كتاب : درر الحكام شرح غرر الأحكام
المؤلف : محمد بن فراموز الشهير بمنلا خسرو

( وَلَا يُعَيَّنُ وَاحِدٌ لَهَا ) إذْ لَوْ تَعَيَّنَ لَحُكِمَ بِالزِّيَادَةِ عَلَى أَجْرِ مِثْلِهِ .
( قَوْلُهُ : وَلَا يُعَيَّنُ وَاحِدٌ لَهَا ) لِهَذَا الْمَعْنَى لَا يُجْبِرُهُمْ الْحَاكِمُ عَلَى اسْتِئْجَارِ الْقَسَّامِ

( وَلَا يَشْتَرِكُ الْقَسَّامُ ) لِئَلَّا يَتَوَاضَعُوا عَلَى مُغَالَاةِ الْأَجْرِ فَيُؤَدِّي إلَى الْإِضْرَارِ بِالنَّاسِ ( وَصَحَّتْ بِرِضَاءِ الشُّرَكَاءِ ) لِوِلَايَتِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ ( إلَّا عِنْدَ صِغَرِ أَحَدِهِمْ ) فَحِينَئِذٍ لَا تَصِحُّ بَلْ يُحْتَاجُ إلَى أَمْرِ الْقَاضِي لِقُصُورِ وِلَايَتِهِمْ عَنْهُ .

( قَسَمَ نَقْلِيًّا ادَّعَوْا إرْثَهُ أَوْ عَقَارًا ادَّعَوْا شِرَاءَهُ أَوْ مِلْكَهُ مُطْلَقًا وَلَوْ ادَّعَوْا إرْثَهُ عَنْ زَيْدٍ ) أَيْ لَا يُقْسَمُ ( حَتَّى يُبَرْهِنُوا عَلَى مَوْتِهِ وَعَدَدِ وَرَثَتِهِ ) لَا خِلَافَ فِي الْأَوَّلَيْنِ وَفِي هَذَا خِلَافُ الْإِمَامَيْنِ لَهُمَا أَنَّهُ فِي أَيْدِيهمَا وَهُوَ دَلِيلُ الْمِلْكِ ، وَالْإِقْرَارُ إمَارَةُ الصِّدْقِ وَلَا مُنَازِعَ لَهُمْ فَيَقْسِمُهُ بَيْنَهُمْ كَمَا فِي الْمَنْقُولِ الْمَوْرُوثِ ، وَالْعَقَارِ الْمُشْتَرِي ، وَالْبَيِّنَةِ لَا تُفِيدُ لِأَنَّهَا عَلَى الْمُنْكِرِ لَكِنَّهُ يَذْكُرُ فِي صَكِّ الْقِسْمَةِ أَنَّهُ قَسَمَهَا بِإِقْرَارِهِمْ لِيَقْتَصِرَ عَلَيْهِمْ وَلَا يَكُونُ قَضَاءً عَلَى شَرِيكٍ آخَرَ لَهُمْ وَلَهُ أَنَّ الْمَيِّتَ يَصِيرُ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ بِقِسْمَةِ الْقَاضِي وَقَوْلُ الشُّرَكَاءِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لِيَثْبُتَ بِهَا الْقَضَاءُ عَلَى الْمَيِّت فَإِنَّ التَّرِكَةَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ مُبْقَاةٌ عَلَى مِلْكِ الْمَيِّتِ بِدَلِيلِ ثُبُوتِ حَقِّهِ فِي الزَّوَائِدِ كَأَوْلَادِ مِلْكِهِ وَأَرْبَاحِهِ حَتَّى يَقْضِيَ مِنْهَا دُيُونَهُ وَتَنْفُذَ وَصَايَاهُ وَبِالْقِسْمَةِ يَنْقَطِعُ حَقُّ الْمَيِّتِ عَنْ التَّرِكَةِ حَتَّى لَا يَثْبُتَ حَقُّهُ فِيمَا يَحْدُثُ بَعْدَهُ مِنْ الزَّوَائِدِ فَكَانَ هَذَا قَضَاءً عَلَى الْمَيِّتِ بِقَطْعِ حَقِّهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ وَيَصِيرُ بَعْضُهُمْ حِينَئِذٍ مُدَّعِيًا ، وَالْبَعْضُ خَصْمًا ، وَإِنْ كَانَ مُقَرَّرًا .

( وَ ) لَا ( إنْ بَرْهَنَا أَنَّهُ ) أَيْ الْعَقَارَ ( مَعَهُمَا حَتَّى يُبَرْهِنَا أَنَّهُ لَهُمَا ) يَعْنِي إنْ ادَّعَوْا الْمِلْكَ فِي الْعَقَارِ وَلَمْ يَذْكُرُوا كَيْفَ انْتَقَلَ إلَيْهِمْ لَمْ يَقْسِمْهَا حَتَّى يُقِيمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ لَهُمَا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ لِغَيْرِهِمَا ثُمَّ قِيلَ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى خَاصَّةً وَقِيلَ هُوَ قَوْلُ الْكُلِّ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ ضَرْبَانِ لِحَقِّ الْمِلْكِ تَكْمِيلًا لِلْمَنْفَعَةِ وَلِحَقِّ الْيَدِ تَتْمِيمًا لِلْحِفْظِ وَامْتَنَعَ الْأَوَّلُ هُنَا لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَكَذَا الثَّانِي لِلِاسْتِغْنَاءِ عَنْهُ لِأَنَّهُ مَحْفُوظٌ بِنَفْسِهِ كَذَا فِي الْكَافِي .
قَوْلُهُ : وَلَا إنْ بَرْهَنَا أَنَّهُ أَيْ الْعَقَارُ مَعَهُمَا حَتَّى يُبَرْهِنَا أَنَّهُ لَهُمَا ) كَذَا فِي الْكَنْزِ .
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : ذَكَرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ بِعَيْنِهَا قُبَيْلَ هَذَا بِقَوْلِهِ وَدَعْوَى الْمِلْكِ لِأَنَّ الْمُرَادَ فِيهَا أَنْ يَدَّعُوا الْمِلْكَ وَلَمْ يَذْكُرُوا كَيْفَ انْتَقَلَ إلَيْهِمْ وَلَمْ يَشْتَرِطْ فِيهَا إقَامَةَ الْبَيِّنَةِ عَلَى أَنَّهُ مِلْكُهُمْ وَهُوَ رِوَايَةُ الْقُدُورِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَشَرْطُهُ هُنَا وَهُوَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُبَيِّنَ اخْتِلَافَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنْ يَقُولَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ كَذَا .
وَفِي مُخْتَصَرِ الْقُدُورِيِّ كَذَا لِأَنَّ الصُّورَةَ مُتَّحِدَةٌ غَيْرَ أَنَّ فِيهَا اخْتِلَافَ الرِّوَايَتَيْنِ كَمَا رَأَيْت وَفِي مِثْلِهِ تَبَيُّنُ الرِّوَايَاتِ وَلَا يَذْكُرُونَ كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَةٍ لِأَنَّ ذَلِكَ يُوهِمُ اخْتِلَافَ الصُّوَرِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَلِيقُ فِي مِثْلِ هَذَا الْمُخْتَصَرِ إلَّا ذِكْرُ أَحَدِ الرِّوَايَتَيْنِ .
ا هـ .

( بَرْهَنَا عَلَى الْمَوْتِ وَعَدَدِ الْوَرَثَةِ وَهُوَ ) أَيْ الْعَقَارُ ( مَعَهُمْ وَفِيهِمْ صَغِيرٌ أَوْ غَائِبٌ قَسَمَ وَنُصِّبَ قَابِضٌ لَهُمَا ) هُوَ وَصِيٌّ مِنْ الطِّفْلِ وَوَكِيلٌ مِنْ الْغَائِبِ لِأَنَّ فِي هَذَا النَّصْبِ نَظَرًا لِلْغَائِبِ ، وَالصَّغِيرِ وَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَى أَصْلِ الْمِيرَاثِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ عِنْدَهُ أَيْضًا بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ فِي هَذِهِ الْقِسْمَةِ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ ، وَالصَّغِيرِ بِقَوْلِهِمْ ، وَعِنْدَهُمَا يُقْسَمُ بَيْنَهُمْ بِإِقْرَارِهِمْ وَيُعْزَلُ حَقُّ الْغَائِبِ وَالصَّغِيرِ ، وَيَشْهَدُ أَنَّهُ قَسَمَهَا بَيْنَهُمْ بِإِقْرَارِ الْكِبَارِ الْحُضُورِ وَأَنَّ الْغَائِبَ أَوْ الصَّغِيرَ عَلَى حُجَّتِهِ .
( قَوْلُهُ : وَنُصِّبَ قَابِضٍ لَهُمَا ) قَالَ ابْنُ الضِّيَاءِ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ : اعْلَمْ أَنَّ الْقَاضِيَ إنَّمَا يُنَصَّبُ عَنْ الصَّبِيِّ الْحَاضِرِ أَمَّا إذَا كَانَ غَائِبًا فَلَا ا هـ .
وَقَالَ الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْمَقْدِسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : وَهُوَ مَنْقُوضٌ بِالْغَائِبِ الْبَالِغِ فَتَأَمَّلْ .
ا هـ .

( وَإِنْ بَرْهَنَ وَاحِدٌ مِنْ الْوَرَثَةِ أَوْ شَرَوْا ) أَيْ الشُّرَكَاءَ ( وَغَابَ أَحَدُهُمْ أَوْ كَانَ ) أَيْ الْعَقَارُ ( مَعَ الْوَارِثِ الصَّغِيرِ أَوْ الْغَائِبِ أَوْ ) كَانَ مَعَهُ ( شَيْءٌ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الْعَقَارِ ( لَا ) أَيْ لَا يَجُوزُ الْقِسْمَةُ أَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ عَدَمُ جَوَازِ الْقِسْمَةِ إذَا بَرْهَنَ وَاحِدٌ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ خَصْمٌ وَهُوَ إنْ كَانَ خَصْمًا عَنْ نَفْسِهِ فَلَيْسَ أَحَدٌ خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ وَعَنْ الْغَائِبِ ، وَإِنْ كَانَ خَصْمًا عَنْهُمَا فَلَيْسَ أَحَدٌ يُخَاصِمُهُ عَنْ نَفْسِهِ لِيُقِيمَ الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْحَاضِرُ مِنْ الْوَرَثَةِ اثْنَيْنِ حَيْثُ تَكُونُ الْقِسْمَةُ قَضَاءً بِحَضْرَةِ الْمُتَخَاصِمَيْنِ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ عَدَمُ جَوَازِ الْقِسْمَةِ إذَا شَرَوْا وَغَابَ أَحَدُهُمْ فَلِلْفَرْقِ بَيْنَ الْإِرْثِ ، وَالشِّرَاءِ فَإِنَّ مِلْكَ الْوَارِثِ مِلْكُ خِلَافَةٍ حَتَّى يُرَدَّ بِالْعَيْبِ عَلَى بَائِعِ الْمُوَرَّثِ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ بِالْعَيْبِ وَيَصِيرُ مَغْرُورًا بِشِرَاءِ الْمُوَرَّثِ حَتَّى لَوْ وَطِئَ أَمَةً اشْتَرَاهَا مُوَرِّثُهُ فَوَلَدَتْ فَاسْتُحِقَّتْ رَجَعَ الْوَارِثُ عَلَى بَائِعِ مُوَرِّثِهِ بِثَمَنِهَا وَقِيمَةِ الْوَلَدِ لِلْغُرُورِ مِنْ جِهَتِهِ فَانْتَصَبَ أَحَدُهُمْ خَصْمًا عَنْ الْمَيِّتِ فِيمَا فِي يَدِهِ ، وَالْآخَرُ عَنْ نَفْسِهِ فَصَارَتْ الْقِسْمَةُ قَضَاءً بِحَضْرَةِ الْمُتَقَاسِمَيْنِ ، وَأَمَّا الْمِلْكُ الثَّابِتُ بِالشِّرَاءِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ، وَمِلْكٌ جَدِيدٌ بِسَبَبٍ بَاشَرَهُ فِي نَصِيبِهِ وَلِهَذَا لَا يُرَدُّ بِالْعَيْبِ عَلَى بَائِعٍ بَاعَهُ فَلَا يَنْتَصِبُ الْحَاضِرُ خَصْمًا عَنْ الْغَائِبِ فَحِينَئِذٍ تَكُونُ الْبَيِّنَةُ فِي حَقِّ الْغَائِبِ قَائِمَةً بِلَا خَصْمٍ فَلَا تُقْبَلُ ، وَأَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ عَدَمُ جَوَازِ الْقِسْمَةِ إذَا كَانَ الْعَقَارُ مَعَ الْوَارِثِ الصَّغِيرِ أَوْ الْغَائِبِ أَوْ شَيْءٌ مِنْهُ فَلِأَنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ أَوْ الصَّغِيرِ الْحَاضِرِ بِإِخْرَاجِ شَيْءٍ مِمَّا كَانَ فِي يَدِهِ عَنْ يَدِهِ بِلَا خَصْمٍ حَاضِرٍ عَنْهُمَا .

( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ الْحَاضِرُ مِنْ الْوَرَثَةِ اثْنَيْنِ ) شَامِلٌ لِمَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا صَغِيرًا عَلَى مَا قَالَ قَاضِي خَانْ : لَوْ جَاءَ الْبَالِغُ مَعَ صَغِيرٍ نَصَّبَ الْقَاضِيَ عَنْ الصَّغِيرِ مَنْ يَقْسِمُ وَيَأْمُرُهُ بِالْقِسْمَةِ ( قَوْلُهُ : وَأَمَّا الثَّالِثُ وَهُوَ عَدَمُ جَوَازِ الْقِسْمَةِ
إلَخْ ) هُوَ الصَّحِيحُ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَعَدَمِهَا وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْمَبْسُوطِ وَغَيْرِهِ يَقْسِمُ إذَا أَقَامَ الْحَاضِرُونَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمَوْتِ وَعَدَدِ الْوَرَثَةِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ

( وَقَسْمٌ بِطَلَبِ أَحَدِهِمْ إنْ انْتَفَعَ كُلٌّ بِحِصَّتِهِ وَبِطَلَبِ ذِي الْكَثِيرِ فَقَطْ إنْ لَمْ يَنْتَفِعْ الْآخَرُ لِقِلَّةِ حِصَّتِهِ ) يَعْنِي إذَا انْتَفَعَ كُلٌّ مِنْ الشُّرَكَاءِ بِنَصِيبِهِ قُسِمَ بِطَلَبِ أَحَدِهِمْ لِأَنَّ فِي الْقِسْمَةِ تَكْمِيلَ الْمَنْفَعَةِ وَكَانَتْ حَتْمًا لَازِمًا فِيمَا يَحْتَمِلُهَا إذَا طَلَبَ أَحَدُهُمْ ، وَإِنْ انْتَفَعَ أَحَدُهُمْ بِنَصِيبِهِ إذَا قَسَمَ وَتَضَرَّرَ الْآخَرُ لِقِلَّةِ نَصِيبِهِ فَإِنْ طَلَبَ صَاحِبُ الْكَثِيرِ قُسِمَ ، وَإِنْ طَلَبَ صَاحِبُ الْقَلِيلِ لَمْ يُقْسَمْ كَذَا ذَكَرَ الْخَصَّافُ وَذَكَرَ الْجَصَّاصُ عَكْسَهُ وَذَكَرَ الْحَاكِمُ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّ أَيَّهُمَا طَلَبَ الْقِسْمَةَ قَسَمَ الْقَاضِي قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ : وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ الْإِمَامِ الْمَعْرُوفِ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى .
وَقَالَ فِي الْكَافِي مَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ أَصَحُّ .
وَفِي الذَّخِيرَةِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ( لَا ) أَيْ لَا يُقْسَمُ ( إنْ تَضَرَّرَ كُلٌّ لِلْقِلَّةِ إلَّا بِطَلَبِهِمْ ) لِأَنَّ الْجَبْرَ عَلَى الْقِسْمَةُ لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ وَفِي هَذَا تَفْوِيتُهَا فَيَعُودُ عَلَى مَوْضُوعِهَا بِالنَّقْضِ وَتَجُوزُ بِالتَّرَاضِي لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ .
قَوْلُهُ : قَالَ فِي الْخَانِيَّةِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الشَّيْخِ الْإِمَامِ
إلَخْ ) هُوَ كَذَلِكَ إلَّا أَنَّهُ صَوَّرَهَا فِي دَارٍ .

( وَلَا الْجِنْسَيْنِ بِالتَّدَاخُلِ ) يَعْنِي لَا يُقْسَمُ الْجِنْسَيْنِ بِإِدْخَالِ بَعْضِهِ فِي بَعْضٍ بِأَنْ أَعْطَى أَحَدَ الْمُتَقَاسِمَيْنِ بَعِيرًا ، وَالْآخَرَ شَاتَيْنِ مَثَلًا جَاعِلًا بَعْضَ هَذَا فِي مُقَابَلَةِ ذَاكَ إذْ لَا اخْتِلَاطَ بَيْنَ الْجِنْسَيْنِ فَلَا تَقَعُ الْقِسْمَةُ تَمْيِيزًا بَلْ تَقَعُ مُعَاوَضَةً فَيُعْتَمَدُ التَّرَاضِي دُونَ الْجَبْرِ لِأَنَّ وِلَايَةَ الْإِجْبَارِ لِلْقَاضِي تَثْبُتُ بِمَعْنَى التَّمْيِيزِ لَا الْمُعَاوَضَةِ .

( وَ ) لَا ( الرَّقِيقِ ) يَعْنِي إذَا كَانَ الرَّقِيقُ وَهُوَ الْعَبِيدُ ، وَالْإِمَاءُ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَطَلَبَ أَحَدُهُمَا الْقِسْمَةَ فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مَعَ الرَّقِيقِ شَيْءٌ آخَرُ يَصِحُّ فِيهِ الْقِسْمَةُ جَبْرًا كَالْغَنَمِ ، وَالثِّيَابِ أَوْ لَا فَإِنْ كَانَ صَحَّ الْقِسْمَةُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا عَلَى الْأَظْهَرِ أَمَّا عِنْدَهُمَا فَظَاهِرٌ وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَيُجْعَلُ الَّذِي مَعَ الرَّقِيقِ أَصْلًا فِي الْقِسْمَةِ جَبْرًا وَيُجْعَلُ الرَّقِيقُ تَابِعًا لَهُ فِي الْقِسْمَةِ وَقَدْ يَثْبُتُ الْحُكْمُ لِشَيْءٍ تَبَعًا ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ قَصْدًا كَالشُّرْبِ فِي الْبَيْعِ ، وَالْمَنْقُولَاتِ فِي الْوَقْفِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَإِنْ كَانُوا ذُكُورًا وَإِنَاثًا لَمْ يُقْسَمْ إلَّا بِرِضَاهُمَا ، وَإِنْ كَانُوا ذُكُورًا أَوْ إنَاثًا لَا يَقْسِمُ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يُجْبِرُهُمَا عَلَى ذَلِكَ ، وَقَالَا يُجْبِرُهُمَا عَلَيْهَا لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ كَمَا فِي الْإِبِلِ ، وَالْغَنَمِ وَلَهُ أَنَّ التَّفَاوُتَ فِي الْآدَمِيِّ فَاحِشٌ لِتَفَاوُتِ الْمَعَانِي الْبَاطِنَةِ كَالذِّهْنِ وَالْكَيَاسَةِ وَنَحْوِهِمَا فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ قِسْمَةً وَإِفْرَازًا بِخِلَافِ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ فَإِنَّ التَّفَاوُتَ فِيهَا يَقِلُّ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ أَلَا يُرَى أَنَّ الذَّكَرَ ، وَالْأُنْثَى بَنِي آدَمَ جِنْسَانِ وَمِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ جِنْسٌ وَاحِدٌ .

( وَ ) لَا ( الْجَوَاهِرِ ) قِيلَ إذَا اخْتَلَفَ الْجِنْسُ كَاللَّآلِئِ ، وَالْيَوَاقِيتِ لَا يُقْسَمُ لِأَنَّ الْجِنْسَ لَمَّا اخْتَلَفَ لَمْ يَتَحَقَّقْ مَعْنَى الْقِسْمَةِ وَهُوَ تَكْمِيلُ الْمَنْفَعَةِ وَقِيلَ لَا يُقْسَمُ الْكِبَارُ مِنْهَا لِفُحْشِ التَّفَاوُتِ وَيُقْسَمُ الصِّغَارُ لِقِلَّةِ التَّفَاوُتِ وَقِيلَ الْجَوَابُ مَجْرِيٌّ عَلَى إطْلَاقِهِ لِأَنَّ جَهَالَةَ الْجَوَاهِرِ أَفْحَشُ مِنْ جَهَالَةِ الرَّقِيقِ وَلِهَذَا لَوْ تَزَوَّجَ عَلَيَّ لُؤْلُؤَةٍ أَوْ يَاقُوتَةٍ أَوْ خَالَعَ عَلَيْهَا لَا تَصِحُّ التَّسْمِيَةُ وَلَوْ خَالَعَ أَوْ تَزَوَّجَ عَلَى عَبْدٍ يَصِحُّ فَأَوْلَى أَنْ لَا يُجْبَرَ عَلَى الْقِسْمَةِ .

( وَ ) لَا ( الْحَمَّامِ ، وَالْبِئْرِ ، وَالرَّحَى إلَّا بِرِضَاهُمْ ) وَكَذَا الْحَائِطُ بَيْنَ الدَّارَيْنِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لِتَكْمِيلِ الْمَنْفَعَةِ فَإِذَا لَمْ يَكُنْ كُلُّ نَصِيبٍ مُنْتَفَعًا بِهِ انْتِفَاعًا مَقْصُودًا لَا يَتَحَقَّقُ مَعْنَى الْقِسْمَةِ فَلَا يَقْسِمُ الْقَاضِي بِخِلَافِ التَّرَاضِي لِالْتِزَامِهِمْ الضَّرَرَ .

( دُورٌ مُشْتَرَكَةٌ أَوْ دَارٌ وَضِيعَةٌ أَوْ دَارٌ وَحَانُوتٌ قُسِمَ كُلٌّ وَحْدَهُ ) هَاهُنَا أُمُورٌ ثَلَاثَةٌ الدُّورُ ، وَالْبُيُوتُ ، وَالْمَنَازِلُ فَالدُّورُ مُتَلَازِقَةً كَانَتْ أَوْ مُتَفَرِّقَةً لَا تُقْسَمُ عِنْدَهُ قِسْمَةً وَاحِدَةً إلَّا بِالتَّرَاضِي ، وَالْبُيُوتُ تُقْسَمُ مُطْلَقًا لِتُقَارِبهَا فِي مَعْنَى السُّكْنَى ، وَالْمَنَازِلُ إنْ كَانَتْ مُجْتَمَعَةً فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ مُتَلَاصِقًا بَعْضُهَا بِبَعْضٍ قُسِمَتْ قِسْمَةً وَاحِدَةً وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّ الْمَنْزِلَ فَوْقَ الْبَيْتِ وَدُونَ الدَّارِ فَالْتَحَقَتْ الْمَنَازِلُ بِالْبُيُوتِ إذَا كَانَتْ مُتَلَازِقَةً وَبِالدُّورِ إذَا كَانَتْ مُتَبَايِنَةً ، وَقَالَا فِي الْفُصُولِ كُلُّهَا يَنْظُرُ الْقَاضِي إلَى أَعْدَلِ الْوُجُوهِ وَيَمْضِي بِهَا عَلَى ذَلِكَ ، وَأَمَّا الدُّورُ ، وَالضَّيْعَةُ أَوْ الدُّورُ ، وَالْحَانُوتُ فَيُقْسَمُ كُلٌّ مِنْهَا وَحْدَهَا لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ .
قَوْلُهُ : وَقَالَا فِي الْفُصُولِ كُلُّهَا يَنْظُرُ الْقَاضِي ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ : هَذَا إذَا كَانَتْ الدُّورُ كُلُّهَا فِي مِصْرٍ وَاحِدٍ وَأَمَّا إذَا كَانَتْ فِي مِصْرَيْنِ لَا يُقْسَمُ عَلَى هَذَا بِالْإِجْمَاعِ فِيمَا رَوَاهُ هِلَالٌ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهَا تُقْسَمُ

ثُمَّ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْقِسْمَةِ وَبَيَانِ مَا يُقْسَمُ وَمَا لَا يُقْسَمُ شَرَعَ فِي بَيَانِ كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ ، فَقَالَ ( وَيُصَوِّرُ الْقَاسِمُ مَا يَقْسِمُ ) أَيْ يَنْبَغِي لِلْقَاسِمِ أَنْ يُصَوِّرَ مَا يَقْسِمُهُ عَلَى الْقِرْطَاسِ لِيُمْكِنَهُ حِفْظُهُ ( وَيَعْدِلُهُ ) أَيْ يُسَوِّيهِ عَلَى سِهَامِ الْقِسْمَةِ ( وَيَذْرَعُهُ ) لِيَعْرِفَ قَدْرَهُ ( وَيُقَوِّمَ بِنَاءَهُ ) إذْ رُبَّمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ بِالْآخِرَةِ ( وَيُفْرِزُ كُلَّ قِسْمٍ بِطَرِيقِهِ ) أَيْ يُمَيِّزُهُ عَنْ الْبَاقِي بِطَرِيقَةٍ ( وَشِرْبِهِ ) لِئَلَّا يَكُونَ لِنَصِيبِ بَعْضِهِمْ تَعَلُّقٌ بِنَصِيبِ الْآخَرِ فَيَتَحَقَّقُ مَعْنَى التَّمْيِيزِ ، وَالْإِفْرَازِ عَلَى الْكَمَالِ .
( قَوْلُهُ : وَيُصَوَّرُ الْقَاسِمُ مَا يَقْسِمُ ) هُوَ أَنْ يَكْتُبَ عَلَى قِرْطَاسٍ أَنَّ فُلَانًا نَصِيبُهُ كَذَا وَفُلَانًا كَذَا ( قَوْلُهُ : وَيَعْدِلُهُ ) بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَرُوِيَ يَعْزِلُهُ بِالزَّايِ أَيْ يَقْطَعُهُ بِالْقِسْمَةِ عَنْ غَيْرِهِ ( قَوْلُهُ : وَيَذْرَعُهُ ) شَامِلٌ لِلْبِنَاءِ لِمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَيَذْرَعُهُ وَيُقَوَّمُ الْبِنَاءُ لِأَنَّ قَدْرَ الْمِسَاحَةِ يُعْرَفُ بِالذَّرْعِ ، وَالْمَالِيَّةِ بِالتَّقْوِيمِ وَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَتِهَا لِيُمْكِنَهُ التَّسْوِيَةُ فِي الْمَالِيَّةِ وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْوِيمِ الْأَرْضِ وَذَرْعِ الْبِنَاءِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَيُفْرِزُ كُلَّ قِسْمٍ ) بَيَانٌ لِلْأَفْضَلِ فَإِنْ لَمْ يُفْرِزْهُ أَوْ لَمْ يُمْكِنْ جَازَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ

( فَإِذَا كَانَ ) أَيْ مَا يَقْسِمُ ( بَيْنَ جَمَاعَةٍ لَهُمْ سُدُسٌ وَثُلُثٌ وَنِصْفٌ مَثَلًا يَجْعَلُهُ ) أَيْ يَجْعَلُ مَا يَقْسِمُ ( سِتَّةَ أَسْهُمٍ وَيُلَقِّبُ الْأَوَّلَ بِالسَّهْمِ الْأَوَّلِ وَمَا يَلِيهِ بِالثَّانِي ، وَالثَّالِثَ إلَى السَّادِسِ وَيَكْتُبُ أَسَامِيَهُمْ وَيَجْعَلُهَا قُرْعَةً فَمَنْ خَرَجَ اسْمُهُ أَوَّلًا فَلَهُ السَّهْمُ الْأَوَّلُ فَإِنْ كَانَ صَاحِبَ السُّدُسِ أَخَذَ حَقَّهُ ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبَ الثُّلُثِ أَخَذَهُ وَمَا يَلِيهِ ، وَإِنْ كَانَ صَاحِبَ النِّصْفِ أَخَذَهُ وَاَلَّذِينَ يَلِيَانِهِ وَلَا يُدْخِلُ دَرَاهِمَ لَيْسَتْ مِنْ التَّرِكَةِ فِي الْقِسْمَةِ إلَّا بِرِضَاهُمْ ) صُورَتُهُ دَارٌ بَيْنَ جَمَاعَةٍ فَأَرَادُوا قِسْمَتَهَا وَفِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فَضْلُ بِنَاءٍ فَأَرَادَ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ أَنْ يَكُونَ عِوَضُ الْبِنَاءِ دَرَاهِمَ ، وَأَرَادَ الْآخَرُ أَنْ يَكُونَ عِوَضُهُ مِنْ الْأَرْضِ فَإِنَّهُ يَجْعَلُ عِوَضَ الْبِنَاءِ مِنْ الْأَرْضِ وَلَا يُكَلِّفُ الَّذِي وَقَعَ الْبِنَاءُ فِي نَصِيبِهِ أَنْ يَرُدَّ بِإِزَاءِ الْبِنَاءِ مِنْ الدَّرَاهِمِ إلَّا إذَا تَعَذَّرَ فَحِينَئِذٍ لِلْقَاضِي ذَلِكَ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ مِنْ حُقُوقِ الْمِلْكِ الْمُشْتَرَكِ ، وَالشَّرِكَةُ بَيْنَهُمْ فِي الدَّارِ لَا فِي الدَّرَاهِمِ فَلَا يَجُوزُ قِسْمَةُ مَا لَيْسَ بِمُشْتَرَكٍ ( فَإِنْ وَقَعَ مَسِيلٌ قَسَمَ ) هَذَا مُرْتَبِطٌ بِقَوْلِهِ : وَيَفْرِزُ كُلَّ قِسْمٍ بِطَرِيقِهِ وَشِرْبِهِ وَمَا بَيْنَهُمَا مِنْ مُتَمِّمَاتِ الْأَوَّلِ ( أَوْ طَرِيقُهُ فِي قَسْمٍ الْآخَرِ بِلَا شَرْطٍ فِيهَا ) أَيْ فِي الْقِسْمَةِ ( صَرْفٌ ) أَيْ الْمَسِيلِ أَوْ الطَّرِيقِ ( عَنْهُ ) إلَى الْقِسْمِ الْأَوَّلِ ( إنْ أَمْكَنَ ) لِيَحْصُلَ مَعْنَى الْقِسْمَةِ وَهُوَ قَطْعُ الشَّرِكَةِ وَتَكْمِيلُ الْمَنْفَعَةِ بِلَا ضَرَرٍ ( وَإِلَّا فُسِخَتْ ) أَيْ الْقِسْمَةُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا لَمْ يَحْصُلْ فَتُفْسَخُ وَتُسْتَأْنَفُ عَلَى وَجْهٍ يُمْكِنُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَجْعَلَ مَسِيلًا أَوْ طَرِيقًا .

( قَوْلُهُ : فَإِذَا كَانَ أَيْ مَا يَقْسِمُ بَيْنَ جَمَاعَةٍ
إلَخْ ) أَصْلُ هَذَا أَنْ يَنْظُرَ فِي ذَلِكَ إلَى أَقَلِّ الْأَنْصِبَاءِ فَيَجْعَلُهَا مِنْ جِنْسِهِ حَتَّى إذَا كَانَ الْأَقَلُّ ثُلُثًا جَعَلَهَا أَثْلَاثًا أَوْ رُبُعًا جَعَلَهَا أَرْبَاعًا وَهَكَذَا ( قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَ صَاحِبُ الثُّلُثِ أَخَذَهُ وَمَا يَلِيهِ ) ثُمَّ إذَا خَرَجَ عَقِبُهُ لِصَاحِبِ السُّدُسِ أَخَذَ الثَّالِثُ وَتَعَيَّنَ مَا بَقِيَ لِصَاحِبِ النِّصْفِ أَوْ النِّصْفُ أَخَذَهُ إلَى الْخَامِسِ وَتَعَيَّنَ الْبَاقِي لِصَاحِبِ السُّدُسِ ( قَوْلُهُ : وَلَا يُدْخِلُ دَرَاهِمَ لَيْسَتْ مِنْ التَّرِكَةِ فِي الْقِسْمَةِ إلَّا بِرِضَاهُمْ ) كَوْنُ الدَّرَاهِمِ لَيْسَتْ مِنْ التَّرِكَةِ غَيْرُ مُحْتَرَزٍ بِهِ عَمَّا لَوْ كَانَتْ مِنْ التَّرِكَةِ إذْ لَا يَدْخُلُهَا مُطْلَقًا فِي الْقِسْمَةِ إلَّا بِرِضَاهُمْ فَلَوْ قَالَ كَالْكَنْزِ : وَلَا يُدْخِلُ فِي الْقِسْمَةِ الدَّرَاهِمَ إلَّا بِرِضَاهُمْ لَكَانَ أَوْلَى وَهَذَا إذَا لَمْ يَتَعَذَّرْ أَمَّا إذَا تَعَذَّرَ فَحِينَئِذٍ لَهُ ذَلِكَ وَفِي بَعْضِ الْحَوَاشِي قَالَ فِي الْيَنَابِيعِ لَا يُدْخِلُ الدَّرَاهِمَ يُرِيدُ إذَا أَمْكَنَتْهُ الْقِسْمَةُ بِدُونِهَا أَمَّا إذَا لَمْ يُمْكِنْ عَدْلُ أَضْعَفِ الْأَنْصِبَاءِ بِالدَّرَاهِمِ ، وَالدَّنَانِيرِ ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ لَا يُدْخِلَ الدَّرَاهِمَ ، وَالدَّنَانِيرَ فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ جَازَ وَتَرْكُهُ أَوْلَى .
وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ : وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُدْخِلَ فِي قِسْمَةِ الدَّارِ وَنَحْوِهَا الدَّرَاهِمَ إلَّا إذَا كَانَ لَا يُمْكِنُ الْقِسْمَةُ إلَّا كَذَلِكَ لِأَنَّ مَحَلَّ الْقِسْمَةِ الْمِلْكُ الْمُشْتَرَكُ وَلَا شَرِكَةَ فِي الدَّرَاهِمِ فَلَا يُدْخِلُهَا فِي الْقِسْمَةِ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ ، وَمِثْلُهُ فِي الْإِيضَاحِ ( قَوْلُهُ : بِلَا شَرْطٍ فِيهَا ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُمْ لَوْ شَرَطُوا فِي الْقِسْمَةِ أَنَّ مَا أَصَابَ كُلَّ وَاحِدٍ فَهُوَ لَهُ بِحُقُوقِهِ لَا تُفْسَخُ الْقِسْمَةُ وَتَرَكَ الطَّرِيقَ ، وَالْمَسِيلَ عَلَى حَالِهِ لِأَنَّهُ يَكُونُ حَقًّا لَهُ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ .

( جَازَ شَهَادَةُ الْقَاسِمِينَ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْمُتَقَاسِمَيْنِ ) فِي الْقِسْمَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ لَا تَجُوزُ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى فِعْلِ أَنْفُسِهِمَا فَتَبْطُلُ وَلَهُمَا أَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِمَا بِاسْتِيفَاءِ حَقِّهِمَا .
( قَوْلُهُ : جَازَ شَهَادَةُ الْقَاسِمِينَ ) اُحْتُرِزَ بِهِ عَنْ شَهَادَةِ قَاسِمٍ وَاحِدٍ لِأَنَّ شَهَادَةَ الْفَرْدِ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ عَلَى الْغَيْرِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ : عِنْدَ اخْتِلَافِ الْمُتَقَاسِمِينَ فِي الْقِسْمَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ ) وَذَلِكَ بِأَنْ أَنْكَرَ بَعْضُ الشُّرَكَاءِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ اسْتِيفَاءَ نَصِيبِهِ فَشَهِدَ الْقَاسِمَانِ أَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ قُبِلَتْ عِنْدَهُمَا ( قَوْلُهُ : وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ
إلَخْ ) هُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ قَوْلَ مُحَمَّدٍ مَعَ قَوْلِهِمَا .
وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : إذَا قَسَمَا بِأَجْرٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا بِالْإِجْمَاعِ وَإِلَيْهِ مَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا تُقْبَلُ مُطْلَقًا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَفِي الْمُسْتَصْفَى شَهَادَتُهُمَا مَقْبُولَةٌ سَوَاءٌ قَسَمَا بِأَجْرٍ أَوْ بِغَيْرِ أَجْرٍ ، وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي السَّرَّاجُ وَسَوَاءٌ شَهِدَا عَلَى الْقِسْمَةِ لَا غَيْرُ ابْتِدَاءً ثُمَّ قَالَا بَعْدَ ذَلِكَ نَحْنُ قَسَمْنَا أَوْ شَهِدَا عَلَى قِسْمَةِ أَنْفُسِهِمَا مِنْ الِابْتِدَاءِ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي التَّتَارْخَانِيَّة وَعَلَى هَذَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْقَبَّانِيِّينَ إذَا كَانَ الْمُنْكِرُ حَاضِرًا حَالَ الْوَزْنِ ، وَالتَّسْلِيمِ كَمَا فِي الْفَتَاوَى

( سُفْلٌ ذُو عُلْوٍ وَسُفْلٌ وَعُلْوٌ مُجَرَّدَانِ عَنْ الْعُلْوِ وَالسُّفْلِ قُوِّمَ كُلٌّ وَحْدَهُ وَقُسِمَ بِهَا ) أَيْ بِالْقِيمَةِ لِأَنَّ السُّفْلَ يَصْلُحُ لِمَا لَا يَصْلُحُ لَهُ الْعُلْوُ كَالْبِئْرِ ، وَالسِّرْدَابِ ، وَالْإِصْطَبْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَصَارَا كَالْجِنْسَيْنِ فَلَا يُمْكِنُ التَّعْدِيلُ إلَّا بِالْقِيمَةِ .
( قَوْلُهُ : سُفْلٌ ذُو عُلْوٍ
إلَخْ ) هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ : يُقْسَمُ بِالذَّرْعِ وَبَيَانُ ذَلِكَ فِي سُفْلٍ بَيْنَ رَجُلَيْنِ وَعُلْوٍ مِنْ بَيْتٍ آخَرَ بَيْنَهُمَا أَرَادَا قِسْمَتَهُمَا يُقْسَمُ الْبِنَاءُ عَلَى الْقِيمَةِ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا الْعَرْصَةُ فَتُقْسَمُ بِالذَّرْعِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِالْقِيمَةِ ثُمَّ اخْتَلَفَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ فِيمَا بَيْنَهُمَا فِي كَيْفِيَّةِ الْقِسْمَةِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ذِرَاعٌ بِذِرَاعَيْنِ عَلَى الثُّلُثِ ، وَالثُّلُثَيْنِ .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ذِرَاعٌ بِذِرَاعٍ وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا بَيْتٌ تَامٌّ عُلْوٌ وَسُفْلٌ وَعُلْوٌ مِنْ بَيْتٍ آخَرَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُحْسَبُ فِي الْقِسْمَةِ كُلُّ ذِرَاعٍ مِنْ الْعُلْوِ ، وَالسُّفْلِ بِثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ مِنْ الْعُلْوِ أَرْبَاعًا عِنْدَهُ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَصْلِ فَكَانَتْ الْقِسْمَةُ أَرْبَاعًا ، .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ : ذِرَاعٌ مِنْ السُّفْلِ ، وَالْعُلْوِ بِذِرَاعَيْنِ مِنْ الْعُلْوِ لِاسْتِوَاءِ السُّفْلِ ، وَالْعُلْوِ عِنْدَهُ فَكَانَتْ الْقِسْمَةُ أَثْلَاثًا وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا بَيْتٌ تَامٌّ سُفْلٌ وَعُلْوٌ ، وَسُفْلٌ آخَرُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُحْسَبُ كُلُّ ذِرَاعٍ مِنْ السُّفْلِ ، وَالْعُلْوِ بِذِرَاعٍ وَنِصْفٍ مِنْ السُّفْلِ وَذِرَاعٌ مِنْ سُفْلِ الْبَيْتِ التَّامِّ بِذِرَاعٍ مِنْ الْآخَرِ وَذِرَاعٌ مِنْ عُلْوٍ بِنِصْفِ ذِرَاعٍ مِنْ السُّفْلِ الْآخَرِ .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ذِرَاعٌ مِنْ التَّامِّ بِذِرَاعَيْنِ مِنْ السُّفْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ

( أَقَرَّ أَحَدُ الْمُتَقَاسِمِينَ بِالِاسْتِيفَاءِ ثُمَّ ادَّعَى الْغَلَطَ ) فِي الْقِسْمَةِ وَزَعَمَ أَنَّ بَعْضًا مِمَّا أَصَابَهُ فِي يَدِ صَاحِبِهِ وَقَدْ كَانَ أَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ ( لَا يُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ ) لِأَنَّ الْقِسْمَةَ بَعْدَ تَمَامِهَا عَقْدٌ لَازِمٌ فَمُدَّعِي الْغَلَطِ يَدَّعِي لِنَفْسِهِ حَقَّ الْفَسْخِ بَعْدَ لُزُومِ سَبَبِ ظُهُورِ الْعَقْدِ فَلَا يُقْبَلُ إلَّا بِحُجَّةٍ فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ اسْتَحْلَفَ الشُّرَكَاءَ لِأَنَّهُمْ لَوْ أَقَرُّوا لَزِمَهُمْ ، وَإِنْ أَنْكَرُوا حَلَفُوا عَلَيْهِ لِرَجَاءِ النُّكُولِ فَمَنْ حَلَفَ مِنْهُمْ تَخَلَّصْ وَمَنْ نَكَلَ جَمَعَ بَيْنَ نَصِيبِهِ وَنُصِبْ الْمُدَّعِي فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ نَصِيبِهِمَا لِأَنَّ النَّاكِلَ كَالْمُقِرِّ وَإِقْرَارُهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ قَالُوا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْمَعَ دَعْوَاهُ أَصْلًا لِلتَّنَاقُضِ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْقَاسِمَ أَمِينٌ وَهُوَ اعْتَمَدَ عَلَى قَوْلِهِ فَأَقَرَّ ثُمَّ لَمَّا تَأَمَّلَ حَقَّ التَّأَمُّلِ ظَهَرَ الْغَلَطُ فِي فِعْلِهِ فَلَا يُؤَاخَذُ بِذَلِكَ الْإِقْرَارِ عِنْدَ ظُهُورِ الْحَقِّ .

( وَإِنْ قَالَ ) أَيْ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ ( قَبَضْتُهُ ) يَعْنِي نَصِيبَهُ ( فَأَخَذَ شَرِيكِي بَعْضَهُ وَأَنْكَرَ ) أَيْ شَرِيكُهُ ( حَلَفَ ) لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ الْغَصْبَ وَهُوَ مُنْكِرٌ ، وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ مَعَ الْيَمِينِ ( وَإِنْ قَالَ قَبْلَ إقْرَارِهِ ) بِالِاسْتِيفَاءِ ( أَصَابَنِي مِنْ كَذَا إلَى كَذَا وَلَمْ يُسَلِّمْهُ إلَيَّ تَحَالَفَا وَفُسِخَتْ ) أَيْ الْقِسْمَةُ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي مِقْدَارِ مَا حَصَلَ لَهُ بِالْقِسْمَةِ فَصَارَ نَظِيرَ الِاخْتِلَافِ فِي مِقْدَارِ الْمَبِيعِ كَمَا ذُكِرَ فِي أَحْكَامِ التَّحَالُفِ فِي الدَّعْوَى وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي التَّقْوِيمِ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ لِأَنَّهُ دَعْوَى الْغَبْنِ وَلَا اعْتِبَارَ بِهِ فِي الْبَيْعِ فَكَذَا فِي الْقِسْمَةِ لِوُجُودِ التَّرَاضِي إلَّا إذَا كَانَتْ الْقِسْمَةُ بِقَضَاءِ الْقَاضِي ، وَالْغَبَنُ فَاحِشٌ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ مُقَيَّدٌ بِالْعَدْلِ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ قَالَ قَبْلَ إقْرَارِهِ بِالِاسْتِيفَاءِ ) الْمُرَادُ أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ إقْرَارٌ أَصْلًا ( قَوْلُهُ : وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي التَّقْوِيمِ
إلَخْ ) سَيَذْكُرُهُ مَتْنًا وَيُفْسَخُ فِي الصَّحِيحِ بِالْغَبْنِ الْفَاحِشِ سَوَاءٌ كَانَتْ بِقَضَاءِ الْقَاضِي أَوْ التَّرَاضِي

( وَلَوْ اقْتَسَمَا دَارًا وَأَصَابَ كُلًّا طَائِفَةً فَادَّعَى أَحَدُهُمَا بَيْتًا فِي يَدِ الْآخَرِ أَنَّهُ مِنْ نَصِيبِهِ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ ) لِأَنَّهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ حَقًّا وَهُوَ مُنْكِرٌ ( وَإِنْ أَقَامَاهَا فَالْعِبْرَةُ لِبَيِّنَةِ الْمُدَّعِي ) لِأَنَّهُ خَارِجٌ .

( إنْ اسْتَحَقَّ بَعْضٌ مُعَيَّنٌ مِنْ نَصِيبِهِ لَا تُفْسَخُ الْقِسْمَةُ ) اتِّفَاقًا .
( وَفِي اسْتِحْقَاقِ بَعْضٍ شَائِعٍ فِي الْكُلِّ تُفْسَخُ ) أَيْ الْقِسْمَةُ اتِّفَاقًا .
( وَفِي اسْتِحْقَاقِ بَعْضٍ شَائِعٍ مِنْ نَصِيبِهِ لَا تُفْسَخُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) أَيْ لَا تُفْسَخُ لَكِنْ لَهُ وِلَايَةُ الْفَسْخِ ( بَلْ يَرْجِعُ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ ) خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ يَقُولُ تَنْتَقِضُ الْقِسْمَةُ وَمَا بَقِيَ فِي أَيْدِيهمَا يَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ كَذَا فِي الْكَافِي .

( ظَهَرَ دَيْنٌ فِي التَّرِكَةِ الْمَقْسُومَةِ تُفْسَخُ ) أَيْ الْقِسْمَةُ ( إلَّا إذَا قَضَوْهُ ) أَيْ الْوَرَثَةُ الدَّيْنَ ( أَوْ أَبْرَأَ الْغُرَمَاءُ ) ذِمَمَ الْوَرَثَةِ ( أَوْ بَقِيَ مِنْهَا مَا يَفِي بِهِ ) أَيْ بِالدَّيْنِ يَعْنِي إذَا قُسِمَتْ التَّرِكَةُ بَيْنَ الْوَرَثَةِ ثُمَّ ظَهَرَ دَيْنٌ مُحِيطٌ قِيلَ لِلْوَرَثَةِ اقْضُوهُ فَإِنْ قَضَوْا صَحَّتْ الْقِسْمَةُ وَإِلَّا فُسِخَتْ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِرْثِ فَيُمْنَعُ وُقُوعُ الْمِلْكِ لَهُمْ فِيهَا إلَّا إذَا قَضَوْا الدَّيْنَ أَوْ أَبْرَأَ الْغُرَمَاءُ ذِمَمَهُمْ فَحِينَئِذٍ تَصِحُّ الْقِسْمَةُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ فَكَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مُحِيطًا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغُرَمَاءِ بِهَا إلَّا إذَا بَقِيَ مِنْهَا مَا يَفِي بِالدَّيْنِ فَحِينَئِذٍ لَا تُفْسَخُ لِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَيْهِ .

( وَلَوْ ظَهَرَ غَبْنٌ فَاحِشٌ فِي الْقِسْمَةِ بِالْقَضَاءِ يَبْطُلُ ) عِنْدَ الْكُلِّ لِأَنَّ تَصَرُّفَ الْقَاضِي مُقَيَّدٌ بِالْعَدْلِ وَلَمْ يُوجَدْ ، وَإِنْ كَانَتْ بِالتَّرَاضِي لَهُ أَنْ يُبْطِلَ الْقِسْمَةَ فَقَدْ قِيلَ لَا يُلْتَفَتُ إلَى قَوْلِ مَنْ يَدَّعِيه لِأَنَّهُ دَعْوَى الْغَبْنِ وَلَا عِبْرَةَ بِهِ فِي الْبَيْعِ فَكَذَا فِي الْقِسْمَةِ لِوُجُودِ التَّرَاضِي وَقِيلَ تُفْسَخُ وَهُوَ الصَّحِيحُ ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي .
قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَتْ بِالتَّرَاضِي لَهُ أَنْ يُبْطِلَ الْقِسْمَةَ ) عَلَى حَذْفِ أَدَاةِ الِاسْتِفْهَامِ

( ادَّعَى أَحَدُ الْمُتَقَاسِمَيْنِ دَيْنًا فِي التَّرِكَةِ صَحَّ ) حَتَّى إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ لَهُ أَنْ يَنْقُضَ الْقِسْمَةَ وَلَمْ تَكُنْ قِسْمَتُهُ إبْرَاءً مِنْ الدَّيْنِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ تُصَادِقُ الصُّورَةَ وَحَقُّ الْغَرِيمِ يَتَعَلَّقُ بِالْمَعْنَى ( وَلَوْ ) ادَّعَى ( عَيْنًا لَا ) أَيْ لَا يَصِحُّ لِوُجُودِ التَّنَاقُضِ إذْ الْإِقْدَامُ عَلَى الْقِسْمَةِ إقْرَارٌ مِنْهُ بِأَنَّ الْمَقْسُومَ مُشْتَرَكٌ .
( قَوْلُهُ : وَلَوْ ادَّعَى عَيْنًا لَا ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ : أَيْ لَا تُسْمَعُ دَعْوَاهُ بِأَيِّ سَبَبٍ كَانَ .
ا هـ .

( وَصَحَّتْ الْمُهَايَأَةُ ) وَهِيَ لُغَةً : مُفَاعَلَةٌ مِنْ الْهَيْئَةِ وَهِيَ الْحَالَةُ الظَّاهِرَةُ لِلْمُتَهَيِّئِ لِلشَّيْءِ ، وَالتَّهَايُؤُ تَفَاعُلٌ مِنْهَا ، وَهِيَ أَنْ يَتَوَاضَعُوا عَلَى أَمْرٍ فَيَتَرَاضَوْا بِهِ وَحَقِيقَتُهُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ رَضِيَ بِهَيْئَةٍ وَاحِدَةٍ وَاخْتَارَهَا ، وَشَرْعًا : قِسْمَةُ الْمَنَافِعِ ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ لِأَنَّهَا مُبَادَلَةُ الْمَنْفَعَةِ بِجِنْسِهَا لَكِنَّهَا جَازَتْ بِالْإِجْمَاعِ ( فِي سُكُونِ هَذَا بَعْضًا مِنْ دَارٍ وَذَاكَ بَعْضًا وَ ) سُكُونِ ( هَذَا عُلْوَهَا وَذَاكَ سُفْلَهَا ، وَ ) فِي ( خِدْمَةِ عَبْدٍ ) بِأَنْ يَخْدُمَ الْعَبْدُ ( هَذَا ) الشَّرِيكَ ( يَوْمًا وَذَاكَ ) الشَّرِيكَ ( يَوْمًا كَسُكْنَى بَيْتٍ صَغِيرٍ ) بِأَنْ يَسْكُنَهُ هَذَا الشَّرِيكُ يَوْمًا وَذَاكَ يَوْمًا .
( وَ ) خِدْمَةِ ( عَبْدَيْنِ ) بِأَنْ يَخْدِمَ ( زَيْدًا هَذَا ) الْعَبْدُ .
( وَ ) يَخْدِمَ ( بَكْرًا ) الْعَبْدُ ( الْآخَرُ ) إذَا كَانَتْ الْمُهَايَأَةُ فِي الْمَكَانِ كَانَتْ إفْرَازًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلِهَذَا لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا التَّأْقِيتُ وَجَازَ لِكُلٍّ مِنْهُمْ أَنْ يَسْتَغِلَّ مَا أَصَابَهُ بِالْمُهَايَأَةِ شَرَطَ ذَلِكَ فِي الْعَقْدِ أَوْ لَا لِحُدُوثِ الْمَنَافِعِ عَلَى مِلْكِهِ وَلَا كَذَلِكَ الْعَارِيَّةُ ، وَالْإِجَارَةُ وَفِي الْمُهَايَأَةِ فِي الزَّمَانِ إفْرَازٌ مِنْ وَجْهٍ وَيُجْعَلُ كَالْمُسْتَقْرِضِ لِنَصِيبِ شَرِيكِهِ فَكَانَ مُبَادَلَةً مِنْ وَجْهٍ ، وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَى الْإِفْرَازِ يَتَحَقَّقُ فِي الْمُهَايَأَةِ فِي الْمَكَانِ دُونَ الزَّمَانِ وَكَذَا لَوْ تَهَايَآ فِي الزَّمَانِ فِي عَبْدٍ وَاحِدٍ لِأَنَّهَا مُتَعَيِّنَةٌ فِيهِ لِتَعَذُّرِ التَّهَايُؤِ فِي الْمَكَانِ ، وَالْبَيْتُ الصَّغِيرُ كَالْعَبْدِ .

( قَوْلُهُ : وَصَحَّتْ الْمُهَايَأَةُ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ : وَيَجْرِي فِيهَا جَبْرُ الْقَاضِي كَمَا يَجْرِي فِي قَسْمِ الْأَعْيَانِ وَلَا تَبْطُلُ الْمُهَايَأَةُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَلَا بِمَوْتِهِمَا ا هـ .
( قَوْلُهُ : لَكِنَّهَا جَازَتْ بِالْإِجْمَاعِ ) كَذَا بِالْكِتَابِ ، وَالسُّنَّةِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى : { لَهَا شِرْبٌ } الْآيَةَ .
وَالسُّنَّةُ مَا رُوِيَ { أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَسَمَ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ كُلَّ بَعِيرٍ بَيْنَ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ وَكَانُوا يَتَهَايَئُونَ } كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ : وَخِدْمَةُ عَبْدَيْنِ ) كَذَا يَصِحُّ فِي غَلَّةِ دَارٍ أَوْ دَارَيْنِ وَكَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُ هَذَا لِيُنَاسِبَ قَوْلَهُ بَعْدَهُ لَا فِي غَلَّةِ عَبْدٍ أَوْ عَبْدَيْنِ ( قَوْلُهُ : إذَا كَانَتْ الْمُهَايَأَةُ فِي الْمَكَانِ كَانَتْ إفْرَازًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ) هُوَ الْأَوْجَهُ ( قَوْلُهُ : وَفِي الْمُهَايَأَةِ فِي الزَّمَانِ إفْرَازٌ مِنْ وَجْهٍ ) وَيُجْعَلُ كَالْمُسْتَقْرِضِ لِنَصِيبِ شَرِيكِهِ وَلِذَلِكَ إذَا تَهَايَآ فِي دَارٍ فَزَادَتْ غَلَّةُ الدَّارِ فِي نَوْبَةِ أَحَدِهِمَا عَلَى الْغَلَّةِ فِي نَوْبَةِ الْآخَرِ يَشْتَرِكَانِ فِي الزِّيَادَةِ تَحْقِيقًا لِلْعَدْلِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ التَّهَايُؤُ فِي الْمَنَافِعِ فَاسْتَغَلَّ أَحَدُهُمَا فِي نَوْبَتِهِ زِيَادَةً وَبِخِلَافِ مَا لَوْ تَهَايَآ عَلَى الِاسْتِغْلَالِ فِي الدَّارَيْنِ وَفَضَلَتْ غَلَّةُ أَحَدِهِمَا حَيْثُ لَا يَشْتَرِكَانِ فِيهِ

( لَا فِي غَلَّةِ عَبْدٍ أَوْ عَبْدَيْنِ أَوْ ) غَلَّةِ ( بَغْلٍ أَوْ بَغْلَيْنِ أَوْ رُكُوبِ بَغْلٍ أَوْ بَغْلَيْنِ أَوْ ثَمَرَةِ شَجَرَةٍ أَوْ لَبَنِ شَاةٍ ) أَيْ لَا تَجُوزُ الْمُهَايَأَةُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إمَّا فِي عَبْدٍ وَاحِدٍ أَوْ بَغْلٍ وَاحِدٍ فَلِأَنَّ النَّصِيبَيْنِ يَتَعَاقَبَانِ فِي الِاسْتِيفَاءِ فَالظَّاهِرُ التَّغَيُّرُ فِي الْحَيَوَانَاتِ فَتَفُوتُ الْمُعَادَلَةُ بِخِلَافِ الْمُهَايَأَةِ فِي اسْتِغْلَالِ دَارٍ وَاحِدَةٍ حَيْثُ تَجُوزُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ التَّغَيُّرِ فِي الْعَقَارِ فَافْتَرَقَا وَأَمَّا فِي عَبْدَيْنِ أَوْ بَغْلَيْنِ فَلِأَنَّ التَّهَايُؤَ فِي الْخِدْمَةِ جُوِّزَ لِلضَّرُورَةِ لِامْتِنَاعِ قِسْمَتِهَا وَلَا ضَرُورَةَ فِي الْغَلَّةِ لِأَنَّهَا تُقْسَمُ وَأَمَّا فِي رُكُوبِ بَغْلٍ أَوْ بَغْلَيْنِ فَلِأَنَّ الرُّكُوبَ يَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ الرَّاكِبِينَ فَلَا تَتَحَقَّقُ التَّسْوِيَةُ فَلَا يُجْبَرُ الْقَاضِي عَلَيْهِ وَأَمَّا فِي ثَمَرَةِ شَجَرَةٍ أَوْ لَبَنِ شَاةٍ وَنَحْوِهِ فَلِأَنَّ التَّهَايُؤَ مُخْتَصٌّ بِالْمَنَافِعِ وَلَا يُوجَدُ فِي الْأَعْيَانِ ، وَالضَّرُورَةُ تَتَحَقَّقُ فِي الْمَنَافِعِ لِامْتِنَاعِ قِسْمَتِهَا بَعْدَ وُجُودِهَا لِسُرْعَةِ فَنَائِهَا بِخِلَافِ الْأَعْيَانِ
( قَوْلُهُ : لَا فِي غَلَّةِ عَبْدٍ أَوْ عَبْدَيْنِ
إلَخْ ) قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ وَجُمْلَةُ الْأَمْرِ أَنَّ مَسَائِلَ التَّهَايُؤِ اثْنَتَا عَشْرَةَ مَسْأَلَةً فَفِي اسْتِخْدَامِ عَبْدٍ وَاحِدٍ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ وَكَذَا فِي اسْتِخْدَامِ الْعَبْدَيْنِ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَالتَّهَايُؤُ فِي اسْتِغْلَالِ عَبْدٍ وَاحِدٍ أَوْ بَغْلٍ لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا وَفِي الْعَبْدَيْنِ ، وَالْبَغْلَيْنِ اخْتِلَافٌ ، وَالتَّهَايُؤُ فِي سُكْنَى دَارٍ وَاحِدَةٍ يَجُوزُ اتِّفَاقًا وَكَذَا فِي غَلَّتِهَا وَكَذَا فِي سُكْنَى دَارَيْنِ وَغَلَّتِهِمَا خِلَافٌ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَجُوزُ اتِّفَاقًا وَرُكُوبُ بَغْلٍ أَوْ بَغْلَيْنِ عَلَى الْخِلَافِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ .

( كِتَابُ الْوَصَايَا ) .
وَجْهُ إيرَادِ هَذَا الْكِتَابِ فِي آخِرِ الْكِتَابِ ظَاهِرٌ لِأَنَّ آخِرَ أَحْوَالِ الْآدَمِيِّ فِي الدُّنْيَا الْمَوْتُ ، وَالْوَصِيَّةُ مُعَامَلَةُ وَقْتِ الْمَوْتِ وَلَهُ زِيَادَةُ اخْتِصَاصٍ بِكِتَابِ الْقِسْمَةِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ بَيْنَ الْوَرَثَةِ تَكُونُ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَالْوَصِيَّةُ اسْمٌ بِمَعْنَى الْمَصْدَرِ ثُمَّ سُمِّيَ بِهِ الْمُوصَى بِهِ ، وَالْإِيصَاءُ لُغَةً طَلَبُ شَيْءٍ مِنْ غَيْرِهِ لِيَفْعَلَهُ فِي غَيْبَتِهِ حَالَ حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ وَشَرْعًا يُسْتَعْمَلُ تَارَةً بِاللَّامِ يُقَالُ : أَوْصَى فُلَانٌ لِفُلَانٍ بِكَذَا بِمَعْنَى مَلَّكَهُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَيُسْتَعْمَلُ أُخْرَى بِإِلَى يُقَالُ أَوْصَى فُلَانٌ إلَى فُلَانٍ بِمَعْنَى جَعَلَهُ وَصِيًّا لَهُ يَتَصَرَّفُ فِي مَالِهِ وَأَطْفَالِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ ، وَالْقَوْمُ لَمْ يَتَعَرَّضُوا لِلْفَرْقِ بَيْنَهُمَا ، وَبَيَانُ كُلٍّ مِنْهُمَا بِالِاسْتِقْلَالِ بَلْ ذَكَرُوهُمَا فِي أَثْنَاءِ تَقْرِيرِ الْمَسَائِلِ وَقَدْ بُيِّنَ مِنْهُمَا هَاهُنَا بِانْفِرَادِهِ وَلَمَّا امْتَنَعَ تَعْرِيفُ اللَّفْظِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ بِمَفْهُومٍ وَاحِدٍ عَرَّفَ كُلًّا مِنْهُمَا بِإِدْخَالٍ أَوْ الْمُقَسَّمَةِ بَيْنَهُمَا فَقَالَ ( الْإِيصَاءُ جَعْلٌ لِلْغَيْرِ مَالِكًا لِمَالِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ تَفْوِيضِ التَّصَرُّفِ فِي مَالِهِ وَمَصَالِحِ أَطْفَالِهِ إلَى غَيْرِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَهَاهُنَا بَابَانِ ) لِبَيَانِ الْمَعْنَيَيْنِ ( الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَالِ وَنَحْوِهِ ) وَهُوَ الْمَنْفَعَةُ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ قَدْ تَكُونُ بِالْمَنْفَعَةِ كَمَا سَيَأْتِي ( رُكْنُهَا قَوْلُهُ أَوْصَيْت بِكَذَا لِفُلَانٍ وَنَحْوِهِ ) مِنْ الْأَلْفَاظِ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِيهَا ( وَشَرْطُهَا كَوْنُ الْمُوصِي أَهْلًا لِلتَّمْلِيكِ ) فَلَا تَجُوزُ مِنْ الْمَمْلُوكِ وَلَوْ مُكَاتَبًا وَالصَّغِيرِ ، وَالْمَجْنُونِ ( وَعَدَمُ اسْتِغْرَاقِهِ بِالدَّيْنِ ) لِأَنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ كَمَا سَيَأْتِي .
( وَ ) كَوْنُ ( الْمُوصَى لَهُ حَيًّا وَقْتَهَا ) إذْ لَوْ كَانَ مَيِّتًا لَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ ( وَ ) كَوْنُهُ ( غَيْرَ وَارِثٍ وَلَا

قَاتِلٍ ) كَمَا سَيَأْتِي مِنْ عَدَمِ جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ ، وَالْقَاتِلِ ( وَكَوْنُ الْمُوصَى بِهِ قَابِلًا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي ) مَالًا كَانَ أَوْ مَنْفَعَةً ( وَحُكْمُهَا كَوْنُ الْمُوصَى بِهِ مِلْكًا جَدِيدًا لِلْمُوصَى لَهُ ) لِإِقَامَةِ الْمُوصِي إيَّاهُ مُقَامَ نَفْسِهِ حَتَّى وَجَبَ عَلَيْهِ الِاسْتِبْرَاءُ لِلْجَارِيَةِ الْمُوصَى بِهَا .

( كِتَابُ الْوَصَايَا ) ( قَوْلُهُ : فَهَهُنَا بَابَانِ الْأَوَّلُ فِي بَيَانِ الْوَصِيَّةِ ) يَشْتَمِلُ عَلَى بَابِ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ وَبَابِ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ وَبَابِ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ وَبَابِ الْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ ا هـ .
وَالْبَابُ الثَّانِي فِي الْإِيصَاءِ ا هـ فَفِيهِ تَسَاهُلٌ مِنْ إطْلَاقِ الْأَوَّلِ عَلَى بَابٍ وَقَدْ ضَمِنَ أَمْثَالَهُ ( قَوْلُهُ : رُكْنُهَا قَوْلُهُ : أَوْصَيْت بِكَذَا لِفُلَانٍ وَنَحْوِهِ ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْقَبُولَ شَرْطٌ ، كَمَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ الْوَصِيَّةُ يُشْتَرَطُ فِيهَا الْقَبُولُ وَذَلِكَ بِالصَّرِيحِ أَوْ بِالدَّلَالَةِ بِأَنْ يَمُوتَ الْمُوصِي لَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي ا هـ .
وَيُخَالِفُهُ مَا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَأَمَّا رُكْنُ الْوَصِيَّةِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ قَالَ أَصْحَابُنَا الثَّلَاثَةُ أَيْ الْإِمَامُ وَصَاحِبَاهُ هُوَ : الْإِيجَابُ ، وَالْقَبُولُ الْإِيجَابُ مِنْ الْمُوصِي ، وَالْقَبُولُ مِنْ الْمُوصَى لَهُ فَمَا لَمْ يُوجَدَا جَمِيعًا لَا يَتِمُّ الرُّكْنُ ، وَإِنْ شِئْت قُلْت رُكْنُ الْوَصِيَّةِ الْإِيجَابُ مِنْ الْمُوصِي وَعَدَمُ الرَّدِّ مِنْ الْمُوصَى لَهُ وَهُوَ أَنْ يَقَعَ الْيَأْسُ عَنْ رَدِّهِ وَهَذَا أَسْهَلُ لِتَخْرِيجِ الْمَسَائِلِ عَلَى مَا نَذْكُرُ .
وَقَالَ زُفَرُ : الرُّكْنُ هُوَ الْإِيجَابُ مِنْ الْمُوصِي فَقَطْ ا هـ .
وَذَكَرَ التَّوْجِيهَ لِكُلٍّ ( قَوْلُهُ : فَلَا تَجُوزُ مِنْ الْمَمْلُوكِ وَلَوْ مُكَاتَبًا ) يَعْنِي مَا لَمْ يُضَفْ إلَى الْعِتْقِ كَمَا سَيَأْتِي ( قَوْلُهُ : وَالصَّغِيرِ ) يُسْتَثْنَى مِنْهُ تَجْهِيزُهُ كَمَا سَيَأْتِي ( قَوْلُهُ : وَكَوْنُ الْمُوصَى لَهُ حَيًّا وَقْتَهَا ) يَرِدُ عَلَيْهِ الْوَصِيَّةُ لِلْحَمْلِ إذْ يُشْتَرَطُ وُجُودُهُ لَا حَيَاتُهُ لِأَنَّ نَفْخَ الرُّوحِ يَكُونُ بَعْدَ وِجْدَانِهِ وَقْتَهَا غَيْرَ حَيٍّ ( قَوْلُهُ : وَكَوْنُهُ غَيْرَ وَارِثٍ ) يَعْنِي وَقْتَ الْمَوْتِ ( قَوْلُهُ : لِمَا سَيَأْتِي مِنْ عَدَمِ جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ ) الْمُرَادُ عَدَمُ النُّفُوذِ ( قَوْلُهُ : وَحُكْمُهَا كَوْنُ الْمُوصَى بِهِ
إلَخْ ) هَذَا فِي جَانِبِ الْمُوصَى لَهُ وَأَمَّا فِي جَانِبِ الْمُوصِي فَهُوَ عَلَى

أَقْسَامٍ مَنْدُوبَةٍ وَاجِبَةٍ مَكْرُوهَةٍ مُبَاحَةٍ كَمَا سَنَذْكُرُهُ

( جَازَتْ بِالثُّلُثِ لِلْأَجْنَبِيِّ ، وَإِنْ لَمْ يُجِزْهَا الْوَارِثُ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ اللَّهَ تَعَالَى تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ فِي آخِرِ أَعْمَارِكُمْ زِيَادَةً لَكُمْ فِي أَعْمَالِكُمْ فَضَعُوهَا حَيْثُ شِئْتُمْ } وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ وَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُ وَارِثًا أَوْ غَيْرَ وَارِثٍ وَقْتَ الْمَوْتِ لَا وَقْتَ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهَا تَمْلِيكٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ وَقْتُ التَّمْلِيكِ حَتَّى إذَا أَوْصَى لِأَخِيهِ وَهُوَ وَارِثٌ ثُمَّ وُلِدَ لَهُ ابْنٌ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ لِلْأَخِ وَلَوْ عُكِسَ بِأَنْ أَوْصَى لِأَخِيهِ وَلَهُ ابْنٌ ثُمَّ مَاتَ الِابْنُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْأَخِ لِمَا ذَكَرْنَا ( لَا الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى الثُّلُثِ لِأَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ تَعَلَّقَ بِمَالِهِ لِانْعِقَادِ سَبَبِ زَوَالِهِ إلَيْهِمْ وَهُوَ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنْ الْمَالِ لَكِنَّ الشَّرْعَ جَوَّزَهُ فِي حَقِّ الْأَجَانِبِ بِقَدْرِ الثُّلُثِ لِيَتَدَارَكَ تَقْصِيرَهُ كَمَا مَرَّ وَلَمْ يُجَوِّزْهُ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ لِئَلَّا يَتَأَذَّى بَعْضُهُمْ بِإِيثَارِ الْبَعْضِ ( إلَّا أَنْ يُجِيزَ وَرَثَتُهُ بَعْدَهُ ) أَيْ بَعْدَ مَوْتِهِ ( وَهُمْ كِبَارٌ ) لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ لِحَقِّهِمْ وَهُمْ أَسْقَطُوهُ وَلَا تُعْتَبَرُ إجَازَتُهُمْ حَالَ حَيَاتِهِ لِأَنَّهَا قَبْلَ ثُبُوتِ الْحَقِّ لِأَنَّ ثُبُوتَهُ عِنْدَ الْمَوْتِ فَكَانَ لَهُمْ أَنْ يَرُدُّوهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَقِّ فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَرْجِعُوا عَنْهُ لِأَنَّ السَّاقِطَ لَا يَعُودُ .

( قَوْلُهُ : جَازَتْ بِالثُّلُثِ لِلْأَجْنَبِيِّ ) يَعْنِي نَفَذَتْ ( قَوْلُهُ : وَيُعْتَبَرُ كَوْنُهُ وَارِثًا أَوْ غَيْرَ وَارِثٍ وَقْتَ الْمَوْتِ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ : وَإِقْرَارُ الْمَرِيضِ لِلْوَارِثِ عَلَى عَكْسِهِ وَتَمَامُهُ فِيهِ فَلْيُرَاجَعْ .
( قَوْلُهُ : إلَّا أَنْ يُجِيزَ وَرَثَتُهُ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ : وَإِنْ أَجَازَ الْبَعْضُ نَفَذَ عَلَيْهِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ وَإِذَا وُجِدَتْ الْإِجَازَةُ بَعْدَ الْمَوْتِ تَمَلَّكَهُ الْمَجَازُ لَهُ مِنْ قِبَلِ الْمُوصِي عِنْدَنَا حَتَّى يُجْبَرَ الْوَارِثُ عَلَى التَّسْلِيمِ

( وَنُدِبَتْ بِأَقَلَّ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الثُّلُثِ ( عِنْدَ غِنَى وَرَثَتِهِ أَوْ اسْتِغْنَائِهِمْ بِحِصَّتِهِمْ ) لِأَنَّهُ تَرَدَّدَ بَيْنَ الصَّدَقَةِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ وَالْهِبَةِ لِلْقَرِيبِ ، وَالْأُولَى أَوْلَى إذْ يَبْتَغِي بِهَا رِضَا اللَّهِ تَعَالَى .
( وَلَوْلَاهُمَا ) أَيْ لَوْلَا غِنَاهُمْ ( وَلَا اسْتِغْنَاؤُهُمْ بِحِصَّتِهِمْ فَالتَّرْكُ أَوْلَى ) لِأَنَّ فِي تَرْكِ الْوَصِيَّةِ صَدَقَةٌ عَلَى الْقَرِيبِ بِقَدْرِ الْوَصِيَّةِ ، وَالْوَصِيَّةُ تَصَدُّقٌ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ فَالْأُولَى أَوْلَى لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ الصَّدَقَةُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ } ( كَتَرْكِهَا مَعَ أَحَدِهِمَا ) أَيْ إنْ لَمْ تَكُنْ الْوَرَثَةُ أَغْنِيَاءَ أَوْ لَا يَسْتَغْنُونَ بِحِصَّتِهِمْ مِنْ التَّرِكَةِ فَتَرْكُ الْوَصِيَّةِ أَوْلَى .

( قَوْلُهُ : وَنُدِبَتْ
إلَخْ ) الْوَصِيَّةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ : وَاجِبَةٌ : كَالْوَصِيَّةِ بِرَدِّ الْوَدِيعَةِ ، وَالدُّيُونِ الْمَجْهُولَةِ ، وَمُسْتَحَبَّةٌ : كَالْوَصِيَّةِ بِالْكَفَّارَاتِ وَفِدْيَةِ الصَّلَوَاتِ ، وَالصِّيَامَاتِ ، وَمُبَاحَةٌ : كَالْوَصِيَّةِ لِلْأَغْنِيَاءِ مِنْ الْأَجَانِبِ ، وَالْأَقَارِبِ ، وَمَكْرُوهَةٌ : كَالْوَصِيَّةِ لِأَهْلِ الْفُسُوقِ ، وَالْمَعَاصِي كَذَا فِي الْمُجْتَبَى وَفِيهِ تَأَمُّلٌ لِمَا فِي الْبَدَائِعِ الْوَصِيَّةُ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْفَرَائِضِ ، وَالْوَاجِبَاتِ كَالْحَجِّ ، وَالزَّكَاةِ ، وَالْكَفَّارَاتِ وَاجِبَةٌ ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَاسْتِغْنَائِهِمْ بِحِصَّتِهِمْ ) قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ : وَقَدْرُ الِاسْتِغْنَاءِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا تَرَكَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ أَرْبَعَةَ آلَافٍ أَيْ دِرْهَمٍ دُونَ الْوَصِيَّةِ وَعَنْ الْإِمَامِ الْفَضْلِيِّ عَشَرَةُ آلَافٍ ا هـ .
قَوْلُهُ : لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ }
إلَخْ ) لَعَلَّهُ لَيْسَ لَفْظُ الْحَدِيثِ وَإِنَّمَا أَشَارَ إلَيْهِ ثُمَّ ذَكَرَ دَلِيلًا عَقْلِيًّا وَلِذَا قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ : وَإِنْ كَانَتْ الْوَرَثَةُ فُقَرَاءَ لَا يَسْتَغْنُونَ بِنَصِيبِهِمْ فَتَرْكُهَا أَفْضَلُ لِمَا فِيهِ مِنْ الصِّلَةِ ، وَالصَّدَقَةِ عَلَيْهِمْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ الصَّدَقَةُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ } .
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا صَدَقَةَ وَذُو رَحِمٍ مُحْتَاجٌ } وَهُوَ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ } لِأَنَّهُ فَقِيرٌ فَتَكُونُ صَدَقَةً ، وَقَرِيبٌ فَتَكُونُ صِلَةً وَإِنْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ أَوْ يَسْتَغْنُونَ بِمِيرَاثِهِمْ فَقِيلَ الْوَصِيَّةُ أَوْلَى وَقِيلَ يُخَيَّرُ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ صَدَقَةٌ أَوْ مَبَرَّةٌ وَتَرْكُهَا صِلَةٌ ، وَالْكُلُّ خَيْرٌ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَلَوْلَاهُمَا أَيْ لَوْلَا غِنَاهُمْ وَلَا اسْتِغْنَاؤُهُمْ بِحِصَّتِهِمْ ) أَيْ كَائِنٌ بِأَنْ كَانُوا فُقَرَاءَ وَلَا يَسْتَغْنُونَ بِحِصَّتِهِمْ فَالتَّرْكُ أَوْلَى .
( قَوْلُهُ : كَتَرْكِهَا مَعَ أَحَدِهِمَا ) قَالَ

بَعْضُ الْأَفَاضِلِ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ تَرْكُهَا أَوْلَى مَعَ وُجُودِ الْغِنَى فَقَطْ وَكَذَا مَعَ وُجُودِ الِاسْتِغْنَاءِ فَقَطْ فَيُخَالِفُ مَا سَبَقَ مِنْ كَوْنِهَا مَنْدُوبَةً عِنْدَ وُجُودِ أَحَدِهِمَا فَقَطْ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهَا مَنْدُوبَةٌ مَعَ أَحَدِهِمَا بِأَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ ا هـ .
وَهَذَا ظَاهِرٌ وَتَكَلَّفَ بَعْضٍ مِنْ الْفُضَلَاءِ فَقَالَ قَوْلُهُ : كَتَرْكِهَا مَعَ أَحَدِهِمَا هَكَذَا فِي النُّسَخِ الْمُتَدَاوَلَةِ ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ كَلِمَةَ لَا سَاقِطَةٌ مِنْ الْأَصْلِ فَإِنَّ الْمَعْنَى كَتَرْكِهَا لَا مَعَ أَحَدِهِمَا بِقَرِينَةِ تَفْسِيرِهِ بِقَوْلِهِ أَيْ إنْ لَمْ تَكُنْ الْوَرَثَةُ أَغْنِيَاءَ مَعَ مَا يَشْهَدُ بِهِ سِيَاقُ الْكَلَامِ ا هـ .
وَاعْتَرَضَهُ فَاضِلٌ ثَالِثٌ فَقَالَ وَفِيهِ بَحْثٌ أَيْ فِي كَلَامِ الثَّانِي لِأَنَّهُ إنْ كَانَ مُؤَدَّى قَوْلِهِ لَا مَعَ أَحَدِهِمَا عَدَمُهُمَا مَعًا فَهُوَ مَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ : وَلَوْلَاهُمَا
إلَخْ فَيَلْزَمُ التَّكْرَارُ وَإِنْ كَانَ عَدَمُ أَحَدِهِمَا يَكُونُ ذَلِكَ صُورَةَ كَوْنِ الْوَصِيَّةِ مَنْدُوبَةً عَلَى مَا ذَكَرَهُ فَآخِرُ كَلَامِهِ يُنَاقِضُ أَوَّلَهُ فَتَدَبَّرْ ا هـ .
وَنَصُّ الْمَذْهَبِ مَا قَالَ فِي الْكَافِي الْوَصِيَّةُ بِأَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ أَوْلَى مِنْ تَرْكِهَا إذَا كَانَتْ الْوَرَثَةُ أَغْنِيَاءَ أَوْ يَسْتَغْنُونَ بِنَصِيبِهِمْ لِأَنَّهُ تَرَدَّدَ بَيْنَ الصَّدَقَةِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ ، وَالْهِبَةِ لِلْقَرِيبِ ، وَالْأُولَى أَوْلَى لِأَنَّهُ يَبْتَغِي بِهَا رِضَاءَ اللَّهِ تَعَالَى وَقِيلَ يُخَيَّرُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ الْوَرَثَةُ فُقَرَاءَ وَلَا يَسْتَغْنُونَ بِمَا يَرِثُونَ فَالتَّرْكُ أَوْلَى لِأَنَّ تَرْكَ الْوَصِيَّةِ صَدَقَةٌ عَلَى الْقَرِيبِ بِقَدْرِ الْوَصِيَّةِ ، وَالْوَصِيَّةُ تَصَدُّقٌ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ الصَّدَقَةُ عَلَى ذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ } .
ا هـ .

( وَوَجَبَتْ إذَا كَانَ عَلَيْهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى كَالْحَجِّ ، وَالزَّكَاةِ ) لِأَنَّهُ لَمَّا قَصَّرَ فِيهِ فِي حَيَاتِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّدَارُكُ بَعْدَ مَمَاتِهِ تَخْلِيَةً لِذِمَّتِهِ .
( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ لَمَّا قَصَّرَ فِيهِ فِي حَيَاتِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ التَّدَارُكُ بَعْدَ مَمَاتِهِ ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ عِنْدَ مَمَاتِهِ

( وَتُؤَخَّرُ ) أَيْ الْوَصِيَّةُ ( عَنْ الدَّيْنِ ) لِأَنَّهُ أَهَمُّ الْحَاجَتَيْنِ فَإِنَّهُ فَرْضٌ ، وَالْوَصِيَّةُ تَبَرُّعٌ إلَّا أَنْ يُبْرِئَهُ الْغُرَمَاءُ فَحِينَئِذٍ تَصِحُّ لِزَوَالِ الْمَانِعِ .

( وَصَحَّتْ ) أَيْ الْوَصِيَّةُ ( بِالْكُلِّ ) أَيْ بِكُلِّ مَالِهِ ( عِنْدَ عَدَمِ وَارِثِهِ ) لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الصِّحَّةِ تَعَلُّقُ حَقِّ الْوَارِثِ فَإِذَا انْتَفَى تَصِحُّ .

( وَ ) صَحَّتْ ( لِمَمْلُوكِهِ بِثُلُثِ مَالِهِ ) فِي الْخُلَاصَةِ الْوَصِيَّةُ لِلْعَبْدِ بِعَيْنٍ مِنْ أَعْيَانِ مَالِهِ لَا تَصِحُّ أَمَّا لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لَهُ مُطْلَقًا تَصِحُّ وَتَكُونُ وَصِيَّةً لِلْعِتْقِ فَإِنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ قِيمَةُ الْعَبْدِ عَتَقَ كُلُّهُ بِغَيْرِ سِعَايَةٍ ، وَإِنْ خَرَجَ بَعْضُهُ عَتَقَ وَسَعَى فِي بَقِيَّةِ قِيمَتِهِ وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ أَوْ الدَّنَانِيرِ الْمُرْسَلَةِ قَالَ الْإِمَامُ النَّسَفِيُّ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا تَصِحُّ كَالْوَصِيَّةِ بِالْعَيْنِ .
وَقَالَ فِي الْمُنْيَةِ : لَوْ أَوْصَى لِعَبْدِهِ الْقِنِّ أَوْ لِأَمَتِهِ الْقِنَّةِ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْخُلَاصَةِ فَأَمَّا أَنْ يُقَيَّدَ هَذَا بِمَا سِوَى الْعَيْنِ أَوْ يُطْلَقَ وَيُحْمَلَ عَلَى غَيْرِ الْأَصَحِّ .
وَفِي الْخَانِيَّةِ لَوْ أَوْصَى لِمُكَاتَبِ نَفْسِهِ أَوْ لِأُمِّ وَلَدِ نَفْسِهِ أَوْ لِمُدَبَّرِ نَفْسِهِ جَازَ الْكُلُّ اسْتِحْسَانًا وَلَوْ أَوْصَى لِعَبْدِهِ الْقِنِّ أَوْ لِأَمَتِهِ الْقِنَّةِ ثُمَّ مَاتَ جَازَتْ الْوَصِيَّةُ فِي كُلِّهِمْ إلَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْقِنِّ يُعْتَقُ ثُلُثُهُ مَجَّانًا وَعَلَيْهِ ثُلُثَا قِيمَتِهِ وَلَهُ ثُلُثُ مَالِهِ مِنْ سَائِرِ التَّرِكَةِ فَيَتَقَاصَّانِ وَيُتَرَادَّانِ الْفَضْلَ وَعِنْدَ صَاحِبَيْهِ يُعْتَقُ الْعَبْدُ وَتُصْرَفُ الْوَصِيَّةُ أَوَّلًا إلَى الْعِتْقِ فَإِنْ فَضَلَ مِنْ الثُّلُثِ شَيْءٌ كَانَ الْفَضْلُ لِلْعَبْدِ .
( قَوْلُهُ : فَإِمَّا أَنْ يُقَيِّدَ هَذَا بِمَا سِوَى الْعَيْنِ ) فِيهِ تَأَمُّلٌ إذْ يَشْمَلُ الدَّرَاهِمَ الْمُرْسَلَةَ وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْأَصَحَّ أَنَّهَا كَالْعَيْنِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَزِيدَ وَبِمَا سِوَى الدَّرَاهِمِ الْمُرْسَلَةِ ( قَوْلُهُ : جَازَتْ الْوَصِيَّةُ فِي كُلِّهِمْ ) عِبَارَةُ قَاضِي خَانْ فِي قَوْلِهِمْ

( وَصَحَّتْ لِلْحَمْلِ ) بِأَنْ يَقُولَ أَوْصَيْت لِحَمْلِ فُلَانَةَ كَذَا دِرْهَمًا ( وَبِهِ ) أَيْ بِالْحَمْلِ أَيْضًا بِأَنْ يَقُولَ أَوْصَيْت بِحَمْلِ جَارِيَتِي هَذِهِ لِفُلَانٍ فَإِنَّ الْوَصِيَّتَيْنِ تَصِحَّانِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ ، وَالْإِرْثُ يَجْرِي فِي الصُّورَتَيْنِ فَتَصِحُّ الْوَصِيَّةُ أَيْضًا لَكِنَّ الثَّانِيَةَ إنَّمَا تَصِحُّ ( إنْ وُلِدَ ) أَيْ الْحَمْلُ ( لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِهَا ) أَيْ مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ فَإِنَّ صِحَّةَ وَصِيَّةِ الْحَمْلِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى وُجُودِهِ وَإِنَّمَا يَتَيَقَّنُ بِوُجُودِهِ إذَا وُلِدَ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ .

( قَوْلُهُ : وَصَحَّتْ لِلْحَمْلِ وَبِهِ إنْ وُلِدَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِهَا ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ ، وَالْكَنْزِ .
وَقَالَ قَاضِي زَادَهْ : يُشْتَرَطُ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الْبَطْنِ وَقْتَ الْوَصِيَّةِ لَهُ أَوْ بِهِ بِأَنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ وَصَحَّحَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي وَاخْتَارَهُ الْمُصَنِّفُ أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَوْ مِنْ وَقْتِ مَوْتِ الْمُوصِي بِأَنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ مَوْتِهِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي نُكَتِ الْوَصَايَا ، وَالْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَاخْتَارَهُ صَاحِبُ النِّهَايَةِ هَذَا زُبْدَةُ مَا فِي الْعِنَايَةِ وَغَايَةِ الْبَيَانِ ا هـ .
وَفِي الْكَافِي مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إنْ أَوْصَى لَهُ يُعْتَبَرُ مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ وَإِنْ أَوْصَى بِهِ يُعْتَبَرُ مِنْ وَقْتِ الْمَوْتِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ : بِأَنْ يَقُولَ أَوْصَيْت لِحَمْلِ فُلَانَةَ كَذَا دِرْهَمًا ) يَنْبَغِي بِكَذَا دِرْهَمًا قَوْلُهُ : لَكِنْ فِي الثَّانِيَةِ إنَّمَا تَصِحُّ إنْ وُلِدَ الْحَمْلُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِهَا ) لَعَلَّهُ إنَّمَا قَيَّدَ بِهَذَا فِي الثَّانِيَةِ دُونَ الْأُولَى مَشْيًا عَلَى مَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ لَكِنْ لَا يُعْلَمُ بِهِ حُكْمُ ابْتِدَاءِ الْمَجِيءِ بِالْحَمْلِ فِي الْأُولَى فَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ تَرْكُ هَذَا الْقَيْدِ فِي الثَّانِيَةِ وَيُعْلَمُ ابْتِدَاءً وَقْتُ الْمَجِيءِ بِهِ فِي الصُّورَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْوَصِيَّةِ مِنْ مَتْنِهِ .
( تَنْبِيهٌ ) : إذَا كَانَتْ الْجَارِيَةُ مُعْتَدَّةً حِينَ الْوَصِيَّةِ يُعْتَبَرُ الْوِلَادَةُ لِأَجْلِ ثُبُوتِ النَّسَبِ إلَى سَنَتَيْنِ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ ، وَالْمُرَادُ أَقَلُّ مِنْ سَنَتَيْنِ بِمَا يُمْكِنُ وُجُودُهُ حَالَ الْوَصِيَّةِ

( وَبِالْأَمَةِ إلَّا حَمْلَهَا ) فَإِنَّهَا أَيْضًا تَصِحُّ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مَا يَصِحُّ إفْرَادُهُ بِالْعَقْدِ يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ وَمَا لَا فَلَا كَمَا مَرَّ فِي الْبُيُوعِ وَيَصِحُّ إفْرَادُ الْحَمْلِ بِالْوَصِيَّةِ فَيَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ .

( وَمِنْ الْمُسْلِمِ لِلذِّمِّيِّ وَبِالْعَكْسِ ) فَالْأَوَّلُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { لَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ } الْآيَةَ ، وَالثَّانِي لِأَنَّهُ بِعَقْدِ الذِّمَّةِ يُسَاوِي الْمُسْلِمَ فِي الْمُعَامَلَاتِ حَتَّى جَازَ التَّبَرُّعُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فِي الْحَيَاةِ فَكَذَا فِي الْمَمَاتِ .

( لَا حَرْبِيٍّ فِي دَارِهِ ) فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ الْوَصِيَّةُ لِلْحَرْبِيِّ وَهُوَ فِي دَارِهِمْ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهَا بِرٌّ وَصِلَةٌ وَقَدْ نُهِينَا عَنْ بِرِّ مَنْ يُقَاتِلُنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { : إنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ } الْآيَةُ .
وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ وَجْهُ التَّوْفِيقِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُفْعَلَ ، وَإِنْ فُعِلَ جَازَ كَذَا فِي الْكَافِي ، وَالنِّهَايَةِ أَقُولُ : لَا يَخْفَى بُعْدُهُ بَلْ وَجْهُ التَّوْفِيق مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهُوَ فِي دَارِهِمْ فَإِنَّهُ احْتِرَازٌ عَنْ حَرْبِيٍّ لَيْسَ فِي دَارِهِمْ وَهُوَ الْمُسْتَأْمَنُ فَإِنَّ الْحَرْبِيَّ مَا دَامَ فِي دَارِ الْحَرْبِ مِمَّنْ يُقَاتِلُنَا بِخِلَافِ الْمُسْتَأْمَنِ فَإِنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَهُوَ الْمُرَادُ مِمَّا ذُكِرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ ( وَلَوْ لِوَارِثِهِ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ } ( وَقَاتِلِهِ مُبَاشَرَةً ) سَوَاءٌ كَانَ عَامِدًا أَوْ خَاطِئًا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا وَصِيَّةَ لِلْقَاتِلِ } وَلِأَنَّهُ قَصَدَ الِاسْتِعْجَالَ بِفِعْلٍ مَحْظُورٍ فَعُوقِبَ بِالْحِرْمَانِ عَنْ مَقْصُودِهِ وَهُوَ الْإِرْثُ ، وَقَوْلُهُ مُبَاشَرَةً احْتِرَازٌ عَنْ التَّسْبِيبِ كَوَضْعِ الْحَجَرِ فِي غَيْرِ مِلْكِهِ ( إلَّا بِإِجَازَةِ وَرَثَتِهِ وَهُمْ كِبَارٌ ) الِاسْتِثْنَاءُ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَسْأَلَتَيْنِ ( أَوْ يَكُونُ الْقَاتِلُ صَبِيًّا ) ذَكَرَهُ فِي الْأَسْرَارِ .

( قَوْلُهُ : وَفِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ مَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ ) قَالَ قَاضِي زَادَهْ كَذَا ذَكَرَهُ شُرَّاح الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَتَبِعَهُمْ شُرَّاحُ الْهِدَايَةِ وَلَمْ يُقَيِّدْ صَاحِبُ الْمُحِيطِ قَوْلَهُمْ ذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ
إلَخْ وَاسْتُنْبِطَ مِنْهُ بُطْلَانُ الْوَصِيَّةِ لِلْحَرْبِيِّ ، وَلَعَلَّ الْحَقَّ رَأْيُ صَاحِبِ الْمُحِيطِ ا هـ .
وَقَالَ الْمَرْحُومُ جُوَيْ زَادَهْ إنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي السِّيَرِ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ وَهَذِهِ عِبَارَتُهُ : أَقُولُ قَالَ فِي الْمُحِيطِ الْبُرْهَانِيِّ وَلَوْ أَوْصَى مُسْلِمٌ لِحَرْبِيٍّ ، وَالْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا تَجُوزُ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ وَإِنْ أَجَازَهُ الْوَرَثَةُ فَقَدْ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَصِيَّةِ لِلْحَرْبِيِّ وَبَيْنَ الْوَصِيَّةِ لِلْأَجْنَبِيِّ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ ، وَالْوَصِيَّةِ لِلْوَارِثِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ امْتِنَاعَ جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لِلْحَرْبِيِّ بِحَقِّ الشَّرْعِ لِأَنَّ الشَّرْعَ نَهَانَا عَنْ بِرِّهِمْ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ الصَّحِيحِ بِرُّ الْحَرْبِيِّ ، وَالْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ مَا امْتَنَعَ جَوَازُهَا لِكَوْنِهِ مَنْهِيًّا عَنْ بِرِّهِ أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَوْ بَرَّهُ الْمُوَرِّثُ فِي صِحَّتِهِ يَجُوزُ وَيُثَابُ عَلَى ذَلِكَ وَإِنَّمَا امْتَنَعَ جَوَازُهَا لِحَقِّ بَاقِي الْوَرَثَةِ وَكَذَا الْوَصِيَّةُ لِلْأَجْنَبِيِّ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَتَجُوزَانِ بِإِجَازَتِهِمْ وَلِأَنَّ الْحَرْبِيَّ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِمَنْزِلَةِ الْمَيِّتِ فِي حَقِّنَا ، وَالْوَصِيَّةُ لِلْمَيِّتِ بَاطِلَةٌ كَذَا ذَكَرَهُ مَسْأَلَةُ الْحَرْبِيِّ فِي وَصَايَا الْأَصْلِ .
وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ قَالُوا وَذَكَرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لِلْحَرْبِيِّ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ مِنْهُمْ مَنْ وَفَّقَ بَيْنَ مَا ذُكِرَ فِي الْأَصْلِ ، وَبَيْنَ مَا ذُكِرَ فِي السِّيَرِ وَذَكَرَ مَا فِي الْكَافِي وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ هَكَذَا قَالُوا ، وَالْمَذْكُورُ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ لِلْحَرْبِيِّ بَاطِلَةٌ ، وَصُورَةُ الْمَذْكُورِ ثَمَّةَ لَوْ

أَوْصَى مُسْلِمٌ لِحَرْبِيٍّ ، وَالْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يَجُوزُ إلَى آخِرِ مَا نَقَلَهُ عَنْهُ وَرَأَيْت الْمَسْأَلَةَ الَّتِي نَقَلَهَا صَاحِبُ الْمُحِيطِ فِي شَرْحِ السِّيَرِ الْكَبِيرِ لِلسَّرَخْسِيِّ وَقَدْ فَصَّلَهَا تَفْصِيلًا وَافِيًا وَتَتَبَّعْتهَا كَثِيرًا لِأَظْفَرَ بِمَا قَالُوا إنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ فَلَمْ أَرَ فِيهِ غَيْرَ مَا ذَكَرَهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ مِنْهُ بِقَوْلِهِ فَنَقُولُ لَا بَأْسَ أَنْ يَصِلَ الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ الْمُشْرِكَ قَرِيبًا كَانَ أَوْ بَعِيدًا مُحَارِبًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا وَاسْتَدَلَّ عَلَيْهِ بِأَحَادِيثَ مِنْهَا : أَنَّهُ { بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ إلَى مَكَّةَ حِينَ قَحَطُوا وَأَمَرَ بِدَفْعِ ذَلِكَ إلَى أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ وَصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ لِيُفَرَّقَا عَلَى فُقَرَاءِ أَهْلِ مَكَّةَ فَقَبِلَ ذَلِكَ أَبُو سُفْيَانَ وَأَبُو صَفْوَانَ } قَالَ : وَبِهِ نَأْخُذُ وَلِأَنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحْمُودَةٌ عِنْدَ كُلِّ عَاقِلٍ وَفِي كُلِّ دِينٍ ، وَالْإِهْدَاءُ إلَى الْغَيْرِ مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { بُعِثْت لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ } فَعَرَفْنَا أَنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ ، وَالْمُشْرِكِينَ جَمِيعًا ا هـ .
مُخْتَصَرًا فَلَمْ أَشُكَّ فِي أَنَّ مُرَادَهُمْ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ كَلَامُهُ هَذَا لَكِنْ مَنْ أَرَادَ التَّوْفِيقَ لَمْ يَطَّلِعْ عَنْ الْمُرَادِ فَوَفَّقَ رَجْمًا بِالْغَيْبِ مَعَ عَدَمِ اسْتِقَامَتِهِمَا أَوَّلًا الْفَرْقُ الثَّانِي الَّذِي بَنَى السَّرَخْسِيِّ بُطْلَانِ الْوَصِيَّةِ عَلَيْهِ لَدَى هَذَا الْكَلَامِ عَلَى أَنَّهَا مَحْمُودَةٌ يَنْبَغِي أَنْ تَفْعَلَ وَلَوْ كَانَ الْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ الْحَدِيثِ ثُمَّ الْفَرْقُ الْأَوَّلُ مِنْ الْفَرْقَيْنِ لَا يَسْتَقِيمُ عَلَى مَا نَقَلْنَاهُ عَنْ شَرْحِ السِّيَرِ فَالْخِلَافُ فِي جَوَازِ صِلَةِ الْحَرْبِيِّ وَعَدَمِهِ لَا فِي جَوَازِ الْوَصِيَّةِ لَهُ وَعَدَمُهُ لِاقْتِضَاءِ الْفَرْقِ الثَّانِي عَدَمَ جَوَازِهَا ا هـ .
عِبَارَةُ الْمَرْحُومِ جَوِي زَادَهْ إلَّا

أَنَّهُ يُتَأَمَّلُ فِي قَوْلِهِ ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ الصَّحِيحِ بِرُّ الْحَرْبِيِّ مَعَ قَوْلِهِ بَعْدُ لَا بَأْسَ أَنْ يَصِلَ الْمُسْلِمُ الرَّجُلَ الْمُشْرِكَ قَرِيبًا كَانَ أَوْ بَعِيدًا مُحَارِبًا كَانَ أَوْ ذِمِّيًّا .
( قَوْلُهُ : وَجْهُ التَّوْفِيقِ ) عُلِمَ مِمَّا ذَكَرَهُ الْمَرْحُومُ جُوَيْ زَادَهْ أَنَّهُ لَا احْتِيَاجَ إلَى هَذَا لِعَدَمِ ثُبُوتِ مَا يُجَوِّزُ الْوَصِيَّةَ لِلْحَرْبِيِّ ( قَوْلُهُ : أَقُولُ لَا يَخْفَى بَعْدَهُ بَلْ وَجْهُ التَّوْفِيقِ
إلَخْ ) قَالَ قَاضِي زَادَهْ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَقُولُ هَذَا كَلَامٌ عَجِيبٌ فَإِنَّ لَفْظَ السِّيَرِ الْكَبِيرِ عَلَى مَا نَقَلَهُ صَاحِبُ الْمُحِيطِ لَوْ وَصَّى مُسْلِمٌ لِحَرْبِيٍّ ، وَالْحَرْبِيُّ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَا يَجُوزُ ا هـ .
فَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَأْمَنُ هُوَ الْمُرَادَ مِمَّا ذُكِرَ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : فَعُوقِبَ بِالْحِرْمَانِ عَنْ مَقْصُودِهِ وَهُوَ الْإِرْثُ ) لَعَلَّ صَوَابَهُ وَهُوَ الْوَصِيَّةُ إذْ الْكَلَامُ فِي الْوَصِيَّةِ لِلْقَاتِلِ لَا الْإِرْثِ ( قَوْلُهُ : الِاسْتِثْنَاءُ مُتَعَلِّقٌ بِالْمَسْأَلَتَيْنِ ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ : الْوَصِيَّةُ لِلْقَاتِلِ تَجُوزُ بِإِجَازَةِ الْوَرَثَةِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : لَا تَجُوزُ وَلَوْ أَجَازَهَا الْوَرَثَةُ ، وَالْخِلَافُ فِي غَيْرِ قَتْلِهِ عَمْدًا بَعْدَهَا أَمَّا لَوْ قَتَلَهُ عَمْدًا بَعْدَ الْوَصِيَّةِ فَإِنَّهَا تَكُونُ مُلْغَاةً بِالِاتِّفَاقِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : أَوْ يَكُونُ الْقَاتِلُ صَبِيًّا ) مَعْطُوفٌ عَلَى بِإِجَازَةِ وَرَثَتِهِ وَلَا يُحْتَاجُ هُنَا إلَى إجَازَةِ الْوَرَثَةِ كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ، وَلِمَا قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا جَازَتْ الْوَصِيَّةُ وَإِنْ لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ اتِّفَاقًا مِنْ الْحَقَائِقِ ا هـ .
وَلَعَلَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَتْلِ الْعَاقِلِ الْبَالِغِ خَطَأً أَنَّ الصَّغِيرَ أَوْ الْمَجْنُونَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْعُقُوبَةِ وَقَصْدُهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ فِي الِاسْتِعْجَالِ

( وَلَا مِنْ صَبِيٍّ مُمَيَّزٍ ) لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ ( إلَّا فِي تَجْهِيزِهِ وَأَمْرِ دَفْنِهِ ) فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَنَا اسْتِحْسَانًا حَتَّى إذَا لَمْ يَكُنْ مُمَيَّزًا لَمْ يَجُزْ أَصْلًا ( وَإِنْ ) وَصْلِيَّةٌ ( مَاتَ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ ) هَذَا مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَلَا مِنْ صَبِيٍّ مُمَيِّزٍ يَعْنِي إذَا أَوْصَى ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ الْإِدْرَاكِ لَمْ تَجُزْ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ وَقْتَ الْمُبَاشَرَةِ ( أَوْ أَضَافَهَا إلَيْهِ ) بِأَنْ قَالَ : إذَا أَدْرَكْتُ فَثُلُثِي لِفُلَانٍ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِقُصُورِ الْوِلَايَةِ فَلَا يَمْلِكُهُ تَنْجِيزًا وَتَعْلِيقًا كَمَا فِي الطَّلَاقِ ، وَالْعَتَاقِ .
( قَوْلُهُ : وَلَا مِنْ صَبِيٍّ إلَّا فِي تَجْهِيزِهِ وَأَمْرِ دَفْنِهِ ) لَكِنَّهُ يُرَاعَى فِيهِ الْمَصْلَحَةُ لِمَا قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الرَّوْضَةِ لَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُكَفَّنَ بِأَلْفِ دِينَارٍ يُكَفَّنُ بِكَفَنٍ وَسَطٍ وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُكَفَّنَ فِي ثَوْبَيْنِ لَا يُرَاعَى شَرَائِطُ الْوَصِيَّةِ ، وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُكَفَّنَ فِي خَمْسَةِ أَثْوَابٍ أَوْ سِتَّةِ أَثْوَابٍ يُرَاعَى شَرَائِطُهُ وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُدْفَنَ فِي مَقْبَرَةِ كَذَا بِقُرْبِ فُلَانٍ الزَّاهِدِ يُرَاعَى شَرْطُهُ إنْ لَمْ يَلْزَمْ فِي التَّرِكَةِ مُؤْنَةُ الْحَمْلِ وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُقْبَرَ مَعَ فُلَانٍ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ لَا يُرَاعَى شَرْطُهُ

( وَ ) لَا ( مِنْ عَبْدٍ ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ ( وَمُكَاتَبٍ ، وَإِنْ تَرَكَ وَفَاءً ) لِأَنَّهُ أَيْضًا لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّبَرُّعِ وَقِيلَ عِنْدَهُمَا تَصِحُّ فِي صُورَةِ تَرْكِ الْوَفَاءَ ( إلَّا إذَا أَضَافَاهَا ) أَيْ أَضَافَ الْعَبْدَ ، وَالْمُكَاتَبَ الْوَصِيَّةَ ( إلَى الْعِتْقِ ) فَحِينَئِذٍ تَصِحُّ لِأَنَّ أَهْلِيَّتَهُمَا تَامَّةٌ ، وَالْمَانِعُ حَقُّ الْمَوْلَى فَتَصِحُّ إضَافَتُهُ إلَى حَالِ إسْقَاطِهِ .

( وَلَا مِنْ مُعْتَقَلِ اللِّسَانِ بِالْإِشَارَةِ ) اعْلَمْ أَنَّ إيمَاءَ الْأَخْرَسِ وَكِتَابَتَهُ كَالْبَيَانِ بِخِلَافِ مُعْتَقَلِ اللِّسَانِ فِي وَصِيَّةٍ وَنِكَاحٍ وَطَلَاقٍ وَبَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَقَوَدٍ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْإِشَارَةَ إنَّمَا تَقُومُ مَقَامَ الْعِبَارَةِ إذَا كَانَتْ مَعْهُودَةً وَذَلِكَ فِي الْأَخْرَسِ دُونَ مُعْتَقَلِ اللِّسَانِ حَتَّى لَوْ امْتَدَّ ذَلِكَ وَصَارَتْ لَهُ إشَارَةٌ مَعْهُودَةٌ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْأَخْرَسِ وَقُدِّرَ الِامْتِدَادُ بِسَنَةٍ ، وَقِيلَ إنْ دَامَتْ الْعَقْلَةُ إلَى الْمَوْتِ يَجُوزُ إقْرَارُهُ بِالْإِشَارَةِ وَيَجُوزُ الْإِشْهَادُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ النُّطْقِ بِمَعْنًى لَا يُرْجَى زَوَالُهُ فَكَانَ كَالْأَخْرَسِ قَالُوا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ .
( قَوْلُهُ : قَالُوا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ) كَذَا قَالَ فِي الْبُرْهَانِ لَا تَصِحُّ بِإِشَارَةِ مُعْتَقَلِ اللِّسَانِ إلَّا إذَا دَامَ إلَى الْمَوْتِ عَلَى الْمُفْتَى بِهِ .
ا هـ .

( قَبُولُهَا بَعْدَ مَوْتِهِ ) أَيْ قَبُولُ الْوَصِيَّةِ لَا يُعْتَبَرُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي لِأَنَّ أَوَانَ ثُبُوتِ حُكْمِهَا بَعْدَ الْمَوْتِ ( فَيَبْطُلُ قَبُولُهَا وَرَدُّهَا قَبْلَهُ ) أَيْ قَبْلَ الْمَوْتِ كَمَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ : أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا عَلَى دِرْهَمٍ فَإِنَّ رَدَّهَا وَقَبُولَهَا بَاطِلٌ قَبْلَ الْغَدِ كَمَا مَرَّ .

( وَبِهِ ) أَيْ بِالْقَبُولِ ( يُمْلَكُ ) أَيْ الْمُوصَى بِهِ وَلَا يُمْلَكُ قَبْلَهُ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إثْبَاتُ مِلْكٍ جَدِيدٍ وَلِهَذَا لَا يُرَدُّ الْمُوصَى لَهُ بِالْعَيْبِ وَلَا يَمْلِكُ أَحَدٌ إثْبَاتَ الْمِلْكِ لِغَيْرِهِ بِلَا اخْتِيَارِهِ بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ فَإِنَّهُ خِلَافُهُ حَتَّى يَثْبُتَ فِيهِ الْأَحْكَامُ جَبْرًا مِنْ الشَّارِعِ بِلَا قَبُولٍ لِوِلَايَتِهِ عَلَيْهِ ( إلَّا إذَا مَاتَ مُوصِيهِ ثُمَّ هُوَ ) أَيْ الْمُوصَى لَهُ بِلَا قَبُولٍ ( فَهُوَ ) أَيْ الْمُوصَى بِهِ ( لِوَرَثَتِهِ ) أَيْ وَرَثَةُ الْمُوصَى لَهُ اسْتِحْسَانًا ، وَالْقِيَاسُ أَنْ تَبْطُلَ الْوَصِيَّةُ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمِلْكَ مَوْقُوفٌ عَلَى الْقَبُولِ فَصَارَ كَمُشْتَرٍ مَاتَ قَبْلَ قَبُولِهِ بَعْدَ إيجَابِ الْبَائِعِ ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ مِنْ جَانِبِ الْمُوصِي قَدْ تَمَّتْ بِمَوْتِهِ تَمَامًا لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ مِنْ جِهَتِهِ وَإِنَّمَا تَوَقَّفَتْ لِحَقِّ الْمُوصَى لَهُ فَإِذَا مَاتَ دَخَلَ فِي مِلْكِهِ كَمَا فِي بَيْعٍ شُرِطَ فِيهِ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي إذَا مَاتَ قَبْلَ الْإِجَازَةِ .

( وَلَهُ ) أَيْ يَجُوزُ لِلْمُوصِي ( الرُّجُوعُ عَنْهَا ) أَيْ الْوَصِيَّةِ ( بِقَوْلٍ صَرِيحٍ ) نَحْوُ رَجَعْت عَمَّا أَوْصَيْت لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ لَمْ يَتِمَّ فَصَارَ كَالْهِبَةِ ( وَفِعْلٍ يَقْطَعُ حَقَّ الْمَالِكِ عَنْ الْمَغْصُوبِ ) كَقَطْعِ الثَّوْبِ وَخِيَاطَتِهِ ( أَوْ يَزِيدُ فِي الْمُوصَى بِهِ مَا يَمْنَعُ تَسْلِيمَهُ بِدُونِهِ كَالْبِنَاءِ أَوْ يُزِيلُ مِلْكَهُ كَالْبَيْعِ ) فَإِنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ أَوْجَبَ زَوَالَ مِلْكِ الْمُوصِي كَانَ رُجُوعًا كَمَا إذَا بَاعَ الْمُوصَى بِهِ ثُمَّ اشْتَرَاهُ أَوْ وَهَبَهُ ثُمَّ رَجَعَ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ لَا تَنْفُذُ إلَّا فِي مِلْكِهِ فَإِذَا زَالَ عَنْهُ كَانَ رُجُوعًا وَذَبْحُ الشَّاةِ الْمُوصَى بِهَا رُجُوعٌ لِأَنَّهُ لِلصَّرْفِ إلَى حَاجَتِهِ عَادَةً فَصَارَ هَذَا الْمَعْنَى أَصْلًا أَيْضًا ( بِخِلَافِ غَسْلِ ثَوْبٍ أَوْصَى بِهِ ) فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ رُجُوعًا لِأَنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُعْطِيَ ثَوْبَهُ غَيْرَهُ يَغْسِلُهُ عَادَةً فَكَانَ تَقْرِيرًا .

( الْجُحُودُ لَيْسَ بِرُجُوعٍ ) لِأَنَّ الرُّجُوعَ إثْبَاتٌ فِي الْمَاضِي وَنَفْيٌ فِي الْحَالِ ، وَالْجُحُودُ نَفْيٌ فِي الْمَاضِي ، وَالْحَالِ فَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ وَلِهَذَا لَا يَكُونُ جُحُودُ النِّكَاحِ فُرْقَةً .
قَوْلُهُ : الْجُحُودُ لَيْسَ بِرُجُوعٍ ) هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى كَمَا فِي الْبُرْهَانِ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : هُوَ رُجُوعٌ

( كَذَا كُلُّ وَصِيَّةٍ أَوْصَيْتُ بِهَا فَحَرَامٌ أَوْ رِبَا ) فَإِنَّهُ أَيْضًا لَيْسَ بِرُجُوعٍ لِأَنَّ وَصْفَ الْحُرْمَةِ ، وَالرِّبَوِيَّةِ يَقْتَضِي بَقَاءَ الْأَصْلِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الرُّجُوعُ .

( وَ ) قَوْلُهُ ( كُلُّ وَصِيَّةٍ أَوْصَيْت بِهَا أَخَّرْتهَا بِخِلَافِ تَرَكْتُهَا ) فَإِنَّ الْأَوَّلَ لَيْسَ بِرُجُوعٍ ، وَالثَّانِيَ رُجُوعٌ لِأَنَّ تَرْكَ الشَّيْءِ إسْقَاطٌ ، وَالتَّأْخِيرُ لَيْسَ بِإِسْقَاطٍ فَإِنَّ الدَّائِنَ إذَا قَالَ لِمَدْيُونِهِ : تَرَكْت لَك دَيْنَك كَانَ إبْرَاءً لَهُ وَلَوْ قَالَ : أَخَّرْت عَنْك لَا يَكُونُ إبْرَاءً كَذَا فِي الْمُحِيطِ .
( قَوْلُهُ : كَذَا فِي الْمُحِيطِ ) وَذَكَرَهُ فِي التَّبْيِينِ ، وَالْكَافِي

( وَ ) بِخِلَافِ كُلِّ ( وَصِيَّةٍ أَوْصَيْتهَا فَهِيَ بَاطِلَةٌ ) فَإِنَّهُ أَيْضًا رُجُوعٌ لِأَنَّ الْبَاطِلَ ذَاهِبٌ مُتَلَاشٍ لَا أَصْلَ لَهُ .

( أَوْ الَّذِي أَوْصَيْت بِهِ لِزَيْدٍ فَهُوَ لِعَمْرٍو أَوْ لِفُلَانٍ وَارِثِي ) فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَكُونُ رُجُوعًا لِأَنَّ اللَّفْظَ يَدُلُّ عَلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ وَإِثْبَاتِ التَّخْصِيصِ لَهُ فَاقْتَضَى رُجُوعًا عَنْ الْأَوَّلِ ثُمَّ الْوَرَثَةُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا أَجَازُوا ، وَإِنْ شَاءُوا رَدُّوا بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِهِ لِآخَرَ أَيْضًا فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ رُجُوعًا لِأَنَّ اللَّفْظَ صَالِحٌ لِلشَّرِكَةِ ، وَالْمَحَلُّ يَقْبَلُهَا فَيَكُونُ الْعَبْدُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا ( وَلَوْ كَانَ فُلَانٌ مَيِّتًا وَقْتَهَا فَالْأُولَى ) مِنْ الْوَصِيَّتَيْنِ ( بِحَالِهَا ) لِأَنَّ بُطْلَانَ الْأَوَّلِ مِنْ ضَرُورَاتِ الْإِثْبَاتِ لِلثَّانِي فَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ لَهُ فَهُوَ لِلْأَوَّلِ ( وَلَوْ ) كَانَ فُلَانٌ ( حَيًّا ) وَقْتَهَا ( فَمَاتَ قَبْلَ الْمُوصِي فَهِيَ لِوَرَثَةِ الْمُوصِي ) لِبُطْلَانِ الْوَصِيَّتَيْنِ لِأَنَّ لَمَّا ثَبَتَ لِلثَّانِي كَانَ رُجُوعًا عَنْ الْأَوَّلِ فَبَطَلَتْ فِي حَقِّ الْأَوَّلِ وَصَحَّتْ فِي حَقِّ الثَّانِي ثُمَّ بَطَلَتْ بِمَوْتِهِ قَبْل مَوْتِ الْمُوصِي .
( قَوْلُهُ : فَهُوَ لِعَمْرٍو وَلِفُلَانٍ وَارِثِي ) الْقَيْدُ بِالْوَارِثِ خَاصٌّ بِالْأَخِيرِ وَهُوَ فُلَانٌ فَقَطْ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ الْوَرَثَةُ بِالْخِيَارِ ) يَعْنِي فِي تَجْوِيزِ الْوَصِيَّةِ لِفُلَانٍ الْوَارِثِ كَمَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ وَأَمَّا عَمْرٌو فَالْوَصِيَّةُ لَهُ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِمْ

( تَبْطُلُ هِبَةُ الْمَرِيضِ وَوَصِيَّتُهُ لِمَنْ نَكَحَهَا بَعْدَهُمَا ) أَيْ بَعْدَ الْهِبَةِ ، وَالْوَصِيَّةِ الْأَصْلُ فِي هَذَا الْفَصْلِ أَنَّ كَوْنَ الْمُوصَى لَهُ وَارِثًا أَوْ غَيْرَ وَارِثٍ لِجَوَازِ الْوَصِيَّةِ وَفَسَادِهَا يُعْتَبَرُ يَوْمَ الْمَوْتِ لَا يَوْمَ الْوَصِيَّةِ وَفِي الْإِقْرَارِ يُعْتَبَرُ كَوْنُ الْمُقَرِّ لَهُ وَارِثًا أَوْ غَيْرَ وَارِثٍ يَوْمَ الْإِقْرَارِ لِجَوَازِهِ وَفَسَادِهِ فَإِذَا أَوْصَى الْمَرِيضُ لِامْرَأَةٍ بِشَيْءٍ أَوْ وَهَبَ لَهَا شَيْئًا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ مَاتَ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ ، وَالْهِبَةُ أَمَّا الْوَصِيَّةُ فَلِأَنَّهَا إيجَابٌ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَهِيَ وَارِثَةٌ حِينَئِذٍ ، وَالْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ بَاطِلَةٌ وَأَمَّا الْهِبَةُ ، وَإِنْ كَانَتْ مُنْجَزَةً صُورَةً فَهِيَ كَالْمُضَافَةِ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ حُكْمًا لِأَنَّهَا وَقَعَتْ مَوْقِعَ الْوَصَايَا لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ يَتَقَرَّرُ حُكْمُهُ عِنْدَ الْمَوْتِ .

( بِخِلَافِ إقْرَارِهِ ) فَإِنَّ الْمَرِيضَ إذَا أَقَرَّ لِامْرَأَةٍ بِدَيْنٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ مَاتَ جَازَ إقْرَارُهُ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِ كَوْنُ الْمُقَرِّ لَهُ وَارِثًا أَوْ غَيْرَ وَارِثٍ يَوْمَ الْإِقْرَارِ وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ فِيهِ .
( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ إقْرَارِهِ ) يَعْنِي لِلْمَرْأَةِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ وَيُعْتَبَرُ إقْرَارُهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ

( وَ ) تَبْطُلُ ( وَصِيَّتُهُ وَهِبَتُهُ وَإِقْرَارُهُ لِابْنِهِ كَافِرًا أَوْ عَبْدًا أَوْ مُكَاتَبًا إنْ أَسْلَمَ أَوْ أُعْتِقَ بَعْدَ ذَلِكَ ) أَيْ بَعْدَ الْوَصِيَّةِ ، وَالْهِبَةِ وَغَيْرِهِمَا أَمَّا الْوَصِيَّةُ ، وَالْهِبَةُ فَلِمَا مَرَّ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِيهِمَا حَالُ الْمَوْتِ ، وَأَمَّا الْإِقْرَارُ فَإِنَّهُ ، وَإِنْ كَانَ مُلْزِمًا بِنَفْسِهِ لَكِنَّ سَبَبَ الْإِرْثِ وَهُوَ الْبُنُوَّةُ قَائِمٌ وَقْتَ الْإِقْرَارِ فَيُورِثُ تُهْمَةَ الْإِيثَارِ فَصَارَ بِاعْتِبَارِ التُّهْمَةِ مُلْحَقًا بِالْوَصَايَا .

( الْمُقْعَدُ ) وَهُوَ الْعَاجِزُ عَنْ الْمَشْيِ لِدَاءٍ فِي رِجْلَيْهِ ( وَالْمَفْلُوجِ ) الْفَالِجُ دَاءٌ يَعْرِضُ لِنِصْفِ الْبَدَنِ فَيَمْنَعُهُ عَنْ الْحِسِّ ، وَالْحَرَكَةِ الْإِرَادِيَّةِ ( ، وَالْأَشَلِّ ) وَهُوَ الَّذِي فِي يَدِهِ ارْتِعَاشٌ وَحَرَكَةٌ ( ، وَالْمَسْلُولُ ) وَهُوَ الَّذِي يَكُونُ لَهُ عِلَّةُ السُّلِّ وَهُوَ قُرْحٌ يَكُونُ فِي الرِّئَةِ ( إنْ طَالَ مُدَّتُهُ سَنَةً كَالصَّحِيحِ وَإِلَّا فَكَالْمَرِيضِ ) يَعْنِي أَنَّ هَذِهِ أَمْرَاضٌ مُزْمِنَةٌ فَمَنْ عَرَضَ لَهُ وَاحِدٌ مِنْهَا وَتَصَرَّفَ بِشَيْءٍ مِنْ التَّبَرُّعَاتِ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ تَمَامِ سَنَةٍ مُشْتَمِلَةٍ عَلَى الْفُصُولِ الْأَرْبَعَةِ كَانَ الْمَرَضُ مَرَضَ الْمَوْتِ فَتُعْتَبَرُ تَصَرُّفَاتُهُ مِنْ الثُّلُثِ ، وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ تَمَامِهَا لَمْ يَكُنْ مَرَضَ الْمَوْتِ لِأَنَّهُ إذَا أَسْلَمَ فِي الْفُصُولِ الَّتِي كُلٌّ مِنْهَا مَظِنَّةُ الْهَلَاكِ صَارَ الْمَرَضُ بِمَنْزِلَةِ طَبْعٍ مِنْ طَبَائِعِهِ وَخَرَجَ صَاحِبُهُ مِنْ أَحْكَامِ الْمَرِيضِ حَتَّى لَا يَشْتَغِلَ بِالتَّدَاوِي .
( قَوْلُهُ : إنْ طَالَ مُدَّتُهُ سَنَةً كَالصَّحِيحِ وَإِلَّا فَكَالْمَرِيضِ ) كَذَا فَسَّرَ الطُّولَ بِسَنَةٍ فِي الْخَانِيَّةِ وَقُيِّدَ هَذَا فِي الْخُلَاصَةِ بِمَا إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ حَالُهُ فَقَالَ إذَا طَالَ بِهِ الْمَرَضُ وَلَا يُخَافُ عَلَيْهِ الْمَوْتُ كَالْفَالِجِ ، وَالشَّلَلِ إذَا كَانَ زَمِنًا أَوْ مُقْعَدًا أَوْ يَابِسَ الشِّقِّ فَهَذَا لَا يَكُونُ حُكْمُ الْمَرِيضِ إلَّا إذَا تَغَيَّرَ حَالُهُ مِنْ ذَلِكَ وَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ التَّغَيُّرِ فَمَا فَعَلَ فِي حَالَةِ التَّغَيُّرِ يُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ ا هـ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( اجْتَمَعَ الْوَصَايَا ) وَكَانَ بَعْضُهَا فَرْضًا وَبَعْضُهَا نَفْلًا ( وَضَاقَ الثُّلُثُ فَفِي الْفَرْضِ ، وَالنَّفَلِ قُدِّمَ الْفَرْضُ ) سَوَاءٌ قَدَّمَهُ الْمُوصِي أَوْ أَخَّرَهُ كَالْحَجِّ ، وَالزَّكَاةِ ، وَالْكَفَّارَاتِ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ يُقَدَّمَ الْأَهَمُّ ( وَإِنْ تَسَاوَتْ ) فِي الْقُوَّةِ ( قَدَّمَ مَا قَدَّمَ ) أَيْ الْمُوصَى فِي الذِّكْرِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْإِنْسَانِ أَنْ يَبْدَأَ بِمَا هُوَ الْأَهَمُّ عِنْدَهُ ، وَالثَّابِتُ بِالظَّاهِرِ كَالثَّابِتِ بِالنَّصِّ وَلَوْ نَصَّ عَلَى تَقْدِيمِ مَا بَدَأَ بِهِ لَزِمَنَا تَقْدِيمُهُ كَذَا هُنَا أَوْصَى بِحَجٍّ حُجَّ عَنْهُ رَاكِبًا مِنْ بَلْدَةٍ إنْ كَفَى نَفَقَتَهُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الْحَجُّ مِنْ بَلَدِهِ وَلَهَا يَعْتَبِرُ فِيهِ مِنْ الْمَالِ مَا يَكْفِيهِ مِنْ بَلَدِهِ ، وَالْوَصِيَّةِ لِأَدَاءِ مَا كَانَ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَيَحُجُّ رَاكِبًا إذْ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا فَانْصَرَفَ إلَيْهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي وَجَبَ عَلَيْهِ ( وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ تَكْفِ ( فَمِنْ حَيْثُ تَكْفِي ) ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَحُجَّ عَنْهُ لِأَنَّهُ أَوْصَى بِالْحَجِّ بِصِفَةٍ وَقَدْ عُدِمَتْ ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّا نَعْلَمُ أَنَّ غَرَضَهُ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ فَتَنْفُذُ مَا أَمْكَنَ .

( مَاتَ حَاجٌّ فِي طَرِيقِهِ وَأَوْصَى بِهِ ) أَيْ بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ ( يَحُجُّ كَذَلِكَ ) أَيْ مِنْ بَلَدِهِ إنْ كُفِيَ نَفَقَتَهُ وَإِلَّا فَمِنْ حَيْثُ تَكْفِي ، وَقَالَا ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ يَحُجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ تَبْلُغُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا مَاتَ الْحَاجُّ عَنْ غَيْرِهِ فِي الطَّرِيقِ ، وَأَمَّا مَنْ لَا وَطَنَ لَهُ فَيَحُجُّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ مَاتَ بِالْإِجْمَاعِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ .

( أَوْصَى بِأَنْ يَحُجَّ عَنْهُ بِهَذِهِ الْمِائَةِ فَهَلَكَ مِنْهَا دِرْهَمٌ يَحُجُّ عَنْهُ بِمَا بَقِيَ مِنْ حَيْثُ تَبْلُغُ ) اسْتِحْسَانًا ( وَإِنْ لَمْ يُهْلِكْ شَيْءٌ حَجَّ بِهَا فَإِنْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ رُدَّ عَلَى الْوَارِثِ ) لِأَنَّ التَّرِكَةَ حَقُّ الْوَرَثَةِ إلَّا مَا اُشْتُغِلَ بِحَقِّ الْوَصِيَّةِ ( بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ بِإِعْتَاقِ عَبْدٍ عَنْهُ ) أَيْ بِهَذِهِ الْمِائَةِ فَهَلَكَ مِنْهَا دِرْهَمٌ ( حَيْثُ لَمْ يُعْتَقْ بِالْبَاقِي ) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إذَا وَجَبَتْ لِمُسْتَحِقٍّ لَمْ يَصِحَّ تَنْفِيذُهَا لِغَيْرِهِ وَهَاهُنَا أَوْصَى بِالْعِتْقِ لِعَبْدٍ يَشْتَرِي بِمَا سُمِّيَ فَلَمْ يَصِحَّ تَنْفِيذُهَا فِي عَبْدٍ يَشْتَرِي بِأَقَلَّ مِنْهُ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْأَوَّلِ فَكَانَ فِيهِ تَنْفِيذُ الْوَصِيَّةِ لِغَيْرِ الْمُوصَى لَهُ ، وَذَا لَا يَجُوزُ .

( أَوْصَى بِأَنْ يُشْتَرَى بِكُلِّ مَالِهِ عَبْدٌ فَيُعْتَقُ عَنْهُ وَلَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ ) بَطَلَتْ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْعَبْدَ الْمُشْتَرَى بِالْكُلِّ مُغَايِرٌ لِمَا يُشْتَرَى بِالثُّلُثِ .

( كَذَا إذَا أَوْصَى بِأَنْ يُشْتَرَى لَهُ عَبْدٌ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ فَزَادَ الْأَلْفُ عَلَى الثُّلُثِ لَمْ تَجُزْ ) لِلتَّغَايُرِ بَيْنَهُمَا أَيْضًا

( بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ ) ( أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِهِ وَلِآخَرَ بِثُلُثِهِ فَإِنْ أَجَازَ الْوَرَثَةُ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ وَلَهُمْ الثُّلُثُ ، وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوا ) أَيْ الْوَرَثَةُ ( فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا ) نِصْفَيْنِ لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ فَيَسْتَوِيَانِ فِي الِاسْتِحْقَاقِ ، وَالثُّلُثُ يَضِيقُ عَنْ حَقِّهِمَا فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا .
بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالثُّلُثِ

( وَلَوْ ) أَوْصَى ( لَهُ بِثُلُثِهِ وَلِآخَرَ بِكُلِّهِ وَلَمْ يُجِيزُوا فَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) أَيْ الثُّلُثُ يُنَصَّفُ بَيْنَهُمَا ( وَعِنْدَهُمَا يُرَبَّعُ ) أَيْ يُجْعَلُ أَرْبَعَةَ أَسْهُمٍ ثَلَاثَةٌ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْكُلِّ وَوَاحِدٌ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ لِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ إنَّمَا يَبْطُلُ بِمَعْنَى أَنَّ الْمُوصَى لَهُ لَا يَسْتَحِقُّهُ حَقًّا عَلَى الْوَارِثِ لَكِنْ يُعْتَبَرُ فِي أَنَّ الْمُوصَى لَهُ يَأْخُذُ مِنْ الثُّلُثِ بِحِصَّتِهِ ذَلِكَ الزَّائِدَ إذْ لَا مُوجِبَ لِإِبْطَالِ هَذَا الْمَعْنَى فَمَخْرَجُ الثُّلُثِ ثَلَاثَةٌ فَالثُّلُثُ وَاحِدٌ ، وَالْكُلُّ ثَلَاثَةٌ فَصَارَتْ أَرْبَعَةً فَيُقْسَمُ الثُّلُثُ بِهَذِهِ السِّهَامِ .

( قَوْلُهُ : وَلَوْ أَوْصَى لَهُ بِثُلُثِهِ وَلِآخَرَ بِكُلِّهِ وَلَمْ يُجِيزُوا فَكَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْ الثُّلُثُ يُنَصَّفُ بَيْنَهُمَا ) وَيَكُونُ تَصْحِيحُهَا مِنْ سِتَّةٍ لِأَنَّ أَصْلَهَا ثَلَاثَةٌ وَاحِدٌ لِلْمُوصَى لَهُمَا لَا يَسْتَقِيمُ عَلَيْهِمَا فَيُضْرَبُ اثْنَانِ فِي أَصْلِهَا تَبْلُغُ سِتَّةً ثُلُثُهَا اثْنَانِ بَيْنَهُمَا ، وَالْبَاقِي لِلْوَارِثِ قَوْلُهُ : فَمَخْرَجُ الثُّلُثِ ثَلَاثَةٌ
إلَخْ ) فِي مَعْرِفَةِ الطَّرِيقِ خَفَاءٌ ، وَالطَّرِيقَةُ فِي هَذَا أَنَّهُ لَمَّا اجْتَمَعَ هَهُنَا وَصِيَّتَانِ وَصِيَّةٌ بِالثُّلُثِ ، وَوَصِيَّةٌ بِالْكُلِّ كَانَ أَصْلُ الْمَسْأَلَةِ مِنْ ثَلَاثَةٍ لِحَاجَتِنَا إلَى الثُّلُثِ فَيُؤْخَذُ ثُلُثُهَا لِلْوَصِيَّةِ فَجَعَلْنَاهُ أَثْلَاثًا ، وَالْمُوصَى لَهُ بِالْكُلِّ يَدَّعِي الْكُلَّ وَهُوَ الثَّلَاثَةُ ، وَالْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ يَدَّعِي ثُلُثَهُ وَهُوَ سَهْمٌ فَتَعُولُ إلَى أَرْبَعَةِ أَسْهُمٍ سَهْمٌ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ وَثَلَاثَةُ أَسْهُمٍ لِصَاحِبِ الْجَمِيعِ وَهَذِهِ مَسْأَلَةُ الرَّدِّ ، وَالْحُكْمُ كَذَلِكَ عِنْدَهُمَا فِي الْإِجَازَةِ أَنَّهُ يَقْسِمُ الْمَالَ أَرْبَاعًا عِنْدَهُمَا وَطَرِيقُهُ أَنْ تَقُولَ الْإِجَازَةُ فِي قَدْرِ الثُّلُثِ سَاقِطَةُ الْعِبْرَةِ فَيُقْسَمُ الثُّلُثُ أَوَّلًا بَيْنَهُمَا بِأَنْ تُجْعَلَ الْمَسْأَلَةُ مِنْ ثَلَاثَةٍ ، وَالْوَاحِدُ عَلَيْهِمَا لَا يَسْتَقِيمُ فَيُضْرَبُ مَخْرَجُ النِّصْفِ فِي الثَّلَاثَةِ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ تَبْلُغْ سِتَّةً فَثُلُثُهَا بَيْنَهُمَا وَبَقِيَ أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ فَصَاحِبُ الْجَمِيعِ يَدَّعِيهَا وَصَاحِبُ الثُّلُثِ يَدَّعِي سَهْمًا وَاحِدًا لِيَتِمَّ لَهُ ثُلُثُ جَمِيعِ الْمَالِ فَيُسَلِّمُ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْكُلِّ ثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ وَيَسْتَوِي مُنَازَعَتُهُمَا فِي السَّهْمِ الْبَاقِي فَيُنَصَّفُ وَلَا يَسْتَقِيمُ الْوَاحِدُ عَلَى مَخْرَجِ النِّصْفِ فَضَرَبْنَا مَخْرَجَ النِّصْفِ فِي سِتَّةٍ فَحَصَلَ اثْنَا عَشَرَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْكُلِّ أَرْبَعَةٌ وَنِصْفٌ فَضَعَّفْنَاهُ فَصَارَ تِسْعَةً وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الْمَالِ وَكَانَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ سَهْمٌ وَنِصْفٌ فَضَعَّفْنَاهُ فَصَارَ ثَلَاثَةً

وَهِيَ رُبْعُ جَمِيعِ الْمَالِ انْتَهَى الْحُكْمُ عِنْدَهُمَا .
وَأَمَّا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَفِي إجَازَةِ الْوَصِيَّةِ بِالْكُلِّ ، وَالثُّلُثِ يُقَسَّمُ الْمَالُ أَسْدَاسًا يُفْرَضُ الْمَالُ سِتَّةً وَلَا نِزَاعَ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ فِي أَرْبَعَةٍ وَاسْتَوَتْ مُنَازَعَتُهُمَا فِي سَهْمَيْنِ فَيُنَصَّفَانِ فَصَارَ لِصَاحِبِ الْكُلِّ خَمْسَةٌ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ سَهْمٌ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ قُلْت فَاسْتَوَى لِصَاحِبِ الثُّلُثِ نَصِيبُهُ فِي حَالَتَيْ الرَّدِّ ، وَالْإِجَازَةِ ا هـ .
وَنَقَلَ مِثْلَ هَذَا الشَّيْخُ إمَامُ الْفَرْضَيْنِ عَبْدُ اللَّهِ الشِّنْشَوْرِيُّ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي شَرْحِهِ لِلتَّرْتِيبِ عَنْ الْحَنَفِيَّةِ ثُمَّ قَالَ عَنْ مُصَنِّفِ التَّرْتِيبِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ : وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى فَسَادِ هَذَا الْقَوْلِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَوِيَ نَصِيبُ مُوصَى لَهُ فِي حَالَتَيْ الْإِجَازَةِ ، وَالرَّدِّ .
ا هـ .

( وَلَوْ لَهُ بِثُلُثِهِ وَلِآخَرَ بِنِصْفِهِ وَلَمْ يُجِيزُوا فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ سَهْمَانِ لِصَاحِبِ الثُّلُثِ ) لِأَنَّهُ يَجْعَلُ كُلَّ سُدُسٍ سَهْمًا ( وَثَلَاثَةَ أَسْهُمٍ لِصَاحِبِ النِّصْفِ ) لِأَنَّهُ الْحَاصِلُ بِالضَّرْبِ وَلَوْ لَهُ بِالسُّدُسِ وَلِآخَرَ بِالثُّلُثِ فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا عِنْدَهُمْ بِلَا خِلَافٍ ثُمَّ هَذَا الْخِلَافُ مَبْنِيٌّ عَلَى خِلَافٍ مُقَرَّرٍ بَيْنَهُمْ ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ .
( قَوْلُهُ : وَلَوْ لَهُ بِثُلُثِهِ وَلِآخَرَ بِنِصْفِهِ وَلَمْ يُجِيزُوا فَالثُّلُثُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ عِنْدَهُ ) وَتَصِحُّ الْمَسْأَلَةُ مِنْ سِتَّةٍ لِاجْتِمَاعِ النِّصْفِ ، وَالثُّلُثِ وَتَبَايُنِهِمَا فَيُؤْخَذُ ثُلُثُهَا اثْنَانِ لِكُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدٌ ( قَوْلُهُ : وَعِنْدَهُمَا عَلَى خَمْسَةِ أَسْهُمٍ وَتَصِحُّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ ) لِأَنَّ مَخْرَجَ الثُّلُثِ ، وَالنِّصْفِ سِتَّةٌ وَمَجْمُوعُهُمَا مِنْهَا خَمْسَةٌ وَثُلُثُ الْمَالِ وَاحِدٌ لَا يَنْقَسِمُ عَلَى الْخَمْسَةِ فَتُضْرَبُ ثَلَاثَةٌ فِي سِهَامِ الْوَصِيَّةِ تَبْلُغْ خَمْسَةَ عَشَرَ فَثُلُثُهَا خَمْسَةٌ ثَلَاثَةٌ مِنْهَا لِصَاحِبِ النِّصْفِ ، وَاثْنَانِ مِنْهَا لِصَاحِبِ الثُّلُثِ ، وَالْعَشَرَةُ لِلْوَرَثَةِ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ يُجْعَلُ كُلُّ سُدُسٍ سَهْمًا ) يَعْنِي كُلُّ سُدُسٍ مِنْ أَصْلِ الْمَسْأَلَةِ سَهْمًا مِنْ تَصْحِيحِهَا بَيَانُ هَذَا أَنَّهُ لَمَّا اجْتَمَعَ النِّصْفُ ، وَالثُّلُثُ وَخَصَّ صَاحِبَ الثُّلُثِ مِنْ الْحَاصِلِ اثْنَانِ وَهُمَا سُدُسَانِ بِنِسْبَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى مُحَصَّلِ مَخْرَجِ النِّصْفِ ، وَالثُّلُثِ أُعْطِيَ سَهْمَيْنِ مِنْ الْخَمْسَةِ الَّتِي هِيَ ثُلُثُ جَمِيعِ الْمَالِ كَمَا بَيَّنَّاهُ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ الْحَاصِلُ بِالضَّرْبِ ) أَيْ ضَرْبِ سِهَامِ الْوَصِيَّةِ وَهِيَ خَمْسَةٌ مِنْ مُحَصَّلِ ضَرْبِ مَخْرَجِ الثُّلُثِ ، وَالنِّصْفِ فِي مَخْرَجِ الثُّلُثِ كَمَا بَيَّنَّاهُ فَفِي عِبَارَتِهِ تَفَنُّنٌ لِأَنَّ الْحَاصِلَ بِالضَّرْبِ هُوَ مَعْنَى جَعْلِ كُلِّ سُدُسٍ سَهْمًا كَمَا بَيَّنَّاهُ

( وَلَا يَضْرِبُ أَبُو حَنِيفَةَ لِلْمُوصَى لَهُ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَيْ لَا يَجْعَلُ مَنْ ضَرَبَ مِنْ مَالِهِ سَهْمًا أَيْ جَعَلَ وَمَفْعُولُ لَا يَضْرِبُ مَحْذُوفٌ أَيْ لَا يَضْرِبُ شَيْئًا .
وَقَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ الْمُرَادُ بِالضَّرْبِ الضَّرْبُ الْمُصْطَلَحُ بَيْنَ الْحِسَابِ فَإِذَا أَوْصَى بِالثُّلُثِ ، وَالْكُلُّ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ سِهَامُ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ لِكُلِّ وَاحِدٍ نِصْفٌ يُضْرَبُ النِّصْفُ فِي ثُلُثِ الْمَالِ فَالنِّصْفُ فِي الثُّلُثِ يَكُونُ نِصْفَ الثُّلُثِ وَهُوَ السُّدُسُ فَلِكُلِّ سُدُسِ الْمَالِ وَعِنْدَهُمَا سِهَامُ الْوَصِيَّةِ أَرْبَعَةٌ ، وَالْوَاحِدُ مِنْ الْأَرْبَعَةِ رُبُعٌ فَيُضْرَبُ الرُّبُعُ فِي ثُلُثٍ يَكُونُ رُبُعَ الثُّلُثِ ثُمَّ لِصَاحِبِ الْكُلِّ ثَلَاثَةٌ مِنْ الْأَرْبَعَةِ وَهِيَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الثُّلُثِ فَيُضْرَبُ ثَلَاثَةُ الْأَرْبَاعِ فِي الثُّلُثِ يَعْنِي ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الثُّلُثِ وَلِصَاحِبِ الثُّلُثِ وَاحِدَةٌ مِنْ الْأَرْبَعَةِ فَيَضْرِبُ الْوَاحِدَةَ فِي الثُّلُثِ وَهُوَ الرُّبُعُ يَعْنِي رُبُعَ الثُّلُثِ .
( قَوْلُهُ : قَالَ فِي الْعِنَايَةِ أَيْ لَا يُجْعَلُ مَنْ ضَرَبَ مِنْ مَالِهِ سَهْمًا ) أَيْ جَعَلَ فِي التَّرْكِيبِ تَأَمَّلْ هَذَا ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ تَفْسِيرُ " ضَرَبَ فِي هَذَا الْمَحَلِّ يُشَارِكُ أَوْلَى مِنْ تَفْسِيرِهِ يُجْعَلُ أَخْذًا مِنْ الْمُضَارَبَةِ الَّتِي هِيَ الْمُشَارَكَةُ فِي الرِّبْحِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ التَّفْسِيرُ بِجَعْلٍ فِي تَمَامِ الْكَلَامِ مِنْ عِبَارَاتِ الْمَشَايِخِ ، وَيُقَالُ ضَرَبَ فِي الْجَزُورِ إذَا أَشْرَكَ فِيهَا وَفُلَانٌ يَضْرِبُ فِيهِ بِالثُّلُثِ أَيْ يَأْخُذُ مِنْهُ شَيْئًا بِحُكْمِ مَالِهِ مِنْ الثُّلُثِ ا هـ .
وَعَدَلَ عَنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ فِي الْبُرْهَانِ حَيْثُ قَالَ الْمُوصَى لَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَا يُفَضَّلُ عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ عِنْدَنَا أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إلَّا فِي الْمُحَابَاةِ ، وَالسِّعَايَةِ ، وَالدَّرَاهِمِ الْمُرْسَلَةِ وَفَضَّلَاهُ أَيْ فَضَّلَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ الْمُوصَى لَهُ بِالْأَكْثَرِ مُطْلَقًا .
ا هـ .

( إلَّا فِي الْمُحَابَاةِ ) صُورَتُهَا عَبْدَانِ لِرَجُلٍ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا أَلْفٌ وَمِائَةٌ وَقِيمَةُ الْآخَرِ سِتُّمِائَةٍ وَأَوْصَى بِأَنْ يُبَاعَ أَحَدُهُمَا لِفُلَانٍ بِمِائَةٍ ، وَالْآخَرُ لِفُلَانٍ بِمِائَةٍ فَإِنَّ الْمُحَابَاةَ حَصَلَتْ لِأَحَدِهِمَا بِأَلْفٍ وَلِلْآخَرِ بِخَمْسِمِائَةٍ ، وَالْكُلُّ وَصِيَّةٌ لِكَوْنِهِ فِي حَالِ الْمَرَضِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهُمَا وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ جَازَتْ الْمُحَابَاةُ بِقَدْرِ الثُّلُثِ فَيَكُونُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا يَضْرِبُ الْمُوصَى لَهُ بِالْأَلْفِ بِحَسَبِ وَصِيَّتِهِ وَهِيَ الْأَلْفُ ، وَالْمُوصَى لَهُ الْآخَرُ بِحَسَبِ وَصِيَّتِهِ وَهِيَ خَمْسُمِائَةٍ فَلَوْ كَانَ هَذَا كَسَائِرِ الْوَصَايَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَجَبَ أَنْ لَا يَضْرِبَ الْمُوصَى لَهُ بِأَلْفٍ بِأَكْثَرَ مِنْ خَمْسِمِائَةٍ .

( وَالسِّعَايَةُ ) صُورَتُهَا أَنْ يُوصَى بِعِتْقِ عَبْدَيْنِ قِيمَةُ أَحَدِهِمَا أَلْفٌ وَقِيمَةُ الْآخَرِ أَلْفَانِ وَلَا مَالَ لَهُ غَيْرُهُمَا إنْ أَجَازَهَا الْوَرَثَةُ عَتَقَا جَمِيعًا ، وَإِنْ لَمْ يُجِيزُوا عَتَقَا مِنْ الثُّلُثِ وَثُلُثُ مَالِهِ أَلْفٌ فَالْأَلْفُ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ وَصِيَّتِهِمَا ثُلُثَا الْأَلْفِ لِلَّذِي قِيمَتُهُ أَلْفَانِ وَيَسْعَى فِي الْبَاقِي ، وَالثُّلُثُ لِلَّذِي قِيمَتُهُ أَلْفٌ وَيَسْعَى فِي الْبَاقِي .

( وَالدَّرَاهِمُ الْمُرْسَلَةُ ) أَيْ الْمُطْلَقَةُ عَنْ كَوْنِهَا ثُلُثًا أَوْ نِصْفًا أَوْ نَحْوَهُمَا صُورَتُهَا أَنْ يُوصِيَ لِرَجُلٍ بِأَلْفَيْنِ وَلِآخَرَ بِأَلْفٍ وَثُلُثِ مَالِهِ أَلْفٌ وَلَمْ يُجِزْ الْوَرَثَةُ فَإِنَّهُ يَكُونُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَضْرِبُ بِجَمِيعِ وَصِيَّتِهِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ فِي مَخْرَجِهَا صَحِيحَةٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ آخَرُ يَخْرُجُ هَذَا الْقَدْرُ مِنْ الثُّلُثِ ، وَوَجْهُ فَرْقِ الْإِمَامِ بَيْنَ هَذِهِ الصُّوَرِ الثَّلَاثِ وَبَيْنَ غَيْرِهَا أَنَّ الْوَصِيَّةَ إذَا كَانَتْ مَقْدِرَةً بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ صَرِيحًا كَالنِّصْفِ ، وَالثُّلُثَيْنِ وَنَحْوِهِمَا ، وَالشَّرْعُ أَبْطَلَ الْوَصِيَّةَ فِي الزَّائِدِ يَكُونُ ذِكْرُهُ لَغْوًا فَلَا يُعْتَبَرُ فِي حَقِّ الضَّرْبِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ تَكُنْ مُقَدَّرَةً حَيْثُ لَا يَكُونُ فِي الْعِبَارَةِ مَا يَكُونُ مُبْطِلًا لِلْوَصِيَّةِ كَمَا إذَا أَوْصَى بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا وَاتَّفَقَ أَنَّ مَالَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ غَيْرُ بَاطِلَةٍ بِالْكُلِّيَّةِ لِإِمْكَانِ أَنْ يَظْهَرَ لَهُ مَالٌ فَوْقَ الْمِائَةِ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ بَاطِلَةً بِالْكُلِّيَّةِ تَكُونُ مُعْتَبَرَةً فِي حَقِّ الضَّرْبِ .

( وَلَوْ ) أَوْصَى ( بِنَصِيبِ ابْنِهِ بَطَلَ ) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ بِمَا هُوَ حَقُّ الِابْنِ لَا تَصْلُحُ لِغَيْرِهِ .

( وَلَوْ ) أَوْصَى ( بِمِثْلِهِ ) أَيْ بِمِثْلِ نَصِيبِ الِابْنِ ( لَا ) أَيْ لَا تَبْطُلُ إذْ لَا مَانِعَ مِنْهُ .

( وَ ) لَوْ أَوْصَى ( بِسَهْمٍ أَوْ جُزْءٍ ) أَيْ لَوْ قَالَ : أَوْصَيْت بِسَهْمٍ مِنْ مَالِي أَوْ جُزْءٍ مِنْهُ ( لَهُ بَيْنَ وَارِثِهِ ) أَيْ يُقَالُ لِلْوَارِثِ أَعْطِ مَا شِئْت لِأَنَّهُ مَجْهُولٌ ، وَالْجَهَالَةُ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْوَصِيَّةِ فَالْبَيَانُ إلَى الْوَارِثِ هَذَا مَا اخْتَارَهُ الْمَشَايِخُ بِنَاءً عَلَى الْعُرْفِ أَنَّ السَّهْمَ كَالْجُزْءِ وَأَمَّا أَصْلُ الرِّوَايَةِ فَبِخِلَافِهِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْوِقَايَةِ .

( وَ ) لَوْ أَوْصَى ( بِسُدُسٍ مَالِهِ ثُمَّ بِثُلُثِهِ وَأُجِيزَ لَهُ ثُلُثُهُ ) أَيْ يَكُونُ السُّدُسُ دَاخِلًا فِي الثُّلُثِ قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ : فَإِنْ قُلْت قَوْلُهُ ثُلُثُ مَالِي لَهُ إنْ كَانَ إخْبَارًا فَكَاذِبٌ ، وَإِنْ كَانَ إنْشَاءً يَجِبُ أَنْ يَكُونَ لَهُ النِّصْفُ عِنْدَ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ ، وَإِنْ كَانَ فِي السُّدُسِ إخْبَارًا ، وَفِي الثُّلُثِ إنْشَاءً فَهَذَا مُمْتَنِعٌ أَيْضًا أَوْرَدَ هَذَا السُّؤَالَ وَلَمْ يَجِبْ عَنْهُ أَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ نَخْتَارُ أَنَّهُ إنْشَاءٌ وَإِنَّمَا يَجِبُ لَهُ النِّصْفُ عِنْدَ الْإِجَازَةِ لَوْ كَانَ النِّصْفُ مَدْلُولَ اللَّفْظِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّ السُّدُسَ ، وَالثُّلُثَ فِي كَلَامِهِ شَائِعٌ وَضَمُّ الشَّائِعِ إلَى الشَّائِعِ لَا يُفِيدُ ازْدِيَادًا فِي الْمِقْدَارِ بَلْ يَتَعَيَّنُ الْأَكْثَرُ مُقَدَّمًا كَانَ أَوْ مُؤَخَّرًا وَلِهَذَا قَالَ الْجُمْهُورُ فِي تَعْلِيلِهِ لِأَنَّ الثُّلُثَ مُتَضَمِّنٌ لِلسُّدُسِ فَإِنَّ التَّضَمُّنَ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا فِي الشَّائِعِ وَضَمُّ السُّدُسِ الشَّائِعِ إلَى الثُّلُثِ الشَّائِعِ لَا يُفِيدُ زِيَادَةً فِي الْعَدَدِ فَلَا يَتَنَاوَلُ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَفَائِدَةُ الْإِجَازَةِ إنَّمَا تَظْهَرُ فِيمَا يَكُونُ مُتَنَاوَلَ اللَّفْظِ وَإِلَّا لَكَانَ بِرًّا مُسْتَأْنَفًا لَا إجَازَةً وَيَقْرَبُ مِنْ هَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْمَعْقُولِ إنَّ ضَمَّ الْكُلِّيِّ إلَى الْكُلِّيِّ لَا يُفِيدُ الْجُزْئِيَّةَ .

قَوْلُهُ : فَهَذَا مُمْتَنِعٌ أَيْضًا ) أَيْ كَمَا أَنَّهُ امْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ لَهُ النِّصْفُ عِنْدَ إجَازَةِ الْوَرَثَةِ كَذَلِكَ هُنَا ( قَوْلُهُ : وَضَمُّ الشَّائِعِ إلَى الشَّائِعِ لَا يُفِيدُ ازْدِيَادًا فِي الْمِقْدَارِ ) لِقَائِلٍ أَنْ لَا يُسَلِّمَ ذَلِكَ إذْ الزِّيَادَةُ فِيمَا ذُكِرَ ظَاهِرَةٌ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ الثُّلُثُ مُتَضَمِّنًا لِلسُّدُسِ فَلَا يُمْنَعُ ضَمُّهُ إلَيْهِ فَتَحْصُلُ الزِّيَادَةُ وَلَا يُمْنَعُ الْمَنْعُ قَوْلُ الْعِنَايَةِ جَوَابًا عَمَّا أُورِدَ مِنْ أَنَّهُ إذَا أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ كَانَ الْوَاجِبُ أَنْ يَكُونَ لَهُ نِصْفُ الْمَالِ وَإِلَّا لَمْ يَبْقَ ، لِقَوْلِهِ : وَإِجَازَةُ الْوَرَثَةِ فَائِدَةٌ فَالْجَوَابُ أَنَّ مَعْنَاهُ حَقُّهُ الثُّلُثُ وَإِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ لِأَنَّ السُّدُسَ يَدْخُلُ فِي الثُّلُثِ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالثَّانِيَةِ زِيَادَةَ السُّدُسِ عَلَى الْأُولَى حَتَّى يَتِمَّ لَهُ الثُّلُثُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهَا إيجَابَ ثُلُثٍ عَلَى السُّدُسِ فَيُجْعَلُ السُّدُسُ دَاخِلًا فِي الثُّلُثِ لِأَنَّهُ مُتَيَقَّنٌ وَحَمْلًا لِكَلَامِهِ عَلَى مَا يَمْلِكُهُ وَهُوَ الْإِيصَاءُ بِالثُّلُثِ ا هـ .
وَوَجْهُ الْمَنْعِ أَنَّ صَاحِبَ الْحَقِّ وَهُوَ الْوَارِثُ رَضِيَ بِمَا يَحْتَمِلُهُ كَلَامُ الْمُوصِي فَاتَّجَهَ أَنْ يُقَالَ بِاجْتِمَاعِ الثُّلُثِ مَعَ السُّدُسِ وَامْتِنَاعِ مَا كَانَ غَيْرَ مُتَيَقَّنٍ لَحِقَ الْوَارِثِ فَبَعْدَ أَنْ رَضِيَ كَيْفَ يَتَكَلَّفُ لِلْمَنْعِ ا هـ .
ثُمَّ رَأَيْت لِقَاضِي زَادَهْ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَحْثًا فِي جَوَابِ صَاحِبِ الْعِنَايَةِ وَنَصُّهُ : أَقُولُ فِي قَوْلِهِ وَحَمْلًا لِكَلَامِهِ عَلَى مَا يَمْلِكُهُ وَهُوَ الْإِيصَاءُ بِالثُّلُثِ بَحْثٌ لِأَنَّ مَا يَمْلِكُهُ إنَّمَا هُوَ الْإِيصَاءُ بِالثُّلُثِ إذَا لَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ ، وَأَمَّا إذَا أَجَازَتْ كَمَا هُوَ الْمَفْرُوضُ هَهُنَا فَيَمْلِكُ الْإِيصَاءَ بِمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ أَيْضًا وَيَتَمَلَّكُهُ الْمَجَازُ لَهُ مِنْ قِبَلِ الْمُوصِي عِنْدَنَا كَمَا مَرَّ فِي أَوَائِلِ هَذَا الْكِتَابِ فَلَا تَتِمُّ هَذِهِ الْعِلَّةُ فَتَدَبَّرْ

( وَفِي سُدُسِ مَالِي مُكَرَّرًا لَهُ سُدُسُهُ ) يَعْنِي إذَا قَالَ : سُدُسُ مَالِي لَهُ ثُمَّ قَالَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسُ أَوْ مَجْلِسٍ آخَرَ سُدُسُ مَالِي لَهُ كَانَ لَهُ سُدُسٌ وَاحِدٌ لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ أُعِيدَتْ مَعْرِفَةً .

( وَبِثُلُثِ دَرَاهِمِهِ أَوْ غَنَمِهِ وَهَلَكَ ثُلُثَاهُ لَهُ مَا بَقِيَ ) يَعْنِي إذَا أَوْصَى بِثُلُثِ دَرَاهِمِهِ أَوْ ثُلُثِ غَنَمِهِ فَهَلَكَ ثُلُثَا كُلٍّ مِنْهُمَا وَبَقِيَ ثُلُثُهُ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ ثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ فَلِلْمُوصَى لَهُ جَمِيعُ مَا بَقِيَ .
وَقَالَ زُفَرُ : لَهُ ثُلُثُ مَا بَقِيَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْوَرَثَةِ ، وَالْمُوصَى لَهُ ، وَالْمَالُ الْمُشْتَرَكُ يُتْوَى مَا تَوَى مِنْهُ عَلَى الشَّرِكَةِ وَيَبْقَى مَا بَقِيَ مِنْهُ عَلَيْهَا ، وَصَارَ كَمَا إذَا كَانَتْ التَّرِكَةُ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً وَلَنَا أَنَّهُ فِي الْجِنْسِ الْوَاحِدِ يُمْكِنُ جَمْعُ حَقِّ أَحَدِهِمْ فِي الْوَاحِدِ وَلِهَذَا يَجْرِي فِيهِ الْجَبْرُ عَلَى الْقِسْمَةِ وَإِذَا أَمْكَنَ الْجَمْعُ جُمِعَ حَقُّ الْمُوصَى لَهُ فِيمَا بَقِيَ تَقْدِيمًا لِلْوَصِيَّةِ عَلَى الْإِرْثِ لِأَنَّ الْمُوصِي جَعَلَ حَاجَتَهُ فِي هَذَا الْمَعِينِ مُقَدَّمَةً عَلَى حَقِّ وَرَثَتِهِ بِقَدْرِ الْمُوصَى بِهِ فَكَانَ حَقُّ الْوَرَثَةِ كَالتَّبَعِ وَحَقُّ الْمُوصَى لَهُ كَالْأَصْلِ ، وَالْأَصْلُ فِي مَالٍ اشْتَمَلَ عَلَى أَصْلٍ وَتَبَعٍ إذَا هَلَكَ شَيْءٌ مِنْهُ أَنْ يَجْعَلَ الْهَالِكَ مِنْ التَّبَعِ كَمَا فِي مَالِ الزَّكَاةِ حَيْثُ يُصْرَفُ الْهَالِكُ إلَى الْعَفْوِ أَوَّلًا ثُمَّ إلَى نِصَابٍ يَلِيهِ ثُمَّ وَثُمَّ .

( وَ ) لَوْ أَوْصَى ( بِثُلُثِ رَقِيقِهِ أَوْ ثِيَابِهِ مُخْتَلِفَةً أَوْ دُورِهِ لَهُ ) أَيْ لِلْمُوصَى لَهُ ( ثُلُثُ مَا بَقِيَ ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْهَا التَّفَاوُتُ بَيْنَ أَفْرَادِهَا فَتَكُونُ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً فَلَا يُمْكِنُ جَمْعُ حَقِّ أَحَدِهِمْ فِي الْوَاحِدِ .
قَوْلُهُ : وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ رَقِيقِهِ أَوْ ثِيَابٍ مُخْتَلِفَةٍ ) ذَكَرَ وَصْفَ الثِّيَابِ بِالِاخْتِلَافِ دُونَ الرَّقِيقِ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ ثَابِتٌ لَا يَحْتَاجُ إلَى ذِكْرِهِ

( وَ ) لَوْ أَوْصَى بِأَلْفٍ ( وَلَهُ ) أَيْ لِلْمُوصِي ( نَقْدٌ وَدَيْنٌ ) عَلَى الْغَيْرِ مِنْ جِنْسِ الْأَلْفِ ( هُوَ ) أَيْ الْأَلْفُ الْمُوصَى بِهِ ( نَقَدَ إنْ خَرَجَ ) أَيْ الْأَلْفُ ( مِنْ ثُلُثِهِ ) أَيْ ثُلُثِ النَّقْدِ لِإِمْكَانِ إيفَاءِ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ بِلَا بَخْسٍ فَيُصَارُ إلَيْهِ ( وَإِلَّا فَثُلُثُ النَّقْدِ وَثُلُثُ الْمَأْخُوذِ مِنْ الدَّيْنِ ) يَعْنِي كُلَّمَا خَرَجَ شَيْءٌ مِنْ الدَّيْنِ ثُلُثُهُ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْأَلْفَ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ شَرِيكُ الْوَارِثِ وَفِي تَخْصِيصِهِ بِالْعَيْنِ بَخْسٌ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ الْعَيْنَ أَوْلَى مِنْ الدَّيْنِ .

( وَ ) لَوْ أَوْصَى ( بِثُلُثِهِ لِزَيْدٍ وَبَكْرٍ الْمَيِّتِ كَانَ لِزَيْدٍ مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ عُلِمَ مَوْتُ بَكْرٍ أَوْ لَا لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْوَصِيَّةِ فَلَا يُزَاحِمُ الْحَيَّ الَّذِي هُوَ مِنْ أَهْلِهَا كَمَا إذَا أَوْصَى لِزَيْدٍ وَلِجِدَارٍ ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الْمُوصِي مَوْتَهُ فَلَهُ نِصْفُ الثُّلُثِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ صَحِيحَةٌ عِنْدَهُ لِبَكْرٍ فَلَمْ يَرْضَ لِلْحَيِّ إلَّا بِنِصْفِ الثُّلُثِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلِمَ مَوْتَهُ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لِبَكْرٍ لَغْوٌ فَكَانَ رَاضِيًا بِكُلِّ الثُّلُثِ لِزَيْدٍ .
( قَوْلُهُ : وَبَكْرٍ الْمَيِّتِ ) لَوْ قَالَ وَهُوَ مَيِّتٌ لَكَانَ أَوْلَى لِئَلَّا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الصِّفَةَ مِنْ كَلَامِ الْمُوصِي وَلْيَحْسُنْ قَوْلُهُ : سَوَاءٌ عَلِمَ مَوْتَ بَكْرٍ أَوْ لَا ( قَوْلُهُ : كَانَ لِزَيْدِ مُطْلَقًا ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ : وَهَذَا إذَا كَانَ الْمُزَاحِمُ مَعْدُومًا مِنْ الْأَصْلِ أَمَّا إذَا كَانَ خَرَجَ الْمُزَاحِمُ بَعْدَ صِحَّةِ الْإِيجَابِ يَخْرُجُ بِحِصَّتِهِ وَلَا يُسَلَّمُ لِلْآخَرِ كُلُّ الثُّلُثِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ صَحَّتْ لَهُمَا وَثَبَتَتْ الشَّرِكَةُ بَيْنَهُمَا فَبُطْلَانُ حَقِّ أَحَدِهِمَا بَعْدَ ذَلِكَ لَا يُوجِبُ زِيَادَةَ حَقِّ الْآخَرِ وَذَكَرَ مِثَالَهُ

( كَذَا لَوْ ) أَوْصَى ( لَهُ ) أَيْ لِزَيْدٍ ( وَلِمَنْ كَانَ فِي هَذَا الْبَيْتِ وَلَا أَحَدَ فِيهِ ) كَانَ الثُّلُثُ لِزَيْدٍ لِأَنَّ الْمَعْدُومَ لَا يَسْتَحِقُّ مَالًا .
( قَوْلُهُ : كَذَا لَوْ أَوْصَى لَهُ وَلِمَنْ كَانَ فِي هَذَا الْبَيْتِ وَلَا أَحَدَ فِيهِ ) هَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى لَهُ بِالثُّلُثِ وَلِعَمْرٍو إنْ كَانَ فِي الْبَيْتِ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ إلَّا نِصْفَ الثُّلُثِ

( أَوْ ) أَوْصَى ( لَهُ ) أَيْ لِزَيْدٍ ( وَلِعَقِبِهِ ) كَانَ الثُّلُثُ لِزَيْدٍ لِأَنَّ الْعَقِبَ مَنْ يَعْقُبُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَيَكُونُ مَعْدُومًا فِي الْحَالِ .
( قَوْلُهُ : أَوْ أَوْصَى لَهُ وَلِعَقِبِهِ ) لَعَلَّهُ فِيمَا إذَا لَمْ يُولَدْ الْعَقِبُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ : فَيَكُونُ مَعْدُومًا فِي الْحَالِ أَمَّا إذَا وُلِدَ لِأَقَلَّ مِنْهَا فَلَا مَانِعَ مِنْ الْمُشَارَكَةِ

( أَوْ لَهُ ) أَيْ لِزَيْدٍ ( وَلِوَلَدِ بَكْرٍ فَمَاتَ وَلَدُهُ قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي أَوْ لَهُ وَلِفُقَرَاءِ وَلَدِهِ أَوْ لِمَنْ افْتَقَرَ مِنْ وَلَدِهِ وَفَاتَ شَرْطُهُ عِنْدَ مَوْتِ الْمُوصِي ) فَالثُّلُثُ كُلُّهُ لِزَيْدٍ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لِأَنَّ الْمَعْدُومَ أَوْ الْمَيِّتَ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا فَلَا تَثْبُتُ الْمُزَاحَمَةُ لِزَيْدٍ فَصَارَ كَمَا إذَا أَوْصَى لِزَيْدٍ وَلِجِدَارٍ .

( وَإِنْ قَالَ ) ثُلُثُ مَالِي ( بَيْنَهُمَا ) أَيْ بَيْنَ زَيْدٍ وَبَكْرٍ ( وَبَكْرٌ مَيِّتٌ فَنِصْفُهُ ) أَيْ نِصْفُ الثُّلُثِ ( لِزَيْدٍ ) لِأَنَّ مُقْتَضَى هَذَا اللَّفْظِ أَنْ يَكُونَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفُ الثُّلُثِ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ قَالَ ثُلُثُ مَالِي بَيْنَهُمَا
إلَخْ ) كَذَا لَوْ كَانَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ الْمُوصِي وَيَعُودُ نَصِيبُهُ إلَى مِلْكِ الْمُوصِي وَإِنْ مَاتَ بَعْدَ الْمُوصِي كَانَ نَصِيبُهُ لِوَرَثَتِهِ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ

( أَوْصَى لِزَيْدٍ مَثَلًا بِثُلُثِهِ وَهُوَ ) أَيْ الْمُوصِي ( فَقِيرٌ لَهُ ) أَيْ لِلْمُوصَى لَهُ ( ثُلُثُ مَالِهِ ) أَيْ الْمُوصِي ( عِنْدَ مَوْتِهِ ) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ عَقْدُ اسْتِخْلَافٍ مُضَافٌ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَيَثْبُتُ حُكْمُهُ بَعْدَهُ فَيُشْتَرَطُ وُجُودُ الْمِلْكِ عِنْدَ الْمَوْتِ لَا قَبْلُ وَكَذَا إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ فَهَلَكَ ثُمَّ اكْتَسَبَ .

( وَلَوْ ) أَوْصَى ( بِثُلُثِ غَنَمِهِ وَلَا غَنَمَ لَهُ أَوْ هَلَكَ قَبْلَ مَوْتِهِ بَطَلَ ) أَيْ الْإِيصَاءُ لِمَا ذُكِرَ أَنَّهُ إيجَابٌ بَعْدَ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ قِيَامُهُ حِينَئِذٍ فَإِنَّ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ تَعَلَّقَتْ بِالْعَيْنِ فَتَبْطُلُ بِفَوَاتِهِ عِنْدَ الْمَوْتِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَنَمٌ فَاسْتَفَادَ ثُمَّ مَاتَ فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ .
( قَوْلُهُ : وَلَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ غَنَمِهِ وَلَا غَنَمَ لَهُ ) يَعْنِي وَلَمْ يَسْتَفِدْ غَنَمًا بَعْدَ هَذَا وَقْتَ الْمَوْتِ وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْقَيْدِ لِدَفْعِ التَّنَاقُضِ بِمَا سَيَأْتِي قَالَ فِي الْكَافِي وَغَيْرُهُ : لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ غَنَمِهِ فَهَلَكَ الْغَنَمُ قَبْلَ مَوْتِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَنَمٌ فِي الْأَصْلِ وَلَا مَلَكَهُ بَعْدَهُ بَطَلَتْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَنَمٌ فَاسْتَفَادَهُ ثُمَّ مَاتَ فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْوَصِيَّةَ تَصِحُّ وَكَذَا إذَا كَانَتْ بِاسْمِ نَوْعِهِ .
ا هـ .

( كَذَا بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِي وَلَا غَنَمَ لَهُ ) فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهُ لَمَّا أَضَافَهُ إلَى الْغَنَمِ عُلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ عَيْنُ الشَّاةِ حَيْثُ جُعِلَ جُزْءًا مِنْ الْغَنَمِ .
( قَوْلُهُ : كَذَا بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِي ) أَضَافَ الشَّاةَ إذْ لَوْ لَمْ يُضِفْهَا إلَى مَالِهِ وَلَا غَنَمَ لَهُ قِيلَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْمُصَحِّحَ إضَافَتُهُ إلَى الْمَالِ وَبِدُونِهَا يُعْتَبَرُ صُورَةُ الشَّاةِ وَقِيلَ يَصِحُّ لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ الشَّاةَ وَلَيْسَ فِي مِلْكِهِ شَاةٌ عُلِمَ أَنَّ مُرَادَهُ الْمَالِيَّةُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ

( وَ ) فِي قَوْلِهِ : أَوْصَيْت ( بِشَاةٍ مِنْ مَالِي لَهُ قِيمَتُهَا مِنْ مَالِهِ ) لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ : مِنْ مَالِي دَلَّ عَلَى أَنَّ غَرَضَهُ الْوَصِيَّةُ بِمَالِيَّةِ الشَّاةِ .

( وَ ) لَوْ أَوْصَى ( بِثُلُثِ مَالِهِ لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ وَهُنَّ ثَلَاثٌ وَلِلْفُقَرَاءِ ، وَالْمَسَاكِينِ لَهُنَّ ) أَيْ لِأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ ( ثَلَاثَةُ أَخْمَاسٍ ) مِنْ الثُّلُثِ ( وَلَهُمَا ) أَيْ لِلْفُقَرَاءِ ، وَالْمَسَاكِينِ ( الْبَاقِيَانِ ) مِنْ ثَلَاثَةِ الْأَخْمَاسِ بِالْمُنَاصَفَةِ هَذَا عِنْدَهُمَا ، .
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُقْسَمُ الثُّلُثُ عَلَى سَبْعَةِ أَسْهُمٍ ثَلَاثَةٌ مِنْهَا لِأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ لِأَنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْفُقَرَاءِ ، وَالْمَسَاكِينِ لَفْظُ الْجَمْعِ وَأَقَلُّهُ فِي الْمِيرَاثِ اثْنَانِ ، وَالْوَصِيَّةُ أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَلَهُمَا أَنَّ الْجَمْعَ الْمُحَلَّى بِاللَّامِ يُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ ، وَتَبْطُلُ الْجَمْعِيَّةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى { لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ } فَيُرَادُ بِهِ الْوَاحِدُ فَيُقْسَمُ عَلَى خَمْسَةٍ وَلَهُنَّ ثَلَاثَةٌ مِنْهَا .

( وَلَوْ ) أَوْصَى ( بِثَلَاثَةٍ لِزَيْدٍ وَلِلْفُقَرَاءِ نُصِفَ بَيْنَهُمَا ) عِنْدَهُمَا ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُقَسَّمُ الثُّلُثُ أَثْلَاثًا .
قَوْلُهُ : وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُقَسَّمُ الثُّلُثُ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ : فِي جَوَابِهِ حَتَّى لَوْ كَانَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مُنْكِرًا قُلْنَا كَمَا قَالَ ثُمَّ هَذِهِ الْوَصِيَّةُ تَكُونُ لِأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ اللَّاتِي يُعْتَقْنَ بِمَوْتِهِ أَوْ اللَّاتِي عَتَقْنَ فِي حَيَاتِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أُمَّهَاتُ أَوْلَادٍ غَيْرُهُنَّ فَإِنْ كَانَ لَهُ أُمَّهَاتُ أَوْلَادٍ عَتَقْنَ فِي حَيَاتِهِ ، وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادٍ يُعْتَقْنَ بِمَوْتِهِ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِلَّاتِي يُعْتَقْنَ بِمَوْتِهِ ، وَلَا يُقَالُ إنَّ الْوَصِيَّةَ لِمَمْلُوكِهِ بِالْمَالِ لَا تَجُوزُ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا ، وَإِنَّمَا تَجُوزُ الْوَصِيَّةُ بِالْعِتْقِ أَوْ بِرَقَبَتِهِ لِكَوْنِهِ عِتْقًا فَوَجَبَ أَنْ لَا تَجُوزَ لِأُمَّهَاتِ أَوْلَادِهِ اللَّاتِي يُعْتَقْنَ بِمَوْتِهِ لِأَنَّا جَوَّزْنَاهُ اسْتِحْسَانًا لِإِضَافَتِهَا إلَى مَا بَعْدَ عِتْقِهِنَّ لَا حَالَّ حُلُولِ الْعِتْقِ بِهِنَّ بِدَلَالَةِ حَالِ الْمُوصِي

( وَلَوْ ) أَوْصَى ( بِمِائَةٍ لِزَيْدٍ وَمِائَةٍ لِبِكْرٍ أَوْ أَوْصَى بِهَا ) أَيْ بِمِائَةٍ لِزَيْدٍ وَخَمْسِينَ لِبَكْرٍ ( إنْ أَشْرَكَ آخَرُ مَعَهُمَا ) أَيْ قَالَ لِآخَر : أَشْرَكْتُك مَعَهُمَا ( فَلَهُ ) أَيْ لِذَلِكَ الْآخَرِ ( ثُلُثُ كُلِّ مِائَةٍ فِي الْأَوَّلِ ) لِأَنَّ نَصِيبَ زَيْدٍ وَبَكْرٍ مُتَسَاوِيَانِ فِيهِ وَقَدْ أَشْرَكَ آخَرَ مَعَهُمَا فَيَكُونُ شَرِيكًا لِكُلٍّ مِنْهُمَا فَلَهُ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا ، وَهُوَ ثُلُثُ الْمِائَةِ ( وَنِصْفٍ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا فِي الثَّانِي ) لِأَنَّ تَحْقِيقَ الْمُسَاوَاةِ بَيْنَهُمْ غَيْرُ مُمْكِنٍ لِتَفَاوُتِ الْمَالَيْنِ وَلَا بُدَّ مِنْ الْعَمَلِ بِمَفْهُومِ لَفْظِ الِاشْتِرَاكِ فَحَمَلْنَاهُ عَلَى مُسَاوَاتِهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَمَا هُوَ وَجْهُ الْقِيَاسِ عَمَلًا بِاللَّفْظِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ .
( قَوْلُهُ : نُصِفَ بَيْنَهُمْ عِنْدَهُمَا ) يَعْنِي بَيْنَ زَيْدٍ ، وَالْمَسَاكِينِ وَيَجُوزُ صَرْفُ مَا لِلْمَسَاكِينِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمْ ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُقْسَمُ الثُّلُثُ أَثْلَاثًا يَعْنِي ثُلُثُهُ لِزَيْدٍ وَثُلُثَاهُ لِلْمَسَاكِينِ وَلَا يَجُوزُ صَرْفُ مَا لِلْمَسَاكِينِ لِأَقَلَّ مِنْ اثْنَيْنِ عِنْدَهُ ، وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يُشِرْ إلَى مَسَاكِينَ إذَا لَوْ أَشَارَ إلَى جَمَاعَةٍ ، وَقَالَ ثُلُثُ مَالِي لِهَذِهِ الْمَسَاكِينِ لَا يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى وَاحِدٍ اتِّفَاقًا مِنْ الْحَقَائِقِ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَلَوْ أَوْصَى لِفُقَرَاءِ بَلْخَ فَأَعْطَى غَيْرَهُمْ جَازَ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى ، وَالْأَفْضَلُ الدَّفْعُ إلَيْهِمْ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : لَا يَجُوزُ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ ( قَوْلُهُ : فَلَهُ مِثْلُ مَا لِكُلٍّ مِنْهُمَا وَهُوَ ثُلُثُ الْمِائَةِ ) صَوَابُهُ ثُلُثَا الْمِائَةِ بِتَثْنِيَةِ الثُّلُثِ أَوْ ثُلُثُ الْمِائَتَيْنِ بِتَثْنِيَةِ الْمِائَةِ

( وَفِي لَهُ عَلَيَّ دَيْنٌ فَصَدِّقُوهُ صُدِّقَ عَلَى الثُّلُثِ ) يَعْنِي إذَا قَالَ الْمَرِيضُ مُخَاطِبًا لِوَرَثَتِهِ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دَيْنٌ فَصَدِّقُوهُ فِيمَا قَالَ صُدِّقَ فُلَانٌ إلَى الثُّلُثِ ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يُصَدَّقَ لِأَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِخِلَافِ حُكْمِ الشَّرْعِ وَهُوَ تَصْدِيقُ الْمُدَّعِي بِلَا حُجَّةٍ وَلِأَنَّ قَوْلَهُ لِفُلَانٍ عَلَيَّ دَيْنٌ إقْرَارٌ بِالْمَجْهُولِ وَهُوَ ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا لَكِنْ لَا يُحْكَمُ بِهِ إلَّا بِالْبَيَانِ وَقَدْ فَاتَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهُ سَلَّطَهُ عَلَى مَالٍ بِمَا أَوْصَى وَهُوَ يَمْلِكُ هَذَا التَّسْلِيطَ بِمِقْدَارِ الثُّلُثِ بِأَنْ يُوصِيَهُ لَهُ ابْتِدَاءً فَيَصِحُّ تَسْلِيطُهُ أَيْضًا بِالْإِقْرَارِ لَهُ بِدَيْنٍ مَجْهُولٍ ، وَالْمَرْءُ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ بِأَنْ يَعْرِفَ أَصْلَ الْحَقِّ وَلَا يَعْرِفَ قَدْرَهُ فَيَسْعَى فِي فِكَاكِ رَقَبَتِهِ بِهَذَا الطَّرِيقِ فَيُجْعَلُ وَصِيَّةً فِي حَقِّ التَّنْفِيذِ ، وَإِنْ كَانَ دَيْنًا فِي حَقِّ الْمُسْتَحِقِّ وَجُعِلَ التَّقْدِيرُ فِيهَا إلَى الْمُوصَى لَهُ فَلِهَذَا يُصَدَّقُ فِي الثُّلُثِ لَا الزِّيَادَةِ ( فَإِنْ أَوْصَى بِالثُّلُثِ مَعَهُ ) أَيْ مَعَ الْمُقَرِّ لَهُ الْأَوَّلُ بِلَا رُجُوعٍ عَنْهُ ( عُزِلَ ) أَيْ الثُّلُثُ ( لَهُمَا ) أَيْ الْمُقَرِّ لَهُ ، وَالْمُوصَى لَهُ ( وَالْبَاقِي ) وَهُوَ الثُّلُثَانِ ( لِلْوَرَثَةِ ) لِأَنَّ مِيرَاثَهُمْ مَعْلُومٌ وَكَذَا الْوَصَايَا مَعْلُومَةٌ وَهَذَا مَجْهُولٌ فَلَا يُزَاحَمُ الْمَعْلُومُ فَيُقَدَّمُ عَزْلُ الْمَعْلُومِ ( فَيُقَالُ ) أَيْ بَعْدَ مَا عُزِلَ يُقَال ( لِكُلٍّ ) مِنْ أَصْحَابِ الْوَصَايَا ، وَالْوَرَثَةِ ( صَدِّقُوهُ فِيمَا شِئْتُمْ وَمَا بَقِيَ مِنْ الثُّلُثِ فَلِأَصْحَابِ الْوَصَايَا ) لَا يُشَارِكُهُمْ فِيهِ صَاحِبُ الدَّيْنِ وَفِي الْعَزْلِ فَائِدَةٌ أُخْرَى ، وَهِيَ أَنَّ أَحَدَ الْفَرِيقَيْنِ قَدْ يَكُونُ أَعْرَفَ بِمِقْدَارِ هَذَا الْحَقِّ وَأَبْصَرَ بِهِ ، وَالْآخَرُ أَلَدُّ وَأَلَجُّ وَرُبَّمَا يَخْتَلِفُونَ فِي الْفَضْلِ إذَا ادَّعَاهُ الْخَصْمُ فَإِذَا عَزَلْنَا قُلْنَا عَلِمْنَا أَنَّ فِي التَّرِكَةِ دَيْنًا شَائِعًا فِي كُلِّ التَّرِكَةِ فَأُمِرَ أَصْحَابُ

الْوَصَايَا ، وَالْوَرَثَةُ بِبَيَانِهِ ( وَإِذَا بَيَّنُوا ) شَيْئًا ( يُؤْخَذُ أَصْحَابُ الثُّلُثِ بِثُلُثِ مَا أَقَرُّوا بِهِ ، وَالْبَاقِي لَهُمْ وَيُؤْخَذُ الْوَرَثَةُ بِثُلُثَيْ مَا أَقَرُّوا بِهِ ) لِيَنْفُذَ إقْرَارُ كُلِّ فَرِيقٍ فِي قَدْرِ حَقِّهِ ( وَيَحْلِفُ كُلٌّ ) أَيْ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ( عَلَى الْعِلْمِ فِي دَعْوَى الزِّيَادَةِ ) أَيْ إنْ ادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ زِيَادَةً عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى مَا جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ .

( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِخِلَافِ حُكْمِ الشَّرْعِ وَهُوَ تَصْدِيقُ الْمُدَّعِي ) أَيْ لُزُومُ تَصْدِيقِ الْمُدَّعِي بِلَا حُجَّةٍ ( قَوْلُهُ : عُزِلَ أَيْ الثُّلُثُ لَهُمَا أَيْ لِلْمُقَرِّ لَهُ ، وَالْمُوصَى لَهُ ) لَعَلَّ صَوَابَهُ عَزَلَ أَيْ الثُّلُثَ لَهُ أَوْ لِلْمُوصَى لَهُ أَوْ لَهَا أَيْ الْوَصِيَّةُ وَهَذَا لِأَنَّهُ إذَا عَزَلَ لِلْمُقَرِّ لَهُ وَلِلْمُوصَى لَهُ صَارَ الْمُقَرُّ لَهُ شَرِيكًا فَكَيْفَ يُقَالُ لِكُلٍّ صَدِّقُوهُ فِيمَا شِئْتُمْ وَأَيْضًا لَا يُطَابِقُهُ التَّعْلِيلُ لِلْعَزْلِ خُصُوصًا قَوْلَهُ وَهَذَا مَجْهُولٌ فَلَا يُزَاحِمُ الْمَعْلُومَ فَيُقَدَّمُ عَزْلُ الْمَعْلُومِ فَهَذَا يُوجِبُ أَنْ يُقَالَ كَمَا ذَكَرْنَا وَهُوَ عِبَارَةُ جَمِيعِ مَا اطَّلَعْنَا عَلَيْهِ مِنْ كُتُبِنَا ا هـ .
( قَوْلُهُ : فَيُقَالُ لِكُلٍّ صَدِّقُوهُ فِيمَا شِئْتُمْ ) اسْتَشْكَلَ الزَّيْلَعِيُّ بِمَا مُحَصِّلُهُ أَنَّهُ تَقَدَّمَ أَنَّ الْوَرَثَةَ يُصَدِّقُونَهُ إلَى الثُّلُثِ عِنْدَ عَدَمِ الْوَصِيَّةِ وَهُنَا إذَا اسْتَغْرَقَتْ الْوَصِيَّةُ الثُّلُثَ وَقِيلَ بَعْدَ إفْرَازِهِ لِلْوَرَثَةِ صَدِّقُوهُ فِيمَا شِئْتُمْ يَلْزَمُ مِنْهُ إيجَابُ التَّصْدِيقِ بِأَزْيَدَ مِنْ الثُّلُثِ عَلَى الْوَرَثَةِ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَخُصُّهُمْ وَهُوَ الثُّلُثَانِ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَلْزَمَهُمْ تَصْدِيقُهُ ا هـ .
، وَقَالَ قَاضِي زَادَهْ أَقُولُ هَذَا الْإِشْكَالُ سَاقِطٌ جِدًّا إذْ لَا يَلْزَمُ الْوَرَثَةَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنْ يُصَدِّقُوهُ إلَى الثُّلُثِ كَمَا لَا يَلْزَمُهُمْ أَنْ يُصَدِّقُوهُ فِي أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ وَإِنَّمَا اللَّازِمُ لَهُمْ وَلِأَصْحَابِ الْوَصَايَا فِي هَذِهِ الصُّورَةِ أَنْ يُصَدِّقُوهُ فِيمَا شَاءُوا فَإِنَّ أَصْحَابَ الْوَصَايَا الْمُسْتَغْرِقَةَ لِلثُّلُثِ لَا يَأْخُذُونَهُ بِطَرِيقِ التَّمَلُّكِ التَّامِّ بَلْ بِطَرِيقِ الْعَزْلِ ، وَالْإِفْرَازِ فَكَانَ بَاقِيًا عَلَى حُكْمِ جَوَازِ تَصَرُّفِ الْوَرَثَةِ فِيهِ بِتَصْدِيقِهِمْ الْمُدَّعِي فِيمَا شَاءُوا وَلَا يَضُرُّ بِذَلِكَ عَدَمُ بَقَاءِ ذَلِكَ الثُّلُثِ فِي أَيْدِيهِمْ وَلَئِنْ سُلِّمَ عَدَمُ بَقَاءِ ذَلِكَ الثُّلُثِ الْمَخْصُوصِ فِي أَيْدِيهِمْ مِنْ كُلِّ الْوُجُوهِ حَتَّى

مِنْ جِهَةِ جَوَازِ تَصَرُّفِهِمْ فِيهِ بِتَصْدِيقِ الْمُدَّعِي أَيْضًا فَيَكْفِي جَوَازُ التَّصَرُّفِ لَهُمْ فِي مُطْلَقِ الثُّلُثِ الشَّائِعِ فِي جَمِيعِ الْمَالِ وَعَنْ هَذَا قَالُوا إنَّ هَذَا تَصَرُّفٌ يُشْبِهُ الْإِقْرَارَ ، وَالْوَصِيَّةَ فَبِاعْتِبَارِ شُبْهَةِ الْوَصِيَّةِ لَا يُصَدَّقُ فِي الزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ وَبِاعْتِبَارِ شُبْهَةِ الْإِقْرَارِ يُجْعَلُ شَائِعًا فِي الْأَثْلَاثِ وَلَا يَخُصُّ بِالثُّلُثِ الَّذِي لِأَصْحَابِ الْوَصَايَا عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ تَأَمَّلْ تَرْشَدْ ا هـ .
قُلْت لَيْسَ فِيهِ تَوْجِيهٌ لِمَا ادَّعَاهُ مِنْ سُقُوطِ إشْكَالِ الزَّيْلَعِيِّ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ بِأَنَّهُ لَا دَافِعَ لِمَا أَقَرُّوا بِهِ وَلَا مُبْطِلَ لِمَا أَوْصَى بِهِ فَلَزِمَ انْتِقَاضُ الثُّلُثَيْنِ بِهَذَا وَلَزِمَ التَّصْدِيقُ مَعَهُ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ اجْتِمَاعُ الْوَصِيَّةِ مَعَ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ اخْتَصُّوا بِالثُّلُثَيْنِ وَلَمْ يَلْزَمْهُمْ التَّصْدِيقُ بِمَا يَنْقُصُهُمَا وَقَدْ اجْتَمَعْنَا هُنَا فَلَزِمَ ضَرُورَةً تَصْدِيقُهُمْ ، وَالِانْتِقَاصُ بِهِ فَلَمْ يَخْتَصُّوا بِثُلُثَيْ جَمِيعِ الْمَالِ لِتَقَدُّمِ الدَّيْنِ وَلَوْ كَانَ مِنْ وَجْهٍ عَلَيْهِمَا

( وَفِي بِأَلْفٍ لِوَارِثٍ وَأَجْنَبِيٍّ لَهُ نِصْفُهُ وَخَابَ الْوَارِثُ ) يَعْنِي إذَا أَوْصَى لِوَارِثِهِ وَلِأَجْنَبِيٍّ فَلِلْأَجْنَبِيِّ نِصْفُ الْوَصِيَّةِ وَتَبْطُلُ وَصِيَّةُ الْوَارِثِ لِأَنَّهُ أَوْصَى بِمَا يَمْلِكُ الْإِيصَاءَ بِهِ وَبِمَا لَا يَمْلِكُ فَصَحَّ فِي الْأَوَّلِ لَا الثَّانِي .

( وَفِي الْحَيِّ ، وَالْمَيِّتِ الْكُلُّ لِلْحَيِّ ) لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْوَصِيَّةِ فَلَا يَصْلُحُ مُزَاحِمًا فَيَكُونُ الْكُلُّ لِلْحَيِّ ، وَالْوَارِثِ مِنْ أَهْلِهَا وَلِهَذَا تَصِحُّ بِإِجَازَةِ الْوَارِثِ لَكِنَّهُ حَرُمَ لِعَارِضٍ .
( قَوْلُهُ : وَفِي الْحَيِّ وَالْمَيِّتِ الْكُلُّ لِلْحَيِّ ) مُسْتَدْرَكٌ وَإِعَادَتُهُ لِذِكْرِ الْفَرْقِ شَرْحًا لَيْسَ مُسَوِّغًا لِلتَّكْرَارِ

( وَبِثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ مُتَفَاوِتَةٍ بِكُلٍّ لِرَجُلٍ إنْ ضَاعَ ثَوْبٌ وَلَمْ يَدْرِ أَيٌّ هُوَ ، وَالْوَرَثَةُ تَقُولُ لِكُلٍّ تَوَى حَقُّك بَطَلَتْ ) يَعْنِي إذَا كَانَ لَهُ أَثْوَابٌ جَيِّدٌ وَرَدِيءٌ وَوَسَطٌ فَأَوْصَى بِكُلِّ وَاحِدٍ لِرَجُلٍ وَضَاعَ ثَوْبٌ وَلَا يُدْرَى أَيَّهَا هُوَ ، وَالْوَرَثَةُ تَقُولُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ الثَّوْبُ الَّذِي هُوَ حَقُّك قَدْ ضَاعَ فَكَانَ الْمُسْتَحِقُّ مَجْهُولًا وَجَهَالَتُهُ تَمْنَعُ صِحَّةَ الْقَضَاءِ وَتَحْصِيلُ الْمَقْصُودِ فَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ كَمَا لَوْ أَوْصَى لِأَحَدِ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ إلَّا أَنْ يُسَلِّمَ الْوَرَثَةُ الثَّوْبَيْنِ الْبَاقِيَيْنِ ( وَإِنْ سَلَّمُوا الْبَاقِيَيْنِ ) زَالَ الْمَانِعُ وَهُوَ الْجُحُودُ وَصَحَّتْ الْوَصِيَّةُ ( أَخَذَ ذُو الْجَيِّدِ ثُلُثَيْ الْجَيِّدِ وَذُو الرَّدِيءِ ثُلُثَيْ الرَّدِيءِ وَذُو الْوَسَطِ ثُلُثَيْ كُلٍّ ) مِنْ الْجَيِّدِ ، وَالرَّدِيءِ لِأَنَّ الثَّوْبَيْنِ إنَّمَا يُقْسَمَانِ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَهُوَ أَنْ يَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثَيْ الثَّوْبِ وَإِنَّمَا تَعَيَّنَ حَقُّ صَاحِبِ الْجَيِّدِ فِي الْجَيِّدِ إذْ لَا حَقَّ لَهُ فِي الرَّدِيءِ بِيَقِينٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ فِي الْجَيِّدِ بِأَنْ يَكُونَ هُوَ الْجَيِّدَ الْأَصْلِيَّ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ فِي الضَّائِعِ بِأَنْ يَكُونَ هُوَ الْأَجْوَدُ فَكَانَ تَنْفِيذُ وَصِيَّتِهِ فِي مَحَلٍّ يَحْتَمِلْ أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ أَوْلَى وَإِنَّمَا تَعَيَّنَ صَاحِبُ الرَّدِيءِ إذْ لَا حَقَّ لَهُ فِي الْجَيِّدِ بِيَقِينٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ فِي الرَّدِيءِ بِأَنْ يَكُونَ هُوَ الرَّدِيءُ الْأَصْلَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ فِي الضَّائِعِ بِأَنْ يَكُونَ الْأَرْدَأَ فَكَانَ تَنْفِيذُ وَصِيَّتِهِ فِي مَحَلٍّ يَكُونُ حَقُّهُ أَوْلَى وَإِنَّمَا تَعَيَّنَ حَقُّ الْآخَرِ فِي ثُلُثِ كُلٍّ مِنْ الثَّوْبَيْنِ لِأَنَّ صَاحِبَ الْجَيِّدِ لَمَّا أَخَذَ ثُلُثَيْ الْجَيِّدِ وَصَاحِبُ الرَّدِيءِ ثُلُثَيْ الرَّدِيءِ لَمْ يَبْقَ إلَّا ثُلُثُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَقَدْ تَعَيَّنَ حَقُّهُ فِي ذَلِكَ ضَرُورَةً كَذَا فِي الْكَافِي .

( قَوْلُهُ : وَمِثْلُهُ بِثَلَاثَةِ أَثْوَابٍ ) لَا مَحَلَّ لِلَفْظَةِ " مِثْلُهُ " ( قَوْلُهُ : فَكَانَ تَنْفِيذُ وَصِيَّتُهُ فِي مَحَلٍّ يَكُونُ حَقُّهُ أَوْلَى ) عِبَارَةُ الْكَافِي مِنْ مَحَلٍّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَقَّهُ ( قَوْلُهُ : كَذَا فِي الْكَافِي ) عُلِمَتْ عِبَارَتُهُ وَتَمَامُهَا وَلِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ فِي الْجَيِّدِ بِأَنْ كَانَ الضَّائِعُ أَجْوَدَ فَيَكُونُ هَذَا وَسَطًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ فِي الرَّدِيءِ بِأَنْ يَكُونَ الضَّائِعُ أَرْدَأَ فَيَكُونَ هَذَا وَسَطًا فَكَانَ هَذَا تَنْفِيذَ وَصِيَّتِهِ فِي مَحَلٍّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حَقَّهُ كَذَا قَرَّرَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِي شَرْحِهِ لِلْجَامِعِ الصَّغِيرِ .
ا هـ .

( وَبِبَيْتٍ مُعَيَّنٍ مِنْ دَارٍ مُشْتَرَكَةٍ تُقْسَمُ فَإِنْ أَصَابَ ) أَيْ الْبَيْتَ الْمُعَيَّنَ ( الْمُوصِي فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يُصِبْهُ ( فَلَهُ قَدْرُهُ ) يَعْنِي إذَا كَانَتْ دَارٌ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَأَوْصَى أَحَدُهُمَا لِرَجُلٍ بِبَيْتٍ مِنْهَا بِعَيْنِهِ فَإِنَّهَا تُقْسَمُ ، وَإِنْ وَقَعَ الْبَيْتُ فِي نَصِيبِ الْمُوصِي فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ عِنْدَهُمَا ، .
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نِصْفُهُ لِلْمُوصَى لَهُ ، وَإِنْ وَقَعَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ فَلِلْمُوصَى لَهُ مِثْلُ ذَرْعِ الْبَيْتِ فِيمَا أَصَابَ الْمُوصِي عِنْدَهُمَا ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ مِثْلُ ذَرْعِ نِصْفِ الْبَيْتِ ( كَمَا فِي الْإِقْرَارِ ) يَعْنِي إذَا كَانَ مَكَانَ الْوَصِيَّةِ إقْرَارٌ فَالْحُكْمُ كَذَلِكَ قِيلَ بِالْإِجْمَاعِ وَقِيلَ فِيهِ خِلَافُ مُحَمَّدٍ .
( قَوْلُهُ : وَبِبَيْتٍ مُعَيَّنٍ ) ذَكَرَ فِي الْكَافِي ، وَالتَّبْيِينِ كَيْفِيَّةَ قِسْمَتِهِ ( قَوْلُهُ : كَمَا فِي الْإِقْرَارِ ) قَالَ فِي الْكَافِي : وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ عَلَيْهِ الِاتِّفَاقُ ، وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِمِلْكِ الْغَيْرِ صَحِيحٌ حَتَّى لَوْ تَمَلَّكَهُ بَعْدَهُ أُمِرَ بِالتَّسْلِيمِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ أَمَّا الْوَصِيَّةُ بِمِلْكِ الْغَيْرِ فَلَا تَصِحُّ حَتَّى لَوْ مَلَكَهُ ثُمَّ مَاتَ لَا تَصِحُّ وَصِيَّتُهُ وَلَا تُنَفَّذُ

( وَبِأَلْفٍ مُعَيَّنٍ مِنْ مَالِ زَيْدٍ لَهُ الْإِجَازَةُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي ، وَالْمَنْعُ بَعْدَهَا ) يَعْنِي إذَا أَوْصَى مِنْ مَالِ رَجُلٍ لِآخَرَ بِعَيْنِهِ فَأَجَازَ صَاحِبُ الْمَالِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي فَإِنْ دَفَعَهُ إلَيْهِ جَازَ وَلَهُ أَنْ يَمْنَعَ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ بِمَالِ الْغَيْرِ فَيَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِ فَإِنْ أَجَازَ كَانَ تَبَرُّعًا مِنْهُ أَيْضًا فَلَهُ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ التَّسْلِيمِ لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ بَعْدُ فَأَشْبَهَ الْهِبَةَ قَبْلَ التَّسْلِيمِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى بِالزِّيَادَةِ عَلَى الثُّلُثِ وَأَجَازَتْ الْوَرَثَةُ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ فِي مَخْرَجِهَا صَحِيحَةٌ لِمُصَادَفَتِهَا مِلْكَ نَفْسِهِ ، وَالِامْتِنَاعُ لِحَقِّ الْوَرَثَةِ فَإِذَا أَجَازُوهَا سَقَطَ حَقُّهُمْ فَتَنْفُذُ مِنْ جِهَةِ الْمُوصِي .

( أَقَرَّ أَحَدُ الِابْنَيْنِ بَعْدَ الْقِسْمَةِ بِوَصِيَّةِ أَبِيهِ دَفَعَ ثُلُثَ نَصِيبِهِ ) لِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِثُلُثٍ شَائِعٍ فِي التَّرِكَةِ وَهِيَ فِي أَيْدِيهمَا فَيَكُونُ مُقِرًّا بِثُلُثِ مَا فِي يَدِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِدَيْنٍ لِغَيْرِهِ لِأَنَّ الدَّيْنَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمِيرَاثِ فَيَكُونُ مُقِرًّا بِتَقَدُّمِهِ فَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ أَمَّا الْمُوصَى لَهُ بِالثُّلُثِ فَشَرِيكُ الْوَارِثِ فَلَا يُسَلَّمُ لَهُ شَيْءٌ إلَّا أَنْ يُسَلَّمَ لِلْوَرَثَةِ مِثْلَاهُ .
قَوْلُهُ : دَفَعَ ثُلُثَ نَصِيبِهِ ) هُوَ اسْتِحْسَانٌ ، وَالْقِيَاسُ أَنْ يُعْطِيَهُ نِصْفَ مَا فِي يَدِهِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِدَيْنٍ لِغَيْرِهِ ) يَعْنِي فَيُدْفَعُ إلَيْهِ كُلُّ مَا فِي يَدِهِ إذَا كَانَ الدَّيْنُ مُسْتَغْرِقًا لَهُ

( وَلَدَتْ الْمُوصِي بِهَا لِزَيْدٍ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَقَبْلَ الْقِسْمَةِ ، وَقَبُولِ الْمُوصَى لَهُ فَهُمَا لَهُ إنْ خَرَجَا مِنْ الثُّلُثِ وَإِلَّا أَخَذَ الثُّلُثَ مِنْهَا ثُمَّ مِنْهُ ) يَعْنِي إذَا أَوْصَى لِرَجُلٍ بِأَمَةٍ فَوَلَدَتْ بَعْدَ مَوْتِ الْمُوصِي وَلَدًا قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَكِلَاهُمَا يَخْرُجَانِ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ فَهُمَا لِلْمُوصَى لَهُ لِأَنَّ الْأُمَّ دَخَلَتْ فِي الْوَصِيَّةِ أَصَالَةً ، وَالْوَلَدُ تَبَعًا لِاتِّصَالِهِ بِالْأُمِّ فَإِذَا وَلَدَتْ وَلَدًا قَبْلَ الْقِسْمَةِ ، وَالتَّرِكَةُ قَبْلُهَا مُبْقَاةٌ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَنْفُذُ وَصَايَاهُ مِنْهُ وَتُقْضَى دُيُونُهُ دَخَلَ فِي الْوَصِيَّةِ كَأَنَّهُ أَوْجَبَ فِيهِمَا الْوَصِيَّةَ فَكَانَ لِلْمُوصَى لَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجَا مِنْ الثُّلُثِ يَنْفُذُ وَصِيَّتُهُ أَوَّلًا مِنْ الْأُمِّ ثُمَّ مِنْ الْوَلَدِ هَذَا إذَا وَلَدَتْ قَبْلَ الْقِسْمَةِ وَقَبْلَ قَبُولِ الْمُوصَى لَهُ ( وَلَوْ ) وَلَدَتْ ( بَعْدَهُمَا ) أَيْ بَعْدَ الْقَبُولِ وَبَعْدَ الْقِسْمَةِ ( فَهُوَ لِلْمُوصَى لَهُ ) لِأَنَّ التَّرِكَةَ بَعْدَ الْقِسْمَةِ خَرَجَتْ عَنْ حُكْمِ مِلْكِ الْمَيِّتِ فَحَدَثَتْ الزِّيَادَةُ عَلَى خَالِصِ مِلْكِ الْمُوصَى لَهُ ( وَلَوْ ) وَلَدَتْ ( بَعْدَ الْقَبُولِ وَقَبْلَهَا ) أَيْ الْقِسْمَةِ ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُوصًى بِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ خُرُوجُهُ مِنْ الثُّلُثِ وَكَانَ الْمُوصَى لَهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ كَمَا لَوْ وَلَدَتْ بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَمَشَايِخُنَا ( قَالُوا : يَصِيرُ مُوصًى بِهِ ) حَتَّى يُعْتَبَرَ خُرُوجُهُ مِنْ الثُّلُثِ كَمَا لَوْ وَلَدَتْ قَبْلَ الْقَبُولِ ( وَلَوْ ) وَلَدَتْ ( قَبْلَ مَوْتِ الْمُوصِي ) لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ بَلْ ( يَبْقَى عَلَى ) حُكْمِ ( مِلْكِهِ ) أَيْ مِلْكِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ قَصْدًا وَلَا سِرَايَةً ، وَالْكَسْبُ كَالْوَلَدِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا كَذَا فِي الْكَافِي

( قَوْلُهُ : وَإِنْ لَمْ يَخْرُجَا مِنْ الثُّلُثِ تُنَفَّذُ وَصِيَّتُهُ أَوَّلًا مِنْ الْأُمِّ ثُمَّ مِنْ الْوَلَدِ ) قَالَ فِي الْكَافِي : وَعِنْدَهُمَا تُنَفَّذُ مِنْهُمَا عَلَى السَّوَاءِ ، وَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَجُعِلَ فِي الْجَوْهَرَةِ الْخِلَافُ عَلَى عَكْسِ هَذَا فَقَالَ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجَا مِنْ الثُّلُثِ ضُرِبَ بِالثُّلُثِ وَأُخِذَ مَا يَخُصُّهُ مِنْهُمَا جَمِيعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَأْخُذُ ذَلِكَ مِنْ الْأُمِّ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ أَخَذَهُ مِنْ الْوَلَدِ ثُمَّ قَالَ ، وَهَذَا يُنَافِي مَا ذُكِرَ فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ مِثْلُ مَا فِي الْقُدُورِيِّ ا هـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( بَابُ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ ) .
الْإِعْتَاقُ فِي الْمَرَضِ مِنْ أَنْوَاعِ الْوَصِيَّةِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ لَهُ أَحْكَامٌ مَخْصُوصَةٌ أَفْرَدَهُ بِبَابٍ عَلَى حِدَةٍ وَأَخْرَجَهُ عَنْ صَرِيحِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّ الصَّرِيحَ هُوَ الْأَصْلُ ( الْمُعْتَبَرُ حَالُ الْعَقْدِ فِي تَصَرُّفٍ إنْشَائِيٍّ فِيهِ مَعْنَى التَّبَرُّعِ ) احْتِرَازٌ عَنْ تَصَرُّفٍ إخْبَارِيٍّ فَإِنَّهُ إذَا أَقَرَّ بِالدَّيْنِ فِي الْمَرَضِ نَفَذَ مِنْ كُلِّ الْمَالِ وَكَذَا النِّكَاحُ فِيهِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ نَفَذَ مِنْ كُلِّ الْمَالِ ( فَلَوْ كَانَ ) ذَلِكَ التَّصَرُّفُ الْإِنْشَائِيُّ ( فِي الصِّحَّةِ فَمِنْ ) أَيْ يُعْتَبَرُ مِنْ ( كُلِّ مَالِهِ وَإِلَّا فَمِنْ ثُلُثِهِ ) بِخِلَافِ الْإِخْبَارِيِّ وَمَا لَيْسَ فِيهِ تَبَرُّعٌ فَإِنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ ( وَالْمُعْتَبَرُ حَالَ الْمَوْتِ فِي الْإِضَافَةِ إلَيْهِ ) فَيَكُونُ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ الْإِنْشَائِيُّ ( مِنْ ثُلُثِهِ مُطْلَقًا ) سَوَاءٌ كَانَ فِي الصِّحَّةِ أَوْ الْمَرَضِ بَعْدَ أَنْ كَانَ مُضَافًا إلَى الْمَوْتِ ( إذَا مَاتَ ) لِوُجُودِ الْمُضَافِ إلَيْهِ ( وَمَرَضٌ صَحَّ مِنْهُ كَالصِّحَّةِ ) لِأَنَّ حَقَّ الْوَارِثِ أَوْ الْغَرِيمِ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِمَالِهِ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَبِالْبُرْءِ ظَهَرَ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ .

بَابُ الْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ .
( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ الْإِخْبَارِيِّ ) يَعْنِي كَالْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ وَمَا لَيْسَ بِتَبَرُّعٍ يَعْنِي كَالنِّكَاحِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ يَعْنِي لَا يَكُون مُعْتَبَرًا بِحَالِ صُدُورِهِ مِنْ الْمَرِيضِ بَلْ يَكُونُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ ( قَوْلُهُ : وَإِعْتَاقُهُ
إلَخْ ) الْأَنْسَبُ ذِكْرُهُ بِالْفَاءِ تَفْرِيعًا عَلَى مَا جَعَلَهُ أَصْلًا ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ ) شُبِّهَتْ بِالْوَصِيَّةِ وَلَمْ تَكُنْ وَصِيَّةً لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ إيجَابٌ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهَذِهِ التَّصَرُّفَاتُ مُنَجَّزَةٌ فِي الْحَالِ لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ فِي الْمَرَضِ صَارَتْ كَحُكْمِهَا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْوَرَثَةِ ( قَوْلُهُ : فَإِنْ حَابَى ثُمَّ أَعْتَقَ
إلَخْ ) تَفْرِيعٌ عَلَى مُقَدَّرٍ كَأَنَّهُ قِيلَ الْمُحَابَاةُ ، وَالْهِبَةُ
إلَخْ إذَا لَمْ يَضِقْ الثُّلُثُ أَخْرَجَ الْجَمِيعَ مِنْهُ أَمَّا لَوْ ضَاقَ فَحَابَى فَأُعْتِقَ فَهِيَ أَحَقُّ

( وَإِعْتَاقُهُ ) أَيْ الْمَرِيضِ ( وَمُحَابَاتُهُ وَهِبَتُهُ وَضَمَانُهُ مِنْ الثُّلُثِ ) لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ لِكَوْنِهَا فِي الْمَرَضِ ( فَإِنْ حَابَى فَأَعْتَقَ فَهِيَ ) أَيْ الْمُحَابَاةُ ( أَحَقُّ ) مِنْ الْعِتْقِ ( وَهُمَا ) أَيْ الْمُحَابَاةُ ، وَالْعِتْقُ ( فِي عَكْسِهِ ) أَيْ إذَا أَعْتَقَ فَحَابَى ( سَوَاءٌ ) صُورَةُ الْمُحَابَاةِ ثُمَّ الْإِعْتَاقُ مَا إذَا بَاعَ عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَتَانِ بِمِائَةٍ ثُمَّ أَعْتَقَ عَبْدًا قِيمَتُهُ مِائَةٌ وَلَا مَالَ لَهُ سِوَاهُمَا يُصْرَفُ الثُّلُثُ إلَى الْمُحَابَاةِ وَيَسْعَى الْعَبْدُ فِي كُلِّ قِيمَتِهِ ، وَصُورَةُ الْعَكْسِ أَعْتَقَ الْعَبْدَ الَّذِي قِيمَتُهُ مِائَةٌ ثُمَّ بَاعَ الْعَبْدَ الَّذِي قِيمَتُهُ مِائَتَانِ بِمِائَةٍ فَإِنَّهُ يُقْسَمُ الثُّلُثُ وَهُوَ الْمِائَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَالْعَبْدُ الْمُعْتَقُ يُعْتَقُ نِصْفُهُ مُحَابَاةً وَيَسْعَى فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ وَصَاحِبُ الْمُحَابَاةِ يَأْخُذُ الْعَبْدَ الْآخَرَ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ ( وَعِنْدَهُمَا عِتْقُهُ أَوْلَى فِيهِمَا ) إذْ لَا يَلْحَقُهُ الْفَسْخُ وَلَهُ أَنَّ الْمُحَابَاةَ أَقْوَى لِأَنَّهُ فِي ضِمْنِ عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ لَكِنْ إنْ وُجِدَ الْعِتْقُ أَوَّلًا وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ الرَّفْعَ يُزَاحِمُ الْمُحَابَاةَ ( فَفِي عِتْقِهِ بَيْنَ الْمُحَابَاتَيْنِ نِصْفٌ ) مِنْ الثُّلُثِ ( لِلْأُولَى ) مِنْ الْمُحَابَاتَيْنِ ( وَنِصْفٌ لِلْأَخِيرَيْنِ ) يَعْنِي الْعِتْقِ ، وَالْمُحَابَاةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّ الْعِتْقَ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهَا فَيَسْتَوِيَانِ .

قَوْلُهُ : وَلَهُ أَنَّ الْمُحَابَاةَ أَقْوَى لِأَنَّهُ فِي ضِمْنِ عَقْدٍ ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَقْتَصِرَ فِي التَّعْلِيلِ لِلْإِمَامِ عَلَى مَا ذُكِرَ فَيُذْكَرُ مَا قَالَ فِي الْكَافِي وَلَهُ أَنَّ الْمُحَابَاةَ أَقْوَى مِنْ الْعِتْقِ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ فِي ضِمْنِ الْمُعَاوَضَة فَكَانَتْ تَبَرُّعًا مَعْنًى لَا صِيغَةً ، وَالْإِعْتَاقُ تَبَرُّعٌ صِيغَةً وَمَعْنَى فَإِذَا وُجِدَتْ الْمُحَابَاةُ أَوَّلًا دَفَعْت الْأَضْعَفَ ، وَإِذَا وُجِدَ الْعِتْقُ أَوَّلًا وَثَبَتَ وَهُوَ لَا يَحْتَمِلُ الدَّفْعَ كَانَ مِنْ ضَرُورَتِهِ الْمُزَاحَمَةُ وَعَلَى هَذَا الْأَصْلُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذَا أَعْتَقَ ثُمَّ حَابَى
إلَخْ

( وَفِي عَكْسِهِ ) يَعْنِي إذَا أَعْتَقَ ثُمَّ حَابَى ثُمَّ أَعْتَقَ ( لَهَا ) أَيْ لِلْمُحَابَاةِ ( نِصْفٌ وَلَهُمَا ) أَيْ لِلْعِتْقَيْنِ ( نِصْفٌ ) يَعْنِي يُقْسَمُ الثُّلُثُ بَيْنَ الْعِتْقِ الْأَوَّلِ ، وَالْمُحَابَاةِ وَمَا أَصَابَ الْعِتْقَ قُسِمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعِتْقِ الثَّانِي .

( تَبْطُلُ ) أَيْ الْوَصِيَّةُ ( بِعِتْقِ عَبْدِهِ إنْ جَنَى بَعْدَ مَوْتِهِ فَدُفِعَ ) يَعْنِي إذَا أَوْصَى بِعِتْقِ عَبْدِهِ ثُمَّ مَاتَ فَجَنَى الْعَبْدُ جِنَايَةً ، وَدُفِعَ بِهَا بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّ الدَّفْعَ قَدْ صَحَّ لِأَنَّ حَقَّ وَلِيِّ الْجِنَايَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى حَقِّ الْمُوصِي وَحَقُّ الْمُوصَى لَهُ لِأَنَّهُ يَتَلَقَّى الْمِلْكَ مِنْ جِهَتِهِ إلَّا أَنَّ مِلْكَهُ فِيهِ بَاقٍ وَإِنَّمَا يَزُولُ بِالدَّفْعِ فَإِذَا خَرَجَ بِهِ عَنْ مِلْكِهِ بَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ كَمَا إذَا بَاعَهُ الْمُوصِي أَوْ وَارِثُهُ بَعْدَ مَوْتِهِ بِأَنْ ظَهَرَ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ وَقَدْ أَوْصَى بِعِتْقِ الْعَبْدِ بِيعَ الْعَبْدُ بِدَيْنِهِ ( وَإِنْ فَدَى لَا ) أَيْ إنْ فِدَاهُ الْوَرَثَةُ كَانَ الْفِدَاءُ فِي مَالِهِمْ لِأَنَّهُمْ هُمْ الَّذِينَ الْتَزَمُوهُ وَجَازَتْ الْوَصِيَّةُ لِأَنَّ الْعَبْدَ ظَهَرَ عَنْ الْجِنَايَةِ بِالْفِدَاءِ كَأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ فَيُنَفِّذُ الْوَصِيَّةَ .

( أَوْصَى لِزَيْدٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَتَرَكَ عَبْدًا فَادَّعَى زَيْدٌ عِتْقَهُ فِي صِحَّتِهِ ، وَالْوَارِثُ فِي مَرَضِهِ ) يَعْنِي إذَا أَوْصَى رَجُلٌ لَهُ وَارِثٌ لِزَيْدٍ بِثُلُثِ مَالِهِ وَتَرَكَ عَبْدًا فَأَقَرَّ كُلٌّ مِنْ الْوَارِثِ وَزَيْدٍ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ لَكِنْ ادَّعَى زَيْدٌ إعْتَاقَهُ فِي صِحَّتِهِ لِئَلَّا يَكُونَ وَصِيَّةً تُنَفَّذُ مِنْ الثُّلُثِ وَادَّعَى الْوَارِثُ إعْتَاقَهُ فِي مَرَضِهِ لِيَكُونَ وَصِيَّةً ( صُدِّقَ الْوَارِثُ وَحُرِمَ زَيْدٌ ) لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ يَدَّعِي اسْتِحْقَاقَ ثُلُثِ مَا بَقِيَ مِنْ التَّرِكَةِ بَعْدَ الْعِتْقِ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ فِي الصِّحَّةِ لَيْسَ بِوَصِيَّةٍ وَلِهَذَا يُنَفَّذُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ ، وَالْوَارِثُ يُنْكِرُهُ لِأَنَّ مُدَّعَاهُ الْعِتْقَ فِي الْمَرَضِ وَهُوَ وَصِيَّةٌ أَيْضًا لَكِنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِثُلُثِ الْمَالِ وَكَانَ مُنْكِرًا ، وَالْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ مَعَ الْيَمِينِ ( إلَّا أَنْ يَفْضُلَ مِنْ ثُلُثِهِ شَيْءٌ ) عَلَى قِيمَةِ الْعَبْدِ إذْ لَا مُزَاحِمَ ( أَوْ يُبَرْهِنُ ) أَيْ زَيْدٌ ( عَلَى دَعْوَاهُ ) أَنَّ الْإِعْتَاقَ فِي الصِّحَّةِ فَلَهُ الْمَالُ لِأَنَّ الثَّابِتَ بِالْبَيِّنَةِ كَالثَّابِتِ عَيَانًا وَهُوَ خَصْمٌ فِي إقَامَتِهَا لِإِثْبَاتِ حَقِّهِ .

( ادَّعَى زَيْدٌ دَيْنًا عَلَى مَيِّتٍ وَادَّعَى عَبْدُهُ إعْتَاقَهُ فِي صِحَّتِهِ وَصَدَّقَهُمَا وَارِثُهُ سَعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَتِهِ وَتُدْفَعُ ) أَيْ تِلْكَ الْقِيمَةُ ( إلَى الْغَرِيمِ .
وَقَالَا يُعْتَقُ وَلَا يَسْعَى فِي شَيْءٍ ) لِأَنَّ الْعِتْقَ ، وَالدَّيْنَ ظَهَرَا مَعًا بِتَصْدِيقِ الْوَارِثِ فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ فَصَارَ كَأَنَّهُمَا ثَبَتَا بِالْبَيِّنَةِ وَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا فِي صِحَّتِهِ فَمَاتَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَسْعَ الْعَبْدُ لَهُ فِي شَيْءٍ فَهَذَا مِثْلُهُ وَلَهُ أَنَّ الْإِقْرَارَ بِالدَّيْنِ أَقْوَى وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ مِنْ كُلِّ الْمَالِ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ وَلَيْسَ هُوَ بِوَصِيَّةٍ مِنْ الْمَرِيضِ ، وَالْإِقْرَارُ بِالْعِتْقِ فِي الْمَرَضِ بِمَنْزِلَةِ الْوَصِيَّةِ حَتَّى اُعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ ، وَالْأَقْوَى يَدْفَعُ الْأَدْنَى فَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَبْطُلَ الْعِتْقُ أَصْلًا لَكِنَّهُ بَعْدَ الْوُقُوعِ لَا يَحْتَمِلُ الِانْتِقَاضَ فَنَقَضْنَاهُ مَعْنًى بِإِيجَابِ السِّعَايَةِ .
( قَوْلُهُ : وَادَّعَى عَبْدُهُ إعْتَاقَهُ ) أَيْ وَلَا مَالَ لِلْمَيِّتِ غَيْرُهُ

( مَاتَ وَتَرَك ابْنًا وَأَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَ رَجُلٌ : لِي عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، وَ ) قَالَ رَجُلٌ ( آخَرُ الْأَلْفُ الْمَتْرُوكُ وَدِيعَةٌ لِي وَصَدَّقَهُمَا ) أَيْ الِابْنُ ( قِيلَ الْوَدِيعَةُ عِنْدَهُ أَقْوَى وَعِنْدَهُمَا سَوَاءٌ ) هَذَا مُخْتَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ ( وَقِيلَ الْأَلْفُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا الْوَدِيعَةُ أَوْلَى ) هَذَا مُخْتَارُ صَاحِبِ الْكَافِي

قَوْلُهُ : هَذَا مُخْتَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ ) لَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ قَالَ هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدِي بَلْ ذَكَرَ الْخِلَافَ كَمَا ذُكِرَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مُخْتَارُهُ وَعِبَارَتُهُ كَمَا ذَكَرَهَا الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِهِ لِلْهِدَايَةِ قَالَ أَيْ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَمَنْ تَرَكَ عَبْدًا فَقَالَ لِلْوَارِثِ : أَعْتَقَنِي أَبُوك فِي الصِّحَّةِ ، وَقَالَ رَجُلٌ : لِي عَلَى أَبِيك أَلْفُ دِرْهَمٍ فَإِنَّ الْعَبْدَ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَقَالَا يُعْتَقُ وَلَا يَسْعَى فِي شَيْءٍ لِأَنَّ الدَّيْنَ ، وَالْعِتْقَ فِي الصِّحَّةِ لَا يُوجِبُ السِّعَايَةَ وَإِنْ كَانَ عَلَى الْمُعْتَق دَيْنٌ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ تَعْلِيلِهِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافُ الْمَذْكُورُ إذَا مَاتَ رَجُلٌ وَتَرَكَ أَلْفَ دِرْهَمٍ ، وَقَالَ رَجُلٌ لِي عَلَى الرَّجُلِ أَلْفُ دِرْهَمٍ دَيْنٌ ، وَقَالَ الْآخَرُ كَانَ لِي عِنْدَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً فَعِنْدَهُ أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى الْوَدِيعَةُ أَقْوَى وَعِنْدَهُمَا سَوَاءٌ أَيْ الدَّيْنُ ، الْوَدِيعَةُ سَوَاءٌ ا هـ .
ثُمَّ قَالَ الشَّارِحُ الْعَيْنِيُّ وَفِي عَامَّةِ الْكُتُبِ نَحْوَ الْمَنْظُومَةِ وَشُرُوحِهَا ، وَالْكَافِي ذَكَرُوا الْخِلَافَ عَلَى عَكْسِ مَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ .
وَقَالَ فِي الْكَافِي : وَلَا يَصِحُّ مَا ذَكَرُوا فِيهِمَا .
وَقَالَ الْأَتْرَازِيُّ : جَعَلَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ الْوَدِيعَةَ أَقْوَى عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَجَعَلَ الدَّيْنَ ، وَالْوَدِيعَةَ سَوَاءً عِنْدَ صَاحِبَيْهِ ، وَالْكِبَارُ قَبْلَ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ ذَكَرُوا الْخِلَافَ عَلَى عَكْسِ هَذَا ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الْكَافِي لِلْحَاكِمِ الشَّهِيدِ بَعْدَ ذِكْرِ صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْأَلْفُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ : صَاحِبُ الْوَدِيعَةِ أَوْلَى وَنَقَلَ عَنْ الْمَنْظُومَةِ مِنْ كِتَابِ الْإِقْرَارِ فِي بَابِ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ وَنُقِلَ أَيْضًا عَنْ الْقُدُورِيِّ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي التَّقْرِيبِ هَكَذَا وَكَذَا نُقِلَ عَنْ الْمَنْظُومَةِ مِنْ كِتَابِ الْإِقْرَارِ فِي بَابِ أَبِي

حَنِيفَةَ خِلَافًا لِصَاحِبَيْهِ ، فَقَالَ لَوْ تَرَكَ أَلْفًا وَهَذَا يَدَّعِي دَيْنًا ، وَذَاكَ قَالَ هَذَا مُودِعِي ، وَالِابْنُ قَدْ صَدَّقَ هَذَيْنِ مَعًا فَاسْتَوَيَا وَأَعْطَيَا مَنْ أَوْدَعَا ا هـ .
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ : بَعْدَ ذِكْرِ عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ .
وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ : ذَكَرَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ ، وَالْكَيْسَانِيُّ الْوَدِيعَةَ أَقْوَى عِنْدَهُمَا لَا عِنْدَهُ عَكْسُ مَا ذُكِرَ فِي الْهِدَايَةِ ثُمَّ قَالَ وَذُكِرَ فِي الْمَنْظُومَةِ مَا يُؤَيِّدُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ ، وَالْكَيْسَانِيَّ ثُمَّ ذَكَرَ النَّظْمَ وَوَجْهَهُ ثُمَّ قَالَ وَصَاحِبُ الْكَافِي ضَعَفَ أَيْضًا مَا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَجُعِلَ الْأَصَحُّ خِلَافُهُ ا هـ .
( قَوْلُهُ : هَذَا مُخْتَارُ صَاحِبِ الْكَافِي ) يَعْنِي النَّسَفِيَّ وَعِبَارَتُهُ وَمَنْ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنًا وَعَبْدًا فَقَالَ رَجُلٌ : لِي عَلَى أَبِيك أَلْفٌ دَيْنٌ ، وَقَالَ الْعَبْدُ : أَعْتَقَنِي أَبُوك فِي صِحَّتِهِ فَقَالَ الِابْنُ صَدَقْتُمَا سَعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَتِهِ وَيَدْفَعُ الْقِيمَةَ إلَى الْغَرِيمِ ، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ، وَقَالَا يُعْتَقُ وَلَا يَسْعَى فِي شَيْءٍ ثُمَّ قَالَ بَعْدَ تَعْلِيلِهِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا مَاتَ الرَّجُلُ وَتَرَكَ ابْنًا وَأَلْفَ دِرْهَمٍ فَقَالَ رَجُلٌ لِي عَلَى الْمَيِّتِ أَلْفُ دِرْهَمٍ ، وَقَالَ رَجُلٌ : هَذَا الْأَلْفُ الَّذِي تَرَكَهُ أَبُوك كَانَ وَدِيعَةً لِي عِنْدَ أَبِيك ، وَقَالَ الِابْنُ صَدَقْتُمَا فَعِنْدَهُ الْأَلْفُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ لِأَنَّهُ لَمْ تَظْهَرْ الْوَدِيعَةُ إلَّا ، وَالدَّيْنُ ظَاهِرٌ مَعَهَا فَيَتَحَاصَّانِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ ثُمَّ الْوَدِيعَةِ ، وَقَالَا الْوَدِيعَةُ أَحَقُّ لِأَنَّهَا ثَبَتَتْ فِي عَيْنِ الْمَالِ ، وَالدَّيْنُ يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ أَوَّلًا ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْعَيْنِ فَكَانَتْ أَسْبَقَ فَكَانَ صَاحِبُهَا أَحَقَّ كَمَا لَوْ كَانَ الْمُوَرِّثُ حَيًّا ، وَقَالَ : صَدَقْتُمَا بَعْدَ مَا قَالَا قُلْنَا الْإِقْرَارُ مِنْ الْوَارِثِ بِالدَّيْنِ يَتَنَاوَلُ التَّرِكَةَ لَا الذِّمَّةَ فَقَدْ وَقَعَا بِخِلَافِ الْمُوَرِّثِ ، وَذَكَرَ فِي الْهِدَايَةِ

فَعِنْدَهُ الْوَدِيعَةُ أَقْوَى وَعِنْدَهُمَا سَوَاءٌ ، وَالْأَصَحُّ مَا ذَكَرْنَا أَوَّلًا وَبِهِ يَنْطِقُ شَرْحُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَشَرْحُ الْمَنْظُومَةِ ا هـ .
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

( بَابُ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ وَغَيْرِهِمْ ) ( أَقَارِبُهُ ) هَذَا وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي مَحْرَمَاهُ فَصَاعِدًا ( وَأَقْرِبَاؤُهُ وَذُو قَرَابَتِهِ وَذُو أَنْسَابِهِ مَحْرَمَاهُ فَصَاعِدًا مِنْ ذَوِي رَحِمِهِ الْأَقْرَبِ ) يَعْنِي إذَا أَوْصَى لِوَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ فَهِيَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِلْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ مِنْ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ ( سِوَى الْوَالِدَيْنِ ، وَالْوَلَدِ ) إذْ لَا يُطْلَقُ عَلَيْهِمَا اسْمُ الْقَرِيبِ وَمَنْ سَمَّى ، وَالِدَهُ قَرِيبًا كَانَ عَاقًّا لِأَنَّ الْقَرِيبَ فِي الْعُرْفِ مَنْ يَتَقَرَّبُ إلَيْهِ غَيْرُهُ بِوَاسِطَةِ الْغَيْرِ وَتَقَرُّبُ الْوَالِدِ ، وَالْوَلَدِ بِنَفْسِهِمَا لَا بِغَيْرِهِمَا وَيَدْخُلُ فِيهِ الْجَدُّ ، وَالْجَدَّةُ وَوَلَدُ الْوَلَدِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِمَا ذُكِرَ وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ الْأَقْرَبِيَّةَ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ أُخْتُ الْمِيرَاثِ وَهِيَ تُعْتَبَرُ فِي الْمِيرَاثِ فَكَذَا فِيهَا ، وَالْجَمْعُ الْمَذْكُورُ فِي الْمِيرَاثِ اثْنَانِ فَكَذَا فِي الْوَصِيَّةِ وَإِنَّمَا اعْتَبَرَ الْمَحْرَمِيَّةَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْوَصِيَّةِ صِلَةُ الْقَرِيبِ فَيَخْتَصُّ بِهَا مَنْ يَسْتَحِقُّ الصِّلَةَ مِنْ قَرَابَتِهِ وَيَسْتَوِي فِيهِ الصَّغِيرُ ، وَالْكَبِيرُ ، وَالْحُرُّ ، وَالْعَبْدُ ، وَالذَّكَرُ ، وَالْأُنْثَى ، وَالْمُسْلِمُ ، وَالْكَافِرُ وَعِنْدَهُمَا يَدْخُلُ فِي الْوَصِيَّةِ كُلُّ قَرِيبٍ يُنْسَبُ إلَيْهِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ ، وَالْأُمِّ إلَى أَقْصَى أَبٍ فِي الْإِسْلَامِ وَيَسْتَوِي فِيهِ الْأَقْرَبُ ، وَالْأَبْعَدُ ، وَالْجَمْعُ ، وَالْكَافِرُ ، وَالْمُسْلِمُ وَاخْتَلَفَ فِي اشْتِرَاطِ إسْلَامِ أَقْصَى الْأَبِ .

( بَابُ الْوَصِيَّةِ لِلْأَقَارِبِ وَغَيْرِهِمْ ) ( قَوْلُهُ : يَعْنِي إذَا أَوْصَى لِوَاحِدٍ مِمَّا ذُكِرَ
إلَخْ ) غَيْرُ مُطَابِقٍ لِلْمَتْنِ .
( قَوْلُهُ : سِوَى الْوَالِدَيْنِ ، وَالْوَلَدِ ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَفِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ إيهَامُ الْخِلَافِ ( قَوْلُهُ : وَيَدْخُلُ فِيهِ الْجَدُّ ، وَالْجَدَّةُ وَوَلَدُ الْوَلَدِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ) كَذَا فِي الْكَافِي ، وَالتَّبْيِينِ وَرَأَيْت مَعْزُوًّا إلَى الْبَدَائِعِ أَنَّهُمْ لَا يَدْخُلُونَ وَهُوَ الصَّحِيحُ ا هـ .
قَوْلُهُ : وَيَسْتَوِي فِيهِ الْأَقْرَبُ ، وَالْأَبْعَدُ ، وَالْوَاحِدُ ، وَالْجَمْعُ ) مَحَلُّ الْخِلَافِ فِي الْجَمْعِ مَا إذَا لَمْ يَقُلْ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ أَمَّا لَوْ قَالَ مَعَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَلْفَاظِ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ فَإِنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ الْجَمْعُ اتِّفَاقًا لِأَنَّ الْأَقْرَبَ اسْمُ فَرْدٍ خَرَجَ تَفْسِيرًا لِلْأَوَّلِ وَيَدْخُلُ فِيهِ الْمَحْرَمُ وَغَيْرُهُ وَلَكِنْ يُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ بِصَرِيحِ شَرْطِهِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ عَنْ الْحَقَائِقِ

وَقَدْ فَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِ : الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ بِقَوْلِهِ ( فَلَوْ لَهُ عَمَّانِ وَخَالَانِ فَهُوَ ) أَيْ الْمُوصَى بِهِ ( لِعَمَّيْهِ ) يَعْنِي إذَا أَوْصَى لِأَقَارِبِهِ وَلَهُ عَمَّيْنٍ وَخَالَانِ فَالْمُوصَى بِهِ لِعَمَّيْهِ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ كَمَا فِي الْإِرْثِ وَعِنْدَهُمَا يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا لِأَنَّ اسْمَ الْقَرِيبِ يَتَنَاوَلُهُمْ وَلَا يَعْتَبِرَانِ الْأَقْرَبِيَّةَ .

( وَفِي عَمٍّ وَخَالَيْنِ نِصْفٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمَا ) أَيْ نِصْفُ الْمُوصَى بِهِ لِلْعَمِّ وَنِصْفُهُ لِلْخَالَيْنِ لِأَنَّ اللَّفْظَ جَمْعٌ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ وَهُوَ الِاثْنَانِ فِي الْوَصِيَّةِ كَمَا عُرِفَ فَيُضَمُّ إلَى الْعَمِّ الْخَالَانِ لِيَصِيرَ جَمْعًا فَيَأْخُذُ هُوَ النِّصْفَ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ وَيَأْخُذَانِ النِّصْفَ لِعَدَمِ مَنْ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِمَا فِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى لِذِي قَرَابَتِهِ حَيْثُ يَكُونُ جَمِيعُ الْوَصِيَّةِ لِلْعَمِّ لِأَنَّهُ لَفْظٌ مُفْرَدٌ فَيُحْرِزُ جَمِيعَ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّهُ الْأَقْرَبُ ( وَفِي عَمٍّ لَهُ نِصْفٌ ) لِمَا ذُكِرَ مِنْ اعْتِبَارِ مَعْنَى الْجَمْعِيَّةِ وَأَخْذُ النِّصْفِ .

( وَفِي عَمٍّ وَعَمَّةٍ اسْتَوَيَا ) لِأَنَّ قَرَابَتَهُمَا مُسْتَوِيَانِ وَمَعْنَى الْجَمْعِ قَدْ تَحَقَّقَ بِهِمَا فَاسْتَحَقُّوا .
( قَوْلُهُ : لِأَنَّ قَرَابَتَهُمَا مُسْتَوِيَانِ ) لَعَلَّهُ كَمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ لِأَنَّ قَرَابَتَهُمَا مُسْتَوِيَتَانِ ، وَالْأَوْلَى مَا قَالَ فِي الْكَافِي لِاسْتِوَاءِ قَرَابَتِهِمَا ا هـ .
فَكَانَ الْأَوْلَى لِلْمُصَنِّفِ أَنْ يَقُولَ لِأَنَّ قَرَابَتَهُمَا مُسْتَوِيَةٌ

( وَجِيرَانُهُ مُلَاصِقُوهُ ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ الْجَارَ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ الْجَارَ الْمُلَاصِقَ وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ } أَيْ بِقُرْبِهِ ، وَالْمُرَادُ هُوَ الْمُلَازِقُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا هُوَ مَنْ يَسْكُنُ مَحَلَّةُ الْمُوصِي وَيَجْمَعُهُمْ مَسْجِدُ مَحَلَّتِهِ لِأَنَّ الْكُلَّ يُسَمَّى جِيرَانًا عُرْفًا .
( قَوْلُهُ : وَجِيرَانُهُ مُلَاصِقُوهُ ) وَيَسْتَوِي السَّاكِنُ ، وَالْمَالِكُ ، وَالذَّكَرُ ، وَالْأُنْثَى ، وَالْمُسْلِمُ ، وَالذِّمِّيُّ ، وَالصَّغِيرُ ، وَالْكَبِيرُ وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الْعَبِيدُ ، وَالْإِمَاءُ ، وَالْمُدَبَّرُونَ وَأُمَّهَاتُ الْأَوْلَادِ لِأَنَّهُمْ لَا جِوَارَ لَهُمْ لِأَنَّهُمْ أَتْبَاعٌ فِي السُّكْنَى ، وَالْمُكَاتَبُ يَدْخُلُ كَذَا ذُكِرَ فِي الزِّيَادَاتِ ، وَالْمُحِيطِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ .
وَفِي الْهِدَايَةِ يَدْخُلُ فِيهِ الْعَبْدُ السَّاكِنُ عِنْدَهُ لِإِطْلَاقِهِ وَلَا يَدْخُلُ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَهُ وَصِيَّةٌ لِمَوْلَاهُ وَهُوَ غَيْرُ سَاكِنٍ كَذَا فِي الْكَافِي .
وَفِي التَّبْيِينِ وَتَدْخُلُ الْأَرْمَلَةُ لِأَنَّ سُكْنَاهَا يُضَافُ إلَيْهَا وَلَا تَدْخُلُ الَّتِي لَهَا بَعْلٌ لِأَنَّ سُكْنَاهَا غَيْرُ مُضَافٍ إلَيْهَا وَإِنَّمَا هِيَ تَبَعٌ فَلَمْ تَكُنْ جَارًا حَقِيقَةً .
ا هـ .

( وَأَصْهَارُهُ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ امْرَأَتِهِ ) { لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا تَزَوَّجَ صَفِيَّةَ أَخْرَجَ كُلَّ مَنْ مُلِكَ مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا إكْرَامًا لَهَا وَكَانُوا يُسَمَّوْنَ أَصْهَارَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } .

( قَوْلُهُ : وَأَصْهَارُهُ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ امْرَأَتِهِ ) قَالَ فِي الْكَافِي : وَهَذَا التَّفْسِيرُ اخْتِيَارُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَبِي عُبَيْدٍ ا هـ .
وَكَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ : ثُمَّ قَالَ وَفِي الصِّحَاحِ الْأَصْهَارُ أَهْلُ بَيْتِ الْمَرْأَةِ وَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِالْمَحْرَمِ ا هـ .
وَقَالَ الْعَيْنِيُّ : فِي شَرْحِهِ لِلْهِدَايَةِ قَالَ الْأَتْرَازِيُّ : قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَيْ ابْنِ الْحَسَنِ حُجَّةُ اللُّغَةِ وَاسْتَشْهَدَ بِهِ أَبُو عُبَيْدٍ فِي غَرِيبِ الْحَدِيثِ ، وَقَالَ فِي مُجْمَلِ اللُّغَةِ قَالَ الْخَلِيلُ : لَا يُقَالُ لِأَهْلِ بَيْتِ الْمَرْأَةِ إلَّا الْأَصْهَارُ وَكَذَا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ : وَقَدْ نَظَمَ الْإِمَامُ نَجْمُ الدِّينِ النَّسَفِيُّ فِي نَظْمِهِ لِكِتَابِ الزِّيَادَاتِ بَيْتَيْنِ يَشْتَمِلَانِ عَلَى مَعْنَى الصِّهْرِ ، وَالْخَتْنِ فَقَالَ أَصْهَارُ مَنْ يُوصِي أَقَارِبَ حُرْمَتِهِ وَيَزُولُ ذَاكَ بِبَائِنٍ وَحَرَامِ أَخْتَانُهُ أَزْوَاجُ كُلُّ مَحَارِمٍ وَمَحَارِمُ الْأَزْوَاجِ بِالْأَرْحَامِ .
وَقَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ الْبَزْدَوِيُّ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ : فَأَمَّا الصِّهْرُ فَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى الْخَتْنِ لَكِنَّ الْغَالِبَ مَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ حَاتِمُ بْنُ عَدِيٍّ : وَلَوْ كُنْت صِهْرًا لِابْنِ مَرْوَانَ قُرِّبَتْ رِكَابِي إلَى الْمَعْرُوفِ ، وَالظَّعْنِ الرَّحْبِ وَلَكِنَّنِي صِهْرٌ لِآلِ مُحَمَّدٍ وَخَالُ بَنِي الْعَبَّاسِ ، وَالْخَالُ كَالْأَبِ سَمَّى نَفْسَهُ صِهْرًا وَكَانَ أَخَا امْرَأَةِ الْعَبَّاسِ ا هـ .
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ : وَشَرْطُهُ أَنْ يَمُوتَ وَهِيَ مَنْكُوحَتُهُ أَوْ مُعْتَدَّتُهُ مِنْ طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ لَا بَائِنٌ سَوَاءٌ وَرِثَتْ بِأَنَّ أَبَانَهَا فِي الْمَرَضِ أَوْ لَمْ تَرِثْ .
وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ : الْأَصْهَارُ فِي عُرْفِهِمْ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ نِسَائِهِ الَّتِي يَمُوتُ هُوَ وَهُنَّ نِسَاؤُهُ وَفِي عِدَّةِ مِنْهُ ، وَفِي عُرْفِنَا أَبُو الْمَرْأَةِ وَأُمُّهَا وَلَا يُسَمَّى غَيْرُهُمَا صِهْرًا ا هـ .
وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ أَوْصَى لِأَصْهَارِهِ تَكُونُ الْوَصِيَّةُ لِكُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ امْرَأَتِهِ

وَتَكُونُ لِكُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ امْرَأَةِ أَبِيهِ وَابْنِهِ وَامْرَأَةِ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ لِأَنَّ الْكُلُّ أَصْهَارٌ ا هـ .
( قَوْلُهُ : لِأَنَّ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا تَزَوَّجَ صَفِيَّةَ } ) أَقُولُ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ ، وَالْكَافِي ، وَالتَّبْيِينِ وَشَرْحِ الْمَجْمَعِ .
وَقَالَ الْإِمَامُ الْعَيْنِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي شَرْحِهِ لِلْهِدَايَةِ قَوْلُهُ : صَفِيَّةُ ثُمَّ صَوَابُهُ جُوَيْرِيَةُ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد فِي سُنَنِهِ فِي الْعَتَاقِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ { وَقَعَتْ جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ الْمُصْطَلِقِ فِي سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ وَابْنُ عَمٍّ لَهُ فَكَاتَبَتْ عَنْ نَفْسِهَا وَكَانَتْ امْرَأَةً مَلَّاحَةً تَأْخُذُهَا الْعَيْنُ ، قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَجَاءَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كِتَابَتِهَا فَلَمَّا قَامَتْ عَلَى الْبَابِ رَأَيْتهَا فَكَرِهْت مَكَانَهَا وَعَرَفْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيَرَى مِنْهَا مِثْلَ الَّذِي رَأَيْت فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ وَقَدْ كَانَ مِنْ أَمْرِي مَا لَا يَخْفَى عَلَيْك ، وَإِنِّي وَقَعْت فِي سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ شَمَّاسٍ وَإِنَّنِي كَاتَبْت عَلَى نَفْسِي فَجِئْت أَسْأَلُك فِي كِتَابَتِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَهَلْ لَك إلَّا مَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هُوَ قَالَ : أُؤَدِّي عَنْك كِتَابَتَكِ وَأَتَزَوَّجُكِ قَالَتْ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ قَدْ فَعَلْت قَالَ فَتَسَامَعَ النَّاسُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَزَوَّجَ جُوَيْرِيَةَ فَأَرْسَلُوا مَا بِأَيْدِيهِمْ يَعْنِي مِنْ السَّبْيِ فَأَعْتَقُوهُمْ وَقَالُوا : أَصْهَارُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ فَمَا رَأَيْت امْرَأَةً أَعْظَمَ بَرَكَةً عَلَى قَوْمِهَا مِنْهَا أُعْتِقَ فِي سَبَبِهَا مِائَةُ بَيْتٍ

مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ } ا هـ .
وَرَوَاهُ الْوَاقِدِيُّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى وَفِيهِ وَكَانَ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي ضِرَارٍ رَأْسُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَسَيِّدُهُمْ وَكَانَتْ ابْنَتُهُ جُوَيْرِيَةُ اسْمُهَا بُرَّةُ فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُوَيْرِيَةَ لِأَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يُقَالَ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ بَرَّةُ وَيُقَالُ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ صَدَاقَهَا عِتْقَ كُلِّ أَسِيرٍ مِنْ بَنِي الْمُصْطَلِقِ وَيُقَالُ جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَدَاقَهَا عِتْقَ أَرْبَعِينَ مِنْ قَوْمِهَا ا هـ .
( قُلْت ) وَكَذَا فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ ، وَالْبَزَّارِ وَابْنِ رَاهْوَيْهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ { أَصَابَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِسَاءَ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَأَخْرَجَ الْخُمُسَ مِنْهُ ثُمَّ قَسَّمَ بَيْنَ النَّاسِ فَأَعْطَى الْفَارِسَ سَهْمَيْنِ ، وَالرَّاجِلَ سَهْمًا فَوَقَعَتْ جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ فِي قَسْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ الْأَنْصَارِيِّ فَكَاتَبَهَا عَلَى نَفْسِهَا عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ مِنْ ذَهَبٍ إلَى أَنْ قَالَتْ فَدَخَلَتْ تَسْأَلُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كِتَابَتِهَا فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ : أَنَا امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، وَأَنَّك رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَا جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ سَيِّدِ قَوْمِهِ أَصَابَنِي مِنْ الْأَمْرِ مَا قَدْ عَلِمْت فَوَقَعْت فِي سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ فَكَاتَبَنِي عَلَى مَا لَا طَاقَةَ لِي بِهِ وَمَا أَكْرَهَنِي عَلَى ذَلِكَ إلَّا أَنِّي رَجَوْتُك - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْك - فَأَعِنِّي فِي فِكَاكِي فَقَالَ أَوْ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ مَا هُوَ قَالَ : أُؤَدِّي عَنْك كِتَابَتَك وَأَتَزَوَّجُك قَالَتْ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ فَعَلْت فَأَدَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ عَلَيْهَا مِنْ كِتَابَتِهَا وَتَزَوَّجَهَا فَخَرَجَ الْخَبَرُ إلَى النَّاسِ فَقَالُوا أَصْهَارُ رَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسْتَرَقُّونَ

فَأَعْتَقُوا مَا كَانَ بِأَيْدِيهِمْ مِنْ سَبْيِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِائَةَ أَهْلِ بَيْتٍ قَالَتْ فَلَا أَعْلَمُ امْرَأَةً كَانَتْ عَلَى قَوْمِهَا أَعْظَمَ بَرَكَةً مِنْهَا } ا هـ .
( قُلْت ) لَكِنْ جَزَمَ الْعَيْنِيُّ بِأَنَّ قَوْلَهُ فِي الْهِدَايَةِ صَفِيَّةُ وَهْمٌ وَصَوَابُهُ جُوَيْرِيَةُ يُخَالِفُهُ مَا قَالَ فِي الْخَصَائِصِ النَّبَوِيَّةِ لِابْنِ الْمُلَقِّنِ { أَعْتَقَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفِيَّةَ وَتَزَوَّجَهَا وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا } كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ حَدِيث ابْنِ عُمَرَ أَنَّ جُوَيْرِيَةَ وَقَعَ لَهَا مِثْلُ ذَلِكَ لَكِنْ أَعَلَّهَا ابْنُ حَزْمٍ بِيَعْقُوبَ بْنِ حُمَيْدِ بْنِ كَاسِبٍ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ لَا كَمَا جُزِمَ بِتَضْعِيفِهِ ا هـ .
وَتُغْتَنَمُ هَذِهِ الْفَائِدَةُ وَتُغْتَفَرُ إطَالَتُهَا ( قَوْلُهُ : أُخْرِجَ كُلُّ مَنْ مُلِكَ مِنْ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهَا ) قَدْ عَلِمْت بِمَا سَبَقَ أَنَّ السَّبْيَ كَانَ قَدْ قُسِمَ فَالْمُخْرَجُ الصَّحَابَةُ إكْرَامًا لِرَسُولِ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهِ عَلَى أَنَّ الصِّهْرَ كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ امْرَأَتِهِ تَأَمَّلْ لِمَا قَدْ عَلِمْت مِنْ الْقِصَّةِ

( وَأَخْتَانُهُ زَوْجُ كُلِّ ذَاتِ رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ ) كَأَزْوَاجِ الْبَنَاتِ ، وَالْأَخَوَاتِ ، وَالْعَمَّاتِ ، وَالْخَالَات ( وَكَذَا كُلُّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ أَزْوَاجِ هَؤُلَاءِ ) قِيلَ هَذَا فِي عُرْفِهِمْ وَأَمَّا فِي عُرْفِنَا فَلَا يَتَنَاوَلُ أَزْوَاجَ الْمَحَارِمِ وَيَسْتَوِي فِيهِ الْحُرُّ ، وَالْعَبْدُ ، وَالْأَقْرَبُ ، وَالْأَبْعَدُ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَشْمَلُ الْكُلَّ .

( وَأَهْلُهُ امْرَأَتُهُ ) لِأَنَّهَا الْمُرَادُ بِهِ لُغَةً وَعُرْفًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { إذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ } أَيْ لِامْرَأَتِهِ يُقَالُ تَأَهَّلَ أَيْ تَزَوَّجَ وَعِنْدَهُمَا مَنْ كَانَ فِي عِيَالِهِ وَنَفَقَتِهِ اعْتِبَارًا لِلْعُرْفِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إلَّا امْرَأَتَهُ } ، وَالْمُرَادُ مَنْ كَانَ فِي عِيَالِهِ .
( قَوْلُهُ : وَأَهْلُهُ امْرَأَتُهُ ) أُجِيبَ عَمَّا أُورِدَ عَلَيْهِ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ ( قَوْلُهُ : وَعِنْدَهُمَا مَنْ كَانَ فِي عِيَالِهِ ) لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ فَإِنَّ الْمَمْلُوكَ وَالْوَارِثَ غَيْرُ دَاخِلٍ

( وَآلُهُ أَهْلُ بَيْتِهِ ) لِأَنَّ الْآلُ الْقَبِيلَةُ الَّتِي يُنْسَبُ إلَيْهَا فَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مَنْ يُنْسَبُ إلَيْهِ مِنْ قِبَلِ آبَائِهِ إلَى أَقْصَى أَبٍ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ الْأَقْرَبُ ، وَالْأَبْعَدُ ، وَالذَّكَرُ ، وَالْأُنْثَى ، وَالْمُسْلِمُ ، وَالْكَافِرُ ، وَالصَّغِيرُ ، وَالْكَبِيرُ ( وَأَبُوهُ وَجَدُّهُ مِنْهُمْ ) لِأَنَّ الْأَبَ أَهْلُ الْبَيْتِ وَكَذَا الْجَدُّ .

( وَجِنْسُهُ أَهْلُ بَيْتِ أَبِيهِ دُونَ أُمِّهِ ) لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَتَجَنَّسُ بِأَبِيهِ بِخِلَافِ قَرَابَتِهِ حَيْثُ يَكُونُ مِنْ جَانِبِ الْأَبِ ، وَالْأُمِّ .

( وَأَهْلُ بَيْتِهَا وَجِنْسُهَا ) يَعْنِي إذَا أَوْصَتْ امْرَأَةٌ لِأَهْلِ بَيْتِهَا أَوْ لِجِنْسِهَا ( لَا يَتَنَاوَلُ وَلَدَهَا إلَّا إذَا كَانَ مِنْ قَوْمِ أَبِيهَا ) كَذَا فِي الْكَافِي .

( وَوَلَدُ زَيْدٍ يَتَنَاوَلُ الذَّكَرَ ، وَالْأُنْثَى ) لِوُجُودِ مَبْدَأِ الِاشْتِقَاقِ فِيهِمَا ( وَفِي وَرَثَتِهِ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَيَيْنِ ) يَعْنِي إذَا أَوْصَى لِوَرَثَةِ فُلَانٍ فَهِيَ بَيْنَهُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ لِأَنَّهُ لَمَّا نَصَّ عَلَى لَفْظِ الْوَرَثَةِ عُلِمَ أَنَّ قَصْدَهُ التَّفْضِيلُ كَمَا فِي الْمِيرَاثِ .
( قَوْلُهُ : وَوَلَدُ زَيْدٍ يَتَنَاوَلُ الذَّكَرَ ، وَالْأُنْثَى ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ : وَالْوَصِيَّةُ بَيْنَهُمْ الذَّكَرُ ، وَالْأُنْثَى فِيهِ سَوَاءٌ .
وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِهَا قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي كِتَابِ نُكَتِ الْوَصَايَا وَلَوْ أَوْصَى لِوَلَدِ فُلَانٍ وَلَيْسَ لِفُلَانٍ وَلَدٌ صُلْبٌ فَالْوَصِيَّةُ لِوَلَدِ وَلَدِهِ وَإِذَا كَانَ لَهُ وَلَدٌ وَاحِدٌ مِنْ وَلَدِ الصُّلْبِ فَالْوَصِيَّةُ كُلُّهَا لَهُ وَلَيْسَ لِوَلَدِ الْوَلَدِ شَيْءٌ .
وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي شَرْحِ الْكَافِي لَوْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ وَاحِدٌ ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى فَجَمِيعُ الْوَصِيَّةِ لَهُ وَذَكَرَ الْكَرْخِيِّ فِي مُخْتَصَرِهِ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَإِذَا قَالَ أَوْصَيْت بِثُلُثِ مَالِي لِوَلَدِ فُلَانٍ وَلَهُ وَلَدٌ لِصُلْبٍ ذُكُورٍ وَإِنَاثٍ كَانَ الثُّلُثُ لَهُمْ بَعْدَ أَنْ يَكُونُوا اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا ، وَلَمْ يَكُنْ لِوَلَدِ وَلَدِهِ شَيْءٌ وَإِنْ كَانَ لِصُلْبِهِ وَاحِدٌ وَلَهُ وَلَدُ وَلَدٍ كَانَ لِلَّذِي لِصُلْبِهِ نِصْفُ الثُّلُثِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَكَانَ مَا بَقِيَ لِوَلَدِ وَلَدِهِ مَنْ بَعُدَ مِنْهُمْ وَمَنْ قَرُبَ بِالسَّوِيَّةِ الذَّكَرُ فِيهِ ، وَالْأُنْثَى سَوَاءٌ وَهَذَا كُلُّهُ عَلَى قِيَاسِ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى .
ا هـ .
.

( وَأَيْتَامُ بَنِي فُلَانٍ وَعُمْيَانُهُمْ وَزَمْنَاهُمْ وَأَرَامِلُهُمْ يَتَنَاوَلُ فَقِيرَهُمْ وَغَنِيَّهُمْ وَذُكُورَهُمْ وَإِنَاثَهُمْ إنْ أُحْصُوا ) إذَا أَمْكَنَ تَحْقِيقُ التَّمْلِيكِ فِي حَقِّهِمْ ، وَالْوَصِيَّةُ تَمْلِيكٌ ( وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يُحْصُوا ( فَلِفُقَرَائِهِمْ ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْوَصِيَّةِ الْقُرْبَةُ وَهِيَ سَدُّ الْخَلَّةِ وَرَدُّ الْجَوْعَةِ وَهَذِهِ الْأَسَامِي تُشْعِرُ بِتَحْقِيقِ الْحَاجَةِ فَجَازَ حَمْلُهُ عَلَى الْفُقَرَاءِ بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى لِشُبَّانِ بَنِي فُلَانٍ وَهُمْ لَا يُحْصَوْنَ أَوْ لِأَيَامَى بَنِي فُلَانٍ وَهُمْ لَا يُحْصَوْنَ حَيْثُ تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ إذْ لَيْسَ فِي اللَّفْظِ مَا يُنْبِئُ عَنْ الْحَاجَةِ وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُهُ تَمْلِيكًا فِي حَقِّ الْكُلِّ لِلْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ الْمَانِعَةِ عَنْ الصَّرْفِ إلَيْهِمْ وَفِي الْوَصِيَّةِ لِلْفُقَرَاءِ ، وَالْمَسَاكِينِ يَجِبُ الصَّرْفُ إلَى اثْنَيْنِ مِنْهُمْ اعْتِبَارًا لِمَعْنَى الْجَمْعِ وَأَقَلُّهُ اثْنَانِ فِي الْوَصَايَا كَمَا مَرَّ .
( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ مَا إذَا أَوْصَى لِشُبَّانِ بَنِي فُلَانٍ ) قَالَ فِي الْإِيضَاحِ الشَّابُّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ إلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً إلَى أَنْ يَغْلِبَ عَلَيْهِ الشَّمَطُ ، وَالْكَهْلُ مِنْ ثَلَاثِينَ إلَى خَمْسِينَ سَنَةً إلَى آخِرِ عُمْرِهِ ، وَالشَّيْخُ مَا زَادَ عَلَى خَمْسِينَ سَنَةً وَجَعَلَ أَبُو يُوسُفَ الشَّيْخَ ، وَالْكَهْلَ سَوَاءً فِيمَا زَادَ عَلَى الْخَمْسِينَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ الْغُلَامُ مَا كَانَ لَهُ أَقَلُّ مِنْ خَمْسَ عَشَرَةَ سَنَةً ، وَالْفَتَى مَنْ بَلَغَ خَمْسَةَ عَشَرَةَ وَفَوْقَ ذَلِكَ ، وَالْكَهْلُ إذَا بَلَغَ أَرْبَعِينَ فَزَادَ عَلَيْهِ مَا بَيْنَ خَمْسِينَ إلَى سِتِّينَ إلَى أَنْ يَغْلِبَ عَلَيْهِ الشَّيْبُ حَتَّى يَكُونَ شَيْخًا وَعِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ الْكَهْلُ ابْنُ ثَلَاثِينَ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسِينَ فَإِذَا جَاوَزَ خَمْسِينَ يَكُونُ شَيْخًا إلَى أَنْ يَمُوتَ كَذَا فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِلْعَيْنِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى

( وَبَنُو فُلَانٍ يَخْتَصُّ بِذُكُورِهِمْ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ : وَلَوْ أَوْصَى لِبَنِي فُلَانٍ يَدْخُلُ فِيهِ الْإِنَاثُ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَوَّلَ قَوْلِهِ وَهُوَ قَوْلُهُمَا لِأَنَّ جَمْعَ الذُّكُورِ يَتَنَاوَلُ الْإِنَاثَ ثُمَّ رَجَعَ ، وَقَالَ يَتَنَاوَلُ الذُّكُورَ خَاصَّةً لِأَنَّ حَقِيقَةَ الِاسْمِ لِلذُّكُورِ وَانْتِظَامُهُ الْإِنَاثَ تَجَوُّزٌ ، وَالْكَلَامُ بِحَقِيقَتِهِ .
وَقَالَ فِي الْكَافِي وَلَوْ أَوْصَى لِبَنِي فُلَانٍ فَهُوَ عَلَى الذُّكُورِ لَا غَيْرُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ آخِرًا اعْتِبَارًا لِلْحَقِيقَةِ .
وَقَالَ مُحَمَّدٌ : يَدْخُلُ فِيهِ الْإِنَاثُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوَّلًا .
وَقَالَ فِي الْوِقَايَةِ : وَفِي بَنِي فُلَانٍ الْأُنْثَى مِنْهُمْ أَقُولُ لَمْ يَظْهَرْ لِي سِرُّ اخْتِيَارِ صَاحِبِ الْوِقَايَةِ الْقَوْلَ الَّذِي رَجَعَ عَنْهُ الْإِمَامُ وَوَافَقَهُ أَبُو يُوسُفَ فِي رِوَايَةٍ ( إلَّا إذَا كَانَ اسْمَ قَبِيلَةٍ أَوْ فَخْذٍ ) الْفَخْذُ فِي الْعَشَائِرِ أَقَلُّ مِنْ الْبَطْنِ أَوَّلُهَا الشِّعْبُ ثُمَّ الْقَبِيلَةُ ثُمَّ الْفَصِيلَةُ ثُمَّ الْعِمَارَةُ ثُمَّ الْبَطْنُ ثُمَّ الْفَخْذُ كَذَا فِي الصِّحَاحِ ( فَيَتَنَاوَلُ الْإِنَاثَ وَمَوَالِيَ الْعَتَاقَةِ ، وَالْمُوَالَاةَ وَحُلَفَاءَهُمْ ) إذْ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا أَعْيَانَهُمْ بَلْ مُجَرَّدُ الِانْتِسَابِ كَبَنِي آدَمَ وَلِهَذَا يَدْخُلُ فِيهِ مَوْلَى الْعَتَاقَةِ ، وَالْمُوَالَاةِ وَحُلَفَاؤُهُمْ .

( أَوْصَى لِمَوَالِيهِ مَنْ لَهُ مُعْتَقُونَ وَمُعْتَقٌ مُعْتَقُونَ بَطَلَتْ ) لِأَنَّ الْمَوْلَى لَفْظٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا مَوْلَى النِّعْمَةِ ، وَالْآخَرُ مُنْعَمٌ عَلَيْهِ فَلَا يَنْتَظِمُهُمَا لَفْظٌ وَاحِدٌ فِي مَوْضِعِ الْإِثْبَاتِ بِخِلَافِ مَا إذَا حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ مَوَالِيَ فُلَانٍ حَيْثُ يَتَنَاوَلُ الْأَعْلَى ، وَالْأَسْفَلَ لِأَنَّهُ مَقَامُ النَّفْيِ وَلَا تَنَافِي فِيهِ ( إلَّا أَنْ يُبَيِّنَهُ فِي حَيَاتِهِ ) قَالَ فِي الْكَافِي : فَوَجَبَ التَّوَقُّفُ حَتَّى يَقُومَ الْبَيَانُ وَلَمْ يُوجَدْ فَبَطَلَ ضَرُورَةً ( وَيَدْخُلُ فِيهِ ) أَيْ فِي الْمَوَالِي ( مَنْ أَعْتَقَهُ فِي صِحَّتِهِ وَمَرَضِهِ ) لِتَنَاوُلِ اللَّفْظِ إيَّاهُمْ ( لَا مُدَبَّرُوهُ وَأُمَّهَاتُ أَوْلَادِهِ ) لِأَنَّ عِتْقَهُمْ يَحْصُلُ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَالْوَصِيَّةُ تُضَافُ إلَى حَالَةِ الْمَوْتِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَحَقُّقِ الِاسْمِ قَبْلَهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ لِأَنَّ سَبَبَ الِاسْتِحْقَاقُ لَازِمٌ فِي حَقِّهِمْ فَيُطْلَقُ اسْمُ الْمَوْلَى عَلَيْهِمْ
( قَوْلُهُ : أَوْصَى لِمَوَالِيهِ ) قَالَ فِي الْكَافِي : وَيَدْخُلُ فِيهِ مَنْ يُعْتَقُ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاةِ الْمُوصِي كَقَوْلِهِ : إنْ لَمْ أَضْرِبْك فَأَنْتَ حُرٌّ فَمَاتَ قَبْلَ ضَرْبِهِ ، وَلَوْ كَانَ الْمُوصِي مِنْ الْعَرَبِ فَأَوْصَى لِمَوَالِيهِ بِثُلُثِ مَالِهِ صَحَّتْ لِأَنَّ الْعَرَبَ لَا تُسْتَرَقُّ وَلَا تُسْبَى فَلَا يَكُونُ لَهُ إلَّا الْمَوْلَى الْأَسْفَلُ فَبَطَلَ الِاشْتِرَاكُ فَصَحَّتْ الْوَصِيَّةُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

( بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ ، وَالسُّكْنَى ، وَالثَّمَرَةِ ) ( صَحَّ الْوَصِيَّةُ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ وَسُكْنَى دَارِهِ مُدَّةً مُعَيَّنَةً وَأَبَدًا ) لِأَنَّ الْمَنَافِعَ يَصِحُّ تَمْلِيكُهَا فِي حَالِ الْحَيَاةِ بِبَدَلٍ وَبِدُونِهِ فَكَذَا بَعْدَ الْمَمَاتِ لِحَاجَتِهِ كَمَا فِي الْأَعْيَانِ وَيَكُونُ مَحْبُوسًا فِي مِلْكِهِ فِي حَقِّ الْمَنْفَعَةِ حَتَّى يَتَمَلَّكَهَا الْمُوصَى لَهُ عَلَى مِلْكِ الْمُوصِي كَمَا يَسْتَوْفِي الْمَوْقُوفُ عَلَيْهِ مَنَافِعَ الْوَقْفِ عَلَى حُكْمِ مِلْكِ الْوَاقِفِ وَيَجُوزُ مُؤَقَّتًا وَمُؤَبَّدًا كَمَا فِي الْعَارِيَّةِ فَإِنَّهَا تَمْلِيكٌ عَلَى أَصْلِنَا بِخِلَافِ الْمِيرَاثِ فَإِنَّهُ خِلَافُهُ فِيمَا يَتَمَلَّكُهُ الْمُوَرَّثُ وَهُوَ فِي عَيْنٍ تَبْقَى ، وَالْمَنْفَعَةُ عَرَضٌ لَا يَبْقَى حَتَّى إنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ إذَا مَاتَ لَا تُورَثُ عَنْهُ ( وَبِغَلَّتِهِمَا ) أَيْ صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ بِغَلَّةِ عَبْدٍ وَغَلَّةِ دَارٍ لِأَنَّهَا بَدَلُ الْمَنْفَعَةِ فَأَخَذَتْ حُكْمَهَا ( فَإِنْ خَرَجَتْ رَقَبَتُهُمَا ) أَيْ رَقَبَةُ الْعَبْدِ ، وَالدَّارُ ( سُلِكَتْ إلَيْهِ ) أَيْ إلَى الْمُوصَى لَهُ ( لَهَا ) أَيْ لِلْوَصِيَّةِ لِأَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ فِي الثُّلُثِ لَا يُزَاحِمُهُ الْوَرَثَةُ ( وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْ رَقَبَتَهُمَا مِنْ الثُّلُثِ ( يُهَايَأُ الْعَبْدُ ) أَيْ يَخْدُمُ الْوَرَثَةَ يَوْمَيْنِ ، وَالْمُوصَى لَهُ يَوْمًا لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الثُّلُثِ وَحَقَّهُمْ فِي الثُّلُثَيْنِ كَمَا فِي الْوَصِيَّةِ بِالْعَيْنِ وَلَا يُمْكِنُ قِسْمَةُ الْعَبْدِ أَجْزَاءً لِأَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ فَصِرْنَا إلَى الْمُهَايَأَةِ إيفَاءً لِلْحَقَّيْنِ .
بَابُ الْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ ، وَالسُّكْنَى ، وَالثَّمَرَةِ

( وَيَقْسِمُ الدَّارَ أَثْلَاثًا ) يَعْنِي إذَا أَوْصَى بِسُكْنَى الدَّارِ وَلَمْ يَكُنْ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ يَقْسِمُ عَيْنَ الدَّارِ أَثْلَاثًا لِلِانْتِفَاءِ لِإِمْكَانِ الْقِسْمَةِ بِالْأَجْزَاءِ وَهُوَ أَعْدَلُ لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَهُمَا زَمَانًا وَذَاتًا وَفِي الْمُهَايَأَةِ تَقْدِيمُ أَحَدِهِمَا زَمَانًا ( أَوْ مُهَايَأَةً ) أَيْ اقْتَسَمُوا الدَّارَ مُهَايَأَةً مِنْ حَيْثُ الزَّمَانُ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمْ إلَّا أَنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى ( وَلَيْسَ لِلْوَرَثَةِ بَيْعُ مَا فِي أَيْدِيهمْ مِنْ ثُلُثَيْهَا ) أَيْ الدَّارِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ لَهُمْ ذَلِكَ لِأَنَّ خَالِصَ مِلْكِهِمْ وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ حَقَّ الْمُوصَى لَهُ ثَابِتٌ فِي سُكْنَى جَمِيعِ الدَّارِ بِأَنْ يَظْهَرَ لِلْمَيِّتِ مَالٌ آخَرُ وَكَذَا لَهُ حَقُّ الْمُزَاحَمَةِ فِيمَا فِي أَيْدِيهمْ إذَا خَرِبَ مَا فِي يَدِهِ ، وَالْبَيْعُ يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ ذَلِكَ فَمُنِعُوا عَنْهُ .

قَوْلُهُ : وَتُقْسَمُ الدَّارُ ثَلَاثًا ) لَا يَخْفَى إيهَامُ ظَاهِرِ مَتْنِهِ أَنَّ الْقِسْمَةَ فِي كُلٍّ مِنْ الْوَصِيَّةِ بِغَلَّةِ الدَّارِ وَسُكْنَاهَا وَلَيْسَ هَذَا إلَّا فِي الْوَصِيَّةِ بِالسُّكْنَى فَلَهُ الْقِسْمَةُ ، وَالْمُهَايَأَةُ كَمَا ذُكِرَ لَا فِي الْوَصِيَّةِ بِغَلَّةِ الدَّارِ لِمَا قَالَ فِي الْكَافِي بَعْدَ ذِكْرِ مَسْأَلَةِ الْوَصِيَّةِ بِالسُّكْنَى وَلَوْ أَوْصَى بِغَلَّةِ الدَّارِ يَجُوزُ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ كَانَ لَهُ ثُلُثُ الْغَلَّةِ فَلَوْ أَرَادَ الْمُوصَى لَهُ قِسْمَةَ الدَّارِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَرَثَةِ لِيَكُونَ هُوَ الَّذِي يَسْتَغِلُّ ثُلُثَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ كَالشَّرِيكِ وَلَنَا أَنَّ الْقِسْمَةَ تُبْنَى عَلَى ثُبُوتِ حَقِّ الْمُوصَى لَهُ وَلَا حَقَّ لَهُ فِي عَيْنِ الدَّارِ وَإِنَّمَا حَقُّهُ فِي الْغَلَّةِ ا هـ .
وَلِهَذَا صَرَفَ الْمُصَنِّفُ عُمُومَ الْمَتْنِ بِقَوْلِهِ شَرْحًا يَعْنِي إذَا أَوْصَى بِسُكْنَى الدَّارِ فَقَصَرَ الْحُكْمَ فِي الْقِسْمَةِ عَلَى مَا إذَا أَوْصَى بِالسُّكْنَى وَسَنَذْكُرُ أَنَّ الْمُوصَى لَهُ بِالْغَلَّةِ لَا سُكْنَى لَهُ فِي الْأَصَحِّ فَلْيُتَنَبَّهْ لِهَذِهِ الدَّقِيقَةِ

( وَتَبْطُلُ ) أَيْ الْوَصِيَّةُ ( بِمَوْتِهِ ) أَيْ مَوْتِ الْمُوصَى لَهُ ( فِي حَيَاةِ مُوصِيهِ ) لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ إيجَابَ الْوَصِيَّةِ يَكُونُ بَعْدَ الْمَوْتِ فَإِذَا مَاتَ الْمُوصَى لَهُ لَمْ يَصِحَّ الْإِيجَابُ كَمَا لَا يَصِحُّ إيجَابُ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي بَعْدَ مَوْتِهِ ( وَبَعْدَ مَوْتِهِ ) أَيْ مَوْتِ الْمُوصَى لَهُ ( يَعُودُ ) أَيْ الْمُوصَى بِهِ ( إلَى الْوَرَثَةِ ) لِأَنَّ الْمُوصِيَ أَوْجَبَ الْحَقَّ لِلْمُوصَى لَهُ لِيَسْتَوْفِيَ الْمَنَافِعَ عَلَى حُكْمِ مِلْكِهِ فَلَوْ انْتَقَلَ إلَى وَارِثِ الْمُوصَى لَهُ اسْتَحَقَّهَا ابْتِدَاءً مِنْ مِلْكِ الْمُوصِي بِلَا رِضَاهُ وَهُوَ غَيْرُ جَائِزٍ .

( وَلَيْسَ لِلْمُوصَى لَهُ بِالْخِدْمَةِ ، وَالسُّكْنَى أَنْ يُؤَجِّرَ الْعَبْدَ أَوْ الدَّارَ ) لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَيْسَتْ بِمَالٍ عَلَى أَصْلِنَا وَفِي تَمْلِيكِهَا بِالْمَالِ إحْدَاثُ صِفَةِ الْمَالِيَّةِ فِيهَا تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ فِي عَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ وَإِنَّمَا تَثْبُتُ هَذِهِ الْوِلَايَةُ لِمَنْ تَمَلَّكَهَا تَبَعًا لِمِلْكِ الرَّقَبَةِ أَوْ لِمَنْ تَمَلَّكَهَا بَعْدَ الْمُعَاوَضَةِ حَتَّى يَكُونَ مُمَلَّكًا لَهَا بِالصِّفَةِ الَّتِي تَمَلَّكَهَا بِهَا أَمَّا إذَا تَمَلَّكَهَا مَقْصُودَةً بِغَيْرِ عِوَضٍ ثُمَّ مَلَكَهَا بِعِوَضٍ كَانَ مُمَلَّكًا أَكْثَرَ مِمَّا تَمَلَّكَهَا مَعْنًى وَهُوَ لَا يَجُوزُ .

( وَلَا لِلْمُوصَى لَهُ بِالْغَلَّةِ اسْتِخْدَامُهُ ) أَيْ الْعَبْدِ ( أَوْ سُكْنَاهَا ) أَيْ الدَّارِ ( فِي الْأَصَحِّ ) لِأَنَّهُ أَوْصَى لَهُ بِالْغَلَّةِ وَهِيَ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ وَهَذَا اسْتِيفَاءُ الْمَنْفَعَةِ نَفْسِهَا وَلَا شَكَّ أَنَّهُمَا مُتَغَايِرَانِ وَمُتَفَاوِتَانِ فِي حَقِّ الْوَرَثَةِ فَإِنَّهُ لَوْ ظَهَرَ دَيْنٌ يُمْكِنُهُمْ أَدَاؤُهُ مِنْ الْغَلَّةِ بِاسْتِرْدَادِهَا مِنْهُ بَعْدَ اسْتِغْلَالِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَوْفَى الْمَنَافِعَ نَفْسَهَا .

( وَ ) لَا ( أَنْ يَخْرُجَ الْعَبْدُ مِنْ الْبَلْدَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ هُوَ وَأَهْلُهُ فِي غَيْرِهَا فَيُخْرِجُهُ لِلْخِدْمَةِ إنْ خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ ) لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ تَنْفُذُ عَلَى مَا يُعْرَفُ مِنْ مَقْصُودِ الْمُوصِي فَإِذَا كَانَ الْمُوصَى لَهُ وَأَهْلُهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَمَقْصُودُهُ أَنْ يُحْمَلَ الْعَبْدُ إلَى أَهْلِهِ لِيَخْدُمَهُمْ وَإِذَا كَانُوا فِي مِصْرٍ فَمَقْصُودُهُ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْ خِدْمَةِ الْعَبْدِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْزَمَهُ مَشَقَّةُ السَّفَرِ فَلَا يَكُونُ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ بَلَدِهِ ( وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ ( فَلَا ) أَيْ لَا يَخْرُجُ الْعَبْدُ لِلْخِدْمَةِ ( إلَّا بِإِذْنِ الْوَرَثَةِ ) لِبَقَاءِ حَقِّهِمْ فِيهِ .

( أَوْصَى لِرَجُلٍ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ سَنَةً وَلِآخَرَ بِخِدْمَتِهِ سَنَتَيْنِ وَلَمْ يُجِيزُوا ) أَيْ الْوَرَثَةُ ( خَدَمَهُمْ ) أَيْ الْعَبْدُ الْوَرَثَةَ ( سِتَّةَ أَيَّامٍ ، وَ ) خَدَمَ ( الْمُوصَى لَهُمَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يَوْمًا لِصَاحِبِ السَّنَةِ وَيَوْمَيْنِ لِصَاحِبِ السَّنَتَيْنِ حَتَّى يَمْضِيَ تِسْعُ سِنِينَ ) لِأَنَّ عَيْنَ الْعَبْدِ لَا يُقْسَمُ فَيُقْسَمُ بِالتَّهَايُؤِ زَمَانًا تَوْقِيرًا لِحُقُوقِهِمْ .
( قَوْلُهُ : أَوْصَى لِرَجُلٍ بِخِدْمَةِ عَبْدِهِ سَنَةً وَلِآخَرَ بِخِدْمَتِهِ سَنَتَيْنِ
إلَخْ ) كَذَا فِي الْكَافِي ثُمَّ قَالَ : وَلَوْ عَيَّنَ فَقَالَ لِفُلَانٍ هَذِهِ السَّنَةُ وَلِفُلَانٍ هَذِهِ وَسَنَةٌ أُخْرَى يَخْدُمُ فِي السَّنَةِ الْأُولَى الْوَرَثَةَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ وَلَهُمَا يَوْمَيْنِ وَفِي الثَّانِيَةِ الْوَرَثَةَ يَوْمَيْنِ ، وَالْمُوصَى لَهُ يَوْمًا لِانْقِضَاءِ وَصِيَّةِ الْآخَرِ .
ا هـ .
.

( أَوْصَى بِهَذَا الْعَبْدِ لِفُلَانٍ وَبِخِدْمَتِهِ لِآخَرَ وَهُوَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ صَحَّ ) أَيْ الْإِيصَاءُ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا شَيْئًا مَعْلُومًا وَمَا أَوْجَبَهُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا يَحْتَمِلُ الْوَصِيَّةَ بِانْفِرَادِهِ فَلَا يَتَحَقَّقُ بَيْنَهُمَا مُشَارَكَةٌ فِيمَا أَوْجَبَهُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا ثُمَّ إذَا صَحَّتْ الْوَصِيَّةُ لِصَاحِبِ الْخِدْمَةِ فَلَوْ لَمْ يُوصِ فِي الرَّقَبَةِ بِشَيْءٍ لَصَارَتْ الرَّقَبَةُ مِيرَاثًا لِلْوَرَثَةِ مَعَ كَوْنِ الْخِدْمَة لِلْمُوصَى لَهُ فَكَذَا إذَا أَوْصَى بِالرَّقَبَةِ لِإِنْسَانٍ آخَرَ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ كَالْمِيرَاثِ فِي كَوْنِ الْمِلْكِ يَثْبُتُ بَعْدَ الْمَوْتِ .
( قَوْلُهُ : أَوْصَى بِهَذَا الْعَبْدِ لِفُلَانٍ وَبِخِدْمَتِهِ لِآخَرَ ) قَالَهُ الْعَيْنِيُّ : فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَنَفَقَتُهُ إذَا لَمْ يُطِقْ الْخِدْمَةَ عَلَى الْمُوصَى لَهُ بِالرَّقَبَةِ إلَى أَنْ يُدْرِكَ الْخِدْمَةَ لِأَنَّ بِهَا نُمُوَّ الْعَيْنِ وَهُوَ يَقَعُ لِصَاحِبِ الرَّقَبَةِ فَإِذَا أَدْرَكَ الْخِدْمَةَ صَارَ كَالْكَبِيرِ ، وَالنَّفَقَةُ فِي الْكَبِيرِ عَلَى مَنْ لَهُ الْخِدْمَةُ وَإِنْ أَبَى الْإِنْفَاقَ عَلَيْهِ رَدَّهُ إلَى مَنْ لَهُ الرَّقَبَةُ كَالْمُسْتَعِيرِ مَعَ الْمُعِيرِ وَإِنْ جَنَى فَالْفِدَاءُ عَلَى مَنْ لَهُ الْخِدْمَةُ وَلَوْ أَبَى فَدَاهُ صَاحِبُ الرَّقَبَةِ أَوْ يَدْفَعُهُ وَبَطَلَتْ الْوَصِيَّةُ

( وَ ) أَوْصَى ( لِرَجُلٍ بِثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ فَمَاتَ ) أَيْ الْمُوصِي ( وَفِيهِ ثَمَرَةٌ تَكُونُ لَهُ ) أَيْ لِلْمُوصَى لَهُ ( هَذِهِ الثَّمَرَةُ فَقَطْ ) لَا مَا يَحْدُثُ بَعْدَهَا ( وَإِنْ ضَمَّ ) أَيْ الْمُوصِي ( أَبَدًا ) بِأَنْ قَالَ : ثَمَرَةُ بُسْتَانِي لَهُ أَبَدًا ( فَلَهُ مَعَهَا ) أَيْ مَعَ الثَّمَرَةِ الْأُولَى ( مَا يَحْدُثُ بَعْدَهَا ) مُطْلَقًا ( كَمَا فِي غَلَّةِ بُسْتَانِهِ ) يَعْنِي إذَا أَوْصَى لَهُ بِغَلَّةِ بُسْتَانِهِ فَلَهُ الْغَلَّةُ الْقَائِمَةُ وَغَلَّتُهُ فِيمَا يُسْتَقْبَلُ ، وَإِنْ لَمْ يَقُلْ أَبَدًا ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الثَّمَرَةَ اسْمٌ لِلْمَوْجُودِ عُرْفًا فَلَا يَتَنَاوَلُ الْمَعْدُومَ إلَّا بِدَلَالَةٍ زَائِدَةٍ كَالتَّنْصِيصِ عَلَى الْأَبَدِ لِأَنَّهُ لَا يَتَأَبَّدُ إلَّا بِتَنَاوُلِ الْمَعْدُومِ ، وَالْمَعْدُومُ مِمَّا يُذْكَرُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا ، وَأَمَّا الْغَلَّةُ فَيَتَنَاوَلُ الْمَوْجُودَ وَمَا هُوَ بِعَرْضِيَّةٍ الْوُجُودِ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى عُرْفًا يُقَالُ فُلَانٌ يَأْكُلُ مِنْ غَلَّةِ بُسْتَانِهِ وَمِنْ غَلَّةِ أَرْضِهِ أَوْ دَارِهِ فَإِذَا أُطْلِقَتْ يَتَنَاوَلُهُمَا بِلَا تَوَقُّفٍ عَلَى دَلَالَةٍ أُخْرَى بِخِلَافِ الثَّمَرَةِ إذَا أُطْلِقَتْ حَيْثُ لَا يُرَادُ بِهَا إلَّا الْمَوْجُودُ فَلِهَذَا يَفْتَقِرُ الصَّرْفُ عَنْهُ إلَى دَلِيلٍ زَائِدٍ .

قَوْلُهُ : ) إنَّمَا قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْبُسْتَانِ ثَمَرَةٌ ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَهِيَ كَمَسْأَلَةِ الْغَلَّةِ فِي تَنَاوُلِهَا الثَّمَرَةَ الْمَعْدُومَةَ مَا عَاشَ الْمُوصِي لَهُ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَالْعَيْنِيُّ وَسَقْيُ الْبُسْتَانِ وَخَرَاجُهُ وَمَا فِيهِ صَلَاحُهُ عَلَى صَاحِبِ الْغَلَّةِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمُنْتَفِعُ بِهِ كَمَا فِي النَّفَقَةِ ( قَوْلُهُ : ، وَالْمَعْدُومُ مِمَّا يُذْكَرُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا ) قَالَ الْعَيْنِيُّ وَهَذَا كَالْوَصِيَّةِ بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَا مَالَ لَهُ ثُمَّ اكْتَسَبَ مَالًا عِنْدَ الْمَوْتِ يَسْتَحِقُّ ثُلُثَهُ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَعْدُومَ مَذْكُورٌ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْمَعْدُومَ شَيْءٌ وَهَذَا نَفْيٌ لِقَوْلِ الْمُعْتَزِلَةِ وَاسْتِدْلَالِهِمْ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى أَنَّ الْمَعْدُومَ شَيْءٌ .
ا هـ .

( وَأَوْصَى بِصُوفِ غَنَمِهِ وَوَلَدِهَا وَلَبَنِهَا لَهُ مَا فِي وَقْتِ مَوْتِهِ ضَمَّ أَبَدًا أَوْ لَا ) يَعْنِي إذَا أَوْصَى بِصُوفِ غَنَمِهِ أَوْ بِأَوْلَادِهَا أَوْ بِلَبَنِهَا ثُمَّ مَاتَ فَلَهُ مَا فِي بُطُونِهَا مِنْ الْوَلَدِ وَمَا فِي ضُرُوعِهَا مِنْ اللَّبَنِ وَمَا عَلَى ظُهُورِهَا مِنْ الصُّوفِ يَوْمَ يَمُوتُ الْمُوصَى سَوَاءٌ قَالَ أَبَدًا أَوْ لَمْ يَقُلْ لِأَنَّهُ إيجَابٌ عِنْدَ الْمَوْتِ فَيُعْتَبَرُ قِيَامُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَوْمَئِذٍ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى تَمْلِيكَ الْمَعْدُومِ إلَّا أَنَّ فِي الثَّمَرَةِ ، وَالْغَلَّةِ الْمَعْدُومَةِ جَاءَ الشَّرْعُ بِوُرُودِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا كَالْمُعَامَلَةِ ، وَالْإِجَارَةِ فَاقْتَضَى ذَلِكَ جَوَازَهُ فِي الْوَصِيَّةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّ بَابَهَا أَوْسَعُ أَمَّا الْوَلَدُ ، وَالصُّوفُ ، وَاللَّبَنُ فَلَا يَجُوزُ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهَا أَصْلًا وَلَا يُسْتَحَقُّ بِعَقْدٍ مَا فَكَذَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْوَصِيَّةِ بِخِلَافِ الْمَوْجُودِ مِنْهَا لِأَنَّهُ يَجُوزُ اسْتِحْقَاقُهَا بِعَقْدِ الْبَيْعِ تَبَعًا ، وَبِعَقْدِ الْخُلْعِ مَقْصُودًا فَكَذَا بِالْوَصِيَّةِ .

( قَوْلُهُ : وَأَوْصَى بِصُوفِ غَنَمِهِ
إلَخْ ) مَسَائِلُ هَذَا الْبَابِ عَلَى وُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ مِنْهَا مَا يَقَعُ عَلَى الْمَوْجُودِ ، وَالْمَعْدُومِ ذَكَرَ الْأَبَدَ أَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ كَالْوَصِيَّةِ بِالْخِدْمَةِ ، وَالسُّكْنَى ، وَالْغَلَّةِ ، وَالثَّمَرَةِ وَلَمْ تَكُنْ مَوْجُودَةً عِنْدَ مَوْتِهِ ، وَمِنْهَا مَا يَقَعُ عَلَى الْمَوْجُودِ دُونَ الْمَعْدُومِ ذَكَرَ الْأَبَدَ أَوْ لَمْ يَذْكُرْهُ كَالْوَصِيَّةِ بِاللَّبَنِ فِي الضَّرْعِ ، وَالصُّوفِ عَلَى ظَهْرِ الْغَنَمِ ، وَالْوَلَدِ فِي الْبَطْنِ وَمِنْهَا مَا يَقَعُ عَلَى الْمَوْجُودِ ، وَالْمَعْدُومِ إنْ ذَكَرَ الْأَبَدَ وَإِلَّا فَعَلَى الْمَوْجُودِ فَقَطْ كَالْوَصِيَّةِ بِثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ وَفِيهِ ثَمَرَةٌ كَذَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ : وَبِعَقْدِ الْخُلْعِ مَقْصُودًا ) صُورَتُهُ قَالَتْ : لِزَوْجِهَا خَالِعْنِي عَلَى مَا فِي بَطْنِ جَارِيَتِي أَوْ غَنَمِي صَحَّ وَلَهُ مَا فِي بَطْنِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْبَطْنِ شَيْءٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ وَمَا حَدَثَ بَعْدَهُ لِلْمَرْأَةِ لِأَنَّ مَا فِي الْبَطْنِ قَدْ يَكُونُ لَهُ حَقِيقَةٌ وَقَدْ لَا يَكُونُ فَلَمْ تَغْرَمْ حَتَّى لَوْ قَالَتْ حَمْلُ جَارِيَتِي وَلَيْسَ فِي بَطْنِهَا حَمْلٌ تَرُدُّ الْمَهْرَ كَذَا قَالَهُ الْعَيْنِيُّ نَقْلًا عَنْ الشَّامِلِ

( أَوْصَى بِجَعْلِ دَارِهِ مَسْجِدًا وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْ الثُّلُثِ وَأَجَازُوا ) أَيْ الْوَرَثَةُ ( تُجْعَلُ مَسْجِدًا ) لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْجَوَازِ تَعَلُّقُ حَقِّهِمْ فَإِذَا أَجَازُوا زَالَ الْمَانِعُ ( فَإِنْ لَمْ يُجِيزُوا يُجْعَلُ ثُلُثُهَا مَسْجِدًا ) رِعَايَةً لِجَانِبِ الْوَارِثِ ، وَالْوَصِيَّةِ .

( وَ ) أَوْصَى ( بِظَهْرِ مَرْكَبِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى بَطَلَتْ ) أَيْ الْوَصِيَّةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لِأَنَّ وَقْفَ الْمَنْقُولِ غَيْرُ جَائِزٍ عِنْدَهُ فَكَذَا الْوَصِيَّةُ وَعِنْدَهُمَا يَجُوزُ .

( إنْ أَوْصَى بِشَيْءٍ لِلْمَسْجِدِ لَمْ يَجُزْ إلَّا أَنْ يَقُولَ يُنْفَقُ عَلَيْهِ ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْمِلْكِ ، وَالْوَصِيَّةُ تَمْلِيكٌ وَذِكْرُ النَّفَقَةِ بِمَنْزِلَةِ الْوَقْفِ عَلَى مَصَالِحِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَجُوزُ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى الْأَمْرِ بِالصَّرْفِ إلَى مَصَالِحِهِ تَصْحِيحًا لِلْكَلَامِ .
( قَوْلُهُ : أَوْصَى بِشَيْءٍ لِلْمَسْجِدِ
إلَخْ ) كَذَا فِي الْكَافِي ، وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ : الْوَصِيَّةُ لِمَسْجِدِ كَذَا أَوْ لِقَنْطَرَةِ كَذَا جَائِزَةٌ وَهُوَ لِمَرَمَّتِهَا وَإِصْلَاحِهَا كَذَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ بَاطِلٌ إلَّا أَنْ يَقُولَ يُنْفَقُ عَلَى الْمَسْجِدِ ا هـ .
وَقَالَ قَاضِي خَانْ : لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِلْمَسْجِدِ وَعَيَّنَ الْمَسْجِدَ أَوْ لَمْ يُعَيِّنْهُ فَهِيَ بَاطِلَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى جَائِزَةٌ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَوْ أَوْصَى بِأَنْ يُنْفِقَ ثُلُثَهُ عَلَى الْمَسْجِدِ جَازَ فِي قَوْلِهِمْ ا هـ .
وَمِثْلُهُ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَفِيهَا أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِلْكَعْبَةِ جَازَ لِمَسَاكِينِ مَكَّةَ وَلِبَيْتِ الْمَقْدِسِ جَازَ عَلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَيُصْرَفُ إلَى سِرَاجِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ فِي الْخُلَاصَةِ ، وَالْخَانِيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

( قَالَ : أَوْصَيْت بِثُلُثِي لِفُلَانٍ أَوْ فُلَانٍ بَطَلَتْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) لِجَهَالَةِ الْمُوصَى لَهُ ( وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَهُمَا أَنْ يَصْطَلِحَا عَلَى أَخْذِ الثُّلُثِ ) كَمَا لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ أَوْ فُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفٌ ( وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُخَيَّرُ الْوَرَثَةُ ) فَأَيُّهُمَا شَاءُوا أَعْطَوْا لِقِيَامِهِمْ مَقَامَهُ كَذَا فِي الْكَافِي .

( فَصْلٌ ) ( وَصَايَا الذِّمِّيِّ ) عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ لِأَنَّهَا ( إمَّا بِمَعْصِيَةٍ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ كَمَا لِلْمُغَنِّيَاتِ ، وَالنَّائِحَاتِ فَتَصِحُّ ) لَوْ كَانَتْ ( لِقَوْمٍ مُعَيَّنِينَ تَمْلِيكًا مِنْ الثُّلُثِ ) فَإِنَّهُمْ لَمَّا تَعَيَّنُوا جَازَ تَمْلِيكُهُمْ ( وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يَكُونُوا مُعَيَّنِينَ ( فَلَا ) أَيْ لَا تَصِحُّ أَصْلًا أَمَّا تَمْلِيكًا فَلِأَنَّ التَّمْلِيكَ لِلْمَجْهُولِ لَا يَصِحُّ وَأَمَّا قُرْبَةً فَلِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ عِنْدَ الْكُلِّ فَكَيْفَ تَصِحُّ قُرْبَةً ( وَأَمَّا بِمَعْصِيَةٍ عِنْدَهُمْ وَقُرْبَةٍ عِنْدَنَا كَجَعْلِ دَارِهِ مَسْجِدًا أَوْ الْإِسْرَاجِ فِي الْمَسْجِدِ فَلَا تَصِحُّ اتِّفَاقًا ) اعْتِبَارًا لِاعْتِقَادِهِمْ لِأَنَّا نَعْمَلُ مَعَهُمْ بِدِيَانَتِهِمْ ( إلَّا أَنْ تَكُونَ لِقَوْمٍ بِأَعْيُنِهِمْ ) فَحِينَئِذٍ تَصِحُّ تَمْلِيكًا مِنْهُمْ وَذِكْرُ الْجِهَةِ مَشُورَةٌ ( وَإِمَّا بِقُرْبَةٍ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمْ كَجَعْلِ ثُلُثِهِ لِلْفُقَرَاءِ أَوْ عِتْقِ الرَّقَبَةِ أَوْ الْإِسْرَاجِ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَتَصِحُّ اتِّفَاقًا ) لِأَنَّ الدِّيَانَةَ مُتَّفِقَةٌ مِنْ الْكُلِّ ( وَإِمَّا بِقُرْبَةٍ عِنْدَهُمْ وَمَعْصِيَةٍ عِنْدَنَا كَجَعْلِ دَارِهِ بِيعَةً ) لِلْيَهُودِ ( أَوْ كَنِيسَةً ) لِلنَّصَارَى ( أَوْ بَيْتَ نَارٍ ) لِلْمَجُوسِ ( فَتَصِحُّ مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ عَيَّنَ قَوْمًا أَوْ لَا ( وَعِنْدَهُمَا لَا ) أَيْ لَا تَصِحُّ إلَّا أَنْ يُوصَى ( لِمُعَيَّنِينَ ) لَهُمَا أَنَّهُ وَصِيَّةٌ بِالْمَعْصِيَةِ وَفِي تَنْفِيذِهَا تَقْرِيرٌ لِلْمَعْصِيَةِ ، وَالسَّبِيلُ فِي الْمَعْصِيَةِ رَدُّهَا لَا تَنْفِيذُهَا وَلَهُ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ دِيَانَتُهُمْ فِي حَقِّهِمْ لِأَنَّا أُمِرْنَا بِأَنْ نَتْرُكَهُمْ وَمَا يَدِينُونَ وَهِيَ قُرْبَةٌ عِنْدَهُمْ فَتَصِحُّ .

فَصْلٌ ( قَوْلُهُ : كَمَا لِلْمُغَنِّيَاتِ ، وَالنَّائِحَاتِ فَتَصِحُّ لَوْ كَانَتْ لِقَوْمٍ مُعَيَّنِينَ ) يَعْنِي وَهُمْ يُحْصُونَ كَمَا فِي الْكَافِي ( قَوْلُهُ : إلَّا أَنْ يَكُونَ لِقَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ ) يَعْنِي كَبِنَاءِ مَسْجِدٍ لِقَوْمٍ مُعَيَّنِينَ وَكَذَا الْإِسْرَاجُ يَعْنِي فِي مَسْجِدِ قَوْمٍ مُعَيَّنِينَ ( قَوْلُهُ : وَذِكْرُ الْجِهَةِ مَشُورَةٌ ) أَيْ أَنَّ كَلَامَ الْمُوصِي فِي صَرْفِ الْمَالِ الْمُوصَى بِهِ إلَى اسْتِضَاءَةِ الْمَسْجِدِ وَغَيْرِهَا خَرَجَ مِنْهُ عَلَى طَرِيقِ الْمَشُورَةِ لَا عَلَى طَرِيقِ الْإِلْزَامِ قَالَ قَاضِي خَانْ فَلَوْ كَانَ لِقَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ صَحَّتْ وَيَكُونُ تَمْلِيكًا مِنْهُمْ وَتَبْطُلُ الْجِهَةُ الَّتِي عَيَّنَهَا إنْ شَاءُوا فَعَلُوا وَإِنْ شَاءُوا تَرَكُوا وَكَذَا ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ ( قَوْلُهُ : بِيعَةٌ لِلْيَهُودِ أَوْ كَنِيسَةٌ لِلنَّصَارَى ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ .
وَقَالَ الْعَيْنِيُّ شَارِحُهَا ، وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْبِيعَةَ لِلنَّصَارَى ، وَالْكَنِيسَةَ لِلْيَهُودِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : فَتَصِحُّ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ عَيَّنَ قَوْمًا أَوْ لَا ) يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ لِلْعِلْمِ بِهِ بِمُقَابَلَتِهِ بِقَوْلِ الصَّاحِبَيْنِ

( وَتُورَثُ ) أَيْ الْبِيعَةُ ، وَالْكَنِيسَةُ وَبَيْتُ النَّارِ ( إنْ صُنِعَتْ فِي الصِّحَّةِ ) يَعْنِي إذَا صَنَعَ يَهُودِيٌّ بِيعَةً أَوْ نَصْرَانِيٌّ كَنِيسَةً وَمَجُوسِيٌّ بَيْتَ نَارٍ فِي صِحَّتِهِ ثُمَّ مَاتَ فَهُوَ مِيرَاثٌ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْوَقْفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَالْوَقْفُ عِنْدَهُ يُورَثُ وَلَا يَلْزَمُ مَا لَمْ يُسَجَّلْ فَكَذَا هَذَا ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ فَلَا تَصِحُّ .
( قَوْلُهُ : لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْوَقْفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَالْوَقْفُ عِنْدَهُ يُورَثُ وَلَا يَلْزَمُ مَا لَمْ يُسَجَّلْ فَكَذَا هَذَا ) فِيهِ نَظَرٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّهُ تَقَدَّمَ فِي الْوَقْفِ اللُّزُومُ بِغَيْرِ هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ فَلَا حَصْرَ ، وَثَانِيًا فِيهِ إيهَامُ أَنَّهُ إذَا سُجِّلَ صَارَ لَازِمًا كَالْوَقْفِ وَلَيْسَ مُرَادًا لِأَنَّ مَا صَنَعَهُ مِنْ صِحَّتِهِ مِنْ بِيعَةٍ أَوْ كَنِيسَةٍ أَوْ بَيْتِ نَارٍ يُورَثُ كَالْوَقْفِ الَّذِي لَمْ يُسَجَّلْ وَلَا يَكُونُ كَالْوَقْفِ إذَا سُجِّلَ فَلْيُتَأَمَّلْ .
( قَوْلُهُ : وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلِأَنَّهَا مَعْصِيَةٌ فَلَا تَصِحُّ ) مُحَصِّلُ الْخِلَافِ فِي التَّخْرِيجِ وَاتَّفَقُوا عَلَى تَوْرِيثِ مَا بَنَاهُ مِنْ الْبِيعَةِ ، وَالْكَنِيسَةِ وَبَيْتِ النَّارِ فِي صِحَّتِهِ

( وَذُو هَوًى ) أَيْ مَنْ يَتَّبِعُ هَوَى نَفْسِهِ مَيْلًا إلَى الْبِدَعِ ( إنْ أُكْفِرَ ) أَيْ حُكِمَ بِكُفْرِهِ كَطَائِفَةٍ مِنْهُمْ يَقُولُونَ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الْإِلَهُ الْأَكْبَرُ ( فَكَالْمُرْتَدِّ ) فَيَكُونُ عَلَى الْخِلَافِ الْمَعْرُوفِ فِي تَصَرُّفَاتِهِ بَيْنَ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ ، وَفِي الْمُرْتَدَّةِ الْأَصَحُّ أَنْ تُصَحَّحَ وَصَايَاهَا لِأَنَّهَا تَبْقَى عَلَى الرِّدَّةِ بِخِلَافِ الْمُرْتَدِّ لِأَنَّهُ يُقْتَلُ أَوْ يُسْلِمُ ( وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يَكْفُرْ ( فَكَالْمُسْلِمِ فِي وَصَايَاهُ ) لِأَنَّا أُمِرْنَا بِبِنَاءِ الْأَحْكَامِ عَلَى الظَّاهِرِ .
( قَوْلُهُ : فَيَكُونُ عَلَى الْخِلَافِ الْمَعْرُوفِ فِي تَصَرُّفَاتِهِ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ ) كَذَا فِي الْكَافِي ، وَقَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ : وَبَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ وَعِتْقُهُ وَرَهْنُهُ وَتَصَرُّفُهُ فِي مَالِهِ مَوْقُوفٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنْ أَسْلَمَ صَحَّتْ عُقُودُهُ وَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ أَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ بَطَلَتْ وَأَجَازَاهَا مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ أَسْلَمَ أَوْ لَمْ يُسْلِمْ إلَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَنْفُذُ كَمَا يَنْفُذُ مِنْ الصَّحِيحِ حَتَّى تُعْتَبَرَ تَبَرُّعَاتُهُ مِنْ كُلِّ الْمَالِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُنَفَّذُ مِنْ الْمَرِيضِ وَيُعْتَبَرُ مِنْ الثُّلُثِ اِ هـ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

( تَنْبِيهٌ ) : لَمَّا كَانَ هَاهُنَا مَسَائِلُ مُهِمَّةٌ فُهِمَتْ مِمَّا سَبَقَ ضِمْنًا وَكَانَ يَجِبُ حِفْظُهَا ، وَالِاهْتِمَامُ بِهَا أَصَالَةً لِكَثْرَةِ وُقُوعِهَا وَغَفْلَةِ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ عَنْهَا أَوْرَدَهَا هَاهُنَا ، وَصَدَّرَهَا بِالتَّنْبِيهِ إشَارَةً إلَى مَا ذُكِرَ ( الْوَصِيَّةُ الْمُطْلَقَةُ ) : بِأَنْ يَقُولَ مَثَلًا هَذَا الْقَدْرُ مِنْ مَالِي أَوْ ثُلُثُ مَالِي وَصِيَّةٌ أَوْ أَوْصَيْت هَذَا الْقَدْرَ مِنْ مَالِي أَوْ ثُلُثَ مَالِي ( لَا تَحِلُّ لِلْغَنِيِّ ) لِأَنَّهَا صَدَقَةٌ وَهِيَ عَلَى الْغَنِيِّ حَرَامٌ ( وَإِنْ ) وَصْلِيَّةٌ ( عُمِّمَتْ ) بِأَنْ يَقُولَ الْمُوصِي يَأْكُلُ مِنْهَا الْفَقِيرُ ، وَالْغَنِيُّ لِأَنَّ أَكْلَ الْغَنِيِّ مِنْ الْوَصِيَّةِ لَا يَصِحُّ إلَّا بِطَرِيقِ التَّمْلِيكِ ، وَالتَّمْلِيكُ لَا يَصِحُّ إلَّا لِلْمُعَيَّنِ ، وَالْغَنِيُّ لَا يُعَيَّنُ وَلَا يُحْصَى .

( وَإِذَا خُصَّتْ ) أَيْ الْوَصِيَّةُ ( بِغَنِيٍّ ) بِأَنْ يَقُولَ مَثَلًا هَذَا الْقَدْرُ مِنْ مَالِي أَوْصَيْته لِزَيْدٍ وَهُوَ غَنِيٌّ ( أَوْ لِقَوْمٍ أَغْنِيَاءَ مَحْصُورِينَ حَلَّتْ لَهُمْ ) لِصِحَّةِ التَّمْلِيكِ لَهُمْ لِتَعَيُّنِهِمْ ( كَذَا الْحَالُ فِي الْوَقْفِ ) يَعْنِي أَنَّ الْوَقْفَ الْمُطْلَقَ مُخْتَصٌّ بِالْفُقَرَاءِ لَا يَحِلُّ لِلْغَنِيِّ ، وَإِنْ عُمِّمَ وَإِذَا خُصَّ بِغَنِيٍّ مُعَيَّنٍ أَوْ بِقَوْمٍ مَحْصُورِينَ أَغْنِيَاءَ حَلَّ لَهُمْ وَيَمْلِكُونَ مَنَافِعَهُ لَا عَيْنَهُ حَتَّى إذَا مَاتُوا يَتَقَرَّرُ عَيْنُهُ فِي مِلْكِ الْوَاقِفِ أَوْ وَارِثِهِ وَإِذَا مَاتُوا يَكُونُ لِلْفُقَرَاءِ .

( الْبَابُ الثَّانِي فِي الْإِيصَاءِ ) بِمَعْنَى جَعْلِ الْغَيْرِ وَصِيًّا ( أَوْصَى إلَى زَيْدٍ ) أَيْ جَعَلَهُ وَصِيًّا ( وَقَبِلَ عِنْدَهُ فَإِنْ رَدَّهُ عِنْدَهُ رُدَّ ) لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ فِي ذَلِكَ فَإِنْ شَاءَ دَامَ عَلَيْهِ ، وَإِنْ شَاءَ رَجَعَ إذْ لَيْسَ لِلْمُوصِي وِلَايَةُ إلْزَامِ التَّصَرُّفِ عَلَى الْغَيْرِ وَلَيْسَ فِي الرُّجُوعِ تَغْرِيرٌ إذْ يُمْكِنُهُ أَنْ يُوصِيَ غَيْرَهُ ( وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْهُ عِنْدَهُ سَوَاءٌ رَدَّهُ عِنْدَ غَيْرِهِ أَوْ بَعْدَ مَمَاتِهِ ( فَلَا ) أَيْ فَلَا يَرُدُّ لِأَنَّهُ لَمَّا قُبِلَ فِي وَجْهِهِ اعْتَمَدَ الْمُوصِي عَلَى قَبُولِهِ فَلَمْ يُوصِ إلَى غَيْرِهِ فَلَوْ جَوَّزْنَا رَدَّهُ فِي حَيَاتِهِ أَوْ بَعْدَ مَمَاتِهِ لَصَارَ الْمَيِّتُ مَغْرُورًا وَذَلِكَ بَاطِلٌ ( إنْ سَكَتَ ) أَيْ لَمْ يَقْبَلْ وَلَمْ يَرُدَّ ( فَمَاتَ الْمُوصِي فَلَهُ رَدُّهُ وَقَبُولُهُ ) لِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ فِي التَّصَرُّفِ لِلْغَيْرِ فَلَا يَلْزَمُ ذَلِكَ بِلَا قَبُولِهِ كَالْوَكَالَةِ وَلَا تَغْرِيرَ هَاهُنَا لِأَنَّ الْمُوصِيَ هُوَ الَّذِي اغْتَرَّ حَيْثُ لَمْ يَتَعَرَّفْ عَلَى حَالِهِ أَنَّهُ يَقْبَلُ الْوِصَايَةَ أَمْ لَا .

( الْبَابُ الثَّانِي فِي الْإِيصَاءِ ) ( قَوْلُهُ : وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لَمْ يُرَدَّ عِنْدَهُ سَوَاءٌ وَرُدَّ عِنْدَ غَيْرِهِ أَوْ بَعْدَ مَمَاتِهِ فَلَا أَيْ لَا يُرَدُّ
إلَخْ ) الْقَوْلُ بِعَدَمِ صِحَّةِ الرَّدِّ عِنْدَ غَيْرِهِ فِي حَيَاةِ الْمُوصِي الْمُرَادُ بِهِ مَا لَمْ يَبْلُغْهُ الْعِلْمُ بِرَدِّ الْوَصِيِّ لِمَا قَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ : وَمَنْ أَوْصَى إلَى رَجُلٍ فَقَبِلَ الْوَصِيُّ فِي وَجْهِ الْمُوصِي وَرَدَّهَا أَيْ الْوَصِيَّةَ فِي غَيْرِ وَجْهِهِ أَيْ بِغَيْرِ عِلْمِ الْمُوصِي فَلَيْسَ بِرَدٍّ ا هـ .
وَلِمَا قَالَ فِي الْمُجْتَبَى كَمَا رَأَيْته مَعْزُوًّا بِخَطِّ ثِقَةٍ قَالَ فِي الْمُجْتَبَى قُلْت الْمُصَنِّفُ بِوَجْهِهِ يَعْنِي قَوْلُهُ : وَصَحَّ رَدُّهُ فِي وَجْهِهِ وَاتَّبَعَهُ الشَّارِحُونَ حَتَّى اُشْتُبِهَ عَلَى أَنَّ الْعِلْمَ هَلْ يَكْفِيهِ أَمْ لَا فَوَجَدْت الْمَسْأَلَةَ مَنْصُوصَةً بِحَمْدِ اللَّهِ فِي التُّحْفَةِ السَّمَرْقَنْدِيَّة قَالَ لَا يَصِحُّ الرُّجُوعُ بِدُونِ مَحْضَرٍ مِنْ الْمُوصِي أَوْ عِلْمِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْغَرَرِ .
ا هـ .

( وَإِنْ رَدَّ ثُمَّ قَبِلَ صَحَّ إلَّا إذَا أَنْفَذَ رَدَّهُ ) أَيْ الْمُوصَى إلَيْهِ إنْ لَمْ يَقْبَلْ حَتَّى مَاتَ الْمُوصِي ثُمَّ قَالَ : لَا أَقْبَلُ ثُمَّ قَبِلَ صَحَّ إنْ لَمْ يَكُنْ الْقَاضِي أَخْرَجَهُ حِينَ قَالَ : لَا أَقْبَلُ لِأَنَّ الْإِيصَاءَ لَا يَبْطُلُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ لَا أَقْبَلُ لِأَنَّ فِي إبْطَالِهِ ضَرَرًا بِالْمَيِّتِ ، وَالضَّرَرُ وَاجِبُ الدَّفْعِ فَإِنْ كَانَ الْقَاضِي أَخْرَجَهُ عَنْ الْإِيصَاءِ حِينَ قَالَ : لَا أَقْبَلُ فَإِذَا قَبِلَ بَعْدَهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ إخْرَاجَهُ قَدْ صَحَّ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ الِاجْتِهَادِ إذْ الرَّدُّ صَحِيحٌ عِنْدَ زُفَرَ .

( وَلَزِمَ ) أَيْ الْإِيصَاءُ بِبَيْعِ شَيْءٍ مِنْ التَّرِكَةِ ( وَإِنْ جَهِلَ ) أَيْ الْوَصِيُّ ( بِهِ ) أَيْ بِكَوْنِهِ وَصِيًّا لِوُجُودِ دَلِيلِ الْقَبُولِ إذْ الْمَقْصُودُ هُوَ التَّصَرُّفُ وَهُوَ مُعْتَبَرٌ بَعْدِ الْمَوْت لِأَنَّ أَوَانَ وِلَايَتِهِ بَعْدَهُ وَيَنْفُذُ الْبَيْعُ لِصُدُورِهِ عَنْ الْوَصِيِّ ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ كَوْنَهُ وَصِيًّا بِخِلَافِ مَا لَوْ وَكَّلَهُ رَجُلٌ بِالْبَيْعِ فَبَاعَ شَيْئًا مِنْ مَتَاعِهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِوَكَالَتِهِ حَيْثُ لَا يَنْفُذُ لِأَنَّ الْإِيصَاءَ إثْبَاتُ خِلَافَتِهِ لِثُبُوتِ أَوَانِ انْقِطَاعِ وِلَايَتِهِ ، وَإِذَا كَانَ اسْتِخْلَافًا صَحَّ بِغَيْرِ عِلْمِهِ كَالْوِرَاثَةِ فَأَمَّا التَّوْكِيلُ فَإِثْبَاتُ الْوِلَايَةِ وَلَيْسَ بِاسْتِخْلَافٍ لِثُبُوتِهِ حَالَ قِيَامِ وِلَايَةِ الْمُوَكِّلِ فَلَا يَصِحُّ بِغَيْرِ عِلْمِ مَنْ تَثْبُتُ عَلَيْهِ كَإِثْبَاتِ الْمِلْكِ بِطَرِيقِ الْبَيْعِ ، وَالْهِبَةِ .
( قَوْلُهُ : وَيَنْفُذُ الْبَيْعُ لِصُدُورِهِ مِنْ الْوَصِيِّ وَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ كَوْنُهُ وَصِيًّا ) هَذِهِ رِوَايَةُ الزِّيَادَاتِ وَبَعْضُ رِوَايَاتِ الْمَأْذُونِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْوَصِيِّ أَيْضًا يَعْنِي كَالْوَكِيلِ قَبْلَ الْعِلْمِ بِالْوِصَايَةِ اعْتِبَارًا بِالْوَكَالَةِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا نِيَابَةٌ كَذَا فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِلْعَيْنِيِّ .

( وَ ) أَوْصَى ( إلَى عَبْدٍ لِغَيْرِهِ أَوْ كَافِرٍ أَوْ فَاسِقٍ بَدَّلَهُ الْقَاضِي بِغَيْرِهِ ) هَذَا اللَّفْظُ يُشِيرُ إلَى صِحَّةِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّ الْإِخْرَاجَ الْمَفْهُومَ مِنْ التَّبْدِيلِ إنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ ثُبُوتِ الْإِيصَاءِ ، وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ أَنَّ الْوَصِيَّةَ بَاطِلَةٌ قِيلَ مَعْنَاهُ سَيَبْطُلُ فِي جَمِيعِ هَذِهِ الصُّوَرِ وَقِيلَ فِي الْعَبْدِ مَعْنَاهُ بَاطِلٌ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ وَعَدَمِ اسْتِبْدَالِهِ وَفِي غَيْرِهِ مَعْنَاهُ سَتَبْطُلُ وَقِيلَ فِي الْكَافِي بَاطِلَةٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى الْمُسْلِمِ وَوَجْهُ الصِّحَّةِ ثُمَّ الْإِخْرَاجُ أَنَّ الْإِيصَاءَ إلَى الْغَيْرِ إنَّمَا يَجُوزُ شَرْعًا لِيَتِمَّ بِهِ نَظَرُ الْمُوصِي لِنَفْسِهِ وَلِأَوْلَادِهِ وَبِالْإِيصَاءِ إلَى هَؤُلَاءِ لَا يَتِمُّ مَعْنَى النَّظَرِ ، وَإِنْ وُجِدَ أَهْلُ النَّظَرِ لِكَوْنِ الْعَبْدِ أَهْلًا لِلتَّصَرُّفِ لَيْسَ بِمُوَلًّى عَلَيْهِ مِنْ جِهَةِ مَنْ يَتَصَرَّفُ عَلَيْهِ وَلِكَوْنِ الْفَاسِقِ مِنْ أَهْلِ الْوِلَايَةِ مَعْنًى ، وَالْخِلَافَةِ إرْثًا وَتَصَرُّفًا حَتَّى لَوْ تَصَرَّفَ نَفَذَ تَصَرُّفُهُ لِثُبُوتِ وِلَايَةِ الْكَافِرِ فِي الْجُمْلَةِ حَتَّى نَفَذَ شِرَاؤُهَا عَبْدًا مُسْلِمًا وَلَكِنْ يُجْبَرُ عَلَى بَيْعِهِ وَإِنَّمَا قَالَ لَا يَتِمُّ مَعْنَى النَّظَرِ لِتَوَقُّفِ وِلَايَةِ الْعَبْدِ عَلَى إجَازَةِ سَيِّدِهِ وَتَمَكُّنِهِ مِنْ الْحَجْرِ بَعْدَهَا وَاشْتِغَالِهِ بِخِدْمَةِ الْمَوْلَى فَيُتَوَهَّمُ التَّقْصِيرُ فِي اسْتِيفَاءِ حُقُوقِ الْمَيِّتِ وَتَوَهُّمُ الْحَيَاةِ مِنْ الْكَافِرِ لِلْمُعَادَاةِ الدِّينِيَّةِ وَمِنْ الْفَاسِقِ بِفِسْقِهِ فَيُخْرِجُهُ الْقَاضِي مِنْ الْوِصَايَةِ ، وَيَجْعَلُ مَكَانَهُ وَصِيًّا آخَرَ تَتْمِيمًا لِلنَّظَرِ .

( قَوْلُهُ : وَإِلَى عَبْدِ الْغَيْرِ ) قَيَّدَ بِهِ لِمَا سَيَأْتِي أَنَّهُ إذَا أَوْصَى لِعَبْدِهِ ، وَالْوَرَثَةُ صِغَارٌ صَحَّ ( قَوْلُهُ : وَبِالْإِيصَاءِ إلَى هَؤُلَاءِ لَا يَتِمُّ مَعْنَى النَّظَرِ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ : فَلَوْ زَالَ الرِّقُّ ، وَالْكُفْرُ وَبَلَغَ الصَّبِيُّ قَبْلَ إخْرَاجِ الْقَاضِي لَا يُخْرِجُهُمْ ا هـ .
وَلَمْ يَذْكُرْ زَوَالَ الْفِسْقِ وَلَعَلَّهُ كَذَلِكَ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ وَجَدَ أَهْلُ النَّظَرِ ) عِبَارَةُ الْكَافِي أَصْلُ النَّظَرِ ( قَوْلُهُ : لِكَوْنِ الْعَبْدِ أَهْلًا لِلتَّصَرُّفِ لَيْسَ بِمَوْلَى عَلَيْهِ ) لَعَلَّهُ وَلَيْسَ بِوَاوِ الْعَطْفِ ( قَوْلُهُ : وَمِنْ الْفَاسِقِ لِفِسْقِهِ ) يَعْنِي وَتَوَهَّمَ الْخِيَانَةَ مِنْ الْفَاسِقِ لِفِسْقِهِ فَجَعَلَ الْفِسْقَ لِذَاتِهِ مُوجِبًا لِإِخْرَاجِهِ وَكَذَا أَطْلَقَهُ فِي الْكَنْزِ .
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ : وَالنَّسَفِيُّ فِي الْكَافِي شَرْطٌ فِي الْأَصْلِ أَنْ يَكُونَ الْفَاسِقُ مُتَّهَمًا مَخُوفًا مِنْهُ عَلَى الْمَالِ

( وَ ) أَوْصَى ( إلَى عَبْدِهِ صَحَّ لِوَرَثَةٍ صِغَارٍ ) .
حَتَّى لَوْ كَانَ فِيهِمْ كَبِيرٌ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَنَا وَعِنْدَهُمَا لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا لِأَنَّ فِيهِ إثْبَاتَ الْوِلَايَةِ لِلْمُلُوكِ عَلَى الْمَالِكِ وَهُوَ قَلْبُ الْمَشْرُوعِ وَلَهُ أَنَّهُ أَوْصَى إلَى مَنْ هُوَ أَهْلُهُ فَتَصِحُّ كَمَا لَوْ أَوْصَى إلَى مُكَاتَبِ نَفْسِهِ أَوْ مُكَاتَبِ غَيْرِهِ ، وَهَذَا لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ مُسْتَبِدٌّ بِالتَّصَرُّفِ وَلَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ فَإِنَّ الصِّغَارَ ، وَإِنْ كَانُوا مُلَّاكًا لَكِنْ لَمَّا أَقَامَهُ أَبُوهُمْ مَقَامَ نَفْسِهِ صَارَ مُسْتَبِدًّا بِالتَّصَرُّفِ مِثْلَهُ بِلَا وِلَايَةٍ لَهُمْ عَلَيْهِ بِخِلَافِ عَبْدِ الْغَيْرِ فَإِنَّهُ مُوَلًّى عَلَيْهِ وَبِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ فِيهِمْ كَبِيرٌ لِأَنَّهُ يَبِيعُ نَصِيبَهُ أَوْ يَمْنَعُهُ فَيَعْجَزُ الْوَصِيُّ عَنْ الْأَدَاءِ بِحَقِّهِ فَامْتَنَعَ الْجَوَازُ .
قَوْلُهُ : لَمْ يَصِحَّ عِنْدَنَا ) أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( قَوْلُهُ : وَعِنْدَهُمَا لَا يَصِحُّ مُطْلَقًا ) هُوَ الْقِيَاسُ وَقِيلَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ ، ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ

( وَ ) أَوْصَى ( إلَى عَاجِزٍ عَنْ الْقِيَامِ بِهَا ) أَيْ بِالْوِصَايَةِ لَمْ يَعْزِلْهُ الْقَاضِي بَلْ ( ضَمَّ إلَيْهِ غَيْرَهُ ) لِأَنَّ فِي الضَّمِّ رِعَايَةَ الْحَقَّيْنِ حَقَّ الْمُوصِي وَحَقَّ الْوَرَثَةِ فَإِنَّ تَكْمِيلَ النَّظَرِ يَحْصُلُ بِهِ لِأَنَّ النَّظَرَ يَتِمُّ بِإِعَانَةِ غَيْرِهِ وَلَوْ شَكَا الْوَصِيُّ إلَيْهِ ذَلِكَ فَلَا يُجِيبُهُ حَتَّى يَعْرِفَ ذَلِكَ حَقِيقَةً لِأَنَّ الشَّاكِيَ قَدْ يَكُونُ كَاذِبًا تَخْفِيفًا عَلَى نَفْسِهِ ، وَلَوْ ظَهَرَ لِلْقَاضِي عَجْزُهُ أَصْلًا اسْتَبْدَلَ بِهِ غَيْرَهُ رِعَايَةً لِلنَّظَرِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ .
( قَوْلُهُ : وَلَوْ شَكَا الْوَصِيُّ إلَيْهِ فَلَا يُجِيبُهُ
إلَخْ ) كَذَا إذَا شَكَا الْوَرَثَةُ أَوْ بَعْضُهُمْ الْوَصِيَّ إلَى الْقَاضِي فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَعْزِلَهُ حَتَّى يَبْدُوَ لَهُ مِنْهُ خِيَانَةٌ لِأَنَّ الْمُوصِيَ اخْتَارَهُ ، وَالشَّاكِيَ قَدْ يَكُونُ ظَالِمًا فِي شَكْوَاهُ كَذَا فِي الْكَافِي

( وَيُبْقَى عَلَى الْوِصَايَةِ أَمِينٌ يَقْدِرُ ) أَيْ لَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي إخْرَاجُهُ لِأَنَّهُ لَوْ اخْتَارَهُ غَيْرُهُ لَكَانَ دُونَهُ لِأَنَّهُ مُخْتَارُ الْمَيِّتِ أَلَا يُرَى أَنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى أَبِ الْمَيِّتِ مَعَ كَمَالِ شَفَقَتِهِ فَلَأَنْ يُقَدَّمَ عَلَى غَيْرِهِ أَوْلَى .
( قَوْلُهُ : وَيُبْقَى عَلَى الْوِصَايَةِ أَمِينٌ ) يُبْقَى مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ وَأَمِينٌ نَائِبُ الْفَاعِلِ

( وَ ) أَوْصَى ( إلَى اثْنَيْنِ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا ) بِالتَّصَرُّفِ بِدُونِ الْآخَرِ ( وَلَوْ ) وَصْلِيَّةٌ أَيْ وَلَوْ كَانَ إيصَاؤُهُ ( إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا بِالِانْفِرَادِ ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ إلَّا فِي أَشْيَاءَ سَتُبَيَّنُ .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : يَتَصَرَّفُ كُلٌّ فِي الْجَمِيعِ لِأَنَّ الْإِيصَاءَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ وَهِيَ إذَا ثَبَتَتْ لِاثْنَيْنِ شَرْعًا ثَبَتَتْ لِكُلِّ وَاحِدٍ كَمَلًا عَلَى الِانْفِرَادِ كَالْأَخَوَيْنِ فِي وِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ فَكَذَا إذَا ثَبَتَتْ شَرْطًا فَإِنَّ الْوِلَايَةَ لَا تَحْتَمِلُ التَّجَزِّيَ لِكَوْنِهَا عِبَارَةً عَنْ الْقُدْرَةِ الشَّرْعِيَّةِ ، وَالْقُدْرَةُ لَا تَتَجَزَّأُ وَلَهُمَا أَنَّ الْمُوصِيَ إنَّمَا رَضِيَ بِرَأْيِهِمَا لَا رَأْيِ أَحَدِهِمَا لِفَرْقٍ بَيِّنٍ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ الْأَخَوَيْنِ فِي النِّكَاحِ لِأَنَّ السَّبَبَ ثَمَّةَ الْإِخْوَةُ وَهِيَ قَائِمَةٌ بِكُلٍّ مِنْهَا عَلَى الْكَمَالِ ، وَالسَّبَبُ هُنَا الْإِيصَاءُ وَهُوَ إلَيْهِمَا لَا إلَى كُلٍّ مِنْهُمَا ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ لَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِقَوْلِهِ ( إلَّا بِشِرَاءِ كَفَنِهِ وَتَجْهِيزِهِ ) فَإِنَّهُ لَا يَبْتَنِي عَلَى الْوِلَايَةِ وَرُبَّمَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا غَائِبًا فَفِي اشْتِرَاطِ اجْتِمَاعِهِمَا فَسَادُ الْمَيِّتِ وَلَوْ فَعَلَهُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ جِيرَانُهُ جَازَ ( وَالْخُصُومَةُ فِي حُقُوقِهِ ) لِأَنَّهُمَا لَا يَجْتَمِعَانِ عَلَيْهِ عَادَةً وَلَوْ اجْتَمَعَا لَا يَتَكَلَّمُ إلَّا أَحَدُهُمَا غَالِبًا ( وَشِرَاءُ حَاجَةِ الطِّفْلِ ) لِأَنَّ فِي تَأْخِيرِهِ خَوْفَ لُحُوقِ الضَّرَرِ بِهِ ( وَالِاتِّهَابُ لَهُ ) أَيْ قَبُولُ الْهِبَةِ لِلطِّفْلِ فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ وَلِهَذَا تَمْلِكُهُ الْأُمُّ وَمَنْ فِي عِيَالِهِ ( وَإِعْتَاقُ عَبْدٍ مُعَيَّنٍ وَرَدُّ وَدِيعَةٍ وَتَنْفِيذُ وَصِيَّةٍ مُعَيَّنَتَيْنِ ) لِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَى الرَّأْيِ وَبَيْعُ مَا يَخَافُ تَلَفُهُ وَجَمْعُ أَمْوَالٍ ضَائِعَةٍ لِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةً .

( قَوْلُهُ : وَقَالَ أَبِي يُوسُفَ يَتَصَرَّفُ كُلٌّ فِي الْجَمِيعِ ) كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ : ثُمَّ قِيلَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَوْصَى إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ وَأَمَّا إذَا أَوْصَى إلَيْهِمَا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ فَلَا يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالْإِجْمَاعِ كَذَا ذَكَرَهُ الْكَيْسَانِيُّ وَقِيلَ الْخِلَافُ فِيمَا إذَا أَوْصَى إلَيْهِمَا مَعًا بِعَقْدٍ وَاحِدٍ وَأَمَّا إذَا أَوْصَى إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَقْدٍ عَلَى حِدَةٍ يَنْفَرِدُ أَحَدُهُمَا بِالتَّصَرُّفِ بِالْإِجْمَاعِ ذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ عَنْ الصَّفَّارِ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَبِهِ نَأْخُذُ ، وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي الْفَصْلَيْنِ جَمِيعًا ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ .
وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ الْأَصَحُّ ا هـ .
مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ ( قَوْلُهُ : إلَّا بِشِرَاءِ كَفَنِهِ
إلَخْ ) زَادَ الزَّيْلَعِيُّ عَلَى ذَلِكَ رُدَّ الْبَيْعُ الْفَاسِدُ وَحِفْظُ الْمَالِ فَيَنْفَرِدُ بِهِ كُلٌّ مِنْهُمَا

( وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَإِنْ أَوْصَى إلَى الْحَيِّ أَوْ إلَى آخِرِهِ فَلَهُ ) أَيْ لِمَنْ أَوْصَى إلَيْهِ الْوَصِيُّ سَوَاءٌ كَانَ الْحَيَّ أَوْ آخَرَ ( التَّصَرُّفُ ) فِي التَّرِكَةِ ( وَحْدَهُ ) وَلَا يَحْتَاجُ إلَى نَصْبِ الْقَاضِي وَصِيًّا ( وَإِلَّا ) أَيْ ، وَإِنْ لَمْ يُوصِ الْوَصِيُّ ( ضَمَّ ) أَيْ الْقَاضِي ( إلَيْهِ غَيْرَهُ ) لِأَنَّ الْمُوصِيَ قَصَدَ أَنْ يَخْلُفَهُ وَصِيَّانِ مُتَصَرِّفَانِ فِي حُقُوقِهِ وَأَمْكَنَ تَحْقِيقُهُ بِنَصِيبِ وَصِيٍّ آخَرَ .

( نَصَبَ الْقَاضِي وَصِيًّا أَمِينًا كَافِيًا لَمْ يَنْعَزِلْ بِعَزْلِهِ ) لِأَنَّهُ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يُفِيدُ إلَّا أَنْ لَا يَكُونَ عَدْلًا ( فَيَعْزِلُهُ وَيَنْصِبُ عَدْلًا وَلَوْ عَدْلًا غَيْرَ كَافٍ ضَمَّ إلَيْهِ كَافِيًا وَيَنْعَزِلُ بِعَزْلِهِ قِيلَ ) قَائِلُهُ السَّمَرْقَنْدِيُّ فِي مَجْمُوعَاتِهِ ( وَيَنْعَزِلُ بِهِ أَيْضًا ) أَيْ بِعَزْلِ الْقَاضِي ( الْعَدْلُ الْكَافِي وَاسْتُبْعِدَ ) أَيْ اسْتَبْعَدَهُ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ بِأَنْ يُقَدَّمَ عَلَى الْقَاضِي لِأَنَّهُ مُخْتَارُ الْمَيِّتِ فَإِذَا انْعَزَلَ وَصِيُّ الْمَيِّتِ ، وَإِنْ كَانَ عَدْلًا كَافِيًا فَكَيْفَ وَصِيُّ الْقَاضِي .

( قَوْلُهُ : وَيَنْعَزِلُ بِعَزْلِهِ ) أَيْ يَنْعَزِلُ الْعَدْلُ الْكَافِي الَّذِي نَصَبَهُ الْقَاضِي بِعَزْلِهِ وَهَذَا قَوْلٌ مُقَابِلٌ لِلْقَوْلِ الْأَوَّلِ الْجَازِمِ بِعَدَمِ عَزْلِ الْعَدْلِ الْكَافِي وَكَانَ عَلَى الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَيَانُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يُذْكَرْ كَانَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ التَّنَاقُضَ بِلَا وَجْهٍ لَهُ ( قَوْلُهُ : وَيَنْعَزِلُ بِهِ أَيْضًا أَيْ بِعَزْلِ الْقَاضِي الْعَدْلِ الْكَافِي ) أَقُولُ يَعْنِي يَنْعَزِلُ وَصِيُّ الْمَيِّتِ بِعَزْلِ الْقَاضِي لَهُ كَعَزْلِهِ مَنْصُوبُهُ وَلَوْ كَانَ عَدْلًا كَافِيًا وَإِنْ كَانَ يَخْفَى عِلْمُ ذَلِكَ مِنْ مَتْنِهِ فَقَدْ أَوْضَحَهُ فِي الشَّرْحِ بِقَوْلِهِ اسْتَبْعَدَهُ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ بِأَنَّهُ يُقَدَّمُ عَلَى الْقَاضِي لِأَنَّهُ مُخْتَارُ الْمَيِّتِ قَوْلُهُ : فَإِذَا انْعَزَلَ وَصِيُّ الْمَيِّتِ وَإِنْ كَانَ عَدْلًا كَافِيًا فَكَيْفَ وَصِيُّ الْقَاضِي ) أَقُولُ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ ظَهِيرِ الدِّينِ بَلْ مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ تَوْجِيهًا لِصِحَّةِ عَزْلِ مَنْصُوبِ الْقَاضِي فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ إيضَاحُهُ دَفْعًا لِلَّبْسِ وَتَوْضِيحُ مَا قُلْنَاهُ بِمَا نَصُّهُ فِي الْقُنْيَةِ نَصَبَ الْقَاضِي وَصِيًّا أَمِينًا كَافِيًا ثُمَّ عَزَلَهُ لَا يَنْعَزِلُ لِأَنَّهُ اشْتِغَالٌ بِمَا لَا يُفِيدُ ( صعر ) الْوَصِيُّ إنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا يَعْزِلُهُ الْقَاضِي وَيَنْصِبُ غَيْرَهُ وَإِنْ كَانَ عَدْلًا غَيْرَ كَافٍ ضَمَّ إلَيْهِ كَافِيًا وَلَوْ عَزَلَهُ يَنْعَزِلُ وَكَذَا لَوْ عَزَلَ الْعَدْلُ الْكَافِي يَنْعَزِلُ ( سب ) وَاسْتَبْعَدَهُ ظَهِيرُ الدِّينِ ، وَقَالَ إنَّهُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْقَاضِي لِأَنَّهُ مُحْتَارُ الْمَيِّتِ قَالَ أُسْتَاذُنَا فَإِذَا كَانَ يَنْعَزِلُ وَصِيُّ الْمَيِّتِ وَإِنْ كَانَ عَدْلًا كَافِيًا فَكَيْفَ وَصِيُّ الْقَاضِي ا هـ .
مَا فِي الْقُنْيَةِ ، وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى الْوَصِيُّ مِنْ جِهَةِ الْمَيِّتِ إذَا كَانَ عَدْلًا كَافِيًا لَا يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَعْزِلَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَدْلًا يَعْزِلُهُ وَيَنْصِبُ وَصِيًّا آخَرَ وَلَوْ كَانَ عَدْلًا غَيْرَ كَافٍ لَا يَعْزِلُهُ لَكِنْ يَضُمُّ إلَيْهِ كَافِيًا ،

وَلَوْ عَزَلَهُ يَنْعَزِلُ وَكَذَا لَوْ عُزِلَ الْعَدْلُ الْكَافِي يَنْعَزِلُ هَكَذَا ذَكَرَ هُنَا .
وَذَكَرَ فِي الْقُدُورِيِّ لَيْسَ لِلْقَاضِي أَنْ يُخْرِجَ الْوَصِيَّ مِنْ الْوِصَايَةِ وَلَا يُدْخِلَ فِيهَا غَيْرُهُ مَعَهُ فَإِنْ ظَهَرَتْ مِنْهُ خِيَانَةٌ أَوْ كَانَ فَاسِقًا مَعْرُوفًا بِالشَّرِّ أَخْرَجَهُ وَنَصَبَ غَيْرَهُ وَلَوْ كَانَ ثِقَةً ضَعِيفًا أَدْخَلَ مَعَهُ غَيْرَهُ وَهَكَذَا قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَهَكَذَا ذَكَرَ فِي وَصَايَا الْأَصْلِ لَكِنْ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ لَوْ عَزَلَهُ لَا يَنْعَزِلُ ا هـ عِبَارَةُ الصُّغْرَى

( وَصِيُّ الْوَصِيِّ وَصِيٌّ لَهُمَا ) يَعْنِي إذَا مَاتَ الْوَصِيُّ وَأَوْصَى إلَى آخَرَ فَهُوَ وَصِيَّةٌ فِي تَرِكَتِهِ وَتَرِكَةِ الْمَيِّتِ الْأَوَّلِ لِأَنَّ الْوَصِيَّ يَتَصَرَّفُ بِوِلَايَةٍ مُنْتَقِلَةٍ إلَيْهِ فَيَمْلِكُ الْإِيصَاءَ إلَى غَيْرِهِ كَالْجَدِّ .

( وَقِسْمَتُهُ ) أَيْ قِسْمَةُ الْوَصِيِّ نَائِبًا ( عَنْ وَرَثَتِهِ غُيَّبٌ مَعَ الْمُوصَى لَهُ تَصِحُّ ) يَعْنِي إذَا مَاتَ رَجُلٌ لَهُ وَرَثَةٌ غُيَّبٌ أَوْ أَوْصَى إلَى زَيْدٍ وَلِبَكْرٍ بِمَبْلَغٍ جَازَ لِزَيْدٍ الْوَصِيِّ أَنْ يَقْسِمَ تَرِكَتَهُ بَيْنَ وَرَثَتِهِ الْغُيَّبِ ، وَبَيْنَ بَكْرٍ الْمُوصَى لَهُ بِأَنْ يَأْخُذَ حَقَّ الْوَرَثَةِ وَيُسَلِّمَ الْبَاقِيَ إلَى الْمُوصَى لَهُ لِأَنَّ الْوَارِثَ خَلِيفَةُ الْمَيِّتِ حَتَّى يُرَدَّ بِالْعَيْبِ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ لَهُ وَيَصِيرُ مَغْرُورًا بِشِرَاءِ الْمُوَرَّثِ حَتَّى يَكُونَ الْوَلَدُ حُرًّا ، وَالْوَصِيُّ خَلِيفَةُ الْمَيِّتِ أَيْضًا فَيَكُونُ خَصْمًا لِلْوَارِثِ إذَا كَانَ غَائِبًا فَصَحَّتْ قِسْمَتُهُ عَلَيْهِ ( فَلَا يَرْجِعُونَ ) أَيْ الْوَرَثَةُ ( عَلَيْهِ ) أَيْ الْمُوصَى لَهُ ( إنْ ضَاعَ قِسْطُهُمْ ) أَيْ حِصَّةُ الْوَرَثَةِ ( مَعَهُ ) أَيْ مَعَ الْوَصِيِّ لِأَنَّ الْهَلَاكَ بَعْدَ تَمَامِ الْقِسْمَةِ يَكُونُ عَلَى مَا وَقَعَ الْهَلَاكُ فِي قِسْمَتِهِ .

( وَقِسْمَتُهُ ) أَيْ الْوَصِيِّ ( عَنْ الْمُوصَى لَهُ الْغَائِبِ مَعَهُمْ ) أَيْ مَعَ الْوَرَثَةِ ( لَا ) أَيْ لَا تَصِحُّ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ لَيْسَ خَلِيفَةً عَنْ الْمَيِّتِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِسَبَبٍ جَدِيدٍ حَتَّى لَا يُرَدَّ وَلَا يُرَدُّ عَلَيْهِ وَلَا يَصِيرُ مَغْرُورًا بِشِرَاءِ الْمُوصِي فَلَا يَكُونُ الْوَصِيُّ خَلِيفَةً عَنْهُ عِنْدَ غَيْبَتِهِ ( فَيَرْجِعُ ) أَيْ الْمُوصَى لَهُ إنْ ضَاعَ قِسْطُهُ مَعَ الْوَصِيِّ ( بِثُلُثِ مَا بَقِيَ ) لِأَنَّهُ شَرِيكُ الْوَارِثِ فَيَتْوَى مَا تَوِيَ مِنْ الْمَالِ الْمُشْتَرَكِ عَلَى الشَّرِكَةِ وَيَبْقَى مَا بَقِيَ عَلَيْهَا .

( وَلِلْقَاضِي قِسْمَتُهَا وَأَخْذُ قِسْطِهِ ) أَيْ يَجُوزُ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْسِمَ التَّرِكَةَ عَنْ الْمُوصَى لَهُ الْغَائِبِ مَعَ الْوَرَثَةِ وَأَخْذُ قِسْطِ الْمُوصَى لَهُ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نُصِّبَ نَاظِرًا لَا سِيَّمَا فِي الْمَوْتَى ، وَالْغُيَّبِ وَمِنْ النَّظَرِ إفْرَازُ قِسْطِ الْغَائِبِ وَقَبْضِهِ فَنَفَذَ ذَلِكَ وَصَحَّ حَتَّى وَلَوْ حَضَرَ الْغَائِبُ وَقَدْ ضَاعَ الْمَقْبُوضُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَلَى الْوَرَثَةِ سَبِيلٌ .

( قَاسَمَهُمْ ) أَيْ الْوَصِيُّ مَعَ الْوَرَثَةِ ( فِي الْوَصِيَّةِ بِحَجٍّ ) وَأَخَذَ الْوَصِيُّ الْمَالَ ( فَهَلَكَ الْمَالُ فِي يَدِهِ أَوْ يَدِ مَنْ يَحُجُّ ) عَنْ الْمُوصِي ( حَجَّ بِثُلُثِ مَا بَقِيَ ) مِنْ التَّرِكَةِ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ لَا تُرَادُ لِذَاتِهَا بَلْ لِمَقْصُودِهَا وَهُوَ تَأْدِيَةُ الْحَجِّ فَلَمْ تُعْتَبَرْ دُونَهُ فَصَارَ كَمَا إذَا هَلَكَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ .

( صَحَّ بَيْعُهُ ) أَيْ الْوَصِيِّ ( عَبْدًا مِنْ التَّرِكَةِ بِغَيْبَةِ الْغُرَمَاءِ ) لِأَنَّ الْوَصِيَّ قَائِمٌ مَقَامَ الْمُوصِي وَلَوْ تَوَلَّاهُ حَيًّا بِنَفْسِهِ بِغَيْبَتِهِمْ جَازَ ، وَإِنْ كَانَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَكَذَا مَنْ قَامَ مَقَامَهُ وَسِرُّهُ أَنَّ حَقَّ الْغُرَمَاءِ تَعَلَّقَ بِالْمَالِيَّةِ لَا بِالصُّورَةِ وَهِيَ بَاقِيَةٌ بِبَقَاءِ الثَّمَنِ .

( بَاعَ ) أَيْ الْوَصِيُّ ( مَا أَوْصَى بِبَيْعِهِ وَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ فَاسْتَحَقَّ ) أَيْ الْمَبِيعَ ( بَعْد أَنْ هَلَكَ ثَمَنُهُ مَعَهُ ) أَيْ مَعَ الْوَصِيِّ ( ضَمِنَ ) أَيْ الْوَصِيُّ لِأَنَّهُ الْعَاقِدُ قَدْ يَكُونُ الْعُهْدَةُ عَلَيْهِ وَهَذِهِ عُهْدَةٌ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ مِنْهُ مَا رَضِيَ بِبَذْلِ الثَّمَنِ إلَّا لِيُسَلِّمَ لَهُ الْعَبْدَ وَلَمْ يُسَلَّمْ فَقَدْ أَخَذَ الْوَصِيُّ الْبَائِعُ مَالَ الْغَيْرِ بِلَا رِضَاهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ ( وَرَجَعَ فِي التَّرِكَةِ ) لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ كَالْوَكِيلِ ( كَوَصِيٍّ بَاعَ حِصَّةَ الصَّغِيرِ وَهَلَكَ ثَمَنُهُ مَعَهُ ) أَيْ مَعَ الْوَصِيِّ ( فَاسْتَحَقَّ ) أَيْ الْعَبْدُ ( فَإِنَّهُ ) أَيْ الْوَصِيَّ ( يَرْجِعُ فِي مَالِهِ ) أَيْ مَالِ الصَّغِيرِ لِأَنَّهُ عَامِلٌ لَهُ ( وَهُوَ ) أَيْ الصَّغِيرُ ( يَرْجِعُ عَلَى الْوَرَثَةِ بِحِصَّتِهِ ) لِانْتِقَاضِ الْقِسْمَةِ بِاسْتِحْقَاقِ مَا أَصَابَهُ .

( وَلَهُ ) أَيْ لِلْوَصِيِّ ( أَنْ يُسَافِرَ بِمَالِ الصَّغِيرِ وَيَدْفَعَ مُضَارَبَةً وَبِضَاعَةً وَيُوكِلَ بِبَيْعٍ وَشِرَاءٍ وَاسْتِئْجَارٍ وَيُودِعَ مَالَهُ وَيُكَاتِبَ قِنَّهُ وَيُزَوِّجَ أَمَتَهُ لَا قِنَّةً وَيَرْهَنَ مَالَهُ بِدَيْنِهِ وَبِدَيْنِ نَفْسِهِ فَلَوْ هَلَكَ ضَمِنَ قَدْرَ الْمُؤَدَّى مِنْ دَيْنِهِ وَلَهُ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ مُضَارَبَةً وَيَنْبَغِي أَنْ يُشْهِدَ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً وَإِلَّا صُدِّقَ دِيَانَةً وَيَكُونُ الْمُشْتَرَى كُلُّهُ لِلصَّبِيِّ قَضَاءً وَيُمَاثِلُهُ الْأَبُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ وَلَيْسَ لِلْأَبِ تَحْرِيرُ قِنِّهِ وَلَوْ بِمَالٍ وَلَا أَنْ يَهَبَ مَالَهُ وَلَوْ بِعِوَضٍ ) كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ .

( وَلَهُ ) أَيْ لِلْوَصِيِّ ( التِّجَارَةُ بِمَالِ الْيَتِيمِ لِلْيَتِيمِ لَا لِنَفْسِهِ بِهِ ) أَيْ لَا يَجُوزُ لَهُ التِّجَارَةُ لِنَفْسِهِ بِمَالِ الْيَتِيمِ سَوَاءٌ وَرِثَهُ مِنْ أَبِيهِ أَوْ تَمَلَّكَهُ بِوَجْهٍ آخَرَ ، وَلَا بِمَالِ الْمَيِّتِ ( فَإِنْ فَعَلَ وَرَبِحَ ضَمِنَ رَأْسَ الْمَالِ وَتَصَدَّقَ بِالرِّبْحِ ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُسَلِّمُ لَهُ الرِّبْحَ وَلَا يَتَصَدَّقُ بِشَيْءٍ كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ .

( وَيَحْتَالُ ) أَيْ يَقْبَلُ الْحَوَالَةَ ( عَلَى الْإِمْلَاءِ لَا الِاعْتِبَارِ ) لِمَا فِيهِ مِنْ الضَّرَرِ ( وَلَا يُقْرِضُ ) أَيْ الْوَصِيُّ مَالَ الْيَتِيمِ لِأَنَّهُ تَبَرُّعٌ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ اسْتِخْلَاصِهِ بِخِلَافِ الْقَاضِي فَإِنَّهُ قَادِرٌ عَلَيْهِ وَلِذَا لَهُ أَنْ يُقْرِضَهُ وَمَالُ الْوَقْفِ ، وَالْغَائِبِ .

( وَلَا يَبِيعُ وَلَا يَشْتَرِي إلَّا بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ ) لِأَنَّ تَصَرُّفَهُ نَظَرِيٌّ وَلَا نَظَرَ فِي الْغَبْنِ الْفَاحِشِ بِخِلَافِ الْيَسِيرِ إذْ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ فَفِي اعْتِبَارِهِ انْسِدَادُ بَابِ الْبَيْعِ .

( وَيَبِيعُ عَلَى الْكَبِيرِ الْغَائِبِ لَا الْعَقَارِ ) لِأَنَّ الْأَبَ يَلِي مَا سِوَاهُ وَلَا يَلِيهِ فَكَذَا وَصِيُّهُ فَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا يَلِيَهُ الْوَصِيُّ إذْ لَا يَمْلِكُهُ الْأَبُ عَلَى الْكَبِيرِ لَكِنَّهُمْ اسْتَحْسَنُوا لِأَنَّهُ مِمَّا يَتَسَارَعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ فَيَحْتَاجُ إلَى الْحِفْظِ وَحِفْظُ الثَّمَنِ أَيْسَرُ وَهُوَ يَمْلِكُ الْحِفْظَ بِخِلَافِ الْعَقَارِ فَإِنَّهُ مُحَصَّنٌ بِنَفْسِهِ .

( إذَا لَمْ يَكُنْ دَيْنٌ ) فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ عَدَمُ جَوَازِ بَيْعِ الْعَقَارِ لِلْوَصِيِّ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ وَأَمَّا إذَا كَانَ فَيَمْلِكُهُ بِقَدْرِ الدَّيْنِ ( وَيَبِيعُهُ ) أَيْ الْوَصِيُّ الْعَقَارَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَيْنٌ ( بِضَعْفِ قِيمَتِهِ أَوْ لِلدَّيْنِ ) كَمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الظَّهِيرِيَّةِ .

( أَوْ النَّفَقَةِ ) أَيْ نَفَقَةِ الصَّغِيرِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ فِي أَوَاخِرِ بَابِ النَّفَقَةِ : الْأَبُ إذَا بَاعَ الْعَقَارَ أَوْ الْمَنْقُولَ عَلَى الصَّغِيرِ جَازَ لِكَمَالِ الْوِلَايَةِ ثُمَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ نَفَقَتَهُ لِأَنَّهُ جِنْسُ حَقِّهِ ( أَوْ وَصِيَّةٌ مُرْسَلَةً ) أَيْ مُطْلَقَةً بِأَنْ يَقُولَ : ثُلُثُ مَالِي أَوْ رُبُعُهُ مَثَلًا وَصِيَّةٌ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ بَيْعُ الْعَقَارِ إذَا كَانَ فِي الْمَالِ ( أَوْ زِيَادَةٌ خَرَّجَهُ عَلَى غَلَّتِهِ أَوْ إشْرَافِهِ ) أَيْ قَرَّبَهُ ( إلَى الْخَرَابِ ) حَتَّى إذَا لَمْ يَبِعْ كَانَ خَرَابًا فَهَذِهِ أَعْذَارٌ سِتَّةٌ .

( لَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ ) أَيْ الْوَصِيِّ ( بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ وَلَا بِشَيْءٍ مِنْ تَرِكَتِهِ ) أَنَّهُ لِفُلَانٍ لِكَوْنِهِ إقْرَارًا عَلَى الْغَيْرِ ( إلَّا أَنْ يَكُونَ ) الْمُقِرُّ ( وَارِثًا فَيَصِحُّ فِي حِصَّتِهِ ) لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ .

( أَقَرَّ ) أَيْ الْوَصِيُّ ( بِعَيْنٍ لِآخَرَ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهُ لِلصَّغِيرِ لَا يُسْمَعُ ) كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ .

( شَهِدَ وَصِيَّانِ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى إلَى زَيْدٍ مَعَهُمَا أَوْ ابْنَانِ أَنَّ أَبَاهُمَا أَوْصَى إلَى زَيْدٍ بَطَلَتْ ) أَيْ شَهَادَتُهُمْ لِأَنَّهُمْ مُتَّهَمُونَ أَمَّا الْوَصِيَّانِ فَلِإِثْبَاتِهِمَا لِأَنْفُسِهِمَا مُعَيَّنًا إلَّا أَنْ يَدَّعِيَهُ الْمَشْهُودُ لَهُ فَتُقْبَلُ اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ لِلْقَاضِي وِلَايَةَ نَصْبِ الْوَصِيِّ ابْتِدَاءً وَوِلَايَةَ ضَمِّ آخَرَ إلَيْهِمَا فَهُمَا أَسْقَطَا مُؤْنَةَ التَّعْيِينِ عَنْ الْقَاضِي وَأَمَّا الِابْنَانِ فَلِجَرِّهِمَا لِأَنْفُسِهِمَا نَفْعًا بِنَصْبِ حَافِظٍ لِلتَّرِكَةِ ( كَذَا شَهَادَتُهُمَا لِلصَّغِيرِ بِمَالٍ ) سَوَاءً انْتَقَلَ إلَيْهِ عَنْ الْمَيِّتِ أَوْ غَيْرِهِ ( أَوْ كَبِيرٍ بِمَالِ الْمَيِّتِ ) فَإِنَّهَا أَيْضًا بَاطِلَةٌ أَمَّا الْأُولَى فَلِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِي مَالِ الصَّغِيرِ لِلْوَصِيِّ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ التَّرِكَةِ أَوْ لَا وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِأَنَّ مَالَ الْكَبِيرِ إنْ كَانَ مِنْ التَّرِكَةِ فَلَا يَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَصِيِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ الْحِفْظِ وَوِلَايَةَ الْبَيْعِ إنْ كَانَ الْكَبِيرُ غَائِبًا .

( وَصَحَّتْ ) أَيْ الشَّهَادَةُ ( فِي مَالِ غَيْرِهِ ) أَيْ مَالِ غَيْرِ الْمَيِّتِ فَإِنَّ مَالَ الْكَبِيرِ إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ التَّرِكَةِ فَلَا تَصَرُّفَ لِلْوَصِيِّ فِيهِ فَتَجُوزُ ( شَهَادَتُهُ ) .

( وَ ) صَحَّتْ ( شَهَادَةُ رَجُلَيْنِ .
لِآخَرَ بِمَبْلَغِ دَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ ، وَالْآخَرَيْنِ لِلْأَوَّلَيْنِ بِمِثْلِهِ بِخِلَافِ الشَّهَادَةِ بِوَصِيَّةٍ أَلْفٍ ) هَذَا قَوْلُهُمَا .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : لَا تُقْبَلُ فِي الدَّيْنِ أَيْضًا لِأَنَّ الدَّيْنَ بِالْمَوْتِ يَتَعَلَّقُ بِالتَّرِكَةِ إذْ الذِّمَّةُ خَرِبَتْ بِالْمَوْتِ وَلِهَذَا لَوْ اسْتَوْفَى أَحَدُهُمَا حَقَّهُ مِنْ التَّرِكَةِ يُشَارِكُهُ الْآخَرُ فِيهِ فَكَانَتْ الشَّهَادَةُ مُثْبَتَةً حَتَّى الشَّرِكَةَ فَتَحَقَّقَتْ التُّهْمَةُ وَلَهُمَا أَنَّ الدَّيْنَ يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ وَهِيَ قَابِلَةٌ لِحُقُوقٍ شَتَّى فَلَا شَرِكَةَ وَلِهَذَا لَوْ تَبَرَّعَ أَجْنَبِيٌّ بِقَضَاءِ دَيْنِ أَحَدِهِمَا لَيْسَ لِلْآخَرِ حَقُّ الْمُشَارَكَةِ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهَا لَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ بَلْ فِي الْعَيْنِ فَصَارَ الْمَالُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمْ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً ( أَوْ ) شَهَادَةُ ( الْأَوَّلِينَ بِعَبْدٍ ، وَالْآخَرِينَ بِثُلُثِ مَالِهِ ) حَيْثُ لَمْ تَصِحَّ أَيْضًا لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تُوجِبُ شَرِكَةً فِي الْمَشْهُودِ بِهِ .

( أَضْعَفُ الْوَصِيَّيْنِ ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي كَأَقْوَى الْوَصِيِّينَ ( وَهُوَ وَصِيُّ الْأُمِّ ، وَالْأَخِ ، وَالْعَمِّ فِي أَقْوَى الْحَالَيْنِ وَهُوَ حَالُ صِغَرِ الْوَرَثَةِ كَأَقْوَى الْوَصِيِّينَ وَهُوَ وَصِيُّ الْأَبِ ، وَالْجَدِّ ، وَالْقَاضِي فِي أَضْعَفِ الْحَالَيْنِ وَهُوَ حَالُ كِبَرِ الْوَرَثَةِ ) لِأَنَّ الْوَصِيَّ إنَّمَا يَسْتَفِيدُ التَّصَرُّفَ مِنْ الْمُوصِي فَيَكُونُ تَصَرُّفُهُ عَلَى مِقْدَارِ تَصَرُّفِ مُوصِيهِ فَوَصِيُّ الْأُمِّ حَالَ صِغَرِ الْوَرَثَةِ كَوَصِيِّ الْأَبِ حَالَ كِبَرِهِمْ ( لِلْأَضْعَفِ ) كَوَصِيِّ الْأُمِّ مَثَلًا ( بَيْعُ الْمَنْقُولِ وَغَيْرِهِ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ عِنْدَ فَقْدِ الْأَقْوَى ) لِلضَّرُورَةِ ( وَلَا يَشْتَرِي ) أَيْ الْأَضْعَفُ ( إلَّا مَا لَا بُدَّ لِلصَّغِيرِ مِنْهُ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ كِسْوَةٍ وَلَا يَتَصَرَّفُ مُطْلَقًا فِيمَا اسْتَفَادَ الصَّغِيرُ مِنْ غَيْرِ أَبِيهِ ) لِمَا مَرَّ أَنَّ تَصَرُّفَهُ عَلَى مِقْدَارِ تَصَرُّفِ مُوصِيهِ .

( وَصِيُّ الْأَبِ أَوْلَى مِنْ الْجَدِّ ) لِأَنَّ وَصِيَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ الْجَدِّ فَكَذَا مُخْتَارُهُ وَلِأَنَّ اخْتِيَارَهُ مَعَ وُجُودِ الْجَدِّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَصَرُّفَهُ أَنْفَعُ لِابْنِهِ مِنْ تَصَرُّفِ أَبِيهِ ، وَهُوَ الْجَدُّ ( وَإِنْ لَمْ يُوصِ ) أَيْ لَمْ يَنْصِبْ وَصِيًّا ( فَالْجَدُّ مِثْلُهُ ) أَيْ مِثْلُ الْأَبِ وَقَائِمٌ مَقَامَهُ فِي التَّصَرُّفَاتِ حَتَّى مَلَكَ الْإِنْكَاحَ دُونَ الْوَصِيِّ .

وَهَاهُنَا مَسَائِلُ مُهِمَّةٌ نَقَلْنَاهَا مِنْ الْخَانِيَّةِ مِنْهَا رَجُلٌ مَاتَ وَتَرَكَ وَرَثَةً فَبَلَغَهُمْ أَنَّ أَبَاهُمْ أَوْصَى بِوَصَايَا وَلَا يَعْلَمُونَ مَا أَوْصَى بِهِ فَقَالُوا قَدْ أَجَزْنَا مَا أَوْصَى بِهِ ذَكَرَ فِي الْمُنْتَقَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا أَجَازُوا بَعْدَ الْعِلْمِ ، .
وَفِي الْمُنْتَقَى : إذَا دَفَعَ الْوَصِيُّ إلَى الْيَتِيمِ مَالَهُ بَعْدَ الْبُلُوغِ فَأَشْهَدَ الْيَتِيمُ عَلَى نَفْسِهِ أَنَّهُ قَدْ قَبَضَ جَمِيعَ تَرِكَةِ وَالِدِهِ فَلَمْ تَبْقَ لَهُ تَرِكَةُ وَالِدِهِ عِنْدَهُ مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ إلَّا وَقَدْ اسْتَوْفَاهُ ثُمَّ ادَّعَى شَيْئًا فِي يَدِ الْوَصِيِّ ، وَقَالَ هُوَ مِنْ تَرِكَةِ أَبِي وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ قُبِلَتْ بَيِّنَتُهُ ، وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ الْوَارِثُ أَنَّهُ وَقَدْ اسْتَوْفَى جَمِيعَ مَا تَرَكَ ، وَالِدُهُ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى النَّاسِ ثُمَّ ادَّعَى دَيْنًا عَلَى رَجُلٍ .
تُسْمَعُ دَعْوَاهُ .

قَوْلُهُ : وَهَهُنَا مَسَائِلُ مُهِمَّةٌ ) ذُكِرَتْ هُنَا لِمُنَاسِبَتِهَا لِبَابِ الْوَصِيِّ وَقَدْ تَرَكَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى كِتَابَ الْفَرَائِضِ ، وَالْخُنْثَى وَلَعَلَّ ذَلِكَ لِكَوْنِهِ مِمَّا أُفْرِدَ بِالتَّأْلِيفِ وَلَوْلَا خَشْيَةُ الْإِطَالَةِ لَأَلْحَقَهُ بِكَلَامِهِ ( قَوْلُهُ : فَبَلَغَهُمْ أَنَّ أَبَاهُمْ أَوْصَى بِوَصَايَا وَلَا يَعْلَمُونَ ) أَقُولُ يَعْنِي لَا يَعْلَمُونَ مِقْدَارَهَا وَلَا وَصْفَهَا ( قَوْلُهُ : فَقَالُوا قَدْ أَجَزْنَا مَا أَوْصَى بِهِ ) يَعْنِي عَلَى الْعُمُومِ الَّذِي لَمْ يُبَيَّنْ مِقْدَارُهُ وَلَا ذَاتُهُ ( قَوْلُهُ : ذُكِرَ فِي الْمُنْتَقَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ) أَقُولُ يَعْنِي لَا يَلْزَمُهُمْ بِالْإِجَازَةِ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ ( قَوْلُهُ : إنَّمَا يَجُوزُ إذَا أَجَازُوا بَعْدَ الْعِلْمِ ) أَقُولُ الْمُرَادُ نَفْيُ اللُّزُومِ كَمَا عَلِمْت فِيمَا يَزِيدُ عَلَى الثُّلُثِ لِأَنَّ الْوَصِيَّةَ لَازِمَةٌ فِي الثُّلُثِ بِدُونِ الْإِجَازَةِ مِنْهُمْ وَيَتَوَقَّفُ فِيمَا زَادَ عَلَيْهِ عَلَى إجَازَةِ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْإِجَازَةِ مِنْهُمْ وَلَيْسَ قَوْلُهُمْ أَجَزْنَا مَا أَوْصَى بِهِ رِضَا بِالزَّائِدِ قَطْعًا لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِهِ يَقِينًا فَلَهُمْ إبْطَالُ الزَّائِدِ حَتَّى لَوْ أَوْصَى بِنَحْرِ بَقَرَةٍ لِزَيْدٍ فَقَبِلَ بَعْدَ مَوْتِهِ الْوَصِيَّةَ لَيْسَ لِلْوَرَثَةِ إمْسَاكُهَا وَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَتِهِمْ لِأَنَّ الْمُوصَى لَهُ مَلَكَهَا بِالْقَبُولِ فَلَزِمَتْ مِنْ الثُّلُثِ وَلَوْ أَوْصَى بِالْبَقَرَةِ لِلْفُقَرَاءِ فَلِلْوَرَثَةِ إمْسَاكُهَا ، وَالتَّصَدُّقُ بِقِيمَتِهَا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْقُرْبَةُ لِغَيْرِ مُعَيَّنٍ بِالشَّخْصِ بَلْ بِالْجِنْسِ ، وَدَفْعُ الْقِيمَةِ صَدَقَةً وَقُرْبَةً كَدَفْعِ الْعَيْنِ فَإِجَازَتُهُمْ الْوَصِيَّةَ بِهَا لِلْفُقَرَاءِ لَا يَلْزَمُهُمْ دَفْعُ عَيْنِهَا لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الْمُسْتَحَقِّ عَيْنًا فَجَازَ دَفْعُ قِيمَتِهَا لِلْفُقَرَاءِ وَأَشَارَ بِكَوْنِ الْإِجَازَةِ بَعْدَ الْمَوْتِ إلَى أَنَّ إجَازَتَهُمْ مَا يَزِيدُ عَلَى الثُّلُثِ فِي حَالِ حَيَاةِ مُوَرِّثِهِمْ لَا تُعْتَبَرُ فَلَهُمْ الرُّجُوعُ عَنْهَا بَعْدَ مَوْتِهِ كَمَا فِي

الْخَانِيَّةِ وَلَا بُدَّ مِنْ هَذَا الْحَلِّ لِهَذَا الْمَحَلِّ ( قَوْلُهُ : ثُمَّ ادَّعَى شَيْئًا فِي يَدِ الْوَصِيِّ
إلَخْ ) أَقُولُ وَصِحَّة دَعْوَاهُ بِهِ لِعَدَمِ مَا يَمْنَعُ مِنْهَا لِأَنَّ الشَّهَادَةَ أَنَّهُ قَبَضَ جَمِيعَ تَرِكَةِ ، وَالِدِهِ
إلَخْ لَيْسَ فِيهِ إبْرَاءُ الْمَعْلُومِ عَنْ مَعْلُومٍ وَلَا عَنْ مَجْهُولٍ فَهُوَ إقْرَارٌ مُجَرَّدٌ لَمْ يَسْتَلْزِمْ إبْرَاءً فَلَيْسَ مَانِعًا مِنْ دَعْوَاهُ وَقَدْ حَصَلَ بِهَذَا اشْتِبَاهٌ لِصَاحِبِ الْأَشْبَاهِ فَظَنَّ أَنَّ هَذَا مِنْ قَبِيلِ الْبَرَاءَةِ الْعَامَّةِ وَجَعَلَهَا غَيْرَ مَانِعَةٍ لِلْوَرَثَةِ مِنْ الدَّعْوَى عَلَى بَعْضِهِمْ بَعْدَ صُدُورِهَا عَامَّةً فِيمَا بَيْنَهُمْ بِهَذِهِ الْمَسْأَلَة فَظَنَّ أَنَّهَا تُسْتَثْنَى مِنْ مَنْعِ الْبَرَاءَةِ الْعَامَّةِ ، وَسَاقَ مَسَائِلَ أُخَرَ ظَنَّهَا مُسْتَثْنَاةً مِنْ الْبَرَاءَةِ الْعَامَّةِ وَقَدْ حَرَّرْت الْحُكْمَ فِيهَا وَبَيَّنْت أَنَّهَا لَيْسَتْ كَمَا ظَنَّهُ أَنَّهُ لَا يُسْتَثْنَى مِنْ الْبَرَاءَةِ الْعَامَّةِ شَيْءٌ فَهِيَ مَانِعَةٌ مِنْ الدَّعْوَى بِمَا تَقَدَّمَ عَلَيْهَا مُطْلَقًا ، وَأَوْضَحْته بِرِسَالَةٍ سَمَّيْتهَا تَنْقِيحُ الْأَحْكَامِ فِي حُكْمِ الْإِقْرَارِ ، وَالْإِبْرَاءِ الْعَامِّ .
( قَوْلُهُ : وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ الْوَارِثُ أَنَّهُ قَدْ اسْتَوْفَى
إلَخْ ) كَذَلِكَ الْحُكْمُ فَلَا يَمْنَعُ هَذَا الْإِقْرَارُ دَعْوَى الْوَارِثِ بِدَيْنٍ لِمُوَرَّثِهِ عَلَى خَصْمٍ لَهُ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ غَيْرُ صَحِيحٍ لِعَدَمِ إبْرَائِهِ شَخْصًا مُعَيَّنًا أَوْ قَبِيلَةً مُعَيَّنَةً وَهُمْ يُحْصُونَ وَهَذَا بِخِلَافِ الْإِبَاحَةِ لِكُلِّ مَنْ يَأْكُلُ شَيْئًا مِنْ ثَمَرَةِ بُسْتَانِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَبِهِ يُفْتَى وَبِخِلَافِ الْإِبْرَاءِ عَنْ مَجْهُولٍ لِمَعْلُومٍ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ كَقَوْلِ زَيْدٍ لِعَمْرِو حَالِلْنِي مِنْ كُلِّ حَقٍّ لَك عَلَيَّ فَفَعَلَ بَرِئَ مِمَّا عَلِمَ وَمِمَّا لَمْ يَعْلَمْ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى .

وَمِنْهَا وَصِيٌّ أَنْفَذَ الْوَصِيَّةَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ قَالُوا إنْ كَانَ هَذَا الْوَصِيُّ وَارِثَ الْمَيِّتِ يَرْجِعُ فِي تَرِكَةِ الْمَيِّتِ وَإِلَّا فَلَا ، وَقِيلَ إنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْعِبَادِ يَرْجِعُ لِأَنَّ لَهَا مُطَالِبًا مِنْ جِهَةِ الْعِبَادِ فَكَانَ كَقَضَاءِ الدَّيْنِ ، وَإِنْ كَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَرْجِعُ وَقِيلَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَهُوَ كَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ إذَا أَدَّى الثَّمَنَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ وَكَذَا الْوَصِيُّ إذَا اشْتَرَى كِسْوَةً لِلصَّغِيرِ أَوْ اشْتَرَى مَا يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُتَطَوِّعًا وَلَوْ قَضَى دَيْنَ الْمَيِّتِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ بِغَيْرِ أَمْرِ الْوَارِثِ وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ لَا يَكُونُ مُتَطَوِّعًا وَكَذَلِكَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ إذَا قَضَى دَيْنَ الْمَيِّتِ أَوْ كَفَّنَ الْمَيِّتَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ أَوْ اشْتَرَى الْوَارِثُ الْكَبِيرُ طَعَامًا أَوْ كِسْوَةً لِلصَّغِيرِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَا يَكُونُ مُتَطَوِّعًا وَكَانَ لَهُ الرُّجُوعُ فِي مَالِ الْمَيِّتِ وَكَذَا الْوَصِيُّ لَوْ أَدَّى خَرَاجَ الْيَتِيمِ أَوْ عَشَرَةً مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَا يَكُونُ مُتَطَوِّعًا وَلَوْ كَفَّنَ الْوَصِيُّ الْمَيِّتَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ قُبِلَ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ .

قَوْلُهُ : وَمِنْهَا وَصِيٌّ أَنْفَذَ الْوَصِيَّةَ
إلَخْ ) يَعْنِي وَقَدْ يَثْبُتُ بِالْبَيِّنَةِ وَقَضَى بِهَا وَهَذَا ظَاهِرٌ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْوَرَثَةِ كَبِيرٌ حَاضِرٌ أَوْ كَانَ ، وَالْمُوصَى بِهِ مِنْ نَحْوِ الدَّرَاهِمِ وَهُوَ مَوْجُودٌ فِي التَّرِكَةِ وَإِلَّا فَالتَّصَرُّفُ عَلَيْهِ يَسْتَلْزِمُ بَيْعَ الْوَصِيِّ نَصِيبَهُ مِنْ الْعُرُوضِ جَبْرًا لِأَخْذِ الْوَصِيَّةِ وَلِلْوَارِثِ أَخْذُ عَيْنِ التَّرِكَةِ وَدَفْعُ قَدْرِ مَا أَوْصَى بِهِ مِنْ مَالِهِ ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الْوَصِيُّ وَارِثًا مَعَهُ وَارِثٌ آخَرُ وَيَسْتَلْزِمُ الْإِطْلَاقَ أَيْضًا ، وَالتَّرِكَةُ عُرُوضٌ أَنْ يَكُونَ الْوَصِيُّ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ مَا لِلْكَبِيرِ مِنْهَا وَلَا تَجُوزُ بِدُونِ رِضَاهُ وَفِي شِرَائِهِ حِصَّةَ الصَّغِيرِ لَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يَكُونَ خَيْرًا لِلْيَتِيمِ بِأَنْ يَشْتَرِيَ الشَّيْءَ بِزِيَادَةٍ عَلَى مَا يُسَاوِيهِ بِشَطْرِ قِيمَتِهِ كَاَلَّذِي يُسَاوِي عَشَرَةً فَيَشْتَرِيهِ بِخَمْسَةَ عَشَرَ ، وَالتَّقْيِيدُ بِالْوَصِيِّ احْتِرَازٌ عَنْ الْقَاضِي فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ شِرَاؤُهُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ حُكْمٌ لِنَفْسِهِ وَلَا يَجُوزُ وَفِيهِ خِلَافٌ ذُكِرَ فِي الْعِمَادِيَّةِ وَاحْتُرِزَ بِالْوَصِيِّ لِأَنَّ الْجَدَّ إذَا بَاعَ التَّرِكَةَ لِقَضَاءِ الدَّيْنِ أَوْ تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ ذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَإِذَا بَاعَ الْقَاضِي مِنْ التَّرِكَةِ بِقَدْرِ التَّنْفِيذِ هَلْ يَمْلِكُ بَيْعَ مَا زَادَ عَلَيْهِ عِنْدَ الْإِمَامِ يَجُوزُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَمْلِكُ .
( قَوْلُهُ : وَكَذَا الْوَصِيُّ إذَا اشْتَرَى كِسْوَةً
إلَخْ ) لَمْ يَشْتَرِطْ فِيهِ الْإِشْهَادَ وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْعِمَادِيَّةِ أَنْفَقَ الْوَصِيُّ عَلَى الْيَتِيمِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ وَمَالُ الْيَتِيمِ غَائِبٌ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ إلَّا أَنْ يُشْهِدَ أَنَّهُ قَرْضٌ عَلَيْهِ أَوْ أَنَّهُ يَرْجِعُ فِي مَالِهِ ثُمَّ قَالَ وَلَوْ ضَمِنَ الْأَبُ مَهْرَ امْرَأَةِ ابْنِهِ الصَّغِيرِ وَأَدَّى لَا يَرْجِعُ فِي مَالِ الصَّغِيرِ إلَّا أَنْ يَشْتَرِطَ الرُّجُوعَ وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْأَبِ وَصِيٌّ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الْأَوْلِيَاءِ يَرْجِعُ فِي مَالِ الصَّغِيرِ

وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ فِي أَصْلِهِ الضَّمَانَ اَ هـ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِكَلَامِ الْمُصَنِّفِ وَيُخَالِفُهُ الْمُتَقَدِّمُ عَنْ الْفُصُولِ وَيُخَالِفُهُ أَيْضًا مَا فِي الْفُصُولِ الْوَصِيُّ إذَا اشْتَرَى الطَّعَامَ أَوْ الْكِسْوَةَ لِلْيَتِيمِ بِشَهَادَةِ الشُّهُودِ يَرْجِعُ بِهِ فِي مَالِهِ ا هـ .
فَقَدْ اضْطَرَبَ كَلَامُ أَئِمَّتِنَا فِي الرُّجُوعِ مُطْلَقًا أَوْ بِالْإِشْهَادِ عَلَيْهِ فَلْيُحَرَّرْ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ قَضَى دَيْنَ الْمَيِّتِ مِنْ مَالِ نَفْسٍ بِغَيْرِ أَمْرِ الْوَارِثِ ) يَعْنِي الْوَارِثَ الْكَبِيرَ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ صَغِيرًا وَقَضَاهُ بِدُونِ أَمْرِ الْقَاضِي وَأَشْهَدَ عَلَى ذَلِكَ لَا يَكُونُ مُتَطَوِّعًا ، وَأَقُولُ اشْتِرَاطُهُ الْإِشْهَادَ مُخَالِفٌ لِإِطْلَاقِهِ الْمُتَقَدِّمِ بِقَوْلِهِ فَكَانَ كَقَضَاءِ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ حُكْمٌ بِرُجُوعِهِ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ ( قَوْلُهُ : وَكَذَلِكَ بَعْضُ الْوَرَثَةِ إذَا قَضَى دَيْنَ الْمَيِّتِ ) أَقُولُ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ وَلَا عَلَى ظَاهِرِهِ لِأَنَّ الْبَعْضَ لَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى بَاقِي الْوَرَثَةِ ، وَالدَّيْنُ لَمْ يُبَيَّنْ كَوْنُهُ ثَابِتًا بِالْإِقْرَارِ أَوْ الْحُجَّةِ وَهُوَ مُفْتَرِقٌ لِمَا قَالَ فِي الْعِمَادِيَّةِ فَإِنْ ثَبَتَ الدَّيْنُ بِالْبَيِّنَةِ ، وَقَضَى بِهِ فَأَدَّى أَحَدُ الْوَرَثَةِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ التَّرِكَةِ وَلَوْ دَفَعَ مِنْ التَّرِكَةِ مِنْ غَيْرِ قَضَاءِ الْقَاضِي كَانَ لِلْغَائِبِ أَنْ لَا يُجِيزَ وَيَسْتَرِدَّ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ ، وَلَوْ دَفَعَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَا يَرْجِعُ عَلَى الْغَائِبِ لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ الدَّيْنُ بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ وَكَذَا الْوَصِيُّ لَا يُؤَدِّي وَدِيعَةً لِمُدَّعِيهَا وَلَا دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ ، وَأَمَّا مَهْرُ الْمَرْأَةِ فَقَالَ الْقَاسِمُ إنْ ادَّعَتْ مِقْدَارَ مَهْرِ مِثْلِهَا فَذَلِكَ وَاجِبٌ وَكَفَى بِالنِّكَاحِ شَاهِدًا قَالَ الْفَقِيهُ إنْ كَانَ الزَّوْجُ بَنَى بِهَا يَمْنَعُ عَنْهَا مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِتَعْجِيلِهِ ، وَالْقَوْلُ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ لِلْوَرَثَةِ وَفِيمَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَرْأَةِ كَذَا فِي

الْعِمَادِيَّةِ ( قَوْلُهُ : أَوْ كَفَّنَ الْمَيِّتَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ ) أَقُولُ كَذَا أَطْلَقَهُ وَكَذَا فِيمَا سَيَأْتِي وَجَعَلَ الْوَارِثَ ، وَالْوَصِيَّ سَوَاءً فِي الرُّجُوعِ بِمَا أَنْفَقَهُ فِي الْكَفَنِ وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ إسْرَافٍ بِحَسَبِ مَا ذَكَرَهُ الْأَئِمَّةُ مِنْ كَفَنِ السُّنَّةِ وَمُرَاعَاةِ حَالِ الرَّجُلِ بِمَا يَلْبَسُهُ فِي الْأَعْيَادِ وَمَجَامِعِ النَّاسِ وَتَلْبَسُهُ الْمَرْأَةُ لِلزِّيَادَةِ ( قَوْلُهُ : أَوْ اشْتَرَى الْوَارِثُ الْكَبِيرُ طَعَامًا أَوْ كِسْوَةً لِلصَّغِيرِ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ لَا يَكُونُ مُتَطَوِّعًا ) أَقُولُ كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ : قَالَ الْوَلِيُّ أَوْ الْوَصِيُّ إذَا اشْتَرَى كِسْوَةَ الصَّغِيرِ أَوْ اشْتَرَى مَا أُنْفِقَ عَلَيْهِمْ لَا يَكُونُ مُتَطَوِّعًا وَإِنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ وَصِيٌّ أَجْنَبِيٌّ فَلِلْوَارِثِ أَنْ يَقْضِيَ دَيْنَهُ وَيُكَفِّنَهُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْوَصِيِّ وَيَرْجِعَ فِي الْمِيرَاثِ ا هـ .
لَكِنْ يُخَالِفُهُ مَا فِي الْفُصُولِ أَيْضًا ، قَالَ وَرَثَةٌ صِغَارٌ وَكِبَارٌ وَفِي التَّرِكَةِ دَيْنٌ وَعَقَارٌ تَوَى بَعْضُ الْمَالِ وَأَنْفَقَ الْكِبَارُ الْبَعْضَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَعَلَى الصِّغَارِ فَمَا تَوَى فَهُوَ عَلَى كُلِّهِمْ وَمَا أَنْفَقَهُ الْكِبَارُ ضَمِنُوا حِصَّةَ الصِّغَارِ إنْ كَانُوا أَنْفَقُوا بِغَيْرِ أَمْرِ الْقَاضِي أَوْ الْوَصِيِّ وَمَا أَنْفَقُوا عَلَيْهِمْ بِأَمْرِ الْقَاضِي أَوْ الْوَصِيِّ حُسِبَ لَهُمْ إلَى نَفَقَةِ مِثْلِهِمْ وَفِي نَوَادِرِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ فِيمَنْ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ صَغِيرًا وَكَبِيرًا وَأَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَنْفَقَ الْكَبِيرُ عَلَى الصَّغِيرِ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْ الْأَلْفِ نَفَقَةَ مِثْلِهِ وَهُوَ لَيْسَ بِوَصِيٍّ قَالَ هُوَ مُتَطَوِّعٌ فِي ذَلِكَ وَلَوْ كَانَ الْمَيِّتُ تَرَكَ طَعَامًا أَوْ ثَوْبًا فَأَطْعَمَ الْكَبِيرُ الصَّغِيرَ ، وَأَلْبَسَهُ الثَّوْبَ اسْتَحْسَنْتُ أَنْ لَا يَكُونَ عَلَى الْكَبِيرِ ضَمَانٌ فِي ذَلِكَ ا هـ .
وَفِي شَرْحِ التُّمُرْتَاشِيِّ لَا يَحِلُّ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يَنْتَفِعُوا بِشَيْءٍ مِنْ مَتَاعِ الْبَيْتِ مِنْ ثِيَابٍ أَوْ حَطَبٍ أَوْ دُهْنٍ أَوْ مَأْكُولٍ أَوْ غَيْرِهِ

إذَا كَانَ فِيهِمْ صَغِيرٌ وَأَقُولُ هَذَا فِي غَيْرِ نَصِيبِهِ مِنْ الْمِثْلِيِّ فَإِنَّهُ يَجُوزُ لِلْكَبِيرِ أَخْذُ قَدْرِ نَصِيبِهِ مِنْهُ لِغَلَبَةِ الْإِفْرَازِ فِيهِ عَلَى الْمُبَادَلَةِ بِدُونِ قِسْمَةٍ

وَمِنْهَا وَصِيٌّ بَاعَ شَيْئًا مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ ثُمَّ طَلَبَ مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِمَّا بَاعَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَرْجِعُ إلَى أَهْلِ الْبَصَرِ إنْ أَخْبَرَهُ اثْنَانِ مِنْ أَهْلِ الْبَصَرِ ، وَالْأَمَانَةِ أَنَّهُ بَاعَ بِقِيمَتِهِ وَأَنَّ قِيمَتَهُ ذَلِكَ فَإِنَّ الْقَاضِيَ لَا يَلْتَفِتُ إلَى مَنْ يَزِيدُ ، وَإِنْ كَانَ فِي الْمُزَايَدَةِ يَشْتَرِي بِأَكْثَرَ وَفِي السُّوقِ بِأَقَلَّ لَا يَنْتَقِضُ بَيْعُ الْوَصِيِّ لِأَجْلِ تِلْكَ الزِّيَادَةِ بَلْ يَرْجِعُ إلَى أَهْلِ الْبَصَرِ ، وَالْأَمَانَةِ فَإِنْ اجْتَمَعَ رَجُلَانِ مِنْهُمْ عَلَى شَيْءٍ يُؤْخَذُ بِقَوْلِهِمَا وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِمَا فَقَوْلُ الْوَاحِدِ يَكْفِي كَمَا فِي التَّزْكِيَةِ وَعَلَى هَذَا أُقِيمَ الْوَقْفُ إذَا آجَرَ مُسْتَغِلُّ الْوَقْفِ ثُمَّ جَاءَ آخَرُ يَزِيدُ فِي الْأَجْرِ .

وَمِنْهَا وَصِيٌّ بَاعَ تَرِكَتَهُ لِإِنْفَاذِ وَصِيَّتِهِ فَجَحَدَ الْمُشْتَرِي فَحَلَّفَهُ الْوَصِيُّ فَحَلَفَ ، وَالْوَصِيُّ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ فِي يَمِينِهِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقُولُ لِلْوَصِيِّ : إنْ كُنْت صَادِقًا فَقَدْ فَسَخْت الْبَيْعَ بَيْنَهُمَا فَيَجُوزُ ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ تَعْلِيقًا بِالْخَطَرِ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى فَسْخِ الْحَاكِمِ لِأَنَّ الْوَصِيَّ لَوْ عَزَمَ عَلَى تَرْكِ الْخُصُومَةِ كَانَ فَسْخًا بِمَنْزِلَةِ الْإِقَالَةِ فَيَلْزَمُ الْوَصِيَّ كَمَا لَوْ تَقَايَلَا حَقِيقَةً فَإِذَا فَسَخَ الْقَاضِي لَمْ يَكُنْ إقَالَةً فَلَا يَلْزَمُ الْوَصِيَّ .

قَوْلُهُ : وَمِنْهَا وَصِيٌّ بَاعَ تَرِكَةَ الْمَيِّتِ لِإِنْفَاذِ وَصِيَّتِهِ فَجَحَدَ الْمُشْتَرِي ) أَيْ جَحَدَ الشِّرَاءَ كَمَا ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ ( قَوْلُهُ : فَسَخْتُ الْبَيْعِ بَيْنَهُمَا ) عِبَارَةُ الْقَاضِي بَيْنَكُمَا ( قَوْلُهُ : فَيَلْزَمُ الْوَصِيَّ كَمَا لَوْ تَقَابَلَا حَقِيقَةً ) أَقُولُ عَلَى هَذَا تَكُونُ الْإِقَالَةُ فَسْخًا بِالنَّظَرِ إلَيْهِمَا بَيْعًا جَدِيدًا فِي حَقِّ ثَالِثِ هُوَ الْيَتِيمُ فَيَلْزَمُ الْوَصِيَّ الثَّمَنُ ، وَالْمَبِيعُ لَهُ فَيُفِيدُ أَنَّ الْوَصِيَّ لَا يَمْلِكُ الْإِقَالَةَ .
وَفِي الْعِمَادِيَّةِ خِلَافُهُ قَالَ فِي صُلْحِ الْمَبْسُوطِ : وَأَمَّا إقَالَتُهُ فَتَجُوزُ لِأَنَّهَا كَالشِّرَاءِ .
وَفِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ الْوَصِيُّ أَوْ الْمُتَوَلِّي إذَا بَاعَ شَيْئًا بِأَكْثَرَ مِنْ قِيمَتِهِ ثُمَّ أَقَالَ الْبَيْعَ لَا يَصِحُّ وَفِي فَوَائِدِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ : الْوَصِيُّ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا لِلصَّغِيرِ ثُمَّ أَقَالَ إنْ كَانَ فِي الْإِقَالَةِ نَظَرٌ لِلْيَتِيمِ جَازَ وَإِلَّا فَلَا ا هـ .
قُلْت فَاَلَّذِي يُحْمَلُ عَلَيْهِ كَلَامُ الدُّرَرِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الْإِقَالَةِ نَفْعٌ لِلْيَتِيمِ وَإِذَا انْتَفَى النَّفْعُ يَصِيرُ الْمَبِيعُ لَهُ وَيَضْمَنُ الثَّمَنَ لِلْيَتِيمِ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ شِرَائِهِ مَالَ الْيَتِيمِ لِنَفْسِهِ بِمَا فِيهِ مِنْ الْخَيْرِ لِلْيَتِيمِ وَتَفْسِيرُ الْخَيْرِ أَنْ يَشْتَرِيَ مَا يُسَاوِي عَشْرَةً بِخَمْسَةَ عَشَرَ فَأَكْثَرَ أَوْ يَبِيعَ مِنْهُ مَالَ نَفْسِهِ مَا يُسَاوِي خَمْسَةَ عَشَرَ بِعَشَرَةٍ فَهُوَ خَيْرٌ ، وَبِمَا فَوْقَهَا لَا وَهَذَا يُحْفَظُ وَبِهِ يُفْتَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

هَذَا آخِرُ مَا مَنَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيَّ بِلُطْفِهِ مِنْ شَرْحِ غُرَرِ الْأَحْكَامِ الْمُسَمَّى بِدُرَرِ الْحُكَّامِ حَيْثُ وَفَّقَنِي لِجَمْعِهِ وَتَحْرِيرِهِ وَعَلَى أَحْسَنِ الصُّوَرِ لِتَصْوِيرِهِ حَاوِيًا لِمُهِمَّاتٍ خَلَتْ عَنْهَا الْكُتُبُ الْمَشْهُورَةُ ، وَإِنْ كَانَتْ فِي بَعْضِ الْمُعْتَبَرَاتِ مَسْطُورَةً وَلَقَدْ بَذَلْت مَجْهُودِي فِي التَّنْفِيرِ ، وَالتَّنْقِيحِ ، وَالتَّهْذِيبِ ، وَالتَّوْضِيحِ وَتَتَبُّعِ أَقْوَالِ الْأَئِمَّةِ الْكِرَامِ وَاسْتِطْلَاعِ آرَاءِ فُضَلَاءِ الْأَئِمَّةِ الْعِظَامِ حَتَّى عَثَرْت عَلَى مَا صَدَرَ عَنْ بَعْضِ الْأَفَاضِلِ مِنْ الْعَثَرَاتِ عَلَى مُقْتَضَى الْبَشَرِيَّةِ وَوَقَفْت عَلَى مَا وَقَعَ مِنْ بَعْضِ الْأَمَاثِلِ مِنْ زَلَّاتٍ لَيْسَ نَفْسُ الْإِنْسَانِ عَنْهَا عَرِيَّةً وَلَا عَتْبَ فَإِنَّ سَائِرَ الْعُلُومِ بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذَا الْعِلْمِ كَنِسْبَةِ الْقَطْرَةِ إلَى الْبَحْرِ الْمُتَلَاطِمِ الْأَمْوَاجِ لَا يَغُوصُ عَلَى فَرَائِدِهِ كُلُّ غَوَّاصٍ قَوِيٍّ فَضْلًا عَنْ الزَّجَّاجِ وَلِذَا تَرَى الْعُلَمَاءَ الْمُتَأَخِّرِينَ مَعَ كَمَالِهِمْ فِي الْفُنُونِ الْآلِيَّةِ وَتَصْنِيفِهِمْ فِيهَا كُتُبًا مُعْتَبَرَةً لَمْ يَحُومُوا حَوْلَ هَذَا الْعِلْمِ وَلَمْ يُصَنِّفُوا فِيهِ وَلَوْ رِسَالَةً مُخْتَصَرَةً وَهَذَا الْعَبْدُ الْفَقِيرُ إلَى اللَّهِ الْغَنِيِّ مَعَ مُطَارَحَتِهِ مَعَهُمْ فِي تَصَانِيفِهِمْ فِيمَا انْتَسَبُوا إلَيْهِ وَمُعَارَضَتِهِ إيَّاهُمْ فِي مُؤَلَّفَاتِهِمْ فِيمَا اعْتَمَدُوا عَلَيْهِ بِحَيْثُ قَبِلَهَا عُلَمَاءُ الْعَصْرِ وَفُضَلَاءُ الدَّهْرِ امْتَازَ عَنْهُمْ بِكَتْبِ هَذَا الْمَتْنِ اللَّطِيفِ الْمَشْحُونِ بِالْفَوَائِدِ ، وَالشَّرْحِ الشَّرِيفِ الْمَمْلُوءِ بِالْفَرَائِدِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ وَأَعَانَنَا عَلَيْهِ وَمَا كُنَّا نَقْدِرُ عَلَيْهِ لَوْلَا أَنْ أَعَانَنَا اللَّهُ وَلَيْسَ الْغَرَضُ الْأَصْلِيُّ مِنْ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ التَّمَدُّحَ بَلْ الِامْتِثَالُ لِمَا يُفْهَمُ مِنْ قَوْله تَعَالَى { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّك فَحَدِّثْ } وَقَدْ وَقَعَ الْفَرَاغُ مِنْ تَأْلِيفِهِ يَوْمَ السَّبْتِ

الثَّانِي مِنْ جُمَادَى الْأُولَى سَنَةَ ثَلَاثٍ وَثَمَانِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ وَقَدْ كَانَ الْبُدَاءَةُ فِي يَوْمِ السَّبْتِ الثَّانِيَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ سَبْعٍ وَسَبْعِينَ وَثَمَانِمِائَةٍ عَلَى يَدِ أَضْعَفِ عِبَادِ اللَّه تَعَالَى وَأَحْوَجِهِمْ إلَى رَحْمَتِهِ مُؤَلَّفِ الْكِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ فَرَامُرْزِ بْنِ عَلِيٍّ عَامَلَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِلُطْفِهِ الْخَفِيِّ ، وَالْجَلِيِّ آمِينَ حَمْدًا لِمَنْ زَيَّنَ سَمَاءَ الْمَعْقُولِ بِزَوَاهِرِ جَوَاهِرِ الْمَنْقُولِ وَمَنَّ عَلَيْنَا بِمَبْسُوطِ فَضْلِهِ وَغَمَرَنَا فِي بِحَارِ مَنْحِهِ وَنَيْلِهِ ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنْ جَاءَ بِالْفَتْحِ الْمُبِينِ فَاسْتَبَانَ بِنُورِ هِدَايَتِهِ أَعْلَامُ الدِّينِ الْمَتِينِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ كُنُوزِ الْحَقَائِقِ وَمَرَاكِزِ مُحِيطِ الدَّقَائِقِ مَا تُلِيَتْ الْآيَاتُ الْبَيِّنَاتُ فِي صَحَائِفِ مَجْمُوعِ الْكَائِنَاتِ .
( وَبَعْدُ ) فَلَا يَخْفَى أَنَّ كِتَابَ الدُّرَرِ ، وَالْغُرُرِ الَّذِي طَارَ صِيتُهُ فِي الْأَقْطَارِ وَانْتَشَرَ مِنْ أَعْظَمِ كُتُبِ الْحَنَفِيَّةِ الْجَمِيلَةِ الْمُعَوَّلِ عَلَيْهِ فِي الْوَاقِعَاتِ الْجَلِيلَةِ فَإِنَّهُ جَمَعَ مَا تَفَرَّقَ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمُهِمَّةِ وَكَشَفَ النِّقَابَ عَنْ مُشْكِلَاتِهَا الْمُدْلَهِمَّةِ وَلَا غَرْوَ فَإِنَّ مُؤَلِّفَهُ قَدْ حَازَ قَصَبَ السَّبْقِ فِي الْفُرُوعِ ، وَالْأُصُولِ وَشَهِدَتْ بِذَلِكَ تَآلِيفُهُ الْمَلْحُوظَةُ بِعَيْنِ الْقَبُولِ فَأَرَدْنَا الِانْتِسَابَ لِجَنَابِهِ بِطَبْعِ كِتَابِهِ فَجَاءَ بِحَمْدِ اللَّهِ يَمْلَأُ الْعُيُونَ نُورًا ، وَالْقُلُوبَ سُرُورًا لَا سِيَّمَا وَقَدْ طَرَّزْنَا بِحَاشِيَةِ الْعَلَّامَةِ الشُّرُنْبُلَالِيِّ الْجَامِعَةِ لِلدُّرَرِ ، وَاللَّآلِئِ وَقَدْ بَذَلْنَا الْجُهْدَ فِي تَنْقِيحِهِ مِنْ التَّحْرِيفِ فِي الْأَلْفَاظِ ، وَالْمَبَانِي الَّتِي تُشَوِّشُ ذِهْنَ الطَّالِبِ الْمَعَانِي لِلْمَعَانِي وَكَانَ تَمَامُ طَبْعِهِ وَبَسْطُ مَوَائِدِ نَفْعِهِ بِالْمَطْبَعَةِ الْكَامِلِيَّةِ إحْدَى الْمَطَابِعِ الْعَلِيَّةِ فِي أَوَاخِرِ جُمَادَى الثَّانِي مِنْ سَنَةِ 1330 مِنْ الْهِجْرَةِ الْفَاخِرَةِ الزَّاهِيَةِ عَلَى

صَاحِبِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ ، وَالتَّسْلِيمِ وَأَتَمُّ التَّحِيَّةِ ، وَالتَّعْظِيمِ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25