كتاب : درر الحكام شرح غرر الأحكام
المؤلف : محمد بن فراموز الشهير بمنلا خسرو

( الْحَائِطُ لِمَنْ جُذُوعُهُ عَلَيْهِ أَوْ مُتَّصِلٌ بِهِ اتِّصَالَ تَرْبِيعٍ ) الِاتِّصَالُ نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا اتِّصَالُ مُلَازَقَةٍ وَهُوَ أَنْ يُلَازِقَ أَحَدُ الطَّرَفَيْنِ بِالْآخَرِ وَالثَّانِي اتِّصَالُ تَرْبِيعٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ لَبِنَاتُ الْحَائِطِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ مُتَدَاخِلَةً فِي اتِّصَالِ لَبِنَاتِ الْحَائِطِ الَّذِي لَا نِزَاعَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ الْحَائِطُ مِنْ خَشَبٍ فَالتَّرْبِيعُ أَنْ يَكُونَ أَطْرَافُ خَشَبَاتِ أَحَدِهِمَا مُرَكَّبَةً فِي الْأُخْرَى وَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ هَاهُنَا لِأَنَّهُ شَاهِدٌ ظَاهِرٌ لِصَاحِبِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي بَنَاهُ مَعَ حَائِطِهِ إذْ مُدَاخَلَةُ اتِّصَالِ اللَّبِنَاتِ وَأَطْرَافِ الْخَشَبَاتِ لَا تُتَصَوَّرُ إلَّا عِنْدَ بِنَاءِ الْحَائِطَيْنِ مَعًا فَكَانَ أَوْلَى وَكَذَا إذَا كَانَ لِأَحَدِ الْمُتَنَازِعَيْنِ جُذُوعٌ عَلَى الْحَائِطِ كَانَ لَهُ لِأَنَّ صَاحِبَ الْجُذُوعِ مُسْتَعْمِلٌ لِلْحَائِطِ بِمَا وُضِعَ لَهُ الْحَائِطُ وَهُوَ وَضْعُ الْجُذُوع عَلَيْهِ ( لَا لِمَنْ عَلَيْهِ هَرَادِيُّ ) وَهِيَ خَشَبَاتٌ تُوضَعُ عَلَى الْجُذُوعِ وَيُلْقَى عَلَيْهَا التُّرَابُ فَإِنَّهَا غَيْرُ مُعْتَبَرَةٍ وَكَذَا الْبَوَارِي لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ اسْتِعْمَالًا لَهُ وَضْعًا إذْ الْحَائِطُ لَا يُبْنَى لَهُمَا بَلْ لِلتَّسْقِيفِ وَهُوَ لَا يُمْكِنُ عَلَى الْهَرَادِيِّ وَالْبَوَارِي ( بَلْ بَيْنَ الْجَارَيْنِ لَوْ تَنَازَعَا ) يَعْنِي إذَا تَنَازَعَا فِي حَائِطٍ وَلِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ هَرَادِيُّ وَلَيْسَ لِلْآخَرِ عَلَيْهِ شَيْءٌ فَهُوَ بَيْنَهُمَا إذْ لَا يَخْتَصُّ بِهِ صَاحِبُ الْهَرَادِيِّ ( وَذُو بَيْتٍ مِنْ دَارٍ كَذِي بُيُوتٍ مِنْهَا فِي حَقِّ سَاحَتِهَا ) يَعْنِي إذَا كَانَ بَيْتٌ مِنْ دَارٍ فِيهَا بُيُوتٌ كَثِيرَةٌ فِي يَدِ زَيْدٍ وَالْبُيُوتُ الْبَاقِيَةُ فِي يَدِ بَكْرٍ ( فَهِيَ ) أَيْ السَّاحَةُ ( تَكُونُ بَيْنَهُمَا ) حَالَ كَوْنِهَا ( نِصْفَيْنِ ) لِاسْتِوَائِهِمَا فِي اسْتِعْمَالِهَا وَهُوَ الْمُرُورُ فِيهَا وَالتَّوَضُّؤُ وَكَسْرُ الْحَطَبِ وَوَضْعُ الْأَمْتِعَةِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَصَارَتْ نَظِيرَ الطَّرِيقِ ( بِخِلَافِ الشِّرْبِ ) إذَا تَنَازَعَا فِيهِ ( فَإِنَّهُ بِقَدْرِ

الْأَرْضِ ) أَيْ يُقْسَمُ بَيْنَهُمَا بِقَدْرِ أَرْضَيْهِمَا لِأَنَّ الشِّرْبَ يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِأَجْلِ سَقْيِ الْأَرْضِ فَعِنْدَ كَثْرَةِ الْأَرَاضِي تَكْثُرُ الْحَاجَةُ إلَيْهِ .
( قَوْلُهُ الْحَائِطُ لِمَنْ جُذُوعُهُ عَلَيْهِ ) مَبْسُوطَةٌ فِي التَّبْيِينِ

( بَرْهَنَا ) أَيْ خَارِجَانِ عَلَى يَدٍ ( فِي أَرْضٍ ) أَيْ عَلَى أَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا يَدًا فِيهَا ( قُضِيَ بِيَدِهِمَا ) لِأَنَّ الْيَدَ فِيهَا غَيْرُ مُشَاهَدٍ لِتَعَذُّرِ إحْضَارِهَا وَالْبَيِّنَةُ تُثْبِتُ مَا غَابَ عَنْ عِلْمِ الْقَاضِي ( وَلَوْ بَرْهَنَ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا أَوْ كَانَ تَصَرَّفَ فِيهَا ) بِأَنْ لَبَّنَ فِيهَا أَوْ بَنَى أَوْ حَفَرَ ( قُضِيَ بِيَدِهِ ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِقِيَامِ الْحُجَّةِ فَإِنَّ الْيَدَ حَقٌّ مَقْصُودٌ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِوُجُودِ التَّصَرُّفِ وَالِاسْتِعْمَالِ فِيهَا
( قَوْلُهُ بَرْهَنَا عَلَى يَدٍ فِي أَرْضٍ ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّ الْيَدَ لَا تَثْبُتُ فِي الْعَقَارِ بِالتَّصَادُقِ وَكَذَا بِالنُّكُولِ عَنْ الْيَمِينِ وَلَوْ نَكَلَا جَعَلَ فِي يَدِ كُلٍّ مِنْهُمَا نِصْفَهَا الَّذِي فِي يَدِ صَاحِبِهِ لِصِحَّةِ إقْرَارِهِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَإِنْ حَلَفَا جَمِيعًا لَمْ يَقْضِ بِالْيَدِ لَهُمَا فِيهَا وَبَرِئَ كُلٌّ عَنْ دَعْوَى صَاحِبِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ

( صَبِيٌّ يُعَبِّرُ ) أَيْ يَتَكَلَّمُ وَيَعْلَمُ مَا يَقُولُ ( قَالَ أَنَا حُرٌّ فَالْقَوْلُ لَهُ ) لِأَنَّهُ إذَا كَانَ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَهُوَ فِي يَدِ نَفْسِهِ فَلَا تُقْبَلُ دَعْوَى أَحَدٍ عَلَيْهِ أَنَّهُ عَبْدُهُ عِنْدَ إنْكَارِهِ ( إلَّا بِبَيِّنَةٍ كَالْبَالِغِ فَإِنْ قَالَ أَنَا عَبْدُ فُلَانٍ ) وَهُوَ غَيْرُ ذِي الْيَدِ ( قُضِيَ لِمَنْ مَعَهُ ) يَعْنِي ذَا الْيَدِ لِأَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ لَا يَدَ لَهُ حَيْثُ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالرِّقِّ فَكَانَ مِلْكًا لِمَنْ فِي يَدِهِ كَالْقُمَاشِ فَإِنْ قِيلَ الْإِقْرَارُ بِالرِّقِّ ضَارٌّ فَكَانَ الْوَاجِبُ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ قُلْنَا الرِّقُّ لَمْ يَثْبُتْ بِقَوْلِهِ بَلْ بِدَعْوَى ذِي الْيَدِ لِعَدَمِ الْمُعَارِضِ لِدَعْوَى الْحُرِّيَّةِ لِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ فِي يَدِ الْمُدَّعِي بَقِيَ كَالْقُمَاشِ فِي يَدِهِ فَيُقْبَلُ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ ( فَلَوْ كَبِرَ وَادَّعَى الْحُرِّيَّةَ يُسْمَعُ ) أَيْ ادِّعَاؤُهُ ( بِالْبَيِّنَةِ ) لِأَنَّ التَّنَاقُضَ فِي دَعْوَى الْحُرِّيَّةِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الدَّعْوَى كَمَا سَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .

( بَابُ دَعْوَى النَّسَبِ ) اعْلَمْ أَنَّ الدَّعْوَى نَوْعَانِ أَحَدُهُمَا دَعْوَةُ الِاسْتِيلَادِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْعُلُوقُ فِي مِلْكِ الْمُدَّعِي وَالثَّانِي دَعْوَةُ التَّحْرِيرِ وَهِيَ أَنْ لَا يَكُونَ الْعُلُوقُ فِي مِلْكِ الْمُدَّعِي وَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَسْبَقُ لِاسْتِنَادِهَا إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ وَاقْتِصَارِ دَعْوَةِ التَّحْرِيرِ عَلَى الْحَالِ وَسَيَأْتِي تَوْضِيحُهُ ( بَاعَ أَمَةً فَوَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُذْ بِيعَتْ فَادَّعَاهُ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَأُمَيَّتُهَا ) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَثْبُتُ لِأَنَّ بَيْعَهُ إقْرَارٌ مِنْهُ بِأَنَّهَا أَمَةً فَبِالدَّعْوَةِ يَصِيرُ مُنَاقِضًا ، وَلَنَا أَنَّ مَبْنَى النَّسَبِ عَلَى الْخَفَاءِ فَيُعْفَى فِيهِ التَّنَاقُضُ كَمَا سَيُذْكَرُ فَتُقْبَلُ دَعْوَتُهُ إذَا تَيَقَّنَ بِالْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ بِالْوِلَادَةِ لِلْأَقَلِّ فَإِنَّهُ كَالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ مِنْهُ إذْ الظَّاهِرُ عَدَمُ الزِّنَا مِنْهَا وَأَمْرُ النَّسَبِ عَلَى الْخَفَاءِ فَقَدْ يَظُنُّ الْمَرْءُ أَنَّ الْعُلُوقَ لَيْسَ مِنْهُ ثُمَّ يَظْهَرُ أَنَّهُ مِنْهُ فَكَانَ عُذْرًا لَهُ فِي إسْقَاطِ اعْتِبَارِ التَّنَاقُضِ وَإِذَا صَحَّتْ الدَّعْوَى اسْتَنَدَتْ إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ فَيَظْهَرُ أَنَّهُ بَاعَ أُمَّ وَلَدِهِ ( فَيُفْسَخُ الْبَيْعُ ) لِعَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ أُمِّ الْوَلَدِ ( وَيَرُدُّ الثَّمَنَ ) لِأَنَّ سَلَامَةَ الثَّمَنِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى سَلَامَةِ الْمَبِيعِ بِخِلَافِ دَعْوَى أَبِي الْبَائِعِ لِعَدَمِ انْعِقَادِ الْعُلُوقِ عَلَى مِلْكِهِ إذَا كَانَ لَهُ حَقُّ التَّمَلُّكِ عَلَى وَلَدِهِ وَقَدْ زَالَ ذَلِكَ بِالْبَيْعِ ( وَإِنْ ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي قَبْلَهُ ثَبَتَ ) أَيْ نَسَبُهُ ( مِنْهُ ) وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ نَكَحَهَا وَاسْتَوْلَدَهَا ثُمَّ اشْتَرَاهَا ( وَلَوْ ) ادَّعَاهُ ( مَعَهُ ) أَيْ مَعَ الْبَائِعِ ( أَوْ بَعْدَهُ لَا ) أَيْ لَا يَثْبُتُ نَسَبُ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ دَعْوَةَ الْبَائِعِ دَعْوَةُ اسْتِيلَادٍ لِكَوْنِ أَصْلِ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ وَدَعْوَةُ الْمُشْتَرِي دَعْوَةُ تَحْرِيرٍ إذْ أَصْلُ الْعُلُوقِ لَمْ يَكُنْ فِي مِلْكِهِ وَالْأُولَى

أَقْوَى لِمَا مَرَّ ( كَذَا ) أَيْ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الْبَائِعِ ( إنْ مَاتَتْ الْأُمُّ ) فَادَّعَاهُ الْبَائِعُ وَقَدْ وَلَدَتْ لِلْأَقَلِّ وَيَأْخُذُهُ وَيَسْتَرِدُّ الْمُشْتَرِي كُلَّ الثَّمَنِ لِأَنَّ الْوَلَدَ هُوَ الْأَصْلُ فِي النَّسَبِ مِنْهُ لِأَنَّهَا تَسْتَفِيدُ الْحُرِّيَّةَ مِنْهُ أَلَا يَرَى إلَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا } فَالثَّابِتُ لَهَا حَقُّ الْحُرِّيَّةِ وَلَهُ حَقِيقَةُ الْحُرِّيَّةِ وَالْحَقِيقَةُ أَقْوَى مِنْ الْحَقِّ فَيَسْتَتْبِعُ الْأَدْنَى وَلَا يَضُرُّهُ فَوَاتُ التَّبَعِ ( بِخِلَافِ الْوَلَدِ ) فَإِنَّهُ إذَا مَاتَ دُونَ الْأُمِّ فَادَّعَاهُ الْبَائِعُ وَقَدْ وَلَدَتْ لِلْأَقَلِّ لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ لِاسْتِغْنَائِهِ بِالْمَوْتِ عَنْ النَّسَبِ وَلَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدِهِ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ فَرْعُ النَّسَبِ فَلَوْ ثَبَتَ لَكَانَ أَصْلًا وَهُوَ بَاطِلٌ بِخِلَافِ بَيْعِهِ فَإِنَّهُ إذَا بَاعَ عَبْدًا وُلِدَ عِنْدَهُ ثُمَّ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ آخَرَ ثُمَّ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ الْأَوَّلُ أَنَّهُ ابْنُهُ فَهُوَ ابْنُهُ وَبَطَلَ الْبَيْعَانِ لِأَنَّ اتِّصَالَ الْعُلُوقِ بِمِلْكِهِ كَالْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ وَالْبَيْعُ يَحْتَمِلُ النَّقْضَ وَمَالُهُ مِنْ حَقِّ الدَّعْوَةِ لَا يَحْتَمِلُهُ فَيُنْتَقَضُ الْبَيْعُ لِأَجْلِهِ
( بَابُ دَعْوَى النَّسَبِ )

( وَإِعْتَاقُهُمَا ) أَيْ إعْتَاقُ الْمُشْتَرِي الْأُمَّ وَالْوَلَدَ ( كَمَوْتِهِمَا ) حَتَّى لَوْ أَعْتَقَ الْأُمَّ لَا الْوَلَدَ فَادَّعَى الْبَائِعُ الْوَلَدَ أَنَّهُ ابْنُهُ صَحَّتْ دَعْوَتُهُ وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ وَلَوْ أَعْتَقَ الْوَلَدَ لَا الْأُمَّ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَتُهُ لَا فِي حَقِّ الْوَلَدِ وَلَا فِي حَقِّ الْأُمِّ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهَا إنْ صَحَّتْ بَطَلَ إعْتَاقُهُ وَالْعِتْقُ بَعْدَ وُقُوعِهِ لَا يَحْتَمِلُ الْبُطْلَانَ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهَا تَبَعٌ لَهُ فَإِذَا لَمْ تَصِحَّ فِي حَقِّ الْأَصْلِ لَمْ تَصِحَّ فِي حَقِّ التَّبَعِ ضَرُورَةً ( وَالتَّدْبِيرُ كَالْإِعْتَاقِ ) لِأَنَّهُ أَيْضًا لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ لِثُبُوتِ بَعْضِ آثَارِ الْحُرِّيَّةِ كَامْتِنَاعِ التَّمْلِيكِ لِلْغَيْرِ وَفِيمَا إذَا أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْأُمَّ أَوْ دَبَّرَهَا يَرُدُّ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ يَرُدُّ كُلَّ الثَّمَنِ فِي الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْمَوْتِ كَذَا ذُكِرَ فِي الْهِدَايَةِ وَذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ يَرُدُّ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ لَا حِصَّتَهَا بِالِاتِّفَاقِ وَفَرَّقَ عَلَى هَذَا بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْعِتْقِ بِأَنَّ الْقَاضِيَ كَذَّبَ الْبَائِعَ فِيمَا زَعَمَ حَيْثُ جَعَلَهَا مُعْتَقَةً مِنْ الْمُشْتَرِي فَبَطَلَ زَعْمُهُ وَلَمْ يُوجَدْ التَّكْذِيبُ فِي فَصْلِ الْمَوْتِ فَيُؤَاخَذُ بِزَعْمِهِ فَيَسْتَرِدُّ بِحِصَّتِهَا أَيْضًا كَذَا فِي الْكَافِي ( وَلَوْ وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ ) مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ ( لَمْ تَصِحَّ دَعْوَةُ الْبَائِعِ ) إذْ لَمْ يُوجَدْ اتِّصَالُ الْعُلُوقِ بِمِلْكِهِ يَقِينًا وَهُوَ الشَّاهِدُ وَالْحُجَّةُ ( وَصَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي ) أَيْ صَدَّقَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ ( ثَبَتَ النَّسَبُ ) إذْ عَدَمُ ثُبُوتِهِ لِرِعَايَةِ حَقِّهِ وَإِذَا صَدَّقَهُ زَالَ ذَلِكَ الْمَانِعُ ( وَلَمْ يَبْطُلْ بَيْعُهُ ) لِلْجَزْمِ بِأَنَّ الْعُلُوقَ لَيْسَ فِي مِلْكِهِ فَلَا تُثْبِتُ حَقِيقَةُ الْمِلْكِ الْعِتْقَ وَلَا حَقَّهُ لِأَنَّهُ دَعْوَةُ تَحْرِيرٍ وَغَيْرُ الْمَالِكِ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ ( وَكَانَتْ أُمُّ الْوَلَدِ نِكَاحًا ) هِيَ أَمَةٌ وَلَدَتْ مِنْ

زَوْجِهَا فَمَلَكَهَا أَوْ أَمَةٌ مَلَكَهَا زَوْجُهَا فَوَلَدَتْ فَادَّعَى الْوَلَدَ ( وَلَوْ وَلَدَتْ فِيمَا بَيْنَ الْأَقَلِّ وَالْأَكْثَرِ وَصَدَّقَهُ ) أَيْ الْمُشْتَرِي ( كَانَ الْحُكْمُ كَالْأَوَّلِ ) يَعْنِي يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَأُمَيَّتُهَا وَيُفْسَخُ الْبَيْعُ وَيُرَدُّ الثَّمَنُ ثُمَّ لَمَّا بَيَّنَ حُكْمَ وَلَدِ أَمَةٍ وَلَدَتْ بَعْدَمَا بَاعَهَا ثُمَّ ادَّعَاهُ أَرَادَ أَنْ يُبَيِّنَ حُكْمَ وَلَدٍ وُلِدَ عِنْدَهُ بِقَوْلِهِ ( بَاعَ الْمَوْلُودَ عِنْدَهُ فَادَّعَاهُ بَعْدَ بَيْعِ مُشْتَرِيهِ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَرَدَّ بَيْعَهُ ) لِأَنَّ اتِّصَالَ الْعُلُوقِ بِمِلْكِهِ كَالْبَيِّنَةِ كَمَا مَرَّ وَالْبَيْعُ يَحْتَمِلُ النَّقْضَ وَمَالَهُ مِنْ حَقِّ الدَّعْوَةِ لَا يَحْتَمِلُهُ فَيُنْتَقَضُ الْبَيْعُ لِأَجْلِهِ ( كَذَا لَوْ كَاتَبَ الْوَلَدَ أَوْ رَهَنَهُ أَوْ آجَرَهُ أَوْ ) كَاتَبَ ( الْأُمَّ أَوْ رَهَنَهَا أَوْ آجَرَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَهَا ثُمَّ ادَّعَاهُ ) حَيْثُ يَثْبُتُ النَّسَبُ وَيَرُدُّ هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ بِخِلَافِ الْإِعْتَاقِ عَلَى مَا مَرَّ .

قَوْلُهُ وَفِيمَا إذَا أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي الْأُمَّ أَوْ دَبَّرَهَا
إلَخْ ) كَذَا نَقَلَ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ الْمَبْسُوطِ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الْبَائِعَ يَرُدُّ مَا يَخُصُّ الْوَلَدَ خَاصَّةً وَلَا يَرُدُّ مَا يَخُصُّ الْأُمَّ فِيمَا إذَا أَعْتَقَ الْأُمَّ ثُمَّ قَالَ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ قَالَ يَرُدُّ الْبَائِعُ جَمِيعَ الثَّمَنِ هُنَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي فَصْلِ الْمَوْتِ لِأَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ لَا قِيمَةَ لَهَا عِنْدَهُ وَلَا تَضْمَنُ بِالْعَقْدِ فَيُؤَاخَذُ بِزَعْمِهِ وَإِلَيْهِ مَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَصَحَّحَهُ وَهُوَ يُخَالِفُ الرِّوَايَةَ وَكَيْفَ يُقَالُ يَسْتَرِدُّ جَمِيعَ الثَّمَنِ وَالْبَيْعُ لَمْ يَبْطُلْ فِي الْجَارِيَةِ حَيْثُ لَمْ يَبْطُلْ إعْتَاقُهُ بَلْ يَرُدُّ حِصَّةَ الْوَلَدِ فَقَطْ بِأَنْ يَقْسِمَ الثَّمَنَ عَلَى قِيمَتِهَا يَعْتَبِرُ قِيمَةَ الْأُمِّ يَوْمَ الْقَبْضِ لِأَنَّهَا دَخَلَتْ فِي ضَمَانِهِ بِالْقَبْضِ وَقِيمَةَ الْوَلَدِ يَوْمَ الْوِلَادَةِ لِأَنَّهُ صَارَ لَهُ الْقِيمَةُ بِالْوِلَادَةِ فَيَعْتَبِرُ قِيمَتَهُ عِنْدَ ذَلِكَ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَلَوْ وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَةُ الْبَائِعِ ) كَذَا لَوْ وَلَدَتْ لِتَمَامِ سَنَتَيْنِ إذْ لَمْ يُوجَدْ اتِّصَالُ الْعُلُوقِ بِمِلْكِهِ يَقِينًا وَهُوَ الشَّاهِدُ وَالْحُجَّةُ قَوْلُهُ وَصَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي ثَبَتَ النَّسَبُ ) لَا يَخْفَى مَا فِي التَّرْكِيبِ مِنْ السَّقْطِ وَاسْتِقَامَتُهُ أَنْ يُزَادَ لَفْظَةُ إنْ فَتَكُونُ الْعِبَارَةُ هَكَذَا وَإِنْ صَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي ثَبَتَ النَّسَبُ ( قَوْلُهُ وَكَانَتْ أُمُّ وَلَدِهِ نِكَاحًا هِيَ أَمَةٌ وَلَدَتْ مِنْ زَوْجِهَا فَمَلَكَهَا ) فِيهِ نَظَرٌ إذْ لَوْ ثَبَتَ أُمُومِيَّتُهَا كَمَا ذُكِرَ لَحُكِمَ بِنَقْضِ بَيْعِهَا وَلَا يُنْقَضُ وَالصَّوَابُ مَا قَالَ فِي الْكَافِي وَلَوْ وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْبَيْعِ رُدَّتْ دَعْوَى الْبَائِعِ إلَّا إذَا صَدَّقَهُ الْمُشْتَرِي فَيَثْبُت النَّسَبُ مِنْهُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْبَائِعَ اسْتَوْلَدَهَا بِحُكْمِ النِّكَاحِ حَمْلًا لِأَمْرِهِ عَلَى الصَّلَاحِ وَيَبْقَى الْوَلَدُ عَبْدًا

لِلْمُشْتَرِي وَلَا تَصِيرُ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ لِلْبَائِعِ كَمَا لَوْ ادَّعَاهُ أَجْنَبِيٌّ آخَرُ لِأَنَّ بِتَصَادُقِهِمَا أَنَّ الْوَلَدَ مِنْ الْبَائِعِ لَا يَثْبُتُ كَوْنُ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ لِأَنَّ الْبَائِعَ لَا يَدَّعِي ذَلِكَ وَكَيْفَ يَدَّعِي وَالْوَلَدُ لَا يَبْقَى فِي الْبَطْنِ أَكْثَرَ مِنْ سَنَتَيْنِ فَكَانَ حَادِثًا بَعْدَ زَوَالِ مِلْكِ الْبَائِعِ وَإِذَا لَمْ يَثْبُتْ الْعُلُوقُ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ لَا يَثْبُتُ حَقِيقَةُ الْعِتْقِ لِلْوَلَدِ وَلَا حَقُّ الْعِتْقِ لِلْأَمَةِ وَلَا يَظْهَرُ بُطْلَانُ الْبَيْعِ وَدَعْوَى الْبَائِعِ هُنَا دَعْوَى تَحْرِيرٍ وَغَيْرُ الْمَالِكِ لَيْسَ بِأَهْلٍ لَهَا ا هـ ( قَوْلُهُ أَوْ أَمَةٌ مَلَكَهَا زَوْجُهَا فَوَلَدَتْ فَادَّعَى الْوَلَدَ ) لَيْسَ سَدِيدًا لِأَنَّهَا إذَا وَلَدَتْ بَعْدَ الشِّرَاءِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا يَحْتَاجُ إلَى دَعْوَى الْوَلَدِ بَلْ تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ وَيَثْبُتُ النَّسَبُ وَإِنْ لَمْ يَدَّعِهِ وَإِذَا وَلَدَتْ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ الْمِلْكِ فَادَّعَاهُ كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ بِالْمِلْكِ لَا بِالنِّكَاحِ ( قَوْلُهُ يَعْنِي ثَبَتَ نَسَبُهُ وَأُمَيَّتُهَا ) أَيْ لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ الْعُلُوقُ فِي مِلْكِ الْبَائِعِ وَكَانَتْ دَعْوَى اسْتِيلَادٍ وَهَذَا إذَا حَصَلَ التَّصَادُقُ وَلَوْ تَنَازَعَا فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي بِالِاتِّفَاقِ وَالْبَيِّنَةُ لِلْمُشْتَرِي عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْبَيِّنَةُ لِلْبَائِعِ

( بَاعَ أَحَدَ تَوْأَمَيْنِ ) وَهُمَا وَلَدَانِ بَيْنَ وِلَادَتِهِمَا أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَيَكُونَانِ مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ إذْ لَا يُتَصَوَّرُ كَوْنُ عُلُوقِ الثَّانِي حَادِثًا إذْ لَا حَبَلَ أَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَالْعُلُوقُ عَلَى الْعُلُوقِ مُتَعَذِّرٌ لِأَنَّهَا إذَا حَبِلَتْ يَنْسَدُّ فَمُ الرَّحِمِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَإِذَا ادَّعَى نَسَبَ أَحَدِهِمَا يَثْبُتُ نَسَبُهُمَا مِنْهُ لِأَنَّهُمَا لَا يَنْفَصِلَانِ نَسَبًا فَثُبُوتُ نَسَبِ أَحَدِهِمَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ نَسَبِ الْآخَرِ ( عُلُوقُهُمَا وَوِلَادَتُهُمَا عِنْدَهُ وَأَعْتَقَهُ مُشْتَرِيهِ ثُمَّ ادَّعَى الْبَائِعُ الْآخَرَ ثَبَتَ نَسَبُهُمَا مِنْهُ وَبَطَلَ عِتْقُ الْمُشْتَرِي ) لِأَنَّ الَّذِي عِنْدَهُ ظَهَرَ أَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ فَاقْتَضَى كَوْنَ الْآخَرِ أَيْضًا كَذَلِكَ لِاسْتِحَالَةِ كَوْنِ أَحَدِهِمَا حُرَّ الْأَصْلِ وَالْآخَرِ رَقِيقًا وَقَدْ خُلِقَا مِنْ مَاءٍ وَاحِدٍ وَكَانَ هَذَا نَقْضَ الْإِعْتَاقِ بِأَمْرٍ فَوْقَهُ وَهُوَ حُرِّيَّةُ الْأَصْلِ
قَوْلُهُ ( عُلُوقُهُمَا وَوِلَادَتُهُمَا عِنْدَهُ ) أَيْ فِي مِلْكِهِ أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ أَصْلُ الْعُلُوقِ فِي مِلْكِهِ وَالصُّورَةُ بِحَالِهَا وَقَدْ أَعْتَقَ الْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَاهُ لَا يَبْطُلُ عِتْقُهُ كَمَا فِي الْكَافِي وَالتَّبْيِينِ

( قَالَ لِصَبِيٍّ هَذَا الْوَلَدُ مِنِّي ثُمَّ قَالَ لَيْسَ مِنِّي ثُمَّ قَالَ هُوَ مِنِّي يَصِحُّ ) إذْ بِالْإِقْرَارِ بِأَنَّهُ ابْنِي تَعَلَّقَ حَقُّ الْمُقِرِّ وَالْمُقَرِّ لَهُ أَمَّا حَقُّ الْمُقَرِّ لَهُ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ رَجُلٍ مُعَيَّنٍ حَتَّى يَنْتَفِيَ كَوْنُهُ مَخْلُوقًا مِنْ مَاءِ الزِّنَا فَإِذَا قَالَ لَيْسَ هَذَا الْوَلَدُ مِنِّي لَا يَمْلِكُ إبْطَالَ حَقِّ الْوَلَدِ فَإِذَا عَادَ إلَى التَّصْدِيقِ يَصِحُّ وَلَوْ قَالَ هَذَا الْوَلَدُ مِنِّي ثُمَّ قَالَ لَيْسَ مِنِّي لَا يَصِحُّ النَّفْيُ لِأَنَّ النَّسَبَ ثَبَتَ وَإِذَا ثَبَتَ النَّسَبُ لَا يَنْتَفِي بِالنَّفْيِ وَهَذَا إذَا صَدَّقَهُ الِابْنُ أَمَّا بِغَيْرِ التَّصْدِيقِ فَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ بِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهُ لَكِنْ إذَا لَمْ يُصَدِّقْهُ الِابْنُ ثُمَّ عَادَ إلَى التَّصْدِيقِ ثَبَتَ النَّسَبُ لِأَنَّ إقْرَارَ الْأَبِ لَمْ يَبْطُلْ بِعَدَمِ تَصْدِيقِ الِابْنِ فَثَبَتَ النَّسَبُ وَلَوْ أَنْكَرَ الْأَبُ الْإِقْرَارَ فَأَقَامَ الِابْنُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنِّي ابْنُهُ يُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَالْإِقْرَارُ بِأَنَّهُ ابْنِي مَقْبُولٌ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ بِأَنَّهُ جُزْؤُهُ أَمَّا الْإِقْرَارُ بِأَنَّهُ أَخُوهُ لَا يُقْبَلُ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى الْغَيْرِ كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ ( قَالَ لَهُ ) أَيْ لِصَبِيٍّ ( هُوَ ابْنُ زَيْدٍ ثُمَّ قَالَ هُوَ ابْنِي لَمْ يَكُنْ ابْنَهُ وَإِنْ ) وَصْلِيَّةٌ ( جَحَدَ زَيْدٌ بُنُوَّتَهُ ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا إذَا جَحَدَ زَيْدٌ بُنُوَّتَهُ فَهُوَ ابْنُ الْمَوْلَى وَإِذَا صَدَّقَهُ زَيْدٌ أَوْ لَمْ يُدْرَ تَصْدِيقَهُ وَلَا تَكْذِيبَهُ لَمْ تَصِحَّ دَعْوَةُ الْمُقِرِّ عِنْدَهُمْ لَهُمَا أَنَّ الْإِقْرَارَ ارْتَدَّ بِرَدِّ زَيْدٍ فَصَارَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ وَالْإِقْرَارُ بِالنَّسَبِ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ وَإِنْ لَمْ يَحْتَمِلْ النَّقْضَ وَلَهُ أَنَّ النَّسَبَ لَا يَحْتَمِلُ النَّقْضَ بَعْدَ ثُبُوتِهِ وَالْإِقْرَارُ بِمِثْلِهِ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ إذَا تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُقَرِّ لَهُ حَتَّى لَوْ صَدَّقَهُ بَعْدَ التَّكْذِيبِ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهُ وَأَيْضًا

تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْوَلَدِ فَلَا يَرْتَدُّ بِرَدِّ الْمُقَرِّ لَهُ ( قَالَ لَهُ ) أَيْ لِصَبِيٍّ كَانَ فِي يَدِ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ ( مُسْلِمٌ هُوَ عَبْدِي وَكَافِرٌ هُوَ ابْنِي كَانَ ابْنًا وَحُرًّا إنْ ادَّعَيَا مَعًا ) لِأَنَّهُ يَكُونُ حُرًّا حَالًا وَمُسْلِمًا مَآلًا لِظُهُورِ دَلَائِلِ التَّوْحِيدِ لِكُلِّ عَاقِلٍ وَفِي الْعَكْسِ يَثْبُتُ الْإِسْلَامُ تَبَعًا وَلَا يَحْصُلُ لَهُ الْحُرِّيَّةُ مَعَ عَجْزِهِ عَنْ تَحْصِيلِهَا ( وَإِنْ سَبَقَ دَعْوَى الْمُسْلِمِ كَانَ عَبْدًا لَهُ ) كَذَا فِي النِّهَايَةِ وَإِنْ ادَّعَيَا الْبُنُوَّةَ كَانَ ابْنًا لِلْمُسْلِمِ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي دَعْوَى الْبُنُوَّةِ وَيُرَجَّحُ الْمُسْلِمُ بِالْإِسْلَامِ وَهُوَ أَوْلَى لِلصَّبِيِّ لِحُصُولِ الْإِسْلَامِ لَهُ حَالًا تَبَعًا لِأَبِيهِ .
( قَوْلُهُ كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ ) أَيْ كَذَا ذَكَرَ التَّعْلِيلَ وَالتَّقْيِيدَ أَمَّا لَفْظُ الْمَسْأَلَةِ فَسَيَذْكُرُهُ بَعْدَ وَرَقَةٍ وَنِصْفٍ حِكَايَةً عَنْ الْعِمَادِيَّةِ وَالْأُسْرُوشَنِيَّة ( قَوْلُهُ وَقَالَا إنْ جَحَدَ زَيْدٌ بُنُوَّتَهُ فَهُوَ ابْنٌ لِلْمَوْلَى ) لَمْ يَشْتَرِطْ كَوْنَهُ فِي يَدِهِ إشَارَةً إلَى أَنَّ مَا وَقَعَ فِي الْكَافِي مِنْ التَّقْيِيدِ بِهِ لَيْسَ احْتِرَازِيًّا وَلَفْظُهُ رَجُلٌ فِي يَدِهِ صَبِيٌّ فَقَالَ هُوَ ابْنُ عَبْدِي
إلَخْ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ لَا يُشْتَرَطُ لِهَذَا الْحُكْمِ أَنْ يَكُونَ الصَّبِيُّ فِي يَدِهِ وَاشْتِرَاطُهُ فِي الْكِتَابِ وَقَعَ اتِّفَاقًا قَوْلُهُ إذْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْمُقَرِّ لَهُ ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ وَلَدَ الْمُلَاعَنِ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّهِ بِهِ بِتَكْذِيبِ نَفْسِهِ ( قَوْلُهُ أَيْ لِصَبِيٍّ كَانَ فِي يَدِ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ ) صَرَّحَ بِهِ شَرْحًا لِعَدَمِ عِلْمِهِ مِنْ الْمَتْنِ

( قَالَ زَوْجُ امْرَأَةٍ لِصَبِيٍّ مَعَهُمَا هُوَ ابْنِي مِنْ غَيْرِهَا وَقَالَتْ ابْنِي مِنْ غَيْرِهِ فَهُوَ ابْنُهُمَا لَوْ كَانَ غَيْرَ مُعَبِّرٍ وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ كَانَ مُعَبِّرًا ( فَهُوَ لِمَنْ صَدَّقَهُ ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَقَرَّ لِلْوَلَدِ بِالنَّسَبِ وَادَّعَى مَا يُبْطِلُ حَقَّ صَاحِبِهِ فَصَحَّ إقْرَارُهُمَا لَهُ وَلَا يَبْطُلُ حَقُّ صَاحِبِهِ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ وَلَا يَتَرَجَّحُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ لِاسْتِوَاءِ أَيْدِيهِمَا فِيهِ وَقِيَامِ أَيْدِيهِمَا عَلَيْهِ وَقِيَامُ الْفِرَاشِ بَيْنَهُمَا دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى أَنَّهُ مِنْهُمَا ( ادَّعَتْ ذَاتُ زَوْجٍ بُنُوَّةَ صَبِيٍّ لَمْ يَجُزْ حَتَّى تَشْهَدَ امْرَأَةٌ عَلَى الْوِلَادَةِ ) لِأَنَّهَا تَدَّعِي تَحْمِيلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ فَلَا تُصَدَّقُ إلَّا بِحُجَّةٍ بِخِلَافِ ادِّعَاءِ الرَّجُلِ فَإِنَّ فِيهِ تَحْمِيلَ النَّسَبِ عَلَى نَفْسِهِ ثُمَّ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ حُجَّةٌ فِيهَا لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى تَعْيِينِ الْوَلَدِ إذْ النَّسَبُ يَثْبُتُ بِالْفِرَاشِ الْقَائِمِ ( وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَدَّةً لَزِمَ حُجَّةٌ تَامَّةٌ ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهِيَ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ إلَّا إذَا كَانَ هُنَاكَ حَبَلٌ ظَاهِرٌ أَوْ اعْتِرَافٌ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجِ وَقَالَا يَكْفِي فِي الْجَمِيعِ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ وَقَدْ مَرَّ فِي الطَّلَاقِ ( وَلَوْلَا النِّكَاحُ وَالْعِدَّةُ كَانَ ابْنَهَا ) أَيْ إنْ لَمْ تَكُنْ ذَاتَ زَوْجٍ وَلَا مُعْتَدَّةً يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْهَا بِقَوْلِهَا لِأَنَّ فِيهِ إلْزَامًا عَلَى نَفْسِهَا كَمَا فِي الرَّجُلِ ( وَلَدَتْ أَمَةٌ تَزَوَّجَهَا ) أَيْ رَجُلٌ ( عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ أَوْ اشْتَرَاهَا أَوْ اتَّهَبَهَا وَاسْتُحِقَّتْ ) يَعْنِي مَنْ وَطِئَ امْرَأَةً مُعْتَمِدًا عَلَى مِلْكِ يَمِينٍ أَوْ نِكَاحٍ فَوَلَدَتْ ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ الْوَالِدَةُ ( غَرِمَ الْأَبُ قِيمَةَ الْوَلَدِ ) بِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ وَلِأَنَّ النَّظَرَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَاجِبٌ فَيُجْعَلُ الْوَلَدُ حُرَّ الْأَصْلِ فِي حَقِّ أَبِيهِ وَرَقِيقًا فِي حَقِّ مُدَّعِيهِ نَظَرًا

لَهُمَا ثُمَّ الْوَلَدُ حَاصِلٌ فِي يَدِهِ بِلَا تَعَدٍّ مِنْهُ فَلَا يَضْمَنُهُ إلَّا بِالْمَنْعِ كَمَا فِي وَلَدِ الْمَغْصُوبَةِ فَلِذَا يُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ ( يَوْمَ يُخَاصِمُ ) لِأَنَّهُ يَوْمُ الْمَنْعِ ( وَهُوَ حُرٌّ ) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ خُلِقَ مِنْ مَاءِ الْحُرِّ وَلَمْ يَرْضَ الْوَالِدُ بِرِقِّيَّتِهِ كَمَا رَضِيَ فِي الْأَمَةِ الْمَنْكُوحَةِ ( وَإِنْ مَاتَ فَلَا شَيْءَ عَلَى أَبِيهِ ) لِانْعِدَامِ الْمَنْعِ ( وَيَرِثُهُ ) أَيْ يَكُونُ الْأَبُ وَارِثًا لَهُ لِأَنَّهُ حُرُّ الْأَصْلِ فِي حَقِّ أَبِيهِ فَمَا تَرَكَ يَكُونُ مِيرَاثًا لِأَبِيهِ ( وَإِنْ قَتَلَهُ أَبُوهُ أَوْ ) قَتَلَهُ ( غَيْرُهُ وَأَخَذَ ) أَيْ أَبُوهُ ( دِيَتَهُ غَرِمَ ) أَيْ أَبُوهُ ( قِيمَتَهُ ) فِي الصُّورَتَيْنِ أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِتَحَقُّقِ الْمَنْعِ مِنْ الْأَبِ بِقَتْلِهِ وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِسَلَامَةِ الْوَلَدِ لَهُ إذْ الدِّيَةُ بَدَلُ الْمَحِلِّ شَرْعًا فَصَارَ الْوَلَدُ سَالِمًا لَهُ بِسَلَامَتِهَا فَيَغْرَمُ قِيمَتَهُ لِلْمُسْتَحِقِّ كَمَا لَوْ كَانَ حَيًّا ( وَرَجَعَ بِهَا ) أَيْ بِالْقِيمَةِ الَّتِي ضَمِنَهَا ( كَثَمَنِهَا ) أَيْ كَمَا يَرْجِعُ بِثَمَنِ الْجَارِيَةِ ( عَلَى بَائِعِهِ ) أَيْ بَائِعِ الْوَلَدِ بِبَيْعِ أُمِّهِ لِأَنَّهُ ضَمِنَ سَلَامَتَهُ لِأَنَّهُ جُزْءُ الْمَبِيعِ وَالْبَائِعُ يَضْمَنُ لِلْمُشْتَرِي سَلَامَةَ الْمَبِيعِ بِجَمِيعِ أَجْزَائِهِ لِأَنَّ الْغُرُورَ يَشْمَلُهَا ( لَا بِالْعُقْرِ ) أَيْ لَا يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَزِمَهُ بِاسْتِيفَاءِ مَنَافِعِهَا وَهِيَ لَيْسَتْ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَبِيعِ فَلَمْ يَكُنْ الْبَائِعُ ضَامِنًا لِسَلَامَتِهِ .

( قَوْلُهُ ادَّعَتْ ذَاتُ زَوْجٍ ) أَوْرَدَهَا وَإِنْ تَقَدَّمَتْ فِي الطَّلَاقِ تَبَعًا لِلْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَاقْتَصَرَ عَلَى ذِكْرِهَا فِي الطَّلَاقِ صَاحِبُ الْكَنْزِ ( قَوْلُهُ وَلَوْلَا النِّكَاحُ وَالْعِدَّةُ كَانَ ابْنَهَا ) كَذَا فِي الْكَافِي ثُمَّ قَالَ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ أَجْرَى الْمَسْأَلَةَ عَلَى إطْلَاقِهَا وَرَدَّ قَوْلَهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ ذَاتَ زَوْجٍ ( قَوْلُهُ وَلَدَتْ أَمَةٌ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ هَذَا الْغُرُورُ إنْ كَانَ فِي مِلْكِ الْيَمِينِ فَظَاهِرٌ أَيْ فِي ثُبُوتِ الْحُرِّيَّةِ لِلْوَلَدِ ا هـ .
وَإِنْ كَانَ فِي النِّكَاحِ فَإِنَّ الْقَاضِيَ يَقْضِي بِهَا وَبِوَلَدِهَا لِلْمُسْتَحِقِّ عِنْدَ إقَامَةِ الْمُسْتَحِقِّ الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا لَهُ لِأَنَّهُ ظَهَرَ لَهُ أَنَّهَا لِلْمُسْتَحِقِّ وَفَرْعُهَا يَتْبَعُهَا إلَّا إذَا أَثْبَتَ الزَّوْجُ أَنَّهُ مَغْرُورٌ بِأَنْ يُقِيمَ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ فَيُثْبِتُ بِهِ حُرِّيَّةَ الْأَصْلِ لِلْأَوْلَادِ ا هـ .
( قَوْلُهُ فَلِذَا يَعْتَبِرُ قِيمَتَهُ يَوْمَ يُخَاصِمُ ) لِأَنَّهُ يَوْمُ الْمَنْعِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَالْمُرَادُ بِيَوْمِ التَّخَاصُمِ يَوْمُ الْقَضَاءِ لِأَنَّ عِبَارَةَ الزَّيْلَعِيِّ يَضْمَنُ الْأَبُ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْخُصُومَةِ لِأَنَّهُ يَوْمُ الْمَنْعِ أَوْ التَّحَوُّلِ مِنْ الْعَيْنِ إلَى الْقِيمَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا عَلِقَ رَقِيقًا فِي حَقِّ الْمَوْلَى كَانَ حَقُّهُ فِي عَيْنِ الْوَلَدِ وَإِنَّمَا يَتَحَوَّلُ إلَى الْقِيمَةِ بِالْقَضَاءِ فَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهُ وَقْتَ التَّحَوُّلِ ا هـ .
وَلِمَا قَالَ قَاضِي زَادَهْ ذُكِرَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ يَغْرَمُ قِيمَةَ الْوَلَدِ يَوْمَ الْقَضَاءِ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَإِنْ مَاتَ فَلَا شَيْءَ عَلَى أَبِيهِ ) يَعْنِي لَوْ مَاتَ قَبْلَ الْخُصُومَةِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ أَوْ قَتَلَهُ غَيْرُهُ وَأَخَذَ أَيْ أَبُوهُ دِيَتَهُ غَرِمَ قِيمَتَهُ ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْخُذْ شَيْئًا لَا يَغْرَمُ شَيْئًا وَلَوْ قَبَضَ قَدْرَ قِيمَةِ الْمَقْتُولِ أَوْ بَعْضَهَا قُضِيَ عَلَيْهِ بِمَا قَبَضَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ

وَرَجَعَ بِهَا ) أَيْ بِقِيمَتِهِ الَّتِي ضَمِنَهَا يَعْنِي فِي صُورَةِ قَتْلِ غَيْرِ الْأَبِ أَمَّا إذَا قَتَلَهُ الْأَبُ كَيْفَ يَرْجِعُ بِمَا غَرِمَ وَهُوَ ضَمَانُ إتْلَافِهِ وَقَدْ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ بِذَلِكَ أَيْ الرُّجُوعِ فِيمَا إذَا قَتَلَهُ غَيْرُهُ وَبِعَدَمِهِ بِقَتْلِهِ ا هـ .
وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهَا بَاقِيَةً فَأَخَذَهَا الْمُسْتَحِقُّ لَهَا أَوْ مَاتَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي وَضَمِنَ قِيمَتَهَا فَيَرْجِعُ بِثَمَنِهَا عَلَى بَائِعِهِ وَبِقِيمَةِ الْوَلَدِ وَلَوْ زَوَّجَهَا لَهُ أَحَدٌ عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ فَاسْتُحِقَّتْ ضَمِنَ لَهُ قِيمَةَ وَلَدِهِ لِأَنَّهُ صَاحِبُ عِلَّةٍ فَيُضَافُ إلَيْهِ الْحُكْمُ بِخِلَافِ مَا لَوْ أَخْبَرَهُ بِحُرِّيَّتِهَا أَوْ أَخْبَرَتْهُ هِيَ وَتَزَوَّجَهَا مِنْ غَيْرِ شَرْطِ الْحُرِّيَّةِ حَيْثُ يَكُونُ الْوَلَدُ رَقِيقًا وَلَا يَرْجِعُ عَلَى الْمُخْبِرِ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْإِخْبَارَ سَبَبٌ مَحْضٌ وَلَوْ بَاعَهَا الْمُشْتَرِي مِنْ آخَرَ فَاسْتَوْلَدَهَا الثَّانِي ثُمَّ اُسْتُحِقَّتْ رَجَعَ الثَّانِي عَلَى الْبَائِعِ الثَّانِي بِالثَّمَنِ وَقِيمَةِ وَلَدِهِ وَيَرْجِعُ الْمُشْتَرِي الْأَوَّلُ عَلَى الْبَائِعِ الْأَوَّلِ بِالثَّمَنِ وَلَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْوَلَدِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ أَيْضًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ لِأَنَّهُ ضَمِنَ لَهُ سَلَامَتَهُ لِأَنَّهُ جُزْءُ الْمَبِيعِ
إلَخْ ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ إنَّمَا نَزَّلَ الْوَلَدَ مَنْزِلَةَ الْجُزْءِ الْمَوْجُودِ حَالَةَ الْبَيْعِ لِيُضَمِّنَهُ بَائِعَهُ لِسَلَامَتِهِ بِطَرِيقِ اسْتِلْزَامِ سَلَامَةِ الْأُمِّ وَإِلَّا فَهُوَ مُنْعَدِمٌ حَقِيقَةً وَقْتَ الْبَيْعِ فَلَا يَدْخُلُ فِي ضَمَانِ الْبَائِعِ لِحُدُوثِهِ وَالْبَائِعُ إنَّمَا يَضْمَنُ سَلَامَةَ الْمَوْجُودِ

( فَصْلٌ ) ( الِاسْتِشْرَاءُ وَالِاسْتِيهَابُ وَالِاسْتِيدَاعُ وَالِاسْتِئْجَارُ ) أَيْ طَلَبُ شِرَاءِ شَيْءٍ مِنْ غَيْرِهِ وَطَلَبُ هِبَتِهِ مِنْهُ وَطَلَبُ إيدَاعَهُ عِنْدَهُ وَطَلَبُ إجَارَتَهُ لَهُ ( يَمْنَعُ دَعْوَى الْمِلْكِ ) لِلطَّالِبِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا إقْرَارٌ بِأَنَّ ذَلِكَ الشَّيْءَ مِلْكٌ لِذِي الْيَدِ فَيَكُونُ الطَّلَبُ بَعْدَهُ تَنَاقُضًا ( وَالِاسْتِنْكَاحُ فِي الْأَمَةِ يَمْنَعُهَا ) أَيْ دَعْوَى الْمِلْكَ ( وَفِي الْحُرَّةِ ) يَمْنَعُ ( دَعْوَى النِّكَاحِ ) كَذَا فِي مَجْمَعِ الْفَتَاوَى ( ادَّعَى ) عَلَى آخَرَ ( مَالًا فَقَالَ الْخَصْمُ ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى وَجْهِ الدَّفْعِ ( أَبْرَأَنِي عَنْ دَعْوَاهُ وَبَرْهَنَ فَادَّعَى ثَانِيًا أَنَّهُ ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( أَقَرَّ بَعْدَ الْإِبْرَاءِ فَلَوْ كَانَ قَالَ ) أَيْ الْخَصْمُ ( أَبْرَأَنِي وَقَبِلْتُهُ أَوْ قَالَ صَدَّقْتُهُ فِي ذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ دَفْعُ الدَّفْعِ ) يَعْنِي دَعْوَى الْإِقْرَارِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ قَالَ قَبِلْتُ الْإِبْرَاءَ صَحَّ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ جَازَ أَنْ يَكُونَ الْمَالُ عَلَيْهِ لِرَدِّهِ الْإِبْرَاءَ لِأَنَّهُ يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ قَبِلْتُ الْإِبْرَاءَ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْقَبُولِ لَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ كَذَا فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ

( فَصْلٌ ) ( قَوْلُهُ وَالِاسْتِئْجَارُ ) مَنَعَ الدَّعْوَى بِهِ إذَا لَمْ يَدَّعِ مِلْكِيَّتَهَا بِشِرَاءِ وَلِيِّهِ فِي صِغَرِهِ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفِ آخِرَ الْفَصْلِ ( قَوْلُهُ يَمْنَعُ دَعْوَى الْمِلْكِ ) أَيْ لِنَفْسِهِ كَوْنُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إقْرَارًا بِعَدَمِ الْمِلْكِ لِلْمُبَاشِرِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَأَمَّا كَوْنُهَا إقْرَارًا بِالْمِلْكِ لِذِي الْيَدِ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ عَلَى رِوَايَةِ الْجَامِعِ يُفِيدُ الْمِلْكَ لِذِي الْيَدِ وَعَلَى رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ لَا وَهُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي الصُّغْرَى .
وَفِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ صَحَّحَ رِوَايَةَ إفَادَةِ الْمِلْكِ فَاخْتَلَفَ التَّصْحِيحُ لِلرِّوَايَتَيْنِ وَيُبْنَى عَلَى عَدَمِ إفَادَتِهِ مِلْكَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ جَوَازُ دَعْوَى الْمُقِرِّ بِهَا لِغَيْرِهِ ا هـ .
وَقَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ الْحَاصِلُ مِنْ جُمْلَةِ مَا مَرَّ أَنَّ الْمُدَّعِي لَوْ صَدَرَ عَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُدَّعَى مِلْكُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ تَبْطُلُ دَعْوَاهُ لِنَفْسِهِ وَلِغَيْرِهِ لِلتَّنَاقُضِ ، وَلَوْ صَدَرَ عَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ مِلْكِهِ وَلَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ مِلْكِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَطَلَ دَعْوَاهُ لِنَفْسِهِ لَا لِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِعَدَمِ مِلْكِهِ لَا بِمِلْكِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ، وَلَوْ صَدَرَ عَنْهُ مَا يَحْتَمِلُ الْإِقْرَارَ وَعَدَمَهُ فَالتَّرْجِيحُ بِالْقَرَائِنِ وَإِلَّا فَلَا يَكُونُ إقْرَارًا لِلشَّكِّ .
ا هـ .

( ادَّعَى ) رَجُلٌ ( عَلَى آخَرَ مَالًا فَقَالَ ) أَيْ الْآخَرُ ( مَا كَانَ لَك عَلَيَّ شَيْءٌ قَطُّ ) مَعْنَاهُ نَفْيُ الْوُجُوبِ عَلَيْهِ فِي الْمَاضِي عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِغْرَاقِ ( فَبَرْهَنَ ) أَيْ الْمُدَّعِي ( عَلَى أَلْفٍ وَبَرْهَنَ الْمُنْكِرُ عَلَى الْقَضَاءِ أَوْ الْإِبْرَاءِ قُبِلَ هَذَا ) أَيْ صَارَ بُرْهَانُ الْمُنْكِرِ مَقْبُولًا وَقَالَ زُفَرُ لَا يُقْبَلُ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَتْلُو الْوُجُوبَ وَقَدْ أَنْكَرَهُ فَكَانَ مُنَاقِضًا فِي دَعْوَاهُ وَلَنَا أَنَّ التَّوْفِيقَ مُمْكِنٌ لِأَنَّ غَيْرَ الْحَقِّ قَدْ يُقْضَى وَيُبْرَأُ مِنْهُ دَفْعًا لِلْخُصُومَةِ ( إلَّا أَنْ يَزِيدَ ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِأَنْ يَقُولَ ( وَلَا أَعْرِفُك ) وَمَا أَشْبَهَهُ كَقَوْلِهِ وَلَا رَأَيْتُك وَلَا جَرَى بَيْنِي وَبَيْنَك مُخَالَطَةٌ فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ عَلَى الْقَضَاءِ وَلَا عَلَى الْإِبْرَاءِ لِتَعَذُّرِ التَّوْفِيقِ إذْ لَا يَكُونُ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَخْذٌ وَإِعْطَاءٌ وَقَضَاءٌ وَاقْتِضَاءٌ وَمُعَامَلَةٌ بِلَا اخْتِلَاطٍ وَمَعْرِفَةٍ ( وَقِيلَ يُقْبَلُ بِهِ أَيْضًا ) نَقَلَ الْقُدُورِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ أَيْضًا يُقْبَلُ لِأَنَّ الْمُحْتَجِبَ أَوْ الْمُخَدَّرَةَ قَدْ يُؤْذَى بِالشَّغَبِ عَلَى بَابِهِ فَيَأْمُرُ بَعْضَ وُكَلَائِهِ بِإِرْضَائِهِ وَلَا يَعْرِفُهُ ثُمَّ يَعْرِفُهُ فَكَانَ التَّوْفِيقُ مُمْكِنًا قَالُوا وَعَلَى هَذَا إذَا كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِمَّنْ يَتَوَلَّى الْأَعْمَالَ بِنَفْسِهِ لَا تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ وَقِيلَ تُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْإِبْرَاءِ فِي هَذَا الْفَصْلِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ لِأَنَّهُ يَتَحَقَّقُ بِلَا مَعْرِفَةٍ كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ وَقَالَ فِي الْقُنْيَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَالَ لِلْمُدَّعِي لَا أَعْرِفُك فَلَمَّا ثَبَتَ الْحَقُّ بِالْبَيِّنَةِ ادَّعَى الْإِيصَالَ لَا تُسْمَعُ وَلَوْ ادَّعَى إقْرَارَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْوُصُولِ أَوْ الْإِيصَالِ تُسْمَعُ
( قَوْلُهُ ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَالًا
إلَخْ ) هَذَا عَلَى قَوْلِ مَنْ اعْتَبَرَ إمْكَانَ التَّوْفِيقِ لَا مَنْ شَرَطَ التَّوْفِيقَ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ

( قَالَ أَحَدُ الْوَرَثَةِ لَا دَعْوَى لِي فِي التَّرِكَةِ لَا يَبْطُلُ دَعْوَاهُ ) لِأَنَّ مَا ثَبَتَ شَرْعًا مِنْ حَقٍّ لَازِمٍ لَا يَسْقُطُ بِالْإِسْقَاطِ كَمَا لَوْ قَالَ لَسْتُ أَنَا ابْنًا لِأَبِي ( قَالَ لَسْتُ أَنَا وَارِثَ فُلَانٍ ثُمَّ ادَّعَى إرْثَهُ وَبَيَّنَ الْجِهَةَ صَحَّ ) لِمَا سَيَأْتِي أَنَّ التَّنَاقُضَ فِي مَوْضِعِ الْخَفَاءِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الدَّعْوَى ( قَالَ ذُو الْيَدِ لَيْسَ هَذَا لِي وَنَحْوُهُ ) أَيْ لَيْسَ مِلْكِي أَوْ لَا حَقَّ لِي فِيهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ ( وَلَا مُنَازِعَ ثَمَّةَ ثُمَّ ادَّعَاهُ فَقَالَ ذُو الْيَدِ هُوَ لِي صَحَّ ) وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَمْ يُثْبِتْ حَقًّا لِأَحَدٍ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لِلْمَجْهُولِ بَاطِلٌ وَالتَّنَاقُضُ إنَّمَا يُبْطِلُ إذَا تَضَمَّنَ إبْطَالَ حَقٍّ عَلَى أَحَدٍ ( وَلَوْ كَانَ ثَمَّةَ مُنَازِعٌ كَانَ إقْرَارًا لَهُ فِي رِوَايَةٍ ) وَهِيَ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ .
( وَفِي أُخْرَى لَا ) وَهِيَ رِوَايَةُ دَعْوَى الْأَصْلِ لَكِنْ قَالُوا الْقَاضِي يَسْأَلُ ذَا الْيَدِ أَهُوَ مِلْكُ الْمُدَّعِي فَإِنْ أَقَرَّ بِهِ أَمَرَهُ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ وَإِنْ أَنْكَرَ أَمَرَ الْمُدَّعِي بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ ( وَلَوْ قَالَهُ ) أَيْ قَالَ لَيْسَ هَذَا لِي وَنَحْوُهُ ( الْخَارِجُ لَا يَدَّعِي ) ذَلِكَ الشَّيْءَ ( بَعْدَهُ ) لِلتَّنَاقُضِ وَإِنَّمَا لَمْ يَمْنَعْ ذَا الْيَدِ عَلَى مَا مَرَّ لِقِيَامِ الْيَدِ كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ .

قَوْلُهُ كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ ) نَقَلَهُ صَاحِبُ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ ثُمَّ قَالَ أَقُولُ مَا قَدَّمَهُ أَيْ الْعِمَادِيُّ فِي إقْرَارِ ذِي الْيَدِ مِنْ أَنَّ الْإِقْرَارَ لِلْمَجْهُولِ بَاطِلٌ وَالتَّنَاقُضَ إنَّمَا يَمْنَعُ
إلَخْ يَتَأَتَّى فِي إقْرَارِ الْمُدَّعِي أَيْضًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَّحِدَ حُكْمًا وَالظَّاهِرُ أَنَّ فِي إقْرَارِ الْمُدَّعِي خِلَافًا يُفْصِحُ عَنْهُ مَا مَرَّ فِي عِرْفَانِ أَحَدِهِمَا مُخَالِفٌ لِلْآخَرِ وَيَلُوحُ لِي أَنَّ الْخِلَافَ وَاقِعٌ فِيمَا إذَا أَقَرَّ الْمُدَّعِي قَبْلَ التَّنَازُعِ أَمَّا لَوْ قَالَ مَعَ وُجُودِ الْمُنَازِعِ يَنْبَغِي أَنْ تَبْطُلَ دَعْوَاهُ وِفَاقًا عَلَى عَكْسِ ذِي الْيَدِ يَعْنِي أَنَّ إقْرَارَ ذِي الْيَدِ مَعَ وُجُودِ الْمُنَازِعِ خِلَافِيٌّ وَمَعَ عَدَمِ الْمُنَازِعِ لَا تَبْطُلُ دَعْوَاهُ وِفَاقًا ، وَالْفَرْقُ أَنَّ ذَا الْيَدِ إذَا أَقَرَّ قَبْلَ التَّرْكِ بَطَلَ إقْرَارُهُ إذْ الْيَدُ دَلِيلُ الْمِلْكِ فَنَفْيُ الْمَالِكِ ذَلِكَ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ غَيْرِ إثْبَاتِهِ لِغَيْرِهِ لَا يَجُوزُ فَلَغَا نَفْيُ ذِي الْيَدِ مِلْكَهُ وِفَاقًا ، وَلَوْ أَقَرَّ ذُو الْيَدِ عِنْدَ التَّنَازُعِ قِيلَ إنَّهُ إقْرَارٌ لِلْمُدَّعِي بِدَلَالَةِ النِّزَاعِ وَقِيلَ إنَّهُ لَغْوٌ نَظَرًا إلَى أَنَّهُ مِلْكُهُ بِدَلِيلِ الْيَدِ ، وَالْمِلْكُ لَا يَنْتَفِي بِمُجَرَّدِ النَّفْيِ وَكَذَا لَوْ أَقَرَّ غَيْرُ ذِي الْيَدِ قَبْلَ النِّزَاعِ قِيلَ أَنَّهُ لَغْوٌ نَظَرًا إلَى جَهَالَةِ الْمُقَرِّ لَهُ وَلَا نِزَاعَ لِيَكُونَ قَرِينَةً لِتَعَيُّنِ الْمُقَرِّ لَهُ ، وَقِيلَ هُوَ إقْرَارٌ بِهِ لِذِي الْيَدِ بِقَرِينَةِ الْيَدِ ، وَلَوْ أَقَرَّ غَيْرُ ذِي الْيَدِ عِنْدَ النِّزَاعِ يَنْبَغِي أَنْ يُنَفَّذَ إقْرَارُهُ وِفَاقًا لِأَنَّهُ نَفَى عَنْ نَفْسِهِ مِلْكَ غَيْرِهِ ظَاهِرًا وَهَذَا حَقٌّ ظَاهِرٌ انْصَرَفَ إلَى أَنَّهُ إقْرَارٌ بِهِ لِذِي الْيَدِ وِفَاقًا بِقَرِينَةِ الْيَدِ وَالنِّزَاعِ هَذَا مَا وَرَدَ عَلَى الْخَاطِرِ الْفَاتِرِ فِي تَحْقِيقِ هَذَا الْمَرَامِ عَلَى حَسَبِ مَا اقْتَضَاهُ الْوَقْتُ وَالْمَقَامُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ مُلْهِمِ الصَّوَابِ وَمُسَهِّلِ الصِّعَابِ
ا هـ .

( ادَّعَى زَيْدٌ مَالًا وَلَمْ يُثْبِتْ فَادَّعَاهُ عَلَى آخَرَ لَمْ تُسْمَعْ ) كَذَا فِي الْقُنْيَةِ ( إقْرَارُ مَالٍ لِغَيْرِهِ كَمَا يَمْنَعُ دَعْوَاهُ لِنَفْسِهِ يَمْنَعُهَا ) أَيْ دَعْوَاهُ ( لِغَيْرِهِ بِوَكَالَةٍ أَوْ وِصَايَةٍ ) يَعْنِي إذَا أَقَرَّ رَجُلٌ بِمَالٍ أَنَّهُ لِفُلَانٍ ثُمَّ ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ لَمْ يَصِحَّ وَكَذَا إذَا ادَّعَاهُ بِوَكَالَةٍ أَنَّهُ لِمُوَكِّلِهِ أَوْ وِصَايَةٌ أَنَّهُ لِوَرَثَةِ مُوصِيهِ لِأَنَّ فِيهِ تَنَاقُضًا لِأَنَّ الْمَالَ الْوَاحِدَ لَا يَكُونُ لِشَخْصَيْنِ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ ( بِخِلَافِ إبْرَائِهِ عَنْ جَمِيعِ الدَّعَاوَى ثُمَّ الدَّعْوَى بِهِمَا ) أَيْ بِوَكَالَةٍ وَوِصَايَةٍ حَيْثُ تَصِحُّ لِعَدَمِ التَّنَاقُضِ لِأَنَّ إبْرَاءَ الرَّجُلِ عَنْ جَمِيعِ الدَّعَاوَى الْمُتَعَلِّقَةِ بِمَالِهِ لَا يَقْتَضِي عَدَمَ صِحَّةِ دَعْوَى مَالِ غَيْرِهِ عَلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ .

( ادَّعَى دَارًا لِنَفْسِهِ ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا وَقْفٌ عَلَيْهِ تُسْمَعُ كَدَعْوَاهَا لَهُ ) أَيْ لِنَفْسِهِ ( ثُمَّ ) دَعْوَاهَا ( لِغَيْرِهِ وَلَوْ عَكَسَ ) أَيْ ادَّعَى أَنَّهَا وَقْفٌ أَوْ لِفُلَانٍ ثُمَّ ادَّعَى لِنَفْسِهِ ( لَمْ تَجُزْ فِي رِوَايَةٍ ) وَهِيَ رِوَايَةُ قَاضِي خَانْ ( وَجَازَ فِي ) رِوَايَةٍ ( أُخْرَى أَنَّهُ وَقْفٌ ) وَهِيَ رِوَايَةُ الذَّخِيرَةِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ وَمَنْ ادَّعَى لِغَيْرِهِ بِالْوَكَالَةِ أَوْ الْوِصَايَةِ ثُمَّ ادَّعَى لِنَفْسِهِ لَا تُقْبَلُ إلَّا أَنْ يُوَفِّقَ فَيَقُولُ كَانَ لِفُلَانٍ ثُمَّ اشْتَرَيْته مِنْهُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ تُقْبَلُ .
( قَوْلُهُ وَلَوْ عَكَسَ أَيْ ادَّعَى أَنَّهَا وَقْفٌ أَوْ لِفُلَانٍ ثُمَّ ادَّعَى لِنَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ فِي رِوَايَةٍ وَهِيَ رِوَايَةُ قَاضِي خَانْ وَجَازَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى إنْ وَفَّقَ
إلَخْ ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْعَكْسَ شَامِلٌ لِمَا إذَا ادَّعَى الْوَقْفَ أَوْ لَا ثُمَّ ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ وَلَيْسَ فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ السَّنَدِ مَا يَقْتَضِي صِحَّتَهُ وَلَا عَلَى رِوَايَةٍ فَإِنَّ قَوْلَهُ وَجَازَ فِي أُخْرَى إنْ وَفَّقَ وَهِيَ رِوَايَةُ الذَّخِيرَةِ حَيْثُ قَالَ فِيهِ وَمَنْ ادَّعَى لِغَيْرِهِ بِالْوَكَالَةِ أَوْ الْوِصَايَةِ ثُمَّ ادَّعَى لِنَفْسِهِ لَا يُقْبَلُ إلَّا أَنْ يُوَفِّقَ فَيَقُولُ كَانَ لِفُلَانٍ ثُمَّ شَرَيْتُهُ مِنْهُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى ذَلِكَ فَحِينَئِذٍ يُقْبَلُ ا هـ لَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِذِكْرِ مَا لَوْ ادَّعَى الْوَقْفَ أَوَّلًا ثُمَّ ادَّعَاهُ لِنَفْسِهِ فَلَمْ يَبْقَ مَا يُقَابِلُ قَوْلَ قَاضِي خَانْ فِي مَنْعِ صِحَّةِ دَعْوَاهُ لِنَفْسِهِ بَعْدَ ادِّعَائِهِ الْوَقْفَ فَلْيُتَأَمَّلْ

( ادَّعَى الْعُصُوبَةَ ) وَبَيَّنَ النَّسَبَ ( وَبَرْهَنَ الْخَصْمُ أَنَّ النَّسَبَ بِخِلَافِهِ إنْ قَضَى بِالْأَوَّلِ لَمْ يَقْضِ بِهِ وَإِلَّا تَسَاقَطَا ) لِلتَّعَارُضِ وَعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ ( بَرْهَنَ أَنَّهُ ابْنُ عَمِّهِ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَبَرْهَنَ الدَّافِعُ أَنَّهُ ابْنُ عَمِّهِ لِأُمِّهِ فَقَطْ أَوْ عَلَى إقْرَارِ الْمَيِّتِ بِهِ ) أَيْ بِأَنَّهُ ابْنُ عَمِّهِ لِأُمِّهِ فَقَطْ ( كَانَ دَفْعًا قَبْلَ الْقَضَاءِ بِالْأَوَّلِ لَا بَعْدَهُ ) لِتَأَكُّدِهِ بِالْقَضَاءِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ
( قَوْلُهُ بَرْهَنَ أَنَّهُ ابْنُ عَمّه لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ وَبَرْهَنَ الدَّافِعُ أَنَّهُ ابْنُ عَمّه لِأُمِّهِ فَقَطْ ) مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِقَوْلِهِ ادَّعَى الْعُصُوبَةَ وَبَيَّنَ النَّسَبَ وَبَرْهَنَ الْخَصْمُ أَنَّ النَّسَبَ بِخِلَافِهِ لِأَنَّهُ شَامِلٌ لِمَا إذَا بَرْهَنَ الدَّافِعُ أَنَّهُ ابْنُ عَمِّهِ لِأُمِّهِ فَقَطْ .
( تَنْبِيهٌ ) : مَا يُذْكَرُ فِي دَعْوَى الدَّفْعِ يُثْبِتُ الدَّفْعَ فَقَطْ لَا النَّسَبَ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ ( قَوْلُهُ لِتَأَكُّدِهِ بِالْقَضَاءِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ ) صَوَابُهُ الثَّانِي

( ادَّعَى مِيرَاثًا بِالْعُصُوبَةِ فَدَفْعُهُ أَنْ يَدَّعِيَ خَصْمُهُ قَبْلَ الْحُكْمِ إقْرَارَهُ ) مَفْعُولُ يَدَّعِي ( بِأَنَّهُ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ ) إذْ يَكُونُ حِينَئِذٍ بَيْنَ كَلَامَيْهِ تَنَاقُضٌ .
( قَوْلُهُ ادَّعَى مِيرَاثًا بِالْعُصُوبَةِ ) مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَا قَبْلَهُ

( قَالَ هَذَا الْوَلَدُ مِنِّي ثُمَّ قَالَ هَذَا الْوَلَدُ لَيْسَ مِنِّي ثُمَّ قَالَ هُوَ مِنِّي صَحَّ ) إذْ بِإِقْرَارِهِ بِأَنَّهُ مِنْهُ تَعَلَّقَ حَقُّ الْمُقَرِّ لَهُ إذْ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ رَجُلٍ مُعَيَّنٍ حَتَّى يَنْتَفِيَ كَوْنُهُ مَخْلُوقًا مِنْ مَاءِ الزِّنَا فَإِذَا قَالَ لَيْسَ هَذَا الْوَلَدُ مِنِّي لَا يَمْلِكُ إبْطَالَ حَقِّ الْوَلَدِ فَإِذَا عَادَ إلَى التَّصْدِيقِ يَصِحُّ أَقُولُ قَدْ وَقَعَتْ الْعِبَارَةُ فِي الأسروشنية وَالْعِمَادِيَّةِ هَكَذَا قَالَ هَذَا الْوَلَدُ لَيْسَ مِنِّي ثُمَّ قَالَ هُوَ مِنِّي صَحَّ إذْ بِإِقْرَارِهِ أَنَّهُ مِنْهُ إلَى آخِرِهِ الظَّاهِرُ أَنَّهُ سَهْوٌ مِنْ النَّاسِخِ الْأَوَّلِ يَدُلُّ عَلَيْهِ التَّعْلِيلُ الَّذِي ذَكَرَهُ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي هَاهُنَا ثَلَاثَ عِبَارَاتٍ تُفِيدُ الْأُولَى إثْبَاتَ الْبُنُوَّةِ وَالثَّانِيَةُ نَفْيَهَا وَالثَّالِثَةُ الْعَوْدَ إلَى الْإِثْبَاتِ وَالْمَذْكُورُ فِيهَا الْعِبَارَتَانِ فَقَطْ ( وَلَوْ عَكَسَ ) أَيْ قَالَ هَذَا الْوَلَدُ مِنِّي ثُمَّ قَالَ لَيْسَ مِنِّي ( لَا ) أَيْ لَا يَصِحُّ النَّفْيُ لِأَنَّ النَّسَبَ ثَبَتَ وَإِذَا ثَبَتَ لَا يَنْتَفِي بِالنَّفْيِ .

( قَوْلُهُ قَالَ هَذَا الْوَلَدُ مِنِّي
إلَخْ ) تَقَدَّمَ مَشْرُوحًا بِأَوْفَى مِنْ هَذَا وَاَلَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ اللَّفْظَةَ الثَّالِثَةَ وَهِيَ قَوْلُهُ ثُمَّ قَالَ هُوَ مِنِّي صَحَّ لَيْسَ لَهَا فَائِدَةٌ فِي ثُبُوتِ النَّسَبِ لِأَنَّهُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بِهِ لَا يَنْتَفِي بِالنَّفْيِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِقْرَارِ بِهِ بَعْدَهُ فَلْيُتَأَمَّلْ قَوْلُهُ وَقَدْ وَقَعَتْ الْعِبَارَةُ فِي الأسروشنية وَالْعِمَادِيَّةِ
إلَخْ ) هُوَ مَا وَعَدْتُ بِهِ ا هـ هَذَا وَقَدْ نَاقَضَ فِي التَّعْلِيلِ أَيْضًا صَاحِبَ جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ ثُمَّ قَالَ فَالْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ بِأَنَّ التَّنَاقُضَ لَا يَمْنَعُ فِي مِثْلِهِ ( قَوْلُهُ وَلَوْ عَكَسَ أَيْ قَالَ هَذَا الْوَلَدُ مِنِّي ثُمَّ قَالَ لَيْسَ مِنِّي لَا أَيْ لَا يَصِحُّ النَّفْيُ ) صَحِيحٌ بِاعْتِبَارِ هَذَا الْحَلِّ وَفِيهِ نَظَرٌ بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ نَفْيٌ لِثُبُوتِ النَّسَبِ بِمَا قَالَ قَبْلَهُ مَتْنًا لِأَنَّ قَوْلَهُ هَذَا الْوَلَدُ مِنِّي ثُمَّ قَالَ هَذَا الْوَلَدُ لَيْسَ مِنِّي ثُمَّ قَالَ هُوَ مِنِّي صَحَّ مَعَ قَوْلِهِ هَذَا وَلَوْ عَكَسَ لَا ظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَوْ عَكَسَ لَا يَصِحُّ النَّسَبُ لِأَنَّ قَوْلَهُ صَحَّ إنَّمَا هُوَ لِلنَّسَبِ أَيْ صَحَّ الْإِقْرَارُ بِالنَّسَبِ وَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ لِلنَّفْيِ عَلَى أَنَّ عَكْسَ الْمَسْأَلَةِ لَا يُغَايِرُهَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ بِالنَّظَرِ إلَى الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّ الطَّرَفَيْنِ مُتَّفِقَانِ فِي الثُّبُوتِ وَالنَّفْيُ مُتَوَسِّطٌ بَيْنَهُمَا فَتَأَمَّلْ وَالتَّصْدِيقُ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ وَعَدَمِهِ سَيَأْتِي فِي الْإِقْرَارِ وَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ بَعْدَ إنْكَارِ الْمُقِرِّ عَلَى إقْرَارِهِ بِنَسَبِهِ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ

( بَرْهَنَ عَلَى قَوْلِ الْمُدَّعِي أَنَا مُبْطِلٌ فِي الدَّعْوَى أَوْ شُهُودِي كَاذِبَةٌ أَوْ لَيْسَ لِي عَلَيْهِ شَيْءٌ صَحَّ الدَّفْعُ وَلَوْ بَرْهَنَ عَلَى قَوْلِهِ : بدروغ كواهان آرَام لَا ) أَيْ لَا يَصِحُّ الدَّفْعُ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ كَذِبُ شُهُودٍ يَأْتِي بِهِمْ الْخَصْمُ ( الْمُدَّعَى عَلَيْهِ جَاءَ بِخَطِّ الْبَرَاءَةِ ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى آخَرَ قَدْرًا مِنْ الْمَالِ فَأَقَرَّ بِهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ قَدْ أَبْرَأْتُ ذِمَّتِي عَنْهُ وَأَظْهَرَ كِتَابَ الْإِبْرَاءِ ( فَقَالَ الْمُدَّعِي ) نَعَمْ كُنْتُ أَبْرَأْتُ ذِمَّتَك لَكِنِّي ( كُنْت صَبِيًّا وَقْتَ الْإِبْرَاءِ فَالْقَوْلُ لَهُ ) وَالْبَيِّنَةُ عَلَى خَصْمِهِ لِأَنَّهُ أَسْنَدَهُ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لِلضَّمَانِ فَالْخَصْمُ إذَا أَثْبَتَ بُلُوغَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ انْدَفَعَ كَلَامُهُ .
( قَوْلُهُ فَالْخَصْمُ إذَا أَثْبَتَ بُلُوغَهُ ) أَيْ بُلُوغَ الْمُقِرِّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَيْ وَقْتِ الْإِقْرَارِ انْدَفَعَ كَلَامُهُ أَيْ كَلَامُ الْمُقِرِّ أَنِّي كُنْت صَبِيًّا وَقْتَ الْإِقْرَارِ

( ادَّعَى قِيمَةَ جَارِيَةٍ مُسْتَهْلَكَةٍ فَبَرْهَنَ الْخَصْمُ أَنَّهَا حَيَّةٌ رَأَيْنَاهَا فِي بَلَدِ كَذَا لَا يُقْبَلُ إلَّا أَنْ يَجِيءَ بِهَا حَيَّةً ) كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ .

( ادَّعَى الْأُخُوَّةَ وَلَمْ يَذْكُرْ اسْمَ الْجَدِّ صَحَّ بِخِلَافِ دَعْوَى كَوْنِهِ ابْنَ عَمِّهِ ) حَيْثُ يُشْتَرَطُ فِيهَا ذِكْرُ اسْمِ الْجَدِّ كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ .
( قَوْلُهُ ادَّعَى الْأُخُوَّةَ وَلَمْ يَذْكُرْ اسْمَ الْجَدِّ صَحَّ ) بِخِلَافِ دَعْوَى كَوْنِهِ ابْنَ عَمِّهِ كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ

( التَّنَاقُضُ فِي مَوْضِعِ الْخَفَاءِ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الدَّعْوَى وَقِيلَ يَمْنَعُ ) وَلِهَذَا الْأَصْلِ فُرُوعٌ كَثِيرَةٌ ذَكَرَ بَعْضَهَا سَابِقًا وَسَيَذْكُرُ بَعْضَهَا وَذَكَرَ هَاهُنَا وَاحِدًا مِنْهَا فَقَالَ ( فَإِنْ ادَّعَى الْوَصِيَّةَ وَأَنْكَرَهَا الْوَارِثُ فَأَقَامَ ) أَيْ الْمُوصَى لَهُ ( بَيِّنَةً فَادَّعَى الْوَارِثُ الرُّجُوعَ تُقْبَلُ ) وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ هَذَا تَنَاقُضٌ فِي طَرِيقَةِ خَفَاءٍ إذْ لَعَلَّ الْمُوصِي قَدْ أَوْصَى وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْوَارِثُ وَرَجَعَ الْمُوصِي وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْوَارِثُ فَجَحَدَ بِنَاءً عَلَى ذَلِكَ ( وَقِيلَ لَا ) أَيْ لَا يُقْبَلُ لِظَاهِرِ التَّنَاقُضِ وَأَيْضًا إذَا اسْتَأْجَرَ دَارًا مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ ادَّعَى عَلَى الْآخَرِ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ مِلْكِي لِأَنَّ أَبِي كَانَ اشْتَرَاهَا لِأَجْلِي فِي صِغَرِي وَهِيَ مِلْكِي فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ تُسْمَعُ وَلَا يَكُونُ هَذَا التَّنَاقُضُ مَانِعًا صِحَّةَ الدَّعْوَى لِمَا فِيهِ مِنْ الْخَفَاءِ لِأَنَّ الْأَبَ يَسْتَقِلُّ بِالشِّرَاءِ لِلصَّغِيرِ وَمِنْ الصَّغِيرِ لِنَفْسِهِ وَالِابْنُ لَا عِلْمَ لَهُ بِذَلِكَ وَهَذَا كَمَا لَوْ أَقَامَتْ الْمَرْأَةُ بَيِّنَةً عَلَى الطَّلَاقِ ثَلَاثًا بَعْدَمَا اخْتَلَعَتْ نَفْسَهَا لَهَا أَنْ تَسْتَرِدَّ بَدَلَ الْخُلْعِ وَإِنْ كَانَتْ مُتَنَاقِضَةً لِاسْتِقْلَالِ زَوْجِهَا فِي إيقَاعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ عِلْمِهَا وَلِهَذَا نَظَائِرُ ذُكِرَتْ فِي الْعِمَادِيَّةِ وَغَيْرِهَا .
( قَوْلُهُ فَادَّعَى الْوَارِثُ الرُّجُوعَ يُقْبَلُ
إلَخْ ) كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ ثُمَّ قَالَ وَلَوْ بَرْهَنَ عَلَى جُحُودِ الْمُوصِي الْوَصِيَّةَ يُقْبَلُ عَلَى رِوَايَةِ كَوْنِ الْجُحُودِ رُجُوعًا لَا عَلَى رِوَايَةِ أَنَّهُ لَيْسَ بِرُجُوعٍ .
ا هـ .

( تَذْنِيبٌ ) ( الْكَفِيلُ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْأَصِيلِ بِلَا عَكْسٍ ) أَيْ الْأَصِيلُ لَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْكَفِيلِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْكَفِيلِ قَضَاءٌ عَلَى الْأَصِيلِ وَالْقَضَاءُ عَلَى الْأَصِيلِ لَيْسَ قَضَاءً عَلَيْهِ صُورَتُهُ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى آخَرَ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلَهُ كَفِيلٌ بِأَمْرِ الْمَطْلُوبِ فَلَقِيَ الطَّالِبُ الْأَصِيلَ قَبْلَ أَنْ يَلْقَى الْكَفِيلَ وَأَقَامَ عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّ لِي عَلَيْك كَذَا وَفُلَانٌ كَفِيلٌ بِهِ بِأَمْرِك فَإِنَّهُ يُقْضَى عَلَى الْأَصِيلِ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ وَلَا يَكُونُ هَذَا قَضَاءً عَلَى الْكَفِيلِ حَتَّى لَوْ لَقِيَ الْكَفِيلَ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا بِلَا إعَادَةِ الْبَيِّنَةِ عَلَيْهِ ، وَلَوْ لَقِيَ الْكَفِيلَ أَوَّلًا وَادَّعَى أَنَّ لِي عَلَى فُلَانٍ الْغَائِبِ أَلْفًا وَأَنْتَ كَفِيلٌ بِهَا لِي عَنْهُ بِأَمْرِهِ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ ثَبَتَ الْمَالُ عَلَيْهِ وَعَلَى الْغَائِبِ وَيَنْتَصِبُ الْكَفِيلُ خَصْمًا عَلَى الْأَصِيلِ .
( إذَا اشْتَرَكَ الدَّيْنُ بَيْنَ شَرِيكَيْنِ لَا بِجِهَةِ الْإِرْثِ فَأَحَدُهُمَا لَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْآخَرِ ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ( بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَكَ بِهَا ) يَعْنِي إذَا اشْتَرَكَ بَيْنَهُمَا بِجِهَةِ الْإِرْثِ فَأَحَدُهُمَا لَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَنْ الْآخَرِ .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَنْتَصِبُ خَصْمًا عَلَى كُلِّ حَالٍ قَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ قِيَاسٌ وَمَا قَالَهُ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ اسْتِحْسَانٌ وَمُحَمَّدٌ أَخَذَ بِالِاسْتِحْسَانِ كَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ كَذَا فِي الْمُنْتَقَى ثُمَّ عَلَى قَوْلِهِمَا إذَا حَضَرَ الْغَائِبُ وَصَدَّقَ الْحَاضِرَ فِيمَا ادَّعَى كَانَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ شَارَكَ الْمُدَّعِي فِيمَا قَبَضَ ثُمَّ يَتْبَعَانِ الْمَطْلُوبَ وَإِنْ شَاءَ يَتْبَعُ الْمَطْلُوبَ وَيَأْخُذُ نَصِيبَهُ كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ
( قَوْلُهُ تَذْنِيبٌ ) عَقَدَ لَهُ فِي الْفُصُولَيْنِ فَصْلًا تَرْجَمَهُ بِقِيَامِ بَعْضِ أَهْلِ الْحَقِّ عَنْ الْبَعْضِ وَسَيَذْكُرُ مِثْلَ هَذَا فِي الْقَضَاءِ

( كِتَابُ الْإِقْرَارِ ) أَوْرَدَهُ بَعْدَ الدَّعْوَى لِأَنَّ الدَّعْوَى تَنْقَطِعُ بِهِ فَلَا يَحْتَاجُ بَعْدَهُ إلَى شَيْءٍ آخَرَ حَتَّى إذَا لَمْ يُوجَدْ يَحْتَاجُ إلَى الشَّهَادَةِ وَلِهَذَا عَقَّبَهُ بِهَا ( هُوَ ) مُشْتَقٌّ مِنْ الْقَرَارِ وَهُوَ لُغَةً إثْبَاتُ مَا كَانَ مُتَزَلْزِلًا وَشَرْعًا ( إخْبَارٌ بِحَقٍّ لِآخَرَ عَلَيْهِ ) لَا إثْبَاتٌ لَهُ عَلَيْهِ لِمَا سَيَأْتِي وَشُرُوطُهُ سَتُذْكَرُ فِي أَثْنَاءِ الْكَلَامِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَحُكْمُهُ ظُهُورُ الْمُقَرِّ بِهِ ( بِلَا تَصْدِيقٍ ) وَقَبُولٍ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ عَلَى الْمُقِرِّ مَا أَقَرَّ بِهِ لِوُقُوعِهِ دَالًّا عَلَى الْمُخْبَرِ بِهِ لِأَنَّ مَدْلُولَهُ الصِّدْقُ وَالْكَذِبُ احْتِمَالٌ عَقْلِيٌّ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ ( إلَّا فِي نَسَبِ الْوِلَادِ ) يَعْنِي إذَا أَقَرَّ رَجُلٌ بِبُنُوَّةِ غُلَامٍ مَجْهُولِ النَّسَبِ صَحَّ إقْرَارُهُ وَكَذَا إذَا أَقَرَّ هُوَ أَوْ امْرَأَةٌ بِالْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدِ صَحَّ ( وَنَحْوُهُ ) وَهُوَ أَنْ يُقِرَّ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ بِالزَّوْجِ أَوْ الْمَوْلَى حَيْثُ صَحَّ وَشُرِطَ تَصْدِيقُ هَؤُلَاءِ وَسَيَأْتِي تَمَامُ بَيَانِهِ ( وَلَكِنْ يُرَدُّ ) أَيْ الْإِقْرَارُ ( بِرَدِّهِ ) أَيْ بِرَدِّ الْمُقَرِّ لَهُ ( إلَّا بَعْدَهُ ) أَيْ بَعْدَ تَصْدِيقِهِ فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ حِينَئِذٍ ( لَا ثُبُوتُهُ ابْتِدَاءً ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ ظُهُورُ الْمُقَرِّ بِهِ أَيْ لَا ثُبُوتُ الْمُقَرِّ بِهِ لِلْمُقَرِّ لَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَاقِلٍ لِمِلْكِ الْمُقِرِّ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ أَقُولُ سِرُّهُ أَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ فَيَجُوزُ تَخَلُّفُ مَدْلُولِهِ الْوَضْعِيِّ عَنْهُ بِخِلَافِ الْإِنْشَاءِ كَالْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهِمَا لِأَنَّهُ إيجَادُ مَعْنًى بِلَفْظٍ يُقَارِنُهُ فِي الْوُجُودِ فَيَمْتَنِعُ فِيهِ التَّخَلُّفُ وَقَدْ فَرَّعَ عَلَى كَوْنِ حُكْمِ الْإِقْرَارِ ظُهُورَ الْمُقَرِّ بِهِ لَا ثُبُوتَهُ ابْتِدَاءً أَوَّلًا بِقَوْلِهِ ( فَصَحَّ الْإِقْرَارُ بِالْخَمْرِ لِلْمُسْلِمِ ) حَتَّى يُؤْمَرَ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ وَلَوْ كَانَ تَمْلِيكًا مُبْتَدَأً لَمَا صَحَّ وَثَانِيًا بِقَوْلِهِ

( لَا ) الْإِقْرَارُ ( بِطَلَاقٍ وَعِتْقٍ مُكْرَهًا ) لِقِيَامِ دَلِيلِ الْكَذِبِ وَهُوَ الْإِكْرَاهُ وَلَوْ كَانَ حُكْمُهُ ثُبُوتَ مَا أَقَرَّ بِهِ بِأَنْ كَانَ إنْشَاءً لَصَحَّ لِأَنَّ إنْشَاءَهُمَا مَعَ الْإِكْرَاهِ يَصِحُّ عِنْدَنَا وَثَالِثًا بِقَوْلِهِ ( وَلَوْ ادَّعَاهُ ) أَيْ الْإِقْرَارَ ( ابْتِدَاءً ) بِأَنْ يَقُولَ إنَّكَ أَقْرَرْت لِي بِكَذَا فَادْفَعْهُ لِي ( أَوْ جَعَلَهُ ) أَيْ الْإِقْرَارَ ( سَبَبًا ) بِأَنْ يَقُولَ إنَّ لِي عَلَيْك كَذَا لِأَنَّك أَقْرَرْت لِي بِهِ ( لَمْ يُسْمَعْ ) عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ لِأَنَّ نَفْسَ الْإِقْرَارِ لَيْسَ نَاقِلًا لِلْمِلْكِ لِمَا عَرَفْت ( بِخِلَافِ دَعْوَاهُ ) أَيْ الْإِقْرَارِ ( فِي الدَّفْعِ ) فَإِنَّهُمْ اخْتَلَفُوا أَنَّهُ هَلْ يَصِحُّ دَعْوَى الْإِقْرَارِ فِي طَرَفِ الدَّفْعِ حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّ الْمُدَّعِي أَقَرَّ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ الْمُدَّعِي أَقَرَّ أَنَّ هَذَا الْعَيْنَ مِلْكُ هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَلْ يُقْبَلُ قَالَ بَعْضُهُمْ لَا يُقْبَلُ وَعَامَّتُهُمْ هَاهُنَا عَلَى أَنَّهُ يُقْبَلُ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ هَذَا الْعَيْنُ مِلْكِي وَأَقَرَّ بِهِ صَاحِبُ الْيَدِ أَوْ قَالَ لِي عَلَيْهِ كَذَا وَهَكَذَا أَقَرَّ بِهِ هَذَا الْمُدَّعَى عَلَيْهِ تَصِحُّ الدَّعْوَى وَتُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ عَلَى إقْرَارِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ الْإِقْرَارَ سَبَبًا لِلْوُجُوبِ وَفِي هَذِهِ الصُّورَةِ لَوْ أَنْكَرَ هَلْ يَحْلِفُ عَلَى عَدَمِ إقْرَارِهِ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَقِيلَ يَحْلِفُ لِأَنَّهُ لَوْ نَكَلَ ثَبَتَ الْإِقْرَارُ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ عَلَى الْإِقْرَارِ وَإِنَّمَا يَحْلِفُ عَلَى الْمَالِ كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ وَرَابِعًا بِقَوْلِهِ ( وَلَوْ كَذَبَ الْمُقِرُّ ) أَيْ فِي إقْرَارِهِ بِالْمَالِ ( لَمْ يَحِلَّ لَهُ ) أَيْ لِلْمُقَرِّ لَهُ ( أَخْذُ الْمَالِ إلَّا بِطِيبِ نَفْسِهِ ) أَيْ نَفْسِ الْمُقِرِّ وَلَوْ كَانَ حُكْمُهُ الثُّبُوتَ يَحِلُّ أَخْذُهُ

كِتَابُ الْإِقْرَارِ ) ( قَوْلُهُ هُوَ إخْبَارٌ بِحَقٍّ لِآخَرَ لَا إثْبَاتَ لَهُ عَلَيْهِ ) هَذَا عَلَى مَا قَالَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ وَالْقَاضِي أَبُو حَازِمٍ الْإِقْرَارُ إخْبَارٌ عَنْ أَمْرٍ سَابِقٍ وَذَكَر أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيِّ أَنَّهُ تَمْلِيكٌ فِي الْحَالِ وَذَكَرَ اسْتِشْهَادَ كُلٍّ عَلَى مَا قَالَ بِمَسَائِلَ ذُكِرَتْ فِي الْفَصْلِ التَّاسِعِ مِنْ الأسروشنية ( قَوْلُهُ وَلَهُ شُرُوطٌ سَتُذْكَرُ ) هِيَ الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ وَكَوْنُ الْمُقَرِّ بِهِ مِمَّا يَجِبُ تَسْلِيمُهُ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ أَوْ جُبَّةَ حِنْطَةٍ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الْمُقَرَّ بِهِ لَا يَلْزَمُهُ تَسْلِيمُهُ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَمِنْهَا الطَّوَاعِيَةُ وَلَوْ سَكِرَ مِنْ مُحَرَّمٍ صَحَّ إقْرَارُهُ إلَّا فِي الْحُدُودِ الْخَالِصَةِ حَقًّا لِلَّهِ ( قَوْلُهُ وَحُكْمُهُ ظُهُورُ الْمُقَرِّ بِهِ ) يَعْنِي لُزُومَهُ عَلَى الْمُقِرِّ ( قَوْلُهُ وَشَرْطُ تَصْدِيقِ هَؤُلَاءِ ) يَعْنِي فِي الْجُمْلَةِ لِمَا يُذْكَرُ أَنَّ الْغُلَامَ الَّذِي لَمْ يُعَبِّرْ عَنْ نَفْسِهِ لَا يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُهُ وَلِذَا قَالَ وَسَيَأْتِي تَمَامُ بَيَانِهِ ( قَوْلُهُ فَصَحَّ الْإِقْرَارُ بِالْخَمْرِ لِلْمُسْلِمِ ) يَعْنِي الْخَمْرَ الْقَائِمَةَ لَا الْمُسْتَهْلَكَةَ إذْ لَا يَجِبُ بَدَلُهَا لِلْمُسْلِمِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمُحِيطِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِ الْمُصَنِّفِ حَتَّى يُؤْمَرَ بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ ( قَوْلُهُ أَوْ جَعَلَهُ أَيْ الْإِقْرَارَ سَبَبًا ) لَمْ يُسْمَعْ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ كَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ ثُمَّ ذَكَرَ نَقْلًا آخَرَ أَنَّهُ يُسْمَعُ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ ا هـ فَقَدْ وَقَعَ اخْتِلَافُ النَّقْلِ عَنْ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ وَلَكِنَّ الْمُفْتَى بِهِ أَنَّهَا لَا تُسْمَعُ لِمَا قَالَ فِي الْفَوَاكِهِ الْبَدْرِيَّةِ ادَّعَى عَلَيْهِ بِكَذَا لِمَا أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِهِ لَا يَقْبَلُهَا الْقَاضِي وَلَا تُسْمَعُ هَذِهِ الدَّعْوَى عَلَى الصَّحِيحِ الْمُفْتَى بِهِ

( وَهُوَ ) أَيْ الْإِقْرَارُ ( حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ ) أَمَّا حُجَّتُهُ { فَلِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَدْ رَجَمَ مَاعِزًا بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِالزِّنَا وَالْغَامِدِيَّةَ بِإِقْرَارِهَا } فَلَمَّا جَعَلَ الْإِقْرَارَ حُجَّةً فِي الْحُدُودِ الَّتِي تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ فَلَأَنْ يَكُونَ حُجَّةً فِي غَيْرِهَا أَوْلَى وَعَلَيْهِ انْعَقَدَ إجْمَاعُ الْأُمَّةِ وَأَمَّا قُصُورُهُ فَلِقُصُورِ وِلَايَةِ الْمُقِرِّ عَنْ غَيْرِهِ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ ( بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ ) فَإِنَّهَا تَصِيرُ حُجَّةً بِالْقَضَاءِ وَلِلْقَاضِي وِلَايَةٌ عَامَّةٌ فَيَتَعَدَّى إلَى الْكُلِّ أَمَّا الْإِقْرَارُ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى الْقَضَاءِ وَلَهُ وِلَايَةٌ عَلَى نَفْسِهِ دُونَ غَيْرِهِ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ مَجْهُولُ النَّسَبِ بِالرِّقِّ لِرَجُلٍ جَازَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ وَلَمْ يُصَدَّقْ عَلَى أَوْلَادِهِ وَأُمَّهَاتِهِمْ وَمُدَبَّرِيهِ وَمُكَاتَبِيهِ إذْ ثَبَتَ حَقُّ الْحُرِّيَّةِ وَاسْتِحْقَاقُهَا لِهَؤُلَاءِ فَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهِمْ

( أَقَرَّ مُكَلَّفٌ ) أَيْ عَاقِلٌ بَالِغٌ ( حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ مَأْذُونٌ لَهُ بِمَعْلُومٍ ) مُتَعَلِّقٌ بِأَقَرَّ ( صَحَّ ) أَيْ إقْرَارُ كُلٍّ مِنْ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ الْمَأْذُونِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ مُلْحَقٌ بِالْأَحْرَارِ فِي حَقِّ الْإِقْرَارِ لِأَنَّ الْمَوْلَى إذَا أَذِنَ لَهُ فَقَدْ رَضِيَ بِتَعَلُّقِ الدَّيْنِ بِرَقَبَتِهِ فَكَانَ مُسَلَّطًا عَلَيْهِ مِنْ جِهَتِهِ ( مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ تَصَرُّفًا لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ وَتَحَقُّقِهِ إعْلَامُ مَا صَادَفَهُ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ أَوْ لَا كَمَا سَيَأْتِي وَشُرِطَ التَّكْلِيفُ لِأَنَّ الصَّبِيَّ وَالْمَجْنُونَ لَا يَتَعَلَّقُ بِإِقْرَارِهِمَا حُكْمٌ ( وَلَوْ ) أَقَرَّ ( بِمَجْهُولٍ صَحَّ ) أَيْضًا لِأَنَّ الْحَقَّ قَدْ يَلْزَمُهُ مَجْهُولًا بِأَنْ أَتْلَفَ مَالًا لَا يَدْرِي قِيمَتَهُ أَوْ جَرَحَ جِرَاحَةً لَا يَعْلَمُ أَرْشَهَا ( لَوْ ) كَانَ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ ( تَصَرُّفًا لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ ) وَتَحَقُّقِهِ ( إعْلَامُ مَا صَادَفَهُ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ كَالْغَصْبِ الْوَدِيعَةِ ) فَإِنَّ الْجَهَالَةَ لَا تَمْنَعُ تَحَقُّقَ الْغَصْبِ فَإِنَّ مَنْ غَصَبَ مِنْ رَجُلٍ مَالًا مَجْهُولًا فِي كِيسٍ أَوْ أَوْدَعَهُ مَالًا فِي كِيسٍ صَحَّ الْغَصْبُ الْوَدِيعَةُ وَثَبَتَ حُكْمُهُمَا ( بِخِلَافِ مَا اُشْتُرِطَ لَهُ ذَلِكَ ) فَإِنَّ كُلَّ تَصَرُّفٍ يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ وَتَحَقُّقِهِ إعْلَامُ مَا صَادَفَهُ ذَلِكَ التَّصَرُّفُ فَالْإِقْرَارُ بِهِ مَعَ الْجَهَالَةِ لَا يَصِحُّ .
( كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ ) فَإِنَّ مَنْ أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَ مِنْ فُلَانٍ شَيْئًا أَوْ آجَرَ مِنْ فُلَانٍ شَيْئًا أَوْ اشْتَرَى مِنْ فُلَانٍ كَذَا بِشَيْءٍ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ وَلَا يُجْبَرُ الْمُقِرُّ عَلَى تَسْلِيمِ شَيْءٍ ( وَلَزِمَهُ ) أَيْ الْمُقِرَّ بِمِثْلِ الْغَصْبِ الْوَدِيعَةِ ( بَيَانُ مَا جُهِلَ بِمَا لَهُ قِيمَةٌ ) يَعْنِي إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ شَيْءٌ أَوْ حَقٌّ لَزِمَهُ أَنْ يُبَيِّنَهُ بِمَا لَهُ قِيمَةٌ لِأَنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ الْوُجُوبِ فِي ذِمَّتِهِ وَمَا لَا قِيمَةَ لَهُ لَا يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ فَإِذَا بَيَّنَ بِغَيْرِ ذَلِكَ كَانَ رُجُوعًا فَلَا

يَصِحُّ
قَوْلُهُ أَوْ عَبْدٌ مَأْذُونٌ لَهُ ) كَذَا الصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ لَهُ وَمَحَلُّ صِحَّةِ إقْرَارِ الْعَبْدِ الْمَأْذُونِ مَا هُوَ مِنْ بَابِ التِّجَارَةِ فَلَا يَصِحُّ بِمَهْرِ مَوْطُوءَتِهِ بِنِكَاحٍ غَيْرِ مَأْذُونٍ بِهِ وَجِنَايَةٍ مُوجِبَةٍ لِلْمَالِ وَلَا يَصِحُّ إقْرَارُ الصَّبِيِّ بِالْمَهْرِ وَالْجِنَايَةِ وَالْكَفَالَةِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ وَلَوْ أَقَرَّ بِمَجْهُولٍ صَحَّ ) لَوْ تَصَرُّفًا لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّتِهِ إعْلَامُ مَا صَادَفَهُ فِي مَفْهُومِهِ تَأَمَّلْ لِمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّهُ مَتَى أَقَرَّ بِمَجْهُولٍ وَأَطْلَقَ وَلَمْ يُبَيِّنْ السَّبَبَ يَصِحُّ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ تَصِحُّ مَعَهُ الْجَهَالَةُ كَالْغَصْبِ وَنَحْوِهِ وَإِنْ بَيَّنَ السَّبَبَ يُنْظَرْ فَإِنْ كَانَ سَبَبًا لَا تَضُرُّهُ الْجَهَالَةُ فَكَذَلِكَ وَإِنْ كَانَ تَضُرُّهُ الْجَهَالَةُ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ لَا يَصِحُّ وَلَا يُجْبَرُ ا هـ .
( قَوْلُهُ يَعْنِي إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ شَيْءٌ أَوْ حَقٌّ لَزِمَهُ أَنْ يُبَيِّنَ مَا لَهُ قِيمَةٌ ) لَا يَخْفَى عَدَمُ مُطَابَقَتِهِ لِمَتْنِهِ إلَّا بِمَعُونَةِ ذِكْرِ السَّبَبِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ يَعْنِي إذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ شَيْءٌ بِغَصْبٍ أَوْ وَدِيعَةٍ ا هـ .
وَاَلَّذِي لَهُ قِيمَةٌ كَفَلْسِ وَجَوْزَةٍ وَغَيْرِهِ كَحَبَّةِ حِنْطَةٍ وَقَطْرَةِ مَاءٍ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ

( وَصُدِّقَ الْمُقِرُّ بِيَمِينِهِ إنْ ادَّعَى خَصْمُهُ أَكْثَرَ مِنْهُ وَلَمْ يُبَرْهِنْ ) يَعْنِي أَنَّ الْمُقِرَّ إذَا بَيَّنَ الْمَجْهُولَ بِمَا لَهُ قِيمَةٌ وَادَّعَى الْمُقَرُّ لَهُ أَكْثَرَ مِنْهُ فَإِنْ بَرْهَنَ عَلَيْهِ حُكِمَ بِهِ وَإِلَّا صُدِّقَ الْمُقِرُّ بِيَمِينِهِ عَلَى عَدَمِ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ ( وَلَمْ يَصِحَّ ) أَيْ الْإِقْرَارُ ( لِلْمَجْهُولِ إذَا فَحُشَتْ جَهَالَتُهُ ) بِأَنْ يَقُولَ هَذَا الْعَبْدُ لِوَاحِدٍ مِنْ النَّاسِ لِأَنَّ الْمَجْهُولَ لَا يَكُونُ مُسْتَحَقًّا وَإِنْ لَمْ تَفْحُشْ بِأَنْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ غَصَبَ هَذَا الْعَبْدَ مِنْ هَذَا أَوْ مِنْ هَذَا فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ عِنْدَ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ لِلْمَجْهُولِ وَأَنَّهُ لَا يُفِيدُ وَقِيلَ يَصِحُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّهُ يُفِيدُ وُصُولَ الْحَقِّ إلَى الْمُسْتَحِقِّ لِأَنَّهُمَا إذَا اتَّفَقَا عَلَى أَخْذِهِ فَلَهُمَا حَقُّ الْأَخْذِ وَيُقَالُ لَهُ بَيِّنْ الْمَجْهُولَ لِأَنَّ الْإِجْمَالَ مِنْ جِهَتِهِ وَبَيَانُ الْمُجْمِلِ عَلَى الْمُجْمَلِ وَصَارَ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ أَجْبَرَهُ الْقَاضِي عَلَى الْبَيَانِ إيصَالًا لِلْحَقِّ إلَى الْمُسْتَحِقِّ كَذَا فِي الْكَافِي ( كَذَا ) إشَارَةً إلَى عَبْدٍ مَأْذُونٍ لَهُ فِي قَوْلِهِ أَقَرَّ مُكَلَّفٌ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ مَأْذُونٌ لَهُ ( مَحْجُورٌ أَقَرَّ بِمَا لَا تُهْمَةَ فِيهِ كَحَدٍّ وَقَوَدٍ ) يَعْنِي أَنَّ إقْرَارَهُ بِهِ صَحِيحٌ لِأَنَّ إقْرَارَهُ عُهِدَ مُوجِبًا تَعَلُّقَ الدَّيْنِ بِرَقَبَتِهِ وَهِيَ مَالُ الْمَوْلَى فَلَا يُصَدَّقُ عَلَيْهِ لِلتُّهْمَةِ وَقُصُورِ الْحُجَّةِ بِخِلَافِ الْمَأْذُونِ لَهُ لِأَنَّهُ مُسَلَّطٌ عَلَى الْإِقْرَارِ مِنْ جِهَةِ الْمَوْلَى لِأَنَّ الْإِذْنَ بِالتِّجَارَةِ إذْنٌ بِمَا يَلْزَمُهَا وَهُوَ دَيْنُ التِّجَارَةِ بِخِلَافِ الْحَدِّ وَالْقَوَدِ لِأَنَّهُ مُبْقًى عَلَى أَصْلِ الْحُرِّيَّةِ فِيهِمَا لِأَنَّهُمَا مِنْ خَوَاصِّ الْآدَمِيَّةِ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ إقْرَارُ الْمَوْلَى عَلَيْهِ بِالْحَدِّ وَالْقَوَدِ ( فَيُؤْخَذُ بِهِ الْآنَ ) وَلَا يُؤَخَّرُ إلَى الْعِتْقِ .
( وَ ) كَذَا مَحْجُورٌ أَقَرَّ ( بِمَا فِيهِ

تُهْمَةٌ كَالْمَالِ ) نَظَرًا إلَى أَصْلِ الْآدَمِيَّةِ ( فَيُؤَخَّرُ إلَى عِتْقِهِ ) رِعَايَةً لِحَقِّ الْمَوْلَى .
قَوْلُهُ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ لِلْمَجْهُولِ وَأَنَّهُ لَا يُفِيدُ ) قَالَ فِي الْكَافِي لِأَنَّ فَائِدَتَهُ الْجَبْرُ عَلَى الْبَيَانِ وَلَا يُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ ( قَوْلُهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ ) يَعْنِي مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ هَذَا عَلَى قَوْلِهِمَا لَا عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ كَمَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ عِتْقِ الْبَعْضِ وَلَنَا فِيهِ رِسَالَةٌ أَمَّا لَوْ أَعْتَقَ أَحَدَهُمَا بِعَيْنِهِ ثُمَّ نَسَبَهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ ( قَوْلُهُ كَذَا إشَارَةٌ إلَى عَبْدٍ مَأْذُونٍ لَهُ ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ كَذَا إشَارَةٌ إلَى قَوْلِهِ صَحَّ فِي قَوْلِهِ أَقَرَّ مُكَلَّفٌ حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ مَأْذُونٌ لَهُ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ لِلْمُشَارَكَةِ فِي الْحُكْمِ ( قَوْلُهُ وَكَذَا مَحْجُورٌ ) أَيْ كَذَا صَحَّ إقْرَارُ مَحْجُورٍ إذَا أَقَرَّ بِمَا فِيهِ تُهْمَةٌ كَالْمَالِ نَظَرًا إلَى أَصْلِ الْآدَمِيَّةِ فَيُؤَخَّرُ إلَى عِتْقِهِ رِعَايَةً لِحَقِّ الْمَوْلَى

( وَلَزِمَ فِي عَلَيَّ مَالٌ دِرْهَمٌ ) يَعْنِي لَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ مَالًا عَادَةً .
( وَ ) لَزِمَ ( فِي ) عَلَيَّ ( مَالٌ عَظِيمٌ نِصَابٌ فِي مَالِ الزَّكَاةِ وَقَدْرُ النِّصَابِ قِيمَةٌ فِي غَيْرِهِ ) أَيْ فِي غَيْرِ مَالِ الزَّكَاةِ يَعْنِي لَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فِي الْفِضَّةِ وَأَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ مِثْقَالًا فِي الذَّهَبِ وَفِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فِي الْإِبِلِ وَلَا فِي الْأَقَلِّ مِنْ قَدْرِ النِّصَابِ قِيمَةً فِي غَيْرِ مَالِ الزَّكَاةِ لِأَنَّ النِّصَابَ عَظِيمٌ حَتَّى صَارَ صَاحِبُهُ بِهِ غَنِيًّا ( وَ ) لَزِمَ ( فِي ) عَلَيَّ ( أَمْوَالٌ عِظَامٌ ثَلَاثَةُ ) نُصُبٍ مِنْ جِنْسِ مَا سَمَّاهُ اعْتِبَارًا لِأَدْنَى الْجَمْعِ حَتَّى لَوْ قَالَ مِنْ الدَّرَاهِمِ كَانَ سِتَّمِائَةِ دِرْهَمٍ .
( وَفِي دَرَاهِمَ ثَلَاثَةٌ ) اعْتِبَارًا لِأَدْنَى الْجَمْعِ ( وَفِي دَرَاهِمَ كَثِيرَةٍ عَشَرَةٌ ) أَيْ لَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّهَا أَقْصَى مَا يَنْتَهِي إلَيْهِ اسْمُ الْجَمْعِ .
( وَفِي كَذَا دِرْهَمًا ) لَزِمَ ( دِرْهَمٌ ) لِأَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْمُبْهَمِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ قَاضِي خَانْ لَوْ قَالَ كَذَا دِينَارًا عَلَيْهِ دِينَارَانِ لِأَنَّ كَذَا كِنَايَةٌ عَنْ الْعَدَدِ وَأَقَلُّ الْعَدَدِ اثْنَانِ ( وَ ) فِي ( كَذَا كَذَا دِرْهَمًا ) لَزِمَ ( أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا ) أَيْ لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْهُ لِأَنَّ كَذَا كِنَايَةٌ عَنْ عَدَدٍ مَجْهُولٍ فَقَدْ أَقَرَّ بِعَدَدَيْنِ مَجْهُولَيْنِ لَيْسَ بَيْنَهُمَا حَرْفُ الْعِطْفِ وَأَقَلُّ عَدَدَيْنِ كَذَلِكَ مِنْ الْمُفَسَّرِ أَحَدَ عَشَرَ ( وَفِي كَذَا وَكَذَا ) لَزِمَ ( أَحَدٌ وَعِشْرُونَ ) أَيْ لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْهُ لِأَنَّهُ ذَكَرَ عَدَدَيْنِ مُبْهَمَيْنِ بَيْنَهُمَا الْعَطْفُ وَأَقَلُّ ذَلِكَ مِنْ الْمُفَسَّرِ أَحَدٌ وَعِشْرُونَ وَوُجُوبُ الْأَقَلِّ فِي الْفَصْلَيْنِ لِتَيَقُّنِنَا بِهِ وَالْأَصْلُ فِي الذِّمَمِ الْبَرَاءَةُ ( وَلَوْ ثَلَّثَ ) أَيْ قَوْلُهُ كَذَا ( بِلَا وَاوٍ ) بِأَنْ يَقُولَ كَذَا كَذَا كَذَا دِرْهَمًا ( فَأَحَدَ عَشَرَ حَمْلًا

لِلْوَاحِدِ مِنْهَا عَلَى التَّكْرَارِ ) إذْ لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَعْدَادٍ بِلَا عَطْفٍ فَلَا بُدَّ مِنْ حَمْلِ الْوَاحِدِ عَلَى التَّكْرَارِ ثُمَّ حَمْلُ الِاثْنَيْنِ عَلَى أَقَلِّ عَدَدٍ يُعْتَادُ التَّعْبِيرُ عَنْهُ بِذِكْرِ عَدَدَيْنِ بِلَا عَاطِفٍ وَهُوَ أَحَدَ عَشَرَ ( وَمَعَهَا ) أَيْ لَوْ ثَلَّثَ لَفْظَ كَذَا مَعَ الْوَاوِ ( فَمِائَةٌ وَاحِدٌ وَعِشْرُونَ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا يُعَبَّرُ عَنْهُ بِثَلَاثَةِ أَعْدَادٍ مَعَ الْعَطْفِ وَلَوْ رَبَّعَ ) أَيْ قَوْلُهُ كَذَا مَعَ تَثْلِيثِ الْوَاوِ بِأَنْ يَقُولَ كَذَا وَكَذَا وَكَذَا وَكَذَا ( زِيدَ أَلْفٌ ) عَلَى الْعَدَدِ الَّذِي قَبْلَهُ فَلَزِمَ أَلْفٌ وَمِائَةٌ وَاحِدٌ وَعِشْرُونَ لِأَنَّهُ نَظِيرُهُ ( عَلَيَّ أَوْ قِبَلِي إقْرَارٌ بِالدَّيْنِ ) يَعْنِي إذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِنْ الْمَالِ كَذَا أَوْ قِبَلِي كَانَ إقْرَارًا بِالدَّيْنِ لِأَنَّ عَلَيَّ لِلْإِيجَابِ وَالْإِلْزَامِ وَقِبَلِي يُنْبِئُ عَنْ الضَّمَانِ يُقَالُ قَبِلَ فُلَانٌ عَنْ فُلَانٍ أَيْ ضَمِنَ وَسُمِّيَ الْكَفِيلُ قَبِيلًا لِأَنَّهُ ضَامِنٌ لِلْمَالِ ( وَإِنْ وَصَلَ بِهِ وَدِيعَةً ) أَيْ إنْ قَالَ الْمُقِرُّ بِلَا تَرَاخٍ وَهُوَ وَدِيعَةٌ ( صُدِّقَ ) لِأَنَّ الْمَضْمُونَ عَلَيْهِ الْحِفْظُ وَالْمَالُ مَحَلُّهُ فَقَدْ ذَكَرَ الْمَحَلَّ وَأَرَادَ الْحَالَّ وَاحْتَمَلَهُ اللَّفْظُ مَجَازًا فَيَصِحُّ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا ( عِنْدِي مَعِي فِي بَيْتِي فِي صُنْدُوقِي فِي كِيسِي إقْرَارٌ بِالْأَمَانَةِ ) لِأَنَّ الْكُلَّ إقْرَارٌ بِكَوْنِ الشَّيْءِ فِي يَدِهِ وَذَا يَكُونُ أَمَانَةً لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ مَضْمُونًا وَقَدْ يَكُونُ أَمَانَةً وَهَذِهِ أَقَلُّهَا ( جَمِيعُ مَالِي أَوْ جَمِيعُ مَا أَمْلِكُهُ لَهُ هِبَةٌ ) لَا إقْرَارٌ لِأَنَّ مَالَهُ أَوْ مَا مَلَكَهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ لِآخَرَ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فَلَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ وَاللَّفْظُ يَحْتَمِلُ الْإِنْشَاءَ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ وَيَكُونُ هِبَةً ( يَقْتَضِي التَّسْلِيمَ ) إنْ وُجِدَ صَحَّتْ وَإِلَّا فَلَا

( قَوْلُهُ يَعْنِي لَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فِي الْفِضَّةِ وَأَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ مِثْقَالًا فِي الذَّهَبِ ) يُرِيدُ بِهِ إذَا فَسَّرَ الْمَالَ الْعَظِيمَ بِالْفِضَّةِ فَقَالَ لَهُ عَلَيَّ مَالٌ عَظِيمٌ مِنْ الْفِضَّةِ لَمْ يُصَدَّقْ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَإِنْ قَالَ مِنْ الدَّنَانِيرِ فَالتَّقْدِيرُ بِعِشْرِينَ مِثْقَالًا ا هـ .
وَفِي الْعِنَايَةِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَلَمْ يَذْكُرْ مُحَمَّدٌ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْأَصْلِ فِي هَذَا الْفَصْلِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ نِصَابِ السَّرِقَةِ لِأَنَّهُ عَظِيمٌ تُقْطَعُ بِهِ الْيَدُ الْمُحْتَرَمَةُ وَرُوِيَ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِهِمَا قِيلَ وَهُوَ الصَّحِيحُ ا هـ .
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَالْأَصَحُّ أَنَّ قَوْلَهُ يُبْنَى عَلَى حَالِ الْمُقِرِّ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى فَإِنَّ الْقَلِيلَ عِنْدَ الْفَقِيرِ عَظِيمٌ وَأَضْعَافُ ذَلِكَ عِنْدَ الْغَنِيِّ لَيْسَ بِعَظِيمٍ وَهُوَ فِي الشَّرْعِ مُتَعَارِضٌ فَإِنَّ الْمِائَتَيْنِ فِي الزَّكَاةِ عَظِيمٌ وَفِي السَّرِقَةِ وَالْمَهْرِ الْعَشَرَةُ عَظِيمَةٌ فَيُرْجَعُ إلَى حَالِهِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَحَوَاشِي الْهِدَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمَبْسُوطِ ( قَوْلُهُ وَلَزِمَ فِي عَلَيَّ أَمْوَالٌ عِظَامٌ ثَلَاثَةُ نُصُبٍ ) كَذَا فِي التَّبْيِينِ ثُمَّ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَيَنْبَغِي عَلَى قِيَاسِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنْ يُعْتَبَرَ فِيهِ حَالُ الْمُقِرِّ كَمَا ذَكَرْنَا ا هـ .
( قَوْلُهُ وَفِي دَرَاهِمَ كَثِيرَةٍ عَشَرَةٌ ) أَيْ لَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْهَا هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقَالَا لَا يُصَدَّقُ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْنِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ دَنَانِيرُ كَثِيرَةٌ كَذَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ وَفِي كَذَا دِرْهَمًا لَزِمَ دِرْهَمٌ
إلَخْ ) يُرِيدُ أَنَّ مَا فِي الْهِدَايَةِ مُقَدَّمٌ عَلَى مَا فِي قَاضِي خَانْ إذْ عِنْدَ مُعَارَضَةِ الْفَتَاوَى لِلْمُتُونِ تُقَدَّمُ الْمُتُونُ ا هـ .
وَلِذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ لَوْ قَالَ كَذَا دِرْهَمًا دِرْهَمًا لِأَنَّهُ تَفْسِيرٌ لِلْمُبْهَمِ وَذَكَرَ فِي التَّتِمَّةِ

وَالذَّخِيرَةِ وَغَيْرِهِمَا يَلْزَمُهُ دِرْهَمَانِ .
وَفِي شَرْحِ الْمُخْتَارِ قِيلَ يَلْزَمُهُ عِشْرُونَ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ كَذَا يُذْكَرُ لِلْعَدَدِ عُرْفًا وَأَقَلُّ عَدَدٍ غَيْرِ مُرَكَّبٍ يُذْكَرُ بَعْدَهُ الدِّرْهَمُ بِالنَّصْبِ عِشْرُونَ وَلَوْ ذُكِرَ بِالْخَفْضِ رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مِائَةٌ لِأَنَّهَا أَقَلُّ عَدَدٍ يُذْكَرُ بَعْدَهُ الدِّرْهَمُ بِالْخَفْضِ ا هـ قَوْلُهُ إذَا لَمْ يَجْمَعْ بَيْنَ ثَلَاثَةِ أَعْدَادٍ بِلَا عَاطِفٍ ) أَيْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ نَظِيرٌ ( قَوْلُهُ قِبَلِي إقْرَارٌ بِالدَّيْنِ ) هُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ فِي الدُّيُونِ أَغْلَبُ وَقِيلَ إقْرَارٌ بِالْأَمَانَةِ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَتَنَاوَلُ الدَّيْنَ وَالْأَمَانَةَ وَهِيَ أَقَلُّهُمَا كَمَا فِي الْكَافِي ( قَوْلُهُ جَمِيعُ مَالِي أَوْ جَمِيعُ مَا أَمْلِكُهُ لَهُ هِبَةٌ يَقْتَضِي التَّسْلِيمَ ) كَذَا فِي الْمُحِيطِ ثُمَّ قَالَ وَلَوْ قَالَ لَهُ مِنْ مَالِي أَلْفُ دِرْهَمٍ لَا حَقَّ لَهُ فِيهَا فَهُوَ إقْرَارٌ بِالدَّيْنِ لِأَنَّ هَذَا إقْرَارٌ بِهِبَةٍ مُسَلَّمَةٍ لِأَنَّهُ نَفَى الْحَقَّ فِيهَا وَلَا يَنْقَطِعُ حَقُّهُ عَنْهَا بِالْهِبَةِ بَلْ بِالتَّسْلِيمِ فَيَكُونُ إقْرَارًا بِالتَّسْلِيمِ ا هـ .
وَلَوْ لَمْ يُضِفْ الْمَالَ إلَيْهِ بَلْ إلَى يَدِهِ كَانَ إقْرَارَ الْمَالِ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى قَالَ مَا فِي يَدِي مِنْ قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ مِنْ عَبْدٍ أَوْ غَيْرِهِ لِفُلَانٍ صَحَّ الْإِقْرَارُ لِأَنَّهُ عَامٌّ لَا مَجْهُولٌ انْتَهَى

( قَوْلُهُ لِمُدَّعِي الْأَلْفِ ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي إقْرَارٌ يَعْنِي لَوْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ لِي عَلَيْك أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَالَ ( اتَّزِنْهُ أَوْ انْتَقِدْهُ أَوْ أَجِّلْنِي بِهِ أَوْ قَضَيْتُكَهُ أَوْ أَبْرَأْتنِي مِنْهُ أَوْ تَصَدَّقْت بِهِ عَلَيَّ أَوْ وَهَبْته لِي أَوْ أَحَلْتُك بِهِ عَلَى زَيْدٍ إقْرَارٌ وَبِلَا ضَمِيرٍ لَا ) وَقَدْ وَقَعَ فِي عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ وَالْوِقَايَةِ فِي هَذِهِ الضَّمَائِرِ ضَمِيرُ التَّأْنِيثِ .
وَفِي الْكَافِي وَالْكَنْزِ ضَمِيرُ التَّذْكِيرِ وَلَمَّا لَمْ يَعُدَّ الْقَوْمُ الْأَلْفَ مِنْ الْمُؤَنَّثَاتِ السَّمَاعِيَّةِ اُخْتِيرَ لَهُ التَّذْكِيرُ ، أَمَّا كَوْنُ الْأَرْبَعَةِ الْأُولَى إقْرَارًا فَلِأَنَّ الضَّمِيرَ رَاجِعٌ إلَى الْأَلْفِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ مَوْصُوفٌ بِالْوُجُوبِ فَكَأَنَّهُ قَالَ اتَّزِنْ أَوْ انْتَقِدْ أَوْ أَجِّلْ أَوْ قَضَيْتُك الْأَلْفَ الْوَاجِبَ لَك عَلَيَّ حَتَّى لَوْ لَمْ يَذْكُرْ الضَّمِيرَ بِأَنْ قَالَ اتَّزِنْ أَوْ انْتَقِدْ أَوْ أَجِّلْ مَثَلًا لَا يَكُونُ إقْرَارًا إذْ لَا دَلِيلَ عَلَى انْصِرَافِهِ إلَى الْمَذْكُورِ ، وَأَمَّا الْخَامِسُ فَلِأَنَّ دَعْوَى الْإِبْرَاءِ كَالْقَضَاءِ لِأَنَّ الْإِبْرَاءَ إسْقَاطٌ وَهُوَ إنَّمَا يَكُونُ فِي مَالٍ وَاجِبٍ عَلَيْهِ ، وَأَمَّا السَّادِسُ وَالسَّابِعُ فَلِأَنَّ هَذَا دَعْوَى التَّمْلِيكِ مِنْهُ وَذَا لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ وُجُوبِ الْمَالِ فِي ذِمَّتِهِ ، وَأَمَّا الثَّامِنُ فَلِأَنَّ تَحْوِيلَ الدَّيْنِ مِنْ ذِمَّةٍ إلَى ذِمَّةٍ لَا يَكُونُ بِدُونِ الْوُجُوبِ

( وَقَوْلُهُ نَعَمْ إقْرَارٌ ) يَعْنِي إذَا قِيلَ لَهُ هَلْ لِي عَلَيْك كَذَا فَقَالَ نَعَمْ يَكُونُ إقْرَارًا لِأَنَّهُ مَوْضُوعٌ لِلْجَوَابِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَى الرَّابِطِ ( لَا الْإِيمَاءُ بِرَأْسِهِ بِنَعَمْ فِي جَوَابِ هَلْ لِي عَلَيْك كَذَا ) لِأَنَّ الْإِشَارَةَ مِنْ الْأَخْرَسِ قَائِمَةٌ مَقَامَ الْكَلَامِ لَا مِنْ غَيْرِهِ

( أَقَرَّ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ حَالٌّ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ) يَعْنِي إذَا أَقَرَّ بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ فَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الدَّيْنِ وَكَذَّبَهُ فِي التَّأْجِيلِ لَزِمَهُ الدَّيْنُ حَالًّا لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِحَقٍّ عَلَى نَفْسِهِ وَادَّعَى لِنَفْسِهِ فِيهِ حَقًّا فَيُصَدَّقُ فِي الْإِقْرَارِ بِلَا حُجَّةٍ دُونَ الدَّعْوَى كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِعَبْدٍ فِي يَدِهِ أَنَّهُ لِفُلَانٍ اسْتَأْجَرَهُ مِنْهُ فَصَدَّقَهُ الْمُقَرُّ لَهُ فِي الْمِلْكِ لَا الْإِجَارَةَ ( وَلَزِمَ فِي ) لَهُ ( عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَدَرَاهِمُ ) أَيْ إذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ وَدِرْهَمٌ لَزِمَ مِائَةُ دِرْهَمٍ وَدِرْهَمٌ ( وَ ) لَزِمَ ( فِي مِائَةٍ وَثَوْبٍ ثَوْبٌ وَيُفَسِّرُ الْمِائَةَ ) أَيْ يُرْجَعُ فِي تَفْسِيرِ الْمِائَةِ إلَيْهِ وَالْقِيَاسُ فِي مِائَةٍ وَدِرْهَمٍ كَذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ لِأَنَّهُ عَطْفُ مُفَسَّرٍ عَلَى مُبْهَمٍ فِي الْفَصْلَيْنِ وَالْعَطْفُ لَمْ يُوضَعْ لِلْبَيَانِ فَبَقِيَتْ الْمِائَةُ مُبْهَمَةً فِيهِمَا وَلَنَا أَنَّ قَوْلَهُ وَدِرْهَمٌ بَيَانٌ لِلْمِائَةِ عَادَةً لِأَنَّ النَّاسَ اسْتَثْقَلُوا تَكْرَارَ الدَّرَاهِمِ وَاكْتَفَوْا بِذِكْرِهِ مَرَّةً وَهَذَا فِيمَا يَكْثُرُ اسْتِعْمَالُهُ وَهُوَ عِنْدَ كَثْرَةِ الْوُجُوبِ بِكَثْرَةِ أَسْبَابِهِ وَهَذَا فِي الْمُقَدَّرَاتِ كَالْمَكِيلَاتِ وَالْمَوْزُونَاتِ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ سَلَمًا وَقَرْضًا وَثَمَنًا بِخِلَافِ الثِّيَابِ وَمَا لَا يُكَالُ وَلَا يُوزَنُ فَإِنَّ وُجُوبَهَا لَا يَكْثُرُ فِي الذِّمَّةِ لِأَنَّ الثِّيَابَ لَا تَثْبُتُ فِيهَا إلَّا فِي السَّلَمِ وَالنِّكَاحِ وَذَا لَا يَكْثُرُ فَبَقِيَ عَلَى الْحَقِيقَةِ ( كَذَا وَثَوْبَانِ ) أَيْ إذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ وَثَوْبَانِ لَزِمَ ثَوْبَانِ وَيُفَسِّرُ الْمِائَةَ ( وَفِي الْجَمْعِ ) أَيْ إذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِائَةٌ وَثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ ( كُلُّهَا ثِيَابٌ ) لِأَنَّهُ ذَكَرَ عَدَدَيْنِ مُبْهَمَيْنِ أَعْنِي مِائَةً وَثَلَاثَةً وَأَعْقَبَهُمَا تَفْسِيرًا فَانْصَرَفَ إلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي الْحَاجَةِ إلَى التَّفْسِيرِ لَا يُقَالُ الْأَثْوَابُ لَا تَصْلُحُ مُمَيِّزًا

لِلْمِائَةِ لِأَنَّهَا لَمَّا اقْتَرَنَتْ بِالثَّلَاثَةِ صَارَا كَعَدَدِ وَاحِدٍ

( وَ ) لَزِمَ ( فِي عَلَيَّ نِصْفُ دِرْهَمٍ وَدِينَارٌ وَثَوْبٌ وَنِصْفُ هَذَا الْعَبْدِ وَهَذِهِ الْجَارِيَةُ نِصْفُ كُلٍّ مِنْهَا ) لِأَنَّ الْكَلَامَ كُلَّهُ وَقَعَ عَلَى شَيْءٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ أَوْ بِعَيْنِهِ فَيَنْصَرِفُ النِّصْفُ إلَى الْكُلِّ كَأَنَّهُ قَالَ عَلَيَّ نِصْفُ هَذَا وَنِصْفُ هَذَا إلَى آخِرِهِ .
قَوْلُهُ وَلَزِمَ فِي : عَلَيَّ نِصْفُ دِرْهَمٍ وَدِينَارٍ
إلَخْ ) قَالَ فِي الْمُحِيطِ عَنْ الْمُبْتَغَى وَأَصْلُهُ أَنَّ الْكَلَامَ إذَا كَانَ كُلُّهُ عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ أَوْ كَانَ كُلُّهُ عَلَى شَيْءٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَهُوَ كُلُّهُ عَلَى الْإِنْصَافِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا بِعَيْنِهِ وَالْآخَرُ بِغَيْرِ عَيْنِهِ فَالنِّصْفُ عَلَى الْأَوَّلِ مِنْهُمَا

( أَقَرَّ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَدَانِقٍ أَوْ قِيرَاطٍ كَانَ مِنْ الْفِضَّةِ ) لِأَنَّ الِاكْتِفَاءَ بِالتَّفْسِيرِ الْأَوَّلِ شَائِعٌ عِنْدَهُمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَمِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا } يَعْنِي مِنْ السِّنِينَ .
( وَ ) أَقَرَّ ( بِتَمْرٍ فِي قَوْصَرَّةٍ لَزِمَاهُ ) أَيْ التَّمْرُ وَالْقَوْصَرَّةُ فَسَّرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ بِقَوْلِهِ غَصَبْت تَمْرًا فِي قَوْصَرَّةٍ وَوَجْهُهُ أَنَّ الْقَوْصَرَّةَ وِعَاءٌ وَظَرْفٌ لَهُ وَغَصْبُ الشَّيْءِ وَهُوَ مَظْرُوفٌ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الظَّرْفِ فَيَلْزَمَانِهِ وَكَذَا الطَّعَامُ فِي السَّفِينَةِ وَالْحِنْطَةُ فِي الْجَوَالِقِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ غَصَبْت مِنْ قَوْصَرَّةٍ لِأَنَّ مِنْ لِلِانْتِزَاعِ فَيَكُونُ إقْرَارًا بِغَصْبِ الْمَنْزُوعِ ( وَدَابَّةٍ ) أَيْ أَقَرَّ بِدَابَّةٍ ( فِي إصْطَبْلٍ لَزِمَتْهُ ) أَيْ الدَّابَّةُ ( فَقَطْ ) أَيْ بِلَا إصْطَبْلٍ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَنْقُولِ لَا يُضْمَنُ بِالْغَصْبِ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ ( كَذَا الطَّعَامُ فِي الْبَيْتِ ) يَعْنِي يَلْزَمُ الطَّعَامُ لَا الْبَيْتُ الْأَصْلُ فِي جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الظَّرْفَ إنْ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ ظَرْفًا حَقِيقَةً يُنْظَرُ فَإِنْ أَمْكَنَ نَقْلُهُ لَزِمَاهُ وَإِلَّا لَزِمَ الْمَظْرُوفُ فَقَطْ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ الْغَصْبَ الْمُوجِبَ لِلضَّمَانِ لَا يَتَحَقَّقُ فِي غَيْرِ الْمَنْقُولِ وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ لَمْ يُصَدَّقْ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِغَصْبٍ تَامٍّ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ فَيُحْمَلُ عَلَى الْكَمَالِ .
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَزِمَاهُ جَمِيعًا لِأَنَّ غَصْبَ غَيْرِ الْمَنْقُولِ مُتَصَوَّرٌ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ جَعْلُهُ ظَرْفًا حَقِيقَةً لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا الْأَوَّلُ كَقَوْلِهِ دِرْهَمٌ فِي دِرْهَمٍ وَلَمْ يَلْزَمْهُ الثَّانِي لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفًا لَهُ .

( قَوْلُهُ فَسَّرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ ) وَكَذَا فَسَّرَهُ فِي الْأَصْلِ وَشَرْحُ تَفْسِيرِهِ مَا قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ إنْ أَضَافَ مَا أَقَرَّ بِهِ إلَى فِعْلٍ بِأَنْ قَالَ غَصَبْت مِنْهُ تَمْرًا فِي قَوْصَرَّةٍ لَزِمَهُ التَّمْرُ وَالْقَوْصَرَّةُ وَإِنْ لَمْ يُضِفْهُ إلَى فِعْلٍ بَلْ ذَكَرَهُ ابْتِدَاءً فَقَالَ لَهُ عَلَيَّ تَمْرٌ فِي قَوْصَرَّةٍ فَعَلَيْهِ التَّمْرُ دُونَ الْقَوْصَرَّةِ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ قَوْلٌ وَالْقَوْلُ بِتَمْيِيزِهِ الْبَعْضَ دُونَ الْبَعْضِ كَمَا لَوْ قَالَ بِعْت لَهُ زَعْفَرَانًا فِي سَلَّةٍ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَلَوْ ادَّعَى أَنَّهُ لَمْ يَنْقُلْ ) أَيْ الْمَظْرُوفَ لَمْ يُصَدَّقْ كَمَا فِي التَّبْيِينِ

( وَ ) أَقَرَّ ( بِخَاتَمٍ لَهُ حَلْقَتُهُ وَفَصُّهُ ) لِأَنَّ الِاسْمَ يَشْمَلُهُمَا .
( وَ ) أَقَرَّ ( بِسَيْفٍ لَهُ نَصْلُهُ وَجَفْنُهُ وَحَمَائِلُهُ ) لِأَنَّ اسْمَ السَّيْفِ يُطْلَقُ عَلَى الْكُلِّ النَّصْلُ حَدِيدُهُ وَالْجَفْنُ غِمْدُهُ وَالْحَمَائِلُ جَمْعُ الْحِمَالَةِ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَهِيَ عِلَاقَتُهُ
( وَ ) أَقَرَّ ( بِحَجَلَةٍ لَهُ عِيدَانُهَا وَكِسْوَتُهَا ) لِإِطْلَاقِ الِاسْمِ عَلَى الْكُلِّ عُرْفًا لِأَنَّهَا بَيْتٌ يُزَيَّنُ بِالثِّيَابِ وَالْأَسِرَّةِ وَالسُّتُورِ .

.
( وَ ) أَقَرَّ ( بِثَوْبٍ فِي ثَوْبٍ أَوْ فِي مِنْدِيلٍ لَزِمَاهُ ) لِأَنَّهُ ظَرْفٌ لَهُ حَقِيقَةٌ وَأَمْكَنَ نَقْلُهُ كَمَا مَرَّ ( وَ ) أَقَرَّ ( بِثَوْبٍ فِي عَشَرَةِ أَثْوَابٍ لَهُ ثَوْبٌ ) عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ عَلَيْهِ أَحَدَ عَشَرَ ثَوْبًا لِأَنَّ النَّفِيسَ مِنْ الثِّيَابِ قَدْ يُلَفُّ فِي عَشَرَةٍ فَأَمْكَنَ جَعْلُهُ ظَرْفًا كَقَوْلِهِ حِنْطَة فِي جَوَالِقَ وَلِأَبِي يُوسُفَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَوَّلًا أَنَّ الْعَشَرَةَ لَا تَكُونُ ظَرْفًا لِوَاحِدٍ عَادَةً وَالْمُمْتَنِعُ عَادَةً كَالْمُمْتَنِعِ حَقِيقَةً .
( وَ ) أَقَرَّ ( بِخَمْسَةٍ فِي خَمْسَةٍ بِنِيَّةِ الضَّرْبِ لَهُ خَمْسَةٌ ) لِأَنَّ أَثَرَ الضَّرْبِ فِي تَكْثِيرِ الْأَجْزَاءِ لَا فِي تَكْثِيرِ الْمَالِ ( وَبِنِيَّةِ مَعَ عَشَرَةٍ ) أَيْ لَوْ قَالَ أَرَدْت خَمْسَةً مَعَ خَمْسَةٍ لَزِمَهُ عَشَرٌ لِأَنَّ اللَّفْظَ يَحْتَمِلُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فَادْخُلِي فِي عِبَادِي } قِيلَ مَعَ عِبَادِي فَإِذَا احْتَمَلَهُ اللَّفْظُ وَلَوْ مَجَازًا وَنَوَاهُ صَحَّ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ فِيهِ تَشْدِيدٌ عَلَى نَفْسِهِ كَمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ

قَوْلُهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَوَّلًا ) كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَهُوَ يُفِيدُ أَنَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ آخِرًا كَقَوْلِ مُحَمَّدٍ فَيَلْزَمُهُ أَحَدَ عَشَرَ ثَوْبًا وَمَا قَالَهُ مُحَمَّدٌ مَنْقُوضٌ بِمَا إذَا قَالَ غَصَبْت كِرْبَاسًا فِي عَشَرَةِ أَثْوَابٍ حَرِيرٍ يَلْزَمُهُ الْكُلُّ عِنْدَهُ مَعَ أَنَّهُ مُمْتَنِعٌ عُرْفًا كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ عَنْ التَّبْيِينِ وَقَالَ قَاضِي زَادَهْ عَنْ النِّهَايَةِ إلَيْهِ أَشَارَ فِي الْمَبْسُوطِ ( قَوْله لِأَنَّ أَثَرَ الضَّرْبِ فِي تَكْثِيرِ الْأَجْزَاءِ ) أَيْ لِإِزَالَةِ الْكَسْرِ لَا فِي تَكْثِيرِ الْمَالِ لِأَنَّ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ وَزْنًا وَإِنْ جُعِلَتْ أَلْفَ جُزْءٍ لَا يُزَادُ فِيهَا قِيرَاطٌ ( قَوْلُهُ وَبِنِيَّةِ مَعَ عَشَرَةٌ ) قَالَ قَاضِي زَادَهْ وَلَوْ أَرَادَ بِفِي مَعْنَى عَلَى لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْكِتَابِ وَالْمَبْسُوطِ .
وَفِي الذَّخِيرَةِ حُكْمُهُ كَحُكْمِ فِي ، فَإِذَا قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ عَشَرَةٌ فِي عَشَرَةٍ ثُمَّ قَالَ عَنَيْت بِهِ عَلَى عَشَرَةٍ أَوْ قَالَ عَنَيْت بِهِ الضَّرْبَ لَزِمَتْهُ عَشَرَةٌ عِنْدَ عُلَمَائِنَا .
ا هـ .

( وَفِي مِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ أَوْ مَا بَيْنَ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ تِسْعَةٌ ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَا يَلْزَمُهُ عَشَرَةٌ وَقَالَ زُفَرُ يَلْزَمُهُ ثَمَانِيَةٌ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ جَعَلَ الدِّرْهَمَ الْأَوَّلَ وَالْآخِرَ حَدًّا وَالْحَدُّ لَا يَدْخُلُ فِي الْمَحْدُودِ وَلَهُمَا أَنَّ الْغَايَةَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مَوْجُودَةً إذْ الْمَعْدُومُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَدًّا لِلْمَوْجُودِ وَوُجُودُهُ بِوُجُوبِهِ فَيَدْخُلُ الْغَايَتَانِ ، وَلَهُ أَنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ فِي الْمُغَيَّا لِأَنَّ الْحَدَّ يُغَايِرُ الْمَحْدُودَ لَكِنْ هُنَا لَا بُدَّ مِنْ إدْخَالِ الْأُولَى لِأَنَّ الدِّرْهَمَ الثَّانِي وَالثَّالِثَ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الْأَوَّلِ فَدَخَلَتْ الْغَايَةُ الْأُولَى ضَرُورَةً وَلَا ضَرُورَةَ فِي الثَّانِيَةِ ( وَفِي مِنْ دَارِي مَا بَيْنَ هَذَا الْحَائِطِ إلَى هَذَا الْحَائِطِ مَا بَيْنَهُمَا ) لِمَا ذُكِرَ أَنَّ الْغَايَةَ لَا تَدْخُلُ فِي الْمُغَيَّا .
( قَوْلُهُ وَمِنْ دِرْهَمٍ إلَى عَشَرَةٍ إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَ مِنْ التَّعْلِيلِ ) قَالَ قَاضِي زَادَهْ وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ فِي الْغَايَةِ الْأُولَى اسْتِحْسَانٌ وَفِي الْغَايَةِ الثَّانِيَةِ قِيَاسٌ وَمَا قَالَا فِي الْغَايَتَيْنِ اسْتِحْسَانٌ وَمَا قَالَهُ زُفَرُ فِيهِمَا قِيَاسٌ كَذَا فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ ( قَوْلُهُ وَمِنْ دَارِي
إلَخْ ) ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ مُعَلَّلًا كَمَا هُنَا وَعَلَّلَهُ فِي الْبُرْهَانِ بِقَوْلِهِ لَزِمَهُ مَا بَيْنَهُمَا فَقَطْ دُونَ الْحَائِطَيْنِ لِقِيَامِهِمَا بِأَنْفُسِهِمَا

( أَقَرَّ بِالْحَمْلِ ) أَيْ حَمْلِ جَارِيَةٍ أَوْ حَمْلِ شَاةٍ لِرَجُلٍ ( صَحَّ ) إقْرَارُهُ وَيَلْزَمُهُ لِأَنَّ لَهُ وَجْهًا صَحِيحًا وَهُوَ أَنَّ رَجُلًا أَوْصَى بِهِ لِرَجُلٍ وَمَاتَ الْمُوصِي فَيُقِرُّ وَارِثُهُ لِلْمُوصَى لَهُ ( مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ بَيَّنَ سَبَبًا صَالِحًا أَوْ لَا ( وَلَهُ ) أَيْ أَقَرَّ لِلْحَمْلِ صَحَّ أَيْضًا لَكِنْ لَا مُطْلَقًا بَلْ ( إنْ بَيَّنَ سَبَبًا صَالِحًا كَإِرْثٍ وَوَصِيَّةٍ ) بِأَنْ قَالَ مَاتَ أَبُوهُ فَوَرِثَهُ أَوْ أَوْصَى بِهِ لَهُ فُلَانٌ فَالْإِقْرَارُ بِهِ صَحِيحٌ لِأَنَّهُ بَيَّنَ سَبَبًا صَالِحًا لَوْ عَايَنَّاهُ حَكَمْنَا بِهِ فَكَذَا إذَا ثَبَتَ بِإِقْرَارِهِ ثُمَّ إنْ وُجِدَ السَّبَبُ الصَّالِحُ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الْمُقَرِّ بِهِ عِنْدَ الْإِقْرَارِ أَوْ مُحْتَمِلًا ؛ وَذَلِكَ بِأَنْ تَضَعَهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُذْ مَاتَ الْمُوَرِّثُ أَوْ الْمُوصِي إذَا كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ أَوْ لِأَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الْفِرَاقِ إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً ( فَإِنْ وَلَدَتْ حَيًّا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ) فِي الصُّورَةِ الْأُولَى ( أَوْ مِنْ سَنَتَيْنِ ) فِي الصُّورَةِ الثَّانِيَةِ ( فَلَهُ مَا أَقَرَّ لِوُجُودِهِ ) فِي الْبَطْنِ حَيْثُ مَاتَ الْمُوَرِّثُ أَوْ الْمُوصِي ( أَوْ مَيِّتًا ) أَيْ إنْ وَلَدَتْهُ مَيِّتًا ( فَلِلْمُوصِي وَالْمُوَرِّثِ ) أَيْ يَرُدُّ الْمَالَ إلَى وَرَثَةِ الْمُوصِي وَالْمُوَرِّثِ لِأَنَّ هَذَا الْإِقْرَارَ فِي الْحَقِيقَةِ لَهُمَا وَإِنَّمَا يَنْتَقِلُ إلَى الْجَنِينِ بَعْدَ وِلَادَتِهِ وَلَمْ يَنْتَقِلْ فَيَكُونُ لِوَرَثَتِهِمَا ( أَوْ ) وَلَدَتْ ( حَيَّيْنِ فَلَهُمَا ) مَا أَقَرَّ نِصْفَيْنِ إنْ كَانَا ذَكَرَيْنِ أَوْ أُنْثَيَيْنِ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا ذَكَرًا وَالْآخَرُ أُنْثَى فَفِي الْوَصِيَّةِ كَذَلِكَ وَفِي الْمِيرَاثِ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ( وَإِنْ بَيَّنَ بِغَيْرِ صَالِحٍ ) لِلسَّبَبِيَّةِ ( كَبَيْعٍ وَإِقْرَاضٍ وَهِبَةٍ ) بِأَنْ قَالَ الْحَمْلُ بَاعَ مِنِّي أَوْ أَقْرَضَنِي أَوْ وَهَبَ لِي ( أَوْ أَبْهَمَ الْإِقْرَارَ ) وَلَمْ يُبَيِّنْ سَبَبًا بِأَنْ قَالَ عَلَيَّ لِحَمْلِ فُلَانَةَ كَذَا ( لَغَا ) أَمَّا الْأَوَّلُ

فَلِأَنَّهُ بَيَّنَ مُسْتَحِيلًا لِعَدَمِ تَصَوُّرِهِمَا مِنْ الْجَنِينِ لَا حَقِيقَةً وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَا حُكْمًا لِأَنَّهُ لَا يُوَلَّى عَلَيْهِ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ مُطْلَقَ الْإِقْرَارِ يَنْصَرِفُ إلَى الْإِقْرَارِ بِسَبَبِ التِّجَارَةِ وَلِهَذَا حُمِلَ إقْرَارُ الْمَأْذُونِ وَأَحَدِ الْمُتَفَاوِضَيْنِ عَلَيْهِ فَيَصِيرُ كَمَا إذَا صَرَّحَ بِهِ
( قَوْلُهُ أَوْ حَمْلَ شَاةٍ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ يُعْلَمُ وُجُودُ حَمْلِ الشَّاةِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْبَهَائِمِ بِأَدْنَى مُدَّةٍ يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ عِنْدَ أَهْلِ الْخِبْرَةِ عَلَى مَا جَرَتْ بِهِ عَادَتُهُمْ ( قَوْلُهُ فَلَا بُدَّ مِنْ وُجُودِ الْمُقَرِّ بِهِ عِنْدَ الْإِقْرَارِ ) صَوَابُهُ الْمُقَرِّ لَهُ بِاللَّامِ ( قَوْلُهُ أَوْ أَبْهَمَ الْإِقْرَارَ وَلَمْ يُبَيِّنْ سَبَبًا بِأَنْ قَالَ لِحَمْلِ فُلَانٍ كَذَا لَغَا ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَجُوزُ الْوَصِيَّةُ لَهُ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ السَّبَبَ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ قَالَ وَحَاصِلُهُ أَنَّ لِلْمَسْأَلَةِ ثَلَاثَ صُوَرٍ : إمَّا أَنْ يُبْهِمَ الْإِقْرَارَ فَهُوَ عَلَى الْخِلَافِ وَإِمَّا أَنْ يُبَيِّنَ سَبَبًا صَالِحًا فَيَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَإِمَّا أَنْ يُبَيِّنَ سَبَبًا غَيْرَ صَالِحٍ فَلَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ ا هـ .
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ قَدْ تَقَدَّمَ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ فِي الْإِقْرَارِ بِالْمَجْهُولِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يُبَيِّنْ السَّبَبَ يَصِحُّ وَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ تَصِحُّ مَعَهُ الْجَهَالَةُ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا ذَكَرَ هُنَا مِنْ عَدَمِ حَمْلِهِ عَلَى السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلصِّحَّةِ عَلَى قَوْلِ الْقَائِلِ بِهِ وَفِي كُلٍّ احْتِمَالُ الْفَسَادِ وَالصِّحَّةِ

( أَشْهَدَ ) أَيْ جَعَلَ رَجُلَيْنِ شَاهِدَيْنِ ( عَلَى أَلْفٍ فِي مَجْلِسٍ وَ ) أَشْهَدَ رَجُلَيْنِ ( آخَرَيْنِ فِي ) مَجْلِسٍ ( آخَرَ لَزِمَ أَلْفَانِ ) يَعْنِي لَوْ أَدَارَ صَكًّا عَلَى الشُّهُودِ فَأَقَرَّ عِنْدَهُمْ مَرَّتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ بِأَلْفٍ فِي ذَلِكَ الصَّكِّ فَالْوَاجِبُ أَلْفٌ وَاحِدٌ اتِّفَاقًا لِأَنَّ الثَّانِي هُوَ الْأَوَّلُ لِكَوْنِهِ مُعَرَّفًا بِالْمَالِ الثَّابِتِ فِي الصَّكِّ وَإِنْ لَمْ يُقَيِّدْ بِالصَّكِّ بَلْ أَقَرَّ بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ بِأَلْفٍ ثُمَّ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ بِحَضْرَةِ شَاهِدَيْنِ آخَرَيْنِ بِأَلْفٍ بِلَا بَيَانِ السَّبَبِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَلْزَمُهُ أَلْفَانِ بِشَرْطِ مُغَايَرَةِ الشَّاهِدَيْنِ الْآخَرَيْنِ لِلْأَوَّلَيْنِ فِي رِوَايَةٍ وَبِشَرْطِ عَدَمِ مُغَايَرَتِهِمَا لَهُمَا فِي أُخْرَى وَهَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الثَّانِيَ غَيْرُ الْأَوَّلِ كَمَا إذَا كَتَبَ لِكُلِّ أَلْفٍ صَكًّا وَأَشْهَدَ عَلَى كُلِّ صَكٍّ شَاهِدَيْنِ وَعِنْدَهُمَا لَمْ يَلْزَمْهُ إلَّا أَلْفٌ وَاحِدٌ لِدَلَالَةِ الْعُرْفِ عَلَى أَنَّ تَكْرَارَ الْإِقْرَارِ لِتَأْكِيدِ الْحَقِّ بِالزِّيَادَةِ فِي الشُّهُودِ ، وَإِنْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ فَاللَّازِمُ أَلْفٌ وَاحِدٌ اتِّفَاقًا عَلَى تَخْرِيجِ الْكَرْخِيِّ لِأَنَّ لِلْمَجْلِسِ تَأْثِيرًا فِي جَمِيعِ الْكَلِمَاتِ الْمُتَفَرِّقَةِ وَجَعَلَهَا فِي حُكْمِ كَلَامٍ وَاحِدٍ
( قَوْلُهُ وَإِنْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ فَاللَّازِمُ أَلْفٌ وَاحِدٌ اتِّفَاقًا ) هَذَا إذَا كَانَ بِهِ صَكٌّ فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ بِهِ صَكٌّ وَأَقَرَّ بِمِائَةٍ وَأَشْهَدَ شَاهِدَيْنِ ثُمَّ أَقَرَّ بِمِائَةٍ وَأَشْهَدَ شَاهِدَيْنِ لَا رِوَايَةَ فِيهِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مَالَانِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مَالٌ وَاحِدٌ عِنْدَهُمْ جَمِيعًا وَوَجْهُ كُلٍّ فِي الْمُحِيطِ

( الْأَمْرُ بِكِتَابَةِ الْإِقْرَارِ إقْرَارٌ ) يَعْنِي لَوْ قَالَ لِلصَّكَّاكِ اُكْتُبْ لِفُلَانٍ خَطَّ إقْرَارِي بِأَلْفٍ عَلَيَّ يَكُونُ إقْرَارًا وَيَحِلُّ لِلصَّكَّاكِ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ بِالْمَالِ وَكَذَا لَوْ قَالَ اُكْتُبْ بَيْعَ هَذِهِ الدَّارِ يَكُونُ إقْرَارًا بِالْبَيْعِ كَتَبَ أَوْ لَمْ يَكْتُبْ وَلَوْ قَالَ لِلصَّكَّاكِ اُكْتُبْ طَلَاقَ امْرَأَتِي تَطْلُقُ كَتَبَ أَوْ لَمْ يَكْتُبْ كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ وَإِنَّمَا قَالَ ( حُكْمًا ) لِأَنَّ الْأَمْرَ إنْشَاءٌ وَالْإِقْرَارَ إخْبَارٌ فَلَا يَكُونَانِ مُتَّحِدَيْنِ حَقِيقَةً بَلْ الْمُرَادُ أَنَّ الْأَمْرَ بِكِتَابَةِ الْإِقْرَارِ إذَا حَصَلَ حَصَلَ الْإِقْرَارُ .

( أَحَدُ الْوَرَثَةِ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ قِيلَ يَلْزَمُهُ كُلُّهُ وَقِيلَ حِصَّتُهُ ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى رَجُلٌ دَيْنًا عَلَى مَيِّتٍ وَأَقَرَّ بَعْضُ الْوَرَثَةِ بِهِ فَفِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا يُؤْخَذُ مِنْ حِصَّةِ الْمُقِرِّ جَمِيعُ الدَّيْنِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ هُوَ الْقِيَاسُ لَكِنَّ الِاخْتِيَارَ عِنْدِي أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ مَا يَخُصُّهُ مِنْ الدَّيْنِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ وَالْبَصْرِيِّ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ تَابَعَهُمْ وَهَذَا الْقَوْلُ أَبْعَدُ مِنْ الضَّرَرِ وَذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ أَيْضًا قَالَ مَشَايِخُنَا هُنَا زِيَادَةُ شَيْءٍ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْكُتُبِ وَهُوَ أَنْ يَقْضِي الْقَاضِي عَلَيْهِ بِإِقْرَارِهِ إذْ بِمُجَرَّدِ الْإِقْرَارِ لَا يَحِلُّ الدَّيْنُ فِي نَصِيبِهِ بَلْ يَحِلُّ بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَيَظْهَرُ ذَلِكَ بِمَسْأَلَةٍ ذَكَرَهَا فِي الزِّيَادَاتِ وَهِيَ أَنَّ أَحَدَ الْوَرَثَةِ إذَا أَقَرَّ بِالدَّيْنِ ثُمَّ شَهِدَ هُوَ وَرَجُلٌ أَنَّ الدَّيْنَ كَانَ عَلَى الْمَيِّتِ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ وَتُسْمَعُ شَهَادَةُ هَذَا الْمُقِرِّ ، فَلَوْ كَانَ الدَّيْنُ يَحِلُّ فِي نَصِيبِهِ بِمُجَرَّدِ إقْرَارِهِ لَزِمَ أَنْ لَا يَقْبَلَ شَهَادَتَهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَغْرَمِ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَيَنْبَغِي أَنْ تُحْفَظَ هَذِهِ الزِّيَادَةُ فَإِنَّ فِيهَا فَائِدَةً عَظِيمَةً كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ .

( قَوْلُهُ أَحَدُ الْوَرَثَةِ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ ) أَيْ وَحْدَهُ دُونَ بَاقِي الْوَرَثَةِ ( قَوْلُهُ قِيلَ يَلْزَمُهُ كُلُّهُ ) يَعْنِي إنْ وَفَّى مَا وَرِثَهُ بِهِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَإِذَا صَدَّقُوا جَمِيعًا لَكِنْ عَلَى التَّفَاوُتِ كَرَجُلٍ مَاتَ عَنْ ثَلَاثِ بَنِينَ وَثَلَاثِ آلَافٍ فَاقْتَسَمُوا وَأَخَذَ كُلٌّ أَلْفًا فَادَّعَى رَجُلٌ عَلَى أَبِيهِمْ ثَلَاثَ آلَافِ فَصَدَّقَهُ الْأَكْبَرُ فِي الْكُلِّ وَالْأَوْسَطُ فِي الْأَلْفَيْنِ وَالْأَصْغَرُ فِي الْأَلْفِ أُخِذَ مِنْ الْأَكْبَرِ أَلْفٌ وَمِنْ الْأَوْسَطِ خَمْسَةُ أَسْدَاسِ الْأَلْفِ وَمِنْ الْأَصْغَرِ ثُلُثُ الْأَلْفِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْغَرِ وَالْأَكْبَرِ كَذَلِكَ وَفِي الْأَوْسَطِ يَأْخُذُ الْأَلْفَ وَوَجْهُ كُلٍّ فِي الْكَافِي .
( تَنْبِيهٌ ) : لَوْ قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عِنْدَ الْقَاضِي كُلَّ يَوْمٍ مَا يُوجَدُ فِي تَذْكِرَةِ الْمُدَّعِي بِخَطِّهِ فَقَدْ الْتَزَمْتُهُ لَيْسَ بِإِقْرَارٍ لِأَنَّهُ قَيَّدَهُ بِشَرْطٍ لَا يُلَائِمُهُ فَإِنَّهُ ثَبَتَ عَنْ أَصْحَابِنَا رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ مَنْ قَالَ كُلُّ مَا أَقَرَّ عَلَى فُلَانٌ فَأَنَا مُقِرٌّ لَهُ بِهِ لَا يَكُونُ إقْرَارًا لِأَنَّهُ يُشْبِهُ وَعْدًا كَذَا فِي الْمُحِيطِ

( بَابُ الِاسْتِثْنَاءِ وَمَا بِمَعْنَاهُ ) فِي كَوْنِهِ مُغَيِّرًا كَالشَّرْطِ وَنَحْوِهِ ( اسْتَثْنَى بَعْضَ مَا أَقَرَّ بِهِ مُتَّصِلًا ) بِإِقْرَارِهِ ( لَزِمَهُ بَاقِيهِ ) يَعْنِي إذَا قَالَ لَهُ عَلَيَّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ إلَّا وَاحِدًا لَزِمَهُ تِسْعَةٌ لِمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا أَيْ الِاسْتِثْنَاءِ فَكَأَنَّهُ قَالَ ابْتِدَاءً لَهُ عَلَيَّ تِسْعَةٌ وَشُرِطَ الِاتِّصَالُ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ لِكَوْنِهِ مُغَيِّرًا وَنُقِلَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا جَوَازُ التَّأْخِيرِ ( وَلَوْ كُلَّهُ ) أَيْ لَوْ اسْتَثْنَى كُلَّهُ ( فَكُلُّهُ ) أَيْ لَزِمَهُ كُلُّهُ ( لَوْ ) كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ ( بِعَيْنِ لَفْظِهِ نَحْوَ غِلْمَانِي كَذَا إلَّا غِلْمَانِي ) لِأَنَّك قَدْ عَرَفْت أَنَّهُ تَكَلَّمَ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا وَلَا بَاقِي بَعْدَ الْكُلِّ فَيَكُونُ رُجُوعًا وَالرُّجُوعُ بَعْدَ الْإِقْرَارِ بَاطِلٌ مَوْصُولًا كَانَ أَوْ مَفْصُولًا فَإِذَا اسْتَثْنَى الْكُلَّ لَزِمَهُ الْكُلُّ وَبَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ ( بِخِلَافِ ) مَا إذَا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ بِغَيْرِ ذَلِكَ اللَّفْظِ نَحْوَ غِلْمَانِي كَذَا ( إلَّا فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا وَلَا غُلَامَ لَهُ غَيْرُهُمْ ) فَإِنَّهُ إذَا كَانَ بِغَيْرِ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ أَمْكَنَ جَعْلُهُ تَكَلُّمًا بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا لِأَنَّهُ إنَّمَا صَارَ كَلَامًا ضَرُورَةَ عَدَمِ مِلْكِهِ فِيمَا سِوَاهُ لَا لِأَمْرٍ يَرْجِعُ إلَى اللَّفْظِ فَبِالنَّظَرِ إلَى ذَاتِ اللَّفْظِ أَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ الْمُسْتَثْنَى بَعْضَ مَا يَتَنَاوَلُهُ الصَّدْرُ وَالِامْتِنَاعُ مِنْ خَارِجٍ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِعَيْنِ ذَلِكَ اللَّفْظِ حَيْثُ لَا يُمْكِنُ جَعْلُهُ تَكَلُّمًا بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا ( كَذَا ) إذَا قَالَ غِلْمَانِي كَذَا ( إلَّا هَؤُلَاءِ ) فَإِنَّهُ يَصِحُّ أَيْضًا لِوُجُودِ التَّغَايُرِ اللَّفْظِيِّ ( اسْتَثْنَى وَزْنِيًّا أَوْ كَيْلِيًّا مِنْ دَرَاهِمَ صَحَّ قِيمَةً ) يَعْنِي لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا دِينَارًا أَوْ إلَّا قَفِيزًا حِنْطَةً صَحَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ

وَلَزِمَهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا قِيمَةَ الدِّينَارِ أَوْ الْقَفِيزِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَزُفَرَ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ إخْرَاجُ بَعْضِ مَا يَتَنَاوَلُهُ صَدْرُ الْكَلَامِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَوْلَا الِاسْتِثْنَاءُ لَكَانَ دَاخِلًا تَحْتَ الصَّدْرِ وَهَذَا لَا يُتَصَوَّرُ فِي خِلَافِ الْجِنْسِ لَكِنَّهُمَا صَحَّحَاهُ اسْتِحْسَانًا بِأَنَّ الْمُقَدَّرَاتِ جِنْسٌ وَاحِدٌ مَعْنًى وَإِنْ كَانَتْ أَجْنَاسًا صُورَةً لِأَنَّهَا تَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ ثَمَنًا أَمَّا الدِّينَارُ فَظَاهِرٌ وَكَذَا غَيْرُهُ لِأَنَّ الْكَيْلِيَّ وَالْوَزْنِيَّ مَبِيعٌ بِأَعْيَانِهِمَا ثَمَنٌ بِأَوْصَافِهِمَا حَتَّى لَوْ عُيِّنَا تَعَلَّقَ الْعَقْدُ بِأَعْيَانِهِمَا وَلَوْ وُصِفَا وَلَمْ يُعَيَّنَا صَارَ حُكْمُهُمَا كَحُكْمِ الدَّنَانِيرِ وَلِهَذَا يَسْتَوِي الْجَيِّدُ وَالرَّدِيءُ فِيهِمَا وَكَانَتْ فِي حُكْمِ الثُّبُوتِ فِي الذِّمَّةِ كَجِنْسٍ وَاحِدٍ مَعْنًى فَالِاسْتِثْنَاءُ تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي مَعْنًى لَا صُورَةً ( وَلَوْ ) اسْتَثْنَى ( غَيْرَهُمَا ) أَيْ غَيْرَ وَزْنِيٍّ وَكَيْلِيٍّ ( مِنْهَا ) أَيْ مِنْ الدَّرَاهِمِ ( لَا ) أَيْ لَا يَصِحُّ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لَهُ أَنَّهُمَا اتَّحَدَا جِنْسًا مِنْ حَيْثُ الْمَالِيَّةُ وَلَنَا أَنَّ ذَلِكَ الْقَدْرَ لَا يُفِيدُ الِاتِّحَادَ الْجِنْسِيَّ بَلْ لَا بُدَّ مِنْ وَصْفِ الثَّمَنِيَّةِ وَلَوْ مَعْنًى كَمَا عَرَفْت

( بَابُ الِاسْتِثْنَاءِ وَمَا بِمَعْنَاهُ ) ( قَوْلُهُ اسْتَثْنَى بَعْضَ مَا أَقَرَّ بِهِ مُتَّصِلًا بِإِقْرَارِهِ لَزِمَهُ بَاقِيهِ ) شَامِلٌ لِاسْتِثْنَاءِ الْأَكْثَرِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ نَحْوِ تِسْعَةٍ مِنْ عَشَرَةٍ فَتَلْزَمُهُ الْعَشَرَةُ وَالصَّحِيحُ جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا ذَكَرَهُ قَاضِي زَادَهْ عَنْ الْبَدَائِعِ قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ بِغَيْرِ ذَلِكَ اللَّفْظِ ) مِنْهُ قَوْلُهُ ثُلُثُ مَالِي لِبَكْرٍ إلَّا أَلْفًا وَالثُّلُثُ أَلْفٌ لِأَنَّ تَوَهُّمَ بَقَاءِ شَيْءٍ يَكْفِي لِصِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ وَلَا يُشْتَرَطُ حَقِيقَةُ الْبَقَاءِ ( قَوْلُهُ اسْتَثْنَى وَزْنِيًّا أَوْ كَيْلِيًّا مِنْ دَرَاهِمَ صَحَّ ) هَلْ يَشْمَلُ الْمُسْتَغْرِقَ قِيمَةً قَالَ الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْمَقْدِسِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَوْ اسْتَثْنَى دَنَانِيرَ مِنْ دَرَاهِمَ أَوْ مَكِيلًا أَوْ مَوْزُونًا عَلَى وَجْهٍ يَسْتَوْعِبُ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ كَقَوْلِهِ لَهُ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ إلَّا دِينَارًا وَقِيمَتُهُ أَكْثَرُ أَوْ إلَّا كُرَّ بُرٍّ كَذَلِكَ إنْ مَشَيْنَا عَلَى أَنَّ اسْتِثْنَاءَ الْكُلِّ بِغَيْرِ لَفْظِهِ صَحِيحٌ يَنْبَغِي أَنْ يَبْطُلَ الْإِقْرَارُ لَكِنْ ذَكَرَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ مَا يَدُلُّ عَلَى خِلَافِهِ قَالَ عَلَيَّ دِينَارٌ إلَّا مِائَةَ دِرْهَمٍ بَطَلَ الِاسْتِثْنَاءُ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ الصَّدْرِ مَا فِي هَذَا الْكِيسِ مِنْ الدَّرَاهِمِ لِفُلَانٍ إلَّا أَلْفًا يُنْظَرُ إنْ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ أَلْفٍ فَالزِّيَادَةُ لِلْمُقَرِّ لَهُ وَالْأَلْفُ لِلْمُقِرِّ وَإِنْ أَلْفٌ أَوْ أَقَلُّ فَكُلُّهَا لِلْمُقَرِّ لَهُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ قُلْت وَوَجْهُهُ ظَاهِرٌ بِالتَّأَمُّلِ .
وَفِي الْيَنَابِيعِ عَلَيَّ مِائَةُ دِرْهَمٍ إلَّا عَشَرَةَ دَنَانِيرَ وَقِيمَتُهَا مِائَةٌ أَوْ أَكْثَرُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَوَجَّهَهُ بِمَا ذَكَرْنَا أَوَّلًا وَمِثْلُهُ فِي الْجَوْهَرَةِ ا هـ .
وَنَقَلَهُ قَاضِي زَادَهْ عَنْ الذَّخِيرَةِ ( قَوْلُهُ وَلَوْ اسْتَثْنَى غَيْرَهُمَا ) أَيْ غَيْرَ كَيْلِيٍّ وَوَزْنِيٍّ مِنْهُمَا أَيْ مِنْ الدَّرَاهِمِ لَا أَيْ لَا

يَصِحُّ يَعْنِي لَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ فَيُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ وَلَا يَمْتَنِعُ بِهِ صِحَّةُ الْإِقْرَارِ لِمَا تَقَرَّرَ أَنَّ جَهَالَةَ الْمُقَرِّ بِهِ لَا تَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ وَلَكِنَّ جَهَالَةَ الْمُسْتَثْنَى تَمْنَعُ صِحَّةَ الِاسْتِثْنَاءِ ذَكَرَهُ قَاضِي زَادَهْ

( إذَا وَصَلَ بِإِقْرَارِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَبْطَلَهُ ) أَيْ أَبْطَلَ وَصْلُهُ الْإِقْرَارَ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ إبْطَالٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَيَبْطُلُ قَبْلَ انْعِقَادِهِ لِلْحُكْمِ ، وَتَعْلِيقٌ بِشَرْطٍ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ فَكَانَ إعْدَامًا مِنْ الْأَصْلِ .
( قَوْلُهُ إذَا وَصَلَ بِإِقْرَارِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَبْطَلَهُ ) كَذَا إنْ شَاءَ فُلَانٌ فَشَاءَ فَهُوَ بَاطِلٌ كَمَا فِي الْمُحِيطِ وَيُنْظَرُ مَعَ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ بِمَشِيئَةِ الْعَبْدِ فَشَاءَهُ فِي مَجْلِسِهِ صَحَّ وَوَقَعَ الطَّلَاقُ

( أَقَرَّ بِشَرْطِ الْخِيَارِ ) بِأَنْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ عَلَى أَنِّي بِالْخِيَارِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ( لَزِمَهُ الْمَالُ ) لِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ لِوُجُودِ الصِّيغَةِ الْمُلْزِمَةِ ( وَبَطَلَ شَرْطُهُ ) لِأَنَّ الْإِقْرَارَ إخْبَارٌ وَلَا مَدْخَلَ لِلْخِيَارِ فِي الْإِخْبَارِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ صِدْقًا فَهُوَ وَاجِبُ الْعَمَلِ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُخْبِرْ وَإِنْ كَانَ كَذِبًا فَهُوَ وَاجِبُ الرَّدِّ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِاخْتِيَارِهِ وَعَدَمِ اخْتِيَارِهِ وَإِنَّمَا تَأْثِيرُ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ فِي الْعُقُودِ لِيَتَخَيَّرَ مَنْ لَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ فَسْخِهِ وَإِمْضَائِهِ .

( قَوْلُهُ أَقَرَّ بِشَرْطِ الْخِيَارِ لَزِمَهُ ) هَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ فِي إقْرَارِهِ تَعْلِيقُ الشَّرْطِ لِمَا فِي الْمُحِيطِ لَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي أَوْ أَرَى غَيْرَ ذَلِكَ لَا تَلْزَمُهُ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ تَعْلِيقُ الشَّرْطِ لِأَنَّ مَعْنَاهُ إنْ لَمْ أَرَ غَيْرَ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَبْدُ لِي غَيْرُ ذَلِكَ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طَالِقٌ إلَّا أَنْ يَبْدُوَ لِي أَوْ إلَّا أَنْ أَرَى غَيْرَ ذَلِكَ كَانَ تَعْلِيقًا بِالشَّرْطِ فَكَذَا هَذَا وَلَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ فِيمَا أَعْلَمُ فَهُوَ بَاطِلٌ ا هـ .
( قَوْلُهُ لِأَنَّ التَّعْلِيقَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى إبْطَالٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ
إلَخْ ) وَقِيلَ الْخِلَافُ عَلَى الْعَكْسِ لِمَا قَالَ قَاضِي زَادَهْ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي تَعْلِيلِ مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ إمَّا إبْطَالٌ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَبِي يُوسُفَ أَوْ تَعْلِيقٌ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ مُحَمَّدٍ كَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ فِي طَلَاقِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَاخْتَارَهُ بَعْضُ شُرَّاحِ هَذَا الْكِتَابِ يَعْنِي الْهِدَايَةِ وَقِيلَ الِاخْتِلَافُ عَلَى الْعَكْسِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي طَلَاقِ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَالتَّتِمَّةِ وَاخْتَارَهُ بَعْضٌ آخَرُ مِنْ شُرَّاحِ هَذَا الْكِتَابِ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِيمَا إذَا قَدَّمَ الْمَشِيئَةَ فَقَالَ إنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْتِ طَالِقٌ عِنْدَ مَنْ قَالَ إنَّهُ إبْطَالٌ لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَعِنْدَ مَنْ قَالَ إنَّهُ تَعْلِيقٌ يَقَعُ لِأَنَّهُ إذَا قَدَّمَ الشَّرْطَ وَلَمْ يَذْكُرْ حَرْفَ الْجَزَاءِ لَمْ يَتَعَلَّقْ وَبَقِيَ الطَّلَاقُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ فَيَقَعُ وَكَيْفَمَا كَانَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِقْرَارُ كَمَا بَيَّنَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْإِبْطَالُ فَقَدْ بَطَلَ وَإِنْ كَانَ الثَّانِي وَهُوَ التَّعْلِيقُ فَكَذَلِكَ إمَّا لِأَنَّ الْإِقْرَارَ لَا يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ أَوْ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ .
ا هـ .

( أَقَرَّ بِدَارِ وَاسْتَثْنَى بِنَاءَهَا ) بِأَنْ قَالَ هَذِهِ الدَّارُ لِفُلَانٍ إلَّا بِنَاءَهَا ( كَانَا ) أَيْ الْأَرْضُ وَالْبِنَاءُ ( لِلْمُقَرِّ لَهُ ) وَلَمْ يَصِحَّ اسْتِثْنَاؤُهُ لِأَنَّ اسْمَ الدَّارِ لَا يَتَنَاوَلُ الْبِنَاءَ مَقْصُودًا إذْ الدَّارُ اسْمٌ لِمَا أُدِيرَ عَلَيْهِ الْحَائِطُ مِنْ الْبُقْعَةِ وَالْبِنَاءُ يَدْخُلُ تَبَعًا لَا لَفْظًا وَلِهَذَا لَوْ اُسْتُحِقَّ الْبِنَاءُ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَسْقُطُ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ بِمُقَابَلَتِهِ بَلْ يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي وَالِاسْتِثْنَاءُ إنَّمَا يَكُونُ مِمَّا يَتَنَاوَلُهُ الْكَلَامُ نَصًّا لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ لَفْظِيٌّ أَقُولُ يَرُدُّ عَلَى ظَاهِرِهِ أَنَّ كَوْنَ الْبِنَاءِ جُزْءًا مِنْ الدَّارِ مِمَّا لَا يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ وَلِهَذَا يَضْمَنُ بِإِتْلَافِهِ فَيَكُونُ كَوَاحِدٍ مِنْ عَشَرَةٍ فَمَا وَجْهُ عَدَمِ صِحَّةِ اسْتِثْنَائِهِ وَتَحْقِيقُ مَعْرِفَةِ وَجْهِهِ مَوْقُوفٌ عَلَى مُقَدِّمَةٍ تَقَرَّرَتْ فِي عِلْمَيْ الْكَلَامِ وَالْأُصُولِ وَهِيَ أَنَّ الرُّكْنَ قِسْمَانِ أَحَدُهُمَا أَصْلِيٌّ وَهُوَ الَّذِي فِي مَدْلُولِ الِاسْمِ بِحَيْثُ إذَا انْتَفَى لَمْ يَصِحَّ إطْلَاقُ الِاسْمِ عَلَى الْبَاقِي كَوَاحِدٍ مِنْ الْعَشَرَةِ وَرَأْسٍ مِنْ الْحَيَوَانِ وَثَانِيهِمَا زَائِدٌ وَهُوَ الَّذِي دَخَلَ فِي مَدْلُولِ الِاسْمِ لَكِنْ إذَا انْتَفَى لَا يَنْتَفِي إطْلَاقُ الِاسْمِ عَلَى الْبَاقِي كَيَدِ زَيْدٍ وَرِجْلِهِ حَتَّى إذَا قَالَ هَذَا الْعَبْدُ لِزَيْدٍ إلَّا يَدَهُ أَوْ رِجْلَهُ لَمْ يَجُزْ وَبِهَذَا التَّحْقِيقِ يَظْهَرُ دَفْعُ مَا يَرِدُ عَلَى ظَاهِرِ قَوْلِهِمْ الْإِقْرَارُ فِي الْإِيمَانِ رُكْنٌ زَائِدٌ بِأَنَّ الرُّكْنِيَّةَ تَقْتَضِي الدُّخُولَ وَالزِّيَادَةَ تَقْتَضِي الْخُرُوجَ فَكَيْفَ يَجْتَمِعَانِ وَوَجْهُ الدَّفْعِ أَنَّ الدُّخُولَ بِالنَّظَرِ إلَى تَنَاوُلِ اللَّفْظِ ظَاهِرًا وَالْخُرُوجَ بِالنَّظَرِ إلَى التَّبَعِيَّةِ حَقِيقَةً فَلَا مُنَافَاةَ ( وَفَصُّ الْخَاتَمِ وَنَخْلَةُ الْبُسْتَانِ وَطَوْقُ الْجَارِيَةِ كَبِنَائِهَا ) أَيْ كَبِنَاءِ الدَّارِ فِي كَوْنِهَا فِي مُتَنَاوَلِ اللَّفْظِ تَبَعًا لَا لَفْظًا حَتَّى لَمْ يَصِحَّ اسْتِثْنَاؤُهَا أَيْضًا بِخِلَافِ مَا

إذَا قَالَ إلَّا ثُلُثَهَا أَوْ بَيْتًا مِنْهَا لِأَنَّهُ دَخَلَ فِيهِ لَفْظًا فَصَحَّ الِاسْتِثْنَاءُ ( كَذَا إذَا قَالَ بِنَاؤُهَا لِي وَأَرْضُهَا لِفُلَانٍ ) يَعْنِي إذَا قَالَ هَكَذَا كَانَتْ الْأَرْضُ وَالْبِنَاءُ لِفُلَانٍ إذْ الْإِقْرَارُ بِالْأَرْضِ إقْرَارٌ بِالْبِنَاءِ تَبَعًا كَالْإِقْرَارِ بِالدَّارِ ( وَلَوْ قَالَ وَعَرْصَتُهَا لِفُلَانٍ ) بَعْدَ أَنْ قَالَ بِنَاؤُهَا لِي ( كَانَ كَمَا قَالَ ) لِأَنَّ الْعَرْصَةَ عِبَارَةٌ عَنْ الْبُقْعَةِ الْخَالِيَةِ عَنْ الْبِنَاءِ وَالشَّجَرِ فَكَأَنَّهُ قَالَ بَيَاضُ هَذِهِ الْأَرْضِ دُونَ الْبِنَاءِ لِفُلَانٍ
قَوْلُهُ وَفَصُّ الْخَاتَمِ وَنَخْلَةُ الْبُسْتَانِ
إلَخْ ) فِي جَعْلِ فَصِّ الْخَاتَمِ مُتَنَاوِلًا لِلَفْظِ الْخَاتَمِ تَبَعًا مُنَافَاةً لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ أَنَّ اسْمَ الْخَاتَمِ يَشْمَلُهُمَا قَالَهُ يَعْقُوبُ بَاشَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : إنَّ مُرَادَهُ بِشُمُولِ اسْمِ الْخَاتَمِ الْكُلَّ فِي قَوْلِهِ السَّابِقِ ، أَعَمُّ مِنْ الشُّمُولِ الْقَصْدِيِّ وَالتَّبَعِيِّ وَمُرَادَهُ بِنَفْيِ دُخُولِ الْخَاتَمِ فِي قَوْلِهِ اللَّاحِقِ نَفْيُ الدُّخُولِ الْقَصْدِيِّ فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا قَالَهُ قَاضِي زَادَهْ

( وَصَحَّ ) أَيْ الْإِقْرَارُ ( بِأَلْفٍ مِنْ ثَمَنِ قِنٍّ عَيَّنَهُ وَأَنْكَرَ قَبْضَهُ ) يَعْنِي قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ قِنٍّ اشْتَرَيْتُهُ مِنْهُ وَلَمْ أَقْبِضْهُ فَإِنْ ذَكَرَ قِنًّا بِعَيْنِهِ قِيلَ لِلْمُقَرِّ لَهُ إنْ شِئْت فَسَلِّمْ الْقِنَّ وَخُذْ الْأَلْفَ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ لَك ( فَلَوْ سَلَّمَهُ لَزِمَ الْأَلْفُ وَإِلَّا فَلَا ) هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ أَحَدُهَا هَذَا وَهُوَ أَنْ يُصَدِّقَهُ وَيُسَلِّمَ الْقِنَّ وَجَوَابُهُ مَا ذَكَرْنَا لِأَنَّ مَا ثَبَتَ بِتَصَادُقِهِمَا كَالثَّابِتِ عِيَانًا وَالثَّانِي أَنْ يَقُولَ الْمُقَرُّ لَهُ الْقِنُّ قِنُّك مَا بِعْتُهُ وَإِنَّمَا بِعْتُك قِنًّا غَيْرَهُ وَفِيهِ الْمَالُ لَازِمٌ عَلَى الْمُقِرِّ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِوُجُوبِ الْمَالِ عَلَيْهِ عِنْدَ سَلَامَةِ الْقِنِّ لَهُ وَقَدْ سَلِمَ حِينَ أَقَرَّ ذُو الْيَدِ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ فَيَلْزَمُهُ الْمَالُ وَالْأَسْبَابُ مَطْلُوبَةٌ لِأَحْكَامِهَا لَا لِأَعْيَانِهَا فَلَا يُعْتَبَرُ التَّكَاذُبُ فِي السَّبَبِ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى وُجُوبِ أَصْلِ الْمَالِ وَالثَّالِثُ أَنْ يَقُولَ الْقِنُّ قِنِّي مَا بِعْتُك وَحُكْمُهُ أَنْ لَا يَلْزَمَ الْمُقِرَّ شَيْءٌ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّ لَهُ بِمَالٍ إذَا سَلَّمَ لَهُ الْقِنَّ وَلَمْ يُسَلِّمْ لَهُ وَالرَّابِعُ أَنْ يَقُولَ : الْقِنُّ قِنِّي مَا بِعْتُهُ وَإِنَّمَا بِعْتُك غَيْرَهُ وَحُكْمُهُ أَنْ يَتَحَالَفَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُدَّعٍ وَمُنْكِرٌ لِأَنَّ الْمُقِرَّ يَدَّعِي تَسْلِيمَ قِنِّ عَيَّنَهُ وَالْآخَرَ يُنْكِرُ وَالْمُقَرُّ لَهُ يَدَّعِي عَلَى الْمُقِرِّ أَلْفًا بِبَيْعِ غَيْرِهِ وَهُوَ يُنْكِرُ وَإِذَا تَحَالَفَا انْتَفَى دَعْوَى كُلٍّ مِنْهُمَا عَنْ صَاحِبِهِ فَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَالْعَبْدُ سَالِمٌ لِمَنْ فِي يَدِهِ هَذَا إذَا عَيَّنَ الْقِنَّ ( وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ لَزِمَ ) أَيْ الْأَلْفُ ( وَلَغَا إنْكَارُهُ ) أَيْ لَا يُصَدَّقُ فِي قَوْلِهِ مَا قَبَضْتُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ( وَصَلَ أَوْ فَصَلَ ) لِأَنَّهُ رُجُوعٌ عَمَّا أَقَرَّ بِهِ وَالرُّجُوعُ عَنْ الْإِقْرَارِ بَاطِلٌ ( كَقَوْلِهِ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ ) يَعْنِي لَوْ قَالَ

لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ لَزِمَهُ الْأَلْفُ وَصَلَ أَوْ فَصَلَ لِكَوْنِهِ رُجُوعًا بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَقَالَا إنْ وَصَلَ صُدِّقَ وَإِنْ فَصَلَ لَمْ يُصَدَّقْ لِأَنَّهُ بَيَانُ تَغْيِيرٍ فَصَحَّ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا كَالِاسْتِثْنَاءِ وَالشَّرْطِ
( قَوْلُهُ وَصَحَّ أَيْ الْإِقْرَارُ بِأَلْفٍ مِنْ ثَمَنِ قِنٍّ عَيَّنَهُ وَأَنْكَرَ قَبْضَهُ ) يُوهِمُ لُزُومَ الْأَلْفِ لِحُكْمِهِ بِصِحَّةِ الْإِقْرَارِ مَعَ عَدَمِ الْقَبْضِ وَلَا يَلْزَمُهُ إلَّا إذَا سَلَّمَ الْقِنَّ إلَيْهِ لِقَوْلِهِ بَعْدُ فَلَوْ سَلَّمَهُ لَزِمَ الْأَلْفُ وَإِلَّا فَلَا فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ مَكَانَ قَوْلِهِ صَحَّ أَقَرَّ بِأَلْفٍ مِنْ ثَمَنِ قِنٍّ عَيَّنَهُ وَأَنْكَرَ قَبْضَهُ فَلَوْ سَلَّمَهُ لَزِمَ الْأَلْفُ وَإِلَّا فَلَا ا هـ .
( قَوْلُهُ وَإِنَّمَا بِعْتُك قِنًّا غَيْرَهُ وَفِيهِ الْمَالُ لَازِمٌ ) أَطْلَقَهُ عَنْ ذِكْرِ التَّسْلِيمِ وَقَدْ نَصَّ الزَّيْلَعِيُّ بِقَوْلِهِ وَإِنَّمَا بِعْتُك عَبْدًا آخَرَ وَسَلَّمْتُهُ وَكَذَا ذَكَرَ التَّسْلِيمَ قَاضِي زَادَهْ وَالْأَكْمَلُ فِي الْعِنَايَةِ ا هـ .
وَبَقِيَ مِنْ مَفْهُومِ عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ مَتْنًا مَا لَوْ صَدَّقَهُ فِي ادِّعَاءِ الْمُعَيَّنِ وَلَمْ يَدْفَعْهُ إلَيْهِ فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ إلَّا بِتَسْلِيمِهِ قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْهُ لَزِمَ أَيْ الْأَلْفُ وَلَغَا إنْكَارُهُ ) أَيْ إذَا كَذَّبَهُ الْمُقَرُّ لَهُ ، وَإِنْ صَدَّقَهُ فِي السَّبَبِ بِأَنْ قَالَ بِعْتُكَهُ فَكَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ لَزِمَهُ الثَّمَنُ بِالْإِقْرَارِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ إلَّا إذَا أَقَرَّ الْمُقَرُّ لَهُ أَنَّ الْمُقِرَّ لَمْ يَقْبِضْ الْمَبِيعَ كَذَا فِي التَّبْيِينِ

( وَفِي مِنْ ثَمَنِ مَتَاعٍ أَوْ قَرْضٍ وَهِيَ زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ أَوْ سَتُّوقَةٌ أَوْ رَصَاصٌ لَزِمَهُ الْجَيِّدُ ) يَعْنِي لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ مَتَاعٍ أَوْ قَالَ أَقْرَضَنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ ثُمَّ قَالَ هِيَ زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ أَوْ سَتُّوقَةٌ أَوْ رَصَاصٌ أَوْ قَالَ إلَّا أَنَّهَا زُيُوفٌ أَوْ قَالَ لِفُلَانٍ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ زُيُوفٌ مِنْ ثَمَنِ مَتَاعٍ وَقَالَ الْمُقَرُّ لَهُ جِيَادٌ لَزِمَهُ الْجِيَادُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَصَلَ أَوْ فَصَلَ لِمَا مَرَّ وَقَالَا إنْ وَصَلَ صُدِّقَ وَإِلَّا فَلَا لِمَا مَرَّ أَيْضًا ( وَفِي مِنْ غَصْبٍ أَوْ وَدِيعَةٍ ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَفِي مِنْ ثَمَنٍ ( إنْ ادَّعَى ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ وَفِي مِنْ غَصْبٍ ( أَحَدَ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ الْأَرْبَعِ ) يَعْنِي إنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ غَصْبٍ أَوْ وَدِيعَةٍ إلَّا أَنَّهَا زُيُوفٌ أَوْ نَبَهْرَجَةٌ ( صُدِّقَ ) أَيْ الْمُدَّعِي وَصَلَ أَوْ فَصَلَ إذْ لَا اخْتِصَاصَ لِلْغَصْبِ الْوَدِيعَةِ بِالْجِيَادِ دُونَ الزُّيُوفِ لِأَنَّ الْغَاصِبَ يَغْصِبُ مَا يَجِدُ وَالْمُودِعَ يُودِعُ مَا يَحْتَاجُ إلَى حِفْظِهِ فَلَمْ يَكُنْ قَوْلُهُ زُيُوفٌ تَغْيِيرًا لِأَوَّلِ كَلَامِهِ بَلْ هُوَ بَيَانٌ لِلنَّوْعِ فَصَحَّ مَوْصُولًا وَمَفْصُولًا ( إلَّا فَصْلًا فِي الْأَخِيرَيْنِ ) يَعْنِي إنْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ غَصْبٍ أَوْ وَدِيعَةٍ إلَّا أَنَّهَا سَتُّوقَةٌ أَوْ رَصَاصٌ فَإِنْ وَصَلَ صُدِّقَ وَإِنْ فَصَلَ لَا إذْ السَّتُّوقَةُ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ الدَّرَاهِمِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ بِهَا التَّجَوُّزُ فِي الصَّرْفِ وَالسَّلَمِ لَكِنَّ الِاسْمَ يَتَنَاوَلُهَا مَجَازًا فَكَانَ بَيَانَ تَغْيِيرٍ فَصَحَّ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا

( قَوْلُهُ وَقَالَا إنْ وَصَلَ صُدِّقَ ) أَيْ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ الْمُشَبَّهَةِ وَالْمُشَبَّهَةِ بِهَا .
( قَوْلُهُ يَعْنِي لَوْ قَالَ لَهُ عَلَيَّ أَلْفُ دِرْهَمٍ مِنْ ثَمَنِ مَتَاعِ
إلَخْ ) بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ إلَّا أَنَّهَا وَزْنُ خَمْسَةٍ وَنَقْدُ الْبَلَدِ وَزْنُ سَبْعَةٍ حَيْثُ يَصِحُّ مَوْصُولًا لَا مَفْصُولًا وَلَوْ قَالَ عَلَيَّ كُرُّ حِنْطَةٍ مِنْ ثَمَنِ دَارٍ إلَّا أَنَّهَا رَدِيئَةٌ يَصِحُّ مَوْصُولًا وَمَفْصُولًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَالزُّيُوفُ جَمْعُ زَيْفٍ وَهُوَ مَا يَقْبَلُهُ التُّجَّارُ وَيَرُدُّهُ بَيْتُ الْمَالِ وَالنَّبَهْرَجَةُ دُونَ الزُّيُوفِ فَإِنَّهَا مِمَّا يَرُدُّهُ التُّجَّارُ أَيْضًا وَالسَّتُّوقَةُ أَرْدَأُ مِنْ النَّبَهْرَجَةِ

( قَالَ غَصَبْتُ ثَوْبًا وَجَاءَ بِمَعِيبٍ صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ) إنْ لَمْ يُثْبِتْ الْخَصْمُ سَلَامَتَهُ لِأَنَّ الْغَصْبَ لَا يَقْتَضِي السَّلَامَةَ ( كَمَا فِي قَوْلِهِ عَلَيَّ أَلْفٌ إلَّا أَنَّهُ يَنْقُصُ كَذَا مُتَّصِلًا ) لِمَا عَرَفْت أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَصِحُّ مُتَّصِلًا لَا مُنْفَصِلًا

( قَالَ ) رَجُلٌ ( لِآخَرَ أَخَذْتُ مِنْك أَلْفًا وَدِيعَةً فَهَلَكَتْ وَقَالَ الْآخَرُ بَلْ غَصْبًا ضَمِنَ ) أَيْ الْمُقِرُّ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ وَهُوَ أَخْذُ مَالِ الْغَيْرِ ثُمَّ ادَّعَى مَا يُوجِبُ الْبَرَاءَةَ عَنْهُ وَهُوَ الْإِذْنُ بِالْأَخْذِ وَالْآخَرُ يُنْكِرُهُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَنْكُلَ عَنْ الْيَمِينِ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُ الْمَالُ ( بِخِلَافِ قَوْلِهِ غَصَبْتنِيهِ فِي رَدِّ ) قَوْلِهِ ( أَعْطَيْتنِيهِ وَدِيعَةً ) أَيْ لَوْ قَالَ الْمُقِرُّ أَعْطَيْتنِي أَلْفَ دِرْهَمٍ وَدِيعَةً فَهَلَكَ وَقَالَ الْمَالِكُ لَا بَلْ غَصَبْته مِنِّي لَا يَضْمَنُ الْمُقِرُّ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ بِسَبَبِ الضَّمَانِ وَالْمُقَرُّ لَهُ يَدَّعِي عَلَيْهِ سَبَبَ الضَّمَانِ وَهُوَ يُنْكِرُ فَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ ( قَالَ كَانَ هَذَا وَدِيعَةً لِي عِنْدَك فَأَخَذْتُهُ فَقَالَ هُوَ لِي أَخَذَهُ ) يَعْنِي إذَا أَخَذَ رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ شَيْئًا فَقَالَ الْآخِذُ كَانَ هَذَا وَدِيعَةً لِي عِنْدَك فَأَخَذْتُهُ فَقَالَ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ هُوَ لِي أَخَذَهُ الْمَأْخُوذُ مِنْهُ لِأَنَّ الْآخِذَ أَقَرَّ بِالْيَدِ لَهُ ثُمَّ الْأَخْذِ مِنْهُ وَهُوَ سَبَبُ الضَّمَانِ كَمَا بَيَّنَ وَادَّعَى اسْتِحْقَاقَهُ عَلَيْهِ فَلَا يُقْبَلُ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّ عَيْنِهِ قَائِمًا أَوْ قِيمَتِهِ هَالِكًا
( قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَنْكُلَ عَنْ الْيَمِينِ فَحِينَئِذٍ يَلْزَمُهُ الْمَالُ ) صَوَابُهُ لَا يَلْزَمُهُ الْمَالُ ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ الضَّمَانِ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ بَلْ أَخَذْتَهَا قَرْضًا فِي جَوَابِ قَوْلِهِ أَخَذْتُ مِنْك أَلْفًا وَدِيعَةً حَيْثُ يَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقِرِّ وَعَلَى هَذَا إذَا أَقَرَّ بِأَخْذِ الثَّوْبِ وَدِيعَةً وَقَالَ الْمُقَرِّ لَهُ بَلْ أَخَذْتَهُ بَيْعًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الْمُقِرِّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ

( صُدِّقَ مَنْ قَالَ أَجَّرْتُ فَرَسِي أَوْ ثَوْبِي ) أَيْ فُلَانًا ( فَرَكِبَهُ أَوْ لَبِسَهُ وَرَدَّهُ إلَيَّ ) وَقَالَ فُلَانٌ كَذَبْتَ بَلْ الْفَرَسُ وَالثَّوْبُ لِي وَقَدْ أَخَذْتَهُمَا مِنِّي ظُلْمًا فَالْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ وَلِلْآخَرِ الْبَيِّنَةُ ( أَوْ خَاطَ ثَوْبِي هَذَا بِكَذَا فَقَبَضْتُهُ ) أَيْ لَوْ قَالَ خَاطَ فُلَانٌ ثَوْبِي هَذَا بِنِصْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ قَبَضْتُهُ وَقَالَ فُلَانٌ الثَّوْبُ ثَوْبِي فَالْقَوْلُ لِلْمُقِرِّ أَيْضًا ( قَالَ هَذَا الْأَلْفُ وَدِيعَةٌ لِزَيْدٍ لَا بَلْ لِبَكْرٍ فَالْأَلْفُ لِزَيْدٍ وَعَلَى الْمُقِرِّ مِثْلُهُ لِبَكْرٍ ) لِأَنَّهُ لَمَّا أَقَرَّ بِهِ لِزَيْدٍ صَحَّ إقْرَارُهُ لَهُ وَصَارَ مِلْكًا لَهُ وَقَوْلُهُ بَعْدَ ذَلِكَ لَا بَلْ لِبَكْرٍ رُجُوعٌ عَنْهُ فَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ فِي حَقِّ زَيْدٍ وَيَجِبُ عَلَيْهِ ضَمَانُ مِثْلِهَا لِبَكْرٍ
( قَوْلُهُ صُدِّقَ مَنْ قَالَ أَجَّرْتُ فَرَسِي أَوْ ثَوْبِي
إلَخْ ) قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا الْقَوْلُ قَوْلُ مَنْ أُخِذَ مِنْهُ الْبَعِيرُ وَالثَّوْبُ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَذُكِرَ فِي النِّهَايَةِ إنَّمَا الِاخْتِلَافُ بَيْنَهُمْ إذَا لَمْ تَكُنْ الدَّابَّةُ مَعْرُوفَةً لِلْمُقِرِّ وَلَوْ كَانَتْ مَعْرُوفَةً كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ بِالْإِجْمَاعِ وَعَزَاهُ إلَى الْأَسْرَارِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ قَوْلُهُ أَوْ خَاطَ ثَوْبِي هَذَا بِكَذَا ) هُوَ عَلَى الْخِلَافِ الْمُتَقَدِّمِ فِي الصَّحِيحِ خِلَافًا لِمَنْ تَوَهَّمَ أَنَّ الْقَوْلَ لِلْمُقِرِّ إجْمَاعًا وَلَيْسَ بِشَيْءٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ

( أَقَرَّ بِدَيْنٍ لِإِنْسَانٍ ثُمَّ قَالَ كُنْتُ كَاذِبًا فِيهِ ) أَيْ فِي إقْرَارِي ( حَلَفَ الْمُقَرُّ لَهُ عَلَى عَدَمِ كَذِبِهِ ) أَيْ عَلَى أَنَّ الْمُقِرَّ مَا كَانَ كَاذِبًا فِيمَا أَقَرَّ لَك بِهِ وَلَسْتَ بِمُبْطِلٍ فِيمَا تَدَّعِيهِ عَلَيْهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَهُمَا يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِ الْمُقَرِّ بِهِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ يَحْلِفُ الْمُقَرَّ لَهُ لِجَرَيَانِ الْعَادَةِ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّهُمْ يَكْتُبُونَ صَكَّ الْإِقْرَارِ ثُمَّ يَأْخُذُونَ الْمَالَ كَذَا فِي الْكَافِي .
( قَوْلُهُ أَقَرَّ بِدَيْنٍ لِإِنْسَانٍ
إلَخْ ) تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الدَّعْوَى عَنْ الزَّيْلَعِيِّ بِأَوْسَعَ مِنْ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

( بَابُ إقْرَارِ الْمَرِيضِ ) يَعْنِي مَرَضَ الْمَوْتِ ( دَيْنُ صِحَّتِهِ مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ عَلِمَ بِسَبَبِهِ أَوْ عَلِمَ بِإِقْرَارٍ فِيهَا .
( وَ ) دَيْنُ ( مَرَضِ مَوْتِهِ بِسَبَبٍ فِيهِ ) أَيْ فِي مَرَضِهِ ( مَعْرُوفٍ ) كَبَدَلِ مَا مَلَكَهُ أَوْ أَهْلَكَهُ أَوْ مَهْرِ مِثْلِ عُرْسِهِ وَعُلِمَ مُعَايَنَةً ( يُقَدَّمَانِ عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ فِيهِ ) أَيْ فِي مَرَضِهِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ هَذَا يُسَاوِي الْأَوَّلَيْنِ لِاسْتِوَاءِ السَّبَبِ وَهُوَ الْإِقْرَارُ وَلَنَا أَنَّ الْمَرِيضَ مَحْجُورٌ عَنْ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ مَا لَمْ يَفْرُغْ عَنْ دَيْنِ الصِّحَّةِ فَالدَّيْنُ الثَّابِتُ بِإِقْرَارِ الْمَحْجُورِ لَا يُزَاحِمُ الدَّيْنَ الثَّابِتَ بِلَا حَجْرٍ كَعَبْدٍ مَأْذُونٍ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ ثُمَّ أَقَرَّ بِالدَّيْنِ بَعْدَ الْحَجْرِ فَالثَّانِي لَا يُزَاحِمُ الْأَوَّلَ ( وَالْكُلُّ ) أَيْ دَيْنُ الصِّحَّةِ وَدَيْنُ الْمَرَضِ بِسَبَبٍ فِيهِ مَعْرُوفٍ وَدَيْنُ الْمَرَضِ الَّذِي عُلِمَ بِمُجَرَّدِ الْإِقْرَارِ فِيهِ يُقَدَّمُ ( عَلَى الْإِرْثِ ) لِأَنَّ قَضَاءَ الدَّيْنِ مِنْ الْحَوَائِجِ الْأَصْلِيَّةِ وَحَقُّ الْوَرَثَةِ يَتَعَلَّقُ بِالتَّرِكَةِ بِشَرْطِ الْفَرَاغِ وَلِهَذَا يُقَدَّمُ حَاجَتُهُ فِي التَّكْفِينِ ( وَلَمْ يَجُزْ تَخْصِيصُ غَرِيمٍ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ وَلَا إقْرَارُهُ لِوَارِثِهِ ) سَوَاءٌ أَقَرَّ بِدَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْطَى لِكُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ أَلَا لَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ } ( إلَّا بِتَصْدِيقِ الْبَقِيَّةِ ) أَيْ بَقِيَّةِ الْغُرَمَاءِ وَبَقِيَّةِ الْوَرَثَةِ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ التَّخْصِيصِ تَعَلُّقُ حَقِّهِمْ بِالتَّرِكَةِ فَإِذَا صَدَّقُوهُ زَالَ الْمَانِعُ وَجَازَ التَّخْصِيصُ

( بَابُ إقْرَارِ الْمَرِيضِ ) ( قَوْلُهُ أَوْ مَهْرِ مِثْلِ عُرْسِهِ ) قَيَّدَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ عَلَيْهِ بَاطِلَةٌ وَالنِّكَاحُ جَائِزٌ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ ( قَوْلُهُ وَلَمْ يَجُزْ تَخْصِيصُ غَرِيمٍ بِقَضَاءِ دَيْنِهِ ) لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ لِأَنَّ ثَمَنَ مَا اشْتَرَاهُ بِمِثْلِ الْقِيمَةِ أَوْ قَرْضًا فِي مَرَضِهِ ثَبَتَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِالْبَيِّنَةِ يَصِحُّ التَّخْصِيصُ بِهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى إجَازَةِ الْبَاقِينَ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَالْكَافِي وَقَاضِي زَادَهْ ( قَوْلُهُ وَلَا إقْرَاره لِوَارِثِهِ إلَّا بِتَصْدِيقِ الْبَقِيَّةِ ) قَالَ قَاضِي زَادَهْ إلَّا إذَا أَقَرَّ بِاسْتِهْلَاكِ وَدِيعَةٍ لِوَارِثِهِ فَيَخْتَصُّ بِهِ الْوَارِثُ ا هـ .
وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفُ إشَارَةٌ لِمَا إذَا تَعَدَّدَ الْوَارِثُ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَارِثٌ آخَرُ فَأَوْصَى لِزَوْجَتِهِ أَوْ أَوْصَتْ لِزَوْجِهَا تَصِحُّ الْوَصِيَّةُ وَالْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي كِتَابِ الْقَضَاءِ مِنْ فَرَائِضِ الْعَتَّابِيِّ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فِي الْأَخِيرِ كَمَا فِي إصْلَاحِ الْإِيضَاحِ وَفَرْضُهَا فِي أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِأَنَّ غَيْرَهُمَا يَرِثُ الْكُلَّ فَرْضًا وَرَدَّا بِكَوْنِهِ صَاحِبَ فَرْضٍ مُنْفَرِدًا أَوْ بِكَوْنِهِ ذَا رَحِمٍ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الْوَصِيَّةِ

( وَجَازَ ) أَيْ إقْرَارُ الْمَرِيضِ ( لِغَيْرِهِ ) أَيْ لِغَيْرِ الْوَارِثِ لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِي خَالِصِ مَالِهِ وَهُوَ يَقْتَضِي الْجَوَازَ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْجَوَازِ كَانَ الْإِرْثَ وَقَدْ انْتَفَى ( وَلَوْ ) وَصْلِيَّةٌ كَانَ إقْرَارُهُ ( بِكُلِّ مَالِهِ ) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ قَالَ إذَا أَقَرَّ الرَّجُلُ فِي مَرَضِهِ بِدَيْنٍ لِرَجُلٍ غَيْرِ وَارِثٍ فَإِنَّهُ جَائِزٌ وَإِنْ أَحَاطَ ذَلِكَ بِمَالِهِ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ إقْرَارُهُ إلَّا فِي الثُّلُثِ لِأَنَّ الشَّرْعَ قَصَرَ تَصَرُّفَهُ عَلَى الثُّلُثِ وَتَعَلَّقَ بِالثُّلُثَيْنِ حَقُّ الْوَرَثَةِ وَلِهَذَا لَوْ تَبَرَّعَ بِجَمِيعِ مَالِهِ لَمْ يَنْفُذْ إلَّا فِي الثُّلُثِ فَكَذَا إقْرَارُهُ وَجَبَ أَنْ لَا يَنْفُذَ إلَّا فِي الثُّلُثِ وَلَكِنْ تُرِكَ الْقِيَاسُ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
( قَوْلُهُ وَجَازَ لِغَيْرِهِ ) أَيْ لِغَيْرِ الْوَارِثِ وَلَوْ بِكُلِّ مَالِهِ أَيْ وَلَيْسَ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَوْ فِي الْمَرَضِ بِسَبَبٍ مَعْرُوفٍ قَالَهُ قَاضِي زَادَهْ

( أَقَرَّ لَهُ ) أَيْ لِأَجْنَبِيٍّ ( بِمَالٍ ثُمَّ ) أَقَرَّ ( بِبُنُوَّتِهِ ثَبَتَ نَسَبُهُ وَبَطَلَ إقْرَارُهُ وَ ) أَقَرَّ ( لِأَجْنَبِيَّةٍ ثُمَّ نَكَحَهَا صَحَّ ) إقْرَارُهُ لَهَا .
وَعِنْدَ زُفَرَ يَبْطُلُ هَذَا الْإِقْرَارُ أَيْضًا لِلتُّهْمَةِ وَلَنَا أَنَّهُ إقْرَارٌ وَلَيْسَ بَيْنَهُمَا سَبَبُ التُّهْمَةِ فَلَا يَبْطُلُ بِسَبَبٍ يَحْدُثُ بَعْدَهُ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لِأَنَّ دَعْوَى النَّسَبِ تَسْتَنِدُ إلَى زَمَانِ الْعُلُوقِ فَيَظْهَرُ أَنَّ الْبُنُوَّةَ ثَابِتَةٌ زَمَانَ الْإِقْرَارِ فَلَا يَصِحُّ أَمَّا الزَّوْجِيَّةُ فَيَقْتَصِرُ عَلَى زَمَانِ التَّزَوُّجِ فَلَا يَظْهَرُ أَنَّ إقْرَارَهُ كَانَ لِزَوْجَتِهِ ( بِخِلَافِ الْهِبَةِ وَالْوَصِيَّةِ ) أَيْ بِخِلَافِ مَا لَوْ وَهَبَ لَهَا شَيْئًا أَوْ أَوْصَى لَهَا بِشَيْءٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا فَإِنَّهُمَا يَبْطُلَانِ اتِّفَاقًا فَإِنَّ الْوَصِيَّةَ تَمْلِيكٌ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهِيَ وَارِثَةٌ حِينَئِذٍ فَلَا تَصِحُّ وَالْهِبَةُ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةٌ حَتَّى لَا تَنْفُذَ إلَّا مِنْ الثُّلُثِ كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الْوَصِيَّةِ فَصَارَتْ كَالْوَصِيَّةِ .
( وَلَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ لِمَنْ طَلَّقَهَا فِيهِ ) أَيْ مَرَضِ مَوْتِهِ ( فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْ الْإِرْثِ ) أَيْ مِيرَاثِهَا مِنْهُ ( وَالدَّيْنُ ) لِقِيَامِ التُّهْمَةِ بِبَقَاءِ الْعِدَّةِ وَبَابُ الْإِقْرَارِ كَانَ مُنْسَدًّا لِبَقَاءِ الزَّوْجِيَّةِ فَرُبَّمَا أَقْدَمَ عَلَى الطَّلَاقِ لِيَصِحَّ إقْرَارُهُ لَهَا زِيَادَةً عَلَى إرْثِهَا وَلَا تُهْمَةَ فِي أَقَلِّهِمَا فَيَثْبُتُ

( قَوْلُهُ أَقَرَّ لَهُ بِمَالٍ ثُمَّ أَقَرَّ بِبُنُوَّتِهِ
إلَخْ ) .
أَيْ وَقَدْ جَهِلَ نَسَبَهُ وَصَدَّقَهُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ التَّصْدِيقِ ، وَلَوْ كَذَّبَهُ أَوْ كَانَ مَعْرُوفَ النَّسَبِ مِنْ غَيْرِهِ لَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ كَمَا فِي الْيَنَابِيعِ قَوْلُهُ وَلَوْ أَقَرَّ بِدَيْنٍ لِمَنْ طَلَّقَهَا فِيهِ أَيْ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ ) أَطْلَقَ فِي الطَّلَاقِ وَقَيَّدَهُ فِي الْهِدَايَةِ بِالثَّلَاثِ وَيُرِيدُ الْبَائِنَ وَلَوْ بِدُونِ الثَّلَاثِ وَكَذَا فِي الْكَنْزِ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ بِسُؤَالِهَا وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ هَذَا إذَا طَلَّقَهَا بِسُؤَالِهَا وَإِنْ طَلَّقَهَا بِلَا سُؤَالِهَا فَلَهَا الْمِيرَاثُ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَلَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ لَهَا لِأَنَّهَا وَارِثَةٌ إذْ هُوَ فَارٌّ ا هـ .
وَقَالَ قَاضِي زَادَهْ إنَّهُ تَتَبَّعَ عَامَّةَ الْمُعْتَبَرَاتِ حَتَّى الْجَامِع وَالْمُحِيطِ وَأَيْنَمَا وَجَدْتُ الْمَسْأَلَةَ وَجَدْتُهَا مُقَيَّدَةً بِكَوْنِ الطَّلَاقِ بِسُؤَالِ الْمَرْأَةِ أَوْ بِأَمْرِهَا فَالظَّاهِرُ مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَأَمَّا عَدَمُ تَعَرُّضِ الْمُصَنِّفِ وَصَاحِبِ الْكَافِي وَكَثِيرٍ مِنْ الشُّرَّاحِ هَاهُنَا لِلْقَيْدِ الْمَذْكُورِ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِنَاءً عَلَى ظُهُورِهِ مِمَّا صَرَّحَ بِهِ فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ ا هـ .
( قَوْلُهُ فَلَهَا الْأَقَلُّ مِنْ الْإِرْثِ وَالدَّيْنِ ) وَيُدْفَعُ لَهَا بِحُكْمِ الْإِقْرَارِ لَا بِحُكْمِ الْإِرْثِ حَتَّى لَا تَصِيرَ شَرِيكَةً فِي أَعْيَانِ التَّرِكَةِ

( أَقَرَّ ) رَجُلٌ ( بِبُنُوَّةِ غُلَامٍ ) حَيْثُ قَالَ هَذَا ابْنِي ( جُهِلَ نَسَبُهُ فِي مَوْلِدِهِ ) وَقَدْ مَرَّ بَيَانُ فَائِدَةِ هَذَا الْقَيْدِ ( وَيُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ وَصَدَّقَهُ ) أَيْ الْغُلَامُ ذَلِكَ الْمُقِرَّ ( وَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ ) أَيْ مِنْ أَهْلِ التَّصْدِيقِ ( ثَبَتَ نَسَبُهُ ) أَيْ نَسَبُ الْغُلَامِ ( مِنْهُ ) أَيْ الْمُقِرِّ ( وَشَارَكَ ) أَيْ الْغُلَامُ ( الْوَرَثَةَ ) بِشَرْطِ جَهَالَةِ النَّسَبِ لِأَنَّهُ لَوْ عَلِمَ لَمْ يَثْبُتْ مِنْ الْغَيْرِ ، وَأَنْ يُولَدَ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ لِئَلَّا يَكُونَ مُكَذَّبًا ظَاهِرًا وَأَنْ يُصَدِّقَهُ الْغُلَامُ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِي غُلَامٍ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ تَصْدِيقِهِ لِأَنَّهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ حَتَّى إذَا كَانَ صَغِيرًا لَا يُعْتَبَرُ تَصْدِيقُهُ وَلِذَا قَالَ وَهُوَ مِنْ أَهْلِهِ وَشَارَكَ الْوَرَثَةَ لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ صَارَ كَالْوَارِثِ الْمَعْرُوفِ ( صَحَّ إقْرَارُهُ ) أَيْ الرَّجُلِ ( بِالْوَلَدِ وَالْوَالِدَيْنِ ) لِأَنَّهُ إقْرَارٌ عَلَى نَفْسِهِ وَلَيْسَ فِيهِ حَمْلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ ( وَالزَّوْجَةِ وَالْمَوْلَى ) لِأَنَّ مُوجِبَ إقْرَارِهِ يَثْبُتُ بَيْنَهُمَا بِتَصَادُقِهِمَا بِلَا إضْرَارٍ بِأَحَدٍ فَيَنْفُذُ .
( وَ ) صَحَّ ( إقْرَارُهَا بِالْوَالِدَيْنِ وَالزَّوْجِ وَالْمَوْلَى ) لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ إقْرَارَ الْإِنْسَانِ حُجَّةٌ عَلَى نَفْسِهِ لَا عَلَى غَيْرِهِ وَبِالْإِقْرَارِ بِهَؤُلَاءِ لَا يَكُونُ إقْرَارًا إلَّا عَلَى نَفْسِهِ فَيُقْبَلُ ( وَشُرِطَ تَصْدِيقُهُمْ ) لِأَنَّ إقْرَارَ غَيْرِهِمْ لَا يُلْزِمُهُمْ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ فِي يَدِ نَفْسِهِ إلَّا إذَا كَانَ الْمُقَرُّ لَهُ صَغِيرًا فِي يَدِ الْمُقِرِّ وَهُوَ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ عَبْدًا لَهُ فَيَثْبُتُ نَسَبُهُ بِمُجَرَّدِ الْإِقْرَارِ ( وَلَوْ كَانَ عَبْدًا لِغَيْرِهِ يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُ مَوْلَاهُ كَمَا شُرِطَ تَصْدِيقُ الزَّوْجِ فِي دَعْوَى الْمَرْأَةِ الْوَلَدَ أَوْ شَهَادَةِ امْرَأَةٍ ) قَابِلَةٍ كَانَتْ أَوْ غَيْرِهَا ( فِي إقْرَارِ ) امْرَأَةٍ ( ذَاتِ زَوْجٍ بِالْوَلَدِ وَعَدَمِ الْعِدَّةِ فِي غَيْرِهَا ) أَيْ فِي إقْرَارِ امْرَأَةٍ

غَيْرِ ذَاتِ الزَّوْجِ يَعْنِي إذَا لَمْ تَكُنْ الْمَرْأَةُ ذَاتَ زَوْجٍ وَلَا مُعْتَدَّةً صَحَّ إقْرَارُهَا بِالْوَلَدِ لِأَنَّ فِيهِ إلْزَامًا عَلَى نَفْسِهَا دُونَ غَيْرِهَا فَيَنْفُذُ عَلَيْهَا ( وَصَحَّ التَّصْدِيقُ بَعْدَ مَوْتِ الْمُقِرِّ إلَّا مِنْ الزَّوْجِ بَعْدَ مَوْتِهَا مُقِرَّةً ) يَعْنِي صَحَّ التَّصْدِيقُ فِي النَّسَبِ بَعْدَ مَوْتِ الْمُقِرِّ لِبَقَاءِ النَّسَبِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَإِنْ أَقَرَّ بِنِكَاحِهَا وَمَاتَ فَصَدَّقَتْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ يَصِحُّ حَتَّى يَكُونَ لَهَا الْمَهْرُ وَالْإِرْثُ لِبَقَاءِ حُكْمِ النِّكَاحِ وَهُوَ الْعِدَّةُ وَإِنْ أَقَرَّتْ بِنِكَاحِ رَجُلٍ وَمَاتَتْ فَصَدَّقَهَا الزَّوْجُ لَمْ يَصِحَّ تَصْدِيقُهُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهَا لَمَّا مَاتَتْ زَالَ النِّكَاحُ بِعَلَائِقِهِ حَتَّى يَجُوزَ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهَا وَأَرْبَعًا سِوَاهَا وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُغَسِّلَهَا فَبَطَلَ إقْرَارُهَا فَلَا يَصِحُّ التَّصْدِيقُ بَعْدَ بُطْلَانِ الْإِقْرَارِ .

( قَوْلُهُ أَقَرَّ رَجُلٌ بِبُنُوَّةِ غُلَامٍ
إلَخْ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَوْ كَانَ مَرِيضًا ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْمَسْأَلَةَ الْمُتَقَدِّمَةَ مُنْدَرِجَةٌ فِي هَذِهِ ( قَوْلُهُ وَيُولَدُ مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ وَصَدَّقَهُ ) فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ يُؤَاخَذُ الْمُقِرُّ بِهِ مِنْ حَيْثُ اسْتِحْقَاقُ الْمَالِ كَمَا لَوْ أَقَرَّ بِأُخُوَّةِ غَيْرِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْيَنَابِيعِ ( قَوْلُهُ صَحَّ إقْرَارُهُ أَيْ الرَّجُلِ بِالْوَلَدِ وَالْوَالِدَيْنِ ) أَعَادَ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ بِالْوَلَدِ لِذِكْرِ جُمْلَةِ مَا يَصِحُّ فِي جَانِبِ الرَّجُلِ وَأَفَادَ بِالصَّرَاحَةِ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ بِالْأُمِّ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَهُوَ رِوَايَةُ تُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ وَرِوَايَةُ شَرْحِ الْفَرَائِضِ لِلْإِمَامِ سِرَاجِ الدِّينِ الْمُصَنِّفِ وَالْمَذْكُورُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْإِيضَاحِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلْإِمَامِ الْمَحْبُوبِيِّ أَنَّ إقْرَارَ الرَّجُلِ يَصِحُّ بِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ بِالْأَبِ وَالِابْنِ وَالْمَرْأَةِ وَمَوْلَى الْعَتَاقَةِ ا هـ .
وَمِنْ الظَّاهِرِ أَنَّ الِابْنَ لَيْسَ بِقَيْدٍ مُخْرِجٍ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ بِالْبِنْتِ ا هـ .
وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ يَصِحُّ إقْرَارُهُ بِالْوَلَدِ وَالْوَالِدَيْنِ يَعْنِي الْأَصْلَ وَإِنْ عَلَا ا هـ .
وَقَالَ الْعَلَّامَةُ الشَّيْخُ عَلِيٌّ الْمَقْدِسِيُّ فِيهِ نَظَرٌ لِقَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ إذَا أَقَرَّ بِالْجَدِّ أَوْ ابْنِ الِابْنِ لَا يَصِحُّ إذْ فِيهِ حَمْلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَالزَّوْجَةِ ) أَيْ الْخَالِيَةِ عَنْ زَوْجٍ وَعِدَّتِهِ وَلَيْسَ مَعَ الْمُقِرِّ مَنْ يَمْتَنِعُ جَمْعُهُ مَعَهَا وَلَا أَرْبَعٌ سِوَاهَا كَمَا ذَكَرَهُ قَاضِي زَادَهْ ( قَوْلُهُ وَالْمَوْلَى ) أَيْ الْأَعْلَى وَالْأَسْفَلُ إذَا لَمْ يَكُنْ وَلَاؤُهُ ثَابِتًا مِنْ الْغَيْرِ ذَكَرَهُ قَاضِي زَادَهْ ( قَوْلُهُ وَإِنْ أَقَرَّ بِنِكَاحِهَا وَمَاتَ فَصَدَّقَتْهُ بَعْدَ مَوْتِهِ يَصِحُّ ) هُوَ بِالِاتِّفَاقِ قَالَهُ الْأَكْمَلُ وَغَيْرُهُ وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَتَصْدِيقُهُ أَيْ الْمُقَرِّ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهَا عَلَى نِكَاحٍ أَقَرَّتْ لَهُ بِهِ لَغْوٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهَا لَمَّا

مَاتَتْ زَالَ النِّكَاحُ بِجَمِيعِ عَلَائِقِهِ وَعِنْدَهُمَا تَصْدِيقُهُ بَعْدَ مَوْتِهَا صَحِيحٌ وَعَلَيْهِ مَهْرُهَا وَلَهُ الْمِيرَاثُ مِنْهَا لِأَنَّ الْإِقْرَارَ يَتِمُّ بِالْمُقِرِّ وَحْدَهُ وَلَا يَبْطُلُ بِالْمَوْتِ وَقِيلَ الْأَصَحُّ أَنَّ الِاخْتِلَافَ فِي تَصْدِيقِهَا إيَّاهُ بَعْدَ مَوْتِهِ فَلَا يَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ ثُبُوتَ الْمُقَرِّ بِهِ وَهُوَ النِّكَاحُ بَعْدَ مَوْتِهِ مُحَالٌ فَلَا يُتَصَوَّرُ إبْقَاؤُهَا وَعِنْدَهُمَا يَصِحُّ حَتَّى يَجِبَ لَهَا الْمَهْرُ لِأَنَّهَا مَحَلٌّ لِلنِّكَاحِ فَأَمْكَنَ بَقَاؤُهُ بِبَقَائِهَا وَلِذَا جَازَ لَهَا غُسْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَتْ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ وَلِذَا لَا يُغَسِّلُهَا ا هـ فَالِاتِّفَاقُ الْمَذْكُورُ فِي الْعِنَايَةِ يُخَالِفُهُ هَذَا

( أَقَرَّ بِنَسَبٍ مِنْ غَيْرِ وِلَادٍ كَأَخٍ وَعَمٍّ لَمْ يَثْبُتْ ) أَيْ النَّسَبُ وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ فِي حَقِّهِ لِأَنَّ فِيهِ تَحْمِيلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ فَإِذَا ادَّعَى نَفَقَةً أَوْ حَضَانَةً يُعْتَبَرُ فِي حَقِّهَا ( وَيَرِثُ إلَّا مَعَ وَارِثٍ وَإِنْ بَعُدَ ) يَعْنِي إذَا كَانَ لِلْمُقِرِّ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ قَرِيبٌ أَوْ بَعِيدٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِالْإِرْثِ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ بِأَخٍ وَلَهُ عَمَّةٌ أَوْ خَالَةٌ فَالْإِرْثُ لِلْعَمَّةِ أَوْ الْخَالَةِ لِأَنَّ نَسَبَهُ لَمْ يَثْبُتْ فَلَا يُزَاحِمُ الْوَارِثَ الْمَعْرُوفَ .

( قَوْلُهُ يَعْنِي إنْ كَانَ لِلْمُقِرِّ وَارِثٌ مَعْرُوفٌ قَرِيبٌ أَوْ بَعِيدٌ فَهُوَ أَحَقُّ بِالْإِرْثِ مِنْ الْمُقَرِّ لَهُ حَتَّى لَوْ أَقَرَّ بِأَخٍ وَلَهُ عَمَّةٌ أَوْ خَالَةٌ فَالْإِرْثُ لِلْعَمَّةِ أَوْ الْخَالَةِ ) كَذَا صَرَّحَ فِي الْعِنَايَةِ بِأَنَّ الْوَارِثَ الْقَرِيبَ كَذَوِي الْفُرُوضِ وَالْعَصَبَاتِ مُطْلَقًا وَالْبَعِيدَ كَذَوِي الْأَرْحَامِ ا هـ .
وَيُخَالِفُهُ قَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ إنْ كَانَ لِلْمُقِرِّ وَارِثٌ لَا يَرِثُ الْمُقَرَّ لَهُ لِأَنَّ النَّسَبَ لَمْ يَثْبُتْ بِإِقْرَارِهِ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْمِيرَاثَ مَعَ وَارِثٍ مَعْرُوفٍ قَرِيبًا كَانَ ذَلِكَ الْوَارِثُ كَذَوِي الْأَرْحَامِ أَوْ بَعِيدًا كَمَوْلَى الْمُوَالَاةِ ا هـ .
وَمَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ أَوْجَهُ لِأَنَّ مَوْلَى الْمُوَالَاةِ إرْثُهُ بَعْدَ ذَوِي الْأَرْحَامِ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ بِنَسَبٍ عَلَى الْغَيْرِ ا هـ .
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ مَا يَأْخُذُهُ الْمُقَرُّ لَهُ إرْثٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى لَوْ أَوْصَى لِغَيْرِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَا يَنْفُذُ إلَّا بِإِجَازَتِهِ مَا دَامَ الْمُقِرُّ مُصِرًّا عَلَى إقْرَارِهِ وَصِيَّةٌ مِنْ وَجْهٍ حَتَّى كَانَ لِلْمُقِرِّ أَنْ يَرْجِعَ عَنْ الْإِقْرَارِ لِأَنَّ نَسَبَهُ لَمْ يَثْبُتْ فَلَا يَلْزَمُهُ كَالْوَصِيَّةِ ا هـ .
وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْمُقِرَّ بِنَحْوِ الْوَلَدِ وَالْوَالِدَيْنِ لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ عَنْهُ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ فِي الِاخْتِيَارِ بِقَوْلِهِ وَإِذَا صَحَّ الْإِقْرَارُ بِهَؤُلَاءِ أَيْ بِنَحْوِ الْوَلَدِ وَالْوَالِدَيْنِ لَا يَمْلِكُ الْمُقِرُّ الرُّجُوعَ فِيهِ لِأَنَّ النَّسَبَ إذَا ثَبَتَ لَا يَبْطُلُ بِالرُّجُوعِ وَلَهُ الرُّجُوعُ إذَا أَقَرَّ بِمَنْ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ كَقَرَابَةِ غَيْرِ الْوِلَادِ لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ مَعْنًى فَإِنَّ إقْرَارَهُ تَضَمَّنَ أَمْرَيْنِ : تَحْمِيلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ .
وَالثَّانِي الْإِقْرَارُ لَهُ بِالْمَالِ وَإِنَّهُ يَمْلِكُهُ عِنْدَ عَدَمِ الْوَارِثِ فَيَصِحُّ وَالْأَوَّلُ لَا يَمْلِكُهُ فَبَطَلَ ا هـ .
وَهَذَا الْفَرْقُ مِنْ مُفْرَدَاتِ الِاخْتِيَارِ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ فَإِنَّهُ مُهِمٌّ

( مَاتَ أَبُوهُ فَأَقَرَّ بِأَخٍ شَارَكَهُ فِي الْإِرْثِ بِلَا نَسَبٍ ) لِأَنَّ مُقْتَضَى إقْرَارِهِ شَيْئَانِ حَمْلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَيْهِ وَشَرِكَتُهُ فِي الْإِرْثِ وَلَهُ فِيهِ وِلَايَةٌ فَيُعْتَبَرُ الثَّانِي لَا الْأَوَّلُ ( أَقَرَّ أَحَدُ ابْنَيْ مَيِّتٍ لَهُ ) أَيْ لِذَلِكَ الْمَيِّتِ ( عَلَى آخَرَ دَيْنٌ بِقَبْضِ ) مُتَعَلِّقٌ بِأَقَرَّ ( أَبِيهِ نِصْفَهُ لَا شَيْءَ لَهُ وَالنِّصْفُ لِلْآخَرِ ) يَعْنِي إنْ مَاتَ وَتَرَكَ ابْنَيْنِ وَلَهُ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَأَقَرَّ أَحَدُ الِابْنَيْنِ أَنَّ أَبَاهُ قَبَضَ مِنْهُ نِصْفَهُ وَكَذَّبَهُ الْآخَرُ فَلَا شَيْءَ لِلْمُقِرِّ وَلِلْمُكَذِّبِ نِصْفُهُ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِاسْتِيفَاءِ الدَّيْنِ إقْرَارٌ بِالدَّيْنِ عَلَى الْمَيِّتِ لِأَنَّ قَبْضَ الدَّيْنِ إنَّمَا يَكُونُ بِقَبْضِ عَيْنٍ مَضْمُونٍ يَصِيرَ دَيْنًا فَيَتَقَاصَّانِ فَإِذَا كَذَّبَهُ أَخُوهُ اسْتَغْرَقَ الدَّيْنُ نَصِيبَهُ فَمَا لَمْ يَقْبِضْ جَمِيعَ الدَّيْنِ لَا يَكُونُ لَهُ مِنْ الْمِيرَاثِ شَيْءٌ ( وَلَا يَرْجِعُ الْمُقِرُّ عَلَى أَخِيهِ بِنِصْفِ مَا قَبَضَ وَإِنْ تَصَادَقَا عَلَى اشْتِرَاكِهِ ) أَيْ الْمَقْبُوضِ ( بَيْنَهُمَا ) لِأَنَّهُ لَوْ رَجَعَ عَلَى أَخِيهِ لَرَجَعَ أَخُوهُ عَلَى الْغَرِيمِ فَيَرْجِعُ الْغَرِيمُ عَلَى الْمُقِرِّ بِقَدْرِ ذَلِكَ لِانْتِقَاضِ الْمُقَاصَّةِ فِي ذَلِكَ الْقَدْرِ وَبَقَائِهِ دَيْنًا عَلَى الْمَيِّتِ وَالدَّيْنُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِرْثِ فَيُؤَدِّي إلَى الدَّوْرِ

( قَوْلُهُ وَالنِّصْفُ لِلْآخَرِ ) قَالَ الْأَكْمَلُ يَعْنِي بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ بِاَللَّهِ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ أَبَاهُ قَبَضَ مِنْهُ شَطْرَ الْمِائَةِ ا هـ .
وَلَوْ أَقَرَّ أَنَّ أَبَاهُ قَبَضَ كُلَّ الدَّيْنِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا كَانَ جَوَابُهَا كَالْأُولَى إلَّا أَنَّهُ هُنَا يَحْلِفُ الْمُنْكِرُ لِحَقِّ الْمَدِينِ بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّهُ قَبَضَ الدَّيْنَ فَإِنْ نَكَلَ بَرِئَتْ ذِمَّتُهُ وَإِنْ حَلَفَ دَفَعَ إلَيْهِ نَصِيبَهُ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى حَيْثُ لَا يَحْلِفُ لِحَقِّ الْغَرِيمِ لِأَنَّ حَقَّهُ كُلَّهُ حَصَلَ لَهُ مِنْ جِهَةِ الْمُقِرِّ فَلَا حَاجَةَ إلَى تَحْلِيفِهِ وَهُنَا لَمْ يَحْصُلْ لَهُ إلَّا النِّصْفُ فَيُحَلِّفُهُ ا هـ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَقَدَّمْنَا عَنْ الْعِنَايَةِ أَنَّهُ يَحْلِفُ فِي الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى لَكِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُ يَحْلِفُ لِحَقِّ مَنْ فَلْيُتَأَمَّلْ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ قَبْضَ الدَّيْنِ إنَّمَا يَكُونُ قَبْضَ عَيْنٍ مَضْمُونٍ ) أَصْلُهُ قَوْلُ الْكَافِي إلَّا أَنَّ عِبَارَتَهُ إنَّمَا يَكُونُ بِقَبْضِ عَيْنٍ مَضْمُونٍ ا هـ أَيْ أَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا لَا بِأَعْيَانِهَا فَإِذَا قَبَضَ مِثْلَ دَيْنِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ مِثْلُهُ لِلْمَدْيُونِ وَلَهُ عَلَيْهِ مِثْلُهُ فَيَلْتَقِيَانِ قِصَاصًا ( قَوْلُهُ فَمَا لَمْ يَقْبِضْ ) أَيْ مَنْ لَهُ وِلَايَةُ الْقَبْضِ جَمِيعَ الدَّيْنِ لَا يَكُونُ لَهُ أَيْ الْمُقِرِّ مِنْ الْمِيرَاثِ شَيْءٌ

( فَصْل ) ( حُرَّةٌ أَقَرَّتْ بِدَيْنٍ فَكَذَّبَهَا زَوْجُهَا صَحَّ ) أَيْ إقْرَارُهَا ( فِي حَقِّهِ ) أَيْ حَقِّ زَوْجِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ( حَتَّى تُحْبَسَ وَتُلَازَمَ ) كَالدَّيْنِ الثَّابِتِ بِالْمُعَايَنَةِ بِالِاسْتِهْلَاكِ أَوْ الشِّرَاءِ أَوْ الْبَيِّنَةِ ( وَعِنْدَهُمَا لَا ) أَيْ لَا تُصَدَّقُ فِي حَقِّ الزَّوْجِ فَلَا تُحْبَسُ وَلَا تُلَازَمُ لِأَنَّ فِيهِ مَنْعَ الزَّوْجِ عِنْدَ غَشَيَانِهَا وَإِقْرَارَهَا لَا يَصِحُّ فِيمَا يَرْجِعُ إلَى بُطْلَانِ حَقِّ الزَّوْجِ
فَصْلٌ

( مَجْهُولَةُ النَّسَبِ أَقَرَّتْ بِالرِّقِّ لِإِنْسَانٍ وَصَدَّقَهَا ) الْمُقَرُّ لَهُ ( وَلَهَا زَوْجٌ وَأَوْلَادٌ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الزَّوْجِ ( وَكَذَّبَهَا ) أَيْ الزَّوْجُ ( صَحَّ فِي حَقِّهَا ) أَيْ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ حَتَّى إذَا عَلِقَ بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَلَدٌ يَكُونُ رَقِيقًا ( لَا حَقِّهِ وَحَقِّ الْأَوْلَادِ ) فَفَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِ لَا حَقِّهِ بِقَوْلِهِ ( حَتَّى لَا يَبْطُلَ النِّكَاحُ ) وَفَرَّعَ عَلَى قَوْلِهِ وَحَقِّ الْأَوْلَادِ بِقَوْلِهِ ( وَأَوْلَادٌ ) حَصَلَتْ ( قَبْلَ الْإِقْرَارِ وَمَا فِي بَطْنِهَا وَقْتَهُ ) أَيْ وَقْتَ الْإِقْرَارِ ( أَحْرَارٌ ) لِحُصُولِهِمْ قَبْلَ إقْرَارِهَا بِالرِّقِّ فَأَمَّا وَلَدٌ عَلِقَ بَعْدَ الْإِقْرَارِ فَإِنَّهُ يَكُونُ رَقِيقًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إذْ حُكِمَ بِرِقِّهَا وَوَلَدُ الرَّقِيقَةِ رَقِيقٌ وَحُرٌّ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِشَرْطِ حُرِّيَّةِ أَوْلَادِهِ مِنْهَا فَلَا تُصَدَّقُ عَلَى إبْطَالِ هَذَا الْحَقِّ

قَوْلُهُ مَجْهُولَةُ النَّسَبِ أَقَرَّتْ بِالرِّقِّ
إلَخْ ) ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي .
وَفِي الْمُحِيطِ عَنْ الْمَبْسُوطِ ( قَوْلُهُ حَتَّى إذَا عَلِقَ بَعْدَ الْإِقْرَارِ وَلَدٌ يَكُونُ رَقِيقًا ) يَعْنِي عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ ( قَوْلُهُ لَا حَقِّهِ وَحَقِّ الْأَوْلَادِ
إلَخْ ) يُرَدُّ عَلَى كَوْنِ إقْرَارِهَا غَيْرَ صَحِيحٍ فِي حَقِّهِ انْتِقَاضُ طَلَاقِهَا لِأَنَّهُ نُقِلَ فِي الْمُحِيطِ عَنْ الْمَبْسُوطِ إنْ طَلَّقَهَا ثِنْتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهَا صَارَتْ أَمَةً وَهَذَا حُكْمٌ يَخُصُّهَا ا هـ ثُمَّ نُقِلَ عَنْ الزِّيَادَاتِ وَلَوْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ تَطْلِيقَتَيْنِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ بِإِقْرَارِهَا مَلَكَ عَلَيْهَا الرَّجْعَةَ وَلَوْ عَلِمَ لَا يَمْلِكُ وَذَكَرَ فِي الْجَامِعِ لَا يَمْلِكُ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ قِيلَ مَا ذَكَرَ قِيَاسٌ وَمَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ اسْتِحْسَانٌ وَهُوَ الصَّحِيحُ ا هـ .
وَفِي الْكَافِي آلَى وَأَقَرَّتْ قَبْلَ شَهْرَيْنِ فَهُمَا مُدَّتُهُ وَإِنْ أَقَرَّتْ بَعْدَ مُضِيِّ شَهْرَيْنِ فَأَرْبَعَةٌ وَالْأَصْلُ أَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَ تَدَارَكَ مَا خَافَ فَوْتَهُ بِإِقْرَارِ الْغَيْرِ وَلَمْ يَتَدَارَكْ بَطَلَ حَقُّهُ لِأَنَّ فَوَاتَ حَقِّهِ مُضَافٌ إلَى تَقْصِيرِهِ حِينَئِذٍ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ التَّدَارُكُ لَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ فِي حَقِّهِ فَإِذَا أَقَرَّتْ بَعْدَ شَهْرٍ أَمْكَنَ لِلزَّوْجِ التَّدَارُكُ فِي شَهْرٍ بَعْدَهُ فَلَمْ يَصِرْ مُبْطِلًا حَقَّهُ وَإِذَا أَقَرَّتْ بَعْدَ شَهْرَيْنِ لَا يُمْكِنُهُ التَّدَارُكُ وَكَذَا الطَّلَاقُ وَالْعِدَّةُ حَتَّى لَوْ طَلَّقَهَا ثِنْتَيْنِ ثُمَّ أَقَرَّتْ يَمْلِكُ الثَّالِثَةَ وَلَوْ أَقَرَّتْ قَبْلَ الطَّلَاقِ تَبِينُ بِثِنْتَيْنِ وَلَوْ مَضَتْ مِنْ عِدَّتِهَا حَيْضَتَانِ ثُمَّ أَقَرَّتْ يَمْلِكُ الرَّجْعَةَ وَلَوْ مَضَتْ حَيْضَةٌ ثُمَّ أَقَرَّتْ تَبِينُ بِحَيْضَتَيْنِ وَالْأَصْلُ إمْكَانُ التَّدَارُكِ وَعَدَمِهِ .
ا هـ .

( مَجْهُولُ النَّسَبِ حَرَّرَ عَبْدَهُ ثُمَّ أَقَرَّ بِالرِّقِّ لِإِنْسَانٍ وَصَدَّقَهُ صَحَّ فِي حَقِّهِ ) حَتَّى صَارَ رَقِيقًا لَهُ ( دُونَ إبْطَالِ الْعِتْقِ ) حَتَّى بَقِيَ مُعْتَقُهُ حُرًّا ( فَإِنْ مَاتَ الْعَتِيقُ ) أَيْ الْعَبْدُ الَّذِي أَعْتَقَهُ مَجْهُولُ النَّسَبِ ( يَرِثُهُ وَارِثُهُ إنْ كَانَ ) أَيْ إنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ ( فَالْمُقَرُّ لَهُ ) أَيْ يَرِثُهُ الْمُقَرُّ لَهُ لِأَنَّهُ كَانَ لِلْمُقِرِّ وَقَدْ أَقَرَّ لِلْمُقَرِّ لَهُ ( فَإِنْ مَاتَ الْمُقِرُّ ثُمَّ الْعَتِيقُ فَإِرْثُهُ لِعَصَبَةِ الْمُقِرِّ ) لِأَنَّهُ لَمَّا مَاتَ انْتَقَلَ الْوَلَاءُ إلَيْهِمْ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ حَيًّا
( قَوْلُهُ فَإِنْ مَاتَ الْعَتِيقُ يَرِثُهُ وَارِثُهُ
إلَخْ ) كَذَا فِي الْكَافِي وَالْمُحِيطِ ثُمَّ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَإِنْ كَانَ لِلْمَيِّتِ بِنْتٌ كَانَ النِّصْفُ لَهَا وَالنِّصْفُ لِلْمُقَرِّ لَهُ ا هـ .
وَإِنْ جَنَى هَذَا الْعَتِيقُ سَعَى فِي جِنَايَتِهِ لِأَنَّهُ لَا عَاقِلَةَ لَهُ وَإِنْ جُنِيَ عَلَيْهِ يَجِبُ أَرْشُ الْعَبْدِ وَهُوَ كَالْمَمْلُوكِ فِي الشَّهَادَةِ لِأَنَّ حُرِّيَّتَهُ بِالظَّاهِرِ وَهُوَ يَصْلُحُ لِلدَّفْعِ لَا لِلِاسْتِحْقَاقِ

( قَالَ لِي عَلَيْك أَلْفٌ فَقَالَ الْحَقَّ أَوْ الصِّدْقَ أَوْ الْيَقِينَ أَوْ أَنْكَرَ ) أَيْ قَالَ حَقًّا أَوْ صِدْقًا أَوْ يَقِينًا ( أَوْ كَرَّرَ ) أَيْ قَالَ الْحَقَّ الْحَقَّ أَوْ الصِّدْقَ الصِّدْقَ أَوْ الْيَقِينَ الْيَقِينَ أَوْ حَقًّا حَقًّا أَوْ صِدْقًا صِدْقًا أَوْ يَقِينًا يَقِينًا ( أَوْ قَرَنَ بِهِ الْبِرَّ ) بِأَنْ قَالَ الْبِرَّ الْحَقَّ أَوْ الْحَقَّ الْبِرَّ إلَى آخِرِهِ ( كَانَ إقْرَارًا ) لِأَنَّهُ مِمَّا يُوصَفُ بِهِ الدَّعْوَى فَصَلَحَ لِلْجَوَابِ وَيُسْتَعْمَلُ فِي التَّصْدِيقِ عُرْفًا فَكَأَنَّهُ قَالَ ادَّعَيْتُ الْحَقَّ إلَى آخِرِهِ ( وَلَوْ قَالَ الْحَقُّ حَقٌّ أَوْ الصِّدْقُ صِدْقٌ أَوْ الْيَقِينُ يَقِينٌ لَا ) أَيْ لَا يَكُونُ إقْرَارًا لِأَنَّهُ كَلَامٌ تَامٌّ بِخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ لِلِابْتِدَاءِ

( قَالَ لِأَمَتِهِ يَا سَارِقَةُ يَا زَانِيَةُ يَا مَجْنُونَةُ يَا آبِقَةُ أَوْ قَالَ هَذِهِ السَّارِقَةُ فَعَلَتْ كَذَا وَبَاعَهَا فَوَجَدَ ) أَيْ الْمُشْتَرِي ( بِهَا ) أَيْ بِالْجَارِيَةِ ( وَاحِدًا مِنْهَا ) أَيْ مِنْ هَذِهِ الْعُيُوبِ ( لَا تُرَدُّ ) أَيْ الْأَمَةُ بَعْدَ الْبَيْعِ ( بِهِ ) أَيْ بِوَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ لِأَنَّ غَيْرَ الْأَخِيرِ نِدَاءٌ ، وَقَصْدُ الْمُنَادِي إعْلَامُ الْمُنَادَى وَإِحْضَارُهُ لَا تَحْقِيقُ الْوَصْفِ الَّذِي نَادَاهُ بِهِ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ يَا كَافِرَةُ لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا وَالْأَخِيرَةُ شَتِيمَةٌ ( بِخِلَافِ هَذِهِ سَارِقَةٌ أَوْ هَذِهِ آبِقَةٌ أَوْ هَذِهِ زَانِيَةٌ أَوْ مَجْنُونَةٌ ) حَيْثُ تُرَدُّ بِوَاحِدَةٍ مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ وَهُوَ لِتَحْقِيقِ الْوَصْفِ .
( وَ ) بِخِلَافِ ( يَا طَالِقُ أَوْ هَذِهِ الْمُطَلَّقَةُ فَعَلَتْ كَذَا ) حَيْثُ تَطْلُقُ امْرَأَتُهُ لِأَنَّهُ مُتَمَكِّنٌ مِنْ إثْبَاتِ هَذَا الْوَصْفِ شَرْعًا فَيُجْعَلُ كَلَامُهُ إيجَابًا لِيَكُونَ صَادِقًا فِيمَا تَكَلَّمَ بِهِ وَثَمَّةَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إثْبَاتِ تِلْكَ الْأَوْصَافِ فِيهَا وَكَانَ نِدَاءً وَشَتْمًا لَا تَحْقِيقًا وَوَصْفًا كَذَا فِي الْكَافِي

( كِتَابُ الشَّهَادَاتِ ) أَوْرَدَهُ عَقِيبَ كِتَابِ الْإِقْرَارِ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الشَّهَادَةِ بَعْدَ عَدَمِ الْإِقْرَارِ فَيَكُونُ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ فِي الِاعْتِبَارِ ( هِيَ ) أَيْ الشَّهَادَةُ ( إخْبَارٌ بِحَقٍّ لِلْغَيْرِ عَلَى آخَرَ ) سَوَاءٌ كَانَ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ حَقَّ غَيْرِهِ ( عَنْ يَقِينٍ ) أَيْ نَاشِئًا عَنْ يَقِينٍ ( لَا عَنْ حُسْبَانٍ وَتَخْمِينٍ ) وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا رَأَيْتَ مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ وَإِلَّا فَدَعْ } وَلِهَذَا قَالُوا إنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ الَّتِي بِمَعْنَى الْمُعَايَنَةِ ( وَشَرْطُهَا الْعَقْلُ الْكَامِلُ ) بِأَنْ يَكُونَ عَاقِلًا بَالِغًا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ ( وَالضَّبْطُ ) وَهُوَ حُسْنُ السَّمَاعِ وَالْفَهْمِ وَالْحِفْظِ إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ ( وَالْوَلَايَةُ ) بِأَنْ يَكُونَ حُرًّا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْقِنِّ
( كِتَابُ الشَّهَادَاتِ ) ( قَوْله هِيَ إخْبَارٌ بِحَقٍّ لِلْغَيْرِ عَلَى آخَرَ ) يَعْنِي بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ عِنْدَ الْقَاضِي كَمَا قَيَّدَهُ بِهِ فِي الْبُرْهَانِ قَوْلُهُ وَلِهَذَا قَالُوا إنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ الَّتِي بِمَعْنَى الْمُعَايَنَةِ ) لَوْ قَالَ كَالزَّيْلَعِيِّ فَلِهَذَا قَالُوا إنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْمُشَاهَدَةِ الَّتِي تُنْبِئُ عَنْ الْمُعَايَنَةِ لَكَانَ أَوْلَى ( قَوْلُهُ وَالْحِفْظُ إلَى وَقْتِ الْأَدَاءِ ) ظَاهِرُهُ اشْتِرَاطُ الْحِفْظِ مِنْ وَقْتِ التَّحَمُّلِ إلَى الْأَدَاءِ كَمَا فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ وَلِذَلِكَ قُلْت عَنْهُ الرِّوَايَةُ فِي بَابِ الْإِخْبَارِ وَعِنْدَهُمَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَرْوِيَ وَهَذَا خِلَافُ مَا سَيَذْكُرُهُ بِقَوْلِهِ وَلَا يَشْهَدُ مَنْ رَأَى خُطَّةً وَلَمْ يَذْكُرْهَا حَتَّى يَتَذَكَّرَ .
ا هـ .

( وَرُكْنُهَا ) الدَّاخِلُ فِي حَقِيقَتِهَا ( لَفْظُ أَشْهَدُ ) بِمَعْنَى الْخَبَرِ دُونَ الْقَسَمِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ حَتَّى إذَا تُرِكَ لَمْ تُقْبَلْ الشَّهَادَةُ

( وَحُكْمُهَا وُجُوبُ الْحُكْمِ عَلَى الْقَاضِي بِمُوجَبِهَا بَعْدَ التَّزْكِيَةِ ) وَالْقِيَاسُ يَأْبَى كَوْنَهَا حُجَّةً مُلْزِمَةً لِأَنَّهُ خَبَرٌ مُحْتَمِلٌ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ وَلَكِنَّهُ تُرِكَ بِالنُّصُوصِ وَالْإِجْمَاعِ
( قَوْلُهُ وُجُوبُ الْحُكْمِ عَلَى الْقَاضِي بِمُوجَبِهَا بَعْدَ التَّزْكِيَةِ ) اشْتِرَاطُ التَّزْكِيَةِ قَوْلُهُمَا وَهُوَ الْمُفْتَى بِهِ كَمَا سَيَأْتِي وَلَا يَجُوزُ لِلْقَاضِي تَأْخِيرُ الْحُكْمِ بَعْدَ وُجُودِ شَرَائِطِهِ إلَّا فِي ثَلَاثٍ رَجَاءِ الصُّلْحِ بَيْنَ الْأَقَارِبِ وَاسْتِمْهَالِ الْمُدَّعِي وَإِذَا كَانَ عِنْدَ الْقَاضِي رِيبَةٌ كَمَا فِي الْأَشْبَاهِ وَالنَّظَائِرِ

( وَتَجِبُ ) أَيْ الشَّهَادَةُ ( بِالطَّلَبِ ) أَيْ طَلَبِ الْمُدَّعِي ( فِي حَقِّ الْعَبْدِ ) وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ طَلَبُهُ لِأَنَّهَا حَقُّهُ فَيُشْتَرَطُ طَلَبُهُ كَمَا فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ ( إنْ لَمْ يُوجَدْ بَدَلُهُ )
( قَوْلُهُ وَتَجِبُ بِالطَّلَبِ فِي حَقِّ الْعَبْدِ إنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ ) كَذَا إنْ وُجِدَ وَلَكِنَّ هَذَا أَسْرَعُ قَبُولًا لَا يَسَعُهُ الِامْتِنَاعُ لِمَا فِيهِ مِنْ تَضْيِيعِ الْحَقِّ كَمَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى

وَلَا يَجُوزُ كِتْمَانُهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إذَا مَا دُعُوا } ثُمَّ إنَّهُ إنَّمَا يَأْثَمُ إذَا عَلِمَ أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ وَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْأَدَاءُ وَإِنْ عَلِمَ أَنَّ الْقَاضِيَ لَا يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ أَوْ كَانُوا جَمَاعَةً فَأَدَّى غَيْرُهُ مِمَّنْ يَقْبَلْ شَهَادَتَهُ فَقُبِلَتْ لَا يَأْثَمُ وَإِنْ أَدَّى غَيْرُهُ وَلَمْ يَقْبَلْ شَهَادَتَهُ يَأْثَمْ مَنْ لَمْ يُؤَدِّ إذَا كَانَ مِمَّنْ يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ لِأَنَّ امْتِنَاعَهُ يُؤَدِّي إلَى تَضْيِيعِ الْحَقِّ ( دُونَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ) فَإِنَّهَا تَجِبُ فِيهِ بِلَا طَلَبٍ ( كَعِتْقِ الْأَمَةِ وَطَلَاقِ الْمَرْأَةِ ) فَإِنَّ فِيهِمَا تَحْرِيمَ الْفَرْجِ ، وَتَرْكُ الشَّهَادَةِ فِيهِمَا رِضًا بِالْفِسْقِ وَالرِّضَا بِهِ فِسْقٌ ( وَسَتْرُهَا فِي الْحُدُودِ أَفْضَلُ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِلَّذِي شَهِدَ عِنْدَهُ { لَوْ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ لَكَانَ خَيْرًا لَكَ } وَتَلْقِينُهُ لِلدَّرْءِ بِقَوْلِهِ { لَعَلَّكَ لَمَسْتَهَا أَوْ قَبَّلْتَهَا } آيَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى رُجْحَانِ السَّتْرِ ( وَيَقُولُ فِي السَّرِقَةِ أَخَذَ لَا سَرَقَ ) إحْيَاءً لِحَقِّ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَرِعَايَةً لِجَانِبِ السَّتْرِ

( قَوْلُهُ وَلَا يَجُوزُ كِتْمَانُهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إذَا مَا دُعُوا } ) جَرَى عَلَى مَا عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ كَابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ أَنَّهُ فِي طَلَبِ إقَامَةِ الشَّهَادَةِ وَمَفْعُولُ وَلَا يَأْبَ مَحْذُوفٌ لِفَهْمِ الْمَعْنَى أَيْ لَا يَأْبَ إقَامَةَ الشَّهَادَةِ وَإِذَا دُعُوا ظَرْفٌ لِيَأْبَ أَيْ لَا يَمْتَنِعُونَ فِي وَقْتِ دَعْوَتِهِمْ لِأَدَائِهَا وَقَضِيَّةُ مَا قَرَّرَهُ الْحَافِظُ السُّيُوطِيّ أَنَّ الْآيَةَ فِي الطَّلَبِ لِلتَّحَمُّلِ وَهُوَ مَا جَرَى عَلَيْهِ قَتَادَةُ وَالرَّبِيعُ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ وَإِلَّا فَالْأَوْلَى الِامْتِنَاعُ ا هـ كَذَا فِي التَّفْسِيرِ لِلْعَلَّامَةِ مُحَمَّدٍ الْكَرْخِيِّ الشَّافِعِيِّ ا هـ .
وَالْحُكْمُ كَذَلِكَ عِنْدَنَا فِي أَوْلَوِيَّةِ امْتِنَاعِ التَّحَمُّلِ كَمَا قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى لَا بَأْسَ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يَتَحَرَّزَ عَنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَتَحَمُّلِهَا إنْ وُجِدَ غَيْرُهُ وَإِلَّا فَلَا يَسَعُهُ الِامْتِنَاعُ ا هـ .
( قَوْلُهُ ثُمَّ إنَّهُ إنَّمَا يَأْثَمُ
إلَخْ ) قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَهَذَا إذَا كَانَ مَوْضِعُ الشَّاهِدِ قَرِيبًا مِنْ مَوْضِعِ الْقَاضِي وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَغْدُوَ إلَى الْقَاضِي لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَيَرْجِعَ إلَى أَهْلِهِ فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ قَالُوا لَا يَأْثَمُ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ الضَّرَرُ بِذَلِكَ وَقَالَ تَعَالَى { وَلَا يُضَارُّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ } ثُمَّ إنْ كَانَ الشَّاهِدُ شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمَشْيِ إلَى مَوْضِعِ الْحَاكِمِ وَلَيْسَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَرْكُوبِ فَرَكَّبَهُ الْمُدَّعِي مِنْ عِنْدِهِ قَالُوا لَا بَأْسَ بِهِ وَتُقْبَلُ الشَّهَادَةُ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ إكْرَامِ الشُّهُودِ وَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ { أَكْرِمُوا الشُّهُودَ } وَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ وَرَكَّبَهُ الْمُدَّعِي مِنْ عِنْدِهِ قَالُوا لَا تُقْبَلُ ا هـ ( قَوْلُهُ وَتَلْقِينُهُ لِلدَّرْءِ ) مِنْ إضَافَةِ الْمَصْدَرِ لِفَاعِلِهِ وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّامُ فِي لِلدَّرْءِ لِلتَّعْلِيلِ وَقَالَ

الزَّيْلَعِيُّ فِيمَا نُقِلَ مِنْ تَلْقِينِ الْمُقِرِّ لِلدَّرْءِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى أَنَّ السِّتْرَ أَفْضَلُ

( وَنِصَابُهَا لِلزِّنَا أَرْبَعَةُ رِجَالٍ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ } وقَوْله تَعَالَى { ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ } .
( وَ ) نِصَابُهَا ( لِبَقِيَّةِ الْحُدُودِ وَالْقَوَدِ رَجُلَانِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ } وَلَا تُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةُ النِّسَاءِ لِمَا فِيهَا مِنْ شُبْهَةِ الْبَدَلِيَّةِ
( قَوْلُهُ وَنِصَابُهَا لِلزِّنَا أَرْبَعَةُ رِجَالٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ } ) الدَّلِيلُ وَإِنْ كَانَ لِإِثْبَاتِ الزِّنَا فِي جَانِبِ النِّسَاءِ مُثْبِتٌ الْحُكْمَ كَذَلِكَ لِلرِّجَالِ بِالْمُسَاوَاةِ ( قَوْلُهُ وَنِصَابُهَا لِبَقِيَّةِ الْحُدُودِ وَالْقَوَدِ رَجُلَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ } ) قَالَ الْكَرْخِيُّ الشَّافِعِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ { وَاسْتَشْهِدُوا } اُطْلُبُوا قَالَهُ الْبَيْضَاوِيُّ أَيْ فَالسِّينُ عَلَى بَابِهَا لِلطَّلَبِ وَيُحْتَمَلُ كَمَا قَالَ أَبُو حَيَّانَ وَغَيْرُهُ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ بِمَعْنَى افْعَلْ كَمَا قَالَهُ الْجَلَالُ السُّيُوطِيّ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَلَا تُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَةُ النِّسَاءِ ) لِمَا فِيهِ مِنْ شُبْهَةِ الْبَدَلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ } وَهُوَ آيَةُ الْبَدَلِيَّةِ وَشُبْهَةُ الْبَدَلِيَّةِ تَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ شَهَادَتَيْنِ فِيمَا يَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ لِأَنَّ الشُّبْهَةَ فِيهَا كَالْحَقِيقَةِ كَمَا فِي الْكَافِي

( وَ ) نِصَابُهَا ( لِلْوِلَادَةِ وَاسْتِهْلَالِ الصَّبِيِّ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَالْبَكَارَةِ وَعُيُوبِ النِّسَاءِ فِي مَوْضِعٍ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { شَهَادَةُ النِّسَاءِ جَائِزَةٌ فِيمَا لَا يَسْتَطِيعُ الرِّجَالُ النَّظَرَ إلَيْهِ } وَالْجَمْعُ الْمُحَلَّى بِاللَّامِ يُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ إذَا لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ مَعْهُودٌ إذْ الْكُلُّ لَيْسَ بِمُرَادٍ قَطْعًا فَيُرَادُ بِهِ الْأَقَلُّ لِتَيَقُّنِهِ ( وَ ) نِصَابُهَا ( لِغَيْرِهَا ) مِنْ الْحُقُوقِ سَوَاءٌ كَانَ ( مَالًا أَوْ غَيْرَهُ كَنِكَاحٍ وَطَلَاقٍ وَوَكَالَةٍ وَوَصِيَّةٍ وَاسْتِهْلَالِ الصَّبِيِّ لِلْإِرْثِ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ وَعَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا أَجَازَا شَهَادَةَ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ فِي النِّكَاحِ وَالْفُرْقَةِ كَمَا فِي الْأَمْوَالِ وَتَوَابِعِهَا ( وَلَزِمَ فِي الْكُلِّ ) فِي الصُّوَرِ الْأَرْبَعِ الْمَذْكُورَةِ ( لَفْظُ أَشْهَدُ لِلْقَبُولِ ) حَتَّى لَوْ قَالَ الشَّاهِدُ أَعْلَمُ أَوْ أَتَيَقَّنُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِأَنَّ النُّصُوصَ وَرَدَتْ بِهَذَا اللَّفْظِ ، وَجَوَازُ الْحُكْمِ بِالشَّهَادَةِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ
قَوْلُهُ وَوَصِيَّةٍ ) قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ الْمُرَادُ بِالْوَصِيَّةِ هَهُنَا الْإِيصَاءُ لِأَنَّهُ قَالَ أَوْ غَيْرَ مَالٍ فَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ الْوَصِيَّةَ لَكَانَ مَالًا ا هـ .
وَلَعَلَّ الْحَالَ لَا يَفْتَرِقُ فِي الْحُكْمِ بَيْنَ الشَّهَادَةِ بِالْوَصِيَّةِ وَالْإِيصَاءِ

( وَلَزِمَ أَيْضًا الْعَدَالَةُ ) وَهِيَ كَوْنُ حَسَنَاتِ الرَّجُلِ أَكْثَرَ مِنْ سَيِّئَاتِهِ وَهَذَا يَتَنَاوَلُ الِاجْتِنَابَ مِنْ الْكَبَائِرِ وَتَرْكَ الْإِصْرَارِ عَلَى الصَّغَائِرِ لِأَنَّ الصَّغِيرَةَ تَكُونُ كَبِيرَةً بِالْإِصْرَارِ عَلَى مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ { لَا صَغِيرَةَ مَعَ الْإِصْرَارِ وَلَا كَبِيرَةَ مَعَ الِاسْتِغْفَارِ } ( لِوُجُوبِهِ ) أَيْ وُجُوبِ الْقَبُولِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } وَلِأَنَّ الْخَبَرَ يَحْتَمِلُ الصِّدْقَ وَالْكَذِبَ ، وَالْحُجَّةُ هُوَ الْخَبَرُ الصِّدْقُ وَبِالْعَدَالَةِ يَتَرَجَّحُ جِهَةُ الصِّدْقِ إذْ مَنْ ارْتَكَبَ غَيْرَ الْكَذِبِ مِنْ الْمَحْظُورَاتِ يَرْتَكِبُ الْكَذِبَ أَيْضًا وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطُ وُجُوبِ الْعَمَلِ بِالشَّهَادَةِ لَا شَرْطُ أَهْلِيَّةِ الشَّهَادَةِ لِأَنَّ الْفَاسِقَ أَهْلٌ لِلْوِلَايَةِ وَالْقَضَاءِ وَالسَّلْطَنَةِ وَالْإِمَامَةِ وَالشَّهَادَةِ عِنْدَنَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنَّ الْفَاسِقَ إذَا كَانَ وَجِيهًا فِي النَّاسِ ذَا مُرُوءَةٍ يَقْبَلُ شَهَادَتَهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّ شَهَادَتَهُ لَا تُقْبَلُ إلَّا أَنَّ الْقَاضِيَ لَوْ قَضَى بِشَهَادَتِهِ يَصِحُّ عِنْدَنَا كَذَا فِي الْكَافِي

( وَهِيَ ) أَيْ الشَّهَادَةُ ( لَوْ ) كَانَتْ ( عَلَى حَاضِرٍ تَجِبُ الْإِشَارَةُ ) أَيْ إشَارَةُ الشَّاهِدِ ( إلَى ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ ) أَعْنِي ( الْخَصْمَيْنِ ) أَيْ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( وَالْمَشْهُودَ بِهِ لَوْ ) كَانَ ( عَيْنًا ) احْتِرَازًا عَنْ الدَّيْنِ ( وَلَوْ ) كَانَتْ ( عَلَى غَائِبٍ أَوْ مَيِّتٍ فَسَمَّوْهُ وَنَسَبُوهُ إلَى أَبِيهِ فَقَطْ ) بِأَنْ قَالُوا فُلَانٌ ابْنُ فُلَانٍ ( لَا تُقْبَلُ حَتَّى يَنْسُبُوهُ إلَى جَدِّهِ وَلَا يَنُوبُهُ صِنَاعَتُهُ ) أَيْ إنْ ذَكَرُوا اسْمَهُ وَاسْمَ أَبِيهِ وَصِنَاعَتَهُ لَا يَكْفِي ( إلَّا إذَا كَانَ مَعْرُوفًا بِهَا ) بِأَنْ لَا يَكُونَ فِي بَلَدِهِ شَرِيكٌ لَهُ فِي تِلْكَ الصِّنَاعَةِ وَإِنْ ذَكَرَ اسْمَهُ وَاسْمَ أَبِيهِ وَقَبِيلَتِهِ وَحِرْفَتِهِ وَلَمْ يَكُنْ فِي مَحَلَّتِهِ رَجُلٌ آخَرُ بِهَذَا الِاسْمِ وَهَذِهِ الْحِرْفَةِ يَكْفِي وَإِنْ كَانَ آخَرُ مِثْلَهُ لَا يَكْفِي حَتَّى يَذْكُرَ شَيْئًا آخَرَ يُفِيدُ التَّمْيِيزَ وَلَوْ ذَكَرَ اسْمَهُ وَاسْمَ أَبِيهِ وَفَخِذَهُ أَوْ صِنَاعَتَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْجَدَّ تُقْبَلُ فَشَرْطُ التَّعْرِيفِ ذِكْرُ ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ فَعَلَى هَذَا لَوْ ذَكَرَ لَقَبَهُ وَاسْمَهُ وَاسْمَ أَبِيهِ قِيلَ يَكْفِي وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَكْفِي وَفِي اشْتِرَاطِ ذِكْرِ الْجَدِّ اخْتِلَافٌ ( وَلَوْ قَضَى بِلَا ذِكْرِ الْجَدِّ نَفَذَ ) وَكَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ

( قَوْلُهُ بِأَنْ لَا يَكُونَ فِي بَلَدِهِ شَرِيكٌ لَهُ فِي تِلْكَ الصِّنَاعَةِ ) لَمْ يُشْتَرَطْ هَذَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ بَلْ قَالَ وَلَوْ ذَكَرُوا اسْمَهُ وَاسْمَ أَبِيهِ وَصِنَاعَتَهُ لَا يَكْفِي إلَّا إذَا كَانَتْ الصِّنَاعَةُ يُعْرَفُ بِهَا لَا مَحَالَةَ فَحِينَئِذٍ يَكْفِي ا هـ .
( قَوْلُهُ وَلَوْ ذَكَرَ اسْمَهُ وَاسْمَ أَبِيهِ وَفَخْذَهُ أَوْ صِنَاعَتَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ الْجَدَّ تُقْبَلُ
إلَخْ ) قَوْلُهُ لِغَيْرِ الْقَائِلِ لِمَا تَقَدَّمَ نَقْلُهُ بَعْدَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ رَاقِمًا بِعَلَامَةِ صط ثُمَّ قَالَ صَاحِبُ الْجَامِعِ الْقَوْلُ الصَّحِيحُ التَّعْرِيفُ لَا تَكْثِيرُ الْحُرُوفِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَكْفِيَ ذِكْرُ مَا يَحْصُلُ بِهِ التَّعْرِيفُ فَلَوْ كَانَ مَعْرُوفًا بِلَقَبِهِ وَجَدِّهِ يَنْبَغِي أَنْ يَكْفِيَ ذِكْرُ لَقَبِهِ وَجَدِّهِ .
ا هـ .

( وَلَا يَسْأَلُ عَنْ شَاهِدٍ بِلَا طَعْنِ الْخَصْمِ ) يَعْنِي أَنَّ الْقَاضِيَ يَقْتَصِرُ عَلَى ظَاهِرِ الْعَدَالَةِ فِي الْمُسْلِمِ وَلَا يَسْأَلُ وَلَا يَتَفَحَّصُ أَنَّ الشَّاهِدَ عَدْلٌ أَوْ لَا إذَا لَمْ يَطْعَنْ فِيهِ الْخَصْمُ وَإِذَا طَعَنَ سَأَلَ الْقَاضِي عَنْهُ فِي السِّرِّ وَزَكَّى فِي الْعَلَانِيَةِ ( إلَّا فِي حَدٍّ وَقَوَدٍ ) فَإِنَّهُ يَسْأَلُ فِي السِّرِّ وَيُزَكِّي فِي الْعَلَانِيَةِ فِيهِمَا بِالْإِجْمَاعِ طَعَنَ الْخَصْمُ أَوْ لَا لِأَنَّهُ يَحْتَالُ لِإِسْقَاطِهَا فَيُشْتَرَطُ الِاسْتِقْصَاءُ فِيهِمَا ( وَعِنْدَهُمَا يَسْأَلُ فِي الْكُلِّ سِرًّا وَعَلَنًا ) وَإِنْ لَمْ يَطْعَنْ الْخَصْمُ لِأَنَّ بِنَاءَ الْقَضَاءِ عَلَى الْحُجَّةِ وَهِيَ شَهَادَةُ الْعَدْلِ فَيَتَعَرَّفُ عَنْ الْعَدَالَةِ ( وَبِهِ يُفْتِي ) ثُمَّ التَّزْكِيَةُ فِي السِّرِّ أَنْ يَبْعَثَ قِطْعَةَ قِرْطَاسٍ كَتَبَ فِيهِ أَسْمَاءَ الشُّهُودِ وَحِلْيَتَهُمْ وَيَلْتَمِسَ مِنْ الْمُزَكِّي تَعْرِيفَ حَالِهِمْ ، وَالتَّزْكِيَةُ فِي الْعَلَانِيَةِ أَنْ يَجْمَعَ الْقَاضِي بَيْنَ الْمُزَكِّي وَالشُّهُودِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَيَسْأَلُ الْمُزَكِّي عَنْ الشُّهُودِ بِحَضْرَةِ الشُّهُودِ أَهَؤُلَاءِ عُدُولٌ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ لِيُزَكِّيَهُمْ أَوْ يَجْرَحَهُمْ وَوَقَعَ الِاكْتِفَاءُ بِتَزْكِيَةِ السِّرِّ فِي زَمَانِنَا لِأَنَّ تَزْكِيَةَ الْعَلَانِيَةِ بَلَاءٌ وَفِتْنَةٌ إذْ الشُّهُودُ وَالْمُدَّعِي يُقَابِلُونَ الْجَارِحَ بِالْأَذَى وَالْإِضْرَارِ بِهِ ( وَكَفَى لِلتَّزْكِيَةِ أَنْ يَقُولَ الْمُزَكِّي ) أَيْ يَكْتُبَ الْمُزَكِّي فِي ذَلِكَ الْقِرْطَاسِ تَحْتَ اسْمِهِ ( هُوَ عَدْلٌ ) وَمَنْ عَرَفَهُ بِالْفِسْقِ لَا يَكْتُبُ شَيْئًا احْتِرَازًا عَنْ الْهَتْكِ أَوْ يَكْتُبُ اللَّهُ أَعْلَمُ ( وَإِنْ لَمْ يَقُلْ جَائِزُ الشَّهَادَةِ ) قَالَ فِي الْكَافِي ثُمَّ قِيلَ لَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ الْمُعَدِّلُ هُوَ عَدْلٌ جَائِزُ الشَّهَادَةِ إذْ الْعَبْدُ أَوْ الْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ إذَا تَابَ قَدْ يُعَدَّلُ وَالْأَصَحُّ أَنْ يُكْتَفَى بِقَوْلِهِ هُوَ عَدْلٌ لِثُبُوتِ الْحُرِّيَّةِ بِالدَّارِ أَقُولُ فِيهِ إشْكَالٌ لِأَنَّ الْمَحْدُودَ فِي الْقَذْفِ التَّائِبَ قَدْ يَكُونُ عَدْلًا كَمَا

ذَكَرَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ قَوْلِهِ جَائِزُ الشَّهَادَةِ لِيَخْرُجَ وَهَذَا لَا يُرَدُّ عَلَى عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ إذْ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا الْمَحْدُودَ فِي الْقَذْفِ لَكِنْ لَا بُدَّ فِيهِ أَيْضًا مِنْ اعْتِبَارِ هَذَا الْقَيْدِ لِيُخْرِجَهُ فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ الِاكْتِفَاءُ بِقَوْلِهِ هُوَ عَدْلٌ أَصَحَّ
( قَوْلُهُ وَلَا يَسْأَلُ عَنْ شَاهِدٍ بِلَا طَعْنِ الْخَصْمِ ) قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( قَوْلُهُ وَيَلْتَمِسُ مِنْ الْمُزَكِّي تَعْرِيفَ حَالِهِمْ ) كَيْفِيَّتُهُ أَنَّ مَنْ عَرَفَ بِالْعَدَالَةِ يَكْتُبُ تَحْتَ اسْمِهِ فِي كِتَابِ الْقَاضِي إنَّهُ عَدْلٌ جَائِزُ الشَّهَادَةِ وَمَنْ عَرَفَهُ بِالْفِسْقِ يَسْكُتُ وَلَا يَكْتُبُ احْتِرَازًا عَنْ الْهَتْكِ وَيَقُولُ اللَّهُ أَعْلَمُ إلَّا إذَا عَدَّلَهُ غَيْرُهُ وَخَافَ أَنْ يَحْكُمَ الْقَاضِي بِشَهَادَتِهِ فَحِينَئِذٍ يُصَرِّحُ بِهِ وَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ يَكْتُبُ تَحْتَ اسْمِهِ إنَّهُ مَسْتُورٌ وَيَرُدُّ الْعُدُولُ الْمَسْتُورَةَ سِرًّا كَيْ لَا تَظْهَرَ فَيُؤْذَى كَذَا فِي التَّبْيِينِ قَوْلُهُ وَمَنْ عَرَفَهُ بِالْفِسْقِ لَا يَكْتُبُ شَيْئًا ) يَعْنِي مَا لَمْ يُعَدِّلْهُ غَيْرُهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فَحِينَئِذٍ يُصَرِّحُ بِفِسْقِهِ ثُمَّ إنَّ الْمُصَنِّفَ لَمْ يَذْكُرْ مَا إذَا لَمْ يَعْلَمْ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ ( قَوْلُهُ أَقُولُ فِيهِ إشْكَالٌ
إلَخْ ) يُمْكِنُ دَفْعُهُ بِالنَّظَرِ إلَى الْغَالِبِ

( وَلَا يَصِحُّ تَعْدِيلُ الْخَصْمِ ) هَكَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَعْنِي أَنَّ تَعْدِيلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الشُّهُودَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ مِنْ زَعْمِ الْمُدَّعِي وَشُهُودِهِ أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ظَالِمٌ كَاذِبٌ فِي الْإِنْكَارِ ، وَتَزْكِيَةُ الْكَاذِبِ الْفَاسِقِ لَا تَصِحُّ وَعِنْدَهُمَا تَصِحُّ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهِ بِأَنْ كَانَ عَدْلًا لَكِنْ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا بُدَّ مِنْ ضَمِّ آخَرَ إلَيْهِ لِعَدَمِ جَوَازِ تَعْدِيلِ الْوَاحِدِ وَأَبُو يُوسُفَ يُجَوِّزُهُ كَمَا سَيَأْتِي وَالْمُرَادُ بِتَعْدِيلِهِ تَزْكِيَتُهُ ( بِقَوْلِهِ هُمْ عُدُولٌ لَكِنَّهُمْ أَخْطَئُوا أَوْ نَسَوْا وَهُمْ عُدُولٌ ) وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا ( وَأَمَّا لَوْ قَالَ صَدَقُوا أَوْ عُدُولٌ صَدَّقَهُ فَقَدْ لَزِمَ الْحُكْمُ ) لِأَنَّهُ إقْرَارٌ مِنْهُ بِثُبُوتِ الْحَقِّ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ هُمْ عُدُولٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ لِأَنَّهُمْ مَعَ كَوْنِهِمْ عُدُولًا يَجُوزُ مِنْهُمْ النِّسْيَانُ وَالْخَطَأُ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ عَدْلًا أَنْ يَكُونَ كَلَامُهُ صَوَابًا
( قَوْلُهُ وَلَا يَصِحُّ تَعْدِيلُ الْخَصْمِ هَكَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ ) هَذَا تَفْرِيعٌ مِنْ الْإِمَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى السُّؤَالَ عَنْ الشُّهُودِ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِ فَلَا يَتَأَتَّى ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَرَى السُّؤَالَ عَنْ الشُّهُودِ نَظِيرُهُ تَفْرِيعُهُ فِي الْمُزَارَعَةِ

( كَفَى وَاحِدٌ لِلتَّزْكِيَةِ وَلِتَرْجَمَةِ الشَّاهِدِ وَالرِّسَالَةِ إلَى الْمُزَكِّي ) لِأَنَّ التَّزْكِيَةَ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا إلَّا الْعَدَالَةُ حَتَّى تَجُوزَ تَزْكِيَةُ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ وَالْأَعْمَى وَالْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ التَّائِبِ لِأَنَّ خَبَرَهُمْ مَقْبُولٌ فِي الْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ ( وَالْأَحْوَطُ اثْنَانِ ) لِأَنَّ فِيهِ زِيَادَةُ طُمَأْنِينَةٍ هَذَا كُلُّهُ فِي تَزْكِيَةِ السِّرِّ وَأَمَّا تَزْكِيَةُ الْعَلَانِيَةِ فَيُشْتَرَطُ فِيهَا جَمِيعُ مَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ مِنْ الْحُرِّيَّةِ وَالْبَصَرِ وَغَيْرِهِمَا سِوَى لَفْظِ الشَّهَادَةِ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّ مَعْنَى الشَّهَادَةِ فِيهَا أَظْهَرُ وَلِذَا تَخْتَصُّ بِمَجْلِسِ الْقَضَاءِ

( قَوْلُهُ كَفَى وَاحِدٌ لِلتَّزْكِيَةِ وَلِتَرْجَمَةِ
إلَخْ ) هَذَا قَوْلُ الْإِمَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَكَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ الَّذِي وَعَدَ بِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ بِقَوْلِهِ وَأَبُو يُوسُفَ يُجَوِّزُهُ كَمَا سَيَأْتِي ا هـ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُشْتَرَطُ فِي التَّزْكِيَةِ مَا يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ مِنْ الْعَدَدِ وَوَصْفِ الذُّكُورَةِ حَتَّى يُشْتَرَطَ فِي تَزْكِيَةِ شُهُودِ الزِّنَا أَرْبَعَةُ ذُكُورٍ وَفِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ رَجُلَانِ وَفِي الْحُقُوقِ يَجُوزُ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ وَفِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ رَتَّبَهَا مَرَاتِبَ الشَّهَادَةِ ا هـ .
وَتَرْجَمَةُ الْأَعْمَى مَقْبُولَةٌ عِنْدَ الْكُلِّ كَمَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( قَوْلُهُ حَتَّى تَجُوزَ تَزْكِيَةُ الْعَبْدِ
إلَخْ ) كَذَا يَجُوزُ تَزْكِيَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ الْآخَرَ وَتَزْكِيَةُ الْوَالِدِ وَلَدَهُ وَبِالْقَلْبِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ وَالْأَحْوَطُ اثْنَانِ ) كَذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَالْأَحْوَطُ فِي الْكُلِّ اثْنَانِ إلَّا أَنَّهُ قَالَ قَبْلَهُ .
وَفِي الْمُحِيطِ أَجَازَ تَزْكِيَةَ الصَّبِيِّ وَقَالُوا يُشْتَرَطُ الذُّكُورَةُ وَعَدَدُ الشَّهَادَةِ فِي تَزْكِيَةِ شُهُودِ الْحَدِّ بِالْإِجْمَاعِ وَيَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَخْتَارَ فِي الْمَسْأَلَةِ عَنْ الشُّهُودِ مَنْ هُوَ أَخْبَرُ بِأَحْوَالِ النَّاسِ وَأَكْثَرُهُمْ اخْتِلَاطًا بِالنَّاسِ مَعَ عَدَالَتِهِ عَارِفًا بِمَا يَكُونُ جَرْحًا وَمَا لَا يَكُونُ جَرْحًا غَيْرَ طَمَّاعٍ وَلَا فَقِيرٍ كَيْ لَا يُخْدَعَ بِالْمَالِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي جِيرَانِهِ وَلَا أَهْلِ سُوقِهِ مَنْ يَثِقُ بِهِ سَأَلَ أَهْلَ مَحَلَّتِهِ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ مِنْهُمْ ثِقَةً اعْتَبَرَ فِيهِمْ تَوَاتُرَ الْأَخْبَارِ .
ا هـ .

( لِسَامِعٍ ) أَيْ يَجُوزُ لِسَامِعِ ( مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَقْوَالِ ) كَالْبَيْعِ بِأَنْ سَمِعَ قَوْلَ الْبَائِعِ بِعْتُ وَقَوْلَ الْمُشْتَرِي اشْتَرَيْتُ وَالْإِقْرَارِ بِأَنْ سَمِعَ قَوْلَ الْمُقِرِّ لِفُلَانٍ عَلَيَّ كَذَا ( أَوْ رَأَى مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَفْعَالِ ) كَحُكْمِ قَاضٍ أَوْ غَصْبٍ أَوْ قَتْلٍ ( أَنْ يَشْهَدَ بِهِ ) فَاعِلُ قَوْلِهِ يَجُوزُ الْمُقَدَّرِ فِي قَوْلِهِ لِسَامِعٍ ( وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ ) وَيَقُولُ أَشْهَدُ أَنَّهُ بَاعَ أَوْ أَقَرَّ لِأَنَّهُ عَايَنَ السَّبَبَ فَوَجَبَ عَلَيْهِ الشَّهَادَةُ بِهِ كَمَا عَايَنَ هَذَا إذَا كَانَ الْبَيْعُ بِالْعَقْدِ ظَاهِرًا وَإِنْ كَانَ بِالتَّعَاطِي فَكَذَا لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْبَيْعِ مُبَادَلَةُ الْمَالِ بِالْمَالِ وَقَدْ وُجِدَ وَقِيلَ لَا يَشْهَدُونَ عَلَى الْبَيْعِ بَلْ عَلَى الْأَخْذِ وَالْإِعْطَاءِ لِأَنَّهُ بَيْعٌ حُكْمِيٌّ لَا حَقِيقِيٌّ ( وَيَقُولُ أَشْهَدُ لَا أَشْهِدْنِي ) كَيْلًا يَكُونُ كَاذِبًا
( قَوْلُهُ لِسَامِعٍ أَيْ يَجُوزُ لِسَامِعٍ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَقْوَالِ
إلَخْ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ إذَا دُعِيَ إلَيْهِ .
ا هـ .

( وَلَا يَسَعُهُ الشَّهَادَةُ بِسَمَاعِهِ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ ) أَيْ لَوْ سَمِعَ الشَّاهِدُ صَوْتَ مَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ غَيْرَهُ إذْ النَّغْمَةُ تُشْبِهُ النَّغْمَةَ ( إلَّا إذَا تَعَيَّنَ الْقَائِلُ ) بِأَنْ يَكُونَ فِي الْبَيْتِ وَحْدَهُ وَعَلِمَ الشَّاهِدُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ غَيْرُهُ ثُمَّ جَلَسَ عَلَى الْمَسْلَكِ وَلَيْسَ فِيهِ مَسْلَكٌ غَيْرُهُ فَسَمِعَ إقْرَارَ الدَّاخِلِ وَلَمْ يَرَهُ إذْ حِينَئِذٍ يَحْصُلُ بِهِ الْعِلْمُ لَكِنْ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ لَا يَقْبَلَهُ إذَا فَسَّرَ لَهُ إذْ لَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ جَوَازِ الشَّهَادَةِ الْقَبُولُ عِنْدَ التَّفْسِيرِ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ بِالتَّسَامُعِ تُقْبَلُ فِي بَعْضِ الْحَوَادِثِ لَكِنْ إذَا صَرَّحَ بِهِ لَا تُقْبَلُ كَمَا سَيَأْتِي
قَوْلُهُ بِأَنْ يَكُونَ فِي الْبَيْتِ وَحْدَهُ وَعَلِمَ الشَّاهِدُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الْبَيْتِ غَيْرُهُ
إلَخْ ) قَالَ فِي الْكَافِي وَعَلِمَ الشَّاهِدُ ذَلِكَ بِأَنْ دَخَلَ الْبَيْتَ وَعَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ غَيْرُهُ ثُمَّ خَرَجَ وَقَعَدَ
إلَخْ ( قَوْلُهُ لَكِنْ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ لَا يَقْبَلَهُ
إلَخْ ) كَذَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ

( أَوْ يَرَى شَخْصٌ الْقَائِلَةَ وَيَشْهَدُ عِنْدَهُ اثْنَانِ أَنَّهَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ ) قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ إذَا أَقَرَّتْ امْرَأَةٌ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ وَشَهِدَ عِنْدَهُ اثْنَانِ أَنَّهَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ لَا يَجُوزُ لِمَنْ سَمِعَ إقْرَارَهَا أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهَا إلَّا إذَا رَأَى شَخْصَهَا يَعْنِي حَالَ مَا أَقَرَّتْ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى إقْرَارِهَا بِشَرْطِ رُؤْيَةِ شَخْصِهَا لَا رُؤْيَةِ وَجْهِهَا قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْإِسْكَافُ الْمَرْأَةُ إذَا حَسَرَتْ عَنْ وَجْهِهَا فَقَالَتْ أَنَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانِ بْنِ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ وَقَدْ وَهَبْتُ لِزَوْجِي مَهْرِي فَإِنَّ الشُّهُودَ لَا يَحْتَاجُونَ إلَى شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ أَنَّهَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ مَا دَامَتْ حَيَّةً إذْ يُمْكِنُ لِلشَّاهِدِ أَنْ يُشِيرَ إلَيْهَا فَإِنْ مَاتَتْ فَحِينَئِذٍ يَحْتَاجُ الشُّهُودُ إلَى شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ أَنَّهَا فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانِ ابْنِ فُلَانٍ كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ

( قَوْلُهُ أَوْ يَرَى شَخْصَ الْقَائِلَةِ وَيَشْهَدُ عِنْدَهُ اثْنَانِ
إلَخْ ) شَرْطُ نِصَابِ الشَّهَادَةِ وَأَطْلَقَ فِي ذَلِكَ فَشَمِلَ تَعْرِيفَ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لَهَا كَالْأَبِ وَالزَّوْجِ وَبِهِ صَرَّحَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ وَصِحَّةُ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمُنْتَقِبَةِ قَالَ بِهِ بَعْضُ مَشَايِخِنَا عِنْدَ التَّعْرِيفِ وَلَوْ أَخْبَرَ الْعَدْلَانِ أَنَّ هَذِهِ الْمُقِرَّةَ فُلَانَةُ بِنْتُ فُلَانٍ تَكْفِي هَذِهِ الشَّهَادَةُ عَلَى الِاسْمِ وَالنَّسَبِ عِنْدَهُمَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى فَإِنْ عَرَفَهَا بِاسْمِهَا وَنَسَبَهَا عَدْلَانِ يَنْبَغِي لِلْعَدْلَيْنِ أَنْ يَشْهَدَ الْفَرْعُ عَلَى شَهَادَتِهِمَا كَمَا هُوَ طَرِيقُ الْإِشْهَادِ عَلَى الشَّهَادَةِ حَتَّى يَشْهَدَا عِنْدَ الْقَاضِي عَلَى شَهَادَتِهِمَا بِالِاسْمِ وَالنَّسَبِ وَيَشْهَدَا بِأَصْلِ الْحَقِّ أَصَالَةً فَيَجُوزُ وِفَاقًا وَعَنْ ابْنِ مُقَاتِلٍ لَوْ سَمِعَ إقْرَارَ امْرَأَةٍ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ وَشَهِدَ عِنْدَهُ اثْنَانِ أَنَّهَا فُلَانَةُ وَذَكَرَ نَسَبَهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهَا أَطْلَقَ الْجَوَابَ إطْلَاقًا وَقَالَ : " ت " لَمْ يَجُزْ أَنْ يَشْهَدَ إلَّا إذَا رَأَى شَخْصًا حَالَ إقْرَارِهَا فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى إقْرَارِهَا بِشَرْطِ رُؤْيَةِ شَخْصِهَا لَا رُؤْيَةِ وَجْهِهَا .
ا هـ .

( وَلَا يَشْهَدُ عَلَى الشَّهَادَةِ مَا لَمْ يُشْهَدْ عَلَيْهَا ) لِأَنَّهَا تُصْرَفُ عَلَى الْأَصِيلِ بِإِزَالَةِ وِلَايَتِهِ فِي تَنْفِيذِ قَوْلِهِ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ، وَإِزَالَةُ الْوِلَايَةِ الثَّابِتَةِ لِلْغَيْرِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِنَابَةِ وَالتَّحَمُّلِ مِنْهُ
( قَوْلُهُ وَلَا يَشْهَدُ عَلَى الشَّهَادَةِ مَا لَمْ يُشْهَدْ عَلَيْهَا ) قَالَ فِي النِّهَايَةِ هَذَا إذَا سَمِعَهُ فِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَاضِي أَمَّا لَوْ سَمِعَ شَاهِدًا يَشْهَدُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى شَهَادَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْهُ كَذَا فِي الْجَوْهَرَةِ

( وَلَا ) يَشْهَدُ أَيْضًا ( مَنْ رَأَى خَطَّهُ ) أَيْ الَّذِي كَتَبَ فِيهِ شَهَادَتَهُ ( وَلَمْ يَذْكُرْهَا ) أَيْ شَهَادَتَهُ ( كَذَا الْقَاضِي ) يَعْنِي إذَا وَجَدَ فِي دِيوَانِهِ إقْرَارَ رَجُلٍ لِرَجُلٍ بِحَقٍّ أَوْ شَهَادَةِ شُهُودٍ شَهِدُوا لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ بِحَقٍّ وَهُوَ لَا يَذْكُرُهُ لَا يَحْكُمُ بِهِ وَلَا يُنَفِّذُهُ حَتَّى يَتَذَكَّرَهُ .
( وَ ) كَذَا ( الرَّاوِي ) يَعْنِي إذَا لَمْ يَتَذَكَّرْ لَا يَحِلُّ لَهُ الرِّوَايَةُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَحِلُّ إلَّا عَنْ عِلْمٍ وَلَا عِلْمَ هُنَا لِأَنَّ الْخَطَّ يُشْبِهُ الْخَطَّ ( وَلَوْ بِالتَّسَامُعِ إلَّا فِي النَّسَبِ وَالْمَوْتِ وَالنِّكَاحِ وَالدُّخُولِ وَوِلَايَةِ الْقَاضِي وَأَصْلِ الْوَقْفِ ) فَإِنَّ الشَّهَادَةَ بِالتَّسَامُعِ جَائِزَةٌ فِيهَا ( إذَا أَخْبَرَ بِهَا رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ عُدُولًا ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَجُوزَ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ لَا تَجُوزُ إلَّا بِعِلْمٍ كَمَا مَرَّ وَلَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ إلَّا بِالْمُشَاهَدَةِ وَالْعِيَانِ أَوْ بِالْخَبَرِ الْمُتَوَاتِرِ وَلَمْ يُوجَدْ فَصَارَ كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ حُكْمَ الْمَالِ أَسْهَلُ مِنْ حُكْمِ النِّكَاحِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ تَخْتَصُّ بِمُعَايَنَةِ أَسْبَابِهَا خَوَاصُّ مِنْ النَّاسِ وَيَتَعَلَّقُ بِهَا أَحْكَامٌ تَبْقَى عَلَى انْقِضَاءِ الْقُرُونِ وَانْقِرَاضِ الْأَعْصَارِ فَلَوْ لَمْ تُقْبَلْ فِيهَا الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ أَدَّى إلَى الْحَرَجِ وَتَعْطِيلِ تِلْكَ الْأَحْكَامِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالْهِبَةِ وَالْإِجَارَةِ وَنَحْوِهَا لِأَنَّهُ كَلَامٌ يَسْمَعُهُ كُلُّ أَحَدٍ وَإِنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ بِالتَّسَامُعِ إذَا حَصَلَ لَهُ الْعِلْمُ بِالتَّوَاتُرِ أَوْ بِالِاشْتِهَارِ أَوْ بِإِخْبَارِ مَنْ يَثِقُ بِهِ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يُخْبِرَهُ رَجُلَانِ عَدْلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ لِأَنَّهُ أَقَلُّ نِصَابٍ يُفِيدُ الْعِلْمَ الَّذِي يُبْتَنَى عَلَيْهِ الْحُكْمُ فِي الْمُعَامَلَاتِ وَقِيلَ يَكْتَفِي فِي الْمَوْتِ بِإِخْبَارِ وَاحِدٍ أَوْ وَاحِدَةٍ لِأَنَّ النَّاسَ يَكْرَهُونَ مُشَاهَدَةَ تِلْكَ الْحَالَةِ فَلَا يَحْضُرُهُ غَالِبًا إلَّا

وَاحِدٌ أَوْ وَاحِدَةٌ بِخِلَافِ النَّسَبِ وَالنِّكَاحِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُطْلِقَ أَدَاءَ الشَّهَادَةِ بِأَنْ يَقُولَ أَشْهَدُ أَنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ مَاتَ وَلَا يُفَسِّرُ حَتَّى لَوْ فَسَّرَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ شَهِدَ بِالتَّسَامُعِ لَمْ يَقْبَلْ شَهَادَتَهُ هُوَ الصَّحِيحُ وَإِنَّمَا قَالَ أَصْلُ الْوَقْفِ لِأَنَّهُ يَبْقَى عَلَى انْقِرَاضِ الْقُرُونِ دُونَ شَرَائِطِهِ لِأَنَّ أَصْلَ الْوَقْفِ يَشْتَهِرُ فَأَمَّا شَرَائِطُهُ الَّتِي شَرَطَهَا الْوَاقِفُ فَلَا تَشْتَهِرُ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْجِهَةِ بِأَنْ يَشْهَدُوا أَنَّ هَذَا وَقْفٌ عَلَى الْمَسْجِدِ أَوْ الْمَقْبَرَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ حَتَّى لَوْ لَمْ يَذْكُرُوا ذَلِكَ فِي شَهَادَتِهِمْ لَا يَقْبَلُ شَهَادَتَهُمْ وَتَأْوِيلُ قَوْلِهِمْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ عَلَى شَرَائِطِ الْوَاقِفِ إنْ بَعُدَ مَا ذَكَرُوا أَنَّ هَذَا وَقْفٌ عَلَى كَذَا لَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّهُ يَبْدَأُ مِنْ غَلَّتِهِ فَيُصْرَفُ إلَى كَذَا وَلَوْ قَالُوا ذَلِكَ فِي شَهَادَتِهِمْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ كَذَا فِي الْكَافِي

( قَوْلُهُ وَلَا بِالتَّسَامُعِ إلَّا فِي النَّسَبِ ) قَصْرُهُ الِاسْتِثْنَاءَ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ يَنْفِي اعْتِبَارَ التَّسَامُعِ فِي غَيْرِهَا وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ لَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى الْوَلَاءِ بِالسَّمَاعِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ آخِرًا يُقْبَلُ كَذَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ قُلْتُ وَقَوْلُهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ آخِرًا يُقْبَلُ يَعْنِي يَجُوزُ لَهُ الشَّهَادَةُ بِهِ صَرَّحَ بِذَلِكَ الزَّيْلَعِيُّ لِأَنَّهُ لَوْ فَسَّرَ لِلْقَاضِي لَا تُقْبَلُ .
ا هـ .
وَالشَّهَادَةُ عَلَى الْمَهْرِ بِالتَّسَامُعِ فِيهِ رِوَايَتَانِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ جَائِزٌ كَمَا فِي الْخُلَاصَةِ ( قَوْلُهُ وَأَصْلُ الْوَقْفِ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَأَمَّا الْوَقْفُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُقْبَلُ الشَّهَادَةُ بِالتَّسَامُعِ فِي أَصْلِهِ دُونَ شَرَائِطِهِ لِأَنَّ أَصْلَهُ هُوَ الَّذِي يَشْتَهِرُ ا هـ .
وَقَالَ الْكَمَالُ ابْنُ الْهُمَامِ ذَكَرَ فِي الْمُجْتَبَى الْمُخْتَارُ أَنَّهُ يُقْبَلُ عَلَى شَرَائِطِ الْوَاقِفِ أَيْضًا وَأَنْتَ إذَا عَرَفْتَ قَوْلَهُمْ فِي الْأَوْقَافِ الَّتِي انْقَطَعَ ثُبُوتُهَا وَلَمْ يُعْرَفْ لَهَا شَرَائِطُ وَمَصَارِفُ أَنَّهَا يُسْلَكُ بِهَا مَا كَانَتْ عَلَيْهِ فِي دَوَاوِينِ الْقُضَاةِ لَمْ تَقِفْ عَنْ تَحْسِينِ مَا فِي الْمُجْتَبَى لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ مَعْنَى الثُّبُوتِ بِالتَّسَامُعِ ا هـ قَوْلُهُ وَيُشْتَرَطُ أَنْ يُخْبِرَهُ رَجُلَانِ عَدْلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ ) لَيْسَ الْمُرَادُ ظَاهِرَهُ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ لَفْظُ الشَّهَادَةِ فِي غَيْرِ الْمَوْتِ كَمَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ لَكِنَّهُ ذَكَرَ مَا نَصُّهُ قَالُوا وَفِي الْإِخْبَارِ يُشْتَرَطُ أَنْ يُخْبِرَهُ رَجُلَانِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ وَهُمْ عُدُولٌ لِيَحْصُلَ لَهُ نَوْعُ عِلْمٍ أَوْ غَلَبَةُ ظَنٍّ وَقِيلَ فِي الْمَوْتِ يُكْتَفَى بِإِخْبَارِ وَاحِدٍ عَدْلٍ أَوْ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهُ قَدْ يَتَحَقَّقُ فِي مَوْضِعٍ لَيْسَ فِيهِ إلَّا وَاحِدٌ بِخِلَافِ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهَا أَنْ تَكُونَ بَيْنَ الْجَمَاعَةِ وَيُشْتَرَطُ فِي الْإِخْبَارِ لَفْظُ الشَّهَادَةِ فِي غَيْرِ الْمَوْتِ وَفِي الْمَوْتِ لَا يُشْتَرَطُ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ

فِيهِ الْعَدَدُ فَكَذَا لَفْظُ الشَّهَادَةِ ا هـ وَفِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّ قَوْلَهُ وَقِيلَ فِي الْمَوْتِ يَكْتَفِي بِإِخْبَارِ وَاحِدٍ عَدْلٍ يُفِيدُ أَنَّهُ خِلَافُ الْمَذْهَبِ لِصِيغَةِ الضَّعْفِ وَقَوْلَهُ بَعْدَهُ وَيُشْتَرَطُ فِي الْإِخْبَارِ لَفْظُ الشَّهَادَةِ فِي غَيْرِ الْمَوْتِ وَفِي الْمَوْتِ لَا يُشْتَرَطُ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ فَكَذَا لَفْظُ الشَّهَادَةِ يُفِيدُ أَنَّ الْمَذْهَبَ الِاكْتِفَاءُ فِي الْمَوْتِ بِوَاحِدٍ ا هـ .
وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى الشَّهَادَةُ بِالشُّهْرَةِ فِي النَّسَبِ وَغَيْرِهِ بِطَرِيقِ الشُّهْرَةِ الْحَقِيقِيَّةِ أَوْ الْحُكْمِيَّةِ فَالْحَقِيقَةُ أَنْ يَشْتَهِرَ وَيَسْمَعَ مِنْ قَوْمٍ كَثِيرٍ لَا يُتَصَوَّرُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي هَذَا الْعَدَالَةُ بَلْ يُشْتَرَطُ التَّوَاتُرُ وَالْحُكْمِيَّةُ أَنْ يَشْهَدَ عِنْدَهُ عَدْلَانِ مِنْ الرِّجَالِ أَوْ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ لَكِنَّ الشُّهْرَةَ فِي الثَّلَاثَةِ الْأُوَلِ يَعْنِي النَّسَبَ وَالنِّكَاحَ وَالْقَضَاءَ لَا تَثْبُتُ إلَّا بِخَبَرِ جَمَاعَةٍ لَا يُتَوَهَّمُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ أَوْ خَبَرِ عَدْلَيْنِ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ وَفِي بَابِ الْمَوْتِ بِخَبَرِ الْعَدْلِ الْوَاحِدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ فِي بَابِ النَّسَبِ مِنْ شَهَادَاتِ خُوَاهَرْ زَادَهْ لَكِنَّ شَرْطَ كَوْنِهِ عَدْلًا فِي بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى الْمَوْتِ مِنْ الْمُخْتَصَرِ ذَكَرَ فِي آخِرِ شَهَادَاتِ الْمُنْتَقَى قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمَوْتِ إذَا كَانَ مَشْهُورًا أَوْ شَهِدَ بِهِ وَاحِدٌ وَسِعَكَ أَنْ تَشْهَدَ بِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ حَتَّى يَشْهَدَ عَلَيْهِ شَاهِدٌ عَدْلٌ أَوْ يَكُونَ مَوْتًا مَشْهُورًا ا هـ .
( قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ فَسَّرَ لِلْقَاضِي أَنَّهُ شَهِدَ بِالتَّسَامُعِ لَمْ يَقْبَلْ ) هَذَا فِي غَيْرِ الْوَقْفِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ ( قَوْلُهُ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ
إلَخْ ) لَمْ يَتَعَرَّضْ لِبَيَانِ الْوَاقِفِ وَنَصَّ عَلَيْهِ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى بِقَوْلِهِ شَهِدُوا عَلَى أَنَّ هَذَا وَقْفٌ عَلَى كَذَا وَلَمْ يُبَيِّنُوا الْوَاقِفَ

يَنْبَغِي أَنْ يُقْبَلَ فِي بَابِ قَبْضِ الدِّيوَانِ مِنْ الْقَاضِي الْمَعْزُولِ قَالَ ظَهِيرُ الدِّينِ إذَا لَمْ يَكُنْ الْوَقْفُ قَدِيمًا لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْوَاقِفِ .
ا هـ .

( وَيَشْهَدُ رَائِي جَالِسِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ يَتَرَدَّدُ إلَيْهِ الْخُصُومُ أَنَّهُ قَاضٍ ) وَإِنْ لَمْ يُعَايِنْ تَقْلِيدَ الْإِمَامِ إيَّاهُ .
( وَ ) يَشْهَدُ أَيْضًا رَائِي ( رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ يَسْكُنَانِ بَيْتًا وَبَيْنَهُمَا انْبِسَاطُ الْأَزْوَاجِ أَنَّهَا عِرْسُهُ ) كَمَا لَوْ رَأَى عَيْنًا فِي يَدِ غَيْرِهِ عَمَلًا بِظَاهِرِ الْحَالِ
( قَوْلُهُ وَيَشْهَدُ رَائِي جَالِسِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ
إلَخْ ) كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَالْكَافِي .
وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ إذَا نَظَرَ الرَّجُلُ إلَى الْقَاضِي فِي مَجْلِسِهِ وَالنَّاسُ عِنْدَهُ قَالُوا هَذَا الْقَاضِي وَسِعَهُ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ الْقَاضِي عَلَى اسْمِهِ وَنَسَبِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رَآهُ قَبْلَ تِلْكَ السَّاعَةِ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَيَشْهَدُ أَيْضًا رَائِي رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ إلَخْ ) ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي لَكِنْ زَادَ الزَّيْلَعِيُّ قَوْلَهُ وَيَنْبَسِطَانِ انْبِسَاطَ الْأَزْوَاجِ وَسَمِعَ مِنْ النَّاسِ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ جَازَ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ ا هـ .
وَلَا يَخْفَى مُغَايَرَةُ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الشَّهَادَةِ فِيهِمَا بِالتَّسَامُعِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ هُنَا بِالْمُعَايَنَةِ عَلَى مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَيَتَّحِدُ صُورَةُ الشَّهَادَةِ بِالزَّوْجِيَّةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ بِشَرْطِ السَّمَاعِ مِنْ النَّاسِ مَعَ الْمُعَايَنَةِ

.
( وَ ) يَشْهَدُ أَيْضًا رَائِي ( شَيْءٍ سِوَى الرَّقِيقِ الْمُعَبِّرِ ) فَإِنَّ غَيْرَ الْمُعَبِّرِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْعُرُوضِ ( فِي يَدِ ) مُتَعَلِّقٍ بِالرَّائِي الْمُقَدَّرِ ( مُتَصَرِّفٍ كَالْمُلَّاكِ ) أَيْ كَمَا يَتَصَرَّفُ الْمُلَّاكُ ( أَنَّهُ لَهُ ) مُتَعَلِّقٌ بِيَشْهَدُ الْمُقَدَّرُ ، صُورَتُهُ رَجُلٌ رَأَى عَيْنًا فِي يَدِ إنْسَانٍ ثُمَّ رَأَى ذَلِكَ الْعَيْنَ فِي يَدِ آخَرَ وَالْأَوَّلُ يَدَّعِي الْمِلْكَ وَسِعَهُ أَنْ يَشْهَدَ بِأَنَّهُ لِلْمُدَّعِي لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْأَشْيَاءِ لَا يُعْرَفُ يَقِينًا بَلْ ظَاهِرًا فَالْيَدُ بِلَا مُنَازَعَةٍ دَلِيلُ الْمِلْكِ ظَاهِرًا ( إذَا شَهِدَ بِهِ ) أَيْ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ ( قَلْبُهُ ) فَإِنْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ مِلْكُ الْغَيْرِ لَا تَحِلُّ لَهُ الشَّهَادَةُ بِالْمِلْكِ لَهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ اعْتِبَارُ الْيَقِينِ فِي جَوَازِ الشَّهَادَةِ لِمَا مَرَّ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا عَلِمْتَ مِثْلَ الشَّمْسِ فَاشْهَدْ وَإِلَّا فَدَعْ فَإِذَا تَعَسَّرَ ذَلِكَ يُصَارُ إلَى مَا يَشْهَدُ بِهِ الْقَلْبُ }

( قَوْلُهُ سِوَى الرَّقِيقِ الْمُعَبِّرِ ) يَعْنِي إذَا لَمْ يَعْرِفْ أَنَّهُ رَقِيقٌ لَا يَشْهَدُ بِهِ بِمُعَايَنَةِ الْيَدِ وَفِي غَيْرِ الْمُعَبِّرِ يَشْهَدُ بِرِقِّهِ ( قَوْلُهُ إذَا شَهِدَ بِهِ قَلْبُهُ ) كَذَا قَالَ الْكَمَالُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي حِلِّ الشَّهَادَةِ بِالْمِلْكِ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَهُ .
وَفِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ أَسْنَدَ هَذَا الْقَوْلَ إلَى أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَلَفْظُهُ وَعَنْهُمَا قَالَ الْمُصَنِّفُ قَالُوا يَعْنِي الْمَشَايِخَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا تَفْسِيرًا لِإِطْلَاقِ مُحَمَّدٍ فِي الرِّوَايَةِ قَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْكُلِّ وَبِهِ نَأْخُذُ وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ هَذَا قَوْلُهُمْ جَمِيعًا وَوَجْهُهُ أَنَّ الْأَصْلَ فِي حِلِّ الشَّهَادَةِ الْيَقِينُ لِمَا عُرِفَ فَعِنْدَ تَعَذُّرِهِ يُصَارُ إلَى مَا يَشْهَدُ بِهِ الْقَلْبُ لِأَنَّ كَوْنَ الْيَدِ مُسَوِّغًا بِسَبَبِ إفَادَتِهَا ظَنَّ الْمِلْكِ فَإِذَا لَمْ يَقَعْ فِي الْقَلْبِ ذَلِكَ لَا ظَنَّ فَلَمْ يُفِدْ مُجَرَّدَ الْيَدِ وَلِهَذَا قَالُوا إذَا رَأَى إنْسَانٌ دُرَّةً ثَمِينَةً فِي يَدِ كَنَّاسٍ أَوْ كِتَابًا فِي يَدِ جَاهِلٍ لَيْسَ فِي آبَائِهِ مَنْ هُوَ أَهْلٌ لَهُ لَا يَسَعُهُ أَنْ يَشْهَدَ بِالْمِلْكِ لَهُ فَعُرِفَ أَنَّ مُجَرَّدَ الْيَدِ لَا يَكْفِي .
ا هـ .

( فَإِنْ فَسَّرَ ) أَيْ الشَّاهِدُ ( لِلْقَاضِي شَهَادَتَهُ بِالتَّسَامُعِ ) فِي الصُّورَةِ الْأُولَى ( أَوْ بِحُكْمِ الْيَدِ ) فِي الصُّورَةِ الْأَخِيرَةِ ( بَطَلَتْ ) فَإِنَّهُ إذَا أَطْلَقَ وَقَعَ فِي قَلْبِ الْقَاضِي صِدْقُهُ فَتَكُونُ شَهَادَةً مِنْهُ عَنْ عِلْمٍ وَلَا كَذَلِكَ إذَا فَسَّرَ وَقَالَ سَمِعْتُ كَذَا وَعَنْ هَذَا كَانَ الْمَرَاسِيلُ مِنْ الْأَخْبَارِ أَقْوَى مِنْ الْمَسَانِيدِ كَذَا فِي الْكِفَايَةِ ( إلَّا فِي الْوَقْفِ ) فَإِنَّ الشَّاهِدَيْنِ إذَا فَسَّرَا شَهَادَتَهُمَا بِالتَّسَامُعِ تُقْبَلُ ذَكَرَهُ فِي الْعِمَادِيَّةِ ( شَهِدَ أَنَّهُ شَهِدَ ) أَيْ حَضَرَ ( دَفْنَ زَيْدٍ أَوْ صَلَّى عَلَيْهِ فَهُوَ مُعَايَنَةٌ ) حَتَّى لَوْ فَسَّرَ لِلْقَاضِي يَقْبَلُهُ إذْ لَا يُدْفَنُ إلَّا الْمَيِّتُ وَلَا يُصَلَّى إلَّا عَلَيْهِ
( قَوْلُهُ فَإِنْ فَسَّرَ
إلَخْ ) بُطْلَانُ الشَّهَادَةِ فِي غَيْرِ الْوَقْفِ حَكَى فِيهِ خِلَافًا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ قَالَ شَهِدَا بِنَسَبٍ أَوْ نِكَاحٍ وَقَالَا سَمِعْنَاهُ مِنْ قَوْمٍ لَا يُتَصَوَّرُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ لَا تُقْبَلُ وَقِيلَ تُقْبَلُ وَفِي عِدَّةٍ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الْقَبُولَ أَصَحُّ عَلَى مَا يَأْتِي ثُمَّ قَالَ لَوْ قَالَا يَشْهَدُ أَنَّ فُلَانًا مَاتَ أَخْبَرَنَا بِهِ مَنْ شَهِدَ بِمَوْتِهِ مِمَّنْ يُوثَقُ بِهِ قِيلَ يُقْبَلُ فِي الْأَصَحِّ كَذَا فِي عِدَّةٍ وَقِيلَ لَا يُقْبَلُ كَمَنْ رَأَى عَيْنًا بِيَدِهِ يَتَصَرَّفُ فِيهَا تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ حَلَّ لَهُ الشَّهَادَةُ بِمِلْكِ ذِي الْيَدِ وَلَوْ شَهِدَا عِنْدَ الْقَاضِي أَنَّهُ مَلَكَهُ لِأَنَّا رَأَيْنَاهُ بِيَدِهِ يَتَصَرَّفُ فِيهِ تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ لَا تُقْبَلُ كَذَا هَذَا وَقَدْ عَثَرْنَا عَلَى الرِّوَايَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقْبَلَ .
ا هـ .

( الشَّهَادَةُ بِالْإِيجَابِ شَهَادَةٌ بِالْقَبُولِ فِي الْمُعَاوَضَاتِ ) كَالْبَيْعِ وَالْإِجَارَةِ وَالنِّكَاحِ وَنَحْوِهَا ( حَتَّى لَوْ شَهِدُوا عَلَى تَزْوِيجِ الْأَبِ فَقَطْ ) أَيْ بِلَا ذِكْرِ الْقَبُولِ ( تُقْبَلُ ) أَيْ الشَّهَادَةُ ( بِخِلَافِ الْهِبَةِ ) حَتَّى لَوْ شَهِدُوا بِالْهِبَةِ بِلَا ذِكْرِ الْقَبُولِ لَمْ تُقْبَلْ كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ

( بَابُ الْقَبُولِ وَعَدَمِهِ ) ( تُقْبَلُ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ ) اعْلَمْ أَنَّ أَهْلَ الْأَهْوَاءِ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكُتُبِ الْكَلَامِيَّةِ أَهْلُ الْقِبْلَةِ الَّذِينَ لَا يَكُونُ مُعْتَقَدُهُمْ مُعْتَقَدَ أَهْلِ السُّنَّةِ وَهُمْ الْجَبْرِيَّةُ وَالْقَدَرِيَّةُ وَالرَّوَافِضُ وَالْخَوَارِجُ وَالْمُعَطِّلَةُ وَالْمُشَبِّهَةُ وَكُلٌّ مِنْهُمْ اثْنَتَا عَشْرَةَ فِرْقَةً فَصَارُوا اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَعِنْدَنَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ( إلَّا الْخَطَّابِيَّةَ ) هُمْ مِنْ غُلَاةِ الرَّوَافِضِ يَعْتَقِدُونَ جَوَازَ الشَّهَادَةِ لِكُلِّ مَنْ حَلَفَ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ مُحِقٌّ وَيَقُولُونَ الْمُسْلِمُ لَا يَحْلِفُ كَاذِبًا وَقِيلَ يَرَوْنَ الشَّهَادَةَ لِشِيعَتِهِمْ وَاجِبَةً فَيَتَمَكَّنُ الشُّبْهَةُ فِي شَهَادَتِهِمْ
( بَابُ الْقَبُولِ وَعَدَمِهِ ) ( قَوْلُهُ إلَّا الْخَطَّابِيَّةَ ) رَدَّ شَهَادَتَهُمْ لِتُهْمَةِ الْكَذِبِ لَا لِخُصُوصِ بِدْعَتِهِمْ وَكَذَا لَا يَقْبَلُ مِمَّنْ تُكَفِّرُهُ بِدْعَتُهُ وَالْخَطَّابِيَّةُ نِسْبَةٌ إلَى أَبِي الْخَطَّابِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي وَهْبٍ الْأَجْذَعِ وَقِيلَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي زَيْنَبَ الْأَسَدِيُّ الْأَجْذَعُ خَرَجَ بِالْكُوفَةِ أَبُو الْخَطَّابِ وَحَارَبَ عِيسَى بْنُ مُوسَى بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَأَظْهَرَ الدَّعْوَةَ إلَى جَعْفَرٍ فَتَبَرَّأَ مِنْهُ جَعْفَرٌ وَدَعَا عَلَيْهِ فَقُتِلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ قَتَلَهُ وَصَلَبَهُ عِيسَى بِالْكَنَائِسِ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ( قَوْلُهُ وَقِيلَ يَرَوْنَ الشَّهَادَةَ وَاجِبَةً لِشِيعَتِهِمْ ) قَالَ فِي الْكَافِي وَهُمْ يَدِينُونَ بِشَهَادَةِ الزُّورِ لِمُوَافِقِيهِمْ عَلَى مُخَالِفِيهِمْ

.
( وَ ) تُقْبَلُ مِنْ ( الذِّمِّيِّ عَلَى مِثْلِهِ ) وَإِنْ اخْتَلَفَا ( مِلَّةً ) كَالْيَهُودِ مَعَ النَّصَارَى .
( وَ ) تُقْبَلُ مِنْ الذِّمِّيِّ ( عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ ) لِأَنَّ الذِّمِّيَّ أَعْلَى حَالًا مِنْهُ لِكَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا وَلِهَذَا يُقْتَلُ الْمُسْلِمُ بِالذِّمِّيِّ وَلَا يُقْتَلُ بِالْمُسْتَأْمَنِ ( بِلَا عَكْسٍ ) أَيْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْمُسْتَأْمَنِ عَلَى الذِّمِّيِّ لِقُصُورِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ أَدْنَى حَالًا مِنْهُ .
( وَ ) تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ ( مِنْهُ ) أَيْ الْمُسْتَأْمَنِ ( عَلَى مِثْلِهِ إنْ اتَّحَدَ دَارُهُمَا ) وَإِنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ دَارَيْنِ كَالرُّومِ وَالتُّرْكِ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّ الْوِلَايَةَ فِيمَا بَيْنَهُمْ تَنْقَطِعُ بِاخْتِلَافِ الْمُنْعِتَيْنِ وَلِهَذَا لَا يَجْرِي التَّوَارُثُ بَيْنَهُمَا .
( وَ ) تُقْبَلُ أَيْضًا مِنْ ( عَدُوٍّ بِسَبَبِ الدِّينِ ) فَإِنَّ الْعَدَاوَةَ الدِّينِيَّةَ تَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ دِينِهِ وَعَدَالَتِهِ بِخِلَافِ الْعَدَاوَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ فَإِنَّهَا حَرَامٌ فَمَنْ ارْتَكَبَهَا لَا يُؤْمَنُ مِنْ التَّقَوُّلِ عَلَيْهِ

( قَوْلُهُ وَتُقْبَلُ مِنْ الذِّمِّيِّ عَلَى مِثْلِهِ ) أَيْ إذَا كَانَ عَدْلًا فِي دِينِهِمْ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ ( قَوْلُهُ وَالذِّمِّيُّ عَلَى الْمُسْتَأْمَنِ
إلَخْ ) عَدَلَ عَنْ التَّعْبِيرِ بِالْحَرْبِيِّ إلَى الْمُسْتَأْمَنِ لِأَنَّ الْكَمَالَ أَوَّلَ بِهِ قَوْلَ الْهِدَايَةِ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْحَرْبِيِّ عَلَى الذِّمِّيِّ فَقَالَ أَرَادَ بِهِ الْمُسْتَأْمَنَ لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ غَيْرُهُ فَإِنَّ الْحَرْبِيَّ لَوْ دَخَلَ بِلَا أَمَانٍ قَهْرًا اُسْتُرِقَّ وَلَا شَهَادَةَ لِلْعَبْدِ عَلَى أَحَدٍ ا هـ .
وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ نَفْيُ شَهَادَتِهِ وَلَوْ دَخَلَ بِأَمَانٍ لَا نَفْيُ شَهَادَةِ الذِّمِّيِّ عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَا يَجْرِي التَّوَارُثُ بَيْنَهُمَا ) كَذَا لَا يَجْرِي التَّوَارُثُ بَيْنَ الذِّمِّيِّ وَالْمُسْتَأْمَنِ وَإِنْ قَبِلَ شَهَادَةَ الذِّمِّيِّ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْمُسْتَأْمَنَ مِنْ أَهْلِ دَارِنَا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى الْمُعَامَلَاتِ وَالشَّهَادَةُ مِنْهَا وَمِنْ أَهْلِ دَارِ الْحَرْبِ فِي الْإِرْثِ وَالْمَالِ كَمَا فِي الْفَتْحِ

.
( وَ ) تُقْبَلُ أَيْضًا ( مِنْ مُلِمِّ ) أَيْ مُرْتَكِبِ مَعْصِيَةٍ ( صَغِيرَةٍ ) بِلَا إصْرَارٍ عَلَيْهَا ( إنْ اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ ) وَهُوَ مَعْنَى الْعَدَالَةِ كَمَا مَرَّ .
( وَ ) تُقْبَلُ أَيْضًا مِنْ ( أَقْلَفَ ) لِإِطْلَاقِ النُّصُوصِ بِلَا تَقْيِيدٍ بِالْخِتَانِ وَلِأَنَّهُ لَا يُخِلُّ بِالْعَدَالَةِ هَذَا إذَا تَرَكَهُ لِعُذْرٍ بِهِ مِنْ كِبَرٍ أَوْ خَوْفِ هَلَاكٍ وَإِنْ تَرَكَهُ اسْتِخْفَافًا بِالدِّينِ لَمْ تُقْبَلْ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ عَدْلًا وَلَمْ يُقَدِّرْ أَبُو حَنِيفَةَ لَهُ وَقْتًا إذْ لَمْ يَرِدْ بِهِ كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ وَلَا إجْمَاعٌ وَالْمَقَادِيرُ لَا تُعْرَفُ بِالرَّأْيِ وَقَدَّرَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ فَقِيلَ سَبْعُ سِنِينَ إلَى عَشْرِ سِنِينَ وَقِيلَ الْيَوْمُ السَّابِعُ مِنْ وِلَادَتِهِ أَوْ بَعْدَهُ إلَى أَنْ يَتَحَمَّلَهُ وَلَا يَهْلِكُ بِهِ .
( وَ ) مِنْ ( الْخَصِيِّ وَوَلَدِ الزِّنَا وَالْخُنْثَى ) إذَا كَانُوا عُدُولًا فَإِنَّ قَطْعَ الْعُضْوِ وَجِنَايَةَ الْأَبَوَيْنِ لَا يُوجِبُ قَدْحًا فِي الْعَدَالَةِ وَقَبِلَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شَهَادَةَ عَلْقَمَةَ الْخَصِيِّ وَالْخُنْثَى إمَّا رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ وَشَهَادَةُ الْجِنْسَيْنِ مَقْبُولَةٌ ثُمَّ إنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مُشْكِلًا فَلَا إشْكَالَ فِيهِ وَإِنْ كَانَ مُشْكِلًا فَيُجْعَلُ امْرَأَةً فِي حَقِّ الشَّهَادَةِ احْتِيَاطًا

( قَوْلُهُ وَتُقْبَلُ أَيْضًا مِنْ مُلِمٍّ أَيْ مُرْتَكِبِ مَعْصِيَةٍ صَغِيرَةٍ ) قَالَ الْكَمَالُ أَحْسَنُ مَا نُقِلَ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنْ لَا يَأْتِيَ بِكَبِيرَةٍ وَلَا يُصِرَّ عَلَى صَغِيرَةٍ وَيَكُونَ سِتْرُهُ أَكْثَرَ مِنْ هَتْكِهِ وَصَوَابُهُ أَكْثَرَ مِنْ خَطَئِهِ وَمُرُوءَتُهُ ظَاهِرَةً وَيَسْتَعْمِلَ الصِّدْقَ وَيَجْتَنِبَ الْكَذِبَ دِيَانَةً وَمُرُوءَةً ثُمَّ قَالَ وَلَا بَأْسَ بِذِكْرِ أَفْرَادٍ نَصَّ عَلَيْهَا مِنْهَا تَرْكُ الصَّلَاةِ بِالْجَمَاعَةِ بَعْدَ كَوْنِ الْإِمَامِ لَا طَعْنَ عَلَيْهِ فِي دِينٍ وَلَا حَالٍ وَإِنْ كَانَ مُتَأَوِّلًا فِي تَرْكِهَا كَأَنْ يَكُونَ مُعْتَقِدًا أَفْضَلِيَّةَ أَوَّلِ الْوَقْتِ وَالْإِمَامُ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ لَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ بِالتَّرْكِ وَكَذَا بِتَرْكِ الْجُمُعَةِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ فَمِنْهُمْ مَنْ أَسْقَطَهَا بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ كَالْحَلْوَانِيِّ وَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ مَنْ أَكَلَ فَوْقَ الشِّبَعِ سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ عِنْدَ الْأَكْثَرِ وَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ فِي غَيْرِ إرَادَةِ التَّقْوَى عَلَى صَوْمِ الْغَدِ أَوْ مُؤَانَسَةِ الضَّعِيفِ وَكَذَا مَنْ خَرَجَ لِرُؤْيَةِ السُّلْطَانِ وَالْأَمِيرِ عِنْدَ قُدُومِهِ وَرَدَّ شَدَّادٌ شَهَادَةَ شَيْخٍ صَالِحٍ لِمُحَاسَبَةِ ابْنِهِ فِي النَّفَقَةِ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ كَأَنَّهُ رَأَى مِنْهُ تَضْيِيقًا وَمُشَاحَّةً تَشْهَدُ بِالْبُخْلِ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّ رُكُوبَ الْبَحْرِ لِلتِّجَارَةِ أَوْ التَّفَرُّجِ يُسْقِطُ الْعَدَالَةَ وَكَذَا التِّجَارَةُ إلَى أَرْضِ الْكُفَّارِ وَقُرَى فَارِسٍ وَنَحْوِهَا لِأَنَّهُ مُخَاطِرٌ بِدِينِهِ وَنَفْسِهِ لِنَيْلِ الْمَالِ فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يَكْذِبَ لِأَجْلِ الْمَالِ وَتُرَدُّ شَهَادَةُ مَنْ لَمْ يَحُجَّ إذَا كَانَ مُوسِرًا عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَاهُ عَلَى الْفَوْرِ وَكَذَا مَنْ لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ بِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَكُلُّ مَنْ شَهِدَ عَلَى إقْرَارٍ بَاطِلٍ وَكَذَا عَلَى فِعْلٍ بَاطِلٍ مِثْلِ مَنْ يَأْخُذُ سُوقَ النَّخَّاسِينَ مُقَاطَعَةً وَأَشْهَدَ عَلَى وَثِيقَتِهَا شُهُودًا قَالَ

الْمَشَايِخُ إنْ شَهِدُوا حَلَّ لَهُمْ اللَّعْنُ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ عَلَى بَاطِلٍ فَكَيْفَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ عَلَى مُبَاشِرِي السُّلْطَانِ عَلَى ضَمَانِ الْجِهَاتِ وَالْإِجَازَةِ الْمُضَارَّةِ وَعَلَى الْمَحْبُوسِينَ عِنْدَهُمْ وَاَلَّذِينَ فِي تَرْسِيمِهِمْ ا هـ فَاغْتَنِمْ لِمَا جَلَّ وَلَا تَمِلْ ( قَوْلُهُ وَقِيلَ الْيَوْمُ السَّابِعُ مِنْ وِلَادَتِهِ أَوْ بَعْدَهُ إلَى أَنْ يَحْتَمِلَهُ وَلَا يَهْلِكَ بِهِ ) اسْتَدَلَّ لَهُ بِمَا رُوِيَ أَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا خُتِنَا فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ أَوْ بَعْدَ السَّابِعِ وَلَكِنَّهُ شَاذٌّ وَهُوَ أَيْ الْخِتَانُ سُنَّةٌ لِلرِّجَالِ وَمَكْرُمَةٌ لِلنِّسَاءِ لِأَنَّهَا تَكُونُ أَلَذُّ عِنْدَ الْمُوَاقَعَةِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مُشْكِلًا فَيُجْعَلُ امْرَأَةً فِي حَقِّ الشَّهَادَةِ ) لَيْسَ احْتِرَازِيًّا عَنْ غَيْرِ الشَّهَادَةِ لِمُعَامَلَتِهِ بِالْأَضَرِّ فِي غَيْرِ ذَلِكَ نَحْوَ الْإِرْثِ وَالْإِمَامَةِ

( وَالْعَتِيقِ لِلْمُعْتِقِ وَبِالْعَكْسِ ) لِعَدَمِ التُّهْمَةِ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ قَنْبَرًا شَهِدَ لِعَلِيٍّ عِنْدَ شُرَيْحٍ فَقَبِلَ شَهَادَتَهُ وَهُوَ كَانَ عَتِيقَ عَلِيٍّ ( وَالْعُمَّالِ ) الْمُرَادُ عُمَّالُ السُّلْطَانِ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ لِأَنَّ نَفْسَ الْعَمَلِ لَيْسَ بِفِسْقٍ إلَّا إذَا كَانُوا عَلَى الظُّلْمِ قَالُوا هَذَا كَانَ فِي زَمَانِهِمْ لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَيْهِمْ الصَّلَاحُ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي زَمَانِنَا فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ لِغَلَبَةِ ظُلْمِهِمْ كَذَا فِي الْكَافِي
( قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانُوا عَلَى الظُّلْمِ
إلَخْ ) كَذَا مَا نَقَلَهُ الْكَمَالُ عَنْ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ أَنَّ شَهَادَةَ الرَّئِيسِ لَا تُقْبَلُ وَكَذَا الْجَابِي وَالصَّرَّافُ الَّذِي يَجْمَعُ عِنْدَهُ الدَّرَاهِمَ وَيَأْخُذُهَا طَوْعًا لَا تُقْبَلُ وَقَدَّمْنَا عَنْ الْبَزْدَوِيِّ أَنَّ الْقَائِمَ بِتَوْزِيعِ هَذِهِ النَّوَائِبِ السُّلْطَانِيَّةِ وَالْجِبَايَاتِ بِالْعَدْلِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مَأْجُورٌ وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ ظُلْمًا فَعَلَى هَذَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَالْمُرَادُ بِالرَّئِيسِ رَئِيسُ الْقَرْيَةِ وَهُوَ الْمُسَمَّى فِي بِلَادِنَا شَيْخُ الْبَلَدِ وَمِثْلُهُ الْمَعْرُوفُ فِي الْمَرَاكِبِ وَالْعُرَفَاءُ فِي جَمِيعِ الْأَصْنَافِ وَضُمَّانُ الْجِهَاتِ فِي بِلَادِنَا لِأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ أَعْوَانٌ عَلَى الظُّلْمِ .
ا هـ .

( وَ ) تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ ( لِأَخِيهِ وَعَمِّهِ وَمِنْ حُرِّمَ رَضَاعًا أَوْ مُصَاهَرَةً ) كَأُمِّ امْرَأَتِهِ وَبِنْتِهَا وَزَوْجِ بِنْتِهِ وَامْرَأَةِ أَبِيهِ وَابْنِهِ لِأَنَّ الْأَمْلَاكَ بَيْنَهُمْ مُتَمَيِّزَةٌ وَالْأَيْدِي مُتَحَيِّزَةٌ وَلَا بُسُوطَ لِبَعْضِهِمْ فِي مَالِ الْبَعْضِ فَلَا يَتَحَقَّقُ التُّهْمَةُ بِخِلَافِ شَهَادَتِهِ لِقَرَابَتِهِ وِلَادًا أَوْ شَهَادَةِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِلْآخَرِ

( وَ ) تُقْبَلُ ( مِنْ كَافِرٍ عَلَى عَبْدٍ كَافِرٍ مَوْلَاهُ أَوْ ) عَلَى حُرٍّ كَافِرٍ ( مُوَكِّلُهُ مُسْلِمٌ ) يَعْنِي تَجُوزُ شَهَادَةُ الْكَافِرِ عَلَى عَبْدٍ كَافِرٍ مَوْلَاهُ مُسْلِمٌ وَعَلَى وَكِيلٍ كَافِرٍ مُوَكِّلُهُ مُسْلِمٌ ( بِلَا عَكْسٍ ) أَيْ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْكَافِرِ عَلَى عَبْدٍ مُسْلِمٍ مَوْلَاهُ كَافِرٌ وَعَلَى وَكِيلٍ مُسْلِمٍ مُوَكِّلُهُ كَافِرٌ فَإِنَّ مُسْلِمًا إذَا كَانَ لَهُ عَبْدٌ كَافِرٌ أَذِنَ لَهُ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَشَهِدَ عَلَيْهِ شَاهِدَانِ كَافِرَانِ بِشِرَاءٍ أَوْ بَيْعٍ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهِ لِأَنَّ هَذِهِ شَهَادَةُ كَافِرٍ قَامَتْ عَلَى إثْبَاتِ أَمْرٍ عَلَى الْكَافِرِ قُصِدَ أَوْ لَزِمَ مِنْهُ الْحُكْمُ عَلَى الْمَوْلَى الْمُسْلِمِ ضِمْنًا وَلَوْ كَانَ الْمَوْلَى كَافِرًا وَالْعَبْدُ الْمَأْذُونُ مُسْلِمًا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْكَافِرِ عَلَيْهِ لِأَنَّ هَذِهِ شَهَادَةُ كَافِرٍ قَامَتْ عَلَى إثْبَاتِ أَمْرٍ عَلَى الْمُسْلِمِ قَصْدًا وَلَوْ أَنَّ مُسْلِمًا وَكَّلَ كَافِرًا بِشِرَاءٍ أَوْ بَيْعٍ فَشَهِدَ عَلَى الْوَكِيلِ شَاهِدَانِ كَافِرَانِ بِشِرَاءٍ أَوْ بَيْعٍ جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهِ لِأَنَّهَا قَامَتْ لِإِثْبَاتِ أَمْرٍ عَلَى الْكَافِرِ وَلَوْ أَنَّ كَافِرًا وَكَّلَ مُسْلِمًا بِشِرَاءٍ أَوْ بَيْعٍ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا عَلَيْهِ لِأَنَّهَا شَهَادَةُ كَافِرٍ قَامَتْ لِإِثْبَاتِ أَمْرٍ عَلَى الْمُسْلِمِ قَصْدًا كَذَا فِي شَرْحِ الْمَسْعُودِيِّ لِتَلْخِيصِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ

( لَا مِنْ كَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ تُقْبَلُ مِنْ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ ( إلَّا فِي الْوِصَايَةِ وَالنَّسَبِ إذَا ادَّعَى حَقًّا مِنْ قِبَلِ الْمَيِّتِ عَلَى خَصْمٍ حَاضِرٍ ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى الْإِيصَاءَ مِنْ نَصْرَانِيٍّ وَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ نَصْرَانِيَّيْنِ عَلَى خَصْمٍ مُسْلِمٍ أَوْ ادَّعَى أَنَّ فُلَانَ ابْنَ فُلَانٍ النَّصْرَانِيَّ مَاتَ وَهُوَ وَارِثُهُ وَأَحْضَرَ مُسْلِمًا لِلْمَيِّتِ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ نَصْرَانِيَّيْنِ عَلَى نَسَبِهِ تُقْبَلُ وَهَذَا اسْتِحْسَانٌ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تُقْبَلَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَا يَحْضُرُونَ مَوْتَ النَّصَارَى وَالْوِصَايَةَ تَكُونُ عِنْدَ الْمَوْتِ غَالِبًا وَسَبَبَ ثُبُوتِ النَّسَبِ النِّكَاحُ وَهُمْ لَا يَحْضُرُونَ نِكَاحَهُمْ فَلَوْ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ النَّصْرَانِيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي إثْبَاتِ الْإِيصَاءِ الَّذِي بِنَاؤُهُ عَلَى الْمَوْتِ وَالنَّسَبِ الَّذِي بِنَاؤُهُ عَلَى النِّكَاحِ أَدَّى إلَى ضَيَاعِ الْحُقُوقِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالْإِيصَاءِ فَقُبِلَتْ ضَرُورَةً كَمَا قُبِلَتْ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ لِلضَّرُورَةِ .
( وَ ) لَا مِنْ ( أَعْمَى ) لِأَنَّ الْأَدَاءَ يَفْتَقِرُ إلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ وَالْمَشْهُودَ بِهِ إنْ كَانَ مَنْقُولًا وَلَا يُمَيِّزُ الْأَعْمَى إلَّا بِالنَّغْمَةِ وَفِيهِ شُبْهَةٌ لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهَا بِجِنْسِ الشُّهُودِ ( وَمُرْتَدٍّ ) إذْ الشَّهَادَةُ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ وَلَا وِلَايَةَ لَهُ عَلَى أَحَدٍ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَلَوْ عَلَى كَافِرٍ

قَوْلُهُ لَا مِنْ كَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ ) الْمُعْتَبَرُ إسْلَامُهُ حَالَ الْقَضَاءِ لَا حَالَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَلَا حَالَ الشَّهَادَةِ قَبْلَ الْإِمْضَاءِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ لِمَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ شَهِدَ ذِمِّيَّانِ بِمَالٍ عَلَى ذِمِّيٍّ فَأَسْلَمَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ لَا يَقْضِي لِأَنَّ الشَّهَادَةَ إنَّمَا تَصِيرُ حُجَّةً وَقْتَ الْقَضَاءِ وَوَقْتَ الْقَضَاءِ الشَّاهِدُ كَافِرٌ وَالْمَشْهُودُ عَلَيْهِ مُسْلِمٌ فَلَا تَصِيرُ حُجَّةً وَأَنَّ الْمُسْلِمَ الْمَشْهُودَ بَعْدَ الْقَضَاءِ قَبْلَ الْإِمْضَاءِ لَا يُنَفِّذُهُ لِأَنَّ الْإِمْضَاءَ فِي بَابِ الْحُدُودِ مِنْ الْقَضَاءِ وَفِي بَابِ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَهَا يُنَفِّذُهُ قِيَاسًا لَا اسْتِحْسَانًا لِمَا عُرِفَ وَإِذَا لَمْ يُنَفِّذْهُ هَلْ تَجِبُ الدِّيَةُ ذَكَرَ الْخَصَّافُ فِي أَدَبِ الْقَاضِي أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تَجِبُ وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَخِّرُونَ قِيلَ هَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقِيلَ هَذَا قَوْلُ الْكُلِّ فَقِيلَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَنْفُذُ الْقِصَاصُ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَلَا يَقْضِي بِالدِّيَةِ فِي النَّفْسِ وَعِنْدَهُمَا يَقْضِي بِالدِّيَةِ فِيهِمَا وَهَذَا الِاخْتِلَافُ كَالِاخْتِلَافِ فِي الْقَضَاءِ بِالنُّكُولِ عِنْدَهُ يَنْفُذُ الْقَضَاءُ بِالْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ وَلَا يَقْضِي بِشَيْءٍ فِي النَّفْسِ وَعِنْدَهُمَا يَقْضِي بِالدِّيَةِ فِيهِمَا ( قَوْلُهُ إلَّا فِي الْوِصَايَةِ ) تَصَوُّرُ الْوِصَايَةِ بِمَا قَالَ فِي الْمُحِيطِ أَوْصَى كَافِرٌ إلَى مُسْلِمٍ فَأَقَامَ رَجُلٌ الْبَيِّنَةَ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ بِدَيْنٍ عَلَى الْمَيِّتِ جَازَ لِأَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ قَامَتْ عَلَى كَافِرٍ وَهُوَ الْمَيِّتُ لَا الْوَصِيُّ ( قَوْلُهُ يَعْنِي إذَا ادَّعَى الْإِيصَاءَ مِنْ نَصْرَانِيٍّ وَأَقَامَ شَاهِدَيْنِ نَصْرَانِيَّيْنِ عَلَى خَصْمٍ مُسْلِمٍ ) الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ هَذَا مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ الْخَصْمُ الْمُسْلِمُ مُقِرًّا بِالدَّيْنِ لِلنَّصْرَانِيِّ الْمَيِّتِ مُنْكِرًا لِلْوِصَايَةِ فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الذِّمِّيَّيْنِ لِإِثْبَاتِ الْوِصَايَةِ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى النَّصْرَانِيِّ الْمَيِّتِ أَمَّا

لَوْ كَانَ الْخَصْمُ الْمُسْلِمُ مُنْكَرًا لِلدَّيْنِ كَيْفَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الذِّمِّيَّيْنِ عَلَيْهِ بِهِ فَلْيَتَأَمَّلْ ( قَوْلُهُ أَوْ ادَّعَى أَنَّ فُلَانَ ابْنَ فُلَانٍ النَّصْرَانِيَّ
إلَخْ ) كَذَا يَظْهَرُ لِي أَنَّ هَذَا فِيمَا إذَا أَقَرَّ الْخَصْمُ بِالْمَالِ لَا نَسَبِ الْمُدَّعِي وَفِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ إشَارَةٌ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ فَلَوْ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ النَّصْرَانِيِّ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي إثْبَاتِ الْإِيصَاءِ الَّذِي بِنَاؤُهُ عَلَى الْمَوْتِ وَالنَّسَبِ الَّذِي بِنَاؤُهُ عَلَى النِّكَاحِ
إلَخْ فَتَأَمَّلْ ( قَوْلُهُ وَلَا مِنْ أَعْمَى ) سَوَاءٌ عَمِيَ قَبْلَ التَّحَمُّلِ أَوْ بَعْدَهُ فِيمَا تَجُوزُ الشَّهَادَةُ فِيهِ بِالتَّسَامُعِ أَوْ لَا تَجُوزُ وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْإِمَامِ تُقْبَلُ فِيمَا يَجُوزُ فِيهِ التَّسَامُعُ وَتُقْبَلُ فِي التَّرْجَمَةِ عِنْدَ الْكُلِّ كَذَا فِي الْفَتْحِ

( وَمَمْلُوكٍ وَصَبِيٍّ ) إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُمَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَعَلَى غَيْرِهِمَا أَوْلَى ( إلَّا أَنْ يَتَحَمَّلَاهَا ) أَيْ الشَّهَادَةَ ( فِي الرِّقِّ وَالصِّغَرِ وَأَدَّيَا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَالْبُلُوغِ ) فَحِينَئِذٍ تُقْبَلُ لِأَنَّ التَّحَمُّلَ بِالْمُعَايَنَةِ أَوْ السَّمَاعِ وَهُمَا لَا يُنَافِيَانِهِمَا وَعِنْدَ الْأَدَاءِ هُمَا مِنْ أَهْلِ الشَّهَادَةِ
( قَوْلُهُ وَمَمْلُوكٍ ) أَرَادَ بِهِ الرَّقِيقَ لِيَشْمَلَ الْمُكَاتَبَ ( قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَتَحَمَّلَ فِي الرِّقِّ وَالصِّغَرِ وَأَدَّيَا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ وَالْبُلُوغِ ) شَامِلٌ لِتَحَمُّلِهِ لِسَيِّدِهِ فِي رِقِّهِ وَكَذَا لَوْ تَحَمَّلَ فِي كُفْرِهِ وَأَدَّاهَا فِي إسْلَامِهِ تُقْبَلُ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَكَذَا لَوْ تَحَمَّلَ حَالَ قِيَامِ الزَّوْجَةِ لِزَوْجَتِهِ ثُمَّ أَدَّاهَا بَعْدَ الْإِبَانَةِ كَمَا فِي الصُّغْرَى لَكِنْ قَالَ الْكَمَالُ .
وَفِي الْمُحِيطِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِمُعْتَدَّتِهِ مِنْ رَجْعِيٍّ وَلَا بَائِنٍ لِقِيَامِ النِّكَاحِ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ ا هـ فَيُمْكِنُ حَمْلُ الْإِبَانَةِ فِي كَلَامِ الْفَتَاوَى الصُّغْرَى عَلَى انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ جَمْعًا بَيْنَهُمَا

( وَمَحْدُودٍ فِي قَذْفٍ وَإِنْ تَابَ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا } ( إلَّا أَنْ يُحَدَّ كَافِرٌ فَيُسْلِمَ ) فَإِنَّ الْكَافِرَ إذَا حُدَّ فِي الْقَذْفِ لَمْ تَجُزْ شَهَادَتُهُ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ لِأَنَّ لَهُ شَهَادَةً عَلَى جِنْسِهِ فَتُرَدُّ تَتِمَّةً لِحَدِّهِ فَإِنْ أَسْلَمَ قَبِلَ شَهَادَتَهُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ هَذِهِ شَهَادَةٌ اسْتَفَادَهَا بِالْإِسْلَامِ وَلَمْ يَلْحَقْهَا رَدٌّ وَهِيَ الشَّهَادَةُ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ ثَابِتَةً زَمَانَ الرَّدِّ وَالْحَدِّ فَلَمَّا جَازَتْ شَهَادَتُهُ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ جَازَتْ شَهَادَتُهُ عَلَى الْكَافِرِ ضَرُورَةً بِخِلَافِ الْعَبْدِ إذَا حُدَّ بِالْقَذْفِ ثُمَّ عَتَقَ حَيْثُ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ إذْ لَا شَهَادَةَ لِلْعَبْدِ أَصْلًا حَالَ رَقِّهِ فَيَتَوَقَّفُ الرَّدُّ عَلَى حُدُوثِهَا لَهُ فَإِذَا حَدَثَ كَانَ رَدُّ شَهَادَتِهِ بَعْدَ الْعِتْقِ مِنْ تَمَامِ حَدِّهِ
( قَوْلُهُ وَمَحْدُودٍ فِي قَذْفٍ ) أَشَارَ بِهِ إلَى تَمَامِ الْحَدِّ مُقَامًا عَلَيْهِ وَبِهِ صَرَّحَ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ الْمَبْسُوطِ لَا تَسْقُطُ شَهَادَةُ الْقَاذِفِ مَا لَمْ يَضْرِبْ تَمَامَ الْحَدِّ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا تَسْقُطُ بِالْأَكْثَرِ وَرُوِيَ بِضَرْبِ سَوْطٍ ( قَوْلُهُ وَإِنْ تَابَ ) إشَارَةٌ إلَى خِلَافِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ فِي قَبُولِهِمَا لَهَا إذَا تَابَ وَالْمُرَادُ بِتَوْبَتِهِ الْمُوجِبَةِ لِقَبُولِ الشَّهَادَةِ أَنْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ فِي قَذْفِهِ وَهَلْ يُعْتَبَرُ مَعَهُ إصْلَاحُ الْعَمَلِ فِيهِ قَوْلَانِ ذَكَرَهُ الْكَمَالُ ( قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يُحَدَّ كَافِرٌ فَيُسْلِمُ ) أَشَارَ بِهِ إلَى شَرْطِ تَمَامِ الْحَدِّ حَالَ الْكُفْرِ وَلَوْ حُدَّ بَعْضُهُ فِي حَالِ كُفْرِهِ وَبَاقِيهِ فِي إسْلَامِهِ فِيهِ اخْتِلَافُ الرِّوَايَتَيْنِ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ لَوْ ضُرِبَ الذِّمِّيُّ سَوْطًا فَأَسْلَمَ ثُمَّ ضُرِبَ الْبَاقِي بَعْدَ الْإِسْلَامِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا ضُرِبَ السَّوْطَ الْأَخِيرَ بَعْدَ الْإِسْلَامِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ .
ا هـ .

( وَمَسْجُونٍ فِي حَادِثِ السِّجْنِ ) يَعْنِي إذَا حَدَثَ بَيْنَ أَهْلِ السِّجْنِ حَادِثَةٌ فِي السِّجْنِ وَأَرَادَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَشْهَدَ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ لَمْ تُقْبَلْ لِكَوْنِهِمْ مُتَّهَمِينَ كَذَا فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ
( قَوْلُهُ وَمَسْجُونٍ فِي حَادِثِ السِّجْنِ ) كَذَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فِيمَا يَقَعُ فِي الْمَلَاعِبِ وَكَذَا شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِيمَا يَقَعُ فِي الْحَمَّامَاتِ لَا تُقْبَلُ وَإِنْ مَسَّتْ الْحَاجَةُ لِعَدَمِ حُضُورِ الْعُدُولِ السِّجْنَ وَلَا الْبَالِغِينَ مَلَاعِبَ الصِّبْيَانِ وَلَا الرِّجَالِ حَمَّامَاتِ النِّسَاءِ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمَّا شَرَعَ لِذَلِكَ طَرِيقًا آخَرَ وَهِيَ مَنْعُ النِّسَاءِ عَنْ الْحَمَّامَاتِ وَالصِّبْيَانِ عَنْ الْمَلَاعِبِ وَالِامْتِنَاعِ عَنْ مُبَاشَرَةِ مَا بِهِ يَصِيرُ مُسْتَحِقًّا لِلسَّجْنِ فَإِذَا لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ كَانَ التَّقْصِيرُ مُضَافًا إلَيْهِمْ لَا إلَى الشَّرْعِ كَذَا فِي الصُّغْرَى ( قَوْلُهُ لِكَوْنِهِمْ مُتَّهَمِينَ ) أَيْ بِارْتِكَابِهِمْ مَا يُوجِبُ السَّجْنَ وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ كَمَا ذَكَرْنَا

( وَأَصْلِهِ وَفَرْعِهِ وَزَوْجٍ وَعِرْسٍ وَسَيِّدٍ لِعَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ ) الْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ وَلَا الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ وَلَا الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا وَلَا الزَّوْجِ لِامْرَأَتِهِ وَلَا الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ وَلَا الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ وَلَا الْأَجِيرِ لِمَنْ اسْتَأْجَرَهُ } وَالْمُرَادُ بِالْأَجِيرِ عَلَى قَوْلِ الْمَشَايِخِ التِّلْمِيذُ الْخَاصُّ الَّذِي يَعُدُّ ضَرَرَ أُسْتَاذِهِ ضَرَرَ نَفْسِهِ وَنَفْعَهُ نَفْعَ نَفْسِهِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا شَهَادَةَ لِلْقَانِعِ بِأَهْلِ الْبَيْتِ } وَقِيلَ هُوَ الْأَجِيرُ مُسَانَهَةً أَوْ مُشَاهَرَةً لِأَنَّهُ يَسْتَوْجِبُ الْأَجْرَ بِمَنَافِعِهِ فَإِذَا شَهِدَ لَهُ فِي مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فَكَأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ عَلَيْهَا

( قَوْلُهُ وَزَوْجٍ وَعِرْسٍ ) يَتَفَرَّعُ عَلَيْهِ لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ فِي حَادِثَةٍ فَرُدَّتْ فَارْتَفَعَتْ الزَّوْجِيَّةُ فَأَعَادَ تِلْكَ الشَّهَادَةَ تُقْبَلُ بِخِلَافِ مَا لَوْ رُدَّتْ لِفِسْقٍ ثُمَّ تَابَ وَصَارَ عَدْلًا وَأَعَادَ تِلْكَ الشَّهَادَةَ لَا تُقْبَلُ بِخِلَافِ شَهَادَةِ الْعَبْدِ وَالْكَافِرِ وَالصَّبِيِّ إذَا رُدَّتْ ثُمَّ عَتَقَ وَأَسْلَمَ وَبَلَغَ وَأَعَادَ فَمَا تُقْبَلُ فَصَارَ الْحَاصِلُ كُلُّ مَنْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ لِمَعْنًى وَزَالَ ذَلِكَ الْمَعْنَى لَا تُقْبَلُ إذَا أَعَادَهَا بَعْدَ زَوَالِ ذَلِكَ الْمَعْنَى إلَّا الْعَبْدَ إذَا شَهِدَ فَرُدَّ ، وَالْكَافِرُ وَالْأَعْمَى وَالصَّبِيُّ إذَا شَهِدَ كُلُّ فَرْدٍ ثُمَّ عَتَقَ وَأَسْلَمَ وَأَبْصَرَ وَبَلَغَ فَشَهِدُوا بِعَيْنِهَا تُقْبَلُ وَلَا تُقْبَلُ فِيمَا سِوَاهُمْ ا هـ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَلَكِنَّ آخِرَهُ يُخَالِفُ أَوَّلَهُ لِحُكْمِهِ ابْتِدَاءً بِقَبُولِ شَهَادَةِ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ بَعْدَ زَوَالِ الزَّوْجِيَّةِ وَقَدْ كَانَتْ رُدَّتْ حَالَ قِيَامِهَا وَحُكْمِهِ آخِرًا بِعَدَمِ قَبُولِهَا بِقَوْلِهِ وَلَا تُقْبَلُ فِيمَا سِوَاهُمْ إذْ لَمْ يَسْتَثْنِ لِلْقَبُولِ بَعْدَ الرَّدِّ إلَّا الْعَبْدَ وَالْكَافِرَ وَالْأَعْمَى وَالصَّبِيَّ ا هـ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ فِي كَلَامِهِ مَا ذَكَرَهُ آخِرًا لِمَا قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى لَوْ شَهِدَ الْمَوْلَى لِعَبْدِهِ بِالنِّكَاحِ فَرُدَّتْ ثُمَّ شَهِدَ لَهُ بِذَلِكَ بَعْدَ الْعِتْقِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّ الْمَرْدُودَ كَانَ شَهَادَةً ثُمَّ قَالَ وَالصَّبِيُّ أَوْ الْمُكَاتَبُ إذَا شَهِدَ فَرُدَّتْ ثُمَّ شَهِدَهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ جَازَ لِأَنَّ الْمَرْدُودَ لَمْ يَكُنْ شَهَادَةً بِدَلِيلِ أَنَّ قَاضِيًا لَوْ قَضَى بِهِ لَا يَجُوزُ فَإِذَا عَرَفْت هَذَا يُسَهِّلُ عَلَيْك تَخْرِيجَ جِنْسِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ أَنَّ الْمَرْدُودَ لَوْ كَانَ شَهَادَةً لَا يَجُوزُ بَعْدَ ذَلِكَ أَبَدًا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ شَهَادَةً تُقْبَلُ عِنْدَ اسْتِجْمَاعِ الشَّرَائِطِ ا هـ .
وَلَكِنْ يُشْكِلُ عَلَيْهِ شَهَادَةُ الْأَعْمَى إذْ لَوْ قَضَى بِهَا جَازَ فَهِيَ شَهَادَةٌ وَقَدْ حُكِمَ بِقَبُولِهَا بَعْدَ

زَوَالِ الْعَمَى ا هـ .
وَلَمَّا قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ إذَا شَهِدَ الزَّوْجُ الْحُرُّ لِزَوْجَتِهِ فَرُدَّتْ ثُمَّ أَبَانَهَا وَتَزَوَّجَتْ غَيْرَهُ ثُمَّ شَهِدَ لَهَا بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ لَمْ تُقْبَلْ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ تَوَصَّلَ بِطَلَاقِهَا إلَى تَصْحِيحِ شَهَادَتِهِ وَكَذَا إذَا شَهِدَتْ لِزَوْجِهَا ثُمَّ أَبَانَهَا ثُمَّ شَهِدَتْ لَهُ ا هـ وَالْعِلَّةُ الْمَذْكُورَةُ فِي الصُّغْرَى مَوْجُودَةٌ هُنَا لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ ا هـ .
وَلَمَّا قَالَ فِي الْبَدَائِعِ لَوْ شَهِدَ الْفَاسِقُ فَرُدَّتْ أَوْ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِصَاحِبِهِ فَرُدَّتْ ثُمَّ شَهِدَ بَعْدَ التَّوْبَةِ وَالْبَيْنُونَةِ لَا تُقْبَلُ وَلَوْ شَهِدَ الْعَبْدُ أَوْ الصَّبِيُّ أَوْ الْكَافِرُ فَرُدَّتْ ثُمَّ عَتَقَ وَبَلَغَ وَأَسْلَمَ وَشَهِدَ فِي تِلْكَ الْحَادِثَةِ بِعَيْنِهَا تُقْبَلُ وَوَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ الْفَاسِقَ وَالزَّوْجَ لَهُمَا شَهَادَةٌ فِي الْجُمْلَةِ فَإِذَا رُدَّتْ لَا تُقْبَلُ بَعْدُ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَالْعَبْدِ وَالْكَافِرِ إذْ لَا شَهَادَةَ لَهُمْ أَصْلًا ا هـ .
( قَوْلُهُ وَزَوْجٍ وَعِرْسٍ ) شَامِلٌ لِمَا لَوْ كَانَ الْمَشْهُودُ لَهُ مَمْلُوكًا وَبِهِ صَرَّحَ الْكَمَالُ ( قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِالْأَجِيرِ التِّلْمِيذُ الْخَاصُّ
إلَخْ ) يُشِيرُ إلَى قَبُولِ شَهَادَةِ الْأُسْتَاذِ لَهُ وَالْمُسْتَأْجِرِ لَهُ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْفَتْحِ

( وَشَرِيكِهِ فِيمَا يَشْتَرِكَانِ فِيهِ ) لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ فَلَوْ شَهِدَ فِيمَا لَا يَشْتَرِكَانِ فِيهِ تُقْبَلُ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ
( قَوْلُهُ فَلَوْ شَهِدَ فِيمَا لَا يَشْتَرِكَانِ فِيهِ تُقْبَلُ ) يَعُمُّ الْمُفَاوِضَ فَتُقْبَلُ فِيمَا لَيْسَ مُشْتَرِكًا بَيْنَهُمَا نَحْوَ الْعَقَارِ وَالْعُرُوضِ وَمَا لَا يَدْخُلُ فِي الشَّرِكَةِ مُفَاوَضَةً بِشِرَائِهِ وَهُوَ طَعَامُ الْأَهْلِ وَكِسْوَتُهُمْ وَكَذَا الْحُدُودُ وَالْقِصَاصُ وَالنِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ

( وَمُخَنَّثٍ يَفْعَلُ الرَّدِيءَ ) لِإِصْرَارِهِ عَلَى الْفِسْقِ وَأَمَّا مَنْ فِي كَلَامِهِ لِينٌ وَفِي أَعْضَائِهِ تَكَسُّرٌ وَلَمْ يَشْتَهِرْ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَفْعَالِ الرَّدِيئَةِ فَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ
( قَوْلُهُ وَأَمَّا مَنْ فِي كَلَامِهِ لِينٌ وَفِي أَعْضَائِهِ تَكَسُّرٌ ) يَعْنِي بِأَصْلِ الْخِلْقَةِ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَلَمْ يَشْتَهِرْ بِشَيْءٍ مِنْ الْأَفْعَالِ الرَّدِيئَةِ إذْ لَوْ كَانَ تَشَبُّهًا بِالنِّسَاءِ لَا تُقْبَلُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ

( وَنَائِحَةٍ وَمُغَنِّيَةٍ ) لِارْتِكَابِهِمَا الْحَرَامَ طَمَعًا فِي الْمَالِ وَالْمُرَادُ بِالنَّائِحَةِ الَّتِي تَنُوحُ فِي مُصِيبَةِ غَيْرِهَا وَاِتَّخَذَتْهُ مَكْسَبًا وَالتَّغَنِّي لِلَّهْوِ حَرَامٌ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ خُصُوصًا إذَا كَانَ مِنْ الْمَرْأَةِ فَإِنَّ نَفْسَ رَفْعِ الصَّوْتِ مِنْهَا حَرَامٌ فَضْلًا عَنْ ضَمِّ الْغِنَاءِ إلَيْهِ وَلِهَذَا لَمْ يُقَيِّدْ هَاهُنَا بِقَوْلِهِ لِلنَّاسِ وَقَيَّدَ بِهِ فِيمَا سَيَأْتِي

قَوْلُهُ وَنَائِحَةٍ وَمُغَنِّيَةٍ لِارْتِكَابِهِمَا الْمُحَرَّمَ طَمَعًا فِي الْمَالِ ) فِي هَذَا التَّعْلِيلِ نَظَرٌ مِنْ حَيْثُ جَانِبُ الْمُغَنِّيَةِ لِأَنَّهُ بِمُجَرَّدِ غِنَائِهَا وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهَا كَمَا سَنَذْكُرُهُ لَكِنَّهُ يَنْبَغِي تَقْيِيدُهُ بِمُدَاوَمَتِهَا عَلَيْهِ لِيَظْهَرَ مِنْهَا كَمَا فِي مُدْمِنِ الشُّرْبِ عَلَى اللَّهْوِ وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ ( قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِالنَّائِحَةِ الَّتِي تَنُوحُ فِي مُصِيبَةِ غَيْرِهَا وَاِتَّخَذَتْهُ مَكْسَبًا ) قَالَ الْكَمَالُ ظَاهِرُهُ التَّقْيِيدُ بِشَيْئَيْنِ أَنْ يَكُونَ لِلنَّاسِ بِأَجْرٍ وَذَا لِأَنَّهَا لَا تُؤْمَنُ أَنْ تَرْتَكِبَ شَهَادَةَ الزُّورِ لِأَجْلِ الْمَالِ لِكَوْنِهَا أَيْسَرَ عَلَيْهَا مِنْ الْغِنَاءِ وَالنَّوْحِ لِأَجْلِهِ مُدَّةً طَوِيلَةً وَلَمْ يَتَعَقَّبْ هَذَا أَحَدٌ مِنْ الْمَشَايِخِ فِيمَا عَلِمْت لَكِنَّ بَعْضَ مُتَأَخِّرِي الشَّارِحِينَ نَظَرَ فِيهِ بِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ لِلنَّاسِ أَوْ لَا وَذِكْرُ جَوَابِهِ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَعْصِيَةً لَكِنْ يُشْتَرَطُ الشُّهْرَةُ لِيَصِلَ لِلْقَاضِي الْعِلْمُ بِالشُّهْرَةِ وَذَلِكَ يُفِيدُ كَوْنَهُ لِلنَّاسِ وَإِلَّا فَيُرَدُّ مِثْلُهُ عَلَى قَوْلِهِمْ وَلَا مُدْمِنِ الشُّرْبِ عَلَى اللَّهْوِ مَعَ قَوْلِهِمْ بِرَدِّ شَهَادَةِ مَنْ يَأْتِي بَابًا مِنْ الْكَبَائِرِ مَعَ أَنَّ شُرْبَ الْخَمْرِ مِنْهَا وَمَعَ ذَلِكَ يُشْتَرَطُ فِيهِ الشُّهْرَةُ فَحُمِلَ قَوْلُهُمْ مَنْ يَأْتِي بَابًا مِنْ الْكَبَائِرِ عَلَى الْإِتْيَانِ بِهِ شُهْرَةً ا هـ .
( قَوْلُهُ وَالتَّغَنِّي لِلَّهْوِ حَرَامٌ فِي جَمِيعِ الْأَدْيَانِ خُصُوصًا إذَا كَانَ مِنْ الْمَرْأَةِ
إلَخْ ) بِالنَّظَرِ إلَى هَذِهِ الْعِلَّةِ لَا مَعْنَى لِتَخْصِيصِهِ فِي الرَّجُلِ بِأَنْ يَكُونَ لِلنَّاسِ وَكَذَا التَّقْيِيدُ فِي النَّائِحَةِ بِكَوْنِهَا لِلنَّاسِ لِارْتِكَابِ الْمُحَرَّمِ فَلَمْ يَبْقَ مَانِعًا إلَّا لِعِلَّةِ الِاشْتِهَارِ فَيَظْهَرُ مَا قُلْنَا إنَّهُ فِي جَانِبِ الْمُغَنِّيَةِ لِنَفْسِهَا بِمُدَاوَمَتِهَا

( وَمُدْمِنِ الشُّرْبِ ) أَيْ شُرْبِ الْأَشْرِبَةَ الْمُحَرَّمَةَ فَإِنَّ إدْمَانَ شُرْبِ غَيْرِهَا لَا يُسْقِطُ الشَّهَادَةَ مَا لَمْ يُسْكِرْ ( عَلَى اللَّهْوِ ) شَرْطُ الْإِدْمَانِ لِيَكُونَ ذَلِكَ ظَاهِرًا مِنْهُ فَإِنَّ مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ سِرًّا وَلَا يُظْهِرُ ذَلِكَ لَا يَخْرُجُ مِنْ كَوْنِهِ عَدْلًا وَإِنْ كَانَ شُرْبُ الْخَمْرِ كَبِيرَةً وَإِنَّمَا تَسْقُطُ عَدَالَتُهُ إذَا كَانَ يُظْهِرُ ذَلِكَ أَوْ يَخْرُجُ سَكْرَانَ وَيَلْعَبُ بِهِ الصِّبْيَانُ إذْ لَا مُرُوءَةَ لِمِثْلِهِ وَلَا يَحْتَرِزُ عَنْ الْكَذِبِ عَادَةً كَذَا فِي الْكَافِي
( قَوْلُهُ وَمُدْمِنِ الشُّرْبِ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ نَقْلًا عَنْ النِّهَايَةِ شَرَطَ الْإِدْمَانَ وَلَمْ يُرِدْ بِهِ الْإِدْمَانَ فِي الشُّرْبِ وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ الْإِدْمَانَ فِي النِّيَّةِ يَعْنِي يَشْرَبُ وَمِنْ نِيَّتِهِ أَنْ يَشْرَبَ بَعْدَ ذَلِكَ إذَا وَجَدَهُ .
ا هـ .
وَظَاهِرٌ أَنَّ هَذَا لَا يُوقَفُ عَلَيْهِ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ وَمُخَالِفٌ لِمَا نَقَلَهُ الْمُصَنِّفُ عَنْ الْكَافِي وَنَقَلَهُ الزَّيْلَعِيُّ أَيْضًا شَرَطَ الْإِدْمَانَ لِيَكُونَ ذَلِكَ ظَاهِرًا مِنْهُ
إلَخْ

( وَعَدُوٍّ بِسَبَبِ الدُّنْيَا ) قَالَ فِي الْمُحِيطِ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ رَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ بَيْنَهُمَا عَدَاوَةٌ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا وَقَالَ الزَّاهِدِيُّ مَا ذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ اخْتِيَارُ الْمُتَأَخِّرِينَ وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الْمَنْصُوصَةُ فَبِخِلَافِهِ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ عَدْلًا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ قَالَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ

( وَمَنْ يَلْعَبُ بِالطُّيُورِ ) لِشِدَّةِ غَفْلَتِهِ وَإِصْرَارِهِ عَلَى نَوْعِ لَهْوٍ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ يَنْظُرُ إلَى الْعَوْرَاتِ فِي السُّطُوحِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ فِسْقٌ فَأَمَّا إذَا أَمْسَكَ الْحَمَامَ لِلِاسْتِئْنَاسِ وَلَا يُطَيِّرُهَا فَلَا تَزُولُ عَدَالَتُهُ لِأَنَّ إمْسَاكَهَا فِي الْبُيُوتِ مُبَاحٌ ( أَوْ الطُّنْبُورِ ) لِأَنَّهُ مِنْ اللَّهْوِ ( أَوْ يُغَنِّي لِلنَّاسِ ) لِأَنَّهُ يَصِيرُ عَلَى نَوْعِ فِسْقٍ وَيَجْمَعُهُمْ عَلَى ارْتِكَابِ كَبِيرَةٍ وَلَا يَمْتَنِعُ عَادَةً عَنْ الْمُجَازَفَةِ وَالْكَذِبِ وَإِذَا كَانَ لَا يُسْمِعُ غَيْرَهُ وَلَكِنْ يُسْمِعُ نَفْسَهُ لِإِزَالَةِ الْوَحْشَةِ فَلَا يَقْدَحُ فِي الشَّهَادَةِ
( قَوْلُهُ وَمَنْ يَلْعَبُ بِالطُّيُورِ
إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ وَالْأَوْجَهُ أَنَّ اللَّعِبَ بِالطُّيُورِ فِعْلٌ مُسْتَخَفٌّ بِهِ يُوجِبُ فِي الْغَالِبِ اجْتِمَاعًا مَعَ أُنَاسٍ أَرَاذِلَ وَصُحْبَتَهُمْ وَذَلِكَ مِمَّا يُسْقِطُ الْعَدَالَةَ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَإِذَا كَانَ لَا يَسْمَعُ غَيْرَهُ
إلَخْ ) بِهَذَا لَا يَعْلَمُ حُكْمَهُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ وَقَالَ الْكَمَالُ فِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الْمَشَايِخِ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا يُكْرَهُ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ إذَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ اللَّهْوِ وَبِهِ أَخَذَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَمِنْ الْمَشَايِخِ مَنْ كَرِهَ جَمِيعَ ذَلِكَ وَبِهِ أَخَذَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ

( أَوْ يَرْتَكِبُ مَا يُحَدُّ بِهِ ) أَيْ يَأْتِي نَوْعًا مِنْ الْكَبَائِرِ الْمُوجِبَةِ لِلْحَدِّ لِوُجُودِ تَعَاطِيهِ بِخِلَافِ اعْتِقَادِهِ وَذَا دَلِيلُ قِلَّةِ دِيَانَتِهِ فَلَعَلَّهُ يَجْتَرِئُ عَلَى الشَّهَادَةِ زُورًا كَذَا فِي الْكَافِي أَقُولُ ظَاهِرُ هَذَا مُخَالِفٌ لِمَا نَقَلْنَا عَنْهُ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ سِرًّا لَكِنَّ التَّوْفِيقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ بِارْتِكَابِ مَا يُحَدُّ بِهِ لَيْسَ ارْتِكَابُ مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُحَدَّ بِهِ بَلْ ارْتِكَابُ مَا يُحَدُّ بِهِ بِالْفِعْلِ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِإِظْهَارِ وَاطِّلَاعِ الشُّهُودِ عَلَيْهِ
( قَوْلُهُ أَوْ يَأْتِي نَوْعًا مِنْ الْكَبَائِرِ الْمُوجِبَةِ لِلْحَدِّ ) لَيْسَ احْتِرَازًا عَمَّا لَا يُوجِبُ الْحَدَّ مِنْ الْكَبَائِرِ لِمَا يُذْكَرُ بَعْدَهُ مِنْ مَوَانِعِ الشَّهَادَةِ وَلِذَا أَطْلَقَهُ الزَّيْلَعِيُّ فِي الْجَمِيعِ فَقَالَ وَكُلُّ مَنْ يَرْتَكِبُ الْكَبَائِرَ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي الْكَبِيرَةِ قَالَ أَهْلُ الْحِجَازِ وَأَهْلُ الْحَدِيثِ هِيَ السَّبْعُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ وَهِيَ الْإِشْرَاكُ بِاَللَّهِ وَالْفِرَارُ مِنْ الزَّحْفِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ وَقَتْلُ النَّفْسِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَبَهْتُ الْمُؤْمِنِ وَالزِّنَا وَشُرْبُ الْخَمْرِ وَزَادَ بَعْضُهُمْ أَكْلَ الرِّبَا وَأَكْلَ مَالِ الْيَتِيمِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَا ثَبَتَ حُرْمَتُهُ بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ فَهُوَ كَبِيرَةٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ مَا فِيهِ حَدٌّ أَوْ قَتْلٌ فَهُوَ كَبِيرَةٌ وَقِيلَ مَا أَصَرَّ عَلَيْهِ وَقِيلَ كُلُّ مَا كَانَ عَمْدًا فَهُوَ كَبِيرَةٌ وَالْأَوْجَهُ مَا ذَكَرَهُ الْمُتَكَلِّمُونَ أَنَّ الْكَبِيرَةَ وَالصَّغِيرَةَ اسْمَانِ إضَافِيَّانِ لَا يُعْرَفَانِ بِذَاتِهِمَا وَإِنَّمَا يُعْرَفَانِ بِالْإِضَافَةِ فَكُلُّ ذَنْبٍ إذَا نَسَبْته إلَى مَا دُونَهُ فَهُوَ كَبِيرَةٌ وَإِذَا نَسَبْته إلَى مَا فَوْقَهُ فَهُوَ صَغِيرَةٌ ا هـ .
وَلِصَاحِبِ الْبَحْرِ رِسَالَةٌ فِي بَيَانِ أَفْرَادِ كُلٍّ مِنْ الصَّغَائِرِ وَالْكَبَائِرِ

( أَوْ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ بِلَا إزَارٍ ) لِأَنَّ كَشْفَ الْعَوْرَةِ حَرَامٌ وَمَعَ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْمُبَالَاةِ ( أَوْ يَأْكُلُ الرِّبَا ) لِأَنَّهُ فَاسِقٌ وَشَرَطَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنْ يَكُونَ مَشْهُورًا بِأَكْلِ الرِّبَا لِأَنَّ التُّجَّارَ قَلَّمَا يَتَخَلَّصُونَ عَنْ الْأَسْبَابِ الْمُفْسِدَةِ لِلْعَقْدِ وَكُلُّ ذَلِكَ رِبًا فَلَا بُدَّ مِنْ الِاشْتِهَارِ ( أَوْ يَلْعَبُ بِنَرْدٍ أَوْ يُقَامِرُ بِشِطْرَنْجٍ أَوْ يَتْرُكُ بِهِ ) أَيْ بِالشِّطْرَنْجِ ( الصَّلَاةَ ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهَا كَبِيرَةٌ تَدُلُّ عَلَى الدَّنَاءَةِ فَأَمَّا مُجَرَّدُ اللَّعِبِ بِالشِّطْرَنْجِ بِدُونِ قِمَارٍ وَتَرْكِ صَلَاةٍ فَلَيْسَ بِفِسْقٍ مَانِعٍ لِلشَّهَادَةِ وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا عِنْدَنَا لِأَنَّ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَسَاغًا لِكَوْنِهِ مُبَاحًا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَأَمَّا مَنْ يَلْعَبُ بِالنَّرْدِ فَهُوَ مَرْدُودُ الشَّهَادَةِ مُطْلَقًا ( أَوْ يَبُولُ أَوْ يَأْكُلُ عَلَى الطَّرِيقِ ) قَيَّدَ لَهُمَا ( أَوْ يُظْهِرُ سَبَّ السَّلَفِ ) وَهُمْ الصَّحَابَةُ وَالْعُلَمَاءُ الْمُجْتَهِدُونَ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَفْعَالَ تَدُلُّ عَلَى قُصُورِ عَقْلِهِ وَمُرُوءَتِهِ وَمَنْ لَمْ يَمْتَنِعْ عَنْهَا لَا يَمْتَنِعُ عَنْ الْكَذِبِ بِخِلَافِ مَنْ لَا يَرْتَكِبُهَا

قَوْلُهُ وَشَرَطَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنْ يَكُونَ مَشْهُورًا بِأَكْلِ الرِّبَا ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَهَذَا بِخِلَافِ أَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِدْمَانُ لِأَنَّ التَّحَرُّزَ عَنْهُ مُمْكِنٌ لِعَدَمِ دُخُولِهِ فِي مِلْكِهِ بِخِلَافِ الرِّبَا بِالدُّخُولِ فَيُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِدْمَانُ ( قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ مَكْرُوهًا عِنْدَنَا ) يَعْنِي بِهِ أَنَّهُ حَرَامٌ غَيْرُ مُبَاحٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ وَأَمَّا مَنْ يَلْعَبُ بِالنَّرْدِ فَهُوَ مَرْدُودُ الشَّهَادَةِ مُطْلَقًا ) قَالَ الْكَمَالُ وَلِعْبُ الطَّابِ فِي بِلَادِنَا مِثْلُهُ لِأَنَّهُ يَرْمِي وَيَطْرَحُ بِلَا حِسَابٍ وَإِعْمَالِ فِكْرٍ وَكُلُّ مَا كَانَ كَذَلِكَ مِمَّا أَحْدَثَهُ الشَّيْطَانُ وَعَمِلَهُ أَهْلُ الْغَفْلَةِ فَهُوَ حَرَامٌ سَوَاءٌ قُومِرَ بِهِ أَوْ لَا وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَهْلِ الشَّعْبَذَةِ وَالدِّكَاكِ وَالسِّيمَيَا إذَا أَكَلَ بِهَا وَاِتَّخَذَهَا مَكْسَبَهُ وَأَمَّا مَنْ عَلِمَهَا وَلَمْ يَعْمَلْهَا فَلَا

( شَهِدَا ) أَيْ ابْنَا الْمَيِّتِ ( أَنَّ أَبَاهُمَا أَوْصَى إلَيْهِ ) أَيْ جَعَلَ هَذَا الشَّخْصَ وَصِيًّا ( وَهُوَ ) أَيْ ذَلِكَ الشَّخْصُ ( يَدَّعِيهِ ) أَيْ كَوْنُهُ وَصِيًّا ( صَحَّتْ ) أَيْ شَهَادَتُهُمَا اسْتِحْسَانًا وَإِنْ أَنْكَرَ الْوَصِيُّ ذَلِكَ لَمْ تُقْبَلْ وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تُقْبَلَ وَإِنْ ادَّعَى ( كَشَهَادَةِ دَائِنَيْ الْمَيِّتِ ) أَيْ غَرِيمَيْنِ لَهُمَا عَلَى الْمَيِّتِ دَيْنٌ ( وَمَدْيُونَيْهِ ) أَيْ غَرِيمَيْنِ لِلْمَيِّتِ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ ( وَالْمُوصَى لَهُمَا ) أَيْ رَجُلَيْنِ أَوْصَى لَهُمَا الْمَيِّتُ ( وَوَصِيِّهِ عَلَى الْإِيصَاءِ ) أَيْ نَصْبِ الْوَصِيِّ وَهُوَ مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ كَشَهَادَةٍ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَةُ هَؤُلَاءِ لِأَنَّهُمَا يَجُرَّانِ إلَى أَنْفُسِهِمَا مَغْنَمًا بِشَهَادَتِهِمَا فَيُرَدُّ ذَلِكَ لِأَنَّ الْوَارِثَيْنِ قَصَدَا بِهَا نَصْبَ مَنْ يَتَصَرَّفُ لَهُمَا وَيَقُومُ بِإِحْيَاءِ حُقُوقِهِمَا وَالْغَرِيمَيْنِ قَصَدَا نَصْبَ مَنْ يَسْتَوْفِيَانِ حَقَّهُمَا أَوْ يَبْرَآنِ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ وَالْوَصِيَّيْنِ قَصَدَا نَصْبَ مَنْ يُعِينُهُمَا عَلَى التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْمَيِّتِ وَالْمُوصَى لَهُمَا قَصَدَا نَصْبَ مَنْ يَدْفَعُ إلَيْهِمَا حَقَّهُمَا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَهَادَةٍ حَقِيقَةً لِأَنَّهَا تُوجِبُ عَلَى الْقَاضِي مَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ بِدُونِهَا وَهَذِهِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ لِتَمَكُّنِهِ مِنْ نَصْبِ الْوَصِيِّ إذَا رَضِيَ الْوَصِيُّ وَالْمَوْتُ مَعْرُوفٌ حِفْظًا لِأَمْوَالِ النَّاسِ عَنْ الضَّيَاعِ لَكِنْ عَلَيْهِ أَنْ يَتَأَمَّلَ فِي صَلَاحِيَّةِ مَنْ يُنَصِّبُهُ وَأَهْلِيَّتِهِ وَهَؤُلَاءِ بِشَهَادَتِهِمْ كَفَوْهُ مُؤْنَةَ التَّعْيِينِ وَلَمْ يُثْبِتُوا بِهَا شَيْئًا فَصَارَ كَالْقُرْعَةِ فِي كَوْنِهَا لَيْسَتْ بِحُجَّةٍ بَلْ دَافِعَةٍ مُؤْنَةَ تَعْيِينِ الْقَاضِي ( وَلَوْ شَهِدَا أَنَّ أَبَاهُمَا الْغَائِبَ وَكَّلَهُ بِقَبْضِ دَيْنِهِ رُدَّتْ ) أَيْ شَهَادَتُهُمَا سَوَاءٌ ( ادَّعَى ) أَيْ الْوَكِيلُ الْوَكَالَةَ ( أَوْ لَا ) لِتَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ فِي شَهَادَتِهِمَا لِأَنَّهُمَا يَشْهَدَانِ لِأَبِيهِمَا وَقَدْ مَرَّ بُطْلَانُهَا (

كَالشَّهَادَةِ عَلَى جَرْحٍ مُجَرَّدٍ ) وَهُوَ مَا يَفْسُقُ بِهِ الشَّاهِدُ وَلَا يُوجِبُ عَلَيْهِ حَقَّ الشَّرْعِ أَوْ الْعَبْدِ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ ( كَفَاسِقٍ أَوْ آكِلِ الرِّبَا أَوْ أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُمْ ) وَنَحْوَ ذَلِكَ كَمَا سَيَأْتِي لِأَنَّهَا إنَّمَا تُقْبَلُ فِيمَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْحُكْمِ وَفِي وُسْعِ الْقَاضِي إلْزَامُهُ وَالْفِسْقُ لَيْسَ كَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَدْفَعُهُ بِالتَّوْبَةِ وَالِاسْتِئْجَارِ وَإِنْ كَانَ أَمْرًا زَائِدًا عَلَى الْجَرْحِ لَكِنْ لَا خَصْمَ فِي إثْبَاتِهِ إذْ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِالْأُجْرَةِ حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ اسْتَأْجَرَهُمْ بِكَذَا وَأَعْطَاهُمْ ذَلِكَ مِنْ الْمَالِ الَّذِي عِنْدَهُ لَمْ تُقْبَلْ كَمَا سَيَأْتِي قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْعَدَالَةِ فَأَقَامَ الْخَصْمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْجَرْحِ إنْ كَانَ الْجَرْحُ جَرْحًا مُجَرَّدًا لَا يَعْتَبِرُ بَيِّنَةَ الْجَرْحِ وَإِنَّمَا قُلْت إنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ هَذَا لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْعَدَالَةِ فَأَخْبَرَ مُخْبِرٌ أَنَّ الشُّهُودَ فُسَّاقٌ أَوْ أَكَلَةُ الرِّبَا فَإِنَّ الْحُكْمَ لَا يَجُوزُ قَبْلَ ثُبُوتِ الْعَدَالَةِ لَا سِيَّمَا إذَا أَخْبَرَ مُخْبِرٌ أَنَّ الشُّهُودَ فُسَّاقٌ أَقُولُ حَقِيقَتُهُ أَنَّ جَرْحَ الشَّاهِدِ قَبْلَ التَّعْدِيلِ دَفْعٌ لِلشَّهَادَةِ قَبْلَ ثُبُوتِهَا وَهِيَ مِنْ بَابِ الدِّيَانَاتِ وَلِذَا قُبِلَ فِيهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ كَمَا مَرَّ فِي كِتَابِ الْكَرَاهِيَةِ وَالِاسْتِحْسَانِ وَبَعْدَ التَّعْدِيلِ رَفْعٌ لِلشَّهَادَةِ بَعْدَ ثُبُوتِهَا حَتَّى وَجَبَ عَلَى الْقَاضِي الْعَمَلُ بِهَا إنْ لَمْ يُوجَدْ الْجَرْحُ الْمُعْتَبَرُ وَمِنْ الْقَوَاعِدِ الْمُقَرَّرَةِ أَنَّ الدَّفْعَ أَسْهَلُ مِنْ الرَّفْعِ وَهُوَ السِّرُّ فِي كَوْنِ الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ مَقْبُولًا قَبْلَ التَّعْدِيلِ وَلَوْ مِنْ وَاحِدٍ وَغَيْرِ مَقْبُولٍ بَعْدَهُ بَلْ يَحْتَاجُ إلَى نِصَابِ الشَّهَادَةِ فِي إثْبَاتِ حَقِّ الشَّرْعِ أَوْ الْعَبْدِ فَاضْمَحَلَّ بِهَذَا التَّحْقِيقِ مَا اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بَعْضُ الْمُتَصَلِّفِينَ بِلَا شُعُورٍ عَلَى مُرَادِ

الْقَائِلِ وَمَعَ ذَلِكَ هُوَ ذَاهِلٌ عَنْ الْقَوَاعِدِ وَغَافِلٌ حَيْثُ قَالَ أَقُولُ فِيهِ نَظَرٌ إذْ الْغَرَضُ أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الشَّهَادَةِ لَا تُعْتَبَرُ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ تَعْدِيلِ الشُّهُودِ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا حَاجَةَ إلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ الصُّورَةِ الْمُقَيِّدَةِ وَلِذَلِكَ قُلْت ( بَعْدَ التَّعْدِيلِ وَقَبْلَهُ قُبِلَتْ مِثْلُ أَنْ يَشْهَدُوا عَلَى أَنَّ شُهُودَ الْمُدَّعِي فَسَقَةٌ أَوْ زُنَاةٌ أَوْ أَكَلَةُ الرِّبَا أَوْ شَرَبَةُ خَمْرٍ أَوْ عَلَى إقْرَارِهِمْ أَنَّهُمْ شَهِدُوا بِالزُّورِ أَوْ ) عَلَى إقْرَارِهِمْ ( أَنَّهُمْ أُجَرَاءُ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ أَوْ ) عَلَى إقْرَارِهِمْ ( أَنَّ الْمُدَّعِيَ مُبْطِلٌ فِي هَذِهِ الدَّعْوَى أَوْ أَنَّهُ لَا شَهَادَةَ لَهُمْ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ ) وَإِنَّمَا لَمْ تُقْبَلْ هَذِهِ الشَّهَادَاتُ بَعْدَ التَّعْدِيلِ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ بَعْدَمَا ثَبَتَتْ لَا تَرْتَفِعُ إلَّا بِإِثْبَاتِ حَقِّ الشَّرْعِ أَوْ الْعَبْدِ كَمَا عَرَفْت وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِمَّا ذُكِرَ إثْبَاتُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا وُجِدَتْ قَبْلَ التَّعْدِيلِ فَإِنَّهَا كَافِيَةٌ فِي الدَّفْعِ كَمَا مَرَّ ( وَقُبِلَتْ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي بِفِسْقِهِمْ أَوْ ) إقْرَارِهِ ( بِشَهَادَتِهِمْ بِزُورٍ أَوْ بِأَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُمْ عَلَى هَذِهِ الشَّهَادَةِ ) لِأَنَّهُ إقْرَارٌ مِنْهُ بِأَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي دَعْوَاهُ .
( وَ ) قُبِلَتْ أَيْضًا ( عَلَى أَنَّهُمْ ) أَيْ الشُّهُودَ ( عَبِيدٌ أَوْ مَحْدُودُونَ بِقَذْفٍ أَوْ أَنَّهُمْ زَنَوْا وَوَصَفُوا الزِّنَا أَوْ سَرَقُوا مِنِّي كَذَا أَوْ شَرِبُوا الْخَمْرَ وَلَمْ يَتَقَادَمْ الْعَهْدُ ) بِأَنْ لَمْ يَزَلْ الرِّيحُ فِي الْخَمْرِ وَلَمْ يَمْضِ شَهْرٌ فِي الْبَاقِي قَيَّدَ بِعَدَمِ التَّقَادُمِ إذْ لَوْ كَانَ مُتَقَادِمًا لَا تُقْبَلُ لِعَدَمِ إثْبَاتِ الْحَقِّ بِهِ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ بِحَدٍّ مُتَقَادِمٍ مَرْدُودَةٌ ( أَوْ شُرَكَاءُ الْمُدَّعِي وَالْمُدَّعَى مَالٌ ) هُمْ يَشْتَرِكُونَ فِيهِ ( أَوْ قَذَفَةٌ وَالْمَقْذُوفُ يَدَّعِيهِ أَوْ أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُمْ بِكَذَا وَأَعْطَاهُمْ إيَّاهُ ) أَيْ الْأَجْرَ ( مِمَّا كَانَ لِي عِنْدَهُ أَوْ

إنِّي صَالَحْتُهُمْ عَلَى كَذَا وَدَفَعْتُهُ إلَيْهِمْ عَلَى أَنْ لَا يَشْهَدُوا عَلَيَّ زُورًا وَشَهِدُوا زُورًا فَأَنَا أَطْلُبُ مَا أَعْطَيْتُهُمْ ) وَإِنَّمَا قُبِلَتْ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ لِأَنَّ فِي بَعْضِهَا حَقَّ اللَّهِ وَفِي بَعْضِهَا حَقَّ الْعَبْدِ ، وَالْحَاجَةُ مَاسَّةٌ إلَى إحْيَاءِ هَذِهِ الْحُقُوقِ

( قَوْلُهُ وَالْغَرِيمَيْنِ قَصَدَا نَصْبَ مَنْ يَسْتَوْفِيَانِ حَقَّهُمَا ) يَعْنِي مِنْهُ وَهُوَ كَذَلِكَ فِي عِبَارَةِ الْكَافِي ( قَوْلُهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِشَهَادَةٍ حَقِيقَةً لِأَنَّهَا لَا تُوجِبُ عَلَى الْقَاضِي مَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهُ بِدُونِهَا وَهَذِهِ لَيْسَتْ كَذَلِكَ ) الصَّوَابُ إسْقَاطُ لَا النَّافِيَةِ مِنْ قَوْلِهِ لِأَنَّهَا لَا تُوجِبُ عَلَى الْقَاضِي لِأَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ لِأَنَّهَا رَاجِعٌ إلَى الشَّهَادَةِ الْحَقِيقِيَّةِ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ لِأَنَّهَا لَا تُوجِبُ عَلَى الْقَاضِي مَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهُ
إلَخْ لَا يُقَالُ إنَّهُ رَاجِعٌ إلَى شَهَادَةِ الْمَذْكُورِينَ لِمَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ تَكُونَ شَهَادَةُ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ مُلْزِمَةٌ وَهُوَ عَكْسُ الْمَوْضُوعِ ( قَوْلُهُ وَالْمَوْتُ مَعْرُوفٌ ) الْوَاوُ لِلْحَالِ أَيْ لِيَتَمَكَّنَ الْقَاضِي مِنْ نَصْبِ الْوَصِيِّ إذَا رَضِيَ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَرْضَ أَوْ كَانَ الْمَوْتُ غَيْرَ ظَاهِرٍ إذْ لَا يَكُونُ لَهُ نَصْبُ الْوَصِيِّ إلَّا بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ فَتَصِيرُ الشَّهَادَةُ مُوجَبَةً فَتَبْطُلُ لِمَعْنَى التُّهْمَةِ وَفِي الْغَرِيمَيْنِ لِلْمَيِّتِ عَلَيْهِمَا دَيْنٌ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَوْتُ ظَاهِرًا لِأَنَّهُمَا يُقِرَّانِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا بِثُبُوتِ وِلَايَةِ الْقَبْضِ لِلْمَشْهُودِ لَهُ فَانْتَفَتْ التُّهْمَةُ وَثَبَتَ مَوْتُ رَبِّ الدَّيْنِ بِإِقْرَارِهِمَا فِي حَقِّهِمَا وَقِيلَ مَعْنَى الْقَبُولِ أَمْرُ الْقَاضِي إيَّاهُمَا بِأَدَاءِ مَا عَلَيْهِمَا إلَيْهِ لَا بَرَاءَتُهُمَا عَنْ الدَّيْنِ بِهَذَا الْأَدَاءِ لِأَنَّ اسْتِيفَاءَ الدَّيْنِ مِنْهُمَا حَقٌّ عَلَيْهِمَا فَيُقْبَلُ فِيهِ وَالْبَرَاءَةُ حَقٌّ لَهُمَا فَلَا نَقْبَلُ فِيهَا كَذَا فِي الْكَافِي قَوْلُهُ وَقُبِلَتْ عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي بِفِسْقِهِمْ أَوْ إقْرَارِهِ بِشَهَادَتِهِمْ بِزُورٍ ) تَقَدَّمَ مِثْلُهُ فِي الدَّعْوَى بِقَوْلِهِ بِرَهْنٍ عَلَى قَوْلِ الْمُدَّعِي أَنَا مُبْطِلٌ فِي الدَّعْوَى أَوْ شُهُودِي كَذَبَةٌ أَوْ لَيْسَ لِي عَلَيْهِ شَيْءٌ صَحَّ الدَّفْعُ ( قَوْلُهُ أَوْ أَنَّهُمْ

زَنَوْا وَوَصَفُوا الزِّنَا
إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ مِنْ الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ أَنْ يَشْهَدُوا أَنَّ الشُّهُودَ زُنَاةٌ أَوْ شَرَبَةُ الْخَمْرِ ثُمَّ قَالَ فَأَمَّا لَوْ كَانَ الْجَرْحُ غَيْرَ مُجَرَّدٍ إلَى أَنْ قَالَ مِنْهُ مَا لَوْ شَهِدُوا أَنَّ الشَّاهِدَ شَرِبَ الْخَمْرَ أَوْ زَنَى ا هـ فَذِكْرُ الشُّرْبِ وَالزِّنَا فِي كُلٍّ مِنْ صُوَرِ الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ قَالَ قَدْ وَقَعَ فِي عَدِّ صُوَرِ عَدَمِ الْقَبُولِ أَنْ يَشْهَدُوا بِأَنَّهُمْ فَسَقَةٌ أَوْ زُنَاةٌ أَوْ شَرَبَةُ خَمْرٍ وَفِي صُوَرِ الْقَبُولِ أَنْ يَشْهَدُوا بِأَنَّهُ شَرِبَ أَوْ زَنَى لِأَنَّهُ لَيْسَ جَرْحًا مُجَرَّدًا لِتَضَمُّنِهِ دَعْوَى حَقِّ اللَّهِ وَهُوَ الْحَدُّ وَيَحْتَاجُ إلَى جَمْعٍ وَتَأْوِيلٍ .
ا هـ .
( قُلْت ) وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَالتَّأْوِيلُ مِمَّا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا أَطْلَقَ فِي أَنَّهُ زَنَى أَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ أَوْ سَرَقَ وَلَمْ يُبَيِّنْ وَقْتَهُ لَا تُقْبَلُ لِلتَّقَادُمِ فَيُحْمَلُ مَا فِي صُوَرِ الْجَرْحِ عَلَى هَذَا وَإِنْ بَيَّنَهُ وَلَمْ يَكُنْ مُتَقَادِمًا تُقْبَلْ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا فِي صُوَرِ الْقَبُولِ وَهَذِهِ عِبَارَتُهُ وَمَا ذَكَرَهُ الْخَصَّافُ مِنْ قَوْلِهِ إنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الْجَرْحِ الْمُجَرَّدِ مَقْبُولَةٌ تَأْوِيلُهُ إذَا أَقَامَهَا عَلَى إقْرَارِ الْمُدَّعِي بِذَلِكَ أَوْ عَلَى التَّزْكِيَةِ وَعَلَى هَذَا مَا ذَكَرَهُ فِي الْكَافِي وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّ الشُّهُودَ لَوْ شَهِدُوا أَنَّ الشُّهُودَ زُنَاةٌ أَوْ شَرَبَةُ خَمْرٍ لَمْ تُقْبَلْ وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُمْ زَنَوْا أَوْ شَرِبُوا الْخَمْرَ أَوْ سَرَقُوا تُقْبَلُ وَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ مُتَقَادِمًا وَإِلَّا فَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِهِمْ زُنَاةً أَوْ زَنَوْا إلَخْ .
ا هـ .
فَالْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَبِعَ مَا أَوَّلَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ كَلَامَهُمْ رَحِمَهُمْ اللَّهُ أَجْمَعِينَ

( مِنْ ) أَيِّ شَاهِدٍ ( رَدَّهُ قَاضٍ فِي حَادِثَةٍ ) أَيْ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ فِيهَا ( لَيْسَ لِآخَرَ ) أَيْ قَاضٍ غَيْرَهُ ( قَبُولُهُ فِيهَا ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ رَدَّ الْأَوَّلِ لِوَجْهٍ شَرْعِيٍّ فَلَا يَجُوزُ مُخَالَفَةُ الثَّانِي لَهُ

( شَهَادَةٌ قَاصِرَةٌ يُتِمُّهَا غَيْرُهُمْ تُقْبَلُ فِي مِثْلِ إنْ شَهِدَا بِالدَّارِ بِلَا ذِكْرٍ أَنَّهَا فِي يَدِ الْخَصْمِ فَتَشْهَدُ بِهِ آخَرَانِ ) فَإِنَّهُمَا يُقْبَلَانِ لِأَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الشَّهَادَةِ لِإِثْبَاتِ يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَتَّى يَصِيرَ خَصْمًا فِي إثْبَاتِ الْمِلْكِ لِلْمُدَّعِي وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَثْبُتَ كِلَا الْحُكْمَيْنِ بِشَهَادَةِ فَرِيقٍ وَاحِدٍ أَوْ فَرِيقَيْنِ ثُمَّ إذَا شَهِدَا أَنَّهَا فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ سَأَلَهُمْ الْقَاضِي أَعَنْ سَمَاعٍ تَشْهَدُونَ أَنَّهَا فِي يَدِهِ أَوْ عَنْ مُعَايَنَةٍ لِأَنَّهُمْ رُبَّمَا سَمِعُوا إقْرَارَهُ أَنَّهَا فِي يَدِهِ وَظَنُّوا أَنَّ ذَلِكَ يُطْلِقُ لَهُمْ الشَّهَادَةَ كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ

قَوْلُهُ ثُمَّ إذَا شَهِدَا أَنَّهَا فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ سَأَلَهُمْ الْقَاضِي
إلَخْ ) ذَكَرَهُ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ ثُمَّ قَالَ وَقَدْ اشْتَبَهَ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ أَنَّهُ بِمُجَرَّدِ إقْرَارِهِ هَلْ تَثْبُتُ يَدُهُ حُكْمًا فَمَا لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهُمَا عَايَنَا يَدَهُ لَا تُقْبَلُ وَلَا يَخْتَصُّ هَذَا بِهَذِهِ الْحَادِثَةِ وَفِي غَيْرِهَا كَذَلِكَ حَتَّى لَوْ شَهِدَا بِبَيْعٍ وَتَسْلِيمٍ يَسْأَلُهُمَا الْقَاضِي اشْهَدَا عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ أَوْ عَلَى مُعَايَنَةِ الْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ وَالْحُكْمُ يَخْتَلِفُ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ بِالْبَيْعِ وَالتَّسْلِيمِ شَهَادَةٌ بِالْمِلْكِ لِلْبَائِعِ وَالشَّهَادَةُ عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ بِهِ لَيْسَتْ شَهَادَةً بِمِلْكِ الْبَائِعِ أَقُولُ الشَّهَادَةُ عَلَى الْمُعَايَنَةِ قَدْ تَكُونُ فِي غَيْرِ مِلْكِ الْبَائِعِ بِأَنْ يَبِيعَ وَكَالَةً فَلَا يَسْتَقِيمُ جَعْلُ الشَّهَادَةِ عَلَى مُعَايَنَةِ الْبَيْعِ شَهَادَةً بِالْمِلْكِ لِلْبَائِعِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَبَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الشَّهَادَةِ بِالْمِلْكِ لِلْبَائِعِ بِنَاءً عَلَى مُعَايَنَةِ الْيَدِ وَالتَّصَرُّفِ فَرْقٌ يُعْرَفُ بِالتَّأَمُّلِ فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ .
ا هـ .
قُلْت وَلَا يَخْتَصُّ بِمَا بَحَثَ بِهِ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى مُعَايَنَةِ الْبَيْعِ لَا تَقْتَضِي الْمِلْكَ إذْ يَجُوزُ لِلشَّاهِدِ بِالْبَيْعِ أَنْ يَدَّعِيهِ بَعْدَ شَهَادَتِهِ بِهِ مَا لَمْ يَشْهَدْ بِأَنَّهُ بَاعَ مِلْكَ نَفْسِهِ أَوْ بَيْعًا بَاتًّا كَمَا تَقَدَّمَ .
ا هـ .

( وَإِنْ شَهِدَا بِالْمِلْكِ فِي الْمَحْدُودِ وَآخَرَانِ بِالْحُدُودِ ) حَيْثُ يُقْبَلَانِ لِمَا ذُكِرَ ( وَإِنْ شَهِدُوا عَلَى الِاسْمِ وَالنَّسَبِ وَلَمْ يَعْرِفُوا الرَّجُلَ بِعَيْنِهِ فَشَهِدَ آخَرَانِ أَنَّهُ الْمُسَمَّى بِهِ ) أَيْ بِذَلِكَ الِاسْمِ وَسَيَأْتِي نَظَائِرُهَا
( قَوْلُهُ وَإِنْ شَهِدُوا بِالْمِلْكِ فِي الْمَحْدُودِ وَآخَرَانِ بِالْحُدُودِ حَيْثُ يُقْبَلَانِ ) قَالَ فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ إنَّ الرِّوَايَةَ اخْتَلَفَتْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا تُقْبَلُ

( شَهِدَ عَدْلٌ فَقَالَ أَوْهَمْتُ بَعْضَ شَهَادَتِي لَمْ يَضُرَّهَا ) يَعْنِي بَعْدَمَا شَهِدَ تَذَكَّرَ لَفْظًا تَرَكَهُ فِي شَهَادَتِهِ فَذَكَرَهُ تُقُبِّلَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُنَاقَضَةٌ وَأَطْلَقَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْمُحِيطِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَبْرَحْ عَنْ مَكَانِهِ جَازَ ذَلِكَ إذَا كَانَ عَدْلًا وَلَمْ يُشْتَرَطْ عَدَمُ الْمُنَاقَضَةِ وَإِنَّهُ شَرْطٌ حَسَنٌ ذَكَرَهُ الزَّاهِدِيُّ

( قَوْلُهُ شَهِدَ عَدْلٌ فَقَالَ أَوْهَمْتُ بَعْضَ شَهَادَتِي لَمْ يَضُرَّهَا ) لَيْسَ الْمُرَادُ كَوْنُهُ عَلَى الْفَوْرِ بَلْ مَا لَمْ يَبْرَحْ عَنْ مَكَانِهِ أَشَارَ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ يَعْنِي بَعْدَ مَا شَهِدَ تَذَكَّرَ وَقَوْلُهُ أَوْهَمْتُ أَيْ أَخْطَأْتُ لِنِسْيَانٍ عَرَانِي بِزِيَادَةٍ بَاطِلَةٍ بِأَنْ كَانَ شَهِدَ بِأَلْفٍ فَقَالَ إنَّمَا هِيَ خَمْسُمِائَةٍ أَوْ بِنَقْصٍ بِأَنْ شَهِدَ بِخَمْسِمِائَةٍ فَقَالَ أَوْهَمْتُ إنَّمَا هِيَ أَلْفٌ جَازَتْ شَهَادَتُهُ وَإِذَا جَازَتْ فِيمَ إذَا يَقْضِي قِيلَ بِجَمِيعِ مَا شَهِدَ بِهِ لِأَنَّ مَا شَهِدَ بِهِ صَارَ حَقًّا لِلْمُدَّعِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِقَوْلِهِ أَوْهَمْتُ وَلَا بُدَّ مِنْ دَعْوَى الْمُدَّعِي الزِّيَادَةَ وَقِيلَ بِمَا بَقِيَ فَقَطْ وَإِلَيْهِ مَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إذَا شَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّ لِرَجُلٍ شَهَادَةً ثُمَّ زَادَ فِيهَا قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ وَقَالَا أُوهِمنَا وَهُمَا غَيْرُ مُتَّهَمَيْنِ قُبِلَ مِنْهُمَا وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُ يَقْضِي بِالْكُلِّ كَذَا فِي الْفَتْحِ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ وَبِهِ صَرَّحَ قَالَ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ أَنَّ الشَّاهِدَ إذَا قَالَ أَوْهَمْتُ فِي الزِّيَادَةِ أَوْ فِي النُّقْصَانِ يُقْبَلُ قَوْلُهُ إذَا كَانَ عَدْلًا وَلَا يَتَفَاوَتُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِشْرٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ ( قَوْلُهُ وَأَطْلَقَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْمُحِيطِ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَبْرَحْ
إلَخْ ) هَذَا وَقَيَّدَ الزَّيْلَعِيُّ شَرْطَ عَدَمِ الْبَرَاحِ بِمَا إذَا كَانَ مَوْضِعَ شُبْهَةٍ كَمَا بَيَّنَّا أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ مَوْضِعَ شُبْهَةٍ فَلَا بَأْسَ بِإِعَادَةِ الْكَلَامِ وَإِنْ قَامَ عَنْ الْمَجْلِسِ إنْ كَانَ عَدْلًا مَأْمُونًا مِثْلَ أَنْ يَتْرُكَ لَفْظَ الشَّهَادَةِ أَوْ اسْمَ الْمُدَّعِي أَوْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ الْإِشَارَةَ إلَى أَحَدِ الْخَصْمَيْنِ وَمَا يَجْرِي مُجْرَاهُ ( قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ

يَقْبَلُ فِي غَيْرِ الْمَجْلِسِ فِي الْكُلِّ ) الْأَوَّلُ هُوَ الظَّاهِرُ

( بَيِّنَةُ الْمَوْتِ مِنْ الْجُرْحِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ الْمَوْتِ بَعْدَ الْبُرْءِ ) يَعْنِي جَرَحَ رَجُلٌ إنْسَانًا وَمَاتَ الْمَجْرُوحُ فَأَقَامَ أَوْلِيَاؤُهُ بَيِّنَةً أَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبِ الْجُرْحِ وَأَقَامَ الضَّارِبُ بَيِّنَةً أَنَّهُ بَرِيءٌ وَمَاتَ بَعْدَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ فَبَيِّنَةُ أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ أَوْلَى ( وَبَيِّنَةُ الْغَبْنِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ كَوْنِ الْقِيمَةِ مِثْلَ الثَّمَنِ ) يَعْنِي أَنَّ وَصِيًّا بَاعَ كَرْمَ الصَّبِيِّ وَبَلَغَ الصَّبِيُّ وَادَّعَى غَبْنًا وَأَقَامَ بَيِّنَةً وَأَقَامَ الْمُشْتَرِي بَيِّنَةً أَنَّ قِيمَةَ الْكَرْمِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مِثْلُ الثَّمَنِ فَبَيِّنَةُ الْغَبْنِ أَوْلَى لِأَنَّهَا تُثْبِتُ أَمْرًا زَائِدًا وَلِأَنَّ بَيِّنَةَ الْفَسَادِ أَرْجَحُ مِنْ بَيِّنَةِ الصِّحَّةِ .
( وَ ) بَيِّنَةُ ( كَوْنِ الْمُتَصَرِّفِ عَاقِلًا أَوْلَى مِنْ ) بَيِّنَةِ ( كَوْنِهِ مَخْلُوطَ الْعَقْلِ أَوْ مَجْنُونًا ) يَعْنِي أَنَّ أَمَةً أَقَامَتْ بَيِّنَةً أَنَّ مَوْلَاهَا دَبَّرَهَا فِي مَرَضِ مَوْتِهِ وَهُوَ عَاقِلٌ وَأَقَامَتْ الْوَرَثَةُ بَيِّنَةً أَنَّ مَوْلَاهَا كَانَ مَخْلُوطَ الْعَقْلِ .
فَبَيِّنَةُ الْأَمَةِ أَوْلَى وَكَذَا إذَا خَالَعَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ أَقَامَ الزَّوْجُ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ مَجْنُونًا وَقْتَ الْخُلْعِ وَأَقَامَتْ بَيِّنَةً عَلَى كَوْنِهِ عَاقِلًا حِينَئِذٍ أَوْ كَانَ مَجْنُونًا وَقْتَ الْخُصُومَةِ فَأَقَامَ وَلِيُّهُ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ مَجْنُونًا وَالْمَرْأَةُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ عَاقِلًا فَبَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ أَوْلَى فِي الْفَصْلَيْنِ ( وَ ) بَيِّنَةُ ( الْإِكْرَاهِ أَوْلَى مِنْ بَيِّنَةِ الطَّوْعِ ) يَعْنِي لَوْ أُثْبِتَ إقْرَارُ إنْسَانٍ بِشَيْءٍ طَائِعًا فَأَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنِّي كُنْت مُكْرَهًا فِي ذَلِكَ الْإِقْرَارِ فَبَيِّنَةُ الْإِكْرَاهِ أَوْلَى لِأَنَّهَا تُثْبِتُ خِلَافَ الظَّاهِرِ

( قَوْلُهُ بَيِّنَةُ الْمَوْتِ مِنْ الْجُرْحِ ) إلَى آخِرِ الْبَابِ كَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَهُ فِي دَعْوَى الرَّجُلَيْنِ .
( تَنْبِيهٌ ) : فِي الشَّهَادَةِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ اعْلَمْ أَنَّهُ عَقَدَ لِذَلِكَ فَصْلًا فِي الْخُلَاصَةِ والتتارخانية وَقَدْ اسْتَفْتَى الْآنَ عَنْ قَبَّانِيٍّ وَنَحْوِهِ شَهِدَ بِالْوَزْنِ وَالتَّسْلِيمِ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ ذَرْعُ الثَّوْبِ لَوْ أَخْبَرَ بِهِ الشَّاهِدُ بِأَنَّهُ ذَرَعَهُ وَسَلَّمَهُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَجَوَابُهُ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ مَا نَصُّهُ .
وَفِي الْمُنْتَقَى لَوْ شَهِدَا عَلَى رَجُلٍ بِمَالٍ أَنَّهُ قَبَضَهُ مِنْ فُلَانٍ وَهُوَ يُنْكِرُ فَشَهِدَا عَلَى قَبْضِهِ وَقَالَا نَحْنُ وَزَنَّاهُ عَلَيْهِ إنْ كَانَا زَعَمَا أَنَّ رَبَّ الْمَالِ كَانَ حَاضِرًا جَازَتْ شَهَادَتُهُمَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَاضِرًا عِنْدَ الْوَزْنِ لَا تُقْبَلُ ا هـ قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة لِأَنَّهُ إذَا كَانَ حَاضِرًا انْتَقَلَ قَبْلَ الْعَقْدِ إلَيْهِ فَكَانَ الشَّاهِدُ شَاهِدًا عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ فَأَمَّا إذَا كَانَ غَائِبًا تَعَذَّرَ إضَافَتُهُ إلَيْهِ فَبَقِيَ الْعَقْدُ مَقْصُورًا عَلَيْهِ وَذَكَرَ بَعْدَ هَذَا لَوْ وَزَنَ لَهُ الْغَرِيمُ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَوَضَعَهُ وَقَالَ خُذْ مَالَكَ فَقَالَ الْمُقْتَضِي لِرَجُلٍ نَاوِلْنِي هَذِهِ الدَّرَاهِمَ فَنَاوَلَهَا ثُمَّ شَهِدَ عَلَى الْمُقْتَضَى وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي دَفَعَ إلَيْهِ الدَّرَاهِمَ جَازَتْ شَهَادَتُهُ وَذَكَرَ هِلَالٌ فِي شُرُوطِهِ أَنَّهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الَّذِي كَالَ الْمَكِيلَ وَفِي الْمَذْرُوعِ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الذِّرَاعِ .
ا هـ .
وَسَنَذْكُرُ فِي كِتَابِ الْقِسْمَةِ جَوَازَ شَهَادَةِ الْقَاسِمَيْنِ وَلَوْ قَسَمَا بِأَجْرٍ مُطْلَقًا

( بَابُ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ ) اعْلَمْ أَنَّ مَبْنَى الْبَابِ عَلَى أُصُولٍ مُقَرَّرَةٍ مِنْهَا أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى حُقُوقِ الْعِبَادِ لَا تُقْبَلُ بِلَا دَعْوَى مِنْ مُدَّعٍ لِأَنَّ ثُبُوتَ حُقُوقِهِمْ يَتَوَقَّفُ عَلَى مُطَالَبَتِهِمْ وَلَوْ بِالتَّوْكِيلِ بِخِلَافِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى حَيْثُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الدَّعْوَى لِأَنَّ إقَامَةَ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَاجِبَةٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فَكُلُّ أَحَدٍ خَصْمٌ فِي إثْبَاتِهَا فَصَارَ كَأَنَّ الدَّعْوَى مَوْجُودَةٌ وَمِنْهَا أَنَّ الشُّهُودَ إذَا شَهِدُوا بِأَكْثَرَ مِنْ الْمُدَّعَى كَانَ الْمُدَّعَى مُكَذِّبَهُمْ فَتَبْطُلُ شَهَادَتُهُمْ وَإِنْ شَهِدُوا بِالْأَقَلِّ تُقْبَلُ لِلِاتِّفَاقِ فِيهِ وَمِنْهَا أَنَّ الْمِلْكَ الْمُطْلَقَ أَزْيَدُ مِنْ الْمُقَيَّدِ لِثُبُوتِهِ مِنْ الْأَصْلِ وَالْمِلْكَ بِالسَّبَبِ مُقْتَصِرٌ عَلَى وَقْتِ السَّبَبِ وَمِنْهَا أَنَّ الِاخْتِلَافَ بَيْنَ الشَّاهِدَيْنِ لَيْسَ كَالِاخْتِلَافِ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ لِأَنَّ شَهَادَةَ الشَّاهِدَيْنِ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُطَابِقَةً لِلْأُخْرَى فِي الْمَعْنَى وَفِي لَفْظٍ لَا يُوجِبُ اخْتِلَافَ الْمَعْنَى أَمَّا الْمُطَابَقَةُ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ فَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ فِي الْمَعْنَى فَقَطْ وَلَا عِبْرَةَ بِاللَّفْظِ كَذَا فِي الْفُصُولِ وَسَيَأْتِي زِيَادَةُ تَوْضِيحٍ لَهُ وَبِهِ يُعْلَمُ أَنَّ عِبَارَةَ الْوِقَايَةِ لَيْسَتْ كَمَا يَنْبَغِي حَيْثُ قَالَ شَرْطُ مُوَافَقَةِ الشَّهَادَةِ الدَّعْوَى كَاتِّفَاقِ الشَّاهِدَيْنِ لَفْظًا وَمَعْنًى وَلِهَذَا قُلْت ( تَجِبُ مُطَابَقَةُ الشَّهَادَةِ لِلدَّعْوَى ) لَا لَفْظًا وَمَعْنًى مَعًا بَلْ ( مَعْنًى ) فَقَطْ ( فَلَوْ ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا فَشَهِدَا بِمِلْكٍ بِسَبَبٍ ) كَدَعْوَى الدَّارِ بِالْإِرْثِ مَثَلًا ( قُبِلَتْ ) لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِأَقَلَّ مِمَّا ادَّعَى وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ لِلْمُطَابَقَةِ مَعْنًى كَمَا مَرَّ ( وَبِعَكْسِهِ ) أَيْ لَوْ ادَّعَى مِلْكًا بِسَبَبٍ وَشَهِدَا بِمِلْكٍ مُطْلَقٍ ( لَا ) أَيْ لَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُمَا شَهِدَا بِأَكْثَرَ مِمَّا ادَّعَى فَتَبْطُلُ كَمَا مَرَّ .
(

وَ ) يَجِبُ ( تَطَابُقُ الشَّهَادَتَيْنِ فِي الْمَعْنَى وَلَفْظٍ لَا يُوجِبُ اخْتِلَافَهُ ) أَيْ اخْتِلَافَ الْمَعْنَى بِأَنْ يَتَطَابَقَ لَفْظُهُمَا عَلَى إفَادَةِ الْمَعْنَى بِطَرِيقِ الْوَضْعِ لَا التَّضَمُّنِ وَعِنْدَهُمَا يَكْفِي الِاتِّفَاقُ فِي الْمَعْنَى حَتَّى إذَا ادَّعَى رَجُلٌ مِائَةَ دِرْهَمٍ فَشَهِدَ شَاهِدٌ بِدِرْهَمٍ وَآخَرُ بِدِرْهَمَيْنِ وَآخَرُ بِثَلَاثَةٍ وَآخَرُ بِأَرْبَعَةٍ وَآخَرُ بِخَمْسَةٍ لَمْ تُقْبَلْ عِنْدَهُ لِعَدَمِ الْمُطَابَقَةِ لَفْظًا وَعِنْدَهُمْ يَقْضِي بِأَرْبَعَةٍ لِاتِّفَاقِ الشَّاهِدَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ فِيهَا مَعْنَى ( فَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالنِّكَاحِ وَالْآخَرُ بِالتَّزْوِيجِ قُبِلَتْ ) لِاتِّحَادِهِمَا مَعْنًى ( كَذَا الْهِبَةُ وَالْعَطِيَّةُ وَنَحْوُهُمَا )

بَابُ الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ ) ( قَوْلُهُ مِنْهَا أَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى حُقُوقِ الْعِبَادِ
إلَخْ ) لَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ لِأَنَّهُ فِي الِاخْتِلَافِ فِي الشَّهَادَةِ لَا فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَعَدَمِهِ ( قَوْلُهُ وَمِنْهَا أَنَّ الشُّهُودَ إذَا شَهِدُوا بِأَكْثَرَ مِنْ الْمُدَّعَى ) هَذَا فِي الْجُمْلَةِ ( قَوْلُهُ وَمِنْهَا أَنَّ الْمِلْكَ الْمُطْلَقَ
إلَخْ ) هَذَا أَيْضًا فِي الْجُمْلَةِ لِمَا سَنَذْكُرُ ( قَوْلُهُ فَلَوْ ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا
إلَخْ ) كَانَ الْأَنْسَبُ أَنْ يُفَرِّعَ بِقَوْلِهِ فَلَوْ ادَّعَى أَلْفَيْنِ وَشَهِدُوا بِأَلْفٍ قُبِلَتْ اتِّفَاقًا لِوُجُودِ التَّطَابُقِ مَعْنًى وَلَا يُشْكِلُ هَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ الِاتِّفَاقَ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ وَإِنْ اُشْتُرِطَ لَكِنْ لَيْسَ عَلَى وِزَانِ اتِّفَاقِهِ بَيْنَ الشَّاهِدَيْنِ أَلَا يَرَى أَنَّهُ لَوْ ادَّعَى الْغَصْبَ فَشَهِدُوا بِإِقْرَارِهِ بِهِ تُقْبَلُ وَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْغَصْبِ وَالْآخَرُ عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ لَا تُقْبَلُ وَحِينَئِذٍ فَقَدْ حَصَلَتْ الْمُوَافَقَةُ بَيْنَ الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ لِأَنَّهُ لَمَّا ادَّعَى بِأَلْفَيْنِ كَانَ مُدَّعِيًا أَلْفًا وَقَدْ شَهِدَا بِهِ صَرِيحًا فَتُقْبَلُ بِخِلَافِ شَهَادَتِهِمَا بِالْأَلْفِ وَالْأَلْفَيْنِ لَمْ يَنُصَّ شَاهِدُ الْأَلْفَيْنِ عَلَى الْأَلْفِ إلَّا مِنْ حَيْثُ هِيَ أَلْفَانِ وَلَمْ يَثْبُتْ الْأَلْفَانِ كَذَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ وَبِعَكْسِهِ أَيْ لَوْ ادَّعَى مِلْكًا بِسَبَبٍ وَشَهِدَا بِمِلْكٍ مُطْلَقٍ لَا أَيْ لَا تُقْبَلُ ) هَذَا فِي غَيْرِ دَعْوَى الْإِرْثِ وَالنِّتَاجِ وَكَذَا فِي غَيْرِ دَعْوَى الشِّرَاءِ مِنْ مَجْهُولٍ عَلَى خِلَافٍ فِيهِ لِمَا قَالَ الْكَمَالُ ادَّعَى مِلْكًا مُطْلَقًا أَوْ بِالنِّتَاجِ فَشَهِدُوا فِي الْأَوَّلِ بِالْمِلْكِ بِسَبَبٍ وَفِي الثَّانِي بِالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ قَبْلَنَا ثُمَّ قَالَ بَعْدَ تَعْلِيلِهِ وَمِنْ الْأَكْثَرِ مَا لَوْ ادَّعَى الْمِلْكَ بِسَبَبٍ فَشَهِدُوا بِالْمُطْلَقِ لَا تُقْبَلُ إلَّا إذَا كَانَ السَّبَبُ الْإِرْثَ لِأَنَّ دَعْوَى الْإِرْثِ كَدَعْوَى الْمُطْلَقِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ

وَقَيَّدَهُ فِي الْأَقْضِيَةِ بِمَا إذَا نَسَبَهُ إلَى مَعْرُوفٍ سَمَّاهُ وَنَسَبَهُ أَمَّا لَوْ جَهِلَهُ فَقَالَ اشْتَرَيْتُهُ أَوْ قَالَ مِنْ رَجُلٍ أَوْ زَيْدٍ وَهُوَ غَيْرُ مَعْرُوفٍ فَشَهِدُوا بِالْمُطْلَقِ قُبِلَتْ فَهِيَ خِلَافِيَّةٌ ذَكَرَ الْخِلَافَ فِي الْقَبُولِ رَشِيدُ الدِّينِ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَيَجِبُ تَطَابُقُ الشَّهَادَتَيْنِ فِي الْمَعْنَى
إلَخْ ) مِنْ صُوَرِهِ مَا لَوْ ادَّعَى الْإِبْرَاءَ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَبْرَأَهُ وَآخَرُ أَنَّهُ وَهَبَ لَهُ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُمَا يُسْتَعْمَلَانِ فِي الْبَرَاءَةِ أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْهِبَةِ وَالْآخَرُ بِالْإِبْرَاءِ تُقْبَلُ كَمَا فِي الْكَافِي مَعَ زِيَادَةِ فَائِدَةٍ ا هـ .
وَذَكَرَ الْكَمَالُ أَنَّ مِنْ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ فِي أَوْقَافِ الْخَصَّافِ مَا يُخَالِفُ أَصْلَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَلْيُرَاجَعْ قَوْلُهُ فَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالنِّكَاحِ وَالْآخَرُ بِالتَّزْوِيجِ قُبِلَتْ ) كَذَا تُقْبَلُ فِيمَا لَوْ ادَّعَتْ نِكَاحَهُ فَشَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا امْرَأَتُهُ وَالْآخَرُ أَنَّهَا كَانَتْ امْرَأَتُهُ أَوْ شَهِدَ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهَا امْرَأَتُهُ وَالْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهَا كَانَتْ امْرَأَتَهُ كَمَا فِي جَامِعِ الْفُصُولَيْنِ فَإِنْ قُلْت يُشْكِلُ هَذَا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ بِمَا إذَا شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ لَهَا أَنْتِ خَلِيَّةٌ وَالْآخَرُ أَنْتِ بَرِيَّةٌ حَيْثُ لَا يَقْضِي بِبَيْنُونَةٍ أَصْلًا مَعَ إفَادَتِهِمَا مَعًا الْبَيْنُونَةَ وَاخْتِلَافُ اللَّفْظِ وَحْدَهُ غَيْرُ ضَائِرٍ قُلْت نَمْنَعُ التَّرَادُفَ لِأَنَّ مَعْنَى خَلِيَّةٌ لَيْسَ مَعْنَى بَرِيَّةٌ لُغَةً وَالْوُقُوعَ لَيْسَ إلَّا بِاعْتِبَارِ مَعْنَى اللُّغَةِ وَلِذَا قُلْنَا إنَّ الْكِنَايَاتِ عَوَامِلُ بِحَقَائِقِهَا وَهُمَا لَفْظَانِ مُتَبَايِنَانِ لِمَعْنَيَيْنِ مُتَبَايِنَيْنِ غَيْرَ أَنَّ الْمَعْنَيَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ الْمُتَبَايِنَيْنِ يَلْزَمُهُمَا لَازِمٌ وَاحِدٌ وَهُوَ وُقُوعُ الْبَيْنُونَةِ وَالْمُتَبَايِنَانِ قَدْ يَشْتَرِكَانِ فِي لَازِمٍ وَاحِدٍ فَاخْتِلَافُهُمَا ثَابِتٌ فِي اللَّفْظِ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25