كتاب : التذكرة الحمدونية
المؤلف : ابن حمدون

المجلد الأول
بسم الله الرحمن الرحيم
الباب الأول
من كلام الرسول وآله والصحابة والتابعين

قد حوى الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه من المواعظ والإنذار والآداب التي يفوز ممتثلها ونجو من عمل بها، ما فيه عبرة لمن اعتبر، ومزدجر لمن وعى وادكر، وكفاية لمن تفكرفي آياته وتدبر، وذكرى لمن كان له قلب وألقى السمع وهو شهيد، كقوله عز وجل (يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم، يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد ) (الحج 1، 2) وقوله تعالى: ( يا أيها الناس اتقوا ربكم واخشوا يوماً لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شياً إن وعد الله حق فلا تغركم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ) (لقمان 33) وقوله تعالى: ( وانذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين وما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع ) (المؤمن 18) وقوله سبحانه وتعالى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون، ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون ) ( الحشر 18، 19) وقوله (لا يستوي أصحاب النار ولا أصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون ) (الحشر 20) وقوله تعالى: ( ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون ) ( الأنعام 94) وقوله عزوجل: : (ووضع الكاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً) (الكهف 49) وقوله تعالى: : ( ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه ) ( الكهف 57 ) وقوله تعالى: ( أفمن شرح الله صدره للأسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين ) (الزمر 22) ومما أدبنا به عز وجل ودعانا إلى اتباعه وتقبله قوله تعالى ( ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعملون بصير ) ( البقرة 237) وقوله تعالى: ( يا أيها الذين آمنا أنفقوا مما من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ) ( البقرة 267) وقوله عز وجل: ( الشيطان يعدكم الفقر وبأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً والله واسع عليم ) ( البقرة 268) وقوله تعالى: ( واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً ) ( آل عمران 103 ) وقوله عزو جل: ( الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل، فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء ) ( آل عمران 173، 174) وقوله تعالى: ( لا تحسبن الذين يفرحون بما آتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذاب اليم ) ( آل عمران 188) وقوله تعالى: ( إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ) ( النساء 57) وقوله عزو جل: ( ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفساً إلا وسعها وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون ) ( الأنعام 152) وقوله تعالى: ( يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدىً ورحمة للمؤمنين، قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون) (يونس 57، 58) وقوله عزوجل: ( إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون) (النحل 90) وقوله تعالى: (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً، ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى ان يبعثك ربك مقاماً محموداً) (الإسراء 78، 79) وقوله تعالى: (وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً، والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً، والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراماً، إنها ساءت مستقراً ومقاماً والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواماً، والذين لا يدعون مع الله

إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلقى أثاما) (الفرقان 63 - 68) وقوله تعالى: (والذين لايشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراماً، والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صماً وعمياناً والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما) (الفرقان 72 - 74) وقوله عزو جل: (ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين، ولاتستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) (فصلت 33، 34) وقوله عزو جل: (يا أيها الذين آمنوا لاتلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون، وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين) (المنافقون 9، 10) وقوله عز وجل: (ومن يتق الله له مخرجاً، ويرزقه من حيث لايحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه) (الطلاق 2، 3).ً آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلقى أثاما) (الفرقان 63 - 68) وقوله تعالى: (والذين لايشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراماً، والذين إذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صماً وعمياناً والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما) (الفرقان 72 - 74) وقوله عزو جل: (ومن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين، ولاتستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) (فصلت 33، 34) وقوله عزو جل: (يا أيها الذين آمنوا لاتلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون، وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين) (المنافقون 9، 10) وقوله عز وجل: (ومن يتق الله له مخرجاً، ويرزقه من حيث لايحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه) (الطلاق 2، 3).
وحسبنا ما شرفنا الكتاب بإيراده نفتتح به تيمناً ونستنجح ببركته مقصدنا إذ كان تقصي آياته، وطلب غاياته، شأوا لا يدرك، ونهجاً لا يسلك ونعود إلى فصول هذا الباب، وهي أربعة: الفصل الأول: من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، وأوامره ونواهيه ونتبعه بنبذة من كلام النبيين صلى الله عليهم أجمعين الفصل الثاني: من كلام آل الرسول صلى الله عليه وسلم والعترة الهاشمية وما جاء عنهم أجمعين ومن أخبارهم مما يجانس هذا الباب.
الفصل الثالث: في كلام الصحابة وأخبارهم رضوان الله عليهم أجمعين.
الفصل الرابع: في أخبار التابعين وسائر طبقات الصالحين وكلامهم ومواعظهم.

الفصل الأول
من كلام الرسول
صلى الله عليه وسلم
؟قال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أيها الناس إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم، وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم، إن المؤمن بين مخافتين بين أجل قد مضى لا يدري ما الله صانع به، وبين أجل قد بقي لا يدري ما الله قاض فيه، فليأخذ العبد من نفسه لنفسه، ومن دنياه لآخرته، ومن الشبيبة قبل الكبر، ومن الحياة قبل الموت، فو الذي نفس محمد بيده ما بعد الموت من مستعتب ولا بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار.
؟وقال صلى الله عليه وسلم: لا يكمل عبد الإيمان حتى يكون فيه خمس خصال التوكل على الله، والتفويض إلى الله، والتسليم لأمر الله، والرضى بقضاء الله، والصبر على بلاء الله، إنه من أحب لله وأبغض لله وأعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان.
وقال صلى الله عليه وسلم إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قالوا: يا رسول الله وأنى لنا برياض الجنة في الدنيا؟ قال حلق الذكر.

ومن كلامه صلى الله عليه وسلم: من انقطع الله كفاه الله كل مؤونة وفي لفظ ورزقه من حيث لا يحتسب ومن انقطع إلى الدنيا وكله الله إليها، ومن حاول أمراً بمعصية الله كان أبعد له مما رجا وأقرب مما اتقى، ومن طلب محامد الناس بمعاصي الله عاد حامده منهم ذاماً، ومن أرضى الناس بسخط الله وكله إليهم، ومن أرضى الله بسخط الناس كفاه الله شرهم ومن أحسن فيما بينه وبين الله كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن أحسن سريرته أصلح الله علانيته ومن عمل لآخرته كفاه الله أمر دنياه.
ومن كلام له عليه السلام: إن في القنوع لسعة وإن في الاقتصاد لبلغة، وإن في الزهد لراحة، ولكل عمل أجراً، وكل آت قريب.
وقال: أكثروا ذكر هادم اللذات، فإنكم إن ذكرتموه في ضيق وسعه عليكم فرضيتم به وأجرتم وإن ذكرتموه في غنى بغضه إليكم فجدتم به فأثبتم إن المنايا قاطعات للأعمال، والليالي مدنيات للآجال، وإن المرء بين يومين يوم مضى أحصي فيه عمله فختم عليه، ويوم قد بقي لعله لا يصل إليه، إن العبد عند خروج نفسه وحلول رمسه يرى جزاء ما أسلف وقلة غناء ما خلف، ولعله من باطل جمعه ومن حق منعه.
وقال صلى الله عليه وسلم: من أحب أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله، ومن أحب أن يكون أكرم الناس فليتق الله، ومن أحب أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله أوثق منه بما في يديه ألا أنبئكم بشراركم؟ قالوا: نعم يا رسول الله قال: من أكل وحده، ومنع رفده، وجلد عبده، أفأنبئكم بشر من هذا ؟ قالوا: نعم قال: من يبغض الناس ويبغضونه أفأنبئكم بشر من هذا ؟قالوا نعم يا رسول الله قال: من لا يقبل عثرة ولا يقبل معذرة ولا يغفر ذنباً فأنبئكم بشر من هذا؟ قالوا نعم يا رسول الله قال: من لا يرجى، من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره، إن عيسى بن مريم قام في بني إسرائيل خطيباً، فقال: يا بني إسرائيل لا تكلموا بالحكمة عند الجهال فتظلموها، ولا تمنعوها أهلها فتظلموهم، ولا تظلموا ظالماً فيبطل فضلكم عند ربكم، يا بني إسرائيل الأمور ثلاثة أمر تبين رشده فاتبعوه وأمر تبين غيه فاجتنبوه، وأمر اختلف فيه فردوه إلى الله.
قالت عائشة رضي الله عنها: كان يمر بنا هلال وهلال وماتوقد في منزل رسول الله صلّى الله عليه وسلم نار، فقال عروة بن الزبير: أي خالة، فبأي شيء كنتم تعيشون؟ قالت: بالأسودين التمر والماء.
؟وقالت: قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلم وإن درعة لمرهونة بثلاثين صاعاًَ من شعير.
وقالت: ما شبع آل محمد صلّى الله عليه وسلم منذ قدموا المدينة من طعام بر ثلاثة أيام حتى لحق بالله.
؟وكان صلّى الله عليه وسلم حتى ترم قدماه، فقيل، له: تفعل ذلك وقد غفر الله لك؟ قال: أفلا أكون عبداً شكوراً.
وقال صلّى الله عليه وسلم: ما منكم من أحد ينجيه عمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل.
قال أنس: خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم على ناقته الجدعاء وليست بالعضباء قال: أيها الناس كأن الموت فيها على غيرنا كتب، وكأن الحق فيها على غيرنا وجب، وكأن الذين نشيع من الأموات سفر عما قليل إلينا راجعون نبوئهم أجداثهم ونأكل تراثهم، كأن مخلدون بعدهم، قد نسينا كل واعظة وامنا كل جائحة، طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس، وأنفق من مال كسبه من غير معصية، ورحم أهل الذل والمسكنة، وخالط أهل الفقه والحكم، طوبى لمن أذل نفسه وحسن خليقته، وأصلح سريرته وعزل عن الناس شره، طوبى لمن عمل بعلمه، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوله، ووسعته السنة ولم يتعدها إلى البدعة.
ومن كلامه صلّى الله عليه وسلم: أما رأيت المأخوذين على الغرة والمزعجين بعد الطمأنينة الذين أقاموا على الشبهات وجنحوا إلى الشهوات حتى آتتهم رسل ربهم فلا ما كانوا أملوا أدركوا، ولا إلى ما فاتهم رجعوا، قدموا على ما عملوا، وندموا على ما خلفوا، ولن يغني الندم، وقد جف القلم، فرحم الله امرءاً قدم خيراً وأنفق قصداً، وقال صدقاً، وملك دواعي شهوته ولم تملكه، وعصى إمرة نفسه فلم تهلكه.

؟وقال صلّى الله عليه وسلم: إياكم وفضول المطعم فإنها تصم القلب بالقسوة وتبطئ بالجوارح عن الطاعة وتصم الهمم عن سماع الموعظة، وإياكم وفضول النظر فإنه يبذر الهوى ويولد الغفلة، وإياكم واستشعار الطمع فإنه يشرب القلوب شدة الحرص ويختم على القلوب بطابع بطبع حب الدنيا، وهو مفتاح كل سيئة وسبب إحباط كل حسنة.
؟ومن كلام له صلّى الله عليه وسلم: إن روح القدس نفث في روعي أنه لن يموت عبد حتى يستكمل رزقه، فأجملوا في الطلب، ولا يحملنكم استبطاء الرزق على أن تطلبوا شيئاً من فضل الله بمعصيته، فإنه لن ينال ما عند الله إلا بطاعته، ألا وإن لكل امرئ رزقاً هو يأتيه لا محالة، فمن رضي به بورك له فيه فوسعه، ومن لم يرض به لم يبارك له فيه فلم يسعه وإن الرزق ليطلب الرجل كما يطلبه أجله.
؟لما أراد النبي صلّى الله عليه وسلم أن يبعث معاذاً إلى اليمن، ركب معاذ ورسول الله صلّى الله عليه وسلم يمشي إلى جانبه فقال: يا معاذ إني أوصيك بتقوى الله، وصدق الحديث، والوفاء بالعهد، وإداء الأمانة وترك الخيانة، ورحمة اليتيم، وحفظ الجار، وكظم الغيظ، وخفض الجناح، وبذل السلام، ولين الكلام، ولزوم الايمان، والتفقه في القرآن، وحب الآخرة، والجزع من الحساب، وقصر الأمل وحسن العمل0وأنهاك أن تشتم مسلما، أو تكذب صادقاً، أو تصدق كاذباً، أو تعصي إماماً عادلاً0 يا معاذ: اذكر الله عند كل حجر وشحر وأحدث مع كل ذنب توبة، السر بالسر والعلانية بالعلانية(وزيد فيه: وعد المريض، وأسرع في حوائج الأرامل والضعفاء، وجالس الفقراء والمساكين، وأنصف الناس من نفسك، وقل الحق ولا تأخذك في الله لومة لائم).
؟ومن كلامه صلّى الله عليه وسلم: المؤمن من أمنه الناس، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر السيئات، والذي نفس محمد بيده لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه.
؟وقال صلّى الله عليه وسلم: فضل صلاة الليل على النهار كفضل صدقة السر على العلانية وقال صلى الله عليه وسلم: ما من والي عشرة إلا يأتي يوم القيامة مغلولة يده إلى عنقه أطلقه عدله أو ثقه جوره.
؟وقال صلى الله عليه وآله: أربع من أوتيهن فقد أوتي خير الدنيا والآخرة: قلباً شاكراً، ولساناً ذاكراً، وبدناً من البلاء صابراً، وزوجة لا تبغيه في نفسه وماله خوناً.
؟وقال صلّى الله عليه وسلم: افعلوا الخير دهركم وتعرضوا لنفحات رحمة الله، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده، وسلوا الله أن يستر عوراتكم ويؤمن روعاتكم.
؟ومن كلامه صلّى الله عليه وسلم: ملاك الدين الورع.
التحدث بالنعم شكر.
خشية الله رأس كل حكمة.
القناعة مال لا ينفذ.
الحياء خير كله.
السعيد من وعظ بغيره.
طلب الحلال جهاد.
مداراة الناس صدقة.
كثرة الضحك تميت القلب.
المؤمن من أمنه الناس على أنفسهم وأموالهم.
المؤمنون هينون لينون.
تحفة المؤمن الموت.
اليقين الايمان كله.
فضوح الدنيا أهون من فضوح الآخرة.
الويل كل الويل لمن ترك عياله بخير وقدم على الله بشر.
ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه.
ثلاث منجيات خشية الله في السر والعلانية، والقصد في الفقر والغنى، والعدل في الغضب والرضى.
من اشتاق إلى الجنة سارع إلى الخيرات، ومن أشفق من النار لهى عن الشهوات، ومن ترقب الموت لهى عن اللذات، ومن زهد في الدنيا هانت عليه المصيبات0ومن فتح له باب من الخير فلينتهزه فإنه لا يدري متى يغلق عنه.
ازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس.
اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك.
عشت ما شئت فإنك ميت وأجب من شئت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك مجزي به.
ما نزعت الرحمة إلا من شقي ما امتلأت دار النعيم حبرة إلا امتلأت عبرة.
ما استرعى الله عبداً رعية فلم يحطها بنصحه إلا حرم الله عليه الجنة.
لا تسبوا الأموات فانهم قد أفضوا إلى ما قدموا.
إياك وما يعتذر منه.
إنَّ هذه القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد، قيل فما جلاؤها؟قال: ذكر الموت وتلاوة القرآن.
كفى بالموت واعظاً وبالعبادة شغلاً.
ألا رب شهوة ساعة أورثت حزناً طويلاً.
لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلاً.

؟وقال صلّى الله عليه وسلم: اكثر ذكر الموت يسلك عن الدنيا، وعليك بالشكر فأن الشكر فإن الشكر يزيد في النعمة، وأكثر من الدعاء فإنك لا تدري متى يستجاب لك.
؟إياك والبغي، فإنه من بغي عليه لينصرنه الله، قال: (يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم ). (يونس: 23) ؟وقال عليه السلام: إياك والمكر فإن الله قد قضى أن لا يحيق المكر السيء إلا بأهله.
وقال صلى الله عليه: الأئمة من قريش0 إذا حكموا عدلوا، وإذا عاهدوا وفوا، وإذا استرحموا رحموا، فمن لم يفعل ذلك منهم عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين ولا يقبل منه صرف ولا عدل.
وقال صلى الله عليه: من نقله الله من ذل العاصي إلى عز التقوى أغناه بلا مال، وأعزه بلا عشيرة، وآنسه بلا أنيس، من خاف الله أخاف الله منه كل شيء، ومن رضي باليسير من الرزق رضي الله منه باليسير من العمل، ومن زهد في الدنيا ثبت الله الحكمة في قلبه، وأنطق بها لسانه، وأخرجه من الدنيا سالماً إلى دار القرار.
؟وقال صلّى الله عليه وسلم: من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً ومخرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب.
؟وقال عبد الله بن عمر: أخذ رسول الله صلّى الله عليه وسلم ببعض جسدي وقال: اعبد الله كأنك تراه وكن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل.
؟ودخل رسول الله صلّى الله عليه وسلم على رجل يعوده، وهو في الموت، فقال كيف تجدك؟ قال: أرجو وأخاف، فقال صلّى الله عليه وسلم: لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وآمنه مما يخاف.
؟وقال صلّى الله عليه وسلم لعائشة، وقد سألت عن قوله تعالى: ( والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة)( ( المؤمنون: 11) هو الذي يزني ويسرق ويشرب الخمر وهو في ذلك يخاف الله يا ابنة الصديق، ولكنه الذي يصلي ويصوم ويتصدق وهو في ذلك يخاف الله.
؟وقال صلّى الله عليه وعلى آله: شر الناس رجل فاجر، يقرأ كتاب الله لا يرعوي عن شيء منه.
؟ومن كلامه صلّى الله عليه وعلى آله: الحلال بين والحرام بين، وبين ذلك أمر مشتبهة، فمن ترك ما اشتبه عليه من الإثم فهو لما استبان أترك، ومن اجترأ على ما يشك فيه أوشك أن يواقع ما إستبان، ومن يرتع حول الحمى يوشك أن يواقعه.
؟ومن كلامه عليه السلام: إنَّ أغبط أوليائي عندي مؤمن خفيف الحاذ ذو حظ من صلاة، أحسن من عبادة ربه وأطاعه في السر، وكان غامضاً في الناس لا يشار إليه بالأصابع، عجلت منيته وقل تراثه وقلت بواكيه.
؟قال عمر رحمه الله: ما اجتمع عند النبي صلّى الله عليه وسلم أدمان إلا أكل أحدهما وتصدق بالآخر.
؟قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: إياكم وخشوع النفاق، قالت عائشة: وما خشوع النفاق ؟ قال: يخشع البدن ولا يخشع القلب.
وقال صلّى الله عليه وسلم: مررت ليلة أسري بي بقوم تقرض شفاههم بمقارض من نار، فقلت لجبريل: من هؤلاء؟ فقال: خطباء أمتك الذين يقولون الشيء ولا يعملون به.
؟وقال صلّى الله عليه وسلم: إنَّ اخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان.
؟وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: لا تزال يد الله عليها رفرف بالرحمة والرزق والنصر، ما لم يرفق خيارهم بشرارهم، وما لم يعظم أمراؤهم فجارهم، وما لم يمل قراؤهم إلى أمرائهم، فإذا فعلوا ذلك فلينتظروا من الله النكال، يضربهم الله بالفقر والحاجة والذل.
؟وقال صلّى الله عليه وسلم: إنَّ الله يغضب إذا مدح الفاسق.
وقال صلّى الله عليه وسلم: إذا مدح الفاسق اهتز لذلك العرش وغضب له الرب تعالى.
؟ومما يروى عنه صلّى الله عليه وسلم: من آثر الدنيا على الآخرة ابتلاه بثلاث: هم لا يفارق قلبه أبداً، وفقر لا يستغني معه أبداً، وحرص لا يشبع أبداً.
؟ومن مواعظه عليه السلام: أيها الناس إنَّ هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء، ومنزل ترح لا منزل فرح، فمن عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء، ألا وإنَّ الله تعالى خلق الدنيا دار بلوى والآخرة دار عقبى، نجعل بلوى الدنيا لثواب الآخرة سبباً وثواب الآخرة من بلوى الدنيا عوضاً، فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي، وإنها لسريعة الذهاب وشيكة الانقلاب، فاحذروا حلاوة رضاعها لمرارة فطامها، واهجروا لذيذ عاجلها لكريه آجلها ولا تسعوا في عمران دار قد قضى خرابها ولا تواصلوا وقد أراد منكم اجتنابها فتكونوا لسخطه متعرضين، ولعقوبته مستحقين.

؟وقال صلّى الله عليه وسلم لرجل يوصيه: أقلل من الشهوات يسهل عليك الفقر، وأقلل من الذنوب يسهل عليك الموت، وقدم مالك أمامك يسرك اللحاق به، واقنع بما أوتيته يخف عليك الحساب، ولا تتشاغل عما فرض الله عليك بما ضمن لك، إنه ليس بفائتك ما قسم لك ولست بلاحق ما زوي عنك، فلا تك جاهداً فيما يصبح نافداً، واسع لملك لا زوال له في منزل لا انتقال عنه.
؟وروي عن عائشة رضي عنها أنها قالت: كنت نائمة مع النبي صلّى الله عليه وسلم ليلة النصف من شعبان ثم انتبهت فإذا النبي صلّى الله عليه وسلم ليس عندي، فأدركني ما يدرك النساء من الغيرة فلففت مرطي، أما ولله ما كان خزّاً ولا قزاً ولا قطناً ولا كتاناً، قيل فما كان يا أم المؤمنين ؟ قالت: كان سداوته من شعر، ولحمته من أوبار الأبل، قالت: فحبوت إليه أطلبه، فألفيته كالثوب الساقط على وجهه من الأرض وهو يقول: سجد لك خيالي وسوادي، وآمن بك فؤادي، وهذه يدي وما جنيت بها على نفسي، أنت عظيم ترجى لكل عظيم ترجى لكل عظيم، فاغفر الذنب العظيم، فقلت: بأبي وأمي أنت يا رسول الله، إنك لفي شأن وإني لفي شأن، فرفع رأسه ثم عاد ساجداً فقال: أعوذ بوجهك الذي أضاءت له السموات السبع والأرضون السبع من فجاة نقمتك، وتحويل عافيتك، ومن شر كتاب قد سبق واعوذ برضاك من سخطك وبعفوك من عقوبتك وبك منك، لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك0فلما انصرف من صلاته تقدمت أمامه حتى دخلت البيت ولي نفس عال، فقال: مالك يا عائشة؟ فأخبرته الخبر، فقال: ويح هاتين الركبتين ماذا لقيتا هذه الليلة ومسح عليهما، ثم قال: أتدرين أي ليلة هذه يا عائشة؟ قلت: ه ورسوله أعلم، قال: هذه ليلة النصف من شعبان فيها تراقب الآجال وتثبت الأعمال.
؟وقال صلّى الله عليه وسلم: كلمة من الخير يسمعها المؤمن ويعمل بها ويعلمها خير من عبادة سنة.
وقال صلّى الله عليه وسلم: استأنسوا بالوحدة عن جلساء السوء.
وقال: لا تدعوا حظكم من العزلة فأن العزلة عبادة.
وقال صلّى الله عليه وسلم: ما أسر امرؤ سريرة إلا ألبسه الله رداءها، إنَّ خيراً فخيراً وإنَّ شراً فشراً.
وعنه صلّى الله عليه وسلم: إنَّ المؤمن ليذنب الذنب فيدخله الجنة، قالوا يا رسول الله: كيف يدخله الجنة؟قال: يكون نصب عينيه تائباً عنه مستغفراً حتى يدخل الجنة.
وقال صلّى الله عليه وسلم: أعجب الناس إلي منزلة رجل يؤمن بالله ورسوله ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة، ويعمر ماله، ويحفظ دينه ويعتزل الناس، ثم قال: إخلاصها أن تخرجه مما حرم الله.
وروى أنس عنه صلّى الله عليه وسلم: سبعة تجري للعبد بعد موته، من علم علماً أو أجرى نهراً أو حفر بئراً أو بنى مسجداً أو أورث مصحفاً أو ترك ولداً صالحاً أو ترك صدقة تجري له بعد موته.
وعنه قال قال: لي رسول الله صلّى الله عليه وسلم: يا بني لا تغفل عن قراءة القرآن إذا أمسيت، فإن القرآن يحيي القلب الميت وينهى عن الفحشاء والمنكر.
وقال صلّى الله عليه: إنه ما سكن حب الدنيا قلب عبد إلا التاط منها بثلاث: شغل لا ينفذ عناؤه، وفقر لا يدرك غناه وأمل لا يدرك طالبتان ومطلوبتان ومطالب الآخرة تطلبه الدنيا حتى يستكمل رزقه وطالب الدنيا تطلبه منتهاه إن الدنيا والآخرة تطلبه الآخرة حتى يأخذ الموت بعنقه0 ألا وإنَّ السعيد السعيد من اختار باقية يدوم نعيمها على فانية لا ينفذ عذابها، وقدم لما يقدم عليه مما هو الآن في يديه أن يخلفه لمن يسعد بانفاقه وقد شقي بجمعه واحتكاره.
وقال صلّى الله عليه وسلم: من لم يتعز بعزاء الله عز وجل تقطعت نفسه على الدنيا حسرات، ومن لم ير أن الله عز وجل عنده نعمة إلا في مطعم أو مشرب قل علمه وكثر جهله، ومن نظر إلى ما في أيدي الناس طال حزنه ولم يشف غيظه.
وقال صلى الله عليه وسلم: إن الله عز وجل يبغض البخيل في حياته والسخي عند موته.
وقال صلّى الله عليه: من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل.
وقال صلّى الله عليه وسلم لعلي كرم الله وجهه: يا علي إنَّ من اليقين ألا ترضي بسخط الله أحداً، ولا تحمد أحداً على ما آتاك الله، ولا تذم أحداً على ما آتاك الله، ولا تذم أحداً على ما لم يؤتك، فإن الرزق لا يجره حرص حريص ولا تصرفه كراهة كاره، ياعلي: لا فقر أشد من الجهل، ولا وحشة أشد من العجب.

قال الحسن بن علي سمعت رسول الله صلّى الله عليه يقول: دع ما يربيك إلى مالا يربيك، فإن الحق طمأنينة والكذب ريبة، ولن تجد فقد شيء تركته لله تعالى.
وقال صلّى الله عليه وسلم: من أذنب وهو يضحك دخل النار وهو يبكي.
قال سلمان الفارسي رضي الله عنه: جاءت المؤلفة قلوبهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم: عيينة بن حصن الفزازي والأقرع بن حابس التميمي وذووهما، فقالوا: يا رسول الله إنك لو جلست في صدر المجلس ونحيت عنا هؤلاء لأرواح جبابهم - يعنون أبا ذر وسليمان وفقراء المسلمين، وكان عليهم الجباب الصوف لم يكن لهم غيرها - جلسنا إليك وحادثناك وأخذنا عنك فأنزل الله تعالى: (وائل ماأوحي إليك من كتاب ربك لا مبدل لكلماته ولن تجد من دونه ملتحداً، واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه) حتى بلغ (ناراً أحاط بهم سرادقها) (الكهف: 27 - 29) يتهددهم بالنار، فقام نبي الله صلّى الله عليه وسلم يلتمسهم حتى أصابهم في مؤخر المسج يذكرون الله تعالى فقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع قوم من أمتي، معكم المحيا ومعكم الممات.
قال ابن عباس لهند بن أبي هالة وكان ربيباً لرسول الله صلّى الله عليه وسلم: صف لنا رسول الله فلعلك أن تكون أثبتنا معرفة به، قال: كان بأبي وأمي طويل الصمت، دائم الفكرة، متواتر الأحزان، إذا تكلم تكلم بجوامع الكلم لا فضول ولا تقصير إذا حدث أعاد وإدا خولف أعرض وأشاح، يتروح إلى حديث أصحابه، يعظم النعمة وإنَّ دقت، ولا يذم ذواقاً (ولا يمدحه) ويبسم عن مثل حب الغمام.
قال عيسى بن مريم صلى الله عليه: إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين نظروا إلى باطن الدنيا حين نظر الناس إلى عاجلها، فأماتوا منها ما خشوا أن يميت قلوبهم وتركوا منها ما علموا أن سيتركهم.
ورأوه صلى الله عليه يخرج من بيت مومسة فقالوا: يا مسيح الله ما تصنع عند هذه؟ فقال: إنما يأتي الطبيب المرضى.
وكان عليه السلام يقول: يامعاشر العلماء مثلكم مثل الدفلى يعجب ورده من نظر إليه، ويقتل طعمه من أكله كلامكم دواء يبرئ الداء وأعمالكم داء لا يقبل الدواء الحكم، الحكم تخرج من أفواهكم وليس بينها وبين آذانكم إلا أربع أصابع ثم لا تعيها قلوبكم، معاشر العلماء: إنَّ الله إانما بسط لكم الدنيا لتعملوا، ولم يبسطها لكم لتطغوا، معشر العلماء كيف يكون من أهل العلم من يطلب الكلام ليحبر به ولا يطلبه ليعمل به، العلم فوق رؤوسكم والعمل تحت أقدامكم، فلا أحرار كرام ولا عبيد أتقياء.
؟وقال عليه السلام: حب الدنيا رأس كل خطيئة، والمال فيه داء كثير، قيل: يا روح الله ما داؤه؟ قال: لا يؤدى حقه، قيل: فإن أدي حقه ؟ قال: لا يسلم من الفخر والخيلاء، قيل: فإن سلم؟ قال: يشغل استصلاحه عن ذكر الله.
؟ومن كلامه الشريف المحيي: الدنيا والآخرة كالمشرق والمغرب، متى بعد أحدكم عن أحدهما قرب من الآخر، ومتى قرب من أحدهما بعد من الآخر.
؟قال صلّى الله عليه وسلم: تقربوا إلى الله ببعض أهل المعاصي والتمسوا رضوانه بالتباعد منهم قالوا ممن يجالس؟ قال من تذكركم بالله تعالى رؤيته ويزيد في فهمكم منطقه، ويرغبكم في الآخرة عمله.
؟قال داود لابنه سليمان عليهما السلام: يا بني إنما يستدل على تقوى الرجل بثلاثة أشياء: بحسن توكله على الله فيما يأتيه، وبحسن رضاه فيما آتاه، وبحسن صبره فيما فاته.
؟قيل: لما ابتلى الله عز وجل أيوب عليه السلام بذهاب المال والولد والأهل، فلم يبق له شيء أحسن من الذكر والحمد لله رب العالمين، ثم قال: أحمدك رب الأرباب الذي أحسنت إلي، قد أعطيتني المال والولد فلم يبق من قلبي شعبة إلا قد دخله ذلك، فأخذت كله وفرغت قلبي فليس يحول بيني وبينك شيء، فمن ذا تعطيه المال والولد فلا يشغله حب المال والولد عن ذكرك، ولو يعلم إبليس بالذي صنعت إلي حسدني، قال: فلقي إبليس من هذا شيء منكراً.
؟ومما روي عن السيد المسيح عليه السلام قوله: البر ثلاثة: المنطق والنظر والصمت، فمن كان منطقه في غير ذكر فقد لغا، ومن كان نظره في غير اعتبار فقد سها، ومن كان صمته في غير فكر فقد لها.
؟وقيل ليوسف عليه السلام: لم تجوع وأنت على خزائن الأرض؟ فقال: أخاف أن أشبع فأنسى الجائع.

؟مر المسيح عليه السلام بقوم يبكون على ذنوبهم فقال: اتركوها تغفر لكم.
؟روي أن موسى عليه السلام سأل ربه تعالى فقال: رب ما أحكم الحكم، وما أغنى الغنى، وما أفضل الشكر؟فقال جل ثناؤه: أحكم الحكم أن تحكم على الناس بما تحكم به على نفسك، و أغنى الغنى أن يرضى العبد بما قسم له، وافضل الشكر ذكر الله تعالى.
؟وكان السيد المسيح يقول: اعملوا لله ولا تعملوا لبطونكم، وإياكم وفضول الدنيا، فإن فضول الدنيا عند الله رجس، انظروا إلى طير السماء تغدوا وتروح ليس معها من أرزاقها شيء، لا تحرث ولا تحصد والله يرزقها، فإن زعمتم أنكم أكبر بطوناً من الطير، فهذه الوحوش من البقروالحمير تغدو وتروح وليس معها من أرزاقها شيء، لا تحرث ولا تحصد والله يرزقها.
؟في الخبر أن لقمان نودي: إني أجعلك خليفة في الأرض، فقال: إنَّ اختارني ربي فسمعاً وطاعة، و إنَّ خيرني اخترت العافية، فأولاه الله الحكمة وصرفت الخلافة إلى داود عليه السلام، فكان إذا رآه يقول: وقيت الفتنة يا لقمان.
؟وقال ابن عباس: خير سليمان بن داود بين العلم والمال والملك، فاختار العلم، فأعطي المال والملك معه.

الفصل الثاني
كلام القرابة وآدابهم وآثارهم ومواعظهم
رضي الله عنهم
قد اختلفت الرواة فيما جاء من مثل هذه الآداب والمواعظ اختلافاً شديداً، ونسبوا الكلمة منها إلى جماعة من القرابة والصحابة، وكثيراً ما نسبوا فقراً يتداولها الناس تارة إلى رسول الله وتارة إلى أهله وأصحابه رضوان الله عليهم، حتى ان الرضي أبا الحسن الموسوي رحمه الله كان مع شدة توقيه ومعرفته بكلام أبيه، في نهج البلاغة وهو الذي حققه من كلام علي عليه السلام وأختاره، كثيراً ما تحقق أصحاب الحديث أنه كلام النبي صلّى الله عليه وسلم، وكذلك غيره فعل، نسب شطراً من كلامه إلى أولاده رضي الله عنهم، ولعل أحدهم كان يذكر الكلمة رواية أو تمثلاً عن آبائه فيغفل الراوي الاسناد، وقد يقع التوارد في الكلمة كما يتفق الايطاء في الشعر.
وروي أن علياً عليه السلام سئل عن سبب اختلاف الناس في الحديث فقال: الناس أربعة: رجل منافق كذب على رسول الله متعمداً، فلو علم أنه منافق ما صدق ولا أخذ عنه، ورجل سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول قولاً أو رآه يفعل فعلاً ثم غاب ونسخ ذلك من قوله وفعله، فلو علم أنه نسخ ما حدث ولا عمل به، ولو علم الناس أنه نسخ ما قبلوا منه ولا أخذوا عنه، ورجل سمع رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول قولاً فوهم فيه، فلو علم أنه وهم ما حدث ولا عمل به، ورجل لم يكذب ولم يهم وشهد ولم يغب، وإنما دل بهذا على نفسه.
وكلهم ينزعون إلى غاية ويستقون من قليب واحد ولأيهم كان الكلام فبنور النبوة أشرق ضياؤه ومن شجرتها المباركة اقتبست ناره0فإن حقق قارئ هذا الكتاب نقلاً يخالف في بعض الكلمات، فالعهدة فيه على الرواة، و أنا لم آل في بذل الاجتهاد مع شدة تناقض أرباب الاسناد، وليس ذلك بقادح فيه، إذ المقصود المذاكرة بمعانيه لا نسبته إلى قائليه.
؟قال علي بن ابي طالب عليه السلام: أما بعد فإن الدنيا قد أدبرت وأذنت بوداع، و إنَّ الآخرة قد أقبلت وأشرفت باطلاع، و إنَّ المضمار اليم وغداً السباق، والسبقة الجنة، والغاية النار، ألا وأنكم في أيام أمل من ورائه أجل، فمن أخلص في أيام أمله قبل حضور أجله نفعه علمه ولم يضره أمله، ومن قصر في أيام أمله قبل حضور أجله فقد خسر عمله وضره أمله ألا فاعملوا في الرغبة كما تعملون في الرهبة، ألا وإني لم أر كالجنة نام طالبها ولا كالنار نام هاربها، ألا وإنه من لم ينفعه الحق ضره الباطل ومن لم يستقيم به الهدي يجربه الضلال ألا وإنكم قد أمرتم بالظعن ودللتم على الزاد، و إنَّ أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل.
؟وخطب عليه السلام فقال: اتقوا الله الذي إنَّ قلتم سمع، و إنَّ أضمرتم علم، واحذروا الموت الذي إنَّ أقمتم أخذكم، و إنَّ هربتم ادرككم.

؟ومر في منصرفه من صفين بمقابر فقال: السلام عليكم يا أهل الديار الموحشة والمحال المقفرة من المؤمنين والمؤمنات، يرحم الله المستقدمين منكم والمستأخرين، أنتم لنا سلف فارط، ونحن لكم تبع وإنا بكم عما قليل لاحقون اللهم اغفر لنا ولهم، وتجاوز عنا وعنهم، الحمد لله الذي منها خلقنا، وعليها ممشانا، وفيها معاشنا، طوبى لمن ذكر المعاد وأعد للحساب وقنع بالكفاف.
وقال لابنه الحسن: يا بني لا تخلفن وراءك شيئاً من الدنيا، فإنك تخلفه لأحد رجلين: إما رجل عمل فيه بطاعة الله عز وجل فسعد بما شقيت به، وإما رجل عمل بمعصية الله فكنت عوناً له على ذلك، وليس أحد هذين بحقيق أن تؤثره على نفسك.
؟ومن كلامه عليه السلام: من العبادة الصمت وانتظار الفرج.
؟ومنه: أما بعد فإن المرء يسره درك مالم يكن ليفوته: ويسؤه فوت ما لم يكن ليدركه، فليكن سرورك بما نلت من آخرتك، وليكن أسفك على ما فاتك منها، وما نلت من دنياك فلا تكثر به فرحاً، وما فاتك منها فلا تأس عليه جزعاً، وليكن همك فيما بعد الموت.
ورؤي عليه إزار مرقوع فقيل له في ذلك فقال: يخشع له القلب وتذل له النفس ويقتدي به المؤمنون بعدي.
؟وقال عليه السلام لسلمان الفارسي رحمه الله عليه: إنَّ مثل الدنيا مثل الحية لين مسها قاتل سمها، فأعرض عما يعجبك منها، فإن المرء العاقل كلما صار منها إلى سرور أشخصه منها إلى مكروه، ودع عنك همومها إنَّ أيقنت بفراقها.
؟قال كميل بن زياد النخعي: أخذ بيدي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام فأخرجني إلى الجبانة، فلما أصحر تنفس الصعداء ثم قال: يا كميل إنَّ هذه القلوب أوعية فخيرها أوعاها، فاحفظ عني ما أقول لك: إنَّ الناس ثلاثة عالم رباني، ومتعلم على سبيل نجاة، وهمج رعاع أتباع كل ناعق يميلون مع كل ريح، لم يستضيؤا بنور العلم ولم يلجأوا إلى ركن وثيق0ياكمل: العلم خير من المال فالمال تنقصه النفقة والعلم يزكو على الإنفاق. يا كميل: معرفة العلم دين يدان به، يكسب الإنسان الطاعة في حياته، وجميل الأحدوثة بعد وفاته0والعلم حاكم والمال محكوم عليه0يا كميل بن زياد: هلك خزان المال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، أعيانهم مفقودة، وأمثالهم في القلوب موجودة، ها إنَّ ها هنا لعماً جماً - و أشار إلى صدره - لو أصابت له حملة، بلى أصبت لقناً غير مأمون عليه، مستعملاً آلة الدين للدنيا، ومستظهراً بنعم الله على عباده، وبحججه على أوليائه، أو منقاداً بجملة الحق لا بصيرة له في إجابة، ينقدح الشك في قلبه لأول عارض من شبهة، ألا لا ذا ولا ذاك، أو منهوماً باللذة، سلس القياد للشهوة، أو مغرماً بالجمع والادخار، ليسا من رعاة الدين في شيء، أقرب(شيء)شبهاً بهما الأنعام السائمة، كذلك يموت العلم بموت حامليه. اللهم بلى، لا تخلو الأرض من قائم لله بحجة إما ظاهراً مشهوراً أو خائفاً مغموراً، لئلا تبطل حجج الله وبيناته. ولم ذا وأين أولئك؟أولئك والله الأقلون عدداً، الأعظمون قدرًا، بهم يحفظ الله حججه وبيناته حتى يودعوها نظراءهم، ويزرعوها في قلوب أشباههم، هجم العلم بهم على حقيقة البصيرة، وباشروا روح اليقين واستلانوا ما استوعر المترفون وأنسوا بما استوحش منه الجاهلون وصحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الأعلى0أولئك خلفاء الله في ارضه، والدعاة إلى دينه، آه آه شوقاً إليهم، انصرف إذا شئت.
؟ومن كلام له عليه السلام: أيها الناس إنما الدنيا دار مجاز، والآخرة دار قرار، فخذوا من دار ممركم لمقركم، ولا تهتكوا أستاركم عند من يعلم أسراركم، وأخرجوا من الدنيا قلوبكم من قبل أن تخرج منها أبدانكم، ففيها اختبرتم ولغيرها خلقتم، إنَّ المرء إذا هلك قال الناس: ما ترك؟وقالت الملائكة: ما قدم؟ لله آباؤكم، فقدموا بعضاً يكن لكم، ولا تخلفوا كلاً فيكون عليكم.
؟قال مجاهد: خرج علينا علي عليه السلام يوماً معتجراً فقال: جعت مرة بالمدينة جوعاً شديداً، فخرجت أطلب العمل في عوالي المدينة، فإذا أنا بامرأة قد جمعت مدراً فظننتها تريد بله فأتيتها فقاطعتها كل ذنوب على تمرة، فمددت ستة عشر ذنوباً حتى مجلت يداي، ثم أتيت الماء فأصبت منه ثم أتيتها فقالت بكفي هكذا بين يديها فعدت لي ست عشرة تمرة، فأتيت النبي صلّى الله عليه فأخبرته، فأكل معي منها0قوله: مجلت أي تنفطت.

؟ودخل عليه بعض أصحابه بالخورنق وهو يرعد تحت سمل قطيفة، فقال: يا أمير المؤمنين إنَّ الله قد جعل لك ولأهل بيتك في هذا المال، و أنت تصنع بنفسك ما تصنع؟فقال: والله ما أزرأكم من مالكم شيئاً، وإنها لقطيفتي التي خرجت بها من منزلي، أوقال: من المدينة.
؟وقسم عليه السلام ما في البيت على سبع أسباع، ثم وجد رغيفاً فكسره سبع كسر، ثم دعا أمراء الأجناد فأقرع بينهم.
؟قال الأحنف: دخلت على معاوية فقدم إلي من الحلو والحامض ما كثر تعجبي منه، ثم قدم لوناً ما أدري ما هو، فقلت ما هذا؟ قال: مصارين البط محشوة بالمخ قد قلي بدهن الفستق وذر عليه الطبرزد، فبكيت، فقال: ما يبكيك؟قلت: ذكرت علياً، بينا أنا عنده فحضر وقت إفطاره، فسألني المقام إذا دعا بجراب مختوم، قلت: ما في الجراب؟قال: سويق شعير، قلت خفت عليه أن يؤخذ أوبخلت به؟ قال: لا ولا أحدهما ولكني خفت أن يلته أن يلته الحسن والحسين بسمن أو زيت0قلت: محرم هو يا أمير المؤمنين؟ قال: لا ولكن يجب على أئمة الحق أن يعتدوا أنفسهم من ضعفة الناس لئلا يٌطغي الفقير فقره، قال معاوية: ذكرت من لا ينكر فضله.
؟واشترى علي عليه السلام بالكوفة تمراً فحمله في طرف ردائه فتبادره الناس وقالوا: يا أمير المؤمنين نحمله عنك، فقال: رب العيال أحق بحمله.
؟وروي أنه عليه السلام ملك أربعة دراهم، فتصدق بدرهم ليلاً وبآخر نهاراً وبدرهم سراً وبآخر علانية فأنزل الله عزوجل: ( الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سراً وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) " البقرة: 247 " .
؟ومن كلامه عليه السلام: يا ابن آدم إذا رأيت ربك سبحانه يتابع نعمة عليك فاحذره.
؟وقال: من كفارات الذنوب العظام إغاثة الملهوف والتنفيس عن المكروب.
؟ومن كلامه: أفضل الزهد إخفاء الزهد0 إذا كنت في إدبار والموت في إقبال فما أسرع الملتقى. من أطال الأمل أساء العمل0 لا قربة بالنوافل إذا أضرت بافرائض0 سيئة تسوءك خير عند الله من حسنة تعجبك.
؟وقال عليه السلام: الدهر يخلق الأبدان ويجدد الآمال ويقرب الأمنية ويباعد المنية، من ظفر به نصب، ومن فاته تعب.
؟وقال: أوصيكم بخمس لو ضربتم إليها آباط الإبل كانت لذلك أهلاً، لايرجون أحد منكم إلا ربه، ولا يخافن إلا ذنبه، ولا يستحيين أحد إذا سئل عما لا يعلم أن يقول لا أعلم، ولا يستحيين أحد إذا لم يعلم الشيء أن يتعلمه، وعليكم بالصبر فإن الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد، ولا خير في جسد لا رأس معه، ولا في إيمان لا صبر معه.
؟وقال عليه السلام: عجبت لمن يقنط ومعه الاستغفار.
؟وقال: كان في الأرض أمانان فرفع أحدهما فدونكم الآخر فتمسكوا به، أما الأمان الذي رفع في الدنيا فهو رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وأما الأمان الآخر فالاستغفار، قال الله تعالى وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) " الأنفال: 33) ؟وقال عليه السلام: من اصلح ما بينه وبين الله اصلح الله ما بينه وبين الناس، ومن اصلح أمر آخرته أصلح الله أمر دنياه، ومن كان له من نفسه واعظ كان عليه من الله حافظ.
؟وقال وقد سمع رجلاً من الحرورية يتهجد ويقرأ: نوم على يقين خير من صلاة في شك.
؟وقال عليه السلام: لا يترك الناس شيئاً من دينهم لاستصلاح دنياهم إلا فتح الله عليهم ما هو اضر منه.
؟وقال عليه السلام: كم من مستدرج بالإحسان إليه، ومغرور بالستر عليه، ومفتون بحسن القول فيه.
؟وقال: شتان بين عملين: عمل تذهب لذته وتبقى تبعته، وعمل تذهب مؤونته ويبقى أجره.
؟وقال عليه السلام وقد سمع رجلاً يذم الدنيا: أيها الذام للدنيا المغتر بغرورها، بم تذمها؟أنت المتجرم عليها أم هي المتجرمة عليك؟متى استهوتك أم متى غرتك؟ أبمصارع آبائك من البلى، أم بمضاجع أمهاتك تحت الثرى؟كم عللت بكفيك، وكم مرضت بيديك، تبغي لهم الشفاء، وتستوصف لهم الأطباء، لم ينفع أحدهم إشفاقك، ولم تسعف فيه بطلبتك، ولم تدفع عنه بقوتك، قد مثلت لك به الدنيا نفسك، وبمصرعه مصرعك.

إنَّ الدنيا دار صدق لمن صدقها ودار عافية لمن فهم عنها، ودار غنى لمن تزود منها، ودار موعظة لمن اتعظ بها: مسجد أحباء الله، ومصلى ملائكته، ومهبط وحي ه، ومتجر أولياء الله، اكتسبوا فيها الرحمة، وتربحوا فيها الجنة؛ فمن ذا يذمها وقد آذنت ببينها، ونادت بفراقها، ونعت نفسها وأهلها، فمثلت لهم البلاء، وشوقتهم بسرورها إلى السرور؟راحت بعافية، وابتكرت بفجيعة، ترغيباً وترهيباً، وتخويفاً وتحذيراً، فذمها رجال غداة الندامة وحمدها آخرون، ذكرتهم فذكروا، وحدثتهم فصدقوا، ووعظتهم فاتعظوا.
وقال عليه السلام: استنزلوا الرزق بالصدقة، ومن أيقن بالخلف جاد بالعطية.
وقال: لكل أمر عاقبة حلوة أو مرة0لكل مقبل إدبار وما أدبر كأن لم يكن. الرحيل وشيك.من أبدى صفحته للحق هلك.
؟وقال عليه السلام: من أعطي أربعاً لم يحرم أربعاً: من أعطي الدعاء لم يحرم الإجابة، ومن أعطي التوبة لم يحرم القبول، ومن أعطي الاستغفار لم يحرم المغفرة، ومن أعطي الشكر لم يحرم الزيادة0وتصديق ذلك في كتاب الله تعالى ادعوني أستجب لكم ) (المؤمن: 60)0ثم قال في الإستغفار (ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً) (النساء: 110) وقال في الشكر( لئن شكرتم لأزيدنكم)ابراهيم 7وقال في التوبة: (إنما التوبة على الله للذين يعملون السوء بجهالة ثم يتوبون من قريب فأولئك يتوب الله عليهم وكان الله عليماً حكيماً) (النساء: 16).
؟وقال عليه السلام لرجل سأله أن يعظه: لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير عمل، ويرجئ التوبة لطول الأمل، يقول في الدنيا بقول الزاهدين، ويعمل فيها بعمل الراغبين، إنَّ أعطي منها لم يشبع، وإنَّ منع منها لن يقنع، يعجز عن شكر ما أوتي، وينبغي الزيادة على ما أولي، ينهى ولا ينتهي، ويأمر بما لم يأتي، يحب الصالحين ولا يعمل عملهم، ويبغض المذنبين وهو أحدهم يكره الموت لكثرة ذنوبه ويقيم على ما يكره الموت له إن سقم ظل نادماً وأن صح أمن لاهياً يعجب بنفسه إذا عوفي ويقنط إذا ابتلي إنَّ أصابه بلاء دعا مضطراً، و إنَّ ناله رخاء أعرض مغتراً، تغلبه نفسه على ما يظن، ولا يغلبها على ما يستيقن، يخاف على غيره بأدنى من ذنبه، ويرجو لنفسه بأكثر من عمله؛ ن استغنى بطر وفتن، و إن افتقر قنط ووهن، يقتصر إذا عمل، ويبالغ إذا سأل؛ أسلف المعصية وسوف بالتوبة، يصف العبرة ولا يعتبر، ويبالغ في الموعظة ولا يتعظ، فهو بالقول مدل، ومن العمل مقل؛ ينافس فيما يفنى، ويسامح فيما يبقى؛ يرى الغنم مغرماً والغرم مغنماً؛ يخشى الموت ولا يبادر الفوت؛ يستعظم من معصيةغيره ما يستقل أكثر منه من نفسه، ويستكثر من طاعته ما يحقره من طاعة غيره، فهو على الناس طاعن ولنفسه مداهن؛ اللغو مع الأغنياء أحب إليه من الذكرمع الفقراء؛ يحكم على غيره لنفسه، ولا يحكم عليها لغيره؛ يرشد غيره ويغوي نفسه.
؟وقال له رجل أوصني قال: لا تحدث نفسك بفقر ولا طول عمر.
؟وقال: الأمل على الظن آفة العمل على اليقين.
؟وسئل عن الإيمان فقال: الإيمان معرفة بالقلب، وإقرار باللسان، وعمل بالأركان.
؟وقال عليه السلام من أصبح على الدنيا حزيناً فقد أصبح لقضاء الله ساخطاً، ومن أصبح يشكو مصيبة نزلت به فإنما يشكو ربه، ومن أتى غنياً فتواضع لغناه ذهب ثلثا دينه.
؟وقال عليه السلام: إنَّ قوماً عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار وإن قوماً عبدوا الله فتلك عبادة العبيد، وإن قوماً عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الأحرار.
؟وقال: يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم.
؟وقال: احذروا نفار النعم فما كل شارد بمردود.
؟وقال: أفضل الأعمال ما أكرهت نفسك عليه.
؟وقال عليه السلام: لو لم يتوعد الله على معصية لكان يجب أن لا يعصى شكراً لنعمته.
؟وقال: ما أكثر العبر وأقل الإعتبار.
؟وقال: ما المبتلى الذي قد استبد به البلاء بأحوج إلى الدعاء من المعافى الذي لا يأمن البلاء.
؟وقال: أقل ما يلزمكم لله أن لا تستعينوا بنعمه على معاصيه.

؟وقال عليه السلام في صفة المؤمن: المؤمن بشره في وجهه، وحزنه في قلبه، أوسع شيء صدراً، وأذل نفساً، يكره الرفعة، ويشنأ السمعة، طويل غمه، بعيد همه، كثير صمته، مشغول وقته، شكور صبور، مغمور بفكرته، ضنين بخلته، سهل الخليقة، لين العريكة، نفسه أصلب من الصلد، وهو أذل من العبد.
؟ومما ينسب إليه: المدة وإنَّ طالت قصيرة. والماضي للمقيم عبرة، والميت للحي عظة، وليس لأمس إذا مضى عودة، ولا أنت من غد على ثقة، وكل لكل مفارق، وكل بكل لاحق، واليوم الهائل لكل آزف، وهو اليوم الذي لا ينفع مال ولا بنون، إلآ من أتى الله بقلب سليم، اصبروا عن عمل لا غنى بكم عن ثوابه، وارجعوا على عمل لا صبر لكم على عقابه، فإن الصبر على طاعة الله أهون من الصبر على اعملوا وعذابه أنكم في نفس معدود، وأمل محدود وأجل ممدود، ولا بد للأجل (من) أن يتناهى، وللنفس أن يحصى، وللأمل أن يطوى(و إنَّ عليكم لحافظين كراماً كاتبين (الانفطار: 10، 11) ؟قال سويد بن غفلة: دخلت على علي عليه السلام بعد ما صار إليه الأمر، فإذا هو جالس في مصلى ليس في داره سواه، فقلت: يا أمير المؤمنين، ملك الإسلام ولا أرى في بيتك أثاثاً ولا متاعاً سوى مصلى أنت جالس عليه؟فقال: يا ابن غفلة إن اللبيب لا يتأثث في دار النقلة، وأمامنا دار هي دار المقامة، وقد نقلنا إليها حر المتاع؛ ونحن إليها منتقلون.
ومما ينسب إليه من (الوافر):
إذا عقد القضاء عليك أمراً ... فليس يحله غير القضاء
فما لك قد اقمت في دار ذلة ... ودار العز واسعة الفضاء
تبلغ باليسير فكل شيء ... من الدنيا يؤول إلى انقضاء
ومن كلام له في صفة فتنة: يكيلكم بصاعها، ويخبطكم بباعها، قائدها خارج من الملة، قائم على الضلة، فلا يبقى يومئذ منكم إلا ثفالة كثفالة القدر أو نفاضة كنفاضة العكم، تعرككم عرك الأديم، وتدوسكم دوس الحصيد، وتستخلص المؤمن منكم استخلاص الطير الحبة البطينة من بين هزيل الحب.
ومن كلامه: ما قال الناس لشيئ طوبى له، إلا وقد خبأ له الدهر يوم سوء.
ووقف عليه سائل فقال لأحد ولديه: قل لأمك هاتي درهماً من ستة دراهم0فقالت: هي للدقيق، فقال: لا يصدق إيمان عبد حتى يكون بما في يد الله أوثق منه بما في يديه فيتصدق به، ثم مر به رجل يبيع جملاً فاشتراه بمائة وأربعين درهماً وباعه بمائتين، فجاء بالستين إلى فاطمة عليها السلام، فقالت: ما هذا؟ قال هذا ما وعدنا الله على لسان أبيك من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها) (الأنعام: 160) ومن كلامه: لا خير في الدنيا إلا لأحد رجلين: محسن يزداد كل يوم إحساناً ومسيء يتدارك بالتوبة.
وقال: أعظم الذنوب ما استخف به صاحبه.
وقال: العلم في غير طاعة الله مادة الذنوب.
ومن كلامه عليه السلام: ليخزن الرجل لسانه، فإن هذا اللسان جموح بصاحبه، و الله ما أرى عبداً يتقي تقوى تنفعه حتى يخزن لسانه، و إنَّ لسان المؤمن من وراء قلبه، و إنَّ قلب الكافر من وراء لسانه، لأن المؤمن إذا أراد أن يتكلم بكلام تدبره في نفسه، فإن كان خيراً أبداه، و إنَّ كان شراً واراه، و إنَّ المنافق يتكلم بما أتى على لسانه لا يدري ماذا له وماذا عليه. ولقد قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: لا يستقيم إيمان عبد (حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه) حتى يستقيم لسانه، فمن استطاع منكم أن يلقى الله وهو نقي الراحة من دماء المسلمين وأموالهم، سليم اللسان من أعراضهم فليفعل.
ومن كلامه عليه السلام: أين الذين دعوا إلى الإسلام فقبلوه، وقرأوا القرآن فأحكموه، وهيجوا إلى الجهاد فولهوه (وله) اللقاح (إلى )أولادها وسلبوا السيوف أغمادها، أخذوا بأطراف الأرض زحفاً زحفاً وصفا صفاًً؟بعض هلك وبعض نجا، لا يبشرون بالأحياء، ولا يعزون عن القتلى، مره العيون من البكاء، خمص البطون من الطوى، ذبل الشفاه من الظما، صفر الألوان من السهر، على وجوهم غبرة الخاشعين، أولئك إخواني الذاهبون، فحق لنا أن نظمأ، ونعض الأيدي على فراقهم.

ومن كلامه كرم الله وجهه: واعلموا أن المتقين ذهبوا بعاجل الدنيا وآجل الآخرة، فشاركوا أهل الدنيا في دنياهم، ولم يشاركهو أهل الدنيا في آخرتهم، سكنوا الدنيا بأفضل ما سكنت، وأكلوها بأفضل ما أكلت، فحظوا من الدنيا بما حظي به المترفون، وأخذوا منها ما أخذ الجبارون المتكبرون، ثم انقلبوا عنها بالزاد المبلغ والمتجر المربح.
ومنه: اتقوا معاصي الله في الخلوات فإن الشاهد هو الحاكم.
وقال عليه السلام: كانت العلماء والحكماء والأتقياء يتكاتبون بثلاث ليس معهن رابعة: من أحسن سريرته أحسن الله علانيته، ومن أحسن فيما بينه وبين الله كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن كانت الآخرة همه كفاه الله همه من الدنيا.
ومن كلامه عليه السلام: عليك بكتاب الله، فإنه الحبل المتين، والنور المبين، والشفاء النافع، والري الناقع، والعصمة للمتمسك، والنجاة للمتعلق، ولا يعوج فيقام ولا يزيغ فيستعتب، ولا تخلقه كثرة الرد وولوج السمع، من قال به صدق، ومن عمل به سبق.
وكان علي كرم الله وجهه يخرج في الشتاء والبرد الشديد في إزار ورداء خفيفين، وفي الصيف في القباء المحشو والثوب الثقيل لا يبالي، فقيل له في ذلك، فقال، إنَّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم خيبر حين أعطاني الراية وكنت أرمد تفل في عيني، وقال: اللهم اكفه الحر والبرد، فما آذاني بعده حر ولا برد.
عاد عليه السلام العلاء بن زياد الحارثي فرأى سعة داره، فقال: ما كنت تصنع في سعة الدار في الدنيا؟أنت إليها في الآخرة أحوج؛ بلى إن شئت بلغت بها الآخرة: تقري فيها الضيف، وتصل فيها الرحم، وتطلع منها الحقوق مطالعها، فإذا أنت قد بلغت بها الآخرة.
ووقف على خياط، فقال: يا خياط ثكلتك أمك، صلب الخيوط، ودقق الدروز، وقارب الغرز، فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: يحشر الله الخياط الخائن وعليه قميص ورداء مما خاط وخان فيه، واحذر السقاطات فإن صاحب الثوب أحق بها، و لا تتخذ بها الأيادي تطلب المكافأة.
قال نافع بن أبي نعيم: كان أبو طالب يعطي علياً قدحاً من لبن يصبه على اللات، فكان علي يشرب اللبن ويبول عليه السلام اللات، حتى سمن فأنكر ذلك أبو طالب حتى، عرف القصة فولى ذلك عقيلاً.
نزل بالحسن بن علي ضيف فاستسلف درهماً اشترى له به خبزاً، واحتاج إلى الادام فطلب من قنبر أن يفتح له زقاً من زقاق عسل جاءت من اليمن، فأخذ منه رطلاً، فلما قعد علي رضي الله عنه ليقسمها، قال: يا قنبر قد حدث في هذا الزق حدث، فقال: صدق فوك، وأخبره الخبر، فغضب وقال: علي به، فرفع عليه الدرة، فقال: بحق عمي جعفر، وكان إذا سئل بحق جعفر سكن، وقال: ما حملك على أن أخذت منه قبل القسمة؟قال إن لنا فيه حقاً فإن أعطيتناه رددناه، قال: فداك أبوك، وإن كان لك فيه حق فليس لك أن تنتفع بحقك قبل أن ينتفع المسلمون بحقوقهم، لولا أني رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقبل ثنيتيك لأوجعتك ضرباً، ثم دفع إلى قنبر درهماًوقال: اشتر به أجود عسل تقدر عليه، قال الراوي: فكأني أنظر إلى يدي علي على فم الزق وقنبر يقلب العسل فيه، ثم شده وجعل يبكي ويقول: اللهم اغفرها للحسن فإنه لم يعلم.
قال علي عليه السلام: ولقد كنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم نقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا وأعمامنا فما يزيدنا ذلك إلا إيماناً وتسليماً ومضياً على اللقم، وصبراً على مضض الألم0ولقد كان الرجل منا والآخر من عدونا يتصاولان تصاول الفحلين، يتخالسان أنفسهم، أيهما يسقي صاحبه كأس المنون، فمرة لنا من عدونا ومرة لعدونا منا، فلما رأى الله صدقنا أنزل بعدونا الكبت وأنزل علينا النصر، حتى استقر الإسلام ملقياً جرانه، متبوئاً أوطانه0ولعمري لو كنا نأتي ما أتيتم ما قام للدين عمود ولا اخضر للإيمان عود، وايم الله لحتلبنها دماً ولتجبلبنها ندماً.

استعدى رجل عمر على علي رضي الله عنهما، وعلي جالس، فالتفت عمر إليه وقال: يا ابا الحسن قم فاجلس مع خصمك، فقام فجلس مع خصمه، فتناظرا وانصرف الرجل، ورجع علي إلى مجلسه فتبين عمر التغير في وجه علي فقال: يا أبا الحسن مالي أراك متغيراً؟أكرهت ما كان؟ قال: نعم، قال: وما ذاك؟ قال: كنيتني بحضرة خصمي فألا قلت: قم يا علي فاجلس مع خصمك، فأخذ عمر برأس علي فقبل بين عينيه، ثم قال: بأبي أنتم بكم هدانا الله، وبكم أخرجنا من الظلمات إلى النور.
ومن كلامه: إنَّ أبغض الخلائق إلى الله رجلان: رجل وكله الله إلى نفسه فهو جائر عن قصد السبيل، مشغوف بكلام بدعة ودعاء ضلالة، ورجل قمش جهلاً، موضع في جهال الأمة، غار في أغباش الفتنة، عم بما في عقد الهدنة، قد سماه أشباه الناس عالماً وليس به، تكثر فاستكثر من جمع ما قل منه خير مما كثر، حتى إذا ارتوى من آجن، واكتنز من غير طائل، جلس للناس قاضياً ضامناً لتخليص ما التبس على غيره، فإن نزلت به احدى المهمات هيأ له حشواً رثاً من رأيه، ثم قطع به، فهو من لبس الشهوات في مثل نسج العنكبوت، لا يدري أصاب أم أخطا، إنَّ أصاب خاف أن يكون قد أخطا، و إنَّ أخطأ رجا إن يكون قد أصاب، خباط جهالات، ركاب عشوات، لم يعض على العلم بضرس قاطع، يذري الروايات إذراء الريح الهشيم، تصرخ من جور قضائه الدماء، وتعج منه المواريث إلى الله.
قال الربيع بن زياد الحارثي لعلي عليه السلام: أعني على أخي عاصم، قال: ماباله؟قال: لبس العباء يريد النسك، قال: علي به، فأتي به مؤتزراً بعباءة مرتدياً بأخرى أشعث الرأس واللحية، فعبس في وجهه وقال: ويحك أما استحيت من أهلك، أما رحمت ولدك ؟أترى الله أباح لك الطيبات وهو يكره أن تنال منها شيئاً ؟بل أنت أهون على الله، أما سمعت الله تعالى في كتابه يقول: الأرض وضعها للأنام ) إلى قوله: . ويخرج منها اللؤلؤ والمرجان) " الرحمن: 10 - 22 " أفترى الله أباح هذه لعباده ليبتذلوه ويحمدوا الله عليه فيثيبهم، وإن ابتذالك نعم الله تعالى بالفعال خير منه بالمقال، قال: عاصم: فما بالك في جشوبة مأكلك وخشونة ملبسك، فإنما تزينت بزيك، قال: ويحك إن الله فرض على أئمة الحق أن يقدروا نفسهم بضعفة الناس لئلا يتبيغ بالفقير فقره.
قال ابن عباس: دخلت على علي عليه السلام بذي قار وهو يخصف نعله، فقال لي ما قيمة هذه النعل ؟فقلت: لا قيمة لها، فقال: والله هي أحب إلى من إمرتكم، إلا أن أقيم حقاً أو أدفع باطلاً.
ومن كلام له: ولقد كان صلّى الله عليه وسلم يأكل على الأرض، ويجلس جلسة العبد، ويخصف بيده نعله، ويرقع بيده نعله، ويرقع بيده ثوبه، ويركب الحمار المعرى، ويردف خلفه، ويكون الستر على باب بيته فيه التصاوير فيقول: يا فلانة غيبيه عني فإني إذا نظرت إليه ذكرت الدنيا وزخارفها، فأعرض عن الدنيا بقلبه، وأمات ذكرها عن نفسه، وأحب أن يغيب زينتها عن عينيه.
ولقد كان في رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما يدلك على مساوئها وعيوبها إذ جاع فيها مع خاصته، وزويت عنه مع عظم زلفته، فلينظر ناظر بعقله: أأكرم الله محمداً بذلك أم أهانه ؟فإن قال: أهانه فقد كذب والعظيم، وإن قال أكرمه، فليعلم أن الله قد أهان غيره حين بسط الدنيا له وزواها عن أقرب الناس إليه: خرج من الدنيا خميصاً، وورد الآخرة سليماً، لم يضع حجراً على حجر، فما أعظم منة الله عندنا حين أنعم به علينا سلفاً نتبعه، وقائداً نطأ عقبه.و الله لقد رقعت مدرعتي هذه حتى استحيت من راقعها، ولقد قال لي قائل ألا تنبذها، فقلت: اغرب عني فعند الصباح يحمد القوم السرى.
روي عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: مرض الحسن والحسين وهما صبيان، فعادهما رسول الله صلّى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، فقال عمر: ياأبا الحسن لو نذرت في ابنيك نذراً إن عافاهما الله، فقال: أصوم ثلاثة أيام شكراً لله تعالى وكذلك قالت فاطمة، وقال الصبيان: نحن كذلك أيضاً نصوم ثلاثة أيام، وكذلك قالت جاريتهما فضة، فألبساهما الله تعالى عافيته، فأصبحوا صياماً وليس عندهم طعام فانطلق علي إلى جار له يهودي اسمه شمعون فأخذ منه جٌزًّة صوف تغزلها فاطمة بثلاثة أصوع شعير، فكانوا كلما قدموا طعامهم جاءهم مسكين فآثروه به ليالي صومهم، حتى نزلت: (ويطعمون الطعام على حبه) " الدهر: 8 "

؟وقال: لورأى العبد الأجل ومصيره لأبغض الأمل وغروره.
وقال: الداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر.
؟وقال من كلام له عليه السلام: الأقاويل محفوظة، والسرائر مبلوة؛ وكل نفس بما كسبت رهينة. معاشر الناس اتقوا ربكم فكم من مؤمل ما لايبلغه، وبأن مالايسكنه، وجامع ما سوف يتركه، ولعله من باطل جمعه، أصابه حراماً، واحتمل به آثاماً، فباء بوزره، وقدم على ربه أسفاً لاهفاً، قد خسر الدنيا والآخرة، (ذلك هو الخسران المبين ) " الزمر: 15 " ؟وقال: من علم أن كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه.
وقال عليه السلام: أيها الناس، ليركم الله من النعمة وجلين، كما من النقمة فرقين: إنه من وسع عليه في ذات يده فلم ير ذلك اختباراً فقد ضيع مامولاً.
وقال: الفكر مرآة صافية، والأعتبار منذر ناصح، وكفى أدباً لنفسك تجنبك ما كرهته لغيرك.
وروي أنه قل ما اعتدل به المنبر إلا قال أمام خطبته: أيها الناس اتقوا الله فما خلق امرؤ عبثاً فيلهو، ولا ترك سدى فيلغو، وما دنياه التي تحسنت له بخلف من الآخرة التي قبحها سوء النظر عنده، وما المغرور الذي ظفر من الدنيا بأعلى همته كالآخر الذي ظفر من الآخرة بأدنى سهمته.
وقال: رب مستقبل يوماً ليس بمستدبره، ومغبوط في أول ليله قامت بواكيه في آخره؛ كما قال الشاعر:
يا راقد الليل مسروراً بأوله ... إنَّ الحوادث قد يطرقن اسحارا
أنشد ذلك ابن السكيت، وتمام الشعر:
أفنى القرون التي كانت مسلطة ... مر الجديدين إقبالاً وإدبارا
يا من يكابد دنيا لا مقام بها ... يمسي ويصبح في دنياه سيارا
كم قد أبادت صروف الدهر من ملك ... قد كان في الأرض نفاعاً وضرارا
وقال عليه السلام: الركون إلى الدنيا مع ما تعاين منها جهل، والتقصير في حسن العمل إذا وثقت بالثواب عليه غبن، والطمأنينة إلى كل أحد قبل الاختبار عجز.
وقال لقائل قال بحضرته، استغقر الله: ثكلتك امك، أتدري ما الإستغفار؟ إنَّ الإستغفار درجة العليين، وهو اسم واقع على ستة معان: أولها الندم على ما فعل، والثاني العزم على ترك العود إليه أبداً، والثالث أن تؤدي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله أملس ليس عليك تبعة، والرابع أن تعمد إلى كل فريضة عليك ضيعتها فتؤدي حقها، والخامس أن تعمد إلى اللحم الذي نبت على السحت فتذيبه بالأحزان حتى تلصق الجلد بالعظم وينشأبينهما لحم زائد، والسادس ان تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية.
؟وقال عليه السلام: الزهد كله بين كلمتين من القرآن، قال الله تعالى ( قليلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم) (الحديد: 23) ومن لم يأس على الماضي ولم يفرح بالآتي فقد أخذ الزهد بطرفيه.
ومن كلام له لما قبض رسول الله صلّى الله عليه وسلم: أيها الناس شقوا أمواج الفتن بسفن النجاة، وعرجوا عن طريق المناظرة، وصفوا تيجان الفاخرة من نهض بجناح أواستسلم فأراح ماء آجن ولقمة يغص بها آكلها، ومجتني الثمرة لغير وقت إيناعها كالزارع بغير أرضه، فإن أقل يقولوا: حرص على الملك، و إنَّ أسكت يقولوا: جزع من الموت، هيهات بعد اللتيا والتي والله لابن أبي طالب آنس بالموت من الطفل بثدي أمه، بل اندمجت على مكنون علم لو بحت به لاضطربتم اضطراب الأرشية في الطوي البعيدة.
ومن خطبة له عليه السلام: ذمتي بما أقول رهينة وأنا به زعيم، إنَّ من صرت له العبر عما بين يديه من المثلات حجزه التقوى عن تقحم الشبهات.
ومنها: ألا وإنَّ الخطايا خيل شمس حمل عليها أهلها وخلعت لجمها وقحمت بهم في النار0ألا وإنَّ التقوى مطايا ذلل حمل عليها أهلها، وأعطوا أزمتها فأوردتهم الجنة، حق وباطل، ولكل أهل، فلئن أمر الباطل لقديماً فعل، ولئن قل الحق فربما ولعل، ولقلما أدبر شيء فأقبل.

ومن كلام له عليه السلام: فإن المرء المسلم مالم يغش دناءة وتظهر فيخشع لها إذا ذكرت ويغرى به لئام الناس، كان كالفالج الياسر الذي ينتظر أول فوزة من قداحه توجب له المغنم، فيرفع عنه بها المغرم، وكذلك المرء المسلم البريء من الخيانة، ينتظر إحدى الحسنيين: إما داعي الله فما عند الله خير له، و إما رزق الله فإذا هو ذو أهل ومال، ومعه دينه وحسبه؛ إنَّ المال والبنين حرث الدنيا، والعمل الصالح حرث الآخرة، قد يجمعها الله لأقوام، فاحذروا من الله ما حذركم من نفسه، واخشوه خشية ليست بتعذير، واعملوا في غير رياء ولا سمعة، فإنه من يعمل لغير الله يكله الله إلى من عمل له.
ومن مواعظه: واتقوا الله عباد الله وبادروا آجالكم بأعمالكم، وابتاعوا ما يبقي لكم بما يزول عنكم، وترحلوا فقد جد بكم، واستعدوا للموت فقد أظلكم، وكونوا قوما ًصيح بهم فانتبهوا، واعملوا أن الدنيا ليست لهم بدار فاستبدلوا، فإن الله لم يخلقكم عبثاً ولم يترككم سدىً، وما بين أحدكم وبين الجنة أو النار إلا الموت أن ينزل به، وإنَّ غاية تنقصها اللحظة وتهدمها الساعة لجديرة بقصر المدة، و إنَّ غائباً يحدوه الجديدان الليل والنهار لحري بسرعة الأوبة، وإنَّ قادماً يقدم بالفوز أو الشهوة لمستحق لأفضل العدة، فأتقى عبد ربه: نصح نفسه، قدم توبته، غلب شهوته، فإن أجله مستور عنه، وأمله خادع له، والشيطان موكل به يزين له المعصية ليركبها، ويمنيه التوبة ليسوفها حتى تهجم منيته عليه أغفل ما يكون عنها، فيالها حسرة على كل ذي غفلة أن يكون عمره عليه حجة، و إنَّ تؤديه أيامه إلى شقوة، نسأل الله سبحانه أن يجعلنا وإياكم ممن لا تبطره نعمة، ولا تقصر به عن طاعة ربه غاية، ولا تحل به بعد الموت ندامة ولا كآبة.
ومن مواعظه: رحم الله عبداً أسمع حكماً فوعى، ودعي إلى رشاد فدنا، وأخذ بحجزة هاد فنجا، راقب ربه، وخاف ذنبه، قدم صالحاً، وعمل خالصاً، اكتسب مذخوراً، واجتنب محذوراً، رمى غرضاً، وأحرز عوضاً، كابر هواه، وكذب مناه، جعل الصبر مطية نجاته، والتقوى عدة وفاته ركب الطريقة الغراء، ولزم المحجة البيضاء، اغتنم المهل، وبادر الأجل، وتزود من العمل.
ومنها: فاتعظوا عباد الله بالعبر النوافع، واعتبروا بالآي السواطع، وازدجروا بالنذر البوالغ، وانتفعوا بالذكر والمواعظ، فكأن قد علقتكم مخالب المنية، وانقطعت منكم علائق الأمنية، ودهمتكم مفظعات الأمور، والسياقة إلى الورد المورود، وكل نفس معها سائق وشهيد: سائق يسوقها إلى محشرها، وشاهد يشهد عليها بعمله.
ومن كلامه عليه السلام في صفة الدنيا: ما أصف من دار اولها عناء وآخرها فناء، في حلالها حساب، وفي حرامها عذاب، من استغنى فيها فتن، ومن افتقر حزم ومن سعى لها فاتته ومن قعد عنها أتته ومن أبصر بها بصرته، ومن أبصر إليها أعمته

وله عليه السلام كلام يصف فيه المتقين نبه فيه على آداب، أفلح من استضاء بنورها، أوله: أما بعد فإن الله تعالى خلق الخلق حيث خلقهم غنياً عن طاعتهم، آمناً لمعصيتهم، لأنه سبحانه لا تضره معصية من عصاه، ولا تنفعه طاعة من أطاعه، فالمتقون فيها هم أهل الفضائل، منطقهم الصواب، وملبسهم الاقتصاد، ومشيهم التواضع، غضوا أبصارهم عما حرم الله عليهم، ووقفوا أسماعهم على العلم النافع لهم، نزلت أنفسهم منهم في البلاء كالذي نزلت في الرخاء، لولا الأجل الذي كتب الله لهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقاً إلى الثواب، وخوفاً من العقاب، عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم، فهم والجنة كمن قد رآها فهم فيها منعّمون، وهم والنار كمن قد رآها فهم فيها معذبون، قلوبهم محزونة، وشرورهم مأمونة، وأجسادهم نحيفة، وحاجتهم خفيفة، وأنفسهم عفيفة، صبروا أياماً قصيرة أعقبتهم راحة طويلة، تجارة مربحة يسرها لهم ربهم، أرادتهم الدنيا فلم يريدوها، وأسرتهم ففادوا أنفسهم منها.أما الليل فصافون أقدامهم تالون لأجزاء القرآن يرتلونه ترتيلاً، يحزنون به أنفسهم، ويستثيرون به دواء دائهم، فإذا مروا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعاً، وتطلعت نفوسهم إليها شوقاً، وظنوا أنها نصب أعينهم، وإذا مروا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم، فظنوا أن زفير جهنم وشهيقها في أصول آذانهم، فهم حانون على أوساطهم مفترشون لجباههم وأكفهم وركبهم وأطراف أقدامهم، يطلبون إلى الله في فكاك رقابهم، وأما النهار فحلماء علماء أبرار أتقياء، قد براهم الخوف بري القداح، ينظر إليهم الناظر فيحسبهم مرضى وما بالقوم من مرض، ويقول: قد خولطوا، ولقد خالطهم أمر عظيم، لايرضون من أعمالهم بالقليل ولا يستكثرون الكثير، فهم لأنفسهم متهمون، ومن أعمالهم مشفقون، إذا زكي أحد منهم خاف مما يقال له فيقول: ربي أعلم بنفسي مني، و أناأعلم بنفسي من غيري، اللهم لا تؤاخذني بما يقولون، واجعلني أفضل مما يظنون، واغفر لي ما لايعلمون.فمن علامة أحدهم: أنك ترى له قوة في الدين، وحزماً في لين، وإيماناً في يقين، وحرصاً في علم، وعلماً في حلم، وقصداً في غنى، وخشوعاً في عبادة، وتجملاً في فاقة وصبراً في شدة، وطلباً في حلال، ونشاطاً في هدى، وتحرّجاً عن طمع، يعمل الأعمال الصالحة وهو على وجلٍ يمسي وهمه الشكر، ويصبح وهمه الذكر، يبيت حذراً ويصبح فرحاً حذراً من الغفلة، وفرحاً بما أصاب من الفضل والرحمة، إن استصعبت عليه نفسه فيما تكره لم يعطها سؤلها فيما تحب، قرة عينه فيما لا يزول، وزهادته فيما لا يبقى، يمزج الحلم بالعلم، والقول بالعمل، تراه قريباً أمله، قليلاً زلٌلُه، خاشعاً قلبه، قانعة نفسه، منزوراً أكله، سهلاً أمره، حريزاً دينه، ميته شهوته، مكظوماً غيظه، الخير منه مأمول، والشر منه مأمون، إنَّ كان في الغافلين كٌتب في الذاكرين، وإن كان في الذاكرين لم يكتب من الغافلين، يعفو عمن ظلمه، ويعطي من حرمه، ويصل من قطعه، بعيداً فحشه، ليناً قوله، غائبا ًمنكره، حاضراً معروفه، مقبلاً خيره، مدبراً شره في الزلازل وقور، وفي المكاره صبور، وفي الرخاء شكور، لايحيف على من يبغض، ولايأثم فيمن يحب، يعترف بالحق قبل أن يشهد عليه، لايضيع ما استحفظ ولا ينسى ما ذكر، ولاينابز بالألقاب، ولايضّر بالجار، ولايشمت بالمصائب، ولايدخل في الباطل، ولايخرج من الحق، إن صمت لم يغمّه صمته، و إنَّ ضحك لم يعل صوته، و إنَّ بُغي عليه صبر حتى يكون الله هو الذي ينتقم له، نفسه منه في عناء، و الناس منه في راحة، أتعب نفسه لآخرته، وأراح الناس من نفسه، بعده عمن تباعد عنه زهد ونزاهة، ودنوه ممن دنا منه لين ورحمة، ليس تباعده بكبر وعظمة، ولا دنوه بمكر وخديعة.
؟وسمع قوماً من أصحابه يسبون أهل الشام أيام حربهم بصفين فقال لهم: إني أكره لكم أن تكونوا سبّابين، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم، وذكرتم حالهم، كان أصوب في القول وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبكّم إياهم: اللهم احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم، حتى يعرف الحق من جهله، ويرعوي عن الغي والعدوان من لهج به

ومن كلام له عليه السلام: وحقاً أقول ما الدنيا غرتّك ولكن بها اغتررت، ولقد كاشفتك الغطاء، وآذنتك على سواء، ولهي بما تعدك من نزول البلاء بجسمك والنقص في قوتك أصدق وأوفى من أن تكذبك وتغرك، ولرب ناصح لها عندك متّهم، وصادق من خبرها مكذب ولئن تعرفتها في الديار الخاوية والربوع الخالية، لتجدنها من حسن تذكرك وبلاغ موعظتك بمحلة الشفيق عليك والشحيح بك، ولنعم دار من لم يرض بها داراً، ومحل من لم يوطنها محلاً، و إنَّ السعداء بالدنياغداً هم الهاربون منها اليوم، إذا رجفت الراجفة وحقت بجلائلها القيامة.
منها: فكم حجة يوم ذاك داحضة، وعلائق عُذر متقطعة، فتحرّ من أمرك ما يقوم به عذرك، وتثبت به حجتك، وخذ ما يبقى لك مما لا تبقى له وتيسّر لسفرك، وشم برق النجاة، وارحل مطايا التشمير.
؟ومن كلام له عليه السلام: والله لأن أبيت على حسك السعدان مسهداً، وأجرَّ في الأغلال مصفداً، أحب إلي من أن ألقى الله ورسوله يوم القيامة ظالماً لبعض العباد، وغاضباً لشيء من الحطام، وكيف أظلم أحداً والنفس يسرع إلى البلى قفولها، ويطول في الثرى حلولها؟و الله لقد رأيت عقيلاً وقد أملق حتى إستماحني من بركم صاعاً، و رأيت صبيانه شغث الألوان من فقرهم، كأنما سودت وجوههم بالمظلم، وعاودني مؤكداً، وكرر علي القول مردداً، فأصغيت إليه سمعي، فظن أني أبيعه ديني، وأتبع قياده مفارقاً طريقتي فأحميت له حديدة ثم أدنيتها من جسمه ليعتبر بها، فضج ضجيج ذي دنف من ألمها، وكاد أن يحترق من ميسمها، فقلت له: ثكلتك الثواكل أتئن من حديدة أحماها إنسان للعبه، وتجرني إلى نارسجرها جبارها لغضبه؟أتئن من الأذى ولا أئن من لظى؟وأعجب من ذلك طارق طرقنا بلفوفة في وعائها ومعجونة شنئتها كأنما عجنت بريق حية أو قيئها، فقلت: أصلة أم زكاة أم صدقة؟فذلك محرم علينا أهل البيت فقال: لا ذا ولا ذاك، ولكنها هدية، فقلت له: هبلتك الهبول، أعن دين الله أتيتني لتخدعني؟أمختبط أنت أم ذو جنة أم تهجر؟و الله لو أعطيت الأقاليم السبعة مما تحت أفلاكها أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شغيرة ما فعلته، و إن دنياكم عندي لأهون من ورقة في فم جرادة تقضمتها، ما العلي ونعيم يفني؟نعوذ بالله من سبات العقل وقبح الزلل، وبه نستعين.
ومن كلام له: فاحذروا عباد الله الموت وقربه، واعدوا له عدته، فإنه يأتي بأمر عظيم وخطب جليل، بخير لا يكون معه شر أبداً، وشر لا يكون معه خير أبداً، فمن أقرب إلى الجنة من عاملها؟ومن أقرب إلى النار من عاملها؟ وإنكم طرداء الموت: أن أقمتم له أخذكم، و إن فررتم منه أدرككم، وهو ألزم لكم من ظلكم. الموت معقود بنواصيكم، والدنيا تطوى من خلفكم، واحذروا ناراً قعرها بعيد، وحرها شديد، وعذابها جديد، دار ليس فيها رحمة، و لا تسمع فيها دعوة، و لا تفرج فيها كربة، و إنَّ استطعتم أن يشتند خوفكم من الله وأن يحسن ظنكم به، فاجمعوا بينهما، فإن العبد إنما يكون حسن ظنه بربه إلى قدر خوفه من ربه، و أن أحسن الناس ظناً بالله أشدهم خوفاً لله.

ومن كتاب له إلى عثمان بن حنيف الأنصاري، وهو عامله على البصرة، وبلغه أنه دعي إلى وليمة قوم من أهلها فمضى أليها: أما بعد يا ابن حنيف، قد بلغني أن رجلاً من فتية أهل البصرة دعاك إلى مأدبة فأسرعت إليها، تستطاب لك الألوان، وتنقل عليك الجفان0وما ظننت أنك تجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفو، وغنيهم مدعو، فانظر إلى ما تقضمه من هذا المقضم، فما اشتبه علمه فالفظه، وما أيقنت بطيب وجوهه فنل منه ألا وإنَّ لكل مأموم إماماً يقتدي به ويستضيء بنور علمه، ألا وإنَّ إمامكم قد اكتفى من دنياه بطمريه، ومن طعمه بقرصيه، ألا وإنكم لا تقدرون على ذلك، ولكن أعينوني بورع واجتهاد، فوالله ما كنزت من دنياكم تبرأ، ولا ادخرت من غنائمها وفراً، ولا أعددت ليالي ثوبي طمراً، بلى، كانت في أيدينا فدك من كل ما أظلمته السماء فشحت عليها نفوس قوم وسخت عنها نفوس آخرين ونعم الحكم الله ما أصنع بفدك وغير مذل والنفس مكانها في غد جدث تنقطع في ظلمته آثارها وتغيب أخبارها، وحفرة لو زيد في فسحتها وأوسعت يدا حافرها لأضغطها الحجر والمدر، وسد فرجها التراب المتراكم؛ وإنما هي نفس أروضها بالتقوى لتأتي آمنة يوم الخوف الأكبر منها0ولو شئت لاهتديت الطريق إلى مصفى هذا العسل ولباب هذا القمح ونسائج هذا القز، ولكن هيهات أن يغلبني هواي ويقودني جشعي إلى تخير الأطعمة، ولعل بالحجاز أو باليمامة من لا طمع له في القرص ولا عهد له بالشبع؛ أوأبيت مبطاناً وحولي بطون غرثى وأكباد حرى، أوأكون كما قال القائل (من الطويل):
وحسبك داء أن تبيت ببطنة ... وحولك أكباد تحن إلى القد
أأقنع من نفسي بأن يقال أمير المؤمنين ولا أشاركهم في مكاره الدهر؟أو أكون أسوة لهم في خشونة العيش، فما خلقت ليشغلني أكل الطيبات كالبهيمة المربوطة همها علفها، والمرسلة شغلها تقممها.
ومن كلام له عليه السلام: فلا يكن أفضل ما نلت من دنياك في نفسك بلوغ لذة أو شفاء غيظ، ولكن إطفاء باطل وإحياء حق، وليكن سرورك بما قدمت، و أسفك على ما خلفت، وهمك فيما بعد الموت.
وقال كرم الله وجهه: ما احسن تواضع الأغنياء للفقراء طلباً لما عند الله، و أحسن منه تيه للفقراء على الأغنياء اتكالاً على الله.
وقال: إنَّ أخسر الناس صفقة وأخيبهم سعياً رجل أخلق بدنه في طلب آماله، ولم تساعد المقادير على إرادته، فخرج من الدنيا بحسرته، وقدم على الآخرة بتبعته.
وقال كرم الله وجهه: اذكروا انقطاع اللذات وبقاء التبعات.
و دخل عليه قوم فقالوا: يا أمير المؤمنين لو أعطيت هذه الأموال وفضلت بها هؤلاء الأشراف ومن تخاف فراقه، حتى إذا استتب لك ما تريد عدت إلى أفضل ما عودك الله تعالى من العدل في الرعية والقسم بالسوية، فقال: تأمرونني أن أطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه من أهل الإسلام؟و الله لا أفعل ذلك ما سمر ابنا سمير، وما آب في السماء نجم، لو كان هذا المال لي لسويت بينهم، وكيف وإنما هي أموالهم؟ ثم أرم طويلاً ثم قال: من منكم له مال فأياه والفساد، فإن إعطاء المال في غير حله تبذير وإسراف وفساد، وهو يرفع ذكر صاحبه ويضعه عند الله عز وجل، ولن يضع امرؤ ماله في غير حقه وعند غير أهله إلا حرمه الله تعالى شكرهم، وكان لغيره ودهم، فإن بقي معه منهم من يبدي له الود ويظهر له الشكر فإنما هو ملق وكذب، فإن زلت بصاحبه النعل واحتاج إلى معونته ومكافأته فشر خليل والأم خدين، فمن آتاه الله مالاً فليصل به القرابة وليحسن فيه الضيافة، وليفك به العاني والأسير، وليعط منه الغارم وابن السبيل والفقراء والمجاهدين، وليصبر نفسه على الحقوق ابتغاء الثواب، فإنه ينال بهذه الخصال مكارم الدنيا وفضائل الآخرة، إنَّ شاء الله وقال: يوشك أن يفقد الناس ثلاثة: درهم حلال، ولسان صادق، وأخ يستراح إليه.

وكان الحسن بن علي عليهما السلام يقول في مواعظه: يا ابن آدم عف عن محارم الله تكن عابداً، وارض بما قسم الله سبحانه تكن غنياً، وأحسن جوار من جاورك تكن مسلماً، وصاحب الناس بمثل ما تحب أن يصاحبوك بمثله تكن عدلاً إنه كان بين أيديكم أقوام يجمعون كثيراً، ويبنون مشيداً، ويأملون بعيداً، أصبح جمعهم بوراً، وعملهم غروراً، ومساكنهم قبوراً، يا ابن آدم إنك لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمك فخذ مما في يديك، لما بين يديك فإن المؤمن يتزود والكافر يتمتع0 وكان يتلو بعد هذه الموعظة (و تزودوا فإن خير الزاد التقوى) (البقرة: 197) ومن كلام الحسين بن علي عليه السلام: أيها الناس نافسوا في المكارم، وسارعوا في المغانم، ولا تحسبوا بمعروف لم تعجلوه، واكتسبوا الحمد بالنجح، ولا تكسبوا بالمطل ذماً: فمهما يكن لأحد صنيعة له رأى أنه لا يقوم بشكرها فالله مكاف له، فإنه أجزل عطاء وأعظم أجراً0اعلموا أن حوائج الناس إليكم من نعم الله عليكم، ولا تملوا النعم فتحور نقماً، واعلموا أن المعروف مكسب حمداً ومعقب اجراً، فلو رأيتم المعروف رجلاً رأيتموه حسناً جميلاً يسر الناظرين ويفوق العالمين ولو رأيتم اللؤم رجلاً رأيتموه سمجاً مشوهاً تنفر منه القلوب وتغض دونه الأبصار0 أيها الناس من جاد ساد، ومن بخل رذل، وإن أجود الناس من أعطى من لا يرجوه وإن أعطى الناس من عفا عن قدرة وإنَّ أوصل الناس من وصل قطعه، والأصول على مغارسها بفروعها تسمو0من تعجل لأخيه خيراً وجده إذا قدم عليه غداً، ومن أراد الله تعالى بالصنيعة إلى أخيه كافأه بها في وقت حاجته، وصرف عنه من بلاء الدنيا ما هو أكثر منه، ومن نفس كربة مؤمن فرج الله عنه كرب الدنيا والآخرة، ومن أحسن أحسن الله إليه، و الله يحب المحسنين.
؟ومن كلام محمد بن علي المعروف بابن الحنيفة: أيها الناس إنكم أغرض تنتضل فيكم المنايا لن يستقبل أحد منكم يوماً بدأ من عمره إلا بانقضاء آخر من أجله، فأية أكلة ليس معها غصص، أو أية شربة ليس معها شرق؟أيها الناس استصلحوا ما تقدمون عليه مما تظعنون عنه، فإن اليوم غنيمة وغداً لا يدري لمن هو0 أهل الدنيا سفر يحلون عقد رحالهم في غيرها، قد خلت من قبلنا أصول نحن فروعها، فما بقاء الفرع بعد ذهاب أصله؟أين الذين كانوا أطول منا أعماراً وأبعد منا آمالاً؟أتاك يا ابن آدم ما لا ترده، وذهب عنك ما لا يعود، و لا تعدن عيشاً منصرفاً، عيشاً ما لك منه إلا لذة تزدلف بك إلى حمامك وتقربك من أجلك، وكأنك قد صرت الحبيب المفقود والسواد المخترم، فعليك بذات نفسك ودع عنك ما سواها، واستعن بالله يعنك.
؟وقال جعفر بن محمد: المرء بين ذنب ونعمة، لا يصلحه غير استغفار من هذا وشكر على هذا.
؟قيل لعبد الله بن العباس: أيما أحب إليك رجل يكثر من الحسنات ويكثر من السيئات، أم رجل يقل من الحسنات ويقل من السيئات؟ قال: ما أعدل بالسلامة شيئاً.
؟وقال عبد الله قال لي أبي العباس: يا بني إن أمير المؤمنين قد اختصك من دون من أرى من المهاجرين والأنصار، فاحفظ عني ثلاثاً ولا تجاوزهن: لا يجربن عليك كذباً، و لا تغتب عنده أحداً، ولا تفشين لأحد سراً.
؟وقال العباس رضي الله عنه: شهدت مع النبي صلّى الله عليه وسلم حنيناً، فلما انهزم الناس، قال: ناد يا أصحاب السمرة، فناديت، فوالله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي كعطفة البقر على أولادها.
وقال العباس لأبنه رضي الله عنهما: تعلم العلم ولا تعلمه لتماري به ولا لتباهي به، و لا تدعه رغبة في الجهل وزهادة في العلم واستحياء من التعلم.
؟أتي زيد بن ثابت بدابته، فأخذ عبد الله بن عباس بركابه، فقال زيد: دعه الله: فقال عبد الله: هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا، فقال زيد: أخرج يدك، فأخرجها فقبلها، وقال: هكذا أمرنا ان نفعل بأهل بيت نبينا عليه السلام.
؟وكان عبد الله يقول: تواعظوا وتناهوا عن معصية ربكم تعالى، فإن الموعظة تنبيه للقلوب من سنة الغفلة، وشفاء من داء الجهالة، وفكاك من رق ملكة الهوى.
؟وقال أيضاً: من استؤذنَ عليه فهو ملك.
وقيل له: أنى لك هذا العلم؟ قال: قلب عقول ولسان سؤول.
وقال: من ترك قول لا أدري أصيبت مقاتله.

وجاء إليه رجل فقال: أريد أن أعظ؟فقال: إن لم تخش أن تفتضح بثلاث آيات من كتاب الله تعالى قوله عزو جل: (أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم )، (البقرة: 44) وقوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون مالا تفعلون) (الصف: 2)، وقول العبد الصالح شعيب) وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه) (هود: 88). أأحكمت هذه الآيات قال: لا، قال: فابدأ بنفسك إذن.
وقال: ملاك أموركم الدين، وزينتكم العلم، وحصون أعراضكم الأدب، وعزكم الحلم، وصلتكم الوفاء، وطولكم في الدنيا والآخرة المعروف، فاتقوا الله يجعل لكم من أمركم يسراً.
وسمع كعباً يقول: مكتوب في التوراة من يظلم يخرب بيته، فقال ابن عباس: تصديق ذلك في كتاب الله عزوجل: (فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا) (النمل: 52).
وقال كل ما شئت والبس ما شئت إذا أخطأتك اثنتان سرف ومخيلة.
وقال إنكم مر الليل والنهار في آجال منقوصة وأعمال محفوظة.
من زرع خيراً أوشك أن يحصد رغبة، ومن عمل شراً أوشك أن يحصد ندامة، ولكل زارع، لا يسبق بطيء بحظه، ولا يدرك حريص ما لم يقدر له بحرصه0 ومن أوتي خيراً فالله آتاه، ومن وقي شراً فالله وقاه، المتقون سادة والعلماء قادة.
وقال: ذللت للعلم طالباً فعززت مطلوباً.
وقال علي بن عبد الله بن عباس: من لم يجد مس نقص الجهل في عقله، وذلة المعصية في قلبه، ولم يستبن موضع الخلة في لسانه عند كلال حده عن حد خصمه، فايس ممن ينزع عن ذنبه ولا يرغب عن حال معجزة، و لا يكترث لفضل ما بين حجة وشبهة.
وقال: سادة الناس في الدنيا الأسخياء وفي الآخرة الأتقياء.
وكان علي بن عبد الله سيداً شريفاً، يقال أنه كان له خمسمائة أصل زيتون، يصلي في كل يوم إلى كل أصل منها ركعتين. وكان علي بن أبي طالب بشر أباه حين ولد بانتقال الخلاقة إلى ولده وقال: خذ إليك أبا الأملاك؛ وله في ذلك حكايات كثيرة منها أنه دحل على هشام بن عبد الملك ومعه ابنا ابنه الخليفتان أبو العباس وأبو جعفر، فلما ولى قال هشام إن هذا الشيخ قد أخل وأسن وصار يقول: إن هذا الأمر سينتقل إلى ولده، فسمع ذلك علي فالتفت إليه وقال: أي والله ليكونن ذلك وليملكن هذان.
ومن كلام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام: لا يهلك مؤمن بين ثلاث خصال: شهادة ان لا إله إلا الله وحده لاشريك له، وشفاعة رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وسعة رحمة الله عز وجل. خف الله لقدرته عليك واستحي لقربه منك0إذا صليت فصل صلاة مودع، و إياك وما يعتذر منه، وخف الله خوفاً ليس بالتعذر0إياك والابتهاج بالذنب فإن الابتهاج بالذنب أعظم من ركوبه.
وقال أعجب لمن يحتمي من الطعام لحضرته ولا يحتمي من الذنب لمعرته.
وقال أبو حمزة الثمالي: أتيت باب علي بن الحسين فكرهت أن أصوت، فقعدت حتى خرج، فسلمت عليه ودعوت له، فرد علي السلام ودعا لي، ثم انتهى إلى الحائط فقال لي: يا أبا حمزة، ترى هذا الحائط ؟ قلت: بلى يا ابن رسول الله، قال فإني اتكأت عليه يوماً وأنا حزين، فإذا رجل حسن الوجه حسن الثياب ينظر في اتجاه وجهي، ثم قال: يا علي بن الحسين مالي أراك كئيباً حزيناً؟أعلى الدنيا، فهي رزق حاضر يأكل منها البر والفاجر0فقلت: ما عليها أحزن لأنهكما تقول فقال: أعلى الآخرة؟فهي وعد صادق، يحكم فيها ملك قاهر0قلت: ما عليها أحزن لأنه كما تقول. فقال: وما حزنك يا علي بن الحسين؟قلت: الخوف من فتنة ابن الزبير0فقال: يا علي بن الحسين، هل رأيت أحداً سأل الله فلم يعطه؟قلت: لا، قال: فخاف الله فلم يكفه؟قلت: لا، ثم غاب عني، فقيل لي: يا علي هذا الخضر ناجاك.

قال ابن شهاب الزهري شهدت علي بن الحسين يوم حمله إلى عبد الملك بن مروان من المدينة إلى الشام، فأثقله حديداً، ووكل به حفاظاً في عدة وجمع، فاستأذنتهم في التسليم عليه والتوديع له فأذنوا لي، فدخلت عليه وهو في قبة والقيود في رجليه والغل في يديه، فبكيت وقلت: وددت أني مكانك وأنت سالم، فقال: يا زهري أوتظن هذا مما ترى علي وفي عنقي يكربني؟أما لو شئت ما كان، فإنه إن بلغ منك ومن أمثالك ليذكرني عذاب الله، ثم أخرج يديه من الغل ورجليه من القيد، ثم قال: يا زهري لا جزت معهم على ذا ميلين من المدينة0قال: فما لبثت إلا أربع ليال حتى قدم الموكلون به يطلبونه بالمدينة، قال: فلما وجدوه، فكنت فيمن سألهم عنه، فقال لي بعضهم: إنا نراه متبوعاً، إنه لنازل ونحن حوله لا ننام لنرصده، إذ أصبحنا نفتقده فما وجدنا بين محمليه إلا حديده. قال الزهري: وقدمت بعد ذلك على عبد الملك، فسألني عن علي بن الحسين فأخبرته، فقال إنه قد جاء في يوم فقده الأعوان فدخل علي فقال ما أنا فقلتة: أقم عندي، قال: لا أحب، ثم خرج فو الله لقد امتلأ ثوبي منه خيفة، قال الزهري فقلت: يا أمير المؤمنين ليس علي بن الحسين حيث يظن، إنه مشغول بنفسه، قال: حبذا شغل مثله0قال: وكان الزهري إذا ذكر علي بن الحسين يبكي ويقول: زين العابدين.
ولما مات علي بن الحسين غسلوه، ثم جعلوا ينظرون إلى آثار سواد في ظهره فقالوا: ما هذا ؟فقيل: كان يحمل جرب الدقيق ليلاً على ظهره يعطيه فقراء أهل المدينة.
؟وقال محمد بن إسحاق: كان ناس من أهل المدينة يعيشون لا يدرون من أين كان معاشهم، فلما مات زين العابدين فقدوا ما كانوا يؤتون به بالليل.
؟وكان نافع بن جبير يقول لزين العابدين: غفر الله لك، أنت سيد الناس وأفضلهم تذهب إلى هذ1 العبد فتجلس معه؟يعني زيد بن أسلم، فقال: إنه ينبغي للعلم أن يتبع حيث كان.
؟قال محمد بن علي بن الحسين: ندعو الله فيما نحب فإذا وقع الذي نكره لم نخالف الله فبما أحب.
؟وقال: توقي الصرعة قبل الرجعة.
؟وقال لأبنه جعفر: يا بني إ الله تعالى خبأ ثلاثة أشياء في ثلاثة أشياء: خبأ رضاه في طاعته فلا تحقرن من الطاعة شيئاً فلعل رضاه فيه وخبأسخطه في معصيته فلا تحقرن من المعصية شيئاًفلعلل سخطه فيه زخبأ أولياءه في خلقه فلا تحقرن أحداً فلعل ذلك الولي.
؟وقال جعفر بن محمد بن علي: تأخير التوبة إغترار، وطول التسويف حيرة، و الاعتلال على الله عزوجل هلكة، و الإصرار (على الذنب) أمن: ( فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون) (الأعراف: 99).
؟وقال: ما كل من أراد شيئاً ولا كل من قدر على شيء وفق له، ولا كل من وفق أصاب له موضعاً، فإذا اجتمع النية والقدرة والتوفيق والإصابة فهناك تمت السعادة.
؟وقال: صلة الرحم تهون الحساب يوم القيامة، قال الله تعالى: (والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب) (الرعد: 23).
؟ومما ينسب إليه: الصلاة قربان كل تقي، والحج جهاد كل ضعيف، و زكاة البدن الصيام، والداعي بلا عمل كالرامي بلا وتر، واستنزلوا الرزق بالصدقة، وحصنوا أموالكم بالزكاة، وما عال من اقتصد، والتقدير نصف العيش، والتودد نصف العقل، وقلة العيال أحد اليسارين، ومن حزن والديه فقد عقهما، والصنيعة لا تكون إلا عند ذي حسب أو دين، الله ينزل الصبر على قدر المصيبة وينزل الرزق على قدرالمؤونة، ومن قدر معيشته رزقه الله ومن بذر معيشته حرمه الله.
و كان علي بن الحسين إذا رأى مبتلى أخفى الاستعاذة، وكان لا يسمع من داره: يا سائل بورك فيك، و لا يا سائل خذ هذا، وكان يقول: سموهم بأحسن أسمائهم.
وقيل له من أعظم قدراً؟قال: من لا يدري بالدنيا لنفسه قدراً.
وقالوا: قارف الزهري ذنباً فاستوحش من الناس وهام على وجهه، فقال له زيد بن علي بن الحسين: يا زهري لقنوطك من رحمة الله التي وسعت كل شيء أشد عليك من ذنبك، فقال الزهري: الله يعلم حيث يجعل رسالاته.

وقال موسى بن جعفر: وجدت علم الناس في أربع: أولها أن تعرف ربك، والثانية أن تعرف ما صنع بك، والثالثة أن تعرف ما أراد بك، والرابعة أن تعرف ما يخرجك من ذنبك0معنى هذه الأربع، الأولى: وجوب معرفة الله تعالى التي هي اللطف، والثانية: معرفة ما صنع بك من النعم التي يتعين عليك لأجلها الشكر والعبادة، الثالثة: أن تعرف ما أراد منك فيما أوجبه عليك وندبك إلى فعله على الحد الذي أراده منك فتستحق بذلك الثواب، والرابعة: أن نعرف الشيء الذي يخرجك عن طاعة الله فتجتنبه.
وقال علي بن موسى بن جعفر: من رضي من الله عزوجل بالقليل من الرزق رضي منه بالقليل من العمل.
؟وقال: لا يعدم المرء دائرة السوء مع نكث الصفقة، ولا يعدم تعجيل العقوبة مع ادراع البغي.
وقال: الناس ضربان: بالغ لا يكتفي وطالب لا يجد.
وقال محمد بن علي بن موسى: كيف يضيع من الله كافله، وكيف ينجو من الله طالبه؟ومن انقطع إلى غير الله وكله الله تعالى إليه، ومن عمل على غير علم أفسد أكثر مما يصلح.
؟وقال: القصد إلى الله تعالى بالقلوب أبلغ من إتعاب الجوارح بالأعمال.
؟كتب المنصور إلى جعفر بن محمد: لم لا تغشانا كما يغشانا سائر الناس ؟فأجابه: ليس لنا ما نخافك من أجله، ولاعندنا من أمر الآخرة ما نرجوك له، ولا أنت في نعمة فنهنئك بها، ولاتراها نقمة فنعّزيك بها، فما نصنع عندك؟ قال فكتب إليه: تصحبنا لتنصحنا، فأجابه: من أراد الدنيا لا ينصحك، ومن أراد الآخرة لا يصحبك.فقال المنصور: والله لقد ميّز عندي منازل الناس، من يريد الدنيا ممن يريد الآخرة، وإنه ممن يريد الآخرة لا الدنيا.
؟قال سفيان الثوري لجعفر بن محمد: حدثني، قال جعفر: أما إني أحدثك، وما كثرة الحديث لك بخير، يا سفيان: إذا أنعم الله عليك بنعمة فأحببت تمامها ودوامها فأكثر من الحمد والشكر فإن الله تعالى قال في كتابه المبين (لئن شكرتكم لأزيدنكم) (ابراهيم: 72 )وإذا استبطأت الرزق فأكثر من الإستغفار، فإن الله تعالى قال في كتابه (استغفروا ربكم إنَّه كان غفاراً، يرسل السماء عليكم مدراراً ويمددكم بأموال وبنين)يعني في الدنيا والآخرة، (ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهاراً) (نوح: 10 - 12) يا سفيان إذا حزبك أمر من سلطان أو غيره فكثر من لا حول ولا قوة إلا بالله، فإنها مفتاح للفرج وكنز من كنوز الجنة.فعقد سفيان بيده وقال ثلاث وأي ثلاث، قال جعفر: عقلها والله أبو عبد الله0 ولينفعه بها.
؟سقط ابن لعلي بن الحسين عليهما السلام في بئر، فتفرغ أهل المدنية لذلك حتى أخرجوه، وكان قائماً يصلي فمازال عن محرابه، فقيل له في ذلك، فقال: ما شعرت، كنت أناجي رباً كريماً.
؟وكان علي بن الحسين يأتي ابن عم له بالليل متنكراً فيناوله شيئاً من الدنانير، فيقول: لكن علي بن الحسين لايصلني، لاجزاه الله خيراً، فيسمع ذلك ويحتمله ويصبر عليه ولا يعرّفه نفسه، فلما مات علي بن الحسين عليه السلام فقدها، فحينئذ علم أنه هو كان، فجاء إلى قبره وبكى عليه.
؟وقيل له: ما بالك إذا سافرت كتمت نسبك أهل الرفقة ؟فقال: أكره أن آخذ برسول الله عليه السلام مالا أعطي مثله.
؟قال طاووس: رأيت رجلاً يصلي في المسجد الحرام تحت الميزاب ويدعو ويبكي في دعائه فتبعته حين فرغ من الصلاة فإذا هو عليّ بن الحسين، فقلت: يا ابن رسول الله رأيتك على حالة كذا وكذا، ولك ثلاثة أرجو أن تؤمنك من الخوف أحدها: إنَّك ابن رسول الله، والثانية: شفاعة جدك، والثالثة: رحمة الله.فقال: يا طاووس أما أني ابن رسول الله فلا يؤمنني، وقد سمعت الله عزو جل يقول: (فلا أنساب بينهم يؤمئذ) (المؤمنون: 101)، وأما شفاعة جدِّي فلا تؤمنين لأن الله تعالى يقول: (لايشفعون إلا لمن ارتضى ) (الأنبياء: 28)، وأما رحمة الله فإن الله عزوجل يقول: أنها قريب من المحسنين، ولا أعلم أني محسنٌ.
؟وقال أيضاً: كل عين ساهرة يوم القيامة إلا ثلاثٍ عيون: عين سهرت في سبيل الله تعالى، وعين غمضت عن محارم الله، وعين فاضت من خشية الله.
؟سئل محمد بن عليّ بن الحسين: لم فرض الله تعالى الصوم على عباده، فقال: ليجد الغني من الجوع فيحنو على الضعيف.

؟قرِّب إلى عليّ بن الحسين طهوره في وقت ورده، فوضع يده في الإناء ليتوضأ، ثم رفع رأسه فنظر إلى السماء والقمر والكواكب، فجعل يفكر في خلقها حتى أصبح، وأذن المؤذن ويده في الإناء.
؟كان زيد بن موسى بن جعفر خرج بالبصرة ودعا إلى نفسه وأحرق دوراً وعاث، ثم ظفر به وحمل إلى المأمون، قال زيد: لما دخلت إلى المأمون نظر إليّ ثم قال: اذهبوا به إلى أخيه أبي الحسن علي بن موسى الرضا، وتركني بين يديه ساعة، ثم قال: يا زيد سوأة لك، ما أنت قائل لرسول الله صلّى الله عليه وسلم إذ سفكت الدماء وأخفت السبيل وأخذت المال من غير حلّه ؟لعلّه غرّك حديث حمقى أهل الكوفة أن النبي صلّى الله عليه وآله قال: إن فاطمة أحصنت فرجها وذريتها عن النار، إنَّ هذا لمن خرج من بطنها، الحسن والحسين فقط، والله ما نالوا ذلك إلا بطاعة الله، فلئن أردت أن تنال بمعصية الله ما نالوا بطاعته إنَّك إذاً لأكرم على الله منهم.
؟نظر عليّ بن الحسين عليهما السلام إلى الناس يضحكون في يوم فطر فقال: إن الله عزو جل جعل شهر رمضان مضمارً لخلقه يستبقون فيه إلى مرضاته، فسبق أقوام ففازوا وقصر آخرون فخابوا، فالعجب من الضاحك اللاهي في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون ويخيب فيه المبطلون، أما والله لوكشف الغطاء لشُغل محسن بإحسانه ومسيء بإساءته عن تجديد ثوب وترجيل شعر.
؟قال جعفر بن محمد: كفارة عمل السلطان الإحسان إلى الإخوان.

الفصل الثالث
كلام الصحابة ومأثور أخبارهم وسيرهم
رضي الله عنهم
؟كان أبو بكر رضي الله عنه إذا مدح يقول: اللهم أنت أعلم منهم مني بنفسي وأنا أعلم بنفسي، اللهم اجعلني خيراً مما يحسبون، واغفر لي ما لا يعلمون، ولا تؤاخذني بما يقولون.
؟وقيل له في مرضه: لو أرسلت إلى الطبيب، قال قد رآني، قيل: فما قال لك؟ قال: إني أفعل ما أشاء.
ولما استخلف قال للناس: إنكم قد شغلتموني عن تجارتي فافرضوا لي، ففرضوا له كل يوم درهمين.
؟وروي عن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: دخلت غليه في علته التي مات فيها، فقلت، أراك بارئاً يا خليفة رسول الله فقال: أما إني على ذلك لشديد الوجع، وما لقيت منكم يا معشر المهاجرين أشد علي من وجعي، إني وليت أموركم خيركم في نفسي، فكلكم ورم أنفه أن يكون له الأمر من دونه، و الله لتتخذن نضائد الديباج ولتألمن النوم على الصوف الأذربي كما يألم أحدكم النوم على حسك السعدان. والذي نفسي بيده لأن يقدم أحدكم فتضرب عنقه بغير حل خير له من أن يخوض غمرات الدنيا. يا هادي الطريق جرت إنما هو والله الفجر أو البحر. فقلت: اخفض عليك يا خليفة رسول الله، فإن هذا يهيضك إلى ما بك، فو الله ما زلت صالحاً مصلحاً، لا تأسى على شيء فاتك من أمر الدنيا، ولقد تحليت الأمر وحدك فما رأيت إلا خيراً.
وقال رجل لأبي بكر رضي الله عنه: والله لا شتماً يدخل معك ميبرك قال معك والله يدخل لا معي.
بلغ عمر الخطاب رضي الله عنه أن قوماً يفضلونه على أبي بكر فوثب مغضباً حتى صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه السلام وصلى على رسوله صلّى الله عليه وسلم، ثم أقبل على الناس فقال: إني أخبركم عني وعن أبي بكر، وإنه لما توفي رسول الله صلّى الله عليه وسلم ارتدت العرب ومنعت شاتها وبعيرها، فاجتمع رأينا كلنا أصحاب محمد أن قلنا: يا خليفة رسول الله إنَّ الله صلّى الله عليه وسلم كان يقاتل العرب بالوحي والملائكة يمده الله تعالى بهم، فقال وقد انقطع ذلك اليوم فالزم بيتك ومسجدك فإنه لا طاقة لك بالعرب أبو بكر: أوكلكم رأيه هذا ؟ فقلنا: نعم فقال: و الله لأن أخر من السماء فتخطفني الطير أحب إلي من أن يكون هذا رأيي.

ثم صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وكبّره وصلى على النبي عليه السلام، ثم أقبل على الناس فقال: أيها الناس من كان يعبد محمداً فإنّ محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله تعالى فإنّ الله تعالى حي لايموت، أيها الناس إن كثر أعداؤكم وقل عددكم ركب الشيطان منكم هذا المركب؟ والله ليظهرن هذا الدين على الأديان كلها ولو كره المشركون، وقوله الحق ووعده الصدق: (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهقُ، ولكم الويل مما تصفون) (الأنبياء: 18) ( وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين ) (البقرة: 249) أيها الناس، لو أفردت من جمعكم لجاهدتهم في الله حق جهاده حتى أبلغ من نفسي عُذراً أو أقُتل مقبلاً، و الله أيها الناس لو منعوني عِقالاً لجاهدتهم عليه، واستعنت بالله خير معين.ثم نزل فجاهد في الله حق جهاده، حتى أذعنت العرب بالحق.
وهذا الخبر يدل على قوة اليقين والإيمان والتشمير في ذات الله عزوجل على ما يوجب له التقديم والتسليم.
ومن كلامه في خطبته يوم الجمعة: الوحَى الوحَى النجاء النجاء، وراكم طالب حثيث، مرّه سريع، ففكروا عباد الله فيمن كانوا قبلكم، أين كانوا أمس وأين هم اليوم، أين الشباب الوضأة المعجبون بشبابهم ؟صاروا كلا شيء، أين الملوك الذين بنوا الحوائط واتخذوا العجائب ؟تلك بيوتهم خاوية، وهم في ظلمات القبور، (هل تُحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزاً) (مريم: 98 ) أين الذين كانوا يعطون الغلبة في مواطن الحرب؟ تضعضع بهم الدهر فصاروا رميماً، أين من كنتم تعرفون من آبائكم وأبنائكم وإخوانكم وقراباتكم؟وردوا على ما قدموا وحلوا بالشقاوة والسعادة فيما بعد الموت.اعلموا عباد الله أن الله ليس بينه وبين أحد من خلفه نسب يعطيه خيراً ولا يد فع به سوءاً إلا بطاعته واتباع أمره فإن أحببتم أن تسلم دنياكم وآخرتكم فاسمعوا وأطيعوا ولا تفرقوا فتتفرق بكم السبل، وكونوا إخواناً بما أمركم الله، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
؟وقال في خطبة له: تعلمون أن أكيس الكيس التقى وأن أعجز العجز الفجور، وأن أقواكم عندي الضعيف حتى أعطيه حقه، و أن أضعفكم عندي القوي حتى أخذ منه الحق، أيها الناس إنما أنا متبع ولست بمبتدع، فإذا أحسنت فأعينوني، و إذا زٌغت فقوموني.
؟وقال أربع من كنّ فيه كان خيار عباد الله: من فرح للتائب، واستغفر للمذنب، ودعا للمدين، وأعان المحسن على إحسانه.
؟وروي أنه قال لعمر رضي الله عنهما: إنَّي مستخلفك من بعدي، وموصيك بتقوى الله.فإن لله تعالى عملاً بالليل لا يقبله بالنهار، وعملاً بالنهار لا يقبله بالليل، وإنه لا يقبل نافلة حتى تؤدى فريضة، وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق في الدنيا وثقله عليهم، وحق لميزان يوضع فيه الحق أن يكون ثقيلاً، وإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل وخفته عليهم، وحقّ لميزان لا يوضع فيه إلا الباطل أن يكون خفيفاً. إنَّ الله تعالى ذكر أهل الجنة فذكرهم بأحسن أعمالهم، وتجاوز عن سيئاتهم، فإذا ذكرتهم أقول إنَّي لأرجو أن أكون من هؤلاء، وذكر أهل النار فذكرهم بأسوأ أعمالهم، ولم ينكر حسناتهم، فإذا ذكرتهم، قلت: إنَّي لأخاف أن أكون من هؤلاء، وذكر العدل مع آية الرحمة، ليكون العبد راغباً راهباً ولا يتمنى على الله تعالى غير الحق، ولا يلقى بيده إلى التهلكة.فإن قبلت وصيتي فلا يكوننّ غائب أحب إليك من الموت، وهو آتيك، وإن أضعت وصيتي فلا يكونن غائب أبغض إليك من الموت، ولست بمعجز الله تعالى.
؟قال عمر بن الخطاب رضوان الله عليه في خطبة له: إنما الدنيا أمل مخترم، وأجل منتقص، وبلاغ إلى دار غيرها، وسيرُ إلى الموت ليس فيه تعريج، فرحم الله. امرءاً فكّر في امره، ونصح لنفسه، فراقب ربه واستقال ذنبه.
؟وقال له المغيرة: إنّا بخير ما أبقاك الله 0فقال عمر: أنت بخير ما اتقيت الله.
؟وخطب فقال: إياكم والبطنة فإنها مكسلة عن الصلاة مفسدة للجسم، مؤدية إلى السقم، وعليكم بالقصد في قوتكم فهو أبعد من السرف وأصح للبدن وأقوى على العبادة، و إنَّ العبد لن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه.

؟وقال على المنبر: اقرءوا القرآن تعرفوا به، واعلموا به تكونوا من أهله0إنَّه لن يبلغ من حق ذي حق أن يطاع في معصية الله عزوجل 0إنَّي أنزلت نفسي من مال الله عزوجل بمنزلة والي اليتيم، و إنَّ استغنيت عففت، و إنَّ افتقرت أكلت بالمعروف، تقرّم البهمة الأعرابية: القضم لا الخضم.
؟وكتب إلى ابنه عبد الله0: أما بعد فإنه من اتقى الله وقاه، ومن توكل عليه كفاه، ومن أقرضه جزاه، ومن شكره زاده، فعليك بتقوى الله فإنه لا ثواب لمن لا نية له، ولا مال لمن لا رفق له، ولا جديد لمن لا خلق له.
؟ومن كتاب إلى أبي موسى: فإيّاك يا عبد الله أن تكون بمنزلة البهيمة مرّت بواد خصب، فلم يكن لها همّ إلا السمن وإنما حتفها في السمن.
؟وحضر باب عمر رحمه الله جماعة منهم سهيل بن عمرو، وعيينة بن حصن، والأقرع بن حابس، فخرج الآذن فقال: أين صهيب؟أين عمار ؟أين سلمان ؟فتغيرت وجوه القوم 0فقال سهيل: لم تتغير وجوهكم؟دعوا ودعينا فأسرعوا وأبطأنا، ولئن حسدتموهم على باب عمر لما أٌعِدّ لهم من الآخرة أكثر.
؟وسأله عبد الرحمن أن يلين للناس فقال: الناس لا يصلح لهم إلا هذا، ولو علموا مالهم عندي لأخذوا ثوبي من عاتقي.
؟ومرّ عمر رضي الله عنه بشاب فاستسقاه، فخاض له عسلاً فلم يشرب وقال: إني سمعت الله سبحانه وتعالى يقول: (أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا) (الأحقاف: 20) فقال الفتى: إنها ليست لك، أقرأ ما قبلها: (ويوم يعرض الذين كفروا على النار ) ( الأحقاف: 20) أفنحن منهم ؟فشربها وقال: كلّ الناس أفقه من عمر.
؟وكان يحمل الدقيق على ظهره إلى الفقراء فقال له بعضهم: دعني أحمله عنك، فقال: ومن يحمل عني ذنوبي ؟ ؟وكتب إلى عبيدة: أما بعد فإنه لم يقم أمر الله سبحانه وتعالى في الناس إلا حصيف العقدة بعيد الغرة، لايحنق في الحق على جرة، ولا يطّلع للناس على عورة، ولا تأخذه في الله لومة لائم.
؟وخطب فقال: ألا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم، ولا تمنعوهمحقوقهم فتكفّروهم، ولاتجمّروهم فتفتنوهم.
؟وطلى بعيراً من الصدقة بالقطران، فقال له رجل: لو أمرت عبداً من عبيد الصدقة كفاكه، فضرب صدره وقال: عبد أعبد مني؟ ؟وقال: كل عمل كرهت من أجله الموت فاتركه ثم لا يضرّك متى مت.
؟وقال: من زاغ زاغت رعيته، وأشقى الناس من شقيت به رعيته.
؟وقال: الناس طالبان: فطالب يطلب الدنيا فارفضوها في نحره، فإنه ربما أدرك الذي طلب منها فهلك بما أصاب منها، وربما فاته الذي طلب منها، منها منلك بما فاته منها وطالب يطلب الآخرة، فإذا رأيتم طالب الآخرة فنافسوه.
؟وقال: استغرزوا العيون بالتذكر.
؟وقال أيضاً: أيها الناس إنه أتى عليّ حينُ وأنا أحسب أنه من قر القرآن إنما يريد به الله تعالى وما عنده، ألا وقد خيّل إليّ أخيراً أن أقواماً يقرأون القرآن يريدون به ما عند الناس، ألا فأريدوا الله بقراءتكم وأريدوا الله بأعمالكم فإنما كنا نعرفكم إذ الوحي ينزل وإذ النبي بين أظهرنا، فقد رُفع الوحي وذهب النبي صلّى الله عليه وسلم وأنا أعرفكم بما أقول لكم، ألا فمن أظهر لنا خيراً ظننا به خيراً وأثنينا عليه، ومن أظهر لنا شراً ظنّنا به شراً وأبغضناه عليه، اقدعوا هذه النفوس عن شهواتها فإنها طلاّعة تنزع إلى شر غاية، إنَّ هذا الحق ثقيل مريء، وإنَّ الباطل خفيف وبيء، وترك الخطيئة خير من معالجة التوبة، ورب نظرة زرعت شهوة، ورب شهوةِ ساعة أورثت حزناً دائماً.
؟بُعث إلى عمر رضي الله عنه بحلل فقسمها، فأصاب كل رجل ثوبٍ، ثم صعد المنبر وعليه حلّة، والحلة ثوبان، فقال: أيها الناس ألا تسمعون ؟ فقال سلمان الفارسي رحمه الله: لا نسمع، فقال عمر: ولم يا أبا عبد الله ؟فقال: إنك قسمت علينا ثوباً ثوباً وعليك حلة فقال: لا تعجل يا أبا عبد الله، ثم نادى يا عبد الله، فلم يجبه أحد، فقال: يا عبد الله بن عمر، فقال: لبيك يا أمير المؤمنين، فقال: نشدتك الله، الثوب الذي اتزرت به أهو ثوبك؟قال: نعم، فقال سلمان: أما الآن فقل نسمع ؟قال عمر رضي الله عنه: لو ماتت سخلة على شاطئ الفرات ضيعة لخشيت أن أسأل عنها.

؟وقال: السلطان أربعة أمراء: فأمير قوي ظلف نفسه وعمّاله فذلك المجاهد في سبيل الله0 يد الله باسطة عليه بالرحمة؛ وأمير فيه ضعف ظلف نفسه وأرتع عماله بضعفه فهو على شغا هلاك إلا أن يرحمه الله وأمير ظلف عماله وأرتع نفسه فذلك الحطمة الذي قال (فيه) رسول الله صلّى الله عليه وآله: شر الرعاء الحطمة، فهو الهالك وحده، و أمير أرتع نفسه وعماله فهلكا جميعاً.
وقال عمر: اللهم إنَّ كنت تعلم أني أبالي إذا قعد الخصمان بين يدي على من كان الحق من قريب أو بعيد فلا تمهلني طرفة عين.
؟وقال عمر رضي الله عنه لعبد الله بن أرقم: اقسم بيت المال في كل شهر لا بل في كل جمعة؛ فقال طلحة: يا أمير المؤمنين، لو حبست شيئاً بعده، عسى أن يأتيك أمر تحتاج إليه، فلو تركت عدة لنائبة ان نابت المسلمين، فقال عمر: كلمة ألقاها الشيطان على لقاني لسانك الله حجتها ووقاني فتنتها، لتكونن فتنة لقوم بعدي، أعصي الله العام مخافة عام قابل؟أعد لهم ما أعد رسول الله عليه السلام، يقول الله تعالى: (ومن يتق الله يجعل له مخرجاًَ، ويرزقه من حيث لا يحتسب) (الطلاق: 2، 3 ؟ومن كلامه: ما عاقبت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه0 (وقد ورد هذا الكلام عن أبي ذر رضي الله عنه، ويرد فيما بعد) ضع أمر أخيك على أحسنه. لا تظن بكلمة خرجت من مسلم شرّاً وأنت تجد لها في الخير محملاً 0لا تهاونوا بالحلف بالله فيهينكم الله. لا تعترض فيما لا يعنيك0 لا تسأل عما لم يكن فإنَّ فيما كان شغلاً . اعتزل عدوك، واحذر صديقك إلا الأمين، والأمين من خشي الله. تخشع عند القبور، وذلَّ عند الطاعة، واستغفر عند المعصية، واستشر في أمورك الذين يخشون الله.
؟لما حضر معاذ بن جبل الموت قال: انظروا أصبحنا ؟فأٌتي فقيل له: لم تصبح، فقال: انظروا أصبحنا ؟فأٌتي فقيل له: لم تصبح، حتى أتي في بعض ذلك فقيل له: قد أصبحت، فقال: أعوذ بالله من ليلة صباحها إلى النار، مرحباً بالموت، مرحباً بزائر مٌغبٍ حبيب جاء على فاقة. اللهم إني قد كنت أخافك وأنا اليوم أرجوك، اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا وطول البقاء فيها لِكري الأنهار ولا لغرس الأشجار، ولكن لظمأ الهواجر، ومكابدة الساعات، ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر.
؟قالت أم ذر: لما حضرت أبا ذر الوفاة بكيت، فقال: ما يبكيك ؟قلت: أبكي أنه لابد لي من تكفينك وليس لي ثوب من ثبابي يسعك كفناً، قال: فلا تبكي فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول لنفر أنا فيهم: ليموتن رجل منكم بفلاة من الأرض تشهده عصابة من المؤمنين، وليس من أؤلئك النفر رجل إلا وقد مات في قرية وجماعة من المسلمين، وأنا الذي أموت بفلاة، والله ما كَذبت ولا كٌذبت، فانظري الطريق، فقلت: أنى وقد انقطع الحجّاج ؟فكانت تشتد إلى كثيب تقوم عليه ثم تنظر، ثم ترجع إليه فتمّرضه، ثم ترجع إلى الكثيب، فبينا هي كذلك إذا بنفرٍ تخبّ بهم رواحلهم كأنهم عليها الرخم، فألاحت بثوبها فأقبلوا حتى وقفوا عليها، فقالوا: مالك؟ قالت امرؤ من المسلمين يموت تكفنونه، قالوا: من هو ؟قالت: أبو ذر، ففدوه بآبائهم ووضعوا السياط في نحورها يستبقون إليه حتى جاءوه، فقال: أبشروا، فحدثهم وقال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكر الخبر، إنَّه لو كان عندي ثوب يسعني كفناً لي أو لامرأتي لم أكفن إلا في ثوب لي أو لها، أنتم تسمعون إلي، إني أنشدكم الله والإسلام أنّ يكفنني رجل منكم كان أميراً أو عريفاً أو نقيباً أو بريداً، فليس أحدُ من القوم إلا قارف بعض ما قال، إلا فتى من الأنصار، فقال: ياعم أنا أكفنك، لم أصب مما ذكرت شيئاً، أكفنك في ردائي هذا الذي عليّ وفي ثوبين في عيبتي من غزل أمي حاكتهما لي، قال: أنت فكفني، فكفنه الأنصاري في النفر الذين شهدوه، ومنهم حجر بن الأدبر ومالك الأشتر في نفر كلهم يمان.
ولما حضرت سلمان الفارسي الوفاة عُرف منه بعض الجزع، فقالوا: مايجزعك أبا عبد الله، وقد كان لك سابقة في الخير، شهدت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم مغازي حسنة وفتوحاً عظاماً ؟ فقال: يحزنني أن حبيبي محمداً عهد إلينا حين فارقنا، فقال: ليكف المؤمن كزاد الراكب، فهذا الذي حزنني، فجمع مال سلمان فكان قيمته خمسة عشر ديناراً.

؟وعنه رحمه الله أنه أُكره على طعام يأكله، فقال: حسبي حسبي، فإني سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: أكثر الناس جمعاً في الدنيا أكثرهم جزعاً في الآخرة، يا سلمان إنما الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر.
؟كتب أبو الدرداء إلى أخ له: أما بعد فلست في شيء من أمر الدنيا إلا وقد كان له أهل قبلك، وهو صائر له أهل بعدك، وليس لك منه إلا ما قدمت لنفسك، فآثرها على المصلح من ولدك، فإنك تقدم على من لا يعذرك، وتجمع لمن لا يحمدك 0وإنما تجمع لواحد من اثنين: إما عامل فيه بطاعة الله يسعد بما شقيت له، وإما عامل فيه بمعصية الله فيشقى بما جمعت له، وليس والله أحدٌ منهما بأهل أن تبرد له على ظهرك، ولا تؤثره على نفسك ارجُ لمن مضى منهم رحمة الله، وثق بمن بقي منهم رزق الله، والسلام.
؟قال عبد الله بن مسعود: إني لأمقت الرجل أن اراه فارغاً ليس في شيء من عمل الدنيا ولا عمل الآخرة.
؟ومن كلام كان يقوله ابن مسعود: أيها الناس، إنكم مجموعون لصعيد واحدٍ يسمعكم الداعي ويفقدكم البصر، إن أصدق الحديث كلام الله، وأوثق العرى كلمة التقوى، وخير الملل ملة ابراهيم، وأحسن القصص هذا القرآن، وأحسن السنن سنة محمد صلّى الله عليه وسلم، وأشرف الحديث ذكر الله، وخير الأمور عزائمها، وشر الموت الأمور محدثاتها، وأحسن الهدي هدي الأنبياء، وأشرف الموت قتل الشهداء، وأعز الضلالة ضلالة بعد الهدى، وخير العمل ما نفع، وخير الهدى ما اتبع، وشر العمى عمى القلب، وما قل وكفى خير مما كثر وألهى، وشر الندامة ندامة يوم القيامة، ورأس الحكمة مخافة الله، وخير ما ألقي في القلب اليقين، والريب من الكفر، والغلول من جمر جهنم، والكبر كيّ من النار، والشعر مزامير إبليس، والخمر جامع الإثم، والنساء حبائل الشيطان، والشباب شعبة من الجنون، وشر المكاسب أكل الربا والأمر بأخذه، وأملك العمل به خواتمه، وشر الروايا روايا الكذب، وسباب المؤمن فسوق وقتاله كفر وحرمة ماله كحرمة دمه، ومن يتأل على الله يكذبه، ومن يغفر يغفر الله له، ومن يعف يعف الله عنه، ومن يكظم الغيظ يأجره الله، ومن يصبر على الرزايا يعقبه الله، ومن يتبع السمعة يسمع الله به، ومن يتق بالدنيا تعجزه، ومن يطع الشيطان يعص الله، ومن يعص الله يعذبه.

؟وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه استعمل سعيد بن عامر بن خذيم الجمحي على حمص، فلما قدم عمر حمص قال: كيف وجدتم عاملكم؟قال: وكان يقال لحمص الكويفة الصغرى لشكايتهم العمال، قالوا: نشكو أربعاً لا يخرج إلينا حتى يتعالى النهار قال أعظم بها وماذا ؟ قالوا لا يجيب أحدً بليل، قال: عظيمة، وماذا؟ قالو: وله يوم في الشهر لا يخرج إلينا قال عظيمة وماذا ؟ قالوا يغنط الغنط بين الأيام حتى تأخذه موتة، قال: عظيمة، وماذا؟فجمع عمر بينهم وبينه وقال: اللهم لا تفيل رأيي فيه اليوم، ما تشكون منه؟قالوا لا يخرج إلينا حتى يتعالى النهار، قال: و الله لكنت أكره ذكره ليس لأهلي خادم فأعجن عجيني ثم أجلس حتى يختمر ثم أخبز خبزي ثم أتوضأ ثم أخرج إليهم، قال عمر: وما تشكون منه؟ قالوا لا يجيب أحداً بليل، قال: ما تقول؟ قال: إن كنت لأكره ذكره، إني جعلت النهار لهم والليل لله؛ قال: وما تشكون منه؟قالوا: إن له يوماً له في الشهر لايخرج إلينا فيه، قال ليس لي خادم تغسل ثيابي ولا لي ثياب أبدلها، فأجلس حتى تجف ثم أدلكها، ثم أخرج إليهم في آخر النهار0قال: وما تشكون منه؟قالوا يعنط الغنط بين الأيام، قال: شهدت مصرع خبيب الأنصاري بمكة وقد بضعت قريش لحمه ثم حملوه على جذعة، فقالو له: أتحب أن محمداً مكانك، فقال: والله ما أحب أني في أهلي ومالي وولدي وأن محمداً شيك بشوكة، ثم نادى يا محمد، فما ذكرت ذلك اليوم وتركي نصرته في تلك الحال وأنا مشرك لا أومن بالله العظيم، إلا ظننت أن الله لا يغفر لي بذلك الذنب أبداً، فيصيبني تلك الغنطة0فقال عمر رضي الله عنه: الحمد لله الذي لم يفيل فراستي، فبعث إليه بألف دينار وقال: استعن بها على أمرك، فقالت امرأته: الحمد لله الذي أغنانا عن خدمتك، فقال لها فهل لك في خير من ذلك؟ندفعها إلى من يأتينا بها أحوج ما نكون إليها. قالت: نعم، فدعا رجلاً من أهل بيته يثق به، فصرها صرراً ثم قال: إنطلق بهذه إلى أرملة آل فلان وإلى يتيم آل فلان، و إلى مسكين آل فلان، و إلى مبتلى آل فلان 0فبقيت ذهيبة، فقال: أنفي هذه ثم عاد إلى عمله، فقالت: ألا تشتري لنا خادماً؟ما فعل ذلك المال؟قال: سيأتيك أحوج ما تكونين.

؟وروي أن عمر رضي الله عنه بعث عمير بن سعد الأنصاري عاملاً على حمص، فمكث حولاً لا يأتيه خبره، فقال عمر لكتابته: اكتب إلى عمير، فو الله ما أراه إلا خائناً: إذا جاءك كتابي هذا فأقبل، وأقبل بما جيبت من فيء مال المسليين حين تنظر في كتابي هذا0قال: فأخذ عمير جرابه فجعل فيه زاده وقصعته وعلق إداوته وأخذ عنزته، ثم أقبل يمشي من حمص حتى دخل المدينة، فقدم وقد شحب لونه واغبر وجهه وطال شعره، فدخل على عمر وسلم عليه، فقال عمر: ما شأنك؟ فقال ؟عمير: ما ترى من شأني، ألست تراني صحيح البدن ظاهر الدم، معي الدنيا أجرها بقرنيها؟ قال وما معك وظن عمر أنه قد جاء بمال فقال معي جرابي أجعل فيه زادي، وقصعتي آكل فيها وأغسل فيها رأسي وثيابي، وإداوتي أحمل فيها وضوئي وشرابي، وعنزتي أتوكأ عليها وأجاهد بها عدواً إنَّ عرض لي، فو الله ما الدنيا إلا تبع لمتاعي قال: عمر فجئت تمشي؟ قال: نعم قال: ما كان أحد يتبرع لك بدابة تركبها؟ قال: ما فعلوا وما سألتهم ذلك؛ فقال عمر: بئس المسلمون خرجت من عندهم، فقال عمير: اتق الله يا عمر، قد نهاك الله عن الغيبة، و قد رأيتهم يصلون صلاة الغداة، قال عمر: فأين بعثتك وأي شيء صنعت؟ قال: وما سؤالك يا أمير المؤمنين؟ فقال عمر: سبحان الله، فقال عمير: لولا أني أخشى أن أغمك ما أخبرتك، بعثتني حتى أتيت البلدة فجمعت صلحاء أهلها فوليتهم جباية فيئهم، حتى إذا جمعوه وضعته مواضعه، ولو نالك منه شيء لأتيتك به، قال فما جئتنا بشيء؟ قال: لا، قال: جددوا لعمير عهداً، قال: إن ذلك لشيء، لا عملت لك ولا لأحد بعدك، والله ما سلمت، بلى لم أسلم، لقد قلت لنصراني: أي أخزاك الله، فهذا ما عرضتني له، ورجع إلى منزله، قال: وبينه وبين المدينة أميال، فقال عمر حين انصرف عمير: ما أراه الا قد خاننا، فبعث رجلاً يقال له الحارث وأعطاه مائة دينار وقال: انطلق إلى عمير حتى تنزل به كأنك ضيف، فإن رأيت أثر شيء فأقبل، وإن رأيت شديداً فادفع إليه هذه المائة دينار. فانطلق الحارث فإذا هو بعمير جالس يفلي قميصه إلى جنب الحائط، فسلم عليه، فقال له عمير: انزل رحمك الله، فنزل ثم سأله فقال: من أين جئت؟ قال: من المدينة، قال: فكيف تركت أمير المؤمنين؟ فقال: صالحاً، قال: فكيف تركت المسلمين؟ قال: صالحين، قال: ليس يقيم الحدود؟ قال: بلى ضرب أبناً له على أن أتى فاحشة فمات من ضربه. فقال عمير: اللهم أعن عمر فإني لا أعلمه إلا شديداًص حبه لك، قال: فنزل به ثلاثة أيام وليس لهم إلا قرصة من شعير كانوا يخصونه بها ويطوون، حتى علم أن قد أتاهم الجهد، فقال له عمير: إنك قد أجعتنا فإن رأيت أن تتحول عنا فافعل، قال: فأخرج إليه الدنانير فدفعها غليه وقال: بعث بها أمير المؤمنين إليك فاستعن بها، فصاح وقال: لا حاجة لي فيها ردها، فقالت له امرأته: إن احتجت إليه وإلا فضعها موضعها، فقال عمير: والله مالي شيء أجعلها فيه، فشقت المرأة أسفل درعها، فأعطته خرقةً فجعلها فيها، ثم خرج فقسمها بين أبناء الشهداء والفقراء، ثم رجع والرسول يظنه يعطيه منها شيئاً، فقال له عمير: اقرأ السلام مني أمير المؤمنين، فرجع الحارث إلى عمر، فقال: ما رأيت؟ فقال: رأيت يا أمير المؤمنين حالاً شديداً، قال: فما صنع بالدنانير؟قال: لا أدري، فكتب إليه عمر: إذا جاءك كتابي هذا فلا تضعه من يدك حتى تقبل فدخل على عمر فقال له ما صنعت بالدنانير قال صنعت ما صنعت وما سؤالك عنها؟فقال: أقسم بالله لتخبرني ما صنعت بها، قال: قدمتها لنفسي0قال: رحمك الله، وأمر له بوسق من طعام وثوبين فقال: أما الطعام فلا حاجة لي فيه، قد تركت في المنزل صاغين من شعير، إلى أن آكل ذلك قد جاء الله بالرزق، ولم يأخذ الطعام، وأما الثوبان فنعم، إنَّ أم فلان عارية، فأخذها ورجع إلى منزله، ولم يلبث أن هلك رحمه الله.
؟قال الشعبي: مر رجل في مراد على أويس القرني فقال: كيف اصبحت؟فقال: أصبحت أحمد الله، قال: كيف الزمان عليك ؟ قال: كيف الزمان على رجل إنَّ أصبح ظن أنه لا يمسي، و إنَّ أمسى ظن أنه لا يصبح، فمبشر بالجنة أو مبشر بالنار. يا أخا مراد إنَّ الموت وذكره لم يترك لمؤمن فرحاً، إنَّ علمه بحقوق الله لم يترك في ماله فضة ولاذهباً، و إنَّ قيامه بالحق لم يترك له صديقاًَ.

وأويس وإنَّ لم يكن صحب النبي صلّى الله عليه وسلم، فإنه ذكره عليه السلام ونبه عليه بما شرف محله، فلهذا أضفته إلى ما جاء عن الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
وقال عبد الله بن مسعود: إذا رأيتم أخاكم قارف ذنباً فلا تكونوا أعوان الشيطان عليه، تقولوا: اللهم إخزه، اللهم العنه، ولكن سلوا الله العافية فانا أصحاب محمد كنا لا نقول في أحد شيئاً حتى نعلم على ما يموت، فإن ختم له بخير علمنا أنه قد أصاب خيراً، و إنَّ ختم له بشر خفنا عليه.
؟لقي هرم بن حيان أويساً القرني فقال: السلام عليك يا أويس ابن عامر، فقال: وعليك (السلام)يا هرم بن حيان، قال: أما أنا فعرفتك بالصفة فكيف عرفتني؟قال: عرفت روحي روحك، لأن أرواح المؤمنين تشام كما تشام الخيل، فما تعارف منها أتتلف وما تناكر منها إختلف 0قال: إني إحبك في الله، قال: ما ظننت أن أحداً يحب في غير الله، قال: إني أريد أن أستأنس بك، قال: ما ظننت أن أحداً يستوحش مع الله 0قال: أوصني، قال: عليك بالأسياف، يعني ساحل البحر قال: فمن أين المعاش؟ قال: أف أف، خالط الشك الموعظة، تفر إلى الله بدينك وتتهمه في رزقك؟ ؟قال رجل لأم الدرداء: إني لأجد في قلبي داء لا أجد له دواء، وأجدد قسوة شديدة، وأملاً بعيداً 0قالت: إطلع في القبور أشهد الموتى.
؟قال أبو بكر ابن حفص: جاءت عائشة إلى أبيها رضي الله عنهما فرأته يعالج الموت، فتمثلت في بهذا البيت:
لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى ... اذا حشرجت يوماً وضاق بها الصدر
فنظر إليها كهيئة الغضبان، وقال: يا بنية ليس كذلك، ولكن: (جاءت سكرت الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد) (ق: 19)وهو في قراءة ابن مسعود هكذا، قال: أي بنية إني كنت آثرتك بحائط، وإنه كان في نفسي منه شيء فرديه، قالت: فرددته، قال: يا بني إنَّ ولينا أمر المسلمين فلم نأخذ لهم درهماً ولا ديناراً، ولكن أكلنا من جريش طعامهم في بطوننا، ولبسنا من خشن ثيابهم على ظهورنا، إنَّه لم يبق عندنا من فيء المسلمين قليل ولا كثير إلا هذا العبد الحبشي وهذا البعير الناضح، وجرد هذه القطيفة، فإذا أنا مت فابعثي بهن إلى عمر. فجائه الرسول وعنده عبد الرحمن ابن عوف، فبكى عمر رضي الله عنه حتى سالت دموعه على الأرض وقال: يرحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده، أرفعهن يا غلام0فقال عبد الرحمن ابن عوف: سبحان الله يا أمير المؤمنين تسلب عيال أبي بكر عبداً حبشياً وبعيراً ناضحاً وجرد قطيفة ثمنه خمس دراهم، قال: فما تأمر؟ قال: آمر بردهن على عياله، وفقال: يخرج أبو بكر منهن عند الموت وأردهن أنا على عياله؟لا يكون والله ذلك أبداً، الموت أسرع من ذلك.
وكتب سلمان الفارسي رحمه الله إلى أبي هريرة: إنَّك لن تكون عالماً حتى تكون متعلماً، ولن تكون بالعلم عالماً حتى تكون به عاملاً.
وكتب إليه أيضاً: إن نافرت الناس نافروك، و إنَّ تكتهم تركوك، فأقرضهم من عرضك يوم فقرك، وكفى بك ظالماً ألا تراك مخاصماً.
واشترى رجل بالمدائن شيئاً فمر بسلمان، وهو أميرها، فلم يعرفه فقال: إحمل هذا يا علج، فحمله، فكان من يتلقاه يقول إدفعه إلي أيها الأمير، والرجل يعتذر وهو يقول: لا والله ما يحمله إلا العلج حتى بلغ منزله.
وكان أبو ذر رضي الله عنه يقول: إنما مالك لك أوللجائحة أو للوارث، فلا تكن أعجز الثلاثة.
وشتمه رجل فقال له أبو ذر: يا هذا لا تغرق في سبنا ودع للصلح موضعاً فانا لا نكافئ من عصى الله فينا بأكثر من أن نطيع الله فيه.
؟وقال أبو ذر: ما تقدر قريش أن تعمل بي ؟و الله للذل أحب إلي من العز، ولبطن الأرض أحب إلي من ظهرها.
؟ولما بنى معاوية خضراء دمشق أدخلها أبا ذر، فقال له: كيف ترى ما ها هنا ؟قال: إن كنت بنيتها من مال الله عزوجل فأنت من الخائنين، وإن كنت بنيتها من مالك فأنت من المسرفين.
؟قال أبو الدرداء: أضحكني ثلاث وأبكاني ثلاث: أضحكني مؤمل الدنيا والموت يطلبه، وغافل وليس بمغفول عنه، وضاحك ملء فيه ولا يدري أساخط عليه ربه تعالى، أم راض عنه، وأبكاني: هول المطلع، وانقطاع الأمل، وموقفي بين يدي الله سبحانه وتعالى لا أدري أيامر بي إلى الجنة أم إلى النار.
؟سأل رجل بلالاً وقد أقبل من الحلبة فقال: من سبق ؟قال المقربون. قال: إنما سألك عن الخيل ؟ قال: وأنا أجيبك عن الخير.

؟وقال رجل لعمار بن ياسر رحمه الله: أيها العبد الأجدع، وكانت أذنه قد أصيبت في سبيل الله، فقال ععيرتموني بأحب أذني إلي.
؟كان بين سعد بن أبي وقاص وبين خالد بن الوليد كلام، فذهب رجل ليقع في خالد عند سعد، فقال وإنَّ ما بيننا لم يبلغ ديننا.
؟قال عمر في كلام له: العلم بالله يوجب الخشوع والخوف، وعدم الخوف دليل على تعطيل القلب من المعرفة، والخوف ثمرة العلم، والرجاء ثمرة اليقين، ومن طمع في الجنة اجتهد في طلبها، ومن خاف من النار اجتهد في الهرب منها، وللحب علامات وللبغض علامات، فمن وجدناه يعمل عمل أهل الجنة استدللنا بعمله على يقينه، ومن وجدناه يعمل عمل أهل النار استدللنا بعمله على شكه، ولو وجدنا رجلاً يستدبر مكة ذاهباً ثم زعم أنه يريد الحج لم نصدقه، ولو وجدناه يؤمها ثم زعم أنه لا يريدها لم نصدقه.
ومر عمرعلى معاذ بن جبل وهو قاعد عند قبر النبي صلّى الله عليه وسلم يبكي فقال: ما يبكيك يا معاذ ؟لعلك ذكرت أخاك، إن ذكرته إنه لذلك أهل، قال: لا ولكن أبكاني شيء سمعته منه في مجلسي هذا، أو مكاني هذا. يقول صلّى الله عليه وسلم: يسير الرياء شرك.إن الله يحب الأتقياء الأخفياء الأبرار، الذين إذا غابوا لم يفتقدوا، و إذا حضروا لم يعرفوا، قلوبهم مصابيح الهدى، يخرجون من كل سوداء مظلمة.
؟ومن كلام لقمان لابنه: يا بني إنَّك حين سقطت من بطن أمك استدبرت الدنيا واستقبلت الآخرة، فأنت لما استقبلت أقرب منك لما استدبرت.
وقال: يا بني كيف يذهل الناس عما يوعدون وهم كل يوم سراع إلى الموعد يذهبون.
؟قال هرم بن حيان لأويس: أوصني، فقال له أويس: ادع الله أن يصلح لك ذنبك وقلبك فما تجد شيئاً أشد عليك منهما، بينما قلبك مقبول إذا هو مدبر، وبينما هو مدبر إذا هو مقبل، ولا تنظر في صغر الخطيئة، ولكن انظر عظم من عصيت فإنك إن عظمتها فقد عظمت الله، و إن صغرتها فقد صغرت أمره.
؟وقال له هرم: صلنا بالزيارة، فقال له أويس: قد وصلتك بما هو خير من الزيارة، الدعاء بظهر الغيب، إن الزيارة قد يعرض فيها الرياء والتزين.
؟كان معيقيب على بيت مال عمر، فكسح بيت المال يوماً فوجد فيه درهماً فدفعه إلى ابن لعمر، قال معيقيب: ثم انصرفت إلى بيتي، فإذا رسول عمر قد جاء يدعوني، فجئت فإذا الدرهم في يده فقال: ويحك يا معيقيب أوجدت في نفسك علي شيئاً أو مالي ولك ؟قلت: وما ذاك ؟ قال: أردت أن تخاصمني أمة محمد في هذا الدرهم يوم القيامة.
؟كتب عمر إلى أبي موسى: إذا جاءك كتابي هذا فأعط الناس أعطياتهم، واحمل إلي ما بقي مع زياد، ففعل فلما كان عثمان كتب إلى أبي موسى بمثل ذلك ففعل، فجاء زياد بما معه فوضعه بين يدي عثمان، فجاء ابن لعثمان فأخذ استيدانة من فضة فمضى بها، فبكى زياد، فقال له عثمان: ما يبكيك ؟قال: أتيت أمير المؤمنين عمر بمثل ما أتيتك، فجاء ابن له وأخذ درهماً فأمر به فاتنزع منه حتى بكى الغلام، وإن ابنك جاء فأخذ هذا فلم أر أحداً قال له شيئاً، فقال عثمان: إن عمر كان يمنع أهله وأقرباءه ابتغاء وجه الله وأنا أعطي أهلي وقرابتي ابتغاء وجه الله، ولن تلقى مثل عمر ولن تلقى مثل عمر، ثلاثاً.

حدث زيد بن أسلم عن أبيه قال: خرجت مع عمر ذات ليلة حتى أشرفنا على وأقم فإذا نار تؤرث بضرام، فقال يا أسلم: إني أحسب هؤلاء ركباً يضربهم الليل والبرد، انطلق بنا إليهم، قال: فخرجنا نهرول حتى أتينا إليهم، فإذا امرأة توقد تحت قدر ومعها صبيان يتضاغون، فقال عمر: السلام عليكم أصحاب الضوء، وكره أن يقول أصحاب النارأدنوا؟فقال: ادن بخير أو دع، قال: ما بالكم؟قالت: يضربنا البرد والليل، قال: فما بال هؤلاء الصبية يتضاغون؟قالت: الجوع، قال: فما هذه القدر؟ قالت: ماء أسكتهم به الله بيننا وبين عمر قال وما يدري عمر قالت: يتولى أمرنا ثم يغفل عنا، فأقبل علي فقال: انطلق بنا فخرجنا نهرول حتى أتينا دار الدقيق فأخرج عدلاً من دقيق فيه كبة من شحم، فقال: أتحمله علي، أنا أحمله علي، قال: أنت تحمل وزري عني يوم القيامة؟ لا أم لك، احمله علي فحملته عليه فخرجنا نهرول حتى ألقينا ذلك العدل عندها، ثم أخرج من الدقيق شيئاً فجعل يقول للمرأة ذري علي وأنا أحركه، يعني أسوطه، وجعل ينفخ تحت القدر، وكان ذا لحية عظيمة، فجعلت أنظر إلى الدخان يخرج من خلل لحيته حتى أنضج فأخذ من الشحم فأدمها به، ثم قال: ابغيني شيئاً، فجاءته بصحفة فأفرغ القدر فيها، ثم جعل يقول لها أطعميهم، و أنا أسطح لك، يعني أبرده لك، حتى أكلوا وشعبوا، ثم خلى عندها فضل ذلك، فقالت له: جزاك الله خيراً أنت أولى بهذا الأمر من أمير المؤمنين قال: قولي خيراً، إنك إذا جئت أمير المؤمنين وجدتني هناك، ثم تنحى قريباً وربض مربض السبع، فقلت: إن لك شأناً غير هذا؛ فلم يكلمني حتى رأيت الصبية يصطرعون ويضحكون ثم ناموا، فقام وهو يحمد الله ثم أقبل عليّ فقال: يا أسلم إني رأيت الجوع أبكاهم فأجببت أن لا أنصرف حتى أرى منهم مثل الذي رأيت.
؟اغتاظت عائشة على خادمها، فقالت: لله در التقوى ما ترك لذي غيظ شفاء.
؟لما بنى سعد بن أبي وقاص منزله بالعقيق قيل له تركت مجالس إخوانك، وأسواق الناس ونزلت العقيق، فقال: رأيت أسواقهم لاغية، ومجالسهم لاهية، فوجدت الاعتزال فيما هناك عافية.
؟قال خارجة بن مصعب: ختم القرآن في الكعبة في ركعة أربعة من الأئمة عثمان بن عفان رضي الله عنه وتميم الداري وسعيد بن جبير وأبو حنيفة.
؟قال عمر رضي الله عنه: جالسوا التوابين فأنهم أرق أفئدة.
وقال أيضاً: يا ابن آدم لا يهلك الناس عن نفسك، فإن الأمر يخلص إليك دونهم، و لا تقطع النهار سادراً فإنه محفوظ عليك ما عملت، و إذا أسأت فأحسن فإني لم أر شيئاً طلباً ولا أسرع دركاً من حسنة حديثة لذنب قديم.
؟قال أبو ذر لغلامه: لم أرسلت الشاة على علف الفرس؟قال: أردت أن أغيظك، قال: لأجمعن مع الغيظ أجراً، أنت حر لوجه الله.
؟قال الحسن: كان عطاء سلمان الفارسي خمسة آلاف، وكان أميراً على زهاء ثلاثين ألفاً من المسلمين، و كان يخطب في عباءة يفترش نصفها ويلبس نصفها، فإذا خرج عطاؤه تصدق به وأكل من سفيف يده.
؟كان أبو بكر رضي الله عنه يقول إذا حضرت الصلاة: قوموا إلى ناركم التي أوقدتموها فأطفئوها.
؟وجه عمر رضي الله عنه إلى ملك الروم بريداً فاشترت امرأة عمر، أم كلثوم بنت علي طيباً بدينار وجعلته في قارورتين وأهدته إلى امرأة ملك الروم، فرجع البريد بملء القارورتين من الجواهر، فدخل عليها عمر وقد صبته في حجرها0 فقال: من أين لك هذا ؟فأخبرته فقبض عليه وقال: هذا للمسلمين، فقالت: كيف وهو عوض من هديتي قال: بيني وبينك أبوك، فقال علي: لك منه بقيمة دينارك والباقي للمسلمين لأن بريد المسلمين حمله.
مر عمر براع مملوك فاستباعه شاة، فقال: ليست لي، فقال: أين الغلل ؟فقال: أين الله ؟فاشتراه وعتقه، فقال: اللهم قد رزقتني العتق الأصغر فارزقني العتق الأكبر.
؟قال الفضيل: ما ينبغي لك أن تتكلم بفمك كله، تدري من كان يتكلم بفمه كله ؟عمر ابن الخطاب، كان يطعمهم الطيب ويأكل الغليظ، ويكسوهم اللين ويلبس الخشن ويعطيهم الحق ويزيدهم، وأعطى رجلاً عطاءه أربعة آلاف درهم وزاده ألفاً فقيل له: ألا تزيد إبنك كما تزيد هذا؟فقال: إنَّ هذا ثبت أبوه يوم أحد ولم يثبت أبو هذا.

؟قال الحسن: أتى عمر رضي الله عنه مال كثير فأتته حفصة فقالت: يا أمير المؤمنين حق أقربيك، فقد أوصى الله بالأقربين فقال: يا حفصة إنما حق أقربائي من مالي، فأما مال المسلمين فلا، يا حفصة نصحت قومك وغششت أباك فقامت تجر ذيلها.
؟قال أبو الدرداء: ما من مؤمن إلا والموت خير له، وما من كافر إلا والموت خير له، فمن لم يصدقني فإن الله تعالى يقول: (وما عند الله خير للأبرار) (آل عمران: 198)، (ولا يحسبن الذين كفروا إنما نملي لهم خير لأنفسهم) (آل عمران: 178).
؟قال ابن عمر: تضرعت إلى ربي سنة أن يريني أبي في النوم، حتى رأيته وهو يمسح العرق عن جبينه فسألته فقال: لولا رحمة الله هلك أبوك، إنَّه سألني عن عقالي بعير الصدقة وعن حياض الأبل، فسمع بذلك عمر بن عبد العزيز وضرب بيده على رأسه، وقال: فعل هذا بالتقي الطاهر، فكيف بابن المترف عمر بن عبد العزيز؟

الفصل الرابع
في أخبار التابعين
وسائر طبقات الصالحين رضي الله عنهم وكلامهم ومواعظهم
؟قال الحسن البصري: لا تخرج نفس ابن آدم من الدنيا إلا بحسرات ثلاث: أنه لم يتمتع بما جمع، ولم يدرك ما أمل، ولم يحسن الزاد لما قدم عليه.
؟كتب سفيان الثوري إلى أخ له: واحذر حب المنزلة فإن الزهادة فيها أشد من الزهادة في الدنيا.
؟وقيل لسفيان: أيكون الرجل زاهداً ويكون له المال؟ قال: نعم إنَّ كان إذا اتبلي صبر وإذا أعطي شكر.
؟أتى رجل بعض الزهاد، فقال له الزاهد: ما جاء بك ؟ قال: بلغني زهدك، قال: أفلا أدلك على من هو أزهد مني ؟قال: من هو ؟ قال: أنت، قال: وكيف ذاك، قال: لأنك زهدت في الجنة وما أعد الله فيها، وزهدت أنا في الدنيا على فنائها وذم الله إياها، فأنت أزهد مني.
؟لما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة بدأ بلحمته وأهل بيته وأخذ ما كان في أيديهم فسمى أعمالهم المظالم، ففزعت بنو أمية إلى عمته فاطمة بنت مروان، فأرسلت إليه: إنَّه قد عناني أمر لا بد من لقائك فيه، فأتته ليلاً فأنزلها عن دابتها، فلما أخذت مجلسها قالت: تكلم يا أمير المؤمنين، فقال: إنَّ الله تبارك وتعالى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة، ولم يبعثه عذاباً إلى الناس كافة، ثم اختار له ما عنده فقبضه إليه، وترك لهم نهراً شربهم فيه شرباً، ثم قام أبو بكر رضوان الله عليه فترك النهر على حاله، ثم قام عمر فعمل على أمر صاحبه، فلما ولي عثمان اشتق من ذلك النهر نهراً، ثم ولي معاوية فاشتق الأنهار، ثم لم يزل ذلك النهر يشتق منه يزيد ومروان وعبد الملك والوليد وسليمان، حتى أفضى الأمر إلي، وقد يبس النهر الأعظم، ولن تري أصحاب النهر حتى يعود النهر الأعظم إلى ما كان عليه. فقالت له: قد أردت كلامك ومذاكرتك، فأما إذا كانت هذه مقالتك فلست بذاكرة لك شيئاً، ورجعت إلى بني أمية فقالت: ذوقوا مغبة أمركم في تزويجكم إلى عمر بن الخطاب.وأم عمر بن عبد العزيز أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب.
؟ولما حضرت عمر بن عبد العزيز الوفاة جمع ولده حوله، فلما رآهم استعبر ثم قال: بأبي وأمي من خلفتهم بعدي فقراء، فقال له مسلمة بن عبد الملك: يا أمير المؤمنين فتعقب فعلك وأغنهم فما يمنعك أحد في حياتك ولا يرتجعه الوالي من بعدك، فنظر إليه نظر متعصب متعجب ثم قال: يا مسلمة منعتهم إياه في حياتي وأشقى به بعد وفاتي ؟ إنَّ ولدي بين رجلين: إما مطيع لله فالله تعالى مصلح شأنه ورازقه ما يكفيه، أو عاص له فما كنت لأعينه على معصية، يا مسلمة إنَّي حضرت أباك حين دفن فحملتني عيني عند قبره فرأيته قد أفضى إلى أمر من الله عزو جل هالني وراعني، فعاهدت الله أني لا أعمل مثل عمله إنَّ وليت، وقد اجتهدت في ذلك طول حياتي، وأرجو أن أفضي إلى عفو من الله وغفران. قال مسلمة: فلما دفن حضرت دفنه، فلما فرغ من شأنه حملتني عيني فرأيته فيما يرى النائم وهو في روضة خضراء فيحاء وأنهار مطردة، وعليه ثياب بيض، فأقبل علي وقال: يا مسلمة، لمثل هذا فليعمل العاملون، هذا أو نحوه.

؟وكتب إليه الحسن البصري لما استخلف: من الحسن البصري إلى عمر بن عبد العزيز - فقيل له: إنَّ الرجل قد ولي وتغير فقال: لو أعلم أن غير ذلك أحب إليه لا تبعت محبته - أما بعد فكأنك بالدنيا لم تكن، وكأنك بالآخرة لم تزل0قال: فمضى الرسول بالكتاب إليه، فإنه لعنده يتوقع الجواب إذ خرج يوماً غير يوم جمعة حتى صعد المنبر واجتمع الناس، فلما كثروا قام فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس، إنكم في أسلاب الماضين، وسيرثكم الباقون، حتى نصير إلى خير الوارثين، كل يوم تجهزون غادياً إلى الله ورائحاً وقد حضر أجله وطوي عمله، وعاين الحساب، وخلع الأسلاب، وسكن التراب، ثم يدعونه غير موسد ولا ممهد، ثم وضع يديه على وجهه فبكى ملياً، ثم رفعهما فقال: أيها الناس من وصل إلينا بحاجة لم نأله خيراً، ومن عجز فوالله لووددت أنه وآل عمر في العجز سواء، قال: ثم نزل فكتب إلى الحسن: أما بعد فكأنك بآخر من كتب عليه الموت قد مات، والسلام.
؟قال المعروف بجسر القصاب: كنت أجلب الغنم في زمن عمر بن عبد العزيز فمررت براع وفي غنمه نحو من ثلاثين ذئباً، فحسبتها كلاباً، ولم أكن رأيت الذئاب قبل ذلك، فقلت: يا راعي، ما ترجو بهذه الكلاب كلها؟فقال: يا بني، إنها ليست كلاباً إنما هي ذئاب، فقلت: سبحان الله ذئب في غنم لا يضرها؟فقال: يا بني إذا صلح الرأس، فليس على الجسد بأس.
؟وخطب عمر بن عبد العزيز بالشام على منبر من طين، فحمد الله وأثنى عليه ثم تكلم بثلاث كلمات فقال: أيها الناس أصلحوا سرائركم تصلح علانيتكم، واعملوا لآخرتكم تكفوا أمر دنياكم، واعلموا أن رجلاً ليس بينه وبين آدم أب حي لمعرق في الموت، والسلام عليكم.
؟ولما مات عبد الملك ابنه جعل عمر يثني عليه فقال له مسلمة: يا أمير المؤمنين، لو بقي كنت تعهد إليه؟قال: لا، قال: ولم أنت تثني عليه: قال: أخاف أن يكون زين في عيني (منه)ما زين في عين الوالد من ولده.
؟وروي أن مولى لعمر قال له، وقد رجع من جنازة سليمان: مالي أراك مغتماً؟قال: مثل ما أنا فيه يغتم له، ليس أحد من أمة محمد صلّى الله عليه وسلم في شرق الأرض وغربها إلا وأنا أريد أن أؤدي إليه حقه غير كاتب إلي فيه ولا طالبه مني.
؟وقال عمر لرجل من جلسائه: لقد أرقت الليلة تفكراً، قال: فيم يا أمير المؤمنين؟قال: في القبر وساكنه، إنك لو رأيت الميت بعد ثالثة في قبره لاستوحشت من قربه بعد طول الأنس منك بناحيته، ولرأيت بيتاً تجول فيه الهوام ويجري فيه الصديد وتخترقه الديدان، مع تغير الريح وبلى الأكفان، بعد حسن الهيئة وطيب الريح ونقاء الثوب، ثم شهق شهقة وخر مغشياً عليه، فقالت فاطمة: يا مزاحم، ويحك أخرج هذا الرجل عنا فلقد نغص على أمير المؤمنين الحياة منذ ولي، فليته لم يكن، فخرج الرجل، فجاءت فاطمة تصب على وجهه الماء وتبكي حتى أفاق من غشيته، فرآها تبكي فقال: ما يبكيك يا فاطمة؟قالت: يا أمير المؤمنين رأيت مصرعك بين أيدينا فذكرت به مصرعك بين يدي الله عزوجل للموت وتخليك من الدنيا وفراقك لنا فذاك الذي أبكاني قال حسبك يافاطمة فلقد أبلغت ثم مال ليسقط فضمته إليها وقالت بأبي أنت ياأمير المؤمنين ما نستطيع أن نكلمك بكل ما نجد لك في قلوبنا، فلم يزل على حاله تلك حتى حضرته الصلاة فصبت على وجهه ماء ثم نادته: الصلاة يا أمير المؤمنين، فأفاق فزعاً.

؟وكتب عمر بن عبد العزيز إلى أهل الموسم: أما بعد فإني أشهد الله وأبرأ إليه في الشهر الحرام والبلد الحرام ويوم الحج الأكبر أني بريء من ظلم من ظلمكم، وعدوان من اعتدى عليكم، أن أكون أمرت بذلك أو رضيته أو تعمدته، إلا أن يكون وهماً مني، أو أمراً خفي علي لم أتعمده، وأرجو أن يكون ذلك موضوعاً عني مغفوراً لي إذا علم مني الحرص والاجتهاد0 ألا وإنه لا إذن على مظلوم دوني، وأنا معول كل مظلوم، ألا وأي عامل من عمالي رغب عن الحق ولم يعمل بالكتاب والسنة فلا طاعة له عليكم، وقد صيرت أمره إليكم حتى يراجع الحق وهو ذميم0 ألا وإنه لا دولة بين أغنيائكم ولا أثرة على فقرائكم في شيء من فيئكم، ألا وأيما وارد ورد في أمر يصلح الله به خاصاً أو عاماً من هذا الدين فله بين مائة دينار إلى ثلاثمائة دينار على قدر ما نوى من الحسنة وتجشم من المشقة0رحم الله امرءاً لم يتعاظمه سفر يحيي الله به حقاً لمن وراءه0لولا أن أشغلكم عن مناسككم لرسمت لكم أموراً من الحق أحياها الله، وأموراً من الباطل أماتها الله عنكم، وكان الله هو المتوحد بذلك فلا تحمدوا غيره، فإنه لو وكلني إلى نفسي كنت كغيري، والسلام.
؟وقال عمر: ما أحب أن يخفف عني الموت لأنه آخر ما يؤجر المسلم عليه.
؟وقال رجاء بن حيوة: قومت ثياب عمر بن عبد العزيز وهو خليفة اثنا عشر درهماً، فذكر قميصه ورداءه وقباءه وسراويله وعمامته وقلنسوته وخفيه.
؟وقيل إنه كان في إمارته على المدينة إذا غسل ثيابه أعطي غاسلها دراهم ممن يغسل ثيابه بعدها من كثرة الطيب، وكلام يلبس الرقيق من الثياب ويبالغ في أثمانها.
؟وقال عمر لجلسائه: أخبروني بأحمق الناس؟قالوا: رجل باع آخرته بدنياه، فقال: ألا أنبئكم بأحمق منه؟قالوا: بلى قال: رجل باع آخرته بدنيا غيره.
؟وروي أنه أتي بعنبرة من اليمن، فوضع يده على أنفه بثوبه0فقال له مزاحم: إنما هو ريحها يا أمير المؤمنين، قال: ويحك يا مزاحم، وهل ينتفع من الطيب إلا بريحه، (وإنما اقتدى في ذلك بعمر بن الخطاب رضي الله عنه لما حمل إليه الكافور من فتح العراق، فإنه فعل مثل هذا الفعل فيه، وقال مثل هذه المقالة).
؟ولما كانت الصرعة التي هلك فيها عمر بن عبد العزيز دخل عليه مسلمة بن عبد الملك فقال: يا أمير المؤمنين، إنك أقفرت أفواه ولدك من هذا المال، فتركتهم عيلى لا شيء لهم0فلو أوصيت بهم إلي أو إلى نظرائي من أهل بيتك، فقال: أسندوني، ثم قال: أما قولك إني أقفرت أفواه ولدي من هذا المال، فإني والله ما منعتهم حقاً هو لهم، ولم أعطهم ما ليس لهم، وأما قولك لو أوصيت بهم إلي أو إلى نظرائي من أهل بيتي، فإن وصيي ووليي فيهم (الله الذي نزل الكتاب بالحق وهو يتولى الصالحين) (الأعراف: 196)0بني أحد رجلين إما رجل يتقي الله فسيجعل الله له مخرجاً، وإما رجل مكب على المعاصي فإني لم أكن لأقويه على معصية الله0ثم بعث إليهم وهم بضعة عشر ذكراً، قال: فنظر إليهم فذرفت عيناه فبكى ثم قال: بنفسي الفتية الذين تركتهم عيلى لا شيء لهم، بل بحمد الله قد تركتهم بخير، أي بني إنكم لن تلقوا أحداً من العرب ولا من المعاهدين إلا أن لكم عليه حقاً، أي بني إنَّ أباكم ميل بين أمرين: بين أن تستغنوا ويدخل أبوكم أبوكم النار أو تفتقروا ويدخل أبوكم الجنة فكان أن تفتقروا ويدخل أبوكم الجنة أحب إليه من أن تستغنوا ويدخل النار؛ قوموا عصمكم الله.
؟لما حضرت عبد الله بن شداد الوفاة دعا ابنه محمداً فأوصاه وقال: يا بني إني أرى داعي الموت لا يقلع، وبحق إنَّ من مضى لا يرجع، ومن بقي فإليه ينزع، يابني: ليكن أولى الأمور بك تقوى الله في السر والعلانية والشكر لله وصدق الحديث والنية، فإن الشكر مزيد والتقوى خير زاد، كما قال الحطيئة:
ولست أرى السعادة جمع مال ... ولكن التقي هو السعيد
وتقوى الله خير الزاد ذخراً ... وعند الله للأتقى مزيد
وما لا بد أن يأتي قريب ... ولكن الذي يمضي بعيد
؟وقال بعضهم: الأيام ثلاثة فأمس حكيم مؤدب أبقى فيك موعظة وترك فيك عبرة، و اليوم ضيف كان عنك طويل الغيبة وهو عنك سريع الظعن، وغداً لا تدري من صاحبه.
و أنشد الرياشي:
حتى متى نحن في الأيام نحسبها ... وإنما نحن فيها بين يومين

يوم تولى ويوم نحن نأمله ... لعله أجلب الأيام للحين
وقال الأقرع بن معاذ:
وقد هون الدنيا وأهلها ... منازل قد بادت وبادت قرونها
وأني أراني للمنايا رهينة ... وأن المنايا لا يفك رهينها
وقال أيضاً:
بكت أم بكر أن تشتت شملها ... وأن أصبحوا منهم شعوب وهالك
فقالت كذاك الناس ماض ولا بث ... وباك قليلاً شجوه ثم ضاحك
فإما تريني اليوم حيا ً فإنني ... على قتب من غارب الموت وارك
؟قال خالد بن صفوان بن الأهتم: أوفدني يوسف بن عمر إلى هشام بن عبد الملك في وفد أهل العراق، قال: فقدمت عليه، وقد خرج بقرابته وحشمه وحاشيته وجلسائه فنزل في أرض قاع صحصح، في عام قد بكر وسميه وتتابع وليه، وأخذت الأرض زينتها، فهي في أحسن منظر، قال: وقد ضرب له سرادق من حبر كان يوسف بن عمر صنعه له باليمن فيه فسطاط فيه أربعة أفرشة من خز أحمر، مثلها مرافقها، وعليه دراعة من خز أحمر مثلها عمامتها، وقد أخذ الناس مجالسهم، قال فأخرجت رأسي من ناحية السماط، فنظر إلي شبه المستنطق لي، فقالت: أتم الله نعمة عليك يا أمير المؤمنين، وجعل ما قلدك من هذا الأمر رشداً، وعاقبة ما يؤول حمداً، أخلصه الله لك بالتقى وكثره لك بالنماء، ولا كدر عليك ما صفا، ولا خالط سرورك الأذى فلقد أصبحت للمؤمنين ثقة ومستراحاً - إليك يقصدون في مظالمهم ويفزعون في أمورهم، وما أجد شيئاً هو يا أمير المؤمنين أبلغ من حديث من سلف قبلك من الملوك، فإنَّ أذن أمير المؤمنين أخبرته به، قال: فاستوى جالساً وكان متكئاً ثم قال: هات يا ابن الأهتم، قلت: يا أمير المؤمنين، إن ملكاً من الملوك قبلك خرج في عام مثل عامك هذا إلى الخورنق والسدير، وكان قد أعطى فتاء السن مع الكثرة والغلبة والقهر، فنظر فأبعد النظر، ثم قال: لجلسائه: هل رأيتم مثل ما أنا فيه وهل أعطي مثل ما أعطيت ؟ قال: وعنده رجل من بقايا حملة الحجّة والمضي على أدب الحق ومنهاجه، قال: ولم تخل الأرض من قائم لله عزوجل بحجة في عباده، فقال: أيها الملك إنَّك قد سألت عن أمر، أفتأذن في الجواب عنه ؟ قال: نعم، قال: أرأيت الذي أنت فيه أشيء لم تزل فيه أم شيء صار إليك ؟ قال: كذلك هو، قال: فلا أراك إلا أعجبت بشيء يسير تكون فيه قليلاً وتغيب عنه طويلاً، وتكون غداً بحسابه مرتهناً، قال: ويلك فأين المهرب وأين المطلب ؟قال: إما أن تقيم في ملكك فتعمل بطاعة الله، على ما ساءك وسرك وأمضك وأرمضك، وأما أن تضع تاجك وتلبس أطمارك وتعبد ربك حتى يأتيك أجلك، قال: فإذا كان السحر فاقرع علي بابي، فإنَّي مختار أحد الرأيين فإنَّ اخترت ما أنا فيه كنت وزيراً لا يعصى، وإن اخترت فلوات الأرض وقفر البلاد كنت رفيقاً لا يخالف، فقرع عليه الباب عند السحر، فإذا هو قد وضع تاجه ولبس أمساحه وتهيأ للسياحة، فلزما والله الجبل حتى أتاهما أجلهما، وهو حيث يقول عدي بن زيد العبادي:
أيها الشامت المعير بالد ... هر أأنت المبرأ الموفور
أم لديك العهد الوثيق من الأيا ... م بل أنت جاهل مغرور
من رأيت المنون خلدن أم من ... ذا عليه من أن يضام خفير
أين كسرى، كسرى الملوك أنوشر ... وان، أم أين قبله سابور
وأخو الحضر إذا بناه وإذا دج ... لة تجبى إليه والخابور
شاده مرمراً وشيده كل ... ساً فللطير في ذراه وكور
لم يهبه ريب المنون فباد ال ... ملك منه فبابه مهجور
وتذكر رب الخورنق اذ أش ... رف يوماً وللهدى تفكير
سره ماله وكثرة ما يم ... لك والبحر معرضاً والسدير
فارعوى قلبه وقال وما غب ... سطة حي إلى الممات يصير
ثم بعد الفلاح والمللك والإ ... مة وارتهم هنالك القبور
ثم أضحوا كأنهم ورق الجنة ج ... ف فألوت به الصبا والدبور

قال: فبكى والله هشام حتى اخضلت لحيته وبل عمامته، وأمر بنزع أبنيته ولزم قصره، فأقبلت الموالي والحشم على خالد بن صفوان وقالوا: ما أردت إلى أمير المؤمنين؟أفسدت عليه لذته ونغصت عليه باديته، فقال: إليكم عني فإني عاهدت الله عهداً ألا أخلوا بملك إلا ذكرته الله عزوجل.
؟قال الحسن بن أبي الحسن البصري: المؤمن يصبح حزيناً ويمسي حزيناً، ولا يسعه إلا ذلك لأنه بين مخافتين: بين ذنب قد مضى لا يدري ما الله يصنع فيه، وبين أجل قد بقي لا يدري ما يصيبه فيه من المهالك.
؟وقال الحسن: يحق لمن يعلم أن الموت مورده، وأن القيام موعده، وأن القيام بين يدي الله مشهده، أن يطول حزنه.
؟ومن كلام الحسن رحمه الله: وقد يدلك على شر هذه الدار، أن الله زواها عن أنبيائه وأحبائه اختباراً، وبسطها لغيرهم اعتباراً واغتراراً، فيظن المغرور فيها والمفتون عليها أنه إنما أكرمه بها، ونسي ما صنع بمحمد صلّى الله عليه وسلم نبيه ورسوله، وبموسى المصطفى بالكرم وبمناجاة المختار له فأما محمد فشد الحجر على بطنه من الجوع، وأما موسى الكليم فرئي خضرة البقل من صفاق بطنه من هزاله، وما سأل، الله يوم أوى إلى الظل طعاماً من جوعه، ولقد جاءت الروايات عنه أن الله أوحى إليه: أن يا موسى إذا رأيت الفقر مقبلاً فقل مرحباً بشعار الصالحين، و إذا رأيت الغنى قد أقبل فقل ذنب عجلت عقوبته.
و إنَّ شئت ثلثت بصاحب الروح والكلمة ففي أمره عجيبة، كان يقول أدمي الجوع، وشعاري الخوف، ولباسي الصوف، ودابتي رجلي، وسراجي بالليل القمر، وصلائي في الشتاء مشارق الشمس، وفاكهتي وريحاني ما أنبتت الأرض للسباع والأنعام، أبيت وليس لي شيء وليس أحد أغنى مني0ولو شئت ربعت بسليمان بن داود فليس دونهم في العجب، كان يأكل خبر الشعير في خاصته ويطعم أهله الخشكار ويطعم الناس الدرمك، فإذا جنّه الليل لبس المسوح وغل اليد إلى العنق وبات باكياً حتى يصبح، كل هذا منهم: يبغضون ما أبغض الله، ويصغرون ما صغر الله، ويزهدون فيما زهد.ثم اقتص الصالحون بعد منهاجهم، وأخذوا بآثارهم، وألزموا أنفسهم الذكر والعبر، وألطفوا الفكر، وصبروا في مدة الأجل القصير عن متاع الغرور، والذي إلى الفناء يصير، ونظروا إلى آخر الدنيا ولم ينظروا إلى أولها، ونظروا إلى باطن الدنيا ولم ينظروا إلى ظاهرها، ونظروا إلى عاقبة مرارتها ولم ينظروا إلى عاجلة حلاوتها، وأنزلوها من أنفسهم بمنزلة الميتة التي لا يحل الشبع منها في حال الضرورة إليها، فأكلوا منها قدر ما رد النفس وبقي الروح ومكن من النوم.
؟ومن كلام الحسن: لا تغتر يا ابن آدم بقول من يقول أنت مع من أحببت، فإنَّه من أحب قوماً تبع آثارهم، واعلم أنك لم تلحق بالأخيار حتى تتبع آثارهم وحتى تهتدي بهداهم وتقتدي بسنتهم، فتسلك مسلكهم، وتأخذ طريقتهم، وإنما ملاك الأمر أن تكون على استقامة. والله إنما هلك من هلك حين تشعبت بهم السبل وحادوا عن الطريق، فتركوا الآثار وقالوا في الدين برأيهم، فضلوا وأضلوا.يا ابن آدم ما رأيت اليهود والنصارى وأهل الأهواء المردية يحبون أنبياءهم وليسوا معهم لأنهم خالفوهم في العمل والقول وسلكوا غير طريقتهم فصار موردهم إلى النار، فتعوذ بالله من ذلك. قال الله عزوجل: (فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب عرض هذا الأدنى ويقولون سيغفر لنا وإنّ يأتهم عرض مثله يأخذوه ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا بالحق، ) ( الأعراف: 169) وقال: (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءاً يجز به ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً ) ( النساء: 124) وقال: (ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور ) (الحديد: 14) وقال: (و أن ليس للأنسان إلا ما سعى، و أن سعيه سوف يرى، ثم يجزاه الجزاء الأوفى) (النجم: 39 - 41).

؟ولما ولي عمر بن هيبرة العراق أرسل إلى الحسن البصري وإلى الشعبي فأمر لهما ببيت فكانا فيه شهراً أو نحوه، ثم إنّ الخصي غدا عليهما ذات يوم فقال: إنّ الأمير داخل عليكما، فجاء عمر يتوكأ على عصا له، فسلم ثم جلس معظماً لهما فقال: إنّ أمير المؤمنين يزيد بن عبد الملك يكتب إلي كتباً أعلم أن في إنفاذها الهلكة، فإنَّ أطعته عصيت الله، و إنّ عصيته أطعت الله، فهل ترون لي في متابعتي إياه فرجاً ؟فقال الحسن: يا أبا عمرو أجب الأمير، فتكلم الشعبي فانحط في حبل ابن هبيرة، فقال: ما تقول أنت يا أبا سعيد ؟فقال: أيها الأمير قد قال الشعبي ما قد سمعت، قال: ما تقول أنت ؟قال: أقول يا عمر بن هبيرة يوشك أن ينزل بك ملك من ملائكة الله فظ غليظ لا يعصي الله ما أمره فيخرجك من سعة قصرك إلى ضيق قبرك، يا عمر ابن هبيرة إنّ تتق الله يعصمك من يزيد بن عبد الملك، ولن يعصمك يزيد بن عبد الملك من الله. يا عمر بن هبيرة لا تأمن أن ينظر الله إليك على أقبح ما تعمل في طاعة يزيد بن عبد الملك نظرة مقت فيغلق بها باب المغفرة دونك، يا عمر بن هبيرة لقد أدركت ناساً من صدر هذه الأمة كانوا والله على الدنيا، وهي مقبلة، أشد إدبار من إقبالهم عليها وهي مدبرة، يا عمر بن هبيرة إنّي أخوفك مقاماً خوفكه الله تعالى فقال :(ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد ) (ابراهيم: 14) يا عمر ابن هبيرة إن تك مع الله في طاعته يكفك بائقة يزيد بن عبد الملك، و إن تك مع يزيد بن عبد الملك على معاصي الله يكلك الله إليه. قال: فبكى عمر وقام بعبرته. فلما كان الغد أرسل إليهما بإذنهما وجوائزهما فأكثر منه ماللحسن، و كان في جائزة الشعبي بعض الإقتار، فخرج الشعبي إلى المسجد فقال: أيها الناس من استطاع منكم أن يؤثر الله على خلقه فليفعل، فوالذي نفسي بيده ما علم الحسن شيء جهلته ولكن أردت وجه ابن هبيرة فأقصاني الله منه.
؟قال هشيم بن بشير قلت لعمرو بن عبيد: صف لي الحسن ؟فقال: كان إذا أقبل فكأنه قد جاء من دفن أمه، وكأن زفير جهنم في آذانه وكأنه قد قعد قعود الأسير يضرب عنقه.
؟وقال همام بن مطر: كان رجل أهل البصرة جابر بن زيد، فلما ظهر الحسن جاء رجل كأنما كان في الآخرة فهو يخبر عما ما رأى وعاين.
؟وقال عون بن ذكوان: صلى بنا زرارة بن أوفى صلاة الصبح فقرأ: (ياأيها المدثر) حتى بلغ منها إلى قوله تعالى: (فإذا نقر في الناقور ) (المدثر: 1 - 8) خر ميتاً.
؟روي أن محمد بن سيرين ركبه دين فقال: إني لأعرف الذنب الذي حمل به علي الدين ما هو، قلت لرجل منذ أربعين سنة يا مفلس0فحدث بهذا الحديث أبو سليمان الداراني فقال: قلت ذنوبهم فعرفوا من أين يؤتون، وكثرت ذنوبي وذنوبك فليس ندري من أين نؤتى.
وروي أن ثابتاً البناني بكى حتى كادت عينه تذهب، فجاء برجل يعالجها فقال: أعالجها على أن تطيعني0قال: على أي شيء ؟قال: على أن لا تبكي0قال: فما خيرهما إنّ لم يبكيا؟و أبى أن يعالج.
اجتمع مالك بن دينار ومحمد بن واسع، فقال مالك: إني لأغبط رجلاً معه دينه (له قوام من عيش راض عن ربه عزوجل، فقال محمد ابن واسع: إني لأغبط رجلاً معه دينه) ليس معه شيء من الدنيا راضياً عن ربه0فانصرف القوم عنهم يرون أن محمداً أقوى الرجلين.
؟وقال رجل لمحمد بن واسع: أوصني، قال: أوصيك أن تكون ملكاً في الدنيا والآخرة، فقال: كيف لي بذلك ؟قال: ازهد في الدنيا.
؟وكان أيوب السختياني يقول: ليتق الله رجل، و إنّ زهد فلا يجعلن زهده عذاباً على الناس، فلأن يخفي الرجل زهده خير من أن يعلنه.
وكان أيوب ممن يخفي زهده، قال حماد بن زيد: فدخلنا عليه مرة فإذا على فراشه مجلس أحمر فرفعته - أو رفعه بعض أصحابه - فإذا خصفة محشوة بليف.
؟وكان يقول: و الله ما صدق عبد إلا سره ألا يشعر بمكانه.
؟وقال له إنسان يوماً أوصني يا أيوب، فقال: أقل الكلام.

؟قال عون بن عبد الله: كان أخوان في بني اسرائيل، فقال أحدهما لصاحبه ما أخوف عمل عملته عندك ؟قال ما عملت عملاً أخوف عندي من أني مررت بين قراحي سنبل فأخذت من أحدهما سنبلة، ثم ندمت فأردت أن ألقيها في القراح الذي أخذتها منه فلم أدر أي القراحين هو، فطرحتها في أحدهما، فأخاف أن أكون طرحتها في القراح الذي لم آخذها منه.فما أخوف عمل عملته أنت عندك ؟قال الآخر: إذا قمت إلى الصلاة أخاف أن أكون أحمل على أحدى رجلي فوق ما أحمل على الأخرى.قال: وأبوهما يسمع كلامهما، فقال: اللهم إن كانا صادقين فاقبضهما إليك قبل أن يفتتنا فماتا.قال يزيد بن هارون: أي هؤلاء أفضل ؟الأب ارى أفضل.
؟كان زبيد الأيامي إذا كانت ليلة مطيرة أخذ بشعلة من نار فطاف على عجائز الحي فقال: أوكف عليكن البيت ؟أتردن ناراً ؟فإذا أصبح طاف على عجائز الحي فيقول: ألكن في السوق حاجة ؟أتردن شيئاً؟ ؟وروي أن منصور بن المعتمر صام ستين سنة، قام ليلها وصام نهارها، و كان يبكي فتقول أمه: يا بني قتلت قتيلاً ؟فيقول: أنا أعلم بما صنعت نفسي، فإذ ا كان الصبح كحل عينيه ودهن رأسه وبرق شفتيه وخرج إلى الناس.
؟قال عبد الله بن محيريز: إنّي صبحت فضالة بن عبيد صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فقلت: أوصني رحمك الله، قال: احفظ عني ثلاث خصال ينفعك الله بها، إن استطعت أن تعرف ولا تعرف فافعل، وإن استطعت أن تسمع ولا تتكلم فافعل، وإن استطعت أن تجلس ولا يقام إليك فافعل.
قال الأعشى وهو ميمون بن قيس:
إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى ... ولاقيت بعد الموت من قد تزودا
ندمت على ألا تكون كمثله ... وأنك لم ترصد كما كان أرصدا
وقال عمران بن حطان:
أرى أِقياء الناس لا يسأمونها ... على أنهم عراة وجوع
أراها وإن كانت تحب فإنها ... سحابة صيف عن قليل تقشع
؟أهدى رجل نصراني إلى الأوزاعي جرة عسل وقال له: يا أبا عمرو، تكتب لي إلى والي بعلبك فقال: إن شئت رددت الجرة وكتبت لك، وإلا قبلت الجرة ولم أكتب لك. قال: رد الجرة فردها وكتب له فوضع عنه ثلاثين ديناراً.
؟قال صالح المري وقفت في دار المورياني حين خربت، فعرض لي فيها بضع عشرة آية: (فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلاً) (القصص: 58) و(كم تركوا من جنات وعيون ) (الدخان: 25) وما أشبه ذلك، قال: فإنَّي أقرأ إذ خرج علي أسود من ناحيتها، فقال يا أبا عبد الله، هذه سخطة من مخلوق على مخلوق فكيف بسخطة الخالق ؟قال: ثم ذهب فاتبعته فلم أر أحداً.
؟وقال صالح قال لي عطاء: يا أبا بشر أشتهي الموت ولا أرى لي فيه راحة، غير أني قد علمت أن الميت قد حيل بينه وبين الأعمال، فاستراح من أن يعمل معصية فيحطب على نفسه والحي في كل يوم هو من نفسه على وجل، وآخر ذلك كله الموت.
؟وكان عطاء السلمي إذا فرغ من وضوئه انتفض وارتعد وبكى بكاء شديداً، فقيل له في ذلك، فيقول: إنّي أريد أن أقدم على أمر عظيم، أريد أن أقوم بين يدي الله عزوجل. وكذلك كان يصيب علي بن الحسين زين العابدين، فيقال له في ذلك، فيقول: أتدرون إلى من أقوم ومن أريد أن أناجي ؟.
؟روي أن عبد الواحد بن زيد لقي عتبة بن أبان الغلام برحبة القصابين في يوم شات شديد البرد، فإذا هو يرفض عرقاً، فقال له عبد الواحد: عتبة قال: نعم، قال: فما شأنك ؟مالك تعرق في مثل هذا اليوم ؟قال: خير، قال: لتخبرني، قال: خير، قال فقال: بالأنس الذي بيني وبينك والإخاء إلا ما أخبرتني، قال: إني والله ذكرت ذنباً أصبته في هذا المكان فهذا الذي رأيته من أجل ذلك.
؟وكان رأس مال عتبة فلساً، فيشتري بالفلس الخوص، فإذا عمله باعه بثلاثة فلوس، فلس يتصدق به، وفلس يتخذه رأس مال، وفلس يشتري به شيئاً يفطر عليه.

؟ونازعت عتبة نفسه لحماً، فقال لها: اندفعي عني إلى قابل، فمازال يدافعها سبع سنين، حتى إذا كان في السابعة أخذ دانقاً ونصفاً أفلاساً فأتى بها صديقاً له من أصحاب عبد الواحد بن زيد خبازاً، فقال: يا أخي إن نفسي تنازعني لحماً منذ سبع سنين، وقد استحييت منها، كم أعدها وأخلفها، فخذ لي رغيفين وقطعة من لحم بهذا الدانق والنصف، فلما أتى به إذا هو بصبي، قال: يا صبي ألست أنت ابن فلان وقد مات أبوك ؟قال: بلى، فجعل يبكي ويمسح رأسه، وقال: قرة عيني من الدنيا أن تصير شهوتي في بطن هذا اليتيم، فناوله ما كان معه ثم قرأ (ويطعمون الطعام على حبه مسكيناً ويتيماً وأسيراً ) (الإنسان: 8).
؟كان يجلس سفيان الثوري رجل ضرير، فإذا كان شهر رمضان يخرج إلى السواد فيصلي بالناس، فيكسى ويعطى، فقال سفيان: إذا كان يوم القيامة أثيب أهل القرآن من قراءتهم، ويقال لمثل هذا: قد تعجلت ثوابك في الدنيا فقال: يا أبا عبد الله تقول لي هذا وأنا جليس لك ؟قال: إنّي أخاف أن يقال لي يوم القيامة: هذا كان جليسك، أفلا نصحته ؟.
؟وقال سفيان: لو أن اليقين استقر في القلب كما ينبغي لطار فرحاً وحزناً، شوقاً إلى الجنة وخوفاً من النار.
؟وكان سفيان بمكة فمرض ومعه الأوزاعي، فدخل عليه عبد الصمد بن علي فحول وجهه إلى الحائط، فقال الأوزاعي لعبد الصمد: إن أبا عبد الله سهر البارحة فلعله أن يكون نائماً، فقال سفيان: لست بنائم، لست بنائم، فقام عبد الصمد، فقال الأوزاعي لسفيان: أنت مستقتل لا يحل لأحد أن يصحبك.
؟وعنه أنه قال: النظر إلى وجه الظالم خطيئة، ولا تنظروا إلى الأئمة المضلين إلا بإنكار من قلوبكم لئلا تحبط أعمالكم.
؟وقال، وقد ذكروا أمر السلطان وطلبهم إياه: أترون أني أخاف هوانهم ؟إنما أخاف كرامتهم.
؟قال عبد الرحمن بن مهدي: ما عاشرت في الناس رجلاً هو أرق من سفيان الثوري، قال ابن مهدي: وكنت أرمقه الليلة بعد الليلة، فما كان ينام إلا في أول الليل ثم ينتفض فزعاً مرعوباً ينادي: النار النار، شغلني ذكر النار عن النوم واللذات، كأنه يخاطب رجلاً في البيت، ثم يدعو بماء إلى جابنه فيتوضأ ثم يقول على أثر وضوئه: اللهم إنّك عالم بحاجتي غير معلم بما أطلب، وما أطلب إلا فكاك رقبتي من النار، إلهي إن الجزع قد أرقني والخوف فلم يؤمني، وكل هذا من نعمك السابغة علي، وكذلك فعلت بأوليائك وأهل طاعتك، إلهي قد علمت أن لو كان لي عذر في التخلي ما أقمت مع الناس طرفة عين، ثم يقبل على صلاته.و كان البكاء يمنعه من القراءة حتى إنّي كنت لا أستطيع سماع قراءته من كثرة بكائه، وما كنت أقدر أن أنظر إليه استحياء وهيبة منه.
؟ورؤي سفيان يأكل الطباهج، وقال: إنّي لم أنهكم عن الأكل، ولكن انظر من أين تأكل، وادخل وانظر على من تدخل، وتكلم وانظر كيف تكلم، كيف أنهاكم عن الأكل، و الله عزوجل يقول (خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا) (الأعراف: 31).
؟وعن سفيان أنه رأى رجلاً قريباً من المنبر فقال له: شغلتني يا فلان بقربك من المنبر، أما خفت أن يقولوا قولاً فيجب عليك رده ؟فقال له الرجل: أليس يقال ادن واستمع ؟قال: ذاك لأبي بكر وعمر والخلفاء، فأما هؤلاء فتباعد منهم حتى لا تسمع كلامهم ولا ترى وجوههم.
؟روي أن علياً والحسن ابني صالح بن حي وأمهما كانوا قد جزءوا الليل كله ثلاثة أجزاء، فكان علي يقوم الثلث ثم ينام، ويقوم الحسن الثلث ثم ينام، وتقوم أمهما الثلث، فماتت أمهما، فجزءا الليل بينهما فكانا يقومان به حتى الصباح، ثم مات علي فقام به الحسن كله.
؟وكان الحسن بن صالح لا يقبل من أحد شيئاً، فيجي إليه صبيه وهو في المسجد، فيقول: أنا جائع، فيعلله بشيء حتى تذهب الخادم إلى السوق، فتبيع ما غزلت هي ومولاتها من الليل، ثم تشتري قطناً وتشتري شيئاً من الشعير، فتجي به فتطحنه ثم تعجنه فتخبر ما يأكل الصبيان والخادم، ويرفع له ولأهله لأفطارهما، فلم يزل على ذلك حتى مات رحمه الله.
؟وقال الحسن بن صالح: لما احتضر أخي علي بن صالح رفع بصره ثم قال: (مع الذين أنعم الله عليهم من النبين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أؤلئك رفيقاً ) (النساء: 69) ثم خرجت نفسه، قال: فنظرنا إلى جنبه فإذا ثقب في جنبه وقد وصل إلى جوفه وما علم به أحد من أهله.

؟وروي أن داود بن نصير الطائي رحمه الله لقيه رجل فسأله عن حديث، فقال: دعني فإني أبادر خروج نفسي، فكان سفيان إذا ذكر داود قال: أبصر الطائي أمره.
؟وقال له رجل: يا أبا سليمان ما ترى في الرمي فإنَّي أحب أن أتعلمه ؟قال: إنّ الرمي لحسن، ولكن هي أيامك فانظر بم تقطعها.
؟قال عبد الله بن ادريس: قلت لداود الطائي: أوصني ؟ قال: أقلل من معرفة الناس، قلت: زدني، قال: ارض باليسير من الدنيا مع سلامة الدين، كما رضي أهل الدنيا بالدنيا مع فساد الدين، قلت: زدني. قال: اجعل الدنيا كيوم صمته ثم أفطر على الموت.
؟وقال أحمد بن ضرار العجلي: أتيت دواد الطائي وهو في دار واسعة خربة ليس فيها إلا بيت، وليس على البيت باب، فقال له بعض القوم: يا أبا سليمان أنت في دار وحشة فلو اتخذت لبيتك هذا باباً، أما تستوحش ؟فقال: حالت وحشة القبر بيني وبين وحشة الدنيا.
؟وقال عطاء بن مسلم الحلبي: عاش داود عشرين سنة بثلثمائة درهم ينفقها على نفسه، فأتاه ابن أخيه فقال: عم تكره التجارة ؟قال: لا، قال: فأعطني شيئاً أتجر به، قال: فأعطاه ستين درهماً وقال: فمكث شهراً ثم جاءه بعشرين ومائة درهم فقال: هذه ربجها، فقال: أنت كل شهر تربح للدرهم درهماً ؟ينبغي أن يكون عندك بيت مال، أردت أن تخدعني ؟قال: فرمى بها عليه وقال: رد علي رأس مالي.
؟وقالت مولاة لداود الطائي: لو طبخت لك دسماً قال: فافعلي، فطبخت له شحماً ثم جاءته به، فقال لها: ما فعل أيتام بني فلان ؟ قالت: على حالهم، قال: اذهبي به إليهم، قالت له: فديتك إنما تأكل هذا الخبز بالماء من المطهرة قال: إني إذا أكلته كان في الحش، وإذا أكله هؤلاء الأيتام كان عند الله مذخوراً.
؟ودخل رجل على داود الطائي فقال: يا أبا سليمان بعت كل شيء حتى التراب، وبقيت تحت نصف سقف، فلو سويت هذا السقف فكان يكنك من الحر والبرد والمطر، فقال داود: اللهم غفراً، كانوا يكرهون فضول النظر كما يكرهون فضول الكلام، يا عبد الله، اخرج عني، فقد شغلت قلبي، إنّي أبادر جفوف القلم وطي الصحيفة. قال: يا أبا سليمان، أنا عطشان، قال: اخرج واشرب، فجعل يدور في الدار لا يجد ماء، فرجع إليه فقال: يا أبا سليمان ليس في الدار حب ولا جرة، فقال: اللهم غفراً، بل هناك ماء، فخرج يلتمس فإذا دن من هذه الأصص الذي ينقل فيه الطين وخزمة أسفل كوز فأخذ تلك الخزفة فغرف بها فإذا ماء حار كأنه قد غلي لم يقدر أن يسيغه، فرجع إليه وقال: يا أبا سليمان: مثل هذا الحر ؟ الناس يكادون ينسلخون من شدة الحر، ودن مدفون في الأرض وكوز مكسور فلو كانت جريرة وقلة ؟ فقال داود: حب حيري وجرة مذارية وقلال منقشة، وجارية حسناء وأثاث وناض - يعني بالناض الدنانير والدراهم 0وفضول، لو أردت هذا الذي يشغل القلب لم أسجن نفسي ها هنا، إنما طلقت نفسي من هذه الشهوات، وسجنت نفسي حتى يخرجني مولاي من سجن الدنيا إلى روح الآخرة . فقال: يا أبا سليمان ففي هذا الحر أين تنام وليس لك سطح ؟ قال إني أستحي من مولاي أن يراني أخطو خطوة ألتمس راحة نفسي في الدنيا حتى يكون مولاي هو الذي يخرجني من الدنيا.
؟وقال داود: اليأس سبيل أعمالنا هذه، ولكن القلوب تحن إلى الرجاء.

؟وقال ابراهيم بن بشار الصوفي الخراساني خادم ابراهيم بن أدهم: قلت لابن أدهم: يا أبا اسحاق، كيف كان أوائل أمرك حتى صرت إلى ما صرت إليه ؟فقال: غير ذا أولى بك، فقلت له: هو كما تقول رحمك الله، ولكن أخبرني لعل الله ينفعنا به يوماً، فقال: اشتغل بالله، فسألته الثالثة فقلت: يا أبا اسحاق، إن رأيت، فقال: كان أبي من أهل بلخ، وكان من ملوك خراسان والمياسير، وحبب إلي الصيد، فخرجت راكباً فرسي وكلبي معي، فبينما أنا كذلك ثار أرنب أو ثعلب، فحركت فرسي فسمعت نداء من ورائي: ليس لذا خلقت ولا بذا أمرت ؟فوقفت أنظر يمنة ويسرة فلم أر أحداً، فقلت: لعن الله إبليس، ثم حركت نفسي فسمعت نداء أجهر من ذلك، يا ابراهيم ليس لهذا خلقت ولا بذا أمرت، فوقفت أنظر يمنة ويسرة فلم أر أحداً فقلت: لعن الله إبليس، ثم حركت فرسي فأسمع نداء من قربوس سرجي: يا ابراهيم ما لذا خلقت ولا بذا أمرت، فوقفت انظر يمنة ويسرة فقلت: أنبهت أنبهت، جاءني نذير من ربي، و الله لا عصيت الله بعد يومي هذا أبداً ما عصمني ربي، فرجعت إلى أهلي، فخليت عن فرسي ثم جئت إلى راع لأبي فأخذت جبة منه وكساء وألقيت ثيابي إليه، ثم أقبلت إلى العراق، أرض تضعني والأرض ترفعني، حتى وصلت إلى العراق، فعملت بها أياماً، فلم يصف لي منها شيء من الحلال، فسألت بعض المشايخ عن الحلال فقالوا لي: عليك ببلاد الشام، فصرت إلى مدينة يقال لها المنصورة، وهي المصيصة، فعملت بها أياماً فلم يصف لي شيء من الحلال، فسألت بعض المشايخ فقال لي: إن أردت الحلال الصافي فعليك بطرسوس فإنَّ فيها المباحات والعمل الكثير، فتوجهت إلى طرسوس فعملت بها، أنظر البساتين وأحصد الحصاد فبينما أنا قاعد على باب البحر جاءني رجل فاكتراني أنطر له بستاناً، فكنت في البستان أياماً كثيرة، فإذا أنا بخادم قد اقبل ومعه أصحابه فقعد في مجلسه ثم صاح: يا ناطور، فقلت: هو ذا أنا، قال: فاذهب فأتنا بأكبر رمان تقدر عليه وأطيبة فذهبت فأتيته بأكبر رمان فأخذالخادم رمانة فكسرها فوجدها حامضة، فقال لي: يا ناطور أنت في بستاننا منذ كذا وكذا تأكل فاكهتنا وتأكل رماننا ولا تعرف الحلو من الحامض ؟قال ابراهيم فقلت: والله ما أكلت من فاكهتك شيئاً، وما أعرف الحلو من الحامض، فأشار الخادم إلى أصحابه وقال: أما تسمعون كلام هذا ؟ثم قال: أتراك لو أنك ابراهيم بن أدهم ما زاد على هذا، وانصرف فلما كان من الغد ذكر صفتي في المسجد فعرفني بعض الناس، فجاء الخادم ومعه خلق فلما رأيته قد أقبل مع أصحابه اختفيت خلف الشجر، والناس داخلون، فاختلطت معهم وهم داخلون وأنا هارب. كان هذا أوائل أمري وخروجي من طرسوس إلي بلاد الرمال.
؟وكان ابراهيم يعمل بفلسطين بكراء إذ مر به الجيش إلى مصر وهو يستقي الماء قطع الدلو وألقاه في البئر لئلا يسقيهم، فكانوا يضربون رأسه يسألونه عن الطريق وهو يتخارس عليهم لئلا يدلهم.
؟قال علي بن بكار: كنا جلوساً عند الجامع بالمصيصة وفينا ابراهيم ابن أدهم، فقدم رجل من خراسان وقال: أيكم ابراهيم بن ادهم ؟قال القوم: هذا، أوقال، أنا هو، قال: إنّ إخوتك بعثوني إليك، فلما سمع ذكر إخوته قام فأخذ بيده فنحاه وقال: ما جاء بك ؟قال: أنا مملوكك، معي فرس وبغلة وعشرة آلاف درهم بعث بها إليك إخوتك، قال: إنّ كنت صادقاً فأنت حر ومن معك فلك، اذهب فلا تخبر أحداً.
؟وقال ابراهيم: المسألة مسألتان: مسألة على أبواب الناس ومسألة يقول الرجل ألزم المسجد وأصلي وأصوم وأعبد الله، فمن جاء بشيئ قبلته، فهذه شر المسألتين وهذا قد ألحف في المسألة.

؟قال شقيق بن إبراهيم: مر أبراهيم بن أدهم في أسواق البصرة فاجتمع الناس إليه فقالوا: يا أبا إسحاق إنّ الله يقول في كتابه: (ادعوني أستجب لكم) (غافر: 60) ونحن ندعوه منذ دهر فلا يستجيب لنا، فقال إبراهيم: يا أهل البصرة، ماتت قلوبكم في عشرة أشياء، أولها: عرفتم الله ولم تؤدوا حقه: والثاني: قرأتم كتاب الله ولم تعملوا به، والثالث: ادعيتم حب رسول الله عليه السلام وتركتم سنته، والرابع ادعيتم عداوة الشيطان ووافقتموه، والخامس: قلتم نحب الجنة ولم تعملوا لها، والسادس: قلتم نخاف النار ورهنتم أنفسكم بها، والسابع قلتم إنّ الموت حق ولم تستعدوا له، والثامن: اشتغلتم بعيوب إخوانكم ونبذتم عيوبكم، والتاسع: أكلتم نعمة ربكم ولم تشكروها، والعاشر: دفنتم موتاكم ولم تعتبروا بهم.
وقال إبراهيم بن أدهم: لم يصدق الله من أحب الشهرة.
وقال إبراهيم بن بشار: كنت يوماً من الأيام ماراً مع إبراهيم ابن أدهم في الصحراء، فأتينا على قبر مسنم، فترحم عليه وبكى، فقلت: قبر من هذا؟ قال: هذا قبر حميد بن جابر أمير هذه المدن كلها، كان غريقاً في بحار الدنيا ثم أخرجه الله منها واستنفذه، ولقد بلغني أنه مر ذات يوم بشيء من ملاهي ملكه ودنياه وغروره وفتنته، ثم نام في مجلسه مع من يخصه من أهله، فرأى رجلاً واقفاً على رأسه بيده كتاب، فناوله إياه فإذا فيه مكتوب بالذهب: لا تؤثرون فانياً على باق، ولا تغترن بملكك وقدرتك وسلطانك وخدمتك وعبيدك ولذاتك وشهواتك، فإن الذي أنت فيه جسيم لولا أنه عديم وهو ملك لولا أن بعده الهلاك وهو فرح وسرور لولا أنه لهو وغرور، وهو يوم لو كان يوثق له بغد، فسارع إلى أمر الله تعالى فإن الله تعالى قال: (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين) (آل عمران: 133)0قال: فانتبه فزعاً وقال: هذا تنبيه من الله وموعظة، فخرج من ملكه لا يعلم به أحد، وقصد هذا الجبل فتبعد فيه، فلما بلغني قصته وحدثت بأمره قصدته، فحدثني ببدء أمره وحدثته ببد أمري، فما زلت أقصده حتى مات ودفن ها هنا، رحمه الله.
؟قال إبراهيم: الزهد ثلاثة أصناف: فزهد فرض، وزهد فضل، وزهد سلامة، فالفرض الزهد في الحرام، والفضل الزهد في الحلال، والسلامة الزهد في الشبهات.

؟ومن كلام الحسن البصري: يا ابن آدم، بع دنياك بآخرتك تربحهما جميعا. ولا تبع آخرتك بدنياك فتخسرهما جميعاً يا ابن آدم، إذا رأيت الناس في الخير فنافسهم فيه، وإذا رأيتهم في الشر فلا تغبطهم به0الثواء ها هنا قليل والبقاء هناك طويل، وأمتكم آخر الأمم، وأنتم آخر أمتكم، وقد أسرع بخياركم فماذا تنتظرون؟المعاينةفكأن قد، هيهات هيهات " ذهبت الدنيا بحال بالها وبقيت الأعمال قلائد في أعناق بني آدم، فيا لها موعظة لو وافقت من القلوب حياة ؟إنّه والله لا أمة بعد أمتكم، ولا نبي بعد نبيكم، ولا كتاب بعد كتابكم أنتم تسوقون الناس والساعة تسوقكم وإنما ينتظر بأولكم أن يلحق بآخركم من رأى محمداً صلّى الله عليه فقد رآه غادياً ورائحاً ولم يضع لبنة على لبنة ولا قصبة على قصبة، رفع له علم فشمر إليه، فالوحى الوحى والنجاء النجاء.على ما تعرجون ؟أتيتم ورب الكعبة.إن الله بعث محمداً على علم به، اختاره لنفسه، وبعثه برسالاته، وأنزل عليه كتابه، و كان صفوته من خلقه ورسوله إلى عباده، ثم وضعه من الدنيا موضعاً ينظر إليه أهل الأرض، وأتاه منها قوتاً وبلغة، ثم قال (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة )(الأحزاب: 21) فرغب أقوام عن عيشة، وسخطوا ما رضي له ربه، فأبعدهم الله وسحقهم.ابن آدم طأ الأرض بقدمك فإنها عما قليل قبرك، واعلم أنك لم تزل في هدم عمرك منذ سقطت من بطن أمك.رحم الله رجلاً نظر فتفكر وتفكر فاعتبر واعتبر فأبصر وأبصر فصبر، فقد أبصر أقوام فلم يصبروا فذهب الجزع بقلوبهم فلم يدركوا ما طلبوا، ولم يرجعوا إلى ما فارقوا.يا ابن آدم اذكر قوله: (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتاباً يلقاه منشوراً أقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً ) (الأسراء: 13 - 14).عدل عليك من جعلك حسيب نفسك.لقد رأيت أقواماً كانوا من حسناتهم أشفق من أن ترد عليهم منكم من سيئاتكم أن تعذبوا عليها وكانوا فيما أحل الله لهم من الدنيا أزهد منكم فيما حرم عليكم.يا ابن آدم ليس الإيمان بالتحلي ولا التمني، ولكنه ما وقر في القلب وصدقته الأعمال.
؟وكان يقول: لا يستحق أحد حقيقة الإيمان حتى لا يعيب أحدً بعيب هو فيه، ولا يأمر بإصلاح عيوبهم حتى يبدأ بإصلاح ذلك في نفسه، فإنه إذا فعل ذلك لم يصلح عملاً إلا وجد في نفسه عيباً آخراً ينبغي أن يصلحه، فإذا فعل ذلك شغل بخاصة نفسه عن عيب غيره.و إنّك ناظر إلى عملك خيره وشره فلا تحقرن شيئاً من الخير وإن صغر، فإنَّك إذا رأيته سرك مكانه، ولا تحقرن شيئاً من الشر وإن صغر، فإنك إذا رأيته ساءك مكانه.
؟وكان يقول: كان أهل الدنيا يبذلون ديناهم لأهل العلم رغبة في علمهم، فأصبح أهل العلم اليوم يبذلون علمهم لأهل الدنيا رغبة في دنياهم، فرغب أهل الدنيا بدنياهم وزهدوا في علمهم لما رأوا من سوء موضعه عندهم.
؟وكان يقول: لا أذهب إلى من يواري عني غناه، ويبدي لي فقره، ويغلق دوني بابه، ويمنعني ما عنده، وأدع من يفتح لي بابه، ويبدي لي غناه، ويدعوني إلى ما عنده.
؟دخل أبو حازم الأعرج على بعض ملوك بني مروان، فقال: يا أبا حازم، ما المخرج مما نحن فيه، قال: تنظر إلى ما عندك فلا تضعه إلا في حقه وما ليس عندك فلا تأخذه إلا بحقه، قال: ومن يطيق ذلك ؟قال: فمن أجل ذلك ملئت جهنم من الجنة والناس أجمعين، قال: مامالك ؟ قال: مالان، قال: ما هما ؟ قال: الثقة بما عند الله، واليأس مما في أيدي الناس، قال: ارفع إلينا حوائجك، قال: هيهات رفعتها إلى من هو لا تختزل الحوائج دونه، فإنَّ أعطاني منها شيئاً قبلت، و إن زوى عني منها شيئاً رضيت.
؟ومن كلام الفضيل بن عياض: يا ابن آدم إنّما يفضلك الغني بيومك، أمسى قد خلا وغد لم يأت، فإن صبرت يومك أحمد أمرك، وقويت على غدك، و إن عجزت عن يومك ذممت أمرك وضعفت عن غدك.و إنّ الصبر يورث البرء، و إنّ الجزع يورث السقم، وبالسقم يكون الموت وبالبرء تكون الحياة.
؟وقال: بكر بن عبد الله المزني: الدنيا ما مضى منها فحلم، وما بقي منها فأماني.
؟وقال: عامر بن عبد قيس: الدنيا والدة للموت، ناقضة للمبرم، مرتجعة للعطية، وكل من فيها يجري إلى ما لايدري، وكل مستقر فيها غير راض بها، و ذلك شهيد على أنها ليست بدار قرار.
؟وقيل: من تذكر قدرة الله لم يستعمل قدرته في ظلم عباده.

؟قال هانئ بن قبيصة لحرقة بنت النعمان ورآها تبكي: مالك تبكين ؟ قالت: رأيت لأهلك غضارة، وقلما امتلأت دار فرحاً، إلا امتلأت حزناً.
؟ونظرت امرأة إلى إعرابية حولها عشرة من بنيها، كأنهم الصقور، فقالت: لقد ولدت أمكم حزناً طويلاً.
؟وباع عبد الله بن عتبة بن مسعود أرضاً بثمانين ألفاً، فقيل له: لو اتخذت لولدك من هذا المال ذخراً، قال: أنا أجعل هذا المال ذخراً عند الله، وأجعل الله ذخراً لولدي، وقسم المال.
؟قال الحسن: ما أعطي رجل من الدنيا شيئاً إلا قيل: خذه ومثله من الحرص.
؟وقال قتادة: يعطي الله العبد على نية الآخرة ما شاء من الدنيا والآخرة ولا يعطي على نية الدنيا إلا الدنيا.
؟وقيل: ثلاثة أشياء يستوي فيها الملوك والسوقة والعلية والسفلة: الموت والطلق والنزع، ويشبه هذا المعنى قول عبد الله بن الزبعري:
والعطيات خساس بينهم ... وسواء قبر مثر ومقل.
؟سأل الحجاج أعرابياً عن أخيه محمد بن يوسف فقال: كيف تركته ؟قال: عظيماً سميناً: قال: ليس عن هذا أسألك، قال: تركته ظلوماً غشوماً، قال: أوما علمت أنه أخي ؟ قال: أتراه بك أعز مني بالله.
قال مطرف بن عبد الله بن الشخير لابنه: يا بني لا يلهينك الناس عن نفسك، فإنَّ الأمر خالصً إليك دونهم. إنّك لم تر شيئاً هو أشد طلباً ولا أسرع دركاً من توبة حديثة لذنب قديم.
وقال أحمد بن عاصم الأنطاكي: اصلح ما بقي يغفر لك ما مضى.
؟قال المكي: كنت عند سفيان بن عيينة وجاءه رجل فقال: إن جاري قد آذاني، وقد روي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم، أنه قال: من آذى جاره ملكه الله داره ؟ فقال: إن هذا لفي كتاب الله عز وجل قال الرجل: وأين ذلك رحمك الله قال: قال الله تعالى: (وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين، ولنسكننكم الأرض من بعدهم ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد) (ابراهيم: 13 - 14) فقام المكي فقبل رأسه.
قال حذيفة المرعشي: دخلت مكة مع ابراهيم بن أدهم فإذا شقيق البلخي قد حج في تلك السنة، فاجتمعنا في شق الطواف، فقال ابراهيم لشقيق: على أي شيء أصلتم أصلكم؟قال: أصلنا أصلنا على أنا إذا رزقنا أكلنا، وإذا منعنا صبرنا؟ فقال ابراهيم: هكذا تفعل كلاب بلخ قال له شقيق فعلى ماذا أصلتم ؟ قال أصلنا على أنا إذا رزقنا آثرنا، وإذا منعنا شكرنا وحمدنا، فقام شقيق فجلس بين يدي إبراهيم بن أدهم وقال: أنت أستاذنا.
؟قال محمد بن أبي عمران: سمعت حاتماً الأصم، وكان من جله أصحاب شقيق البلخي، وسأله رجل فقال: على ما بنيت أمرك هذا في التوكل على الله ؟قال: على خصال أربع: علمت أن رزقي لا يأكله غيري فاطمأنت به نفسي، وعلمت أن علي ديناً لا يعمله غيري فأنا مشغول به، وعلمت أن الموت يأتيني بغتة فأنا أبادره، وعلمت إني لا أخلو من عين الله حيث كنت فأنا مستحي منه.
؟ومر عصام بن يوسف بحاتم الأصم وهو يتكلم في مجلسه فقال: يا حاتم تحسن تصلي؟قال: نعم، قال: كيف تصلي؟قال حاتم: أقوم بالأمر، وأمشي بالخشية، وأدخل بالنية، وأكبربالعظمة وأقرأ بالتواكل والتفكر واركع بالخشوع واسجد بالتواضع، وأجلس للتشهد بالتمام، وأسلم بالسبيل والسنة، وأسلمها بالإخلاص إلى الله، وأرجع على نفسي بالخوف أخاف أن لا يقبل مني ولا أحفظه بالجهد إلى الموت، قال: تكلم فأنت تحسن تصلي.
؟قال الفضيل بن عياض: إذا أراد الله أن يتحف العبد سلط عليه من يظلمه.
؟وقال: أعلم الناس بالله أخوفهم له.

؟قال الفضل بن الربيع: حج هارون الرشيد، فاتاني فخرجت إليه مسرعاً فقلت: يا أمير المؤمنين لو أرسلت إلي أتيتك، فقال: ويحك قد حل في نفسي شيء فانظر لي رجلاً أسأله، فقلت: هاهنا سفيان بن عيينة، فقال: امض بنا إليه، فأتيناه فقرعنا الباب فقال: من ذا؟فقلت: أجب أمير المؤمنين، فخرج مسرعاً فقال: يا أمير المؤمنين لو أرسلت إلي أتيتك، قال: خذ لما جئناك له رحمك الله، فحدثه ساعة ثم قال له: عليك دين؟قال: نعم، قال: يا عباسي اقض دينه، فلما خرجنا، قال: ما أغنى عنك صاحبك شيئاً، انظر لي رجلاً أسأله، قلت: هاهنا عبد الرزاق بن همام، قال: امض بنا إليه، فأتيناه فكانت حاله كحال سفيان بن عيينة، فقلت له: هاهنا الفضيل بن عياض، قال: امض بنا إليه، فأتيناه فإذا هو قائم يصلي يتلو آية من القرآن يرددها، فقرعت الباب فقال: من ذا؟فقلت: أجب أمير المؤمنين، قال: مالي ولأمير المؤمنين؟فقلت: سبحان الله أما عليك طاعة لبشر؟فنزل ففتح الباب ثم ارتقى إلى الغرفة فأطفأ السراج ثم التجأ إلى زاوية من زوايا البيت، فدخلنا فجعلنا نجول البيت عليه بأيدينا، فسبقت كف هارون الرشيد إليه قبلي فقال: يا لها من كف ما ألينها إن نجت من عذاب الله فقلت في نفسي ليكلمنه الليله بكلام من قلب نقي فقال له: خذ لما جئناك له يرحمك الله، فقال: إن عمر بن عبد العزيز لما ولي الخلافة دعا سالم بن عبد الله، ومحمد بن كعب القرظي، ورجاء بن حيوة فقال لهم: إني قد ابتليت بهذا البلاء فأشيروا علي، فعد الخلافة بلاء، وعددتها أنت وأصحابك نعمة، فقال له سالم بن عبد الله: إن أردت النجاة من عذاب الله فصم الدنيا وليكن إفطارك فيها الموت وقال له محمد بن كعب: إن أردت النجاة من عذاب الله فليكن كبير المسلمين عندك أباً، وأوسطهم أخاً، و أصغرها ولداً، فوقر أباك وأكرم أخاك وتحنن على ولدك، وقال له رجاء بن حيوة: إن أردت النجاة من عذاب الله فأحب للمسلمين ما تحب لنفسك أو أكره لهم ما تكره لنفسك، ثم مت إذا شئت فإني أخاف عليك أشد الخوف يوم تزل الأقدام0 فهل معك مثل هذا، أو من يشير عليك بمثل هذا؟فبكى هارون بكاء شديداً حتى غشي عليه، فقلت: ارفق بأمير المؤمنين، فقال: يا ابن أم الربيع تقتله أنت وأصحابك، وارفق به أنا؟ثم أفاق فقال له: زدني رحمك الله، فقال: يا أمير المؤمنين، بلغني أن عاملاً لعمر بن عبد العزيز شكا إليه كثرة النوم فكتب إليه عمر: يا أخي أذكرك طول سهر أهل النار في النار مع خلود الأبد، فإنه يطرد بك إلى ربك نائماً أو يقظان، و إياك أن ينصرف بك من عند الله فيكون آخر العهد وانقطاع الرجاء0قال: فلما قرأ الكتاب طوى البلاد حتى قدم على عمر، فقال له: ما أقدمك؟قال: خلعت قلبي بكتابك، ولا أعود لولاية حتى ألقى الله تعالى، قال: فبكى هارون بكاء شديد، ثم قال له: زدني رحمك الله، فقال: يا أمير المؤمنين إن العباس عم المصطفى جاء إلى البني صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أمرني على إمارة؟فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إن الإمارة حسرة وندامة يوم القيامة، فإن استطعت أن لا تكون أميراً فافعل، فبكى هارون بكاء شديداً، و ققال له: زدني رحمك الله، قال: يا حسن الوجه أنت الذي يسألك الله عن هذا الخلق يوم القيامة، فان استطعت أن تقي هذا الوجه فإياك أن تصبح وتمسي وفي قلبك غش لأحد من رعيتك، فإن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: من أصبح لهم غاشاً لم يرح رائحة الجنة، ؟فبكى هارون وقال له: عليك دين؟قال: نعم، دين لربي لم يحاسبني عليه، فالويل لي إن ساءلني، والويل لي إن ناقشني، والويل لي إن لم ألهم حجتي، قال: إنما أعني من دين العباد، قال: إن ربي لم يأمرني بهذا، إنما أمرني أن أصدق وعده وأطيع أمره، فقال: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون، ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون، إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) (الذرايات: 56 - 58) فقال له: هذه ألف دينار خذها فأنفقها على عيالك، وتقو بها على عبادتك، فقال له: سبحان الله أنا أدلك على طريق النجاة وأنت تكافئني بمثل هذا، سلمك الله ووفقك؟ثم صمت فلم يكلمنا، فخرجنا من عنده، فلما صرنا على الباب، قال هارون: يا عباسي إذا دللتني على رجل فدلني على مثل هذا، فهذا سيد المسلمين0فدخلت عليه امرأة من نسائه فقالت: يا هذا قد ترى ما نحن فيه من ضيق الحال، فلو قبلت هذا

المال فتفرجنا به، فقال لها: مثلي ومثلكم كمثل قوم لهم بعير يأكلون من كسبه، فلما كبر نحروه فأكلوا لحمه، فلما سمع هارون هذا الكلام قال: ندخل فعسى يقبل المال، فلما علم الفضيل خرج فجلس في السطح على باب الغرفة، فجاء هارون فجلس إلى جنبه فجعل يكلمه فلا يجيبه، فبينا نحن كذلك إذ خرجت جارية سوداء فقالت: يا هذا آذيت الشيخ منذ الليلة، فانصرف يرحمك الله، فانصرفنا.مال فتفرجنا به، فقال لها: مثلي ومثلكم كمثل قوم لهم بعير يأكلون من كسبه، فلما كبر نحروه فأكلوا لحمه، فلما سمع هارون هذا الكلام قال: ندخل فعسى يقبل المال، فلما علم الفضيل خرج فجلس في السطح على باب الغرفة، فجاء هارون فجلس إلى جنبه فجعل يكلمه فلا يجيبه، فبينا نحن كذلك إذ خرجت جارية سوداء فقالت: يا هذا آذيت الشيخ منذ الليلة، فانصرف يرحمك الله، فانصرفنا.
؟قال زهير بن عباد: كان فضيل بن عياض، ووهيب بن الورد وعبد الله بن المبارك جلوساً فذكروا الرطب، فقال وهيب: وقد جاء الرطب؟فقال ابن المبارك: يرحمك الله، هذا آخره أولم تأكله؟ قال: لا، قال: ولم لا؟قال وهيب: بلغني أن عامة أجنة مكة من الصوافي والقطائع فكرهتها فقال عبد الله يرحمك الله أوليس قد رخص في الشراء في الأسواق إذا لم تعرف الصوافي والقطائع منه وإلا ضاق على الناس خبزهم، أو ليس عامة ما يأتي من قمح مصر إنما هو من الصوافي والقطائع؟و لا أحسبك تستغني عن القمح فسهل عليك، قال: فصعق، فقال فضيل لعبد الله: ما صنعت بالرجل؟فقال ابن المبارك: ما علمت أن كل هذا الخوف قد أعطيه فلما أفاق وهيب قال يا ابن المبارك، دعني من ترخيصك، فلا جرم لا آكل من القمح إلا كما يأكل المضطر من الميتة، فزعموا أنه نحل جسمه حتى مات هزالاً.
؟قال عبد الله بن المبارك: رب عمل صغير تعظمه المنية، ورب عمل كبير تصغره المنية.
؟قال محمد بن صبيح بن السماك: كتب لي أخ من إخواني من أهل بغداد: صف لي الدنيا، فكتبت إليه: أما بعد فإنه حفها بالشهوات وملأها بالآفات، مزج حلالها بالمؤونات، وحرامها بالتبعات، حلالها حساب وحرامها عذاب (والسلام).
؟قال يوسف بن أسباط: لو أن رجلاً في ترك الدنيا مثل أبي ذر وسلمان وأبي الدرداء ما قلنا إنه زاهد، لأن الزهد لا يكون إلا في الحلال المحض، والحلال المحض لا يعرف اليوم.
؟كان عبد الله بن عبد العزيز العمري يلزم الجبان كثيراً، و كان لا يخلو من كتاب يكون معه ينظر فيه، فقيل له في ذلك فقال: إنه ليس شيء أوعظ من قبر، و لا أسلم من وحدة، ولا آنس من كتاب.
؟قال بشر بن الحارث: بلغني أن بنتاً لفتح الموصلي عريت، فقيل له: ألا تطلب من يكسوها؟قال: أدعها حتى يرى الله عريها وصبري عليها0قال: فكان إذا كانت ليالي الشتاء جمع عياله ومال بكسائه عليهم ثم قال: اللهم أفقرتني وأفقرت عيالي، وجوعتني وجوعت عيالي، وأعريتني وأعريت عيالي، بأي وسيلة أتوسل إليك، وإنما تفعل ذلك بأوليائك وأحبابك، فهل أنا منهم حتى أفرح؟ ؟قال بشر بن الحارث الحافي: إذا أعجبك الكلام فاصمت، وإذا أعجبك الصمت فتكلم0وقد روي هذا الكلام بعينه عن ابن عباس أو غيره.
؟وقال بشر سمعت خالدا الطحان وهو يذكر ويقول: إياكم وسرائر الشرك فقيل: وكيف سرائر الشرك؟قال: أن يصلي أحدكم فيطول في ركوعه وسجوده حتى تلحظه الحدق.
؟وقال بشر: اكتم حسناتك كما تكتم سيئاتك.

؟قال إبراهيم الحربي: حملني أبي إلى بشر بن الحارث فقال: يا أبا نصر، هذا ابني مستهتر بكتابة الحديث والعلم، فقال لي: يا بني هذا العلم ينبغي أن تعمل به، فإن لم تعمل به كله فمن كل مائتين خمسة مثل زكاة الدراهم، فقال له أبي: يا أبا نصر تدعو له؟قال: دعؤك له أبلغ، فإن دعاء الوالد للولد كدعاء النبي لأمته، قال إبراهيم: فاستحليت كلامه واستحسنته، فأنا مار إلى صلاة الجمعة فإذا بشر يصلي في قبة الشعر فقمت وراءه أركع إلى أن نودي بالأذان، فقام رجل رث الحال والهيئة، فقال: يا قوم احذروا أن أكون صادقاً وليس مع الاضطرار اختيار، ولا يسع السكوت عند العدم، ولا السؤال مع الوجود، وثم فاقة رحمكم الله، قال: فرأيت بشراً أعطاه قطعة وزنها دانق، قال إبراهيم: فقمت إليه فأعطيته درهماً وقلت: أعطني القطعة، فقال: لا أفعل، فقلت: هذان درهمان، فقال: لا أفعل قال: ومعي عشرة دراهم صحاحاً، قلت: هذه عشرة دراهم، قال لي: يا هذ1 وأي شيء رغبتك في دانق تبذل فيه عشرة صحاحاً، فقلت: هو رجل صالح، فقال لي: أنا في معروف هذا أرغب، ولست أستبدل النعم نقماً، و إلى أن آكل هذا فرج عاجل أو منية قاضية0قال إبراهيم فقلت: انظروا معروف من بيد من، و قلت: يا شيخ دعوة، فقال: مر أحيا الله قلبك ولا أماته حتى يميت جسمك، وجعلك ممن يشتري نفسه بكل شيء ولا يبيعها بشيء.
؟وروي أن أخت بشر بن الحارث قصدت أحمد بن حنبل فقالت: إنا قوم نغزل الليل ومعاشنا منها، وربما تمر بنا مشاعل بني طاهر ولاة بغداد ونحن على السطح فنغزل في ضوئها الطاقة والطاقتين، أفتحله لنا أم تحرمه علينا؟فقال لها: من أنت؟قالت: أخت بشر، قا ل آه ياآل بشر لا عدمتكم، لا أزال أسمع الورع الصافي من قبلكم.
؟قال معروف لأبي توبة وقد حضرت الصلاة: صل بنا؟فقال: إنّ صليت بكم هذه الصلاة لا أصلي بكم الثانية، فقال معروف: و أنت تطمع أن تعيش إلى الصلاة الثانية؟نعوذ بالله من طول الأمل فإنه يمنع خير العمل.
؟وعنه قال: إذا أراد الله بعبد خيراً فتح عليه باب العمل وأغلق عليه باب الجدل، و إذا أراد الله بعبد شراً أغلق عنه باب العمل وفتح عليه باب الجدل.
؟وقيل له في علته: أوص، فقال: إذا مت فتصدقوا بقميصي هذا فإني أحب أن أخرج من الدنيا عريان كما دخلت إليها عريان.
؟قال أحمد بن أبي الحواري: سمعت أبا سليمان الداراني يقول: من وثق بالله في رزقه زاد في حسن خلقه، وأعقبه الحلم، وسخت نفسه في نفقته، وقلت وساوسه في صلاته.
؟قال منصور بن عمار: سبحان من جعل قلوب العارفين أوعية الذكر، وقلوب أهل الدنيا أوعية الطمع، وقلوب الزاهدين أوعية التوكل، وقلوب الفقراء أوعية القناعة، وقلوب المتوكلين أوعية الرضا.
؟وقال: سلامة النفس في مخالفتها، وبلاؤها في متابعتها.
وقال منصور بن عمار: حججت حجة فنزلت سكة من سكك الكوفة، فخرجت في ليلة مظلمة طخياء، فإذا بصارخ في جوف الليل وهو يقول: إلهي وعزتك وجلالك ما أردت بمعصيتي مخالفتك، ولقد عصيتك إذ عصيتك وما أنا بنكالك جاهل، ولكن خطيئة عرضت وأعانني عليها شقائي، وغرني سترك المرخى علي وقد عصيتك بجهدي وخالفتك بجهلي، فالآن من عذابك من يستنقذني؟وبحبل من أتصل إنّ أنت قطعت حبلك مني؟واشباباه واشباباه0 فلما فرغ من قوله تلوت آية من كتاب الله عزوجل: (ناراً وقودها الناس والحجارة) (البقرة: 24) الآية، فسمعت دكة لم اسمع بعدها حساً، فمضيت، فلما كان من الغد رجعت من مدرجتي فإذا أنا بجنازة قد خرجت، و إذا عجوز قد ذهبت منتها - يعني قوتها - فسألتها عن الميت ولم تكن عرفتني، فقالت: هذا رجل لا جزاه الله خيراً مر بابني البارحة وهو قائم يصلي فتلا آية من كتاب الله عزوجل فتفطرت مرارته فوقع ميتاً، رحمه الله.
؟فقد الحسن بن حي شاباً كان ينقطع إليه، فخرج الحسن حتى أتى منزله فدق عليه الباب فخرج إليه الشاب، فقال له: يا أخي مالك لم أرك منذ أيام؟فقال له: يا أخي إنّ هذه الدار ليست هي دار لقاء، إنما هي دار عمل، واللقاء ثم، ثم أغلق الباب في وجهه فما رآه الحسن بعد ذلك اليوم حتى أخرجت جنازته.
؟قال محمد الكندي: سمعت أشياخنا يقولون: إذا عرض لك أمران لا تدري في أيهما الرشاد، فانظر أقربهما إلى هواك فخالفه، فإن الحق مخالفة الهوى.

؟قال أبو الحسن السري بن الغلس السقطي، وهو خال أبي القاسم الجنيد وأستاذه: كل الدنيا فضول إلا خمس خصال: خبز يشبعه، وماء يرويه، وثوب يستره، وبيت يكنه، وعلم يستعمله.
؟وقال: من استعمل التسويف طالت حسرته يوم القيامة.
؟قال أبو علي الروذباري: في اكتساب الدنيا مذلة النفوس، وفي اكتساب الآخرة عزها، فيا عجبا لمن يختار المذلة في طلب ما يفنى، على العز في طلب ما يبقى.
؟وكان يقول: إذا سكن الخوف في القلب لم ينطق اللسان إلا بما يعنيه.
؟وقال بديل بن ميسرة العقيلي: من أراد بعمله وجه الله أقبل الله عليه بوجهه، وأقبل بقلوب العباد إليه، ومن عمل لغير الله صرف الله عنه وجهه وصرف قلوب العباد عنه.
قال أبو يزيد البسطامي: إنّ في الطاعات من الآفات ما لا تحتاجون معه إلى أن تطلبوا المعاصي.
وقال: ما دام العبد يظن أن في الخلق من هو شر منه فهو متكبر.
وقال: من سمع الكلام ليتكلم به مع الناس رزقه الله فهماً يكلم به الناس، ومن سمعه ليعامل الله به رزقه الله فهماً يناجي به ربه.
؟وقال أبو حازم الأعرج: إنّ عوفينا من شر ما أعطينا لم يضرنا فقد ما زوي عما.
قيل لرابعة القيسية: لو كلمنا رجال عشيرتك فاشتروا لك خادماً تكفيك مهنة بيتك، قالت: و الله إني لأستحيي أن أسأل الدنيا من يملكها، فكيف أسألها من لا يملكها؟.
؟دخل ناسك على صاحب له وهو يكيد بنفسه، فقال له: طب نفساً فإنك تلقى رحيماً، قال: أما ذنوبي فأرجو أن يغفرها الله لي، وليس اهتمامي إلا لمن أدع من بناتي، قال له صاحبه: الذي ترجوه لمغفرة ذنوبك فأرجه لحفظ بناتك.
؟قال بكر بن عبد الله: أطفئوا نار الغضب بذكر نار جهنم.
؟قال ابن أبي عدي: صام داوود بن أبي هند أربعين سنة لا يعلم به أهله وكان خرازاً يحمل معه غداءه من عندهم فيتصدق به في الطريق، ويرجع عشاء فيفطر معهم.
قدم سليمان بن عبد الملك المدينة وعمر بن عبد العزيز عامله عليها، قال: فصلى بالناس الظهر، ثم فتح باب المقصورة وقد استند إلى المحراب، واستقبل الناس بوجهه، فنظر إلى صفوان بن سليم الزهري عن غير معرفة، فقال: يا عمر من هذا ؟ما رأيت سمتاً احسن منه، قال: يا أمير المؤمنين هذا صفوان بن سليم، قال: يا غلام كيس فيه خمسمائة دينار، فأتي به فقال لخادمه: ترى هذا الرجل القائم يصلي؟فوصفه للغلام حتى أثبته، قال: فخرج الغلام بالكيس حتى جلس إلى صفوان، فلما نظر صفوان إليه ركع وسجد ثم سلم، فأقبل عليه وقال: ما حاجتك؟قال: أمرني أمير المؤمنين، وهو ذا ينظر إليك وإلي، أن ادفع هذا الكيس، ويقول لك: استعن بهذه على زمانك وعلى عيالك، فقال صفوان للغلام: ليس أنا الذي أرسلت إليه، قال الغلام، ألست صفوان بن سليم قال بلى أنا صفوان بن سليم قال إليك أرسلت ؟قال: اذهب فاستثبت فإذا أثبت فهلم، فقال الغلام: أمسك الكيس معك وأذهب أنا، قال: لا إذا أمسكت فقد أخذت، ولكن اذهب واستثبت وأنا ها هنا جالس، فولى الغلام، وأخذ صفوان نعليه وخرج، فلم ير بها حتى خرج سليمان من المدينة.
؟وكان أبو مسلم الخولاني يقول: كان الناس ورقاً لا شوك فيه، وأنتم اليوم شوك لا ورق فيه.
؟قال أبو حازم سلمة بن دينار: عند تصحيح الضمائر تغفر الكبائر، وإذا عزم العبد على ترك الآثام أتته الفتوح.
؟وقال: كل نعمة لا تقرب من الله فهي بلية.
وقال: قاتل هواك كما تقاتل عدوك.
؟وقيل له: ما مالك ؟قال: ثقتي بالله ويأسي مما في أيدي الناس.
؟وقال: قليل الدنيا يشغل عن كثير الآخرة، وإنّ كثيرها ينسيك قليلها، وإن كنت تطلب الدنيا ما يكفيك فأدنى ما فيها يجزيك، وإن كنت لا يغينك ما يكفيك فليس فيها شيء يغنيك.
؟ودخل سليمان بن عبد الملك المدينة حاجاً فقال: هل بها أحد أدرك عدة من الصحابة ؟قيل: نعم أبو حازم، فأرسل إليه، فلما أتاه قال: يا أبا حازم ما هذا الجفاء ؟

قال: وأي جفاء رأيت مني يا أمير المؤمنين ؟قال: وجوه الناس أتوني ولم تأتني، قال: والله ما عرفتني قبل يومي هذا ولا أنا رأيتك فأي جفاء رأيت مني ؟فالتفت سليمان إلى الزهري فقال: أصاب الشيخ وأخطأت أنا، ثم قال: يا أبا حازم ما لنا نكره الموت ؟ قال: عمرتم الدنيا وخربتم الآخرة، فتكرهون الخروج من العمران إلى الخراب . قال: صدقت يا أبا حازم، ليت شعري ما لنا عند الله غداً ؟ قال: اعرض عملك على كتاب الله عز وجل، قال: أين أجده في كتاب الله ؟ قال الله: ( إن الأبرار لفي نعيم، و إنّ الفجار لفي جحيم ) (الإنفطار: 13 - 14)، قال سليمان: فأين رحمة الله ؟قال: (قريب من المحسنين )(الأعراف: 56) قال سليمان: ليت شعري كيف العرض على الله غداً ؟ قال أبو حازم: أما المحسن كالغائب يقدم على أهله، وأما المسيء كالآبق يقدم به على مولاه، فبكى سليمان حتى علا نحيبه واشتد بكاؤه، وقال: يا أبا حازم كيف لنا أن نصلح ؟ قال: تدعون عنكم الصلف، وتقسمون بالسوية وتعدلون في القضية، قال: وكيف المأخذ من ذلك ؟ قال: تأخذه بحقه وتضعه لحقه في أهله، قال: يا أبا حازم من أفضل الخلائق ؟ قال: أولو المروءة والنهى، قال: فما أعدل العدل ؟قال: كلمة صدق عند من ترجوه أو تخافه، قال: فما أسرع الدعاء إجابة ؟ قال: دعاء المحسن للمحسن، قال: فما أفضل الصدقة؟ قال: جهد المقل إلى البائس الفقير لا يتبعها منّ ولا أذى، قال: يا أبا حازم من أكيس الناس ؟ قال: رجل ظفر بطاعة الله فعمل بها ثم دل الناس عليها، قال: فمن أحمق الناس ؟ قال: رجل اغتاظ في هوى أخيه وهو ظالم، فباع آخرته بدنياه، قال: يا أبا حازم هل لك أن تصحبنا وتصيب منا ونصيب منك ؟ قال: كلا، قال: ولم قال: إني أخاف أن أركن إليكم شيئاً قليلاً فيذيقني الله ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تكون لي منه نصيراً، قال: يا أبا حازم ارفع إلي حاجتك، قال: نعم تدخلني الجنة وتخرجني من النار، قال ليس ذلك إلي، قال: فما لي حاجة سواها، قال: يا أبا حازم فادع الله لي، قال: نعم، اللهم إن كان سليمان من أوليائك فيسره لخير الدنيا والآخرة، وإن كان من أعدائك فخذ بناصيته إلى ما تحب وترضى، قال سليمان: عظني، قال: قد أكثرت إن كنت من أهله، وإن لم تكن من أهله فماذا حاجتك أن ترمي على قوس ليس لها وتر، قال سليمان: يا أبا حازم ما تقول فيما نحن فيه ؟قال: أوتعفيني يا أمير المؤمنين، قال: بل نصيحة تلقيها إلي، قال: إن آباءك غصبوا الناس هذا الأمر عنوة بالسيف عن غير مشورة ولا إجماع من الناس، وقد قتلوا فيه مقتلة عظيمة وارتحلوا، فلو شعرت ما قالوا وقيل لهم، فقال رجل من جلساء سليمان: بئس ما قلت، قال أبو حازم: كذبت، إنّ الله أخذ على العلماء الميثاق ليبيننه للناس ولا يكتمونه.قال: يا أبا حازم أوصني، قال: نعم أوصيك وأوجز، نزه الله وعظمه أن يراك حيث نهاك أو يفقدك حيث أمرك، ثم قام، فلما ولى قال: يا أبا حازم هذه مائة أنفقها ولك عندي أمثالها كثير، فرمى بها وقال: ما أرضاها لك فكيف أرضاها لنفسي، إنّي أعيذك بالله أن يكون سؤالك إياي هزلاً وردي عليك بذلاً، إن موسى بن عمران عليه السلام لما ورد ماء مدين: ( قال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير ) (القصص: 24) فسأل موسى ربه ولم يسأل الناس، ففطنت الجاريتان ولم يفطن الرعاء لما فطنتا له، فأتتا أباهما، وهو شعيب عليه السلام، فأخبرتاه خبره، قال شعيب: ينبغي أن يكون هذا جائعاً، ثم قال لأحداهما: اذهبي ادعيه، فلما أتته أعظمته وغطت وجهها ثم قالت: ( إنّ إبي يدعوك ليجزيك ) فلما قالت: ليجزيك (أجر ما سقيت لنا) (القصص: 25) كره موسى عليه السلام ذلك، وأراد أن لا يتبعها ولم يجد بدّاً من أن يتبعها لأنه كان في أرض مسبعة وخوف، فخرج معها وكانت امرأة ذات عجز، وكانت الرياح تضرب ثوبها فتصف لموسى عليه السلام عجزها فيغض مرة ويعرض أخرى، فقال: يا أمة الله كوني خلفي، فدخل إلى شعيب والعشاء مهيأ، فقال: كل، فقال موسى: لا، قال شعيب: ألست جائعاً ؟ قال: بلى ولكنني أنا من أهل بيت لا نبيع شيئاً من عمل الآخرة بملء الأرض ذهباً، وأخشى أن يكون هذا أجر ما سقيت لهما. قال شعيب لا يا شاب، ولكن هذا عادتي وعادة آبائي، قرى الضيف وإطعام الطعام، قال: فجلس موسى فأكل، فإن كانت هذه المائة دينار عوضاً مما قد حدثتك فالميتة والدم ولحم الخنزير في

حال الإضطرار أحل منه وإن كانت من مال المسلمين فلي فيها شركاء ونظراء إن وازيتهم وإلا فلا حاجة لي فيها . إنّ بني اسرائيل لم يزالوا على الهدى والتقى، حيث كان أمراؤهم يأتون إلى علمائهم رغبة في علمهم، فلما نكسوا وتعسوا وسقطوا من عين الله وآمنوا بالجبت والطاغوت، كان علماؤهم يأتون إلى أمرائهم، وشاركوهم في دنياهم وشركوا معهم في فتنتهم. قال ابن شهاب: يا أبا حازم، وإياي تعني أو بي تعرض، قال: ما إياك اعتمدت، ولكن هو ما تسمع، قال سليمان: يا ابن شهاب تعرفه ؟ قال: نعم جاري منذ ثلاثين سنة ما كلمته كلمة واحدة قط، قال أبو حازم: إنّك نسيت الله فنسيتني، ولو أحببت الله لأحببتني، قال ابن شهاب: يا أبا حازم تشتمني ؟ قال سليمان: ما شتمك ولكن أنت شتمت نفسك، أما علمت أن للجار على الجار حقاً كحق القرابة ؟ فلما ذهب أبو حازم قال رجل من جلساء سليمان: يا أمير المؤمنين تحب أن يكون الناس كلهم مثل أبي حازم ؟ قال: لا.ال الإضطرار أحل منه وإن كانت من مال المسلمين فلي فيها شركاء ونظراء إن وازيتهم وإلا فلا حاجة لي فيها . إنّ بني اسرائيل لم يزالوا على الهدى والتقى، حيث كان أمراؤهم يأتون إلى علمائهم رغبة في علمهم، فلما نكسوا وتعسوا وسقطوا من عين الله وآمنوا بالجبت والطاغوت، كان علماؤهم يأتون إلى أمرائهم، وشاركوهم في دنياهم وشركوا معهم في فتنتهم. قال ابن شهاب: يا أبا حازم، وإياي تعني أو بي تعرض، قال: ما إياك اعتمدت، ولكن هو ما تسمع، قال سليمان: يا ابن شهاب تعرفه ؟ قال: نعم جاري منذ ثلاثين سنة ما كلمته كلمة واحدة قط، قال أبو حازم: إنّك نسيت الله فنسيتني، ولو أحببت الله لأحببتني، قال ابن شهاب: يا أبا حازم تشتمني ؟ قال سليمان: ما شتمك ولكن أنت شتمت نفسك، أما علمت أن للجار على الجار حقاً كحق القرابة ؟ فلما ذهب أبو حازم قال رجل من جلساء سليمان: يا أمير المؤمنين تحب أن يكون الناس كلهم مثل أبي حازم ؟ قال: لا.
جاء ابن لسليمان بن عبد الملك حتى جلس إلى جنب طاووس ابن كيسان، فلم يلتفت إليه فقيل له: جلس إليك ابن أمير المؤمنين فلم تلتفت إليه، فقال: أردت أن يعلم أن لله عباداً يزهدون فيما في يديه.
؟قال مورق العجلي: ضاحك معترف بذنبه خير من باك مدل على ربه.
؟استقبل عامر بن عبد قيس رجل في يوم حلبة، فقال: من سبق يا شيخ ؟ قال: المقربون.؟قال محمد بن واسع: ما آسى من الدنيا إلا على ثلاث، بلغة من عيش ليس لأحد علي فيها منة ولا لله علي فيها تبعة، وصلاة جماعة أكفى سهوها ويذخر لي أجرها، وأخ إذا ما اعوججت قومني.
؟قال مكحول: إن كان في الجماعة الفضيلة، فإنَّ في العزلة السلامة.
قال واصل بن عطاء: المؤمن إذا جاع صبر وإذا شبع شكر.
؟قال الحسن: إنكم ما تنالون ما تحبون إلا بترك ما تشتهون، ولا تدركون ما تأملون إلا بالصبر على ما تكرهون.
؟وقال: إنّ أهل الدنيا وإن دقدقت بهم الهماليج ووطئ الناس أعقابهم، فإنَّ ذل المعصية في قلوبهم.
؟وقال: لا تزول قدما ابن آدم حتى يسأل عن ثلاث: شبابه فيم ابلاه، وعمره فيم أفناه، وماله فيم أنفقه ومن أين اكتسبه.
؟قال محمد بن عمرو بن علقمة: سمعت عمر بن عبد العزيز يخطب الناس وهو يقول: ما أنعم الله على عبد بنعمة فانتزعها منه فعاضه في ذلك الصبر إلا كان ما عاضه الله أفضل مما نزع، ثم قرأ: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب )(الزمر: 10).
؟وكتب عمر إلى الجراح بن عبد الله الحكمي، وهو عامله: إنّ استطعت أن تترك مما أحل الله لك ما يكون حاجزاً بينك وبين ما حرم الله فافعل، فإنه من استوعب الحلال كله تاقت نفسه إلى الحرام.
؟وقال عمر لخالد بن صفوان: عظني وأوجز، فقال خالد: يا أمير المؤمنين إنّ أقواماً غرهم ستر الله وفتنهم حسن الثناء فلا يغلبنك جهل غيرك بك علمك بنفسك، أعاذنا الله وإياك أن نكون بالستر مغرورين، وبثناء الناس مسرورين، وعما افترض الله تعالى متخلفين ومقصرين، وإلى الأهواء مائلين، فبكى ثم قال: أعاذنا الله وإياك من اتباع الهوى.
؟قال جحدر بن ربيعة العكلي:
إذا انقطعت دنيا الفتى وأجنه ... من الأرض رمس ذو تراب وجندل
رأى أنما الدنيا غرور وأنما ... ثواب الفتى في صبره والتوكل
؟وقال الأخطل:

و الناس همهم الحياة ولا أرى ... طول الحياة يزيد غير خبال
و إذا افتقرت إلى الذخائر لم تجد ... ذخراً يكون كصالح الأعمال
؟وقال آخر:
يعلل والأيام تنقص عمره ... كما تنقص النيران من طرف الزند
؟وقال آخر:
لكل أناس مقبر بفنائهم ... فهم ينقصون والقبور تزيد
هم جيرة الأحياء أما محلهم ... فدان ولكن اللقاء بعيد
؟وقال بشار:
كيف يبكي لمحبس في طلول ... من يبكي لحبس يوم طويل
إن في البعث والحساب لشغلاً ... عن وقوف برسم دار محيل
؟وقال آخر:
كل امرئ مصبح في أهله ... و الموت أدنى من شراك نعله
؟وقال عروة بن أذينة: (من الوافر).
نراع إذا الجنائز قابلتنا ... ويحزننا بكاء الباكيات
كروعة ثلة لمغار سبع ... فلما غاب عادت راتعات
؟وكان محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه من زهاد الفقهاء، روي عنه أنه قال: ما حلفت بالله قط لا صادقاً ولا كاذباً.
و روي عنه أنه كان يقسم الليل ثلاثة أجزاء: ثلث للعلم، وثلث للصلاة، وثلث للنوم.
؟أما أبو حنيفة فكان يحيي نصف الليل، فلم يزل ذلك بعد يحيي كل الليل، وقال: أنا أستحيي من الله أن أوصف بما ليس في من عبادته.
؟وقال الربيع: كان الشافعي يختم القرآن في شهر رمضان ستين مرة كل ذلك في الصلاة.
؟وقال الشافعي: ما شبعت منذ ستة عشرة سنة، لأن الشبع يثقل البدن، ويزيل الفطنة، ويجلب النوم، ويضعف صاحبه عن العبادة.
؟وسئل عن مسئلة فسكت فقيل له: ألاتجيب رحمك الله ؟ فقال: حتى أدري الفضل في سكوتي أو في الجواب.
؟وروي عن عبد الله بن عمر بن محمد البلوي قال: كنت أنا وعمر بن نباتة جلوساً نتذاكر العباد والزهاد فقال لي عمر: ما رأيت أروع ولا أفصح من محمد بن إدريس الشافعي، خرجت أنا وهو والحارث بن لبيد إلى الصفا، وكان الحارث تلميذاً لصالح المري، فافتتح يقرأ وكان حسن الصوت، فقرأ: (هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن لهم فيعتذرون) (المرسلات: 35 - 36) فرأيت الشافعي وقد تغير لونه واقشعر جلده، فاضطرب اضطراباً شديداً وخر مغشياً عليه، فلما أفاق جعل يقول: أعوذ بك من مقام الكذابين، وإعراض الغافلين، الهم لك خضعت قلوب العارفين، وذلت هيبة المشتاقين، إلهي هب لي جودك وجللني بسترك، واعف عن تقصيري بكرم وجهك، قال: ثم قمنا وانصرفنا، فلما دخلت بغداد، وكان هو بالعراق، فقعدت على الشط أتوضأ للصلاة إذ مر بي رجل فقال لي: يا غلام أحسن وضوءك أحسن الله إليك في الدنيا والآخرة، فالتفت فإذا أنا برجل يتبعه جماعة، فأسرعت في وضوئي وجعلت أقفو أثره، فالتفت إلي فقال: هل لك من حاجة؟فقلت: نعم تعلمني مما علمك الله شيئاً، فقال لي: اعلم أن من صدق الله نجا، ومن أشفق على دينه سلم من الردى، ومن زهد في الدنيا قرت عيناه بما يرى من ثواب الله غداً، أفلا أزيدك؟قلت: بلى، قال: من كان فيه ثلاث خصال فقد استكمل الإيمان: من أمر بالمعروف وائتمر، ونهى عن المنكر وانتهى، وحافظ على حدود الله تعالى، ألا أزيدك؟قلت: بلى، قال: كن في الدنيا زاهداً، وفي الآخرة راغباً، واصدق الله في جميع أمورك تنج مع الناجين، ثم مضى فسألت عنه من هذا؟فقالوا: هوالشافعي.
؟وسئل عن الرياء فقال على البديهة: الراء فتنة عقدها الهوى حيال أبصار قلوب العلماء، فنظروا إليها بسوء اختيار النفوس فأحبطت أعمالهم.
؟قال الشافعي رضي الله عنه أيضاً: إذا خفت على عملك العجب فاذكر رضا من تطلب، وفي أي نعيم ترغب، وأي عقاب ترهب، وأي عا فية تشكر، وأي بلاء تذكر، فإنك إذا فكرت في واحد من هذه الخصال صغر في عينيك عملك.وكان الشافعي ممن يريد بالفقه وجه الله لا السمعة والرئاسة ولذلك قال: وددت أن الناس انتفعوا بهذا العلم وما نسب إلي منه شيء.
؟وقال ما كلمت أحداً قط إلا أحببت أن يوفق ويسدد ويعان ويكون عليه رعاية من الله عزوجل وحفظ، وما كلمت أحد قط وأنا أبالي أن يبين الله الحق على لساني أو على لسانه.
؟وكان أبو حنيفة رضي الله عنه طويل الصمت دائم الفكر قليل المحادثة للناس، وذكر عند ابن المبارك فقال: أتذكرون رجلاً عرضت عليه الدنيا بحذافيرها ففر منها.

؟قال الربيع بن عاصم: أرسلني يزيد بن عمر بن هبيرة فقدمت بأبي حنيفة عليه، فأراده على بيت المال فأبى فضربه عشرين سوطاً.
؟وقيل لأبي حنيفة: قد أمر لك أبو جعفر أمير المؤمنين بعشرة آلاف درهم، قال: ما رضي أبو حنيفة0فلما كان في اليوم الذي توقع أن يؤتى بالمال صلى الصبح ثم تغشى بثوبه فلم يتكلم، فجاء رسول الحسن بن قحطبة بالمال فدخل عليه فلم يكلمه، فقال من حضر: ما يكلمنا إلا بالكلمة بعد الكلمة، أي هذه هي عادته، فقال: ضعوا المال في الجراب في زاوية البيت، ثم أوصى أبو حنيفة بعد ذلك بمتاع بيته، فقال لأبنه: إذا مت فادفنوني، وخذ هذه البدرة واذهب بها إلى الحسن بن قحطبة فقل له: هذه وديعتك التي أودعتها أبا حنيفة، قال ابنه: ففعلت ذلك فقال الحسن: رحمة الله على أبيك لقد كان شحيحاً على دينه.
؟قال حكيم: الدنيا تراد لثلاثة أشياء: العز والغنى والراحة، فمن زهد فيها عز، ومن قنع استغنى، ومن ترك السعي استراح.
؟وقيل للحسن إن أبا ذر كان يقول: الفقر أحب إلي من الغنى والسقم أحب إلي من الصحة0فقال الحسن: رحم الله أبا ذر، أما أنا فأقول: من اتكل على حسن الاختيار من الله لم يتمن أنه في غير الحال التي اختارها الله له.
؟زفت معاذة إلى صلة بن أشيم، فبات ليلة الزفاف يتهجد، فقيل له فقال: أدخلت بيتاً فذكرت النار، يعني الحمام، ذم أدخلت بيتاً فذكرت الجنة يعني بيت العروس، فما زال فكري فيهما حتى أصبحت.
؟كان عبد الله بن مرزوق من ندماء المهدي، فسكر يوماً ففاتته الصلاة، فجاءته جارية بمجمرة فوضعتها على رجله، فانتبه مذعوراً، فقالت: لم تصبر على نار الدنيا فكيف تصنع بنار الآخرة؟فقام وقضى الصلاة وتصدق بما معه وذهب يبيع البقل، فدخل عليه فضيل بن عياض وابن عيينة فإذا تحت رأسه لبنة وما تحت جنبه شيء فقالا: إنه لم يدع أحد شيئاً إلا عوضه الله منه بدلاً، فما عوضك ما تركت له؟قال: الرضا بما أنا فيه0قال سفيان ابن عيينة: ما من عملي شيء أرجى عندي من بغض هؤلاء، قال الفضيل: رجل لا يخالط هؤلاء ولا يزيد على المكتوبة أفضل عندنا من رجل يقوم الليل ويصوم النهار ويحج ويعتمر ويجاهد في سبيل الله ويخالطهم.
؟صحب رجل الربيع بن خثيم فقال: إني لأرى الربيع لم يتكلم منذ عشرين سنة إلا بكلمة تصعد، وكان لا يتكلم كلمة في الفتنة، فلما قتل الحسين قالوا ليتكلمن اليوم، فقالوا: يا أبا يزيد قتل الحسين فقال: أوقد فعلوا: (اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون) (الزمر: 46)ثم سكت.
؟كان وكيع يقول: ما خطوت للدنيا منذ أربعين سنة، ولا سمعت حديثاً قط فنسيته، قيل وكيف ذاك؟قال: لأني لا أسمع شيئاً إلا عملت به.
؟وكان يزيد بن أبان الرقاشي من أصحاب الحسن وأنس يبكي عامة ليله ونهاره حتى سقطت أشفار عينيه، فقال له ابنه: لو خلقت النار لأجلك ما زدت ما تصنع، فقال: هل خلقت النار إلا لي ولأمثالي.
؟حاك مجمع التيمي ثوباً قد تنوق فيه فباعه فرد عليه بعيب فبكى، فقال له المشتري: لا تبك فقد رضيت به، فقال: ما أبكاني إلا أني تنوقت فيه فرد بالعيب، فأخاف أن يرد علي عملي الذي عملته في أربعين سنة.
؟كان عمر بن حبيب إذا فرغ من تهجده قال: الرواح الرواح، السباق السباق، سبقتم إلى الماء والظل، من يسبق إلى الماء يظمأ، ومن يسبق إلى الظل يضح.
؟وكان في بستان له مع غلامه فأذن المؤذن فقال الغلام: الله أكبر الله أكبر، فقال: سبقتني إليها، أنت حر ولك هذه النخلة.
؟قال جعفر بن عبد القادر المقدسي: سألت جعيلا عن حد الزهد؟فقال: استصغار الدنيا، فلما وليت دعاني فقال: بل هو محو الدنيا من القلب.
؟قال سكين بن موسى: كنت مجاوراً بمكة، وكان فيها مجنون ينطق بفنون الحكمة، فقلت: أين تأوي بالليل؟فقال: إلى دار الغرباء، قلت: ما أعرف بمكة دار الغرباء، قال: سكني تلك المقابر، قلت: ما تستوحش في الليل وظلمته؟قال: إذا ذكرت القبر ووحشته هان علي الليل وظلمته.
؟قيل: الزهادة في الدنيا قصر الأمل، لا أكل الغليظ ولا لبس السمل.
؟قيل للحسن: ما الحج المبرور؟فقال: أن ترجع زاهداً في الدنيا راغباً في الآخرة.
؟وكان يقول: من ساءته خطيئة ولم يستغفر غفر له.

؟كان مالك بن دينار يمر بالسوق فيرى ما يشتهيه فيقول: يا نفس اصبري، ما أحرمك ما تريدين إلا لكرامتك علي.
؟وقال له جار له في مرضه: ما تشتهي؟قال: إنّ نفسي لتنازعني إلى شيء منذ أربعين سنة، رغيف أبيض ولبن في زجاج، فأتاه به فجعل ينظر إليه ثم يقول: دافعت شهوتي عمري كله، حتى إذا لم يبق من عمري إلا مثل ظمء الحمار آخذها؟انظروا يتيم آل فلان فادفعوه إليه، ومات بشهوته.
؟قال الثوري: إذا مررت بدورهم، يعني السلاطين، فلا تنظر إليها فإنما بنوها لينظر إليها، ثم تلا قوله تعالى: (و لا تمدن عينيك) (الحجر: 88)الآية.
؟قبل سعيد بن المسيب من مال الخمس من السلطان ولم يقبله الثوري، وقال: إني لأعلم أنه حلال لي ولكن أكره أن يقع لهم في قلبي مودة.
؟وقيل له: لو دخلت عليهم وتحفظت، قال: أفتأمرونني أن أسبح في البحر ولا تبتل ثيابي؟ ؟محمد بن هانىء:
وما الناس إلا ظاعن ومودع ... وثاو قريح الجفن يبكي لراحل
فهل هذه الأيام إلا كما خلا ... وهل نحن إلا كالقرون الأوائل
نساق من الدنيا إلى غير دائم ... ونبكي من الدنيا على غير طائل
فما عاجل نرجوه إلا كآجل ... وما آجل نخشاه إلا كعاجل
نظر سريع الأهوازي إلى شاب من أولاد الملوك وهو يتوقى في الأطعمة ويتقي الحر والبرد، فقال له: يا ابن أخي، لم تفعل هذا؟قال: أخاف الموت، قال: فاحذر أن تصير إلى دار تتمنى فيها الموت فلا تقدر عليه.
؟وكتب رجل إلى عبد الله بن الزبير لما دعا إلى الخلافة يعظه: أما بعد، فإن للتقوى في أهلها علامات يعرفون بها ويعرفون بها أنفسهم: من صبر على البلاء، ورضي بالقضاء، وشكر النعمة، وذل لحكم القرآن، وإنما الإمام كالسوق يحمل إليها ما زكا فيها، فمن كان من أهل الحق أتاه أهل الحق بحقهم، ومن كان من اهل الباطل أتاه أهل الباطل بباطلهم، فانظر أي الإمامين أنت.
ولما احتضر معاوية جعلوا يقلبونه فقال: إنكم تقلبون حولاً قلباً إنّ نجا من عذاب الله، ثم قال:
إنّ تعذب يكن عذابك يا رب ... غراماً لا طوق لي بالعذاب
أو تجاوز فأنت أهل لعفو ... عن مسيء ذنوبه كالتراب
؟ولما احتضر المنصور قال: يا ربيع بعنا الآخرة بنومة.
وقال الرشيد عند موته: واحيائي من رسول الله صلّى الله عليه وسلم.
وقال المأمون لما احتضر: يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه.
وروي أن عبد الملك قال حين ثقل، ورأى غسالاً يلوي ثوباً بيده: وددت أني كنت غسالاً لا أعيش إلا بما أكسب يوماً بيوم0فذكر ذلك لأبي حازم فقال: الحمد لله الذي جعلهم عند الموت يتمنون ما نحن فيه، و لا نتمنى عند الموت ما هم فيه.
وروي أيضاً أنه قال عند موته، و أشار إلى الدنيا: إنّ طويلك لقصير، وإن كثيرك لقليل وإنّ كنا منك افي غرور.
و نظر هشام بن عبد الملك لما احتضر إلى بنيه وهم يبكون عليه فقال: جاد هشام لكم بالدنيا وجدتم له بالبكاء، وترك لكم ما جمع، وتركتم عليه ما كسب، ما أعظم منقلب هشام إنّ لم يغفر الله له.
و أنشد لأبي العتاهية ويروى لأبي نواس:
والموت لا يخفى على أحد ... ممن أرى وكأنه يخفى
ولقد مررت على القبور فما ... ميزت بين العبد والمولى
وقال سليمان بن الوليد:
رب مغروس يعاش به ... عدمته كف مغترسه
وكذاك الدهر مأتمه ... أقرب الأشياء من عرسه

من كلام سفيان الثوري فيما أوصى به علي بن الحسين السلمي: عليك بالصدق في المواطن كلها، وإياك والكذب والخيانة ومجالسة أصحابها، فإنها وزر كله، و إياك يا أخي والرياء في القول والعمل، فإنه شرك بعينه، وإياك والعجب فإن العمل الصالح لا يرفع وفيه عجب، ولا تأخذن دينك إلا ممن هو مشفق على دينه، فإن مثل الذي هو غير مشفق على دينه كمثل طبيب به داء لا يستطيع أن يعالج داء نفسه وينصح لنفسه، كيف يعالج داء الناس وينصح لهم؟فهذا الذي لا يشفق على دينه كيف يشفق على دينك؟وليكن جليسك من يزهدك في الدنيا ويرغبك في الآخرة، وإياك ومجالسة الذين يخوضون في حديث الدنيا فإنهم يفسدون عليك دينك وقلبك، وأكثر ذكر الموت، وأكثر الاستغفار مما قد سلف من ذنوبك، وسل الله السلامة لما بقي من عمرك، وانصح لكل مؤمن إذا سألك في أمر دينه، وإياك أن تخوض مؤمناً فمن خان مؤمناً فقد خان الله ورسوله.
و إذا أحببت أخاك في الله فابذل له نفسك ومالك، وإياك والخصومات والجدل والمراء فإنك تصير ظلوماً خواناً أثيماً، وعليك بالصبر في المواطن كلها، وإياك والحدة والغضب فإنهما يجران إلى الفجور، والفجور يجر إلى النار، ولا تمارين عالماً فيمقتك، وإنّ الاختلاف إلى العلماء رحمة والانقطاع عنهم سخط الرحمن0 ودع كثيراً مما يريبك إلى مالا يريبك تكن سليماًَ، وأمر بالمعروف وأنه عن المنكر تكن حبيب الله، وأقلل الفرح والضحك بما تصيب من الدنيا تزدد قوة عند الله، واعمل لآخرتك يكفك الله أمر دنياك، وأحسن سريرتك يحسن الله علانيتك، وإذا هممت بأمر من أمر الآخرة فشمر إليها وأسرع من قبل أن يحول بينك وبينها الشيطان0 كن طاهر القلب، نقي الجسد من الذنوب والخطايا، نقي اليدين من المظالم، سليم القلب من الغش والمكر والخيانة، خالي البطن من الحرام، فإنه لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت، كف بصرك عن الناس 0لا تمشين لغير حاجة0 أقل العثرة، وأقبل المعذرة، ولا تبغض أحداً ممن يطيع الله0صل من قطعك وصل رحمك، وتجاوز عمن ظلمك تكن رفيق الأنبياء والشهداء، وأقل دخول السوق فإنهم ذئاب عليهم ثياب وفيها مردة الشياطين من الجن والإنس، وإذا دخلتها لزمك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنك لا ترى فيها إلا منكراً، فقم على طرقها فقل: " أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيي ويميت، بيده الخير كله، وهو على كل شيء قدير ولا حول ولا قوة وإلا بالله العلي العظيم " ، فقد بلغنا أنه يكتب لقائلها بكل من في السوق، عجمي أو فصيح، عشر حسنات، ولا تجلس فيها، واقض حاجتك وأنت قائم يسلم لك دينك، وإياك أن يفارقك الدسم فإنه أتم لعقلك، ولا تمنعن نفسك من الحلاوة فإنها تزيد في الحلم، وعليك باللحم ولا تدم عليه ولا تدعه أربعين يوماً فإنه يسيء خلقك، وعليك بالعدس فإنه يغزر الدموع ويرق القلب، وعليك باللباس الخشن تجد حلاوة الإيمان 0وعليك بقلة الأكل تملك سهر الليل، وعليك بالصوم فإنه يسد عنك باب الفجور ويفتح عليك باب العبادة، وعليك بقلة الكلام يلن قلبك، وعليك بطول الصمت تملك الورع0 ولا تكونن حريصاً على الدنيا، ولا حاسداً، ولا تكن طعاناً تنج من ألسنة الناس، وكن رحيماً تكن محبباً إلى الناس، وارض بما قسم الله تكن غنياً، وتوكل على الله تكن قوياً، ولا تنازع أهل الدنيا في دنياهم يحبك الله ويحبك أهل الأرض، وكن متواضعاً تستكمل أعمال البر 0ولا تدع أيامك ولياليك وساعاتك تمر عليك باطلاً، وعليك بذكر الموت يهون الله عليك أمر الدنيا.اشتق إلى الجنة يوفق الله لك الطاعة وأشفق من النار يهون الله عليك المصائب، ولا تحقرن شيئاً من المعروف0 انظر يا أخي أن يكون أول أمرك تقوى الله في السر والعلانية، واخش خشية من قد علم أنه ميت ومبعوث ثم الحشر ثم الوقوف بين يدي الجبار عزوجل، ومحاسب بعملك ثم المصير إلى إحدى الدارين: إما إلى جنة ناعمة خالدة، وإما إلى نار فيها ألوان العذاب مع خلود لا موت فيه، وارج رجاء من يعلم أنه يعفو أو يعاقب.
؟يقال إنه كان في عضد بزرجمهر مكتوب: إن كانت الحظوظ بالجدود فما الحرص؟و إن كانت الأشياء غير دائمة فما السرور؟و إن كانت الدنيا غرارة فما الطمأنينة؟

روى عمر البناء البغدادي قال: لما كانت محنة غلام الخليل ونسب الصوفية إلى الزندقة أمر الخليفة بالقبض عليهم، فأخذ فيهم أبو الحسين أحمد بن محمد المعروف بالنوري، وكان صوفياً متكلماً، فأدخلوا على الخليفة فأمر بضرب أعناقهم، فتقدم النوري مبتدراً إلى السياف ليضرب عنقه، فقال له: ما دعاك إلى الابتدار إلى القتل من بين أصحابك؟فقال: آثرت حياتهم على حياتي هذه اللحظة، فتوقف السياف والحاضرون عن قتله، ورفع أمرهم إلى الخليفة، فردهم إلى قاضي القضاة، وهو يومئذ إسماعيل بن اسحاق، فسأل النوري عن مسائل في العبادات من الطهارة والصلوات فأجابه، ثم قال: وبعد هذا لله عباد يسمعون بالله، وينطقون بالله، ويصدرون بالله، ويوردون بالله، ويأكلون بالله، ويلبسون بالله، فلما سمع إسماعيل كلامه بكى بكاء طويلاً، ثم دخل على الخليفة فقال: إنّ كان هؤلاء زنادقة فليس في الأرض موحد، فأمر بتخليتهم، و سأله السلطان يومئذ من أين تأكلون؟قال: لسنا نعرف الأسباب التي تستجلب بها الأرزاق، نحن قوم مدبرون.
؟قال يزيد بن الصقيل العقيلي، وكان لصاً فتاب:
و إنّ امرءاً ينجو من النار بعدما ... تزود من أعمالها لسعيد
إذا ما المنايا أخطأتك وصادفت ... حميمك فاعلم أنها ستعود
؟وقال الحسين بن مطير الأسدي:
وقد تخدع النيا فيمسي غنيها ... فقيراً ويغنى بعد بؤس فقيرها
فلا تقرب الأمر الحرام فإنه ... حلاوته تفنى ويبقى مريرها
وكم قد رأينا من تكدر عيشة ... وأخرى صفا بعد اكدارار غديرها
وكم طامع في حاجة لا ينالها ... ومن آيس منها أتاه يسيرها

كعب بن زهير:
لو كنت أعجب من شيء لأعجبني ... سعي الفتىوهو مخبوء له القدر
يسعى الفتى لأمر ليس يدركها ... فالنفس واحدة والهم منتشرو
المرء ما عاش ممدود له أمل ... لا تنتهي العين حتى ينتهي الأثر
ويروى مجمو له القدر، أي مجموع من قولك جممت الناء في الحوض إذا جمعته.
وقال آخر:
و من يحمد الدنيا لعيش يسره ... فسوف لعمري عن قليل يلومها
إذا أدبرت كانت على المرء حسرة ... و إنّ أقبلت كانت كثيراً همومها
وقال آخر:
إنّ المساواة للمسرة موعد ... أختان رهن للعيشة أو غد
فإذا سمعت بهالك فتيقنن ... أن السبيل سبيله فتزود
قال المسيب بن واضح: صحبت ابن المبارك مقدمه من الحج فقال لي يا مسيب: ما أتى فساد العامة إلا من قبل الخاصة، قلت: وكيف ذاك رحمك الله ؟قال لأن أمة محمد صلّى الله عليه وسلم على طبقات خمس: فالطبقة الأولى هم الزهاد، والثانية العلماء، والثالثة الغزاة، والرابعة التجار، والخامسة الولاة0فأما الزهاة فهم ملوك هذه الأمة، و أما العلماء فهم ورثة الأنبياء، وأما الغزاة فهم سيوف الله عزوجل، وأما التجار فهم الأمناء، وأما الولاة فهم الرعاة.
فإذا كان الزاهد طامعاً فالتائب بمن يقتدي؟و إذا كان العالم راغباً فالجاهل بمن يهتدي؟ وإذا كان الغازي مرائياً فمتى يظفر بالعدو؟و إذا كان التاجر خائناً فعلام يؤتمن الخونة؟و إذا كان الراعي ذئباً فالشاة من يحفظها؟ ؟قال عمرو بن عبيد للمنصور في موعظة له طويلة مشهورة: إنّ الله تعالى أعطاك الدنيا بأسرها فاشتر نفسك منه ببعضها، وإنّ هذا الذي أصبح في يديك لو بقي في يدي من كان قبلك لم يصر إليك، فاحذر ليلة تمحض بيوم هو آخر عمرك0 فبكى المنصور وقال له: سل حاجتك؟قال: نعم يا أمير المؤمنين، لا تعطني حتى أسألك، ولا تدعني حتى أجيئك.
قيل لزاهد كيف سخت نفسك عن الدنيا؟قال: أيقنت أني خارج عنها كارهاً فأحببت أن أخرج منها طوعاً.
؟قال الفضيل: يا رب إني أستحيي أن أقول توكلت عليك، لو توكلت عليك لما خفت ولا رجوت غيرك.
؟وسئل الفضيل عن الزهد فقال: هو حرفان في كتاب الله عزوجل: (لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم) (الحديد: 23).
؟وقف أعرابي على قبر هشام، وخادم له يقول: ما لقينا بعدك؟فقال: إيهاً عليك، أما إنه لو نشر لأخبرك أنه لقي أشد مما لقيتم.
؟قال مطرف: لأن يسألني ربي ألا فعلت، أحب إلي من أن يسألني لم فعلت.

؟وقف بعضهم على قبر بعض الجبابرة فقال: أيها الجبار كم نفس قتلتها طلباً للراحة منها أصبحت اليوم وهي أكبر شغلك؟ ؟كان ابن الفضيل يوماً خلف الامام، وسمع سورة الرحمن فجعل يتلوى وأبوه ينادي: أما سمعت قوله: (حور مقصورات في الخيام) (الرحمن: 72)فقال ابنه: يا أبة لكني سمعت(يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام) (الرحمن: 41).
؟دخل لص على بعض الزهاد فلم ير في داره شيئاً فقال له: يا هذا أين متاعك ؟قال: حولته إلى الدار الأخرى.
؟قال بعضهم: رأيت صوفياً بالبادية فقلت له: أين الزاد ؟ فقال: قدمته إلى المعاد.
؟ودخل قوم منزل عابد فلم يجدوا شيئاً يقعدون عليه، فلما خرجوا قال لهم: لو كانت دار مقام لاتخذنا لها أثاثاً.
؟قال ابن السماك: خف الله كأنك لم تطعه، وارج الله تعالى كأنك لم تعصه.
؟وقال آخر: ابن آدم مالك تأسف على مفقود لا يرده عليك الفوت، وتفرح بموجود لا يتركه في يديك الموت ؟.
؟كتب آخر على عابد: بلغني تفرغك للعبادة، فما سبب المعاش ؟ فكتب إليه: (يا بطال، يبلغك عني أنني منقطع إلى الله وتسألني عن المعاش؟.
؟قال سفيان: إذا أردت أن تعرف الدنيا فانظر عند من هي.
؟وقال آخر: اعمل للدنيا على قدر مكثك فيها وللآخرة كذلك.
؟قال يحيى بن معاذ: الوعد حق الخلق على الله فهو أحق من وفى، والوعيد حقه على الخلق فهو أحق من عفا.
؟قيل لبعضهم: كيف أصبحت ؟ قال: آسفاً على أمسي، كارهاً ليومي، متهماً لغدي.
؟قيل لآخر: لم تركت الدنيا ؟ قال: لأني أمنع من صافيها وأمتنع من كدرها.
؟وقيل لآخر: ما الذي تطلب ؟ قال: الراحة، قيل: فهل وجدتها ؟قال: قد وجدت أني لا أجدها في الدنيا.
؟كان يحيى بن معاذ يقول: يا أيها الناس لا تكونوا ممن يفضحكم يوم موتكم ميراثه، ويوم القيامة ميزانه.
؟وقال آخر: اصبروا عباد الله على عمل لا غنى بكم عن ثوابه، واصبروا عن عمل لا صبر لكم على عقابه.
؟وكان بعض التابعين يقول: أصبحت في أجل منقوص وعمل محفوظ، والموت في رقابنا، والنار من ورائنا، ولا ندري ما يفعل الله بنا.
؟قال أبو حازم: عجباً لقوم يعملون لدار يرحلون عنها كل يوم مرحلة، ويتركون أن يعملوا لدار يرحلون إليها كل يوم مرحلة.
؟قال مطرف بن عبد الله: لا تنظروا إلى خفض عيشهم ولين لباسهم، ولكن انظروا إلى سرعة ظغنهم وسوء منقلبهم.
؟قال قتادة: يعطي الله العبد على نية الآخرة ما شاء من الدنيا، ولا يعطيه على نية الدنيا إلا الدنيا.
؟وقال آخر: إذا ابتليت أن تدخل مع الناس إلى سلطان فإذا أخذوا في الثناء فخذ في الدعاء.
؟كتب ناسك إلى ناسك يستوصفه الدنيا والآخرة فكتب إليه: الدنيا حلم والآخرة يقظة، والمتوسط بينهما الموت، ونحن في أضغاث ننقل إلى أجداث.
؟رأى بعض العباد رجلاً يضرب غلامه فوعظه ونهاه، فقلب السوط، وأخذ يضرب العابد، وتسارع الناس إليه فقال: دعوه فقد أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر وأحتاج الآن أن أصبر على ما أصابني، فبذلك نطق الكتاب.
؟كان معروف الكرخي يقول: ليكن الله عزوجل جليسك وأنيسك وموضع شكواك، فإنَّ الناس لا ينفعون ولا يعطون ولا يحرمون، وإنّ شفاء ما ينزل بك من المصائب كتمانه.
؟بنى ملك في بني اسرائيل مدينة فتأنق في بنائها، ثم صنع للناس طعاماً، ونصب على باب المدينة من سأل عنها، فلم يعبها أحد، إلا ثلاثة نفر عليهم الأكسية، فإنهم قالوا: رأينا عيبين، فسألهم فقالوا: تخرب ويموت صاحبها، فقال: فهل تعلمون داراً تسلم من هذين العيبين ؟قالوا: نعم، الآخرة.فخلى ملكه وتعبد معهم زماناً، ثم ودعهم فقالوا: هل رأيت منا ما تكرهه ؟ قال: لا لكن عرفتموني فأنتم تكرمونني فأصحب من لا يعرفني.
؟قال الحسن: لقد وقذتني كلمة سمعتها من الحجاج، قيل له فإن كلام الحجاج ليقذك ؟ قال: نعم، سمعته يقول على هذه الأعواد: إن امرءاً ذهبت ساعة من عمره في غير ما خلق له لحري أن تطول عليها حسرته.

؟وقال المدائني: حج الحجاج فنزل بعض المياه، ودعا بالغداء فقال لحاجبه: اطلب من يتغدى معي واسأله عن بعض الأمر، فنظر الحاجب فإذا هو بإعرابي في شملتين من شعر نائم، فضربه برجله وقال: إيت الأمير، فأتاه فقال له الحجاج: اغسل يديك للغداء قال: إنه دعاني من هو خير منك فأجبته، قال: من هو ؟ قال: الله تعالى، دعاني إلى الصوم فصمت، قال: أوفي مثل هذا اليوم الحار؟ قال: نعم ليوم هو أحر منه، قال: فافطر وصم غداً، قال: إنّ ضمنت لي بالبقاء، قال: ليس ذلك إلي، قال: فكيف تسألني آجلاً لعاجل لا تقدر عليه ؟ قال: إنه طعام طيب قال: إنك لم تطيبه ولا الخباز ولكن تطيبه العافية.
؟ذكرت الدنيا عند الحسن فقال:
أحلام نوم أو كظل زائل ... إنّ اللبيب بمثلها لا يخدع
؟وكان يتمثل:
اليوم عندك دلها وحديثها ... وغداً لغيرك كفها والمعصم
؟قال عبد الله بن الخارق الشيباني:
كم من مؤمل شيء ليس يدركه ... والمرء يزري به في دهره الأمل
ترجو الثراء وترجو الخلد مجتهداً ... ودون ما ترتجي الأقدار والأجل
؟قال محمد بن الحسين الأسدي:
إذا طمحت إلى أمل وطي ... تعرض دونه أجل قريب
؟قال عبدة بن الطيب:
إنّ الحوادث يخترمن وإنما ... عمر الفتى في أهله مستودع
يسعى ويجمع جاهداً مستهتراً ... جداً وليس بآكل ما يجمع
؟وقال الجراح بن عمرو:
يرجون أيام السلامة والغنى ... وتغتالهم دون الرجاء غوائله
؟روي أن عابداً قدم قرصيه ليتعشى فعرض له سائل فأعطاه أحدهما ثم قال: ما ذاك بمشبعه ولا هذا بمشبعي، ولأن يشبع واحد خير من أن يجوع اثنان، ثم ناوله القرص الآخر فلما نام أتي في منامه، فقيل له: سل حاجتك ؟ فقال: أن يغاث الناس.
؟وكان أبو عمران الجوني يقول: لا يغرنكم من ربكم طول النسيئة وحسن الطلبة فإن أخذه أليم شديد.
؟قال مجاهد في قوله عزوجل: (سيماهم في وجوهكم من أثر السجود) (الفتح: 29) هو الخشوع.
؟قالت أعرابية في الموقف: سبحانك ما أضيق الطريق على من لم تكن دليله، وأوحشه على من لم تكن أنيسه.
؟قيل لأعرابي: كيف أصبحت؟ قال: كيف يصبح من يفنى ببقائه ؟ ؟سمع يحيى بن خالد نوح بن قدامة العدوي ينشد في صفة الدنيا.
حتوفها رصد وشربها رنق ... وعيشها نكد وملكها دول
فقال: لقد انتظم هذا الشعر صفة هذه الغرارة.

الباب الثاني
في الآداب والسياسة الدنيوية
ورسوم الملوك والرعية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله مبدع الأشياء بمتقن فطرته، ومودعها لطائف حكمته، ومصرف الأقدار على مشيئته، ومدبرها بقدرته، خلق خلقه أغياراً وأخيافاً، ورتبهم منازل وأصنافاً، وجعل بعضهم لبعض سخرياً، وفضلهم في الرزق فكانوا فقيراً وغنياً، وأرضى كلا بما قسم فسكنوا إليه متبوعاً وتبعاً، وشرع لهم في دينهم سياسة أمرهم باتباعهم شرعاً، حتى دانت الرعية لملوكها وقادتها، وأعطت طوعاً وكرهاً ذليل مقادتها، فانتظم بذلك فيهم التدبير وتم، وجرى عليهم حكم القضاء فحتم. أحمده على ما بطن من نعمه وظهر وأشكر له على ما أعلن من مواهبه وأشر حمد راض بما سني من فضله ويسر، شاكراً لما عمّ من جوده ونشر، وأستمد منه صدق البصيرة فيما أدبنا به من الأمثال والحكمة، وحسن السريرة فيما ألزمنا به من طاعة الولاة والأئمة، وأسأله الصلاة على نبيه خير البشر، وخاتم الأنبياء والنذر، أقام في أمته سائساً ومدبراً، وداحضاً كيد الكفر وله مدمراً، ومجاهداً في دينه مشمراً، وأوجب عليهم استخلاف قائم من بعده احتياطاً لهم ونظراً، وجمع بذلك أمرهم فلم يجعله هملاً ولا نشراً، وعلى آله وأصحابه، الناطقين برشد الحكم وصوابه.
هذا الباب يشتمل على بدائع الحكم وفوائد الآداب التي نطق بها العلماء والحكماء ضياء للقلوب، وشفاء للألباب، وأصناف السياسة التي هي قوام العالم، وبها انتظام مصالحهم، وما يلزم منها طبقات الناس على اختلافها وتنوعها، وما جاء في ذلك من تمثيل الحكماء وأخبار ولاة الأمور في آدابهم وسياستهم، ومن تلاهم من أتباعهم وغيرهم، وهو ستة فصول: الفصل الأول: فيه الحكم والآداب التي نطق بها الحكماء والعلماء تهذيباً للنفوس، يشترك فيها السائس والمسوس.

الفصل الثاني: فيه السياسة والآداب الملكية، وما يجب عليهم من حقوق الرعية، ويلزمهم من تقيل الأخلاق المرضية.
الفصل الثالث: فيه سياسة وزراء الملوك وأتباع السلطان وآدابهم على اختلافهم.
الفصل الرابع: فيه الآداب والسياسة التي تصلح للجمهور.
الفصل الخامس: أخبار في السياسة والآداب يقتدى بها، وتكون مثالاً لمن طلبها.
الفصل السادس: نوادر تتعلق بهذا الباب على قلتها فيه وبعدها عنه.

مقدمة
قد حوى كتاب الله سبحانه وتعالى من فنون السياسة وأقسامها ما يغني متدبره ويكفي متأمله: كالقصاص الذي جعل الله لنا فيه الحياة، والحدود التي عصم بها الأنفس والأموال والأعراض من تسرع الجناة، والزكاة العائدة بضل الأغنياء على الفقراء، منة منه ليجعلهم فيما أنزل عليهم من رزقه شركاء، وكالطاعة المفترضة على الرعية للرعاة، والمعدلة الموجبة لهم على الولاة، وكحقوق النساء من القسمة والتعديل على الرجال وما يلزمهن لهم من حفظ الفروج ولزوم الحجال، وغير ذلك مما يخرج من هذا الكتاب ولا يليق إيراده به.
وهو بحر الحكمة التي جعلها شفاء للأسقام والأوصاب، وجلاءً للأفهام والألباب، لا يدرك قراره، ولا تحصى آثاره0فمن الآيات التي فيها أدب يتبع قوله عزوجل: (يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر واصبر على ما أصابك إنّ ذلك من عزم الأمور، ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحاً إنّ الله لا يحب كل مختال فخور، واقصد في مشيك واغضض من صوتك إنّ أنكر الأصوات لصوت الحمير) (لقمان: 17 - 19). وقوله عزوجل: ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط). (الإسراء: 29).(يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً) (الحجرات: 12).(يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوماً غضب الله عليهم) (الممتحنة: 13).(يا أيها الذين آمنوا إنّ جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) (الحجرات: 6).(كل حزب بما لديهم فرحون) (الروم: 32).(إنّ الله لا يحب الفرحين) (القصص: 76).(و إنّ تعدوا نعمة الله لا تحصوها) (النحل: 18)0وتقصي ذلك وترتيبه يخرج الكتاب عن نمطه الموضوع له
الفصل الأول
في الحكم والآداب
التي نطق بها الحكماء والعلماء
؟قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: الحكمة ضالة المؤمن.
؟وقال علي عليه السلام: لكل جواد كبوة، ولكل حكيم هفوة، ولكل نفس ملة فاطلبوا لها طرائف الحكمة.
وقال: الفكر يورث نوراً، والغفلة ظلمة، والجهالة ضلالة.
قال ابن مسعود رضي الله عنه: العلم أكثر من أن يحصى فخذوا من كل شيء أحسنه.
؟وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: انظروا إلى من تحتكم ولا تنظروا إلى من فوقكم.
؟وقال أيضاً صلّى الله عليه وسلم: جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها.
؟ومن كلامه أيضاً: (1) - كرم الرجل دينه ومروءته عقله، وحسبه عمله0(2) - خير الأمور أوساطها0(3) - كل ميسر لما خلق له0(4) - زر غباً تزدد حباً0(5) - الوحدة خير من جليس السوء0(6) - البركة في الحركة0(7) - بلو أرحامكم ولو بسلام0(8) - من كثر سواد قوم فهو منهم0(9) - ما قل وكفى خير مما كثر وألهى0(10) - ليس الغنى كثرة العرض إنما الغنى غنى النفس.
و يقارب هذا المعنى قول علي بن أبي طالب عليه السلام: ليس الخير أن يكثر مالك وولدك، ولكن الخير أن يعظم حلمك ويكثر علمك.
وقال أبو بكر رضي الله عنه: صنائع المعروف تقي مصارع السوء.
؟وقال علي بن أبي طالب عليه السلام: استغن عمن شئت فأنت نظيره، واحتج إلى من شئت فأنت أسيره، وأفضل على من شئت فأنت أميره.
أخذ هذا المعنى الأول الشاعر فقال:
و إذا ما الرجاء أسقط بين النا ... س كلهم أكفاء
؟قال لقمان لأبنه: ثلاثة لا يعرفون إلا في ثلاثة مواطن: لا يعرف الحليم إلا عند الغضب، ولا الشجاع إلا في الحرب إذا لاقى الأقران، ولا أخوك إلا عند حاجتك إليه.
؟قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أحبكم إلينا قبل أن نخبركم أحسنكم صمتاً، فإذا تكلم فأثبتكم منطقاً، فإذا اختبرناكم فأحسنكم فعلاً0(وفي رواية: أحبكم إلينا أحسنكم اسماً، فإذا رأيناكم فأجملكم منظراً، فإذا اختبرناكم فأحسنكم مخبراً).

؟من كلام الجاحظ، وينسب إلى غيره: خير الدنيا والآخرة التقوى والغنى، وشر الدنيا والآخرة الفقر والفجور.
قال الحارث بن أسد المحاسبي: الظالم نادم وإنّ مدحه الناس، والظلوم سالم وإنّ ذمه الناس، والقانع غني وإنّ جاع، والحريص فقير وإنّ ملك.
؟وقال يحيى بن معاذ الرازي: لا يعجبك حلم امرىء حتى يغضب، ولا أمانته حتى يطمع، فإنك لا تدري على أي شقيه يقع.
؟خطب علي عليه السلام يوماً فقال في خطبته: و أعجب ما في الإنسان قلبه، وله مواد في الحكمة وأضداد من خلافها، فإن سنح له الرجاء هاج به الطمع، وإنّ هاج به الطمع أهلكه الحرص، وإنّ ملكه اليأس قتله الأسف، وإنّ عرض له الغضب اشتد به الغيظ، وإنّ أسعد بالرضى نسي التحفظ، وإن ناله الخوف شغله الحزن وإن أصابته مصيبة وقبه الجزع وإنّ أفاد مالا ًأطغاه الغنى، وإنّ عضته فاقة شغله البلاء، وإنّ جهد به الجوع أقعده الضعف، وكل تقصير به مضر، وكان إفراط له مفسد.
؟ومن كلام له عليه السلام: فرض الله تعالى لإيمان تطهيراً من الشرك، والصلاة تنزيها من الكبر، والزكاة سبباً للرزق، والصيام ابتلاء لإخلاص الخلق، والحج تقوية للبدن، والجهاد عزة للإسلام، والأمر بالمعروف مصلحة للعوام، والنهي عن المنكر ردعاً للسفهاء، وصلة الرحم منماة للعدد، والقصاص حقناًَ للدماء، وإقامة الحدود إعظاماً للمحارم، وترك شرب الخمر تحصيناً للعقل، ومجانبة السرقة إيجاباً للعفة، وترك الزنا تصحيحاً للنسب، وترك اللواط تكثيراً للنسل، والشهادات استظهاراً على المجاحدات، وترك الكذب تشريفاً للصدق، والسلام أماناً من المخاوف، والأمانة نظاماً للأمة، والطاعة تعظيماً للإمامة.
وقال أيضاً: صديق الجاهل في تعب.
؟وقال أيضاً: (1) استدل على ما يكن بما قد كان فإن الأمور أشباه0(2) من تعدى الحق ضاق مذهبه0(3) من اقتصر على قدره كان أبقى له0(4) هلك امرؤ لم يعرف قدره0(5) المرء مخبوء تحت لسانه0(6) قيمة كل امرىء ما يحسنه0(7) بقية السيف أبقى عدداً وأكثر ولداً0(8) ربما أخطأ البصير قصده وأصاب الأعمى رشده0(9) قطيعة الجاهل تعدل صلة العاقل0(10) إذا تغير السلطان تغير الزمان0(11) نعم طارد الهم اليقين.
؟قيل لبعض العلماء: من أسوأ الناس حالاً؟قال: من قويت شهوته، وبعدت همته، واتسعت معرفته، وضاقت مقدرته.
قال يحيى بن طالب:
إذا أنت لم تفكر لنفسك خالياً ... أحاط بك المكروه من حيث لا تدري
وقال قيس بن الخطيم:
و إني لأغنى الناس عن متكلف ... يرى الناس ضلالاً وليس بمهتد
وما المال والأخلاق إلا معارة ... فما اسطعت من معروفها فتزود
متى ما تقد بالباطل الحق يأبه ... و إنّ قدت بالحق الرواسي تنقد
إذا ما أتيت الأمر من غير بابه ... ضللت وإنّ تدخل من الباب تهتد
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: إذا كان الشغل مجهدة فإن الفراغ مفسدة.
قال سقراط: السبب الذي به أدرك العاجز حاجته هو الذي أقعد الحازم عن طلبته.
وقال فرفوريوس: لو تميزت الأشياء بأشكالها لكان الكذب مع الجبن، والصدق مع الشجاعة، والراحة مع اليأس، والتعب مع الطمع، والحرمان مع الحرص، والعز مع القناعة، والأمن مع العفاف، والسلامة مع الوحدة.
وقال أيضاً: لا يرفع أحد فوق درجته إلا فسد، ألا ترى إلى دودة النحل إذا جعلت في العسل كيف تموت؟ وقال آخر: السهر ألذ للمنام كما أن الجوع أزيد في طيب الطعام، وهذا مطرد في كل نعمة طيباً وموقعاً إذا جاءت بعد ضدها.
وقال آخر: من عرف الأيام لم يغفل الاستعداد.
وقال حكيم من اليونانين: السعادات كلها في سبعة أشياء: حسن الصورة، وصحة الجسم، وطول العمر، وكثرة العلم، وسعة ذات اليد، وطيب الذكر، والتمكن من الصديق والعدو.
وقال معاوية: الدنيا بحذافيرها الخفض والدعة.
وقال بعض الأدباء، وقد سئل عن العيش: العيش في الغنى فإني رأيت الفقير لا يلتذ بعيش أبداً، وقال السائل زدني، قال: الصحة، فإني رأيت المريض لا يلتذ بعيش أبداً، قال: زدني، قال: الأمن فإني رأيت الخائف لا يلتذ بعيش أبداً قال: زدني، قال: لا أجد مزيداً.

فهذا الكلام على كمال تقسيمه واستغراقه المعنى إنما أخذه من كلام النبي صلّى الله عليه وسلم الذي هوه أصل كل حكمة ومآلها: من أصبح آمناً في سربه، معافى في بدنه، له قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها.قيل لسقراط: ما الشيء الذي لا يستغنى عنه؟قال: التوفيق، قيل: ولم لم تقل العقل؟قال: العقل بما هو عقل لا يجدي عاجلاً وآجلاً دون التوفيق الذي به يهتدى إلى ثمرة العقل وينال درجة الانتفاع به.
قال صالح بن جناح العبسي:
ألا إنما الإنسان غمد قلبه ... و لا خير في غمد إذا لم يكن نصل
قال فيلسوف: كثير من الأمور لا تصلح إلا بقرنائها: لا ينفع العلم بغير ورع؟، ولا الحفظ بغير عقل، و لا الجمال بغير حلاوة، ولا الحسب بغير أدب، ولا السرور بغير أمن، ولا الغنى بغير كفاية، ولا الاجتهاد بغير توفيق.
قال علي عليه السلام: من كشف ضره هانت عليه نفسه.
ومن كلامه، الفقر يخرس الفطن عن حجته. المقل غريب في وطنه. العجز آفة. الورع جنة. نعم القرين الرضى. العلم وراثة كريمة. البشاشة حبالة المودة. إذا أقبلت الدنيا إلى أحد أعارته محاسن غيره وإذا أدبرت عنه سلبت محاسن نفسه. ما أضمر أحدكم شيئاً إلا ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه، (وروي لنا هذا الكلام عن النبي صلّى الله عليه وسلم ) ومثله قوله زهير:
ومهما تكن عند امرىء من خليفة ... و إنّ خالها تخفى عن الناس تعلم
ومن كلامه: امش بدائك ما مشى بك. قلوب الرجال وحشية فمن تألفها بالإحسان أقبلت إليه.من حذرك كمن بشرك.أوضع العلم ما وقف على اللسان وأرفعه ما ظهر في الجوارح والأركان. إنّ أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بما جاءوا به، ثم تلا: (إنّ أولى الناس بابراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي) (آل عمران: 68) الآية. ثم قال: إنّ ولي محمد من أطاع الله وإنّ بعدت لحمته، وإنّ عدو محمد من عصى الله وإنّ قربت قرابته.
وقال في صفة الغوغاء: هم الذين إذا اجتمعوا ضروا وإذا تفرقوا نفعوا، فقيل: قد علمنا مضرة اجتماعهم فما منفعة افتراقهم؟قال: يرجع أصحاب المهن إلى مهنهم فينتفع الناس بهم، كرجوع البناء إلى بنائه، والنساج إلى نسجه، والخباز إلى مخبزه.
ومن كلامه كرمك الله وجهه: (1)من لان عوده كثفت أغصانه.(2)في تقلب الأحوال علم جواهر الرجال.(3)من يعط باليد القصيرة يعط باليد الطويلة (معناه أن ما ينفعه في سبل الخير والبر وإنّ كان يسيراً فإن الله يجعل الجزاء عليه عظيماً كثيراً).(4)الحجر الغضب في الدار رهن على خرابها.(وقد روي ذلك عن رسول صلّى الله عليه وسلم ) (5) إذا ازدحم الجواب خفي الصواب. (6) الحظ يأتي من لا يأتيه.(7) قليل تدوم عليه أرجى من كثير مملول.(8) كل معاجل يسأل الإنظار وكل مؤجل يتعلل بالتسويف. (9) كفى بالأجل حارساً.
وقال لسائل سأله عن معضلة: سل تفقهاً ولا تسأل تعنتاً، فإن الجاهل المتعلم شبيه بالعالم، وإنّ العالم المتعنت شبيه بالجاهل.
وقال كرم الله وجهه: قيام الدنيا بأربعة: عالم يستعمل علمه، وجاهل لا يستنكف من التعلم، وغني لا يبخل بمعروفه، وفقير لا يبيع دينه. فإذا لم يستعمل العالم علمه استنكف الجاهل من التعلم عنه، وإذا بخل الغني بماله شره الفقير إلى الحرام، ففسدت الدنيا بكثرة الجهال والفجار.
وقال عليه السلام: الفقيه الذي لا يقنط الناس من رحمه الله ولا يؤمنهم من مكر الله، ولا يؤيسهم من روح الله، ولا يرخص لهم في معاصي الله تعالى.(2) لكل امرىء في ماله شريكان: الحوادث والوارث. (3) صواب الرأي بالدول ويذهب بذهابها. (4) العفاف زينة الفقر.(5) الشكر زينة الغنى.(6) من نظر في عيب نفسه اشتغل عن عيب غيره، ومن رضي برزق الله لم يحزن على ما فاته، ومن سل سيف البغي قتل به ومن كابد الأمور عطب، ومن اقتحم اللجج غرق، ومن دخل مداخل السوء اتهم، ومن كثر كلامه كثر خطأه ومن كثر خطأه قل حياؤه، ومن قل حياؤه قل روعه ومن قل روعه مات قلبه، ومن مات قلبه دخل النار، ومن طلب شيئاً ناله أو بعضه.
وقال أيضاً: ألا إنّ من البلاء الفاقة، وأشد من الفاقة مرض البدن، وأشد من مرض البدن مرض القلب.ألا وإنّ من النعم سعة المال وأفضل من سعة المال صحة البدن، وأفضل من صحة البدن تقوى القلب. المنية ولا الدنية، التقلل ولا التوسل.

وسئل أيهما أفضل: العدل أم الجود ؟فقال: العدل سائس عام، والجود عارض خاص، فالعدل أشرفهما وأفضلهما.
وقال: يغلب المقدار على التقدير حتى تكون الآفة في التدبير.وقد قارب ابن الرومي هذا المعنى في قوله: من الكامل.
غلط الطبيب علي غلطة مورد ... عجزت محالته عن الإصدار
و الناس يلحون الطبيب وإنما ... غلط الطبيب إصابة المقدار
وقال: إذا انقضت المدة كان الهلاك في العدة.
وروي أن يحيى بن خالد دخل إلى الرشيد في أول ما ابتدأت حاله في الفساد فرآه متخلياً فرجع، فاستعاده الرشيد، فقال: يا يحيى رأيتني خالياً فاتهمتني قال: والله يا أمير المؤمنين ما اعتمدت إلا مسرتك، ولكن إذا انقضت المدة كان الحتف في الحيلة.
قال عمرو بن مروان بن محمد: عرض أبي بظهر الكوفة ثمانين ألف عربي، ثم قال بعد أن وثق في نفسه بكثرة العدد والعُدد: إذا انقضت المدة لم تغن العدة.
وقال عليّ عليه السلام: رب مفتون بحسن القول فيه.
ومن كلامه عليه السلام: منهومان لا يشبعان: طالب علم وطالب دنيا.
وقالت القدماء: الدنيا كالماء المالح متى يزدد صاحبه منه شرباً يزدد عطشاً وظمأ.
وقال أبرويز: إنما الكلام أربعة: سؤالك الشيء، وسؤالك عن الشيء، وأمرك بالشيء، وخبرك عن الشيء، فهذه دعائم الكلام إن التمس إليها خامس لم يوجد، وإن نقص منها رابع لم تتم، فإذا طلبت فأسجح، وإذا أمرت فاحتم، وإذا أخبرت فحقق، وإذا سألت فأوضح.
قال الأصمعي: سمعت إعرابياً يقول: كما أن الصديق يحول بالجفاء عدواً، كذلك العدو يحول بالصلة صديقاً.
وقال آخر: شر المال ما لاينفق، وشر الإخوان الخاذل في الشدائد، وشر السلطان من خافه البريء، وشر البلاد ما ليس فيه خصب ولا أمن.
قال أفلاطون: لا تجبروا أولادكم على آدابكم فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم.
وقال: إذا أقبل الرئيس استجاد الصنائع، وإذا أدبر استغره الأعداء. إذا خبث الزمان كسدت الفضائل وضرت، ونفقت الرذائل ونفعت، وكان خوف الموسر أشد من خوف المعسر. إذا بلغ المرء من الدنيا فوق مقدار نفسه تنكر على الناس. إذا استعمل الرئيس النفاق لمن دونه ضاعت عوارفه.
قيل: أحق الناس بالهوان المحدث لمن لا يسمع منه، والداخل بين اثنين في حديث لم يدخلاه فيه، وآتي دعوة لم يدع إليها، وطالب المعونة من عدوه، والمتعمق في أحواله.
وقيل: الأدب يزيد العاقل عقلاً والأحمق شراً.
قال ابن مسعود: من كان كلامه لا يوافق فعله فإنما يوبخ نفسه.
سئلت إعرابية: ما السرور ؟فقالت: كفاية ووطن وسلامة وسكن.
وروي أن أنيساً وطارقاً ابني جندل من رجال كلب وفدا إلى ملك من ملوك غسان، وكان قد بلغه عنهما عقل وأحب أن يمتحنهما، فقال يا أنيس ما أنكأ الأشياء للقلوب، قال: فقر مكب وضرع إلى غير محب، قال يا طارق: ما أضر الأشياء على الملوك ؟ قال: عدو تسري مكايده، وجليس يبث حبائله، وصديق يودك ظاهره ويغولك باطنه. قال: فما الداء العضال؟ قال: ابن العم الحسود، كالسبع الرصيد يساء إن أثريت ويبجح إن اختبيت، قال: يا أنيس، ما الشقاء العاجل، قال: الحليلة الورهاء، خطابها عواء، ورضاها بكاء، وسخطها اجتراء، قال: يا طارق ما شر مصحوب ؟ قال: اللسان الذي لا يقيده الحجى ولا يردعه النهى، قال: يا أنيس ما الداء الذي لا شفاء له ؟ قال: الحسد الذي لا انقضاء له. قال: يا طارق ما الداء العياء؟ قال: البخل بالممكن الموجود، والأسف على الغائب المفقود. قال: يا أنيس ما العار الذي لا يرخص ؟ قال: إسلام الجار، والعجز عن حماية الذمار. قال: يا طارق ما أكرم الأخلاق ؟ قال: الجود في الإثراء والإملاق. قال: يا أنيس ما الشرف؟ قال: احتمال العظائم واجتناب المحارم. قال: يا طارق ما العز ؟ قال: حدب العشير، وكثرة النفير، والمعاونة على القليل والخطير.قال: يا أنيس ما الكرم ؟ قال: الوفاء بالذمم والبذل في الأزم. قال: يا طارق ما الشجاعة؟ قال: دفاعك عمن لا يلزمك له ذمام، وإقدامك حين تكره الإقدام. قال: يا أنيس ما أجلب الأشياء للمقت ؟ قال: العجب والخرق. فقال الملك: وأبيكما لقد استمجدتما أدباً، وترويتما لبا، وأحسن صلتهما.

قال معاوية: آفة المروءة الكبر وإخوان السوء، وآفة العلم النسيان، وآفة النسيان الكذب، وآفة الحلم الذل، وآفة الجود السرف، وآفة القصد البخل، وآفة المنطق الفحش، وآفة اللب العجب، وآفة الظرف الصلف، وآفة الحياء الضعف، وآفة الجلد الكسل، وآفة الرزانة الكبر، وآفة الصمت العي.
قال عبد الملك بن مروان: أربعة لا يستحيى من خدمتهم: السلطان والولد والضيف والدابة.
وقال: اطلبوا معيشة لا يقدر سلطان جائر على غصبها، قيل: وما هي، قال: الأدب.
وكان يقول: اللحن هجنة على الشريف والعجب آفة الرأي.
قال سهل بن هرون: ليس الري عن التشاف. من عاش غير خامل المنزلة وأفضل على نفسه وأصحابه فهو وإن قل عمره طويل العمر، ومن كان عيشه في وحدة وضيق وقل خيره على نفسه وعلى الناس فهو وإن طال عمره قصير العمر. وقد يبلغ الخصم القضم، ويركب الصعب من لا ذلول له.
والكلام الأول والأخير أمثال العرب.(المعنى في التشاف أن يشرب الرجل الشفافة كلها وهي بقية الماء في الإناء، يقول: قد يروى الشارب قبل بلوغ تلك، ومعنى المثلين الحض على الرضى بيسير الحاجة إذا أعوزه جليلها ).
قال مسلمة بن عبد الملك: ما حمدت نفسي على ظفر ابتدأته بعجز، ولا لمتها على مكروه ابتدأته بحزم.
وقال: مروءتان ظاهرتان: الرياش والفصاحة.
قال أبو العباس السفاح: إذا عظمت القدرة قلت الشهوة، وقل أن يوجد تبرع إلا ومعه حق مضاع.
وكان يقول: إن المقدرة تصغر الأمنية، لقد كنا نستكثر أموراً أصبحنا نستقلها لأقل من صحبناه، ثم يسجد شكراً.
قال بعضهم أنشدت المعتضد:
وما الأدب الموروث لا در دره ... إذا لم تؤيده بآخر مكتسب
فكان بعد ذلك إذا رأى هاشمياً لا أدب له ينشد البيت ويقول: الآداب خير من الأنساب، والأعمال خير من الأموال.
قال سعيد بن العاص: موطنان لا أعتذر فيهما من العي، إذا سألت حاجة لنفسي وإذا كلمت جاهلاً.
وقال: الولاية تظهر المحاسن والمساوئ.
قالت القدماء: الفاقة بلاء، والحزن بلاء، وقرب العدو بلاء وفراق الأحبة بلاء، والهرم بلاء، ورأس البلايا كلها الموت.نظر إلى هذا المعنى عمران بن حطان الخارجي فقال:
لا يعجز الموت شيء دون خالقه ... والموت فانٍ إذا ما ناله الأجل
وكل كرب أمام الموت متضع ... للموت والموت فيما بعده جلل
الجاهل لا يجد للبلاء مساً كما لا يسدي في الرخاء معروفاً، ولا صبر له في أيام الشدة كما لا رزية له في أيام السلامة، ولا يصدق بالحق كما لا ينزع عن الكذب، إذا كان السخط عن علة كان الرضا مرجواً، وإذا كان عن غير علة انقطع الرجاء، لأن العلة إذا كانت الموجدة في ورودها كان الرضى في صدرها، والعلة لها وقوع وذهاب يوجد أحياناً ويفقد أحياناً، والباطل قائم موجود لا يفقد على حال.
ما أحسن ما لمح هذا المعنى العباس بن الأحنف فنقله إلى الغزل واختصر اللفظ فقال: من الكامل
لو كنت عاتبة لسكن عبرتي ... أملي رضاك وزرت غير مجانب
لكن مللت فلم تكن لي حيلة ... صد الملول خلاف صد العاتب
وقالوا: لا خير في القول إلا مع الفعل، ولا في المنظر إلا مع المخبر، ولا في المال إلا مع الجود، ولا في الصديق إلا مع الوفاء، ولا في الفقه إلا مع الورع، ولا في الصدقة إلا مع حسن النية، ولا في الحياة إلا مع الصحة والأمن والسرور.
قال رجل لهشام: يا أمير المؤمنين احفظ عني أربعاً فيهن صلاح ملكك واستقامة رعيتك: لا تعدن عدة لا تثق من نفسك بإنجازها، ولا يغرنك المرتقى وإن كان سهلاً إذا كان المنحدر وعراً، واعلم أن للأعمال جزاء فاحذر العواقب وللأمور فكن على حذر.
وقالوا: الموت فيما يجمل خير من الحياة فيما يقبح.نظر إلى هذا المعنى بعض فتيان بني أمية وهم يحاربون عبد الله بن علي ورآه عبد الله مجداً في الحرب فأعطاه الأمان فلم يقبله، وتقدم يقاتل ويقول، والشعر لعقيل بن علفة المري: من المتقارب
أذل الحياة وعز الممات ... وكلا أراه طعاماً وبيلا
فإنَّ لم يكن غير إحداهما ... فسيراً إلى الموت سيراً جميلاً
ثم قاتل حتى قتل.وينظر هذا الشعر إلى قول حكيم: الموت في قوة وعز خير من الموت في ذل وعجز.

قيل: أشياء ليس لها ثبات ولا تواصل ولا بقاء: ظل الغمام، وخلة الأشرار، وعشق النساء، والثناء الكاذب، والمال الكثير.
قيل: من ابتلي بمرض في جسده، أو بفراق أحبته وإخوانه، أو بالغربة حيث لا يعرف مبيتاً ولا مظلاً ولا يرجو إياباً، أو بفاقة تضطره إلى المسألة، فالحياة له موت والموت له راحة.
قال عبد الله بن سالم: رأيت بالأنبار رجلاً من الصائبين، وهم لا يؤمنون بعقاب ولا حساب، فلم أر رجلاً أعقل ولا أزهد منه، فقلت له: فيما هذا الزهد وأنت لا ترجو ثواباً ولا تخشى عقاباً، قال: لا أتنعم منها لأنني لا أراني أصيب من الدنيا شيئاً إلا دعاني إلى أكثر منه، فلما رأيت ذلك تنعمت بقطع الأسباب بيني وبينها.
قال بعض الزهاد: من عمل بالعافية في من دونه رزق العافية في من فوقه.
قيل لبعض الحكماء: ما الأشياء الناطقة الصامتة قال: الدلائل المخبرة والعبر الواعظة.
قال بطليموس الثاني: خذوا الدر من البحر، والذهب من الحجر، والمسك من الفأرة، والحكمة ممن قالها.لكل حريق مطفئ، فالماء للنار، والدواء للسم، والصبر للحزن، ونار الحقد لا تخبو أبداً.
قال المخبل الشاعر: (من الكامل):
وتقول عاذلتي وليس لها ... بغد ولا ما بعده علم
إن الثراء هو الخلود وإ ... نّ المرء يكرب يومه العدم
إني وجدك ما يخلدني ... مائة يطير عفاؤها أدم
ولئن بنيت لي المشقر في ... هضب تقصر دونه العصم
لتنقبن عني المنية إ ... نّ الله ليس كحكمه حكم
إني وجدت الأمر أرشده ... تقوى الإله وشره الإثم
قال بعض بني تميم: حضرت مجلس الأحنف بن قيس، وعنده قوم يجتمعون في أمر لهم، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن (من) الكرم منع الحرم.ما أقرب النقمة من أهل البغي.لا خير في لذة تعقب ندماً.
لن يهلك من قصد ولن يفتقر من زهد.رب هزل قد عاد جداً.من أمن الزمان خانه، ومن تعظم عليه أهانه.دعوا المزاح فإنه يورث الضغائن وخير القول ما صدقه الفعل.احتملوا لمن أدل عليكم، واقبلوا عذر من اعتذر إليكم.أطع أباك وإن عصاك وصله وإن جفاك.أنصف من نفسك قبل أن ينتصف منك.إياكم ومشاورة النساء، واعلم أن كفر النعمة لؤم، وصحبة الجاهل شؤم، ومن الكرم الوفاء بالذمم، ما أقبح القطيعة بعد الصلة، والجفاء بعد اللطف، والعداوة بعد المودة.لا تكونن على الإساءة أقوى منك على الإحسان، ولا إلى البخل أسرع منك إلى البذل. واعلم أن لك من دنياك ما أصلحت به مثواك فأنفق في حق ولا تكونن خازناً لغيرك.و إذا كان الغدر في الناس موجوداً فالثقة بكل أحد عجز.اعرف الحق لمن عرفه لك، واعلم أن قطيعة الجاهل تعدل صلة العاقل. قال: فما رأيت كلاماً ابلغ منه، فقمت وقد حفظته.
وقال المتوكل الليثي:
الشعر لب المرء يعرضه ... والقول مثل مواقع النبل
منها المقصر عن رميته ... ونوافذ يذهبن بالخصل
ولآخر:
وإن كلام المرء في غير كنهه ... لكالنبل تهوي ليس فيها نصالها
الأضبط بن قريع:
لكل هم من الهموم سعه ... والمسي والصبح لا بقاء معه
فصل حبال البعيد إن وصل ال ... حبل وأقص القريب إن قطعه
وخذ من الدهر ما أتاك به ... من قر عيناً بعيشه نفعه
لا تحقرن الفقير عللك أن ... تركع يوماً والدهر قد رفعه
قد يجمع المال غير آكله ... ويأكل المال غير من جمعه
قالت عائشة رضي الله عنها: دخل علي رسول الله صلّى الله عليه وسلم وأنا أتمثل بهذين البيتين:
ارفع ضعيفك لا يحر بك ضعفه ... يوماً فتدركه العواقب قد نما
يجزيك أو يثني عليك وإن من ... أثنى عليك بما صنعت فقد جزى
فقال عليه السلام: أعيدي علي قول اليهودي قاتله الله: لقد أتاني جبريل برسالة من ربي عز وجل: أيما رجل صنع إلى أخيه صنيعة فلم يجد لها جزاء إلا الثناء فقد كافأه، وقد روي هذا لغريض اليهودي وروي أيضاً لورقة بن نوفل وروي أيضاً لزيد بن عمرو بن نفيل.
قال جحدر بن ربيعة العكلي:
بكل صروف الدهر قد عشت حقبة ... وقد حملتني بينها كل محمل

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19