كتاب : درر الحكام شرح غرر الأحكام
المؤلف : محمد بن فراموز الشهير بمنلا خسرو

.
( وَ ) إنْ وَلَدَتْهُ ( لِأَقَلَّ مِنْهَا ) أَيْ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ( لَا يَثْبُتُ ) نَسَبُهُ لِسَبْقِ الْعُلُوقِ عَلَى النِّكَاحِ ( فَإِنْ وَلَدَتْ ، ثُمَّ اخْتَلَفَا وَادَّعَتْ نِكَاحَهَا مُنْذُ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَادَّعَى الزَّوْجُ الْأَقَلَّ صُدِّقَتْ بِلَا يَمِينٍ عِنْدَهُ ) خِلَافًا لَهُمَا كَمَا سَيَأْتِي .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ وَلَدَتْهُ لِأَقَلَّ مِنْهَا أَيْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا يَثْبُتُ
إلَخْ ) أَيْ وَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْحَمْلُ مِنْ الزِّنَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَإِذَا ادَّعَاهُ وَلَمْ يَقُلْ هُوَ مِنْ الزِّنَا ثَبَتَ نَسَبُهُ كَمَا فِي الْجَوْهَرَةِ .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ وَلَدَتْ إلَى قَوْلِهِ صُدِّقَتْ ) قَالَ الْكَمَالُ : ثُمَّ لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ بِهَذَا النَّفْيِ .
( قُلْتُ ) : وَلَا تُسْمَعُ بَيِّنَتُهُ وَلَا بَيِّنَةُ وَرَثَتِهِ عَلَى تَارِيخِ نِكَاحِهَا بِمَا يُطَابِقُ قَوْلَهُ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى النَّفْيِ مَعْنًى فَلَا تُقْبَلُ ، وَالنَّسَبُ يُحْتَالُ لِإِثْبَاتِهِ مَهْمَا أَمْكَنَ وَالْإِمْكَانُ هُنَا بِسَبْقِ التَّزَوُّجِ بِهَا سِرًّا بِمَهْرٍ يَسِيرٍ وَجَهْرًا بِأَكْثَرَ سُمْعَةً وَيَقَعُ ذَلِكَ كَثِيرًا وَهَذَا جَوَابِي لِحَادِثَةٍ فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ .
( قَوْلُهُ : كَمَا سَيَأْتِي أَيْ فِي الدَّعْوَى ) فِي الْمَسَائِلِ السِّتِّ .

( قَالَ : إنْ نَكَحْتهَا فَهِيَ طَالِقٌ ، ثُمَّ نَكَحَهَا فَوَلَدَتْ لِنِصْفِ سَنَةٍ مُنْذُ نَكَحَهَا لَزِمَهُ ) أَيْ الزَّوْجَ ( نَسَبُهُ ) أَيْ نَسَبُ الْوَلَدِ ( وَمَهْرُهَا ) لِوُجُودِ الْعُلُوقِ فِي الْعِدَّةِ .
( عَلَّقَ طَلَاقَهَا بِوِلَادَتِهَا ) أَيْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : إذَا وَلَدْتِ وَلَدًا فَأَنْتِ طَالِقٌ ( فَشَهِدَتْ امْرَأَةٌ ) وَاحِدَةٌ ( بِهَا ) أَيْ بِالْوِلَادَةِ ( لَمْ يَقَعْ ) أَيْ الطَّلَاقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يَقَعُ لِأَنَّ الْوِلَادَةَ تَثْبُتُ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ ، ثُمَّ يَثْبُتُ الطَّلَاقُ بِالتَّبَعِيَّةِ وَلَهُ أَنَّ الْوِلَادَةَ تَثْبُتُ ضَرُورَةً فَتَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا فَلَا تَتَعَدَّى إلَى الطَّلَاقِ وَهُوَ لَيْسَ بِتَابِعٍ لَهَا ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُوجَدُ بِدُونِ الْآخَرِ اعْتَرَضَ عَلَيْهِ بَعْضُ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ بِأَنَّ كَلَامَنَا فِي الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ بِالْوِلَادَةِ وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّيْءِ لَازِمٌ مِنْ لَوَازِمِهِ ، وَالْوِلَادَةُ تَثْبُتُ بِشَهَادَتِهَا وَالشَّيْءُ إذَا ثَبَتَ ثَبَتَ بِجَمِيعِ لَوَازِمِهِ .
أَقُولُ : قَوْلُهُ وَالشَّيْءُ إذَا ثَبَتَ ثَبَتَ بِجَمِيعِ لَوَازِمِهِ لَيْسَ عَلَى إطْلَاقِهِ بَلْ هُوَ فِي مَوْضِعٍ لَا يُتَصَوَّرُ الِانْفِكَاكُ بَيْنَ اللَّازِمِ وَالْمَلْزُومِ كَمَا فِي اللُّزُومِ الْعَقْلِيِّ وَقَدْ أَشَارَ إلَيْهِ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ وَالطَّلَاقُ يَنْفَكُّ عَنْهَا وَقَدْ تَقَرَّرَ فِي كُتُبِ الْأُصُولِ فِي بَحْثِ الِاقْتِضَاءِ أَنَّ قَوْلَهُ أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بِأَلْفٍ يَقْتَضِي الْبَيْعَ ضَرُورَةَ صِحَّةِ الْعِتْقِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ بِعْ عَبْدَك عَنِّي بِأَلْفٍ وَكُنْ وَكِيلِي بِالْإِعْتَاقِ فَيَثْبُتُ الْبَيْعُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ حَتَّى لَا يَثْبُتَ مِنْ الْأَرْكَانِ وَالشَّرَائِطِ إلَّا مَا لَا يَحْتَمِلُ السُّقُوطَ أَصْلًا .

( قَوْلُهُ : فَوَلَدَتْ لِنِصْفِ سَنَةٍ مُنْذُ نَكَحَهَا لَزِمَهُ أَيْ الزَّوْجَ نَسَبُهُ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ وَشَرْطُهُ - أَيْ ثُبُوتِ النَّسَبِ - أَنْ تَلِدَ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ التَّزَوُّجِ مِنْ غَيْرِ نُقْصَانٍ وَلَا زِيَادَةٍ لِأَنَّهُ إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَقَلَّ مِنْهُ تَبَيَّنَ أَنَّ الْعُلُوقَ كَانَ سَابِقًا عَلَى النِّكَاحِ ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْهُ تَبَيَّنَ أَنَّهَا عَلِقَتْ بَعْدَهُ ، لِأَنَّا حَكَمْنَا حِينَ وَقَعَ الطَّلَاقُ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْعِدَّةِ لِكَوْنِهِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْخَلْوَةِ وَلَمْ يَتَبَيَّنْ بُطْلَانُ هَذَا الْحُكْمِ ، وَقَوْلُ الزَّيْلَعِيِّ بِعَدَمِ وُجُوبِ الْعِدَّةِ
إلَخْ يَعْنِي فِي صُورَةِ وِلَادَتِهَا لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ لِأَنَّهَا إذَا وَلَدَتْهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ لَا غَيْرُ فَالْعِدَّةُ عَلَيْهَا لِحَمْلِهَا بِثَابِتِ النَّسَبِ ا هـ .
وَقَالَ الْكَمَالُ : وَقَدْ عَيَّنُوا لِثُبُوتِ نَسَبِهِ أَنْ لَا تَكُونَ أَيْ وِلَادَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ النِّكَاحِ وَلَا أَقَلَّ وَلَا يَخْفَى أَنَّ نَفْيَهُمْ النَّسَبَ فِيمَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فِي مُدَّةٍ يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ مِنْهُ وَهُوَ سَنَتَانِ وَلَا مُوجِبَ لِلصَّرْفِ عَنْهُ يُنَافِي الِاحْتِيَاطَ فِي إثْبَاتِهِ ، وَاحْتِمَالُ كَوْنِهِ حَدَثَ بَعْدَ الطَّلَاقِ فِيمَا إذَا جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ وَيَوْمٍ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ فَإِنَّ الْعَادَةَ الْمُسْتَمِرَّةَ كَوْنُ الْحَمْلِ أَكْثَرَ مِنْهَا وَرُبَّمَا تَمْضِي دُهُورٌ لَمْ يُسْمَعْ فِيهَا وِلَادَةٌ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَكَانَ الظَّاهِرُ عَدَمَ حُدُوثِهِ ، وَحُدُوثُهُ احْتِمَالٌ فَأَيُّ احْتِيَاطٍ فِي إثْبَاتِ النَّسَبِ إذَا نَفَيْنَاهُ لِاحْتِمَالٍ ضَعِيفٍ يَقْتَضِي نَفْيَهُ وَتَرَكْنَا ظَاهِرًا يَقْتَضِي ثُبُوتَهُ ؟ ، .
ا هـ
وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ نَقْلًا عَنْ النِّهَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُنْتَقَى : إنَّهُ - أَيْ الزَّوْجَ - لَا يَكُونُ بِهِ مُحْصَنًا ا هـ .
وَقَالَ الْكَمَالُ : إنَّهُ مُشْكِلٌ لِمُخَالَفَتِهِ لِصَرِيحِ الْمَذْهَبِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَمَهْرُهَا ) أَيْ مَهْرٌ وَاحِدٌ كَامِلًا

لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ النَّسَبُ مِمَّنْ تَحَقَّقَ الْوَطْءُ مِنْهُ حُكْمًا وَهُوَ أَقْوَى مِنْ الْخَلْوَةِ تَأَكَّدَ بِهِ الْمَهْرُ وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ عَلَيْهِ مَهْرَانِ ؛ مَهْرٌ بِالْوَطْءِ وَمَهْرٌ بِالنِّكَاحِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجِبُ مَهْرٌ وَنِصْفٌ لِلطَّلَاقِ قَبْلَ الدُّخُولِ وَالْمَهْرُ بِالدُّخُولِ كَذَا فِي التَّبْيِينِ .
( قَوْلُهُ : لِوُجُودِ الْعُلُوقِ فِي الْعِدَّةِ ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ تَصَوُّرَ الْعُلُوقِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا إذَا حَصَلَ حَالَ انْعِقَادِ النِّكَاحِ لَا حَالَ زَوَالِهِ فَالْوَجْهُ أَنْ يُعَلَّلَ لُزُومُ الْمَهْرِ بِتَحَقُّقِ الْوَطْءِ مِنْهُ حُكْمًا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ وَثُبُوتُ النَّسَبِ مُلْزِمٌ لِلْعِدَّةِ عَلَيْهَا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَتَقَدَّمَ فِيمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ أَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا فِي صُورَةِ وِلَادَتِهَا لِأَكْثَرَ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ .

( وَإِنْ ) كَانَ الزَّوْجُ ( أَقَرَّ بِالْحَبَلِ ثُمَّ عَلَّقَ ) طَلَاقَهَا بِالْوِلَادَةِ فَقَالَتْ الْمَرْأَةُ وَلَدْت وَكَذَّبَهَا الزَّوْجُ ( يَقَعُ ) الطَّلَاقُ ( بِلَا شَهَادَةٍ ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُشْتَرَطُ شَهَادَةُ الْقَابِلَةِ لِأَنَّهَا تَدَّعِي حِنْثَهُ فَلَا بُدَّ مِنْ الْحُجَّةِ وَلَهُ أَنَّ إقْرَارَهُ بِالْحَبَلِ إقْرَارٌ بِمَا يُفْضِي إلَيْهِ وَهُوَ الْوِلَادَةُ .
( نَكَحَ أَمَةً فَطَلَّقَهَا فَشَرَاهَا فَإِنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ شَرَاهَا لَزِمَهُ الْوَلَدُ ، وَإِلَّا فَلَا ) أَيْ فَلَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّ الْوَلَدَ فِي الْوَجْهِ الْأَوَّلِ وَلَدُ الْمُعْتَدَّةِ ؛ إذْ الْعُلُوقُ سَابِقٌ عَلَى الشِّرَاءِ وَفِي الثَّانِي وَلَدُ الْمَمْلُوكَةِ ؛ إذْ الْحَادِثُ يُضَافُ إلَى أَقْرَبِ وَقْتِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ الدَّعْوَى .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ كَانَ أَقَرَّ بِالْحَبَلِ ، ثُمَّ عَلَّقَ
إلَخْ ) عَلَى هَذَا الْخِلَافِ لَوْ كَانَ الْحَبَلُ ظَاهِرًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ .
( قَوْلُهُ : نَكَحَ أَمَةً فَطَلَّقَهَا
إلَخْ ) يَعْنِي بَعْدَ الدُّخُولِ طَلْقَةً بَائِنَةً ، أَوْ رَجْعِيَّةً لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَبْلَ الدُّخُولِ لَا يَلْزَمُهُ إلَّا أَنْ تَلِدَهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ فَارَقَهَا لِأَنَّهُ لَا عِدَّةَ عَلَيْهَا ، أَوْ بَعْدَهُ وَالطَّلَاقُ ثِنْتَانِ ثَبَتَ النَّسَبُ إلَى سَنَتَيْنِ مِنْ وَقْتِ الطَّلَاقِ ، وَإِذَا طَلَّقَهَا وَاحِدَةً رَجْعِيَّةً يَلْزَمُهُ ، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ لِعَشْرِ سِنِينَ بَعْدَ الطَّلَاقِ فَأَكْثَرَ بَعْدَ كَوْنِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الشِّرَاءِ ، وَإِنْ وَاحِدًا بَائِنًا ثَبَتَ إلَى أَقَلَّ مِنْ سَنَتَيْنِ ، أَوْ تَمَامِ السَّنَتَيْنِ بَعْدَ كَوْنِهِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ الشِّرَاءِ كَمَا فِي الْفَتْحِ .

( قَالَ لِأَمَتِهِ : إنْ كَانَ فِي بَطْنِكِ وَلَدٌ فَهُوَ مِنِّي فَشَهِدَتْ امْرَأَةٌ عَلَى الْوِلَادَةِ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ أَقَرَّ فَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ ) لِأَنَّ سَبَبَ ثُبُوتِ النَّسَبِ وَهُوَ الدَّعْوَى قَدْ وُجِدَ مِنْ الْمَوْلَى بِقَوْلِهِ فَهُوَ مِنِّي ، وَإِنَّمَا الْحَاجَةُ إلَى تَعْيِينِ الْوَلَدِ وَهُوَ يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ اتِّفَاقًا ، وَإِنَّمَا قَالَ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مُنْذُ أَقَرَّ لِأَنَّهَا لَوْ وَلَدَتْ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَصَاعِدًا لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا حَبِلَتْ بَعْدَ مَقَالَةِ الْمَوْلَى فَلَمْ يَكُنْ الْمَوْلَى مُدَّعِيًا هَذَا الْوَلَدَ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ لِلتَّيَقُّنِ بِقِيَامِ الْوَلَدِ فِي الْبَطْنِ وَقْتَ الْقَوْلِ فَصَحَّتْ الدَّعْوَى ( أَوْ لِطِفْلٍ ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِأَمَتِهِ أَيْ لَوْ قَالَ لِطِفْلٍ ( هُوَ ابْنِي وَمَاتَ ) الْمُقِرُّ ( فَقَالَتْ أُمُّهُ ) أَيْ أُمُّ الطِّفْلِ ( هُوَ ابْنُهُ وَأَنَا زَوْجَتُهُ يَرِثَانِهِ ) أَيْ يَرِثُ الطِّفْلُ وَأُمُّهُ مِنْ الْمُقِرِّ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا كَانَتْ مَعْرُوفَةً بِالْحُرِّيَّةِ وَبِكَوْنِهَا أُمَّ الطِّفْلِ وَلَا سَبِيلَ إلَى بُنُوَّةِ الطِّفْلِ لَهُ إلَّا بِنِكَاحِ أُمِّهِ نِكَاحًا صَحِيحًا لِأَنَّهُ الْمَوْضُوعُ لِلْحَلِّ .

( وَإِنْ قَالَ وَارِثُهُ أَنْتِ أُمُّ وَلَدِهِ وَجُهِلَتْ حُرِّيَّتِهَا لَا تَرِثُ ) لِأَنَّ ظُهُورَ الْحُرِّيَّةِ بِاعْتِبَارِ الدَّارِ حُجَّةٌ فِي رَفْعِ الرِّقِّ لَا فِي اسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ .
( زَوَّجَ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ الْمَوْلَى لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ ) لِأَنَّ ثُبُوتَ نَسَبِهِ يَقْتَضِي فَسْخَ النِّكَاحِ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النِّكَاحَ بَعْدَمَا صَحَّ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ بِخِلَافِ الْبَيْعِ فَإِنَّ الْمَوْلَى إذَا بَاعَ أَمَتَهُ وَوَلَدَتْ عِنْدَ الْمُشْتَرِي ، ثُمَّ ادَّعَاهُ الْبَائِعُ يَثْبُتُ نَسَبُهُ وَيَنْفَسِخُ الْبَيْعُ ( وَعَتَقَ ) أَيْ الْوَلَدُ لِأَنَّهُ مِلْكُ الْمَوْلَى وَقَدْ أَقَرَّ بِبُنُوَّتِهِ فَلَزِمَ حُرِّيَّتُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ الْمَلْزُومُ كَمَا إذَا أَقَرَّ بِبُنُوَّةِ عَبْدِهِ الْمَعْرُوفِ النَّسَبِ ( وَتَصِيرُ ) أَيْ الْأَمَةُ ( أُمَّ وَلَدِهِ ) لِإِقْرَارِهِ بِذَلِكَ .
( وَلَدَتْ أَمَتُهُ الْمَوْطُوءَةُ لَهُ وَلَدًا لَمْ يَثْبُتْ نَسَبُهُ حَتَّى يَدَّعِيَهُ ) فَإِنَّ الْفِرَاشَ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ : قَوِيٍّ وَهُوَ فِرَاشُ الْمَنْكُوحَةِ وَحُكْمُهُ أَنْ يَثْبُتَ بِهِ النَّسَبُ بِلَا دَعْوَةٍ وَلَا يَنْتَفِيَ بِمُجَرَّدِ النَّفْيِ بَلْ يَنْتَفِيَ بِاللِّعَانِ فِي النِّكَاحِ الصَّحِيحِ ؛ إذْ لَا لِعَانَ فِي الْفَاسِدِ كَمَا مَرَّ ، وَضَعِيفٍ وَهُوَ فِرَاشُ الْأَمَةِ ، وَحُكْمُهُ أَنْ لَا يَثْبُتَ بِهِ النَّسَبُ إلَّا بِدَعْوَةٍ لِضَعْفِهِ ، وَمُتَوَسِّطٍ وَهُوَ فِرَاشُ أُمِّ الْوَلَدِ وَحُكْمُهُ أَنْ يَثْبُتَ بِهِ النَّسَبُ بِلَا دَعْوَةٍ وَيَنْتَفِيَ بِمُجَرَّدِ النَّفْيِ لَكِنَّ ثُبُوتَهُ بِلَا دَعْوَةٍ إنَّمَا يَكُونُ إذَا حَلَّ لِلْمَوْلَى وَطْؤُهَا ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَحِلَّ فَلَا يَثْبُتُ بِلَا دَعْوَةٍ كَأُمِّ وَلَدٍ كَاتَبَهَا مَوْلَاهَا وَأَمَةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ اسْتَوْلَدَاهَا ، ثُمَّ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ بِدُونِهَا كَذَا فِي خِزَانَةِ الْمُفْتِينَ .

( قَوْلُهُ : وَجُهِلَتْ حُرِّيَّتُهَا لَا تَرِثُ ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَكِنْ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ .
( قَوْلُهُ : وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النِّكَاحَ بَعْدَ مَا صَحَّ لَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ ) يَعْنِي بِهَذِهِ الدَّعْوَى .
( قَوْلُهُ : وَلَدَتْ أَمَتُهُ الْمَوْطُوءَةُ ) مَذْكُورٌ فِي بَابِ الِاسْتِيلَاءِ أَيْضًا .

( بَابُ الْحَضَانَةِ ) هِيَ مِنْ حَضَنَ الطَّائِرُ بَيْضَهُ يَحْضُنُهُ إذَا ضَمَّهُ إلَى نَفْسِهِ تَحْتَ جَنَاحِهِ وَكَذَلِكَ الْمَرْأَةُ إذَا حَضَنَتْ وَلَدَهَا ( هِيَ لِلْأُمِّ وَلَوْ بَعْدَ الطَّلَاقِ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ ) يَعْنِي بِزَوْجٍ آخَرَ غَيْرِ مَحْرَمٍ لِلطِّفْلِ كَمَا سَيَأْتِي ، وَإِنَّمَا كَانَتْ لَهَا لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهَا أَشْفَقُ مِنْ غَيْرِهَا ( إلَّا أَنْ تَكُونَ مُرْتَدَّةً ) فَإِنَّهَا تُحْبَسُ وَتُضْرَبُ فَلَا تَتَفَرَّغُ لِلْحَضَانَةِ ( أَوْ فَاجِرَةً ) كَذَا فِي الْكَافِي ( بِلَا جَبْرِهَا ) عَلَى أَخْذِ الْوَلَدِ إذَا أَبَتْ ، أَوْ لَمْ تَطْلُبْ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَعْجِزَ عَنْ الْحَضَانَةِ ( إلَّا إذَا تَعَيَّنَتْ ) بِأَنْ لَا يَأْخُذَ الْوَلَدُ ثَدْيَ غَيْرِهَا ، أَوْ لَا يَكُونَ لَهُ ذُو رَحِمٍ مَحْرَمٍ سِوَى الْأُمِّ فَتُجْبَرُ عَلَى الْحَضَانَةِ ؛ إذْ الْأَجْنَبِيَّةُ لَا شَفَقَةَ لَهَا عَلَيْهِ ( ثُمَّ أُمِّهَا ) أَيْ أُمِّ الْأُمِّ ( وَإِنْ عَلَتْ ) لِأَنَّ هَذِهِ الْوِلَايَةَ تُسْتَفَادُ مِنْ قِبَلِ الْأُمَّهَاتِ ( ثُمَّ أُمِّ أَبِيهِ ) أَيْ أَبِ الْوَلَدِ ( كَذَلِكَ ) أَيْ وَإِنْ عَلَتْ لِأَنَّهَا مِنْ الْأُمَّهَاتِ وَلِهَذَا تُحْرِزُ مِيرَاثَ الْأُمَّهَاتِ السُّدُسَ وَلِأَنَّهَا أَوْفَرُ شَفَقَةً لِأَجْلِ الْوِلَادِ ( ثُمَّ أُخْتِهِ لِأَبٍ وَأُمٍّ ) لِأَنَّهَا أَشْفَقُ ( ثُمَّ أُخْتِهِ لِأُمٍّ ) لِأَنَّهَا قَرِيبَةٌ لِمَا قَبْلَهَا فِي هَذَا الْأَمْرِ ( ثُمَّ ) أُخْتِهِ ( لِأَبٍ ) ؛ لِأَنَّ بَنَاتَ الْأَبَوَيْنِ أَوْلَى مِنْ بَنَاتِ الْأَجْدَادِ ( ثُمَّ خَالَتِهِ ) لِأَنَّ قَرَابَةَ الْأُمِّ أَرْجَحُ فِي هَذَا الْأَمْرِ ( كَذَلِكَ ) أَيْ مَنْ كَانَتْ لِأَبٍ وَأُمٍّ أَوْلَى ، ثُمَّ لِأُمٍّ ثُمَّ لِأَبٍ وَالْخَالَةُ أَوْلَى مِنْ بَنَاتِ الْأَخِ لِأَنَّهَا تُدْلِي بِالْأُمِّ وَتِلْكَ بِالْأَخِ ( ثُمَّ عَمَّتِهِ كَذَلِكَ ) فِي التَّرْتِيبِ وَلَا حَقَّ لِبَنَاتِ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ فِي الْحَضَانَةِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مَحْرَمٍ ( بِشَرْطِ حُرِّيَّتِهِنَّ ) لِعَجْزِ الرَّقِيقِ عَنْ الْحَضَانَةِ لِاشْتِغَالِهِ بِخِدْمَةِ الْمَوْلَى وَلِأَنَّ حَقَّ الْحَضَانَةِ نَوْعُ وِلَايَةٍ وَلَا وِلَايَةَ لِلرَّقِيقِ

عَلَى نَفْسِهِ فَضْلًا عَنْ الْوِلَايَةِ عَلَى غَيْرِهِ ( فَلَا حَقَّ لِأَمَةٍ وَأُمِّ وَلَدٍ قَبْلَ عِتْقِهِمَا ) بَلْ الْحَقُّ لِلْمَوْلَى إنْ كَانَ الصَّغِيرُ رَقِيقًا وَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّهِ إنْ كَانَا فِي مِلْكِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْبُيُوعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، وَإِنْ كَانَ حُرًّا فَالْحَضَانَةُ لِأَقْرِبَائِهِ الْأَحْرَارِ ، وَإِذَا عَتَقَا كَانَ لَهُمَا حَقُّ الْحَضَانَةِ فِي أَوْلَادِهِمَا الْأَحْرَارِ لِأَنَّهُمَا وَأَوْلَادَهُمَا أَحْرَارٌ حَالَ ثُبُوتِ الْحَقِّ .

( بَابُ الْحَضَانَةِ ) هِيَ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِهَا ( قَوْلُهُ : إلَّا أَنْ تَكُونَ مُرْتَدَّةً
إلَخْ ) كَذَا إذَا كَانَتْ تَخْرُجُ كُلَّ وَقْتٍ وَتَتْرُكُ الْبِنْتَ ضَائِعَةً كَمَا فِي الْفَتْحِ .
( قَوْلُهُ : إلَّا إذَا تَعَيَّنَتْ ) هُوَ الْمُخْتَارُ وَقِيلَ : لَا تُجْبَرُ الْأُمُّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَتَغَذَّى بِالدُّهْنِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَائِعَاتِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى الضَّيَاعِ ، وَإِلَى الْأَوَّلِ مَالَ الْقُدُورِيُّ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَهُوَ الْأَصْوَبُ لِأَنَّ قَصْرَ الرَّضِيعِ الَّذِي لَمْ يَأْنَسْ الطَّعَامَ عَلَى الدُّهْنِ وَالشَّرَابِ سَبَبُ تَمَرُّضِهِ وَمَوْتِهِ كَذَا فِي الْبُرْهَانِ .
( قَوْلُهُ : بِأَنْ لَا يَأْخُذَ الْوَلَدُ ثَدْيَ غَيْرِهَا ) كَذَا لَوْ أَعْسَرَ الْأَبُ وَلَا مَالَ تُجْبَرُ الْأُمُّ عَلَى الْإِرْضَاعِ صِيَانَةً لِلْوَلَدِ عَنْ الضَّيَاعِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ .
( قَوْلُهُ : لِأَنَّ بَنَاتَ الْأَبَوَيْنِ أَوْلَى مِنْ بَنَاتِ الْأَجْدَادِ ) كَذَا بَنَاتُهُنَّ وَبَنَاتُ الْأَخِ كَمَا يَأْتِي فَتُقَدَّمُ بِنْتُ الْأُخْتِ الشَّقِيقَةِ ، ثُمَّ الْأُمُّ عَلَى الْخَالَاتِ وَالْعَمَّاتِ بِاتِّفَاقِ الرِّوَايَاتِ وَاخْتَلَفَ الرِّوَايَةُ فِي بَنَاتِ الْأُخْتِ لِأَبٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْخَالَةَ أَوْلَى مِنْهُنَّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَالْبَحْرِ وَقَالَ فِي السِّرَاجِ : ثُمَّ بَعْدَ بَنَاتِ الْأُخْتِ يَكُونُ لِبَنَاتِ الْأَخِ .
( قَوْلُهُ : وَالْخَالَةُ أَوْلَى مِنْ بَنَاتِ الْأَخِ ) مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْجَوْهَرَةِ وَالسِّرَاجِ وَنَصُّهُ بَنَاتُ الْأَخِ أَوْلَى مِنْ الْعَمَّاتِ وَالْخَالَاتِ .
( قَوْلُهُ : ثُمَّ خَالَتِهِ كَذَلِكَ ، ثُمَّ عَمَّتِهِ ) قَالَ فِي الْمَوَاهِبِ وَبَعْدَهُنَّ خَالَةُ الْأُمِّ كَذَلِكَ ثُمَّ عَمَّاتُهَا كَذَلِكَ ا هـ ، وَفِي الْفَتْحِ : خَالَةُ الْأُمِّ أَوْلَى مِنْ خَالَةِ الْأَبِ .
( قَوْلُهُ : فَلَا حَقَّ لِأَمَةٍ وَأُمِّ وَلَدٍ ) كَذَا مُدَبَّرَةٌ لِوُجُودِ الرِّقِّ فِيهَا وَالْمُكَاتَبَةُ أَحَقُّ بِوَلَدِهَا الْمَوْلُودِ فِي الْكِتَابَةِ لِدُخُولِهِ فِيهَا بِخِلَافِ الْمَوْلُودَةِ قَبْلَهَا ( تَنْبِيهٌ ) : يَسْتَحِقُّهَا بَعْدَ الْمَذْكُورَاتِ

الْعَصَبَةُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ إلَّا أَنَّ الصَّغِيرَةَ لَا تُدْفَعُ لِغَيْرِ مَحْرَمٍ كَابْنِ الْعَمِّ وَإِذَا لَمْ تَكُنْ عَصَبَةٌ تُدْفَعُ إلَى الْأَخِ لِأُمٍّ ثُمَّ إلَى ابْنِهِ ، ثُمَّ إلَى الْعَمِّ لِأُمٍّ ، ثُمَّ إلَى الْخَالِ لِأَبَوَيْنِ ، ثُمَّ لِأَبٍ ، ثُمَّ لِأُمٍّ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ ، وَإِذَا اجْتَمَعَ مَنْ لَهُ الْحَقُّ فِي دَرَجَةٍ فَأَوْرَعُهُمْ أَوْلَى ثُمَّ أَكْبَرُهُمْ كَمَا فِي التَّبْيِينِ .

( الذِّمِّيَّةُ كَالْمُسْلِمَةِ ) يَعْنِي أَنَّهَا أَحَقُّ بِوَلَدِهَا الْمُسْلِمِ ( حَتَّى يَعْقِلَ ) أَيْ الْوَلَدُ ( دِينًا ) لِأَنَّ الْحَضَانَةَ تُبْتَنَى عَلَى الشَّفَقَةِ وَهِيَ أَشْفَقُ عَلَيْهِ فَيَكُونُ الدَّفْعُ إلَيْهَا أَنْظَرَ لَهُ مَا لَمْ يَعْقِلْ دِينًا فَإِذَا عَقَلَ يُنْزَعُ مِنْهَا لِاحْتِمَالِ الضَّرَرِ ( أَوْ يُخَافَ أَنْ يَأْلَفَ الْكُفْرَ ) فَإِنَّ تَأَلُّفَ الْكُفْرِ قَدْ يَكُونُ قَبْلَ تَعَقُّلِ الدِّينِ فَإِذَا خِيفَ هَذَا يُنْزَعُ أَيْضًا مِنْهَا .
( يَسْقُطُ حَقُّهَا ) أَيْ حَقُّ الْحَضَانَةِ أُمًّا كَانَتْ ، أَوْ غَيْرَهَا كَالْجَدَّةِ ( بِنِكَاحِ غَيْرِ مَحْرَمٍ ) أَيْ مَحْرَمِ الْوَلَدِ لِانْتِقَاصِ الشَّفَقَةِ حَتَّى إذَا نَكَحَتْ مَحْرَمَهُ لَا تَسْقُطُ كَأُمٍّ نَكَحَتْ عَمَّهُ وَجَدَّةٍ جَدَّهُ ( وَيَعُودُ ) أَيْ حَقُّهَا ( بِالْفُرْقَةِ ) لِأَنَّ الْمَانِعَ إذَا زَالَ عَادَ الْمَمْنُوعُ .
( قَوْلُهُ : يَسْقُطُ حَقُّهَا ) أَيْ حَقُّ الْحَضَانَةِ كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ حَقُّ الْحَاضِنَةِ لِقَوْلِهِ بَعْدَهُ أُمًّا كَانَتْ ، أَوْ غَيْرَهَا .
( قَوْلُهُ : وَيَعُودُ بِالْفُرْقَةِ ) هَذَا مِنْ قَبِيلِ زَوَالِ الْمَانِعِ لَا عَوْدِ السَّاقِطِ وَقَوْلُهُمْ سَقَطَ حَقُّهَا مَعْنَاهُ مَنَعَ مَانِعٌ مِنْهُ كَالنَّاشِزَةِ لَا نَفَقَةَ لَهَا ، ثُمَّ يَعُودُ بِعَوْدِهَا لِمَنْزِلِ الزَّوْجِ ، وَأَشَارَ إلَى أَنَّ الْمُطَلَّقَةَ رَجْعِيًّا لَا حَقَّ لَهَا مَا دَامَتْ عِدَّتُهَا قَائِمَةً .

( طَلَبَتْ ) الْأُمُّ ( أَجْرًا فَلَوْ ) طَلَبَتْ ( فِي النِّكَاحِ ، أَوْ فِي عِدَّةِ الرَّجْعِيِّ لَمْ تَسْتَحِقَّ ) الْأَجْرَ لِأَنَّ الْإِرْضَاعَ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهَا دِيَانَةً ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحَقًّا دَيْنًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ } الْآيَةَ لَكِنَّهَا عُذِرَتْ لِاحْتِمَالِ عَجْزِهَا ، فَإِذَا أَقْدَمَتْ عَلَيْهِ بِالْأَجْرِ ظَهَرَ قُدْرَتُهَا فَكَانَ الْفِعْلُ وَاجِبًا عَلَيْهَا فَلَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأَجْرِ عَلَيْهِ ( وَلَوْ ) طَلَبَتْ ( بَعْدَ عِدَّةٍ ، أَوْ فِيهَا ) لَكِنْ ( لِابْنِهِ مِنْ غَيْرِهَا تَسْتَحِقُّ ) أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ النِّكَاحَ قَدْ زَالَ بِالْكُلِّيَّةِ فَصَارَتْ كَالْأَجْنَبِيَّةِ ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهَا .
اعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّ أَوْلَى بِإِرْضَاعِ الْوَلَدِ بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا مَا لَمْ تَطْلُبْ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ لِأَنَّهَا أَشْفَقُ وَأَنْظَرُ لِلصَّبِيِّ ، وَفِي الْأَخْذِ مِنْهَا إضْرَارٌ بِهِ فَإِنْ الْتَمَسَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يُجْبَرْ الْأَبُ عَلَيْهَا دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ } أَيْ لَا تُضَارَّ هِيَ بِأَخْذِ الْوَلَدِ مِنْهَا وَلَا يُضَارَّ هُوَ بِإِلْزَامِهِ أَكْثَرَ مِنْ أُجْرَةِ الْأَجْنَبِيَّةِ ، وَإِنْ رَضِيَتْ الْأَجْنَبِيَّةُ أَنْ تُرْضِعَهُ بِغَيْرِ أَجْرٍ ، أَوْ بِدُونِ أَجْرِ الْمِثْلِ وَالْأُمُّ بِأَجْرِ الْمِثْلِ فَالْأَجْنَبِيَّةُ هُنَا أَوْلَى لِمَا قُلْنَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ .
( وَفِي الْمَبْتُوتَةِ رِوَايَتَانِ ) فِي رِوَايَةٍ جَازَ اسْتِئْجَارُهَا لِأَنَّ النِّكَاحَ قَدْ زَالَ فَالْتَحَقَتْ بِالْأَجَانِبِ ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لَا ؛ لِأَنَّ الْعِدَّةَ مِنْ أَحْكَامِ النِّكَاحِ وَلِهَذَا تَجِبُ فِيهَا النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى وَلَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهَا وَالشَّهَادَةُ لَهَا .

( قَوْلُهُ : وَلَوْ بَعْدَ عِدَّةٍ تَسْتَحِقُّ ) قَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ : اعْلَمْ أَنَّ ظَاهِرَ الْوَلْوَالِجيَّةِ أَنَّ أُجْرَةَ الرَّضَاعِ غَيْرُ نَفَقَةِ الْوَلَدِ لِلْعَطْفِ وَهُوَ لِلْمُغَايَرَةِ فَعَلَى هَذَا يَجِبُ عَلَى الْأَبِ ثَلَاثَةٌ ؛ أُجْرَةُ الرَّضَاعِ ، وَأُجْرَةُ الْحَضَانَةِ ، وَنَفَقَةُ الْوَلَدِ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَفِي الْمَبْتُوتَةِ رِوَايَتَانِ ) قَالَ فِي التَّتَارْخَانِيَّة عَنْ الْحُجَّةِ ، وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ ، وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ يَجُوزُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى .

( قَالَ الْأَبُ : أَجِدُ مُرْضِعَةً بِلَا أَجْرٍ ) حِينَ قَالَتْ الْأُمُّ بَعْدَ الْعِدَّةِ لَا أُرْضِعُهُ إلَّا بِأَجْرٍ ( أَوْ بِالْأَقَلِّ ) حِينَ قَالَتْ لَا أُرْضِعُهُ إلَّا بِكَذَا ( لَيْسَ لَهَا مَنْعُهُ وَلَكِنْ تُرْضِعُ الظِّئْرُ ) الطِّفْلَ ( فِي بَيْتِهَا مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ ) رِعَايَةً لِلطَّرَفَيْنِ .
( لَا تُدْفَعُ صَبِيَّةٌ إلَى عَصَبَةٍ غَيْرِ مَحْرَمٍ كَمَوْلَى الْعَتَاقَةِ وَابْنِ الْعَمِّ ) لِاحْتِمَالِ الْفَسَادِ ( مَعَ وُجُودِ مَحْرَمٍ غَيْرِ عَصَبَةٍ كَالْخَالِ ) لِعَدَمِ احْتِمَالِهِ ( وَلَا ) تُدْفَعُ أَيْضًا ( إلَى فَاسِقٍ مَاجِنٍ ) وَهُوَ مَنْ لَا يُبَالِي بِمَا يَصْنَعُ فَإِنَّهُ لَا يَتَحَاشَى عَنْ الْفَسَادِ ( لَا يُخَيَّرُ طِفْلٌ ) بَيْنَ أَبِيهِ وَأُمِّهِ ، وَإِنْ كَانَ مُمَيِّزًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يُخَيَّرُ إذَا بَلَغَ سِنَّ التَّمْيِيزِ وَيُسَلَّمُ إلَى مَنْ يَخْتَارُهُ .
( قَوْلُهُ : لَكِنْ تُرْضِعُ الظِّئْرُ الطِّفْلَ فِي بَيْتِهَا ) أَيْ بَيْتِ الْأُمِّ مَا لَمْ تَتَزَوَّجْ وَهَذَا تَقْيِيدٌ لِمَا أَطْلَقَهُ فِيمَا قَدَّمَهُ عَنْ الزَّيْلَعِيِّ شَرْحًا وَكَانَ يُغْنِيهِ هَذَا عَنْ ذَلِكَ .
( قَوْلُهُ : لَا يُخَيَّرُ طِفْلٌ ) كَذَا مَعْتُوهٌ وَيَكُونُ عِنْدَ الْأُمِّ كَمَا فِي الْفَتْحِ .

( الْأُمُّ وَالْجَدَّةُ أَحَقُّ بِهِ ) أَيْ بِالصَّبِيِّ مِنْ أَبِيهِ ( حَتَّى يَسْتَغْنِيَ ) عَنْ الْغَيْرِ بِأَنْ يَأْكُلَ وَيَشْرَبَ وَيَلْبَسَ وَيَسْتَنْجِيَ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ إذَا اسْتَغْنَى يَحْتَاجُ إلَى التَّأْدِيبِ وَالتَّخَلُّقِ بِآدَابِ الرِّجَالِ وَأَخْلَاقِهِمْ وَالْأَبُ أَقْدَرُ عَلَى ذَلِكَ .

( وَقُدِّرَ ) الِاسْتِغْنَاءُ ( بِسَبْعِ سِنِينَ ) قَدَّرَهُ الْخَصَّافُ ( وَبِهِ يُفْتَى ) كَذَا فِي الْكَافِي .
( وَ ) الْأُمُّ وَالْجَدَّةُ أَحَقُّ ( بِهَا ) أَيْ بِالصَّبِيَّةِ مِنْ الْأَبِ ( حَتَّى تَحِيضَ ) لِأَنَّهَا بَعْدَ الِاسْتِغْنَاءِ تَحْتَاجُ إلَى مَعْرِفَةِ آدَابِ النِّسَاءِ ، وَالْمَرْأَةُ عَلَى ذَلِكَ أَقْدَرُ وَبَعْدَ الْبُلُوغِ تَحْتَاجُ إلَى التَّحْصِينِ وَالْحِفْظِ وَالْأَبُ فِيهِ أَقْدَرُ ( وَرُوِيَ ) عَنْ مُحَمَّدٍ ( حَتَّى تُشْتَهَى ) يَعْنِي أَنَّهَا تُدْفَعُ إلَى الْأَبِ إذَا بَلَغَتْ حَدَّ الشَّهْوَةِ لِتَحَقُّقِ الْحَاجَةِ إلَى الصِّيَانَةِ ( وَهُوَ الْأَحْوَطُ ) لِفَسَادِ الزَّمَانِ ( وَغَيْرُهُمَا ) أَيْ حَضَانَةُ غَيْرِ الْأُمِّ وَالْجَدَّةِ ( أَحَقُّ بِهَا ) أَيْ بِالْبِنْتِ مِنْهُمَا ( حَتَّى تُشْتَهَى ) لِأَنَّ التَّرْكَ عِنْدَ مَنْ تَحْضُنُهَا نَوْعُ اسْتِخْدَامٍ وَغَيْرُهُمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى اسْتِخْدَامِهَا وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ التَّسْلِيمُ وَهُوَ يَحْصُلُ بِالِاسْتِخْدَامِ ، وَغَيْرُهُمَا لَا يَمْلِكُهُ وَلِهَذَا لَا يُؤَجِّرُهَا لِلْخِدْمَةِ فَلَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِخِلَافِ الْأُمِّ وَالْجَدَّةِ لِقُدْرَتِهِمَا عَلَيْهِ شَرْعًا .
( لَا تُسَافِرُ مُطَلَّقَةٌ بِوَلَدِهَا ) أَيْ بِدُونِ إذْنِ أَبِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْإِضْرَارِ بِالْوَلَدِ ( إلَّا إلَى وَطَنِهَا الَّذِي نَكَحَهَا فِيهِ ) حَتَّى لَوْ وَقَعَ التَّزَوُّجُ فِي بَلَدٍ وَلَيْسَ بِوَطَنٍ لَهَا لَيْسَ لَهَا أَنْ تَنْقُلَهُ إلَيْهِ وَلَا إلَى وَطَنِهَا لِعَدَمِ الْأَمْرَيْنِ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَهُوَ رِوَايَةُ كِتَابِ الطَّلَاقِ مِنْ الْأَصْلِ وَهُوَ الْأَصَحُّ هَذَا إذَا كَانَ بَيْنَ الْمَوْضِعَيْنِ تَفَاوُتٌ ، وَإِنْ تَقَارَبَا بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ مِنْ مُطَالَعَةِ وَلَدِهِ فِي يَوْمٍ وَيَرْجِعُ إلَى أَهْلِهِ فِيهِ قَبْلَ اللَّيْلِ جَازَ لَهَا النَّقْلُ إلَيْهِ مُطْلَقًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ وُقُوعُ التَّزَوُّجِ وَلَا الْوَطَنُ إلَّا إلَى قَرْيَةٍ مِنْ مِصْرٍ لِأَنَّ الِانْتِقَالَ إلَى قَرِيبٍ بِمَنْزِلَةِ الِانْتِقَالِ مِنْ مَحَلَّةٍ إلَى مَحَلَّةٍ فِي بَلْدَةٍ وَاحِدَةٍ لَكِنَّ الِانْتِقَالَ مِنْ مِصْرٍ إلَى قَرْيَةٍ

يَضُرُّ بِالْوَلَدِ لِأَنَّهُ يَتَخَلَّقُ بِأَخْلَاقِ أَهْلِ الْقُرَى فَلَا تَمْلِكُ ذَلِكَ إلَّا أَنْ تَكُونَ وَطَنَهَا وَوَقَعَ الْعَقْدُ فِيهَا فِي الْأَصَحِّ لِمَا بَيَّنَّا ( وَخُصَّ هَذَا ) السَّفَرُ ( بِالْأُمِّ ) وَلَيْسَ لِغَيْرِهَا أَنْ يَنْقُلَهُ بِلَا إذْنِ الْأَبِ حَتَّى الْجَدَّةِ .
( لِلصَّغِيرَةِ عَمَّةٌ مُوسِرَةٌ وَالْأَبُ مُعْسِرٌ أَرَادَتْ الْعَمَّةُ إمْسَاكَ الْوَلَدِ مَجَّانًا وَلَا تَمْنَعُهُ ) أَيْ الْعَمَّةُ الْوَلَدَ ( عَنْ الْأُمِّ وَهِيَ ) أَيْ الْأُمُّ ( تَأْبَى ) أَيْ تَمْتَنِعُ مِنْ الْحَضَانَةِ ( وَتُطَالِبُهُ بِالْأُجْرَةِ وَنَفَقَةِ الْوَلَدِ فَالصَّحِيحُ أَنْ يُقَالَ لَهَا : إمَّا أَنْ تُمْسِكِي الْوَلَدَ مَجَّانًا ، أَوْ تَدْفَعِي إلَى الْعَمَّةِ ) كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ .

( قَوْلُهُ : وَقُدِّرَ بِسَبْعِ سِنِينَ ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَلَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَ : ابْنُ سَبْعٍ وَقَالَتْ : ابْنُ سِتٍّ لَا يُحَلِّفُ الْقَاضِي أَحَدَهُمَا وَلَكِنْ يَنْظُرُ إنْ كَانَ يَأْكُلُ وَحْدَهُ وَيَلْبَسُ وَحْدَهُ دُفِعَ لِلْأَبِ ، وَإِلَّا فَلَا قَوْلُهُ : وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ حَتَّى تُشْتَهَى وَهُوَ الْأَحْوَطُ ) قَالَ فِي الْمَوَاهِبِ وَبِهِ يُفْتَى وَقَالَ الْكَمَالُ : وَفِي غِيَاثِ الْمُفْتِي الِاعْتِمَادُ عَلَى رِوَايَةِ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ لِفَسَادِ الزَّمَانِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مِثْلُهُ .
( قَوْلُهُ : لَا تُسَافِرُ مُطَلَّقَةٌ بِوَلَدِهَا ) قَالَ فِي الْبَحْرِ الَّذِي يَظْهَرُ عَدَمُ صِحَّةِ التَّعْبِيرِ بِالسَّفَرِ ، وَالْخُرُوجِ عَلَى الْإِطْلَاقِ لِأَنَّ السَّفَرَ إنْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ الشَّرْعِيَّ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِلْمَنْعِ ، وَإِنْ أُرِيدَ بِهِ اللُّغَوِيُّ لَمْ يَصِحَّ أَيْضًا لِأَنَّهَا لَا تُمْنَعُ فِيمَا إذَا تَقَارَبَ مَا بَيْنَ الْمَكَانَيْنِ وَكَذَا التَّعْبِيرُ بِمُطْلَقِ الْخُرُوجِ لَا يَصِحُّ وَالْعِبَارَةُ الصَّحِيحَةُ لَيْسَ لَهَا الْخُرُوجُ بِالْوَلَدِ مِنْ بَلْدَةٍ إلَى أُخْرَى بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ إلَّا إذَا انْتَقَلَتْ مِنْ الْقَرْيَةِ إلَى الْمِصْرِ ا هـ .
وَكَذَا لَا يَخْرُجُ الْأَبُ بِهِ مِنْ مَحَلِّ إقَامَتِهِ قَبْلَ اسْتِغْنَائِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا حَقٌّ فِي الْحَضَانَةِ لِاحْتِمَالِ عَوْدِهِ بِزَوَالِ الْمَانِعِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ ، .
وَفِي السِّرَاجِيَّةِ لِلْمُطَلِّقِ السَّفَرُ بِوَلَدِهِ لِزَوْجِهِ إلَى أَنْ يَعُودَ حَقُّهَا ا هـ
وَفِي الْحَاوِي الْقُدْسِيِّ مَحَلُّ الْمَنْعِ إذَا لَمْ يُمْكِنْهَا أَنْ تُبْصِرَ وَلَدَهَا كُلَّ يَوْمٍ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَإِنْ تَقَارَبَا
إلَخْ ) أَيْ وَنَقَلَتْهُ إلَى مِصْرٍ آخَرَ كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ وَسَيَأْتِي .
( قَوْلُهُ : لِأَنَّ الِانْتِقَالَ إلَى قَرِيبٍ
إلَخْ ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ : وَإِنْ تَقَارَبَا إلَّا أَنَّهُ لَمَّا شَمِلَ النَّقْلَ مِنْ مِصْرٍ إلَى قَرْيَةٍ اسْتَثْنَاهُ بِقَوْلِهِ لَكِنَّ الِانْتِقَالَ مِنْ مِصْرٍ إلَى قَرْيَةٍ يَضُرُّ بِالْوَلَدِ
إلَخْ .
( قَوْلُهُ : لِلصَّغِيرَةِ عَمَّةٌ


إلَخْ ) هَذِهِ مَسْأَلَةٌ مُغَايِرَةٌ لِمَا قَدَّمَهُ مِنْ حَيْثُ إنَّ الصَّغِيرَةَ تُدْفَعُ لِلْعَمَّةِ هُنَا ، وَفِي السَّابِقَةِ قَالَ تَرْضَعُ فِي بَيْتِ الْأُمِّ فَتُحْمَلُ عَلَى الْأَجْنَبِيَّةِ وَهَذَا يَصْلُحُ جَوَابًا لِمَا قَالَهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ لَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّةَ كَالْعَمَّةِ وَأَنَّ الصَّغِيرَةَ تُدْفَعُ إلَيْهَا إذَا كَانَتْ مُتَبَرِّعَةً ، وَالْأُمُّ تُرِيدُ الْأَجْرَ عَلَى الْحَضَانَةِ وَلَا تُقَاسُ عَلَى الْعَمَّةِ لِأَنَّهَا حَاضِنَتُهُ فِي الْجُمْلَةِ وَكُلُّ حَاضِنَةٍ لَهُ هِيَ كَذَلِكَ ا هـ فَلْيُتَأَمَّلْ .
وَتَقْيِيدُ الدَّفْعِ لِلْعَمَّةِ بِيَسَارِهَا ، وَإِعْسَارِ الْأَبِ مُفِيدٌ أَنَّ الْأَبَ الْمُوسِرَ يُجْبَرُ عَلَى دَفْعِ الْأُجْرَةِ لِلْأُمِّ نَظَرًا لِلصَّغِيرِ وَمَعَ إعْسَارِهِ لَا يُوجَدُ أَحَدٌ مِمَّنْ هُوَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْعَمَّةِ مُتَبَرِّعًا بِمِثْلِ الْعَمَّةِ وَمَعَ ذَلِكَ يُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ لَا تَكُونَ مُتَزَوِّجَةً بِغَيْرِ مَحْرَمٍ لِلصَّغِيرِ وَلَنَا فِيهِ رِسَالَةٌ اسْمُهَا كَشْفُ الْقِنَاعِ الرَّفِيعِ عَنْ مَسْأَلَةِ التَّبَرُّعِ بِمَا يَسْتَحِقُّ الرَّضِيعُ .

( بَابُ النَّفَقَةِ ) هِيَ اسْمٌ بِمَعْنَى الْإِنْفَاقِ قَالَ هِشَامٌ : سَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ النَّفَقَةِ فَقَالَ : هِيَ الطَّعَامُ وَالْكِسْوَةُ وَالسُّكْنَى كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ ( هِيَ تَجِبُ بِأَسْبَابٍ مِنْهَا الزَّوْجِيَّةُ ، وَ ) مِنْهَا ( النَّسَبُ ، وَ ) مِنْهَا ( الْمِلْكُ ) قَدَّمَ الزَّوْجِيَّةَ ؛ لِأَنَّهَا أَصْلُ النَّسَبِ ، وَالنَّسَبُ أَقْوَى مِنْ الْمِلْكِ ( فَتَجِبُ عَلَى الزَّوْجِ وَلَوْ صَغِيرًا ) لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَطْءِ ( أَوْ فَقِيرًا ) لَيْسَ عِنْدَهُ قَدْرُ النَّفَقَةِ ( لِزَوْجَتِهِ ) سَوَاءٌ كَانَتْ ( مُسْلِمَةً ، أَوْ كَافِرَةً كَبِيرَةً أَوْ صَغِيرَةً تُوطَأُ ) أَيْ مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تُوطَأَ حَتَّى لَوْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ كَانَ الْمَانِعُ مِنْ جِهَتِهَا فَلَمْ يُوجَدْ تَسْلِيمُ الْبُضْعِ فَلَا تَجِبُ النَّفَقَةُ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ صَغِيرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَطْءِ فَإِنَّ الْمَانِعَ مِنْ جِهَتِهِ فَلَوْ كَانَا صَغِيرَيْنِ لَا يُطِيقَانِ الْجِمَاعَ لَا نَفَقَةَ لَهَا لِأَنَّ الْمَنْعَ مَعْنًى جَاءَ مِنْ قِبَلِهَا فَغَايَةُ مَا فِي الْبَابِ أَنْ يُجْعَلَ الْمَنْعُ مِنْ قِبَلِهِ كَالْمَعْدُومِ فَالْمَنْعُ مِنْ قِبَلِهَا قَائِمٌ وَمَعَ قِيَامِ الْمَنْعِ مِنْ قِبَلِهَا لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ كَذَا فِي النِّهَايَةِ ( فَقِيرَةً ، أَوْ غَنِيَّةً ) فَإِنَّ غِنَاهَا لَا يُبْطِلُ حَقَّهَا فِي النَّفَقَةِ عَلَى زَوْجِهَا ( مَوْطُوءَةً ، أَوْ لَا ) كَمَا إذَا كَانَ الزَّوْجُ صَغِيرًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْوَطْءِ وَهِيَ كَبِيرَةٌ ( بِقَدْرِ حَالِهِمَا ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ فَتَجِبُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخَصَّافِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَبَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ ( فِي الْمُوسِرَيْنِ نَفَقَةُ الْيَسَارِ ، وَفِي الْمُعْسِرَيْنِ نَفَقَةُ الْعِسَارِ وَالْمُخْتَلِفِينَ ) بِأَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا وَهُوَ يَتَنَاوَلُ صُورَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنْ تَكُونَ مُعْسِرَةً وَالزَّوْجُ مُوسِرًا ، وَالثَّانِيَةُ عَلَى الْعَكْسِ ( بَيْنَ الْحَالَيْنِ ) أَيْ نَفَقَةٌ دُونَ نَفَقَةِ الْمُوسِرَاتِ وَفَوْقَ نَفَقَةِ الْمُعْسِرَاتِ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ : يُعْتَبَرُ حَالُ الزَّوْجِ وَهُوَ قَوْلُ

الشَّافِعِيِّ قَالَ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ : هُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ صَاحِبُ الْمَبْسُوطِ : الْمُعْتَبَرُ حَالُهُ فِي الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ ( وَلَوْ ) هِيَ ( فِي بَيْتِ أَبِيهَا ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا إلَى مَنْزِلِهِ فَعَلَيْهِ نَفَقَتُهَا وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ هَذَا الشَّرْطُ لَيْسَ بِلَازِمٍ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ : وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ بَعْدَ صِحَّةِ الْعَقْدِ النَّفَقَةُ وَاجِبَةٌ لَهَا ، وَإِنْ لَمْ تَنْتَقِلْ إلَى بَيْتِ الزَّوْجِ ، ثُمَّ قَالَ : وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَئِمَّةِ بَلْخِي : لَا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ إذَا لَمْ تُزَفَّ إلَى بَيْتِ زَوْجِهَا وَالْفَتْوَى عَلَى جَوَابِ الْكِتَابِ وَهُوَ وُجُوبُ النَّفَقَةِ ، وَإِنْ لَمْ تُزَفَّ ( أَوْ مَرِضَتْ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ ) فَإِنَّ لَهَا النَّفَقَةَ وَالْقِيَاسُ عَدَمُهَا إذَا كَانَ مَرَضًا يَمْنَعُ الْجِمَاعَ لِفَوَاتِ الِاحْتِبَاسِ لِلِاسْتِمْتَاعِ ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الِاحْتِبَاسَ قَائِمٌ فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِسُ بِهَا وَيَمَسُّهَا وَتَحْفَظُ الْبَيْتَ ، وَالْمَانِعُ لِعَارِضٍ فَأَشْبَهَ الْحَيْضَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهَا إذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا ، ثُمَّ مَرِضَتْ تَجِبُ النَّفَقَةُ لِتَحَقُّقِ التَّسْلِيمِ ، وَلَوْ مَرِضَتْ ثُمَّ سَلَّمَتْ لَا تَجِبُ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ لَا يَصِحُّ وَاسْتَحْسَنَهُ فِي الْهِدَايَةِ .

( بَابُ النَّفَقَةِ ) ( قَوْلُهُ : تَجِبُ بِأَسْبَابٍ
إلَخْ ) وَمِنْهَا حَبْسُ النَّفْسِ لِمَصَالِحِ الْغَيْرِ ، أَوْ الْعَامَّةِ كَالْمُفْتِي وَالْمُضَارِبِ إذَا سَافَرَ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْوَصِيِّ كَمَا فِي التَّبْيِينِ .
( قَوْلُهُ : وَلَوْ صَغِيرًا ) قَالَ قَاضِي خَانْ ، وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً وَلَيْسَ لِلصَّغِيرِ مَالٌ لَا تَجِبُ عَلَى الْأَبِ نَفَقَتُهَا وَيَسْتَدِينُ الْأَبُ عَلَيْهِ ، ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الِابْنِ إذَا أَيِسَ .
( أَقُولُ ) هَذَا إذَا كَانَ فِي تَزْوِيجِ الصَّغِيرِ مَصْلَحَةٌ وَلَا مَصْلَحَةَ فِي تَزْوِيجِ قَاصِرٍ وَمُرْضِعٍ بَالِغَةً حَدَّ الشَّهْوَةِ وَطَاقَةِ الْوَطْءِ بِمَهْرٍ كَثِيرٍ ، وَلُزُومِ نَفَقَةٍ يُقَرِّرُهَا الْقَاضِي تَسْتَغْرِقُ مَالَهُ إنْ كَانَ ، أَوْ يَصِيرُ ذَا دَيْنٍ كَثِيرٍ ، وَنَصُّ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ إذَا عُرِفَ الْأَبُ بِسُوءِ الِاخْتِيَارِ مَجَانَةً ، أَوْ فِسْقًا فَالْعَقْدُ بَاطِلٌ اتِّفَاقًا صَرَّحَ بِهِ فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْوَلِيِّ .
قَوْلُهُ : أَوْ صَغِيرَةً تُوطَأُ ) قَالَ فِي التَّبْيِينِ وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّهِ فَقِيلَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ بِالسِّنِّ ، وَإِنَّمَا الْعِبْرَةُ لِلِاحْتِمَالِ وَالْقُدْرَةِ عَلَى الْجِمَاعِ فَإِنَّ السَّمِينَةَ الضَّخْمَةَ تَحْتَمِلُ الْجِمَاعَ ، وَإِنْ كَانَتْ صَغِيرَةَ السِّنِّ ا هـ .
وَقَالَ الْكَمَالُ اخْتَلَفُوا فِيهَا فَقِيلَ أَقَلُّهَا سَبْعُ سِنِينَ وَقَالَ الْعَتَّابِيُّ اخْتَارَ مَشَايِخُنَا تِسْعَ سِنِينَ ، وَالْحَقُّ عَدَمُ التَّقْدِيرِ .
( قَوْلُهُ : مَوْطُوءَةً ، أَوْ لَا ) أَيْ سَوَاءٌ دَخَلَ بِهَا ، أَوْ لَا وَلَا يُفَسَّرُ بِمَا ذَكَرَهُ شَرْحًا لِأَنَّهُ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ كَبِيرَةً ، أَوْ صَغِيرَةً تُوطَأُ .
( قَوْلُهُ : بِقَدْرِ حَالِهِمَا ) أَيْ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ وَإِنَّمَا تَجِبُ بِقَدْرِ كِفَايَتِهَا بِالْمَعْرُوفِ بِحَسَبِ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ ، وَالنَّفَقَةُ الْوَاجِبَةُ الْمَأْكَلُ وَالْمَلْبَسُ وَالْمَسْكَنُ أَمَّا الْمَأْكَلُ فَكَالدَّقِيقِ وَالْمَاءِ وَالْحَطَبِ وَالْمِلْحِ وَالدُّهْنِ وَلَا

تُجْبَرُ قَضَاءً عَلَى الطَّبْخِ وَالْخَبْزِ وَيَأْتِيهَا بِطَعَامٍ مُهَيَّإٍ أَوْ بِمَنْ يَكْفِيهَا الطَّبْخَ وَالْخَبْزَ ، وَأَمَّا دِيَانَةً فَيَجِبُ عَلَيْهَا الطَّبْخُ وَالْخَبْزُ وَكَنْسُ الْبَيْتِ وَغَسْلُ الثِّيَابِ كَإِرْضَاعِ وَلَدِهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ : إذَا امْتَنَعَتْ عَنْ الطَّبْخِ وَالْخَبْزِ إنَّمَا يَأْتِيهَا بِطَعَامٍ مُهَيَّإٍ إذَا كَانَتْ مِنْ بَنَاتِ الْأَشْرَافِ لَا تَخْدُمُ بِنَفْسِهَا فِي أَهْلِهَا أَوْ لَمْ تَكُنْ مِنْ بَنَاتِ الْأَشْرَافِ لَكِنْ بِهَا عِلَّةٌ تَمْنَعُهَا أَمَّا إذَا لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَهَا بِطَعَامٍ مُهَيَّإٍ وَهَذَا بِخِلَافِ خَادِمَتِهَا إذَا امْتَنَعَتْ عَنْ الطَّبْخِ وَالْخَبْزِ لَا يَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ عَلَى زَوْجِ الْمَرْأَةِ لِمُقَابَلَتِهَا بِالْخِدْمَةِ كَمَا فِي قَاضِي خَانْ وَلَمْ يُبَيِّنْ الْمُصَنِّفُ قَدْرَ الْكِسْوَةِ وَقَالَ قَاضِي خَانْ : وَأَمَّا الْمَلْبُوسُ فَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْكِتَابِ وَقَدْرُ الْكِسْوَةِ بِدِرْعَيْنِ وَخِمَارَيْنِ وَمِلْحَفَةٍ فِي كُلِّ سَنَةٍ وَاخْتُلِفَ فِي تَفْسِيرِ الْمِلْحَفَةِ قَالَ بَعْضُهُمْ هِيَ الْمِلَاءَةُ تَلْبَسُهَا الْمَرْأَةُ عِنْدَ الْخُرُوجِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هِيَ غِطَاءُ اللَّيْلِ يُلْبَسُ فِي النَّهَارِ وَذِكْرُ دِرْعَيْنِ وَخِمَارَيْنِ أَرَادَ بِهِ صَيْفًا وَشِتَاءً رَقِيقًا لِزَمَانِ الْحَرِّ وَثَخِينًا لِدَفْعِ الْبَرْدِ وَلَمْ يَذْكُرْ السَّرَاوِيلَ فِي الصَّيْفِ وَلَا بُدَّ مِنْهُ فِي الشِّتَاءِ وَهَذَا فِي عُرْفِهِمْ ، وَأَمَّا فِي دِيَارِنَا يَجِبُ السَّرَاوِيلُ وَثِيَابٌ أُخْرَى كَالْجُبَّةِ وَالْفُرُشِ الَّذِي تَنَامُ عَلَيْهِ وَاللِّحَافِ وَمَا يُدْفَعُ بِهِ أَذَى الْحَرِّ وَالْبَرْدِ فِي الشِّتَاءِ دِرْعُ خَزٍّ وَجُبَّةُ قَزٍّ وَخِمَارُ إبْرَيْسَمٍ وَلَمْ يَذْكُرْ الْخُفَّ وَالْمُكَعَّبَ فِي النَّفَقَةِ لِأَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ لِلْخُرُوجِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ تَهْيِئَةُ أَسْبَابِهِ ا هـ .
وَسَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ الْمَسْكَنَ .
( قَوْلُهُ : وَقَالَ الْكَرْخِيُّ يُعْتَبَرُ حَالُ الزَّوْجِ ) قَالَ قَاضِي خَانْ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ يُعْتَبَرُ حَالُهَا .
(

قَوْلُهُ : وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَئِمَّةِ بَلْخِي : لَا تَسْتَحِقُّ
إلَخْ ) هُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَاخْتَارَهَا الْقُدُورِيُّ وَلَيْسَ الْفَتْوَى عَلَيْهِ وَقَوْلُ الْأَقْطَعِ الشَّيْخِ أَبِي مَنْصُورٍ فِي شَرْحِهِ " إنَّ تَسْلِيمَهَا نَفْسَهَا شَرْطٌ بِالْإِجْمَاعِ " مَنْظُورٌ فِيهِ ، ثُمَّ قَرَّرَهُ عَلَى وَجْهٍ يَرْفَعُ الْخِلَافَ وَهُوَ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْقُلْهَا إلَى بَيْتِهِ وَلَمْ تَمْتَنِعْ هِيَ تَجِبُ النَّفَقَةُ كَذَا فِي الْفَتْحِ .
( قَوْلُهُ : أَوْ مَرِضَتْ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ ) أَطْلَقَهُ فَشَمِلَ مَا قَبْلَ الْبِنَاءِ بِهَا وَمَا بَعْدَهُ وَمَا فَصَّلَهُ قَاضِي خَانْ رَدَّهُ صَاحِبُ الْبَحْرِ .
( قَوْلُهُ : فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِسُ بِهَا
إلَخْ ) قَالَ فِي الْفَتْحِ فَإِذَا لَمْ يُمْكِنْ الِانْتِفَاعُ بِهَا بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ تَسْقُطُ النَّفَقَةُ ، وَإِنْ كَانَ مَرَضًا يُمْكِنُ الِانْتِفَاعُ بِهَا بِنَوْعِ انْتِفَاعٍ لَا تَسْقُطُ وَهَذَا تَقْيِيدٌ لِلْأَوَّلِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَاسْتَحْسَنَهُ فِي الْهِدَايَةِ ) عِبَارَتُهَا قَالُوا : هَذَا حَسَنٌ ، وَفِي لَفْظِ الْكِتَابِ مَا يُشِيرُ إلَيْهِ ا هـ .
وَقَالَ فِي الْفَتْحِ : وَلَا يَخْفَى أَنَّ إشَارَةَ الْكِتَابِ هَذِهِ مَبْنِيَّةٌ عَلَى مَا اخْتَارَهُ مِنْ عَدَمِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فِي مَنْزِلِهِ عَلَى مَا قَدَّمَهُ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ مُخْتَارُ بَعْضِ الْمَشَايِخِ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَلَيْسَ الْفَتْوَى عَلَيْهِ بَلْ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَهِيَ الْأَصَحُّ تَعْلِيقُهَا بِالْعَقْدِ الصَّحِيحِ مَا لَمْ يَقَعْ نُشُوزٌ فَالْمُسْتَحْسِنُونَ لِهَذَا التَّفْصِيلِ هُمْ الْمُخْتَارُونَ لِتِلْكَ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهَذِهِ فُرَيْعَتُهَا وَالْمُخْتَارُ وُجُوبُ النَّفَقَةِ

( لَا ) أَيْ لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ ( لِنَاشِزَةٍ ) وَبَيَّنَهَا بِقَوْلِهِ ( خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهِ ) أَيْ بَيْتِ الزَّوْجِ ( بِلَا حَقٍّ ) حَتَّى تَعُودَ إلَى مَنْزِلِهِ لِأَنَّ فَوَاتَ الِاحْتِبَاسِ مِنْهَا ، وَإِذَا عَادَتْ جَاءَ الِاحْتِبَاسُ فَتَجِبُ النَّفَقَةُ بِخِلَافِ مَا إذَا امْتَنَعَتْ مِنْ التَّمْكِينِ فِي بَيْتِ الزَّوْجِ لِأَنَّ الِاحْتِبَاسَ قَائِمٌ وَالزَّوْجَ قَادِرٌ عَلَى الْوَطْءِ جَبْرًا ، وَقَوْلُهُ " بِلَا حَقٍّ " احْتِرَازٌ عَنْ خُرُوجِهَا بِحَقٍّ كَمَا إذَا لَمْ يُعْطِهَا الْمَهْرَ الْمُعَجَّلَ فَخَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهِ ( وَمَحْبُوسَةٍ بِدَيْنٍ ) لِأَنَّ الِامْتِنَاعَ جَاءَ مِنْ قِبَلِهَا بِالْمُمَاطَلَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْهَا بِأَنْ كَانَتْ عَاجِزَةً فَلَيْسَ مِنْهُ ( وَمَرِيضَةٍ لَمْ تُزَفَّ ) أَيْ لَمْ تُنْقَلْ إلَى مَنْزِلِ زَوْجِهَا لِعَدَمِ الِاحْتِبَاسِ لِأَجْلِ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا ( وَمَغْصُوبَةٍ ) يَعْنِي أَخَذَهَا رَجُلٌ كُرْهًا فَذَهَبَ بِهَا فَإِنَّ النَّفَقَةَ جَزَاءُ الِاحْتِبَاسِ فِي بَيْتِهِ وَقَدْ فَاتَ ( وَحَاجَّةٍ بِدُونِهِ ) أَيْ بِلَا زَوْجٍ وَلَوْ مَعَ مَحْرَمٍ لِأَنَّ فَوَاتَ الِاحْتِبَاسِ مِنْهَا ( وَلَوْ ) سَافَرَتْ ( بِهِ ) أَيْ بِالزَّوْجِ ( فَنَفَقَةُ الْحَضَرِ ) أَيْ الْوَاجِبُ هِيَ لِأَنَّ الِاحْتِبَاسَ قَائِمٌ لِقِيَامِهِ عَلَيْهَا ( لَا غَيْرُ ) أَيْ لَا نَفَقَةُ السَّفَرِ وَلَا الْكِرَاءِ ( وَلِخَادِمِهَا الْوَاحِدِ ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْبَابِ لِزَوْجَتِهِ ( لَوْ ) كَانَ الزَّوْجُ ( مُوسِرًا ) لِأَنَّ كِفَايَتَهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ وَهَذَا مِنْ تَمَامِهَا ( لَا مُعْسِرًا ) فِي الْأَصَحِّ .
( لَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا ) أَيْ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ ( بِعَجْزِهِ ) أَيْ الزَّوْجِ ( عَنْهَا ) أَيْ النَّفَقَةِ ( وَلَا بِعَدَمِ إيفَائِهِ ) أَيْ الزَّوْجِ حَالَ كَوْنِهِ ( غَائِبًا عَنْهَا حَقَّهَا ) مَفْعُولُ " إيفَائِهِ " ( وَلَوْ ) كَانَ الزَّوْجُ ( مُوسِرًا ) اعْلَمْ أَنَّ مُجَوِّزَ الْفَسْخِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا إعْسَارُ الزَّوْجِ وَطَرِيقُهُ أَنْ يُثْبِتَ إعْسَارَهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ فَيُمْهِلَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَيُمَكِّنَهَا مِنْهُ صَبِيحَةَ الرَّابِعِ

كَذَا فِي غَايَةِ الْقُصْوَى .
وَثَانِيهِمَا عَدَمُ إيفَاءِ الزَّوْجِ الْغَائِبِ حَقَّهَا مِنْ النَّفَقَةِ وَلَوْ مُوسِرًا قَالَ فِي شَرْحِ غَايَةِ الْقُصْوَى : وَلَوْ غَابَ الزَّوْجُ حَالَ كَوْنِهِ قَادِرًا عَلَى أَدَاءِ النَّفَقَةِ وَلَكِنْ لَا يُوَفِّي حَقَّهَا فَأَظْهَرُ الْوَجْهَيْنِ أَنَّهُ لَا فَسْخَ فِيهَا وَلَكِنْ يَبْعَثُ الْحَاكِمُ إلَى حَاكِمِ بَلَدِهِ لِيُطَالِبَهُ إنْ كَانَ مَوْضِعُهُ مَعْلُومًا ، وَالثَّانِي ثُبُوتُ الْفَسْخِ ، وَإِلَيْهِ مَالَ جَمْعٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَأَفْتَوْا بِذَلِكَ لِلْمَصْلَحَةِ وَقَالَ فِي شَرْحِ الْحَاوِي وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَاضِي الطَّبَرِيِّ وَابْنِ الصَّبَّاغِ وَعَنْ الرُّويَانِيِّ وَابْنِ أَخِيهِ صَاحِبِ الْعُمْدَةِ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ وَالْفَتْوَى بِهِ وَقَدْ أَشَارَ إلَى الْخِلَافِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ بِعَجْزِهِ عَنْهَا ، وَإِلَى الثَّانِي بِقَوْلِهِ وَلَا بِعَدَمِ إيفَائِهِ
إلَخْ .
أَقُولُ : قَدْ عُلِمَ مِمَّا نَقَلَ عَنْ كُتُبِ الشَّافِعِيَّةِ الْمَوْثُوقِ بِهَا أَنَّ الْحُكْمَ بِالْعَجْزِ عَنْ النَّفَقَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إنَّمَا هُوَ بِالنَّظَرِ إلَى الْحَاضِرِ ، وَأَمَّا الْحُكْمُ بِالنَّظَرِ إلَى الْغَائِبِ فَبِعَدَمِ الْإِنْفَاقِ ، وَكُلٌّ مِنْ الْعَجْزِ وَعَدَمِ الْإِنْفَاقِ يَكُونُ مَعْلُومًا بِالضَّرُورَةِ فَلَا وَجْهَ لِمَا ذُكِرَ فِي الرَّدِّ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِي شُرُوحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا أَنَّ الْعَجْزَ عَنْ النَّفَقَةِ إنَّمَا يَظْهَرُ عِنْدَ حُضُورِ الزَّوْجِ ، وَأَمَّا إذَا كَانَ غَائِبًا غَيْبَةً مُنْقَطِعَةً فَلَا يُعْرَفُ الْعَجْزُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ قَادِرًا فَيَكُونَ هَذَا تَرْكَ الْإِنْفَاقِ لَا الْعَجْزَ عَنْ الْإِنْفَاقِ فَإِذَا رُفِعَ هَذَا الْقَضَاءُ إلَى قَاضٍ آخَرَ فَأَجَازَ قَضَاءَهُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَنْفُذُ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَضَاءَ لَيْسَ فِي مُجْتَهَدٍ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ الْعَجْزَ لَمْ يَثْبُتْ ، نَعَمْ يَرُدُّ هَذَا عَلَى مَنْ لَا يُعْرَفُ مَذْهَبُهُ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَيَحْكُمُ عَلَى الْغَائِبِ بِالْعَجْزِ عَنْ الْإِنْفَاقِ لَا عَلَى الشَّافِعِيِّ وَلَا عَلَى مَنْ يَعْمَلُ بِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ فَلْيُتَأَمَّلْ .

( قَوْلُهُ : حَتَّى تَعُودَ إلَى مَنْزِلِهِ ) أَيْ وَلَوْ بَعْدَ مَا سَافَرَ كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ الْخُلَاصَةِ .
( قَوْلُهُ : وَمَحْبُوسَةٍ بِدَيْنٍ ) سَوَاءٌ حُبِسَتْ قَبْلَ النُّقْلَةِ ، أَوْ بَعْدَهَا قَدَرَتْ عَلَى وَفَاءِ الدَّيْنِ ، أَوْ لَا عَلَى مَا عَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَهَذَا إذَا كَانَ لِغَيْرِ الزَّوْجِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْوُصُولِ إلَيْهَا لِمَا فِي النَّهْرِ نَقْلًا عَنْ السِّرَاجِ لَوْ حَبَسَهَا هُوَ بِدَيْنٍ لَهُ عَلَيْهَا فَلَهَا النَّفَقَةُ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَمَّا قَالَ قَاضِي خَانْ وَهَذَا أَيْ عَدَمُ النَّفَقَةِ بِحَبْسِ غَيْرِ الزَّوْجِ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْوُصُولِ إلَيْهَا فِي الْحَبْسِ .
( قَوْلُهُ : فَلَيْسَ مِنْهُ ) أَيْ فَلَيْسَ الْمَانِعُ مِنْ الزَّوْجِ فَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ .
( قَوْلُهُ : وَمَرِيضَةٍ لَمْ تُزَفَّ ) هَذَا مَبْنِيٌّ عَلَى اشْتِرَاطِ التَّسْلِيمِ لِوُجُوبِهَا وَهُوَ خِلَافُ مَا عَلَيْهِ الْفَتْوَى وَهُوَ مَا قَدَّمَهُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ هِيَ فِي بَيْتِ أَبِيهَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ عَنْ الْكَمَالِ .
( قَوْلُهُ : وَحَاجَّةٍ بِدُونِهِ ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَ فَرْضًا أَمْ نَفْلًا كَمَا فِي النَّهْرِ .
( قَوْلُهُ : وَلِخَادِمِهَا الْوَاحِدِ ) يَعْنِي الْمَمْلُوكَ لَهَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ كُلُّ مَنْ يَخْدُمُهَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَقَيَّدَ الْمَسْأَلَةَ فِي الْخُلَاصَةِ بِبَنَاتِ الْأَشْرَافِ كَمَا فِي النَّهْرِ وَالْبَحْرِ .
( قَوْلُهُ : لَوْ مُوسِرًا ) الْيَسَارُ مُقَدَّمٌ بِنِصَابِ حِرْمَانِ الصَّدَقَةِ لَا نِصَابِ وُجُوبِ الزَّكَاةِ كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ غَايَةِ الْبَيَانِ .
( قَوْلُهُ : لِأَنَّ كِفَايَتَهَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ ) وَهَذَا مِنْ تَمَامِهَا لَكِنَّهُ إنَّمَا تَجِبُ نَفَقَةُ الْخَادِمِ بِإِزَاءِ الْخِدْمَةِ فَإِذَا امْتَنَعَتْ مِنْ الطَّبْخِ وَالْخَبْزِ وَأَعْمَالِ الْبَيْتِ لَمْ تَسْتَحِقَّهَا بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ فَإِنَّهَا فِي مُقَابَلَةِ الِاحْتِبَاسِ كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الذَّخِيرَةِ .
( قَوْلُهُ : وَلَا بِعَدَمِ إيفَائِهِ
إلَخْ ) فَإِنْ كَانَ حَاضِرًا وَقَالَتْ : إنَّهُ يُطِيلُ الْغَيْبَةَ عَنِّي فَطَلَبَتْ

كَفِيلًا بِالنَّفَقَةِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَيْسَ لَهَا ذَلِكَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ أَخَذَ كَفِيلًا بِنَفَقَةِ شَهْرٍ وَاحِدٍ اسْتِحْسَانًا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى فَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ يَمْكُثُ فِي السَّفَرِ أَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ أَخَذَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْكَفِيلَ بِأَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ كَذَا فِي الْفَتْحِ .

( وَتُؤْمَرُ ) أَيْ الْمَرْأَةُ ( بِالِاسْتِدَانَةِ ) أَيْ يَقُولُ لَهَا الْقَاضِي : اسْتَدِينِي عَلَى زَوْجِكِ أَيْ اشْتَرِي الطَّعَامَ نَسِيئَةً عَلَى أَنْ تَقْضِيَ الثَّمَنَ مِنْ مَالِهِ ( فَرَضَ نَفَقَةَ الْعِسَارِ ) لِكَوْنِهِمَا مُعْسِرَيْنِ ( فَأَيْسَرَ ) الزَّوْجُ ( تَمَّمَ لَهَا نَفَقَةَ يَسَارِهِ إنْ طَلَبَتْ ) لِأَنَّ النَّفَقَةَ تَخْتَلِفُ بِحَسَبِ الْيَسَارِ وَالْعِسَارِ وَمَا قُضِيَ بِهِ تَقْدِيرٌ لِنَفَقَةٍ لَمْ تَجِبْ لِأَنَّهَا تَجِبُ شَيْئًا فَشَيْئًا فَإِذَا تَبَدَّلَ حَالُهُ فَلَهَا الْمُطَالَبَةُ بِتَمَامِ حَقِّهَا ، وَهُوَ مَا دُونَ نَفَقَةِ الْمُوسِرَاتِ وَفَوْقَ نَفَقَةِ الْمُعْسِرَاتِ ( وَتَسْقُطُ مَا مَضَتْ ) مِنْ النَّفَقَةِ ( إلَّا إذَا فُرِضَتْ ، أَوْ رَضِيَا بِشَيْءٍ ) أَيْ اصْطَلَحَا عَلَى شَيْءٍ ؛ لِأَنَّهَا صِلَةٌ وَلَيْسَتْ بِعِوَضٍ فَلَا تَتَأَيَّدُ إلَّا بِالْقَضَاءِ كَالْهِبَةِ فَإِنَّهَا لَا تُوجِبُ الْمِلْكَ إلَّا بِمُؤَيِّدٍ وَهُوَ الْقَبْضُ وَالصُّلْحُ كَالْقَضَاءِ لِأَنَّ وِلَايَتَهُ عَلَى نَفْسِهِ أَقْوَى مِنْ وِلَايَةِ الْقَاضِي بِخِلَافِ الْمَهْرِ فَإِنَّهُ عِوَضٌ عَنْ الْمِلْكِ .

( قَوْلُهُ : وَتُؤْمَرُ بِالِاسْتِدَانَةِ ) أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا أَخٌ ، أَوْ ابْنٌ مُوسِرٌ ، أَوْ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَتُهَا لَوْلَا الزَّوْجُ لِمَا فِي التَّبْيِينِ عَنْ شَرْحِ الْمُخْتَارِ أَنَّ نَفَقَتَهَا حِينَئِذٍ عَلَى زَوْجِهَا وَيُؤْمَرُ الِابْنُ أَوْ الْأَخُ بِالْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الزَّوْجِ إذَا أَيْسَرَ وَيُحْبَسُ الِابْنُ أَوْ الْأَخُ إذَا امْتَنَعَ لِأَنَّ هَذَا مِنْ الْمَعْرُوفِ .
( قَوْلُهُ : أَيْ يَقُولُ لَهَا الْقَاضِي
إلَخْ ) هَذَا تَفْسِيرُ الْخَصَّافِ الِاسْتِدَانَةَ بِالشِّرَاءِ نَسِيئَةً ، وَفِي الْمُجْتَبَى أَنَّهَا الِاسْتِقْرَاضُ وَفَائِدَةُ أَمْرِ الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ رُجُوعُ الْغَرِيمِ عَلَى الزَّوْجِ وَبِدُونِهِ يَرْجِعُ عَلَى الْمَرْأَةِ وَهِيَ تَرْجِعُ بِالْمَفْرُوضِ عَلَى الزَّوْجِ وَفَائِدَتُهُ أَيْضًا الرُّجُوعُ عَلَى الزَّوْجِ بَعْدَ مَوْتِ أَحَدِهِمَا كَمَا فِي الْبَحْرِ .
( قَوْلُهُ : فَأَيْسَرَ الزَّوْجُ تَمَّمَ ) كَذَا عَكْسُهُ لَوْ أَعْسَرَ يَسَّرَ كَمَا فِي الْمَوَاهِبِ .
( قَوْلُهُ : وَيَسْقُطُ مَا مَضَتْ ) لَمْ يُبَيِّنْ مِقْدَارَ زَمَنِهِ وَذَلِكَ شَهْرٌ كَمَا قَالَ فِي الْبُرْهَانِ بِأَنْ غَابَ عَنْهَا شَهْرًا ، أَوْ كَانَ حَاضِرًا وَامْتَنَعَ مِنْ الْإِنْفَاقِ عَلَيْهَا وَقَدْ أَكَلَتْ مِنْ مَالِهَا وَطَالَبَتْهُ بِذَلِكَ ا هـ وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّ نَفَقَةَ مَا دُونَ الشَّهْرِ لَا تَسْقُطُ وَعَزَاهُ إلَى الذَّخِيرَةِ وَكَأَنَّهُ جَعَلَ الْقَلِيلَ مِمَّا لَا يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ ، إذْ لَوْ سَقَطَتْ بِمُضِيِّ يَسِيرٍ مِنْ الْمُدَّةِ لَمَا تَمَكَّنَتْ مِنْ الْأَخْذِ أَصْلًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ .

( وَبِمَوْتِ أَحَدِهِمَا ، أَوْ طَلَاقِهَا تَسْقُطُ الْمَفْرُوضَةُ ) يَعْنِي إنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا بَعْدَمَا فُرِضَ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ لَكِنْ لَمْ تُؤْمَرْ الْمَرْأَةُ بِالِاسْتِدَانَةِ وَمَضَتْ شُهُورٌ وَلَمْ تَأْخُذْهَا سَقَطَتْ الْمَفْرُوضَةُ لِمَا مَرَّ أَنَّهَا صِلَةٌ وَالصِّلَاتُ تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ كَالْهِبَةِ تَسْقُطُ بِالْمَوْتِ قَبْلَ الْقَبْضِ ( إلَّا إذَا اسْتَدَانَتْ بِأَمْرِ الْقَاضِي ) لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تَتَأَكَّدُ كَمَا مَرَّ ( وَلَا تُسْتَرَدُّ الْمُعَجَّلَةُ ) يَعْنِي إنْ عَجَّلَ لَهَا نَفَقَةَ سَنَةٍ مَثَلًا ، ثُمَّ مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ لَا يُسْتَرَدُّ مِنْهَا شَيْءٌ لِأَنَّهَا صِلَةٌ وَقَدْ اتَّصَلَ بِهَا الْقَبْضُ وَلَا رُجُوعَ فِي الصِّلَاتِ بَعْدَ الْمَوْتِ لِانْتِهَاءِ حُكْمِهَا كَمَا فِي الْهِبَةِ .

( قَوْلُهُ : وَبِمَوْتِ أَحَدِهِمَا ) سُقُوطُهَا بِالْمَوْتِ قَوْلٌ وَاحِدٌ عَنْ أَصْحَابِنَا كَمَا فِي شَرْحِ الْمَنْظُومَةِ لِابْنِ الشِّحْنَةِ .
( قَوْلُهُ : أَوْ طَلَاقِهَا ) ضَعِيفٌ فَلَا تَسْقُطُ النَّفَقَةُ بِالطَّلَاقِ وَلَوْ بَائِنًا أَمَّا الرَّجْعِيُّ فَلِمَا قَالَ فِي الْجَوَاهِرِ : الْمُفْتَى بِهِ أَنَّ الرَّجْعِيَّ لَا يُسْقِطُهَا ا هـ .
وَلِمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ لَا تَسْقُطُ بِالطَّلَاقِ فِي الصَّحِيحِ ا هـ ، وَأَمَّا الْبَائِنُ فَلِمَا شَمِلَهُ إطْلَاقُ الزَّيْلَعِيِّ كَمَا تَرَى وَلِمَا قَالَ فِي الْفَيْضِ الطَّلَاقُ عَلَى مَالٍ فِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْبَرَاءَةَ ا هـ .
وَذَكَرَ صَاحِبُ الْبَحْرِ وُجُوهًا لِتَضْعِيفِ الْقَوْلِ بِالسُّقُوطِ بَحْثًا مِنْهُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى .
( قَوْلُهُ : يَعْنِي إنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا
إلَخْ ) قَاصِرٌ لِعَدَمِ شَرْحِهِ حُكْمَ السُّقُوطِ بِالطَّلَاقِ .
( قَوْلُهُ : وَلَا تُسْتَرَدُّ الْمُعَجَّلَةُ ) هَذَا عِنْدَهُمَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَقَالَ مُحَمَّدٌ : تُرَدُّ الْقَائِمَةُ كَمَا فِي النَّهْرِ .
( قَوْلُهُ : يَعْنِي إنْ عَجَّلَ لَهَا نَفَقَةَ سَنَةٍ مَثَلًا ، ثُمَّ مَاتَ
إلَخْ ) كَذَا لَوْ طَلَّقَهَا لَا يُسْتَرَدُّ مَا عُجِّلَ لَهَا سَوَاءٌ قَبْلَ الدُّخُولِ وَمَا بَعْدَهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ .

( يُبَاعُ الْقِنُّ الْمَأْذُونُ بِالنِّكَاحِ فِي نَفَقَةِ زَوْجَتِهِ ) لِأَنَّهُ دَيْنٌ وَجَبَ فِي ذِمَّتِهِ لِوُجُودِ سَبَبِهِ وَقَدْ ظَهَرَ وُجُوبُهُ فِي حَقِّ الْمَوْلَى لِأَنَّ السَّبَبَ كَانَ بِإِذْنِهِ فَيَتَعَلَّقُ بِرَقَبَتِهِ كَدَيْنِ التِّجَارَةِ فِي الْعَبْدِ التَّاجِرِ وَلِلْمَوْلَى أَنْ يَفْدِيَ لِأَنَّ حَقَّهَا فِي النَّفَقَةِ لَا فِي عَيْنِ الرَّقَبَةِ ( مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى ) مَثَلًا عَبْدٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِإِذْنِ الْمَوْلَى فَفَرَضَ الْقَاضِي النَّفَقَةَ عَلَيْهِ فَاجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَبِيعَ بِخَمْسِمِائَةٍ - وَهِيَ قِيمَتُهُ ، وَالْمُشْتَرِي عَالِمٌ أَنَّ عَلَيْهِ دَيْنَ النَّفَقَةِ - يُبَاعُ مَرَّةً أُخْرَى بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الْأَلْفُ عَلَيْهِ بِسَبَبٍ آخَرَ فَبِيعَ بِخَمْسِمِائَةٍ فَإِنَّهُ لَا يُبَاعُ مَرَّةً أُخْرَى .
( قَوْلُهُ : مَثَلًا عَبْدٌ
إلَخْ ) تَبِعَ الْمُصَنِّفُ فِيهِ صَدْرَ الشَّرِيعَةِ وَفِيهِ تَسَاهُلٌ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ يُبَاعُ فِيمَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الْأَلْفِ وَلَيْسَ بَلْ فِيمَا يَتَجَدَّدُ عَلَيْهِ مِنْ النَّفَقَةِ عِنْدَ الْمُشْتَرِي كَمَا هُوَ مَنْقُولُ الْمُذْهَبِ وَإِلَيْهِ يُشِيرُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ الْآتِي قَرِيبًا فِي الْفَرْقِ

( وَتَسْقُطُ ) أَيْ النَّفَقَةُ ( بِمَوْتِهِ ) أَيْ الْعَبْدِ ( وَقَتْلِهِ ) وَلَا يُؤَاخَذُ الْمَوْلَى بِشَيْءٍ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الِاسْتِيفَاءِ .
( وَ ) يُبَاعُ ( فِي دَيْنٍ غَيْرِهَا ) أَيْ غَيْرِ النَّفَقَةِ ( مَرَّةً ) فَإِنْ أَوْفَى الْغُرَمَاءَ فَبِهَا ، وَإِلَّا طُولِبَ بِهِ بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ ، وَالْفَرْقُ أَنَّ دَيْنَ النَّفَقَةِ يَتَجَدَّدُ فِي كُلِّ زَمَانٍ فَيَكُونُ دَيْنًا آخَرَ حَادِثًا بَعْدَ الْبَيْعِ بِخِلَافِ سَائِرِ الدُّيُونِ وَلَوْ كَانَ مُدَبَّرًا ، أَوْ مُكَاتَبًا ، أَوْ وَلَدَ أُمِّ وَلَدٍ لَا يُبَاعُ بِالنَّفَقَةِ لِعَدَمِ جَوَازِ الْبَيْعِ لَكِنَّ الْمُكَاتَبَ إذَا عَجَزَ بِيعَ ؛ لِأَنَّهُ يَقْبَلُ النَّقْلَ مِنْهُ بَعْدَ الْعَجْزِ .
( قَوْلُهُ : وَتَسْقُطُ بِمَوْتِهِ ) أَيْ الْعَبْدِ وَقَتْلِهِ هُوَ الصَّحِيحُ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَالتَّبْيِينِ وَقِيلَ لَا تَسْقُطُ بِالْقَتْلِ لِأَنَّهُ أَخْلَفَ الْقِيمَةَ فَتَنْتَقِلُ إلَيْهِ كَسَائِرِ الدُّيُونِ ، وَإِنَّمَا تَسْقُطُ أَنْ لَوْ فَاتَ الْمَحَلُّ لَا إلَى خَلَفٍ كَالْعَبْدِ الْجَانِي إذَا قُتِلَ بِالْجِنَايَةِ وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ ا هـ .

( نَفَقَةُ الْأَمَةِ الْمَنْكُوحَةِ إنَّمَا تَجِبُ بِالتَّبْوِئَةِ ) أَيْ إذَا تَزَوَّجَ أَمَةً لِغَيْرِهِ فَإِنَّمَا تَجِبُ عَلَيْهِ النَّفَقَةُ إذَا بَوَّأَهَا سَيِّدُهَا أَيْ خَلَّى بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا وَلَا يَسْتَخْدِمُهَا لِأَنَّ الِاحْتِبَاسَ لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِهَا وَعَدَمِ اسْتِخْدَامِهَا فَإِنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي اسْتِحْقَاقِهَا النَّفَقَةَ تَفْرِيغُهَا لِمَصَالِحِ الزَّوْجِ وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِمَا ذُكِرَ ( وَلَوْ اسْتَخْدَمَهَا الْمَوْلَى بَعْدَهَا ) أَيْ بَعْدَ التَّبْوِئَةِ ( تَسْقُطُ ) أَيْ النَّفَقَةُ لِزَوَالِ الْمُوجِبِ ، وَإِنْ خَدَمَتْهُ أَحْيَانًا بِلَا اسْتِخْدَامِهَا لَا تَسْقُطُ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَسْتَخْدِمْهَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَرِدًّا وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ حُرًّا ، أَوْ عَبْدًا ، أَوْ مُدَبَّرًا ، أَوْ مُكَاتَبًا لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُوجِبَ هُوَ التَّبْوِئَةُ فَلَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَزْوَاجِ ( كَذَا ) أَيْ كَالْقِنَّةِ ( الْمُدَبَّرَةُ وَأُمُّ الْوَلَدِ ) حَتَّى لَا تَجِبَ نَفَقَتُهُمَا إلَّا بِالتَّبْوِئَةِ ( بِخِلَافِ الْمُكَاتَبَةِ ) إذَا تَزَوَّجَتْ بِإِذْنِ الْمَوْلَى حَيْثُ تَجِبُ نَفَقَتُهَا قَبْلَ التَّبْوِئَةِ كَالْحُرَّةِ ؛ إذْ لَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَسْتَخْدِمَهَا لِصَيْرُورَتِهَا أَحَقَّ بِنَفْسِهَا وَمَنَافِعِهَا .

قَوْلُهُ : وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الزَّوْجُ حُرًّا ، أَوْ عَبْدًا ) يَعْنِي لِغَيْرِ سَيِّدِ الْأَمَةِ ، إذْ لَوْ كَانَ عَبْدَهُ فَنَفَقَتُهَا عَلَى السَّيِّدِ بَوَّأَهَا ، أَوْ لَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ ا هـ .
وَيُنْظَرُ مَا لَوْ كَانَ مُكَاتَبًا لِلْمَوْلَى وَلَعَلَّهَا عَلَيْهِ .
( قَوْلُهُ : فِي بَيْتٍ ) أَيْ كَامِلِ الْمَرَافِقِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَلَوْ مِنْ دَارٍ يُغْلَقُ عَلَى حِدَةٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَمَا فَهِمَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ عَنْ الْهِدَايَةِ مِنْ أَنَّ عِبَارَتَهَا تُفِيدُ أَنَّ بَيْتَ الْخَلَاءِ لَوْ كَانَ مُشْتَرَكًا فِي دَارٍ وَلَهُ غَلْقٌ عَلَى حِدَةٍ فَأَسْكَنَهَا فِي بَيْتٍ مِنْ تِلْكَ الدَّارِ يَكْفِيهَا وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تُطَالِبَهُ بِمَسْكَنٍ آخَرَ فِيهِ نَظَرٌ لِقَوْلِهِمْ إنَّ الْبَيْتَ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ كَامِلَ الْمَرَافِقِ وَلِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي الْخَلَاءِ وَلَوْ مَعَ غَيْرِ الْأَجَانِبِ ضَرَرُهُ ظَاهِرٌ

( وَيَجِبُ ) عَلَى الزَّوْجِ ( السُّكْنَى ) لِزَوْجَتِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ } ( فِي بَيْتٍ خَالٍ عَنْ أَهْلِ الزَّوْجَيْنِ ) لِأَنَّهُمَا يَتَضَرَّرَانِ بِالسُّكْنَى مَعَ النَّاسِ ؛ إذْ لَا يَأْمَنَانِ عَلَى مَتَاعِهِمَا وَيَمْنَعُهُمَا عَنْ الِاسْتِمْتَاعِ وَالْمُعَاشَرَةِ ( إلَّا أَنْ يَخْتَارَا ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا فَلَهُمَا أَنْ يَسْكُنَا مَعَهُ وَيَتَّفِقَا عَلَيْهِ ( وَلِأَهْلِهَا ) يَعْنِي مَحْرَمَهَا ( النَّظَرُ ) إلَيْهَا ( وَالْكَلَامُ مَعَهَا مَتَى شَاءُوا ) وَلَا يَمْنَعُهُمْ الزَّوْجُ مِنْ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ ( لَا الدُّخُولُ عَلَيْهَا بِلَا إذْنِهِ ) فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْبَيْتَ مِلْكُهُ فَلَهُ الْمَنْعُ مِنْ الدُّخُولِ فِيهِ ( وَالصَّحِيحُ أَنْ لَا مَنْعَ مِنْ خُرُوجِهَا إلَى الْوَالِدَيْنِ وَ ) لَا مِنْ ( دُخُولِهِمَا عَلَيْهَا كُلَّ جُمُعَةٍ وَدُخُولِ مَحْرَمٍ غَيْرِهِمَا كُلَّ سَنَةٍ ) قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ فَإِنَّهُ يَقُولُ : لَا يَمْنَعُ الْمَحَارِمَ مِنْ الزِّيَارَةِ فِي كُلِّ شَهْرٍ .

( قَوْلُهُ : خَالٍ عَنْ أَهْلِ الزَّوْجَيْنِ ) شَامِلٌ لِوَلَدِهِ مِنْ غَيْرِهَا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ قِيلَ إلَّا أَنْ يَكُونَ صَغِيرًا لَا يَفْهَمُ الْجِمَاعَ فَلَهُ إسْكَانُهُ مَعَهَا كَمَا فِي الْفَتْحِ وَلَهُ أَنْ يُسْكِنَ أَمَتَهُ مَعَهَا فِي الْمُخْتَارِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَطَؤُهَا بِحَضْرَتِهَا كَمَا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ زَوْجَتِهِ بِحَضْرَتِهَا وَلَا بِحَضْرَةِ الضَّرَّةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ .
( تَنْبِيهٌ ) : قَالَ فِي النَّهْرِ : لَمْ نَجِدْ فِي كَلَامِهِمْ ذِكْرَ الْمُؤْنِسَةِ إلَّا أَنَّهُ يُسْكِنُهَا بَيْنَ قَوْمٍ صَالِحِينَ بِحَيْثُ لَا تَسْتَوْحِشُ وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي وُجُوبِهَا فِيمَا إذَا كَانَ الْبَيْتُ خَالِيًا عَنْ الْجِيرَانِ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَتْ تَخْشَى عَلَى عَقْلِهَا مِنْ سَعَتِهِ ا هـ .
( قُلْتُ ) فِي بَحْثِهِ نَظَرٌ وَالْمَسْأَلَةُ مَذْكُورَةٌ فِي الْبَحْرِ قَالَ لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ لَهَا بِامْرَأَةٍ تُؤْنِسُهَا فِي الْبَيْتِ إذَا خَرَجَ إذَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهَا أَحَدٌ كَمَا فِي فَتَاوَى سِرَاجِ الدِّينِ قَارِئِ الْهِدَايَةِ ا هـ .
وَقَالَ فِي الْبَحْرِ قَدْ عُلِمَ مِنْ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْبَيْتَ الَّذِي لَيْسَ لَهُ جِيرَانٌ غَيْرُ مَسْكَنٍ شَرْعِيٍّ .
( قَوْلُهُ : وَالصَّحِيحُ أَنْ لَا مَنْعَ مِنْ خُرُوجِهَا إلَى الْوَالِدَيْنِ
إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ تَقْيِيدُ خُرُوجِهَا بِأَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى إتْيَانِهَا وَهُوَ حَسَنٌ وَقَدْ اخْتَارَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ مَنْعَهَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَيْهِمَا وَالْحَقُّ الْأَخْذُ بِقَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَ الْأَبَوَانِ بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُونَا كَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ يَأْذَنَ لَهَا فِي زِيَارَتِهِمَا فِي الْحِينِ بَعْدَ الْحِينِ عَلَى قَدْرٍ مُتَعَارَفٍ أَمَّا فِي كُلِّ جُمُعَةٍ فَهُوَ بَعِيدٌ فَإِنَّ فِي كَثْرَةِ الْخُرُوجِ فَتْحَ بَابِ الْفِتْنَةِ خُصُوصًا الشَّابَّةَ وَالزَّوْجَ مِنْ ذَوِي الْهَيْئَاتِ وَحَيْثُ أَبَحْنَا لَهَا الْخُرُوجَ فَإِنَّمَا يُبَاحُ بِشَرْطِ عَدَمِ الزِّينَةِ وَتَغْيِيرِ الْهَيْئَةِ إلَى مَا لَا يَكُونُ دَاعِيَةً لِنَظَرِ الرِّجَالِ وَالِاسْتِمَالَةِ .
ا هـ .
(

قَوْلُهُ : وَدُخُولِ مَحْرَمٍ غَيْرِهِمَا فِي كُلِّ سَنَةٍ ) لَمْ يَذْكُرْ خُرُوجَهَا لِلْمَحْرَمِ وَلَا تُمْنَعُ مِنْ زِيَارَتِهِ كُلَّ سَنَةٍ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَالْفَتْحِ ، وَأَمَّا غَيْرُ الْمَحَارِمِ فَزِيَارَتُهُمْ وَعِيَادَتُهُمْ وَالْوَلِيمَةُ لَا يَأْذَنُ لَهَا لِذَلِكَ وَلَا تَخْرُجُ وَلَوْ أَذِنَ وَخَرَجَتْ كَانَا عَاصِيَيْنِ كَمَا فِي الْفَتْحِ ، وَفِيهِ وَتُمْنَعُ مِنْ الْحَمَّامِ ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَ جَزْمِهِ بِهِ وَقَوْلُ الْفَقِيهِ وَتُمْنَعُ مِنْ الْحَمَّامِ خَالَفَهُ فِيهِ قَاضِي خَانْ قَالَ فِي فَصْلِ الْحَمَّامِ مِنْ فَتَاوَاهُ : دُخُولُ الْحَمَّامِ مَشْرُوعٌ لِلنِّسَاءِ وَالرِّجَالِ جَمِيعًا خِلَافًا لِمَا قَالَهُ بَعْضُ النَّاسِ ا هـ كَلَامُ الْفَتْحِ ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : إنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ لِأَنَّ الْمَشْرُوعِيَّةَ لَا تُنَافِي الْمَنْعَ أَلَا يَرَى أَنَّهُ يَمْنَعُهَا مِنْ صَوْمِ النَّفْلِ ، وَإِنْ كَانَ مَشْرُوعًا ا هـ .
وَإِنَّمَا يُبَاحُ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ إنْسَانٌ مَكْشُوفُ الْعَوْرَةِ وَعَلَى ذَلِكَ فَلَا خِلَافَ فِي مَنْعِهِنَّ مِنْ دُخُولِهِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ كَثِيرًا مِنْهُنَّ مَكْشُوفُ الْعَوْرَةِ وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ تُؤَيِّدُ قَوْلَ الْفَقِيهِ كَذَا فِي الْفَتْحِ .

( تُفْرَضُ لِزَوْجَةِ الْغَائِبِ وَطِفْلِهِ وَأَبَوَيْهِ فِي مَالِ لَهُ ) أَيْ لِلْغَائِبِ ( مِنْ جِنْسِ حَقِّهِمْ ) أَيْ دَرَاهِمَ ، أَوْ دَنَانِيرَ ، أَوْ طَعَامًا ، أَوْ كِسْوَةً مِنْ جِنْسِ حَقِّهِمْ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى الْبَيْعِ وَلَا يُبَاعُ مَالُ الْغَائِبِ لِلْإِنْفَاقِ بِالْوِفَاقِ ( إنْ أَقَرَّ مَنْ عِنْدَهُ الْمَالُ ) يَعْنِي الْمُضَارِبَ ، أَوْ الْمُودَعَ ، أَوْ الْمَدْيُونَ ( بِهِ ) أَيْ بِالْمَالِ ( وَبِالزَّوْجِيَّةِ وَالْوِلَادِ ، أَوْ عَلِمَ الْقَاضِي ذَلِكَ ) أَيْ الْمَالَ وَالزَّوْجِيَّةَ وَالْوِلَادَ وَلَمْ يَعْتَرِفْ بِهِ مَنْ عِنْدَهُ الْمَالُ ( وَيُحَلِّفُهَا ) أَيْ الْقَاضِي الزَّوْجَةَ ( عَلَى أَنَّهُ ) أَيْ الْغَائِبَ ( لَمْ يُعْطِهَا النَّفَقَةَ وَيَكْفُلُهَا ) لِأَنَّ مِنْ النَّاسِ مَنْ يُعْطِي الْكَفِيلَ وَلَا يُحَلِّفُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْكِسُ فَيَجْمَعُ بَيْنَهُمَا احْتِيَاطًا نَظَرًا لِلْغَائِبِ ( لَا بِإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ تُفْرَضُ لِزَوْجَةِ الْغَائِبِ أَيْ لَا تُفْرَضُ النَّفَقَةُ بِإِقَامَةِ الزَّوْجَةِ بَيِّنَةً ( عَلَى النِّكَاحِ وَلَا ) تُفْرَضُ أَيْضًا ( إنْ لَمْ يَتْرُكْ ) أَيْ الْغَائِبُ ( مَالًا فَإِقَامَتُهَا ) أَيْ إقَامَةُ الزَّوْجَةِ الْبَيِّنَةَ ( لِيَفْرِضَهَا ) أَيْ الْقَاضِي النَّفَقَةَ ( عَلَيْهِ ) أَيْ الْغَائِبِ ( وَيَأْمُرُهَا بِالِاسْتِدَانَةِ ) لِأَنَّ فِيهِ قَضَاءً عَلَى الْغَائِبِ ( وَلَا يَقْضِي بِهِ ) أَيْ بِالنِّكَاحِ لِأَنَّهُ أَيْضًا قَضَاءٌ عَلَى الْغَائِبِ ( وَقَالَ زُفَرُ : يَقْضِي بِهَا لَا بِهِ ) أَيْ بِالنَّفَقَةِ لَا بِالنِّكَاحِ لِأَنَّ فِيهِ نَظَرًا لَهَا وَلَا ضَرَرَ عَلَى الْغَائِبِ فَإِنَّهُ لَوْ حَضَرَ وَصَدَّقَهَا فَقَدْ أَخَذَتْ حَقَّهَا ، وَإِنْ جَحَدَ يُحَلَّفُ فَإِنْ نَكَلَ فَقَدْ صَدَّقَهَا ، وَإِنْ أَقَامَتْ بَيِّنَةً فَقَدْ ثَبَتَ حَقُّهَا فَإِنْ عَجَزَتْ يَضْمَنُ الْكَفِيلُ أَوْ الْمَرْأَةُ ( وَبِهَذَا ) أَيْ بِقَوْلِ زُفَرَ ( يُعْمَلُ ) لِلْحَاجَةِ إلَيْهَا دُونَهُ اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِنَفَقَةٍ فِي مَالِ الْغَائِبِ إلَّا لِهَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ لِأَنَّ الْقَضَاءَ عَلَى الْغَائِبِ لَا

يَجُوزُ فَنَفَقَةُ هَؤُلَاءِ وَاجِبَةٌ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَلِهَذَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا قَبْلَ الْقَضَاءِ بِدُونِ رِضَاهُ ، فَيَكُونُ الْقَضَاءُ فِي حَقِّهِمْ إعَانَةً وَفَتْوَى مِنْ الْقَاضِي بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ مِنْ الْأَقَارِبِ لِأَنَّ نَفَقَتَهُمْ غَيْرُ وَاجِبَةٍ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَلِهَذَا لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَأْخُذُوا مِنْ مَالِهِ شَيْئًا قَبْلَ الْقَضَاءِ إذَا ظَفِرُوا بِهِ فَكَانَ الْقَضَاءُ فِي حَقِّهِمْ ابْتِدَاءَ إيجَابٍ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ عَلَى الْغَائِبِ .
( قَوْلُهُ : وَيُحَلِّفُهَا أَنَّهُ لَمْ يُعْطِهَا النَّفَقَةَ وَيَكْفُلُهَا ) كَذَلِكَ يَأْخُذُ الْكَفِيلَ مِنْ الْقَرِيبِ وِلَادًا وَيُحَلِّفُهُ قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَيَأْخُذُ مِنْهُمْ كَفِيلًا بِذَلِكَ لِأَنَّ الْقَاضِيَ نَاظِرٌ مُحْتَاطٌ ، وَفِي أَخْذِ الْكَفِيلِ نَظَرٌ لِلْغَائِبِ ا هـ أَيْ وَكَذَلِكَ فِي التَّحْلِيفِ وَلَكِنَّهُ لَوْ كَانَ صَغِيرًا كَيْفَ يُحَلَّفُ ، فَلْيُنْظَرْ .
( قَوْلُهُ : لَا بِإِقَامَةِ بَيِّنَةٍ عَلَى النِّكَاحِ ) يَعْنِي لَوْ لَمْ يُقِرَّ مَنْ بِيَدِهِ الْمَالُ بِذَلِكَ وَلَمْ يَعْلَمْ الْقَاضِي كَمَا فِي التَّبْيِينِ .
( قَوْلُهُ : وَبِهَذَا أَيْ بِقَوْلِ زُفَرَ يُعْمَلُ لِلْحَاجَةِ ) كَذَا قَالَ فِي الْبُرْهَانِ وَالْأَصَحُّ قَبُولُهَا ا هـ .
وَقَالَ الْخَصَّافُ وَهَذَا أَوْفَقُ بِالنَّاسِ كَمَا فِي النَّهْرِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ كَمَا فِي مُلْتَقَى الْأَبْحُرِ ، وَفِي غَيْرِهِ وَبِهِ يُفْتَى .
( قَوْلُهُ : وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يُقْضَى بِنَفَقَةٍ فِي مَالِ الْغَائِبِ إلَّا لِهَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَهُمْ الزَّوْجَةُ وَالْوَالِدَانِ وَالْوَلَدُ الصَّغِيرُ ا هـ .
وَيُسْتَدْرَكُ عَلَيْهِ الْأَوْلَادُ الْكِبَارُ الْإِنَاثُ وَالذُّكُورُ الْكِبَارُ الزَّمْنَى وَنَحْوُهُمْ لِأَنَّهُمْ كَالصِّغَارِ لِلْعَجْزِ عَنْ الْكَسْبِ ا هـ كَذَا قَالَهُ الْكَمَالُ وَيُنْظَرُ مَاذَا يُرَادُ بِنَحْوِهِمْ .
( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ مِنْ الْأَقَارِبِ ) لَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ نَحْوُ الْعَمِّ وَالْأَخِ فَلْيُنْظَرْ .

( وَ ) تَجِبُ ( لِمُعْتَدَّةِ الطَّلَاقِ ) رَجْعِيًّا كَانَ ، أَوْ بَائِنًا ( وَ ) مُعْتَدَّةِ ( التَّفْرِيقِ إلَّا بِمَعْصِيَةٍ ) كَخِيَارِ الْعِتْقِ وَالْبُلُوغِ ( أَوْ ) التَّفْرِيقِ ( لِعَدَمِ الْكَفَاءَةِ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى ) أَمَّا الرَّجْعِيُّ فَلِأَنَّ النِّكَاحَ بَعْدَهُ قَائِمٌ لَا سِيَّمَا عِنْدَنَا ؛ إذْ يَحِلُّ لَهُ الْوَطْءُ ، وَأَمَّا الْبَائِنُ فَلِأَنَّ النَّفَقَةَ جَزَاءُ الِاحْتِبَاسِ كَمَا ذُكِرَ وَالِاحْتِبَاسُ قَائِمٌ فِي حَقِّ حُكْمٍ مَقْصُودٍ بِالنِّكَاحِ وَهُوَ الْوَلَدُ ؛ إذْ الْعِدَّةُ وَاجِبَةٌ لِصِيَانَةِ الْوَلَدِ فَتَجِبُ النَّفَقَةُ وَلِهَذَا كَانَ لَهَا السُّكْنَى بِالْإِجْمَاعِ ( لَا الْمَوْتِ وَالْمَعْصِيَةِ ) أَيْ لَا تَجِبُ النَّفَقَةُ لِمُعْتَدَّةِ الْمَوْتِ وَالتَّفْرِيقِ بِمَعْصِيَةٍ كَالرِّدَّةِ وَتَقْبِيلِ ابْنِ الزَّوْجِ ، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ فِي مَالِهِ شَيْئًا فَشَيْئًا وَلَا مَالَ لَهُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَا يُمْكِنُ إيجَابُهَا فِي مَالِ الْوَرَثَةِ ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهَا صَارَتْ حَابِسَةً نَفْسَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ فَصَارَتْ كَالنَّاشِزَةِ .

( قَوْلُهُ : كَخِيَارِ الْعِتْقِ وَالْبُلُوغِ ) هَذَا مِثَالٌ لِغَيْرِ الْمَنْفِيِّ ا هـ .
وَلَوْ وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِاللِّعَانِ أَوْ الْعُنَّةِ ، أَوْ الْجَبِّ فَلَهَا النَّفَقَةُ وَكَذَا لَوْ أَسْلَمَتْ وَأَبَى الزَّوْجُ أَنْ يُسْلِمَ لَا عَكْسُهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ .
( قَوْلُهُ : وَعَدَمُ الْكَفَاءَةِ ) مُسْتَدْرَكٌ بِقَوْلِهِ قَبْلَهُ : وَالتَّفْرِيقُ لِشُمُولِهِ هَذَا .
( قَوْلُهُ : النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى ) كَذَا الْكِسْوَةُ كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَالْغَايَةِ وَالْمُجْتَبَى قَالُوا : وَإِنَّمَا لَمْ يَذْكُرْهَا مُحَمَّدٌ فِي الْكِتَابِ لِأَنَّ الْعِدَّةَ لَا تَطُولُ غَالِبًا فَيُسْتَغْنَى عَنْهَا حَتَّى لَوْ احْتَاجَتْ إلَيْهَا تُفْرَضُ لَهَا كَذَا فِي مِنَحِ الْغَفَّارِ .
( قَوْلُهُ : لَا الْمَوْتِ ) شَامِلٌ لِمَا لَوْ كَانَتْ حَامِلًا إلَّا إذَا كَانَتْ أُمَّ وَلَدٍ حَامِلًا فَلَهَا النَّفَقَةُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ الْجَوْهَرَةِ .
( قَوْلُهُ : وَالْمَعْصِيَةِ ) مُسْتَدْرَكٌ بِمَا قَدَّمَهُ مِنْ قَوْلِهِ " وَالتَّفْرِيقِ لَا بِمَعْصِيَةٍ " .

( وَتَسْقُطُ ) أَيْ النَّفَقَةُ ( بِارْتِدَادِ مُعْتَدَّةِ الثَّلَاثِ لَا بِتَمْكِينِهَا ابْنَهُ ) لِأَنَّ الْفُرْقَةَ تَثْبُتُ بِالطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ وَلَا عَمَلَ فِيهَا لِلرِّدَّةِ وَالتَّمْكِينِ إلَّا أَنَّ الْمُرْتَدَّةَ تُحْبَسُ حَتَّى تَتُوبَ وَلَا نَفَقَةَ لِلْمَحْبُوسَةِ ، وَالْمُمَكِّنَةُ لَا تُحْبَسُ فَلَهَا النَّفَقَةُ
( قَوْلُهُ : وَتَسْقُطُ بِارْتِدَادِ مُعْتَدَّةِ الثَّلَاثِ ) لَيْسَ بِقَيْدٍ لِأَنَّ الْمُبَانَةَ بِمَا دُونَهَا كَذَلِكَ كَمَا فِي شَرْحِ الْعَيْنِيِّ .
( قَوْلُهُ : إلَّا أَنَّ الْمُرْتَدَّةَ تُحْبَسُ حَتَّى تَتُوبَ وَلَا نَفَقَةَ لِلْمَحْبُوسَةِ ) يُشِيرُ إلَى قَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ لَوْ أَسْلَمَتْ الْمُرْتَدَّةُ أَيْ بَعْدَمَا أَبَانَهَا وَعَادَتْ إلَى مَنْزِلِ الزَّوْجِ وَجَبَتْ لَهَا النَّفَقَةُ ا هـ كَذَا لَوْ عَادَتْ إلَى مَنْزِلِهِ مُرْتَدَّةً كَمَا فِي الْفَتْحِ كَالنَّاشِزَةِ إذَا رَجَعَتْ بِخِلَافِ مَا إذَا وَقَعَتْ الْفُرْقَةُ بِالرِّدَّةِ حَيْثُ لَا تَجِبُ لَهَا النَّفَقَةُ ، وَإِنْ أَسْلَمَتْ وَعَادَتْ إلَى مَنْزِلِ الزَّوْجِ وَلَوْ لَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ ، ثُمَّ عَادَتْ مُسْلِمَةً فَلَا نَفَقَةَ لَهَا كَيْفَمَا كَانَ أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ الْفُرْقَةُ بِالرِّدَّةِ ، أَوْ ارْتَدَّتْ بَعْدَ الْفُرْقَةِ لِأَنَّ الْعِدَّةَ تَسْقُطُ بِاللِّحَاقِ حُكْمًا لِتَبَايُنِ الدَّارَيْنِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْمَوْتِ فَانْعَدَمَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ ا هـ .
وَهُوَ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ قَدْ حُكِمَ بِلِحَاقِهَا وَهُوَ مَحْمَلُ مَا فِي الْجَامِعِ مِنْ عَدَمِ عَوْدِ النَّفَقَةِ بَعْدَمَا لَحِقَتْ وَعَادَتْ وَمَحْمَلُ مَا فِي الذَّخِيرَةِ مِنْ أَنَّهَا تَعُودُ نَفَقَتُهَا بِعَوْدِهَا عَلَى إذَا لَمْ يُحْكَمْ بِلِحَاقِهَا تَوْفِيقًا بَيْنَهُمَا كَمَا فِي الْفَتْحِ .

( وَمِنْهَا ) أَيْ مِنْ أَسْبَابِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ ( النَّسَبُ فَتَجِبُ عَلَى الْأَبِ خَاصَّةً ) لَا يَشْرِكُهُ أَحَدٌ فِيهَا ( كَنَفَقَةِ أَبَوَيْهِ وَزَوْجَتِهِ ) أَيْ كَمَا لَا يَشْرِكُهُ أَحَدٌ فِي نَفَقَتِهِمْ ( وَلَوْ كَانَ ) الْأَبُ ( فَقِيرًا ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ } وَالْمَوْلُودُ لَهُ هُوَ الْأَبُ ( لِوَلَدِهِ ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ تَجِبُ ( الْفَقِيرِ ) حَالَ كَوْنِهِ ( صَغِيرًا ) حَتَّى لَوْ كَانَ الصَّغِيرُ غَنِيًّا فَهِيَ فِي مَالِهِ ( أَوْ كَبِيرًا عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ ) حَتَّى لَوْ لَمْ يَعْجِزْ عَنْهُ لَمْ تَجِبْ نَفَقَتُهُ عَلَى أَبِيهِ ، .
وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا كَانَ مِنْ أَبْنَاءِ الْكِرَامِ ، وَلَا يَسْتَأْجِرُهُ النَّاسُ فَهُوَ عَاجِزٌ وَكَذَا طَلَبَةُ الْعِلْمِ إذَا لَمْ يَهْتَدُوا إلَى الْكَسْبِ فَلَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهُمْ عَنْ آبَائِهِمْ ( وَعَلَى الْمُوسِرِ ) عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ عَلَى الْأَبِ أَيْ تَجِبُ عَلَى الْمُوسِرِ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ مُعْسِرًا كَانَ عَاجِزًا وَلَا نَفَقَةَ عَلَى الْعَاجِزِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ وَالْأَوْلَادِ الصِّغَارِ ؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِالْعَقْدِ فَلَا تَسْقُطُ بِالْفَقْرِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْيَسَارِ ، وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِتَمَلُّكِ نِصَابِ حِرْمَانِ الصَّدَقَةِ أَعْنِي ( يَسَارَ الْفِطْرَةِ ) وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ ( لِأُصُولِهِ ) أَيْ أَبَوَيْهِ وَأَجْدَادِهِ وَجَدَّاتِهِ أَمَّا الْأَبَوَانِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا } وَفَسَّرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحُسْنِ الْعِشْرَةِ بِأَنْ يُطْعِمَهُمَا إذَا جَاعَا وَيَكْسُوَهُمَا إذَا عَرِيَا نَزَلَتْ فِي حَقِّ الْأَبَوَيْنِ الْكَافِرَيْنِ بِدَلِيلِ مَا قَبْلَهَا فَأَفَادَتْ وُجُوبَ النَّفَقَةِ فِي حَقِّ الْكَافِرِ بِعِبَارَتِهَا ، وَفِي حَقِّ الْمُسْلِمِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَوِيَّةِ ، وَأَمَّا الْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ فَلِأَنَّهُمْ مِنْ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ وَلِذَا يَقُومُ الْجَدُّ مَقَامَ الْأَبِ عِنْدَ عَدَمِهِ ( الْفُقَرَاءِ ) قَيَّدَ بِهِ لِأَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ فَنَفَقَتُهُمْ فِي

مَالِهِمْ ( وَإِنْ قَدَرُوا عَلَى الْكَسْبِ ) لِأَنَّهُمْ يَتَضَرَّرُونَ بِهِ وَالْوَلَدُ مَأْمُورٌ بِدَفْعِهِ عَنْهُمْ ( بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ ) ؛ لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ الْأَبَوَيْنِ إنَّمَا هُوَ بِحَقِّ الْمِلْكِ فِي مَالِ الْوَلَدِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ } وَهَذَا الْمَعْنَى يَشْتَمِلُ الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ وَلِهَذَا يَثْبُتُ لَهُمَا هَذَا الِاسْتِحْقَاقُ مَعَ اخْتِلَافِ الْمِلَّةِ ، وَإِنْ انْعَدَمَ التَّوَارُثُ ( يُعْتَبَرُ فِيهِ الْقُرْبُ وَالْجُزْئِيَّةُ لَا الْإِرْثُ ) لِمَا ذُكِرَ .

( قَوْلُهُ : لِوَلَدِهِ الْفَقِيرِ صَغِيرًا ) قَالَ فِي الْفَتْحِ وَإِذَا بَلَغَ - أَيْ الْغُلَامُ الصَّغِيرُ - حَدَّ الْكَسْبِ كَانَ لِلْأَبِ أَنْ يُؤْجِرَهُ وَيُنْفِقَ عَلَيْهِ مِنْ أُجْرَتِهِ فَلَوْ كَانَ الْأَبُ مُبَذِّرًا يَدْفَعُ كَسْبَ الِابْنِ إلَى أَمِينٍ كَمَا فِي سَائِرِ أَمْلَاكِهِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : أَوْ كَبِيرًا عَاجِزًا عَنْ الْكَسْبِ ) قَالَ الْخَصَّافُ : وَإِذَا كَانَ الْأَبُ عَاجِزًا أَيْضًا يَتَكَفَّفُ النَّاسَ وَيُنْفِقُ عَلَى وَلَدِهِ وَقِيلَ نَفَقَتُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ ، وَإِنْ كَانَ الْأَبُ قَادِرًا عَلَى الْكَسْبِ اكْتَسَبَ فَإِذَا امْتَنَعَ عَنْهُ حُبِسَ بِخِلَافِ سَائِرِ الدُّيُونِ وَلَا يُحْبَسُ وَالِدٌ ، وَإِنْ عَلَا فِي دَيْنِ وَلَدِهِ ، وَإِنْ سَفَلَ إلَّا فِي النَّفَقَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ .
( قَوْلُهُ : أَوْ كَبِيرًا عَاجِزًا ) يَعْنِي بِهِ الذَّكَرَ أَمَّا الْأُنْثَى فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهَا الْعَجْزُ بَلْ عَدَمُ الزَّوْجِ كَمَا سَيَأْتِي .
( قَوْلُهُ : وَكَذَا طَلَبَةُ الْعِلْمِ ) قَالَ الْحَلْوَانِيُّ رَأَيْت فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ هَذَا إذَا كَانَ بِهِمْ رُشْدٌ كَذَا فِي الْفَتْحِ .
( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِالْعَقْدِ ) أَخَصُّ مِنْ الْمُدَّعَى .
( قَوْلُهُ : وَعَلَى الْمُوسِرِ ) كَذَا قَيَّدَ بِالْيَسَارِ الْكَمَالُ قَوْلُ الْهِدَايَةِ : وَعَلَى الرَّجُلِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى أَبَوَيْهِ فَأَفَادَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُوسِرًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ أُصُولِهِ ، وَفِيهِ تَفْصِيلٌ صَرَّحَ بِهِ فِي الْجَوْهَرَةِ بِقَوْلِهِ فَإِنْ كَانَ الِابْنُ فَقِيرًا وَالْأَبُ فَقِيرًا إلَّا أَنَّهُ أَيْ الْأَبَ صَحِيحُ الْبَدَنِ لَا يُجْبَرُ الِابْنُ عَلَى نَفَقَتِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْأَبُ زَمِنًا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ فَإِنَّهُ يُشَارِكُ الِابْنَ فِي نَفَقَتِهِ ، وَأَمَّا الْأُمُّ إذَا كَانَتْ فَقِيرَةً فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الِابْنَ نَفَقَتُهَا ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا وَهِيَ غَيْرُ زَمِنَةٍ لِأَنَّهَا لَا تَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ ا هـ لَكِنْ قَالَ الْكَمَالُ بَعْدَ التَّقْيِيدِ بِالْيَسَارِ فَلَوْ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمَا - أَيْ الْأَبِ وَالِابْنِ - كَسُوبًا يَجِبُ أَنْ يَكْتَسِبَ الِابْنُ وَيُنْفِقَ عَلَى

الْأَبِ ا هـ فَلَمْ يَشْتَرِطْ الْيَسَارَ هُنَا وَشَرَطَهُ ثَمَّةَ فَلْيُنْظَرْ .
( قَوْلُهُ : وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِمِلْكِ نِصَابِ حِرْمَانِ الصَّدَقَةِ ) هُوَ مُخْتَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ ، .
وَفِي الْخُلَاصَةِ هُوَ نِصَابُ الزَّكَاةِ وَبِهِ يُفْتَى وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَدَّرَهُ بِمَا يَفْضُلُ عَنْ نَفَقَةِ نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ شَهْرًا إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْغَلَّةِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْحِرَفِ فَهُوَ مُقَدَّرٌ بِمَا يَفْضُلُ عَنْ نَفَقَتِهِ وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ كُلَّ يَوْمٍ قَالَ الْكَمَالُ وَهَذَا أَوْجَهُ وَقَالُوا الْفَتْوَى عَلَى الْأَوَّلِ ، ثُمَّ قَالَ وَمَالَ السَّرَخْسِيُّ إلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ وَقَالَ صَاحِبُ التُّحْفَةِ قَوْلُ مُحَمَّدٍ أَرْفَقُ ، ثُمَّ قَالَ ، وَإِذَا كَانَ كَسُوبًا يُعْتَبَرُ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَهَذَا يَجِبُ أَنْ يُعَوَّلَ عَلَيْهِ فِي الْفَتْوَى ا هـ .
( قَوْلُهُ : لِأُصُولِهِ ) شَامِلٌ لِلْجَدِّ وَالْجَدَّةِ الْفَاسِدَيْنِ ، وَفِيهِ اسْتِدْرَاكٌ بِمَا قَدَّمَهُ مِنْ قَوْلِهِ كَنَفَقَةِ أَبَوَيْهِ وَزَوْجَتِهِ وَقَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ : وَإِنْ احْتَاجَ الْأَبُ إلَى زَوْجَةٍ وَالِابْنُ مُوسِرٌ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُزَوِّجَهُ أَوْ يَشْتَرِيَ لَهُ جَارِيَةً وَيَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُمَا وَكِسْوَتُهُمَا ، وَإِنْ كَانَ لِلْأَبِ أَكْثَرُ مِنْ زَوْجَةٍ لَمْ يَلْزَمْ الِابْنَ إلَّا نَفَقَةٌ وَاحِدَةٌ يُوَزِّعُهَا الْأَبُ عَلَيْهِنَّ ا هـ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ فِي نَفَقَةِ زَوْجَةِ الْأَبِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ نَفَقَاتِ الْحَلْوَانِيِّ فِيهِ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ كَمَا قُلْنَا وَقَيَّدَ فِي أُخْرَى وُجُوبَ نَفَقَةِ زَوْجَةِ الْأَبِ بِكَوْنِهِ مَرِيضًا ، أَوْ بِهِ زَمَانَةٌ أَمَّا إذَا كَانَ صَحِيحًا فَلَا تَجِبُ نَفَقَةُ زَوْجَتِهِ عَلَى وَلَدِهِ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : بِدَلِيلِ مَا قَبْلَهَا ) هُوَ قَوْله تَعَالَى { وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا } .
( قَوْلُهُ : فَأَفَادَتْ وُجُوبَ النَّفَقَةِ فِي حَقِّ الْكَافِرِينَ ) يَعْنِي الذِّمِّيِّينَ لَا الْحَرْبِيِّينَ وَلَوْ مُسْتَأْمَنِينَ كَمَا سَيَأْتِي .
(

قَوْلُهُ : وَأَمَّا الْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ فَلِأَنَّهُمْ مِنْ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ ) قَالَ الْكَمَالُ : ظَاهِرُهُ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ فِي اللَّفْظِ أَعْنِي لَفْظَ الْأَبَوَيْنِ الَّذِي هُوَ مَرْجِعُ الضَّمِيرِ فِي وَصَاحِبْهُمَا ، وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُمْ فِي مَسْأَلَةِ الْأَمَانِ فِي آمِنُونَا عَلَى آبَائِنَا صَرَّحُوا بِعَدَمِ دُخُولِ الْأَجْدَادِ لِعَدَمِ انْتِظَامِ اللَّفْظِ ، وَإِنْ أَرَادَ إلْحَاقَهُمْ بِالْقِيَاسِ فَلَا حَاجَةَ بَلْ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَلَّلَ دُخُولُهُمْ بِأَنَّهُمْ مِنْ الْآبَاءِ بَلْ يُعَلَّلُ اسْتِحْقَاقُ الْأَبَوَيْنِ النَّفَقَةَ بِتَسَبُّبِهِمْ فِي وُجُودِهِ وَيُلْحَقُ بِهِ الْأَجْدَادُ وَيَعْتَبِرُهُ فِي عُمُومِ الْمَجَازِ هَذَا وَلَوْ قَالَ إنَّهُمْ مِنْ الْوَالِدِينَ وَالْوَالِدَاتِ كَانَ أَقْرَبَ لِأَنَّ ضَمِيرَ صَاحِبْهُمَا الْوَالِدَانِ لَا الْأَبَوَانِ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَلِذَا يَقُومُ الْجَدُّ مَقَامَ الْأَبِ عِنْدَ عَدَمِهِ ) أَيْ فِي الْوِرَاثَةِ وَوِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ وَالتَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ كَمَا فِي الْفَتْحِ .
( قَوْلُهُ : الْفُقَرَاءِ
إلَخْ ) يُوَافِقُ بِإِطْلَاقِهِ قَوْلَ السَّرَخْسِيِّ : الْمُعْتَبَرُ فِي إيجَابِ نَفَقَةِ الْوَالِدَيْنِ مُجَرَّدُ الْفَقِيرِ قِيلَ هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لِأَنَّ مَعْنَى الْأَذَى فِي إيكَالِهِ إلَى الْكَدِّ وَالتَّعَبِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي التَّأْفِيفِ الْمُحَرَّمِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى { فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا } وَيُخَالِفُ قَوْلَ الْحَلْوَانِيِّ إنَّهُ لَا يُجْبَرُ إذَا كَانَ الْأَبُ كَسُوبًا لِأَنَّهُ كَانَ غَنِيًّا بِاعْتِبَارِ الْكَسْبِ فَلَا ضَرُورَةَ فِي إيجَابِ النَّفَقَةِ عَلَى الْغَيْرِ ثُمَّ نَقَلَ الْكَمَالُ بَعْدَ نَحْوِ وَرَقَةٍ عَنْ كَافِي الْحَاكِمِ لَا يُجْبَرُ الْمُوسِرُ عَلَى نَفَقَةِ أَحَدٍ مِنْ قَرَابَتِهِ إذَا كَانَ رَجُلًا صَحِيحًا وَإِنْ كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الْكَسْبِ إلَّا فِي الْوَالِدِ خَاصَّةً ، أَوْ فِي الْجَدِّ أَبِ الْأَبِ إذَا مَاتَ الْوَلَدُ فَإِنَّهُ أُجْبِرَ الْوَلَدُ عَلَى نَفَقَتِهِ ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا ا هـ .
وَهَذَا جَوَابُ الرِّوَايَةِ وَهُوَ يَشِيدُ قَوْلَ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ

السَّرَخْسِيِّ بِخِلَافِ الْحَلْوَانِيِّ ا هـ كَلَامُ الْكَمَالِ .
( قَوْلُهُ : بِالسَّوِيَّةِ بَيْنَ الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَهِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَقَالَ الْكَمَالُ وَالْحَقُّ الِاسْتِوَاءُ فِيهَا لِتَعَلُّقِ الْوُجُوبِ بِالْوِلَادِ وَهُوَ يَشْمَلُهُمَا بِالسَّوِيَّةِ بِخِلَافِ غَيْرِ الْوِلَادِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ عُلِّقَ فِيهِ بِالْإِرْثِ ا هـ .
وَقِيلَ تَجِبُ بِقَدْرِ الْإِرْثِ كَمَا فِي الْبُرْهَانِ .
( قَوْلُهُ : لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ } ) أَخَصُّ مِنْ الْمُدَّعَى .
( قَوْلُهُ : لِمَا ذُكِرَ ) صَوَابُهُ لِمَا نَذْكُرُ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَقَدَّمْ وَسَيَذْكُرُ أَنَّ الصِّلَةَ فِي الْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ وَاجِبَةٌ دُونَ الْبَعِيدَةِ .

( فَفِيمَنْ لَهُ بِنْتٌ وَابْنُ ابْنٍ ) النَّفَقَةُ ( عَلَى الْبِنْتِ ) مَعَ أَنَّ الْإِرْثَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ .
( وَفِي وَلَدِ بِنْتٍ وَأَخٍ ) النَّفَقَةُ ( عَلَى وَلَدِهَا ) مَعَ أَنَّ الْإِرْثَ كُلَّهُ لِلْأَخِ وَلَا شَيْءَ لِوَلَدِ الْبِنْتِ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ ( وَلِكُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ ) عَطْفٌ عَلَى لِأُصُولِهِ ، الْفَرْقُ بَيْنَ ذِي الرَّحِمِ وَبَيْنَ الْمَحْرَمِ عُمُومٌ وَخُصُوصٌ مِنْ وَجْهٍ لِصِدْقِهِمَا عَلَى الْبِنْتِ وَالْأُخْتِ وَصِدْقِ الْأَوَّلِ عَلَى بِنْتِ الْعَمِّ دُونَ الثَّانِي لِصِحَّةِ نِكَاحِهَا وَصِدْقِ الثَّانِي عَلَى أُخْتِ الزَّوْجَةِ لِعَدَمِ صِحَّةِ نِكَاحِهَا دُونَ الْأَوَّلِ ( صَغِيرٍ ، أَوْ أُنْثَى بَالِغَةٍ ، أَوْ ذَكَرٍ عَاجِزٍ ) بِأَنْ كَانَ زَمِنًا ، أَوْ أَعْمَى أَوْ مَجْنُونًا ( فُقَرَاءَ ) حَالٌ مِنْ الْمَجْمُوعِ حَتَّى لَوْ كَانُوا أَغْنِيَاءَ لَمْ تَجِبْ نَفَقَتُهُمْ عَلَى غَيْرِهِمْ ، وَإِنَّمَا وَجَبَتْ لِأَنَّ الصِّلَةَ فِي الْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ وَاجِبَةٌ دُونَ الْبَعِيدَةِ ، وَالْفَاصِلُ أَنْ يَكُونَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } وَفِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَعَلَى الْوَارِثِ ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ مِثْلُ ذَلِكَ وَقِرَاءَتُهُ مَشْهُورَةٌ فَصَارَتْ بِمَنْزِلَةِ الْخَبَرِ الْمَشْهُورِ كَمَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ فَجَازَ تَقْيِيدُ إطْلَاقِ الْكِتَابِ بِهِ ، ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ الْحَاجَةِ وَالصِّغَرِ وَالْأُنُوثَةِ وَالزَّمَانَةِ ، وَالْعَمَى أَمَارَةُ الْحَاجَةِ لِتَحَقُّقِ الْعَجْزِ فَإِنَّ الْقَادِرَ عَلَى الْكَسْبِ غَنِيٌّ بِكَسْبِهِ بِخِلَافِ الْأَبَوَيْنِ كَمَا سَبَقَ ( بِقَدْرِ الْإِرْثِ ) مُتَعَلِّقٌ بِيَجِبُ الْمُقَدَّرِ ، وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ قَدْرُهُ أَخْذًا مِنْ قَوْله تَعَالَى { وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ } فَإِنَّ تَرَتُّبَ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ مُشْعِرٌ بِعِلِّيَّتِهِ وَلِأَنَّ الْغُرْمَ بِالْغُنْمِ ( وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى الْإِنْفَاقِ لِإِيفَاءِ حَقٍّ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِ فَتَجِبُ نَفَقَةُ الْبِنْتِ الْبَالِغَةِ وَالِابْنِ الزَّمِنِ مِنْ الْبَالِغِ عَلَى أَبَوَيْهِمَا

أَثْلَاثًا عَلَى الْأَبِ الثُّلُثَانِ وَعَلَى الْأُمِّ الثُّلُثُ ؛ لِأَنَّ الْمِيرَاثَ لَهُمَا عَلَى هَذَا الْمِقْدَارِ ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كُلُّ النَّفَقَةِ عَلَى الْأَبِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ } وَفِي غَيْرِ الْوَالِدَيْنِ يُعْتَبَرُ بِقَدْرِ الْمِيرَاثِ رِوَايَةً وَاحِدَةً ، وَفَرَّعَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( فَنَفَقَةُ مَنْ ) أَيْ فَقِيرٍ ( لَهُ أَخَوَاتٌ مُتَفَرِّقَاتٌ ) مُوسِرَاتٌ ( عَلَيْهِنَّ أَخْمَاسًا كَإِرْثِهِ ) ثَلَاثَةُ أَخْمَاسِهَا عَلَى الْأُخْتِ لِأَبٍ وَأُمٍّ وَخُمُسُهَا عَلَى الْأُخْتِ لِأَبٍ وَخُمُسُهَا عَلَى الْأُخْتِ لِأُمٍّ عَلَى قَدْرِ مِيرَاثِهِنَّ ( وَيُعْتَبَرُ فِيهِ ) أَيْ فِي ذِي الرَّحِمِ الْمَحْرَمِ ( أَهْلِيَّةُ الْإِرْثِ ) بِأَنْ لَا يَكُونَ مَحْرُومًا ( لَا حَقِيقَتُهُ ) بِأَنْ يَكُونَ مُحْرِزًا لِلْمِيرَاثِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا بَعْدَ الْمَوْتِ وَفَرَّعَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ ( فَنَفَقَةُ مَنْ ) أَيْ فَقِيرٍ ( لَهُ خَالٌ وَابْنُ عَمٍّ ) مُوسِرَانِ ( عَلَى الْخَالِ ) إذْ يُمْكِنُ أَنْ يَمُوتَ ابْنُ الْعَمِّ ، وَيَكُونُ الْإِرْثُ لِلْخَالِ فَإِنَّ ابْنَ الْعَمِّ لَيْسَ بِمَحْرَمٍ فَلَا نَفَقَةَ عَلَيْهِ ، وَالْخَالُ مَحْرَمٌ فَتَكُونُ النَّفَقَةُ عَلَيْهِ .
( لَا نَفَقَةَ مَعَ الِاخْتِلَافِ دِينًا ) لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ إنَّمَا يَثْبُتُ بِاسْمِ الْوَارِثِ ، وَاخْتِلَافُ الدِّينِ يَمْنَعُ التَّوَارُثَ فَلَا تَجِبُ عَلَى النَّصْرَانِيِّ نَفَقَةُ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ وَلَا عَلَى الْمُسْلِمِ نَفَقَةُ أَخِيهِ النَّصْرَانِيِّ ( إلَّا لِلزَّوْجَةِ ) لِأَنَّهَا تَجِبُ بِاعْتِبَارِ الْحَبْسِ الْمُسْتَحَقِّ بِعَقْدِ النِّكَاحِ وَذَلِكَ يَعْتَمِدُ صِحَّةَ الْعَقْدِ لَا اتِّحَادَ الْمِلَّةِ حَتَّى لَا تَجِبَ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ وَلَا الْوَطْءِ بِشُبْهَةٍ ( وَالْأُصُولِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا } وَفَسَّرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحُسْنِ الْعِشْرَةِ وَقَدْ مَرَّ بَيَانُهُ ، وَالْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ كَالْأَبَوَيْنِ كَمَا مَرَّ وَلَا يُجْبَرُ الْمُسْلِمُ عَلَى إنْفَاقِ أَبَوَيْهِ الْحَرْبِيَّيْنِ وَلَا

الْحَرْبِيُّ عَلَى إنْفَاقِ أَبِيهِ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ لِأَنَّ الِاسْتِحْقَاقَ بِطَرِيقِ الصِّلَةِ ، وَالْحَرْبِيُّ لَا يَسْتَحِقُّهَا لِلنَّهْيِ عَنْ بِرِّهِمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { إنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ } وَلِهَذَا لَا يَجْرِي الْإِرْثُ بَيْنَ مَنْ هُوَ فِي دَارِنَا وَبَيْنَهُمْ ، وَإِنْ اتَّحَدَتْ مِلَّتُهُمْ ( وَالْفُرُوعِ ) لِأَنَّ الْفَرْعَ جُزْؤُهُ ، وَنَفَقَةَ الْجُزْءِ لَا تُمْنَعُ بِالْكُفْرِ كَنَفَقَةِ نَفْسِهِ ( الذِّمِّيِّينَ ) قَيَّدَ بِهِ احْتِرَازًا عَنْ الْحَرْبِيِّ وَالْمُسْتَأْمَنِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّا نُهِينَا عَنْ الْبِرِّ فِي حَقِّ مَنْ يُقَاتِلُنَا كَمَا مَرَّ ، وَأَمَّا الثَّانِي فَالْعَرَضِيَّةُ أَنْ يُلْحَقَ بِدَارِ الْحَرْبِ .

( قَوْلُهُ : عَلَى الْبِنْتِ ) أَيْ لِقُرْبِهَا .
( قَوْلُهُ : عَلَى وَلَدِهَا ) أَيْ لِلْجُزْئِيَّةِ .
( قَوْلُهُ : وَصِدْقِ الثَّانِي عَلَى أُخْتِ الزَّوْجَةِ لِعَدَمِ صِحَّةِ نِكَاحِهَا دُونَ الْأَوَّلِ ) يُوجِبُ أَنْ تَكُونَ مَنْكُوحَةُ الْغَيْرِ وَالْخَامِسَةُ لِمَنْ لَهُ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ وَنَحْوُهُ مَحْرَمًا وَإِنَّهُ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ : وَصِدْقِ الثَّانِي عَلَى نَحْوِ الْأُخْتِ رَضَاعًا .
( قَوْلُهُ : بِقَدْرِ الْإِرْثِ مُتَعَلِّقٌ بِيَجِبُ الْمُقَدَّرِ ) يَعْنِي فِي قَوْلِهِ قَبْلَهُ وَلِكُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ .
( قَوْلُهُ : فَتَجِبُ نَفَقَةُ الْبِنْتِ الْبَالِغَةِ وَالِابْنِ الزَّمِنِ الْبَالِغِ عَلَى أَبَوَيْهِمَا أَثْلَاثًا ) رِوَايَةُ الْخَصَّافِ وَالْحَسَنِ .
( قَوْلٌ ) وَهَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْبِنْتِ فَرْعٌ وَلَا عَدَدٌ مِنْ الْإِخْوَةِ يُفِيدُهُ قَوْلُهُ : لِأَنَّ الْمِيرَاثَ لَهُمَا عَلَى هَذَا ا هـ ، وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كُلُّ النَّفَقَةِ عَلَى الْأَبِ وَجْهُ الْفَرْقِ عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى بَيْنَ نَفَقَةِ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ الزَّمِنِ أَنَّهُ اجْتَمَعَتْ لِلْأَبِ فِي الصَّغِيرِ وِلَايَةٌ وَمُؤْنَةٌ حَتَّى وَجَبَتْ عَلَيْهِ صَدَقَةُ فِطْرِهِ فَاخْتُصَّ بِلُزُومِ نَفَقَتِهِ عَلَيْهِ وَلَا كَذَلِكَ الْكَبِيرُ لِانْعِدَامِ الْوِلَايَةِ فَتُشَارِكُهُ الْأُمُّ فَاعْتُبِرَ كَسَائِرِ الْمَحَارِمِ كَمَا فِي الْهِدَايَةِ بِالْفَتْحِ .
( قَوْلُهُ : عَلَيْهِنَّ أَخْمَاسًا كَإِرْثِهِ ) يَعْنِي عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ وَالرَّدِّ .

( يَبِيعُ الْأَبُ عَرَضَ ابْنِهِ لَا عَقَارَهُ لِنَفَقَتِهِ ) أَيْ يَجُوزُ لَهُ بَيْعُهُ لِنَفَقَتِهِ لِأَنَّ لَهُ وِلَايَةَ الْحِفْظِ فِي مَالِ وَلَدِهِ الْغَائِبِ ؛ إذْ لِلْوَصِيِّ ذَلِكَ فَلِلْأَبِ أَوْلَى لِوُفُورِ شَفَقَتِهِ ، وَبَيْعُ الْمَنْقُولِ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ ؛ إذْ يُخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفُ وَلَا كَذَلِكَ الْعَقَارُ لِأَنَّهَا مَحْفُوظَةٌ بِنَفْسِهَا وَبِخِلَافِ غَيْرِ الْأَبِ مِنْ الْأَقَارِبِ ؛ إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُمْ أَصْلًا فِي التَّصَرُّفِ حَالَ الصِّغَرِ لِيَبْقَى أَثَرُهَا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَلَا فِي الْحِفْظِ بَعْدَ الْكِبَرِ بِخِلَافِ الْأَبِ ، وَإِذَا جَازَ بَيْعُهُ فَالثَّمَنُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ وَهُوَ النَّفَقَةُ فَلَهُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْهُ .

( لَا ) أَيْ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْأَبِ عَرَضَ ابْنِهِ ( لِدَيْنٍ لَهُ ) أَيْ الْأَبِ ( عَلَيْهِ ) أَيْ الِابْنِ ( غَيْرِهَا ) أَيْ غَيْرِ النَّفَقَةِ هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ، وَأَمَّا عِنْدَهُمَا فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ كُلُّهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ ؛ إذْ لَا وِلَايَةَ لَهُ لِانْقِطَاعِهَا بِالْبُلُوغِ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُ حَالَ حَضْرَتِهِ وَلَا يَمْلِكُ الْبَيْعَ فِي دَيْنٍ سِوَى النَّفَقَةِ ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ مَا ذَكَرْنَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ : فِي الْمَسْأَلَةِ نَوْعُ إشْكَالٍ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ إذَا كَانَ لِلْأَبِ حَالَ غَيْبَةِ ابْنِهِ وِلَايَةُ الْحِفْظِ إجْمَاعًا فَمَا الْمَانِعُ لَهُ مِنْ الْبَيْعِ بِالنَّفَقَةِ عِنْدَهُمَا ، أَوْ بِالدَّيْنِ عِنْدَ الْكُلِّ .
أَقُولُ : لَا إشْكَالَ أَصْلًا لِأَنَّ هَاهُنَا مُقَدِّمَتَيْنِ إحْدَاهُمَا أَنَّ لِلْأَبِ حَالَ غَيْبَةِ ابْنِهِ وِلَايَةَ الْحِفْظِ ، وَالثَّانِيَةُ أَنَّ بَيْعَ الْمَنْقُولِ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْأُولَى إجْمَاعِيَّةً كَوْنُ الثَّانِيَةِ كَذَلِكَ فَالْمَانِعُ مِنْ الْبَيْعِ بِالنَّفَقَةِ عِنْدَهُمَا كَوْنُهُ مُنَافِيًا لِلْحِفْظِ ، وَأَمَّا الْمَانِعُ مِنْ الْبَيْعِ بِالدَّيْنِ فَهُوَ أَنَّ ثُبُوتَ الدَّيْنِ يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الْوِلَادِ كَمَا سَبَقَ وَالْعَجَبُ أَنَّ هَذَا مَعَ كَمَالِهِ فِي الظُّهُورِ كَيْفَ خَفِيَ عَلَى مَنْ هُوَ بِالْفَضْلِ مَشْهُورٌ ، .
وَقَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ : قَالُوا إنَّ لِلْأَبِ وِلَايَةَ حِفْظِ مَالِ الِابْنِ ، وَبَيْعُ الْمَنْقُولَاتِ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ لَا بَيْعُ الْعَقَارِ لِأَنَّهُ مُحَصَّنٌ بِنَفْسِهِ فَإِذَا بَاعَ الْمَنْقُولَ فَالثَّمَنُ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ وَهُوَ النَّفَقَةُ فَيُصْرَفُ إلَيْهَا ، ثُمَّ قَالَ قُلْت : الْكَلَامُ فِي أَنَّهُ هَلْ يَحِلُّ بَيْعُ الْعُرُوضِ لِأَجْلِ النَّفَقَةِ لَا فِي الْبَيْعِ لِأَجْلِ الْمُحَافَظَةِ ثُمَّ الْإِنْفَاقِ مِنْ الثَّمَنِ عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ لَوْ كَانَتْ هَذَا لَجَازَ الْبَيْعُ لِدَيْنٍ سِوَى النَّفَقَةِ بِعَيْنِ هَذَا الدَّلِيلِ .
أَقُولُ : الْقَوْمُ إنَّمَا يَذْكُرُونَ جَوَازَ الْبَيْعِ لِأَجْلِ الْمُحَافَظَةِ لِإِثْبَاتِ جَوَازِ الْبَيْعِ

لِلنَّفَقَةِ فَإِنَّ مَعْنَى كَلَامِهِمْ أَنَّ بَيْعَ الْمَنْقُولَاتِ يَجُوزُ لِأَجْلِ النَّفَقَةِ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لِأَجْلِ الْمُحَافَظَةِ بِدَلِيلِ جَوَازِهِ لِلْوَصِيِّ فَلَأَنْ يَجُوزَ مِنْ الْأَبِ أَوْلَى لِأَنَّهُ يَسْتَفِيدُ الْوِلَايَةَ مِنْ الْأَبِ فَإِذَا جَازَ بَيْعُهُ لِلْمُحَافَظَةِ وَبَاعَ حَصَلَ مَالٌ مِنْ جِنْسِ النَّفَقَةِ فَجَازَ صَرْفُ الْأَبِ إيَّاهُ فِي نَفَقَتِهِ ، وَأَمَّا قَوْلُهُ : عَلَى أَنَّ الْعِلَّةَ لَوْ كَانَتْ هَذَا
إلَخْ فَبَاطِلٌ مَحْضٌ لِمَا عَرَفْتَ أَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْبَيْعِ بِالدَّيْنِ هُوَ أَنَّ ثُبُوتَ الدَّيْنِ يَحْتَاجُ إلَى الْقَضَاءِ ، وَالْقَضَاءُ عَلَى الْغَائِبِ لَا يَجُوزُ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الْوِلَادِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْ جَوَازِ الْأَوَّلِ جَوَازُ الثَّانِي .

قَوْلُهُ : أَقُولُ لَا إشْكَالَ أَصْلًا
إلَخْ ) غَيْرُ مُسَلَّمٍ فَإِنَّ قَوْلَهُ وَالثَّانِيَةُ أَنَّ بَيْعَ الْمَنْقُولِ مِنْ بَابِ الْحِفْظِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ الْأُولَى إجْمَاعِيَّةً كَوْنُ الثَّانِيَةِ كَذَلِكَ هُوَ رَدُّ الْإِشْكَالِ عَلَى مَا ذُكِرَ مِنْ مَنْعِ الْمُلَازَمَةِ وَلَيْسَ بِظَاهِرٍ لِأَنَّ بَيْعَ الْمَنْقُولِ لِأَجْلِ الْحِفْظِ لَا خِلَافَ فِيهِ فَلَمْ يَفْتَرِقْ الْحُكْمُ بَيْنَ الْمُقَدِّمَتَيْنِ ، وَمِنْ الْبَيِّنِ أَنَّ هَذَا لَيْسَ مَبْحَثَ الزَّيْلَعِيِّ ، إذْ بَحْثُهُ فِي مَنْعِ الْبَيْعِ لِلنَّفَقَةِ عِنْدَهُمَا ، أَوْ لِلدَّيْنِ عِنْدَ الْكُلِّ لِكَوْنِ أَنَّ مُجَوِّزَ الْبَيْعِ إنَّمَا جَوَّزَهُ بِاعْتِبَارِ الْبَيْعِ لِأَجْلِ الْمُحَافَظَةِ ، ثُمَّ إذَا صَارَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ صَرَفَهُ لِنَفَقَتِهِ وَهُمَا يُوَافِقَانِ عَلَى بَيْعِهِ تَحْصِينًا كَالْوَصِيِّ كَمَا صَرَّحَ بِهِ الزَّيْلَعِيُّ فِي وَجْهِ الْقِيَاسِ وَحَيْثُ اتَّفَقُوا عَلَى بَيْعِهِ تَحْصِينًا فَأَيُّ مَانِعٍ يَمْنَعُ الْأَبَ مِنْ صَرْفِهِ بَعْدَهُ لِنَفَقَتِهِ وَقَدْ صَارَ مِنْ جِنْسِ حَقِّهِ وَهَذَا هُوَ مَعْنَى قَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ فَمَا الْمَانِعُ لَهُ مِنْ الْبَيْعِ بِالنَّفَقَةِ عِنْدَهُمَا ا هـ .
عَلَى أَنَّ الْخِلَافَ فِي عَرَضِ الِابْنِ الْكَبِيرِ أَمَّا الصَّغِيرُ فَلِلْأَبِ بَيْعُ عَرَضِهِ لِلنَّفَقَةِ إجْمَاعًا كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ ا هـ .
وَإِلَيْهِ يُشِيرُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ كَالزَّيْلَعِيِّ ، وَأَمَّا قَوْلُهُ : أَوْ بِالدَّيْنِ عِنْدَ الْكُلِّ فَتَوْجِيهُهُ أَنَّ مِنْ الْمُسَلَّمِ بَيْعَ الْأَبِ لِأَجْلِ التَّحْصِينِ كَمَا تَقَدَّمَ ، وَإِذَا صَارَ مِنْ جِنْسِ دَيْنِهِ لَا مَانِعَ مِنْ صَرْفِهِ إلَيْهِ لِكَوْنِهِ ظَفِرَ بِجِنْسِ حَقِّهِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِيمَنْ ظَفِرَ بِجِنْسِ مَالِهِ عَلَى غَرِيمِهِ أَنَّهُ يَأْخُذُهُ بِغَيْرِ رِضًى وَلَا قَضَاءٍ وَبِهَذَا يُعْلَمُ أَيْضًا عَدَمُ صِحَّةِ مَا ادَّعَاهُ مِنْ بُطْلَانِ كَلَامِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ رَحِمَهُ اللَّهُ .

( وَلَا تَبِيعُ الْأُمُّ مَالَهُ ) أَيْ مَالَ ابْنِهَا ( لَهَا ) أَيْ لِنَفَقَتِهَا ؛ إذْ لَا وِلَايَةَ لَهَا فِي التَّصَرُّفِ حَالَ الصِّغَرِ وَلَا فِي الْحِفْظِ بَعْدَ الْكِبَرِ فَإِنْ قِيلَ : قَدْ سَبَقَ أَنَّ لِلْأُمِّ أَيْضًا حَقَّ التَّمَلُّكِ فِي مَالِ الِابْنِ بِالْحَدِيثِ وَهُوَ يَقْتَضِي أَنْ يَجُوزَ لَهَا أَيْضًا أَنْ تَبِيعَ مَالَ وَلَدِهَا لِلنَّفَقَةِ قُلْنَا : إنَّ مَدَارَ جَوَازِ الْبَيْعِ لَيْسَ حَقَّ التَّمَلُّكِ بَلْ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ الْوَلَدِ فَمَنْ لَهُ وِلَايَةُ التَّصَرُّفِ فِيهِ جَازَ لَهُ الْبَيْعُ وَمَنْ لَا فَلَا .
( ضَمِنَ مُودَعُ الِابْنِ لَوْ أَنْفَقَهَا ) أَيْ الْوَدِيعَةَ ( عَلَى أَبَوَيْهِ بِلَا أَمْرِ قَاضٍ ) لِتَصَرُّفِهِ فِي مَالِ غَيْرِهِ بِلَا إنَابَةٍ وَوِلَايَةٍ بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَهُ الْقَاضِي لِأَنَّهُ مُلْزِمٌ ( لَا الْأَبَوَانِ ) أَيْ لَا يَضْمَنَانِ ( وَلَوْ أَنْفَقَا مَالَهُ ) أَيْ مَالَ الِابْنِ الْغَائِبِ عَلَى أَنْفُسِهِمَا إذَا كَانَ مِنْ جِنْسِ النَّفَقَةِ لِأَنَّ نَفَقَتَهُمَا وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَضَاءِ فَاسْتَوْفَيَا حَقَّهُمَا .
( قُضِيَ بِنَفَقَةِ غَيْرِ الزَّوْجَةِ ) يَعْنِي الْأُصُولَ وَالْفُرُوعَ وَالْقَرَائِبَ ( وَمَضَتْ مُدَّةٌ ) لَمْ تَصِلْ إلَيْهِمْ فِيهَا ( سَقَطَتْ ) لِأَنَّ نَفَقَةَ هَؤُلَاءِ بِاعْتِبَارِ الْحَاجَةِ فَإِذَا مَضَتْ الْمُدَّةُ انْدَفَعَتْ الْحَاجَةُ ، وَإِنَّمَا قَالَ : غَيْرِ الزَّوْجَةِ لِأَنَّ الْقَاضِيَ إذَا قَضَى بِنَفَقَتِهَا لَا تَسْقُطُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ ؛ لِأَنَّهَا جَزَاءُ الِاحْتِبَاسِ لَا لِلْحَاجَةِ كَمَا مَرَّ وَلِهَذَا تَجِبُ مَعَ يَسَارِهَا فَلَا تَسْقُطُ بِحُصُولِ الِاسْتِغْنَاءِ فِيمَا مَضَى ( إلَّا إذَا اسْتَدَانُوا ) أَيْ الْأُصُولُ وَالْفُرُوعُ وَالْقَرَائِبُ ( بِإِذْنِ الْقَاضِي ) أَيْ أَذِنَ لَهُمْ الْقَاضِي بِالِاسْتِدَانَةِ فَاسْتَدَانُوا عَلَى الْغَائِبِ فَحِينَئِذٍ لَا تَسْقُطُ نَفَقَتُهُمْ أَيْضًا كَمَا لَا تَسْقُطُ نَفَقَةُ الزَّوْجَةِ بِمُجَرَّدِ تَقْرِيرِ الْقَاضِي ، وَإِنْ مَضَتْ مُدَّةٌ .

قَوْلُهُ : وَلَا تَبِيعُ الْأُمُّ مَالَهُ
إلَخْ ) كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ بَعْدَ شَرْحِهِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ لَكِنْ نَقَلَ فِي الذَّخِيرَةِ عَنْ الْأَقْضِيَةِ جَوَازَ بَيْعِ الْأَبَوَيْنِ وَهَكَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ فِي شَرْحِهِ فَإِنَّهُ أَضَافَ الْبَيْعَ إلَيْهِمَا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْمَسْأَلَةِ رِوَايَتَانِ .
وَجْهُ رِوَايَةِ الْأَقْضِيَةِ أَنَّ مَعْنَى الْوِلَادِ يَجْمَعُهُمَا وَهُمَا فِي اسْتِحْقَاقِ النَّفَقَةِ سَوَاءٌ وَعَلَى تَقْدِيرِ الْإِنْفَاقِ فَتَأْوِيلُهُ أَنَّ الْأَبَ هُوَ الَّذِي يَتَوَلَّى الْبَيْعَ وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا أَمَّا نَفْسُهَا فَبَعِيدٌ ا هـ .
وَلَا يَخْفَى عَدَمُ اطِّرَادِ التَّأْوِيلِ عِنْدَ عَدَمِ الْأَبِ .
( قَوْلُهُ : فَإِنْ قِيلَ قَدْ سَبَقَ
إلَخْ ) قَدَّمْنَا أَنَّ هَذَا لَا يَكْفِي فِي اسْتِحْقَاقِهَا مَالَ الِابْنِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الثُّبُوتُ بِدَلَالَةِ النَّصِّ .
( قَوْلُهُ : ضَمِنَ مُودَعُ الِابْنِ
إلَخْ ) هَذَا قَضَاءً وَكَذَا مَنْ عِنْدَهُ مَالُهُ كَالْمُضَارِبِ وَالْمَدْيُونِ كَمَا فِي النَّهْرِ عَنْ الْوَلْوَالِجيَّةِ وَلَا رُجُوعَ لِلْمُودَعِ وَنَحْوِهِ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُ بِالضَّمَانِ مَلَكَهُ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ التَّعَدِّي وَهَذَا - أَيْ الضَّمَانُ - إذَا كَانَ يُمْكِنُ اسْتِطْلَاعُ رَأْيِ الْقَاضِي وَلَوْ لَمْ يُمْكِنْ اسْتِطْلَاعُهُ لَا يَضْمَنُ اسْتِحْسَانًا وَعَلَى هَذَا بَيْعُ بَعْضِ الرُّفْقَةِ مَتَاعَ بَعْضِهِمْ لِتَجْهِيزِهِ وَكَذَا لَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَأَنْفَقُوا عَلَيْهِ مِنْ مَالِهِ لَمْ يَضْمَنُوا اسْتِحْسَانًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ ، وَالتَّقْيِيدُ بِالضَّمَانِ قَضَاءً لِنَفْيِ ضَمَانِهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى لَوْ مَاتَ الِابْنُ الْغَائِبُ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ لِوَرَثَتِهِ أَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمْ عَلَيْهِ حَقٌّ كَمَا فِي الْفَتْحِ .
( قَوْلُهُ : وَمَضَتْ مُدَّةٌ ) يَعْنِي طَوِيلَةً كَشَهْرٍ لَا مَا دُونَهُ وَاسْتَثْنَى فِي التَّبْيِينِ نَفَقَةَ الصَّغِيرِ الْمَفْرُوضَةَ فَإِنَّهَا تَصِيرُ دَيْنًا بِالْقَضَاءِ دُونَ غَيْرٍ .

( وَمِنْهَا ) أَيْ مِنْ أَسْبَابِ وُجُوبِ النَّفَقَةِ ( الْمِلْكُ فَتَجِبُ عَلَى الْمَوْلَى ) النَّفَقَةُ ( لِمَمْلُوكِهِ فَإِنْ أَبَى ) أَيْ امْتَنَعَ الْمَوْلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ ( كَسَبَ ) أَيْ الْمَمْلُوكُ ( إنْ قَدَرَ ) عَلَى الْكَسْبِ ( وَأَنْفَقَ ) عَلَى نَفْسِهِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ ( أُمِرَ ) أَيْ الْمَوْلَى يَعْنِي أَمَرَهُ الْقَاضِي ( بِبَيْعِهِ ) لَوْ رَقِيقًا .
( وَفِي الْمُدَبَّرِ وَأُمِّ الْوَلَدِ أُجْبِرَ ) الْمَوْلَى ( عَلَى الْإِنْفَاقِ ) لِامْتِنَاعِ الْبَيْعِ فِيهِمَا ( وَالْمُكَاتَبُ عَلَى الْمَالِ يَكْسِبُ ) ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ يَدًا ، وَإِنْ كَانَ مَمْلُوكًا رَقَبَةً وَاحْتَرَزَ بِهِ عَنْ الْمُكَاتَبِ عَلَى الْخِدْمَةِ فَإِنَّهُ كَالرَّقِيقِ ؛ إذْ لَا يَدَ لَهُ أَصْلًا .
( رَجُلٌ لَا يُنْفِقُ عَلَى عَبْدِهِ : إنْ قَدَرَ ) أَيْ الْعَبْدُ ( عَلَى الْكَسْبِ لَيْسَ لَهُ أَكْلُ مَالِ مَوْلَاهُ بِلَا رِضَاهُ ، وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْكَسْبِ ( جَازَ ) أَكْلُهُ بِلَا رِضَاهُ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ ( كَذَا ) أَيْ جَازَ أَكْلُهُ بِلَا رِضَاهُ أَيْضًا ( إنْ مَنَعَ ) مَوْلَاهُ ( عَنْهُ ) أَيْ عَنْ الْكَسْبِ .
( غَصَبَ ) أَيْ شَخْصٌ ( عَبْدًا فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِ ) أَيْ الْغَاصِبِ ( إلَى أَنْ يَرُدَّ ) الْمَغْصُوبَ إلَى مَالِكِهِ ( فَإِنْ طَلَبَ ) الْغَاصِبُ ( مِنْ الْقَاضِي الْأَمْرَ بِالنَّفَقَةِ ) أَيْ بِأَنْ يُنْفِقَ الْغَاصِبُ عَلَى الْعَبْدِ ( أَوْ الْبَيْعِ ) أَيْ بِأَنْ يَبِيعَ الْغَاصِبُ الْعَبْدَ ( لَا يُجِيبُهُ ) أَيْ الْقَاضِي وَلَا يَقْبَلُ كَلَامَهُ ( إلَّا أَنْ يَخَافَ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَضِيعَ فَيَبِيعَهُ الْقَاضِي ) لَا الْغَاصِبُ ( وَيُمْسِكَ ثَمَنَهُ ) لِمَالِكِهِ .
( أَوْدَعَ ) شَخْصٌ ( عَبْدًا ) عِنْدَ زَيْدٍ فَغَابَ الشَّخْصُ الْمُودِعُ ( فَطَلَبَ ) زَيْدٌ ( الْمُودَعُ مِنْ الْقَاضِي الْأَمْرَ بِالنَّفَقَةِ فَالْقَاضِي لَا يَأْمُرُ بِهَا ) لِتَضَرُّرِ الْمَوْلَى بِهِ لِاحْتِمَالِ اسْتِيعَابِ قِيمَتِهِ بِالنَّفَقَةِ ( بَلْ يُؤْجِرُهُ فَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ أَجْرِهِ ( أَوْ يَبِيعُهُ وَيَحْفَظُ ثَمَنَهُ لِمَوْلَاهُ ) دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ

( قَوْلُهُ : وَإِلَّا أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ ) يَعْنِي بِأَنْ كَانَ زَمِنًا ، أَوْ أَعْمَى ، أَوْ أَمَةً لَا يُؤْجَرُ مِثْلُهَا خَشْيَةَ الْفِتْنَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ وَالْبُرْهَانِ ا هـ .
فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْأُنُوثَةَ هُنَا لَيْسَتْ أَمَارَةَ الْعَجْزِ بِخِلَافِهَا فِي ذَوِي الْأَرْحَامِ ا هـ .
وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِنَفَقَةِ الْبَهَائِمِ وَهِيَ لَازِمَةٌ دِيَانَةً عَلَى مَالِكِهَا وَيَكُونُ آثِمًا مُعَاقَبًا فِي جَهَنَّمَ بِحَبْسِهَا عَنْ الْبَيْعِ مَعَ عَدَمِ الْإِنْفَاقِ وَلَا يُقْضَى عَلَيْهِ بِهَا عِنْدَنَا وَقِيلَ يُوجِبُهَا أَبُو يُوسُفَ كَمَا تَجِبُ فِي الدَّابَّةِ الْمُشْتَرَكَةِ ا هـ .
وَكَذَا قَالَ فِي الْفَتْحِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُجْبَرُ فِي الْحَيَوَانِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ ، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ الْأَوَّلُ ، وَالْحَقُّ مَا عَلَيْهِ الْجَمَاعَةُ يَعْنِي أَبَا يُوسُفَ وَمَنْ وَافَقَهُ ، .
وَفِي التَّبْيِينِ : فِي غَيْرِ الْحَيَوَانِ يُكْرَهُ لَهُ أَنْ لَا يُنْفِقَ عَلَيْهِ وَلَا يُفْتَى ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ .

( كِتَابُ الْعَتَاقِ ) الْعِتْقُ وَالْعَتَاقُ لُغَةً : الْقُوَّةُ مُطْلَقًا .
وَشَرْعًا : قُوَّةٌ حُكْمِيَّةٌ تَظْهَرُ فِي حَقِّ الْآدَمِيِّ بِانْقِطَاعِ حَقِّ الْأَغْيَارِ عَنْهُ ( وَالْإِعْتَاقُ ) لُغَةً : إثْبَاتُ الْقُوَّةِ مُطْلَقًا ، وَشَرْعًا : ( إثْبَاتُ الْقُوَّةِ الشَّرْعِيَّةِ ) الَّتِي يَصِيرُ بِهَا الْمُعْتَقُ أَهْلًا لِلشَّهَادَاتِ وَالْوِلَايَاتِ قَادِرًا عَلَى التَّصَرُّفِ فِي الْأَغْيَارِ وَعَلَى دَفْعِ تَصَرُّفِ الْأَغْيَارِ عَنْ نَفْسِهِ لَا مُطْلَقًا بَلْ ( بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ ) الَّذِي هُوَ ضَعْفٌ حُكْمِيٌّ كَالْقُوَّةِ الْحَقِيقَةِ الَّتِي تَحْصُلُ فِي الْبَدَنِ بِزَوَالِ ضَعْفٍ حَقِيقِيٍّ وَهُوَ الْمَرَضُ ( وَإِزَالَةُ الْمِلْكِ مُطْلَقًا ) أَيْ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِكَوْنِهِ مَلَّكَهُ وَحَاصِلُهُ : جَعْلُهُ غَيْرَ مَمْلُوكٍ لِأَحَدٍ فَيَخْرُجُ بِهِ الْبَيْعُ ، وَالْهِبَةُ إذْ فِيهِمَا جَعْلُ مَمْلُوكِهِ مَمْلُوكًا لِغَيْرِهِ وَيَلْزَمُهُ إثْبَاتُ الْقُوَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَسَيَأْتِي تَحْقِيقُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( وَيَصِحُّ ) أَيْ الْإِعْتَاقُ ( مِنْ حُرٍّ ) لِيَكُونَ أَهْلًا لِلْمِلْكِ ؛ لِأَنَّ الْمَمْلُوكَ لَا يَمْلِكُ وَإِنْ مُلِّكَ وَلَا عِتْقَ إلَّا فِي الْمِلْكِ ( مُكَلَّفٍ ) أَيْ عَاقِلٍ بَالِغٍ أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ الْجُنُونَ يُنَافِي أَهْلِيَّةَ التَّصَرُّفِ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ : أَعْتَقْت وَأَنَا صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ وَجُنُونُهُ كَانَ ظَاهِرًا كَانَ الْقَوْلُ لَهُ لِإِسْنَادِهِ التَّصَرُّفَ إلَى حَالَةٍ مُنَافِيَةٍ لَهُ ، وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّهُ أَيْ الْإِعْتَاقَ ضَرَرٌ ظَاهِرٌ وَلِهَذَا لَا يَمْلِكُهُ الْوَصِيُّ وَالْوَلِيُّ عَلَيْهِ ، وَالصَّبِيُّ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلضَّارِّ الْمَحْضِ بِخِلَافِ النَّافِعِ الْمَحْضِ وَالْمُتَرَدِّدِ بَيْنَهُمَا حَيْثُ يَكُونُ أَهْلًا لِلْأَوَّلِ قَبْلَ الْإِذْنِ وَلِلثَّانِي بَعْدَهُ ( فِي مِلْكِهِ ) حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ يَصِحُّ وَإِنَّمَا اشْتِرَاطُ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا عِتْقَ فِيمَا لَا يَمْلِكُهُ ابْنُ آدَمَ } ( وَلَوْ بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِ ) أَيْ وَيَصِحُّ الْإِعْتَاقُ وَلَوْ كَانَ بِإِضَافَتِهِ إلَى

الْمِلْكِ كَأَنْ يَقُولَ لِعَبْدِ غَيْرِهِ : إنْ مَلَكْته فَهُوَ حُرٌّ حَيْثُ يُعْتَقُ إذَا مَلَكَهُ وَقَدْ مَرَّ مِثْلُهُ فِي الطَّلَاقِ ( بِصَرِيحِهِ ) أَيْ بِصَرِيحِ الْإِعْتَاقِ بِأَنْ كَانَ مُسْتَعْمَلًا فِيهِ وَضْعًا وَشَرْعًا مُتَعَلِّقٌ بِيَصِحُّ ( بِلَا نِيَّةٍ ) ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تُشْتَرَطُ إذَا اشْتَبَهَ مُرَادُ الْمُتَكَلِّمِ وَإِذْ لَا اشْتِبَاهَ فَلَا نِيَّةَ وَذَلِكَ ( كَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ عَتِيقٌ أَوْ مُعْتَقٌ أَوْ مُحَرَّرٌ أَوْ حَرَّرْتُك أَوْ أَعْتَقْتُك أَوْ مَا أَنْتَ إلَّا حُرٌّ ) ؛ لِأَنَّ كَلَامَهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ وَهُوَ آكَدُ مِنْ مُجَرَّدِ الْإِثْبَاتِ بِدَلِيلِ كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ ، وَبِمُجَرَّدِ الْوَصْفِ بِالْحُرِّيَّةِ يَعْتِقُ فَإِذَا أَكَّدَهُ كَانَ أَوْلَى أَنْ يَعْتِقَ ( أَوْ هَذَا مَوْلَايَ أَوْ يَا مَوْلَايَ ) فَإِنَّ لَفْظَ الْمَوْلَى مُشْتَرَكٌ أَحَدُ مَعَانِيه الْمُعْتَقُ وَفِي الْعَبْدِ لَا يَلِيقُ إلَّا هَذَا الْمَعْنَى فَيَعْتِقُ بِلَا نِيَّةٍ ( أَوْ يَا حُرُّ أَوْ يَا عَتِيقُ ) فَإِنَّ لَفْظَ الْإِخْبَارِ جُعِلَ إنْشَاءً فِي التَّصَرُّفَاتِ الشَّرْعِيَّةِ دَفْعًا لِلْحَاجَةِ ، كَمَا فِي النِّكَاحِ ، وَالطَّلَاقِ ، وَالْبَيْعِ وَنَحْوِهَا فَإِنَّ تَصْحِيحَ كَلَامِ الْعَاقِلِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ وَاجِبٌ لَا وَجْهَ لَهُ إلَّا بِتَقْدِيمِ ثُبُوتِ الْعِتْقِ وَنَحْوِهِ فِي الْمَحِلِّ لِيَتَحَقَّقَ مِنْهُ هَذَا الْإِخْبَارُ فَإِنْ قَالَ : أَرَدْت الْكَذِبَ أَوْ حُرِّيَّتَهُ مِنْ الْعَمَلِ صَدَقَ دِيَانَةً لِلِاحْتِمَالِ لَا قَضَاءً ، وَالنِّدَاءُ لِاسْتِحْضَارِ الْمُنَادَى فَإِذَا نَادَاهُ بِوَصْفٍ يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ كَانَ تَحْقِيقًا لِذَلِكَ الْوَصْفِ ( إلَّا إذَا سَمَّاهُ بِهِ ) أَيْ سَمَّى عَبْدَهُ بِالْحُرِّ أَوْ الْعَتِيقِ فَحِينَئِذٍ لَا يَعْتِقُ ؛ لِأَنَّ مُرَادَهُ الْإِعْلَامُ بِاسْمٍ عَلِمَهُ وَهُوَ مَا لَقَّبَهُ بِهِ ( ثُمَّ ) أَيْ بَعْدَ مَا سَمَّاهُ بِهِ ( إذَا نَادَى بِالْعَجَمِيَّةِ ) وَقَالَ يَا آزَادَ وَقَدْ سَمَّاهُ بِالْحُرِّ ( أَوْ عَكَسَ ) بِأَنْ سَمَّاهُ بَازَادَ وَنَادَى بِيَا حُرُّ ( عَتَقَ ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنِدَاءٍ بِاسْمٍ عَلِمَهُ فَيُعْتَبَرُ إخْبَارًا عَنْ

الْوَصْفِ ( كَذَا رَأْسُك حُرٌّ وَنَحْوُهُ مِمَّا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْبَدَنِ ) أَيْ وَجْهُك أَوْ رَقَبَتُك أَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ : فَرْجُك فَإِنَّ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ مِمَّا يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ الْبَدَنِ وَقَدْ مَرَّ فِي الطَّلَاقِ وَإِنْ أَضَافَهُ إلَى جُزْءٍ شَائِعٍ كَالنِّصْفِ ، وَالثُّلُثِ وَنَحْوِهِمَا يَقَعُ فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ وَسَيَأْتِي الْخِلَافُ فِيمَا وَرَاءَهُ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِي هَذَا .

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ( كِتَابُ الْعَتَاقِ ) .
( قَوْلُهُ ، وَالْإِعْتَاقُ شَرْعًا إثْبَاتُ الْقُوَّةِ الشَّرْعِيَّةِ ) هَذَا التَّعْرِيفُ عَلَى مَذْهَبِهِمَا .
وَعِنْدَ الْإِمَامِ الْإِعْتَاقُ إثْبَاتُ الْفِعْلِ الْمُفْضِي إلَى حُصُولِ الْعِتْقِ ، فَلِهَذَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ وَشَرْحِ الْعَيْنِيِّ عَلَى أَنَّ الْمُصَنِّفَ رَحِمَهُ اللَّهُ ذَكَرَ فِيمَا يَأْتِي فِي بَابِ عِتْقِ الْبَعْضِ أَنَّ هَذَا التَّعْرِيفَ غَيْرُ مُسَلَّمٍ ( قَوْلُهُ : لَا مُطْلَقًا ) تَعَلُّقُهُ بِإِثْبَاتِ الْقُوَّةِ الشَّرْعِيَّةِ لَا يُسْتَثْنَى مِنْهُ خُرُوجُ فَرْدٍ مِمَّا يَقْدِرُ عَلَيْهِ الْحُرُّ فَلَا يُتَّجَهُ نَفْيُ الْإِطْلَاقِ ، وَقَوْلُهُ : بَلْ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ لَا وَجْهَ لِلْإِضْرَابِ عَلَى مَا سَبَقَ ( قَوْلُهُ : بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ الَّذِي هُوَ ضَعْفٌ حُكْمِيٌّ ) فِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّ الضَّعْفَ الْحُكْمِيَّ إنَّمَا هُوَ الرِّقُّ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِلْمِلْكِ عَلَى أَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي عِتْقِ الْبَعْضِ بِقَوْلِهِ وَإِثْبَاتُهَا أَيْ الْقُوَّةُ الْحُكْمِيَّةُ بِإِزَالَةِ ضِدِّهَا الَّذِي هُوَ الرِّقُّ .
( قَوْلُهُ : وَإِزَالَةُ الْمِلْكِ ) ذَكَرَهُ شَرْحًا تَوْطِئَةً لِقَوْلِهِ مُطْلَقًا وَإِلَّا فَهُوَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِقَوْلِهِ قَبْلَهُ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ ( قَوْلُهُ : أَيْ غَيْرُ مُقَيَّدٍ بِكَوْنِهِ مَلَّكَهُ ) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْكَافِ ( قَوْلُهُ : وَيَلْزَمُهُ ) أَيْ يَلْزَمُ إزَالَةَ الْمِلْكِ مُطْلَقًا إثْبَاتُ الْقُوَّةِ الشَّرْعِيَّةِ ( قَوْلُهُ : حَيْثُ يَكُونُ أَهْلًا لِلْأَوَّلِ قَبْلَ الْإِذْنِ
إلَخْ ) الْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ النَّافِعُ الْمَحْضُ كَالْهِبَةِ وَبِالثَّانِي الْمُتَرَدِّدُ كَالْبَيْعِ .
( قَوْلُهُ : أَوْ أَعْتَقْتُكَ ) كَذَا أَعْتَقَك اللَّهُ عَلَى الْأَصَحِّ ، وَالْعَتَاقُ عَلَيْك وَعِتْقُك عَلَيَّ وَلَوْ زَادَ وَاجِبٌ لَمْ يَعْتِقْ لِجَوَازِ وُجُوبِهِ بِكَفَّارَةٍ أَوْ نَذْرٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : مَا أَنْتَ إلَّا حُرٌّ
إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ : هَذَا هُوَ الْحَقُّ الْمَفْهُومُ مِنْ تَرْكِيبِ الِاسْتِثْنَاءِ لُغَةً وَهُوَ

خِلَافُ قَوْلِ الْمَشَايِخِ فِي الْأُصُولِ ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي الْأُصُولِ وَإِنَّهُ لَا يُنَافِي قَوْلَهُمْ الِاسْتِثْنَاءُ التَّكَلُّمُ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا ا هـ قَوْلُهُ : أَوْ هَذَا مَوْلَايَ أَوْ يَا مَوْلَايَ ) لَيْسَ مِنْ الصَّرِيحِ بَلْ مُلْحَقٌ بِهِ أَيْ بِالصَّرِيحِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ : أَوْ يَا حُرُّ أَوْ يَا عَتِيقُ إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ : أَمَّا النِّدَاءُ فَالتَّحْرِيرُ فِيهِ لَا يَثْبُتُ وَضْعًا بَلْ اقْتِضَاءً ( قَوْلُهُ : فَإِنَّ لَفْظَ الْإِخْبَارِ ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ كَأَنْتَ حُرٌّ وَكَانَ يَنْبَغِي ذِكْرُهُ عَقِيبَهُ ( قَوْلُهُ : فَإِنَّ تَصْحِيحَ كَلَامِ الْعَاقِلِ
إلَخْ ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ تَعْلِيلٌ لِمَا قَبْلَهُ وَفِيهِ نَظَرٌ فَيَنْبَغِي قَطْعُهُ عَنْهُ بِأَنْ يُقَالَ وَلِأَنَّ تَصْحِيحَ كَلَامِ الْعَاقِلِ .

( وَبِقَوْلِهِ لِعَبْدِهِ وَهَبْت لَك نَفْسَك أَوْ بِعْت مِنْك نَفْسَك عَتَقَ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ ) الْعَبْدُ الْبَيْعَ وَالْهِبَةَ ( وَلَمْ يَنْوِ ) الْمَوْلَى الْإِعْتَاقَ ؛ لِأَنَّ بَيْعَ نَفْسِ الْعَبْدِ مِنْهُ إعْتَاقٌ وَكَذَلِكَ الْهِبَةُ ( وَلَوْ زَادَ بِكَذَا لَمْ يَعْتِقْ مَا لَمْ يَقْبَلْ ) ، كَذَا فِي الْفُصُولِ الْعِمَادِيَّةِ ( وَبِكِنَايَةٍ ) عَطْفٌ عَلَى بِصَرِيحِهِ ( إنْ نَوَى ) إزَالَةَ الِاشْتِبَاهِ وَالِاحْتِمَالِ ( كَلَا مِلْكَ لِي عَلَيْك أَوْ لَا رِقَّ أَوْ لَا سَبِيلَ وَخَرَجْتَ مِنْ مِلْكِي وَخَلَّيْتُ سَبِيلَك ) ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ نَفْيَ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِالْبَيْعِ أَوْ الْكِتَابَةِ كَمَا يَحْتَمِلُهُ بِالْعِتْقِ وَإِذَا نَوَاهُ تَعَيَّنَ ، وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ : اذْهَبْ حَيْثُ شِئْت أَوْ تَوَجَّهْ أَنَّى شِئْت مِنْ بِلَادِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَعْتِقُ وَإِنْ نَوَى ؛ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ زَوَالَ الْيَدِ فَلَا يَدُلُّ عَلَى الْعِتْقِ كَمَا فِي الْمُكَاتَبِ ، كَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ ( وَكَقَوْلِهِ لِأَمَتِهِ قَدْ أَطْلَقْتُك ) بِنِيَّةِ الْإِعْتَاقِ تَعْتِقُ إذْ يُقَالُ أَطْلَقَهُ مِنْ السِّجْنِ إذَا خَلَّى سَبِيلَهُ فَهُوَ كَقَوْلِهِ خَلَّيْتُ سَبِيلَكِ ( لَا بِطَلْقَتِك وَأَنْتِ طَالِقٌ ) لِمَا سَبَقَ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ الطَّلَاقِ أَنَّ الطَّلَاقَ يَقَعُ بِلَفْظِ الْعِتْقِ بِلَا عَكْسٍ فَإِنَّ إزَالَةَ مِلْكِ الرَّقَبَةِ يَسْتَلْزِمُ إزَالَةَ مِلْكِ الْمُتْعَةِ بِلَا عَكْسٍ ( وَلَا بِكِنَايَاتِ الطَّلَاقِ وَإِنْ نَوَى ) لِهَذَا الْوَجْهِ ( كَذَا ) أَيْ لَا يَعْتِقُ أَيْضًا بِقَوْلِهِ ( يَا ابْنِي وَيَا ابْنُ ) بِضَمِّ النُّونِ وَإِنْ نَوَى ( وَيَا بِنْتِي وَيَا بُنَيَّةُ وَيَا أَخِي وَيَا سَيِّدِي وَيَا مَالِكِي ) ؛ لِأَنَّ النِّدَاءَ كَمَا عَرَفْت لِاسْتِحْضَارِ الْمُنَادَى فَإِنْ نَادَاهُ بِوَصْفٍ يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ كَالْحُرِّيَّةِ كَانَ تَحْقِيقًا لِذَلِكَ الْوَصْفِ وَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ إنْشَاءَهُ كَانَ لِلْإِعْلَامِ الْمُجَرَّدِ لَا لِتَحْقِيقِ الْوَصْفِ لِتَعَذُّرِهِ وَهَذِهِ الْأَوْصَافُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ .
( وَ ) لَا ( بِقَوْلِهِ لَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك ) وَإِنْ نَوَى ؛ لِأَنَّ السُّلْطَانَ هُوَ

الْحُجَّةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ } أَيْ بِحُجَّةٍ وَيَذْكُرُ وَيُرَادُ بِهِ الْيَدُ وَالِاسْتِيلَاءُ سُمِّيَ السُّلْطَانُ بِهِ لِقِيَامِ يَدِهِ وَاسْتِيلَائِهِ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ : لَا حُجَّةَ لِي عَلَيْك وَلَوْ نَصَّ عَلَيْهِ لَمْ يَعْتِقْ وَإِنْ نَوَى فَكَذَا هَذَا .
( وَ ) لَا ( بِقَوْلِهِ : أَنْتَ مِثْلُ الْحُرِّ ) ؛ لِأَنَّ الْمِثْلَ يُسْتَعْمَلُ لِلْمُشَارَكَةِ فِي بَعْضِ الْأَوْصَافِ عُرْفًا فَوَقَعَ الشَّكُّ فِي الْحُرِّيَّةِ فَلَا تَثْبُتُ ( بِخِلَافِ ) مَا إذَا قَالَ : ( هَذَا ابْنِي لِلْأَكْبَرِ سِنًّا مِنْهُ أَوْ الْأَصْغَرِ ثَابِتِ النَّسَبِ ) فَإِنَّهُ يُعْتَقُ بِلَا نِيَّةٍ ؛ لِأَنَّ الْأَكْبَرِيَّةَ فِي الْأَوَّلِ وَثُبُوتَ النَّسَبِ فِي الثَّانِي يَمْنَعَانِ إرَادَةَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيِّ وَهُوَ ثُبُوتُ الْبُنُوَّةِ فَيُصَارُ إلَى الْمَجَازِ ، وَيُرَادُ ثُبُوتُ الْحُرِّيَّةِ اللَّازِمُ لِلْبُنُوَّةِ وَفِيهِ خِلَافُ الْإِمَامَيْنِ وَالشَّافِعِيِّ .

( قَوْلُهُ : وَبِقَوْلِهِ وَهَبْتُ لَك نَفْسَك أَوْ بِعْتُ ) مُلْحَقٌ بِالصَّرِيحِ ( قَوْلُهُ : عَتَقَ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ ) قَالَ الْكَمَالُ : وَلَا يَرْتَدُّ بِالرَّدِّ ( قَوْلُهُ : وَلَا بِكِنَايَاتِ الطَّلَاقِ وَإِنْ نَوَى ) شَامِلٌ لِجَمِيعِ أَلْفَاظِهَا كَمَا صَرَّحَ بِهِ الْكَمَالُ ، وَالزَّيْلَعِيُّ وَقَاضِي خَانْ حَتَّى لَوْ قَالَ اخْتَارِي فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا وَنَوَى الْعِتْقَ لَا تَعْتِقُ ا هـ إلَّا أَنَّهُ اسْتَثْنَى مِنْهَا فِي النَّهْرِ نَقْلًا عَنْ الْبَدَائِعِ أَمْرُك بِيَدِك وَاخْتَارِي فَإِنَّهُ يَقَعُ بِالنِّيَّةِ ا هـ .
وَالِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ ؛ لِأَنَّ أَمْرُك بِيَدِك وَاخْتَارِي مِنْ كِنَايَاتِ التَّفْوِيضِ لَا مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ ا هـ .
وَفِيهَا قَالَ لَهَا أَمْرُ عِتْقِك بِيَدِك أَوْ جَعَلْت عِتْقَك فِي يَدِك أَوْ قَالَ لَهَا : اخْتَارِي الْعِتْقَ أَوْ خَيَّرْتُك فِي عِتْقِك أَوْ فِي الْعِتْقِ لَا يَحْتَاجُ إلَى النِّيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ لَكِنْ لَا بُدَّ مِنْ اخْتِيَارِ الْعِتْقِ فِي الْمَجْلِسِ ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ ا هـ .
( قَوْلُهُ : كَذَا يَا ابْنِي ) قَالَ فِي تُحْفَةِ الْفُقَهَاءِ : هَذَا إذَا لَمْ يَنْوِ ا هـ .
وَقَالَ الْكَمَالُ : لَوْ قَالَ ابْنِي أَوْ يَا أَخِي لَمْ يَعْتِقْ ؛ لِأَنَّ النِّدَاءَ إلَى آخِرِ مَا عَلَّلَ بِهِ هُنَا ثُمَّ قَالَ : وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَحَلُّ الْمَسْأَلَةِ مَا إذَا كَانَ الْعَبْدُ مَعْرُوفَ النَّسَبِ وَإِلَّا فَهُوَ مُشْكِلٌ إذْ يَجِبُ أَنْ يَثْبُتَ النَّسَبُ تَصْدِيقًا لَهُ فَيَعْتِقُ ( قَوْلُهُ : وَلَا بِقَوْلِهِ لَا سُلْطَانَ لِي عَلَيْك ، وَإِنْ نَوَى ) كَذَا فِي الْبُرْهَانِ وَقِيلَ : يَعْتِقُ إنْ نَوَاهُ وَلَيْسَ بِبَعِيدٍ لِتَعْيِينِ النِّيَّةِ نَفْيَ السُّلْطَانِ لِلْعِتْقِ ا هـ .
وَقَالَ الْكَمَالُ : فَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ كَوْنَ نَفْيِ السُّلْطَانِ مِنْ الْكِنَايَاتِ ( قَوْلُهُ : وَأَنْتَ مِثْلُ الْحُرِّ ) هَذَا إذَا لَمْ يَنْوِ وَإِنْ نَوَى عَتَقَ لِمَا فِي التَّبْيِينِ ، وَالْبُرْهَانِ قَوْلُهُ : وَفِيهِ خِلَافُ الْإِمَامَيْنِ ) الْخِلَافُ فِي الْأَكْبَرِ سِنًّا لَا فِي الْأَصْغَرِ لِمَا قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ وَأَمَّا إذَا كَانَ يُولَدُ

مِثْلُهُ لِمِثْلِهِ إلَّا أَنَّهُ مَعْرُوفُ النَّسَبِ فَإِنَّهُ يَعْتِقُ إجْمَاعًا ؛ لِأَنَّهُ أَقَرَّ بِمَا لَا يَسْتَحِيلُ مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَخْلُوقًا مِنْ مَائِهِ بِشُبْهَةٍ أَوْ زِنًا .
ا هـ .

( وَأَمَّا غَيْرُ ثَابِتِهِ ) أَيْ غَيْرُ ثَابِتِ النَّسَبِ يَعْنِي مَجْهُولَ النَّسَبِ ( فِي مَوْلِدِهِ ) أَيْ وَطَنِهِ الْأَصْلِيِّ إشَارَةً إلَى الْخِلَافِ فِي تَفْسِيرِ مَجْهُولِ النَّسَبِ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ : مَجْهُولُ النَّسَبِ الَّذِي يُذْكَرُ فِي الْكُتُبِ هُوَ الَّذِي لَا يُعْرَفُ نَسَبُهُ فِي الْبَلْدَةِ الَّتِي هُوَ فِيهَا وَمُخْتَارُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ شُرَّاحِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ الَّذِي لَا يُعْرَفُ نَسَبُهُ فِي مَوْلِدِهِ وَمَسْقَطِ رَأْسِهِ بِدَلِيلِ الْوِفَاقِ عَلَى أَنَّ الْحَامِلَ الْمَسْبِيَّةَ وَلَدُهَا ثَابِتُ النَّسَبِ فَإِذَا ثَبَتَ نَسَبُ الْحَمْلِ الْخَارِجِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ بِاعْتِبَارِ كَوْنِهِ مِنْ النِّكَاحِ لَا مِنْ السِّفَاحِ فَلَأَنْ يَثْبُتَ نَسَبُ الشَّخْصِ الْخَارِجِ مِنْهَا أَوْلَى فَالْجَلِيبُ إنَّمَا يَكُونُ مَجْهُولَ النَّسَبِ إذَا لَمْ يُعْرَفْ نَسَبُهُ فِي مَوْلِدِهِ وَوَطَنِهِ الْأَصْلِيِّ ( فَيَعْتِقُ وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ جَلِيبًا ) أَيْ مَجْلُوبًا مِنْ دَارِ الْحَرْبِ ( أَوْ مُتَوَلِّدًا ) فِي دَارِ الْإِسْلَامِ قَالَ فِي الْكَافِي : وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ جَلِيبًا أَوْ مُتَوَلِّدًا ؛ لِأَنَّ صِحَّةَ دَعْوَةِ الْمَوْلَى بِاعْتِبَارِ الْمِلْكِ وَحَاجَةِ الْمَمْلُوكِ إلَى النَّسَبِ وَقَالَ فِي الْكِفَايَةِ : قَوْلُهُ جَلِيبًا إنَّمَا يَصِحُّ إذَا كَانَ جَلِيبًا غَيْرَ ثَابِتِ النَّسَبِ فِي مَسْقَطِ رَأْسِهِ أَمَّا إذَا كَانَ ثَابِتَ النَّسَبِ فِي مَوْلِدِهِ فَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْ مَوْلَاهُ وَلِهَذَا قُلْت هَاهُنَا غَيْرُ ثَابِتَةٍ فِي مَوْلِدِهِ وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ : هَذَا بِنْتِي أَوْ لِأَمَتِهِ : هَذِهِ ابْنِي قِيلَ هُوَ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ ، وَقِيلَ لَا يَعْتِقُ بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ لَيْسَ مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى ( كَذَا ) أَيْ كَمَا يَعْتِقُ بِقَوْلِهِ هَذَا ابْنِي عَلَى الْخِلَافِ يَعْتِقُ بِقَوْلِهِ ( هَذَا أَبِي أَوْ أُمِّي ) بِطَرِيقِ الْمَجَازِ كَمَا ذُكِرَ ( لَا هَذَا أَخِي ) حَيْثُ لَا يَعْتِقُ بِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَعْنِي إذَا وُجِدَتْ الْأُبُوَّةُ أَوْ الْأُمُومَةُ فِي الْمِلْكِ كَانَتَا مُوجِبَتَيْنِ لِلْعِتْقِ بِلَا وَاسِطَةٍ

فَتَكُونُ الْحُرِّيَّةُ لَازِمَةً لَهُمَا فَيَصِحُّ الْمَجَازُ بِلَا ذِكْرِ وَاسِطَةٍ بِخِلَافِ الْأُخُوَّةِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا بِوَاسِطَةِ الْأَبِ أَوْ الْأُمِّ ؛ لِأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ الْمُجَاوَرَةِ فِي صُلْبٍ أَوْ رَحِمٍ وَهَذِهِ الْوَاسِطَةُ غَيْرُ مَذْكُورَةٍ وَلَا مُوجِبَ لِهَذِهِ الْكَلِمَةِ فِي الْمِلْكِ بِدُونِ هَذِهِ الْوَاسِطَةِ فَإِذَا لَمْ تُذْكَرْ لَغَا الْكَلَامُ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْمَجَازِ ( إلَّا إذَا قَالَ مِنْ النَّسَبِ أَوْ لِأَبٍ أَوْ لِأُمٍّ ) قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ : إنَّ اخْتِلَافَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْأَخِ إنَّمَا كَانَ إذَا ذَكَرَهُ مُطْلَقًا بِأَنْ قَالَ : هَذَا أَخِي فَأَمَّا إذَا ذَكَرَهُ مُقَيَّدًا بِأَنْ قَالَ : هَذَا أَخِي لِأَبِي أَوْ لِأُمِّي فَيَعْتِقُ بِلَا تَرَدُّدٍ وَلِأَنَّ مُطْلَقَ الْأُخُوَّةِ مُشْتَرَكٌ ، وَقَدْ يُرَادُ بِهَا الْأُخُوَّةُ فِي الدِّينِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : { إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ } وَالْمُشْتَرَكُ لَا يَكُونُ حُجَّةً فَأَمَّا إذَا قَيَّدَ بِمَا ذُكِرَ تَعَيَّنَ الْمُرَادُ ، فَإِنْ قِيلَ الْبُنُوَّةُ أَيْضًا مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ نَسَبٍ وَرَضَاعٍ فَكَيْفَ يَثْبُتُ الْعِتْقُ بِإِطْلَاقِ قَوْلِهِ هَذَا ابْنِي قُلْنَا مِثْلُ هَذَا الْمَجَازِ لَا يُعَارِضُ الْحَقِيقَةَ فَإِذَا امْتَنَعَتْ يُصَارُ إلَى مَجَازٍ يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا عَلَاقَةٌ وَهُوَ هَذَا حُرٌّ فَإِنَّ الْحُرِّيَّةَ لَازِمَةٌ لِلْبُنُوَّةِ فَيَكُونُ الِانْتِقَالُ مِنْ الْمَلْزُومِ إلَى اللَّازِمِ ( كَذَا ) أَيْ كَقَوْلِهِ هَذَا أَخِي ( هَذَا جَدِّي ) حَيْثُ لَا يَعْتِقُ ( إلَّا إذَا قَالَ أَبُو أَبِي ) فَإِنَّ هَذَا الْكَلَامَ لَا يُفِيدُ الْعِتْقَ إلَّا بِوَاسِطَةٍ إذْ لَا مُوجِبَ لَهُ فِي الْمِلْكِ إلَّا بِهِ كَمَا سَبَقَ .

( قَوْلُهُ : فَيَعْتِقُ وَيَثْبُتُ نَسَبُهُ إلَخْ ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقٍ سَوَاءٌ كَانَ صَغِيرًا لَا يُعَبِّرُ أَوْ يُعَبِّرُ عَنْ نَفْسِهِ ، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي الصَّغِيرِ وَأَمَّا الْكَبِيرُ إذَا ادَّعَى سَيِّدُهُ بُنُوَّتَهُ وَكَانَ يُولَدُ مِثْلُهُ لَهُ أَوْ أُبُوَّتَهُ أَوْ أُمُومَتَهُ وَكَانَ يُولَدُ مِثْلُهُ لَهُمَا وَلَا نَسَبَ لِلْمُقِرِّ مَعْرُوفٌ فَقِيلَ لَا يُحْتَاجُ إلَى تَصْدِيقِ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّ إقْرَارَ الْمَالِكِ عَلَى مَمْلُوكِهِ يَصِحُّ مِنْ غَيْرِ تَصْدِيقِهِ ، وَقِيلَ يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُهُ فِيمَا سِوَى دَعْوَةِ الْبُنُوَّةِ ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَمْلَ النَّسَبِ عَلَى الْغَيْرِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَلَكِنْ سَيَذْكُرُ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْإِقْرَارِ أَنَّهُ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الْمَوْلَى بِمُجَرَّدِ إقْرَارِهِ وَلَمْ يَحْكِ فِيهِ خِلَافًا وَقَدْ عَلِمْتَهُ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ هَذَا بِنْتِي ) ذَكَرَ فِي الْبُرْهَانِ اسْمَ الْإِشَارَةِ مُؤَنَّثًا ( قَوْلُهُ : وَقِيلَ لَا يَعْتِقُ بِالْإِجْمَاعِ ) هُوَ الْأَظْهَرُ ؛ لِأَنَّ الْمُشَارَ إلَيْهِ إذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ جِنْسِ الْمُسَمَّى فَالْعِبْرَةُ لِلْمُسَمَّى كَمَا لَوْ بَاعَ فَصًّا عَلَى أَنَّهُ يَاقُوتٌ فَإِذَا هُوَ زُجَاجٌ كَانَ بَاطِلًا ، وَالذَّكَرُ وَالْأُنْثَى مِنْ بَنِي آدَمَ جِنْسَانِ فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِالْمُسَمَّى وَهُوَ مَعْدُومٌ وَلَا يُتَصَوَّرُ تَصْحِيحُ الْكَلَامِ فِي الْمَعْدُومِ إيجَابًا أَوْ إقْرَارًا فَيَلْغُو كَذَا فِي الْبُرْهَانِ إلَّا أَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى مَا إذَا قَالَ هَذِهِ بِنْتِي لِعَبْدِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ عَكْسَهُ ، وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِمَا الْكَمَالُ ( قَوْلُهُ : إلَّا إذَا قَالَ أَبُو أَبِي ) يَنْبَغِي أَنْ لَا حَصْرَ فِي هَذَا إذْ أَبُ الْأُمِّ بَلْ أَعَمُّ مِنْهُ مِثْلُهُ .

ثُمَّ لَمَّا ذَكَرَ الْعِتْقَ الْحَاصِلَ بِالْإِعْتَاقِ الِاخْتِيَارِيِّ أَرَادَ أَنْ يَذْكُرَ مَسَائِلَ الْعِتْقِ الْحَاصِلِ بِلَا اخْتِيَارٍ فَقَالَ ( مَنْ مَلَكَ ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي عَتَقَ عَلَيْهِ ( ذَا رَحِمٍ ) الرَّحِمُ فِي الْأَصْلِ وِعَاءُ الْوَلَدِ فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَسُمِّيَتْ الْقَرَابَةُ مِنْ جِهَةِ الْوِلَادِ رَحِمًا وَمِنْهُ ذُو الرَّحِمِ ( مَحْرَمٍ ) الْمَحْرَمَانِ شَخْصَانِ لَا يَجُوزُ النِّكَاحُ بَيْنَهُمَا لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا ذَكَرًا وَالْآخَرُ أُنْثَى وَهُوَ صِفَةُ ذَا وَجَرَّهُ لِلْجِوَارِ ، وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْهُ فَهُوَ حُرٌّ } ، وَاللَّفْظُ بِعُمُومِهِ يَتَنَاوَلُ كُلَّ قَرَابَةٍ مُؤَكَّدَةٍ بِالْمَحْرَمِيَّةِ وَلَدًا كَانَتْ أَوْ غَيْرَهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْمَالِكُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لِعُمُومِ الْعِلَّةِ ، وَالْمُكَاتَبُ إذَا اشْتَرَى أَخَاهُ لَا يَتَكَاتَبُ عَلَيْهِ إذْ لَيْسَ لَهُ مِلْكٌ تَامٌّ يَقْدِرُ بِهِ عَلَى الْإِعْتَاقِ ، وَاللُّزُومُ عِنْدَ الْقُدْرَةِ ( وَلَوْ ) وَصَلْيَةٌ كَانَ الْمَالِكُ ( صَبِيًّا أَوْ مَجْنُونًا ) حَتَّى يَعْتِقَ الْقَرِيبُ عَلَيْهِمَا عِنْدَ الْمِلْكِ إذْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعَبْدِ فَشَابَهُ النَّفَقَةَ ( أَوْ أَعْتَقَ ) عَطْفٌ عَلَى مَلَكَ ( لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلشَّيْطَانِ أَوْ لِلصَّنَمِ ) فَإِنَّهُ أَيْضًا يَعْتِقُ لِوُجُودِ رُكْنِ الْإِعْتَاقِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحِلِّهِ ، وَوَصْفُ الْقُرْبَةِ فِي اللَّفْظِ الْأَوَّلِ زِيَادَةٌ فَلَا يَخْتَلُّ الْعِتْقُ فِي الْأَخِيرَيْنِ بِعَدَمِهِ بَلْ يَكُونُ الْمُعْتِقُ عَاصِيًا ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ الْكَفَرَةِ وَعَبَدَةِ الْأَصْنَامِ .

( قَوْلُهُ : ذَا رَحِمٍ مَحْرَمٍ ) يَعْنِي وَمَحْرَمِيَّتُهُ بِالْقَرَابَةِ لَا الرَّضَاعِ حَتَّى لَوْ مَلَكَ ابْنَةَ عَمِّهِ وَهِيَ أُخْتُهُ رَضَاعًا لَا تَعْتِقُ كَمَا فِي الْبَحْرِ قَوْلُهُ : وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَ الْمَالِك مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا فِي دَارِ الْإِسْلَامِ ) قَيَّدَ بِدَارِ الْإِسْلَامِ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ مَلَكَ قَرِيبًا مَحْرَمًا حَرْبِيًّا بِدَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُ لَا يَعْتِقُ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَلَوْ مَلَكَ قَرِيبَهُ الذِّمِّيَّ أَوْ الْمُسْلِمَ بِدَارِ الْحَرْبِ عَتَقَ بِالْإِجْمَاعِ ( قَوْلُهُ : ، وَالْمُكَاتَبُ إذَا اشْتَرَى أَخَاهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَكَاتَبُ ) يَنْبَغِي حَذْفُ لَفْظَةِ ؛ لِأَنَّهُ ( قَوْلُهُ : إذْ لَيْسَ لَهُ مِلْكٌ تَامٌّ ) يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ ؛ لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِي الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا لَهُ التَّكَسُّبُ خَاصَّةً وَقَرَابَةُ الْوِلَادِ يَجِبُ مُوَاسَاتُهَا بِالتَّكَسُّبِ دُونَ غَيْرِهَا مِنْ الْأَقَارِبِ فَكَذَا التَّكَاتُبُ ا هـ .
وَفِي رِوَايَةٍ كَقَوْلِهِمَا يَتَكَاتَبُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ : أَوْ أَعْتَقَ لِوَجْهِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ لِلشَّيْطَانِ أَوْ لِلصَّنَمِ ) وَارِدٌ عَلَى قَوْلِهِ : لَمَّا ذَكَرَ الْعِتْقَ الْحَاصِلَ إلَخْ ؛ لِأَنَّ هَذَا اخْتِيَارِيٌّ فَكَيْفَ يَكُونُ مِمَّا لَيْسَ بِاخْتِيَارِيٍّ إلَّا أَنَّهُ لَيْسَ ثَابِتًا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَعَلَيْهَا الِاعْتِرَاضُ .

( أَوْ ) أَعْتَقَ ( مُكْرَهًا أَوْ سَكْرَانَ ) فَإِنَّ إعْتَاقَهُمَا صَحِيحٌ لِصُدُورِهِ عَنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحِلِّهِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْإِسْقَاطَاتِ الرِّضَا وَبِالْإِكْرَاهِ يَنْعَدِمُ الرِّضَا وَلَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي انْعِدَامِ الْحُكْمِ أَلَا يُرَى إلَى مَا رُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : { ثَلَاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ النِّكَاحُ ، وَالطَّلَاقُ ، وَالْعَتَاقُ } ، وَالْهَازِلُ لَا يَرْضَى بِالْحُكْمِ .
( قَوْلُهُ : أَوْ ) مُكْرَهًا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْإِكْرَاهِ الْمُلْجِئِ وَغَيْرِهِ كَمَا فِي النَّهْرِ ( قَوْلُهُ : أَوْ سَكْرَانَ ) يَعْنِي مِنْ مُحَرَّمٍ لَا مِمَّا طَرِيقُهُ مُبَاحٌ كَالْمُضْطَرِّ وَاَلَّذِي لَمْ يَقْصِدْ السُّكْرَ مِنْ مُثَلَّثٍ وَمَنْ حَصَلَ لَهُ بِغَدَاءٍ أَوْ دَوَاءٍ كَمَا فِي الْبَحْرِ .

( أَوْ أَضَافَ ) عَطْفٌ عَلَى أَعْتَقَ ( عِتْقَهُ إلَى شَرْطٍ وَوُجِدَ ) أَيْ الشَّرْطُ بِأَنْ قَالَ إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ عَتِيقٌ فَدَخَلَ ( عَتَقَ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى مَنْ مَلَكَ ، وَالْمَذْكُورُ بَعْدَهُ ( كَعَبْدٍ حَرْبِيٍّ خَرَجَ إلَيْنَا مُسْلِمًا ) فَإِنَّهُ يَعْتِقُ { لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي عَبِيدِ الطَّائِفِ حِين خَرَجُوا إلَيْهِ مُسْلِمِينَ هُمْ عُتَقَاءُ اللَّهِ } وَلِأَنَّهُ أَحْرَزَ نَفْسَهُ وَهُوَ مُسْلِمٌ وَلَا اسْتِرْقَاقَ عَلَى الْمُسْلِمِ ابْتِدَاءً .
( قَوْلُهُ : بِأَنْ قَالَ : إنْ دَخَلْت الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ ) هُوَ الصَّوَابُ وَوَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ فَأَنْتِ طَالِقٌ وَهُوَ سَهْوٌ .

( وَالْحَمْلُ يَعْتِقُ بِعِتْقِ أُمِّهِ ) تَبَعًا لَهَا لِاتِّصَالِهِ بِهَا وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَهِبَتُهُ ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَ نَفْسَهُ شَرْطٌ فِي الْهِبَةِ ، وَالْقُدْرَةَ عَلَيْهِ فِي الْبَيْعِ وَلَمْ يُوجَدْ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْحَمْلِ وَشَيْءٌ مِنْهُمَا لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْإِعْتَاقِ ثُمَّ قِيَامُ الْحَمْلِ وَقْتَ الْإِعْتَاقِ إنَّمَا يُعْرَفُ ( إذَا ) ( وَلَدَتْ بَعْدَ عِتْقِهَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ) ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ مُدَّةِ الْحَمْلِ كَمَا مَرَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمَسْطُورَ فِي كُتُبِ الْقَوْمِ أَنَّ الْحَمْلَ يَعْتِقُ بِإِعْتَاقِ الْأُمِّ تَبَعًا لَهَا مُطْلَقًا فَإِنْ أُعْتِقَتْ وَهِيَ حَامِلٌ بِأَنْ وَلَدَتْ بَعْدَ عِتْقِهَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ يَعْتِقُ الْحَمْلُ وَلَا يَنْجَرُّ وَلَاؤُهُ وَإِنْ أُعْتِقَتْ وَهِيَ غَيْرُ مَعْلُومَةِ الْحَمْلِ بِأَنْ وَلَدَتْ لِلْأَكْثَرِ يَعْتِقُ تَبَعًا لِأُمِّهِ لَكِنْ يَنْجَرُّ وَلَاؤُهُ إلَى مَوْلَى الْأَبِ كَمَا مَرَّ وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ فِي عِبَارَةِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ حَيْثُ قَالَ : اعْلَمْ أَنَّ الْحَمْلَ يَعْتِقُ بِعِتْقِ أُمِّهِ لَا بِطَرِيقِ التَّبِيعَةِ بَلْ بِطَرِيقِ الْأَصَالَةِ حَتَّى لَا يَنْجَرُّ وَلَاؤُهُ إلَى مَوَالِي الْأَبِ وَهَذَا إذَا وَلَدَتْ بَعْدَ عِتْقِهَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ تَسَامُحًا ؛ لِأَنَّ ظَاهِرَهَا مُخَالِفٌ لِعِبَارَةِ الْقَوْمِ حَيْثُ قَالُوا : إنْ أَعْتَقَ حَامِلًا عَتَقَ حَمْلُهَا تَبَعًا وَأَيْضًا قَوْلُهُ إذَا وَلَدَتْ بَعْدَ عِتْقِهَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ قَيْدٌ ، لِقَوْلِهِ يَعْتِقُ بِعِتْقِ أُمِّهِ وَمُتَمِّمٌ لَهُ ، وَقَدْ فَصَلَهُ عَنْهُ بَلْ حَقُّ الْعِبَارَةِ أَنْ يَكُونَ هَكَذَا اعْلَمْ أَنَّ الْحَمْلَ يَعْتِقُ بِعِتْقِ أُمِّهِ وَهِيَ حَامِلٌ بِأَنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ حَتَّى لَا يَنْجَرُّ وَلَاؤُهُ إلَى مَوَالِي الْأَبِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَمْلَ يَعْتِقُ بِعِتْقِ أُمِّهِ مُطْلَقًا فَإِنْ وَقَعَ الْعِتْقُ عَلَيْهِ قَصْدًا بِأَنْ وَلَدَتْ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ يَعْتِقُ وَلَا يَنْتَقِلُ وَلَاؤُهُ أَبَدًا إلَى مَوَالِي أَبِيهِ ، وَإِنْ وَقَعَ بِمُجَرَّدِ تَبَعِيَّةِ أُمِّهِ

بِأَنْ وَلَدَتْ لِلْأَكْثَرِ يَعْتِقُ أَيْضًا لَكِنْ إذَا أُعْتِقَ الْأَبُ بَعْدَهُ فَقَدْ يَجُرُّ وَلَاءَ ابْنِهِ إلَى مَوَالِيهِ وَسَيَأْتِي تَمَامُ تَحْقِيقِهِ فِي الْوَلَاءِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ( بِلَا عَكْسٍ ) يَعْنِي أَنَّ الْأُمَّ لَا تَعْتِقُ بِعِتْقِ الْحَمْلِ بَلْ يَعْتِقُ الْحَمْلُ فَقَطْ إذْ لَا وَجْهَ لِإِعْتَاقِهَا مَقْصُودًا لِعَدَمِ الْإِضَافَةِ إلَيْهَا وَلَا تَبَعًا لَهُ ؛ لِأَنَّ فِيهِ قَلْبَ الْمَوْضُوعِ ( الْوَلَدُ يَتْبَعُ الْأَبَ فِي النَّسَبِ ) ؛ لِأَنَّهُ لِلتَّعْرِيفِ ، وَالْأُمُّ لَا تَشْتَهِرُ .
( وَ ) يَتْبَعُ ( الْأُمَّ فِي الْمِلْكِ ) حَتَّى إذَا كَانَتْ الْأُمُّ مِلْكَ زَيْدٍ فَوَلَدَتْ وَلَدًا كَانَ الْوَلَدُ أَيْضًا مِلْكًا لَهُ وَإِنْ كَانَتْ مُشْتَرَكَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ كَانَ الْوَلَدُ كَذَلِكَ ( وَالرِّقِّ ) ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الرِّقَّ هُوَ الذُّلُّ الَّذِي رَكَّبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى بَعْضِ عِبَادِهِ جَزَاءَ اسْتِنْكَافِهِمْ عَنْ طَاعَتِهِ وَهُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ حَقُّ الْعَامَّةِ عَلَى الْخِلَافِ فِيهِ ، وَالْمِلْكُ هُوَ تَمَكُّنُ الشَّخْصِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ وَهُوَ حَقُّهُ وَأَوَّلُ مَا يُؤْخَذُ الْمَأْسُورُ يُوصَفُ بِالرِّقِّ لَا الْمِلْكِ إلَّا بَعْدَ الْإِخْرَاجِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ، وَالْمِلْكُ يُوجَدُ فِي الْجَمَادِ وَالْحَيَوَانِ غَيْرِ الْآدَمِيِّ لَا الرِّقُّ ، وَبِالْبَيْعِ يَزُولُ مِلْكُ الْمَالِكِ لَا الرِّقُّ وَبِالْعِتْقِ يَزُولُ مِلْكُهُ قَصْدًا ؛ لِأَنَّهُ حَقُّهُ وَيَزُولُ الرِّقُّ ضِمْنًا ضَرُورَةَ فَرَاغِهِ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَتَبَيَّنَ لَك الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي الْقِنِّ وَأُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُكَاتَبِ فَإِنَّ الرِّقَّ وَالْمِلْكَ كَامِلَانِ فِي الرَّقِيقِ الْقِنِّ وَرِقُّ أُمِّ الْوَلَدِ نَاقِصٌ حَتَّى لَا يَجُوزُ إعْتَاقُهَا عَنْ الْكَفَّارَةِ ، وَالْمِلْكُ فِيهَا كَامِلٌ ، وَالْمُكَاتَبُ رِقُّهُ كَامِلٌ حَتَّى جَازَ إعْتَاقُهُ عَنْ الْكَفَّارَةِ وَمِلْكُهُ نَاقِصٌ لِخُرُوجِهِ عَنْ يَدِ الْمَوْلَى وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ : كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي كَذَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ .

( قَوْلُهُ : ، وَالْحَمْلُ يَعْتِقُ بِعِتْقِ أُمِّهِ تَبَعًا لَهَا
إلَخْ ) فِيهِ نَظَرٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ : تَبَعًا لَهَا مَتْنًا لِيَتَعَلَّقَ بِهِ قَوْلُهُ : بَعْدَهُ إذَا وَلَدَتْ بَعْدَ عِتْقِهَا لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ يَكُونَ شَرْحًا فَإِنْ كَانَ مَتْنًا يُعَارِضُ تَقْيِيدُهُ التَّبَعِيَّةَ بِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مَا سَيَذْكُرُهُ أَنَّ التَّبَعِيَّةَ تَكُونُ مُطْلَقًا وَإِنْ كَانَ شَرْحًا لَا يَصِحُّ الْمَتْنُ ؛ لِأَنَّهُ يُفِيدُ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ الْحَمْلُ بِإِعْتَاقِ الْأُمِّ إلَّا أَنْ تَلِدَهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَأَنَّهُ يَعْتِقُ مُطْلَقًا ( قَوْلُهُ : وَبِهَذَا يَظْهَرُ أَنَّ فِي عِبَارَةِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ تَسَامُحًا ) غَيْرُ مُسَلَّمٍ بَلْ الْحَقُّ مَا قَالَهُ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ وَفِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ تَصْرِيحٌ بِمَا يُفِيدُهُ مِنْ قَوْلِهِ وَإِنْ أُعْتِقَتْ وَهِيَ غَيْرُ مَعْلُومَةِ الْحَمْلِ بِأَنْ وَلَدَتْ لِلْأَكْثَرِ يَعْتِقُ تَبَعًا ا هـ .
فَهُوَ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ يَعْتِقُ مَقْصُودًا فِيمَا إذَا وَلَدَتْهُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ، وَصَرَّحَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ فِي مَسْأَلَةِ جَرِّ الْوَلَاءِ ( قَوْلُهُ : لَكِنْ يَنْجَرُّ وَلَاؤُهُ إلَى مَوْلَى الْأَبِ ) هُوَ الصَّوَابُ خِلَافُ مَا فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ مِنْ ذِكْرِ الْأُمِّ مَكَانَ الْأَبِ ( قَوْلُهُ : كَمَا مَرَّ ) صَوَابُهُ كَمَا سَيَأْتِي إذْ لَمْ يَتَقَدَّمْ بَلْ سَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْوَلَاءِ قَوْلُهُ : بَلْ يَعْتِقُ الْحَمْلُ فَقَطْ ) أَهْمَلَهُ عَنْ الْقَيْدِ وَهُوَ وَاجِبُ الذِّكْرِ إذْ لَا يُحْكَمُ بِعِتْقِ الْوَلَدِ إلَّا أَنْ تَلِدَهُ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ أَوْ لِمَا هُوَ فِي حُكْمِهِ مِنْ وَقْتِ الْإِعْتَاقِ وَلَوْ زَادَ عَنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ كَمَا إذَا كَانَتْ مُعْتَدَّةً مِنْ طَلَاقٍ أَوْ وَفَاةٍ أَوْ جَاءَتْ بِتَوْأَمَيْنِ الْأَوَّلُ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ ، وَالثَّانِي لِأَكْثَرَ ( قَوْلُهُ : وَرِقُ أُمِّ الْوَلَدِ نَاقِصٌ ) قَالَ الْكَمَالُ : وَمَا أَوْرَدَ مِنْ أَنَّ الرِّقَّ لَا يَقْبَلُ التَّجْزِيءَ فَكَيْفَ يَقْبَلُ النُّقْصَانَ يَنْدَفِعُ بِأَنَّ الْمُرَادَ

بِنُقْصَانِ الرِّقِّ نُقْصَانُ حَالِهِ لَا نُقْصَانُ ذَاتِهِ .

( وَالْعِتْقِ وَفُرُوعِهِ ) كَالتَّدْبِيرِ ، وَالِاسْتِيلَادِ ، وَالْكِتَابَةِ بِالْإِجْمَاعِ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ مَاءَهُ يَكُونُ مُسْتَهْلَكًا بِمَائِهَا فَتَرَجَّحَ جَانِبُهَا وَلِأَنَّهُ مُتَيَقَّنٌ بِهِ مِنْ جَانِبِهَا وَلِهَذَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِ الزِّنَا وَوَلَدِ الْمُلَاعَنَةِ مِنْهَا حَتَّى تَرِثَهُ وَيَرِثَهَا وَلِأَنَّهُ قَبْلَ الِانْفِصَالِ كَعُضْوٍ مِنْهَا حِسًّا وَحُكْمًا حَتَّى يَتَغَذَّى بِغِذَائِهَا وَيَنْتَقِلَ بِانْتِقَالِهَا وَيَدْخُلَ فِي الْبَيْعِ وَالْعِتْقِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ التَّصَرُّفَاتِ تَبَعًا لَهَا فَكَانَ جَانِبُهَا أَرْجَحَ وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ جَانِبُ الْأُمِّ فِي الْبَهَائِمِ أَيْضًا حَتَّى إذَا تَوَالَدَ بَيْنَ الْوَحْشِيِّ وَالْأَهْلِيِّ أَوْ بَيْنَ الْمَأْكُولِ وَغَيْرِ الْمَأْكُولِ يُؤْكَلُ إذَا كَانَتْ أُمُّهُ مَأْكُولَةً ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ ( وَيَتْبَعُ ) الْوَلَدُ ( خَيْرَهُمَا فِي الدِّينِ ) رِعَايَةً لِجَانِبِ الْوَلَدِ ( فَوَلَدُ الْأَمَةِ مِنْ زَوْجِهَا مِلْكٌ لِسَيِّدِهَا ) تَفْرِيعٌ عَلَى كَوْنِ الْوَلَدِ تَابِعًا لِلْأُمِّ فِي الْمِلْكِ ( وَلَوْ كَانَ ) الْوَلَدُ ( مِنْ سَيِّدِهَا فَحُرٌّ ) ؛ لِأَنَّهُ مَخْلُوقٌ مِنْ مَائِهِ فَيَعْتِقُ عَلَيْهِ وَلَا يُعَارِضُهُ مَاءُ الْأَمَةِ ؛ لِأَنَّ مَاءَهَا مَمْلُوكٌ لِسَيِّدِهَا بِخِلَافِ أَمَةِ الْغَيْرِ ؛ لِأَنَّ مَاءَهَا مَمْلُوكٌ لِسَيِّدِهَا فَتَعَارَضَا فَرُجِّحَ جَانِبُهَا بِمَا ذَكَرْنَا ، وَالزَّوْجُ قَدْ رَضِيَ بِهِ لِعِلْمِهِ ( وَوَلَدُ الْمَغْرُورِ حُرٌّ بِالْقِيمَةِ ) الْمَغْرُورُ رَجُلٌ اشْتَرَى أَمَةً عَلَى أَنَّهَا مِلْكُ الْبَائِعِ أَوْ نَكَحَ امْرَأَةً عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ فَوَلَدَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا وَلَدًا فَظَهَرَ أَنَّ الْأُولَى مِلْكٌ لِغَيْرِ الْبَائِعِ ، وَالثَّانِيَةَ أَمَةٌ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ كُلٌّ مِنْ الْوَلَدَيْنِ حُرًّا بِالْقِيمَةِ أَمَّا حُرِّيَّتُهُ فَلِأَنَّهُ خُلِقَ مِنْ مَاءِ الْحُرِّ وَلَمْ يَرْضَ الْوَالِدُ بِرَقَبَتِهِ كَمَا رَضِيَ فِي الْأَوَّلِ فَلَا يَتْبَعُهَا وَأَمَّا الْقِيمَةُ فَلِرِعَايَةِ جَانِبِ التَّبَعِيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ

( قَوْلُهُ : وَالْعِتْقِ وَفُرُوعِهِ ) مُسْتَدْرَكٌ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ ، وَالْحَمْلُ يَعْتِقُ بِعِتْقِ أُمِّهِ وَكَذَا وَقَعَ مِثْلُ هَذَا فِي غَيْرِ مَا كِتَابٍ وَلَعَلَّ إعَادَتَهُ لِيُرَتَّبَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ : وَفُرُوعِهِ ( قَوْلُهُ : فَوَلَدُ الْأَمَةِ
إلَخْ ) كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُفَرِّعَ عَلَى الْمَذْكُورِ أَوَّلًا فَأَوَّلًا فَيَقُولُ : فَوَلَدُ الْعَامِّيِّ مِنْ الشَّرِيفَةِ لَيْسَ بِشَرِيفٍ مَثَلًا
إلَخْ وَلَمْ يُفَرِّعْ لِقَوْلِهِ : وَالرِّقِّ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ وَوَلَدُ الْمَسْبِيَّةِ بِأَنْ سَبَاهَا حَامِلًا فَوَلَدَتْ ( قَوْلُهُ : وَوَلَدُ الْمَغْرُورِ حُرٌّ بِالْقِيمَةِ ) أَيْ قِيمَتِهِ يَوْمَ الْخُصُومَةِ كَمَا سَيَأْتِي .

( بَابُ عِتْقِ الْبَعْضِ ) .
أَعْتَقَ بَعْضَ عَبْدِهِ لَمْ يَعْتِقْ كُلُّهُ ) خِلَافًا لَهُمَا وَلِلشَّافِعِيِّ حَيْثُ يَقُولُونَ : يَعْتِقُ كُلُّهُ وَحَاصِلُ الْخِلَافِ أَنَّ إعْتَاقَ الْبَعْضِ هَلْ يُوجِبُ زَوَالَ الرِّقِّ عَنْ الْمَحَلِّ كُلِّهِ أَمْ لَا فَعِنْدَهُ لَا يُوجِبُ بَلْ يَبْقَى الْمَحَلُّ رَقِيقًا وَلَكِنْ زَوَالُ الْمِلْكِ بِقَدْرِهِ وَعِنْدَهُمْ يُوجِبُهُ ، لَهُمْ أَنَّ الْإِعْتَاقَ إثْبَاتُ الْعِتْقِ الَّذِي هُوَ قُوَّةٌ حُكْمِيَّةٌ وَإِثْبَاتُهَا بِإِزَالَةِ ضِدِّهَا الَّذِي هُوَ الرِّقُّ وَهُمَا لَا يَتَجَزَّآنِ بِالِاتِّفَاقِ فَكَذَا الْإِعْتَاقُ وَإِلَّا لَزِمَ تَخَلُّفُ الْمَعْلُولِ عَنْ الْعِلَّةِ أَوْ تَجْزِيءُ الْعِتْقِ ؛ لِأَنَّهُ إذَا تَجَزَّأَ فَإِمَّا أَنْ يَثْبُتَ بِإِعْتَاقِ الْبَعْضِ إعْتَاقُ الْكُلِّ أَوْ لَا يَثْبُتُ شَيْءٌ أَوْ يَثْبُتُ بَعْضُهُ وَعَلَى كُلٍّ مِنْ الْأَوَّلَيْنِ يَلْزَمُ تَخَلُّفُ الْمَعْلُولِ عَنْ الْعِلَّةِ وَعَلَى الْأَخِيرِ يَلْزَمُ تَجْزِيءُ الْعِتْقِ فَصَارَ الْإِعْتَاقُ كَالطَّلَاقِ ، وَالْعَفْوِ عَنْ الْقِصَاصِ ، وَالِاسْتِيلَادِ فِي عَدَمِ التَّجْزِيءِ ، وَلَهُ أَنَّ الْإِعْتَاقَ إمَّا إثْبَاتُ الْعِتْقِ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ أَوْ إزَالَةُ الْمِلْكِ ابْتِدَاءً لَا إثْبَاتُ الْعِتْقِ بِإِزَالَةِ ضِدِّهِ الَّذِي هُوَ الرِّقُّ وَلَا إزَالَةُ الرِّقِّ لِيَلْزَمَ عَدَمُ التَّجْزِيءِ وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ تَصَرُّفٌ وَكُلُّ مَا هُوَ تَصَرُّفٌ لَا يَتَعَدَّى وِلَايَةَ الْمُتَصَرِّفِ وَوِلَايَةُ الْمُتَصَرِّفِ إنَّمَا تَكُونُ عَلَى مَا هُوَ حَقُّهُ وَحَقُّ الْمَالِكِ وَوِلَايَتُهُ إنَّمَا تَكُونُ عَلَى الْمِلْكِ ، وَالْمِلْكِ مُتَجَزِّئٌ بِالْإِجْمَاعِ لَكِنْ يَتَعَلَّقُ بِهِ أَمْرٌ غَيْرُ مُتَجَزِّئٍ وَهُوَ الْعِتْقُ وَتَعَلُّقُهُ بِهِ لَا يَسْتَلْزِمُ تَجْزِيهِ كَجَوَازِ الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ أَمْرٌ غَيْرُ مُتَجَزِّئٍ تَعَلَّقَ بِمُتَجَزِّئٍ وَهُوَ الْأَرْكَانُ ، هَذَا مُلَخَّصُ مَا ذَكَرَهُ الْقَوْمُ فِي هَذَا الْمَحَلِّ وَأَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ الْجَوَابَ عَنْ دَلِيلِهِمْ إلَّا بِتَحْقِيقِ مَرَامِ الْإِمَامِ وَرَفْعِ الْإِشْكَالِ الْوَارِدِ عَلَى الْإِمَامِ فِي هَذَا الْمَقَامِ

بِأَنَّ الْعِتْقَ مُطَاوِعٌ لِلْإِعْتَاقِ فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ تَجْزِيءُ الْفِعْلِ وَعَدَمُ تَجْزِيءِ مُطَاوِعِهِ وَإِنْ أَرَدْت الْعُثُورَ عَلَى تَحْقِيقِ الْمَرَامِ فَاسْتَمِعْ لِمَا أُلْقِيَ عَلَيْك مِنْ الْكَلَامِ فَأَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ وَبِيَدِهِ مَقَالِيدُ التَّحْقِيقِ : إنَّ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيَّ لِلْإِعْتَاقِ إثْبَاتُ الْعِتْقِ الَّذِي هُوَ قُوَّةٌ شَرْعِيَّةٌ كَمَا قَالُوا وَمِنْ الْبَيِّنِ أَنَّ إثْبَاتَهُ مِنْ حَيْثُ هُوَ كَذَلِكَ خَارِجٌ عَنْ قُدْرَةِ الْبَشَرِ وَإِنَّمَا هُوَ مَقْدُورُ خَالِقِ الْقُوَى وَالْقَدَرِ فَإِذَا امْتَنَعَ الْمَعْنَى الْحَقِيقِيُّ وَجَبَ أَنْ يُصَارَ إلَى الْمَجَازِ كَمَا هُوَ الْقَاعِدَةُ الْمُقَرَّرَةُ ، وَأَقْرَبُ الْمَعَانِي الْمَجَازِيَّةُ إلَى الْحَقِيقَةِ هُنَا أَمْرَانِ أَحَدُهُمَا إثْبَاتُ الْقُوَّةِ الشَّرْعِيَّةِ بِإِزَالَةِ الْمِلْكِ بِأَنْ يَكُونَ الصَّادِرُ مِنْ الْعَبْدِ إزَالَةَ الْمِلْكِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ ثُبُوتُ الْقُوَّةِ الشَّرْعِيَّةِ وَنَظِيرُهُ الْكَسْبُ وَالْخَلْقُ فِي أَفْعَالِ الْعِبَادِ فَإِنَّ الْأَوَّلَ مَقْدُورُ الْعَبْدِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَقْدُورُ اللَّهِ ، وَالْمَعْنَى الثَّانِي إزَالَةُ الْمِلْكِ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَبِهَذَا يُخَرَّجُ الْجَوَابُ عَنْ دَلِيلِهِمْ الْمَذْكُورِ وَيَنْدَفِعُ أَيْضًا الْإِشْكَالُ الْمَشْهُورُ أَمَّا الْأَوَّلُ فَبِأَنْ يُقَالَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْإِعْتَاقَ إثْبَاتُ الْقُوَّةِ الشَّرْعِيَّةِ فَإِنَّ صُدُورَهُ عَنْ الْعَبْدِ مُحَالٌ فَكَيْفَ يَصِحُّ إسْنَادُهُ إلَيْهِ حَقِيقَةً فَإِذَا بَطَلَتْ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةُ بَطَلَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا ، وَأَمَّا الثَّانِي فَبِأَنْ يُقَالَ إنْ أَرَدْتُمْ بِكَوْنِ الْعِتْقِ مُطَاوِعًا لِلْإِعْتَاقِ كَوْنَهُ كَذَلِكَ بِحَسَبِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ سَلَّمْنَا لَكِنْ الْمُرَادُ هَاهُنَا لَيْسَ ذَلِكَ الْمَعْنَى كَمَا عَرَفْت بَلْ مَعْنَاهُ الْمَجَازِيُّ وَيَجُوزُ تَخَلُّفُ مُطَاوِعِ الْفِعْلِ عَنْ مَعْنَاهُ الْمَجَازِيِّ ، كَمَا فِي كَسْرَته فَلَمْ يَنْكَسِرْ ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَرَدْت كَسْرَهُ فَلَمْ يَنْكَسِرْ ، وَإِنْ أَرَدْتُمْ بِهِ كَوْنَهُ مُطَاوِعًا لِلْمَعْنَى الْمُرَادِ هَاهُنَا فَلَا

نُسَلِّمُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ إمَّا إزَالَةُ الْمِلْكِ أَوْ مَا هُوَ مُسَبَّبٌ عَنْهَا وَظَاهِرٌ أَنَّ تَجْزِيءَ إزَالَةِ الْمِلْكِ لَا يَسْتَلْزِمُ تَجْزِيءَ الْعِتْقِ بَلْ تَجْزِيءَ زَوَالِ الْمِلْكِ وَلَا مَحْذُورَ فِيهِ بَلْ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ إذَا أَعْتَقَ الْبَعْضَ زَالَ بَعْضُ مِلْكِ الْمَوْلَى وَهُوَ مِلْكُ الْيَدِ وَبَقِيَ مِلْكُ الرَّقَبَةِ فَصَارَ كَالْمُكَاتَبِ وَلِهَذَا عَقَّبَهَا بِالْمَسْأَلَةِ .
الَّتِي تَلِيهَا ، وَبِهَذَا التَّحْقِيقِ الْفَائِضِ عَلَيَّ مِنْ أَنْوَارِ التَّوْفِيقِ اضْمَحَلَّ مَا قَالَ صَاحِبُ الْبَدَائِعِ إنَّ أَكْثَرَ الْقَوْمِ عَلَى أَنَّ الْمُتَجَزِّئَ عِنْدَهُ الْإِعْتَاقُ لَا الْعِتْقُ وَهُوَ غَيْرُ سَدِيدٍ ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ لَمَّا كَانَ مُتَجَزِّئًا كَانَ الْعِتْقُ مُتَجَزِّئًا ضَرُورَةَ أَنَّ الْعِتْقَ حُكْمُ الْإِعْتَاقِ ، وَالْحُكْمُ يَثْبُتُ عَلَى وَفْقِ الْعِلَّةِ وَلِأَنَّ الْقَوْلَ بِهَذَا قَوْلٌ بِتَخْصِيصِ الْعِلَّةِ إذْ يُوجَدُ الْإِعْتَاقُ فِي النِّصْفِ وَيَتَأَخَّرُ الْعِتْقُ فِيهِ إلَى وَقْتِ الضَّمَانِ أَوْ السِّعَايَةِ وَإِنَّهُ قَوْلٌ بِوُجُودِ الْعِلَّةِ وَلَا حُكْمَ لَهُ وَهُوَ تَفْسِيرُ تَخْصِيصِ الْعِلَّةِ .
وَمَا قَالَ بَعْضُ مُحَشِّي الْهِدَايَةِ إنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ تَقْرِيرِ صَاحِبِ الْبَدَائِعِ أَنَّ الْعِتْقَ لَا يَتَخَلَّفُ عَنْ الْإِعْتَاقِ فِي عَدَمِ التَّجْزِيءِ فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ التَّجْزِيءَ فَيَظْهَرُ قُوَّةُ قَوْلِ الصَّاحِبَيْنِ وَوَجْهُ الِاضْمِحْلَالِ يَظْهَرُ مِنْ التَّأَمُّلِ فِيمَا ذَكَرْنَا فَلْيُتَأَمَّلْ ثُمَّ إذَا تَجَزَّأَ الْإِعْتَاقُ بِزَوَالِ بَعْضِ الْمِلْكِ احْتَبَسَ مَالِيَّةَ بَعْضِ الْعَبْدِ عِنْدَهُ فَوَجَبَ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ ( وَسَعَى ) لِمَوْلَاهُ ( فِي ) قِيمَةِ ( الْبَاقِي ) مِنْ ذَلِكَ الْبَعْضِ ( فَصَارَ كَالْمُكَاتَبِ ) ؛ لِأَنَّ الْمُسْتَسْعَى بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ حَتَّى لَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْأَرْبَعِ وَلَا يَمْلِكُ التَّبَرُّعَاتِ ؛ لِأَنَّ الْإِضَافَةَ إلَى الْبَعْضِ تُوجِبُ ثُبُوتَ الْمَالِكِيَّةِ فِي كُلِّهِ وَبَقَاءُ الْمِلْكِ فِي بَعْضِهِ يَمْنَعُهُ فَعَمِلْنَا بِالدَّلِيلَيْنِ بِإِنْزَالِهِ مُكَاتَبًا ؛ لِأَنَّهُ

مَالِكٌ يَدًا لَا رَقَبَةً ، وَالسِّعَايَةُ كَبَدَلِ الْكِتَابَةِ فَلَهُ أَنْ يَسْتَسْعِيَهُ وَلَهُ أَنْ يُعْتِقَهُ ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ قَابِلٌ لِلْإِعْتَاقِ ( بِلَا رَدٍّ إلَى الرِّقِّ لَوْ عَجَزَ ) يَعْنِي أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ مُعْتَقَ الْبَعْضِ إذَا عَجَزَ عَنْ الْأَدَاءِ لَا يُرَدَّ إلَى الرِّقِّ ؛ لِأَنَّهُ إسْقَاطٌ مَحْضٌ فَلَا يَقْبَلُ الْفَسْخَ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ الْمَقْصُودَةِ ؛ لِأَنَّهَا عَقْدٌ يَقْبَلُ الْفَسْخَ وَلَيْسَ فِي الطَّلَاقِ ، وَالْقِصَاصِ حَالَةٌ مُتَوَسِّطَةٌ فَأَثْبَتْنَاهُ فِي الْكُلِّ تَرْجِيحًا لِلْمُحَرَّمِ ، وَالِاسْتِيلَادُ مُتَجَزِّئٌ عِنْدَهُ حَتَّى لَوْ اسْتَوْلَدَ نَصِيبَهُ مِنْ مُدَبَّرَةٍ يَقْتَصِرُ عَلَيْهِ وَفِي الْقِنَّةِ لَمَّا ضَمِنَ نَصِيبَ صَاحِبِهِ بِالْإِفْسَادِ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ فَكَمُلَ الِاسْتِيلَادُ .
( بَابُ عِتْقِ الْبَعْضِ ) .
قَوْلُهُ : فَإِنَّ الْأَوَّلَ مَقْدُورُ الْعَبْدِ وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَقْدُورُ اللَّهِ تَعَالَى ) يُوهِمُ الْقَوْلَ بِعَدَمِ مُقَارَنَةِ الْمَعْلُولِ لِلْعِلَّةِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِنَا بِمُقَارَنَتِهَا لَهُ قَوْلُهُ : حَتَّى لَوْ اسْتَوْلَدَ نَصِيبَهُ مِنْ مُدَبَّرَةٍ ) اقْتَصَرَ عَلَيْهِ ، قَالَ الْكَمَالُ : حَتَّى لَوْ مَاتَ الْمُسْتَوْلِدُ تَعْتِقُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ وَلَوْ مَاتَ الْمُدَبِّرُ عَتَقَتْ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : فَكَمُلَ الِاسْتِيلَادُ ) يَعْنِي تَبَيَّنَ كَمَالُهُ لِمَا قَالَ الْكَمَالُ وَإِنَّمَا كَمُلَ فِي الْقِنَّةِ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ضَمِنَ نَصِيبَ صَاحِبِهِ بِالْإِفْسَادِ مَلَكَهُ مِنْ حِينِ الِاسْتِيلَادِ فَصَارَ مُسْتَوْلِدًا جَارِيَةَ نَفْسِهِ فَثَبَتَ عَدَمُ التَّجْزِيءِ ضَرُورَةً .

( أَعْتَقَ رَجُلٌ حِصَّتَهُ ) مِنْ الْمَمْلُوكِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ ( فَلِشَرِيكِهِ الْإِعْتَاقُ أَوْ الِاسْتِسْعَاءُ ، وَالْوَلَاءُ لَهُمَا ) ؛ لِأَنَّهُمَا الْمُعْتِقَانِ ( أَوْ تَضْمِينُهُ ) أَيْ لِشَرِيكِهِ أَنْ يَضْمَنَهُ ( لَوْ ) كَانَ الْمُعْتِقُ ( مُوسِرًا ) بِأَنْ يَمْلِكَ قَدْرَ قِيمَةِ نَصِيبِ الْآخَرِ وَلَوْ كَانَ مُعْسِرًا فَلِشَرِيكِهِ الْإِعْتَاقُ أَوْ الِاسْتِسْعَاءُ فَقَطْ ، وَالْوَلَاءُ لَهُمَا ، كَمَا فِي الْأَوَّلِ ( وَيَرْجِعُ ) الْمُعْتِقُ الضَّامِنُ ( بِهِ ) أَيْ بِمَا ضَمِنَ ( عَلَى الْعَبْدِ ) ؛ لِأَنَّهُ قَامَ مَقَامَ السَّاكِتِ ، وَقَدْ كَانَ لِلسَّاكِتِ الِاسْتِسْعَاءُ فَكَذَا لِلْمُعْتِقِ ( وَالْوَلَاءُ لَهُ ) ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ كُلَّهُ مِنْ جِهَتِهِ حَيْثُ مَلَكَهُ بِالضَّمَانِ ( شَهِدَ كُلٌّ ) مِنْ الشَّرِيكَيْنِ ( بِعِتْقِ نَصِيبِ الْآخَرِ ) ( سَعَى ) الْعَبْدُ ( لَهُمَا ) مُوسِرَيْنِ كَانَا أَوْ مُعْسِرَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا مُوسِرًا وَالْآخَرُ مُعْسِرًا هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا إنْ كَانَا مُوسِرَيْنِ فَلَا سِعَايَةَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَا مُعْسِرَيْنِ سَعَى لَهُمَا وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مُعْسِرًا وَالْآخَرُ مُوسِرًا سَعَى لِلْمُعْسِرِ لَا الْمُوسِرِ ، وَالْوَلَاءُ لَهُمَا ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَقُولُ : عِتْقُ نَصِيبِ صَاحِبِي عَلَيْهِ بِإِعْتَاقِهِ وَوَلَاؤُهُ لَهُ وَعِتْقُ نَصِيبِي بِالسِّعَايَةِ وَوَلَاؤُهُ لِي ، وَالْوَلَاءُ مَوْقُوفٌ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ عِنْدَهُمَا ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُحِيلُهُ عَلَى صَاحِبِهِ وَهُوَ يَتَبَرَّأُ عَنْهُ فَيَبْقَى مَوْقُوفًا إلَى أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى إعْتَاقِ أَحَدِهِمَا .

( قَوْلُهُ : فَلِشَرِيكِهِ الْإِعْتَاقُ ) أَيْ مُنَجَّزًا أَوْ مُضَافًا ، وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْبَلَ مِنْهُ إضَافَتُهُ إلَى زَمَانٍ طَوِيلٍ ؛ لِأَنَّهُ كَالتَّدْبِيرِ وَلَوْ دَبَّرَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ السِّعَايَةُ فِي الْحَالِ فَيَعْتِقُ كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُضَافَ إلَى مُدَّةٍ تُشَاكِلُ مُدَّةَ الِاسْتِسْعَاءِ كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : أَوْ الِاسْتِسْعَاءُ ) وَيُجْبَرُ عَلَيْهِ وَإِذَا امْتَنَعَ يُؤَجِّرُهُ جَبْرًا وَلَا يَرْجِعُ الْعَبْدُ عَلَى الْمُعْتِقِ بِمَا أَدَّى بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : أَوْ يُضَمِّنُهُ ) يَعْنِي إذَا أُعْتِقَ بِغَيْرِ إذْنِهِ كَمَا سَيَأْتِي ( قَوْلُهُ : لَوْ مُوسِرًا ) الْمُرَادُ بِهِ يَسَارُ التَّيْسِيرِ لَا يَسَارُ الْغَنِيِّ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ ، وَالْمُعْتَبَرُ حَالُهُ يَوْمَ الْإِعْتَاقِ حَتَّى لَوْ أَيْسَرَ بَعْدَهُ أَوْ أَعْسَرَ لَا يُعْتَبَرُ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيهِ يُحَكَّمُ الْحَالُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْخُصُومَةِ ، وَالْعِتْقِ مُدَّةٌ يَخْتَلِفُ فِيهَا الْأَحْوَالُ فَيَكُونُ الْقَوْلُ لِلْمُعْتِقِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ : بِأَنْ يَمْلِكَ قَدْرَ قِيمَةِ نَصِيبِ الْآخَرِ ) يَعْنِي فَاضِلًا عَمَّا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ مَلْبُوسِهِ وَنَفَقَةِ عِيَالِهِ وَسُكْنَاهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ : شَهِدَ كُلٌّ بِعِتْقِ نَصِيبِ الْآخَرِ ) كَذَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا عَلَى رَفِيقِهِ بِإِعْتَاقِ نِصْفِهِ فَأَنْكَرَ يَسْعَى لَهُمَا ( قَوْلُهُ : فَيَبْقَى مَوْقُوفًا إلَى أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى إعْتَاقِ أَحَدِهِمَا ) قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْفَتْحِ : فَلَوْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَتَّفِقَا وَجَبَ أَنْ يَأْخُذَهُ بَيْتُ الْمَالِ .
ا هـ .

( عَلَّقَ أَحَدُهُمَا ) أَيْ الشَّرِيكَيْنِ ( عِتْقَهُ بِفِعْلِ فُلَانٍ غَدًا ) فَقَالَ : إنْ دَخَلَ فُلَانٌ هَذِهِ الدَّارَ غَدًا فَهُوَ حُرٌّ ( وَالْآخَرُ بِعَدَمِهِ ) وَقَالَ : إنْ لَمْ يَدْخُلْ فَهُوَ حُرٌّ ( فَمَضَى ) الْغَدُ ( وَجُهِلَ شَرْطُهُ ) أَيْ لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ دَخَلَ أَوْ لَا ( عَتَقَ نِصْفُهُ وَسَعَى فِي نِصْفِهِ لَهُمَا ) .
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ سَعَى فِي كُلِّهِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ بِسُقُوطِ السِّعَايَةِ مَجْهُولٌ فَلَا يُمْكِنُ الْقَضَاءُ عَلَى الْمَجْهُولِ وَلَهُمَا أَنَّ نِصْفَ السِّعَايَةِ سَاقِطٌ بِيَقِينٍ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ : إنَّ النِّصْفَ الْبَاقِيَ هُوَ نَصِيبِي ، وَالسَّاقِطَ نَصِيبُك فَيُنَصَّفُ بَيْنَهُمَا .
( قَوْلُهُ : عَلَّقَ أَحَدُهُمَا عِتْقَهُ بِفِعْلِ فُلَانٍ غَدًا
إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ : وَلَا يَخْفَى أَنَّ مِنْ صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى ثُبُوتِ الْمِلْكِ لِكُلٍّ إلَى آخِرِ النَّهَارِ ( قَوْلُهُ : وَسَعَى فِي نِصْفِهِ لَهُمَا ) لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ كَوْنِهِمَا مُوسِرَيْنِ أَوْ مُعْسِرَيْنِ أَوْ مُخْتَلِفَيْنِ ، وَالْوَلَاءُ لَهُمَا كَمَا فِي الْبُرْهَانِ ( قَوْلُهُ : وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ سَعَى فِي كُلِّهِ ) هَذَا إذَا كَانَا مُعْسِرَيْنِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ .

( وَلَا عِتْقَ فِي عَبْدَيْنِ ) أَيْ قَالَ رَجُلٌ : إنْ دَخَلَ فُلَانٌ الدَّارَ غَدًا فَعَبْدِي كَذَا وَقَالَ الْآخَرُ : إنْ لَمْ يَدْخُلْ فَعَبْدِي كَذَا فَمَضَى وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ دَخَلَ أَوْ لَا لَا يَعْتِقُ وَاحِدٌ مِنْ الْعَبْدَيْنِ ؛ لِأَنَّ الْمَقْضِيَّ عَلَيْهِ بِالْعِتْقِ ، وَالْمَقْضِيَّ لَهُ بِهِ مَجْهُولَانِ فَفَحُشَتْ الْجَهَالَةُ .

( مَلَكَا ) أَيْ رَجُلَانِ ( وَلَدَ أَحَدِهِمَا ) بِشِرَاءٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ وَصِيَّةٍ ( أَوْ اشْتَرَى ) أَحَدُهُمَا ( نِصْفَ ابْنِهِ مِنْ مَوْلَاهُ ) أَيْ مَوْلَى ابْنِهِ ( أَوْ عَلَّقَ عِتْقَهُ ) أَيْ عِتْقَ عَبْدٍ ( بِشِرَاءِ نِصْفِهِ ) بِأَنْ قَالَ : زَيْدٌ لَعَبْدِ بَكْرٍ إنْ اشْتَرَيْتُ نِصْفَك فَنِصْفُك حُرٌّ ( ثُمَّ اشْتَرَاهُ ) أَيْ ذَلِكَ الْعَبْدَ ( هُوَ ) أَيْ زَيْدٌ ( وَرَجُلٌ آخَرُ ) بِالِاشْتِرَاكِ ( عَتَقَ حِصَّتُهُ ) أَيْ حِصَّةُ الْأَبِ فِي الصُّورَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَ شِقْصَ قَرِيبِهِ وَشِرَاؤُهُ إعْتَاقٌ كَمَا مَرَّ وَحِصَّةُ الْحَالِفِ فِي الثَّالِثَةِ لِوُجُودِ الشَّرْطِ ( وَلَمْ يَضْمَنْ ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِانْعِدَامِ التَّعَدِّي ( عَلِمَ ) الشَّرِيكُ ( أَوْ لَا ) أَيْ سَوَاءٌ عَلِمَ أَنَّهُ ابْنُ شَرِيكِهِ أَوْ لَا ( كَمَا لَوْ وَرِثَاهُ ) أَيْ لَا يَضْمَنُ الْأَبُ نَصِيبَ الشَّرِيكِ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا لَا يَضْمَنُ الْأَبُ إذَا وَرِثَ هُوَ وَشَرِيكُهُ ابْنَهُ ، صُورَتُهُ امْرَأَةٌ مَاتَتْ وَلَهَا عَبْدٌ هُوَ ابْنُ زَوْجِهَا فَتَرَكَتْ الزَّوْجَ وَالْأَخَ فَوَرِثَ الْأَبُ نِصْفَ ابْنِهِ فَعَتَقَ عَلَيْهِ لَا يَضْمَنُ حِصَّةَ أَخِيهَا اتِّفَاقًا ؛ لِأَنَّ الْإِرْثَ ضَرُورِيٌّ لَا اخْتِيَارَ لِلْأَبِ فِي ثُبُوتِهِ ( فَالْآخَرُ أَعْتَقَهُ أَوْ اسْتَسْعَى ) أَيْ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلشَّرِيكِ وِلَايَةُ التَّضْمِينِ بَقِيَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ إمَّا الْإِعْتَاقُ أَوْ الِاسْتِسْعَاءُ وَقَالَا فِي غَيْرِ الْإِرْثِ ضَمِنَ نِصْفَ قِيمَتِهِ غَنِيًّا وَسَعَى لَهُ فَقِيرًا ؛ لِأَنَّ شِرَاءَ الْقَرِيبِ إعْتَاقٌ فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا يَجِبُ الضَّمَانُ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا يَسْعَى الْعَبْدُ وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ أَنَّهُ رَضِيَ بِإِفْسَادِ نَصِيبِهِ فَلَا يَضْمَنُ كَمَا إذَا أَذِنَ بِإِعْتَاقِ نَصِيبِهِ حَيْثُ شَارَكَهُ فِي عِلَّةِ الْعِتْقِ وَهُوَ الشِّرَاءُ وَإِنْ جُهِلَ فَالْجَهْلُ لَا يَكُونُ عُذْرًا ( وَإِنْ اشْتَرَى ) أَيْ أَجْنَبِيٌّ ( نِصْفَهُ ثُمَّ ) اشْتَرَى ( الْأَبُ مُوسِرًا بَاقِيَهُ ضَمَّنَهُ ) أَيْ الْأَجْنَبِيُّ الْأَبَ ؛ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ بِإِفْسَادِ نَصِيبِهِ ( أَوْ اسْتَسْعَى )

الِابْنَ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ لِاحْتِبَاسِ مَالِيَّتِهِ عِنْدَهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؛ لِأَنَّ يَسَارَ الْمُعْتِقِ لَا يَمْنَعُ السِّعَايَةَ عِنْدَهُ وَقَالَا لَا خِيَارَ لَهُ وَيَضْمَنُ الْأَبُ نِصْفَ قِيمَتِهِ ؛ لِأَنَّ يَسَارَ الْمُعْتِقِ يَمْنَعُ السِّعَايَةَ عِنْدَهُمَا ( وَإِنْ اشْتَرَاهُ ) أَيْ النِّصْفَ ( الْأَبُ مُوسِرًا مِنْ مَالِكِ كُلِّهِ لَمْ يَضْمَنْ ) أَيْ الْأَبُ ( لَهُ ) أَيْ لِمَالِكِ كُلِّهِ ؛ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِإِفْسَادِ نَصِيبِهِ بِبَيْعِهِ مِنْ الْأَبِ .
قَوْلُهُ : مَلَكَا وَلَدَ أَحَدِهِمَا ) كَذَا الْحُكْمُ فِي كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : عَلِمَ الشَّرِيكُ أَوْ لَا ) هُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ الْإِمَامِ ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ تَضْمِينَ الْأَبِ إذَا لَمْ يَعْلَمْ الشَّرِيكُ أَنَّهُ ابْنُهُ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ : وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ إنَّهُ رَضِيَ بِإِفْسَادِ نَصِيبِهِ
إلَخْ ) لَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَيَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ؛ لِأَنَّ سَبَبَ الرِّضَا يَتَحَقَّقُ مِنْ غَيْرِ عِلْمٍ ، وَالْحُكْمُ يُدَارُ عَلَى سَبَبِهِ لَا عَلَى حَقِيقَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُبْطَلٌ لَا يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ اشْتَرَاهُ الْأَبُ مِنْ مَالِك كُلِّهِ ) مُكَرَّرٌ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ أَوْ اشْتَرَى نِصْفَ ابْنِهِ مِنْ مَوْلَاهُ وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنْ الشِّرَاءِ مِنْ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ شَرَاهُ مِنْهُ مُوسِرًا لَزِمَهُ الضَّمَانُ لِلْآخَرِ بِالْإِجْمَاعِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ .

( دَبَّرَهُ أَحَدُ الشُّرَكَاءِ وَأَعْتَقَهُ آخَرُ وَهُمَا مُوسِرَانِ ضَمَّنَ السَّاكِتُ مُدَبِّرَهُ فَقَطْ ) لَا الْمُعْتِقَ ( وَضَمَّنَ الْمُدَبِّرُ مُعْتِقَهُ ثُلُثَهُ مُدَبَّرًا لَا مَا ضَمِنَهُ ) إذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ دَبَّرَهُ أَحَدُهُمْ ثُمَّ أَعْتَقَهُ الْآخَرُ وَهُمَا مُوسِرَانِ وَالثَّالِثُ سَاكِتٌ فَأَرَادَ السَّاكِتُ وَالْمُدَبِّرُ الضَّمَانَ فَلِلسَّاكِتِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُدَبِّرَ دُونَ الْمُعْتِقِ ، وَلِلْمُدَبِّرِ أَنْ يُضَمِّنَ الْمُعْتِقَ ثُلُثَ قِيمَتِهِ مُدَبَّرًا وَلَا يُضَمِّنَهُ الثُّلُثَ الَّذِي ضُمِّنَ .
تَوْضِيحُهُ : أَنَّ قِيمَةَ الْعَبْدِ إذَا كَانَتْ سَبْعَةً وَعِشْرِينَ دِينَارًا مَثَلًا فَإِنَّ السَّاكِتَ يُضَمِّنُ الْمُدَبِّرَ تِسْعَةً ، وَالْمُدَبِّرُ يُضَمِّنُ الْمُعْتِقَ سِتَّةً ، وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ قِيمَةَ الْمُدَبَّرِ ثُلُثَا قِيمَةِ الْقِنِّ لِمَا سَيَأْتِي فَبِالتَّدْبِيرِ تَلِفَتْ مِنْهُ تِسْعَةٌ وَكَانَ الْإِتْلَافُ بِالْإِعْتَاقِ وَاقِعًا عَلَى قِيمَةِ الْمُدَبَّرِ وَهِيَ ثُلُثَا قِيمَةِ الْقِنِّ وَهِيَ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَثُلُثُهَا سِتَّةٌ ، فَيُضَمِّنُ الْمُدَبِّرُ الْمُعْتِقَ تِلْكَ السِّتَّةَ فَقَطْ وَلَا يُضَمِّنُهُ التِّسْعَةَ الَّتِي هِيَ نَصِيبُ السَّاكِتِ مَعَ تِلْكَ السِّتَّةِ الَّتِي يُضَمِّنُهُ إيَّاهَا هَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَا الْعَبْدُ لِلْمُدَبِّرِ وَيَضْمَنُ ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ لِشَرِيكَيْهِ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ فَلَا يَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ ، وَالْعِسَارِ بِخِلَافِ ضَمَانِ الْإِعْتَاقِ فَإِنَّهُ ضَمَانُ جِنَايَةٍ .

( قَوْلُهُ : وَأَعْتَقَهُ آخَرُ ) يَعْنِي بَعْدَهُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي شَرْحِهِ ( قَوْلُهُ : ضَمِنَ السَّاكِتُ مُدَبَّرَهُ ) قَالَ الْكَمَالُ : وَيَرْجِعُ بِهِ عَلَى الْعَبْدِ إنْ شَاءَ ( قَوْلُهُ : وَهِيَ ثُلُثَا قِيمَةِ الْقِنِّ ) قَالَ الْكَمَالُ : ؛ لِأَنَّ لَهُ الِانْتِفَاعَ بِالْوَطْءِ ، وَالسِّعَايَةِ ، وَالْبَدَلِ وَإِنَّمَا زَالَ الْأَخِيرُ فَقَطْ وَإِلَيْهِ مَالَ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى إلَّا أَنَّ الْوَجْهَ يَخُصُّ الْمُدَبَّرَةَ دُونَ الْمُدَبَّرِ ، وَقِيلَ يُسْأَلُ أَهْلُ الْخِبْرَةِ أَنَّ الْعُلَمَاءَ لَوْ جَوَّزُوا بَيْعَ هَذَا فَأَبَتْ الْمَنْفَعَةَ الْمَذْكُورَةَ كَمْ يَبْلُغُ فَمَا ذُكِرَ فَهُوَ قِيمَتُهُ وَهَذَا حَسَنٌ عِنْدِي ، وَقِيلَ : قِيمَتُهُ قِنًّا وَهُوَ غَيْرُ سَدِيدٍ ، وَقِيلَ : نِصْفُ قِيمَتِهِ قِنًّا وَقِيلَ تُقَوَّمُ خِدْمَتُهُ مُدَّةَ عُمْرِهِ حَزْرًا فِيهِ فَمَا بَلَغَتْ فَهِيَ قِيمَتُهُ ا هـ قَوْلُهُ : وَقَالَا الْعَبْدُ لِلْمُدَبِّرِ ) مَبْنِيٌّ عَلَى عَدَمِ تَجْزِيءِ التَّدْبِيرِ عِنْدَهُمَا .

( قَالَ هِيَ أُمُّ وَلَدِ شَرِيكِي وَأَنْكَرَ ) شَرِيكُهُ ( تَخْدُمُهُ ) أَيْ تَخْدُمُ الْجَارِيَةُ الشَّرِيكَ الْمُنْكِرَ ( يَوْمًا وَتُوقَفُ يَوْمًا ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ؛ لِأَنَّ الْمُقِرَّ أَقَرَّ أَنْ لَا حَقَّ لَهُ عَلَيْهَا فَيُؤَاخَذُ بِإِقْرَارِهِ ، وَالْمُنْكِرُ يَزْعُمُ أَنَّهَا كَمَا كَانَتْ فَلَا حَقَّ لَهُ إلَّا فِي نِصْفِهَا ، وَعِنْدَهُمَا لِلْمُنْكِرِ أَنْ يَسْتَسْعِيَ الْجَارِيَةَ فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا ثُمَّ تَكُونُ حُرَّةً ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُصَدِّقْهُ صَاحِبُهُ انْقَلَبَ إقْرَارُهُ عَلَيْهِ كَأَنَّهُ اسْتَوْلَدَهَا فَتَعْتِقُ بِالسِّعَايَةِ ( لَا قِيمَةً لِأُمِّ وَلَدٍ ) وَقَالَا لَهَا الْقِيمَةُ ؛ لِأَنَّهَا مَمْلُوكَةٌ مُحْرَزَةٌ مُنْتَفَعٌ بِهَا وَطْئًا وَإِجَارَةً وَاسْتِخْدَامًا فَتَكُونُ مُقَوَّمَةً كَالْمُدَبَّرَةِ وَلِهَذَا لَوْ قَالَ : كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي هَذَا تَدْخُلُ أُمُّ الْوَلَدِ ، وَاسْتِبَاحَةُ الْوَطْءِ دَلِيلُ الْمِلْكِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ إلَّا بِالنِّكَاحِ أَوْ بِمِلْكِ الْيَمِينِ ، وَالْأَوَّلُ مُنْتَفٍ فَتَعَيَّنَ الثَّانِي ، وَبَقَاءُ الْمِلْكِ دَلِيلُ بَقَاءِ الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ إذْ الْمَمْلُوكِيَّةُ فِي الْآدَمِيِّ لَيْسَتْ غَيْرَ الْمَالِيَّةِ وَالتَّقَوُّمِ ، وَحَقُّ الْحُرِّيَّةِ لَا يُنَافِي التَّقَوُّمَ كَالْمُدَبَّرِ وَلِهَذَا إذَا أَسْلَمَتْ أُمُّ وَلَدِ النَّصْرَانِيِّ تَسْعَى وَهِيَ آيَةُ التَّقَوُّمِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ ، وَالدَّارَقُطْنِيّ وَمُقْتَضَى الْحُرِّيَّةِ زَوَالُ التَّقَوُّمِ لَكِنَّهُ تَقَاعَدَ عَنْ إفَادَةِ الْحُرِّيَّةِ لِمُعَارِضٍ ، وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَيُّمَا امْرَأَةٍ وَلَدَتْ مِنْ سَيِّدِهَا فَهِيَ مُعْتَقَةٌ عَنْ دُبُرٍ مِنْهُ } وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ بَعْدِهِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَلَا مُعَارِضَ لَهُ فِي زَوَالِ التَّقَوُّمِ فَيَثْبُتُ ( فَلَا يَضْمَنُ غَنِيٌّ أَعْتَقَهَا ) أَيْ أُمَّ وَلَدِهِ حَالَ كَوْنِهَا ( مُشْتَرَكَةً ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ بِأَنْ وَلَدَتْ وَلَدًا فَادَّعَيَاهُ فَإِنَّهُ لَا يَضْمَنُ حِصَّةَ شَرِيكِهِ عِنْدَ أَبِي

حَنِيفَةَ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ تَقَوُّمِهَا وَعِنْدَهُمَا يَضْمَنُ بِنَاءً عَلَى تَقَوُّمِهَا .
( قَوْلُهُ : فَتَعْتِقُ بِالسِّعَايَةِ ) لَمْ يَتَعَرَّضْ فِيهِ لِنَفَقَتِهَا وَكَسْبِهَا وَجِنَايَتِهَا وَفِي الْمُخْتَلَفِ فِي بَابِ مُحَمَّدٍ نَفَقَتُهَا فِي كَسْبِهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا كَسْبٌ فَنَفَقَتُهَا عَلَى الْمُنْكِرِ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا فِي النَّفَقَةِ .
وَقَالَ غَيْرُهُ نِصْفُ كَسْبِهَا لِلْمُنْكِرِ وَنِصْفُهُ مَوْقُوفٌ وَنَفَقَتُهَا مِنْ كَسْبِهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا كَسْبٌ فَنِصْفُ نَفَقَتِهَا عَلَى الْمُنْكِرِ ؛ لِأَنَّ نِصْفَ الْجَارِيَةِ لِلْمُنْكِرِ وَهَذَا اللَّائِقُ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ : وَيَنْبَغِي عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ أَنْ لَا نَفَقَةَ لَهَا عَلَيْهِ أَصْلًا ؛ لِأَنَّهُ لَا خِدْمَةَ لَهُ عَلَيْهَا وَلَا احْتِبَاسَ وَأَمَّا جِنَايَتُهَا فَتَسْعَى فِيهَا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ كَالْمُكَاتَبِ وَتَأْخُذُ الْجِنَايَةَ مِمَّنْ جَنَى عَلَيْهَا تَسْتَعِينُ بِهَا ، وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ جِنَايَتُهَا مَوْقُوفَةٌ إلَى تَصْدِيقِ أَحَدِهِمَا صَاحِبَهُ كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : وَقَالَا لَهَا الْقِيمَةُ ) قَالَ فِي النَّهْرِ : وَهِيَ ثُلُثُ قِيمَتِهَا قِنَّةً وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلُهُ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إلَخْ ) لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْجَوَابَ عَنْ وَجْهِ قِيَاسِ قَوْلِهِمَا وَلَيْسَ مِمَّا يَنْبَغِي .

( رَجُلٌ لَهُ أَعْبُدٌ ) ثَلَاثَةٌ ( قَالَ فِي صِحَّتِهِ لِاثْنَيْنِ عِنْدَهُ : أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَخَرَجَ وَاحِدٌ ) مِنْهُمَا ( وَدَخَلَ آخَرُ فَأَعَادَهُ ) هَذَا الْكَلَامَ فَإِنْ كَانَ حَيًّا أُمِرَ بِالْبَيَانِ ( وَإِنْ مَاتَ مُجْهِلًا عَتَقَ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ الثَّابِتِ وَنِصْفُ كُلٍّ مِنْ الْآخَرَيْنِ ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى - وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رُبْعُ مَنْ دَخَلَ وَغَيْرُهُ كَمَا قَالَا وَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْإِيجَابَ الْأَوَّلَ دَائِرٌ بَيْنَ الْخَارِجِ وَالثَّابِتِ فَيَنْتَصِفُ بَيْنَهُمَا ثُمَّ الْإِيجَابُ الثَّانِي دَائِرٌ بَيْنَ الثَّابِتِ وَالدَّاخِلِ فَيَنْتَصِفُ بَيْنَهُمَا فَالنِّصْفُ الَّذِي أَصَابَ الثَّابِتَ شَاعَ فِيهِ وَمَا أَصَابَ النِّصْفَ الَّذِي عَتَقَ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ لَغَا وَمَا أَصَابَ النِّصْفَ الْفَارِغَ وَهُوَ الرُّبْعُ بَقِيَ فَيَعْتِقُ مِنْهُ ثَلَاثَةُ أَرْبَاعِهِ وَأَمَّا الدَّاخِلُ فَيَعْتِقُ مِنْهُ رُبْعُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّ هَذَا الْإِيجَابَ لَمَّا أَوْجَبَ عِتْقَ الرُّبْعِ مِنْ الثَّابِتِ أَوْجَبَهُ مِنْ الدَّاخِلِ أَيْضًا لِتَنَصُّفِهِ بَيْنَهُمَا ، وَهُمَا يَقُولَانِ : الْمَانِعُ مِنْ عِتْقِ النِّصْفِ يَخْتَصُّ بِالثَّابِتِ وَلَا مَانِعَ فِي الدَّاخِلِ فَيَعْتِقُ نِصْفُهُ ( وَلَوْ ) كَانَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْهُ ( فِي الْمَرَضِ وَمَاتَ ) قَبْلَ الْبَيَانِ وَقِيَمُ الْعَبِيدِ مُتَسَاوِيَةٌ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ يُخْرِجُ قَدَرَ الْمُعْتَقِ مِنْ الثُّلُثِ وَذَلِكَ رَقَبَةٌ وَثَلَاثَةُ أَرْبَاعِ رَقَبَةٍ عِنْدَهُمَا وَرَقَبَةٌ وَنِصْفُ رَقَبَةٍ عِنْدَهُ أَوْ لَمْ يُخْرِجْ وَلَكِنْ أَجَازَتْ الْوَرَثَةُ فَالْجَوَابُ كَمَا ذُكِرَ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ سِوَى الْعَبِيدِ وَلَمْ تُجِزْ الْوَرَثَةُ ( قُسِّمَ الثُّلُثُ ) بَيْنَهُمْ ( عَلَى هَذَا ) أَيْ عَلَى مَا وَصَفْنَا وَبَيَانُهُ أَنَّ حَقَّ الْخَارِجِ فِي النِّصْفِ ، وَحَقَّ الثَّابِتِ فِي ثَلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ وَحَقَّ الدَّاخِلِ عِنْدَهُمَا فِي النِّصْفِ أَيْضًا فَيَحْتَاجُ إلَى مَخْرَجٍ لَهُ نِصْفٌ وَرُبْعٌ وَأَقَلُّهُ أَرْبَعَةٌ فَتُعَوَّلُ إلَى سَبْعَةٍ فَحَقُّ الْخَارِجِ فِي سَهْمَيْنِ وَحَقُّ

الثَّابِتِ فِي ثَلَاثَةٍ وَحَقُّ الدَّاخِلِ فِي سَهْمَيْنِ فَبَلَغَتْ سِهَامُ الْعِتْقِ سَبْعَةً فَيُجْعَلُ ثُلُثُ الْمَالِ سَبْعَةً ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ فِي الْمَرَضِ وَصِيَّةٌ وَمَحَلُّ نَفَاذِهَا الثُّلُثُ وَإِذَا صَارَ ثُلُثُ الْمَالِ سَبْعَةً صَارَ ثُلُثَا الْمَالِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ ، وَهِيَ سِهَامُ السِّعَايَةِ وَصَارَ جَمِيعُ الْمَالِ أَحَدًا وَعِشْرِينَ وَمَالُهُ ثَلَاثَةُ أَعْبُدٍ فَيَصِيرُ كُلُّ عَبْدٍ سَبْعَةً فَيَعْتِقُ مِنْ الْخَارِجِ سَهْمَانِ وَيَسْعَى فِي خَمْسَةٍ وَيَعْتِقُ مِنْ الدَّاخِلِ سَهْمَانِ ، وَيَسْعَى فِي خَمْسَةٍ وَيَعْتِقُ مِنْ الثَّابِتِ ثَلَاثَةٌ وَيَسْعَى فِي أَرْبَعَةٍ فَبَلَغَ سِهَامُ الْوَصَايَا سَبْعَةً وَسِهَامُ السِّعَايَةِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَاسْتَقَامَ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ .
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَقُّ الدَّاخِلِ فِي سَهْمٍ وَكَانَتْ سِهَامُ الْعِتْقِ عِنْدَهُ سِتَّةً وَيُجْعَلُ كُلُّ رَقَبَةٍ سِتَّةً ، وَسِهَامُ السِّعَايَةِ اثْنَيْ عَشَرَ وَجَمِيعُ الْمَالِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ فَيَعْتِقُ مِنْ الثَّابِتِ ثَلَاثَةٌ ، وَيَسْعَى فِي ثَلَاثَةٍ وَمِنْ الْخَارِجِ سَهْمَانِ وَيَسْعَى فِي أَرْبَعَةٍ وَمِنْ الدَّاخِلِ سَهْمٌ وَيَسْعَى فِي خَمْسَةٍ فَيَسْتَقِيمُ الثُّلُثُ وَالثُّلُثَانِ أَقُولُ يَرِدُ عَلَى ظَاهِرِهِ أَنَّ أَرْبَابَ الْفَرَائِضِ صَرَّحُوا بِأَنَّ الْأَرْبَعَةَ لَا تُعَوَّلُ فَكَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُهُ وَأَقَلُّهُ أَرْبَعَةٌ فَتُعَوَّلُ إلَى سَبْعَةٍ وَدَفْعُهُ أَنَّ مَعْنَاهُ عَلَى مَا ذَكَرَ شُرَّاحُ كَلَامِهِمْ لَا يُتَصَوَّرُ فِي مَسْأَلَةٍ قَطُّ اجْتِمَاعُ نِصْفَيْنِ وَرُبْعٍ وَهَذَا لَا يُنَافِي وُقُوعَ الْعَوْلِ فِيهَا فِيمَا سِوَى قِسْمَةِ التَّرِكَةِ ( وَلَوْ طَلَّقَ كَذَلِكَ قَبْلَ وَطْءٍ سَقَطَ رُبْعُ مَهْرِ مَنْ خَرَجَتْ وَثَلَاثَةُ أَثْمَانِ مَنْ ثَبَتَتْ وَثُمُنُ مَنْ دَخَلَتْ ) يَعْنِي إنْ كَانَ لَهُ ثَلَاثُ زَوْجَاتٍ مَهْرُهُنَّ عَلَى السَّوَاءِ فَطَلَّقَهُنَّ قَبْلَ الْوَطْءِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ فَبِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ سَقَطَ نِصْفُ مَهْرِ الْوَاحِدَةِ مُنَصَّفًا بَيْنَ الْخَارِجَةِ وَالثَّابِتَةِ فَسَقَطَ رُبْعُ مَهْرِ كُلِّ وَاحِدَةٍ ثُمَّ بِالْإِيجَابِ الثَّانِي

سَقَطَ الرُّبْعُ مُنَصَّفًا بَيْنَ الثَّابِتَةِ وَالدَّاخِلَةِ فَأَصَابَ كُلَّ وَاحِدَةٍ الثَّمَنُ فَسَقَطَ ثَلَاثَةُ أَثْمَانِ مَهْرِ الثَّابِتَةِ بِالْإِيجَابَيْنِ وَسَقَطَ ثَمَنُ مَهْرِ الدَّاخِلَةِ وَإِنَّمَا فُرِضَتْ الْمَسْأَلَةُ فِي الطَّلَاقِ قَبْلَ الْوَطْءِ لِيَكُونَ الْإِيجَابُ الْأَوَّلُ مُوجِبًا لِلْبَيْنُونَةِ فَمَا أَصَابَ الْإِيجَابَ الْأَوَّلَ لَا يَبْقَى مَحِلًّا لِلْإِيجَابِ الثَّانِي فَيَصِيرُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَالْعِتْقِ .

( قَوْلُهُ : فَإِنْ كَانَ حَيًّا أُمِرَ بِالْبَيَانِ ) كَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ ذِكْرُ حُكْمِهِ ، وَهُوَ كَمَا قَالَ الْكَمَالُ : وَلِلْعَبِيدِ مُخَاصَمَتُهُ فِي ذَلِكَ فَإِذَا بَيَّنَ الْعِتْقَ فِي الثَّابِتِ الَّذِي لَمْ يَخْرُجْ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ أَيْ بَيَّنَهُ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ عَتَقَ وَبَطَلَ بِالْكَلَامِ الثَّانِي وَإِنْ بَيَّنَ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ عَتَقَ الْخَارِجُ وَيُؤْمَرُ بِبَيَانِ الْكَلَامِ الثَّانِي ، وَيُعْمَلُ بِبَيَانِهِ وَإِنْ بَدَأَ بِبَيَانِ الْكَلَامِ الثَّانِي ، فَقَالَ عَنَيْت بِالْكَلَامِ الثَّانِي الدَّاخِلَ عَتَقَ وَيُؤْمَرُ بِبَيَانِ الْكَلَامِ الْأَوَّلِ فَأَيُّهُمَا بَيَّنَهُ مِنْ الْخَارِجِ وَالثَّابِتِ عُمِلَ بِهِ وَإِنْ قَالَ : عَنَيْت بِالْكَلَامِ الثَّانِيَ الثَّابِتَ عَتَقَ وَتَعَيَّنَ عِتْقُ الْخَارِجِ بِالْكَلَامِ الْأَوَّلِ وَإِلَّا يَبْطُلْ ، فَالْمَسْأَلَةُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ أَحَدُهَا : أَنْ يُبَيِّنَ وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ ، ثَانِيهَا : أَنْ يَمُوتَ أَحَدُ الْعَبِيدِ فَالْمَوْتُ بَيَانٌ أَيْضًا فَإِنْ مَاتَ الْخَارِجُ تَعَيَّنَ الثَّابِتُ لِلْعِتْقِ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ لِزَوَالِ الْمُزَاحِمِ وَبَطَلَ الْإِيجَابُ الثَّانِي ، وَإِنْ مَاتَ الثَّابِتُ تَعَيَّنَ الْخَارِجُ بِالْإِيجَابِ الْأَوَّلِ وَالدَّاخِلُ بِالْإِيجَابِ الثَّانِي ، وَإِنْ مَاتَ الدَّاخِلُ أُمِرَ بِبَيَانِ الْأَوَّلِ فَإِنْ عَنَى بِهِ الْخَارِجَ عَتَقَ الثَّابِتُ أَيْضًا بِالْإِيجَابِ الثَّانِي وَإِنْ عَنَى بِهِ الثَّابِتَ بَطَلَ الْإِيجَابُ الثَّانِي ، ثَالِثُهَا : أَنْ يَمُوتَ الْمَوْلَى قَبْلَ الْبَيَانِ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ ا هـ .
فَإِنْ قِيلَ يُشْكِلُ هَذَا عَلَى أَصْلِهِمَا مِنْ عَدَمِ تَجْزِيءِ الْإِعْتَاقِ فَالْجَوَابُ أَنَّ عَدَمَ تَجَزِّيهِ إذَا وَقَعَ فِي مَحَلٍّ مَعْلُومٍ ، وَالِانْقِسَامُ هُنَا ضَرُورِيٌّ ا هـ .
وَقَالَ فِي الْبُرْهَانِ : وَتَمَامُ الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي أَوَّلِ بَابِ عِتْقِ أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ مِنْ الْكَافِي ( قَوْلُهُ : وَمَا أَصَابَ النِّصْفَ الَّذِي عَتَقَ ) يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ فَمَا أَصَابَ بِالْفَاءِ لَا بِالْوَاوِ .
قَوْلُهُ : وَقِيَمُ الْعَبِيدِ مُتَسَاوِيَةٌ

) لَيْسَ هَذَا الْقَيْدُ لَازِمًا حُكْمًا ( قَوْلُهُ : قُسِّمَ الثُّلُثُ عَلَى هَذَا ) قَالَ الْكَمَالُ : وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْحَاصِلَ لِلْوَرَثَةِ لَا يَخْتَلِفُ ا هـ .
يَعْنِي بِحَسَبِ جَعْلِ سِهَامِ الْعِتْقِ سِتَّةً أَوْ سَبْعَةً ، ( قَوْلُهُ : لَا يُتَصَوَّرُ فِي مَسْأَلَةٍ قَطُّ اجْتِمَاعُ نِصْفَيْنِ ) فِي إلْحَاقٍ قَطُّ لِلْمَنْفِيِّ بِلَا تَسَامُحٍ ( قَوْلُهُ : وَثَمَنُ مَنْ دَخَلَتْ ) هَذِهِ حُجَّةُ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا فَأَلْزَمَهُمَا الْمُنَاقَضَةَ ، وَالْجَوَابُ عَنْهَا ، وَالْكَلَامُ عَلَى تَفَارِيعِهَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : مَهْرُهُنَّ عَلَى السَّوَاءِ ) الْكَلَامُ عَلَيْهِ كَالْكَلَامِ عَلَى قِيمَةِ الْعَبِيدِ فِيمَا تَقَدَّمَ .

( الْوَطْءُ وَالْمَوْتُ بَيَانٌ فِي طَلَاقٍ مُبْهَمٍ ) يَعْنِي إذَا قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ : إحْدَاكُمَا طَالِقٌ فَوَطِئَ إحْدَاهُمَا أَوْ مَاتَتْ فَكُلٌّ مِنْهُمَا بَيَانُ أَنَّ الْمُرَادَ هِيَ الْأُخْرَى أَمَّا الْوَطْءُ فَلِأَنَّ النِّكَاحَ عَقْدٌ وُضِعَ لِحِلِّ الْوَطْءِ ، وَالطَّلَاقَ وُضِعَ لِإِزَالَةِ مِلْكِ النِّكَاحِ أَيْ لِإِزَالَةِ حِلِّ الْوَطْءِ إمَّا فِي الْحَالِ أَوْ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ فَالْوَطْءُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَوْطُوءَةَ لَمْ تَكُنْ مُرَادَةً بِالطَّلَاقِ ، وَأَمَّا الْمَوْتُ فَلِمَا عُرِفَ أَنَّ الْبَيَانَ إنْشَاءٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَحَلٍّ ( كَبَيْعٍ وَمَوْتٍ وَتَدْبِيرٍ وَاسْتِيلَادٍ وَهِبَةٍ وَصَدَقَةٍ مُسَلَّمَتَيْنِ فِي عِتْقٍ مُبْهَمٍ ) أَيْ إذَا قَالَ لِعَبْدَيْهِ : أَحَدُكُمَا حُرٌّ فَبَاعَ أَحَدَهُمَا أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمَا أَوْ دَبَّرَهُ أَوْ اسْتَوْلَدَ إحْدَى أَمَتَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ الْقَوْلِ أَوْ وَهَبَ أَحَدَهُمَا أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ وَسَلَّمَ فَكُلُّ ذَلِكَ بَيَانُ أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الْآخَرُ فَإِنَّ مَنْ حَصَلَ لَهُ الْإِنْشَاءُ لَمْ يَبْقَ مَحَلًّا لِلْعِتْقِ أَصْلًا بِالْمَوْتِ ، وَلِلْعِتْقِ مِنْ جِهَتِهِ بِالْبَيْعِ وَلِلْعِتْقِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ فَتَعَيَّنَ الْآخَرُ ، وَالْهِبَةُ بِالتَّسْلِيمِ ، وَالصَّدَقَةُ بِهِ بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ ؛ لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ ( لَا وَطْءَ فِيهِ ) أَيْ لَا يَكُونُ الْوَطْءُ بَيَانًا فِي عِتْقٍ مُبْهَمٍ يَعْنِي لَوْ قَالَ لِأَمَتَيْهِ : إحْدَاكُمَا حُرَّةٌ ثُمَّ جَامَعَ إحْدَاهُمَا لَمْ يَكُنْ بَيَانًا عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا بَيَانٌ ؛ لِأَنَّ الْوَطْءَ لَا يَحِلُّ إلَّا فِي الْمِلْكِ فَصَارَ الْإِقْدَامُ عَلَيْهِ دَلِيلَ الِاسْتِبْقَاءِ وَلَهُ أَنَّ الْمِلْكَ ثَابِتٌ فِيهِمَا وَلِهَذَا كَانَ لَهُ أَنْ يَسْتَخْدِمَهُمَا وَكَانَ لَهُ الْأَرْشُ إذَا جُنِيَ عَلَيْهِمَا ، وَالْمَهْرُ إذَا وُطِئَتَا بِشُبْهَةٍ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ الْمُبْهَمَ مُعَلَّقٌ بِالْبَيَانِ ، وَالْمُعَلَّقُ بِالشَّرْطِ لَا يَنْزِلُ قَبْلَهُ .

( قَوْلُهُ : ، وَالْوَطْءُ وَالْمَوْتُ بَيَانٌ فِي طَلَاقٍ مُبْهَمٍ ) هَذَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَائِنًا ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ رَجْعِيًّا لَا يَكُونُ الْوَطْءُ بَيَانًا لِطَلَاقِ الْأُخْرَى لِحِلِّ وَطْءِ الْمُعَلَّقَةِ رَجْعِيًّا ، ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ عَنْ النَّوَادِرِ وَنَقَلَهُ ابْنُ الضِّيَاءِ عَنْ قُنْيَةِ الْمُنْيَةِ ا هـ .
إلَّا أَنَّ فِيهِ نَوْعَ إشْكَالٍ لِمَا قَالُوا أَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَفْعَلُ خِلَافَ السُّنَّةِ ، وَالسُّنَّةُ أَنْ لَا يَطَأَ الْمُطَلَّقَةَ طَلَاقًا رَجْعِيًّا قَبْلَ رَجْعَتِهَا بِالْقَوْلِ فَمَا وَجْهُ حَمْلِهِ هَهُنَا عَلَى هَذَا مَعَ حَمْلِهِمْ إيَّاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَحَلِّ عَلَى عَدَمِ مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ .
( تَنْبِيهٌ ) : لَا يَثْبُتُ الْبَيَانُ فِي الطَّلَاقِ بِالْمُقَدِّمَاتِ كَمَا فِي الزِّيَادَاتِ .
وَقَالَ الْكَرْخِيُّ : يَثْبُتُ بِالتَّقْبِيلِ كَمَا يَحْصُلُ بِالْوَطْءِ كَذَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : كَبَيْعٍ ) شَامِلٌ لِمَا فِيهِ الْخِيَارُ لِأَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ ، وَلِلْفَاسِدِ بِدُونِ قَبْضٍ عَلَى الصَّحِيحِ كَمَا فِي الْفَتْحِ ، وَالْإِيصَاءُ ، وَالْإِجَارَةُ ، وَالتَّزْوِيجُ ، وَالْعَرْضُ عَلَى الْبَيْعِ كَالْبَيْعِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ : وَتَدْبِيرٍ ) كَذَا الْكِتَابَةُ ، وَالتَّحْرِيرُ بَيَانٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَسَوَاءٌ كَانَ التَّحْرِيرُ مُنَجَّزًا أَوْ مُعَلَّقًا كَمَا فِي التَّبْيِينِ ، وَالْمُرَادُ بِالْمُنَجَّزِ مَا لَا نِيَّةَ لَهُ فِيهِ فَإِنْ قَالَ عَنَيْت بِهِ الَّذِي لَزِمَنِي بِقَوْلِي : أَحَدُكُمَا حُرٌّ صُدِّقَ قَضَاءً ، وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ : أَعْتَقْتُك عَلَى اخْتِيَارِ الْعِتْقِ أَيْ اخْتَرْت عِتْقَك كَذَا فِي الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ : وَهِبَةٍ وَصَدَقَةٍ مُسَلَّمَتَيْنِ ) هَذَا الْقَيْدُ اتِّفَاقِيٌّ لِمَا قَالَ الزَّيْلَعِيُّ عَنْ الْكَافِي : ذِكْرُ التَّسْلِيمِ فِي الْهِبَةِ وَالصَّدَقَةِ فِي الْهِدَايَةِ وَقَعَ اتِّفَاقًا يَعْنِي لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ .
وَقَالَ الْكَمَالُ : قَالُوا ذِكْرُ الْإِقْبَاضِ تَوْكِيدٌ لَا لِلشَّرْطِ لِمَا فِي الْمَبْسُوطِ ، وَالْمُحِيطِ وَغَيْرِهِمَا : أَنَّ الْبَيَانَ بِاعْتِبَارِ دَلَالَةِ تَصَرُّفٍ يَخْتَصُّ

بِالْمِلْكِ قَوْلُهُ : وَلِلْعِتْقِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ بِالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ ) أَيْ وَلَمْ تَبْقَ مَحَلًّا لِلْعِتْقِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَهُوَ الْعِتْقُ الْمُلْتَزَمِ بِقَوْلِهِ : أَحَدُكُمَا حُرٌّ ، فَإِنَّ حَاصِلَهُ تَعْلِيقٌ كَامِلٌ بِالْبَيَانِ ، وَبِالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ لَمْ يَبْقَ عِتْقُهُ عِتْقًا كَامِلًا لِاسْتِحْقَاقِهِ الْعِتْقَ عِنْدَ الْمَوْتِ فَتَعَيَّنَ الْآخَرُ ، كَذَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : لَا وَطْءَ فِيهِ ) قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ عُلُوقٌ أَمَّا لَوْ عَلِقَتْ عَتَقَتْ الْأُخْرَى اتِّفَاقًا ، كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : وَعِنْدَهُمَا بَيَانٌ ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ عُلُوقٌ وَبِهِ يُفْتَى ، كَمَا فِي الْبُرْهَانِ .

( وَبِالْأَوَّلِ وَلَدٌ ) أَيْ بِقَوْلِهِ لِأَمَتِهِ أَوَّلُ وَلَدٍ ( تَلِدِينَهُ لَوْ ) كَانَ ( ابْنًا ) إشَارَةٌ بِزِيَادَةِ لَوْ فِي الْعِبَارَةِ إلَى أَنَّ عِبَارَةَ الْوِقَايَةِ لَا تَسْتَقِيمُ بِدُونِهَا ( فَأَنْتِ حُرَّةٌ إنْ وَلَدْت ابْنًا وَبِنْتًا وَلَمْ يَدْرِ الْأَوَّلَ عَتَقَ نِصْفُ الْأُمِّ وَ ) نِصْفُ ( الْبِنْتِ ، وَالِابْنُ عَبْدٌ ) ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ يَعْتِقُ فِي حَالٍ وَهُوَ مَا إذَا وَلَدَتْ الْغُلَامَ أَوَّلَ مَرَّةٍ ، الْأُمُّ بِالشَّرْطِ وَالْبِنْتُ بِتَبَعِيَّتِهَا لِكَوْنِهَا حُرَّةً حِينَ وَلَدَتْهَا ، وَتُرَقُّ فِي حَالٍ وَهُوَ مَا إذَا وَلَدَتْ الْبِنْتَ أَوَّلًا لِعَدَمِ الشَّرْطِ فَيَعْتِقُ نِصْفُ كُلِّ وَاحِدَةٍ وَتَسْعَى فِي النِّصْفِ وَأَمَّا الِابْنُ فَيُرَقُّ فِي الْحَالَيْنِ .

( قَوْلُهُ : أَشَارَ بِزِيَادَةِ لَوْ فِي الْعِبَارَةِ

إلَخْ ) قِيلَ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ جُمْلَةَ تَلِدِينَهُ ابْنًا وَقَعَتْ صِفَةً لِوَلَدٍ فَيَنْحَلُّ الْكَلَامُ إلَى قَوْلِك : أَوَّلُ وَلَدٍ مَوْصُوفٍ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَانْظُرْ هَلْ لِقَوْلِك فَأَنْتِ حُرَّةٌ ارْتِبَاطٌ بِمَا قَبْلَهُ بِوَجْهٍ ، بِخِلَافِ مَا إذَا قُدِّرَتْ أَدَاةُ الشَّرْطِ كَإِنْ وَلَوْ فَقُلْت أَوَّلُ وَلَدٍ تَلِدِينَهُ إنْ ابْنًا لَوْ ابْنًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَإِنَّهُ يَرْتَبِطُ بِمَا قَبْلَهُ عَلَى الْجَزَائِيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ يَنْحَلُّ إلَى قَوْلِك : أَوَّلُ وَلَدٍ مَوْصُوفٍ بِالْوِلَادَةِ إنْ كَانَ ابْنًا فَأَنْتِ حُرَّةٌ وَبِهَذَا سَقَطَ مَا قِيلَ وَجْهُ الْفَسَادِ إنْ كَانَ عَدَمُ وُجُودِ الرَّابِطِ فِي جُمْلَةِ الْخَبَرِ فَقَدْ يُسْتَغْنَى عَنْهُ بِنَاءً عَلَى ظُهُورِهِ تَقْدِيرُهُ كَعِنْدِ وِلَادَتِهِ وَنَحْوِهِ ، وَإِنْ كَانَ وُجُودُ الْفَاءِ فِي الْخَبَرِ فَقَدْ يَجُوزُ دُخُولُهُ عَلَى قِلَّةٍ وَقَائِلَةُ خَوْلَانَ فَانْكِحْ فَتَاتَهُمْ خُصُوصًا إذَا كَانَ الْمُبْتَدَأُ نَكِرَةً مَوْصُوفَةً بِجُمْلَةٍ عَلَى مَا بُيِّنَ فِي مَحِلِّهِ هَذَا مَا تَيَسَّرَ لِي ا هـ .
قَالَهُ فَاضِلٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَفِي حُكْمِهِ بِالسُّقُوطِ بِمَا ذَكَرَهُ تَأَمُّلٌ .
( قَوْلُهُ : عَتَقَ نِصْفُ الْأُمِّ وَنِصْفُ الْأُنْثَى ) هَذَا إذَا تَصَادَقَا عَلَى عَدَمِ مَعْرِفَةِ الْمَوْلُودِ الْأَوَّلِ وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ : أَحَدُهَا مَا تَقَدَّمَ ثَانِيهَا أَنْ يَتَصَادَقَا عَلَى أَوَّلِيَّةِ الْغُلَامِ فَتَعْتِقُ الْأُمُّ ، وَالْبِنْتُ دُونَهُ ، ثَالِثُهَا أَنْ يَتَصَادَقَا عَلَى أَوَّلِيَّةِ الْبِنْتِ فَلَا يَعْتِقُ أَحَدٌ ، رَابِعُهَا أَنْ تَدَّعِيَ الْأُمُّ أَوَّلِيَّةَ الْغُلَامِ وَالْبِنْتُ صَغِيرَةٌ وَيُنْكِرَ الْمَوْلَى فَإِنْ حَلَفَ عَلَى نَفْيِ الْعِلْمِ لَمْ يَعْتِقْ أَحَدٌ مِنْهُمَا ، خَامِسُهَا : أَنْ تُقِيمَ الْأَمُّ بَيِّنَةً بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى أَوَّلِيَّتِهِ فَتَعْتِقَا ، سَادِسُهَا : أَنْ تَدَّعِيَ الْأُمُّ كَمَا تَقَدَّمَ وَيَنْكُلَ عَلَى الْيَمِينِ فَتَعْتِقَا ، سَابِعُهَا : أَنْ تَدَّعِيَ الْأُمُّ أَوَّلِيَّةَ الْغُلَامِ وَالْبِنْتُ كَبِيرَةٌ

وَلَمْ تَدَّعِ شَيْئًا مِنْ الْحُرِّيَّةِ لِنَفْسِهَا ، وَيَنْكُلَ فَتَعْتِقُ الْأُمُّ خَاصَّةً ، ثَامِنُهَا : أَنْ تُقِيمَ الْأُمُّ بَيِّنَةً وَالْبِنْتُ سَاكِتَةٌ فَتَعْتِقُ الْأُمُّ دُونَهَا ، تَاسِعُهَا : أَنْ تَدَّعِيَا أَوَّلِيَّتَهُ وَيَنْكُلَ فَتَعْتِقَا .
عَاشِرُهَا : أَنْ يُقِيمَا بَيِّنَةً بِأَوَّلِيَّةٍ فَتَعْتِقَا ، حَادِيَ عَشَرَهَا أَنْ تُقِيمَ الْبِنْتُ بَيِّنَةً بِأَوَّلِيَّتِهِ وَالْأُمُّ سَاكِتَةٌ فَتَعْتِقُ دُونَهَا ثَانِيَ ، عَشَرَهَا أَنْ تَدَّعِيَ كَذَلِكَ وَيَنْكُلَ فَتَعْتِقُ دُونَ أُمِّهَا كَمَا يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِنْ الْبُرْهَانِ بِفَتْحِ الْقَدِيرِ .
( قَوْلُهُ : عَتَقَ نِصْفُ الْأُمِّ وَالْبِنْتِ ) كَذَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ ، وَالْمَذْكُورُ لِمُحَمَّدٍ فِي الْكَيْسَانِيَّاتِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِعِتْقِ وَاحِدَةٍ وَصَحَّحَ فِي النِّهَايَةِ مَا فِي الْكَيْسَانِيَّاتِ وَحَقِيقَتُهُ إبْطَالُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ مَعَ أَنَّهُ لَمْ تَرِدْ عَنْهُمَا رِوَايَةٌ شَاذَّةٌ تُخَالِفُ ذَلِكَ الْجَوَابَ ، كَذَا فِي الْفَتْحِ .

( شَهِدَا ) أَيْ شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى زَيْدٍ ( بِعِتْقِ أَحَدِ مَمْلُوكَيْهِ ) عَبْدَيْنِ كَانَا أَوْ أَمَتَيْنِ ( لَغَتْ الشَّهَادَةُ فِي الصُّورَتَيْنِ ) عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى عِتْقِ الْعَبْدِ لَا تُقْبَلُ بِلَا دَعْوَى الْعَبْدِ عِنْدَهُ وَلَا دَعْوَى مِنْهُ هَاهُنَا لِكَوْنِهِ مَجْهُولًا ، وَعِنْدَهُمَا تُقْبَلُ بِلَا دَعْوَى فَلَا تَلْغُو .
وَأَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّ الدَّعْوَى وَإِنْ لَمْ تَكُنْ شَرْطًا فِي حَقِّ الْأَمَةِ لَكِنْ الشَّهَادَةُ عَلَى الْعِتْقِ الْمُبْهَمِ مَرْدُودَةٌ ، كَمَا فِي أَحَدِ الْعَبْدَيْنِ ( إلَّا أَنْ تَكُونَ ) شَهَادَتُهُمَا ( فِي وَصِيَّةٍ ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ إذَا شَهِدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَوْ شَهِدَا عَلَى تَدْبِيرِهِ فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ وَأَدَّيَا الشَّهَادَةَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ أَوْ بَعْدَ الْوَفَاةِ تُقْبَلُ اسْتِحْسَانًا ؛ لِأَنَّ التَّدْبِيرَ حَيْثُمَا وَقَعَ وَقَعَ وَصِيَّةً وَكَذَا الْعِتْقُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَصِيَّةٌ ، وَالْخَصْمُ فِي الْوَصِيَّةِ إنَّمَا هُوَ الْمُوصِي وَهُوَ مَعْلُومٌ وَعَنْهُ خَلَفٌ ، وَهُوَ الْوَصِيُّ أَوْ الْوَارِثُ أَقُولُ مُرَادُهُ أَنَّ مُقْتَضَى الْقِيَاسِ أَنْ تَلْغُوَ هَذِهِ الشَّهَادَةُ أَيْضًا لِجَهَالَةِ الْمُدَّعِي لَكِنَّهَا تُقْبَلُ اسْتِحْسَانًا لِوُجُودِ الْمُدَّعِي تَقْرِيرًا وَمُدَّعًى عَلَيْهِ تَحْقِيقًا ؛ لِأَنَّ هَذَا وَصِيَّةٌ ، وَالْخَصْمُ فِي الْوَصِيَّةِ هُوَ الْمُوصِي ؛ لِأَنَّ نَفْعَهُ يَعُودُ إلَيْهِ فَيَكُونُ مُدَّعِيًا تَقْدِيرًا وَعَنْهُ خَلَفٌ يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الْمُخَاصَمَاتِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ الْوَصِيُّ أَوْ الْوَارِثُ فَيَكُونُ كُلٌّ مِنْهُمَا مُدَّعًى عَلَيْهِ تَحْقِيقًا فَكَأَنَّ الْمُوصِيَ ادَّعَى عَلَى أَحَدِهِمَا حَقَّهُ وَأَقَامَ الشَّاهِدَيْنِ فَيَكُونُ الْمُوصِي مُدَّعِيًا مِنْ وَجْهٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ مِنْ آخَرَ فَاضْمَحَلَّ بِهَذَا الْحَلِّ مَا قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ الدَّلِيلُ الْأَوَّلُ مُشْكِلٌ ؛ لِأَنَّ التَّنَازُعَ فِيهِ مَا إذَا أَنْكَرَ الْمَوْلَى تَدْبِيرَ أَحَدِ عَبْدَيْهِ أَوْ الْوَارِثُ يُنْكِرُ ذَلِكَ بَعْدَ مَوْتِ

الْمُوَرِّثِ ، وَالْعَبْدَانِ يُرِيدَانِ إثْبَاتَهُ فَكَيْفَ يُقَالُ إنَّ الْمُدَّعِيَ هُوَ الْمُوصِي أَوْ نَائِبُهُ ؛ لِأَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْمُتَنَازَعَ فِيهِ مَا ذُكِرَ بَلْ إنْكَارُ الْمَوْلَى تَدْبِيرَ أَحَدِ عَبْدَيْهِ وَإِرَادَةُ الْعَبْدَيْنِ إثْبَاتَهُ لَيْسَ إلَّا فِيمَا إذَا شَهِدَا فِي صِحَّةِ الْمَوْلَى عَلَى أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ كَيْفَ لَا ، وَقَدْ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ : وَهَذَا كُلُّهُ إذَا شَهِدَا فِي صِحَّتِهِ عَلَى أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ وَقَالَ بَعْدَهُ : أَمَّا إذَا أَشْهَدَا أَنَّهُ أَعْتَقَ أَحَدَ عَبْدَيْهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ
إلَخْ وَأَيْضًا لَمْ يَقُلْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ : إنَّ الْمُدَّعِيَ هُوَ الْمُوصِي أَوْ نَائِبُهُ بَلْ جَعَلَ الْمُوصِيَ مُدَّعِيًا وَنَائِبَهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ كَمَا بَيَّنَّا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرْنَا مَا قَالَ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ لَمَّا كَانَ الْعِتْقُ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ أَوْ التَّدْبِيرِ وَصِيَّةً كَانَ الْمَقْضِيُّ لَهُ مَعْلُومًا ؛ لِأَنَّ الْخَصْمَ فِي تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ هُوَ الْمُوصِي وَهُوَ مَعْلُومٌ ، وَعَنْهُ خَلَفٌ وَهُوَ الْوَصِيُّ أَوْ الْوَارِثُ فَقُبِلَتْ الشَّهَادَةُ بِخِلَافِ حَالِ الْحَيَاةِ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ لِلْعَبْدِ لَا لِلْمَوْلَى ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى لَا يَدَّعِي ، وَالْعَبْدُ الَّذِي وَقَعَتْ الشَّهَادَةُ لَهُ مَجْهُولٌ وَأَعْجَبُ مِنْ قَوْلِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ مَا قَالَ فِي الْكَافِي وَتَبِعَهُ الزَّيْلَعِيُّ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْعِتْقَ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ وَصِيَّةٌ حَتَّى اُعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ ، وَالتَّدْبِيرُ وَصِيَّةٌ سَوَاءٌ كَانَ فِي الصِّحَّةِ أَوْ فِي مَرَضِ الْمَوْتِ ، وَالْخَصْمُ فِي تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ هُوَ الْمُوصِي ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ تَنْفِيذِ الْوَصِيَّةِ لِحَقِّهِ وَنَفْعُهُ يَعُودُ إلَيْهِ وَإِنْكَارُهُ مَرْدُودٌ ؛ لِأَنَّهُ سَفَهٌ وَهُوَ مَعْلُومٌ وَعَنْهُ خَلَفٌ وَهُوَ الْوَصِيُّ أَوْ الْوَارِثُ فَتَتَحَقَّقُ الدَّعْوَى مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ وَصِيِّهِ أَوْ وَارِثِهِ فَإِنَّهُ غَيْرُ صَحِيحٍ أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ إنْكَارَ الْمَوْلَى لَيْسَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بَلْ فِيمَا إذَا شَهِدَا فِي صِحَّةِ

الْمَوْلَى كَمَا مَرَّ .
وَأَمَّا ثَانِيًا فَلِأَنَّ تَحَقُّقَ الدَّعْوَى مِنْ الْوَارِثِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ غَيْرُ مَعْقُولٍ أَصْلًا ؛ لِأَنَّهُ إذَا قَالَ : أَعْتَقَ مُوَرِّثِي أَحَدَ عَبْدَيْهِ كَانَ إقْرَارًا لَا دَعْوَى فَلَا يُحْتَاجُ إلَى الشَّاهِدِ فَلْيُتَأَمَّلْ فِي هَذَا الْمَقَامِ فَإِنَّهُ مِنْ مَزَالِقِ الْأَقْدَامِ وَاَللَّهُ الْهَادِي إلَى سَوَاءِ السَّبِيلِ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ( أَوْ طَلَاقٍ مُبْهَمٍ ) بِأَنْ قَالَ لِامْرَأَتَيْهِ : إحْدَاكُمَا طَالِقٌ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ فِيهِ تُقْبَلُ بِلَا دَعْوَى لِتَضَمُّنِهِ تَحْرِيمَ الْفَرْجِ فَيَكُونُ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الدَّعْوَى إجْمَاعًا
( قَوْلُهُ : أَيْ شَهِدَ رَجُلَانِ عَلَى زَيْدٍ بِعِتْقِ أَحَدِ مَمْلُوكَيْهِ لَغَتْ ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُمَا لَوْ شَهِدَا بَعْدَ مَوْتِهِ أَنَّهُ قَالَ فِي صِحَّتِهِ : أَحَدُكُمَا حُرٌّ تُقْبَلُ ، وَهُوَ الْأَصَحُّ اعْتِبَارًا لِلشُّيُوعِ ، كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : وَأَدَّيَا الشَّهَادَةَ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ
إلَخْ ) .
أَقُولُ نَصَّ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ عَلَى أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ فِي حَالِ الْحَيَاةِ ، وَلَا وَجْهَ لِمَا جَعَلَهُ شَارِحُ الْهِدَايَةِ وَجْهًا لِقَبُولِهَا حَالَ الْحَيَاةِ ، وَقَدْ بَيَّنْته بِرِسَالَةٍ مُهِمَّةٍ .
قَوْلُهُ : أَوْ طَلَاقٍ مُبْهَمٍ ) قَالَ فِي الْهِدَايَة : وَيُجْبَرُ عَلَى أَنْ يُطَلِّقَ إحْدَاهُنَّ ا هـ .
وَلَعَلَّ الْمُرَادَ يُجْبَرُ عَلَى الْبَيَانِ لَا أَنَّهُ يُنْشِئُ الطَّلَاقَ فِي إحْدَاهُنَّ .

( بَابُ الْحَلِفِ بِالْعِتْقِ ) .
( قَالَ : إنْ دَخَلْتُ هَذِهِ الدَّارَ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ لِي يَوْمَئِذٍ حُرٌّ ) أَيْ يَوْمَ أَدْخُلُهَا ( عَتَقَ مَنْ لَهُ وَقْتَ الدُّخُولِ مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَمْلُوكٌ فَاشْتَرَاهُ ثُمَّ دَخَلَ أَوْ كَانَ فِي مِلْكِهِ فِي مَمْلُوكٍ يَوْمَ حَلِفِهِ فَبَقِيَ عَلَى مِلْكِهِ حَتَّى دَخَلَ ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ قِيَامُ الْمِلْكِ وَقْتَ الدُّخُولِ وَهُوَ حَاصِلٌ فِيهِمَا ( وَبِلَا يَوْمَئِذٍ مَنْ لَهُ يَوْمَ حَلِفِهِ فَقَطْ ) أَيْ إنْ لَمْ يَقُلْ فِي يَمِينِهِ يَوْمَئِذٍ بَلْ قَالَ : إنْ دَخَلْتُ الدَّارَ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ لَا يَعْتِقُ مَنْ مَلَكَهُ بَعْدَ الْيَمِينِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِلْحَالِ ، وَالْجَزَاءُ حُرِّيَّةُ الْمَمْلُوكِ فِي الْحَالِ إلَّا أَنَّهُ بِدُخُولِ الشَّرْطِ عَلَيْهِ تَأَخَّرَ إلَى وُجُودِ الشَّرْطِ فَيَعْتِقُ إذَا بَقِيَ عَلَى مِلْكِهِ إلَى وُجُودِ الشَّرْطِ وَهُوَ الدُّخُولُ وَلَا يَتَنَاوَلُ مَنْ اشْتَرَاهُ بَعْدَهُ لِعَدَمِ الْإِضَافَةِ إلَى الْمِلْكِ نَحْوَ إنْ مَلَكْتُ أَوْ سَبَبِهِ نَحْوَ : إنْ اشْتَرَيْتُ ( كَذَا ) أَيْ إذَا قَالَ ( كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي أَوْ ) قَالَ كُلُّ ( مَا أَمْلِكُهُ حُرٌّ بَعْدَ غَدٍ ) وَلَهُ فِي الصُّورَتَيْنِ مَمْلُوكٌ فَاشْتَرَى آخَرَ ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ غَدٍ ( أَوْ ) قَالَ : كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي أَوْ أَمْلِكُهُ حُرٌّ ( بَعْدَ مَوْتِي ) وَلَهُ مَمْلُوكٌ فَاشْتَرَى آخَرَ حَيْثُ ( يَتَنَاوَلُ ) الْعِتْقُ ، وَالتَّدْبِيرُ ( مَنْ مَلَكَهُ مُذْ حَلَفَ فَقَطْ ) وَلَا يَتَنَاوَلَانِ مَنْ يَشْتَرِيهِ بَعْدَ الْيَمِينِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي لِلْحَالِ وَكَذَا كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ وَلِهَذَا يُسْتَعْمَلُ فِيهِ بِلَا قَرِينَةٍ وَفِي الِاسْتِقْبَالِ بِقَرِينَةِ السِّينِ أَوْ سَوْفَ فَيَنْصَرِفُ مُطْلَقُهُ إلَى الْحَالِ فَكَانَ الْجَزَاءُ حُرِّيَّةَ الْمَمْلُوكِ أَوْ تَدْبِيرَهُ فِي الْحَالِ فَلَا يَتَنَاوَلُ مَا يَشْتَرِيهِ بَعْدَ الْيَمِينِ ( لَكِنْ بِمَوْتِهِ ) أَيْ بِمَوْتِ الْمَوْلَى ( عَتَقَا ) أَيْ مَنْ مَلَكَ بَعْدَ الْيَمِينِ وَقَبْلَهُ ( مِنْ ثُلُثِهِ ) .
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : لَا

يَعْتِقُ مَنْ مَلَكَهُ بَعْدَ الْيَمِينِ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ لِلْحَالِ كَمَا مَرَّ فَلَا يَتَنَاوَلُ مَا سَيَمْلِكُهُ وَلِهَذَا صَارَ مَنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْيَمِينِ مُدَبَّرًا دُونَ الْآخَرِ ، وَلَهُمَا أَنَّ هَذَا إيجَابُ عِتْقٍ بِطَرِيقِ الْوَصِيَّةِ حَتَّى اُعْتُبِرَ مِنْ الثُّلُثِ ، وَالْوَصِيَّةُ إنَّمَا تَقَعُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَيَكُونُ الْمَقْصُودُ مِنْهَا حَالَ الْمَوْتِ أَلَا يُرَى أَنَّ مَنْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ أَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ وَاسْتَحْدَثَ غَيْرَهُ يَتَنَاوَلهُمَا إذَا بَقِيَا فِي مِلْكِهِ إلَى الْمَوْتِ ( الْمَمْلُوكُ ) أَيْ لَفْظُ الْمَمْلُوكِ ( لَا يَتَنَاوَلُ الْحَمْلَ ) ؛ لِأَنَّ مُتَنَاوَلَهُ الْمَمْلُوكُ الْمُطْلَقُ ، وَالْحَمْلُ مَمْلُوكٌ تَبَعًا لِأُمِّهِ وَلِهَذَا لَمْ يَصِحَّ إعْتَاقُهُ عَنْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَلِأَنَّهُ عُضْوٌ مِنْ وَجْهٍ وَاسْمُ الْمَمْلُوكِ يَتَنَاوَلُ الْأَنْفُسَ لَا الْأَعْضَاءَ ( فَلَا يَعْتِقُ حَمْلُ جَارِيَةِ مَنْ قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي ذَكَرٍ فَهُوَ حُرٌّ ) قَيَّدَ بِالذَّكَرِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَطْلَقَ عَتَقَتْ الْأُمُّ فَيَعْتِقُ الْحَمْلُ تَبَعًا ( وَ ) الْمَمْلُوكُ ( لَا ) يَتَنَاوَلُ ( الْمُكَاتَبَ ) أَيْضًا ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَمْلُوكٍ مُطْلَقًا ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ يَدًا .

( بَابُ الْحَلِفِ بِالْعِتْقِ ) الْحَلِفُ : بِالْكَسْرِ مَصْدَرٌ سَمَاعِيٌّ ، وَلَهُ مَصْدَرٌ آخَرُ أَعْنِي حَلْفًا بِالْإِسْكَانِ ، يُقَالُ : حَلِفًا وَحَلْفًا ، وَتَدْخُلُهُ التَّاءُ لِلْمَرَّةِ ، كَقَوْلِ الْفَرَزْدَقِ أَلَمْ تَرَنِي عَاهَدْت رَبِّي وَإِنَّنِي لَبَيْنَ رِتَاجٍ قَائِمًا وَمَقَامِ عَلَى حَلْفَةٍ لَا أَشْتُمُ الدَّهْرَ مُسْلِمًا وَلَا خَارِجًا مِنْ فِي زُورُ كَلَامِ ، وَالْمُرَادُ بِالْحَلِفِ تَعْلِيقُهُ بِشَرْطٍ ، كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : قَالَ إنْ دَخَلْتُ ) الْمُرَادُ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ التَّنْجِيزِ لِمَا قَالَ فِي الْبُرْهَانِ لَوْ قَالَ عَبْدٌ أَوْ مُكَاتَبٌ مَا سَأَمْلِكُهُ حُرٌّ فَعَتَقَ فَمَلَكَ عَبْدًا فَهُوَ قِنٌّ عِنْدَهُ ؛ لِأَنَّ مَنْ لَيْسَ أَهْلًا لِتَنْجِيزِ الْعِتْقِ لَيْسَ أَهْلًا لِتَعْلِيقِهِ ، وَحَكَمَا بِعِتْقِهِ ؛ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ بِالشَّرْطِ كَالْمُنَجَّزِ عِنْدَ وُجُودِهِ ا هـ .
وَقَالَ الْكَمَالُ : فِي بَابِ التَّدْبِيرِ لَوْ قَالَ الْعَبْدُ أَوْ الْمُكَاتَبُ إذَا أُعْتِقْت فَكُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ حُرٌّ فَعَتَقَ فَمَلَكَ مَمْلُوكًا عَتَقَ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَالَ : كُلُّ مَمْلُوكٍ أَمْلِكُهُ إلَى خَمْسِينَ سَنَةً فَهُوَ حُرٌّ فَعَتَقَ قَبْلَ ذَلِكَ فَمَلَكَهُ لَا يَعْتِقُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا يَعْتِقُ ا هـ .
فَلْيُتَنَبَّهْ لَهُ فَإِنَّهُ دَقِيقٌ .
( قَوْلُهُ : فَهُوَ حُرٌّ ) ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَلَا حَاجَةَ إلَى لَفْظَةِ فَهُوَ ( قَوْلُهُ : وَقْتَ الدُّخُولِ ) عَدَلَ إلَى لَفْظَةِ وَقْتَ عَنْ لَفْظَةِ يَوْمَ لِيُفِيدَ أَنَّ لَفْظَ الْيَوْمِ مُرَادٌ بِهِ الْوَقْتَ حَتَّى لَوْ دَخَلَ لَيْلًا عَتَقَ مَا فِي مِلْكِهِ ؛ لِأَنَّهُ أُضِيفَ إلَى فِعْلٍ لَا يَمْتَدُّ وَهُوَ الدُّخُولُ فِي الْمِلْكِ قَوْلُهُ : كَذَا ) أَيْ يَعْتِقُ مَنْ فِي مِلْكِهِ دُونَ مَا سَيَمْلِكُهُ إذَا قَالَ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي أَوْ قَالَ كُلُّ مَا أَمْلِكُهُ حُرٌّ بَعْدَ غَدٍ فَلَا يَتَنَاوَلُ مَنْ يَشْتَرِيهِ بَعْدَ الْحَلِفِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ : أَمْلِكُهُ لِلْحَالِ حَقِيقَةً يُقَالُ أَنَا أَمْلِكُ كَذَا وَكَذَا وَيُرَادُ بِهِ الْحَالُ وَلِذَا اُسْتُعْمِلَ لَهُ مِنْ غَيْرِ قَرِينَةٍ ، وَفِي الِاسْتِقْبَالِ بِقَرِينَةِ

السِّينِ أَوْ سَوْفَ فَيَكُونُ مُطْلَقُهُ لِلْحَالِ فَكَانَ الْجَزَاءُ حُرِّيَّةَ الْمَمْلُوكِ فِي الْحَالِ مُضَافًا إلَى مَا بَعْدَ الْغَدِ ، وَلَا يَتَنَاوَلُ مَا يَشْتَرِيهِ بَعْدَ الْيَمِينِ ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ أَحَدُ الْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ لِأَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ ؛ لِأَنَّهُ مَذْهَبُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْهُمْ ، كَذَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : حَيْثُ يَتَنَاوَلُ الْعِتْقُ ) أَيْ فِي صُورَةِ قَوْلِهِ : كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي أَوْ أَمْلِكُهُ حُرٌّ بَعْدَ غَدٍ مَنْ مَلَكَهُ مُذْ حَلَفَ فَقَطْ ، وَلَا يَتَنَاوَلُ مَنْ يَشْتَرِيهِ بَعْدَهُ كَمَا قَدَّمْنَاهُ .
( قَوْلُهُ : وَالتَّدْبِيرُ ) أَيْ فِي صُورَةِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي أَوْ أَمْلِكُهُ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي مَنْ مَلَكَهُ مُذْ حَلَفَ فَقَطْ لَا مَنْ مَلَكَهُ بَعْدَ الْحَلِفِ فَاَلَّذِي كَانَ عِنْدَهُ مُدَبَّرٌ مُطْلَقٌ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ وَاَلَّذِي يَشْتَرِيهِ مُدَبَّرٌ مُقَيَّدٌ يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ مَوْتِ سَيِّدِهِ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ قَوْلَهُ : كُلُّ مَمْلُوكٍ لِلْحَالِ ) قَالَ الْكَمَالُ : وَوَجْهُ كَوْنِ كُلِّ مَمْلُوكٍ حَالًّا أَنَّ الْمُخْتَارَ فِي الْوَصْفِ مِنْ اسْمِ الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولِ أَنَّ مَعْنَاهُ قَائِمٌ حَالَ التَّكَلُّمِ بِمَنْ نُسِبَ إلَيْهِ عَلَى وَجْهِ قِيَامِهِ بِهِ أَوْ وُقُوعِهِ عَلَيْهِ ، وَاللَّامُ لِلِاخْتِصَاصِ أَيْ لِاخْتِصَاصِ مَنْ جَرَتْ مَعْنَى مُتَعَلِّقِهَا إلَيْهِ بِهِ أَيْ بِمَعْنَى الْمُتَعَلِّقِ وَهُوَ مَمْلُوكٌ فَلَزِمَ مِنْ التَّرْكِيبِ اخْتِصَاصُ يَاءِ الْمُتَكَلِّمِ بِالْمُتَّصِفِ بِالْمَمْلُوكِيَّةِ لِلْحَالِ وَهِيَ أَثَرُ مِلْكِهِ فَيَلْزَمُ قِيَامُ مِلْكِهِ فِي الْحَالِ ضَرُورَةَ اتِّصَافِهِ بِأَثَرِهَا فِي الْحَالِ وَإِلَّا ثَبَتَ الْأَثَرُ بِلَا مُؤَثِّرٍ ( قَوْلُهُ : لَكِنْ بِمَوْتِهِ ) أَيْ مَوْتِ الْمَوْلَى عَتَقَا مِنْ ثُلُثِهِ فَإِنْ خَرَجَا مِنْهُ فَبِهَا وَإِنْ ضَاقَ عَنْهُمَا يُضْرَبُ كُلٌّ مِنْهُمَا فِيهِ بِقِيمَتِهِ ، وَهَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ عَنْ الْكُلِّ أَيْ الْإِمَامِ وَصَاحِبَيْهِ ، كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَعْتِقُ مَنْ

مَلَكَهُ بَعْدَ الْيَمِينِ ) لَيْسَ الظَّاهِرُ عَنْهُ بَلْ رِوَايَةُ النَّوَادِرِ عَنْهُ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْهِدَايَةِ بِقَوْلِهِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي النَّوَادِرِ
إلَخْ ، وَكَذَا فِي الْفَتْحِ بَعْدَ حِكَايَتِهِ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ عِتْقِ الْجَمِيعِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ عَنْ الْكُلِّ فَكَانَ يَنْبَغِي لِلْمُصَنِّفِ بَيَانُهُ ( قَوْلُهُ : وَلِهَذَا صَارَ مَنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ وَقْتَ الْيَمِينِ مُدَبَّرًا ) أَيْ فِي الْحَالِ دُونَ الْآخَرِ ، كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : وَلَهُمَا أَنَّ هَذَا ) أَيْ مَجْمُوعَ التَّرْكِيبِ لَا لَفْظَ أَمْلِكُهُ فَقَطْ ، كَمَا فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ ، كَذَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : وَالْوَصِيَّةُ إنَّمَا تَقَعُ بَعْدَ الْمَوْتِ ) أَيْ إنَّمَا تَقَعُ مُعْتَبَرَةً فِي التَّعْلِيقِ بِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ ؛ لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِي الْوَصَايَا الْحَالَّةُ الْمُنْتَظَرَةُ ، وَالْحَالَّةُ الرَّاهِنَةُ حَتَّى تَعَلَّقَتْ بِمَا كَانَ مَوْجُودًا وَمَا سَيَكُونُ لِلْمُوصِي ( قَوْلُهُ : قَيَّدَ بِالذَّكَرِ
إلَخْ ) قَالَ الْكَمَالُ : هَذَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ لَفْظَةَ مَمْلُوكٍ إمَّا لِذَاتٍ مُتَّصِفَةٍ بِالْمَمْلُوكِيَّةِ وَقَيْدُ التَّذْكِيرِ لَيْسَ جُزْءًا لِمَفْهُومٍ وَإِنْ كَانَ التَّأْنِيثُ جُزْءَ مَفْهُومِ مَمْلُوكَةٍ فَيَكُونُ مَمْلُوكٌ أَعَمَّ مِنْ مَمْلُوكَةٍ فَالتَّأْنِيثُ فِيهِ عَدَمُ الدَّلَالَةِ عَلَى التَّأْنِيثِ لَا الدَّلَالَةُ عَلَى عَدَمِ التَّأْنِيثِ وَأَمَّا أَنَّ الِاسْتِعْمَالَ اسْتَمَرَّ فِيهِ عَلَى الْأَعَمِّيَّةِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ كَذَلِكَ ا هـ قَوْلُهُ : وَلَا الْمُكَاتَبُ ) قَالَ الْكَمَالُ خِلَافًا لِزُفَرَ وَلَا يَدْخُلُ الْمَمْلُوكُ الْمُشْتَرَكُ كَالْجَنِينِ إلَّا أَنْ يُعَيِّنَهُمْ وَلَا عَبِيدُ عَبْدِهِ التَّاجِرِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ إلَّا أَنْ يَنْوِيَهُمْ سَوَاءٌ كَانَ عَلَى الْعَبْدِ دَيْنٌ أَمْ لَمْ يَكُنْ ، وَفِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ يَعْتِقُونَ نَوَاهُمْ أَوْ لَا عَلَيْهِ دَيْنٌ أَوْ لَا وَعَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ عَتَقُوا إذَا نَوَاهُمْ وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ لَمْ يَعْتِقُوا وَلَوْ نَوَاهُمْ ا هـ .
وَاَللَّهُ

أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ .

( بَابُ الْعِتْقِ عَلَى جُعْلٍ ) هُوَ بِالضَّمِّ مَا يُجْعَلُ لِلْإِنْسَانِ مِنْ شَيْءٍ عَلَى شَيْءٍ يَفْعَلُهُ وَكَذَا الْجِعَالَةُ بِالْكَسْرِ ( أَعْتَقَ ) عَبْدَهُ ( عَلَى مَالٍ أَوْ بِهِ ) بِأَنْ قَالَ أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ أَوْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ( فَقَبِلَ ) الْعَبْدُ ( عَتَقَ ) ؛ لِأَنَّهُ مُعَاوَضَةُ الْمَالِ وَلَوْ بِغَيْرِ الْمَالِ إذْ الْعَبْدُ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ ، وَمُقْتَضَى الْمُعَاوَضَةِ ثُبُوتُ الْحُكْمِ بِقَبُولِ الْعِوَضِ ، كَمَا فِي الْبَيْعِ فَإِذَا قَبِلَ صَارَ حُرًّا ( وَالْمَالُ ) الَّذِي شُرِطَ ( دَيْنٌ ) صَحِيحٌ ( عَلَيْهِ ) لِكَوْنِهِ دَيْنًا عَلَى حُرٍّ ( حَتَّى يَكْفُلَ بِهِ ) وَلَوْ لَمْ يَكُنْ صَحِيحًا لَمَا صَحَّتْ الْكَفَالَةُ بِهِ ( بِخِلَافِ بَدَلِ الْكِتَابَةِ ) حَيْثُ لَمْ تَصِحَّ الْكَفَالَةُ بِهِ ؛ لِأَنَّهُ يَثْبُتُ مَعَ الْمُنَافِي وَهُوَ قِيَامُ الرِّقِّ كَمَا سَيَأْتِي ، وَالْمَالُ يَتَنَاوَلُ النَّقْدَ وَالْعَرْضَ وَالْحَيَوَانَ وَإِنْ لَمْ يُعَيَّنْ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُعَاوَضَةَ الْمَالِ بِغَيْرِهِ شَابَهَ النِّكَاحَ ، وَالطَّلَاقَ وَالصُّلْحَ عَنْ دَمِ الْعَمْدِ وَكَذَا الطَّعَامَ ، وَالْمَكِيلَ ، وَالْمَوْزُونَ إذَا عُلِمَ جِنْسُهُ وَلَا تَضُرُّهُ جَهَالَةُ الْوَصْفِ ؛ لِأَنَّهَا يَسِيرَةٌ ( الْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِالْأَدَاءِ ) بِأَنْ قَالَ مَوْلَاهُ : إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَنْتَ حُرٌّ ( مَأْذُونٌ ) أَيْ عَبْدٌ مَأْذُونٌ لَا يَعْتِقُ إلَّا بِأَدَاءِ الْمَالِ ( لَا مُكَاتَبٌ ) ؛ لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي تَعْلِيقِ الْعِتْقِ بِالْأَدَاءِ وَإِنَّمَا صَارَ مَأْذُونًا ؛ لِأَنَّ الْمَوْلَى رَغَّبَهُ فِي الِاكْتِسَابِ بِطَلَبِهِ الْأَدَاءَ مِنْهُ وَمُرَادُهُ التِّجَارَةُ لَا التَّكَدِّي فَكَانَ إذْنًا لَهُ دَلَالَةٌ ( فَجَازَ بَيْعُهُ ) أَيْ إذَا كَانَ عَبْدًا مَأْذُونًا مُعَلَّقًا عِتْقُهُ بِالْأَدَاءِ لَا مُكَاتَبًا جَازَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَبِيعَهُ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ ( وَلَا يَكُونُ ) الْعَبْدُ ( أَحَقَّ بِمَكَاسِبِهِ ) حَتَّى جَازَ لِلْمَوْلَى أَخْذُهَا مِنْهُ بِلَا رِضَاهُ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ ( وَلَا يَسْرِي ) أَيْ حُكْمُهُ ( إلَى ) الْوَلَدِ ( الْمَوْلُودِ قَبْلَ الْأَدَاءِ )

كَمَا يَسْرِي فِي الْمُكَاتَبِ ( وَعَتَقَ ) الْعَبْدُ ( بِأَدَاءِ كُلِّهِ ) لِوُجُودِ الْمُعَلَّقِ بِهِ ( وَلَوْ ) كَانَ أَدَاؤُهُ ( بِالتَّخْلِيَةِ ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَوْلَى يَعْنِي أَنَّ الْعَبْدَ إذَا أَحْضَرَ الْمَالَ بِحَيْثُ يَتَمَكَّنُ الْمَوْلَى مِنْ قَبْضِهِ وَخُلِّيَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَالِ أَجْبَرَهُ الْحَاكِمُ وَنَزَّلَهُ قَابِضًا وَحُكِمَ بِعِتْقِ الْعَبْدِ قَبَضَ أَوْ لَا ( وَبِبَعْضِهِ لَا ) أَيْ بِأَدَاءِ بَعْضِ الْمَالِ لَا يَعْتِقُ لِانْتِفَاءِ الْمُعَلَّقِ بِهِ ( وَلَوْ أُجْبِرَ ) الْمَوْلَى ( عَلَى الْقَبُولِ ) اعْتِبَارًا لِلْجُزْءِ بِالْكُلِّ ( فَإِنْ كَانَ ) الْمَالُ الَّذِي أَدَّاهُ ( مِمَّا كَسَبَهُ قَبْلَ التَّعْلِيقِ رَجَعَ بِهِ الْمَوْلَى عَلَيْهِ ) ؛ لِأَنَّهُ مِلْكُ الْمَوْلَى ( وَلَوْ ) كَانَ مِمَّا كَسَبَهُ ( بَعْدَهُ ) أَيْ بَعْدَ التَّعْلِيقِ ( لَا ) يَرْجِعُ ؛ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ مِنْ جِهَتِهِ بِالْأَدَاءِ مِنْهُ ( وَعَتَقَ فِي حَالَيْهِ ) أَيْ حَالَ أَدَائِهِ مِنْ كَسْبِهِ قَبْلَ التَّعْلِيقِ أَوْ بَعْدَهُ لِوُجُودِ الشَّرْطِ ( فَإِنْ عَلَّقَ ) الْمَوْلَى ( بِأَنْ ) قَالَ إنْ أَدَّيْت
إلَخْ ( تَقَيَّدَ أَدَاؤُهُ ) أَيْ أَدَاءُ الْعَبْدِ أَوْ أَدَاءُ الْمَالِ ( بِالْمَجْلِسِ ) فَإِنْ أَدَّى فِيهِ عَتَقَ وَإِلَّا فَلَا ؛ لِأَنَّهُ تَخْيِيرٌ كَمَا مَرَّ فِي الطَّلَاقِ ( وَبِإِذَا لَا ) يَتَقَيَّدُ بِهِ ، لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ لِلْوَقْتِ كَمَتَى كَمَا مَرَّ .

( بَابُ الْعِتْقِ عَلَى جُعْلٍ ) .
( قَوْلُهُ : الْجُعْلُ مَا يُجْعَلُ لِلْإِنْسَانِ
إلَخْ ) كَذَا الْجَعِيلَةُ ( قَوْلُهُ : وَكَذَا الْجِعَالَةُ بِالْكَسْرِ ) ، كَذَا فِي الصِّحَاحِ وَفِي دِيوَانِ الْأَدَبِ بِالْفَتْحِ فَيَكُونُ فِيهِ وَجْهَانِ ، كَذَا فِي الْفَتْحِ وَقَالَ فِي الْبَحْرِ : الْجَعَائِلُ جَمْعُ جَعِيلَةٍ أَوْ جَعَالَةٍ بِالْحَرَكَاتِ بِمَعْنَى الْجُعْلِ ، كَذَا فِي الْمُغْرِبِ ، وَالْمُرَادُ هُنَا الْعِتْقُ عَلَى مَالٍ ا هـ .
( قَوْلُهُ : أَعْتَقَ عَلَى مَالٍ أَوْ بِهِ فَقَبِلَ الْعَبْدُ ) يَعْنِي فِي مَجْلِسِ عِلْمِهِ أَوْ مَجْلِسِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا عَلَّقَ بِأَدَائِهِ كَمَا سَنَذْكُرُ وَلَيْسَ لَهُ الْقَبُولُ بَعْدَهُ وَلَا بُدَّ مِنْ قَبُولِهِ الْكُلَّ فَلَمْ يَجُزْ عِنْدَ الْإِمَامِ فِي بَعْضِهِ .
وَقَالَا يَجُوزُ ، وَيَعْتِقُ كُلُّهُ بِالْأَلْفِ بِنَاءً عَلَى تَجَزُّؤِ الْإِعْتَاقِ وَعَدَمِهِ ، كَمَا فِي الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ : ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُعَاوَضَةَ الْمَالِ بِغَيْرِهِ شَابَهَ النِّكَاحَ ) أَيْ فِي أَنَّ الْجَهَالَةَ الْيَسِيرَةَ مُغْتَفَرَةٌ .
( قَوْلُهُ : بِأَنْ قَالَ مَوْلَاهُ : إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَنْتَ حُرٌّ ) فِيهِ تَسَامُحٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْتَضِي الْحَصْرَ بِذَلِكَ إذْ جَمِيعُ أَدَوَاتِ الشَّرْطِ كَذَلِكَ وَقَيَّدَ الْجَوَابَ بِالْفَاءِ إشَارَةً إلَى أَنَّهُ يَتَنَجَّزُ عِتْقُهُ إذَا قَالَهُ بِالْوَاوِ أَوْ لَمْ يَأْتِ بِحَرْفِ عَطْفٍ لِكَوْنِهِ ابْتِدَاءً لَا جَوَابًا ، كَمَا فِي الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ : مَأْذُونٌ ) لَمْ يُشْتَرَطْ قَبُولُهُ هُنَا أَيْ فِيمَا إذَا عُلِّقَ عِتْقُهُ بِأَدَائِهِ إذْ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ وَلَا يَبْطُلُ بِالرَّدِّ .
كَمَا فِي التَّبْيِينِ بِخِلَافِ الْمَسْأَلَةِ السَّابِقَةِ ، وَهِيَ مَا إذَا قَالَ لَهُ : أَنْتَ حُرٌّ عَلَى أَلْفٍ ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ
إلَخْ ) بَقِيَ مَسَائِلُ أُخْرَى يُخَالِفُ فِيهَا الْمُكَاتَبُ إذَا مَاتَ الْعَبْدُ وَتَرَكَ مَالًا لَا يُؤَدَّى مِنْهُ عَنْهُ ، وَلَوْ مَاتَ السَّيِّدُ وَفِي يَدِ الْعَبْدِ كَسْبٌ يُبَاعُ وَلَوْ كَانَتْ أَمَةً وَأَدَّتْ لَمْ يَعْتِقْ وَلَدُهَا تَبَعًا ، وَلَوْ حَطَّ عَنْهُ الْمَوْلَى بَعْضَ

الْبَدَلِ وَأَدَّى الْبَاقِيَ لَا يَعْتِقُ وَيُقْتَصَرُ عَلَى الْمَجْلِسِ إنْ عَلَّقَ بِأَنْ فَلَوْ أَعْرَضَ أَوْ أَخَذَ فِي عَمَلٍ آخَرَ فَأَدَّى لَا يَعْتِقُ وَلِلْمَوْلَى أَخْذُ مَا ظَفِرَ بِهِ مِنْ كَسْبِهِ قَبْلَ أَدَاءِ بَدَلِهِ ، وَإِذَا فَضَلَ عَنْ بَدَلِهِ شَيْءٌ بَعْدَ أَدَائِهِ أَخَذَهُ الْمَوْلَى كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَزَادَ صَاحِبُ الْبَحْرِ مَا إذَا قَالَ سَيِّدُهُ : إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فِي كِيسٍ أَبْيَضَ فَأَدَّاهَا فِي أَسْوَدَ لَا يَعْتِقُ وَإِذَا قَيَّدَ أَدَّاهُ بِشَهْرٍ وَأَدَّاهُ فِي غَيْرِهِ لَمْ يَعْتِقْ وَفِي الْمُكَاتَبِ لَا يَبْطُلُ إلَّا بِالْحُكْمِ أَوْ التَّرَاضِي ، وَلَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ بِالْأَدَاءِ فَأَدَّى لَا يَعْتِقُ ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَلَوْ أُجْبِرَ الْمَوْلَى عَلَى الْقَبُولِ ) ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْإِيضَاحِ : وَهُوَ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ ، وَالْأَوْجَهُ وَذَكَرَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ قَبُولُهُ ؛ لِأَنَّ وُجُوبَ قَبُولِ الْكُلِّ لِتَحَقُّقِ شَرْطِ الْعِتْقِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَعْضُ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ دَفْعُ الضَّرَرِ عَنْ الْعَبْدِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَعْجَزُ عَنْ الْأَدَاءِ دَفْعَةً وَمَا تَحَمَّلَ مَشَقَّةَ الِاكْتِسَابِ إلَّا لِذَلِكَ الْغَرَضِ .
كَذَا فِي الْفَتْحِ قَوْلُهُ : أَوْ أَدَاءُ الْمَالِ بِالْمَجْلِسِ ) مَصْدَرٌ مُضَافٌ لِمَفْعُولِهِ وَفَاعِلُهُ الْعَبْدُ لِاخْتِصَاصِ الْأَدَاءِ بِنَفْسِهِ ، لِمَا قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْمُحِيطِ لَوْ أَمَرَ غَيْرَهُ بِالْأَدَاءِ فَأَدَّى لَا يَعْتِقُ ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَدَاؤُهُ وَلَمْ يُوجَدْ فَلَا حَاجَةَ إلَى أَدَاءِ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَدَائِهِ بِخِلَافِ الْكِتَابَةِ ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ حَقِيقَةً فِيهَا مَعْنَى التَّعْلِيقِ فَكَانَ الْأَصْلُ فِيهَا الْمُعَاوَضَةُ وَحُصُولُ الْبَدَلِ هُوَ الْمَقْصُودُ فِيهَا .

( قَالَ ) الْمَوْلَى ( أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِأَلْفٍ إنْ قَبِلَ ) الْعَبْدُ ( بَعْدَهُ ) أَيْ بَعْدَ مَوْتِهِ ( وَأَعْتَقَهُ الْوَارِثُ عَتَقَ بِهِ ) أَيْ بِالْأَلْفِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ الْعَبْدُ الْعِتْقَ بِالْأَلْفِ بَعْدَهُ أَوْ قَبِلَ وَلَمْ يُعْتِقْهُ الْوَارِثُ ( فَلَا ) أَيْ لَا يَعْتِقُ بِالْأَلْفِ وَإِنْ جَازَ أَنْ يُعْتِقَهُ الْوَارِثُ مَجَّانًا اُعْتُبِرَ الْقَبُولُ بَعْدَ الْمَوْتِ ؛ لِأَنَّ إيجَابَ الْعِتْقِ أُضِيفَ إلَى مَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَلَا يُعْتَبَرُ وُجُودُ الْقَبُولِ قَبْلَ وُجُودِ الْإِيجَابِ فَصَارَ كَقَوْلِهِ أَنْتِ طَالِقٌ غَدًا إنْ شِئْتِ حَيْثُ لَا يُعْتَبَرُ مَشِيئَتُهَا قَبْلَ غَدٍ وَاعْتُبِرَ إعْتَاقُ الْوَارِثِ حَتَّى أَنَّ الْعَبْدَ إنْ قَبِلَ بَعْدَ الْمَوْتِ لَا يَعْتِقُ مَا لَمْ يُعْتِقْهُ الْوَارِثُ ؛ لِأَنَّ الْمَيِّتَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِلْإِعْتَاقِ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَيْسَ بِمُعَلَّقٍ بِالْمَوْتِ فَفِي مِثْلِهِ لَا يَعْتِقُ إلَّا بِإِعْتَاقِ الْوَارِثِ كَمَا لَوْ قَالَ : أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِشَهْرٍ بِخِلَافِ الْمُدَبَّرِ ؛ لِأَنَّ عِتْقَهُ تَعَلَّقَ بِنَفْسِ الْمَوْتِ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إعْتَاقُ أَحَدٍ .
( قَوْلُهُ : وَأَعْتَقَهُ الْوَارِثُ ) كَذَا قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ عَنْ الْمَشَايِخِ لَا يَعْتِقْ مَا لَمْ يُعْتِقْهُ الْوَرَثَةُ وَزَادَ غَيْرُهُ أَوْ الْوَصِيُّ أَوْ الْقَاضِي إنْ امْتَنَعُوا وَتَوَقَّفَ عِتْقُهُ عَلَى الْإِعْتَاقِ هُوَ الْأَصَحُّ وَقِيلَ يَعْتِقُ بِلَا إعْتَاقٍ ، وَالْوَارِثُ يَمْلِكُ عِتْقَهُ تَنْجِيزًا وَتَعْلِيقًا ، وَالْوَصِيُّ يَمْلِكُهُ تَنْجِيزًا فَقَطْ وَلَوْ أَعْتَقَهُ الْوَارِثُ عَنْ كَفَّارَةٍ عَلَيْهِ وَقَعَ عَنْ الْمَيِّتِ لَا عَنْ الْكَفَّارَةِ ، وَالْوَلَاءُ لِلْمَيِّتِ لَا لِلْوَارِثِ مِنْ الْفَتْحِ ، وَالْبَحْرِ .

( حَرَّرَهُ عَلَى خِدْمَتِهِ سَنَةً فَقَبِلَ عَتَقَ ) ؛ لِأَنَّ الْإِعْتَاقَ عَلَى شَيْءٍ يَقْتَضِي وُجُودَ الْقَبُولِ لَا وُجُودَ الْمَقْبُولِ كَسَائِرِ الْعُقُودِ صُورَتُهُ أَنْ يَقُولَ : أَعْتَقْتُك عَلَى أَنْ تَخْدُمَنِي كَذَا سَنَةً وَأَمَّا إذَا قَالَ : إنْ خَدَمْتنِي كَذَا مُدَّةً فَأَنْتَ حُرٌّ لَا يَعْتِقُ حَتَّى يَخْدُمَهُ ؛ لِأَنَّهُ مُعَلَّقٌ بِشَرْطٍ ، وَالْأَوَّلُ مُعَاوَضَةٌ ( وَلَزِمَتْهُ ) أَيْ لَزِمَتْ الْخِدْمَةُ الْعَبْدَ إذَا سَلَّمَ لَهُ الْمُبْدَلَ فَلَزِمَ عَلَيْهِ تَسْلِيمُ الْبَدَلِ ( فَإِنْ مَاتَ هُوَ ) أَيْ الْعَبْدُ ( أَوْ مَوْلَاهُ قَبْلَهَا ) أَيْ قَبْلَ الْخِدْمَةِ ( تَجِبُ قِيمَتُهُ عَلَيْهِ ) وَتُؤْخَذُ مِنْ تَرِكَتِهِ إنْ كَانَ الْمَيِّتُ هُوَ الْعَبْدَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ .
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْخِدْمَةِ فِي الْمُدَّةِ ( كَبَيْعِ عَبْدٍ مِنْهُ بِعَيْنٍ فَهَلَكَتْ ) الْعَيْنُ ( تَجِبُ قِيمَتُهُ ) أَيْ قِيمَةُ الْعَبْدِ يَعْنِي أَنَّ هَذِهِ الْخِلَافِيَّةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى خِلَافِيَّةٍ أُخْرَى وَهِيَ مَا لَوْ قَالَ لِعَبْدِهِ : بِعْت نَفْسَك مِنْك بِهَذِهِ الْعَيْنِ فَهَلَكَتْ الْعَيْنُ تَجِبُ قِيمَةُ الْعَبْدِ عِنْدَهُمَا وَقِيمَةُ الْعَيْنِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ ، لَهُ أَنَّهُ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِغَيْرِ مَالٍ ؛ لِأَنَّ نَفْسَ الْعَبْدِ لَيْسَ بِمَالٍ فِي حَقِّهِ إذْ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى عَبْدٍ فَاسْتُحِقَّ فَإِنَّهَا تَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ لَا بِقِيمَةِ الْبُضْعِ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ ، وَلَهُمَا أَنَّهُ مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِمَالٍ ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَالٌ فِي حَقِّ الْمَوْلَى وَكَذَا الْمَنَافِعُ صَارَتْ مَالًا بِإِيرَادِ الْعَقْدِ عَلَيْهَا فَصَارَ كَمَا لَوْ اشْتَرَى أَبَاهُ بِأَمَةٍ فَهَلَكَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ اُسْتُحِقَّتْ فَإِنَّ الْبَائِعَ يَرْجِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَةِ الْأَبِ لَا بِقِيمَةِ الْأَمَةِ .

( قَوْلُهُ : يَعْنِي هَذِهِ الْخِلَافِيَّةُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى خِلَافَتِهِ أُخْرَى ) قَالَ الْكَمَالُ : وَلَا يَخْفَى أَنَّ بِنَاءَ هَذِهِ عَلَى تِلْكَ لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ عَكْسِهِ بَلْ الْخِلَافُ فِيهِمَا مَعًا ابْتِدَائِيٌّ ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَأَمَّا إذَا قَالَ : إنْ خَدَمْتنِي كَذَا مُدَّةً
إلَخْ ) قَدَّمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ إنْ عَلَّقَ بِإِنْ تَقَيَّدَ أَدَاؤُهُ بِالْمَجْلِسِ ، وَلَعَلَّ الْفَرْقَ أَنَّ أَدَاءَ الْمَالِ مُمْكِنٌ فِي الْمَجْلِسِ فَيَتَقَيَّدُ بِهِ ، وَالْخِدْمَةُ سَنَةً لَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُهَا فِيهِ فَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى الْمَجْلِسِ وَلَوْ عَلَّقَهَا بِإِنْ فَلْيُنْظَرْ .

( قَالَ ) رَجُلٌ لِمَوْلَى أَمَةٍ ( اعْتِقْهَا بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِيهَا إنْ فَعَلَ ) أَيْ أَعْتَقَهَا الْمَوْلَى ( وَأَبَتْ ) أَيْ امْتَنَعَتْ الْأَمَةُ عَلَى النِّكَاحِ ( عَتَقَتْ ) الْأَمَةُ ( وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ) أَيْ عَلَى الْقَائِلِ ؛ لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْبَدَلِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ جَائِزٌ فِي الطَّلَاقِ لَا الْعَتَاقِ كَمَا مَرَّ ( وَلَوْ ضَمَّ ) الْقَائِلُ ( عَنِّي ) وَقَالَ اعْتِقْهَا عَنِّي بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِيهَا ( قُسِّمَ ) الْأَلْفُ ( عَلَى قِيمَتِهَا وَمَهْرِ مِثْلِهَا فَحِصَّةُ الْقِيمَةِ عَلَيْهِ وَحِصَّةُ الْمَهْرِ تَسْقُطُ ) فَمَا أَصَابَ الْقِيمَةَ أَدَّاهُ الْآمِرُ وَمَا أَصَابَ الْمَهْرَ سَقَطَ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ عَنِّي تَضَمَّنَ الشِّرَاءَ اقْتِضَاءً كَمَا مَرَّ فِي آخِرِ بَابِ نِكَاحِ الرَّقِيقِ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَقَدْ قَابَلَ الْأَلْفَ بِالرَّقَبَةِ شِرَاءً وَبِالْبُضْعِ نِكَاحًا فَانْقَسَمَ عَلَيْهِمَا وَوَجَبَ عَلَيْهِ حِصَّةُ مَا سَلَّمَ لَهُ وَهُوَ الرَّقَبَةُ وَبَطَلَ عَنْهُ حِصَّةُ مَا لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ وَهُوَ الْبُضْعُ وَلَمْ يَبْطُلْ الْبَيْعُ بِاشْتِرَاطِ النِّكَاحِ ؛ لِأَنَّهُ يَقْتَضِي صِحَّةَ الْعِتْقِ عَنْهُ فَيَكُونُ مُدْرَجًا فِيهِ فَلَا يُرَاعَى فِيهِ شَرَائِطُهُ بَلْ شَرَائِطُ الْمُقْتَضَى وَهُوَ الْعِتْقُ كَمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ فَلِهَذَا وَجَبَ عَلَيْهِ حِصَّتُهُ مِنْ الْأَلْفِ الْمُسَمَّى وَلَوْ كَانَ فَاسِدًا لَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقِيمَةُ فَلَوْ لَمْ تَأْبَ الْأَمَةُ بَلْ ( تَزَوَّجَتْ ) مِنْ الْقَائِلِ ( فَمَهْرُهَا حِصَّةُ مَهْرِ الْمِثْلِ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الْأَلْفِ وَهُوَ ثُلُثُ الْأَلْفِ ( فِي صُورَتَيْ الضَّمِّ ) أَيْ ضَمِّ عَنِّي ( وَتَرْكِهِ ) وَلَوْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ عَلَى أَنْ تُزَوِّجَهُ نَفْسَهَا فَزَوَّجَتْهُ نَفْسَهَا كَانَ لَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ لَيْسَ بِمَالٍ فَلَا يَصْلُحُ لِلْمَهْرِ .
وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْتَقَ صَفِيَّةَ وَنَكَحَهَا وَجَعَلَ عِتْقَهَا مَهْرَهَا قُلْنَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَخْصُوصًا

بِالنِّكَاحِ بِغَيْرِ مَهْرٍ فَإِنْ أَبَتْ فَعَلَيْهَا قِيمَتُهَا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَكَذَا لَوْ أَعْتَقَتْ الْمَرْأَةُ عَبْدًا عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَإِنْ فَعَلَ فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا وَإِنْ أَبَى فَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ .

( قَوْلُهُ : وَأَبَتْ ) أَيْ امْتَنَعَتْ الْأَمَةُ عَنْ النِّكَاحِ عَتَقَتْ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا شَيْءٌ وَلَا يَلْزَمُهَا تَزَوُّجُهُ ؛ لِأَنَّهَا مَلَكَتْ نَفْسَهَا بِالْعِتْقِ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ اشْتِرَاطَ الْبَدَلِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ جَائِزٌ فِي الطَّلَاقِ لَا فِي الْعَتَاقِ ) قَالَ الْكَمَالُ : لِأَنَّ الْأَجْنَبِيَّ فِي الْخُلْعِ كَالْمَرْأَةِ لَمْ يَحْصُلْ لَهَا مِلْكٌ مَا لَمْ تَكُنْ تَمْلِكُهُ بِخِلَافِ الْعِتْقِ فَإِنَّهُ يَثْبُتُ لِلْعَبْدِ فِيهِ قُوَّةٌ حُكْمِيَّةٌ هِيَ مِلْكُ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَا يَجِبُ الْعِوَضُ إلَّا عَلَى مَنْ حَصَلَ لَهُ الْمُعَوَّضُ ا هـ .
( قَوْلُهُ : كَمَا مَرَّ ) ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ حَيْثُ قَالَ : وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ مِنْ قَبْلُ ا هـ .
وَقَالَ الْكَمَالُ : يَعْنِي فِي خُلْعِ الْأَبِ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ لَكِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ أَنَّ اشْتِرَاطَ بَدَلِ الْعِتْقِ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ غَيْرُ صَحِيحٍ ا هـ قَوْلُهُ : قُسِّمَ الْأَلْفُ عَلَى قِيمَتِهَا وَمَهْرِ مِثْلِهَا ) طَرِيقُ الْقِسْمَةِ أَنْ تُضَمَّ قِيمَةُ الْأَمَةِ إلَى مَهْرِ مِثْلِهَا وَتُقَسَّمُ عَلَيْهِمَا الْأَلْفُ الَّتِي اشْتَرَطَهَا الْأَجْنَبِيُّ فَإِمَّا أَنْ يَتَسَاوَى الْقِيمَةُ وَمَهْرُ الْمِثْلِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ نِصْفُ الَّذِي سَمَّاهُ لِلْمَوْلَى وَيَسْقُطُ عَنْهُ النِّصْفُ وَإِمَّا أَنْ يَتَفَاوَتَا بِأَنْ كَانَ قِيمَتُهَا مَثَلًا أَلْفَيْنِ وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفًا فَيَجِبُ لِلْمَوْلَى ثُلُثُ الْأَلْفِ وَسَقَطَ ثُلُثَاهَا وَهَكَذَا مِثْلَ أَنْ تَكُونَ قِيمَتُهَا ثَلَاثَةَ آلَافٍ وَمَهْرُهَا أَلْفًا يَجِبُ رُبْعُ الْأَلْفِ كَمَا يُعْلَمُ بِفَتْحِ الْقَدِيرِ ( قَوْلُهُ : فَلَوْ لَمْ تَأْبَ الْأَمَةُ فَمَهْرُهَا حِصَّةُ مَهْرِ الْمِثْلِ مِنْهُ ) أَيْ وَيَجِبُ لَهَا دُونَ الْمَوْلَى ؛ لِأَنَّهُ بَدَلُ بُضْعِهَا وَقَدْ مَلَكَتْهُ بِالْإِعْتَاقِ ( قَوْلُهُ : وَهُوَ ثُلُثُ الْأَلْفِ ) لَا يَكُونُ لَهَا ثُلُثُ الْأَلْفِ إلَّا فِي صُورَةِ مَا إذَا كَانَ قِيمَتُهَا أَلْفَيْنِ وَمَهْرُ مِثْلِهَا أَلْفًا أَمَّا إذَا تَسَاوَى الْقِيمَةُ وَمَهْرُ الْمِثْلِ فَيَكُونُ لَهَا نِصْفُ الْأَلْفِ وَإِنْ كَانَ قِيمَتُهَا

ثَلَاثَةَ آلَافٍ وَمَهْرُ الْمِثْلِ أَلْفًا وَجَبَ لَهَا رُبْعُ الْأَلْفِ فَلَا يَخْتَصُّ بِمَا قَيَّدَ بِهِ الْمُصَنِّفُ فَكَانَ تَرْكُهُ مِمَّا يَنْبَغِي ( قَوْلُهُ : فِي صُورَتَيْ الضَّمِّ أَيْ ضَمِّ عَنِّي وَتَرْكِهِ ) لَكِنَّهُ فِي صُورَةِ الضَّمِّ يَسْتَحْقِقُ الْمَوْلَى مَا يَخُصُّ الْقِيمَةَ ، وَيَسْقُطُ عَنْ الْقَائِلِ فِي تَرْكِهِ الضَّمَّ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ عَلَى أَنْ تُزَوِّجَهُ نَفْسَهَا ) شَامِلٌ لِلْمُدَبَّرَةِ وَالْمُكَاتَبَةِ دُونَ أُمِّ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ فَإِنْ أَبَتْ فَعَلَيْهَا قِيمَتُهَا فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا لَا يَشْمَلُ أُمَّ الْوَلَدِ لِمَا قَالَ فِي الْبَحْرِ عَنْ الْخَانِيَّةِ : أُمُّ الْوَلَدِ إذَا أَعْتَقَهَا مَوْلَاهَا عَلَى أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا مِنْهُ فَقَبِلَتْ عَتَقَتْ فَإِنْ أَبَتْ أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا مِنْهُ لَا سِعَايَةَ عَلَيْهَا .
ا هـ .

( بَابُ التَّدْبِيرِ ) هُوَ لُغَةً النَّظَرُ فِي عَاقِبَةِ الْأَمْرِ فَكَأَنَّ الْمَوْلَى نَظَرَ فِي عَاقِبَةِ أَمْرِهِ فَأَخْرَجَ عَبْدَهُ إلَى الْحُرِّيَّةِ بَعْدَهُ وَشَرْعًا يُسْتَعْمَلُ كُلٌّ مِنْ لَفْظِ التَّدْبِيرِ ، وَالْمُدَبَّرِ فِي الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ اشْتِرَاكَهُ بَيْنَهُمَا مَعْنَوِيٌّ ؛ لِأَنَّ اللَّفْظِيَّ يَحْتَاجُ إلَى تَعَدُّدِ الْوَضْعِ وَهُوَ خِلَافُ الظَّاهِرِ فَلَا يُصَارُ إلَيْهِ بِلَا دَلِيلٍ وَلَيْسَ فَلَيْسَ فَلَا بُدَّ هَاهُنَا مِنْ بَيَانِ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمُشْتَرَكِ أَوَّلًا ثُمَّ تَقْسِيمِهِ إلَى ذَيْنِك الْقِسْمَيْنِ وَبَيَانِ أَحْكَامِ كُلٍّ مِنْهُمَا كَمَا وَقَعَ هَاهُنَا حَيْثُ قُلْت ( هُوَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِالْمَوْتِ ) أَيْ تَعْلِيقُ الْمَوْلَى عِتْقَ مَمْلُوكِهِ بِالْمَوْتِ سَوَاءً كَانَ مَوْتَهُ أَوْ مَوْتَ غَيْرِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي الْمُدَبَّرِ الْمُقَيَّدِ ثُمَّ قَسَمْته إلَى قِسْمَيْنِ وَبَيَّنْت أَحْكَامَهُمَا .
وَمِمَّا يُؤَيِّدُ كَوْنَ اشْتِرَاكِهِ مَعْنَوِيًّا قَوْلُ الْإِمَامِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَبْسُوطِ : التَّدْبِيرُ عِبَارَةٌ عَنْ الْعِتْقِ الْوَاقِعِ فِي الْمَمْلُوكِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَالِكِ فَعُلِمَ مِنْ هَذَا أَنَّ قَوْلَ الْكَنْزِ هُوَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِمُطْلَقِ مَوْتِهِ ، وَقَوْلَ شَارِحِهِ الزَّيْلَعِيِّ احْتَرَزَ الشَّيْخُ عَنْ الْمُدَبَّرِ الْمُقَيَّدِ بِقَوْلِهِ بِمُطْلَقِ مَوْتِ الْمَوْلَى ، وَلَفْظَ الْوِقَايَةِ مَنْ أَعْتَقَ عَنْ دُبُرٍ مُطْلَقًا وَقَوْلَ شَارِحِهِ صَدْرِ الشَّرِيعَةِ إنَّمَا قَالَ : مُطْلَقًا احْتِرَازًا عَنْ الْمُقَيَّدِ لَيْسَ كَمَا يَنْبَغِي نَعَمْ يَرِدُ عَلَى الْمَبْسُوطِ أَيْضًا أَنَّ قَوْلَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَالِك لَيْسَ كَمَا يَنْبَغِي لِخُرُوجِ الْمُعَلَّقِ بِمَوْتِ الْغَيْرِ عَنْ الْمُقَيَّدِ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُقَالَ كَلَامُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ وَمَا ذُكِرَ نَادِرُ الْوُقُوعِ .

( بَابُ التَّدْبِيرِ ) .
( قَوْلُهُ : وَشَرْعًا يُسْتَعْمَلُ كُلٌّ مِنْ لَفْظِ التَّدْبِيرِ ، وَالْمُدَبَّرِ فِي الْمُطْلَقِ وَالْمُقَيَّدِ ) خِلَافُ ظَاهِرِ كَلَامِ عَامَّةِ أَئِمَّتِنَا حَيْثُ قَصَرُوهُ شَرْعًا عَلَى الْمُدَبَّرِ الْمُطْلَقِ فَلَمْ يَسْتَعْمِلُوهُ فِي الْمُقَيَّدِ كَمَا قَالَ الْمُحَقِّقُ ابْنُ الْهُمَامِ : التَّدْبِيرُ شَرْعًا الْعِتْقُ الْمُوقَعُ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي الْمَمْلُوكِ مُعَلَّقًا بِالْمَوْتِ مُطْلَقًا لَفْظًا أَوْ مَعْنًى ا هـ .
وَلَمَّا كَانَتْ عِبَارَةُ الْمَبْسُوطِ تُخَالِفُ ذَلِكَ اعْتَرَضَهَا الزَّيْلَعِيُّ وَالْعَيْنِيُّ حَيْثُ قَالَا بَعْدَ سِيَاقِهِمَا : قَوْلُ الْكَنْزِ هُوَ تَعْلِيقُ الْعِتْقِ بِمُطْلَقِ مَوْتِهِ أَيْ مَوْتِ الْمَالِكِ ، .
وَفِي الْمَبْسُوطِ : التَّدْبِيرُ عِبَارَةٌ عَنْ الْعِتْقِ الْمُوقَعِ فِي الْمَمْلُوكِ بَعْدَ مَوْتِ الْمَالِكِ وَمَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَيْ صَاحِبُ الْكَنْزِ أَحْسَنُ ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَ يَرِدُ عَلَيْهِ الْمُدَبَّرُ الْمُقَيَّدُ بِأَنْ قَالَ : إنْ مِتّ مِنْ سَفَرِي أَوْ مَرَضِي هَذَا أَوْ مَرَضِي كَذَا وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ بِمُطْلَقٍ وَاحْتَرَزَ الشَّيْخُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ بِمُطْلَقِ مَوْتِهِ ا هـ .
فَهَذَا يُوَضِّحُ أَنَّهُ شَرْعًا لَيْسَ إلَّا لِلْمُطْلَقِ ؛ لِأَنَّ السَّبَبِيَّةَ فِي الْمُقَيَّدِ لَمْ تُعْقَدْ فِي الْحَالِ لِلتَّرَدُّدِ فِي وُقُوعِ تِلْكَ الصِّفَةِ وَلَا يَثْبُتُ لَهُ حُكْمُ التَّدْبِيرِ إلَّا فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ حَيَاةِ سَيِّدِهِ لِتَحَقُّقِ تِلْكَ الصِّفَةِ فَإِنَّ ذَاكَ يَصِيرُ مُدَبَّرًا وَسَيَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ أَنَّهُ إذَا انْتَفَى مَعْنَى السَّبَبِيَّةِ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الثُّبُوتِ وَالْعَدَمِ بَقِيَ تَعْلِيقًا كَسَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ ( قَوْلُهُ : سَوَاءٌ كَانَ مَوْتَهُ أَوْ مَوْتَ غَيْرِهِ ) يُعَارِضُهُ قَوْلُ صَاحِبِ الْبَحْرِ خَرَجَ بِتَعْلِيقِهِ بِمَوْتِهِ تَعْلِيقُهُ بِمَوْتِ غَيْرِهِ ، كَقَوْلِهِ : إنْ مَاتَ فُلَانٌ فَأَنْتَ حُرٌّ فَإِنَّهُ لَا يَصِيرُ مُدَبَّرًا أَصْلًا لَا مُطْلَقًا وَلَا مُقَيَّدًا فَإِذَا مَاتَ فُلَانٌ عَتَقَ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَمِمَّا يُؤَيِّدُ كَوْنَ اشْتِرَاكِهِ مَعْنَوِيًّا

قَوْلُ الْإِمَامِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَبْسُوطِ ) عَلِمْت اعْتِرَاضَ الزَّيْلَعِيِّ وَالْعَيْنِيِّ عَلَيْهِ وَأَنَّ كَلَامَ صَاحِبِ الْكَنْزِ أَحْسَنُ فَالِاعْتِرَاض عَلَى الْكَنْزِ وَشَارِحِهِ وَصَدْرِ الشَّرِيعَةِ غَيْرُ مُسَلَّمٍ قَوْلُهُ : نَعَمْ يَرِدُ عَلَى الْمَبْسُوطِ أَيْضًا أَنَّ قَوْلَهُ بَعْدَ مَوْتِ الْمَالِكِ لَيْسَ كَمَا يَنْبَغِي لِخُرُوجِ الْمُعَلَّقِ بِمَوْتِ الْغَيْرِ عَنْ الْمُقَيَّدِ ) الْإِيرَادُ سَاقِطٌ بِمَا نَقَلْنَاهُ عَنْ الْبَحْرِ أَنَّ الْمُعَلَّقَ عِتْقُهُ بِمَوْتِ غَيْرِ سَيِّدِهِ لَيْسَ مُدَبَّرًا أَصْلًا .

( وَهُوَ إمَّا مُطْلَقٌ كَإِذَا مِتّ فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ يَوْمَ أَمُوتُ أَوْ أَنْتَ حُرٌّ عَنْ دُبُرٍ مِنِّي أَوْ أَنْتَ مُدَبَّرٌ أَوْ دَبَّرْتُك أَوْ ) أَنْتَ ( حُرٌّ إنْ مِتّ إلَى مِائَةِ سَنَةٍ ) أَيْ إنْ مِتّ مِنْ هَذَا الْوَقْتِ إلَى مِائَةِ سَنَةٍ ( وَغَلَبَ مَوْتُهُ قَبْلَهَا ) بِأَنْ يَكُونَ ابْنَ ثَمَانِينَ سَنَةً مَثَلًا فَإِنَّهُ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ مُقَيَّدٌ ، وَفِي الْمَعْنَى مُطْلَقٌ ؛ لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنْ يَمُوتَ قَبْلَ هَذِهِ الْمُدَّةِ ثُمَّ بَيَّنَ حُكْمَ الْمُطْلَقِ بِقَوْلِهِ ( فَلَا يُرْهَنُ وَلَا يَخْرُجُ مِنْ الْمِلْكِ ) بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا ( إلَّا بِالْإِعْتَاقِ أَوْ الْكِتَابَةِ ) .
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ انْتِقَالُهُ مِنْ مِلْكٍ إلَى مِلْكٍ ( وَيُسْتَخْدَمُ وَيُسْتَأْجَرُ ) ، وَالْأَمَةُ تُوطَأُ وَتُنْكَحُ ، وَالْمَوْلَى أَحَقُّ بِكَسْبِهِ وَأَرْشِهِ وَمَهْرِ الْمُدَبَّرَةِ لِبَقَاءِ الْمِلْكِ فِي الْجُمْلَةِ ( وَبِمَوْتِهِ ) أَيْ مَوْتِ الْمَوْلَى ( يَعْتِقُ ) الْمُدَبَّرُ ( مِنْ الثُّلُثِ ، وَيَسْعَى فِي ثُلُثَيْهِ إنْ لَمْ يَتْرُكْ ) الْمَوْلَى ( غَيْرَهُ ) مِنْ الْمَالِ ( وَلَهُ وَارِثٌ ) أَيْ ، وَالْحَالُ أَنَّ لِلْمَوْلَى وَارِثًا ( وَلَمْ يُجِزْهُ ) أَيْ التَّدْبِيرَ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ أَوْ كَانَ لَكِنَّهُ أَجَازَهُ يَعْتِقُ كُلُّهُ ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ فَيُقَدَّمُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ ، وَيَجُوزُ بِإِجَازَةِ الْوَارِثِ .
( وَ ) يَسْعَى ( فِي كُلِّهِ ) أَيْ كُلِّ قِيمَتِهِ ( لَوْ ) كَانَ الْمَوْلَى ( مَدْيُونًا ) وَلَا يُمْكِنُ نَقْضُ الْعِتْقِ فَيَجِبُ رَدُّ قِيمَتِهِ .

( قَوْلُهُ : أَوْ أَنْتَ حُرٌّ يَوْمَ أَمُوتُ ) هَذَا إذْ لَمْ يَنْوِ النَّهَارَ فَقَطْ إذْ لَوْ نَوَاهُ دُونَ اللَّيْلِ لَا يَكُونُ مُدَبَّرًا مُطْلَقًا لِاحْتِمَالِ أَنْ يَمُوتَ بِاللَّيْلِ ، كَمَا فِي التَّبْيِينِ ( قَوْلُهُ : أَوْ أَنْتَ حُرٌّ إنْ مِتّ إلَى مِائَةِ سَنَةٍ
إلَخْ ) هَذَا عِنْدَ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَيْسَ بِمُطْلَقٍ ؛ لِأَنَّ الْعِبْرَةَ لِلتَّوْقِيتِ وَلَا يُنْظَرُ إلَى طُولِ الْمُدَّةِ أَوْ قِصَرِهَا كَمَا فِي التَّوْقِيتِ فِي النِّكَاحِ ، وَالْمُخْتَارُ هُوَ الْأَوَّلُ كَذَا فِي التَّبْيِينِ وَعَلَيْهِ مَشَى فِي الْهِدَايَةِ وَعَلَّلَهُ بِأَنَّهُ كَالْكَائِنِ لَا مَحَالَةَ ا هـ .
وَقَالَ الْكَمَالُ وَالْمُصَنِّفُ أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ كَالْمُتَنَاقِضِ فَإِنَّهُ فِي النِّكَاحِ اعْتَبَرَهُ تَوْقِيتًا وَأَبْطَلَ بِهِ النِّكَاحَ وَهُنَا جَعَلَهُ تَأْبِيدًا مُوجِبًا لِلتَّدْبِيرِ ا هـ .
وَقَالَ صَاحِبُ الْبَحْرِ : قَدْ يُجَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ فِي بَابِ النِّكَاحِ اعْتَبَرَهُ تَوْقِيتًا لِلنَّهْيِ عَنْ النِّكَاحِ الْمُؤَقَّتِ فَالِاحْتِيَاطُ فِي مَنْعِهِ تَقْدِيمًا لِلْمُحَرَّمِ عَلَى الْمُبِيحِ ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى الصُّورَةِ يُحَرِّمُهُ وَإِلَى الْمَعْنَى يُبِيحُهُ وَأَمَّا هُنَا فَنُظِرَ إلَى التَّأْبِيدِ الْمَعْنَوِيِّ وَلَا مَانِعَ مِنْهُ فَالْأَصْلُ اعْتِبَارُ الْمَعْنَى مَا لَمْ يَمْنَعْ مَانِعٌ فَلَا تَنَاقُضَ وَلِذَا كَانَ هُوَ الْمُخْتَارَ وَإِنْ كَانَ الْوَلْوَالِجِيِّ جَزَمَ بِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُدَبَّرٍ مُطْلَقٍ تَسْوِيَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ النِّكَاحِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : لِبَقَاءِ الْمِلْكِ فِي الْجُمْلَةِ ) فِيهِ تَأَمُّلٌ لِعِتْقِهَا بِقَوْلِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ ( قَوْلُهُ : وَيَسْعَى فِي كُلِّهِ لَوْ مَدْيُونًا ) يَعْنِي مُسْتَغْرِقًا رَقَبَةَ الْمُدَبَّرِ أَمَّا لَوْ كَانَ دُونَهُ فَإِنَّهُ يَسْعَى فِي قَدْرِ الدَّيْنِ ، وَالزِّيَادَةُ عَلَى الدَّيْنِ ثُلُثُهَا وَصِيَّةٌ وَيَسْعَى فِي ثُلُثَيْ الزِّيَادَةِ ، كَذَا فِي الْبَحْرِ عَنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ بَيَانُ قِيمَةِ الْمُدَبَّرِ ( قَوْلُهُ : وَلَا يُمْكِنُ نَقْضُ الْعِتْقِ فَيَجِبُ رَدَّ

قِيمَتِهِ ) يَعْنِي لِوُجُودِ الْعِتْقِ الْمُعَلَّقِ بِوُجُودِ شَرْطِهِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عِتْقُهُ عَلَى أَدَاءِ السِّعَايَةِ وَتَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُ الْأَحْرَارِ ، وَمَنْ قَالَ أَنَّهُ يَبْقَى عَلَى حُكْمِ الْأَرِقَّاءِ إلَى أَدَاءِ السِّعَايَةِ لَمْ يُحَرِّرْ الْحُكْمَ وَلَنَا فِيهِ رِسَالَةٌ سَمَّيْتهَا " إيقَاظُ ذَوِي الدِّرَايَةِ لِوَصْفِ مَنْ كُلِّفَ السِّعَايَةَ " .

( وَوَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ مُدَبَّرٌ ) لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَلِأَنَّهُ يَتْبَعُهَا ( وَإِمَّا مُقَيَّدٌ ) عَطْفٌ عَلَى إمَّا مُطْلَقٌ ( كَأَنْ مِتّ فِي سَفَرِي هَذَا أَوْ مَرَضِي هَذَا أَوْ مَاتَ فُلَانٌ أَوْ مِتّ إلَى سَنَةٍ أَوْ نَحْوِهَا ) أَيْ عَشْرِ سِنِينَ مَثَلًا ( مِمَّا يَقَعُ غَالِبًا ) هَذِهِ الْعِبَارَةُ أَحْسَنُ مِنْ عِبَارَةِ الْوِقَايَةِ مِمَّا يُمْكِنُ غَالِبًا ( فَيُبَاعُ وَيُوهَبُ وَيُرْهَنُ ) فَإِنَّ الْمَوْتَ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ لَيْسَ كَائِنًا لَا مَحَالَةَ فَلَا يَنْعَقِدُ سَبَبًا فِي الْحَالِ وَإِذَا انْتَفَى مَعْنَى السَّبِيَّةِ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ الثُّبُوتِ وَالْعَدَمِ بَقِيَ تَعْلِيقًا كَسَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ فَلَا يُمْنَعُ الْبَيْعُ وَنَحْوُهُ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ ( وَيَعْتِقُ مِنْ الثُّلُثِ إنْ وُجِدَ الشَّرْطُ ) ؛ لِأَنَّ الصِّفَةَ لَمَّا صَارَتْ مُتَعَيَّنَةً فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْحَيَاةِ أَخِذَ حُكْمَ الْمُدَبَّرِ الْمُطْلَقِ لِوُجُودِ الْإِضَافَةِ إلَى الْمَوْتِ وَزَوَالِ التَّرَدُّدِ .
( قَوْلُهُ : وَوَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ مُدَبَّرٌ ) يَعْنِي الْمُدَبَّرَةَ تَدْبِيرًا مُطْلَقًا أَمَّا وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ مُقَيَّدًا فَلَا يَكُونُ مُدَبَّرًا ، كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ ) يَعْنِي الْإِجْمَاعَ السُّكُوتِيَّ ، كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : أَوْ مَاتَ فُلَانٌ ) قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُدَبَّرًا أَصْلًا بَلْ مُعَلَّقًا عِتْقُهُ بِشَرْطٍ ( قَوْلُهُ : وَيُعْتَقُ مِنْ الثُّلُثِ إنْ وُجِدَ الشَّرْطُ ) شَامِلٌ لِتَعْلِيقِهِ عِتْقَهُ بِمَوْتِ فُلَانٍ كَمَا ذَكَرَهُ وَإِذَا مَاتَ فُلَانٌ ، وَالسَّيِّدُ حَيٌّ كَيْفَ يُحْكَمُ بِالْعِتْقِ مِنْ الثُّلُثِ .

( صَحِيحٌ قَالَ ) لِعَبْدِهِ ( أَنْتَ حُرٌّ قَبْلَ مَوْتِي بِشَهْرٍ فَمَاتَ بَعْدَ شَهْرٍ عَتَقَ مِنْ كُلِّ مَالِهِ ) يَعْنِي رَجُلٌ صَحِيحٌ قَالَ لِعَبْدِهِ : هَذَا الْكَلَامَ ثُمَّ مَاتَ بَعْدَ شَهْرٍ قَالَ بَعْضُهُمْ : يَعْتِقُ مِنْ ثُلُثِ مَالِهِ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : يَعْتِقُ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ وَهُوَ الصَّحِيحُ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَسْتَنِدُ إلَى أَوَّلِ الشَّهْرِ قَبْلَ الْمَوْتِ ، وَهُوَ كَانَ صَحِيحًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ ( وَلَوْ مَاتَ قَبْلَهُ ) أَيْ قَبْلَ شَهْرٍ ( لَمْ يَعْتِقْ ) ؛ لِأَنَّهُ مُدَبَّرٌ مُقَيَّدٌ ، وَالْقَيْدُ لَمْ يُوجَدْ ( وَلَوْ قَالَ : أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِشَهْرٍ فَمَاتَ بَعْدَهُ ) لَا يَعْتِقُ بِالْمَوْتِ لِعَدَمِ أَهْلِيَّةِ الْمَوْلَى لِلْإِعْتَاقِ عِنْدَ وُجُودِ الْمُعَلَّقِ بِهِ ( بَلْ يَعْتِقُهُ الْوَصِيُّ أَوْ الْوَارِثُ أَوْ الْقَاضِي ) لِانْتِقَالِ الْوِلَايَةِ بَعْدَهُ إلَيْهِمْ ، كَذَا فِي التُّحْفَةِ ( قِيمَةُ ) الْمُدَبَّرِ ( الْمُطْلَقِ نِصْفُ قِيمَتِهِ لَوْ ) كَانَ ( قِنًّا ، وَالْمُقَيَّدُ يُقَوَّمُ قِنًّا ) اخْتَلَفُوا فِي قِيمَةِ الْمُدَبَّرِ قِيلَ قِيمَتُهُ نِصْفُ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ قِنًّا ، وَقِيلَ ثُلُثَا قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ قِنًّا وَقِيلَ يُنْظَرُ بِكَمْ يُسْتَخْدَمُ مُدَّةَ عُمْرِهِ مِنْ حَيْثُ الْحَزْرُ وَالظَّنُّ فَيُجْعَلَ قِيمَتَهُ ذَلِكَ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ : نِصْفُ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ قِنًّا وَكَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ الْإِمَامُ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ ؛ لِأَنَّ لِلَّقِنِ مَنْفَعَتَيْنِ : مَنْفَعَةُ الْبَيْعِ وَمَا شَاكَلَهَا مِنْ التَّمْلِيكِ بِالدَّيْنِ وَالْأَمْهَارِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَالثَّانِيَةُ : مَنْفَعَةُ الْإِجَارَةِ وَالِاسْتِخْدَامِ ، وَالتَّدْبِيرِ فَتَفُوتُ الْأُولَى وَتَبْقَى الثَّانِيَةُ فَتَكُونُ قِيمَتُهُ نِصْفَ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ قِنًّا وَلَوْ كَانَ التَّدْبِيرُ مُقَيَّدًا يُقَوَّمُ قِنًّا ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ .

قَوْلُهُ : لِأَنَّ الْعِتْقَ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ يَسْتَنِدُ إلَى أَوَّلِ شَهْرٍ قَبْلَ الْمَوْتِ
إلَخْ ) كَذَا عَلَّلَهُ الْكَمَالُ وَيُوَضِّحُهُ مَا قَالَهُ أَيْ الْكَمَالُ فِي بَابِ الِاسْتِيلَادِ : التَّدْبِيرُ سَبَبٌ لِلْعِتْقِ فِي الْحَالِ وَثُبُوتُ سَبَبِيَّتِهِ فِي الْحَالِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فِي سَائِرِ التَّعْلِيقَاتِ لِضَرُورَةٍ هِيَ أَنَّ تَأْخِيرَهُ كَغَيْرِهِ مِنْ التَّعْلِيقَاتِ يُوجِبُ بُطْلَانَهُ ؛ لِأَنَّ مَا بَعْدَ الْمَوْتِ زَمَانُ زَوَالِ أَهْلِيَّةِ التَّصَرُّفِ فَلَا يَتَأَخَّرُ سَبَبِيَّةُ كَلَامِهِ إلَيْهِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ ) نَقَلَهُ فِي الْبَحْرِ عَنْهَا أَيْضًا ثُمَّ نَقَلَ عَنْ الْمُجْتَبَى أَنَّهُ إذَا مَضَى شَهْرٌ فَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ ا هـ .
وَقَالَ فِي الْبَدَائِعِ : ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ أَنَّهُ إذَا مَضَى شَهْرٌ قَبْلَ مَوْتِ الْمَوْلَى لَا يَكُونُ مُدَبَّرًا وَيَجُوزُ بَيْعُهُ وَلَمْ يُذْكَرْ الْخِلَافُ وَهُوَ الصَّحِيحُ .
وَذَكَرَ وَجْهَهُ ( قُلْت ) وَيُقَيَّدُ صِحَّةُ بَيْعِهِ بِأَنْ يَعِيشَ الْمَوْلَى بَعْدَ الْبَيْعِ أَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ لِيَنْتَفِيَ الْمَحَلُّ لِلْعِتْقِ حَالَ الْمُدَّةِ الَّتِي يَلِيهَا مَوْتُ الْمَوْلَى تَأَمَّلْ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ قَالَ : أَنْتَ حُرٌّ بَعْدَ مَوْتِي بِشَهْرٍ فَمَاتَ بَعْدَهُ ) لَفْظَةُ بَعْدَهُ زَائِدَةٌ لَا حَاجَةَ إلَيْهَا ( قَوْلُهُ : بَلْ يُعْتِقُهُ الْوَصِيُّ أَوْ الْوَارِثُ أَوْ الْقَاضِي ) أَيْ بَعْدَ مُضِيِّ الْمُدَّةِ وَيُعْتِقُهُ الْقَاضِي إذَا امْتَنَعَ الْوَارِثُ .
( قَوْلُهُ : قِيمَةُ الْمُدَبَّرِ الْمُطْلَقِ نِصْفُ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ قِنًّا ) هُوَ الْمُخْتَارُ ، كَمَا فِي الْبَحْرِ عَنْ الْوَلْوَالِجِيِّ وَاخْتَارَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ ( قَوْلُهُ : وَقِيلَ ثُلُثَا قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ قِنًّا ) هُوَ الْمُفْتَى بِهِ ، كَذَا فِي الْبَحْرِ أَيْضًا .

( بَابٌ الِاسْتِيلَادِ ) هُوَ لُغَةً : طَلَبُ الْوَلَدِ ، وَشَرْعًا : طَلَبُ الْمَوْلَى الْوَلَدَ مِنْ أَمَتِهِ بِالْوَطْءِ ( أَمَةٌ ) مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ قَوْلُهُ الْآتِي لَمْ تُمْلَكْ ( وَلَدَتْ مِنْ مَوْلَاهَا بِإِقْرَارِهِ ) أَيْ بِإِقْرَارِ الْمَوْلَى بِأَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُ ( وَلَوْ ) كَانَ إقْرَارُهُ حَالَ كَوْنِهَا ( حَامِلًا ) بِأَنْ يَقُولَ : حَمْلُ هَذِهِ الْأَمَةِ مِنِّي ( أَوْ ) وَلَدَتْ ( مِنْ زَوْجِهَا ) بِأَنْ زَوَّجَهَا الْمَوْلَى مِنْ رَجُلٍ فَوَلَدَتْ مِنْهُ ( فَاشْتَرَاهَا ) الزَّوْجُ ( لَمْ تُمْلَكْ ) أَيْ لَمْ تَكُنْ مَمْلُوكَةً مِلْكًا تَامًّا وَإِنْ بَقِيَ فِيهَا الْمِلْكُ فِي الْجُمْلَةِ ( وَحُكْمُهَا ) أَيْ حُكْمُ الْمُسْتَوْلَدَةِ ( كَالْمُدَبَّرَةِ ) ، وَقَدْ مَرَّ ( لَكِنَّهَا ) أَيْ لَكِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمُسْتَوْلَدَةَ ( تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ مِنْ الْكُلِّ ) ، وَالْمُدَبَّرَةَ مِنْ الثُّلُثِ ( وَلَمْ تَسْعَ لِدَيْنِهِ ) ، وَالْمُدَبَّرَةُ تَسْعَى ( فَإِنْ وَلَدَتْ وَلَدًا آخَرَ ثَبَتَ نَسَبُهُ بِلَا دَعْوَةٍ ) إذْ بِدَعْوَةِ الْأَوَّلِ تَعَيَّنَ الْوَلَدُ مَقْصُودًا مِنْهَا فَصَارَتْ فِرَاشًا كَالْمَنْكُوحَةِ وَلِهَذَا لَزِمَهَا الْعِدَّةُ بِثَلَاثِ حِيَضٍ بَعْدَ الْعِتْقِ .
( وَ ) لَكِنْ ( انْتَفَى ) بِنَفْيِهِ ؛ لِأَنَّ فِرَاشَهَا ضَعِيفٌ حَتَّى يَمْلِكُ نَقْلَهُ بِالتَّزْوِيجِ بِخِلَافِ الْمَنْكُوحَةِ حَيْثُ لَا يَنْتَفِي الْوَلَدُ بِنَفْيِهِ إلَّا بِاللِّعَانِ لِتَأْكِيدِ الْفِرَاشِ حَتَّى لَا يَمْلِكُ إبْطَالَهُ بِالتَّزْوِيجِ وَهَذَا الَّذِي ذُكِرَ حُكْمُ الْقَضَاءِ وَأَمَّا الدِّيَانَةُ فَإِنْ كَانَ وَطِئَهَا وَحَصَّنَهَا وَلَمْ يَعْزِلْ عَنْهَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَعْتَرِفَ بِهِ وَيَدَّعِيَ ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُ ، وَإِنْ عَزَلَ عَنْهَا أَوْ لَمْ يُحَصِّنْهَا جَازَ لَهُ أَنْ يَنْفِيَهُ ؛ لِأَنَّ هَذَا الظَّاهِرَ يُقَابِلُهُ ظَاهِرٌ آخَرُ ، وَإِنْ زَوَّجَهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَهُوَ فِي حُكْمِ أَمَةٍ ؛ لِأَنَّ حَقَّ الْحُرِّيَّةِ يَسْرِي إلَى الْوَلَدِ كَالتَّدْبِيرِ ، وَالنَّسَبُ يَثْبُتُ مِنْ الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّ الْفِرَاشَ لَهُ وَلَوْ ادَّعَاهُ الْمَوْلَى يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ

وَيَعْتِقُ الْوَلَدُ وَتَصِيرُ أُمُّهُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لِإِقْرَارِهِ ، وَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَتْ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ ، كَذَا فِي الْهِدَايَةِ .

( بَابُ الِاسْتِيلَادِ ) سَبَبُهُ عِنْدَ عُلَمَائِنَا الثَّلَاثَةِ ثُبُوتُ نَسَبِ الْوَلَدِ شَرْعًا .
وَقَالَ زُفَرُ : ثُبُوتُ النَّسَبِ مُطْلَقًا سَوَاءٌ ثَبَتَ شَرْعًا أَوْ حَقِيقَةً فَلَوْ مَلَكَ مَنْ أَقَرَّ بِأُمُومَةِ وَلَدِهَا مِنْ زِنًا بِهَا وَصَدَّقَهُ مَوْلَاهَا لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدِهِ عِنْدَنَا وَهُوَ اسْتِحْسَانٌ ، وَالْقِيَاسُ تَصِيرُ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ مَلَكَ الْوَلَدَ عَتَقَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا ، كَمَا فِي الْبَدَائِعِ ( قَوْلُهُ : هُوَ لُغَةً طَلَبُ الْوَلَدِ ) أَيْ مُطْلَقًا ، وَأُمُّ الْوَلَدِ تَصْدُقُ لُغَةً عَلَى الزَّوْجَةِ وَغَيْرِهَا مِمَّنْ لَهَا وَلَدٌ ثَابِتُ النَّسَبِ وَغَيْرُ ثَابِتِ النَّسَبِ ، كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : وَشَرْعًا طَلَبُ الْمَوْلَى الْوَلَدَ مِنْ أَمَتِهِ ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ مِنْ الْأَسْمَاءِ الَّتِي خَرَجَتْ مِنْ الْعُمُومِ إلَى الْخُصُوصِ كَالتَّيَمُّمِ ، وَالْحَجِّ وَإِنَّمَا قَالَ مِنْ أَمَتِهِ وَإِنْ كَانَ حُكْمُ الْمُشْتَرَكَةِ وَمَنْ وَلَدَتْ بِنِكَاحٍ فَمَلَكَهَا كَذَلِكَ نَظَرًا لِلْغَالِبِ وَلِحَمْلِ الْحَالِ عَلَى الصَّلَاحِ ؛ لِأَنَّ أُمَّ الْوَلَدِ هِيَ الَّتِي ثَبَتَ نَسَبُ وَلَدِهَا مِنْ مَالِكِ كُلِّهَا أَوْ بَعْضِهَا .
( قَوْلُهُ : بِإِقْرَارِهِ ) شَامِلٌ لِإِقْرَارِ الْمَرِيضِ مَرَضَ الْمَوْتِ لَكِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا وَلَدٌ وَلَا بِهَا حَمْلٌ مِنْهُ تَعْتِقُ مِنْ الثُّلُثِ بِإِقْرَارِ الْمَرِيضِ ، كَمَا فِي الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ : لَمْ تُمْلَكْ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ : أَيْ لَا يَجُوزُ تَمْلِيكُهَا وَهُوَ الصَّوَابُ خِلَافُ قَوْلِ الْمُصَنِّفِ أَيْ لَمْ تَكُنْ مَمْلُوكَةً مِلْكًا تَامًّا وَإِنْ بَقِيَ فِيهَا الْمِلْكُ فِي الْجُمْلَةِ ، وَيُنَاقِضُهُ مَا قَدَّمَهُ فِي كِتَابِ الْإِعْتَاقِ أَنَّ الْمِلْكَ فِيهَا كَامِلٌ وَهُوَ الصَّوَابُ وَكَمَا سَيَذْكُرُهُ فِي الْأَيْمَانِ أَنَّ لَفْظَ الْمَمْلُوكِ يَتَنَاوَلُ أُمَّ الْوَلَدِ فَتَعْتِقُ بِقَوْلِهِ كُلُّ مَمْلُوكٍ لِي حُرٌّ لِثُبُوتِ الْمِلْكِ ا هـ .
أَيْ الْمِلْكِ الْكَامِلِ لِقَوْلِ الزَّيْلَعِيِّ : إنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْكَامِلِ وَمِلْكُهُ كَامِلٌ لِلْمُدَبَّرِ

وَأُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِيهِ نَاقِصٌ ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَحُكْمُهَا كَالْمُدَبَّرَةِ ) مِنْهُ أَنَّهَا تَعْتِقُ بِبَيْعِهِ خِدْمَتَهَا مِنْهَا كَبَيْعِ الْعَبْدِ مِنْ نَفْسِهِ ، كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : لَكِنَّهَا تَعْتِقُ بِمَوْتِهِ مِنْ الْكُلِّ ) يَعْنِي إلَّا إذَا أَقَرَّ بِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدِهِ وَلَيْسَ مَعَهَا وَلَدٌ وَلَا بِهَا حَمْلٌ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَإِنَّهَا تَعْتِقُ مِنْ الثُّلُثِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ ( قَوْلُهُ : فَإِنْ وَلَدَتْ وَلَدًا آخَرَ ثَبَتَ نَسَبُهُ بِلَا دَعْوَةٍ إذْ بِدَعْوَةِ الْأَوَّلِ تَعَيَّنَ الْوَلَدُ مَقْصُودًا مِنْهَا فَصَارَتْ فِرَاشًا ) ، كَمَا فِي الْهِدَايَةِ .
وَقَالَ الْكَمَالُ : وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الْأَوْلَى فِي تَعْرِيفِ الْفِرَاشِ كَوْنُ الْمَرْأَةِ مَقْصُودًا مِنْ وَطْئِهَا الْوَلَدُ ظَاهِرًا كَمَا فِي أُمِّ الْوَلَدِ وَهُوَ الَّذِي عَرَّفُوا بِهِ الْفِرَاشَ وَظَهَرَ أَنْ لَيْسَ الْفِرَاشُ ثَلَاثَةً كَمَا تَقَدَّمَ فِي فَصْلِ الْمُحَرَّمَاتِ بَلْ فِرَاشَانِ قَوِيٌّ هُوَ فِرَاشُ الْمَنْكُوحَةِ ، وَضَعِيفٌ وَهُوَ فِرَاشُ أُمِّ الْوَلَدِ فَانْتَفَى وَلَدُهَا بِمُجَرَّدِ النَّفْيِ ، وَوَلَدُ الْمَنْكُوحَةِ بِاللِّعَانِ ، وَقَدْ صَرَّحَ الْمُصَنِّفُ أَيْ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ فِيمَا تَقَدَّمَ : أَنَّ الْأَمَةَ لَيْسَتْ بِفِرَاشٍ لِمَوْلَاهَا وَذَلِكَ لِعَدَمِ صِدْقِ حَدِّ الْفِرَاشِ عَلَيْهَا وَهُوَ كَوْنُ الْمَرْأَةِ مُعَيَّنَةً لِثُبُوتِ نَسَبِ مَا تَأْتِي بِهِ أَوْ كَوْنِهَا يُقْصَدُ بِوَطْئِهَا الْوَلَدُ ا هـ .
وَاَلَّذِي تَقَدَّمَ فِي الْمُحَرَّمَاتِ هُوَ مِثْلُ مَا فِي الْبَدَائِعِ : الْفِرَاشُ ثَلَاثَةٌ قَوِيٌّ وَهُوَ فِرَاشُ الْمَنْكُوحَةِ حَتَّى يَثْبُتُ النَّسَبُ بِلَا دَعْوَةٍ وَلَا يَنْتَفِي إلَّا بِاللِّعَانِ ، وَضَعِيفٌ وَهُوَ فِرَاشُ الْأَمَةِ لَا يَثْبُتُ مِنْهُ النَّسَبُ إلَّا بِالدَّعْوَةِ ، وَالْوَسَطُ فِرَاشُ أُمِّ الْوَلَدِ حَتَّى يَثْبُتُ فِيهِ النَّسَبُ مِنْ غَيْرِ دَعْوَةٍ وَيَنْتَفِي مِنْ غَيْرِ لِعَانٍ ا هـ .
وَمَحَلُّ ثُبُوتِ نَسَبِ وَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ مَا لَمْ يُعَارِضْهُ مَانِعٌ مِنْ حِلِّ وَطْئِهَا كَحُرْمَتِهَا مُؤَبَّدَةً بِوَطْءِ

مَوْلَاهَا أُمَّهَا أَوْ بِنْتَهَا أَوْ وَطْءِ ابْنِهِ أَوْ أَبِيهِ لَهَا أَوْ حُرْمَتِهَا بِإِرْضَاعِهَا زَوْجَتَهُ الصَّغِيرَةَ أَوْ بِكِتَابَتِهَا أَوْ بِتَزْوِيجِهَا فَلَا يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا إلَّا أَنْ تَأْتِيَ بِهِ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْتِ ثُبُوتِ الْحُرْمَةِ ، كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : وَلَكِنْ انْتَفَى بِنَفْيِهِ ) يُسْتَثْنَى مِنْهُ مَا لَوْ أَعْتَقَهَا فَإِنَّهُ يَثْبُتُ نَسَبُ وَلَدِهَا إلَى سَنَتَيْنِ مِنْ يَوْمِ الْإِعْتَاقِ كَمَا إذَا مَاتَ وَلَا يُمْكِنُ نَفْيُهُ ؛ لِأَنَّ فِرَاشَهَا تَأْكِيدٌ بِالْحُرِّيَّةِ .
وَفِي الْمَبْسُوطِ : إنَّمَا يَمْلِكُ نَفْيَ وَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ إذَا لَمْ يَقْضِ الْقَاضِي بِهِ أَوْ لَمْ يَتَطَاوَلْ الزَّمَانُ فَأَمَّا بَعْدَ الْقَضَاءِ فَقَدْ لَزِمَهُ بِالْقَضَاءِ فَلَا يَمْلِكُ إبْطَالَهُ ، وَالتَّطَاوُلُ دَلِيلُ إقْرَارِهِ ؛ لِأَنَّهُ يُوجَدُ مِنْهُ فِيهَا دَلِيلُ إقْرَارِهِ مِنْ قَبُولِ التَّهْنِئَةِ وَنَحْوِهِ فَيَكُونُ كَالتَّصْرِيحِ بِإِقْرَارِهِ ، وَاخْتِلَافُهُمْ فِي التَّطَاوُلِ سَبَقَ فِي اللِّعَانِ ، كَذَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّ هَذَا الظَّاهِرَ ) أَيْ كَوْنَ الْوَلَدِ مِنْهُ بِسَبَبِ أَنَّ الظَّاهِرَ عَدَمُ زِنَا الْمُسْلِمَةِ يُقَابِلُهُ أَيْ يُعَارِضُهُ ظَاهِرٌ آخَرُ وَهُوَ كَوْنُهُ مِنْ غَيْرِهِ لِوُجُودِ أَحَدِ الدَّلِيلَيْنِ عَلَى ذَلِكَ وَهُمَا الْعَزْلُ أَوْ عَدَمُ التَّحْصِينِ وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ كَوْنَهُ مِنْ غَيْرِهِ عِنْدَ ضَبْطِهِ الْعَزْلَ ظَاهِرٌ وَأَمَّا ظُهُورُ كَوْنِهِ مِنْ غَيْرِهِ إذَا قُضِيَ إلَيْهَا وَلَمْ يَعْزِلْ عَنْهَا مَحَلُّ نَظَرٍ ، كَذَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ زَوَّجَهَا فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَهُوَ فِي حُكْمِ أُمِّهِ ) أَيْ فِيمَا لَا مَانِعَ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ لَوْ كَانَ جَارِيَةً لَا يَسْتَمْتِعُ بِهَا ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ أُمَّهَا ، وَهَذِهِ إجْمَاعِيَّةٌ قَالَ الْكَمَالُ : وَهِيَ وَارِدَةٌ عَلَى إطْلَاقِهِ حَيْثُ قَالَ : هُوَ فِي حُكْمِ أُمِّهِ ا هـ .
، وَالْجَوَابُ عَنْهُ ظَاهِرٌ ( قَوْلُهُ : وَالنَّسَبُ يَثْبُتُ مِنْ الزَّوْجِ ؛ لِأَنَّ الْفِرَاشَ لَهُ ) تَتِمَّةُ : عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ وَإِنْ كَانَ النِّكَاحُ

فَاسِدًا فَإِنَّهُ مُلْحَقٌ بِالصَّحِيحِ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ ا هـ .
وَهَذَا إذَا اتَّصَلَ بِهِ الدُّخُولُ ، كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : وَلَوْ ادَّعَاهُ الْمَوْلَى يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ ) أَيْ : وَقَدْ جَاءَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَمَا فَوْقَهَا إذْ لَوْ ادَّعَاهُ السَّيِّدُ وَقَدْ جَاءَتْ بِهِ لِدُونِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ كَانَ وَلَدَهُ بَلْ لَا يَحْتَاجُ إلَى دَعْوَتِهِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ وَيَظْهَرُ عَدَمُ صِحَّةِ النِّكَاحِ ( قَوْلُهُ : وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ لِإِقْرَارِهِ ) لَمْ يُسْتَحْسَنْ هَذَا مِنْ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي تَزْوِيجِ أُمِّ الْوَلَدِ وَإِنَّمَا يُسْتَحْسَنُ لَوْ كَانَ فِي تَزْوِيجِ الْأَمَةِ الَّتِي لَيْسَتْ أُمَّ وَلَدٍ كَالصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْمَبْسُوطِ : زَوَّجَ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ فَوَلَدَتْ إلَخْ قَالَهُ الْكَمَالُ ( قَوْلُهُ : وَإِذَا مَاتَ الْمَوْلَى عَتَقَتْ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ ) كَانَ يَنْبَغِي عَدَمُ ذِكْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ قَدَّمَهُ مَتْنًا وَلَيْسَ مِنْ تَعَلُّقِ السَّابِقَةِ خَاصَّةً فِي كَلَامِ الْهِدَايَةِ بَلْ حُكْمٌ لِأُمِّ الْوَلَدِ فِي حَدِّ ذَاتِهَا وَلِذَا قَالَ الْكَمَالُ : عَتَقَتْ يَعْنِي أُمَّ الْوَلَدِ ا هـ .

( أُمُّ وَلَدِ الذِّمِّيِّ إذَا أَسْلَمَتْ عُرِضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامُ فَإِنْ أَسْلَمَ فَهِيَ لَهُ ، وَإِلَّا تَسْعَى فِي قِيمَتِهَا وَعَتَقَتْ بَعْدَهَا ) أَيْ بَعْدَ السِّعَايَةِ .
( قَوْلُهُ : وَإِلَّا تَسْعَى فِي قِيمَتِهَا ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ : وَمَالِيَّةُ أُمِّ الْوَلَدِ يُعْتِقُهَا الذِّمِّيُّ مُتَقَوِّمَةٌ وَيَتْرُكُ وَمَا يَعْتَقِدُهُ وَلِأَنَّهَا إنْ لَمْ تَكُنْ مُتَقَوِّمَةً فَهِيَ مُحْتَرَمَةٌ ا هـ .
وَهُوَ جَوَابٌ عَنْ سُؤَالٍ يَرُدُّ عَلَى قَوْلِ الْإِمَامِ بِنَفْيِ مَالِيَّةِ أُمِّ الْوَلَدِ ا هـ .
وَقِيمَةُ أُمِّ الْوَلَدِ ثُلُثُ قِيمَتِهَا قِنَّةً ، كَذَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : وَعَتَقَتْ بَعْدَهَا ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ : وَلَا تُرَدُّ إلَى الرِّقِّ لَوْ عَجَّزَتْ نَفْسَهَا ، وَالْمُدَبَّرُ إذَا أَسْلَمَ كَأُمِّ الْوَلَدِ ا هـ .
وَقَالَ زُفَرُ : تَعْتِقُ لِلْحَالِ ، وَالسِّعَايَةُ دَيْنٌ عَلَيْهَا وَإِذَا مَاتَ مَوْلَاهَا عَتَقَتْ وَسَقَطَتْ عَنْهَا السِّعَايَةُ ؛ لِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لَهُ ، كَذَا فِي الْفَتْحِ .

( ادَّعَى وَلَدَ أَمَةٍ مُشْتَرَكَةٍ ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ آخَرَ ( ثَبَتَ نَسَبُهُ مِنْهُ ) ؛ لِأَنَّ النَّسَبَ إذَا ثَبَتَ مِنْهُ فِي نِصْفِهِ لِمُصَادَفَتِهِ مِلْكَهُ ثَبَتَ فِي الْبَاقِي ضَرُورَةً أَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ لِمَا أَنَّ سَبَبَهُ وَهُوَ الْعُلُوقُ لَا يَتَجَزَّأُ إذْ الْوَلَدُ الْوَاحِدُ لَا يَعْلَقُ مِنْ مَاءَيْنِ ( وَهِيَ أُمُّ وَلَدِهِ ) ؛ لِأَنَّ الِاسْتِيلَادَ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُمَا .
وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَصِيرُ نَصِيبُهُ أُمَّ وَلَدِهِ ثُمَّ يَتَمَلَّكُ نَصِيبَ صَاحِبِهِ ؛ لِأَنَّهُ قَابِلٌ لِلتَّمَلُّكِ إذْ لَمْ يَحْصُلْ لَهَا مِنْ أَسْبَابِ الْحُرِّيَّةِ شَيْءٌ كَالتَّدْبِيرِ وَغَيْرِهِ ( وَضَمِنَ نِصْفَ قِيمَتِهَا ) ؛ لِأَنَّهُ تَمَلَّكَ نَصِيبَ صَاحِبِهِ حِينَ اسْتَكْمَلَ الِاسْتِيلَادَ وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْعُلُوقِ ؛ لِأَنَّ أُمُومِيَّةَ الْوَلَدِ ثَبَتَتْ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ سَوَاءٌ كَانَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا ؛ لِأَنَّهُ ضَمَانُ تَمَلُّكٍ بِخِلَافِ ضَمَانِ الْعِتْقِ كَمَا تَقَرَّرَ فِي مَوْضِعِهِ .
( وَ ) نِصْفَ ( عُقْرِهَا ) ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ جَارِيَةً مُشْتَرَكَةً إذْ مِلْكُهُ يَثْبُتُ بَعْدَ الْوَطْءِ حُكْمًا لِلِاسْتِيلَادِ فَيَعْقُبُهُ الْمِلْكُ فِي نَصِيبِ صَاحِبِهِ بِخِلَافِ الْأَبِ إذَا اسْتَوْلَدَ جَارِيَةَ ابْنِهِ حَيْثُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْعُقْرُ ( لَا قِيمَةَ وَلَدِهَا ) ؛ لِأَنَّهُ عَلَقُ حُرِّ الْأَصْلِ إذْ النَّسَبُ يَثْبُتُ مُسْتَنِدًا إلَى وَقْتِ الْعُلُوقِ ، وَالضَّمَانُ يَجِبُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ فَيَحْدُثُ الْوَلَدُ عَلَى مِلْكِهِ وَلَمْ يَعْلَقْ شَيْءٌ مِنْهُ عَلَى مِلْكِ شَرِيكِهِ ( وَإِنْ ادَّعَيَاهُ مَعًا فَمِنْهُمَا ) أَيْ الْوَلَدُ ثَابِتُ النَّسَبِ مِنْهُمَا ، وَمَعْنَاهُ إذَا حَبِلَتْ فِي مِلْكِهِمَا وَكَذَا إذَا اشْتَرَيَاهَا حُبْلَى لَا يَخْتَلِفُ فِي حَقِّ ثُبُوتِ النَّسَبِ مِنْهُمَا وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْعُقْرِ وَالْوَلَاءِ وَضَمَانِ قِيمَةِ أُمِّ الْوَلَدِ حَتَّى لَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْعُقْرُ لِصَاحِبِهِ لِعَدَمِ الْوَطْءِ فِي مِلْكِهِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ نِصْفُ قِيمَةِ الْوَلَدِ إنْ كَانَ الْمُدَّعِي وَاحِدًا وَيَثْبُتُ لِكُلِّ

وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِيهِ الْوَلَاءُ ؛ لِأَنَّهُ تَحْرِيرٌ عَلَى مَا عُرِفَ وَإِنَّمَا كَانَ مِنْهُمَا لِاسْتِوَائِهِمَا فِي سَبَبِ الِاسْتِحْقَاقِ فَيَسْتَوِيَانِ فِيهِ ( وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُمَا ) لِصِحَّةِ دَعْوَةِ كُلٍّ مِنْهُمَا فِي نَصِيبِهِ فِي الْوَلَدِ فَيَصِيرُ نَصِيبُهُ مِنْهَا أُمَّ وَلَدٍ لَهُ تَبَعًا لِوَلَدِهَا ( وَعَلَى كُلٍّ ) مِنْهُمَا ( نِصْفُ عُقْرِهَا ) قِصَاصًا بِمَا لَهُ عَلَى الْآخَرِ ( وَيَرِثُ ) الِابْنُ ( مِنْ كُلٍّ ) مِنْ شَرِيكَيْنِ ( إرْثَ ابْنٍ ) كَامِلٍ ؛ لِأَنَّهُ إقْرَارٌ بِمِيرَاثِهِ كُلِّهِ وَهُوَ حُجَّةٌ فِي حَقِّهِ ( وَوَرِثَا مِنْهُ إرْثَ أَبٍ ) وَاحِدٍ لِاسْتِوَائِهِمَا فِي السَّبَبِ كَمَا إذَا أَقَامَا الْبَيِّنَةَ عَلَى الْبُنُوَّةِ .

قَوْلُهُ : وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَصِيرُ نَصِيبُهُ أُمَّ وَلَدِهِ ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّ الِاسْتِيلَادَ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا إلَّا أَنَّهُ قَدْ يَتَكَامَلُ عِنْدَ وُجُودِ سَبَبِ التَّكَامُلِ وَشَرْطِهِ وَهُوَ إمْكَانُ التَّكَامُلِ وَقِيلَ إنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ أَيْضًا لَكِنْ فِيمَا يَحْتَمِلُ نَقْلَ الْمِلْكِ فِيهِ وَأَمَّا فِيمَا لَا يَحْتَمِلُ فَهُوَ مُتَجَزِّئٌ عِنْدَهُ ، كَذَا فِي الْبَدَائِعِ ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ قَابِلٌ لِلتَّمْلِيكِ ) عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ لِلتَّمَلُّكِ ا هـ .
وَقَالَ الْكَمَالُ تَعْلِيلُ تَمَلُّكِ نَصِيبِ شَرِيكِهِ بِأَنَّهُ قَابِلٌ لِلتَّمَلُّكِ تَعْلِيلٌ بِعَدَمِ الْمَانِعِ وَهُوَ لَا يَصْلُحُ لِلتَّعْلِيلِ يُقَالُ سَافَرَ لِلتِّجَارَةِ وَالْعِلْمِ وَلَوْ قِيلَ لِأَمْنِ الطَّرِيقِ عُدَّ جُنُونًا ا هـ .
( قَوْلُهُ : إذْ لَمْ يَحْصُلْ لَهَا مِنْ أَسْبَابِ الْحُرِّيَّةِ شَيْءٌ كَالتَّدْبِيرِ وَغَيْرِهِ ) يَعْنِي قَبْلَ تَمَلُّكِهِ ( قَوْلُهُ : وَتُعْتَبَرُ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْعُلُوقِ ) كَذَا الْعُقْرُ ، كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : بِخِلَافِ الْأَبِ إذَا اسْتَوْلَدَ جَارِيَةَ ابْنِهِ ) يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي ضَمَانِ نِصْفِ الْقِيمَةِ وَالْعُقْرِ بَيْنَ مَا لَوْ كَانَ الشَّرِيكُ أَجْنَبِيًّا وَبَيْنَ مَا لَوْ كَانَ أَبًا ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ اسْتِيلَادِ الْأَبِ لَهَا وَلَا مِلْكَ لَهُ فِيهَا وَبَيْنَ كَوْنِهِ شَرِيكًا لِابْنِهِ فِيهَا أَنَّهَا إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهَا مِلْكٌ مَسَّتْ الْحَاجَةُ إلَى إثْبَاتِ الْمِلْكِ فِيهَا سَابِقًا عَلَى الْوَطْءِ نَفْيًا لَهُ عَنْ الزِّنَا فَلَا عُقْرَ وَإِذَا كَانَ لَهُ فِيهَا مِلْكٌ كَفَى لِذَلِكَ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْعُقْرِ كَذَا قِيلَ ( قَوْلُهُ : وَإِنْ ادَّعَيَاهُ مَعًا فَمِنْهُمَا ) هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَ أَحَدِهِمَا مُرَجِّحٌ فَلَوْ تَرَجَّحَ أَحَدُهُمَا لَمْ يُعَارِضْهُ الْمَرْجُوحُ فَيُقَدَّمُ الْأَبُ عَلَى الِابْنِ ، وَالْمُسْلِمُ عَلَى الذِّمِّيِّ ، وَالْحُرُّ عَلَى الْعَبْدِ ، وَالذِّمِّيُّ عَلَى الْمُرْتَدِّ ، وَالْكِتَابِيُّ عَلَى الْمَجُوسِيِّ ، وَالْعِبْرَةُ لِهَذِهِ الْأَوْصَافِ وَقْتُ الدَّعْوَةِ لَا الْعُلُوقِ ، كَمَا فِي

غَايَةِ الْبَيَانِ وَقَيَّدَ بِكَوْنِهِمَا اثْنَيْنِ لِلِاخْتِلَافِ فِيمَا زَادَ عَلَيْهِمَا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَثْبُتُ النَّسَبُ مِنْ الْمُدَّعِيَيْنِ وَإِنْ كَثُرُوا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ : يَثْبُتُ مِنْ اثْنَيْنِ لَا مِنْ ثَلَاثَةِ .
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَثْبُتُ مِنْ ثَلَاثَةٍ لَا غَيْرُ ، وَقَالَ زُفَرُ : يَثْبُتُ مِنْ خَمْسَةٍ فَقَطْ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ الْإِمَامِ وَلَوْ تَنَازَعَ فِيهِ امْرَأَتَانِ قُضِيَ بِهِ بَيْنَهُمَا وَعِنْدَهُمَا لَا يُقْضَى لِلْمَرْأَتَيْنِ وَتَمَامُ التَّفْرِيعِ فِي الْبَحْرِ ( قَوْلُهُ : وَإِنَّمَا يَخْتَلِفُ فِي حَقِّ وُجُوبِ الْعُقْرِ ) كَذَا يَخْتَلِفُ فِي كَوْنِهَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدِهِمَا فَلَا تَصِيرُ الْمُشْتَرَاةُ حُبْلَى أُمَّ وَلَدٍ لَهُمَا بِادِّعَائِهِمَا وَلَدَهَا ؛ لِأَنَّ هَذِهِ دَعْوَةُ عِتْقٍ لَا دَعْوَةُ اسْتِيلَادٍ فَيَعْتِقُ الْوَلَدُ مُقْتَصِرًا عَلَى وَقْتِ الدَّعْوَةِ بِخِلَافِ دَعْوَةِ الِاسْتِيلَادِ فَإِنَّ شَرْطَهَا كَوْنُ الْعُلُوقِ فِي الْمِلْكِ ، كَمَا فِي الْفَتْحِ ( قَوْلُهُ : وَضَمَانِ قِيمَةِ أُمِّ الْوَلَدِ ) صَوَابُهُ " قِيمَةِ الْوَلَدِ " بِإِسْقَاطِهِ لَفْظَةَ " أُمِّ " كَمَا هِيَ عِبَارَةُ الزَّيْلَعِيِّ وَغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّهُ هُوَ مَحَلُّ الِاخْتِلَافِ حَتَّى تَفَرَّعَ عَلَيْهِ ضَمَانُ نِصْفِ قِيمَةِ الْوَلَدِ بِادِّعَاءِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ ، وَقَدْ اشْتَرَيَاهَا حُبْلَى بِخِلَافِ مَا إذَا حَبِلَتْ فِي مِلْكِهِمَا فَادَّعَاهُ أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ نِصْفُ قِيمَةِ الْوَلَدِ ( قَوْلُهُ : وَيَثْبُتُ لِكُلٍّ مِنْهُمَا فِيهِ الْوَلَاءُ ) يَعْنِي إذَا ادَّعَيَاهُ مَعًا ( قَوْلُهُ : لِأَنَّهُ تَحْرِيرٌ عَلَى مَا عُرِفَ ) يَعْنِي مِنْ أَنَّ هَذِهِ دَعْوَةُ عِتْقِ فَيَعْتِقُ مُقْتَصَرًا عَلَى وَقْتِ الدَّعْوَةِ لَا دَعْوَةُ اسْتِيلَادٍ ؛ لِأَنَّ شَرْطَهَا الْعُلُوقُ فِي الْمِلْكِ وَهُوَ مُنْتَفٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ ( قَوْلُهُ : وَوَرِثَا مِنْهُ إرْثَ أَبٍ ) يُفِيدُ أَنَّهُ إذَا مَاتَ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْوَلَدِ فَجَمِيعُ مِيرَاثِهِ لِلْبَاقِي مِنْهُمَا وَأَنَّ الْوِلَايَةَ عَلَيْهِ فِي التَّصَرُّفَاتِ الْمَالِيَّةِ مُشْتَرَكَةٌ وَهَذَا عِنْدَهُمَا ، .

وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَنْفَرِدُ ، كَمَا فِي الْخَانِيَّةِ وَأَمَّا وِلَايَةُ الْإِنْكَاحِ فَلِكُلٍّ مِنْهُمَا الِانْفِرَادُ قَالَ الزَّيْلَعِيُّ : النَّسَبُ وَإِنْ كَانَ لَا يَتَجَزَّأُ لَكِنْ يَتَعَلَّقُ بِهِ أَحْكَامٌ مُتَجَزِّئَةٌ كَالْمِيرَاثِ ، وَالنَّفَقَةِ ، وَالْحَضَانَةِ ، وَالتَّصَرُّفِ فِي الْمَالِ وَأَحْكَامٌ غَيْرُ مُتَجَزِّئَةٍ كَالنَّسَبِ وَوِلَايَةِ الْإِنْكَاحِ وَصَدَقَةِ فِطْرِهِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا صَدَقَةٌ تَامَّةٌ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا صَدَقَةٌ وَاحِدَةٌ ، كَذَا فِي الْبَحْرِ

( ادَّعَى وَلَدَ أَمَةٍ مُكَاتَبَةٍ ) يَعْنِي إذَا وَطِئَ الْمَوْلَى جَارِيَةً مُكَاتَبَةً فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ ( وَصَدَّقَهُ ) أَيْ الْمُكَاتَبُ الْمَوْلَى ( لَزِمَهُ عُقْرُهَا ) ؛ لِأَنَّهُ وَطِئَ بِغَيْرِ نِكَاحٍ وَلَا مِلْكِ يَمِينٍ ، وَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ لِلشُّبْهَةِ .
( وَ ) لَزِمَهُ ( نَسَبُ الْوَلَدِ ) لِتَصَادُقِهِمَا عَلَى ذَلِكَ فَصَارَ كَمَا لَوْ ادَّعَى نَسَبَ وَلَدِ جَارِيَةِ الْأَجْنَبِيِّ فَصَدَّقَهُ ( وَقِيمَتُهُ ) أَيْ قِيمَةُ الْوَلَدِ ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَغْرُورِ حَيْثُ اعْتَمَدَ دَلِيلًا وَهُوَ أَنَّهُ كَسْبٌ كَسَبَهُ فَلَمْ يَرْضَ بِكَوْنِهِ رَقِيقًا فَيَكُونُ حُرًّا بِالْقِيمَةِ ثَابِتَ النَّسَبِ مِنْهُ كَمَا أَنَّ الْمَغْرُورَ اعْتَمَدَ دَلِيلًا وَهُوَ الْمِلْكُ ظَاهِرًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَقِيقَةً ( لَا الْأَمَةِ ) إذْ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهَا حَقِيقَةً ، وَمَا لَهُ مِنْ الْحَقِّ كَافٍ لِصِحَّةِ الِاسْتِيلَادِ فَلَا حَاجَةَ إلَى النَّقْلِ وَتَقْدِيمِ الْمِلْكِ بِخِلَافِ أَمَةِ الِابْنِ إذْ لَيْسَ لِلْأَبِ فِيهَا حَقِيقَةُ الْمِلْكِ وَلَا حَقُّهُ وَإِنَّمَا لَهُ حَقُّ التَّمَلُّكِ وَهُوَ غَيْرُ كَافٍ لِصِحَّةِ الِاسْتِيلَادِ فَاحْتَجْنَا إلَى نَقْلِهَا إلَى مِلْكِ الْأَبِ لِيَصِحَّ الِاسْتِيلَادُ ( وَإِنْ لَمْ يُصَدِّقْهُ ) أَيْ الْمُكَاتَبَ الْمَوْلَى فِي دَعْوَتِهِ ( فَلَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ ) أَيْ نَسَبُ الْوَلَدِ مِنْهُ ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَثْبُتُ ؛ لِأَنَّ الْجَارِيَةَ كَسْبٌ كَسَبَهُ فَصَارَتْ كَجَارِيَةِ الِابْنِ بَلْ أَوْلَى ؛ لِأَنَّ لِلْمَوْلَى فِي الْمُكَاتَبِ مِلْكَ الرَّقَبَةِ بِخِلَافِ الِابْنِ ، وَجْهُ الْفَرْقِ أَنَّ لِلْأَبِ أَنْ يَتَمَلَّكَ مَالَ ابْنِهِ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ وَلِهَذَا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ عُقْرُهَا وَلَا قِيمَةُ الْوَلَدِ وَتَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ وَلَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يَتَمَلَّكَ مَالَ مُكَاتَبَةٍ ؛ لِأَنَّهُ بِالْعَقْدِ حَجَرَ عَلَى نَفْسِهِ وَأَلْحَقَهَا بِالْأَجْنَبِيِّ وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ عُقْرُهَا وَقِيمَةُ وَلَدِهَا وَلَا تَصِيرُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ فَيُشْتَرَطُ تَصْدِيقُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا وَطِئَ الْمُكَاتَبَةَ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَادَّعَاهُ حَيْثُ يَثْبُتُ

نَسَبُهُ فَقَطْ مِنْهُ ، وَلَا يُشْتَرَطُ تَصْدِيقُهَا ؛ لِأَنَّ رَقَبَتَهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُ ( إلَّا إذَا مَلَكَهُ ) أَيْ الْوَلَدَ ( يَوْمًا ) فَحِينَئِذٍ يَثْبُتُ نَسَبُهُ مِنْهُ وَتَصِيرُ أُمُّهُ أُمَّ وَلَدٍ لَهُ أَيْضًا إذَا مَلَكَهَا ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بَاقٍ وَهُوَ الْمُوجِبُ وَزَوَالَ حَقِّ الْمُكَاتَبِ وَهُوَ الْمَانِعُ .

( وَطِئَ جَارِيَةَ امْرَأَتِهِ أَوْ وَالِدِهِ أَوْ جَدِّهِ فَوَلَدَتْ ، وَادَّعَاهُ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ وَيُدْرَأُ عَنْهُ الْحَدُّ ) لِلشُّبْهَةِ ( فَإِنْ قَالَ : أَحَلَّهَا لِي الْمَوْلَى لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ إلَّا أَنْ يُصَدِّقَهُ ) أَيْ الْمَوْلَى ( فِيهِ وَفِي أَنَّ الْوَلَدَ مِنْهُ ) وَلَوْ صَدَّقَهُ فِي أَحَدِهِمَا فَقَطْ لَا يَثْبُتُ النَّسَبُ ( وَإِنْ كَذَّبَهُ الْمَوْلَى ثُمَّ مَلَكَهَا يَوْمًا ثَبَتَ النَّسَبُ ) لِبَقَاءِ الْإِقْرَارِ كَمَا مَرَّ ، كَذَا فِي الْخَانِيَّةِ

( كِتَابُ الْكِتَابَةِ ) أَوْرَدَهُ هَاهُنَا ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ مِنْ تَوَابِعِ الْعِتْقِ كَالتَّدْبِيرِ وَالِاسْتِيلَادِ ( هِيَ ) لُغَةً : الضَّمُّ وَالْجَمْعُ وَمِنْهُ الْكَتِيبَةُ لِلْجَيْشِ الْعَظِيمِ ، وَالْكُتُبُ لِجَمْعِ الْحُرُوفِ فِي الْخَطِّ ، وَشَرْعًا : ( جَمْعُ حُرِّيَّةِ الرَّقَبَةِ مَآلًا مَعَ حُرِّيَّةِ الْيَدِ حَالًا ) فَإِنَّ الْمُكَاتَبَ مَالِكٌ يَدًا وَمَمْلُوكٌ رَقَبَةً وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ ( وَرُكْنُهَا الْإِيجَابُ ، وَالْقَبُولُ ) كَأَنْ يَقُولَ لِعَبْدِهِ : إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ أَوْ كَاتَبْتُك عَلَى أَلْفٍ فَقَبِلَ ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ وَشَرْطُهَا كَوْنُ الْبَدَلِ مَعْلُومًا مَالًا كَانَ أَوْ عَمَلًا ، وَأَمَّا كَوْنُهُ مُنَجَّمًا أَوْ مُؤَجَّلًا فَلَيْسَ بِشَرْطٍ حَتَّى تَجُوزَ الْكِتَابَةُ عَلَى الْمَالِ الْحَالِّ وَالْمُنَجَّمِ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تَجُوزُ إلَّا مُؤَجَّلًا بِنَجْمَيْنِ ، وَحُكْمُهُمَا فِي جَانِبِ الْعَبْدِ انْتِفَاءُ الْحَجْرِ وَثُبُوتُ الْحُرِّيَّةِ فِي حَقِّ الْيَدِ لَا الرَّقَبَةِ حَتَّى يَكُونُ أَحَقَّ بِمَنَافِعِهِ وَمَكَاسِبِهِ ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ الْكِتَابَةِ وُصُولُ الْمَوْلَى إلَى بَدَلِهَا ، وَالْعَبْدِ إلَى الْحُرِّيَّةِ بِأَدَائِهِ وَذَا لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا بِذَلِكَ ، وَفِي جَانِبِ الْمَوْلَى بَقَاءُ رَقَبَةِ الْعَبْدِ عَلَى مِلْكِهِ وَثُبُوتُ حَقِّ الْمُطَالَبَةِ بِبَدَلِهَا مَتَى شَاءَ وَاسْتِرْدَادُهُ إلَى مِلْكِهِ إذَا عَجَزَ .

( كِتَابُ الْكِتَابَةِ ) ( قَوْلُهُ : أَوْرَدَهُ هَا هُنَا
إلَخْ ) قَالَ فِي الْعِنَايَةِ : ذُكِرَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ أَنَّ ذِكْرَ كِتَابِ الْمُكَاتَبِ عَقِيبَ الْعِتْقِ أَنْسَبُ وَلِهَذَا ذَكَرَهُ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ فِي الْكَافِي عَقِيبَ كِتَابِ الْعَتَاقِ ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَةَ مَآلُهَا الْوَلَاءُ ، وَالْوَلَاءُ حُكْمٌ مِنْ أَحْكَامِ الْعِتْقِ أَيْضًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ الْعِتْقَ إخْرَاجُ الرَّقَبَةِ عَنْ الْمِلْكِ بِلَا عِوَضٍ ، وَالْكِتَابَةُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ بَلْ فِيهَا مِلْكُ الرَّقَبَةِ لِشَخْصٍ وَمَنْفَعَتُهُ لِغَيْرِهِ ، وَهُوَ أَنْسَبُ لِلْإِجَارَةِ ؛ لِأَنَّ نِسْبَةَ الذَّاتِيَّاتِ أَوْلَى مِنْ الْعَرَضِيَّاتِ .
ا هـ .
( قَوْلُهُ : وَشَرْعًا
إلَخْ ) قَالَ الزَّيْلَعِيُّ : وَسُمِّيَ هَذَا الْعَقْدُ كِتَابَةً وَمُكَاتَبَةً ؛ لِأَنَّ فِيهِ ضَمَّ حُرِّيَّةِ الْيَدِ إلَى حُرِّيَّةِ الرَّقَبَةِ أَوْ ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَكْتُبُ الْوَثِيقَةَ وَهُوَ أَظْهَرُ ا هـ
وَفِي الْبُرْهَانِ مَعْنَاهُ كَتَبْتُ لَك عَلَى نَفْسِي أَنْ تَعْتِقَ مِنِّي إذَا وَفَّيْت بِالْمَالِ وَكَتَبْت لِي عَلَى نَفْسِك أَنْ تَفِيَ بِذَلِكَ أَوْ كَتَبْتُ عَلَيْك الْوَفَاءَ بِالْمَالِ ، وَكَتَبْتُ عَلَيَّ الْعِتْقَ ا هـ .
( قَوْلُهُ : فَإِنَّ الْمُكَاتَبَ مَالِكٌ يَدًا ) قَالَ الْكَمَالُ : فِي أَوَّلِ بَابِ التَّدْبِيرِ لَا مَعْنَى فِي التَّحْقِيقِ لِقَوْلِهِمْ الْمُكَاتَبُ مَالِكٌ يَدًا بَلْ الْوَاجِبُ أَنْ يُقَالَ مِلْكُهُ مُتَزَلْزِلٌ إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ مَالِكٌ شَرْعًا لَكِنَّهُ بِعَرَضِ أَنْ يَزُولَ بِتَعْجِيزِ نَفْسِهِ ا هـ .
( قَوْلُهُ : كَأَنْ يَقُولَ لِعَبْدِهِ : إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفًا فَأَنْتَ حُرٌّ ) مُنَاقِضٌ لِمَا قَدَّمَهُ فِي بَابِ الْعِتْقِ عَلَى جُعْلٍ فَإِنَّهُ قَالَ الْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِالْأَدَاءِ بِأَنْ قَالَ مَوْلَاهُ : إنْ أَدَّيْت إلَيَّ أَلْفَ دِرْهَمٍ فَأَنْتَ حُرٌّ مَأْذُونٌ لَا مُكَاتَبٌ فَجَازَ بَيْعُهُ وَلَا يَكُونُ أَحَقَّ بِمَكَاسِبِهِ ا هـ .
فَكَيْفَ يَجْعَلُهُ مِنْ صِيَغِ الْمُكَاتَبَةِ وَحُكْمُهُمَا مُتَبَايِنٌ ، فَتَأَمَّلْ .
( قَوْلُهُ : وَشَرْطُهَا كَوْنُ الْبَدَلِ مَعْلُومًا ) زَادَ الزَّيْلَعِيُّ

كَغَيْرِهِ وَكَوْنُ الرِّقِّ فِي الْمَحَلِّ ا هـ .
وَلَمْ يَتَعَرَّضْ الْمُصَنِّفُ لِسَبَبِهَا وَهُوَ الرَّغْبَةُ فِي الْبَدَلِ عَاجِلًا وَفِي الثَّوَابِ آجِلًا وَلِصِفَتِهَا ، وَهِيَ مَنْدُوبَةٌ لِمَنْ عُلِمَ فِيهِ خَيْرٌ وَنُدِبَ حَطُّ شَيْءٍ مِنْ بَدَلِهَا ، وَالْمُرَادُ بِالْخَيْرِ أَنْ لَا يَضُرَّ بِالْمُسْلِمِينَ بَعْدَ الْعِتْقِ وَإِنْ كَانَ يَضُرُّ بِهِمْ فَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يُكَاتِبَهُ وَقِيلَ خَيْرٌ أَيْ وَفَاءً وَأَمَانَةً وَصَلَاحًا ، وَقِيلَ الْمَالُ ، وَالْخَيْرُ يُرَادُ بِهِ الْمَالُ قَالَ تَعَالَى : { إنْ تَرَكَ خَيْرًا } أَيْ مَالًا { وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ } أَيْ مَالٍ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ كَسُوبًا يَقْدِرُ عَلَى أَدَاءِ الْبَدَلِ قَالَهُ الزَّيْلَعِيُّ .

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25