كتاب :الذخيرة 29

كتاب :الذخيرة
المؤلف : شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي

إذا تقرر هذا فالعدد في هذه المسألة آحاد والأنصباء أشياء وقاعدة الجبر أن يقسم العدد على الأشياء وإنما جعلنا النصيب شيئا لأنه مجهول والمجهول يحسن أن يجعل شيئا فلا جرم كانت الأنصباء في المقسوم عليها لا المقسومة فلم نقلب ولم نحول لانتفاء علة القلب والتحويل وهو أن المراد من قسمة الأنصباء على الأموال معرفة ما يخص المال الواحد من الأنصباء بسبب القسمة وهي منفي ها هنا وأما إذا كانت الأنصباء تعادل المال فتجعل الأنصباء آحادا عددا لأن المقصود ما يخص المال الواحد من عدد الأنصباء فالمطلوب هو معرفة نسبة العدد من الأنصباء للمال الواحد فجعلنا الأموال أشياء لأنها مجهولة وقسمنا الأنصباء عليها من باب العدد على الأشياء وهي إحدى المسائل الست فلذلك اختص القلب والتحويل بغير هذه المسألة وثانيهما أن هذا الموصي لما أوصى بمثل نصيب رابع فقد أوصى بربع ماله لأنه لو قال بنصيب أحد الثلاثة كان الثلث خلافا للشافعي في جعله الربع فقوله بعد ذلك ولآخر بثلث ما يبقى من الربع لا يستقيم لأن الموصى له أولا استوعب الربع فهذه الوصية باطلة لكنه لما أوصى مع ذلك بربع ما يبقى من الثلث فقد نقصت أنصباء البنين بسبب هذه الوصية عن الربع والموصى له بمثل نصيب ولد آخر نقص أيضا ضرورة استوائهم فيفضل من الربع شيء يمكن أن تنفذ منه الوصية من بقية الربع فظهر من هذا التقرير أن الوصية بربع الثلث هي المصححة بهذه المسالة فمتى فقدت استحالت المسألة وهذا بخلاف قوله أوصيت بربع مالي إلا ربع المال لزيد والورثة ثلاثة بنين فإنه لم يقل ما بقي من الربع وإنما استثنى ربع المال لكل ابن من بنيه وقد تقدم بسط هذه الأشياء الخامسة عشر ابن وبنت ووصية إن زدتها على نصيب البنت بلغ الجميع ثلاثين أو على نصيب الابن بلغ الجميع خمسين كم الوصية وكم التركة اجعل الوصية شيئا وإذا ألقيته من الخمسين بقي خمسون إلا شيئاً وذلك نصيب الإبن وإذا ألقيته من ثلاثين يبقى ثلاثون إلا شيئا وذلك نصيب البنت فنصف نصيب البنت أبدا في قياس هذا الباب يبلغ ستين إلا شيئين قابل الآن سهما وبين نصيب الابن وهو خمسون إلا شيئا واجبر الشيئين بالشيئين وزد على الخمسين شيئا يصير ستين قبالة خمسين وشيء أسقط المثل بالمثل يبقى شيء قبالة عشرة فالوصية عشرة دنانير ونصيب الابن أربعون ونصيب البنت عشرون إذا زدت العشرة على الأربعين صارت خمسين أو على عشرين صارت ثلاثين والتركة سبعون وقس على هذه المسألة هذا النمط من المسائل وقد وضعت في هذه المسائل من كل نمط شيئا ليستدل به على العمل في أمثاله لأن الاستكثار من هذا الباب يملأ المجلدات فخشيت التطويل الممل والقصد التفطن للتحيل في العمل فيما يقع من المسائل

النوع الثاني الهبة
وأذكر منها خمس مسائل دورية في كل واحدة دور الأولى قال التونسي إن وهب مريض لمريض ضيعة لا مال له غيرها ثم وهبها الموهوب في مرضه للواهب ولا مال له غيرها فالجائز الثلث قال ابن القاسم تقسم من تسعة ثلاثة للموهوب له أولا وهو ثلثها يرد منها واحد للموهوب له ثانيا لأنه ثلث الثلاثة وهذا السهم يلزم منه الدور لأنك إذا أعطيته لورثة الأول كثر ثلثه ويرجع عليهم ورثة الثاني في ثلثه كمال مجرد لأن هبة البتل تدخل فيما علم وما لم يعلم ثم يقوم عليهم ورثة الأول في ثلث ثلثه فيدور هكذا أبدا ولما كان كذلك سقط من الورثتين ويكون المال ثمانية ستة لورثة الأول واثنان لورثة الثاني وهذا كلام التونسي وطريق الجبر أن تقول صحت الهبة من الأول في شيء من العبد فبقي عبد إلا شيئا وصحت هبة الثاني في ثلث ذلك الشيء فيرجع إلى الأول ثلث شيء فيحصل معه عبد إلا ثلثي شيء وذلك يعدل ضعف ما صحت الهبة الأولى فيه وهو شيء وضعفه شيئان فيجبر العبد بثلثي شيء وتزيد على عديله ثلثي شيء فيصير عبدا كاملا قبالة شيئين وثلثي شيء فتبسطها أثلاثا وتقلب وتحول فالعبد ثمانية والشيء ثلاثة فقد وقعت الهبة في ثلاثة أثمان العبد أولا وبطلت في خمسة أثمانه وتصح الهبة الثانية في ثلث ثلاثة الأثمان وهو ثمن واحد فيجتمع مع ورثة الأول ستة أثمان وهو ضعف ما صحت هبته فيه وللمريض الثاني ثمان وصحت هبته في ثمن فاعتدل البرهان ثلثا وثلثين طريقة الدينار والدرهم تجعل العبد دينارا ودرهما وتجبر الهبة في درهم منه وترجع بهبة الثاني ثلث درهم فيحصل مع الأول دينار وثلث درهم يعدل درهمين فتطرح ثلث درهم بثلث يبقى دينار يعدل درهما وثلثي درهم فتبسطها أثلاثا فيصير الدينار ثلاثة والدرهم والثلثان خمسة فتقلب العبارة وتجعل الدينار خمسة والدرهم في الوضع الأول ثلاثة وقد صحت الهبة في درهم وهو ثلاثة من ثمانية ويعود العمل إلى ما تقدم وسر الباب أنا لا نعبر عما صحت الهبة الأولى فيه إلا بالشيء المبهم ونعبر عما صحت الهبة الثانية فيه بالثلث والسبب فيه أنه قد يدور للواهب شيء بعد هبته وجهل مقدار منزعه إلى أن يثبته الجبر الثانية أن يكون الواهب الثاني صحيحا دون الأول فإن المسألة تدور على الأول من جهة العود إليه ويزيد ماله بعد النقصان فنقول صحت الهبة الأولى في شيء فبقي عبد إلا شيئا وبطلت الهبة في عبد إلا شيئا ثم رجع الشيء الموهوب كله فحصل مع ورثه الأول عبد كامل يعدل شيئين ضعف ما صحت الهبة فيه فتقلب الاسم بجعل العبد شيئين والشيء واحد والواحد من الاثنين نصفه فقد صحت هبته في نصف العبد ورجع ذلك إليه فحصل عبد كامل يعدل ضعف ما وهب الثالثة وهب مريض عبدا يساوي ألفا لمريض وأقبضه إياه فوهبه الموهوب للواهب وأقبضه إياه وماتا وخلف الواهب الأول ألف درهم سوى العبد فنقول نقدر الهبة الأولى شيئا وبطلت الهبة في عبد إلا شيئا ورجع للواهب ثلث شيء بالهبة الثانية فبقي معه عبد إلا ثلثي شيء ومعه ألف هي مثل قيمة العبد فنقول كان معه في التقدير عبدان إلا ثلثي شيء يعدل شيئين فتجبر وتقابل يكون عبدان يعدلان شيئين وثلثي شيء تبسطهما أثلاثا وتقلب الاسم فيكون العبد ثمانية والشيء ستة وهي ثلاثة أرباع الثمانية فتصح هبة الأول في ثلاثة أرباع العبد وتبطل في ربعه ويرجع إليه بهبة الثاني ربعه ومعه من التركة مثل قيمة العبد فقد حصل منه عبد ونصف ضعف ما وهب طريقة السهام وهي التي تقدمت للتونسي تأخذ عددا له ثلث ولثلثه ثلث وأقله تسعة وقد علمت أنه يرجع إليه ثلث ما تصح هبته فيه وهي سهم من الثلاثة وهو واحد وذلك سهم الدور فتسقطه من التسعة تبقى ثمانية وهي سهام العبد ثم خذ الثلاثة التي عزلتها للهبة فزد عليها مثلها لأن التركة مثل قيمة العبد فتكون ستة نسبتها للثمانية ثلاثة أرباعها فتصح الهبة في ثلاثة أرباع العبد وبيانه أنا عزلنا من العبد ثلثه ونزيد بسبب التركة ثلاثة أخرى فإن التركة مثل العبد فاجتمع ستة أسهم فنبسطها لعدد سهام العبد وهي ثمانية فتقع ثلاثة أرباع العبد طريقة الدينار والدرهم تجعل العبد دينارا ودرهما وتجبر الهبة في درهم منه يبقى معه من العبد دينار يرجع إليه من الهبة الثانية ثلث درهم ومعه من الدراهم مثل قيمة العبد فيجتمع معه ديناران ودرهم وثلث درهم تبسطها أثلاثا يكون الدينار ستة والدرهم اثنين فتقلب الاسم فيكون الدينار اثنين والدرهم ستة ومجموعهما ثمانية والستة ثلاثة أرباعها الرابعة قيمة العبد ألف ووهبه الموهوب للواهب وهما مريضان وعلى الواهب دين خمسمائة فبقدر الدين يبطل من هبة العبد النصف للدين والثلثان من النصف الآخر للمريض يبقى السدس وبالهبة الثانية يرجع إليه ثلث السدس فتصح الهبة في ثلثه فيأخذ الدين والموصى بعضه على الحساب المتقدم فيدور أبدا فنقول صحت هبة الأول في شيء وبطلت في عبد إلا شيئا ورجع إليه بالهبة الثانية ثلث شيء فبقي معه عبد إلا ثلث شيء يقضى منه الدين ومعه مقدار نصف عبد فيبقى مع الورثة نصف عبد إلا ثلثي شيء يعدل شيئين وثلثي شيء تجبر نصف العبد بثلثي شيء وتزيد على عديله مثله يكون نصف عبد يعدل شيئين وثلثي شيء تبسطها بمخرج النصف ولثلث فيصير بها إلى تسعة فيكون العبد ثلاثة والشيء ستة عشر فتقلب الاسم فيكون العبد ستة عشر والشيء ثلاثة ولا ينظر في منزلة القلب إلى كون ما في يد الورثة نصف عبد بل ينظر للجنس من غير التفاف إلى الكسر والعدد يخرج أن هبة الأول صحت في ثلاثة أجزاء من ستة عشر جزءا من العبد وبطلت في ثلاثة عشر ورجع إليه بالهبة الثانية جزء من الثلاثة فبلغت أربعة عشر يقضى منها الدين وهو ثمانية أجزاء مثل نصف العبد يبقى مع الورثة ستة أجزاء من ستة عشر جزءا من العبد وهي ضعف ما صحت الهبة منه وخرج على هذه التقادير إذا نشأت الأدوار عن دين على الواهب الثاني أو تركه للواهب الثاني أو كلاهما أو أحدهما فقد تقدمت أمثالها من نوعها فاستدل بها عليها الخامسة وهب مريض من أخيه ألف درهم لا مال له غيرها فمات أخوه قبله عنه وعن ابنة ثم مات الواهب فرجع إليه قبل الموت نصف ما وهب فيرجع الثلث فيه لأن الثلث إنما يعتبر بعد موته هو فيرجع نصفه إليه فيدخل في الثلث وهلم جرا فيدور وطريقة العمل أن نقول صحت الهبة في شيء من الألف وبطلت في ألف إلا شيئا ورجع إليه بالميراث نصف الشيء الذي صحت الهبة منه فيبقى معه ألف إلا نصف شيء يعدل شيئين فتجبر ألفا وتقابل فيكون ألف يعدل شيئين ونصف شيء فالشيء خمسا الألف فتصح الهبة في خمسي الألف وهو أربعمائة وتبطل في ستمائة ويرجع إليه بالميراث نصف الأربعمائة فحصل مع ورثته ثمانمائة
النوع الثالث الإقرار الدوري
وأنا أذكر منه مسائل ثلاثا في كل منهما دور الأولى ادعى على رجلين مالا فقال كل واحد منهما له علي عشرة إلا نصف ماله على صاحبي فمتى أسقطنا عن المقر الأول شيئا من العشرة نقص ما نسقطه عن المقر الثاني وإذا نقص ما نسقطه عن المفر الثاني زاد ما سقط عن الأول بقدر ما يسقط عن الثاني وطريق الجبر يجعل على كل واحد منهما عشرة إلا شيئا ثم تأخذ نصف أحد المبلغين فإن كل واحد منهما قال إلا نصف ما على الثاني فنصف أحد المبلغين خمسة دراهم إلا نصف شيء وذلك يعدل الشيء الناقص من العشرة وقد قلنا في وضع المسألة على كل واحد منهما عشرة إلا شيئا ثم استرجعنا بعد هذا الوضع النصف مما على كل واحد منهما فتحقق أن الشيء الذي استثنياه خمسة إلا نصف شيء فنعود إلى المعادلة فنقول خمسة إلا نصف شيء يعدل شيئا فتجبر وتقابل وتزيد على خمسة إلا نصف شيء نصف شيء وتزيد على عديله مثله فتكون خمسة معادلة لشيء ونصف فالشيء ثلثا الخمسة وهو ثلاثة وثلث فتسقط من العشرة ثلاثة وثلث يبقى منها ستة وثلثان وهي مقدار ما على كل واحد منهما فعلى كل واحد عشرة إلا نصف ما على صاحبه فإن قال إلا ثلث ما على صاحبي فاجعل على كل واحد عشرة إلا شيئا ثم تأخذ ثلث ما على كل واحد منهما وذلك ثلاثة وثلث إلا ثلث شيء وهو يعدل الشيء الذي أسقطناه من العشرة فتجبر الثلاثة والثلث بثلث شيء وتزيد على عدليه مثله فيصير ثلاثة وثلثا في معادلة شيء وثلث فالشيء ثلاثة أرباع ذلك وهو درهمان ونصف وتسقط ذلك المقدار من العشرة في حقهما فيبقى على كل واحد سبعة ونصف فإن قال أحدهما له علي عشرة إلا نصف ما على الآخر وقال الآخر إلا ثلث ما على الآخر فاجعل على أحدهما ثلاثة أشاء لذكر الثلث وعلى الآخر عشرة الأشياء وخذ نصف ذلك وهو خمسة إلا نصف شيء ردها على الآخر وهو ثلاثة أشياء فتكون خمسة دراهم وشيئين ونصف فإنه كان ثلاثة أشياء فالخمسة المضمومة فيها استثناء نصف شيء فتزيل الاستثناء وتسقط نصف وهذه الجملة تعدل عشرة دراهم فتسقط الخمسة بالخمسة فيبقى شيئان ونصف في مقابلة خمسة فيخرج قيمة الشيء درهمان الذي قدرناه على أحدهما ثلاثة أشياء فهي ستة وكان على الآخر عشرة إلا شيئا فذلك ثمانية ومتى زيد ثلث الستة على الثمانية صارت عشرة ومتى زيد نصف الثمانية على الستة صارت عشرة الثانية قال كل واحد له علي عشرة وثلث ما على الآخر فوضع هذه المسألة يخالف ما تقدم لأن الأول استثنى وهذا زاد فيزيد المقر به على العشرة جزء ما فتقول الثلث مجهول فيجعل شيئا فعلى كل واحد عشرة وشيء ثم تأخذ الثلث من أحد الجانبين على هذا الموضوع فيقع ثلاثة وثلث شيء وهذا يعدل الشيء الزائد على العشرة فيسقط ثلث شيء بثلث شيء يبقى ثلاثة دراهم وثلث قبالة ثلثي شيء فالشيء يعدل خمسة دراهم وقس على هذا ما يقع من هذا الباب وإذا قال له علي عشرة ونصف ما على صاحبي فعليه عشرون لأن على كل واحد عشرة وشيء ثم تأخذ النصف في أحد الجانين فيكون خمسة ونصف شيء وهو يعدل الشيء الزائد على العشرة فتسقط نصف شيء بنصف شيء تبقى خمسة قبالة نصف شيء فالشيء عشرة وهو المقدر زيادته على العشرة فعلى كل واحد عشرة وعشرة وهي عشرون وعلى كل واحد عشرة ونصف ما على صاحبه وله ضابط من جهة الحساب المفتوح وهو أنه إذا استوى العددان والجزآن أخذت المخرج الأعظم من المخرج المذكور فإن قال وربع ما على صاحبي انتقلت للثلث فتقول ثلث العشرة ثلاثة وثلث وهي ربع ثلاثة عشر وثلث فعلى كل واحد عشرة وربع ما على الآخر وإن قال وثلث ما على صاحبي انتقلت للنصف ونصف العشرة خمسة فعلى كل واحد عشرة وثلث ما على الآخر لأن الخمسة ثلث الخمسة عشر وإن قال ونصف ما على الآخر انتقلت للكل لأنه ما بعد النصف من المخارج المفردة إلا الكل كذلك تستعمل بقية الكسور الثالثة قال أحدهما له علي عشرة إلا نصف ما على الآخر وقال الآخر له علي عشرة وثلث ما على الآخر فيلزم الدور فعلى الأول عشرة إلا شيئا وهذا الشيء هو نصف ما على الثاني فعلى الثاني شيئان وقد قال الآخر وثلث ما على الآخر وثلث الذي على الآخر ثلاثة دراهم وثلث إلا ثلث شيء تزيد ذلك على العشرة في جانب الزيادة تبلغ ثلاثة عشر درهما وثلثا إلا ثلث شيء وذلك يعدل شيئين فإذا قدرنا في جانبه شيئين فاجبر الاستثناء وقابل فتكون ثلاثة عشر درهما وثلثا تعدل شيئين وثلث شيء فالشيء الواحد يعدل خمسة دراهم وخمسة أسباع درهم وكان على أحدهما شيئان فذلك أحد عشر درهما وثلاثة أسباع وكان على الآخر عشرة إلا شيئا فذلك أربعة وسبعان فعلى المستثني أربعة دراهم وسبعا درهم وعلى الآخر أحد عشر درهما وثلاثة أسباع درهم فإذا زيد نصفها وهو خمسة وخمسة أسباع على الآخر وهو أربعة دراهم وسبعان بلغ عشرة فإذا أخذ ثلث أربعة وسبعين وذلك درهم وثلاثة أسباع تزاد على العشرة بلغ أحد عشر درهما وثلاثة أسباع درهم وقس على هذه المدارك
النوع الرابع النكاح
وأذكر منه مسائل ثلاثا يلزم في كل واحدة الدور الأولى تزوجها في مرضه بمائه لا مال له غيرها ومهر مثلها خمسون وماتت قبله فخمسون محاباة معتبرة من الثلث فمات الزوج بعدها وهو وارثها لزم الدور لأنه يرث منها فيزيد ماله فيزيد ما يحصل لها من المحاباة وإذا زاد ما يحصل لها زاد ما يرثه فنقول لها خمسون من رأس المال ولها شيء بالمحاباة فيبقى مع الزوج خمسون إلا شيئا ويحصل مع المرأة خمسون وشيء ويرجع نصف ذلك للزوج بالإرث فيحصل مع ورثة الزوج خمسة وسبعون إلا نصف شيء وذلك يعدل شيئين ضعف المحاباة فيجبر ويقابل فيكون خمسة وسبعون تعدل شيئين ونصف شيء والشيء خمسا الخمسة والسبعين وذلك ثلاثون وهو مقدار ما حاز من المحاباة فيكون لها عن مهر المثل والمحاباة ثمانون ويبقى مع الزوج عشرون ويرث أربعين فيرجع إليه فيجتمع مع ورثته ستون وهي ضعف المحاباة فإن خلفت ولدا فلها مهر مثلها خمسون ومن المحاباة شيء يبقى مع الزوج خمسون إلا شيئا ومعها خمسون وشيء يرجع الربع للزوج اثنا عشر ونصف درهم وربع شيء فيجتمع مع ورثة الزوج اثنان وستون ونصف إلا ثلاثة أرباع شيء وذلك يعدل شيئين فيجبر ويقابل فيكون اثنان وستون ونصف يعدل شيئين وثلاثة أرباع شيء فتبسطها أرباعا تصير الدراهم مأتين وخمسين والأشياء أحد عشر فتقسم العدد على الدراهم فيخرج اثنان وعشرون وثمانية أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم وهو مقدار المحاباة فيجتمع لها بالمهر والمحاباة اثنان وسبعون وثمانية أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم ويحصل للزوج بالإرث ربع الذي حصل لها وذلك ثمانية عشر درهما وجزآن من أحد عشر جزءا من درهم فيجتمع مع ورثته خمسة وأربعون درهما وخمسة أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم وهي ضعف محاباته الثانية إذا ترك خمسين سوى الصداق خرجت المحاباة من الثلث لأن النصف يرجع للزوج بالإرث فإن كان لها ولد لزم الدور والطريق أن تقول لها مهر المثل خمسون وبالمحاباة شيء فلها خمسون وشيء ويبقى مع الزوج من الصداق خمسون إلا شيئا ورجع بالإرث ربع خمسين وربع شيء وهو اثنا عشر ونصف درهم وربع شيء ومع ورثة الزوج خمسون تركة يحصل معهم مائة واثنا عشر ونصف درهم إلا ثلاثة أرباع شيء تعدل شيئين فيجبر ويقابل يكون مائة واثنا عشر ونصف تعدل شيئين وثلاثة أرباع شيء تبسطها أرباعا تكون الدراهم أربعمائة وخمسين درهما والأشياء أحد عشر تقسم الدراهم على الأشياء يخرج نصيب الواحد أربعين درهما وعشرة أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم هذا قيمة الشيء وهو المحاباة فجميع ما صح لها بمهر المثل والمحاباة تسعون درهما وعشرة أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم ومن التركة خمسون ورجع إليه بالإرث ربع ما حصل لها وهو اثنان وعشرون وثمانية أجزاء من أحد عشر جزءا من درهم فيجتمع مع ورثة الزوج أحد وثمانون درهما وتسعة أجزاء من أحدد عشر جزءا وذلك ضعف المحاباة الثالثة خلفت المرأة مائة سوى الصداق فنقول ملكت بالصداق مائة ولها مائة سواها يرجع نصف المائتين للزوج بالإرث فيحصل لورثة الزوج مائة وهي ضعف المحاباة فإن ترك الزوج سوى الصداق عشرين وتركت المرأة سوى الصداق ثلاثين فيلزم الدور فنقول لها بالمحاباة شيء ولها من التركة ثلاثون وذلك ثمانون وشيء ويرجع نصفها للزوج بالإرث أربعون ونصف شيء وكان الباقي معه من الصداق خمسون إلا شيئا ومن التركة عشرون فترد على ذلك ميراثه وهو أربعون ونصف شيء يصير مع ورثته مائة وعشرة دراهم إلا نصف شيء يعدل شيئين فيجبر ويقابل فتكون مائة وعشرة دراهم تعدل شيئين ونصف شيء والشيء خمسا المائة والعشرة وذلك أربعة وأربعون فهي المحاباة الجائزة تأخذها المرأة مع مهر مثلها وتضمه لتركتها فيجتمع لها مائة وأربعة وعشرون ويرث الزوج نصفها اثنان وستون وكان الباقي معه ستة ومن التركة عشرون فيجتمع للزوج ثمانية وثمانون وهي ضعف المحاباة النافذة فإن كان على كل واحد عشرون دينارا لا مال لها سوى المائة الزائدة فنقول لها مهر المثل خمسون مقدمة على الدين على الخلاف في ذلك ولها بالمحاباة شيء وتركتها خمسون يخرج منها دينها عشرون يبقى ثلاثون وشيء يرجع نصفها بالإرث للزوج خمسة عشر ونصف شيء تزيده على الباقي مع الزوج وهو خمسون إلا شيئا تبلغ خمسة وستين درهما إلا نصف شيء يخرج منها دينه عشرون تبقى خمسة وأربعون درهما إلا نصف شيء تعدل شيئين تجبرهما بنصف شيء تكون خمسة وأربعين تقابل شيئين ونصف شيء فالشيء خمسا الدراهم وذلك ثمانية عشر درهما وهي المحاباة النافدة تأخذها المرأة مع مهر مثلها وذلك ثمانية وستون يخرج منها دينها يبقى ثمانية وأربعون يرث الزوج نصفها أربعة وعشرين فالباقي معه من المائة اثنان وثلاثون فاجتمع معه ستة وخمسون يخرج منها دينه تبقى ستة وثلاثون وهو ضعف المحاباة الخارجة الرابعة أصدقها في مرضه مائة لا مال له غيرها ومهر مثلها عشرة وماتت قبله وخلفت عشرة سوى الصداق وأوصت بثلث مالها ثم مات الزوج فإنها تدور وطريق العمل أنها حازت عشرة بمهر المثل ولها بالمحاباة شيء ومعها من التركة عشرة فجميع مالها عشرون وشيء للموصى له ثلثها ستة وثلثان وثلث شيء الباقي تسعون إلا شيئا وعاد إليه نصف ما بقي معها بعد الوصية وهي ستة وثلثان وثلث شيء فالجميع ستة وتسعون وثلثان وثلث شيء يعدل شيئين فبعد الجبر والمقابلة تكون ستة وتسعين وثلثين تعدل شيئين وثلثي شيء تبسطها أثلاثا يصير العدد مائتين وتسعين والأشياء ثمانية تقسم العدد على الأشياء يخرج الشيء ستة وثلاثين وربعا وهو قدر المحاباة ولها عشرة دراهم مهر المثل فجميع مهرها ستة وأربعون وربع وبقي مع الزوج ثلاثة وخمسون درهما وثلاثة أرباع درهم وقد أخذت المرأة ستة وأربعين وربعا وتركتها عشرة فجميع مالها ستة وخمسون وربع للموصى له ثلثها وهو ثمانية عشر وثلاثة أرباع درهم تزيدها على ما كان قد بقي معه وذلك ثلاثة خمسون وثلاثة أرباع درهم فيجتمع مع ورثة الزوج اثنان وتسعون ونصف وهو ضعف محاباته التي هي ستة وثلاثون وربع وألحق بهذه المسائل ما يناسبها وتخرجها بهذه الطرق
النوع الخامس في مسائل متفرقة
أذكر منها خمس مسائل الأولى امرأة تزوجت ثلاثة أزواج أصدقها الأول شيئا والثاني ثلاثة أمثال ما أصدقها الأول والثالث ثلاثة أمثال ما أصدقها الثاني فكان الجميع خمسة وستين اجعل ما أصدقها الأول شيئا يكون ما أصدقها الثاني ثلاثة أشياء يكون ما أصدقها الثالث تسعة أشياء فاجمع ذلك كله وقابل به الخمسة والستين يخرج الشيء خمسة وهو ما أصدقها الأول وكمل العمل الثانية أصدقها الأول شيئا والثاني جذر ما أصدقها الأول والثالث ثلاثة أمثال ما أصدقها الثاني فكان الجميع اثنان وثلاثون اجعل ما أصدقها الأول مالا يكون ما أصدقها الثاني شيئا يكون ما أصدقها الثالث ثلاثة أشياء اجمع ذلك كله وقابل به اثنين وثلاثين يخرج ما أصدقها الأول ستة عشر والثاني أربعة والثالث اثنا عشر وكذلك جميع هذه المسائل الثالثة عشرون قفيزا من قمح وشعير ودخن باع القمح بستة والشعير بثلاثة والدخن بدرهمين فكان الجميع ثلاثة وسبعين اجعل القمح شيئا يكن الشعير دينارا والدخن باقي العشرين فذلك عشرون إلا شيئا وإلا دينارا اضرب كل واحد في سعره وقابل المجتمع بالثلاثة والسبعين يكن معك ستة أشياء وثلاثة دنانير وأربعون إلا شيئين وإلا دينارين وهذا يعدل ثلاثة وسبعين فتجبر وتقابل يكن معك أربعة أشياء ودينار يعدل ثلاثة وثلاثين فتطلب عددا تضربه في أربعة وتطرح المجتمع من الثلاثة والثلاثين وتقسم ما بقي على الواحد فتجد الضرب في أربعة ثمانية تضربها في أربع تبلغ اثنين وثلاثين الباقي واحد اقسمه على واحد يخرج واحد فقد خرج الشيء ثمانية وهو القمح والدينار واحد وهو الشعير والدخن باقي العشرين وهو أحد عشر الرابعة عشرة أقفزة شعير وقمح باع كل قفيز شعير فكان الثمن المجتمع مثل ما بين الشعيرين وما بين الكيلين اجعل الشعير ما أحببت من العشرة اثنين مثلا والحنطة باقي العشرة وسعر كل قفيز شعير إن شئت أي سعر وسعر القمح خلافه فسعر كل قفيز شعير شيء قيمته شيئان وسعر قفيز القمح ثلاثة أرباع شيء يكون الجميع ستة أشياء فيكون جميع الثمن ثمانية أشياء تقابل به ما بين السعرين وهو ربع شيء وما بين الكيلين وهو ستة فيكون بعد المقابلة سبعة أشياء وثلاثة أرباع شيء تعدل ستة الخامسة بريد خرج من بلد إلى بلد وأمرته أن يسير كل يوم عشرين ميلا فصار خمسة أيام ثم أرسلت بعده بريدا آخر وأمرته أن يسير في كل يوم ثلاثين ميلا في كم يوم يلحقه اجعل أيام الأول أشياء تكن أيام الثاني شيئا إلا خمسة اضرب ما يمشي كل واحد في اليوم من أميال في جميع أيامه وقابل كل واحد بصاحبه وإن شئت اجعل أيام الثاني شيئا تكن أيام الأول شيئا وخمسة ثم تعمل على ما تقدم
فائدة جليلة
تقدم استنباط الصواب من الخطأين وهو عجب كيف يستلزم الخطأ الصواب وقد ذكر قسطا بن لوقا برهانا شافيا كافيا بينا سهلا على تحقيق ذلك وذكر غيره طرقا ولا ترث طريقه لسهولتها أضعها في كتابي هذا تكميلا للفائدة ورغبة في الفضيلة ينتفع بها أهل الفضل والتحصيل الذين الحكمة صالتهم حيث وجدوها عقلوها فأقول مثالا قبل البرهان وهو مال زيد عليه مثل نصفه وربعه مضروبا في نفسه بلغ خمسة وخمسين فنفرض مالين أي مالين كانا فإن أصبنا في الأول فلا خطأ أو في الثاني فهو الخطأ الأصغر عندهم أو بعد الخطأين فهو الخطأ الأكبر ويجب الصواب من غير حاجة لثالث بالضرورة فنفرض المال اثني عشر زدنا عليه نصفه ستة بلغ ثمانية عشر وربعه ثلاثة في ثلاث بتسعة بلغ الجميع سبعة وعشرين فقد أخطأنا بثمانية وعشرين ثم نفرضه ستة عشر نزيد عليها نصفها ثمانية تبلغ أربعة وعشرين وربعها أربعة في أربعة مضروبة في نفسها بستة عشر تبلغ أربعين فقد أخطأنا بخمسة عشر نسقط أحد الخطأين من الآخر يفضل ثلاثة عشر احفظها ثم اضرب الخطأ الأول في المال الثاني بثلاثمائة وثمانية وأربعين وتضرب الخطأ الثاني في المال الأول بثمانية وثمانين فتسقط المتحصل الأقل من الأكثر يفضل من الأكثر مائة وثمانية وستون تقسمها على الباقي من أحد الخطأين وهو ثلاثة عشر يخرج لكل واحد ثلاثة عشر إلا كسرا مع أن أصل هذا المال المجهول ينبغي أن يكون عشرين فهذا التمثيل فاسد مع أنه هو الطريقة المتقدمة في العمل فينبغي أن يعلم لذلك أن لهذا العمل شرطا وهو أن يكون المالان المأخوذان لهما نسبة خاصة متى لم تحصل بطل العمل وتلك النسبة أن تكون نسبة فضل ما بين العددين المأخوذين للامتحان إلى فضل ما بين الحاصلين منهما كنسبة فضل ما بين أحد العددين المأخوذين والمال المطلوب إلى خطأ العدد المأخوذ مع المال المطلوب مثاله مال زدت عليه مثل نصفه وثلاثة دراهم ثم على المبلغ مثل ثلثه وستة دراهم فصار ثلاثين كم أصل المال فتضعه ستة وتزيد عليه نصفه ثلاثة دراهم ثم على المبلغ ثلثه وستة دراهم يبلغ اثنين وعشرين فقد أخطأنا بثمانية ناقصة ثم تضعه ثمانية وتفعل بها ما فعلت بالستة تبلغ ستة وعشرين فأخطأنا بأربعة ناقصة فاضرب الموضوع الأول وهو ستة في الخطأ الثاني وهو أربعة تبلغ أربعة وعشرين ثم اضرب الموضوع الثاني وهو ثمانية في الخطأ الأول وهو ثمانية تبلغ أربعة وستين الخطآن ناقصان معا عن السؤال فأسقط أحد المرتفعين من الآخر يبقى أربعون اقسمها على الباقي من أحد الخطأين بعد إسقاط الآخر منه وهو أربعة يخرج عشرة وهو الجواب وبيان تحقيق النسبة المتقدمة أن فضل ما بين العددين المأخوذين اثنان لأنهما ستة وثمانية وفضل ما بين المتحصلين منهما أربعة لأنهما اثنان وعشرون وستة وعشرون واثنان نصف أربعة فهذه النسبة نسبة النصف وإذا أخذت أحد المالين وهو ستة مثلا مع العشرة وهو المال المطلوب وجدت الفضل بينهما أربعة ونسبة هذا الفضل لخطأ النسبة التي أخذتها نسبة النصف أيضا لأنه ثمانية فقد تحققت النسبة فلا جرم صح العمل وكذلك إذا أخذت الثمانية مع المال المطلوب وهو المثال الأول يفضل ما بين المالين أربعة لأنها اثنا عشر وستة عشر وفضل ما بين الحاصلين من المالين ثلاثة عشر لأنها سبعة وعشرون والآخر أربعون ونسبة أربعة إلى ثلاثة عشر نسبة الثلث إلا ثلث ربع ثلث وفضل ما بين أحد المالين وهو الاثنا عشر والمال المطلوب وهو عشرون في ذلك المثال ثمانية فإذا نسبتها إلى خطأ الاثنى عشر وهو ثمانية وعشرون وجدت النسبة نسبة الثلث وثمن الثلث وثلث ثمن الثلث فقد اختلفت النسبة فلذلك بطل العمل إذا تقرر تمييز الصواب عن الخطأ فيما يوجد من الأعداد في العمل فأذكر كلام قسطا بن لوقا فأقول قال قسطا بن لوقا تخط خطا مستقيما مجهول القدر وهو العدد المطلوب عليه أ د ونتيجة المفروضة خط د ع وقد أخرج من نقطة د على زاوية قائمة وفضل خط أ ع فإذا أردنا معرفة العدد المطلوب الذي هو أ د ونتيجة د ع فإنما نمتحنه بعددين مختلفين فإما أن يكونا زائدين أو ناقصين أو أحدهما زائد والآخر ناقص فليكن أولا كل واحد منهما ناقصا وهما أ ب ويخرج من نقطتي ب د عمودي ب ح خط على أ د فنسبة خط أ د إلى د ع كنسبة أ ب إلى ب ح فنتيجة خط أ ب هي ب ح ونتيجة أ ج هي خط وتمم سطح د م وتخرج من نقطتي ط ح خطين موازيين لخط أ د عليهما ز ص ي ويخرج خط ب ح خط على استقامة فيقعان على خط م ع على نقطة ز س فالعدد الأول خط أ ب معلوم ونتيجة خط ب ح معلومة أيضا وخطؤه عن النتيجة الأولى التي هي خط د ع وهي خط ج ز معلوم أيضا والعدد الثاني خط أ ج معلوم ونتيجته خط ج ظ معلوم أيضا وخطؤه معلوم وهو ط س فإذا ضربنا خطأ العدد الأول وهو ز ح في العدد الثاني وهو أ ج كان من ذلك سطح ز س وإذا ضربنا خطأ العدد الثاني وهو لا ن في العدد الأول وهو أ ب كان من ذلك سطح لا م فإذا نقصناه من سطح ز س بقي علم ص ح ط س وسطح ظ ر مساو لسطح ي ط لأنهما المتممان فالعلم مساو لسطح ر ك فمسطح ر ك معلوم وعرضه ر ص معلوم لأنه
فصل
ما بين الخطأين فطوله معلوم وهو ز ي مثل أ د المطلوب ( فصل ) فإن كان كل واحد من العددين أكثر من المطلوب فإنا نجعله في هذه الصورة خطي أ هـ أ و وكل واحد منهما معلوم وهما أكثر من أ د ويخرج أولا خط أ ع على استقامة إلى نقطة ت وتتمم سطح و ش فالعدد الأول خط أ هـ معلوم ونتيجة خط هـ ق معلومة أيضا وخطؤه زائد وهو خط ف ق والعدد الثاني خط أ و معلوم ونتيجته و ت معلومة وخطؤه ص ت معلوم فضرب خط المال الأول في المال الثاني هو سطح ض ع وضرب خط المال الثاني في المال الأول هو سطح و س وإذا نقص الأقل من الأكثر بقي سطح ج ع لأن سطح ح ف مثل سطح و ض لأنهما المتممان وإذا قسم سطح ج ع المعلوم على خط ع ث الذي هو فضل أحد الخطأين على الآخر خرج من ذلك خط ح ش معلوما وهو مساو لخط أ د فخط أ د معلوم مثاله رجل اتجر في مال فربح مثله وأخرج منه عشرة دراهم ثم اتجر في الباقي فربح مثله وأخرج عشرة دراهم فلم يبق شيء قياسه أن تجعل أصل المال تسعة ونصفا فتزيد عليه مثله وتنقص من المبلغ عشرة دراهم تبقى تسعة تزيد عليها مثلها وتنقص من المبلغ عشرة تبقى ثمانية تزيد عليها مثلها وتنقص من المبلغ عشرة تبقى ستة وكان ينبغي أن لا يبقى شيء فقد أخطأنا بستة زائدة فتقول أصل المال تسعة وتفعل به كذلك فتخطئ بدرهمين زائدين فالخطآن زائدان فتأخذ الفضل بني الموضعين وهو نصف فتنسبه إلى الفضل بين الخطأين وهو أربعة يكون ثمنا فإن أخذت بذلك النسبة من الستة كان ثلاثة أرباع تسقطها من تسعة ونصف تبقى ثمانية ونصف وربع وهو الجواب وإن أخذت بها من اثنين كان ربعا تسقطه من تسعة تبقى ثمانية ونصف وربع وهو الجواب
فصل
فإن كان أحد المالين زائدا والآخر ناقصا فإنا نجعلهما في هذه الصورة خطي أ ج أ هـ كل واحد منهما معلوم فالمال الأول خط أ ج معلوم ونتيجته خط و ق وخطؤه ط س والمال الثاني خط أ هـ معلوم ونتيجته خط و ق وخطؤه خط و ق فإذا ضرب خط المال الأول في المال الثاني كان من ذلك سطح ف ص وإذا ضرب خط المال الثاني في المال الأول كان من ذلك سطح س ع وإذا جمعناهما كان من ذلك سطح ك ع لأن سطح ر ع مثل سطح ف ك لأنهما المتممان فسطح ك ع معلوم وعرضه معلوم لأنه مساو لمجموع الخطأين فطوله معلوم وهو ك ص وهو مساو لا د المطلوب وذلك ما أردنا بيانه مثاله عشرة قسمتها بقسمين ثم زدت على أحد القسمين مثله ثم على المبلغ مثل ربعه ثم على المبلغ مثل خمسيه فكان المبلغ يزيد على القسم الثاني عشرة فقياسه أن تجعل أحد القسمين أربعة وتزيد عليه مثله وعلى المبلغ ربعه وعلى المبلغ خمسيه تصير أربعة عشر وذلك يزيد على القسم الآخر ثمانية فقد أخطأنا بدرهمين ناقصة فنقول أحد القسمين خمسة وتفعل بها مثل ما فعلت بالأربعة فتبلغ سبعة عشر ونصفا وذلك يزيد على القسم الآخر اثني عشر ونصفا فقد أخطأنا بدرهمين ونصف زائدة فضرب الموضوع الأول وهو أربعة في الخطأ الثاني وهو اثنان ونصف تبلغ عشرة وضرب الموضوع الثاني وهو خمسة في الخطأ الأول وهو اثنان تبلغ عشرة وأحد الخطأين زائد والآخر ناقص فتقسم مجموع المرتفعين وهو عشرون على مجموع الخطئين وهو أربعة ونصف يخرج أربعة وأربعة أتساع وهو أحد القسمين والثاني خمسة وخمسة أتساع واعلم أن هاهنا قواعد يتعين التنبيه عليها في هذا الشكل
القاعدة الأولى
في قوله في القسم الأول فنسبة خط أ د إلى د ع كنسبة خط أ ج إلى خط ج ط وكذلك ما وقع في كلامه من هذه النسب فهو على قاعدة ذكرها اقليدس وهي أن كل مثلثين متشابهين انطبقت زاوية أحدهما على زاوية الآخر وانطبق ضلعاه على ضلعه فإن نسبة ضلع أحدهما إلى قاعدته كنسبة ضلع الآخر إلى قاعدته وكذلك هذه المواضع فتأملها تجدها كذلك من هذه القاعدة
القاعدة الثانية
أنهم متى قالوا تتم سطح د م كما قاله في هذا العمل أو غير ذلك من الحروف فمرادهم المربع الذي ينقام هاهنا من ضلع أ د وضلع ع م وضلع م أ فمجموع ذلك سطح مربع وهو مرادهم بذلك
القاعدة الثالثة
أنهم متى أطلقوا الخطين المتوازيين فمرادهم الخطان الممتدان على سمت واحد بحيث إذا خرجا إلى غير النهاية لا يجتمعان أبدا ولا يتصل طرف أحدهما بالآخر تنبيه قوله في القسم الأول خط أ ب عن النتيجة الأولى التي هي خط د ع وهو خط ج ن معلوم يريد أنه الخط الكائن من ج إلى ن لأنه جعل العدد الأقل من العدد المطلوب فوق إلى جهة زاوية أ والعدد الأكبر من العدد المطلوب أسفل منه إلى زاوية و ولذلك أن القواعد الناشئة عن هذه الأعداد أوسع وعن العدد الأقل أضيق وقوله في القسم الأول إذا ضربنا خطأ العدد الأول وهو ز ح مع أن خطاه إنما هو ج ز لأن خط ز ح الأعلى مساو لخط ج ز الأسفل منه وضرب أحد المساويين كضرب الآخر وقوله كان ذلك سطح ر س يريد المربع الذي إحدى زواياه س والأخرى م والثالثة ز والرابعة التي تحت ز قبالة ج وهذا المربع يشتمل على أربعة بيوت وإنما حدث هذا المربع من ذلك الضرب لأن خط أ ج وهو العدد الثاني مساو لخط ز د و ر م مساو ل د س و س مساو ل ز د والقاعدة في المساحة أنا نستغني بأحد الضلعين المستويين عن الآخر فنستغني ب د م عن س د و ي س عن ز د وبضرب ز م في م س فيحصل المربع المذكور وهو قاعدة المساحاة في جميع المربعات التي هي على هذه الصورة وقوله إذا ضربنا خط العدد الثاني وهو ط س في العدد الأول وهو أ ب حصل سطح لا م سببه أن خط أ ب مساو لخط لا هـ و خط ط س مساو لخط أ ن فيستغنى بخطين عن خطين وتضرب أحد الخطين الباقيين في الآخر كما تقدم فيحدث المربع المذكور ثم قال إذا نقصناه من سطح ز س بقي علم ص ح ط س اصطلح المهندسون على أنه إذا بقي ثلاثة بيوت من مربع يسمونه علما لشبهه بعلم السلطان في الحرب وقوله وسطح ظ ن مساو لسطح ي ط لأنهما المتممان يعني لأن ح ن ع ي الذي نظره الخارج من نقطة أ ع ظ متصلا ب ت ي ط ربعه على العكس من الجهة الأخرى فهذا هو المراد بالتتميم وقوله فالعلم مساو لسطح ز ك معناه يسقط من العلم سطح ظ ن ويستغنى بسطح ي ط فيحصل لنا سطح ر ك ثلاث بيوت على استقامة من ي إلى ر إلى و من ك إلى ص وقام البرهان أي كل أربع بيوت انقام منها مربع وقطعهما خط مار بالزوايا الثلاث على هذه الصورة فإن المتممين يكونان مستويين بينه اقليدس وعرض هذا السطح معلوم لأن ص ظ مساو لخط أ ب فإذا زدنا عليه ي د الذي هو أحد المتممين المساوي للمتمم الآخر المساوي لضرب ص م المعلوم في ج ب المعلوم صار الطول معلوما والطول مساو لخط أ ب العدد المطلوب فعلم بالبرهان الهندسي أن الأعمال السابقة مؤدية لحصول المطلوب بالخطأين المذكورين وقوله في الفصل الثاني إن ضرب خطأ المال الأول في المال الثاني هو سطح ص ع تقديره أن خطأ المال الأول هو ف ق وهو مساو لخط ص ت والمال الأول هو أ و وهو مساو ل ص م وكل واحد من المتساويين يقوم مقام الآخر فتضرب ص ت في ص م فيحصل سطح ص ع وقوله ضرب خطأ المال الثاني في المال الأول وهو سطح و ش تقديره أن المال الأول هو أ هـ ويساويه ر م وخطأ المال الثاني هو ص ت ويساويه و ط فيكتفى بكل واحد من المساويين عن الآخر فتضرب و ط في و م فيحدث مربع و ش على ما تقدم وقوله إذا قسم سطح ح ع على خط ع ش الذي هو فضل أحد الخطأين على الآخر خرج خط ح س مبني على قاعدة وهي أن كل مربع وهو العدد المضروب أحد أضلاعه في الآخر إذا قسم المتحصل على أحد أضلاعه خرج الآخر نحو إذا ضربنا عشرة في اثنين بعشرين فإذا قسمناه على اثنين خرجت عشرة وهو الضلع الأطول وجعل خط ع ش فضل أحد الخطأين لأنه مساو ل ث ت الذي هو فضل خطأ و ت وبحثه في الفصل الثالث مبني على إقامة أحد الأمور المستوية مقام الآخر على ما تقدم بيانه في غيره فهذا بيان كلام قسطا بن لوقا وتحرير شكله الهندسي تنبيه قد يكون المال المفروض أقل وخطؤه أكثر وقد يكون أكثر وخطؤه أقل وحينئذ نقول الخطآن لا يخلو إما أن يكون ناقصين أو زائدين أو أحدهما ناقص والآخر زائد فإذا كانا ناقصين فالمالان المفروضان إما أن يكونا أقل من الصواب أو أكثر وفي القسمين تضرب فاضل العددين في أصغر الخطأين وتقسم على تفاضلهما فما خرج زيد على المفروض الأكبر إن كان المفروضان أقل من الصواب ونقص من أصغر المفروضين إن كان أكثر من الصواب أو تضرب بفاضل العددين في أصغر الخطأين وتقسم على تفاضلهما فما خرج زيد على المفروض الأكبر إن كان المفروضان أقل من الصواب ونقص من أصغر المفروضين إن كان أكثر من الصواب ولا يجوز أن يكون أحد المفروضين ناقصا والآخر زائدا لأنه إذا كانت العلة في كون الخطأ ناقصا كون المفروض دون الصواب استحال أن يكون المفروض دون الصواب علة في كون الخطأ زائدا لأنه يلزم أن توجب العلة الواحدة أمرين متضادين وهو محال فإن كان الخطآن زائدين فالمفروضان إما أكثر من الصواب أو أقل منه وفي القسمين يجب ضرب العددين المفروضين في أعظم الخطأين ويقسم المبلغ على تفاضلهما فما خرج نقص من أصغر المفروضين إن كان أكثر من الصواب وإن كان أقل زيد الخارج على أكثرهما ولا يجوز أن يكون أحد المفروضين زائدا والآخر ناقصا لما تقدم وإن كان أحد الخطأين زائدا والآخر ناقصا فيمتنع أن يكون المفروضان من جنس واحد لأن الشيء الواحد يمتنع أن يوجب المتضادين بل يجب أن يكون أحدهما مخالفا للآخر بأن يكون أحدهما أكثر من الصواب وخطؤه زائد والآخر أقل وخطؤه ناقص فتضرب بفاضل العددين في الناقص من الخطأين وتقسم المجموع على مجموعهما فما خرج زيد على أقل المفروضين أو تضرب بفاضل العددين في الزائد من الخطأين وتقسم على مجموعهما فيما خرج نقص من أعظم المفروضين فإن كان أحد المفروضين أقل من الصواب وخطؤه زائد والآخر أكثر من الصواب وخطؤه ناقص فتضرب بفاضل العددين في الناقص من الخطأين وتقسم المبلغ على مجموعهما فما خرج نقص من أعظم المفروضين أو تضرب بفاضل العددين في الزائد من الخطأين وتقسم على مجموعهما فما خرج زيد على أصغر المفروضيين ولا يقال في هذا الفصل أصغر الخطأين وأعظمهما لأنه قد يكون أقل أو أكثر أو مساويا كقولك نريد عددا إن نقص ربعه بقي خمسة عشر فنفرضه ستة عشر يبقى اثنا عشر والخطأ ثلاثة ناقصة أو ثمانية وعشرون يبقى أحد وعشرون والخطأ ستة زائدة فجاء هاهنا الزائد أعظم أو اثنين وعشرين تبقى ستة عشر ونصف والخطأ واحد ونصف زائد فجاء هاهنا الناقص أعظم أو الثاني أربعة وعشرون تبقى ثمانية عشر والخطأ ثلاثة زائدة فقد تساوى الخطآن وهذه العوارض مأمونة في الوجهين الأولين وطرق العمل بالخطأ كثيرة غير أن بعضها أيسر وبعضها أعسر ووقع لبعض الأندلسيين أن الصواب يخرج من خطأين وثلاثة وأكثر إذا وقع التغير في العدد المطلوب بأن يعطف عليه أو يستثنى منه وهذه بحار من الرياضيات منها ما أحاطت به الأفكار ومنها ما لا يعلمه إلا الله سبحانه فسبحان من يعلم ما لا يتناهى على التفصيل وهو حسبنا ونعم الوكيل
القسم الثالث كتاب الجامع
( فارغة )
كتاب الجامع
هذا الكتاب يختص بمذهب مالك لا يوجد في تصانيف غيره من المذاهب وهو من محاسن التصنيف لأنه تقع فيه مسائل لا يناسب وضعها في ربع من أرباع الفقه أعني العبادات والمعاملات والأقضية والجنايات فجمعها المالكية في أواخر تصانيفها وسموها بالجامع أي جامع الأشتات من المسائل التي لا تناسب غيره من الكتب وهي ثلاثة أجناس ما يتعلق بالعقيدة وما يتعلق بالأقوال وما يتعلق بالأفعال وهو الأفعال والتروك بجميع الجوارح
الجنس الأول العقيدة
قال ابن القصار وغيره مذهب مالك وجوب النظر وامتناع التقليد في أصول الديانات قال إمام الحرمين والأستاذ أبو إسحاق الإسفراييني لم ير بالتقليد إلا أهل الظاهر فيتعين على كل مكلف عند أول بلوغه أن يعلم أن لجميع الموجودات من الممكنات خالقا ومدبرا هو واجب الوجود أزلي أبدي حي بحياة قادر بقدرة مريد بإرادة عالم بعلم سميع بسمع بصير ببصر متكلم بكلام وأن صفاته تعالى واجبة الوجود أزلية أبدية عامة التعلق فيتعلق علمه بجميع الجزئيات والكليات والواجبات والممكنات وإرادته تعالى متعلقة بجميع الممكنات وعلمه متعلق بجميع المعلومات وبصره متعلق بجميع الموجودات0 وسمعه سبحانه متعلق بجميع الأصوات والكلام النفساني حيث كان من خلقه والقائم بذاته وأن قدرته تعالى عامة التعلق بجميع الممكنات الموجودة في العالم من الحيوان وغيرهم ( ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ) له أن يفعل الأصلح لعباده وله أن لا يفعل ذلك ( لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ) وأنه واحد في ذاته لا نظير له ولا شريك ولا يستحق العباد غيره سبحانه وأن جميع رسله صلوات الله عليهم صادقون فيما جاؤا به وأن محمد عبده ورسوله وأن جميع ما جاء به حق وما أخبر به صدق من عذاب القبر وأحواله والقيامة وأهوالها من الصراط والميزان وجميع المغيبات عباد كالملائكة والجان وغيرهم وأدلة جميع هذه العقائد مبسوطة في علم أصول الدين وكذلك تفصيل هذه الحقائق وتفاريعها وأن الجنة حق والنار حق مخلوقتان وأنه لا يخلد أحد من أهل القبلة في النار بكبيرة وأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وأن الإيمان اعتقاد بالقلب ونطق باللسان وعمل بالجوراح وأن كلام الله تعالى قائم بذاته محفوظ في الصدور ومقروء بالألسنة مكتوب في المصاحف وأن الله تعالى يراه المؤمنون يوم القيامة ويكلمهم وفي الجواهر أما القيام بدفع شبه المبطلين فلا يتعرض له إلا من طالع علوم الشريعة وحفظ الكثير منها وفهم مقاصدها وأحكامها وأخذ ذلك عن أيمة فاوضهم فيها وراجعهم في ألفاظها وأعرضها وبلغ درجة الإمامة في هذا العلم بصحبة الأيمة الذين أرشدوه للصواب وحذروه من الخطأ والضلال حتى ثبت الحق في نفسه ثبوتا فيكون القيام بدفع الشبهات حينئذ فرض كفاية عليه وعلى أمثاله وأما غيرهم فلا يجوز لهم التعرض لذلك لأنه ربما ضعف عن رد تلك الشبهة فيتعلق بنفسه منها لا يقدر على إزالته فيكون قد تسبب إلى هلاكه نسأل الله تعالى العصمة وكذلك القيام بالفتوى فرض كفاية أيضا وقد تقدم في مقدمة الكتاب قبل الطهارة ما هو فرض كفاية أيضا من الفقه وما هو فرض عين وأنه لا يختص بباب من أبواب الفقه بل هو علمك بحالتك التي أنت فيها فيطالع من هناك وفي التلقين يجب النظر والاعتبار المؤديين للعلم بما افترض عليك أو ندبت إليه وطلب ما زاد على ذلك فرض كفاية وفي تعلمه فضيلة عظيمة ولا يجوز لمن قيه فضل النظر والاجتهاد وقوة الاستدلال تقليد غيره وفرض عليه أن ينظر لنفسه لقوله تعالى ( فاعتبروا يا أولي الأبصار ) ومن لا فضل فيه لذلك فهو في سعة من تقليد من يغلب على ظنه أنه أفقه وأعلم وأدين وأورع وقته ويلزمه الأخذ بما يفتيه به لقوله تعالى ( فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )
فرع
قال ابن يونس وأن يعتقد أن خير القرون الصحابة رضي الله عنهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم كما أخبر عليه السلام وأن أفضلهم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي وقيل ثم عثمان وعلي ولا يفضل بينهما وروي عن مالك القولان وأن المهاجرين أفضل عصره عليه السلام وأن أفضلهم العشرة وأفضل العشرة الأيمة الأربعة ثم أهل بدر من المهاجرين والمهاجرون على قدر الهجرة والسبق أن من رآه ساعة أو مرة أفضل من التابعين تنبه ليس هذه التفضيلات مما أوجب الله تعالى على المكلف اكتسابه أو اعتقاده بل لو غفل عن هذه المسألة مطلقا لم يقدح ذلك في الدين نعم متى خطرت بالبال أو تحدث فيها باللسان وجب الإنصاف وتوفية كل ذي حق حقه ويجب الكف عن ذكرهم إلا بخير وأن الإمامة خاصة في قريش دون غيرهم من العرب والعجم وأن نصب الإمام للأمة واجب مع القدرة وأنه موكول إلى أهل الحل والعقد دون النص وأنه من فروض الكفاية ويجب طاعة الأيمة وإجلالهم وكذلك نوابهم فإن عصوا بظلم أو تعطيل حد وجب الوعظ وحرمت طاعته في المعصية وإعانته عليها لقوله لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ولا يجوز الخروج على من ولي وإن جار ويغزى معه العدو ويحج البيت وتدفع له الزكوات إذا طلبها وتصلى خلفه الجمعة والعيدان قال مالك لا يصلي خلف المبتدع منهم إلا أن يخافه فيصلي واختلف في الإعادة قاعدة ضبط المصالح العامة واجب ولا تنضبط إلا بعظمة الأيمة في نفس الرعية ومتى اختلف عليهم أو أهينوا تعذرت المصلحة ولذلك قلنا لا يتقدم في إمامة صلاة الجنازة ولا غيرها لأن ذلك مخل بأبهتهم
فرع
قال ومذهب أهل السنة لا يعذر من أداه اجتهاده لبدعه لأن الخوارج اجتهدوا في التأويل فلم يعذروا وسماهم رسول الله مارقين من الدين وجعل المجتهد في الأحكام مأجورا وإن أخطأ
فرع
قال أنكر مالك رواية أحاديث أهل البدع من التجسيم وغيره ولم ينكر حديث الضحك ولا حديث التنزيل وأنكر حديث أن العرش اهتز لموت سعد تنبيه الأصحاب متفقون على إنكار البدع ابن أبي زيد وغيره ولا يستقيم ذلك على ظاهره لأنها خمسة أقسام واجبة كتدوين القرآن والشرائع إن خيف عليها الضياع فإن التبليغ لمن بعدنا من القرون واجب إجماعا ومحرمة كالمكوس الحادثة وغيرها ومندوبة كصلاة التراويح وإقامة صور الأيمة والقضاة بالملابس وغيرها من الزخارف والسياسات وربما وجبت ومكروهة كتخصيص الأيام الفاضلة وغيرها بنوع من العبادة ومباحة كاتخاذ المناخل ففي الأثر عن عائشة رضي الله عنها أول شيء أحدثه الناس بعد رسول الله المناخل لك إصلاح الأغذية المباحة مباح فالبدعة إذا عرضت تعرض على قواعد الشرع وأدلته فإن اقتضتها قاعدة تحريم حرمت أو إيجاب وجبت أو إباحة أبيحت وإن نظر إليها من حيث الجملة بالنظر إلى كونها بدعة مع قطع النظر عما يتقاضها كرهت فهذا تفصيل أحوال البدع فيتمسك بالسنن ما أمكن ولبعض السلف الصالح يسمى أبا العباس الأبياني الأندلسي ثلاث لو كتبن في ظفر لوسعهن وفيهن خير الدنيا والآخرة اتبع لا تبتدع اتضع لا ترتفع من ورع لا تتسع وسيأتي في الأفعال فروع عديدة من البدع مفردة إن شاء الله تعالى
فرع
قال ابن أبي زيد يجب أن يعتقد أن الله تعالى أسمع موسى عليه السلام كلامه القائم بذاته لا كلاما قام بغيره وتقرير هذه المسألة وأدلتها ذكرته مبسوطا سهلا في كتاب الانقاد في الاعتقاد
مسألة
قال يجب أن يعتقد أن يديه سبحانه وتعالى مبسوطتان وأن يده غير نعمته قلت في هذه المسألة مذاهب لأهل الحق مع جميع النصوص الواردة في الجوارح كالوجه والجنب والقدم قيل يتوقف على تأويلها ويعتقد أن ظاهرها غير مراد ويحكي أنه مذهب السلف فإنه تهجم على جهة الله تعالى بالظن والتخمين وقيل يجب تأويلها لقوله تعالى ( أفلا يتدبرون القرآن ) وقال ( ليدبروا آياته ) وغير ذلك من النصوص الدالة على النظر والاعتبار وتدبر الكلام هو رده إلى دبره وهو المعنى الخفي بدليل مرشد له والقولان للشيخ أبي الحسن وإذا قلنا بالتأويل فيحمل مذهب السلف رضي الله عنهم على مواطن استواء الأدلة وعدم الترجيح وهذا هو المشهور للأشعرية وعلى أي شيء تأول فقيل على صفات مجهولة غير الصفات السبعة المتقدم ذكرها استأثر الله تعالى بعلمها وقيل بل الصفات السبعة ونحوها مما يناسب كل آية فاليد للقدرة والعين للعلم والقدم ونحوه للقدرة والوجه للذات والجنب للطاعة لأن هذه المحامل المناسبة من المجازات لهذه الحقائق ومتى تعذر حمل اللفظ على حقيقته تعين صرفه لأقرب المجازات إليه لغة فائدة وردت النصوص بإفراد اليد وتثنيتها وجمعها ( يد الله فوق أيديهم ) ( لما خلقت بيدي ) ( أولم يرو أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون ) مع أن المتجوز إليه واحد في نفسه وهو القدرة وسببه أن القدرة لها متعلق فإن عبر عن القدرة باعتبار ذاتها أفردت أو باعتبار متعلقاتها جمعت أو باعتبار أن متعلقاتها قسمان ثنيت واختلف في تقدير التثنية فقيل الجواهر والأعراض إذا لم توجد القدرة غيرهما أو أمر الدنيا وأمر الآخرة أو الخيور والشرور
مسألة
مما يتعلق بالاعتقاد ما يتعلق برسول الله من أحواله وهي أقسام نسبه هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي ابن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان هذا هو المنصوص عنه والمجمع عليه وأضافوا فيهما بين عدنان وإسماعيل عليه السلام وفيما بين إسماعيل وآدم عليهما السلام اختلافا كثيرا وسمي هاشم هاشما لأنه أول من هشم الثريد لقومه وقصي لأنه تقصى مع أمه لأخواله وسكن معهم في باديتهم فبعد عن مكة وكان يدعي مجمعا لأنه لما رجع إلى مكة جمع قبائل قريش بمكة واسم هاشم عمرو واسم عبد مناف المغيرة واسم عبد المطلب شيبة لشيبة كانت في ذؤابته وقيل اسمه عبد المطلب أمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب قرشية زهرية ومرضعاته رحمة ابنة ثويبة جارية أبي لهب أرضعته مع حمزة وأرضعت معهما أبا سلمة بن عبد الأسد ثم أرضعته حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية من بني سعد صفته كان ربع القامة من القوم ليس بالطويل الباين ولا بالقصي ضخم الرأس كثير شعره رجلا غير سبط جعد غير قطط كث اللحية توفي وفي عنفقته شعرات بيض أزهر اللون أبيض مشرب بحمرة في وجهه تدوير أدعج العينين عظيمهما مشربهما حمرة أهدب الأشفار شثن الكفين والقدمين جليل وهو رؤس المناكب له مسربة وهي شعرات من الصدر إلى السرة إذا مشى تكفأ كأنما يمشي في صبب وإذا التفت التفت معا بين كتفيه خاتم النبوءة نبئ على رأس الأربعين أولاده كلهم من خديجة إلا إبراهيم فإنه من مارية القبطية زينب وفاطمة ورقية وأم كلثوم أسلمن كلهن وهاجرن وأصغرهن زينت ثم رقية ثم أم كلثوم ثم فاطمة وفي ذلك اختلاف زوج رقية ثم أم كلثوم وتزوج علي فاطمة رضي الله عن جميعهم وولده من خديجة أربعة القاسم وبه كان يكنى وعبد الله والطاهر وفيما عدا القاسم خلاف قيل لم يلد غيره وقيل اثنان وقيل ثلاثة وأما إبراهيم فمن مارية أزواجه في المقدمات المتفق عليه منهن إحدى عشرة خديجة ثم سودة ثم تزوج عائشة ثم أم سلمة اسمها هند ثم حفصة بنت عمر بن الخطاب ثم زينت بنت خزيمة الهلالية ثم زينت بنت جحش بنت عمة رسول الله ثم أم حبيبة أخت معاوية بن أبي سفيان ثم جويرية بنت الحارث ثم صفية بنت حيي ابن أخطب ثم ميمونة بنت الحارث ولم يتزوج على خديجة في حياتها توفي منهن اثنتان في حياته خديجة وزينب بنت خزيمة وتوفي رسول الله عن التسع الباقيات والمروية بطريق الآحاد سبعة فاطمة بنت الضحاك وأسماء بنت النعمان والعالية بنت ظبيان وسنا بنت الصلت وقبيلة بنت قيس وأم شريك وفاطمة بنت شريح وهند بنت يزيد والشنباء ومليكة بنت داود وشراف بنت خليفة وليلى بنت الحطيم وخولة بنت الهذيل وليل بنت الحكيم سراريه مارية القبطية وريحانة بنت شمعمون من بني قريظة وجاريتان أخريان
الجنس الثاني الأقوال
وهي نوعان مأمور به ومنهي عنه النوع الأول المأمور به التلفظ بالشهادتين والصلاة على النبي وحكى القاضي في الشفا أن التلفظ بالشهادتين معتبر من الإيمان فمن لم يتلفظ بهما مع الإمكان فهو على كفره وإن آمن قلبه على القول الصحيح وأن الصلاة على النبي واجبة مرة في العمر والذكر والدعاء والتسبيح والتهليل وقراءة القرآن على الوجه المشهور والتلحين حرام قاله في الجواهر لأن ثمرة قراءته الخشية وتجديد التوبة والاعتبار بقصصه والشوق لوعده والحذر من وعيده والتلحين ينافي ذلك لأنه مطرب والطرب يمنع ذلك ولأنه يجب تنزيهه عن مشابهة الأغاني والمطربات لأن شأنها اللهو واللعب قال وينبغي أن تقسم قراءته إلى تفخيم وإعظام فيما يليق به ذلك وإلى تخزين وترقيق على حسب المواعظ والأحوال المقرر لها وقد نبه الله سبحانه وتعالى على هذا القسم بقوله تعالى ( إنما المؤمنون الذين إذا ذكروا الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا ) ومن المأمور إقراء العلوم النافعة في الدين وتعلمها والحث على الخير والصدقة والمعروف والإصلاح بين الناس ونحو ذلك النوع الثاني المنهي عنه وهو الغيبة والنميمة والبهتان والكذب والقذف والتلفظ بفحش الكلام وإطلاق ما لا يحل إطلاقه على الله سبحانه أو على رسوله أو أحد من رسله أو أنبيائه أو ملائكته أو المؤمنين به وعن النبي أنه قال ( الخيانة والخديعة في النار ) وقال
( من شر الناس ذو الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه ) وقال
( إن من شر الناس من اتقاه الناس اتقاء شره ) وقال
( الغيبة أن تذكر من المرء ما يكره أن يسمع ) قيل يا رسول الله وإن كان حقا قال إذا قلت باطلا فذلك البهتان قال بعض العلماء يستثنى من الغيبة خمس صور الأولى النصيحة لقوله لفاطمة بنت قيس حين شاورته أما معاوية فرجل صعلوك لا مال له وأما أوب جهم فلا يضع العصا عن عاتقه ويشترط في هذا القسم مسيس الحاجة لذلك والاقتصار على ما يتعلق بتلك المصلحة المشاور فيها أو التي يعتقد أن المنصوح يسارع فيها ولا يثلم العرض مع ذلك ولا يبين ذلك الثانية الجرح والتعديل في الشهود والرواة بما يمنع من قبول الشهادة والرواية خاصة فلا يقول هو ابن زنا الثالثة المعلن بالفسوق كقول امرئ القيس : ( فمثلك حبلى قد طرقت ومرضعا ** ) يفتخر بالزنا في شعره فلا يتضرر بأن يحكى ذلك عنه والغيبة إنما حرمت لحق المغتاب الرابعة أرباب البدع والتصانيف المضلة من الكتب ينبغي أن يشهر في الناس أنهم على غير الصواب تنفيرا عن تلك المفاسد وهو داخل في النصيحة غير أن هذا القسم لا يتوقف على المشاورة الخامسة إذا كنت أنت والمقول له الغيبة قد سبق لكما العلم بالمغتاب به فإن ذكره بعد ذلك لا يحط من قدر المغتاب عنده وسألت جماعة من العلماء الراسخين في العلم عما يروى من قوله لا غيبة في فاسق فقالوا لم يصح ولا يتفكه بعرض الفاسق وفي المقدمات ثلاثة لا غيبة فيهم الإمام الجائر والفاسق المعلن وصاحب البدعة وفي المنتقى لا غيبة في تجريح الراوي والشاهد ولا المتحيل على الناس ليصرف كيده عنهم ولا راجع لما تقدم وفي المقدمات وينبغي لأهل الفضل حفظ ألسنتهم مما لا يعنيهم ولا يتكلمون من أمر الدنيا إلا فيما يحتاجون إليه لأن في الإكثار من الكلام السقط قال رسول الله ( من وقاه الله شر اثنين ولج الجنة ما بين لحييه وما بين رجليه ) ودخل عمر بن الخطاب على أبي بكر الصديق وهو يجبذ لسانه فقال له مه فقال إن هذا أوردني الموارد قال مالك رحمه الله من عد كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه وقال ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ) وعنه
( إذا أصبح العبد أصبحت الأعضاء تستعيذ من شر اللسان وتقول اتق الله فينا إن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا ) نقله في المنتقى
مسألة
الفرق بين الغيبة والنميمة والغمز واللمز أن الغيبة ذكر الإنسان بما يكره لما فيها من مفسدة الأعراض والنميمة أن ينقل إليه عن غيره أنه يتعرض لأذاه لما فيها من مفسدة إلقاء البغضاء بين الناس ويستثنى منها أن فلانا يقصد قتلك في موضع كذا أو يأخذ مالك في وقت كذا ونحو ذلك لأنه من النصيحة الواجبة كما تقدم في الغيبة والغمز أن تعيب الإنسان بحضوره واللمز بغيبته وقيل بالعكس
مسألة
قال ابن أبي زيد في جامع المختصر قال مالك الإيمان عمل وقول يزيد وينقص وعنه دع الكلام في نقصانه خوفا من الذريعة من قول الخوارج بإحباط الإيمان بالذنوب تنبيه الجمهور على أن الإيمان إنما يوصف بالزيادة والنقصان إذا فسر بعمل الجوارح أما اعتقاد القلب وتصديقه فلا لأنه إن وجد فقد آمن وإلا فهو كافر والحق أن الجميع قابل للزيادة والنقصان أما الأعمال فظاهر وأما ما في القلب فباعتبار زمانه ومكانه ومتعلقه أما زمانه فلأنه عرض لا يبقى زمانين فإذا طال زمانه وعدم طريان الغفلة عليه فقد زاد وإلا نقص وأما مكانه فلأن النفس ذات جواهر يمكن أن يقوم بجوهرين إيمانان وبثلاثة فيزيد وينقص ويكون الجميع متعلقا بشيء واحد فإن اجتماع الأمثال في التعلق دون المحل ليس محالا وأما متعلقه فإن الإنسان بعد إيمانه المعتبر إذا تجدد له العلم بآية أو خبر أو صفة من صفات الله تعالى تجدد له بها إيمان
مسألة
قال قيل لمالك أقول أنا مؤمن والله محمود أو إن شاء الله فقال قل مؤمن ولا تجعل معها غيرها معناه لا تقل إن شاء الله ولا غير ذلك وهذه مسألة خلاف بين العلماء قال الأشعري والشافعي وغيرهما يجوز إن شاء الله وقال أبو حنيفة وغيره لا يجوز لأن الإيمان يجب فيه الجزم ولا جزم مع التعليق وقال غيرهم بل يجوز لأحد وجوه إما أن يريد المستقبل وهو مجهول حصول الإيمان فيه أو يريد نفع الإيمان الحاضر في المستقبل وهو مجهول الحصول في المستقبل للجهل بالخاتمة أو يكون ذكر الاستثناء للتبرك لا للتعليق ( مسألة ) قال رجل لمالك يا أبا عبد الله ( الرحمن على العرش استوى ) كيف استوى قال الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول والسؤال عنه بدعة والإيمان به واجب وأراك صاحب بدعة أخرجوه قال ابن أبي زيد الله تعالى فوق سماواته على عرشه دون أرضه وإنه في كل مكان بعلمه وقال في الرسالة استوى على عرشه المجيد بذاته وهذا أقرب للتأويل من الأول أي بغير معين بل بذاته استوى على العرش وغيره وخص الله تعالى العرش بالاستواء لأنه أعظم أجزاء العالم فيبقى غيره بطريق الأولى فقال جماعة عن ابن أبي زيد وعن ابن عبد البر وجماعة من المجتهدين أنهم يعتقدون الجهة لأجل هذه الاطلاقات وقال بعض الفضلاء هذا إنما يلزمهم إذا لم يصرحوا بأنه ليس كمثله شيء وبغير ذلك من النصوص النافية للجهة وإنما قصدهم إجراء النصوص كما جاءت من غير تأويل ويقولون لها معان لا ندركها ويقولون هذا استواء لا يشبه الاستواءات كما أن ذاته لا تشبه الذوات فكذلك يكون فوق سماواته دون أرضه فوقية لا تشبه الفوقيات وهذا أقرب لمناصب العلماء من القول بالجهة ومعنى قول مالك الاستواب غير مجهول أن عقولنا دالتنا على الاستواء اللائق بالله وجلاله وعظمته وهو الاستيلاء دون الجلوس ونحوه مما لا يكون إلا في الأجسام وقوله والكيف غير معقول معناه أن ذات الله تعالى لا توصف بما وضعت العرب له كيف وهو الأحوال المتنقلة والهيآت الجسيمة من التربع وغيره فلا يعقل ذلك في حقه تعالى لاستحالته في جهة الربوبية وقوله والسؤال عنه بدعه معناه لم تجر العادة في سيرة السلف بالسؤال عن هذه الأمور المثيرة للأهواء الفاسدة فهو بدعة ورأيت لأبي حنيفة رضي الله عنه جوابا لكلام كتب به إليه مالك إنك تتحدث في أصول الدين وإن السلف لم يكونوا يتحدثون فيه فأجاب بأن السلف رضي الله عنهم لم تكن البدع ظهرت في زمانهم فكان تحريك الجواب عنها داعية لإظهارها فهو سعي في منكر عظيم فلذلك ترك قال وفي زماننا ظهرت البدع فلو سكتنا كنا مقرين للبدع فافترق الحال وهذا جواب سديد يدل على أن البدع ظهرت ببلاده بالعراق ومالك لم يظهر ذلك ببلده فلذلك أنكر فهذا وجه الجمع بين كلام الإمامين وعن الشافعي رضي الله عنه لو وجدت المتكلمين لضربتهم بالحديد قال لي بعض الشافعية وهو متعين فيهم يومئذ هذا يدل على أن مذهب الشافعي تحريم الاشتغال بأصول الدين قلت له ليس كذلك فإن المتكلمين اليوم في عرفنا إنما هو الأشعري وأصحابه ولم يدركوا الشافعي ولا تلك الطبقة الأولى إنما كان في زمان الشافعي عمر بن عبيد وغيره من المعتزلة المبتدعة أهل الضلالة ولو وجدناهم نحن ضربناهم بالسيف فضلا عن الحديد فكلامه ذم لأولئك لا لأصحابنا وأما أصحابنا القائمون بحجة الله والناصرون لدين الله فينبغي أن يعظموا ولا يهتضموا لأنهم القائمون بفرض كفاية عن الأمة فقد أجمعت الأمة على أن إقامة الحجة لله تعالى فرض كفاية قال لي ذلك الشافعي يكفي في ذلك الكتاب والسنة قلت له فمن لا يعتقدهما كيف تقام الحجة عليه بهما فسكت تبيه قال الغزالي يشترط في الطائفة التي تقوم بفرض الكفاية من أصول الدين أربعة شروط أن يكون وافر العقل لأنه علم دقيق وأن يستكثر منه لأنه لا أكفر من نصف أصولي وأن يكون دينا فإن قليل الدين إذا وقعت له الشبهة لا يطلب لها جوابا وأن يكون فصيحا لأن الفدم لا ينتفع به في هذا الباب
الجنس الثالث الافعال
وهي أنواع النوع الأول أفعال القلوب وهي مأمورات ومنهيات فمن المأمورات الإخلاص واليقين والتقوى والصبر والرضى والقناعة والزهد والورع والتوكل وسلامة الصدر وحسن النظر وسخاوة النفس ورؤية المنة وحسن الخلق ونحوها من أعمال القلوب ومن المنهيات الغل والحقد والحسد والبغي والغضب لغير الله تعالى والغش والكبر والعجب والرياء والسمعة والبخل والإعراض عن الحق استكبارا والطمع وخوف الفقر والسخط بالقضاء والبطر وتعظيم الأغنياء لغناهم والاستهانة بالفقراء لفقرهم والفخر والخيلاء والتنافس في الدنيا والمباهاة والتزين للمخلوقين والمداهنة وحب المدح بما لا يفعل والاشتغال بعيوب الخلق عن عيوب النفس ونسيان النعمة والرغبة والرهبة لغير الله
مسألة
التقوى من الوقاية لأن طاعة الله تقي عذابه كاتقاء السهم بالترس والتقي جمع تقاة اختلف العلماء في حقيقتها شرعا فقال أهل الحق هي اجتناب الكبائر والصغائر لأن في الجميع عقوبة وقالت المعتزلة هي اجتناب الكبائر فقط لقوله تعالى ( إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيآتكم ) وإذا كانت الكبائر يقينا اجتنابها عذاب الصغائر لم يكن اجتناب الصغيرة تقوى لأنه لا يحسن فيمن بينه وبين السهام جدار أن يقال اتقى السهام بترسه وجوابه أن الصغيرة فيها التعزيز والذم عاجلا والعقوبة آجلا فاجتناب الكبيرة إنما يقي العقوبة الآجلة وبقي التعزيز والذم فيدفعان باجتناب الصغيرة فصح أن اجتنابها تقوى شرعية ودل على هذا أيضا قوله
( أن تحفظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى وأن تذكر المقابر والبلا )
مسألة
ليس الزهد عدم ذات اليد بل عدم احتفال القلب بالدنيا وإن كانت في ملكه فقد يكون الزاهد من أغنى الناس وهو زاهد وقد يكون الشديد الفقر غير زاهد بل في غاية الحرص بحسب ما اشتمل عليه قلبه من الرغبة في الدنيا والزهد في المحرمات واجب وفي الواجبات حرام وفي المندوبات مكروه وفي المباحات مندوب وإن كانت مباحة لأن الميل إليها يفضي لارتكاب المحظور أو المكروه فتركها من باب الوسائل المندوبة
مسألة
اختلف الفقهاء في أول العصر الذي أدركته هل يدخل الزهد والروع في المباح فسلمه بعضهم ومنعه آخرون وصنف بعضهم على بعض وأكثروا التشنيع فقال الأنباري رحمه الله لا يدخل الورع فيها لأن الله تعالى سوى بين طرفيها والورع مندوب والندب مع التسوية متعذر وعمل في ذلك مجلدا وقال بهاء الدين بن الحميري وغيره بل تدخل وما زال السلف الصالح على الزهد في المباحات ونبه على ذلك قوله تعالى ( أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا ) وغيره من النصوص والكل على الصواب وطريق الجمع أن المباح لا زهد فيه ولا ورع من حيث ذاته وهما فيه من حيث أن الاستكثار من المباح يخرج إلى كثرة الاكتساب الموقع في الشبهات وبطر النفوس لقوله تعالى ( إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى ) إلى غير ذلك مما المباح وسيلة له فهو مزهود فيه بالعرض لا بالذات قال صاحب المقدمات الزهد غير الورع فالزهد في الحلال لا في الحرام وحفظ المال خوف المسألة مأمور به
مسألة
الورع هو ترك ما لا بأس به حذرا مما به البأس وأصله قوله ( الحلال بين والحرام بين وبينهما شبهات فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ) وهو مندوب إليه ومنه الخروج عن خلاف العلماء بحسب الإمكان فإن اختلف العلماء في فعل هو مباح أم حرام فالورع الترك أو مباح أو واجب فالورع الفعل مع اعتقاد الوجوب أو مندوب أو حرام فالورع الترك أو مكروه أو واجب فالورع الفعل أم مشروع أو غير مشروع فالورع الفعل لأن المثبت للشرعية مقدم كالبنية المثبتة كاختلاف العلماء في شرعية الفاتحة في صلاة الجنازة فمالك يقول ليس بمشروعة والشافعي يقول مشروعة واجبة فالورع القراءة وكالبسملة قال مالك مكروهة في الصلاة وقال الشافعي وأبو حنيفة واجبة فالورع أن تقرأ وعلى هذا المنوال وهذا مع تقارب أدلة المختلفين أما إذا كان أحد الدليلين في غاية الضعف بحيث لو حكم به حاكم لنقضناه لم يحسن الورع في مثل ما لو كان دليله فيما تدخله قضايا الحكام ولا ينقض وأما إذا اختلفوا بالوجوب والتحريم فلا ورع أو الندب والكراهة فلا ورع لتساوي الأقدام والأحجام تنبيه كثير من الفقهاء يعتقد أن المالكي يعتقد بطلان صلاة الشافعي إذا لم يتدلك في غسله أو يسمح جميع رأسه ونحوه وأن الشافعي يعتقد بطلان صلاة المالكي إذا لم يبسمل وأن الورع صون العبادة ونحوها عن البطلان وليس كذلك وليس الورع لتحصيل صحة العبادة بل هي حاصلة إجماعا وأجمع كل فريق مع خصمه على صحة تصرفاته وعباداته الواقعة على وجه التقليد المعتبر وإنما الورع في الجمع بين الأدلة ليس إلا فافهم ذلك ونص جماعة من العلماء على أن من الورع معاملة أهل الذمة دون المسلمين معللا ذلك بوجهين أحدهما أنهم ليسوا مخاطبين بالفروع على أحد القولين فلا تحرم عليهم المكاسب والعقود الفاسدة بخلاف المسلمين وثانيهما أن الكافر إذا أسلم لم يجب عليه رد الغضوب إذا كان حربيا ولا رد الربا إذا كان ذميا ولو تاب المسلم وجب عليه رد جميع ذلك لمكان التحريم في حقه أغلظ
مسألة
التوكل هو اعتماد القلب على الله تعالى فيما يجلبه من خير أو يدفعه من ضر واختلف العلماء هل من شرطه ترك الأسباب فنحا إليه الغزالي في إحياء علوم الدين وغيره وقال المحققون لا يشترط ذلك بل الأحسن ملابسة الأسباب للمنقول والمعقول أما المنقول فقوله تعالى ( وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ) وقال تعالى ( إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا ) وأمر تعالى بملابسة أسباب الاحتياط والحذر في غير موضع من كتابه العزيز ورسوله سيد المتوكلين وكان يطوف على القبائل ويقول من يعصمني حتى أبلغ رسالات ربي وكان له جماعة يحرسونه من العدو حتى نزل قوله تعالى ( والله يعصمك من الناس ) ودخل مكة مظاهرا بين درعين في كتيبته الخضراء من الحديد وكان في آخر عمره وأكمل أحواله يدخر قوت عياله سنة وأما المعقول فهو أن الملك العظيم إذا كانت له عوائد في أيام لا يحسن إلا فيها أو أبواب لا يخرج إلا منها أو أمكنة لا يوقع إلا فيها فالأدب معه أن لا يطلب منه فعل إلا حيث عوده وأن لا يخالف عوائده بل يجري عليها والله سبحانه وتعالى مالك الملوك وأعظم العظماء بل أعظم من ذلك رتب ملكه على عوائد أرادها وأسباب قدرها وربط بها آثار قدرته ولو شاء لم يربطها فجعل الري بالشرب والشبع بالأكل والاحتراق بالنار والحياة بالتنفس في الهواء فمن رام من الله تعالى تحصيل هذه الآثار بدون أسبابها فقد أساء الأدب بل يلتمس فضل الله تعالى في عوائده وقد انقسمت الخلائق في هذا المقام ثلاثة أقسام قسم عاملوا الله تعالى باعتماد قلوبهم على قدرته مع إهمال الأسباب والعوائد فلجوا في البحار في زمن الهول وسلكوا القفار العظيمة المهلكة بغير زاد إلى غير ذلك من جنس هذه التصرفات فهؤلاء فاتهم الأدب وهم جماعة من العباد وقسم لاحظوا الأسباب وأعرضوا عن التوكل وهم عامة الخلق وهم شر الأقسام وربما وصلوا بذلك للكفر وقسم اعتمدت قلوبهم على قدرة الله تعالى وطلبوا فضله في عوائده ملاحظين في تلك الأسباب مسببها وميسرها فجمعوا بين التوكل والأدب وهؤلاء هم النبيون والصديقون وخاصة عباد الله العلماء بالله والعارفون بمعاملته جعلنا الله منهم بمنه وكرمه
مسألة
حسن الخلق هو الاتصاف بمحاسن الشريعة أو التسبب إليها وسوء الخلق هو ارتكاب مناهي الشريعة أو التوسل إليها وتحت هذه الجملة أمور لا يحصيها الضبط قال ابن يونس ينبغي للقاضي أو الأمير أن لا يكون من شأنه حب المدح وأن يعرف الناس منه ذلك فيقتحمون عليه منه فيضحكون منه به ويغتابونه به بل تكون همته في ثلاث خصال في رضى ربه ورضى سلطانه إن كان فوق الأمير أو القاضي سلطان ورضي صالح من يلي عليه وكان الشافعي رضي الله عنه يقول لما رأيت الناس لا يجتمعون على حالة أخذت لنفسي بالذي أولى بها ونظم هذا المعنى الشيخ الحافظ زيد الدين ابن عبد العظيم المحدث في مدرسة الكامل ( اعمل لنفسك صالحا لا تحتفل ** بكبير قيل في الأنام وقال ) ( فالناس لا يرجى اجتماع قلوبهم ** لا بد من مثن عليك وقال )
مسألة
الحسد تمني القلب زوال النعمة عن المحسود واتصالها بك وهو أخف الحسدين وشرهما تمني زوالها وإن لم تصل إليك وأصل تحريمه الكتاب والسنة والإجماع فالكتاب قوله تعالى ( ومن شر حاسد ) ( أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ) وقوله تعالى ( ولا تمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض ) والسنة قوله ( لا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخوانا ) وأجمعت الأمة على تحريمه والفرق بينه وبني الغبطة تمني مثل ما لغيرك لا عين ما لغيرك وقد يعبر عنها بالحسد لما بينهما من المشابهة قال رسول الله ( لا حسد إلا في اثنين رجل آتاه الله القرآن يقوم به آناء الليل وأطراف النهار ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل وأطراف النهار ) أي لا غبطة إلا في هاتين على وجه المبالغة وهي أول معصية عصي الله بها في الأرض حسد إبليس آدم
مسألة
الكبر لله على أعدائه حسن وعلى عباده احتقارا لهم حرام وكبيرة قال رسول الله
( لن يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من الكبر ) فقالوا يا رسول الله إن أحدنا يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة فقال ( إن الله جميل يحب الجمال ولكن الكبر بطر الحق وغمض الناس ) قال العلماء بطر الحق رده على قائله وغمض الناس احتقارهم وقوله ( لن يدخل الجنة وعيد عظيم يقتضي أن الكبر من الكبائر ) وعدم دخوله الجنة مطلقا عند المعتزلة لأن صاحب الكبيرة عندهم مخلد وعند أهل الحق لا يدخل في وقت يدخلها غير المتكبرين أي في المبدأ والنفي العام قد يراد به الخاص إذا اقتضته النصوص والقواعد والكبر من أعظم ذنوب القلب نسأل الله العافية حتى قال بعض الأولياء كل ذنوب القلب يكون معه الفتح إلا الكبر والفرق بينه وبين العجب أن العجب رؤيته للعبادة والكبر راجع للخلق
مسألة
الرياء هو إيقاع القربة يقصد بها الناس فلا رياء في غير قربة كالتجمل باللباس ونحوه لا رياء فيه وإرادة غير الناس بالقربة ليس رياء كمن حج ليتجر أو غزا ليغنم لا يفسد بذلك قربته والرياء قسمان رياء إخلاص وهو أن لا يفعل القربة إلا للناس ورياء شرك وهو أن يفعلها لله تعالى وللناس وهو أخفهما وهو محرم بالإجماع وبقوله تعالى ( الذين هم يراؤن ويمنعون الماعون ) ومتى شمل الرياء العبادة بطلت إجماعا لقوله حكاية عن الله تعالى أنا أغني الشركاء عن الشرك فمن عمل عملا أشرك فيه غيري تركته للشريك فإن شمل بعض العبادة وهي مما يتوقف آخرها على أولها كالصلاة فقد وقع للعلماء في صحتها تردد حكاه المحاسبي في الرعاية والغزالي في الإحباء ومتى عرض الرياء في العبادة قبل الشروع فيها أمر بدفع الرقاء وعمل العبادة فإن تعذر عليه ولصق الرياء بصدره فإن كانت القربة مندوبة تعين الترك لتقدم المحرم على المندوب أو واجبة أمر بمجاهدة النفس إذ لا سبيل لترك الواجب وأغراض الرياء ثلاثة استجلاب الخيور ودرء الشرور والتعظيم من الخلق وبسط هذا الباب ومداواته إذا عرض مبسوط في كتاب الرقائق ومما يلحق بالرياء ترك العمل خشية الرياء فإن العبد مأمور بطاعة الله وترك المفسدات لا بترك العمل لأجل المفسدات
فرع
قال ابن أبي زيد قيل لمالك المصلي لله يقع في نفسه محبة علم الناس به وأن يكون في طريق المسجد قال إن كان أول ذلك لله فلا بأس قلت كون العبد يحب أن يعظمه الناس غير العمل لهذا الغرض الأول جبلي والثاني كسبي وتحويل الطاعة عن موضوعها
فرع
التسميع حرام وهو غير الرياء لأنه إن عمل العمل خالصا ثم يخبر به الناس لغرض الرياء من التعظيم وغيره فهو بعد العمل والرياء مقارن وفي الخبر من سمع سمع الله به يوم القيامة أي ينادي به يوم القيامة هذا فلان عمل لي عملا ثم أراد به غيري
مسألة
السخط بالقضاء حرام إجماعا قال صاحب الجواهر وغيره السخط بالمقدر وهي عبارة رديئة قال المحققون يجب الرضى بالقضاء دون المقضي وبالقدر دون المقدور وتحريره أن الطبيب إذا وصف للعليل دواء مرا أو قطع يده المتأكله فإن قال بئس ما وصف الطبيب فهو بغض وسخط بقضاء الطبيب وإن قال نعم ما صنع غير أني وجدت للقطع ومرارة الدواء ألما كثيرا فإن ذلك ليس قدحا في الطبيب بل الأول قدح فيه وطعن عليه فعلى هذا إذا ابتلي الإنسان بمرض فتألم من المرض بمقتضى طبعه فهذا ليس عدم رضى بالقضاء بل عدم رضى بالمقضي وإن قال أي شيء عملت حتى أصابني هذا وما ذنبي وما كنت أستأهله فهذا عدم رضى بالقضاء لا بالمقضي فتأمل هذا فهو حسن تنبيه كل مؤلم للمؤمن كفارة له لقوله
( لا يصيب المؤمن وصب ولا نصب حتى الشوكة يطؤها إلا كفر الله بها من ذنوبه ) والسخط معصية والصبر قربة وعمل صالح فإذا تسخط حصلت سيئة قدر التي كفر بها المصيبة أو أقل وأعظم بحسب كثير السخط وقليله وعظم المصيبة وصغرها فإن التكفير تابع لذلك فالتكفير واقع قطعا سخط أو صبر غير أنه إن صبر اجتمع التكفير والأجر وإن سخط قد يعود المكفر بما جناه ثانيا بالتسخط أو أقل منه أو أكثر وعليه يحمل ما في بعض الأحاديث من ترتيب المثوبات على المصائب أي إذا صبر وإلا فالمصيبة لا ثواب فيها قطعا من جهة أنها مصيبة لأنها ليست من كسبه ولا ثواب إلا في مكتسب والتكفير يكون بغير المكتسب كالعذاب وسائر العقوبات
مسألة
المداهنة قد تكون مباحة أو واجبة كما قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه إنا لنكشر في وجوه أقوام وإن قلوبنا لتلعنهم فيجوز أن يفعل مع الفاسق من الوداد ظاهرا ما يعتقد خلافه وإنما يحرم من المداهنة ما كان على باطل وأما لأجل التقيه والتودد لدفع الضرر بكلام صدق بأن يشكره بما فيه من خير فإن ما من أحد وإن كثر فجوره وفحشه إلا وفيه خير
مسالة
الرغبة والرهبة لغير الله تعالى إن أريد بها خوف الظلمة أو السباع أو الغلاء أو الأمراض إن سلط الله تعالى بعض ذلك فهذا لا ينهى عنه وقد يؤمر به كما أمرنا أن لا نقدم على الوباء وأن نفر من المجذوم فرارنا من الأسد وإن أريد بها أنا نخاف الأسباب والخلق من حيث هم هم بحيث نعصي الله تعالى لأجلهم فهذا حرام وهو معنى قوله تعالى ( ومن الناس من يقول آمنا بالله فإذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله ) قال أرباب المعاني فتنة الناس مؤلمة وعذاب الله كذلك فالشبة واقع فلم أنكر التشبيه وأجابوا بأن عذاب الله تعالى حاث على طاعته ومانع من مخالفته هذا وضعه فمن أوذي في طاعة الله أي بسببها فجعل ذلك حاثا على طاعة الخلق في موافقتهم على ترك الطاعة وملابسة المعصية فهذا جعل فتنة الناس كعذاب الله فاستحق الذم في إيقاع الشبة بينهما من هذا الوجه
مسألة
التطير والطيرة حرام لما في الحديث أنه كان يحب الفال ويكره الطيرة ولأنها من باب سوء الظن بالله تعالى والفرق بينهما أن التطير هو الظن السيىء بالله والطيرة هو الفعل المرتب عليه ولا يكاد المتطير يسلم مما تطير منه إذا فعله وغيره لا يتأذى به سئل عن ذلك بعض العلماء فقال المتطير اعتقد أن الله يضره فضره عقوبة له على سوء الظن وغير المتطير لم يسيء ظنه بالله فلم يواخذه وأصل ذلك قوه حكاية عن الله
( أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء ) وفي رواية فليظن بي خيرا ثم هذا المقام يحتاج إلى تحقيق فإن الإنسان لو خاف الهلاك عند ملاقاة السبع لم يحرم إجماعا فيتعين أن الأشياء في العالم قسمان ما جرت العادة بأن مؤذ كالسموم والسباع ومعاداة الناس والتخم وأكل الأغذية الثقيلة المنفخة عند سيىء الهضم ونحوها فالخوف في هذا القسم ليس حراما لأنه خوف عند سبب محقق في مجاري العادات قال صاحب القبس قال بعض العلماء لا عدوي محمول على بعض الأمراض بدليل الوباء وقسم لم تطرد العادة بأذيته كالشق والعبور بين الغنم وشراء الصابون يوم السبت ونحوها فهذا حرام الخوف منه لأنه سوء ظن بالله من غير سبب ومن الأشياء ما هو قريب من أحد القسمين ولم تتمخض كالعدوى في بعض الأمراض ونحوها فالورع ترك الخوف حذرا من الطيرة ومن ذلك الشؤم الوارد في الأحاديث ففي الصحاح أن رسول الله قال ( الشؤم في الدار والمرأة والفرس ) وفي بعضها إن كان ففي الدار والمرأة والفرس قال صاحب المنتقى يحتمل أن يكون معناه كما قاله بعض العلماء إن كان الناس يعتقدون الشؤم فإنما يعتقدونه في هذه الثلاث أو إن كان معناه واقعا في نفس الأمر ففي هذه الثلاث وقيل أخبر بذلك مجملا أولا ثم أخبر به واقعا في الثلاث فلذلك أحل ثم حرم كما قال في الدجال إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه وإن لم أكن فيكم فامرؤ حجيج نفسه والله خليفتي عليكم ثم أخبر أن الدجال إنما يخرج في آخر الزمان وكذلك سئل عن أكل الضباب فقال إنه قد مسخت أمة من الأمم وأخشى أن يكون منهم أو ما هذا معناه ثم أخبر أن المسوخ لم تعقب فقد أخبر بالمسخ مجملا ثم أخبر به مفصلا وهو كثير في السنة فتنبه لهذه القاعدة فبها يحصل لك الجمع في كثير من الأحاديث ولا مانع أن تجري عادته أن يجعل هذه الثلاث أحيانا سببا للضرر ففي الصحاح يا رسول الله دار سكناها والعدد كثير والمال وافر فقل العدد وذهب المال فقال رسول الله دعوها ذميمة وعن عائشة رضي الله عنها إنما تحدث رسول الله عن أقوال الجاهلية في الثلاث قال الباجي ولا بعد أن يكون ذلك عادة وفي الموطأ قال لا عدوي ولا هام ولا صفر ولا يحل الممرض على الصحيح وليحل المصح حيث شاء قال الباجي قال ابن دينار لا يعدي مريض مريضا خلاف لما كانت العرب تفعله وتعتقده فبين أن ذلك من عند الله تعالى ولا هام قال مالك معناه ولا يتطير بالهام كانت العرب تقول إذا وقعت هامة على بيت خرج منه ميت وقيل معناه أن العرب كانت تقول إذا قتل أحد خرج من رأسه طائر لا يزال يقول اسقوني اسقوني حتى يقتل قاتله فعلى الأول يكون الخير نهيا وعلى الثاني يكون تكذيبا ولا صفر هو الشهر الذي كانت الجاهلية تحرم فيه شهر صفر لتستبيح المحرم وقيل كانت الجاهلية تقول هو داء في الفرج يقتل فقال لا يموت إلا بأجله والممرض ذو الماشية المريضة والمصح ذو الماشية الصحيحة قال ابن دينار لا يؤذي الممرض المصح بإيراد ماشيته على ما شيته فيؤذيه بذلك ونسخ بقوله لا عدوى وقيل لا يحل المجذوم محل الصحيح معه يؤذيه وإن كان لا يعدى فالنفس تكرهه فهو من باب إزالة الضرر لا من العدوى وقيل هو ناسخ لقوله لا عدوى تنبيه قال الطرطوشي إن أخذ الفال بالمصحف وضرب الرمل والشعر ونحوه حرام وهو من باب الاستقسام بالأزلام مع أن الفال حسن بالسنة وتحريره أن الفال الحسن هو ما يعرض من غير كسب مثل قائل يقول يا مفلح ونحوه والتفاؤل المكتسب حرام كما قاله الطرطوشي في تعليقه
النوع الثاني الطعام والشراب
ففي الجواهر يسمي الله تعالى على الأكل والشرب عند الابتداء ويحمده عند الانتهاء للحديث الصحيح في ذلك أن رسول الله كان إذا وضع يده في الطعام قال باسم الله اللهم بارك لنا فيما رزقنا وإذا فرغ منه قال الحمد لله حمدا كثيرا أطيبا مباركا فيه ولا يأكل متكئا لقوله
( وأما أنا فلا آكل متكئا ) قيل معناه على جنبه وقيل يتهيأ للطعام تهيئا كليا اهتماما به وسئل مالك عن الرجل يأكل واضعا يده اليسرى على الأرض فقال إني لأتقيه وأكرهه وما سمعت فيه شيئا لأن فيه معنى الاتكاء ويأكل بيمينه ويشرب بيمينه لقوله
( إذا أكل أحدكم فليأكل يمينه ولا يأكل بشماله فإن الشيطان يأكل بشماله ) ويأكل مما يليه إلا أن يكون الطعام مختلفا ألوانا لأن رسول الله أكل مع أعرابي ثريدا فجعل الأعرابي يتعدى جهته فقال له كل مما يليك فلما حضر التمر جعل رسول الله يأكل من جهات عديد فقال له الأعرابي كل مما يليك فقال له رسول الله إنما ذلك في الثريد أو نحوه ولأنه مع عدم الاختلاف سوء أدب من جهة وضعه أصابعه الواصلة إلى فمه وربما استصحبت ريقه بين يدي جليسه من غير حاجته لذلك ومع الاختلاف الحاجة داعية لذلك ورخص الشيخ أبو الوليد أن يتعدى ما يليه مطلقا إذا أكل مع أهله ومع من لا يلزمه الأدب معه وقال مالك وعن أنس بن مالك أنه أكل مع رسول الله وكان يتتبع الدباء حول القصعة وإذا كان جماعة فأدير عليهم ما يشربون من لبن أو ماء أو نحوه فليأخذه بعد الأول الأيمن فالأيمن لأن رسول الله شرب وعن يساره أبو بكر الصديق رضي الله عنه وعن يمينه أعرابي فاستأذن رسول الله الأعربي لأبي بكر فقال لا أوثر بنصيبي منك أحد فدل على أنه حق له ولأن الأيمن أفضل فيقدم وينبغي أن يأكل الإنسان مع القوم مثل ما يأكلون من تصغير اللقم وإطالة المضغ والرسل في الأكل وإن خالف ذلك عادته وينبغي أن لا ينهم في الأكل ويكثر منه لقوله
( ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه ) وينبغي أن يجعل ثلث بطنه للطعام وثلثه للماء وثلثه للنفس كذلك ورد الحديث ويغسل يديه من الدسم وفاه وإن كان لبنا وأما تعمد الغسل للأكل فكرهه مالك وقال زي الأعاجم وفي الصحيح قال الغسل قبل الطعام أمان من الفقر وبعده أمان من اللمم قال أرباب المعاني إنما أمن من الفقر لأن الله تعالى أجرى عادته أن من استهان بالطعام سلط الله عليه الجوع بالقحط وغيره وإذا لم يغسل قبل الطعام فقد أهانه بخلط الوسخ الذي على اليد معه فيخشى عليه الفقر وإن لم يغسل بعد الطعام خشي عليه إلمام الجان به لأنهم إنما يعيشون بالروائح فإذا شموه ربما عبثوا به وبهذا يظهر قول مالك إنه إذا لم يكن على يده وسخ لا يغسل لأنه إفساد للماء بغير حكمة ولا ينفخ في طعامه وشرابه لما يخشى من خروج ريقه مع النفخ فهو قذارة ولا يتنفس في الإناء ولكن ينحيه عن فيه وفي الحديث أن رسول الله كان يشرب وينحي عن فيه ثم يشرب ولأن النفس تنبعث معه الفضلات فيفسد الماء وينتن الإناء مع الطول لأن رسول الله نهى عن الشرب قائما وشرب قائما ليدل على الجواز وفي الموطأ أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي ابن أبي طالب رضي الله عنهم كانوا يشربون قياما وكانت عائشة وغيرها لا ترى بالشرب قائما بأسا قال الباجي على هذا جماعة العلماء وكرهه قوم لما في مسلم لا يشربأحد منكم قائما فمن نسي فليبصق قال والأصح أنه موقوف على أبي هريرة أو يحمل على أنه شرب قائما وأصحابه جلوس فلم يوافقهم فيه ويكون آخرهم شربا ولا خلاف في جواز الأكل قائما قال النخعي إنما كره الشرب قائما لداء يحصل في الجوف ولا يقرن التمر لنهيه عنه إلا أن يقرن من معه ولو كان هو الذي أطعمهم ولو أكل مع من لا يلزمه الأدب معه من أهله وولده لجاز له ذلك وقيل إنما نهى الله عن القران ليلا يستأثر الأكل على من معه بأكثر من حقه قال الشيخ أبو الوليد فعلى هذا يجوز له ذلك إذا كان هو الذي أطعمهم وإن كانوا لا يقرنون ثم قال والأظهر أن يكون النهي عن ذلك للمعنيين فلا يأكل قرانا وإن كان هو الذي أطعمهم ومن أكل ثوما نيئا فلا يقرب المساجد لقوله
( من أكل من هذه الشجرة فلا يقربن مساجدنا يؤذينا بريح الثوم ) وكذلك البصل والكراث إن كان يؤذي مثله قياسا عليه
فرع
في المنتقى إذا رأى في إنائه قذاة أراقها إن كانت في ماء وإن كانت في لبن أزالها لسهولة الماء دون غيره لما في الموطأ قال رجل يا رسول الله إني لا أروى من نفس واحد فقال أبن القدح عن فيك ثم تنفس قال فإني أرى القذاة فيه قال أهرقها
فرع
قال ابن يونس روى ابن وهب في الجلجلان والفول وشبهه لا بأس أن يتوضأ به في الحمام ويدهن جسمه بالسمن والزيت من الشقاق قال ابن أبي زيد قيل لمالك أيغسل يده من الدقيق قال غيره أعجب إلي ويجوز
فرع
قال ابن أبي زيد وابن يونس روي عن رسول الله أنه أكل الرطب بالبطيخ هذا بيد وهذا بيد وهو يدل على أن هذا مستثنى من الأكل بالشمال
النوع الثالث اللباس
وفي المقدمات هو خمسة واجب ومندوب ومباح ومحظور ومكروه وعام وخاص ولحق الله تعالى ولحق اللابس فالواجب لحق الله تعالى ستر العورة عن أبصار المخلوقين وهو عام في جميع الرجال والنساء والواجب لحق الملابس ما يقي الحر والبرد ويدفع الضرر في الحرب صونا للنفس وهو عام في الرجال والنساء والمندوب لحق الله تعالى كالرداء للإمام والخروج للمسجد للصلاة لقوله تعالى ( خذوا زينتكم عند كل مسجد ) والثياب الحسنة للجمعة والعيدين لقوله ما على أحدكم لو اتخذ ثوبين لجمعته سوى ثوبي مهنته والمندوب لحق اللابس ما تجمل به من غير سرف لقوله للذي نزع الثوبين الخلقين ولبس الجديدين ما له ضرب الله عنقه أليس هذا خيرا له وقال عمر رضي الله عنه إني لأحب أن أنظر إلى القارئ أبيض الثياب وقال رضي الله عنه إذا أوسع الله عليكم فأوسعوا على أنفسكم وهو عام في الرجال والنساء والمباح ثياب الكتاب والقط والصوف غير السرف وهو عام والمحظور ثياب الحرير لقول في حلة عطارد إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة وقوله في الحرير والذهب هذان حل لإناث أمتي محرم على ذكورهم فهو خاص للرجال وقيل مباح لهم في الحرب عن مالك ومجمع عليه في غير الحرب إلا لضرورة لأن النبي أرخص لعبد الرحمن بن عوف والزبير ابن العوام في قميص الحرير للحكة وكرهه مالك إذ لم يبلغه الحديث وروي عنه الترخيص فيه قال ابن يونس كره مالك الحرير للصبيان كالذهر
مسألة
قال في المقدمات التختم بالذهب يجوز للنساء دون الرجال وبالفضة مباح لهما والذي نبذه خاتم ذهب فخلع الناس خواتمهم ومنهم من كرهه مطلقا إلا لذي سلطان والجمهور أن يلبس في الشمال لأن التناول باليمين فيجعله في اليسار واختار بعضهم اليمين لأنه مروي عن النبي ولأنه من الزينة فيختص به اليمين كما توثر اليمنى بالانتعال وقد يكون فيه اسم الله تعالى فلا يحتاج لخلعه عند قضاء الحاجة في الاستنجاء ولا يجوز التختم بالحديد لأنه حلية أهل النار ولا بالشبة لنهيه عنه وقد أجاز ذلك والتختم بالذهب للرجال من لم يبلغه النهي وهو شاذ قال ابن يونس كره مالك أن يجعل في خاتمه مسمار ذهب أو يخلطه بحبة ذهب لئلا يصدأ ولا بأس بربط الأسنان بالذهب وكره للمرأة دملج الحديد وفي القبس جاء رجل إلى رسول الله وعليه خاتم شبه يعني الصفر فقال له إني أجد منك ريح الأصنام وجاء إليه آخر وعليه خاتم حديد فقال مالي أرى عليك حلية أهل النار وجاء إليه آخر وعليه خاتم من ذهب فقال اطرح عنك حلية أهل الجنة وروي أنه كان للنبي خاتم من حديد قد لوى عليه بفضة وقال علي رضي الله عنه نهاني النبي أن أتختم في الوسطى والسبابة فتأوله الترمذي على كراهة التختم فيهما قال وليس كذلك بل ذلك من باب تشبه الرجال بالنساء في التختم في الأصابع كلها
فرع
وفي المقدمات ومن المحرم المخيط في الإحرام والجلوس على بسط الحرير والارتفاق بمرافق الحرير ويجوز ذلك للنساء عند من رأى ذلك لباسا قال فوجب أن يكون بدليل حديث أنس فقمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس فسمى الجلوس لباسا قال فوجب أن يكون لباسا قال ومن جهة المعنى النهي عن الحرير إنما جاء للتشبه بالكفار فيجتنب الجلوس عليه نفيا للتشبه بهم وأما الستور التي توضع في البيوت معلقة فلا بأس بها لأنها لباس الحيطان وهم غير مكلفين ورخص بعض العلماء الجلوس على بسط الحرير والارتفاق بمرافقه وقاله عبد الملك ولم يره لباسا والجمهور أنه لباس
مسألة
قال ومن المحرم من النساء دون الرجال الذي يصف من الثياب لقوله
( نساء كاسيات عاريات ) الحديث
فرع
قال اختلف في العلم من الحرير في الثوب فأجازه بعض العلماء لنهيه عن لبس الحرير وقال لا يلبس منه إلا هكذا أو هكذا وأشار بالسبابة والوسطى وأجازه عمر رضي الله عنه في مثل الأربعة أصابع
فرع
قال الخز الذي سداه حرير فيه أربعة أقوال قال ابن عباس هو مباح مستوي الطرفين ووافقه جماعة وقيل حرام وقيل في حلة عطارد السر التي قال فيها إنما يلبس هذه من لا خلاق له في الآخرة إنها كانت يخالطها الحرير مضلعة بالخز وهو مذهب مالك وقيل مكروه قال وهو أقرب الأقوال للصحة لأنه من الشبهات ومورد النص إنما هو في الصرف والرابع الفرق بين الخز فيجوز اتباعا للسلف وقد روى مطرف أنه كان على مالك ابن أنس كساء إبريسم وبين غيره من الثياب المشوبة بالقطن والكتان فيمتنع لأن الرخص لا يقاس عليها
فرع
قال في المقدمات ومن المحرم الزائد الذي يخرج به صاحبه للخيلاء والكبر على الرجال والنساء لقوله تعالى ( إن الله لا يحب كل مختال كفور ) وقال
( إن الله لا ينظر يوم القيامة إلى من جر إزاره بطرا ) وفي الجواهر ما سداه غير حرير مكروه خلاف لنقل المقدمات فأجرى صاحب الجواهر الكراهة على ظاهرها وتأولها أبو الوليد بالتحريم ونقل ابن حبيب جواز الخز عن خمسة وعشرين من الصحابة منهم عثمان وابن عباس وخمسة عشر تابعيا وفي المنتقى الخز حرير ووبر قال صاحب المنتقى مذهب مالك الكراهة فيما سداه حرير ولحمته غيرها لأن حرير مستهلك لا يمكن تخليصه قال صاحب القبس الخز سداه حرير ولحمته صوف أو كتان أو قطن قال في المنتقى واليسير ما كان فيه خطوط ولعله إنما نهى عنه لأن أكثرها كان حريرا سداها وبعض لحمتها ووافقه صاحب المنتقى أنه ما لحمته وبر
فرع
قال ومن المحرم اشتمال الصماء وهي أن يلتحف في الثوب ويرفعه ويلقيه على أحد منكبيه ويخرج يده من تحته والاحتباء وهو أن يجلس ويضم ركبتيه إلى صدره ويدير ثوبه من وراء ظهره إلى أن يبلغ به ركبتيه ويشده حتى يكون كالمعتمد عليه فهذا إذا فعله بدت عورته إلا أن يكون تحته ثوب ولذلك إذا كان مع اشتمال الصماء إزار يحوز وقيل يمتنع وإن كان عليه إزار لورود النهي عن هاتين اللبستين
فرع
قال اللباس المكروه ما خالف زي العرب وأشبه زي العجم ومنه التعميم بغير التحاء وقد روى أن تلك عمة الشيطان وصفة عمائم قوم لوط وأمر بالتلحي ونهى عن الانتعاط وهو التعميم بغير ذؤابه ولا حنك قاله في المنتقى وسئل مالك عن الصلاة بغير حنك فقال لا بأس بذلك كأنه استعظم السائل ذلك وما أفتى مالك حتى أجازه أربعون محنكا دل على أنه شعار العلماء وفي التلقين من المكروه التلثم وتغطية الأنف في الصلاة
فرع
في الجواهر لا يلبس القباء الحسن لأنه شهرة وسئل مالك عن لباس الصوف فقال لا خير في الشهرة ولو كان يلبسه تارة ويتركه أخرى لرجوت ومن غليظ القطن ما هو بثمنه
فرع
قال من المحرم تشبه النساء بالرجال والرجال بالنساء في اللبس والتختم وغير ذلك ملعون فاعله كالمخانيث ونحوهم وعن مالك لا يعجبني اكتحال الرجل بالإثمد وما كان من عمل الناس وما سمعت فيه شيئا لأن فيه زينة تشبه حال النساء
فرع
قال تحرم إضافة شيء من الحرير للثياب وإن قل وقيل يجوز اتخاذ الطوق منه واللبنة لما جاء في الحديث من استثناء العلم وقال ابن حبيب يجوز وإن عظم ولم يختلف فيه وفي الصلاة فيه ولم يجز مالك في الثوب إلا الخط الرقيق قال ولا بأس أن يخاط الثوب بالحرير قال ابن حبيب ولا يستعمل ما بطن بالحرير أو حشي أو رقم قال القاضي أبو الوليد يريد إن كان كثيرا وجوز ابن القاسم راية منه في أرض الحرب
فرع
قال يحرم على الرجل أن يجاوز بثوبه الكعبين ويستحب أن يكون في أنصاف الساق إلى ما فوق الكعبين ففي الصحيح سترة المؤمن إلى أنصاف ساقيه فإن زاد فإلى الكعبين فما زاد ففي النار فائدة زاد يكون قاصرا لا مفعول له ومتعديا فإن كان هنا قاصرا نحو زاد المال يكون التقدير فصاحبه في النار وإن كان متعديا نحو ( وزدناهم هدى ) يكون التقدير فزائده في النار
فرع
قال يجوز نقش اسم الله تعالى في الخاتم وكان نقش خاتم مالك حسبي الله ونعم الوكيل وقال ابن أبي زيد قيل لمالك أفتجعل فصة للكف قال لا
فرع
قال في المقدمات يستحب في الانتعال الابتداء باليمين في اللبس وباليسار في الخلع وهي قاعدة البداية في كل كمال باليمين وفي كل نقص بالشمال والنقص في الخلع لأنه تعرية ويقدم اليمين في الخروج من الخلاء دون دخوله وفي دخول المسجد دون خروجه وعلى هذا فقس ولا يمشي في نعل واحد ولا يقف فيه إلا أن يكون المشي الخفيف للنهي عن ذلك بخلاف أن يشتغل بلبس الأخرى ويلبسهما جميعا أو يخلعهما وفي المقدمات النهي عن المشي في نعل واحدة نهي أدب لما فيه من السماجة ومخالفة العادة لا نهي تحريم خلافا لأهل الظاهر فإن انقطع قبال نعله اختلف المذهب في إباحة وقوفه في نعل حتى يصلح الأخرى أجازه ابن القاسم ومنع أصبع إلا ان يطول ذلك ومنعا معا المشي فيها حتى يصلح الأخرى في وقت الاصلاح
فرع
قال ستر الجدر منهي عنه لما روى علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال نهى رسول الله أن تستر الجدر إلا جدار الكعبة
فرع
في المنتقى قال مالك لم أردك أحدا يرسل ذؤابته بين كتفيه إلا عامر بن عبد الله بن الزبير وبين اليدين أجمل
فرع
قال القلنسوة ليست بدعة وقد كانت لخالد بن الوليد قلنسوة
فرع
قال يباح الممشق المصبوغ بالمشق وهو المغرة اتفاقا والمصبوغ بالزعفران كان عبد الله بن عمر يلبسه وأباحه مالك وكرهه بعض التابعين لما روي عنه أنه كان ينهى أن يتزعفر الرجل ويحتمل حمله على المحرم لما روي عن رسول الله أنه كان يصبغ بالصفرة وهو عام أو يكون النهي عن استعماله في الجسد لما فيه من التشبه بالنساء
فرع
قال كره مالك للصبيان لبس الذهب قال ويحتمل ذلك الكراهة لمن يلبسهم إياه لأنهم من جنس يحرم عليه ولم يصل التحريم لعدم التكليف ويحتمل الكراهة على الصبي اللابس لأنهم يندبون فيكره لهم ذلك وهو ظاهر قوله لعموم النهي وليلا يعتادونه فيبعثهم ذلك عليه عند الكبر فيكون ذلك وسيلة لفساد أخلاقهم فكرهه لذلك ولم يحرمه
فرع
قال ابن يونس قال مالك لا بأس بالتقنع بالثوب لحر أو برد ولغيره فلا ورأت سكنية أو فاطمة بنت الحسين بعض ولدها متقنعا رأسه فقالت اكشف رأسك فإن القناع ريبة بالليل ومذلة بالنهار ونهى عمر رضي الله عنه النساء عن لبس القباطي وقال إن لم يكشف فهو يصف
فرع
قال قال مالك أحب إلي النعل المدور المخصر ويكون له عقب مؤخر قال ورأيت نعل النبي إلى التقدير ما هي وهي مختصرة يختصرها من مؤخرها ويعقبه من خلفها وكان لها زمامان في كل نعل قال مالك ولا بأس بالانتعال قائما
فرع
قال ابن أبي زيد قيل لمالك المنطقة من شأن العجم فهل يشدها على ثيابه من أراد السفر قال لا بأس به
فرع
قال قال مالك لا يشرب من آنية فضة ولا قدح مضبب بفضة أو فيه حلقة فضة وكذلك المرأة فيها حلقة فضة وفي الجلاب لا بأس باتخاذ الأنف من الذهب ولا يجوز اتخاذ المجامر من الذهب أو الورق وتكره حلقة المرايا وتضبيب الأقداح والأمشاط بالذهب والفضة
النوع الرابع دخول الحمام
وفي المقدمات يجوز دخول الحمام إذا كان خاليا لا كراهة وأما مستتر مع مستترين فعن ابن القاسم تركه أحسن خشية الاطلاع على العورة إذ لا يكاد يسلم من ذلك وأما غير مستتر أو مع من لا يستتر فحرام لأن ستر العورة فرض وفاعل ذلك جرحة في حقه والنساء كالرجال قال هذا هو الذي يقتضيه النظر لأن المرأة يجوز لها أن تنظر من المرأة ما يجوز للرجل أن ينظر من الرجل لقوله
( لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة ولا يفض الرجل إلى الرجل في ثوب ولا تفض المرأة إلى المرأة في ثوب ) في أبي داود فجعل المرأة مع المرأة كالرجل مع الرجل ولأن النساء يغسلن المرأة كما يغسل الرجال الرجل اتفاقا وقال ابن أبي زيد في الرسالة لا تدخل المرأة الحمام إلا من علة لما روي أنه محرم عليهن ففي الحديث
( ستفتح لكم بلاد فيها الحمام لا يدخله الرجل إلا بمئزر ولا تدخله المرأة بمئزر ولا غيره ) وعلى القول أيضا بأن جميع جسدها عورة للنساء لما روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى أبي عبيدة أنه بلغني أن نساء من نساء المسلمين يدخلن الحمامات مع نساء المشركين فانه عن ذلك أشد النهي فإنه لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن يرى عورتها غير أهل دينها قال وأرى أن دخولهن مكروه وهو الذي تحمل عليه الأحاديث سدا لذريعة دخولهن بغير مئزر وورد نهيهن عاما وحمل على وقت لم يكن لهن حمام مفرد فقد قالت أم كلثوم أمرتني عائشة رضي الله عنها فطليتها بالنورة ثم طليتها بالحنا ما بين قرنها إلى قدمها في الحمام من حصب أصابها فقلت لها ألم تكوني تنهين النساء عن الحمامات فقالت إني سقيمة وفي الجواهر لا خلاف في تحريم دخول الحمام مع من لا يستتر قال القاضي أبو بكر فإن استثر دخل بعشرة شروط أن لا يدخل إلا بنية التداوي أو بنية التطهير وأن يعتمد أوقات الخلوة أو قلة الناس وأن تكون سترته صفيقة وأن يطرح بصره إلى الأرض ويستقبل الحائط ليلا يرى محرما وأن يغير ما رأى من منكر برفق يقول استر سترك الله وأن لا يمكن أحد من عورته إن دلكه من سرته إلى ركبته إلا امرأته أو جاريته وأن يدخل بأجرة معلومة بشرط أو عادة وأن يصب الماء على قدر الحاجة التاسع وإن لم يقدر على دخوله وحده اتفق مع قوم يحفظون أديانهم على كراهية العاشر أن يتذكر عذاب جهنم فإن لم يمكنه ذلك كله فليجتهد في غض البصر فائدة وقع في تاريخ القيروان عن فقيهين كان أحدهما أعلم من الآخر وكان الآخر أسعد في الجواب فسأل الأمير الأعلم منهما هل يجوز لي دخول الحمام مع جواري في خلوة عراة فقال نعم فقال له الأسعد في الجواب لا يجوز لأنك وإن جاز لك النظر إليهن فإنهن لا يجوز لهن النظر بعضهن إلى بعض فكان الصواب معه
النوع الخامس الرؤيا
وفي القبس رأيت رؤية إذا عاينت ببصرك ورأيت رأيا إذا اعتقدت بقلبك ورأيت رؤيا إذا رأيت في منامك وقد تستعمل في اليقظة رؤيا وفي الموطأ أن رسول الله قال
( الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة ) قال صاحب المنتقى قال جماعة من العلماء وكل الله تعالى ملكا يري الرائي ما ينبهه على ما يكون ومعنى جزء من ستة وأربعين أن مدة نبوة رسول الله كانت ثلاثا وعشرين سنة منها ستة أشهر نبوءة بالرؤيا قالت عائشة رضي الله عنها فأول ما بدئ بالرؤيا الصادقة فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت كفلق الصبح وستة أشهر من ثلاث وعشرين جزء من ستة وأربعين وقيل أجزاء من النبوة لم يطلع عليها وروي جزء من خمسة وأربعين وروي من سبعين أن يكون ذلك اختلافا من الرؤيا فيحمل الأقل على الجلية والأكثر من العدد على الرؤيا الخفية أو تكون الستة والأربعون هي المبشرة والسبعون هي المحزنة والمحزنة لقلة تكرره ولما يكون من جنسها من الشيطان وفي القبس روي أيضا خمسون وستون جزءا من النبوة وخمسة وأربعون فاختلفت الأعداد لأنها رؤيا النبوة لا نفس النبوة وجعلت بشارات فأعطى الله تعالى من فضله جزءا من سبعين في الابتداء ثم زاد حتى بلغت خمسا وأربعين وتقسيمها بمدة النبي باطل لأنه مفتقر لنقل صحيح والأحسن قول الطبري عالم القرآن والسنة أن نسبة عدة الأعداد إلى النبوة إنما هو بحسب اختلاف حال الرائي رؤيا الصالح على نسبته والذي على درجته دون ذلك وقوله ليس يبقى بعدي من النبوة إلا الرؤية الصالحة حض على تعليمها والاهتمام بها ليبقى لهم بعده جزء من النبوة بشر بذلك أمته ولا يعبر إلا من يعلمها ويحسنها وإلا فليترك وسئل مال أيفسر الرؤيا كل أحد قال فبالنبوة يلعب قيل أيفسرها على الخير وهي عنده على الشر لقول من يقول الرؤيا على ما أولت فقال الرؤيا جزء من أجزاء النوبة أفيتلاعب بأمر النبوة وفي الموطأ الرؤيا الصالحة من الله والحلم من الشيطان فإذا رأى أحدكم الشيء يكرهه فلينفث عن يساره ثلاث مرات إذا استيقظ وليتعوذ بالله من شرها فإنها لن تضره إن شاء الله تعالى قال فيحتمل أن يريد بالرؤيا الصالحة المبشرة ويحتمل الصادقة من الله تعالى ويريد بالحلم ما يحزن ويحتمل أن يريد به الكاذب يخيل به ليضر أبو يحزن قال ابن وهب يقول في الاستعاذة إذا نفث عن يساره أعوذ بمن استعاذت به ملائكة الله ورسله من شر ما رأيت في منامي هذا أن يصيبني منه شيء أكرهه ثم يتحول على جانبه الآخر وفي المقدمات الفرق بين رؤيا الأنبياء وغيرهم أن رؤيا غيرهم إذا أخطأ في تأويلها لا تخرج كما أولت ورؤيا غير الصالح لا يقال فيها جزء من النبوة وإنما يلهم الله الرائي التعوذ إذا كانت من الشيطان أو قدر أنها لا تصيبه وإن كانت من الله فإن سر القدر قد يكون وقوعه موقوفا على علم الدعاء تنبيه في القبس قال صالح المعتزلي رؤية المنام هي رؤية العين وقال آخرون هي رؤية بالعينين وقال آخرون هي رؤية بعينين في القلب يبصرهما وأذنين في القلب يسمع بهما وقالت المعتزلة هي تخاييل لا حقيقة لها ولا دليل عليها وجرت المعتزلة على أصولها في تحليها على العامة في إنكار أصول الشرع في الجن وأحاديثها والملائكة وكلامها وأن جبريل عليه السلام لو كلم النبي بصوت لسمعه الحاضرون وأما أصحابنا فلهم ثلاثة أقوال قال القاضي هي خواطر واعتقادات وقال الأستاذ أبو بكر أوهام وهو قريب من الأول وقال الأستاذ أبو إسحاق هو إدراك بأجزاء لم تحلها آفة النوم فإذا رأى الرائي أنه بالمشرق وهو بالمغرب أو نحوه فهي أمثلة جعله الله تعالى دليلا على تلك المعاني كما جعلت الحروف والأصوات والرقوم الكتابية دليلا على المعاني فإذا رأى الله تعالى أو النبي فهي أمثلة تضرب له بقدر حاله فإن كان موحدا رآه حسنا أو ملحدا رآه قبيحا وهو أحد التأويلين في قوله رأيت ربي في أحسن صورة قال وقال لي بعض الأمراء رأيت البارحة النبي في المنام أشد ما يكون من السواد فقلت ظلمت الخلق وغيرت الدين قال
( الظلم ظلمات يوم القيامة ) فالتغيير فيك لا فيه وكان متغيرا علي وعنده كاتبه وصهره وولده فأما الكتاب فمات وأما الآخران فتنصرا وأما هو فكان مستندا فجلس على نفسه وجعل يعتذر وكان آخر كلامه وددت أن أكون حميا بمخلاة أعيش بالثغر قلت وما ينفك أن أقبل أنا عذرك وخرجت فوالله ما توقفت لي عنده بعد ذلك حاجة تنبيه قال الأستاذ أبو إسحاق الإسفرايني النوم ضد الإدراك اتفاقا والرؤيا إدراك يمثل كما تقدم فكيف يجتمع مع النوم وأجاب بأن النفس ذات جواهر فإن عمها النوم فلا إدراك ولا منام وإن قام عرض النوم ببعضها قام إدراك المنام بالبعض الآخر ولذلك أن أكثر المنامات إنما تحصل آخر الليل عند خفة النوم
مسألة
تقدم أن المدرك إنما هو المثل وبه خرج الجواب عن كون رسول اله يرى في الآن الواحد في مكانين فأجاب الصوفية بأنه كالشمس ترى في أماكن عدة وهي واحدة وهو باطل فإن رسول الله يراه زيد في بيته ويراه الآخر بمحلته داخل بيته أو في مسجده والشمس لا ترى إلا في مكان واحد ولو رئيت في بيت إنسان لما رئيت في بيت آخر في ذلك الزمان فظهر أن الحق ما يقوله العلماء وهو أن المدرك المثل لا نفس الحقيقة وأن معنى قوله من رآني فقد رآني حقا فإن الشيطان لا يتمثل بي من رأى مثالي فقد رأي مثالي حقا فإن الشيطان لا يتمثل بمثالي وأن الخبر إنما يشهد بعصمة المثال عن الشيطان ونص الكرماني في كتابه الكبير في تفسير المنام أن الرسل والكتب المنزلة والملائكة والسحب أيضا كذلك وما عداه من المثل يمكن أن تكون حقا ويمكن أن تكون من قبل الشيطان
مسألة
قال العلماء لا تصح رؤية النبي قطعا إلا لرجلين صحابي رآه أو حافظ لصفته حفظا حصل له من السماع ما يحصل للرائي عليه السلام من الرؤية حتى لا يلتبس عليه مثاله مع كونه أسود أو أبيض وشيخا أو شابا إلى غير ذلك من صفات الرائين الذي يظهر فيه كما يظهر في المرأة أحوال الرائين وتلك الأحوال صفة للرائين لا للمرآة قلت لبعض مشايخي رحمهم الله فكيف يبقى المثال مع هذه الأحوال المتضادة قال لي لو كان لك أب شاب فغبت عنه ثم جئته فوجدته شيخا أو أصابه يرقان فاصفر أو اسود لونه ألست تشك فيه قلت لا فقال لي ما ذاك إلا لما ثبت في نفسك من مثاله فكذلك من ثبت في نفسه مثال رسول الله هكذا لا يشك فيه مع تغير الأحوال وإلا فلا لا يثق بأنه رآه بل يجوز أن يكون هو ويجوز أن يكون غيره وإذا صح له المقال فالسواد يدل على ظلم الرأي والعمى يدل على عدم إيمانه لأنه إدراك ذهب وقطاع اليد يدل على أنه منع من ظهور الشريعة وأضعفها وكونه أمرد يدل على استهزائه بالنبوة لأن الشاب يحتقر وكونه شيخا يدل على تعظيمه للنبوة لأن الشيخ يعظم ونحو ذلك
فرع
فلو رآه في النوم فقال له إن امرأتك طالق ثلاثا وهو يجزم بأنه لم يطلقها هل تحرم عليه وقع فيه البحث بين الفقهاء والذي يظهر أن إخبار رسول الله في اليقظة مقدم على الخبر في النوم لتطرق الاحتمال للرائي بالغلط في ضبط المثال وكذلك لو قال له عن حرام إنه حلال أو عين حكما على الشريعة قدمنا ما ثبت في اليقظة على ما رئي في النوم لما ذكرناه كما لو تعارض خبران من أخبار اليقظة فإنا نقدم الأرجح تنبيه لو رأى شخصا في النوم فقال له أنا رسول الله أو قال له شخص آخر هذا رسول الله فسلم عليه لا يثق بهذا بل يجوز أن يكون صدقا ويجوز أن يكون شيطان كذب لنفسه أو كذب لغيره فلا يثق به
مسألة
تقدم أن دلالة هذه المثل على المعاني كدلالة الألفاظ والرقوم عليها فاعلم أنه يقع فيها جميع ما يقع في الألفاظ من المشترك والمتواطئ والمترادف والمتباين والمجاز والحقيقة والعموم والخصوص والمطلق والمقيد حتى يقع فيها ما للعرب من المجاز في قولهم أبو يوسف أبو حنيفة والقلب والتصحيف كالفيل هو ملك عجمي وهو الطلاق الثلاث نص عليه الكرماني والمتواطئ كالشجرة هي رجل أي رجل كان دالة على القدر المشترك بين الرجال ثم إن كانت نبتت في العجم فهو عجمي أو عند العرب فهو عربي أو لا ثمر لها فلا خير فيه أولها شوك فهو كثير الشر أو ثمرها له قشر فله خير لا يوصل إليه إلا بعد مشقة أو لا قشر له كالتفاح فيوصل لخيره بغير مشقة إلى غير ذلك وهذا هو المقيد والمطلق فيقيد بالأمور الخارجة ولذلك يقع التقيد بأحوال الرائي فالصاعد على المنبر بلا ولاية إن كان فقيها فقاض أو أميرا فوال أو من بيت الملك فملك إلى غير ذلك ولذلك ينصرف للخير بقرينة الرائي وحاله وظاهرها الشر وينصرف للشر بقرينة الرائي وظاهرها الخير كمن رأى أنه مات فالخير ماتت حظوظه وصلحت نفسه والشرير مات قلبه لقوله تعالى ( أو من كان ميتا فأحييناه ) اي كافر فأسلم والمترادف كالفاكهة الصفراء تدل على الهم وحمل الصغير يدل عليه أيضا والمتباين كالأخذ من الميت والدفع له الأول جيد والثاني رديء والمجاز والحقيقة كالبحر هو السلطان حقيقة ويعبر به عن سعة العلم مجازا والعموم كمن رأى أن أسنانه كلها سقطت في التراب يموت أقاربه كلهم فإن كان في نفس الأمر إنما يموت بعض أقاربه قبل موته فهو عام أريد به الخصوص وأما أبو يوسف أبو حنيفة فكالرؤيا ترى لشخص والمراد من هو يشبهه أبو بعض أقاربه أو من يتمسى باسمه ونحو ذلك ممن يشاركه في بعض أحواله وهو معنى قول العرب أبو يوسف أو حنيفة أو زيد زهير شعرا وحاتم جودا فعبروا باللفظ الثاني عن الأول مجازا لمشاركته له في تلك الصفة والقلب كما رأى المصريون أن رواشا أخذ منهم الملك فعبر لهم بأن ساور يأخذ الملك منهم وقلب برواش ساور بالسين المهملة وتصحيف ساور بشاور بالشين المعجمة ورأى صاحب العرب قائلا يقول له خالف الخف من عذر فقيل له يقصد النكث في أيمان حلفتها لقوم والملك يحذرك من ذلك في الرؤيا ويقول لك خالف الحق من عذر فدخله التصحيف فقط وتفاصيل الرؤيا مبسوطة في علم التأويل
مسألة
قال الكرماني في الرؤيا ثمانية أقسام سبعة لا تعبر وواحد يعبر فقط فالسبعة ما نشأ عن الأخلاط الأربعة الغالبة على الرائي فمن عليه الدم رأى اللون الأحمر والحلاوات وأنواع الطرب أو الصفراء رأى الجدور والألوان الصفر والمرارة أو البلغم رأي المياه والألوان البيض والبرد أو السوداء رأي الألوان السود والمخاوف والطعوم الحامضة ويعرف ذلك بالأدلة الطبية الدالة على غلبة ذلك الخلط على ذلك الرأي الخامس ما هو من حديث النفس ويعلم ذلك بجولانه في النفس في اليقظة السادس ما هو من الشيطان ويعرف بكونه يأمر بمنكر أو بمعروف يؤدي إلى منكر كما إذا أمره بالتطوع بالحج فيضيع عائلته أو أبواه والسابع مع كان احتلام والذي يعبر هو ما ينقله ملك الرؤيا من اللوح المحفوظ فإن الله تعالى أمره أن ينقل لكل أحد أمور دنياه وآخراه علمه من علمه وجهله من جهله من اللوح المحفوظ كذلك قاله الكرماني
النوع السادس في السفر
وفي الجواهر هو طلب وهرب فالهرب الخروج من دار الحرب إلى الإسلام أو من دار البدعة أو من أرض غلب عليها الحرام والفرار من الأذية في البدن كخروج الخليل عليه السلام والخروج من أرض النقمة أو الخروج خوفا على الأهل والمال لأن حرمة المال كحرمة النفس وسفر الطلب سفر العمرة مندوب وسفر الحج فرض وسفر الجهاد إذا تعين وإلا فله حكمه وسفر المعاش كالاحتطاب والاحتشاس والصيد والتجارة والكسب والسفر لقصد البقاع الكريمة كأحد المساجد الثلاثة ومواضع الرباط والسفر لقصد طلب العلم والسفر لتفقد أحوال الإخوان ثم من آداب السفر إذا وضع رجله في الركاب أو الغرز أو شرع في السفر قال باسم الله اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل اللهم ازو لنا الأرض وهون علينا السفر اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر ومن كآبة المنقلب ومن سوء المنظر في المال والأهل ولينظر في الرفيق ففي الحديث الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب وهو أقل الرفقة بحيث إذا ذهب واحد يحتطب أو يستقي بقي اثنان يستحي أحدهما من الآخر وقد جاء خير الرفقاء أربعة وإن كانت معهم امرأة فلا يحل لها السفر إلا برفيق وهو إما زوج أو محرم فإن عدمتهما واضطرت كالحج المفروض ونحوه فنساء مأمونات أو رجال مأمونون لا تخشى على نفسها معهم لقوله
( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر يوما وليلة إلا مع ذي محرم ) ولا يعلق المسافر الأجراس ولا يقلد الأوتار للدواب لنهيه عن ذلك وهو مكروه ويستحب للمسافر الرفق بدوابه وإنزالها منازلها في الخصب والنجاة عليها بنقيها في الجذب في الموطأ قال
( إن الله رفيق يحب الرفق ويرضى به ويعين عليه ولا يعين على العنف فإذا ركبتم هذه الدواب العجم فأنزلوها منازلها فإن كانت الأرض مجذبة فانجوا عليها بنقيها وعليكم بسير الليل فإن الأرض تطوى بالليل ما لا تطوى بالنهار وإياكم والتعريس على الطريق فإنها طريق الدواب ومأوى الحيات وفي المنتقى قال مالك لا بأس بسرعة السير في الحج على الدواب وأكره المهاميز ولا يصلح الفساد وإذا كثر ذلك خوفها وقد قال لا بأس أو ينخسها حتى يدميها وقوله العجم أي لا تتكلم وكل ما لا يقدر على الكلام فهو أعجمي وقوله منازلها أي ما فيه مصالحها تقول أنزلت فلانا منزلته أي عاملته بما يليق وقوله انجوا عليها أي أسرعوا من النجاة وهو السرعة أو من النجاة قبل أن يعطبوا والنقي الشحم وفي الجواهر يقول إذا نزل منزلا أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لأمره بذلك في مسلم فقد ضمن عدم الضرر بها قال القاضي أبو بكر لقد جربتها أحد عشر عاما فوجد لها كذلك وأن يعجل الرجوع إلى الأهل إذا قضى نهمته من سفره لحق أهله عليه وأن يدخل نهارا وأن لا يأتي أهله طروقا كما جاء في الحديث ولا بأس بالإسراع في السير وطي المنازل فيه عند الحاجة فقد سار ابن عمر وسعيد بن أبي هند وكان من خيار الناس من مكة إلى المدينة في ثلاثة أيام وهي مسيرة عشرة أيام
فرع
قال ولا يسافر بالقرآن إلى أرض العدو لقوله لا يسافر بالقرآن إلى أرض العدو وفي المقدمات ويجوز إن كتب لهم بالآية والآيتين إذا كان الغرض الدعاء إلى الإسلام كما كتب إلى هرقل باسم الله الرحمن الرحيم ( قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ) الآيات
فرع
في البيان قال اختلف في السفر الذي لا يجوز للمرأة إلا مع ذي محرم قيل البريد وقيل اليوم وقيل يوم وليلة وقيل ليلتان وقيل ثلاثة أيام وأتت بذلك كله الأحاديث عن النبي وقيل يمنع وإن قرب جدا إلا مع محرم
النوع السابع الفطرة
في الجواهر ما يفعله الإنسان في رأسه وجسده وهي خصال الفطرة خمس في الرأس المضمضة والاستنشاق وقص إطار الشارب وحلقه مثلة وإعفاء اللحية إلا أن تطول جدا فله الأخذ منها وفرق الشعر وخمس في الجسد حلق العانة ونتف الإبطين وتقليم الأظافر والاستنجاء والختان وهو سنة في الرجال مكرمة في النساء ويستحب ختان الصبي إذا أمر بالصلاة من السبع إلى العشر ويكره أن يختن في السابع لأنها عادة اليهود فإن خاف الكبير على نفسه التلف رخص له ابن عبد الحكم في تركه وأبى ذلك سحنون واختلف فيمن ولد مختونا فقيل كفته مؤنته وقيل يجرى الموسى عليه وإن كان فيها ما يقطع قطع وبقاء شعر الرأس زينة وحلقه بدعة لأنها شعار الخوارج ويجوز أن يتخذ جمة وهي ما أحاط بمنابت الشعر ووفرة وهو أن يقطع ما زاد على ذلك حتى يبلغ شحمة أذنيه ويجوز أن يكون أطول من ذلك ففي الصحيح كان شعر رسول الله إذا قص شعره بل به شحمة أذنيه فإذا تركه قارب منكبيه وكان شعره فوق الجمة ودون الوفرة ويكره القزع أن يحلق البعض ويترك البعض تشبها بقزع السحاب وقال أبو عبيدة يتخصص القزع تعدد مواضع الحلق حتى تعدد مواضع الشعر فتحصل المشابهة وكذلك قال مالك القزع أن يترك شعرا متفرقا في رأسه وفي المقدمات والجلاب وابن يونس ورد في الحديث احفوا الشارب وقصوا الشارب فيكون القص مبينا للإحفاء وكان ابن القاسم يكره أن يؤخذ من أعلاه وتترك اللحية لما في بعض الأخبار إن لله ملائكة يقولون سبحان من زين بني آدم باللحا وما عدا ذلك نظافه وجاءت به الآثار والختان سنة إبراهيم عليه السلام هو أول من اختتن قيل وهو ابن ثمانين وقيل مائة وعشرين وعاش بعده ثمانين روي الأمران عن رسول الله وعن ابن عباس لا تؤكل ذبيحة الأغلف ولا تقبل صلاته وترد شهادته وعن النبي لا يحج البيت حتى يختتن وفي الموطأ قال خمس من الفطرة قال في المنتقى الفطرة الدين أي من الدين كقوله تعالى ( فطرة الله التي فطر الناس عليها ) ومنه قوله كل مولود يولد على الفطرة قلت قال بعض الفطرة حمل الفطرة على التهييء أحسن أي خلق الإنسان على حالة لو خلي وإياها لكان موحدا وإنما العوائد تمنع ووجه الترجيح أن القضاء على أولاد الكفار بأحكام الكفر من الاسترقاق وغيره مع حصول الإيمان الفعلي خلاف القواعد وأيضا فإنا نقطع أن الطفل يتعذر في مجاري العادات أنه عارف بالله تعالى فلا يمكن أن يكون ولد على الفطرة إلا بمعنى التهييء والقبول قال في المنتقى وقص الشارب عند مالك حتى يبدو طرف الشفة وليس لقص الشارب والأظفار حد إذا انقضى أعاد بل إذا طال وكذلك شعر الرأس ووافق ( ح ) مالكا في أن الختان سنة لأنه قرنه بقص الشارب ونتف الإبط فقال في الموطأ
( خمس من الفطرة تقليم الأظافر وقص الشارب ونتف الإبط وحلق العانة والاختتان ) ولا خلاف أن هذه ليست واجبة ولأنه قطع جزء من الجسد كقص الظفر وقال ( ش ) واجب وهو مقتضى قول سحنون لقوله تعالى ( أن اتبع ملة إبراهيم ) قال ابن عباس وقوله تعالى ( وإذا ابتلى إبراهيم ربه بكلمات ) هي الفطرة خمس في الرأس وخمس في الجسد وهي ما تقدمت وقال لرجل أسلم
( ألق عنك شعر الكفر واختن ) والأمر للوجوب وقال ما تقدمت وقال لأم عطية وكانت تختن النساء في المدينة أشمي ولا تنهكي فإنه أسرى للوجه وأحظى عند الزوج أي يحسن وجهها بلونه بظهور الدم وجماعها بهيئته ولأنه قطع عضو مأذون فكان واجبا كقطع السرقة أو لأنه قطع يؤلم فلا يقطع إلا واجبا كاليد في السرقة ولأن الولي لو قطع العزلة أو أجنبي فمات الصبي لم يضمناها ولو لم يكن واجبا لضمناها والجواب عن الأول أن المراد بالملة أصل الشريعة دون فروعها للمخالفة في الفروع في كثير من الصور والجواب عن الثاني أن إلقاء الشعر ليس بواجب فكذلك الختان والجواب عن الثالث أن أمره لأم عطية إنما كان لبيان الهيئة لا لبيان الوجوب والجواب عن الرابع يبطل بالفصاد فإنه لو مات منه لم يضمن ثم المروي عن رسول الله أنه قال
( الختان سنة في الرجال مكرمة في النساء أو لأنه قطع مؤلم فلا يجب كالسرة عند الولادة ) والجواب عن الخامس أن المداواة تكشف لها العورة وليست بواجبه وفي المنتقى عن مالك من ترك الختان من غير عذر لم تجز إمامته ولا شهادته لأنه ترك المروءة وهي تقدح فيهما وتأخيره في الصبي بعد الإثغار أحب لمالك لأنه عبادة فتؤخر لوقت الأمر بالعبادات حتى يمكن أن يؤخر الصبي بقصد ذلك
فرع
قال في المنتقى قال مالك إذا ابتاع أمة خفضها إذا أراد حبسها وإن كانت للبيع فليس ذلك عليه والنساء يخفضن الجواري واختتن إبراهيم عليه السلام بالقدُّوم وهو موضع ويخفف فيقال القَدُوم واختلف فيه هل هو الموضع أو الآلة التي ينجر بها فقيل المخفف الآلة والمشدد الموضع وقيل بالعكس والصحيح أن المشدد الموضع قال صاحب القبس والمراد بالفطرة ها هنا من الدين ما يكون الإنسان به على أكمل الهيآت وخرجها مسلم عشرا وخصها لتلقيها موسى عن ربه قال وعندي أن جمعيها واجب وأن الرجل لو تركها لم يكن من جملة الآدميين فكيف من جملة المسلمين قال الطرطوشي خفض المرأة قطع الناتيء أعلا فرجها كأنه عرف الديك ويقال أعدر الرجل وخفضت المرأة فهي مخفوضة قال ابن أبي زيد قيل لمالك إذا طالت اللحية جدا أيأخذ منها قال نعم قيل له أينتف الشيب قال ما أعلمه حراما وتركه أحب إلي وكره للمرأة أن تفتل من شعرها قيدا فتدفعه للمرابطين وقال دفن الشعر والأظافر بدعة وكان من شعر رسول الله في قلنسوة خالد بن الوليد وكراهة إلقاء الدم على وجه الأرض وإلقاؤه في المراحيض بدعة بل يطرح على وجه الأرض وقال سمعت في الصبغ بالسواد شيئا وغيره أحب إلي والصبغ بالحناء والكتم واسع قال مالك والدليل على أن رسول الله لم يصبغ أن عائشة رضي الله عنها أمرت بالصبغ وقالت كان أبو بكر يصبغ ولو كان يصبغ لبدأت به دون أبيها قال ابن يونس من أحفى شاربه يوجع ضربا لأنها بدعة وإنما المراد بالإحفاء في الحديث إحفاء الإطار وهي أطراف الشعر وكان عمر رضي الله عنه يفتل شاربه إذا أكربه أمر ولو كان محلوقا ما وجد ما يفتله وكره حلق مواضع المحاجم في القفا والرأس من غير تحريم قال صاحب البيان اتفقوا على جواز تغيير الشيب بالصفرة والحناء والكتم وإنما اختلفوا هل تركه أفضل وهو ظاهر قول مالك في التعبتية وظاهر الموطأ عنه الصبغ أحسن لقوله إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم وكان مالك لا يخضب وقال له بعض ولاة المدينة ألا تخضب فقال له ما بقي عليك من العدل إلا أن أخضب وكان الشافعي أعجله الشيب فكان يخضبه وكره السواد جماعة من العلماء لأن أبا قحافة جيء به إلى رسول الله وسلم يوم الفتح وكأن رأسه ثغمة فقال اذهبوا به إلى بعض نسائه فغيروه وجنبوه السواد وقال سعيد ابن جبير يكسو الله العبد في وجهه النور فيطفيئه بالسواد وخضب به الحسن والحسين ومحمد بنو علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين وكان عقبة بن عامر منهم ينشد : ( نسود أعلاها وتأبى أصولها ** ولا خير في فرع إذا فسد الأصل ) وكان هشيم يخضب بالسواد فسئل عن قوله تعالى ( وجاءكم النذير ) فقال الشيب فقال السائل فما تقول فيمن جاءه النذير من ربه فسود وجهه فترك الخضاب وكره مالك حلق وسط الرأس وحده لأن أساقفه النصارى يفعلون كذلك وكذلك حلق القفا لفعل النصارى وقال ( ش ) و ( ح ) وأحمد إحفاء الشوارب أفضل وحملوا الحديث على ظاهره ويرد عليهم قوله من لم يأخذ من شاربه فليس منا والجمع بين الأحاديث أولى ولأنه العمل المتصل بالمدينة وحلاق الصبي قصا وقفا أن يحلق رأسه ويبقى مقدمه مفتوحا على وجهه ومؤخره مسدولا على قفاه وحلاقه قصه بلا قفا أن يحلق وسط رأسه إلى قفاه ويبقى مقدمه معقوصا وكله يكره لأنه من القزع وكان أهل الكتاب يسدلون والمشركون يفرقون شعرهم وكان رسول الله يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه فيه شيء فسدل ناصيتة ثم فرق بعد وقال الطحاوي حلق الرأس أفضل لأن أبا وائل أتى النبي وقد جز شعره فقال له هذا أحسن وفعل رسول الله وما صار إليه أولى واتفقوا أن جز المرأة شعر رأسها مثلة
النوع الثامن اللعب بالنرد ونحوه
ففي الجواهر اللعب بالنرد حرام وقاله الأيمة لقوله من لعب بالنردشير فكأنما غمس يده في لحم خنزير والشطرنج وما يضاهيها كالأربعة عشر ونحوها فالنص على كراهتها واختلف في حمله على التحريم وهو قول ( ح ) وأحمد أو أجزائه على ظاهره وهو قول ( ش ) قال مالك وهي ألهى من النرد واشر لأن النرد نصفه اتفاق وهو إلقاء الفصوص ونصفه فكر وهو نقل الأشخاص في البيوت والشطرنج فكر كله فكان الهى وقيل الإدمان عليه حرام وقيل إن لعبت على وجه يقدح في المروءة كلعبها على الطريق مع الأوباش حرمت لمنافاة المروءة أو في الخلوة مع الأمثال من غير إدمان ولا في حال يلهي على العبادات والمهمات الدينية أبيحت لأن جماعة من السلف كانوا يلعبونها وفي المقدمات أما مع القمار فحرام اتفاقا لأنه من الميسر قال والشطرنج مثل النرد لأنها تلهي وإدمانها يقدح في الشهادة والعدالة لأنه يؤدي إلى القمار والأيمان الكاذبة والاشتغال عن العبادة وفي الموطأ قال
( من لعب بالنرد فقد عصى الله ورسوله ) قال الباجي وما روي عن عبد الله بن مغفل والشعبي وعكرمة أنهم كانوا يلعبون بالنرد والشطرنج غير ثابت ولو ثبت حمل على أنه لم يبلغهم النهي وأغفلوا النظر وأخطئوا وروى سعيد بن المسيب وابن شهاب إجازة النرد وهو كما تقدم وكره مالك الجلوس مع اللاعب لأن الجلوس يذكر المشاركة وفي القبس الشطرنج أخو النرد وما مسته يد تقي قط وسمعت بالمسجد الأقصى الإمام أبا الفضل المقدسي يقول إنما يتعلم للحرب قال له الطرطوشي بل تفسد الحرب لأن الحرب مقصوده أخذ الملك واغتياله وفي الشطرنج يقول له شاه أتاك الملك نحه عن طريقي فضحك الحاضرون وتحريمها هو الأصح من قولي مالك قال صاحب البيان لم ير مالك ترك السلام على لاعب الكعاب والشطرنج والنرد إلا أن يمر بهم يلعبون فيجب الإعراض عنهم وترك السلام أدبا لهم قال الطرطوشي إن لم يعقل للنرد معنى فهو مساو للشطرنج وإن عقل فجميع ما يتخيل فيه من اللهو وغيره فهو أعظم في الشطرنج وقال أبو إسحاق الشيرازي الشطرنج يقوي الفكر ويجبر الخاطر ويتعلم به القتال والكر والفر والهرب والطلب فهو يقوي الرأي والعقل بخلاف النرد وجوابه أنه ليس من قبيل العلوم التي محلها القلب بل من الصنائع التي محلها الجوارح كالكتابة والنجارة ولذلك أعلم الناس به تجدهم بلداء كما تجد البليد قد يكتب حسنا وينجر حسنا وأما احتياجه لمزيد الفكر فهو يقربه من اللهو أكثر من النرد وإنما يكون إتعاب النفس أفضل في الأمور المطلوبة للشرع ويدل على ذلك أنكم تكرهونه فلا يكون مطلوبا والمخاطرة عليه حرام مع أن الفكر حينئذ أشد فكان ينبغي أن يكون أقرب للإباحة ألا ترى أن المسابقة على الخيل لما كانت مطلوبة كان بذل المال فيها جائزافهي بعيدة من مكايد الحروب لأن الحروب مبنية على اقتناص الملوك والوزراء وأن الفارس يكر ويفر ويقبل كيف أراد ويقتل القريب والبعيد والمقاتل وغيره والشطرنج يؤمر فيه بتهريب السلطان بقولهم شاه حتى لا يقتل والفارس لا يقتل من يليه ولا من يقابله وإنما يأخذ على موازيه وكل قطعة منه لا تشبه صاحبتها في الكر والفر فلو ذهب متعلم الشطرنج دهرا إلى الحرب وقال وفعل ذلك وقال هذا تعلمته من الشطرنج أفسد الحرب وضحك منه ولا يحصل الشطرنج إلا بمخالطة الأرذال وإغفال الصلوات وضياع الأموال قال مالك أول ما وضع الشطرنج لامرأة ملكة قتل ابنها في الحرب فخافوا إخبارها بذلك فوضعوه ولعبوا به عندها حتى يقولوا شاه مات أي الرئيس مات لأن شاه بالفارسية الرئيس فاستدلت بذلك على قتله وما يروونه من أن أبا هريرة وسعيد بن المسيب وزين العبادين كانوا يلعبونها وأن سعيد بن جبير كان يلعبها غايبا فأحاديث لا أصل لها من أحاديث الكوفة وكان مالك يسميها دار الضرب وكيف وسعيد بن المسيب وغيره من أهل المدينة مقيمون بها ولم ينقل أهل المدينة عنهم ذلك فيقطع ببطلان ما قاله الكوفيون وهي لهو ولعب وقد ذم الله تعالى اللهو واللعب وحديث النرد متفق على صحته فيعتمد على الصحيح ويترك غيره والله أعلم
النوع التاسع التصوير
في المقدمات لا يجوز عمل التماثيل على صورة الإنسان أو شيء من الحيوان لقوله
( إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيامة ويقال لهم أحيوا ما خلقتم ) وقوله
( إن الملائكة لا تدخل بيتا فيه تماثيل ) والمحرم من ذلك بإجماع ماله ظل قائم على صفة ما يحيى من الحيوان وما سوى ذلك من الرسوم في الحيطان والرقوم في الستور التي تنشر أو البسط التي تفرش أو الوسائد التي يرتفق بها مكروهة وليس بحرام في صحيح الأقوال لتعارض الآثار والتعارض شبهة وفيها أربعة أقوال يحرم الجميع مرسوم في حائط أو ستر أو غيره وإباحة الجميع وإباحة غير المرسوم في الحيطان والرقوم في الستر التي تعلق ولا تمتهن بالبسط والجلوس عليها والذي يباح للعب الجواري به ما كان غير تام الخلفة لا يحيى ما كان صورته في العادة كالعظام التي يعمل لها وجوه بالرسم كالتصوير في الحائط وقال أصبغ الذي يباح ما يسرع له البلا قال في البيان وإنما استخف الرقوم في الثياب لأنها رسوم لا أجاسد لها ولا ظل شبه الحيوان ولا يحيى في العادة من هو هكذا والحديث دل على ما يمكن له روح فيقال لهم أحيوا ما خلقتم وجاز لعب الجواري بهذه الصور الناقصة لأن النبي كان يعلم بلعب عائشة رضي الله عنها بها وبسيرها إليها فيجوز عملها وبيعها لأن في ذلك تهذيب طباع النساء من صغرهن على تربية الأولاد كما ألهم كل نبي في صغره رعاية الغنم ليتعود سياسة الناس لأنه في الغنم يمنع قويها عن ضعيفها ويسير بسير أدناها ويرفق بصغارها ويلم شعثها في سقيها ومرعاها وكذلك يفعل بأمته عند نبوته
النوع العاشر وشم الدواب وخصاؤها
وفي المقدمات يجوز خصاء الغنم دون الخيل ، لأن النبي نهى عن خصاء الخيل وضحى بكبشين أملحين مجبوبين لأن الغنم تراد للأكل وخصاؤها لا يمنع من ذلك وربما حسنه والخيل تراد للركوب والجهاد وهو ينقص قوتها ويقطع نسلها ويكره وسم الحيوان في الوجه لأنه مثلة وتشويه ويجوز في غيره لما يحتاج الناس إليه من علامات مواشيهم ودوابهم وتوسم الغنم في أذنابها لتعذره في أجسادها لأنه يغيب بالصوف قال ابن يونس من له سمة قديمة فأراد غيره أن يحدث مثلها منع خوف اللبس ويكره خصاء الخيل دون البغال والحمير وغيرها وإذا كلب الفرس وخبث فلا بأس أن يخصى ويجوز إنزاء حمار على فرس عربية وإذا خبث الفحل أنزي عليه فحل مثله فرس ليكسره قال مالك ما أحرمه وما هو بالحسن
النوع الحادي عشر قتل الدواب المؤذية
وفي الموطأ نهى رسول الله عن قتل الحيات التي في البيوت إلا ذا الطفيتين والأبتر فإنهما يخطفان البصر ويطرحان ما في بطون النساء وفي الصحاح إن في المدينة جنا قد أسلموا فإذا رأيتم منها شيئا فأذنوه ثلاثة أيام فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنه شيطان وفي المنتقى ذلك مخصوص بحيات البيوت قال مالك وأحب إلي أن يؤخذ بذلك في بيوت المدينة وغيرها ، لأن لفظ البيوت عام وقيل للعهد في بيوت المدينة قال ابن نافع لا تنذر الحيات إلا بالمدينة خاصة وذو الطفيتين ما على ظهره خطان والأبتر الأفعى وقال النضر ابن شميل هو صنف مقطوع الذنب لا تنظر له حامل إلا ألقت ما في بطنها فيتحمل أن يقتلن بغير إنذار ويخص العموم بهما ويحتمل أن مؤمن الجان لا يتصور بصورتهما وسرى النهي عن قتل جنان البيوت قال نفطويه الجنان الحيات لأنها تسجن في البيوت في الشقوق وغيرها وقال عبد الله بن عباس هي مسخ الجن كما مسخت بنو إسرائيل قردة قال مالك لا يعجبني قتل النمل والدود فإن أذى النمل في السقف وقدرتم أن تمسكوا عنها فافعلوا وإن أضربت ولم تقدروا فواسع وكذلك الضفدع ففي مسلم نهي النبي عن قتل النملة والنحلة والصرد وكره قتل القمل والبراغيث في النار لقوله
( لا يعذب بالنار إلا رب النار ) قال ابن دينار ينذر الحيات ثلاثة أيام وإن ظهرت في اليوم مرارا لأنه ظاهر الحديث قال مالك يجزئ من الإنذار أخرج بالله عليك واليوم الآخر إن تبدو لنا أو تؤذينا وقال في الحيات ما سالمناهن منذ عاديناهن ومن تركهن خوف شرهن فليس منا قال أحمد ابن صالح العداوة من حين خروج آدم من الجنة قال الله تعالى ( اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو ) وقوله فاقتلوه فإنما هو شيطان يحتمل أن معناه لا يسلط عليكم بسبب قتله وفي المقدمات لا يجوز قتل الحيات بالمدينة إلا بعد الاستيذان ثلاثا إلا ذا الطفيتين والأبتر ويستحب أن لا تقتل حيات البيوت في غير المدينة إلا بعد الاستيذان ثلاثا من غير إيجاب لاحتمال اللام للعهد بخلاف حيات المدينة وأما حيات الصحاري والأودية فتقتل من غير خلاف بغير استئذان لبقائها على الأمر بقتلها بقوله خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم الحدأة والغراب والحية والفارة والكلب العقور وتقتل الوزغ حيث ما وجدت لقوله في مسلم من قتلها من المرة الأولى فله مائة حسنة ومن قتلها في المرة الثانية فله سبعون حسنة وهذه نقص على قاعدة كثرة الأجور بكثرة العمل لأن تأخير قتلها للضربة الثانية دليل التهاون فحض على المبادرة بكثرة الأجر في الأولى وتقتل الفواسق المتقدم ذكرها ولا تقتل الأربع النحلة لنفعها وقلة لحمها والنملة إلا أن تؤذي وكذلك قتل ما يؤذي من جميع الدواب إلا بالنار قال ابن يونس قال مالك إنما جاء الاستئذان في المدينة وأراه حسنا في غيرها وفي الجواهر في إلحاق بيوت غير المدينة ببيوت المدينة في تقديم الاستئذان قبل القتل اختلاف واختار القاضي أبو بكر التسوية وحيث قلنا بالاستئذان ففي غير ذي الطفيتين والأبتر ويفعل الاستئذان المشروع في خرجة واحدة وقيل في كل خرجة دفعة وقيل ثلاثة أيام واختار القاضي أبو بكر الأول وعنه الثاني هو الصحيح وروي ابن حبيب أن رسول الله قال في الاستئذان أنشدكم العهد الذي أخذه عليكم سليمان عليه السلام أن لا تؤذينا أو تظهرن لنا وعن مالك يا عبدا لله إن كنت تؤمن بالله ورسوله وكنت مسلما فلا تؤذينا ولا تسعفنا ولا تروعنا ولا تبدوا لنا فإنك إن تبد لنا بعد ثلاث قتلناك وعنه تقول له أخرج عليك باسم الله أن لا تبدو لنا وعنه يخرج ثلاث مرات أن لا تبدو لنا ولا تخرج فائدة جعل الله تعالى للجان والملائكة التحول في أي صورة شاؤوا غير أن الملائكة تقصد الصور الحسنة والجان لا ينضبط حالها بل بحسب أخلاقها وخساستها ونفاستها وأي صورة فيها الجن صار لهم في تلك الصورة خواصها ففي الحية يصير السم وكذلك الكلب وفي الغنم طيب اللحم وعدم الإيذاء وفي الحمار الحمل وكذلك بقية الصور ولا تزال له تلك الصورة وخواصها حتى يتحول منها فإن بودر لقتله فيها تعذر عليه التحويل ومع فرط هذه القدرة تقتلهم أسماء الله تعالى ويعجزون عن فتح الباب المغلق وكشف الإناء المغطى إلى غير ذلك مما لطف ببني آدم ويسري في مجاري جسمه الذي يخرج منها العرق إلى قلبه لأنه ألطف من ماء العرق بل من مطلق الماء فيسعه مجرى الماء بطريق الأولى وهو معنى قوله
( الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ) سؤال إذا صار جبريل عليه السلام في صورة دحية الكلبي أين يذهب بقية جسده وله ستمائة جناح ما بين المشرق والمغرب فإن قلتم باق لزم تداخل الأجسام الكثيرة في الأحياز القليلة وإن قلتم غير باق فما هذا جبريل بل خلق آخر جوابه جعل لجبريل عليه السلام جواهر أصلية ترد عليها الكثرة وتذهب كما جعل للإنسان جواهر أصلية يرد عليها السمن والهزال والتحلل واختلاف الغداء فيتبدل جسم الإنسان في عمره مرارا بالتحلل والاغتداء وجواهره الأصلية التي يشير إليها بقوله أنا باقية من أول عمره إلى آخره فكذلك الملك والجان
فرع
في البيان كره مالك وضع الثوب على النار بخلاف الشمس لما يخشى من حرق الحيوان
النوع الثاني عشر السلام
قال في الصحيح
( لن تدخلوا الجنة حتى تتحابوا وهل أدلكم على ما به تتحابون أفشوا السلام بينكم ) وفي الموطأ قال
( يسلم الراكب على الماشي وإذا سلم من القوم رجل واحد أجزأ عنهم ) وقال
( إن اليهود إذ سلم عليكم أحدهم إنما يقول السلام عليكم فقل عليك كلها في الموطأ قال صاحب المنتفى قوله يسلم الراكب على الماشي معناه يبدؤه بالسلام ويرد الآخر عليه وابتداء السلام سنة ورده واجب قال البراء بن عازب أمرنا بسبع بعيادة المريض واتباع الجنائز وتشميت العاطس ونصر الضعيف وعون المظلوم وإفشاء السلام وإبرار القسم ووجوب الرد من قوله تعالى ( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ) ولأنه تعين حقه بالبداءة وصفة السلام أن يقول المبتدئ السلام عليكم ويقول الراد وعليكم السلام أو السلام عليكم كما قيل له ووقع للشافعية أنه لا يجزئ إلا بالواو على أحد القولين لأنه ليس مجاوبا بل الآخر مبتدئ وكره مالك أن يقول سلم الله عليك وكان الراكب يبدأ لأنه أفضل من الماشي في الدنيا والأفضل أولى بالتكليف ولأنه أقدر فالخوف منه أشد فناسب أن يؤمن بالسلام ولأنه ينفي الكبرعن الراكب ويسلم المار على الجالس لأنه لقيامه أقوى على البطش أو لأن الجالس لو كلف ذلك مع كثرة المارين لشق عليه فإذا لم يلزمه إلا الرد لم يشق عليه فإذا استويا في المرور والالتقاء ابتدأ من حقه أقل على الأفضل منه لأن الأدنى مأمور ببر الأعلى وفي الحديث
( يسلم الماشي على القاعد والقليل على الكثير والصغير على الكبير ) لأن الكثير طاعة الله منهم أكثر باعتبار مجموع عباداتهم فيتعين برهم على القليل وبر الكبير على الصغير ولا خلاف أن ابتداء السلام سنة أو فرض كفاية يسقط بواحد وأن رد السلام فرض على الكفاية وعن أبي يوسف يلزم الجميع الرد لنا الحديث المتقدم والقياس على الابتداء وينتهي السلام للبركة ولا يزاد على الثلاث كلمات قال الشيخ أبو محمد المصافحة حسنة وعن مالك الناس يفعلونها وأما أنا فلا أفعله ، لأن السلام ينتهي للبركة فلا يزاد عليه قول ولا فعل ممنوع كالمعانقة وأجازها أنس بن مالك وكانت في الصحابة رضي الله عنهم ولم يكره مالك السلام على المتجالة بخلاف الشابة لأن الهرمة لا فتنة في كلامها والسلام شعار الإسلام عند لقاء كل مسلم عرفته أم لا إلا أن يمنع منه مانع سئل رسول الله أي السلام خير قال
( تطعم الطعام وتقرئ السلام على من عرفت ومن لم تعرف ) وابتداء الذمي بالسلام غير مشروع ويرد عليهم بقوله وعليكم فإن قالوا شرا عاد عليهم ففي الحديث
( إذ سلم عليكم أهل الذمة فقولوا وعليكم ) وفي الحديث
( لا تبتدئوا اليهود والنصارى بالسلام ) فعلى هذا تكون الآية خاصة بالمسلمين في الرد قال مالك وإن سلم على الذمي فلا يستقيله لعدم الفائدة وعن عبد الله بن عمر أنه استقاله ليلا يعتقد أن المسلم يعتقد ذلك ولا يسلم على المبتدعة ولا أهل الأهواء تأديبا لهم وفي الموطأ كان عبد الله بن عمر يمر بالسوق ولا يمر على سقاط ولا صاحب بيعة ولا مسكين ولا عبد إلا سلم عليه وسلم عليه رجل فقال السلام عليكم ورحمة الله وبركاته والغاديات والرائحات فقال له عبد الله وعليك ألفا كأنه كره ذلك قال الباجي قال ابن دينار معناه الطير التي تغدو وتروح قال الباجي ويحتمل الملائكة الحفظة الغادية الرائحة قلت الذي يناسب الكلام أن الغاديات والرائحات الخيرات والبركات والنعم التي تغدو أول النهار عليه وتروح بعد الزوال ، لأن الحركات قبل الزوال تسمى غدوا وبعده رواحا وقول عبد الله وعليك ألفا قال ابن دينار معناه ألف كسلامك على معنى الكراهية لتعمقه في الزيادة على البركة ثم كره كونه أيضا تجاوزوا في الموطأ مالك بلغه أنه إذا دخل البيت غير المسكون يقول السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين قال الباجي إذا لم يكن فيه من يسلم عليه فليسلم على نفسه وعلى عباد الله الصالحين كما يفعله في التشهد لقوله تعالى ( فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم ) قال ابن عباس معناه إذا دخلتم بيوتا فقولوا السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين وإذا دخل الإنسان منزلة ينبغي أن يسلم على أهله قال صاحب القبس يقال السلام معرفا السلام عليكم بالألف واللام ومنكرا سلاما عليكم فإن نكر فهو مصدر تقديره ألقيت عليك مني سلاما فألق علي سلاما منك وإن عرف احتمل أن يكون مصدرا معرفا واحتمل أن يكون اسم الله تعالى معناه الله رقيب عليك والسنة تقديم السلام على عليك ويكره عليكم السلام ففي أبي داود قال رجل لرسول الله عليك السلام فقال له النبي قل سلام عليك فإن عليك السلام تحية الميت يشير إلى ما وردت به اللغة في قولهم : ( عليك سلام الله قيس بن عاصم ** ورحمته ما شاء أن يترحما ) وكقولك الآخر : ( عليك سلام الله مني وباركت ** يد الله في ذاك الأديم الممزق )
فرع
في المقدمات يكره تقبيل اليد في السلام وسئل مالك عن الرجل يقدم من السفر فيقبل غلامه يده فقال تركه أحسن قال أبو الوليد ينبغي أن ينهي مولاه عن ذلك لأنه بالاعتقاد صار أخاه في الله فلعله أفضل منه عند الله إلا أن يكون غير مسلم فلا ينهاه لأن رسول الله سأله اليهود مختبرين له عن تسع آيات بينات فلما أخبرهم بها قبلوا يديه ورجليه
فرع
قال ينبغي في الرد على الذمة أن يقول عليكم بغير واو كما في الموطأ فإن تحققت أنهم قالوا السلام عليك وهو الموت أو السِّلام بكسر السين وهو الحجارة فإن شئت قلت وعليك بالواو لأنه يستجاب لنا فيهم ولا يستجاب لهم فينا لما جاء في مسلم أن اليهود دخلوا على رسول الله فقالوا السلام عليكم فقال النبي وعليكم فقالت عائشة رضي الله عنها السلام عليكم ولعنة الله وغضبه يا إخوة القردة والخنازير فقال رسول الله لعائشة رضي الله عنها عليك بالحلم وإياك والجهل فقالت يا رسول الله أما سمعت ما قالوا فقال سمعت ما رددت عليهم فاستجيب لنا فيهم ولم يستجب لهم فينا وإن لم تتحقق ذلك قلت وعليك بالواو لأنك إن قلت بغير واو وكان هو قد قال السلام عليكم كنت قد نفيت السلام عن نفسك ورددته عليه
فرع
قال الاستقالة من الذمي الذي قال مالك لا تفعل أن تقول إنما ابتدأتك بالسلام لأني ظننتك مسلما فلا تظن أني قصدتك لأنه يجدد غبطة الذمي والسلام من العقود التي تتبع المقاصد
فرع
قال ومعنى عدم السلام على أهل الأهواء أن منهم من يعتقد أن اعتقاده كفر اتفاقا فلا يسلم عليه ومنهم من لا يختلف أنه ليس بكافر فلا يختلف أنه يسلم عليه ويحتمل قول مالك هذا ويحتمل أن لا يسلم عليهم أدبا لهم لأن قولهم يؤول إلى الكفر
فرع
قال صاحب البيان قال مالك إذا مر بقبر رسول الله سلم عليه وإن لم يمر به فلا وسئل عن الغريب يأتي قبر النبي كل يوم فقال ما هذا من الأمر لكن إذا أراد الخروج ويكره له أن يكثر المرور به ليسلم عليه لقوله
( اللهم لا تجعل قبري وثنا يعبد ) وفي حديث اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد وصفة السلام قال مالك يأتي القبر من جهة القبلة حتى إذا دنا سلم وصلى ودعا وانصرف ويذكر أبا بكر وعمر إن شاء والسلام على رسول الله في قبره كالسلام في التشهد في الصلاة السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته والصلاة عليه كالصلاة عليه في الصلاة إلا أنه يقول ذلك بلفظ المخاطب ومعنى الصلاة عليه الدعاء له إلا أنه يخص بلفظ الصلاة دون الدعاء لقول الله عز وجل ( لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا ) فتقول اللهم صل على محمد ولا تقل اللهم ارحم محمدا أو اغفر لمحمد وارض عن محمد ولا اللهم صل على فلان وتقول اللهم ارحم فلانا ولا تصل على غيره إلا معه فائدة موضعان فيهما الواو وحذفها السلام وربنا ولك الحمد في الصلاة فإثباتها يقتضي معطوفا ومعطوفا عليه فيصير الكلام جملتين ويكون التقدير على السلام وعليكم السلام فيصير الراد مسلما على نفسه مرتين وفي الصلاة يكون التقدير ربنا ولك الحمد ولك الثناء فيكون مثنيا على الله مرتين وبغير واو يكون الكلام جملة واحدة فبهذا يترجح إثباتها على حذفها فائدة اختلف العلماء في قوله تعالى ( وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها ) قال ابن عطية في تفسيره قيل أو للتنويع لا للتخيير وقيل للتخيير معناه أن الإنسان مخير في أن يرد أحسن أو يقتصر على لفظ المبتدئ إن كان قد وقف دون البركات وإلا بطل التخيير لتعين المساواة وقيل لا بد من الانتهاء إلى لفظ البركات مطلقا بل الرد وإن تعين بالانتهاء إلى لفظ البركات يتنوع إلى المثل إن كان المبتدئ انتهي للبركات وإلى الأحسن إن كان المبتدئ اقتصر دون البركات فهذا معنى التخيير والتنويع
النوع الثالث عشر الاستئذان
وفي الموطأ سأل رسول الله رجل فقال يا رسول الله استأذن على أمي فقال نعم فقال إني معها في البيت قال رسول الله استأذن عليها أتحب أن تراها عريانة قال لا قال فاستأذن عليها قال الباجي الاستئذان على كل بيت فيه أحد واجب تستأذن ثلاثا فإن أذن لك وإلا رجعت لقول الله تعالى ( لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ) قال مالك الاستيناس الاستئذان ثلاثا قال
( إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع ) وقال الباجي لا يزيد على الثلاث إلا أن يعلم أن استئذانه لم يسمع ويستأذن على أمه وذوات محارمه وكل من لا يحل له النظر إلى عورته بخلاف الزوجة والأمة وقال ابن نافع لا يزيد على الثلاث وإن ظن أنهم لم يسمعوا اتباعا للحديث قال ولا بأس إن عرفت أحدا أن تدعوه ليخرج إليك وصفة الاستئذان أن يقول سلام عليكم أأدخل أو السلام عليكم لا يزيد عليه قاله ابن نافع وقال ابن القاسم الأستيناس أن تسلم ثلاثا وإن قيل لك من هذا فسم نفسك بما تعرف به ولا تقول أنا لأن جابر بن عبد الله استأذن على رسول الله فقال من هذا قال فقلت أنا فقال رسول الله
( أنا على معنى الإنكار وإن سمى نفسه أولا في الاستئذان فحسن لأن أبا موسى جاء إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنهما فقال السلام عليكم هذا أبو موسى فلم يأذن فقال السلام عليكم هذا الأشعري ثم انصرف فقال ردوه علي فقال له ما ردك كنا في شغل في البيان قال مالك الأستيناس التسليم وإن اذن له من باب الدار فليس له أن يستأذن إذا وصل باب البيت قال صاحب البيان وتغيير الاستيناس بالتسليم بعيد لقول الله تعالى ( حتى تستأنسوا وتسلموا ) فغاير بينهما وعن مالك الاستيناس الاستئذان وهو الصحيح وعليه أكثر المفسرين وقيل حتى تونسوا أهل البيت بالتنحنح والتنخم وانحوه حتى يعلموا إرادتكم الدخول وقال الفراء في الكلام تقديم وتأخير تقديره حتى تسلموا وتستأذنوا وهو أن تقول السلام عليكم أأدخل لأن ابن مسعود كان يقرؤها حتى تسلموا على أهلها وتسأذنوا واختلف في استئذان أبي موسى على عمر رضي الله عنهما فروي السلام عليكم أأدخل كما تقدم وروى أنه قال يستأذن أبو موسى يستأذن عبد الله بن قيس قال صاحب القبس الاستئذان استفعال من الإذن وعمه الله في كل موضع وجعله أصلا في كل رقبة وهيبة لكل منزل حتى قال النبي في حديث الشفاعة فآتي فاستأذن على ربي في داره فيؤذن لي ووقته مأخوذ من قوله تعالى ( ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم ) الآية والآذن هو من كان من أهل المنزل وإن كان الصبي الصغير الذي يعقل الحجبة ويفهم الإذن
النوع الرابع عشر الملاقاة وما يتعلق بها من المصافحة والمعانقة ونحو ذلك
وفي الموطأ قال
( تصافحوا يذهب الغل وتهادوا تتحابوا وتذهب الشحناء ) وفي غيره إذا تلاقى الرجلان فتصافحا تحاثت ذنوبها وكان أقربهما إلى الله أكثرهما بشرا قال الباجي يحتمل أن يريد المصافحة بالأيدي وقال علقمة تمام التحية المصافحة وجوز مالك المصافحة ودخل عليه سفيان ابن عيينة فصافحه وقال لولا أن المعانقة بدعة لعانقتك فقال سفيان عانق من هو خير مني ومنك النبي لجعفر حين قدم من أرض الحبشة قال مالك ذلك خاص قال سفيان بل عام ما يخص جعفرا يخصنا وما يعمه يعمنا إذا كنا صالحين أفتأذن لي أن أحدث في مجلسك قال نعم يا أبا محمد قال حدثني عبد الله ابن طاوس عن أبيه عن عبد الله بن عباس لما قدم جعفر بن أبي طالب من أرض الحبشة اعتنقه النبي وقبل بين عينيه وقال جعفر أشبه الناس بنا خَلْقاً وخُلُقا يا جعفر ما أعجب ما رأيت بأرض الحبشة قال يا رسول الله بينا أنا أمشي في بعض أزقتها إذا سوداء على رأسها مكيل بر فصدمها رجل على دابته فوضع مكيلها وانتشر برها فأقبلت تجمعه من التراب وهي تقول ويل للظالم من ديان يوم القيامة ويل للظالم من المظلوم يوم القيامة فقال النبي
( لا يقدس الله أمة لا تأخذ لضعيفها من قويها حقه غير مقنع ) ثم قال سفيان قدمت لأصلي في مسجد النبي وأبشرك برؤيا رأيتها نامت عينك خيرا إن شاء الله قال سفيان رأيت كأن قبر رسول الله انشق فأقبل الناس يهرعون من كل جانب والنبي يرد بأحسن رد قال سفيان فأتي بك والله أعرفك في منامي كما أعرفك في يقظتي فسملت عليه فرد عليك السلام ثم رمي في حجرك بخاتم نزعه من أصابعه فاتق الله فيما أعطاك فبكى مالك بكاء شديدا قال سفيان السلام عليكم قال خارج الساعة قال نعم فودعه مالك وخرج وعن مالك كراهة المصافحة والمعانقة وعلى هذه الرواية المصافحة التي في الحديث صفح بعضهم عن بعض من العفو قال وهو أشبه لأنه يذهب بالغل غالبا واحتج مالك على منع المصافحة باليد بقوله تعالى ( إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام ) ولم يذكر مصافحته ولأن السلام ينتهى فيه للبركات قال قتادة قلت لأنس أكانت المصافحة في أصحاب النبي قال نعم ولأنها تمام المودة فناسب أيضا إذهاب الغل وفي القبس قال
( ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما ) قال صاحب المقدمات المصافحة مستحبة وهو المشهور وإنما كره المعانقة لأنه لم يرو عن رسول الله أنه فعلها إلا مع جعفر ولم يصحبها العلم من الصحابة بعده ولأن النفوس تنفر عنها لأنها لا تكون إلا لوداع أو من فرط ألم الشوق أو مع الأهل والمصافحة فيها العمل ويكره تقبيل اليد في السلام لاحتمال أن يكون أفضل منه عند الله وسألت اليهود رسول الله عن تسع آيات بينات فقال لهم
( لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا تمشوا ببريء إلى السلطان ليقتله ولا تسحروا ولا تأكلوا الربا ولا تقذفوا محصنة ولا تولوا الفرار يوم الزحف وعليكم خاصة اليهود أن لا تعدوا في السبت فقاموا فقبلوا يده ورجله وقالوا نشهد أنك نبي قال فما يمنعكم أن تتبعوني قالوا إن داود دعا ربه أن لا يزال في ذريته نبي وإنا نخاف إن اتبعناك أن تقتلنا اليهود قال الترمذي حديث حسن صحيح قال صاحب البيان ففعل اليهود ذلك مع المسلم لا يكره وكان عبد الله بن عمر إذا قدم من سفره قيل سالما وقال شيخ يقبل شيخا إعلاما أن هذا جائز على هذا الوجه لا على وجه مكروه قالت عائشة رضي الله عنها وقدم زيد بن حارثة المدينة ورسول الله في شيء فأتاه فقرع الباب فقام إليه رسول الله عريانا يجر ثوبه والله ما رأيته عريانا قبله ولا بعده فاعتنقه وقبله قال الترمذي حديث حسن غريب وقبل رسول الله جعفرا حين قدم من الحبشة وأما القبلة في الفم للرجل من الرجل فلا رخصة فيها بوجه قال ابن يونس قال مالك إذا قدم من سفره فلا بأس أن تقبله ابنته وأخته ولا بأس أن يقبل خد ابنته وكره أن تقبله ختنته ومعتقته وإن كانت متجالة وأجاز مالك المعانقة في رسالته لهارون الرشيد أن يعانق قريبه إذا قدم من السفر وقيل هذه الرسالة لم تثبت لمالك قال مالك ويقال من تعظيم الله تعالى تعظيم ذي الشيبة المسلم فالرجل يقوم للرجل له الفضل والفقه فيجلسه في مجلسه قال يكره ذلك ولا بأس أن يوسع له قيل فالمرأة تلقى زوجها تبالغ في بره وتنزع ثيابه ونعليه وتقف حتى يجلس قال ذلك حسن غير قيامها حتى يجلس وهذا فعل الجبابرة وربما كان الناس ينتظرونه فإذا طلع قاموا ليس هذا من فعل الإسلام وفعل ذلك لعمر ابن عبد العزيز أول ما ولي حين خرج إلى الناس فأنكره وقال إن تقوموا نقم وإن تقعدوا نقعد وإنما يقوم الناس لرب العالمين وقال
( من أحب أن يتمثل له الناس قياما فليتبوأ مقعده من النار ) قيل له فالرجل يقبل يد الرجل أو رأسه قال هو من عمل الأعاجم لا من عمل الناس وأما تقبيل رأس ابنه فخفيف ولا يقبل خد ابنه أو عمه قال لم يفعله الماضون قال صاحب البيان القيام أربعة أقسام حرام إذا فعل تعظيما لمن يحبه تجبرا على العالمين ومكروه إذا فعل تعظيما لمن لا يحبه كذلك لأنه يشبه فعل الجبابرة ولتوقع فساد قلب المقوم له ومباح إذا فعل إجلالا لمن لا يريده ومندوب للقادم من السفر فرحا بقدومه ليسلم عليه أو يشكر إحسانه أو للقادم المصاب ليعزيه في مصيبته وبهذا بجمع بين قوله من أحب أن يتمثل له الناس قياما فليتبوأ مقعده من النار وبين قيامه لعكرمة بن أبي جهل لما قدم من اليمن فرحا بقدومه وقيام طلحة ابن عبيد الله لكعب بن مالك ليهنئه بتوبة الله بحضوره ع ولم ينكسر عليه ولا قام من مجلسه فكان كعب يقول لا أنساها لطلحة وكان يكره أن يقام له فكانوا إذا رأوه لم يقوموا له لعلمهم بكراهية لذلك وإذا قام إلى بيته لم يزالوا قياما حتى يدخل بيته لما يلزمهم من تعظيمه قبل علمهم بكراهيته لذلك وقال للأنصار قوموا لسيدكم قيل تعظيما له وهو لا يحب ذلك وقيل ليعينوه على النزور على الدابة تنبيه حضرت عند الشيخ عز الدين ابن عبد السلام من أعيان العلماء الشافعية الربانيين فحضرته فتيا ما تقول في القيام الذي أحدثه الناس في هذا الزمان هل يحرم أم لا فكتب رحمه الله قال رسول الله
( لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا ) وترك القيام في هذا الوقت يفضي للمقاطعة والمدابرة فلو قيل بوجوبه ما كان بعيدا فقرأتها بعد كتابته رحمه الله والناس تحدث لهم أحكام بقدر ما يحدثون من السياسات والمعاملات والاحتياطات وهي على القوانين الأولى غير أن الأسباب تجددت ولم يكن في السلف وقد بسطت من هذا طرفا في ولاية المظالم في كتاب الأقضية ويلحق بالقيام النعوت المعتادة وأنواع المكاتبات على ما قرره الناس في المخاطبات وهذا النوع كثير لم تكن أسبابه في السلف غير أنه قد تقرر في قاعدة الشرع اعتباره هذه الأسباب كما قال الشيخ رضي الله عنه فإذا وجدت وجب اعتبارها وفي هذا التنبيه كفاية
النوع الخامس عشر تشميت العاطش
وفي الموطأ قال إن عطس فشمته ثم إن عطس فشمته ثم إن عطس فقل إنك مضنوك قال الراوي بعد الثلاث أو الأربعة قال الباجي يقال بالشين المعجمة والمهملة فبالشين قال ثعلب إبعاد الشماتة والتسميت إثبات السمت الحسن له وقيل التشميت بالشين المعجمة من الشوامت وهي الأعضاء أي أبقى الله شوامتك على حالها وسببه أن العطاس حركة من الدماغ لدفع ما يرد عليه من المؤذي كما أن السعال حركة الصدر لدفع ما يؤذيه والفواق حركة المعدة لدفع ما يؤذيها وحركة الدماغ في العطاس أشد لأنه موضع الحواس ومبدأ الأعصاب وتستعين بحركة الصدر وغيره فتكون حركته عظيمة فربما انصبت مادة خلطته لبعض الحواس أو بعض الأعضاء فحصلت لقوة أو فساد فيشمت به أعداؤه لتغير سمته فإذا دعي له بالرحمة اندفعت الشماتة من الأعذاء ويحفظ السمت بفضل الله تعالى وكانت الجاهلية تتطير بالعطاس إلى ثلاث مرات وتجعلها شؤما فأعلم صاحب الشرع أنها رحمة من الله تعالى واقتصر بقولنا يرحمك الله على الثلاثة التي كانت الجاهلية تتشاءم بها إثباتا للضد ولهذا السر قيل له في الرابعة إنه مضنوك أي مزكوم ورد تفسره في الحديث بذلك وخصص الأفعال بمكان التطير إذ هو موضع الحاجة للمضادة وإبطال التطير قال الباجي وحق التحميد إنما يثبت لمن حمد الله تعالى قال مالك إذا لم يسمعه حمد الله تعالى فلا يشمته إلا أن يكون في حلقة كبيرة ورأي الدين يلونه يشمتونه فيشمته وفي الصحيح عطس رجلان عند رسول الله لله فشمت أحدهما ولم يشمت الآخر فقيل له قال هذا أحمد الله وهذا لم يحمده وينبغي للعاطس أن يسمع من يليه التحميد وإن عطس في الصلاة فلا يحمد الله إلا في نفسه لشغله بصلاته عن الذكر ولا يشمت أيضا غيره وعن سحنون ولا في نفسه وعن مالك يحمد الله ويصلي على محمد إذا رأى من يعجبه ويجزئ في التشميت واحد من الجماعة كالسلام وقال ابن مزين هو بخلاف السلام ويشمت الجميع لقوله إذا عطس فحمد الله فحق على كل مسلم سمعه أن يشمته ولأنه دعاء والاستكثار منه حسن والسلام إظهار لشعائر الإسلام كالأذان يكفي واحد منهم والتشميت على ظاهر مذهب مالك واجب على الكفاية وقال القاضي أبو محمد مندوب كابتداء السالم ووجه الأول الأول أن ظاهر أمره فشمتوه الوجوب وعن مالك يبلغ بالتشميت ثلاثا ويقول بعد التشميت يرحمنا الله وإياكم ويغفر لنا ولكم كان عبد الله بن عمر يفعله وعن رسول الله فليقل يهديكم الله ويصلح بالكم وإن شاء قال يغفر لنا ولكم وهو مذهب الشافعي ومنع أبو حنيفة أن يقول يهديكم الله ويصلح بالكم لأن الخوارج كانت تقوله فلا يستغفرون للناس ولأنه إنما كان يقوله لليهود وفي القبس قال
( العطاس من الله والتثاؤب من الشيطان ) لأن التثاؤب إنما يكون عن الكسل فأضيف للشيطان على سبيل الأدب كما قال الخليل عليه السلام ( والذي هو يطعمني ويسقين وإذا مرضت فهو يشفين ) وعنه فإذا عطس فليحمد الله وليخمر وجهه فإنه يرد الله شوامته على حالها كما إذا تثاءب فليجعل يده على فيه ولا يفتحها للشيطان فإنه يضحك به ولا يصرف وجهه يمينا ولا شمالا فإن بعضهم صرفه فبقي بقية عمره كذلك قال صاحب البيان اختار عبد الوهاب يهديكم الله ويصلح بالكم على يغفر الله لنا ولكم لأن المغفرة لا تكون إلا مع الذنوب والهداية لا تتوقف على الذنب قال وعندي المغفرة أولى لأنه لا ينفك أحد عن ذنب والحاجة إلى المغفرة أكثر فإن جمع بنيهما كان أحسن إلا في الكافر الذي إذا عطس وحمد الله تعالى فلا يقال له يرحكم الله بل يهديك الله ويصلح بالك لأن الكافر لا يغفر له حتى يؤمن
النوع السادس عشر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
قال رسول الله
( لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن أن يبعث الله عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم ) قال الترمذي حديث حسن وفي الجواهر إنما يومر بالمعروف وينهى عن المنكر بثلاثة شروط الأول أن يعلم ما يأمر به وينهى عنه الثاني أن يأمن أن يؤدي إنكاره المنكر إلى منكر أكثر منه مثل أن ينهى عن شرب الخمر فيؤول نهيه عنه إلى قتل النفس ونحوه الثالث أن يغلب على ظنه أن إنكاره المنكر مزيل له وأن أمره بالمعروف مؤثر فيه ونافع وفقد أحد الشرطين الأولين يمنع الجواز وفقد الثالث يسقط الوجوب ويبقى الجواز والندب ثم مراتب الإنكار ثلاث أقواها أن يغير بيده وإن لم يقدر على ذلك انتقل للمرتبة الثانية فيغير بلسانه إن استطاع وليكن برفق ولين ووعظ إن احتاج إليه لقوله
( من أمر منكم بمعروف فليكن أمره بالمعروف ) وقال الله تعالى ( فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى ) فإن لم يقدر انتقل للرتبة الثالثة وهي الإنكار بالقلب وهي أضعفها قال
( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) أخرجه أبو داود وفي الصحاح نحوه وفيه وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل سؤال سؤال قد نجد أعظم الناس إيمانا يعجز عن الإنكار وعجزه لا ينافي تعظيمه لله تعالى وإيمانه به لأن الشرع منعه بسبب عجزه عن الإنكار لكونه يؤدي إلى مفسدة أعظم أو نقول لا يلزم من العجز عن القربة نقص الإيمان بها كالصلاة فما معنى قوله ذلك أضعف الإيمان الجواب المراد بالإيمان هنا الإيمان الفعلي الوارد في قوله تعالى ( وما كان الله ليضيع إيمانكم ) أي صلاتكم للبيت المقدس وقال
( الإيمان سبع وخمسون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق ) وأقوى الإيمان الفعلي إزالة اليد ثم القول لأنه قد يؤثر في الإزالة وإنكار القلب لا يؤثر في إزالة فهو أضعفها أو يلاحظ عدم تأثيره في الإزالة فيبقى مطلقا وهو الرواية الأخرى قال محمد ابن يونس قال مالك ضرب محمد بن المنكدر وأصحابه في أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر وضرب ربيعة وحلق رأسه ولحيته في شيء غير هذا وضرب ابن المسيب وأدخل في تبان من شعر وقال عمر بن عبد العزيز ما أغبط رجالا لم يصبهم في هذا الأمر أذى ودخل أبو بكر بن عبد الرحمن وعكرمة ابن عبد الرحمن على ابن المسيب في السجن وقد ضرب ضربا شديدا فقالا له اتق الله فإنا نخاف على دمك فقال اخرجا عني أتراني ألعب بديني كما لعبتما بدينكما وقال ابن مسعود تكلموا بالحق تعرفوا به واعلموا به تكونوا من أهله قال مالك ينبغي للناس أن يأمروا بطاعة الله فإن عصوا كانوا شهودا على من عصاه ويأمر والديه بالمعروف وينهاهما عن المنكر ويخفض لهما جناح الذل من الرحمة قال سعيد بن جبير لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتى لا يكون فيه شيء ما أمر أحد ولا نهى عن منكر تنبيه قال بعض العلماء لا يشترط في النهي عن المنكر أن يكون الملابس له عاصيا بل يشترط أن يكون ملابسا لمفسدة واجبة الدفع أو تاركا لمصلحة واجبة الحصول وله أمثلة أحدها أمر الجاهل بمعروف لا يعرف إيجابه أو نهيه عن منكر لا يعرف تحريمه وثانيها قتل البغاة وثالثها ضرب الصبيان على ترك الصلاة ورابعها قتل المجانين والصبيان إذا صالوا على الدماء والأبضاع ولم يمكن دفعهم إلا بقتلهم وخامسا أن يوكل وكيلا بالقصاص ثم يعفو ويخبر الوكيل فاسق بالعفو أو متهم فلا يصدقه فأراد القصاص فللفاسق أن يدفعه بالقتل إذا لم يمكن إلا به دفعا لمفسدة القتل بغير حق وسادسها وكله في بيع جارية فباعها فأراد الموكل أن يطأها ظنا منه أن الوكيل لم يبعها فأخبره المشتري أنه اشتراها فلم يصدقه فللمشتري دفعه ولو بالقتل وسابعها ضرب البهائم للتعليم والرياضة دفعا لمفسدة الشراس والجماح
فرع
قال العلماء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب إجماعا على الفور فمن أمكنه أن يأمر بمعروف وجب عليه الجمع مثاله أن يرى جماعة تركوا الصلاة يأمرهم بكلمة واحدة قوموا للصلاة
فرع
من أتى شيئا مختلفا فيه وهو يعتقد تحريمه أنكر عليه لانتهاكه الحرمة وإن اعتقد بحليته لم ينكر عليه إلا أن يكون مدرك الحل ضعيفا ينقض الحكم بمثله لبطلانه في الشرع كواطئ الجارية بالإباحة معتقدا لمذهب عطاء وشارب النبيذ معتقدا مذهب أبي حنفية وإن لم يكن معتقدا تحريما ولا تحليلا أرشد لاجتنابه من غير ترجيح
النوع السابع عشر مداواة الأمراض والتمريض والرفاد نحوه
قال رسول الله إذا مرض العبد بعث الله ملكين فقال انظروا ماذا يقول لعواده فإن هو إذا جاؤه حمد الله وأثنى عليه رفعا ذلك إلى الله عز وجل وهو أعلم فيقول لعبدي علي إن توفيته أن أدخله الجنة وإن أنا شفيته أبدلته لحما خيرا من لحمه ودما خيرا من دمه وأن أكفر عنه سيئاته وفيه قال
( لا يصيب المؤمن مصيبة حتى الشوكة وإن صغرت إلا أوجر بها أو كفر بها من خطاياه ) شك الراوي وقال من يرد الله به خيرا يصب منه قال عثمان بن أبي العاصي أتيت رسول الله وبي وجع كاد يهلكني فقال رسول الله امسحه بيمينك سبع مرات وقل أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد ففعلت ذلك فأذهب الله عز وجل عني ما كان بي فلم أزل آمر بها أهلي وغيرهم وكان إذا اشتكى يقرأ على نفسه بالمعوذات وينفث قالت عائشة رضي الله عنها فلما اشتد وجعه كنت أنا أقرأ عليه وأمسح عليه بيمينه رجاء بركتها وأصاب رجلا في زمان رسول الله جرح فاحتقن الدم في الجرح فدعا برجلين من بني أنمار فقال لهما رسول الله أيكما أطيب فقالا أوفي الطب خير فقال رسول الله أنزل الدواء الذي أنزل الداء وكان رسول الله يقول الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء وقال إذا عاد الرجل المريض خاض للرحمة فإذا قعد عنده قر فيها وكلها في الموطأ قال الباجي في الصحيح أن ابن مسعود قال لرسول الله إنك لتوعك وعكا شديدا فقال أجل كما يوعك رجلان منكم لم يرد به التشكي وبه يجمع بينه وبين ما تقدم في الحديث الأول وخص الله تعالى عدد السبع بالدواء قال ما تقدم وقال هريقوا علي من سبع قرب لم تحلل أو كيتهن لعلي أعهد إلى الناس قال ابن دينار النفث شبه البصق ولا يلقي شيئا كما ينفث آكل الزبيب بل يسيرا من الريق والثفل إلقاء الريق وكان رسول الله ينفث على يديه ثم يمسح بهما وجهه وعنه إذا أوى إلى فراشه نفث في كفيه بقل هو الله أحد والمعوذتين ويمسح بهما وجهه وما بلغت يداه من جسده وكره مالك الذي يرقي بالحديدة والملح والذي يكتب ويعقد فيما يعلق عقدا والذي يكتب خاتم سليمان وكان العقد عنده أشد كراهة لمشابهته للسحر ولقوله تعالى ( ومن شر النفاثات في العقد ) وكانت عائشة رضي الله عنها كثيرة الاسترقاء حتى ترقي البثرة الصغيرة قال مالك ينهى الإمام الأطباء عن الدواء إلا طبيبا معروفا ولا يشرب من دوائهم إلا ما يعرف وقوله أنزل الدواء أي أعلمهم إياه وأذن لهم فيه وعنه ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء وهو يدل على جواز المعالجة ومن المعالجة الجائزة حمية المريض وحمى عمر بن الخطاب رضي الله عنه مريضا حتى كان يمص النوي من الجوع وكان الصحابة رضي الله عنهم يكتوون من الذبحة واللقوة وذات الجنب وهو يعلم بهم وقال
( الشفاء في ثلاث في شرطة محجم أو شربة عسل أو كية بنار وأنا أنهي أمتي عن الكي ) وهو نهي كراهة وأمر بالأخذ بالأفضل وهو التوكل على الله تعالى لقوله سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ثم قال هم الذين لا يتطيرون ولا يسترقون ولا يكتؤون وعلى ربهم يتوكلون قال الباجي وإنما كان التوكل من التداوي لعدم تيقن البرء قال غيريه لا يمكن أن يقال التوكل أفضل من الكي والمداواة والرقا فإن رسول الله مازال يرقي نفسه إلى آخر مرض موته وكوى وأمر بالكي ولا يترك رسول الله الأفضل طول عمره ومتابعة عائشة رضي الله عنها على ذلك يأبى الأفضلية وكان رسول الله من أكثر الناس استعمالا للطب وقال في الرطب والقثاء يذهب حر هذه برد هذه وكان يكثر الرياضة واستعمال الطيب وهو من أعظم أنواع الطب وروى ابن ماجة أنه كان يشرب كل يوم قدحا من ماء الغسل وهو يجلو المعدة والكبد والكلى وينقي الأعضاء الباطنة ويثير الحرارة وكان يتداوى حتى يتداوى بالخواص التي يتوهم نفعها في الحديث الوارد في سبع قرب ونحوه وهذا في غاية الإعراض لما قاله الباجي بل كان رسول الله سيد المتوكلين وكان يتوكل على الله ويطلب فضله في أسبابه الجارية بها عادته وقد تقدم أن هذا هو الجامع بين الأدب والتوكل وهي طريقة الأنبياء عليهم السلام والصديقين وخواص المؤمنين بل هذا الحديث محمول على أن هذه العلاجات من الكي وغيرها تارة تستعمل مع تعين أسبابها المقتضية لاستعمالها وتارة مع الشك فيها مع القطع بعدم الحاجة إليها كما يفعل الترك للكي لتهيج الطبيعة فهذه الحالة الأخيرة هي المرادة بالحديث لأنه إيلام وعيب حينئذ فحسن المدح بتركه أما الحالة الأولى فلا وهذا طريق صالح للجمع بين فعله وفعل أصحابه وخواصه وبين هذا الحديث لا سيما والحديث وإن كان عاما في نفي المداواة لكنه مطلق في الأحوال والمطلق يتأدي بصورة فلا تعارض حينئذ نقل صاحب القبس فيه ثلاثة أقوال أحدها هذا والثاني لا يسترقون بالتمائم كما كانت العرب تفعله والثالث لا يسترقون عند الناس تنبيه في الصحيح جاء رجل إلى رسول الله فقال أخي استطلق بطنه فقال اسقه عسلا فسقاه فقال إني سقيته فلم يزده إلا استطلاقا فقال صدق الله وكذب بطن أخيك كيف يتصور كذب البطن وكيف يوصف العسل بقطع الإسهال مع أنه مسهل والجواب عن الأول أن الله تعالى قد جعل شفاه في العسل ولكن بعد تكرره إلى غاية يحجب فلما لم يكرره ولم يحصل البرء صدق الله في كونه جعل الشفاء فيه وإنما كان المانع من جهة المناولة وكذب البطن لأنه بظاهر حاله يقول إن هذا ليس شفائي وهو شفاء له وإنما المناولة لم تقع على الوجه الائق وعن الثاني أن الإسهال قد يكون عن سدة كما تقرر في علم الطب فمداواتها بما يجلوها ويحللها كما يداوى في الزحير الكاذب بالمسهلات وبالمسخنات المفتحة الحميات الكائنة عن السدد وهو كثير عند الأطباء المداواة بالمثل وإنما الغالب المداواة بالضد فلو كرر لانحلت السدة وانقطع الإسهال
فرع
قال الباجي تغسل القرحة بالبول والخمر إذا غسل بعد ذلك قال مالك إني لأكره الخمر في الدواء وغيره وإنما يدخل هذه الأشياء من يريد الطعن في الدين والبول عنده أخف ولا يشرب بول الإنسان ليتداوى به لأنه نجاسة ورسول الله
( يقول إن الله لا يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها ) أي لم يشرع كما قال تعالى ( ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ) أي لم يشرع وإلا فجعل الخلق موجود ولا بأس بشرب أبوال الأنعام الثمانية قيل له كل ما يؤكل لحمله قال لم أقل إلا الأنعام الثمانية ولا خير في أبوال الأتن قال مالك ولا بأس بالكير من اللقوة
مسألة
في الصحاح قال إن الحمى من فيح جهنم فأبردوها بالماء وفي الموطأ كانت أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما إذا أوتيت بامرأة قد حمت صبت الماء بينها وبين حبيبها قال العلماء هذا الحديث يحمل على معنيين أحدهما أن يكون المراد به شرب الماء فقد ذكر فضلاء الأطباء أن الماء العذب البارد من أحسن الأشربة البسيطة وأن شربه يمنع عادية الحميات الحادة ويسكن لهب الصفراء وحر العفوفة ويرطب ما جف من رطوبة الجسد وييبس الصفراء وحرارة الحميات وهو سريع الانحدار خفيف على العليل وثانيهما أن يحمل على الحمي الحادثة عن سوء مزاج حار عن مادة فإذا حم بالماء من خارج برد مزاجه واعتدل فتزول الحمي قال في القبس أو يحمل على غسل الأطراف فقط فإنه ينعش القوة وينهض النفس من غير استصحاب وأما الحمى الكائنة عن المواد العفينة متى حم صاحبها استصحب الجسد واحتقنت الأبخرة في باطن الجسد فكان ذلك سببا لتهييج المواد وإحداث الحميات وربما قتل وقد وقع كثيرا للمحمومين حموا فماتوا وكذلك كل حديث ورد في الطب إنما يحمل على ما يليق به من الأمراض والأحوال
مسألة
قال الباجي قال مطرف إن كان المرضى كالمجذومين ونحوهم مرضهم يسير لا يخرجون من القرى والحواضر وإن كثر اتخذوا لأنفسهم موضعا كما صنع مرضى مكة عد التنعيم منزلتهم ولا يمنعون من الأسواق لحاجاتهم والتطرف للمسألة إذا لم يرزقوا من بيت المال وقال أصبغ يخرجون من الحواضر وإذا أجري عليهم من بيت المال ما يكفيهم ألزموا بيوتهم أو التنحي إن شاؤا قال ابن حبيب التنحي إذا كثروا أعجب إلي وهو الذي عليه الناس ويمنع المجذوم من المسجد ومن الجمعة
مسألة
قال صاحب القبس التطبب قبل نزول الداء مكروه عند أصحابنا وقال بعض العلماء هو جائز لحفظ الصحة صونا للجسم على العبادة قال وأرى إن خشي نزوله جاز
مسألة
قال عيادة المريض مؤكد طلبها لقوله
( عائد المريض في غرفة الجنة ) ولما فيها من التأنيس والخير والألفة وقال
( من عاد مريضا لم يحضر أجله فقال سبع مرات أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يشفيك ) عوفي من ذلك المرض وربما وجده محتاجا لشيء فيسد خلته قال التمريض فرض كفاية صونا للمريض عن الضياع فأولى الناس القريب ثم الصاحب ثم الجار ثم سائر الناس
مسالة
قال صاحب البيان كره مالك الرقى بالحديد وغيره لأن الاستشفاء إنما يكون بكلام الله تعالى وأسمائه الحسنى واستخف أن ينجم الشيء ويجعل عليه حديده لما جعل الله تعالى في النجوم من المنفعة بالاهتداء وغيره ولم ير بأسا بالخيط يربط في الأصبع للتذكار وقد ورد فيه حديث وجوز تعليق الخرزة من الحمرة وأجاز مرة تعليق التمائم من القرآن وكرهها مرة في الصحة مخافة العين أو لما يتقى من المرض وأجازها مرة بكل حال وفي الحديث من علق شيئا وكل إليه ومن علق تميمة فلا أتم الله له ومن علق ودعه فلا أودع الله له ومنهم من أجازها في المرض دون الصحة لقول عائشة رضي الله عنها ما علق بعد نزول البلاء فليس بتميمة وأما الرقى فمندوب إليه مطلقا للسنة قال في المقدمات وأما التمائم بالعبراني وما لا يعرف فيحرم للمريض والصحيح لما يخشى أن يكون فيها من الكفر
مسألة
قال ابن أبي زيد سئل مالك عن من به لمم فقيل له إن شئت قتلنا صاحبك فقال لا علم لي بهذا وهذا من الطب وكان معدن لا يزال يصاب فيه بالجن فأمرهم زيد بن أسلم أن يؤذن كل واحد منهم ويرفعون به أصواتهم ففعلوا فانقطع ذلك عنهم
النوع الثامن عشر العين والوضوء إليها
وفي الموطأ اغتسل سهل بن حنيف بالخرار فنزع جبة كانت عليه وعامر بن عبد الله ينظر وكان سهل رجلا أبيض حسن الجلد فقال له عامر بن ربيعة ما رأيت كاليوم ولا جلد عذراء فوعك سهل مكانه واشتد وعكه فأخبر رسول الله أن سهلا وعك فقال رسول الله علام يقتل أحدكم أخاه ألا بركت إن العين حق فتوضأ له عامر فغسل عامر وجهه ويديه ومرفقيه وركبتيه وأطراف رجليه وداخله إزاره في قدح ثم صب عليه فبرئ سهل قال الباجي الحرار موضع بالمدينة وقيل ماؤها ومعنى العين أن الله تعالى أجرى عادته أنه إذا تعجب إنسان خاص ونطق ولم يبرك أن يصاب المتعجب منه وذلك معنى في نفس العائن لا يوجد في نفس غيره ومتى برك قال اللهم بارك فيه أو بارك الله فيه لم تضر عينه وأجرى الله تعالى أن ذلك الوضوء شفاؤها وقال ابن نافع بالوضوء كما تقدم وقال ابن دينار يديه ومرفقيه ولا يغسل ما بين اليد والمرفق وقال الزهري الذي قاله علماؤنا يؤتى العائن بقدح فيه ماء فيسمك مرتفعا من الأرض فيدخل كفه فيمضمض ثم يمجه في القدح ثم يغسل وجهه في القدح صبة واحدة ثم يدخل يده اليسرى فيصب بها على كفه اليمنى ثم يدخل يده اليمنى فيصب بها على ظهر كفه اليسرى صبة واحدة ثم يدخل يده اليسرى فيصب بها على مرفقه الأيمن ثم بيده اليمنى على مرفقه الأيسر ثم بيده اليسرى على قدمه اليمنى ثم بيده اليمنى على قدمه اليسرى ثم بيده اليسرى على ركبته اليمنى ثم يدخل يده اليمنى فيصب بها على ركبته اليسرى كل ذلك في قدح ثم يدخل داخلة إزاره ولا يوضع القدح في الأرض ويصب على رأس المعين من خلفه صبة واحدة وقيل يعتقل ويصب عليه ثم يكفي القدح على ظهر الأرض وراءه وداخلة إزاره هو الطرف المتداني الذي يفضي من مئزره إلى جلده لأنه إنما يمر بالطرف الأيمن على الأيسر حتى يشده بذلك الطرف المتداني الذي يكون من داخل وعن ابن نافع لا يغسل موضع الخرزة من داخل الإزار وإنما يغسل الطرف المتداني قال ابن أبي زيد الإزار الذي تحت الإزار مما يلي الجسد قال مالك وقال ابن نافع الطرف الداخل المتدلي قال ابن حبيب الذي يضعه المؤتزر أولا على حقوه وفي الموطأ أمر رسول الله بالرقية للعين وقال لو سبق شيء القدر لسبقته العين تنبيه خلق الله النفوس مختلفة الهيآت فنفس مهيبة ونفس مهينة ونفس تؤثر بالعين ونفس تؤثر بالقتل ففي الهند من إذا جمع نفسه على إنسان ذهب قلبه من صدره فمات ويجربونهم في الرمانة يحطونها ويجمعون همتهم عليها فتفتح فلا يوجد فيها حب وكذلك بعض النفوس خلق شفاف النفس إذا ارتاض حصلت له المكاشفة وإدراك المغيبات كان مؤمنا أو كافرا ولذلك لا يستدل بالمكاشفات على الديانات ومنهم من خلق بحيث إذا نظر في أحكام النجوم بزعمه أو ضرب الرمل أو باليسر أو بالشعير أو غير ذلك مما يتعاطاه الناس أرباب الزجر لا يكاد يخطئ اصلا لخاصية في نفسه لا لأن ذلك المعنى حق وكذلك الرقي الطلسات والسحريات تابع لخواص النفوس فرب رقية تؤثر مع شخص دون غيره ومن جرب وجد ولا عجب في أن تكون النفوس مختلفة الخواص بل الحيوان لأنه أبدع في المخوقات من النبات والجماد وقد خص الله تعالى العقاقير النباتية والجمادية بأنواع السموميات والترياقيات والمنافع الغريبة والخواص العجيبة وجميع هذه الآثار في الجميع إنما هي صادرة عن قدرة الله تعالى ومشيئته عند هذه الأسباب العادية ولو شاء تعالى لم يكن شيء من ذلك فسبحان من يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد
النوع التاسع عشر المهاجرة
وفي الموطأ قال
( لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام ) وقال
( تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس فيغفر لكل مسلم لا يشرك بالله شيئا إلا رجل كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقال أنظروا هذين حتى يصطلحا ) قال الباجي عن مالك إن سلم عليه ولم يكلمه انقطعت المهاجرة لقوله وخيرهما الذي يبدأ بالسلام فلو لم يخرج من المهاجرة لما مدح وعنه إن كان غير مؤذ له فكذلك وإن كان مؤذيا له فلا يخرج بمجرد السلام لأن الأذى أشد من المهاجرة وعن مالك المهاجرة من الغل قال ابن القاسم إذا اعتزل كلامه ردت شهادته وإن كان غير مؤذ له وفي المقدمات يخرج بالسلام من الهجران إن كان متماديا على أذيته والسبب الذي هجره من أجله فإن كان أقلع عن ذلك فلا يخرج من هجرانه ولا تجوز شهادته عليه إلا بالعود إلى ما كان عليه معه قال هذا معنى قول مالك ويهجر أهل الأهواء والبدع والفسوق لأن الحب والبغض فيه واجب ولما في ذلك من الحث على الخير والتنفير من الشر والفسوق
النوع العاشرون في المناجاة
في الموطأ قال
( لا يتناجى اثنان دون واحد ) قال الباجي قال ابن دينار لا يتسارى ويتركا صاحبهما وحده قرين الشيطان يظن بهما أنهما يغتابانه وروي أن هذا إنما هو في السفر وروي أنه كان في بدء الإسلام وأكثر الناس على عمومه لأنه من مكارم الأخلاق وعن مالك لا يتناجى ثلاثة دون واحد للنهي عن ترك واحد ولو كانوا عشرة أن يتركوا واحدا لما تقدم قال صاحب المقدمات كلما كثرت الجماعة كان أشد وأقل أدبا في حقه وإذا خشي المتناجيان أن صاحبهما يظن أنهما يتحدثان في غدره حرم عليهما كان في سفر أو حضر وإن أمنا كره في السفر والحضر لأنه يعم المنفرد من حيث الجملة
النوع الحادي والعشرون ما يجري من الغرور والتدليس
وفي المقدمات لا يجوز للمرأة وصل شعرها ولا وشم وجهها ولا يديها ولا وشر أسنانها لقوله في الصحيح
( لعن الله الواصلة والمستوصلة والواشرة والمستوشرة والواشمة والمستوشمة والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله فالوشم التغزير بالأبرة ثم يحشى موضعه بالكحل فيخضر والوشر نحت الأسنان حتى تتفلج وتحدد أطرافها والمتنمصات قال المازري في المعلم النامصة التي تنتف الشعر من الوجه والمتنمصة التي يفعل بها ذلك وفي المقدمات ويجوز لها خضب يديها ورجليها بالحناء وأجاز مالك تطريف أصابعها ونهى عنه عمر بن الخطاب قال وهو يخطب يا معشر النساء اختضبن وإياكن والنقش والتطريف ولتخضب إحداكن يديها إلى هذا وأشار إلى موضع السوار وسبب المنع في وصل الشعر وما معه التدليس والغرور قال صاحب المقدمات تنبيه لم أر للفقهاء المالكية والشافعية وغيرهم في تعليل هذا الحديث إلا أنه تدليس على الأزواج ليكثر الصداق ويشكل ذلك إذا كانوا عالمين به وبالوشم فإنه ليس فيه تدليس وما في الحديث من تغيير خلق الله لم أفهم معناه فإن التغيير للجمال غير منكر في الشرع كالختان وقص الظفر والشعر وصبغ الحناء وصبغ الشعر وغير ذلك
سؤال
قال
( المؤمن لا يكون لعانا ) وورد اللعن في هذا الحديث وفي قوله
( لعن الله اليهود حرمت الشحوم ) الحديث وفي وقوله
( لعن الله المتشبهات بالرجال من النساء ) الحديث وأجيب عنه بوجهين أحدهما أن هذا إخبار بوقوع اللعن الذي هو البعد من الله تعالى على هذه الطوائف لا دعاء وإنما حرم دعاء الثاني أن لعان صيغة مبالغة وإنما يصلح لمن كان له ذلك عادة وكانت هذه اللفظات قليلة فلم تكن عادة فلم يندرج في النهي
النوع الثاني والعشرون مخالطة الذكور للإناث ونحوه
في المقدمات لا يحل للرجل أن يخلو بامرأة ليست منه بمحرم لقوله
( إن الشيطان ثالثهما ) معناه يوسوس بينهما وإذا كان معه غيره خشي أن يطلع عليه تحدثه بالمعصية ويجوز النظر للمتجالة لقوله تعالى ( والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة ) ولا يجوز له أن ينظر للشابة إلا لعذر من شهادة أو علاج أو إرادة زوجها لقوله
( هل نظرت إليها فإنه أحرى أن يدوم بينكما وتقدم بسطه في النكاح ) ويجوز للعبد أن يرى من سيدته ما يراه ذو المحرم منها لقوله تعالى ( وما ملكت أيمانكم ) إلا أن يكون له منظر فيكره أن يرى ما عدا وجهها ولها أن تواكله إن كان وغدا دنيا يومن منه التلذذ بها بخلاف الشاب الذي لا يؤمن واختلف في غير أولي الإربة الذين في الآية فقيل الأحمق المعتوه الذي لا يهتدي لشيء من أمر النساء وقيل الحصور والعنين الذي لا ينتشر للنساء وكذلك الخصي والأول لمالك ويؤيده قول النبي في المخنث الذي كان يلج على أزواجه لا يدخل هؤلاء عليكن ولا يجوز للخصي الدخول على المرأة إلا أن يكون عبدها واستخف إذا كان عبد زوجها للمشقة الداخلية عليها في استتارها منه وعنه جواز دخوله عليها إذ لم يكن حرا وكان عبد زوجها أو عبدها أو لغيرهما استحسانا ويفرق بين الصبيان في المضاجع قيل لسبع سنين وقيل لعشر إذا ضربوا على الصلاة وهو ظاهر قوله
( مروهم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع ) ولا يجتمع رجلان ولا امرأتان متعريين في لحاف لنهيه عن معاكمة الرجل للرجل بغير شعار ومعاكمة المرأة المرأة بغير شعار والمعاكمة هي ذلك لغة والمتاع المعكوم أي المشدود بعضه لبعض وعكيم المرأة ضجيعها قال ابن يونس يجوز له رؤية فرج امرأته في الجماع ومنع مالك رؤية خادم الزوجة فخذ وزوجها ولا يدخله عليه المرحاض وكذلك خادم ابنه وأبيه ولا بأس أن ينظر الرجل إلى شعر أم زوجته ولا ينبغي إن قدم من سفر أن تعانقه وإن كانت عجوزا وليبعد من أخت امرأته ما استطاع ويتقدم للصناع في قعود النساء إليهم ولا تجلس الشابة عند الصانع إلا الخادم الدون ومن لا يتهم فيها قال مالك لا بأس أن تغتسل المرأة في الفضاء بغير مئزر قال ابن أبي زيد قيل لمالك أيجامع إمرأته ليس بينهما ستر قال نعم قال إنهم يرون كراهيته قال ألغ ما يتحدثون قد كان النبي وعائشة رضي الله عنها يغتسلان عريانين فالجماع أولى قال مالك لا بأس أن يأتزر تحت سرته ويبدي سرته إن كان عظيم البطن وأنكر ما يفعل جواري المدينة يخرجن قد كشفن ما فوق الإزار قال وقد كلمت فيه السلطان فلم أجب لذلك قيل له فغلام بعضه حر هل يرى شعر سيدته قال لا أحبه واحتجبت عائشة رضي الله عنها عن أعمى فقيل لها إنه لا ينظر إليك فقالت لكن أنظر إليه قال ولا يعجبني النظر إلى شعر نساء النصارى قال اللخمي يرى المكاتب شعر سيدته بخلاف المشرك وإن كان وغدا
النوع الثالث والعشرون معاملة مكتسب الحرام كمتعاطي الربا والغلول وأثمان الغصوب والخمور ونحو ذلك
وفي الجواهر إما أن يكون الغالب على ماله الحرام أو الحلال أو جميعه حرام إما بأن لا يكون له مال حلال أو ترتب في ذمته من الحرام ما يستغرق ما بيده من الحلال فإن كان الغالب الحلال أجاز ابن القاسم معاملته واستقراضه وقبض الدين منه وقبول هديته وهيبة وأكل طعامه وحرم جميع ذلك ابن وهب وكذلك أصبغ على أصله من أن المال إذا خالطه حرام يبقى حراما كله يلزمه التصدق بجميعه قال أبو الوليد والقياس قول ابن القاسم وقول ابن وهب استحسان وقول أصبغ تشدد فإن قاعدة الشرع اعتبار الغالب وإن كان الغالب الحرام امتنعت معاملته وقبول هديته كراهة عند ابن القاسم وتحريما عند أصبغ إلا أن يبتاع سلعة حلالا فلا بأس أن يبتاع منه ويقبل هديته إن علم أنه قد بقي في يديه ما يفي بما عليه من التباعات على القول بأن معاملته مكروهة ويختلف على القول بالتحريم فإن كان الجميع حراما على ما تقدم تفسيره ففي معاملته وهديته وأكل طعامه أربعة أقوال يحرم ذلك كله وإن كانت السلعة التي وهب والطعام الذي أطعم علم أنه اشتراه نظرا إلى الثمن فإن علم أنه ورثه أو وهب له فيجوز إلا أن يكون قد ترتب في ذمته من الحرام ما يستغرق ما ورث أو وهب له فيكون حكمه حكم ما اشتراه وكذلك ما صاده والقول الثاني أن معاملته تجوز في ذلك المال فيما ابتاعه من السلع وما وهب له أو ورثه وكان عليه من التبعات ما يستغرقه إذا عامله بالقيمة ولم يحابه نظرا لتجدد المالك ولا تجوز هبته في شيء من ذلك ولا محاباته لأنه مستغرق الذمة بما يتعين له هذا المال والقول الثالث لا تجوز مبايعته في ذلك المال فإن اشترى به سلعة جاز أن تشترى وأن تقبل منه هبته وكذلك ما ورثه أو وهب له وإن استغرقه التبعات التي عليه قال ابن حبيب وكذلك هؤلاء العمال فيما اشتروه في الأسواق فأهدوه لرجل جاز له والقول الرابع يجوز مبايعته وقبول هبته وأكل طعامه في ذلك المال وفيما اشتراه أو وهب له أو ورثه وإن كان ما عليه من التبعات استغرقه قال أبو الوليد فعلى هذا القول يجوز أن تورث عنه واختلف على القول بمنع معاملته في ذلك المال وقبول هبته وأكل طعامه هل يسوغ للوارث الوارثة أولا على قولين يسوغ بالموارثة لا بالهبة قاله سحنون والثاني لا يسوغ بالميراث كما لا يسوغ بالهبة ويلزم الوارث التخلي عن هذا المال والصدقة به كما كان يلزم الموروث
مسألة
قال من اشترى سلعة حلالا بمال حرام والثمن عين قال أصحابنا يجوز شراؤها منه علم صاحبها بخبث الثمن أم لا لأن النقدين لا يتعينان وأجاز ابن عبدوس مع العلم بخبث الثمن دون الجهل وكره سحنون شراءها مع العلم والجهل فأما شراؤها بعرض بعينه حرام فلا يجوز فإن باع شيئا حراما بشيء حلال قال أحمد ابن نصر الداودي المأخوذ في الحرام حرام وحرم الحلال بيد لأخذه إن علم بذلك
مسألة
قال ابن نصر الداودي وصايا السلاطين المعروفين بالظلم المستغرقي الذمة غير جائزة عنهم مردودة ولا تورث أموالهم لأن ما بين أيديهم للمظلومين إن علموا أو للمسلمين إن جهلوا
مسألة
قال صاحب البيان قال مالك لا باس بحضور أهل الفضل الأسواق يشتري لنفسه وإن سومح لفضله وحاله فلا بأس به لأنه شيء كان منهم إليه دون سؤال وكان عمر ابن الخطاب رضي الله عته يدخل السوق وسالم بن عبد الله قال الله تعالى ( وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ) ردا لقول المشركين ( ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق )
مسألة
قال مال ببيت المال إن كان مجباه حلالا وقسم على الوجه المشروع فتركه إنما يكون ورعا وإيثارا لغيره على نفسه وهو حسن وإن كان محتاجا إليه فهو ممن قال الله فيهم ( ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ) وإن كان المجبا حلالا ولم يعدل في قسمته فمن العلماء من كره أخذه وأكثرهم يجيزه وإن كان المجبا حلال وحراما فأكثرهم كرهه وأجازه أقلهم فإن كان حراما صرفا حرم مالك الأخذ منه ومن العلماء من أجازه ومنهم من كرهه وهم الأكثر لأنه اختلط وتعذر رده غير أن غيره أحسن منه
مسألة
قال معاملة الذمي آكل الربا وبائع الخمر في ذلك المال أخف من المسلم قال لكونه غير مخاطب بفروع الشريعة على الصحيح من الأقوال وأجمعوا على أنه لو أسلم حل له ثمن الخمر ومال الربا بخلاف المسلم لو تاب له أن يعطيه في الجزية
مسألة
قال جزم أصبغ بتحريم كراء القياسر والحوانيت المغصوبة والمبنية بالمال الحرام ولا يقعد عندهم في تلك الحوانيت ولا تتخذ طريقا إلا المرة بعد المرة إذا احتاج إلى ذلك ولم يجد منه بدا وكذلك قاله ابن القاسم في المسجد قال أصبغ وما اكتسب في الحوانيت فهو حرام قال ابن رشد مقتضى الأصول عدم التحريم في المكتسب من الحوانيت ويلزمه الكراء لها في المدة الماضية ويحرم المقام فيها وأما المبنية بالحرام فلا يحرم كراؤها بل يكره قال لأن البنيان لبانيه والحرام مرتب في ذمته وكذلك المسجد تكره الصلاة فيه فقط والمال الحرام الذي لا يعلم ربه سبيل الفيء لا سبيل الصدقة على المساكين وعلى هذا تجوز الصلاة دون كراهة إذا جهل صاحب المال الحرام الذي بني به المسجد
مسألة
قال إذا غصبك وقضي عليه وليس عنده إلا مال حرام قال أصبغ لا يأخذ ويتبعه بماله عليه وإن دفع لك اللص أو الغاصب غير مالك لا يحل لك أخذه قال والذي يقتضيه القياس أخذ قيمة متاعه وإن استغرق ذمته الحرام
مسألة
قال قال أصبغ الذي لا يؤدي زكاته ماله كله فاسد لا يعامل ولا يوكل منه وإن عامله أحد تصدق بما وصل إليه منه كمعامل الغاصب لأنه غاصب للمساكين بل أشد من الغاصب وليس من ظلم واحدا كمن ظلم الناس أجمعين لأن الزكاة ظلم الفقراء والمساكين والأصناف الثمانية وللمشتري منه الرد عليه قال وهذا من أصبغ على أصله أن المال الذي بعضه حرام حرام كله وأما على رأي ابن القاسم إذا كان غالب ماله الحلال جازت معاملته وأما إذا كان ناويا إخراج الزكاة فتجوز معاملته وهبته وعلى الواهب إثم التأخير وقوله يتصدق بما عامله فيه فلا وجه له بل يتصدق بنائب المساكين وهو ربع عشره وقوله يرد عليه ما اشتراه سواء على أصله ما ابتاع من الطعام الذي لم يزكه أو باع منه شيئا بدنانير لم يؤد زكاتها وقيل لا يرد في الوجهين وهو المتجه على قوله ابن القاسم في المدونة إذا باع الثمرة بعد وجوب الزكاة لا يأخذها المتصدق من المشتري إن كان البائع عديما وقيل له ذلك في الطعام دون الدنانير ولا خلاف أن من باع واشترى من مستغرق الذمة بالحرام وهو لا يعلم أن له الرد لأنه لم يرض بمعاملة الذمة الحرام
مسألة
قال إمام الحرمين في كتابه الغياثي لو طبق الحرام الأرض جاز أن يستعمل من ذلك ما تدعو إليه الحاجات ولا تقف إباحة ذلك على الضرورات ليلا يؤدي إلى ضعف العباد واستيلاء الكفرة على البلاد وتنقطع الناس عن الحرف والصنائع بسبب الضعف ولا ينبسط فيه كما ينبسط في المباح قال وصورة هذه المسألة أن يجهل المستحق بحيث يتوقع معرفته فلو حصل الإياس منه بطلت المسألة وصار ذلك المال من بيت المال وإنما جاز ذلك للضرورة فإن جاز لمن حصلت له ضرورة غصب أموال الناس وهو واحد فجميع الناس أولى وقد يكون ذلك فاسقا عند الله تعالى والغالب أن الجماعة لا تخلو من ولي صالح
مسألة
قال بعض العلماء إذا دفع إلينا الظلمة بعض أموال الناس وعلمنا أنه مغصوب والآخذ ممن يقتدى به وأخذه يفسد ظن الناس فيه حرم عليه أخذه لما فيه من تضييع مصالح الفتيا والاقتداء وهذه المصالح أرجح من رد المغصوب على ربه وإن كان غير مقتدى به وأخذه لنفسه حرم عليه أو ليرده على المغصوب منه جاز فإن جهل مالكه وجب عليه أن يعرفه فإن تعذرت معرفته صرف في المصالح العامة وإن كان المال مأخوذا بحق فإن كان من أهل ذلك المال لكونه من أهل الزكاة أو الخمس وأعطي قدر حقه أخذه أو زائدا أخذ حقه ويبقي الزائد عنه لأهله وإن كان من الأموال العامة أخذه إن لم تفت بأخذه مصلحة الفتيا والاقتداء وصرفه في الجهات العامة قاعدة كل محرم إما لأجل وصفه كالخمر أو سببه كالبر المغصوب وكل ما حرم بوصفه فلا يحل إلا بسببه كالميتة مع الضرورة وكل ما حرم بوصفه فلا يحرم إلا بسببه وقد يقع التعارض في الوصف كالضبع من جهة أن لها نابا وأنها كانت تباع في الحرم من غير نكير وقد يقع في السبب كالعقد المتخلف فيه وتعارض الأدلة فيكون ذلك موجبا للورع ثم الشبهة على قسمين قسم يجوز الإقدام معه كشبهة الورع وشبهة يحرم الإقدام معها كشبهة درء الحد كالأمة المشتركة تنبيه أجمعت الأمة على أن المفسدة المرجوحة مغتفرة مع المصلحة الراجحة فكيف وقع الخلاف إذا خالط يسير حرام كثيرا حلالا والجواب أن الجمع هاهنا متيسر بالإبراء من ذلك اليسير أو الانتظار للقسمة أو الإقرار عند الحاكم وموضع الإجماع حيث يتعذر الجمع
مسألة
في الجواهر قال أبو عبد الله عماد الدين وقوامه هو المطعم وطيبه فمن طيب مطعمه زكى عمله وإلا خيف عليه عدم القبول لقوله تعالى ( إنما يتقبل الله من المتقين ) وسألت عائشة رضي الله عنها رسول الله فقالت من المؤمن قال الذي إذا أمسى سأل من أين قرصه قالت يا رسول الله من المؤمن قال الذي إذا أصبح سأل من أين قرصه قالت يا رسول الله لو علم الناس لتكلفوه قال قد علموا ذلك ولكنهم غشموا المعيشة غشما أي تعسفوا تعسفا ونظر إلى المصلين فقال لا يغرني كثرة رفع أحدكم رأسه وخفضه الدين الورع في دين الله والكف عن محارم الله والعمل بحلال الله وحرامه وقال الحسن الذكر ذكران ذكر اللسان فذلك حسن وأفضل منه ذكر الله عند أمره ونهيه تنبيه الدين أن يتكيف القلب بخوف الله وإجلاله حتى يكون بحيث يشق عليه مشقة عظيمة أن يجده الله تعالى حيث نهاه أو يفتقده حيث اقتضاه فهذا هو الرجل الدين ليس بكثرة الأعمال الظاهرة ولكن هذه الحالة قد يجعلها الله ثمرة الأعمال الظاهرة تنبيه إذا وقعت العبادة بشروطها وأركانها فقد أجزأت إجماعا وبرئت الذمة فما معنى القبول الذي يشك فيه بعد ذلك قال العلماء القبول الذي يختص بالمتقين هو ترتب الثواب ورفع الدرجات بها وفيض الإحسان وهو غير الإجزاء لأن الإجزاء معناه أنه صار غير مكلف بتلك العبادة وهذا عدم المواخذة ولا يلزم من عدم المواخذة حصول الدرجات والمثوبة
فرع
في الجواهر ليس من الورع شراء ما اشتري شراء فاسدا فإن فواته بالبيع إنما هو يمنع بعضه والشبهة قائمة فيه للخلاف في تقرر الملك بين العلماء وكذلك يكره شراء طعام ممن أكرى الأرض بالطعام وإن كان الطعام له لفساد العقد ويتحرى أبدا الأشبه وإذا أخبر البائع أن طعامه حلال وهو ثقة يعلم حدود الشرع صدق وإلا لم يتحقق الورع لكنه خير ممن يقول لا أدري وما غلب عليه الريبة في الأسواق اجتنب حتى يظهر صحة أصله وإذا لم يوجد ما يتحرى به إلا سؤال الباعة اعتمد على أصدقهم ومنع سحنون رجلا كسبه من بلاد السودان أن يعمل قنطرة يعبر الناس عليها وليس في كسب بلاد السودان إلا السفر إليها فيجتهد الإنسان بحسب الإمكان
النوع الرابع والعشرون ترك الإنسان ما لا يعنيه
وفي الجواهر لا ينبغي للإنسان أن يرى إلا محصلا حسنة لمعاده أو درهما لمعاشه ويترك ما لا يعنيه ويتحرس من نفسه ويقف عما أشكل عليه ويقلل الرواية جهده وينصف جلساءه ويلين لهم جانبه ويلتزم الصبر ويصفح عن زلة جليسه وإن جالس عالما نظر إليه بعين الإجلال وينصت له عند المقال وإن راجعه راجعه تفهما ولا يعارضه في جواب سائل سأله فإنه يلبس بذلك على السائل ويزري بالمسؤول وبقدر إجلال الطالب للعالم ينتفع به ومن ناظره في علم فبالسكينة والوقار وترك الاستعلاء وحسن التأني وجميل الأدب معينان على العلم والعالم أولى الناس بصيانة نفسه عن الدناءة وإلزامها الخير والمروءة ولا يجلس مجلسا لا يليق به فإن ابتلي بالجلوس فليقم بحق الله تعالى في إرشاد من استحضره ووعظه ولا يتعرض منه حاجة لنفسه ومن إجلال الله تعالى إجلال العالم العامل والإمام المقسط ومن سمة العالم أن يعرف زمانه ويقبل على شأنه حافظا للسانه متحذرا من إخوانه فلم يؤذ الناس قديما إلا معارفهم والمغرور من اغتر بمدحهم
النوع الخامس والعشرون في المدينة النبوية على ساكنها أفضل الصلاة والسلام
قال الباجي قال ابن دينار في قوله في الموطأ أمرت بقرية تأكل القرى يقولون يثرب وهي المدينة قال ابن دينار من سماها يثرب كتبت عليه خطيئة فإن الله تعالى سماها المدينة على لسان نبيه وسماها المنافقون يثرب في قوله تعالى ( يا أهل يثرب ) قال الباجي وهو اسمها قبل الإسلام واسمها بعده المدينة وطابة وطيبة وإجماع أهلها حجة فيما طرقه النقل اتفاقا وأما ما طريقه الاجتهاد فكذلك عند أكثر أصحابنا قال ابن أبي زيد قال النخعي لو رأيت الصحابة يتوضؤون إلى الكوعين لتوضأت كذلك فإنهم لا يتهمون في ترك السنن وهم أرباب العلم وأحرص خلق الله تعالى على اتباع رسول الله وقد تقدم في مقدمة الكتاب كون إجماعها حجة وفي كتاب الحج التفضيل بينها وبين مكة بأدلة ذلك مفصلا
النوع السادس والعشرون في الفرار من الوباء والطاعون
في الصحاح قال إذا سمعتم بالوباء في أرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه وقال الطاعون رجس أرسل على طائفة من بني إسرائيل أو على من كان قبلكم فإذا سمعتم به بأرض فلا تدخلوا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارا منه قال الباجي لا يقدم على الوباء لأنه تغرير بالنفس ولا يخرج منه لأنه استسلام لقدر الله والرجس العذاب وأول وقوع الطاعون كان عذابا وهو اليوم شهادة لمن وقع به من المؤمنين وهو أحد التسعة الشهداء ويجوز الخروج من بلاد الوباء لغرض آخر غير الفرار قال صاحب البيان قال مالك لا بأس بالقدوم على أرض الوباء والنهي الوارد نهي إرشاد لا تحريم من باب نهيه عليه السلام أن يحل الممرض على المصح ليلا يقع في نفسه إن ما أصابه شيء أنه لو لم يقدم لنجا منه بل لا محيد لأحد عن قدر الله تعالى ويؤجر إذا قدم عليه معتقدا أن أن ما أصابه بقدر الله وما أخطأه لم يكن يصيبه ويؤجر إن لم يقدم عليه اتباعا للنهي النبوي قال فهذا وجه تخيير مالك وكذلك قوله لا تخرجوا فرارا منه ليس بتحريم بل المقام أفضل استسلاما للقدر وعن النبي
( اللهم اجعل فناء أمتي بالطعن والطاعون ) وهو غدة كغدة البعير تخرج في التراقي والإباط وفي كون الأفضل المقام ببلد الوباء أو الخروج ثلاثة أقوال بعد الإجماع على عدم الإثم الأفضل أن يقدم عليه ولا يخرج وهو قول من أشار به من المهاجرين في قضية عمر بالشام والأفضل عدم القدوم والخروج عنه قاله عمرو ابن العاص والأفضل عدم القدوم وعدم الخروج قال إمام الحرمين منع من القدوم على الوباء لأن هواء ذلك البلد قد عفن وصار مفسودا مسموما والقدوم على مهلكات النفوس منهي عنه والخروج منه منهي عنه لأن الهواء المسموم وغيره في كل بلد تعلق بأهلها علوقا شديدا بواسطة التنفس والإحاطة بهم فلا يشعر بها للخروج إلا وقد حصل منه في جسم الخارج ما يقتضيه مزاجه الخاص به وذلك الهواء كما أجرى الله تعالى عادته فلا ينفعه الخروج فهو عبث والعبث منهي عنه وربما أضره السفر بمشقته فكان ذلك عونا للهواء على الموت والمرض
النوع السابع والعشرون الغناء وقراءة القرآن بالألحان ونحوه
وفي البيان الذي عليه أكثر المفسرين في قوله تعالى ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ) أنه الغناء واستماعه بشراء المغنية ومن الناس من يشتري ذات لهو الحديث أو يكون بمعنى يحبه أو يختاره ( أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى ) وقيل نزلت في النضر بن الحارث كان يشتري أحاديث الروم وفارس ويحدث بها قريشا فيلهيهم بها وقال أكل أثمان المغنيات حرام لا يحل تعليمهن قال ابن القاسم إن اشترى المغنية لا يريدها لعملها الغناء ولم يزد في ثمنها لغنائها فلا بأس به وثمن المغنيات حرام فإن اشتراها بأكثر من ثمنها لأجل غنائها فهو حرام على البائع مكروه للمبتاع ولا يحرم جميع الثمن بل الزائد لأجل الغناء كالبائع خمرا وثوبا صفقة واحدة تحرم حصة الخمر فقط
فرع
في المقدمات إن اشتراها فوجدها مغنية والغناء يزيد في قيمتها هل له الرد قولان قال والذي أراه إن كانت رفيعة للاتخاذ له الرد لخوف لخوق ذلك بالولد وإلا فليس عيبا وهو قول مالك
النوع الثامن والعشرون شد الأوتار ونحوها على الدواب
وفي مسلم نهى عن شد الأوتار على الخيل وفي الموطأ أرسل رسول الله رسولا والناس في مقيلهم لا يبقين في رقبة بعير قلادة من وتر إلا قطعت قال مالك أرى ذلك من العين قال الباجي مذهب مالك اختصاص النهي بالأوتار قال ابن القاسم لا بأس به من غير الوتر فإن قلد الجمال لا للعين جاز ووجه النهي أن صاحب الإبل يعتقد أن شد ذلك يرد العين والقدر وذهب بعضهم إلى تحريم التعليق على الصحيح من بني آدم وغيره من البهائم شيئا من التمائم خوف العين وجوزه للسقيم وقول مالك والفقهاء جوازه في الوجهين كما يجوز أن يفصد خوف ضرر الدم قبل المرض كما يفعله بعده فيجوز قبل العين وبعدها بالدعاء والحرز وقيل في قوله لا تقلدوا الخيل الأوتار معناه لا تركبوها في الثأر وطلب الفتن وكره مالك الجرس لصوته وقال هو أشد ويجوز تعليق العوذة فيها القرآن وذكر الله على الإنسان إذا خرز عليها جلد ولا خير في ربطه بالخيط وتباح قشرة الأشجار وعنه العير التي يصحبها جرس لا تصحبها الملائكة قيل هو لجلجل الكبير أما الصغير فلا قال صاحب البيان الأجراس والقلائد بغير ذكر الله تعالى في أعناق الإبل مكروهة عند عامة العلماء للحديث وكلما عظم الجرس كان أشد كراهة ويحتمل في تعليله شبهه بالناقوس وقيل إنما يكره الوتر لأن البهيمة قد تختنق به في شجرة ونحوها والخيط ينقطع سريعا
النوع التاسع والعشرون السوائب والبحار
قال صاحب البيان قال النبي
( أول من نصب النصب وسيب السوائب وغير عهد إبراهيم عليه السلام عمرو بن لحي ولقد رأيته في النار يجر نصبه يؤذي أهل النار برائحته وأول من بحر البحائر رجل من بني مدلج عمد إلى ناقتين له فجذع أذنيهما وحرم ألبانهما وظهورهما ثم احتاج إليهما فشرب ألبانها وركب ظهورهما ولقد رأيته وإياهما يخبطانه بأخفافهما ويعضانه بأفواههما ) قال صابح البيان كانوا إذا الناقة تابعت اثني عشر أنثى ليس فيهن ذكر سيبت فلم تركب ولا يجز وبرها ولا يشرب لبنها إلا ضيف وما أنتجت بعد ذلك من أنثى شق أذنها وخلي سبيلها مع أمها في الإبل لا يركب ظهرها ولا يشرب لبنها إلا ضيف فهي البحيرة ابنة السائبة والوصيلة الشاة تنتج عشر إناث متتابعات في خمسة أبطن ليس فيهن ذكر جعلت وصيلة وكان ما ولدته بعد ذلك للذكور منهم دون إناثهم إلا أن يموت منها شيء فيشركون في أكله ذكورهم وإناثهم الحامي الفحل يتم له عشر إناث متتابعات ليس فيهن ذكر فيحمي ظهره فلا يركب ولا يجز وبره ويخلى في إبله يضرب فيها لا ينتفع به لغير ذلك فالسائبة من السياب والبحيرة من البحر وهو الشق ومنه البحر لأنه شق في الأرض والحام من الحمى وهو المنع والوصيلة من الصلة لأنها وصلت أربابها بولدها وقال قتادة البحيرة الناقة تلد خمسة أبطن فإن كان الخامس ذكرا كان للرجال دون النساء أو اثنى شقوا أذنها وأرسلوها لا ينحر لها ولد ولا يشرب لها لبن ولا تركب والسايبة الناقة تسبب ولا تمنع حوضا تشرب فيه ولا مرعى ترتع فيه والوصيلة الشاة تلد سبعة أبطن فإن كان السابع ذكرا ذيح وأكله الرجال دون النساء وإن كانت أنثى تركت وقيل الوصيلة الشاة تلد سبعة أبطن فيذبحون السابع إن كان جديا وإن كان عناقا فاستحويهما كليهما وقالوا الجدي وصيلة أخته فحرمته علينا فقال الله تعالى ( ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون ) وسر التحريم أنهم كانوا يحرمون ما لم يحرمه الله فلا يضر الجهل بذلك وكيفيته فمثل لرسول الله النار في الدنيا فرأى فيها عمرا ممثلا فيها يجر قصبه وهي مصارينه على الحال التي يكون عليها في الآخرة قاله صاحب البيان
النوع الثلاثون في مسائل شتى
قال صاحب الاستذكار اختلف في قوله في الموطأ وغيره كل مولود يولد على الفطرة فقيل الخلقة لقوله تعالى ( فاطر السماوات ) أي خالقها أي فارغ من جميع الأديان وهو أصح الأقوال وقيل الاستقامة كقول موسى للخضر ( أقتلت نفسا زكية بغير نفس ) وكان طفلا وقيل الإسلام قاله عامة السلف لقوله تعالى ( فطرة الله التي فطر الناس عليها ) أي دين الله ولقوله في الحديث نفسه كما تناتج الإبل من بهيمة جمعا هل تحس من جذعا أي خلقت سليمة من العيوب وكذلك المولود خلق سليما من الكفر وقيل البدأة أي كل مولود يولد على ما ابتدأه الله عليه من الشقاء أو السعادة والفاطر المتبدئ ويعضده قوله
( لما سئل عن أطفال المشركين الله أعلم بما كانوا عاملين ) وقال الله تعالى ( كما بدأكم تعودون فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة ) وقيل الفطرة الإيمان طوعا وكرها لأنه تعالى لما قال للذرية يوم البذر ( ألست بربكم قالوا بلى ) فأهل السعادة قالوها عن علم وأهل الشقاء قالوها عن إكراه وجهل يؤيده قوله تعالى ( وله أسلم من في السماوات والأرض طوعا وكرها ) قالوا وهو معنى قوله تعالى ( كما بدأكم تعودون )
مسألة
قال قالت طائفة أولاد الناس كلهم المؤمنين والكافرين الأطفال إذا ماتوا موكولون لمشيئة الله من نعيم وعذاب لأنه أعلم بما كانوا به عاملين وقال الأكثرون أطفال المسلمين في الجنة وأطفال الكفار في المشيئة لقوله
( ما من المسلمين من يموت له ثلاث من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله وإياهم الجنة بفضله ورحمته ) وقيل الأطفال كآبائهم في الدنيا والآخرة لقوله هم من آبائهم وقيل أولاد الكفار وغيرهم في الجنة وقيل يمتحنون بنار تؤجج لهم من دخلها دخل الجنة وإلا دخل النار وهو مروي عنه وكره جماعة الكلام في الأطفال والقدر فهذه خمسة مذاهب في الفطرة وستة في الأطفال
مسألة في التنعم
قال صاحب البيان قال عمر رضي الله عنه إياك والتنعم وزي العجم إنما قال ذلك لأن التنعم بالمباح يسأل عنه وعن حق الله تعالى فيه قال الله تعالى ( ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ) وفي الحديث المشهور لتسألن عن نعيم يومكم هذا ورأي عمر رضي الله عنه جابر بن عبد الله فقال له ما هذا معك فقال يا أمير المؤمنين قرمنا إلى اللحم فاشتريت بدرهم لحما فقال عمر رضي الله عته ( أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها ) قال مالك توفي رسول الله وليس في المدينة منخل ينخل به دقيق بل يطحن الشعير ثم ينفض فما طار طار وما بقي بقي ولكنهم اتسعوا بعد ذلك بالفتوحات فكان لكثير منهم أموال عظيمة فكانت تركة الزبير بن العوام خمسين ألف ألف ومائتي ألف بعد أداء دينه وهو مائتا ألف ألف ومائة ألف وكانوا في الحالين مشكورين صبروا عند القلة وجادوا عند الكثرة وكتبت لهم أجور الزكاة والنفقات وغير ذلك من القربات وكان مال عبد الرحمن بن عوف يقطع بالفؤس وناب إحدى زوجاته الأربع في نصيبها من الثمن ثمانين ألفا واختلف الناس في الفقر والغنى على أربعة أقوال فقيل الغنى أفضل وقيل الفقر وقيل الكفاف وقيل الوقف وهذا في حق من يقوم في كل حالة بما يليق بها أما من لا يقوم بما يتعين عليه في حالة منها فلا خلاف أن الحالة الأخرى أفضل له ففي الحديث
( إن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى ) والفقر والغنى ليسا حسنين لذاتهما بل بالنسبة لآثارهما في الناس قال والذي أراه تفضيل الغنى على الفقر وتفضيل الفقر على الكفاف لقوله تعالى ( واسألوا الله من فضله ) وقوله تعالى ( ووجدك عائلا فأغنى ) وقوله تعالى ( وأعينهم تفيض من الدمع حزنا ألا يجدوا ما ينفقون ) وقوله تعالى ( الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا ) وقال :
( ذهب أهل الدثور بالأجور ) وكان في آخر عمره على أكمل أحواله وكان يدخر قوت عياله سنة ولم يكن ذلك قبل ذلك ونهي عن إضافة المال والآيات والأحاديث كثيرة جدا وكل ما يتصور من الفقير من الصبر والرضى يتصور من الغني في الإيثار وليس كل ما يتصور من الغني من القربات يتصور من الفقير قال وإنما قلت إن الفقر أفضل من الكفاف لأن صاحب الكفاف يشكر الله على نعمته عليه في الكفاف والفقير يؤجر من وجهين الصبر والرضا احتجوا لتفضيل الفقر بقوله تعالى ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) وبأن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام وبقوله الفقراء أكثر أهل الجنة ولأن الفقير أيسر حسابا وأقل سؤالا لا من أبن اكتسبت وفيما أنفقت والجواب عن الأول أن الأغنياء يساوونهم في الصبر على الإيسار ومخالفة الهوى وعن الثاني لا يلزم من سبقهم للدخول أن تكون درجتهم أعلى ولا مساوية وعن الثالث أن الفقراء أكثر في الدنيا فهم أكثر في الجنة ولا يلزم من ذلك علو الدرجة وعن الرابع أن السؤال يقع نعيما لقوم وعذابا لقوم فالمحسن يجيب بحسناته فينعم بذلك والمسيء يجيب عن السؤال بفعله القبيح وتصرفه الدنيء فيتعذب بجوابه فلا يضر الغني الشاكر السؤال بل ينفعه واحتج مفضل الكاف بقوله
( اللهم ازرق آل محمد الكفاف واجعل قوت آل محمد كفافا ) ودخل عباد على ابن هرمز في بيته فرأى فيه أسرة ثلاثة عليها ثلاث فرش ووسائد ومجالس معصفرة فقال له يا أبا بكر ما هذا فقال ابن هرمز ليس بهذا بأس وليس الذي تقول بشيء أدركت الناس على هذا وقال عمر رضي الله عنه إذا أوسع الله عليكم فأوسعوا على أنفسكم فما فضل عند الرجل من المال بعد أداء الواجب فلبس من رفيع الثياب وأكل من طيب الطعام وركب من جيد المراكب فحسن من غير إسراف فإن الله تعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده كما في الحديث وفي مسلم يقول الله تعالى ( يا عبدي أنفق أنفق عليك ) تنبيه قال بعض العلماء الحساب والمساءلة لايدخلان في المباح لما تقدم من أن المساءلة تكون نعيما لقوم وعذابا لقوم وكذلك الحساب عند الطاعات على العبد المطيع نعيم له وعند العاصي عذاب له وإلا فالله تعالى بكل شيء عليم فلولا ذلك لم يكن للمساءلة معنى ولا للحساب معنى وعلى هذا لا يدخلان في المباح لانتفاء الثواب والعقاب منه فيتعين حذف مضاف في قوله تعالى ( لتسألن يومئذ عن النعيم ) تقديره لتسألن يومئذ عن شكر النعيم وكذلك في قوله
( لتسألن عن شكر نعيم يومكم هذا وشكر الله تعالى طاعته وطاعته مسؤول عنها )
مسألة في الحياء
في الموطأ قال
( لكل دين خلق وخلق الإسلام الحياء ) وقال
( الحياء من الإيمان ) قال الباجي معنى خلق الإسلام أي شأنه الذي بني عليه وجعل من جملة أعماله والمراد فيها شرع الحياء فيه دون الحياء المفضي لترك تعلم العلم والعمل قال الحسن البصري لا يتعلم العلم مستحي ولا متكبر وكذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحكم بالحق والقيام بحق الشهادة والجهاد في الله تعالى وقوله
( الحياء من الإيمان ) أي من جنسه بينهما جنس عام وهو أن الإيمان يحث على الخير وينهى عن الشر وكذلك الحياء يحث على المكارم وينهى عن المساوئ
مسألة في الغضب
في الموطأ جاء رجل لرسول الله فقال علمني كلمات أعيش بهن ولا تكثر علي فأنسى فقال رسول الله لا تغضب وقال
( ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ) قال الباجي جمع له جوامع الخير في قوله لا تغضب فإن الغضب يدخل عليه الآثام وعلى الناس في معاداته وتفوت عليه مصالح دنياه وأخراه ومعنى لا تغضب لا تمضي ما يبعثك عليه غضبك فالمنهي عنه آثار الغضب لا الغضب لأنه يهجم على النفس قهرا عند أسبابه ويتفاضل الناس أيضا في مدافعة الغضب عن أنفسهم فبسبب المدافعة لا يغضب من السبب الحقير وهذا في أسباب الدنيا وأما في القيام بالحق فقد يجب الغضب في الجهاد وأهل العناد بالباطل وغيره وقد يكون مندوبا إذا علمت أنه يبعث على الخير ويحث على ترك الشرور ممن يعلم ذلك منك فقد سئل رسول الله عن ضالة الإبل فغضب حتى احمرت وجنتاه وقال ما لك ولها ويحتمل أن يكون هذا السائل في الحديث الأول علم منه كثرة الغضب فخصه بالوصية على ترك الغضب والصرعة الذي يكثر منه أن يصرع الناس كالهزأة والضحكة والنومة وقوله
ليس الشديد بالصرعة لم يرد نفي الشدة عنه فإنه بالضرورة شديد بل أراد نفي الشدة التامة أو الشدة النافعة فإن الذي يملك نفسه عند الغضب هو أعظم شدة وانفتح نفعا عظيما كما قال إنما الكريم يوسف لم يرد نفي الكرم عن غيره بل أراد إثبات مزية له في الكرم منفية عن غيره
مسألة في الضيافة
قال رسول الله
( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ) جائزته يوم وليلة وضيافته ثلاثة أيام وما كان بعد ذلك فهو صدقة ولا يحل له أن يثوي عنده حتى يخرجه قال الباجي أول من ضيف إبراهيم عليه السلام قال تعالى ( هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين ) فأخبر تعالى أنهم أكرموا وهي واجبة عند الليث بن سعد يوما وليلة وخالفه جميع الفقهاء لقوله فليكرم والإكرام ليس بواجب ولو قال فليضفه اتجه وقد يجب للمجتاز المضرور بالجوع قال مالك الضيافة إنما تتأكد على أهل القرى ولا ضيافة في الحضر لوجود الفنادق وغيرها ولأن القرى يقل الوارد إليها فلا مشقة بخلاف الحضر وهذا في غير المعرفة ومن بينكما مودة وإلا فالحضر والقرى سواء قال عيسى ابن دينار جائزته يوم وليلة أن يتحفه ويكرمه جهده أو تختص الجائزة بمن لم يرد المقام والثلاث بمن أرادها والزيادة صدقة أي غير متأكدة
مسألة في المحبة في الله
ففي الموطأ قال رسول الله
( يقول الله تعالى يوم القيامة أين المتحابون لجلالي اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي ) قال الباجي يكون الناس في حر الشمس إلا من يظله الله تعالى في ظله وقال ابن دينار معناه أمنعه من المكاره وأصرف عنه الأهوال وليس معناه حر ولا شمس وقال
( وجبت محبتي للمتحابين في والمتجالسين في والمتزاورين في ) وفي هنا للسببيه أي بسبب طاعتي يكون ذلك منهم وقولنا أحب في الله وأبغض في الله أي بسبب طاعة الله يحب وبسبب معصيته يبغض
مسألة في قتل الكلاب واقتنائها
وفي الموطأ قال من اقتنى كلبا لا يغني عنه ضرعا ولا زرعا نقص من عمله كل يوم قيراط وفي حديث آخر قيراطان قال الباجي قال مالك تتخذ الكلاب للمواشي قيل له فالنخاسون الذين يدعون دوابهم قال هي كالمواشي لا تتخذ خوف اللصوص في البيوت إلا أن تسرح مع الدواب في الرعي ولا يتخذ المسافر كلبا يحسره وسبب المنع ترويع الناس بها وتجوز للصيد وطريق الجمع بين قيراط وقيراطين أن القيراطين في الجنس الذي يكثر ترويعه للناس وفي الموطأ أمر رسول الله بقتل الكلاب قال الباجي قال مالك تقتل الكلاب ما يؤذي منها وما يكون في موضع لا ينبغي أن يكون فيه كالفسطاط ولا يمنع ذلك الإحسان إليها حال حياتها ولا تتخذ عرضا ولا تقتل جوعا ولا عطشا لقوله إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وقال ( ش ) لا تقتل الكلاب وهذا الحديث منسوخ بنهيه عن قتل الكلاب إلا الأسود البيهم ولم ير مالك نسخه إما لعدم بلوغ الناسخ له أو لأنه تأوله
مسألة فيما يكره من الأسماء
وفي الموطأ أن رسول الله قال لنعجة تحلب من يحلب هذه فقام رجل فقال له رسول الله ما اسمك فقال مرة فقال له رسول الله اجلس ثم قال من يحلب هذه فقال رجل فقال له رسول الله ما اسمك فقال حرب فقال له رسول الله اجلس ثم قال من يحلب هذه فقام رجل فقال رسول الله ما اسمك فقال يعيش فقال احلبها قال الباجي كان رسول الله يكره من الأسماء ما يقبح منها وسألهم عن أسمائهم ليناديهم بها أو ليتفاءل بها وغير رسول الله اسم ابنة عمر بن الخطاب كان اسمها عاصية فسماها جميلة قال والفرق بين هذه وبين الطيرة أن الطيرة ليس في لفظ ما يتطير به ولا في معناه ما يكره بل مجرد الوهم الفاسد وسوء الظن بالله تعالى قال والمنع في الأسماء لثلاثة أسباب القبح كما تقدم أو لمخالفة الدين كما كره اسم امرأة اسمها برة فقال تزكي نفسها وسماها رسول الله زينب قال مالك ولا يسمى بياسمين ولا بمهدي ولا جبريل والهادي أقرب قال صاحب البيان قال مالك يقول الله ( يس والقرآن الحكيم ) يقول هذا اسمي يس قال صاحب البيان قيل هو اسم الله تعالى وقيل هو اسم القرآن فعلى هذين تمتنع التسمية به وعن ابن عباس معناه يا إنسان بالحبشية وعن مجاهد مفتاح افتتح الله به كلامه فعلى هذين تجوز التسمية به فكرهه مالك للخلاف فيه وفي المنتفى نهانا رسول الله أن نسمي رفيقنا بأربعة أسماء أفلح ورباح ويسار ونافع لأنه يقال ثم هو فتقول لا وقد تمتنع التسمية منع تحريم لما فيها من التعاظم الذي لا يصلح إلا لله تعالى كما في مسلم قال إن أخنع الأسماء رجل تسمى بشاه شاه مالك الأملاك قال بعض العلماء يلحق به قاضي القضاة قال الباجي وقد يختص المنع بحياته كقوله
( سموا باسمي ولا تتكنوا بكنيتي وإما أنا قاسم أقسم بينكم ) فنهى أن يدعو أحد أحدا أبا القاسم لأن رجلا نادى رجلا بالبقيع يا أبا القاسم فالتفت رسول الله فقال يا رسول الله إني لم أعنك وهذا عدم بعده فلذلك كان يكني بذلك محمد بن أبي بكر الصديق ومحمد بن علي بن أبي طالب وغيرهما قال مالك وأهل مكة يتحدثون ما من بيت فيه اسم محمد إلا رأوا خيرا ورزقوا ومن أفضل الأسماء ما فيه عبودية لله تعالى قال في الصحيحين
( أحب أسمائكم إلى الله تعالى عبد الله وعبد الرحمن والكني على ضربين صادقة وكاذبة نحو يا أبا عمير ما فعل النغير وأبو محمد لعبد الله وأبو إبراهيم لإسماعيل فأخبر أن كنيته صادقة فإن قيل الكنية أبو القاسم وهو قاسم الغنائم لا أبو القاسم قلنا الأب هنا ليس على بابه كالابن في ابن السبيل لملازمته السبيل والقسمة أشبهت ملازمة الابن أمه أو الأب ابنه ومنه أبو الفضل وأبو المكارم
مسألة في الرفق بالمملوك
في الموطأ قال للملوك كسوته وطعامه بالمعروف ولا يكلف من العمل ما لا يطيق قال الباجي معنى بالمعروف ما يليق به في حاله ونفاده في التجارة ولا يلزم أن يساوي سيده الأعلى بالأدنى وعليه عمل الأحاديث الواردة في التسوية أطعموهم مما تأكلون ونحوه قاله مالك وقال ليس على السيد بيع عبده إذا اشتكى الغربة قال ولا بأس أن يقول العبد لسيده يا سيدي لقوله تعالى ( وألفيا سيدها لدى الباب ) ( وسيدا وحصورا ) قيل له يقولون السيد هو الله تعالى قال إن هذا في كتاب الله تعالى
مسألة في تحري الصدق والكذب
قال صاحب البيان قال عمر رضي الله عنه عليك بالصدق وإن ظننت أنه مهلكك قال ذلك فيما يلزمك أن تصدع به من الحق لما ترجوه من الصدق والفلاح وتحشاه من الفساد فالكذب عند السلطان ونحوه فتقول الحق وإن ظننت الهلاك فإن تيقنته فتسكت ولا يحل لك الكذب إلا أن تضطر إلى ذلك بالخوف على نفسك وإنما يلزمك الصدق وإن خفت على نفسك فيما عليك من الحقوق من القتل والسرقة والزنا ونحوه والكذب أربعة أقسام كذب لا يتعلق به حق لمخلوق نحو طار الغراب فيحرم إجماعا وكذب يتعلق به حق لمخلوق نحو فعل زيد كذا ولم يفعله وهو أشد من الأول لأن الأول تخلص منه التوبة بخلاف الثاني بل يحلله صاحبه أو يأخذه منه وكذب لا يضر أحدا يقصد به خيرا نحوه في الحرب والإصلاح بين الناس وكذب الرجل لامرأته فيما يعدها به ويستصلحها به فقد جوزته السنة وقيل لا يباح إلا المعاريض وقيل معاريض القول جائزة في كل موطن قال وأراه مكروها لما فيه من الألغاز فيظن أنه قد كذب فيعرض عرضه للفساد وكذب في دفع مظلمة لظالم يريد أحدا بالقتل أو الضرب فينكر موضعه وهو يعلمه فيجب لما فيه من الدفع عن المعصوم وفي الموطأ قال رجل لرسول الله أأكذب لامرأتي فقال رسول الله لا خير في الكذب فقال الرجل أعدها وأقول لها فقال رسول الله لا جناح عليك قال الباجي قوله لا خير في الكذب يريد كذبا ينافي الشرع أما الإصلاح فلا وقوله أعدها يحتمل أعدها وأنا أريد الوفاء قال ابن قتيبة الكذب إنما هو في الماضي والخلف في المستقبل لأن المستقبل قابل للوقوع على وفق الوعد والماضي تعين كذبه قال صاحب القبس إخلاف الوعد كذب وإنما أنكر على الرجل صورة اللفظ لأن الكذب أصله التحريم فلما جاء بلفظ حسن أذن له
مسألة عذاب العامة بدنوب الخاصة
وفي الموطأ قالت أم سلمة يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون قال نعم إذا كثر الخبث وقال الله تعالى ( واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة ) وعارض هذه النصوص قوله تعالى ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) وقوله تعالى ( لا يضركم من ضل إذا اهتديتم )
مسألة في سؤال العطاء من الناس
قال صاحب القبس إن كانت المسألة لحاجة ضرورية دينية أو دينوية وجبت عند الفقهاء والمشقة دون الحاجة ندب إليها إذ يجوز له احتمال المشقة أو لشهوة كرهت وإن كان ذلك نادرا أبيحت ومذهب الفقهاء أن اليد العليا هي المعطية ومذهب الصوفية هي الآخذة لأنها يد الله تعالى وأما في الحديث اليد العليا هي المتفقة من كلام الراوي
مسألة في التواضع
قال ابن يونس قال لعبد الله بن عمر
( اعبد الله كأنك تراه وكن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ) وقال ما من آدمي إلا وفي رأسه حكمة بيد ملك إذا رفع بنفسه ضربه بها وقال انخفض خفضك الله وإن تواضع رفعه بها وقال ارتفع رفعك الله
مسألة في التحلل من الظالم
قال صاحب البيان قال مالك إن تسلف منك وهلك لا مال له فالأفضل أن تحلله بخلاف الذي يطلبك قال صاحب البيان في التحلل ثلاثة أقوال المنع قاله سعيد بن جبير التحليل أفضل لقوله تعالى ( ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور ) وفي الحديث قال
( ينادي مناد يوم القيامة من له حق على الله فليقم فيقومون العافون عن الناس ) وهو معنى قوله تعالى ( فمن عفا وأصلح فأجره على الله ) الثالث تفرقة مالك وجه الأول أنه محتاج للحسنات يوم القيامة وجه التفرقة قوله تعالى ( إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ) فرأى مالك أن ترك المحالة عقوبة وزجر له هذا باعتبار الآخرة وأما في الدنيا فالعفو عن الظالم والصفح عنه أفضل في بدنه وماله
مسألة في رفع اليد في الدعاء
قال قال مالك لا بأس به ولا يرفعهما جدا قال وأجاز الرفع في الدعاء بعد الصلاة لأنه موضع الدعاء كالاستسقاء وعرفة والمشعر الحرام واختلف قوله في الدعاء عند الجمرتين ورفع اليدين فيهما وعنه لا يرفع يديه في الدعاء بعد الصلاة والأول في المدونة
مسألة في الأكل من الحوائط ونحوها
قال صاحب البيان قال مالك المار بالبساتين لا يأكل منها لأن أجراءها يطعمون منها وكذلك اللبن من الرعاة إذا لم يطعمه أرباب الماشية وإن دخل الحوائط فوجد ثمرة في الأرض فلا يأكل إلا من حاجة أو يأذن له ربها ولا يأكل وإن كان صاحب الحائط صديقه إلا بإذنه قاله مالك وكذلك أبوه وأمه وأخوه وأجازه غيره لقوله تعالى ( أو صديقكم ) ففي المسألة ثلاثة أقوال ثالثها الفرق بين الصديق وغيره ولا خلاف في الجواز للمحتاج قال ابن يونس قال مالك إذا جذت النخل وبقي فيها شيء إن علمت طيب نفس صاحبها لك أكله وأخذه وقال أشهب إن علم أن صاحبه أذن فيه فإن كان يراه فلا بد من إذنه ولعله يستحي منه أو يخافه
مسألة فيما يتعلم من علم النجوم
قال صاحب المقدمات يتعلم منها ما يستدل به على القبلة وأجزاء الليل وما مضى منه وليهتدي في ظلمات البر والبحر ويعرف مواضعها من الفلك وأوقات طلوعها وغروبها وهو مستحب لقوله تعالى ( وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر ) وأما ما يفضي إلى معرفة نقصان الشهر ووقت رؤية الهلال فمكروه لأنه لا يعتمد عليه في الشرع فهو اشتغال بغير مفيد وكذلك ما يعلم به الكسوفات مكروه لأنه لا يغني ويوهم العامة أنه يعلم الغيب بالحساب فيزجر عن الإخبار بذلك ويؤدب عليه وأما ما يخبر به المنجم من الغيب من نزول الأمطار أو غيره فقيل ذلك كفر يقتل بغير استتابة لقوله قال الله عز وجل أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب وقيل يستتاب فإن تاب وإلا قتل قاله أشهب وقيل يزجر عن ذلك ويؤدب وليس اختلافا في قول بل باختلاف حال فإن قال إن الكواكب مستقلة بالتأثير قتل ولم يستتب إن كان يسرته لأنه زنديق وإن أظهره فهو مرتد يستتاب أو اعتقد أن الله تعالى هو الفاعل عندها زجر عن الاعتقاد الفاسد الكاذب لأنه بدعة تسقط العدالة ولا يحل لمسلم تصديقه قال والذي ينبغي أن يعتقد فيما يصيبون فيه أن ذلك على وجه الغالب هو قوله إذا نشأت سحابة بحرية ثم تشاءمت فتلك عين غديقة
مسألة
قال مالك في مختصر ابن عبد الحكم لا يعلم أبناء اليهود والنصارى الكتاب لأنهم يستعينون بها على الباطل والله تعالى يقول ( ولا تعاونوا على الإثم والعدوان )
مسألة
الفقهاء السبعة فقهاء المدينة وعليهم المدار وهم البركة وأسماؤهم مهمة ينبغي أن تحفظ وهم سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد وخارجة بن زيد بن ثابت وعبيد الله بن عبد الله بن مسعود وسليمان بن يسار وأبو بكر بن عبد الرحمن وقد نظموا في قول الشاعر : ( ألا كل من لا يقتدي بأئمة ** فقسمته ضيزى عن الحق خارجه ) ( فخذهم عبيد الله عروة قاسم ** سعيد أبو بكر سليمان خارجه )
مسألة فيما فيه التيامن
قال في المقدمات كان رسول الله
( يحب التيامن في أمره كله وقال إذا توضأتم فابدؤوا بأيمانكم ) وقال
( إذا أكل أحدكم فليأكل وليشرب بيمينه وليأخذ بيمينه وليعط بيمينه فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله ويأخذ بشماله ويعطي بشماله ) فكانت يده اليمنى لطعامه وطهوره واليسرى لحاجته وما كان من الأذي قال فإن فعل ما يفعل باليمنى بالشمال أو بالعكس لم يأثم والذي للشمال الأذي كله وقد نهي أن يغسل الرجل باطن قدميه بيمينه ولا يستنجي الرجل بيمينه ولا يمس ذكره ولا باطن قدميه ولا يتمخط وقال بعض العلماء يتمخط بيمينه وينزع الأذى من أنفه بيمينه وامتخط الحسن بن علي عند معاوية رضي الله عنهم بيمينه فقال له معاوية بشمالك فقال له الحسن يميني لوجهي وشمالي لحاجتي وهو مذهب علي أبيه رضي الله عنهما
مسألة ما يؤتى من الولائم
قال صاحب المقدمات هي خمسة أقسام واجبة الإجابة إليها وهي الوليمة في النكاح لأمره بذلك ومستحب الإجابة وهي المأدبة وهي الطعام يعمل للجيران للوداد ومباحة الإجابة وهي التي تعمل من غير قصد مذموم كالعقيقة للمولود والنقيعة للقادم من السفر والوكيرة لبناء الدار والخرس للنفاس والإعذار للختان ونحو ذلك ومكروه وهي ما يقصد بها الفخر والمحمدة لا سيما أهل الفضل والهيآت لأن إجابة مثل ذلك يخرق الهيبة وقد قيل ما وضع أحد يده في قصعة أحد إلا ذل له ومحرم الإجابة وهي ما يفعله الرجل لمن يحرم عليه قبول هديته كأحد الخصمين للقاضي
مسألة في المساجد وما تنزه عنه
قال الله تعالى ( في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال ) فتنزه عما عدا هذا وفي المقدمات تنزه المساجد عن عمل الصناعات وأكل الألوان والمبيت فيها إلا من ضرورة للغرباء ومن الوضوء فيها واللغط ورفع الصوت وإنشاد الضالة والبيع والشراء وتقليم الأظفار وقص الشعر والأقذار كلها والنجاسات وقال
( جنبوا مساجدكم صيانكم ومجانينكم وسل سيوفكم ورفع أصواتكم واجعلوا مطاهركم على أبوابها ) وفي الكتاب يكره أن يبني الرجل المسجد ويبني فوقه بيتا قال صاحب الطراز ظاهره المنع عمله للسكن أو مخزنا لأن هواء المسجد مسجد وله حكم المساجد في الحرمة فلا يجامع ولا يبال فيه ويأكل ما لا يزفر ولا يجمع الذباب وخفف في مساجد القرى في الطعام والميت للأضياف قال مالك لا يؤدب في المسجد وجوز مالك التعزيز بالأسواط اليسيرة بخلاف الكثيرة والحدود وجوز قضاء الدين بخلاف البيع والصرف لأنه معروف وجوز أن يساوم رجلا ثوبا عليه أو سلعة تقدمت رؤيتها وجوز مالك كتب المصحف فيه وكره سحنون تعليم الصبيان فيه قال الباجي إن منعه لعله التوقي جازت كتابه المصحف أو لأنه صنعة منعت كتابة المصحف قال مالك في الكتاب لا يورث المسجد قال ابن القاسم بخلاف البنيان تحت المسجد قال سند إن بنيت مسجدا فأراد أحد أن يبني تحته مسجدا منع لتعين النفقة للمسجد وإن بنيت مسجدا على شرف فأراد آخر أن ينقب تحته بيتا منع إلا بحكم حاكم لأنه من حقوق المسجد فإن رأى الحاكم أن ينقب بيتا يرتفق به المسجد جاز ولا يكون لهذا البيت حرمة المسجد بل يدخله الحائض والجنب بخلاف سطح المسجد فإن المسجد يرفع في السماء ولا ينزل في الأرض ولهذا يجوز التنفل في الكعبة وعلى ظهرها ولو كان تحتها مطموره أو سرب امتنع التنفل قال وقوله لا يورث المسجد محمول على ما إذا أباحه للناس أما إذا بنى في بيته مسجدا ليصلي فيه ولا يبيحه للناس يجمع فيه أهل بيته ومن يتضيف به فيورث ويغير لأنه ملكه قال الطرطوشي ومما أحدثه الناس من البدع في المساجد المحاريب وكره الصلاة فيه النخعي وسفيان وغيرهما قال
( ما أمرت بتشديد المساجد ) قال ابن عباس أما والله لنزخرفنها كما زخرفت اليهود والنصارى وقال لما قيل له في مسجده بل عريش كعريش أخي موسى ثمام وحشبات والأمر أعجل من ذلك وقال علي رضي الله عنه إذا زينوا مساجدهم فسدت أعمالهم قال مالك وكره الناس ما عمل في مسجد النبي من الذهب والفسيفساء يعني الفصوص لأنه مما يشغل عن الصلاة بالنظر إليه قال مالك ولا يكتب في جدار المسجد قرآن ولا غيره قال صاحب البيان تحسين بناء المساجد وتجصيصها مستحب والمكروه تزويقها بالذهب وغيره والكتابة في قبلتها والابن نافع وابن وهب تزين المساجد وتزويقها بالشيء الخفيف مثل الكتابة في قبلتها ما لم يكثر حتى يصل للزخرفة المنهي عنها
فرع
قال صاحب البيان كره مالك الدعاء عند دخول المساجد وعند الخروج منها كراهة شديدة لأنه بدعة وكره الإتيان بالمراوح بتروح بها القوم لأنها رفاهية والمساجد موضع عبادة
فرع
قال قال مالك المذاكرة في الفقه أفضل من الصلاة
فرع
قال الطرطوشي في كتاب الحوادث والبدع كره مالك القصص في المسجد وقال تميم الداري لعمر بن الخطاب رضي الله عنه دعني أدع الله وأقص وأذكر الناس فقال عمر لا فأعاد عليه فقال له أتريد أنا تميم الداري فاعرفوا بي قال مالك ولا يجلس إليهم وإنه لبدعة ولا يستقبلهم الناس وكان ابن عمر رضي الله عنهما يلفي خارج المسجد فيقول ما أخرجني إلا صوت قاصكم ولم يظهر القصاص إلا بعد زمان عمر ولما دخل علي رضي الله عنه المسجد أخرج القصاص منه حتى انتهى إلى الحسن يتكلم في علوم الأحوال والأعمال فاستمع له وانصرف ولم يخرجه وقال الحسن البصري إعانة رجل في حاجة خير من الجلوس لقاص
فرع
قال ولا يتحدث بالعجمة في المسجد لما قيل إنها خب ولا يرقد شاب في المسجد ومن له بيت وأهل الصفة لم يكن لهم بيوت قال ابن حبيب لا بأس بالقايلة في المسجد والاستلقاء فيه والنوم للحاضر المقيم ولا يتخذه سكنا إلا رجل تبتل للعبادة وقيام الليل إذا كان وضوؤه ومعاشه في غير المسجد وكره مالك أن يتخذ الرجل فراشا في المسجد ويجلس عليه والوسادة يتكئ عليها وقال ليس من عمل الناس ورخص في المصليات ونحوها من النخاخ وحصر الجريد وكانت إلا ما تعلق في المسجد على عهد النبي لأضياف النبي والمساكني يأكلون منها ويجعل في المساجد الماء العذب للشرب وكان في مسجد النبي ويكره قتل القفلة ودفنها في المسجد ولا يقتلها بين النعلين ولا يطرحها من ثوبه في المسجد وكذلك البرغوث وهو أخف قال مالك وليصرها حتى يقتلها خارج المسجد وقال البصاق في المسجد خطيئة وكفارتها دفنها قال مالك لا يبصق على حصير المسجد ويدلكه برجله ولا بأس أن يبصق تحت الحصير فإن كان المسجد محصبا فلا بأس أن يحفر للبصاق ويدفنه قال ابن القاسم فإن لم يكن فيه حصباء يمكنه أن يدفنه فيه فلا يبصق قال مالك لا يتنخم تحت النعل إلا أن لا يصل إلى التنخم تحت الحصير قال محمد ابن أبي مسلمة لم يزل الناس يتنخمون في المسجد ويبصقون فيه قبل أن يحصب وبعدما حصب وأول من حصب عمر ابن الخطاب قال مالك وينهي السؤال عن السؤال في المسجد والصدقة في المسجد غير محرمة وكره مالك جلوس الناس يوم عرفة في المساجد للدعاء
مسألة
قال صاحب البيان قال مالك تصلى النافلة في مسجد رسول الله في مصلى النبي ويتقدم في الفرض إلى الصف الأول ويبتدئ الداخل بالركوع وإن ابتدأ بالسلام فواسع قال ابن القاسم الركوع أحب إلي لقوله
( إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ) والفاء للتعقيب
مسألة
قال مالك أكره أن يقول أهل المسجد لرجل حسن الصوت اقرأ علينا لأنه شبه الغناء قيل له فقول عمر لأبي موسى ذكرنا ربنا قال أحاديث سمعتها وأنا أنفيها وهؤلاء يتحدثون ذلك يكتسبون به قال إنما كرهه مالك إذا أرادوا حسن صوته أما إذا قصدوا رقة قلوبهم لسماع قراءته الحسنة فلا لما تقدم عن عمر وكره مالك الحديث المروي خشية الذريعة للقراءة بالألحان وكذلك يكره تقديمه للإمامة لحسن صوته فقد قال
( بادروا بالموت قوما يتخذون القرآن مزامير يقدمون أحدهم ليغنيهم وإن كان أقلهم فقها ) وكره مالك الاجتماع لقراءة سورة واحدة لما فيه من المنافسة في حسن الصوت والتلحين ولا يقرأ جماعة على واحد لما فيه من عدم الفهم عن كل واحد غلطه ولأن القرآن يتعين الاستماع له وكذلك آية من هذه السورة وآية من أخرى ويكره قراءة جماعة على جماعة لعدم الاستماع واستخفافهم بالقرآن والاجتماع في سورة واحدة بدعة لم يختلف قول مالك فيه قال وأما جماعة على واحد فالكراهة عند عدم القدرة على الرد عليهم
مسألة
على المستشار للمستشير أن يعمل نظره ولا يشير إلا بعد التثبت لقوله
( المستشار مؤتمن ) قال
( والدين النصيحة قبل لمن يا رسول الله قال لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ) قلت يحسن أن يشترط في المشير سبعة شروط العقل الوافر لأنه النور الذي يهديه والمودة حتى تنبعث الفكرة وأن يكون سعيدا لأن الذي في خمولة رأيه من جنس حاله وأن يكون من أهل شيعتك فإنك إن استشرت في القضاء من يحبه أشار عليك به كما يشير به على نفسه وكذلك المكاس يشير بالمكس وأن يكون عارفا بتلك القضية حتى يتمكن من تحصيل مفاسدها ومصالحها ويرجح بينها وأن لا يكون ضجرا لأن الضجر لا يطول فكره فلا يطلع على جميع جهات المستشار فيه وأن يكون دينا لأن الدين ملاك الأمر ونظام المصالح هـ
مسألة
قال قال مالك إذا قام الرجل من مجلسه هو أحق به إن كان إتيانه قريبا وإن بعد فلا قال صاحب البيان وإن قام منه على أن لا يرجع إليه ورجع عن قرب فحسن أن يكون له ويقام له عنه وإن قام على أن يرجع وجب القيام له منه إن رجع بالقرب
مسألة
قال قال مالك إذا أسلم الكافر لا يثاب على ما عمل من خير خال كفره لقوله
( الأعمال بالنيات ) وهو إنما يقصد بعمله حالة كفره الشكر والثناء لا التقرب وقوله لحكيم ابن حزام لما قال له أرأيت أمورا كنا نتحنث بها في الجاهية من صدقة وعتاقة وصلة رحم لنا فيها من أجر فقال له رسول الله
( أسلمت على ما أسلفت من خير ) فحمل على الخير الذي سأله في دنياه من المحمدة والشكر وينتفع به عقبه من بعده في حرمته عند الناس تنبيه الاعتماد على قوله الأعمال بالنيات ونحوه لا يعم لأن من الأول ما اتفقت عليه الشرائع كحفظ الدماء والأموال ونحوها من تعظيم الرب سبحانه وتعالى وغير ذلك فأمكن الكافر أن يفعلها بقصد التقرب للثناء والشكر ثم لو فرضنا من الكفار من آمن بالشريعة المحمدية كلها إلا سورة من القرآن فإنه كافر إجماعا مع أنه يعتقد وجوب العبادات كلها ويفعلها على وجه التقرب وكذلك المقابل الذي كفر بظاهره فقط فيحتاج في المسألة إلى مدرك غير هذا
مسألة
قال قال مالك يكره الكلام بعد صلاة الصبح ولا يكره قبل الفجر لأن النبي كان يصلي بالليل إحدى عشرة ركعة ثم ينصرف قالت عائشة فإن كنت يقظانة حدثني أو نائمة اضطجع حتى يأتيه المؤذن وكذلك بعد الفجر ورأيت نافعا مولى ابن عمر وموسى بن ميسرة وسعيد بن أبي هند لا يكلم أحد صاحبه بعد الصبح اشتغالا بالذكر لله تعالى وأهل العراق يكرهون الكلام بعد طلوع الفجر إلى صلاة الصبح ولا يكرهونه بعدها والسنة ترد عليهم قال وكره مالك النوم قبل العشاء بعد المغرب خشية النوم عنها والحديث بعدها لتستريح الحفظة وكلاهما النهي عنه في الصحيح وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما النوم ثلاثة نوم خرق ونوم خلق ونوم حمق فنوم الخرق نومة الضحي يكون الناس في حوائجهم وهو نائم ونوم الخلق نومة القائلة ونوم الحمق حين حضور الصلاة وكره بعضهم النوم بعد العصر لقوله
( من نام بعد العصر فاختلس عقله فلا يلومن إلا نفسه ) وعورض بأنه أرسل عليا في حاجة وقد صلى الظهر بالصهباء فرجع وقد صلى النبي فوضع رأسه في حجر علي فلم يحركه حتى غابت الشمس فقال النبي اللهم إن عبدك عليا حبس نفسه على نبيه فرد عليه شروقها قالت أسماء فطلعت الشمس حتى وقعت على الجبال وعلى الأرض ثم قام علي رضي الله عنه فتوضأ وصلى العصر ثم غابت الشمس
مسألة
قال قال رسول الله
( رباط ليلة في سبيل الله أفضل من ألف ليلة يقوم ليلها لا يفتر ويصوم نهارها لا يفطر ومن رابط فواق ناقة حرمه الله على النار ) والرباط أن يخرج من منزله إلى ثغر يقيم لحراسة أهل ذلك الثغر ممن يجاوره وليس من سكن الثغر بأهله وولده مرابطا وقيل فيه إنه أفضل من الجهاد لأن الجهاد لسفك دماء المشركين والرباط لحقن دماء المسلمين وهو أحب إلى الله تعالى من سفك دماء المشركين قال وذلك يصح في وقت الخوف على الثغر لا مطلقا كما قاله عبد الله بن عمر
مسألة
قال لا تدخل ديار ثمود وعاد وغيرهم من المعذبين ولا تشرب من مائهم وتجنب آثارهم لقوله لا تدخلوها إلا باكين أو متباكين وعجن بعض الصحابة رضي الله عنهم بمائهم فأمر الله فأطعم الإبل
مسألة
قال قال مالك لا يستكتب النصراني لأن الكاتب يستشار والنصراني لا يستشار في المسلمين قال ولا يستكتب القاضي إلا عدلا مسلما مرضيا
مسألة
قال قال مالك لا تكتب المصاحف على ما أدثه الناس من الهجاء اليوم إلا على الكتب الأول لأن براءة لما لم يكتب في أولها بسم الله الرحمن الرحيم في المصاحف الأولى لم يكتب اليوم قال مالك وألف الصحابة رضي الله عنهم السور الطوال وحدها والقصار وحدها مع أن النزول لم يقع على هذا الترتيب بل ألفوه على ما سمعوه من قراءة رسول الله قال ولا يومر الصبيان أن يكتبوا بسم الله الرحمن الرحيم أو السورة ثم لا يكتبوها بعد ذلك كما هو في المصحف بل كلما كتبوا شيئا من القرآن كتبوها ابتداء لأنهم يتعلمون بذلك ولم يجعلوه إماما قال قال مالك ولا أرى أن تنقط المصاحف ولا يزاد فيها ما لم يكن فيها وأما مصاحف صغار يتعلم فيها الصبيان فلا يمتنع قال صاحب البيان اختلف القراء في كثير من النقط والشكل لأنه لم يتواتر فلا يحصل العلم بأنه كذلك نزل وقد يختلف المعنى باختلافه فكره مالك أن يثبت في أمهات المصاحف ما فيه اختلاف وكره تعشير المصحف بالحمرة بخلاف السواد واختلف قوله في تحلية أغشيته بالذهب فكرهه وأجازه وأجاز الفضة وكره كتابة القرآن أسداسا وأتساعا في المصاحف كراهة شديدة وقال لا يفرق القرآن وقد جمعه الله
مسألة
قال قال ابن القاسم في طعام الفجأة بأن يغشى الرجل القوم وهم يأكلون إن دعوه أجابهم وإن لم يدعوه لا يأكل لهم شيئا قال صاحب البيان هذا يختلف باختلاف حال القوم إن ظهر بشرهم بقدومه أكل أو الكراهة وإنما دعوه حياء لا يأكل وإن دعوه من غير استحباب ولا كراهة
مسألة
قال لا يكره الأخذ بالرخص التي رخص الله تعالى فيها كالتعجيل في يومين في الحج وقصر الصلاة ونحوها بل الأفضل الأخذ بها وإنما يكره فيما اختلف العلماء فيه بالإباحة والمنع فإن أخذ بالمنع سلم وإن أخذ بالإباحة خشي الإثم
مسألة
قال يكره الإكثار من العبادة على وجه يؤدي للانقطاع لقوله إن الله لا يمل حتى تملوا وقال
( إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى )
مسألة
قال قال ابن القاسم للجن الثواب والعقاب قلت وحكى المحاسبي قولين في التنعيم والإجماع على تعذيب الكافر منهم لقوله تعالى ( لأملأن جنهم من الجنة والناس أجمعين ) ولم يرد نص في أن الجن في الجنة غير أن العمومات تتناولهم نحو قوله تعالى ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات النعيم ) ( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ) ونحو ذلك
مسألة
قال لم يكره ابن القاسم للعاطس أن يحمد الله تعالى وهو يبول وكرهه ابن عباس في الخلاء والجماع
مسألة
قال لم يكره مالك للشابة العزبة الخضاب والقلادة فعن رسول الله أن امرأة أتته فقال لها ما لك لا تختضبين ألك زوج قالت نعم قال فاختضبي فإن المرأة تختضب لأمرين إن كان لها زوج فلتخضب لزوجها وإن لم يكن لها زوج فلتختضب لخطابها
مسألة
قال المقاصير في الجوامع مكروهة وأول من اتخذها مروان حين طعنه اليماني فجعلها من طين
مسألة
قال بعض العلماء قد يحرم الله تعالى ما لا مفسدة فيه عقوبة وحرمانا أو تعبدا فالأول كتحريم ذي الظفر والشحوم على اليهود عقوبة لهم ولو كان لمفسدته لما حل لنا مع أنا أكرم على الله منهم ونص تعالى على ذلك بقوله ( ذلك جزيناهم ببغيهم ) وبقوله تعالى ( فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم ) وتحريم التعبد كتحريم الصيد في الإحرام والدهن والطيب واللباس فإنها لم تحرم بصفتها بل لأمر خارج كما قال الغير
مسألة
قال بعض العلماء إنما التزم رسول الله في صلح الحديبة إدخال الضيم على المسلمين دفعا لمفاسد عظيمة وهي قتل المؤمنين والمؤمنات الحالين بمكة فاقتضت المصلحة أن ينعقد الصلح على أن يرد إلى الكفار من جاء منهم إليه لأنه أهون من قتل المؤمنين مع أن الله تعالى علم أن في تأخير القتال مصلحة عظيمة وهي إسلام جماعة منهم ولذلك قال الله تعالى ( ليدخل الله في رحمته من يشاء ) وكذلك قال ( لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما ) أي لو تميز الكافرون من المؤمنين
مسألة
التوبة واجبة بالإجماع على الفور وهي تمحو ما تقدمها من آثام الذنوب المتعلقة بالله تعالى لا تسقط حقوق العباد ولا حق الله تعالى الذي ليس بذنب كقضاء الصلوات ونحوها فإن ترتب العبادات والحقوق في الذمم هو تكليف تشريف لا إثم وعقوبة ولها ثلاثة أركان الندم على المعصية والعزم على عدم العود والإقلاع في الوقت الحاضر عما تاب عنه وقد يكون الندم وحده توبة في حق العاجز عن العزم والإقلاع كمن كان يعصي بالنظر إلى المحرمات فعمي أو بالزنا فجب لقوله
( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) فيجب الندم وحده وعليه حمل قوله
( الندم توبة ) أو يحمل على أن معظمها الندم كما قال
( الحج عرفة ) ويتسحب للتائب إذا ذكر ذنبه الذي تاب منه أن يجدد الندم على فعله والعزم على عدم العود وعليه حمل قوله
( إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم مائة مرة ) وليس معناه أنه يذنب في اليوم مائة مرة بل ذكره لما هو بالنسبة إلى علو منصبه ذنب لأن حسنات الأبرار سيآت المقربين وذكره له في اليوم مائة مرة يدل على فرط استعظامه لأمرر به فشتان ما بين من لا ينسى الحقير من أمر ربه حتى يذكره في اليوم مائة مرة وبين من ينسى العظيم من ذنوبه فلا يمر على باله احتقارا لذنوبه وجهلا بعظمة ربه وقد ذم الله تعالى من وعظ فأعرض عن الموعظة ونسي ما قدمت يداه وإذا كانت التوبة واجبة على الفور فمن أخرها زمانا عصى بتأخيرها فيتكرر عصيانه بتكرر الأزمنة فيحتاج إلى توبة من تأخير التوبة وكذلك تأخير كل ما يجب تقديمه من الطاعات فإن قيل كيف يتصور التوبة مع ملاحظة توحد الله تعالى بالأفعال خيرها وشرها والندم على فعل الغير متعذر قلنا على أصلنا أن له كسبا فيكون ندمه عل كسبه لا على صنع ربه ومن لا يرى بالكسب يخصص وجوب التوبة بحال . . . عن التوحد وهو مشكل من جهة أنه يجب عليه التوبة مما يعتقد أنه فعل له وليس فعلا له
مسألة
قول الفقهاء القربة المتعدية أفضل من القاصرة لا يصح لأن الإيمان والمعرفة أفضل من التصدق بدرهم وإنما الفضل على قدر المصالح الناشئة من القربات
مسألة
الأجر في التكاليف على قدر النصب إذا اتحد النوع احترازا من التصدق بالمال العظيم مع الشهادتين وهما أعظم بما لا يتقارب وشذ عن القاعدة قوله
( في الوزغة من قتلها في المرة الأولى فله مائة حسنة ومن قتلها في المرة الثانية فله سبعون حسنة ) فكثرت المشقة ونقص الأجر وسببه أن الأجر إنما هو على تفاوت المصالح لأعلى تفاوت المشاق فإنه الله تعالى لم يطلب من العباد مشقتهم وعذابهم وإنما طلب جلب المصالح ودفع المفاسد وإنما قال
( أفضل العبادة أجهدها وأجرك على قدر نصبك ) لأن الفعل إذا لم يكن مشقا كان حظ النفس فيه كثيرا فيقل الإخلاص فيه وإذا كثرت مشقته قل حظ النفس فيتيسر الإخلاص وكثرة الثواب فالثواب في الحقيقة مرتب على مراتب الإخلاص لا على مراتب المشقة
مسألة
قال بعض العلماء ما ورد من أن النوافل في الصلاة تكمل بها الفرائض يوم القيامة معناه تجبر السنن التي فيها ولا يمكن أن تعدل النوافل وإن كثرت فرضا لقوله تعالى في الحديث
( ما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضته عليه ) ففضل الفرض على النفل وإن كثر وهذا وإن كان مقصودا بهذا الظاهر غير أنه يشكل بأن الثواب يتبع المصالح والعقاب يتبع المفاسد فلا يمكننا أن نقول إن ثمن درهم من الزكاة يربي على ألف درهم صدقة تطوع وإن قيام الدهر لا يعدل الصبح
فصل
في حكم ومواعظ وآداب وسياسات وحزم ويقظة مما هو سبب لمصالح الدنيا والآخرة وصلاح الخلق وطاعة الخالق كتب بكثير منها بعض الملوك إلى هارون الرشيد فأردت أن أودعها كتابي هذا لحسنها نقلها ابن يوسف في جامعه قال ابن يونس كتب بعض الملوك إلى هارون الرشيد بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فإني كتبت إليك بما فيه رشد ونصح اذكر نفسك في غمرات الموت وكربه وما هو نازل بك منه وما أنت موقوف عليه بعد الموت من العرض والحساب والخلود فأعد له ما يسهل به ذلك عليك فإنك لو رأيت أهل سخط الله وما صاروا إليه من ألوان عذابه وشديد نقمته وسمعت زفيرهم في النار وشهيقهم بعد كلوح وجوههم لا يسمعون ولا يبصرون ويدعون بالثبور وأعظم من ذلك عليهم حسرة إعراض الله عنهم بوجهه وانقطاع رجائهم من روح الله وإجابته إياهم بعد طول الغم ( اخسؤا فيها ولا تكلمون ) ما تعاظمك شيء من الدنيا أردت به النجاة من ذلك ولو رأيت أهل طاعة الله ومنزلتهم منه وقربهم لديه وناضرة وجوههم ونور ألوانهم وسرورهم بما انحازوا إليه لعظم في عينك ما طلبت به صغير ما عند الله تعالى واحذر على نفسك وبادر بها قبل أن تسبق إليك وإياك وما تخاف الحسرة فيه غدا عند نزول الموت وخاصم نفسك في مهل وأنت تقدر على نفعها وضرب الحجة عنها واجعل لله تعالى نصيبا من نفسك في الليل والنهار وامر بطاعة الله تعالى وأحبب عليها وانه عن معاصي الله تعالى وأبغض عليها فالنهي عن المنكر لا يقدم أجلا ولا يقطع رزقا أحسن لمن حولك وأتباعك لقوله
( من كان له خول فليحسن إليهم ) ومن كره فليستبدل ولا تعذبوا خلق الله الزم أدب من وليت أمره ولا تقنط الناس من رحمة الله واخفض جناحك لمن اتبعك وأكرمهم في كنفك قال ألا أحدثكم بوصية نوح لابنه قال له آمرك باثنين وأنهكا عن اثنين آمرك بشهادة أن لا إله إلا الله فإنها لو كانت في كفة السموات والأرض في كفه وزنتها وآمرك أن تقول سبحان الله وبحمده فإنها عبادة الحق وبها تقطع أرزاقهم فإنهما يكثران لمن قالهما الولوج على الله تعالى وأنهاك عن الشرك بالله والكبر فإن الله تعالى يحتجب منهما وقد ورد أن الجبارين والمتكبرين يحشرون يوم القيامة في صور الذر تطؤهم الناس لتكبرهم على الله تعالى وقال
( إن الله يحب كل سهل لين طلق الوجه ) ولا تأمن على شيء من أمرك من لا يخاف الله وقال عمر رضي الله عنه شاور في أمرك من يخاف الله وقال سهل رضي الله عنه احذر بطانة السوء وأهل الردى في نفسك واستبطن أهل التقوى من الناس تكلم إذا تكلمت بخير أو اسكت اتق فضول المنطق أكرم من وادك وكافئه بمودته ولا تأمر بحسن إلا بدأت به ولا تنه عن قبيح إلا بدأت بتركه وإياك والغضب في غير الله صل من قطعك واعف عمن ظلمك وأعط من حرمك لقوله إنها أفضل أخلاق أهل الدنيا لا تكثر الضحك لأن ضحكه كان تبسما لا تمدح بكذب اترك من الأعمال في السر ما لا يجمل بك أن تفعله في العلن واتق كل شيء تخاف فيه التهمة في دينك أو دنياك اقلل طلب الحوائج إلى الناس لأنه يخلق الوجه والحرمة أحسن لأقاربك وأهلك فإن فيه طول أجلك وسعة رزقك قال
( من سره السعة في الرزق والنسأ في الأجل فليصل رحمه ) والله تعالى يحب الطلق الوجه ويكره العبوس قاله
( اتق شتم الناس وغيبتهم ) خذ على يد الظالم وامنعه من ظلمه لقوله
( من مشى مع مظلوم حتى يثبت له حقه ثبت الله قدميه يوم تزل الأقدام ومن مشى مع ظالم يعنيه على ظلمه أزل اله قدميه يوم تزل الأقدام ) اتق اتباع الهوى فإنه يصد عن الحق وطول الأمل فإنه ينسي الآخرة أنصف الناس في نفسك ولا تستطل عليهم بسلطانك اقبل عذر من اعتذر إليك لقوله من اعتذر إليه أخوه المسلم فلم يقبل منه كان عليه مثل وزر صاحب مكس وصل من قطعك ولا تكافئه بسوء فعله لقوله إن أساؤوا فأحسن فإنه لا يزال لك عليهم من الله تعالى يد ظاهرة ارحم المسكين والمضطر والغريب والمحتاج وأعنهم ما استطعت احذر البغي ولا تظلم الناس فيقيهم الله منك فما ظلمت أحدا أشد من ظلم من لا يستعين إلا بالله قال
( ثلاثة لا ترد دعواتهم الإمام العادل والصائم حتى يفطر ودعوة المظلوم فإنها تظهر فوق الغمام فيقول لها الجبار تبارك وتعالى وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين ) لتكن عليك السكنية والوقار في منطقك ومجلسك ومركبك لقوله
( عليكم بالسكينة ) ادفع السيئة بالحسنة إذا غضبت من شيء من أمر الدنيا فاذكر ثواب الله تعالى على كظم الغيظ ( والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ) إذا ركبت دابتك فقل ( سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ) اجعل سفرك يوم الخميس لأنه استحبه إذا ودعت مسافرا فقل زودك الله التقوى ويسر لك الخير حيث ما كنت أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك كذلك كان يفعل إذا أصابك كرب فقل يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث كان يقول واحترز ممن يتقرب إليك بالنميمة وتبليغ الكلام عن الناس وعليك بالصبر قال الصبر مع الإيمان كالرأس من الجسد لا تمار أحدا وإن كنت محقا أدب من حولك على خلقك حتى يكونوا لك أعوانا على طاعة الله وإذا تعلمت علما فلير عليك أثره وسكينته وسمته ووقاره اردد جواب الكتاب إذا كتب إليك فإنه كرد السلام قاله ابن عباس أفش الصدقة فإنها تدفع ميتة السر لا تضطجع على بطنك لقوله إنها ضجعة يبغضه الله أخف ما أردت به الله لقوله صدقة السر تطفئ غضب الرب اتق التزكية منك لنفسك ولا ترض بها من أحد يقولها في وجهك لقوله للذي مدح آخر ويحب قطع عنقه لو سمعها ما أفلح أبدا اقتد في أمورك بذوي الأسنان من أهل التقى لقوله خياركم شبانكم المشبهون بشيوخكم وشراركم شيوخكم المشبهون بشبابكم لا تجالس متهما عليك بمعالي الأخلاق وأكرمها أكثر الحمد عند النعم لقوله ما أنعم الله على عبد بنعمة فقال الحمد الله إلا كان ذلك أعظم من تلك النعمة وإن عظمت إن اعتراك الغضب قائما فاقعد أو قاعدا فاضطجع لأنه كان يفعل كذلك إن خفت من أحد فقل الله أكبر وأعز من خلقه جميعا الله أكبر وأعز مما أخاف وأحذر وأعوذ بالله الممسك للسماوات أن تقع على الأرض إلا بإذنه من شر فلان كن لي جارا من فلان وجنوده من الجن والإنس أن يفرط علي أحد أو يطغى جل جلالك وعز جارك مرات كان ابن عباس يأمر بذلك إذا هممت بطاعة الله فعجلها فإنك لا تأمن الأحداث وإذا هممت بشر فأخره لعل الله تعالى يعينك على تركه الزم الصمت لقوله لا يستكمل لأحد الإيمان حتى يحذر لسانه إذا أشرفت على قرية تريدها فقل اللهم ارزقنا خيرها واصرف عنا شرها وويلها لأنه كان يقولها
فصل
لبعض العلماء الأدباء العقلاء قال ابن يونس إذا كنت قاضيا أو أميرا فلا يكون شأنك حب المدح والتزكية فيعرف ذلك منك فيتحدث في عرضك بسببه ويضحك منك لتكن حاجتك في الولاية ثلاث خصال رضى ربك ورضى سلطانك إن كان فوقه سلطان ورضى صالح من وليت عليه اعرف أهل الدين والمروءة في كل كورة وليكونوا أخوانك لا تقل إن استشرت أظهرت الحاجة للناس فإنك لم ترد الرأي للفخر بل للمنفعة مع أن الذكر الجميل لك بذلك عند العلماء لا يهن عليك أهل العقل والخير ولا تمكن غيرهم من أذيتهم عرف رعيتك أبوابك التي لا ينال ما عندك من الخير إلا بها والتي لا يخافونك إلا من قبلها واجتهد في أن لا يكون من عمالك جائر فإن المسيء يفرق من خبرتك به قبل أن تصيبه عقوبتك والمحسن يستبشر بعملك قبل أن يأتيه معروفك ولتعرفهم ما يتقون من أخلاقك أنك لا تعاجل بالثواب ولا بالعقاب فإن ذلك أدوم لخوف الخائف ورجاء الراجي عود نفسك الصبر على ما خالفك من رأي أهل النصيحة ولا يسهل ذلك إلا على أهل الفضل والعقل والمروءة ولا تترك مباشرة عظيم أمرك فيعود شأنك صغيرا ولا تباشر الصغير من الأمر فتضيع الكبير وأنت لا تتسع لكل شيء فتفرغ للمهم وكرامتك لا تسع العامة فتوخ أهل الفضل إنك وأنت عاجز عن جميع مصالحك فأحسن قسمة نفسك بينها لا تكثر البشر ولا القبض فإن أحدهما سخف والآخر كبر ليس لملك أن يغضب لأن قدرته تحصل مقصوده ولا يكذب لأنه لا يقدر أحد على إكراهه وليس له أن يبخل لبعد عذره عن خوف الفقر ولا أن يحقد لأن حقده خطر على الرعية ولا يكثر الحلف بل الملك أبعد الناس عن الحلف لأنه لا يحلف للناس إلا لمهانة في نفس الحالف أو حاجته لتصديق أو عي في الكلام فيجعل الحلف حشوا أو تهمة عرفها الناس في حديثه فيبعد نفسه عنها أحق الناس بجبر نفسه عن العدل الوالي ليقتدي به غيره الناس ينسبون الوالي إلى نسيان العهد ونقض الود فليكذب قولهم وليبطل عن نفسه صفات السوء وليهتم بسد خلة الإخوان وردع عادية السفلة إنما يصول الكريم إذا جاع واللئيم إذا شبع لا يولع الوالي بسوء الظن وليجعل لحسن الظن عنده نصيبا ولا تهمل التثبت فإن الرجوع عن الصمت أولى من الرجوع عن الكلام والعطية بعد المنع أولى من المنع بعد العطية وأحوج الناس للتثبت الملوك لأنه ليس لقوله دافع ولا منكر مرشد جميع ما يحتاج إليه من الرأي رأيان رأي يقوي به سلطانه ورأي يزينه في الناس والأول مقدم إن ابتليت بصحبة السلطان فعليك بالمواظبة وترك المعاتبة ولا يحملك الأنس على الغفلة ولا التهاون فيما ينبغي فإذا جعلك أخا فاجعله سيدا وإن زاد فزده تواضعا وإذا جعلك ثقته فأقلل الملق ولا تكثر له من الدعاء في كل كلمة فإنه يشبه الوحشة إلا أن تكلمه على رؤوس الناس فتبالغ في توقيره وإن كان لا يريد صلاح رعيته فأبعده فإنك لا تعدم فساده إن خالفته أو فساد الرعية إن وافقته فإن نشبت معه فاصبر حتى تجد للفراق سبيلا ليلا تسأل رضاه فلا تجده لا تخبرن الوالي أن لك عليه حقا أو تقدم يد وإن استطعت أن تنسى ذلك فافعل لأنها تصير بغضه واعلم أن السلطان إذا انقطع عليه الآخر نسي الأول وأن أرحامهم مقطوعة وحبالهم مصرومة إلا عمن رضوا عنه إذا ذكرت عنده بشر فلا تره احتفالا بذلك ولا توقعه من نفسك موقعا عظيما ليلا تظهر عليك الريبة بما قيل فيك وإن احتجت للجواب فإياك وجواب الغضب وعليك بجواب الوقار والحجة لا تعدن شتم الوالي شتما فإن ريح العزة يبسط اللسان بالغلظة من غير سخط لا تأمنن جانب المسخوط عليه عند السلطان ولا يجمعنك وإياه منزل ولا مجلس ولا تظهر له عذرا ولا تثن عليه خيرا عند أحد من الناس فإذا تبين للوالي مباعدتك منه قطع عذره عند الوالي واعمل في الرضا عنه في لطف واطلب منه وقت طيب نفسه لجميع مقاصدك إذا كنت ذا جاه عنده فلا تتكبر على أهله وأعوانه ولا تظهر الاستغناء عنهم لتوقع الحاجة إليهم عند وقوع المحن إذا سأل الوالي غيرك فلا تجب أنت فإن ذلك سوء أديب على السائل والمسؤول ولعله يقول لك ما سألتك أنت وإن سأل جماعة أنت منهم فلا تبادر بالجواب فإنه خفة وإن سبقت الجماعة صاروا لجوابك خصماء يعيبونه ويتتبعونه ويفسدونه وإن أخرت جوابك تدبرت أقاويلهم فكان فكرك أقوى بذلك فيكون جوابك أحسن ويتفرغ سمعه لك وإن فاتك الجواب فلا تحزن فإن صيانة القول خير من قول في غير موضعه وكلمة صائبة في وقت خير من كلام كثير خطأ والعجلة منوطة بالزلل إذا كلمك الولي فلا تشغل طرفك بالنظر لغيره ولا أطرافك بعمل ولا قلبك بفكر غيره اتخذ نظراءك عنده إخوانا ولا تنافسهم فإنهم مظنة الحسدة والهلكة ولا تجسرن على مخالفتهم وإن اعترفوا لك بالفضل فإن النفس محبولة على كراهة التقدم عليها فيردون عليك فإن راددتهم صرت مناقضهم وهم مناقضوك وإن سكت صرت مردود القول إياك أن تشكو لأخلائه أو خدمه ما تجده مما تكرهه منه فإن ذلك عاقبته مخوفة واحتمال ما خالفك من رأيه أوجب من مناقضته فيه إلا أن يسهل على نفسك مفارقته ولا تصحب السلطان إلا بعد رياضة نفسك على المكروه منه عندك ولا تكتمه سرك ولا تبح سره وتجتهد في رضاه والتلطف في حاجته والتصديق لمقالته والتزيين لرأيه وقلة القلق مما أساؤا لك وأكثر نشر محاسنه وأحسن الستر لمساويه وتقرب ما قرب وإن كان بعيدا وتبعد ما باعد وإن كان قريبا والاهتمام بأمره وإن لم يهتم به والحفظ لما ضيعه من شأنه والذكر لما نسيه وخفف مؤنتك عليه ابذل لصديقك دمك ولمعارفك رفدك ومحضرك وللعامة بشرك وتحيتك ولعدوك عدلك وصبرك وابخل بدينك وعرضك عن كل أحد إلا لضرورة وال أو ولد ولغيرهما فلا وإن سمعت من صاحبك كلاما حسنا أو رأيا فانسبه إليه لأن نسبته لنفسك مفسدة له وعار عليك فإن فعل هو ذلك في كلامك فسامحه به وأنسه مع ذلك بما تستطيع ليلا يستوحش وإياك أن تشرع في حديث ثم تقطعه فإنه سخف ولا تشرع إلا إذا علمت أنه يكمل لك وافهم العلماء إذا اجتمعت بهم ولتكن أحرص على أن تسمع من أن تقول لا تألم إذا رأيت صديقك مع عدوك فقد يكفيك شره أو ستر عورة لك عنده تحفظ في مجلسك من التطويل واسمع عن كثير مما يكون عندك فيه صواب ليلا يظن جلساؤك أنك تريد الفضل عليهم ولا تدع العلم في كل ما يعرض فإنهم إن نازعوك عرضوك للجهالة أو تركوك فقد عرضتهم للجهل والعجز واستحي كل الحيا أن تدعي أن صاحبك جاهل وأنك عالم ولو بالتعريض واعلم أنك إذا صبرت ظهر ذلك منك بالوجه الجميل وكن عالما كجاهل وقاطعا كصاحب وإذا حدث بين يديك ما تعرفه فلا تظهر معرفته لأنه من سوء الأدب وليفهم عنك أنك أقرب إلى أن تفعل ما لا تقول من أن تقول ما لا تفعل ففضل القول على الفعل عار وفضل الفعل على القول مكرمة وطن نفسك على أنك لا تفارق أخاك وإن جفاك وليس كالمرأة التي متى شئت طلقتها بل هو عرضك ومروءتك فمروءة الرجل إخوانه فإن قطع الأخ حبالة الإخاء فلا تعتذر إلا لمن يجب أن يظفر لك بعذر ولا تستعن إلا بمن تحب أن يظفر لك بحاجة ولا تحدثن إلا من يعد حديثك مغنما مل لم تغلبك الضرورة إذا غرست المعروف فتعاهد غرسك ليلا تضيع نفقة الغرس من اعتذر لك فتلقه بالبشر والقبول إلا أن يكون ممن قطيعته غنيمة إخوان الصدق خير من مكاسب الدنيا زينة في الرخاء وعدة عند الشدة ومعونة على المعاد والمعاش فاجتهد في اكتسابهم وواظب على صلة أسبابهم الكريم أصبر قلبا واللئيم أصبر جسما اجتهد في أن لا تظهر لعدوك أنه عدوك لأنه يلبس السلاح لك بل أظهر صداقته تظفر به ويقل شره ومن الحزم أن تواخي إخوانه فتدخل بينهم وبينه العداوة ومع السكوت عنه فأحص عوراته ومعاييه لا يخفى عليك شيء ولا تشع فلك له اعلم أن بعض العطاء سرف وبعض البيان عي وبعض العلم جهل وعن جعفر الصادق رضي الله عنه ما كل ما يعلم يقال ولا كل ما يقال حضر أوانه ولا كل ما حضر أوانه حضر إخوانه ولا كل ما حضر إخوانه حضرت أحواله ولا كل ما حضرت أحواله أمن عواره فحافظ لسانك ما استطعت والسلام وقد أتيت في هذا الكتاب ما أسأل الله جل جلاله وتعاظمت أن ينفعكم به معاشر الإخوان في الله تعالى وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما
أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29