَبِسَ ضَرْعُهَا كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَلَا تُجْزِي الْجَدْعَاءُ وَهِيَ مَقْطُوعَةُ الْأَطْبَاءِ وَهِيَ رُءُوسُ ضَرْعِهَا فَإِنْ بَقِيَ أَكْثَرُهَا جَازَ كَذَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي وَيَجُوزُ مَشْقُوقَةُ الْأُذُنِ قِبَلَ وَجْهِهَا وَهِيَ الْمُقَابَلَةُ ، وَكَذَا الْمُدَابَرَةُ وَهِيَ عَلَى الْعَكْسِ ، وَكَذَا الشَّرْقَاءُ وَهِيَ الَّتِي قُطِعَ مِنْ وَسَطِ أُذُنِهَا فَنَفَذَ الْخَرْقُ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ ، وَكَذَا الْحُوَّةُ وَهِيَ الَّتِي فِي عَيْنِهَا حَوَلٌ وَالْمَجْزُوزَةُ الَّتِي جُزَّ صُوفُهَا قَالَهُ قَاضِي خَانْ ا هـ .
وَمَا رُوِيَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُضَحَّى بِالشَّرْقَاءِ وَالْخَرْقَاءِ وَالْمُقَابَلَةِ وَالْمُدَابَرَةِ } فَالنَّهْيُ فِي الشَّرْقَاءِ وَالْمُقَابَلَةِ وَالْمُدَابَرَةِ مَحْمُولٌ عَلَى النَّدْبِ وَفِي الْخَرْقَاءِ عَلَى الْكَثِيرِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَقَاوِيلِ فِي حَدِّ الْكَثِيرِ عَلَى مَا بَيَّنَّا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَفِي الْحَمْلِ جَمَعَ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِوُرُودِ النَّهْيِ مُتَعَدِّدًا فَفِي مَرَّةٍ عَلَى النَّدْبِ وَأُخْرَى عَلَى الْمَنْعِ

( مَاتَ أَحَدُ سَبْعَةٍ ) اشْتَرَوْا بَقَرَةً لِلْأُضْحِيَّةِ ( وَقَالَ وَرَثَتُهُ ) لِلسِّتَّةِ الْبَاقِيَةِ ( اذْبَحُوهَا عَنْهُ وَعَنْكُمْ صَحَّ ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِالْإِتْلَافِ فَلَا يَجُوزُ عَنْ الْغَيْرِ كَالْإِعْتَاقِ عَنْ الْمَيِّتِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْقُرْبَةَ قَدْ تَقَعُ عَنْ الْمَيِّتِ كَالتَّصَدُّقِ بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ إلْزَامَ الْوَلَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ وَأَيْضًا الْبَقَرَةُ تَجُوزُ عَنْ سَبْعَةٍ لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ قَصَدَ الْكُلُّ الْقُرْبَةَ وَإِنْ اخْتَلَفَ جِهَاتُهَا ( كَبَقَرَةٍ عَنْ أُضْحِيَّةٍ وَمُتْعَةٍ وَقِرَانٍ ) فَإِنَّهَا تَجُوزُ عِنْدَنَا لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ وَهُوَ الْقُرْبَةُ ( وَلَوْ ) كَانَ ( أَحَدُهُمْ كَافِرًا أَوْ قَاصِدَ لَحْمٍ لَا ) يَصِحُّ ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَيْسَ أَهْلًا لِلْقُرْبَةِ ، وَكَذَا قَصْدُ اللَّحْمِ يُنَافِيهَا
( قَوْلُهُ : وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمْ كَافِرًا أَوْ قَاصِدَ لَحْمٍ لَا يَصِحُّ ) أَيْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ الْكَافِرَ لَيْسَ أَهْلًا لِلْقُرْبَةِ ) أَيْ فَلَا تُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْقُرْبَةِ عَلَى مُعْتَقَدِهِ فَإِذَا لَمْ تَقَعْ قُرْبَةً عَنْ الْبَعْضِ خَرَجَ الْكُلُّ مِنْ أَنْ يَكُونَ قُرْبَةً لِعَدَمِ تَجَزِّي الْإِرَاقَةِ

( وَيَأْكُلُ ) مِنْ لَحْمِ أُضْحِيَّتِهِ ( وَيُؤْكِلُ غَيْرَهُ ) مِنْ الْأَغْنِيَاءِ وَالْفُقَرَاءِ ( وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ وَلَا يُعْطِي أَجْرَ الْجَزَّارِ مِنْهَا ) لِلنَّهْيِ عَنْهُ ( وَنُدِبَ التَّصَدُّقُ بِثُلُثِهَا ) لِأَنَّ الْجِهَاتِ ثَلَاثٌ الْأَكْلُ وَالِادِّخَارُ وَالْإِطْعَامُ ( وَ ) نُدِبَ ( تَرْكُهُ ) أَيْ تَرْكُ التَّصَدُّقِ ( لِذِي عِيَالٍ ) تَوْسِعَةً عَلَيْهِمْ

( قَوْلُهُ : وَيَأْكُلُ مِنْ لَحْمِ أُضْحِيَّتِهِ
إلَخْ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ ، وَهَذَا فِي الْأُضْحِيَّةِ الْوَاجِبَةِ وَالسُّنَّةِ سَوَاءٌ إذَا لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةَ النَّذْرِ وَإِنْ وَجَبَتْ بِهِ ، فَلَيْسَ لِصَاحِبِهَا أَكْلُ شَيْءٍ مِنْهَا وَلَا إطْعَامُ الْأَغْنِيَاءِ سَوَاءٌ كَانَ النَّاذِرُ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا لِأَنَّ سَبِيلَهَا التَّصَدُّقُ وَلَيْسَ لِلْمُتَصَدِّقِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ صَدَقَتِهِ وَلَا أَنْ يُطْعِمَ الْأَغْنِيَاءَ ا هـ وَسَوَاءٌ ذَبَحَهَا فِي أَيَّامِهَا أَوْ بَعْدَهَا ، وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِعَيْنِ الشَّاةِ فَلَمْ يَتَصَدَّقْ بِهَا ، وَلَكِنَّهُ ذَبَحَهَا يَتَصَدَّقُ بِلَحْمِهَا وَيُجْزِيهِ ذَلِكَ إنْ لَمْ يُنْقِصْهَا الذَّبْحُ وَإِنْ نَقَصَهَا يَتَصَدَّقُ بِاللَّحْمِ وَفِيهِ النُّقْصَانُ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا وَإِنْ أَكَلَ شَيْئًا غَرِمَ قِيمَتَهُ وَيَتَصَدَّقُ بِهَا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ .
وَقَالَ قَاضِي خَانْ ، وَلَوْ وَلَدَتْ الْأُضْحِيَّةُ يُضَحِّي بِالْأُمِّ وَالْوَلَدِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ مِنْ الْوَلَدِ ، بَلْ يَتَصَدَّقُ بِهِ فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ يَتَصَدَّقُ بِقِيمَةِ مَا أَكَلَ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِوَلَدِهَا حَيًّا وَإِنْ حَلَبَ اللَّبَنَ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ قَبْلَ الذَّبْحِ أَوْ جَزَّ صُوفَهَا يَتَصَدَّقُ بِهِمَا وَلَا يَنْتَفِعُ بِهِمَا ا هـ .
وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَإِنْ انْتَفَعَ تَصَدَّقَ بِمِثْلِهِ وَإِنْ تَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ جَازَ فَإِنْ وَلَدَتْ الْأُضْحِيَّةُ وَلَدًا يُذْبَحُ مَعَ الْأُمِّ كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ .
وَقَالَ أَيْضًا وَإِنْ بَاعَهُ تَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ ؛ لِأَنَّ الْأُمَّ تَعَيَّنَتْ لِلْأُضْحِيَّةِ وَالْوَلَدُ يَحْدُثُ عَلَى وَصْفِ الْأُمِّ فِي الصِّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ فَتَسْرِي إلَى الْوَلَدِ كَالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ هَذَا فِي الْأُضْحِيَّةِ الْمُوجَبَةِ بِالنَّذْرِ أَوْ مَا هُوَ فِي مَعْنَى النَّذْرِ كَالْفَقِيرِ إذَا اشْتَرَى شَاةً لِلْأُضْحِيَّةِ فَأَمَّا الْمُوسِرُ إذَا اشْتَرَى شَاةً لِلْأُضْحِيَّةِ فَوَلَدَتْ لَا يَتْبَعُهَا وَلَدُهَا ؛ لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ تَعَيَّنَ الْوُجُوبُ فِيهَا

فَيَسْرِي إلَى الْوَلَدِ وَفِي الثَّانِي لَمْ يَتَعَيَّنْ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوزُ التَّضْحِيَةُ بِغَيْرِهَا فَكَذَا وَلَدُهَا ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ ، وَقَالَ كَانَ أَصْحَابُنَا يَقُولُونَ يَجِبُ ذَبْحُ الْوَلَدِ ، وَلَوْ تَصَدَّقَ بِهِ جَازَ ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَمْ يَسْرِ إلَيْهِ ، وَلَكِنَّهُ مُتَعَلِّقٌ بِهِ وَكَانَ كَجِلَالِهَا وَخِطَامِهَا فَإِنْ ذَبَحَهُ تَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ وَإِنْ بَاعَهُ تَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ وَلَا يَحِلُّ بَيْعُهُ وَلَا أَكْلُهُ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَذْبَحَهُ ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنَّهُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ذَبَحَهُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ وَأَكَلَ مِنْهُ كَالْأُمِّ وَإِنْ شَاءَ تَصَدَّقَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ فَاتَ ذَبْحُهُ فَصَارَ كَالشَّاةِ الْمَنْذُورَةِ ، وَذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى إذَا وَضَعَتْ الْأُضْحِيَّةُ فَذَبَحَ الْوَلَدَ يَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ الْأُمِّ أَجْزَأَهُ وَإِنْ تَصَدَّقَ يَوْمَ الْأَضْحَى قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَهُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِقِيمَتِهِ قَالَ الْقُدُورِيُّ : وَهَذَا عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ أَنَّ الصِّغَارَ تَدْخُلُ فِي الْهَدَايَا وَيَجِبُ ذَبْحُهَا فَإِذَا وَلَدَتْ الْأُضْحِيَّةُ تَعَلَّقَ بِوَلَدِهَا مِنْ الْحُكْمِ مَا تَعَلَّقَ بِهَا فَصَارَ كَمَا لَوْ فَاتَ بِمُضِيِّ الْأَيَّامِ ا هـ عِبَارَةُ الْبَدَائِعِ ( قَوْلُهُ : وَنُدِبَ تَرْكُهُ ) أَيْ التَّصَدُّقِ لِذِي عِيَالٍ تَوْسِعَةً عَلَيْهِمْ كَذَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ لَا بَأْسَ بِأَنْ يَحْبِسَ لَحْمَهَا فَيَدَّخِرَ مِنْهَا كَمَا شَاءَ وَالصَّدَقَةُ أَفْضَلُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ ذَا عِيَالٍ فَيَدَعُهُ لِعِيَالِهِ وَيُوَسِّعُ عَلَيْهِمْ فَإِنَّهُ الْأَفْضَلُ ا هـ .
وَقَالَ فِي الْمُبْتَغِي وَيَنْبَغِي أَنْ يَتَصَدَّقَ بِالثُّلُثِ وَيَتَّخِذَ الضِّيَافَةَ بِالثُّلُثِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ذَا عِيَالٍ فَلَهُ أَنْ يَدَعَهُ لِعِيَالِهِ وَيُوَسِّعَ بِهِ عَلَيْهِمْ .
ا هـ .

( وَالذَّبْحُ بِيَدِهِ أَحْسَنُ إنْ أَحْسَنَ وَإِلَّا أَمَرَ غَيْرَهُ وَكُرِهَ ذَبْحُ كِتَابِيٍّ ) لِأَنَّهُ قُرْبَةٌ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا ، وَلَوْ أَمَرَهُ فَذَبَحَ جَازَ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ وَالْقُرْبَةُ حَصَلَتْ بِإِنَابَتِهِ وَنِيَّتِهِ بِخِلَافِ الْمَجُوسِيِّ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا ( وَيَتَصَدَّقُ بِجِلْدِهَا أَوْ يَجْعَلُهُ آلَةً كَجِرَابٍ وَخُفٍّ وَفَرْوٍ أَوْ يُبْدِلُهُ بِمَا يُنْتَفَعُ بِهِ بَاقِيًا لَا مُسْتَهْلَكًا كَالْأَطْعِمَةِ ) وَهُوَ يُنَافِي الْقُرْبَةَ ( فَإِنْ بِيعَ اللَّحْمُ أَوْ الْجِلْدُ بِهِ ) أَيْ بِمَا يُنْتَفَعُ بِهِ مُسْتَهْلَكًا ( تَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ ) لِأَنَّ الْقُرْبَةَ انْتَقَلَتْ إلَى بَدَلِهِ

( قَوْلُهُ : وَإِلَّا أَمَرَ غَيْرَهُ ) أَقُولُ وَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْهَدَهَا { لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَاطِمَةَ يَا فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ قُومِي فَاشْهَدِي أُضْحِيَّتَك فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَك بِأَوَّلِ قَطْرَةٍ تَقْطُرُ مِنْ دَمِهَا كُلُّ ذَنْبٍ عَمِلْتِيهِ وَقُولِي إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ ، أَمَا إنَّهُ يُجَاءُ بِلَحْمِهَا وَدَمِهَا فَيُوضَعُ فِي مِيزَانِك وَسَبْعُونَ ضِعْفًا فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ يَا نَبِيَّ اللَّهِ هَذَا لِآلِ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً أَمْ لَهُمْ وَلِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِآلِ مُحَمَّدٍ خَاصَّةً وَلِلْمُسْلِمِينَ عَامَّةً } كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَالْجَوْهَرَةِ وَالْمَبْسُوطِ وَالْعِنَايَةِ ( قَوْلُهُ : فَإِنْ بِيعَ اللَّحْمُ أَوْ الْجِلْدُ
إلَخْ ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ اللَّحْمَ كَالْجِلْدِ فَلَهُ تَبْدِيلُهُ بِمَا يُنْتَفَعُ بِعَيْنِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ .
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ قَوْلُهُ : هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَمَّا قِيلَ إنَّهُ لَيْسَ فِي اللَّحْمِ إلَّا الْأَكْلُ أَوْ الْإِطْعَامُ فَلَوْ بَاعَ بِشَيْءٍ يُنْتَفَعُ بِعَيْنِهِ لَا يَجُوزُ وَالصَّحِيحُ مَا قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إنَّ اللَّحْمَ بِمَنْزِلَةِ الْجِلْدِ إنْ بَاعَهُ بِشَيْءٍ يُنْتَفَعُ بِعَيْنِهِ جَازَ وَرَوَى ابْنُ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَى بِاللَّحْمِ ثَوْبًا فَلَا بَأْسَ بِلُبْسِهِ ا هـ .
وَفِي الْقُنْيَةِ لَوْ اشْتَرَى بِلَحْمِ الْأُضْحِيَّةِ مَأْكُولًا فَأَكَلَهُ لَا يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِقِيمَةِ اللَّحْمِ اسْتِحْسَانًا .
ا هـ .

( غَلِطًا وَذَبَحَ كُلٌّ شَاةَ صَاحِبِهِ صَحَّ بِلَا غُرْمٍ ) اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ وَيَغْرَمَ ؛ لِأَنَّهُ ذَبَحَ شَاةَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهَا تَعَيَّنَتْ لِلذَّبْحِ لِتَعَيُّنِهَا لِلْأُضْحِيَّةِ حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا بِعَيْنِهَا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ فَصَارَ الْمَالِكُ مُسْتَعِينًا بِكُلِّ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لِلذَّبْحِ آذِنًا لَهُ دَلَالَةً ؛ لِأَنَّهُ يَفُوتُ بِمُضِيِّ هَذِهِ الْأَيَّامِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَعْجِزَ عَنْ إقَامَتِهَا لِمَانِعٍ ، وَإِذَا غَلِطَا يَأْخُذُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَسْلُوخَتَهُ مِنْ صَاحِبِهِ وَلَا يَضْمَنُهُ ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ فِيمَا فَعَلَ دَلَالَةً وَإِنْ كَانَا أَكَلَا ، ثُمَّ عَلِمَا فَلْيُحْلِلْ كُلٌّ صَاحِبَهُ وَإِنْ تَشَاحَّا فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يُضَمِّنَ صَاحِبَهُ قِيمَةَ لَحْمِهِ ، ثُمَّ يَتَصَدَّقَ بِتِلْكَ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّهَا بَدَلٌ مِنْ اللَّحْمِ

( قَوْلُهُ : غَلِطَا وَذَبَحَ كُلٌّ شَاةً صَاحِبِهِ صَحَّ بِلَا غُرْمٍ ) يَعْنِي شَاةَ الْأُضْحِيَّةِ وَكَانَ الْأَوْلَى التَّعْبِيرَ بِهِ كَمَا فِي الْكَنْزِ وَالْهِدَايَةِ لِيُفِيدَ أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَكُنْ لِلْأُضْحِيَّةِ تَكُونُ مَضْمُونَةً عَلَيْهِ ا هـ ، وَإِذَا كَانَتْ لِلْأُضْحِيَّةِ وَضَمَّنَهُ مَالِكُهَا قِيمَتَهَا جَازَتْ عَنْ الذَّابِحِ ؛ لِأَنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ الْإِرَاقَةَ حَصَلَتْ عَلَى مِلْكِهِ وَإِنْ أَخَذَهَا مَالِكُهَا مَذْبُوحَةً أَجْزَأَتْ مَالِكَهَا عَنْ التَّضْحِيَةِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ نَوَاهَا فَلَا يَضُرُّهُ ذَبْحُهَا غَيْرُهُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ ، وَإِذَا ذَبَحَ أُضْحِيَّةَ الْغَيْرِ نَاوِيًا عَنْ مَالِكِهَا بِغَيْرِ أَمَرَهُ جَازَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ كَذَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي ( قَوْلُهُ : وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهَا تَعَيَّنَتْ لِلذَّبْحِ لِتَعَيُّنِهَا لِلْأُضْحِيَّةِ حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِ
إلَخْ ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ .
وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ قَوْلُهُ : وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُضَحِّيَ بِهَا بِعَيْنِهَا فِي أَيَّامِ النَّحْرِ أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ الْمُضَحِّي فَقِيرًا وَيُكْرَهُ أَنْ يُبَدِّلَ بِهَا غَيْرَهَا أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ غَنِيًّا قَالَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ هَكَذَا وَجَدْت بِخَطِّ شَيْخِي رَحِمَهُ اللَّهُ ا هـ .
وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَالِكَ لَمَّا عَيَّنَهَا لِجِهَةِ الذَّبْحِ صَارَ مُسْتَعِينًا بِكُلِّ وَاحِدٍ فِي التَّضْحِيَةِ دَلَالَةً وَصَرِيحًا سَوَاءٌ أَطْلَقَ فِي الْأَصْلِ وَقَيَّدَهَا فِي الْأَجْنَاسِ بِمَا إذَا أَضْجَعَهَا صَاحِبُهَا لِلتَّضْحِيَةِ .
ا هـ .

( وَصَحَّتْ ) التَّضْحِيَةُ ( بِشَاةِ الْغَصْبِ لَا الْوَدِيعَةِ وَضَمِنَهَا ) وَجْهُ الصِّحَّةِ فِي الْأَوَّلِ لَا الثَّانِي أَنَّ الْمِلْكَ فِي الْغَصْبِ ثَبَتَ مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ وَفِي الْوَدِيعَةِ يَصِيرُ غَاصِبًا بِالذَّبْحِ فَيَقَعُ الذَّبْحُ فِي غَيْرِ الْمِلْكِ هَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَسَائِرِ الْكُتُبِ الْمُعْتَبَرَةِ .
وَقَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ يَصِيرُ غَاصِبًا بِمُقَدِّمَاتِ الذَّبْحِ كَالْإِضْجَاعِ وَشَدِّ الرِّجْلِ ، فَيَكُونُ غَاصِبًا قَبْلَ الذَّبْحِ أَقُولُ حَقِيقَةُ الْغَصْبِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ وَإِثْبَاتُ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ وَغَايَةُ مَا يُوجَدُ فِي الْإِضْجَاعِ وَشَدِّ الرِّجْلِ إثْبَاتُ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ وَلَا يَحْصُلُ بِهِ إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِالذَّبْحِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْجُمْهُورُ
( قَوْلُهُ : وَقَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ
إلَخْ ) أَيْ قَالَهُ بَحْثًا وَمَا بَحَثَهُ نَقَلَهُ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا فَقَالَ .
وَفِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ لِلزَّاهِدِيِّ بِعَلَامَةِ صَدْرِ الدِّينِ حُسَامٍ ، وَقِيلَ يُجْزِيهِ ؛ لِأَنَّهُ ضَمِنَهَا بِالْإِضْجَاعِ وَالشَّدِّ وَجَوَابُهُ أَنَّ الْكَلَامَ فِي شَاةِ الْوَدِيعَةِ وَعَلَى مَا ذُكِرَ يَكُونُ الْمَذْبُوحُ مَغْصُوبًا وَلَا وَجْهَ لِإِنْكَارِ ذَبْحِ الْوَدِيعَةِ قَبْلَ أَنْ تُغْصَبَ .
ا هـ .
( تَنْبِيهٌ ) الْمُرَادُ الْوَدِيعَةِ كُلُّ شَاةٍ كَانَتْ أَمَانَةً كَمَا فِي الْفَيْضِ عَنْ نَظْمِ الزَّنْدَوَسْتِيّ

{ كِتَابُ الصَّيْدِ أَوْرَدَهُ هَا هُنَا لِذِكْرِهِ فِي كِتَابِ الْحَجِّ ( وَهُوَ ) لُغَةً الِاصْطِيَادُ وَيُسَمَّى الْمِصْيَدُ صَيْدًا تَسْمِيَةً لِلْمَفْعُولِ بِالْمَصْدَرِ كَضَرْبِ الْأَمِيرِ ( يَحِلُّ بِكُلِّ ذِي نَابٍ ) مِنْ السِّبَاعِ ( وَمِخْلَبٍ ) مِنْ الطُّيُورِ الْمِخْلَبُ ظُفْرُ الطَّائِرِ .
وَفِي الْمَبْسُوطِ الْمُرَادُ مِنْ ذِي نَابٍ الَّذِي يَصِيدُ بِنَابِهِ وَمِنْ ذِي مِخْلَبٍ الَّذِي يَصِيدُ بِمِخْلَبِهِ لَا كُلَّ ذِي نَابٍ وَمِخْلَبٍ فَإِنَّ الْحَمَامَةَ لَهَا مِخْلَبٌ وَالْبَعِيرَ لَهُ نَابٌ الْأَوَّلُ ( كَكَلْبٍ وَفَهْدٍ وَ ) الثَّانِي نَحْوُ ( بَازٍ وَنَحْوِهَا ) مِنْ السِّبَاعِ وَالطُّيُورِ وَيُشْتَرَطُ لِمَا يُؤْكَلُ أَيْ لِجَوَازِ أَكْلِ مَا يُؤْكَلُ مِنْ الصَّيْدِ أُمُورٌ بِخِلَافِ مَا لَا يُؤْكَلُ فَإِنَّ شَيْئًا مِنْهَا لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي جَوَازِ صَيْدِهِ كَمَا سَيَأْتِي مِنْهَا ( عَلَّمَهُمَا ) أَيْ عَلَّمَ ذِي نَابٍ وَذِي مِخْلَبٍ كَيْفِيَّةَ الصَّيْدِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّهُ } ، وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِثَعْلَبَةَ { مَا صِدْت بِكَلْبِك الْمُعَلَّمِ فَذَكَرْت اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ وَمَا صِدْت بِكَلْبِك غَيْرِ الْمُعَلَّمِ فَأَدْرَكْت ذَكَاتَهُ فَكُلْ } .
رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ .
( وَ ) مِنْهَا ( جَرْحُهُمَا أَيَّ مَوْضِعٍ مِنْهُ ) وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ حَتَّى لَوْ خَنَقَ الْكَلْبُ الصَّيْدَ وَلَمْ يَجْرَحْهُ لَمْ يُؤْكَلْ ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ( وَ ) مِنْهَا ( إرْسَالُ مُسْلِمٍ أَوْ كِتَابِيٍّ إيَّاهُمَا ) أَيْ إرْسَالُ مَنْ لَهُ مِلَّةُ التَّوْحِيدِ دَعْوَى وَاعْتِقَادًا كَالْمُسْلِمِ أَوْ دَعْوَى لَا اعْتِقَادًا كَالْكِتَابِيِّ وَسَيَأْتِي فِي الذَّبَائِحِ فَإِنْ انْبَعَثَ الْكَلْبُ أَوْ الْبَازِي عَلَى أَثَرِ الصَّيْدِ بِغَيْرِ إرْسَالٍ فَأَخَذَهُ وَقَتَلَهُ لَمْ يَحِلَّ وَمِنْهَا التَّسْمِيَةُ أَشَارَ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ ( مُسَمِّيًا ) أَيْ غَيْرَ تَارِكٍ لِلتَّسْمِيَةِ عَمْدًا وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَدِيِّ

بْنِ حَاتِمٍ { إذَا أَرْسَلْت كَلْبَك الْمُعَلَّمَ فَذَكَرْت اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ } وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ فَلَا تَأْكُلْ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ الصَّيْدُ مُمْتَنِعًا مُتَوَحِّشًا أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( عَلَى مُمْتَنِعٍ مُتَوَحِّشٍ مَأْكُولٍ ) أَيْ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُؤْكَلَ .
( وَ ) مِنْهَا ( عَدَمُ شَرِكَةِ كَلْبٍ لَا يَحِلُّ صَيْدُهُ ) كَكَلْبٍ غَيْرِ مُعَلَّمٍ أَوْ كَلْبِ الْمَجُوسِيِّ أَوْ كَلْبٍ لَمْ يُرْسَلْ لِلصَّيْدِ أَوْ أَرْسَلَ وَتَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا .
( وَ ) مِنْهَا ( عَدَمُ طُولِ وَقْفَتِهِ بَعْدَ إرْسَالِهِ ) فَإِنَّهَا إنْ طَالَتْ بَعْدَهُ لَمْ يَكُنْ الِاصْطِيَادُ مُضَافًا إلَى الْإِرْسَالِ ( إلَّا إذَا كَمَنَ الْفَهْدُ ) فَإِنَّهَا حِيلَتُهُ فِي الِاصْطِيَادِ ، فَيَكُونُ مُضَافًا إلَى الْإِرْسَالِ قَالَ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ نَاقِلًا عَنْ شَيْخِهِ الْإِمَامِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى لِلْفَهْدِ خِصَالٌ يَنْبَغِي لِكُلِّ عَاقِلٍ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ مِنْهُ مِنْهَا أَنَّهُ يَكْمُنُ لِلصَّيْدِ حَتَّى يَتَمَكَّنَ مِنْهُ وَهَذِهِ حِيلَةٌ مِنْهُ لِلصَّيْدِ فَيَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ لَا يُجَاهِرَ بِالْخِلَافِ فِي عَدُوِّهِ ، وَلَكِنْ يَطْلُبُ الْفُرْصَةَ حَتَّى يَحْصُلَ مَقْصُودُهُ مِنْ غَيْرِ إتْعَابِ نَفْسِهِ وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَتَعَلَّمُ بِالضَّرْبِ ، وَلَكِنْ يُضْرَبُ الْكَلْبُ بَيْنَ يَدَيْهِ إذَا أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ فَيَتَعَلَّمُ بِذَلِكَ وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَتَّعِظَ بِغَيْرِهِ كَمَا قِيلَ السَّعِيدُ مَنْ اتَّعَظَ بِغَيْرِهِ ، وَمِنْهَا أَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُ الْخَبِيثَ وَإِنَّمَا يَطْلُبُ مِنْ صَاحِبِ اللَّحْمِ الطَّيِّبَ وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ لَا يَتَنَاوَلَ إلَّا الطَّيِّبَ وَمِنْهَا أَنَّهُ يَثْبُتُ ثَلَاثًا أَوْ خَمْسًا فَإِنْ تَمَكَّنَ مِنْ الصَّيْدِ وَإِلَّا تَرَكَهُ وَيَقُولُ لَا أَقْتُلُ نَفْسِي فِيمَا أَعْمَلُ لِغَيْرِي وَهَكَذَا يَنْبَغِي لِكُلِّ عَاقِلٍ

كِتَابُ الصَّيْدِ ) ( قَوْلُهُ : وَهُوَ لُغَةً الِاصْطِيَادُ ) قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَلَمْ يَنُصَّ عَلَى تَعْرِيفِهِ شَرْعًا وَلَهُ فِي الشَّرْعِ أَحْكَامٌ وَشَرَائِطُ وَهِيَ مَا يَذْكُرُهَا الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَيُشْتَرَطُ لِمَا يُؤْكَلُ
إلَخْ وَالصَّيْدُ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ إلَّا فِي الْإِحْرَامِ إذَا كَانَ صَيْدُ الْبَرِّ وَالْحَرَمِ لِغَيْرِ الْفَوَاسِقِ وَمَا أُلْحِقَ بِهَا فَإِنَّهَا يَجُوزُ صَيْدُهَا فِي الْحَرَمِ اسْتِدْفَاعًا لِشَرِّهَا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ ا هـ .
وَهُوَ مُبَاحٌ إلَّا إذَا كَانَ لِلتَّلَهِّي أَوْ يَأْخُذُهُ حِرْفَةً كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ .
وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي الِاصْطِيَادُ عَلَى قَصْدِ اللَّهْوِ مَكْرُوهٌ ا هـ .
( قَوْلُهُ : بِكُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ ) أَيْ إلَّا الْخِنْزِيرَ فَإِنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ فَلَا يَجُوزُ بِهِ الِانْتِفَاعُ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ اسْتَثْنَى الْأَسَدَ وَالدُّبَّ ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يَعْمَلَانِ لِغَيْرِهِمَا الْأَسَدُ لِعُلُوِّ هِمَّتِهِ وَالدُّبُّ لِخَسَاسَتِهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ ، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ الذِّئْبَ بَدَلَ الدُّبِّ ، وَكَذَا فِي الْمُحِيطِ ؛ لِأَنَّهُمَا لَا يُعَلَّمَانِ عَادَةً ؛ وَلِأَنَّ التَّعْلِيمَ يُعْرَفُ بِتَرْكِ الْأَكْلِ وَهُمَا أَيْ الدُّبُّ وَالْأَسَدُ لَا يَأْكُلَانِ الصَّيْدَ فِي الْحَالِ فَلَا يُمْكِنُ الِاسْتِدْلَال بِتَرْكِ الْأَكْلِ عَلَى التَّعَلُّمِ حَتَّى لَوْ تُصُوِّرَ التَّعَلُّمُ مِنْهُمَا وَعُرِفَ ذَلِكَ جَازَ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَأَلْحَقَ بَعْضُهُمْ الْحِدَأَةَ بِهِمَا لِخَسَاسَتِهَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ مَا لَا يُؤْكَلُ فَإِنَّ شَيْئًا مِنْهَا لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي جَوَازِ صَيْدِهِ ) إنْ أَرَادَ بِهِ جَوَازَ الِاصْطِيَادِ فَغَيْرُ مُسَلَّمٍ ؛ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَكُونَ الصَّيْدُ فِي الْحَرَمِ وَأَنْ لَا يَكُونَ الصَّائِدُ مُحْرِمًا لِغَيْرِ الْفَوَاسِقِ وَإِنْ أَرَادَ بِالْجَوَازِ حِلَّ الِانْتِفَاعِ بِجِلْدِهِ مَثَلًا فَيُشْتَرَطُ التَّسْمِيَةُ وَالْجَرْحُ وَكَوْنُ الْجَارِحِ مُعَلَّمًا لِطَهَارَةِ جِلْدِهِ كَمَا يُفِيدُهُ آخِرَ الْكِتَابِ (

قَوْلُهُ : مُكَلِّبِينَ ) أَيْ مُسَلِّطِينَ وَالتَّكْلِيبُ إغْرَاءُ السَّبُعِ عَلَى الصَّيْدِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ .
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ مَعْنَى مُكَلِّبِينَ مُعَلِّمِينَ الِاصْطِيَادَ تُعَلِّمُونَهُنَّ تُؤَدِّبُونَهُنَّ ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ ) .
رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْهُمَا وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَدَلِيلُهُ فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ : إرْسَالُ مُسْلِمٍ ) أَيْ غَيْرِ مُحْرِمٍ وَهُوَ يُضْبَطُ عَلَى نَحْوِ مَا نَذْكُرُ فِي الذَّبَائِحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَالصَّابِئ كَالْكِتَابِيِّ لِمَا قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ لِلْعَيْنِيِّ وَمِنْ خَطِّهِ نَقَلْت ذَبِيحَةَ الصَّابِئِ وَصَيْدَهُ يَحِلُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَعِنْدَهُمَا يُكْرَهُ .
ا هـ .
وَسَنَذْكُرُ فِي الذَّبَائِحِ تَمَامَهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَيُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَشْتَغِلَ بَيْنَ الْإِرْسَالِ وَالْأَخْذِ بِعَمَلٍ آخَرَ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَذُكِرَ لِحِلِّ الصَّيْدِ خَمْسَةَ عَشَرَ شَرْطًا عَنْ النِّهَايَةِ وَكُلُّهَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إلَّا هَذَا لَكِنَّهُ يُسْتَفَادُ مِمَّا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ لَا يَقْعُدُ عَنْ طَلَبِهِ بَعْدَ رَمْيِهِ كَمَا يُشْتَرَطُ أَنْ لَا يَغِيبَ عَنْ بَصَرِهِ بَعْدَ إرْسَالِ الْجَارِحِ عَلَيْهِ أَوْ لَا يَقْعُدَ عَنْ طَلَبِهِ ، فَيَكُونُ فِي طَلَبِهِ وَلَا يَشْتَغِلُ بِعَمَلٍ آخَرَ حَتَّى يَجِدَهُ كَمَا فِي قَاضِي خَانْ .
وَفِي الْجَوْهَرَةِ يُشْتَرَطُ أَنْ يَلْحَقَهُ الْمُرْسِلُ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ قَبْلَ انْقِطَاعِ الطَّلَبِ وَالتَّوَارِي ( قَوْلُهُ : أَوْ دَعْوَى لَا اعْتِقَادًا كَالْكِتَابِيِّ ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَتَوْضِيحُهُ مَا قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ لِلسَّرَخْسِيِّ شَرْطُنَا تَسْمِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخُلُوصِ وَأَنْ يَتَحَقَّقَ ذَلِكَ مِمَّنْ يُعْتَقَدُ تَوْحِيدُهُ جَلَّتْ قُدْرَتُهُ أَوْ يَظْهَرُ ذَلِكَ وَهُوَ مُسْلِمٌ أَوْ كِتَابِيٌّ فَأَمَّا الْمَجُوسِيُّ يَدَّعِي الِاثْنَيْنِ لَا تَصِحُّ مِنْهُ تَسْمِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخُلُوصِ فَلِهَذَا لَا تَحِلُّ ذَبِيحَةُ الْمَجُوسِيِّ وَصَيْدُهُ وَيَحِلُّ مِنْ الْكِتَابِيِّ

لِتَسْمِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى ظَاهِرًا وَإِنْ أَضْمَرَ غَيْرَهُ وَهُوَ مَا يَعْتَقِدُونَهُ مَعْبُودًا لَهُمْ ؛ لِأَنَّ النَّصَارَى يَقُولُونَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا وَلَيْسَ بَيْنَ الْمَجُوسِيِّ وَالْكِتَابِيِّ فَرْقٌ يُعْقَلُ مَعْنَاهُ بِالرَّأْيِ سِوَى أَنَّ مَنْ يَدَّعِي التَّوْحِيدَ يَصِحُّ مِنْهُ تَسْمِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخُلُوصِ ، وَمَنْ يَدَّعِي الِاثْنَيْنِ لَا يَصِحُّ مِنْهُ تَسْمِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْخُلُوصِ وَإِنَّمَا أُمِرْنَا بِبِنَاءِ الْحُكْمِ فِي حَقِّ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى مَا يُظْهِرُونَ دُونَ مَا يُضْمِرُونَ فَلَوْ اعْتَبَرْنَا مَا يُضْمِرُونَ لَمْ تَحِلَّ ذَبِيحَتُهُمْ وَلِذَلِكَ يُسْتَحْلَفُونَ فِي الْمَظَالِمِ بِاَللَّهِ ا هـ مُلَخَّصًا ( قَوْلُهُ : عَلَى مُمْتَنِعٍ مُتَوَحِّشٍ مَأْكُولٍ ) قَيْدُ الْمَأْكُولِ مُسْتَدْرَكٌ بِمَا قَدَّمَهُ بِقَوْلِهِ وَيُشْتَرَطُ لِمَا يُؤْكَلُ ( قَوْلُهُ : إلَّا إذَا كَمَنَ الْفَهْدُ ) لَا يَخْتَصُّ بِهِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ ، وَكَذَا الْكَلْبُ إذَا اعْتَادَ الِاخْتِفَاءَ لَا يَقْطَعُ فَوْرَ الْإِرْسَالِ لِمَا بَيَّنَّا فِي الْفَهْدِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : لِلْفَهْدِ خِصَالٌ
إلَخْ ) بَقِيَ مِنْهَا أَنَّهُ لَا يَعْدُو خَلْفَ صَاحِبِهِ حَتَّى يُرْكِبَهُ خَلْفَهُ وَهُوَ يَقُولُ هُوَ الْمُحْتَاجُ إلَيَّ فَلَا أَذِلُّ كَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ ( قُلْت ) فَيَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ لَا يُذِلَّ نَفْسَهُ لِمَنْ هُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ خُصُوصًا إذَا كَانَ ذَا عِلْمٍ فَلَا يَسْعَى لِمَنْ يَتَعَلَّمُ مِنْهُ لِتَعْلِيمِهِ ا هـ لِمَا قَالَ السَّرَخْسِيُّ فِي مَبْسُوطِهِ فَهَكَذَا يَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ لَا يُذِلَّ نَفْسَهُ فِيمَا يَعْمَلُ لِغَيْرِهِ .
ا هـ .

( وَيُعَلَّمُ الْمُعَلَّمُ بِتَرْكِ أَكْلِ الْكَلْبِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَرُجُوعِ الْبَازِي بِدُعَائِهِ ) وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ؛ وَلِأَنَّ بَدَنَ الْكَلْبِ يَحْتَمِلُ الضَّرْبَ فَيُمْكِنُ ضَرْبُهُ حَتَّى يَتْرُكَ الْأَكْلَ وَبَدَنُ الْبَازِي لَا يَحْتَمِلُهُ فَاكْتَفَى بِغَيْرِهِ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى التَّعْلِيمِ فَإِنَّ فِي طَبْعِهِ نُفُورًا وَيَعْلَمُ زَوَالَهُ بِرُجُوعِهِ بِالدُّعَاءِ ( وَالْفَهْدُ وَنَحْوُهُ بِهِمَا ) يَعْنِي أَنَّ الْفَهْدَ وَنَحْوَهُ يَحْتَمِلُ الضَّرْبَ وَعَادَتُهُ الِافْتِرَاسُ وَالنُّفُورُ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ تَرْكُ الْأَكْلِ وَالْإِجَابَةِ جَمِيعًا كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ ( وَلَا يُؤْكَلُ مِمَّا أَكَلَ الْكَلْبُ أَوْ الْفَهْدُ ) لِأَنَّك قَدْ عَرَفْت أَنَّ تَعَلُّمَهُ بِتَرْكِ الْأَكْلِ وَسَيَأْتِي أَنَّهُ إذَا أَكَلَ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّمْ فَيَحْرُمُ صَيْدُهُ ( بِخِلَافِ الْبَازِي ) لِمَا عَرَفْت أَنَّ تَعَلُّمَهُ لَيْسَ بِهِ لِيَكُونَ ضِدُّهُ دَلِيلَ الْجَهْلِ ( وَلَا ) يُؤْكَلُ أَيْضًا ( مَا أَكَلَ ) أَيْ الْكَلْبُ أَوْ الْفَهْدُ ( مِنْهُ بَعْدَ تَرْكِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ) لِأَنَّهُ عَلَامَةَ الْجَهْلِ ( وَلَا ) يُؤْكَلُ أَيْضًا ( مَا صَادَ بَعْدُ ) أَيْ بَعْدَمَا أَكَلَ بَعْدَ تَرْكِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ( حَتَّى يَتَعَلَّمَ أَوْ قَبْلَهُ ) أَيْ لَا يُؤْكَلُ مَا صَادَهُ قَبْلَ مَا أَكَلَ بَعْدَ التَّرْكِ ( لَوْ بَقِيَ فِي مِلْكِهِ ) فَإِنَّ مَا أَتْلَفَ لَا يَظْهَرُ فِيهِ الْحُرْمَةُ لِانْعِدَامِ الْمَحَلِّيَّةِ وَمَا لَيْسَ بِمُحْرَزٍ بِأَنْ كَانَ فِي الْمَفَازَةِ بُعْدٌ يَثْبُتُ فِيهِ الْحُرْمَةُ اتِّفَاقًا وَالْمُحْرَزُ فِي بَيْتِهِ يَحْرُمُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا

( قَوْلُهُ : بِتَرْكِ أَكْلِ الْكَلْبِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ) كَذَا فِي الْكَنْزِ .
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ هَذَا قَوْلُهُمَا وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ، .
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَثْبُتُ التَّعَلُّمُ مَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ قَدْ تَعَلَّمَ وَلَا يُقَدَّرُ بِشَيْءٍ ؛ لِأَنَّ الْمَقَادِيرَ تُعْرَفُ بِالنَّصِّ لَا بِالِاجْتِهَادِ وَلَا نَصَّ هَاهُنَا فَيُفَوَّضُ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ كَمَا هُوَ دَأْبُهُ فِي مِثْلِهِ كَحَبْسِ الْغَرِيمِ ، ثُمَّ إذَا تَرَكَ الْأَكْلَ ثَلَاثًا لَا تَحِلُّ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِالثَّلَاثِ وَهُوَ ظَاهِرٌ ، وَكَذَا الثَّالِثُ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ مُعَلَّمًا إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الثَّلَاثِ ، .
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى يَحِلُّ ؛ لِأَنَّ تَرْكَهُ عِنْدَ الثَّالِثِ آيَةُ تَعَلُّمِهِ فَصَارَ صَيْدَ كَلْبٍ عَالِمٍ ا هـ .
وَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِي الثَّالِثِ رِوَايَتَانِ أَيْ عَنْهُمَا وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَحِلُّ ا هـ ( قَوْلُهُ : وَرُجُوعُ الْبَازِي بِدُعَائِهِ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ لَمْ يَذْكُرْ الْبَازِيَ بِكَمْ إجَابَةٍ يَصِيرُ مُعَلَّمًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي فِي الْكَلْبِ ، وَلَوْ قِيلَ يَصِيرُ مُعَلَّمًا بِإِجَابَةٍ وَاحِدَةٍ كَانَ لَهُ وَجْهٌ ؛ لِأَنَّ الْخَوْفَ يُنَفِّرُهُ بِخِلَافِ الْكَلْبِ ا هـ .
وَفِي الْبَازِي لُغَتَانِ تَشْدِيدُ الْيَاءِ وَتَخْفِيفُهَا وَجَمْعُهُ بُزَاةٌ وَالْبَازُ أَيْضًا لُغَةٌ فِيهِ وَجَمْعُهُ أَبْوَازٌ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ ( قَوْلُهُ : وَالْفَهْدُ وَنَحْوُهُ بِهِمَا
إلَخْ ) يُوَافِقُ مَا فِي الِاخْتِيَارِ قَوْلُ الذَّخِيرَةِ عَلَامَةُ تَعَلُّمِ الْكَلْبِ ، وَمَنْ بِمَعْنَاهُ الْإِمْسَاكُ عَلَى الْمَالِكِ وَتَرْكُ الْأَكْلِ وَأَنْ يُجِيبَ إذَا دَعَاهُ .
ا هـ .
؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْإِجَابَةَ شَرْطًا وَلَمْ تُشْتَرَطْ فِي الْكَلْبِ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ ( قَوْلُهُ : وَلَا يُؤْكَلُ أَيْضًا مَا أَكَلَ الْكَلْبُ أَوْ الْفَهْدُ مِنْهُ بَعْدَ تَرْكِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ) كَذَا قَالَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَابْنُ كَمَالٍ بَاشَا وَفِيهِ اسْتِدْرَاكٌ مَعَ مَا قَدَّمَهُ

مِنْ قَوْلِهِ وَلَا يُؤْكَلُ مَا أَكَلَ الْكَلْبُ أَوْ الْفَهْدُ ( قَوْلُهُ : وَالْمُحْرِزُ فِي بَيْتِهِ يَحْرُمُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا ) أَطْلَقَ الْخِلَافَ فَشَمِلَ مَا لَوْ طَالَ زَمَنُ بَقَاءِ الصَّيْدِ أَوْ قَصُرَ وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْخِلَافِ لِمَا قَالَ فِي التَّبْيِينِ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَالذَّخِيرَةِ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ إنَّمَا تَحْرُمُ تِلْكَ الصَّيُودُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا كَانَ الْعَهْدُ قَرِيبًا ، أَمَّا إذَا تَطَاوَلَ الْعَهْدُ بِأَنْ أَتَى عَلَيْهِ شَهْرٌ فَأَكْثَرُ وَصَاحِبُهُ قَدَّدَ تِلْكَ الصَّيُودَ لَا تَحْرُمُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا .
وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ الصَّحِيحُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْفَصْلَيْنِ .
ا هـ .

( وَشُرِطَ لِلْحِلِّ بِالرَّمْيِ التَّسْمِيَةُ ) وَعَدَمُ تَرْكِهَا عَمْدًا ( وَالْجَرْحُ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ { إذَا رَمَيْت بِسَهْمِك فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَإِنْ وَجَدْته قَدْ قَتَلَ فَكُلْ إلَّا أَنْ تَجِدَهُ قَدْ وَقَعَ فِي مَاءٍ فَإِنَّك لَا تَدْرِي الْمَاءُ قَتَلَهُ أَوْ سَهْمُك } ( وَعَدَمُ الْقُعُودِ عَنْ طَلَبِهِ لَوْ غَابَ مُتَحَامِلًا سَهْمَهُ ) أَيْ رَمَى فَغَابَ عَنْ بَصَرِهِ مُتَحَامِلًا سَهْمَهُ فَإِنْ أَدْرَكَهُ مَيِّتًا فَإِنْ لَمْ يَقْعُدْ عَنْ طَلَبِهِ حَلَّ أَكْلُهُ لِبَذْلِهِ وُسْعَهُ وَإِنْ قَعَدَ عَنْهُ حَرُمَ إذَا كَانَ فِي وُسْعِهِ أَنْ يَطْلُبَهُ ، وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لَعَلَّ هَوَامَّ الْأَرْضِ قَتَلَتْهُ
( قَوْلُهُ : وَعَدَمُ الْقُعُودِ عَنْ طَلَبِهِ ) أَيْ فَيَطْلُبُهُ بِنَفْسِهِ أَوْ نَائِبِهِ ( قَوْلُهُ : وَأَمَّا الْمُتَرَدِّيَةُ
إلَخْ ) كَذَا قَالَ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا وَصَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ .
وَفِي الِاخْتِيَارِ هُوَ الْمُخْتَارُ

( فَإِنْ أَدْرَكَهُ الْمُرْسِلُ أَوْ الرَّمْيُ حَيًّا بِحَيَاةٍ أَقْوَى مِمَّا لِلْمَذْبُوحِ حَلَّ بِالذَّكَاةِ ، وَلَوْ مِثْلَهَا حَلَّ بِدُونِهَا ) أَيْ لَوْ كَانَ حَيَاتُهُ مِثْلَ حَيَاةِ الْمَذْبُوحِ لَا تَجِبُ تَذْكِيَتُهُ ، بَلْ يَحِلُّ بِدُونِهَا وَلَا عِبْرَةَ بِتِلْكَ الْحَيَاةِ ، وَأَمَّا الْمُتَرَدِّيَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا بَقَرَ ذِئْبٌ بَطْنَهُ وَبِهِ حَيَاةٌ وَالشَّاةُ الْمَرِيضَةُ فَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّ الْحَيَاةَ وَإِنْ قَلَّتْ مُعْتَبَرَةٌ حَتَّى لَوْ ذَكَّاهَا وَفِيهَا حَيَاةٌ قَلِيلَةٌ يَحِلُّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { إلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ } ( وَحَرُمَ ) عَطْفٌ عَلَى حَلَّ بِالذَّكَاةِ أَيْ حَرُمَ الصَّيْدُ ( إنْ تَرَكَهَا ) أَيْ الذَّكَاةَ ( عَمْدًا مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهَا فَمَاتَ ) لِأَنَّ حَيَاتَهُ لَمَّا كَانَتْ أَقْوَى مِمَّا لِلْمَذْبُوحِ كَانَ ذَكَاتُهُ وَاجِبَةً فَإِذَا تُرِكَتْ حَرُمَ ( كَذَا ) أَيْ يَحْرُمُ أَيْضًا ( إذَا عَجَزَ ) عَنْ التَّذْكِيَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ؛ لِأَنَّ الْعَجْزَ فِي مِثْلِ هَذَا لَا يُحِلُّ الْحَرَامَ ( وَقِيلَ حَلَّ ) وَهُوَ رِوَايَةُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ ( أَوْ أَرْسَلَ ) عَطْفٌ عَلَى تَرَكَهَا ( مَجُوسِيٌّ كَلْبَهُ فَزَجَرَهُ مُسْلِمٌ فَانْزَجَرَ ) أَيْ أَغْرَاهُ بِالصِّيَاحِ فَاسْتَدَّ ( أَوْ قَتَلَهُ مِعْرَاضٌ بِعَرْضِهِ ) وَهُوَ سَهْمٌ لَا رِيشَ لَهُ سُمِّيَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ يُصِيبُ الشَّيْءَ بِعَرْضِهِ فَإِذَا كَانَ فِي رَأْسِهِ حِدَّةٌ فَأَصَابَ بِحَدِّهِ يَحِلُّ ( أَوْ بُنْدُقَةٌ ثَقِيلَةٌ ذَاتُ حِدَّةٍ ) إنَّمَا حَرُمَ لِاحْتِمَالِ قَتْلِهَا بِثِقَلِهَا حَتَّى لَوْ كَانَتْ خَفِيفَةً بِهَا حِدَّةٌ يَحِلُّ لِتَيَقُّنِ الْمَوْتِ بِالْجَرْحِ ( أَوْ رَمَى صَيْدًا فَوَقَعَ فِي مَاءٍ ) لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمَاءَ قَتَلَهُ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ ( أَوْ ) وَقَعَ ( عَلَى سَطْحٍ ) أَوْ جَبَلٍ ( فَتَرَدَّى مِنْهُ إلَى الْأَرْضِ ) لِأَنَّهُ الْمُتَرَدِّيَةُ ( وَأَكَلَ إنْ وَقَعَ ابْتِدَاءً عَلَى الْأَرْضِ ) لِامْتِنَاعِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ ، وَكَذَا الْوَاقِعُ عَلَى السَّطْحِ أَوْ الْجَبَلِ أَوْ الصَّخْرَةِ إنْ لَمْ يَتَرَدَّ

( أَوْ أَرْسَلَ مُسْلِمٌ كَلْبَهُ فَأَغْرَاهُ مَجُوسِيٌّ فَأَخَذَ أَوْ لَمْ يُرْسِلْ الْكَلْبَ فَأَغْرَاهُ مُسْلِمٌ فَأَخَذَ ) الْحَاصِلُ أَنَّهُ إذَا اجْتَمَعَ الْإِرْسَالُ وَالْإِغْرَاءُ فَالْعِبْرَةُ لِلْإِرْسَالِ فَإِنْ كَانَ مِنْ الْمَجُوسِيِّ وَالْإِغْرَاءُ مِنْ الْمُسْلِمِ حَرُمَ كَمَا سَبَقَ وَفِي الْعَكْسِ حَلَّ ، وَلَوْ لَمْ يُوجَدْ الْإِرْسَالُ وَوُجِدَ الْإِغْرَاءُ فَإِنْ كَانَ مِنْ الْمُسْلِمِ حَلَّ ، وَلَوْ مِنْ الْمَجُوسِيِّ حَرُمَ ( أَوْ أَخَذَ ) أَيْ أَكَلَ إنْ أَخَذَ الْكَلْبُ ( غَيْرَ مَا أُرْسِلَ عَلَيْهِ ) لِامْتِنَاعِ التَّعْظِيمِ بِحَيْثُ يَأْخُذُ مَا عَيَّنَهُ وَإِنْ أَرْسَلَهُ فَقَتَلَ صَيْدًا ، ثُمَّ آخَرَ أُكِلَا كَمَا لَوْ رَمَى سَهْمًا إلَى صَيْدٍ فَأَصَابَهُ وَأَصَابَ آخَرَ ، وَكَذَا لَوْ أَرْسَلَ عَلَى صَيْدٍ كَثِيرٍ وَسَمَّى مَرَّةً وَاحِدَةً بِخِلَافِ ذَبْحِ الشَّاتَيْنِ بِتَسْمِيَةٍ وَاحِدَةٍ ( كَذَا ) يُؤْكَلُ ( صَيْدٌ رُمِيَ فَقَطَعَ عُضْوًا مِنْهُ لَا الْعُضْوَ ) لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَا أُبِينَ مِنْ الْحَيِّ فَهُوَ مَيِّتٌ } ( وَكَذَا ) يُؤْكَلُ ( مَا قُطِعَ أَثْلَاثًا وَأَكْثَرُهُ مَعَ عَجُزِهِ ) أَيْ قَطَعَهُ قِطْعَتَيْنِ بِحَيْثُ يَكُونُ الثُّلُثُ فِي طَرَفِ الرَّأْسِ وَالثُّلُثَانِ فِي طَرَفِ الْعَجُزِ ( أَوْ قَطَعَ نِصْفَ رَأْسِهِ أَوْ أَكْثَرَهُ أَوْ قَدْ بِنِصْفَيْنِ ) فَإِنَّ كُلَّهُ يُؤْكَلُ إذْ لَا يُمْكِنُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ حَيَاةٌ فَوْقَ حَيَاةِ الْمَذْبُوحِ فَلَمْ يَتَنَاوَلْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَا أُبِينَ مِنْ الْحَيِّ فَهُوَ مَيِّتٌ } بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الثُّلُثَانِ فِي طَرَفِ الرَّأْسِ وَالثُّلُثُ فِي طَرَفِ الْعَجُزِ لِإِمْكَانِ الْحَيَاةِ فِي الثُّلُثَيْنِ فَوْقَ حَيَاةِ الْمَذْبُوحِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا قُطِعَ أَقَلُّ مِنْ نِصْفِ الرَّأْسِ لِلْإِمْكَانِ الْمَذْكُورِ

( قَوْلُهُ : وَكَذَا ) أَيْ يَحْرُمُ أَيْضًا إذَا عَجَزَ عَنْ التَّذْكِيَةِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَذَا فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ ( قَوْلُهُ : أَوْ بُنْدُقَةٍ ثَقِيلَةٍ
إلَخْ ) كَذَا قَالَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَابْنُ كَمَالٍ بَاشَا وَفِي الْمُسْتَصْفَى الْبُنْدُقَةُ طِينَةٌ مُدَوَّرَةٌ يَرْمِي بِهَا .
وَفِي الْجَوْهَرَةِ الْبُنْدُقَةُ إذَا كَانَ لَهَا حِدَّةٌ تَجْرَحُ بِهَا أُكِلَ .
وَقَالَ قَاضِي خَانْ لَا يَحِلُّ صَيْدُ الْبُنْدُقَةِ وَالْحَجَرِ وَالْمِعْرَاضِ وَالْعَصَا وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَإِنْ جَرَحَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْرِقُ إلَّا أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ قَدْ حَدَّهُ وَطُولُهُ كَالسَّهْمِ وَأَمْكَنَ أَنْ يَرْمِيَ بِهِ فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ وَخَرَقَهُ يَحُدُّهُ حَلَّ أَكْلُهُ فَأَمَّا الْجَرْحُ الَّذِي يُدَقُّ فِي الْبَاطِنِ وَلَا يَخْرُجُ فِي الظَّاهِرِ لَا يَحِلُّ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ إنْهَارُ الدَّمِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : أَوْ رَمَى صَيْدًا فَوَقَعَ فِي مَاءٍ
إلَخْ ) كَذَا أَطْلَقَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَابْنُ كَمَالٍ بَاشَا .
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ هَذَا فِيمَا إذَا كَانَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ يَحْرُمُ بِالِاتِّفَاقِ ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ يُضَافُ إلَى غَيْرِ الرَّمْيِ وَإِنْ كَانَتْ حَيَاتُهُ دُونَ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي مَرَّ فِي إرْسَالِ الْكَلْبِ ، وَقَالَ قَبْلَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ وَهُوَ بِهَذِهِ الْحَالَةِ لَا يَحْرُمُ كَمَا إذَا وَقَعَ بَعْدَ مَوْتِهِ ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ لَا يُضَافُ إلَيْهِ ا هـ .
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ الطَّيْرُ إذَا وَقَعَ فِي الْمَاءِ إنْ بَرِّيًّا لَا يَحِلُّ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ فَوْقَ الْمَاءِ أَوْ كَانَ مُنْغَمِسًا فِي الْمَاءِ إلَّا أَنْ تَكُونَ الْجِرَاحَةُ بِحَالٍ لَا يُتَوَهَّمُ نَجَاةُ الصَّيْدِ كَمَا إذَا ذَكَّاهُ فَوَقَعَ فِي الْمَاءِ وَإِنْ كَانَ مَائِيًّا أَنَّ الْجِرَاحَةَ فَوْقَ الْمَاءِ يَحِلُّ ؛ لِأَنَّهُ عُلِمَ أَنَّهُ مَاتَ مِنْ الْجِرَاحَةِ وَإِنْ كَانَتْ الْجِرَاحَةُ بِحَالٍ يُتَوَهَّمُ نَجَاةُ الصَّيْدِ مِنْهَا لَوْلَا الْوُقُوعُ لَا يَحِلُّ ا هـ .
وَفِي قَاضِي خَانْ إنْ وَقَعَ فِي مَاءٍ فَمَاتَ لَا يُؤْكَلُ لَعَلَّ أَنَّ

وُقُوعَهُ فِي الْمَاءِ قَتَلَهُ وَيَسْتَوِي فِي ذَلِكَ طَيْرُ الْمَاءِ ؛ لِأَنَّ طَيْرَ الْمَاءِ إنَّمَا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ غَيْرَ مَجْرُوحٍ ا هـ .
وَنَقَلَهُ فِي الذَّخِيرَةِ مَا قَالَهُ قَاضِي خَانْ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ بَعْدَمَا ذَكَرَ مِثْلَ مَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ ، ثُمَّ قَالَ فَلْيُتَأَمَّلْ عِنْدَ الْفَتْوَى .
وَفِي الْقُنْيَةِ عَنْ شَرْحِ السَّرَخْسِيِّ رَمَى صَيْدًا فَجَرَحَ ظَهْرَهُ وَمَاتَ فِي الْمَاءِ لَا يَحِلُّ .
وَفِي شَرْحِ بَكْرٍ خُوَاهَرْ زَادَهْ يَحِلُّ وَإِنْ أَصَابَ بَطْنَهُ أَوْ جَنْبَهُ لَا يَحِلُّ ا هـ .
( قَوْلُهُ : أَوْ وَقَعَ عَلَى سَطْحٍ أَوْ جَبَلٍ
إلَخْ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ هَذَا فِيمَا إذَا كَانَ فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ يَحْرُمُ بِالِاتِّفَاقِ ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ مُضَافٌ إلَى غَيْرِ الرَّمْيِ وَإِنْ كَانَتْ حَيَاتُهُ دُونَ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي إرْسَالِ الْكَلْبِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : أَوْ الصَّخْرَةِ إنْ لَمْ يَتَرَدَّ ) وَاضِحٌ فِيمَا إذَا لَمْ تَنْشَقَّ بَطْنُهُ ، وَأَمَّا إذَا انْشَقَّتْ فَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ ذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى لَوْ وَقَعَ عَلَى صَخْرَةٍ فَانْشَقَّ بَطْنُهُ لَمْ يَأْكُلْ لِاحْتِمَالِ الْمَوْتِ بِسَبَبٍ آخَرَ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ وَحَمَلَ مُطْلَقَ الْمَرْوِيِّ فِي الْأَصْلِ عَلَى غَيْرِ حَالَةِ الِانْشِقَاقِ وَحَمَلَهُ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ عَلَى مَا أَصَابَهُ حَدُّ الصَّخْرَةِ فَانْشَقَّ بَطْنُهُ لِذَلِكَ وَحَمَلَ الْمَرْوِيَّ فِي الْأَصْلِ أَنَّهُ لَمْ يُصِبْهُ مِنْ الْآجُرَّةِ إلَّا مَا يُصِيبُهُ مِنْ الْأَرْضِ لَوْ وَقَعَ عَلَيْهِ وَذَلِكَ عَفْوٌ ، وَهَذَا أَصَحُّ ا هـ .
وَلَفْظُ أَصَحَّ مِنْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ لَا مِنْ السَّرَخْسِيِّ يَعْنِي أَنَّهُ أَصَحُّ مِنْ كَلَامِ الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ ا هـ .
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ كِلَا التَّأْوِيلَيْنِ صَحِيحٌ وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَحْمِلُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ عَلَى مَا إذَا مَاتَ بِالرَّمْيِ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُنْتَقَى عَلَى مَا إذَا مَاتَ بِغَيْرِهِ وَفِي لَفْظِ الْمُنْتَقَى إشَارَةٌ إلَيْهِ أَلَا تَرَى

أَنَّهُ قَالَ لِاحْتِمَالِ الْمَوْتِ بِسَبَبٍ آخَرَ أَيْ غَيْرِ الرَّمْيِ ، وَهَذَا يَرْجِعُ إلَى اخْتِلَافِ اللَّفْظِ دُونَ الْمَعْنَى فَلَا يُبَالِي بِهِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : أَوْ لَمْ يُرْسِلْ الْكَلْبَ فَأَغْرَاهُ مُسْلِمٌ ) هَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْبَازِي كَالْكَلْبِ فِيمَا ذُكِرَ كَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَلَا يَخْتَصُّ بِكَلْبِ الْمُسْلِمِ ، بَلْ كَذَلِكَ كَلْبٌ مُعَلَّمٌ لِمَنْ لَا يَحِلُّ ذَكَاتُهُ كَالْمُرْتَدِّ وَالْمَجُوسِيِّ وَالْوَثَنِيِّ وَالْمُحْرِمِ ( قَوْلُهُ : أَوْ أَخَذَ غَيْرَ مَا أَرْسَلَ إلَيْهِ ) يَعْنِي إذَا كَانَ عَلَى سَنَنِهِ ، وَلَوْ أَرْسَلَ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ يَحِلُّ مَا أَصَابَهُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ أَرْسَلَهُ فَقَتَلَ صَيْدًا ، ثُمَّ آخَرَ أُكِلَا ) كَذَا عَبَّرَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَابْنُ كَمَالٍ بَاشَا بِثُمَّ وَمِثْلُهُ فِي التَّبْيِينِ وَالْهِدَايَةِ لَكِنْ مُقَيَّدًا بِعَدَمِ الْمُكْثِ طَوِيلًا حَيْثُ قَالَ : وَلَوْ جَثَمَ عَلَى الْأَوَّلِ طَوِيلًا ، ثُمَّ مَرَّ بِهِ صَيْدٌ آخَرُ فَقَتَلَهُ لَا يُؤْكَلُ الثَّانِي لِانْقِطَاعِ الْإِرْسَالِ بِمُكْثِهِ طَوِيلًا إذْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ حِيلَةً مِنْهُ لِلْأَخْذِ وَإِنَّمَا هُوَ اسْتِرَاحَةٌ ا هـ ، وَقِيلَ الْأَوَّلُ لَيْسَ قَيْدًا لِحِلِّ الثَّانِي ، بَلْ الْمَدَارُ عَلَى عَدَمِ انْقِطَاعِ الْإِرْسَالِ لِمَا قَالَ قَاضِي خَانْ لَوْ أَرْسَلَ كَلْبَهُ عَلَى صَيْدٍ فَأَخْطَأَ ، ثُمَّ عَرَضَ لَهُ صَيْدٌ آخَرُ فَقَتَلَهُ حَلَّ أَكْلُهُ وَإِنْ فَاتَهُ ذَلِكَ الصَّيْدُ فَرَجَعَ وَعَرَضَ لَهُ صَيْدٌ آخَرُ فِي رُجُوعِهِ فَقَتَلَهُ لَا يَحِلُّ ؛ لِأَنَّ الْإِرْسَالَ بَطَلَ بِالرُّجُوعِ وَبِدُونِ الْإِرْسَالِ لَا يَحِلُّ ا هـ .
وَمِثْلُهُ فِي التَّجْنِيسِ وَالْمَزِيدِ ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ ذَبْحِ الشَّاتَيْنِ بِتَسْمِيَةٍ وَاحِدَةٍ ) يَعْنِي ، وَقَدْ ذَبَحَهُمَا عَلَى التَّعَاقُبِ ، أَمَّا إذَا أَضْجَعَ إحْدَاهُمَا فَوْقَ الْأُخْرَى فَذَبَحَهُمَا دُفْعَةً وَاحِدَةً بِتَسْمِيَةٍ وَاحِدَةٍ أَجْزَأَ وَحَلَّا كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَالْهِدَايَةِ ( قَوْلُهُ : وَكَذَا يُؤْكَلُ مَا قُطِعَ أَثْلَاثًا وَأَكْثَرُهُ مَعَ عَجُزِهِ ) أَيْ فَيُؤْكَلُ كُلُّهُ ؛ لِأَنَّ مَا

بَيْنَ النِّصْفِ إلَى الْعُنُقِ مَذْبَحٌ يُرِيدُ بِهِ أَنَّ الْأَوْدَاجَ مِنْ الْقَلْبِ إلَى الدِّمَاغِ كَذَا فِي مَبْسُوطِ السَّرَخْسِيِّ وَقَاضِي خَانْ ( قَوْلُهُ : أَوْ قُدِّرَ بِنِصْفَيْنِ ) لَمْ يُبَيِّنْ كَيْفِيَّتَهُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ وَعَلَيْهِ نَصَّ فِي مَبْسُوطِ السَّرَخْسِيِّ وَفَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَنَصُّ الْمَبْسُوطِ وَإِنْ قَطَعَهُ نِصْفَيْنِ أَكَلَ كُلَّهُ لِأَنَّ فِعْلَهُ أَتَمُّ مَا يَكُونُ مِنْ الذَّكَاةِ إذْ لَا يُتَوَهَّمُ بَقَاؤُهُ حَيًّا بَعْدَمَا قَطَعَهُ بِنِصْفَيْنِ طُولًا .
ا هـ .
وَقَاضِي خَانْ وَإِنْ قَطَعَهُ بِنِصْفَيْنِ طُولًا يُؤْكَلُ كُلُّهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَوَهَّمُ بَقَاءُ الصَّيْدِ حَيًّا بَعْدَ ذَلِكَ فَكَانَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الذَّبْحِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الثُّلُثَانِ
إلَخْ ) كَذَا قَالَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَابْنُ كَمَالٍ بَاشَا وَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَحْرُمُ الْجُزْءُ الْمُبَانُ وَيَحِلُّ الْمُبَانُ مِنْهُ وَعَلَيْهِ نَصَّ فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ فَقَالَا إذَا قَطَعَ يَدًا أَوْ رِجْلًا أَوْ فَخِذًا أَوْ ثُلُثَهُ مِمَّا يَلِي الْقَوَائِمَ أَوْ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ الرَّأْسِ يَحْرُمُ الْمُبَانُ وَيَحِلُّ الْمُبَانُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ يُتَوَهَّمُ بَقَاءُ الْحَيَاةِ فِي الْبَاقِي ا هـ وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ

( رَمَى صَيْدًا وَرَمَاهُ آخَرُ فَقَتَلَهُ ) الْآخَرُ ( فَإِنْ أَثْخَنَهُ الْأَوَّلُ ) أَيْ أَخْرَجَهُ عَنْ حَيِّزِ الِامْتِنَاعِ ( فَهُوَ لَهُ ) أَيْ مِلْكٌ لِلْأَوَّلِ ( وَحَرُمَ ) بِرَمْيِ الثَّانِي ( وَضَمِنَ الثَّانِي لَهُ قِيمَتَهُ ) حَالَ كَوْنِهِ ( مَجْرُوحًا ) بِرَمْيِ الْأَوَّلِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُثْخِنْهُ الْأَوَّلُ ( فَلِلثَّانِي ) لِأَنَّهُ صَادَهُ ( وَحَلَّ ) لِأَنَّ ذَكَاتَهُ اضْطِرَارِيَّةٌ كَمَا سَيَأْتِي
( قَوْلُهُ : وَضَمِنَ الثَّانِي لَهُ قِيمَتَهُ مَجْرُوحًا ) نَقَلَ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِ أَنَّ تَأْوِيلَهُ إذَا عُلِمَ أَنَّ الْقَتْلَ حَصَلَ بِالثَّانِي

( وَيُصَادُ ) أَيْ يَجُوزُ صَيْدُ ( مَا يُؤْكَلُ ، وَ ) يُصَادُ ( غَيْرُهُ ) لِأَنَّ صَيْدَهُ سَبَبُ الِانْتِفَاعِ بِجِلْدِهِ أَوْ شَعْرِهِ أَوْ رِيشِهِ أَوْ لِاسْتِدْفَاعِ شَرِّهِ وَكُلُّ ذَلِكَ مَشْرُوعٌ ( وَبِهِ ) أَيْ بِالصَّيْدِ ( يَطْهُرُ لَحْمٌ غَيْرُ نَجِسِ الْعَيْنِ ) لِأَنَّهُ ذَكَاةٌ حُكْمًا حَتَّى تَجُوزَ صَلَاةُ حَامِلِهِ وَلَا يُنَجِّسُ طَاهِرًا وَإِنْ لَمْ يُؤْكَلْ ( وَ ) يُطَهَّرُ ( جِلْدُهُ ) أَيْضًا حَتَّى تَجُوزَ الصَّلَاةُ بِهِ وَعَلَيْهِ
( قَوْلُهُ : وَبِهِ أَيْ بِالصَّيْدِ يَطْهُرُ لَحْمٌ غَيْرُ نَجِسِ الْعَيْنِ ) أَقُولُ أَصَحُّ مَا يُفْتَى بِهِ أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ لَحْمُهُ ، بَلْ جِلْدُهُ فَقَطْ كَمَا فِي مَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ لِلطَّرَابُلُسِيِّ صَاحِبِ الْإِسْعَافِ

.
{ كِتَابُ الذَّبَائِحِ جَمْعُ ذَبِيحَةٍ وَهُوَ حَيَوَانٌ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُذْبَحَ فَيَخْرُجُ السَّمَكُ وَالْجَرَادُ إذْ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِمَا الذَّبْحُ فَيَحِلَّانِ بِلَا ذَكَاةٍ وَيَدْخُلُ الْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَنَحْوُهُمَا فَلَا تَحِلُّ لِفَقْدِ الذَّكَاةِ ( الذَّكَاةُ تُحِلُّ الْمَأْكُولَ ) أَيْ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُؤْكَلَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { إلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ } ؛ وَلِأَنَّهَا الْمُمَيِّزَةُ لِلدَّمِ النَّجِسِ مِنْ اللَّحْمِ الطَّاهِرِ ( وَتُطَهِّرُ غَيْرَ نَجِسِ الْعَيْنِ ) فَإِنَّهَا كَمَا تُفِيدُ الْحِلَّ تُفِيدُ طَهَارَةَ الْمَأْكُولِ وَغَيْرِهِ لِإِفَادَتِهَا التَّمْيِيزَ ، ثُمَّ إنَّهَا نَوْعَانِ ضَرُورِيَّةٌ وَاخْتِيَارِيَّةٌ ( وَضَرُورِيَّتُهَا جَرْحُ عُضْوٍ ) وَسَيَأْتِي ( وَالِاخْتِيَارِيَّة ذَبْحٌ فِي الْحَلْقِ ) وَهُوَ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ وَاللَّبَّةُ مَوْضِعُ الْقِلَادَةِ مِنْ الصَّدْرِ ( وَلَوْ ) كَانَ الذَّبْحُ ( فَوْقَ الْعُقْدَةِ ) الَّتِي فِي أَعْلَى الْحُلْقُومِ ( وَقِيلَ لَا ) أَيْ وَلَوْ كَانَ فَوْقَهَا لَمْ يَكُنْ ذَكَاةً فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا بَأْسَ بِالذَّبْحِ فِي الْحَلْقِ كُلِّهِ وَوَسَطِهِ وَأَعْلَاهُ وَأَسْفَلِهِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الذَّكَاةُ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ } وَهُوَ يَقْتَضِي جَوَازَ الذَّبْحِ فَوْقَ الْحَلْقِ قَبْلَ الْعُقْدَةِ ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ قَبْلَهَا فَهُوَ بَيْنَ اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ وَهُوَ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ لِمَنْ يَقُولُ بِالْحِلِّ فِيمَا إذَا بَقِيَ عُقْدَةُ الْحُلْقُومِ مِمَّا يَلِي الصَّدْرَ وَرِوَايَةُ الْمَبْسُوطِ أَيْضًا تُسَاعِدُهُ ، وَلَكِنْ صَرَّحَ فِي ذَبَائِحِ الذَّخِيرَةِ بِأَنَّ الذَّبْحَ إذَا وَقَعَ أَعْلَى مِنْ الْحُلْقُومِ لَا يَحِلُّ ، وَكَذَلِكَ فِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ ؛ لِأَنَّهُ ذَبَحَ فِي غَيْرِ الْمَذْبَحِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ كَمَا تَرَى ؛ وَلِأَنَّ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ مَجْمَعُ الْعُرُوقِ وَالْمَجْرَى فَيَحْصُلُ بِالْفِعْلِ فِيهِ إنْهَارُ الدَّمِ عَلَى أَبْلَغِ الْوُجُوهِ فَكَانَ حُكْمُ الْكُلِّ سَوَاءً وَلَا عِبْرَةَ

بِالْعُقْدَةِ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ ( وَعُرُوقُهُ الْحُلْقُومُ وَالْمَرِيءُ وَالْوَدَجَانِ ) فِي الْمُغْرِبِ الْحُلْقُومُ مَجْرَى النَّفَسِ وَالْمَرِيءُ مَجْرَى الْعَلَفِ .
وَفِي الْهِدَايَةِ بِالْعَكْسِ ( وَحَلَّ بِقَطْعِ ثَلَاثٍ مِنْهَا ) أَيْ مِنْ الْعُرُوقِ الْأَرْبَعَةِ أَيْ ثَلَاثٍ كَانَ إقَامَةً لِلْأَكْثَرِ مُقَامَ الْكُلِّ ( بِكُلِّ ) مُتَعَلِّقٌ بِقَطَعَ ( مَا قَطَعَ الْأَوْدَاجَ وَأَسَالَ الدَّمَ ) وَلَوْ قَشَّرَ الْقَصَبَ وَحَجَرًا فِيهِ حِدَّةٌ ( الْأَسْنَانَ أَوْ ظُفْرًا قَائِمَيْنِ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَا خَلَا الظُّفْرَ وَالسِّنَّ فَإِنَّهُمَا مِنْ مُدَى الْحَبَشَةِ } ( وَبِالْمَنْزُوعِينَ يُكْرَهُ ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَحْرُمُ لِمَا رَوَيْنَا وَنَحْنُ نَحْمِلُهُ عَلَى غَيْرِ الْمَنْزُوعَيْنِ فَإِنَّهُ الصَّادِرُ مِنْ الْحَبَشَةِ ( وَنُدِبَ إحْدَادُ شَفْرَتِهِ قَبْلَ الْإِضْجَاعِ وَكُرِهَ بَعْدَهُ ) لِوُرُودِ الْأَثَرِ فِيهِمَا وَإِرْفَاقًا لِلْمَذْبُوحِ

كِتَابُ الذَّبَائِحِ ) ( قَوْلُهُ : وَهِيَ حَيَوَانٌ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُذْبَحَ ) عَلَيْهِ يَكُونُ تَسْمِيَتُهَا ذَبِيحَةً بِاعْتِبَارِ مَا يُؤَوَّلُ .
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ الذَّبِيحَةُ اسْمٌ لِلشَّيْءِ الْمَذْبُوحِ ، وَكَذَلِكَ فِي الِاخْتِيَارِ ، ثُمَّ قَالَ ، وَكَذَلِكَ الذَّبْحُ قَالَ تَعَالَى { وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ } وَالذَّبْحُ مَصْدَرُ ذَبَحَ يَذْبَحُ وَهُوَ الذَّكَاةُ أَيْضًا قَالَ تَعَالَى { إلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ } أَيْ ذَبَحْتُمْ ا هـ .
وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ الذَّكَاةُ الذَّبْحُ وَأَصْلُ تَرْكِيبِ التَّذْكِيَةِ يَدُلُّ عَلَى التَّمَامِ وَمِنْهُ ذَكَاءُ السِّنِّ بِالْمَدِّ لِنِهَايَةِ الشَّبَابِ وَذَكَا النَّارِ بِالْقَصْرِ لِتَمَامِ اشْتِغَالِهَا ا هـ ، وَهِيَ لُغَةً كَمَا قَالَ فِي مَبْسُوطِ السَّرَخْسِيِّ الذَّكَاةُ لُغَةً التَّوَقُّدُ وَالتَّلَهُّبُ الَّذِي يَحْدُثُ فِي الْحَيَوَانِ بِحِدَّةِ الْآلَةِ سُمِّيَتْ الشَّمْسُ ذَكَاءً لِشِدَّةِ الْحَرَارَةِ وَسُمِّيَ الرَّجُلُ الَّذِي فِي خَاطِرِهِ حِدَةٌ ذَكِيًّا ، وَقِيلَ الذَّكَاةُ عِبَارَةٌ عَنْ تَسْيِيلِ الدَّمِ النَّجِسِ فَإِنَّ الْمُحَرَّمَ فِي الْحَيَوَانِ الدَّمُ الْمَسْفُوحُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي جُمْلَةِ الْمُحَرَّمَاتِ { أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا } فَكَانَتْ الذَّكَاةُ إزَالَةً لِلْخُبْثِ وَتَطَيُّبًا بِتَمْيِيزِ الطَّاهِرِ مِنْ النَّجِسِ ا هـ وَشَرْعًا كَمَا قَالَ فِي الْكَنْزِ الذَّبْحُ قَطْعُ الْأَوْدَاجِ .
ا هـ .
وَرُكْنُهَا الْحَيَوَانُ وَشَرْطُهَا أَهْلِيَّةُ الذَّابِحِ وَعَدَمُ تَرْكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا وَقَطْعُ الْأَوْدَاجِ بِمَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَشُرِطَتْ لِتَطْيِيبِ اللَّحْمِ فَإِنَّهَا نَوْعٌ نُضْجٍ لِتَمْيِيزِ الطَّاهِرِ مِنْ النَّجِسِ وَحُكْمُهَا حِلُّ الْمَذْبُوحِ وَسَبَبُهَا حَاجَةُ الْعَبْدِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْعِرَاقِيِّينَ ذَهَبُوا إلَى أَنَّ الذَّبْحَ مَحْظُورٌ عَقْلًا ، وَلَكِنْ الشَّرْعُ أَحَلَّهُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ إضْرَارًا بِالْحَيَوَانِ .
وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ هَذَا عِنْدِي بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ { رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَنَاوَلُ اللَّحْمَ قَبْلَ مَبْعَثِهِ } وَلَا يُظَنُّ بِهِ أَنَّهُ كَانَ يَأْكُلُ ذَبْحَ

الْمُشْرِكِينَ ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَذْبَحُونَ بِأَسْمَاءِ الْأَصْنَامِ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ كَانَ يَذْبَحُ وَيَصْطَادُ بِنَفْسِهِ وَمَا كَانَ يَفْعَلُ مَا كَانَ مَحْظُورًا عَقْلًا كَالْكَذِبِ وَالظُّلْمِ وَالسَّفَهِ وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَا كَانَ يَأْكُلُ ذَبَائِحَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَيْسَ الذَّبْحُ كَالْكَذِبِ وَالظُّلْمِ ؛ لِأَنَّ الْمَحْظُورَ الْعَقْلِيَّ ضَرْبَانِ مَا يُقْطَعُ بِتَحْرِيمِهِ فَلَا يَرِدُ الشَّرْعُ بِإِبَاحَتِهِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ وَمَا فِيهِ نَوْعُ تَجْوِيزٍ مِنْ حَيْثُ تَصَوُّرُ مَنْفَعَتِهِ فَيَجُوزُ أَنْ يَرِدَ الشَّرْعُ بِإِبَاحَتِهِ وَتَقَدَّمَ عَلَيْهِ قَبْلَهُ نَظَرًا إلَى نَفْعِهِ كَالْحِجَامَةِ لِلْأَطْفَالِ وَتَدَاوِيهِمْ بِمَا فِيهِ أَلَمٌ لَهُمْ ( قَوْلُهُ : وَتُطَهِّرُ غَيْرَ نَجِسِ الْعَيْنِ ) قَدَّمْنَا أَنَّ الذَّكَاةَ الشَّرْعِيَّةَ تُطَهِّرُ جِلْدَ غَيْرِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ دُونَ لَحْمِهِ عَلَى أَصَحِّ مَا يُفْتَى بِهِ ( قَوْلُهُ : وَالِاخْتِيَارِيَّة ذَبْحٌ فِي الْحَلْقِ ) هَذِهِ عِبَارَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ كَمَا نَقَلَهَا الْمُصَنِّفُ فِيمَا بَعْدُ وَعِبَارَةُ الْقُدُورِيِّ الذَّبْحُ بَيْنَ الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْكَنْزِ .
وَفِي الْهِدَايَةِ جَمَعَ بَيْنَ عِبَارَةِ الْقُدُورِيِّ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ .
وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَتَى بِلَفْظِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ بَيَانًا لَيْسَ فِي رِوَايَةِ الْقُدُورِيِّ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ فِي رِوَايَةِ الْقُدُورِيِّ الذَّبْحَ بَيْنَ الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا مَذْبَحٌ غَيْرُهُمَا فَيُحْمَلُ عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ لَفْظُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ا هـ .
وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ مَعْنَى بَيْنَ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ أَيْ الْقُدُورِيِّ بِمَعْنَى فِي أَيْ وَالذَّبْحُ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَهُوَ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَاللَّحْيَيْنِ ) الضَّمِيرُ رَاجِعٌ لِلْحَلْقِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ كَانَ الذَّبْحُ فَوْقَ الْعُقْدَةِ ، وَقِيلَ لَا ) أَقُولُ مَشَى فِي الْمَوَاهِبِ عَلَى الثَّانِي فَقَالَ يَتَعَيَّنُ الذَّبْحُ بَيْنَ الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ تَحْتَ الْعُقْدَةِ ،

وَقِيلَ مُطْلَقًا ا هـ ، وَكَذَا قَالَ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا لَمْ يَجُزْ فَوْقَ الْعُقْدَةِ وَأَفْتَى بَعْضُهُمْ بِالْجَوَازِ ا هـ .
وَمَالَ الزَّيْلَعِيُّ إلَى تَعَيُّنِ الذَّبْحِ تَحْتَ الْعُقْدَةِ حَيْثُ قَالَ وَالتَّقْيِيدُ بِالْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ ذَبَحَ أَعْلَى مِنْ الْحُلْقُومِ أَوْ أَسْفَلَ مِنْهُ يَحْرُمُ ؛ لِأَنَّهُ ذَبَحَ فِي غَيْرِ الْمَذْبَحِ ذَكَرَهُ فِي الْوَاقِعَاتِ .
وَفِي فَتَاوَى سَمَرْقَنْدَ ، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَا يُخَالِفُ هَذَا عَنْ الْإِمَامِ الرُّسْتُغْفَنِيِّ فَإِنَّهُ قَالَ سُئِلَ عَمَّنْ ذَبَحَ الشَّاةَ فَبَقِيَتْ عُقْدَةُ الْحُلْقُومِ مِمَّا يَلِي الصَّدْرَ وَكَانَ يَجِبُ أَنْ يَبْقَى مِمَّا يَلِي الرَّأْسَ أَيُؤْكَلُ أَمْ لَا قَالَ هَذَا قَوْلُ الْعَوَامّ مِنْ النَّاسِ وَلَيْسَ هَذَا بِمُعْتَبَرٍ وَيَجُوزُ أَكْلُهَا سَوَاءٌ بَقِيَتْ الْعُقْدَةُ مِمَّا يَلِي الرَّأْسَ أَوْ مِمَّا يَلِي الصَّدْرَ ؛ وَلِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ عِنْدَنَا قَطْعُ أَكْثَرِ الْأَوْدَاجِ ، وَقَدْ وُجِدَ ، ثُمَّ حَكَى أَنَّ شَيْخَهُ كَانَ يُفْتِي بِهِ ، وَهَذَا مُشْكِلٌ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ قَطْعُ الْحُلْقُومِ وَلَا الْمَرِيءِ وَأَصْحَابُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ وَإِنْ اشْتَرَطُوا قَطْعَ الْأَكْثَرِ فَلَا بُدَّ مِنْ قَطْعِ أَحَدِهِمَا عِنْدَ الْكُلِّ ، وَإِذَا لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنْ عُقْدَةِ الْحُلْقُومِ مِمَّا يَلِي الرَّأْسَ لَمْ يَحْصُلْ قَطْعُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَا يُؤْكَلُ بِالْإِجْمَاعِ وَفِي الْوَاقِعَاتِ لَوْ قَطَعَ الْأَعْلَى أَوْ الْأَسْفَلَ ، ثُمَّ عَلِمَ فَقَطَعَ مَرَّةً أُخْرَى الْحُلْقُومَ قَبْلَ أَنْ تَمُوتَ بِالْأَوَّلِ يُنْظَرُ فَإِنْ كَانَ قَطَعَ تَمَامَهُ لَا يَحِلُّ ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ بِالْأَوَّلِ أَسْرَعُ مِنْهُ بِالْقَطْعِ الثَّانِي وَإِلَّا حَلَّ ، وَذَكَرَ فِي فَتَاوَى سَمَرْقَنْدَ فَصَابَ ذَبْحُ الشَّاةِ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ أَعْلَى مِنْ الْحُلْقُومِ أَوْ أَسْفَلَ مِنْهُ يَحْرُمُ أَكْلُهَا ا هـ كَلَامُ الزَّيْلَعِيِّ ، وَكَذَلِكَ نَقَلَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي التَّجْنِيسِ وَالْمَزِيدِ مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ الْوَاقِعَاتِ وَلَمْ يَذْكُرْ مَا يُخَالِفُهُ ( قَوْلُهُ : .
وَفِي الْهِدَايَةِ

بِالْعَكْسِ ) أَقُولُ لَيْسَ ذَلِكَ إلَّا فِي بَعْضِ النُّسَخِ قَالَ الْأَكْمَلُ فِي الْعِنَايَةِ الْحُلْقُومُ يُخَالِفُ الْمَرِيءَ فَإِنَّ الْمَرِيءَ مَجْرَى الْعَلَفِ وَالْمَاءُ وَالْحُلْقُومُ مَجْرَى النَّفْسِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ بِالْعَكْسِ وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ ا هـ .
وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ تَفْسِيرَ الْوَدَجَيْنِ ، وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ الْوَدَجَانِ مَجْرَى الدَّمِ وَهُمَا الْعِرْقَانِ اللَّذَانِ بَيْنَهُمَا الْحُلْقُومُ وَالْمَرِيءُ ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَحَلَّ بِقَطْعِ ثَلَاثٍ مِنْهَا ) هُوَ الصَّحِيحُ ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْأَكْثَرُ مِنْ كُلِّ عِرْقٍ كَذَا فِي الْمُخْتَارِ .
وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ قَطْعُ الْأَكْثَرِ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ الْأَرْبَعَةِ ، وَعَنْهُ أَيْضًا إذَا قَطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْمَرِيءَ وَالْأَكْثَرَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ يَحِلُّ وَمَا لَا فَلَا قَالَ مَشَايِخُنَا وَهُوَ أَصَحُّ الْجَوَابَاتِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : الْأَسْنَانَ وَظُفْرًا قَائِمَيْنِ ) أَقُولُ وَكَذَا الْقَرْنُ ( قَوْلُهُ : وَبِالْمَنْزُوعِينَ يُكْرَهُ ) أَيْ الذَّبْحُ ، وَأَمَّا أَكْلُ الذَّبِيحِ بِهَا لَا بَأْسَ بِهِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَالِاخْتِيَارِ ( قَوْلُهُ : لِوُرُودِ الْأَثَرِ فِيهِمَا ) أَيْ فِي نَدْبِ إحْدَادِ الشَّفْرَةِ قَبْلَ الْإِضْجَاعِ وَكَرَاهَتِهِ بَعْدَهُ دَلِيلُ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذِّبْحَةَ وَلْيَحُدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ } وَالثَّانِي مَا رُوِيَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا أَضْجَعَ شَاةً وَهُوَ يَحُدُّ شَفْرَتَهُ فَقَالَ لَقَدْ أَرَدْت أَنْ تُمِيتَهَا مَوْتَاتٍ هَلَّا حَدَدْتهَا قَبْلَ أَنْ تُضْجِعَهَا } كَذَا فِي الْهِدَايَةِ .
وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ ضَرَبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَنْ رَآهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِالدِّرَّةِ حَتَّى هَرَبَ وَشَرَدَتْ الشَّاةُ

.
( وَ ) كُرِهَ ( الْجَرُّ بِرِجْلِهَا إلَى الْمَذْبَحِ وَذَبْحُهَا مِنْ قَفَاهَا فَإِنْ بَقِيَتْ حَيَّةً يَقْطَعُ عُرُوقَهَا ) لِوُجُودِ الْمَوْتِ بِمَا هُوَ ذَكَاةٌ فَتَحِلُّ وَيُكْرَهُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةَ الْأَلَمِ بِلَا حَاجَةٍ فَصَارَ كَمَا إذَا جَرَحَهَا ، ثُمَّ قَطَعَ الْأَوْدَاجَ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَبْقَ حَيَّةً قَبْلَ قَطْعِ الْعُرُوقِ ( حَرُمَتْ ) لِوُجُودِ الْمَوْتِ بِمَا لَيْسَ بِذَكَاةٍ فِيهَا .
( وَ ) كُرِهَ ( النَّخْعُ ) أَيْ الذَّبْحُ الشَّدِيدُ حَتَّى يَبْلُغَ النُّخَاعَ وَهُوَ بِالْفَارِسِيَّةِ " حرام مغز " ( وَالسَّلْخُ قَبْلَ أَنْ تَبْرُدَ ) أَيْ تَسْكُنَ مِنْ الِاضْطِرَابِ ( وَ ) كُرِهَ ( تَرْكُ التَّوَجُّهِ إلَى الْقِبْلَةِ وَحَلَّتْ ) أَيْ الذَّبِيحَةُ كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ
( قَوْلُهُ : وَكُرِهَ الْجَرُّ بِرِجْلِهَا إلَى الْمَذْبَحِ ) لِمَا رُوِيَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا ، وَقَدْ أَخَذَ شَاةً وَهُوَ يَجُرُّهَا إلَى الْمَذْبَحِ فَقَالَ قُدْهَا إلَى الْمَوْتِ قَوْدًا رَفِيقًا } وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ { خُذْ سَالِفَتَهَا فَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ } وَالْمَعْنَى أَنَّهَا تَعْرِفُ مَا يُرَادُ بِهَا كَمَا جَاءَ فِي الْخَبَرِ { أُبْهِمَتْ الْبَهَائِمُ إلَّا عَنْ أَرْبَعَةٍ خَالِقِهَا وَرَازِقِهَا وَخَانِقِهَا وَسِفَادِهَا } كَذَا فِي مَبْسُوطِ السَّرَخْسِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ : حَتَّى يَبْلُغَ النُّخَاعَ ) هُوَ خَيْطٌ أَبْيَضُ فِي جَوْفِ عَظْمِ الرَّقَبَةِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ قَطْعَ الرَّأْسِ مَكْرُوهٌ بِالْأَوْلَى وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْكَنْزِ ، وَقِيلَ فِي تَفْسِيرِ النُّخَاعِ أَنْ يَمُدَّ رَأْسَهَا حَتَّى يُظْهِرَ مَذْبَحَهَا ، وَقِيلَ أَنْ يَكْسِرَ رَقَبَتَهَا قَبْلَ أَنْ تَسْكُنَ مِنْ الِاضْطِرَابِ وَكُلُّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ لِمَا فِيهِ مِنْ زِيَادَةِ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ بِلَا فَائِدَةٍ كَذَا فِي التَّبْيِينِ

( وَشُرِطَ ) فِي حِلِّ الْمَذْبُوحِ ( كَوْنُ الذَّابِحِ مُسْلِمًا حَلَالًا خَارِجَ الْحَرَمِ ) إنْ كَانَ صَيْدًا ( أَوْ كِتَابِيًّا ) لِأَنَّهُ يَدَّعِي التَّوْحِيدَ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى { إلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ } وقَوْله تَعَالَى { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ } وَالْمُرَادُ بِهِ طَعَامٌ يَلْحَقُهُ الذَّكَاةُ مِنْ جِهَتِهِمْ ؛ لِأَنَّهُ خَصَّ أَهْلَ الْكِتَابِ بِالذِّكْرِ وَفِيمَا لَا يَلْحَقُهُ الذَّكَاةُ يَسْتَوِي الْكِتَابِيُّ وَالْمَجُوسِيُّ كَالسَّمَكِ وَغَيْرِهِ ( ذِمِّيًّا أَوْ حَرْبِيًّا ) وَالْمُتَوَلِّدُ مِنْ كِتَابِيٍّ وَغَيْرِ كِتَابِيٍّ يَحِلُّ صَيْدُهُ وَذَبِيحَتُهُ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ خَيْرَ الْأَبَوَيْنِ دِينًا كَذَا فِي الْكَافِي ( يَعْقِلُ التَّسْمِيَةَ ) أَيْ يَعْلَمُ أَنَّ حِلَّ الذَّبِيحَةِ يَتَعَلَّقُ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهَا ( وَالذَّبْحَ ) أَيْ يَعْلَمُ شَرَائِطَ الذَّبْحِ مِنْ فَرْيِ الْأَوْدَاجِ وَنَحْوِهِ ( وَيَقْدِرُ ) عَلَى فَرْيِ الْأَوْدَاجِ وَيُحْسِنُ الْقِيَامَ بِهِ ( وَلَوْ ) كَانَ الذَّابِحُ ( مَجْنُونًا أَوْ صَبِيًّا ) فَإِنَّهُمَا إذَا تَعَقَّلَا التَّسْمِيَةَ وَالذَّبْحَ وَقَدَرَا كَانَا كَالْعَاقِلِ الْبَالِغِ ( أَوْ امْرَأَةً أَوْ أَقْلَفَ أَوْ أَخْرَسَ فَيَحْرُمُ ذَبِيحَةُ وَثَنِيٍّ وَمَجُوسِيٍّ وَمُرْتَدٍّ ) إذْ لَا مِلَّةَ لَهُ ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ مَا كَانَ عَلَيْهِ وَمَا انْتَقَلَ إلَيْهِ لَا يُقِرُّ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْكِتَابِيِّ إذَا تَحَوَّلَ إلَى غَيْرِ دِينِهِ ؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَيَعْتَبِرُ مَا هُوَ عَلَيْهِ عِنْدَ الذَّبْحِ حَتَّى لَوْ تَمَجَّسَ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ لَمْ يَحِلَّ صَيْدُهُ وَلَا ذَبِيحَتُهُ ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَانَ مَجُوسِيًّا فِي الْأَصْلِ وَإِنْ عَكَسَ يُؤْكَلُ كَمَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ فِي الْأَصْلِ كَذَا فِي الْكَافِي

( قَوْلُهُ : أَوْ كِتَابِيًّا ) نَقَلَ فِي الْجَوْهَرَةِ عَنْ الْمُسْتَصْفَى أَنَّ هَذَا إذَا كَانَ الْكِتَابِيُّ لَا يَعْتَقِدُ الْمَسِيحَ إلَهًا ، أَمَّا إذَا اعْتَقَدَهُ إلَهًا فَهُوَ كَالْمَجُوسِيِّ لَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ ا هـ .
( قُلْت ) وَلَكِنَّهُ ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَصْفَى بِصِيغَةِ قَالُوا هَذَا
إلَخْ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ يُبْنَى الْحُكْمُ عَلَى مَا يُظْهِرُونَ لَا مَا يُضْمِرُونَ .
ا هـ .
وَيُشْتَرَطُ لِحِلِّ ذَبْحِ الْكِتَابِيِّ صَيْدًا أَنْ يَكُونَ خَارِجَ الْحَرَمِ فَإِنَّهُ لَوْ ذَبَحَهُ فِي الْحَرَمِ لَا يَحِلُّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ .
وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ ذَبِيحَةُ الْكِتَابِيِّ حَلَالٌ إذَا أَتَى بِهِ مَذْبُوحًا ، وَأَمَّا إذَا ذَبَحَ بِالْحُضُورِ فَلَا بُدَّ أَنْ لَا يَذْكُرَ غَيْرَ اسْمِ اللَّهِ ا هـ فَإِنْ سَمَّى النَّصْرَانِيُّ الْمَسِيحَ وَسَمِعَهُ الْمُسْلِمُ لَا يَأْكُلُ مِنْهُ ، وَلَوْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَهُوَ يَعْنِي الْمَسِيحَ يُؤْكَلُ بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ ا هـ .
وَيُوَافِقُهُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْمَبْسُوطِ فِي كِتَابِ الصَّيْدِ ( قَوْلُهُ : يَعْقِلُ ) الضَّمِيرُ فِيهِ رَاجِعٌ لِلذَّابِحِ فِي قَوْلِهِ وَشُرِطَ كَوْنُ الذَّابِحِ ، وَكَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ذَبِيحَةُ الْمُسْلِمِ وَالْكِتَابِيِّ حَلَالٌ وَتَحِلُّ إذَا كَانَ يَعْقِلُ التَّسْمِيَةَ وَالذَّبِيحَةَ وَيَضْبِطُ وَإِنْ كَانَ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا أَوْ امْرَأَةً ا هـ .
( قَوْلُهُ : أَيْ يَعْلَمُ أَنَّ حِلَّ الذَّبِيحَةِ يَتَعَلَّقُ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ عَلَيْهَا ) هَذَا أَحَدُ مَا فُسِّرَ بِهِ عَقْلُ التَّسْمِيَةِ فَإِنَّهُ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ قِيلَ يَعْنِي يَعْقِلُ لَفْظَ التَّسْمِيَةِ ، وَقِيلَ يَعْقِلُ إنْ حَلَّ الذَّبِيحَةَ بِالتَّسْمِيَةِ .
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ الْمُرَادُ بِالصَّبِيِّ هُوَ الَّذِي يَعْقِلُ التَّسْمِيَةَ وَيَضْبِطُ وَالضَّبْطُ هُوَ أَنْ يَعْلَمَ شَرَائِطَ الذَّبْحِ مِنْ فَرْيِ الْأَوْدَاجِ وَالتَّسْمِيَةِ ا هـ .
وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ ذَبِيحَةُ الصَّبِيِّ حَلَالٌ إذَا كَانَ يَعْقِلُ وَيَضْبِطُ مَعْنَى قَوْلِهِ وَيَضْبِطُ أَنَّهُ يَضْبِطُ شَرَائِطَ الذَّبْحِ مِنْ فَرْيِ الْأَوْدَاجِ ، وَقَوْلُهُ :

يَعْقِلُ تَكَلَّمُوا فِي مَعْنَاهُ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا مَعْنَاهُ يَعْقِلُ التَّسْمِيَةَ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَعْنَاهُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ حِلَّ الذَّبِيحَةِ بِالتَّسْمِيَةِ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الْحِلَّ بِقَطْعِ الْحُلْقُومِ وَالْأَوْدَاجِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَلَوْ مَجْنُونًا ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَالْمُرَادُ بِهِ الْمَعْتُوهُ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ عَنْ النِّهَايَةِ ؛ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ لَا قَصْدَ لَهُ وَلَا مِنْهُ ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ شَرْطٌ بِالنَّصِّ وَهِيَ بِالْقَصْدِ وَصِحَّةُ الْقَصْدِ بِمَا ذَكَرْنَا يَعْنِي قَوْلَهُ إذَا كَانَ يَعْقِلُ التَّسْمِيَةَ وَالذَّبِيحَةَ وَيَضْبِطُ ا هـ .
وَلِذَا قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ لَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ وَالْمَجْنُونِ وَالسَّكْرَانِ الَّذِي لَا يَعْقِلُ ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَأَخْرَسَ ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مُسْلِمًا أَوْ كِتَابِيًّا ؛ لِأَنَّهُ أَعْذَرُ مِنْ النَّاسِي كَذَا فِي قَاضِي خَانْ ( قَوْلُهُ : فَتَحْرُمُ ذَبِيحَةُ وَثَنِيٍّ ) أَقُولُ ، وَلَوْ شَارَكَهُ مُسْلِمٌ فِي الذَّبْحِ لَا تُؤْكَلُ ، وَأَمَّا ذَبِيحَةُ الصَّابِئِ فَتُكْرَهُ إلَّا أَنَّهُ يَحِلُّ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ، وَقَالَا لَا تَحِلُّ ، وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا ؛ لِأَنَّهُمْ صِنْفَانِ صِنْفٌ مِنْهُمْ يُقِرُّونَ بِنُبُوَّةِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَيَقْرَءُونَ الزَّبُورَ وَهُمْ صِنْفٌ مِنْ النَّصَارَى وَإِنَّمَا أَجَابَ أَبُو حَنِيفَةَ بِحِلِّ ذَبِيحَةِ الصَّابِئِ إذَا كَانَ مِنْ هَذَا الصِّنْفِ وَصِنْفٌ مِنْهُمْ يُنْكِرُونَ النُّبُوَّةَ وَالْكُتُبَ أَصْلًا وَيَعْبُدُونَ الشَّمْسَ فَهُمْ كَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ لَا يُؤْكَلُ صَيْدُهُمْ وَلَا تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُمْ فَإِنَّمَا أَجَابَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ بِحُرْمَةِ الصَّيْدِ وَالذَّبْحِ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ مُقْتَصِرًا عَلَيْهِ وَنَقَلَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي مَبْسُوطِهِ ، ثُمَّ قَالَ عَقِبَهُ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ رَحِمَهُ اللَّهُ

وَفِيمَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عِنْدِي نَظَرٌ فَإِنَّ أَهْلَ الْأُصُولِ لَا يَعْرِفُونَ فِي جُمْلَةِ الصَّابِئِينَ مَنْ يُقِرُّ بِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ وَإِنَّمَا يُقِرُّونَ بِإِدْرِيسَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَيَدَّعُونَ لَهُ النُّبُوَّةَ خَاصَّةً دُونَ غَيْرِهِ وَيُعَظِّمُونَ الْكَوَاكِبَ فَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُمْ يُعَظِّمُونَهَا تَعْظِيمَ الِاسْتِقْبَالِ لَا تَعْظِيمَ الْعِبَادَةِ لَهَا كَمَا يَسْتَقْبِلُ الْمُؤْمِنُونَ الْقِبْلَةَ فَقَالَ يَحِلُّ ذَبَائِحُهُمْ وَوَقَعَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّهُمْ يُعَظِّمُونَهَا تَعْظِيمَ الْعِبَادَةِ لَهَا فَأَلْحَقَاهُمْ بِعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَإِنَّمَا اشْتَبَهَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُمْ يَدِينُونَ بِكِتْمَانِ الِاعْتِقَادِ وَلَا يَسْتَحِبُّونَ إظْهَارَ الِاعْتِقَادِ أَلْبَتَّةَ وَمَا اخْتَارَهُ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ عِنْدَ الِاشْتِبَاهِ يَغْلِبُ الْمُوجِبُ لِلْحُرْمَةِ ا هـ لَفْظُ الْمَبْسُوطِ

.
( وَ ) يَحْرُمُ ذَبِيحَةُ ( تَارِكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا وَلَوْ ) تَرَكَهَا ( نَاسِيًا حَلَّتْ ) ذَبِيحَتُهُ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ حَلَّتْ فِي الْوَجْهَيْنِ .
وَقَالَ مَالِكٌ حَرُمَتْ فِي الْوَجْهَيْنِ ( وَحَرُمَتْ إنْ ذَكَرَ ) الذَّابِحُ ( مَعَ اسْمِهِ تَعَالَى غَيْرَهُ عَطْفًا نَحْوَ بِسْمِ اللَّهِ وَاسْمِ فُلَانٍ أَوْ وَفُلَانٍ ) لِأَنَّهُ أَهَلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَلَمْ يُوجَدْ التَّجْرِيدُ وَهُوَ شَرْطٌ ( وَكُرِهَ وَصْلُهُ بِلَا عَطْفٍ ) وَلَمْ يَحْرُمْ ( نَحْوُ بِاسْمِ اللَّهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ) لِأَنَّ الشَّرِكَةَ لَمْ تُوجَدْ لِعَدَمِ الْعَطْفِ فَلَمْ يَكُنْ الذَّبْحُ وَاقِعًا لَهُ لَكِنَّهُ يُكْرَهُ لِوُجُودِ الْقِرَانِ صُورَةً فَيُتَصَوَّرُ بِصُورَةِ الْمُحْرِمِ هَذَا إذَا قُرِئَ مُحَمَّدٌ بِالرَّفْعِ ، وَأَمَّا إذَا قُرِئَ بِالْجَرِّ أَوْ النَّصْبِ فَيَحْرُمُ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ ( وَلَا بَأْسَ إذَا فَصَّلَ صُورَةً وَمَعْنًى كَالدُّعَاءِ قَبْلَ التَّسْمِيَةِ وَالْإِضْجَاعِ ) لِمَا رُوِيَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحَّى بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ أَحَدُهُمَا عَنْ نَفْسِهِ وَالْآخَرُ عَنْ أُمَّتِهِ فَوَجَّهَهُمَا نَحْوَ الْقِبْلَةِ عِنْدَ الذَّبْحِ ، وَقَالَ وَجَّهْت وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْت وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ، ثُمَّ ذَبَحَ .
وَقَالَ عِنْدَ الذَّبْحِ بِاسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ } ( أَوْ بَعْدَ الذَّبْحِ نَحْوَ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ فُلَانٍ ) وَهَذَا أَيْضًا لَا بَأْسَ بِهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ { النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ بَعْدَ الذَّبْحِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ هَذِهِ عَنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ مِمَّا شَهِدَ لَك بِالْوَحْدَانِيَّةِ وَلِي بِالْبَلَاغِ } ( وَالشَّرْطُ ) فِي التَّسْمِيَةِ ( هُوَ الذِّكْرُ الْخَالِصُ ) عَنْ شَوْبِ الدُّعَاءِ وَغَيْرِهِ ( فَبِقَوْلِهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي لَا تَحِلُّ ) ؛ لِأَنَّهُ مَحْضُ دُعَاءٍ ( بِخِلَافِ : الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسُبْحَانَ اللَّهِ

بِقَصْدِ التَّسْمِيَةِ ) فَإِنَّهُ ذِكْرٌ خَالِصٌ ( فَلَوْ عَطَسَ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا تَحِلُّ ) لِعَدَمِ قَصْدِ التَّسْمِيَةِ ( وَالْمَشْهُورُ ) الْمُتَدَاوَلُ فِي الْأَلْسِنَةِ ( وَهُوَ بِاسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ ) مَنْقُولٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا

( قَوْلُهُ : وَاسْمِ فُلَانٍ ) أَيْ لَوْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَاسْمِ فُلَانٍ لَا يَحِلُّ وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي التَّجْنِيسِ وَالْمَزِيدِ .
وَقَالَ قَاضِي خَانْ وَهُوَ الصَّحِيحُ ، ثُمَّ قَالَ : وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَصِيرُ مَيْتَةً ؛ لِأَنَّهَا لَوْ صَارَتْ مَيْتَةً يَصِيرُ الرَّجُلُ كَافِرًا ا هـ .
( قَوْلُهُ : أَوْ وَفُلَانٍ ) أَيْ لَوْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَفُلَانٍ لَا يَحِلُّ وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ مِنْ الْهِدَايَةِ قَالَ لَوْ ذَكَرَ مَعَ اسْمِ اللَّهِ غَيْرَهُ مَوْصُولًا عَلَى وَجْهِ الْعَطْفِ وَالشَّرِكَةِ بِأَنْ يَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ وَاسْمِ فُلَانٍ أَوْ يَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ وَفُلَانٍ أَوْ بِسْمِ اللَّهِ ، وَمُحَمَّدٍ رَسُولُ اللَّهِ بِكَسْرِ الدَّالِ تَحْرُمُ الذَّبِيحَةُ ا هـ قَوْلُهُ : نَحْوُ بِاسْمِ اللَّهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ) قَيَّدَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِكَسْرِ الدَّالِ .
وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ قَوْلُهُ : بِكَسْرِ الدَّالِ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ غَيْرَ مَكْسُورٍ لَا يَحْرُمُ قِيلَ هَذَا إذَا كَانَ يَعْرِفُ النَّحْوَ .
وَقَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ إنْ خَفَضَهُ لَمْ يَحِلَّ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ ذَابِحًا بِهِمَا وَإِنْ رَفَعَهُ حَلَّ لِأَنَّهُ كَلَامٌ مُبْتَدَأٌ وَإِنْ نَصَبَهُ اخْتَلَفُوا فِيهِ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَلَى قِيَاسِ مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَرَى الْخَطَأَ فِي النَّحْوِ مُعْتَبَرًا فِي بَابِ الصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا لَا يَحْرُمُ ا هـ .
وَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ لَوْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَمُحَمَّدٍ بِالْجَرِّ لَا يَحِلُّ وَبِالرَّفْعِ يَحِلُّ ، وَالنَّصْبُ كَالْخَفْضِ ؛ لِأَنَّهُ نُصِبَ بِنَزْعِ الْخَافِضِ ( فَإِنْ قُلْت ) قَدْ قُلْتُمْ فِي بَابِ الطَّلَاقِ الْعَوَامُّ لَا يُمَيِّزُونَ بَيْنَ الْإِعْرَابِ فَلَا يُبْنَى الْحُكْمُ عَلَى دَقَائِقِ الْإِعْرَابِ وَهُنَا تَرَكْتُمْ ( قُلْت ) ذَلِكَ فِيمَا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى وَالْإِغْمَاضُ فِيهِ أَوْلَى وَالطَّلَاقُ كَثِيرُ الْوُقُوعِ وَالذَّبْحُ يَقَعُ أَحْيَانًا فَلَمْ نَسْلُكْ فِيهِ طَرِيقَ الْعَفْوِ كَذَا عَنْ الْفُرُنْقَانِيِّ الْخُوَارِزْمِيِّ وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَنْعِ كَوْنِ

الذَّبْحِ أَقَلَّ وُقُوعًا مِنْ الطَّلَاقِ ؛ وَلِأَنَّ الْمُطْلَقَ مُنْشِئٌ لِلتَّصَرُّفِ وَالْمَلَكَةُ فِيهِ مَعْدُومَةٌ فَمُكْنَةُ الْحِفْظِ عَلَى دَقَائِقِ الْإِعْرَابِ عَسِيرٌ وَالذَّابِحُ حَاكٍ جُمْلَةً مَضْبُوطَةً فَمَلَكَةُ الرِّعَايَةِ وَمُكْنَةُ الْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِ يَسِيرَةٌ وَالذَّابِحُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرٌ ا هـ .
( قَوْلُهُ : كَالدُّعَاءِ قَبْلَ التَّسْمِيَةِ وَالْإِضْجَاعِ ) يُشِيرُ بِهِ إلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ أَنْ يَدْعُوَ بَعْدَ التَّسْمِيَةِ قَبْلَ الذَّبْحِ بِالتَّقَبُّلِ وَغَيْرِهِ نَحْوُ قَوْلِهِ بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي أَوْ يَقُولُ مِنْ فُلَانٍ أَوْ يَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ تَجْرِيدُ التَّسْمِيَةِ وَلَمْ يُجَرِّدْهَا وَعَلَيْهِ نَصَّ فِي الذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهَا ( قَوْلُهُ : فَلَوْ عَطَسَ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ لَا تَحِلُّ ) هُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ : لِعَدَمِ قَصْدِ التَّسْمِيَةِ ) يُرِيدُ بِهِ أَنَّهُ قَصَدَ بِهِ التَّحْمِيدَ لِلْعُطَاسِ إذْ لَوْ أَرَادَهُ لِلذَّبِيحَةِ حَلَّتْ ، وَكَذَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ .
( قَوْلُهُ : مَنْقُولٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ) خَبَرُ قَوْلِهِ وَالْمَشْهُورُ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ قَرِيبًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ أَيْضًا إنَّهُ مَنْقُولٌ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَعَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُهُ ا هـ فَيُعْلَمُ أَنَّهُ مُسْتَحَبٌّ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الذَّخِيرَةِ بِقَوْلِهِ قَالَ الْبَقَّالِيُّ وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ ، وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ فِي شَرَحَ كِتَابِ الصَّيْدِ بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُ أَكْبَرُ بِدُونِ الْوَاوِ قَالَ وَمَعَ الْوَاوِ يُكْرَهُ ؛ لِأَنَّهُ يَقْطَعُ فَوْرَ التَّسْمِيَةِ .
ا هـ .
( تَنْبِيهٌ ) لَوْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَلَمْ تَحْضُرْهُ النِّيَّةُ أَكَلَ عِنْدَ الْعَامَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ التَّسْمِيَةَ عَلَى الذَّبِيحِ وَإِنَّمَا أَرَادَ شَيْئًا آخَرَ لَا يَحِلُّ ؛

لِأَنَّهُ نَوَى غَيْرَ مَا أُمِرَ بِهِ كَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ ، وَلَوْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ وَلَمْ يُظْهِرْ الْهَاءَ إنْ قَصَدَ ذِكْرَ اللَّهِ حَلَّ وَإِنْ لَمْ يَقْصِدْهُ وَتَرَكَ الْهَاءَ قَصْدًا لَا يَحِلُّ ؛ لِأَنَّ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ قَصَدَ التَّسْمِيَةَ وَالْعَرَبُ قَدْ تَحْذِفُ حَرْفًا تَرْخِيمًا وَفِي الْوَجْهِ الثَّانِي لَمْ يَقْصِدْ التَّسْمِيَةَ عَلَى الذَّبْحِ كَذَا فِي التَّجْنِيسِ وَالْمَزِيدِ وَالْبَزَّازِيَّةِ .
وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ فِي الْمَسْأَلَةِ نَوْعُ إشْكَالٍ فَإِنَّ الْمَنْقُولَ عَنْ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ الْمَشْهُورُ فِي كُتُبِهِمْ أَنَّ التَّرْخِيمَ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي النِّدَاءِ خَاصَّةً .
ا هـ .

( نُدِبَ نَحْرُ الْإِبِلِ وَكُرِهَ ذَبْحُهَا عَكْسُ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ ) أَمَّا النَّدْبِيَّةُ فِي الصُّورَتَيْنِ فَلِمُوَافَقَةِ السُّنَّةِ الْمُتَوَارَثَةِ وَلِاجْتِمَاعِ الْعُرُوقِ فِي الْمَنْحَرِ وَفِيهِمَا فِي الْمَذْبَحِ ، وَأَمَّا الْكَرَاهَةُ فَلِمُخَالَفَةِ السُّنَّةِ وَهِيَ لِمَعْنًى فِي غَيْرِهِ فَلَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ وَالْحِلَّ ( يُذْبَحُ صَيْدٌ اُسْتُؤْنِسَ وَيَكْفِي جَرْحُ نَعَمٍ تَوَحَّشَ أَوْ سَقَطَ فِي بِئْرٍ وَلَمْ يَكُنْ ذَبَحَهُ ) لِأَنَّ ذَكَاةَ الِاضْطِرَارِ إنَّمَا يُصَارُ إلَيْهَا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ كَمَا مَرَّ وَالْعَجْزُ مَوْجُودٌ فِي الثَّانِي لَا الْأَوَّلِ ( الشَّاةُ إذَا نَدَّتْ خَارِجَ الْمِصْرِ تَحِلُّ بِالْعُقْرِ ، وَ ) إذَا نَدَّتْ ( فِي الْمِصْرِ لَا ) تَحِلُّ بِهِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهَا فَيُمْكِنُ أَخْذُهَا فِي الْمِصْرِ عَادَةً فَلَمْ يَتَحَقَّقْ الْعَجْزُ عَنْ ذَكَاةِ الِاخْتِيَارِ بِخِلَافِ خَارِجِ الْمِصْرِ ( وَالْمِصْرُ كَخَارِجِهِ فِي الْبَقَرِ وَالْبَعِيرِ ) ؛ لِأَنَّهُمَا يَدْفَعَانِ عَنْ أَنْفُسِهِمَا فَلَا يُقْدَرُ عَلَى أَخْذِهِمَا وَإِنْ نَدَّا فِي الْمِصْرِ فَيَتَحَقَّقُ الْعَجْزُ ( وَالصِّيَالُ كَالنَّدِّ ) إذَا لَمْ يُقْدَرْ عَلَى أَخْذِهِ حَتَّى لَوْ قَتَلَهُ الْمَصُولُ عَلَيْهِ مُرِيدًا لِلذَّكَاةِ حَلَّ أَكْلُهُ ( لَا يَتَذَكَّى جَنِينٌ بِذَكَاةِ أُمِّهِ ) حَتَّى لَوْ نَحَرَ نَاقَةً أَوْ ذَبَحَ بَقَرَةً أَوْ شَاةً فَخَرَجَ مِنْ بَطْنِهَا جَنِينٌ مَيِّتٌ لَمْ يُؤْكَلْ

( قَوْلُهُ : وَنُدِبَ نَحْرُ الْإِبِلِ ) النَّحْرُ قَطْعُ الْعُرُوقِ فِي أَسْفَلِ الْعُنُقِ عِنْدَ الصَّدْرِ وَالذَّبْحُ قَطْعُ الْعُرُوقِ فِي أَعْلَى الْعُنُقِ تَحْتَ اللَّحْيَيْنِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَعَبَّرَ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ وَنُدِبَ تَبَعًا لِقَوْلِ الْهِدَايَةِ وَالْمُسْتَحَبُّ فِي الْإِبِلِ النَّحْرُ ، وَقَدْ قَالَ فِي الْكَنْزِ وَسُنَّ نَحْرُ الْإِبِلِ ا هـ .
وَلَعَلَّ مُرَادَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ السُّنَّةُ لَا الْمُسْتَحَبُّ الِاصْطِلَاحِيُّ يُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ : أَمَّا الِاسْتِحْبَابُ فَلِمُوَافَقَةِ السُّنَّةِ الْمُتَوَارَثَةِ ا هـ فَلَا مُخَالَفَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَنْزِ ( قَوْلُهُ : أَمَّا النَّدْبِيَّةُ فِي الصُّورَتَيْنِ ) أَيْ صُورَةِ ذَبْحِ الْبَقَرِ وَصُورَةِ نَحْرِ الْإِبِلِ ( قَوْلُهُ : وَلِاجْتِمَاعِ الْعُرُوقِ فِي الْمَنْحَرِ ) أَيْ مَنْحَرِ الْإِبِلِ ( قَوْلُهُ : وَفِيهِمَا ) أَيْ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فِي الْمَذْبَحِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ ( قَوْلُهُ : أَوْ سَقَطَ فِي بِئْرٍ وَلَمْ يُمْكِنْ ذَبْحُهُ ) أَيْ وَعُلِمَ مَوْتُهُ بِالْجَرْحِ أَوْ أَشْكَلَ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْمَوْتَ مِنْهُ وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَمُتْ مِنْ الْجَرْحِ لَا يُؤْكَلُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ : وَإِذَا نَدَّتْ فِي الْمِصْرِ لَا تَحِلُّ ) أَيْ الشَّاةُ نَظِيرُهُ مَا قَالَ قَاضِي خَانْ دَجَاجَةٌ تَعَلَّقَتْ بِشَجَرَةٍ وَصَاحِبُهَا لَا يَصِلُ إلَيْهَا فَإِنْ كَانَ لَا يَخَافُ عَلَيْهَا الْفَوْتَ وَالْمَوْتَ فَرَمَاهَا لَا تُؤْكَلُ وَإِنْ خَافَ الْفَوَاتَ فَرَمَاهَا تُؤْكَلُ ا هـ .
( قَوْلُهُ : فَلَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِمَا ) كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَالْهِدَايَةِ .
وَقَالَ فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي بَعِيرٌ أَوْ ثَوْرٌ نَدَّ فِي الْمِصْرِ إنْ عَلِمَ صَاحِبُهُ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهِ إلَّا أَنْ يَجْتَمِعَ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ فَلَهُ أَنْ يَرْمِيَهُ ا هـ فَلَمْ يُشْتَرَطْ التَّعَذُّرُ ، بَلْ التَّعَسُّرُ

( لَا يَحِلُّ ذُو نَابٍ ) مِنْ السِّبَاعِ ( أَوْ مِخْلَبٍ ) مِنْ الطُّيُورِ قَدْ مَرَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمَا حَيَوَانٌ يَصِيدُ بِنَابِهِ وَحَيَوَانٌ يَصِيدُ بِمِخْلَبِهِ ( وَالْحَشَرَاتُ ) هِيَ صِغَارُ دَوَابِّ الْأَرْضِ ( وَالْحُمُرُ الْأَهْلِيَّةُ ) بِخِلَافِ الْوَحْشِيَّةِ فَإِنَّهَا تَحِلُّ ( وَالْبَغْلُ وَالْخَيْلُ وَعِنْدَهُمَا يَحِلُّ الْخَيْلُ ) قِيلَ كَرَاهَةُ الْخَيْلِ عِنْدَهُ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ ؛ لِأَنَّ كَرَاهَتَهُ لِمَعْنَى الْكَرَامَةِ كَيْ لَا يَحْصُلَ بِإِبَاحَتِهِ تَقْلِيلُ آلَةِ الْجِهَادِ وَلِهَذَا كَانَ سُؤْرُهُ طَاهِرًا وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا ذَكَرَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ وَأَبُو الْمُعِينِ فِي جَامِعَيْهِمَا ، وَقِيلَ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ وَحُكِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْكَرْمَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ قَالَ كُنْت مُتَرَدِّدًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَرَأَيْت أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمَنَامِ يَقُولُ لِي كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ يَا عَبْدَ الرَّحِيمِ وَإِلَيْهِ مَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَرَاهَةً فِي سُؤْرِهِ كَمَا فِي لَبَنِهِ ، وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِلَبَنِهِ إذْ لَيْسَ فِي شُرْبِهِ تَقْلِيلُ آلَةِ الْجِهَادِ كَذَا فِي الْكَافِي وَالْهِدَايَةِ ( وَلَا الضَّبُعُ وَالثَّعْلَبُ وَالضَّبُّ ) وَفِيهَا خِلَافُ الشَّافِعِيِّ ( وَالزُّنْبُورُ وَالسُّلَحْفَاةُ وَالْأَبْقَعُ الْآكِلُ لِلْجِيَفِ وَالْغُدَافُ ) كلاغ سياه بزرك ( وَالْفِيلُ وَالْيَرْبُوعُ وَابْنُ عِرْسٍ وَالْحَيَوَانُ الْمَائِيُّ إلَّا سَمَكًا لَمْ يَطْفُ ) السَّمَكُ الطَّافِي هُوَ الَّذِي يَمُوتُ فِي الْمَاءِ حَتْفَ أَنْفِهِ بِلَا سَبَبٍ ، ثُمَّ يَعْلُو فَيَظْهَرُ وَأَصْحَابُنَا كَرِهُوا الْحَيَوَانَ الْمَائِيَّ مُطْلَقًا إلَّا سَمَكًا لَمْ يَطْفُ وَأَبَاحَهَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَاسْتَثْنَى بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ كَلْبَ الْمَاءِ وَخِنْزِيرَهُ وَإِنْسَانَهُ وَالْخِلَافُ فِي الْبَيْعِ وَالْأَكْلِ وَاحِدٌ الْأَصْلُ فِي السَّمَكِ عِنْدَنَا أَنَّ مَا مَاتَ مِنْهُ بِسَبَبٍ فَهُوَ حَلَالٌ كَالْمَأْخُوذِ مِنْهُ وَمَا مَاتَ مِنْهُ بِغَيْرِ سَبَبٍ لَا يَحِلُّ

كَالطَّافِي وَإِنْ ضَرَبَ سَمَكَةً فَقَطَعَ بَعْضَهَا يَحِلُّ أَكْلُ مَا أُبِينَ وَمَا بَقِيَ ؛ لِأَنَّ مَوْتَهُ بِسَبَبٍ وَمَا أُبِينَ مِنْ الْحَيِّ وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَمَيْتَتُهُ حَلَالٌ لِلْحَدِيثِ ، وَكَذَا إنْ وُجِدَتْ فِي بَطْنِهَا سَمَكَةٌ أُخْرَى ؛ لِأَنَّ ضِيقَ الْمَكَانِ سَبَبٌ لِمَوْتِهَا ، وَكَذَا إنْ قَتَلَهَا شَيْءٌ مِنْ طَيْرِ الْمَاءِ أَوْ مَاتَتْ فِي جُبِّ مَاءٍ أَوْ جَمَعَهَا فِي حَظِيرَةٍ لَا تَسْتَطِيعُ الْخُرُوجَ مِنْهَا وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهَا بِغَيْرِ صَيْدٍ فَمَاتَتْ فِيهَا لِأَنَّ ضِيقَ الْمَكَانِ سَبَبٌ لِمَوْتِهَا ، وَإِذَا مَاتَتْ فِي الشَّبَكَةِ وَهِيَ لَا تَقْدِرُ عَلَى التَّخَلُّصِ مِنْهَا أَوْ أَكَلَ شَيْئًا أَلْقَاهُ فِي الْمَاءِ لِتَأْكُلَهُ فَمَاتَتْ مِنْهُ أَوْ رَبَطَهَا فِي الْمَاءِ فَمَاتَتْ أَوْ تَجَمَّدَ الْمَاءُ فَبَقِيَتْ بَيْنَ الْجَمْدِ وَمَاتَتْ تُؤْكَلُ وَإِنْ مَاتَتْ بِحَرِّ الْمَاءِ أَوْ بَرْدِهِ تُؤْكَلُ فِي رِوَايَةٍ لِوُجُودِ السَّبَبِ لِمَوْتِهَا وَفِي أُخْرَى لَا ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يَقْتُلُ السَّمَكَ حَارًّا كَانَ أَوْ بَارِدًا كَذَا فِي الْكَافِي وَالنِّهَايَةِ ( وَمِنْهُ ) أَيْ مِنْ السَّمَكِ الْمَأْكُولِ ( الْجِرِّيثُ وَالْمَارْمَاهِيِّ ) خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ إشَارَةً إلَى ضَعْفِ مَا نُقِلَ فِي الْمُغْرِبِ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ جَمِيعَ السَّمَكِ حَلَالٌ غَيْرَ الْجِرِّيثِ وَالْمَارْمَاهِيِّ وَأَيْضًا قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ إنَّ بَعْضَ الرَّوَافِضِ وَأَهْلَ الْكِتَابِ يَكْرَهُونَ أَكْلَ الْجِرِّيثِ وَيَقُولُونَ إنَّهُ كَانَ دَيُّوثًا يَدْعُو النَّاسَ إلَى حَلِيلَتِهِ فَمُسِخَ بِهِ

( قَوْلُهُ : وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِمَا حَيَوَانٌ يَصِيدُ بِنَابِهِ أَوْ بِمِخْلَبِهِ ) اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ نَحْوِ الْجَمَلِ وَالْحَمَامَةِ ( قَوْلُهُ : وَالْبَغْلُ ) أَيْ الَّتِي أُمُّهُ أَتَانٌ إذْ لَوْ كَانَتْ فَرَسًا كَانَ عَلَى الْخِلَافِ الْمَعْرُوفِ فِي لَحْمِ الْخَيْلِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ : وَالْخَيْلُ ) كَذَا قَالَ ابْنُ كَمَالٍ بَاشَا عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ لَا يَحِلُّ ذُو نَابٍ وَمِثْلُهُ فِي الِاخْتِيَارِ وَعِبَارَةُ الْقُدُورِيِّ وَالْهِدَايَةِ وَيُكْرَهُ أَكْلُ لَحْمِ الْفَرَسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ا هـ .
وَالْمَكْرُوهُ تَحْرِيمًا يُطْلَقُ عَلَيْهِ عَدَمُ الْحِلِّ ( قَوْلُهُ : وَعِنْدَهُمَا تَحِلُّ الْخَيْلُ ) أَيْ مَعَ كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ ( قَوْلُهُ : وَإِلَيْهِ مَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ ) عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ ، ثُمَّ قِيلَ الْكَرَاهَةُ عِنْدَهُ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ ، وَقِيلَ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ ا هـ ؛ لِأَنَّهُ رُوِيَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ سَأَلَ أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إذَا قُلْت فِي شَيْءٍ أَكْرَهُهُ فَمَا رَأْيُك فِيهِ قَالَ التَّحْرِيمُ وَمَبْنَى اخْتِلَافِ الْمَشَايِخِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَى اخْتِلَافِ اللَّفْظِ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ فَإِنَّهُ رُوِيَ عَنْهُ رَخَّصَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي لَحْمِ الْخَيْلِ فَأَمَّا أَنَا فَلَا يُعْجِبُنِي أَكْلُهُ ، وَهَذَا يَلُوحُ إلَى التَّنْزِيهِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ أَكْرَهُهُ وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى التَّحْرِيمِ عَلَى مَا رَوَيْنَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ ( قَوْلُهُ : وَالْأَبْقَعُ ) أَيْ الْغُرَابُ الْآكِلُ لِلْجِيَفِ وَالْغُدَافُ غُرَابُ الْقَيْظِ أَيْ الْحَرِّ وَهُوَ ضَخْمٌ يَأْتِي الْجِيَفَ ، وَكَذَا لَا يُؤْكَلُ الْخُفَّاشُ ؛ لِأَنَّهُ ذُو نَابٍ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ .
وَقَالَ الْعَيْنِيِّ فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ اُخْتُلِفَ فِي أَكْلِ الْخُفَّاشِ وَلَا يُؤْكَلُ الشِّقِرَّاقُ وَهُوَ طَائِرٌ أَخْضَرُ يُخَالِطُهُ قَلِيلُ حُمْرَةٍ يَصُولُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ، إذَا أُخِذَ فِرَاخُهُ ( قَوْلُهُ : هُوَ الَّذِي يَمُوتُ ا هـ فِي الْبَحْرِ حَتْفَ

أَنْفِهِ بِلَا سَبَبٍ ) أَيْ بِلَا سَبَبٍ مَعْرُوفٍ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ يَعْلُو فَيَظْهَرُ ) يَعْنِي وَبَطْنُهُ فَوْقَ الْمَاءِ كَذَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ نَقْلًا عَنْ الْجَامِعِ الْأَصْغَرِ إذَا وُجِدَتْ السَّمَكَةُ مَيِّتَةً عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ وَبَطْنُهُ مِنْ فَوْقِ الْمَاءِ لَمْ يُؤْكَلْ ؛ لِأَنَّهُ طَافٍ وَإِنْ كَانَ ظَهْرُهُ مِنْ فَوْقُ أُكِلَ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِطَافٍ وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَمُنْيَةِ الْمُفْتِي ، ثُمَّ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ .
وَفِي الْمُنْتَقَى عَنْ مُحَمَّدٍ إذَا كَانَتْ السَّمَكَةُ اسْتَقَلَّتْ الْمَاءَ وَمَاتَتْ لَمْ تُؤْكَلْ ؛ لِأَنَّهَا إنْ تُرِكَتْ طَفَتْ ا هـ .
وَلَا يَخْفَى أَنَّ سَبَبَ مَوْتِهَا مَعْلُومٌ وَالطَّافِي بِخِلَافِهِ

قَوْلُهُ : وَالْخِلَافُ فِي الْبَيْعِ وَالْأَكْلِ وَاحِدٌ ) أَيْ فَلَا يَصِحُّ بَيْعُ مَا لَا يُؤْكَلُ مِنْ حَيَوَانِ الْمَاءِ كَالضُّفْدَعِ وَالسَّرَطَانِ عِنْدَنَا ( قَوْلُهُ : وَكَذَا إنْ وُجِدَ فِي بَطْنِهَا سَمَكَةٌ أُخْرَى ) أَيْ فَتُؤْكَلُ بِخِلَافِ مَا لَوْ خَرَجَتْ مِنْ دُبُرِ السَّمَكَةِ فَلَا تُؤْكَلُ ؛ لِأَنَّهَا قَدْ اسْتَحَالَتْ عَذِرَةً كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ ( قَوْلُهُ : أَوْ أَكْلُ شَيْءٍ أَلْقَاهُ فِي الْمَاءِ لِيَأْكُلَهُ فَمَاتَ مِنْهُ ) أَيْ وَذَلِكَ مَعْلُومٌ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ مَاتَتْ بِحَرِّ الْمَاءِ أَوْ بَرْدِهِ
إلَخْ ) كَذَا ذَكَرَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْهِدَايَةِ مُطْلَقَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ .
وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَطْلَقَ الْقُدُورِيُّ الرِّوَايَتَيْنِ وَلَمْ يَنْسُبْهُمَا إلَى أَحَدٍ ، وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَحِلُّ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَحِلُّ ( قُلْت ) لَكِنْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ قَالَ فِي التَّجْنِيسِ وَالْمَزِيدِ السَّمَكَةُ إذَا قَتَلَهَا حَرُّ الْمَاءِ أَوْ بَرْدُهُ قَالَ الْإِمَامُ لَا تُؤْكَلُ كَالطَّافِي .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ تُؤْكَلُ ، وَهَذَا أَظْهَرُ وَأَرْفَقُ بِالنَّاسِ ا هـ ، فَقَدْ قَيَّدَ إطْلَاقَهُ فِي الْهِدَايَةِ ا هـ .
وَفِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ يُحَلُّ بِهِ وَيُفْتَى ا هـ .
وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ ، وَقَالَ الْفَقِيهُ قَوْلُ الْمَشَايِخِ أَيْ الْقَائِلِينَ بِالْحُرْمَةِ أَعْجَبُ ؛ لِأَنَّهَا مَاتَتْ بِآفَةٍ فَصَارَ كَمَوْتِهَا بِتَجَمُّدِ الْمَاءِ .
وَقَالَ الْقَاضِي فِيهِ إنَّهَا تُؤْكَلُ عِنْدَ الْكُلِّ ، وَلَوْ أُرْسِلَتْ السَّمَكَةُ فِي الْمَاءِ النَّجِسِ فَكَبِرَتْ فِيهِ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهَا لِلْحَالِ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ ا هـ .
وَيُنْظَرُ الْفَرْقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْجَلَّالَةِ

( وَحَلَّ الْجَرَادُ وَأَنْوَاعُ السَّمَكِ بِلَا ذَكَاةٍ ) لَكِنْ بَيْنَهُمَا فَرْقٌ وَهُوَ أَنَّ الْجَرَادَ يُؤْكَلُ وَإِنْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ كَمَا مَرَّ بِخِلَافِ السَّمَكِ سُئِلَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ الْجَرَادِ يَأْخُذُهُ الرَّجُلُ مِنْ الْأَرْضِ وَفِيهَا الْمَيِّتُ وَغَيْرُهُ فَقَالَ كُلْهُ كُلَّهُ ، وَهَذَا عُدَّ مِنْ فَصَاحَتِهِ ( وَ ) حَلَّ ( غُرَابُ الزَّرْعِ وَالْأَرْنَبُ وَالْعَقْعَقُ بِهَا ) أَيْ بِالذَّكَاةِ
( قَوْلُهُ : سُئِلَ عَلِيٌّ
إلَخْ ) دَلِيلٌ عَلَى حِلِّ الْجَرَادِ مَيِّتًا وَسَنَدُهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أُحِلَّتْ لَنَا مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ ، أَمَّا الْمَيْتَتَانِ فَالسَّمَكُ وَالْجَرَادُ ، وَأَمَّا الدَّمَانِ فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ } كَذَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ : وَالْعَقْعَقُ ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ الْأَصَحُّ .
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ لَا بَأْسَ بِأَكْلِ مَا لَيْسَ لَهُ مِخْلَبٌ يَخْطَفُ بِهِ وَالْهُدْهُدُ وَالْخَطَّافُ وَالْقُمْرِيُّ وَالسُّودَانِيُّ وَالزُّرْزُورُ وَالْعَصَافِيرُ وَالْفَاخِتَةُ لَا بَأْسَ بِهِ وَمِثْلُهُ فِي التَّجْنِيسِ وَالْمَزِيدِ .
وَفِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ وَالْبُومُ يُؤْكَلُ قَالَ الْمُصَنِّفُ : وَقَدْ رَأَيْت هَذَا بِخَطِّ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ .
ا هـ .

( ذَبَحَ شَاةً لَمْ يَعْلَمْ حَيَاتَهَا فَتَحَرَّكَتْ أَوْ خَرَجَ الدَّمُ حَلَّتْ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ عُلِمَتْ ) حَيَاتُهَا ( حَلَّتْ ) الشَّاةُ ( وَإِنْ عُدِمَا ) أَيْ الْحَرَكَةُ وَخُرُوجُ الدَّمِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا الِاسْتِدْلَال عَلَى الْحَيَاةِ فَإِذَا عُلِمَتْ لَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِمَا .
( قَوْلُهُ : ذَبَحَ شَاةً لَمْ يَعْلَمْ حَيَاتَهَا فَتَحَرَّكَتْ أَوْ خَرَجَ الدَّمُ حَلَّتْ ) كَذَا فِي الْكَنْزِ .
وَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ نَقْلًا عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ : إنَّ خُرُوجَ الدَّمِ لَا يَدُلُّ عَلَى الْحَيَاةِ إلَّا إذَا كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الْحَيِّ ، وَهَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ .
ا هـ .

( كِتَابُ الْجِهَادِ ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ الْعِبَادَاتِ الْأَرْبَعِ الَّتِي آخِرَهَا الْحَجُّ وَمِمَّا يُنَاسِبُهُ مِنْ الْأُضْحِيَّةِ وَالصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ شَرَعَ الْآنَ فِي خَامِسَةِ الْعِبَادَاتِ وَهِيَ الْجِهَادُ فَقَالَ ( هُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ بَدْءًا ) أَيْ ابْتِدَاءً يَعْنِي يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَبْدَأَهُمْ بِالْقِتَالِ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلُونَا فَإِنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مَأْمُورًا فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ بِالصَّفْحِ وَالْإِعْرَاضِ عَنْ الْمُشْرِكِينَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فَاصْفَحْ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ } وقَوْله تَعَالَى { وَأَعْرِضْ عَنْ الْمُشْرِكِينَ } ثُمَّ أَمَرَ بِالدُّعَاءِ إلَى الدِّينِ بِأَنْوَاعٍ مِنْ الطُّرُقِ الْمُسْتَحْسَنَةِ حَيْثُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { اُدْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّك بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } ثُمَّ أَمَرَ بِالْقِتَالِ إذَا كَانَتْ الْبِدَايَةُ مِنْهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا } أَيْ أُذِنَ لَهُمْ فِي الدَّفْعِ ، ثُمَّ أَمَرَ بِالْقِتَالِ ابْتِدَاءً فِي بَعْضِ الْأَزْمَانِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ } ثُمَّ أَمَرَ بِالْقِتَالِ مُطْلَقًا فِي الْأَزْمَانِ كُلِّهَا وَالْأَمَاكِنِ بِأَسْرِهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ } { وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً } ، وَ { قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ } إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْآيَاتِ .
وَجْهُ كَوْنِهِ فَرْضَ كِفَايَةٍ أَنَّهُ لَمْ يُشْرَعْ لِعَيْنِهِ ؛ لِأَنَّهُ قَتْلٌ وَإِفْسَادٌ فِي نَفْسِهِ بَلْ شُرِعَ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِعْزَازِ دِينِهِ وَدَفْعِ الْفَسَادِ عَنْ الْعِبَادِ فَحِينَئِذٍ ( إنْ قَامَ بِهِ الْبَعْضُ ) فِي كُلِّ زَمَانٍ ( سَقَطَ ) الْفَرْضُ ( عَنْ الْكُلِّ ) لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِذَلِكَ كَصَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَدَفْنِهَا وَرَدِّ السَّلَامِ فَإِنَّ وَاحِدًا مِنْهَا إذَا حَصَلَ مِنْ بَعْضِ الْجَمَاعَةِ سَقَطَ الْفَرْضُ عَنْ

بَاقِيهَا ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقُمْ بِهِ الْبَعْضُ بَلْ خَلَا عَنْ الْجِهَادِ وَالزَّمَانُ فِي دِيَارِ الْإِسْلَامِ ( أَثِمُوا ) أَيْ الْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ لِتَرْكِهِمْ فَرْضًا عَلَيْهِمْ كَمَا إذَا تَرَكَ الْجَمَاعَةُ كُلُّهُمْ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ أَوْ دَفْنَهَا أَوْ رَدَّ السَّلَامِ أَثِمُوا ( إلَّا عَلَى صَبِيٍّ وَعَبْدٍ وَامْرَأَةٍ وَأَعْمَى وَمُقْعَدٍ وَأَقْطَعَ ) ؛ لِأَنَّهُمْ عَاجِزُونَ وَالتَّكْلِيفُ بِالْقُدْرَةِ .
( وَ ) فَرْضُ ( عَيْنٍ إنْ هَجَمُوا ) أَيْ هَجَمَ الْكُفَّارُ عَلَى ثَغْرٍ مِنْ ثُغُورِ دَارِ الْإِسْلَامِ فَيَصِيرُ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَى مَنْ قَرُبَ مِنْهُ وَهُمْ يَقْدِرُونَ عَلَى الْجِهَادِ .
نَقَلَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْجِهَادَ إذَا جَاءَ النَّفِيرُ إنَّمَا يَصِيرُ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَى مَنْ يَقْرُبُ مِنْ الْعَدُوِّ ، فَأَمَّا مَنْ وَرَاءَهُمْ بِبُعْدٍ مِنْ الْعَدُوِّ فَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَسَعَهُمْ تَرْكُهُ إذَا لَمْ يُحْتَجْ إلَيْهِمْ ، فَإِذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِمْ بِأَنْ عَجَزَ مَنْ كَانَ يَقْرُبُ مِنْ الْعَدُوِّ عَنْ الْمُقَاوَمَةِ مَعَ الْعَدُوِّ أَوْ لَمْ يَعْجِزُوا عَنْهَا لَكِنَّهُمْ تَكَاسَلُوا وَلَمْ يُجَاهِدُوا فَإِنَّهُ يُفْتَرَضُ عَلَى مَنْ يَلِيهِمْ فَرْضَ عَيْنٍ كَالصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ لَا يَسَعُهُمْ تَرْكُهُ ثُمَّ وَثُمَّ إلَى أَنْ يُفْتَرَضَ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ شَرْقًا وَغَرْبًا عَلَى هَذَا التَّدْرِيجِ ، وَنَظِيرُهُ الصَّلَاةُ عَلَى الْمَيِّتِ فَإِنَّ مَنْ مَاتَ فِي نَاحِيَةٍ مِنْ نَوَاحِي الْبَلْدَةِ فَعَلَى جِيرَانِهِ وَأَهْلِ مَحَلَّتِهِ أَنْ يَقُومُوا بِأَسْبَابِهِ ، وَلَيْسَ عَلَى مَنْ كَانَ بِبُعْدٍ مِنْ الْمَيِّتِ أَنْ يَقُومَ بِذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ الَّذِي بِبُعْدٍ مِنْ الْمَيِّتِ يَعْلَمُ أَنَّ أَهْلَ الْمَحَلَّةِ يُضَيِّعُونَ حُقُوقَهُ أَوْ يَعْجِزُونَ عَنْهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَقُومَ بِحُقُوقِهِ ، كَذَا هُنَا .
( فَتَخْرُجُ الْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ بِلَا إذْنٍ ) مِنْ الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَحْصُلُ إلَّا بِإِقَامَةِ الْكُلِّ فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ وَحَقُّ الزَّوْجِ وَالْمَوْلَى لَا يَظْهَرُ فِي حَقِّ فَرْضِ

الْعَيْنِ كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ النَّفِيرِ إذْ بِغَيْرِهِمْ كِفَايَةٌ فَلَا ضَرُورَةَ فِي إبْطَالِ حَقِّهِمَا .

( كِتَابُ الْجِهَادِ ) هُوَ أَعَمُّ وَغَلَبَ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ عَلَى جِهَادِ الْكُفَّارِ وَهُوَ دَعْوَتُهُمْ إلَى الدِّينِ الْحَقِّ وَقِتَالُهُمْ إنْ لَمْ يَقْبَلُوا وَكَذَلِكَ السِّيَرُ جَمْعُ سِيرَةٍ وَهِيَ فِعْلَةٌ بِكَسْرِ الْفَاءِ مِنْ السِّيَرِ غَلَبَ فِي لِسَانِ أَهْلِ الشَّرْعِ عَلَى الطَّرِيقِ الْمَأْمُورِ بِهَا فِي غَزْوِ الْكُفَّارِ ، وَكَانَ سَبَبُ ذَلِكَ كَوْنَهَا تَسْتَلْزِمُ السَّيْرَ وَقَطْعَ الْمَسَافَةِ وَفِي غَيْرِ كُتُبِ الْفِقْهِ يُقَالُ كِتَابُ الْمَغَازِي وَهُوَ أَيْضًا أَعَمُّ لِأَنَّهُ جَمْعُ مَغْزَاةٍ مَصْدَرُهُ سَمَاعِيٌّ لِغَزَا دَالٌّ عَلَى الْوَحْدَةِ وَالْقِيَاسِيُّ غَزْوٌ وَغَزْوَةٌ لِلْوَحْدَةِ كَضَرْبَةٍ وَهُوَ قَصْدُ الْعَدُوِّ لِلْقِتَالِ وَخُصَّ فِي عُرْفِهِمْ بِقِتَالِ الْكُفَّارِ هَذَا وَفَضْلُ الْجِهَادِ عَظِيمٌ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { مَقَامُ الرَّجُلِ فِي الصَّفِّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ عِبَادَةِ سِتِّينَ سَنَةً } رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمِنْ تَوَابِعِ الْجِهَادِ الرِّبَاطُ وَهُوَ الْإِقَامَةُ فِي مَكَان يُتَوَهَّمُ هُجُومُ الْعَدُوِّ فِيهِ لِقَصْدِ دَفْعِهِ لِلَّهِ تَعَالَى وَمِنْ فَضْلِهِ مَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ سَلْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ { رِبَاطُ يَوْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ وَقِيَامُهُ وَإِنْ مَاتَ فِيهِ أَجْرَى عَلَيْهِ عَمَلَهُ الَّذِي كَانَ يَعْمَلُ وَأَجْرَى عَلَيْهِ رِزْقَهُ وَأَمِنَ الْفَتَّانَ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ زَادَ الطَّبَرَانِيُّ { وَبُعِثَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَهِيدًا وَمَنْ مَاتَ مُرَابِطًا أَمِنَ مِنْ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ } وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { إنَّ صَلَاةَ الْمُرَابِطِ تَعْدِلُ خَمْسَ مِائَةِ صَلَاةٍ وَنَفَقَةَ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ مِنْهُ أَفْضَلُ مِنْ سَبْعمِائَةِ دِينَارٍ يُنْفِقُهُ فِي غَيْرِهِ } كَمَا فِي الْفَتْحِ .
( قَوْلُهُ : وَفَرْضُ عَيْنٍ إنْ هَجَمُوا ) كَذَا فِي الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ يَقْتَضِي

الِافْتِرَاضَ عَلَى كَافَّةِ النَّاسِ سَوَاءٌ فِيهِ أَهْلُ مَحَلٍّ هَجَمَهُ الْعَدُوُّ وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ صَرِيحُ مَا قَالَ فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي فِي النَّفِيرِ الْعَامِّ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مَنْ سَمِعَ ذَلِكَ الْخَبَرَ وَلَهُ الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ .
ا هـ .
وَقَالَ قَاضِي خَانْ : إنْ وَقَعَ النَّفِيرُ وَبَلَغَهُمْ الْخَبَرُ أَنَّ الْعَدُوَّ جَاءَ إلَى مَدِينَةٍ مِنْ مَدَائِنِ الْإِسْلَامِ كَانَ لِلرَّجُلِ أَنْ يَخْرُجَ بِغَيْرِ إذْنِ الْأَبَوَيْنِ عِنْدَ الْخَوْفِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَوْ عَلَى ذَرَارِيِّهِمْ أَوْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ ، وَإِذَا كَانَ النَّفِيرُ مِنْ قِبَلِ اللُّزُومِ فَعَلَى كُلِّ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْقِتَالِ أَنْ يَخْرُجَ إلَى الْغَزْوِ إذَا مَلَكَ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّخَلُّفُ إلَّا بِعُذْرٍ بَيِّنٍ .
ا هـ .
فَالْمَتْنُ عَامٌّ وَقَدْ خَصَّهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ فَيَصِيرُ فَرْضَ عَيْنٍ عَلَى مَنْ قَرُبَ مِنْهُ وَهُمْ يَقْدِرُونَ عَلَى الْجِهَادِ ، وَقَدْ نَقَلَ الْكَمَالُ مَا قَالَهُ فِي النِّهَايَةِ ثُمَّ قَالَ هَكَذَا ذَكَرُوا وَكَانَ مَعْنَاهُ إذَا دَامَ الْحَرْبُ بِقَدْرِ مَا يَصِلُ الْأَبْعَدُونَ وَبَلَغَهُمْ الْخَبَرُ وَإِلَّا فَهُوَ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ ، بِخِلَافِ إنْفَاذِ الْأَسِيرِ وُجُوبُهُ عَلَى الْكُلِّ مُتَّجَهٌ مِنْ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ مِمَّنْ عَلِمَ وَيَجِبُ أَنْ لَا يَأْثَمَ مَنْ عَزَمَ عَلَى الْخُرُوجِ وَقُعُودُهُ لِعَدَمِ خُرُوجِ النَّاسِ وَتَكَاسُلِهِمْ أَوْ قُعُودِ السُّلْطَانِ أَوْ مَنْعِهِ .
ا هـ .
( فَائِدَةٌ ) عَالِمٌ لَيْسَ فِي الْبَلْدَةِ أَفْقَهَ مِنْهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَغْزُوَ لِمَا يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ مِنْ الضَّيَاعِ كَذَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي .

( وَكُرِهَ الْجُعْلُ ) وَهُوَ مَا يُجْعَلُ لِلْعَامِلِ فِي عَمَلِهِ وَالْمُرَادُ مَا يَجْعَلُ الْإِمَامُ عَلَى أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ شَيْئًا بِلَا طِيبِ أَنْفُسِهِمْ يَتَقَوَّى بِهِ الْغُزَاةُ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ ( مَعَ فَيْءٍ ) أَيْ وُجُودِ شَيْءٍ فِي بَيْتِ الْمَالِ ( وَبِدُونِهِ ) أَيْ إذَا لَمْ يُوجَدْ فَيْءٌ ( لَا ) يُكْرَهُ الْجُعْلُ ( فَإِنْ حَاصَرْنَاهُمْ دَعَوْنَاهُمْ إلَى الْإِسْلَامِ ، فَإِنْ أَبَوْا ) أَيْ امْتَنَعُوا عَنْ الْإِسْلَامِ ( فَإِلَى ) أَيْ فَنَدْعُوهُمْ إلَى ( الْجِزْيَةِ فَإِنْ قَبِلُوا ) الْجِزْيَةَ ( فَلَهُمْ مَا لَنَا وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْنَا ) هَذَا الْحُكْمُ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْعِبَادَاتِ بَلْ الْمُرَادُ أَنَّا كُنَّا نَتَعَرَّضُ لِدِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ قَبْلَ قَبُولِهِمْ الْجِزْيَةَ فَبَعْدَمَا قَبِلُوهَا إذَا تَعَرَّضْنَا لَهُمْ أَوْ تَعَرَّضُوا لَنَا يَجِبُ لَهُمْ عَلَيْنَا ، وَيَجِبُ لَنَا عَلَيْهِمْ مَا يَجِبُ لِبَعْضِنَا عَلَى بَعْضٍ عِنْدَ التَّعَرُّضِ ، يُؤَيِّدُهُ اسْتِدْلَالُهُمْ عَلَيْهِ بِقَوْلِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إنَّمَا بَذَلُوا الْجِزْيَةَ لِيَكُونَ دِمَاؤُهُمْ كَدِمَائِنَا وَأَمْوَالُهُمْ كَأَمْوَالِنَا .

قَوْلُهُ : مَعَ فَيْءٍ أَيْ مَعَ وُجُودِ شَيْءٍ ) فَسَّرَ الْفَيْءَ بِالشَّيْءِ لِيُبَيِّنَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ وُجُودُ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ سَوَاءٌ كَانَ أَصْلُهُ مِنْ الْفَيْءِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ كَالْأَمْوَالِ الضَّائِعَةِ .
( قَوْلُهُ : إذَا لَمْ يُوجَدْ فَيْءٌ لَا يُكْرَهُ الْجُعْلُ ) هُوَ الصَّحِيحُ وَقِيلَ يُكْرَهُ وَأَطْلَقَ الْإِبَاحَةَ فِي السِّيَرِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِشَيْءٍ وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَغْزُو بِأَجْرٍ كَمَثَلِ أُمِّ مُوسَى تُرْضِعُ وَلَدَهَا لِنَفْسِهَا وَتَأْخُذُ عَلَيْهِ الْأَجْرَ وَكَانَتْ تَأْخُذُ مِنْ فِرْعَوْنَ دِينَارَيْنِ فِي كُلِّ يَوْمٍ } ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ أَبَوْا فَإِلَى الْجِزْيَةِ ) هَذَا فِي حَقِّ مَنْ تُقْبَلُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ كَأَهْلِ الْكِتَاب وَالْمَجُوس وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَجَمِ ، وَأَمَّا عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ فَلَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ كَالْمُرْتَدِّينَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ .

( وَلَا نُقَاتِلُ مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ ) إلَى الْإِسْلَامِ وَمَنْ قَاتَلَهُمْ قَبْلَهَا أَثِمَ لِلنَّهْيِ عَنْهُ وَلَمْ يَغْرَمْ ؛ لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مَعْصُومِينَ ( وَنُدِبَ تَجْدِيدُهَا لِمَنْ بَلَغَتْهُ فَإِنْ أَبَوْا حَارَبْنَاهُمْ بِمَنْجَنِيقٍ وَتَحْرِيقٍ وَتَغْرِيقٍ وَرَمْيٍ ، وَلَوْ مَعَهُمْ مُسْلِمٌ أَوْ تَتَرَّسُوا بِهِ ) أَيْ بِالْمُسْلِمِ ( بِنِيَّتِهِمْ ) مُتَعَلِّقٌ بِالرَّمْيِ ( لَا بِنِيَّتِهِ ) لِيَلْزَمَ الْإِثْمُ ، وَإِنْ أَصَابُوا مِنْهُ فَلَا دِيَةَ وَلَا كَفَّارَة .
.

( وَقَطْعِ شَجَرٍ وَإِفْسَادِ زَرْعٍ بِلَا غَدْرٍ وَغُلُولٍ ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْهُمَا وَكِلَاهُمَا خِيَانَةٌ لَكِنَّ الْغُلُولَ فِي الْمَغْنَمِ خَاصَّةً ، وَالْغَدْرُ أَعَمُّ يَشْمَلُ نَقْضَ الْعَهْدِ ( وَمُثْلَةً ) اسْمٌ مِنْ مَثَّلَ بِهِ يُمَثِّلُ مَثَلًا كَقَتَلَ يَقْتُلُ قَتْلًا أَيْ نَكَّلَ بِهِ يَعْنِي جَعَلَهُ نَكَالًا وَعِبْرَةً لِغَيْرِهِ كَقَطْعِ الْأَعْضَاءِ وَتَسْوِيدِ الْوَجْهِ .
وَفِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ الْمَثُلَةُ الْمَنْهِيَّةُ بَعْدَ الظَّفَرِ بِهِمْ وَلَا بَأْسَ بِهَا قَبْلَهُ ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي إذْلَالِهِمْ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ : وَهَذَا أَحْسَنُ وَنَظِيرُهُ الْإِحْرَاقُ بِالنَّارِ ( وَبِلَا قَتْلِ غَيْرِ مُكَلَّفٍ ) كَالصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ ( وَشَيْخٍ فَانٍ وَأَعْمَى وَمُقْعَدٍ وَامْرَأَةٍ ) لِلنَّهْيِ عَنْ كُلِّهَا فِي الْحَدِيثِ ( إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمْ مُقَاتِلًا أَوْ ذَا مَالٍ يَحُثُّ بِهِ أَوْ ) ذَا ( رَأْيٍ فِي الْحَرْبِ أَوْ مَلِكًا ) فَحِينَئِذٍ يُقْتَلُ .

( قَوْلُهُ : وَقَطْعِ شَجَرٍ وَإِفْسَادِ زَرْعٍ ) قَالَ الْكَمَالُ هَذَا إذَا لَمْ يَغْلِبْ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُمْ يُؤْخَذُونَ بِغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ الظَّاهِرُ أَنَّهُمْ يُغْلَبُونَ وَأَنَّ الْفَتْحَ بَادٍ كُرِهَ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ إفْسَادٌ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْحَاجَةِ وَمَا أُبِيحَ إلَّا لَهَا .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَفِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ ) كَذَا فِي الْفَتْحِ ، وَالْمَسْطُورُ فِي الزَّيْلَعِيِّ نَصُّهُ .
وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ
إلَخْ وَظَاهِرُ هَذَا الْإِطْلَاقِ التَّمْثِيلُ سَوَاءٌ وَقَعَ قِتَالًا أَوْ بِأَسِيرٍ إلَّا أَنَّ الْكَمَالَ خَصَّهُ بِقَوْلِهِ التَّمْثِيلُ قَبْلَ الظَّفَرِ لَا بَأْسَ بِهِ إذَا وَقَعَ قِتَالًا كَمُبَارِزٍ ضَرَبَ فَقَطَعَ أُذُنَهُ ثُمَّ ضُرِبَ فَقَأَ عَيْنَهُ فَلَمْ يَنْتَهِ فَقَطَعَ أَنْفَهُ وَيَدَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَشَيْخٍ فَانٍ ) قَالَ الْكَمَالُ الْمُرَادُ بِالشَّيْخِ الْفَانِي مَنْ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْقِتَالِ وَلَا الصِّيَاحِ عِنْدَ الْتِقَاءِ الصَّفَّيْنِ وَلَا عَلَى الْإِحْبَالِ ؛ لِأَنَّهُ يَجِيءُ مِنْهُ الْوَلَدُ فَيَكْثُرُ مُحَارِبُ الْمُسْلِمِينَ ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَزَادَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ فِي كِتَابِ الْمُرْتَدِّينَ مِنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ أَنَّهُ إذَا كَانَ كَامِلَ الْعَقْلِ فَقَتَلَهُ وَمِثْلُهُ نَقْتُلُهُ إذَا ارْتَدَّ ، وَاَلَّذِي لَا نَقْتُلُهُ الشَّيْخُ الْفَانِي الَّذِي خَرَّفَ وَزَالَ عَنْ حُدُودِ الْعُقَلَاءِ وَالْمُمَيِّزِينَ فَهَذَا حِينَئِذٍ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمَجْنُونِ فَلَا نَقْتُلُهُ وَلَا إذَا ارْتَدَّ قَالَ ، وَأَمَّا الزَّمْنَى فَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الشُّيُوخِ فَيَجُوزُ قَتْلُهُمْ إذَا رَأَى الْإِمَامُ ذَلِكَ كَمَا يُقْتَلُ سَائِرُ النَّاسِ بَعْدَ أَنْ يَكُونُوا عُقَلَاءَ وَنَقْتُلُهُمْ أَيْضًا إذَا ارْتَدُّوا .
ا هـ .
وَلَا نَقْتُلُ مَقْطُوعَ الْيَدِ الْيُمْنَى وَالْمَقْطُوعَ يَدُهُ وَرِجْلُهُ مِنْ خِلَافٍ وَنَقْتُلُ مَقْطُوعَ الْيَدِ الْيُسْرَى أَوْ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ .
ا هـ .
مَا قَالَهُ الْكَمَالُ ( قُلْت ) وَفِي النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ الْأَقْطَعِ مِنْ خِلَافٍ نَظَرٌ لِمَا أَنَّهُ لَا يَنْزِلُ عَنْ

مَرْتَبَةِ الشَّيْخِ الْقَادِرِ عَلَى الْإِحْبَالِ أَوْ الصِّيَاحِ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ لِلنَّهْيِ عَنْ كُلِّهَا فِي الْحَدِيثِ ) وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَغْرَمُ قَاتِلَ مَنْ نُهِيَ عَنْ قَتْلِهِ مِنْهُمْ ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ حُرْمَةِ الْقَتْلِ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ .
( قَوْلُهُ : إلَّا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمْ مُقَاتِلًا ) لَكِنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ يُقْتَلَانِ فِي حَالِ قِتَالِهِمَا ، وَأَمَّا غَيْرُهُمَا مِنْ النِّسَاءِ وَالرُّهْبَانِ وَنَحْوِهِمْ فَإِنَّهُمْ يُقْتَلُونَ بَعْدَ الْأَسْرِ وَاَلَّذِي يُجَنُّ وَيُفِيقُ يُقْتَلُ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ وَإِنْ لَمْ يُقَاتِلْ وَالْمَرْأَةُ الْمَلِكَةُ تُقْتَلُ وَإِنْ لَمْ تُقَاتِلْ وَكَذَا الصَّبِيُّ الْمَلِكُ وَالْمَعْتُوهُ ؛ لِأَنَّ فِي قَتْلِ الْمَلِكِ كَسْرَ شَوْكَتِهِمْ كَمَا فِي الْفَتْحِ .

.
( وَ ) بِلَا قَتْلِ ( أَبٍ كَافِرٍ بَدْءًا ) أَيْ لَا يَجُوزُ لِلِابْنِ أَنْ يَقْتُلَ أَبَاهُ الْكَافِرَ ابْتِدَاءً لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا } وَلَيْسَتْ الْبُدَاءَةُ بِالْقَتْلِ مِنْ الْمَعْرُوفِ ؛ وَلِأَنَّهُ تَسَبَّبَ فِي حَيَاتِهِ فَلَا يَكُونُ سَبَبًا لِإِفْنَائِهِ وَإِنَّمَا قَالَ بَدْءًا ؛ لِأَنَّ الْأَبَ إنْ قَصَدَ قَتْلَ الِابْنِ وَلَمْ يُمْكِنْهُ دَفْعُهُ إلَّا بِقَتْلِهِ جَازَ قَتْلُهُ ؛ لِأَنَّ هَذَا دَفْعٌ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنْ أَبَاهُ الْمُسْلِمَ إذَا قَصَدَ قَتْلَهُ جَازَ لَهُ قَتْلُهُ فَالْكَافِرُ أَوْلَى ( فَيَقْتُلُهُ غَيْرُ ابْنِهِ ) وَابْنُهُ لَا يَمْنَعُهُ عَنْهُ ( وَبِلَا إخْرَاجِ مُصْحَفٍ وَامْرَأَةٍ فِي سُرِّيَّةٍ يُخَافُ عَلَيْهِمَا ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْرِيضِ الْمُصْحَفِ عَلَى الِاسْتِخْفَافِ وَالْمَرْأَةِ عَلَى الضَّيَاعِ وَالْفَضَائِحِ .

( قَوْلُهُ : وَبِلَا قَتْلِ أَبٍ كَافِرٍ ) سَوَاءٌ أَدْرَكَهُ فِي الصَّفِّ أَوْ غَيْرِهِ لَا يَقْتُلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ مَنْ يَقْتُلُهُ غَيْرُ الِابْنِ لَا يُمَكِّنُهُ مِنْ الرُّجُوعِ حَرْبًا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَيُعَالِجُهُ بِنَحْوِ ضَرْبِ قَوَائِمِ فَرَسِهِ وَإِلْجَائِهِ إلَى مَكَان حَتَّى يَجِيءَ غَيْرُهُ فَيَقْتُلَهُ ، وَكَذَا الْأُمُّ وَالْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ الْمُقَاتِلُونَ يُكْرَهُ لِفَرْعِهِمْ قَتْلُهُمْ وَمَنْ سِوَى الْأُصُولِ مِنْ ذَوِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ الْحَرْبِيِّينَ فَلَا بَأْسَ بِقَتْلِهِمْ ، وَأَمَّا أَهْلُ الْبَغْيِ وَالْخَوَارِجِ فَكُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُ كَالْأَبِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَالْجَوْهَرَةِ وَالْفَتْحِ قَوْلُهُ : فِي سَرِيَّةٍ ) قَالَ الْكَمَالُ مَا نَصُّهُ .
وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَقَلُّ السَّرِيَّةِ أَرْبَعُمِائَةٍ وَأَقَلُّ الْعَسْكَرِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ .
ا هـ .
وَاَلَّذِي رَأَيْته فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ نَصُّهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَقَلُّ السَّرِيَّةِ مِائَةٌ وَأَقَلُّ الْجَيْشِ أَرْبَعُمِائَةٍ ، قَالَ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ أَقَلُّ السَّرِيَّةِ أَرْبَعُمِائَةٍ وَأَقَلُّ الْجَيْشِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ .
ا هـ .
وَقَوْلُ ابْنِ زِيَادٍ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ عَلَيْهِ نَصُّ الشَّيْخِ أَكْمَلِ الدِّينِ بَعْدَمَا قَالَ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَقَلُّ السَّرِيَّةِ مِائَةٌ ا هـ .
( قَوْلُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْرِيضِ الْمُصْحَفِ عَلَى الِاسْتِخْفَافِ ) هُوَ التَّأْوِيلُ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَاحْتُرِزَ بِهِ عَمَّا ذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ أَبِي الْحَسَنِ الْقُمِّيِّ وَالصَّدْرِ الشَّهِيدِ عَنْ الطَّحَاوِيِّ أَنَّ ذَلِكَ أَيْ النَّهْيَ عَنْ إخْرَاجِ الْمُصْحَفِ إنَّمَا كَانَ عِنْدَ قِلَّةِ الْمَصَاحِفِ كَيْ لَا تَنْقَطِعَ عَنْ أَيْدِي النَّاسِ ، وَأَمَّا الْيَوْمُ فَلَا يُكْرَهُ .
ا هـ .
وَمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْ التَّأْوِيلِ مَنْقُولٌ عَنْ مَالِكٍ رَاوِي الْحَدِيثِ قَالَ أَرَى ذَلِكَ مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ وَالْحَقُّ إنَّهَا مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا فِي

الْفَتْحِ .

( وَيُصَالِحُهُمْ ) أَيْ يُصَالِحُ الْإِمَامُ أَهْلَ الْحَرْبِ ( إنْ ) كَانَ الصُّلْحُ ( خَيْرًا ) لِلْمُسْلِمِينَ وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهُ تَرْكُ الْجِهَادِ صُورَةً وَمَعْنًى ( وَلَوْ بِمَالٍ ) يَأْخُذُهُ الْمُسْلِمُونَ ( مِنْهُمْ ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ بِلَا مَالٍ فَبِهِ أَوْلَى ( إنْ احْتَجْنَا إلَيْهِ ) ، وَإِنْ لَمْ نَحْتَجْ لَمْ يَجُزْ ؛ لِأَنَّهُ تَرْكُ الْجِهَادِ صُورَةً وَمَعْنًى وَالْمَأْخُوذُ مِنْ الْمَالِ يُصْرَفُ مَصَارِفَ الْجِزْيَةِ لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِقُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ كَالْجِزْيَةِ إلَّا إذَا نَزَلُوا بِدَارِهِمْ لِلْحَرْبِ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ غَنِيمَةً لِكَوْنِهِ مَأْخُوذًا بِالْقَهْرِ وَحُكْمُهُ مَعْرُوفٌ ، وَلَوْ حَاصَرَ الْكُفَّارُ الْمُسْلِمِينَ وَطَلَبُوا الصُّلْحَ بِمَالٍ يَأْخُذُونَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَا يَفْعَلُهُ الْإِمَامُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ إلْحَاقَ الْمَذَلَّةِ لِلْمُسْلِمِينَ وَفِي الْحَدِيثِ { لَيْسَ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ إلَّا إذَا خَافَ الْهَلَاكَ } ؛ لِأَنَّ دَفْعَهُ بِأَيِّ طَرِيقٍ أَمْكَنَ وَاجِبٌ ( وَيَنْبِذُ إنْ خَيْرًا ) أَيْ لَوْ صَالَحَهُمْ الْإِمَامُ ثُمَّ رَأَى نَقْضَ الصُّلْحِ أَصْلَحَ نَبَذَ إلَيْهِمْ أَيْ أَرْسَلَ إلَيْهِمْ خَبَرَ النَّقْضِ ( فَيُقَاتِلُ وَقَبْلَ نَبْذٍ لَوْ خَانُوا بَدْءًا ) أَيْ قُوتِلُوا قَبْلَ إرْسَالِ خَبَرِ النَّقْضِ إنْ بَدَءُوا بِالْخِيَانَةِ

( قَوْلُهُ : وَيَنْبِذُ إنْ خَيْرًا فَيُقَاتِلُ ) أَقُولُ لَا يَكْفِي مُجَرَّدُ إعْلَامِهِمْ بِالنَّبْذِ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ مُضِيِّ مُدَّةٍ يَتَمَكَّنُ مَلِكُهُمْ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالنَّبْذِ مِنْ إلْقَاءِ الْخَبَرِ إلَى أَطْرَافِ مَمْلَكَتِهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُغَارَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ بِلَادِهِمْ قَبْلَ مُضِيِّ تِلْكَ الْمُدَّةِ وَإِنْ كَانُوا خَرَجُوا مِنْ حُصُونِهِمْ وَتَفَرَّقُوا فِي الْبِلَادِ وَفِي عَسَاكِرِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ خَرَّبُوا حُصُونَهُمْ بِسَبَبِ الْأَمَانِ فَحَتَّى يَعُودُوا كُلُّهُمْ إلَى مَأْمَنِهِمْ وَيُعَمِّرُوا حُصُونَهُمْ مِثْلَ مَا كَانَتْ تَوَقِّيًا عَنْ الْغَدْرِ وَهَذَا وَاضِحٌ أَنَّهُ إذَا صَالَحَهُمْ مُدَّةً وَرَأَى نَقْضَهُ قَبْلَهَا ، وَأَمَّا إذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ بَطَلَ الصُّلْحُ بِمُضِيِّهَا فَلَا يُنْبَذُ إلَيْهِمْ ، وَإِذَا كَانَتْ الْمُوَادَعَةُ عَلَى جَعْلِ رَدِّ مَا يُخَصُّ مَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ بِالنَّبْذِ قَبْلَ مُضِيِّهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالتَّبْيِينِ .
( قَوْلُهُ : وَقَبْلَ نَبْذٍ لَوْ خَانُوا بَدْءًا ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَالنُّونِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ بَعْدَهَا وَتَنْوِينِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ الْمَكْسُورَةِ قَالَ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ وَإِنْ بَدَءُوا بِخِيَانَةِ قَاتِلِهِمْ وَلَمْ يَنْبِذْ إلَيْهِمْ إذَا كَانَ ذَلِكَ بِاتِّفَاقِهِمْ لِأَنَّهُمْ صَارُوا نَاقِضِينَ لِلْعَهْدِ فَلَا حَاجَةَ إلَى نَقْضِهِ .
ا هـ .
وَكَذَا إذَا دَخَلَ دَارَ الْإِسْلَامِ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ لَهُمْ مَنَعَةٌ بِإِذْنِ مَلِكِهِمْ وَقَاتَلُوا الْمُسْلِمِينَ عَلَانِيَةً لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ كَانَ دُخُولُهُمْ بِغَيْرِ إذْنِ مَلِكِهِمْ انْتَقَضَ الْعَهْدُ فِي حَقِّهِمْ لَا غَيْرُ حَتَّى يَجُوزُ قَتْلُهُمْ وَاسْتِرْقَاقُهُمْ ؛ لِأَنَّهُمْ اشْتَدُّوا بِأَنْفُسِهِمْ فَيَنْتَقِضُ الْعَهْدُ فِي حَقِّهِمْ وَلَا يَنْتَقِضُ فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ ؛ لِأَنَّ فِعْلَهُمْ لَا يَلْزَمُ غَيْرَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنَعَةٌ لَمْ يَكُنْ نَقْضًا لِلْعَهْدِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ

( وَ ) يُصَالِحُ ( الْمُرْتَدِّينَ وَالْبَاغِينَ ) حَتَّى يَنْظُرُوا فِي أَمْرِهِمْ ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْقِتَالَ لِمَصْلَحَةٍ فَجَازَ كَمَا فِي حَقِّ أَهْلِ الْحَرْبِ ( بِلَا مَالٍ ) ؛ لِأَنَّ أَخْذَ الْمَالِ مِنْهُمْ تَقْرِيرٌ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَذَا لَا يَجُوزُ ( وَلَا رَدَّ إنْ أَخَذْنَا ) ؛ لِأَنَّ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ مَعُونَةً لَهُمْ عَلَى الْقِتَالِ .

( لَا يُبَاعُ سِلَاحٌ وَخَيْلٌ وَحَدِيدٌ مِنْهُمْ وَلَوْ بَعْدَ صُلْحٍ ) لِمَا فِيهِ مِنْ مَعُونَتِهِمْ عَلَى الْحَرْبِ ( صَحَّ أَمَانُ حُرٍّ وَحُرَّةٍ ) مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَافِرًا أَوْ كُفَّارًا أَوْ أَهْلَ حِصْنٍ أَوْ مَدِينَةٍ حَتَّى لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَتْلُهُمْ ( فَإِنْ ) كَانَ الصُّلْحُ ( شَرًّا نُبِذَ ) الْأَمَانُ ( وَأُدِّبَ ) مُعْطِي الْأَمَانِ .

( قَوْلُهُ : وَحَدِيدٌ ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ ؛ لِأَنَّهُ أَصْلَ السِّلَاحِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَذَهَبَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ حَيْثُ قَالَ وَهَذَا فِي السِّلَاحِ ، وَأَمَّا فِيمَا يُقَاتَلُ بِهِ إلَّا بِصَنْعَةٍ فَلَا بَأْسَ كَمَا كَرِهْنَا بَيْعَ الْمَزَامِيرِ وَأَبْطَلْنَا بَيْعَ الْخَمْرِ وَلَمْ نَرَ بِبَيْعِ الْعِنَبِ بَأْسًا وَلَا بِبَيْعِ الْخَشَبِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ .
( قَوْلُهُ : وَلَوْ بَعْدَ الصُّلْحِ ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ مُعَلَّلًا بِأَنَّهُ عَلَى شَرَفِ النَّقْضِ وَالِانْقِضَاءِ فَكَانُوا حَرْبًا عَلَيْنَا وَهَذَا هُوَ الْقِيَاسُ فِي الطَّعَامِ وَالثَّوْبِ إلَّا أَنَّا عَرَفْنَاهُ بِالنَّصِّ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَمَرَ ثُمَامَةَ أَنْ يُمِيرَ أَهْلَ مَكَّةَ وَهُمْ حَرْبٌ عَلَيْهِ } .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : صَحَّ أَمَانُ حُرٍّ ) أَقُولُ مِنْ أَلْفَاظِ الْأَمَانِ قَوْلُك لِلْحَرْبِيِّ لَا تَخَفْ وَلَا تَوْجَلْ أَوْ مِتْرَسٌ أَوْ لَكُمْ عَهْدُ اللَّهِ أَوْ ذِمَّةُ اللَّهِ أَوْ تَعَالَى فَاسْمَعْ الْكَلَامَ ذَكَرَهُ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَقَالَ النَّاطِفِيُّ فِي السِّيَرِ إمْلَاءً سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ الرَّجُلِ يُشِيرُ بِأُصْبُعِهِ إلَى السَّمَاءِ لِرَجُلٍ مِنْ الْعَدُوِّ فَقَالَ هَذَا لَيْسَ بِأَمَانٍ وَأَبِي يُوسُفَ اسْتَحْسَنَ أَنْ يَكُونَ أَمَانًا وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ ، كَذَا فِي الْفَتْحِ وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ نَقْلًا عَنْ الْيَنَابِيعِ إذَا قَالَ أَهْلُ الْحَرْبِ الْأَمَانُ الْأَمَانُ فَقَالَ رَجُلٌ حُرٌّ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ امْرَأَةٌ حُرَّةٌ لَا تَخَافُوا وَلَا تَذْهَلُوا أَوْ عَهْدُ اللَّهِ وَذِمَّتُهُ أَوْ تَعَالَوْا وَاسْمَعُوا كَلَامَ اللَّهِ فَهَذَا كُلُّهُ أَمَانٌ صَحِيحٌ .
ا هـ .

( لَا ) يَصِحُّ ( أَمَانُ ذِمِّيٍّ ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ بِهِمْ وَكَذَا لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إلَّا أَنْ يَأْمُرَهُ أَمِيرُ الْعَسْكَرِ بِأَنْ يُؤَمِّنَهُمْ فَحِينَئِذٍ جَازَ ، ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ( وَ ) لَا أَمَانُ ( أَسِيرٍ مُسْلِمٍ ) مَعَهُمْ ( وَتَاجِرٍ ) مُسْلِمٍ ( مَعَهُمْ ) لِأَنَّهُمَا مَقْهُورَانِ تَحْتَ أَيْدِيهِمْ فَلَا يَخَافُونَهُمَا وَالْأَمَانُ يَخْتَصُّ بِمَحَلِّ الْخَوْفِ .
( وَ ) لَا أَمَانُ ( مَنْ أَسْلَمَ ثَمَّةَ وَلَمْ يُهَاجِرْ ) إلَيْنَا لِمَا ذَكَرْنَا ( وَصَبِيٍّ وَعَبْدٍ مَحْجُورَيْنِ وَمَجْنُونٍ ) أَمَّا الصَّبِيُّ فَإِذَا لَمْ يَعْقِلْ بَطَلَ أَمَانُهُ كَالْمَجْنُونِ ، وَإِنْ عَقَلَ وَهُوَ مَحْجُورٌ عَنْ الْقِتَالِ فَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ ، وَإِنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي الْقِتَالِ فَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَصِحُّ بِالِاتِّفَاقِ ، وَأَمَّا الْعَبْدُ فَإِذَا حُجِرَ عَنْ الْقِتَالِ لَمْ يَصِحَّ أَمَانُهُ عِنْدَهُ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ ، وَإِنْ أُذِنَ لَهُ فِيهِ صَحَّ أَمَانُهُ .

( بَابُ الْمَغْنَمِ وَقِسْمَتِهِ ) .
( إذَا فَتَحَ الْإِمَامُ بَلْدَةً صُلْحًا يَجْرِي ) أَيْ الْإِمَامُ ( عَلَى مُوجَبِهِ ) لَا بِغَيْرِهِ هُوَ وَلَا مَنْ بَعْدَهُ مِنْ الْأُمَرَاءِ ( وَأَرْضُهَا تَبْقَى عَلَى مِلْكِهِمْ ، وَلَوْ ) فَتَحَهَا ( عَنْوَةً ) أَيْ قَهْرًا فَهُوَ فِي حَقِّهَا مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ خُمُسَهَا ، ثُمَّ ( قُسِمَا بَيْنَنَا ) يَعْنِي الْغَانِمِينَ فَتَكُونُ مِلْكًا لَنَا كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَيْبَرَ وَوَضَعَ عَلَيْهَا الْعُشْرَ إذْ لَا يَجُوزُ وَضْعُ الْخَرَاجِ ابْتِدَاءً عَلَى الْمُسْلِمِ كَمَا سَيَأْتِي ( أَوْ أَقَرَّ أَهْلَهَا عَلَيْهَا ) أَيْ إنْ شَاءَ وَمَنْ بِهِ عَلَى أَهْلِهَا وَتَرَكَهُمْ أَحْرَارَ الْأَصْلِ ذِمَّةً لِلْمُسْلِمِينَ وَالْأَرَاضِي مَمْلُوكَةٌ لَهُمْ ( بِجِزْيَةٍ ) أَيْ بِوَضْعِ جِزْيَةٍ عَلَيْهِمْ .
( وَ ) وَضْعِ ( خَرَاجٍ ) عَلَى أَرَاضِيِهِمْ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِينَ فَتَحَ سَوَادَ الْعِرَاقِ حَيْثُ مَنَّ عَلَى أَهْلِهَا وَتَرَكَ دُورَهُمْ وَعَقَارَهُمْ فِي أَيْدِيهِمْ وَضَرَبَ الْجِزْيَةَ عَلَى رُءُوسِهِمْ وَالْخَرَاجَ عَلَى أَرَاضِيِهِمْ وَلَمْ يَقْسِمْهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ ، قَالُوا الْأَوَّلُ أَوْلَى عِنْدَ حَاجَةِ الْغَانِمِينَ وَالثَّانِي عِنْدَ عَدَمِهَا لِيَكُونَ ذَخِيرَةً لَهُمْ فِي الثَّانِي مِنْ الزَّمَانِ ( أَوْ نَفَاهُمْ ) مِنْهَا ( وَأَنْزَلَ ) بِهَا قَوْمًا ( آخَرِينَ وَوَضَعَ عَلَيْهِمْ الْخَرَاجَ لَوْ ) كَانُوا ( كُفَّارًا ) كَذَا فِي التُّحْفَةِ ، يَعْنِي وَضَعَ عَلَيْهِمْ خَرَاجَ الْأَرْضِ وَعَلَى أَنْفُسِهِمْ الْجِزْيَةَ ، وَقَوْلُهُ : لَوْ كَانُوا كُفَّارًا إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْقَوْمَ الْآخَرِينَ لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ لَا يُوضَعُ عَلَيْهِمْ إلَّا الْعُشْرُ ؛ لِأَنَّهُ ابْتِدَاءً وُضِعَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ .

( بَابُ الْمَغْنَمِ وَقِسْمَتِهِ ) .
( قَوْلُهُ : إنْ شَاءَ خُمُسَهَا ) أَيْ جَعَلَهَا أَخْمَاسًا خُمُسٌ لِلْفُقَرَاءِ وَالْبَاقِي لِلْغَانِمِينَ عَلَى مَا سَيَأْتِي .
( قَوْلُهُ : ثُمَّ قَسَمَهَا بَيْنَنَا ) يَعْنِي قَسَمَ بَاقِيَهَا وَهُوَ الْأَرْبَعَةُ الْأَخْمَاسِ لِقَوْلِهِ بَيْنَ الْغَانِمِينَ وَسَيَذْكُرُ قِسْمَةَ الْخُمُسِ بَعْدَهُ .
( قَوْلُهُ : أَوْ أَقَرَّ أَهْلُهَا عَلَيْهَا
إلَخْ ) نَصٌّ عَلَى الْمَنِّ بِإِبْقَائِهِمْ ذِمَّةً وَتَمَلُّكِهِمْ الْأَرَاضِيَ فَخَرَجَ مَا يُنْقَلُ إذْ لَا يَجُوزُ الْمَنُّ بِهِ عَلَيْهِمْ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ وَأَنَّهُ لَا يَدُومُ وَالْجَوَازُ بِاعْتِبَارِ الدَّوَامِ نَظَرًا لِلْمُسْلِمِينَ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ بِالرِّقَابِ وَحْدَهَا بِدُونِ الْأَرْضِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ تَبَعًا لِلْأَرَاضِيِ ، وَإِذَا مُنَّ عَلَيْهِمْ بِالرِّقَابِ وَالْأَرَاضِي يَدْفَعُ لَهُمْ مِنْ الْمَنْقُولِ قَدْرَ مَا يَتَأَتَّى لَهُمْ بِهِ الْعَمَلُ لِيَخْرُجَ عَنْ حَدِّ الْكَرَاهَةِ كَمَا فَعَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَالْهِدَايَةِ وَإِنْ لَمْ يَدْفَعْ وَقَسَمَ الْجَمِيعَ لِلْغَانِمِينَ جَازَ وَكُرِهَ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يَفْعَلْهُ وَلِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ الزِّرَاعَةِ بِلَا آلَتِهَا كَمَا فِي الْكَافِي وَلِي رِسَالَةٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ سَمَّيْتهَا الدُّرَّةُ الْيَتِيمَةُ فِي الْغَنِيمَةِ .

.
( وَ ) الْإِمَامُ فِي حَقِّ أَهْلِ مَا فُتِحَ مُخَيَّرٌ أَيْضًا إنْ شَاءَ ( قَتَلَ الْأَسْرَى ) ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتَلَهُمْ وَلِأَنَّ فِيهِ حَسْمَ مَادَّةِ الشِّرْكِ ( أَوْ اسْتَرَقَّهُمْ ) تَوْفِيرًا لِلْمَنْفَعَةِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ( أَوْ تَرَكَهُمْ أَحْرَارًا ذِمَّةً لَنَا ) إلَّا مُشْرِكِي الْعَرَبِ وَالْمُرْتَدِّينَ إذْ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ ( وَحَرُمَ مَنُّهُمْ ) وَهُوَ أَنْ يَتْرُكَ الْكَافِرَ الْأَسِيرَ بِلَا أَخْذِ شَيْءٍ مِنْهُ ( وَفِدَاؤُهُمْ ) وَهُوَ أَنْ يَتْرُكَهُ وَيَأْخُذَ مِنْهُمْ مَالًا أَوْ أَسِيرًا مُسْلِمًا فِي مُقَابَلَتِهِ وَفِي الْمَنِّ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ ، وَأَمَّا الْفِدَاءُ فَقَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْحَرْبِ جَازَ بِالْمَالِ لَا بِالْأَسِيرِ الْمُسْلِمِ وَبَعْدَهُ لَا يَجُوزُ بِالْمَالِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا وَلَا بِالنَّفْسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَجُوزُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ مُطْلَقًا ( وَرَدُّهُمْ إلَى دَارِهِمْ ) لِأَنَّ فِيهِ تَقْوِيَةً لَهُمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ .

( قَوْلُهُ : وَالْإِمَامُ إنْ شَاءَ قَتَلَ الْأَسْرَى ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا لَمْ يُسْلِمُوا وَمَنْ أَسْلَمَ لَا يُقْتَلُ وَقُيِّدَ بِالْإِمَامِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْ الْغُزَاةِ قَتْلُ أَسِيرٍ بِنَفْسِهِ وَإِنْ قَتَلَهُ بِلَا مُلْجِئٍ بِأَنْ خَافَ الْقَاتِلُ شَرًّا لِأَسِيرٍ كَانَ لِلْإِمَامِ تَعْزِيرُهُ وَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا كَمَا فِي الْفَتْحِ ، وَإِذَا عَزَمَ عَلَى قَتْلِ الْأَسْرَى لَا يَنْبَغِي تَعْذِيبُهُمْ بِالْجُوعِ وَالْعَطَشِ وَغَيْرِهِ مِنْ التَّعْذِيبِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ .
( قَوْلُهُ : أَوْ اسْتَرَقَّهُمْ ) وَلَا يُنَافِي اسْتِرْقَاقُهُمْ إسْلَامَهُمْ بَعْدَ الْأَسْرِ لِوُجُودِهِ بَعْدَ سَبَبِ الْمِلْكِ وَهُوَ الْأَسْرُ ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَسْلَمُوا قَبْلَ الْأَخْذِ فَإِنَّهُمْ لَا يُسْتَرَقُّونَ كَمَا سَيَأْتِي .
( قَوْلُهُ : وَهُوَ أَنْ يَتْرُكَ الْكَافِرَ الْأَسِيرَ وَيَأْخُذَ مِنْهُ مَالًا ) هَذَا عَلَى الْمَشْهُورِ كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ وَالْفَتْحِ وَآيَةُ السَّيْفِ نَسَخَتْ الْمُفَادَاةَ وَعُوتِبَ عَلَى الْفِدَاءِ يَوْمَ بَدْرٍ ( قَوْلُهُ أَوْ أَسِيرًا مُسْلِمًا فِي مُقَابَلَتِهِ ) هَذَا عَلَى أَحَدِ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ وَعَلَيْهَا مَشَى الْقُدُورِيُّ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَعَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ يَجُوزُ فِدَاءُ أَسْرَانَا بِأَسْرَاهُمْ كَمَا قَالَ بِهِ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَهِيَ أَظْهَرُ الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ وَالتَّبْيِينِ .
وَقَالَ الْكَمَالُ وَجْهُ هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْمُوَافَقَةُ لِقَوْلِ الْعَامَّةِ أَنَّ تَخْلِيصَ الْمُسْلِمِ أَوْلَى مِنْ قَتْلِ الْكَافِرِ لِلِانْتِفَاعِ بِهِ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ عَظِيمَةٌ وَمَا ذُكِرَ مِنْ الضَّرَرِ الَّذِي يَعُودُ إلَيْنَا بِدَفْعِهِ إلَيْهِمْ يَدْفَعُهُ ظَاهِرًا الْمُسْلِمُ الَّذِي يَتَخَلَّصُ مِنْهُمْ ؛ لِأَنَّهُ ضَرَرُ شَخْصٍ وَاحِدٍ فَيَقُومُ بِدَفْعِهِ وَاحِدٌ مِثْلُهُ ظَاهِرًا فَيَتَكَافَآ ثُمَّ تَبْقَى فَضِيلَةُ تَخْلِيصِ الْمُسْلِمِ وَتَمْكِينِهِ مِنْ عِبَادَةِ اللَّهِ كَمَا يَنْبَغِي زِيَادَةُ تَرْجِيحٍ وَثَبَتَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَى رَجُلَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِرَجُلٍ

مِنْ الْمُشْرِكِينَ } ا هـ .
وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ نَقْلًا عَنْ الْحَقَائِقِ إنَّ مُفَادَاةَ أَسِيرِهِمْ بِأَسِيرٍ مُسْلِمٍ يَجُوزُ اتِّفَاقًا .
ا هـ .
فَالِاتِّفَاقُ عَلَى الْمَشْهُورِ .
( قَوْلُهُ : وَأَمَّا الْفِدَاءُ فَقَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الْحَرْبِ جَازَ بِالْمَالِ ) أَيْ لِقِيَامِ الْحَاجَةِ فَيَكُونُ مَحْمَلُ قَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ ، وَأَمَّا الْمُفَادَاةُ بِالْمَالِ فَلَا تَجُوزُ عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ إلَى الْمَالِ وَإِنْ احْتَاجُوا إلَيْهِ جَازَ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَبَعْدَهُ لَا يَجُوزُ بِالْمَالِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا ) أَيْ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ فَهُوَ مَحْمَلُ قَوْلِ الْمَجْمَعِ إنَّ الْمُفَادَاةَ بِالْمَالِ غَيْرُ جَائِزَةٍ اتِّفَاقًا .
ا هـ .
وَلَوْ حُمِلَ كَلَامُ الْمَجْمَعِ عَلَى عُمُومِهِ خَالَفَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ بِجَوَازِهِ عِنْدَ الْحَاجَةِ ، وَالْحَاجَةُ عِنْدَ قِيَامِ الْحَرْبِ لَا بَعْدَهَا .
( قَوْلُهُ : وَرَدُّهُمْ إلَى دَارِهِمْ ) لَمْ يَزِدْ حُكْمًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ وَحَرُمَ مَنُّهُمْ وَهُوَ أَنْ يَتْرُكَ الْكَافِرَ الْأَسِيرَ بِلَا أَخْذِ شَيْءٍ مِنْهُ وَكَذَا جَمَعَ فِي الْكَنْزِ بَيْنَ الْمَنِّ وَالرَّدِّ .
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ ، وَأَمَّا الْمَنُّ فَقَالَ فِي الْقَامُوسِ مَنَّ عَلَيْهِ مَنًّا أَنْعَمَ وَاصْطَنَعَ عِنْدَهُ صَنِيعَةً .
ا هـ .
وَاخْتَلَفَتْ الْعِبَارَاتُ فِي الْمُرَادِ بِهِ هُنَا فَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ هُوَ أَنْ يُطْلِقَهُمْ إلَى دَارِ الْحَرْبِ بِغَيْرِ شَيْءٍ .
وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالنِّهَايَةِ هُوَ الْإِنْعَامُ عَلَيْهِمْ بِأَنْ يَتْرُكَهُمْ مَجَّانًا بِدُونِ إجْرَاءِ الْأَحْكَامِ عَلَيْهِمْ مِنْ الْقَتْلِ أَوْ الِاسْتِرْقَاقِ أَوْ تَرْكِهِمْ ذِمَّةً لِلْمُسْلِمِينَ .
ا هـ .
وَلَا يَصِحُّ الْأَوَّلُ فِي كَلَامِ الْمُخْتَصَرِ ؛ لِأَنَّهُ قَوْلُهُ وَحَرُمَ رَدُّهُمْ إلَى دَارِ الْحَرْبِ .
ا هـ .
قَالَهُ فِي الْبَحْرِ وَفِي حُكْمِهِ بِاخْتِلَافِ الْعِبَارَاتِ تَأَمَّلْ .

.
( وَ ) حَرُمَ ( عَقْرُ دَابَّةٍ شَقَّ نَقْلُهَا ) يَعْنِي إذَا أَرَادَ الْإِمَامُ الْعَوْدَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَمَعَهُ مَوَاشٍ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى نَقْلِهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يَعْقِرُهَا خِلَافًا لِمَالِكٍ وَلَا يَتْرُكُهَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ( فَتُذْبَحُ وَتُحْرَقُ ) أَمَّا الذَّبْحُ فَلِأَنَّهُ جَازَ لِمَصْلَحَةٍ وَإِلْحَاقُ الْغَيْظِ بِهِمْ مِنْ أَقْوَى الْمَصَالِحِ ، وَأَمَّا الْحَرْقُ فَلِئَلَّا يَنْتَفِعَ بِهَا الْكُفَّارُ فَصَارَ كَتَخْرِيبِ الْبُنْيَانِ وَقَطْعِ الْأَشْجَارِ وَلَا تُحْرَقُ قَبْلَ الذَّبْحِ إذْ لَا يُعَذِّبُ بِالنَّارِ إلَّا رَبُّهَا ، وَيُحْرَقُ الْأَسْلِحَةُ أَيْضًا وَمَا لَا يُحْرَقُ كَالْحَدِيدِ يُدْفَنُ .
( قَوْلُهُ : وَعَقْرُ دَابَّةٍ
إلَخْ ) اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ الَّذِينَ شَقَّ إخْرَاجُهُمْ فَيُتْرَكُونَ فِي أَرْضٍ خَرِبَةٍ حَتَّى يَمُوتُوا جُوعًا كَيْ لَا يَعُودُوا حَرْبًا عَلَيْنَا لِأَنَّ النِّسَاءَ يَقَعُ بِهِنَّ النَّسْلُ وَالصِّبْيَانَ يَبْلُغُونَ ، وَإِذَا وَجَدَ الْمُسْلِمُونَ حَيَّةً أَوْ عَقْرَبًا بِدَارِ الْحَرْبِ فِي رِحَالِهِمْ يَنْزِعُونَ ذَنَبَ الْعَقْرَبِ وَأَنْيَابَ الْحَيَّةِ قَطْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمْ وَلَا يَقْتُلُونَهَا إبْقَاءً لِمَا يَضُرُّ بِالْكُفَّارِ كَمَا فِي الْبَحْرِ .

.
( وَ ) حَرُمَ ( قِسْمَةُ مَغْنَمٍ ثَمَّةَ ) أَيْ قِسْمَةُ غَنِيمَةٍ فِي دَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ إخْرَاجِهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الْهَزِيمَةِ وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لَا يَثْبُتُ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُ يَثْبُتُ وَيُبْتَنَى عَلَى هَذَا الْأَصْلِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ ( إلَّا بِالْإِيدَاعِ ) فَيُرَدُّ هَاهُنَا وَيُقْسَمُ وَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْإِمَامِ فِي بَيْتِ الْمَالِ حُمُولَةٌ يَحْمِلُ عَلَيْهَا الْغَنَائِمَ فَيَقْسِمُهَا بَيْنَ الْغَانِمِينَ قِسْمَةَ إيدَاعٍ لِيَحْمِلُوهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ يَسْتَرِدَّهَا مِنْهُمْ فَإِنْ أَبَوْا أَنْ يُحَمِّلُوهَا أَجِيرَهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِأَجْرِ الْمِثْلِ فِي رِوَايَةِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ ؛ لِأَنَّهُ دَفْعُ ضَرَرٍ عَامٍّ بِتَحْمِيلِ ضَرَرٍ خَاصٍّ ، كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَابَّةً شَهْرًا فَمَضَتْ الْمُدَّةُ فِي الْمَفَازَةِ أَوْ اسْتَأْجَرَ سَفِينَةً فَمَضَتْ الْمُدَّةُ فِي وَسَطِ الْبَحْرِ فَإِنَّهُ يَنْعَقِدُ عَلَيْهَا إجَارَةٌ أُخْرَى بِأَجْرِ الْمِثْلِ وَلَا يُجْبِرُهُمْ عَلَى رِوَايَةِ السِّيَرِ الصَّغِيرِ إذْ لَا يُجْبَرُ عَلَى عَقْدِ الْإِجَارَةِ ابْتِدَاءً كَمَا إذَا نَفَقَتْ دَابَّتُهُ فِي الْمَفَازَةِ وَمَعَ رَفِيقِهِ دَابَّةٌ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْإِجَارَةِ ، بِخِلَافِ مَا اُسْتُشْهِدَ بِهِ فَإِنَّهُ بِنَاءٌ وَلَيْسَ بِابْتِدَاءٍ وَهُوَ أَسْهَلُ مِنْهُ .

( قَوْلُهُ وَحَرُمَ قِسْمَةُ مَغْنَمٍ ثَمَّةَ ) لَا يُنَاسِبُ مَا سَيَذْكُرُهُ مِنْ الِاخْتِلَافِ فِي ثُبُوتِ الْمِلْكِ بِهَا ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا عِنْدَنَا وَالْحُرْمَةُ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْمِلْكِ وَعِبَارَةُ الْهِدَايَةِ كَالْقُدُورِيِّ هَكَذَا وَلَا يَقْسِمُ غَنِيمَةً فِي دَارِ الْحَرْبِ حَتَّى يُخْرِجَهَا إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ .
ا هـ .
وَالْمَسَائِلُ الْإِفْرَادِيَّةُ الْمَوْضُوعَةُ مُصَرِّحَةٌ بِعَدَمِ صِحَّةِ الْقِسْمَةِ قَبْلَ الْإِحْرَازِ مِثْلَ مَا سَيَأْتِي مِنْ أَنَّ مَنْ مَاتَ مِنْ الْغَانِمِينَ لَا يُورَثُ حَقُّهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ قَالَهُ الْكَمَالُ ثُمَّ قَالَ وَاعْلَمْ أَنَّ الْقِسْمَةَ إنَّمَا لَا تَصِحُّ إذَا قَسَمَ بِلَا اجْتِهَادٍ أَوْ اجْتَهَدَ فَوَقَعَ عَلَى عَدَمِ صِحَّتِهَا قَبْلَ الْإِحْرَازِ أَمَّا إذَا قَسَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ مُجْتَهِدًا فَلَا شَكَّ فِي الْجَوَازِ وَثُبُوتِ الْأَحْكَامِ ، وَإِذَا تَحَقَّقَتْ لِلْمُسْلِمِينَ حَاجَةٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِالثِّيَابِ وَالْمَتَاعِ وَنَحْوِهَا قَسَمَهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَيُبْتَنَى عَلَى هَذَا الْأَصْلِ مَسَائِلُ كَثِيرَةٌ ) قَالَ فِي الْكَافِي النَّسَفِيِّ مِنْهَا أَنَّ أَحَدًا مِنْ الْغَانِمِينَ لَوْ وَطِئَ أَمَةً مِنْ السَّبْيِ فَوَلَدَتْ فَادَّعَاهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ عِنْدَهُ وَصَارَتْ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدِهِ وَعِنْدَنَا لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَيَجِبُ الْعُقْرُ وَيُقْسَمُ الْوَلَدُ وَالْأَمَةُ وَالْعُقْرُ بَيْنَ الْغَانِمِينَ .
ا هـ .
وَتَبِعْهُ الزَّيْلَعِيُّ وَالْكَمَالِ ، وَقَدْ ذَكَرَ فِي مُتَفَرِّقَاتِ الْجِهَادِ مِنْ الْكَافِي خِلَافَ مَا ذَكَرَهُ هُنَا فَنَفَى لُزُومَ الْعُقْرِ بِوَطْئِهَا فَتَنَاقَضَ حَيْثُ قَالَ وَطِئَ أَمَةً مِنْ الْغَنِيمَةِ إلَى أَنْ قَالَ وَلَا عُقْرَ فِي الْوَطْءِ لِأَنَّ الثَّابِتَ مُجَرَّدُ الْحَقِّ إذْ الْمِلْكُ إنَّمَا يَثْبُتُ بِالْإِحْرَازِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ وَالْمُسْتَوْفَى بِالْوَطْءِ كَالْجُزْءِ وَإِتْلَافُ الْكُلِّ غَيْرُ مَضْمُونٍ فَإِتْلَافُ الْجُزْءِ أَوْلَى وَلَكِنَّهُ يُؤَدَّبُ زَجْرًا لَهُ وَلِغَيْرِهِ وَبَعْدَ الْإِحْرَازِ وَالْقِسْمَةِ يُقْتَصُّ

مَا فِيهِ الْقِصَاصُ ، وَإِذَا وَجَبَ الْقِصَاصُ فَأَوْلَى أَنْ يَجِبَ الْغُرْمُ فِيمَا يَجِبُ فِيهِ الْغُرْمُ .
ا هـ .
وَقَدْ اقْتَصَرَ فِي الْبَدَائِعِ عَلَى مِثْلِ هَذَا التَّفْصِيلِ الْأَخِيرِ مِنْ كَلَامِ الْكَافِي وَهُوَ الَّذِي يَنْبَغِي اتِّبَاعُهُ حَيْثُ نَفَى الْعُقْرَ بِالْوَطْءِ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِدَارِنَا مُعَلَّلًا بِأَنَّهُ أَتْلَفَ جُزْءًا مِنْ مَنَافِعِ بَعْضِهَا وَلَوْ أَتْلَفَهَا لَا يَضْمَنُ لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ الْغَنِيمَةَ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَثْبُتْ فِيهَا مِلْكُ الْغَانِمِينَ أَصْلًا لَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَا مِنْ وَجْهٍ وَلَكِنْ انْعَقَدَ فِيهَا سَبَبُ الْمِلْكِ عَلَى أَنْ تَصِيرَ مِلْكًا عِنْدَ الْإِحْرَازِ بِدَارِنَا ثُمَّ قَالَ ، وَأَمَّا بَعْدَ الْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ لَوْ اسْتَوْلَدَ جَارِيَةً مِنْ الْمَغْنَمِ وَادَّعَى الْوَلَدَ لَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ اسْتِحْسَانًا لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ ثَبَاتَ النَّسَبِ وَأُمُومِيَّةَ الْوَلَدِ يَقِفُ عَلَى مِلْكٍ خَاصٍّ وَذَلِكَ بِالْقِسْمَةِ أَوْ حَقٍّ خَاصٍّ وَيَلْزَمُهُ الْعُقْرُ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ الْعَامَّ أَوْ الْحَقَّ الْمُتَأَكِّدَ يَكُونُ مَضْمُونًا بِالْإِتْلَافِ .
ا هـ .
وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ : لَوْ وَطِئَ جَارِيَةً لَا يُحَدُّ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ الْعُقْرُ إنْ وَطِئَهَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ دُونَ دَارِ الْحَرْبِ ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَنَافِعَ بُضْعِهَا .
ا هـ .
قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ الْمُحِيطِ وَهَذَا هُوَ الظَّاهِرُ لِأَنَّ الْوَطْءَ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يَجِبُ فِيهِ شَيْءٌ ، وَقَدْ نَقَلَهُ فِي التَّتَارْخَانِيَّة بِصِيغَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ فَكَانَ هُوَ الْمَذْهَبَ قَالَ وَكَذَا إذَا قَتَلَ وَاحِدًا مِنْ السَّبْيِ أَوْ اسْتَهْلَكَ شَيْئًا مِنْ الْغَنِيمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَهْلِكُ مِنْ الْغَانِمِينَ أَوْ غَيْرِهِمْ .
ا هـ .
وَقَدْ نَقَلَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ بَعْدَ نَقْلِهِ كَلَامَ شَيْخِ الْإِسْلَامِ كَمَالِ الدِّينِ وَلَمْ يَنُصَّ عَلَى التَّنْبِيهِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ إشَارَةٌ إلَى التَّنْبِيهِ وَقَوْلُ الْبَدَائِعِ وَأُمُومِيَّةُ

الْوَلَدِ تَقِفُ عَلَى مِلْكٍ خَاصٍّ يُشِيرُ إلَى مَا قَالَهُ الْكَمَالُ أَنَّهُ إذَا قُسِمَتْ الْغَنِيمَةُ عَلَى الرَّايَاتِ أَوْ الْعَرَّافَةِ فَوَقَعَتْ جَارِيَةٌ بَيْنَ أَهْلِ رَايَةٍ صَحَّ اسْتِيلَادُ أَحَدِهِمْ لَهَا وَعِتْقُهُ إذَا كَانُوا قَلِيلًا وَالْقَلِيلُ مِائَةٌ فَمَا دُونَهَا وَقِيلَ أَرْبَعُونَ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يُؤَقَّتَ وَيُوكَلَ إلَى اجْتِهَادِ الْإِمَامِ .
ا هـ .

.
( وَ ) حَرُمَ ( بَيْعُهُ ) أَيْ الْمَغْنَمِ ( قَبْلَهَا ) أَيْ الْقِسْمَةِ لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ وَلِأَنَّهُ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِالدَّارِ لَمْ يَمْلِكْ كَمَا مَرَّ وَبَعْدَهُ نَصِيبُهُ مَجْهُولٌ جَهَالَةً فَاحِشَةً فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَبِيعَهُ ( وَالرِّدْءُ ) أَيْ الْعَوْنُ ( وَمَدَدٌ يَلْحَقُهُمْ ثَمَّةَ كَمُقَاتِلٍ ) فِي اسْتِحْقَاقِ الْغَنِيمَةِ ( لَا سُوقِيٌّ لَمْ يُقَاتِلْ وَلَا مَنْ مَاتَ ثَمَّةَ ) لِعَدَمِ التَّمَلُّكِ .

( قَوْلُهُ وَحَرُمَ بَيْعُهُ ) أَيْ الْمَغْنَمِ قَبْلَهَا سَوَاءٌ كَانَ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ بَعْدَ الْإِحْرَازِ بِدَارِنَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الشَّرْحِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي بَيْعِ الْغُزَاةِ ، وَأَمَّا بَيْعُ الْإِمَامِ لَهَا فَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ يَصِحُّ ؛ لِأَنَّهُ مُجْتَهَدٌ فِيهِ يَعْنِي أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي ذَلِكَ وَأَقَلُّهُ تَخْفِيفُ إكْرَاهِ الْحَمْلِ عَنْ النَّاسِ أَوْ عَنْ الْبَهَائِمِ وَنَحْوِهِ وَتَخْفِيفُ مُؤْنَتِهِ عَنْهُمْ فَيَقَعُ عَنْ اجْتِهَادٍ فِي الْمَصْلَحَةِ فَلَا يَقَعُ جُزَافًا فَيَنْعَقِدُ بِلَا كَرَاهَةٍ مُطْلَقًا ، كَذَا فِي الْفَتْحِ .
( قَوْلُهُ : لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي الْحَدِيثِ ) كَذَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ الْكَمَالُ ، وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ وَهُوَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَهَى عَنْ بَيْعِ الْغَنِيمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ } فَغَرِيبٌ جِدًّا ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَالرِّدْءُ ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ .
( قَوْلُهُ : وَمَدَدٌ يَلْحَقُهُمْ ثَمَّةَ ) أَيْ وَلَوْ بَعْدَ الْقِتَالِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَالْمَدَدُ الْجَمَاعَةُ النَّاصِرُونَ لِلْجُنْدِ .
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ وَشَرْحِ الْمُخْتَارِ إنَّمَا يَنْقَطِعُ شَرِكَتُهُمْ إمَّا بِالْإِحْرَازِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ بِالْقِسْمَةِ فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ بَيْعِ الْإِمَامِ الْغَنِيمَةَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِذَا وُجِدَ أَحَدُ هَذِهِ الْمَعَانِي الثَّلَاثَةِ انْقَطَعَتْ الشَّرِكَةُ لِأَنَّ الْمِلْكَ يَسْتَقِرُّ بِهِ وَاسْتِقْرَارُ الْمِلْكِ يَقْطَعُ الشَّرِكَةَ .
ا هـ .
وَتَقْيِيدُ الْمُصَنِّفِ لُحُوقَ الْمَدَدِ بِدَارِ الْحَرْبِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَوْ فَتَحَ الْعَسْكَرُ بَلَدًا بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ اسْتَظْهَرُوا عَلَيْهِ ثُمَّ لَحِقَهُمْ الْمَدَدُ لَمْ يُشَارِكْهُمْ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ بِدَارِ إسْلَامٍ فَصَارَتْ الْغَنِيمَةُ مُحْرَزَةً بِدَارِ الْإِسْلَامِ نُصَّ عَلَيْهِ فِي الِاخْتِيَارِ .
( قَوْلُهُ : وَلَا مَنْ مَاتَ ثَمَّةَ لِعَدَمِ الْمِلْكِ ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْغَنِيمَةَ لَمْ تُقْسَمْ فَلَوْ قُسِمَتْ

ثَمَّةَ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْإِحْرَازِ فَيُورَثُ نَصِيبُهُ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ عَنْ الْحَقَائِقِ ( قُلْت ) وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ إذَا بَاعَهَا الْإِمَامُ بِدَارِ الْحَرْبِ لِحُصُولِ الْمِلْكِ .

( وَيُورَثُ قِسْطُ مَنْ مَاتَ هُنَا ) لِحُصُولِ الْمِلْكِ ، وَإِنْ كَانَ مُشَاعًا ( وَحَلَّ فِيهَا ) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ ( طَعَامٌ وَعَلَفٌ وَحَطَبٌ وَدُهْنٌ وَسِلَاحٌ عِنْدَ الْحَاجَةِ بِلَا قِسْمَةٍ ) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ كُنَّا نُصِيبُ فِي مَغَازِينَا الْعَسَلَ وَالْعِنَبَ فَنَأْكُلُهُ وَلَا نَدْفَعُهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عَادَتَهُمْ الِانْتِفَاعُ بِمَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ ( لَا بَعْدَ الْخُرُوجِ مِنْهَا ) لِزَوَالِ الْمُبِيحِ وَهُوَ الضَّرُورَةُ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُمْ قَدْ تَأَكَّدَ حَتَّى يُورَثَ نَصِيبُهُ فَلَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِلَا رِضَاهُمْ ( وَلَا بَيْعُهَا وَتَمَوُّلُهَا ) أَيْ الطَّعَامِ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُ لَمْ تُمْلَكْ بِالْأَخْذِ وَإِنَّمَا أُبِيحَ التَّنَاوُلُ لِلضَّرُورَةِ فَإِنْ بَاعَ أَحَدُهُمْ رُدَّ الثَّمَنُ إلَى الْمَغْنَمِ ( وَرُدَّ الْفَضْلُ ) أَيْ مَا بَقِيَ مِمَّا أَخَذَهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِيَنْتَفِعَ بِهِ ( إلَى الْمَغْنَمِ ) بَعْدَ الْخُرُوجِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لِزَوَالِ حَاجَتِهِ هَذَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَبَعْدَهَا إنْ كَانَ غَنِيًّا تَصَدَّقَ بِعَيْنِهِ لَوْ قَائِمًا وَبِقِيمَتِهِ لَوْ هَالِكًا ، وَالْفَقِيرُ يَنْتَفِعُ بِالْعَيْنِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إنْ هَلَكَ .

( قَوْلُهُ : وَحَلَّ فِيهَا طَعَامٌ ) أَيْ حَلَّ لِمَنْ لَهُ سَهْمٌ أَوْ رَضْخٌ فِي الْغَنِيمَةِ وَلِمَنْ مَعَهُ مِنْ النِّسَاءِ وَالْأَوْلَادِ وَالْمَمَالِيكِ وَلَا يُطْعَمُ التَّاجِرُ وَالْأَجِيرُ إلَّا أَنْ يَكُونَ خَبَزَ الْحِنْطَةَ أَوْ طَبَخَ اللَّحْمَ فَلَا بَأْسَ بِهِ حِينَئِذٍ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالِاسْتِهْلَاكِ وَلَا فَرْقَ فِي الطَّعَامِ بَيْنَ الْمُهَيَّأِ لِلْأَكْلِ وَغَيْرِهِ حَتَّى جَازَ ذَبْحُ الْمَوَاشِي وَأَكْلُهَا وَتُرَدُّ جُلُودُهَا فِي الْغَنِيمَةِ وَكَذَا تُؤْكَلُ الْفَاكِهَةُ الرَّطْبَةُ وَغَيْرُهَا وَالسُّكَّرُ وَالسَّمْنُ وَالزَّيْتُ وَكُلُّ مَأْكُولٍ عَادَةً كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَالِاخْتِيَارِ وَغَيْرِهِمَا .
( قَوْلُهُ : وَحَطَبٌ ) أَيْ جَازَ لِلطَّبْخِ وَلِلِاصْطِلَاءِ لِلْبَرْدِ إذَا كَانَ مُعَدًّا لِلْوَقُودِ وَإِنْ مُعَدًّا لِاِتِّخَاذِ الْقِصَاعِ وَالْأَقْدَاحِ وَلَهُ قِيمَةٌ لَا يُبَاحُ اسْتِعْمَالُهُ كَذَا فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ .
( قَوْلُهُ : وَعَلَفٌ ) أَيْ وَلَوْ بِالْحِنْطَةِ إذَا لَمْ يُوجَدْ الشَّعِيرُ كَمَا فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ ( قَوْلُهُ وَدُهْنٌ ) يَعْنِي كَالسَّمْنِ وَالزَّيْتِ فَيَدْهُنُ وَيَسْتَصْبِحُ وَيُوقِحُ دَابَّتَهُ بِهِ وَلَيْسَ لَهُ فِعْلُ ذَلِكَ بِغَيْرِهِ مِنْ الْأَدْهَانِ كَالْبَنَفْسَجِ وَالزَّنْبَقِ وَالْخَيْرِيِّ كَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالْهِدَايَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ حَاجَةٌ لَهُ لِمَرَضٍ يَحُوجُهُ إلَيْهِ فَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ كَلُبْسِ الثَّوْبِ كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ وَسِلَاحٌ عِنْدَ الْحَاجَةِ ) التَّقْيِيدُ بِالْحَاجَةِ رَاجِعٌ لِلسِّلَاحِ خَاصَّةً عَلَى اتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ الِانْتِفَاعُ بِالسِّلَاحِ وَالثِّيَابِ وَغَيْرِهِمَا لَا يَجُوزُ إلَّا لِحَاجَةٍ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ .
ا هـ .
وَقَالَ فِي الْفَتْحِ اسْتِعْمَالُ السِّلَاحِ وَالْكُرَاعِ كَالْفَرَسِ يَجُوزُ بِشَرْطِ الْحَاجَةِ بِأَنْ مَاتَ فَرَسُهُ أَوْ انْكَسَرَ سَيْفُهُ أَمَّا إذَا أَرَادَ أَنْ يُوَفِّرَ سَيْفَهُ أَوْ فَرَسَهُ بِاسْتِعْمَالِ ذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ وَلَوْ فَعَلَ أَثِمَ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لَوْ تَلِفَ .
ا هـ .
وَأَمَّا غَيْرُ السِّلَاحِ

وَنَحْوِهِ مِمَّا تَقَدَّمَ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَالطَّعَامِ وَالدُّهْنِ فَشَرَطَ فِي السِّيَرِ الصَّغِيرِ الْحَاجَةَ إلَى التَّنَاوُلِ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَلَمْ يَشْتَرِطْهَا فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ وَبِهِ قَالَتْ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ فَيَجُوزُ لِكُلٍّ مِنْ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ تَنَاوُلُهُ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَهَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ يَنْهَهُمْ الْإِمَامُ عَنْ الِانْتِفَاعِ فَإِذَا نَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ فَلَا يُبَاحُ لَهُمْ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَذَا فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ .
( قَوْلُهُ : وَلَا بَيْعُهَا وَتَمَوُّلُهَا ) شَامِلٌ لِمَا لَمْ يَمْلِكْهُ أَهْلُ الْحَرْبِ مِنْ عَسَلٍ فِي جَبَلٍ وَيَاقُوتٍ وَفَيْرُوزَجَ وَزُمُرُّدٍ وَفِضَّةٍ وَذَهَبٍ مِنْ مَعْدِنِهِ فَإِنَّ جَمِيعَهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْوَاجِدِ وَأَهْلِ الْعَسْكَرِ فَلَا يَخْتَصُّ بِهِ فَإِنْ بَاعَهُ نَظَرَ الْإِمَامُ فِيهِ فَإِنْ كَانَ ثَمَنُهُ أَنْفَعَ قَسَمَهُ فِي الْغَنِيمَةِ وَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ أَنْفَعَ فَسَخَ الْبَيْعَ وَاسْتَرَدَّ الْمَبِيعَ وَجَعَلَهُ فِي الْغَنِيمَةِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَبِيعُ قَائِمًا يُجِيزُ بَيْعَهُ وَيَجْعَلُ ثَمَنَهُ فِي الْغَنِيمَةِ وَلَوْ حَشَّ حَشِيشًا أَوْ اسْتَقَى مَاءً وَبَاعَهُ مِنْ الْعَسْكَرِ طَابَ لَهُ ثَمَنُهُ ، كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة .

( وَمَنْ أَسْلَمَ ) مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ ( ثَمَّةَ ) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ ( عَصَمَ نَفْسَهُ وَطِفْلَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْلِمًا تَبَعًا فَلَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ وَاسْتِرْقَاقُهُمْ .
( وَ ) عَصَمَ ( مَالًا مَعَهُ أَوْ أَوْدَعَهُ مَعْصُومًا ) أَيْ وَضَعَهُ أَمَانَةً عِنْدَ مَعْصُومٍ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدِهِ حُكْمًا ( لَا وَلَدَهُ الْكَبِيرَ وَعُرْسَهُ وَحَمْلَهَا ) ؛ لِأَنَّهُ جُزْءُ الْأُمِّ ( وَعَقَارَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جُمْلَةِ دَارِ الْحَرْبِ وَهُوَ فِي يَدِ أَهْلِ الدَّارِ ( وَعَبْدَهُ مُقَاتِلًا وَمَالَهُ مَعَ حَرْبِيٍّ بِغَصْبٍ أَوْ وَدِيعَةٍ وَيُعْتَبَرُ فِي الِاسْتِحْقَاقِ ) لِسَهْمِ الْفَارِسِ أَوْ الرَّاجِلِ ( وَقْتَ الْمُجَاوَزَةِ ) أَيْ مُجَاوَزَةِ مَدْخَلِ دَارِ الْحَرْبِ .
( قَوْلُهُ : وَمَنْ أَسْلَمَ
إلَخْ ) هُنَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ إحْدَاهَا أَسْلَمَ الْحَرْبِيُّ بِدَارِهِ وَلَمْ يَخْرُجْ إلَيْنَا حَتَّى ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ وَالْحُكْمُ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ثَانِيهَا خَرَجَ إلَيْنَا مُسْلِمًا ثُمَّ ظَهَرَ عَلَى الدَّارِ فَجَمِيعُ مَالِهِ هُنَاكَ فَيْءٌ إلَّا أَوْلَادَهُ الصِّغَارَ لِإِسْلَامِهِمْ تَبَعًا لَهُ وَإِلَّا مَا أَوْدَعَهُ مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا لِصِحَّةِ يَدِهِمَا ثَالِثُهَا أَسْلَمَ مُسْتَأْمَنٌ بِدَارِنَا ثُمَّ ظَهَرْنَا عَلَى دَارِهِ فَجَمِيعُ مَا خَلَفَهُ حَتَّى صِغَارِ أَوْلَادِهِ فَيْءٌ لِانْقِطَاعِ الْعِصْمَةِ وَعَدَمِ تَبَعِيَّتِهِمْ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ بِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ رَابِعُهَا دَخَلَ دَارَهُمْ تَاجِرٌ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ بِأَمَانٍ وَاشْتَرَى مِنْهُمْ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا ثُمَّ ظَهَرْنَا عَلَى الدَّارِ فَالْكُلُّ لَهُ إلَّا الدُّورَ وَالْأَرَاضِيَ فَإِنَّهَا فَيْءٌ وَتَمَامُهُ فِي الْفَتْحِ .

( فَمَنْ دَخَلَ دَارَهُمْ فَارِسًا فَنَفَقَ فَرَسُهُ ) أَيْ مَاتَ فَشَهِدَ الْوَقْعَةَ رَاجِلًا ( فَلَهُ سَهْمَانِ سَهْمُ فَارِسٍ وَمَنْ دَخَلَهَا رَاجِلًا فَشَرَى فَرَسًا ) فَشَهِدَ الْوَقْعَةَ فَارِسًا ( فَلَهُ سَهْمُ رَاجِلٍ وَلَا يُسْهَمُ لِغَيْرِ فَرَسٍ وَاحِدٍ ) أَيْ لَا يُسْهَمُ لِفَرَسَيْنِ وَلَا لِرَاحِلَةٍ وَبَغْلٍ .
( وَ ) لَا ( عَبْدٍ وَصَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ وَذِمِّيٍّ وَرَضَخَ لَهُمْ ) الرَّضْخُ إعْطَاءُ شَيْءٍ قَلِيلٍ وَالْمُرَادُ هَاهُنَا قَدْرُ مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ تَحْرِيضًا لَهُمْ عَلَى الْقِتَالِ وَإِنَّمَا يَرْضَخُ لَهُمْ إذَا بَاشَرُوا الْقِتَالَ أَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ تُدَاوِي الْجَرْحَى وَتَقُومُ بِمَصَالِحِهِمْ فَيَكُونُ جِهَادًا بِمَا يَلِيقُ بِحَالِهَا أَوْ دَلَّ الذِّمِّيُّ عَلَى الطَّرِيقِ ؛ لِأَنَّ فِي دَلَالَتِهِ مَنْفَعَةً لِلْمُسْلِمِينَ وَلَا يَبْلُغُ الرَّضْخُ السَّهْمَ لِأَنَّهُمْ لَا يُسَاوُونَ الْجَيْشَ فِي عَمَلِ الْجِهَادِ إلَّا فِي دَلَالَةِ الذِّمِّيِّ فَإِنَّهُ يُزَادُ عَلَى السَّهْمِ إذَا كَانَتْ فِي دَلَالَتِهِ مَنْفَعَةٌ عَظِيمَةٌ ؛ لِأَنَّ الدَّلَالَةَ لَيْسَتْ مِنْ عَمَلِ الْجِهَادِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ التَّسْوِيَةُ فِي الْجِهَادِ إذْ مَا يَأْخُذُهُ فِي الدَّلَالَةِ بِمَنْزِلَةِ الْأُجْرَةِ فَيُعْطَى بَالِغًا مَا بَلَغَ .

( قَوْلُهُ : فَمَنْ دَخَلَ مِنْهُمْ فَارِسًا ) أَيْ وَفَرَسُهُ صَالِحٌ لِلْقِتَالِ بِأَنْ يَكُونَ صَحِيحًا كَبِيرًا فَلَوْ كَانَ مُهْرًا أَوْ كَبِيرًا مَرِيضًا لَا يَسْتَطِيعُ الْقِتَالَ عَلَيْهِ فَلَهُ سَهْمُ رَاجِلٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَالِاخْتِيَارِ وَسَوَاءٌ كَانَ فِي الْبَرِّ أَوْ سَفِينَةٍ فِي الْبَحْرِ كَمَا فِي الِاخْتِيَارِ وَغَيْرِهِ وَسَوَاءٌ اسْتَعَارَهُ أَوْ اسْتَأْجَرَهُ لِلْقِتَالِ فَحَضَرَ بِهِ فَإِنَّهُ يُسْهَمُ لَهُ وَإِنْ غَصَبَهُ وَحَضَرَ بِهِ اسْتَحَقَّ سَهْمَهُ مِنْ وَجْهٍ مَحْظُورٍ فَيُتَصَدَّقُ بِهِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ ( قَوْلُهُ : فَنَفَقَ فَرَسُهُ ) أَيْ مَاتَ فَشَهِدَ الْوَقْعَةَ رَاجِلًا ( فَلَهُ سَهْمَانِ سَهْمُ فَارِسٍ ) وَكَذَا إذَا قَاتَلَ رَاجِلًا لِضِيقِ الْمَكَانِ وَلَوْ غُصِبَ فَرَسُهُ قُبَيْلَ الدُّخُولِ فَدَخَلَ رَاجِلًا ثُمَّ اسْتَرَدَّهُ فِيهَا فَلَهُ سَهْمُ فَارِسٍ ، وَكَذَا لَوْ رَكِبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَدَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ أَوْ نَفَرَ أَوْ ضَلَّ الْفَرَسُ فَاتَّبَعَهُ وَدَخَلَ رَاجِلًا ثُمَّ وَجَدَهُ فِيهَا اسْتَحَقَّ سَهْمَ فَارِسٍ وَلَا سَهْمَ لِفَرَسٍ مُشْتَرَكٍ لِلْقِتَالِ عَلَيْهِ إلَّا إذَا اسْتَأْجَرَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ حِصَّةَ الْآخَرِ قَبْلَ الدُّخُولِ فَالسَّهْمُ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَقَيَّدَ الْمُصَنِّفُ بِمَوْتِ الْفَرَسِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ وَلَوْ فِي حَالِ الْقِتَالِ عَلَى الْأَصَحِّ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ أَجَّرَهُ أَوْ وَهَبَهُ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ سَهْمَ فَارِسٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنْ قَصْدِهِ الْمُجَاوَزَةُ لِلْقِتَالِ فَارِسًا إلَّا إذَا بَاعَهُ مُكْرَهًا كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة ا هـ .
( قُلْت ) كَذَلِكَ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى غَيْرِ الْبَيْعِ مِنْ الرَّهْنِ وَنَحْوِهِ اسْتَحَقَّ سَهْمَ فَارِسٍ لِمَا ذُكِرَ مِنْ الْعِلَّةِ .
ا هـ .
وَإِذَا بَاعَهُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الْقِتَالِ لَمْ يَسْقُطْ سَهْمُ الْفَارِسِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَالتَّبْيِينِ .

( الْخُمُسُ لِلْيَتِيمِ وَالْمِسْكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَقُدِّمَ فُقَرَاءُ ذَوِي الْقُرْبَى عَلَيْهِمْ وَلَا شَيْءَ لِغَنِيِّهِمْ وَذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى ) فِي قَوْلِهِ جَلَّ جَلَالُهُ { فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ } ( لِلتَّبَرُّكِ ) أَيْ لِافْتِتَاحِ الْكَلَامِ تَبَرُّكًا بِاسْمِهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ الْكُلَّ لَهُ وَهُوَ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَى شَيْءٍ ( وَسَهْمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَقَطَ بَعْدَهُ ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْتَحِقُّهُ بِالرِّسَالَةِ وَلَا رَسُولَ بَعْدَهُ كَالصَّفِيِّ وَهُوَ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْطَفِيهِ لِنَفْسِهِ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَيَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ ( مَنْ دَخَلَ دَارَهُمْ فَأَغَارَ خُمُسٌ إلَّا مَنْ لَا مَنَعَةَ لَهُ وَلَا إذْنَ ) فَإِنَّ الْخُمُسَ إنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ الْغَنِيمَةِ وَهِيَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْكُفَّارِ قَهْرًا وَهُوَ إمَّا بِالْمَنَعَةِ أَوْ بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَنَعَةِ ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِذْنِ الْتَزَمَ نُصْرَتَهُ ( وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَنْفُلَ ) التَّنْفِيلُ إعْطَاءُ شَيْءٍ زَائِدٍ عَلَى سَهْمِ الْغَنِيمَةِ ( وَقْتَ الْقِتَالِ حَثًّا ) .
أَيْ إغْرَاءً ( فَيَقُولُ { مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ } ) وَسَيَأْتِي مَعْنَى السَّلَبِ وَهُوَ مَنْدُوبٌ إلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضْ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ } ( أَوْ ) يَقُولُ ( مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ وَيَسْتَحِقُّ الْإِمَامُ ) النَّفَلَ اسْتِحْسَانًا فِي قَوْلِهِ { مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ } ( إذَا قَتَلَ ) الْإِمَامُ ( قَتِيلًا ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْقَضَاءِ ، وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ بَابِ اسْتِحْقَاقِ الْغَنِيمَةِ وَلِهَذَا يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْغَنِيمَةَ سَهْمًا أَوْ رَضْخًا فَلَا يُتَّهَمُ بِهِ ( لَا مَنْ ) أَيْ لَا يَسْتَحِقُّ الْإِمَامُ النَّفَلَ إذَا قَالَ مَنْ ( قَتَلْته أَنَا فَلِي سَلَبُهُ ) ؛ لِأَنَّهُ خَصَّ نَفْسَهُ فَصَارَ مُتَّهَمًا ( وَلَا ) أَيْ لَا يَسْتَحِقُّ الْإِمَامُ النَّفَلَ أَيْضًا إذَا قَالَ ( مَنْ قَتَلَ مِنْكُمْ )

لِأَنَّهُ مَيَّزَ نَفْسَهُ مِنْهُمْ ( وَذَا ) أَيْ اسْتِحْقَاقُ السَّلَبِ إنَّمَا يَكُونُ ( إذَا كَانَ الْقَتِيلُ مُبَاحَ الْقَتْلِ ) حَتَّى لَا يَسْتَحِقَّهُ بِقَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ ؛ لِأَنَّ التَّنْفِيلَ تَحْرِيضٌ عَلَى الْقِتَالِ ، وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ فِي الْمَقَاتِلِ حَتَّى لَوْ قَاتَلَ الصَّبِيُّ فَقَتَلَهُ مُسْلِمٌ اُسْتُحِقَّ سَلَبُهُ لِكَوْنِهِ بِالْقِتَالِ مُبَاحَ الدَّمِ وَيُسْتَحَقُّ السَّلَبُ بِقَتْلِ الْمَرِيضِ وَالْأَجِيرِ مِنْهُمْ وَالتَّاجِرِ فِي عَسْكَرِهِمْ وَالذِّمِّيِّ الَّذِي نَقَضَ الْعَهْدَ وَخَرَجَ ؛ لِأَنَّ بُنْيَتَهُمْ صَالِحَةٌ لِلْقِتَالِ أَوْ هُمْ مُقَاتِلُونَ بِرَأْيِهِمْ .

( قَوْلُهُ الْخُمُسُ لِلْيَتِيمِ وَالْمِسْكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) مُفِيدٌ أَنَّهُ يُقْسَمُ الْخُمُسُ ثَلَاثَةَ أَقْسَامٍ عَلَى الثَّلَاثَةِ الْأَصْنَافِ .
وَقَالَ قَاضِي خَانْ إنْ صَرْفَ الْخُمُسِ إلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ مِنْ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ جَازَ عِنْدَنَا .
ا هـ .
وَمِثْلُهُ فِي الْبَحْرِ عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعَلَّلَهُ فِي الْبَدَائِعِ بِأَنْ ذَكَرَ هَؤُلَاءِ الْأَصْنَافَ لِبَيَانِ الْمَصَارِفِ لَا لِإِيجَابِ الصَّرْفِ إلَى كُلِّ صِنْفٍ مِنْهُمْ شَيْئًا بَلْ لِتَعْيِينِ الْمَصْرِفِ حَتَّى لَا يَجُوزَ الصَّرْفُ إلَى غَيْرِ هَؤُلَاءِ كَمَا فِي الصَّدَقَاتِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَقُدِّمَ فُقَرَاءُ ذَوِي الْقُرْبَى ) إشَارَةٌ إلَى دُخُولِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَأَبْنَاءِ السَّبِيلِ فِي الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ لَكِنَّهُ يُبْدَأُ بِهِمْ وَثُبُوتُ اسْتِحْقَاقِهِمْ هُوَ الْأَصَحُّ .
وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ بِسُقُوطِهِ كَمَا فِي الْكَافِي لِلنَّسَفِيِّ وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ سَهْمُ ذَوِي الْقُرْبَى يَسْتَحِقُّونَهُ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْفَقْرِ يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَيَكُونُ لِبَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ وَبَنِي نَوْفَلٍ .
ا هـ
وَفِي الْبَدَائِعِ تُعْطَى الْقَرَابَةُ كِفَايَتَهُمْ .
( قَوْلُهُ : وَلَا شَيْءَ لِغَنِيِّهِمْ ) فَإِنْ قِيلَ فَلَا فَائِدَةَ حِينَئِذٍ فِي ذِكْرِ اسْمِ الْيَتِيمِ حَيْثُ كَانَ اسْتِحْقَاقُهُ بِالْفَقْرِ وَالْمَسْكَنَةِ لَا بِالْيُتْمِ ، أُجِيبَ بِأَنَّ فَائِدَتَهُ دَفْعُ تَوَهُّمِ أَنَّ الْيَتِيمَ لَا يَسْتَحِقُّ مِنْ الْغَنِيمَةِ شَيْئًا ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهَا بِالْجِهَادِ وَالْيَتِيمُ صَغِيرٌ فَلَا يَسْتَحِقُّهَا ، كَذَا فِي الْبَحْرِ .
( قَوْلُهُ : كَالصَّفِيِّ ) قَالَ فِي طُلْبَةِ الطَّلَبَةِ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَسْتَأْثِرُ بِالصَّفِيِّ زِيَادَةً عَلَى سَهْمِهِ .
( قَوْلُهُ : أَوْ بِإِذْنِ الْإِمَامِ ) سَوَاءٌ كَانَ لِلْمُسْتَأْذِنِ مَنَعَةٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ إذَا دَخَلَ وَاحِدٌ أَوْ

اثْنَانِ بِإِذْنِ الْإِمَامِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ الْمَشْهُورُ أَنَّهُ يُخْمَسُ وَالْبَاقِي لِمَنْ أَصَابَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَذِنَ لَهُمْ فَقَدْ الْتَزَمَ نُصْرَتَهُمْ .
ا هـ .
وَمِثْلُهُ فِي الْكَافِي .
( قَوْلُهُ : وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَنْفُلَ أَيْ نُدِبَ لَهُ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ ، وَإِذَا نَفَلَ ) فَلَا خُمُسَ فِيمَا أَصَابَهُ أَحَدٌ وَيُورَثُ عَنْهُ وَلَوْ مَاتَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ وَطْؤُهَا مَعَ اسْتِبْرَائِهَا بِدَارِ الْحَرْبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَوْ كَانَتْ أَمَةً نَفَلَ بِهَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ كَمَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ .
( قَوْلُهُ : أَوْ يَقُولُ مَنْ أَخَذَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ ) يَدْخُلُ فِيهِ الْإِمَامُ كَمَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي ( قَوْلُهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْإِمَامُ النَّفَلَ إذَا قَالَ مَنْ قَتَلْته أَنَا ) قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ إلَّا إذَا عُمِّمَ بَعْدَهُ وَيَقَعُ التَّنْفِيلُ عَلَى كُلِّ قِتَالٍ فِي تِلْكَ السَّفْرَةِ مَا لَمْ يَرْجِعُوا وَلَا يَبْطُلُ بِمَوْتِ الْوَالِي وَعَزْلِهِ مَا لَمْ يَمْنَعْهُ الثَّانِي ، كَذَا فِي الْبَحْرِ .

( أَوْ يَقُولُ ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فَيَقُولُ أَيْ يَقُولُ الْإِمَامُ ( لِسَرِيَّةٍ ) وَهِيَ مِنْ أَرْبَعَةٍ إلَى أَرْبَعِمِائَةٍ مِنْ الْمُقَاتِلَةِ ( لَا عَسْكَرٍ جَعَلْت لَكُمْ الْكُلَّ أَوْ قَدْرًا مِنْهُ ) نُقِلَ فِي النِّهَايَةِ عَنْ السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّ الْإِمَامَ إذَا قَالَ لِأَهْلِ الْعَسْكَرِ جَمِيعًا مَا أَصَبْتُمْ فَلَكُمْ نَفْلًا بِالسَّوِيَّةِ بَعْدَ الْخُمُسِ فَهَذَا لَا يَجُوزُ ، وَكَذَلِكَ إذَا قَالَ مَا أَصَبْتُمْ فَلَكُمْ وَلَمْ يَقُلْ بَعْدَ الْخُمُسِ ، وَإِنْ فَعَلَهُ مَعَ السَّرِيَّةِ جَازَ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ التَّنْفِيلِ التَّحْرِيضُ عَلَى الْقِتَالِ ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِتَخْصِيصِ الْبَعْضِ بِشَيْءٍ وَفِي التَّعْمِيمِ إبْطَالُ تَفْضِيلِ الْفَارِسِ عَلَى الرَّاجِلِ أَوْ إبْطَالُ الْخُمُسِ أَيْضًا إذَا لَمْ يُسْتَثْنَ ( لَا بَعْدَ الْإِحْرَازِ هُنَا إلَّا مِنْ الْخُمُسِ ) أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُنْفَلَ بَعْدَ إحْرَازِ الْغَنِيمَةِ بِدَارِ الْإِسْلَامِ إذَا دَخَلَهَا الْكُفَّارُ لِلْقِتَالِ إلَّا مِنْ الْخُمُسِ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْغَانِمِينَ قَدْ تَأَكَّدَ فِيهِ بِالْإِحْرَازِ بِالدَّارِ وَلِهَذَا يُورَثُ مِنْهُ لَوْ مَاتَ فَلَا يَجُوزُ إبْطَالُ حَقِّهِمْ ( وَسَلْبُهُ مَا مَعَهُ ) مِنْ ثِيَابِهِ وَسِلَاحِهِ وَمَالِهِ عَلَى وَسَطِهِ ( حَتَّى مَرْكَبِهِ وَمَا عَلَيْهِ ) مِنْ السَّرْجِ وَإِلَّا لَهُ وَحَقِيقَتُهُ مَعَ مَا فِيهَا مِنْ مَالِهِ ( وَهُوَ ) أَيْ السَّلَبُ ( لِلْكُلِّ ) أَيْ لِجَمِيعِ الْجُنْدِ ( إنْ لَمْ يَنْفُلْ ) الْإِمَامُ وَالْقَاتِلُ وَغَيْرُهُ فِيهِ سَوَاءٌ .

( قَوْلُهُ أَوْ يَقُولُ لِسَرِيَّةٍ
إلَخْ ) ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ مَتْنًا مُسْتَنَدُهُ مَا نَقَلَهُ عَنْ السِّيَرِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْعَسْكَرِ فَاقْتَضَى صِحَّتَهُ لِلسَّرِيَّةِ دُونَ الْعَسْكَرِ ، وَقَدْ نُقِلَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْكَمَالِ عَنْ السِّيَرِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ الْعَسْكَرِ وَالسَّرِيَّةِ فِي عَدَمِ الصِّحَّةِ حَيْثُ قَالَ لَوْ قَالَ لِلْعَسْكَرِ كُلُّ مَا أَخَذْتُمْ فَهُوَ لَكُمْ بِالسَّوِيَّةِ بَعْدَ الْخُمُسِ أَوْ لِلسَّرِيَّةِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ السَّهْمَيْنِ اللَّذَيْنِ أَوْجَبَهُمَا الشَّرْعُ إذْ فِيهِ تَسْوِيَةُ الْفَارِسِ بِالرَّاجِلِ وَكَذَا لَوْ قَالَ مَا أَصَبْتُمْ فَهُوَ لَكُمْ وَلَمْ يَقُلْ بَعْدَ الْخُمُسِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ إبْطَالَ الْخُمُسِ الثَّابِتِ بِالنَّصِّ ذَكَرَهُ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ قَالَ الْكَمَالُ وَهَذَا بِعَيْنِهِ يُبْطِلُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِهِ مَنْ أَصَابَ شَيْئًا فَهُوَ لَهُ لِاتِّحَادِ اللَّازِمِ فِيهِمَا وَهُوَ بُطْلَانُ السَّهْمَيْنِ الْمَنْصُوصَةِ بِالسَّوِيَّةِ بَلْ وَزِيَادَةُ حِرْمَانِ مَنْ لَمْ يُصِبْ شَيْئًا أَصْلًا بِانْتِهَائِهِ فَهُوَ أَوْلَى بِالْبُطْلَانِ وَالْفَرْعُ الْمَذْكُورُ مِنْ الْحَوَاشِي وَبِهِ أَيْضًا يَنْتَفِي مَا ذُكِرَ مِنْ قَوْلِهِ أَنَّهُ لَوْ نَفَلَ بِجَمِيعِ الْمَأْخُوذِ جَازَ إذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ وَفِيهِ زِيَادَةُ إيحَاشِ الْبَاقِينَ وَزِيَادَةُ الْفِتْنَةِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : لَا بَعْدَ الْإِحْرَازِ هُنَا إلَّا مِنْ الْخُمُسِ ) ظَاهِرٌ أَنَّ هَذَا فِيمَا غَنِمَهُ وَصَارَ بِيَدِهِ أَمَّا التَّنْفِيلُ بِمَا يَحْصُلُ مِنْ أَهْلِ حَرْبٍ دَخَلُوا دَارَنَا فَكَالْحُكْمِ حَالَ قِتَالِهِمْ بِدَارِهِمْ .
ا هـ .

( بَابُ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ ) .
( أَهْلُ الْحَرْبِ إذَا سَبَوْا أَهْلَ الذِّمَّةِ مِنْ دَارِنَا لَا يَمْلِكُونَهُمْ ) لِأَنَّهُمْ أَحْرَارٌ كَذَا فِي وَاقِعَاتِ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ ( وَإِذَا سَبَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَأَخَذُوا أَمْوَالَهُمْ أَوْ بَعِيرًا نَدَّ إلَيْهِمْ أَوْ غَلَبُوا عَلَى مَالِنَا وَأَحْرَزُوهُ بِدَارِهِمْ مَلَكُوهُ وَلَوْ ) كَانَ مَالُنَا ( عَبْدًا مُؤْمِنًا ) أَوْ أَمَةً مُؤْمِنَةً ذُكِرَ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ فِي شَرْحِ الْمَسْأَلَةِ الْآتِيَةِ ، وَهِيَ مَا إذَا ابْتَاعَ مُسْتَأْمَنٌ عَبْدًا مُسْلِمًا وَأَدْخَلَهُ دَارَهُمْ
إلَخْ ، وَإِنَّمَا قَالَ وَأَحْرَزُوهُ بِدَارِهِمْ ؛ لِأَنَّهُمْ قَبْلَ الْإِحْرَازِ بِهَا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا مِنَّا حَتَّى إذَا اشْتَرَى مِنْهُمْ تَاجِرٌ شَيْئًا مِمَّا أَخَذُوهُ قَبْلَ إحْرَازِهِمْ بِهَا وَوَجَدَهُ مَالِكُهُ فِي يَدِهِ أَخَذَهُ بِلَا شَيْءٍ ( لَا حُرَّنَا ) الْمَحْضَ ( وَمُدَبَّرَنَا وَأُمَّ وَلَدِنَا وَمُكَاتَبَنَا ) حَتَّى لَوْ كَانَ أَهْلُ الْحَرْبِ أَخَذُوهُمْ مِنْ دَارِنَا وَأَحْرَزُوهُمْ بِدَارِهِمْ ثُمَّ ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ فَهُمْ لِمَالِكِهِمْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَبَعْدَهَا بِلَا شَيْءٍ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ إنَّمَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ إذَا لَاقَى مَحَلًّا قَابِلًا لِلْمِلْكِ وَهُوَ الْمَالُ الْمُبَاحُ وَالْحُرُّ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْمِلْكِ وَكَذَا مَنْ سِوَاهُ لِحُرِّيَّتِهِمْ مِنْ وَجْهٍ ( وَعَبْدَنَا ) أَيْ عَبْدًا مِنْ دَارِنَا سَوَاءً كَانَ لِمُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ ذَكَرَهُ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ ( آبِقًا دَخَلَ إلَيْهِمْ ) احْتِرَازٌ عَنْ آبِقٍ مُتَرَدِّدٍ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُمْ يَمْلِكُونَهُ إذَا اسْتَوْلَوْا عَلَيْهِ ، وَإِنَّمَا قَالَ ( وَإِنْ أَخَذُوهُ ) إشَارَةً إلَى خِلَافِ الْإِمَامَيْنِ فَإِنَّهُمْ إذَا أَخَذُوهُ وَقَيَّدُوهُ مَلَكُوهُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ .
لَهُمَا أَنَّ الْعِصْمَةَ لِحَقِّ الْمَالِكِ لِقِيَامِ يَدِهِ وَقَدْ زَالَتْ وَلِهَذَا لَوْ أَخَذُوهُ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ مَلَكُوهُ كَمَا مَرَّ وَلَهُ أَنَّ يَدَهُ ظَهَرَتْ عَلَى نَفْسِهِ بِالْخُرُوجِ مِنْ دَارِنَا لِأَنَّ سُقُوطَ اعْتِبَارِهِ لِيَتَحَقَّقَ يَدُ

الْمَوْلَى عَلَيْهِ تَمْكِينًا لَهُ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِهِ ، وَقَدْ زَالَتْ وَظَهَرَتْ يَدُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَصَارَ مَعْصُومًا بِنَفْسِهِ فَلَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلْمِلْكِ ، بِخِلَافِ الْمُتَرَدِّدِ لِأَنَّ يَدَ الْمَوْلَى بَاقِيَةٌ عَلَيْهِ حُكْمًا لِقِيَامِ يَدِ أَهْلِ الدَّارِ عَلَيْهِ فَمَنَعَ ظُهُورَ يَدِهِ تَمَلُّكُهُمْ وَلِهَذَا لَوْ وَهَبَهُ لِابْنِهِ الصَّغِيرِ مَلَكَهُ ، وَلَوْ وَهَبَهُ بَعْدَ دُخُولِهِ دَارَ الْحَرْبِ لَا يَمْلِكُهُ .

( بَابُ اسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ ) ( قَوْلُهُ : وَإِذَا سَبَى بَعْضُهُمْ بَعْضًا
إلَخْ ) قَالَ فِي مُخْتَصَرِ الظَّهِيرِيَّةِ الْحَرْبِيُّ إذْ قَهَرَ حَرْبِيًّا إنَّمَا يَمْلِكُهُ إذَا كَانُوا يَرَوْنَ ذَلِكَ قَالَ الْمُصَنِّفُ أَقَاوِيلُ الْمَشَايِخِ فِيهِ مُخْتَلِفَةٌ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ بِمُجَرَّدِ الْقَهْرِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ فِي النَّوَادِرِ أَنَّ الْحَرْبِيَّ لَا يَمْلِكُ حَرْبِيًّا آخَرَ بِالْقَهْرِ .
ا هـ .
وَنَمْلِكُ مَا مَلَكُوهُ بِالظَّفَرِ عَلَيْهِمْ وَلَوْ كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الرُّومِ الْمَأْخُوذِينَ مُوَادَعَةٌ كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ وَإِنْ أَسْلَمُوا قَبْلَ الظَّفَرِ فَلَا سَبِيلَ لِأَصْحَابِ الْأَمْوَالِ عَلَيْهَا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { مَنْ أَسْلَمَ عَلَى مَالٍ فَهُوَ لَهُ } كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ ( قَوْلُهُ وَأَحْرَزُوهُ بِدَارِهِمْ ) قَيْدٌ لِغَلَبْتُمْ عَلَى مَالِنَا خَاصَّةً دُونَ مَا اسْتَوْلَوْا عَلَيْهِ مِنْ أَمْوَالِ بَعْضِهِمْ ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ مَسْأَلَةَ اسْتِيلَائِهِمْ عَلَى أَمْوَالِنَا مُقَيَّدَةً بِالْإِحْرَازِ بِدَارِهِمْ وَأَطْلَقَ غَيْرَهَا عَنْهُ ( قَوْلُهُ وَمُدَبَّرَنَا ) ظَاهِرٌ فِي الْمُدَبَّرِ الْمُطْلَقِ ، وَأَمَّا الْمُقَيَّدُ فَهَلْ يَمْلِكُونَهُ أَوْ لَا يَمْلِكُونَهُ وَفِي تَعْلِيلِ الْمُصَنِّفِ بِأَنَّ الِاسْتِيلَاءَ إنَّمَا يَكُونُ سَبَبًا لِلْمِلْكِ إذَا لَاقَى مَحَلًّا قَابِلًا لِلْمِلْكِ إشَارَةً إلَى مِلْكِهِمْ الْمُقَيَّدِ فَلْيُنْظَرْ حُكْمُهُ .
( قَوْلُهُ : فَهُمْ لِمَالِكِهِمْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَبَعْدَهَا بِلَا شَيْءٍ ) أَقُولُ وَيُعَوِّضُ الْإِمَامُ مَنْ وَقَعَ فِي سَهْمِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ قِيمَتَهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ .
( قَوْلُهُ : وَعَبْدَنَا آبِقًا ) هَذَا إذَا لَمْ يَرْتَدَّ فَإِنْ ارْتَدَّ وَأَبَقَ إلَيْهِمْ فَأَخَذُوهُ مَلَكُوهُ ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ كَافِرًا أَصْلِيًّا ؛ لِأَنَّهُ ذِمِّيٌّ تَبَعٌ لِمَوْلَاهُ وَفِي الْعَبْدِ الذِّمِّيِّ إذَا أَبَقَ قَوْلَانِ ، كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ .
( قَوْلُهُ : فَإِنَّهُمْ إذَا أَخَذُوهُ وَقَيَّدُوهُ مَلَكُوهُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لَهُ ) مُفِيدٌ أَنَّهُمْ إذَا

لَمْ يَأْخُذُوهُ قَهْرًا لَا يَمْلِكُونَهُ اتِّفَاقًا وَبِهِ صُرِّحَ فِي الْبَحْرِ عَنْ شَرْحِ الْوِقَايَةِ .
( قَوْلُهُ : فَلَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلْمِلْكِ ) أَيْ فَيَأْخُذُهُ مَالِكُهُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَبَعْدَهَا بِلَا شَيْءٍ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .

( وَنَمْلِكُ بِالْغَلَبَةِ ) عَلَيْهِمْ ( حُرَّهُمْ وَمُدَبَّرَهُمْ وَأُمَّ وَلَدِهِمْ وَمُكَاتَبَهُمْ وَمَلِكَهُمْ ) فَإِنَّ الشَّرْعَ أَسْقَطَ عِصْمَتَهُمْ جَزَاءً عَلَى جِنَايَتِهِمْ ، فَإِنَّهُمْ لَمَّا أَنْكَرُوا وَحْدَانِيَّةَ اللَّهِ تَعَالَى وَاسْتَنْكَفُوا عَنْ عِبَادَتِهِ جَازَاهُمْ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ بِأَنْ جَعَلَهُمْ عَبِيدَ عَبِيدِهِ وَتَبِعَ مَالُهُمْ رِقَابَهُمْ ، ثُمَّ إنَّ الْكُفَّارَ بَعْدَمَا غُلِبُوا عَلَيْنَا وَأَخَذُوا مَالَنَا إذَا غَلَبْنَا عَلَيْهِمْ وَأَخَذَ الْغَانِمُونَ مِنْهُمْ مَا أَخَذُوا مِنَّا ( فَمَنْ وَجَدَ مِنَّا مَالَهُ فِي الْغَانِمِينَ أَخَذَهُ مَجَّانًا قَبْلَ قِسْمَتِنَا ) الْغَنِيمَةَ بَيْنَ الْغَانِمِينَ ( وَ ) أَخَذَهُ ( بِالْقِيمَةِ بَعْدَهَا ) أَيْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا { أَنَّ الْمُشْرِكِينَ أَخَذُوا نَاقَةً لِرَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِدَارِهِمْ ثُمَّ وَقَعَتْ فِي الْغَنِيمَةِ فَخَاصَمَ فِيهَا الْمَالِكَ الْقَدِيمَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْ وَجَدْتهَا قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَخَذْتهَا بِغَيْرِ شَيْءٍ ، وَإِنْ وَجَدْتهَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَخَذْتهَا بِالْقِيمَةِ إنْ شِئْت } ، وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ الْحَالَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ الْقَدِيمَ يَتَضَرَّرُ بِزَوَالِ مِلْكِهِ عَنْهُ بِلَا رِضَاهُ وَمَنْ وَقَعَ الْعَيْنُ فِي نَصِيبِهِ يَتَضَرَّرُ بِالْأَخْذِ مِنْهُ مَجَّانًا لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّهُ عِوَضًا عَنْ سَهْمِهِ فِي الْغَنِيمَةِ فَقُلْنَا بِحَقِّ الْأَخْذِ بِالْقِيمَةِ جَبْرًا لِلضَّرَرَيْنِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ وَقَبْلَ الْقِسْمَةِ الْمِلْكُ فِيهِ لِلْعَامَّةِ فَلَا يُصِيبُ كُلُّ فَرْدٍ مِنْهُمْ مَا يُبَالَى بِفَوْتِهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الضَّرَرُ ، وَإِنَّمَا قُلْت قَبْلَ قِسْمَتِنَا لِرَدِّ مَا وَقَعَ فِي الْمَجْمَعِ وَشَرْحِهِ لِلْمُصَنِّفِ حَيْثُ قِيلَ فِيهِ وَإِذَا ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ حَلَّتْ لِأَرْبَابِهَا أَوْ بَعْدَهَا أَخَذُوهَا بِالْقِيمَةِ إنْ شَاءُوا ، وَفِي الشَّرْحِ إذَا ظَهَرَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْكُفَّارِ فَوَجَدُوا أَمْوَالَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ قَبْلَ أَنْ يَقْتَسِمُوهَا فَهِيَ لِأَرْبَابِهَا

بِغَيْرِ شَيْءٍ ، وَإِنْ وَجَدُوهَا بَعْدَ أَنْ اقْتَسَمُوهَا أَخَذُوهَا بِالْقِيمَةِ إنْ اخْتَارُوا ، فَإِنَّ حَمْلَ الْقِسْمَةِ عَلَى قِسْمَةِ الْكُفَّارِ مُخَالِفٌ لِجَمِيعِ الْكُتُبِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى أُولِي الْأَبْصَارِ .
( وَ ) أَخَذَهُ ( بِالثَّمَنِ إنْ اشْتَرَاهُ مِنْهُمْ ) فِي دَارِ الْحَرْبِ ( تَاجِرٌ ) وَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِنَا ، فَإِنَّ الْمَالِكَ الْقَدِيمَ إنْ وَجَدَ مَالَهُ فِي مِلْكٍ خَاصٍّ ، فَإِنْ كَانَ ذُو الْيَدِ مَلَكَهُ بِمُعَاوَضَةٍ صَحِيحَةٍ أَخَذَهُ بِمِثْلِ الْعِوَضِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَبِقِيمَتِهِ إنْ كَانَ قِيَمِيًّا ؛ لِأَنَّهُ بِالْأَخْذِ مِنْهُ مَجَّانًا يَلْحَقُ الضَّرَرُ بِهِ لِأَنَّهُ دَفَعَ الْعِوَضَ بِمُقَابَلَتِهِ ، وَإِنْ كَانَ مِلْكُهُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ أَوْ بِغَيْرِ عِوَضٍ بِأَنْ وَهَبُوهُ لِمُسْلِمٍ أَخَذَهُ بِقِيمَةِ مَالِهِ إنْ كَانَ قِيَمِيًّا ، وَإِنْ كَانَ مِثْلِيًّا لَا يَأْخُذُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَخَذَهُ أَخَذَهُ بِمِثْلِهِ فَلَا يُفِيدُ .

قَوْلُهُ : وَأَخَذَهُ بِالْقِيمَةِ بَعْدَهَا ) مُفِيدٌ أَنَّهُ لَا يَأْخُذُهُ بِالْمِثْلِ لَوْ مِثْلِيًّا لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ وَلَوْ كَانَ عَبْدًا فَأَعْتَقَهُ مَنْ وَقَعَ فِي سَهْمِهِ نَفَذَ عِتْقُهُ وَبَطَلَ حَقُّ الْمَالِكِ وَإِنْ بَاعَهُ أَخَذَهُ مَالِكُهُ بِالثَّمَنِ وَلَيْسَ لَهُ نَقْضُ الْبَيْعِ ، كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ ( فَإِنْ قِيلَ ) لَوْ ثَبَتَ الْمِلْكُ لِلْكَافِرِ بِالِاسْتِيلَاءِ عَلَى مَالِ الْمُسْلِمِ لَمَا ثَبَتَ وِلَايَةُ الِاسْتِرْدَادِ لِلْمَالِكِ الْقَدِيمِ مِنْ الْغَازِي الَّذِي وَقَعَ فِي سَهْمِهِ أَوْ مِنْ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ بِدُونِ رِضًى ( أُجِيبَ ) بِأَنَّ بَقَاءَ حَقِّ الِاسْتِرْدَادِ لِحَقِّ الْمَالِكِ الْقَدِيمِ لَا يَدُلُّ عَلَى قِيَامِ الْمِلْكِ لَهُ ، أَلَا يُرَى أَنَّ لِلْوَاهِبِ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ وَالْإِعَادَةَ إلَى قَدِيمِ مِلْكِهِ بِدُونِ رِضَى الْمَوْهُوبِ لَهُ مَعَ زَوَالِ مِلْكِ الْوَاهِبِ فِي الْحَالِ وَكَذَا الشَّفِيعُ يَأْخُذُ الدَّارَ مِنْ الْمُشْتَرِي بِحَقِّ الشُّفْعَةِ بِدُونِ رِضَى الْمُشْتَرِي مَعَ ثُبُوتِ الْمِلْكِ لَهُ .
ا هـ .
كَذَا فِي الْعِنَايَةِ .
( قَوْلُهُ : بِقِيمَةِ مَالِهِ ) أَيْ مَالِيَّةِ ذَاتِ الْمَأْخُوذِ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ لَوْ كَانَ الْبَيْعُ فَاسِدًا يَأْخُذُهُ بِقِيمَةِ نَفْسِهِ كَذَا لَوْ وَهَبَهُ الْعَدُوُّ لِمُسْلِمٍ يَأْخُذُهُ بِقِيمَتِهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُمَا إذْ مِلْكُهُ فِيهِ ثَابِتٌ فَلَا يُزَالُ بِغَيْرِ شَيْءٍ .

( وَإِنْ أَخَذَ أَرْشَ عَيْنِهِ مَفْقُوءَةً ) يَعْنِي إذَا أَسَرُوا عَبْدًا فَاشْتَرَاهُ مُسْلِمٌ وَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِنَا فَفُقِئَتْ عَيْنُهُ وَأَخَذَ الْمُسْلِمُ أَرْشَهَا فَالْمَوْلَى الْقَدِيمُ أَخَذَ الْعَبْدَ بِثَمَنِ أَخْذِهِ بِهِ مِنْ الْعَدُوِّ لِمَا مَرَّ مِنْ الْفَرْقِ وَلَا يَأْخُذُ الْأَرْشَ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الْعَيْنِ الْمُسْتَوْلَى عَلَيْهَا وَلَمْ يَرِدْ الِاسْتِيلَاءُ عَلَى الْأَرْشِ وَلَمْ يَتَوَلَّدْ مِنْ الْعَيْنِ .
( قَوْلُهُ : فَالْمَوْلَى الْقَدِيمُ أَخَذَ الْعَبْدَ بِثَمَنٍ أَخَذَهُ بِهِ مِنْ الْعَدُوِّ ) مُفِيدٌ أَنَّهُ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بِتَعَيُّبِ الْعَبْدِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي لَا بِتَعْيِيبِهِ لَهُ وَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي فِي قَدْرِ الثَّمَنِ بِيَمِينِهِ وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَعَلَى قَوْلِهِمَا الْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمَوْلَى الْقَدِيمِ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ بَيِّنَةُ الْمُشْتَرِي كَمَا فِي الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ لِمَا مَرَّ مِنْ الْفَرْقِ ) يَعْنِي قَوْلَهُ وَإِنَّمَا فُرِّقَ بَيْنَ الْحَالَيْنِ
إلَخْ .
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ النَّظَرِ أَيْ لِلْجَانِبَيْنِ

( تَكَرَّرَ الْأَسْرُ وَالشِّرَاءُ ) بِأَنْ أَسَرَ الْكُفَّارُ عَبْدًا فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَأَسَرُوهُ ثَانِيًا فَأَدْخَلُوهُ دَارَ الْحَرْبِ فَاشْتَرَاهُ آخَرُ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَأَخْرَجَهُ إلَى دَارِنَا فَلَيْسَ لِلْمَالِكِ الْقَدِيمِ أَخْذُهُ مِنْ الْمُشْتَرِي الثَّانِي لِأَنَّ الْأَسْرَ لَمْ يَرِدْ عَلَى مِلْكِهِ بَلْ ( أَخَذَ ) الْمُشْتَرِي ( الْأَوَّلُ مِنْ الثَّانِي بِثَمَنِهِ ) لِوُرُودِ الْأَسْرِ عَلَى مِلْكِهِ ( ثُمَّ ) أَخَذَهُ ( الْمَالِكُ الْقَدِيمُ مِنْ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ بِالثَّمَنَيْنِ إنْ شَاءَ ) ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ قَامَ عَلَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ بِالثَّمَنَيْنِ فَلَمْ يُحَطَّ مِنْهُ شَيْءٌ صِيَانَةً لِحَقِّهِ ( وَقَبْلَ أَخْذِ الْأَوَّلِ ) مِنْ الثَّانِي ( لَا ) يَأْخُذُ الْمَالِكُ الْقَدِيمُ مِنْ الثَّانِي وَكَذَا إذَا كَانَ الْمَأْسُورُ مِنْهُ الثَّانِي غَائِبًا لَيْسَ لِلْأَوَّلِ أَخْذُهُ اعْتِبَارًا بِحَالِ حَضْرَتِهِ ، وَإِنْ أَبَى الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ لَا يَأْخُذُ الْمَالِكُ الْقَدِيمُ لِأَنَّ حَقَّ الْأَخْذِ بِالثَّمَنَيْنِ إنَّمَا يَثْبُتُ لِلْمَالِكِ الْقَدِيمِ فِي ضِمْنِ عَوْدِ مِلْكِ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْمُتَضَمَّنُ لَا يَثْبُتُ مَا فِي الضِّمْنِ .
قَوْلُهُ : وَكَذَا إذَا كَانَ الْمَأْسُورُ مِنْهُ الثَّانِي غَائِبًا لَيْسَ لِلْأَوَّلِ أَخْذُهُ ) كَذَا فِي الْكَافِي وَالْمُرَادُ بِالثَّانِي الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ وَبِالْأَوَّلِ الْمَالِكُ الْقَدِيمُ وَلِذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ غَائِبًا وَهُوَ الْمَأْسُورُ مِنْهُ ثَانِيًا ا هـ .
( قَوْلُهُ فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْمُتَضَمَّنُ ) أَيْ عَوْدُ مِلْكِ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلِ لَمْ يَعُدْ مَا فِي الضِّمْنِ وَهُوَ حَقُّ الْأَخْذِ لِلْمَالِكِ الْأَوَّلِ .

( أَبَقَ عَبْدٌ بِمَتَاعٍ ) فَأَخَذَهُمَا الْكُفَّارُ ( فَشَرَاهُمَا مِنْهُمْ رَجُلٌ أَخَذَ الْعَبْدَ مَجَّانًا ) لِأَنَّهُمْ لَمْ يَمْلِكُوهُ لِمَا مَرَّ ( وَغَيْرُهُ بِالثَّمَنِ ) لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهُ لِمَا مَرَّ .
( قَوْلُهُ : أَخَذَ الْعَبْدَ مَجَّانًا ) أَيْ سَيِّدُهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَا يَأْخُذُ الْعَبْدَ أَيْضًا بِالثَّمَنِ إنْ شَاءَ اعْتِبَارًا لِحَالَةِ الِاجْتِمَاعِ بِحَالَةِ الِانْفِرَادِ قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ .

( ابْتَاعَ مُسْتَأْمَنٌ عَبْدًا مُسْلِمًا وَأَدْخَلَهُ دَارَهُمْ ) فَأَبَقَ مِنْهُمْ وَخَرَجَ إلَى دَار الْإِسْلَام هَاهُنَا خَمْسُ مَسَائِلَ يُعْتَقُ الْعَبْدُ فِي كُلِّهَا بِلَا إعْتَاقِ إحْدَاهَا هَذِهِ ، فَإِنَّهُ بِمُجَرَّدِ دُخُولِهِ دَارَ الْحَرْبِ يُعْتَقُ إقَامَةً لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ مَقَامَ الْإِعْتَاقِ وَذَكَرَ الثَّانِيَةَ بِقَوْلِهِ ( أَوْ اسْتَوْلَوْا عَلَيْهِ وَأَدْخَلُوهُ فِيهَا ) أَيْ دَارِ الْحَرْبِ ( فَأَبَقَ ) مِنْهُمْ وَخَرَجَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ وَذَكَرَ الثَّالِثَةَ بِقَوْلِهِ ( أَوْ أَسْلَمَ عَبْدٌ ثَمَّةَ وَجَاءَنَا ) وَذَكَرَ الرَّابِعَةَ بِقَوْلِهِ ( أَوْ ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ ) وَذَكَرَ الْخَامِسَةَ بِقَوْلِهِ ( أَوْ خَرَجَ ) أَيْ الْعَبْدُ ( إلَى عَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ ) مُسْلِمًا ( عَتَقَ ) الْعَبْدُ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ وَلَا يَثْبُتُ الْوَلَاءُ مِنْ أَحَدٍ ؛ لِأَنَّ هَذَا عِتْقٌ حُكْمِيٌّ ذَكَرَهُ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ نَقْلًا عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ .

( قَوْلُهُ : ابْتَاعَ مُسْتَأْمَنٌ عَبْدًا مُسْلِمًا ) كَذَا لَوْ كَانَ عَبْدًا ذِمِّيًّا يُعْتَقُ بِإِدْخَالِهِ دَارَ الْحَرْبِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا فِيهِمَا كَمَا فِي الْبَدَائِعِ ( قَوْلُهُ أَوْ أَسْلَمَ عَبْدٌ ثَمَّةَ وَجَاءَنَا ) خُرُوجُهُ مُؤْمِنًا لَيْسَ قَيْدًا احْتِرَازِيًّا إذْ لَوْ خَرَجَ كَافِرًا مُرَاغِمًا لِمَوْلَاهُ فَأَمِنَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ ، بِخِلَافِ مَا إذَا خَرَجَ بِإِذْنِ مَوْلَاهُ أَوْ بِأَمْرِهِ لِحَاجَةٍ فَأَسْلَمَ بِدَارِنَا فَإِنَّ الْإِمَامَ يَبِيعُهُ وَيَحْفَظُ ثَمَنَهُ لِمَوْلَاهُ الْحَرْبِيِّ وَلَوْ أَسْلَمَ عَبْدُ الْحَرْبِيِّ وَلَمْ يَهْرُبْ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ حَتَّى اشْتَرَاهُ مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ أَوْ حَرْبِيٌّ فِي دَارِ الْحَرْبِيِّ يُعْتَقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَذَا يُعْتَقُ إذَا عَرَضَهُ مَوْلَاهُ عَلَى الْبَيْعِ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ قَبِلَ الْمُشْتَرِي الْبَيْعَ أَوْ لَمْ يَقْبَلْ كَمَا فِي الْبَحْرِ فَهَذِهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ أُخْرَى فَالْجُمْلَةُ ثَمَانِيَةٌ يُعْتَقُ فِيهَا الْعَبْدُ بِلَا إعْتَاقٍ وَصُورَةٌ وَاحِدَةٌ لَا يُعْتَقُ بِإِعْتَاقِهِ وَهِيَ لَوْ أَعْتَقَ حَرْبِيٌّ عَبْدًا حَرْبِيًّا فِي دَارِهِ وَهُوَ فِي يَدِهِ وَلَمْ يُخَلِّهِ أَيْ قَالَ لَهُ آخِذًا بِيَدِهِ أَنْتَ حُرٌّ لَا يُعْتَقُ حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ وَالْعَبْدُ عِنْدَهُ فَهُوَ مِلْكُهُ .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ يُعْتَقُ لِصُدُورِ رُكْنِ الْعِتْقِ مِنْ أَهْلِهِ بِدَلِيلِ صِحَّةِ إعْتَاقِهِ عَبْدًا مُسْلِمًا فِي دَارِ الْحَرْبِ مِنْ مَحَلِّهِ لِكَوْنِهِ مَمْلُوكًا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ مُعْتَقٌ بِبَيَانِهِ مُسْتَرَقٌّ بِبَيَانِهِ وَهَذَا ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ كَمَا يَزُولُ يَثْبُتُ بِاسْتِيلَاءٍ جَدِيدٍ وَهُوَ آخِذٌ لَهُ بِيَدِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَيَكُونُ عَبْدًا لَهُ ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مُسْلِمًا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلِّ التَّمَلُّكِ بِالِاسْتِيلَاءِ ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَالْكَافِي .

( بَابُ الْمُسْتَأْمَنِ ) .
هُوَ مَنْ يَدْخُلُ غَيْرَ دَارِهِ بِأَمَانٍ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ حَرْبِيًّا ( لَا يَتَعَرَّضُ تَاجِرُنَا ثَمَّةَ لِدَمِهِمْ وَمَالِهِمْ ) لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ وَقَدْ شُرِطَ بِالِاسْتِئْمَانِ أَنْ لَا يَتَعَرَّضَ لَهُمْ فَالتَّعَرُّضُ بَعْدَهُ غَدْرٌ ( فَمَا أَخْرَجَهُ مِلْكُهُ حَرَامًا ) أَمَّا الْمِلْكُ فَلِوُرُودِ الِاسْتِيلَاءِ عَلَى مَالٍ مُبَاحٍ ، وَأَمَّا الْحُرْمَةُ فَلِحُصُولِهِ بِسَبَبِ الْغَدْرِ الْحَرَامِ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ تَفْرِيغًا لِذِمَّتِهِ عَنْهُ ( إلَّا إذَا أَخَذَ مَلِكُهُمْ مَالَهُ ) اسْتِثْنَاءً مِنْ قَوْلِهِ لَا يَتَعَرَّضُ ( أَوْ حَبَسَهُ هُوَ أَوْ ) فَعَلَ ذَلِكَ ( غَيْرُهُ بِعِلْمِهِ ) وَلَمْ يَمْنَعْهُ ؛ لِأَنَّهُمْ بَدَءُوا بِنَقْضِ الْعَهْدِ وَالِالْتِزَامُ يَكُونُ مُقَيَّدًا بِهَذَا الشَّرْطِ ، بِخِلَافِ الْأَسِيرِ الْمُسْلِمِ حَيْثُ يُبَاحُ لَهُ التَّعَرُّضُ وَلَا يَكُونُ غَدْرًا ، وَإِنْ أَطْلَقُوهُ طَوْعًا ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَأْمَنٍ وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ الِالْتِزَامُ ( وَلَا يَسْتَبِيحُ فُرُوجَهُمْ ) ؛ لِأَنَّ الْفَرْجَ لَا يَحِلُّ إلَّا بِالْمِلْكِ وَلَا مِلْكَ قَبْلَ الْإِحْرَازِ كَمَا مَرَّ ( إلَّا إذَا وَجَدَ امْرَأَتَهُ الْمَأْسُورَةَ أَوْ أُمَّ وَلَدِهِ أَوْ مُدَبَّرَتَهُ ؛ لِأَنَّهُمْ مَا مَلَكُوهُنَّ وَلَمْ يَطَأْهُنَّ الْحَرْبِيُّ ) إذْ لَوْ كَانُوا وَطِئُوهُنَّ وَوَطِئَهُنَّ الْمَالِكُ لَزِمَ اشْتِبَاهُ النَّسَبِ ( لَا أَمَتَهُ الْمَأْسُورَةَ مُطْلَقًا ) أَيْ لَا يَطَؤُهَا ، وَإِنْ لَمْ يَطَأْهَا الْحَرْبِيُّ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهَا .

( بَابُ الْمُسْتَأْمَنِ ) .
( قَوْلُهُ : لَا يَتَعَرَّضُ تَاجِرُنَا ثَمَّةَ لِدِمَائِهِمْ ) لَمْ يُنَصَّ مَتْنًا عَلَى أَنَّهُ دَخَلَ بِأَمَانٍ لِمَا أَنَّ التَّاجِرَ لَا يَدْخُلُ إلَّا بِأَمَانٍ حِفْظًا لِمَالِهِ وَكَذَلِكَ لَا يَتَعَرَّضُ لِأَهْلِ حَرْبٍ أَغَارُوا عَلَى الدَّارِ الَّتِي هُوَ بِهَا إلَّا إذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ ؛ لِأَنَّ الْقِتَالَ لَمَّا كَانَ تَعْرِيضًا لِنَفْسِهِ عَلَى الْهَلَاكِ لَا يَحِلُّ إلَّا لِذَلِكَ أَوْ لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ وَهُوَ إذَا لَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ لَيْسَ قِتَالُ هَؤُلَاءِ إلَّا إعْلَاءَ كَلِمَةِ الْكُفْرِ ، كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ ( قَوْلُهُ فَمَا أَخْرَجَهُ مِلْكُهُ حَرَامًا ) أَفَادَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُخْرِجْهُ وَجَبَ رَدُّهُ عَلَى صَاحِبِهِ لِوُجُوبِ التَّوْبَةِ عَلَيْهِ وَهِيَ لَا تَحْصُلُ إلَّا بِالرَّدِّ عَلَيْهِ فَأَشْبَهَ الْمُشْتَرِي فَاسِدًا كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ ( قَوْلُهُ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ ) فَإِنْ لَمْ يَتَصَدَّقْ بِهِ وَلَكِنَّهُ بَاعَهُ صَحَّ بَيْعُهُ وَلَا يَطِيبُ لِلْمُشْتَرِي الثَّانِي كَمَا لَا يَطِيبُ لِلْأَوَّلِ ، كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ .
( قَوْلُهُ : إلَّا إذَا أَخَذَ مَلِكُهُمْ مَالَهُ ) كَذَلِكَ لَوْ أَغَارَ أَهْلُ الْحَرْبِ الَّذِينَ فِيهِمْ الْمُسْتَأْمَنُونَ عَلَى ذَرَارِيِّ مُسْلِمِينَ فَأَسَرَهُمْ وَمَرُّوا عَلَى الْمُسْتَأْمَنِينَ وَجَبَ عَلَيْهِمْ نَقْضُ الْعَهْدِ وَقِتَالُهُمْ إذَا قَدَرُوا عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ رِقَابَهُمْ فَتَقْرِيرُهُمْ فِي أَيْدِيهِمْ تَقْرِيرٌ عَلَى الظُّلْمِ وَلَمْ يَضْمَنُوا لَهُمْ ذَلِكَ ، بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ ؛ لِأَنَّهُمْ مَلَكُوهَا بِالْإِحْرَازِ كَذَا فِي الْبَحْرِ قَوْلُهُ إلَّا إذَا وَجَدَ امْرَأَتَهُ الْمَأْسُورَةَ أَوْ أُمَّ وَلَدِهِ ) اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ وَيَصِحُّ أَنْ يَرْجِعَ ضَمِيرُهُ إلَى التَّاجِرِ وَالْأَسِيرِ ، وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى بَقَاءِ النِّكَاحِ سَوَاءٌ سُبِيَتْ الزَّوْجَةُ قَبْلَ زَوْجِهَا أَوْ بَعْدَهُ وَفِي فَتَاوَى قَارِئِ الْهِدَايَةِ مَا يُخَالِفُ هَذَا مِنْ أَنَّ الْمَأْسُورَةَ تَبِينُ وَسَنُبَيِّنُهُ فِي النِّكَاحِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

( أَدَانَهُ حَرْبِيٌّ ) أَيْ جَعَلَ الْحَرْبِيُّ الْمُسْتَأْمَنَ مَدْيُونًا بِتَصَرُّفٍ مَا ( أَوْ عُكِسَ ) أَيْ أَدَانَ الْمُسْتَأْمَنُ الْحَرْبِيَّ ( أَوْ غَصَبَ أَحَدُهُمَا مِنْ الْآخَرِ مَالًا وَجَاءَا هَاهُنَا ) وَاسْتَأْمَنَ الْحَرْبِيُّ ( لَمْ يُقْضَ لِأَحَدٍ ) مِنْهُمَا ( بِشَيْءٍ ) أَمَّا الْإِدَانَةُ فَلِأَنَّ الْقَضَاءَ يَعْتَمِدُ الْوِلَايَةَ وَلَا وِلَايَةَ وَقْتَ الْإِدَانَةِ أَصْلًا وَلَا وَقْتَ الْقَضَاءِ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ ؛ لِأَنَّهُ مَا الْتَزَمَ حُكْمَ الْإِسْلَامِ فِيمَا مَضَى مِنْ أَفْعَالِهِ ، وَإِنَّمَا الْتَزَمَهُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ، وَأَمَّا الْغَصْبُ فَلِأَنَّهُ صَارَ مِلْكًا لِلْغَاصِبِ الْمُسْتَوْلِي عَلَيْهِ لِمُصَادَفَتِهِ مَالًا غَيْرَ مَعْصُومٍ كَمَا مَرَّ ( كَذَا حَرْبِيَّانِ فَعَلَا ذَلِكَ وَجَاءَا مُسْتَأْمَنَيْنِ ) لِمَا ذَكَرْنَا ( فَإِنْ جَاءَا مُسْلِمَيْنِ قُضِيَ بَيْنَهُمَا بِالدَّيْنِ لَا الْغَصْبِ ) أَمَّا الدَّيْنُ فَلِأَنَّهُ وَقَعَ صَحِيحًا لِوُقُوعِهِ بِالتَّرَاضِي وَالْوِلَايَةُ ثَابِتَةٌ حَالَ الْقَضَاءِ لِالْتِزَامِهِمَا الْأَحْكَامَ بِالْإِسْلَامِ ، وَأَمَّا الْغَصْبُ فَلَمَّا ذُكِرَ أَنَّهُ مِلْكُهُ وَلَا خُبْثَ فِي مِلْكِ الْحَرْبِيِّ لِيُؤْمَرَ بِالرَّدِّ .
( قَوْلُهُ : لَمْ يُقْضَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بِشَيْءٍ ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ يُفْتَى الْمُسْلِمُ بِرَدِّ الْمَغْصُوبِ وَقَضَاءِ الدَّيْنِ وَعَلَيْهِ نُصَّ فِي التَّبْيِينِ وَالْبَحْرِ .
( قَوْلُهُ : لِمُصَادَفَتِهِ مَالًا غَيْرَ مَعْصُومٍ ) ظَاهِرٌ فِي مَالِ الْحَرْبِيِّ ، وَأَمَّا مَالُ الْمُسْلِمِ فَلَعَلَّهُ بِحَسْبِ اعْتِقَادِ الْحَرْبِيِّ عَدَمَ عِصْمَتِهِ فَلْيُتَأَمَّلْ

( قَتَلَ مُسْلِمٌ مُسْتَأْمَنٌ ثَمَّةَ ) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ ( مِثْلَهُ ) أَيْ مُسْتَأْمَنًا ( عَمْدًا أَوْ خَطَأً وَدَى ) أَيْ يُعْطِي الدِّيَةَ ( مِنْ مَالِهِ فِيهِمَا ) أَيْ الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ ( وَكَفَّرَ لِلْخَطَإِ ) أَمَّا الْكَفَّارَةُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ } بِلَا تَقْيِيدٍ بِدَارِ الْإِسْلَامِ أَوْ الْحَرْبِ ، وَأَمَّا تَخْصِيصُهَا بِالْخَطَإِ فَلِأَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ فِي الْعَمْدِ عِنْدَنَا ، وَأَمَّا الدِّيَةُ فَلِأَنَّ الْعِصْمَةَ الثَّابِتَةَ بِالْإِحْرَازِ بِدَارِنَا لَمْ تَبْطُلْ بِعَارِضِ الِاسْتِئْمَانِ ، وَأَمَّا عَدَمُ الْقَوَدِ فِي الْعَمْدِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ فَلِأَنَّ الْقَوَدَ لَا يُمْكِنُ اسْتِيفَاؤُهُ إلَّا بِمَنَعَةٍ ؛ لِأَنَّ الْوَاحِدَ يُقَاوِمُ الْوَاحِدَ غَالِبًا وَلَا مَنَعَةَ إلَّا بِالْإِمَامِ وَأَهْلِ الْإِسْلَامِ وَلَمْ يُوجَدَا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَلَا فَائِدَةَ فِي الْوُجُوبِ فَلَا يَجِبُ كَالْحَدِّ ، وَأَمَّا وُجُوبُ الدِّيَةِ فِي مَالِهِ فِي الْعَمْدِ فَلِأَنَّ الْعَوَاقِلَ لَا تُعَلِّقُ الْعَمْدَ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ وَفِي الْخَطَإِ إذْ لَا قُدْرَةَ لَهُمْ عَلَى الصِّيَانَةِ مَعَ تَبَايُنِ الدَّارَيْنِ وَالْوُجُوبُ عَلَيْهِمْ عَلَى اعْتِبَارِ تَرْكِهَا .

( وَفِي الْأَسِيرَيْنِ ) إذَا قَتَلَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ ( كَفَّرَ فَقَطْ فِي الْخَطَإِ ) أَيْ لَا يَدِي فِي الْخَطَإِ وَلَا شَيْءَ فِي الْعَمْدِ أَصْلًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَذَا إذَا قَتَلَ مُسْلِمٌ تَاجِرًا أَسِيرًا ثَمَّةَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا الْكَفَّارَةَ فِي الْخَطَإِ عِنْدَهُ وَقَالَا فِي الْأَسِيرَيْنِ الدِّيَةُ فِي الْخَطَإِ وَالْعَمْدِ ؛ لِأَنَّ الْعِصْمَةَ لَا تَبْطُلُ بِعَارِضِ الْأَسْرِ كَمَا لَا تَبْطُلُ بِعَارِضِ الِاسْتِئْمَانِ وَامْتِنَاعِ الْقِصَاصِ لِعَدَمِ الْمَنَعَةِ وَتَجِبُ الدِّيَةُ فِي مَالِهِ لِمَا مَرَّ وَلَهُ أَنَّ بِالْأَسْرِ صَارَ تَبَعًا لَهُمْ لِصَيْرُورَتِهِ مَقْهُورًا فِي أَيْدِيهِمْ وَلِهَذَا يَصِيرُ مُقِيمًا بِإِقَامَتِهِمْ وَمُسَافِرًا بِسَفَرِهِمْ فَيَبْطُلُ بِهِ الْإِحْرَازُ أَصْلًا وَصَارَ كَالْمُسْلِمِ الَّذِي لَمْ يُهَاجِرْ إلَيْنَا وَخُصَّ الْخَطَأُ بِالْكَفَّارَةِ لِمَا مَرَّ ( كَقَتْلِ مُسْلِمٍ مَنْ أَسْلَمَ ثَمَّةَ ) حَيْثُ لَا يَجِبُ بِقَتْلِهِ إلَّا الْكَفَّارَةُ فِي الْخَطَإِ فَقَطْ .
.

( لَا يُمَكَّنُ حَرْبِيٌّ ) دَخَلَ إلَيْنَا مُسْتَأْمَنًا هُنَا ( سَنَةً وَيُقَالُ لَهُ إنْ أَقَمْت هُنَا سَنَةً أَوْ شَهْرًا نَضَعُ عَلَيْك الْجِزْيَةَ ، فَإِنْ رَجَعَ ) إلَى دَارِهِ ( قَبْلَ ذَلِكَ ) الْقَدْرِ مِنْ السَّنَةِ أَوْ الشَّهْرِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ فَجَزَاءُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَرْجِعْ ( فَهُوَ ذِمِّيٌّ ) اعْلَمْ أَنَّ الْحَرْبِيَّ لَا يُمَكَّنُ مِنْ إقَامَةٍ دَائِمَةٍ فِي دَارِنَا إلَّا بِالِاسْتِرْقَاقِ أَوْ جِزْيَةٍ لِئَلَّا يَصِيرَ عَيْنًا لَهُمْ وَعَوْنًا عَلَيْنَا وَيُمَكَّنُ مِنْ الْإِقَامَةِ الْيَسِيرَةِ ؛ لِأَنَّ فِي مَنْعِهَا قَطْعَ جَلْبِ الْحَوَائِجِ وَسَدَّ بَابِ التِّجَارَةِ فَفَصَلَ بَيْنَهُمَا بِسَنَةٍ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ تَجِبُ فِيهَا الْجِزْيَةُ فَتَكُونُ الْإِقَامَةُ لِمَصْلَحَةِ الْجِزْيَةِ ، فَإِنْ رَجَعَ بَعْدَ قَوْلِ الْإِمَامِ قَبْلَ تَمَامِ السَّنَةِ إلَى وَطَنِهِ فَلَا سَبِيلَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ مَكَثَ سَنَةً فَهُوَ ذِمِّيٌّ لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَامَ سَنَةً بَعْدَ قَوْلِ الْإِمَامِ صَارَ مُلْتَزِمًا لِلْجِزْيَةِ ، وَلِلْإِمَامِ أَنْ يُؤَقِّتَ مَا دُونَ السَّنَةِ كَالشَّهْرِ وَالشَّهْرَيْنِ وَإِذَا أَقَامَ تِلْكَ الْمُدَّةَ بَعْدَ مَقَالَةِ الْإِمَامِ يَصِيرُ ذِمِّيًّا لِمَا ذُكِرَ ( لَا يُتْرَكُ أَنْ يَرْجِعَ ) إلَى دَارِ الْحَرْبِ ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ لَا يُنْقَضُ لِأَنَّهُ خَلْفٌ عَنْ الْإِسْلَامِ وَالْإِسْلَامُ لَا يُنْقَضُ فَكَذَا خَلْفُهُ ( كَذَا ) أَيْ يَصِيرُ أَيْضًا ذِمِّيًّا لَا يُتْرَكُ أَنْ يَرْجِعَ ( إذَا أَقَامَ هُنَا سَنَةً قَبْلَ التَّقْدِيرِ ) أَيْ تَقْدِيرِ الْإِمَامِ ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يُقَدِّرْ مُدَّةً فَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الْحَوْلُ ؛ لِأَنَّهُ لِإِيلَاءِ الْعُذْرِ وَالْحَوْلُ حَسَنٌ لِذَلِكَ كَمَا فِي تَأْجِيلِ الْعِنِّينِ ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ ( لَكِنَّهَا ) أَيْ الْجِزْيَةَ ( تُوضَعُ بَعْدَ السَّنَةِ فِي الصُّورَتَيْنِ ) أَيْ بَعْدَ التَّقْدِيرِ وَقَبْلَهُ ( إلَّا أَنْ يُشْتَرَطَ أَخْذُهَا ) أَيْ الْجِزْيَةِ ( بَعْدَهَا ) أَيْ بَعْدَ السَّنَةِ ( فِي ) الصُّورَةِ ( الْأُولَى ) أَيْ بَعْدَ التَّقْدِيرِ ، وَيُقَالُ وَنَأْخُذُ بَعْدَ

السَّنَةِ أَوْ الشَّهْرِ فَحِينَئِذٍ نَأْخُذُهَا مِنْهُ كَمَا تَمَّتْ السَّنَةُ الْأُولَى .
( قَوْلُهُ : لِئَلَّا يَصِيرَ عَيْنًا لَهُمْ وَعَوْنًا عَلَيْنَا ) الْعَيْنُ جَاسُوسُ الْقَوْمِ وَالْعَوْنُ الظَّهِيرُ عَلَى الْأَمْرِ ( قَوْلُهُ : كَذَا فِي النِّهَايَةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ ) صَرَّحَ الْعَتَّابِيُّ ، بِخِلَافِهِ فَقَالَ لَوْ أَقَامَ سِنِينَ قَبْلَ مَقَالِ الْإِمَامِ لَهُ لَا يَكُونُ ذِمِّيًّا قَالَ الْكَمَالُ وَهُوَ الْأَوْجَهُ ، كَذَا فِي الْبَحْرِ .

( وَكَذَا ) يَصِيرُ ذِمِّيًّا ( إذَا شَرَى أَرْضًا فَوُضِعَ عَلَيْهِ خَرَاجُهَا ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَصِيرُ ذِمِّيًّا بِشِرَاءِ أَرْضِ الْخَرَاجِ حَتَّى يُوضَعَ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ ( فَعَلَيْهِ ) أَيْ إذَا كَانَ الْمُشْتَرِي ذِمِّيًّا وُضِعَ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ لَزِمَ عَلَيْهِ ( جِزْيَةُ سَنَةٍ مِنْ وَقْتِ الْوَضْعِ ) فَتَكُونُ لِسَنَةٍ مُسْتَقْبَلَةٍ ( أَوْ نَكَحَتْ ) عَطْفٌ عَلَى شَرَى أَرْضًا أَيْ تَكُونُ الْحَرْبِيَّةُ ذِمِّيَّةً إذَا نَكَحَتْ ( ذِمِّيًّا هُنَا ) لِكَوْنِهَا تَابِعَةً لِزَوْجِهَا ( بِلَا عَكْسٍ ) إذْ يُمْكِنُ أَنْ يُطْلَقَ فَيَرْجِعَ إلَى وَطَنِهِ ( مُسْتَأْمَنٌ ) مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ ( رَجَعَ إلَيْهِمْ حِلُّ دَمِهِ ) بِالرُّجُوعِ ؛ لِأَنَّهُ أَبْطَلَ أَمَانَهُ وَمَا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مِنْ مَالِهِ عَلَى خَطَرٍ .
( قَوْلُهُ فَوُضِعَ عَلَيْهِ خَرَاجُهَا ) الْمُرَادُ بِوَضْعِ الْخَرَاجِ الْتِزَامُهُ بِمُبَاشَرَةِ الزِّرَاعَةِ أَوْ تَعْطِيلِهَا مَعَ التَّمَكُّنِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ حَتَّى إذَا أَصَابَ زَرْعَهُ آفَةٌ لَا يَصِيرُ ذِمِّيًّا لِعَدَمِ وُجُوبِ الْخَرَاجِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ السِّرَاجِ .
( قَوْلُهُ : فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَصِيرُ ذِمِّيًّا بِشِرَاءِ أَرْضِ الْخَرَاجِ حَتَّى يُوضَعَ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ ) أَيْ بِمَا قُلْنَا مِنْ مُبَاشَرَةِ الزِّرَاعَةِ أَوْ تَعْطِيلِهَا مَعَ التَّمَكُّنِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الشِّرَاءَ قَدْ يَكُونُ لِلتِّجَارَةِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الْتِزَامِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ .
( قَوْلُهُ : أَوْ نَكَحَتْ ذِمِّيًّا ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَوْ صَارَ زَوْجُهَا ذِمِّيًّا أَوْ أَسْلَمَ بَعْدَمَا دَخَلَا بِأَمَانٍ تَصِيرُ ذِمِّيَّةً بِالْأَوْلَى كَمَا فِي الْبَحْرِ

( فَإِنْ أُسِرَ ) الْمُسْتَأْمَنُ ( أَوْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ ) أَيْ أَهْلِ الْحَرْبِ ( فَقُتِلَ سَقَطَ دَيْنٌ ) كَانَ ( لَهُ عَلَى مَعْصُومٍ ) مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ ؛ لِأَنَّ إثْبَاتَ الْيَدِ عَلَيْهِ بِوَاسِطَةِ الْمُطَالَبَةِ وَقَدْ سَقَطَتْ وَيَدُ مَنْ عَلَيْهِ أَسْبَقُ مِنْ يَدِ الْعَامَّةِ فَيَخْتَصُّ بِهِ فَيَسْقُطُ ( وَأُفِيءَ ) أَيْ صَارَ فَيْئًا ( وَدِيعَةً لَهُ عِنْدَهُ ) أَيْ مَعْصُومٍ ؛ لِأَنَّهَا فِي يَدِهِ تَقْدِيرًا لِأَنَّ يَدَ الْمُودَعِ كَيَدِهِ فَيَصِيرُ فَيْئًا تَبَعًا لِنَفْسِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الْوَدِيعَةَ تَصِيرُ لِلْمُودَعِ ؛ لِأَنَّ يَدَهُ بِهَا أَسْبَقُ فَهُوَ بِهَا أَحَقُّ ( وَأَخَذَ الْمُرْتَهِنُ رَهْنَهُ بِدَيْنِهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَيُبَاعُ وَيُوفَى بِثَمَنِهِ الدَّيْنُ وَالْفَاضِلُ لِبَيْتِ الْمَالِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ) ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ .

( وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ بِلَا غَلَبَةٍ عَلَيْهِمْ فَالدَّيْنُ الْوَدِيعَةُ لِوَرَثَتِهِ ) لِأَنَّ حُكْمَ الْأَمَانِ بَاقٍ لِعَدَمِ بُطْلَانِهِ فَيُرَدُّ عَلَى وَرَثَتِهِ لِقِيَامِهِمْ مَقَامَهُ .
.

( حَرْبِيٌّ هُنَا لَهُ ثَمَّةَ عُرْسٌ وَأَوْلَادٌ وَوَدِيعَةٌ مَعَ مَعْصُومٍ وَغَيْرِهِ فَأَسْلَمَ فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَكُلُّهُ فَيْءٌ ) أَمَّا عُرْسُهُ وَأَوْلَادُهُ الْكِبَارُ وَمَا فِي بَطْنِهَا وَعَقَارُهُ فَلِمَا ذُكِرَ فِي بَابِ الْغَنَائِمِ ، وَأَمَّا أَوْلَادُهُ الصِّغَارُ فَلِأَنَّ الصَّغِيرَ إنَّمَا يَتْبَعُ أَبَاهُ وَيَصِيرُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِهِ إذَا كَانَ فِي يَدِهِ وَتَحْتَ وِلَايَتِهِ وَمَعَ تَبَايُنِ الدَّارَيْنِ لَا يَحْصُلُ ذَلِكَ وَأَمْوَالُهُ لَمْ تَصِرْ مُحْرَزَةً بِإِحْرَازِ نَفْسِهِ لِاخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ فَيَبْقَى الْكُلُّ فَيْئًا وَغَنِيمَةً ، وَلَوْ سُبِيَ الصَّبِيُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَجَاءَ دَارَ الْإِسْلَامِ كَانَ مُسْلِمًا تَبَعًا لِأَبِيهِ لِاجْتِمَاعِهِمَا فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ ، بِخِلَافِ مَا قَبْلَ إخْرَاجِهِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ لِاخْتِلَافِ الدَّارَيْنِ ، ثُمَّ هُوَ فَيْءٌ عَلَى حَالِهِ لِمَا ذُكِرَ وَكَوْنُهُ مُسْلِمًا لَا يُنَافِي الرِّقَّ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ( وَإِنْ أَسْلَمَ ثَمَّةَ وَجَاءَ ) هُنَا وَ ( ظَهَرَ ) ( عَلَيْهِمْ فَطِفْلُهُ حُرٌّ مُسْلِمٌ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ تَبِعَهُ طِفْلُهُ لِاتِّحَادِ الدَّارَيْنِ ( وَوَدِيعَتُهُ مَعَ مَعْصُومٍ ) مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ ( يَكُونُ لَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدٍ صَحِيحَةٍ مُحْتَرَمَةٍ فَكَأَنَّهُ فِي يَدِهِ ( وَغَيْرُهُ فَيْءٌ ) وَهُوَ أَوْلَادُهُ الْكِبَارُ وَعُرْسُهُ وَعَقَارُهُ وَوَدِيعَتُهُ مَعَ حَرْبِيٍّ .
قَوْلُهُ وَغَيْرُهُ فَيْءٌ ) شَامِلٌ لِمَا غَصَبَهُ مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ لِعَدَمِ النِّيَابَةِ عَنْهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْفَتْحِ .

( أَسْلَمَ ) حَرْبِيٌّ ( ثَمَّةَ ) أَيْ فِي دَارِ الْحَرْبِ ( وَلَهُ وَرَثَةٌ ) مُسْلِمُونَ ( فِيهَا فَقَتَلَهُ مُسْلِمٌ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا الْكَفَّارَةُ فِي الْخَطَإِ ) وَلَا شَيْءَ فِي الْعَمْدِ وَقَدْ عُلِمَ وَجْهُهُ ( يَأْخُذُ الْإِمَامُ دِيَةَ مُسْلِمٍ لَا وَلِيَّ لَهُ ، وَ ) دِيَةَ ( مُسْتَأْمَنٍ أَسْلَمَ هُنَا ) أَيْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ( مِنْ عَاقِلَةِ قَاتِلِهِ خَطَأً ) ؛ لِأَنَّهُ قَتَلَ نَفْسًا مَعْصُومَةً فَتَنَاوُلُهُ النُّصُوصَ الْوَارِدَةَ فِي قَتْلِ الْخَطَإِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ أَخَذَهُ الْإِمَامُ أَنَّ الْأَخْذَ لَهُ لِيَضَعَهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ نَصَبَ نَاظِرًا لِلْمُسْلِمِينَ وَهَذَا مِنْ النَّظَرِ ( وَيَقْتُلُ الْإِمَامُ أَوْ يَأْخُذُ الدِّيَةَ فِي عَمْدِهِ ) يَعْنِي إذَا كَانَ الْقَتْلُ عَمْدًا فَالْإِمَامُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ الْقَوَدِ وَأَخْذِ الدِّيَةِ بِطَرِيقِ الصُّلْحِ ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْعَمْدِ الْقَوَدُ وَوِلَايَةُ الْإِمَامِ نَظَرِيَّةٌ يَنْظُرُ فِيهِ فَأَيُّهُمَا رَأَى أَصْلَحَ فَعَلَ وَظَاهِرٌ أَنَّ الدِّيَةَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنْفَعُ مِنْ الْقَوَدِ .
( وَ ) لِهَذَا ( لَا يَعْفُو ) ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لِلْعَامَّةِ وَلَيْسَ مِنْ النَّظَرِ إسْقَاطُ حَقِّهِمْ بِلَا عِوَضٍ .
( قَوْلُهُ : أَسْلَمَ حَرْبِيٌّ ثَمَّةَ
إلَخْ ) مُسْتَدْرَكٌ بِقَوْلِهِ سَابِقًا كَقَتْلِ مُسْلِمٍ مَنْ أَسْلَمَ ثَمَّةَ ( قَوْلُهُ أَوْ يَأْخُذُ الدِّيَةَ فِي عَمْدِهِ ) يَعْنِي بِرِضَى الْقَاتِلِ وَهَلْ إذَا طَلَبَ الْإِمَامُ الدِّيَةَ يَنْقَلِبُ الْقِصَاصُ مَالًا كَمَا فِي الْوَلِيِّ فَلْيُنْظَرْ .

.
( تَتِمَّةٌ ) لِهَذَا الْبَحْثِ يُبَيِّنُ فِيهَا كَوْنَ دَارِ الْحَرْبِ دَارَ الْإِسْلَامِ وَعَكْسَهُ ( دَارُ الْحَرْبِ تَصِيرُ دَارَ الْإِسْلَامِ بِإِجْرَاءِ أَحْكَامِ الْإِسْلَامِ فِيهَا كَإِقَامَةِ الْجُمَعِ وَالْأَعْيَادِ ، وَإِنْ بَقِيَ فِيهَا كَافِرًا صَلَّى وَلَمْ يَتَّصِلْ بِدَارِ الْإِسْلَامِ ) بِأَنْ كَانَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ دَارِ الْإِسْلَامِ مِصْرٌ آخَرُ لِأَهْلِ الْحَرْبِ ( وَيُعْكَسُ ) أَيْ يَصِيرُ دَارُ الْإِسْلَامِ دَارَ الْحَرْبِ بِأُمُورٍ ثَلَاثَةٍ ذَكَرَ الْأَوَّلَ بِقَوْلِهِ ( بِإِجْرَاءِ أَحْكَامِ الشِّرْكِ فِيهَا ) وَالثَّانِيَ بِقَوْلِهِ ( وَاتِّصَالِهَا بِدَارِ الْحَرْبِ بِحَيْثُ لَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا مِصْرٌ لِلْمُسْلِمِينَ ) وَالثَّالِثَ بِقَوْلِهِ ( وَأَنْ لَمْ يَبْقَ فِيهَا مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ آمِنًا بِالْأَمَانِ الْأَوَّلِ عَلَى نَفْسِهِ ) ، كَذَا فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ( وَعِنْدَهُمَا إذَا أَجْرَوْا فِيهَا أَحْكَامَ الشِّرْكِ صَارَتْ دَارَ الْحَرْبِ ) سَوَاءٌ اتَّصَلَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ أَوْ لَا وَبَقِيَ فِيهَا مُسْلِمٌ أَوْ ذِمِّيٌّ آمِنًا بِالْأَمَانِ الْأَوَّلِ أَوْ لَا .
( قَوْلُهُ : تَتِمَّةٌ لِهَذَا الْبَحْثِ
إلَخْ ) مِنْ الْكَافِي وَفُصُولِ الْعِمَادِيِّ وَسُئِلَ قَارِئُ الْهِدَايَةِ عَنْ الْبَحْرِ الْمِلْحِ أَمِنْ دَارِ الْحَرْبِ أَوْ الْإِسْلَامِ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ دَارِ أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَا قَهْرَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ .
ا هـ .

( بَابُ الْوَظَائِفِ ) جَمْعُ وَظِيفَةٍ وَهِيَ مَا يُقَدَّرُ لِلْإِنْسَانِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ طَعَامٍ أَوْ رِزْقٍ وَالْمُرَادُ هَاهُنَا الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ فَيَكُونُ مَجَازًا مِنْ قَبِيلِ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِاعْتِبَارِ مَا يُؤَوَّلُ إلَيْهِ .
( الْأَرَاضِي الْعَشْرِيَّةُ أَرْضُ الْعَرَبِ ) وَهِيَ مَا بَيْنَ الْعُذَيْبِ إلَى أَقْصَى حَجَرٍ بِالْيَمَنِ بِمَهْرَةَ طُولًا ، وَأَمَّا الْعَرْضُ فَمَا بَيْنَ يَبْرِينَ وَرُمَلٍ عَالِجٍ إلَى حَدِّ الشَّامِ ( وَمَا أَسْلَمَ أَهْلُهُ طَوْعًا ) فَإِنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَبْدَأُ بِالْخَرَاجِ صِيَانَةً لَهُ عَنْ الذُّلِّ لِمَا فِيهِ مِنْ مَعْنَى الْجِزْيَةِ وَفِي الْعُشْرِ مَعْنَى الْقُرْبَةِ ( أَوْ فُتِحَ عَنْوَةً وَقُسِمَ بَيْنَ الْغُزَاةِ ) وَلَوْ قَسَمَهَا بَيْنَهُمْ وَوَضَعَ الْخَرَاجَ عَلَيْهَا يَجُوزُ إنْ كَانَتْ تُسْقَى بِمَاءِ الْخَرَاجِ كَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْعَتَّابِيِّ ( وَالْبَصْرَةِ ) لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى أَنَّهَا عَشْرِيَّةٌ ، وَالْقِيَاسُ أَنْ تَكُونَ خَرَاجِيَّةً ؛ لِأَنَّهَا فُتِحَتْ عَنْوَةً وَأُقِرَّ أَهْلُهَا عَلَيْهَا وَهِيَ مِنْ جُمْلَةِ أَرَاضِيِ الْعِرَاقِ وَلَكِنْ تُرِكَ ذَلِكَ بِإِجْمَاعِهِمْ ( وَبُسْتَانُ مُسْلِمٍ أَوْ كَرْمٌ لَهُ كَانَ دَارِهِ ) لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى ابْتِدَاءِ التَّوْظِيفِ عَلَى الْمُسْلِمِ وَالْعُشْرُ أَلْيَقُ بِهِ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ وَلِأَنَّهُ أَخَفُّ إذْ يَتَعَلَّقُ بِنَفْسِ الْخَارِجِ .
( وَ ) الْأَرَاضِي ( الْخَرَاجِيَّةُ سَوَادُ الْعِرَاقِ ) أَيْ عِرَاقِ الْعَرَبِ وَهُوَ مَا بَيْنَ الْعُذَيْبِ إلَى عَقَبَةَ حُلْوَانَ عَرْضًا وَمِنْ الثَّعْلَبِيَّةِ وَيُقَالُ مِنْ الْعَلْثِ إلَى عَبَّادَانَ طُولًا ( وَمَا فُتِحَ عَنْوَةً وَأُقِرَّ أَهْلُهُ عَلَيْهِ أَوْ صَالَحَهُمْ ) الْإِمَامُ ؛ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى ابْتِدَاءِ التَّوْظِيفِ عَلَى الْكَافِرِ وَالْخَرَاجِ أَلْيَقُ بِهِ ( أَوْ أَجَلَاهُمْ ) الْإِمَامُ مِنْ أَرْضِهِمْ ( وَنَقَلَ إلَيْهَا قَوْمًا آخَرِينَ ) يَعْنِي كُفَّارًا لِمَا عَرَفْت أَنَّ الْخَرَاجَ إنَّمَا يُوضَعُ عَلَى الْقَوْمِ الْمَنْقُولِينَ إذَا كَانُوا كُفَّارًا ، وَأَمَّا إذَا كَانُوا مُسْلِمِينَ فَيُوضَعُ

عَلَيْهِمْ الْعُشْرُ ( وَمَوَاتٌ ) عَطْفٌ عَلَى مَا فُتِحَ عَنْوَةً ( أَحْيَاهُ الذِّمِّيُّ بِالْإِذْنِ ) أَيْ إذْنِ الْإِمَامِ ، فَإِنَّهُ أَيْضًا خَرَاجِيٌّ ؛ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْوَضْعِ عَلَى الْكَافِرِ ( أَوْ رَضْخٌ لَهُ مِنْ الْغَنِيمَةِ إذَا قَاتَلَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ ) أَهْلَ الْحَرْبِ ، فَإِنَّهُ أَيْضًا خَرَاجِيٌّ لِمَا مَرَّ ( وَمَا أَحْيَاهُ مُسْلِمٌ يُعْتَبَرُ بِقُرْبِهِ ) فَإِنْ قَرُبَ مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ فَخَرَاجِيٌّ أَوْ أَرْضِ الْعُشْرِ فَعُشْرِيٌّ .

( بَابُ الْوَظَائِفِ ) .
( قَوْلُهُ : الْعُذَيْبُ هِيَ ) قَرْيَةٌ مِنْ قُرَى الْكُوفَةِ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَسَنَذْكُرُ مَا يُخَالِفُهُ .
( قَوْلُهُ : حَجَرٍ ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَالْجِيمِ وَاحِدُ الْأَحْجَارِ وَمَهْرَةُ بِالْيَمَنِ مُسَمَّاةٌ بِمَهْرَةَ ابْنِ حَيْدَانَ أَبُو قَبِيلَةٍ يُنْسَبُ إلَيْهَا الْإِبِلُ الْمَهْرِيَّةُ ، كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ .
( قَوْلُهُ : وَأَمَّا الْعَرْضُ فَمَا بَيْنَ يَبْرِينَ وَرُمَلٍ عَالِجٍ إلَى حَدِّ الشَّامِ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ حَدُّهَا عَرْضًا مِنْ جُدَّةَ وَمَا وَالَاهَا فِي السَّاحِلِ إلَى حَدِّ الشَّامِ .
ا هـ .
وَحَدُّ الشَّامِ مُنْقَطِعُ السَّمَاوَةِ فَجُمْلَةُ أَرْضُ الْعَرَبِ أَرْضُ الْحِجَازِ وَتِهَامَةَ الْيَمَنِ وَمَكَّةَ وَالطَّائِفِ وَالْبَرِّيَّةِ أَيْ الْبَادِيَةِ كَمَا فِي الْكَافِي ( قَوْلُهُ وَلَوْ قَسَمَهَا بَيْنَهُمْ وَوَضَعَ الْخَرَاجَ يَجُوزُ
إلَخْ ) يُخَالِفُهُ مَا قَالَ الْكَمَالُ إذَا قُسِمَتْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ لَا يُوَظَّفُ إلَّا الْعُشْرُ وَإِنْ سُقِيَتْ بِمَاءِ الْأَنْهَارِ ( قَوْلُهُ وَبُسْتَانُ مُسْلِمٍ أَوْ كَرْمٌ لَهُ كَانَ دَارِهِ ) تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْعُشْرِ بِأَحْسَنَ مِنْ هَذَا ؛ لِأَنَّ هَذَا مُطْلَقٌ وَإِنْ كَانَ تَقْيِيدُهُ يُعْلَمُ بِقَوْلِهِ الْآتِي وَكُلٌّ مِنْهُمَا أَيْ الْأَرَاضِي الْعُشْرِيَّةِ وَالْخَرَاجِيَّةِ إنْ سُقِيَ بِمَاءِ الْعُشْرِ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْعُشْرُ
إلَخْ .
( قَوْلُهُ : الْعُذَيْبُ ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ مَاءٌ لِتَمِيمٍ وَحُلْوَانَ بِضَمِّ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ اسْمُ بَلَدٍ وَالْعَلْثُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَبِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ قَرْيَةٌ مَوْقُوفَةٌ عَلَى الْعَلَوِيَّةِ عَلَى شَرْقِيِّ دِجْلَةَ وَهُوَ أَوَّلُ الْعِرَاقِ وَعَبَّادَانُ حِصْنٌ صَغِيرٌ عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ قَوْلُهُ : وَمَا فُتِحَ عَنْوَةً وَأُقِرَّ أَهْلُهُ عَلَيْهِ ) خُصَّ مِنْهُ مَكَّةَ وَنَحْوُهَا ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افْتَتَحَهَا عَنْوَةً وَتَرَكَهَا لِأَهْلِهَا وَلَمْ يُوَظِّفْ الْخَرَاجَ .
ا هـ .
وَوَضَعَ عُمَرُ الْخَرَاجَ

عَلَى مِصْرَ حِينَ افْتَتَحَهَا عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ .
وَقَالَ الْكَمَالُ الْمَأْخُوذُ الْآنَ مِنْ أَرَاضِي مِصْرَ إنَّمَا هُوَ بَدَلُ إجَارَةٍ لَا خَرَاجٍ أَلَا يُرَى أَنَّ الْأَرَاضِيَ لَيْسَتْ مَمْلُوكَةً لِلزُّرَّاعِ وَهَذَا بَعْدَمَا قُلْنَا إنَّ أَرْضَ مِصْرَ خَرَاجِيَّةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَأَنَّهُ لِمَوْتِ الْمَالِكِينَ شَيْئًا فَشَيْئًا مِنْ غَيْرِ اخْتِلَافِ وَرَثَةٍ فَصَارَتْ لِبَيْتِ الْمَالِ .
ا هـ .
وَلِصَاحِبِ الْبَحْرِ رِسَالَةٌ فِي الْأَرَاضِي الْمِصْرِيَّةِ مُفِيدَةٌ ( قَوْلُهُ أَوْ أَجْلَاهُمْ الْإِمَامُ مِنْ أَرَاضِيِهِمْ ) أَيْ قَبْلَ ضَرْبِ الْجِزْيَةِ عَلَيْهِمْ أَوْ بَعْدَهُ بِعُذْرٍ .
قَالَ فِي الْكَافِي نَقْلُ أَهْلِ الذِّمَّةِ عَنْ أَرَاضِيِهِمْ إلَى أَرْضٍ أُخْرَى صَحَّ بِعُذْرٍ لَا بِدُونِهِ وَالْعُذْرُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُمْ شَوْكَةٌ وَقُوَّةٌ فَيُخَافُ عَلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ أَوْ يُخَافُ عَلَيْنَا مِنْهُمْ بِأَنْ يُخْبِرُوهُمْ بِعَوْرَاتِ الْمُسْلِمِينَ وَلَهُمْ قِيمَةُ أَرَاضِيِهَا أَوْ مِثْلُهَا مِسَاحَةً مِنْ أَرْضٍ أُخْرَى وَعَلَيْهِمْ خَرَاجُ هَذِهِ الْأَرْضِ الَّتِي انْتَقِلُوا إلَيْهَا ، وَفِي رِوَايَةٍ خَرَاجُ الْمَنْقُولِ عَنْهَا وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ .
( قَوْلُهُ : وَأَمَّا إذَا كَانُوا مُسْلِمِينَ فَيُوضَعُ عَلَيْهِمْ الْعُشْرُ ) يُخَالِفُهُ مَا قَالَ فِي الْكَافِي وَأَرَاضِيُهُمْ أَيْ الَّتِي انْتَقَلُوا عَنْهَا خَرَاجِيَّةٌ فَلَوْ تَوَطَّنَهَا مُسْلِمٌ عَلَيْهِ خَرَاجُهَا ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يُنَافِي بَقَاءَ الْخَرَاجِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَمَا أَحْيَاهُ مُسْلِمٌ يُعْتَبَرُ بِقُرْبِهِ ) هَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَاعْتَبَرَ مُحَمَّدٌ الْمَاءَ فَإِنْ أَحْيَاهُ بِمَاءِ الْخَرَاجِ فَهِيَ خَرَاجِيَّةٌ وَإِلَّا فَعُشْرِيَّةٌ .

( وَكُلٌّ مِنْهُمَا ) أَيْ مِنْ الْأَرْضِ الْعُشْرِيَّةِ وَالْخَرَاجِيَّةِ ( إنْ سُقِيَ بِمَاءِ الْعُشْرِ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْعُشْرُ إلَّا أَرْضَ كَافِرٍ تُسْقَى بِمَاءِ الْعُشْرِ ) حَيْثُ يُؤْخَذُ مِنْهَا الْخَرَاجُ ( وَإِنْ سُقِيَ بِمَاءِ الْخَرَاجِ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْخَرَاجُ ) قَالَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ : الْعُشْرُ وَالْخَرَاجُ مُتَعَلِّقَانِ بِالْأَرْضِ النَّامِيَةِ وَنَمَاؤُهَا بِمَائِهَا فَيُعْتَبَرُ السَّقْيُ بِمَاءِ الْعُشْرِ أَوْ بِمَاءِ الْخَرَاجِ .
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ : مُرَادُهُ فِي هَذَا التَّفْصِيلِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ .
أَمَّا الْكَافِرُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ مِنْ أَيِّ مَاءٍ يُسْقَى ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ لَا يُبْتَدَأُ بِالْعُشْرِ فَلَا يَتَأَتَّى فِيهِ التَّفْصِيلُ فِي حَالَةِ الِابْتِدَاءِ إجْمَاعًا ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيهِ حَالَةَ الْبَقَاءِ فِيمَا إذَا مَلَكَ عُشْرِيَّةً هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ أَوْ الْعُشْرُ ا هـ .
ثُمَّ لَمَّا ذَكَرَ الْمَاءَ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَهُ فَقَالَ ( مَاءُ السَّمَاءِ وَمَاءُ بِئْرٍ وَعَيْنٍ فِي أَرْضٍ عُشْرِيَّةٍ عُشْرِيٌّ وَمَاءُ أَنْهَارٍ حَفَرَهَا الْعَجَمُ وَ ) مَاءُ ( بِئْرٍ وَعَيْنٍ فِي أَرْضٍ خَرَاجِيَّةٍ خَرَاجِيٌّ ) كَذَا فِي الْمُحِيطِ ، وَلَوْ أَنَّ الْمُسْلِمَ أَوْ الذِّمِّيَّ سَقَاهُ مَرَّةً بِمَاءِ الْعُشْرِ وَمَرَّةً بِمَاءِ الْخَرَاجِ فَالْمُسْلِمُ أَحَقُّ بِالْعُشْرِ وَالْكَافِرُ بِالْخَرَاجِ كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ ( كَذَا ) أَيْ خَرَاجِيٌّ ( سَيْحُونُ ) نَهْرُ خُجَنْدَةَ ( وَجَيْحُونُ ) نَهْرُ تِرْمِذَ ( وَدِجْلَةَ ) نَهْرُ بَغْدَادَ ( وَالْفُرَاتُ ) نَهْرُ الْكُوفَةِ ( عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعُشْرِيٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ) .

( قَوْلُهُ : وَكُلٌّ مِنْهُمَا إنْ سُقِيَ بِمَاءِ الْعُشْرِ
إلَخْ ) فِيهِ مُخَالَفَةٌ لِقَوْلِهِ قَبْلَهُ وَمَا أَحْيَاهُ مُسْلِمٌ يُعْتَبَرُ بِقُرْبِهِ لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ الْحَيِّزَ ثَمَّةَ وَهُنَا اعْتَبَرَ الْمَاءَ وَعَلِمْت أَنَّ ذَاكَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَهَذَا أَيْ اعْتِبَارُ الْمَاءِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ .
( قَوْلُهُ : هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْخَرَاجُ أَوْ الْعُشْرُ ) تَتِمَّتُهُ أَوْ الْعُشْرَانِ كَمَا هُوَ نَصُّ الزَّيْلَعِيِّ .

( وَهُوَ ) أَيْ الْخَرَاجُ ( نَوْعَانِ ) أَحَدُهُمَا ( خَرَاجُ مُقَاسَمَةٍ إنْ كَانَ الْوَاجِبُ بَعْضَ الْخَارِجِ كَالْخُمُسِ وَنَحْوِهِ وَ ) الثَّانِي ( خَرَاجُ وَظِيفَةٍ إنْ كَانَ الْوَاجِبُ شَيْئًا فِي الذِّمَّةِ يَتَعَلَّقُ بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالْأَرْضِ كَمَا وَضَعَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ لِكُلِّ جَرِيبٍ ) وَهُوَ سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي سِتِّينَ بِذِرَاعِ كِسْرَى وَهُوَ سَبْعُ قَبَضَاتٍ وَذِرَاعُ الْمِسَاحَةِ سَبْعُ قَبَضَاتٍ وَأُصْبُعٌ قَائِمَةٌ وَعِنْدَ الْحِسَابِ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ أُصْبُعًا وَالْأُصْبُعُ سِتُّ شُعَيْرَاتٍ مَضْمُومَةٍ بُطُونُ بَعْضِهَا إلَى بَعْضٍ وَقِيلَ مَا ذُكِرَ جَرِيبُ سَوَادِ الْعِرَاقِ وَفِي غَيْرِهِمْ يُعْتَبَرُ الْمُعْتَادُ عِنْدَهُمْ ( يَبْلُغُهُ الْمَاءُ ) صِفَةُ جَرِيبٍ ( صَاعًا ) مَفْعُولُ وَضَعَ ( مِنْ بُرٍّ أَوْ شَعِيرٍ وَدِرْهَمًا ) عَطْفٌ عَلَى صَاعًا ( وَلِجَرِيبِ الرَّطْبَةِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَلِجَرِيبِ الْكَرْمِ وَالنَّخْلِ مُتَّصِلَةً ضِعْفُهَا وَلِمَا سِوَاهُ كَزَعْفَرَانٍ وَبُسْتَانٍ ) وَهُوَ أَرْضٌ يَحُوطُهَا حَائِطٌ وَفِيهَا نَخِيلٌ مُتَفَرِّقَةٌ وَأَشْجَارٌ وَأَعْنَابٌ وَيُمْكِنُ زِرَاعَةُ مَا بَيْنَ الْأَشْجَارِ ، فَإِنْ كَانَتْ الْأَشْجَارُ مُلْتَفَّةً لَا يُمْكِنُ زِرَاعَةُ أَرْضِهَا فَهِيَ كَرْمٌ ( مَا يُطِيقُ ) إذْ لَيْسَ فِيهِ تَوْظِيفُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَقَدْ اعْتَبَرَ الطَّاقَةَ فِي ذَلِكَ فَنَعْتَبِرُهَا فِيمَا لَا تَوْظِيفَ فِيهِ قَالُوا ( وَنِصْفُ الْخَارِجِ غَايَةُ الطَّاقَةِ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ ) لِأَنَّ التَّنْصِيفَ غَايَةُ الْإِنْصَافِ ( وَنَقْصٌ إنْ لَمْ تُطَقْ وَظِيفَتُهَا ) بِالْإِجْمَاعِ ( وَلَا يُزَادُ إنْ أَطَاقَتْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ( وَيُزَادُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ) اعْتِبَارًا بِالنُّقْصَانِ وَلِأَبِي يُوسُفَ أَنَّ خَرَاجَ التَّوْظِيفِ مُقَدَّرٌ شَرْعًا وَاتِّبَاعُ الصَّحَابَةِ فِيهِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ - وَاجِبٌ ؛ لِأَنَّ الْمَقَادِيرَ لَا تُعْرَفُ إلَّا تَوْقِيفًا وَالتَّقْدِيرُ يَمْنَعُ الزِّيَادَةَ ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ يَجُوزُ إجْمَاعًا فَتَعَيَّنَ مَنْعُ الزِّيَادَةِ لِئَلَّا

يَخْلُوَ التَّقْدِيرُ عَنْ الْفَائِدَةِ .
( قَوْلُهُ : أَحَدُهُمَا خَرَاجُ مُقَاسَمَةٍ ) حُكْمُهُ حُكْمُ الْعُشْرِ فَيَتَعَلَّقُ بِالْخَارِجِ لَا بِالتَّمَكُّنِ مِنْ الزِّرَاعَةِ حَتَّى إذَا عَطَّلَ الْأَرْضَ مِنْ التَّمَكُّنِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ كَمَا فِي الْعُشْرِ وَيُوضَعُ ذَلِكَ فِي الْخَرَاجِ أَيْ يُصْرَفُ مَصْرِفَهُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ .
( قَوْلُهُ : كَالْخُمُسِ وَنَحْوِهِ ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَزِيدُ عَلَى النِّصْفِ كَمَا سَيُصَرِّحُ بِهِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَنْقُصَ عَنْ الْخُمُسِ ضِعْفُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ .
( قَوْلُهُ : صَاعًا مِنْ بُرٍّ أَوْ شَعِيرٍ ) أَيْ هُوَ مُخَيَّرٌ فِي إعْطَاءِ الصَّاعِ مِنْ الشَّعِيرِ أَوْ الْبُرِّ كَمَا فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى فَتَاوَى قَاضِي خَانْ .
ا هـ .
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مِمَّا يُزْرَعُ فِي تِلْكَ الْأَرْضِ كَمَا فِي الْكَافِي .
( قَوْلُهُ : وَدِرْهَمًا ) أَيْ مِنْ أَجْوَدِ النُّقُودِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ .
وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ مَعْنَاهُ يَكُونُ الدِّرْهَمُ مِنْ وَزْنِ سَبْعَةٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ وَزْنُهُ أَرْبَعَةَ عَشَرَ قِيرَاطًا ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَلِجَرِيبِ الرَّطْبَةِ ) بِالْفَتْحِ وَالْجَمْعُ الرِّطَابُ وَهِيَ الْقِثَّاءُ وَالْخِيَارُ وَالْبِطِّيخُ وَالْبَاذِنْجَان وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ وَالْبُقُولُ غَيْرُ الرِّطَابِ مِثْلُ الْكُرَّاثِ .
( قَوْلُهُ : وَلَا يُزَادُ إنْ أَطَاقَتْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ) هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْكَافِي .
( قَوْلُهُ : وَيُزَادُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ) لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ لِمَا قَالَ فِي الْكَافِي الْأَرَاضِيُ الَّتِي صَدَرَ التَّوْظِيفُ فِيهَا مِنْ عُمَرَ أَوْ مِنْ إمَامٍ بِمِثْلِ وَظِيفَةِ عُمَرَ لَمْ تَجُزْ الزِّيَادَةُ عَلَى تِلْكَ الْوَظِيفَةِ إجْمَاعًا ، وَأَمَّا إذَا أَرَادَ الْإِمَامُ تَوْظِيفَ الْخَرَاجِ عَلَى أَرْضٍ ابْتِدَاءً وَزَادَ عَلَى وَظِيفَةِ عُمَرَ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ .
ا هـ .

( وَلَا خَرَاجَ لَوْ انْقَطَعَ الْمَاءُ عَنْ أَرْضِهِ أَوْ غَلَبَ ) لِانْتِفَاءِ النَّمَاءِ التَّقْدِيرِيِّ الْمُعْتَبَرِ فِي الْخَرَاجِ وَهُوَ التَّمَكُّنُ مِنْ الزِّرَاعَةِ ( أَوْ أَصَابَ الزَّرْعَ آفَةٌ ) لِأَنَّ الْأَصْلَ إذَا هَلَكَ بَطَلَ مَا تَعَلَّقَ بِهِ وَقَالُوا إنَّمَا يَسْقُطُ إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ السَّنَةِ مِقْدَارُ مَا يُمَكِّنُهُ أَنْ يَزْرَعَ الْأَرْضَ ثَانِيًا ، وَأَمَّا إذَا بَقِيَ فَلَا يَسْقُطُ .
( قَوْلُهُ : وَلَا خَرَاجَ لَوْ انْقَطَعَ الْمَاءُ عَنْ أَرْضِهِ أَوْ غَلَبَ ) كَذَا حُكْمُ الْأُجْرَةِ فِي الْأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ ( قَوْلُهُ أَوْ أَصَابَ الزَّرْعَ آفَةٌ ) أَيْ سَمَاوِيَّةٌ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا كَالْغَرَقِ وَالْحَرْقِ وَشِدَّةِ الْبَرْدِ وَعَدَمِ لُزُومِ الْخَرَاجِ بِالْآفَةِ السَّمَاوِيَّةِ فِي ذَهَابِ كُلِّ الزَّرْعِ ، وَأَمَّا إذَا بَقِيَ بَعْضُهُ قَالَ مُحَمَّدٌ إنْ بَقِيَ مِقْدَارُ الْخَرَاجِ وَمِثْلُهُ بِأَنْ بَقِيَ مِقْدَارُ دِرْهَمَيْنِ وَقَفِيزَيْنِ يَجِبُ الْخَرَاجُ وَإِنْ بَقِيَ أَقَلُّ مِنْ مِقْدَارِ الْخَرَاجِ يَجِبُ نِصْفُهُ قَالَ مَشَايِخُنَا وَالصَّوَابُ فِي هَذَا أَنْ يُنْظَرَ أَوَّلًا إلَى مَا أَنْفَقَ هَذَا الرَّجُلُ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ ثُمَّ يُنْظَرَ إلَى الْخَارِجِ فَيَجِبَ مَا أَنْفَقَ أَوَّلًا مِنْ الْخَارِجِ فَإِنْ فَضَلَ مِنْهُ شَيْءٌ أُخِذَ مِنْهُ مِقْدَارُ مَا بَيَّنَّا .
ا هـ .
وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الْآفَةُ غَيْرَ سَمَاوِيَّةٍ وَيُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا كَأَكْلِ الْقِرَدَةِ وَالسِّبَاعِ وَالْأَفْعَى وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا يَسْقُطُ الْخَرَاجُ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَسْقُطُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّ هَلَاكَ الْخَارِجِ قَبْلَ الْحَصَادِ يُسْقِطُ الْخَرَاجَ ، وَأَمَّا إذَا أَصَابَ زَرْعَ الْأَرْضِ الْمُسْتَأْجَرَةِ آفَةٌ سَمَاوِيَّةٌ فَمَا وَجَبَ مِنْ الْأَجْرِ قَبْلَ الِاصْطِلَامِ لَا يَسْقُطُ وَمَا وَجَبَ بَعْدَ الِاصْطِلَامِ يَسْقُطُ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ ، كَذَا فِي الْبَحْرِ .

( وَيَجِبُ ) الْخَرَاجُ ( إنْ عَطَّلَهَا ) أَيْ الْأَرْضَ ( مَالِكُهَا ) لِأَنَّ التَّمَكُّنَ كَانَ ثَابِتًا وَقَدْ فَوَّتَهُ ( وَيَبْقَى ) الْخَرَاجُ ( إنْ أَسْلَمَ الْمَالِكُ ) لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْمُؤْنَةِ فَيُعْتَبَرُ مُؤْنَتُهُ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ فَأَمْكَنَ إبْقَاؤُهُ عَلَى الْمُسْلِمِ ( أَوْ شَرَاهَا ) مِنْ أَهْلِ الْخَرَاجِ ( مُسْلِمٌ ) لِمَا ذَكَرْنَا وَقَدْ صَحَّ أَنَّ الصَّحَابَةَ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ اشْتَرَوْا أَرَاضِيَ الْخَرَاجِ وَكَانُوا يُؤَدُّونَ خَرَاجَهَا .
( قَوْلُهُ : وَيَجِبُ الْخَرَاجُ إذَا عَطَّلَهَا أَيْ الْأَرْضَ مَالِكُهَا ) قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ هَذَا إذَا كَانَ الْخَرَاجُ مُوَظَّفًا أَمَّا إذَا كَانَ خَرَاجَ مُقَاسَمَةٍ لَا يَجِبُ شَيْءٌ ، كَذَا فِي الْفَوَائِدِ .
ا هـ .
وَأَشَارَ إلَى أَنَّهُ إذَا مَنَعَهُ إنْسَانٌ مِنْ الزِّرَاعَةِ لَا خَرَاجَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ وَتَقَدَّمَ أَنَّ مِصْرَ الْآنَ لَيْسَتْ خَرَاجِيَّةً بَلْ بِالْأُجْرَةِ فَلَا شَيْءَ عَلَى مَنْ لَمْ يَزْرَعْ وَلَمْ يَكُنْ مُسْتَأْجِرًا وَلَا جَبْرَ عَلَيْهِ بِسَبَبِهَا فَمَا يَفْعَلُهُ الظُّلْمَةُ مِنْ الْإِضْرَارِ بِهِ حَرَامٌ خُصُوصًا إذَا أَرَادَ الِاشْتِغَالَ بِالْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ ، كَذَا فِي الْبَحْرِ .
( قَوْلُهُ : وَيَبْقَى الْخَرَاجُ إنْ أَسْلَمَ الْمَالِكُ ) ذِكْرُهُ هُنَا كَغَيْرِهِ مِثْلَ الْهِدَايَةِ وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ الْعُشْرِ .

( وَلَا عُشْرَ فِي خَارِجِ أَرْضِهِ ) أَيْ أَرْضِ الْخَرَاجِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يُجْمَعُ عُشْرٌ وَخَرَاجٌ فِي أَرْضِ مُسْلِمٍ } وَلِأَنَّ أَحَدًا مِنْ أَئِمَّةِ الْعَدْلِ وَالْجَوْرِ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَهُمَا وَكَفَى بِإِجْمَاعِهِمْ حُجَّةً .
( قَوْلُهُ : وَلَا عُشْرَ فِي خَارِجِ أَرْضِهِ ) كَذَا لَا زَكَاةَ مَعَ الْعُشْرِ أَوْ الْخَرَاجِ وَلَا يَجْتَمِعُ حَدٌّ وَعَقْرٌ وَجَلْدٌ وَنَفْيٌ وَجَلْدٌ وَرَجْمٌ وَزَكَاةُ تِجَارَةٍ وَصَدَقَةُ فِطْرٍ وَقَطْعٌ وَضَمَانٌ وَتَيَمُّمٌ وَوُضُوءٌ وَحَبَلٌ وَحَيْضٌ وَنِفَاسٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ

( وَيَتَكَرَّرُ الْعُشْرُ بِتَكَرُّرِ الْخَارِجِ ) ؛ لِأَنَّ الْعُشْرَ لَا يَتَحَقَّقُ عُشْرًا إلَّا بِوُجُوبِهِ فِي كُلِّ الْخَارِجِ ( لَا الْخَرَاجُ الْمُوَظَّفُ ) ، فَإِنَّهُ لَا يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْخَارِجِ فِي سَنَةٍ ؛ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يُوَظِّفْهُ مُكَرَّرًا ، وَإِنَّمَا قُيِّدَ الْخَرَاجُ بِالْمُوَظَّفِ ؛ لِأَنَّ خَرَاجَ الْمُقَاسَمَةِ يَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِ الْخَارِجِ .
.

( يَجِبُ الْعُشْرُ فِي الْأَرَاضِيِ الْمَوْقُوفَةِ وَأَرَاضِيِ الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ وَالْمُكَاتَبِ وَالْمَأْذُونِ وَالْمَدْيُونِ لَوْ ) كَانَتْ ( عُشْرِيَّةً وَالْخَرَاجُ لَوْ ) كَانَتْ ( خَرَاجِيَّةً ) لِأَنَّ سَبَبَ الْعُشْرِ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ بِحَقِيقَةِ الْخَارِجِ وَسَبَبَ الْخَرَاجِ الْأَرْضُ النَّامِيَةُ بِالتَّمَكُّنِ وَلَا عِبْرَةَ بِالصَّاحِبِ .
( قَوْلُهُ : وَيَجِبُ الْعُشْرُ فِي الْأَرَاضِي الْمَوْقُوفَةِ ) لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ الْمُشْتَرَاةَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إذَا وَقَفَهَا مُشْتَرِيهَا لَا عُشْرَ فِيهَا وَلَا خَرَاجَ كَمَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَأَفْرَدَهُ بِرِسَالَةٍ .
.

( فَصْلٌ فِي ) ( الْجِزْيَةِ ) وَهِيَ نَوْعَانِ جِزْيَةٌ وُضِعَتْ بِالصُّلْحِ وَالتَّرَاضِي فَتُقَدَّرُ بِحَسَبِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِاتِّفَاقُ وَجِزْيَةٌ يَضَعُهَا الْإِمَامُ إذَا غَلَبَ عَلَيْهِمْ ( مَا وُضِعَ ) مِنْ الْجِزْيَةِ ( بِالصُّلْحِ لَا يُقَدَّرُ ) أَيْ لَا يَكُونُ لَهُ تَقْدِيرٌ مِنْ الشَّارِعِ بَلْ كُلُّ مَا يَقَعُ الصُّلْحُ عَلَيْهِ يَتَعَيَّنُ ( وَلَا يُغَيَّرُ ) بِزِيَادَةٍ وَنَقْصٍ ( وَمَا وُضِعَ بَعْدَمَا غُلِبُوا وَأُقِرُّوا عَلَى أَمْلَاكِهِمْ ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ مَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ الْعَقَارِ وَغَيْرِهِ يَكُونُ أَمْلَاكًا لَهُمْ بَعْدَمَا أَقَرُّوا عَلَيْهَا ( يُقَدَّرُ عَلَى كِتَابِيٍّ وَمَجُوسِيٍّ وَوَثَنِيٍّ عَجَمِيٍّ ظَهَرَ غِنَاهُ ) بِأَنْ مَلَكَ عَشَرَةَ آلَافِ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا ، وَاللَّامُ فِي ( لِكُلِّ سَنَةٍ ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ يُقَدَّرُ وَقَوْلُهُ ( ثَمَانِيَةٌ وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا ) فَاعِلُ يُقَدَّرُ يُؤْخَذُ مِنْهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ وَزْنَ سَبْعَةٍ .
( وَ ) يُقَدَّرُ ( عَلَى مُتَوَسِّطِ مَلَكَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةِ آلَافٍ نِصْفُهَا ) أَيْ أَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ يُؤْخَذُ فِي كُلِّ شَهْرٍ دِرْهَمَانِ ( وَعَلَى فَقِيرٍ لَا يَمْلِكُ الْمِائَتَيْنِ ، وَ ) لَكِنْ ( يَكْسِبُ ) أَيْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْكَسْبِ ( رُبْعَهَا ) أَيْ اثْنَيْ عَشَرَ يُؤْخَذُ مِنْهُ فِي كُلِّ شَهْرٍ دِرْهَمٌ ( لَا ) عَلَى ( وَثَنِيٍّ عَرَبِيٍّ ) فَإِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِ فَعُرْسُهُ وَطِفْلُهُ فَيْءٌ ( وَلَا ) عَلَى ( مُرْتَدٍّ وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُمَا إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ ) ؛ لِأَنَّ كُفْرَهُمَا قَدْ تَغَلُّظَ أَمَّا وَثَنِيُّ الْعَرَبِ فَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَشَأَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ وَالْقُرْآنُ نَزَلَ بِلُغَتِهِمْ فَالْمُعْجِزَةُ فِي حَقِّهِمْ أَظْهَرُ ، وَأَمَّا الْمُرْتَدُّ فَلِأَنَّهُ كَفَرَ بِرَبِّهِ بَعْدَمَا هُدِيَ إلَى الْإِسْلَامِ وَوَقَفَ عَلَى مَحَاسِنِهِ ( وَلَا ) عَلَى ( رَاهِبٍ لَا يُخَالِطُ ) وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُوضَعُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ ( وَصَبِيٍّ وَامْرَأَةٍ

وَمَمْلُوكٍ وَأَعْمَى وَزَمِنٍ وَفَقِيرٍ لَا يَكْتَسِبُ ) .

( فَصْلٌ فِي الْجِزْيَةِ ) الْجِزْيَةُ اسْمٌ لِمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْجَمْعُ جِزًى كَاللِّحْيَةِ وَلِحًى لِأَنَّهَا تَجْزِي عَنْ الْقَتْلِ ، كَذَا فِي الْبَحْرِ .
( قَوْلُهُ : وَأُقِرُّوا عَلَى أَمْلَاكِهِمْ ) مِنْ أَرْضٍ وَعَقَارٍ فَقَطْ .
( قَوْلُهُ : وَغَيْرِهِ ) هَذَا يُنَافِي مَا تَقَدَّمَ لَنَا مِنْ أَنَّ غَيْرَ الْعَقَارِ لَا يَجُوزُ الْمَنُّ بِهِ عَلَيْهِمْ وَإِنَّمَا يَبْقَى لَهُمْ مِنْ الْمَنْقُولِ قَدْرُ مَا يَتَأَتَّى لَهُمْ بِهِ الْعَمَلُ وَعَدَمُ جَوَازِ الْمَنِّ بِهِ لِأَنَّهُ لِمَنْ نَصَّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ }
إلَخْ فَهَذِهِ الْإِشَارَةُ غَيْرُ مُسَلَّمَةٍ .
( قَوْلُهُ : عَلَى كِتَابِيٍّ ) سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْعَرَبِ أَوْ الْعَجَمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ } كَذَا فِي الْعِنَايَةِ ( قَوْلُهُ : ظَهَرَ غِنَاهُ
إلَخْ ) هَذَا مَا اخْتَارَ الطَّحَاوِيُّ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَهُوَ أَحْسَنُ الْأَقْوَالِ .
ا هـ .
وَقَالَ فِي الِاخْتِيَارِ اخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْغَنِيِّ وَالْمُتَوَسِّطِ وَالْفَقِيرِ وَالْمُخْتَارُ أَنْ يُنْظَرَ فِي كُلِّ بَلَدٍ إلَى حَالِ أَهْلِهِ وَمَا يَعْتَبِرُونَهُ فِي ذَلِكَ وَيَجِبُ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ لِإِسْقَاطِ الْقَتْلِ وَتُقَسَّطُ عَلَى الْأَشْهُرِ تَخْفِيفًا وَلِيُمْكِنَهُ الْأَدَاءُ ا هـ .
( قَوْلُهُ : لَا عَلَى وَثَنِيٍّ عَرَبِيٍّ فَإِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ فَعُرْسُهُ وَطِفْلُهُ فَيْءٌ ) كَذَا فِي التَّبْيِينِ ؛ { لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْتَرِقُّ ذَرَارِيَّ مُشْرِكِي الْعَرَبِ } وَأَبُو بَكْرٍ اسْتَرَقَّ نِسَاءَ بَنِي حَنِيفَةَ وَصِبْيَانَهُمْ .
ا هـ .
وَإِذَا ظَهَرَ عَلَى عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ وَالْمُرْتَدِّينَ فَنِسَاؤُهُمْ وَصِبْيَانُهُمْ فَيْءٌ إلَّا أَنَّ ذَرَارِيَّ الْمُرْتَدِّينَ وَنِسَاءَهُمْ يُجْبَرُونَ عَلَى الْإِسْلَامِ دُونَ ذَرَارِيِّ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَنِسَائِهِمْ ، كَذَا فِي الْعِنَايَةِ .
( قَوْلُهُ : وَلَا يُقْبَلُ مِنْهُمَا إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ
إلَخْ ) اُسْتُدِلَّ لَهُ فِي الِاخْتِيَارِ {

بِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ لَوْ كَانَ يَجْرِي عَلَى عَرَبِيٍّ رِقٌّ لَكَانَ الْيَوْمَ وَإِنَّمَا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ } ا هـ .
( قُلْت ) فَيُرَادُ بِالْعَرَبِيِّ الرَّجُلُ الْبَالِغُ غَيْرُ الْكِتَابِيِّ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ اسْتِرْقَاقِ نِسَاءِ الْعَرَبِ وَذَرَارِيِّهِمْ .
ا هـ
وَفِي الْعِنَايَةِ وَتُرِكَ الْقِيَاسُ فِي الْكِتَابِيِّ الْعَرَبِيِّ بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ نَصِّ الْآيَةِ وَلَوْلَاهُ لَدَخَلَ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ كَانَ يَجْرِي عَلَى عَرَبِيٍّ رِقٌّ الْحَدِيثَ .
( قَوْلُهُ : أَمَّا وَثَنِيُّ الْعَرَبِ فَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَشَأَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ ) هُوَ وَإِنْ شَمِلَ الْكِتَابِيَّ فَقَدْ خُصَّ بِالْكِتَابِيِّ كَمَا بَيَّنَّاهُ وَالْوَثَنُ مَا لَهُ جُثَّةٌ مِنْ خَشَبٍ أَوْ حَجَرٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ جَوْهَرٍ يُنْحَتُ وَالْجَمْعُ أَوْثَانٌ كَمَا فِي الْمُغْرِبِ ، .
وَفِي السِّرَاجِ الْوَثَنُ مَا كَانَ مَنْقُوشًا فِي حَائِطٍ وَلَا شَخْصَ لَهُ وَالصَّنَمُ اسْمٌ لِمَا كَانَ عَلَى صُورَةِ الْإِنْسَانِ وَالصَّلِيبُ مَا لَا نَقْشَ فِيهِ وَلَا صُورَةَ تُعْبَدُ ، كَذَا فِي الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُوضَعُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ ) جَزَمَ بِهِ فِي الِاخْتِيَارِ حَيْثُ قَالَ وَلَا عَلَى الرُّهْبَانِ الْمُعْتَزِلِينَ وَالْمُرَادُ الَّذِينَ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى الْعَمَلِ أَوْ السَّيَّاحِينَ وَنَحْوِهِمْ أَمَّا إذَا كَانُوا يَقْدِرُونَ عَلَى الْعَمَلِ فَيَجِبُ عَلَيْهِمْ وَإِنْ انْعَزَلُوا وَتَرَكُوا الْعَمَلَ ؛ لِأَنَّهُمْ يَقْدِرُونَ عَلَى الْعَمَلِ فَصَارُوا كَالْمُعْتَمِلِينَ إذَا تَرَكُوا الْعَمَلَ فَتُؤْخَذُ مِنْهُمْ الْجِزْيَةُ كَتَعْطِيلِ أَرْضِ الْخَرَاجِ .
ا هـ .
وَمِثْلُهُ فِي الْجَوْهَرَةِ مُقْتَصَرًا عَلَيْهِ .
( قَوْلُهُ : وَزَمِنٍ ) الزَّمَانَةُ عَدَمُ بَعْضِ أَعْضَائِهِ أَوْ تَعْطِيلُ قُوَاهُ ، كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْعِنَايَةِ .
( قَوْلُهُ : وَفَقِيرٍ لَا يَكْتَسِبُ ) قَالَ فِي الْبَحْرِ هُوَ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ وَالْمُعْتَمِلُ الْمُكْتَسِبُ الَّذِي

يَقْدِرُ عَلَى الْعَمَلِ وَإِنْ لَمْ يُحْسِنْ حِرْفَةً وَيَكْتَفِي بِصِحَّتِهِ فِي أَكْثَرِ السَّنَةِ .
ا هـ .
فَإِذَا تَرَكَ الْعَمَلَ تُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ كَتَعْطِيلِ أَرْضِ الْخَرَاجِ وَغَيْرُ مُطِيقِ الْعَمَلِ مُعْتَبَرٌ بِالْأَرْضِ الَّتِي لَا تَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ اعْتِبَارًا لِخَرَاجِ الرُّءُوسِ بِخَرَاجِ الْأَرْضِ ، كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ .

( وَتَسْقُطُ ) الْجِزْيَةُ ( بِالْمَوْتِ وَالْإِسْلَامِ ) ؛ لِأَنَّ شَرْعَ الْعُقُوبَةِ فِي الدُّنْيَا يَكُونُ لِدَفْعِ الشَّرِّ وَقَدْ انْدَفَعَ بِهِمَا .
( قَوْلُهُ : وَتَسْقُطُ بِالْمَوْتِ وَالْإِسْلَامِ ) كَذَا تَسْقُطُ إذَا عَمِيَ أَوْ زَمِنَ أَوْ أُقْعِدَ أَوْ صَارَ شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ الْعَمَلَ أَوْ افْتَقَرَ بِحَيْثُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَلَا فَرْقَ فِي الْمُسْقَطِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ تَمَامِ السَّنَةِ أَوْ فِي بَعْضِهَا وَتَسْقُطُ جِزْيَةُ سَنَةٍ مَرِضَ نِصْفَهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ .

( وَتَتَدَاخَلُ ) الْجِزْيَةُ ( بِالتَّكْرَارِ ) يَعْنِي إذَا لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ الْجِزْيَةُ حَتَّى حَالَ عَلَيْهِ حَوْلَانِ تَسْقُطُ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا لَا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ( لَا يُحْدِثُ بَيْعَةً وَلَا كَنِيسَةً وَبَيْتَ نَارٍ ) يُقَالُ : كَنِيسَةُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى لِمُتَعَبَّدِهِمْ وَكَذَلِكَ الْبَيْعَةُ مُطْلَقًا فِي الْأَصْلِ ، وَإِنْ غَلَبَ اسْتِعْمَالُ الْكَنِيسَةِ لِمُتَعَبَّدِ الْيَهُودِ وَالْبَيْعَةِ لِمُتَعَبَّدِ النَّصَارَى ، كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالصَّوْمَعَةُ الْمُتَخَلَّى فِيهَا بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعَةِ ، بِخِلَافِ مَوْضِعِ الصَّلَاةِ فِي الْبَيْتِ لِأَنَّهُ تَبَعُ السُّكْنَى ( هَاهُنَا ) أَيْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ( وَلَهُمْ إعَادَةُ الْمُنْهَدِمِ ) أَيْ لَهُمْ أَنْ يَبْنُوهَا فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ عَلَى قَدْرِ الْبِنَاءِ الْأَوَّلِ وَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ بَلْ مِنْ نَقْلِهَا إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ لِأَنَّهُ إحْدَاثٌ .

( قَوْلُهُ : وَتَتَدَاخَلُ بِالتَّكْرَارِ ) اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى التَّكْرَارِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ إذَا دَخَلَتْ السَّنَةُ الثَّانِيَةُ سَقَطَتْ جِزْيَةُ السَّنَةِ الْأُولَى وَذَلِكَ لِأَنَّهَا تُؤْخَذُ فِي آخِرِ الْحَوْلِ قَبْلَ تَمَامِهِ بِحَيْثُ يَبْقَى مِنْهُ يَوْمٌ أَوْ يَوْمَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، كَذَا فِي الْبَحْرِ .
وَقَالَ فِي الْهِدَايَةِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مَنْ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ خَرَاجُ رَأْسِهِ حَتَّى مَضَتْ السَّنَةُ وَجَاءَتْ سَنَةٌ أُخْرَى لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
ا هـ .
وَهَذَا خِلَافُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الِاخْتِيَارِ أَنَّهَا تَسْقُطُ عَلَى الْأَشْهَرِ .
ا هـ .
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ قُيِّدَ بِالْجِزْيَةِ ؛ لِأَنَّ الدُّيُونَ وَالْأُجْرَةَ وَالْخَرَاجَ لَا يَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ وَالْمَوْتِ اتِّفَاقًا وَاخْتُلِفَ فِي سُقُوطِ الْخَرَاجِ بِالتَّدَاخُلِ فَعِنْدَ الْإِمَامِ يَسْقُطُ وَعِنْدَهُمَا لَا وَقِيلَ لَا تَدَاخُلَ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ كَالْعُشْرِ .
ا هـ .
( تَنْبِيهٌ ) لَا يَقْبَلُ الْجِزْيَةَ لَوْ بَعَثَهَا عَلَى يَدِ نَائِبِهِ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَاتِ بَلْ يُكَلَّفُ أَنْ يَأْتِيَ بِنَفْسِهِ فَيُعْطِي قَائِمًا وَالْقَابِضُ مِنْهُ قَاعِدٌ وَفِي رِوَايَةٍ يَأْخُذُ بِتَلْبِيبِهِ وَيَهُزُّهُ هَزًّا وَيَقُولُ لَهُ أَعْطِ الْجِزْيَةَ يَا ذِمِّيُّ ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ أَوْ يَقُولُ لَهُ : يَا يَهُودِيُّ يَا عَدُوَّ اللَّهِ .
كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَلَا يُقَالُ لَهُ : يَا كَافِرُ .
وَيَأْثَمُ الْقَائِلُ إذَا آذَاهُ بِهِ كَمَا فِي الْقُنْيَةِ وَفِي بَعْضِ الْكُتُبِ أَنَّهُ يُصْفَعُ فِي عُنُقِهِ حِينَ أَدَاءِ الْجِزْيَةِ ، كَذَا فِي الْبَحْرِ .
( قَوْلُهُ : لَا تُحْدِثُ بَيْعَةً وَكَنِيسَةً وَبَيْتَ نَارٍ هُنَا أَيْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ) لَمْ يُقَيِّدْهُ فَشَمِلَ الْقُرَى كَالْأَمْصَارِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ .

( الذِّمِّيُّ إذَا اشْتَرَى دَارًا ) أَيْ أَرَادَ شِرَاءَهَا ( فِي الْمِصْرِ لَا يَنْبَغِي أَنْ تُبَاعَ مِنْهُ فَلَوْ اشْتَرَى يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهَا مِنْ الْمُسْلِمِ ) وَقِيلَ يَجُوزُ الشِّرَاءُ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْبَيْعِ إلَّا إذَا كَثُرَ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ يُمَيَّزُ الذِّمِّيُّ فِي زِيِّهِ وَمَرْكَبِهِ وَسَرْجِهِ وَسِلَاحِهِ فَلَا يَرْكَبُ خَيْلًا وَلَا يَعْمَلُ بِسِلَاحٍ ( وَيُظْهِرُ الْكُسْتِيجَ ) هُوَ خَيْطٌ غَلِيظٌ بِقَدْرِ الْأُصْبُعِ مِنْ الصُّوفِ أَوْ الشَّعْرِ يَشُدُّهُ الذِّمِّيُّ عَلَى وَسَطِهِ وَهُوَ غَيْرُ الزُّنَّارِ ، فَإِنَّهُ مِنْ الْإِبْرَيْسَمِ ( وَيَرْكَبُ عَلَى سَرْجٍ كَإِكَافٍ وَمُيِّزَتْ نِسَاؤُهُمْ فِي الطُّرُقِ وَالْحَمَّامِ وَيُعَلَّمُ عَلَى دُورِهِمْ لِئَلَّا يُسْتَغْفَرَ لَهُمْ وَنُقِضَ عَهْدُهُ ) حَتَّى اسْتَحَقَّ الْقَتْلَ ( إنْ غَلَبَ عَلَى مَوْضِعٍ لِحَرْبِنَا أَوْ لَحِقَ بِدَارِهِمْ ) ؛ لِأَنَّهُمْ صَارُوا حَرْبًا عَلَيْنَا فَيُعَرَّى عَقْدُ الذِّمَّةِ عَنْ الْفَائِدَةِ وَهُوَ دَفْعُ شَرِّ الْحَرْبِ ( وَصَارَ كَمُرْتَدٍّ فِي الْحُكْمِ بِمَوْتِهِ بِلِحَاقَةِ لَكِنْ لَوْ أُسِرَ يُسْتَرَقُّ وَالْمُرْتَدُّ يُقْتَلُ ) لِمَا مَرَّ وَسَيَأْتِي إلَّا أَنْ يَرْجِعَ فَيُسْلِمَ ( لَا ) أَيْ لَا يُنْقَضُ عَهْدُهُ .

( قَوْلُهُ : الذِّمِّيُّ
إلَخْ ) فِيهِ إشَارَةٌ إلَى جَوَازِ سُكْنَاهُ مَعَ الْمُسْلِمِينَ لَكِنْ فِي مَحَلَّةٍ خَاصَّةٍ فِي الْمُعْتَمَدِ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ وَهَذَا فِي غَيْرِ أَرْضِ الْعَرَبِ لَمَّا قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ يُمْنَعُ الْمُشْرِكُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا أَرْضَ الْعَرَبِ سَكَنًا وَوَطَنًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا يَجْتَمِعُ دِينَانِ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ } وَيُمْنَعُونَ مِنْ إظْهَارِ الْفَوَاحِشِ وَالرِّبَا وَالْمَزَامِيرِ وَالطَّنَابِيرِ وَالْغِنَاءِ وَكُلِّ لَهْوٍ مُحَرَّمٍ فِي دِينِهِمْ ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ كَبَائِرُ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ وَإِنْ حَضَرَ لَهُمْ عِيدٌ لَا يُخْرِجُونَ فِيهِ صُلْبَانَهُمْ ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَيَرْكَبُ عَلَى سَرْجٍ كَإِكَافٍ ) الْمُعْتَمَدُ أَنَّهُ لَا يَرْكَبُ مُطْلَقًا وَإِنْ رَكِبَ لِضَرُورَةٍ نَزَلَ فِي الْمَجَامِعِ وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ فِي الْمُرُورِ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ .

( إنْ امْتَنَعَ عَنْ الْجِزْيَةِ أَوْ زَنَى بِمُسْلِمَةٍ أَوْ قَتَلَ مُسْلِمًا أَوْ سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) قَالَ الشَّافِعِيُّ سَبُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْقُضُ الْعَهْدَ لِأَنَّ عَقْدَ الذِّمَّةِ خَلْفٌ عَنْ الْإِيمَانِ فِي إفَادَةِ الْأَمَانِ فَمَا يَنْقُضُ الْأَصْلَ الْأَقْوَى يَنْقُضُ الْخَلْفَ الْأَدْنَى بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَلَنَا أَنَّ مَا يَنْتَهِي بِهِ الْقِتَالُ الْتِزَامُ الْجِزْيَةِ وَقَبُولُهَا لَا أَدَاؤُهَا وَالِالْتِزَامُ بَاقٍ فَسَقَطَ الْقِتَالُ ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي أَقُولُ فِيهِ إشْكَالٌ لِأَنَّ مَعْنَى الِامْتِنَاعِ عَنْ الْجِزْيَةِ التَّصْرِيحُ بِعَدَمِ أَدَائِهَا كَأَنَّهُ يَقُولُ لَا أُعْطِي الْجِزْيَةَ بَعْدَ هَذَا وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ يُنَافِي بَقَاءَ الِالْتِزَامِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُرَادَ بِالِامْتِنَاعِ تَأْخِيرُهَا وَالتَّعَلُّلُ فِي أَدَائِهَا وَلَا يَخْفَى بَعْدَهُ وَسَبُّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُفْرٌ وَالْكُفْرُ الْمُقَارِنُ لَا يَمْنَعُ عُقْدَةَ الذِّمَّةِ فَالطَّارِئُ كَيْفَ يَرْفَعُهُ مَعَ أَنَّ الدَّفْعَ أَسْهَلُ مِنْ الرَّفْعِ وَأَيْضًا { قَالَ يَهُودِيٌّ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّامُّ عَلَيْك فَقَالَ أَصْحَابُهُ نَقْتُلُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَحْمَدُ هَذَا إذَا سَبَّهُ كَافِرٌ ، وَأَمَّا إذَا سَبَّهُ أَوْ وَاحِدًا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ مُسْلِمٌ ، فَإِنَّهُ يُقْتَلُ حَدًّا وَلَا تَوْبَةَ لَهُ أَصْلًا سَوَاءٌ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ وَالشَّهَادَةِ أَوْ جَاءَ تَائِبًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ كَالزِّنْدِيقِ ؛ لِأَنَّهُ حَدٌّ وَجَبَ فَلَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ وَلَا يُتَصَوَّرُ خِلَافٌ لِأَحَدٍ ؛ لِأَنَّهُ حَدٌّ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعَبْدِ فَلَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ كَسَائِرِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ وَكَحَدِّ الْقَذْفِ لَا يَزُولُ بِالتَّوْبَةِ ، بِخِلَافِ مَا إذَا سَبَّ اللَّهَ تَعَالَى ثُمَّ تَابَ ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

بَشَرٌ وَالْبَشَرُ جِنْسٌ تَلْحَقُهُ الْمَعَرَّةُ إلَّا مَنْ أَكْرَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَالْبَارِي تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ جَمِيعِ الْمَعَايِبِ وَبِخِلَافِ الِارْتِدَادِ ؛ لِأَنَّهُ مَعْنًى يَنْفَرِدُ بِهِ الْمُرْتَدُّ وَلِكَوْنِهِ حَقَّ الْغَيْرِ قُلْنَا إذَا شَتَمَهُ سَكْرَانُ لَا يُعْفَى وَيُقْتَلُ أَيْضًا حَدًّا وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَالْإِمَامِ الْأَعْظَمِ وَالثَّوْرِيِّ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ : لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ اخْتَلَفَ فِي وُجُوبِ قَتْلِهِ إذَا كَانَ مُسْلِمًا وَقَالَ ابْنُ سَحْنُونَ الْمَالِكِيُّ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ إنْ شَاتَمَهُ كَافِرٌ وَحُكْمُهُ الْقَتْلُ وَمَنْ شَكَّ فِي عَذَابِهِ وَكَفَّرَهُ كَفَرَ ، كَذَا فِي الْفَتَاوَى الْبَزَّازِيَّةِ وَقَدْ اُسْتُوْفِيَ الْكَلَامُ فِي هَذَا الْبَابِ فِي الْكِتَابِ الْمُسَمَّى بِالسَّيْفِ الْمَسْلُولِ عَلَى مَنْ سَبَّ الرَّسُولَ .
( قَوْلُهُ : لَا يُنْقَضُ عَهْدُهُ إنْ امْتَنَعَ عَنْ الْجِزْيَةِ ) كَذَا لَا يُنْقَضُ عَهْدُهُ بِالْقَوْلِ ، بِخِلَافِ أَمَانِ الْحَرْبِيِّ فَإِنَّهُ يُنْتَقَضُ بِالْقَوْلِ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ .

( يُؤْخَذُ مِنْ بَالِغِي تَغْلِبِيٍّ وَتَغْلِبِيَّةٍ ضِعْفُ زَكَاتِنَا ) ؛ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ صَالَحَهُمْ عَلَى ذَلِكَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ أَطْفَالِهِمْ ؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَى الصَّدَقَةِ الْمُضَاعَفَةِ وَالصَّدَقَةُ لَا تَجِبُ عَلَى الْأَطْفَالِ فَكَذَا الْمُضَاعَفُ ، بِخِلَافِ الْمَرْأَةِ ، فَإِنَّهَا أَهْلُ الْوُجُوبِ .
( وَ ) يُؤْخَذُ ( مِنْ مَوْلَاهُ الْجِزْيَةُ ) لِنَفْسِهِ ( وَالْخَرَاجُ ) لِأَرْضِهِ بِمَنْزِلَةِ مَوْلَى الْقُرَشِيِّ حَيْثُ يُؤْخَذُ مِنْهُ الْجِزْيَةُ وَالْخَرَاجُ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ إنَّمَا يُعْمَلُ بِهِ فِي حَقِّ الصَّدَقَةِ فَيُجْعَلُ مَوْلَى الْهَاشِمِيِّ كَالْهَاشِمِيِّ فِي هَذَا الْحُكْمِ ؛ لِأَنَّ الْحُرُمَاتِ ثَبَتَتْ بِالشُّبُهَاتِ .
( قَوْلُهُ : وَلَا يُؤْخَذُ مِنْ أَطْفَالِهِمْ كَذَا فُقَرَاؤُهُمْ ) أَيْ بَنِي تَغْلِبَ لِصُلْحِهِمْ عَلَى ضَعْفِ زَكَاتِنَا وَهِيَ مُنْعَدِمَةٌ فِي حَقِّ الْفُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ .

( وَهُمَا ) أَيْ الْجِزْيَةُ وَالْخَرَاجُ ( وَمَالُ التَّغْلِبِيِّ وَهَدِيَّةُ أَهْلِ الْحَرْبِ وَمَا أُخِذَ مِنْهُمْ بِلَا حَرْبٍ يُصْرَفُ فِي مَصَالِحِنَا كَسَدِّ ثَغْرٍ وَبِنَاءِ قَنْطَرَةٍ ) وَهِيَ مَا يَكُونُ مَرْكَبًا ( وَجِسْرٍ ) وَهُوَ خِلَافُهُمَا مِثْلَ أَنْ يَشُدَّ السُّفُنَ ( وَكِفَايَةِ الْعُلَمَاءِ وَالْقُضَاةِ وَالْعُمَّالِ وَرِزْقِ الْمُقَاتِلَةِ وَذَرَارِيِّهِمْ ) وَ ( مَنْ مَاتَ فِي نِصْفِ السَّنَةِ حُرِمَ مِنْ الْعَطَاءِ ) ، فَإِنَّهُ صِلَةٌ لَا تُمْلَكُ قَبْلَ الْقَبْضِ ذُكِرَ فِي الْعُمْدَةِ إمَامُ الْمَسْجِدِ إذَا رَفَعَ الْغَلَّةَ وَذَهَبَ قَبْلَ مُضِيِّ السَّنَةِ لَا يُسْتَرَدُّ مِنْهُ غَلَّةُ بَعْضِ السَّنَةِ وَالْعِبْرَةُ لِوَقْتِ الْحَصَادِ ، فَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ وَقْتَ الْحَصَادِ يَؤُمُّ فِي الْمَسْجِدِ يَسْتَحِقُّ فَصَارَ كَالْجِزْيَةِ وَمَوْتُ الْقَاضِي فِي خِلَالِ السَّنَةِ .
وَفِي فَوَائِدِ صَدْرِ الْإِسْلَامِ طَاهِرِ بْنِ مَحْمُودٍ قَرْيَةٌ فِيهَا أَرَاضِي الْوَقْفِ عَلَى إمَامِ الْمَسْجِدِ يُصْرَفُ إلَيْهِ غَلَّتُهَا وَقْتَ الْإِدْرَاكِ فَأَخَذَ الْإِمَامُ الْغَلَّةَ وَقْتَ الْإِدْرَاكِ وَذَهَبَ عَنْ تِلْكَ الْقَرْيَةِ لَا يُسْتَرَدُّ مِنْهُ حِصَّةُ مَا بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ وَهُوَ نَظِيرُ مَوْتِ الْقَاضِي وَأَخْذِ الرِّزْقِ وَيَحِلُّ لِلْإِمَامِ أَكْلُ مَا بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ إنْ كَانَ فَقِيرًا وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِي طَلَبَةِ الْعِلْمِ فِي الْمَدَارِسِ وَفِي فَوَائِدِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ الْمُؤَذِّنُ وَالْإِمَامُ ، وَإِنْ كَانَ لَهُمَا وَقْفٌ وَلَمْ يَسْتَوْفِيَا حَتَّى مَاتَا ، فَإِنَّهُ يَسْقُطُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الصِّلَةِ وَكَذَلِكَ الْقَاضِي وَقِيلَ : لَا يَسْقُطُ لِأَنَّهُ كَالْأُجْرَةِ .

( قَوْلُهُ : وَهُمَا أَيْ الْجِزْيَةُ وَالْخَرَاجُ
إلَخْ ) بَيَانُ الْمَصْرِفِ أَحَدُ بُيُوتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ وَهِيَ أَرْبَعَةٌ لِكُلٍّ خِزَانَةٌ وَمَصْرِفٌ : الْأَوَّلُ : مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمِنْ جُمْلَةِ هَذَا النَّوْعِ مَا يَأْخُذُهُ الْعَاشِرُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ إذَا مَرُّوا عَلَيْهِ وَمَالُ أَهْلِ نَجْرَانَ وَمَا صُولِحَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْحَرْبِ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ قَبْلَ نُزُولِ الْعَسْكَرِ بِسَاحَتِهِمْ كُلُّ ذَلِكَ يُصْرَفُ إلَى مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ .
الثَّانِي : الرِّكَازُ وَالْعُشْرُ وَمَصْرِفُهُمَا مَنْ يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ .
الثَّالِثُ : خُمُسُ الْغَنَائِمِ وَالْمَعَادِنِ وَالرِّكَازِ وَمَصْرِفُهُ مَا ذُكِرَ فِي قَوْله تَعَالَى { فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ } الْآيَةَ .
الرَّابِعُ : اللُّقَطَاتُ وَالتَّرِكَاتُ الَّتِي لَا وَارِثَ لَهَا وَدِيَةُ مَقْتُولٍ لَا وَلِيَّ لَهُ وَمَصْرِفُهُ اللَّقِيطُ الْفَقِيرُ وَالْفُقَرَاءُ الَّذِينَ لَا أَوْلِيَاءَ لَهُمْ يُعْطَى مِنْهُ نَفَقَتُهُمْ وَأَدْوِيَتُهُمْ وَكَفَنُهُمْ وَعَقْلُ جِنَايَتِهِمْ وَعَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَ لِكُلِّ نَوْعٍ مِنْ هَذِهِ الْأَنْوَاعِ بَيْتًا يَخُصُّهُ وَلَا يَخْلِطُ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ وَيَسْتَقْرِضُ مِنْ بَعْضِهَا لِبَعْضٍ عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ ثُمَّ يَرُدُّهُ إذَا حَصَلَ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَصْرُوفُ مِنْ الصَّدَقَاتِ أَوْ خُمُسِ الْغَنَائِمِ عَلَى أَهْلِ الْخَرَاجِ وَهُمْ فُقَرَاءُ فَإِنَّهُ لَا يَرُدُّ شَيْئًا لِأَنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ لِلصَّدَقَاتِ بِالْفَقْرِ وَكَذَا فِي غَيْرِهِ إذَا صَرَفَهُ إلَى الْمُسْتَحِقِّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَغَيْرِهِ .
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ : لَيْسَ لِلذِّمِّيِّ شَيْءٌ مِنْ بَيْتِ مَالِ الْمُسْلِمِينَ إلَّا أَنْ يَكَادَ يَهْلِكُ فَيُعْطِيَهُ الْإِمَامُ مِنْهُ قَدْرَ مَا يَسُدُّ جَوْعَتَهُ .
ا هـ .
وَكَذَا فِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ .
( تَنْبِيهٌ ) عِمَارَةُ الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ وَنَفَقَتُهَا مِنْ جُمْلَةِ مَصْرِفِ الْبَيْتِ الْأَوَّلِ مِنْ بُيُوتِ الْمَالِ وَهُوَ مَالُ الْجِزْيَةِ وَالْخَرَاجِ وَهَدِيَّةُ أَهْلِ الْحَرْبِ وَمَا أُخِذَ مِنْهُمْ بِغَيْرِ قِتَالٍ وَمَا

يَأْخُذُهُ الْعَاشِرُ بِحَقٍّ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْحَرْبِ إذَا مَرُّوا عَلَيْهِ وَمَالُ أَهْلِ نَجْرَانَ وَمَا صُولِحَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْحَرْبِ لِتَرْكِ الْقِتَالِ قَبْلَ نُزُولِ الْعَسْكَرِ بِسَاحَتِهِمْ كُلُّ ذَلِكَ يُصْرَفُ إلَى مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا تَقَدَّمَ وَمِنْ مُعْظَمِهَا عِمَارَةُ الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ .
وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ يَجُوزُ صَرْفُ الْخَرَاجِ إلَى نَفَقَةِ الْكَعْبَةِ .
ا هـ .
وَقَدْ أَفْرَدْته بِرِسَالَةٍ سَمَّيْتهَا إسْعَادُ آلِ عُثْمَانَ الْمُكَرَّمِ بِبِنَاءِ بَيْتِ اللَّهِ الْمُحَرَّمِ .
( قَوْلُهُ : وَذَرَارِيِّهِمْ ) ضَمِيرُهُ يَعُودُ إلَى الْكُلِّ مِنْ الْقُضَاةِ وَالْعُلَمَاءِ وَالْمُقَاتِلَةِ ؛ لِأَنَّ الْعِلَّةَ تَشْمَلُ الْكُلَّ كَمَا ذَكَرَهُ مُنْلَا مِسْكِينٍ فِي شَرْحِهِ لِلْكَنْزِ .
وَفِي الْهِدَايَةِ مَا يُوهِمُ التَّخْصِيصَ كَشَرْحِ الْمَجْمَعِ حَيْثُ قَالَ وَذَرَارِيِّهِمْ أَيْ ذَرَارِيِّ الْمُقَاتِلَةِ .
ا هـ .
قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَمَوْتِ الْقَاضِي فِي خِلَالِ السَّنَةِ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ اسْتَوْفَى رِزْقَ سَنَةٍ وَعُزِلَ قَبْلَ اسْتِكْمَالِهَا الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجِبُ الرَّدُّ .
ا هـ .
أَيْ رَدُّ رِزْقِ مَا بَقِيَ مِنْ السَّنَةِ وَكَذَا صَحَّحَهُ فِي الْكَافِي .
ا هـ .
فَعَلَى هَذَا التَّصْحِيحِ يَنْبَغِي أَنْ يُرَدَّ إذَا مَاتَ مَا بَقِيَ بِعَيْنِهِ مِنْ الرِّزْقِ لِبَاقِي السَّنَةِ .
( قَوْلُهُ : وَقِيلَ لَا يَسْقُطُ ) جُزِمَ فِي الْبُغْيَةِ تَلْخِيصِ الْقُنْيَةِ بِأَنَّهُ يُورَثُ ، بِخِلَافِ رِزْقِ الْقَاضِي كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ .

( بَابُ الْمُرْتَدِّ ) .
( مَنْ ارْتَدَّ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ عُرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ وَكُشِفَ شُبْهَتُهُ وَحُبِسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إنْ اُسْتُمْهِلَ وَقِيلَ مُطْلَقًا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُسْتَمْهَلْ ( فَإِنْ تَابَ بِالتَّبَرِّي عَنْ كُلِّ دِينٍ سِوَى الْإِسْلَامِ أَوْ عَمَّا انْتَقَلَ إلَيْهِ ) فَبِهَا وَنِعْمَتْ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتُبْ ( قُتِلَ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمَا .
( وَيُكْرَهُ ) أَيْ قَتْلُهُ ( قَبْلَ الْعَرْضِ ) مَعْنَى الْكَرَاهَةِ هَاهُنَا تَرْكُ النَّدْبِ ( بِلَا ضَمَانٍ ) ؛ لِأَنَّ الْكُفْرَ مُبِيحٌ وَالْعَرْضُ بَعْدَ بُلُوغِ الدَّعْوَى غَيْرُ لَازِمٍ ( وَلَا يُسْتَرَقُّ ، وَإِنْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ) إذْ لَمْ يُشْرَعْ فِيهِ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ } وَكَذَا الصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعُوا عَلَيْهِ فِي زَمَنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَلِأَنَّ الِاسْتِرْقَاقَ لِلتَّوَسُّلِ إلَى الْإِسْلَامِ ، وَاسْتِرْقَاقُ الْمُرْتَدِّ لَا يَقَعُ وَسِيلَةً لِمَا مَرَّ ( بِخِلَافِ الْمُرْتَدَّةِ ) إذَا لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ ، فَإِنَّهَا تُسْتَرَقُّ إذْ لَمْ يُشْرَعْ قَتْلُهَا وَلَا يَجُوزُ إبْقَاءُ الْكَافِرِ عَلَى الْكُفْرِ إلَّا مَعَ الْجِزْيَةِ أَوْ الرِّقِّ ، وَلَا جِزْيَةَ عَلَى النِّسْوَانِ فَكَانَ إبْقَاؤُهَا عَلَى الْكُفْرِ مَعَ الرِّقِّ أَنْفَعُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ إبْقَائِهَا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ ( الْكُفْرُ مِلَّةٌ وَاحِدَةٌ ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ( فَلَوْ تَنَصَّرَ يَهُودِيٌّ أَوْ عُكِسَ تُرِكَ ) عَلَى حَالِهِ وَلَمْ يُجْبَرْ عَلَى الْعَوْدِ .

( بَابُ الْمُرْتَدِّ ) .
( قَوْلُهُ : عُرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ ) هُوَ مُسْتَحَبٌّ عَلَى مَا قَالُوا وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ ، كَذَا فِي التَّبْيِينِ .
( قَوْلُهُ : وَحُبِسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إنْ اسْتَمْهَلَ ) هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ .
ا هـ .
وَقَالَ فِي الْفَوَائِدِ وَلَا يَجُوزُ الْإِمْهَالُ بِدُونِ الِاسْتِمْهَالِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ، كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ فَإِذَا لَمْ يَسْتَمْهِلْ قُتِلَ مِنْ سَاعَتِهِ إلَّا إذَا كَانَ الْإِمَامُ يَرْجُو إسْلَامَهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْبَدَائِعِ .
( قَوْلُهُ : وَقِيلَ مُطْلَقًا ) أَيْ قِيلَ يُسْتَحَبُّ مُطْلَقًا وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ .
وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يُعْرَضُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ فَإِنْ أَبَى قُتِلَ وَلَمْ يُذْكَرْ الْإِمْهَالُ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَسْتَمْهِلْ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ ، وَإِذَا اسْتَمْهَلَ فَظَاهِرُ الْمَبْسُوطِ وُجُوبُ إمْهَالِهِ فَإِنَّهُ قَالَ : إذَا طَلَبَ التَّأْجِيلَ كَانَ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُمْهِلَهُ وَعَنْ الْإِمَامِ الِاسْتِحْبَابُ مُطْلَقًا ، كَذَا فِي الْبَحْرِ ثُمَّ قَالَ وَأَفَادَ بِإِطْلَاقِهِ أَنَّهُ يُفْعَلُ ذَلِكَ بِالْمُرْتَدِّ ثَانِيًا إلَّا أَنَّهُ إذَا تَابَ ضَرَبَهُ الْإِمَامُ وَخَلَّى سَبِيلَهُ وَإِنْ ارْتَدَّ ثَالِثًا ثُمَّ تَابَ ضَرَبَهُ ضَرْبًا وَجِيعًا وَحَبَسَهُ حَتَّى يَظْهَرَ عَلَيْهِ آثَارُ التَّوْبَةِ ، وَيَرَى أَنَّهُ مُسْلِمٌ مُخْلِصٌ ثُمَّ خَلَّى سَبِيلَهُ فَإِنْ عَادَ فَعَلَ بِهِ هَكَذَا ، كَذَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ تَابَ بِالتَّبَرِّي
إلَخْ ) أَيْ مَعَ إتْيَانِهِ بِالشَّهَادَتَيْنِ سُئِلَ أَبِي يُوسُفَ كَيْفَ يُسْلِمُ فَقَالَ يَقُولُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّه وَيُقِرَّ بِمَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَتَبَرَّأُ مِنْ الَّذِي انْتَحَلَهُ ، كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَصُرِّحَ فِي الْعِنَايَةِ بِأَنَّ التَّبَرِّي بَعْدَ الْإِتْيَانِ بِالشَّهَادَتَيْنِ .
( تَنْبِيهٌ ) مَحَلُّ قَبُولِ تَوْبَةِ الْمُرْتَدِّ مَا لَمْ تَكُنْ رِدَّتُهُ بِسَبِّ النَّبِيِّ أَوْ بُغْضِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا

قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فَإِنْ كَانَ بِهِ قُتِلَ حَدًّا وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ سَوَاءٌ جَاءَ تَائِبًا مِنْ نَفْسِهِ أَوْ شُهِدَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ مِنْ الْمُكَفِّرَاتِ فَإِنَّ الْإِنْكَارَ فِيهَا تَوْبَةٌ لَكِنَّهُ يُجَدِّدُ نِكَاحَهُ إنْ شُهِدَ عَلَيْهِ مَعَ إنْكَارِهِ وَكَذَا يُقْتَلُ حَدًّا بِسَبِّ الشَّيْخَيْنِ أَوْ الطَّعْنِ فِيهِمَا وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ لِلْفَتْوَى ، كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ .
( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ الْمُرْتَدَّةِ ) يَصْلُحُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِقَوْلِهِ وَإِلَّا قُتِلَ وَلَا يُسْتَرَقُّ وَالْمُصَنِّفُ قَصَرَهُ عَلَى الْأَخِيرِ لِأَنَّهُ سَيَذْكُرُ مَتْنًا لَا تُقْتَلُ الْمُرْتَدَّةُ وَتُحْبَسُ وَكَانَ يُغْنِيهِ هَذَا عَنْ بَعْضِهِ .
( قَوْلُهُ إذَا لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهَا تُسْتَرَقُّ ) قُيِّدَ بِهِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تُسْتَرَقُّ مَا دَامَتْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي النَّوَادِرِ تُسْتَرَقُّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَيْضًا قِيلَ وَلَوْ أَفْتَى بِهَذِهِ لَا بَأْسَ بِهِ فِيمَنْ كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ حَسْمًا لِقَصْدِهَا السَّيِّئْ بِالرِّدَّةِ مِنْ إثْبَاتِ الْفُرْقَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَشْتَرِيَهَا الزَّوْجُ مِنْ الْإِمَامِ أَوْ يَهَبَهَا لَهُ إذَا كَانَ مُصْرِفًا لِأَنَّهَا صَارَتْ فَيْئًا لِلْمُسْلِمِينَ لَا يَخْتَصُّ بِهَا الزَّوْجُ فَيَمْلِكُهَا وَيَتَوَلَّى حِينَئِذٍ حَبْسَهَا وَجَبْرَهَا عَلَى الْإِسْلَامِ فَيَرْتَدُّ ضَرَرُ قَصْدِهَا عَلَيْهَا ، كَذَا فِي الْفَتْحِ .

( رِدَّةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ فَسْخٌ لِلنِّكَاحِ ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا طَلَاقَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رِدَّةُ الزَّوْجِ طَلَاقٌ قِيَاسًا عَلَى إبَاءِ الزَّوْجِ .
( قَوْلُهُ : رِدَّةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ فَسْخٌ ) سَيَذْكُرُهُ فِي النِّكَاحِ أَيْضًا وَهَذَا هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ ، وَقَدْ أَفْتَى الدَّبُوسِيُّ وَالصَّفَّارُ وَبَعْضُ أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ بِعَدَمِ وُقُوعِ الْفُرْقَةِ بِالرِّدَّةِ رَدًّا عَلَيْهَا وَغَيْرُهُمْ مَشَوْا عَلَى الظَّاهِرِ لَكِنْ حَكَمُوا بِجَبْرِهَا عَلَى تَجْدِيدِ النِّكَاحِ مَعَ الزَّوْجِ وَتُضْرَبُ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ سَوْطًا وَاخْتَارَهُ قَاضِي خَانْ لِلْفَتْوَى ، كَذَا فِي الْفَتْحِ .

( وَيَزُولُ مِلْكُهُ عَنْ مَالِهِ مَوْقُوفًا ، فَإِنْ أَسْلَمَ عَادَ ، وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِهِهِمْ وَحُكِمَ بِهِ عَتَقَ مُدَبَّرُهُ وَأُمُّ وَلَدِهِ وَحَلَّ دَيْنٌ عَلَيْهِ ) فَإِنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَيِّتِ وَالدَّيْنُ الْمُؤَجَّلُ يَصِيرُ حَالًّا بِمَوْتِ الْمَدْيُونِ ( وَكَسْبُ إسْلَامِهِ لِوَارِثِهِ الْمُسْلِمِ ) فَإِنْ قِيلَ : الْمُسْلِمُ لَا يَرِثُ الْكَافِرَ فَكَيْفَ يَرِثُهُ الْمُسْلِمُ قُلْنَا : إنَّ مِلْكَهُ فِي كَسْبِهِ بَعْدَ الرِّدَّةِ بَاقٍ لَمَّا عَرَفْت أَنَّهُ مَوْقُوفٌ فَيَنْتَقِلُ كَسْبُهُ فِي الْإِسْلَامِ إلَى وَارِثِهِ لِإِمْكَانِ اسْتِنَادِهِ لِوُجُودِهِ قَبْلَ الرِّدَّةِ وَلَا يُمْكِنُ الِاسْتِنَادُ فِي كَسْبِ الرِّدَّةِ لِعَدَمِهِ قَبْلَهَا وَمِنْ شَرْطِ الِاسْتِنَادِ وُجُودُ الْكَسْبِ قَبْلَ الرِّدَّةِ فَيَكُونُ تَوْرِيثُ الْمُسْلِمِ مِنْ الْمُسْلِمِ ( وَكَسْبُ رِدَّتِهِ فَيْءٌ ، وَقُضِيَ دَيْنُ كُلِّ حَالٍّ مِنْ كَسْبِهَا ) أَيْ دَيْنُ حَالِّ الْإِسْلَامِ يُقْضَى مِنْ كَسْبِ حَالِّهِ وَدَيْنُ حَالِّ الرِّدَّةِ مِنْ كَسْبِ حَالِّهَا .

قَوْلُهُ : عِتْقُ مُدَبَّرِهِ ) كَذَا مُدَبَّرِهَا إذَا لَحِقَتْ وَتَحِلُّ دُيُونُهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ ( لَهُ وَكَسْبُ إسْلَامِهِ لِوَارِثِهِ الْمُسْلِمِ ) الْعِبْرَةُ لِكَوْنِهِ وَارِثًا عِنْدَ مَوْتِ الْمُرْتَدِّ أَوْ قَتْلِهِ أَوْ الْقَضَاءِ بِلِحَاقِهِ فِي الْأَصَحِّ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مُحَمَّدٍ وَتَرِثُهُ امْرَأَتُهُ الْمُسْلِمَةُ إذَا مَاتَ أَوْ قُتِلَ أَوْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِاللِّحَاقِ وَهِيَ فِي الْعِدَّةِ ؛ لِأَنَّهُ صَارَ فَارًّا كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ : وَقُضِيَ دَيْنُ كُلِّ حَالٍّ مِنْ كَسْبِهَا ) الْكَسْبُ بِفَتْحِ الْكَافِ وَكَسْرِهَا وَهَذَا قَوْلُ زُفَرَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ قَالَ فِي الْبَحْرِ وَهِيَ ضَعِيفَةٌ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْهُ أَنَّهُ أَيْ دَيْنَهُ يُقْضَى مِنْ كَسْبِ الْإِسْلَامِ إلَّا أَنْ لَا يَفِيَ بِهِ فَيُقْضَى الْبَاقِي مِنْ كَسْبِ الرِّدَّةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّ دَيْنَ الْإِنْسَانِ يُقْضَى مِنْ مَالِهِ لَا مِنْ مَالِ غَيْرِهِ وَكَذَا دَيْنُ الْمَيِّتِ يُقْضَى مِنْ مَالِهِ لَا مِنْ مَالِ وَارِثِهِ وَمَالُهُ كَسْبُ إسْلَامِهِ فَأَمَّا كَسْبُ الرِّدَّةِ فَمَالُ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يُقْضَى مِنْهُ الدَّيْنُ إلَّا لِضَرُورَةٍ فَإِذَا لَمْ يَفِ بِهِ كَسْبُ الْإِسْلَامِ تَحَقَّقَتْ الضَّرُورَةُ فَيُقْضَى الْبَاقِي مِنْهُ ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ وَهَكَذَا صَحَّحَ الْوَلْوَالِجِيُّ .
ا هـ .

( وَصَحَّ طَلَاقُهُ ) ، فَإِنَّ النِّكَاحَ لَمَّا انْفَسَخَ بِالرِّدَّةِ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُعْتَدَّةً ، فَإِنْ طَلَّقَهَا يَقَعُ وَكَذَا إذَا ارْتَدَّا مَعًا فَطَلَّقَهَا فَأَسْلَمَا مَعًا ، فَإِنَّ النِّكَاحَ لَمْ يَنْفَسِخْ فَيَقَعْ الطَّلَاقُ ( وَ ) صَحَّ ( اسْتِيلَادُهُ ) ، فَإِنَّ أَمَتَهُ إذَا وَلَدَتْ فَادَّعَى ثَبَتَ نَسَبُهُ وَيَرِثُ مَعَ وَرَثَتِهِ وَتَكُونُ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدِهِ ( لَا ذَبْحُهُ ) إذْ لَا دِينَ لَهُ ( وَتُوقَفُ مُفَاوَضَتُهُ ) لِأَنَّهَا تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ فِي الدِّينِ وَلَا دِينَ لَهُ لَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ الرُّجُوعَ ( وَبَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ وَهِبَتُهُ وَإِجَارَتُهُ وَتَدْبِيرُهُ وَكِتَابَتُهُ وَوَصِيَّتُهُ ) لِأَنَّهَا تَقْتَضِي الْمِلْكَ الْمُقَرَّرَ ( إنْ أَسْلَمَ نَفَذَ ، وَإِنْ هَلَكَ ) أَيْ قُتِلَ أَوْ مَاتَ ( أَوْ لَحِقَ ) بِدَارِ الْحَرْبِ ( وَحُكِمَ بِهِ ) أَيْ بِلُحُوقِهِ ( بَطَلَ ) كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْأَحْكَامِ ( فَإِنْ جَاءَ مُسْلِمًا قَبْلَهُ ) أَيْ قَبْلَ الْحُكْمِ ( فَكَأَنَّهُ لَمْ يَرْتَدَّ ) حَتَّى لَا يُعْتَقَ مُدَبَّرُهُ وَأُمُّ وَلَدِهِ وَيَضْمَنُ الْوَارِثُ مَا أَتْلَفَهُ ، فَإِنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي شَرْطٌ لِبُطْلَانِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْمُرْتَدِّ مَيِّتًا بِاللُّحُوقِ بِدَارِ الْحَرْبِ مُجْتَهَدٌ فِيهِ إذْ الشَّافِعِيُّ مُخَالِفٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الْقَضَاءِ لِيَتَأَكَّدَ بِهِ ( وَإِنْ جَاءَ ) أَيْ مُسْلِمًا ( بَعْدَهُ وَمَالُهُ مَعَ وَارِثِهِ أَخَذَهُ ) لِأَنَّ الْوَارِثَ إنَّمَا يَخْلُفُهُ فِيهِ لِاسْتِغْنَائِهِ لِكَوْنِهِ كَالْمَيِّتِ وَإِذَا عَادَ مُسْلِمًا احْتَاجَ إلَيْهِ ( وَإِنْ أَزَالَهُ عَنْ مِلْكِهِ لَا يَأْخُذُهُ ) أَيْ قِيمَتَهُ إذْ لَا ضَمَانَ بِإِتْلَافِ مَالٍ مُبَاحٍ .

( قَوْلُهُ : وَصَحَّ طَلَاقُهُ وَاسْتِيلَادُهُ ) هَذَا بِالِاتِّفَاقِ وَكَذَا قَبُولُهُ الْهِبَةَ وَتَسْلِيمُهُ الشُّفْعَةَ وَحَجْرُهُ عَلَى مَأْذُونِهِ .
( قَوْلُهُ : وَتُوقَفُ مُفَاوَضَتُهُ ) كَذَا تَصَرُّفُهُ عَلَى وَلَدِهِ الصَّغِيرِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ .
( قَوْلُهُ : وَتَدْبِيرُهُ ) كَذَا عِتْقُهُ مَوْقُوفٌ كَمَا فِي الْكَنْزِ .
( قَوْلُهُ : وَوَصِيَّتُهُ ) أَيْ الَّتِي فِي حَالِ رِدَّتِهِ أَمَّا وَصِيَّتُهُ فِي حَالِ إسْلَامِهِ فَالْمَذْكُورُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مِنْ الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا تَبْطُلُ مُطْلَقًا قُرْبَةً أَوْ غَيْرَ قُرْبَةٍ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ وَذَكَرَ الْوَلْوَالِجِيُّ أَنَّ الْإِطْلَاقَ قَوْلُهُ وَقَوْلُهُمَا بِعَدَمِ بُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ بِغَيْرِ قُرْبَةٍ ، قِيلَ أَرَادَ بِغَيْرِ الْقُرْبَةِ الْوَصِيَّةَ لِلنَّائِحَةِ وَالْمُغَنِّيَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ جَاءَ مُسْلِمًا بَعْدَهُ وَمَالُهُ مَعَ وَارِثِهِ أَخَذَهُ ) يَعْنِي بِالْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ التَّتَارْخَانِيَّة وَمَا كَانَ قَائِمًا فِي يَدِ الْوَرَثَةِ إنَّمَا يَعُودُ إلَى مِلْكِهِ بِقَضَاءٍ أَوْ رِضًا فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّ وَارِثَ الْمُرْتَدِّ إذَا تَصَرَّفَ فِي الْمَالِ الَّذِي وَرِثَهُ بَعْدَمَا عَادَ الْمُرْتَدُّ مُسْلِمًا نَفَذَ تَصَرُّفُهُ فِيهِ .
ا هـ .
وَبِهِ جَزَمَ الزَّيْلَعِيُّ مُعَلَّلًا بِأَنَّهُ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ بِحُكْمٍ شَرْعِيٍّ فَلَا يَخْرُجُ عَنْ مِلْكِهِ إلَّا بِطَرِيقَةٍ .
ا هـ .
ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وَلَمْ أَرَ حُكْمَ اسْتِرْدَادِهِ مِنْ الْإِمَامِ كَسْبَ رِدَّتِهِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ عَدَمُ اسْتِرْدَادِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْهُ بِطَرِيقِ الْخِلَافَةِ بَلْ لِكَوْنِهِ مَالَ حَرْبِيٍّ كَالْحَرْبِيِّ الْحَقِيقِيِّ لَا يَسْتَرِدُّ مَالَهُ بَعْدَ إسْلَامِهِ
ا هـ .
.

( وَيَقْضِي عِبَادَاتٍ تَرَكَهَا فِي الْإِسْلَامِ ) قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ : عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا تَرَكَ فِي الْإِسْلَامِ ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ مَعْصِيَةٌ وَالْمَعْصِيَةُ تَبْقَى بَعْدَ الرِّدَّةِ .
ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ ( وَمَا أَدَّى مِنْهَا ) أَيْ الْعِبَادَاتِ ( فِيهِ ) أَيْ الْإِسْلَامِ ( يَبْطُلُ وَلَا يَقْضِي إلَّا الْحَجَّ ) ، فَإِنَّهُ بِالرِّدَّةِ صَارَ كَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ كَافِرًا فَأَسْلَمَ وَهُوَ غَنِيٌّ فَعَلَيْهِ الْحَجُّ وَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ ، كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ .

( مُسْلِمٌ أَصَابَ مَالًا أَوْ شَيْئًا يَجِبُ بِهِ الْقِصَاصُ أَوْ الْحَدُّ أَوْ الدِّيَةُ ثُمَّ ارْتَدَّ أَوْ أَصَابَهُ وَهُوَ مُرْتَدٌّ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ لَحِقَ ) وَحَارَبَ الْمُسْلِمِينَ زَمَانًا ( ثُمَّ جَاءَ مُسْلِمًا أُخِذَ بِكُلِّهِ ، وَلَوْ أَصَابَهُ بَعْدَمَا لَحِقَ مُرْتَدًّا فَأَسْلَمَ لَا ) أَيْ لَا يُؤْخَذُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بَلْ كُلُّهُ مَوْضُوعٌ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُ أَصَابَ ذَلِكَ وَهُوَ حَرْبِيٌّ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَالْحَرْبِيُّ لَا يُؤْخَذُ بَعْدَ الْإِسْلَامِ بِمَا كَانَ أَصَابَهُ حَالَ كَوْنِهِ مُحَارِبًا لِلْمُسْلِمِينَ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ .
.

( أَخْبَرَتْ ) امْرَأَةٌ ( بِارْتِدَادِ زَوْجِهَا فَلَهَا التَّزَوُّجُ بِآخَرَ بَعْدَ الْعِدَّةِ ) كَمَا فِي الْإِخْبَارِ بِمَوْتِهِ وَتَطْلِيقِهِ .
( قَوْلُهُ : أَخْبَرَتْ امْرَأَةٌ بِارْتِدَادِ زَوْجِهَا ) لَمْ يُبَيِّنْ شَرْطَ الْمُخْبِرِ وَلَمْ يَذْكُرْ إخْبَارَ الزَّوْجِ بِارْتِدَادِهَا .
وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا حَتَّى غَابَ فَأَخْبَرَهُ مُخْبِرٌ أَنَّهَا قَدْ ارْتَدَّتْ عَنْ الْإِسْلَامِ وَالْعِيَاذُ بِاَللَّهِ وَالْمُخْبِرُ ثِقَةٌ عِنْدَهُ وَهُوَ حُرٌّ أَوْ مَمْلُوكٌ أَوْ مَحْدُودٌ فِي قَذْفٍ وَسِعَهُ أَنْ يُصَدِّقَهُ وَيَتَزَوَّجَ أَرْبَعًا سِوَاهَا ؛ لِأَنَّهُ أَخْبَرَهُ بِأَمْرٍ دِينِيٍّ وَهُوَ حَلَّ نِكَاحُ الْأَرْبَعِ لَهُ وَهَذَا أَمْرٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ وَكَذَا إذَا كَانَ غَيْرَ ثِقَةٍ وَكَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ ؛ لِأَنَّ خَبَرَ الْفَاسِقِ يَتَأَيَّدُ بِأَكْبَرِ الرَّأْيِ وَإِنْ كَانَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ أَنَّهُ كَاذِبٌ لَمْ يَتَزَوَّجْ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ ؛ لِأَنَّ خَبَرَهُ يَسْقُطُ بِمُعَارَضَةِ أَكْبَرِ الرَّأْيِ بِخِلَافِهِ وَلَوْ كَانَ الْمُخْبِرُ أَخْبَرَ الْمَرْأَةَ أَنَّ زَوْجَهَا قَدْ ارْتَدَّ فَلَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِزَوْجٍ آخَرَ فِي رِوَايَةِ هَذَا الْكِتَابِ أَيْضًا ، .
وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ يَقُولُ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ حَتَّى يَشْهَدَ عِنْدَهَا بِذَلِكَ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ قَالَ ؛ لِأَنَّ رِدَّةَ الزَّوْجِ أَغْلَظُ حَتَّى يَتَعَلَّقَ بِهَا اسْتِحْقَاقُ الْقَتْلِ ، بِخِلَافِ رِدَّةِ الْمَرْأَةِ وَمَا ذُكِرَ هُنَا أَصَحُّ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْإِخْبَارُ بِوُقُوعِ الْفُرْقَةِ لَا إثْبَاتُ الرِّدَّةِ .
ا هـ .
وَمِثْلُهُ فِي قَاضِي خَانْ .
( قَوْلُهُ : كَمَا فِي الْإِخْبَارِ بِمَوْتِهِ وَتَطْلِيقِهِ ) وَيُشْتَرَطُ فِيهِ مَا قَالَ فِي الْمَوَاهِبِ لَوْ أَخْبَرَهَا ثِقَةٌ أَنَّ زَوْجَهَا الْغَائِبَ مَاتَ أَوْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا أَوْ غَيْرُ ثِقَةٍ وَمَعَهُ كِتَابٌ بِطَلَاقِهَا وَلَمْ تَدْرِ أَنَّهُ مِنْهُ إلَّا أَنَّهَا تَحَرَّتْ فَتَرَجَّحَ صِدْقُهُ جَازَ لَهَا الِاعْتِدَادُ وَالتَّزَوُّجُ .
ا هـ .

( لَا تُقْتَلُ مُرْتَدَّةٌ ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ، وَإِنْ قَتَلَهَا أَحَدٌ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً قَالَ فِي النِّهَايَةِ ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ ( وَتُحْبَسُ حَتَّى تُسْلِمَ ) ؛ لِأَنَّهَا امْتَنَعَتْ عَنْ إيفَاءِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ الْإِقْرَارِ فَتُجْبَرُ عَلَى إيفَائِهِ بِالْحَبْسِ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً ، وَالْأَمَةُ يُجْبِرُهَا مَوْلَاهَا وَيُرْوَى تُضْرَبُ فِي كُلِّ يَوْمٍ مُبَالَغَةً فِي الْحَمْلِ عَلَى الْإِسْلَامِ ( وَصَحَّ تَصَرُّفُهَا وَكَسْبَاهَا لِوَرَثَتِهَا ) أَيْ كَسْبُ الْإِسْلَامِ وَكَسْبُ الرِّدَّةِ .

( قَوْلُهُ : لَا تُقْتَلُ مُرْتَدَّةٌ ) قَالَ فِي الْبَحْرِ إلَّا إذَا كَانَتْ سَاحِرَةً تَعْتَقِدُ أَنَّهَا هِيَ الْخَالِقَةُ لِذَلِكَ فَتُقْتَلُ فِي الْأَصَحِّ .
ا هـ .
أَيْ مَا لَمْ تَتُبْ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ قَتَلَهَا أَحَدٌ لَا يَضْمَنُ شَيْئًا حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً
إلَخْ ) يُخَالِفُهُ فِي ضَمَانِ الْأَمَةِ مَا قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْغِيَاثِيَّةِ يَضْمَنُ لِمَوْلَاهَا كَمَا فِي الْبَحْرِ .
( قَوْلُهُ : وَالْأَمَةُ يُجْبِرُهَا مَوْلَاهَا ) أَيْ تُدْفَعُ لِمَوْلَاهَا فَيُجْعَلُ حَبْسُهَا فِي بَيْتِ السَّيِّدِ سَوَاءٌ طَلَبَ ذَلِكَ أَمْ لَا فِي الصَّحِيحِ جَمْعًا بَيْنَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقِّ السَّيِّدِ فِي الِاسْتِخْدَامِ لَكِنَّهُ لَا يَطَؤُهَا صَرَّحَ بِهِ الْإِسْبِيجَابِيُّ ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ الْمُرْتَدِّ لِأَنَّهُ يُقْتَلُ ، كَذَا فِي الْبَحْرِ .
( قَوْلُهُ : وَيُرْوَى تُضْرَبُ فِي كُلِّ يَوْمٍ ) إنَّمَا قَالَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ ضَرْبَهَا فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَلَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَة وَيُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا تُضْرَبُ فِي كُلِّ أَيَّامٍ وَقَدَّرَهَا بَعْضُهُمْ بِثَلَاثَةٍ ، وَعَنْ الْحَسَنِ تُضْرَبُ كُلَّ يَوْمٍ تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ سَوْطًا إلَى أَنْ تَمُوتَ أَوْ تُسْلِمَ وَلَمْ يَخُصَّهُ بِحُرَّةٍ وَلَا أَمَةٍ وَهَذَا قَتْلٌ مَعْنًى ؛ لِأَنَّ مُوَالَاةَ الضَّرْبِ تُفْضِي إلَيْهِ ، كَذَا فِي الْفَتْحِ .
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ : تُضْرَبُ فِي كُلِّ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مُبَالَغَةً فِي الْحَمْلِ عَلَى الْإِسْلَامِ ا هـ فَقَدْ مَشَى عَلَى مَا قَدَّرَهُ الْبَعْضُ جَازَ مَا بِهِ أَنَّهُ الْمَذْهَبُ لِعَدَمِ حِكَايَةِ غَيْرِهِ وَظَاهِرُ كَلَامِ الْكَمَالِ عَدَمُ ارْتِضَاعِهِ .
( قَوْلُهُ : وَكَسْبَاهَا لِوَرَثَتِهَا ) وَلَا يَرِثُ الزَّوْجُ إذَا ارْتَدَّتْ فِي صِحَّتِهَا ، وَأَمَّا إذَا ارْتَدَّتْ وَهِيَ مَرِيضَةٌ فَمَاتَتْ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ وَرِثَ الزَّوْجُ مِنْهَا لِأَنَّهَا قَصَدَتْ الْفِرَارَ وَالزَّوْجُ إذَا ارْتَدَّ وَهُوَ صَحِيحٌ فَإِنَّهَا تَرِثُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ يُقْتَلُ أَشْبَهَ الطَّلَاقَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ ، كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ .

( وَلَدَتْ أَمَتُهُ ) مُسْلِمَةً كَانَتْ أَوْ نَصْرَانِيَّةً ( فَادَّعَاهُ فَهُوَ ابْنُهُ حُرًّا يَرِثُهُ فِي الْمُسْلِمَةِ مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ بَيْنَ الِارْتِدَادِ وَالْوِلَادَةِ أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرُ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ خَيْرَ الْأَبَوَيْنِ دِينًا فَيَتْبَعُ الْأُمَّ فَكَانَ مُسْلِمًا وَالْمُسْلِمُ يَرِثُ الْمُرْتَدَّ ( إنْ مَاتَ أَوْ لَحِقَ ) بِدَارِ الْحَرْبِ ( كَذَا ) أَمَتُهُ ( النَّصْرَانِيَّةُ ) يَعْنِي إذَا وَلَدَتْ فَادَّعَاهُ فَهُوَ ابْنُهُ حُرًّا يَرِثُهُ ( إلَّا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرَ مُنْذُ ارْتَدَّ ) فَإِنَّهُ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ كَانَ الْعُلُوقُ فِي حَالَةِ الْإِسْلَامِ فَيَكُونُ مُسْلِمًا يَرِثُ الْمُرْتَدَّ ، وَإِنْ جَاءَتْ لِأَكْثَرَ مِنْهُ كَانَ الْعُلُوقُ مِنْ مَاءِ الْمُرْتَدِّ فَيَتْبَعُ الْمُرْتَدَّ ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْإِسْلَامِ مِنْ الْأُمِّ ؛ لِأَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَيْهِ فَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ أَنْ يُسْلِمَ فَإِذَا كَانَ مُرْتَدًّا لَا يَرِثُ ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يَرِثُ الْمُرْتَدَّ .
( قَوْلُهُ : كَذَا أَمَتُهُ النَّصْرَانِيَّةُ ) أَرَادَ بِهِ مَنْ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا مِنْ الْكِتَابِيَّاتِ .

( لَحِقَ ) بِدَارِ الْحَرْبِ ( بِمَالِهِ ) أَيْ مَعَ مَالِهِ ( وَظَهَرَ عَلَيْهِ فَمَالُهُ فَيْءٌ ) أَيْ لَا نَفْسُهُ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ لَا يُسْتَرَقُّ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا الْإِسْلَامُ أَوْ السَّيْفُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ فَيْئًا دُونَ النَّفْسِ كَمُشْرِكِي الْعَرَبِ ( وَلَحِقَ بِدُونِهِ ) أَيْ بِدُونِ مَالِهِ ( وَحَكَمَ الْقَاضِي ) بِلَحَاقِهِ ( فَرَجَعَ ) إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ( فَلَحِقَ ) بِدَارِ الْحَرْبِ ثَانِيًا ( بِهِ ) أَيْ مَعَ مَالِهِ فَظَهَرَ عَلَيْهِ فَهُوَ لِوَارِثِهِ قَبْلَ قِسْمَتِهِ بَيْنَ الْغَانِمِينَ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَجْرِ فِيهِ الْإِرْثُ وَالثَّانِيَ انْتَقَلَ إلَى وَرَثَتِهِ بِحُكْمِ الْقَاضِي بِلَحَاقِهِ فَكَانَ الْوَارِثُ مَالِكًا قَدِيمًا .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25