كتاب : درر الحكام شرح غرر الأحكام
المؤلف : محمد بن فراموز الشهير بمنلا خسرو

أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مَقْصُودٌ فَصَارَ كَاخْتِلَافِ النَّوْعَيْنِ كَالرُّومِيَّةِ وَالْفَارِسِيَّةِ ، وَلَهُ أَنَّ الْعَقْدَ الْمُضَافَ إلَى الْغَدِ لَمْ يَثْبُتْ فِي الْأَوَّلِ فَلَمْ يَجْتَمِعْ فِي الْيَوْمِ تَسْمِيَتَانِ فَلَمْ يَكُنْ الْأَجْرُ مَجْهُولًا فِي الْيَوْمِ وَالْمُضَافُ إلَى الْيَوْمِ يَبْقَى إلَى الْغَدِ فَيَجْتَمِعُ فِي الْغَدِ تَسْمِيَتَانِ دِرْهَمٌ أَوْ نِصْفُ دِرْهَمٍ فَيَكُونُ الْأَجْرُ مَجْهُولًا وَهِيَ تَمْنَعُ جَوَازَ الْعَقْدِ -
قَوْلُهُ : لَكِنْ يَجِبُ اشْتِرَاطُ خِيَارِ التَّعْيِينِ فِي الْبَيْعِ ) أَقُولُ فِي اشْتِرَاطِهِ فِي الْبَيْعِ رِوَايَتَانِ وَقَدْ حَكَاهُمَا الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي بَابِ خِيَارِ الشَّرْطِ وَذَكَرْنَا الْخِلَافَ فِي تَصْحِيحِهِمَا ( قَوْلُهُ : ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ إنَّمَا يَجِبُ بِالْعَمَلِ
إلَخْ ) .
أَقُولُ هَذَا وَجْهُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْإِجَارَةِ وَالْبَيْعِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِيهِ حَكَاهُ الزَّيْلَعِيُّ ( قَوْلُهُ : وَفِي الثَّانِي أَجْرُ الْمِثْلِ غَيْرُ زَائِدٍ عَلَى الْمُسَمَّى ) أَقُولُ الْمُرَادُ بِالْمُسَمَّى مُسَمَّى الْيَوْمِ الثَّانِي وَهُوَ نِصْفُ دِرْهَمٍ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ فِي الصَّحِيحِ .
وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَا يَنْقُصُ عَنْ نِصْفِ دِرْهَمٍ وَلَا يُزَادُ عَلَى دِرْهَمٍ .
ا هـ .
كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَمَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي نُسْخَةٍ مِنْ الْبُرْهَانِ

( بَنَى الْمُسْتَأْجِرُ تَنُّورًا وَكَانُونًا فِي الدَّارِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَاحْتَرَقَ بَعْضُ بُيُوتِ الْجِيرَانِ أَوْ الدَّارُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ بَنَى بِإِذْنِ صَاحِبِ الدَّارِ أَوْ لَا ؛ لِأَنَّ هَذَا انْتِفَاعٌ بِظَاهِرِ الدَّارِ عَلَى وَجْهٍ لَا يُغَيِّرُ هَيْئَةَ الْبَاقِي إلَى النُّقْصَانِ ( إلَّا أَنْ يَصْنَعَ مَا لَا يَصْنَعُهُ النَّاسُ ) مِنْ تَرْكِ الِاحْتِيَاطِ فِي وَضْعِهِ وَإِيقَادِ نَارٍ لَا يُوقَدُ مِثْلُهَا فِي التَّنُّورِ وَالْكَانُونِ كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ

( اسْتَأْجَرَ حِمَارًا فَضَلَّ عَنْ الطَّرِيقِ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَجِدُهُ بَعْدَ الطَّلَبِ لَمْ يَضْمَنْ كَذَا رَاعٍ نَدَّ شَاةٌ مِنْ قَطِيعِهِ فَخَافَ عَلَى الْبَاقِي إنْ تَبِعَهَا ) كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ ( لَا يُسَافِرُ بِعَبْدٍ ) مُؤَجَّرٍ ( لِلْخِدْمَةِ بِلَا شَرْطِهِ ) ؛ لِأَنَّ فِي خِدْمَةِ السَّفَرِ زِيَادَةَ مَشَقَّةٍ فَلَا يَنْتَظِمُهَا الْإِطْلَاقُ -
( قَوْلُهُ : اسْتَأْجَرَ حِمَارًا فَضَلَ عَنْ الطَّرِيقِ
إلَخْ ) أَقُولُ هَذَا إنْ لَمْ يَكُنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ أَمَّا لَوْ تَخَلَّفَ عَنْهُ فَتَرَكَهُ عَلَى بَابِ بَيْتٍ وَدَخَلَهُ حَتَّى تَوَارَى عَنْهُ أَوْ تَخَلَّفَ عَنْهُ فِي الطَّرِيقِ لِحَاجَةٍ كَبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ حَتَّى غَابَ عَنْ بَصَرِهِ أَوْ ضَلَّ فِي الطَّرِيقِ وَعَلِمَ بِهِ فَلَمْ يَطْلُبْهُ مَعَ عَدَمِ يَأْسِهِ أَوْ أَوْقَفَهُ وَصَلَّى الْفَرْضَ فَذَهَبَ أَوْ انْتَهَبَ وَهُوَ يَنْظُرُ إلَيْهِ وَلَمْ يَقْطَعْ أَيْ الْفَرْضَ ضَمِنَ ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْحِفْظَ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ خَوْفَ ذَهَابِ الْمَالِ يُبِيحُ قَطْعَ الصَّلَاةِ ، وَإِنْ كَانَ دِرْهَمًا ، وَإِنْ لَمْ يَغِبْ عَنْهُ أَوْ كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا يُعَدُّ فِيهِ هَذَا الذَّهَابُ تَضْيِيعًا لَهُ بِأَنْ كَانَ فِي سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ أَوْ فِي بَعْضِ الْقُرَى الْأَمْنِيَّةِ لَمْ يَضْمَنْ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ قَوْلُهُ : فَخَافَ عَلَى الْبَاقِي إنْ تَبِعَهَا ) أَقُولُ يَعْنِي خَافَ الضَّيَاعَ فَهُوَ عُذْرٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّهَا ضَاعَتْ بِغَيْرِ فِعْلِهِ وَهُمَا ضَمَّنَاهُ لِتَرْكِهِ اتِّبَاعَهُ بِحَسَبِ وُسْعِهِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ

( لَا يَسْتَرِدُّ مُسْتَأْجِرٌ أَجْرَ عَمَلِ عَبْدٍ مَحْجُورٍ ) يَعْنِي إذَا اسْتَأْجَرَ عَبْدًا مَحْجُورًا شَهْرًا وَأَعْطَاهُ الْأَجْرَ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ الْأَجْرَ ؛ لِأَنَّ هَذِهِ الْإِجَارَةَ بَعْدَ الْفَرَاغِ صَحِيحَةٌ اسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّ فَسَادَهَا لِرِعَايَةِ حَقِّ الْمَوْلَى فَيُعَدُّ الْفَرَاغُ رِعَايَةَ حَقِّهِ فِي الصِّحَّةِ وَوُجُوبَ الْأَجْرِ لَهُ -
( قَوْلُهُ : لَا يَسْتَرِدُّ أَجْرَ عَبْدٍ مَحْجُورٍ ) أَقُولُ وَكَذَا لَا يَسْتَرِدُّ أَجْرَ الصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ اسْتِحْسَانًا فِيهِمَا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ

( وَلَا يَضْمَنُ آكِلُ غَلَّةِ عَبْدٍ غَصَبَهُ فَأَجَّرَ هُوَ ) أَيْ الْعَبْدُ ( نَفْسَهُ ) يَعْنِي رَجُلٌ غَصَبَ عَبْدًا فَأَجَّرَ الْعَبْدُ نَفْسَهُ وَسَلَّمَ عَنْ الْعَمَلِ صَحَّتْ الْإِجَارَةُ لِكَوْنِهِ نَفْعًا فِي حَقِّ الْمَوْلَى ، فَإِنْ أَخَذَ الْعَبْدُ الْأَجْرَ فَأَخَذَ الْغَاصِبُ الْأَجْرَ مِنْهُ فَأَكَلَهُ لَا يَضْمَنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَالَ الْغَيْرِ بِلَا تَأْوِيلٍ ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ مَالُ الْمَوْلَى وَلَهُ أَنَّهُ أَتْلَفَ مَالًا غَيْرَ مُتَقَوِّمٍ فِي حَقِّ التَّلَفِ فَلَا يَضْمَنُ كَنِصَابِ السَّرِقَةِ بَعْدَ الْقَطْعِ ( كَمَا إذَا أَجَّرَهُ الْغَاصِبُ ) ، فَإِنَّهُ إذَا أَجَّرَ عَبْدًا غَصَبَهُ وَأَخَذَ الْأُجْرَةَ وَأَتْلَفَهُ لَا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّ الْأَجْرَ لَهُ ( وَصَحَّ لِلْعَبْدِ قَبْضُهَا ) أَيْ الْأُجْرَةِ الْحَاصِلَةِ مِنْ إيجَارِ نَفْسِهِ اتِّفَاقًا ؛ لِأَنَّهُ نَفْعٌ مَحْضٌ مَأْذُونٌ فِيهِ كَقَبُولِ الْهِبَةِ ، وَفَائِدَتُهُ تَظْهَرُ فِي حَقِّ خُرُوجِ الْمُسْتَأْجِرِ عَنْ عُهْدَةِ الْأُجْرَةِ ، فَإِنَّهُ يَحْصُلُ بِالْأَدَاءِ إلَيْهِ ( وَيَأْخُذُهَا مَوْلَاهُ قَائِمَةً ) ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ بُطْلَانِ التَّقَوُّمِ بُطْلَانُ الْمِلْكِ كَمَا فِي نِصَابِ السَّرِقَةِ بَعْدَ الْقَطْعِ ، فَإِنَّهُ غَيْرُ مُتَقَوِّمٍ وَمِلْكٌ لِلْمَالِكِ .
( قَوْلُهُ : فَأَجَّرَ هُوَ أَيْ الْعَبْدُ نَفْسَهُ ) أَيْ مِنْ غَيْرِ الْغَاصِبِ فَالْهَاءُ مِنْ فَأَجْرُهُ زَائِدَةٌ فِي نُسْخَةٍ

( اسْتَأْجَرَ عَبْدًا شَهْرَيْنِ شَهْرًا بِأَرْبَعَةٍ وَشَهْرًا بِخَمْسَةٍ صَحَّ عَلَى التَّرْتِيبِ ) الْمَذْكُورِ ؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ الْمَذْكُورَ أَوَّلًا يَنْصَرِفُ إلَى مَا يَلِي الْعَقْدَ تَحَرِّيًا لِلْجَوَازِ فَيَنْصَرِفُ الثَّانِي إلَى مَا يَلِي الْأَوَّلَ ضَرُورَةَ حُكْمِ ( الْحَالِ إنْ اخْتَلَفَا فِي إبَاقِ الْعَبْدِ أَوْ مَرَضِهِ وَجَرَى مَاءُ الرَّحَى ) يَعْنِي اسْتَأْجَرَ عَبْدًا شَهْرًا بِدِرْهَمٍ فَقَبَضَهُ فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ ثُمَّ جَاءَ آخِرُ الشَّهْرِ وَالْعَبْدُ مَرِيضٌ أَوْ آبِقٌ وَاخْتَلَفَا فَقَالَ الْمُسْتَأْجِرُ مَرِضَ هُوَ أَوْ أَبَقَ مِنْ أَوَّلِ الْمُدَّةِ وَقَالَ الْمُؤَجِّرُ فِي آخِرِهَا حُكْمُ الْحَالِ ، فَإِنْ كَانَ الْعَبْدُ آبِقًا أَوْ مَرِيضًا فِي الْحَالِ يُحْكَمُ بِأَنَّهُ كَذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ الْمُدَّةِ فَلَا يَجِبُ الْأَجْرُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ آبِقًا أَوْ مَرِيضًا يُحْكَمُ بِأَنَّهُ كَذَلِكَ مِنْ أَوَّلِ الْمُدَّةِ فَيَجِبُ الْأَجْرُ وَكَذَا الِاخْتِلَافُ فِي جَرْيِ مَاءِ الرَّحَى -

( قَوْلُهُ : وَالْعَبْدُ مَرِيضٌ أَوْ آبِقٌ ) أَقُولُ لَوْ حَذَفَ هَذَا لَكَانَ أَوْلَى لِيَتَّجِهَ قَوْلُهُ بَعْدَهُ ، فَإِنْ كَانَ آبِقًا أَوْ مَرِيضًا لَا يَجِبُ الْأَجْرُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَجِبُ وَإِلَّا فَكَيْفَ يُحْكَمُ بِمَرَضِهِ وَإِبَاقِهِ ثُمَّ يُرَدِّدُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عَدَمِهِ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ الْمُؤَجِّرُ فِي آخِرِهَا ) أَقُولُ وَكَذَا الْحُكْمُ لَوْ أَنْكَرَ بِالْمَرَّةِ ( قَوْلُهُ : حُكِّمَ الْحَالُ ) أَقُولُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ مَنْ يَشْهَدُ لَهُ الْحَالُ مَعَ يَمِينِهِ فَيَصْلُحُ الظَّاهِرُ مُرَجِّحًا ، وَإِنْ لَمْ يَصْلُحْ حُجَّةً وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي جَانِبِ الْمُسْتَأْجِرِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا دَفْعُ الِاسْتِحْقَاقِ عَلَيْهِ ، وَإِنْ شَهِدَ لِلْمُؤَجِّرِ فَفِيهِ إشْكَالٌ مِنْ حَيْثُ اسْتِحْقَاقُهُ الْأُجْرَةَ بِالظَّاهِرِ وَهَذِهِ لَا تَصْلُحُ لِلِاسْتِحْقَاقِ وَجَوَابُهُ أَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ بِالسَّبَبِ السَّابِقِ وَهُوَ الْعَقْدُ ، وَإِنَّمَا الظَّاهِرُ يَشْهَدُ عَلَى بَقَائِهِ إلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ وَعَلَى هَذَا ادِّعَاءُ وِلَادَةٍ قَبْلَ الْعِتْقِ وَالثَّمَرِ قَبْلَ الْبَيْعِ الْقَوْلُ لِمَنْ الْوَلَدُ وَالثَّمَرُ فِي يَدِهِ تَحْكِيمًا لِلْحَالِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ

( الْقَوْلُ لِرَبِّ الثَّوْبِ فِي الْقَمِيصِ وَالْقَبَاءِ وَالصُّفْرَةِ وَالْحُمْرَةِ ) يَعْنِي إذَا قَالَ رَبُّ الثَّوْبِ لِلْخَيَّاطِ أَمَرْتُكَ أَنْ تَخِيطَ ثَوْبِي قَبَاءً فَخِطْتَهُ قَمِيصًا أَوْ لِلصَّبَّاغِ أَمَرْتُك أَنْ تَصْبُغَ ثَوْبِي أَحْمَرَ فَصَبَغْتَهُ أَصْفَرَ وَقَالَ الْخَيَّاطُ وَالصَّبَّاغُ مَا أَمَرْتَنِي هُوَ الَّذِي فَعَلْتُهُ فَالْقَوْلُ فِي الصُّورَتَيْنِ لِرَبِّ الثَّوْبِ مَعَ الْيَمِينِ ؛ لِأَنَّ الْإِذْنَ يُسْتَفَادُ مِنْ قِبَلِهِ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيمَا أَذِنَ فِيهِ ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ فَحَلَفَ رَبُّ الثَّوْبِ فِي الصُّورَةِ الْأُولَى خُيِّرَ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ الثَّوْبِ غَيْرَ مَعْمُولٍ وَلَا أَجْرَ لَهُ ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَأَعْطَاهُ أَجْرَ مِثْلِهِ وَلَا يُجَاوِزُ بِهِ الْمُسَمَّى ؛ لِأَنَّهُ امْتَثَلَ أَمْرَهُ فِي أَصْلِ مَا أُمِرَ بِهِ وَهُوَ الْقَطْعُ وَالْخِيَاطَةُ لَكِنْ خَالَفَهُ فِي الصِّفَةِ فَيَخْتَارُ أَيَّهُمَا شَاءَ وَفِي الثَّانِيَةِ خُيِّرَ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَةَ ثَوْبٍ أَبْيَضَ ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ ثَوْبَهُ وَأَعْطَاهُ أَجْرَ مِثْلِهِ لَا يُجَاوِزُ بِهِ الْمُسَمَّى أَيْضًا .
( وَ ) الْقَوْلُ لِرَبِّ الثَّوْبِ ( فِي الْأَجْرِ وَعَدَمِهِ ) أَيْ صُدِّقَ رَبُّ الثَّوْبِ مَعَ يَمِينِهِ فِي قَوْلِهِ عَمِلْتَ لِي مَجَّانًا وَالصَّانِعُ قَالَ بَلْ بِأَجْرٍ ؛ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ الْعَقْدَ ؟ وَوُجُوبَ الْأُخْرَى وَتَقَوَّمَ عَمَلِهِ
( قَوْلُهُ : وَالْقَوْلُ لِرَبِّ الثَّوْبِ فِي الْأَجْرِ وَعَدَمِهِ ) أَقُولُ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَجْعَلُ أَبُو يُوسُفَ الْقَوْلَ لِلصَّانِعِ إنْ كَانَ حَرِيفًا لَهُ أَيْ خَلِيطًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسْتَأْجِرِ أَخْذٌ وَإِعْطَاءٌ فِي حِرْفَةٍ وَحَكَمَ مُحَمَّدٌ بِالْأَجْرِ إنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِعَمَلِ تِلْكَ الصَّنْعَةِ بِالْأُجْرَةِ وَبِهِ يُفْتَى لِشَهَادَةِ الظَّاهِرُ لِدَعْوَاهُ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ .
وَفِي الصُّغْرَى أَيْضًا الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَكَذَا فِي التَّبْيِينِ

( بَابُ فَسْخِ الْإِجَارَةِ ) ( تُفْسَخُ ) أَيْ لِلْمُسْتَأْجِرِ وَلَايَةُ الْفَسْخِ لَا أَنَّهَا تَنْفَسِخُ لِاحْتِمَالِ الِانْتِفَاعِ بِوَجْهٍ آخَرَ وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ تَنْفَسِخُ ( بِخِيَارِ الشَّرْطِ ) بِأَنْ اسْتَأْجَرَ دَارًا سَنَةً عَلَى أَنَّهُ أَوْ الْمُؤَجِّرَ بِالْخِيَارِ فِيهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ ، وَإِنَّمَا تُفْسَخُ بِهِ ؛ لِأَنَّهَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ وَلَا يَجِبُ قَبْضُهُ فِي الْمَجْلِسِ وَيَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بِالْإِقَالَةِ فَيَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ فِيهِ كَالْبَيْعِ ( وَ ) بِخِيَارِ ( الرُّؤْيَةِ ) ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا لَمْ يَرَهُ فَلَهُ الْخِيَارُ إذَا رَآهُ } وَالْإِجَارَةُ شِرَاءُ الْمَنَافِعِ فَيَتَنَاوَلُهُ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ لَفْظًا أَوْ دَلَالَةً ( وَ ) بِخِيَارِ ( عَيْبٍ ) حَاصِلٍ ( قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ ) أَمَّا جَوَازُ الرَّدِّ بِعَيْبٍ حَاصِلٍ قَبْلَ الْعَقْدِ فَظَاهِرٌ ، وَأَمَّا جَوَازُهُ بِمَا بَعْدَ الْعَقْدِ فَلِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ الْمَنَافِعُ ، وَإِنَّمَا تُوجَدُ شَيْئًا فَشَيْئًا وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ فَكُلُّ جُزْءٍ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ الِابْتِدَاءِ فَكَانَ الْعَيْبُ حَاصِلًا قَبْلَ الْقَبْضِ وَذَلِكَ يُوجِبُ الْخِيَارَ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْعَيْبُ حَادِثًا بَعْدَ قَبْضِ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ قَبْلَهُ ؛ لِأَنَّ الَّذِي حَدَثَ بَعْدَ قَبْضِ الْمُسْتَأْجِرِ كَأَنَّهُ قَبْلَ قَبْضِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمَنَافِعُ كَذَا فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ ( يُفَوِّتُ النَّفْعَ ) صِفَةُ عَيْبٍ ( كَخَرَابِ الدَّارِ وَانْقِطَاعِ مَاءِ الرَّحَى ، وَ ) مَاءِ ( الْأَرْضِ ) ، فَإِنْ كُلًّا مِنْهَا يُفَوِّتُ النَّفْعَ فَيَثْبُتُ خِيَارُ الْفَسْخِ ( أَوْ يُخِلُّ ) عَطْفٌ عَلَى يُفَوِّتُ ( بِهِ ) أَيْ بِالنَّفْعِ يَعْنِي أَنَّ الْعَيْبَ لَا يُفَوِّتُ النَّفْعَ بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ يُخِلُّ بِهِ بِحَيْثُ يَجُوزُ أَنْ يَنْتَفِعَ بِهِ فِي الْجُمْلَةِ ( كَمَرَضِ الْعَبْدِ وَدَبَرِ الدَّابَّةِ ) ، فَإِنَّ الْإِجَارَةَ تُفْسَخُ بِهِ أَيْضًا ( فَلَوْ لَمْ يُخِلَّ ) أَيْ الْعَيْبُ ( بِهِ ) أَيْ بِالنَّفْعِ ( أَوْ

انْتَفَعَ ) الْمُسْتَأْجِرُ ( بِالْمُخِلِّ ) بِالنَّفْعِ وَاسْتَوْفَى الْمَنْفَعَةَ وَقَدْ رَضِيَ بِالْعَيْبِ ( أَوْ أَزَالَهُ ) أَيْ الْإِخْلَالَ ( الْمُؤَجِّرُ سَقَطَ خِيَارُهُ ) لِزَوَالِ سَبَبِهِ وَلِذَا قَالُوا : إنَّ الْعَيْبَ إذَا لَمْ يُخِلَّ بِالنَّفْعِ الْمَقْصُودِ لَمْ يَكُنْ مُجَوِّزًا لِلْفَسْخِ كَمَا إذَا كَانَ فِي الدَّارِ حَائِطٌ لِلْجِمَالِ وَلَا يَنْتَفِعُ بِهِ فِي سُكْنَاهَا وَسَقَطَ ذَلِكَ الْحَائِطُ لَيْسَ لَهُ وَلَايَةُ الْفَسْخِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ الْمَنْفَعَةُ ، فَإِذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ الْخَلَلُ فِيهَا لَمْ يَثْبُتْ الْخِيَارُ ( وَبِعُذْرٍ ) عَطْفٌ عَلَى بِخِيَارِ الشَّرْطِ ( وَلُزُومِ ضَرَرٍ لَمْ يَسْتَحِقَّ بِالْعَقْدِ إنْ بَقِيَ ) أَيْ الْعَقْدُ ( كَمَا فِي سُكُونِ وَجَعِ ضِرْسٍ اُسْتُؤْجِرَ ) حَدَّادٌ ( لِقَلْعِهِ ) ، فَإِنَّ الْعَقْدَ إنْ بَقِيَ لَزِمَ قَلْعُ سِنٍّ صَحِيحٍ وَهُوَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ بِالْعَقْدِ ( وَمَوْتِ عُرْسٍ أَوْ اخْتِلَاعِهَا اُسْتُؤْجِرَ ) أَيْ طَبَّاخٌ ( لِطَبْخِ وَلِيمَتِهَا ) ، فَإِنَّ الْعَقْدَ إنْ بَقِيَ تَضَرَّرَ الْمُسْتَأْجِرُ بِإِتْلَافِ مَالِهِ فِي غَيْرِ الْوَلِيمَةِ -

( بَابُ فَسْخِ الْإِجَارَةِ ) قَوْلُهُ : تُفْسَخُ
إلَخْ ) هَذَا عَلَى الْأَصَحِّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ تَنْفَسِخُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَيْ الْعَيْبِ وَخَرَابِ الدَّارِ وَنَحْوِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ : لَا أَنَّهَا تَنْفَسِخُ ) لَا يُتَوَهَّمُ فِي خِيَارِ الشَّرْطِ فَلَا وَجْهَ لِذِكْرِهِ هُنَا ( قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ الِانْتِفَاعِ بِوَجْهٍ آخَرَ ) عِلَّةٌ لِقَوْلِهِ تُفْسَخُ بِخِيَارِ الشَّرْطِ وَلَيْسَ لَهُ مِسَاسٌ بِهَذَا الْمَقَامِ ؛ لِأَنَّهُ فِي وُجُودِ عَيْبٍ وَأَيْضًا لَا يَتَأَتَّى فِي جَانِبِ الْمُؤَجِّرِ وَخِيَارُ الشَّرْطِ يَعُمُّهُمَا ؛ لِأَنَّهُ لِلتَّرَوِّي فَتَرَوَّى ( قَوْلُهُ : لِاحْتِمَالِ الِانْتِفَاعِ بِوَجْهٍ آخَرَ ) أَقُولُ أَوْ بِمَا اسْتَأْجَرَ لِأَجْلِهِ مَعَ الْخَلَلِ كَمَا سَيَأْتِي ( قَوْلُهُ : فَإِنَّ الْإِجَارَةَ تَنْفَسِخُ بِهِ أَيْضًا ) كَذَا فِي نُسْخَةٍ وَعَلَى الْأَصَحِّ كَمَا اخْتَارَهُ أَنَّهَا تَنْفَسِخُ بِهِ ( قَوْلُهُ : فَلَوْ لَمْ يُخِلَّ بِهِ أَوْ انْتَفَعَ أَوْ أَزَالَهُ سَقَطَ خِيَارُهُ ) أَقُولُ سُقُوطُ الْخِيَارِ وَاضِحٌ فِيمَا إذَا انْتَفَعَ أَوْ أُزِيلَ الْخَلَلُ أَمَّا فِيمَا إذَا لَمْ يُخِلَّ فَلَيْسَ لَهُ خِيَارٌ أَصْلًا فَلَا يُقَالُ سَقَطَ خِيَارُهُ إذْ السُّقُوطُ فَرْعٌ عَنْ الثُّبُوتِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ بَدَلَهُ لَيْسَ لَهُ خِيَارٌ وَالسَّالِبَةُ صَادِقَةٌ بِنَفْيِ الْمَوْضُوعِ ( قَوْلُهُ : وَبِعُذْرٍ عَطْفٌ عَلَى بِخِيَارِ الشَّرْطِ ) أَقُولُ يَعْنِي أَنَّهَا تُفْسَخُ بِالْعُذْرِ فَيَثْبُتُ بِهِ حَقُّ الْفَسْخِ وَفِي كَيْفِيَّتِهِ اخْتِلَافٌ أَشَارَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إلَى أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْقَضَاءِ بِمَنْزِلَةِ عَيْبِ الْمَبِيعِ فَيَنْفَرِدُ الْعَاقِدُ بِالْفَسْخِ .
وَفِي الزِّيَادَاتِ أَنَّ الْأَمْرَ يُرْفَعُ إلَى الْحَاكِمِ لِيَفْسَخَ كَالرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ هَذَا هُوَ الْأَصَحُّ وَمِنْهُمْ مَنْ وُفِّقَ فَقَالَ هَذَا إذَا كَانَ الْعُذْرُ ظَاهِرًا تُفْسَخُ وَإِلَّا فَيَفْسَخُهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ قَاضِي خَانْ وَالْمَحْبُوبِيُّ هُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ : كَمَا فِي سُكُونِ وَجَعِ ضِرْسٍ

وَمَوْتِ عُرْسٍ أَوْ اخْتِلَاعِهَا ) أَقُولُ لَيْسَ ذَلِكَ كُلُّهُ شَرْطًا ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا يُجْبَرُ عَلَى إتْلَافِ مَالِهِ وَلَا جَسَدِهِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُتْلِفُ لَهَاتَهُ بِالْقَلْعِ كَمَا قَالُوا فِي الْقِصَاصِ يَبْرُدُ مِنْ الْجَانِي تَحَاشِيًا عَنْ إتْلَافِ لَهَاتِهِ بِنَزْعِهِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى إطْعَامِ مَالِهِ لِمَنْ لَا يَشْكُرُهُ أَوْ يَجُرُّ لَهُ ضَرَرًا كَمَا هُوَ مُشَاهَدٌ هَذَا مَا ظَهَرَ لِي ثُمَّ رَأَيْته فِي الْبَدَائِعِ إلَّا مَسْأَلَةَ الْخَلْعَ لَكِنَّهُ يُفِيدُ ذَلِكَ

( وَلُزُومِ دَيْنٍ ) عَطْفٌ عَلَى لُزُومِ ضَرَرٍ ( لَا يَقْضِي إلَّا بِثَمَنِ الْمُؤَجَّرِ ) ، فَإِنَّهُ إذَا أَجَّرَ دُكَّانًا أَوْ دَارًا ثُمَّ أَفْلَسَ وَلَزِمَهُ دُيُونٌ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَدَائِهَا إلَّا بِثَمَنِ مَا أَجَّرَ وَأَرَادَ فَسْخَهَا يُفْسَخُ وَإِلَّا لَزِمَهُ ضَرَرُ الْحَبْسِ ( وَسَفَرٍ ) عَطَفَ عَلَى لُزُومِ ( مُسْتَأْجِرِ عَبْدٍ لِلْخِدْمَةِ فِي الْمِصْرِ أَوْ مُطْلَقًا ) أَيْ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِكَوْنِهَا فِي الْمِصْرِ ، وَإِنْ كَانَ مَحْمُولًا عَلَى الْخِدْمَةِ فِي الْمِصْرِ ، فَإِنْ مَنَعَ مَالِكَهُ عَنْ السَّفَرِ فَلِلْمُسْتَأْجِرِ الْفَسْخُ لِوُجُودِ الْعُذْرِ ، وَإِنْ أَرَادَ الْمُسْتَأْجِرُ سَفَرَهُ فَلِمَالِكِهِ الْفَسْخُ لِوُجُودِ الْعُذْرِ ، وَإِنْ رَضِيَ الْمَالِكُ بِسَفَرِهِ فَلَيْسَ لِلْمُسْتَأْجِرِ الْفَسْخُ لِانْتِفَاءِ الْعُذْرِ -
( قَوْلُهُ وَلُزُومِ دَيْنٍ لَا يُقْضَى إلَّا بِثَمَنِ الْمُؤَجَّرِ وَأَرَادَ فَسْخَهَا يُفْسَخُ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ فَسْخِهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَبِيعُ الدَّارَ أَوَّلًا فَيَنْفُذُ بَيْعُهُ وَتَنْفَسِخُ الْإِجَارَةُ ضِمْنًا لِبَيْعِهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ تُفْسَخُ الْإِجَارَةُ أَوَّلًا ثُمَّ يَبِيعُ .
ا هـ .

( وَإِفْلَاسِ مُسْتَأْجِرِ دُكَّانٍ لِيَتَّجِرَ ) ، فَإِنَّ الْإِجَارَةَ إنْ بَقِيَتْ لَزِمَ أَدَاءُ أَجْرِ الدُّكَّانِ وَهُوَ يَمْتَنِعُ بِالْإِفْلَاسِ .
( وَ ) إفْلَاسِ ( خَيَّاطٍ يَعْمَلُ بِمَالِهِ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا لِيَخِيطَ فَتَرَكَ عَمَلَهُ ) قَيَّدَ بِقَوْلِهِ يَعْمَلُ بِمَالِهِ ؛ لِأَنَّ مَنْ لَيْسَ لَهُ مَالٌ وَيَعْمَلُ بِالْأَجْرِ فَرَأْسُ مَالِهِ إبْرَةٌ وَمِقْرَاضٌ فَلَا يَتَحَقَّقُ الْعُذْرُ فِي حَقِّهِ ( وَبِدَاءِ مُكْتَرِي الدَّابَّةِ مِنْ سَفَرِهِ ) ، فَإِنَّهُ عُذْرٌ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ مَضَى عَلَى مُوجِبِ الْعَقْدِ لَزِمَهُ ضَرَرٌ زَائِدٌ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ قَصْدِهِ سَفَرَ الْحَجِّ فَذَهَبَ وَقْتُهُ أَوْ طَلَبَ غَرِيمٍ لَهُ فَحَضَرَ أَوْ التِّجَارَةَ فَافْتَقَرَ ( بِخِلَافِ ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَخَيَّاطٍ يَعْمَلُ بِمَالِهِ اسْتَأْجَرَ عَبْدًا ( تَرْكِ مُسْتَأْجِرِهِ ) أَيْ مُسْتَأْجِرِ عَبْدٍ ( لَهُ ) أَيْ لِيَخِيطَ ( لِيَعْمَلَ ) مُتَعَلِّقٌ بِالتَّرْكِ ( فِي الصَّرْفِ ) ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ عُذْرًا إذْ يُمْكِنُهُ أَنْ يُقْعِدَ الْغُلَامَ لِلْخِيَاطَةِ فِي نَاحِيَةٍ وَيَعْمَلُ لِلصَّرْفِ فِي نَاحِيَةٍ ( وَبِدَاءِ الْمُكَارِي ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَبِدَاءِ الْمُكْتَرِي ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بِعُذْرٍ أَيْضًا إذْ يُمْكِنُهُ أَنْ يَقْعُدَ وَيَبْعَثَ دَوَابَّهُ عَلَى يَدِ تِلْمِيذِهِ أَوْ أَجِيرِهِ ( وَبَيْعِ مَا أَجَّرَهُ ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَلُزُومِ دَيْنٍ ، فَإِنَّهُ أَيْضًا لَيْسَ بِعُذْرٍ بِدُونِ لُحُوقِ دَيْنٍ كَمَا مَرَّ

( وَتَنْفَسِخُ ) الْإِجَارَةُ بِلَا حَاجَةٍ إلَى الْفَسْخِ ( بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا ) أَيْ أَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ ( لَوْ عَقَدَهَا لِنَفْسِهِ ) ؛ لِأَنَّهَا لَوْ بَقِيَتْ تَصِيرُ الْمَنْفَعَةُ الْمَمْلُوكَةُ أَوْ الْأُجْرَةُ الْمَمْلُوكَةُ لِغَيْرِ الْعَاقِدِ مُسْتَحَقَّةً بِالْعَقْدِ لِانْتِقَالِهَا إلَى الْوَارِثِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ ( وَلَوْ ) عَقَدَهَا ( لِغَيْرِهِ لَا ) أَيْ لَا تَنْفَسِخُ ( كَالْوَكِيلِ وَالْوَصِيِّ وَالْمُتَوَلِّي ) لِبَقَاءِ الْمُسْتَحَقِّ عَلَيْهِ وَالْمُسْتَحِقِّ حَتَّى لَوْ مَاتَ الْمَعْقُودُ لَهُ بَطَلَتْ لِمَا ذَكَرْنَا .
( وَ ) تَنْفَسِخُ ( بِمَوْتِ أَحَدِ الْمُسْتَأْجِرِينَ أَوْ الْمُؤَجِّرَيْنِ فِي حِصَّتِهِ فَقَطْ ) وَبَقِيَتْ فِي حِصَّةِ الْحَيِّ وَقَالَ زُفَرُ تَبْطُلُ فِيهِمَا ؛ لِأَنَّ الشُّيُوعَ مَانِعٌ قُلْنَا الشُّرُوطُ يُرَاعَى وُجُودُهَا فِي الِابْتِدَاءِ لَا الْبَقَاءِ كَالشَّهَادَةِ فِي النِّكَاحِ

( مَسَائِلُ شَتَّى ) - ( أَحْرَقَ حَصَائِدَ أَرْضٍ ) وَهِيَ جَمْعُ حَصِيدٍ وَحَصِيدَةٍ وَهُمَا الزَّرْعُ الْمَحْصُودُ وَالْمُرَادُ بِهَا هَاهُنَا مَا يَبْقَى مِنْ أُصُولِ الْقَصَبِ الْمَحْصُودِ فِي الْأَرْضِ ( اسْتَأْجَرَهَا أَوْ اسْتَعَارَهَا فَاحْتَرَقَ مَا فِي أَرْضِ غَيْرِهِ لَمْ يَضْمَنْ ) ؛ لِأَنَّ هَذَا تَسَبُّبٌ وَلَيْسَ بِمُبَاشَرَةٍ فَلَا يَكُونُ مُتَعَدِّيًا كَحَافِرِ الْبِئْرِ فِي مِلْكِهِ ( إنْ لَمْ تَضْطَرِبْ الرِّيَاحُ ) قَالَ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ عَدَمُ الضَّمَانِ إذَا كَانَتْ الرِّيَاحُ سَاكِنَةً ثُمَّ تَغَيَّرَتْ أَمَّا إذَا كَانَتْ مُضْطَرِبَةً فَيَضْمَنُ ؛ لِأَنَّ مُوقِدَ النَّارِ يَعْلَمُ أَنَّهَا لَا تَسْتَقِرُّ فِي أَرْضِهِ فَيَكُونُ مُبَاشِرًا -
مَسَائِلُ شَتَّى ) ( قَوْلُهُ : وَالْمُرَادُ بِهِ هَاهُنَا مَا يَبْقَى مِنْ أُصُولِ الْقَصَبِ الْمَحْصُودِ فِي الْأَرْضِ ) أَقُولُ وَكَذَا لَوْ أَحْرَقَ الشَّوْكَ فِيهَا لَمْ يَضْمَنْ ( قَوْلُهُ : اسْتَأْجَرَهَا أَوْ اسْتَعَارَهَا
إلَخْ ) .
أَقُولُ وَلَعَلَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْمَمْلُوكَةَ ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَضْمَنْ فِيمَا ذَكَرَ فَالْمَمْلُوكَةُ أَوْلَى بِعَدَمِ الضَّمَانِ ( قَوْلُهُ : قَالَ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ عَدَمُ الضَّمَانِ إذَا كَانَتْ الرِّيَاحُ سَاكِنَةً ثُمَّ تَغَيَّرَتْ أَمَّا إذَا كَانَتْ مُضْطَرِبَةً فَيَضْمَنُ ) أَقُولُ نَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ بِصِيغَةِ يَنْبَغِي ، فَإِنَّهُ قَالَ : وَأَمَّا إذَا كَانَتْ الرِّيَاحُ مُضْطَرِبَةً يَنْبَغِي أَنْ يَضْمَنَ .
ا هـ
وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ رَجُلٌ أَحْرَقَ شَوْكًا أَوْ شَيْئًا فِي أَرْضِهِ فَذَهَبَتْ الرِّيحُ بِالشَّرَارَاتِ إلَى أَرْضِ جَارِهِ وَأَحْرَقَتْ زَرْعَهُ إنْ كَانَ يَبْعُدُ مِنْ أَرْضِ الْجَارِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَصِلُ إلَيْهِ شَرَرُ النَّارِ فِي الْعَادَةِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ حَصَلَ بِفِعْلِ النَّارِ وَأَنَّهُ جَارٌ وَلَوْ كَانَ بِقُرْبٍ مِنْ أَرْضِهِ عَلَى وَجْهٍ يَصِلُ شَرَرُ النَّارِ غَالِبًا ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّ لَهُ الْإِيقَادَ فِي مِلْكِ نَفْسِهِ لَكِنْ بِشَرْطِ السَّلَامَةِ .
ا هـ .

( وَضَعَ جَمْرَةً فِي الطَّرِيقِ فَأَحْرَقَتْ شَيْئًا ضَمِنَ ) ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْوَضْعِ وَلَوْ رَفَعَهَا الرِّيحُ إلَى شَيْءٍ فَأَحْرَقَتْهُ لَا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّ الرِّيحَ نَسَخَتْ فِعْلَهُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ

( سَقَى أَرْضَهُ سَقْيًا لَا تَتَحَمَّلُهُ ) أَيْ لَا تَتَحَمَّلُ تِلْكَ الْأَرْضَ ذَلِكَ السَّقْيَ ( فَتَعَدَّى ) أَيْ الْمَاءُ ( إلَى جَارِهِ ضَمِنَ ) ؛ لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ لَا مُتَسَبِّبٌ -
( قَوْلُهُ : سَقَى أَرْضَهُ سَقْيًا لَا تَحْتَمِلُهُ
إلَخْ ) أَقُولُ يَعْنِي لَا تَحْتَمِلُ بَقَاءَهُ بِأَنْ كَانَتْ صُعُودًا وَأَرْضُ جَارِهِ هُبُوطًا يَعْلَمُ أَنَّهُ لَوْ سَقَى أَرْضَهُ نَفَذَ إلَى جَارِهِ ضَمِنَ وَلَوْ كَانَ يَسْتَقِرُّ فِي أَرْضِهِ ثُمَّ يَتَعَدَّى إلَى أَرْضِ جَارِهِ فَلَوْ تَقَدَّمَ إلَيْهِ جَارُهُ بِالسُّكْرِ وَالْإِحْكَامِ وَلَمْ يَفْعَلْ ضَمِنَ وَيَكُونُ هَذَا كَإِشْهَادٍ عَلَى حَائِطٍ وَلَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَمْ يَضْمَنْ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ

( أَقْعَدَ خَيَّاطًا وَنَحْوَهُ فِي دُكَّانِهِ مَنْ يَطْرَحُ عَلَيْهِ الْعَمَلَ بِالنِّصْفِ جَازَ ) ، فَإِنَّ صَاحِبَ الدُّكَّانِ قَدْ يَكُونُ ذَا جَاهٍ وَحُرْمَةٍ وَلَكِنْ لَا يَكُونُ حَاذِقًا فِي الْعَمَلِ فَيَقْعُدُ حَاذِقًا يُطْرَحُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَجُوزَ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ بِنِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَمَلِهِ وَهُوَ مَجْهُولٌ كَقَفِيزِ الطَّحَّانِ لَكِنَّهُ جَازَ اسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّهُ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ فِي الْحَقِيقَةِ ، فَإِنَّ هَذَا بِوَجَاهَتِهِ يُقْبِلُ وَذَاكَ بِحَذَاقَتِهِ يَعْمَلُ فَتَنْتَظِمُ الْمَصْلَحَةُ وَلَا يَضُرُّهُ الْجَهَالَةُ فِيمَا يَحْصُلُ -
( قَوْلُهُ : ؛ لِأَنَّهُ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ فِي الْحَقِيقَةِ ) أَقُولُ لَاحَ لِي أَنَّ فِيهِ نَظَرًا ثُمَّ رَأَيْت الزَّيْلَعِيَّ قَالَ : إنَّ هَذِهِ شَرِكَةُ الصَّنَائِعِ ثُمَّ قَالَ وَقَوْلُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ هَذِهِ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ فِي الْحَقِيقَةِ فَهَذَا بِوَجَاهَتِهِ يُقْبِلُ وَهَذَا بِحَذَاقَتِهِ يَعْمَلُ فِيهِ نَوْعُ أَشْكَالٍ ، فَإِنَّ تَفْسِيرَ شَرِكَةِ الْوُجُوهِ أَنْ يَشْتَرِكَا عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَا بِوُجُوهِهِمَا وَلَيْسَ فِي هَذِهِ بَيْعٌ وَلَا شِرَاءٌ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ تَكُونَ شَرِكَةَ الْوُجُوهِ ، وَإِنَّمَا هِيَ شَرِكَةُ الصَّنَائِعِ عَلَى مَا بَيَّنَّا .
ا هـ .

( كَاسْتِئْجَارِ جَمَلٍ لِيَحْمِلَ عَلَيْهِ مَحْمَلًا وَرَاكِبَيْنِ وَحَمَلَ مَحْمَلًا مُعْتَادًا ) ، فَإِنَّهُ جَائِزٌ اسْتِحْسَانًا وَفِي الْقِيَاسِ لَا يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّ الْمَحْمَلَ مُتَفَاوِتٌ مَجْهُولٌ فَيُفْضِي إلَى النِّزَاعِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْجَهَالَةَ تَزُولُ بِالصَّرْفِ إلَى الْمُعْتَادِ ( وَإِرَاءَتُهُ أَجْوَدُ ) أَيْ إرَاءَةُ الْمَحْمَلَ الْجَمَّالَ أَحْسَنُ ؛ لِأَنَّ الْمُشَاهَدَةَ نَفْيٌ لِلْجَهَالَةِ -
قَوْلُهُ : وَحَمَلَ مَحْمَلًا مُعْتَادًا ) أَقُولُ لَيْسَ هُوَ مِنْ شَرْطِ الْجَوَازِ بَلْ هُوَ تَصْرِيحٌ بِمَا يَجُوزُ لَهُ فِي هَذَا الْعَقْدِ ، فَإِنَّهُ إذَا حَمَلَ غَيْرَ مُعْتَادٍ لَا يُقَالُ بِعَدَمِ صِحَّةِ الِاسْتِئْجَارِ بِهِ بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ كَمَا تَقَدَّمَ فِيمَا لَوْ اسْتَأْجَرَهَا لِقَدْرٍ مَعْلُومٍ فَزَادَ عَلَيْهِ إنْ طَاقَتْ الْكُلَّ ثُمَّ هَلَكَتْ ضَمِنَ الزِّيَادَةَ ، وَإِنْ لَمْ تُطِقْ ضَمِنَ كُلَّ قِيمَتِهَا

( اسْتَأْجَرَهُ ) أَيْ جَمَلًا ( لِحَمْلِ قَدْرِ زَادٍ فَأَكَلَ مِنْهُ رَدَّ عِوَضَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِ حِمْلًا مُقَدَّرًا فِي جَمِيعِ الطَّرِيقِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَهُ ( قَالَ لِغَاصِبِ دَارِهِ فَرِّغْهَا وَإِلَّا فَأُجْرَتُهَا كُلُّ شَهْرٍ بِكَذَا فَلَمْ يُفَرِّغْ وَجَبَ الْمُسَمَّى ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا عَيَّنَ الْأُجْرَةَ وَالْغَاصِبُ رَضِيَ بِهَا ظَاهِرًا انْعَقَدَ بَيْنَهُمَا عَقْدُ إجَارَةٍ ( إلَّا إذَا أَنْكَرَ الْغَاصِبُ مِلْكَهُ ) ، فَإِنَّهُ إذَا أَنْكَرَهُ لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِالْإِجَارَةِ ( وَإِنْ ) وَصْلِيَّةٌ ( أَثْبَتَهُ ) أَيْ أَثْبَتَ صَاحِبُ الدَّارِ كَوْنَهَا مِلْكًا لَهُ ( أَوْ أَقَرَّ ) أَيْ الْغَاصِبُ ( بِهِ ) أَيْ بِمِلْكِهِ ( وَلَمْ يَرْضَ بِالْأَجْرِ ) أَيْ صَرَّحَ بِعَدَمِ رِضَاهُ بِهِ فَحِينَئِذٍ لَا يُفِيدُ رِضَاهُ ظَاهِرًا ( لِلْمُسْتَأْجِرِ ) أَيْ جَازَ لَهُ ( أَنْ يُؤَخِّرَ الْأَجِيرَ مِنْ غَيْرِ مُؤَجِّرِهِ ) وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَجِّرَهُ لِمُؤَجِّرِهِ ؛ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ وَالْمُسْتَأْجِرُ فِي حَقِّ الْمَنْفَعَةِ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُؤَجِّرِ فَيَلْزَمُ تَمْلِيكُ الْمَالِكِ ( وَيُعِيرُ وَيُودِعُ فِيمَا لَا يَخْتَلِفُ النَّاسُ فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَلَكَ مَنَافِعَهُ جَازَ لَهُ أَنْ يَمْلِكَهَا لَكِنْ لَا فِيمَا يَخْتَلِفُ النَّاسُ فِي الِانْتِفَاعِ بِهَا وَإِلَّا كَانَ مُتَعَدِّيًا -

( قَوْلُهُ : وَيُعِيرُ وَيُودِعُ فِيمَا لَا يَخْتَلِفُ النَّاسُ فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ ) أَقُولُ هَذَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَا قَدَّمَهُ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الْإِجَارَةِ بِقَوْلِهِ وَفِيمَا لَا يَخْتَلِفُ بِهِ أَيْ بِالْمُسْتَعْمَلِ بَطَلَ التَّقْيِيدُ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُقَيَّدٍ ثُمَّ قَوْلُهُ وَيُودِعُ لَمْ يَظْهَرْ لِي سِرُّ تَقْيِيدِهِ بِمَا لَا يَخْتَلِفُ إذْ الْإِيدَاعُ لَيْسَ إلَّا الِاسْتِحْفَاظَ وَلَعَلَّ الصَّوَابَ وَيُؤَجِّرُ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ ، فَإِذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَرْكَبَ لَا يُؤَجِّرُ غَيْرَهُ وَلَا يُعِيرُهُ وَأَقُولُ هُوَ أَيْضًا مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ فِي الْإِجَارَةِ ، وَإِنْ خَصَّصَ بِرَاكِبٍ أَوْ لَابِسٍ فَخَالَفَ ضَمِنَ كَذَا كُلُّ مَا يَخْتَلِفُ بِالْمُسْتَعْمَلِ

( فَإِذَا اسْتَأْجَرَ دَابَّةً لِيَرْكَبَ لَا يُؤَجِّرُ غَيْرَهُ وَلَا يُعِيرُهُ ) ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَخْتَلِفُ النَّاسُ فِي الِانْتِفَاعِ بِهِ ( وَكَّلَهُ لِاسْتِئْجَارِ دَارٍ فَفَعَلَ وَقَبَضَ وَلَمْ يُسَلِّمْهَا إلَيْهِ حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ رَجَعَ الْوَكِيلُ بِالْأَجْرِ عَلَى الْآمِرِ كَذَا إنْ شَرَطَ تَعْجِيلَ الْأَجْرِ وَقَبَضَ وَمَضَتْ الْمُدَّةُ وَلَمْ يَطْلُبْ الْآمِرُ ، وَإِنْ طَلَبَ وَأَبَى لِيُعَجِّلَ ) أَيْ الْأَجْرَ ( لَا ) أَيْ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْآمِرِ يَعْنِي لَوْ وَكَّلَ رَجُلًا لِيَسْتَأْجِرَ لَهُ دَارًا مُعَيَّنَةً فَاسْتَأْجَرَ فَقَبَضَهَا وَمَنَعَهَا مِنْ الْآمِرِ أَوَّلًا حَتَّى مَضَتْ الْمُدَّةُ فَالْأَجْرُ عَلَى الْوَكِيلِ ؛ لِأَنَّهُ أَصِيلٌ فِي الْحُقُوقِ وَرَجَعَ الْوَكِيلُ بِالْأَجْرِ عَلَى الْآمِرِ ؛ لِأَنَّهُ فِي الْقَبْضِ نَائِبٌ عَنْ الْمُوَكِّلِ فِي حَقِّ مِلْكِ الْمَنْفَعَةِ فَصَارَ قَابِضًا لَهُ حُكْمًا ، فَإِنْ شَرَطَ الْوَكِيلُ تَعْجِيلَ الْأَجْرِ وَقَبَضَ الدَّارَ وَمَضَتْ الْمُدَّةُ وَلَمْ يَطْلُبْهَا الْآمِرُ مِنْهُ رَجَعَ الْوَكِيلُ بِالْأَجْرِ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ الْآمِرَ صَارَ قَابِضًا بِقَبْضِهِ مَا لَمْ يَظْهَرْ الْمَنْعُ وَلَوْ طَلَبَهَا فَأَبَى حَتَّى يُعَجِّلَ لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْآمِرِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا حَبَسَ الدَّارَ مِنْ الْآمِرِ وَلَهُ حَقُّ الْحَبْسِ خَرَجَتْ يَدُ الْوَكِيلِ مِنْ أَنْ تَكُونَ يَدَ نِيَابَةٍ فَلَمْ يَصِرْ الْمُوَكِّلُ قَابِضًا حُكْمًا وَلَمْ تَصِرْ الْمَنَافِعُ حَادِثَةً فِي يَدِ الْمُوَكِّلِ حُكْمًا فَلَمْ يَجِبْ الْأَجْرُ عَلَى الْمُوَكِّلِ كَذَا فِي الْكَافِي

( لِلْقَاضِي الْأُجْرَةُ عَلَى كَتْبِ الْمَكَاتِيبِ قَدْرَ مَا تَجُوزُ لِغَيْرِهِ ) ؛ لِأَنَّ كَتْبَهَا لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ الْقَضَاءِ لِيَحْرُمَ ( الْمُسْتَأْجِرُ لَا يَكُونُ خَصْمًا لِمُدَّعِي الْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ وَالشِّرَاءِ ) ؛ لِأَنَّ الدَّعْوَى لَا تَكُونُ إلَّا عَلَى مَالِكِ الْعَيْنِ ( بِخِلَافِ الْمُشْتَرِي ) ؛ لِأَنَّهُ مَالِكُ الْعَيْنِ كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ

( كِتَابُ الْعَارِيَّةِ ) لَمَّا فَرَغَ مِنْ كِتَابِ تَمْلِيكِ النَّفْعِ بِعِوَضٍ شَرَعَ فِي كِتَابِ تَمْلِيكِ النَّفْعِ بِلَا عِوَضٍ فِي الصِّحَاحِ هِيَ بِالتَّشْدِيدِ كَأَنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إلَى الْعَارِ ؛ لِأَنَّ طَلَبَهَا عَارٌ وَعَيْبٌ وَفِي الْهِدَايَةِ هِيَ مِنْ الْعَرِيَّةِ وَهِيَ الْعَطِيَّةُ .
وَفِي الْكَافِي هِيَ مِنْ التَّعَاوُرِ وَهُوَ التَّنَاوُبُ فَكَأَنَّهُ يَجْعَلُ لِلْغَيْرِ نَوْبَةً فِي الِانْتِفَاعِ بِمِلْكِهِ إلَى أَنْ يَعُودَ إلَيْهِ ( هِيَ ) لُغَةً تَمْلِيكُ مَا ذَكَرَ وَشَرْعًا ( تَمْلِيكُ نَفْعٍ بِلَا عِوَضٍ ) وَبِهَذَا تَخْرُجُ الْإِجَارَةُ ( وَتَصِحُّ بِأَعَرْتُكَ ) ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِيهَا ( وَأَطْعَمْتُكَ أَرْضِي ) ؛ لِأَنَّ الْإِطْعَامَ إذَا أُضِيفَ إلَى مَا لَا يُطْعَمُ كَالْأَرْضِ يُرَادُ بِهِ أَكْلُ غَلَّتِهَا إطْلَاقًا لِاسْمِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِّ ( وَمَنَحْتُكَ ثَوْبِي هَذَا ) أَوْ جَارِيَتِي هَذِهِ إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الْهِبَةَ ، فَإِنَّ الْمَنْحَ لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ عُرْفًا وَعِنْدَ عَدَمِ إرَادَتِهِ يُحْمَلُ عَلَى تَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ وَأَصْلُهُ أَنْ يُعْطَى نَاقَةً أَوْ شَاةً لِيَشْرَبَ لَبَنَهَا ثُمَّ تُرَدُّ وَكَثُرَ اسْتِعْمَالُهُ فِي تَمْلِيكِ الْعَيْنِ ، فَإِذَا أُرِيدَ بِهِ الْهِبَةُ أَفَادَ مِلْكَ الْعَيْنِ وَإِلَّا بَقِيَ عَلَى أَصْلِ وَضْعِهِ ( وَحَمَلْتُكَ عَلَى دَابَّتِي هَذِهِ ) إذَا لَمْ يُرِدْ بِهِ الْهِبَةَ ، فَإِنَّ هَذَا اللَّفْظَ يُسْتَعْمَلُ عُرْفًا فِي الْهِبَةِ لِمَا سَبَقَ مِنْ قَوْلِهِمْ حَمَلَ الْأَمِيرُ فُلَانًا عَلَى الْفَرَسِ وَيُرَادُ بِهِ التَّمْلِيكُ وَمَعْنَاهُ لُغَةً هُوَ الرِّكَابُ وَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِيهِ أَيْضًا ، فَإِذَا نَوَى أَحَدَهُمَا صَحَّتْ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِهِ نِيَّةٌ حُمِلَ عَلَى الْأَدْنَى لِئَلَّا يَلْزَمَ الْأَعْلَى بِالشَّكِّ أَقُولُ بِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ مَا اعْتَرَضَ صَاحِبُ الْكَافِي عَلَى الْهِدَايَةِ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ جَعَلَ فِي كِتَابِ الْعَارِيَّةِ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ يَعْنِي مَنَحْتُكَ وَحَمَلْتُكَ حَقِيقَةً لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ وَمَجَازًا لِتَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ ثُمَّ ذَكَرَ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ فِي بَيَانِ

أَلْفَاظِهَا وَحَمَلْتُكَ عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ إذَا نَوَى بِالْحُمْلَانِ الْهِبَةَ وَعَلَّلَ بِأَنَّ الْحَمْلَ هُوَ الرِّكَابُ حَقِيقَةً فَيَكُونُ عَارِيَّةً لَكِنَّهُ يَحْتَمِلُ الْهِبَةَ وَثَانِيهِمَا أَنَّهُمَا إذَا كَانَا لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ حَقِيقَةً وَالْحَقِيقَةُ تُرَادُ بِاللَّفْظِ بِلَا نِيَّةٍ فَعِنْدَ عَدَمِ إرَادَةِ الْهِبَةِ لَا يُحْمَلُ عَلَى تَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ بَلْ عَلَى الْهِبَةِ ، أَمَّا انْدِفَاعُ الْأَوَّلِ فَلِأَنَّهُ أَرَادَ بِجَعْلِ هَذَيْنِ اللَّفْظَيْنِ حَقِيقَةً لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ فِي الْعَارِيَّةِ جَعَلَهُمَا حَقِيقَةً لَهُ عُرْفًا فَيَكُونَانِ مَجَازَيْنِ لِتَمْلِيكِ الْمَنْفَعَةِ عُرْفًا ضَرُورَةً وَأَرَادَ بِجَعْلِهِ الْحَمْلَ حَقِيقَةً لِلْإِرْكَابِ جَعْلُهُ حَقِيقَةً لَهُ لُغَةً فَيَكُونُ لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ مَجَازًا لُغَةً ضَرُورَةً فَلَا مُنَافَاةَ ، وَأَمَّا انْدِفَاعُ الثَّانِي فَلِأَنَّ الْحَقِيقَةَ إنَّمَا تُرَادُ بِاللَّفْظِ بِلَا قَرِينَةٍ إذَا لَمْ يُعَارِضْهَا مَجَازٌ مُسْتَعْمَلٌ ، فَإِنَّ النِّيَّةَ إذَا انْتَفَتْ كَانَ الْمَعْنَى الْعُرْفِيُّ وَاللُّغَوِيُّ الْمُسْتَعْمَلُ مُسْتَوِيَيْنِ فِي الْإِرَادَةِ فَيَجِبُ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى الْأَدْنَى لِئَلَّا يَلْزَمَ الْأَعْلَى بِالشَّكِّ ( وَأَخْدَمْتُكَ عَبْدِي ) ، فَإِنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي الِاسْتِخْدَامِ فَيَكُونُ عَارِيَّةً ( وَدَارِي لَك سُكْنَى وَدَارِي لَك عُمْرَى سُكْنَى ) ، فَإِنَّ لَفْظَ سُكْنَى مُحْكَمٌ فِي إرَادَةِ النَّفْعِ فَتُصْرَفُ اللَّامُ فِي قَوْلِهِ لَكَ عَنْ إفَادَةِ الْمِلْكِ ( وَيَرْجِعُ الْمُعِيرُ مَتَى شَاءَ ) ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ تُمْلَكُ شَيْئًا فَشَيْئًا بِحَسَبِ حُدُوثِهَا فَمَا لَمْ تُوجَدْ لَمْ تُمْلَكْ فَصَحَّ الرُّجُوعُ ( وَلَا تُضْمَنُ إذَا هَلَكَتْ ) بِلَا تَعَدٍّ ؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ -

( كِتَابُ الْعَارِيَّةِ ) ( قَوْلُهُ : ؛ لِأَنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إلَى الْعَارِ ؛ لِأَنَّ طَلَبَهَا عَارٌ وَعَيْبٌ ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ إنَّهَا مَنْسُوبَةٌ إلَى الْعَارَةِ اسْمٌ مِنْ الْعَارِ وَأَخْذُهَا مِنْ الْعَارِ عَيْبٌ وَفِي النِّهَايَةِ أَنَّ مَا فِي الْمُغْرِبِ هُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاشَرَ الِاسْتِعَارَةَ فَلَوْ كَانَ الْعَارُ فِي طَلَبِهَا لَمَا بَاشَرَهَا .
ا هـ .
كَمَا فِي الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ : هِيَ تَمْلِيكُ نَفْعٍ ) أَقُولُ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ وَالشَّافِعِيُّ إبَاحَتُهُ وَتَوْجِيهُ كُلٍّ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ قَوْلُهُ : إطْلَاقًا لِاسْمِ الْمَحَلِّ عَلَى الْحَالِّ ) فِيهِ تَأَمُّلٌ وَلَعَلَّهُ مِنْ إطْلَاقِ السَّبَبِ وَإِرَادَةِ الْمُسَبَّبِ ( قَوْلُهُ : أَقُولُ بِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ مَا اعْتَرَضَ صَاحِبُ الْكَافِي
إلَخْ ) .
أَقُولُ يُخَالِفُ هَذَا الدَّفْعُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْأَيْمَانِ بِقَوْلِهِ يُرَادُ بِهَذَا الْبُرُّ بِضَمِّهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِتَرْجِيحِ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ فَلْيُتَأَمَّلْ ( قَوْلُهُ : وَلَا يَضْمَنُ إذَا هَلَكَتْ بِلَا تَعَدٍّ ) هَذَا إذَا كَانَتْ الْعَارِيَّةُ مُطْلَقَةً ، فَإِنْ كَانَتْ مُقَيَّدَةً فِي الْوَقْتِ مُطْلَقَةً فِي غَيْرِهِ نَحْوُ أَنْ يُعِيرَهُ يَوْمًا فَلَوْ لَمْ يَرُدَّهَا بَعْدَ مُضِيِّ الْوَقْتِ ضَمِنَ إذَا هَلَكَتْ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي الْعِمَادِيَّةِ .
ا هـ .
سَوَاءٌ اسْتَعْمَلَهَا بَعْدَ الْوَقْتِ أَوْ لَا وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ إنَّمَا يَضْمَنُ إذَا انْتَفَعَ بَعْدَ مُضِيِّ الْوَقْتِ ؛ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصِيرُ غَاصِبًا أَمَّا إذَا لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي فَلَا يَضْمَنُ كَالْمُودَعِ إذَا أَمْسَكَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَضْمَنُ عَلَى كُلِّ حَالٍ ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَعِيرَ يُمْسِكُ مَالَ الْغَيْرِ بَعْدَ الْمُدَّةِ لِنَفْسِهِ بِخِلَافِ الْمُودَعِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَبِالتَّضْمِينِ مُطْلَقًا أَخَذَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ .
وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ

وَلَوْ هَلَكَتْ بَعْدَ مُضِيِّ مُدَّةِ الْإِعَارَةِ ضَمِنَ فِي قَوْلِهِمْ إذَا أَمْسَكَهَا بَعْدَ الْمُضِيِّ بِلَا إذْنٍ فَصَارَ غَاصِبًا انْتَهَى قُلْت لَكِنْ يَرُدُّ عَلَى إطْلَاقِ الْفُصُولَيْنِ التَّضْمِينُ فِي قَوْلِهِمْ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمُحِيطِ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ

( وَلَا تُؤَجَّرُ ) أَيْ الْعَارِيَّةُ ( وَلَا تُرْهَنُ ) ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ دُونَ الْإِجَارَةِ وَالرَّهْنِ ، وَالشَّيْءُ لَا يَتَضَمَّنُ مَا فَوْقَهُ ( فَإِنْ آجَرَ أَوْ رَهَنَ الْمُسْتَعِيرُ فَهَلَكَتْ ) الْعَارِيَّةُ ( ضَمَّنَهُ الْمُعِيرُ ) أَيْ ضَمَّنَ الْمُعِيرُ الْمُسْتَعِيرَ ؛ لِأَنَّهَا إذَا لَمْ تَتَنَاوَلْهُمَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا غَصْبًا ( وَلَا يَرْجِعُ ) أَيْ الْمُسْتَعِيرُ ( عَلَى أَحَدٍ ) إنْ ظَهَرَ بِالضَّمَانِ أَنَّهُ أَجَّرَ أَوْ رَهَنَ مِلْكَ نَفْسِهِ ( أَوْ ضَمَّنَّ الْمُسْتَأْجِرَ وَيَرْجِعُ ) أَيْ الْمُسْتَأْجِرُ ( عَلَى الْمُؤَجِّرِ ) دَفْعًا لِضَرَرِ الْغَرُورِ عَنْهُ ( إنْ لَمْ يَعْلَم أَنَّهُ عَارِيَّةٌ مَعَهُ ) ، وَإِنْ عَلِمَ فَلَا يَرْجِعُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَغُرَّهُ فَصَارَ كَالْمُسْتَأْجِرِ مِنْ الْغَاصِبِ عَالِمًا بِالْغَصْبِ ( وَتُعَارُ ) أَيْ الْعَارِيَّةُ ( مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ اخْتَلَفَ اسْتِعْمَالُهُ أَوْ لَا ( وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ مُنْتَفَعًا ) ؛ لِأَنَّهَا لَمَّا كَانَتْ لِتَمْلِيكِ الْمَنَافِعِ جَازَ أَنْ يُعِيرَ ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ يَمْلِكُ التَّمْلِيكَ كَالْمُسْتَأْجِرِ يَمْلِكُ أَنْ يُؤَجِّرَ وَالْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ يَمْلِكُ أَنْ يُعِيرَ .
( وَ ) يُعَارُ ( مَا لَا يَخْتَلِفُ اسْتِعْمَالُهُ إنْ عَيَّنَهُ ) أَيْ مُنْتَفَعًا -

( قَوْلُهُ : فَلَا تُؤَجَّرُ وَلَا تُرْهَنُ ) أَقُولُ وَسَكَتَ عَنْ إيدَاعِهَا وَاخْتَلَفُوا فِيهِ وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ : أَوْ ضَمِنَ الْمُسْتَأْجِرُ
إلَخْ ) .
أَقُولُ وَسَكَتَ عَمَّا لَوْ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ فَيَنْظُرُ حُكْمَهُ ( قَوْلُهُ : وَيُعَارُ مَا لَا يَخْتَلِفُ اسْتِعْمَالُهُ إنْ عَيَّنَهُ ) أَيْ مُنْتَفَعًا أَقُولُ هَذَا التَّقْيِيدُ لَيْسَ بِاحْتِرَازِيٍّ لِقَوْلِ الزَّيْلَعِيُّ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَخْتَلِفُ يَعْنِي النَّفْعَ كَالسُّكْنَى وَالْحَمْلِ جَازَ أَنْ يَفْعَلَ بِنَفْسِهِ وَبِغَيْرِهِ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ بِالِانْتِفَاءِ فِيمَا لَا يَخْتَلِفُ لَا يُفِيدُ .
ا هـ .
إلَّا أَنْ يُقَالَ إنْ لِلْوَصْلِ ، وَإِنْ كَانَ الْأَكْثَرُ اسْتِعْمَالَهَا مَقْرُونَةً بِالْوَاوِ وَذُكِرَتْ هُنَا عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى { فَذَكِّرْ إنْ نَفَعَتْ الذِّكْرَى }

وَفَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِ وَتُعَارُ مُطْلَقًا بِقَوْلِهِ ( فَمَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً مُطْلَقًا يَحْمِلُ ) عَلَيْهَا مَا شَاءَ ( وَيُعِيرُ لَهُ ) أَيْ لِلْحَمْلِ ( وَيَرْكَبُ ) بِنَفْسِهِ ( وَيُرْكِبُ ) غَيْرَهُ ( وَأَيًّا فَعَلَ تَعَيَّنَ وَضَمِنَ بِغَيْرِهِ ) حَتَّى لَوْ رَكِبَ بِنَفْسِهِ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُرْكِبَ غَيْرَهُ إذَا تَعَيَّنَ رُكُوبُهُ وَلَوْ أَرْكَبَ غَيْرَهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْكَبَ بِنَفْسِهِ حَتَّى لَوْ فَعَلَهُ ضَمِنَ ( وَإِنْ أَطْلَقَ ) أَيْ الْمُعِيرُ ( الِانْتِفَاعَ فِي الْوَقْتِ وَالنَّوْعِ انْتَفَعَ مَا شَاءَ أَيَّ وَقْتٍ شَاءَ ) ؛ لِأَنَّهُ يَتَصَرَّفُ فِي مِلْكِ الْغَيْرِ فَيَمْلِكُ التَّصَرُّفَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أَذِنَ لَهُ فِيهِ ( وَإِنْ قَيَّدَ ضَمِنَ ) أَيْ الْمُسْتَعِيرُ ( بِالْخِلَافِ إلَى شَرٍّ فَقَطْ ) التَّقْيِيدَ إمَّا فِي الْوَقْتِ لَا النَّوْعِ أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ فِيهِمَا ، فَإِنْ عَمِلَ عَلَى وِفَاقِ الْقَيْدِ فَظَاهِرٌ ، وَإِنْ خَالَفَ إلَى شَرٍّ يَضْمَنُ وَإِلَى مِثْلٍ أَوْ خَيْرٍ لَا -
قَوْلُهُ : فَمَنْ اسْتَعَارَ دَابَّةً مُطْلَقًا ) أَقُولُ يَعْنِي فِي النَّفْعِ وَالزَّمَانِ وَهَذَا نَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ الْكَافِي ثُمَّ قَالَ فَجَعَلَهُ يَعْنِي صَاحِبَ الْكَافِي كَالْإِجَارَةِ فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ هَذَا الْإِطْلَاقُ الَّذِي ذَكَرَهُ هُنَا مِمَّا يَخْتَلِفُ بِالْمُسْتَعْمَلِ كَاللُّبْسِ وَالرُّكُوبِ وَالزِّرَاعَةِ عَلَى مَا إذَا قَالَ عَلَى أَنْ أُرْكِبَ عَلَيْهَا مَنْ أَشَاءُ وَأُلْبِسَ الثَّوْبَ مَنْ أَشَاءُ كَمَا حُمِلَ الْإِطْلَاقُ الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْإِجَارَةِ عَلَى هَذَا .
ا هـ .

( عَارِيَّةُ الثَّمَنَيْنِ وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْمَعْدُودِ الْمُتَقَارِبِ قَرْضٌ ) ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ وَلَا يُنْتَفَعُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ إلَّا بِاسْتِهْلَاكِ عَيْنِهَا وَلَا يَمْلِكُ اسْتِهْلَاكَهَا إلَّا إذَا مَلَكَهَا فَاقْتَضَتْ تَمْلِيكَ عَيْنِهَا ضَرُورَةً وَذَلِكَ بِالْهِبَةِ أَوْ الْقَرْضِ وَالْقَرْضُ أَدْنَاهُمَا ضَرَرًا لِكَوْنِهِ مُوجِبًا لِرَدِّ الْمِثْلِ هَذَا ( إذَا لَمْ يُعَيِّنْ الْجِهَةَ ) أَمَّا إذَا عَيَّنَهَا كَاسْتِعَارَةِ الدَّرَاهِمِ لَيُعِيرَ بِهَا الْمِيزَانَ أَوْ يُزَيِّنَ بِهَا الدُّكَّانَ وَنَحْوَ ذَلِكَ مِنْ الِانْتِفَاعَاتِ فَتَصِيرُ عَارِيَّةً أَمَانَةً لَيْسَ لَهُ الِانْتِفَاعُ بِإِهْلَاكِهَا فَكَانَ نَظِيرَ عَارِيَّةِ الْحُلِيِّ وَالسَّيْفِ الْمُحَلَّى وَفَرَّعَ عَلَى كَوْنِهَا قَرْضًا بِقَوْلِهِ ( فَتُضْمَنُ بِهَلَاكِهَا قَبْلَ الِانْتِفَاعِ ) كَمَا هُوَ حُكْمُ الْقَرْضِ

( صَحَّ الْإِعَارَةُ ) أَيْ إعَارَةُ الْأَرْضِ ( لِلْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ ) ؛ لِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا مَعْلُومَةٌ تُمْلَكُ بِالْإِجَارَةِ فَتُمْلَكُ بِالْإِعَارَةِ ( وَلَهُ ) أَيْ لِلْمُعِيرِ ( أَنْ يَرْجِعَ ) ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ ( وَيُكَلَّفُ قَلْعُهُمَا ) أَيْ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ ؛ لِأَنَّهُ شَاغِلٌ أَرْضَهُ بِمِلْكِهِ فَيُؤْمَرُ بِالتَّفْرِيغِ إلَّا إذَا شَاءَ أَنْ يَأْخُذَهُمَا بِقِيمَتِهِمَا إذَا اسْتَضَرَّتْ الْأَرْضُ بِالْقَلْعِ فَحِينَئِذٍ يَضْمَنُ لَهُ قِيمَتَهُمَا مَقْلُوعَيْنِ وَيَكُونَانِ لَهُ كَيْ لَا تَتْلَفَ أَرْضُهُ عَلَيْهِ وَيَسْتَبِدَّ ذَلِكَ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ أَصْلٍ ، وَإِذَا لَمْ تَسْتَضِرَّ بِهِ لَا يَجُوزُ التَّرْكُ إلَّا بِاتِّفَاقِهِمَا وَلَا يُشْتَرَطُ الِاتِّفَاقُ فِي الْقَلْعِ بَلْ أَيُّهُمَا طَلَبَهُ أُجِيبَ ( وَضَمِنَ رَبُّ الْأَرْضِ مَا نَقَصَ ) الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ بِالْقَلْعِ ( إنْ وَقَّتَ ) لِعَارِيَّةٍ ؛ لِأَنَّهُ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَتِهِ حَيْثُ وَقَّتَ لَهُ وَالظَّاهِرُ هُوَ الْوَفَاءُ بِالْعَهْدِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ ( وَكُرِهَ ) أَيْ الرُّجُوعُ ( قَبْلَهُ ) أَيْ قَبْلَ وَقْتٍ عُيِّنَ ؛ لِأَنَّ فِيهِ خُلْفَ الْوَعْدِ -

( قَوْلُهُ : وَضَمِنَ رَبُّ الْأَرْضِ مَا نَقَصَ الْبِنَاءَ وَالْغَرْسَ بِالْقَلْعِ ) أَقُولُ مَعْنَى قَوْلِهِ ضَمِنَ مَا نَقَصَ أَنْ يُقَوَّمَ قَائِمًا غَيْرَ مَقْلُوعٍ ؛ لِأَنَّ الْقَلْعَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ قَبْلَ الْوَقْتِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ .
وَفِي الْبُرْهَانِ ، فَإِذَا كَانَتْ قِيمَتُهَا وَقْتَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ الْمَضْرُوبَةِ عَشَرَةَ دَنَانِيرَ مَثَلًا وَحِينَ قَلْعِهِمَا ثَمَانِيَةَ يَرْجِعُ بِدِينَارَيْنِ كَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ انْتَهَى ثُمَّ لَوْ أَرَادَ تَمَلُّكَهَا فِيمَا إذَا وَقَّتَ يَتَمَلَّكُهُمَا بِقِيمَتِهِمَا قَائِمَيْنِ غَيْرَ مَقْلُوعَيْنِ يَعْنِي بِكَمْ يُشْتَرَيَانِ بِشَرْطِ قِيَامِهِمَا إلَى الْمُدَّةِ الْمَضْرُوبَةِ ؛ لِأَنَّ الْقَلْعَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ قَبْلَ الْوَقْتِ كَذَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ إلَّا أَنْ يَرْفَعَهُمَا الْمُسْتَعِيرُ وَلَا يُضَمِّنُهُ قِيمَتَهُمَا فَلَهُ ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُمَا مِلْكُهُ ، وَإِنَّمَا أَوْجَبْنَا الضَّمَانَ عَلَى الْمُعِيرِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُ ، فَإِذَا رَضِيَ كَانَ هُوَ أَحَقَّ بِمِلْكِهِ وَقِيلَ يَتَخَيَّرُ الْمُعِيرُ إنْ نَقَصَتْ الْأَرْضُ بِالْقَلْعِ نَقْصًا عَظِيمًا .
ا هـ .
كَذَا فِي الْبُرْهَانِ وَفِي الْخَانِيَّةِ جَزَمَ بِالتَّمَلُّكِ إذَا اسْتَضَرَّتْ

( وَلَوْ أَعَارَ ) أَيْ أَرْضَهُ ( لِلزَّرْعِ لَا تُؤْخَذُ ) أَيْ الْأَرْضُ ( حَتَّى يَحْصُدَ ) أَيْ الزَّرْعَ أَيْ حَانَ لَهُ أَنْ يَحْصُدَ ( مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ وَقَّتَ أَوْ لَا ؛ لِأَنَّ لَهُ نِهَايَةً مَعْلُومَةً وَفِي التَّرْكِ مُرَاعَاةُ الْحَقَّيْنِ بِخِلَافِ الْغَرْسِ إذْ لَيْسَ لَهُ نِهَايَةٌ مَعْلُومَةٌ فَيُقْلَعُ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ الْمَالِكِ -
( قَوْلُهُ : وَفِي التَّرْكِ مُرَاعَاةُ الْحَقَّيْنِ ) أَقُولُ لَيْسَ فِي عِبَارَتِهِ إلَّا مُرَاعَاةُ حَقِّ الْمُسْتَعِيرِ فَفِي الْعِبَارَةِ سَقْطٌ وَهُوَ يُتْرَكُ بِأَجْرِ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ فِي التَّرْكِ
إلَخْ كَمَا هُوَ مَسْطُورٌ فِي كُتُبِ الْمَذْهَبِ وَنَصَّ فِي الْبُرْهَانِ عَلَى أَنَّ التَّرْكَ بِأَجْرٍ اسْتِحْسَانٌ ثُمَّ قَالَ عَنْ الْمَبْسُوطِ وَلَمْ يُبَيِّنْ فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْأَرْضَ تُتْرَكُ فِي يَدِ الْمُسْتَعِيرِ إلَى وَقْتِ إدْرَاكِ الزَّرْعِ بِأَجْرٍ أَوْ بِغَيْرِ أَجْرٍ قَالُوا وَيَنْبَغِي أَنْ تُتْرَكَ بِأَجْرِ الْمِثْلِ كَمَا لَوْ انْتَهَتْ مُدَّةُ الْإِجَارَةِ ، وَالزَّرْعُ يَقِلُّ بَعْدُ .
ا هـ .

( وَإِذَا كَتَبَ يَكْتُبُ قَدْ أَطْعَمْتَنِي أَرْضَكَ لَا أَعَرْتَنِي ) يَعْنِي إذَا أَعَارَ أَرْضًا بَيْضَاءَ لِيَزْرَعَهَا يَكْتُبُ الْمُسْتَعِيرُ أَنَّك أَطْعَمْتَنِي أَرْضَ كَذَا لِأَزْرَعَهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يَكْتُبُ أَنَّكَ أَعَرْتَنِي ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ هِيَ الْمَوْضُوعَةُ لِهَذَا الْعَقْدِ وَالْكِتَابَةُ بِالْمَوْضُوعِ أَوْلَى وَلَهُ أَنَّ لَفْظَ الْإِطْعَامِ أَدَلُّ عَلَى الْمُرَادِ مِنْ الْإِعَارَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَخْتَصُّ بِالزِّرَاعَةِ وَإِعَارَةُ الْأَرْضِ تَارَةً تَكُونُ لِلزِّرَاعَةِ وَتَارَةً لِلْبِنَاءِ وَنَصْبِ الْفُسْطَاطِ فَكَانَتْ الْكِتَابَةُ بِلَفْظِ الْإِطْعَامِ أَوْلَى لِيَعْلَمَ أَنَّ غَرَضَهُ الزِّرَاعَةُ

( صَحَّ التَّوْكِيلُ بِرَدِّ الْعَارِيَّةِ وَالْمَغْصُوبِ ) ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ فِعْلًا وَاجِبًا ( وَلَوْ تَوَكَّلَ بِهِ ) أَيْ بِالرَّدِّ ( لَا يُجْبَرُ ) الْوَكِيلُ عَلَى النَّقْلِ إلَى مَنْزِلِهِ بَلْ يَدْفَعُهُ إلَيْهِ حَيْثُ يَجِدُهُ ؛ لِأَنَّ الْوَكِيلَ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا بَلْ وَعَدَ أَنْ يَتَبَرَّعَ عَلَى الْآمِرِ بِخِلَافِ الْكَفِيلِ ؛ لِأَنَّهُ ضَمِينٌ ( كَالْوَكِيلِ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ ) ، فَإِنَّهُ إذَا امْتَنَعَ عَنْهُ لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ ( رَدُّ الْمُسْتَعِيرِ الدَّابَّةَ ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي تَسْلِيمٌ ( وَلَوْ ) وَصْلِيَّةٌ ( مَعَ عَبْدِهِ ) أَيْ عَبْدِ الْمُسْتَعِيرِ ( أَوْ أَجِيرِهِ مُسَانَهَةً أَوْ مُشَاهَرَةً ) لَا مُيَاوَمَةً ( إلَى ) مُتَعَلِّقٌ بِالرَّدِّ ( إصْطَبْلِ مَالِكِهَا ) لَا نَفْسِ مَالِكِهَا ( أَوْ الْعَبْدِ ) عَطْفٌ عَلَى الدَّابَّةِ ( إلَى دَارِ مَالِكِهِ ) لَا نَفْسِهِ ( تَسْلِيمٌ ) حَتَّى إذَا هَلَكَا لَمْ يَضْمَنْ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ يَضْمَنَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّ الْعَارِيَّةَ عَلَى مَالِكِهَا وَلَا عَلَى وَكِيلِ مَالِكِهَا بَلْ ضَيَّعَهَا ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ أَتَى بِالتَّسْلِيمِ الْمُتَعَارَفِ ؛ لِأَنَّهُ رَدَّ الْعَارِيَّةَ إلَى الْمَرْبِطِ أَوْ إلَى دَارِ الْمَالِكِ وَهُمَا فِي يَدِ الْمَالِكِ حُكْمًا فَكَأَنَّهُ رَدَّهُمَا إلَى يَدِ الْمَالِكِ ( كَرَدِّهَا مَعَ عَبْدِ الْمُعِيرِ مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ يَقُومُ عَلَى دَابَّتِهِ أَوْ لَا هُوَ الصَّحِيحُ ( أَوْ أَجِيرِهِ كَمَا مَرَّ ) أَيْ مُشَاهَرَةً أَوْ مُسَانَهَةً ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ رَاضٍ بِهِ عَادَةً -
قَوْلُهُ : رَدَّ الْمُسْتَعِيرُ الدَّابَّةَ
إلَخْ ) وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْمُسْتَأْجَرِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ

( لَوْ كَانَ ) الْمُسْتَعَارُ ( غَيْرَ نَفِيسٍ ) يَعْنِي أَنَّ جَوَازَ رَدِّ الْمُسْتَعَارِ إلَى يَدِ غُلَامِ صَاحِبِهِ أَوْ وَضْعِهِ فِي دَارِهِ أَوْ إصْطَبْلِهِ إنَّمَا يَكُونُ فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَكُونُ فِي يَدِ الْغُلَامِ عَادَةً وَكَذَا غَيْرُهُ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ كَعِقْدِ لُؤْلُؤٍ وَنَحْوِهِ ، فَإِذَا رَدَّهُ الْمُسْتَعِيرُ إلَى غُلَامِ صَاحِبِهِ أَوْ وَضَعَهُ فِي دَارِهِ وَإِصْطَبْلِهِ يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِهِ وَلِهَذَا لَوْ دَفَعَهُ الْمُودَعُ إلَى غُلَامِهِ يَضْمَنُ ( بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ ) أَيْ بِخِلَافِ مَا إذَا رَدَّهَا مَعَ الْأَجْنَبِيِّ ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ .
( وَ ) بِخِلَافِ ( رَدُّ الْوَدِيعَةِ وَالْمَغْصُوبِ إلَى دَارِ الْمَالِكِ ) ، فَإِنَّهُ إذَا رَدَّهُمَا إلَيْهَا وَلَمْ يُسَلِّمْهُمَا إلَيْهِ ضَمِنَ أَمَّا الْوَدِيعَةُ فَلِأَنَّهَا لِلْحِفْظِ وَلَمْ يَرْضَ بِحِفْظِ غَيْرِهِ وَإِلَّا لَمَا أَوْدَعَهَا عِنْدَهُ ، وَأَمَّا الْغَصْبُ فَلِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ إبْطَالُ فِعْلِهِ وَذَلِكَ بِالرَّدِّ إلَى الْمَالِكِ -

( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ ) أَقُولُ كَذَا فِي الْكَنْزِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَهَذَا يَشْهَدُ لِمَنْ قَالَ مِنْ الْمَشَايِخِ إنَّ الْمُسْتَعِيرَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُودِعَ وَعَلَى الْمُخْتَارِ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إذَا كَانَتْ الْعَارِيَّةُ مُؤَقَّتَةً فَمَضَتْ مُدَّتُهَا ثُمَّ بَعَثَهَا مَعَ الْأَجْنَبِيِّ ؛ لِأَنَّهُ بِإِمْسَاكِهَا بَعْدُ يَضْمَنُ لِتَعَدِّيهِ فَكَذَا إذَا تَرَكَهَا فِي يَدِ الْأَجْنَبِيِّ .
ا هـ
وَفِي الْبُرْهَانِ وَكَذَا يَعْنِي يَبْرَأُ لَوْ رَدَّهَا مَعَ أَجْنَبِيٍّ عَلَى الْمُخْتَارِ بِنَاءً عَلَى مَا قَالَ مَشَايِخُ الْعِرَاقِ مِنْ أَنَّ الْمُسْتَعِيرَ يَمْلِكُ الْإِيدَاعَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا مَلَكَ الْإِعَارَةَ مَعَ أَنَّ فِيهَا إيدَاعًا وَتَمْلِيكَ الْمَنَافِعِ فَلَأَنْ يَمْلِكَ الْإِيدَاعَ وَلَيْسَ فِيهِ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ أَوْلَى وَأَوَّلُوا قَوْلَهُ : وَإِنْ رَدَّهَا مَعَ أَجْنَبِيٍّ ضَمِنَ إذَا هَلَكَتْ بِأَنَّهَا مَوْضُوعَةٌ فِيمَا إذَا كَانَتْ الْعَارِيَّةُ مُؤَقَّتَةً ، وَقَدْ انْتَهَتْ بِاسْتِيفَاءِ مُدَّتِهَا وَحِينَئِذٍ يَصِيرُ الْمُسْتَعِيرُ مُودَعًا وَالْمُودَعُ لَا يَمْلِكُ الْإِيدَاعَ بِالِاتِّفَاقِ .
ا هـ .

( الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ يَمْلِكُ الْإِعَارَةَ ) كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ ( وَالْمَحْجُورُ إذَا اسْتَعَارَ وَاسْتَهْلَكَهُ يَضْمَنُ بَعْدَ الْعِتْقِ ) ؛ لِأَنَّ الْمُعِيرَ سَلَّطَهُ عَلَى إتْلَافِهِ وَشَرَطَ عَلَيْهِ الضَّمَانَ فَصَحَّ تَسْلِيطُهُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى ( وَلَوْ أَعَارَ هَذَا الْمَحْجُورُ مِثْلَهُ فَاسْتَهْلَكَهُ ضَمِنَ الثَّانِي لِلْحَالِ ) ؛ لِأَنَّ الْمَحْجُورَ يَضْمَنُ بِإِتْلَافِهِ مَالًا

( اسْتَعَارَ ذَهَبًا فَقَلَّدَ صَبِيًّا فَسُرِقَ ) أَيْ الذَّهَبُ مِنْهُ ( فَإِنْ كَانَ الصَّبِيُّ يَضْبِطُ مَا عَلَيْهِ لَمْ يَضْمَنْ ) أَيْ الْمُسْتَعِيرُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُضَيِّعْ إذْ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يُعِيرَ ( وَأَلَّا يَضْمَنَ ) ، فَإِنَّهُ ضَيَّعَهُ حَيْثُ وَضَعَهُ عِنْدَ مَنْ لَا يَعْقِلُ حِفْظَهُ كَذَا فِي الْمُحِيطِ ( وَضَعَهَا ) أَيْ وَضَعَ الْمُسْتَعِيرُ الْعَارِيَّةَ ( بَيْنَ يَدَيْهِ فَنَامَ فَضَاعَتْ لَمْ يَضْمَنْ لَوْ ) كَانَ نَوْمُهُ ( جَالِسًا ) ، فَإِنَّ هَذَا حِفْظٌ عَادَةً ( وَضَمِنَ لَوْ مُضْطَجِعًا ) لِتَرْكِهِ الْحِفْظَ ( لَيْسَ لِلْأَبِ إعَارَةُ مَالِ طِفْلِهِ ) كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ -
( قَوْلُهُ : وَضَعَ الْمُسْتَعِيرُ الْعَارِيَّةَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَنَامَ فَضَاعَتْ لَمْ يَضْمَنْ
إلَخْ ) أَقُولُ وَهُوَ شَامِلٌ لِمَا لَوْ كَانَتْ دَابَّةً لِمَا قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ اسْتَعَارَ دَابَّةً فَنَامَ فِي الْمَفَازَةِ وَمِقْوَدُهَا فِي يَدِهِ فَجَاءَ إنْسَانٌ وَقَطَعَ الْمِقْوَدَ وَذَهَبَ بِالدَّابَّةِ لَا يَضْمَنُ الْمُسْتَعِيرُ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ الْحِفْظَ وَلَوْ أَنَّ السَّارِقَ مَدَّ الْمِقْوَدَ مِنْ يَدِهِ وَذَهَبَ بِالدَّابَّةِ وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْمُسْتَعِيرُ كَانَ ضَامِنًا ؛ لِأَنَّهُ إذَا نَامَ عَلَى وَجْهٍ يُمْكِنُ مَدُّ الْمِقْوَدِ مِنْ يَدِهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ يَكُونُ تَضْيِيعًا قِيلَ هَذَا إذَا نَامَ مُضْطَجِعًا ، فَإِنْ نَامَ جَالِسًا لَا يَضْمَنُ عَلَى كُلِّ حَالٍ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَامَ جَالِسًا وَلَمْ يَكُنْ الْمِقْوَدُ فِي يَدِهِ وَلَكِنَّ الدَّابَّةَ تَكُونُ بَيْنَ يَدَيْهِ لَا يَضْمَنُ فَهَاهُنَا أَوْلَى .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : لَيْسَ لِلْأَبِ إعَارَةُ مَالِ طِفْلِهِ ) أَقُولُ وَالصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ إذَا أَعَارَ مَالَهُ صَحَّتْ الْإِعَارَةُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ

( وَأُجْرَةُ الرَّدِّ ) أَيْ رَدُّ الْعَارِيَّةِ الْوَدِيعَةِ وَالْعَيْنِ الْمُسْتَأْجَرَةِ وَالْمَغْصُوبِ وَالرَّهْنِ ( عَلَى الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُودَعِ وَالْمُؤَجِّرِ وَالْغَاصِبِ وَالْمُرْتَهِنِ ) ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ حَصَلَتْ لَهُمْ

( كِتَابُ الْوَدِيعَةِ ) لَا يَخْفَى وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ لِكِتَابِ الْعَارِيَّةِ ( هِيَ ) لُغَةً مُطْلَقُ التَّرْكِ وَشَرْعًا ( أَمَانَةٌ تُرِكَتْ لِلْحِفْظِ وَرُكْنُهَا الْإِيجَابُ ) مِنْ الْمُودَعِ ( كَأَوْدَعْتُكَ أَوْ مَا يَنُوبُ مَنَابَهُ قَوْلًا أَوْ فِعْلًا ) ، فَإِنَّ مَنْ وَضَعَ ثَوْبَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَجُلٍ سَوَاءً قَالَ هَذَا وَدِيعَةٌ عِنْدَكَ أَوْ سَكَتَ وَذَهَبَ صَاحِبُ الثَّوْبِ ثُمَّ غَابَ الْآخَرُ وَتَرَكَ الثَّوْبَ ثَمَّةَ فَضَاعَ صَارَ ضَامِنًا ؛ لِأَنَّ هَذَا إيدَاعٌ عُرْفًا صَرَّحَ بِهِ قَاضِي خَانْ ( وَالْقَبُولُ ) عَطْفٌ عَلَى الْإِيجَابِ ( حَقِيقَةً ) بِأَنْ يَقُولُ : قَبِلْتُ أَوْ أَخَذْتُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ ( أَوْ عُرْفًا ) بِأَنْ يَسْكُتَ حِينَ يَضَعُ الثَّوْبَ وَلَوْ قَالَ لَا أَقْبَلُ الْوَدِيعَةَ فَوَضَعَ بَيْنَ يَدَيْهِ وَذَهَبَ فَضَاعَ الثَّوْبُ لَا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِالرَّدِّ فَلَا يَصِيرُ مُودَعًا بِلَا قَبُولٍ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ - ( وَشَرْطُهَا كَوْنُ الْمَالِ قَابِلًا لِإِثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهِ ) ؛ لِأَنَّ الْإِيدَاعَ عَقْدُ اسْتِحْفَاظٍ وَحِفْظُ الشَّيْءِ بِدُونِ إثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهِ مُحَالٌ فَإِيدَاعُ الطَّيْرِ فِي الْهَوَاءِ وَالْعَبْدِ الْآبِقِ وَالْمَالِ السَّاقِطِ فِي الْبَحْرِ غَيْرُ صَحِيحٍ -
( كِتَابُ الْوَدِيعَةِ ) قَوْلُهُ : وَشَرْطُهَا كَوْنُ الْمَالِ قَابِلًا لِإِثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهِ ) أَقُولُ فِيهِ تَسَامُحٌ الْمُرَادُ إثْبَاتُ الْيَدِ بِالْفِعْلِ وَلَا يَكْفِي قَبُولُ الْإِثْبَاتِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ بَعْدُ بِقَوْلِهِ وَحِفْظُ شَيْءٍ بِدُونِ إثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهِ مُحَالٌ

( وَحُكْمُهَا وُجُوبُ الْحِفْظِ عَلَى الْمُودَعِ وَصَيْرُورَةُ الْمَالِ أَمَانَةً عِنْدَهُ ) وَفَرَّعَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( فَلَا يَضْمَنُ ) أَيْ الْمُودَعُ ( إنْ هَلَكَتْ أَوْ سُرِقَتْ عِنْدَهُ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَيْسَ عَلَى الْمُسْتَوْدَعِ غَيْرِ الْمُغِلِّ ضَمَانٌ } وَالْمُغِلُّ الْخَائِنُ وَالْإِغْلَالُ الْخِيَانَةُ ( وَلَوْ ) وَصْلِيَّةٌ ( وَحْدَهَا ) أَيْ لَمْ يُسْرَقْ مَعَهَا مَالٌ لِلْمُودَعِ وَقَالَ مَالِكٌ يَضْمَنُ لِلتُّهْمَةِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا نَقَلْنَا ( إلَّا أَنْ يَمُوتَ ) أَيْ الْمُودَعُ ( مُجْهِلًا ) أَيْ لَمْ يُبَيِّنْ حَالَ الْوَدِيعَةِ ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ مُتَعَدِّيًا فَيَضْمَنُ ( كَذَا الْأُمَنَاءُ ) أَيْ كُلُّ أَمِينٍ مَاتَ مُجْهِلًا لِحَالِ الْأَمَانَةِ يَضْمَنُ ( إلَّا مُتَوَلِّيًا أَخَذَ الْغَلَّةَ وَمَاتَ مُجْهِلًا وَسُلْطَانًا أَوْدَعَ بَعْضَ الْغَانِمِينَ بَعْضَ الْغَنِيمَةِ وَمَاتَ مُجْهِلًا ) أَيْ بِلَا بَيَانِ الْمُودَعِ ( وَقَاضِيًا أَوْدَعَ مَالَ الْيَتِيمِ وَمَاتَ مُجْهِلًا ) أَيْ بِلَا بَيَانِ الْمُودَعِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ ( وَيَحْفَظُهَا بِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ ) أَيْ زَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ وَوَالِدِيهِ وَأَجِيرِهِ ( وَيَضْمَنُ ) إنْ حَفِظَ ( بِغَيْرِهِمْ ) أَوْ أَوْدَعَهَا غَيْرَهُمْ ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ رَضِيَ بِحِفْظِهِ وَيَدُهُ دُونَ غَيْرِهِ فَيَضْمَنُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ ( إلَّا إذَا خَافَ حَرْقًا أَوْ غَرَقًا فَسَلَّمَ إلَى جَارِهِ أَوْ فُلْكٍ آخَرَ ) إذْ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَحْفَظَهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إلَّا بِهَذِهِ الطَّرِيقِ فَصَارَ مَأْذُونًا فِيهِ وَلَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ؛ لِأَنَّهُ يَدَّعِي ضَرُورَةً تُسْقِطُ ضَمَانًا بَعْدَ تَحَقُّقِ سَبَبِهِ فَصَارَ كَمَا إذَا ادَّعَى الْإِذْنَ فِي الْإِيدَاعِ -

( قَوْلُهُ : وَحُكْمُهَا وُجُوبُ الْحِفْظِ
إلَخْ ) أَقُولُ وَوُجُوبُ الْأَدَاءِ عِنْدَ الطَّلَبِ إلَّا كَمَا لَوْ كَانَتْ سَيْفًا فَأَرَادَ صَاحِبُهُ الضَّرْبَ بِهِ عُدْوَانًا كَمَا سَيَأْتِي ( قَوْلُهُ كَذَا الْأُمَنَاءُ إلَّا مُتَوَلِّيًا
إلَخْ ) أَقُولُ فَالْمُسْتَثْنَى ثَلَاثَةٌ كَمَا ذَكَرَ وَزَادَ الْعَلَّامَةُ الْمَرْحُومُ الشَّيْخُ زَيْنٌ فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ عَلَيْهَا سَبْعَةً أَحَدَ الْمُتَفَاوِضَيْنِ إذَا مَاتَ وَلَمْ يُبَيِّنْ حَالَ الْمَالِ الَّذِي فِي يَدِهِ وَالْوَصِيَّ إذَا مَاتَ مُجْهِلًا وَالْأَبَ إذَا مَاتَ مُجْهِلًا مَالَ ابْنِهِ وَالْوَارِثَ إذَا مَاتَ مُجْهِلًا مَا أَوْدَعَ عِنْدَ مُوَرِّثِهِ وَمَنْ مَاتَ مُجْهِلًا مَا أَلْقَتْهُ الرِّيحُ فِي بَيْتِهِ وَمَنْ مَاتَ مُجْهِلًا مَا وَضَعَهُ مَالِكُهُ فِي بَيْتِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِ وَالصَّبِيَّ الْمَحْجُورَ إذَا مَاتَ مُجْهِلًا لِمَا أُودِعَ عِنْدَهُ ثُمَّ قَالَ فَصَارَ الْمُسْتَثْنَى عَشَرَةً .
ا هـ .
وَزِدْتُ عَلَيْهَا تِسْعَةً وَالْجَدَّ وَوَصِيَّهُ وَوَصِيَّ الْقَاضِي وَالْمَحْجُورَ لِصِغَرٍ وَرِقٍّ وَجُنُونٍ وَغَفْلَةٍ وَدَيْنٍ وَسَفَهٍ وَعَتَهٍ وَقَدْ أَلْحَقْتهَا بِنَظْمِ ابْنِ وَهْبَانَ فِي كِتَابِ تَيْسِيرِ الْمَقَاصِدِ وَهُوَ الَّذِي لَخَّصْتُهُ مِنْ شَرْحِ ابْنِ الشِّحْنَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قُلْتُ : لَكِنَّ الْقَوْلَ بِأَنَّ الْأَبَ لَا يَضْمَنُ ضَعَّفَهُ الْعِمَادِيُّ بِقَوْلِهِ وَالْأَبُ إذَا مَاتَ مُجْهِلًا يَضْمَنُ وَقِيلَ لَا يَضْمَنُ كَالْوَصِيِّ ا هـ .
( قَوْلُهُ : أَوْ قَاضِيًا أَوْدَعَ مَالَ الْيَتِيمِ وَمَاتَ مُجْهِلًا ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ يَضْمَنُ لَوْ وَضَعَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى فِي بَيْتِهِ وَمَاتَ وَلَا يَدْرِي أَيْنَ الْمَالُ وَأَنَّهُ لَمْ يُبَيِّنْ ؛ لِأَنَّهُ مُودَعٌ فَيَضْمَنُ بِمَوْتِهِ مُجْهِلًا وَبِهِ صَرَّحَ الْعِمَادِيُّ .
ا هـ .
وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ عَنْ ابْنِ رُسْتُمَ لَوْ مَاتَ الْقَاضِي وَلَمْ يُبَيِّنْ مَا عِنْدَهُ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ لَا يَضْمَنُ ( قَوْلُهُ : كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ ) أَقُولُ وَذَكَرَهُ فِي كِتَابِ الْوَقْفِ ( قَوْلُهُ : وَيَحْفَظُهَا بِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ ) أَقُولُ مَا لَمْ يَكُنْ الْمَدْفُوعُ

إلَيْهِ مُتَّهَمًا كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْمُسَاكَنَةُ لَا النَّفَقَةُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ دَفَعَتْ إلَى زَوْجِهَا لَا تَضْمَنُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَاخْتِلَافٌ فِيمَا لَوْ دَفَعَ إلَى مَنْ فِي عِيَالِ صَاحِبِ الْوَدِيعَةِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ ( قَوْلُهُ : وَأَجْبَرَهُ ) يَعْنِي الْأَجِيرَ مُسَانَهَةً أَوْ مُشَاهَرَةً كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَقَيَّدَ الزَّيْلَعِيُّ الْأَجِيرَ مُشَاهَرَةً بِأَنْ تَكُونَ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ انْتَهَى وَأَقُولُ يُتَأَمَّلُ فِيهِ مَعَ مَا قَدَّمَهُ أَعْنِي الزَّيْلَعِيَّ مِنْ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ الْمُسَاكَنَةُ لَا النَّفَقَةُ .
ا هـ .
وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْمُودَعَ إذَا دَفَعَ الْوَدِيعَةَ إلَى وَكِيلِهِ وَلَيْسَ فِي عِيَالِهِ أَوْ إلَى أَمِينٍ مِنْ أُمَنَائِهِ مِمَّنْ يَثِقُ بِهِ فِي مَالِهِ وَلَيْسَ فِي عِيَالِهِ لَا يَضْمَنُ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ ثُمَّ قَالَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَعَزَاهُ إلَى التُّمُرْتَاشِيِّ وَهُوَ إلَى الْحَلْوَانِيِّ ثُمَّ قَالَ : وَعَنْ هَذَا لَمْ يَشْتَرِطْ فِي التُّحْفَةِ فِي حِفْظِ الْوَدِيعَةِ بِالْعِيَالِ فَقَالَ وَيَلْزَمُ الْمُودَعَ حِفْظُهُ إذَا قَبِلَ الْوَدِيعَةَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَحْفَظُ بِهِ مَالَهُ وَذَكَرَ فِيهِ أَشْيَاءَ حَتَّى ذَكَرَ أَنَّ لَهُ أَنْ يَحْفَظَ بِشَرِيكِ الْعِنَانِ وَالْمُفَاوَضَةِ وَعَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي يَدِهِ مَالَهُ ثُمَّ قَالَ وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَنَّ الْعِيَالَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي حِفْظِ الْوَدِيعَةِ ا هـ .
( قَوْلُهُ إلَّا إذَا خَافَ حَرْقًا أَوْ غَرَقًا فَسَلَّمَ إلَى جَارِهِ أَوْ فُلْكٍ آخَرَ ) قَالُوا إذَا لَمْ يُمْكِنْهُ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى مَنْ هُوَ فِي عِيَالِهِ ، وَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَحْفَظَهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِعِيَالِهِ فَدَفَعَهَا إلَى الْأَجْنَبِيِّ يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ لَهُ فِيهِ وَكَذَا لَوْ أَلْقَاهَا فِي سَفِينَةٍ أُخْرَى فَوَقَعَتْ فِي الْبَحْرِ ابْتِدَاءً أَوْ بِالتَّدَحْرُجِ يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّ الْإِتْلَافَ حَصَلَ بِفِعْلِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ

( كَذَا ) أَيْ يَضْمَنُ أَيْضًا الْمُودَعُ ( إذَا طَلَبَ رَبُّهَا ) أَيْ رَبُّ الْوَدِيعَةِ ( فَمَنَعَ ) أَيْ الْمُودَعُ ( قَادِرًا عَلَى تَسْلِيمِهَا ) ، فَإِنَّهُ إذَا طَالَبَهُ بِالرَّدِّ لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِإِمْسَاكِهِ بَعْدَهُ فَيَكُونُ مُتَعَدِّيًا بِالْمَنْعِ فَيَضْمَنُ ( أَوْ تَعَدَّى ) أَيْ الْمُودَعُ وَفَسَّرَ التَّعَدِّيَ بِقَوْلِهِ ( فَلَيْسَ ثَوْبُهَا أَوْ رَكِبَ دَابَّتَهَا أَوْ أَنْفَقَ بَعْضَهَا ) ، فَإِنَّ الْمُودَعَ إذَا أَنْفَقَ بَعْضَهَا ضَمِنَ مَا أَنْفَقَ مِنْهَا وَلَمْ يَضْمَنْ كُلَّهَا ( أَوْ خَلَطَ مِثْلَهُ مِمَّا بَقِيَ ) ، فَإِنَّهُ إذَا جَاءَ بِمِثْلِ مَا أَنْفَقَ فَخَلَطَهُ بِالْبَاقِي صَارَ ضَامِنًا بِجَمِيعِهَا ؛ لِأَنَّهُ صَارَ مُسْتَهْلِكًا لِلْكُلِّ بِالْخَلْطِ كَذَا فِي الْكَافِي -
( قَوْلُهُ : كَذَا أَيْ يَضْمَنُ أَيْضًا الْمُودَعُ إذَا طَلَبَ رَبُّهَا فَمَنَعَ ) أَقُولُ إلَّا فِي ثَلَاثِ مَسَائِلَ نَقَلَهَا عَنْ الْخَانِيَّةِ فِي الْأَشْبَاهِ

( أَوْ جَحَدَهَا عِنْدَهُ ) يَعْنِي إذَا طَلَبَهَا صَاحِبُهَا فَجَحَدَهَا عِنْدَهُ ( ثُمَّ أَقَرَّ أَوَّلًا ) ضَمِنَ ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ عَزَلَهُ عَنْ الْحِفْظِ حِينَ طَالَبَهُ بِالرَّدِّ فَهُوَ بِالْإِمْسَاكِ بَعْدَهُ غَاصِبٌ فَيَضْمَنُ ، فَإِنْ عَادَ إلَى الْإِقْرَارِ لَمْ يَبْرَأْ عَنْ الضَّمَانِ ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ ارْتَفَعَ فَلَا يَعُودُ إلَّا بِالتَّجْدِيدِ وَلَمْ يُجَدِّدْ ، وَإِنَّمَا قَالَ عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَنْكَرَ عِنْدَ غَيْرِهِ بِأَنْ قَالَ أَجْنَبِيٌّ أَعِنْدَكَ وَدِيعَةٌ لِفُلَانٍ فَقَالَ لَا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّ الْجُحُودَ عِنْدَ غَيْبَةِ الْمَالِكِ مِنْ الْحِفْظِ ؛ لِأَنَّهُ يَقْطَعُ بِهِ طَمَعَ الطَّامِعِينَ عَنْهَا فَلَا يَضْمَنُ بِهِ -
قَوْلُهُ : أَوْ جَحَدَهَا عِنْدَهُ ) أَقُولُ بِأَنْ قَالَ لَمْ تُودِعْنِي أَمَّا لَوْ قَالَ لَيْسَ لَهُ عَلَيَّ شَيْءٌ ثُمَّ ادَّعَى رَدًّا أَوْ تَلَفًا صُدِّقَ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَحَكَى فِي جُحُودِ الْعَقَارِ خِلَافًا ( قَوْلُهُ : يَعْنِي إذَا طَلَبَهَا صَاحِبُهَا فَجَحَدَهَا عِنْدَهُ ثُمَّ أَقَرَّ أَوَّلًا ضَمِنَ ) أَقُولُ .
وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ سَأَلَهُ صَاحِبُهَا أَوْ أَجْنَبِيٌّ عَنْ حَالِهَا عِنْدَهُ فَجَحَدَهُ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ يَضْمَنُ عِنْدَ زُفَرَ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَذَكَرَ النَّاطِفِيُّ أَنَّ الْجُحُودَ بِحَضْرَةِ صَاحِبِهَا يَكُونُ فَسْخًا لِلْوَدِيعَةِ فَيَضْمَنُ إنْ نَقَلَهَا عَنْ مَوْضِعٍ كَانَتْ فِيهِ حَالَةَ الْجُحُودِ وَإِذَا لَمْ يَنْقُلْهَا عَنْهُ لَا يَضْمَنُ .
ا هـ
وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ جَحَدَهَا أَوْ الْعَارِيَّةَ فِيمَا يُحَوَّلُ عَنْ مَكَانِهِ ضَمِنَ وَلَوْ لَمْ يُحَوَّلْ .
ا هـ .

( أَوْ حَفِظَ ) أَيْ الْوَدِيعَةَ ( فِي دَارٍ أُمِرَ بِهِ ) أَيْ بِحِفْظِهَا ( فِي غَيْرِهَا ) أَيْ غَيْرِ تِلْكَ الدَّارِ فَيَضْمَنُ لِمُخَالَفَتِهِ أَمْرَهُ ( أَوْ خَلَطَ بِمَالِهِ حَتَّى لَمْ يَتَمَيَّزْ ) سَوَاءٌ خَلَطَهَا بِجِنْسِهِ أَوْ خِلَافِ جِنْسِهِ ، فَإِنَّ الْخَلْطَ اسْتِهْلَاكٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مُطْلَقًا ( وَإِنْ اخْتَلَطَتْ ) أَيْ الْوَدِيعَةُ ( بِهِ ) أَيْ بِمَالِ الْمُودَعِ بِلَا صُنْعٍ مِنْهُ كَمَا إذَا انْشَقَّ الْكِيسَانُ فَاخْتَلَطَا ( اشْتَرَكَا ) وَلَا ضَمَانَ إذْ لَا تَعَدِّيَ مِنْهُ وَهَذَا اتِّفَاقِيٌّ ( وَإِنْ أَزَالَ التَّعَدِّيَ ) يَعْنِي إذَا تَعَدَّى الْمُودَعُ فِي الْوَدِيعَةِ بِأَنْ أَوْدَعَهَا عِنْدَ غَيْرِهِ ثُمَّ أَزَالَ التَّعَدِّيَ فَرَدَّهَا إلَى يَدِهِ ( زَالَ الضَّمَانُ ) بِمَعْنَى أَنَّ الْوَدِيعَةَ إذَا ضَاعَتْ بَعْدَ الْعَوْدِ إلَى يَدِهِ لَمْ يَضْمَنْ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ هَذَا الَّذِي ذُكِرَ حُكْمُ الْوَدِيعَةِ -
( قَوْلُهُ : اشْتَرَكَا ) أَقُولُ وَتَكُونُ شَرِكَةَ أَمْلَاكٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ

( وَاخْتُلِفَ فِي سَائِرِ الْأَمَانَاتِ ) قَالَ فِي الْعِمَادِيَّةِ لَوْ اسْتَعَارَ دَابَّةً إلَى مَكَان مُسَمًّى فَجَاوَزَ بِهَا الْمُسْتَعِيرُ الْمَكَانَ الْمُسَمَّى ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ فَهُوَ ضَامِنٌ إلَى أَنْ يَرُدَّهَا عَلَى الْمَالِكِ قِيلَ هَذَا إذَا اسْتَعَارَهَا ذَاهِبًا لَا جَائِيًا أَمَّا إذَا اسْتَعَارَهَا ذَاهِبًا وَجَائِيًا يَبْرَأُ وَهَذَا الْقَائِلُ يُسَوِّي بَيْنَ الْمُودَعِ وَالْمُسْتَعِيرِ وَالْمُسْتَأْجِرِ إذْ خَالَفُوا ثُمَّ عَادُوا إلَى الْوِفَاقِ بَرِئُوا عَنْ الضَّمَانِ إذَا كَانَتْ مُدَّةُ الْإِيدَاعِ وَالْإِعَارَةِ بَاقِيَةً وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ فِي الْعَارِيَّةِ لَا يَبْرَأُ عَنْ الضَّمَانِ مَا لَمْ يَرُدَّهَا عَلَى الْمِلْكِ سَوَاءٌ اسْتَعَارَهَا ذَاهِبًا أَوْ ذَاهِبًا وَجَائِيًا وَهَذَا الْقَائِلُ يَقُولُ : إنَّ الْمُسْتَعِيرَ وَالْمُسْتَأْجِرَ إذَا خَالَفَا ثُمَّ عَادَا إلَى الْوِفَاقِ لَا يَبْرَآنِ مِنْ الضَّمَانِ بِخِلَافِ الْمُودَعِ إذَا خَالَفَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ حَيْثُ يَبْرَأُ وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَشْبَهُ وَإِلَيْهِ مَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ -
( قَوْلُهُ : وَهَذَا الْقَائِلُ يَقُولُ : إنَّ الْمُسْتَعِيرَ وَالْمُسْتَأْجِرَ إذَا خَالَفَا ثُمَّ عَادَا إلَى الْوِفَاقِ لَا يَبْرَآنِ عَنْ الضَّمَانِ
إلَخْ ) .
أَقُولُ فِي الْعِمَادِيَّةِ قَالَ الْأُسْرُوشَنِيُّ إنَّ الْمُسْتَأْجِرَ وَالْمُسْتَعِيرَ إذَا حَالَفَا ثُمَّ عَادَا إلَى الْوِفَاقِ لَا يَبْرَآنِ عَنْ الضَّمَانِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى

( وَلَهُ ) أَيْ لِلْمُودَعِ ( السَّفَرُ بِهَا ) أَيْ الْوَدِيعَةِ ، وَإِنْ كَانَ لَهَا حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ ( إنْ أَمِنَ ) أَيْ الطَّرِيقَ بِأَنْ لَا يَقْصِدَهُ أَحَدٌ غَالِبًا ، وَإِنْ قَصَدَهُ أَمْكَنَهُ دَفْعُهُ بِنَفْسِهِ وَبِرُفَقَائِهِ ( وَلَمْ يُنْهِهِ ) أَيْ الْمُودَعُ عَنْ السَّفَرِ ، فَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ أَوْ نَهَاهُ فَضَاعَتْ ضَمِنَ ( أَوْدَعَاهُ ) أَيْ أَوْدَعَ رَجُلَانِ رَجُلًا ( مِثْلِيًّا ) يَعْنِي الْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ وَالْعَدَدِيَّاتِ الْمُتَقَارِبَةَ ( لَمْ يَدْفَعْ ) أَيْ الْمُودَعُ ( إلَى أَحَدِهِمَا حِصَّتَهُ بِغَيْبَةِ الْآخَرِ ) وَلَوْ دَفَعَ ضَمِنَ وَقَالَا يَدْفَعُ وَلَا يَضْمَنُ قِيلَ الْخِلَافُ فِي الْمِثْلِيَّاتِ وَالْقِيَمِيَّاتِ مَعًا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ فِي الْمِثْلِيَّاتِ فَقَطْ وَلِذَا قَالَ ( كَمَا فِي الْقِيَمِيِّ وَكَالْجِمَالِ مَا يُقْسَمُ اقْتَسَمَاهُ وَحَفِظَ كُلٌّ نِصْفَهُ ) ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يُقْسَمُ جَازَ أَنْ يُحْفَظَ أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ رَضِيَ وَكَالْجَمَّالِ وَلَمْ يَرْضَ بِحِفْظِ أَحَدِهِمَا كُلِّهِ ، فَإِنَّ الْفِعْلَ كَالْحِفْظِ مَتَى أُضِيفَ إلَى اثْنَيْنِ فِيمَا يَقْبَلُ التَّجْزِيءَ يَتَنَاوَلُ الْبَعْضَ دُونَ الْكُلِّ فَيَقَعُ التَّسْلِيمُ إلَى الْآخَرِ بِلَا رِضَا الْمَالِكِ ( وَضَمِنَ دَافِعُ كُلِّهِ لَا قَابِضُهُ ) ؛ لِأَنَّ مُودَعَ الْمُودَعِ لَا يَضْمَنُ عِنْدَهُ ( بِخِلَافِ مَا لَا يُقْسَمُ ) ، فَإِنَّ دَافِعَ كُلِّهِ لَا يَضْمَنُ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا أَوْدَعَهُمَا مَعَ عِلْمِهِ بِامْتِنَاعِ اجْتِمَاعِهِمَا عَلَيْهِ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا وَأَمْكَنَهُمَا الْمُهَايَأَةُ كَانَ رَاضِيًا بِدَفْعِ الْكُلِّ إلَى أَحَدِهِمَا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ -

( قَوْلُهُ : فَإِنْ لَمْ يَأْمُرْهُ أَوْ نَهَاهُ فَضَاعَتْ ضَمِنَ ) أَقُولُ وَمَحَلُّ ضَمَانِهِ فِيمَا إذَا لَمْ يَأْمَنْ الطَّرِيقَ مَا إذَا كَانَ لَهُ بُدٌّ عَنْ السَّفَرِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ بِأَنْ سَافَرَ مَعَ أَهْلِهِ لَا يَضْمَنُ وَكَذَا لَوْ نَهَاهُ عَنْ الْخُرُوجِ بِهَا مِنْ الْمِصْرِ فَخَرَجَ يَضْمَنُ إنْ كَانَ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ قَوْلُهُ : وَلَهُ السَّفَرُ بِهَا ) أَقُولُ قَدْ تَقَدَّمَ فِي الْإِجَارَةِ لِلْمُودَعِ أَنْ يُسَافِرَ الْوَدِيعَةِ فِي الْبَرِّ لَا الْبَحْرِ .
ا هـ .
فَيُحْمَلُ الْإِطْلَاقُ هُنَا عَلَى مَا قَيَّدْتُمْ

( كَذَا الْمُرْتَهِنَانِ وَالْوَكِيلَانِ بِالشِّرَاءِ إذَا سَلَّمَ أَحَدُهُمَا إلَى الْآخَرِ مَا يُقْسَمُ ) حَيْثُ يَضْمَنُ بِخِلَافِ مَا لَا يُقْسَمُ ( نَهَى عَنْ الدَّفْعِ إلَى عِيَالِهِ فَدَفَعَ إلَى مَنْ لَهُ بُدٌّ ) أَيْ انْفِكَاكٌ ( مِنْهُ ) مَعَ أَنَّهُ مِنْ عِيَالِهِ ( ضَمِنَ ، وَ ) دَفَعَ ( إلَى مَنْ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ كَدَفْعِ الدَّابَّةِ إلَى عَبْدِهِ وَمَا يَحْفَظُهُ النِّسَاءُ إلَى غَرْسِهِ ) لَا

( أَيْ لَا يَضْمَنُ ) يَعْنِي أَوْدَعَ رَجُلًا وَدِيعَةً وَقَالَ لَا تَدْفَعُهَا إلَى امْرَأَتِكَ وَعَبْدِكَ وَأَمَتِكَ وَوَلَدِكَ وَأَجِيرِكَ وَهُمْ فِي عِيَالِهِ ، فَإِنْ دَفَعَهَا إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ فَهَلَكَتْ ، فَإِنْ كَانَ يَجِدُ بُدًّا مِنْ الدَّفْعِ إلَيْهِ بِأَنْ كَانَ لَهُ سِوَاهُ أَهْلٌ وَخَدَمٌ فَهُوَ ضَامِنٌ وَإِلَّا لَمْ يَضْمَنْ ؛ لِأَنَّ هَذَا الشَّرْطَ مُفِيدٌ فَقَدْ يَأْمَنُ الْإِنْسَانُ الرَّجُلَ عَلَى الْمَالِ وَلَا يَأْتَمِنُ عِيَالَهُ لَكِنْ إنَّمَا يَلْزَمُهُ مُرَاعَاةُ شَرْطِهِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ ، فَإِنْ كَانَ يَجِدُ بُدًّا مِنْ الدَّفْعِ إلَى مَنْ نُهِيَ عَنْهُ وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ حِفْظِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْمُورِ بِهِ فَيَضْمَنُ بِحِفْظِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ ، وَإِنْ كَانَ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْهُ لَمْ يَضْمَنْ إذْ لَا يُمْكِنُهُ الْحِفْظُ إلَّا بِهِ فَلَمْ يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِهِ مَعَ مُرَاعَاةِ هَذَا الشَّرْطِ فَلَمْ يَعْتَبِرْ التَّقْيِيدَ فَبَطَلَ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ لَا تَحْفَظْ فَصَارَ مُنَاقِضًا لِأَصْلِهِ وَهَذَا كَمَا إذَا أَوْدَعَ دَابَّةً وَقَالَ لَا تَدْفَعْهَا إلَى غُلَامِكَ أَوْ نَهَاهُ عَنْ الدَّفْعِ إلَى امْرَأَتِهِ الْوَدِيعَةُ شَيْءٌ يُحْفَظُ عَلَى يَدِ النِّسَاءِ وَالرَّجُلُ مِمَّنْ لَا يَجِدُ بُدًّا مِنْهَا فَهَذَا الشَّرْطُ يُنَاقِضُ أَصْلَهُ فَصَارَ بَاطِلًا

( كَمَا لَوْ أُمِرَ بِحِفْظِهَا فِي بَيْتٍ مُعَيَّنٍ مِنْ دَارٍ وَصُنْدُوقٍ مُعَيَّنٍ فِيهِ ) أَيْ الْبَيْتِ ( فَحَفِظَ فِي ) بَيْتٍ ( آخَرَ مِنْهَا ) أَيْ مِنْ تِلْكَ الدَّارِ ( أَوْ ) صُنْدُوقٍ ( آخَرَ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ ذَلِكَ الْبَيْتِ ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَمْ يَضْمَنْ ( بِخِلَافِ الدَّارَيْنِ ) الْأَصْلُ أَنَّ الشَّرْطَ إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ مُفِيدًا وَالْعَمَلُ بِهِ مُمْكِنًا وَالنَّهْيُ عَنْ الْوَضْعِ فِي دَارٍ أُخْرَى مُفِيدٌ ؛ لِأَنَّ الدَّارَيْنِ يَخْتَلِفَانِ فِي الْأَمْنِ وَالْحِفْظِ فَصَحَّ الشَّرْطُ وَأَمْكَنَ الْعَمَلُ بِهِ ، وَأَمَّا الْبَيْتَانِ فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ فَقَلَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي الْحِرْزِ فَالْمُتَمَكِّنُ مِنْ الْأَخْذِ مِنْ أَحَدِهِمَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الْأَخْذِ مِنْ الْآخَرِ فَصَارَ الشَّرْطُ غَيْرَ مُفِيدٍ وَتَعَذَّرَ الْعَمَلُ بِهِ أَيْضًا فَلَا يُعْتَبَرُ وَكَذَا الصُّنْدُوقَانِ ، فَإِنَّ تَعَيُّنَ الصُّنْدُوقِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَا يُفِيدُ ، فَإِنَّ الصُّنْدُوقَيْنِ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ لَا يَتَفَاوَتَانِ ظَاهِرًا ( إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُمَا ) أَيْ لِلْبَيْتِ وَالصُّنْدُوقِ ( خَلَلٌ ظَاهِرٌ ) فَحِينَئِذٍ يُفِيدُ الشَّرْطُ وَيَضْمَنُ بِالْخِلَافِ -
( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ الدَّارَيْنِ ) أَقُولُ هَذَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِقَوْلِهِ قَبْلَهُ أَوْ حَفِظَ فِي دَارٍ أُمِرَ بِهِ فِي غَيْرِهَا وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ

( أَوْدَعَ الْمُودَعَ فَهَلَكَتْ ضَمَّنَ ) الْمُودِعُ الْمُودَعَ ( الْأَوَّلَ فَقَطْ ) وَقَالَا يُضَمِّنُ أَيَّهُمَا شَاءَ ، فَإِنْ ضَمَّنَ الْآخَرَ رَجَعَ عَلَى الْأَوَّلِ ( وَلَوْ أَوْدَعَ الْغَاصِبُ ضَمَّنَ الْمَالِكَ أَيًّا شَاءَ ) مِنْ الْغَاصِبِ وَالْمُودَعِ أَمَّا الْغَاصِبُ فَظَاهِرٌ ، وَأَمَّا مُودَعُهُ فَلِقَبْضِهِ مِنْهُ بِلَا رِضَا مَالِكِهِ ثُمَّ إنَّهُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ غَاصِبٌ رَجَعَ عَلَى الْغَاصِبِ قَوْلًا وَاحِدًا ، وَإِنْ عَلِمَ فَكَذَلِكَ فِي الظَّاهِرِ وَحَكَى أَبُو الْيُسْرِ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ وَإِلَيْهِ أَشَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ ( كَمَا فِي الْغَاصِبِ وَغَاصِبِهِ وَالْغَاصِبِ وَالْمُشْتَرِي مِنْهُ ) ، فَإِنَّ غَاصِبَهُ وَالْمُشْتَرِيَ مِنْهُ صَارَا مِثْلَهُ بِالتَّلَقِّي مِنْهُ ابْتِدَاءً لِعَدَمِ إذْنِ الْمَالِكِ فَكَذَا بَقَاءٌ

( مَعَهُ أَلْفٌ ادَّعَى رَجُلَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ لَهُ أَوْدَعَهُ إيَّاهُ فَنَكَلَ لَهُمَا فَهُوَ ) أَيْ أَلْفٌ ( لَهُمَا وَعَلَيْهِ أَلْفٌ آخَرُ بَيْنَهُمَا ) ؛ لِأَنَّ دَعْوَى كُلٍّ مِنْهُمَا صَحَّتْ فَتَوَجَّهَتْ الْيَمِينُ لَهُمَا ، وَإِنَّمَا يَحْلِفُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِانْفِرَادِهِ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا ادَّعَاهُ بِانْفِرَادِهِ وَالْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ ؛ لِأَنَّهُ إمَّا أَنْ يَحْلِفَ لَهُمَا أَوْ يَحْلِفَ لِلْأَوَّلِ وَيَنْكُلَ لِلثَّانِي أَوْ بِالْعَكْسِ أَوْ يَنْكُلَ لَهُمَا ، فَإِنْ حَلَفَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فَلَا شَيْءَ لَهُمَا ، وَإِنْ حَلَفَ لِلْأَوَّلِ وَنَكَلَ لِلثَّانِي فَالْأَلْفُ لَهُ يَبْذُلُهُ أَوْ بِإِقْرَارِهِ ، وَإِنْ عَكَسَ فَالْأَلْفُ لِلْأَوَّلِ وَلَا شَيْءَ لِلثَّانِي ، وَإِنْ نَكَلَ لِلثَّانِي أَيْضًا فَالْأَلْفُ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ الْحَقَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا عَلَيْهِ بِبَذْلِهِ أَوْ إقْرَارِهِ وَعَلَيْهِ أَلْفٌ آخَرُ بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ نُكُولَهُ أَوْجَبَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا كُلَّ الْأَلْفِ كَأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ ، فَإِذَا صَرَفَهُ إلَيْهِمَا فَقَدْ صَرَفَ نِصْفَ نَصِيبِ هَذَا إلَى ذَاكَ وَنِصْفَ نَصِيبِ ذَاكَ إلَى هَذَا فَيَغْرَمُ ذَلِكَ

( أَوْدَعَ حُرٌّ عَبْدًا مَحْجُورًا فَأَوْدَعَ ) الْمَحْجُورُ مَحْجُورًا ( مِثْلَهُ وَضَاعَ ) الْمُودَعُ ( ضَمَّنَ الْأَوَّلَ ) ؛ لِأَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَى إتْلَافِهِ وَشَرَطَ عَلَيْهِ الضَّمَانَ فَصَحَّ التَّسْلِيطُ وَبَطَلَ الشَّرْطُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى ( فَقَطْ ) أَيْ لَا يَضْمَنُ الثَّانِي ؛ لِأَنَّ مُودَعَ الْمُودَعِ لَا يَضْمَنُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا لَمْ يَجْنِ ( بَعْدَ الْعِتْقِ ) رِعَايَةً لِحَقِّ الْمَوْلَى ( وَلَوْ ضَاعَ مُودَعٌ ) عِنْدَ ثَالِثٍ يَعْنِي إذَا أَوْدَعَ الْمَحْجُورُ الثَّانِي عِنْدَ الْمَحْجُورِ الثَّالِثِ فَهَلَكَ عِنْدَ الثَّالِثِ ( فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ) ، وَإِنْ أَعْتَقَ ؛ لِأَنَّهُ مُودَعُ الْمُودَعِ وَهُوَ غَيْرُ ضَامِنٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ( وَغَرِمَ الْأَوَّلُ بَعْدَ عِتْقِهِ ) لِمَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ ؛ لِأَنَّهُ سَلَّطَهُ
إلَخْ ( وَغَرِمَ الثَّانِي فِي الْحَالِ ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتَهْلَكَهُ بِدَفْعِهِ إلَى الثَّالِثِ مُودَعِ الْمُودَعِ يَضْمَنُ عِنْدَهُ إذَا جَنَى

( كِتَابُ الرَّهْنِ ) مُنَاسَبَتُهُ لِكِتَابِ الْوَدِيعَةِ أَنَّ عَيْنَ الرَّهْنِ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ كَمَا سَيَأْتِي فَيَكُونُ كَالْوَدِيعَةِ ، ( هُوَ ) لُغَةً الْحَبْسُ مُطْلَقًا وَشَرْعًا ( حَبْسُ الْمَالِ ) احْتِرَازٌ عَنْ رَهْنِ الْحُرِّ وَالْمُدَبَّرِ وَالْخَمْرِ وَنَحْوِهَا ( بِحَقٍّ يُمْكِنُ أَخْذُهُ ) أَيْ الْحَقِّ ( مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الْمَالِ ، ( وَهُوَ ) أَيْ ذَلِكَ الْحَقُّ ( الدَّيْنُ حَقِيقَةً ) وَهُوَ دَيْنٌ وَاجِبٌ ظَاهِرًا أَوْ بَاطِنًا أَوْ ظَاهِرًا فَقَطْ فَإِنَّهُ يَصِحُّ بِثَمَنِ عَبْدٍ وَثَمَنِ خَلٍّ وَذَبِيحَةٍ وَبَدَلِ صُلْحٍ عَنْ إنْكَارٍ ، وَإِنْ اسْتَحَقَّ أَوْ وَجَدَ حُرًّا أَوْ خَمْرًا أَوْ مَيْتَةً أَوْ تَصَادَقَا أَنْ لَا دَيْنَ ؛ لِأَنَّ الدَّيْنَ وَجَبَ ظَاهِرًا وَهُوَ كَافٍ ؛ لِأَنَّهُ آكَدُ مِنْ دَيْنٍ مُودَعٍ كَمَا سَيَأْتِي ، ( أَوْ حُكْمًا ) كَالْأَعْيَانِ الْمَضْمُونَةِ بِالْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ وَالْقَوْمُ يُسَمُّونَهَا الْأَعْيَانَ الْمَضْمُونَةَ بِنَفْسِهَا ، وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُ وَجْهِ التَّسْمِيَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( يَنْعَقِدُ ) حَالَ كَوْنِهِ ( غَيْرَ لَازِمٍ ) ؛ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ كَالْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ ( بِإِيجَابٍ وَقَبُولٍ ) كَمَا فِي الْهِبَةِ ( فَلِلرَّاهِنِ تَسْلِيمُهُ وَالرُّجُوعُ عَنْهُ ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ غَيْرَ لَازِمٍ ( فَإِذَا سَلَّمَ ) أَيْ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ ( وَقَبَضَ ) مِنْ قِبَلِ الْمُرْتَهِنِ ( مَحُوزًا ) أَيْ مَجْمُوعًا احْتِرَازٌ عَنْ رَهْنِ الثَّمَرِ عَلَى الشَّجَرِ وَرَهْنِ الزَّرْعِ فِي الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَمْ يُجِزْهُ ( مُفْرَغًا ) أَيْ عَنْ مِلْكِ الرَّاهِنِ ، وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ عَكْسِهِ وَهُوَ رَهْنُ الشَّجَرِ دُونَ الثَّمَرِ وَرَهْنُ الْأَرْضِ دُونَ الزَّرْعِ وَرَهْنُ دَارٍ فِيهَا مَتَاعُ الرَّاهِنِ ، ( مُتَمَيِّزًا ) احْتِرَازٌ عَنْ رَهْنِ الْمَشَاعِ كَرَهْنِ نِصْفِ الْعَبْدِ أَوْ الدَّارِ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَهَذِهِ الْمَعَانِي هِيَ الْمُنَاسِبَةُ لِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ لَا مَا قِيلَ إنَّ الْأَوَّلَ احْتِرَازٌ عَنْ رَهْنِ الْمَشَاعِ ، وَالثَّالِثَ عَنْ رَهْنِ ثَمَرٍ عَلَى شَجَرٍ دُونَ الشَّجَرِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى

أَهْلِ النَّظَرِ ( لَزِمَ ) أَيْ الرَّهْنُ هُوَ جَزَاءٌ لِقَوْلِهِ فَإِذَا سَلَّمَ ( وَالتَّخْلِيَةُ فِيهِ ) أَيْ رَفْعُ الْمَانِعِ مِنْ الْقَبْضِ فِي زَمَانٍ يُمْكِنُ فِيهِ ( قَبْضٌ ) أَيْ فِي حُكْمِ قَبْضِ الْمُرْتَهِنِ حَتَّى إذَا وُجِدْت مِنْ الرَّاهِنِ بِحَضْرَةِ الْمُرْتَهِنِ ، وَلَمْ يَأْخُذْهُ فَضَاعَ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ فَلَا وَجْهَ لَهُ ، لِمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ أَنَّ الصَّوَابَ أَنَّ التَّخْلِيَةَ تَسْلِيمٌ ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ رَفْعِ الْمَانِعِ مِنْ الْقَبْضِ وَهُوَ فِعْلُ الْمُسَلِّمِ دُونَ الْمُتَسَلِّمِ ، وَالْقَبْضُ فِعْلُ الْمُتَسَلِّمِ ( كَالْبَيْعِ ) أَيْ كَمَا أَنَّ التَّخْلِيَةَ فِيهِ أَيْضًا قَبْضٌ .
اعْتَرَضَ عَلَى الْقَوْمِ بِأَنَّ التَّخْلِيَةَ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَكْفِيَ فِي قَبْضِ الرَّهْنِ إذْ الْقَبْضُ مَنْصُوصٌ فِي الرَّهْنِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ حَتَّى اسْتَدَلُّوا عَلَى شَرْطِيَّةِ الْقَبْضِ فِي الرَّهْنِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ } ، وَالْأَصْلُ أَنَّ الْمَنْصُوصَ يُرَاعَى وُجُودُهُ عَلَى أَكْمَلِ الْجِهَاتِ أَقُولُ الْمَنْصُوصُ إنَّمَا يُرَاعَى وُجُودُهُ عَلَى أَكْمَلِ الْجِهَاتِ إذَا نُصَّ عَلَيْهِ بِالِاسْتِقْلَالِ ، وَأَمَّا إذَا ذُكِرَ تَبَعًا لِلْمَنْصُوصِ فَلَا يَجِبُ أَنْ يُرَاعَى وُجُودُهُ كَمَا ذُكِرَ فَإِنَّ التَّرَاضِيَ فِي الْبَيْعِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { إلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ } فَلَوْ صَحَّ مَا قَالَ الْمُعْتَرِضُ لَبَطَلَ بَيْعُ الْمُكْرَهِ ، وَلَمْ يَفْسُدْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي .

كِتَابُ الرَّهْنِ ) ( قَوْلُهُ وَشَرْعًا حَبْسُ الْمَالِ احْتِرَازٌ عَنْ رَهْنِ الْحُرِّ وَالْمُدَبَّرِ وَالْخَمْرِ وَنَحْوِهِمَا ) ، أَقُولُ فِيهِ تَسَامُحٌ ؛ لِأَنَّ الْمُدَبَّرَ مَالٌ وَلَكِنْ لَا يُمْكِنُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهُ فَلَا يُنَاسِبُ أَنْ يَكُونَ مُخْرَجًا بِقَوْلِهِ حَبْسُ مَالٍ بَلْ بِقَوْلِهِ بِحَقٍّ يُمْكِنُ أَخْذُهُ مِنْهُ ، وَأَمَّا الْخَمْرُ فَهُوَ مَالٌ أَيْضًا وَيُمْكِنُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهُ بِتَوْكِيلِ ذِمِّيٍّ يَبِيعُهُ أَوْ بِنَفْسِهِ إنْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ وَالرَّاهِنُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ ( قَوْلُهُ مَحُوزًا مُفَرَّغًا مُتَمَيِّزًا ) هَذِهِ الْأَحْوَالُ إمَّا مُتَدَاخِلَةٌ أَوْ مُتَرَادِفَةٌ ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ .

( وَلَوْ هَلَكَ ) أَيْ الرَّهْنُ اعْلَمْ أَنَّ الرَّهْنَ أَمَانَةٌ مَحْضَةٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ حَتَّى لَوْ هَلَكَ لَمْ يَجْعَلْهُ مَضْمُونًا وَعِنْدَنَا أَمَانَةٌ ، لَكِنَّ يَدَ الْمُرْتَهِنِ يَدُ اسْتِيفَاءٍ وَيَتَقَرَّرُ بِالْهَلَاكِ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ يَحْصُلُ مِنْ الْمَالِيَّةِ دُونَ الْعَيْنِ فَالِاسْتِيفَاءُ بِالْعَيْنِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ يَكُونُ اسْتِبْدَالٌ ، وَالْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفٍ لَا مُسْتَبْدِلٌ ، وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الِاسْتِيفَاءُ بِحَبْسِ الْحَقِّ وَالْمُجَانَسَةُ بَيْنَ الْأَمْوَالِ بِاعْتِبَارِ صِفَةِ الْمَالِيَّةِ دُونَ الْعَيْنِ فَكَانَ هُوَ أَمِينًا فِي الْعَيْنِ كَالْكِيسِ فِي حَقِيقَةِ الِاسْتِيفَاءِ ، وَلِهَذَا كَانَ نَفَقَةُ الرَّهْنِ عَلَى الرَّاهِنِ فِي حَيَاتِهِ وَكَفَنُهُ بَعْدَ مَمَاتِهِ ، وَهَذَا مَعْنَى { قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ غُرْمُهُ } فَإِذَا هَلَكَ الرَّهْنُ ( ضَمِنَ ) أَيْ الْمُرْتَهِنُ ( بِالْأَقَلِّ ) يَجِبُ تَعْرِيفُهُ بِاللَّامِ لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ كَوْنُ مِنْ فِي قَوْلِهِ ( مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ ) تَفْصِيلِيَّةً ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ بَيَانِيَّةٌ وَالْمَعْنَى بِالْأَقَلِّ الَّذِي هُوَ مِنْ هَذَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ أَيِّهِمَا كَانَ ، وَقَدْ وَقَعَ فِي نُسَخِ الْوِقَايَةِ مُنَكَّرًا ( وَلَوْ اسْتَوَيَا ) أَيْ الدَّيْنُ وَقِيمَةُ الرَّهْنِ ( سَقَطَ دَيْنُهُ ) أَيْ صَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ ، ( وَلَوْ ) كَانَتْ ( قِيمَتُهُ ) أَيْ الرَّهْنِ ( أَكْثَرَ ) مِنْ الدَّيْنِ ( فَالْفَضْلُ أَمَانَةٌ ) ؛ لِأَنَّ الْمَضْمُونَ بِقَدْرِ مَا يَقَعُ بِهِ الِاسْتِيفَاءُ وَهُوَ بِقَدْرِ الدَّيْنِ ( وَلَوْ ) كَانَتْ ( أَقَلَّ ) مِنْهُ ( سَقَطَ ) مِنْ الدَّيْنِ ( قَدْرُهُ وَرَجَعَ الْمُرْتَهِنُ بِالْفَضْلِ ) ، مَثَلًا إذَا رَهَنَ ثَوْبًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ بِعَشَرَةٍ فَهَلَكَ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ سَقَطَ دَيْنُهُ فَإِنْ كَانَتْ قِيمَةُ الثَّوْبِ خَمْسَةً يَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِخَمْسَةٍ أُخْرَى ، وَإِنْ كَانَتْ خَمْسَةَ عَشَرَ فَالْفَضْلُ أَمَانَةٌ ( وَضَمِنَ ) أَيْ الْمُرْتَهِنُ ( بِدَعْوَى الْهَلَاكِ بِلَا بَيِّنَةٍ ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى

الْمُرْتَهِنُ هَلَاكَ الرَّهْنِ ضَمِنَ إنْ لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ ( مُطْلَقًا ) ، أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْأَمْوَالِ الظَّاهِرَةِ كَالْحَيَوَانِ وَالْعَبِيدِ وَالْعَقَارِ ، أَوْ مِنْ الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ كَالنَّقْدَيْنِ وَالْحُلِيِّ وَالْعُرُوضِ .
وَقَالَ مَالِكٌ : يَضْمَنُ فِي الْأَمْوَالِ الْبَاطِنَةِ فَقَطْ .
( لَهُ ) أَيْ لِلْمُرْتَهِنِ ( طَلَبُ دَيْنِهِ مِنْ رَاهِنِهِ ) ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يُسْقِطُ طَلَبَ الدَّيْنِ ، ( وَ ) لَهُ ( حَبْسُهُ بِهِ ) أَيْ الرَّاهِنِ بِالدَّيْنِ ، وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِهِ ؛ لِأَنَّ حَقَّهُ بَاقٍ بَعْدَ الرَّهْنِ ، وَالْحَبْسُ جَزَاءُ الظُّلْمِ فَإِذَا ظَهَرَ مَطْلُهُ عِنْدَ الْقَاضِي يَحْبِسُهُ دَفْعًا لِلظُّلْمِ ، ( وَ ) لَهُ أَيْضًا حَبْسُ ( رَهْنِهِ بَعْدَ الْفَسْخِ حَتَّى يَقْبِضَ دَيْنَهُ أَوْ يُبْرِئَهُ ) ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَا يَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ الْفَسْخِ بَلْ يَرُدُّهُ عَلَى الرَّاهِنِ بِطَرِيقِ الْفَسْخِ ، فَإِنَّهُ يَبْقَى مَضْمُونًا مَا بَقِيَ الْقَبْضُ وَالدَّيْنُ ( لَا الِانْتِفَاعُ بِهِ ) أَيْ بِالرَّهْنِ عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ لَهُ طَلَبُ دَيْنِهِ ( مُطْلَقًا ) أَيْ لَا بِاسْتِخْدَامٍ وَلَا سُكْنَى وَلَا لُبْسٍ وَلَا إجَارَةٍ وَلَا إعَارَةٍ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْمُرْتَهِنِ أَوْ الرَّاهِنِ ( إلَّا بِالْإِذْنِ ) أَيْ إذْنِ الرَّاهِنِ إنْ كَانَ الْمُنْتَفِعَ الْمُرْتَهِنُ أَوْ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ إنْ كَانَ الْمُنْتَفِعَ الرَّاهِنُ ، ( فَلَوْ فَعَلَ ) أَيْ انْتَفَعَ بِالرَّهْنِ قَبْلَ الْإِذْنِ ( تَعَدَّى وَلَمْ يَبْطُلْ ) أَيْ الرَّهْنُ ( بِهِ ) أَيْ بِالتَّعَدِّي .

قَوْلُهُ بِالْأَقَلِّ يَجِبُ تَعْرِيفُهُ ) أَقُولُ وَلِذَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْقُدُورِيِّ بِأَقَلَّ بِدُونِ الْأَلْفِ وَاللَّامِ وَهُوَ خَطَأٌ ، وَاعْتُبِرَ هَذَا بِقَوْلِ الرَّجُلِ مَرَرْت بِأَعْلَمَ مِنْ زَيْدٍ وَعَمْرٍو يَكُونُ الْأَعْلَمُ غَيْرَهُمَا ، وَلَوْ كَانَ بِالْأَعْلَمِ مِنْ زَيْدٍ وَعَمْرٍو يَكُونُ وَاحِدًا مِنْهُمَا فَكَلِمَةُ مِنْ لِلتَّمْيِيزِ ا هـ .
وَقَالَ فِي الْمُوَصِّلِ شَرْحِ الْمُفَصَّلِ إنَّ مِنْ هَذِهِ لَيْسَتْ مِنْ التَّفْضِيلِيَّةِ الَّتِي لَا تُجَامِعُ اللَّامَ وَإِنَّمَا هِيَ التَّنْبِيهِيَّةُ فِي قَوْلِك أَنْتَ الْأَفْضَلُ مِنْ قُرَيْشٍ ، كَمَا تَقُولُ أَنْتَ مِنْ قُرَيْشٍ وَنَحْوُهُ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ الرَّهْنُ مَضْمُونٌ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ ا هـ .
كَذَا فِي مَجْمَعِ الرِّوَايَاتِ شَرَحَ الْقُدُورِيُّ ( قَوْلَهُ يَعْنِي إذَا ادَّعَى الْمُرْتَهِنُ هَلَاكَ الرَّهْنِ ضَمِنَ ) يَعْنِي الرَّهْنَ بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ ( قَوْلُهُ إنْ لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ ) جَعَلَهُ شَرْطًا لِلُزُومِ الضَّمَانِ يُوهِمُ بِمَفْهُومِهِ انْتِفَاءَ الضَّمَانِ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ ، وَلَيْسَ مُرَادًا ، وَرُبَّمَا أَوْهَمَتْ عِبَارَتُهُ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ دَعْوَى الْهَلَاكِ بِلَا بَيِّنَةٍ ، وَلَيْسَ مُرَادًا إذْ لَا فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَ ثُبُوتِ الْهَلَاكِ بِالْبَيِّنَةِ وَبَيْنَ ثُبُوتِهِ بِقَوْلِهِ مَعَ يَمِينِهِ ، وَيَكُونُ الرَّهْنُ فِي الصُّورَتَيْنِ مَضْمُونًا بِالْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ ، وَقَوْلُ مُحَشِّي الدُّرَرِ الْعَلَّامَةِ الْوَانِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ الظَّاهِرُ أَنَّ كَلِمَةَ أَنْ هَاهُنَا وَصْلِيَّةٌ لَيْسَ بِظَاهِرٍ وَعَلَى تَسْلِيمِهِ يَحْتَاجُ لِتَأْوِيلِ كَوْنِ أَنْ وَصْلِيَّةً وَكَوْنِ الضَّمَانِ لَيْسَ إلَّا ضَمَانَ الرَّهْنِ لَا مُطْلَقَ الضَّمَانِ ، وَكَذَا وَقَعَ الْإِيهَامُ فِي عِبَارَةِ ابْنِ الْمَلَكِ شَارِحِ الْمَجْمَعِ حَيْثُ قَالَ يَعْنِي إذَا ادَّعَى الْمُرْتَهِنُ هَلَاكَ الرَّهْنِ وَلَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ ضَمِنَهُ عِنْدَنَا ا هـ .
وَلَيْسَ الْمُرَادُ ظَاهِرَهُ ، وَمَتْنُ

الْمَجْمَعِ وَشَرْحِهِ لِمُصَنَّفِهِ لَا إيهَامَ فِيهِمَا ، وَقَدْ أَوْضَحَ الْحُكْمَ وَأَزَالَ الْإِيهَامَ فِي الْحَقَائِقِ شَرْحِ مَنْظُومَةِ النَّسَفِيِّ حَيْثُ قَالَ فِي بَابِ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ : وَقِيمَةُ الرَّهْنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ إذَا ادَّعَى الْهَلَاكَ ، وَلَمْ يُبَرْهِنْ ادَّعَى الْمُرْتَهِنُ هَلَاكَ الرَّهْنِ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ عِنْدَهُ أَيْ الْإِمَامِ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُودِعَ لَوْ ادَّعَى هَلَاكَ الْوَدِيعَةِ ، وَلَمْ يَقُلْ هَلَكَ مَعَهُ شَيْءٌ آخَرُ لِي لَا يُصَدَّقُ عِنْدَهُ وَعِنْدَنَا يُصَدَّقُ ، وَيَسْقُطُ الدَّيْنُ بِقَدْرِهِ ، وَالْبَاقِي لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ا هـ .
وَقَدْ ذَكَرْت هَذَا فِي ضِمْنِ رِسَالَةٍ مُسَمَّاةٍ بِغَايَةِ الْمَطْلَبِ فِي الرَّهْنِ إذَا ذَهَبَ قَوْلُهُ فَإِنَّهُ يَبْقَى مَضْمُونًا مَا بَقِيَ الْقَبْضُ وَالدَّيْنُ ) كَذَا لَوْ بَقِيَ الْقَبْضُ بَعْدَ الْفَسْخِ وَوَفَاءِ الدَّيْنِ فَيَسْتَرِدُّ مِنْهُ أَدَّى إلَيْهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ بَرَّأَهُ مِنْ الدَّيْنِ فَلَا ضَمَانَ لِعَدَمِ اسْتِيفَاءِ شَيْءٍ مِنْ الدَّيْنِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ

( وَإِذَا طَلَبَ ) أَيْ الْمُرْتَهِنُ ( دَيْنَهُ وَلَوْ فِي غَيْرِ بَلَدِ الْعَقْدِ أُمِرَ بِإِحْضَارِ الرَّهْنِ ) ؛ لِأَنَّ قَبْضَهُ قَبْضُ اسْتِيفَاءٍ فَلَا وَجْهَ لِقَبْضِ مَالِهِ مَعَ قِيَامِ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ لِأَنَّ هَلَاكَهُ مُحْتَمَلٌ فَإِذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ تَكَرَّرَ الِاسْتِيفَاءُ ، ( إنْ لَمْ يَكُنْ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَلَوْ فِي غَيْرِ بَلَدِ الْعَقْدِ فَإِنَّ الْأَمَاكِنَ كُلَّهَا فِي حَقِّ التَّسْلِيمِ كَمَكَانٍ وَاحِدٍ فِيمَا لَيْسَ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ ( فَإِنْ أَحْضَرَهُ ) أَيْ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ ( سَلَّمَ الرَّاهِنُ الدَّيْنَ ثُمَّ الْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ ) لِيَتَعَيَّنَ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ كَمَا تَعَيَّنَ حَقُّ الرَّاهِنِ بِحُضُورِ الرَّهْنِ تَحْقِيقًا لِلتَّسْوِيَةِ كَمَا فِي الْبَيْعِ وَالثَّمَنِ يُحْضِرُ الْمَبِيعَ ثُمَّ يُسَلِّمُ الثَّمَنَ ، ( وَإِنْ كَانَتْ ) أَيْ لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ ( سَلَّمَ ) أَيْ الرَّاهِنُ ( الدَّيْنَ بِلَا إحْضَارِ الرَّهْنِ ) أَيْ لَا يُكَلَّفُ الْمُرْتَهِنُ إحْضَارَ الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ التَّسْلِيمُ بِمَعْنَى التَّخْلِيَةِ لَا النَّقْلُ مِنْ مَكَان إلَى مَكَان ، وَلَكِنْ لِلرَّاهِنِ أَنْ يُحَلِّفَهُ بِاَللَّهِ مَا هَلَكَ كَذَا فِي الْكَافِي ( مُرْتَهِنٌ طَلَبَ دَيْنَهُ لَا يُكَلَّفُ ) أَيْ الْمُرْتَهِنُ ( إحْضَارَ رَهْنٍ وُضِعَ عِنْدَ عَدْلٍ بِأَمْرِ الرَّاهِنِ ) لِكَوْنِهِ فِي يَدِ الْغَيْرِ بِأَمْرِ الرَّاهِنِ ( وَلَا ) يُكَلَّفُ أَيْضًا الْمُرْتَهِنُ إحْضَارَ ( ثَمَنِ رَهْنٍ بَاعَهُ الْمُرْتَهِنُ بِأَمْرِهِ ) أَيْ الرَّاهِنِ ( حَتَّى يَقْبِضَهُ ) ؛ لِأَنَّهُ صَارَ دَيْنًا بِالْأَمْرِ بِبَيْعِ الرَّهْنِ فَصَارَ كَأَنَّ الرَّاهِنَ رَهَنَهُ هُوَ دَيْنٌ ، وَإِذَا قَبَضَهُ يُكَلَّفُ إحْضَارَهُ لِقِيَامِ الْبَدَلِ مَقَامَ الْمُبْدَلِ ( وَلَا ) يُكَلَّفُ أَيْضًا ( مُرْتَهِنٌ مَعَهُ رَهْنٌ تَمْكِينَهُ ) أَيْ تَمْكِينَ الرَّاهِنِ ( مِنْ بَيْعِهِ ) أَيْ الرَّهْنِ ( لِيَقْضِيَ دَيْنَهُ ) ، يَعْنِي لَوْ أَرَادَ الرَّاهِنُ أَنْ يَبِيعَ الرَّهْنَ لِيَقْضِيَ الدَّيْنَ بِثَمَنِهِ لَا يَجِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ

الرَّاهِنِ الْحَبْسُ الدَّائِمُ إلَى أَنْ يَقْضِيَ الدَّيْنَ فَكَيْفَ يَصِحُّ الْقَضَاءُ مِنْ ثَمَنِهِ ، ( وَلَا ) يُكَلَّفُ أَيْضًا ( مَنْ قَضَى بَعْضَ دَيْنِهِ تَسْلِيمَ بَعْضِ رَهْنِهِ حَتَّى يَقْبِضَ الْبَقِيَّةَ ) مِنْ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَحْبِسَ كُلَّ الرَّهْنِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْبَقِيَّةَ كَمَا فِي حَبْسِ الْمَبِيعِ ( وَيَحْفَظُهُ بِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ ) كَزَوْجَتِهِ وَوَلَدِهِ وَخَادِمِهِ وَأَجِيرِهِ مُشَاهَرَةً أَوْ مُسَانَهَةً يَسْكُنُونَ مَعَهُ فَإِنَّ الْعِبْرَةَ بِالْمُسَاكَنَةِ لَا النَّفَقَةِ حَتَّى أَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ دَفَعَتْهُ إلَى زَوْجِهَا لَا تَضْمَنُ .
ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ( وَضَمِنَ بِحِفْظِهِ بِغَيْرِهِمْ ) لِأَنَّهُ تَرَكَ الْحِفْظَ الْوَاجِبَ ( وَتَعَدِّيهِ ) أَيْ صَرِيحًا ( وَإِيدَاعِهِ ) لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ عَيْنَهُ أَمَانَةٌ ( وَجَعَلَ خَاتَمَ الرَّهْنِ فِي خِنْصَرِهِ الْيُمْنَى أَوْ الْيُسْرَى ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ ، وَجَعَلَهُ فِي إصْبَعٍ آخَرَ حُفِظَ ( وَتَقَلَّدَ بِسَيْفَيْ الرَّهْنِ ) ؛ لِأَنَّهُ أَيْضًا اسْتِعْمَالٌ ( لَا الثَّلَاثَةِ ) فَإِنَّهُ حِفْظٌ ، فَإِنَّ الشُّجْعَانَ يَتَقَلَّدُونَ فِي الْعَادَةِ بِسَيْفَيْنِ لَا الثَّلَاثَةِ ، وَالضَّمَانُ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ ضَمَانُ الْغَصْبِ بِجَمِيعِ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَى مِقْدَارِ الدَّيْنِ أَمَانَةٌ أَيْضًا ، وَالْأَمَانَاتُ تُضْمَنُ بِالْإِتْلَافِ .
( وَفِي لُبْسِ خَاتَمِهِ ) أَيْ خَاتَمِ الرَّهْنِ ( فَوْقَ آخَرَ يَرْجِعُ إلَى الْعَادَةِ ) فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَتَجَمَّلُ بِلُبْسِ خَاتَمَيْنِ ضَمِنَ ، وَإِلَّا كَانَ حَافِظًا فَلَا يَضْمَنُ ( وَعَلَيْهِ ) أَيْ الْمُرْتَهِنِ ( مُؤَنُ حِفْظِهِ ) كَأَجْرِ بَيْتِ الْحِفْظِ وَأَجْرِ الْحَافِظِ فَإِنَّ تَمَامَهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ، وَإِنْ كَانَ قِيمَةُ الرَّهْنِ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهُ بِسَبَبِ الْحَبْسِ ، وَحَقُّ الْحَبْسِ فِي الْكُلِّ ثَابِتٌ ( وَأَمَّا مُؤَنُ رَدِّهِ أَوْ رَدِّ جُزْءٍ مِنْهُ إلَى يَدِهِ فَتَنْقَسِمُ إلَى الْمَضْمُونِ وَالْأَمَانَةِ ) يَعْنِي أَنَّ مُؤْنَةَ رَدِّهِ إلَى الْمُرْتَهِنِ إنْ كَانَ خَرَجَ مِنْ يَدِهِ كَجُعْلِ الْآبِقِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ

إنْ كَانَ قِيمَةُ الرَّهْنِ مِثْلَ الدَّيْنِ ، وَكَذَا مُؤْنَةُ رَدِّ جُزْءٍ مِنْهُ إلَى يَدِ الْمُرْتَهِنِ كَمُدَاوَاةِ الْجُرُوحِ إنْ كَانَ قِيمَتُهُ مِثْلَ الدَّيْنِ ، أَمَّا إذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْهُ فَتَنْقَسِمُ عَلَى الْمَضْمُونِ وَالْأَمَانَةِ ، فَالْمَضْمُونُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَالْأَمَانَةُ عَلَى الرَّاهِنِ ، وَكَذَا مُدَاوَاةُ الْقُرُوحِ وَمُعَالَجَةُ الْأَمْرَاضِ وَالْفِدَاءُ مِنْ الْجِنَايَةِ ( وَعَلَى الرَّاهِنِ خَرَاجُ الرَّهْنِ وَمُؤْنَةُ تَبْقِيَتِهِ وَإِصْلَاحُ مَنَافِعِهِ ) كَنَفَقَةِ الرَّهْنِ وَكِسْوَتِهِ وَأَجْرِ رَاعِيه وَظِئْرِ وَلَدِ الرَّهْنِ وَسَقْيِ الْبُسْتَانِ وَالْقِيَامِ بِأُمُورِهِ ، فَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا يَرْجِعُ إلَى بَقَائِهِ فَهُوَ عَلَى الرَّاهِنِ سَوَاءٌ كَانَ فِي الرَّهْنِ فَضْلٌ أَوْ لَا ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ بَقِيَتْ عَلَى مِلْكِهِ ، وَكَذَا مَنَافِعُهُ مَمْلُوكَةٌ لَهُ وَمَا يَرْجِعُ إلَى حِفْظِهِ فَهُوَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ إمَّا خَاصَّةً أَوْ بِالتَّقْسِيمِ كَمَا مَرَّ ، ( وَكُلُّ مَا وَجَبَ عَلَى أَحَدِهِمَا ) مِنْ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ ( فَأَدَاءُ الْآخَرِ كَانَ مُتَبَرِّعًا ) ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ ( إلَّا أَنْ يَأْمُرَ بِهِ الْقَاضِي ) ؛ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةً عَامَّةً فَكَأَنَّ صَاحِبَهُ أَمَرَهُ بِهِ .

( قَوْلُهُ وَلَا يُكَلَّفُ تَمْكِينَهُ مِنْ بَيْعِهِ ) يَعْنِي لَا يُكَلَّفُ تَسْلِيمَ الرَّهْنِ لِيُبَاعَ بِالدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الْبَيْعِ لَا قُدْرَةَ لِلْمُرْتَهِنِ عَلَى الْمَنْعِ مِنْهُ ( قَوْلُهُ فَكَيْفَ يَصِحُّ الْقَضَاءُ مِنْ ثَمَنِهِ ) نَعَمْ يَصِحُّ بِمَا إذَا بَاعَهُ وَتَسَلَّمَ الثَّمَنَ بِحَضْرَةِ الْمُرْتَهِنِ فَأَوْفَاهُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ حَبْسُهُ إلَى قَضَاءِ الدَّيْنِ وَلَوْ مِنْ ثَمَنِهِ ( قَوْلُهُ : وَجَعَلَ خَاتَمَ الرَّهْنِ فِي خِنْصَرِهِ الْيُمْنَى أَوْ الْيُسْرَى
إلَخْ ) أَقُولُ وَهَذَا فِيمَا لَوْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ رَجُلًا ، أَمَّا لَوْ كَانَ امْرَأَةً فَإِنَّهُ يَضْمَنُ وَلَوْ لَبِسَهُ فِي غَيْرِ الْخِنْصَرِ ؛ لِأَنَّ النِّسَاءَ يَلْبَسْنَ كَذَلِكَ فَيَكُونُ مِنْ بَابِ الِاسْتِعْمَالِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ وَتَقَلَّدَ بِسَيْفَيْ الرَّهْنِ ) أَقُولُ ظَاهِرُهُ الضَّمَانُ مُطْلَقًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ .
وَقَالَ قَاضِي خَانْ وَفِي السَّيْفَيْنِ يَضْمَنُ إذَا كَانَ الْمُرْتَهِنُ يَتَقَلَّدُ بِسَيْفَيْنِ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ ا هـ .
فَلَمْ يُعَلِّلْ بِعَادَةِ الشُّجْعَانِ بَلْ نَظَرَ إلَى حَالِ الْمُرْتَهِنِ عَلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ نَظَرَ إلَى حَالِ الْمُرْتَهِنِ فِي لُبْسِ الْخَاتَمِ فَوْقَ آخَرَ .
( قَوْلُهُ وَفِي لُبْسِ خَاتَمِهِ فَوْقَ آخَرَ يَرْجِعُ إلَى الْعَادَةِ
إلَخْ ) أَقُولُ وَكَذَا لَوْ رَهَنَهُ خَاتَمَيْنِ فَلَبِسَ خَاتَمًا فَوْقَ خَاتَمٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَأْمُرَ بِهِ الْقَاضِي ) أَقُولُ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ الْأَمْرِ يَكُونُ مَا أَنْفَقَهُ دَيْنًا يَرْجِعُ بِهِ ، وَلَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِجَعْلِهِ دَيْنًا عَلَيْهِ كَمَا فِي الْمُلْتَقَطِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إذَا كَانَ صَاحِبُهُ حَاضِرًا وَإِنْ كَانَ بِأَمْرِ الْقَاضِي كَمَا فِي التَّبْيِينِ .
وَقَالَ السِّغْنَاقِيُّ فَبِمُجَرَّدِ أَمْرِ الْقَاضِي لَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَجْعَلْهُ دَيْنًا عَلَيْهِ عَلَى مَا هُوَ الْمَذْكُورُ فِي الذَّخِيرَةِ ، ثُمَّ قَالَ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ : وَهَكَذَا نَقُولُ فِي كِتَابِ اللُّقَطَةِ وَأَكْثَرُ مَشَايِخِنَا

عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ التَّنْصِيصِ عَلَى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَى الرَّاهِنِ أَمَّا بِمُجَرَّدِ الْأَمْرِ بِالِاتِّفَاقِ فَلَا يَصِيرُ دَيْنًا ا هـ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

( بَابُ مَا يَصِحُّ رَهْنُهُ وَالرَّهْنُ بِهِ أَوْ لَا ) ( صَحَّ رَهْنُ الْحَجَرَيْنِ ) يَعْنِي الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ ( وَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ ) لِكَوْنِهَا مَحَلَّ الِاسْتِيفَاءِ ، ( فَلَوْ رُهِنَتْ ) الْمَذْكُورَاتُ ( بِخِلَافِ جِنْسِهَا ) فَهَلَكَتْ ( هَلَكَتْ بِقِيمَتِهَا ) كَسَائِرِ الْأَمْوَالِ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ ( وَلَوْ ) رُهِنَتْ ( بِجِنْسِهَا ) فَهَلَكَتْ ( هَلَكَتْ بِمِثْلِهَا مِنْ الدَّيْنِ ) ، وَتُعْتَبَرُ الْمُمَاثَلَةُ فِي الْقَدْرِ وَهُوَ الْوَزْنُ أَوْ الْكَيْلُ ( بِلَا عِبْرَةٍ لِلْجَوْدَةِ ، وَ ) لَا ( الْقِيمَةِ ) فَإِنَّ الدَّيْنَ إذَا كَانَ وَزْنِيًّا وَالرَّهْنَ أَيْضًا كَذَلِكَ فَهَلَكَ ، فَإِنْ تَسَاوَيَا سَقَطَ الدَّيْنُ وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ زَائِدًا سَقَطَ قَدْرُ الرَّهْنِ مِنْهُ وَبَقِيَ الزَّائِدُ فِي ذِمَّةِ الرَّاهِنِ ، وَإِنْ عُكِسَ سَقَطَ قَدْرُ الدَّيْنِ مِنْهُ ، وَالْفَضْلُ لِلرَّاهِنِ ( لَا ) أَيْ لَا يَصِحُّ ( رَهْنُ مَشَاعٍ ) ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ كَمَا عَرَفْت ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ وَهُوَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْمَشَاعِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُشَاعٌ ( مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يَحْتَمِلُ الْقِسْمَةَ أَوْ لَا ، وَسَوَاءٌ رَهَنَ مِنْ شَرِيكِهِ أَوْ مِنْ أَجْنَبِيٍّ وَالطَّارِئُ كَالْمُقَارِنِ هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ .

( بَابُ مَا يَصِحُّ رَهْنُهُ وَالرَّهْنُ بِهِ أَوْ لَا ) ( قَوْلُهُ وَالْفَضْلُ لِلرَّاهِنِ ) أَقُولُ يَعْنِي عَلَيْهِ أَيْ لَا يَضْمَنُهُ الْمُرْتَهِنُ لِكَوْنِهِ أَمَانَةً ( قَوْلُهُ لَا يَصِحُّ رَهْنُ مَشَاعٍ ) أَقُولُ نَفْيُ الصِّحَّةِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِلْفَسَادِ أَوْ لِلْبُطْلَانِ ، وَلَمْ يَتَعَرَّضُ لِكَوْنِهِ فَاسِدًا أَوْ بَاطِلًا وَفِيمَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُغْنِي دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ فَاسِدٌ لَا بَاطِلٌ فَالْمَقْبُوضُ بِحُكْمِ الرَّهْنِ الْفَاسِدِ يَتَعَلَّقُ بِهِ الضَّمَانُ وَهُوَ الصَّحِيحُ ، وَالْمَقْبُوضُ بِحُكْمِ الرَّهْنِ الْبَاطِلِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الضَّمَانُ أَصْلًا ؛ لِأَنَّ الْبَاطِلَ مِنْ الرَّهْنِ مَا لَا يَكُونَ مُنْعَقِدًا أَصْلًا كَالْبَاطِلِ فِي الْبَيْعِ ، وَالْفَاسِدُ مِنْهُ مَا يَكُونُ مُنْعَقِدًا لَكِنْ بِوَصْفِ الْفَسَادِ كَالْفَاسِدِ مِنْ الْبُيُوعِ ، وَشَرْطُ انْعِقَادِ الرَّهْنِ أَنْ يَكُونَ مَالًا وَالْمُقَابِلُ بِهِ يَكُونُ مَالًا مَضْمُونًا وَهُوَ شَرْطُ جَوَازِ الرَّهْنِ ، ثُمَّ قَالَ فَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ كَانَ الرَّهْنُ مَالًا وَالْمُقَابِلُ بِهِ مَضْمُونًا إلَّا أَنَّهُ فَقَدَ بَعْضَ شَرَائِطِ الْجَوَازِ يَنْعَقِدُ الرَّهْنُ لِوُجُودِ شَرْطِ الِانْعِقَادِ لَكِنْ بِصِفَةِ الْفَسَادِ لِانْعِدَامِ شَرْطِ الْجَوَازِ ، وَفِي كُلِّ مَوْضِعٍ لَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ مَالًا أَوْ لَمْ يَكُنْ الْمُقَابِلُ بِهِ مَضْمُونًا لَا يَنْعَقِدُ الرَّهْنُ أَصْلًا كَذَا فِي النِّهَايَةِ لِلسِّغْنَاقِيِّ .
( قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ ) رَاجِعٌ إلَى قَوْلِهِ وَالطَّارِئُ وَذَكَرَ التَّصْحِيحُ فِي النِّهَايَةِ أَيْضًا .

( وَثَمَرٌ عَلَى شَجَرٍ دُونَهُ ) أَيْ دُونَ الشَّجَرِ ( وَزَرْعُ أَرْضٍ أَوْ نَخْلُهَا دُونَهَا ) أَيْ دُونَ الْأَرْضِ ؛ لِأَنَّ الْمَرْهُونَ مُتَّصِلٌ بِمَا لَيْسَ بِمَرْهُونٍ خِلْقَةً فَكَانَ فِي مَعْنَى الْمَشَاعِ ( كَذَا الْعَكْسُ ) وَهُوَ رَهْنُ الشَّجَرِ لَا الثَّمَرِ وَرَهْنُ الْأَرْضِ لَا النَّخْلِ أَوْ الزَّرْعِ ؛ لِأَنَّ الِاتِّصَالَ يَقُومُ بِالطَّرَفَيْنِ فَالْأَصْلُ أَنَّ الْمَرْهُونَ إذَا كَانَ مُتَّصِلًا بِمَا لَيْسَ بِمَرْهُونٍ لَا يَجُوزُ لِامْتِنَاعِ قَبْضِ الْمَرْهُونِ وَحْدَهُ .
( قَوْلُهُ أَوْ نَخْلِهَا دُونَهَا ) أَيْ دُونَ الْأَرْضِ لَيْسَ الْمُرَادُ جَمِيعَ الْأَرْضِ بَلْ قَدْرُ مَوْضِعِ الشَّجَرِ لِمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ أَمَّا لَوْ رَهَنَ النَّخِيلَ بِمَوَاضِعِهَا جَازَ ، وَلَا يَمْنَعُ الصِّحَّةُ مُجَاوَرَةَ مَا لَيْسَ بِرَهْنٍ ( قَوْلُهُ كَذَا الْعَكْسُ
إلَخْ ) يَعْنِي بِأَنْ نَصَّ عَلَى عَدَمِ رَهْنِ الْمَنْفِيِّ ، أَمَّا لَوْ رَهَنَ الْأَرْضَ وَسَكَتَ عَنْ النَّخِيلِ وَالثَّمَرِ وَالزَّرْعِ وَالرُّطَبَةِ وَالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ بِهَا يَكُونُ ذَلِكَ رَهْنًا تَبَعًا لِاتِّصَالِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ

( وَلَا ) يَصِحُّ أَيْضًا ( رَهْنُ حُرٍّ وَمُدَبَّرٍ وَمُكَاتَبٍ وَأُمِّ وَلَدٍ وَوَقْفٍ وَخَمْرٍ ) ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ ، وَلَا يَثْبُتُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهَا لِعَدَمِ الْمَالِيَّةِ فِي الْحُرِّ وَعَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ مَا سِوَاهُ ( وَلَا يَصِحُّ ارْتِهَانُهَا مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ ) ، وَاللَّامُ فِي ( لِلْمُسْلِمِ ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ رَهْنُ حُرٍّ أَوْ ارْتِهَانُهَا أَيْ لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَرْهَنَ حُرًّا أَوْ أَمْثَالَهُ أَوْ يَرْتَهِنَهَا مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ لِتَعَذُّرِ الْإِيفَاءِ وَالِاسْتِيفَاءِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ ، ( وَلَا يَضْمَنُ لَهُ ) أَيْ لِلْمُسْلِمِ ( مُرْتَهِنُهَا لِلذِّمِّيِّ ) يَعْنِي إنْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ ذِمِّيًّا لَمْ يَضْمَنْهَا لِلْمُسْلِمِ كَمَا لَمْ يَضْمَنْهَا بِالْغَصْبِ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَالٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ .
( وَفِي عَكْسِهِ الضَّمَانُ ) يَعْنِي إذَا كَانَ الرَّاهِنُ ذِمِّيًّا وَالْمُرْتَهِنُ مُسْلِمًا فَيَضْمَنُ الْخَمْرَ لِلذِّمِّيِّ ، كَمَا إذَا غُصِبَ ؛ لِأَنَّهَا مَالٌ لِلذِّمِّيِّ ( وَلَا ) يَصِحُّ أَيْضًا ( بِأَمَانَاتٍ ) كَالْوَدِيعَةِ وَالْعَارِيَّةِ وَمَالِ الْمُضَارَبَةِ وَالشَّرِكَةِ ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الرَّهْنِ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ لِلْمُرْتَهِنِ فَكَانَ قَبْضُ الرَّهْنِ مَضْمُونًا فَلَا بُدَّ مِنْ ضَمَانٍ ثَابِتٍ لِيَقَعَ الْقَبْضُ مَضْمُونًا ، وَيَثْبُتَ اسْتِيفَاءُ الدَّيْنِ مِنْهُ ، وَقَبْضُ الْأَمَانَاتِ لَيْسَ بِمَضْمُونٍ لِيَصِحَّ الرَّهْنُ بِهَا ( وَمَبِيعٍ فِي يَدِ الْبَائِعِ ) لِمَا عَرَفْت أَنَّ الرَّهْنَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي مُقَابَلَةِ الدَّيْنِ حَقِيقَةً أَوْ حُكْمًا ، وَالْمَبِيعُ فِي يَدِ الْبَائِعِ لَيْسَ بِدَيْنٍ حَقِيقَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَا حُكْمًا لِأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَضْمُونًا بِالْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ ، وَالْمَبِيعُ فِي يَدِهِ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ إذَا هَلَكَ سَقَطَ الثَّمَنُ ، وَهُوَ حَقُّ الْبَائِعِ ، وَلَيْسَ فِيهِ ضَمَانٌ وَالْقَوْمُ يُسَمُّونَهُ بِالْعَيْنِ الْمَضْمُونَةِ بِغَيْرِهَا ، وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( وَدَرَكٍ ) تَفْسِيرُ الرَّهْنِ بِالدَّرَكِ

أَنْ يَبِيعَ رَجُلٌ سِلْعَةً وَقَبَضَ ثَمَنَهَا وَسَلَّمَهَا ، وَخَافَ الْمُشْتَرِي الِاسْتِحْقَاقَ وَأَخَذَ بِالثَّمَنِ مِنْ الْبَائِعِ رَهْنًا قَبْلَ الدَّرَكِ فَإِنَّهُ بَاطِلٌ حَتَّى لَا يَمْلِكَ حَبْسَ الرَّهْنِ حَلَّ الدَّرَكُ أَوْ لَمْ يَحِلَّ ، فَإِذَا هَلَكَ الرَّهْنُ كَانَ أَمَانَةً عِنْدَهُ حَلَّ الدَّرَكُ أَوْ لَا إذْ لَا عَقْدَ حَيْثُ وَقَعَ بَاطِلًا كَذَا فِي الْكَافِي .
قَوْلُهُ وَلَا يَضْمَنُ لَهُ مُرْتَهِنُهَا الذِّمِّيُّ ) خَصَّ إرْجَاعَ الضَّمِيرِ بِالْخَمْرِ فَفَاتَ عِلْمُ حُكْمِ بَاقِي الْمَذْكُورَاتِ مَعَهَا

( وَأُجْرَةِ نَائِحَةٍ وَمُغَنِّيَةٍ وَثَمَنِ حُرٍّ ) حَتَّى لَوْ هَلَكَ الرَّهْنُ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا إذْ يُقَابِلُهُ شَيْءٌ مَضْمُونٌ ( وَكَفَالَةٍ بِالنَّفْسِ ) لِتَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ ( وَشُفْعَةٍ ) ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْمُشْتَرِي ( وَعَبْدٍ جَانٍ أَوْ مَدْيُونٍ ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْوَلِيِّ فَإِنَّهُ لَوْ هَلَكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ ( وَقِصَاصٍ مُطْلَقًا ) أَيْ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَهَا لِتَعَذُّرِ الِاسْتِيفَاءِ ( بِخِلَافِ الْجِنَايَةِ خَطَأً ) ؛ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الْأَرْشِ مِنْ الرَّهْنِ مُمْكِنٌ ( وَيَصِحُّ بِعَيْنٍ مَضْمُونَةٍ بِالْمِثْلِ أَوْ الْقِيمَةِ ) كَالْمَغْصُوبِ وَبَدَلِ الْخُلْعِ وَالْمَهْرِ وَبَدَلِ الصُّلْحِ عَنْ عَدَمِ عَمْدٍ اعْلَمْ أَنَّ الْأَعْيَانَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ أَحَدُهَا عَيْنٌ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ أَصْلًا كَالْأَمَانَاتِ فَإِنَّ الضَّمَانَ عِبَارَةٌ عَنْ رَدِّ مِثْلِ الْهَالِكِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا أَوْ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ قِيَمِيًّا ، فَالْأَمَانَةُ إنْ هَلَكَتْ بِلَا تَعَدٍّ فَلَا شَيْءَ فِي مُقَابِلَتِهَا أَوْ بِتَعَدٍّ فَلَا تَبْقَى أَمَانَةً بَلْ تَكُونُ غَصْبًا .
وَثَانِيهَا عَيْنٌ مَضْمُونَةٌ بِنَفْسِهَا كَالْمَغْصُوبِ وَنَحْوِهِ وَالْقَوْمُ يُسَمُّونَهَا الْأَعْيَانَ الْمَضْمُونَةَ بِنَفْسِهَا وَيُرِيدُونَ الْأَعْيَانَ الْمَضْمُونَةَ فِي حَدِّ ذَاتِهَا وَوَجْهُهُ أَنَّ الضَّمَانَ كَمَا عَرَفْت عِبَارَةٌ عَنْ رَدِّ مِثْلِ الْهَالِكِ أَوْ قِيمَتِهِ فَالشَّيْءُ إذَا كَانَ مِثْلِيًّا أَوْ قِيَمِيًّا يَكُونُ بِحَيْثُ لَوْ هَلَكَ تَعَيَّنَ الْمِثْلُ أَوْ الْقِيمَةُ فَتَكُونُ مَضْمُونَةً فِي حَدِّ ذَاتِهَا مَعَ قَطْعِ النَّظَرِ عَنْ الْعَوَارِضِ ، وَثَالِثُهَا عَيْنٌ لَيْسَتْ بِمَضْمُونَةٍ وَلَكِنَّهَا تُشْبِهُ الْمَضْمُونَةَ كَمَبِيعٍ فِي يَدِ الْبَائِعِ ، فَإِنَّهُ إذَا هَلَكَ لَمْ يَضْمَنْ أَحَدٌ بِمِثْلِهِ أَوْ قِيمَتِهِ لَكِنَّ الثَّمَرَ يَسْقُطُ عَنْ ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي وَهُوَ غَيْرُ الْمِثْلِ وَالْقِيمَةِ فَبِمُجَرَّدِ هَذَا الِاعْتِبَارِ سَمُّوهُ بِالْعَيْنِ الْمَضْمُونَةِ بِغَيْرِهَا فَكَأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمُشَاكَلَةِ .

( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْمَبِيعَ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْمُشْتَرِي ) يَعْنِي لِلشَّفِيعِ فَلَا مُطَالَبَةَ لَهُ عَلَى الْمُشْتَرِي بَعْدَ هَلَاكِهِ .

( وَ ) يَصِحُّ ( بِدَيْنٍ ) كَمَا هُوَ الْأَصْلُ وَهُوَ تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ ( وَلَوْ مَوْعُودًا فَيَهْلِكُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ( بِمَا وَعَدَ مِنْ الدَّيْنِ ) يَعْنِي إنْ رَهَنَ لِيُقْرِضَهُ أَلْفَ دِرْهَمٍ ، وَهَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ فَهَلَاكُهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِمُقَابَلَةِ الْأَلْفِ الْمَوْعُودِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الْأَلْفِ إلَى الرَّاهِنِ ( إذَا لَمْ يَكُنْ الدَّيْنُ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ ) ، بَلْ كَانَ مُسَاوِيًا أَوْ قَلَّ حَتَّى إذَا كَانَ أَكْثَرَ لَمْ يَكُنْ مَضْمُونًا بِالدَّيْنِ بَلْ بِالْقِيمَةِ .
( قَوْلُهُ فَيَهْلِكُ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ عَلَيْهِ بِمَا وَعَدَ مِنْ الدَّيْنِ ) أَيْ إنْ بَيَّنَ قَدْرَهُ ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُسَمِّ قَدْرَهُ بِأَنَّ رَهَنَهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ شَيْئًا فَهَلَكَ فِي يَدِهِ يُعْطِي الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ مَا شَاءَ ؛ لِأَنَّهُ بِالْهَلَاكِ صَارَ مُسْتَوْفِيًا شَيْئًا فَيَكُونُ بَيَانُهُ إلَيْهِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَعَنْ الذَّخِيرَةِ قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا أَسْتَحْسِنُ أَقَلَّ مِنْ دِرْهَمٍ

( وَ ) يَصِحُّ أَيْضًا ( بِرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ وَثَمَنِ الصَّرْفِ ) ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ ضَمَانُ الْمَالِ وَالْمُجَانَسَةُ ثَابِتَةٌ فِي الْمَالِيَّةِ فَيَثْبُتُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ حَيْثُ الْمَالُ ، ( فَإِنْ هَلَكَ ) أَيْ الرَّهْنُ بِرَأْسِ الْمَالِ أَوْ ثَمَنِ الصَّرْفِ ( تَمَّ الْعَقْدُ ) أَيْ السَّلَمُ وَالصَّرْفُ ( وَأَخَذَ حَقَّهُ ) أَيْ صَارَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا لِدَيْنِهِ لِتَحَقُّقِ الْقَبْضِ حُكْمًا ( فَإِنْ افْتَرَقَا قَبْلَ نَقْدٍ وَهَلَكَ بَطَلَا ) أَيْ عَقْدُ السَّلَمِ وَالصَّرْفِ لِفَوَاتِ الْقَبْضِ حَقِيقَةً وَحُكْمًا ، وَلَمَّا لَمْ يَتَأَتَّ هَذَا التَّفْصِيلُ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ أَفْرَدَهُ بِالذِّكْرِ ، فَقَالَ ( وَبِالْمُسْلَمِ فِيهِ فَإِنْ هَلَكَ ) أَيْ الرَّهْنُ ( تَمَّ الْعَقْدُ وَصَارَ ) أَيْ الرَّهْنُ ( عِوَضًا لِلْمُسْلَمِ فِيهِ ) ، فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ اسْتَوْفَاهُ ، ( وَإِنْ فُسِخَ ) أَيْ عَقْدُ السَّلَمِ ( صَارَ ) أَيْ الرَّهْنُ ( رَهْنًا بِبَدَلِهِ ) وَهُوَ رَأْسُ الْمَالِ فَيَحْبِسُهُ ، فَصَارَ كَالْمَغْصُوبِ إذَا هَلَكَ وَبِهِ رَهْنٌ يَكُونُ رَهْنًا بِقِيمَتِهِ ( وَهَلَكَ رَهْنُهُ بَعْدَ الْفَسْخِ هَلَكَ بِهِ ) أَيْ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ رَدُّ مِثْلِ الْمُسْلَمِ فِيهِ لِقَبْضِ رَأْسِ الْمَالِ ؛ لِأَنَّهُ رَهَنَهُ بِهِ وَإِنْ كَانَ مَحْبُوسًا بِغَيْرِهِ وَهُوَ رَأْسُ الْمَالِ .
( وَ ) يَصِحُّ أَيْضًا ( بِدَيْنٍ عَلَيْهِ ) أَيْ الْأَبِ ( عَبْدَ طِفْلَةٍ ) مَفْعُولُ الرَّهْنِ الْمُقَدَّرِ ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِيدَاعَ ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْهُ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ ؛ لِأَنَّ قِيَامَ الْمُرْتَهِنَ بِحِفْظِهِ أَبْلَغُ خَوْفًا مِنْ الْغَرَامَةِ ، وَلَوْ هَلَكَ يَهْلِكُ مَضْمُونًا ، الْوَدِيعَةُ تَهْلِكُ أَمَانَةً ، وَالْوَصِيُّ كَالْأَبِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَزُفَرَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مِنْهُمَا .

قَوْلُهُ فَإِنْ هَلَكَ ) يَعْنِي قَبْلَ الِافْتِرَاقِ ( قَوْلُهُ وَبِالْمُسْلَمِ فِيهِ فَإِنْ هَلَكَ أَيْ الرَّهْنُ ثُمَّ الْعَقْدُ ) أَيْ سَوَاءٌ هَلَكَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ أَوْ بَعْدَهُ ( قَوْلُهُ وَلَوْ هَلَكَ يَهْلِكُ مَضْمُونًا ) أَيْ عَلَى الْأَبِ ، وَكَذَا الْوَصِيُّ يَضْمَنُ لِلصَّغِيرِ ، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا لِلتُّمُرْتَاشِيِّ وَهُوَ إلَى الْكَاكِيِّ أَنَّ قِيمَةَ الرَّهْنِ إذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ يَضْمَنُ الْأَبُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ ، وَالْوَصِيُّ بِقَدْرِ الْقِيمَةِ ؛ لِأَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِمَالِ الصَّبِيِّ وَلَا كَذَلِكَ الْوَصِيُّ ، وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُغْنِي التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ فَقَالَ لَا يَضْمَنَانِ الْفَضْلَ ؛ لِأَنَّهُ أَمَانَةٌ وَهُوَ وَدِيعَةٌ عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ ، وَلَهُمَا وِلَايَةُ الْإِيدَاعِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَتَمَامُهُ فِيهِ مُفَرَّعًا

( وَ ) يَصِحُّ أَيْضًا ( بِثَمَنِ عَبْدٍ أَوْ خَلٍّ أَوْ ذَكِيَّةٍ إنْ ظَهَرَ الْعَبْدُ حُرًّا وَالْخَلُّ خَمْرًا وَالذَّكِيَّةُ مَيْتَةً وَبِبَدَلِ صُلْحٍ عَنْ إنْكَارٍ إنْ أَقَرَّ أَنْ لَا دَيْنَ ) ، صُورَتُهُ رَجُلٌ صَالَحَ عَنْ إنْكَارٍ وَرَهَنَ بِبَدَلِ الصُّلْحِ شَيْئًا ، ثُمَّ تَصَادَقَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ فَالرَّهْنُ مَضْمُونٌ ، وَالْأَصْلُ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ مَا مَرَّ أَنَّ وُجُوبَ الدَّيْنِ ظَاهِرًا .
يَكْفِي لِصِحَّةِ الرَّهْنِ ، وَلَا يُشْتَرَطُ وُجُوبُهُ حَقِيقَةً .

( شَرَى عَلَى أَنْ يَرْهَنَ شَيْئًا أَوْ يُعْطِيَ كَفِيلًا ) حَالَ كَوْنِ الرَّهْنِ وَالْكَفِيلِ ( مُعَيَّنَيْنِ لِثَمَنِهِ ) مُتَعَلِّقٌ بِيُعْطِيَ ، ( وَأَبَى ) أَيْ الْمُشْتَرِي أَنْ يَرْهَنَ مَا سَمَّاهُ ، أَوْ يُعْطِيَ كَفِيلًا سَمَّاهُ ( صَحَّ ) أَيْ الشِّرَاءُ اسْتِحْسَانًا لَا قِيَاسًا ؛ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ ، وَفِيهِ نَفْعٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ ، وَلِأَنَّهُ صَفْقَةٌ فِي صَفْقَةٍ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ كَمَا مَرَّ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ شَرْطٌ مُلَائِمٌ لِلْعَقْدِ ؛ لِأَنَّ الْكَفَالَةَ وَالرَّهْنَ لِلِاسْتِيثَاقِ ، وَهُوَ يُلَائِمُ وُجُوبَ الثَّمَنِ فَإِذَا كَانَ الْكَفِيلُ حَاضِرًا ، وَالرَّهْنُ مُعَيَّنًا اُعْتُبِرَ مَعْنَى الشَّرْطِ وَهُوَ الِاسْتِيثَاقُ فَصَحَّ الْعَقْدُ ، وَإِلَّا اُعْتُبِرَ عَيْنُ الشَّرْطِ فَفَسَدَ ، ( وَلَا يُجْبَرُ ) أَيْ الْمُشْتَرِي ( عَلَى الْوَفَاءِ ) ؛ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ تَبَرُّعٌ مِنْ جَانِبِ الرَّاهِنِ وَلَا جَبْرَ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ ، وَإِنَّمَا صَارَ حَقًّا مِنْ حُقُوقِهِ إذَا وُجِدَ وَلَمْ يُوجَدْ بَعْدُ ، وَالْوَعْدُ بِالرَّهْنِ لَا يَكُونُ فَوْقَ الرَّهْنِ وَلَوْ رَهَنَهُ لَا يُلْزَمْ مَا لَمْ يُسْلِمْ فَلَأَنْ لَا يَصِيرَ لَازِمًا بِالْوَعْدِ أَوْلَى ( فَلِلْبَائِعِ فَسْخُهُ إلَّا إذَا سَلَّمَ ثَمَنَهُ حَالًّا أَوْ قِيمَةَ الرَّهْنِ رَهْنًا ) أَيْ إذَا أَبَى الْمُشْتَرِي وَلَمْ يُجْبَرُ عَلَى الْوَفَاءِ جَازَ لِلْبَائِعِ أَنْ يَفْسَخَ الْعَقْدَ ؛ لِأَنَّ رِضَاهُ بِالْبَيْعِ كَانَ لِهَذَا الشَّرْطِ فَبِدُونِهِ لَا يَكُونُ رَاضِيًا ، وَإِذَا لَمْ يَتِمَّ رِضَاهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ أَوْ يَرْضَى بِتَرْكِ الرَّهْنِ إلَّا إذَا كَانَ كَمَا ذَكَرَ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ حِينَئِذٍ إذْ يَدُ الِاسْتِيفَاءِ إنَّمَا تَثْبُتُ عَلَى الْمَعْنَى وَهُوَ الْقِيمَةُ ؛ لِأَنَّ الصُّورَةَ أَمَانَةٌ .
( قَوْلُهُ لِأَنَّ عَقْدَ الرَّهْنِ تَبَرُّعٌ مِنْ جَانِبِ الرَّاهِنِ
إلَخْ ) كَذَا إعْطَاءُ الْكَفِيلِ ، وَكَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ أَيْضًا لِيَتِمَّ التَّعْلِيلُ لِلْجَانِبَيْنِ .

( قَالَ ) أَيْ الْمُشْتَرِي ( لِبَائِعِهِ ) وَقَدْ أَعْطَاهُ شَيْئًا غَيْرَ الْمَبِيعِ ( أَمْسِكْ هَذَا حَتَّى أُعْطِيَ ثَمَنَهُ كَانَ رَهْنًا ) ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْمَعَانِي وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ .
( قَوْلُهُ قَالَ لِبَائِعِهِ وَقَدْ أَعْطَاهُ شَيْئًا غَيْرَ الْمَبِيعِ أَمْسِكْ هَذَا ) التَّقْيِيدُ بِغَيْرِ الْمَبِيعِ غَيْرُ احْتِرَازِيٍّ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَبَضَ الْمَبِيعَ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ ذَلِكَ كَانَ ذَلِكَ رَهْنًا بِثَمَنِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ .

( رَهَنَ عَيْنًا مِنْ رَجُلَيْنِ بِدَيْنٍ لِكُلٍّ مِنْهُمَا صَحَّ ، وَكُلُّهُ رَهْنٌ عِنْدَ كُلٍّ مِنْهُمَا ) لَا أَنَّ نِصْفَهُ رَهْنٌ لِأَحَدِهِمَا وَنِصْفَهُ الْآخَرَ لِلْآخَرِ ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ أُضِيفَ إلَى جَمِيعِ الْعَيْنِ بِصَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا شُيُوعَ فِيهِ وَمُوجِبُهُ الْحَبْسُ بِالدَّيْنِ وَهُوَ لَا يَتَجَزَّأُ فَصَارَ مَحْبُوسًا بِكُلٍّ مِنْهُمَا وَلَا تَنَافِي فِيهِ كَمَا إذَا قَتَلَ وَاحِدٌ جَمَاعَةً فَحَضَرَ أَحَدُ أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِينَ ، وَاسْتَوْفَى يَكُونُ مُسْتَوْفِيًا لِنَفْسِهِ وَلِلْبَاقِينَ بِخِلَافِ الْهِبَةِ مِنْ رَجُلَيْنِ حَيْثُ لَا تَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا إيجَابُ الْمِلْكِ ، وَالْعَيْنُ الْوَاحِدَةُ لَا يُتَصَوَّرُ كَوْنُهَا مِلْكًا لِكُلٍّ مِنْهُمَا كَامِلًا فَلَا بُدَّ مِنْ الِانْقِسَامِ وَهُوَ يُنَافِي الْمَقْصُودَ ( وَفِي تَهَايُئِهِمَا كُلٌّ فِي نَوْبَتِهِ كَالْعَدْلِ فِي حَقِّ الْآخَرِ ، وَلَوْ هَلَكَ ضَمِنَ كُلٌّ حِصَّتَهُ ) أَيْ حِصَّةَ دَيْنِهِ إذْ عِنْدَ الْهَلَاكِ يَصِيرُ كُلٌّ مِنْهُمَا مُسْتَوْفِيًا حِصَّتَهُ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيفَاءَ يَتَجَزَّأُ ( فَإِنْ قَضَى دَيْنَ أَحَدِهِمَا فَكُلُّهُ رَهْنٌ لِلْآخَرِ ) ؛ لِأَنَّ جَمِيعَ الْعَيْنِ رَهْنٌ فِي يَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِلَا تَفْرِيقٍ .

( رَهَنَا مِنْ رَجُلٍ رَهْنًا بِدَيْنٍ عَلَيْهِمَا صَحَّ الرَّهْنُ بِكُلِّهِ ) أَيْ كُلِّ الدَّيْنِ ( يُمْسِكُهُ ) أَيْ الْمُرْتَهِنُ ( إلَى قَبْضِ الْكُلِّ ) أَيْ كُلِّ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّ قَبْضَ الرَّهْنِ يَحْصُلُ فِي الْكُلِّ بِلَا شُيُوعٍ ( بَطَلَ حُجَّةُ كُلٍّ مِنْ شَخْصَيْنِ أَنَّهُ رَهَنَهُ عَبْدَهُ وَقَبَضَهُ ) ، هَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِمَا سَبَقَ يَعْنِي إذَا أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ رَجُلَيْنِ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ وَهَبَهُ عَبْدَهُ الَّذِي فِي يَدِهِ وَقَبَضَهُ فَهُوَ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَثْبَتَ بِبَيِّنَةٍ أَنَّهُ رَهَنَهُ كُلَّ الْعَبْدِ وَلَا وَجْهَ لِلْقَضَاءِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِالْكُلِّ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْوَاحِدَ يَسْتَحِيلُ كَوْنُ كُلِّهِ رَهْنًا بِهَذَا وَكُلِّهِ رَهْنًا بِذَاكَ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا لِلْقَضَاءِ بِكُلِّهِ لِوَاحِدٍ بِعَيْنِهِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَلَا لِلْقَضَاءِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بِالنِّصْفِ لِلُزُومِ الشُّيُوعِ فَتَعَيَّنَ التَّهَايُؤُ ( وَلَوْ مَاتَ رَاهِنُهُ وَالرَّهْنُ مَعَهُمَا فَيُرْهَنُ كُلٌّ كَذَلِكَ ) أَيْ بِأَنَّهُ رَهَنَهُ عَبْدَهُ وَقَبَضَهُ ( كَانَ نِصْفُهُ ) أَيْ نِصْفُ الْعَبْدِ ( مَعَ كُلٍّ ) مِنْهُمَا ( رَهْنًا بِحَقِّهِ ) ؛ لِأَنَّ حُكْمَهُ فِي الْحَيَاةِ الْحَبْسُ وَالشُّيُوعُ يَضُرُّهُ وَبَعْدَ الْمَمَاتِ الِاسْتِيفَاءُ بِالْبَيْعِ فِي الدَّيْنِ ، وَالشُّيُوعُ لَا يَضُرُّهُ .
قَوْلُهُ بَطَلَ حُجَّةُ كُلٍّ مِنْ شَخْصَيْنِ
إلَخْ ) يَعْنِي إذَا لَمْ يُؤَرِّخَا فَإِنْ أَرَّخَا كَانَ صَاحِبُ التَّارِيخِ الْأَقْدَمِ أَوْلَى ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الرَّهْنُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا كَانَ أَوْلَى كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَإِنْ كَانَ فِي يَدَيْهِمَا ، فَإِنْ عُلِمَ الْأَوَّلُ مِنْهُمَا فَهُوَ لَهُ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ لَمْ يَكُنْ رَهْنًا لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا قِيَاسًا ، قَالَ فِي الْأَصْلِ وَبِهِ نَأْخُذُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لِكُلٍّ نِصْفُهُ رَهْنٌ بِنِصْفِ حَقِّهِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

( بَابُ رَهْنٍ يُوضَعُ عِنْدَ عَدْلٍ ) سُمِّيَ بِهِ لِعَدَالَتِهِ فِي زَعْمِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ ( وَضَعَاهُ ) أَيْ وَضَعَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ الرَّهْنَ ( عِنْدَهُ صَحَّ ) خِلَافًا لِمَالِكٍ ( وَلَا يَأْخُذُهُ مِنْهُ ) أَيْ الرَّهْنَ مِنْ الْعَدْلِ ( أَحَدُهُمَا ) لِتَعَلُّقِ حَقِّ الرَّاهِنِ فِي الْحِفْظِ بِيَدِهِ وَأَمَانَتِهِ وَحَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ اسْتِيفَاءً ، فَلَا يَمْلِكُ أَحَدُهُمَا إبْطَالَ حَقِّ الْآخَرِ ( وَيَضْمَنُ ) أَيْ الْعَدْلُ ( بِدَفْعِهِ إلَيْهِ ) أَيْ دَفْعِ الرَّهْنِ إلَى أَحَدِهِمَا لِأَنَّهُ مُودِعُ الرَّاهِنِ فِي حَقِّ الْعَيْنِ وَمُودِعُ الْمُرْتَهِنِ فِي حَقِّ الْمَالِيَّةِ ، وَأَحَدُهُمَا أَجْنَبِيٌّ عَنْ الْآخَرِ وَالْمُودِعُ يَضْمَنُ بِالدَّفْعِ إلَى الْأَجْنَبِيِّ ( وَيَهْلِكُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ) أَيْ إنْ هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْعَدْلِ هَلَكَ فِي ضَمَانِ الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّ يَدَهُ يَدُ الْمُرْتَهِنِ ( وَكَّلَهُ ) أَيْ الرَّاهِنُ أَوْ الْمُرْتَهِنُ ( أَوْ الْعَدْلُ أَوْ غَيْرُهُمَا بِبَيْعِهِ ) أَيْ بَيْعِ الرَّهْنِ ( عِنْدَ حُلُولِ الْأَجَلِ صَحَّ ) ؛ لِأَنَّهُ تَوْكِيلٌ بِبَيْعِ مَالِهِ ( فَإِنْ شَرَطَ ) أَيْ التَّوْكِيلَ ( فِي عَقْدِ الرَّهْنِ لَمْ يَنْعَزِلْ ) بِالْعَزْلِ وَبِمَوْتِ الرَّاهِنِ أَوْ الْمُرْتَهِنِ ( إلَّا بِمَوْتِ الْوَكِيلِ ) سَوَاءٌ كَانَ الْوَكِيلُ الْمُرْتَهِنَ أَوْ الْعَدْلَ أَوْ غَيْرَهُمَا ، وَإِذَا مَاتَ الْوَكِيلُ لَا يَقُومُ وَارِثُهُ وَلَا وَصِيُّهُ مَقَامَهُ ؛ لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَا يَجْرِي فِيهَا الْإِرْثُ ، وَلِأَنَّ الْمُوَكِّلَ رَضِيَ بِرَأْيِهِ لَا أَرَى غَيْرَهُ ( وَلَهُ ) أَيْ الْوَكِيلِ ( بَيْعُهُ ) أَيْ الرَّهْنِ ( بِغَيْبَةِ وَرَثَتِهِ ) أَيْ الرَّاهِنِ كَمَا يَبِيعُهُ حَالَ حَيَاتِهِ بِغَيْبَتِهِ ، وَإِنْ مَاتَ الْمُرْتَهِنُ فَالْوَكِيلُ عَلَى وَكَالَتِهِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِمَوْتِهِمَا وَلَا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا ، ( وَيُجْبَرُ ) أَيْ الْوَكِيلُ ( عَلَيْهِ ) أَيْ الْبَيْعِ ( إنْ حَلَّ الْأَجَلُ وَالرَّاهِنُ غَائِبٌ ) لِئَلَّا يَتَضَرَّرَ الْمُرْتَهِنُ ، وَكَيْفِيَّةُ الْإِجْبَارِ أَنْ يَحْبِسَهُ الْقَاضِي أَيَّامًا لِيَبِيعَ فَإِنْ لَجَّ بَعْدَهُ

فَالْقَاضِي يَبِيعُهُ عَلَيْهِ ( كَوَكِيلٍ بِالْخُصُومَةِ غَابَ مُوَكِّلُهُ ) حَيْثُ يُجْبَرُ عَلَيْهَا لِدَفْعِ الضَّرَرِ ، ( وَلَوْ وُكِّلَ بِالْبَيْعِ مُطْلَقًا ، ثُمَّ نَهَاهُ عَنْ النَّسِيئَةِ لَمْ يُفِدْهُ ) كَذَا فِي الْكَافِي ( وَلَا يَبِيعُهُ الرَّاهِنُ أَوْ الْمُرْتَهِنُ إلَّا بِرِضَى الْآخَرِ ) ؛ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا حَقًّا فِي الرَّهْنِ ، لِلرَّاهِنِ حَقُّ الْمِلْكِ وَلِلْمُرْتَهِنِ حَقُّ الِاسْتِيفَاءِ ( بَاعَهُ ) أَيْ الرَّهْنَ ( الْعَدْلُ ) حَتَّى خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ ( فَالثَّمَنُ رَهْنٌ مَقَامَهُ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ ) لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمَقْبُوضِ ( فَهَلَاكُهُ ) أَيْ هَلَاكُ الثَّمَنِ هَلَاكٌ ( عَلَى الْمُرْتَهِنِ ) لِبَقَاءِ عَقْدِ الرَّهْنِ فِي الثَّمَنِ لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْمَبِيعِ الْمَرْهُونِ .
( كَذَا قِيمَةُ عَبْدٍ رَهْنٍ قُتِلَ ) أَيْ إذَا قُتِلَ الْعَبْدُ الرَّهْنُ وَغَرِمَ الْقَاتِلُ قِيمَتَهُ صَارَتْ رَهْنًا بَدَلَ الْعَبْدِ ، ( وَ ) كَذَا ( عَبْدٌ قَتَلَهُ ) أَيْ الْعَبْدُ الرَّهْنُ ( فَدَفَعَ بِهِ ) فَإِنَّهُ أَيْضًا يَكُونُ رَهْنًا بَدَلَ الْعَبْدِ الْمَقْتُولِ ، ( فَإِنْ أَوْفَى ) أَيْ إنْ بَاعَ الْعَدْلُ الرَّهْنَ فَأَوْفَى ( ثَمَنَهُ ) أَيْ ثَمَنَ الرَّهْنِ ( الْمُرْتَهِنَ فَاسْتُحِقَّ ) أَيْ الرَّهْنُ ؛ ( فَفِي الْهَالِكِ ) أَيْ إذَا هَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي قَدْ وَقَعَ فِيمَا رَأَيْنَاهُ مِنْ نُسَخِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ بَدَلَ الْمُشْتَرِي الْمُرْتَهِنِ وَكَأَنَّهُ سَهْوٌ مِنْ النَّاسِخِ ، ( ضَمَّنَ الْمُسْتَحِقُّ الرَّاهِنَ ) قِيمَةَ الرَّهْنِ لِأَنَّهُ غَاصِبٌ فِي حَقِّهِ .

( بَابُ رَهْنٍ يُوضَعُ عِنْدَ عَدْلٍ ) ( قَوْلُهُ خِلَافًا لِمَالِكِ ) كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَذْكُرَ خِلَافًا لِزُفَرَ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى أَيْضًا ( قَوْلُهُ وَيَضْمَنُ الْعَدْلُ بِدَفْعِهِ إلَيْهِ ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ يَضْمَنُ الْقِيمَةَ ا هـ .
وَلَعَلَّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا ا هـ .
ثُمَّ لَا يَقْدِرُ الْعَدْلُ أَنْ يَجْعَلَ الْقِيمَةَ رَهْنًا فِي يَدِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَقْضِيٌّ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ قَاضِيًا كَمَا فِي النِّهَايَةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ ا هـ فَيَأْخُذُ أَنَّهَا مِنْهُ وَيَجْعَلَانِهَا رَهْنًا عِنْدَهُ أَوْ عِنْدَ غَيْرِهِ بِرَفْعِ أَحَدِهِمَا الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي لِيَفْعَلَ ذَلِكَ كَمَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِلْعَيْنِيِّ فَإِنْ تَعَذَّرَ اجْتِمَاعُهُمَا رَفَعَ الْعَدْلُ أَحَدَهُمَا إلَى الْقَاضِي وَلَوْ جَعَلَ الْقِيمَةَ فِي يَدِ الْعَدْلِ ، وَقَدْ ضَمِنَهَا بِالدَّفْعِ إلَى الرَّاهِنِ ثُمَّ قَضَى الرَّاهِنُ الدَّيْنَ فَهِيَ سَالِمَةٌ لِلْعَدْلِ لِوُصُولِ عَيْنِ مَالِ الرَّاهِنِ إلَيْهِ وَلَا يَأْخُذُهَا الْمُرْتَهِنُ لِوُصُولِ حَقِّهِ إلَيْهِ وَإِنْ ضَمِنَ الْعَدْلُ الْقِيمَةَ بِالدَّفْعِ إلَى الْمُرْتَهِنِ كَانَ لِلرَّاهِنِ أَخْذُهَا مِنْهُ وَيَرْجِعُ الْعَدْلُ بِهَا عَلَى الْمُرْتَهِنِ لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ الرَّهْنَ رَهْنًا بِأَنْ قَالَ هَذَا رَهْنُك خُذْهُ بِحَقِّك وَاحْبِسْهُ بِدَيْنِك اسْتَهْلَكَ الرَّهْنَ أَوْ هَلَكَ لِدَفْعِهِ عَلَى وَجْهِ الضَّمَانِ ، وَكَذَا يَرْجِعُ لَوْ دَفَعَهُ لَهُ عَارِيَّةً أَوْ وَدِيعَةً وَاسْتَهْلَكَهُ الْمُرْتَهِنُ كَمَا فِي النِّهَايَةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ قَوْلُهُ وَيُجْبَرُ الْوَكِيلُ عَلَيْهِ ) أَيْ الْبَيْعِ إنْ حَلَّ الْأَجَلُ يَعْنِي أَوْ الْوَكِيلُ الْمَشْرُوطُ لَهُ الْبَيْعُ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ ، وَكَذَا يُجْبَرُ لَوْ شَرَطَ لَهُ بَعْدَ الرَّهْنِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ .

( وَصَحَّ الْبَيْعُ وَالْقَبْضُ ) أَيْ قَبْضُ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ ( أَوْ ) ضَمَّنَ الْمُسْتَحِقُّ ( الْعَدْلَ ) الْقِيمَةَ ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدِّيًا بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ ( فَهُوَ ) أَيْ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْعَدْلُ ( مُخَيَّرًا إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الرَّاهِنَ ) قِيمَةَ الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا يَلْحَقُهُ بِالْغُرُورِ مِنْ جِهَتِهِ ( وَصَحَّا ) أَيْ الْبَيْعُ وَالْقَبْضُ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ فَلَا يَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الْعَدْلِ بِدَيْنِهِ ( أَوْ ) ضَمَّنَ ( الْمُرْتَهِنَ ثَمَنَهُ ) الَّذِي أَدَّاهُ إلَيْهِ ، إذَا تَبَيَّنَ بِالِاسْتِحْقَاقِ أَنَّهُ أَخَذَ الثَّمَنَ بِغَيْرِ حَقٍّ ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ مَلَكَ الْعَبْدَ بِالضَّمَانِ ( فَهُوَ ) أَيْ ذَلِكَ الثَّمَنُ ( لَهُ ) أَيْ لِلْعَدْلِ ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ مِلْكِهِ ، وَإِنَّمَا أَدَّاهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ عَلَى ظَنِّ أَنَّ الْمَبِيعَ مِلْكُ الرَّاهِنِ فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِلْكُهُ لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِهِ فَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَيْهِ ، ( وَرَجَعَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى رَاهِنِهِ بِدَيْنِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ إذَا رَجَعَ بَطَلَ قَبْضُ الْمُرْتَهِنِ الثَّمَنَ ، ( فَيَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى رَاهِنِهِ بِدَيْنِهِ ) ضَرُورَةً .
( وَفِي الْقَائِمِ ) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ فَفِي الْهَالِكِ أَيْ إذَا كَانَ الرَّهْنُ قَائِمًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي ( أَخَذَهُ ) أَيْ الْمُسْتَحِقُّ ( مِنْ مُشْتَرِيهِ ) ؛ لِأَنَّهُ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ ( وَرَجَعَ هَذَا ) أَيْ مُشْتَرِيهِ ( عَلَى الْعَدْلِ بِثَمَنِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ وَحُقُوقُ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِهِ ، ( ثُمَّ ) يَرْجِعُ ( هَذَا ) أَيْ الْعَدْلُ ( عَلَى الرَّاهِنِ بِهِ ) أَيْ بِثَمَنِهِ ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي أَدْخَلَهُ فِي الْعُهْدَةِ بِتَوْكِيلِهِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ تَخْلِيصُهُ .

( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ ) أَيْ ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ مَلَكَ الرَّهْنَ بِالضَّمَانِ ( قَوْلُهُ فَلَا يَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الْعَدْلِ بِدَيْنِهِ ) لَعَلَّ الصَّوَابَ أَنْ يُقَالَ فَلَا يَرْجِعُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ بِدَيْنِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُتَوَهَّمُ الرُّجُوعُ عَلَى الْعَدْلِ ، وَوَجْهُ عَدَمِ رُجُوعِ الْمُرْتَهِنِ عَلَى الرَّاهِنِ أَنَّهُ لَمَّا وَصَلَ إلَيْهِ الثَّمَنُ بِتَأْدِيَةِ الْعَدْلِ صَحَّ اقْتِضَاؤُهُ ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَمَّا ضُمِنَ صَارَ الْمُرْتَهِنُ قَابِضًا ثَمَنَ مِلْكِ الرَّاهِنِ فَلَا رُجُوعَ لَهُ عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ أَوْ ضَمَّنَ الْمُرْتَهِنَ ثَمَنَهُ ) أَيْ ضَمَّنَ الْعَدْلُ الْمُرْتَهِنَ ثَمَنَ الرَّهْنِ الَّذِي بَاعَهُ ، وَأَدَّاهُ إلَيْهِ ( قَوْلُهُ فَهُوَ أَيْ ذَلِكَ الثَّمَنُ لَهُ أَيْ لِلْعَدْلِ
إلَخْ ) أَقُولُ تَفَقُّهًا يَنْبَغِي أَنْ يَرْجِعَ الْعَدْلُ بِمَا بَقِيَ مِنْ ضَمَانِهِ الْقِيمَةَ عَلَى الرَّاهِنِ أَيْضًا لِكَوْنِهِ مَغْرُورًا مِنْ جِهَتِهِ ، وَأَلَّا يُضَيِّعَ عَلَيْهِ بَاقِي الْقِيمَةِ الَّتِي أَخَذَهَا مِنْهُ الْمُسْتَحِقُّ فَلْيُنْظَرْ ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَمْ يَذْكُرْ رُجُوعَ الْمُشْتَرِي فِي هَذَا الشِّقِّ بَلْ سَيَذْكُرُهُ فِيمَا لَوْ كَانَ الرَّهْنُ قَائِمًا ، وَهُنَا لَوْ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ سَلَّمَ الثَّمَنَ بِنَفْسِهِ إلَى الْمُرْتَهِنِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْعَدْلِ بِهِ بَلْ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ، وَالدَّيْنُ عَلَى الرَّاهِنِ عَلَى حَالِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَأَقُولُ تَفَقُّهًا يَنْبَغِي أَنَّهُ إنْ سَلَّمَهُ إلَى الْعَدْلِ يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْعَدْلُ بِهِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ، وَالْمُرْتَهِنُ يَرْجِعُ عَلَى رَاهِنِهِ بِدَيْنِهِ فَإِنْ قِيلَ بِذَلِكَ يَصِيرُ الْعَدْلُ قَدْ ضَمِنَ لِلْمُشْتَرِي الثَّمَنَ وَلِلْمُسْتَحِقِّ الْقِيمَةَ فَالْقِيمَةُ يَرْجِعُ بِهَا عَلَى الرَّاهِنِ ؛ لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ وَالثَّمَنُ يَرْجِعُ بِهِ الْعَدْلُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَالْمُرْتَهِنُ يَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِدَيْنِهِ فَآلَ الْأَمْرُ إلَى اسْتِقْرَارِ ضَمَانِ الْقِيمَةِ وَالثَّمَنِ عَلَى الرَّاهِنِ فَلْيُنْظَرْ ( قَوْلُهُ وَفِي الْقَائِمِ

أَخَذَهُ مِنْ مُشْتَرِيهِ ، وَرَجَعَ هَذَا أَيْ مُشْتَرِيهِ عَلَى الْعَدْلِ ) يَعْنِي فِيمَا إذَا سَلَّمَ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ بِنَفْسِهِ إلَى الْعَدْلِ ، وَلَوْ أَنَّهُ سَلَّمَهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ لَمْ يَرْجِعْ عَلَى الْعَدْلِ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ فِي الْبَيْعِ عَامِلٌ لِلرَّاهِنِ ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ إذَا قَبَضَ وَلَمْ يَقْبِضْ مِنْهُ شَيْئًا فَبَقِيَ ضَمَانُ الثَّمَنِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ وَالدَّيْنُ عَلَى الرَّاهِنِ عَلَى حَالِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ .

.
( وَ ) إذَا رَجَعَ عَلَيْهِ ( صَحَّ قَبْضُ الْمُرْتَهِنِ الثَّمَنَ ) وَسَلَّمَ الْمَقْبُوضَ لَهُ ( أَوْ ) يَرْجِعُ الْعَدْلُ ( عَلَى الْمُرْتَهِنِ بِثَمَنِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَمَّا انْتَقَضَ بَطَلَ الثَّمَنُ ، وَقَدْ قَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ ثَمَنًا فَإِذَا بَطَلَ وَجَبَ نَقْضُ قَبْضِهِ ضَرُورَةً ، ( ثُمَّ ) يَرْجِعُ ( هُوَ ) أَيْ الْمُرْتَهِنُ ( عَلَى الرَّاهِنِ بِدَيْنِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ إذَا رَجَعَ عَلَيْهِ وَانْتَقَضَ قَبْضُهُ عَادَ حَقُّهُ فِي الدَّيْنِ كَمَا كَانَ فَيَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ ، ( فَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ ) أَيْ التَّوْكِيلُ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ فَإِنْ شَرَطَ ( بَلْ وَكَّلَهُ بَعْدَهُ ) يَعْنِي أَنَّ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّفْصِيلِ إنَّمَا يَتَأَتَّى إذَا شَرَطَ التَّوْكِيلَ فِي عَقْدِ الرَّهْنِ ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهِ بَلْ وَكَّلَ الرَّاهِنُ الْعَدْلَ بَعْدَ الْعَقْدِ فَمَا لَحِقَ الْعَدْلَ مِنْ الْعُهْدَةِ ( رَجَعَ بِهِ الْعَدْلُ عَلَى الرَّاهِنِ فَقَطْ ) ، أَيْ لَا عَلَى الْمُرْتَهِنِ ؛ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ إذَا كَانَ بَعْدَ الْعَقْدِ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ كَمَا فِي الْوَكَالَةِ الْمُجَرَّدَةِ عَنْ الرَّهْنِ بِأَنْ وَكَّلَ إنْسَانًا بِأَنْ يَبِيعَ شَيْئًا وَيَقْضِيَ دَيْنَهُ مِنْ ثَمَنِهِ فَفَعَلَ ، ثُمَّ لَحِقَهُ عُهْدَةٌ لَمْ يَرْجِعْ بِهِ عَلَى الْقَابِضِ بِخِلَافِ الْوَكَالَةِ الْمَشْرُوطَةِ فِي الرَّهْنِ إذْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُرْتَهِنِ ، وَكَانَ الْبَيْعُ رَافِعًا لِحَقِّهِ ، وَقَدْ سَلَّمَ لَهُ ذَلِكَ فَجَازَ أَنْ يَلْزَمَهُ الضَّمَانُ ، ( قَبَضَ الْمُرْتَهِنُ ثَمَنَهُ أَوْ لَا ) صُورَةُ عَدَمِ قَبْضِهِ أَنَّ الْعَدْلَ بَاعَ الرَّهْنَ بِأَمْرِ الرَّاهِنِ ، وَضَاعَ الثَّمَنُ فِي يَدِ الْعَدْلِ بِلَا تَعَدِّيهِ ، ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْمَرْهُونُ فَالضَّمَانُ الَّذِي يَلْحَقُ الْعَدْلَ يُرْجَعُ بِهِ عَلَى الرَّاهِنِ ، ( هَلَكَ الرَّهْنُ مَعَ الْمُرْتَهِنِ فَاسْتُحِقَّ ، وَضَمِنَ الرَّاهِنُ قِيمَتَهُ هَلَكَ بِدَيْنِهِ ) يَعْنِي إذَا اسْتَحَقَّ الرَّهْنَ الْهَالِكَ رَجُلٌ فَلَهُ الْخِيَارُ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الرَّاهِنَ قِيمَتَهُ ، وَإِنْ شَاءَ ضَمَّنَ

الْمُرْتَهِنَ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُتَعَدٍّ فِي حَقِّهِ بِالتَّسْلِيمِ أَوْ بِالْقَبْضِ فَإِنْ ضَمِنَ الرَّاهِنُ فَقَدْ هَلَكَ بِدَيْنِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ فَصَحَّ الْإِيفَاءُ ، ( وَإِنْ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ رَجَعَ عَلَى الرَّاهِنِ بِقِيمَتِهِ ) الَّتِي ضَمِنَهَا ( وَبِدَيْنِهِ ) إمَّا بِالْقِيمَةِ ، فَلِأَنَّهُ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ بِالتَّسْلِيمِ ، وَأَمَّا بِالدَّيْنِ فَلِأَنَّهُ انْتَقَضَ قَبْضُهُ فَيَعُودُ حَقُّهُ كَمَا كَانَ .
( قَوْلُهُ وَسَلَّمَ الْمَقْبُوضَ لَهُ ) يَعْنِي وَبَرِئَ الرَّاهِنُ عِنْدَ الدَّيْنِ .

( بَابُ التَّصَرُّفِ وَالْجِنَايَةِ فِي الرَّهْنِ ) ( وَقْفُ بَيْعِ الرَّاهِنِ ) أَيْ إذَا بَاعَ الرَّاهِنُ بِلَا إذْنِ الْمُرْتَهِنِ فَالْبَيْعُ مَوْقُوفٌ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِهِ ، فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ ( إنْ أَجَازَ الْمُرْتَهِنُ أَوْ قَضَى ) أَيْ الرَّاهِنُ ( دَيْنَهُ نَفَذَ ) ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ التَّوَقُّفَ لِحَقِّهِ ، وَقَدْ رَضِيَ بِسُقُوطِهِ ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ النُّفُوذِ قَدْ زَالَ وَالْمُقْتَضَى وَهُوَ التَّصَرُّفُ الصَّادِرُ مِنْ الْأَهْلِ فِي الْمَحَلِّ مَوْجُودٌ ، ( وَالثَّمَنُ رَهْنٌ ) فَإِنَّ الْبَيْعَ إذَا نَفَذَ بِإِجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ يَنْتَقِلُ حَقُّهُ إلَى بَدَلِهِ ( وَإِنْ فَسَخَ ) أَيْ الْمُرْتَهِنُ عَقْدَ الرَّهْنِ ( لَمْ يَنْفَسِخْ ) فِي الْأَصَحِّ ؛ لِأَنَّ التَّوَقُّفَ مَعَ الْمُقْتَضَى لِلنَّفَاذِ إنَّمَا كَانَ لِصِيَانَةِ حَقِّهِ ، وَحَقُّهُ يُصَانُ بِانْعِقَادِهِ مَوْقُوفًا .
( وَ ) إذَا بَقِيَ مَوْقُوفًا ( صَبَرَ الْمُشْتَرِي إلَى فَكِّهِ أَوْ رَفْعِ الْأَمْرَ إلَى الْقَاضِي لِيَفْسَخَ ) أَيْ الْقَاضِي الْعَقْدَ بِحُكْمِ عَجْزِ الرَّاهِنِ عَنْ التَّسْلِيمِ ، ( بَاعَ ) أَيْ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ ( مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ ) بَاعَ ( مِنْ آخَرَ قَبْلَ الْإِجَازَةِ ) أَيْ إجَازَةِ الْمُرْتَهِنِ ( وَقَفَ ) الْبَيْعُ ( الثَّانِي ) عَلَى إجَازَتِهِ ( أَيْضًا ) ، أَيْ كَمَا وَقَفَ الْأَوَّلُ فَإِنَّ الْأَوَّلَ مَوْقُوفٌ ، وَالْمَوْقُوفُ لَا يَمْنَعُ تَوَقُّفَ الثَّانِي ( فَلَوْ أَجَازَهُ ) أَيْ أَجَازَ الْمُرْتَهِنُ الْبَيْعَ الثَّانِيَ ( جَازَ ) الثَّانِي لَا الْأَوَّلُ ، ( وَلَوْ بَاعَ ) الرَّاهِنُ الرَّهْنَ ( ثُمَّ أَجَّرَ ) أَيْ الرَّهْنَ ، ( أَوْ رَهَنَ أَوْ وَهَبَ مِنْ غَيْرِهِ ) أَيْ غَيْرِ الْمُشْتَرِي ( فَأَجَازَهَا ) أَيْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ مِنْ الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ ( الْمُرْتَهِنُ جَازَ الْأَوَّلُ ) وَهُوَ الْبَيْعُ ( لَا الْبَوَاقِي ) ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ حَيْثُ جَازَ الْبَيْعُ الثَّانِي بِالْإِجَازَةِ فِي الْأُولَى ، وَلَمْ يَجُزْ التَّصَرُّفَاتُ الْمَذْكُورَةُ بَعْدَ الْبَيْعِ فِي الثَّانِيَةِ سِوَى الْبَيْعِ مَعَ وُجُودِ الْإِجَازَةِ لِلْكُلِّ

لِأَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ فَائِدَةً فِي الْبَيْعِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِبَدَلِهِ بِخِلَافِ الْعُقُودِ الْمَذْكُورَةِ ، إذْ لَا بَدَلَ لَهُ فِي الرَّهْنِ وَالْهِبَةِ وَمَا فِي الْإِجَارَةِ بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ لَا الْعَيْنِ ، وَحَقُّهُ فِي مَالِيَّةِ الْعَيْنِ لَا الْمَنْفَعَةِ فَكَانَتْ إجَازَتُهُ إسْقَاطًا لِحَقِّهِ فَزَالَ الْمَانِعُ فَنَفَذَ الْبَيْعُ .
( بَابُ التَّصَرُّفِ وَالْجِنَايَةِ فِي الرَّهْنِ ) ( قَوْلُهُ إنْ أَجَازَهُ الْمُرْتَهِنُ أَوْ قَضَى دَيْنَهُ نَفَذَ ) أَيْ وَيَنْتَقِلُ حَقُّهُ إلَى ثَمَنِهِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فِي الصَّحِيحِ فَيَكُونُ مَحْبُوسًا بِالدَّيْنِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَالتَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ وَإِنْ فَسَخَ أَيْ الْمُرْتَهِنُ عَقْدَ الرَّهْنِ لَمْ يَنْفَسِخْ ) لَعَلَّ صَوَابَهُ عَقْدُ بَيْعِ الرَّهْنِ ( قَوْلُهُ فَلَوْ أَجَازَهُ أَيْ الْمُرْتَهِنُ الْبَيْعَ الثَّانِيَ جَازَ الثَّانِي لَا الْأَوَّلُ ) كَذَا عَكْسُهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ فَأَجَازَهَا أَيْ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ ) الْمُرَادُ أَنَّهُ لَوْ أَجَازَ مَا حَصَلَ مِنْهَا بَعْدَ الْبَيْعِ فَقَوْلُهُ مِنْ الْبَيْعِ وَغَيْرِهِ كَانَ يَنْبَغِي عَدَمُ ذِكْرِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ مَدْخُولِ الْإِجَازَةِ ، وَالْمَسْأَلَةُ مِنْ التَّبْيِينِ قَالَ وَلَوْ بَاعَهُ الرَّاهِنُ ثُمَّ أَجَّرَهُ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ وَهَبَهُ مِنْ غَيْرِهِ فَأَجَازَ الْمُرْتَهِنُ الْإِجَارَةَ أَوْ الرَّهْنَ أَوْ الْهِبَةَ جَازَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ دُونَ هَذِهِ الْعُقُودِ ا هـ .
وَإِجَازَةُ الْبَيْعِ مَقْصُودَةٌ تَقَدَّمَ ذِكْرُهَا .

( وَصَحَّ إعْتَاقُهُ ) أَيْ إعْتَاقُ الرَّاهِنِ الرَّهْنَ ( وَتَدْبِيرُهُ وَاسْتِيلَادُهُ ) ؛ لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ صَدَرَ عَنْ الْأَهْلِ وَوَقَعَ فِي الْمَحَلِّ فَبَطَلَ الرَّهْنُ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ ، ( فَلَوْ ) كَانَ الرَّاهِنُ ( مُوسِرًا طُولِبَ بِدَيْنِهِ الْحَالِّ ) إذْ لَا مَعْنَى لِإِلْزَامِهِ قِيمَةَ الرَّهْنِ مَعَ حُلُولِ الدَّيْنِ ( وَفِي الْمُؤَجَّلِ أَخَذَ مِنْهُ ) أَيْ الرَّاهِنُ ( قِيمَتَهُ وَجُعِلَتْ رَهْنًا بَدَلَهُ ) حَتَّى يَحِلَّ الدَّيْنُ لِتَحَقُّقِ سَبَبِ الضَّمَانِ ، وَفَائِدَةُ التَّضْمِينِ هِيَ حُصُولُ الِاسْتِيثَاقِ وَيَحْبِسُهَا إلَى حُلُولِ الْأَجَلِ فَإِذَا حَلَّ اسْتَوْفَى حَقَّهُ إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِهِ ؛ لِأَنَّ الْغَرِيمَ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ مِنْ مَالِ غَرِيمِهِ إذَا ظَفِرَ بِحَبْسِ حَقِّهِ ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا فَضْلٌ رَدَّهُ لِانْتِهَاءِ حُكْمِ الرَّهْنِ بِالِاسْتِيفَاءِ ، وَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ مِنْ حَقِّهِ رَجَعَ عَلَيْهِ بِالزِّيَادَةِ لِعَدَمِ مَا يُسْقِطُهُ ( وَلَوْ ) كَانَ الرَّاهِنُ ( مُعْسِرًا فَفِي الْعِتْقِ سَعَى ) الْعَبْدُ ( لِلْمُرْتَهِنِ فِي الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ ) أَيْ إنْ كَانَتْ الْقِيمَةُ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ سَعَى فِي الْقِيمَةِ ، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ أَقَلَّ مِنْهَا سَعَى فِي الدَّيْنِ ( وَرَجَعَ عَلَى سَيِّدِهِ إذَا صَارَ غَنِيًّا ) ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ وَهُوَ مُضْطَرٌّ فِيهِ بِحُكْمِ الشَّرْعِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِمَا تَحَمَّلَ عَنْهُ ، ( وَفِي أُخْتَيْهِ ) يَعْنِي التَّدْبِيرَ وَالِاسْتِيلَادَ ( سَعَى ) كُلٌّ مِنْ الْمُدَبَّرِ وَالْمُسْتَوْلَدَة لِلْمُرْتَهِنِ ( فِي كُلِّ الدَّيْنِ بِلَا رُجُوعٍ ) عَلَى سَيِّدِهِ ؛ لِأَنَّهُمَا أَدَّيَاهُ مِنْ مَالِ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ كَسْبَهُمَا مَالُهُ .

قَوْلُهُ سَعَى الْعَبْدُ لِلْمُرْتَهِنِ فِي الْأَقَلِّ مِنْ قِيمَتِهِ وَمِنْ الدَّيْنِ ) كَيْفِيَّةُ ذَلِكَ أَنْ يَنْظُرَ إلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ يَوْمَ الْعِتْقِ وَيَوْمَ الرَّهْنِ وَإِلَى الدَّيْنِ فَيَسْعَى فِي الْأَقَلِّ مِنْهَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ سَعَى كُلٌّ مِنْ الْمُدَبَّرِ وَالْمُسْتَوْلَدَة ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ يَقْضِي بِالسِّعَايَةِ الدَّيْنَ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ ، وَكَانَ الدَّيْنُ حَالًّا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ صُرِفَ بِحَنْسِهِ وَيَقْضِي بِهِ الدَّيْنَ وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا كَانَتْ السِّعَايَةُ رَهْنًا عِنْدَهُ فَإِذَا حَلَّ الدَّيْنُ قَضَى بِهَا عَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا فِي الْحَالِّ

( وَإِتْلَافُهُ ) أَيْ إتْلَافُ الرَّاهِنِ رَهْنَهُ ( كَإِعْتَاقِهِ غَنِيًّا ) أَيْ إنْ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أَخَذَ مِنْهُ الدَّيْنَ ، وَإِنْ كَانَ مُؤَجَّلًا أَخَذَ قِيمَتَهُ فَيَكُونُ رَهْنًا إلَى حُلُولِ الْأَجَلِ ( وَأَجْنَبِيٌّ أَتْلَفَهُ ضَمِنَهُ الْمُرْتَهِنُ ) فَيَأْخُذُ مِثْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ ( وَكَانَ ) أَيْ الْمَأْخُوذُ ( رَهْنًا بَدَلَهُ ) كَمَا مَرَّ .
( قَوْلُهُ وَأَجْنَبِيٌّ أَتْلَفَهُ ضَمِنَهُ الْمُرْتَهِنُ فَيَأْخُذُ مِثْلَهُ أَوْ قِيمَتَهُ ) يَعْنِي يَوْمَ اسْتِهْلَاكِهِ بِخِلَافِ ضَمَانِهِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ فَإِنَّهُ يَعْتَبِرُ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْقَبْضِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَالنِّهَايَةِ ، وَكَذَا فِي الْهَلَاكِ يَعْتَبِرُ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْقَبْضِ لَا يَوْمَ هَلَكَ كَمَا فِي النِّهَايَةِ

( أَعَارَ ) أَيْ الرَّهْنَ ( مُرْتَهِنُهُ رَاهِنَهُ أَوْ ) أَعَارَهُ ( أَحَدُهُمَا ) مِنْ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ ( بِإِذْنِ صَاحِبِهِ آخَرَ ) فَقَبَضَهُ ( سَقَطَ ضَمَانُهُ ) أَيْ ضَمَانُ الرَّهْنِ ( حَالًّا ) لِلْمُنَافَاةِ بَيْنَ يَدِ الْعَارِيَّةِ وَيَدِ الرَّهْنِ ( وَإِنْ ) وَصْلِيَّةً ( بَقِيَ الرَّهْنُ ) ، وَلِهَذَا كَانَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ إلَى يَدِهِ ، وَفَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِ سَقَطَ ضَمَانُهُ بِقَوْلِهِ ( فَهَلَكُهُ ) أَيْ الرَّهْنُ ( مَعَ مُسْتَعِيرِهِ ) أَيْ مَعَ رَاهِنِهِ ( إنْ كَانَ هُوَ الْمُسْتَعِيرَ أَوْ ) مَعَ أَجْنَبِيٍّ إنْ كَانَ هُوَ الْمُسْتَعِيرَ ( هَلَكَ بِلَا شَيْءٍ ) لِفَوَاتِ الْقَبْضِ الْمَضْمُونِ ، ( وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا ) أَيْ مِنْ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ ( رَدُّهُ ) أَيْ رَدُّ الرَّهْنِ الْمُسْتَعَارِ ( رَهْنًا ) كَمَا كَانَ ؛ لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا حَقًّا مُحْتَرَمًا فِيهِ ، ( فَإِنْ مَاتَ الرَّاهِنُ قَبْلَهُ ) أَيْ قَبْلَ رَدِّهِ إلَى الْمُرْتَهِنِ فِي صُورَةِ الْإِعَارَةِ ( فَالْمُرْتَهِنُ أَحَقُّ بِهِ ) أَيْ بِالرَّهْنِ ( مِنْ ) سَائِرِ ( الْغُرَمَاءِ ) ؛ لِأَنَّ الْعَارِيَّةِ لَيْسَتْ بِلَازِمَةٍ ، وَالضَّمَانُ لَيْسَ مِنْ لَوَازِمِ الرَّهْنِ قَطْعًا فَإِنَّ حُكْمَ الرَّهْنِ ثَابِتٌ فِي وَلَدِ الرَّهْنِ مَعَ أَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ بِالْهَلَاكِ ، وَإِذَا بَقِيَ الرَّهْنُ فَإِذَا أَخَذَهُ عَادَ الضَّمَانُ لِعَوْدِ الْقَبْضِ فَيَعُودُ بِصِفَتِهِ .
( قَوْلُهُ أَعَارَهُ أَيْ الرَّهْنَ مُرْتَهِنُهُ رَاهِنَهُ أَوْ أَعَارَهُ أَحَدُهُمَا ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ فِي اسْتِعْمَالِ لَفْظِ الْإِعَارَةِ فِي جَانِبِ الْمُرْتَهِنِ تَسَامُحٌ ؛ لِأَنَّ الْإِعَارَةَ تَمْلِيكُ الْمَنَافِعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَهُوَ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لَهَا فَكَيْفَ يَمْلِكُ تَمْلِيكَهَا ، وَلَكِنْ لَمَّا عُومِلَ هُنَا مُعَامَلَةَ الْإِعَارَةِ مَعَ عَدَمِ الضَّمَانِ وَتَمَكُّنِ الِاسْتِرْدَادِ أَطْلَقَ اسْمَ الْإِعَارَةِ لِمُنَافَاةٍ بَيْنَ يَدِ الْعَارِيَّةِ وَيَدِ الرَّهْنِ ا هـ .

( وَإِذَا أَجَرَ أَوْ وَهَبَ أَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ خَرَجَ عَنْ الرَّهْنِ فَلَا يَعُودُ إلَّا بِعَقْدٍ مُبْتَدَأٍ ، وَلَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ قَبْلَ الرَّدِّ إلَى الْمُرْتَهِنِ فَالْمُرْتَهِنُ أُسْوَةٌ لِلْغُرَمَاءِ ) إذَا تَعَلَّقَ بِالرَّهْنِ حَقٌّ لَازِمٌ بِهَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ فَيَبْطُلُ بِهِ حُكْمُ الرَّهْنِ بِخِلَافِ الْإِعَارَةِ حَيْثُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهَا حَقٌّ لَازِمٌ فَافْتَرَقَا .
( قَوْلُهُ وَإِذَا أَجَرَ أَوْ وَهَبَ أَوْ بَاعَ أَحَدُهُمَا بِإِذْنِ الْآخَرِ مِنْ أَجْنَبِيٍّ خَرَجَ عَنْ الرَّهْنِ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ كَذَا لَوْ مِنْ الْمُرْتَهِنِ .

( رَهَنَ عَبْدًا غَصَبَهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ مِنْ مَالِكِهِ لَا يَنْفُذُ ) الرَّهْنُ ؛ لِأَنَّهُ تَوَقُّفٌ عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ فَلَا يَنْفُذُ بِإِجَازَةِ غَيْرِهِ ، وَلَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ بِهَلَاكِهِ ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الرَّاهِنِ ثَبَتَ بَعْدَ عَقْدِ الرَّهْنِ بِخِلَافِ مَا إذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ ، وَاخْتَارَ الْمَالِكُ تَضْمِينَ الرَّاهِنِ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ مِنْ وَقْتِ الْغَصْبِ فَكَانَ مِلْكُ الرَّاهِنِ سَابِقًا عَلَى الرَّهْنِ كَذَا فِي الْقَاعِدِيَّةِ .
( مُرْتَهِنٌ أُذِنَ بِاسْتِعْمَالِهِ ) أَيْ أَذِنَ لَهُ الرَّاهِنُ بِلَا طَلَبٍ مِنْهُ فَيُغَايِرُ الِاسْتِعَارَةَ وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ عَارِيَّةً ( أَوْ اسْتَعَارَهُ ) أَيْ الرَّهْنَ مِنْ رَاهِنِهِ ( لِعَمَلٍ إنْ هَلَكَ ) أَيْ الرَّهْنُ ( حَالَ الْعَمَلِ ) فِي صُورَتَيْ الْإِذْنِ وَالِاسْتِعَارَةِ ( لَمْ يَضْمَنْ ) أَيْ الْمُرْتَهِنُ لِثُبُوتِ يَدِ الْعَارِيَّةِ بِالِاسْتِعْمَالِ ، وَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِيَدِ الرَّهْنِ فَانْتَفَى الضَّمَانُ .
( وَفِي طَرَفَيْهِ ) أَيْ قَبْلَ الْعَمَلِ وَبَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهُ ( ضَمِنَ كَالرَّهْنِ ) أَيْ ضَمِنَ الْمُرْتَهِنُ ضَمَانًا كَضَمَانِ الرَّهْنِ وَهُوَ مَعْلُومٌ .
قَوْلُهُ مُرْتَهِنٌ أُذِنَ بِاسْتِعْمَالِهِ ) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فَإِنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ وَخَالَفَ ثُمَّ عَادَ فَهُوَ رَهْنٌ عَلَى حَالِهِ ا هـ ( قَوْلُهُ إنْ هَلَكَ حَالَ الْعَمَلِ لَمْ يَضْمَنْ ) يَعْنِي بِأَنْ صَدَقَهُ الرَّاهِنُ ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي وَقْتِ الْهَلَاكِ فَادَّعَى الْمُرْتَهِنُ أَنَّهُ وَقْتُ الْعَمَلِ وَالرَّاهِنُ فِي غَيْرِ حَالَ الْعَمَلِ كَانَ الْقَوْلُ لِلْمُرْتَهِنِ وَالْبَيِّنَةُ لِلرَّاهِنِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ عَنْ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَكَمَا فِي التَّبْيِينِ .

( صَحَّ اسْتِعَارَةُ شَيْءٍ لِيُرْهَنَ ) ؛ لِأَنَّ الْمَالِكَ رَضِيَ بِتَعَلُّقِ دَيْنِ الْمُسْتَعِيرِ بِمَالِهِ ، وَهُوَ يَمْلِكُ ذَلِكَ كَمَا يَمْلِكُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِذِمَّتِهِ بِالْكَفَالَةِ ، وَإِذَا صَحَّ ( فَيَرْهَنُ ) الْمُسْتَعِيرُ ( بِمَا شَاءَ ) مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ فَإِنَّ الْإِطْلَاقَ وَاجِبُ الِاعْتِبَارِ خُصُوصًا فِي الْإِعَارَةِ ؛ لِأَنَّ الْجَهَالَةَ فِيهَا لَا تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ ، ( وَإِنْ عَيَّنَ الْمُعِيرُ تَقَيَّدَ مَا عَيَّنَهُ مِنْ قَدْرٍ ) فَإِنَّهُ إذَا عَيَّنَ قَدْرًا لَا يَجُوزُ لِلْمُسْتَعِيرِ أَنْ يَرْهَنَهُ بِأَكْثَرَ مِنْهُ أَوْ أَقَلَّ ؛ لِأَنَّ التَّقْيِيدَ مُفِيدٌ ، وَهُوَ يَنْفِي الزِّيَادَةَ ؛ لِأَنَّ غَرَضَهُ الِاحْتِبَاسُ بِمَا تَيَسَّرَ أَدَاؤُهُ ، وَيَنْفِي النُّقْصَانَ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ غَرَضَ الْمُعِيرِ أَنْ يَصِيرَ الْمُرْتَهِنُ مُسْتَوْفِيًا لِلْأَكْثَرِ بِمُقَابَلَتِهِ عِنْدَ الْهَلَاكِ لِيَرْجِعَ عَلَيْهِ وَلَوْ رَهَنَ بِأَقَلَّ مِنْهُ هَلَكَ الْبَاقِي أَمَانَةً فَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ ( وَجِنْسٍ وَمُرْتَهَنٍ وَبَلَدٍ ) فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ مُفِيدٌ لِتَيَسُّرِ الْبَعْضِ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْبَعْضِ وَتَفَاوُتِ الْأَشْخَاصِ فِي الْأَمَانَةِ وَالْحِفْظِ ( فَإِنْ خَالَفَ ) أَيْ بَعْدَ مَا اُعْتُبِرَ التَّقْيِيدُ إنْ خَالَفَ ( الْمُسْتَعِيرُ الْمُعِيرَ ضَمَّنَهُ ) أَيْ الْمُسْتَعِيرُ ( الْمُعِيرَ ) لِمُخَالَفَتِهِ ، ( وَيَتِمُّ الرَّهْنُ ) ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ فَتَبَيَّنَ أَنَّهُ رَهَنَ مِلْكَ نَفْسِهِ ( أَوْ ) ضَمِنَ الْمُعِيرُ ( الْمُرْتَهِنَ ) ؛ لِأَنَّهُ أَيْضًا مُتَعَدٍّ فَصَارَ الرَّاهِنُ كَالْغَاصِبِ وَالْمُرْتَهِنُ كَغَاصِبِ الْغَاصِبِ ، ( وَيَرْجِعُ ) أَيْ الْمُرْتَهِنُ ( بِمَا ضَمِنَهُ ) مِنْ الْقِيمَةِ ( وَبِدَيْنِهِ عَلَى الرَّاهِنِ ) ، أَمَّا رُجُوعُهُ بِالْقِيمَةِ فَلِأَنَّهُ مَغْرُورٌ مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ ، وَأَمَّا رُجُوعُهُ بِالدَّيْنِ فَلِأَنَّ قَبْضَهُ انْتَقَضَ فَعَادَ حَقُّهُ كَمَا كَانَ ، ( وَإِنْ وَافَقَ ) بِأَنْ رَهَنَهُ بِمِقْدَارِ مَا أَمَرَ بِهِ ( وَهَلَكَ ) أَيْ الرَّهْنُ ( عِنْدَ الْمُرْتَهِنِ اسْتَوْفَى ) أَيْ الْمُرْتَهِنُ ( كُلَّ دَيْنِهِ لَوْ قِيمَتُهُ

كَالدِّينِ أَوْ أَكْثَرَ ) لِتَمَامِ الِاسْتِيفَاءِ بِالْهَلَاكِ ، ( وَوَجَبَ مِثْلُهُ ) أَيْ مِثْلُ الدَّيْنِ ( لَلْمُعِيرِ عَلَى الْمُسْتَعِيرِ ) ، وَهُوَ الرَّاهِنُ ؛ لِأَنَّهُ قَضَى بِذَلِكَ الْقَدْرِ دَيْنَهُ إنْ كَانَ كُلُّهُ مَضْمُونًا ، وَإِلَّا يَضْمَنُ قَدْرَ الْمَضْمُونِ وَالْبَاقِي أَمَانَةٌ ( لَا الْقِيمَةِ ) ؛ لِأَنَّهُ قَدْ وَافَقَ فَلَيْسَ بِمُتَعَدٍّ ، ( وَبَعْضُ دَيْنِهِ ) عُطِفَ عَلَى كُلِّ دَيْنِهِ أَيْ اسْتَوْفَى الْمُرْتَهِنُ بَعْضَ دَيْنِهِ ( أَوْ قِيمَته أَقَلَّ ) مِنْ الدَّيْنِ ( وَبَاقِيهِ ) أَيْ بَاقِي دَيْنِهِ ( عَلَى الرَّاهِنِ ) لِلْمُرْتَهِنِ إذْ لَمْ يَقَعْ الِاسْتِيفَاءُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى قِيمَتِهِ ( لَوْ افْتَكَّهُ الْمُعِيرُ ) يَعْنِي أَنَّ الْمُعِيرَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَ الْمُرْتَهِنِ لِفَكِّ مِلْكِهِ عَلَى الدَّيْنِ ( لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَمْتَنِعَ عَنْ تَسَلُّمِ الرَّهْنِ ) ؛ لِأَنَّ الْمُعِيرَ غَيْرُ مُتَبَرِّعٍ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَخْلِيصِ مِلْكِهِ فَصَارَ أَدَاؤُهُ كَأَدَاءِ الرَّاهِنِ فَيُجْبَرُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الْقَبُولِ ( وَيَرْجِعُ عَلَى الرَّاهِنِ بِمَا أَدَّى إنْ سَاوَى الدَّيْنُ الْقِيمَةَ ) ؛ لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنَهُ وَهُوَ مُضْطَرٌّ فِيهِ فَلَا يُوصَفُ بِكَوْنِهِ مُتَبَرِّعًا ، وَإِنَّمَا قَالَ إنْ سَاوَى لِأَنَّهُ إنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ يَكُونُ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الْقِيمَةِ مُتَبَرِّعًا فَلَا يَرْجِعُ بِذَلِكَ الْقَدْرِ وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ الْقِيمَةِ فَلَا يُجْبَرُ الْمُرْتَهِنُ عَلَى تَسْلِيمِ الرَّهْنِ ذَكَرَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ ( هَلَكَ ) أَيْ الرَّهْنُ ( عِنْدَ الرَّاهِنِ قَبْلَ رَهْنِهِ أَوْ بَعْدَ فَكِّهِ لَا يَضْمَنُ وَإِنْ ) وَصْلِيَّةً ( تَصَرَّفَ فِيهِ مِنْ قَبْلُ ) بِالِاسْتِخْدَامِ أَوْ الرُّكُوبِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَمِينٌ خَالَفَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ فَلَا يَضْمَنُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ .

( قَوْلُهُ وَإِنْ عَيَّنَ الْمُعِيرُ تَقَيَّدَ بِمَا عَيَّنَهُ مِنْ قَدْرٍ ) ، بَيَانُهُ مَا قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ لَوْ سَمَّى لَهُ شَيْئًا فَرَهَنَهُ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ : الْأَوَّلُ إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الثَّوْبِ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ فَرَهَنَ بِأَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ أَوْ بِأَقَلَّ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَةَ الثَّوْبِ .
وَالثَّالِثُ أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ أَقَلَّ مِنْ الدَّيْنِ فَإِنْ زَادَ عَلَى الْمُسَمَّى يَضْمَنُ قِيمَةَ الثَّوْبِ ، وَإِنْ نَقَصَ إنْ كَانَ النُّقْصَانُ إلَى تَمَامِ قِيمَةِ الثَّوْبِ لَا يَضْمَنُ ، وَإِنْ كَانَ النُّقْصَانُ أَقَلَّ يَضْمَنُ قِيمَةَ الثَّوْبِ ا هـ .
( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ خَالَفَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ فَلَا يَضْمَنُ ) قَالَ فِي الْعِمَادِيَّةِ قَالَ الْأُسْرُوشَنِيُّ إنَّ الْمُسْتَأْجِرَ وَالْمُسْتَعِيرَ إذَا خَالَفَا ثُمَّ عَادَا إلَى الْوِفَاقِ لَا يَبْرَآنِ مِنْ الضَّمَانِ عَلَى مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى ، ثُمَّ ذَكَرَ الْعِمَادُ مَا يَقْتَضِي الْبَرَاءَةَ بِالْعَوْدِ إلَى الْوِفَاقِ ،

( جِنَايَةُ الرَّاهِنِ عَلَى الرَّهْنِ مَضْمُونَةٌ ) لِأَنَّهُ تَفْوِيتُ حَقٍّ لَازِمٍ مُحْتَرَمٍ وَتَعَلُّقَ مِثْلِهِ بِالْمَالِ يَجْعَلُ الْمَالِكَ كَالْأَجْنَبِيِّ فِي حَقِّ الضَّمَانِ ( وَجِنَايَةُ الْمُرْتَهِنِ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى الرَّهْنِ ( تَسْقُطُ مِنْ دِيَتِهِ ) أَيْ الْمُرْتَهِنِ ( بِقَدْرِهَا ) أَيْ الْجِنَايَةِ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مِلْكَ غَيْرِهِ فَلَزِمَهُ ضَمَانُهُ وَإِذَا لَزِمَهُ وَكَانَ الدَّيْنُ قَدْ حَلَّ سَقَطَ مِنْ الضَّمَانِ بِقَدْرِهِ وَلَزِمَهُ الْبَاقِي ؛ لِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ الدَّيْنِ مِنْ الْقِيمَةِ كَانَ أَمَانَةً ، وَأَنَّ مَا ضَمِنَهُ بِالْإِتْلَافِ لَا بِعَقْدِ الرَّهْنِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْوَدِيعَةِ إذَا أَتْلَفَهَا الْمُودَعُ يَلْزَمُهُ الضَّمَانُ كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ ( وَجِنَايَةُ الرَّهْنِ عَلَيْهِمَا وَعَلَى مَالِهِمَا هَدَرٌ ) ، وَالْمُرَادُ بِالْجِنَايَةِ عَلَى النَّفْسِ مَا يُوجِبُ الْمَالَ بِأَنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ خَطَأً فِي النَّفْسِ أَوْ فِيمَا دُونَهَا ، وَأَمَّا مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ فَهُوَ مُعْتَبَرٌ بِالْإِجْمَاعِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ ، وَأَمَّا كَوْنُ جِنَايَتِهِ عَلَى الرَّاهِنِ هَدَرًا فَلِأَنَّهَا جِنَايَةُ الْمَمْلُوكِ عَلَى مَالِكِهِ ، وَهِيَ فِيمَا يُوجِبُ الْمَالَ هَدَرٌ ؛ لِأَنَّهُ الْمُسْتَحَقُّ وَلَا يَثْبُتُ الِاسْتِحْقَاقُ لَهُ عَلَيْهِ ، وَأَمَّا كَوْنُهُ جِنَايَتَهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ هَدَرًا فَلِأَنَّ هَذِهِ الْجِنَايَةَ لَوْ اعْتَبَرْنَاهَا لِلْمُرْتَهِنِ كَانَ عَلَيْهِ التَّطْهِيرُ مِنْهَا ؛ لِأَنَّهَا حَصَلَتْ فِي ضَمَانِهِ فَلَا يُفِيدُ وُجُوبُ الضَّمَانِ مَعَ وُجُوبِ التَّخْلِيصِ عَلَيْهِ .

( قَوْلُهُ جِنَايَةُ الرَّاهِنِ عَلَى الرَّهْنِ مَضْمُونَةٌ ) أَيْ فَتَكُونُ حُكْمَ الرَّهْنِ ( قَوْلُهُ وَإِذَا أَلْزَمهُ ، وَكَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا سَقَطَ مِنْ الضَّمَانِ بِقَدْرِهِ ) كَذَا فِي نُسْخَةٍ ، وَصَوَابُهُ وَكَانَ الدَّيْنُ حَالًّا ا هـ .
وَهَذَا إذَا كَانَ مَا لَزِمَهُ مِنْ جِنْسِ دَيْنِهِ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا فَلَا يَحْكُمُ بِالسُّقُوطِ بِمُجَرَّدِ اللُّزُومِ بَلْ مَا لَزِمَهُ يُحْبَسُ بِالدَّيْنِ إلَى حُلُولِ الْأَجَلِ فَإِذَا حَلَّ أَخَذَهُ بِدَيْنِهِ إنْ كَانَ مِنْ جِنْسِهِ ، وَإِلَّا فَحَتَّى يَسْتَوْفِيَ دَيْنَهُ .
( قَوْلُهُ وَأَمَّا مَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ فَهُوَ مُعْتَبَرٌ بِالْإِجْمَاعِ ) يَعْنِي بِأَنْ كَانَ فِي النَّفْسِ ؛ لِأَنَّهُ لَا قِصَاصَ بَيْنَ طَرَفَيْ حُرٍّ وَعَبْدٍ .
وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ يَقْتَصُّ مِنْ الرَّهْنِ إذَا حَضَرَ الرَّاهِنُ وَيَسْقُطُ الدَّيْنُ ا هـ .
وَهَذَا إذَا ثَبَتَ بِالْبَيِّنَةِ أَمَّا إذَا ثَبَتَ بِالْإِقْرَارِ فَلَا يُشْتَرَطُ حُضُورُ سَيِّدِهِ .
( قَوْلُهُ أَمَّا كَوْنُ جِنَايَتِهِ عَلَى الرَّاهِنِ
إلَخْ ) هَذَا كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فِي بَيَانِ عَدَمِ ضَمَانِهِمَا كَذَلِكَ يَصْلُحُ لِبَيَانِ عَدَمِ ضَمَانِ مَالِهِمَا .

( رَهَنَ عَبْدًا يَعْدِلُ أَلْفًا بِأَلْفٍ مُؤَجَّلٍ فَصَارَ قِيمَتُهُ مِائَةً فَقَتَلَهُ حُرٌّ فَغَرِمَ مِائَةً ، وَحَلَّ أَجَلُهُ أَخَذَ مُرْتَهِنُهُ الْمِائَةَ مِنْ حَقِّهِ وَسَقَطَ بَاقِيهِ ) ، وَهُوَ تِسْعُمِائَةٍ ؛ لِأَنَّ نُقْصَانَ السِّعْرِ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ عِبَارَةٌ عَنْ فُتُورِ رَغَبَاتِ النَّاسِ بِخِلَافِ نُقْصَانِ الْعَيْنِ فَإِذَا كَانَ بَاقِيًا وَيَدُ الْمُرْتَهِنِ يَدُ اسْتِيفَاءٍ صَارَ مُسْتَوْفِيًا لِلْكُلِّ مِنْ الِابْتِدَاءِ ، ( وَلَوْ بَاعَهُ بِأَمْرِهِ بِمِائَةٍ ) أَيْ بَاعَ الْمُرْتَهِنُ الْعَبْدَ بِأَمْرِ الرَّاهِنِ بِهَا ( وَقَبَضَهَا رَجَعَ بِمَا بَقِيَ ) وَهُوَ تِسْعُمِائَةٍ ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ إذَا بَاعَهُ صَارَ كَأَنَّهُ اسْتَرَدَّهُ وَبَاعَهُ بِنَفْسِهِ فَحِينَئِذٍ يَبْطُلُ الرَّهْنُ ، وَيَبْقَى الدَّيْنُ إلَّا بِقَدْرِ مَا اسْتَوْفَى فَكَذَا هَاهُنَا ( قَتَلَهُ ) أَيْ عَبْدًا ( يَعْدِلُ أَلْفًا عَبْدٌ يَعْدِلُ مِائَةً فَدَفَعَ بِهِ فَكَّهُ ) أَيْ الرَّهْنِ ( بِكُلِّ دَيْنِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ الْبَاقِيَ قَائِمٌ مَقَامَ الْأَوَّلِ فَصَارَ كَأَنَّ الْأَوَّلَ قَائِمٌ ، وَتَرَاجَعَ سِعْرُهُ ( جَنَى ) أَيْ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ يَعْنِي رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلًا عَبْدًا قِيمَتُهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ فَقَتَلَ الْعَبْدُ قَتِيلًا ( خَطَأً فَدَاهُ مُرْتَهِنُهُ ) ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْجِنَايَةِ عَلَى الْمُرْتَهِنِ ، وَالْعَبْدُ كُلُّهُ فِي ضَمَانِهِ ، وَدَيْنُهُ مُسْتَغْرِقٌ لِرَقَبَتِهِ فَيُقَالُ لِلْمُرْتَهِنِ افْدِ الْعَبْدَ مِنْ الْجِنَايَةِ فَإِنْ فَدَاهُ أَصْلَحَ رَهْنَهُ ، وَكَانَ دَيْنُهُ عَلَى الرَّاهِنِ بِحَالِهِ وَالْعَبْدُ رَهْنٌ كَمَا كَانَ ، ( وَلَمْ يَرْجِعْ ) أَيْ عَلَى الرَّاهِنِ بِشَيْءٍ مِنْ الْفِدَاءِ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ كُلَّهُ مَضْمُونٌ ، وَجِنَايَةُ الْمَضْمُونِ كَجِنَايَةِ الضَّامِنِ فَلَوْ رَجَعَ عَلَى الرَّاهِنِ رَجَعَ الرَّاهِنُ عَلَيْهِ فَلَا يُفِيدُ ، ( وَلَا يَدْفَعُهُ ) أَيْ لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَدْفَعَهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ التَّمْلِيكَ ( فَإِنْ أَبَى ) أَيْ امْتَنَعَ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الْفِدَاءِ ( دَفَعَهُ

الرَّاهِنُ أَوْ فَدَاهُ فَيَسْقُطُ الدَّيْنُ ) أَيْ يُقَالُ لِلرَّاهِنِ ادْفَعْ الْعَبْدَ أَوْ افْدِهِ بِالدِّيَةِ فَإِنْ دَفَعَ أَوْ فَدَى سَقَطَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ ، وَأَخَذَ الرَّاهِنُ الْعَبْدَ وَبَطَلَ الرَّهْنُ ( إنْ لَمْ يَكُنْ ) أَيْ الدَّيْنُ ( أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الرَّهْنِ ) ، بَلْ يَكُونُ مُسَاوِيًا أَوْ أَقَلَّ مِنْهَا ، وَأَمَّا إذَا كَانَ أَكْثَرَ فَيَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ مِقْدَارُ قِيمَةِ الْعَبْدِ ، وَلَا يَسْقُطُ الْبَاقِي ( مَاتَ الرَّاهِنُ بَاعَ وَصِيُّهُ الرَّهْنَ وَقَضَى الدَّيْنَ ) ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ ( فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَصِيٌّ نُصِّبَ ) أَيْ وَصِيٌّ ( لِيَبِيعَهُ ) أَيْ نَصَّبَهُ الْقَاضِي .
( رَهَنَ الْوَصِيُّ بَعْضَ التَّرِكَةِ لِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ عِنْدَ غَرِيمٍ مِنْ غُرَمَائِهِ يُوقَفُ عَلَى رِضَا الْآخَرِينَ ، وَلَهُمْ رَدُّهُ ) لِأَنَّهُ آثَرَ بَعْضَ الْغُرَمَاءِ بِالْإِيفَاءِ الْحُكْمِيِّ ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ عَقْدِ الرَّهْنِ ثُبُوتُ يَدِ الِاسْتِيفَاءِ لِلْمُرْتَهِنِ حُكْمًا ، فَأَشْبَهَ الْإِيثَارَ بِالْإِيفَاءِ الْحَقِيقِيِّ ، ( فَإِنْ قَضَى دَيْنَهُمْ ) أَيْ دَيْنَ سَائِرِ الْغُرَمَاءِ ( قَبْلَ الرَّدِّ ) أَيْ قَبْلَ أَنْ يَرُدُّوهُ ( نَفَذَ ) لِزَوَالِ الْمَانِعِ ، وَهُوَ حَقُّ بَقِيَّةِ الْغُرَمَاءِ ( وَلَوْ انْفَرَدَ الْغَرِيمُ ) أَيْ لَمْ يَكُنْ لِلْمَيِّتِ إلَّا غَرِيمٌ وَاحِدٌ ( جَازَ ) هَذَا الرَّهْنُ اعْتِبَارًا بِالْإِيفَاءِ الْحَقِيقِيِّ ( وَبِيعَ فِي دَيْنِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ يُبَاعُ فِيهِ قَبْلَ الرَّهْنِ فَكَذَا بَعْدَهُ ( وَإِذَا ارْتَهَنَ ) أَيْ الْوَصِيُّ ( بِدَيْنٍ لِلْمَيِّتِ عَلَى آخَرَ جَازَ ) ؛ لِأَنَّهُ اسْتِيفَاءٌ حُكْمًا ، وَهُوَ يَمْلِكُ ذَلِكَ وَفِي رَهْنِ الْوَصِيِّ ، تَفْصِيلَاتٌ تَأْتِي فِي كِتَابِ الْوَصَايَا .

( قَوْلُهُ وَلَوْ بَاعَهُ بِأَمْرِهِ بِمِائَةٍ ) الْمُرَادُ أَمْرُهُ بِالْبَيْعِ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِمِائَةٍ فَالْمِائَةُ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهَا ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ إذَا بَاعَهُ صَارَ كَأَنَّهُ اسْتَرَدَّهُ وَبَاعَهُ بِنَفْسِهِ ) فِيهِ تَأَمَّلْ ، وَلَعَلَّ صَوَابَهُ ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ إذَا بَاعَهُ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ صَارَ كَأَنَّهُ أَيْ الرَّاهِنَ اسْتَرَدَّهُ وَبَاعَهُ بِنَفْسِهِ ( قَوْلُهُ قَتَلَهُ أَيْ عَبْدًا يَعْدِلُ أَلْفًا عَبْدٌ يَعْدِلُ مِائَةً فَدَفَعَ بِهِ فَكَّهُ بِكُلِّ دَيْنِهِ ) يَعْنِي يُجْبَرُ الرَّاهِنُ عَلَى فِكَاكِ الْعَبْدِ بِكُلِّ الدَّيْنِ وَهُوَ الْأَلْفُ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ هُوَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ افْتَكَّهُ بِجَمِيعِ الدَّيْنِ ، وَإِنْ شَاءَ سَلَّمَ الْعَبْدَ الْمَدْفُوعَ إلَى الْمُرْتَهِنِ بِدَيْنِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ .
وَقَالَ زُفَرُ يَصِيرُ رَهْنًا بِمِائَةٍ كَذَا فِي التَّبْيِينِ .
وَقَالَ فِي الْمَوَاهِبِ الْمُخْتَارِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( قَوْلُهُ جَنَى خَطَأً فَدَاهُ مُرْتَهِنُهُ
إلَخْ ) هَذَا إذَا كَانَ كُلُّهُ مَضْمُونًا وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُ أَمَانَةً بِأَنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ ، وَقَدْ جَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً قِيلَ لَهُمَا افْدِيَاهُ أَوْ ادْفَعَاهُ بِهَا فَإِنْ أَجْمَعَا عَلَى الدَّفْعِ دَفَعَاهُ وَبَطَلَ دَيْنُ الْمُرْتَهِنِ وَإِنْ تَشَاحَّا فَالْقَوْلُ لِمَنْ قَالَ أَنَا أَفْدِي أَيَّهُمَا كَانَ ثُمَّ إذَا فَدَاهُ الرَّاهِنُ يَحْتَسِبُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ حِصَّةَ الْمَضْمُونِ مِنْ الْفِدَاءِ مِنْ دَيْنِهِ ، ثُمَّ يَنْظُرُ إنْ كَانَ حِصَّةُ الْمَضْمُونِ مِنْ الْفِدَاءِ مِثْلَ الدَّيْنِ أَوْ أَكْثَرَ بَطَلَ الدَّيْنُ فَإِذَا كَانَ أَقَلَّ سَقَطَ مِنْ الدَّيْنِ بِحِسَابِهِ ، وَكَانَ الْعَبْدُ رَهْنًا بِمَا بَقِيَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ .

( فَصْلٌ ) ( رَهَنَ عَصِيرًا قِيمَتُهُ عَشَرَةٌ بِهَا ) أَيْ بِعَشَرَةٍ ( فَتَخَمَّرَ وَتَخَلَّلَ وَهُوَ يُسَاوِيهَا ) أَيْ الْعَشَرَةَ ( بَقِيَ رَهْنًا بِهَا ) أَيْ بِالْعَشَرَةِ ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَبْطُلَ الرَّهْنُ إذْ بِالتَّخَمُّرِ خَرَجَ مِنْ كَوْنِهِ صَالِحًا لِلْإِيفَاءِ إذْ لَمْ يَبْقَ مَالًا مُتَقَوِّمًا ، وَإِنَّمَا لَمْ يَبْطُلْ لِأَنَّهُ بِصَدَدِ أَنْ يَعُودَ بِالتَّخَلُّلِ ، وَلِهَذَا إذَا اشْتَرَى عَصِيرًا فَتَخَمَّرَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ لِاحْتِمَالِ صَيْرُورَتِهِ خَلًّا فَكَذَا هَذَا .

( فَصْلٌ ) ( قَوْلُهُ فَتَخَمَّرَ وَتَخَلَّلَ ) يَعْنِي فَتَخَمَّرَ ثُمَّ تَخَلَّلَ كَمَا فِي الْكَنْزِ .
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ قَوْلُهُ ثُمَّ تَخَلَّلَ وَهُوَ يُسَاوِي عَشَرَةً يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ الْقِيمَةُ ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْمُعْتَبَرُ الْقَدْرُ ؛ لِأَنَّ الْعَصِيرَ وَالْخَلَّ مِنْ الْمُقَدَّرَاتِ ؛ لِأَنَّهُ إمَّا مَكِيلٌ أَوْ مَوْزُونٌ وَفِيهِمَا نُقْصَانُ الْقِيمَةِ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ شَيْءٍ مِنْ الدَّيْنِ ، وَإِنَّمَا يُوجِبُ الْخِيَارَ لِفَوَاتِ مُجَرَّدِ الْوَصْفِ وَفَوَاتُ شَيْءِ مِنْ الْوَصْفِ فِي الْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ لَا يُوجِبُ سُقُوطَ شَيْءٍ مِنْ الدَّيْنِ بِإِجْمَاعٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فَيَكُونُ الْحُكْمُ فِيهِ أَنَّهُ إنْ نَقَصَ شَيْءٌ مِنْ الْقَدْرِ سَقَطَ بِقَدْرِهِ مِنْ الدَّيْنِ ، وَإِلَّا فَلَا ا هـ .
وَحَكَاهُ الْعَيْنِيُّ ثُمَّ قَالَ قُلْت الْقِيمَةُ تَزْدَادُ وَتَنْقُصُ بِازْدِيَادِ الْقَدْرِ وَنُقْصَانِهِ ا هـ .
وَفِي كَلَامِ الْعَيْنِيِّ تَأَمَّلْ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي أَنَّ نُقْصَانَ الْقِيمَةِ هَلْ يَسْقُطُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ إلَّا فِي ازْدِيَادِ الْقِيمَةِ بِالزِّيَادَةِ وَنُقْصَانِهَا بِنُقْصَانِ الْقَدْرِ ا هـ .
وَيَظْهَرُ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ بِمَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ هَذَا إذَا لَمْ يَنْتَقِصُ شَيْءٌ مِنْ كَيْلِهِ ، وَأَمَّا إذَا انْتَقَصَ شَيْءٌ مِنْ كَيْلِهِ بِالتَّخَمُّرِ يَسْقُطُ الدَّيْنُ بِقَدْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ فِي بَابِ رَهْنِ أَهْلِ الذِّمَّةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، وَإِذَا صَارَ رَهْنًا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ يَبْطُلُ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى حِسَابِ مَا نَقَصَ ، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ نُقْصَانَ الْقِيمَةِ أَوْ نُقْصَانَ الْكَيْلِ قَالُوا : وَالْمُرَادُ مِنْهُ نُقْصَانُ الْكَيْلِ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْعَصِيرَ مَتَى صَارَ خَلًّا بَعْدَ مَا صَارَ خَمْرًا فَإِنَّهُ يَنْتَقِصُ فِي الْكَيْلِ شَيْءٌ فَيَنْتَقِصُ مِنْ الدَّيْنِ بِقَدْرِهِ ، فَأَمَّا إذَا بَقِيَ الْكَيْلُ عَلَى حَالِهِ وَإِنَّمَا انْتَقَصَتْ الْقِيمَةُ فَإِنَّهُ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا .
ا هـ

.
وَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُخَلِّلَ الْعَصِيرَ إذَا صَارَ خَمْرًا ، وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ مَنْعُهُ مِنْهُ بِالِاسْتِرْدَادِ إذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ ، وَلَوْ كَانَا كَافِرَيْنِ يَبْقَى الرَّهْنُ جَائِزًا بِالتَّخَمُّرِ لِبَقَاءِ مَحَلِّيَّةِ الرَّهْنِ فِي حَقِّ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ ، وَلَوْ كَانَ الرَّاهِنُ مُسْلِمًا أَوْ الْمُرْتَهِنُ كَافِرًا فَتَخَمَّرَ يَفْسُدُ الرَّهْنُ فَلِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُخَلِّلَهَا وَلَيْسَ لِلرَّاهِنِ مَنْعُهُ مِنْهُ كَمَا لَوْ كَانَا مُسْلِمَيْنِ وَلَوْ كَانَ الرَّاهِنُ كَافِرًا أَوْ الْمُرْتَهِنُ مُسْلِمًا فَتَخَمَّرَ فَلَهُ أَخْذُ الرَّهْنِ ، وَالدَّيْنُ عَلَى حَالِهِ وَلَيْسَ لِلْمُسْلِمِ تَخْلِيلُهَا فَصَارَتْ الْمَسْأَلَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ كَمَا فِي النِّهَايَةِ عَنْ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَالْإِمَامِ الْمَحْبُوبِيِّ .
( قَوْلُهُ وَإِنَّمَا لَمْ يَبْطُلْ لِأَنَّهُ بِصَدَدِ أَنْ يَعُودَ بِالتَّخَلُّلِ ) يَعْنِي وَإِنْ صَارَ فَاسِدًا فَنَفْيُ الْبُطْلَانِ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْفَسَادِ ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّخَمُّرِ يَفْسُدُ الرَّهْنُ وَيَمْلِكُ الْحَبْسَ لِلدَّيْنِ فِي فَاسِدِهِ دُونَ بَاطِلِهِ

( وَرَهَنَ شَاةً كَذَلِكَ ) أَيْ قِيمَتُهَا عَشَرَةً بِعَشَرَةٍ ( فَمَاتَتْ ) بِلَا ذَبْحٍ ( فَدَبَغَ جِلْدَهَا فَسَاوَى دِرْهَمًا فَهُوَ ) أَيْ الْجِلْدُ ( رَهْنٌ بِهِ ) أَيْ بِدِرْهَمٍ ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ يَتَقَرَّرُ بِالْهَلَاكِ فَإِذَا صَلَحَ بَعْضُ الْمَحَلِّ يَعُودُ حُكْمُهُ بِقَدْرِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَتْ الشَّاةُ الْمَبِيعَةُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَدَبَغَ جِلْدَهَا حَيْثُ لَا يَعُودُ الْبَيْعُ ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ يُنْتَقَضُ بِالْهَلَاكِ قَبْلَ الْقَبْضِ ، وَالْمُنْتَقَضُ لَا يَعُودُ وَقِيلَ يَعُودُ الْبَيْعُ أَيْضًا ( نَمَاءُ الرَّهْنِ ) كَوَلَدِهِ وَلَبَنِهِ وَصُوفِهِ وَثَمَرِهِ ( لِلرَّاهِنِ ) لِتَوَلُّدِهِ مِنْ مِلْكِهِ ( وَرُهِنَ مَعَ أَصْلِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهُ وَالرَّهْنُ حَقٌّ لَازِمٌ فَيَسْرِي إلَيْهِ ( وَهَلَكَ مَجَّانًا ) أَيْ إنْ هَلَكَ هَلَكَ بِلَا شَيْءٍ ؛ لِأَنَّ الْأَتْبَاعَ لَا قِسْطَ لَهَا مِمَّا يُقَابَلُ بِالْأَصْلِ لِعَدَمِ دُخُولِهَا تَحْتَ الْعَقْدِ مَقْصُودًا ، ( وَإِنْ بَقِيَ ) أَيْ النَّمَاءُ ( وَهَلَكَ الْأَصْلُ فُكَّ بِقِسْطِهِ ) أَيْ افْتَكَّهُ الرَّاهِنُ بِقِسْطِهِ ( يُقْسَمُ الدَّيْنُ عَلَى قِيمَتِهِ ) أَيْ قِيمَةِ النَّمَاءِ ( يَوْمَ الْفِكَاكِ ) بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ ، ( وَقِيمَةُ الْأَصْلِ ) أَيْ أَصْلِ الرَّهْنِ ( يَوْمَ الْقَبْضِ ) ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ يَصِيرُ مَضْمُونًا بِالْقَبْضِ ، وَالزِّيَادَةُ تَصِيرُ مَقْصُودَةً بِالْفِكَاكِ إذَا بَقِيَ إلَى وَقْتِهِ ، وَالتَّبَعُ يُقَابِلُهُ شَيْءٌ إذَا كَانَ مَقْصُودًا كَوَلَدِ الْمَبِيعِ فَإِنَّهُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا حِصَّةَ لَهُ مِنْ الثَّمَنِ ، فَإِذَا قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي وَصَارَ مَقْصُودًا بِالْقَبْضِ صَارَ لَهُ حِصَّةً مِنْ الثَّمَنِ ، ( وَيَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ حِصَّةُ الْأَصْلِ ) أَيْ مَا أَصَابَ الْأَصْلَ يَسْقُطُ مِنْ الدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ يُقَابِلُهُ الْأَصْلُ مَقْصُودًا ( وَيَفُكُّ النَّمَاءَ بِحِصَّتِهِ ) أَيْ مَا أَصَابَ النَّمَاءَ افْتَكَّهُ الرَّاهِنُ بِهِ ( الزِّيَادَةُ تَصِحُّ فِي الرَّهْنِ ) مِثْلُ أَنْ يَرْهَنَ ثَوْبًا بِعَشَرَةٍ يُسَاوِي عَشَرَةً ، ثُمَّ يَزِيدُ الرَّاهِنُ ثَوْبًا آخَرَ لِيَكُونَ مَعَ الْأَوَّلِ رَهْنًا بِالْعَشَرَةِ ( لَا

الدَّيْنِ ) مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الرَّاهِنُ أَقْرِضْنِي خَمْسَمِائَةٍ أُخْرَى عَلَى أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ الَّذِي عِنْدَك رَهْنًا بِأَلْفٍ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْأَصْلَ الْمُقَرَّرُ بَيْنَهُمْ أَنَّ الْإِلْحَاقَ بِأَصْلِ الْعَقْدِ إنَّمَا يُتَصَوَّرُ إذَا كَانَتْ الزِّيَادَةُ فِي الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ أَوْ الْمَعْقُودِ بِهِ ، فَالزِّيَادَةُ فِي الدَّيْنِ لَيْسَتْ شَيْئًا مِنْهُمَا ، أَمَّا كَوْنُهَا غَيْرَ مَعْقُودٍ عَلَيْهِ فَظَاهِرٌ ، وَأَمَّا كَوْنُهَا غَيْرَ مَعْقُودٍ بِهِ فَلِوُجُودِهِ بِسَبَبِهِ قَبْلَ الرَّهْنِ بِخِلَافِ الرَّهْنِ فَإِنَّهُ مَعْقُودٌ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَحْبُوسًا قَبْلَ عَقْدِ الرَّهْنِ وَلَا يَبْقَى بَعْدَهُ .

( قَوْلُهُ فَهُوَ أَيْ الْجِلْدُ رَهْنَ بِهِ أَيْ بِدِرْهَمِ ) هَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْجِلْدِ يَوْمَ الرَّهْنِ دِرْهَمًا ، وَإِنْ كَانَتْ دِرْهَمَيْنِ فَكَذَلِكَ ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ هَذَا فِيمَا نَظَرَ إلَى قِيمَةِ الْجِلْدِ وَقِيمَةِ اللَّحْمِ يَوْمَ الِارْتِهَانِ ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَنْظُرَ إلَى قِيمَةِ الشَّاةِ حَيَّةً وَإِلَى قِيمَتِهَا مَسْلُوخَةً فَالتَّفَاوُتُ قِيمَةُ الْجِلْدِ وَهَذَا فِيمَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ الشَّاةِ مِثْلَ الدَّيْنِ ، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْهُ فَيَكُونُ الْجِلْدُ بَعْضُهُ أَمَانَةً بِحِسَابِهِ ثُمَّ هَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ أَنَّ الْجِلْدَ يَصِيرُ رَهْنًا بِمَا يَخُصُّهُ مِنْ الدَّيْنِ لَا إشْكَالَ إذَا حَصَلَ دَبْغُ الْجِلْدِ مِنْ الْمُرْتَهِنِ بِشَيْءٍ لَا قِيمَةَ لَهُ بِأَنْ تَرَّبَهُ أَوْ شَمَّسَهُ ، فَأَمَّا إذَا حَصَلَ بِمَالِهِ قِيمَةٌ ثَبَتَ لِلْمُرْتَهِنِ حَقُّ الْحَبْسِ بِمَا زَادَ الدَّبْغَ فِيهِ كَمَا لَوْ غَصَبَ جِلْدَ مَيْتَةٍ وَدَبَغَهُ بِمَالِهِ قِيمَةٌ ، وَإِذَا اسْتَحَقَّ الْحَبْسَ بِدَيْنٍ حَادِثٍ وَهُوَ مَا زَادَ الدِّبَاغَ بِمَالِهِ قِيمَةٌ هَلْ يَبْطُلُ الرَّهْنُ الْأَوَّلُ أَمْ لَا قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ فِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا يَبْطُلُ وَيَصِيرُ رَهْنًا بِقِيمَةِ مَا زَادَ الدِّبَاغَ حَتَّى لَوْ أَدَّاهَا الرَّاهِنُ أَخَذَ الْجِلْدَ وَالثَّانِي لَا يَبْطُلُ كَمَا فِي النِّهَايَةِ عَنْ مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْمَحْبُوبِيِّ قَوْلُهُ وَهَلَكَ ) يَعْنِي النَّمَاءَ مَجَّانًا كَذَا لَوْ اسْتَهْلَكَهُ بِإِذْنِ الْمَالِكِ بِأَنْ قَالَ مَهْمَا زَادَ فَكُلْهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ ، وَيَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِالشَّرْطِ وَإِذَا افْتَكَّ الرَّهْنَ قَسَمَ الدَّيْنَ عَلَى الزِّيَادَةِ الْمُسْتَهْلَكَةِ وَالْأَصْلِ فَمَا أَصَابَهُ سَقَطَ وَمَا أَصَابَ الزِّيَادَةَ أَخَذَهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْ الرَّاهِنِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ لَا الدَّيْنِ ) يَعْنِي أَنَّ الزِّيَادَةَ فِي الدَّيْنِ لَا تَصِحُّ بِمَعْنَى أَنَّ الرَّهْنَ لَا يَكُونُ رَهْنًا بِالزِّيَادَةِ مَعَ الْأَصْلِ ، وَأَمَّا نَفْسُ الزِّيَادَةِ

فَصَحِيحَةٌ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِدَانَةَ بَعْدَ الِاسْتِدَانَةِ قَبْلَ قَضَاءِ الْأَوَّلِ جَائِزَةٌ إجْمَاعًا ( قَوْلُهُ وَأَمَّا كَوْنُهَا غَيْرَ مَعْقُودٍ بِهِ فَلِوُجُودِهِ بِسَبَبِهِ قَبْلَ الرَّهْنِ ) يَعْنِي فَلِوُجُودِ الدَّيْنِ بِسَبَبِهِ وَهُوَ الِاسْتِدَانَةُ قَبْلَ الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ فُسِخَ الرَّهْنُ يَبْقَى الدَّيْنُ .

( رَهَنَ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا فَدَفَعَ مِثْلَهُ ) أَيْ عَبْدًا يُسَاوِي أَلْفًا ( رَهْنًا بَدَلَهُ فَهُوَ ) أَيْ الْأَوَّلُ ( رَهْنٌ حَتَّى يَرُدَّهُ إلَى رَاهِنِهِ ، وَالْمُرْتَهِنُ أَمِينٌ فِي الثَّانِي حَتَّى يَجْعَلَهُ مَكَانَ الْأَوَّلِ ) ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ بِالْقَبْضِ وَالدَّيْنِ فَلَا يَخْرُجُ عَنْهُ مَا بَقِيَا إلَّا بِنَقْضِ الْقَبْضِ ، فَإِذَا كَانَ الْأَوَّلُ فِي ضَمَانِهِ لَا يَدْخُلُ الثَّانِي فِيهِ ؛ لِأَنَّهُمَا رَضِيَا بِدُخُولِ أَحَدِهِمَا فِيهِ فَإِذَا زَالَ الْأَوَّلُ دَخَلَ الثَّانِي فِي ضَمَانِهِ ، ثُمَّ قِيلَ يُشْتَرَطُ تَجْدِيدُ الْقَبْضِ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ يَدَ الْمُرْتَهِنِ عَلَى الثَّانِي يَدُ أَمَانَةٍ ، وَيَدَ الرَّاهِنِ يَدُ اسْتِيفَاءٍ ، وَضَمَانُ فُلَانٍ يَنُوبُ عَنْهُ ، وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ تَبَرُّعٌ كَالْهِبَةِ وَعَيْنُهُ أَمَانَةٌ كَمَا عَرَفْت وَقَبْضُ الْأَمَانَةِ يَنُوبُ عَنْ قَبْضِ الْأَمَانَةِ .
( قَوْلُهُ وَيَدُ الرَّاهِنِ يَدُ اسْتِيفَاءٍ وَضَمَانٍ ) صَوَابُهُ وَيَدُ الْمُرْتَهِنِ فَتَأَمَّلْ .

( أَبْرَأَ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ عَنْ دَيْنِهِ فَقَبِلَهُ ) أَيْ قَبِلَ الرَّاهِنُ الْإِبْرَاءَ ( أَوْ وَهَبَهُ لَهُ فَهَلَكَ الرَّهْنُ ) فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ بِلَا مَنْعٍ مِنْ صَاحِبِهِ ( هَلَكَ مَجَّانًا ) اسْتِحْسَانًا وَقَالَ زُفَرُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ لِلرَّاهِنِ ، وَهُوَ الْقِيَاسُ ؛ لِأَنَّ الْقَبْضَ وَقَعَ مَضْمُونًا فَبَقِيَ كَذَلِكَ مَا بَقِيَ الْقَبْضُ ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ ضَمَانَ الرَّهْنِ بِاعْتِبَارِ الْقَبْضِ وَالدَّيْنِ ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ اسْتِيفَاءٍ وَذَا لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِاعْتِبَارِ الدَّيْنِ وَبِالْإِبْرَاءِ لَمْ يَبْقَ أَحَدُهُمَا ، وَهُوَ الدَّيْنُ وَالْحُكْمُ الثَّابِتُ بِعِلَّةٍ ذَاتِ وَصْفَيْنِ يَزُولُ بِزَوَالِ أَحَدِهِمَا ، وَلِهَذَا لَوْ رَدَّ الرَّهْنَ سَقَطَ الضَّمَانُ لِعَدَمِ الْقَبْضِ وَإِنْ بَقِيَ الدَّيْنُ فَكَذَا إذَا بَرَأَ عَنْ الدَّيْنِ سَقَطَ الضَّمَانُ لِعَدَمِ الدَّيْنِ ، وَإِنْ بَقِيَ الْقَبْضُ ( وَلَوْ اسْتَوْفَاهُ ) أَيْ الْمُرْتَهِنُ دَيْنَهُ ( بِالتَّمَامِ أَوْ بَعْضِهِ بِإِيفَاءِ الرَّاهِنِ أَوْ مُتَطَوِّعٍ أَوْ شِرَائِهِ عَيْنًا بِهِ ) أَيْ بِالدَّيْنِ ( أَوْ صُلْحِهِ عَنْهُ ) أَيْ عَنْ الدَّيْنِ ( عَلَى عَيْنٍ أَوْ إحَالَتِهِ مُرْتَهِنَهُ بِدَيْنِهِ عَلَى آخَرَ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ ) أَيْ الْمُرْتَهِنِ ( هَلَكَ بِالدَّيْنِ ) ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الدَّيْنِ لَا يَسْقُطُ بِالِاسْتِيفَاءِ وَنَحْوِهِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا لَا بِأَنْفُسِهَا لَكِنَّ الِاسْتِيفَاءَ يَتَعَذَّرُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ ؛ لِأَنَّهُ يَعْقُبُ مُطَالَبَةَ مِثْلِهِ فَإِذَا هَلَكَ الرَّهْنُ تَقَرَّرَ الِاسْتِيفَاءُ الْأَوَّلُ فَانْتَقَضَ الِاسْتِيفَاءُ الثَّانِي ، ( وَرَدَّ مَا قَبَضَ إلَى مَنْ أَدَّى ) فِي صُورَةِ إيفَاءِ الرَّاهِنِ أَوْ الْمُتَطَوِّعِ أَوْ الشِّرَاءِ أَوْ الصُّلْحِ ( وَبَطَلَتْ الْحَوَالَةُ ) وَهَلَكَ الرَّهْنُ بِالدَّيْنِ إذْ بِالْحَوَالَةِ لَا يَسْقُطُ الدَّيْنُ ، وَلَكِنَّ ذِمَّةَ الْمُحْتَالِ عَلَيْهِ تَقُومُ مَقَامَ ذِمَّةِ الْمُحِيلِ ، وَلِهَذَا يَعُودُ إلَى ذِمَّةِ الْمُحِيلِ إذَا مَاتَ الْمُحْتَالُ عَلَيْهِ مُفْلِسًا ، ( كَذَا ) أَيْ كَمَا يَهْلِكُ الرَّهْنُ بِالدَّيْنِ

فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ يَهْلِكُ بِهِ أَيْضًا ( إذَا هَلَكَ بَعْدَ تَصَادُقِهِمَا عَلَى أَنْ لَا دَيْنَ ) ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ مَضْمُونٌ بِالدَّيْنِ أَوْ بِجِهَتِهِ عِنْدَ تَوَهُّمِ الْوُجُودِ كَمَا فِي الدَّيْنِ الْمَوْعُودِ ، وَقَدْ بَقِيَتْ الْجِهَةُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَتَصَادَقَا عَلَى قِيَامِ الدَّيْنِ بَعْدَ تَصَادُقِهِمَا عَلَى عَدَمِ الدَّيْنِ بِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ لِأَنَّهُ سَقَطَ بِهِ .
( قَوْلُهُ أَبْرَأَ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ عَنْ دَيْنِهِ فَقَبِلَهُ ) الْقَبُولُ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْإِبْرَاءِ لِمَا قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ أَبْرَأَ مَدْيُونَهُ فَسَكَتَ يَبْرَأُ وَلَوْ رَدَّ يَرْتَدُّ بِرَدِّهِ ا هـ .

كِتَابُ الْغَصْبِ أَوْرَدَهُ عَقِيبَ كِتَابِ الرَّهْنِ ؛ لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ حَبْسًا شَرْعِيًّا وَفِي الثَّانِي حَبْسًا غَيْرَ شَرْعِيٍّ ( هُوَ ) لُغَةً أَخْذُ الشَّيْءِ مِنْ الْغَيْرِ بِالتَّغَلُّبِ مُتَقَوِّمًا أَوْ لَا يُقَالُ غَصَبَ زَوْجَةَ فُلَانٍ وَخَمْرَ فُلَانٍ ، وَشَرْعًا ( أَخْذُ مَالٍ ) هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْجِنْسِ ( مُتَقَوِّمٍ ) احْتِرَازٌ عَنْ الْخَمْرِ ( مُحْتَرَمٍ ) احْتِرَازٌ عَنْ مَالِ الْحَرْبِيِّ فَإِنَّهُ غَيْرُ مُحْتَرَمٍ ( مِنْ يَدِ مَالِكِهِ بِلَا إذْنِهِ ) احْتِرَازٌ مِنْ أَخْذِهِ مِنْ يَدِ الْمَالِكِ بِإِذْنِهِ ، وَإِشَارَةٌ إلَى أَنَّ إزَالَةَ يَدِ الْمَالِكِ مُعْتَبَرَةٌ فِي الْغَصْبِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هُوَ إثْبَاتُ يَدِ الْعُدْوَانِ عَلَيْهِ ، وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي زَوَائِدِ الْمَغْصُوبِ كَوَلَدِ الْمَغْصُوبَةِ وَثَمَرَةُ الْبُسْتَانِ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ بِمَضْمُونَةٍ عِنْدَنَا لِعَدَمِ إزَالَةِ الْيَدِ ، وَعِنْدَهُ مَضْمُونَةٌ لِإِثْبَاتِ الْيَدِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْغَصْبِ عِنْدَنَا إزَالَةُ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ ، وَإِثْبَاتُ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْمُعْتَبَرُ هُوَ الثَّانِي فَقَطْ ( لَا خُفْيَةً ) احْتِرَازٌ عَنْ السَّرِقَةِ ( فَاسْتِخْدَامُ الْعَبْدِ وَتَحْمِيلُ الدَّابَّةِ ) أَيْ وَضْعُ الْحِمْلِ عَلَيْهَا ( غَصْبٌ ) لِوُجُودِ إزَالَةِ الْيَدِ الْمُحِقَّةِ وَإِثْبَاتِ الْيَدِ الْمُبْطِلَةِ فِيهِمَا ( لَا جُلُوسَهُ عَلَى الْبِسَاطِ ) لِعَدَمِ إزَالَةِ الْيَدِ بِالِاسْتِيلَاءِ إذْ لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ النَّقْلُ وَالتَّحْوِيلُ وَالْبَسْطُ فِعْلُ الْمَالِكِ ، وَقَدْ بَقِيَ أَثَرُ فِعْلِهِ فِي الِاسْتِعْمَالِ فَلَمْ يَكُنْ آخِذًا عَنْ يَدِهِ .
( كِتَابُ الْغَصْبِ ) ( قَوْلُهُ يُقَالُ غَصَبَ زَوْجَةَ فُلَانٍ وَخَمْرَ فُلَانٍ ) إنَّمَا ذَكَرَ الْمِثَالَيْنِ لِيُبَيِّنَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ مَالًا وَلَيْسَ بِمُتَقَوِّمٍ كَالْخَمْرِ ، أَوْ لَيْسَ بِمَالٍ أَصْلًا كَالزَّوْجَةِ ( قَوْلُهُ احْتِرَازٌ عَنْ مَالِ الْحَرْبِيِّ ) كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَالتَّبْيِينِ لَكِنْ مَعَ زِيَادَةِ كَوْنِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ .

( وَحُكْمُهُ الْإِثْمُ لِمَنْ عَلِمَ ) أَنَّهُ مَالُ الْغَيْرِ ، ( وَرَدُّ الْعَيْنِ قَائِمَةً وَالْغُرْمُ هَالِكَةً وَلِغَيْرِهِ ) أَيْ لِغَيْرِ مَنْ عَلِمَ ( الْأَخِيرَانِ ) ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ الْغَيْرِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عِلْمِهِ وَلَا إثْمَ لِأَنَّهُ خَطَأٌ وَهُوَ مَرْفُوعٌ بِالْحَدِيثِ ، ( وَيَجِبُ الْمِثْلُ فِي الْمِثْلِيِّ ) كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ } الْآيَةَ الْمُرَادُ بِالْمِثْلِيِّ مَا يُوجَدُ لَهُ مِثْلٌ فِي الْأَسْوَاقِ بِلَا تَفَاوُتٍ بَيْنَ أَجْزَائِهِ يَعْتَدُّ بِهِ وَمَا لَا يَكُونُ كَذَلِكَ فَهُوَ قِيَمِيٌّ ، ثُمَّ الْمِثْلِيُّ قَدْ يَكُونُ مَصْنُوعًا بِحَيْثُ تُخْرِجُهُ الصَّنْعَةُ عَنْ الْمِثْلِيَّةِ بِجَعْلِهِ نَادِرًا بِالنِّسْبَةِ إلَى أَصْلِهِ كَالْقَمْقَمَةِ وَالْقِدْرِ وَالْإِبْرِيقِ فَيَكُونُ قِيَمِيًّا ، وَقَدْ يَكُونُ مَصْنُوعًا بِحَيْثُ لَا تُخْرِجُهُ الصَّنْعَةُ عَنْ الْمِثْلِيَّةِ لِبَقَاءِ كَثْرَتِهِ وَعَدَمِ تَفَاوُتِهِ كَالدَّرَاهِمِ الْمَضْرُوبَةِ وَالدَّنَانِيرِ ( فَإِنْ انْقَطَعَ ) أَيْ الْمِثْلِيُّ ( فَقِيمَتُهُ يَوْمَ الْخُصُومَةِ ) وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَوْمَ الْغَصْبِ .
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَوْمَ الِانْقِطَاعِ لِأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَمَّا انْقَطَعَ الْتَحَقَ بِمَا لَا مِثْلَ لَهُ فَيَعْتَبِرُ قِيمَتَهُ يَوْمَ انْعِقَادِ السَّبَبِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُوجِبُ وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْوَاجِبَ الْمِثْلُ فِي الذِّمَّةِ ، وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ إلَى الْقِيمَةِ بِالِانْقِطَاعِ فَيَعْتَبِرُ قِيمَتَهُ يَوْمَ الِانْقِطَاعِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ النَّقْلَ لَا يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الِانْقِطَاعِ ، وَلِهَذَا لَوْ صَبَرَ إلَى أَنْ يُوجَدَ مِثْلُهُ فَلَهُ ذَلِكَ وَبِقَضَاءِ الْقَاضِي يَنْتَقِلُ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْخُصُومَةِ وَالْقَضَاءِ ، ( وَ ) تَجِبُ ( الْقِيمَةُ فِي الْقِيَمِيِّ ) كَالْعُرُوضِ وَالْحَيَوَانَاتِ وَالْعَدَدِيِّ الْمُتَفَاوِتِ ( يَوْمَ غَصْبِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ مُطَالَبٌ بِالْقِيمَةِ حِينَ غَصَبَهُ فَيُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ عِنْدَ ذَلِكَ ( فَإِنْ ادَّعَى ) أَيْ الْغَاصِبُ ( الْهَلَاكَ حُبِسَ

حَتَّى يُعْلَمْ أَنَّهُ ) أَيْ الْمَغْصُوبُ ( لَوْ بَقِيَ لِظُهْرٍ ثُمَّ قَضَى عَلَيْهِ بِالْبَدَلِ ) ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْمَالِكِ ثَابِتٌ فِي الْعَيْنِ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِيهِ حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ صَادِقٌ ، كَمَا إذَا ادَّعَى الْمَدْيُونُ الْإِفْلَاسَ ، ( بَرْهَنَ ) أَيْ الْمَالِكُ ( أَنَّهُ مَاتَ عِنْدَ غَاصِبِهِ وَقَلَبَ الْغَاصِبُ ) أَيْ بَرْهَنَ أَنَّهُ مَاتَ عِنْدَ مَالِكِهِ ( فَبَيِّنَتُهُ ) أَيْ الْغَائِبِ ( أَوْلَى عِنْدَ مُحَمَّدٍ ) ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ الضَّمَانِ بِالْغَصْبِ ثَابِتٌ ظَاهِرًا وَإِثْبَاتَ الرَّدِّ عَارِضٌ ، وَالْبَيِّنَةُ لِمَنْ يَدَّعِي خِلَافَ الظَّاهِرِ ( وَبَيِّنَةُ الْمَالِكِ أَوْلَى عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ) ؛ لِأَنَّ حَاصِلَ اخْتِلَافِهِمَا فِي الضَّمَانِ وَفِي بَيِّنَتِهِ إثْبَاتُهُ ، ( وَهُوَ ) أَيْ الْغَصْبُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ ( فِيمَا يُنْقَلُ ) وَيُحَوَّلُ لِمَا عَرَفْت أَنَّهُ إزَالَةُ الْمَالِ عَنْ يَدِ الْمَالِكِ بِإِثْبَاتِ الْيَدِ عَلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُ تَحْقِيقُهُ إلَّا فِي الْمَنْقُولِ لَا الْعَقَارِ الَّذِي لَا يُنْقَلُ وَلَا يُحَوَّلُ .

( قَوْلُهُ وَيَجِبُ الْمِثْلُ فِي الْمِثْلِيِّ كَالْمَكِيلِ وَالْمَوْزُونِ ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ ذَكَرَ فِي الْمُغْنِي وَالذَّخِيرَةِ أَنَّ مَشَايِخَنَا اسْتَثْنَوْا مِنْ الْمَوْزُونَاتِ النَّاطِفَ الْمُبَزَّرَ بِتَقْدِيمِ الزَّايِ وَالدُّهْنَ الْمُرَبَّى فَقَالُوا بِضَمَانِ الْقِيمَةِ فِيهِمَا ؛ لِأَنَّ النَّاطِفَ يَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ الْبِزْرِ ، وَكَذَلِكَ الدُّهْنُ الْمُرَبَّى ا هـ ( قَوْلُهُ فَإِنْ انْقَطَعَ ) أَيْ الْمِثْلِيُّ قَالَ فِي النِّهَايَةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ حَدُّ الِانْقِطَاعِ مَا ذَكَرَهُ الْفَقِيهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَلْخِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنْ لَا يُوجَدَ فِي السُّوقِ الَّذِي يُبَاعُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ يُوجَدُ فِي الْبُيُوتِ قَوْلُهُ فَإِنْ ادَّعَى الْهَلَاكَ ) يَعْنِي بَعْدَمَا أَقَرَّ وَشَهِدُوا عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ بِالْغَصْبِ ، وَكَذَا لَوْ شَهِدُوا عَلَى مُعَايَنَةِ فِعْلِ الْغَصْبِ عَلَى الْأَصَحِّ وَتَكُونُ هَذِهِ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةُ صَحِيحَةً لِلضَّرُورَةِ لِامْتِنَاعِ الْغَاصِبِ عَادَةً مِنْ إحْضَارِ الْمَغْصُوبِ وَحِينَ الْغَصْبِ إنَّمَا يَتَأَتَّى مِنْ الشُّهُودِ مُعَايَنَةُ فِعْلِ الْغَصْبِ دُونَ الْعِلْمِ بِأَوْصَافِ الْمَغْصُوبِ فَيَسْقُطُ اعْتِبَارُ عِلْمِهِمْ بِالْأَوْصَافِ لِأَجْلِ الْعُذْرِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ ( قَوْلُهُ حُبِسَ حَتَّى يَعْلَمَ ) يَعْنِي الْقَاضِيَ لَا يُعَجِّلُ بِالْقَضَاءِ وَلَيْسَ لِمُدَّةِ التَّلَوُّمِ مِقْدَارٌ بَلْ ذَلِكَ مَوْكُولٌ إلَى رَأْيِ الْقَاضِي وَهَذَا التَّلَوُّمُ إذَا لَمْ يَرْضَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ بِالْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ ، وَأَمَّا إذَا رَضِيَ بِذَلِكَ أَوْ تَلَوَّمَ الْقَاضِي فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى قِيمَتِهَا عَلَى شَيْءٍ ، أَوْ أَقَامَ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا يَدَّعِي مِنْ قِيمَتِهَا قَضَى بِذَلِكَ ( قَوْلُهُ ثُمَّ قَضَى عَلَيْهِ بِالْبَدَلِ ) هَذَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ فِي غَصْبِ الْأَصْلِ أَنَّ الْقَاضِيَ يَتَلَوَّمُ رَجَاءَ أَنْ يَظْهَرَ الْمَغْصُوبُ ، وَذَكَرَ فِي السِّيَرِ أَنَّ الْغَاصِبَ إذَا غَيَّبَ الْمَغْصُوبَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ مِنْ غَيْرِ تَلَوَّمَ فَقِيلَ لَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ ، وَلَكِنْ مَا

ذَكَرَ فِي السِّيَرِ جَوَابُ الْجَوَازِ مَعْنَاهُ لَوْ قَضَى فِي الْحَالِّ جَازَ وَمَا ذُكِرَ فِي الْغَصْبِ جَوَابُ الْأَفْضَلِ يَعْنِي الْأَفْضَلَ التَّلَوُّمَ وَقِيلَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ ( قَوْلُهُ أَيْ بِرَهْنٍ أَنَّهُ مَاتَ عِنْدَ مَالِكِهِ ) يَعْنِي بَعْدَ الرَّدِّ ( قَوْلُهُ وَهُوَ فِيمَا يُنْقَلُ وَيُحَوَّلُ ) وَيَتَحَقَّقُ فِي الْمَنْقُولِ بِالنَّقْلِ ، وَلَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِهِ لَكِنْ مَا لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ فَإِذَا تَصَرَّفَ قِيلَ يَكُونُ غَاصِبًا بِدُونِ النَّقْلِ ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُغْنِي أَنَّهُ إذَا رَكِبَ دَابَّةَ رَجُلٍ حَالَ غَيْبَتِهِ بِغَيْرِ أَمَرَهُ ، ثُمَّ نَزَلَ عَنْهَا وَتَرَكَهَا فِي مَكَانِهِ ذَكَرَ فِي آخِرِ كِتَابِ اللُّقَطَةِ أَنَّ عَلَيْهِ الضَّمَانَ ، وَذَكَرَ النَّاطِفِيُّ فِي وَاقِعَاتِهِ فِيهِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ ثُمَّ قَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ غَصْبَ الْمَنْقُولِ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ النَّقْلِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ ( قَوْلُهُ قِيلَ قَائِلُهُ عِمَادُ الدِّينِ
إلَخْ ) تَعْبِيرُهُ بِقِيلِ رُبَّمَا يُشْعِرُ بِالضَّعْفِ وَلَيْسَ فِي كَلَامِ الْفُصُولِ ثُمَّ قَوْلُهُ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَضْمَنُ بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ وَبِالْجُحُودِ فِي الْوَدِيعَةِ يُفِيدُ الِاخْتِلَافَ فِيهِ ، وَمَا قَالَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ يَضْمَنُ بِالْبَيْعِ بِالِاتِّفَاقِ ، وَالْعَقَارُ يُضْمَنُ بِالْإِنْكَارِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ حَتَّى لَوْ أَوْدَعَ رَجُلًا وَجَحَدَ الْوَدِيعَةَ هَلْ يَضْمَنُ فِيهِ رِوَايَتَانِ أَيْضًا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْعَقَارَ يُضْمَنُ بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ وَيُضْمَنُ أَيْضًا بِالْجُحُودِ ا هـ يُفِيدُ أَوَّلُهُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِيهِ وَآخِرُهُ أَنَّ فِيهِ خِلَافًا ا هـ .
ثُمَّ قَوْلُ الْمُصَنِّفِ يَعْنِي إذَا كَانَ الْعَقَارُ وَدِيعَةً عِنْدَهُ فَجَحَدَ كَانَ ضَامِنًا بِالِاتِّفَاقِ ا هـ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا خِلَافَ فِي مَسْأَلَةِ الْوَدِيعَةِ ، وَكَلَامُهُ مَتْنًا مُشْعِرٌ بِالْخِلَافِ وَلَيْسَ دَعْوَى الِاتِّفَاقِ إلَّا فِي

مَسْأَلَةِ الْبَيْعِ عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ أَوَّلُ كَلَامِ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَإِنْ كَانَ آخِرُهُ يَقْتَضِي الْخِلَافَ .

( فَلَوْ أَخَذَ عَقَارًا وَهَلَكَ فِي يَدِهِ ) بِأَنْ غَلَبَ السَّيْلُ عَلَى الْأَرْضِ فَبَقِيَتْ تَحْتَ الْمَاءِ أَوْ غَصَبَ دَارًا فَهُدِمَتْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ أَوْ جَاءَ سَيْلٌ فَذَهَبَ بِالْبِنَاءِ ( لَمْ يَضْمَنْ ) لِانْتِفَاءِ شَرْطِهِ ، وَهُوَ الْغَصْبُ .
( قِيلَ ) قَائِلُهُ عِمَادُ الدِّينِ والأسروشني فِي فُصُولَيْهِمَا ( الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَضْمَنُ بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ وَبِالْجُحُودِ فِي الْوَدِيعَةِ ) يَعْنِي إذَا كَانَ الْعَقَارُ وَدِيعَةً عِنْدَهُ فَجَحَدَ كَانَ ضَامِنًا بِالِاتِّفَاقِ ( وَبِالرُّجُوعِ عَنْ الشَّهَادَةِ ) بِأَنْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِالدَّارِ ثُمَّ رَجَعَا بَعْدَ الْقَضَاءِ ضَمِنَا ( وَضَمِنَ فِيهِمَا ) أَيْ فِي الْعَقَارِ وَالْمَنْقُولِ ( مَا نَقَصَ ) مَفْعُولُ ضَمِنَ ( بِفِعْلِهِ ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ نَقَصَ ، ( وَسُكْنَاهُ ) هَذَا بَيَانُ الضَّمَانِ فِي الْعَقَارِ الْعِبَارَةُ الصَّادِرَةُ عَنْ الْمَشَايِخِ هَاهُنَا مَا ذَكَرْنَا وَبَيْنَ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِمْ الْفِعْلُ بِالْهَدْمِ وَالسُّكْنَى بِالسُّكْنَى الْمَخْصُوصَةِ ، وَهِيَ أَنْ تَكُونَ مُقَارِنَةً بِعَمَلٍ يُفْضِي إلَى انْهِدَامِ الْبِنَاءِ كَالْحِدَادَةِ وَالْقِصَارَةِ حَتَّى قَالُوا فِي شَرْحِ قَوْلِ الْهِدَايَةِ ، وَيَدْخُلُ فِيمَا قَالَهُ إذَا انْهَدَمَ الدَّارُ بِسُكْنَاهُ وَعَمَلِهِ ، إنَّمَا قَيَّدَ بِعَمَلِهِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا انْهَدَمَتْ الدَّارُ بَعْدَ مَا غَصَبَ وَسَكَنَ فِيهَا لَا بِسُكْنَاهُ وَعَمَلِهِ بَلْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فَظَهَرَ أَنَّ مُرَادَهُمْ بَيَانُ سَبَبَيْ النَّقْصِ الْأَوَّلِ مَا يُوجِبُهُ ابْتِدَاءً ، وَهُوَ الْهَدْمُ الثَّانِي مَا يُفْضِي إلَيْهِ بِالْآخِرَةِ وَهُوَ السُّكْنَى الْخَاصَّةُ ، وَقَدْ غَيَّرَ صَاحِبُ الْوِقَايَةِ هَذِهِ الْعِبَارَةَ فَقَالَ وَمَا نَقَصَ بِفِعْلِهِ كَسُكْنَاهُ فَلَزِمَ عَلَيْهِ أَنَّ السُّكْنَى إنْ قُيِّدَتْ بِالْعَمَلِ الْمُوهِنِ لَمْ يَبْقَ لِلسَّبَبِ الْأَوَّلِ أَعْنِي الْهَدْمَ تَعَرُّضٌ ، وَالْإِلْزَامُ كَوْنُ السُّكْنَى الْمُجَرَّدَةِ عَنْ الْعَمَلِ الْمُوهِنِ سَبَبًا لِلضَّمَانِ ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ الدَّارَ مَعَ

السُّكْنَى إذَا انْهَدَمَتْ بِآفَةٍ سَمَاوِيَّةٍ لَيْسَ فِيهَا ضَمَانٌ وَعِنْدِي نُسْخَةٌ مَنْقُولَةٌ مِنْ خَطِّ الْمُصَنِّفِ ، وَكَانَتْ الْعِبَارَةُ الْمَكْتُوبَةُ فِيهَا أَوَّلًا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا ، ثُمَّ غَيَّرَهَا وَتَبِعَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَالصَّوَابُ مَا يُوَافِقُ الْهِدَايَةَ .
( قَوْلُهُ فَلَزِمَ عَلَيْهِ أَنَّ السُّكْنَى إنْ قُيِّدَتْ بِالْعَمَلِ الْمُوهِنِ لَمْ يَبْقَ لِلسَّبَبِ الْأَوَّلِ أَعْنِي الْهَدْمَ تَعَرُّضٌ
إلَخْ ) .
قَالَ الشَّيْخُ الْعَلَّامَةُ عَلِيٌّ الْمَقْدِسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَقُولُ يُمْكِنُ أَنْ نَخْتَارَ الْأَوَّلَ وَهُوَ التَّقْيِيدُ ، وَيُفْهَمُ وُجُوبُ الضَّمَانِ بِالْهَدْمِ بِالدَّلَالَةِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ الْعَمَلُ الَّذِي لَا يُقْصَدُ بِهِ الِانْهِدَامُ يُوجِبُ الضَّمَانَ فَالْهَدْمُ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى أَنْ يُوجِبَ فَتَأَمَّلْ ا هـ .

( وَزَرْعِهِ ) فَإِنَّ الْأَرْضَ الْمَغْصُوبَةَ إذَا انْتَقَصَتْ بِالزِّرَاعَةِ يَغْرَمُ النُّقْصَانَ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ الْبَعْضَ ( أَوْ بِإِجَارَةِ عَبْدٍ غَصَبَهُ ) عُطِفَ عَلَى بِفِعْلِهِ وَبَيَانٌ لِلضَّمَانِ فِي الْمَنْقُولِ أَيْ ضَمِنَ أَيْضًا مَا نَقَصَ بِإِجَارَةِ عَبْدٍ غَصَبَهُ فَحَصَلَ لَهُ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ نَقْصٌ بِسَبَبِ اسْتِغْلَالِهِ ( بِخِلَافِ الْمَبِيعِ ) يَعْنِي إذَا انْتَقَصَ شَيْءٌ مِنْ قِيمَةِ الْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ بِفَوَاتِ وَصْفٍ مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ الْمُشْتَرِي لَا يَضْمَنُ الْبَائِعُ شَيْئًا لِنُقْصَانِهِ حَتَّى لَا يَسْقُطَ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ ، وَإِنْ فَحُشَ النُّقْصَانُ .
( قَوْلُهُ وَزَرْعَهُ ) اخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِ نُقْصَانِ الْأَرْضِ بِهِ قَالَ نُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى رَحِمَهُ اللَّهُ إنَّهُ يَنْظُرُ بِكَمْ تُسْتَأْجَرُ قَبْلَ اسْتِعْمَالٍ وَبِكَمْ بَعْدَهُ فَتَفَاوُتُ مَا بَيْنَهُمَا نُقْصَانُهَا .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يُنْظَرُ بِكَمْ تُشْتَرَى قَبْلَ اسْتِعْمَالِهَا وَبِكَمْ تُشْتَرَى بَعْدَهُ فَتَفَاوُتُ مَا بَيْنَهُمَا نُقْصَانُهَا قِيلَ رَجَعَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ إلَى قَوْلِ نُصَيْرٍ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَقَالَ فِي التَّبْيِينِ وَهُوَ يَعْنِي قَوْلَ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ الْأَقْيَسُ ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لَقِيمَةِ الْعَيْنِ دُونَ الْمَنْفَعَةِ ا هـ .
( قَوْلُهُ أَيْ ضَمِنَ مَا نَقَصَ بِإِجَارَةِ عَبْدٍ غَصَبَهُ ) كَذَا لَوْ اسْتَعَارَهُ فَأَجَّرَهُ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ بِهِ غَاصِبًا وَالْمُرَادُ نُقْصَانُ الْعَيْنِ لَا الْقِيمَةِ بِتَرَاجُعِ السِّعْرِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمَبِيعِ
إلَخْ ) الْفَرْقُ بَيْنَ الْغَصْبِ وَالْبَيْعِ أَنَّ الْأَوْصَافَ لَا تُضْمَنُ بِالْعَقْدِ بَلْ بِالْفِعْلِ فَإِذَا لَمْ يَضْمَنْ فِي الْبَيْعِ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي إلَّا الْخِيَارُ .

( وَتَرَاجُعِ السِّعْرِ إذَا رَدَّ فِي مَكَانِ الْغَصْبِ ) يَعْنِي إذَا رَدَّ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ إلَى مَالِكِهِ بَعْدَ نُقْصَانِ السِّعْرِ فَإِنْ كَانَ الرَّدُّ فِي مَكَانِ الْغَصْبِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّ تَرَاجُعَهُ بِفُتُورِ الرَّغَبَاتِ لَا بِفَوَاتِ جُزْءٍ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ يُخَيَّرُ الْمَالِكُ بَيْنَ أَخْذِ الْقِيمَةِ وَبَيْنَ الِانْتِظَارِ إلَى الذَّهَابِ إلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ لِيَسْتَرِدّهُ ؛ لِأَنَّ النُّقْصَانَ حَصَلَ مِنْ قِبَلِ الْغَاصِبِ بِنَقْلِهِ إلَى هَذَا الْمَكَانِ ، فَكَانَ لَهُ أَنْ يَلْتَزِمَ الضَّرَرَ وَيُطَالِبَهُ بِالْقِيمَةِ وَلَهُ أَنْ يَنْتَظِرَ .

( وَتَصَدَّقَ بِأَجْرِهِ ) عُطِفَ عَلَى ضَمِنَ أَيْ إذَا غَصَبَ عَبْدًا مَثَلًا وَآجَرَهُ وَأَخَذَ أُجْرَتَهُ فَنَقَصَهُ بِالِاسْتِعْمَالِ وَضَمِنَ مَا نَقَصَ تَصَدَّقَ بِأَجْرِ أَخْذِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ، وَأَصْلُهُ أَنَّ الْغَلَّةَ لِلْغَاصِبِ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ؛ لِأَنَّ الْمَنَافِعَ لَا تَتَقَوَّمُ إلَّا بِالْعَقْدِ ، وَالْعَاقِدُ هُوَ الْغَاصِبُ فَهُوَ الَّذِي جَعَلَ مَنَافِعَ الْعَبْدِ مَالًا بِعَقْدِهِ فَكَانَ هُوَ أَوْلَى بِبَدَلِهَا ، وَيُؤْمَرُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا لِاسْتِفَادَتِهَا بِبَدَلٍ خَبِيثٍ ، وَهُوَ التَّصَرُّفُ فِي مَالِ الْغَيْرِ .
( قَوْلُهُ وَتَصَدَّقَ بِأَجْرِهِ
إلَخْ ) هَذَا عِنْدَهُمَا ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَتَصَدَّقُ بِهِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا زَادَ عَلَى مَا ضَمِنَ عِنْدَهُمَا لَا بَالِغَةً كُلَّهَا .

( وَأَجْرِ مُسْتَعَارِهِ ) أَيْ إذَا اسْتَعَارَ شَيْئًا وَآجَرَهُ وَأَخَذَ أَجْرَهُ مَلَكَهُ ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ تَصَدُّقُهُ لِمَا ذَكَرَ ، ( وَرِبْحٍ ) أَيْ تَصَدَّقَ أَيْضًا بِرِبْحٍ ( حَصَلَ بِالتَّصَرُّفِ فِي مُودَعِهِ وَمَغْصُوبِهِ مُتَعَيَّنًا بِالْإِشَارَةِ أَوْ الشِّرَاءِ بِدَرَاهِمِ الْوَدِيعَةِ أَوْ الْغَصْبِ وَنَقَدَهَا فَإِنْ أَشَارَ إلَيْهَا وَنَقَدَ غَيْرَهَا أَوْ إلَى غَيْرِهَا أَوْ أَطْلَقَ وَنَقَدَهَا لَا ) يَعْنِي أَنَّ الْمُودِعَ أَوْ الْغَاصِبَ إذَا تَصَرَّفَ فِي الْوَدِيعَةِ أَوْ الْمَغْصُوبِ وَرَبِحَ يَتَصَدَّقُ بِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ، وَهَذَا وَاضِحٌ فِيمَا يَتَعَيَّنُ بِالْإِشَارَةِ إلَيْهِ كَالْعُرُوضِ وَنَحْوِهَا ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَتَعَلَّقُ بِهِ حَتَّى لَوْ هَلَكَ قَبْلَ الْقَبْضِ يَبْطُلُ الْبَيْعُ فَيَسْتَفِيدُ الرَّقَبَةَ وَالْيَدَ فِي الْمَبِيعِ بِمِلْكٍ خَبِيثٍ ، فَيَتَصَدَّقُ بِهِ أَمَّا فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ إذَا اشْتَرَى بِهَا فَإِنَّهُ يَتَصَدَّقُ بِالرِّبْحِ فَظَاهِرُ هَذِهِ الْعِبَارَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ إذَا أَشَارَ إلَيْهَا وَنَقَدَ مِنْهَا ، وَأَمَّا إذَا أَشَارَ إلَيْهَا وَنَقَدَ مِنْ غَيْرِهَا أَوْ أَطْلَقَ وَنَقَدَ مِنْهَا أَوْ أَشَارَ إلَى غَيْرِهَا وَنَقَدَ مِنْهَا فَفِي كُلِّ ذَلِكَ يَطِيبُ لَهُ ؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ إلَيْهَا لَا تُفِيدُ التَّعْيِينَ فَيَسْتَوِي وُجُودُهَا وَعَدَمُهَا إلَّا أَنْ يَتَأَكَّدَ بِالنَّقْدِ مِنْهَا وَبِهِ كَانَ يُفْتِي الْإِمَامُ أَبُو اللَّيْثِ ، .
وَفِي الْكَافِي قَالَ مَشَايِخُنَا لَا يَطِيبُ بِكُلِّ حَالٍ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْ الْمُشْتَرِي قَبْلَ أَنْ يَضْمَنَ وَبَعْدَ الضَّمَانِ لَا يَطِيبُ لَهُ الرِّبْحُ بِكُلِّ حَالٍ ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ لِإِطْلَاقِ الْجَوَابِ فِي الْجَامِعِينَ وَالْعِمَادِيَّةِ ( آجَرَهُ ) أَيْ الْغَاصِبُ ( فَأَجَازَ مَالِكَهُ فِي الْمُدَّةِ فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَجْرُ مَا مَضَى قَبْلَ الْإِجَازَةِ ، وَمَا بَقِيَ لِمَالِكِهِ ) ؛ لِأَنَّ الْغَاصِبَ فُضُولِيٌّ فِي حَقِّ مَالِكِهِ ، ( وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ أَجْرُ مَا مَضَى لِغَاصِبِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ

الْعَاقِدُ ( وَمَا بَقِيَ لِمَالِكِهِ ) لِأَنَّهُ فُضُولِيٌّ فِي حَقِّ مَالِكِهِ ، ( كَذَا ) أَيْ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ ( لَوْ آجَرَهُ فَاسْتُحِقَّ فِي الْمُدَّةِ ، وَأَجَازَ الْمُسْتَحِقُّ ) لِأَنَّهُ كَالْمَالِكِ ( غَصَبَ ) أَيْ رَجُلٌ ( مَالًا وَغَيَّرَهُ ) أَيْ الْمَغْصُوبَ ( بِفِعْلِهِ ) احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا تَغَيَّرَ بِغَيْرِ فِعْلِهِ مِثْلَ أَنْ صَارَ الْعِنَبُ زَبِيبًا بِنَفْسِهِ أَوْ الرُّطَبُ تَمْرًا فَإِنَّ الْمَالِكَ فِيهِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ ، وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ وَضَمِنَهُ ( فَزَالَ اسْمُهُ فَفَاتَ أَعْظَمُ مَنَافِعِهِ ) احْتِرَازٌ عَمَّا إذَا غَصَبَ شَاةً فَذَبَحَهَا فَإِنَّ مِلْكَ مَالِكِهَا لَمْ يَزُلْ بِالذَّبْحِ الْمُجَرَّدِ إذْ لَمْ يَزُلْ اسْمُهَا حَيْثُ يُقَالُ شَاةٌ مَذْبُوحَةٌ وَلَمْ يَقُلْ وَأَعْظَمُ مَنَافِعِهِ ؛ لِأَنَّ مَنْ قَالَهُ قَصَدَ تَنَاوُلَهُ الْحِنْطَةَ إذَا غَصَبَهَا وَطَحَنَهَا ، فَإِنَّ الْمَقَاصِدَ الْمُتَعَلِّقَةَ بِعَيْنِ الْحِنْطَةِ كَجَعْلِهَا هَرِيسَةً وَنَحْوَهَا تَزُولُ بِالطَّحْنِ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ زَالَ اسْمُهُ مُغْنٍ عَنْهُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ ( أَوْ اخْتَلَطَ ) أَيْ الْمَغْصُوبُ ( بِمِلْكِ الْغَاصِبِ وَلَمْ يَتَمَيَّزْ أَصْلًا ) كَاخْتِلَاطِ بُرِّهِ بِبُرِّهِ أَوْ شَعِيرِهِ بِشَعِيرِهِ ( أَوْ ) لَمْ يَتَمَيَّزْ ( إلَّا بِحَرَجٍ ) كَاخْتِلَاطِ بُرِّهِ بِشَعِيرِهِ أَوْ الْعَكْسِ ( ضَمِنَهُ ) أَيْ الْغَاصِبُ الْمَغْصُوبَ ( وَمَلَكَهُ ) ، أَمَّا الضَّمَانُ فِي صُورَةِ التَّغْيِيرِ وَزَوَالُ الِاسْمِ فَلِكَوْنِهِ مُتَعَدِّيًا ، وَأَمَّا الْمِلْكُ فَلِأَنَّهُ أَحْدَثَ صَنْعَةً مُتَقَوِّمَةً ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الشَّاةِ تَزْدَادُ بِطَبْخِهَا أَوْ شَيِّهَا ، وَكَذَا قِيمَةُ الْحِنْطَةِ تَزْدَادُ بِجَعْلِهَا دَقِيقًا ، وَأَحْدَاثُهَا صَيَّرَ حَقَّ الْمَالِكِ هَالِكًا مِنْ وَجْهٍ حَتَّى تَبَدَّلَ الِاسْمُ وَفَاتَ أَعْظَمُ الْمَنَافِعِ ، وَحَقُّ الْغَاصِبِ فِي الصِّفَةِ قَائِمٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَيَكُونُ رَاجِحًا عَلَى الْهَالِكِ مِنْ وَجْهٍ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ ضَرْبَيْ التَّرْجِيحِ إذَا تَعَارَضَا كَانَ الرُّجْحَانُ فِي الذَّاتِ أَحَقَّ مِنْهُ فِي الْحَالِ ،

وَأَمَّا الضَّمَانُ فِي الِاخْتِلَاطِ فَلِكَوْنِهِ مُتَعَدِّيًا فِيهِ أَيْضًا ، وَأَمَّا الْمِلْكُ فَلِئَلَّا يَجْتَمِعَ الْبَدَلَانِ فِي مِلْكِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ ( بِلَا حِلٍّ ) مُتَعَلِّقٍ بِمَلَكِهِ ( قَبْلَ الرِّضَا ) أَيْ رِضَا الْمَالِكِ إمَّا بِأَدَاءِ بَدَلِهِ أَوْ إبْرَائِهِ أَوْ تَضْمِينِ الْقَاضِي ، وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ ، وَالْقِيَاسُ الْحِلُّ ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ ثَبَتَ بِكَسْبِهِ ، وَالْمِلْكُ مُجَوِّزٌ لِلتَّصَرُّفِ بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى رِضَا غَيْرِهِ ، وَلِهَذَا لَوْ وَهَبَهُ أَوْ بَاعَهُ صَحَّ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الشَّاةِ الْمَذْبُوحَةِ الْمُطْلَقَةِ بِلَا رِضَا صَاحِبِهَا { أَطْعِمُوهَا الْأَسْرَى } فَأَفَادَ الْأَمْرُ بِالتَّصَدُّقِ زَوَالَ مِلْكِ الْمَالِكِ وَحُرْمَةَ الِانْتِفَاعِ لِلْغَاصِبِ قَبْلَ الرِّضَا وَلِأَنَّ فِي إبَاحَةِ الِانْتِفَاعِ فَتْحَ بَابِ الْغَصْبِ فَيَحْرُمُ قَبْلَ الرِّضَا حَسْمًا لِمَادَّةِ الْفَسَادِ وَنَفَذَ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ فِي الْحُرْمَةِ لِقِيَامِ الْمِلْكِ كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ ( كَذَبْحِ شَاةٍ وَطَبْخِهَا أَوْ شَيِّهَا وَطَحْنِ بُرٍّ وَزَرْعِهِ وَجَعْلِ حَدِيدٍ سَيْفًا وَالْبِنَاءِ عَلَى سَاجَةٍ ) وَهِيَ شَجَرٌ عَظِيمٌ جِدًّا لَا تَنْبُتُ إلَّا بِبِلَادِ الْهِنْدِ ( وَإِنْ ضَرَبَ الْحَجَرَيْنِ دِرْهَمًا أَوْ دِينَارًا أَوْ إنَاءً فَلِمَالِكِهِ بِلَا شَيْءٍ ) ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ بَاقِيَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، وَمَعْنَاهُ الْأَصْلِيُّ الثَّمَنِيَّةُ ، وَكَوْنُهُ مَوْزُونًا وَهُمَا بَاقِيَانِ حَتَّى جَرَى فِيهِ الرِّبَا بِاعْتِبَارِهِمَا ( ذَبَحَ شَاةً غَيْرُهُ طَرَحَهَا ) أَيْ ذَلِكَ الْغَيْرُ شَاتَهُ ( عَلَيْهِ ) أَيْ الذَّابِحِ ( وَأَخَذَ قِيمَتَهَا أَوْ أَخَذَهَا ) أَيْ الشَّاةَ الْمَذْبُوحَةَ يَعْنِي أَنَّ الْمَالِكَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ ضَمَّنَهُ قِيمَتَهَا وَسَلَّمَ الشَّاةَ إلَيْهِ ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَهَا ( وَضَمِنَ نُقْصَانَهَا ) ؛ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ مِنْ وَجْهٍ لِفَوَاتِ بَعْضِ الْمَنَافِعِ كَالْحَمْلِ وَالدَّرِّ وَالنَّسْلِ وَبَقَاءِ بَعْضِهَا ، وَهُوَ اللَّحْمُ وَإِنْ كَانَتْ الدَّابَّةُ غَيْرَ مَأْكُولَةِ اللَّحْمِ فَقَطَعَ الْغَاصِبُ طَرَفَهَا

يُضَمِّنُهُ الْمَالِكُ جَمِيعَ قِيمَتِهَا لِوُجُودِ الِاسْتِهْلَاكِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ( كَذَا لَوْ خَرَقَ ثَوْبًا وَفَوَّتَ بَعْضَهُ وَبَعْضَ نَفْعِهِ ) يَعْنِي أَنَّ الْمَالِكَ مُخَيَّرٌ فِيهِ إنْ شَاءَ ضَمَّنَ الْغَاصِبَ كُلَّ قِيمَةِ ثَوْبِهِ وَكَانَ الثَّوْبُ لِلْغَاصِبِ ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ الثَّوْبَ وَضَمَّنَهُ النُّقْصَانَ لِمَا ذَكَرَ ، ( وَلَوْ ) فَوَّتَ ( كُلَّهُ ضَمِنَ ) أَيْ الْغَاصِبُ ( كُلَّهَا ) أَيْ كُلَّ الْقِيمَةِ ( وَفِي ) خَرْقٍ يَسِيرٍ ( نَقَصَهُ بِلَا تَفْوِيتِ شَيْءٍ مِنْهُ ضَمِنَ مَا نَقَصَ ) ، وَأَخَذَ رَبُّ الثَّوْبِ ثَوْبَهُ ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ قَائِمَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ .

( قَوْلُهُ أَمَّا فِيمَا لَا يَتَعَيَّنُ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ
إلَخْ ) كَذَا ذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ هَذَا التَّقْسِيمَ عَنْ الْكَرْخِيِّ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ ، وَذَكَرَ الِاخْتِيَارَ الْمَذْكُورَ أَيْضًا ثُمَّ قَالَ وَاخْتِيَارُ بَعْضِهِمْ الْفَتْوَى بِقَوْلِ الْكَرْخِيِّ فِي زَمَانِنَا لِكَثْرَةِ الْحَرَامِ ا هـ .
وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِالْبَعْضِ الْفَقِيهَ السَّمَرْقَنْدِيَّ ا هـ .
وَالِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمْ فِي التَّصَدُّقِ فِيمَا إذَا صَارَ بِالتَّقَلُّبِ مِنْ جِنْسِ مَا ضَمِنَ بِأَنْ ضَمِنَ دَرَاهِمَ مَثَلًا وَصَارَ فِي يَدِهِ مِنْ بَدَلِ الْمَضْمُونِ دَرَاهِمُ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهَا كَطَعَامٍ وَعُرُوضٍ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ التَّصَدُّقُ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ قَوْلُهُ وَلَمْ يَقُلْ وَأَعْظَمُ مَنَافِعِهِ
إلَخْ ) عَلَى هَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَذْكُرَ مَا قَدَّمَهُ بِقَوْلِهِ فَفَاتَ أَعْظَمُ مَنَافِعِهِ وَإِنْ كَانَ شَرْحًا .
( قَوْلُهُ وَالْبِنَاءِ عَلَى سَاجَةٍ ) بِالْجِيمِ وَالسَّاحَةُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ يَأْتِي ذِكْرُهَا وَالْحُكْمُ بِزَوَالِ مِلْكِ مَالِكِهَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ بِنَاءِ الْغَاصِبِ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهَا ، وَإِلَّا فَلَا كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَالتَّبْيِينِ وَقَالَ فِي الذَّخِيرَةِ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْأَصْلِ مَا إذَا أَرَادَ الْغَاصِبُ أَنْ يَنْقُضَ الْبِنَاءَ وَيَرُدَّ السَّاجَةَ مَعَ أَنَّهُ تَمَلَّكَهَا بِالضَّمَانِ هَلْ يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ وَهَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ إنْ كَانَ الْقَاضِي قَضَى عَلَيْهِ بِالْقِيمَةِ لَا يَحِلُّ لَهُ نَقْضُ الْبِنَاءِ ، وَإِذَا نَقَضَ لَمْ يَسْتَطِعْ رَدَّ السَّاجَةِ وَإِنْ لَمْ يَقْضِ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ بَعْضُهُمْ قَالُوا يَحِلُّ وَبَعْضُهُمْ قَالُوا لَا يَحِلُّ لِمَا فِيهِ مِنْ تَضْيِيعِ الْمَالِ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ كَذَا فِي النِّهَايَةِ ، وَإِذَا كَانَتْ قِيمَةُ السَّاجَةِ وَالْبِنَاءِ سَوَاءً فَإِنْ اصْطَلَحَا عَلَى شَيْءٍ جَازَ ، وَإِنْ تَنَازَعَ يُبَاعُ الْبِنَاءُ عَلَيْهِمَا وَيُقْسَمُ الثَّمَنُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ مَا لَهُمَا كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَوْلُهُ كَذَا لَوْ خَرَقَ ثَوْبًا وَفَوَّتَ بَعْضَهُ

وَبَعْضَ نَفْعِهِ ) لَفْظُ الثَّوْبِ مُحْتَمَلٌ لِمَا يُلْبَسُ كَالْقَمِيصِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلِمَا لَا يُلْبَسُ كَالْكِرْبَاسِ كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَإِنَّمَا عَبَّرَ بِمَا ذُكِرَ اكْتِفَاءً بِالصَّحِيحِ فِي مَعْرِفَةِ الْخَرْقِ الْفَاحِشِ ؛ لِأَنَّ الْمُتَأَخِّرِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْحَدِّ الْفَاصِلِ بَيْنَ الْفَاحِشِ وَالْيَسِيرِ بَعْضُهُمْ قَالَ إنْ أَوْجَبَ نُقْصَانَ رُبْعِ الْقِيمَةِ فَصَاعِدًا فَهُوَ فَاحِشٌ وَإِنْ دُونَ ذَلِكَ فَهُوَ يَسِيرٌ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ أَوْجَبَ نُقْصَانَ نِصْفِ الْقِيمَةِ فَهُوَ فَاحِشٌ وَمَا دُونَهُ يَسِيرٌ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ الْفَاحِشُ مَا لَا يَصْلُحُ لِثَوْبٍ مَا وَالْيَسِيرُ مَا يَصْلُحُ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّحْدِيدِ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ الثَّلَاثَةِ لَا يَصِحُّ وَذَكَرَ وَجْهَهُ فِي النِّهَايَةِ ثُمَّ قَالَ فَالصَّحِيحُ مَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ إنَّ الْخَرْقَ الْفَاحِشَ مَا يَفُوتُ بِهِ بَعْضُ الْعَيْنِ ، وَبَعْضُ الْمَنْفَعَةِ بِأَنْ فَاتَ جِنْسُ الْمَنْفَعَةِ وَبَقِيَ بَعْضُ الْعَيْنِ وَبَعْضُ الْمَنْفَعَةِ ، وَالْيَسِيرُ مِنْ الْخَرْقِ مَا لَا يَفُوتُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْمَنْفَعَةِ ، وَإِنَّمَا يَفُوتُ جَوْدَتُهُ وَيَدْخُلُ بِسَبَبِهِ نُقْصَانٌ فِي الْمَالِيَّةِ ا هـ لَكِنْ يَتَأَمَّلُ فِي تَفْسِيرِ فَوَاتِ بَعْضِ الْمَنْفَعَةِ بِفَوَاتِ جِنْسِ الْمَنْفَعَةِ ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ يَظْهَرُ بِقَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْفَاحِشَ مَا يَفُوتُ بِهِ بَعْضُ الْعَيْنِ وَجِنْسُ الْمَنْفَعَةِ وَيَبْقَى بَعْضُ الْعَيْنِ وَبَعْضُ الْمَنْفَعَةِ ا هـ بِقِرَاءَةٍ وَجِنْسِ الْمَنْفَعَةِ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ وَهُوَ الْعَيْنُ فَيَكُونُ الْعَامِلُ فِيهِ لَفْظَ بَعْضٍ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ وَيَبْقَى بَعْضُ الْعَيْنِ وَبَعْضُ الْمَنْفَعَةِ ( قَوْلُهُ وَفِي خَرْقٍ يَسِيرٍ
إلَخْ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَلَيْسَ لَهُ غَيْرُ الرُّجُوعِ بِالنُّقْصَانِ ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ قَائِمَةٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، وَإِنَّمَا دَخَلَهُ عَيْبٌ ا هـ .
وَهَذَا إذَا قُطِعَ الثَّوْبُ قَمِيصًا ، وَلَمْ يَخِطْهُ فَإِنْ خَاطَهُ يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَالِكِ عِنْدَنَا كَذَا فِي النِّهَايَةِ عَنْ

الذَّخِيرَةِ .

( بَنَى فِي أَرْضِ غَيْرِهِ أَوْ غَرَسَ قُلِعَا ) أَيْ الْبِنَاءُ وَالْغَرْسُ ( وَرُدَّتْ ) ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ لَا تُغْصَبُ حَقِيقَةً فَيَبْقَى فِيهَا حَقُّ الْمَالِكِ كَمَا كَانَ ، وَالْغَاصِبُ جَعَلَهَا مَشْغُولَةً فَيُؤْمَرُ بِتَفْرِيغِهَا كَمَا لَوْ شَغَلَ ظَرْفَ غَيْرِهِ بِطَعَامِهِ ( وَلِمَالِكِهَا ) أَيْ الْأَرْضِ ( أَنْ يَضْمَنَ لَهُ ) أَيْ لِلْبَانِي أَوْ الْغَارِسِ ( قِيمَتَهَا ) أَيْ قِيمَةَ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ ( إنْ نَقَصَتْ ) أَيْ الْأَرْضُ ( بِهِ ) أَيْ بِالْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ وَبَيَّنَ طَرِيقَ مَعْرِفَةِ قِيمَتِهَا بِقَوْلِهِ ( فَتَقْوَى ) أَيْ الْأَرْضُ ( بِدُونِهِمَا ) أَيْ بِدُونِ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ ( وَمَا أَحَدُهُمَا ) حَالَ كَوْنِهِ ( مُسْتَحِقَّ الْقَلْعِ فَيَضْمَنُ الْفَضْلَ ) فَإِنَّ قِيمَةَ الشَّجَرِ وَالْبِنَاءِ الْمُسْتَحَقِّ الْقَلْعَ أَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ مَقْلُوعًا فَقِيمَةُ الْمَقْلُوعِ إذَا نَقَصَتْ مِنْهَا أُجْرَةُ الْقَلْعِ كَانَ الْبَاقِي قِيمَةَ الشَّجَرِ الْمُسْتَحِقِّ الْقَلْعَ ، فَإِذَا كَانَتْ قِيمَةُ الْأَرْضِ مِائَةً وَقِيمَةُ الشَّجَرِ الْمَقْلُوعِ عَشَرَةً ، وَأُجْرَةُ الْقَلْعِ دِرْهَمًا بَقِيَ تِسْعَةُ دَرَاهِمَ فَالْأَرْضُ مَعَ هَذَا الشَّجَرِ تُقَوَّمُ بِمِائَةٍ وَتِسْعَةِ دَرَاهِمَ فَيَضْمَنُ الْمَالِكُ التِّسْعَةَ ( هَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ السَّاحَةِ أَكْثَرَ مِنْ قِيمَةِ الْبِنَاءِ أَوْ الْغَرْسِ ، وَإِذَا عُكِسَ فَلِلْغَاصِبِ أَنْ يَضْمَنَ لَهُ قِيمَةَ السَّاحَةِ فَيَأْخُذَهَا ) أَيْ السَّاحَةَ كَذَا فِي النِّهَايَةِ ( حَمَّرَ الثَّوْبَ ) الَّذِي غَصَبَهُ ( أَوْ صَفَّرَ أَوْ لَتَّ السَّوِيقَ ) الَّذِي غَصَبَهُ ( بِسَمْنٍ ) فَالْمَالِكُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ ( ضَمَّنَهُ ) أَيْ الثَّوْبَ حَالَ كَوْنِهِ ( أَبْيَضَ ) يَعْنِي أَخَذَ مِنْهُ قِيمَةَ ثَوْبٍ أَبْيَضَ ( وَمِثْلُ سَوِيقِهِ ) وَسَلَّمَهُ إلَى الْغَاصِبِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْمِثْلِيَّاتِ ، ( وَأَخَذَهُمَا ) أَيْ الثَّوْبَ وَالسَّوِيقَ ( وَضَمِنَ مَا زَادَ الصَّبْغَ وَالسَّمْنَ ) ؛ لِأَنَّ الصَّبْغَ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ كَالثَّوْبِ وَبِغَصْبِهِ وَصَبْغِهِ لَا يَسْقُطُ حُرْمَةُ مَالِهِ ، وَيَجِبُ صِيَانَتُهَا مَا أَمْكَنَ وَذَا فِي مَعْنَى

إيصَالِ مَالِ أَحَدِهِمَا إلَيْهِ وَإِبْقَاءِ حَقِّ الْآخَرِ فِي عَيْنَ مَالِهِ ، وَهُوَ فِيمَا قُلْنَا مِنْ التَّخْيِيرِ إلَّا أَنَّا أَثْبَتْنَا الْخِيَارَ لِرَبِّ الثَّوْبِ لِأَنَّهُ صَاحِبُ أَصْلٍ ، وَالْغَاصِبُ صَاحِبُ وَصْفٍ ( وَإِنْ سَوَّدَ ) أَيْ الْغَاصِبُ ( ضَمَّنَهُ ) أَيْ الْمَالِكُ ( أَبْيَضَ أَوْ أَخَذَهُ وَلَا شَيْءَ لِلْغَاصِبِ مِنْ أَجْرِ التَّسْوِيدِ ) لِأَنَّهُ نَقْصٌ .
( قَوْلُهُ هَذَا إذَا كَانَتْ قِيمَةُ السَّاحَةِ ) هُوَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالتَّقْيِيدُ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ ثُمَّ قَالَ وَهَذَا أَيْ التَّقْيِيدُ بِمَا ذَكَرَ أَقْرَبُ فِي مَسَائِلَ حُفِظَتْ عَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَوْ ابْتَلَعَتْ دَجَاجَةٌ لُؤْلُؤَةَ الْغَيْرِ
إلَخْ ( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّهُ صَاحِبُ أَصْلٍ وَالْغَاصِبُ صَاحِبُ وَصْفٍ ) كَذَا الْخِيَارُ ثَابِتٌ لِصَاحِبِ السَّوِيقِ إذْ هُوَ أَصْلٌ وَالسِّمَنُ تَبَعٌ ( قَوْلُهُ وَإِنْ سَوَّدَ
إلَخْ ) مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَعِنْدَهُمَا هُوَ زِيَادَةٌ كَالْحُمْرَةِ ، وَهُوَ اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ فَالْمُعْتَبَرُ الزِّيَادَةُ وَالنَّقْصُ

( فَصْلٌ ) ( غَيَّبَ ) أَيْ الْغَاصِبُ ( مَا غَصَبَ وَضَمِنَ قِيمَتَهُ مَلَكَهُ ) أَيْ الْغَاصِبُ مِلْكًا ( مُسْتَنِدًا ) إلَى وَقْتِ الْغَصْبِ .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَمْلِكُهُ ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ تَعَدٍّ مَحْضٌ فَلَا يَكُونُ مُوجِبًا لِلْمِلْكِ لِأَنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ فَيَسْتَدْعِي سَبَبًا مَشْرُوعًا ، وَلَنَا أَنَّ الْمَالِكَ مَلَكَ بَدَلَ الْمَغْصُوبِ بِكَمَالِهِ أَيْ رَقَبَةً وَيَدًا فَوَجَبَ أَنْ يَخْرُجَ الْمَغْصُوبُ عَنْ مِلْكِهِ لِئَلَّا يُجْمَعُ الْبَدَلُ وَالْمُبْدَلُ فِي مِلْكِ شَخْصٍ وَاحِدٍ ، وَوَجَبَ أَنْ يَدْخُلَ فِي مِلْكِ الْغَاصِبِ ، وَإِلَّا لَزِمَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ بِلَا مَالِكٍ ( وَصُدِّقَ ) أَيْ الْغَاصِبُ ( فِي قِيمَتِهِ ) أَيْ الْمَغْصُوبِ ( بِيَمِينِهِ إنْ لَمْ يُبَرْهِنْ الْمَالِكُ لِلزِّيَادَةِ ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى الْمَالِكُ زِيَادَةَ قِيمَةِ الْمَغْصُوبِ ، وَأَنْكَرَهَا الْغَاصِبُ فَإِنْ بَرْهَنَ الْمَالِكُ قُبِلَ ، وَإِلَّا صُدِّقَ الْغَاصِبُ بِيَمِينِهِ فِي نَفْيِ الزِّيَادَةِ كَمَا فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى ، ( فَإِنْ ظَهَرَ ) أَيْ الْمَغْصُوبُ ( وَهِيَ ) أَيْ قِيمَةٌ ( أَكْثَرُ ) مِمَّا ضَمِنَ الْغَاصِبُ ( وَقَدْ ضَمِنَ بِقَوْلِهِ ) مَعَ يَمِينِهِ ( أَخَذَهُ ) أَيْ الْمَغْصُوبَ ( الْمَالِكُ وَرَدَّ عِوَضَهُ أَوْ أَمْضَى ) أَيْ الْمَالِكُ ( الضَّمَانَ ) ؛ لِأَنَّ رِضَاهُ بِهَذَا الْقَدْرِ لَمْ يَتِمَّ حَيْثُ ادَّعَى الزِّيَادَةَ ، وَإِنَّمَا أَخَذَ دُونَهَا لِعَدَمِ الْبَيِّنَةِ .

( فَصْلٌ ) ( قَوْلُهُ مَلَكَهُ مِلْكًا مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْغَصْبِ ) الِاسْتِنَادُ لَيْسَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إذْ لَا يُمْلَكُ الْوَلَدُ قَوْلُهُ وَإِلَّا لَزِمَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ بِلَا مَالِكٍ ) الْأَوْلَى أَنْ يُعَلِّلَ بِأَنَّهُ لَمَّا تَعَذَّرَ بِرَدِّ الْعَيْنِ وَقَضَى بِالْقِيمَةِ عِنْدَ الْعَجْزِ بِطَرِيقِ الْجُبْرَانِ ثَبَتَ الْمِلْكُ بِهِ لِلْغَاصِبِ شَرْطًا لِلْقَضَاءِ بِالْقِيمَةِ .
ا هـ .
؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُوجَدُ الْمِلْكُ بِلَا مِلْكٍ كَسَدَنَةِ الْكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ ( قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُبَرْهِنَ الْمَالِكُ ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي دَعْوَى الْمَالِكِ ذِكْرُ أَوْصَافِ الْمَغْصُوبِ بِخِلَافِ سَائِرِ الدَّعَاوَى ، وَيَنْبَغِي أَنْ تُحْفَظَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَإِنْ بَرْهَنَ الْمَالِكُ قُبِلَ وَإِلَّا صُدِّقَ الْغَاصِبُ بِيَمِينِهِ فِي نَفْيِ الزِّيَادَةِ ) يُشِيرُ إلَى عَدَمِ قَبُولِ بَيِّنَةِ الْغَاصِبِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي النِّهَايَةِ قَالَ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهَا تَنْفِي الزِّيَادَةَ ، وَالْبَيِّنَةُ عَلَى النَّفْيِ لَا تُقْبَلُ قَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ بَيِّنَةُ الْغَاصِبِ لِإِسْقَاطِ الْيَمِينِ عَنْ نَفْسِهِ كَالْمُودِعِ عَلَى رَدِّ الْوَدِيعَةِ ، وَكَانَ الْقَاضِي أَبُو عَلِيٍّ النَّسَفِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عُدَّتْ مُشْكِلَةً وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ مَسْأَلَةِ الْوَدِيعَةِ وَبَيْنَ هَذِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ فَإِنْ ظَهَرَ أَيْ الْمَغْصُوبُ وَهِيَ أَيْ قِيمَتُهُ أَكْثَرُ
إلَخْ ) كَذَا الْخِيَارُ لِلْمَالِكِ إنْ ظَهَرَ الْمَغْصُوبُ وَقِيمَتُهُ مِثْلَ مَا ضَمِنَ الْغَاصِبُ أَوْ أَقَلَّ ، وَقَدْ ضَمِنَ بِقَوْلِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ كَمَا فِي النِّهَايَةِ وَالتَّبْيِينِ وَلِلْغَاصِبِ حَبْسُ الْعَيْنِ حَتَّى يَأْخُذَ الْقِيمَةَ .

( وَلَوْ ) ضَمِنَ الْغَاصِبُ ( بِقَوْلِ مَالِكِهِ أَوْ حُجَّتِهِ ) أَيْ حُجَّةِ مَالِكِهِ ( أَوْ نُكُولِ الْغَاصِبِ فَهُوَ لَهُ ) أَيْ لِلْغَاصِبِ ( وَلَا خِيَارَ لِلْمَالِكِ ) ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِالْمُبَادَلَةِ بِهَذَا الْقَدْرِ حَيْثُ ادَّعَى هَذَا الْقَدْرَ فَقَطْ ( نَفَذَ بَيْعُ غَاصِبٍ ضَمِنَ بَعْدَ بَيْعِهِ لَا إعْتَاقُهُ كَذَلِكَ ) أَيْ إذَا ضَمِنَ بَعْدَ الْإِعْتَاقِ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ الثَّابِتَ لِلْغَاصِبِ نَاقِصٌ لِثُبُوتِهِ مُسْتَنِدًا أَوْ الثَّابِتُ مُسْتَنِدًا ثَابِتٌ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ وَالْمِلْكُ النَّاقِصُ يَكْفِي لِنَفَاذِ الْبَيْعِ دُونَ الْعِتْقِ ( زَوَائِدُ الْمَغْصُوبِ مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ مُتَّصِلَةً كَالسِّمَنِ وَالْحُسْنِ أَوْ مُنْفَصِلَةً كَالْوَلَدِ وَالثَّمَرِ ( لَا تُضْمَنُ إلَّا بِالتَّعَدِّي أَوْ الْمَنْعِ بَعْدَ الطَّلَبِ ) ؛ لِأَنَّهَا أَمَانَةٌ وَحُكْمُهُمَا هَذَا ( وَمَا نَقَصَتْ الْجَارِيَةُ بِالْوِلَادَةِ مَضْمُونٌ وَيُجْبَرُ بِوَلَدِهَا ) ، أَيْ إذَا وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ الْمَغْصُوبَةُ وَلَدًا كَانَ النُّقْصَانُ مَضْمُونًا عَلَى الْغَاصِبِ فَإِنْ كَانَ فِي قِيمَةِ الْوَلَدِ وَفَاءً بِهِ جَبْرُ النُّقْصَانِ بِالْوَلَدِ ، وَيَسْقُطُ ضَمَانُهُ عَنْ الْغَاصِبِ ، وَإِلَّا فَيَسْقُطُ بِحِسَابِهِ ( زَنَى بِأَمَةٍ غَصَبَهَا ) فَحَبِلَتْ ( فَرُدَّتْ حَامِلًا فَوَلَدَتْ فَمَاتَتْ ضَمِنَ قِيمَتَهَا ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرُدَّهَا كَمَا أَخَذَهَا ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَهَا وَلَمْ يَنْعَقِدْ فِيهَا سَبَبُ التَّلَفِ ، وَرَدَّهَا وَفِيهَا ذَلِكَ فَصَارَ كَمَا إذَا جَنَتْ جِنَايَةً فِي يَدِ الْغَاصِبِ فَقُتِلَتْ بِهَا أَوْ دُفِعَتْ بِهَا بَعْدَ الرَّدِّ ، فَإِنَّهَا يُرْجَعُ بِقِيمَتِهَا عَلَى الْغَاصِبِ كَذَا هَذَا ( بِخِلَافِ الْحُرَّةِ ) يَعْنِي إذَا زَنَى بِهَا رَجُلٌ مُكْرَهَةً فَحَبِلَتْ فَمَاتَتْ فِي نِفَاسِهَا فَإِنَّهَا لَا تُضْمَنُ بِالْغَصْبِ لِيَبْقَى عِنْدَ فَسَادِ الرَّدِّ ضَمَانُ الْأَخْذِ ( زَنَى بِهَا ) أَيْ بِأَمَةٍ غَصَبَهَا ( وَاسْتَوْلَدَهَا ) أَيْ حَبِلَتْ مِنْهُ ( فَادَّعَى ثَبَتَ النَّسَبُ ) بَعْدَ إرْضَاءِ الْمَالِكِ ؛ لِأَنَّ التَّضْمِينَ مِمَّنْ لَهُ حَقُّ التَّضْمِينِ أَوْرَثَ شُبْهَةً ،

وَالنَّسَبُ يَثْبُتُ بِهَا كَمَا لَوْ زُفَّتْ لَهُ غَيْرُ امْرَأَتِهِ ( وَالْوَلَدُ رَقِيقٌ ) ؛ لِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ لَا تَثْبُتَ بِالشُّبْهَةِ كَذَا فِي الْكَافِي ( الْمَنَافِعُ ) كَرُكُوبِ الدَّابَّةِ وَسُكْنَى الدَّارِ وَاسْتِخْدَامِ الْمَمْلُوكِ ( لَا تُضْمَنُ بِالْغَصْبِ وَالْإِتْلَافِ ) صُورَةُ غَصْبِ الْمَنَافِعِ أَنْ يَغْصِبَ عَبْدًا مَثَلًا وَيُمْسِكَهُ شَهْرًا وَلَا يَسْتَعْمِلَهُ ثُمَّ يَرُدَّهُ عَلَى سَيِّدِهِ ، وَصُورَةُ إتْلَافِ الْمَنَافِعِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ الْعَبْدَ شَهْرًا ثُمَّ يَرُدَّهُ عَلَى سَيِّدِهِ كَذَا فِي الْكَافِي ، ( بَلْ ) يَضْمَنُ ( مَا يَنْقُصُ بِاسْتِعْمَالِهِ ) فَيَغْرَمُ النُّقْصَانَ ( إلَّا أَنْ يَكُونَ ) أَيْ الْمَغْصُوبُ اسْتِثْنَاءً مِنْ قَوْلِهِ لَا يَضْمَنُ ( وَقْفًا أَوْ مَالَ يَتِيمٍ ) فَإِنَّ مَنَافِعَهُمَا تُضْمَنُ كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ وَغَيْرِهَا .

( قَوْلُهُ أَوْ نُكُولِ الْغَاصِبِ ) أَيْ عَنْ الْحَلِفِ بِأَنَّ الْقِيمَةَ لَيْسَتْ كَمَا يَدَّعِي الْمَالِكُ ( قَوْلُهُ وَمَا نَقَصَتْ الْجَارِيَةُ بِالْوِلَادَةِ
إلَخْ ) هَذَا لَوْ بَقِيَتْ فَإِنْ مَاتَتْ وَبِالْوَلَدِ وَفَاءٌ بِقِيمَتِهَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ عَنْ الْإِمَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَبْرَأُ بِرَدِّ الْوَلَدِ يُجْبَرُ بِالْوَلَدِ قَدْرَ نُقْصَانِ الْوِلَادَةِ ، وَيَضْمَنُ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ قِيمَةِ الْأُمِّ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَلَيْهِ رَدُّ قِيمَتِهَا يَوْمَ الْغَصْبِ كَامِلَةً كَمَا فِي النِّهَايَةِ عَنْ الْمَبْسُوطِ ( قَوْلُهُ فَرُدَّتْ حَامِلًا فَوَلَدَتْ فَمَاتَتْ ضَمِنَ قِيمَتَهَا ) يَعْنِي مَاتَتْ بِسَبَبِ الْوِلَادَةِ لَا عَلَى فَوْرِهَا ، وَلِذَا قَالَ فِي النِّهَايَةِ قَيَّدَ بِالْمَوْتِ فِي نِفَاسِهَا لِيَكُونَ الْمَوْتُ فِي أَثَرِ الْوِلَادَةِ ا هـ .
وَقَالَ قَاضِي خَانْ وَمَاتَتْ فِي الْوِلَادَةِ أَوْ فِي النِّفَاسِ فَإِنَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ كَانَ ظَهَرَ الْحَبَلُ عِنْدَ الْمَوْلَى لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ رَدِّ الْغَاصِبِ ضَمِنَ قِيمَتَهَا يَوْمَ الْغَصْبِ ا هـ .
وَقَالَ فِي الْمَوَاهِبِ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْعَلُوقِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا عَلَيْهِ نَقْصُ الْحَبَلِ عَلَى الْأَصَحِّ ا هـ .
( قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَقْفًا أَوْ مَالَ يَتِيمٍ ) كَذَا إذَا كَانَ مُعَدًّا لِلِاشْتِغَالِ بِأَنْ بَنَاهَا لِذَلِكَ أَوْ اشْتَرَاهَا لَهُ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ الْمَنْفَعَةَ إلَّا إذَا سَكَنَ بِتَأْوِيلِ مِلْكٍ أَوْ عَقْدٍ كَبَيْتٍ سَكَنَهُ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ ا هـ .
وَيَنْظُرُ مَا لَوْ عَطَّلَ الْمَنْفَعَةَ هَلْ يَضْمَنُ الْأُجْرَةَ كَمَا لَوْ سَكَنَ .

( وَلَا ) يَضْمَنُ أَيْضًا ( خَمْرَ الْمُسْلِمِ وَخِنْزِيرَهُ ) بِأَنْ أَسْلَمَ ذِمِّيٌّ وَفِي يَدِهِ الْخَمْرُ وَالْخِنْزِيرُ فَأَتْفَلَهُمَا آخَرُ ؛ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا بِمَالٍ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِ بِخِلَافِ مَا لِلذِّمِّيِّ مِنْ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ حَيْثُ يُضْمَنَانِ بِالْإِتْلَافِ ؛ لِأَنَّهُمَا مَالٌ فِي حَقِّهِ ( غَصَبَ خَمْرَ مُسْلِمٍ فَخَلَّلَهَا بِغَيْرِ مُتَقَوِّمٍ ) كَالنَّقْلِ مِنْ الظِّلِّ إلَى الشَّمْسِ وَمِنْهَا إلَيْهِ ( أَوْ جِلْدَ مَيْتَةٍ قَدْ دَبَغَهُ بِهِ ) أَيْ بِغَيْرِ مُتَقَوِّمٍ كَالتُّرَابِ وَالشَّمْسِ ( أَخَذَهُمَا الْمَالِكُ مَجَّانًا ) إذْ لَيْسَ فِيهِ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ لِلْغَاصِبِ ، وَكَانَتْ الدِّبَاغَةُ إظْهَارًا لِلْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ فَصَارَتْ كَغَسْلِ الثَّوْبِ ، ( وَلَوْ أَتْلَفَهَا ضَمِنَ ) لِإِتْلَافِهِ مِلْكَ الْغَيْرِ ( وَلَوْ خَلَّلَهَا بِمُتَقَوِّمٍ كَالْمِلْحِ مَلَكَهُ ) أَيْ الْغَاصِبُ الْخَلَّ ( وَلَا شَيْءَ ) لِلْمَالِكِ ( عَلَيْهِ ) أَيْ الْغَاصِبِ ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ لَمْ يَكُنْ مُتَقَوِّمًا ، وَالْمِلْحُ مَثَلًا مُتَقَوِّمٌ فَتَرَجَّحَ جَانِبُ الْغَاصِبِ فَيَكُونُ لَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ ( وَلَوْ دَبَغَ بِهِ ) أَيْ بِمُتَقَوِّمٍ كَالْقَرَظِ وَالْعَفْصِ وَنَحْوِهِمَا ( الْجِلْدَ أَخَذَهُ الْمَالِكُ ، وَرَدَّ مَا زَادَ الدَّبْغَ ) إذْ بِهَذَا الدِّبَاغِ اتَّصَلَ بِالْجِلْدِ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ لِلْغَاصِبِ كَالصَّبْغِ فِي الثَّوْبِ فَتَرَجَّحَ جَانِبُ الْغَاصِبِ ، ( وَلَوْ أَتْلَفَهُ لَا يَضْمَنُ ) ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُتْلِفْ مَالَ الْغَيْرِ ( ضَمِنَ بِكَسْرِ مِعْزَفٍ ) وَهُوَ آلَةُ اللَّهْوِ كَبَرْبَطٍ وَمِزْمَارٍ وَدُفٍّ وَطَبْلٍ وَطُنْبُورٍ ( قِيمَتَهُ صَالِحًا لِغَيْرِ اللَّهْوِ ) فَفِي الطُّنْبُورِ يَضْمَنُ الْخَشَبَ الْمَنْحُوتَ وَنَحْوَهُ الْبَوَاقِي ( وَ ) ضَمِنَ ( بِإِرَاقَةِ سُكَّرٍ وَمُنَصَّفٍ ) وَقَدْ مَرَّ مَعْنَاهَا فِي كِتَابِ الْأَشْرِبَةِ ( قِيمَتَهُمَا لَا الْمِثْلَ ) ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ مَمْنُوعٌ عَنْ تَمَلُّكِ عَيْنِهِمَا وَلَوْ كَانَ فِعْلٌ جَازَ ، وَإِنْ أَتْلَفَ صَلِيبَ نَصْرَانِيٍّ ضَمِنَ قِيمَتَهُ صَلِيبًا ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ فِي حَقِّهِ ، وَهُوَ مُقَرٌّ عَلَيْهِ فَلَا

يَجُوزُ التَّعَرُّضُ لَهُ ، ( وَيَصِحُّ بَيْعُهَا ) أَيْ بَيْعُ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ وَقَالَا لَا تُضْمَنُ ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهَا ، وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي الدُّفِّ وَالطَّبْلِ اللَّذَيْنِ يُضْرَبَانِ لِلَّهْوِ فَأَمَّا طَبْلُ الْغُزَاةِ وَالدُّفُّ الَّذِي يُبَاحُ ضَرْبُهُ فِي الْعُرْسِ فَيَضْمَنُهُمَا بِالْإِتْلَافِ بِلَا خِلَافٍ لَهُمَا أَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ أُعِدَّتْ لِلْمَعْصِيَةِ فَبَطَلَ تَقَوُّمُهَا كَالْخَمْرِ ، وَلَهُ أَنَّهَا أَمْوَالٌ لِصَلَاحِيَّتِهَا لِمَا يَحِلُّ مِنْ وُجُوهِ الِانْتِفَاعِ ، وَإِنْ صَلَحَتْ لِمَا لَا يَحِلُّ أَيْضًا فَصَارَتْ ( كَالْأَمَةِ الْمُغَنِّيَةِ وَنَحْوِهَا ) كَالْكَبْشِ النَّطُوحِ وَالْحَمَامَةِ الطَّيَّارَةِ وَالدِّيكِ الْمُقَاتِلِ وَالْعَبْدِ الْخَصِيِّ حَيْثُ تَجِبُ فِيهَا الْقِيمَةُ غَيْرَ صَالِحَةٍ لِهَذِهِ الْأُمُورِ ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا لِكَثْرَةِ الْفَسَادِ فِيمَا بَيْنَ النَّاسِ كَذَا فِي الْكَافِي ( حَلَّ قَيْدَ عَبْدِ الْغَيْرِ أَوْ ) حَلَّ ( رِبَاطَ دَابَّتِهِ أَوْ فَتَحَ إصْطَبْلَهَا ) أَيْ الدَّابَّةِ ، ( أَوْ ) فَتَحَ ( قَفَصَ طَائِرِهِ ) فَذَهَبَتْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ وَفِي الدَّابَّةِ وَالْقَفَصِ خِلَافُ مُحَمَّدٍ ( أَوْ سَعَى إلَى سُلْطَانٍ بِمَنْ يُؤْذِيهِ ، وَلَا يُدْفَعُ إيذَاؤُهُ بِلَا رَفْعٍ إلَيْهِ أَوْ ) سَعَى إلَيْهِ ( بِمَنْ يَفْسُقُ ، وَلَا يَمْتَنِعُ ) عَنْ الْفِسْقِ ( بِنَهْيِهِ ) أَيْ نَهْيِ السَّاعِي ( أَوْ قَالَ عِنْدَ سُلْطَانٍ قَدْ يَغْرَمُ ، وَقَدْ لَا ) يَغْرَمُ مَقُولُ الْقَوْلِ قَوْلُهُ ( إنَّهُ وَجَدَ مَالًا فَغَرِمَهُ لَا يَضْمَنُ ) فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لِانْتِفَاءِ التَّسَبُّبِ وَتَخَلُّلِ فِعْلِ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ ( وَلَوْ غَرِمَ قَطْعًا يَضْمَنُ ) لِوُجُودِ التَّسَبُّبِ ، ( كَذَا ) أَيْ يَضْمَنُ السَّاعِي ( لَوْ سَعَى بِغَيْرِ حَقٍّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ) زَجْرًا لَهُ عَنْ السِّعَايَةِ بِهِ يُفْتَى ، ( أَمَرَ عَبْدَ غَيْرِهِ بِالْإِبَاقِ أَوْ قَالَ اُقْتُلْ نَفْسَك فَفَعَلَ ) أَيْ أَبَقَ أَوْ قَتَلَ نَفْسَهُ ( وَجَبَ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى الْآمِرِ ( قِيمَتُهُ ، وَلَوْ قَالَ لَهُ أَتْلِفْ مَالَ مَوْلَاك فَأَتْلَفَ لَا يَضْمَنُ ) لِأَنَّهُ بِأَمْرِهِ بِالْإِبَاقِ

أَوْ الْقَتْلِ صَارَ غَاصِبًا ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ أَمَّا بِالْأَمْرِ بِإِتْلَافِ مَالِ الْمَوْلَى فَلَا يَصِيرُ غَاصِبًا مَالَهُ ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ غَاصِبًا لِلْعَبْدِ وَالْعَبْدُ الْمَغْصُوبُ قَائِمٌ لَمْ يَهْلِكْ ، وَإِنَّمَا التَّلَفُ بِفِعْلِ الْعَبْدِ كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ ، ( اسْتَعْمَلَ عَبْدًا لِغَيْرِ نَفْسِهِ ) كَأَنْ يَقُولَ لَهُ ارْتَقِ هَذِهِ الشَّجَرَةَ أَوْ اُنْثُرْ الثَّمَرَ لِتَأْكُلَ أَنْتَ وَأَنَا ، ( وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ عَبْدٌ أَوْ قَالَ ) ذَلِكَ الْعَبْدُ ( إنِّي حُرٌّ ضَمِنَ قِيمَتَهُ ) إنْ هَلَكَ ؛ لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَهُ فِي مَنْفَعَتِهِ ( وَلَوْ ) اسْتَعْمَلَهُ ( لِغَيْرِهِ ) كَأَنْ يَقُولَ ارْتَقِ الشَّجَرَةَ وَانْثُرْ الثَّمَرَةَ لِتَأْكُلَ أَنْتَ ( لَا ) أَيْ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ لَا يَصِيرُ بِهِ غَاصِبًا كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ .

قَوْلُهُ وَلَا يَضْمَنُ خَمْرَ الْمُسْلِمِ وَخِنْزِيرَهُ ) شَامِلٌ لِمَا لَوْ كَانَ الْمُتْلِفُ لَهَا ذِمِّيًّا ، وَكَذَا لَا يَضْمَنُ الزِّقَّ بِشِقِّهِ لِإِرَاقَةِ الْخَمْرِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْبُرْهَانِ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا لِلذِّمِّيِّ ) فَيَضْمَنُ بِإِتْلَافِ خِنْزِيرِهِ الْقِيمَةَ مُطْلَقًا وَالْخَمْرِ الْمِثْلَ لَوْ الْمُتْلِفُ ذِمِّيًّا وَقِيمَتُهُ لَوْ مُسْلِمًا لَكِنْ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ نَقْلًا عَنْ الرَّوْضَةِ اشْتَرَى مُسْلِمٌ خَمْرًا مِنْ ذِمِّيٍّ فَأَتْلَفَهَا لَمْ يَضْمَنْ ، وَلَوْ غَصَبَهَا مِنْهُ فَأَتْلَفَهَا يَضْمَنُ ثُمَّ رَقَمَ لِلرَّوْضَةِ وَالْمُحِيطِ وَقَالَ اشْتَرَى خَمْرًا مِنْ ذِمِّيٍّ فَشَرِبَهَا فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ وَلَا ثَمَنَ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَلَوْ أَتْلَفَهُمَا ضَمِنَ ) أَيْ مِثْلَ الْخَلِّ وَقِيمَةَ الْجِلْدِ مَدْبُوغًا بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي النِّهَايَةِ ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ طَاهِرًا غَيْرَ مَدْبُوغٍ ، وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ مَدْبُوغًا ثُمَّ قَالَ وَذَكَرَ فِي الْإِيضَاحِ وَالذَّخِيرَةِ قَالَ الْقُدُورِيُّ لَوْ أَنَّ الْغَاصِبَ جَعَلَ هَذَا الْجِلْدَ أَدِيمًا أَوْ وَرَقًا أَوْ دَفْتَرًا أَوْ جِرَابًا أَوْ فَرْوًا لَمْ يَكُنْ لِلْمَغْصُوبِ مِنْهُ عَلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ فَإِنْ ذُكِّيَا فَلَهُ قِيمَتُهُ يَوْمَ الْغَصْبِ وَإِنْ مَيْتَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَلَوْ خَلَّلَهَا بِمُتَقَوِّمٍ كَالْمِلْحِ مَلَكَهُ وَلَا شَيْءَ لِلْمَالِكِ عَلَيْهِ ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ اخْتِلَافُ الْمَشَايِخِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ مِثْلَ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَمِنْهُمْ مَنْ جَعَلَهَا مِثْلَ مَا لَوْ تَخَلَّلَتْ بِنَفْسِهَا فَيَضْمَنُهَا بِالِاسْتِهْلَاكِ ا هـ ، وَبَقِيَتْ صُورَةٌ مِنْ صُوَرِ التَّخْلِيلِ وَهِيَ مَا لَوْ صَبَّ فِيهَا خَلًّا فَتَخَلَّلَتْ وَاخْتَلَفَ فِيهَا أَيْضًا قَالَ بَعْضُهُمْ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَكُونُ لِلْغَاصِبِ بِغَيْرِ شَيْءٍ سَوَاءٌ صَارَتْ خَلًّا مِنْ سَاعَتِهِ أَوْ بِمُرُورِ الْأَيَّامِ ، وَعَلَى قَوْلِهِمَا إنْ بِمُرُورِ الْأَيَّامِ كَانَ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ

كَيْلِهِمَا ، وَإِنْ صَارَ خَلًّا مِنْ سَاعَتِهِ كَانَ لِلْغَاصِبِ وَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ ، وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ظَاهِرُ الْجَوَابِ أَنْ يَقْسِمَ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ كَيْلِهِمَا سَوَاءٌ صَارَتْ مِنْ سَاعَتِهَا أَوْ بَعْدَ حِينٍ خَلًّا عِنْدَ الْكُلِّ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ ضَامِنًا عِنْدَ الْكُلِّ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ ( قَوْلُهُ كَالْقَرَظِ ) بِفَتْحَتَيْنِ وَالظَّاءِ الْمُشَالَةِ وَرَقُ السَّلَمِ أَوْ ثَمَرُ السَّنْطِ قَامُوسٌ .
( قَوْلُهُ : أَخَذَهُ الْمَالِكُ وَرَدَّ مَا زَادَ الدَّبْغَ ) وَطَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى قِيمَتِهِ لَوْ ذُكِّيَا غَيْرَ مَدْبُوغٍ وَإِلَى قِيمَتِهِ مَدْبُوغًا فَيَضْمَنُ فَضْلَ مَا بَيْنَهُمَا وَلِلْغَاصِبِ حَبْسُهُ كَالْمَبِيعِ ، وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ عَنْ الذَّخِيرَةِ قَالَ الْقُدُورِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ إنَّمَا يَكُونُ لِصَاحِبِ الْجِلْدِ إذَا أَخَذَ الدَّبَّاغُ الْجِلْدَ مِنْ مَنْزِلِهِ فَأَمَّا إذَا أَلْقَى صَاحِبُهُ فِي الطَّرِيقِ فَأَخَذَ رَجُلٌ جِلْدَهَا فَدَبَغَهُ فَلَيْسَ لِلْمَالِكِ أَنْ يَأْخُذَ الْجِلْدَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ أَخْذُهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَيْضًا .
ا هـ .
( قَوْلُهُ وَلَوْ أَتْلَفَهُ لَا يَضْمَنُ ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا ( قَوْلُهُ مِعْزَفٍ ) بِكَسْرِ الْمِيمِ اسْمُ آلَةٍ لِلَّهْوِ كَالْعُودِ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ ( قَوْلُهُ فَفِي الطُّنْبُورِ يَضْمَنُ الْخَشَبَ الْمَنْحُوتَ
إلَخْ ) كَذَا ذَكَرَهُ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ لِمُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ .
وَفِي الْمُنْتَقَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ خَشَبًا مُخَلَّعًا ، وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ كَانُوا يَقُولُونَ إنَّ مَعْنَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إنَّهُ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ أَنْ لَوْ اُشْتُرِيَ لِشَيْءٍ آخَرَ سِوَى اللَّهْوِ كَجَعْلِهِ وِعَاءً لِلْمِلْحِ .
وَقَالَ فَخْرُ الدِّينِ قَاضِي خَانْ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَضْمَنُ قِيمَتَهَا صَالِحَةً لِغَيْرِ الْمَعْصِيَةِ فَفِي الدُّفِّ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ دُفًّا يُوضَعُ فِيهِ

الْقُطْنُ وَفِي الْبَرْبَطِ يَضْمَنُ قِيمَتَهُ قَصْعَةً يُوضَعُ فِيهَا الثَّرِيدُ .
( قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ فَعَلَ جَازَ ) الْأَوْلَى مِنْهُ قَوْلُ الْعَيْنِيِّ وَإِنْ جَازَ فِعْلُهُ ( قَوْلُهُ وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي الدُّفِّ وَالطَّبْلِ
إلَخْ ) قَالَ الْإِمَامُ الْعَتَّابِيُّ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ لَوْ كَانَ طَبْلَ الْحَاجِّ أَوْ طَبْلَ الصَّيْدِ أَوْ دُفًّا يَلْعَبُ بِهِ الصِّبْيَةُ فِي الْبَيْتِ يَضْمَنُ بِالِاتِّفَاقِ قَوْلُهُ كَالْأَمَةِ الْمُغَنِّيَةِ ) تَشْبِيهٌ بِالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ مِنْ جَانِبِ الْإِمَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ ( قَوْلُهُ حَلَّ قَيْدُ عَبْدٍ
إلَخْ ) قَالَ فِي النَّظْمِ لَوْ زَادَ عَلَى مَا فَعَلَ بِأَنْ فَتَحَ الْقَفَصَ ، وَقَالَ لِلطَّيْرِ كِشْ كِشْ أَوْ بَابَ إصْطَبْلٍ فَقَالَ لِلْبَقَرِ هِشْ هِشْ أَوْ لِلْحِمَارِ هِرْ هِرْ يَضْمَنُ اتِّفَاقًا ، وَأَجْمَعُوا أَنَّهُ لَوْ شَقَّ الزِّقَّ وَالدُّهْنُ سَائِلٌ ، أَوْ قَطَعَ الْحَبْلَ حَتَّى سَقَطَ الْقِنْدِيلُ يَضْمَنُ ( قَوْلُهُ وَفِي الدَّابَّةِ وَالْقَفَصِ خِلَافَ مُحَمَّدٍ ) أَيْ فَيَضْمَنُ عِنْدَهُ ، وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يَزِدْ عَلَى الْفَتْحِ أَمَّا لَوْ زَادَ مَا قَدَّمْنَاهُ ضَمِنَ اتِّفَاقًا ، وَالْخِلَافُ أَيْضًا فِي الْعَبْدِ الْمَجْنُونِ قَالَ السَّرَخْسِيُّ هَذَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ مَجْنُونًا فَإِنْ كَانَ عَاقِلًا لَا يَضْمَنُ اتِّفَاقًا كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ ( قَوْلُهُ لَوْ سَعَى بِغَيْرِ حَقٍّ ) كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ ( قَوْلُهُ أَوْ قَالَ لَهُ اتْلَفْ مَالَ مَوْلَاك فَأَتْلَفَ لَا يَضْمَنُ ) كَذَا قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ لَمْ يَضْمَنْ الْآمِرُ إذْ بِالْأَمْرِ بِإِتْلَافِ مَالِ مَوْلَاهُ لَمْ يَصِرْ غَاصِبًا لِمَالِهِ ، وَإِنَّمَا صَارَ غَاصِبًا لِقِنِّهِ وَهُوَ لَمْ يَهْلَكْ ، وَإِنَّمَا الْمُتْلَفُ مَالُ الْمَوْلَى بِفِعْلِ قِنِّهِ أَقُولُ فِي فَصْلِ مَسْأَلَةٍ تَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ وَهِيَ لَوْ أَمَرَ قِنَّ غَيْرِهِ بِإِتْلَافِ مَالِ رَجُلٍ يَغْرَمُ مَوْلَاهُ ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى آمِرِهِ إذْ الْآمِرُ صَارَ مُسْتَعْمِلًا لِلْقِنِّ فَصَارَ غَاصِبًا ، وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَى الْقِنِّ وَلَا عَلَى

مَوْلَاهُ فِي إتْلَافِ مَالِ مَوْلَاهُ فَلَا رُجُوعَ عَلَى الْآمِرِ بِخِلَافِ إتْلَافِ مَالِ غَيْرِ الْمَوْلَى ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ فَإِنْ قِيلَ يَدُلُّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الْآمِرَ يَضْمَنُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ سُلْطَانًا وَمَوْلًى ، وَقَدْ مَرَّ خِلَافُهُ أَقُولُ : يُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّ الْمُرَادَ ثَمَّةَ هُوَ الضَّمَانُ الِابْتِدَائِيُّ الَّذِي بِطَرِيقِ الْإِكْرَاهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْمُبَاشِرَ لَا يَضْمَنُ ثُمَّ بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَافْتَرَقَا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .
ا هـ .

( كِتَابُ الْإِكْرَاهِ ) وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كِتَابِ الْغَصْبِ ظَاهِرٌ ( وَهُوَ ) لُغَةً حَمْلُ الْفَاعِلِ عَلَى أَمْرٍ يَكْرَهُهُ ، وَشَرْعًا ( حَمْلُ الْغَيْرِ عَلَى فِعْلٍ ) أَعَمَّ مِنْ اللَّفْظِ وَعَمَلِ سَائِرِ الْجَوَارِحِ ( بِمَا ) مُتَعَلِّقٌ بِالْحَمْلِ ، وَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْقَتْلِ وَإِتْلَافِ الْعُضْوِ وَالْحَبْسِ وَالضَّرْبِ وَالْقَيْدِ ، ( يُعْدَمُ رِضَاهُ بِهِ ) أَيْ رِضَا الْغَيْرِ بِذَلِكَ الْفِعْلِ ( لَا اخْتِيَارُهُ ) أَيْ لَا يُعْدَمُ اخْتِيَارُهُ ( لَكِنَّهُ ) أَيْ مَا يُعْدَمُ الرِّضَا ( قَدْ يُفْسِدُهُ ) أَيْ الِاخْتِيَارُ ، ( وَقَدْ ) لَا أَيْ لَا يُفْسِدُهُ فَالْحَاصِلُ أَنَّ عَدَمَ الرِّضَا مُعْتَبَرٌ فِي جَمِيعِ صُوَرِ الْإِكْرَاهِ ، وَأَصْلُ الِاخْتِيَارِ ثَابِتٌ فِي جَمِيعِ صُوَرِهِ لَكِنْ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ يُفْسِدُ الِاخْتِيَارَ وَفِي بَعْضِهَا لَا يُفْسِدُهُ ، أَقُولُ هَذَا هُوَ الْمَسْطُورُ فِي جَمِيعِ كُتُبِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ حَتَّى قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي التَّنْقِيحِ وَهُوَ إمَّا مُلْجِئٌ بِأَنْ يَكُونَ بِفَوْتِ النَّفْسِ أَوْ الْعُضْوِ ، وَهَذَا مُعْدِمٌ لِلرِّضَا مُفْسِدٌ لِلِاخْتِيَارِ ، وَإِمَّا غَيْرُ مُلْجِئٍ بِأَنْ يَكُونَ بِحَبْسٍ أَوْ قَيْدٍ أَوْ ضَرْبٍ ، وَهَذَا مُعْدِمٌ لِلرِّضَا غَيْرُ مُفْسِدٍ لِلِاخْتِيَارِ فَلَا يَصِحُّ مَا قَالَ فِي الْوِقَايَةِ هُوَ فِعْلٌ يُوقِعُهُ بِغَيْرِهِ فَيَفُوتُ بِهِ رِضَاهُ أَوْ يُفْسِدُ اخْتِيَارَهُ فَإِنَّ فِيهِ جَعْلَ قِسْمِ الشَّيْءِ قَسِيمًا لَهُ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ يَعْرِفُ مَعْنَى الْقَسْمِ وَالْقَسِيمِ ، وَالْعَجَبُ أَنَّ صَدْرَ الشَّرِيعَةِ بَعْدَمَا قَالَ فِيهِ ذَلِكَ قَالَ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ ثُمَّ الْإِكْرَاهُ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ مُفَوِّتًا لِلرِّضَا ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بِالْحَبْسِ أَوْ الضَّرْبِ ، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ مُفْسِدًا لِلِاخْتِيَارِ ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بِالْقَتْلِ أَوْ قَطْعِ الْعُضْوِ فَفَوْتُ الرِّضَا أَعَمُّ مِنْ فَسَادِ الِاخْتِيَارِ فَفِي الْحَبْسِ أَوْ الضَّرْبِ بِفَوْتِ الرِّضَا ، وَلَكِنَّ الِاخْتِيَارَ الصَّحِيحَ بَاقٍ وَفِي الْقَتْلِ لَا رِضَا وَلَكِنْ لَهُ اخْتِيَارٌ غَيْرُ

صَحِيحٍ بَلْ اخْتِيَارٌ فَاسِدٌ ، ثُمَّ قَالَ وَتَحْقِيقُهُ إلَى آخِرِ مَا قَالَ وَالشَّجَرَةُ تُنْبِئُ عَنْ الثَّمَرَةِ ( مَعَ بَقَاءِ أَهْلِيَّتِهِ ) وَعَدَمِ سُقُوطِ الْخِطَابِ عَنْهُ ؛ لِأَنَّ الْمُكْرَهَ مُبْتَلًى ، وَالِابْتِلَاءُ يُحَقِّقُ الْخِطَابَ أَلَا يَرَى أَنَّهُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ فَرْضٍ وَحَظْرٍ وَرُخْصَةٍ ، وَيَأْثَمُ مَرَّةً وَيُؤْجَرُ مَرَّةً أُخْرَى ، وَهُوَ دَلِيلُ الْخِطَابِ وَبَقَاءُ الْأَهْلِيَّةِ .
( كِتَابُ الْإِكْرَاهِ ) قَوْلُهُ وَالثَّانِي خَوْفُ الْفَاعِلِ وُقُوعَهُ ) يَعْنِي فِي الْحَالِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ ( قَوْلُهُ أَوْ بِإِتْلَافِ نَفْسٍ أَوْ عُضْوٍ ) كَذَا بَعْضُ الْعُضْوِ كَإِتْلَافِ أُنْمُلَةٍ أَوْ ضَرْبٍ يَخَافُ مِنْهُ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ .

( وَشَرْطُهُ ) أَرْبَعَةُ أُمُورٍ : الْأَوَّلُ ( قُدْرَةُ الْحَامِلِ عَلَى ) تَحْقِيقِ ( مَا هَدَّدَ بِهِ سُلْطَانًا أَوْ غَيْرَهُ ) يَعْنِي لِصًّا أَوْ نَحْوَهُ هَذَا عِنْدَهُمَا ، .
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا مِنْ سُلْطَانٍ ؛ لِأَنَّ الْقُدْرَةَ لَا تَكُونُ بِلَا مَنْعَةٍ ، وَالْمَنْعَةُ لِلسُّلْطَانِ قَالُوا هَذَا اخْتِلَافُ عَصْرٍ وَزَمَانٍ لَا اخْتِلَافُ حُجَّةٍ وَبُرْهَانٍ ؛ لِأَنَّ فِي زَمَانِهِ لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِ السُّلْطَانِ مِنْ الْقُوَّةِ مَا يَتَحَقَّقُ بِهِ الْإِكْرَاهُ ، فَأَجَابَ بِنَاءً عَلَى مَا شَاهَدَ وَفِي زَمَانِهِمَا ظَهَرَ الْفَسَادُ وَصَارَ الْأَمْرُ إلَى كُلِّ مُتَغَلِّبٍ فَيَتَحَقَّقُ الْإِكْرَاهُ مِنْ الْكُلِّ ، وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ .
( وَ ) الثَّانِي ( خَوْفُ الْفَاعِلِ وُقُوعَهُ ) أَيْ وُقُوعَ مَا هَدَّدَ بِهِ الْحَامِلُ بِأَنْ يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ يَفْعَلُهُ لِيَصِيرَ بِهِ مَحْمُولًا عَلَى مَا دَعَا إلَيْهِ مِنْ الْفِعْلِ وَالْمُبَاشَرَةِ ، ( وَ ) الثَّالِثُ ( كَوْنُهُ ) أَيْ الْفَاعِلِ ( مُمْتَنِعًا عَمَّا أُكْرِهَ عَلَيْهِ لِحَقٍّ مَا ) أَيْ لِحَقِّ نَفْسِهِ كَبَيْعِ مَالِهِ أَوْ إتْلَافِهِ أَوْ إعْتَاقِ عَبْدِهِ أَوْ لِحَقِّ شَخْصٍ آخَرَ كَإِتْلَافِ مَالِ الْغَيْرِ أَوْ لِحَقِّ الشَّرْعِ كَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالزِّنَا وَنَحْوِهِمَا ، ( وَ ) الرَّابِعُ ( كَوْنُ الْمُكْرَهِ بِهِ مُتْلِفَ نَفْسٍ أَوْ عُضْوٍ أَوْ مُوجِبَ غَمٍّ بِعَدَمِ الرِّضَا ) وَهَذَا أَدْنَى مَرَاتِبِهِ ، وَهُوَ أَيْضًا مُتَفَاوِتٌ بِحَسَبِ الْأَشْخَاصِ كَمَا سَيَأْتِي .

( وَهُوَ ) أَيْ الْإِكْرَاهُ ( إمَّا مُلْجِئٌ يُفْسِدُ الِاخْتِيَارَ لَوْ ) كَانَ ( بِإِتْلَافِ نَفْسٍ أَوْ عُضْوٍ ، وَإِمَّا غَيْرُ مُلْجِئٍ لَا يُفْسِدُهُ لَوْ كَانَ بِحَبْسٍ أَوْ قَيْدٍ مُدَّةً مَدِيدَةً أَوْ ضَرْبٍ شَدِيدٍ ) فِي الْمَبْسُوطِ ، الْحَدُّ فِي الْحَبْسِ الَّذِي هُوَ إكْرَاهُ مَا يَجِيءُ الِاغْتِمَامُ الْبَيِّنُ بِهِ ، وَفِي الضَّرْبِ الَّذِي هُوَ إكْرَاهُ مَا يَجِدُ مِنْهُ الْأَلَمَ الشَّدِيدَ ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ حَدٌّ لَا يُزَادُ عَلَيْهِ وَلَا يُنْقَصُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْمَقَادِيرَ لَا تَكُونُ بِالرَّأْيِ ، وَلَكِنَّهُ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى الْحَاكِمُ إذَا رَفَعَ إلَيْهِ ( بِخِلَافِ حَبْسِ يَوْمٍ أَوْ قَيْدِهِ ) أَيْ قَيْدِ يَوْمٍ ( أَوْ ضَرْبٍ غَيْرِ شَدِيدٍ ) فَإِنَّهَا لَا تَكُونُ إكْرَاهًا إذْ لَا يُبَالِي بِمِثْلِهَا عَادَةً فَلَا يُعْدَمُ الرِّضَا ( إلَّا لِذِي جَاهٍ ) يَعْنِي أَنَّهَا تَكُونُ إكْرَاهًا لِرَجُلٍ لَهُ جَاهٌ وَعِزَّةٌ ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهُ أَشَدُّ مِنْ ضَرَرِ الضَّرْبِ الشَّدِيدِ لِغَيْرِهِ فَيَفُوتُ بِهِ الرِّضَا ( فَبِالْأَوَّلِ ) يَعْنِي الْمُلْجِئَ ( رَخَّصَ أَكْلُ مَيْتَةٍ وَدَمٍ وَلَحْمِ خِنْزِيرٍ وَشُرْبِ خَمْرٍ ) ؛ لِأَنَّ حُرْمَةَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُقَيَّدَةٌ بِحَالَةِ الِاخْتِيَارِ وَفِي حَالَةِ الضَّرُورَةِ مُبْقَاةٌ عَلَى أَصْلِ الْحِلِّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { إلَّا مَا اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ } فَإِنَّهُ اسْتَثْنَى حَالَةَ الضَّرُورَةِ ، وَالِاسْتِثْنَاءُ تَكَلُّمٌ لِلْبَاقِي بَعْدَ الثَّنِيَّا ، وَالِاضْطِرَارُ يَحْصُلُ بِالْإِكْرَاهِ الْمُلْجِئِ ( وَبِالصَّبْرِ عَلَى الْقَتْلِ آثِمٌ ) فِي هَذِهِ الصُّوَرِ ( كَمَا فِي الْمَخْمَصَةِ ) لِأَنَّهُ لَمَّا أُبِيحَ كَانَ بِالِامْتِنَاعِ مُعَاوِنًا لِغَيْرِهِ عَلَى إهْلَاكِ نَفْسِهِ .

( قَوْلُهُ فِي الْمَبْسُوطِ الْحَدُّ فِي الْحَبْسِ الَّذِي هُوَ إكْرَاهُ مَا يَجِيءُ الِاغْتِمَامُ الْبَيِّنُ بِهِ
إلَخْ ) كَذَا فِي التَّبْيِينِ ثُمَّ قَالَ وَالْإِكْرَاهُ بِحَبْسِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَوْلَادِ لَا يُعَدُّ إكْرَاهًا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُلْجِئٍ وَلَا يَعْدَمُ الرِّضَا بِخِلَافِ حَبْسِ نَفْسِهِ ا هـ ، وَكَذَا نُقِلَ فِي الْبُرْهَانِ كَلَامُ الْمَبْسُوطِ ، وَقَدْ كَتَبَ الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْمَقْدِسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ مَا صُورَتُهُ فَشَمَلَ حَبْسَ الْأَبِ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ الْقِيَاسَ أَنَّهُ لَيْسَ بِإِكْرَاهٍ ، ثُمَّ قَالَ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ إكْرَاهٌ وَلَا يَنْفُذُ شَيْءٌ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ ؛ لِأَنَّ حَبْسَ أَبِيهِ يَلْحَقُ بِهِ مِنْ الْحُزْنِ مَا يَلْحَقُ بِهِ حَبْسُ نَفْسِهِ أَوْ أَكْثَرُ فَالْوَلَدُ الْبَارُّ يَسْعَى فِي تَخْلِيصِ أَبِيهِ مِنْ السِّجْنِ ، وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُحْبَسُ فَمَا فِي الزَّيْلَعِيِّ لَيْسَ بِمُسْتَحْسَنٍ ا هـ .
( قَوْلُهُ فَبِالْأَوَّلِ رَخَّصَ أَكْلَ مَيْتَةٍ وَدَمٍ وَلَحْمِ خِنْزِيرٍ وَشُرْبَ الْخَمْرِ ) يَعْنِي لَا بِالْحَبْسِ وَشَبَهِهِ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ إنَّ مُحَمَّدًا إنَّمَا أَجَابَ هَكَذَا بِنَاءً عَلَى مَا كَانَ مِنْ الْحَبْسِ فِي زَمَانِهِ فَأَمَّا الْحَبْسُ الَّذِي أَحْدَثُوهُ الْيَوْمَ فِي زَمَانِنَا فَإِنَّهُ يُبِيحُ التَّنَاوُلَ كَمَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ .

.
( وَ ) رَخَّصَ أَيْضًا ( بِلَفْظِ كَلِمَةِ كُفْرٍ وَقَلْبُهُ مُطَمْئِنٌ بِالْإِيمَانِ ) لِحَدِيثِ { عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَيْثُ اُبْتُلِيَ بِهِ وَقَالَ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ وَجَدْت قَلْبَك قَالَ مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ عَادُوا فَعُدْ } وَفِيهِ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى { إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ } الْآيَةَ ( وَبِالصَّبْرِ عَلَيْهِ ) أَيْ الْقَتْلِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ ( أَجْرٌ ) أَيْ صَارَ مَأْجُورًا إنْ صَبَرَ ، وَلَمْ يُظْهِرْ الْكُفْرَ حَتَّى قُتِلَ ؛ لِأَنَّ خُبَيْبًا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ صَبَرَ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى صُلِبَ وَسَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيِّدَ الشُّهَدَاءِ ( وَ ) رَخَّصَ أَيْضًا ( إتْلَافَ مَالِ مُسْلِمٍ ) ؛ لِأَنَّ إتْلَافَ مَالِ الْغَيْرِ يُسْتَبَاحُ لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي الْمَخْمَصَةِ ، وَقَدْ ثَبَتَ .
( وَ ) لَكِنَّ صَاحِبَ الْمَالِ ( ضَمَّنَ الْحَامِلَ ) ؛ لِأَنَّ الْفَاعِلَ آلَةٌ لِلْحَامِلِ فِيمَا يَصْلُحُ آلَةً لَهُ ، وَالْإِتْلَافُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ بِأَنْ يُلْقِيَهُ عَلَيْهِ فَيَقْتُلَهُ ( لَا قَتْلَهُ ) عُطِفَ عَلَى إتْلَافَ أَيْ لَا يُرَخِّصُ قَتْلَ مُسْلِمٍ بَلْ يَصْبِرُ عَلَى أَنْ يُقْتَلَ فَإِنْ قَتَلَهُ كَانَ آثِمًا ؛ لِأَنَّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ لَا يُسْتَبَاحُ لِضَرُورَةٍ مَا إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْتُلْهُ قَتَلَهُ ، ( وَيُقَادُ فِي الْعَمْدِ الْحَامِلُ فَقَطْ ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّ الْفَاعِلَ يَصِيرُ آلَةً لَهُ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يُقَادُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا لِلشُّبْهَةِ .
وَقَالَ زُفَرُ يُقَادُ الْفَاعِلُ ؛ لِأَنَّهُ مُبَاشِرٌ ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُقَادُ كُلٌّ مِنْهُمَا الْفَاعِلُ بِالْمُبَاشَرَةِ وَالْحَامِلُ بِالتَّسَبُّبِ .

( قَوْلُهُ وَبِالصَّبْرِ عَلَى الْقَتْلِ أَثِمَ ) أَيْ إنْ عَلِمَ بِالْحِلِّ وَإِلَّا فَلَا يَأْثَمُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَأْثَمُ مُطْلَقًا كَذَا فِي الْبُرْهَانِ وَالتَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ لِحَدِيثِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ) هُوَ مَا رَوَاهُ الْحَاكِمِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ النَّحْلِ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ { أَخَذَ الْمُشْرِكُونَ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ فَلَمْ يَتْرُكُوهُ حَتَّى سَبَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ ثُمَّ تَرَكُوهُ فَلَمَّا أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا وَرَاءَك قَالَ شَرٌّ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تُرِكْت حَتَّى نِلْت مِنْك وَذَكَرْت آلِهَتَهُمْ بِخَيْرٍ قَالَ كَيْفَ تَجِدُ قَلْبَك قَالَ مُطْمَئِنًّا بِالْإِيمَانِ قَالَ فَإِنْ عَادُوا فَعُدْ } وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْحِلْيَةِ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ وَفِيهِ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى { إلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ } الْآيَةَ كَذَا فِي الْبُرْهَانِ قَوْلُهُ فَإِنْ عَادُوا فَعُدْ ) أَيْ إلَى الطُّمَأْنِينَةِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَقَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَهُوَ أَمْرٌ بِالثَّبَاتِ عَلَى مَا كَانَ لَا أَمْرٌ بِمَا لَيْسَ بِكَائِنٍ مِنْ الطُّمَأْنِينَةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى { اهْدِنَا الصِّرَاطَ } أَوْ مَعْنَاهُ إنْ عَادُوا إلَى الْإِكْرَاهِ ثَانِيًا فَعُدْ أَنْتَ إلَى مِثْلِ مَا أَتَيْت بِهِ أَوَّلًا مِنْ إجْرَاءِ كَلِمَةِ الْكُفْرِ عَلَى اللِّسَانِ وَطُمَأْنِينَةِ الْقَلْبِ بِالْإِيمَانِ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَسَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيِّدَ الشُّهَدَاءِ ) وَقَالَ فِي مِثْلِهِ هُوَ رَفِيقِي فِي الْجَنَّةِ ( قَوْلُهُ : وَرَخَّصَ أَيْضًا إتْلَافَ مَالِ مُسْلِمٍ ) أَيْ وَذِمِّيٍّ وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ مَا لَوْ صَبَرَ فَلَمْ يُتْلِفْهُ حَتَّى قُتِلَ وَظَاهِرُ عِبَارَةِ الْكَنْزِ يُفِيدُ ثَوَابَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ شَارِحُهُ وَيُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُ قَاضِي

خَانْ وَلَوْ بِوَعِيدِ الْقَتْلِ عَلَى الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ ، وَلَمْ يَفْعَلْ حَتَّى قُتِلَ لَا يَأْثَمُ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَبَرَ عَلَى الْقَتْلِ وَلَمْ يُتْلِفْ مَالَ نَفْسِهِ يَكُونُ شَهِيدًا فَلَأَنْ لَا يَأْثَمَ إذَا امْتَنَعَ عَنْ إبْطَالِ مِلْكِ النِّكَاحِ عَلَى الْمَرْأَةِ كَانَ أَوْلَى ا هـ .
( قَوْلُهُ ؛ لِأَنَّ الْفَاعِلَ آلَةٌ لِلْحَامِلِ فِيمَا يَصْلُحُ آلَةً لَهُ ) قَالَ فِي السِّرَاجِ حَتَّى لَوْ حَمَلَهُ مَجُوسِيٌّ عَلَى ذَبْحِ شَاةِ الْغَيْرِ لَا يَحِلُّ أَكْلُهَا ا هـ .
( قَوْلُهُ أَيْ لَا يُرَخِّصُ قَتْلَ مُسْلِمٍ ) يَعْنِي وَذِمِّيٍّ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ قَتْلَ الْمُسْلِمِ لَا يُرَخَّصُ لِضَرُورَةٍ مَا إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَقْتُلْهُ قَتَلَهُ ) فِي الْحَصْرِ تَسَامُحٌ ؛ لِأَنَّهُ يَقْتُلُهُ بِإِخْرَاجِهِ السَّرِقَةَ إذْ لَمْ يُلْقِهَا بِالصِّيَاحِ عَلَيْهِ أَوْ بِإِتْيَانِهِ حَلِيلَتَهُ كَذَلِكَ وَالذِّمِّيُّ كَالْمُسْلِمِ ( قَوْلُهُ : وَيُقَادُ فِي الْعَمْدِ الْحَامِلُ فَقَطْ ) يَعْنِي أَنَّهُ لَا يُبَاحُ الْإِقْدَامُ عَلَى الْقَتْلِ بِالْمُلْجِئِ وَلَوْ قَتَلَ أَثِمَ وَيُقْتَصُّ الْحَامِلُ وَيُحْرَمُ الْمِيرَاثُ لَوْ بَالِغًا وَيُقْتَصُّ لِلْمُكْرَهِ مِنْ الْحَامِلِ وَيَرِثُهُ .

( وَلَا ) يُرَخِّصُ بِالْأَوَّلِ ( زِنَا الرَّجُلِ ) ؛ لِأَنَّهُ كَالْقَتْلِ ؛ لِأَنَّ وَلَدَ الزِّنَا هَالِكٌ حُكْمًا لِعَدَمِ مَنْ يُرَبِّيهِ فَلَا يُسْتَبَاحُ لِضَرُورَةٍ مَا كَالْقَتْلِ ، وَلَكِنْ لَا يُحَدُّ اسْتِحْسَانًا يَعْنِي إذَا لَمْ يُرَخِّصْ زِنَاهُ بِالْمُلْجِئِ كَانَ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ أَنْ يُحَدَّ ؛ لِأَنَّ انْتِشَارَ الْآلَةِ دَلِيلُ الطَّوَاعِيَةِ ( وَلَكِنْ لَا يُحَدُّ اسْتِحْسَانًا ) فَإِنَّ انْتِشَارَ الْآلَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى الطَّوَاعِيَةِ إذْ قَدْ يَكُونُ طَبْعًا كَمَا فِي النَّائِمِ ، ( وَبِالثَّانِي ) عُطِفَ عَلَى الْأَوَّلِ يَعْنِي بِإِكْرَاهِ غَيْرِهِ مُلْجِئٍ ( لَا ) أَيْ لَا تُرَخِّصُ الْأُمُورُ الْمَذْكُورَةُ ( لَكِنَّهُ ) أَيْ الثَّانِي مِنْ الْإِكْرَاهِ ( أَسْقَطَ الْحَدَّ فِي زِنَاهَا ) ؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُكْرَهَةً فَلَا أَقَلَّ مِنْ الشُّبْهَةِ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ ( لَا زِنَاهُ ) أَيْ لَمْ يَسْقُطُ الْحَدُّ فِي زِنَاهُ ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ الْمُلْجِئَ لَمْ يَكُنْ رُخْصَةً فِي حَقِّهِ كَمَا كَانَ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ حَتَّى يَكُونَ غَيْرُ الْمُلْجِئِ شُبْهَةً لِيَنْدَرِئَ الْحَدُّ .
( قَوْلُهُ وَلَا يُرَخَّصُ بِالْأَوَّلِ زِنَا الرَّجُلِ ) لَعَلَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ لَفْظَ الْأَوَّلِ لِطُولِ الْكَلَامِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ، وَإِلَّا فَفِيهِ غُنْيَةٌ عَنْ ذِكْرِهِ ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ وَبِالثَّانِي
إلَخْ وَفِي كَلَامِهِ إشَارَةٌ إلَى إثْمِهِ وَفِي شَرْحِ الْكَافِي رَجَوْت أَنْ لَا تَأْثَمَ يَعْنِي الْمَرْأَةَ .

( تَصَرُّفَاتُ الْمُكْرَهِ قَوْلًا ) يَعْنِي أَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ التَّصَرُّفَاتِ الْقَوْلِيَّةَ لِلْمُكْرَهِ سَوَاءٌ كَانَ مُكْرَهًا بِالْمُلْجِئِ أَوْ بِغَيْرِهِ ( تَنْعَقِدُ ) عِنْدَنَا كَمَا فِي الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ ( وَمَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ يُفْسَخُ ) إنْ فَسَخَ الْمُكْرَهُ ، ( وَمَا لَا ) يَحْتَمِلُهُ ( فَلَا ) يُفْسَخُ ، ( الْأَوَّلُ ) وَهُوَ مَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ ( كَبَيْعِهِ وَشِرَائِهِ وَإِجَارَتِهِ وَصُلْحِهِ وَإِبْرَائِهِ مَدْيُونَهُ أَوْ كَفِيلَهُ وَهِبَتِهِ ) فَإِنَّهُ إذَا أُكْرِهَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهَا بِأَحَدِ نَوْعَيْ الْإِكْرَاهِ خُيِّرَ الْفَاعِلُ بَعْدَ زَوَالِ الْإِكْرَاهِ إنْ شَاءَ أَمْضَاهُ وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ ؛ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ مُطْلَقًا يُعْدِمُ الرِّضَا ، وَالرِّضَا شَرْطُ صِحَّةِ هَذِهِ الْعُقُودِ فَتَفْسُدُ بِفَوَاتِهِ ( وَإِقْرَارِهِ ) ، فَإِنَّهُ خَبَرٌ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ ، وَإِنَّمَا صَارَ حُجَّةً لِرُجْحَانِ جَانِبِ الصِّدْقِ وَالْإِكْرَاهُ دَلِيلٌ عَلَى كَذِبِهِ فِيمَا يَقْرَبُهُ قَاصِدًا إلَى دَفْعِ الشَّرِّ عَنْ نَفْسِهِ ( فَيَمْلِكُهُ ) أَيْ الْمَبِيعَ بِالْإِكْرَاهِ ( الْمُشْتَرِي إنْ قَبَضَ ) كَمَا فِي سَائِرِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ ( فَيَصِحُّ إعْتَاقُهُ ) أَيْ إعْتَاقُ الْمُشْتَرِي لِكَوْنِهِ مَلَكَهُ ، ( وَلَزِمَهُ ) أَيْ الْمُشْتَرِيَ ( قِيمَتُهُ ) ؛ لِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَا مَلَكَهُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ ( فَإِنْ قَبَضَ ) أَيْ الْبَائِعُ الْمُكْرَهُ ( الثَّمَنَ أَوْ سَلَّمَ الْمَبِيعَ طَوْعًا ) قَيَّدَ لِلْمَذْكُورَيْنِ ( نَفَذَ ) الْبَيْعُ لِوُجُودِ الرِّضَا ، ( وَإِنْ قَبَضَهُ ) الثَّمَنَ ( مُكْرَهًا لَا ) أَيْ لَا يَنْفُذُ لِعَدَمِ الرِّضَا ( وَرَدَّهُ ) أَيْ رَدَّ الْبَائِعُ الثَّمَنَ الَّذِي قَبَضَهُ مُكْرَهًا ( إنْ بَقِيَ ) فِي يَدِهِ ( وَلَمْ يَضْمَنْ إنْ هَلَكَ ) ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ كَانَ أَمَانَةً عِنْدَ الْمُكْرَهِ ؛ لِأَنَّهُ أَخَذَ بِإِذْنِ الْمُشْتَرِي ، وَالْقَبْضُ إذَا كَانَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ فَإِنَّمَا يَجِبُ الضَّمَانُ إذَا قَبَضَهُ لِلتَّمَلُّكِ ، وَهُوَ لَمْ يَقْبِضْهُ لَهُ لِكَوْنِهِ مُكْرَهًا عَلَى قَبْضِهِ فَكَانَ أَمَانَةً كَذَا فِي الْكَافِي ( بِخِلَافِ مَا إذَا

أُكْرِهَ عَلَى الْهِبَةِ بِلَا ذِكْرِ الدَّفْعِ فَوَهَبَ وَدَفَعَ حَيْثُ يَكُونُ فَاسِدًا ) أَيْ يُوجِبُ الْمِلْكَ بَعْدَ الْقَبْضِ كَالْهِبَةِ الصَّحِيحَةِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِنَا إنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى الْهِبَةِ إكْرَاهٌ عَلَى الدَّفْعِ ، وَالْإِكْرَاهُ عَلَى الْبَيْعِ لَيْسَ إكْرَاهًا عَلَى التَّسْلِيمِ ( هَلَكَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ مُشْتَرٍ غَيْرِ مُكْرَهٍ ، وَالْبَائِعُ مُكْرَهٌ ضَمِنَ ) أَيْ الْمُشْتَرِي ( قِيمَتَهُ لِلْبَائِعِ ) ؛ لِأَنَّهُ قَبَضَهُ بِحُكْمِ عَقْدٍ فَاسِدٍ فَكَانَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ كَمَا فِي إعْتَاقِ الْمُشْتَرِي ، ( وَلَهُ ) أَيْ لِلْبَائِعِ ( أَنْ يَضْمَنَ أَيًّا شَاءَ ) مِنْ الْحَامِلِ وَالْمُشْتَرِي كَالْغَاصِبِ وَغَاصِبِ الْغَاصِبِ فَالْمُكْرَهُ كَالْغَاصِبِ وَالْمُشْتَرِي كَغَاصِبِ الْغَاصِبِ ( فَإِنْ ضَمِنَ الْحَامِلُ رَجَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِقِيمَتِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ الْبَائِعِ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ ؛ لِأَنَّ الْمَضْمُونَ يَصِيرُ مِلْكًا لِلضَّامِنِ مِنْ وَقْتِ سَبَبِ الضَّمَانِ وَهُوَ الْغَصْبُ ، ( وَإِنْ ضَمِنَ أَحَدُ الْمُشْتَرِينَ ) وَقَدْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي ( نَفَذَ كُلُّ شَيْءٍ ) كَانَ بَعْدَهُ أَيْ بَعْدَ شِرَائِهِ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِأَدَاءِ الضَّمَانِ فَظَهَرَ أَنَّهُ بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ ( وَلَا يَنْفُذُ ) مَا كَانَ ( قَبْلَهُ ) ؛ لِأَنَّ اسْتِنَادَ مِلْكِ الْمُشْتَرِي إلَى وَقْتِ قَبْضِهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَجَازَ الْمَالِكُ الْمُكْرَهَ عَقْدًا مِنْهَا حَيْثُ مَا كَانَ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ النَّفَاذِ حَقُّهُ فَيَعُودُ الْكُلُّ جَائِزًا ، ( وَالثَّانِي ) وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ ( كَنِكَاحِهِ وَطَلَاقِهِ وَإِعْتَاقِهِ ) وَسَائِرِ مَا سَيَأْتِي فَإِنَّ هَذِهِ الْعُقُودَ تَصِحُّ عِنْدَنَا مَعَ الْإِكْرَاهِ قِيَاسًا عَلَى صِحَّتِهَا مَعَ الْهَزْلِ ، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تَصِحُّ ( وَرَجَعَ ) أَيْ الْفَاعِلُ عَلَى الْحَامِلِ ( بِنِصْفِ الْمُسَمَّى ) فِي الطَّلَاقِ ( إنْ لَمْ يَطَأْ ) ، وَكَانَ الْمَهْرُ مُسَمًّى فِي الْعَقْدِ ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ فِيهِ يَرْجِعْ عَلَيْهِ بِمَا لَزِمَهُ مِنْ الْمُتْعَةِ ؛ لِأَنَّ مَا عَلَيْهِ كَانَ عَلَى شَرَفِ السُّقُوطِ بِوُقُوعِ

الْفُرْقَةِ مِنْ جِهَتِهَا بِمَعْصِيَةٍ كَالِارْتِدَادِ وَتَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ ، وَقَدْ تَأَكَّدَ ذَلِكَ بِالطَّلَاقِ فَكَانَ تَقْرِيرًا لِلْمَالِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ، فَيُضَافُ تَقْرِيرُهُ إلَى الْحَامِلِ ، وَالتَّقْرِيرُ كَالْإِيجَابِ فَكَانَ مُتْلِفًا لَهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا دَخَلَ بِهَا ؛ لِأَنَّ الْمَهْرَ تَقَرَّرَ هُنَا بِالدُّخُولِ لَا بِالطَّلَاقِ .
( وَ ) رَجَعَ الْفَاعِلُ عَلَى الْحَامِلِ ( بِقِيمَةِ الْعَبْدِ ) فِي الْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ صَلُحَ آلَةً لَهُ فِيهِ مِنْ حَيْثُ الْإِتْلَافُ فَانْضَافَ إلَيْهِ فَلَهُ أَنْ يَضْمَنَهُ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا لِكَوْنِهِ ضَمَانَ إتْلَافٍ كَمَا مَرَّ ، وَلَا يَرْجِعُ الْحَامِلُ عَلَى الْعَبْدِ بِالضَّمَانِ ؛ لِأَنَّهُ مُؤَاخَذٌ بِإِتْلَافِهِ ( وَنَذْرِهِ ) ، فَإِنَّهُ إذَا أُكْرِهَ عَلَى النَّذْرِ صَحَّ وَلَزِمَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ فَلَا يَعْمَلُ فِيهِ الْإِكْرَاهُ وَهُوَ مِنْ اللَّاتِي هَزْلُهُنَّ جَدٌّ وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْحَامِلِ بِمَا لَزِمَهُ إذْ لَا مُطَالَبَ لَهُ فِي الدُّنْيَا ( وَيَمِينِهِ وَظِهَارِهِ ) حَيْثُ لَا يَعْمَلُ فِيهِمَا الْإِكْرَاهُ لِعَدَمِ احْتِمَالِهِمَا الْفَسْخَ ( وَرَجْعَتِهِ وَإِيلَائِهِ وَفَيْئِهِ فِيهِ ) أَيْ فِي الْإِيلَاءِ بِاللِّسَانِ بِأَنْ يَقُولَ : فِئْت إلَيْهَا فَإِنَّهَا لَمَّا صَحَّتْ مَعَ الْهَزْلِ صَحَّتْ مَعَ الْإِكْرَاهِ أَيْضًا وَإِسْلَامِهِ فَإِنَّهُ إذَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ صَارَ مُسْلِمًا إذَا وُجِدَ أَحَدُ الرُّكْنَيْنِ قَطْعًا ، وَفِي الْآخَرِ احْتِمَالٌ فَرَجَّحْنَا جَانِبَ الْوُجُودِ احْتِيَاطًا ( بِلَا قَتْلٍ لَوْ رَجَعَ ) يَعْنِي إذَا أَسْلَمَ بِالْإِكْرَاهِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ لَا يُقْتَلُ لِتَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ الْإِسْلَامِ مِنْ الِابْتِدَاءِ ، فَيَكُونُ كُفْرُهُ أَصْلِيًّا فَلَا يَكُونُ مُرْتَدًّا ، ( وَلَا تُعْتَبَرُ رِدَّتُهُ ) لِأَنَّهَا تَتَعَلَّقُ بِالِاعْتِقَادِ ، أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ نَوَى أَنْ يَكْفُرَ يَصِيرُ كَافِرًا ، وَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِهِ ، وَالْإِكْرَاهُ دَالٌّ عَلَى عَدَمِ تَغَيُّرِ الِاعْتِقَادِ ( فَلَا تَبِينُ عُرْسُهُ ) لِعَدَمِ الْحُكْمِ بِالرِّدَّةِ .
(

صَادَرَهُ السُّلْطَانُ ) أَيْ طَلَبَ مِنْهُ مَالًا بِالْإِكْرَاهِ ( وَلَمْ يُعَيِّنْ بَيْعَ مَالِهِ ) أَيْ لَمْ يَقُلْ بِعْ مَالَك وَأَعْطِنِي ثَمَنَهُ ( فَبَاعَهُ صَحَّ ) أَيْ ذَلِكَ الْبَيْعُ لِعَدَمِ الْإِكْرَاهِ بِالنَّظَرِ إلَيْهِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ ( خَوَّفَهَا الزَّوْجُ بِالضَّرْبِ حَتَّى وَهَبَتْ مَهْرَهَا لَمْ تَصِحَّ ) الْهِبَةُ ( إنْ قَدَرَ ) أَيْ الزَّوْجُ ( عَلَى الضَّرْبِ ) لِوُجُودِ الْإِكْرَاهِ .

( قَوْلُهُ كَبَيْعِهِ ) شَامِلٌ لِمَا لَوْ تَدَاوَلَتْهُ الْأَيْدِي فَإِنَّهُ يُفْسَخُ ( قَوْلُهُ كَمَا فِي سَائِرِ الْبُيُوعِ الْفَاسِدَةِ ) قَالَ فِي الْمُجْتَبَى بَيْعُ الْمُكْرَهِ يُخَالِفُ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ يَجُوزُ بِالْإِجَازَةِ يَنْقُضُ تَصَرُّفَ الْمُشْتَرِي تُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ دُونَ الْقَبْضِ الثَّمَنُ أَوْ الثَّمَنُ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْمُكْرَهِ وَفِي الْفَاسِدِ بِخِلَافِهَا ا هـ .
( قَوْلُهُ فَيَصِحُّ إعْتَاقُهُ ) كَذَا تَدْبِيرُهُ وَاسْتِيلَادُهُ قَوْلُهُ وَإِنْ قَبَضَهُ أَيْ الثَّمَنَ مُكْرَهًا لَا ) كَذَا لَوْ سَلَّمَ الْمَبِيعَ مُكْرَهًا لَا يَنْفُذُ الْبَيْعُ .
( قَوْلُهُ وَرَدَّهُ أَيْ رَدَّ الْبَائِعُ الثَّمَنَ ) يَعْنِي لَزِمَهُ رَدُّهُ لِفَسَادِ الْعَقْدِ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أُكْرِهَ عَلَى الْهِبَةِ ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ أَوْ سَلَّمَ الْمَبِيعَ طَوْعًا ، وَمِثْلُهَا الصَّدَقَةُ ( قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى أَصْلِنَا إنَّ الْإِكْرَاهَ عَلَى الْهِبَةِ إكْرَاهٌ عَلَى الدَّفْعِ ) هَذَا إذَا كَانَ الْمُكْرَهُ حَاضِرًا وَقْتَ التَّسْلِيمِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَالْإِكْرَاهُ عَلَى الْهِبَةِ لَا يَكُونُ إكْرَاهًا عَلَى التَّسْلِيمِ قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ ( قَوْلُهُ فَإِنْ ضَمِنَ الْحَامِلُ رَجَعَ عَلَى الْمُشْتَرِي بِقِيمَتِهِ ) ، يُفِيدُ أَنَّهُ إنْ ضَمِنَ الْمُشْتَرِي لَا يَرْجِعُ عَلَى الْحَامِلِ ( قَوْلُهُ وَلَا يَنْفُذُ مَا كَانَ قَبْلَهُ ) يُفِيدُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ أَوَّلَ الْمُشْتَرِينَ نَفَذَ الْجَمِيعُ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَجَازَ الْمَالِكُ الْمُكْرَهُ عَقْدًا مِنْهَا ) الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِجَازَةِ وَالتَّضْمِينِ أَنَّهُ إذَا ضَمَّنَ فَأَخَذَ الْقِيمَةَ صَارَ كَأَنَّهُ اسْتَرَدَّ الْعَيْنَ فَتَبْطُلُ الْبِيَاعَاتُ الَّتِي قَبْلَهُ بِخِلَافِ أَخْذِ الثَّمَنِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ كَأَخْذِ الْعَيْنِ بَلْ إجَازَةٌ فَافْتَرَقَا ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَجَازَ الْمَالِكُ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ وَاحِدًا مِنْ الْأَشْرِبَةِ حَيْثُ يَجُوزُ مَا أَجَازَهُ خَاصَّةً ؛ لِأَنَّهُ بَاعَ مِلْكَ غَيْرِهِ وَقَدْ ثَبَتَ بِالْإِجَازَةِ لِأَحَدِهِمْ مِلْكٌ بَاتٌّ

فَأَبْطَلَ الْمَوْقُوفَ لِغَيْرِهِ ، وَفِي الْإِكْرَاهِ كُلُّ وَاحِدٍ بَاعَ مِلْكَهُ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ بِالْقَبْضِ فِيهِ ، وَالْمَانِعُ مِنْ نُفُوذِ الْكُلِّ حَقُّ الِاسْتِرْدَادِ فَإِذَا أَسْقَطَهُ الْمَالِكُ نَفَذَ الْكُلُّ ( قَوْلُهُ كَنِكَاحٍ ) أَيْ يَصِحُّ النِّكَاحُ سَوَاءٌ كَانَ بِمُلْجِئٍ أَوْ غَيْرِهِ ، وَلَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الْمَهْرِ ، وَذَلِكَ أَنَّهُ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِمُلْجِئٍ كَأَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى عَشْرَةِ آلَافٍ وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفٌ صَحَّ النِّكَاحُ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفٌ وَيَبْطُلُ الْفَضْلُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ، وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّ الزَّوْجَ يَلْزَمُهُ الْجَمِيعُ وَيَرْجِعُ بِالْفَضْلِ عَلَى مَنْ أَكْرَهَهُ ، وَلَيْسَ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بِقَيْدٍ أَوْ حَبْسٍ فَلَا يَكُونُ إكْرَاهًا فِي حَقِّ الزَّوْجِ بَلْ نِكَاحُ طَائِعٍ ، وَالتَّسْمِيَةُ فَاسِدَةٌ ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ تُصْرَفُ فِي الْمَالِ وَهُوَ يُبْطِلُهُ الْهَزْلُ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفٌ لَا غَيْرُ ، وَلَا يَرْجِعُ الزَّوْجُ عَلَى الْمُكْرَهِ بِشَيْءٍ وَلَوْ أُكْرِهَتْ الْمَرْأَةُ عَلَى التَّزَوُّجِ بِدُونِ مَهْرِ مِثْلِهَا صَحَّ النِّكَاحُ وَلَا ضَمَانَ عَلَى الْمُكْرِهِ ، وَحُكْمُ اعْتِرَاضِ أَوْلِيَائِهَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ ( قَوْلُهُ وَرَجَعَ الْفَاعِلُ عَلَى الْحَامِلِ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ ) لَمْ يَذْكُرْ حُكْمَ الْوَلَاءِ نَصًّا وَالْوَلَاءُ لِلْفَاعِلِ ا هـ .
وَفِي التَّدْبِيرِ يَرْجِعُ بِنُقْصَانِ التَّدْبِيرِ فِي الْحَالِ عَلَى الْمُكْرَهِ ، وَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى يُعْتَقُ الْمُدَبَّرُ وَيَرْجِعُ وَرَثَةُ الْمَوْلَى بِثُلُثَيْ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا عَلَى الْآمِرِ أَيْضًا كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ قَوْلُهُ وَنَذْرِهِ ) كَذَا كُلُّ مَا يُقَرِّبُهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى كَصَدَقَةٍ وَحَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَغَزْوٍ وَهَدْيٍ إذَا أَوْجَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ سَوَاءٌ كَانَ بِمُلْجِئٍ أَوْ غَيْرِهِ ، وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُكْرَهِ بِمَا لَزِمَهُ مِنْ ذَلِكَ كَمَا فِي السِّرَاجِ ( قَوْلُهُ وَظِهَارِهِ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ لَوْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَكْفُرَ فَكَفَرَ لَمْ يَرْجِعْ بِذَلِكَ وَلَوْ

أُكْرِهَ عَلَى عِتْقِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ فَفَعَلَ عَتَقَ وَعَلَى الْمُكْرِهِ قِيمَتُهُ وَلَا يُجْزِيهِ عَنْ الْكَفَّارَةِ ، وَلَوْ قَالَ أَنَا أُبْرِيهِ عَنْ الْقِيمَةِ حَتَّى يُجْزِيَهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ ا هـ .
وَقَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ قَالُوا لَوْ كَانَ هَذَا يَعْنِي الْمُعَيَّنَ مِنْ أَخَسِّ الرِّقَابِ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ دَوْمُ هَذَا مُجْزِيًا لَا يَضْمَنُ شَيْئًا ( قَوْلُهُ وَرَجْعَتِهِ ) يَعْنِي عَلَى إنْشَائِهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهَا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ ( قَوْلُهُ وَإِيلَائِهِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ وَلَوْ بَانَتْ بِهِ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ مِنْ مَهْرِهَا مُطْلَقًا أَعْنِي قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ وَفَيْئِهِ فِيهِ ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ هُوَ مِثْلُ الرَّجْعَةِ إنْشَاءً وَإِقْرَارًا

كِتَابُ الْحَجْرِ ( هُوَ ) لُغَةً الْمَنْعُ مُطْلَقًا ، وَشَرْعًا ( مَنْعُ نَفَاذِ التَّصَرُّفِ الْقَوْلِيِّ ) خَصَّهُ بِالذِّكْرِ ؛ لِأَنَّ الْحَجْرَ لَا يَتَحَقَّقُ فِي أَفْعَالِ الْجَوَارِحِ ، وَسِرُّهُ أَنَّ أَثَرَ التَّصَرُّفِ الْقَوْلِيِّ لَا يُوجَدُ فِي الْخَارِجِ بَلْ أَمْرٌ يَعْتَبِرُهُ الشَّرْعُ كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ ، فَإِذَا لَمْ يُوجَدْ فِي الْخَارِجِ جَازَ أَنْ يُعْتَبَرَ عَدَمُهُ بِخِلَافِ التَّصَرُّفِ الْفِعْلِيِّ الصَّادِرِ عَنْ الْجَوَارِحِ فَإِنَّهُ لَمَّا كَانَ مَوْجُودًا خَارِجِيًّا لَمْ يَجُزْ اعْتِبَارُ عَدَمِهِ كَالْقَتْلِ وَإِتْلَافِ الْمَالِ ، وَإِلَّا كَانَ سَفْسَطَةً ( وَسَبَبُهُ الصِّغَرُ ) بِأَنْ يَكُونَ غَيْرَ بَالِغٍ فَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ كَانَ عَدِيمَ الْعَقْلِ ، وَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا فَفِعْلُهُ نَاقِصٌ ، فَالضَّرَرُ مُحْتَمَلٌ وَإِذَا أَذِنَ لَهُ الْمَوْلَى صَحَّ تَصَرُّفُهُ لِتَرْجِيحِ جَانِبِ الْمَصْلَحَةِ ( وَالْجُنُونُ ) فَإِنْ عَدِمَ الْإِفَاقَةَ كَانَ عَدِيمَ الْعَقْلِ كَصَبِيٍّ غَيْرِ مُمَيِّزٍ ، وَإِنْ وُجِدَتْ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ كَانَ نَاقِصَ الْعَقْلِ كَصَبِيٍّ عَاقِلٍ فِي تَصَرُّفَاتِهِ ، وَأَمَّا الْمَعْتُوهُ فَاخْتَلَفُوا فِي تَفْسِيرِهِ ، وَأَحْسَنُ مَا قِيلَ فِيهِ هُوَ مَنْ كَانَ قَلِيلَ الْفَهْمِ مُخْتَلِطَ الْكَلَامِ فَاسِدَ التَّدْبِيرِ إلَّا أَنَّهُ لَا يَضْرِبُ وَلَا يَشْتُمُ كَمَا يَفْعَلُ الْمَجْنُونُ ( وَالرِّقُّ ) فَإِنَّ الرَّقِيقَ لَهُ أَهْلِيَّةٌ فِي نَفْسِهِ لَكِنَّهُ يُحْجَرُ رِعَايَةً لِحَقِّ الْمَوْلَى كَيْ لَا تَبْطُلَ مَنَافِعُ عَبْدِهِ بِإِيجَارِهِ نَفْسَهُ لِآخَرَ وَلَا يَمْلِكُ رَقَبَتَهُ بِتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِهِ لَكِنَّ الْمَوْلَى إذَا رَضِيَ بِفَوَاتِ حَقِّهِ ( فَلَمْ يَصِحَّ طَلَاقُ صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ مَغْلُوبٍ ) أَمَّا الْمَجْنُونُ فَلِعَدَمِ عَقْلِهِ ، وَأَمَّا الصَّبِيُّ فَغَيْرُ الْعَاقِلِ كَالْمَجْنُونِ ، وَالْعَاقِلُ لَا يَقِفُ عَلَى الْمَصْلَحَةِ فِي الطَّلَاقِ لِعَدَمِ الشَّهْوَةِ وَلَا وُقُوفَ لِلْمَوْلَى عَلَى عَدَمِ التَّوَافُقِ بِاعْتِبَارِ بُلُوغِهِ حَدَّ الشَّهْوَةِ ، وَلِذَا لَا يَتَوَقَّفَانِ عَلَى إجَازَتِهِ وَلَا يَنْفُذَانِ بِمُبَاشَرَتِهِ ، ( وَ )

لَمْ يَصِحَّ ( إعْتَاقُهُمَا ) لِتَمَحُّضِهِ فِي الضَّرَرِ ( وَلَا إقْرَارُهُمَا ) لِأَنَّ اعْتِبَارَ الْأَقْوَالِ بِالشَّرْعِ ، وَالْإِقْرَارُ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ وَقَبِلَ الشَّارِعُ شَهَادَةَ الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ فَأَمْكَنَ رَدُّهُ فَيُرَدُّ نَظَرًا لَهُمَا .
( كِتَابُ الْحَجْرِ ) ( قَوْلُهُ وَسَبَبُهُ الصِّغَرُ وَالْجُنُونُ وَالرِّقُّ ) هَذِهِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا وَأُلْحِقَ بِهَا ثَلَاثَةٌ أُخْرَى الْمُفْتِي الْمَاجِنُ وَالطَّبِيبُ الْجَاهِلُ وَالْمُكَارِي الْمُفْلِسُ ، وَهَذَا أَيْضًا بِالِاتِّفَاقِ عَلَى مَا حُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ كَمَا فِي النِّهَايَةِ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ وُجِدَتْ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ كَانَ نَاقَصَ الْعَقْلِ كَصَبِيٍّ عَاقِلٍ فِي تَصَرُّفَاتِهِ ) فِي إطْلَاقِ تَشْبِيهِ أَفْعَالِهِ بِأَفْعَالِ الصَّبِيِّ تَأَمَّلْ .
بَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ هَذَا فِي تَصَرُّفٍ صَدَرَ مِنْهُ حَالَ عَدَمِ إفَاقَتِهِ وَأَمَّا تَصَرُّفٌ وُجِدَ مِنْهُ حَالَ إفَاقَتِهِ فَهُوَ فِيهِ كَالْعَاقِلِ كَمَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ( قَوْلُهُ وَأَمَّا الْمَعْتُوهُ
إلَخْ ) حُكْمُهُ كَالصَّبِيِّ الْعَاقِلِ فِي تَصَرُّفَاتِهِ وَفِي رَفْعِ التَّكْلِيفِ عَنْهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ فَإِنَّ الرَّقِيقَ لَهُ أَهْلِيَّةٌ فِي نَفْسِهِ ) أَشَارَ بِهَذَا إلَى أَنَّ الرِّقَّ لَيْسَ بِسَبَبٍ لِلْحَجْرِ فِي الْحَقِيقَةِ ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ مُحْتَاجٌ كَامِلُ الرَّأْيِ كَالْحُرِّ لَكِنَّهُ يُحْجَرُ عَلَيْهِ لِحَقِّ الْمَوْلَى ( قَوْلُهُ وَلِذَا لَا يَتَوَقَّفَانِ عَلَى إجَازَتِهِ وَلَا يَنْفُذَانِ بِمُبَاشَرَتِهِ ) لَعَلَّهُ ثَنَّى الضَّمِيرَ بِاعْتِبَارِ طَلَاقِ الصَّبِيِّ وَطَلَاقِ الْمَجْنُونِ وَإِلَّا فَيَنْبَغِي الْإِفْرَادُ .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25