كتاب : درر الحكام شرح غرر الأحكام
المؤلف : محمد بن فراموز الشهير بمنلا خسرو

الْفَاسِدَةِ ( مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ رَبِحَ أَوْ لَا ( بِلَا زِيَادَةٍ عَلَى الْمَشْرُوطِ ) كَمَا هُوَ حُكْمُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ وَقَدْ مَرَّ ( وَلَا ضَمَانَ فِيهَا ) أَيْ فِي الْمُضَارَبَةِ الْفَاسِدَةِ ( كَالصَّحِيحَةِ ) لِأَنَّهُ أَمِينٌ فَلَا يَكُونُ ضَمِينًا ( وَأَمَّا دَفْعُ الْمَالِ إلَى آخَرَ وَشَرْطُ الرِّبْحِ لِلْمَالِكِ فَبِضَاعَةٌ وَ ) شَرْطُهُ ( لِلْعَامِلِ فَقَرْضٌ ) وَإِنَّمَا غَيَّرَ أُسْلُوبَ الْوِقَايَةِ حَيْثُ لَمْ يَعُدَّ الْبِضَاعَةَ وَالْقَرْضَ فِي سِلْكِ الْإِيدَاعِ وَغَيْرِهِ لِمَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ أَنَّ الْمُضَارَبَةَ إذَا كَانَتْ عَقْدَ شَرِكَةٍ فِي الرِّبْحِ فَكَيْفَ تَكُونُ بِضَاعَةً أَوْ قَرْضًا

كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمَقْبُوضِ عَلَى سَوْمِ الشِّرَاءِ ) يَعْنِي وَقَدْ سُمِّيَ ثَمَنٌ ( قَوْلُهُ بَلْ أَجْرُ عَمَلِهِ مُطْلَقًا أَيْ سَوَاءٌ رَبِحَ أَوْ لَا ) أَقُولُ هَذَا أَيْ وُجُوبُ الْأَجْرِ مُطْلَقًا رِوَايَةُ الْأَصْلِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَجَعَلَهُ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ قَوْلَ مُحَمَّدٍ حَيْثُ قَالَ فَيَحْكُمُ بِهِ أَيْ أَبُو يُوسُفَ بِأَجْرِ الْمِثْلِ إنْ رَبِحَ وَإِلَّا فَلَا لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَرْبَحْ فِي الْمُضَارَبَةِ الصَّحِيحَةِ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا فَكَذَا فِي الْفَاسِدَةِ وَيَمْنَعُ أَبُو يُوسُفَ أَيْضًا مُجَاوَزَةَ الْمَشْرُوطِ أَيْ مَا شُرِطَ لِلْمُضَارِبِ وَخَالَفَهُ فِيهِمَا أَيْ قَالَ مُحَمَّدٌ يَجِبُ الْأَجْرُ وَإِنْ لَمْ يَرْبَحْ بَالِغًا مَا بَلَغَ ا هـ لَكِنْ مَا جَزَمَ بِهِ فِي الْمَجْمَعِ بِقَوْلِهِ فَيَحْكُمُ بِهِ أَبُو يُوسُفَ قَالَ فِيهِ الزَّيْلَعِيُّ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ
إلَخْ ا هـ وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ مِثْلُ مَا فِي الْمَجْمَعِ وَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ رَبِحَ أَوْ لَمْ يَرْبَحْ أَطْلَقَ أَجْرَ الْمِثْلِ فِي الْأَصْلِ لَكِنَّ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَجِبُ بَالِغًا مَا بَلَغَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يُجَاوِزُ الْمُسَمَّى قَوْلُهُ بِلَا زِيَادَةٍ عَلَى الْمَشْرُوطِ ) هَذَا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فَمَشَى فِي وُجُوبِ الْأَجْرِ مُطْلَقًا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَلَمْ يَأْخُذْ بِقَوْلِهِ فِي مُجَاوَزَةِ الْمُسَمَّى بَلْ أَخَذَ فِيهِ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ حَيْثُ مَشَى عَلَى عَدَمِ مُجَاوَزَتِهِ الْمَشْرُوطَ وَلَمْ يَمْشِ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ بِعَدَمِ لُزُومِ الْأَجْرِ إذَا لَمْ يَرْبَحْ .
ا هـ .

( وَشَرْطُهَا سِتَّةٌ ) الْأَوَّلُ ( كَوْنُ رَأْسِ الْمَالِ مِنْ الْأَثْمَانِ فَلَا تَصِحُّ إلَّا بِمَالٍ تَصِحُّ بِهِ الشَّرِكَةُ ) لِأَنَّهَا تَصِيرُ شَرِكَةً بِحُصُولِ الرِّبْحِ فَلَا بُدَّ مِنْ مَالٍ تَصِحُّ بِهِ الشَّرِكَةُ وَهُوَ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ وَالتِّبْرُ وَالْفُلُوسُ النَّافِقَةُ كَمَا سَيَأْتِي ( وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ عَرَضًا وَأَمَرَ بِبَيْعِهِ وَعَمَلِ مُضَارَبَةٍ فِي ثَمَنِهِ فَقَبِلَ صَحَّ ) لِأَنَّهُ لَمْ يُضِفْ الْمُضَارَبَةَ إلَى الْعَرْضِ بَلْ إلَى ثَمَنِهِ وَهُوَ مِمَّا تَصِحُّ بِهِ الْمُضَارَبَةُ وَالْإِضَافَةُ إلَى الْمُسْتَقْبَلِ تَجُوزُ لِأَنَّهَا وَكَالَةٌ أَوْ وَدِيعَةٌ أَوْ إجَارَةٌ فَلَا يَمْنَعُ شَيْءٌ مِنْهَا الْإِضَافَةَ إلَيْهِ ( وَ ) الثَّانِي ( كَوْنُهُ عَيْنًا لَا دَيْنًا ) لِأَنَّ الْمُضَارِبَ أَمِينٌ ابْتِدَاءً وَلَا يَتَصَوَّرُ كَوْنُهُ أَمِينًا فِيمَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ ( فَلَوْ قَالَ اعْمَلْ بِالدَّيْنِ الَّذِي فِي ذِمَّتِك مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ لَمْ يَجُزْ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى ثَالِثٍ فَقَالَ اقْبِضْ مَالِي عَلَى فُلَانٍ وَاعْمَلْ بِهِ مُضَارَبَةً ) حَيْثُ يَجُوزُ لِأَنَّهُ أَضَافَ الْمُضَارَبَةَ إلَى زَمَانِ الْقَبْضِ وَالدَّيْنُ فِيهِ يَصِيرُ عَيْنًا وَهُوَ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ رَأْسَ الْمَالِ ( وَ ) الثَّالِثُ ( تَسْلِيمُهُ إلَى الْمُضَارِبِ ) حَتَّى لَا يَبْقَى لِرَبِّ الْمَالِ فِيهِ يَدٌ لِأَنَّ الْمَالَ يَكُونُ أَمَانَةً عِنْدَهُ فَلَا يَتِمُّ إلَّا بِالتَّسْلِيمِ إلَيْهِ كَالْوَدِيعَةِ بِخِلَافِ الشَّرِكَةِ لِأَنَّ الْمَالَ فِي الْمُضَارَبَةِ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ وَالْعَمَلَ مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَخْلُصَ الْمَالُ لِلْعَامِلِ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَأَمَّا الْعَمَلُ فِي الشَّرِكَةِ فَمِنْ الْجَانِبَيْنِ فَلَوْ شُرِطَ خُلُوصُ الْيَدِ لِأَحَدِهِمَا لَمْ تَنْعَقِدْ الشَّرِكَةُ لِانْتِفَاءِ شَرْطِهَا وَهُوَ الْعَمَلُ مِنْهُمَا ( فَشَرْطُ الْعَمَلِ عَلَى رَبِّ الْمَالِ يُفْسِدُهَا ) أَيْ إنْ شَرَطَا أَنْ يَعْمَلَ الْمَالِكُ مَعَ الْمُضَارِبِ فَسَدَتْ الْمُضَارَبَةُ لِأَنَّ هَذَا شَرْطٌ يَمْنَعُ مِنْ تَسْلِيمِ الْمَالِ إلَى الْمُضَارِبِ

وَالتَّخْلِيَةُ بَيْنَ الْمَالِ وَالْمُضَارِبِ شَرْطُ صِحَّةِ الْعَقْدِ فَمَا يَأْبَاهُ كَانَ مُفْسِدًا ضَرُورَةً ( وَ ) الرَّابِعُ ( كَوْنُ رَأْسِ الْمَالِ مَعْلُومًا ) لِئَلَّا يَقَعَا فِي الْمُنَازَعَةِ ( تَسْمِيَةً ) بِأَنْ يَعْقِدَا عَلَى قَدْرٍ مُعَيَّنٍ مِنْ مَالٍ تَصِحُّ بِهِ الشَّرِكَةُ ( أَوْ إشَارَةً ) كَمَا إذَا دَفَعَ مُضَارَبَةً إلَى رَجُلٍ دَرَاهِمَ لَا يَعْرِفُ قَدْرَهَا فَإِنَّهُ يَجُوزُ وَيَكُونُ الْقَوْلُ فِي قَدْرِهَا وَصِفَتِهَا لِلْمُضَارِبِ مَعَ يَمِينِهِ وَالْبَيِّنَةُ لِلْمَالِكِ ( وَ ) الْخَامِسُ ( كَوْنُ نَصِيبِ الْمُضَارِبِ مِنْ الرِّبْحِ مَعْلُومًا عِنْدَهُ ) أَيْ عِنْدَ الْعَقْدِ لِأَنَّ الرِّبْحَ هُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ وَجَهَالَتُهُ تُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ ( وَ ) السَّادِسُ ( شُيُوعُ الرِّبْحِ بَيْنَهُمَا بِحَيْثُ لَا يَسْتَحِقُّ أَحَدُهُمَا دَرَاهِمَ مُسَمَّاةً ) لِقَطْعِهِ الشَّرِكَةَ فِي الرِّبْحِ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَحْصُلَ مِنْ الرِّبْحِ إلَّا قَدْرَ مَا شُرِطَ لَهُ وَإِذَا انْتَفَى الشَّرِكَةُ فِي الرِّبْحِ لَا تَتَحَقَّقُ الْمُضَارَبَةُ لِأَنَّهَا جُوِّزَتْ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ بِالنَّصِّ بِطَرِيقِ الشَّرِكَةِ فِي الرِّبْحِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ ( فَتَفْسُدُ بِشَرْطِ زِيَادَةِ قَدْرٍ مُعَيَّنٍ لِأَحَدِهِمَا ) فَلَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِالْعَمَلِ مَجَّانًا وَلَا سَبِيلَ إلَى الْمُسَمَّى الْمَشْرُوطِ لِلْفَسَادِ فَيُصَارُ إلَى أَجْرِ الْمِثْلِ ضَرُورَةً وَالرِّبْحُ لِرَبِّ الْمَالِ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ ( كَذَا ) أَيْ يُفْسِدُ الْمُضَارَبَةَ ( كُلُّ شَرْطٍ يُوجِبُ جَهَالَةَ الرِّبْحِ ) كَمَا لَوْ قَالَ لَك نِصْفُ الرِّبْحِ أَوْ ثُلُثُهُ أَوْ رُبُعُهُ لِمَا مَرَّ أَنَّ الرِّبْحَ هُوَ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ فَجَهَالَتُهُ تُفْسِدُ الْعَقْدَ ( وَغَيْرُهُ لَا ) أَيْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ لَا يُفْسِدُ الْمُضَارَبَةَ ( بَلْ يَبْطُلُ الشَّرْطُ كَاشْتِرَاطِ الْخُسْرَانِ عَلَى الْمُضَارِبِ ) لِأَنَّهَا جُزْءٌ هَالِكٌ مِنْ الْمَالِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَ غَيْرَ رَبِّ الْمَالِ لَكِنَّهُ شَرْطٌ زَائِدٌ لَا يُوجِبُ قَطْعَ الشَّرِكَةِ فِي الرِّبْحِ وَالْجَهَالَةَ فِيهِ

فَلَا يُفْسِدُ الْمُضَارَبَةَ لِأَنَّهَا لَا تَفْسُدُ بِالشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ كَالْوَكَالَةِ وَلِأَنَّ صِحَّتَهَا تَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَبْضِ فَلَا تَبْطُلُ بِالشَّرْطِ كَالْهِبَةِ
( قَوْلُهُ وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ عَرْضًا وَأَمَرَ بِبَيْعِهِ وَعَمِلَ مُضَارَبَةً فِي ثَمَنِهِ فَقِيلَ صَحَّ ) كَذَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ ثُمَّ قَالَ وَلَوْ دَفَعَ إلَيْهِ الْعَرْضَ عَلَى أَنَّ قِيمَتَهُ أَلْفُ دِرْهَمٍ مَثَلًا وَيَكُونُ ذَلِكَ رَأْسُ الْمَالِ فَهُوَ بَاطِلٌ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَالرَّابِعُ كَوْنُ رَأْسِ الْمَالِ مَعْلُومًا ) لَا يَرِدُ عَلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّهُ لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ عَرْضًا وَأَمَرَ بِبَيْعِهِ لِأَنَّ الثَّمَنَ الْمَجْعُولَ رَأْسُ الْمَالِ مَعْلُومٌ عِنْدَ الْقَبْضِ وَقَدْ أُضِيفَ إلَيْهِ فَلَا تَضُرُّ جَهَالَتُهُ عِنْدَ الْعَقْدِ ( قَوْلُهُ كَذَا أَيْ يُفْسِدُ الْمُضَارَبَةَ كُلُّ شَرْطٍ يُوجِبُ جَهَالَةَ الرِّبْحِ كَمَا لَوْ قَالَ لَكَ نِصْفُ الرِّبْحِ أَوْ ثُلُثِهِ أَوْ رُبُعِهِ
إلَخْ ) لَا يُشْكِلُ بِمَا أَنَّ مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهَا كَوْنُ الرِّبْحِ مُشَاعًا وَلَا شَكَّ أَنَّ قَوْلَهُ نِصْفُ الرِّبْحِ أَوْ ثُلُثُهُ مُشَاعٌ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ لَك نِصْفُ الرِّبْحِ أَوْ ثُلُثُهُ أَوْ رُبُعُهُ التَّرْدِيدُ فِي الرِّبْحِ وَهُوَ يُوجِبُ الْجَهَالَةَ وَالْمَسْأَلَةُ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ لِمُنْلَا مِسْكِينٍ

( وَإِذَا صَحَّتْ فَلَهُ ) أَيْ لِلْمُضَارِبِ ( فِي مُطْلَقِهَا ) وَهُوَ مَا لَمْ يُقَيَّدْ بِمَكَانٍ أَوْ زَمَانٍ أَوْ نَوْعٍ مِنْ التِّجَارَةِ نَحْوُ أَنْ يَقُولَ دَفَعْت إلَيْك هَذَا الْمَالَ مُضَارَبَةً وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ ( الْبَيْعُ مُطْلَقًا ) أَيْ بِنَقْدٍ وَنَسِيئَةٍ ( إلَّا بِأَجَلٍ لَمْ يُعْهَدْ ) عِنْدَ التُّجَّارِ كَعِشْرِينَ سَنَةً .
( وَ ) لَهُ أَيْضًا ( الشِّرَاءُ وَالتَّوْكِيلُ بِهِمَا ) أَيْ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ ( وَالسَّفَرُ وَالْإِبْضَاعُ ) وَهُوَ دَفْعُ الْمَالِ بِضَاعَةً ( وَلَوْ لِرَبِّ الْمَالِ ) وَسَيَأْتِي أَنَّهُ لَا يُبْطِلُ الْمُضَارَبَةَ ( وَالْإِيدَاعُ وَالرَّهْنُ وَالِارْتِهَانُ الِاسْتِئْجَارُ وَالِاحْتِيَالُ ) أَيْ قَبُولُ الْحَوَالَةِ ( بِالثَّمَنِ مُطْلَقًا ) أَيْ عَلَى الْأَيْسَرِ وَالْأَعْسَرِ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ ( لَا الْمُضَارَبَةُ ) عُطِفَ عَلَى الْبَيْعِ فِي قَوْلِهِ فَلَهُ فِي مُطْلَقِهَا الْبَيْعُ أَيْ لَيْسَ لَهُ فِيهِ أَنْ يُضَارِبَ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ ( إلَّا بِإِذْنِهِ أَوْ بِاعْمَلْ بِرَأْيِك ) لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَسْتَتْبِعُ مِثْلَهُ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْقُوَّةِ كَالْوَكِيلِ لَا يَمْلِكُ التَّوْكِيلَ بِخِلَافِ الْمُسْتَعِيرِ وَالْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُمَا يَمْلِكَانِ الْإِعَارَةَ وَالْكِتَابَةَ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي التَّصَرُّفِ نِيَابَةً وَهُمَا يَتَصَرَّفَانِ بِحُكْمِ الْمَالِكِيَّةِ لَا النِّيَابَةِ إذْ الْمُسْتَعِيرُ مَلَكَ الْمَنْفَعَةَ وَالْمُكَاتَبُ صَارَ حُرًّا يَدًا وَالْمُضَارِبُ يَعْمَلُ بِطَرِيقِ النِّيَابَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّصْرِيحِ بِهِ أَوْ التَّفْوِيضِ الْعَامِّ إلَيْهِ وَالْإِبْدَاعُ وَالْإِبْضَاعُ دُونَ الْمُضَارَبَةِ فَتَضَمَّنَهَا ( وَلَا يُفِيدَانِ ) أَيْ الْإِذْنَ وَاعْمَلْ بِرَأْيِك ( فِي الْإِقْرَاضِ وَالِاسْتِدَانَةِ ) نَحْوُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ ( بَلْ يَجِبُ التَّصْرِيحُ بِهِمَا ) لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ صَنِيعِ التُّجَّارِ وَلَا يَحْصُلُ بِهِمَا الْغَرَضُ وَهُوَ الرِّبْحُ أَمَّا الدَّفْعُ مُضَارَبَةً فَمِنْ صَنِيعِهِمْ وَكَذَا الشَّرِكَةُ وَالْخَلْطُ بِمَالِ نَفْسِهِ فَيَدْخُلُ تَحْتَ هَذَا الْقَوْلِ وَفَرَّعَ

عَلَى الِاسْتِدَانَةِ بِقَوْلِهِ ( فَلَوْ شَرَى بِمَالِهَا ) أَيْ الْمُضَارَبَةِ ( ثَوْبًا وَقَصَرَ بِالْمَاءِ أَوْ حَمَلَ ) مَتَاعَ الْمُضَارَبَةِ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى آخَرَ ( بِمَالِهِ ) لَا بِمَالِهَا ( بَعْدَ ذَلِكَ الْقَوْلُ كَانَ مُتَطَوِّعًا ) لِأَنَّهُ اسْتَدَانَ فِي حَقِّ الْمَالِكِ بِلَا إذْنِهِ وَإِنَّمَا قَالَ بِالْمَاءِ لِأَنَّهُ إذَا قَصَرَ بِالنَّشَا فَحُكْمُهُ حُكْمُ الصَّبْغِ ( وَإِنْ صَبَغَهُ أَحْمَرَ شَرِكَ بِمَا زَادَ وَدَخَلَ فِي اعْمَلْ بِرَأْيِك ) إنَّمَا قَالَ أَحْمَرَ لِأَنَّهُ إنْ صَبَغَهُ أَسْوَدَ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ اعْمَلْ بِرَأْيِك عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِمَا مَرَّ أَنَّ السَّوَادَ عَيْبٌ عِنْدَهُ بِخِلَافِ سَائِرِ الْأَلْوَانِ ( كَالْخَلْطِ ) أَيْ خَلْطِ مَالٍ لِلْمُضَارَبَةِ بِمَالِ نَفْسِهِ ( فَلَا يَضْمَنُ ) أَيْ إذَا دَخَلَ فِي اعْمَلْ بِرَأْيِك لَا يَضْمَنُ الْمُضَارِبُ ( بِهِمَا ) أَيْ بِصَبْغِهِ أَحْمَرَ وَبِالْخَلْطِ لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا فَعَلَ بِإِذْنِهِ ( وَلَهُ حِصَّةُ صَبْغِهِ إنْ بِيعَ وَحِصَّةُ الثَّوْبُ فِي مَالِهَا ) يَعْنِي يَصِيرُ الْمُضَارِبُ شَرِيكًا فِي الثَّوْبِ بِقَدْرِ مَالِهِ مِنْ الصَّبْغِ فَإِذَا بِيعَ الثَّوْبُ كَانَ حِصَّةُ قِيمَةِ الصَّبْغِ فِي الثَّوْبِ لِلْمُضَارِبِ وَحِصَّةُ الثَّوْبِ الْأَبْيَضِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ

( وَلَا تَجَاوُزُ ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ لَا الْمُضَارَبَةُ أَيْ لَيْسَ لَهُ فِي مُطْلَقِهَا تَجَاوُزُ ( بَلَدٍ أَوْ سِلْعَةٍ أَوْ وَقْتٍ أَوْ شَخْصٍ عَيَّنَهُ الْمَالِكُ ) لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ التَّصَرُّفَ إلَّا بِتَفْوِيضِهِ فَيَتَقَيَّدُ بِمَا فُوِّضَ إلَيْهِ وَهَذَا التَّقْيِيدُ مُفِيدٌ لِأَنَّ التِّجَارَاتِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَمْكِنَةِ وَالْأَمْتِعَةِ وَالْأَوْقَاتِ وَالْأَشْخَاصِ وَكَذَا لَيْسَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ بِضَاعَةً إلَى مَنْ يُخْرِجُهُ مِنْ تِلْكَ الْبَلْدَةِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَصَرَّفَ بِنَفْسِهِ فِي هَذِهِ الْمَالِ فِي غَيْرِ هَذَا الْبَلَدِ فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَعِينَ بِغَيْرِهِ أَيْضًا ( فَإِنْ تَجَاوَزَ ) بِأَنْ خَرَجَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْبَلَدِ فَاشْتَرَى أَوْ اشْتَرَى سِلْعَةً غَيْرَ مَا عَيَّنَهُ أَوْ فِي وَقْتٍ غَيْرِ مَا عَيَّنَهُ أَوْ بَائِعٍ مَعَ غَيْرِ مَنْ عَيَّنَهُ ( ضَمِنَ ) وَكَانَ ذَلِكَ لَهُ ( وَلَهُ رِبْحُهُ وَعَلَيْهِ خُسْرَانُهُ ) لِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ فِي مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَصَرَّفْ فِيهِ حَتَّى رَدَّهُ إلَى الْبَلَدِ الَّذِي عَيَّنَهُ بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ لِأَنَّهُ أَمِينٌ خَالَفَ ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ وَرَجَعَ الْمَالُ مُضَارَبَةً عَلَى حَالِهِ لِأَنَّ الْمَالَ بَاقٍ فِي يَدِهِ بِالْعَقْدِ السَّابِقِ

( وَلَا ) أَيْ لَيْسَ لَهُ أَيْضًا ( تَزْوِيجُ قِنٍّ مِنْ مَالِهَا ) وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُزَوِّجُ الْأَمَةَ لِأَنَّهُ مِنْ الِاكْتِسَابِ إذْ يَسْتَفِيدُ بِهِ الْمَهْرَ وَسُقُوطَ النَّفَقَةِ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ وَلَهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ التِّجَارَةِ وَالْعَقْدُ لَا يَتَضَمَّنُ إلَّا التَّوْكِيلَ بِالتِّجَارَةِ فَلَا يَمْلِكُهُ وَإِنْ كَانَ اكْتِسَابًا كَالْكِتَابَةِ وَالْإِعْتَاقِ عَلَى ضِعْفِ قِيمَتِهِ .

( وَلَا شِرَاءُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ ) بِقَرَابَةٍ أَوْ يَمِينٍ بِأَنْ قَالَ إنْ مَلَكْته فَهُوَ حُرٌّ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ إذْنُ بِتَصَرُّفٍ يَحْصُلُ بِهِ الرِّبْحُ وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ بِشِرَاءِ مَا يُمْكِنُهُ بَيْعُهُ وَهَذَا لَيْسَ كَذَلِكَ ( وَلَا مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ ) أَيْ الْمُضَارِبِ ( إنْ كَانَ فِي الْمَالِ رِبْحٌ ) لِأَنَّ نَصِيبَهُ يَعْتِقُ عَلَيْهِ فَيَفْسُدُ نَصِيبُ رَبِّ الْمَالِ ( فَإِنْ فَعَلَ ) أَيْ اشْتَرَى مَنْ يَعْتِقُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا ( صَارَ ) أَيْ شِرَاؤُهُ ( لِنَفْسِهِ ) دُونَ الْمُضَارَبَةِ لِأَنَّ الشِّرَاءَ مَتَى وَجَدَ نَفَاذًا عَلَى الْمُشْتَرِي يَنْفُذُ عَلَيْهِ كَالْوَكِيلِ بِالشِّرَاءِ إذَا خَالَفَ ( وَإِنْ لَمْ يَكُنْ رِبْحٌ صَحَّ ) أَيْ شِرَاءُ مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ لِانْتِفَاءِ الْمُفْسِدِ ( فَإِنْ ظَهَرَ ) أَيْ الرِّبْحُ ( بِزِيَادَةِ قِيمَتِهِ بَعْدَ الشِّرَاءِ عَتَقَ حَظُّهُ ) أَيْ الْمُضَارِبِ مِنْ الْعَبْدِ ( وَلِأَنَّهُ مَلَكَ قَرِيبَهُ وَلَمْ يَضْمَنْ ) لِلْمَالِكِ ( شَيْئًا ) لِأَنَّهُ إنَّمَا عَتَقَ عِنْدَ الْمِلْكِ لَا بِصُنْعٍ مِنْهُ بَلْ بِسَبَبِ زِيَادَةِ قِيمَتِهِ بِلَا اخْتِيَارٍ فَصَارَ كَمَا لَوْ وَرِثَهُ مَعَ غَيْرِهِ بِأَنْ اشْتَرَتْ امْرَأَةٌ ابْنَ زَوْجِهَا ثُمَّ مَاتَتْ وَتَرَكَتْ هَذَا الزَّوْجَ وَأَخًا عَتَقَ نَصِيبُ الزَّوْجِ وَلَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا لِأَخِيهَا لِعَدَمِ الصُّنْعِ مِنْهُ ( وَسَعَى الْعَبْدُ فِي قِيمَةِ نَصِيبِ الْمَالِكِ ) مِنْ الْعَبْدِ لِاحْتِبَاسِ مَالِيَّتِهِ عِنْدَهُ .

( مَعَهُ ) أَيْ مَعَ الْمُضَارِبِ ( أَلْفٌ بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى بِهِ أَمَةً قِيمَتُهَا أَلْفٌ ) فَوَطِئَهَا ( فَوَلَدَتْ ) وَلَدًا ( مُسَاوِيًا أَلْفًا فَادَّعَاهُ ) حَالَ كَوْنِهِ ( مُوسِرًا فَبَلَغَتْ قِيمَتُهُ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ سَعَى لِلْمَالِكِ بِأَلْفٍ وَرُبُعِهِ أَوْ أَعْتَقَهُ ) أَيْ إنْ شَاءَ الْمَالِكُ اسْتَسْعَى الْغُلَامَ فِي أَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ وَخَمْسِينَ وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَهُ ( فَإِنْ قَبَضَ ) أَيْ الْمَالِكُ ( الْأَلْفَ ) مِنْ الْغُلَامِ ( ضَمِنَ الْمُدَّعِي نِصْفَ قِيمَتِهَا ) أَيْ الْأَمَةِ وَذَلِكَ لِأَنَّ دَعْوَةَ الْمُضَارِبِ وَقَعَتْ صَحِيحَةً ظَاهِرًا لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ وَلَدُهُ مِنْ النِّكَاحِ بِأَنْ زَوَّجَهَا الْبَائِعُ لَهُ ثُمَّ بَاعَهَا مِنْهُ وَهِيَ حُبْلَى مِنْهُ حَمْلًا لِأَمْرِهِ عَلَى الصَّلَاحِ لَكِنْ لَا تُفِيدُ هَذِهِ الدَّعْوَةُ لِعَدَمِ الْمِلْكِ وَهُوَ شَرْطٌ فِيهَا إذْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْجَارِيَةِ وَوَلَدِهَا مَشْغُولٌ بِرَأْسِ الْمَالِ فَلَا يَظْهَرُ الرِّبْحُ فِيهِ لِمَا عُرِفَ أَنَّ مَالَ الْمُضَارَبَةِ إذَا صَارَتْ أَجْنَاسًا مُخْتَلِفَةً كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا لَا يَزِيدُ عَلَى رَأْسِ الْمَالِ لَا يَظْهَرُ الرِّبْحُ عِنْدَنَا لِأَنَّ بَعْضَهَا لَيْسَ بِأَوْلَى بِهِ مِنْ الْبَعْضِ فَحِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ لِلْمُضَارِبِ نَصِيبٌ فِي الْأَمَةِ وَلَا فِي الْوَلَدِ وَإِنَّمَا الثَّابِتُ لَهُ مُجَرَّدُ حَقِّ التَّصَرُّفِ فَلَا تَنْفُذُ دَعْوَتُهُ فَإِذَا زَادَتْ قِيمَتُهُ وَصَارَتْ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةٍ ظَهَرَ الرِّبْحُ فَمَلَكَ الْمُضَارِبُ مِنْهُ نِصْفَ الزِّيَادَةِ فَنَفَذَتْ دَعْوَتُهُ لِوُجُودِ شَرْطِهَا وَهُوَ الْمِلْكُ بِخِلَافِ مَا إذَا أَعْتَقَ الْوَلَدَ ثُمَّ ظَهَرَ الرِّبْحُ حَيْثُ لَا يَنْفُذُ إعْتَاقُهُ السَّابِقِ لِأَنَّهُ إنْشَاءٌ فَإِذَا بَطَلَ لِعَدَمِ الْمِلْكِ لَا يَنْفُذُ بَعْدَهُ بِحُدُوثِهِ وَأَمَّا الدَّعْوَةُ فَإِخْبَارٌ فَإِذَا رُدَّ فِي حَقِّ غَيْرِهِ فَهُوَ بَاقٍ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَإِذَا مَلَكَهُ بَعْدَ ذَلِكَ نَفَذَتْ دَعْوَتُهُ كَمَا إذَا أَخْبَرَ بِحُرِّيَّةِ عَبْدٍ لِغَيْرِهِ يُرَدُّ إخْبَارُهُ فَإِذَا مَلَكَهُ بَعْدَ ذَلِكَ صَارَ حُرًّا

( بَابٌ ضَارَبَ بِلَا إذْنٍ ) أَيْ دَفَعَ الْمُضَارِبُ الْمَالَ إلَى غَيْرِهِ مُضَارَبَةً بِلَا إذْنِ الْمَالِكِ ( لَمْ يَضْمَنْ ) بِالدَّفْعِ ( مَا لَمْ يَعْمَلْ الثَّانِي ) وَإِذَا عَمِلَ ضَمِنَ الدَّافِعُ رِبْحَ الثَّانِي أَوْ لَا وَهُوَ قَوْلُهُمَا وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْهُ .
( وَفِي رِوَايَةٍ ) لَمْ يَضْمَنْ ( مَا لَمْ يَرْبَحْ ) وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْهُ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ الْإِبْضَاعَ فَلَا يَضْمَنُ بِالْعَمَلِ مَا لَمْ يَرْبَحْ فَإِذَا رَبِحَ فَقَدْ أَثْبَتَ لَهُ شَرِكَةً فِي الْمَالِ فَيَصِيرُ كَخَلْطِ مَالِهَا بِغَيْرِهِ فَيَجِبُ الضَّمَانُ وَجْهُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَنَّ الرِّبْحَ إنَّمَا يَحْصُلُ بِالْعَمَلِ فَيُقَامُ سَبَبُ حُصُولِ الرِّبْحِ مَقَامَ حَقِيقَةِ حُصُولِهِ فِي صَيْرُورَةِ الْمَالِ مَضْمُونًا بِهِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ الثَّانِيَةُ صَحِيحَةً فَإِنْ كَانَتْ فَاسِدَةً لَا يَضْمَنُ الْأَوَّلُ وَإِنْ عَمِلَ الثَّانِي لِأَنَّهُ أَجِيرٌ فِيهِ وَالْأَجِيرُ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا مِنْ الرِّبْحِ فَلَا تَثْبُتُ الشَّرِكَةُ لَهُ بَلْ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ عَلَى الْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ وَلِلْأَوَّلِ مَا شَرَطَ لَهُ مِنْ الرِّبْحِ ( وَإِنْ أَذِنَ ) أَيْ الْمَالِكُ ( فَدَفَعَ بِالثُّلُثِ وَتَصَرَّفَ الثَّانِي وَرَبِحَ وَقِيلَ لَهُ مَا رَزَقَ اللَّهُ فَبَيْنَنَا نِصْفَانِ ) يَعْنِي بَعْدَمَا دَفَعَ إلَيْهِ رَبُّ الْمَالِ الْمَالَ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ وَأَذِنَ لَهُ بِأَنْ يَدْفَعَهُ إلَى غَيْرِهِ فَرَفَعَهُ بِالثُّلُثِ وَتَصَرَّفَ الثَّانِي وَرَبِحَ فَإِنْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ قَالَ لَهُ عَلَى إنَّ مَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى فَبَيْنَنَا نِصْفَانِ ( فَلِلْمَالِكِ النِّصْفُ وَلِلْأَوَّلِ السُّدُسُ وَلِلثَّانِيَّ الثُّلُثُ ) لِأَنَّ دَفْعَ الْأَوَّلِ إلَى الثَّانِي مُضَارَبَةً صَحِيحٌ حَيْثُ كَانَ بِإِذْنِ الْمَالِكِ إلَّا أَنَّ الْمَالِكَ شَرَطَ لِنَفْسِهِ نِصْفَ جَمِيعِ مَا رَزَقَ اللَّهُ وَمَا رَزَقَ اللَّهُ جَمِيعُ الرِّبْحِ فَكَانَ لَهُ نِصْفُ جَمِيعِ الرِّبْحِ فَلَا يَكُونُ لِلْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ أَنْ يُوجِبَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لِغَيْرِهِ بَلْ مَا أَوْجَبَهُ لِلثَّانِي وَهُوَ ثُلُثُ الرِّبْحِ يَنْصَرِفُ إلَى

نَصِيبِهِ خَاصَّةً فَيَبْقَى لَهُ السُّدُسُ وَيَطِيبُ لَهُمَا ذَلِكَ لِأَنَّ عَمَلَ الثَّانِي وَقَعَ لَهُ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا عَلَى خِيَاطَةِ ثَوْبٍ بِدِرْهَمٍ فَاسْتَأْجَرَ الْخَيَّاطُ مَنْ يَخِيطُهُ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ طَابَ لِلْأَوَّلِ الْفَضْلُ كَذَا هَذَا

قَوْلُهُ فَإِذَا رَبِحَ فَقَدْ أَثْبَتَ شَرِكَةً لَهُ فِي الْمَالِ فَيَصِيرُ كَخَلْطِ مَالِهَا بِغَيْرِهِ فَيَجِبُ الضَّمَانُ ) ظَاهِرُهُ لُزُومُ الضَّمَانِ عَلَى الْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ وَقَالَ فِي الْعِنَايَةِ قَوْلُهُ ثُمَّ ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ يَعْنِي الْقُدُورِيَّ يَضْمَنُ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَذْكُرْ الثَّانِي قِيلَ اخْتِيَارًا مِنْهُ لِقَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ الْمَشَايِخِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَضْمَنَ الثَّانِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي مُودَعِ الْمُودَعِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبُّ الْمَالِ بِالْخِيَارِ بَيْنَ تَضْمِينِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ ثُمَّ إنْ ضَمِنَ الْأَوَّلُ صَحَّتْ الْمُضَارَبَةُ يَعْنِي بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ مِنْ وَقْتِ الْمُخَالَفَةِ بِالدَّفْعِ وَإِنْ ضَمِنَ الثَّانِي رَجَعَ عَلَى الْأَوَّلِ بِمَا ضَمِنَ وَصَحَّتْ الْمُضَارَبَةُ الثَّانِيَةُ وَالرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا لِأَنَّ قَرَارَ الضَّمَانِ عَلَى الْأَوَّلِ وَيَطِيبُ الرِّبْحُ لِلثَّانِي وَلَا يَطِيبُ لِلْأَوَّلِ ا هـ قُلْت وَلَا يَطِيبُ الرِّبْحُ لِلْأَوَّلِ أَيْضًا لَوْ ضَمِنَ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَهَذَا ) يَعْنِي وُجُوبَ الضَّمَانِ عَلَى الْأَوَّلِ عَلَى مَا قَالَ أَوْ عَلَيْهِمَا بِالرِّبْحِ أَوْ بِالْعَمَلِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا إذَا كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ الثَّانِيَةُ صَحِيحَةً عَدَلَ بِهِ عَنْ قَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْمُضَارَبَتَانِ صَحِيحَتَيْنِ وَعَنْ إطْلَاقِ قَوْلِ الْهِدَايَةِ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ صَحِيحَةً .
ا هـ .
لِأَنَّ صِحَّةَ الثَّانِيَةِ فَرْعٌ عَنْ صِحَّةِ الْأُولَى فَلَا تَصِحُّ إلَّا إذَا كَانَتْ الْأُولَى صَحِيحَةً فَاشْتِرَاطُ صِحَّةِ الثَّانِيَةِ اشْتِرَاطٌ لِصِحَّةِ الْأُولَى ( قَوْلُهُ فَإِنْ دَفَعَ الثَّانِي إلَى الثَّالِثِ مُضَارَبَةً ) الْمُرَادُ بِالثَّانِي الْمُضَارِبُ الْأَوَّلُ وَبِالثَّالِثِ الثَّانِي وَسَمَّاهُمَا ثَانِيًا

وَثَالِثًا بِالنَّظَرِ لِرَبِّ الْمَالِ ( قَوْلُهُ وَيَطِيبُ لَهُمَا ذَلِكَ ) لِأَنَّ عَمَلَ الثَّانِي وَقَعَ لَهُ ضَمِيرُ التَّثْنِيَةِ لِلْمُضَارِبَيْنِ وَالضَّمِيرُ فِي لَهُ يَصِحُّ أَنْ يَرْجِعَ لِلْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ لِتَشْبِيهِهِ بِمَسْأَلَةِ الْخَيَّاطِ وَلَكِنْ بِهَذَا التَّعْلِيلِ لَا يُعْلَمُ صَرِيحًا مَا بِهِ يَطِيبُ نَصِيبُ الثَّانِي فَكَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ كَالزَّيْلَعِيِّ لِأَنَّ عَمَلَ الثَّانِي وَقَعَ عَنْهُمَا وَلَمْ يَذْكُرْ وَجْهَ طِيبِ مَا لِلْمَالِكِ لِأَنَّهُ نَمَاءٌ لِمِلْكِهِ وَهُوَ ظَاهِرٌ

( وَلَوْ قِيلَ مَا رَزَقَك اللَّهُ ) فَهُوَ بَيْنَنَا نِصْفَانِ ( فَلِكُلٍّ ثُلُثُهُ ) أَيْ لِلْمُضَارِبِ الثَّانِي الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ بَيْنَ الْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ وَبَيْنَ الْمَالِكِ نِصْفَانِ لِأَنَّ الْمَالِكَ مَا شَرَطَ لِنَفْسِهِ نِصْفَ جَمِيعِ الرِّبْحِ بَلْ نِصْفَ مَا يَحْصُلُ لِلْأَوَّلِ مِنْ الرِّبْحِ فَاسْتَحَقَّ الثَّانِي جَمِيعَ مَا شَرَطَ لَهُ وَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ جَمِيعُ مَا حَصَلَ لِلْمُضَارِبِ الْأَوَّلِ وَالْمَالِكُ شَرَطَ لِنَفْسِهِ نِصْفَ ذَلِكَ وَلِذَا كَانَ الْبَاقِي بَيْنَهُمَا ( وَلَوْ قِيلَ مَا رَبِحْتَ ) مِنْ شَيْءٍ فَبَيْنِي وَبَيْنَك نِصْفَانِ وَقَدْ دَفَعَ لِي غَيْرُهُ بِالنِّصْفِ ( فَلِلثَّانِي نِصْفٌ وَلَهُمَا ) أَيْ لِلْأَوَّلِ وَالْمَالِكِ ( نِصْفٌ ) لِأَنَّ الْأَوَّلَ شَرَطَ لِلثَّانِي نِصْفَ الرِّبْحِ وَهُوَ مَأْذُونٌ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ فَاسْتَحَقَّهُ وَالْمَالِكُ شَرَطَ لِنَفْسِهِ نِصْفَ مَا رَبِحَ الْأَوَّلُ وَلَمْ يَرْبَحْ الْأَوَّلُ إلَّا النِّصْفَ فَكَانَ بَيْنَهُمَا ( وَلَوْ قِيلَ مَا رَزَقَ اللَّهُ فَلِي نِصْفٌ أَوْ قَالَ مَا فَضَلَ فَبَيْنِي وَبَيْنَك نِصْفَانِ ) وَقَدْ دَفَعَ إلَى آخَرَ مُضَارَبَةً بِالنِّصْفِ ( فَنِصْفٌ لِلْمَالِكِ وَنِصْفٌ لِلثَّانِي وَلَا شَيْءَ لِلْأَوَّلِ ) لِأَنَّ الْمَالِكَ شَرَطَ لِنَفْسِهِ نِصْفَ جَمِيعِ الرِّبْحِ فَانْصَرَفَ شَرْطُ الْأَوَّلِ النِّصْفُ لِلثَّانِي إلَى نَصِيبِهِ فَيَكُونُ لِلثَّانِي بِالشَّرْطِ وَلَا شَيْءَ لِلْأَوَّلِ لِأَنَّهُ جَعَلَ مَا كَانَ لَهُ لِلْأَوَّلِ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِيَخِيطَ لَهُ ثَوْبًا بِدِرْهَمٍ فَاسْتَأْجَرَ الْأَجِيرُ مَنْ يَخِيطُهُ لَهُ بِدِرْهَمٍ فَإِنَّهُ لَا يُسَلِّمُ لِلْأَوَّلِ شَيْئًا حَيْثُ عَقَدَ عَلَى جَمِيعِ حَقِّهِ ( وَلَوْ شَرَطَ لِلثَّانِي ثُلُثَيْهِ ) أَيْ لِلْمُضَارِبِ الثَّانِي ثُلُثَيْ الرِّبْحِ ( فَلِلْمَالِكِ وَ ) الْمُضَارِبِ ( الثَّانِي النِّصْفَانِ وَيَضْمَنُ ) الْمُضَارِبُ ( الْأَوَّلُ لِلثَّانِيَّ السُّدُسَ ) مِنْ الرِّبْحِ لِأَنَّهُ شَرَطَ لِلثَّانِي شَيْئًا هُوَ مُسْتَحَقٌّ لِلْمَالِكِ وَهُوَ السُّدُسُ فَلَمْ يَنْفُذْ فِي حَقِّ الْمَالِكِ وَوَجَبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ بِالتَّسْمِيَةِ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ

السَّلَامَةَ فَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ رَجَعَ عَلَيْهِ كَمَنْ اسْتَأْجَرَ رَجُلًا لِيَخِيطَ لَهُ ثَوْبًا بِدِرْهَمٍ فَاسْتَأْجَرَ الْأَجِيرُ رَجُلًا آخَرَ لِيَخِيطَهُ بِدِرْهَمٍ وَنِصْفٍ فَإِنَّهُ يَضْمَنُ لَهُ زِيَادَةَ الْأَجْرِ
( قَوْلُهُ وَلَوْ قِيلَ مَا رَزَقَك اللَّهُ فَهُوَ بَيْنَنَا نِصْفَانِ فَلِكُلٍّ ثُلُثُهُ ) إنَّمَا قَالَ فَلِكُلٍّ ثُلُثُهُ لِأَجْلِ الِاخْتِصَارِ وَالْأَنْسَبُ أَنْ يُقَالَ فَلِلثَّانِي ثُلُثُهُ وَمَا بَقِيَ فَلِمَنْ بَقِيَ مُنَصَّفًا مُحَافَظَةً عَلَى لَفْظِ التَّنْصِيفِ الْمُشْتَرَطِ بَيْنَهُمَا قَوْلُهُ وَلَا شَيْءَ لِلْأَوَّلِ ) لِأَنَّهُ جَعَلَ مَا كَانَ لَهُ لِلْأَوَّلِ لَعَلَّ صَوَابَهُ لِلثَّانِي

( صَحَّ شَرْطُهُ لِلْمَالِكِ ثُلُثًا وَلِعَبْدِهِ ) أَيْ عَبْدِ الْمَالِكِ ( ثُلُثًا لِيَعْمَلَ مَعَهُ ) أَيْ مَعَ الْمُضَارِبِ ( وَلِنَفْسِهِ ثُلُثًا ) لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْعَمَلِ عَلَى الْعَبْدِ لَا يَمْنَعُ التَّخْلِيَةَ وَالتَّسْلِيمَ لِأَنَّ لِلْعَبْدِ يَدًا مُعْتَبَرَةً خُصُوصًا إذَا كَانَ مَأْذُونًا لَهُ وَاشْتِرَاطُ الْعَمَلِ إذْنٌ لَهُ وَلِهَذَا لَا يَلِي الْمَوْلَى لِأَخْذِ مَا أَوْدَعَهُ الْعَبْدَ وَإِنْ كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ وَإِذَا لَمْ يَمْنَعْ التَّخْلِيَةَ لَمْ يَمْنَعْ الصِّحَّةَ وَلَا كَذَلِكَ اشْتِرَاطُ الْعَمَلِ عَلَى الْمَالِكِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ التَّخْلِيَةَ فَيَمْنَعُ الصِّحَّةَ وَإِذَا صَحَّتْ كَانَ ثُلُثُ الرِّبْحِ لِلْمُضَارِبِ لِأَنَّ الْمَشْرُوطَ لَهُ هَذَا الْقَدْرُ وَالثُّلُثَانِ لِلْمَالِكِ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ لِأَنَّ مَا شُرِطَ لِلْعَبْدِ فَلِسَيِّدِهِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلِلْغُرَمَاءِ
( قَوْلُهُ صَحَّ شَرْطُهُ لِلْمَالِكِ ثُلُثًا وَلِعَبْدِهِ أَيْ عَبْدِ الْمَالِكِ ثُلُثًا لِيَعْمَلَ ) عَمَلَ الْعَبْدِ وَلَيْسَ شَرْطًا لِلصِّحَّةِ إذْ لَوْ شَرَطَ لَهُ الثُّلُثَ مِنْ غَيْرِ اشْتِرَاطِ عَمَلِهِ صَحَّ وَيَكُونُ لِمَوْلَاهُ لَكِنَّ فَائِدَةَ اشْتِرَاطِ عَمَلِهِ تَظْهَرُ فِي أَخْذِ غُرَمَائِهِ مَا شُرِطَ لَهُ حِينَئِذٍ وَإِلَّا فَلَيْسَ لَهُمْ ذَلِكَ كَمَا سَنَذْكُرُهُ ( قَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلِلْغُرَمَاءِ ) هَذَا إذَا شَرَطَ عَمَلَ الْعَبْدِ مَعَ الْمُضَارِبِ كَمَا ذُكِرَ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَمَلَهُ فَهُوَ لِلْمَوْلَى وَلَوْ شَرَطَ الثُّلُثَ لِعَبْدِ الْمُضَارِبِ صَحَّ سَوَاءٌ اشْتَرَطَ عَمَلَهُ أَوْ لَمْ يَشْتَرِطْ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنْ شَرَطَ عَمَلَهُ جَازَ وَكَانَ الْمَشْرُوطُ لِغُرَمَائِهِ وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَمَلَهُ لَا يَجُوزُ وَيَكُونُ مَا شَرَطَ لَهُ لِرَبِّ الْمَالِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا بِنَاءً عَلَى مِلْكِ كَسْبِ الْمَدْيُونِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ

( تَبْطُلُ ) أَيْ الْمُضَارَبَةُ ( بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا ) أَيْ الْمَالِكِ وَالْمُضَارِبِ لِأَنَّهَا تَوْكِيلٌ وَمَوْتُ الْوَكِيلِ أَوْ الْمُوَكِّلِ يُبْطِلُ الْوَكَالَةَ ( وَلُحُوقُ الْمَالِكِ ) بِدَارِ الْحَرْبِ ( مُرْتَدًّا ) وَحَكَمَ الْقَاضِي بِهِ لِأَنَّهُ كَالْمَوْتِ ( لَا ) لُحُوقُ ( الْمُضَارِبِ ) بِهَا لِأَنَّ تَصَرُّفَاتِهِ إنَّمَا تَوَقَّفَتْ بِالنَّظَرِ إلَى مِلْكِهِ وَلَا مِلْكَ لَهُ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ وَلَهُ عِبَارَةٌ صَحِيحَةٌ فَلَا تُوقَفُ فِي مِلْكِ الْمَالِكِ فَبَقِيَتْ الْمُضَارَبَةُ عَلَى حَالِهَا ( وَلَا تَبْطُلُ بِالدَّفْعِ إلَى الْمَالِكِ بِضَاعَةً أَوْ مُضَارَبَةً ) فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْإِبْضَاعُ لِلْمَالِكِ مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ لِأَنَّ الرِّبْحَ حِينَئِذٍ يَكُونُ لِلْمَالِكِ وَقَدْ اُعْتُبِرَ فِي مَفْهُومِهِ الشَّرِكَةُ فِي الرِّبْحِ وَشَرْطُ كَوْنِهِ مُشَاعًا بَيْنَهُمَا قُلْنَا الْعَقْدُ إذَا صَحَّ ابْتِدَاءً بِاعْتِبَارِ شُيُوعِ الرِّبْحِ بَيْنَهُمَا لَا يَبْطُلُ بِتَخْصِيصِ أَحَدِهِمَا بِالرِّبْحِ وَعِنْدَ زُفَرَ يَبْطُلُ

( قَوْلُهُ تَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا ) قَالَ قَاضِي خَانْ سَوَاءٌ عَلِمَ الْمُضَارِبُ بِمَوْتِ رَبِّ الْمَالِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ ا هـ .
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَإِنْ مَاتَ رَبُّ الْمَالِ وَالْمَالُ نَقْدٌ بَطَلَتْ الْمُضَارَبَةُ فِي حَقِّ التَّصَرُّفِ وَإِنْ عَرْضًا فِي حَقِّ الْمُسَافِرَةِ تَبْطُلُ لَا فِي حَقِّ التَّصَرُّفِ فَيَمْلِكُ بَيْعَهُ بِالْعَرْضِ وَالنَّقْدِ وَلَوْ أَتَى مِصْرًا وَاشْتَرَى شَيْئًا فَمَاتَ رَبُّ الْمَالِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ فَأَتَى بِالْمُبْتَاعِ مِصْرًا آخَرَ فَنَفَقَهُ الْمُضَارِبُ فِي مَالِ نَفْسِهِ وَهُوَ ضَامِنٌ لِمَا هَلَكَ بِهِ فِي الطَّرِيقِ فَإِنْ سَلَّمَ الْمَتَاعَ جَازَ بَيْعُهُ لِبَقَائِهَا فِي حَقِّ الْبَيْعِ وَلَوْ خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ الْمِصْرِ قَبْلَ مَوْتِ رَبِّ الْمَالِ ثُمَّ مَاتَ لَمْ يَضْمَنْ وَنَفَقَتُهُ فِي سَفَرِهِ ا هـ .
وَقَوْلُ الْبَزَّازِيِّ فَأَتَى بِالْمُبْتَاعِ مِصْرًا يَعْنِي غَيْرَ مِصْرِ رَبِّ الْمَالِ لِمَا قَالَ قَبْلَهُ وَلَوْ أَخْرَجَهُ يَعْنِي بَعْدَ مَوْتِ رَبِّ الْمَالِ إلَى مِصْرِ رَبِّ الْمَالِ لَا يَضْمَنُ لِأَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ فِيهِ ا هـ .
وَلِمَا قَالَ قَاضِي خَانْ وَلَوْ خَرَجَ الْمُضَارِبُ بَعْدَمَا مَاتَ رَبُّ الْمَالِ إلَى مِصْرِ رَبِّ الْمَالِ لَا يَضْمَنُ اسْتِحْسَانًا ا هـ .
( قَوْلُهُ وَلُحُوقُ الْمَالِكِ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا وَحَكَمَ الْقَاضِي بِهِ ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ إذَا لَمْ يَعُدْ مُسْلِمًا أَمَّا إذَا عَادَ مُسْلِمًا قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ كَانَتْ الْمُضَارَبَةُ كَمَا كَانَتْ أَمَّا قَبْلَ الْقَضَاءِ فَلِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْغَيْبَةِ وَهِيَ لَا تُوجِبُ بُطْلَانَ الْمُضَارَبَةِ وَأَمَّا بَعْدَهُ فَلِحَقِّ الْمُضَارِبِ كَمَا لَوْ مَاتَ حَقِيقَةً ا هـ .
وَالضَّمِيرُ فِي مَاتَ لِلْمَالِكِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ ( قَوْلُهُ فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْإِبْضَاعُ لِلْمَالِكِ مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ لِأَنَّ الرِّبْحَ حِينَئِذٍ يَكُونُ لِلْمَالِكِ ) لَيْسَ الْمُرَادُ مَا يُوهِمُهُ ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ مِنْ اخْتِصَاصِ الْمَالِكِ بِالرِّبْحِ بَلْ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَاهُ

( وَيَنْعَزِلُ ) أَيْ الْمُضَارِبُ ( بِعَزْلِهِ ) أَيْ بِعَزْلِ الْمَالِكِ إيَّاهُ ( إنْ عَلِمَ عَزْلَهُ ) لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مِنْ جِهَتِهِ فَيُشْتَرَطُ عِلْمُهُ بِعَزْلِهِ كَمَا مَرَّ فِي الْوَكَالَةِ ( وَإِذَا عَلِمَ وَالْمَالُ عُرُوضٌ يَبِيعُهَا ) وَلَا يَنْعَزِلُ عَنْهُ لِأَنَّ لَهُ حَقًّا فِي الرِّبْحِ وَلَا يَظْهَرُ ذَلِكَ إلَّا بِالنَّقْدِ فَيَثْبُتُ لَهُ حَقُّ الْبَيْعِ لِيَظْهَرَ ذَلِكَ ( وَلَا يَتَصَرَّفُ فِي ثَمَنِهَا ) لِأَنَّ الْبَيْعَ بَعْدَ الْعَزْلِ كَانَ لِلضَّرُورَةِ لِيَظْهَرَ الرِّبْحُ وَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ بَعْدَ النَّقْدِ ( وَلَا فِي نَقْدٍ مِنْ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ ) لِأَنَّهُ مَعْزُولٌ فِي حَقِّهِ ( وَيُبَدِّلُ بِهِ خِلَافَهُ ) أَيْ إذَا عَزَلَهُ وَالْمَالُ نُقُودٌ لَكِنْ مِنْ خِلَافِ جِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ بِجِنْسِ رَأْسِ الْمَالِ قِيَاسًا لِأَنَّ النَّقْدَيْنِ جِنْسٌ وَاحِدٌ مِنْ حَيْثُ الثَّمَنِيَّةُ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُضَارِبِ أَنْ يَرُدَّ مِثْلَ رَأْسِ الْمَالِ وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ بِرَدِّ جِنْسِهِ فَكَانَ لَهُ بَيْعُهُ ضَرُورَةً
( قَوْلُهُ وَإِذَا عَلِمَ وَالْمَالُ عُرُوضٌ يَبِيعُهَا ) أَطْلَقَ الْبَيْعَ فَشَمَلَ بَيْعَهُ بِالنَّقْدِ وَالنَّسِيئَةِ حَتَّى لَوْ نَهَاهُ عَنْ الْبَيْعِ نَسِيئَةً لَمْ يَعْمَلْ نَهْيُهُ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ

( افْتَرَقَا ) أَيْ الْمُضَارِبُ وَالْمَالِكُ ( وَفِي الْمَالِ دَيْنٌ وَرِبْحٌ لَزِمَهُ ) أَيْ الْمُضَارِبَ ( طَلَبُهُ ) لِأَنَّهُ كَالْأَجِيرِ وَالرِّبْحُ كَالْأُجْرَةِ وَقَدْ سَلَّمَ لَهُ ذَلِكَ فَيُجْبَرُ عَلَى إتْمَامِ عَمَلِهِ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ الْمَحْضَةِ ( كَالدَّلَّالِ ) فَإِنَّهُ يَعْمَلُ بِالْأُجْرَةِ ( وَالسِّمْسَارِ ) هُوَ الَّذِي تُجْلَبُ إلَيْهِ الْعُرُوض وَالْحَيَوَانَاتُ لِيَبِيعَهَا بِأَجْرٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُسْتَأْجَرَ فَهُوَ أَيْضًا يَعْمَلُ بِالْأُجْرَةِ وَيَجْعَلُ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْإِجَارَةِ الصَّحِيحَةِ بِحُكْمِ الْعَادَةِ فَيُجْبَرَانِ عَلَى طَلَبِ الثَّمَنِ ( وَبِلَا رِبْحٍ لَا ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَالِ رِبْحٌ لَمْ يَلْزَمْ الْمُضَارِبَ طَلَبُهُ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مَحْضٌ وَمُتَبَرِّعٌ وَلَا جَبْرَ عَلَى الْمُتَبَرِّعِ ( وَيُوَكِّلُ ) أَيْ الْمُضَارِبُ ( الْمَالِكَ بِهِ ) أَيْ بِالطَّلَبِ لِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ تَتَعَلَّقُ بِالْعَاقِدِ وَالْمَالِكُ لَيْسَ بِعَاقِدِ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْ الطَّلَبِ إلَّا بِتَوْكِيلِهِ فَيُؤْمَرُ بِالتَّوْكِيلِ لِئَلَّا يَضِيعَ حَقُّهُ ( كَذَا سَائِرُ الْوُكَلَاءِ ) أَيْ كُلُّ وَكِيلٍ بِالْبَيْعِ إذَا امْتَنَعَ عَنْ التَّقَاضِي لَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ بَلْ يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يُحِيلَ صَاحِبَ الْمَالِ وَلَا يُضَيِّعَ حَقَّهُ
قَوْلُهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَأْجِرَ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَمَا يُعْطَى لَهُ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ لَا بَأْسَ بِهِ لِأَنَّهُ عَمِلَ مَعَهُ حَسَنَةً فَجَازَاهُ خَيْرًا وَبِذَلِكَ جَرَتْ الْعَادَةُ وَالْحِيلَةُ فِي جَوَازِ اسْتِئْجَارِهِ لِلْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ اسْتِئْجَارُهُ مُدَّةً لِلْخِدْمَةِ فَيَسْتَعْمِلُهُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ إلَى آخِرِهَا ( قَوْلُهُ كَذَا سَائِرُ الْوُكَلَاءِ ) شَامِلٌ لِلْمُسْتَبْضِعِ

( الْهَالِكُ مِنْ الرِّبْحِ ) يَعْنِي أَنَّ مَا هَلَكَ مِنْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَهُوَ مِنْ الرِّبْحِ دُونَ رَأْسِ الْمَالِ وَالْهَالِكُ يُصْرَفُ إلَى التَّبَعِ لَا الْأَصْلِ كَمَا يُصْرَفُ الْهَالِكُ فِي مَالِ الزَّكَاةِ إلَى الْعَفْوِ لَا النِّصَابِ ( فَإِنْ زَادَ لَمْ يَضْمَنْ ) أَيْ إنْ زَادَ الْهَالِكُ عَلَى الرِّبْحِ لَمْ يَضْمَنْ الْمُضَارِبُ لِأَنَّهُ أَمِينٌ فَلَا يَكُونُ ضَمِينًا ( قُسِّمَ الرِّبْحُ وَالْعَقْدُ بَاقٍ وَهَلَكَ الْمَالُ أَوْ بَعْضُهُ تَرَادَّا الرِّبْحَ لِيَأْخُذَ رَأْسَ مَالِهِ ) يَعْنِي اقْتَسَمَا الرِّبْحَ وَالْمُضَارَبَةُ بِحَالِهَا ثُمَّ هَلَكَ الْمَالُ أَوْ بَعْضُهُ تَرَادَّا الرِّبْحَ لِيَأْخُذَ الْمَالِكُ رَأْسَ مَالِهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الْقِسْمَةَ لَا تَصِحُّ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْمَالِكُ رَأْسَ مَالِهِ لِأَنَّ الرِّبْحَ زِيَادَةٌ عَلَى الْأَصْلِ وَهِيَ لَا تَكُونُ إلَّا بَعْدَ سَلَامَةِ الْأَصْلِ فَإِذَا هَلَكَ مَا فِي يَدِ الْمُضَارِبِ أَمَانَةً ظَهَرَ أَنَّ مَا أَخَذَهُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ فَيَضْمَنُ الْمُضَارِبُ مَا أَخَذَهُ لِأَنَّهُ أَخَذَهُ لِنَفْسِهِ وَمَا أَخَذَهُ الْمَالِكُ مَحْسُوبٌ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ( وَإِذَا اسْتَوْفَى رَأْسَ الْمَالِ فَمَا فَضَلَ يُقَسَّمُ بَيْنَهُمَا ) لِأَنَّهُ رِبْحٌ ( وَمَا نَقَصَ لَمْ يَضْمَنْ ) الْمُضَارِبُ لِأَنَّهُ أَمِينٌ

( وَإِنْ ) اقْتَسَمَا الرِّبْحَ ، وَ ( فَسَخَاهَا ) أَيْ الْمُضَارَبَةَ ( ثُمَّ عَقَدَا ) عَقْدًا آخَرَ ( فَهَلَكَ الْمَالُ لَمْ يَتَرَادَّا ) الرِّبْحَ الْأَوَّلَ لِأَنَّ الْمُضَارَبَةَ الْأُولَى قَدْ انْتَهَتْ وَالثَّانِيَةَ عَقْدٌ جَدِيدٌ فَهَلَاكُ الْمَالِ فِي الْعَقْدِ الثَّانِي لَا يُوجِبُ انْتِقَاضَ الْأَوَّلِ كَمَا لَوْ دَفَعَ إلَيْهِ مَالًا آخَرَ

( نَفَقَةُ مُضَارِبٍ فِي الْحَضَرِ ) مُبْتَدَأٌ ( مِنْ مَالِهِ ) خَبَرُهُ ( كَدَوَائِهِ ) فَإِنَّهُ إذَا مَرِضَ كَانَ دَوَاؤُهُ مِنْ مَالِهِ سَوَاءٌ كَانَ فِي السَّفَرِ أَوْ الْحَضَرِ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْتَبِسْ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ فَلَا يَجِبُ بِهِ النَّفَقَةُ فِيهِ بَلْ هُوَ سَاكِنٌ بِالسُّكْنَى الْأَصْلِيِّ وَوُجُوبُ النَّفَقَةِ عَلَى الْغَيْرِ بِسَبَبِ الِاحْتِبَاسِ بِهِ فَلَمْ يُوجَدْ فَكَانَتْ فِي مَالِهِ ( وَفِي السَّفَرِ طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ وَكِسْوَتُهُ وَأُجْرَةُ خَادِمِهِ وَغَسْلُ ثِيَابِهِ وَالدُّهْنُ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ وَرُكُوبُهُ كِرَاءً أَوْ شِرَاءً أَوْ عَلَفُهُ مِنْ مَالِهَا ) أَيْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ فَإِنَّهُ إذَا سَافَرَ صَارَ مَحْبُوسًا بِالْعَمَلِ لِلْمُضَارَبَةِ فَوَجَبَتْ النَّفَقَةُ فِي مَالِهَا لِأَجْلِ الِاحْتِبَاسِ بِهِ ( بِالْمَعْرُوفِ ) أَيْ غَيْرِ زَائِدٍ عَلَى الْحَاجَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَلَا نَاقِصٍ عَنْهَا ( وَضَمِنَ الزَّائِدَ ) عَلَى الْمَعْرُوفِ ( وَرَدَّ الْبَاقِي ) مِنْ الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ ( بَعْدَ الْإِقَامَةِ إلَى مَالِهَا ) أَيْ مَالِ الْمُضَارَبَةِ لِتَمَامِ الْحَاجَةِ ( وَمَا دُونَ سَفَرٍ يَغْدُو إلَيْهِ وَلَا يَبِيتُ بِأَهْلِهِ كَالسَّفَرِ وَالْأَقَلُّ لَا إنْ رَبِحَ ) الْمُضَارِبُ ( أَخَذَ الْمَالِكُ ) مِنْ الرِّبْحِ ( قَدْرَ الْمُنْفَقِ ) أَيْ قَدْرَ مَا أَنْفَقَ الْمُضَارِبُ ( مِنْ رَأْسِ الْمَالِ ) حَتَّى يُتِمَّ رَأْسَ مَالِهِ فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ قُسِّمَ بَيْنَهُمَا ( وَإِنْ رَبِحَ ) أَيْ بَاعَ الْمُضَارِبُ مَتَاعَ الْمُضَارَبَةِ مُرَابَحَةً ( حَسَبَ نَفَقَتَهُ ) أَيْ مَا أَنْفَقَ عَلَى الْمَتَاعِ مِنْ أُجْرَةِ الْحَمْلِ وَأُجْرَةِ الْقَصَّارِ وَالْحَمَّالِ وَالسِّمْسَارِ لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَزِيدُ فِي الْقِيمَةِ وَتَعَارَفَ التُّجَّارُ إلْحَاقَهَا بِرَأْسِ الْمَالِ فِي بَيْعِ الْمُرَابَحَةِ ( لَا ) أَيْ لَا يَحْسِبُ ( نَفَقَةَ نَفْسِهِ ) فِي سَفَرِهِ وَتَقَلُّبَاتِهِ فِي الْمَالِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَتَعَارَفُوا ذَلِكَ وَلَا تَزِيدُ أَيْضًا فِي قِيمَةِ الْمَتَاعِ .

( قَوْلُهُ وَفِي السَّفَرِ
إلَخْ ) هَذَا إذَا سَافَرَ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ فَقَطْ وَلَوْ سَافَرَ بِمَالِهِ وَمَالِ الْمُضَارَبَةِ أَوْ خَلَطَهُ بِإِذْنِ رَبِّ الْمَالِ أَوْ سَافَرَ بِمَالَيْنِ لِرَجُلَيْنِ أَنْفَقَ بِالْحِصَّةِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ ( قَوْلُهُ وَأُجْرَةُ خَادِمِهِ ) كَذَا كُلُّ مَنْ يُعِينُ الْمُضَارِبَ عَلَى الْعَمَلِ وَيَخْدُمُ دَوَابَّهُ فَنَفَقَتُهُ فِي مَالِهَا إلَّا عَبْدَ رَبِّ الْمَالِ وَدَوَابِّهِ فَإِنَّ نَفَقَتَهُمْ فِي مَالِ رَبِّ الْمَالِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ ( قَوْلُهُ وَغَسْلِ ثِيَابِهِ ) كَذَا أُجْرَةُ الْحَمَّامِ وَالْحَلَّاقِ وَقَصِّ الشَّارِبِ كُلُّ ذَلِكَ فِي مَالِ الْمُضَارَبَةِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ ( قَوْلُهُ وَالدُّهْنِ إذَا اُحْتِيجَ إلَيْهِ ) يَعْنِي كَمَا إذَا كَانَ بِبِلَادِ الْحِجَازِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَكَذَا آلَةُ الْخِضَابِ وَأَكْلِ الْفَاكِهَةِ كَعَادَةِ التُّجَّارِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ قَوْلُهُ إنْ رَبِحَ الْمُضَارِبُ أَخَذَ الْمَالِكُ قَدْرَ الْمُنْفَقِ ) يُرِيدُ بِهِ أَنَّ الْمَالِكَ يَأْخُذُ رَأْسَ مَالِهِ كَامِلًا فَتَكُونُ النَّفَقَةُ مَصْرُوفَةً إلَى الرِّبْحِ خَاصَّةً وَمَا بَقِيَ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَاهُ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ

( مَعَهُ ) أَيْ مَعَ الْمُضَارِبِ ( أَلْفٌ بِالنِّصْفِ فَاشْتَرَى بِهِ بُرًّا فَبَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ وَاشْتَرَى بِهِمَا ) أَيْ بِالْأَلْفَيْنِ ( عَبْدًا ) وَلَمْ يَنْقُدْ الْأَلْفَيْنِ ( فَضَاعَا ) أَيْ الْأَلْفَانِ ( عِنْدَهُ ) أَيْ الْمُضَارِبِ ( غَرِمَ ) أَيْ الْمُضَارِبُ ( خَمْسَمِائَةٍ وَالْمَالِكُ الْبَاقِي ) وَهُوَ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ ( وَرُبُعُ الْعَبْدِ لِلْمُضَارِبِ وَبَاقِيهِ ) وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ ( لَهَا ) أَيْ لِلْمُضَارَبَةِ ( وَرَأْسُ الْمَالِ أَلْفَانِ وَخَمْسُمِائَةٍ ) لِأَنَّ الْمَالَ لَمَّا صَارَ أَلْفَيْنِ ظَهَرَ رِبْحٌ فِي الْمَالِ وَهُوَ أَلْفٌ فَكَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَنَصِيبُ الْمُضَارِبِ مِنْهُ خَمْسُمِائَةٍ فَإِذَا اشْتَرَى بِالْأَلْفَيْنِ عَبْدًا صَارَ الْعَبْدُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَرُبُعُهُ لِلْمُضَارِبِ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ لِلْمَالِكِ ثُمَّ إذَا ضَاعَ الْأَلْفَانِ قَبْلَ النَّقْدِ كَانَ عَلَيْهِمَا ضَمَانُ ثَمَنِ الْعَبْدِ عَلَى قَدْرِ مِلْكِهِمَا فِي الْعَبْدِ فَرُبُعُهُ عَلَى الْمُضَارِبِ وَخَمْسُمِائَةٍ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ عَلَى الْمَالِكِ وَهُوَ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ فَنَصِيبُ الْمُضَارِبِ خَرَجَ عَلَى الْمُضَارَبَةِ لِأَنَّهُ صَارَ مَضْمُونًا عَلَيْهِ وَمَالُ الْمُضَارَبَةِ أَمَانَةٌ وَبَيْنَهُمَا تَنَافٍ وَنَصِيبُ الْمَالِكِ عَلَى الْمُضَارَبَةِ لِعَدَمِ مَا يُنَافِيهَا ( وَرَابَحَ عَلَى أَلْفَيْنِ فَقَطْ ) يَعْنِي لَا يَبِيعُ الْعَبْدَ مُرَابَحَةً إلَّا عَلَى أَلْفَيْنِ لِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ بِهِمَا ( فَلَوْ بِيعَ ) أَيْ الْعَبْدُ ( بِضِعْفِهِمَا ) وَهُوَ أَرْبَعَةُ آلَافٍ ( فَحِصَّتُهَا ) أَيْ حِصَّةُ الْمُضَارَبَةِ ( ثَلَاثَةُ آلَافٍ ) فَأَلْفَانِ وَخَمْسُمِائَةٍ مِنْهَا رَأْسُ الْمَالِ ( وَالرِّبْحُ مِنْهَا خَمْسُمِائَةٍ بَيْنَهُمَا ) نِصْفَانِ ( شَرَى مِنْ الْمَالِكِ بِأَلْفٍ عَبْدًا شَرَاهُ بِنِصْفِهِ رَابَحَ ) بِنِصْفِهِ لَا بِتَمَامِ الْأَلْفِ لِأَنَّ بَيْعَهُ مِنْ الْمُضَارِبِ كَبَيْعِهِ مِنْ نَفْسِهِ لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ وَإِنْ حُكِمَ بِجَوَازِهِ لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْمُضَارِبِ بِهِ فَلَا يَجُوزُ بِنَاءُ الْمُرَابَحَةِ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْأَمَانَةِ وَالِاحْتِرَازِ عَنْ

شُبْهَةِ الْخِيَانَةِ فَتُبْتَنَى عَلَى مَا اشْتَرَاهُ بِهِ الْمَالِكُ فَيَكُونُ الْمُضَارِبُ كَالْوَكِيلِ لَهُ فِي بَيْعِهِ وَلَوْ كَانَ بِالْعَكْسِ يَبِيعُهُ مُرَابَحَةً بِخَمْسِمِائَةٍ لِأَنَّ الْبَيْعَ الْجَارِي بَيْنَهُمَا كَالْمَعْدُومِ لِمَا ذُكِرَ فَتُبْتَنَى الْمُرَابَحَةُ عَلَى مَا اشْتَرَاهُ بِهِ الْمُضَارِبُ كَأَنَّهُ اشْتَرَاهُ لَهُ وَنَاوَلَهُ إيَّاهُ بِلَا بَيْعٍ

( شَرَى بِأَلْفِهَا عَبْدًا يَعْدِلُ أَلْفَيْنِ فَقَتَلَ رَجُلًا خَطَأً ) فَأُمِرَ بِالدَّفْعِ أَوْ الْفِدَاءِ فَإِنْ دَفَعَا الْعَبْدَ انْتَهَتْ الْمُضَارَبَةُ لِأَنَّ الْعَبْدَ بِالدَّفْعِ زَالَ عَنْ مِلْكِهِمَا بِلَا بَدَلٍ وَإِنْ فَدَيَا خَرَجَ الْعَبْدُ عَنْ الْمُضَارَبَةِ أَمَّا حِصَّةُ الْمُضَارِبِ فَلِأَنَّ مِلْكَهُ فِيهِ تَقَرَّرَ بِالْفِدَاءِ فَصَارَ كَالْقِسْمَةِ وَأَمَّا حِصَّةُ الْمَالِكِ فَلِأَنَّ الْعَبْدَ بِالْجِنَايَةِ صَارَ كَالزَّائِلِ عَنْ مِلْكَمِهِمَا إذْ الْمُوجَبُ الْأَصْلِيُّ هُوَ الدَّفْعُ وَبِالْفِدَاءِ صَارَ كَأَنَّهُمَا اشْتَرَيَاهُ ثُمَّ الْفِدَاءُ عَلَيْهِمَا بِالْأَرْبَاعِ ( فَرُبْعُ الْفِدَاءِ عَلَيْهِ ) أَيْ الْمُضَارِبِ ( وَبَاقِيهِ ) وَهُوَ ثَلَاثَةُ الْأَرْبَاعِ ( عَلَى الْمَالِكِ ) لِأَنَّ الْفِدَاءَ مَئِنَّةُ الْمِلْكِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ وَقَدْ كَانَ الْمِلْكُ بَيْنَهُمَا أَرْبَاعًا لِأَنَّ الْمَالَ إذَا صَارَ عَيْنًا وَاحِدًا ظَهَرَ الرِّبْحُ وَهُوَ أَلْفٌ بَيْنَهُمَا وَأَلْفٌ لِلْمَالِكِ بِرَأْسِ مَالِهِ ( وَإِذَا فَدَيَا صَارَ الْعَبْدُ لَهُمَا وَخَرَجَ عَنْهَا ) أَيْ الْمُضَارَبَةِ ( فَيَخْدُمُ الْمُضَارِبَ يَوْمًا وَالْمَالِكَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ) بِقَدْرِ حَقِّهِمَا

( شَرَى عَبْدًا بِأَلْفِهَا وَهَلَكَ الْأَلْفُ قَبْلَ نَقْدِهِ دَفَعَ الْمَالِكُ ثَمَنَهُ ثُمَّ وَثُمَّ ) أَيْ كُلَّمَا هَلَكَ الْأَلْفُ دَفَعَ الْمَالِكُ أَلْفًا إلَى مَا لَا يَتَنَاهَى ( وَجَمِيعُ مَا دَفَعَ رَأْسُ مَالِهِ ) فُرِّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْوَكِيلِ بِشِرَاءِ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ بِأَلْفٍ دَفَعَ إلَيْهِ فَاشْتَرَى فَهَلَكَ الْأَلْفُ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَهُ لِلْبَائِعِ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى الْمُوَكِّلِ مَرَّةً فَقَطْ بِأَنَّ الْمَالَ فِي يَدِ الْمُضَارِبِ أَمَانَةٌ لِمَا مَرَّ وَالِاسْتِيفَاءُ إنَّمَا يَكُونُ بِقَبْضٍ مَضْمُونٍ فَلَوْ حُمِلَ قَبْضُهُ عَلَى الِاسْتِيفَاءِ صَارَ ضَامِنًا وَهُوَ يُنَافِي الْأَمَانَةَ فَحُمِلَ قَبْضُهُ ثَانِيًا عَلَى جِهَةِ الْأَمَانَةِ لَا الِاسْتِيفَاءِ فَإِذَا هَلَكَ كَانَ الْهَلَاكُ عَلَى الْمَالِكِ بِخِلَافِ الْوَكِيلِ لِإِمْكَانِ جَعْلِهِ مُسْتَوْفِيًا لِأَنَّ الضَّمَانَ لَا يُنَافِي الْوَكَالَةَ فَإِنَّ الْغَاصِبَ إذَا تَوَكَّلَ بِبَيْعِ الْمَغْصُوبِ جَازَ حَتَّى إذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ بَعْدَمَا صَارَ وَكِيلًا ضَمِنَ فَإِذَا اشْتَرَى الْعَبْدَ بِأَلْفٍ وَجَبَ لِلْبَائِعِ عَلَى الْوَكِيلِ الثَّمَنُ وَوَجَبَ لِلْوَكِيلِ عَلَى الْمُوَكِّلِ مِثْلُهُ فَإِذَا اسْتَوْفَى حَقَّهُ مِنْ الْمُوَكِّلِ حُمِلَ قَبْضُهُ عَلَى جِهَةِ الِاسْتِيفَاءِ لَا الْأَمَانَةِ فَإِذَا اسْتَوْفَاهُ مَرَّةً لَمْ يَبْقَ الْحَقُّ أَصْلًا فَإِذَا هَلَكَ الْمَقْبُوضُ كَانَ الْهَلَاكُ عَلَيْهِ لَا مَحَالَةَ .

( مَعَهُ أَلْفَانِ فَقَالَ دَفَعْت أَلْفًا وَرَبِحْت أَلْفًا وَقَالَ الْمَالِكُ دَفَعْت الْأَلْفَيْنِ أَوْ ادَّعَى الْمُضَارِبُ الْعُمُومَ أَوْ قَالَ مَا عَيَّنْت لِي تِجَارَةٍ وَالْمَالِكُ ادَّعَى الْخُصُوصَ ) يَعْنِي فِي الصُّورَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ ( فَالْقَوْلُ لِلْمُضَارِبِ ) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ حَاصِلَ اخْتِلَافِهِمَا فِي مِقْدَارِ الْمَقْبُوضِ وَالْقَابِضُ أَحَقُّ بِمَعْرِفَةِ مِقْدَارِهِ لِاسْتِصْحَابِهِ الْمَالَ وَفِي مِثْلِهِ الْقَوْلُ لِلْقَابِضِ ضَمِينًا كَانَ أَوْ أَمِينًا وَأَيُّهُمَا بَرْهَنَ عَلَى مَا ادَّعَى مِنْ الْفَضْلِ قُبِلَ لِأَنَّ رَبَّ الْمَالِ يَدَّعِي فَضْلًا فِي رَأْسِ مَالِهِ وَالْمُضَارِبُ فَضْلًا فِي الرِّبْحِ وَالْبَيِّنَاتُ لِلْإِثْبَاتِ وَأَمَّا فِي الْأَخِيرَتَيْنِ فَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِمَا الْعُمُومُ وَالْقَوْلُ لِمَنْ يَتَمَسَّكُ بِالْأَصْلِ ( وَلَوْ ادَّعَى كُلٌّ نَوْعًا فَلِلْمَالِكِ ) أَيْ الْقَوْلُ لَهُ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَى الْخُصُوصِ فَاعْتِبَارُ قَوْلِ مَنْ يُسْتَفَادُ الْإِذْنُ مِنْ جِهَتِهِ أَوْلَى وَالْبَيِّنَةُ لِلْمُضَارِبِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى نَفْيِ الضَّمَانِ ( كَمَا لَوْ قَالَ مَنْ مَعَهُ أَلْفٌ هُوَ مُضَارَبَةُ زَيْدٍ وَقَدْ رَبِحَ وَقَالَ زَيْدٌ بِضَاعَةٌ ) حَيْثُ يُصَدَّقُ زَيْدٌ مَعَ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ دَعْوَى الرِّبْحِ أَوْ دَعْوَى تَقْوِيمِ عَمَلِ الْمُضَارِبِ ( أَوْ ) كَمَا قَالَ مَنْ مَعَهُ أَلْفٌ هُوَ ( قَرْضٌ وَقَالَ زَيْدٌ بِضَاعَةٌ أَوْ وَدِيعَةٌ ) حَيْثُ يُصَدَّقُ زَيْدٌ مَعَ الْيَمِينِ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ دَعْوَى التَّمَلُّكِ ( وَلَوْ وَقَّتَا وَقْتًا ) بِأَنْ قَالَ رَبُّ الْمَالِ دَفَعْت إلَيْك فِي رَمَضَانَ وَقَالَ الْمُضَارِبُ دَفَعْت فِي شَوَّالٍ ( فَصَاحِبُ ) الْوَقْتِ ( الْأَخِيرِ أَوْلَى ) لِأَنَّ الْآخِرَ يَنْسَخُ الْأَوَّلَ

( كِتَابُ الشَّرِكَةِ ) لَا يَخْفَى وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْكِتَابَيْنِ ( هِيَ ) اخْتِلَاطُ شَيْءٍ بِشَيْءٍ وَمِنْهُ الشَّرَكُ بِالتَّحْرِيكِ حِبَالَةُ الصَّائِدِ لِأَنَّ فِيهِ اخْتِلَاطَ بَعْضِ حَبْلِهِ بِالْبَعْضِ ثُمَّ أُطْلِقَتْ عَلَى الْعَقْدِ مَجَازًا لِكَوْنِهِ سَبَبًا لَهَا ثُمَّ صَارَتْ حَقِيقَةً عُرْفِيَّةً وَهِيَ ( إمَّا شَرِكَةُ مِلْكٍ وَهِيَ أَنْ يَمْلِكَا عَيْنًا بِإِرْثٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ اتِّهَابٍ أَوْ اسْتِيلَاءٍ ) عَلَى مَالِ حَرْبِيٍّ ( أَوْ اخْتِلَاطِ مَالَيْهِمَا بِلَا صُنْعٍ ) مِنْ أَحَدِهِمَا ( أَوْ خَلَطَهُمَا حَتَّى تَعَذَّرَ التَّمْيِيزُ ) كَالْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ أَوْ تَعَسَّرَ كَالْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ( وَكُلٌّ أَجْنَبِيٌّ فِي مَالِ صَاحِبِهِ ) حَتَّى لَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ إلَّا بِإِذْنِهِ كَمَا لِلْأَجَانِبِ ( فَيَصِحُّ لَهُ بَيْعُ حَظِّهِ ) أَيْ نَصِيبِهِ مِنْ الْمَالِ ( وَلَوْ مِنْ غَيْرِ شَرِيكِهِ بِلَا إذْنِهِ ) يَعْنِي يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ نَصِيبَهُ مِنْ الْمَالِ مِنْ شَرِيكِهِ وَمِنْ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِ شَرِيكِهِ ( إلَّا فِي صُورَةِ الْخَلْطِ وَالِاخْتِلَاطِ ) فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِإِذْنِهِ وَالْفَرْقُ أَنَّ خَلْطَ الْجِنْسِ بِالْجِنْسِ بِصِفَةِ التَّعَدِّي سَبَبٌ لِزَوَالِ الْمِلْكِ عَنْ الْمَخْلُوطِ إلَى الْخَالِطِ وَإِذَا حَصَلَ بِغَيْرِ تَعَدٍّ حَصَلَ سَبَبُ الزَّوَالِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ فَاعْتُبِرَ نَصِيبُ كُلٍّ مِنْهُمْ زَائِلًا عَنْ الشَّرِيكِ فِي حَقِّ الْبَيْعِ مِنْ غَيْرِ الشَّرِيكِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا بِرِضَا الشَّرِيكِ غَيْرَ زَائِلٍ فِي حَقِّ الْبَيْعِ مِنْ الشَّرِيكِ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ وَهَذَا أَوْلَى مِنْ عَكْسِهِ لِأَنَّ التَّصَرُّفَ مَعَ الشَّرِيكِ أَسْرَعُ نَفَاذًا مِنْ التَّصَرُّفِ مَعَ الْأَجْنَبِيِّ بِدَلِيلِ جَوَازِ تَمْلِيكِ مُعْتَقِ الْبَعْضِ لِلشَّرِيكِ لَا الْأَجْنَبِيِّ وَكَذَا إجَارَةُ الْمُشَاعِ مِنْ الشَّرِيكِ جَائِزَةٌ ( وَإِمَّا شَرِكَةُ عَقْدٍ ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ وَإِمَّا شَرِكَةُ مِلْكٍ

كِتَابُ الشَّرِكَةِ ( قَوْلُهُ إلَّا فِي صُورَةِ الْخَلْطِ ) يَعْنِي الْحَاصِلَ مِنْهُمَا مَعًا يُشِيرُ إلَيْهِ قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ
إلَخْ وَكَانَ يَنْبَغِي التَّصْرِيحُ بِمَا إذَا انْفَرَدَ أَحَدُهُمَا بِالْخَلْطِ لِيَحْسُنَ الْفَرْقُ بَيْنَ مَا يَقْتَضِي الشَّرِكَةَ وَلَا يَقْتَضِي تَمَلُّكَ مَالِ الْآخَرِ بِالْخَلْطِ الْحَاصِلِ مِنْهُمَا بِخِلَافِ الْحَاصِلِ مِنْ أَحَدِهِمَا ( قَوْلُهُ بِدَلِيلِ جَوَازِ تَمْلِيكِ مُعْتِقِ الْبَعْضِ لِلشَّرِيكِ ) يَعْنِي بِهِ التَّضْمِينَ إذَا أَعْتَقَ حِصَّتَهُ مُوسِرًا

( وَرُكْنُهَا الْإِيجَابُ ) بِأَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا شَارَكْتُك فِي كَذَا أَوْ فِي عَامَّةِ التِّجَارَاتِ ( وَالْقَبُولُ ) بِأَنْ يَقُولَ لِآخَرَ قَبِلْت فَإِنَّهَا عَقْدٌ مِنْ الْعُقُودِ الشَّرْعِيَّةِ فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ رُكْنٍ كَسَائِرِهَا ( وَشَرْطُهَا كَوْنُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ) أَيْ التَّصَرُّفُ الَّذِي عَقْدُ الشَّرِكَةِ عَلَيْهِ ( قَابِلًا لِلْوَكَالَةِ ) لِيَقَعَ مَا يُحَصِّلُهُ كُلٌّ مِنْهُمَا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا فَيُحَصِّلُ لِنَفْسِهِ بِالْأَصَالَةِ وَلِشَرِيكِهِ بِالْوَكَالَةِ وَلَا يُمْكِنُهُ ذَلِكَ فِيمَا لَا يَقْبَلُ التَّوْكِيلَ كَالِاحْتِطَابِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْمُبَاحَاتِ لِأَنَّ التَّوْكِيلَ لَا يَصِحُّ فِيهِ بَلْ مَا يَكْتَسِبُهُ يَكُونُ لَهُ خَاصَّةً ( وَعَدَمُ مَا يَقْطَعُهَا ) أَيْ الشَّرِكَةَ ( كَشَرْطِ دَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ مِنْ الرِّبْحِ لِأَحَدِهِمَا ) فَإِنَّهُ يَقْطَعُ الشَّرِكَةَ فِي الرِّبْحِ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَبْقَى بَعْدَ هَذِهِ الدَّرَاهِمِ الْمُسَمَّاةِ رِبْحٌ يَشْتَرِكَانِ فِيهِ
قَوْلُهُ وَكُلٌّ مِنْهُمَا ) الْمِيمُ الثَّانِيَةُ زَائِدَةٌ مِنْ النَّاسِخِ

( وَهِيَ ) أَيْ شَرِكَةُ الْعَقْدِ ( ثَلَاثَةٌ ) الْأَوَّلُ ( شَرِكَةٌ بِالْأَمْوَالِ وَ ) الثَّانِي ( شَرِكَةٌ بِالْأَعْمَالِ وَتُسَمَّى ) هَذِهِ الشَّرِكَةُ اصْطِلَاحًا ( شَرِكَةُ الصَّنَائِعِ ، وَ ) شَرِكَةُ ( التَّقَبُّلِ ، وَ ) شَرِكَةُ ( الْأَبْدَانِ ) وَوَجْهُ التَّسْمِيَةِ ظَاهِرٌ .
( وَ ) الثَّالِثُ ( شَرِكَةُ الْوُجُوهِ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ثُمَّ هِيَ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ أَيْ شَرِكَةُ الْعُقُودِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ مُفَاوَضَةٍ وَعِنَانٍ وَشَرِكَةِ الصَّنَائِعِ وَشَرِكَةِ الْوُجُوهِ وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْكَافِي وَقَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ هَذَا التَّقْسِيمُ فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّ شَرِكَةَ الصَّنَائِعِ وَشَرِكَةَ الْوُجُوهِ مُغَايِرَتَانِ لِلْمُفَاوَضَةِ وَالْأَوْلَى فِي التَّقْسِيمِ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخَانِ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ وَأَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرَيْهِمَا بِقَوْلِهِمَا الشَّرِكَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ شَرِكَةٌ بِالْأَمْوَالِ وَشَرِكَةٌ بِالْأَعْمَالِ وَشَرِكَةٌ بِالْوُجُوهِ وَكُلُّ وَاحِدَةٍ عَلَى وَجْهَيْنِ مُفَاوَضَةٍ وَعِنَانٍ .
وَفِي الْهِدَايَةِ إشَارَةٌ إلَى هَذَا حَيْثُ قَالَ فِي بَيَانِ شَرِكَةِ الْوُجُوهِ وَأَنَّهَا تَصِحُّ مُفَاوَضَةً لِأَنَّهُ يُمْكِنُ تَحْقِيقُ الْكَفَالَةِ وَالْوَكَالَةِ فِي الْأَبْدَانِ وَإِذَا أُطْلِقَتْ تَكُونُ عِنَانًا فَلَمَّا عَثَرْت عَلَى هَذَا اخْتَرْته وَبَيَّنْته عَلَى طِبْقِ غَايَةِ الْبَيَانِ وَقُلْت ( وَكُلٌّ مِنْهَا إمَّا مُفَاوَضَةٌ ) هِيَ بِمَعْنَى الْمُسَاوَاةِ سُمِّيَ هَذَا الْعَقْدُ بِهَا لِاشْتِرَاطِ الْمُسَاوَاةِ فِيهِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ كَمَا سَيَأْتِي ( أَوْ عِنَانٌ ) مَأْخُوذٌ مِنْ قَوْلِهِمْ عَنَّ أَيْ عَرَضَ سُمِّيَ هَذَا الْعَقْدُ بِهِ لِمَا قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ كَأَنَّهُ عَنَّ لَهُمَا شَيْءٌ فَاشْتَرَكَا فِيهِ أَوْ مِنْ عِنَانِ الْفَرَسِ كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْكِسَائِيُّ وَالْأَصْمَعِيُّ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا جَعَلَ عِنَانَ التَّصَرُّفِ فِي بَعْضِ الْمَالِ إلَى صَاحِبِهِ .
( قَوْلُهُ أَوْ عِنَانٌ ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ

( أَمَّا الْمُفَاوَضَةُ فِي الشَّرِكَةِ بِالْأَمْوَالِ فَبِأَنْ تَضَمَّنَتْ وَكَالَةً ) أَيْ يَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا وَكِيلًا لِلْآخَرِ لِيَتَحَقَّقَ الْمَقْصُودُ وَهُوَ الشَّرِكَةُ فِي الْمُشْتَرَى لِأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُدْخِلَهُ فِي مِلْكِ صَاحِبِهِ إلَّا بِالْوَكَالَةِ مِنْهُ لِعَدَمِ وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ لَا يُقَالُ قَدْ مَرَّ أَنَّ الْوَكَالَةَ بِالْمَجْهُولِ لَا تَجُوزُ فَوَجَبَ أَنْ لَا تَصِحَّ هَذِهِ الشَّرِكَةُ لِتَضَمُّنِهَا الْوَكَالَةَ بِمَجْهُولِ الْجِنْسِ كَمَا إذَا وَكَّلَهُ بِشِرَاءِ ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ لِأَنَّا نَقُولُ الْوَكَالَةُ بِالْمَجْهُولِ لَا تَجُوزُ قَصْدًا وَتَجُوزُ ضِمْنًا كَمَا مَرَّ فِي الْمُضَارَبَةِ ( وَكَفَالَةً ) بِأَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا كَفِيلًا لِلْآخَرِ لِيَتَحَقَّقَ الْمُسَاوَاةُ بَيْنَهُمَا وَطَلَبُ كُلٍّ مِنْهُمَا فِيمَا بَاشَرَهُ أَحَدُهُمَا لَا يُقَالُ قَدْ مَرَّ أَنَّ الْكَفَالَةَ لَا تَصِحُّ إلَّا بِقَبُولِ الْمَكْفُولِ لَهُ فِي الْمَجْلِسِ فَكَيْفَ جَازَتْ هُنَا مَعَ جَهَالَتِهِ لِأَنَّا نَقُولُ قَدْ مَرَّ أَيْضًا أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى صِحَّتِهَا وَلَوْ سُلِّمَ فَذَلِكَ فِي الْكَفِيلِ الْقَصْدِيِّ وَهَاهُنَا ضِمْنِيٌّ كَالْوَكَالَةِ ( وَتَسَاوَيَا ) أَيْ الشَّرِيكَانِ ( مَالًا ) يَعْنِي مَالًا تَصِحُّ بِهِ الشَّرِكَةُ كَمَا سَنُبَيِّنُ بِخِلَافِ الْعُرُوضِ وَالْعَقَارِ حَيْثُ لَا يَضُرُّهَا التَّفَاضُلُ فِيهِمَا ( وَتَصَرُّفًا ) بِأَنْ يَقْدِرَ أَحَدُهُمَا عَلَى جَمِيعِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْآخَرُ مِنْ التَّصَرُّفَاتِ وَإِلَّا فَاتَ مَعْنَى الْمُسَاوَاةِ ( فَلَا تَصِحُّ ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَكَفَالَةً ( بَيْنَ عَبْدَيْنِ وَصَبِيَّيْنِ وَمُكَاتَبَيْنِ ) فَإِنَّهُمْ لَيْسُوا بِأَهْلِ الْكَفَالَةِ ( وَلَا بَيْنَ حُرٍّ وَمَمْلُوكٍ وَصَبِيٍّ وَبَالِغٍ وَمُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ تَصَرُّفًا فَإِنَّ الْحُرَّ الْبَالِغَ يَسْتَقْبِلُ بِالتَّصَرُّفِ وَالْكَفَالَةِ وَالْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْهُمَا إلَّا بِإِذْنِ مَوْلَاهُ وَالصَّبِيُّ لَا يَمْلِكُ الْكَفَالَةَ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْمَوْلَى وَيَمْلِكُ التَّصَرُّفَ بِإِذْنِهِ وَالْكَافِرُ إذَا اشْتَرَى خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا لَا

يَقْدِرُ الْمُسْلِمُ أَنْ يَبِيعَهُ وَمِنْ شَرْطِهَا أَنْ يَقْدِرَ عَلَى بَيْعِ مَا اشْتَرَاهُ شَرِيكُهُ لِكَوْنِهِ وَكِيلًا لَهُ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَكَذَا الْمُسْلِمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شِرَائِهِمَا كَمَا يَقْدِرُ الْكَافِرُ عَلَيْهِ وَلَمْ يَقُلْ وَدَيْنًا كَمَا فِي سَائِرِ الْكُتُبِ لِانْدِرَاجِ مَا يُفِيدُ تَحْتَ قَوْلِهِ وَتَصَرَّفَا كَمَا ذَكَرْنَا فَهُوَ مُغْنٍ عَنْهُ .

( وَلَا بُدَّ ) فِي انْعِقَادِ شَرِكَةِ الْمُفَاوَضَةِ ( مِنْ ذِكْرِ لَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ أَوْ بَيَانِ مَعْنَاهُ ) أَيْ مَعْنَى ذَلِكَ لِأَنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْرِفُونَ جَمِيعَ شَرَائِطِهَا فَيُجْعَلُ التَّصْرِيحُ بِالْمُفَاوَضَةِ قَائِمًا مَقَامَ ذَلِكَ كُلِّهِ وَإِنْ بَيَّنَا جَمِيعَ مَا يَقْتَضِي الْمُفَاوَضَةَ صَحَّتْ إذْ الْعِبْرَةُ لِلْمَعْنَى لَا اللَّفْظِ ( فَمُشْرَى كُلٍّ لَهُمَا ) أَيْ إذَا ذُكِرَ اللَّفْظُ أَوْ بُيِّنَ الْمَعْنَى يَكُونُ مَا اشْتَرَاهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْمُفَاوَضَةِ الْمُسَاوَاةُ ( إلَّا طَعَامَ أَهْلِهِ ) وَالْإِدَامَ ( وَكِسْوَتَهُمْ ) أَيْ كِسْوَةَ أَهْلِهِ وَكِسْوَتَهُ فَإِنَّهَا تَكُونُ لَهُ خَاصَّةً اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ تَكُونَ عَلَى الشَّرِكَةِ ؛ لِأَنَّهَا مِنْ عُقُودِ التِّجَارَةِ فَكَانَتْ مِنْ جِنْسِ مَا يَتَنَاوَلُهُ عَقْدُ الشَّرِكَةِ ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّهَا مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ مُقْتَضَى الْمُفَاوَضَةِ إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا حِينَ شَارَكَ صَاحِبَهُ كَانَ عَالِمًا بِحَاجَتِهِ إلَى ذَلِكَ فِي مُدَّةِ الْمُفَاوَضَةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَمْ يَقْصِدْ بِالْمُفَاوَضَةِ أَنْ تَكُونَ نَفَقَتُهُ وَنَفَقَةُ عِيَالِهِ عَلَى شَرِيكِهِ وَأَنَّهُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ تَحْصِيلِ حَاجَتِهِ إلَّا بِالشِّرَاءِ فَصَارَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُسْتَثْنِيًا لِهَذَا الْقَدْرِ مِنْ تَصَرُّفِهِ مِمَّا هُوَ مُقْتَضَى الْمُفَاوَضَةِ وَالِاسْتِثْنَاءُ الْمَعْلُومُ بِدَلَالَةِ الْحَالِ كَالِاسْتِثْنَاءِ الْمَشْرُوطِ ، وَلِلْبَائِعِ أَنْ يُطَالِبَ بِثَمَنِ الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ أَيَّهمَا شَاءَ الْمُشْتَرِي بِالْأَصَالَةِ وَصَاحِبَهُ بِالْكَفَالَةِ وَيَرْجِعُ الْكَفِيلُ عَلَى الْمُشْتَرِي إنْ أَدَّى مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ بِقَدْرِ حِصَّتِهِ لِأَنَّ الثَّمَنَ كَانَ عَلَيْهِ خَاصَّةً وَقَدْ قَضَى مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ ( وَكُلُّ دَيْنٍ لَزِمَ أَحَدَهُمَا بِمَا تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ ) وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ وَهُوَ احْتِرَازٌ عَنْ لُزُومِ دَيْنٍ بِمَا لَا تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ كَالْجِنَايَةِ وَالصُّلْحِ عَنْ دَمٍ عَمْدٍ وَالنِّكَاحِ وَالْخُلْعِ وَالنَّفَقَةِ (

كَالشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ وَالِاسْتِئْجَارِ أَوْ كَفَالَةٍ ) بِمَالٍ ( بِأَمْرٍ ) أَيْ أَمْرِ الْمَكْفُولِ عَنْهُ ( ضَمِنَهُ ) أَيْ ذَلِكَ الدَّيْنَ ( الْآخَرُ ) وَإِنَّمَا ضَمِنَ فِيهَا تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ ( وَبِلَا أَمْرٍ لَا ) أَيْ لَا يَضْمَنُ شَرِيكُهُ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ مَحْضٌ كَالْكَفَالَةِ بِالنَّفْسِ وَإِذَا كَانَتْ بِأَمْرِ كَانَتْ مُفَاوَضَةً كَمَا سَيَأْتِي .
قَوْلُهُ وَكُلُّ دَيْنٍ لَزِمَ أَحَدَهُمَا بِمَا تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ ) أَيْ يَجُوزُ أَنْ يَقَعَ مُشْتَرَكًا وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ الشَّرِكَةُ فِيهِ يُطَالَبُ بِهِ كُلٌّ مِنْهُمَا ( قَوْلُهُ كَالشِّرَاءِ
إلَخْ ) وَهُوَ الْمَوْعُودُ بِهِ

( وَأَمَّا الْعِنَانُ فِي الشَّرِكَةِ بِالْأَمْوَالِ ) عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ أَمَّا الْمُفَاوَضَةُ ( فَهِيَ شَرِكَةٌ فِي كُلِّ تِجَارَةٍ أَوْ نَوْعٍ مِنْهَا ) كَالثَّوْبِ وَالطَّعَامِ وَنَحْوِهِمَا ( وَتَتَضَمَّنُ الْوَكَالَةَ ) لِيَتَحَقَّقَ الْمَقْصُودُ بِالشَّرِكَةِ وَهُوَ التَّصَرُّفُ فِي مَالِ الْغَيْرِ ( فَقَطْ ) أَيْ دُونَ الْكَفَالَةِ لِأَنَّهَا تَثْبُتُ فِي الْمُفَاوَضَةِ ضَرُورَةَ الْمُسَاوَاةِ الَّتِي يَقْتَضِيهَا اللَّفْظُ وَهَذَا اللَّفْظُ لَا يُنْبِئُ عَنْهُ كَمَا مَرَّ ( وَتَصِحُّ بِبَعْضِ الْمَالِ ) لِأَنَّ الْحَاجَةَ مَاسَةٌ إلَيْهِ وَالْمُسَاوَاةُ لَيْسَتْ شَرْطًا فِيهِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِصِحَّتِهِ ( وَمَعَ فَضْلِ مَالِ أَحَدِهِمَا ) لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ التَّسَاوِي فِيهِ ( وَتَسَاوِي مَالَيْهِمَا لَا الرِّبْحِ وَبِالْعَكْسِ ) أَيْ تَسَاوِي الرِّبْحِ لَا الْمَالَيْنِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الرِّبْحُ عَلَى مَا شَرَطَا } وَالْوَضْعِيَّةُ عَلَى قَدْرِ الْمَالَيْنِ مُطْلَقًا بِلَا فَضْلٍ بِخِلَافِ شَرْطِ كُلِّ الرِّبْحِ لِأَحَدِهِمَا لِخُرُوجِ الْعَقْدِ بِهِ عَنْ الشَّرِكَةِ ( وَ ) تَصِحُّ أَيْضًا ( بِكَوْنِ أَحَدِهِمَا ) أَيْ أَحَدِ الْمَالَيْنِ ( دَرَاهِمَ وَالْآخَرِ دَنَانِيرَ ) أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا دَرَاهِمُ بِيضٍ وَمِنْ الْآخَرِ سُودٌ ( وَبِلَا خَلْطٍ ) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَصِحُّ بِدُونِهِ لِأَنَّ الرِّبْحَ فَرْعُ الْمَالِ وَلَا يُتَصَوَّرُ وُقُوعُ الْفَرْعِ عَلَى الشَّرِكَةِ إلَّا بِثُبُوتِ الشَّرِكَةِ فِي الْأَصْلِ وَلَا اشْتِرَاكَ بِلَا خَلْطٍ وَلَنَا أَنَّ الشَّرِكَةَ عَقْدُ تَوْكِيلٍ مِنْ الطَّرَفَيْنِ لِيَشْتَرِيَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِمَالِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمُشْتَرَى بَيْنَهُمَا وَهَذَا لَا يَفْتَقِرُ إلَى الْخَلْطِ وَالرِّبْحُ يُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ كَمَا يُسْتَحَقُّ بِالْمَالِ وَلِهَذَا يُسَمَّى الْعَقْدُ شَرِكَةً وَهَذِهِ الشَّرِكَةُ مُسْتَنِدَةٌ إلَى الْعَقْدِ حَتَّى جَازَ شَرِكَةُ الْوُجُوهِ وَالتَّقَبُّلِ فَإِذَا اسْتَنَدَتْ إلَى الْعَقْدِ لَمْ يُشْتَرَطْ فِيهَا الْمُسَاوَاةُ وَالِاتِّحَادُ وَالْخَلْطُ ( وَكُلٌّ يُطَالِبُ بِثَمَنِ مُشْرِيهِ لَا الْآخَرِ ) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ

يَتَضَمَّنُ الْوَكَالَةَ لَا الْكَفَالَةَ وَالْوَكِيلُ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْحُقُوقِ ( ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّتِهِ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الثَّمَنِ ( إنْ أَدَّاهُ مِنْ مَالِهِ ) لَا مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ لِأَنَّهُ وَكِيلٌ مِنْ جِهَتِهِ فِي حِصَّتِهِ فَإِذَا أَدَّى مِنْ مَالِ نَفْسِهِ رَجَعَ عَلَيْهِ
قَوْلُهُ وَتَتَضَمَّنُ الْوَكَالَةَ ) أَيْ إذَا لَمْ يَنُصَّ عَلَى الْمُفَاوَضَةِ وَالْكَفَالَةِ بَلْ عَلَى الْوَكَالَةِ فَقَطْ أَوْ صَرَّحَ بِكَوْنِهَا عِنَانًا لَمْ تَتَضَمَّنْ الْكَفَالَةَ ( قَوْلُهُ وَتَسَاوِي مَالَيْهِمَا لَا الرِّبْحِ وَبِالْعَكْسِ ) أَيْ تُسَاوِي الرِّبْحِ لَا الْمَالَيْنِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ لِمَا قَالَ قَاضِي خَانْ لَا يُشْتَرَطُ الْمُسَاوَاةُ فِي الرِّبْحِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ فَإِنْ شَرَطَ الْمُسَاوَاةَ فِي الرِّبْحِ أَوْ شَرَطَ لِأَحَدِهِمَا فَضْلَ رِبْحٍ إنْ شَرَطَ الْعَمَلَ عَلَيْهِمَا كَانَ الرِّبْحُ بَيْنَهُمَا عَلَى مَا شَرَطَا عَمِلَا جَمِيعًا أَوْ عَمِلَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ وَإِنْ شَرَطَا الْعَمَلَ عَلَى الْمَشْرُوطِ لَهُ وَفَضْلَ الرِّبْحِ جَازَ أَيْضًا وَإِنْ شَرَطَ الْعَمَلَ عَلَى أَقَلِّهِمَا رِبْحًا لَا يَجُوزُ ا هـ .
وَكَذَا فِي الْعِنَايَةِ وَقَالَ فِيهَا لَوْ شَرَطَ الْعَمَلَ عَلَى أَحَدِهِمَا وَشَرَطَ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا عَلَى قَدْرِ رَأْسِ مَالِهِمَا جَازَ وَيَكُونُ مَالُ الَّذِي لَا عَمَلَ عَلَيْهِ بِضَاعَةٌ عِنْدَ الْعَامِلِ لَهُ رِبْحُهُ وَعَلَيْهِ وَضِيعَتُهُ ( قَوْلُهُ ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى شَرِيكِهِ بِحِصَّتِهِ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الثَّمَنِ يَعْنِي إذَا صَدَّقَهُ أَمَّا لَوْ اخْتَلَفَا بِأَنْ ادَّعَى شِرَاءَ عَبْدٍ لِلشَّرِكَةِ وَهَلَكَ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ لِأَنَّهُ يَدَّعِي حَقَّ الرُّجُوعِ وَذَاكَ مُنْكِرٌ فَالْقَوْلُ لَهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ

( وَلَا يَصِحَّانِ ) أَيْ الْمُفَاوَضَةُ وَالْعِنَانُ فِي الشَّرِكَةِ بِالْأَمْوَالِ ( إلَّا بِالنَّقْدَيْنِ ) أَيْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ ( وَالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ ) أَيْ الرَّائِجَةِ ( وَالتِّبْرِ ) وَهُوَ ذَهَبٌ غَيْرُ مَضْرُوبٍ ( وَالنُّقْرَةِ ) وَهِيَ فِضَّةٌ غَيْرُ مَضْرُوبَةٍ ( إنْ تَعَامَلَ النَّاسُ بِهِمَا ) أَيْ بِالتِّبْرِ وَالنُّقْرَةِ الصَّحِيحُ أَنَّ عَقْدَ الشَّرِكَةِ عَلَى الْفُلُوسِ النَّافِقَةِ يَجُوزُ اتِّفَاقًا لِكَوْنِهَا ثَمَنًا بِاصْطِلَاحِ النَّاسِ وَأَمَّا التِّبْرُ فَقَدْ جُعِلَ فِي شَرِكَةِ الْأَصْلِ .
وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِمَنْزِلَةِ الْعُرُوضِ فَلَا يَصْلُحَانِ لِرَأْسِ مَالِ الشَّرِكَةِ وَالْمُضَارَبَةِ وَجَعَلَهُ فِي صَرْفِ الْأَصْلِ كَالْأَثْمَانِ وَالْأَوَّلُ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ قَالُوا الْمُعْتَبَرُ فِيهِ الْعُرْفُ فَفِي كُلِّ بَلْدَةٍ جَرَى التَّعَامُلُ بِالْمُبَايَعَةِ بِالتِّبْرِ فَهُوَ كَالنُّقُودِ لَا يَتَعَيَّنُ بِالْعُقُودِ وَتَصِحُّ الشَّرِكَةُ بِهِ وَنُزَّلَ التَّعَامُلُ بِاسْتِعْمَالِهِ ثَمَنًا بِمَنْزِلَةِ الضَّرْبِ الْمَخْصُوصِ وَفِي كُلِّ بَلْدَةٍ لَمْ يَجْرِ التَّعَامُلُ بِهِ فَهُوَ كَالْعُرُوضِ يَتَعَيَّنُ فِي الْعُقُودِ وَلَا يَصِحُّ بِهِ الشَّرِكَةُ كَذَا فِي الْكَافِي ( وَ ) لَا يَصِحَّانِ إلَّا بِمَا ذُكِرَ وَ ( بِالْعُرُوضِ ) لَكِنْ ( بَعْدَ بَيْعِ كُلٍّ ) مِنْ الْمُشْرِكِينَ ( نِصْفَ عَرْضِهِ بِنِصْفِ عَرْضِ الْآخَرِ ) يَعْنِي لَوْ بَاعَ كُلٌّ مِنْهُمَا نِصْفَ مَالِهِ مِنْ الْعَرْضِ بِنِصْفِ مَالِ الْآخَرِ مِنْهُ صَارَا شَرِيكَيْنِ فِي الثَّمَنِ شَرِكَةَ مِلْكٍ حَتَّى لَا يَجُوزُ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ ثُمَّ بِالْعَقْدِ صَارَتْ شَرِكَةَ عَقْدٍ حَتَّى جَازَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ وَهَذِهِ حِيلَةٌ لِمَنْ أَرَادَ الشَّرِكَةَ فِي الْعُرُوضِ

( قَوْلُهُ فَلَا يَصْلُحَانِ لِرَأْسِ مَالِ الشَّرِكَةِ ) كَانَ يَنْبَغِي إفْرَادُ الضَّمِيرِ لِرُجُوعِهِ لِلتِّبْرِ وَلَعَلَّهُ ثَنَّاهُ لِمُلَاحَظَةِ النُّقْرَةِ مِنْهُ ( قَوْلُهُ وَبِالْعَرْضِ بَعْدَ بَيْعِ كُلٍّ نِصْفَ عَرْضِهِ بِنِصْفِ عَرْضِ الْآخَرِ
إلَخْ ) أَيْ تَصِحُّ هَذِهِ الشَّرِكَةُ وَهِيَ شَرِكَةُ عَقْدٍ فِي الْمُخْتَارِ تَبَعًا لِلْقُدُورِيِّ وَاخْتَارَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَصَاحِبُ الذَّخِيرَةِ وَالْمُزَنِيِّ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى وَمَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ وَصَاحِبُ الْهِدَايَةِ إلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ عَقْدُ الشَّرِكَةِ وَلَا يَخْفَى ضَعْفُهُ كَذَا فِي الْبُرْهَانِ ا هـ .
وَحَمَلَ بَعْضُهُمْ مَا ذُكِرَ هُنَا عَلَى مَا إذَا تَسَاوَى قِيمَةُ الْعَرْضَيْنِ وَأَمَّا إذَا تَفَاوَتَتْ فَيَبِيعُ صَاحِبُ الْأَقَلِّ بِقَدْرِ مَا يُثْبِتَانِ بِهِ الشَّرِكَةَ وَهَذَا الْحَمْلُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلَيْهِ فَعُلِمَ أَنَّ قَوْلَهُ بَعْدَ بَيْعِ كُلٍّ نِصْفَ عَرْضِهِ بِنِصْفِ عَرْضِ الْآخَرِ وَقَعَ اتِّفَاقًا أَوْ قَصْدًا لِيَكُونَ شَامِلًا لِلْمُفَاوَضَةِ وَالْعِنَانِ وَقَوْلُهُ عَرْضِهِ بِنِصْفِ عَرْضِ الْآخَرِ وَقَعَ اتِّفَاقًا لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَهُ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ عَقَدَ الشَّرِكَةَ فِي الْعَرْضِ الَّذِي بَاعَهُ جَازَ أَيْضًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ

( وَإِنْ مَلَكَ أَحَدُ الْمُفَاوِضَيْنِ ) بِإِرْثٍ أَوْ هِبَةٍ ( مَا تَصِحُّ فِيهِ الشَّرِكَةُ ) كَمَا مَرَّ آنِفًا ( وَقَبَضَ ) عَطْفٌ عَلَى مَلَكَ ( صَارَتْ ) الْمُفَاوَضَةُ ( عِنَانًا ) لِزَوَالِ الْمُسَاوَاةِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي الْمُفَاوَضَةِ .
قَوْلُهُ وَإِنْ مَلَكَ أَحَدُ الْمُفَاوِضَيْنِ ) قَالَ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ وَالْمَجْمَعِ وَدُرَرِ الْبِحَارِ وَمَوَاهِبِ الرَّحْمَنِ وَإِذَا مَلَكَ مَا تَصِحُّ بِهِ الشَّرِكَةُ صَارَتْ عِنَانًا ( قَوْلُهُ وَقَبَضَ ) لَمْ يَذْكُرْهُ أُولَئِكَ لِأَنَّ الْمُبْطِلَ لِلْمُفَاوَضَةِ زِيَادَةُ مَالِ أَحَدِهِمَا فَزِيَادَةُ الْقَبْضِ غَيْرُ مَرْضِيَّةٍ مَعَ الْمِلْكِ لِإِبْهَامِهَا اشْتِرَاطَ الْقَبْضِ فِي النَّقْدِ الْمَوْرُوثِ وَقَدْ حَصَلَ مِلْكُهُ بِمُجَرَّدِ مَوْتِ الْمُوَرِّثِ وَالْمَوْهُوبُ لَا يُمْلَكُ بِدُونِ قَبْضٍ فَكَانَ الْمِلْكُ كَافِيًا لِانْقِلَابِ الْمُفَاوَضَةِ عِنَانًا لِزِيَادَةِ مَالِ أَحَدِهِمَا وَبَسَطْنَاهُ بِرِسَالَةٍ

( هَلَاكُ مَالِيِّهِمَا أَوْ مَالِ أَحَدِهِمَا قَبْلَ الشِّرَاءِ يُبْطِلُهَا ) لِأَنَّهَا مِنْ الْعُقُودِ الْجَائِزَةِ فَشُرِطَ لِدَوَامِهِ مَا شُرِطَ لِابْتِدَائِهِ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي هَلَاكِ الْمَالَيْنِ وَكَذَا إذَا هَلَكَ أَحَدُهُمَا لِأَنَّهُ لَمْ يَرْضَ بِشَرِكَةِ صَاحِبِهِ فِي مَالِهِ إلَّا لِيُشْرِكَهُ فِي مَالِهِ فَإِذَا فَاتَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ رَاضِيًا بِشَرِكَتِهِ فَيَبْطُلُ الْعَقْدُ لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ ( وَهُوَ ) أَيْ الْهَلَاكُ ( عَلَى صَاحِبِهِ ) أَيْ صَاحِبِ الْمَالِ ( قَبْلَ الْخَلْطِ هَلَكَ فِي يَدِهِ أَوْ يَدِ الْآخَرِ ) أَمَّا إذَا هَلَكَ فِي يَدِهِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا إذَا هَلَكَ فِي يَدِ الْآخَرِ فَلِكَوْنِهِ أَمَانَةً عِنْدَهُ ( وَبَعْدَهُ ) أَيْ بَعْدَ الْخَلْطِ يَهْلِكُ ( عَلَيْهِمَا ) لِأَنَّهُ لَا يَتَمَيَّزُ فَيَهْلِكُ مِنْ الْمَالَيْنِ ( فَإِنْ هَلَكَ مَالُ أَحَدِهِمَا بَعْدَ شِرَاءِ الْآخَرِ بِمَالِهِ فَمُشْرِيهِ لَهُمَا ) عَلَى مَا شَرْطًا لِأَنَّ الْمِلْكَ حِينَ وَقَعَ وَقَعَ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا لِقِيَامِ الشَّرِكَةِ وَقْتَ الشِّرَاءِ فَلَا يَتَغَيَّرُ الْحُكْمُ بِهَلَاكِ مَالِ الْآخَرِ وَالشَّرِكَةُ شَرِكَةُ عَقْدٍ حَتَّى إنَّ أَيَّهمَا بَاعَهُ جَازَ بَيْعُهُ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ قَدْ تَمَّتْ فِي الْمُشْتَرَى فَلَا تُنْتَقَضُ بِهَلَاكِ الْمَالِ بَعْدَ تَمَامِهَا ( وَرَجَعَ عَلَى الْآخَرِ بِحِصَّتِهِ مِنْ ثَمَنِهِ ) لِأَنَّهُ اشْتَرَى نِصْفَهُ بِوَكَالَتِهِ وَنَقَدَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِ نَفْسِهِ فَيَصِحُّ رُجُوعُهُ كَمَا مَرَّ ( وَإِنْ هَلَكَ قَبْلَهُ ) أَيْ قَبْلَ شِرَاءِ الْآخَرِ ( فَإِنْ وَكَّلَهُ حِينَ الشَّرِكَةِ صَرِيحًا فَمُشْرِيهِ لَهُمَا ) عَلَى مَا شَرَطَا فِي رَأْسِ الْمَالِ لَا الرِّبْحِ مَثَلًا إنْ كَانَ رَأْسُ الْمَالِ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا فَالْمُشْتَرَى يَكُونُ أَثْلَاثًا وَإِنْ كَانَ أَنْصَافًا فَكَذَلِكَ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ إنْ بَطَلَتْ فَالْوَكَالَةُ الْمُصَرَّحُ بِهَا قَائِمَةٌ فَكَانَ مُشْتَرَكًا بِحُكْمِ الْوَكَالَةِ وَتَكُونُ شَرِكَةَ مِلْكٍ حَتَّى لَا يَمْلِكُ أَحَدُهُمَا أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي نَصِيبِ الْآخَرِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُوَكِّلْهُ صَرِيحًا ( فَلَا ) أَيْ لَا يَكُونُ الْمُشْتَرَى

لَهُمَا بَلْ لِلْمُشْتَرِي خَاصَّةً لِأَنَّ الْوُقُوعَ عَلَى الشَّرِكَةِ حُكْمُ وَكَالَةٍ تَثْبُتُ فِي ضِمْنِ الشَّرِكَةِ وَقَدْ بَطَلَتْ الشَّرِكَةُ بِهَلَاكِ مَالِ أَحَدِهِمَا فَيَبْطُلُ مَا فِي ضِمْنِهَا مِنْ الْوَكَالَةِ .
( قَوْلُهُ وَالْمُشْتَرَى شَرِكَةُ عَقْدٍ ) هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَقَالَ الْحَسَنُ شَرِكَةُ مِلْكٍ فَلَا يَتَصَرَّفُ فِي حِصَّةِ صَاحِبِهِ

( وَلِكُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ الشَّرِيكَيْنِ ) أَيْ الْمُفَاوِضَيْنِ وَشَرِيكَيْ الْعِنَانِ ( أَنْ يُبْضِعَ ) لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ فِي عَقْدِ الشَّرِكَةِ ( وَيُودِعَ ) لِأَنَّهُ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ ( وَيُضَارِبَ ) أَيْ يَدْفَعَ الْمَالَ مُضَارَبَةً لِأَنَّهَا دُونَ الشَّرِكَةِ فَيَجُوزُ أَنْ تَتَضَمَّنَهَا بِخِلَافِ الشَّرِكَةِ لِأَنَّ الشَّيْءَ لَا يَتَضَمَّنُ مِثْلَهُ ( وَيُوَكِّلَ ) مَنْ يَتَصَرَّفُ فِيهِ بَيْعًا وَشِرَاءً لِأَنَّهُ مِنْ عَادَةِ التُّجَّارِ ( وَالْمَالُ فِي يَدِهِ ) أَيْ يَدِ كُلٍّ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ ( أَمَانَةٌ ) حَتَّى إذَا هَلَكَ لَمْ يَضْمَنْهُ بِلَا تَعَدٍّ
( قَوْلُهُ لِكُلٍّ مِنْ هَذَيْنِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يُبْضِعَ
إلَخْ ) كَذَا لَهُ أَنْ يَسْتَأْجِرَ وَيَسْتَقْرِضَ وَلَيْسَ لِأَحَدِ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ أَنْ يَرْهَنَ وَيَرْتَهِنَ بِخِلَافِ الْمُفَاوِضَيْنِ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَلَيْسَ لِلشَّرِيكِ عِنَانًا وَالْمُضَارِبِ وَالْمُسْتَبْضِعِ تَحْلِيفُ مَنْ حَلَّفَهُ الشَّرِيكُ وَرَبُّ الْمَالِ ثَانِيًا وَلَيْسَ لِأَحَدِ شَرِيكَيْ الْعِنَانِ أَنْ يُكَاتِبَ عَبْدَهُ مِنْ تِجَارَتِهِمَا وَلَا أَنْ يُزَوِّجَ أَمَتَهُ مِنْهَا وَلَا يُعْتِقَ عَلَى مَالِ وَإِقْرَارُهُ بِأَمَةٍ فِي يَدِهِ لَمْ يَجُزْ فِي نَصِيبِ شَرِيكِهِ وَإِقَالَةُ أَحَدِهِمَا بَيْعَ الْآخَرِ جَائِزَةٌ وَرَدُّ بَيْعِهِ عَلَى الْآخَرِ بِعَيْبٍ بِغَيْرِ قَضَاءٍ وَحَطُّهُ مِنْ الثَّمَنِ بِعَيْبٍ جَائِزٌ عَلَيْهِمَا وَإِنْ حَطَّ بِغَيْرِ عِلْمِهِ جَازَ فِي حِصَّتِهِ خَاصَّةً وَإِقْرَارُهُ بِعَيْبٍ فِيمَا بَاعَهُ جَائِزٌ عَلَيْهِمَا كَمَا فِي قَاضِي خَانْ ( قَوْلُهُ وَيُوَكِّلُ ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ فَإِنْ أَخْرَجَ الْآخَرُ الْوَكِيلَ بِبَيْعٍ أَوْ شِرَاءٍ أَوْ إجَارَةٍ خَرَجَ وَإِنْ كَانَ وَكِيلًا فِي تَقَاضِي مَا دَايَنَهُ لَيْسَ لِلْآخَرِ إخْرَاجُهُ

( وَأَمَّا الْمُفَاوَضَةُ فِي شَرِكَةِ الصَّنَائِعِ فَبِأَنْ يَشْتَرِكَ صَانِعَانِ مُتَسَاوِيَانِ فِيمَا يَجِبُ فِيهِ الْمُسَاوَاةُ فِي الْمُفَاوَضَةِ الْمَذْكُورَةِ ) وَهِيَ الْمُفَاوَضَةُ فِي الشَّرِكَةِ بِالْأَمْوَالِ بِأَنْ يَكُونَا مِنْ أَهْلِ الْكَفَالَةِ وَأَنْ يَشْتَرِطَا أَنْ يَكُونَ مَا رَزَقَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَأَنْ يَتَلَفَّظَا بِلَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ ( سِوَى الْمَالِ ) لِاخْتِصَاصِ الْمُسَاوَاةِ فِيهِ بِالْمُفَاوَضَةِ السَّابِقَةِ ( كَصَبَّاغَيْنِ أَوْ خَيَّاطٍ وَصَبَّاغٍ ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ اتِّحَادَ الصَّنْعَةِ وَالْمَكَانِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي شَرِكَةِ الصَّنَائِعِ ( وَيَتَقَبَّلَا الْعَمَلَ ) عَطْفٌ عَلَى يُشْرِكَ ( لِأَجْرٍ بَيْنَهُمَا ) أَيْ لِيَكُونَ كُلُّ مَا يُحَصِّلُهُ أَحَدُهُمَا مِنْ الْأَجْرِ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا كَمَا هُوَ حُكْمُ الْمُفَاوَضَةِ ( وَتَضَمَّنَتْ وَكَالَةً ) لِاعْتِبَارِهَا فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الشَّرِكَةِ ( وَكَفَالَةً ) تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الْمُفَاوَضَةِ ( وَصَحَّتْ وَإِنْ ) وَصْلِيَّةٌ ( شَرَطَا الْعَمَلَ نِصْفَيْنِ وَالْمَالَ أَثْلَاثًا اسْتِحْسَانًا ) وَفِي الْقِيَاسِ لَا تَصِحُّ لِأَنَّ الضَّمَانَ عَلَى قَدْرِ الْعَمَلِ فَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ رِبْحُ مَا لَمْ يَضْمَنْ فَلَمْ يَجُزْ الْعَقْدُ لِإِفْضَائِهِ إلَيْهِ فَصَارَ كَشَرِكَةِ الْوُجُوهِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ مَا يَأْخُذُهُ لَا يَأْخُذُهُ رِبْحًا لِأَنَّ الرِّبْحَ يَحْرُمُ عِنْدَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ وَقَدْ اخْتَلَفَ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ عَمَلٌ وَالرِّبْحَ مَالٌ فَكَانَ بَدَلُ الْعَمَلِ وَالْعَمَلُ يَتَقَوَّمُ بِالتَّقْوِيمِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ مَا قُوِّمَ بِهِ فَلَا يَحْرُمُ بِخِلَافِ شَرِكَةِ الْوُجُوهِ لِمَا سَيَجِيءُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( وَلَزِمَ كُلًّا عَمَلٌ قَبِلَهُ أَحَدُهُمَا وَيُطَالِبُ الْآخَرُ ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا ( وَيَبْرَأُ الدَّافِعُ بِدَفْعِهِ إلَيْهِ وَالْكَسْبُ بَيْنَهُمَا ) نِصْفَيْنِ ( وَإِنْ عَمِلَ أَحَدُهُمَا ) قِيَاسًا وَاسْتِحْسَانًا لِأَنَّ هَذَا مُقْتَضَى الْمُفَاوَضَةِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلْكَفَالَةِ

( قَوْلُهُ بِأَنْ يَكُونَانِ مِنْ أَهْلِ الْكَفَالَةِ وَأَنْ يَشْتَرِطَا أَنْ يَكُونَ مَا رَزَقَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَأَنْ يَتَلَفَّظَا بِلَفْظِ الْمُفَاوَضَةِ ) أَقُولُ اشْتِرَاطُ الْمُنَاصَفَةِ لَيْسَ قَيْدًا وَكَذَا ذِكْرُ الْمُفَاوَضَةِ مَعَ ذِكْرِ مَا تَضَمَّنَتْهُ بَلْ ذِكْرُ أَحَدِهِمَا قَوْلُهُ وَيَبْرَأُ الدَّافِعُ بِدَفْعِهِ إلَيْهِ ) أَيْ يَبْرَأُ الْمُسْتَأْجِرُ بِدَفْعِهِ الْأُجْرَةَ إلَى الَّذِي لَمْ يَسْتَعْمِلْهُ وَالْكَسْبُ بَيْنَهُمَا وَإِنْ عَمِلَ أَحَدُهُمَا أَيْ وَلَمْ يَشْتَرِطَا التَّفَاضُلَ كَمَا تَقَدَّمَ

( وَأَمَّا الْعِنَانُ فِي شَرِكَةِ الصَّنَائِعِ فَبِأَنْ يَشْتَرِكَ صَانِعَانِ بِلَا تَسَاوٍ بَيْنَهُمَا فِيمَا ذُكِرَ وَتَضَمَّنَتْ وَكَالَةً ) فَقَطْ ( وَتَثْبُتُ بِهِ الْأَحْكَامُ الْمَذْكُورَةُ اسْتِحْسَانًا ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَثْبُتَ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ وَقَعَتْ مُطْلَقَةً عَنْ قَيْدِ الْكَفَالَةِ وَالْأَحْكَامُ الْمَذْكُورَةُ مِنْ مُوجَبَاتِهَا وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ هَذِهِ الشَّرِكَةَ مُقْتَضِيَةٌ لِوُجُوبِ الْعَمَلِ فِي ذِمَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَلِهَذَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ بِسَبَبِ نَفَاذِ تَقَبُّلِهِ عَلَيْهِ فَجَرَى مَجْرَى الْمُفَاوَضَةِ فِي ضَمَانِ الْعَمَلِ وَاقْتِضَاءِ الْبَدَلِ حَتَّى قَالُوا إذَا أَقَرَّ أَحَدُهُمَا بِدَيْنٍ مِنْ ثَمَنِ صَابُونٍ أَوْ أُشْنَانٍ مُسْتَهْلَكٍ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى صَاحِبِهِ وَيَلْزَمُهُ خَاصَّةً لِأَنَّ التَّنْصِيصَ عَلَى الْمُفَاوَضَةِ لَمْ يُوجَدْ وَنَفَاذُ الْإِقْرَارِ يُوجِبُ التَّصْرِيحَ بِهَا

( وَأَمَّا الْمُفَاوَضَةُ فِي شَرِكَةِ الْوُجُوهِ ) سُمِّيَتْ بِهِ إذْ لَا يَشْتَرِي بِالنَّسِيئَةِ إلَّا مَنْ لَهُ وَجَاهَةٌ عِنْدَ النَّاسِ ( فَبِأَنْ يَشْتَرِكَ مُتَسَاوِيَانِ فِيمَا ذُكِرَ بِلَا مَالٍ لِيَشْتَرِيَا ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ يَشْتَرِكُ ( بِوُجُوهِهِمَا وَيَبِيعَا وَتَضَمَّنَتْ وَكَالَةً ) لِمَا مَرَّ أَنَّ التَّصَرُّفَ عَلَى الْغَيْرِ لَا يَجُوزُ إلَّا بِوَكَالَةٍ أَوْ وِلَايَةٍ وَلَا وِلَايَةَ فَتَعَيَّنَ الْأُولَى ( وَكَفَالَةً ) تَحْقِيقًا لِمَعْنَى الْمُفَاوَضَةِ

( وَأَمَّا الْعِنَانُ فِيهَا ) أَيْ فِي شَرِكَةِ الْوُجُوهِ ( فَبِأَنْ لَا يُعْتَبَرَ التَّسَاوِي فِيهَا ) أَيْ فِي الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمُفَاوَضَةِ ( وَتَضَمَّنَتْ وَكَالَةً فَقَطْ ) لِمَا مَرَّ ( وَإِنْ شَرَطَا ) أَيْ الشَّرِيكَانِ شَرِكَةَ الْوُجُوهِ ( مُنَاصَفَةَ الْمُشْرَى أَوْ مُثَالَثَتَهُ فَالرِّبْحُ كَذَلِكَ وَشَرْطُ الْفَضْلِ بَاطِلٌ ) لِأَنَّ الرِّبْحَ لَا يُسْتَحَقُّ إلَّا بِالْعَمَلِ كَالْمُضَارِبِ أَوْ بِالْمَالِ كَرَبِّ الْمَالِ أَوْ بِالضَّمَانِ كَالْأُسْتَاذِ كَاَلَّذِي يَتَقَبَّلُ الْعَمَلَ مِنْ النَّاسِ فَيُلْقِيهِ عَلَى التِّلْمِيذِ بِأَقَلَّ مِمَّا أَخَذَ فَيَطِيبُ لَهُ الْفَضْلُ بِالضَّمَانِ وَلَا يُسْتَحَقُّ بِغَيْرِهَا أَلَا يَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ : تَصَرَّفْ فِي مَالِكَ عَلَى أَنَّ لِي بَعْضَ رِبْحِهِ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا لِعَدَمِ هَذِهِ الْمَعَانِي .

( فَصْلٌ ) فِي الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ ( لَا شَرِكَةَ فِي الِاحْتِطَابِ وَالِاحْتِشَاشِ وَالِاصْطِيَادِ وَسَائِرِ الْمُبَاحَاتِ ) لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَتَضَمَّنُ التَّوْكِيلَ وَهُوَ إثْبَاتُ وِلَايَةِ التَّصَرُّفِ فِيمَا هُوَ ثَابِتٌ لِلْمُوَكِّلِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُتَصَوَّرُ هُنَا لِأَنَّ الْمُوَكِّلَ لَا يَمْلِكُهُ فَلَا يَمْلِكُ إقَامَةَ الْغَيْرِ مَقَامَهُ ( وَمَا حَصَّلَ أَحَدُهُمَا فَلَهُ ) لِأَنَّهُ أَثَرُ عَمَلِهِ ( وَمَا حَصَّلَاهُ مَعًا فَلَهُمَا ) لِأَنَّهُ أَثَرُ عَمَلِهِمَا ( نِصْفَيْنِ ) تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ ( وَمَا حَصَّلَ أَحَدُهُمَا بِإِعَانَةِ الْآخَرِ فَلَهُ ) أَيْ لِلْمُحَصِّلِ لِأَنَّهُ أَصْلٌ فِي الْعَمَلِ ( وَلِلْآخَرِ أَجْرُ مِثْلِهِ بَالِغًا مَا بَلَغَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ وَلَا يُزَادُ عَلَى نِصْفِ ثَمَنِهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ ) كَمَا هُوَ حُكْمُ الْإِجَارَةِ الْفَاسِدَةِ عَلَى خِلَافٍ بَيْنَهُمَا ( وَلَا فِي الِاسْتِيفَاءِ ) بِأَنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَغْلٌ وَلِلْآخَرِ رَاوِيَةٌ وَاسْتَسْقَى أَحَدُهُمَا وَالْكَسْبُ لِلْعَامِلِ لِكَوْنِهِ عَامِلًا ( وَعَلَيْهِ أَجْرُ الْمِثْلِ لِلْآخَرِ ) لِأَنَّهُ أَجِيرُهُ إجَارَةً فَاسِدَةً
فَصْلٌ ( قَوْلُهُ وَالْكَسْبُ لِعَامِلٍ فِيهِ نَوْعُ اسْتِدْرَاكٍ

( الرِّبْحُ فِي الشَّرِكَةِ الْفَاسِدَةِ عَلَى قَدْرِ الْمَالِ وَإِنْ شَرَطَ الْفَضْلَ ) لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الرِّبْحَ تَابِعٌ لِلْمَالِ كَالرِّيعِ وَلَمْ يُعْدَلْ عِبْنَهُ إلَّا عِنْدَ صِحَّةِ التَّسْمِيَةِ وَلَمْ تَصِحَّ فَيَبْطُلُ شَرْطُ التَّفَاضُلِ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَهُ بِالْعَقْدِ فَيَكُونُ فِيهِ تَقْرِيرُ الْفَسَادِ وَهُوَ وَاجِبُ الدَّفْعِ
( قَوْلُهُ كَالرِّيعِ ) أَيْ كَمَا أَنَّ الرِّيعَ تَابِعٌ لِلْبَذْرِ فِي الْمُزَارَعَةِ ، وَالرِّيعُ النَّمَاءُ وَالزِّيَادَةُ كَذَا فِي الْمُجْمَلِ قَالَهُ الْأَتْقَانِيُّ

( وَتَبْطُلُ ) أَيْ الشَّرِكَةُ مُطْلَقًا ( بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَلَوْ حُكْمًا ) بِأَنْ يَرْتَدَّ وَيَلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ وَيَحْكُمَ بِهِ الْقَاضِي لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَازِمَةٌ لِلشَّرِكَةِ وَالْمَوْتُ يُبْطِلُ الْوَكَالَةَ وَمُبْطِلُ اللَّازِمِ مُبْطِلٌ لِلْمَلْزُومِ .

( لَا يُزَكِّي أَحَدُهُمَا مَالَ الْآخَرِ بِلَا إذْنِهِ ) أَيْ لَيْسَ لِأَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ أَنْ يُؤَدِّيَ زَكَاةَ مَالِ الْآخَرِ بِلَا إذْنِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ التِّجَارَةِ ( فَإِنْ أَذِنَ كُلٌّ لِصَاحِبِهِ فَأَدَّيَا وَلَاءً ) أَيْ بِالتَّعَاقُبِ ( ضَمِنَ الثَّانِي وَإِنْ جَهِلَ بِأَدَاءِ الْأَوَّلِ ) لِأَنَّهُ أَتَى بِغَيْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ لِأَنَّهُ إسْقَاطُ الْفَرْضِ عَنْهُ وَلَمْ يَسْقُطْ فَصَارَ مُخَالِفًا فَيَضْمَنُهُ عَلِمَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ لِأَنَّهُ صَارَ مَعْزُولًا بِأَدَاءِ الْمُوَكِّلِ حُكْمًا لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ وَذَا لَا يَخْتَلِفُ بِالْعِلْمِ وَالْجَهْلِ كَالْوَكِيلِ بِبَيْعِ الْعَبْدِ إذَا أَعْتَقَهُ الْمُوَكِّلُ يَنْعَزِلُ عَلِمَ بِهِ أَوْ لَا ( وَإِنْ أَدَّيَا مَعًا ) أَيْ أَدَّى كُلُّ وَاحِدٍ بِغَيْبَةِ صَاحِبِهِ وَاتَّفَقَ أَدَاؤُهُمَا فِي زَمَانٍ وَاحِدٍ وَلَا يُعْلَمُ التَّقَدُّمُ وَالتَّأَخُّرُ ( ضَمِنَ كُلٌّ قِسْطَ الْآخَرِ ) وَيَتَقَاصَّانِ فَإِنْ كَانَ مَالُ أَحَدِهِمَا أَكْثَرَ يَرْجِعُ بِالزِّيَادَةِ .

( قَوْلُهُ فَإِنْ أَذِنَ كُلٌّ لِصَاحِبِهِ فَأَدَّيَا وَلَاءً أَيْ بِالتَّعَاقُبِ
إلَخْ ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا إنْ عَلِمَ يَضْمَنُ وَإِلَّا فَلَا كَذَا أَشَارَ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ .
وَفِي الزِّيَادَاتِ لَا يَضْمَنُ عَلِمَ بِأَدَاءِ شَرِيكِهِ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَهُمَا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْوَكِيلُ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ أَوْ الْكَفَّارَاتِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَلَوْ قَضَى أَحَدُهُمَا دَيْنًا مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ ثُمَّ قَضَاهُ الْآخَرُ ثَانِيًا وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْأَوَّلَ قَضَاهُ لَمْ يَضْمَنْ بِغَيْرِ خِلَافٍ وَهَذِهِ حُجَّةُ أَبِي يُوسُفَ فِي مَسْأَلَةِ الزَّكَاةِ كَذَا فِي الْمَنَاقِبِ وَأَقُولُ قَدْ يُفَرَّقُ بِأَنَّ الشَّرِيكَ وَكَالَتُهُ بَاقِيَةٌ لِبَقَاءِ الشَّرِكَةِ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ عَزْلِهِ بِأَدَاءِ الْأَوَّلِ وَأَمَّا الزَّكَاةُ فَأَدَاؤُهَا بَعْدَ أَدَاءِ الْآمِرِ أَدَاءُ مَعْزُولٍ مَا لَا يَمْلِكُهُ لِعَزْلِهِ بِفِعْلِ الْآمِرِ .
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ : الْمَأْمُورُ بِقَضَاءِ الدَّيْنِ لَا يَضْمَنُ بِقَضَائِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ بَعْدَ قَضَاءِ الْآمِرِ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَالِفْ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْمَقْبُوضَ مَضْمُونًا عَلَى الْقَابِضِ لِأَنَّ الدُّيُونَ تُقْضَى بِأَمْثَالِهَا فَأَمْكَنَهُ الرُّجُوعُ عَلَى الْقَابِضِ بَعْدَ الْهَلَاكِ .
ا هـ .

( شَرَى مُفَاوِضٌ أَمَةً بِإِذْنِ شَرِيكِهِ لِيَطَأَهَا فَهِيَ لَهُ مَجَّانًا ) يَعْنِي إذَا أَذِنَ أَحَدُ الْمُفَاوِضَيْنِ لِصَاحِبِهِ بِشِرَاءِ أَمَةٍ لِيَطَأَهَا فَاشْتَرَاهَا الْمَأْمُورُ وَأَدَّى الثَّمَنَ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ فَهِيَ لَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ أَيْ لَا يَغْرَمُ لِشَرِيكِهِ شَيْئًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ لِأَنَّ الشِّرَاءَ وَقَعَ لِلْمَأْمُورِ خَاصَّةً فَكَانَ الثَّمَنُ وَاجِبًا عَلَيْهِ وَقَدْ أَدَّاهُ مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ فَيَرْجِعُ عَلَيْهِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ كَمَا فِي ثَمَنِ الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ وَلَهُ أَنَّ الْجَارِيَةَ تَدْخُلُ فِي مِلْكِهِمَا جَرْيًا عَلَى مُقْتَضَى الشَّرِكَةِ ثُمَّ الْإِذْنُ يَتَضَمَّنُ هِبَةَ نَصِيبِهِ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَحِلُّ إلَّا بِالْمِلْكِ فَصَارَ كَمَا إذَا اشْتَرَيَاهَا ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ اقْبِضْهَا لَك كَانَ هِبَةً وَهِبَةُ الْمُشَاعِ فِيمَا لَا يُقَسَّمُ جَائِزَةٌ بِخِلَافِ طَعَامِ الْأَهْلِ وَكِسْوَتِهِمْ لِأَنَّ ذَلِكَ مُسْتَثْنًى عَنْ الشَّرِكَةِ لِلضَّرُورَةِ كَمَا مَرَّ بَيَانُهُ وَلَا ضَرُورَةَ فِي مَسْأَلَتِنَا ( وَأَخَذَ الْبَائِعُ بِثَمَنِهَا أَيًّا شَاءَ ) الْمُشْتَرِي بِالْأَصَالَةِ وَصَاحِبَهُ بِالْكَفَالَةِ كَمَا مَرَّ فِي الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ
( قَوْلُهُ أَيْ لَا يَغْرَمُ شَرِيكُهُ شَيْئًا ) يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ لِشَرِيكِهِ لِكَوْنِ الضَّمِيرِ فِي يَغْرَمُ لِلْمَأْمُورِ تَأَمَّلْ

( كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ ) ( هِيَ ) لُغَةً مُفَاعَلَةٌ مِنْ الزَّرْعِ وَشَرْعًا ( عَقْدٌ عَلَى الزَّرْعِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ وَلَا تَصِحُّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) لِحَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَهَى عَنْ الْمُخَابَرَةِ } وَهِيَ مُزَارَعَةُ الْأَرْضِ عَلَى الثُّلُثِ أَوْ الرُّبُعِ مِنْ الْخَيْبَرِ وَهُوَ الْأَكَّارُ لِمُعَالَجَتِهِ الْخِبَارَ وَهِيَ الْأَرْضُ الرِّخْوَةُ وَلِأَنَّهَا اسْتِئْجَارُ الْأَرْضِ بِبَعْضِ مَا يَخْرُجُ مِنْ عَمَلِهِ فَكَانَ فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ كَمَا مَرَّ فِي الْإِجَارَةِ ( وَتَصِحُّ عِنْدَهُمَا ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَفَعَ نَخِيلَ خَيْبَرَ إلَى أَهْلِهَا مُعَامَلَةً وَأَرْضَهَا مُزَارَعَةً عَلَى نِصْفِ مَا يَخْرُجُ مِنْ تَمْرٍ وَزَرْعٍ وَبِهِ عَمِلَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَالصَّالِحُونَ إلَى يَوْمِنَا هَذَا وَبِمِثْلِهِ يُتْرَكُ خَبَرُ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسُ وَلِهَذَا قَالُوا ( وَبِهِ يُفْتَى وَرُكْنُهَا الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ ) كَسَائِرِ الْعُقُودِ ( وَشَرْطُهَا ) ثَمَانِيَةُ أُمُورٍ الْأَوَّلُ ( أَهْلِيَّةُ الْعَاقِدَيْنِ ) إذْ لَا صِحَّةَ لِعَقْدٍ مَا بِدُونِهَا .
( وَ ) الثَّانِي ( صَلَاحِيَةُ الْأَرْضِ لِلزَّارِعَةِ ) لِيَحْصُلَ الْمَقْصُودُ .
( وَ ) الثَّالِثُ ( بَيَانُ مُدَّةٍ مُتَعَارَفَةٍ ) بِأَنْ يَقُولَ إلَى سَنَةٍ أَوْ سَنَتَيْنِ مَثَلًا لِأَنَّ الْعَقْدَ يَرِدُ عَلَى مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ أَوْ عَلَى مَنْفَعَةِ الْعَامِلِ إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الْأَرْضِ وَالْمَنْفَعَةُ لَا يُعْرَفُ مِقْدَارُهَا إلَّا بِبَيَانِ الْمُدَّةِ فَكَانَتْ الْمُدَّةُ مِعْيَارًا لِلْمَنْفَعَةِ فَيَجِبُ أَنْ تَكُونَ الْمُدَّةُ مِمَّا يَتَمَكَّنُ فِيهَا مِنْ الْمُزَارَعَةِ حَتَّى إذَا بَيَّنَ مُدَّةً لَا يَتَمَكَّنُ فِيهَا مِنْهَا فَسَدَتْ لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ وَكَذَا إذَا بَيَّنَ مُدَّةً لَا يَعِيشُ أَحَدُهُمَا إلَى مِثْلِهَا عَادَةً كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ .
( وَ ) الرَّابِعُ بَيَانُ ( رَبِّ الْبَذْرِ ) أَيْ مَنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِهِ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ يَخْتَلِفُ

بِاخْتِلَافِهِ فَإِنَّ الْبَذْرَ إنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ فَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ مَنْفَعَةُ الْأَرْضِ وَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الْأَرْضِ فَهُوَ مَنْفَعَةُ الْعَامِلِ وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ لِأَنَّ جَهَالَتَهُ تُفْضِي إلَى النِّزَاعِ .
( وَ ) الْخَامِسُ بَيَانُ ( جِنْسِهِ ) أَيْ جِنْسِ الْبَذْرِ إذْ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ جِنْسِ الْأُجْرَةِ وَهُوَ لَا يُعْلَمُ إلَّا بِبَيَانِ جِنْسِ الْبَذْرِ .
( وَ ) السَّادِسُ بَيَانُ ( حَظِّ الْآخَرِ ) أَيْ بَيَانُ مَنْ لَا بَذْرَ مِنْ قِبَلِهِ لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ عِوَضًا بِالشَّرْطِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُعْلَمَ إذْ مَا لَا يُعْلَمُ لَا يُسْتَحَقُّ شَرْطًا بِالْعَقْدِ .
( وَ ) السَّابِعُ ( التَّخْلِيَةُ بَيْنَ صَاحِبِ الْأَرْضِ وَالْعَامِلِ ) حَتَّى إذَا شَرَطَ فِي الْعَقْدِ مَا يَزُولُ بِهِ التَّخْلِيَةُ وَهُوَ عَمَلُ صَاحِبِ الْأَرْضِ مَعَ الْعَامِلِ فَسَدَ ( وَ ) الثَّامِنُ ( الشَّرِكَةُ فِي الْخَارِجِ ) عِنْدَ حُصُولِهِ لِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ إجَارَةً ابْتِدَاءً وَيَتِمُّ شَرِكَةً انْتِهَاءً وَكُلُّ شَرْطٍ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ فِي الْخَارِجِ يَكُونُ مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ .

كِتَابُ الْمُزَارَعَةِ ( قَوْلُهُ وَتَصِحُّ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَفَعَ نَخِيلَ خَيْبَرَ إلَى أَهْلِهَا مُعَامَلَةً ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَالْجَوَابُ مِنْ الْإِمَامِ عَنْهُ أَنَّ مُعَامَلَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ خَيْبَرَ كَانَ خَرَاجَ مُقَاسَمَةٍ بِطَرِيقِ الْمَنِّ وَالصُّلْحِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ الْمُدَّةَ وَلَوْ كَانَتْ مُزَارَعَةً لَبَيَّنَهَا ا هـ .
وَفَرَّعَ الْإِمَامِ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذِهِ الْمَسَائِلَ فِي الْمُزَارَعَةِ عَلَى قَوْلِ مَنْ جَوَّزَهَا لِعِلْمِهِ أَنَّ النَّاسَ لَا يَأْخُذُونَ بِقَوْلِهِ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ قَوْلُهُ وَبَيَانُ مُدَّةٍ مُتَعَارَفَةٍ ) قَالَ قَاضِي خَانْ وَشُرُوطُ جَوَازِهَا سِتَّةٌ مِنْهَا بَيَانُ الْوَقْتِ فَإِنْ دَفَعَ أَرْضَهُ مُزَارَعَةً وَلَمْ يَذْكُرْ الْوَقْتَ قَالَ فِي الْكِتَابِ لَا تَصِحُّ الْمُزَارَعَةُ وَقَالَ مَشَايِخُ بَلْخِي لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ الْمُدَّةِ وَتَكُونُ الْمُزَارَعَةُ عَلَى أَوَّلِ السَّنَةِ يَعْنِي عَلَى أَوَّلِ زَرْعٍ يَكُونُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ ثُمَّ قَالَ وَالْفَتْوَى عَلَى بَيَانِ الْوَقْتِ عَلَى جَوَابِ الْكِتَابِ ا هـ .
وَفِي الْخُلَاصَةِ وَبَيَانُ الْمُدَّةِ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ شَرْطٌ فِي الْمُزَارَعَةِ وَفِي الْمُعَامَلَةِ تَصِحُّ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ الْمُدَّةِ اسْتِحْسَانًا وَيَقَعُ عَلَى أَوَّلِ ثَمَرَةٍ تَخْرُجُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ .
وَفِي النَّوَازِلِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ الْمُزَارَعَةُ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ الْمُدَّةِ جَائِزٌ أَيْضًا وَيَقَعُ عَلَى سَنَةٍ وَاحِدَةٍ يَعْنِي عَلَى زَرْعٍ وَاحِدٍ وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ وَقَالَ إنَّمَا شَرَطَ أَهْلُ الْكُوفَةِ بَيَانَ الْوَقْتِ لِأَنَّ وَقْتَ الْمُزَارَعَةِ عِنْدَهُمْ مُتَفَاوِتٌ ابْتِدَاؤُهَا وَانْتِهَاؤُهَا مَجْهُولٌ وَوَقْتَ الْمُعَامَلَةِ مَعْلُومٌ فَأَجَازُوا الْمُعَامَلَةَ وَيَقَعُ عَلَى أَوَّلِ السَّنَةِ وَلَمْ يُجِيزُوا الْمُزَارَعَةَ أَمَّا فِي بِلَادِنَا وَقْتُ الْمُزَارَعَةِ مَعْلُومٌ فَيَجُوزُ ا هـ .
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَعَنْ

مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ جَوَازُهَا بِلَا بَيَانِ الْمُدَّةِ وَيَقَعُ عَلَى أَوَّلِ زَرْعٍ يَخْرُجُ زَرْعًا وَاحِدًا وَبِهِ أَخَذَ الْفَقِيهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَإِنَّمَا شَرَطَ مُحَمَّدٌ بَيَانَ الْمُدَّةِ فِي الْكُوفَةِ وَنَحْوِهَا لِأَنَّ وَقْتَهَا مُتَفَاوِتٌ عِنْدَهُمْ وَابْتِدَاؤُهَا وَانْتِهَاؤُهَا مَجْهُولٌ عِنْدَهُمْ وَوَقْتُ الْمُسَاقَاةِ مَعْلُومٌ ا هـ فَقَدْ تَعَارَضَ مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى ( قَوْلُهُ وَالرَّابِعُ بَيَانُ رَبِّ الْبَذْرِ ) قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَعَنْ أَئِمَّةِ بَلْخِي أَنَّهُ إنْ كَانَ عُرْفٌ ظَاهِرٌ فِي تِلْكَ النَّوَاحِي أَنَّ الْبَذْرَ عَلَى مَنْ يَكُونُ لَا يُشْتَرَطُ الْبَيَانُ ا هـ .
وَذَكَرَ مِثْلَهُ قَاضِي خَانْ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي بَكْرٍ الْبَلْخِيّ لَكِنْ إنْ كَانَ الْعُرْفُ مُسْتَمِرًّا وَإِنْ كَانَ مُشْتَرَكًا لَا تَصِحُّ الْمُزَارَعَةُ وَهَذَا إذَا لَمْ يَذْكُرَا لَفْظًا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَإِنْ ذَكَرَا بِأَنْ قَالَ صَاحِبُ الْأَرْضِ دَفَعْت إلَيْك الْأَرْضَ لِتَزْرَعَهَا لِي أَوْ قَالَ اسْتَأْجَرْتُكَ لِتَعْمَلَ فِيهَا بِنِصْفِ الْخَارِجِ يَكُونُ بَيَانًا أَنَّ الْبَذْرَ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الْأَرْضِ وَإِنْ قَالَ لِتَزْرَعَهَا لِنَفْسِك كَانَ بَيَانًا أَنَّ الْبَذْرَ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَالْخَامِسُ بَيَانُ جِنْسِهِ ) قَالَ قَاضِي خَانْ وَلَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ مِقْدَارِ الْبَذْرِ لِأَنَّ ذَلِكَ يَصِيرُ مَعْلُومًا بِأَعْلَامِ الْأَرْضِ فَإِنْ لَمْ يُبَيِّنَا جِنْسَ الْبَذْرِ إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ صَاحِبِ الْأَرْضِ ، وَإِنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ وَلَمْ يُبَيِّنَا جِنْسَهُ كَانَتْ الْمُزَارَعَةُ فَاسِدَةً إلَّا إذَا فَوَّضَ الْآمِرُ إلَى الْعَامِلِ عَلَى وَجْهِ الْعُمُومِ فَإِنْ لَمْ يُفَوِّضْ وَزَرَعَ تَنْقَلِبُ جَائِزَةً ( قَوْلُهُ وَالسَّادِسُ بَيَانُ حَظِّ الْآخَرِ أَيْ بَيَانُ مَنْ لَا بَذْرَ مِنْ قِبَلِهِ ) لَعَلَّهُ بَيَانُ حَظِّ مَنْ لَا بَذْرَ مِنْ قِبَلِهِ ( قَوْلُهُ وَالثَّامِنُ الشَّرِكَةُ فِي الْخَارِجِ ) فِيمَا قَدَّمَ مِنْ بَيَانِ حَظِّ الْآخَرِ غُنْيَةٌ عَنْ هَذَا

( وَإِنَّمَا تَصِحُّ ) عِنْدَهُمَا ( إذَا كَانَ الْأَرْضُ وَالْبَذْرُ لِوَاحِدٍ وَالْبَقَرُ وَالْعَمَلُ لِلْآخَرِ ) لِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ اسْتَأْجَرَ الْعَامِلَ لِلْعَمَلِ وَالْبَقَرُ آلَةٌ لِلْعَمَلِ فَجَازَ شَرْطُهُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا لِيَخِيطَ بِإِبْرَةِ نَفْسِهِ ( أَوْ الْأَرْضُ لِوَاحِدٍ وَالْبَاقِي لِلْآخَرِ ) لِأَنَّ رَبَّ الْبَذْرِ اسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ بِجُزْءٍ مَعْلُومٍ مِنْ الْخَارِجِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَهَا بِأَجْرٍ مَعْلُومٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ صَحَّ فَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَهَا بِذَلِكَ ( أَوْ الْعَمَلُ لِوَاحِدٍ وَالْبَاقِي لِلْآخَرِ ) لِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ اسْتَأْجَرَ الْعَامِلَ لِيَعْمَلَ بِآلَةِ الْمُسْتَأْجِرِ فَتَصِحُّ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ خَيَّاطًا لِيَخِيطَ بِإِبْرَةِ رَبِّ الثَّوْبِ .
( وَ ) إنَّمَا تَصِحُّ أَيْضًا ( إذَا كَانَ نَفَقَةُ الزَّرْعِ عَلَيْهِمَا بِقَدْرِ حَقِّهِمَا كَأَجْرِ الْحَصَادِ وَالرِّفَاعِ وَالدَّوْسِ وَالتَّذْرِيَةِ ) لِأَنَّ الْغُرْمَ بِالْغُنْمِ حَتَّى لَوْ شُرِطَتْ لِأَحَدِهِمَا فَسَدَ الْعَقْدُ لِأَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ نَفْعٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ ( فَتَفْسُدُ إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ وَالْبَقَرُ لِوَاحِدٍ وَالْبَذْرُ وَالْعَمَلُ لِلْآخَرِ ) لِأَنَّ رَبَّ الْبَذْرِ اسْتَأْجَرَ الْأَرْضَ وَالْبَقَرَ وَاسْتِئْجَارُ الْبَقَرِ بِجُزْءٍ مِنْ الْخَارِجِ مَقْصُودًا لَا يَصِحُّ لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْبَقَرِ لَيْسَتْ مِنْ جِنْسِ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ فَإِنَّ مَنْفَعَتَهَا قُوَّةٌ فِي طَبْعِهَا يَحْصُلُ بِهَا الْخَارِجُ وَمَنْفَعَةُ الْبَقَرِ صَلَاحِيَةٌ يُقَامُ بِهَا الْعَمَلُ فَلِعَدَمِ الْمُجَانَسَةِ لَا يُمْكِنُ جَعْلُ الْبَقَرِ تَابِعًا لِمَنْفَعَةِ الْأَرْضِ وَلَا يَجُوزُ اسْتِحْقَاقُ مَنْفَعَةِ الْأَرْضِ مَقْصُودًا بِالْمُزَارَعَةِ كَمَا لَوْ كَانَ الْبَقَرُ مَشْرُوطًا عَلَى أَحَدِهِمَا فَقَطْ بِخِلَافِ جَانِبِ الْعَمَلِ لِأَنَّ الْبَقَرَ آلَةُ الْعَمَلِ فَجُعِلَتْ تَابِعَةً لِمَنْفَعَةِ الْعَامِلِ ( أَوْ كَانَ الْبَذْرُ لِأَحَدِهِمَا وَالْبَاقِي لِلْآخَرِ ) لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِهِ ( أَوْ كَانَ الْبَذْرُ وَالْبَقَرُ لِوَاحِدٍ

وَالْبَاقِي ) وَهُوَ الْأَرْضُ وَالْعَمَلُ ( لِلْآخَرِ ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الْبَذْرِ وَالْبَقَرِ لَمَّا لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ الِانْفِرَادِ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَ الِاجْتِمَاعِ ( أَوْ شَرَطَا لِأَحَدِهِمَا قُفْزَانًا مُسَمَّاةً ) فَإِنَّهُ أَيْضًا مُفْسِدٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا تُخْرِجَ الْأَرْضُ إلَّا هَذِهِ الْقُفْزَانُ فَيَكُونُ هَذَا الشَّرْطُ قَاطِعًا لِلشَّرِكَةِ ( أَوْ شَرَطَا ) لِأَحَدِهِمَا ( مَا يَخْرُجُ مِنْ مَوْضِعٍ مُعَيَّنٍ أَوْ مَا عَلَى الْمَاذِيَانَاتِ ) وَهِيَ أَوْسَعُ مِنْ السَّوَاقِي ( وَالسَّوَاقِي ) جَمْعُ سَاقِيَّةٍ وَهِيَ أَكْبَرُ مِنْ الْجَدْوَلِ وَأَصْغَرُ مِنْ النَّهْرِ فَإِنَّهُ أَيْضًا مُفْسِدٌ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَخْرُجَ إلَّا مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَيَكُونُ الشَّرْطُ قَاطِعًا لِلشَّرِكَةِ ( أَوْ ) شَرَطَا ( كَوْنَ نَفَقَتِهِ عَلَى الْعَامِلِ ) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ شَرْطٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْعَقْدُ وَفِيهِ نَفْعٌ لِأَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ ( أَوْ ) شَرَطَا ( رَفْعَ رَبِّ الْبَذْرِ بَذْرَهُ أَوْ رَفْعَ الْخَرَاجِ الْمُوَظَّفِ وَتَنْصِيفَ الْبَاقِي ) حَيْثُ تَفْسُدُ فِي الصُّورَتَيْنِ لِاحْتِمَالِ أَنْ لَا يَحْصُلَ إلَّا ذَلِكَ الْقَدْرُ وَأَمَّا إذَا كَانَ خَرَاجَ مُقَاسَمَةٍ نَحْوَ الثُّلُثِ أَوْ الرُّبُعِ فَيَجُوزُ كَمَا لَوْ شَرَطَا رَفْعَ الْعُشْرِ وَقِسْمَةَ الْبَاقِي وَالْأَرْضُ عُشْرِيَّةٌ أَوْ شَرَطَ رَبُّ الْبَذْرِ عُشْرَ الْخَارِجِ لِنَفْسِهِ أَوْ لِلْآخَرِ وَالْبَاقِي بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ مُشَاعٌ فَلَا يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ .

( قَوْلُهُ وَإِنَّمَا تَصِحُّ أَيْضًا إذَا كَانَ نَفَقَةُ الزَّرْعِ عَلَيْهِمَا بِقَدْرِ حَقِّهِمَا ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ فَإِنْ شُرِطَتْ عَلَى الْعَامِلِ فَسَدَتْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَيُجِيزُهَا أَبُو يُوسُفَ إذَا شُرِطَتْ عَلَى الْمُزَارِعِ فِي رِوَايَةِ أَصْحَابِ الْأَمَالِي عَنْهُ لِأَنَّهُ مُتَعَارَفٌ وَصَارَ كَشَرْطِ حَذْوِ النَّعْلِ عَلَى الْبَائِعِ وَاخْتَارَهُ مَشَايِخُ بَلْخِي قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي الْمَبْسُوطِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي دِيَارِنَا ا هـ .
وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ عَنْ النَّوَازِلِ كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ وَنُصَيْرُ بْنُ يَحْيَى يُجِيزَانِ الْمُزَارَعَةَ بِشَرْطِ الْحَصَادِ وَلَا أَعْرِفُ أَحَدًا فِي زَمَانِهِمَا خَالَفَهُمَا فِي ذَلِكَ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَبِهِ نَأْخُذُ ا هـ قَوْلُهُ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِهِ ) قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَلِأَنَّ صَاحِبَ الْبَذْرِ يَصِيرُ مُسْتَأْجِرَ الْأَرْضِ فَلَا بُدَّ مِنْ التَّخْلِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا وَهِيَ هَهُنَا فِي يَدِ الْعَامِلِ لَا فِي يَدِ صَاحِبِ الْبُذُورِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْعَامِلِ ا هـ ( قَوْلُهُ فَتَفْسُدُ إنْ كَانَ الْأَرْضُ وَالْبَقَرُ لِوَاحِدٍ ) هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ جَوَازُهَا وَالْفَتْوَى عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَمِنْ الصُّوَرِ الْفَاسِدَةِ مَا لَوْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْهُمَا وَالْأَرْضُ لِأَحَدِهِمَا وَكَانَ الْعَمَلُ مَشْرُوطًا عَلَى غَيْرِ ذِي الْأَرْضِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ وَجْهًا آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْبَقَرُ مِنْ وَاحِدٍ وَالْبَاقِي مِنْ آخَرَ قَالُوا هُوَ فَاسِدٌ

( أَوْ ) شَرَطَا ( كَوْنَ التِّبْنِ لِأَحَدِهِمَا وَالْحَبَّ لِلْآخَرِ ) حَيْثُ تَفْسُدُ لِأَنَّهُ يَقْطَعُ الشَّرِكَةَ فِي الْحَبِّ وَهُوَ الْمَقْصُودُ ( أَوْ ) شَرَطَا ( تَنْصِيفَ الْحَبِّ وَالتِّبْنِ لِغَيْرِ رَبِّ الْبَذْرِ ) حَيْثُ تَفْسُدُ لِأَنَّهُ شَرْطً مُخَالِفٌ لِمُقْتَضَى الْعَقْدِ وَهُوَ يُؤَدِّي إلَى قَطْعِ الشَّرِكَةِ إذْ رُبَّمَا يُصِيبُهُ آفَةٌ فَلَا يَنْعَقِدُ الْحَبُّ فَلَا يَخْرُجُ إلَّا التِّبْنُ ( وَلَوْ شَرَطَا الْحَبَّ نِصْفَيْنِ وَلَمْ يَتَعَرَّضَا لِلتِّبْنِ أَوْ شَرَطَا الْحَبَّ نِصْفَيْنِ وَجَعَلَاهُ ) أَيْ التِّبْنَ ( لِرَبِّ الْبَذْرِ صَحَّتْ ) أَمَّا الْأُولَى فَلِأَنَّهُمَا شَرَطَا الشَّرِكَةَ فِيمَا هُوَ الْمَقْصُودُ وَالسُّكُوتُ عَنْ التَّبَعِ لَا يُوجِبُ فَسَادَ الْعَقْدِ فِي الْأَصْلِ وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِأَنَّهُ شَرْطٌ مُوَافِقٌ لِحُكْمِ الْعَقْدِ لِأَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ وَالْفَرْعُ يُمْلَكُ بِمِلْكِ الْأَصْلِ وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّهُ الْآخَرُ بِالتَّسْمِيَةِ فَإِذَا فَسَدَتْ كَانَ النَّمَاءُ كُلُّهُ لِرَبِّ الْبَذْرِ ( وَلِلْآخِرِ أَجْرُ عَمَلِهِ أَوْ أَجْرُ مِثْلِ أَرْضِهِ ) يَعْنِي إنْ كَانَ الْبَذْرُ مِنْ صَاحِبِ الْأَرْضِ فَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ وَإِنْ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْعَامِلِ فَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَجْرُ مِثْلِ أَرْضِهِ ( فَلَوْ كَانَ رَبُّ الْبَذْرِ صَاحِبَ الْأَرْضِ فَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُزَادُ عَلَى الْمُسَمَّى ) لِأَنَّهُ رَضِيَ بِسُقُوطِ الزِّيَادَةِ .
( وَ ) لَوْ كَانَ رَبُّ الْبَذْرِ ( الْعَامِلَ فَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَجْرُ مِثْلِ أَرْضِهِ ) لِاسْتِيفَائِهِ مَنَافِعَ الْأَرْضِ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ فَيَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا إذْ لَا مِثْلَ لَهَا ( وَإِذَا صَحَّتْ فَالْمَشْرُوطُ ) أَيْ الْوَاجِبُ هُوَ الْمَشْرُوطُ لِصِحَّةِ الِالْتِزَامِ ( وَلَا شَيْءَ لِلْعَامِلِ إنْ لَمْ تُخْرِجْ ) أَيْ الْأَرْضُ شَيْئًا لِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ شَرِكَةً وَلَا شَرِكَةَ فِي غَيْرِ الْخَارِجِ ( وَيُجْبَرُ الْعَامِلُ إنْ أَبَى لَا رَبُّ الْبَذْرِ ) يَعْنِي إذَا عُقِدَتْ الْمُزَارَعَةُ فَامْتَنَعَ مِنْ الْعَمَلِ رَبُّ الْبَذْرِ فَلَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُتَوَصَّلُ إلَى الْوَفَاءِ بِالْعَقْدِ إلَّا

بِإِتْلَافِ الْبَذْرِ وَفِيهِ ضَرَرٌ يَلْزَمُهُ فَلَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِيَهْدِمَ دَارِهِ .
وَفِي الْكِفَايَةِ هَذَا ( قَبْلَ إلْقَائِهِ ) وَبَعْدَهُ يُجْبَرُ وَإِنْ امْتَنَعَ الْعَامِلُ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ عَلَى الْعَمَلِ لِأَنَّ الْوَفَاءَ بِهِ مُمْكِنٌ بِلَا ضَرَرٍ يَلْحَقُهُ فَلَزِمَ الْعَقْدُ كَمَا فِي سَائِرِ الْإِجَارَاتِ إلَّا إذَا كَانَ لَهُ عُذْرٌ تُفْسَخُ بِهِ الْإِجَارَةُ كَالْمَرَضِ فَيُفْسَخُ بِهِ الْمُزَارَعَةُ ( وَلَوْ أَبَى رَبُّ الْبَذْرِ وَالْأَرْضُ لَهُ وَقَدْ كَرَبَ الْعَامِلُ فَلَا شَيْءَ لَهُ ) فِي عَمَلِ الْكِرَابِ ( قَضَاءً ) لِأَنَّ عَمَلَهُ إنَّمَا يَتَقَوَّمُ بِالْعَقْدِ وَالْعَقْدُ قَوَّمَ الْعَمَلَ بِجُزْءٍ مِنْ الْخَارِجِ وَلَا خَارِجَ بَعْدَهُ ( وَيُسْتَرْضَى دِيَانَةً ) يَعْنِي إنَّ مَا ذُكِرَ جَوَابٌ فِي الْقَضَاءِ وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَبِّهِ فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُعْطِيَ الْعَامِلَ أَجْرَ مِثْلِ عَمَلِهِ لِأَنَّهُ إنَّمَا اشْتَغَلَ بِإِقَامَةِ هَذِهِ الْأَعْمَالِ لِيَحْصُلَ لَهُ نَصِيبُهُ مِنْ الْخَارِجِ فَإِذَا أَخَذَ الْأَرْضَ مِنْهُ فَقَدْ غَرَّهُ وَالتَّغْرِيرُ مَدْفُوعٌ فَيُفْتَى بِأَنْ يَطْلُبَ رِضَاهُ

( قَوْلُهُ وَلَوْ شَرَطَا الْحَبَّ نِصْفَيْنِ وَلَمْ يَتَعَرَّضَا لِلتِّبْنِ
إلَخْ ) قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَيَكُونُ التِّبْنُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ فِيمَا إذَا سَكَتَا عَنْهُ وَتَجُوزُ الْمُزَارَعَةُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ الثَّانِي وَإِلَيْهِ رَجَعَ مُحَمَّدٌ أَنَّ الْمُزَارَعَةَ لَا تَجُوزُ وَمَشَايِخُ بَلْخِي أَنَّ التِّبْنَ بَيْنَهُمَا ( قَوْلُهُ فَلَوْ كَانَ رَبُّ الْبَذْرِ صَاحِبَ الْأَرْضِ فَلِلْعَامِلِ أَجْرُ مِثْلِهِ لَا يُزَادُ عَلَى الْمُسَمَّى ) كَذَا لَوْ كَانَ الْعَامِلُ رَبَّ الْبَذْرِ فَلِصَاحِبِ الْأَرْضِ أَجْرُ مِثْلِهَا لَا يُزَادُ عَلَى الْمُسَمَّى عِنْدَهُمَا وَأَوْجَبَهَا مُحَمَّدٌ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَيَطِيبُ الْخَارِجُ كُلُّهُ لِرَبِّ الْبَذْرِ إنْ كَانَتْ الْأَرْضُ لَهُ لِأَنَّهُ نَمَاءُ بَذْرِهِ وَخَرَاجُ أَرْضِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ الْأَرْضُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ تَصَدَّقَ بِمَا زَادَ عَلَى الْبَذْرِ وَالْمُؤَنِ كَذَا فِي الْبُرْهَانِ قَوْلُهُ فَيُفْتَى بِأَنْ يَطْلُبَ رِضَاهُ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَذَلِكَ بِأَنْ يُوفِيَهُ أَجْرَ مِثْلِهِ

( وَتَبْطُلُ ) أَيْ الْمُزَارَعَةُ ( بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا ) أَيْ الْعَاقِدَيْنِ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ ( فَلَوْ دَفَعَهَا ثَلَاثَ سِنِينَ فَلَمَّا نَبَتَ فِي الْأُولَى وَمَاتَ صَاحِبُ الْأَرْضِ قَبْلَ إدْرَاكِهِ تُرِكَ ) أَيْ الزَّرْعُ ( فِي يَدِ الْمُزَارِعِ إلَى إدْرَاكِهِ وَقُسِّمَ عَلَى الشَّرْطِ وَبَطَلَتْ ) أَيْ الْمُزَارَعَةُ ( فِي ) السَّنَتَيْنِ ( الْأُخْرَيَيْنِ ) لِأَنَّ فِي إبْقَاءِ الْعَقْدِ فِي السَّنَةِ الْأُولَى مُرَاعَاةُ حَقِّ الْمُزَارِعِ وَالْوَرَثَةِ وَفِي الْقَطْعِ إبْطَالًا لِحَقِّ الْعَامِلِ أَصْلًا فَكَانَ الْإِبْقَاءُ أَوْلَى وَأَمَّا فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الْإِبْقَاءِ إذْ لَمْ يَثْبُتْ الْحَقُّ لِلْمُزَارِعِ فِي شَيْءٍ بَعْدُ فَعَمِلْنَا بِالْقِيَاسِ ( مَضَتْ الْمُدَّةُ قَبْلَ إدْرَاكِهِ فَعَلَى الْمُزَارِعِ أَجْرُ مِثْلِ نَصِيبِهِ مِنْ الْأَرْضِ حَتَّى يُدْرِكَ ) الزَّرْعُ لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى مَنْفَعَةَ بَعْضِ الْأَرْضِ لِتَرْبِيَةِ حِصَّتِهِ فِيهَا إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ .
( وَنَفَقَتُهُ ) أَيْ نَفَقَةُ الزَّرْعِ كَأَجْرِ السَّقْيِ وَالْمُحَافَظَةِ وَالْحَصَادِ وَالرِّفَاعِ وَالدَّوْسِ وَالتَّذْرِيَةِ ( عَلَيْهِمَا ) بِقَدْرِ حُقُوقِهِمَا حَتَّى يُدْرِكَ كَنَفَقَةِ الْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ الْعَاجِزِ عَنْ الْكَسْبِ .
( وَفِي مَوْتِ أَحَدِهِمَا قَبْلَهُ ) أَيْ قَبْلَ إدْرَاكِ الزَّرْعِ ( تُرِكَ ) أَيْ الزَّرْعُ فِي مَكَانِهِ ( إلَى إدْرَاكِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَى الْمُزَارِعِ ) لِأَنَّا أَبْقَيْنَا عَقْدَ الْإِجَارَةِ هَاهُنَا اسْتِحْسَانًا لِبَقَاءِ مُدَّةِ الْإِجَارَةِ فَأَمْكَنَ اسْتِمْرَارُ الْعَامِلِ أَوْ وَارِثِهِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْعَمَلِ أَمَّا فِي الْأَوَّلِ فَلَا يُمْكِنُ الْإِبْقَاءُ لِانْقِضَاءِ الْمُدَّةِ ( أَنْفَقَ أَحَدُهُمَا ) عَلَى الزَّرْعِ ( بِلَا أَمْرِ صَاحِبِهِ أَوْ أَمْرِ قَاضٍ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ فِي الْإِنْفَاقِ ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ مَجْبُورٍ عَلَى الْإِنْفَاقِ فَصَارَ كَالدَّارِ الْمُشْتَرَكَةِ بَيْنَهُمَا إذَا اسْتَرَمَّتْ فَأَنْفَقَ أَحَدُهُمَا فِي مَرَمَّتِهَا بِلَا أَمْرٍ كَانَ مُتَطَوِّعًا

( قَوْلُهُ وَنَفَقَتُهُ أَيْ نَفَقَةُ الزَّرْعِ
إلَخْ ) .
أَعَادَهُ لِيُعْلَمَ الْحُكْمُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْمُدَّةِ ( قَوْلُهُ وَالرَّفَاعِ ) بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ لُغَةٌ هُوَ أَنْ يَرْفَعَ الزَّرْعَ إلَى الْبَيْدَرِ ( قَوْلُهُ فَأَمْكَنَ اسْتِمْرَارُ الْعَامِلِ ) أَيْ لَوْ مَاتَ صَاحِبُهُ أَوْ وَارِثُهُ أَيْ لَوْ مَاتَ الْعَامِلُ فَوَارِثُهُ يَعْمَلُ مَكَانَهُ

( وَتُفْسَخُ ) أَيْ الْمُزَارَعَةُ ( بِدَيْنٍ مُحْوِجٍ إلَى بَيْعِهَا ) أَيْ بَيْعِ الْأَرْضِ كَمَا فِي الْإِجَارَةِ وَلَيْسَ لِلْعَامِلِ أَنْ يُطَالِبَهُ بِمَا كَرَبَ الْأَرْضَ وَحَفَرَ الْأَنْهَارَ وَسَوَّى الْمُسْنَاةَ بِشَيْءٍ إذْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُطَالِبَهُ بِالْمُسَمَّى وَهُوَ الْخَارِجُ لِأَنَّهُ مَعْدُومٌ وَلَا بِأَجْرِ الْمِثْلِ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَجِبُ عِنْدَ فَسَادِ الْعَقْدِ وَلَمْ يَفْسُدْ ( وَلَوْ نَبَتَ ) أَيْ الزَّرْعُ ( لَمْ تُبَعْ ) أَيْ الْأَرْضُ ( قَبْلَ اسْتِحْصَادِهِ ) أَيْ الزَّرْعِ لِأَنَّ فِي الْبَيْعِ إبْطَالَ حَقِّ الْمُزَارِعِ وَالتَّأْخِيرُ أَوْلَى مِنْ الْإِبْطَال وَيُخْرِجُهُ الْقَاضِي إنْ حَبَسَهُ لِأَنَّهُ جَزَاءُ الظُّلْمِ وَهُوَ لَمْ يَظْلِمْ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ عَنْ بَيْعِ الْأَرْضِ فَلَمْ يَكُنْ ظَالِمًا
( قَوْلُهُ وَتُفْسَخُ بِدَيْنٍ يُحْوِجُ إلَى بَيْعِهَا ) أَيْ بَيْعِ أَرْضٍ يَعْنِي إذَا لَمْ يَزْرَعْهَا لِمَا سَيَذْكُرُ وَلَا بُدَّ لِصِحَّةِ الْفَسْخِ مِنْ الْقَضَاءِ أَوْ الرِّضَا عَلَى رِوَايَةِ الزِّيَادَاتِ وَعَلَى رِوَايَةٍ لَا يُشْتَرَطُ شَيْءٌ مِنْهَا كَمَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ .
وَفِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الْأَصْلِ السَّفَرُ وَالْمَرَضُ مِنْ قِبَلِ الْمُزَارِعِ عُذْرٌ وَلَوْ كَانَ الْمُزَارِعُ سَارِقًا يُخَافُ عَلَى الزَّرْعِ وَالثَّمَرِ مِنْهُ فَهَذَا عُذْرٌ ا هـ

( كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ ) ( هِيَ ) لُغَةً مُفَاعَلَةٌ مِنْ السَّقْيِ وَشَرْعًا ( دَفْعُ الشَّجَرِ إلَى مَنْ يُصْلِحُهُ بِجُزْءٍ مِنْ ثَمَرِهِ وَهِيَ كَالْمُزَارَعَةِ ) فِي أَنَّهَا بَاطِلَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا وَأَنَّ الْفَتْوَى عَلَى صِحَّتِهَا ( وَشُرُوطُهَا كَشُرُوطِهَا الْمُمْكِنَةِ هَاهُنَا كَأَهْلِيَّةِ الْعَاقِدَيْنِ وَبَيَانِ نَصِيبِ الْعَامِلِ وَالتَّخْلِيَةِ بَيْنَ الْأَشْجَارِ وَالْعَامِلُ وَالشَّرِكَةُ فِي الْخَارِجِ ) وَمَا عَدَاهَا مِنْ الشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ فِيهَا لَا يَجْرِي هَاهُنَا ( فَتَصِحُّ بِلَا ذِكْرِ الْمُدَّةِ ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا تَصِحَّ لِأَنَّهَا إجَارَةٌ مَعْنًى كَالْمُزَارَعَةِ وَتَصِحُّ اسْتِحْسَانًا ( وَتَقَعُ عَلَى أَوَّلِ ثَمَرٍ يَخْرُجُ ) إذْ لِإِدْرَاكِ الثَّمَرِ وَقْتٌ مُعَيَّنٌ قَلَّمَا يَتَفَاوَتُ ( وَتَفْسُدُ إنْ لَمْ يُخْرِجْ ) أَيْ فِي هَذِهِ السَّنَةِ لِعَدَمِ تَنَاوُلِ الْعَقْدِ غَيْرَ هَذِهِ السَّنَةِ فَكَأَنَّهُمَا نَصَّا عَلَى ذَلِكَ ذَكَرَهُ تَاجُ الشَّرِيعَةِ ( إلَّا إذَا دَفَعَ ) اسْتِثْنَاءً مِنْ قَوْلِهِ فَتَصِحُّ بِلَا ذِكْرِ الْمُدَّةِ ( غِرَاسًا فِي أَرْضٍ لَمْ تَبْلُغْ ) أَيْ تِلْكَ الْغِرَاسُ ( الثَّمَرَ عَلَى أَنْ يُصْلِحَهَا فَمَا خَرَجَ كَانَ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ حَيْثُ تَفْسُدُ إنْ لَمْ يَذْكُرْ سِنِينَ مَعْلُومَةً ) ذَكَرَهُ قَاضِي خَانْ ( أَوْ دَفَعَ أُصُولَ رُطَبَةٍ فِي أَرْضٍ مُسَاقَاةً وَلَمْ يُسَمَّ الْوَقْتُ فَإِنَّهَا تَفْسُدُ ) لِأَنَّ أُصُولَ الرُّطَبَةِ كَالْغِرَاسِ ( بِخِلَافِ رُطَبَةٍ لِبَقَائِهَا غَايَةً ) كَسِتَّةِ أَشْهُرٍ مَثَلًا ( حَيْثُ يَجُوزُ وَتَقَعُ عَلَى أَوَّلِ جِزَّةٍ ) أَيْ قَطْعٍ ( يَكُونُ ) أَيْ يَحْصُلُ ذَلِكَ الْأَوَّلُ لَا مَا بَعْدَهُ ( دَفَعَ رُطَبَةً انْتَهَى جِزَازُهَا عَلَى أَنْ يَقُومَ عَلَيْهَا حَتَّى يَخْرُجَ بَذْرُهَا وَيَكُونَ ) أَيْ الْبَذْرُ ( بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ جَازَ بِلَا ذِكْرِ الْوَقْتِ ) اسْتِحْسَانًا لِأَنَّ لِإِدْرَاكِ الْبَذْرِ وَقْتًا مَعْلُومًا عِنْدَ الْمُزَارِعِينَ وَالْبَذْرُ إنَّمَا يَحْصُلُ بِعَمَلِ الْعَامِلِ فَاشْتِرَاطُ الْمُنَاصَفَةِ فِيهِ يَكُونُ صَحِيحًا ( وَالرُّطَبَةُ لِصَاحِبِهَا ) إذْ لَا أَثَرَ

فِيهِ لِعَمَلِ الْعَامِلِ ( وَلَوْ شَرَطَا تَنْصِيفَهَا فَسَدَتْ ) لِاشْتِرَاطِ الشَّرِكَةِ فِيمَا هُوَ حَاصِلٌ قَبْلَهَا
كِتَابُ الْمُسَاقَاةِ ( قَوْلُهُ هِيَ لُغَةً مِنْ السَّقْيِ
إلَخْ ) مَفْهُومُهَا اللُّغَوِيُّ هُوَ الشَّرْعِيُّ وَتُسَمَّى الْمُعَامَلَةُ بِلُغَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ( قَوْلُهُ وَهِيَ كَالْمُزَارَعَةِ ) فِي الْبُطْلَانِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِهِ أَخَذَ زُفَرُ خِلَافًا لَهُمَا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى ( قَوْلُهُ وَشُرُوطُهَا كَشُرُوطِهَا ) كَذَا رُكْنُهَا كَرُكْنِهَا وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَشُرُوطُهَا عِنْدَهُمَا شُرُوطُ الْمُزَارَعَةِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا إلَّا فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ لَا يُجْبَرُ إذَا امْتَنَعَ وَإِذَا انْقَضَتْ الْمُدَّةُ يُتْرَكُ بِلَا أَجْرٍ وَيَعْمَلُ بِلَا أَجْرٍ وَفِي الْمُزَارَعَةِ بِأَجْرٍ وَإِذَا اُسْتُحِقَّ النَّخِيلُ يَرْجِعُ الْعَامِلُ بِأَجْرِ مِثْلِهِ وَالْمُزَارِعُ بِقِيمَةِ الزَّرْعِ وَالرَّابِعُ لَا يُشْتَرَطُ بَيَانُ الْمُدَّةِ هُنَا اسْتِحْسَانًا

( ذَكَرَ مُدَّةً لَا يَخْرُجُ الثَّمَرُ فِيهَا ) بِأَنْ دَفَعَ الْأَرْضَ لِيَغْرِسَ فِيهَا الْكَرْمَ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ بِبَعْضِ الْخَارِجِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ قَطْعًا أَنَّ الْكَرْمَ لَا يُخْرِجُ الثَّمَرَ فِيهَا ( يُفْسِدُهَا ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ بِالْمُسَاقَاةِ الشَّرِكَةُ فِي الْخَارِجِ وَهَذَا الشَّرْطُ يَمْنَعُ الْمَقْصُودَ فَيَكُونُ مُفْسِدًا لِلْعَقْدِ .
( وَ ) ذَكَرَ ( مُدَّةً قَدْ يَخْرُجُ ) الثَّمَرُ فِيهَا ( وَقَدْ لَا ) أَيْ لَا يَخْرُجُ ( لَا ) أَيْ لَا يُفْسِدُهَا لِعَدَمِ الْعِلْمِ بِفَوَاتِ الْمَقْصُودِ بَلْ هُوَ مُتَوَهَّمٌ فِي كُلِّ مُزَارَعَةٍ وَمُسَاقَاةٍ بِأَنْ يَصْطَلِمَ الزَّرْعَ أَوْ الثَّمَرَ آفَةٌ سَمَاوِيَّةٌ ( فَلَوْ خَرَجَ ) أَيْ الثَّمَرُ ( فِي وَقْتٍ سُمِّيَ فَعَلَى الشَّرْطِ ) لِصِحَّةِ الْعَقْدِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ فِيهِ بِلَا تَأَخُّرٍ عَنْهُ ( فَسَدَ الْعَقْدُ ) إذْ تَبَيَّنَ أَنَّهُمَا سَمَّيَا مُدَّةً لَا يَخْرُجُ الثِّمَارُ فِيهَا وَلَوْ عُلِمَ ذَلِكَ ابْتِدَاءً كَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا فَكَذَا إذَا تَبَيَّنَ انْتِهَاءً وَإِذَا فَسَدَ ( فَلِلْعَامِلِ أَجْرُ الْمِثْلِ ) كَمَا فِي الْمُزَارَعَةِ
( قَوْلُهُ فَلَوْ خَرَجَ أَيْ الثَّمَرُ فِي وَقْتٍ سُمِّيَ فَعَلَى الشَّرْطِ ) هَذَا إذَا كَانَ الْخَارِجُ يُرْغَبُ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يُرْغَبْ بِمِثْلِهِ فِي الْمُعَامَلَةِ لَا يَجُوزُ كَذَا فِي الْبَزَّازِيَّةِ ( قَوْلُهُ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ فِيهِ بَلْ تَأَخَّرَ عَنْهُ فَسَدَ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَإِذَا لَمْ تُخْرِجْ شَيْئًا أَصْلًا فَلَا شَيْءَ لَهُ ا هـ .
وَقَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ وَإِنْ لَمْ تُخْرِجْ شَيْئًا فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ إنْ أَخْرَجَتْ بَعْدَ تِلْكَ الْمُدَّةِ فِي السَّنَةِ فَسَدَتْ وَإِنْ لَمْ تُخْرِجْ فِي ذَلِكَ الْعَامِ وَبَعْدَهُ حَدَثَتْ لَهَا جَازَتْ الْمُعَامَلَةُ

( تَصِحُّ ) أَيْ مُسَاقَاةً ( فِي الْكَرْمِ وَالشَّجَرِ وَالْبُقُولِ وَأُصُولِ الْبَاذِنْجَانِ وَالنَّخْلِ وَلَوْ ) وَصْلِيَّةٌ ( فِيهِ ثَمَرٌ إنْ لَمْ يُدْرِكْ ) حَتَّى لَوْ كَانَ مُدْرِكًا لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ إذْ لَا يَكُونُ حِينَئِذٍ لِعَمَلِ الْعَامِلِ أَثَرٌ ( كَالْمُزَارَعَةِ ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تَجُوزُ الْمُسَاقَاةُ إلَّا فِي النَّخِيلِ وَالْكُرُومِ ( دَفَعَ أَرْضًا سِنِينَ مَعْلُومَةً عَلَى أَنْ يَغْرِسَهَا أَشْجَارًا وَتَكُونَ هِيَ ) أَيْ الْأَشْجَارُ ( وَالْأَرْضُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ فَسَدَتْ ) لِاشْتِرَاطِهِمَا الشَّرِكَةَ فِيمَا كَانَ حَاصِلًا قَبْلَ الشَّرِكَةِ لَا بِعَمَلِهِ وَهُوَ الْأَرْضُ ( فَإِنْ غَرَسَهَا ) أَيْ الْعَامِلُ الْأَرْضَ ( غِرَاسًا مِنْ عِنْدِهِ فَأَخْرَجَتْ ثَمَرًا كَانَ الْكُلُّ لِصَاحِبِ الْأَرْضِ وَلِلْغَارِسِ عَلَيْهِ قِيمَةُ غِرَاسِهِ وَأَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ ) لِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ اسْتَأْجَرَ الْعَامِلَ لِيَجْعَلَ أَرْضَهُ بُسْتَانًا بِآلَاتِ نَفْسِهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ أَجْرُهُ نِصْفَ الْبُسْتَانِ الَّذِي يَظْهَرُ بِعَمَلِهِ وَالْآلَةُ لَهُ فَيَكُونُ فِي مَعْنَى قَفِيزِ الطَّحَّانِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَيَكُونُ فَاسِدًا ثُمَّ الْغِرَاسُ مِلْكٌ لِلْغَارِسِ وَقَدْ تَعَذَّرَ رَدُّهَا عَلَيْهِ لِاتِّصَالِهَا بِالْأَرْضِ فَتَجِبُ قِيمَتُهَا وَأَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ لِأَنَّهُ لَا يَدْخُلُ فِي قِيمَةِ الْغِرَاسِ لِتَقَوُّمِهَا بِنَفْسِهَا .
( قَوْلُهُ حَتَّى لَوْ كَانَ مُدْرِكًا لَمْ يَصِحَّ الْعَقْدُ ) قَالَ فِي الْبَزَّازِيَّةِ تَنَاهَى الزَّرْعُ فَدَفَعَ مَعَهُ الْأَرْضَ مُزَارَعَةً بِالنِّصْفِ لِيَحْفَظَ لَا يَجُوزُ وَفِي الْأَشْجَارِ إذَا دَفَعَهَا مُعَامَلَةً فِي هَذِهِ الْحَالَةِ إنْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ بِحَالٍ لَوْ لَمْ تُحْفَظْ تَضَعْ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ تَجُوزُ وَإِنْ كَانَ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى عَمَلٍ سِوَى الْحِفْظِ وَالْحِفْظُ زِيَادَةٌ فِي الثِّمَارِ إنْ بِحَالٍ لَوْ لَمْ تُحْفَظْ لَا تَذْهَبُ الثَّمَرَةُ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ لَا يَجُوزُ ا هـ

( تَبْطُلُ ) أَيْ الْمُسَاقَاةُ ( بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا وَمُضِيِّ مُدَّتِهَا وَالثَّمَرُ نِيءٌ ) بِكَسْرِ النُّونِ هَذَا قَيْدٌ لِصُورَتَيْ الْمَوْتِ وَمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَإِنَّمَا بَطَلَتْ لِأَنَّ صَاحِبَ الْأَرْضِ اسْتَأْجَرَ الْعَامِلَ بِبَعْضِ الْخَارِجِ وَلَوْ اسْتَأْجَرَهُ بِدَرَاهِمَ بَطَلَتْ الْإِجَارَةُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا فَكَذَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ بِبَعْضِ الْخَارِجِ ( فَلَوْ مَاتَ صَاحِبُ الْأَرْضِ فَلِلْعَامِلِ الْقِيَامُ عَلَيْهِ حَتَّى يُدْرِكَ الثَّمَرُ وَإِنْ ) وَصْلِيَّةٌ ( كَرِهَهُ وَرَثَةُ صَاحِبِ الْأَرْضِ ) لِأَنَّ فِي انْتِقَاضِ الْعَقْدِ بِمَوْتِهِ إضْرَارًا بِالْعَامِلِ وَإِبْطَالًا لِمَا كَانَ مُسْتَحَقًّا بِالْعَقْدِ وَهُوَ تَرْكُ الثِّمَارِ فِي الْأَشْجَارِ إلَى وَقْتِ الْإِدْرَاكِ وَإِذَا انْتَقَضَ الْعَقْدُ تَكَلَّفَ الْجَزَّازَ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ وَفِيهِ ضَرَرٌ عَلَيْهِ وَإِذَا جَازَ نَقْضُ الْإِجَارَةِ لِدَفْعِ الضَّرَرِ فَلَأَنْ يَجُوزَ إبْقَاؤُهَا لِدَفْعِهِ كَانَ أَوْلَى ( وَإِنْ مَاتَ الْعَامِلُ فَلِوَرَثَتِهِ الْقِيَامُ عَلَيْهِ وَإِنْ كَرِهَهُ صَاحِبُ الْأَرْضِ ) لِأَنَّهُمْ قَائِمُونَ مَقَامَهُ وَفِيهِ نَظَرٌ لِلْجَانِبَيْنِ ( وَإِنْ مَاتَا فَالْخِيَارُ ) فِي الْقِيَامِ عَلَيْهِ أَوْ تَرْكِهِ ( إلَى وَرَثَةِ الْعَامِلِ ) لِقِيَامِهِمْ مَقَامَهُ وَقَدْ كَانَ لَهُ فِي حَيَاتِهِ هَذَا الْخِيَارُ بَعْدَ مَوْتِ صَاحِبِ الْأَرْضِ فَكَذَا يَكُونُ لِوَرَثَتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ ( وَإِنْ لَمْ يَمُتْ أَحَدُهُمَا بَلْ انْقَضَى مُدَّتُهَا ) أَيْ مُدَّةُ الْمُسَاقَاةِ ( فَالْخِيَارُ لِلْعَامِلِ ) إنْ شَاءَ عَمِلَ عَلَى مَا كَانَ يَعْمَلُ حَتَّى يَبْلُغَ الثَّمَرَ وَيَكُونُ بَيْنَهُمَا عَلَى السَّوَاءِ لِأَنَّ فِي الْأَمْرِ بِالْجَزَازِ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ إضْرَارًا بِهِمَا وَالضَّرَرُ مَدْفُوعٌ كَمَا مَرَّ
قَوْلُهُ لِأَنَّ فِي انْتِقَاضِ الْعَقْدِ بِمَوْتِهِ إضْرَارٌ بِالْعَامِلِ ) ظَاهِرُهُ بَقَاءِ الْعَقْدِ وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّهَا تَبْطُلُ بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا فَلْيُتَأَمَّلْ

( وَلَا تُفْسَخُ إلَّا بِعُذْرٍ ) كَمَا فِي الْإِجَارَاتِ ( وَمِنْهُ كَوْنُ الْعَامِلِ عَاجِزًا عَنْ الْعَمَلِ ) فَإِنَّهَا لَوْ لَمْ تُفْسَخْ لَزِمَهُ اسْتِئْجَارُ الْأُجَرَاءِ فَيَلْحَقُ بِهِ ضَرَرٌ لَمْ يَلْتَزِمْهُ بِعَقْدِ الْمُسَاقَاةِ وَقَدْ مَرَّ أَنَّ الضَّرَرَ مَدْفُوعٌ ( أَوْ ) كَوْنِ الْعَامِلِ سَارِقًا ( يَخَافُ عَلَى ثَمَرِهِ ) أَيْ ثَمَرِ الشَّجَر ( أَوْ سَعَفِهِ ) السَّعَفُ بِالتَّحْرِيكِ جَمْعُ سَعَفَةٍ وَهِيَ غُصْنُ النَّخْلِ كَذَا فِي الصِّحَاحِ

( كِتَابُ الدَّعْوَى ) أَوْرَدَهَا عَقِيبَ الْمُعَامَلَاتِ لِأَنَّهَا تَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا فِي الْوُجُودِ ( هِيَ ) لُغَةً قَوْلٌ يَقْصِدُ بِهِ الْإِنْسَانُ إيجَابَ حَقٍّ عَلَى غَيْرِهِ وَأَلِفُهَا لِلتَّأْنِيثِ فَلَا تُنَوَّنُ وَجَمْعُهَا دَعَاوَى بِفَتْحِ الْوَاوِ كَفَتْوَى وَفَتَاوَى وَشَرْعًا ( مُطَالَبَةُ حَقٍّ ) مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ ( عِنْدَ مَنْ ) وَهُوَ الْقَاضِي ( لَهُ الْخَلَاصُ ) أَيْ تَخْلِيصُهُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( إذَا ثَبَتَ وَالْمُدَّعِي مَنْ إذَا تَرَكَ تُرِكَ ) أَيْ لَا يُجْبَرُ عَلَى الْخُصُومَةِ إذَا تَرَكَهَا وَلَمَّا كَانَ هَذَا مُتَنَاوِلًا لِلْأَغْلَبِ مِنْ الْمُتَنَازِعَيْنِ فِعْلًا احْتَرَزَ عَنْهُ بِقَوْلِ ( مِنْ الْمُتَنَازِعَيْنِ قَوْلًا ) وَلَمَّا كَانَ هَذَا مُتَنَاوِلًا لِلْمُتَنَازِعَيْنِ فِي الْمُبَاحَثَةِ احْتَرَزَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ ( فِي الْحَقِّ ) أَيْ حَقِّ الْعَبْدِ ( وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِخِلَافِهِ ) أَيْ يُجْبَرُ عَلَى الْخُصُومَةِ إذَا تَرَكَهَا فَانْطَبَقَ الْحَدُّ عَلَى الْمَحْدُودِ وَقَدْ اخْتَلَفَتْ عِبَارَاتُ الْمَشَايِخِ فِي حَدِّهِ وَالصَّحِيحُ مَا ذُكِرَ هُنَا قِيلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ الْمُنْكِرُ وَالْآخَرُ هُوَ الْمُدَّعِي قَالُوا هَذَا حَدٌّ صَحِيحٌ وَلَكِنَّ الشَّأْنَ فِي مَعْرِفَتِهِ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلْمَعَانِي دُونَ الصُّوَرِ وَالْمَبَانِي فَإِنَّ الْكَلَامَ قَدْ يُوجَدُ مِنْ الشَّخْصِ فِي صُورَةِ الدَّعْوَى وَهُوَ إنْكَارٌ مَعْنًى كَالْمُودَعِ إذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ أَوْ هَلَاكَهَا فَإِنَّهُ مُدَّعٍ صُورَةً وَمُنْكِرٌ لِوُجُوبِ الضَّمَانِ مَعْنًى وَلِهَذَا يُحَلِّفُهُ الْقَاضِي إذَا ادَّعَى رَدَّ الْوَدِيعَةِ أَوْ هَلَاكَهَا أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ رَدٌّ وَلَا ضَمَانٌ وَلَا يُحَلِّفُهُ أَنَّهُ رَدَّهُ لِأَنَّ الْيَمِينَ أَبَدًا تَكُونُ عَلَى النَّفْيِ ( وَرُكْنُهَا ) أَيْ الدَّعْوَى ( إضَافَةُ الْحَقِّ إلَى نَفْسِهِ ) إنْ كَانَ أَصِيلًا ( أَوْ ) إلَى ( مَنْ نَابَ ) أَيْ الْمُدَّعِي ( مَنَابَهُ ) كَمَا فِي الْوَكِيلِ وَأَبٍ الصَّغِيرِ وَوَصِيِّهِ ( عِنْدَ النِّزَاعِ ) مُتَعَلِّقٌ بِإِضَافَةِ الْحَقِّ ( وَأَهْلُهَا ) أَيْ الدَّعْوَى ( الْعَاقِلُ ) خَرَجَ بِهِ الْمَجْنُونُ (

الْمُمَيِّزُ ) خَرَجَ بِهِ الصَّبِيُّ الْغَيْرُ الْمُمَيِّزِ قَالَ الْأُسْرُوشَنِيُّ فِي جَامِعِ أَحْكَامِ الصِّغَارِ الدَّعْوَى مِنْ الصَّبِيِّ الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ أَمَّا الصَّبِيُّ الْمَأْذُونُ لَهُ فَدَعْوَاهُ صَحِيحَةٌ إنْ كَانَ مُدَّعِيًا وَإِنْ كَانَ مُدَّعًى عَلَيْهِ فَجَوَابُهُ أَيْضًا صَحِيحٌ

( كِتَابُ الدَّعْوَى ) ( قَوْلُهُ هِيَ لُغَةً
إلَخْ ) .
أَحَدُ مَا قِيلَ فِيهَا لِأَنَّ الزَّيْلَعِيَّ قَالَ وَهِيَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ إضَافَةِ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ مُنَازَعَةٍ أَوْ مُسَالَمَةٍ ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ الدَّعْوَى فِي اللُّغَةِ قَوْلٌ يَقْصِدُ بِهِ الْإِنْسَانُ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ ( قَوْلُهُ وَجَمْعُهَا دَعَاوَى ) بِفَتْحِ الْوَاوِ لَا غَيْرَ كَفَتْوَى وَفَتَاوَى كَذَا قَالَ فِي الْكَافِي وَالتَّبْيِينِ وَقَالَ ابْنُ الشِّحْنَةِ فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ وَتُجْمَعُ عَلَى دَعَاوَى بِكَسْرِ الْوَاوِ عَلَى الْأَصْلِ وَبِفَتْحِهَا مُحَافَظَةً عَلَى أَلِفِ التَّأْنِيثِ وَبِهِ يُشْعِرُ كَلَامُ ابْنِ وَلَّادٍ وَبِالْأَوَّلِ يُشْعِرُ كَلَامُ سِيبَوَيْهِ ا هـ .
وَاسْمُ الْفَاعِلِ مُدَّعٍ وَالْمَفْعُولُ مُدَّعًى عَلَيْهِ وَالْمَالُ مُدَّعًى وَالْمُدَّعَى بِهِ خَطَأٌ وَالْمَصْدَرُ الِادِّعَاءُ ( قَوْلُهُ عِنْدَ مَنْ لَهُ الْخَلَاصُ ) اللَّامُ بِمَعْنَى عَلَى أَيْ عَلَيْهِ الْخَلَاصُ وَهُوَ الْقَاضِي يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ كَذَا الْمُحَكِّمُ لِأَنَّهُ يُلْزِمُ الْخَصْمَ بِالْحَقِّ وَيُخَلِّصُهُ ( قَوْلُهُ قِيلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ الْمُنْكِرُ وَالْآخَرُ الْمُدَّعِي ) قَائِلُهُ مُحَمَّدٌ فِي الْأَصْلِ قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَقَالَ وَهَذَا صَحِيحُ غَيْرَ أَنَّ التَّمْيِيزَ بَيْنَهُمَا يَحْتَاجُ إلَى فِقْهٍ وَحِدَّةِ ذَكَاءٍ إذْ الْعِبْرَةُ لِلْمَعَانِي إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفِ ( قَوْلُهُ وَرُكْنُهَا ) إضَافَةُ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ كَذَا فِي الْكَافِي وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ أَمَّا رُكْنُ الدَّعْوَى فَهُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ لِي عَلَى فُلَانٍ أَوْ قِبَلَ فُلَانٍ كَذَا أَوْ قَضَيْت حَقَّ فُلَانٍ أَوْ أَبْرَأَنِي عَنْ حَقِّهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَإِذَا قَالَ ذَلِكَ فَقَدْ تَمَّ الرُّكْنُ قَوْلُهُ وَأَهْلُهَا الْعَاقِلُ الْمُمَيِّزُ ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَيُشْتَرَطُ أَهْلِيَّةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَا تَصِحُّ الدَّعْوَى عَلَى مَجْنُونٍ وَصَبِيٍّ لَا يَعْقِلُ حَتَّى لَا يَلْزَمَ الْجَوَابُ وَلَا تُسْمَعُ الْبَيِّنَةُ

( وَشَرْطُ جَوَازِهَا مَجْلِسُ الْقَاضِي ) فَإِنَّ الدَّعْوَى فِي مَجْلِسٍ غَيْرِهِ لَا تَصِحُّ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ جَوَابُهُ ( وَحُكْمُهَا وُجُوبُ الْجَوَابِ عَلَى الْخَصْمِ ) وَهُوَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حَتَّى إذَا امْتَنَعَ عَنْهُ أَجْبَرَهُ الْقَاضِي عَلَيْهِ ( وَإِنَّمَا تَصِحُّ ) أَيْ الدَّعْوَى ( إذَا أَلْزَمَتْ شَيْئًا عَلَى الْخَصْمِ بَعْدَ ثُبُوتِهَا ) وَإِلَّا كَانَ عَبَثًا لَا يَقْدُمُ عَلَيْهِ عَاقِلٌ ( وَعِلْمُ الْمُدَّعِي بِهِ ) عَطْفٌ عَلَى أَلْزَمَتْ أَيْ صَارَ مَا يَدَّعِيهِ مَعْلُومًا وَبَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ ( فَلَوْ كَانَ ) مَا يَدَّعِيهِ ( مَنْقُولًا فِي يَدِ الْخَصْمِ ذَكَرَ ) أَيْ مُدَّعِيهِ ( أَنَّهُ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ ) فَإِنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَكُونُ فِي يَدِ غَيْرِ الْمَالِكِ بِحَقٍّ كَالرَّهْنِ فِي يَدِ الْمُرْتَهِنِ وَالْمَبِيعِ فِي يَدِ الْبَائِعِ لِأَجْلِ قَبْضِ الثَّمَنِ قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ هَذِهِ الْعِلَّةُ تَشْمَلُ الْعَقَارَ أَيْضًا فَلَا أَدْرِي مَا وَجْهُ تَخْصِيصِ الْمَنْقُولِ بِهَذَا الْحُكْمِ أَقُولُ دِرَايَةُ وَجْهِهِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى مُقَدِّمَتَيْنِ مُسَلَّمَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنَّ دَعْوَى الْأَعْيَانِ لَا تَصِحُّ إلَّا عَلَى ذِي الْيَدِ كَمَا قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إنَّمَا يَنْتَصِبُ خَصْمًا إذَا كَانَ فِي يَدِهِ وَالثَّانِيَةُ أَنَّ الشُّبْهَةَ مُعْتَبَرَةٌ يَجِبُ دَفْعُهَا لَا شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ كَمَا قَالُوا إنَّ شُبْهَةَ الرِّبَا مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ لَا شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ ، إذَا عَرَفَتْهُمَا فَاعْلَمْ أَنَّ فِي ثُبُوتِ الْيَدِ عَلَى الْعَقَارِ شُبْهَةً لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُشَاهَدٍ بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ فَإِنَّهُ فِيهِ مُشَاهَدٌ فَوَجَبَ دَفْعُهَا فِي دَعْوَى الْعَقَارِ بِإِثْبَاتِهِ بِالْبَيِّنَةِ لِتَصِحَّ الدَّعْوَى وَبَعْدَ ثُبُوتِهِ يَكُونُ احْتِمَالُ كَوْنِ الْيَدِ لِغَيْرِ الْمَالِكِ شُبْهَةَ الشُّبْهَةِ فَلَا تُعْتَبَرُ ، وَأَمَّا الْيَدُ فِي الْمَنْقُولِ فَلِكَوْنِهِ مُشَاهَدًا لَا يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِهِ لَكِنْ فِيهِ شُبْهَةُ كَوْنِ الْيَدِ لِغَيْرِ الْمَالِكِ فَوَجَبَ دَفْعُهَا لِتَصِحَّ الدَّعْوَى الْحَمْدُ لِلَّهِ الْهَادِي إلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ

وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ( وَطَلَبَ ) عَطْفٌ عَلَى ذَكَرَ ( إحْضَارَهُ ) أَيْ إحْضَارَ مَا يَدَّعِيهِ ( إنْ أَمْكَنَ لِيُشَارَ إلَيْهِ فِي الدَّعْوَى وَالشَّهَادَةِ ) لِأَنَّ الْإِعْلَامَ بِأَقْصَى مَا يُمْكِنُ شَرْطٌ وَذَا فِي الْمَنْقُولَاتِ بِالْإِشَارَةِ لِأَنَّهَا أَبْلَغُ أَسْبَابِ التَّعْرِيفِ حَتَّى قَالُوا فِي الْمَنْقُولَاتِ الَّتِي يَتَعَذَّرُ نَقْلُهَا كَالرَّحَى مَثَلًا حَضَرَ الْحَاكِمُ عِنْدَهَا أَوْ بَعَثَ أَمِينًا .
( وَ ) ذَكَرَ ( قِيمَتَهُ إنْ تَعَذَّرَ ) أَيْ إحْضَارُهُ لِيَصِيرَ الْمُدَّعَى مَعْلُومًا لِأَنَّ الْأَعْيَانَ تَتَفَاوَتُ وَالشَّرْطُ أَنْ تَكُونَ الدَّعْوَى فِي مَعْلُومٍ وَقَدْ تَعَذَّرَ مُشَاهَدَتُهُ فَوَجَبَ ذِكْرُ قِيمَتِهِ لِأَنَّهَا خَلَفٌ عَنْهُ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ يُشْتَرَطُ مَعَ ذِكْرِ الْقِيمَةِ ذِكْرُ الذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ وَقَالَ قَاضِي خَانْ وَصَاحِبُ الذَّخِيرَةِ إنْ كَانَ الْعَيْنُ غَائِبًا وَادَّعَى أَنَّهُ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَأَنْكَرَ إنْ بَيَّنَ الْمُدَّعِي قِيمَتَهُ وَصِفَتَهُ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ

( قَوْلُهُ وَشَرْطُ جَوَازِهَا مَجْلِسُ الْقَاضِي ) الْمُرَادُ بِالْجَوَازِ اللُّزُومُ لِتَكُونَ مُلْزِمَةً لِلْخَصْمِ الْجَوَابَ فَخَرَجَ الْمُحَكِّمُ ( قَوْلُهُ أَقُولُ دِرَايَةُ وَجْهِهِ مَوْقُوفَةٌ عَلَى مُقَدِّمَتَيْنِ
إلَخْ ) لَيْسَ دَفْعًا لِمَا يَدَّعِيهِ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ مِنْ الشُّمُولِ وَفِيهِ مَا يُؤَيِّدُ مُدَّعَى صَدْرِ الشَّرِيعَةِ وَهُوَ مَا ذُكِرَ مِنْ الْمُقَدِّمَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ أَنَّ الشُّبْهَةَ مُعْتَبَرَةٌ يَجِبُ دَفْعُهَا ا هـ .
وَلَا شَكَّ أَنَّ الشُّبْهَةَ كَوْنُ يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى مَا فِي يَدِهِ مِنْ عَقَارٍ أَوْ مَنْقُولٍ بِحَقٍّ فَتُدْفَعُ بِقَوْلِ الْمُدَّعِي إنَّهَا بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا يَخْتَصُّ الْمَنْقُولُ بِهَذَا ا هـ .
وَأَمَّا مَا رَتَّبَهُ الْمُصَنِّفُ عَلَى الْمُقَدِّمَتَيْنِ بِقَوْلِهِ فَاعْلَمْ أَنَّ فِي ثُبُوتِ الْيَدِ عَلَى الْعَقَارِ شُبْهَةً لِكَوْنِهِ غَيْرَ مُشَاهَدٍ
إلَخْ فَغَيْرُ مَحَلُّ النِّزَاعِ لِأَنَّهُ إنَّمَا هُوَ فِي أَنَّهُ هَلْ يَجِبُ فِي دَعْوَى الْعَقَارِ ذِكْرُ أَنَّهُ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ كَالْمَنْقُولِ أَوْ لَا يَجِبُ لِأَنَّ الْعَقَارَ هَلْ ثَبَتَ فِيهِ الْيَدُ بِالتَّصَادُقِ كَالْمَنْقُولِ أَوْ لَا وَذَكَرَ الْبُرْجَنْدِيُّ لَهُ وَجْهًا ثُمَّ قَالَ هَذَا وَقَدْ نُقِلَ عَنْ ظَهِيرِ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيِّ أَنَّهُ لَا بُدَّ فِي دَعْوَى الْعَقَارِ مِنْ مَعْرِفَةِ الْقَاضِي كَوْنَهُ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَيُذْكَرُ الْمُدَّعِي أَنَّهُ فِي يَدِهِ الْيَوْمَ بِغَيْرِ حَقٍّ كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْفَارِقِ .
ا هـ .
قُلْت وَكَذَا قَالَ فِي الْقُنْيَةِ ادَّعَى عَلَيْهِ وَذَكَرَ أَنَّ هَذَا الْمَحْدُودَ كَانَ مِلْكَك بِعْتَهُ مِنْ فُلَانٍ وَسَلَّمْتَهُ إلَيْهِ وَذَلِكَ الْمُشْتَرِي بَاعَهَا مِنِّي وَسَلَّمَهَا إلَيَّ فَالْيَوْمُ مِلْكِي بِهَذَا السَّبَبِ وَفِي يَدِك بِغَيْرِ حَقٍّ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ تَصِحُّ هَذِهِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ ا هـ فَتَصْرِيحُهُمْ بِأَنَّهُ يَجِبُ فِي الْمَنْقُولِ أَنْ يَقُولَ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ لَا يَنْفِي الْحُكْمَ عَمَّا عَدَاهُ وَقَدْ وُجِدَ فِي

تَصْوِيرِهِمْ الدَّعْوَى فِي الْعَقَارِ التَّصْرِيحُ بِهِ ( قَوْلُهُ وَطَلَبَ إحْضَارَهُ إنْ أَمْكَنَ ) أَيْ فَيُكَلَّفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِإِحْضَارِ الْعَيْنِ ( قَوْلُهُ وَذَكَرَ قِيمَتَهُ إنْ تَعَذَّرَ ) مِنْ التَّعَذُّرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ وَهُوَ أَنْ لَا يُحْمَلَ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي إلَّا بِأَجْرٍ وَقِيلَ مَا لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ فَهُوَ مَا لَهُ حِمْلٌ وَمُؤْنَةٌ وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْعَيْنُ قَائِمَةً فَلَوْ كَانَتْ هَالِكَةً فَهُوَ دَعْوَى الدَّيْنِ فِي الْحَقِيقَةِ كَمَا فِي جَامِعِ الْفَتَاوَى

( وَلَوْ قَالَ غُصِبَتْ مِنِّي عَيْنُ كَذَا وَلَا أَدْرِي قِيمَتَهُ قَالُوا تُسْمَعُ ) قَالَ فِي الْكَافِي وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْقِيمَةَ وَقَالَ غُصِبَتْ مِنِّي عَيْنُ كَذَا وَلَا أَدْرِي أَهُوَ هَالِكٌ أَوْ قَائِمٌ وَلَا أَدْرِي كَمْ كَانَتْ قِيمَتُهُ ذُكِرَ فِي عَامَّةِ الْكُتُبِ أَنَّهُ تُسْمَعُ دَعْوَاهُ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ رُبَّمَا لَا يَعْرِفُ قِيمَةَ مَالِهِ فَلَوْ كُلِّفَ بَيَانَ قِيمَتِهِ لَتَضَرَّرَ بِهِ .
أَقُولُ فَائِدَةُ صِحَّةِ الدَّعْوَى مَعَ هَذِهِ الْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ تَوَجُّبُ الْيَمِينِ عَلَى الْخَصْمِ إذَا أَنْكَرَ ، وَالْجَبْرُ عَلَى الْبَيَانِ إذَا أَقَرَّ وَنَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ فَلْيُتَأَمَّلْ فَإِنَّ كَلَامَ الْكَافِي لَا يَكُونُ كَافِيًا إلَّا بِهَذَا التَّحْقِيقِ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى التَّوْفِيقِ ( وَلَوْ ) كَانَ مَا يَدَّعِيهِ ( عَقَارًا ذَكَرَ حُدُودَهُ ) الْأَرْبَعَةَ لِتَعَذُّرِ التَّعْرِيفِ بِالْإِشَارَةِ لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُنْقَلُ فَيُصَار إلَى التَّحْدِيدِ لِأَنَّ الْعَقَارَ يُعْرَفُ بِهِ ( وَكَفَى الثَّلَاثَةُ ) وَقَالَ زُفَرُ لَا لِأَنَّ التَّعْرِيفَ لَمْ يَتِمَّ وَلَنَا أَنَّ لِلْأَكْثَرِ حُكْمَ الْكُلِّ ( إلَّا أَنْ يَغْلَطَ فِي ) الْحَدِّ ( الرَّابِعِ ) لِأَنَّ الْمُدَّعَى يَخْتَلِفُ بِهِ بِخِلَافِ تَرْكِهِ ( كَذَا الشَّهَادَةُ ) أَيْ كَمَا يُشْتَرَطُ التَّحْدِيدُ فِي الدَّعْوَى يُشْتَرَطُ فِي الشَّهَادَةِ وَإِنْ ذَكَرُوا ثَلَاثَةً مِنْ الْحُدُودِ فِي الشَّهَادَةِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ عِنْدَنَا خِلَافًا لِزُفَرَ وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ مَشْهُورًا يُكْتَفَى بِذِكْرِهِ وَفِي الدَّارِ لَا بُدَّ مِنْ التَّحْدِيدِ وَإِنْ كَانَتْ مَشْهُورَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا يُشْتَرَطُ لِأَنَّ الشُّهْرَةَ مُغْنِيَةٌ عَنْهُ وَلَهُ أَنَّ قَدْرَهَا لَا يَصِيرُ مَعْلُومًا إلَّا بِالتَّحْدِيدِ .
( وَ ) ذَكَرَ أَيْضًا ( أَنَّهُ يُطَالِبُهُ ) لِأَنَّ الْمُطَالَبَةَ حَقُّ الْمُدَّعِي فَلَا بُدَّ مِنْ طَلَبِهِ .
( وَ ) ذَكَرَ أَيْضًا ( أَنَّهُ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ) لِأَنَّهُ إنَّمَا يَصِيرُ خَصْمًا بِكَوْنِهِ فِي يَدِهِ ( وَهُوَ ) أَيْ كَوْنُهُ فِي يَدِهِ ( لَا يَثْبُتُ بِتَصَادُقِهِمَا ) عَلَى أَنَّهُ

فِي يَدِهِ ( بَلْ ) يَثْبُتُ ( بِالْبَيِّنَةِ أَوْ عِلْمِ الْقَاضِي ) لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْعَقَارِ فِي يَدِ غَيْرِهِمَا وَقَدْ تَوَاضَعَا عَلَى ذَلِكَ بِخِلَافِ الْمَنْقُولِ لِأَنَّ الْيَدَ فِيهِ مُشَاهَدٌ كَمَا مَرَّ فِي الْعِمَادِيَّةِ ادَّعَى عَيْنًا فِي يَدِ رَجُلٍ وَأَرَادَ إحْضَارَهُ فِي مَجْلِسِ الْحَاكِمِ فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ فِي يَدِهِ فَجَاءَ الْمُدَّعِي بِشَاهِدَيْنِ شَهِدَا أَنَّ هَذَا الْعَيْنَ كَانَ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَبْلَ هَذَا التَّارِيخِ بِسَنَةٍ هَلْ تُسْمَعُ وَهَلْ يُجْبَرُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى إحْضَارِهِ بِهَذِهِ الْبَيِّنَةِ أَمْ لَا كَانَتْ وَاقِعَةَ الْفَتْوَى وَيَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ لِأَنَّهُ ثَبَتَ يَدُهُ فِي الزَّمَانِ الْمَاضِي وَلَمْ يُثْبِتْ خُرُوجَهُ مِنْ يَدِهِ وَقَدْ وَقَعَ الشَّكُّ فِي زَوَالِ ذَلِكَ الْيَدِ فَتَثْبُتُ الْيَدُ مَا لَمْ يُوجَدْ الْمُزِيلُ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ وَمِنْ الْمَنْقُولَاتِ مَا لَمْ يُمْكِنْ إحْضَارُهُ عِنْدَ الْقَاضِي كَالصُّبْرَةِ مِنْ الطَّعَامِ وَالْقَطِيعِ مِنْ الْغَنَمِ ، وَالْقَاضِي فِيهِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ حَضَرَ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ لَوْ تَيَسَّرَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ الْحُضُورُ وَكَانَ مَأْذُونًا بِالِاسْتِخْلَافِ يَبْعَثُ خَلِيفَتَهُ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ وَهُوَ نَظِيرُ مَا إذَا كَانَ الْقَاضِي يَجْلِسُ فِي دَارِهِ وَوَقَعَ الدَّعْوَى فِي جَمَلٍ وَلَا يَسَعُ بَابَ دَارِهِ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ إلَى بَابِ دَارِهِ أَوْ يَأْمُرُ نَائِبَهُ حَتَّى يَخْرُجَ لِيُشِيرَ إلَيْهِ الشُّهُودُ بِحَضْرَتِهِ وَفِي الْقُدُورِيِّ إذَا كَانَ الْمُدَّعَى شَيْئًا يَتَعَذَّرُ نَقْلُهُ كَالرَّحَى فَالْحَاكِمُ فِيهِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ حَضَرَ وَإِنْ شَاءَ بَعَثَ أَمِينًا كَذَا فِي الذَّخِيرَةِ وَذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ ظَهِيرُ الدِّينِ الْمَرْغِينَانِيُّ أَنَّ هَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ إذَا كَانَ الْعَيْنُ الْمُدَّعَى فِي الْمِصْرِ أَمَّا إذَا كَانَ خَارِجَ الْمِصْرِ كَيْفَ يَقْضِي بِهِ الْقَاضِي وَالْمِصْرُ شَرْطٌ لِجَوَازِ الْقَضَاءِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَطَرِيقُهُ أَنْ يَبْعَثَ وَاحِدًا مِنْ أَعْوَانِهِ حَتَّى يَسْمَعَ

الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةَ وَيَقْضِي ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يَمْضِي قَضَاؤُهُ
قَوْلُهُ أَقُولُ فَائِدَةُ صِحَّةِ الدَّعْوَى مَعَ هَذِهِ الْجَهَالَةِ الْفَاحِشَةِ تَوَجُّهُ الْيَمِينِ عَلَى الْخَصْمِ إذَا أَنْكَرَ وَالْجَبْرُ عَلَى الْبَيَانِ إذَا أَقَرَّ أَوْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ
إلَخْ ) يُقَالُ هَلْ ثَمَّ شَيْءٌ يُتَوَهَّمُ غَيْرُ مَا ذَكَرْت لِيَكُونَ بِهِ الْكَلَامُ غَيْرَ كَافٍ هَذَا وَلِقَاضِي زَادَهْ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بَحْثٌ فِي هَذَا الْمَحِلِّ ( قَوْلُهُ وَلَوْ عَقَارًا ذَكَرَ حُدُودَهُ ) يَعْنِي وَذَكَرَ أَسْمَاءَ أَصْحَابِهَا وَأَنْسَابَهُمْ وَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ حَدِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إنْ لَمْ يَكُنْ مَشْهُورًا بَيْنَ النَّاسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ وَلَوْ كَانَ الرَّجُلُ مَشْهُورًا يُرِيدُ بِهِ صَاحِبَ الْحَدِّ ا هـ .
وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ لَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ مَوْضِعِ الْمَحْدُودِ وَبَلَدِهِ لِيَصِيرَ مَعْلُومًا ا هـ فَجَعَلَهُ مِنْ شَرَائِطِ صِحَّةِ الدَّعْوَى وَقَالَ فِي الْخُلَاصَةِ ادَّعَى مَحْدُودًا فِي مَوْضِعِ كَذَا وَبَيَّنَ الْحُدُودَ وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ الْمَحْدُودَ مَا هُوَ أَرْضٌ أَوْ كَرْمٌ أَوْ دَارٌ لَا تَصِحُّ الدَّعْوَى .
وَفِي فَوَائِدِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى تَصِحُّ إذَا بَيَّنَ الْمِصْرَ وَالْمَحَلَّةَ وَالْمَوْضِعَ وَالْحُدُودَ وَقِيلَ ذِكْرُ الْمَحَلَّةِ وَالسُّوقِ وَالسِّكَّةِ لَيْسَ بِلَازِمٍ وَذِكْرُ الْمِصْرِ أَوْ الْقَرْيَةِ لَازِمٌ ا هـ .
( قَوْلُهُ بَلْ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ عِلْمِ الْقَاضِي ) هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْكَافِي وَالسِّرَاجِ ( قَوْلُهُ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ وَمِنْ الْمَنْقُولَاتِ
إلَخْ ) لَعَلَّهُ إنَّمَا ذَكَرَ هَذَا فِي دَعْوَى الْعَقَارِ وَإِنْ كَانَ مِنْ الْمَنْقُولِ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ إحْضَارَهُ صَارَ كَالْعَقَارِ فَنَاسَبَ ذِكْرُهُ بَعْدَهُ

( وَلَوْ ) كَانَ مَا يَدَّعِيهِ ( دَيْنًا فِي الذِّمَّةِ ذَكَرَ جِنْسَهُ ) كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَنَحْوِهَا ( وَقَدْرَهُ ) كَمِائَةٍ وَأَلْفٍ وَقَفِيزٍ وَقَفِيزَيْنِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّ الدَّيْنَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِذَلِكَ .
( وَ ) ذَكَرَ أَيْضًا ( مُطَالَبَتَهُ بِهِ ) لِمَا مَرَّ أَنَّهُ حَقُّهُ ( وَإِذَا صَحَّتْ ) أَيْ الدَّعْوَى ( سَأَلَ الْقَاضِي عَنْهَا ) لِيَتَّضِحَ وَجْهُ الْحُكْمِ إذْ الْحُكْمُ بِالْبَيِّنَةِ يُخَالِفُ الْحُكْمَ بِالْإِقْرَارِ وَمَعْنَى سُؤَالِهِ أَنْ يَقُولَ إنَّ خَصْمَك ادَّعَى عَلَيْك كَذَا وَكَذَا فَمَاذَا تَقُولُ ( فَإِنْ أَقَرَّ ) أَيْ الْخَصْمُ ( أَلْزَمَ ) أَيْ الْقَاضِي ( بِمُوجِبِهِ ) لَمْ يَقُلْ قَضَى أَوْ حَكَمَ لِمَا قَالَ فِي الْكَافِي إنَّ إطْلَاقَ لَفْظِ الْقَضَاءِ تَوَسُّعٌ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ بِنَفْسِهِ وَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ فَكَانَ الْحُكْمُ مِنْ الْقَاضِي إلْزَامًا لِلْخُرُوجِ عَنْ مُوجِبِ مَا أَقَرَّ بِهِ بِخِلَافِ الْبَيِّنَةِ عَلَى دَعْوَاهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي فَصْلِ الْخُصُومَةِ الْبَيِّنَةُ ( وَإِنْ أَنْكَرَ ) أَيْ الْخَصْمُ ( سَأَلَ ) أَيْ الْقَاضِي ( الْمُدَّعِي بَيِّنَةً ) { لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْمُدَّعِي أَلَك بَيِّنَةٌ فَقَالَ لَا فَقَالَ لَك يَمِينُهُ } سَأَلَ وَرَتَّبَ الْيَمِينَ عَلَى عَدَمِ الْبَيِّنَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ السُّؤَالِ عَنْهَا لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الِاسْتِحْلَافِ ( فَإِنْ أَقَامَ ) أَيْ الْبَيِّنَةَ ( قَضَى عَلَيْهِ ) لِأَنَّهُ تَقَرَّرَ دَعْوَاهُ بِالْبَيِّنَةِ فَهِيَ فَيْعِلَةٌ مِنْ الْبَيَانِ فَإِنَّهَا دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ يَظْهَرُ بِهَا الْحَقُّ عَلَى الْبَاطِلِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُقِمْهَا بَلْ عَجَزَ عَنْ إقَامَتِهَا ( حَلَّفَهُ ) أَيْ الْقَاضِي الْخَصْمَ ( بِطَلَبِهِ ) أَيْ طَلَبِ الْمُدَّعِي لِأَنَّ الْحَلِفَ حَقُّهُ وَلِهَذَا أُضِيفَ إلَيْهِ بِحَرْفِ اللَّامِ فِي الْحَدِيثِ ، وَجْهُ كَوْنِهِ حَقًّا لَهُ أَنَّ الْمُنْكِرَ قَصَدَ إتْوَاءَ حَقِّهِ عَلَى زَعْمِهِ بِالْإِنْكَارِ فَمَكَّنَهُ الشَّارِعُ مِنْ إتْوَاءِ نَفْسِهِ بِالْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ وَهِيَ الْغَمُوسُ إنْ كَانَ

كَاذِبًا كَمَا يَزْعُمُ وَهُوَ أَعْظَمُ مِنْ إتْوَاءِ الْمَالِ وَيَحْصُلُ لِلْحَالِفِ الثَّوَابُ بِذِكْرِ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ صَادِقٌ عَلَى وَجْهِ التَّعْظِيمِ ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ النُّكُولُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ يَمِينٌ قَاطِعَةٌ لِلْخُصُومَةِ وَلَا عِبْرَةَ لِلْيَمِينِ عِنْدَ غَيْرِهِ وَهَلْ يُشْتَرَطُ الْقَضَاءُ عَلَى فَوْرِ النُّكُولِ فِيهِ اخْتِلَافٌ ثُمَّ إذَا حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَالْمُدَّعِي عَلَى دَعْوَاهُ وَلَا يَبْطُلُ حَقُّهُ بِيَمِينِهِ لَكِنْ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُخَاصِمَ مَا لَمْ يُقِمْ الْبَيِّنَةَ عَلَى وَفْقِ دَعْوَاهُ فَإِنْ وَجَدَهَا أَقَامَهَا وَقَضَى لَهُ بِهَا وَبَعْضُ الْقُضَاةِ مِنْ السَّلَفِ كَانُوا لَا يَسْمَعُونَهَا بَعْدَ الْيَمِينِ وَيَقُولُونَ يَتَرَجَّحُ جَانِبُ صِدْقِهِ بِالْيَمِينِ فَلَا تُقْبَلُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي وَهَذَا الْقَوْلُ لَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَبِلَ الْبَيِّنَةَ مِنْ الْمُدَّعِي بَعْدَ يَمِينِ الْمُنْكِرِ وَكَانَ شُرَيْحٌ رَحِمَهُ اللَّهُ يَقُولُ الْيَمِينُ الْفَاجِرَةُ أَحَقُّ أَنْ تُرَدَّ مِنْ الْبَيِّنَةِ الْعَادِلَةِ وَهَلْ يَظْهَرُ كَذِبُ الْمُنْكِرِ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ لَا يَظْهَرُ حَتَّى لَا يُعَاقَبَ عُقُوبَةَ شَاهِدِ الزُّورِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ( فَإِنْ نَكَلَ ) أَيْ قَالَ لَا أَحْلِفُ ( مَرَّةً أَوْ سَكَتَ بِلَا آفَةٍ ) مِنْ طَرَشٍ أَوْ خَرَسٍ فَإِنَّهُ نُكُولٌ حُكْمًا ( وَقَضَى صَحَّ ) لِأَنَّ الْيَمِينَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ } تَرْكُ هَذَا الْوَاجِبِ بِالنُّكُولِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ بَاذِلٌ أَوْ مُقِرٌّ وَإِلَّا لَأَقْدَمَ عَلَى الْيَمِينِ تَقَصِّيًا عَنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ وَدَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ بِبَذْلِ الْمُدَّعَى أَوْ الْإِقْرَارِ بِهِ وَالشَّرْعُ أَلْزَمَهُ التَّوَرُّعَ مِنْ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ دُونَ التَّرَفُّعِ عَنْ الْيَمِينِ الصَّادِقَةِ فَتَرَجَّحَ هَذَا الْجَانِبُ عَلَى جَانِبِ التَّوَرُّعِ فِي نُكُولِهِ ( وَهُوَ ) أَيْ الْقَضَاءُ ( بَعْدَ عَرْضِ الْيَمِينِ ) أَيْ عَرْضِ الْقَاضِي

الْيَمِينَ عَلَى الْخَصْمِ بِأَنْ يَقُولَ إنْ لَمْ تَحْلِفْ أَحْكُمُ عَلَيْك ( ثَلَاثًا أَحْوَطُ ) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَحْلِفَ بَعْدَ مَرَّةٍ أَوْ مَرَّتَيْنِ ( وَلَا عِبْرَةَ بَعْدَ الْقَضَاءِ لِقَوْلِهِ أَحْلِفُ ) لِأَنَّهُ أَبْطَلَ حَقَّهُ بِالنُّكُولِ فَلَا يُنْقَضُ بِهِ الْقَضَاءُ ( وَيُعْتَبَرُ ) أَيْ قَوْلُهُ أَحْلِفُ ( قَبْلَ الْحُكْمِ وَلَوْ بَعْدَ الْعَرْضِ ثَلَاثًا ) إذْ لَا يَلْزَمُ فِيهِ نَقْضُ الْقَضَاءِ وَلَا فَسَادٌ آخَرُ

( قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ مَا يَدَّعِيهِ دَيْنًا
إلَخْ ) وَمَعَ هَذَا لَا بُدَّ مِنْ تَعْرِيفِهِ بِالْوَصْفِ لِأَنَّ الدَّيْنَ يُعَرَّفُ بِهِ كَمَا فِي الْكَافِي فَلَيْسَ ذِكْرُ الْقَدْرِ يُغْنِي عَنْ الْوَصْفِ وَلِذَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَإِنْ كَانَ دَيْنًا ذَكَرَ وَصْفَهُ وَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَبْقَى فِيهِ خَفَاءٌ قَوْلُهُ وَإِنْ أَنْكَرَ ) قَالَ فِي الْأَشْبَاهِ لَا يَجُوزُ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْإِنْكَارُ إذَا كَانَ عَالِمًا بِالْحَقِّ إلَّا فِي دَعْوَى الْعَيْبِ فَإِنَّ لِلْبَائِعِ إنْكَارَهُ لِيُقِيمَ الْمُشْتَرِي الْبَيِّنَةَ عَلَيْهِ فَيَتَمَكَّنُ مِنْ الرَّدِّ عَلَى بَائِعِهِ وَفِي الْوَصِيِّ إذَا عَلِمَ بِالدَّيْنِ ذَكَرَهُمَا فِي بُيُوعِ النَّوَازِلِ ا هـ .
( قَوْلُهُ فَهِيَ فَيْعَلَةٌ مِنْ الْبَيَانِ ) وَقِيلَ فَيْعَلَةٌ مِنْ الْبَيْنِ إذْ بِهَا يَقَعُ الْفَصْلُ بَيْنَ الصَّادِقِ وَالْكَاذِبِ ( قَوْلُهُ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ النُّكُولُ فِي مَجْلِسِ الْقَاضِي إلَى قَوْلِهِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ) كَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ بَعْدَ قَوْلِهِ الْآتِي فَإِنْ نَكَلَ كَمَا ذَكَرَهُ كَذَلِكَ الزَّيْلَعِيُّ ( قَوْلُهُ وَهَذَا الْقَوْلُ لَيْسَ بِشَيْءٍ ) أَيْ فَهُوَ مَهْجُورٌ غَيْرُ مَأْخُوذٍ بِهِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ فَإِنْ نَكَلَ ) أَيْ قَالَ لَا أَحْلِفُ نُكُولٌ حَقِيقَةً وَقَوْلُهُ أَوْ سَكَتَ بِلَا آفَةٍ نُكُولٌ حُكْمًا وَحُكْمُهُ حُكْمُ الْأَوَّلِ فِي الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْكَافِي ( قَوْلُهُ وَهُوَ بَعْدَ عَرْضُ الْيَمِينِ ثَلَاثًا أَحْوَطُ ) أَيْ نَدْبًا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ أَنَّ التَّكْرَارَ حَتْمٌ حَتَّى لَوْ قَضَى الْقَاضِي بِالنُّكُولِ مَرَّةً لَا يَنْفُذُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَنْفُذُ وَهُوَ نَظِيرُ إمْهَالِ الْمُرْتَدِّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَقَالَ فِي الْكَافِي يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَقُولَ إنِّي أَعْرِضُ عَلَيْك الْيَمِينَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَإِنْ حَلَفْت وَإِلَّا قَضَيْتُ عَلَيْك بِمَا ادَّعَى وَهَذَا الْإِنْذَارُ لِإِعْلَامِهِ بِالْحُكْمِ إذْ هُوَ مُجْتَهِدٌ فِيهِ فَكَانَ مَظِنَّةَ الْخَفَاءِ .
ا هـ .

( وَلَا تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي وَإِنْ نَكَلَ خَصْمُهُ ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُدَّعِي بَيِّنَةٌ أَصْلًا وَحَلَّفَ الْقَاضِي الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَنَكَلَ تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعِي فَإِنْ حَلَفَ قُضِيَ بِهِ وَإِلَّا انْقَطَعَتْ الْمُنَازَعَةُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ صَارَ شَاهِدًا لِلْمُدَّعِي بِنُكُولِهِ فَيُعْتَبَرُ يَمِينُهُ كَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَكَذَا إذَا أَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدًا وَاحِدًا وَعَجَزَ عَنْ إقَامَةِ شَاهِدٍ آخَرَ فَإِنَّهُ تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَيْهِ فَإِنْ حَلَفَ قُضِيَ لَهُ بِمَا ادَّعَى وَإِنْ نَكَلَ لَا يُقْضَى لَهُ بِشَيْءٍ { لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ } وَعِنْدَنَا يَسْتَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَقَطْ وَيَقْضِي عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ } وَمُطْلَقُ التَّقْسِيمِ يَقْتَضِي انْتِفَاءَ مُشَارَكَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَنْ قِسْمِ صَاحِبِهِ فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ جِنْسَ الْأَيْمَانِ فِي جَانِبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَلَا يَمِينَ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي إذْ اللَّامُ فِي الْيَمِينِ لِلِاسْتِغْرَاقِ فَمَنْ جَعَلَ الْأَيْمَانَ حُجَّةً لِلْمُدَّعِي فَقَدْ خَالَفَ النَّصَّ وَحَدِيثُ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ غَرِيبٌ وَمَا رَوَيْنَاهُ مَشْهُورٌ تَلَقَّتْهُ الْأُمَّةُ بِالْقَبُولِ حَتَّى صَارَ فِي حَيِّزِ التَّوَاتُرِ فَلَا يُعَارِضُهُ عَلَى أَنَّ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ قَدْ رَدَّهُ كَذَا فِي الْكَافِي
قَوْلُهُ فَإِنْ حَلَفَ قُضِيَ بِهِ وَإِلَّا انْقَطَعَتْ الْمُنَازَعَةُ بَيْنَهُمَا ) يَعْنِي مِنْ حَيْثُ عَدَمُ التَّحْلِيفِ ثَانِيًا لَا مِنْ حَيْثُ إقَامَةُ الْبَيِّنَةِ لِقَبُولِهَا بَعْدَ التَّحْلِيفِ

( وَلَوْ قَالَ ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( لَا أُقِرُّ وَلَا أُنْكِرُ حَبَسَهُ ) أَيْ الْقَاضِي ( حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يُنْكِرَ ) لِأَنَّهُ ظَالِمٌ فَجَزَاؤُهُ الْحَبْسُ ( ادَّعَى ) أَيْ رَجُلٌ عَلَى آخَرَ ( مَالًا فَأَنْكَرَ ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( فَاصْطَلَحَا عَلَى أَنْ يَحْلِفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَيَبْرَأَ مِنْ الْمَالِ فَحَلَفَ فَالصُّلْحُ بَاطِلٌ وَهُوَ ) أَيْ الْمُدَّعِي ( عَلَى دَعْوَاهُ إنْ أَقَامَ بَيِّنَةً تُسْمَعُ وَإِنْ لَمْ يُقِمْهَا وَاسْتَحْلَفَهُ يُحَلِّفْهُ الْقَاضِي لَوْلَا ) أَيْ لَوْ لَمْ يَكُنْ الْحَلِفُ ( الْأَوَّلُ ) حِينَ الصُّلْحِ ( عِنْدَهُ ) فَإِنَّ التَّحْلِيفَ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي لَا يُعْتَبَرُ كَمَا أَنَّ النُّكُولَ عِنْدَ غَيْرِهِ لَا يُوجِبُ الْحَقَّ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ يَمِينٌ قَاطِعَةٌ لِلْخُصُومَةِ وَالْيَمِينُ عِنْدَ غَيْرِ الْقَاضِي غَيْرُ قَاطِعَةٍ ( وَلَوْ ) كَانَ الْحَلِفُ الْأَوَّلُ ( عِنْدَهُ كَفَى ) وَلَا يُحَلِّفُهُ ثَانِيًا ( كَذَا لَوْ اصْطَلَحَا عَلَى أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَوْ حَلَفَ فَالْخَصْمُ ضَامِنٌ وَحَلَفَ ) أَيْ الْمُدَّعِي ( لَمْ يَضْمَنْ ) أَيْ الْخَصْمُ كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ
( قَوْلُهُ وَلَوْ قَالَ لَا أُقِرُّ وَلَا أُنْكِرُ حَبَسَهُ ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ إنْكَارٌ وَهُوَ الْأَشْبَهُ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا أُقِرُّ وَلَا أُنْكِرُ إخْبَارٌ عَنْ السُّكُوتِ عَنْ الْجَوَابِ وَالسُّكُوتُ إنْكَارٌ عَلَى مَا مَرَّ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا إقْرَارٌ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ

( لَا تَحْلِيفَ فِي نِكَاحٍ ) بِأَنْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى امْرَأَةٍ أَوْ هِيَ عَلَيْهِ نِكَاحًا وَالْآخَرُ مُنْكِرٌ ( وَرَجْعَةٍ ) بِأَنْ ادَّعَتْ هِيَ عَلَيْهِ أَوْ هُوَ عَلَيْهَا بَعْدَ الْعِدَّةِ أَنَّهُ رَاجَعَهَا فِي الْعِدَّةِ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ ( وَفَيْءِ إيلَاءٍ ) بِأَنْ ادَّعَى الْمُولِي عَلَيْهَا أَوْ هِيَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْمُدَّةِ أَنَّهُ فَاءَ فِي الْمُدَّةِ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ ( وَاسْتِيلَادٍ ) بِأَنْ ادَّعَتْ أَمَةٌ عَلَى سَيِّدِهَا أَنَّهَا وَلَدَتْ مِنْهُ هَذَا الْوَلَدَ أَوْ وَلَدَتْ وَلَدًا قَدْ مَاتَ أَوْ أَسْقَطَتْ سِقْطًا مُسْتَبِينَ الْخَلْقِ مِنْهُ وَأَنْكَرَ الْمَوْلَى وَلَا يَتَأَنَّى مِنْ الْجَانِبِ الْآخَرِ إذْ لَوْ ادَّعَى الْمَوْلَى يَثْبُتُ الِاسْتِيلَادُ بِإِقْرَارِهِ وَلَا يُعْتَبَرُ إنْكَارُهَا ( وَرِقٍّ ) بِأَنْ ادَّعَى عَلَى مَجْهُولِ النَّسَبِ أَنَّهُ عَبْدُهُ أَوْ ادَّعَى الْمَجْهُولُ أَنَّهُ عَبْدُهُ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ ( وَنَسَبٍ ) بِأَنْ ادَّعَى عَلَى مَجْهُولِ النَّسَبِ أَنَّهُ ابْنُهُ أَوْ هُوَ يَدَّعِي عَلَيْهِ وَالْآخَرُ مُنْكِرٌ ( وَوَلَاءٍ ) بِأَنْ ادَّعَى عَلَى مَعْرُوفِ الرِّقِّ أَنَّهُ مُعْتِقُهُ أَوْ مَوْلَاهُ أَوْ ادَّعَى الْمَعْرُوفُ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي وَلَاءِ الْمُوَالَاةِ وَالْآخَرُ مُنْكِرٌ ( وَحَدٍّ ) سَوَاءٌ كَانَ حَدًّا هُوَ خَالِصُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَحَدِّ الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَحَدِّ السَّرِقَةِ أَوْ دَائِرًا بَيْنَ الْحَقَّيْنِ كَحَدِّ الْقَذْفِ حَتَّى أَنَّ مَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ قَذَفَهُ وَأَنْكَرَ الْقَاذِفُ لَا يُسْتَحْلَفُ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَنَا فَالْتَحَقَ بِالْحُدُودِ الْخَالِصَةِ لِلَّهِ تَعَالَى وَأَمَّا فِي السَّرِقَةِ فَإِنَّ السَّارِقَ يُسْتَحْلَفُ لِأَجْلِ الْمَالِ إذَا أَرَادَ الْمَالِكُ أَخْذَ الْمَالِ لَا الْقَطْعَ فَيُقَالُ لَهُ دَعْ ذِكْرَ السَّرِقَةِ وَادَّعِ تَنَاوُلَ مَالِكَ فَيَكُونُ لَك عَلَيْهِ يَمِينٌ قَالَ فِي النِّهَايَةِ لَا يُسْتَحْلَفُ فِي الْحُدُودِ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا إذَا تَضَمَّنَ حَقًّا بِأَنْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِالزِّنَا وَقَالَ إنْ زَنَيْت فَأَنْتَ حُرٌّ فَادَّعَى الْعَبْدُ

أَنَّهُ زَنَى وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ عَلَيْهِ يُسْتَحْلَفُ الْمَوْلَى حَتَّى إذَا نَكَلَ يَثْبُتُ الْعِتْقُ لَا الزِّنَا
قَوْلُهُ قَالَ فِي النِّهَايَةِ لَا يُسْتَحْلَفُ فِي الْحُدُودِ بِالْإِجْمَاعِ إلَّا إذَا تَضَمَّنَ حَقًّا بِأَنْ عَلَّقَ عِتْقَ عَبْدِهِ بِالزِّنَا
إلَخْ ) يَرِدُ عَلَيْهِ مَا فِي الْبَدَائِعِ مِنْ قَوْلِهِ وَأَمَّا فِي دَعْوَى الْقَذْفِ إذَا حَلَفَ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَنَكَلَ يُقْضَى بِالْحَدِّ فِي ظَاهِرِ الْأَقَاوِيلِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْقِصَاصِ فِي الطَّرَفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا بِمَنْزِلَةِ النَّفْسِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ بِمَنْزِلَةِ سَائِرِ الْحُدُودِ لَا يُقْضَى فِيهِ بِشَيْءٍ وَلَا يَحْلِفُ لِأَنَّهُ حَدٌّ وَقِيلَ يَحْلِفُ وَيُقْضَى فِيهِ بِالتَّعْزِيرِ دُونَ الْحَدِّ كَمَا فِي السَّرِقَةِ يَحْلِفُ وَيُقْضَى بِالْمَالِ دُونَ الْقَطْعِ ا هـ فَلْيُتَأَمَّلْ

( وَلِعَانٍ ) بِأَنَّ تَدَّعِي الْمَرْأَةُ الْقَذْفَ بِالزِّنَا وَوُجُوبَ اللِّعَانِ وَهُوَ يُنْكِرُ جَمِيعُ مَا ذُكِرَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يُسْتَحْلَفُ فِيهَا كُلِّهَا إلَّا فِي الْحَدِّ وَاللِّعَانِ لِأَنَّ هَذِهِ حُقُوقٌ تَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ فَيَجْرِي فِيهَا الِاسْتِحْلَافُ كَالْأَمْوَالِ بِخِلَافِ الْحُدُودِ وَهَذَا لِأَنَّ فَائِدَةَ الْحَلِفِ ظُهُورُ الْحَقِّ بِالنُّكُولِ وَالنُّكُولُ إقْرَارٌ لِأَنَّ الْحَلِفَ لَمَّا وَجَبَ فَتَرَكَهُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ بَاذِلٌ أَوْ مُقِرٌّ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ بَاذِلًا لِأَنَّ النُّكُولَ يُعْتَبَرُ مِنْ الْمَأْذُونِ وَالْمُكَاتَبِ وَهُمَا لَا يَمْلِكَانِ الْبَذْلَ فَيُجْعَلُ مُقِرًّا ضَرُورَةً وَالْإِقْرَارُ يَجْرِي فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ لَكِنَّهُ إقْرَارٌ فِيهِ شُبْهَةٌ لِأَنَّهُ سُكُوتٌ فِي نَفْسِهِ وَالسُّكُوتُ مُحْتَمَلٌ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً فِيمَا يَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ ، وَاللِّعَانُ حَدُّ الْأَزْوَاجِ فَأَشْبَهَ حَدَّ الْقَذْفِ ، وَلَنَا أَنَّ النُّكُولَ بَذْلٌ وَإِبَاحَةٌ إذْ لَوْ حُمِلَ عَلَى الْإِقْرَارِ لَكَذَّبْنَاهُ فِي الْإِنْكَارِ وَلَوْ جُعِلَ بَذْلًا قَطَعَ الْخُصُومَةَ بِلَا تَكْذِيبٍ فَكَانَ هَذَا أَوْلَى صِيَانَةً لِلْمُسْلِمِ عَنْ أَنْ يُظَنَّ بِهِ الْكَذِبُ وَهَذِهِ حُقُوقٌ لَا يَجْرِي فِيهَا الْبَذْلُ فَلَا يُقْضَى فِيهَا بِالنُّكُولِ كَالْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ بِخِلَافِ الْأَمْوَالِ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَوْ قَالَتْ مَثَلًا لَا نِكَاحَ بَيْنِي وَبَيْنَك وَلَكِنِّي بَذَلْت نَفْسِي لَك لَمْ يَصِحَّ كَلَامُهَا وَكَذَا سَائِرُ الْأَمْثِلَةِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ كُلَّ مَحَلٍّ يَقْبَلُ الْإِبَاحَةَ بِالْإِذْنِ ابْتِدَاءً يُقْضَى عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ وَمَا لَا فَلَا قَالَ قَاضِي خَانْ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا وَقِيلَ يَنْبَغِي لِلْقَاضِي أَنْ يَنْظُرَ فِي حَالِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَإِنْ رَآهُ مُتَعَنِّتًا يُحَلِّفُهُ وَيَأْخُذُ بِقَوْلِهِمَا وَإِنْ كَانَ مَظْلُومًا لَا يُحَلِّفُهُ ، أَخَذَ بِقَوْلِهِ كَذَا فِي الْكَافِي

( قَوْلُهُ وَلَنَا ) أَيْ الْقَائِلِينَ بِقَوْلِ الْإِمَامِ ( قَوْلُهُ قَالَ قَاضِي خَانْ إلَى كَذَا فِي الْكَافِي ) نَصُّهُ قَالَ الْقَاضِي فَخْرُ الدِّينِ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا ا هـ .
وَالِاخْتِلَافُ فِي التَّحْلِيفِ فِي الْأَشْيَاءِ الْمَذْكُورَةِ إذَا لَمْ يَقْصِدْ بِهَا الْمَالَ وَلَوْ قَصَدَ يَحْلِفُ فِيهَا بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ وَإِذَا ادَّعَى الْقَتْلَ خَطَأً حَلَفَ عَلَى السَّبَبِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْتُ إلَّا إذَا عَرَّضَ .
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَى الْحُكْمِ بِاَللَّهِ لَيْسَ عَلَيْك الدِّيَةُ وَلَا عَلَى عَاقِلَتِك وَإِنَّمَا يَحْلِفُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِاخْتِلَافِ الْمَشَايِخِ فِي الدِّيَةِ فِي فَصْلِ الْخَطَأِ إنَّهَا تَجِبُ عَلَى الْعَاقِلَةِ ابْتِدَاءً وَتَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ ثُمَّ تَتَحَمَّلُ عَنْهُ الْعَاقِلَةُ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالدِّيَةِ فِي مَالِهِ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ .

( وَحَلَّفَ السَّارِقَ وَإِنْ نَكَلَ ضَمِنَ وَلَمْ يُقْطَعْ ) لِأَنَّهُ فِي السَّرِقَةِ يَدَّعِي الْمَالَ وَالْحَدَّ وَإِيجَابُ الْحَدِّ لَا يُجَامِعُهُ الشُّبْهَةُ بِخِلَافِ إيجَابِ الْمَالِ فَيَثْبُتُ بِهِ كَمَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ حَيْثُ لَا يَثْبُتُ الْقَطْعُ وَيَضْمَنُ الْمَالَ ( كَذَا الزَّوْجُ إذَا ادَّعَتْ طَلَاقًا قَبْلَ الدُّخُولِ ) يَعْنِي إذَا ادَّعَتْ طَلَاقًا قَبْلَ الدُّخُولِ وَاسْتُحْلِفَ الزَّوْجُ ( فَإِنْ نَكَلَ ضَمِنَ نِصْفَ مَهْرِهَا ) عِنْدَهُمْ لِأَنَّ الِاسْتِحْلَافَ يَجْرِي فِي الطَّلَاقِ اتِّفَاقًا خُصُوصًا إذَا كَانَ الْمَقْصُودُ الْمَالَ ( وَكَذَا النِّكَاحُ إذَا ادَّعَتْ هِيَ الصَّدَاقَ ) لِأَنَّهُ دَعْوَى الْمَالِ حَقِيقَةً فَيَثْبُتُ بِنُكُولِهِ الْمَالُ لَا النِّكَاحُ ( وَ ) كَذَا ( النَّسَبُ إذَا ادَّعَى حَقًّا ) يَعْنِي يَحْلِفُ فِي دَعْوَى النَّسَبِ إذَا ادَّعَى حَقًّا ( كَإِرْثٍ وَنَفَقَةٍ ) بِأَنْ ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ أَخُوهُ مَاتَ أَبُوهُمَا وَتَرَكَ مَالًا فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْ طَلَبَ مِنْ الْقَاضِي فَرْضَ النَّفَقَةِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِسَبَبِ الْأُخُوَّةِ فَإِنَّهُ يُسْتَحْلَفُ عَلَى النَّسَبِ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ قُضِيَ بِالْمَالِ وَالنَّفَقَةِ لَا النَّسَبِ

( وَحَجْرٍ فِي اللَّقِيطِ ) بِأَنْ كَانَ صَبِيٌّ فِي يَدِ رَجُلٍ الْتَقَطَهُ وَهُوَ لَا يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ فَادَّعَتْ امْرَأَةٌ حُرَّةُ الْأَصْلِ أَنَّهُ أَخُوهَا تُرِيدُ قَصْرَ يَدِ الْمُلْتَقِطِ لِمَالِهَا مِنْ حَقِّ الْحَضَانَةِ وَأَرَادَتْ اسْتِحْلَافَهُ فَنَكَلَ يَثْبُتُ بِهِ لَهَا حَقُّ نَقْلِ الصَّبِيِّ إلَى حِجْرِهَا وَلَا يَثْبُتُ النَّسَبُ ( وَعِتْقِ الْمِلْكِ ) بِأَنْ ادَّعَى عَبْدٌ عَلَى مَوْلَاهُ أَنَّهُ مُعْتَقٌ لِأَنَّهُ أَخُوهُ وَاسْتَحْلَفَهُ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ قُضِيَ بِالْعِتْقِ لَا النَّسَبِ

( وَامْتِنَاعِ الرُّجُوعِ فِي الْهِبَةِ ) بِأَنْ أَرَادَ الْوَاهِبُ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَةِ فَقَالَ الْمَوْهُوبُ لَهُ أَنَا أَخُوك فَإِنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يُسْتَحْلَفُ عَلَى مَا يَدَّعِي مِنْ النَّسَبِ بِالْإِجْمَاعِ ( فَإِنْ نَكَلَ ) فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ ( ثَبَتَ الْحَقُّ ) يَعْنِي الْإِرْثَ وَالنَّفَقَةَ وَالْحَجْرَ وَالْعِتْقَ وَامْتِنَاعَ الرُّجُوعِ ( لَا النَّسَبُ إنْ كَانَ ) أَيْ النَّسَبُ ( نَسَبًا ) لَا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِهِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ كَانَ نَسَبًا يَصِحُّ الْإِقْرَارُ بِهِ ( فَعَلَى الْخِلَافِ ) يَعْنِي يُسْتَحْلَفُ فِي النَّسَبِ الْمُجَرَّدِ عِنْدَهُمَا إذَا كَانَ نَسَبًا يَثْبُتُ بِإِقْرَارِهِ بَيَانُهُ أَنَّ إقْرَارَ الرَّجُلِ يَصِحُّ بِالْأَبِ وَالِابْنِ وَالزَّوْجَةِ وَالْمَوْلَى وَإِقْرَارَ الْمَرْأَةِ يَصِحُّ بِالْأَبِ وَالزَّوْجِ وَالْمَوْلَى وَلَا يَصِحُّ بِالِابْنِ إذْ فِيهِ تَحْمِيلُ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ فَكَانَ إقْرَارًا عَلَى الْغَيْرِ فَلَا يَصِحُّ فَلَوْ ادَّعَى رَجُلٌ أَنَّهُ أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ وَلَمْ يَدَّعِ مَالًا يُسْتَحْلَفُ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِهِ يَثْبُتُ فَيُسْتَحْلَفُ لِرَجَاءِ النُّكُولِ الَّذِي هُوَ إقْرَارٌ وَإِنْ ادَّعَى أَنَّهُ أَخُوهُ أَوْ عَمُّهُ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ لَا يُسْتَحْلَفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِهِ لَا يَثْبُتُ لِأَنَّ فِيهِ تَحْمِيلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ

( يَحْلِفُ مُنْكِرُ الْقَوَدِ ) يَعْنِي ادَّعَى عَلَى غَيْرِهِ قِصَاصًا فِي النَّفْسِ أَوْ مَا دُونَهَا فَأَنْكَرَ اُسْتُحْلِفَ إجْمَاعًا ( فَإِنْ نَكَلَ فِي النَّفْسِ ) لَمْ يُقْضَ بِقَتْلٍ وَلَا دِيَةٍ بَلْ ( حُبِسَ حَتَّى يُقِرَّ أَوْ يَحْلِفَ وَفِيمَا دُونَهَا يُقْتَصُّ ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا تَلْزَمُهُ الدِّيَةُ فِيهِمَا وَلَا يُقْضَى بِالْقِصَاصِ لِأَنَّ الْقِصَاصَ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ عُقُوبَةٌ تَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ وَلَا يَثْبُتُ بِالنُّكُولِ كَالْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ لِأَنَّ النُّكُولَ وَإِنْ كَانَ إقْرَارًا عِنْدَهُمَا فَفِيهِ شُبْهَةُ الْعَمْدِ لِأَنَّهُ إنْ امْتَنَعَ عَنْ الْيَمِينِ تَوَرُّعًا عَنْ الْيَمِينِ الصَّادِقَةِ لَا يَكُونُ إقْرَارًا بَلْ يَكُونُ بَذْلًا وَإِذَا امْتَنَعَ الْقَوَدُ تَجِبُ الدِّيَةُ ، وَلَهُ أَنَّ الطَّرَفَ مَحَلُّ الْبَذْلِ فَيُسْتَوْفَى بِالنُّكُولِ كَالْمَالِ فَإِنَّ الْأَطْرَافَ يُسْلَكُ بِهَا مَسْلَكَ الْأَمْوَالِ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ وِقَايَةً لِلنَّفْسِ كَالْمَالِ فَيَجْرِي فِيهَا الْبَذْلُ بِخِلَافِ الْأَنْفُسِ ( وَيَحْلِفُ فِي التَّعْزِيرِ ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَا يُوجِبُ التَّعْزِيرَ وَأَرَادَ تَحْلِيفَهُ إذَا أَنْكَرَ فَالْقَاضِي يُحَلِّفُهُ لِأَنَّ التَّعْزِيرَ مَحْضُ حَقِّ الْعَبْدِ وَلِهَذَا يَمْلِكُ الْعَبْدُ إسْقَاطَهُ بِالْعَفْوِ وَلَا يَمْنَعُ الصِّغَرُ وُجُوبَهُ وَمَنْ عَلَيْهِ التَّعْزِيرُ إذَا أَمْكَنَ صَاحِبَ الْحَقِّ مِنْهُ أَقَامَهُ وَلَوْ كَانَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى لَكَانَتْ هَذِهِ الْأَحْكَامُ عَلَى عَكْسِ هَذَا وَالِاسْتِحْلَافُ يَجْرِي فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ سَوَاءٌ كَانَتْ عُقُوبَةً أَوْ مَالًا ( فَإِنْ نَكَلَ عُزِّرَ ) لِأَنَّ التَّعْزِيرَ يَثْبُتُ بِالشُّبُهَاتِ فَجَازَ أَنْ يُقْضَى فِيهِ بِالنُّكُولِ

( قَالَ ) أَيْ الْمُدَّعِي ( لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ فِي الْمِصْرِ وَاسْتَحْلَفَ الْخَصْمَ لَا يَحْلِفُ ) قَيَّدَ بِالْمِصْرِ لِأَنَّهَا إذَا حَضَرَتْ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ لَا يَحْلِفُ اتِّفَاقًا كَذَا فِي النِّهَايَةِ ( وَيَكْفُلُ بِنَفْسِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ) لِئَلَّا يَغِيبَ وَيَبْطُلَ حَقُّ الْمُدَّعِي ، وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْكَفِيلُ مَعْرُوفَ الدَّارِ لِتَحْصُلَ فَائِدَةُ التَّكْفِيلِ فَلَا بُدَّ لِلتَّكْفِيلِ مِنْ قَوْلِهِ لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ فِي الْمِصْرِ حَتَّى لَوْ قَالَ لَا بَيِّنَةَ لِي وَشُهُودِي غُيَّبٌ لَا يَكْفُلُ إذْ لَا فَائِدَةَ فِيهِ ( فَإِنْ أَبَى ) أَنْ يُعْطِيَهُ كَفِيلًا ( لَازَمَهُ ) أَيْ دَارَ مَعَهُ حَيْثُ صَارَ حَتَّى لَا يَغِيبَ .
( وَ ) لَازَمَ ( الْغَرِيبَ ) إنْ كَانَ الْخَصْمُ غَرِيبًا ( وَلَا يَكْفُلُ ) أَيْ الْغَرِيبُ ( إلَّا إلَى آخِرِ الْمَجْلِسِ ) لِأَنَّ فِي أَخْذِ الْكَفِيلِ وَالْمُلَازَمَةِ زِيَادَةً عَلَى قَدْرِ الْمَجْلِسِ إضْرَارًا بِالْغَرِيبِ لِمَنْعِهِ عَنْ السَّفَرِ وَلَا ضَرَرَ فِي هَذَا الْقَدْرِ ظَاهِرًا .

قَوْلُهُ قَالَ أَيْ الْمُدَّعِي لِي بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ فِي الْمِصْرِ ) أَيْ لَا فِي الْمَجْلِسِ وَاسْتَحْلَفَ الْخَصْمَ لَا يَحْلِفُ أَيْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يُجِيبُهُ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ مُضْطَرِبٌ فَكَانَتْ الْمَسْأَلَةُ مُجْتَهَدًا فِيهَا فَيَجْتَهِدُ الْقَاضِي فَإِنْ رَأَى الْمَيْلَ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُحَلِّفُهُ وَإِنْ رَأَى الْمَيْلَ إلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يُحَلِّفُهُ ا هـ كَمَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى عَنْ أَدَبِ الْقَاضِي لِلْخَصَّافِ ( قَوْلُهُ قَيَّدَ بِالْمِصْرِ
إلَخْ ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ يَحْلِفُ لَوْ كَانَتْ خَارِجَ الْمِصْرِ وَهُوَ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ الْكَفِيلُ مَعْرُوفَ الدَّارِ ) الْمُرَادُ بِهِ أَنْ يَكُونَ ثِقَةً مَعْرُوفًا بَيْنَ النَّاسِ لَا يُتَوَهَّمُ اخْتِفَاؤُهُ حَتَّى تَحْصُلَ بِهِ فَائِدَةُ التَّكْفِيلِ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَلْزَمَ الْكَفِيلُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ وَلَازَمَ الْغَرِيبَ ) وَلَهُ أَنْ يَطْلُبَ وَكِيلًا بِخُصُومَتِهِ حَتَّى لَوْ غَابَ الْأَصِيلُ يُقِيمُ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْوَكِيلِ فَيُقْضَى عَلَيْهِ وَإِنْ أَعْطَاهُ وَكِيلًا لَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِالْكَفِيلِ بِنَفْسِ الْوَكِيلِ وَإِنْ أَعْطَاهُ كَفِيلًا بِنَفْسِ الْوَكِيلِ فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ بِالْكَفِيلِ بِنَفْسِ الْأَصِيلِ إنْ كَانَ الْمُدَّعَى دَيْنًا وَلَوْ أَخَذَ كَفِيلًا بِالْمَالِ فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَ كَفِيلًا بِنَفْسِ الْأَصِيلِ وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى مَنْقُولًا فَلَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ مَعَ ذَلِكَ كَفِيلًا بِالْعَيْنِ لِيُحْضِرَهَا وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعَى عَقَارًا لَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ التَّغْيِيبُ كَمَا فِي الْكَافِي وَالتَّبْيِينِ

( وَالْحَلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى ) دُونَ غَيْرِهِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ وَلَا بِالطَّوَاغِيتِ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاَللَّهِ أَوْ لِيَذَرْ } ( لَا الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ ) لِمَا رَوَيْنَا ( إلَّا إذَا أَلَحَّ الْخَصْمُ ) يَعْنِي جَازَ لِلْقَاضِي أَنْ يُحَلِّفَهُ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ لِقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ بِالْيَمِينِ بِاَللَّهِ تَعَالَى فِي زَمَانِنَا ( لَكِنْ إذَا نَكَلَ لَا يَقْضِي وَإِذَا قَضَى لَمْ يَنْفُذْ ) ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَشُرَّاحُ الْهِدَايَةِ ( وَتُغَلَّظُ ) أَيْ الْيَمِينُ ( بِصِفَاتِهِ تَعَالَى ) كَأَنْ يَقُولَ الْقَاضِي قُلْ وَاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ الَّذِي يَعْلَمُ مِنْ السِّرِّ مَا يَعْلَمُ مِنْ الْعَلَانِيَةِ مَا لِفُلَانٍ هَذَا عَلَيْك وَلَا قِبَلَك هَذَا الْمَالُ الَّذِي ادَّعَاهُ وَهُوَ كَذَا وَكَذَا وَلَا شَيْءَ مِنْهُ وَلِلْمُحَلِّفِ أَنْ يَزِيدَ فِي التَّغْلِيظِ عَلَى هَذَا وَأَنْ يَنْقُصَ مِنْهُ لَكِنَّهُ يَحْتَاطُ فَلَا يَذْكُرُ بِلَفْظِ الْوَاوِ لِئَلَّا يَتَكَرَّرَ عَلَيْهِ الْيَمِينُ إذْ اللَّازِمُ عَلَيْهِ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ وَلَهُ أَنْ لَا يُغْلِظَ وَيَقُولَ بِاَللَّهِ أَوْ وَاَللَّهِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ النُّكُولُ وَأَحْوَالُ النَّاسِ فِيهِ مُخْتَلِفَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْتَنِعُ إذَا غَلَّظَ عَلَيْهِ الْيَمِينَ وَيَتَجَاسَرُ إذَا لَمْ يُغَلِّظْ فَكَانَ الرَّأْيُ فِيهِ إلَى الْقَاضِي وَقِيلَ لَا يُغْلِظُ عَلَى الْمَعْرُوفِ بِالصَّلَاحِ وَيُغْلِظُ عَلَى غَيْرِهِ وَقِيلَ يُغْلِظُ فِي الْخَطِيرِ مِنْ الْمَالِ لَا الْحَقِيرِ ( لَا ) أَيْ لَا يُغْلِظُ ( بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ ) وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُغْلِظُ بِهِمَا أَمَّا الْأَوَّلُ فَبِأَنْ يَكُونَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَأَمَّا الثَّانِي فَبِأَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ

( قَوْلُهُ وَالْحَلِفُ بِاَللَّهِ تَعَالَى ) أَيْ لِلنَّاطِقِ وَأَمَّا الْأَخْرَسُ فَقَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى وَالْخَانِيَّةِ كَيْفِيَّةُ تَحْلِيفِ الْأَخْرَسِ أَنْ يُقَالَ لَهُ عَلَيْك عَهْدُ اللَّهِ وَمِيثَاقُهُ إنْ كَانَ كَذَا فَيُشِيرُ بِنَعَمْ وَلَمْ يُحَلَّفْ بِاَللَّهِ تَعَالَى إنَّهُ كَانَ كَذَا لِأَنَّهُ إذَا قَالَ نَعَمْ يَكُونُ إقْرَارًا لَا يَمِينًا ا هـ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ إلَى أَنَّهُ لَوْ طَلَبَ الْغَرِيمُ تَحْلِيفَ الشَّاهِدِ أَوْ الْمُدَّعِي أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الشَّاهِدَ كَاذِبٌ لَا يُجِيبُهُ الْقَاضِي لِأَنَّا أُمِرْنَا بِإِكْرَامِ الشُّهُودِ وَالْمُدَّعِي لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ لَا سِيَّمَا إذَا أَقَامَ بَيِّنَةً كَمَا فِي التَّبْيِينِ قَوْلُهُ لَا الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ إلَّا إذَا أَلَحَّ الْخَصْمُ ) كَذَا فِي الْكَنْزِ وَقَالَ صَاحِبُهُ فِي الْكَافِي وَلَا يَحْلِفُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ لِمَا رَوَيْنَا وَقِيلَ فِي زَمَانِنَا إذَا أَلَحَّ الْخَصْمُ سَاغَ لِلْقَاضِي أَنْ يُحَلِّفَ بِالطَّلَاقِ ا هـ .
وَرَأَيْت عَنْ النِّهَايَةِ ذَكَرَ الْإِمَامُ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوَاهُ إنْ أَرَادَ الْمُدَّعِي تَحْلِيفَهُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يُجِيبُهُ الْقَاضِي إلَى ذَلِكَ لِأَنَّ التَّحْلِيفَ بِالطَّلَاقِ أَوْ الْعَتَاقِ وَنَحْوُ ذَلِكَ حَرَامٌ وَبَعْضُهُمْ جَوَّزَ ذَلِكَ فِي زَمَانِنَا وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ ا هـ .
وَفِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى التَّحْلِيفُ بِالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْأَيْمَانِ الْمُغَلَّظَةِ لَمْ يَجُزْ عِنْدَ أَكْثَرِ مَشَايِخِنَا وَأَجَازَهُ الْبَعْضُ وَبِهِ أَفْتَى الْإِمَامُ أَبُو عَلِيُّ بْنُ الْفَضْلِ بِسَمَرْقَنْدَ فَيُفْتِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ مَسَّتْ الضَّرُورَةُ يَجُوزُ فَإِذَا بَالَغَ الْمُسْتَفْتِي فِي الْفَتْوَى يُفْتِي أَنَّ الرَّأْيَ لِلْقَاضِي اتِّبَاعًا لِهَؤُلَاءِ السَّلَفِ وَلَوْ حَلَفَ بِالطَّلَاقِ ثُمَّ أُقِيمَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمَالِ هَلْ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا مَذْكُورَةٌ آخِرَ الْبَابِ الثَّانِي مِنْ شَهَادَاتِ الْجَامِعِ وَهِيَ فِي الْوَاقِعَاتِ ا هـ .
وَفِي فُصُولِ الْعِمَادِيِّ الْفَتْوَى فِي مَسْأَلَةِ الدَّيْنِ أَنَّهُ

إذَا ادَّعَى مِنْ غَيْرِ السَّبَبِ فَحَلَفَ ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ يَظْهَرُ كَذِبُهُ وَإِنْ ادَّعَى الدَّيْنَ بِنَاءً عَلَى السَّبَبِ ثُمَّ حَلَفَ أَنَّهُ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ ثُمَّ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى السَّبَبِ لَا يَظْهَرُ كَذِبُهُ بِالْبَيِّنَةِ وَتَمَامُهُ فِيهِ فَلْيُرَاجَعْ ( قَوْلُهُ لَكِنَّهُ يَحْتَاطُ فَلَا يُذْكَرُ بِلَفْظِ الْوَاوِ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فَلَوْ أَمَرَهُ بِالْعَطْفِ فَأَتَى بِوَاحِدَةٍ وَنَكَلَ عَنْ الْبَاقِي لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ يَمِينٌ وَاحِدَةٌ وَقَدْ أَتَى بِهَا ا هـ .
( قَوْلُهُ وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَبِأَنْ يَكُونَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ ) لَمْ يَقْصُرْهُ الْإِمَامُ الشَّافِعِيُّ عَلَى هَذَا كَمَا يُعْلَمُ مِنْ الْكَافِي وَالزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِمَا

( وَحَلَّفَ الْيَهُودِيَّ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى وَالنَّصْرَانِيَّ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الْأَنْجِيلَ عَلَى عِيسَى وَالْمَجُوسِيَّ بِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَ النَّارَ ) فَيُغْلِظُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ بِمَا يَعْتَقِدُ تَغْلِيظَ الْيَمِينِ بِهِ لِيَكُونَ رَادِعًا لَهُ عَنْ الْإِقْدَامِ عَلَى الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ أَحَدٌ إلَّا بِاَللَّهِ خَالِصًا تَفَادِيًا عَنْ تَشْرِيكِ الْغَيْرِ مَعَهُ فِي التَّعْظِيمِ وَذَكَرَ الْخَصَّافُ أَنَّهُ لَا يَحْلِفُ غَيْرُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ إلَّا بِاَللَّهِ وَهُوَ اخْتِيَارُ بَعْضِ مَشَايِخِنَا لِمَا فِي ذِكْرِ النَّارِ فِي الْيَمِينِ مِنْ تَعْظِيمِ النَّارِ لِأَنَّ الْيَمِينَ تُشْعِرُ بِهِ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَظِّمَ النَّارَ بِخِلَافِ التَّوْرَاةِ وَالْأَنْجِيلِ لِأَنَّ كُتُبَ اللَّهِ تَعَالَى وَاجِبَةُ التَّعْظِيمِ ( وَ ) لَا يَحْلِفُ ( الْوَثَنِيُّ ) إلَّا ( بِاَللَّهِ ) إذْ الْكَفَرَةُ كُلُّهُمْ مَعَ افْتِرَاقِ نِحَلِهِمْ يُقِرُّونَ بِاَللَّهِ تَعَالَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَلَئِنْ سَأَلْتهمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ } كَذَا فِي الْكَافِي ( وَلَا يَحْلِفُونَ فِي مَعَابِدِهِمْ ) لِأَنَّ فِيهِ تَعْظِيمَهَا
( قَوْلُهُ وَحَلَّفَ الْيَهُودِيَّ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى ) عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَلَا يَحْلِفُ عَلَى الْإِشَارَةِ إلَى مُصْحَفٍ مُعَيَّنٍ بِأَنْ يَقُولَ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ هَذَا التَّوْرَاةَ هَذَا أَوْ الْإِنْجِيلَ لِأَنَّهُ ثَبَتَ تَحْرِيفُ بَعْضِهَا فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ تَقَعَ الْإِشَارَةُ إلَى الْحَرْفِ الْمُحَرَّفِ فَيَكُونُ التَّحْلِيفُ بِهِ تَعْظِيمًا لِمَا لَيْسَ كَلَامَ اللَّهِ

( وَيَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ فِي سَبَبٍ يَرْتَفِعُ كَالْبَيْعِ وَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ وَالْغَصْبِ وَالتَّعْزِيرِ ) وَبَيَّنَ التَّحْلِيفَ بِقَوْلِهِ ( بِاَللَّهِ مَا بَيْنَكُمَا بَيْعٌ قَائِمٌ أَوْ نِكَاحٌ قَائِمٌ الْآنَ أَوْ مَا هِيَ بَائِنٌ مِنْك الْآن أَوْ مَا يَجِبُ عَلَيْك رَدُّهُ الْآنَ أَوْ مَا يَجِبُ عَلَيْك حَقُّ التَّعْزِيرِ الْآنَ لَا ) أَيْ لَا يَحْلِفُ ( عَلَى السَّبَبِ ) وَبَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ ( مَا بِعْته وَنَحْوُهُ ) أَيْ مَا نَكَحْتهَا وَمَا طَلَّقْتهَا وَمَا غَصَبْته وَمَا شَتَمْته الْأَصْلُ أَنَّ الدَّعْوَى إذَا وَقَعَتْ فِي سَبَبٍ يَرْتَفِعُ بَعْدَ وُقُوعِهِ كَالْبَيْعِ وَنَظَائِرِهِ فَإِنَّ الْيَمِينَ يَكُونُ عَلَى الْحَاصِلِ لَا عَلَى السَّبَبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى حَتَّى إذَا ادَّعَى أَنَّهُ ابْتَاعَ مِنْ هَذَا عَبْدًا بِأَلْفٍ فَجَحَدَ حَلَفَ بِاَللَّهِ مَا بَيْنَكُمَا بَيْعٌ قَائِمٌ وَلَا يَحْلِفُ بِاَللَّهِ مَا بِعْت فَلَعَلَّهُ بَاعَ ثُمَّ أَقَالَ كَذَا النِّكَاحُ وَغَيْرُهُ ثُمَّ التَّحْلِيفُ عَلَى الْحَاصِلِ لَا عَلَى السَّبَبِ هُوَ الْأَصْلُ عِنْدَهُمَا إذَا كَانَ سَبَبًا يَرْتَفِعُ بِرَافِعٍ ( إلَّا إذَا كَانَ فِيهِ ) أَيْ فِي الْحَلِفِ عَلَى الْحَاصِلِ ( تَرْكُ النَّظَرِ لِلْمُدَّعِي فَيَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ ) إجْمَاعًا ( كَدَعْوَى شُفْعَةٍ بِالْجِوَارِ وَنَفَقَةٍ مَبْتُوتَةٍ ) فَإِنَّهُ إذَا ادَّعَى شُفْعَةً بِالْجِوَارِ وَالْمُشْتَرِي مِمَّنْ لَا يَرَاهَا بِأَنْ كَانَ شَافِعِيًّا فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ إذْ لَوْ حَلَفَ عَلَى الْحَاصِلِ بِاَللَّهِ مَا هُوَ مُسْتَحِقٌّ لِلشُّفْعَةِ يَصْدُقُ فِي يَمِينِهِ فِي اعْتِقَادِهِ فَيَفُوتُ النَّظَرُ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي وَكَذَا إذَا ادَّعَتْ مَبْتُوتَةٌ نَفَقَةً وَالزَّوْجُ مِمَّنْ لَا يَرَاهَا لِكَوْنِهِ شَافِعِيًّا فَإِنَّهُ يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ إذْ لَوْ حَلَفَ عَلَى الْحَاصِلِ بِاَللَّهِ مَا لَهَا عَلَيْك النَّفَقَةُ يَصْدُقُ فِي يَمِينِهِ فِي اعْتِقَادِهِ فَيَفُوتُ النَّظَرُ فِي حَقِّ الْمُدَّعِي

( قَوْلُهُ فَإِنَّ الْيَمِينَ تَكُونُ عَلَى الْحَاصِلِ لَا عَلَى السَّبَبِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ
إلَخْ ) كَذَا فِي الْكَافِي مَعَ ذِكْرِ بَقِيَّةِ أَمْثِلَةِ الْمَسَائِلِ ثُمَّ قَالَ .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَحْلِفُ فِي الْجَمِيعِ عَلَى السَّبَبِ إلَّا إذَا عَرَّضَ بِمَا ذَكَرْنَا بِأَنْ يَقُولَ أَيُّهَا الْقَاضِي قَدْ يَبِيعُ الْإِنْسَانُ شَيْئًا ثُمَّ يُقَابِلُهُ فَحِينَئِذٍ يُحَلِّفُهُ عَلَى الْحَاصِلِ وَعَنْهُ أَنَّهُ يَنْظُرُ الْقَاضِي إلَى إنْكَارِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ أَنْكَرَ السَّبَبَ كَالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ وَإِنْ أَنْكَرَ الْحُكْمَ يَحْلِفُ عَلَى الْحَاصِلِ عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْقُضَاةِ قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ يُفَوَّضُ إلَى رَأْي الْقَاضِي ا هـ .
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا كَانَ السَّبَبُ يَرْتَفِعُ بِرَافِعٍ كَمَا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ فَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَذْكُرَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَ فِيهِ أَيْ فِي الْحَلِفِ
إلَخْ ) يُنَبِّهُ الْقَاضِي فَيَنْظُرُ مَذْهَبَ الْخَصْمِ وَيَحْتَاطُ وَلَوْ كَانَ الْخَصْمُ حَنَفِيًّا لِئَلَّا يَكُونَ قَدْ رَأَى مَذْهَبَ الشَّافِعِيِّ فَيَحْلِفَ مُعْتَقِدًا لَهُ صَادِقًا نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُبَصِّرَنَا بِعُيُوبِ أَنْفُسِنَا وَيَمُنَّ بِالْمَغْفِرَةِ وَالْعَفْوِ وَالْعَافِيَةِ .

( وَيَحْلِفُ عَلَى سَبَبٍ لَا يَرْتَفِعُ ) بِرَافِعٍ بَعْدَ ثُبُوتِهِ لَا عَلَى الْحَاصِلِ إجْمَاعًا ( كَعَبْدٍ مُسْلِمٍ يَدَّعِي عِتْقَهُ ) فَإِنَّهُ إذَا ادَّعَى عِتْقَهُ عَلَى مَوْلَاهُ وَجَحَدَهُ الْمَوْلَى يَحْلِفُ عَلَى السَّبَبِ بِاَللَّهِ مَا أَعْتَقَهُ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ إلَى التَّحْلِيفِ عَلَى الْحَاصِلِ إذْ لَا يَجُوزُ أَنْ يَعُودَ الرِّقُّ بَعْدَ الْعِتْقِ مُسْلِمًا ( بِخِلَافِ الْأَمَةِ وَالْعَبْدِ الْكَافِرِ ) حَيْثُ يَحْلِفُ فِيهِمَا عَلَى الْحَاصِلِ أَيْ مَا هِيَ حُرَّةٌ أَوْ مَا هُوَ حُرٌّ فِي الْحَالِ لِإِمْكَانِ تَكَرُّرِ الرِّقِّ عَلَى الْأَمَةِ بِالرِّدَّةِ وَاللِّحَاقِ وَالسَّبْيِ وَعَلَى الْعَبْدِ الْكَافِرِ بِنَقْضِ الْعَهْدِ وَاللِّحَاقِ وَلَا يَتَكَرَّرُ عَلَى الْعَبْدِ الْمُسْلِمِ ( اسْتَحْلَفَ خَصْمَهُ فَقَالَ حَلَّفْتنِي مَرَّةً فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ تُقْبَلُ ) يَعْنِي ادَّعَى عَلَى آخَرَ مَالًا فَأَنْكَرَ وَأَرَادَ الْمُدَّعِي تَحْلِيفَهُ فَقَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنَّكَ حَلَّفْتنِي عَلَى هَذِهِ الدَّعْوَى عِنْدَ قَاضِي بَلَدِ كَذَا فَأَنْكَرَ الْمُدَّعِي ذَلِكَ فَأَقَامَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةً عَلَى ذَلِكَ تُقْبَلُ ( وَلَوْلَاهَا ) أَيْ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ ( وَاسْتَحْلَفَهُ ) أَيْ أَرَادَ تَحْلِيفَ الْمُدَّعِي ( جَازَ ) أَيْ تَحْلِيفُهُ ( قَالَ ) أَيْ الْمُدَّعِي ( لَا بَيِّنَةَ لِي ثُمَّ بَرْهَنَ أَوْ لَا شَهَادَةَ لِي ثُمَّ شَهِدَ ) مَعْنَى الْأَوَّلِ أَنْ يَقُولَ الْمُدَّعِي لَيْسَ لِي بَيِّنَةٌ عَلَى دَعْوَى هَذَا الْحَقِّ ثُمَّ جَاءَ بِالْبَيِّنَةِ وَمَعْنَى الثَّانِي أَنْ يَقُولَ الشَّاهِدُ لَا شَهَادَةَ لِفُلَانٍ عِنْدِي فِي حَقٍّ بِعَيْنِهِ ثُمَّ شَهِدَ بِهِ ( فِيهِ رِوَايَتَانِ ) فِي رِوَايَةٍ لَا تُقْبَلُ لِظَاهِرِ التَّنَاقُضِ وَفِي رِوَايَةٍ تُقْبَلُ ( وَالْأَصَحُّ الْقَبُولُ ) لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لَهُ بَيِّنَةٌ أَوْ شَهَادَةٌ فَنَسِيَهَا ثُمَّ ذَكَرَهَا أَوْ كَانَ لَا يَعْلَمُهَا ثُمَّ عَلِمَهَا ( قِيلَ تُقْبَلُ إنْ وُفِّقَ وِفَاقًا ) ذَكَرَهُ فِي الْمُلْتَقِطِ ( كَذَا إذَا قَالَ لَا دَفْعَ لِي ثُمَّ أَتَى بِدَفْعٍ ) أَيْ فِيهِ رِوَايَتَانِ وَقِيلَ لَا يَصِحُّ دَفْعُهُ اتِّفَاقًا لِأَنَّ

مَعْنَاهُ لَيْسَ لِي دَعْوَى الدَّفْعِ وَمَنْ قَالَ لَا دَعْوَى لِي قِبَلَ فُلَانٍ ثُمَّ ادَّعَى عَلَيْهِ لَا تُسْمَعُ كَذَا هَاهُنَا وَبَعْضُهُمْ قَالَ يَصِحُّ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الدَّفْعَ يَحْصُلُ بِالْبَيِّنَةِ عَلَى الدَّفْعِ لَا بِدَعْوَى الدَّفْعِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ لَا دَفْعَ لِي بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ لَا بَيِّنَةَ لِي كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ
( قَوْلُهُ اسْتَحْلَفَ خَصْمَهُ
إلَخْ ) قَوْلُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنَّكَ حَلَّفْتنِي عِنْدَ قَاضِي بَلَدِ كَذَا لَيْسَ قَيْدًا لِمَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُحَكَّمًا وَحَلَفَ الْخَصْمُ لَيْسَ لِلْمُدَّعِي تَحْلِيفُهُ عِنْدَ الْقَاضِي لِأَنَّهُ اسْتَوْفَى حَقَّهُ بِالتَّمَامِ كَمَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى

( النِّيَابَةُ تَجْرِي فِي الِاسْتِحْلَافِ ) يَعْنِي يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الشَّخْصُ نَائِبًا عَنْ آخَرَ لَهُ حَقٌّ عَلَى غَيْرِهِ فِي طَلَبِ الْيَمِينِ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا عَجَزَ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ ( لَا الْحَلِفِ ) يَعْنِي لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَخْصٌ نَائِبًا عَنْ شَخْصٍ آخَرَ تُوَجَّهُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ لِيَحْلِفَ مِنْ قِبَلَهُ وَفَرَّعَ عَلَى الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ ( فَالْوَكِيلُ وَالْوَصِيُّ وَالْمُتَوَلِّي وَأَبُو الصَّغِيرِ يَسْتَحْلِفُ ) أَيْ يَطْلُبُ الْحَلِفَ مِنْ الْخَصْمِ ( وَلَا يَحْلِفُ ) أَيْ وَاحِدٌ مِنْ الْوَكِيلِ وَغَيْرِهِ ( إلَّا إذَا صَحَّ إقْرَارُهُ ) أَيْ إقْرَارُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ( عَلَى الْأَصِيلِ كَالْوَكِيلِ بِالْبَيْعِ أَوْ الْخُصُومَةِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ ) فَإِنَّ الْوَصِيَّ إذَا خُوصِمَ فِي عَيْبٍ بِعَيْنٍ بَاعَهُ لِلصَّغِيرِ لَا يَسْتَحْلِفُ وَالْوَكِيلُ بِالْبَيْعِ أَوْ الْخُصُومَةِ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ مِنْ جِهَةِ الْمَالِكِ يُسْتَحْلَفُ لِأَنَّ الْيَمِينَ لِرَجَاءِ النُّكُولِ وَلَوْ أَقَرَّ الْوَصِيُّ صَرِيحًا لَا يَصِحُّ فَلِذَا لَا يُسْتَحْلَفُ فَأَمَّا الْوَكِيلُ فَإِقْرَارُهُ صَحِيحٌ عَلَى الْمُوَكِّلِ فَكَذَا نُكُولُهُ ( التَّحْلِيفُ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ ) يَكُونُ ( عَلَى الْبَتَاتِ ) أَيْ أَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِكَ وَالْبَتَاتُ الْقَطْعُ .
( وَ ) التَّحْلِيفُ ( عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ ) يَكُونُ ( عَلَى الْعِلْمِ ) أَيْ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ كَذَلِكَ وَجْهُ الْأَوَّلِ ظَاهِرٌ وَأَمَّا وَجْهُ الثَّانِي فَلِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ مَا فَعَلَ غَيْرَهُ ظَاهِرًا فَلَوْ حَلَفَ عَلَى الْبَتَاتِ لَامْتَنَعَ عَنْ الْيَمِينِ مَعَ كَوْنِهِ صَادِقًا فِيهَا فَيَتَضَرَّرُ بِهِ فَطُولِبَ بِالْعِلْمِ فَإِذَا لَمْ يُقْبَلْ مَعَ الْإِمْكَانِ صَارَ بَاذِلًا أَوْ مُقِرًّا هَذَا أَصْلٌ مُقَرَّرٌ عِنْدَ أَئِمَّتِنَا وَكَانَ الْإِمَامَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ يَزِيدُ عَلَيْهِ حَرْفًا وَهُوَ أَنَّ التَّحْلِيفَ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ عَلَى الْعِلْمِ ( إلَّا إذَا كَانَ ) أَيْ فِعْلُ الْغَيْرِ ( شَيْئًا يَتَّصِلُ بِهِ ) أَيْ بِالْحَالِفِ وَفَرَّعَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( فَإِذَا ادَّعَى سَرِقَةَ الْعَبْدِ أَوْ إبَاقَهُ

يَحْلِفُ ) أَيْ الْبَائِعُ ( عَلَى الْبَتَاتِ ) مَعَ أَنَّهُ فِعْلُ الْغَيْرِ يَعْنِي أَنَّ مُشْتَرِي الْعَبْدِ إذَا ادَّعَى أَنَّهُ سَارِقٌ أَوْ آبِقٌ وَأَثْبَتَ إبَاقَهُ أَوْ سَرِقَتَهُ فِي يَدِ نَفْسِهِ وَادَّعَى أَنَّهُ آبِقٌ أَوْ سَرَقَ فِي يَدِ الْبَائِعِ وَأَرَادَ التَّحْلِيفَ يَحْلِفُ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ مَا أَبَقَ بِاَللَّهِ مَا سَرَقَ فِي يَدِك وَهَذَا تَحْلِيفٌ عَلَى فِعْلِ الْغَيْرِ وَإِنَّمَا صَحَّ ( لِأَنَّ تَسْلِيمَهُ ) أَيْ تَسْلِيمَ الْبَائِعِ الْمَبِيعَ ( سَلِيمًا ) عَنْ الْعُيُوبِ ( وَاجِبٌ عَلَيْهِ ) أَيْ الْبَائِعِ فَالتَّحْلِيفُ يَرْجِعُ إلَى مَا ضَمِنَ الْبَائِعُ بِنَفْسِهِ فَيَكُونُ عَلَى الْبَتَاتِ ( فَإِذَا ادَّعَى سَبْقَ الشِّرَاءِ ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَعَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ عَلَى الْعِلْمِ يَعْنِي إذَا اشْتَرَى زَيْدٌ مِنْ عَمْرٍو شَيْئًا ثُمَّ ادَّعَى بَكْرٌ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ قَبْلَهُ وَعَجَزَ عَنْ الْبَيِّنَةِ ( يَحْلِفُ خَصْمُهُ ) وَهُوَ زَيْدٌ ( عَلَى الْعِلْمِ ) أَيْ اشْتَرَاهُ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهُ قَبْلَهُ لِمَا مَرَّ ( كَذَا إذَا ادَّعَى دَيْنًا أَوْ عَيْنًا عَلَى وَارِثٍ ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَبِأَنْ يَقُولَ رَجُلٌ لِآخَرَ إنَّ لِي عَلَى مُوَرِّثِك أَلْفَ دِرْهَمٍ فَمَاتَ وَعَلَيْهِ الدَّيْنُ وَأَمَّا الثَّانِي فَبِأَنْ يَقُولَ إنَّ هَذَا الْعَبْدَ الَّذِي وَرِثْت مِنْ فُلَانٍ مِلْكِي وَبِيَدِك بِغَيْرِ حَقٍّ وَلَا بَيِّنَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فَإِنَّ الْوَارِثَ ( يَحْلِفُ عَلَى الْعِلْمِ لَا الْبَتَاتِ ) لِمَا ذُكِرَ ( إذَا عَلِمَ الْقَاضِي كَوْنَهُ مِيرَاثًا أَوْ أَقَرَّ بِهِ الْمُدَّعِي أَوْ بَرْهَنَ الْخَصْمُ عَلَيْهِ ) كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ ( وَلَوْ ادَّعَاهُمَا ) أَيْ الدَّيْنَ أَوْ الْعَيْنَ ( الْوَارِثُ ) عَلَى غَيْرِهِ ( يَحْلِفُ ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( عَلَى الْبَتَاتِ ) لَا الْعِلْمِ لِمَا ذُكِرَ ( كَالْمَوْهُوبِ لَهُ وَالْمُشْتَرِي ) أَيْ لَوْ وَهَبَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ عَبْدًا فَقَبَضَهُ أَوْ اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا فَجَاءَ رَجُلٌ وَزَعَمَ أَنَّ الْعَبْدَ عَبْدُهُ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ فَأَرَادَ اسْتِحْلَافَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ يَحْلِفُ عَلَى الْبَتَاتِ

( قَوْلُهُ وَلَا يَحْلِفُ أَيْ وَاحِدٌ مِنْ الْوَكِيلِ وَغَيْرِهِ إلَّا إذَا صَحَّ إقْرَارُهُ ) هَذَا ضَابِطٌ لِلتَّحْلِيفِ كَمَا قَالَ فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى كُلُّ مَنْ لَوْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ لَا يَجُوزُ إقْرَارُهُ لَا يَحْلِفُ إذَا أَنْكَرَ كَمَنْ ادَّعَى عَلَى مَيِّتٍ مَالًا وَقَدَّمَ الْوَصِيَّ إلَى الْقَاضِي وَلَا بَيِّنَةَ لِلْمُدَّعِي فَأَرَادَ يَمِينَ الْوَصِيِّ إنْ كَانَ الْوَصِيُّ وَارِثًا حَلَّفَهُ لِأَنَّ إقْرَارَهُ جَائِزٌ فِي حِصَّتِهِ نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَارِثًا لَا يُحَلِّفُهُ ا هـ .
وَمِثْلُهُ فِي الْخَانِيَّةِ .

( ادَّعَى ) رَجُلُ ( مَنْكُوحَةَ الْغَيْرِ أَنَّهَا مَنْكُوحَتُهُ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُ ) أَيْ لِلْمُدَّعِي ( يَحْلِفُ الزَّوْجُ عَلَى الْعِلْمِ ) أَيْ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّهَا مَنْكُوحَتُهُ ( فَإِنْ حَلَفَ انْقَطَعَ النِّزَاعُ وَإِنْ نَكَلَ حَلَفَتْ ) أَيْ الْمَرْأَةُ ( عَلَى الْبَتَاتِ ) أَيْ أَنَّهَا لَيْسَتْ امْرَأَتَهُ ( فَإِنْ نَكَلَتْ قُضِيَ بِنِكَاحِ الْمُدَّعِي ) كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ وَجَبَ فِيهِ الْيَمِينُ عَلَى الْبَتَاتِ فَحَلَفَ عَلَى الْعِلْمِ لَا يَكُونُ مُعْتَبَرًا حَتَّى لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ وَلَا يُسْقَطَ الْيَمِينُ عَنْهُ وَكُلُّ مَوْضِعٍ وَجَبَ فِيهِ الْيَمِينُ عَلَى الْعِلْمِ فَحَلَفَ عَلَى الْبَتَاتِ يُعْتَبَرُ الْيَمِينُ حَتَّى يَسْقُطَ الْيَمِينُ عَنْهُ وَيُقْضَى عَلَيْهِ إذَا نَكَلَ لِأَنَّ الْحَلِفَ عَلَى الْبَتَاتِ آكَدُ فَيُعْتَبَرُ مُطْلَقًا بِخِلَافِ الْعَكْسِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ( ادَّعَى أَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةً يَحْلِفُ عَلَى الْكُلِّ مَرَّةً ) فِي الْعِمَادِيَّةِ ادَّعَى أَعْيَانَا مُخْتَلِفَةَ الْجِنْسِ وَالنَّوْعِ وَالصِّفَةِ وَذَكَرَ قِيمَةَ الْكُلِّ جُمْلَةً وَلَمْ يَذْكُرْ قِيمَةَ كُلِّ عَيْنٍ عَلَى حِدَةٍ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ بَعْضُهُمْ شَرَطَ التَّفْصِيلَ وَبَعْضُهُمْ اكْتَفَى بِالْإِجْمَالِ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْمُدَّعِي لَوْ ادَّعَى غَصْبَ هَذِهِ الْأَعْيَانِ لَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ الدَّعْوَى بَيَانُ الْقِيمَةِ لَكِنْ إنْ ادَّعَى أَنَّ الْأَعْيَانَ قَائِمَةٌ فِي يَدِهِ يُؤْمَرُ بِإِحْضَارِهَا فَتُقْبَلُ الْبَيِّنَةُ بِحَضْرَتِهَا وَإِنْ قَالَ إنَّهَا قَدْ هَلَكَتْ فِي يَدِهِ أَوْ اسْتَهْلَكَهَا وَبَيَّنَ قِيمَةَ الْكُلِّ جُمْلَةً تُسْمَعُ دَعْوَاهُ وَتُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ حَلَفَ عَلَى الْكُلِّ مَرَّةً لِأَنَّ وُجُوبَ التَّحْلِيفِ مَبْنِيٌّ عَلَى صِحَّةِ الدَّعْوَى وَقَدْ صَحَّتْ فَوَجَبَ عَلَى الْكُلِّ مَرَّةً .

قَوْلُهُ ادَّعَى رَجُلٌ مَنْكُوحَةَ الْغَيْرِ ) يَعْنِي قَبْلَ نِكَاحِهِ ثُمَّ إنَّهَا لَا تَحْلِفُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا لَا تُسْتَحْلَفُ الْمَرْأَةُ مَا لَمْ يَحْلِفْ الزَّوْجُ لِأَنَّهَا لَوْ أَقَرَّتْ بِذَلِكَ لَا يَجُوزُ إقْرَارُهَا عَلَى الزَّوْجِ الثَّانِي لَكِنْ يَحْلِفُ الزَّوْجُ الثَّانِي أَوَّلًا بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَنَّ هَذَا تَزَوَّجَهَا قَبْلَك إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ كَمَا فِي الْفَتَاوَى الصُّغْرَى ( قَوْلُهُ اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ وَجَبَ فِيهِ الْيَمِينُ عَلَى الْبَتَاتِ
إلَخْ ) حَكَاهُ سَعْدِيٌّ حَلَبِيٌّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ قَالَ فِيهِ بَحْثٌ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ لَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ وَلَا يَسْقُطُ الْيَمِينُ لَيْسَ كَمَا يَنْبَغِي بَلْ اللَّائِقُ أَنْ يُقْضَى بِالنُّكُولِ فَإِنَّهُ إذَا نَكَلَ عَنْ الْحَلِفِ عَلَى الْعِلْمِ فَفِي الْبَتَاتِ أَوْلَى وَالْجَوَابُ الْمَنْعُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ نُكُولُهُ لِعِلْمِهِ بِعَدَمِ فَائِدَةِ الْيَمِينِ عَلَى الْعِلْمِ فَلَا يَحْلِفُ حَذَرًا عَنْ التَّكْرَارِ فَلْيُتَأَمَّلْ وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ قَوْلَهُ فَيُقْضَى عَلَيْهِ إذَا نَكَلَ
إلَخْ مَحَلُّ تَأَمُّلٍ فَإِنَّهَا إذَا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ كَيْفَ يُقْضَى عَلَيْهِ إذَا نَكَلَ ا هـ .
وَقَالَ يَعْقُوبُ بَاشَا بَعْدَ نَقْلِهِ عَنْ النِّهَايَةِ وَفِيهِ كَلَامٌ وَهُوَ أَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ الْحُكْمِ بِالنُّكُولِ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْيَمِينِ عَلَى الْبَتَاتِ كَمَا لَا يَخْفَى فَلْيُتَأَمَّلْ ا هـ .
( قَوْلُهُ ادَّعَى أَشْيَاءَ مُخْتَلِفَةً
إلَخْ ) كَذَا فِي الصُّغْرَى ثُمَّ قَالَ بَعْدَهُ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ إنْ كَانَ الْمُدَّعِي عُرِفَ مِنْهُ التَّعَنُّتُ حِينَئِذٍ يُؤْمَرُ بِجَمْعِ الدَّعَاوَى وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَعْرُوفٍ بِذَلِكَ لَمْ يُكَلِّفْهُ جَمْعَهَا .
ا هـ .

( أَقَرَّ بِدَيْنٍ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ قَالَ كُنْت كَاذِبًا فِي إقْرَارِي حَلَفَ الْمُقَرُّ لَهُ أَنَّهُ ) أَيْ الْمُقِرَّ ( لَمْ يَكُنْ كَاذِبًا فِيهِ وَلَسْتُ بِمُبْطِلٍ فِي دَعْوَاك عَلَيْهِ ) عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ وَعِنْدَهُمَا يُؤْمَرُ بِتَسْلِيمِ الْمُقَرِّ بِهِ إلَى الْمُقَرِّ لَهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ حُجَّةٌ مُلْزِمَةٌ شَرْعًا كَالْبَيِّنَةِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ احْتِمَالَ الْكَذِبِ فِيهِ أَبْعَدُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعَادَةَ جَرَتْ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّهُمْ إذَا أَرَادُوا الِاسْتِدَانَةَ يَكْتُبُونَ الصَّكَّ قَبْلَ الْأَخْذِ ثُمَّ يَأْخُذُونَ الْمَالَ فَلَا يَكُونُ الْإِقْرَارُ دَلِيلًا عَلَى اعْتِبَارِ هَذِهِ الْحَالَةِ فَيَحْلِفُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِتَغَيُّرِ أَحْوَالِ النَّاسِ وَكَثْرَةِ الْخِدَاعِ وَالْخِيَانَاتِ وَهُوَ يَتَضَرَّرُ وَالْمُدَّعِي لَا يَضُرُّهُ الْيَمِينُ إنْ كَانَ صَادِقًا فَيُصَارُ إلَيْهِ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ( صَحَّ فِدَاءُ الْيَمِينِ وَالصُّلْحُ مِنْهُ ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى رَجُلٌ عَلَى آخَرَ مَالًا فَأَنْكَرَ فَاسْتَحْلَفَ فَافْتَدَى يَمِينَهُ بِمَالٍ أَوْ صَالَحَ عَنْ يَمِينِهِ عَلَى مَالٍ صَحَّ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَأَعْطَى شَيْئًا وَافْتَدَى يَمِينَهُ وَلَمْ يَحْلِفْ وَعَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ أَنَّهُ افْتَدَى يَمِينَهُ بِمَالٍ وَلِأَنَّهُ لَوْ حَلَفَ وَقَعَ فِي الْقِيلِ وَالْقَالِ فَإِنَّ بَعْضَ النَّاسِ يُصَدِّقُ وَبَعْضَهُمْ يُكَذِّبُ فَإِذَا افْتَدَى يَمِينَهُ صَانَ عِرْضَهُ وَهُوَ حَسَنٌ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { ذُبُّوا عَنْ أَعْرَاضِكُمْ بِأَمْوَالِكُمْ } ( وَلَا يَحْلِفُ بَعْدَهُ ) أَيْ لَيْسَ لِلْمُدَّعِي أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ بَعْدَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَسْقَطَ خُصُومَتَهُ بِأَخْذِ الْبَدَلِ مِنْهُ بِخِلَافِ مَا إذَا اشْتَرَى يَمِينَهُ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ مَثَلًا حَيْثُ لَمْ يَجُزْ وَكَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ لِأَنَّ الشِّرَاءَ عَقْدُ تَمْلِيكِ الْمَالِ بِالْمَالِ وَالْيَمِينُ لَيْسَتْ بِمَالٍ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ

قَوْلُهُ ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ) يَعْنِي فِي مَسَائِلَ شَتَّى آخِرَ الْكِتَابِ ( قَوْلُهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ
إلَخْ ) تَمَامُهُ وَلَمَّا افْتَدَى قِيلَ أَلَا تَحْلِفَ وَأَنْتَ صَادِقٌ فَقَالَ أَخَافُ أَنْ يُوَافِقَ قَدَرٌ يَمِينِي فَيُقَالُ هَذَا بِسَبَبِ يَمِينِهِ الْكَاذِبَةِ ( قَوْلُهُ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ) كَذَا قَالَ عَلِيٌّ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ إيَّاكَ وَمَا يَقَعُ عِنْدَ النَّاسِ إنْكَارُهُ وَإِنْ كَانَ عِنْدَك اعْتِذَارُهُ

( بَابُ التَّحَالُفِ ) ( اخْتَلَفَا ) أَيْ الْمُتَبَايِعَانِ ( فِي قَدْرِ الثَّمَنِ ) بِأَنْ ادَّعَى الْمُشْتَرِي ثَمَنًا وَادَّعَى الْبَائِعُ أَكْثَرَ مِنْهُ ( أَوْ وَصْفِهِ ) بِأَنْ ادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّهُ بِدَرَاهِمَ رَائِجَةٍ وَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ بِدَرَاهِمَ كَاسِدَةٍ ( أَوْ جِنْسِهِ ) بِأَنْ ادَّعَى الْبَائِعُ أَنَّهُ بِالدَّنَانِيرِ وَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَنَّهُ بِالدَّرَاهِمِ ( أَوْ ) اخْتَلَفَا ( فِي قَدْرِ الْمَبِيعِ ) بِأَنْ اعْتَرَفَ الْبَائِعُ بِقَدْرٍ مِنْ الْمَبِيعِ وَادَّعَى الْمُشْتَرِي أَكْثَرَ مِنْهُ ( حُكِمَ لِمَنْ بَرْهَنَ ) أَيْ أَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ حُكِمَ لَهُ لِأَنَّهُ نَوَّرَ دَعْوَاهُ بِالْحُجَّةِ فَبَقِيَ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ مُجَرَّدُ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ أَقْوَى لِأَنَّهَا تُلْزِمُ عَلَى الْقَاضِي الْحُكْمَ وَالدَّعْوَى لَا تُلْزِمُ ( وَإِنْ بَرْهَنَا حُكِمَ لِمُثْبِتِ الزِّيَادَةِ ) لِأَنَّ الْبَيِّنَاتِ لِلْإِثْبَاتِ وَمُثْبِتُ الْأَقَلِّ لَا يُعَارِضُ مُثْبِتَ الْأَكْثَرِ ( وَإِنْ اُخْتُلِفَ فِيهِمَا ) أَيْ الثَّمَنِ وَالْمَبِيعِ جَمِيعًا بِأَنْ قَالَ الْبَائِعُ بِعْت الْعَبْدَ الْوَاحِدَ بِأَلْفَيْنِ وَقَالَ الْمُشْتَرِي لَا بَلْ بِعْت الْعَبْدَيْنِ بِأَلْفٍ ( فَحُجَّةُ الْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ وَالْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ أَوْلَى ) لِأَنَّ حُجَّةَ الْبَائِعِ فِي الثَّمَنِ أَكْثَرُ إثْبَاتًا وَحُجَّةَ الْمُشْتَرِي فِي الْمَبِيعِ أَكْثَرُ إثْبَاتًا ( وَإِنْ عَجَزَا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِكُلٍّ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ قِيلَ لِلْمُشْتَرِي إمَّا أَنْ تَرْضَى بِالثَّمَنِ الَّذِي يَدَّعِيهِ الْبَائِعُ وَإِلَّا فَسَخْنَا الْبَيْعَ وَقِيلَ لِلْبَائِعِ إمَّا أَنْ تُسَلِّمَ مَا ادَّعَاهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْمَبِيعِ وَإِلَّا فَسَخْنَا الْبَيْعَ لِأَنَّ الْغَرَضَ قَطْعُ الْخُصُومَةِ وَقَدْ أَمْكَنَ ذَلِكَ بِرِضَاءِ أَحَدِهِمَا بِمَا يَدَّعِيهِ الْآخَرُ فَيَجِبُ أَنْ لَا يُعَجِّلَ الْقَاضِي بِالْفَسْخِ حَتَّى يَسْأَلَ كُلًّا مِنْهُمَا بِمَا يَخْتَارُهُ ( وَإِنْ لَمْ يَرْضَيَا بِدَعْوَى أَحَدِهِمَا تَحَالَفَا ) أَيْ اسْتَحْلَفَ الْقَاضِي كُلًّا مِنْهُمَا عَلَى دَعْوَى الْآخَرِ أَصْلُهُ أَنَّ التَّحَالُفَ

قَبْلَ الْقَبْضِ حَالَ قِيَامِ السِّلْعَةِ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ لِأَنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي عَلَى الْمُشْتَرِي زِيَادَةَ الثَّمَنِ وَالْمُشْتَرِي يُنْكِرُ وَالْمُشْتَرِي يَدَّعِي عَلَى الْبَائِعِ وُجُوبَ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ بِمَا ادَّعَاهُ ثَمَنًا وَالْبَائِعُ يُنْكِرُ فَكَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا مُنْكِرًا وَتَحْلِيفُ الْمُنْكِرِ مُوَافِقٌ لِلْقِيَاسِ أَمَّا التَّحَالُفُ بَعْدَ الْقَبْضِ فَعَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لِأَنَّ الْمَبِيعَ سُلِّمَ لِلْمُشْتَرِي فَلَا يَكُونُ مُدَّعِيًا عَلَى الْبَائِعِ شَيْئًا فَبَقِيَ دَعْوَى الْبَائِعِ عَلَى الْمُشْتَرِي زِيَادَةَ الثَّمَنِ وَهُوَ يُنْكِرُ فَيَكْتَفِي بِحَلِفِهِ وَإِنَّمَا ثَبَتَ التَّحَالُفُ بَعْدَ الْقَبْضِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا } ( وَبَدَأَ بِيَمِينِ الْمُشْتَرِي ) لِأَنَّهُ أَقْوَاهُمَا إنْكَارًا لِأَنَّهُ الْمُطَالَبُ أَوَّلًا بِالثَّمَنِ فَيَكُونُ هُوَ الْبَادِئُ بِالْإِنْكَارِ فَيَبْدَأُ بِيَمِينِهِ ( لَوْ سِلْعَةً بِثَمَنٍ ) أَيْ هَذَا إذَا كَانَ بَيْعَ عَيْنٍ بِدَيْنٍ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ بَلْ بَيْعَ عَيْنٍ بِعَيْنٍ حَتَّى يَكُونَ مُقَايَضَةً بِعَيْنٍ أَوْ ثَمَنٍ بِثَمَنٍ حَتَّى يَكُونَ صَرْفًا بِثَمَنٍ ( فَبِأَيِّهِمَا شَاءَ ) أَيْ بَدَأَ الْقَاضِي بِيَمِينِ أَيِّهِمَا شَاءَ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي فَائِدَةِ النُّكُولِ وَصِفَةِ التَّحَالُفِ أَنْ يَحْلِفَ الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ وَيَحْلِفَ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ مَا بَاعَهُ بِأَلْفٍ ( وَفَسَخَهُ الْقَاضِي ) أَيْ فَسَخَ الْقَاضِي الْبَيْعَ بَيْنَهُمَا ( بِطَلَبِ أَحَدِهِمَا ) أَوْ طَلَبِهِمَا ( وَلَا يَنْفَسِخُ ) وَقِيلَ يَنْفَسِخُ بِنَفْسِ التَّحَالُفِ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُمَا لَمَّا حَلَفَا لَمْ يَثْبُتْ مَا ادَّعَاهُ كُلٌّ مِنْهُمَا فَبَقِيَ بَيْعًا بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ وَيَفْسَخُهُ الْقَاضِي قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ بَيْنَهُمَا

( بَابُ التَّحَالُفِ ) قَوْلُهُ أَصْلُهُ أَنَّ التَّحَالُفَ قَبْلَ الْقَبْضِ ) أَيْ قَبْضِ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ ( قَوْلُهُ وَبَدَأَ بِيَمِينِ الْمُشْتَرِي ) هُوَ الصَّحِيحُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَبْدَأُ بِيَمِينِ الْبَائِعِ وَقِيلَ يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا وَصِفَةُ التَّحْلِيفِ أَنْ يَحْلِفَ الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ وَيَحْلِفَ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ مَا بَاعَهُ بِأَلْفٍ ذَكَرَهُ فِي الْأَصْلِ .
وَفِي الزِّيَادَاتِ يُضَمُّ إلَى النَّفْيِ الْإِثْبَاتُ فَيَحْلِفُ الْبَائِعُ مَا بَاعَهُ بِأَلْفٍ وَلَقَدْ بَاعَهُ بِأَلْفَيْنِ وَيَحْلِفُ الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ مَا اشْتَرَاهُ بِأَلْفَيْنِ وَلَقَدْ اشْتَرَاهُ بِأَلْفٍ .
ا هـ .
وَالْأَصَحُّ الِاقْتِصَارُ عَلَى النَّفْيِ كَمَا فِي الْكَافِي مُوَجَّهًا

.
وَفَرَّعَ عَلَيْهِ مَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ بِقَوْلِهِ ( فَلَوْ وَطِئَ الْمُشْتَرِي الْجَارِيَةَ الْمَبِيعَةَ بَعْدَ التَّحَالُفِ وَقَبْلَ الْفَسْخِ يَحِلُّ ) أَيْ وَطْؤُهُ لِأَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ مَا لَمْ يَفْسَخْ الْقَاضِي ( وَمَنْ نَكَلَ ) عَنْ الْيَمِينِ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ ( لَزِمَهُ دَعْوَى الْآخَرِ بِالْقَضَاءِ ) لِأَنَّهُ صَارَ مُقِرًّا بِمَا يَدَّعِيهِ الْآخَرُ أَوْ بَاذِلًا لَهُ ( لَا تَحَالُفَ فِي أَصْلِ الْبَيْعِ وَالْأَجَلِ وَشَرْطِ الْخِيَارِ وَقَبْضِ بَعْضِ الثَّمَنِ وَمَكَانِ دَفْعِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَحَلِفِ الْمُنْكِرِ ) أَيْ مُنْكِرِ الْبَيْعِ وَالْأَجَلِ وَغَيْرِهِمَا لِأَنَّ هَذَا اخْتِلَافٌ فِي غَيْرِ الْبَيْعِ وَالثَّمَنِ فَأَشْبَهَ الِاخْتِلَافَ فِي الْحَطِّ وَالْإِبْرَاءِ بِخِلَافِ الِاخْتِلَافِ فِي وَصْفِ الثَّمَنِ أَوْ جِنْسِهِ حَيْثُ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الِاخْتِلَافِ فِي الْقَدْرِ ( وَلَا بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ أَوْ خُرُوجِهِ عَنْ مِلْكِهِ أَوْ تَغَيُّرِهِ بِالْعَيْبِ ) يَعْنِي إذَا هَلَكَ الْمَبِيعُ أَوْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ أَوْ تَغَيَّرَ بِحُدُوثِ الْعَيْبِ عِنْدَهُ وَصَارَ بِحَالٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى رَدِّهِ بِالْعَيْبِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ لَمْ يَتَحَالَفَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ بَلْ الْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي .
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ وَالشَّافِعِيِّ يَتَحَالَفَانِ فَيُفْسَخُ الْبَيْعُ عَلَى قِيمَةِ الْهَالِكِ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَدَّعِي حَقًّا يُنْكِرُهُ الْآخَرُ فَيَتَحَالَفَانِ وَلَهُمَا أَنَّ التَّحَالُفَ بَعْدَ قَبْضِ الْمَبِيعِ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ فَلَا يَتَعَدَّى إلَى حَالِ هَلَاكِ السِّلْعَةِ ( كَذَا بَعْضُهُ ) أَيْ إذَا هَلَكَ بَعْضُ الْمَبِيعِ أَوْ خَرَجَ عَنْ مِلْكِهِ ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ لَمْ يَتَحَالَفَا ( إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ بِتَرْكِ حِصَّةِ الْهَالِكِ ) أَيْ عَدَمِ أَخْذِ شَيْءٍ مِنْ ثَمَنِ الْهَالِكِ وَجَعَلَ الْعَقْدَ كَأَنْ لَمْ يَكُنْ إلَّا عَلَى الْقَائِمِ ( وَلَا فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ ) أَيْ وَلَا تَحَالُفَ أَيْضًا بَيْنَ الْمَوْلَى وَالْمُكَاتَبِ إذَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ لِأَنَّ التَّحَالُفَ يَكُونُ فِي

الْمُعَاوَضَاتِ عِنْدَ تَجَاحُدِ الْحُقُوقِ اللَّازِمَةِ وَبَدَلُ الْكِتَابَةِ غَيْرُ لَازِمٍ لِجَوَازِ الْعَجْزِ وَإِذَا انْعَدَمَ التَّحَالُفُ وَجَبَ اعْتِبَارُ الدَّعْوَى وَالْإِنْكَارِ فَيَكُونُ الْقَوْلُ قَوْلَ الْعَبْدِ مَعَ يَمِينِهِ لِإِنْكَارِهِ الزِّيَادَةَ وَإِنْ أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَبَيِّنَةُ الْمَوْلَى أَوْلَى لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ .
( وَ ) لَا فِي ( رَأْسِ الْمَالِ بَعْدَ إقَالَتِهِ ) أَيْ إذَا أَقَالَا عَقْدَ السَّلَمِ وَاخْتَلَفَا فِي رَأْسِ الْمَالِ لَمْ يَتَحَالَفَا إذْ لَوْ تَحَالَفَا تَنْفَسِخُ الْإِقَالَةُ وَيَعُودُ السَّلَمُ وَهُوَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ إقَالَتَهُ إسْقَاطُ الدَّيْنِ وَالسَّاقِطُ لَا يَعُودُ ( بَلْ صُدِّقَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ لَوْ حَلَفَ ) لِأَنَّ رَبَّ السَّلَمِ يَدَّعِي عَلَيْهِ زِيَادَةً وَهُوَ يُنْكِرُ ( وَلَا يَعُودُ السَّلَمُ ) لِمَا ذُكِرَ أَنَّ السَّاقِطَ لَا يَعُودُ ( بِخِلَافِ الْبَيْعِ ) يَعْنِي إذَا اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ بَعْدَ الْإِقَالَةِ وَقَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ بِحُكْمِهَا تَحَالَفَا وَعَادَ الْبَيْعُ وَالْفَرْقُ أَنَّ الْغَرَضَ مِنْ التَّحَالُفِ فَسْخُ الْعَقْدِ حَتَّى يَعُودَ كُلٌّ مِنْهُمَا إلَى أَصْلِ مَالِهِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { تَحَالَفَا وَتَرَادَّا } وَالتَّحَالُفُ فِي الْإِقَالَةِ فِي السَّلَمِ لَا يُفِيدُ هَذَا الْغَرَضَ لِأَنَّ الْإِقَالَةَ فِي السَّلَمِ بَعْدَ نَفَاذِهَا لَا تَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بِسَائِرِ أَسْبَابِ الْفَسْخِ حَتَّى لَوْ قَالَا نَقَضْنَا الْإِقَالَةَ لَا تُنْتَقَضُ فَلَا يُحْتَمَلُ الْفَسْخُ أَيْضًا لِمَا مَرَّ أَنَّ السَّاقِطَ لَا يَعُودُ وَأَمَّا الْإِقَالَةُ فِي الْبَيْعِ فَمِمَّا يَحْتَمِلُ الْفَسْخَ بِسَائِرِ أَسْبَابِ الْفَسْخِ حَتَّى لَوْ قَالَا نَقَضْنَا الْإِقَالَةَ تُنْتَقَضُ فَاحْتَمَلَتْ الْفَسْخَ بِالتَّحَالُفِ أَيْضًا لِانْتِفَاءِ الْمَانِعِ هُنَا لِأَنَّ مِلْكَ الْعَيْنِ يَحْتَمِلُ الْعَوْدَ

( قَوْلُهُ وَمَنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ لَزِمَهُ دَعْوَى الْآخَرِ بِالْقَضَاءِ ) أَيْ إذَا اتَّصَلَ بِهِ الْقَضَاءُ وَهَذَا التَّحَالُفُ إذَا اخْتَلَفَا فِي الْبَدَلِ قَصْدًا وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي ضِمْنِ شَيْءٍ كَاخْتِلَافِهِمَا فِي زِقِّ الْمَبِيعِ فَالْقَوْلُ لِلْمُشْتَرِي سَوَاءٌ سَمَّى لِكُلِّ رِطْلٍ ثَمَنًا أَوْ لَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ وَلَا بَعْدَ هَلَاكِ الْمَبِيعِ ) يَعْنِي الْمَبِيعَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّهُ فِي الْمُقَايَضَةِ يَتَحَالَفَانِ بَعْدَ هَلَاكِ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا مَبِيعٌ فَكَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا بِبَقَاءِ الْآخَرِ فَيُمْكِنُ فَسْخُهُ وَإِذَا فُسِخَ يُرَدُّ مِثْلُ الْهَالِكِ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا وَقِيمَتُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا كَمَا فِي الْكَافِي ( قَوْلُهُ أَوْ تَغَيُّرِهِ بِالْعَيْبِ ) كَذَا فِي الْكَافِي ا هـ .
وَلَيْسَ بِقَيْدٍ احْتِرَازِيٍّ عَنْ تَغَيُّرِهِ بِغَيْرِ الْعَيْبِ لِأَنَّهُمَا إنْ اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الثَّمَنِ وَكَانَ التَّغَيُّرُ بِزِيَادَةٍ مُتَّصِلَةٍ كَالسِّمَنِ وَالْجَمَالِ مَنَعَتْ التَّحَالُفَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا تَمْنَعُ وَيَرُدُّ الْمُشْتَرِي الْعَيْنَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ تَمْنَعُ الْفَسْخَ عِنْدَهُمَا فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ فَتَمْنَعُ التَّحَالُفَ ، وَعِنْدَهُ لَا تَمْنَعُ الْفَسْخَ فَلَا تَمْنَعُ وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُتَّصِلَةً غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْ الْأَصْلِ كَالصِّبْغِ فِي الثَّوْبِ وَالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ فِي الْأَرْضِ فَكَذَلِكَ تَمْنَعُ التَّحَالُفَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ لَا تَمْنَعُ وَيَرُدُّ الْمُشْتَرِي الْقِيمَةَ ، وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُنْفَصِلَةً مُتَوَلِّدَةً مِنْ الْأَصْلِ كَالْوَلَدِ وَالْأَرْشِ وَالْعُقْرِ فَهُوَ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ وَإِنْ كَانَتْ الزِّيَادَةُ مُنْفَصِلَةً غَيْرَ مُتَوَلِّدَةٍ مِنْ الْأَصْلِ كَالْمَوْهُوبِ وَالْمَكْسُوبِ لَا تَمْنَعُ التَّحَالُفَ بِالْإِجْمَاعِ فَيَتَحَالَفَانِ وَيَرُدُّ الْمُشْتَرِي الْعَيْنَ لِأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ لَا تَمْنَعُ الْفَسْخَ فِي عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ فَلَا تَمْنَعُ التَّحَالُفَ

وَكَذَا هِيَ لَيْسَتْ فِي مَعْنَى هَلَاكِ الْعَيْنِ فَلَا تَمْنَعُ التَّحَالُفَ ، وَإِذَا تَحَالَفَا يَرُدُّ الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ دُونَ الزِّيَادَةِ وَكَانَتْ الزِّيَادَةُ لَهُ لِأَنَّهَا حَدَثَتْ عَلَى مِلْكِهِ وَتَطِيبُ لَهُ لِعَدَمِ تَمَكُّنِ الْخَبَثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَذَا فِي الْبَدَائِعِ فَيَغْنَمْ قَوْلُهُ كَذَا بَعْضُهُ إلَّا أَنْ يَرْضَى الْبَائِعُ بِتَرْكِ حِصَّةِ الْهَالِكِ ) قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَحْكُمُ أَبُو يُوسُفَ بِالتَّحَالُفِ وَبِالْفَسْخِ فِي الْقَائِمِ وَأَمَرَ مُحَمَّدٌ بِالْفَسْخِ فِيهِمَا كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ ( قَوْلُهُ وَلَا فِي بَدَلِ الْكِتَابَةِ ) قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يَتَحَالَفَانِ وَتُفْسَخُ الْكِتَابَةُ ( قَوْلُهُ وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمَوْلَى ) يَعْنِي عِنْدَ التَّعَارُضِ لِإِثْبَاتِهَا الزِّيَادَةَ إلَّا أَنَّ الْعَبْدَ إذَا أَدَّى قَدْرَ مَا أَقَامَ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ عَتَقَ وَإِذَا لَمْ يَتَعَارَضَا فَأَقَامَ أَحَدُهُمَا بَيِّنَةً قُبِلَتْ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ وَقَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ بِحُكْمِهَا تَحَالَفَا ) يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْبَائِعَ لَوْ قَبَضَ الْمَبِيعَ بَعْدَ الْإِقَالَةِ لَا يَتَحَالَفَانِ وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَتَحَالَفَانِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ

( اخْتَلَفَا فِي قَدْرِ الْمَهْرِ قُضِيَ لِمَنْ بَرْهَنَ ) أَيْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ لِأَنَّهُ نَوَّرَ دَعْوَاهُ بِهَا وَهِيَ كَاسْمِهَا مُبِينَةٌ ( وَإِنْ بَرْهَنَا فَلَهَا ) أَيْ قَضَى لِلْمَرْأَةِ ( إنْ شَهِدَ مَهْرُ الْمِثْلِ لَهُ ) أَيْ لِلزَّوْجِ بِأَنْ كَانَ مِثْلَ مَا يَدَّعِيهِ الزَّوْجُ أَوْ أَقَلَّ لِأَنَّ الظَّاهِرَ يَشْهَدُ لِلزَّوْجِ وَبَيِّنَةُ الْمَرْأَةِ تُثْبِتُ خِلَافَ الظَّاهِرِ ( وَ ) قَضَى ( لَهُ ) أَيْ الزَّوْجِ ( إنْ شَهِدَ ) أَيْ مَهْرُ الْمِثْلِ ( لَهَا ) بِأَنْ كَانَ مِثْلَ مَا تَدَّعِيهِ أَوْ أَكْثَرَ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْحَطَّ وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ ( وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ ) أَيْ مَهْرُ الْمِثْلِ ( لَهُمَا ) أَيْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَنْ كَانَ أَقَلَّ مِمَّا ادَّعَتْهُ وَأَكْثَرَ مِمَّا ادَّعَاهُ ( تَهَاتَرَا ) أَيْ تَسَاقَطَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْإِثْبَاتِ لِأَنَّ بَيِّنَتَهَا تُثْبِتُ الزِّيَادَةَ وَبَيِّنَتَهُ تُثْبِتُ الْحَطَّ فَلَا يَكُونُ أَحَدُهُمَا أَوْلَى مِنْ الْآخَرِ ( وَإِنْ عَجَزَا ) عَنْ الْبُرْهَانِ ( تَحَالَفَا وَأَيُّهُمَا نَكَلَ لَزِمَهُ دَعْوَى الْآخَرِ ) لِأَنَّهُ صَارَ مُقِرًّا بِمَا مَا يَدَّعِيهِ خَصْمُهُ أَوْ بَاذِلًا ( وَلَا يُفْسَخُ النِّكَاحُ ) لِأَنَّ يَمِينَ كُلٍّ مِنْهُمَا يُبْطِلُ مَا يَدَّعِيهِ صَاحِبُهُ مِنْ التَّسْمِيَةِ فَيَبْقَى الْعَقْدُ بِلَا تَسْمِيَةٍ وَهُوَ لَا يُفْسِدُ النِّكَاحَ إذْ الْمَهْرُ تَابِعٌ فِيهِ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ عَدَمَ تَسْمِيَةِ الثَّمَنِ يُفْسِدُ كَمَا مَرَّ فِي الْبُيُوعِ وَيَفْسَخُهُ الْقَاضِي قَطْعًا لِلْمُنَازَعَةِ بَيْنَهُمَا ( بَلْ يُحَكِّمُ مَهْرَ الْمِثْلِ ) أَيْ يُجْعَلُ حَكَمًا ( فَيَقْضِي بِقَوْلِهِ ) أَيْ الزَّوْجِ ( لَوْ ) كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ ( كَمَا قَالَ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ وَ ) يَقْضِي ( بِقَوْلِهَا لَوْ ) كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ ( كَمَا قَالَتْ أَوْ أَكْثَرَ مِنْهُ وَبِهِ ) أَيْ يَقْضِي بِمَهْرِ الْمِثْلِ ( لَوْ ) كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ ( بَيْنَهُمَا ) بِأَنْ كَانَ أَكْثَرَ مِمَّا قَالَهُ وَأَقَلَّ مِمَّا قَالَتْهُ إذْ لَمْ تَثْبُتْ الزِّيَادَةُ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ وَلَا الْحَطُّ عَنْهُ لِلتَّحَالُفِ

( قَوْلُهُ فَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ أَيْ مَهْرُ الْمِثْلِ لَهُمَا تَهَاتَرَا ) لَا يُعْلَمُ مِنْهُ مَا ذَا يَجِبُ لَهَا وَلَعَلَّهُ مَهْرُ الْمِثْلِ كَمَا إذَا عَجَزَا وَتَحَالَفَا وَكَانَ مَهْرُ مِثْلِهَا بَيْنَ قَوْلِهِمَا ( قَوْلُهُ وَإِنْ عَجَزَا
إلَخْ ) تَخْرِيجُ الْكَرْخِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ وَتَخْرِيجُ الرَّازِيِّ خِلَافُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِالْيَمِينِ أَوَّلًا فَيَجْعَلُ الْقَوْلَ لِمَنْ يَشْهَدُ لَهُ الظَّاهِرُ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ مَعَ يَمِينِهِ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بِأَنْ كَانَ بَيْنَهُمَا تَحَالُفًا وَيَبْدَأُ بِيَمِينِ الزَّوْجِ .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَتَحَالَفَانِ وَالْقَوْلُ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ إلَّا أَنْ يَأْتِيَ بِشَيْءٍ مُسْتَنْكِرٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ

( اخْتَلَفَا فِي بَدَلِ الْإِجَارَةِ ) بِأَنْ ادَّعَى الْمُؤَجِّرُ أَنَّهُ آجَرَهُ شَهْرًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَادَّعَى الْمُسْتَأْجِرُ أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ بِخَمْسَةٍ ( أَوْ الْمَنْفَعَةِ ) بِأَنْ ادَّعَى الْمُؤَجِّرُ أَنَّهُ آجَرَ شَهْرًا وَادَّعَى الْمُسْتَأْجِرُ أَنَّهُ اسْتَأْجَرَهُ شَهْرَيْنِ ( قَبْلَ قَبْضِهَا ) أَيْ قَبْضِ الْمَنْفَعَةِ ( أَوْ ) اخْتَلَفَا ( فِيهِمَا ) أَيْ فِي بَدَلِ الْإِجَارَةِ وَالْمَنْفَعَةِ مَعًا ( تَحَالَفَا وَتَرَادَّا ) لَمْ يَذْكُرْ الْأَجَلَ لِعَدَمِ جَرَيَانِ التَّحَالُفِ فِيهِ بَلْ الْقَوْلُ لِمُنْكِرِ الزِّيَادَةِ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَوَجْهُ التَّحَالُفِ أَنَّ الْإِجَارَةَ قَبْلَ قَبْضِ الْمَنْفَعَةِ كَالْبَيْعِ قَبْلَ قَبْضِ الْمَبِيعِ فِي كَوْنِ كُلٍّ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ يَدَّعِي عَلَى الْآخَرِ وَهُوَ يُنْكِرُ وَكَوْنِ كُلٍّ مِنْ الْعَقْدَيْنِ مُعَاوَضَةً يَجْرِي فِيهَا الْفَسْخُ فَأُلْحِقَتْ بِهِ وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ قِيَامَ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ التَّحَالُفِ وَالْمَنْفَعَةُ مَعْدُومَةٌ وَأُجِيبَ بِأَنَّ الدَّارَ مَثَلًا أُقِيمَتْ مَقَامَ الْمَنْفَعَةِ فِي حَقِّ إيرَادِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا فَكَأَنَّهَا قَائِمَةٌ تَقْدِيرًا ( وَحَلَفَ الْمُسْتَأْجِرُ أَوَّلًا لَوْ اُخْتُلِفَ فِي الْأُجْرَةِ وَ ) حَلَفَ ( الْمُؤَجِّرُ لَوْ ) اُخْتُلِفَ ( فِي الْمَنْفَعَةِ وَإِنْ نَكَلَ ثَبَتَ قَوْلُ الْآخَرِ ، وَأَيٌّ بَرْهَنَ قُبِلَ ، وَإِنْ بَرْهَنَا فَحُجَّةُ الْمُؤَجِّرِ أَوْلَى لَوْ ) اُخْتُلِفَ ( فِي الْأُجْرَةِ وَ ) حُجَّةُ ( الْمُسْتَأْجِرِ أَوْلَى لَوْ ) اُخْتُلِفَ ( فِي الْمَنْفَعَةِ ) نَظَرًا إلَى زِيَادَةِ الْإِثْبَاتِ ( وَحُجَّةُ كُلٍّ فِي زَائِدٍ يَدَّعِيهِ ) أَوْلَى ( لَوْ ) اُخْتُلِفَ ( فِيهِمَا ) أَيْ فِي الْأُجْرَةِ وَالْمَنْفَعَةِ بِأَنْ ادَّعَى الْمُؤَجِّرُ شَهْرًا بِعَشَرَةٍ وَالْمُسْتَأْجِرُ شَهْرَيْنِ بِخَمْسَةٍ فَيُقْضَى بِشَهْرَيْنِ بِعَشَرَةٍ ( وَلَا تَحَالُفَ لَوْ ) اُخْتُلِفَ ( بَعْدَ قَبْضِ الْمَنْفَعَةِ وَالْقَوْلُ لِلْمُسْتَأْجِرِ ) مَعَ يَمِينِهِ لِأَنَّ جَرَيَانَ التَّحَالُفِ لِأَجْلِ الْفَسْخِ وَالْمَنَافِعُ الْمُسْتَوْفَاةُ لَا يُمْكِنُ فَسْخُ الْعَقْدِ فِيهَا ( وَبَعْدَ قَبْضِ

بَعْضِهَا ) أَيْ الْمَنْفَعَةِ ( تَحَالَفَا وَفُسِخَتْ ) أَيْ الْإِجَارَةُ فِيمَا بَقِيَ ( وَالْقَوْلُ لِلْمُسْتَأْجِرِ فِيمَا مَضَى ) لِأَنَّ الْإِجَارَةَ تَنْعَقِدُ سَاعَةُ فَسَاعَةٌ عَلَى حَسَبِ حُدُوثِ الْمَنْفَعَةِ فَيَصِيرُ كُلُّ جُزْءٍ مِنْ الْمَنْفَعَةِ كَالْمَعْقُودِ عَلَيْهِ ابْتِدَاءً فَصَارَ مَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَّةِ كَالْمُنْفَرِدِ بِالْعَقْدِ فَيَتَحَالَفَانِ عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا هَلَكَ بَعْضُ الْمَبِيعِ لِأَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْهُ لَيْسَ بِمَعْقُودٍ عَلَيْهِ عَقْدًا مُبْتَدَأً بَلْ الْجُمْلَةُ مَعْقُودَةٌ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ فَإِذَا تَعَذَّرَ الْفَسْخُ فِي بَعْضِهِ بِالْهَلَاكِ تَعَذَّرَ فِي كُلِّهِ ضَرُورَةً

( اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ سَوَاءً قَامَ النِّكَاحُ ) بَيْنَهُمَا ( أَوْ لَا ) وَادَّعَى كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّ الْمَتَاعَ كُلَّهُ لَهُ وَلَا بَيِّنَةَ لَهُمَا ( فَالْقَوْلُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فِيمَا يَصْلُحُ لَهُ ) يَعْنِي أَنَّ الْقَوْلَ فِيمَا يَصْلُحُ لِلرِّجَالِ كَالْعِمَامَةِ وَالْقَبَاءِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَالطَّيْلَسَانِ وَالسِّلَاحِ وَالْمِنْطَقَةِ وَالْكُتُبِ وَالدِّرْعِ وَالْقَوْسِ وَالنُّشَّابِ وَنَحْوِهَا قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ بِشَهَادَةِ الظَّاهِرِ لَهُ ، وَفِيمَا يَصْلُحُ لِلنِّسَاءِ كَالدِّرْعِ وَالْخِمَارِ وَثِيَابِ النِّسَاءِ وَحُلِيِّهِنَّ وَنَحْوِهَا قَوْلُ الْمَرْأَةِ مَعَ يَمِينِهَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ شَاهِدٌ لَهَا ( إلَّا إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَفْعَلُ أَوْ يَبِيعُ ) مَا يَصْلُحُ لِلْآخَرِ أَيْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ صَائِغًا وَلَهُ أَسَاوِرُ وَخَوَاتِمُ النِّسَاءِ وَالْحُلِيُّ وَالْخَلْخَالُ وَنَحْوُهَا فَلَا يَكُونُ لَهَا وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ دَلَّالَةً تَبِيعُ ثِيَابَ الرِّجَالِ أَوْ تَاجِرَةً تَتَّجِرُ فِي ثِيَابِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ أَوْ ثِيَابِ الرِّجَالِ وَحْدَهَا كَذَا فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ .
( وَ ) الْقَوْلُ ( لَهُ ) أَيْ لِلرَّجُلِ ( فِيمَا يَصْلُحُ لَهُمَا ) كَالْفُرُشِ وَالْأَمْتِعَةِ وَالْأَوَانِي وَالرَّقِيقِ وَالْمَنْزِلِ وَالْعَقَارِ وَالْمَوَاشِي وَالنُّقُودِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ وَمَا فِي يَدِهَا فِي يَدِ الزَّوْجِ وَإِذَا تَنَازَعَ اثْنَانِ فِي شَيْءٍ وَهُوَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا كَانَ الْقَوْلُ لَهُ كَذَا هُنَا بِخِلَافِ مَا يَخْتَصُّ بِهَا لِأَنَّ لَهَا ظَاهِرًا آخَرَ أَظْهَرُ مِنْ الْيَدِ وَهُوَ يَدُ الِاسْتِعْمَالِ فَجُعِلَ الْقَوْلُ قَوْلَهَا كَرَجُلَيْنِ اخْتَلَفَا فِي ثَوْبٍ أَحَدُهُمَا لَابِسُهُ وَالْآخَرُ مُتَعَلِّقٌ بِكُمِّهِ فَاللَّابِسُ أَوْلَى وَهَذَا إذَا كَانَا حَيَّيْنِ ( فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَالْمُشْكِلُ لِلْحَيِّ بِيَمِينِهِ ) حُرًّا كَانَ أَوْ رَقِيقًا إذْ لَا يَدَ لِلْمَيِّتِ فَبَقِيَتْ يَدُ الْحَيِّ بِلَا مُعَارِضٍ هَكَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ لِلصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَصَدْرِ الْإِسْلَامِ وَشَمْسِ الْأَئِمَّةِ

الْحَلْوَانِيِّ وَقَاضِي خَانْ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ لِلْحَيِّ مِنْهُمَا وَهُوَ سَهْوٌ وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ وَالزَّعْفَرَانِيّ لِلْحُرِّ مِنْهُمَا بِالرَّاءِ .
( وَ ) لَوْ كَانَ ( أَحَدُهُمَا مَمْلُوكًا فَالْمَتَاعُ لِلْحُرِّ فِي الْحَيَاةِ ) لِأَنَّ يَدَ الْحُرِّ أَقْوَى ( وَلِلْحَيِّ فِي الْمَوْتِ ) إذْ لَا يَدَ لِلْمَيِّتِ فَخَلَتْ يَدُ الْحَيِّ عَنْ الْمُعَارِضِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا الْعَبْدُ الْمَأْذُونُ وَالْمُكَاتَبُ كَالْحُرِّ لِأَنَّ لَهُمَا يَدًا مُعْتَبَرَةٌ فِي الْخُصُومَاتِ حَتَّى لَوْ اخْتَصَمَ الْحُرُّ وَالْمُكَاتَبُ فِي شَيْءٍ هُوَ فِي أَيْدِيهِمَا يُقْضَى بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الْيَدِ بِخِلَافِ مَا لَوْ كَانَ مَحْجُورًا حَيْثُ يُقْضَى بِهِ لِلْحُرِّ إذْ لَا يَدَ لَهُ

قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَفْعَلُ أَوْ يَبِيعُ مَا يَصْلُحُ لِلْآخَرِ ) لَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ فِي عُمُومِ نَفْيِ كَوْنِ أَحَدِهِمَا يَفْعَلُ أَوْ يَبِيعُ الْآخَرُ مَا يَصْلُحُ لَهُ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ تَبِيعُ ثِيَابَ الرِّجَالِ وَمَا يَصْلُحُ لَهُمَا كَالْآنِيَةِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْأَمْتِعَةِ وَالْعَقَارِ فَهُوَ لِلرَّجُلِ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ وَمَا فِي يَدِهَا فِي يَدِ الزَّوْجِ وَالْقَوْلُ فِي الدَّعَاوَى لِصَاحِبِ الْيَدِ بِخِلَافِ مَا يَخْتَصُّ بِهَا لِأَنَّ عَارِضَ يَدِ الزَّوْجِ أَقْوَى مِنْهُ وَهُوَ الِاخْتِصَاصُ بِالِاسْتِعْمَالِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ وَيُعْلَمُ مِمَّا سَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفِ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( قَوْلُهُ فَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَالْمُشْكِلُ لِلْحَيِّ بِيَمِينِهِ ) هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَيَحْكُمُ أَبُو يُوسُفَ لَهَا مِنْهُ أَيْ مِنْ الصَّالِحِ لَهُمَا إنْ كَانَتْ حَيَّةً أَوْ لِوَرَثَتِهَا إنْ كَانَتْ مَيِّتَةً بِجِهَازِ مِثْلِهَا وَجَعَلَهُ مُحَمَّدٌ لِلزَّوْجِ فِي حَيَاتِهِ وَلِوَرَثَتِهِ بَعْدَهُ وَقَالَ زُفَرُ يُقْسَمُ الصَّالِحُ لَهُمَا بَيْنَهُمَا وَعَنْهُ أَنَّ الْمَتَاعَ كُلَّهُ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى الْكُلُّ لِلرَّجُلِ وَلَهَا ثِيَابُ بَدَنِهَا وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ الْكُلُّ لَهَا وَلَهُ ثِيَابُ بَدَنِهِ هَكَذَا فِي الْبُرْهَانِ وَهَذِهِ هِيَ الْمُسَبَّعَةُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ حُرًّا كَانَ أَوْ رَقِيقًا ) لَا يُنَاسِبُ الْمَقَامَ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا كَانَا حُرَّيْنِ وَأَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مَمْلُوكًا فَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْآتِيَةُ وَالِاخْتِلَافُ الَّذِي ذَكَرَهُ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ فِي النُّسَخِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا مَمْلُوكًا فَهُوَ مُقَدَّمٌ مِنْ تَأْخِيرٍ وَيُوَضِّحُهُ قَوْلُ الْكَافِي وَإِذَا اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ وَالنِّكَاحُ قَائِمٌ أَوْ لَيْسَ بِقَائِمٍ وَادَّعَى كُلٌّ أَنَّ الْمَتَاعَ كُلَّهُ لَهُ فَمَا صَلَحَ لِلرِّجَالِ فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُ الزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ وَمَا صَلَحَ لِلنِّسَاءِ

فَالْقَوْلُ فِيهَا قَوْلُ الْمَرْأَةِ مَعَ يَمِينِهَا وَمَا يَصْلُحُ لَهُمَا فَالْقَوْلُ لِلزَّوْجِ مَعَ يَمِينِهِ وَهَذَا إذَا كَانَا حَيَّيْنِ وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا وَاخْتَلَفَ وَرَثَتُهُ مَعَ الْآخَرِ فَالْجَوَابُ فِي غَيْرِ الْمُشْكِلِ عَلَى مَا مَرَّ وَأَمَّا فِي الْمُشْكِلِ فَهُوَ لِلْحَيِّ مِنْهُمَا أَيَّهمَا كَانَ ثُمَّ قَالَ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَمْلُوكًا فَالْمَتَاعُ لِلْحُرِّ فِي حَالِ الْحَيَاةِ وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا فَالْقَوْلُ لِلْحَيِّ فِيهِمَا حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا لِأَنَّهُ لَا يَدَ لِلْمَيِّتِ فَبَقِيَتْ يَدُ الْحَيِّ بِلَا مُعَارِضٍ هَكَذَا ذُكِرَ فِي الْهِدَايَةِ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ ثُمَّ قَوْلُهُ هَكَذَا ذُكِرَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَعْنِي عَامَّةَ نُسَخِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ كَمَا قَالَ الْأَكْمَلُ هَكَذَا وَقَعَ فِي عَامَّةِ نُسَخِ الْجَامِعِ ثُمَّ قَالَ وَالْمُصَنِّفُ يَعْنِي صَاحِبَ الْهِدَايَةِ اخْتَارَ اخْتِيَارَ الْعَامَّةِ وَاسْتَدَلَّ بِقَوْلِهِ لِأَنَّهُ لَا يَدَ لِلْمَيِّتِ فَخَلَتْ يَدُ الْحَيِّ عَنْ الْمُعَارِضِ ( قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَمْلُوكًا فَالْمَتَاعُ لِلْحُرِّ
إلَخْ ) يَعْنِي جَمِيعَ مَتَاعِ الْبَيْتِ ( قَوْلُهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ) أَيْ هَذَا الْحُكْمُ فِي مُطْلَقِ الرَّقِيقِ فَيَشْمَلُ الْمُكَاتَبَ وَالْمَأْذُونَ لِقَوْلِهِ وَقَالَا الْمُكَاتَبُ وَالْمَأْذُونُ كَالْحُرِّ

( فَصْلٌ ) فِيمَنْ يَكُونُ خَصْمًا وَمَنْ لَا يَكُونُ ( قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ هَذَا الشَّيْءُ أَوْدَعَنِيهِ زَيْدٌ أَوْ أَجَّرَنِيهِ أَوْ رَهَنَنِيهِ أَوْ أَعَارَنِيهِ أَوْ غَصَبَنِيهِ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ دُفِعَتْ خُصُومَةُ الْمُدَّعِي ) يَعْنِي ادَّعَى رَجُلٌ عَبْدًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهُ لَهُ فَقَالَ ذُو الْيَدِ هُوَ لِفُلَانٍ الْغَائِبِ أَوْدَعَنِيهِ إلَى آخَرَ مَا ذُكِرَ فَأَقَامَ عَلَى ذَلِكَ بَيِّنَةً أَوْ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّ الْمُدَّعِي أَقَرَّ أَنَّهُ لِفُلَانٍ انْدَفَعَ عَنْهُ خُصُومَةُ الْمُدَّعِي لِأَنَّهُ يُثْبِتُ بِبَيِّنَتِهِ أَنَّهُ وَصَلَ إلَيْهِ مِنْ جِهَةِ فُلَانٍ وَأَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ يَدَ خُصُومَةٍ وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْخُصُومَةِ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لِأَنَّهُ خَصْمٌ بِيَدِهِ فَصَارَ مُنَاقِضًا فِي دَفْعِ الْخُصُومَةِ عَنْ نَفْسِهِ وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى يَخْرُجُ مِنْهَا بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ إذْ لَا تُهْمَةَ فِيمَا يُقِرُّ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ كَانَ ذُو الْيَدِ رَجُلًا صَالِحًا يَنْدَفِعُ عَنْهُ الْخُصُومَةُ إذَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ وَإِنْ كَانَ مَعْرُوفًا بِالْحِيَلِ لَا تَنْدَفِعُ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ حِينَ اُبْتُلِيَ بِالْقَضَاءِ وَعَرَفَ أَحْوَالَ النَّاسِ فَقَالَ الْمُحْتَالُ مِنْ النَّاسِ قَدْ يَأْخُذُ مَالَ إنْسَانٍ غَصْبًا ثُمَّ يَدْفَعُهُ سِرًّا إلَى مُرِيدِ سَفَرٍ وَيُودِعُهُ بِشَهَادَةِ شُهُودٍ وَحَتَّى إذَا جَاءَ الْمَالِكُ وَأَرَادَ أَنْ يُثْبِتَ مِلْكَهُ فِيهِ أَقَامَ ذُو الْيَدِ بَيِّنَةً عَلَى أَنَّ فُلَانًا أَوْدَعَهُ فَيَبْطُلُ حَقُّهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا تَنْدَفِعُ ( إذَا قَالُوا نَعْرِفُهُ بِوَجْهِهِ ) لَا بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ تَنْدَفِعُ إنْ قَالَ الشُّهُودُ نَعْرِفُهُ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ أَوْ بِوَجْهِهِ لِأَنَّ ذَا الْيَدِ يَحْتَاجُ إلَى دَفْعِ الْخُصُومَةِ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّمَا تَنْدَفِعُ إذَا أَثْبَتَ أَنَّ يَدَهُ لَيْسَتْ يَدَ مِلْكٍ وَخُصُومَةٍ وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَثْبَتَ بِبَيِّنَتِهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِخَصْمٍ لِهَذَا الْمُدَّعِي فَإِنَّا نَعْلَمُ أَنَّ مُودِعَهُ لَيْسَ هَذَا

الْمُدَّعِي إذْ الشُّهُودُ يَعْرِفُونَ الْمُودِعَ بِوَجْهِهِ ( وَإِنْ قَالُوا أَوْدَعَهُ مَنْ لَا نَعْرِفُهُ لَا ) أَيْ لَا يَكُونُ دَفْعًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمُودِعُ هَذَا الْمُنَازِعَ ( كَمَا لَوْ قَالَ ) أَيْ ذُو الْيَدِ ( شَرَيْتُهُ مِنْ الْغَائِبِ ) حَيْثُ لَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ لِأَنَّهُ بِزَعْمِهِ أَنَّ يَدَهُ يَدُ مِلْكٍ صَارَ مُعْتَرِفًا بِكَوْنِهِ خَصْمًا ( أَوْ قَالَ الْمُدَّعِي غَصَبْتَهُ أَوْ سَرَقْتَهُ أَوْ سُرِقَ مِنِّي ) حَيْثُ لَا يَنْدَفِعُ بِهِ الْخُصُومَةُ ( وَإِنْ ) وَصْلِيَّةٌ ( بَرْهَنَ ذُو الْيَدِ عَلَى إيدَاعِ زَيْدٍ ) أَمَّا الْأَوَّلَانِ فَلِأَنَّ الْمُدَّعِي إنَّمَا صَارَ خَصْمًا بِدَعْوَى الْفِعْلِ عَلَيْهِ لَا بِيَدِهِ فَلَا تَنْدَفِعُ دَعْوَاهُ بِإِحَالَةِ الْمِلْكِ إلَى غَيْرِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ الْمِلْكَ عَلَيْهِ بَلْ ادَّعَى الْفِعْلَ عَلَيْهِ وَهُوَ الْغَصْبُ أَوْ السَّرِقَةُ وَأَمَّا الثَّالِثُ فَفِيهِ خِلَافُ مُحَمَّدٍ حَيْثُ قَالَ تَنْدَفِعُ بِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَدَّعِ الْفِعْلَ عَلَيْهِ بَلْ ادَّعَى الْفِعْلَ عَلَى مَجْهُولٍ وَهِيَ بَاطِلَةٌ فَالْتَحَقَتْ بِالْعَدَمِ فَبَقِيَ دَعْوَى الْمِلْكِ وَلَهُمَا أَنَّ هَذَا كَتَعْيِينِ ذِي الْيَدِ لِلسَّرِقَةِ وَلَوْ عَيَّنَهُ لَمْ تَنْدَفِعْ كَذَا هُنَا لِأَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ يَسْتَدْعِي فَاعِلًا وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ الَّذِي فِي يَدِهِ وَإِنَّمَا أَبْهَمَهُ دَرْءًا لِلْحَدِّ فَنَزَلَ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ تَعْيِينِهِ ( بِخِلَافِ غُصِبَ مِنِّي ) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ حَيْثُ تَنْدَفِعُ بِهِ الْخُصُومَةُ إذْ لَا حَدَّ فِيهِ فَلَا يُحْتَرَزُ عَنْ كَشْفِهِ فَلَوْ قُضِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ حَضَرَ الْغَائِبُ فَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمِلْكِ تُقْبَلُ لِأَنَّهُ لَمْ يَصِرْ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ وَإِنَّمَا قُضِيَ عَلَى ذِي الْيَدِ فَقَطْ ( وَلَوْ قَالَ اشْتَرَيْتُهُ مِنْ زَيْدٍ وَقَالَ ذُو الْيَدِ هُوَ ) أَيْ زَيْدٌ ( أَوْدَعَنِي دُفِعَتْ ) أَيْ الْخُصُومَةُ ( بِلَا حُجَّةٍ ) لِتَصَادُقِهِمَا عَلَى أَنَّ أَصْلَ الْمِلْكِ فِيهِ لِزَيْدٍ فَالظَّاهِرُ أَنَّ وُصُولَهُ إلَى يَدِ ذِي الْيَدِ مِنْ جِهَتِهِ فَلَمْ يَكُنْ يَدُهُ يَدَ خُصُومَةٍ بَلْ يَدَ نِيَابَةٍ

وَالدَّعْوَى إنَّمَا تَصِحُّ عَلَى مَنْ يَكُونُ لَهُ يَدُ مِلْكٍ ( إلَّا إذَا بَرْهَنَ ) الْمُدَّعِي ( أَنَّ زَيْدًا وَكَّلَهُ بِقَبْضِهِ ) فَحِينَئِذٍ تَصِحُّ دَعْوَاهُ لِأَنَّهُ يُثْبِتُ بِحُجَّتِهِ أَنَّهُ أَحَقُّ بِإِمْسَاكِهِ ، فَإِنْ طَلَبَ الْمُدَّعِي يَمِينَهُ عَلَى مَا ادَّعَى مِنْ الْإِيدَاعِ حَلَفَ عَلَى الْبَتَاتِ أَقُولُ هَكَذَا وَقَعَتْ الْعِبَارَةُ فِي الْكَافِي وَالظَّاهِرُ أَنْ يَقَعَ التَّوْكِيلُ مَوْقِعَ الْإِيدَاعِ وَيَكُونُ الْمَعْنَى فَإِنْ طَلَبَ مُدَّعِي الْإِيدَاعِ يَمِينَ مُدَّعِي التَّوْكِيلِ بِنَاءً عَلَى مَا ادَّعَى مِنْ الْإِيدَاعِ وَعَجَزَ عَنْ إقَامَةِ الْبُرْهَانِ عَلَيْهِ حَلَفَ عَلَى الْبَتَاتِ يَعْنِي عَلَى عَدَمِ تَوْكِيلِهِ إيَّاهُ لَا عَلَى عَدَمِ عِلْمِهِ بِتَوْكِيلِهِ إيَّاهُ فَتَدَبَّرْ ( وَلَوْ قَالَ ذُو الْيَدِ أَوْدَعَنِي وَكِيلُهُ لَمْ يُصَدَّقْ إلَّا بِبَيِّنَةٍ ) لِأَنَّ الْوَكَالَةَ لَا تَثْبُتُ بِقَوْلِهِ

( فَصْلٌ فِيمَنْ يَكُونُ خَصْمًا وَمَنْ لَا يَكُونُ ) ( قَوْلُهُ وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْخُصُومَةِ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ ) عِبَارَةُ الْكَافِي لَا يَخْرُجُ وَإِنْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ ا هـ فَلَوْ أَقْحَمَ الْمُصَنِّفُ لَفْظَةَ وَلَوْ كَانَ أَحْسَنَ لِيَحْسُنَ مُقَابَلَتُهُ بِقَوْلِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّهُ يَخْرُجُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ ( قَوْلُهُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ
إلَخْ ) رَأَيْت بِخَطِّ الْعَلَّامَةِ الْمَقْدِسِيِّ عَنْ الْبَزَّازِيَّةِ أَنَّ تَعْوِيلَ الْأَئِمَّةِ عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ ا هـ .
ثُمَّ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ مَأْخُوذٌ مِنْ الْكَافِي لَكِنَّهُ ذَكَرَهُ بَعْدَ أَنْ قَيَّدَ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ الَّذِي أَطْلَقَهُ الْمُصَنِّفُ هُنَا بِقَوْلِهِ إنَّ فُلَانًا أَوْدَعَهُ فَيَبْطُلُ حَقُّهُ فَقَالَ إذَا عَرَفَ شُهُودُ صَاحِبِ الْيَدِ الْمُودِعَ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ وَوَجْهِهِ ثُمَّ قَالَ وَإِنْ قَالَ الشُّهُودُ نَعْرِفُ الْمُودِعَ بِوَجْهِهِ وَلَا نَعْرِفُهُ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ لَا تَنْدَفِعُ الْخُصُومَةُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ بِالْوَجْهِ لَا تَكُونُ مَعْرِفَةً { لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ لِرَجُلٍ أَتَعْرِفُ فُلَانًا فَقَالَ نَعَمْ فَقَالَ هَلْ تَعْرِفُ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ فَقَالَ لَا فَقَالَ إذًا لَا تَعْرِفُهُ } وَمَنْ حَلَفَ لَا يَعْرِفُ فُلَانًا وَهُوَ يَعْرِفُ وَجْهَهُ دُونَ اسْمِهِ وَنَسَبِهِ لَا يَحْنَثُ وَهَذِهِ مُخَمَّسَةُ كِتَابِ الدَّعْوَى لِمَا فِيهَا مِنْ اخْتِلَافِ خَمْسَةِ أَئِمَّةٍ أَوْ خَمْسِ صُوَرِ دَعْوَى وَدِيعَةٍ وَغَيْرِهَا قَوْلُهُ أَوْ قَالَ الْمُدَّعِي غَصَبْتَهُ ) يَعْنِي مِنْ زَيْدٍ ( قَوْلُهُ أَمَّا الْأَوَّلَانِ ) يَعْنِي غَصَبْتَهُ أَوْ سَرَقْتَهُ ( قَوْلُهُ وَأَمَّا الثَّالِثُ ) يَعْنِي سُرِقَ مِنِّي ( قَوْلُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ ) أَيْ الْمَذْكُورَ بِقَوْلِهِ سُرِقَ مِنِّي يَسْتَدْعِي فَاعِلًا لَكِنَّ عِبَارَةَ الْكَافِي وَهَذَا لِأَنَّ ذِكْرَ الْفِعْلِ يَسْتَدْعِي فَاعِلًا ( قَوْلُهُ هَكَذَا وَقَعَتْ الْعِبَارَةُ فِي الْكَافِي
إلَخْ ) مَا ادَّعَاهُ مِنْ الظُّهُورِ فِيهِ تَأَمَّلْ لِأَنَّهُ جَعَلَ الْيَمِينَ عَلَى

مُدَّعِي التَّوْكِيلِ وَإِنَّمَا هِيَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَيْ مُدَّعِي الْإِيدَاعِ كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنْ قَوْلِ الْكَافِي فَإِنْ طَلَبَ الْمُدَّعِي أَيْ مُدَّعِي الشِّرَاءِ بِيَمِينِهِ أَيْ مُدَّعِي الْإِيدَاعِ .
( تَنْبِيهٌ ) : إذَا قَالَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِي دَفْعٌ يُمْهَلُ إلَى الْمَجْلِسِ الثَّانِي كَمَا فِي الصُّغْرَى

( بَابُ دَعْوَى الرَّجُلَيْنِ ) ( حُجَّةُ الْخَارِجِ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ أَوْلَى مِنْ حُجَّةِ ذِي الْيَدِ ) لِأَنَّ الْخَارِجَ هُوَ الْمُدَّعِي وَالْبَيِّنَةُ بَيِّنَةُ الْمُدَّعِي بِالْحَدِيثِ كَمَا مَرَّ وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ فَإِذَا نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قُضِيَ بِالْمَالِ عَلَيْهِ لِلْمُدَّعِي خِلَافًا لَهُ قَيَّدَ الْمِلْكَ بِالْمُطْلَقِ احْتِرَازًا عَنْ الْمُقَيَّدِ بِدَعْوَى النِّتَاجِ وَعَنْ الْمُقَيَّدِ بِمَا إذَا ادَّعَيَا تَلَقِّي الْمِلْكِ مِنْ وَاحِدٍ وَأَحَدُهُمَا قَابِضٌ وَبِمَا إذَا ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ اثْنَيْنِ وَتَارِيخُ أَحَدِهِمَا أَسْبَقُ فَإِنَّ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ تُقْبَلُ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا سَيَأْتِي ( إلَّا إذَا أَرَّخَا وَذُو الْيَدِ أَسْبَقُ ) لِأَنَّ لِلتَّارِيخِ عِبْرَةً عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي دَعْوَى مُطْلَقِ الْمِلْكِ إذَا كَانَ مِنْ الطَّرَفَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْآخَرُ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ أَوَّلًا وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ آخِرًا لَا عِبْرَةَ لَهُ بَلْ يُقْضَى لِلْخَارِجِ ( ادَّعَى أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ لِي غَابَ عَنِّي مُنْذُ شَهْرٍ وَقَالَ ذُو الْيَدِ لِي مُنْذُ سَنَةٍ يُقْضَى لِلْمُدَّعِي ) وَلَا يُلْتَفَتُ إلَى بَيِّنَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّ مَا ذَكَرَ الْمُدَّعِي تَارِيخَ غَيْبَةِ الْعَبْدِ عَنْ يَدِهِ لَا تَارِيخَ مِلْكِهِ فَكَانَ دَعْوَاهُ فِي الْمِلْكِ مُطْلَقًا خَالِيًا عَنْ التَّارِيخِ وَصَاحِبُ الْيَدِ ذَكَرَ التَّارِيخَ لَكِنَّ التَّارِيخَ حَالَةَ الِانْفِرَادِ لَا يُعْتَبَرُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَكَانَ دَعْوَى صَاحِبِ الْيَدِ دَعْوَى مُطْلَقِ الْمِلْكِ كَدَعْوَى الْخَارِجِ فَيُقْضَى بِبَيِّنَةِ الْخَارِجِ ( بَرْهَنَا ) أَيْ الْخَارِجَانِ ( عَلَى مَا فِي يَدِ آخَرَ ) يَعْنِي ادَّعَى اثْنَانِ عَيْنًا فِي يَدِ آخَرَ كُلٌّ مِنْهُمَا يَزْعُمُ أَنَّهُ لَهُ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ ( قُضِيَ بِهِ لَهُمَا ) بِطَرِيقِ الِاشْتِرَاكِ بَيْنَهُمَا لِمَا رُوِيَ { أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَاقَةٍ وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ فَقَضَى بِهَا بَيْنَهُمَا

نِصْفَيْنِ } .
( وَ ) بَرْهَنَا ( عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ آخَرَ ( فَلِكُلٍّ نِصْفُهُ بِبَدَلِهِ أَوْ تَرْكُهُ ) يَعْنِي إذَا كَانَ عَبْدٌ فِي يَدِ رَجُلٍ ادَّعَى اثْنَانِ كُلٌّ مِنْهُمَا أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْهُ وَأَقَامَا بَيِّنَةً بِلَا تَوْقِيتٍ فَكُلٌّ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ نِصْفَ الْعَبْدِ بِنِصْفِ الثَّمَنِ الَّذِي شَهِدَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ وَرَجَعَ عَلَى الْبَائِعِ بِنِصْفِ ثَمَنِهِ إنْ كَانَ دَفَعَهُ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي الدَّعْوَى وَالْحُجَّةِ كَمَا لَوْ كَانَ دَعْوَاهُمَا فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ لِأَنَّ شَرْطَ الْعَقْدِ الَّذِي يَدَّعِيهِ وَهُوَ اتِّحَادُ الصَّفْقَةِ قَدْ تَغَيَّرَ عَلَيْهِ وَلَعَلَّ رَغْبَتَهُ فِي تَمَلُّكِ الْكُلِّ فَلَمْ يَحْصُلْ فَيَرُدُّهُ وَيَأْخُذُ كُلَّ الثَّمَنِ ( وَبِتَرْكِ أَحَدِهِمَا بَعْدَ الْقَضَاءِ لَمْ يَأْخُذْ الْآخَرُ كُلَّهُ ) يَعْنِي إذَا قَضَى الْقَاضِي بَيْنَهُمَا بِنِصْفَيْنِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لَا أَخْتَارُ لَمْ يَكُنْ لِلْآخَرِ أَنْ يَأْخُذَ جَمِيعَهُ لِأَنَّهُ صَارَ مَقْضِيًّا عَلَيْهِ بِالنِّصْفِ فَانْفَسَخَ الْعَقْدُ فِيهِ وَالْعَقْدُ مَتَى انْفَسَخَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَا يَعُودُ إلَّا بِتَجْدِيدِهِ وَلَمْ يُوجَدْ ، وَذَكَرَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ نَاقِلًا عَنْ مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ أَنَّهُ لَا خِيَارَ وَهُوَ الظَّاهِرُ كَذَا فِي الْعِنَايَةِ ( وَهُوَ ) أَيْ مَا ادَّعَاهُ شَخْصَانِ ( لِلسَّابِقِ إنْ أَرَّخَا ) أَيْ إنْ ذَكَرَ كُلٌّ مِنْهُمَا تَارِيخًا فَهُوَ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ أَثْبَتَ الشِّرَاءَ فِي زَمَانٍ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ أَحَدٌ فَانْدَفَعَ الْآخَرُ ( وَلِذِي يَدٍ إنْ لَمْ يُؤَرِّخَا ) أَيْ إنْ لَمْ يَذْكُرَا تَارِيخًا لَكِنَّهُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَهُوَ أَوْلَى لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ قَبْضِهِ يَدُلُّ عَلَى سَبْقِ شِرَائِهِ وَتَحْقِيقُهُ يَتَوَقَّفُ عَلَى مُقَدِّمَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنَّ الْحَادِثَ يُضَافُ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ وَالثَّانِيَةُ أَنَّ مَا مَعَ الْبَعْدِ بَعْدِيَّةٌ زَمَانِيَّةٌ فَهُوَ بَعْدَ إذَا تَقَرَّرَتَا فَقَبْضُ الْقَابِضِ وَشِرَاءُ غَيْرِهِ حَادِثَانِ

فَيُضَافَانِ إلَى أَقْرَبِ الْأَوْقَاتِ فَيُحْكَمُ بِثُبُوتِهِمَا فِي الْحَالِ وَقَبْضُ الْقَابِضِ مَبْنِيٌّ عَلَى شِرَائِهِ وَمُتَأَخِّرٌ عَنْهُ ظَاهِرًا فَكَانَ بَعْدَ شِرَائِهِ وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ شِرَاءُ غَيْرِ الْقَابِضِ بَعْدَ شِرَاءِ الْقَابِضِ فَكَانَ شِرَاؤُهُ أَقْدَمَ تَارِيخًا وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ التَّارِيخَ الْمُقَدَّمَ أَوْلَى ( أَوْ أَرَّخَ أَحَدُهُمَا ) يَعْنِي أَنَّ الْمُدَّعَى لِذِي يَدٍ إنْ أَرَّخَ أَحَدُهُمَا لِأَنَّ التَّارِيخَ حَالَةَ الِانْفِرَادِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ كَمَا مَرَّ فَيَبْقَى الْيَدُ الدَّالُّ عَلَى سَبْقِ الشِّرَاءِ كَمَا عَرَفْت ( وَلِذِي وَقْتٍ إنْ وَقَّتَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ ) لِثُبُوتِ مِلْكِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مَعَ احْتِمَالِ الْآخَرِ أَنْ يَكُونَ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ فَلَا يُقْضَى لَهُ بِالشَّكِّ ( بِلَا يَدٍ لَهُمَا ) بِأَنْ كَانَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ ثَالِثٍ يَعْنِي إذَا ذَكَرَ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ وَقْتًا فَذُو الْيَدِ أَوْلَى إذْ بِذِكْرِ الْوَقْتِ لَا يَزُولُ احْتِمَالُ سَبْقِ ذِي الْيَدِ لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ قَبْضِهِ يَدُلُّ عَلَى مَا سَبْقِ شِرَائِهِ إلَّا أَنْ يَشْهَدَ شُهُودُ الْخَارِجِ أَنَّ شِرَائِهِ قَبْلَ شِرَاءِ صَاحِبِ الْيَدِ إذْ يُنْتَقَضُ بِهَا الْيَدُ لِأَنَّ الصَّرِيحَ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ

( بَابُ دَعْوَى الرَّجُلَيْنِ ) ( قَوْلُهُ لِأَنَّ الْخَارِجَ هُوَ الْمُدَّعِي ) يَعْنِي فَذُو الْيَدِ لَيْسَ بِمُدَّعٍ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ مُدَّعِيًا مَا ذَكَرْنَا مِنْ تَحْدِيدِ الْمُدَّعِي أَنَّهُ اسْمٌ لِمَنْ يُخْبِرُ عَمَّا فِي يَدِ غَيْرِهِ لِنَفْسِهِ وَالْمَوْصُوفُ بِهَذِهِ الصِّفَةِ هُوَ الْخَارِجُ لَا ذُو الْيَدِ لِأَنَّهُ يُخْبِرُ عَمَّا فِي يَدِ نَفْسِهِ لِنَفْسِهِ فَلَمْ يَكُنْ مُدَّعِيًا فَالْتَحَقَتْ بَيِّنَتُهُ بِالْعَدَمِ فَبَقِيَتْ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ بِلَا مُعَارِضٍ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِهَا كَذَا فِي الْبَدَائِعِ قَوْلُهُ وَفِيهِ خِلَافُ الشَّافِعِيِّ يُرِيدُ بِهِ أَنَّ بَيِّنَةَ ذِي الْيَدِ أَوْلَى عِنْدَهُ كَمَا فِي الْبَدَائِعِ ( قَوْلُهُ فَإِذَا نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ قَضَى بِالْمَالِ عَلَيْهِ لِلْمُدَّعِي خِلَافًا لَهُ ) فِيهِ تَأَمُّلٌ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي أَنَّ كُلًّا مِنْ الْخَارِجِ وَذِي الْيَدِ مُبَرْهِنٌ ( قَوْلُهُ حُجَّةُ الْخَارِجِ فِي الْمِلْكِ الْمُطْلَقِ أَوْلَى مِنْ حُجَّةِ ذِي الْيَدِ ) لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا تَارِيخٌ أَوْ كَانَ وَاتَّحَدَ ( قَوْلُهُ وَبِمَا إذَا ادَّعَيَا الشِّرَاءَ مِنْ اثْنَيْنِ وَتَارِيخُ أَحَدِهِمَا الْأَسْبَقُ
إلَخْ ) يُحِيلُ عَلَى مَا سَيَذْكُرُهُ مِنْ أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمِلْكُ مُخْتَلِفًا حَيْثُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ سَبْقُ التَّارِيخِ ا هـ .
ثُمَّ لَمْ يَذْكُرْهُ بَعْدَهُ ( قَوْلُهُ إلَّا إذَا أَرَّخَا وَذُو الْيَدِ أَسْبَقُ ) أَيْ فَيُقَدِّمُ بَيِّنَةَ ذِي الْيَدِ وَإِنْ وَقَّتَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ قُضِيَ لِلْخَارِجِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَرَجَعَ أَبُو يُوسُفَ إلَى تَقْدِيمِ ذِي الْوَقْتِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْعَبْدِ الْآتِيَةُ قَوْلُهُ بَرْهَنَا عَلَى مَا فِي يَدِ آخَرَ ) يَعْنِي وَادَّعَيَا مُطْلَقَ الْمِلْكِ وَلَمْ يُوَقِّتَا قُضِيَ بِهِ بَيْنَهُمَا وَكَذَا لَوْ اسْتَوَيَا فِي الْوَقْتِ أَوْ وَقَّتَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ عَلَى الصَّحِيحِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ الْآخِرُ وَقَوْلُ أَبِي يُوسُفَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ تَوْقِيتَ

أَحَدِهِمَا لَا يَدُلُّ عَلَى تَقَدُّمِ مِلْكِهِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ ( قَوْلُهُ وَبِتَرْكِ أَحَدِهِمَا بَعْدَ الْقَضَاءِ لَمْ يَأْخُذْ الْآخَرُ كُلَّهُ ) أَشَارَ بِهِ إلَى أَنَّهُ لَوْ تَرَكَهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ يَأْخُذُهُ الْآخَرُ كُلَّهُ وَبِهِ صَرَّحَ فِي الْبُرْهَانِ ( قَوْلُهُ وَذَكَرَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ
إلَخْ ) لَا يَسْتَقِيمُ إلَّا بِشَيْءٍ لَمْ يَذْكُرْهُ هُنَا وَذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ فَقَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ وَالْعَقْدُ مَتَى انْفَسَخَ بِقَضَاءِ الْقَاضِي لَا يَعُودُ إلَّا بِتَجْدِيدٍ وَلَمْ يُوجَدْ ا هـ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ تَخْيِيرِ الْقَاضِي وَالْقَضَاءِ عَلَيْهِ حَيْثُ يَأْخُذُ الْجَمِيعَ لِأَنَّهُ يَدَّعِي الْكُلَّ وَالْحُجَّةُ قَامَتْ وَلَمْ يَنْفَسِخْ سَبَبُهُ وَزَالَ الْمَانِعُ وَهُوَ مُرَادُ الْآخَرِ وَقَوْلُهُ حَيْثُ يَأْخُذُ الْجَمِيعَ يُشِيرُ إلَى أَنَّ الْخِيَارَ بَاقٍ وَذَكَرَ بَعْضُ الشَّارِحِينَ إلَى آخِرِ مَا قَالَهُ الْمُصَنِّفِ فَتَأَمَّلْ ( قَوْلُهُ أَنَّهُ لَا خِيَارَ ) أَيْ كَمَا فِي النِّهَايَةِ ( قَوْلُهُ وَتَحْقِيقُهُ
إلَخْ ) قَالَهُ الشَّيْخُ أَكْمَلُ الدِّينِ ( قَوْلُهُ وَهُوَ لِلسَّابِقِ إنْ أَرَّخَا ) أَيْ وَهُوَ فِي يَدِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الشِّرَاءَ وَإِنْ لَمْ يَسْبِقْ بَلْ وَقَّتَا أَوْ لَمْ يُوَقِّتَا كَانَ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ ( قَوْلُهُ وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ شِرَاءُ غَيْرِ الْقَابِضِ بَعْدَ شِرَاءِ الْقَابِضِ ) يَعْنِي بِهِ اللُّزُومَ الظَّاهِرِيَّ لِأَنَّهُ إذَا أَثْبَتَ الْآخَرُ شِرَاءَهُ قَبْلَ شِرَاءِ ذِي الْيَدِ يَكُونُ أَوْلَى لِانْقِطَاعِ الِاحْتِمَالِ ( قَوْلُهُ يَعْنِي إذَا ذَكَرَ بَيِّنَةَ الْخَارِجِ وَقْتًا فَذُو الْيَدِ أَوْلَى
إلَخْ ) لَيْسَ فِي مَحَلِّهِ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا يَدٌ وَالصَّوَابُ أَنَّهُ تَعْلِيلٌ لِمَا قَبْلَهُ إلَّا أَنَّهُ قَدَّمَ تَعْلِيلَهُ فَتَأَمَّلْ ( قَوْلُهُ إنَّ مَا مَعَ الْبُعْدِ بُعْدِيَّةٌ زَمَانِيَّةٌ فَهُوَ بَعْدُ ) كَلِمَةُ مَا هَاهُنَا عِبَارَةٌ عَنْ شِرَاءِ الْغَيْرِ وَالْبَعْدُ عِبَارَةٌ عَنْ الْقَبْضِ وَلَكِنَّ اسْتِعْمَالَ بَعْدَ اسْمًا بِلَا ظَرْفِيَّةٍ غَيْرُ

مَشْهُورٍ وَلَوْ قَالَ إنَّ مَا مَعَ الْمُتَأَخِّرِ تَأَخُّرًا زَمَانِيًّا فَهُوَ مُتَأَخِّرٌ لَكَانَ أَحْسَنَ .
ا هـ .

( وَعَلَى نِكَاحٍ ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ عَلَى مَا فِي يَدِ آخَرَ يَعْنِي إنْ بَرْهَنَ كُلٌّ مِنْ الْخَارِجَيْنِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْمَرْأَةَ زَوْجَتُهُ ( سَقَطَا ) أَيْ الْبُرْهَانَانِ ( إنْ لَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ اسْتَوَى تَارِيخُهُمَا ) لِتَعَذُّرِ الْقَضَاءِ بِهِمَا إذْ النِّكَاحُ لَا يَقْبَلُ الِاشْتِرَاكَ ( فَهِيَ لِمَنْ صَدَّقَتْهُ ) مِنْهُمَا لِأَنَّ النِّكَاحَ مِمَّا يُحْكَمُ بِهِ لِتَصَادُقِ الزَّوْجَيْنِ فَيَرْجِعُ إلَى تَصْدِيقِهِمَا فَيَجِبُ اعْتِبَارُ قَوْلِهِمَا أَنَّ أَحَدَهُمَا زَوْجُهَا ( إلَّا أَنْ تَكُونَ ) أَيْ الْمَرْأَةُ ( فِي بَيْتِ الْآخَرِ أَوْ دَخَلَ بِهَا ) فَيَكُونُ هُوَ أَوْلَى وَلَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهَا لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ نَقْلِهَا أَوْ مِنْ الدُّخُولِ بِهَا دَلِيلٌ عَلَى سَبْقِ عَقْدِهِ ( إلَّا أَنْ يُبَرْهِنَ الْآخَرُ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا قَبْلَهُ ) فَيَكُونُ هُوَ أَوْلَى لِأَنَّ الصَّرِيحَ يَفُوقُ الدَّلَالَةَ فَالْحَاصِلُ أَنَّهُمَا إذَا تَنَازَعَا فِي امْرَأَةٍ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَإِنْ أَرَّخَا وَتَارِيخُ أَحَدِهِمَا أَقْدَمُ كَانَ هُوَ أَوْلَى وَإِنْ لَمْ يُؤَرِّخَا أَوْ اسْتَوَى تَارِيخُهُمَا فَإِنْ كَانَ مَعَ أَحَدِهِمَا قَبْضٌ كَالدُّخُولِ بِهَا أَوْ نَقْلِهَا إلَى مَنْزِلِهِ كَانَ هُوَ أَوْلَى وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ يُرْجَعْ إلَى تَصْدِيقِ الْمَرْأَةِ ( وَإِنْ صَدَّقَتْ غَيْرَ ذِي بُرْهَانٍ ) يَعْنِي أَنَّ مَا ذُكِرَ كَانَ فِيمَا إذَا صَدَّقَتْ أَحَدَ الْمُبَرْهِنَيْنِ وَإِنْ صَدَّقَتْ غَيْرَ ذِي بُرْهَانٍ ( فَهِيَ لَهُ ) لِمَا عَرَفْت أَنَّ النِّكَاحَ يَثْبُتُ بِتَصَادُقِ الزَّوْجَيْنِ ( وَإِنْ بَرْهَنَ الْآخَرُ قُضِيَ لَهُ ) لِأَنَّهُ أَقْوَى مِنْ التَّصَادُقِ ( ثُمَّ لَا يُقْضَى لِغَيْرِهِ ) إذْ لَا شَيْءَ أَقْوَى مِنْ الْبُرْهَانِ ( إلَّا إذَا أَثْبَتَ سَبْقَهُ ) لِأَنَّ الْبُرْهَانَ مَعَ التَّارِيخِ أَقْوَى مِنْ الْبُرْهَانِ بِدُونِهِ ( كَمَا لَا يُقْضَى بِحُجَّةِ الْخَارِجِ عَلَى ذِي يَدٍ ظَاهِرِ النِّكَاحِ إلَّا بِإِثْبَاتِهِ ) أَيْ إثْبَاتِ سَبْقِ نِكَاحِهِ عَلَى نِكَاحِ ذِي الْيَدِ .

قَوْلُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِي بَيْتِ الْآخَرِ أَوْ دَخَلَ بِهَا ) الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمُتَقَدِّمِ إذْ هُوَ فِي الْخَارِجَيْنِ وَهُنَا أَحَدُهُمَا ذُو يَدٍ ( قَوْلُهُ إلَّا إنْ بَرْهَنَ الْآخَرُ ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ الِاسْتِثْنَاءِ السَّابِقِ ( قَوْلُهُ كَمَا لَا يُقْضَى بِحَجَّةِ الْخَارِجِ عَلَى ذِي يَدٍ ظَاهِرِ النِّكَاحِ
إلَخْ ) مَوْجُودٌ فِي النُّسَخِ بِصُورَةِ الْمَتْنِ وَلَعَلَّهُ شَرْحٌ إذْ لَيْسَ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى الْمُتَقَدِّمِ

( الشِّرَاءُ وَالْمَهْرُ أَوْلَى مِنْ هِبَةٍ وَصَدَقَةٍ مَعَ قَبْضٍ ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى أَحَدُهُمَا شِرَاءً مِنْ شَخْصٍ وَادَّعَى الْآخَرُ هِبَةً وَقَبَضَا مِنْ ذَلِكَ الشَّخْصِ وَأَقَامَا الْبَيِّنَةَ وَلَا تَارِيخَ مَعَهَا كَانَ الشِّرَاءُ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَقْوَى لِكَوْنِهِ مُعَاوَضَةً مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَمُثْبِتًا لِلْمِلْكِ بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا اخْتَلَفَ الْمِلْكُ لَهُمَا أَوْ كَانَ مَعَهُمَا تَارِيخٌ حَيْثُ لَا يَكُونُ الشِّرَاءُ فِيهِ أَوْلَى إذْ عِنْدَ اخْتِلَافِ الْمِلْكِ يَصِيرُ كُلٌّ مِنْهُمَا خَصْمًا عَنْ مُمَلِّكِهِ لِحَاجَتِهِ إلَى إثْبَاتِ الْمِلْكِ وَهُمَا فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَفِيمَا إذَا اتَّحَدَ الْمُمَلِّكُ لَا يَحْتَاجَانِ إلَى إثْبَاتِ الْمِلْكِ لَهُ لِثُبُوتِهِ بِاتِّفَاقِهِمَا وَإِنَّمَا يَحْتَاجَانِ إلَى إثْبَاتِ سَبَبِ الْمِلْكِ لِأَنْفُسِهِمَا وَفِيهِ يُقَدَّمُ الْأَقْوَى وَفِيمَا إذَا كَانَ مَعَهُمَا تَارِيخٌ وَالْمُمَلِّكُ لَهُمَا وَاحِدٌ كَانَ لِأَقْدَمِهِمَا تَارِيخًا لِثُبُوتِ مِلْكِهِ فِي وَقْتٍ لَا يُنَازِعُهُ فِيهِ أَحَدٌ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْمُمَلِّكُ مُخْتَلَفًا حَيْثُ لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ سَبْقُ التَّارِيخِ كَمَا سَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَكَذَا الشِّرَاءُ وَالصَّدَقَةُ مَعَ الْقَبْضِ فِي جَمِيعِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْأَحْكَامِ وَأَمَّا كَوْنُ الْمَهْرِ أَوْلَى مِنْ هِبَةٍ وَصَدَقَةٍ مَعَ الْقَبْضِ فَمَعْنَاهُ أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى عَبْدًا مَثَلًا فِي يَدِ رَجُلٍ أَنَّهُ وَهَبَهُ لَهُ أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ وَقَبَضَ وَادَّعَتْ امْرَأَةٌ أَنَّ ذَا الْيَدِ تَزَوَّجَهَا عَلَى ذَلِكَ الْعَبْدِ وَقَبَضَتْهُ كَانَ الْمَهْرُ أَوْلَى لِأَنَّهُ كَالشِّرَاءِ إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا عَقْدُ مُعَاوَضَةٍ يُثْبِتُ الْمِلْكَ بِنَفْسِهِ

( وَرَهْنٌ مَعَهُ ) أَيْ مَعَ قَبْضٍ أَوْلَى مِنْ هِبَةٍ مَعَهُ اسْتِحْسَانًا وَالْقِيَاسُ كَوْنُ الْهِبَةِ أَوْلَى لِأَنَّهَا تُثْبِتُ الْمِلْكَ وَالرَّهْنُ لَا يُثْبِتُهُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمَقْبُوضَ بِحُكْمِ الرَّهْنِ مَضْمُونٌ وَبِحُكْمِ الْهِبَةِ غَيْرُ مَضْمُونٍ وَعَقْدُ الضَّمَانِ أَقْوَى لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ أَكْثَرُ إثْبَاتًا بِخِلَافِ الْهِبَةِ بِشَرْطِ الْعِوَضِ لِأَنَّهُ بَيْعُ انْتِهَاءٍ وَالْبَيْعُ وَلَوْ بِوَجْهٍ أَقْوَى مِنْ الرَّهْنِ ( بِرَهْنٍ خَارِجَانِ عَلَى مِلْكٍ مُطْلَقٍ مُؤَرَّخٍ أَوْ شِرَاءٍ مُؤَرَّخٍ مِنْ وَاحِدٍ غَيْرِ ذِي يَدٍ ) احْتَرَزَ بِهَذَا عَمَّا إذَا بَرْهَنَا عَلَى مَا فِي يَدِ آخَرَ كَمَا مَرَّ ( أَوْ ) بَرْهَنَ ( خَارِجٌ عَلَى مِلْكٍ مُطْلَقٍ مُؤَرَّخٍ وَذُو يَدٍ عَلَى مِلْكٍ أَقْدَمَ ) تَارِيخًا ( فَالسَّابِقُ أَوْلَى ) لِأَنَّهُ أَثْبَتَ أَنَّهُ أَوَّلُ الْمَالِكِينَ فَلَا يُتَلَقَّى الْمِلْكُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ ( وَلَوْ ) بَرْهَنَا ( عَلَى شِرَاءٍ مُتَّفِقٍ تَارِيخُهُمَا مِنْ آخَرَ أَوْ وَقَّتَ أَحَدُهُمَا ) فَقَطْ ( قَضَى لَهُمَا نِصْفَيْنِ ) فِي الصُّورَتَيْنِ أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُثْبِتُ الْمِلْكَ لِبَائِعِهِ وَمِلْكُ بَائِعِهِ مُطْلَقٌ وَلَا تَارِيخَ فِيهِ فَصَارَ كَمَا إذَا حَضَرَ الْبَائِعَانٍ فَادَّعَيَا الْمِلْكَ بِلَا تَارِيخٍ يَكُونُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ تَوْقِيتَ أَحَدِهِمَا لَا يَدُلُّ عَلَى تَقَدُّمِ الْمِلْكِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْآخَرُ أَقْدَمَ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْبَائِعُ وَاحِدًا لِأَنَّهُمَا اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الْمِلْكَ لَا يُتَلَقَّى إلَّا مِنْ جِهَتِهِ فَإِذَا أَثْبَتَ أَحَدُهُمَا تَارِيخًا يُحْكَمُ لَهُ بِهِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَنَّ غَيْرَهُ تَقَدَّمَهُ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ
( قَوْلُهُ وَالْقِيَاسُ كَوْنُ الْهِبَةِ
إلَخْ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ فَتَكُونُ الْمُثْبِتَةُ لِلزِّيَادَةِ أَقْوَى وَهَذَا أَيْ الْقِيَاسُ رِوَايَةُ كِتَابِ الشَّهَادَاتِ

( بَرْهَنَ خَارِجٌ عَلَى الْمِلْكِ وَذُو يَدٍ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ ) بِأَنْ كَانَ عَبْدٌ مَثَلًا فِي يَدِ زَيْدٍ فَادَّعَاهُ بَكْرٌ بِأَنَّهُ مِلْكُهُ وَبَرْهَنَ عَلَيْهِ وَبَرْهَنَ زَيْدٌ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْهُ ( فَذُو الْيَدِ أَوْلَى ) لِأَنَّ الْخَارِجَ إنْ كَانَ يُثْبِتُ أَوَّلِيَّةَ الْمِلْكِ فَذُو الْيَدِ يَتَلَقَّى الْمِلْكَ مِنْهُ وَلَا تَنَافِي فِيهِ فَصَارَ كَمَا إذَا أَقَرَّ بِالْمِلْكِ لَهُ ثُمَّ ادَّعَى الشِّرَاءَ مِنْهُ ( كَذَا إنْ بَرْهَنَ كُلٌّ مِنْ الْخَارِجِ وَذِي الْيَدِ عَلَى النِّتَاجِ وَنَحْوِهِ ) وَهُوَ كُلُّ سَبَبٍ لِلْمِلْكِ لَا يَتَكَرَّرُ فَإِنَّهُ فِي مَعْنَى النِّتَاجِ كَالنَّسْجِ فِي ثِيَابٍ لَا تُنْسَجُ إلَّا مَرَّةً كَنَسِيجِ الثِّيَابِ الْقُطْنِيَّةِ وَغَزْلِ الْقُطْنِ وَحَلْبِ اللَّبَنِ وَاِتِّخَاذِ الْجُبْنِ وَاللِّبَدِ وَالْمِرْعِزَّى وَجَزِّ الصُّوفِ وَنَحْوِهَا ، وَإِنْ كَانَ سَبَبًا يَتَكَرَّرُ لَا يَكُونُ فِي مَعْنَى النِّتَاجِ فَيُقْضَى بِهِ لِلْخَارِجِ كَالْمِلْكِ الْمُطْلَقِ وَهُوَ مِثْلُ الْجَزِّ وَالْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ وَزِرَاعَةِ الْحِنْطَةِ وَالْحُبُوبِ فَإِنْ أَشْكَلَ يُرْجَعُ إلَى أَهْلِ الْخِبْرَةِ لِأَنَّهُمْ أَعْرَفُ بِهِ فَإِنْ أَشْكَلَ عَلَيْهِمْ قُضِيَ بِهِ لِلْخَارِجِ لِأَنَّ الْقَضَاءَ بِبَيِّنَةٍ هُوَ الْأَصْلُ وَالْعُدُولُ عَنْهُ بِحَدِيثِ النِّتَاجِ فَإِذَا لَمْ يُعْلَمْ يُرْجَعُ إلَى الْأَصْلِ ( وَلَوْ ) كَانَ النِّتَاجُ وَنَحْوُهُ ( عِنْدَ بَائِعِهِ ) فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا إذَا تَلَقَّى الْمِلْكَ مِنْ رَجُلٍ وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى سَبَبِ مِلْكٍ عِنْدَهُ لَا يَتَكَرَّرُ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ إقَامَتِهَا عَلَى ذَلِكَ السَّبَبِ عِنْدَ نَفْسِهِ ( فَذُو الْيَدِ أَوْلَى ) مِنْ الْخَارِجِ لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ قَامَتْ عَلَى أَوَّلِيَّةِ مِلْكِهِ فَلَا يَثْبُتُ لِلْخَارِجِ إلَّا بِالتَّلَقِّي عَنْهُ ( إلَّا إذَا ادَّعَى الْخَارِجُ عَلَيْهِ فِعْلًا ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ الْحَاصِلُ أَنَّ بَيِّنَةَ ذِي الْيَدِ عَلَى النِّتَاجِ إنَّمَا تَتَرَجَّحُ عَلَى بَيِّنَةِ الْخَارِجِ عَلَى النِّتَاجِ أَوْ عَلَى مُطْلَقِ الْمِلْكِ بِأَنْ ادَّعَى ذُو الْيَدِ النِّتَاجَ وَادَّعَى الْخَارِجُ النِّتَاجَ أَوْ

ادَّعَى الْخَارِجُ مِلْكًا مُطْلَقًا إذَا لَمْ يَدَّعِ الْخَارِجُ عَلَى ذِي الْيَدِ فِعْلًا نَحْوَ الْغَصْبِ أَوْ الْوَدِيعَةِ أَوْ الْإِجَارَةِ أَوْ الرَّهْنِ أَوْ الْعَارِيَّةِ أَوْ نَحْوِهَا فَأَمَّا إذَا ادَّعَى الْخَارِجُ فِعْلًا مَعَ ذَلِكَ فَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى وَإِنَّمَا قَالَ ( فِي رِوَايَةٍ ) لِمَا قَالَ فِي الْعِمَادِيَّةِ بَعْدَ نَقْلِ كَلَامِ الذَّخِيرَةِ ذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي بَابِ دَعْوَى النِّتَاجِ مِنْ الْمَبْسُوطِ مَا يُخَالِفُ الْمَذْكُورَ فِي الذَّخِيرَةِ فَقَالَ دَابَّةٌ فِي يَدِ رَجُلٍ أَقَامَ آخَرُ بَيِّنَةً أَنَّهَا دَابَّتُهُ آجَرَهَا مِنْ ذِي الْيَدِ أَوْ أَعَارَهَا مِنْهُ أَوْ رَهَنَهَا إيَّاهُ وَذُو الْيَدِ أَقَامَ بَيِّنَةً أَنَّهَا دَابَّتُهُ نَتَجَتْ عِنْدَهُ فَإِنَّهُ يُقْضَى بِهَا لِذِي الْيَدِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي مِلْكَ النِّتَاجِ وَالْآخَرُ يَدَّعِي الْإِجَارَةَ أَوْ الْإِعَارَةَ وَالنِّتَاجُ أَسْبَقُ مِنْهُمَا فَيُقْضَى لِذِي الْيَدِ وَهَذَا خِلَافُ مَا نُقِلَ عَنْهُ ( وَلَوْ ) بَرْهَنَ ( أَحَدُهُمَا ) مِنْ الْخَارِجِ وَذُو الْيَدِ ( عَلَى الْمِلْكِ ) الْمُطْلَقِ وَالْآخَرُ عَلَى النِّتَاجِ ( فَذُو النِّتَاجِ أَوْلَى ) لِأَنَّ بُرْهَانَهُ قَامَ عَلَى أَوَّلِيَّةِ الْمِلْكِ فَلَا يَثْبُتُ لِلْآخَرِ إلَّا بِالتَّلَقِّي مِنْهُ .

قَوْلُهُ كَذَا إنْ بَرْهَنَ كُلٌّ مِنْ الْخَارِجِ وَذِي الْيَدِ عَلَى النِّتَاجِ ) أَيْ يَكُونُ الْقَضَاءُ بِهَا لِذِي الْيَدِ وَهُوَ الصَّحِيحُ خِلَافًا لِمَا يَقُولُهُ عِيسَى بْنُ أَبَانَ مِنْ تَهَاتُرِ الْبَيِّنَتَيْنِ وَيَكُونُ لِذِي الْيَدِ لَا عَلَى طَرِيقِ الْقَضَاءِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ ( قَوْلُهُ وَالْمِرْعِزَّى ) إذَا شَدَدْت الزَّايَ قَصَرْت وَإِذَا خَفَّفْت مَدَدْت وَالْمِيمُ وَالْعَيْنُ مَكْسُورَتَانِ وَقَدْ يُقَالُ مَرْعِزَاءُ بِفَتْحِ الْمِيمِ مُخَفَّفًا مَمْدُودًا وَهِيَ كَالصُّوفِ تَحْتَ شَعْرِ الْعَنَزِ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ قَالَهُ قَاضِي زَادَهْ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( قَوْلُهُ وَلَوْ كَانَ النِّتَاجُ وَنَحْوُهُ عِنْدَ بَائِعِهِ ) أَيْ فَلَا فَرْقَ بَيْنَ ادِّعَاءِ ذِي الْيَدِ النِّتَاجَ عِنْدَهُ أَوْ عِنْدَ بَائِعِهِ فَهُوَ أَحَقُّ مِنْ الْخَارِجِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ ( قَوْلُهُ لِأَنَّ بَيِّنَتَهُ ) أَيْ بَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ قَامَتْ عَلَى أَوَّلِيَّةِ مِلْكِهِ فَلَا تَثْبُتُ لِلْخَارِجِ إلَّا بِالتَّلَقِّي مِنْهُ يَعْنِي وَلَمْ يَثْبُتْ تَلَقِّيه وَقَدْ اسْتَوَيَا فِي الْأَوَّلِيَّةِ بِادِّعَاءِ النِّتَاجِ وَتَرَجَّحَ ذُو الْيَدِ بِاسْتِيلَائِهِ لَا بِبَيِّنَتِهِ { لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالدَّابَّةِ لِذِي الْيَدِ مَعَ إقَامَةِ كُلٍّ الْبَيِّنَةَ عَلَى أَنَّهَا دَابَّتُهُ نَتَجَهَا } ا هـ .
وَهَذَا إذَا لَمْ يَذْكُرَا تَارِيخًا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ ( قَوْلُهُ وَإِنَّمَا قَالَ فِي رِوَايَةٍ
إلَخْ ) عَلَى هَذَا كَانَ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ فِي قَوْلٍ لَا رِوَايَة

( بَرْهَنَ كُلٌّ ) مِنْ الْخَارِجِ وَذِي الْيَدِ ( عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ الْآخَرِ ) أَيْ صَاحِبِهِ ( بِلَا وَقْتٍ سَقَطَا وَتُرِكَ فِي يَدِهِ ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُقْضَى بِالْبَيِّنَتَيْنِ وَيَكُونُ لِلْخَارِجِ لِإِمْكَانِ الْعَمَلِ بِهِمَا بِأَنْ يُجْعَلَ ذُو الْيَدِ كَأَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ الْآخَرِ وَقَبَضَ ثُمَّ بَاعَ لِأَنَّ الْقَبْضَ دَلِيلُ الشِّرَاءِ كَمَا مَرَّ وَلَا يُعْكَسُ لِأَنَّ الْبَيْعَ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ عِنْدَهُ وَإِنْ كَانَ فِي الْعَقَارِ وَلَهُمَا أَنَّ الْإِقْدَامَ عَلَى الشِّرَاءِ إقْرَارٌ مِنْهُ بِالْمِلْكِ لَهُ فَصَارَ كَمَا إذَا قَامَتَا عَلَى إقْرَارَيْنِ وَفِيهِ التَّهَاتُرُ بِالْإِجْمَاعِ فَكَذَا هُنَا وَإِنْ وُقِّتَ الْبَيِّنَتَانِ فِي الْعَقَارِ وَلَمْ تُثْبِتَا قَبْضًا وَوَقْتُ الْخَارِجِ أَسْبَقُ يُقْضَى لِذِي الْيَدِ عِنْدَهُمَا فَيُجْعَلُ كَأَنَّ الْخَارِجَ اشْتَرَى أَوَّلًا ثُمَّ بَاعَ قَبْلَ الْقَبْضِ مِنْ ذِي الْيَدِ وَهُوَ جَائِزٌ فِي الْعَقَارِ عِنْدَهُمَا .
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى يُقْضَى لِلْخَارِجِ إذْ لَا يَصِحُّ عِنْدَهُ بَيْعُهُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَيَبْقَى عَلَى مِلْكِهِ وَإِنْ أَثْبَتَتَا قَبْضًا قُضِيَ لِذِي الْيَدِ بِالْإِجْمَاعِ لِكَوْنِ الْبَيْعَيْنِ جَائِزَيْنِ عَلَى الْقَوْلَيْنِ وَإِنْ كَانَ وَقْتُ ذِي الْيَدِ أَسْبَقَ قُضِيَ لِلْخَارِجِ فَيُجْعَلُ كَأَنَّ ذَا الْيَدِ اشْتَرَى وَقَبَضَ ثُمَّ بَاعَ وَلَمْ يُسَلِّمْ أَوْ سَلَّمَ ثُمَّ وَصَلَ إلَيْهِ بِسَبَبٍ آخَرَ ( وَلَمْ يُرَجِّحْ بِكَثْرَةِ الشُّهُودِ وَالْأَعْدَلِيَّةِ ) يَعْنِي إذَا أَقَامَ أَحَدُ الْمُدَّعِيَيْنِ شَاهِدَيْنِ وَالْآخَرُ أَرْبَعَةً مَثَلًا أَوْ أَحَدُهُمَا عَدْلَيْنِ وَالْآخَرُ أَعْدَلَيْنِ فَهُمَا سَوَاءٌ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ التَّرْجِيحَ لَا يَقَعُ بِكَثْرَةِ الْعِلَلِ حَتَّى لَا يَتَرَجَّحَ الْقِيَاسُ بِقِيَاسٍ آخَرَ وَكَذَا الْحَدِيثُ وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الشَّاهِدِ أَصْلُ الْعَدَالَةِ وَلَا حَدَّ لِلْأَعْدَلِيَّةِ فَلَا يَقَعُ التَّرْجِيحُ بِهَا .

( قَوْلُهُ بَرْهَنَ كُلٌّ مِنْ الْخَارِجِ وَذِي الْيَدِ عَلَى الشِّرَاءِ مِنْ الْآخَرِ
إلَخْ ) تَهَاتُرُ الْبَيِّنَتَيْنِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ سَوَاءٌ شَهِدُوا بِالْقَبْضِ أَوْ لَمْ يَشْهَدُوا قَوْلُهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يُقْضَى بِالْبَيِّنَتَيْنِ ) يَعْنِي إنْ ذَكَرُوا الْقَبْضَ وَتَمَامُهُ فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ بِأَنْ يُجْعَلَ ذُو الْيَدِ كَأَنَّهُ اشْتَرَى مِنْ الْآخَرِ وَقَبَضَ ثُمَّ بَاعَ ) يَعْنِي مِنْ الْآخَرِ وَلَمْ يَقْبِضْهُ فَيُؤْمَرُ بِالدَّفْعِ إلَيْهِ لِأَنَّ الْقَبْضَ دَلِيلُ الشِّرَاءِ ( قَوْلُهُ وَلَهُمَا أَنَّ الْإِقْدَامَ ) عِبَارَةُ الْكَافِي وَالتَّبْيِينِ أَنَّ الْإِقْرَارَ ( قَوْلُهُ فَصَارَ كَمَا إذَا قَامَتَا عَلَى إقْرَارَيْنِ ) أَيْ إقْرَارِ كُلٍّ بِمِلْكِ الْآخَرِ ( قَوْلُهُ وَفِيهِ التَّهَاتُرُ بِالْإِجْمَاعِ ) أَيْ لِتَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا

( ادَّعَى أَحَدُ خَارِجَيْنِ نِصْفَ دَارٍ وَالْآخَرُ كُلَّهَا ) يَعْنِي إذَا كَانَتْ دَارٌ فِي يَدِ رَجُلٍ ادَّعَاهَا اثْنَانِ أَحَدُهُمَا كُلَّهَا وَالْآخَرُ نِصْفَهَا ( وَبَرْهَنَا فَالرُّبُعُ لِلْأَوَّلِ وَالْبَاقِي ) وَهُوَ ثَلَاثَةُ الْأَرْبَاعِ ( لِلثَّانِيَّ ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنَّ صَاحِبَ النِّصْفِ لَا يُنَازِعُ الْآخَرَ فِي النِّصْفِ فَسَلِمَ لَهُ وَصَارَتْ مُنَازَعَتُهُمَا فِي النِّصْفِ الْآخَرِ فَيُنَصَّفُ بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُمَا هِيَ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا فَمُدَّعِي الْجَمِيعِ يَأْخُذُ سَهْمَيْنِ وَمُدَّعِي النِّصْفِ سَهْمًا وَاحِدًا فَتُقْسَمُ بَيْنَهُمَا أَثْلَاثًا ( وَإِنْ كَانَتْ ) أَيْ الدَّارُ ( مَعَهُمَا ) أَيْ فِي أَيْدِيهِمَا ( فَهِيَ لِلثَّانِي ) وَهُوَ مُدَّعِي الْكُلَّ لِأَنَّهُ إذَا بَرْهَنَ كَانَ نِصْفُهَا لَهُ عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ وَهُوَ الَّذِي كَانَ بِيَدِ صَاحِبِهِ إذَا اجْتَمَعَ فِيهِ بَيِّنَةُ الْخَارِجِ وَبَيِّنَةُ ذِي الْيَدِ وَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى فَقُضِيَ لَهُ بِذَلِكَ وَنِصْفُهَا لَا عَلَى وَجْهِ الْقَضَاءِ وَهُوَ الَّذِي كَانَ بِيَدِهِ لِأَنَّ صَاحِبَهُ لَمْ يَدَّعِهِ وَلَا قَضَاءَ بِلَا دَعْوَى فَيُتْرَكُ فِي يَدِهِ .
( قَوْلُهُ ادَّعَى أَحَدُ خَارِجَيْنِ نِصْفَ دَارٍ
إلَخْ
إلَخْ ) الْخِلَافُ بِاعْتِبَارِ الْقِسْمَةِ بِطَرِيقِ الْمُنَازَعَةِ أَوْ الْعَوْلِ وَذَلِكَ فِي التَّبْيِينِ وَتَمَامُهُ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ لِقَاضِي خَانْ

( بَرْهَنَا عَلَى نِتَاجِ دَابَّةٍ ) أَيْ تَنَازَعَا فِي دَابَّةٍ وَأَقَامَ كُلٌّ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا نَتَجَتْ عِنْدَهُ أَوْ عِنْدَ بَائِعِهِ ( مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي يَدَيْهِمَا أَوْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا أَوْ فِي يَدِ ثَالِثٍ لِأَنَّ الْمَعْنَى لَا يَخْتَلِفُ ذِكْرُهُ الزَّيْلَعِيُّ ( وَأَرَّخَا قُضِيَ لِمَنْ وَافَقَ سِنَّهَا وَقْتُهُ ) بِشَهَادَةِ الظَّاهِرِ ( وَإِنْ أَشْكَلَ ) أَيْ سِنُّ الدَّابَّةِ بِأَنْ لَمْ يُوَافِقْ التَّارِيخَيْنِ ( فَلَهُمَا ) أَيْ قُضِيَ لَهُمَا بِهَا لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ ( إنْ لَمْ يَكُنْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَقَطْ ) بِأَنْ كَانَا خَارِجَيْنِ وَالدَّابَّةُ فِي يَدِ ثَالِثٍ أَوْ فِي يَدَيْهِمَا ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا ( فَلَهُ ) أَيْ قُضِيَ بِهَا لِذِي الْيَدِ لِأَنَّ الْأَمْرَ لَمَّا أَشْكَلَ سَقَطَ التَّارِيخَانِ فَصَارَ كَأَنَّهُمَا لَمْ يُؤَرِّخَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ( وَإِنْ خَالَفَ ) أَيْ سِنُّهَا ( الْوَقْتَيْنِ ) بَطَلَتْ الْبَيِّنَتَانِ لِظُهُورِ كَذِبِ الْفَرِيقَيْنِ فَيُتْرَكُ فِي يَدِ مَنْ كَانَتْ فِي يَدِهِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي قَالَ الزَّيْلَعِيُّ الْأَصَحُّ أَنَّهُمَا لَا يَبْطُلَانِ بَلْ يُقْضَى بِهَا بَيْنَهُمَا إنْ كَانَا خَارِجَيْنِ أَوْ كَانَتْ فِي أَيْدِيهِمَا وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا يُقْضَى بِهِ لِذِي الْيَدِ لِأَنَّ اعْتِبَارَ ذِكْرِ الْوَقْتِ لِحَقِّهِمَا وَحَقُّهُمَا هُنَا فِي إسْقَاطِ اعْتِبَارِهِ لِأَنَّ فِي اعْتِبَارِهِ إسْقَاطَ حَقِّهِمَا فَلَا يُعْتَبَرُ فَصَارَ كَأَنَّهُمَا ذَكَرَا النِّتَاجَ مِنْ غَيْرِ تَارِيخٍ وَفِيهِ صَاحِبُ الْيَدِ أَوْلَى إنْ كَانَتْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا وَإِلَّا فَلَا فَهِيَ بَيْنَهُمَا كَمَا إذَا أَشْكَلَ فِي مُوَافَقَةِ سِنِّهَا أَحَدَ التَّارِيخَيْنِ وَهَكَذَا ذَكَرَهُ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَالْأَوَّلُ ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَلِهَذَا قُلْتُ ( كَانَتْ لَهُمَا ) يَشْتَرِكَانِ فِيهَا ( يُقْضَى بِهَا لَوْ ) كَانَ الْمُدَّعِيَانِ ( خَارِجَيْنِ أَوْ ذَوِي يَدٍ وَلَوْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا كَانَتْ لَهُ ) لِمَا

ذُكِرَ

( قَوْلُهُ بِشَهَادَةِ الظَّاهِرِ ) يَعْنِي ظُهُورَ الصِّدْقِ لِمُوَافَقَةِ تَارِيخِهِ سِنَّهَا ( قَوْلُهُ وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ كَانَتْ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَلَهُ ) أَيْ وَسِنُّهَا مُشْكِلٌ كَمَا ذُكِرَ وَإِنْ كَانَ سِنُّهَا بَيْنَ وَقْتِ الْخَارِجِ وَذِي الْيَدِ قَالَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ تَتَهَاتَرُ الْبَيِّنَتَانِ وَتُتْرَكُ الدَّابَّةُ فِي يَدِ ذِي الْيَدِ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ ( قَوْلُهُ وَإِنْ أَشْكَلَ أَيْ سِنُّ الدَّابَّةِ بِأَنْ لَمْ يُوَافِقْ التَّارِيخَيْنِ ) فِيهِ تَأَمُّلٌ وَاَلَّذِي يَنْبَغِي تَفْسِيرُ الْإِشْكَالِ بِهِ عَدَمُ مَعْرِفَةِ سِنِّهَا أَوْ اشْتِبَاهِهِ بِكُلٍّ مِنْ التَّارِيخَيْنِ لِأَنَّ الْإِشْكَالَ عَدَمُ الْخُلُوصِ وَعَدَمُ مُوَافَقَةِ سِنِّهَا لِلتَّارِيخَيْنِ يَصْدُقُ بِمَا إذَا كَانَ مَعْلُومًا وَهُوَ غَيْرُهُمَا فَهُوَ غَيْرُ مُشْكِلٍ ( قَوْلُهُ فَلَهُمَا ) كَذَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافِ وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَإِنْ اخْتَلَفَا يُحَكَّمُ سِنُّ الدَّابَّةِ إنْ عُلِمَ وَإِنْ أَشْكَلَ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يُقْضَى لِأَسْبَقِهِمَا وَقْتًا وَعِنْدَهُمَا يُقْضَى بَيْنَهُمَا وَجْهُ قَوْلِهِمَا أَنَّ السِّنَّ الْمُشْكِلَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِوَقْتِ هَذَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِوَقْتِ ذَاكَ فَسَقَطَ اعْتِبَارُ الْوَقْتِ وَصَارَ كَأَنَّهُمَا سَكَتَا عَنْ الْوَقْتِ أَصْلًا وَجْهُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ وُقُوعَ الْإِشْكَالِ فِي السِّنِّ يُوجِبُ سُقُوطَ اعْتِبَارِ حُكْمِ السِّنِّ فَبَطَلَ تَحْكِيمُهُ فَبَقِيَ الْحُكْمُ لِلْوَقْتِ فَالْأَسْبَقُ أَوْلَى وَهَذَا يُشْكِلُ بِالْخَارِجِ مَعَ ذِي الْيَدِ ا هـ .
( قَوْلُهُ وَإِنْ خَالَفَ أَيْ سِنُّهَا الْوَقْتَيْنِ بَطَلَتْ الْبَيِّنَتَانِ
إلَخْ ) مُحَصِّلُهُ اخْتِلَافُ التَّصْحِيحِ فَإِنَّ بُطْلَانَ الْبَيِّنَتَيْنِ وَتَرْكَهَا بِيَدِ ذِي الْيَدِ قَالَ بِهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي كَافِي الْحَاكِمِ قَالَ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَوَجْهُهُ أَنَّ سِنَّ الدَّابَّةِ إذَا خَالَفَ الْوَقْتَيْنِ فَقَدْ تَيَقَّنَّا بِكَذِبِ الْبَيِّنَتَيْنِ وَالْتُحِقَتَا بِالْعَدَمِ فَتُرِكَ الْمُدَّعَى فِي

يَدِ صَاحِبِ الْيَدِ كَمَا كَانَ ا هـ .
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ الْأَصَحُّ عَدَمُ بُطْلَانِ الْبَيِّنَتَيْنِ كَمَا قَالَهُ الْمُصَنِّفُ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا جَمَعَ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ وَقَالَ يَجِبُ أَنْ يُزَادَ فَيُقَالُ فَإِنْ كَانَ سِنُّهَا مُخَالِفَ الْوَقْتَيْنِ كَانَتْ مُشْكِلَةً وَكَانَتْ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي السِّرَاجِ ا هـ .
وَلَكِنْ عَلَيْهِ تَبْقَى صُورَةُ مُخَالَفَةِ الْوَقْتَيْنِ ضَائِعَةً إذَا لَمْ يَشْتَبِهْ السِّنُّ ثُمَّ لَا يَخْفَى مَا فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَإِنَّ أَوَّلَهُ ظَاهِرٌ فِي الْمَشْيِ عَلَى مَا فِي الْهِدَايَةِ وَصَرَّحَ آخِرُهُ بِخِلَافٍ مَشْيًا عَلَى مَا قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَجْعَلَ الْعِبَارَةَ هَكَذَا وَإِنْ خَالَفَ سِنُّهَا الْوَقْتَيْنِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَالْكَافِي بَطَلَتْ الْبَيِّنَتَانِ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ الْأَصَحُّ أَنَّهُمَا لَا يَبْطُلَانِ إلَى أَنْ يَقُولَ وَلِهَذَا قُلْتُ كَانَتْ بَيْنَهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِيهَا
إلَخْ

( بَرْهَنَ أَحَدُهُمَا عَلَى غَصْبِ شَيْءٍ وَالْآخَرُ عَلَى إيدَاعِهِ نُصِّفَ ) أَيْ إذَا كَانَتْ عَيْنٌ فِي يَدِ رَجُلَيْنِ فَبَرْهَنَ أَحَدُهُمَا عَلَى الْغَصْبِ وَالْآخَرُ عَلَى الْوَدِيعَةِ يُقْضَى بِهَا بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ لِأَنَّ الْوَدِيعَةَ تَصِيرُ غَصْبًا بِالْجُحُودِ حَتَّى يَجِبَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وَلَا يَسْقُطُ بِالرُّجُوعِ إلَى الْوِفَاقِ بِخِلَافِ مَا إذَا خَالَفَ بِالْفِعْلِ بِلَا جُحُودٍ ثُمَّ عَادَ إلَى الْوِفَاقِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ ( ادَّعَى الْمِلْكَ فِي الْحَالِ وَشَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّ هَذَا كَانَ مِلْكَهُ تُقْبَلُ ) يَعْنِي إذَا ادَّعَى الْمِلْكَ فِي الْحَالِ وَشَهِدَ الشُّهُودُ أَنَّ هَذَا الْعَيْنَ كَانَ مِلْكَهُ تُقْبَلُ لِأَنَّ شَهَادَتَهُمْ تُثْبِتُ الْمِلْكَ فِي الْحَالِ وَالْمَاضِي وَمَا ثَبَتَ فِي زَمَانٍ يُحْكَمُ بِبَقَائِهِ مَا لَمْ يُوجَدْ الْمُزِيلُ كَذَا فِي الْعِمَادِيَّةِ نَقْلًا عَنْ الْمُحِيطِ .
( قَوْلُهُ ادَّعَى الْمِلْكَ فِي الْحَالِ ) لَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ

( الرَّاكِبُ وَاللَّابِسُ أَوْلَى مِنْ آخِذِ اللِّجَامِ وَالْكُمِّ ) أَيْ إذَا تَنَازَعَا فِي دَابَّةٍ أَحَدُهُمَا رَاكِبُهَا وَالْآخَرُ مُتَعَلِّقٌ بِلِجَامِهَا أَوْ تَنَازَعَا فِي ثَوْبٍ أَحَدُهُمَا لَابِسُهُ وَالْآخَرُ مُتَعَلِّقٌ بِكُمِّهِ كَانَ الرَّاكِبُ وَاللَّابِسُ أَوْلَى مِنْ الْمُتَعَلِّقِ بِاللِّجَامِ وَالْكُمِّ لِأَنَّ تَصَرُّفَهُمَا أَظْهَرُ لِاخْتِصَاصِهِ بِالْمِلْكِ فَكَانَا صَاحِبَيْ يَدٍ وَالْمُتَعَلِّقُ خَارِجٌ وَذُو الْيَدِ أَوْلَى وَأَمَّا إذَا أَقَامَا الْبَيِّنَةَ فَبَيِّنَةُ الْخَارِجِ أَوْلَى لِمَا مَرَّ مِرَارًا ( وَمِنْ فِي السَّرْجِ ) أَوْلَى ( مِنْ رَدِيفِهِ ) لِأَنَّ تَمَكُّنَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ دَلِيلٌ عَلَى تَقَدُّمِ يَدَيْهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا رَاكِبَيْنِ عَلَى السَّرْجِ حَيْثُ يَكُونُ بَيْنَهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي التَّصَرُّفِ وَلَوْ تَعَلَّقَ أَحَدُهُمَا بِذَنَبِهَا وَالْآخَرُ مُمْسِكٌ لِلِجَامِهَا كَانَ لِلْمُمْسِكِ إذْ لَا يَمْسِكُ اللِّجَامَ غَالِبًا إلَّا الْمَالِكُ بِخِلَافِ الْمُتَعَلِّقِ بِالذَّنَبِ .
( وَذُو حِمْلِهَا أَوْلَى مِنْ مُتَعَلِّقٍ كُوزِهِ ) أَيْ إذَا تَنَازَعَا فِي دَابَّةٍ وَعَلَيْهَا حِمْلٌ لِأَحَدِهِمَا وَلِلْآخَرِ كُوزٌ فَالْأَوَّلُ أَوْلَى لِأَنَّهُ أَكْثَرُ تَصَرُّفًا فِيهَا ( وَيُنَصَّفُ الْبِسَاطُ بَيْنَ جَالِسِهِ وَالْمُتَعَلِّقِ بِهِ ) بِحُكْمِ الِاسْتِوَاءِ بَيْنَهُمَا لَا بِطَرِيقِ الْقَضَاءِ لِأَنَّ الْجُلُوسَ لَيْسَ بِيَدٍ عَلَيْهِ بَلْ الْيَدُ تَكُونُ بِكَوْنِهِ فِي بَيْتِهِ أَوْ نَقْلِهِ مِنْ مَوْضِعِهِ بِخِلَافِ الرُّكُوبِ وَاللُّبْسِ حَيْثُ يَكُونُ بِهِمَا غَاصِبًا لِثُبُوتِ يَدِهِ عَلَيْهِ وَلَا يَصِيرُ غَاصِبًا بِالْقُعُودِ عَلَى الْبِسَاطِ ( كَمَنْ مَعَهُ ) أَيْ فِي يَدِهِ ( ثَوْبٌ وَطَرَفُهُ مَعَ الْآخَرِ ) حَيْثُ يُنَصَّفُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ يَدَ كُلٍّ مِنْهُمَا ثَابِتٌ فِيهِ وَإِنْ كَانَ يَدُ أَحَدِهِمَا فِي الْأَكْثَرِ وَلَا يُرَجَّحُ بِهِ لِمَا مَرَّ أَنَّ التَّرْجِيحَ لَا يَكُونُ بِالْأَكْثَرِيَّةِ ( لَا هُدْبَتُهُ ) أَيْ لَا يَكُونُ هُدْبَتُهُ مَعَ الْآخَرِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ مَعَهُ لَا يُوجِبُ التَّنْصِيفَ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِثَوْبٍ لِأَنَّهَا غَيْرُ

مَنْسُوجَةٍ فَلَمْ يَكُنْ فِي يَدِهِ شَيْءٍ مِنْ الثَّوْبِ فَلَا يُزَاحِمُ الْآخَرَ ( بِخِلَافِ جَالِسَيْ دَارٍ إذَا تَنَازَعَا فِيهَا ) حَيْثُ لَا يُقْضَى بِهَا بَيْنَهُمَا ( لَا بِطَرِيقِ الشِّرْكِ وَلَا بِغَيْرِهِ ) لِأَنَّ الْجُلُوسَ لَا يَدُلُّ عَلَى الْمِلْكِ
( قَوْلُهُ وَاللَّابِسُ أَوْلَى ) قَالَ الشَّيْخُ قَاسِمٌ فَيُقْضَى لَهُ قَضَاءَ تَرْكٍ لَا اسْتِحْقَاقٍ حَتَّى لَوْ أَقَامَ الْآخَرُ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ ذَلِكَ يُقْضَى لَهُ ( قَوْلُهُ وَمَنْ فِي السَّرْجِ أَوْلَى مِنْ رَدِيفِهِ ) نَقَلَ النَّاطِفِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ عَنْ النَّوَادِرِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ هِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَا رَاكِبَيْنِ فِي السَّرْجِ فَإِنَّهَا بَيْنَهُمَا قَوْلًا وَاحِدًا كَمَا فِي الْعِنَايَةِ ا هـ .
وَيُؤْخَذُ مِنْهُ اشْتِرَاكُهُمَا إذَا لَمْ تَكُنْ مُسَرَّجَةً ( قَوْلُهُ وَذُو حَمْلِهَا أَوْلَى مِنْ مُعَلِّقٍ كُوزَهُ ) احْتِرَازٌ عَمَّا لَوْ كَانَ لَهُ بَعْضُ حَمْلِهَا إذْ لَوْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا مَنٌّ وَلِلْآخَرِ مِائَةُ مَنٍّ كَانَتْ بَيْنَهُمَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ بِخِلَافِ جَالِسِي دَارٍ
إلَخْ ) كَذَا قَالَ فِي الْعِنَايَةِ وَيُخَالِفُهُ مَا فِي الْبَدَائِعِ لَوْ ادَّعَيَا دَارًا وَأَحَدُهُمَا سَاكِنٌ فِيهِمَا فَهِيَ لِلسَّاكِنِ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَحْدَثَ فِيهَا شَيْئًا مِنْ بِنَاءٍ أَوْ حَفْرٍ فَهِيَ لِصَاحِبِ الْبِنَاءِ وَالْحَفْرِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنَّ أَحَدَهُمَا دَاخِلٌ فِيهَا وَالْآخَرُ خَارِجٌ مِنْهَا فَهِيَ بَيْنَهُمَا وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَا جَمِيعًا فِيهَا لِأَنَّ الْيَدَ عَلَى الْعَقَارِ لَا تَثْبُتُ بِالْكَوْنِ فِيهَا وَإِنَّمَا تَثْبُتُ بِالتَّصَرُّفِ .
ا هـ .
( تَنْبِيهٌ ) : قَالَ فِي الْبَدَائِعِ كُلُّ مَوْضِعٍ قَضَى بِالْمِلْكِ لِأَحَدِهِمَا لِكَوْنِ الْمُدَّعَى فِي يَدِهِ تَجِبُ عَلَيْهِ الْيَمِينُ لِصَاحِبِهِ إذَا طَلَبَ فَإِنْ حَلَفَ بَرِئَ وَإِنْ نَكَلَ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ .
ا هـ .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25