كتاب : الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف على مذهب الإمام أحمد بن حنبل
المؤلف : علاء الدين أبو الحسن علي بن سليمان المرداوي الدمشقي الصالحي

قال صاحب التبصرة: يجوز أعواما نقله عنه بن تميم.
وقال في الروضة: يجوز لأعوام نقله عنه في الفائق وقال في الرعاية وقيل أو عن ثلاثة أحوال أو عن أكثر.
فائدة : إذا قلنا يجوز التعجيل لعامين فعجل عن أربعين شاة شاتين من غيرها جاز ومنها لا يجوز عنهما وينقطع الحول وكذا لو عجل شاة واحدة عن الحول الثاني وحده لأن ما عجله منه للحول الثاني زال ملكه عنه ولو قلنا يرتجع ما عجله لأنه تحديد ملك فإن ملك شاة استأنف الحول من الكمال.
وقيل: إن عجل شاة من الأربعين أجزأ عن الحول الأول إن قلنا يرجع وإن عجل واحدة من الأربعين وأخرى من غيرها جاز على الصحيح من المذهب جزم به المجد في شرحه وبن حمدان في الرعاية الكبرى وقدمه في الفروع وابن تميم.
وقال المصنف والشارح وإن أخرج شاة منه وشاة من غيره أجزأ عن الحول الأول ولم يجزئ عن الثاني لأن النصاب نقص وإن تكمل به ذلك صار إخراج زكاته وتعجيله لها قبل كمال نصابها.
قوله : "فإن عجلها عن النصاب وما يستفيده أجزأ عن النصاب دون الزيادة".
وكذا لو عجل زكاة نصابين من ملك نصابا وهذا المذهب فيهما نص عليه.
وعنه تجزئ عن الزيادة أيضا لوجوب سببها في الجملة حكاها بن عقيل.
قال في الفروع: ويتوجه من هذه الرواية احتمال تخريج بضمه إلى الأصل في حول الوجوب وكذا في التعجيل ولهذا اختار في الانتصار تجزئ عن المستفاد من النصاب فقط وقيل به إن لم يبلغ المستفاد نصابا لأنه يتبعه في الوجوب والحول كموجود فإذا بلغه استقبل بالوجوب في الجملة لو لم يوجد الأصل وأطلقهما في الفائق وأطلقهما في الرعاية الصغرى في الثانية.
وقيل: يجزئ عن النماء إن ظهر وإلا فلا ذكره في الرعايتين.
وقال في القاعدة العشرين: لو عجل الزكاة عن نماء النصاب قبل وجوده فهل يجزئه فيه ثلاثة أوجه ثالثها يفرق بين أن يكون النماء نصابا فلا يجوز وبين أن يكون دونه فيجوز قال ويتخرج وجه رابع بالفرق بين أن يكون النماء نتاج ماشية أو ربح تجارة فيجوز في الأول دون الثاني.
فوائد :
إحداها : لو عجل عن خمس عشرة من الإبل وعن نتاجها بنت مخاض فنتجت مثلها،

فالصحيح من المذهب أنها لا تجزئه ويلزمه بنت مخاض قال في الفروع هذا الأشهر وقيل يجزئه وأطلقهما بن تميم وبن حمدان في الرعاية الكبرى فعلى المذهب هل له أن يرتجع للمعجلة على وجهين وأطلقهما في الفروع والرعاية الكبرى وبن تميم.
قلت: الأولى: جواز الارتجاع.
فإن جاز الارتجاع فأخذها ثم دفعها إلى الفقير جاز وإن اعتد بها قبل أخذها لم يجز لأنها على ملك الفقير.
الثانية : لو عجل مسنة عن ثلاثين بقرة ونتاجها فنتجت عشرا فالصحيح من المذهب أنها لا تجزئه عن الجميع بل عن الثلاثين قال في الفروع هذا الأشهر وقيل تجزئه عن الجميع وأطلقهما بن تميم وبن حمدان في الرعاية الكبرى فعلى المذهب ليس له ارتجاعها ويخرج للعشر ربع مسنة وعلى قول بن حامد يخير بين ذلك وبين ارتجاع المسنة ويخرجها أو غيرها عن الجميع.
الثالثة : لو عجل عن أربعين شاة شاة ثم أبدلها بمثلها أو نتجت أربعين سخلة ثم ماتت الأمات أجزأ المعجل عن البدل والسخال لأنها تجزئ مع بقاء الأمات عن الكل فعن أحدهما أولى وهذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب وقدمه في الفروع والرعايتين وبن تميم وقال قطع به بعض أصحابنا وذكر أبو الفرج بن أبي الفهم وجها لا تجزئ لأن التعجيل كان لغيرها وأطلقهما في الحاويين.
فعلى المذهب: لو عجل شاة عن مائة شاة أو تبيعا عن ثلاثين بقرة ثم نتجت الأمات مثلها وماتت أجزأ المعجل عن النتاج لأنه يتبع في الحول وهذا الصحيح من المذهب قدمه في الفروع.
وقيل: لا يجزئ لأنه لا يجزئ مع بقاء الأمات وأطلقهما في الرعاية الكبرى وبن تميم وهما احتمالان مطلقان في المغني والشرح.
فعلى الأول: لو نتجت نصف الشياه مثلها ثم ماتت أمات الأولاد أجزأ المعجل عنها.
وعلى الثاني: يجب مثله جزم به المصنف والشارح لأنه نصاب لم يزكه وقدمه في الفروع وجزم المجد في شرحه بنصف شاة لأنه قسط السخال من واجب المجموع ولم يصح التعجيل عنها وقال أبو الفرج لا يجب شيء قال بن تميم وهو الأشبه بالمذهب وأطلقهن في الرعاية الكبرى ومختصر ابن تميم.
ولو نتجت نصف البقر مثلها ثم ماتت الأمات أجزأ المعجل على الصحيح من المذهب جزم به المصنف والشارح وقدمه في الفروع والرعاية الكبرى ومختصر بن تميم لأن الزكاة وجبت في العجول تبعا وجزم المجد في شرحه على الثاني بنصف تبيع بقدر قيمتها قسطها من الواجب.

الرابعة : لو عجل عن أحد نصابيه وتلف لم يصرفه إلى الآخر كما لو عجل شاة عن خمس من الإبل فتلفت وله أربعون شاة لم يجزه عنها وهذا الصحيح من المذهب قدمه في الفروع.
وقال القاضي في تخريجه من له ذهب وفضة وعروض فعجل عن جنس منها ثم تلف صرفه إلى الآخر وهو من المفردات.
الخامسة : لو كان له ألف درهم وقلنا يجوز التعجيل لعامين وعن الزيادة قبل حصولها فعجل خمسين وقال إن ربحت ألفا قبل الحول فهي عنها وإلا كانت للحول الثاني جاز.
السادسة : لو عجل عن ألف يظنها له فبانت خمسمائة أجزأ عن عامين.
قوله : "وإن عجل عشر الثمرة قبل طلوع الطلع والحصرم لم يجزه".
وكذا لو عجل عشر الزرع قبل ظهوره والماشية قبل سومها وهذا المذهب في ذلك كله وعليه أكثر الأصحاب وقيل يجوز بعد ملك الشجر ووضع البذر في الأرض لأنه لم يبق للوجوب إلا مضي الوقت عادة كالنصاب الحولي وأطلقهما في المحرر ونقل بن منصور وصالح للمالك أن يحتسب في العشر بما زاد عليه الساعي لسنة أخرى.
تنبيه : مفهوم قوله: "قبل طلوع الطلع والحصرم" جواز التعجيل بعد طلوع ذلك وظهوره وهو صحيح وهو المذهب لأن ظهور ذلك كالنصاب والإدراك كالحول جزم به في المستوعب والوجيز وهو ظاهر ما جزم به في الهداية والمذهب والخلاصة والتلخيص والبلغة وقدمه في الفروع والفائق ومختصر ابن تميم.
وقيل: لا يجوز حتى يشتد الحب ويبدو صلاح الثمرة لأنه السبب جزم به في المبهج وتذكرة بن عبدوس وقدمه ابن رزين واختاره أبو الخطاب في الانتصار والمجد في شرحه وأطلقهما في المحرر والرعايتين والحاويين.
وقال في الرعاية الكبرى قلت وكذا يخرج الخلاف إن أسامها دون أكثر السنة.
وقال بن نصر الله في حواشي الفروع لا يجوز تعجيل العشر لأنه يجب بسبب واحد وهو بدو الصلاح وجوزه أبو الخطاب إذا ظهرت الثمرة وطلع الزرع انتهى.
فائدة : لا يصح تعجيل زكاة المعدن والركاز بحال بسبب أن وجوبها يلازم وجودها ذكره في الكافي وغيره.
قوله : "وإن عجل زكاة النصاب فتم الحول وهو ناقص قدر ما عجله جاز".
وكان حكم ما عجله كالموجود في ملكه يتم به النصاب لأنه كموجود في ملكه وقت الحول في إجزائه عن ماله وهذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به أكثرهم. وقال أبو

حكيم: لا يجزئ ويكون نفلا ويكون كتالف.
فعلى المذهب: لو ملك مائة وعشرين شاة فعجل شاة ثم نتجت قبل الحول واحدة لزمه شاة ثانية وعلى الثاني لا يلزمه.
قوله : "وإن عجل زكاة المائتين فنتجت عند الحول سخلة لزمته شاة ثالثة".
بناء على المذهب في المسألة التي قبلها وعلى قول أبي حكيم لا يلزمه ومن فوائد الخلاف أيضا لو عجل عن ثلاثمائة درهم خمس دراهم ثم حال الحول لزمه زكاة مائة درهمان ونصف ونقله مهنا.
وعلى الثاني: يلزمه زكاة خمس وتسعين درهما.
وقال المجد في شرحه وتبعه في الفروع على الثاني يلزمه زكاة اثنين وتسعين ونصف درهم.
وهذا والله أعلم سهو لأن الباقي في ملكه بعد إخراج الخمسة المعجلة مائتان وخمسة وتسعون فالخمسة المخرجة أجزأت عن مائتين وهي كالتالفة على قول أبي حكيم فلا تجب فيها زكاة وإنما الزكاة على الباقي وهي خمسة وتسعون.
ومن فوائد الخلاف أيضا لو عجل عن ألف خمسا وعشرين منها ثم ربحت خمسة وعشرين لزمه زكاتها على المذهب وعلى الثاني لا يلزمه شيء.
ومنها: لو تغير بالمعجل قدر الفرض قدر كذلك على المذهب وعلى الثاني: لا.
فائدتان :
إحداهما : لو نتج المال ما يتغير به الفرض كما لو عجل تبيعا عن ثلاثين من البقر فنتجت عشر ففيه وجهان.
أحدهما: لا يجزئه المعجل عن شيء قدمه في الرعاية الكبرى.
والوجه الثاني: يجزئه عما عجله ويلزمه للنتاج ربع مسنة وأطلقهما في الفروع ومختصر ابن تميم.
فعلى الأول: هل له ارتجاع المعجل على وجهين وأطلقهما في الفروع والرعاية الكبرى ومختصر ابن تميم.
قلت: إن كان المعجل موجودا ساغ ارتجاعه.
الثانية : لو أخذ الساعي فوق حقه من رب المال اعتد بالزيادة من سنة ثانية نص عليه وقال الإمام أحمد أيضا: يحسب ما أهداه للعامل من الزكاة أيضا وعنه لا يعتد بذلك.

وجمع المصنف بين الروايتين فقال إن نوى المالك التعجيل اعتد به وإلا فلا وحملها على ذلك وحمل المجد رواية الجواز على أن الساعي أخذ الزيادة بنية الزكاة إذا نوى التعجيل قال وإن علم أنها ليست عليه وأخذها لم يعتد بها. على الأصح لأنه أخذها غصبا قال ولنا رواية أن من ظلم في خراجه يحتسبه من العشر أو من خراج آخر فهذا أولى ونقل عنه حرب في أرض صلح يأخذ السلطان منها نصف الغلة ليس له ذلك قيل له فيزكى المالك عما بقي في يده قال يجزئ ما أخذه السلطان من الزكاة يعني إذا نوى به المالك.
وقال ابن عقيل وغيره: إن زاد في الخرص هل يحتسب بالزيادة من الزكاة فيه روايتان قال وحمل القاضي المسألة على أنه يحتسب بنية المالك وقت الأخذ وإلا لم يجزه.
وقال الشيخ تقي الدين: ما أخذه باسم الزكاة ولو فوق الواجب بلا تأويل اعتد به وإلا فلا.
وقال في الرعاية: يعتد بما أخذه وعنه بوجه سائغ وكذا ذكره بن تميم في آخر فصل شراء الذمي لأرض عشرية وقدم أنه لا يعتد به.
قوله : "وإن عجلها فدفعها إلى مستحقها فمات أو ارتد أو استغنى".
يعني من دفعت إليه من هؤلاء أجزأت عنه وهذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب وقيل لا يجزئه وهو وجه ذكره بن عقيل.
تنبيه : مراده بقوله : "وإن دفعها إلى غني فافتقر عند الوجوب لم تجزه" إذا علم أنه غنى جاز الدفع إليه بلا نزاع وأما إذا دفعها إليه ظانا أنه فقير وهو في الباطن غني فيأتي كلام المصنف في آخر الباب الذي بعده عند قوله: "وإن دفعها إلى من لا يستحقها وهو لا يعلم ثم علم".
فائدة: أفادنا المصنف رحمه الله بقوله: "وإن عجلها ثم هلك المال قبل الحول لم يرجع على المساكين" أن الزكاة إذا عجلها ثم هلك المال قبل الحول أنه لا زكاة عليه وهو صحيح لأنا تبينا أن المخرج غير زكاة وكذا الحكم لو ارتد المالك أو نقص النصاب وكذا لو مات المالك على الصحيح من المذهب.
وقيل: إن مات بعد أن عجل وقعت الموقع وأجزأت عن الوارث.
قوله : "لم يرجع على المساكين".
اعلم أنه إذا بان أن المخرج غير زكاته فالصحيح أنه لا يملك الرجوع فيما أخرجه مطلقا اختاره أبو بكر وغيره قال القاضي وغيره هذا المذهب لوقوعه نفلا بدليل ملك الفقير لها قال المجد هذا ظاهر المذهب قال في الرعاية لم يرجع في الأصح.

وقيل: يملك الرجوع فيه قال القاضي في الخلاف أومأ إليه في رواية مهنا فيمن دفع إلى رجل زكاة ماله ثم علم غناه يأخذها منه اختاره بن حامد وبن شهاب وأبو الخطاب قاله في الفروع وقال غير واحد منهم بن تميم على هذا القول إن كان الدافع ولي رب المال رجع مطلقا وإن كان رب المال ودفع إلى الساعي مطلقا رجع فيها ما لم يدفعها إلى الفقير وإن دفعها إليه فهو كما لو دفعها رب المال قال في الفروع وجزم غير أحد عن بن حامد إن كان الدافع لها الساعي رجع مطلقا.
قلت: منهم المصنف هنا.
وأطلق الوجهين في أصل المسألة في الفروع وأكثر الأصحاب على أن الخلاف وجهان وحكاه أبو الحسين روايتين وحكى في الوسيلة أن ملكه للرجوع رواية وتقدم قول القاضي فيه.
فائدة : لو أعلم رب المال الساعي أن هذه زكاة معجلة ودفعها الساعي إلى الفقير رجع عليه أعلمه الساعي بذلك أو لم يعلمه على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع ومختصر بن تميم واختاره أبو بكر وغيره.
وقيل: لا يرجع عليه إذا لم يعلمه اختاره بن حامد كما قال المصنف وغيره وهي داخلة في كلام المصنف.
وإن دفعها رب المال إلى الفقير وأعلمه أنها زكاة معجلة رجع عليه وإلا فلا على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع وهو ظاهر ما اختاره بن حامد هنا وقيل يرجع وإن لم يعلمه.
وإن علم الفقير أنها زكاة معجلة رجع عليه وإلا فلا قال بن تميم جزم به بعضهم وقال وإن لم يعلم فأوجه الثالث يرجع إن أعلمه وإلا فلا وظاهر كلام المصنف هنا أنه لا يرجع عليه مطلقا على المقدم عنده وقال في الفروع وقيل في الولي أوجه الثالث يرجع إن أعلمه قال وكذا من دفع إلى الساعي وقيل يرجع إن أعلمه وكانت بيده.
فائدة : متى كان رب المال صادقا فله الرجوع باطنا أعلمه بالتعجيل أو لا لا ظاهرا مع إطلاق أنه خلاف الظاهر.
وإن اختلفا في ذكر التعجيل صدق الآخذ عملا بالأصل ويحلف له على الصحيح من المذهب وجزم به المصنف في المغني والمجد في شرحه والشارح وغيرهم.
وقيل: لا يحلف وأطلقهما بن تميم وبن حمدان.
وحيث قلنا: له الرجوع ورجع فإن كانت العين باقية أخذها بزيادتها المتصلة لا المنفصلة على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع وغيره.
قال في القاعدة الثانية والثمانين: وهو الأظهر: لحدوثها في ملك الفقير كنظائره وأشار أبو المعالي إلى تردد الأمر بين الزكاة والفرض فإذا تبينا أنها ليست بزكاة بقي كونها فرضا.

وقيل: يرجع بالمنفصلة أيضا كرجوع بائع المفلس المسترد عين ماله بها ذكره القاضي قال في القواعد اختاره القاضي في خلافه.
وإن نقصت عنده ضمن نقصها كجملتها وأبعاضها كمبيع ومهر وهذا المذهب جزم به المصنف وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
وقيل: لا يضمن وهو ظاهر ما قدمه بن تميم قال وأطلق بعضهم الوجهين يعني في ضمان النقص ولو كان جزءا منها.
وإن كانت تالفة ضمن مثلها أو قيمتها يوم التعجيل قاله المصنف والشارح وصاحب الفروع وغيرهم من الأصحاب.
قال في الفروع: والمراد ما قاله صاحب المحرر يوم التلف على صفتها يوم التعجيل لأن ما زاد بعد القبض حدث في ملك الفقير ولا يضمنه وما نقص يضمنه انتهى.
وأما بن تميم فقال: ضمنها يوم التعجيل.
وقال شيخنا يعني به المجد يوم التلف على صفتها يوم التعجيل.
فصاحب الفروع فسر مراد الأصحاب بما قاله المجد وبن تميم جعله قولا ثانيا في المسألة وتفسير صاحب الفروع أولى وأقعد.
وقال في الرعاية: ويغرم نقصها يوم ردها أو قيمتها إن تلفت أو مثلها يوم عجلت وقيل بل يوم التلف فصفتها يوم عجلت.
وقيل: يضمن المثلى بمثله وغيره بقيمته يوم عجل ولا يضمن نقصه.
فوائد :
منها: لو استسلف الساعي الزكاة فتلفت في يده من غير تفريط لم يضمنها وكانت من ضمان الفقراء سواء سأله الفقراء ذلك أو رب المال أو لم يسأله أحد هذا الصحيح من المذهب قدمه في الفروع والرعايتين.
وقيل: إن تلفت بيد الساعي ضمنت من مال الزكاة قدمه بن تميم وجزم به في الحاويين وقيل لا وذكر بن حامد أن الإمام يدفع إلى الفقير عوضها من مال الصدقات.
ومنها: لو تعمد المالك إتلاف النصاب أو بعضه بعد التعجيل غير قاصد الفرار منها فحكمه حكم التالف بغير فعله في الرجوع على الصحيح من المذهب كما لو سأله الفقراء قبضها أو قبضها لحاجة صغارهم وكما بعد الوجوب وقيل لا يرجع.
وقيل: لا يرجع فيما إذا أتلفت دون الزكاة للتهمة وقال في الرعاية وهل إتلافه ماله عمدا بعد التعجيل كتلفه لآفة سماوية أو كإتلاف أجنبي يحتمل وجهين انتهى.
ومنها: لو أخرج زكاته فتلفت قبل أن يقبضها الفقير لزمه بدلها.

ومنها: يشترط لملك الفقير لها وإجزائها عن ربها قبضه فلا يجزئ غداء الفقراء ولا عشاؤهم جزم به بن تميم وغيره.
ولا يصح تصرف الفقير فيها قبل قبضها على الصحيح من المذهب نص عليه وعليه الأصحاب وخرج المجد في المعينة المقبولة كالمقبوضة كالهبة وصدقة التطوع والرهن قال والأول أصح انتهى وقال في الرعايتين والحاويين.
وإن عين زكاته فقبلها الفقير فتلفت قبل قبضه لم يجزه في أصح الوجهين.
قال في القاعدة التاسعة والأربعين في الزكاة والصدقة والفرض وغيرها طريقان.
أحدهما: لا يملك إلا بالقبض رواية واحدة وهي طريقة القاضي في المجرد والشيرازي في المبهج ونص عليه في مواضع.
والطريق الثاني: لا يملك في المبهم بدون القبض وفي المعين يملك بالعقد وهي طريقة القاضي في خلافه وابن عقيل في مفرداته والحلواني وابنه إلا أنهما حكيا في المعين روايتين كالهبة انتهى.
فإذا قلنا: تملك بمجرد القبول فهل يجوز بيعها؟.
قال في القاعدة الثانية والخمسين: نص أحمد على جواز التوكيل قال وهو نوع تصرف فقياسه سائر التصرفات وتكون حينئذ كالهبة المملوكة بالعقد.
ولو قال الفقير لرب المال: اشتر لي بها ثوبا ولم يقبضها منه لم يجزه ولو اشتراه كان للمالك ولو تلف كان من ضمانه هذا المذهب وعليه الأصحاب وقال في الفروع ويتوجه تخريج من إذنه لغريمه في الصدقة بدينه عنه أو صرفه أو المضاربة به.
قلت: والنفس تميل إلى ذلك.
ويأتي في الباب الذي بعده: إذا أبرأ الغريم غريمه أو أحال الفقير بالزكاة هل تسقط الزكاة عنه عند قوله: "ويجوز دفع الزكاة إلى مكاتبه وإلى غريمه".

باب ذكر أهل الزكاة
قوله : "وهم ثمانية أصناف الفقراء وهم الذين لا يجدون ما يقع موقعا من كفايتهم والثاني المساكين وهم الذين يجدون معظم الكفاية".
الصحيح من المذهب أن الفقير أسوأ حالا من المسكين وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم.
وعنه عكسه. اختاره ثعلب اللغوي وهو من الأصحاب وصاحب الفائق وقال الشيخ تقي الدين الفقر والمسكنة صفتان لموصوف واحد.

تنبيهات
أحدها : قول المصنف عن المساكين "هم الذين لا يجدون معظم الكفاية". وكذا قال في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والتلخيص والهادي والمنور والمنتخب وقال في المحرر والرعاية الصغرى والإفادات والحاويين والوجيز والفائق وجماعة هم الذين لهم أكثر الكفاية وقال الناظم هم الذين يجدون جل الكفاية وقال في الكافي هم الذين لهم ما يقع موقعا من كفايتهم وقال في المبهج والإيضاح والعمدة هم الذين لهم ما يقع موقعا من كفايتهم ولا يجدون تمام الكفاية وهو مراده في الكافي.
وقال ابن عقيل في التذكرة وصاحب الخلاصة والبلغة وإدراك الغاية هم الذين يقدرون على بعض كفايتهم وقال ابن رزين المسكين من لم يجد أكثر كفايته فلعله من يجد بإسقاط لم أو أراد نصف الكفاية فقط.
وقال في الرعاية الكبرى هم الذين لهم أكثر كفايتهم وهو معظمها أو ما يقع موقعا منها كنصفها وقال بن تميم وصاحب الفروع والمسكين من وجد أكثرها أو نصفها.
فتلخص من عباراتهم أن المسكين من يجد معظم الكفاية ومعناه والله أعلم أكثرها وكذا جلها وقد فسر في الرعاية أكثرها بمعظمها لكن أعظمها وجلها في النظر أخص من أكثرها فإنه يطلق على أكثر من النصف ولو بيسير بخلاف جلها وقريب منه معظمها وفي عباراتهم "من يقدر على بعضها ونصفها" فيمكن حمل من ذكر بعضها على نصفها ويحتمل أن يكون أقل من النصف وأنها أقوال.
وأما الفقراء فهم الذين [لا يجدون ما يقع موقعا من كفايتهم أو لا يجدون شيئا البتة وقال في المبهج والإيضاح هم الذين] لا صنعة لهم والمساكين هم الذين لهم صنعة ولا مغنم بهم وقال الخرقي الفقراء الزمنى والمكافيف ولعلهم أرادوا في الغالب وإلا حيث وجد من ليس معه شيء أو معه ولكن لا يقع موقعا من كفايتهم فهو فقير وإن كان له صنعة أو غير زمن ولا ضرير.
الثاني : قوله: "وهم ثمانية أصناف" حصر من يستحق الزكاة في هذه الأصناف الثمانية وهو حصر المبتدأ في الخبر فلا يجوز لغيرهم الأخذ منها مطلقا على الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب.
واختار الشيخ تقي الدين جواز الأخذ من الزكاة لشراء كتب يشتغل فيها بما يحتاج إليه من كتب العلم التي لا بد منها لمصلحة دينه ودنياه انتهى وهو الصواب.
فائدة : لو قدر على الكسب ولكن أراد الاشتغال بالعبادة لم يعط من الزكاة قولا واحدا.
قلت: والاشتغال بالكسب والحالة هذه أفضل من العبادات.

ولو أراد الاشتغال بالعلم وهو قادر على الكسب وتعذر الجمع بينهما فقال في التلخيص لا أعلم لأصحابنا فيها قولا والذي أراه جواز الدفع إليه انتهى.
قلت: الجواز قطع به الناظم وبن تميم وبن حمدان في رعايته وقدمه في الفروع.
وقيل: لا يعطى إلا إذا كان الاشتغال بالعلم يلزمه.
الثالث : شمل قوله: "الفقراء والمساكين" الذكر والأنثى والكبير والصغير وهو صحيح فالذكر والأنثى الكبير لا خلاف في جواز الدفع إليه والصحيح من المذهب جواز إعطاء الصغير مطلقا وعليه معظم الأصحاب.
وعنه يشترط فيه أن يأكل الطعام ذكرها المجد ونقلها صالح وغيره وهي قول في الرعايتين والحاويين.
قال في المستوعب: وقال القاضي: لا يجوز دفعها إلى صبي لم يأكل الطعام وقدمه ناظم المفردات ذكره في باب الظهار وهو من المفردات.
وحيث جاز الأخذ فإنها تصرف في أجرة رضاعته وكسوته وما لا بد منه.
إذا علمت ذلك فالذي يقبل ويقبض له الزكاة والهبة والكفارة من يلي ماله وهو وليه من أب ووصي وحاكم وأمينه ووكيل الولي الأمين.
قال بن منصور: قلت لأحمد قال سفيان "لا يقبض للصبي إلا الأب أو وصي أو قاض" قال أحمد "جيد".
وقيل له في رواية صالح قبضت الأم وأبوه حاضر فقال لا أعرف للأم قبضا ولا يكون إلا الأب.
قال في الفروع: ولم أجد عن أحمد تصريحا بأنه لا يصح قبض غير الولي مع عدمه مع أنه المشهور في المذهب.
وذكر الشيخ يعني به المصنف أنه لا يعلم فيه خلافا ثم ذكر أنه يحتمل أنه يصح قبض من يليه من أم أو قريب وغيرهما عند عدم الولي لأن حفظه من الضياع والهلاك أولى من مراعاة الولاية انتهى.
وذكر المجد: أن هذا منصوص أحمد.
نقل هارون الحمال في الصغار يعطى أولياؤهم فقلت ليس لهم ولي قال يعطى من يعنى بأمرهم ونقل منها في الصبي والمجنون يقبض له وليه قلت ليس له ولي قال يعطى الذي يقوم عليه.
وذكر المجد نصا ثالثا بصحة القبض مطلقا قال بكر بن محمد يعطى من الزكاة الصبي الصغير قال نعم يعطى أباه أو من يقوم بشأنه.
وذكر في الرعاية هذه الرواية ثم قال قلت إن تعذر وإلا فلا.

فائدة : يصح من المميز قبض الزكاة والهبة والكفارة ونحوها قدمه المجد في شرحه وقال على ظاهر كلامه قال المروذي قلت لأحمد يعطى غلاما يتيما من الزكاة قال نعم يدفعها إلى الغلام قلت فإني أخاف أن يضيعه قال يدفعه إلى من يقوم بأمره وهذا اختيار المصنف والحارثي.
قال في الفروع: والمميز كغيره وعنه ليس أهلا لقبض ذلك.
قال المجد في شرحه: ظاهر كلام أصحابنا المنع من ذلك وأنه لا يصح قبضه بحال قال وقد صرح به القاضي في تعليقه في كتاب المكاتب قال وهو ظاهر كلام أحمد في رواية صالح وبن منصور انتهى.
قال في القواعد الأصولية: في المسألة روايتان أشهرهما ليس هو أهلا نص عليه في رواية بن منصور وعليه معظم الأصحاب وأبدى في المغني احتمالا أن صحة قبضه تقف على إذن الولي دون القبول.
قوله : "ومن ملك من غير الأثمان ما لا يقوم بكفايته فليس بغني وإن كثرت قيمته".
وهذا بلا نزاع أعلمه قال الإمام أحمد إذا كان له عقار أو ضيعة يستغلها عشرة آلاف أو أكثر لا تقيمه يعني لا تكفيه يأخذ من الزكاة وقيل له يكون له الزرع القائم وليس عنده ما يحصده أيأخذ من الزكاة قال: نعم يأخذ.
قال الشيخ تقي الدين: وفي معناه ما يحتاج إليه لإقامة مؤنته.
تنبيه : تقدم في أول زكاة الفطر عند قوله: "إذا فضل عن قوته وقوت عياله" لو كان عنده كتب ونحوها يحتاجها هل يجوز له أخذ الزكاة أم لا.
قوله : "وإن كان من الأثمان فكذلك في إحدى الروايتين".
نقلها مهنا. واختارها بن شهاب العكبري وأبو الخطاب والمجد وصاحب الحاوي وغيرهم.
قال بن منجا في شرحه: هي الصحيحة من الروايتين عند المصنف وأبي الخطاب ولم أجد ذلك صريحا في كتب المصنف وقدمه في الفروع والمحرر والفائق وإدراك الغاية وصححه في مسبوك الذهب وهذا المذهب على ما اصطلحناه في الخطبة.
و"الرواية الأخرى إذا ملك خمسين درهما أو قيمتها من الذهب فهو غني" فلا يجوز الأخذ لمن ملكها وإن كان محتاجا ويأخذها من لم يملكها وإن لم يكن محتاجا وهذه الرواية عليها جماهير الأصحاب وهي المذهب عندهم.
قال الزركشي: هذا المذهب عند الأصحاب حتى إن عامة متقدميهم لم يحكوا خلافا. قال

ابن منجا في شرحه: هذا المذهب قال بن شهاب اختارها أصحابنا ولا وجه له في المعنى وإنما ذهب إليه أحمد لخبر بن مسعود ولعله لما بان له ضعفه رجع عنه أو قال ذلك لقوم بأعيانهم كانوا يتجرون بالخمسين فتقوم بكفايتهم وأجاب غيره بضعف الخبر وحمله المصنف وغيره على المسألة فتحرم المسألة ولا يحرم الأخذ وحمله المجد على أنه عليه أفضل الصلاة والسلام قاله في وقت كانت الكفاية الغالبة فيه بخمسين.
وممن اختار هذه الرواية: الخرقي وبن أبي موسى والقاضي وابن عقيل فقطعوا بذلك ونصره في المغني وقال هذا الظاهر من مذهبه قال في الهادي هذا المشهور من الروايتين وهي من المفردات وقدمه في الخلاصة والرعايتين والحاويين وابن رزين وغيرهم ونقلها الجماعة عن أحمد.
قلت: نقلها الأثرم وبن منصور وإسحاق بن إبراهيم وأحمد بن هاشم الأنطاكي وأحمد بن الحسن وبشر بن موسى وبكر بن محمد وأبو جعفر بن الحكم وجعفر بن محمد وحنبل وحرب والحسن بن محمد وأبو حامد بن أبي حسان وحمدان بن الوراق وأبو طالب وابناه صالح وعبد الله والمروذي والميموني ومحمد بن داود ومحمد بن موسى ومحمد بن يحيى وأبو محمد مسعود ويوسف بن موسى والفضل بن زياد وأطلقهما في المذهب والمستوعب والكافي والشرح.
وعنه الخمسون: تمنع المسألة لا الأخذ ذكرها أبو الخطاب وتقدم أن المصنف حمل الخبر على ذلك وأطلقهما في التلخيص.
ونص الإمام أحمد فيمن معه خمسمائة وعليه ألف لا يأخذ من الزكاة وحمل على أنه مؤجل أو على ما نقله الجماعة.
تنبيه : قوله في الرواية الثانية "أو قيمتها من الذهب" هل يعتبر الذهب بقيمة الوقت لأن الشرع لم يحده أو يقدر بخمسة دنانير لتعلقها بالزكاة فيه وجهان وأطلقهما في الفروع والمجد في شرحه وقال ذكرهما القاضي فيما وجدته بخطه على تعليقه واختار في الأحكام السلطانية الوجه الثاني.
قلت: ظاهر كلام المصنف وغيره الأول وهو الصواب.
ويأتي في الباب قدر ما يأخذ الفقير والمسكين وغيرهما ويأتي بعده إذا كان له عيال.
فائدة : من أبيح له أخذ شيء أبيح له سؤاله على الصحيح من المذهب نص عليه وعليه الأصحاب وعنه يحرم السؤال لا الأخذ على من له قوت يوم غداء وعشاء قال ابن عقيل اختاره جماعة وعنه يحرم ذلك على من له قوت يوم غداء وعشاء. ذكر هذه الرواية

الخلال وذكر بن الجوزي في المنهاج إن علم أنه يجد من يسأله كل يوم لم يجز أن يسأل أكثر من قوت يوم وليلة وإن خاف أن لا يجد من يعطيه أو خاف أن يعجز عن السؤال أبيح له السؤال أكثر من ذلك وأما سؤال الشيء اليسير كشسع النعل أو الحذاء فهل هو كغيره في المنع أو يرخص فيه فيه روايتان وأطلقهما في الفروع.
قلت: الأولى الرخصة في ذلك لأن العادة جارية به.
فائدتان:
إحداهما : قوله : "والعاملون عليها وهم الجباة لها والحافظون لها".
العامل على الزكاة: هو الجابي لها والحافظ لها والكاتب والقاسم والحاشر والكيال والوزان والعداد والساعي والراعي والسائق والحمال والجمال ومن يحتاج إليه فيها غير قاض ووال.
وقيل لأحمد في رواية المروذي الكتبة من العاملين قال ما سمعت.
الثانية : أجرة كيل الزكاة ووزنها ومؤنة دفعها على المالك وقد تقدم التنبيه على ذلك.
قوله : "ويشترط أن يكون العامل مسلما أمينا من غير ذوي القربى".
يشترط أن يكون العامل مسلما على الصحيح من المذهب اختاره القاضي قاله في الهداية قال الزركشي وأظنه في المجرد والمصنف والمجد والناظم ونصره الشارح وقدمه المصنف هنا وصاحب المحرر والرعايتين والحاويين والفائق وجزم به في الوجيز وتذكرة بن عبدوس والإفادات والمنور والمنتخب.
وقال القاضي: لا يشترط إسلامه اختاره في التعليق والجامع الصغير وهي رواية عن الإمام أحمد واختارها أكثر الأصحاب قال المجد في شرحه وتبعه في الفروع اختاره الأكثر وجزم به الخرقي وصاحب الفصول والتذكرة والمبهج والعقود لابن البنا وقدمه في الهداية والمستوعب والخلاصة وشرح ابن رزين وإدراك الغاية ونظم المفردات وهو منها.
وظاهر الفروع: الإطلاق فإنه قال يشترط إسلامه في رواية وعنه لا يشترط إسلامه وأطلقهما في المذهب ومسبوك الذهب والمغني والتلخيص والبلغة وشرح المجد وبن تميم والزركشي وقال في الرعاية وفي الكافي وقيل وفي الذمي روايتان وقال القاضي في الأحكام السلطانية يجوز أن يكون الكافر عاملا في زكاة خاصة عرف قدرها وإلا فلا.
فائدتان :
إحداهما : بنى بعض الأصحاب الخلاف هنا على ما يأخذه العامل فإن قلنا ما يأخذه أجرة لم يشترط إسلامه وإن قلنا هو زكاة اشترط إسلامه ويأتي في كلام المصنف أن ما يأخذه العامل أجرة في المنصوص.

الثانية : قال الأصحاب إذا عمل الإمام أو نائبه على الزكاة لم يكن له أخذ منها لأنه يأخذ رزقه من بيت المال قال بن تميم ونقل صالح عن أبيه العامل هو السلطان الذي جعل الله له الثمن في كتابه ونقل عبد الله نحوه قال في الفروع كذا ذكر ومراد أحمد إذا لم يأخذ من بيت المال شيئا فلا اختلاف أو أنه على ظاهره انتهى.
قلت: فيعايى بها.
ويأتي نظيرها في رد الآبق في آخر الجعالة.
واما اشتراط كون العامل من غير ذوي القربى فهو أحد الوجهين وهو المذهب على ما اصطلحناه في الخطبة قدمه المصنف هنا وقدمه بن تميم والشارح والناظم قال في الفروع هذا الأظهر وجزم به في الوجيز وغيره واختاره المصنف والمجد والشارح والناظم قال في الفروع هذا الأظهر وقال القاضي لا يشترط كونه من غير ذوي القربى وعليه جماهير الأصحاب قال الزركشي هذا المشهور والمختار لجمهور الأصحاب قال في المغني هو قول أكثر أصحابنا قال الشارح وقال أصحابنا لا يشترط قال المجد في شرحه هذا ظاهر المذهب قال في الفروع هذا الأشهر قال في تجريد العناية هذا الأظهر وجزم به في الهداية وعقود بن البنا والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والتلخيص والبلغة وهو ظاهر ما جزم به في المحرر والخلاصة والإفادات وإدراك الغاية وابن رزين لعدم ذكرهم له في الشروط وقدمه في الرعايتين والحاويين ونظم المفردات وهو منها وأطلقهما في الفروع والفائق وبناهما في الفصول والرعايتين والحاويين وغيرهم على ما يأخذه العامل هل هو أجرة أو زكاة وظاهر كلام أكثر الأصحاب عدم البناء.
وقيل: إن منع منه الخمس جاز وإلا فلا وقال المصنف إن أخذ أجرته من غير الزكاة جاز وإلا فلا وتابعه بن تميم.
وأما اشتراط كونه أمينا فهو المذهب مطلقا وعليه الأصحاب وقال في الفروع ويتوجه من جواز كونه كافرا جواز كونه فاسقا مع الأمانة قال والظاهر والله أعلم أن مرادهم بالأمانة العدالة وذكر الشيخ وغيره أن الوكيل لا يوكل إلا أمينا وأن الفسق ينافي ذلك انتهى.
قوله : "ولا يشترط حريته ولا فقره".
هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم وذكره المجد إجماعا في عدم اشتراط فقره.
وقيل: يشترطان ذكر الوجه باشتراط حريته أبو الخطاب وأبو حكيم وذكر الوجه اشتراط فقره بن حامد.
وقيل: يشترط إسلامه وحريته في عمالة تفويض لا تنفيذ وجواز كون العبد عاملا من مفردات المذهب.

فوائد:
الأولى : قال القاضي في الأحكام السلطانية يشترط علمه بأحكام الزكاة إن كان من عمال التفويض وإن كان فيه منفذا فقد عين الإمام ما يأخذه فيجوز أن لا يكون عالما قال في الفروع وأطلق غيره أن لا يشترط إذا كتب له ما يأخذه كسعاة النبي صلى الله عليه وسلم وذكر أبو المعالي أنه يشترط كونه كافيا قال في الفروع وهو مراد غيره قال وظاهر ما سبق لا يشترط ذكوريته وهذا متوجه انتهى.
قلت: لو قيل باشتراط ذكوريته لكان له وجه فإنه لم ينقل أن امرأة وليت عمالة زكاة البتة وتركهم ذلك قديما وحديثا يدل على عدم جوازه وأيضا ظاهر قوله تعالى: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} [التوبة: 60] لا يشملها.
الثانية : يجوز أن يكون حمال الزكاة وراعيها ونحوهما كافرا وعبدا ومن ذوي القربى وغيرهم بلا خلاف أعلمه لأن ما يأخذه أجرة لعمله لا لعمالته.
الثالثة : يشترط في العامل أن يكون مكلفا بالغا على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب وقال في الفروع ويتوجه في المميز العاقل الأمين تخريج يعني بجواز كونه عاملا.
الرابعة : لو وكل غيره في تفرقة زكاته لم يدفع إليه من سهم العامل.
قوله : "وإن تلفت الزكاة في يده من غير تفريط أعطي أجرته من بيت المال".
هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب قال المجد يعطى أجرته من بيت المال عند أصحابنا وفيه وجه لا يعطى شيئا قال في الفروع قال بن تميم واختاره صاحب المحرر ولقد اطلعت على نسخ كثيرة لمختصر بن تميم فلم أجد فيه "اختاره صاحب المحرر" بل يحكى الوجه من غير زيادة فلعل الشيخ اطلع على نسخة فيها ذلك والذي قاله المجد في شرحه والأقوى عندي التفصيل وهو أنه إن كان شرط له جعلا على عمله فلا شيء له لأنه لم يكمل العمل كما في سائر أنواع الجعالات وإن استأجره إجارة صحيحة بأجرة مسماة منها فكذلك لأن حقه مختص بالتالف فيذهب من الجميع.
وإن استأجره إجارة صحيحة بأجرة مسماة ولم يقيدها بها أو بعثه ولم يسم له شيئا فله الأجرة من بيت المال لأن دفع العمالة من بيت المال مع بقائه جائز للإمام ولم يوجد في هاتين الصورتين ما يعينها من الزكاة فلذلك تعينت فيه عند التلف انتهى وهذا لفظه قال بن تميم وهو الأصح.
والظاهر أن هذا المكان من الفروع غير محرر.
فائدة : يخير الإمام إن شاء أرسل العامل من غير عقد ولا تسمية شيء. وإن شاء عقد له

إجارة. ثم إن شاء جعل إليه أخذ الزكاة وتفرقتها وإن شاء جعل إليه أخذها فقط فإن أذن له في تفريقها أو أطلق فله ذلك وإلا فلا.
قوله : "الرابع: المؤلفة قلوبهم وهم السادة المطاعون في عشائرهم ممن يرجى إسلامه أو يخشى شره أو يرجى بعطيته قوة إيمانه أو إسلام نظيره أو جباية الزكاة ممن لا يعطيها أو الدفع عن المسلمين".
الصحيح من المذهب: أن حكم المؤلفة باق وعليه الأصحاب وهو من المفردات وعنه أن حكمهم انقطع مطلقا قال في الإرشاد وقد عدم في هذا الوقت المؤلفة وعنه أن حكم الكفار منهم انقطع واختار في المنهج أن المؤلفة مخصوصة بالمسلمين وظاهر الخرقي أنه مخصوص بالمشركين وصاحب الهداية والمذهب والتلخيص وجماعة حكوا الخلاف في الانقطاع في الكفار وقطعوا ببقاء حكمهم في المسلمين.
فعلى رواية الانقطاع: يرد سهمهم على بقية الأصناف أو يصرف في مصالح المسلمين وهذا المذهب نص عليه وجزم به بن تميم وصاحب الفائق وقدمه في الفروع وظاهر كلام جماعة يرد على بقية الأصناف فقط.
قلت: قدمه في الرعاية.
قال المجد: يرد على بقية الأصناف لا أعلم فيه خلافا إلا ما رواه حنبل وقال في الرعاية فيرد سهمهم إلى بقية الأصناف وعنه في المصالح وما حكى الخيرة ولعله "وعنه وفي المصالح" بزيادة واو.
فائدتان :
إحداهما : قال في الفروع هل يحل للمؤلف ما يأخذه يتوجه إن أعطى المسلم ليكف ظلمه لم يحل كقولنا في الهدية للعامل ليكف ظلمه وإلا حل والله سبحانه أعلم.
الثانية : يقبل قوله في ضعف إسلامه ولا يقبل قوله إنه مطاع إلا ببينة.
قوله : "الخامس الرقاب وهم المكاتبون".
الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب أن المكاتبين من الرقاب قال المصنف وغيره لا يختلف المذهب في ذلك وعنه الرقاب عبيد يشترون ويعتقون من الزكاة لا غير فلا تصرف إلى مكاتب ولا يفك بها أسير ولا غيره سوى ما ذكر.
تنبيه : ظاهر قوله: "الرقاب وهم المكاتبون" أنه لا يجوز دفعها إلى من علق عتقه بمجيء المال وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب وقدمه في الرعاية وقال جماعة منهم كالمكاتبين فيعطون وجزم به في المبهج والإيضاح ومختصر بن تميم.

وظاهر كلامه: أيضا: جواز أخذ المكاتب قبل حلول نجم وهو صحيح وهو المذهب نص عليه وعليه أكثر الأصحاب قال الزركشي: هذا أشهر القولين [وقطع به في المغني والشرح وشرح ابن رزين وغيرهم].
وقيل: لا يأخذ إلا إذا حل نجم وأطلق بعضهم وجهين في المؤجل.
فوائد:
إحداها : لو دفع إلى المكاتب ما يقضي به دينه لم يجز له أن يصرفه في غيره.
الثانية : لو عتق المكاتب تبرعا من سيده أو غيره فما معه منها له قدمه في الرعايتين والحاويين وقيل مع فقره وقيل بل للمعطى اختاره أبو بكر والقاضي قاله في الحاويين وقدمه في المحرر [وظاهر الفروع: إطلاق الخلاف] وقيل بل هو للمكاتبين.
ولو عجز أو مات وبيده وفاء ولم يعتق بملكه الوفاء فما بيده لسيده على الصحيح من المذهب قال في الرعايتين والحاوي الكبير: وهو أصح زاد في الكبرى وأشهر وقدمه بن تميم واختاره المصنف والشارح وقاله الخرقي فيما إذا عجز وقدمه في المستوعب وقدم في المحرر أنها تسترد إذا عجز وعنه يرد للمكاتبين نقلها حنبل وقدمه في الرعاية الكبرى وجزم به في المذهب فيما إذا عجز حتى ولو كان سيده قبضها وأطلقهما في الفروع بعنه وعنه.
وقيل: هو للمعطى حتى قال أبو بكر والقاضي ولو كان دفعها إلى سيده.
وقيل: لا تؤخذ من سيده كما لو قبضها منه ثم أعتقه وقطع به الزركشي.
وإن اشترى بالزكاة شيئا ثم عجز والعرض بيده فهو لسيده على الأولى وعلى الثانية فيه وجهان وأطلقهما بن تميم والرعاية الكبرى والفروع.
قلت: الصواب أنه في الرقاب.
ويأتي قريبا في كلام المصنف إذا فضل مع المكاتب شيء بعد حاجته.
ولو أعتق بالأداء والإبراء فما فضل معه فهو له قدمه في الرعايتين والحاويين كما لو فضل معه من صدقة التطوع.
وقيل: بل هو للمعطى كما لو أعطى شيئا لفك رقبة صححه في الرعايتين والحاوي الكبير وهو ظاهر ما قدمه في المحرر وأطلقهما في الفروع والحاوي الصغير.
وقيل: الخلاف روايتان. وقيل: هو للمكاتبين أيضا.
تنبيه : هذه الأحكام في الزكاة أما الصدقة المفروضة فكلام المصنف في المغني يقتضي جريان الخلاف فيها وكذا كلامه في الفروع وظاهر كلامه في المحرر اختصاصه بالزكاة ويأتي في أوائل الكتابة في كلام المصنف "إذا مات المكاتب قبل الأداء: هل يكون ما في يده لسيده أو الفاضل لورثته؟".

الثالثة : يجوز الدفع إلى سيد المكاتب بلا إذنه قال الأصحاب وهو أولى كما يجوز ذلك للإمام فإن رق لعجزه أخذت من سيده هذا الصحيح وقال المجد إنما يجوز بلا إذنه إن جاز العتق منها لأنه لم يدفع إليه ولا إلى نائبه كقضاء دين الغريم بلا إذنه ويأتي في كلام المصنف قبل الفصل جواز دفع السيد زكاته إلى مكاتبه ويأتي أيضا إذا فضل مع المكاتب شيء بعد العتق.
الرابعة : لو تلفت الزكاة بيد المكاتب أجزأت ولم يغرمها عتق لو رد رقيقا.
الخامسة : من شرط صحة الدفع إلى المكاتب من الزكاة أن يكون مسلما لا يجد وفاء.
قوله : "ويجوز أن يفدى بها أسيرا مسلما نص عليه".
وهو المذهب جزم به في العمدة والمغني والمحرر والشرح والإفادات والوجيز والفائق والمنور والمنتخب وشرح بن منجا واختاره المجد في شرحه وبن عبدوس في تذكرته والقاضي في التعليق وغيره وصححه الناظم وقدمه في شرح ابن رزين والفروع وقال اختاره جماعة وجزم به آخرون.
وعنه لا يجوز قدمه في الخلاصة والبلغة والرعايتين والحاويين واختاره الخلال وأطلقهما في التلخيص وتجريد العناية وأطلق بعض الأصحاب الروايتين من غير تقييد.
فائدة : قال أبو المعالي: مثل الأسير المسلم لو دفع إلى فقير مسلم غرمه سلطان مالا ليدفع جوره.
قوله : "وهل يجوز أن يشترى منها رقبة يعتقها على روايتين".
وأطلقهما في الهداية والمغني والتلخيص والمحرر والشرح ومختصر بن تميم والفروع والفائق.
إحداهما: يجوز وهو المذهب جزم به في المبهج والعمدة والإفادات والوجيز وتذكرة بن عبدوس والمنور والمنتخب ونظم نهاية ابن رزين وقدمه ابن رزين في شرحه واختاره المجد في شرحه والشارح والقاضي في التعليق وغيرهم.
الثانية: لا يجوز قدمه في الخلاصة والبلغة والنظم والرعايتين والحاويين وإدراك الغاية واختاره الخلال قال الزركشي رجع أحمد عن القول بالعتق حكاه من رواية صالح ومحمد بن موسى والقاسم وسندي [ورده المصنف في المغني وغيره].
وعنه لا يعتق من زكاته رقبة لكن يعين في ثمنها قال أبو بكر لا يعتق رقبة كاملة قال في الرعاية وعنه لا يعتق منها رقبة تامة وعنه ولا بعضها بل يعين في ثمنها.
تنبيه : يؤخذ من قول المصنف يعتقها أنه لو اشترى ذا رحمة لا يجوز لأنه يعتق بمجرد الشراء من غير أن يعتقه هو وهو صحيح وهو المذهب وعليه الأصحاب.

فعلى المذهب في أصل المسألة: لو أعتق عبده أو مكاتبه عن زكاته ففي الجواز وجهان وأطلقهما في الفروع والرعايتين والحاويين وبن تميم والفائق.
أحدهما: عدم الجواز جزم به في المغني والشرح.
الوجه الثاني: الجواز اختاره القاضي.
فائدتان :
إحداهما : حيث جوزنا العتق من الزكاة غير المكاتب إذا مات وخلف شيئا رد ما رجع من ولائه في عتق مثله على الصحيح من المذهب.
وقيل: وفي الصدقات أيضا قدمه بن تميم وهل يعقل عنه فيه روايتان وأطلقهما في الفروع.
قلت: الصواب عدم العقل ثم وجدته في المغني قبيل كتاب النكاح قدمه ونصره.
وعنه: ولاؤه لمن أعتقه.
وما أعتقه الساعي من الزكاة فولاؤه للمسلمين.
واما المكاتب: فولاؤه لسيده على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب.
وحكى بعضهم وجها: أن حكمهم حكم غيرهم على ما تقدم من الخلاف وقدمه في الفائق.
الثانية : يعطى المكاتب لفقره ذكره المصنف في المغني والشارح وصاحب الرعاية الكبرى وغيرهم واقتصر عليه في الفروع لأنه عبد.
قوله : "السادس: الغارمون وهم المدينون وهم ضربان ضرب غرم لإصلاح ذات البين".
يعطى من غرم لإصلاح ذات البين بلا نزاع فيه لكن شرط المصنف في العمدة وبن تميم وبن حمدان في الرعاية الكبرى كونه مسلما ويأتي ذلك عند قوله: "ولا يجوز دفعها إلى كافر بأتم من هذا".
تنبيه: قوله: "وضرب غرم لإصلاح نفسه في مباح".
وكذا من اشترى نفسه من الكفار جاز له الأخذ من الزكاة.
فوائد :
منها: لو كان غارما وهو قوي مكتسب جاز له الأخذ للغرم قاله القاضي في خلافه وابن عقيل في عمدة في الزكاة وذكره أيضا في المجرد والفصول في باب الكتابة وهو ظاهر كلام أحمد.

وقيل: لا يجوز جزم به المجد في شرحه وأطلقهما في القاعدة الثانية والثلاثين بعد المائة وقال هذا الخلاف راجع إلى الخلاف في إجباره على التكسب لوفاء دينه.
قلت: الصحيح من المذهب الإجبار على ما يأتي في باب الحجر.
ومنها: لو دفع إلى غارم ما يقضي به دينه لم يجز صرفه في غيره وإن كان فقيرا ولو دفع إليه لفقره جاز أن يقضى به دينه على الصحيح من المذهب وحكى في الرعاية وجها لا يجوز.
ومنها: لو تحمل بسبب إتلاف مال أو نهب جاز له الأخذ من الزكاة وكذا إن ضمن عن غيره مالا وهما معسران جاز الدفع إلى كل منهما وإن كانا موسرين أو أحدهما لم يجز على الصحيح من المذهب.
وقيل: يجوز إن كان الأصل معسرا والحميل موسرا وهو احتمال في التلخيص وقال في الترغيب يجوز إن ضمن معسرا موسرا بلا أمره.
ومنها: جواز الأخذ للغارم لذات البين قبل حلول دينه وفي الغارم لنفسه الوجهان قاله في الفروع.
ومنها: يجوز الأخذ لدين الله تعالى.
ومنها: لو وكل الغريم من عليه زكاة قبل قبضه منه لنفسه أو بوكيله في دفعها عنه إلى من له عليه دين عن دينه جاز نص عليه وهو المذهب وقال في الرعايتين قلت ويحتمل ضده.
وقال في الفروع: فإن قيل قد وكل المالك قيل فلو قال اشتر لي بها شيئا ولم يقبضها منه فقد وكله أيضا ولا يجزئ لعدم قبضها ولا فرق قال فتتوجه فيهما التسوية وتخريجهما على قوله لغريمه: "تصدق بديني عليك أو ضارب به" لا يصح لعدم قبضه وفيه تخريج يصح بناء على أنه هل يصح [قبل] قبضه لموكله وفيه روايتان انتهى.
وتأتي هاتان الروايتان في آخر باب السلم.
ومنها: لو دفع المالك إلى الغريم بلا إذن الفقير فالصحيح من المذهب أنه يصح قال في الفروع صححها غير واحد كدفعها إلى الفقير والفرق واضح انتهى قال في الرعايتين والحاويين جاز على الأصح وكلام الشيخ تقي الدين يقتضيه وعنه لا يصح وأطلقهما في الفروع.
وأما إذا دفعها الإمام في قضاء الدين فإنه يصح قولا واحدا لولايته عليه في إبقائه ولهذا يجبره عليه إذا امتنع.
ومنها: يشترط في إخراج الزكاة تمليك المعطى كما تقدم في آخر الباب الذي قبله فلا يجوز أن يغدى الفقراء ولا يعشيهم ولا يقضي منها دين ميت غرم لمصلحة نفسه أو غيره واختار الشيخ تقي الدين الجواز وذكره إحدى الروايتين عن أحمد لأن الغارم لا يشترط تمليكه لأن

الله تعالى قال: {وَالْغَارِمِينَ} [التوبة: 60] ولم يقل للغارمين. ويأتي بقية أحكام الغارم عند قول المصنف: "ويجوز دفع زكاته إلى مكاتبه وإلى غريمه" ويأتي أيضا إذا غرم في معصية.
قوله : "السابع: في سبيل الله وهم الغزاة الذين لا ديوان لهم".
فلهم الأخذ منها بلا نزاع لكن لا يصرفون ما يأخذون إلا لجهة واحدة كما تقدم في المكاتب والغارم.
تنبيه : ظاهر قوله: "وهم الذين لا ديوان لهم" أنه لو كان يأخذ من الديوان لا يعطى منها وهو صحيح لكن بشرط أن يكون فيه ما يكفيه فإن لم يكن فيه ما يكفيه فله أخذ تمام ما يكفيه قاله في الرعاية وغيرها.
فائدة : لا يجوز للمزكي أن يشتري له الدواب والسلاح ونحوهما على الصحيح من المذهب قال الزركشي هذا أشهر الروايتين فيجب أن يدفع إليه المال قال في الفروع الأشهر المنع من شراء رب المال ما يحتاج إليه الغازي ثم صرفه إليه اختاره القاضي وغيره ونقله صالح وعبد الله وكذا نقله بن الحكم ونقل أيضا يجوز وقال ذكر أبو حفص في جوازه روايتين.
قوله : "ولا يعطى منها في الحج".
هذا إحدى الروايتين اختاره المصنف والشارح وقالا هي أصح وجزم به في الوجيز.
وعنه يعطى الفقير ما يحج به الفرض أو يستعين به فيه وهي المذهب نص عليه في رواية عبد الله والمروذي والميموني قال في الفروع والحج من السبيل نص عليه وهو المذهب عند الأصحاب انتهى قال في الفصول والمذهب والخلاصة والرعايتين والحاويين وغيرهم الحج من السبيل على الأصح قال في تجريد العناية على الأظهر وجزم به في المبهج والإيضاح والخرقي والإفادات ونهاية ابن رزين والمنور وغيرهم واختاره القاضي في التعليق وقدمه في المستوعب والمحرر والفروع وشرح ابن رزين ونظم المفردات وهو منها وأطلقهما في الهداية وعقود بن البناء ومسبوك الذهب والتلخيص والبلغة والنظم والفائق.
فعلى المذهب: لا يأخذ إلا الفقير كما صرح به المصنف في الرواية وهو الصحيح من المذهب وعليه جمهور من الأصحاب وجزم به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والمصنف والمجد في شرحه وبن عبدوس في تذكرته وصاحب الحاويين والرعاية الصغرى وغيرهم وقدمه في الفروع والرعاية الكبرى.
وقيل: يأخذ الغني أيضا وهما احتمالان في التلخيص قال أبو المعالي كما لو أوصى بثلثه في السبيل.

وعلى المذهب أيضا: لا يأخذ إلا لحج الفرض أو يستعين به فيه على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع وقال جزم به غير واحد.
قلت: منهم صاحب الإفادات فيها والمصنف هنا.
قال في الرعاية الكبرى: وهو أولى.
وعنه يأخذ لحج النفل أيضا وهو ظاهر كلام الخرقي وبن الجوزي في مسبوك الذهب وجزم به في المذهب والمستوعب وشرح ابن رزين ونهايته وإدراك الغاية قال الزركشي ولم يشترط الفرض الأكثرون الخرقي والقاضي وصاحب التلخيص وأبو البركات وغيرهم قال في الفروع وصححه بعضهم قال القاضي وهو ظاهر كلام الإمام أحمد وقدمه في الرعايتين وأطلقهما المجد في شرحه وصاحب الحاويين والفائق.
فائدة : العمرة كالحج في ذلك على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب نقل جعفر "العمرة في سبيل الله" وعنه هي سنة.
قوله : "الثامن بن السبيل وهو المسافر المنقطع به".
هذا المذهب. وعليه الأصحاب إلا أن الشيرازي قدم في المبهج والإيضاح أن بن السبيل هم السؤال.
واعلم أنه إذا كان السفر في الطاعة أعطى بلا نزاع بشرطه وإن كان مباحا فالصحيح من المذهب أنه يعطى أيضا.
وقيل: لا بد أن يكون سفر طاعة فلا يعطى في سفر مباح وجزم به في الرعاية الصغرى قال في الفروع كذا قال وجزم به أيضا في الحاوي الصغير.
وإن كان سفر نزهة: ففي جواز إعطائه وجهان وأطلقهما في المغني والشرح والفروع والفائق والزركشي.
أحدهما: يجوز الأخذ وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب قال في التلخيص فيعطى بشرط أن لا يكون سفر معصية قال في الرعاية وهو ممن انقطع به في سفر مباح قال بن نصر الله في حواشي الفروع والأصح يعطى لأنه من أقسام المباح في الأصح كما تقدم في صلاة المسافر.
والوجه الثاني: لا يجوز الأخذ ولا يجزئ قدمه ابن رزين في شرحه [قال المجد في شرحه - بعد أن أطلق الوجهين - والصحيح: الجواز في سفر التجارة دون التنزه].
وأما السفر المكروه فظاهر كلام جماعة الأصحاب أنه لا يعطى منهم صاحب الرعاية وظاهر كلام كثير من الأصحاب أنه يعطى وهو ظاهر كلامه في التلخيص كما تقدم وقال في الفروع وعلله غير واحد بأنه ليس معصية فدل أنه يعطى في سفر مكروه قال وهو نظير إباحة الترخيص فيه انتهى.

وأما سفر المعصية: فإنه لا يعطى فيه وقطع به الأكثر وظاهر ما قاله في الفروع أنه نظير إباحة الترخص فيه جريان خلاف هنا.
فإن الشيخ تقي الدين اختار هناك جواز الترخص في سفر المعصية ورجحه ابن عقيل في بعض المواضع كما تقدم.
وقال في إدراك الغاية: وبن السبيل الآيب إلى بلده ولو من فرجة أو محرم في وجه ويأتي قريبا في كلام المصنف إذا تاب من المعصية.
قوله : "دون المنشئ للسفر من بلد".
يعني أنه لا يعطى وهذا الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب. وعنه يعطى أيضا.
فائدتان :
إحداهما : يعطى بن السبيل قدر ما يوصله إلى بلده ولو مع غناه في بلده ويعطى أيضا ما يوصله إلى منتهى مقصده ولو اجتاز عن وطنه على الصحيح من المذهب وهو مروي عن الإمام أحمد قال المصنف والشارح اختاره أصحابنا لأن الظاهر أنه إنما فارق وطنه لقصد قال الزركشي هو قول عامة الأصحاب واختار المصنف أنه لا يعطى وذكره المجد ظاهر رواية صالح وغيره وظاهر كلام أبي الخطاب.
الثانية : لو قدر بن السبيل على الاقتراض فأفتى المجد بعدم الأخذ من الزكاة وأفتى الشارح بجواز الأخذ وقال لم يشترط أصحابنا عدم قدرته على الاقتراض ولأن كلام الله على إطلاقه وهو كما قال وهو الصواب.
قوله : "ويعطى الفقير والمسكين ما يغنيه".
الصحيح من المذهب: أن كل واحد من الفقير والمسكين يأخذ تمام كفايته سنة قال الناظم وهو أولى قال في الحاويين هذا أصح عندي قال في تجريد العناية ويعطيان كفايتهما لتمام سنة لا أكثر على الأظهر وجزم به في الوجيز والإفادات والمنور والمنتخب وقدمه في الفروع والمحرر والفائق قال ناظم المفردات:
ولا يجوز الدفع للفقير
...
أكثر من غناه في التقدير
وعنه يأخذ تمام كفايته دائما بمتجر أو آلة صنعة ونحو ذلك اختاره في الفائق وهي قول في الرعاية.
وعنه لا يأخذ أكثر من خمسين درهما حتى تفرغ ولو أخذها في السنة مرارا وإن كثر نص عليه وقدمه في الرعايتين والحاويين.
واختار الآجري والشيخ تقي الدين جواز الأخذ من الزكاة جملة واحدة ما يصير به غنيا وإن كثر.

والمذهب: لا يجوز ذلك وتقدم آخر باب إخراج الزكاة اشتراط قبض الفقير للزكاة وما يتعلق به وتقدم أيضا ذلك قريبا.
قوله : "والعامل قدر أجرته".
الصحيح من المذهب: أن ما يأخذه العامل أجرة نص عليه وعليه أكثر الأصحاب وذكره بن عبد البر إجماعا وقيل ما يأخذه زكاة.
فعلى المذهب: يستحق أجرة المثل جاوز الثمن أو لم يجاوزه نص عليه وهو الصحيح وعنه له ثمن ما يجنيه قال المجد في شرحه فعلى هذه الرواية إن جاوزت أجرته ذلك أعطيه من المصالح انتهى.
هذا الحكم إذا لم يستأجره الإمام والصحيح من المذهب: أنه يستحق ذلك بالشرع ونص عليه وعليه أكثر الأصحاب قال القاضي في الأحكام السلطانية قياس المذهب أنه لا يستحق إذا لم يشرط له جعل إلا أن يكون معروفا بأخذ الأجرة على عمله ذكره في القاعدة الرابعة والسبعين فأما إن استأجره فتقدم آخر فصل العامل.
فائدة: يقدم العامل بأجرته على غيره من أهل الزكاة وإن نوى التطوع بعمله فله الأخذ قاله الأصحاب.
وتقدم أن الإمام ونائبه في الزكاة لا يأخذ شيئا عند اشتراط إسلامه.
قوله : "والمؤلف ما يحصل به التأليف".
هكذا قال الأصحاب وقال بعضهم يعطى الغني ما يرى الإمام قال في الفروع: ومراده ما ذكره جماعة ما يحصل به التأليف لأنه المقصود ولا يزاد عليه لعدم الحاجة.
فائدة: قوله : "والغازي ما يحتاج إليه لغزوه".
وهذا بلا نزاع لكن لا يشترى رب المال ما يحتاج إليه الغازي ثم يدفعه على الصحيح من المذهب لأنه قيمة قال في الفروع فيه روايتان ذكرهما أبو حفص الأشهر المنع ونقله صالح وعبد الله بن الحكم واختاره القاضي وغيره.
وعنه يجوز ونقله بن الحكم أيضا وقدمه في الرعاية الكبرى فقال ويجوز أن يشترى كل أحد من زكاته خيلا وسلاحا ويجعله في سبيل الله تعالى وعنه المنع منه انتهى وأطلقهما في الفروع وقال ولا يجوز أن يشترى من الزكاة فرسا يصير حبيسا في الجهاد ولا دارا ولا ضيعة للرباط أو يقفقها على الغزاة ولا غزوه على فرس أخرجه من زكاته نص على ذلك كله لأنه لم يعطها لأحد ويجعل نفسه مصرفا ولا يغزى بها عنه وكذا لا يحج بها ولا يحج بها عنه.
وأما إذا اشترى الإمام فرسا بزكاة رجل فله دفعها إليه يغزو عليها كما له أن يرد عليه زكاته لفقره أو غرمه.

قوله : "ومن كان ذا عيال أخذ ما يكفيهم".
تقدم قريبا في قوله: "ويعطى الفقير والمسكين ما يغنيه" أن الصحيح من المذهب أنه يأخذ تمام كفايته سنة وتقدم رواية أنه لا يأخذ أكثر من خمسين درهما فعلى المذهب يأخذ له ولعياله قدر كفايتهم سنة.
وعلى الرواية الأخرى يأخذ له ولكل واحد من عياله خمسين خمسين.
قوله : "ولا يعطى أحد منهم مع الغنى إلا أربعة العامل والمؤلف والغارم لإصلاح ذات البين والغازي".
أما العامل: فلا يشترط فقره بل يعطى مع الغني على الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به أكثرهم وذكره المجد إجماعا وذكر بن حامد وجها باشتراط فقره.
وتقدم ذلك عند قوله: "ولا شرط حريته ولا قفره".
وأما المؤلف: فيعطى مع غناه لا أعلم فيه خلافا.
وأما الغارم لإصلاح ذات البين فيأخذ مع غناه على الصحيح من المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم وقال ابن عقيل: لا يأخذ مع الغنى [ومحل هذا إذا لم يدفعها من ماله فإن دفعها لم يجز له الأخذ على ما يأتي قريبا].
وأما الغازي: فالصحيح من المذهب وعليه الأصحاب جواز أخذه مع غناه ونقل صالح إذا أوصى بفرس يدفع إلى من ليس له فرس أحب إلي إذا كان ثقة.
تنبيه : صرح المصنف أن بقية الأصناف لا يدفع إليهم من الزكاة مع غناهم وهو صحيح.
أما الفقير والمسكين: فواضح وكذا ابن السبيل.
وأما المكاتب: فلا يعطى لفقره قال في الفروع ذكره جماعة منهم المصنف في المغني والشارح وبن حمدان وغيرهم واقتصر عليه في الفروع لأنه عبد وتقدم ذلك.
وأما الغارم لنفسه في مباح: فالصحيح من المذهب أنه لا يعطى إلا مع فقره وعليه أكثر الأصحاب وقطع به كثير منهم.
وقيل: يعطى مع غناه أيضا ونقله محمد بن الحكم وتأوله القاضي على أنه بقدر كفايته قال في الرعاية عن هذا القول وهو بعيد.
فعلى المذهب: لو كان فقيرا ولكنه قوي يكتسب جاز له الأخذ أيضا قاله القاضي في خلافه وابن عقيل في عمده في الزكاة وذكره أيضا في المجرد والفصول في باب الكتابة وهو ظاهر كلام الإمام أحمد.

وقيل: لا يجوز وجزم به المجد في شرحه.
قلت: هذا المذهب وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب.
وأطلقهما في القاعدة الثانية والثلاثين بعد المائة وقال هذا الخلاف راجع إلى الخلاف في إجباره على التكسب لوفاء دينه انتهى.
قلت: الصحيح من المذهب الإجبار على ما يأتي في كلام المصنف في باب الحجر.
فائدة : لو غرم لضمان أو كفالة فهو كمن غرم لنفسه في مباح على الصحيح من المذهب وقيل هو كمن غرم لإصلاح ذات البين فيأخذ مع غناه بشرط أن يكون الأصيل معسرا ذكره الزركشي وغيره.
فائدة : إذا قلنا: الغني من ملك خمسين درهما وملكها لم يمنع ذلك من الأخذ بالغرم على الصحيح من المذهب والروايتين وعنه يمنع.
فعلى المذهب: من له مائة وعليه مثلها أعطي خمسين وإن كان عليه أكثر من مائة ترك له مما معه خمسون وأعطي تمام دينه.
وعلى الرواية الثانية: لا يعطى شيئا حتى يصرف جميع ما في يده فيعطى ولا يزاد على خمسين فإذا صرفها في دينه أعطي مثلها مرة بعد أخرى حتى يقضي دينه.
قوله : "وإن فضل مع الغارم والمكاتب والغازي وبن السبيل شيء بعد حاجتهم لزمهم رده".
إذا فضل مع الغازي شيء بعد قضاء دينه لزمه رده بلا خلاف أعلمه لكن لو أبرىء الغريم مما عليه أو قضي دينه من غير الزكاة فالصحيح من المذهب أنه يرد ما معه قال في الفروع استرد منه على الأصح ذكره جماعة وجزم به آخرون وذكره صاحب المحرر ظاهر المذهب وقدمه في المحرر قال في الرعايتين: رده في الأصح وجزم به في المغني والشرح وابن رزين والوجيز وغيرهم وعنه لا يسترد منه وأطلقهما في الحاويين.
قال المجد في شرحه: قال القاضي في تعليقه وهو على الروايتين في المكاتب فإذا قلنا أخذه هناك مستقر فكذا هنا قال بن تميم فإن كان فقيرا فله إمساكها ولا تؤخذ منه ذكره القاضي.
وقال القاضي في موضع من كلامه والمصنف في الكافي والمجد في شرحه إذا اجتمع الغرم والفقر في موضع واحد أخذ بهما فإن أعطى للفقر فله صرفه في الدين وإن أعطى للغرم لم يصرفه في غيره.
وقاعدة المذهب في ذلك: أن من أخذ بسبب يستقر الأخذ به وهو الفقر والمسكنة والعمالة والتأليف صرفه فيما شاء كسائر ماله وإن كان بسبب لا يستقر الأخذ به. لم يصرفه إلا

فيما أخذه له خاصة لعدم ثبوت ملكه عليه من كل وجه ولهذا يسترد منه إذا أبرىء أو لم يغز قاله المجد في شرحه وتبعه صاحب الفروع.
وأما إذا فضل مع المكاتب شيء فجزم المصنف أنه يرده وهو المذهب وجزم به في الكافي والوجيز والإفادات وتذكرة بن عبدوس وإدراك الغاية وغيرهم قال بن منجا في شرحه هذا المذهب وقدمه في المغني والشرح وشرح ابن رزين والنظم والمحرر وصححه في الرعايتين والحاوي الكبير.
والوجه الثاني: يأخذون أخذا مستقرا وهو ظاهر كلام الخرقي كما قال المصنف وقدمه في الرعايتين والحاوي الكبير وأطلقهما في شرح المجد وبن تميم والفروع والفائق والخلاف وجهان على الصحيح وقيل روايتان وقيل ما فضل للمكاتبين غيره.
وكذا الحكم لو عتق بإبراء قاله في الفروع وغيره.
وتقدم في أحكام المكاتب إذا عتق تبرعا من سيده أو غيره أو عجز أو مات وبيده وفاء.
فائدة : لو استدان ما عتق به وبيده من الزكاة قدر الدين فله صرفه لبقاء حاجته إليه بسبب الكتابة.
وأما الغازي إذا فضل معه فضل: فجزم المصنف هنا أنه يلزمه رده وهو المذهب جزم به في الكافي أيضا والمذهب لابن الجوزي وبن منجا في شرحه والوجيز والإفادات وتذكرة بن عبدوس وإدراك الغاية والمنور والمنتخب للآدمي وغيرهم [وصححه في تصحيح المحرر].
قال في الفروع: جزم به جماعة وقدمه في النظم والشرح.
والوجه الثاني: لا يرده جزم به المجد في شرحه وصححه الناظم قال في القاعدة الثانية والسبعين قال الخرقي والأكثرون لا يسترد انتهى.
وحمل الزركشي كلام الخرقي الذي في الجهاد على غير الزكاة وأطلقهما في الفروع والمحرر والرعايتين والحاويين.
وقال أيضا في القواعد: إذا أخذ من الزكاة ليحج على القول بالجواز وفضل منه فضلة الأظهر أنه يسترده كالوصية وأولى وقياس قول الأصحاب في الغازي أنه لا يسترد وظاهره كلام أحمد في رواية الميموني أن الدابة لا تسترد ولا يلزم مثله في النفقة.
وأما بن السبيل إذا فضل معه شيء فجزم المصنف هنا أنه يرد الفاضل بعد وصوله وهو المذهب وعليه أكثر الأصحاب وقطعوا به.
وعنه لا يرده بل هو له فيكون أخذه مستقرا وأطلقهما في الحاويين وقال الآجري يلزمه صرفه للمساكين قال في الفروع كذا قال ولعل مراده مع جهل أربابه.

قوله : "والباقون يأخذون أخذا مستقرا فلا يردون شيئا".
بلا نزاع في الجملة.
قوله : "وإذا ادعى الفقر من عرف بالغنى".
لم يقبل إلا ببينة وهذا بلا نزاع والبينة هنا ثلاثة شهود على الصحيح من المذهب نص عليه وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم وهو من مفردات المذهب.
وقيل: يكفي اثنان كدين الآدمي وهو ظاهر كلام الخرقي وجماعة في كتاب الشهادات وتأتي بينة الإعسار في أوائل باب الحج.
قوله : "أو ادعى إنسان أنه مكاتب أو غارم أو بن سبيل لم يقبل إلا ببينة".
إذا ادعى أنه مكاتب أو غارم لنفسه لم يقبل إلا ببينة بلا خلاف أعلمه فإن ادعى أنه غارم لإصلاح ذات البين فالظاهر يغني عن إقامة البينة فإن خفي لم يقبل إلا ببينة قاله المصنف في المغني وتبعه الشارح وأطلق بعض الأصحاب البينة وبعضهم قيد بالغارم لنفسه.
وقال في الفروع: ولا يقبل أنه غارم بلا بينة.
وإن ادعى أنه بن سبيل فجزم المصنف هنا أنه لا يقبل إلا ببينة وهو المذهب جزم به في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة وشرح المجد والنظم وشرح بن منجا قال في الفروع قدمه جماعة وجزم به آخرون منهم أبو الخطاب والشيخ.
وقيل: يقبل قوله بلا بينة جزم به في التلخيص والبلغة وقدمه في الرعايتين والحاويين.
فائدتان:
إحداهما : لو ادعى بن السبيل أنه فقير لم يدفع إليه إلا ببينة إن عرف بمال وإلا فلا.
الثانية : لو ادعى أنه يريد السفر قبل قوله بلا يمين.
تنبيه : مفهوم كلام المصنف أنه لو ادعى الغزو قبل قوله وهو صحيح وهو الصحيح من المذهب جزم به المصنف والشارح وصاحب التلخيص والبلغة والزركشي قال في الفائق والرعايتين والحاويين يقبل في أصح الوجهين وهو ظاهر كلامه في الوجيز وغيره.
وقيل: لا يقبل [إلا ببينة] وأطلقهما في الفروع.
قوله : "فإن صدق المكاتب سيده أو الغارم غريمه فعلى وجهين".
إذا صدق المكاتب سيده فأطلق المصنف وجهين في أنه هل يقبل قوله بمجرد تصديقه أم لا بد من البينة وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة

والمغني والكافي والهادي والتلخيص والبلغة وبن تميم والرعايتين والحاويين والنظم وشرح بن منجا والفائق والشرح وتجريد العناية.
أحدهما: لا يقبل تصديقه للتهمة فلا بد من البينة قدمه في الفروع ولم أر من تابعه على ذلك قال في إدراك الغاية وفي تصديقه غريمه والسيد وجه.
الثاني يقبل قوله بمجرد تصديق سيده قال المجد في شرحه وهو الأصح وجزم به في الإفادات والوجيز وتذكرة بن عبدوس والمنور والمنتخب وقدمه في المحرر.
قلت: وهو المذهب.
وإذا صدق الغريم غريمه فأطلق المصنف فيه وجهين وأطلقهما في الهداية، والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والمغني والكافي والهادي والتلخيص والبلغة وبن تميم والرعايتين والحاويين والنظم والفائق.
أحدهما: يقبل وهو المذهب قال المجد في شرحه الصحيح القبول قال في الفروع ويقبل إن صدقه غريم في الأصح وجزم به في الوجيز وتذكرة بن عبدوس والمنور والمنتخب وقدمه في المحرر.
والوجه الثاني: لا يقبل.
قوله : "وإن رآه جلدا أو ذكر أنه لا كسب له أعطاه من غير يمين".
بلا نزاع. وذلك بعد أن يخبره أنه لا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب بلا نزاع لكن إخباره بذلك هل هو واجب أم لا قال في الفروع يتوجه وجوبه وهو ظاهر كلامهم "أعطاه بعد أن يخبره" وقولهم "أخبره وأعطاه" انتهى.
وتقدم أول الباب: لو اشتغل بالعلم قادر على الكسب وتعذر الجمع بينهما.
قوله : "وإن ادعى أن له عيالا قلد وأعطى".
هذا الصحيح من المذهب وعليه جمهور الأصحاب قال في الفروع اختاره القاضي والأكثر ويحتمل أن لا يقبل ذلك إلا ببينة واختاره بن عقيل.
قوله : "ومن غرم أو سافر في معصية لم يدفع إليه".
إذا غرم في معصية لم يدفع إليه من الزكاة بلا نزاع وإذا سافر في معصية لم يدفع إليه أيضا على الصحيح من المذهب وقطع به الأكثرون وقد حكى في إدراك الغاية وجها بجواز الأخذ للراجع من سفر المعصية وتقدم ذلك.

قوله : "فإن تاب فعلى وجهين".
وأطلقهما في المغني وشرح المجد والشرح والنظم والفائق وأطلقهما في الغارم في الرعاية الكبرى.
أحدهما: يدفع إليهما وهو المذهب قال في الرعاية الصغرى والحاويين دفع إليه في أصح الوجهين واختاره بن عبدوس في تذكرته وجزم به في المذهب والمستوعب والخلاصة والمحرر والوجيز والمنتخب وجزم به في الهداية والتلخيص والبلغة والمنور في الغارم ولم يذكروا المسافر إذا تاب وهو مثله واختاره القاضي وابن عقيل في الغارم وصححه بن تميم في الغارم قال في الفروع في الغارم فإن تاب دفع إليه في الأصح قال الزركشي في الغارم المذهب الجواز اختاره القاضي وابن عقيل وأبو البركات وصاحب التلخيص وغيرهم انتهى وقدمه في الرعاية الكبرى في المسافر.
والوجه الثاني: لا يدفع إليهما وقدم ابن رزين عدم جواز الدفع إلى الغارم إذا تاب وجواز الدفع للمسافر إذا تاب.
قوله : "ويستحب صرفها في الأصناف كلها".
لكل صنف ثمنها إن وجد حيث وجب الإخراج فإن اقتصر على إنسان واحد أجزأه وهذا المذهب نص عليه وعليه جماهير الأصحاب قال في الفروع اختاره الخرقي والقاضي والأصحاب وهو المذهب كما لو فرقها الساعي وذكره المجد فيه إجماعا.
وعنه يجب استيعاب الأصناف كلها اختارها أبو بكر وأبو الخطاب.
فعلى هذه الرواية: يجب الدفع إلى ثلاثة من كل صنف على الصحيح إلا العامل كما جزم به المصنف هنا في الرواية.
وعنه يجزئ واحد من كل صنف اختاره أبو الخطاب في الانتصار والمجد في شرحه لأنه لما لم يمكن الاستغراق حمل على الجنس وكالعامل مع أنه في الآية بلفظ الجمع. {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة: 60] لا جمع فيه.
وعلى هذه الرواية أيضا: لو دفع إلى اثنين ضمن نصيب الثالث وهل يضمن الثلث أو ما يقع عليه الاسم خرج المجد في شرحه وجهين من الأضحية على ما يأتي إن شاء الله تعالى. وحكاهما بن رجب في قواعده من غير تخريج والصحيح هناك أنه يضمن أقل ما يقع عليه الاسم على ما يأتي.
وقوله في الرواية الثالثة: "إلا العامل فإنه يجوز أن يكون واحدا" هذا الصحيح على هذه الرواية وعليه الأصحاب ونص عليه.
اختار في الرعاية الكبرى أنه إن قلنا ما يأخذه أجرة أجزأ عامل واحد وإلا فلا يجزئ واحد وهو من المفردات.

وعلى الرواية الثانية أيضا: إن حرم نقل الزكاة كفى الموجود من الأصناف الذي ببلده على الصحيح فتقيد الرواية بذلك وقيل لا يكفي.
وعليها أيضا لا تجب التسوية بين الأصناف كتفضيل بعض صنف على بعض على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب وقال المجد وظاهر كلام أبي بكر إعطاء العامل الثمن وقد نص أحمد على وجوب التسوية بينهم.
فوائد :
إحداها: يسقط العامل إن فرقها ربها بنفسه.
الثانية : من فيه سببان مثل إن كان فقيرا غارما أو غازيا ونحو ذلك جاز أن يعطى بهما وعليه الأصحاب وقال المجد في شرحه جاز أن يعطى بهما على الروايتين يعني في الاستيعاب وعدمه.
ولا يجوز أن يعطى بأحدهما لا بعينه لاختلاف أحكامهما في الاستقرار وعدمه وقد يتعذر الاستيعاب فلا يعلم المجمع عليه من المختلف فيه وإن أعطى بهما وعين لكل سبب قدرا فذاك وإن لم يعين كان بينهما نصفين وتظهر فائدته لو وجد ما يوجب الرد.
الثالثة : قوله : "ويستحب صرفها إلى أقاربه الذين لا تلزمه مؤنتهم وتفريقها فيهم على قدر حاجتهم".
وهذا بلا نزاع [وقد حكاه المجد إجماعا وصاحب الفروع وفاقا] لكن يستحب تقديم الأقرب والأحوج وإن كان الأجنبي أحوج أعطى الكل ولم يحاب بها قريبه والجار أولى من غيره والقريب أولى من الجار نص عليه ويقدم العالم والدين على ضدهما.
وإذا دفع رب المال زكاته إلى العامل وأحضر من أهله من لا تلزمه نفقته ليدفع إليهم زكاته دفعها إليهم قبل خلطها بغيرها وإن خلطها بغيرها فهم كغيرهم ولا يخرجهم منها لأن فيها ما هم به أخص ذكره القاضي واقتصر عليه في الفروع وغيره.
قوله : "ويجوز للسيد دفع زكاته إلى مكاتبه وإلى غريمه".
يجوز دفع زكاته إلى مكاتبه على الصحيح من المذهب نص عليه وعليه جماهير الأصحاب وصححوه قال المجد هذا أشهر وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
وعنه لا يجوز اختارها القاضي في التعليق والتخريج قال المجد في شرحه هذا أقيس وأطلقهما في الفائق.
ويجوز دفع زكاته إلى غريمه ليقضي دينه إذا كان غير حيلة سواء دفعها إليه ابتداء أو استوفى حقه ثم دفع إليه ليقضي دين المقرض. على الصحيح من المذهب. وعليه أكثر

الأصحاب إذا لم يكن حيلة قال الإمام أحمد إن أراد إحياء ماله لم يجز وقال أيضا إذا كان حيلة فلا يعجبني وقال أيضا أخاف أن يكون حيلة فلا أراه ونقل بن القاسم إن أراد حيلة لم يصلح ولا يجوز.
قال القاضي وغيره: يعني بالحيلة أن يعطيه بشرط أن يردها عليه من دينه فلا يجزئه وذكر المصنف أنه حصل من كلام الإمام أحمد أنه إذا قصد بالدفع إحياء ماله أو استيفاء دينه لم يجز لأنها لله فلا يصرفها إلى نفعه وقال في الرعاية الصغرى إن قضاه بلا شرط صح كما لو قضى دينه بشيء ثم دفعه إليه زكاة ويكره حيلة انتهى قال في الفروع كذا قال وتبع صاحب الرعاية الصغرى في الحاوي الصغير.
وذكر أبو المعالي: الصحة وفاقا إلا بشرط تمليك قال في الفروع: كذا قال.
واختار الأزجي في النهاية الإجزاء لأن اشتراط الرد لا يمنع التمليك التام لأن له الرد من غيره فليس مستحقا قال وكذا الكلام إن أبرأ المدين محتسبا من الزكاة قال في الفروع كذا قال.
وقال بن تميم: ويجوز دفع الزكاة إلى الغريم نص عليه فإن شرط عليه رد الزكاة وفاء في دينه لم يجزه قاله القاضي وغيره قال القاضي وهو معنى قول أحمد: "لا يعجبني إذا كان حيلة" ثم قال بن تميم: والأصح أنه إذا دفع إليه بجهة الغرم لم يمنع الشرط الإجزاء وإن قصد بدفعه إليه إحياء ماله لم يجزه نص عليه قاله الموفق ثم قال وإن رد الغريم إليه ما قبضه قضى دينه فله أخذه نص عليه.
وعنه فيمن دفع إلى غريمه عشرة دراهم من الزكاة ثم قبضها منه وفاء عن دينه لا أراه أخاف أن يكون حيلة انتهى كلام بن تميم.
فائدتان:
إحداهما : لو أبرأ رب المال غريمه من دينه بنية الزكاة لم يجزه على الصحيح من المذهب نص عليه وعليه أكثر الأصحاب وقطع به أكثرهم سواء كان المخرج عنه عينا أو دينا واختار الأزجي في النهاية الجواز كما تقدم وهو توجيه احتمال وتخريج لصاحب الفروع وقال بناء على أنه هل هو تمليك أم لا وقيل يجزئه أن يسقط عنه قدر زكاة ذلك الدين منه ويكون ذلك زكاة ذلك الدين حكاه الشيخ تقي الدين واختاره أيضا لأن الزكاة مواساة.
الثانية : لا تكفي الحوالة بالزكاة على الصحيح من المذهب جزم به بن تميم وبن حمدان وغيرهما وقدمه في الفروع وذكر بعض الأصحاب: أن الحوالة وفاء. وذكر المصنف في انتقال الحق بالحوالة أن الحوالة بمنزلة القبض وإلا كان بيع دين بدين وذكر أيضا إذا حلف لا يفارقه حتى يقضيه حقه فأحاله به ففارقه ظنا منه أنه قد بريء أنه كالناسي وتقدم بعض فروع الغارم في فصله وتقدم في أول كتاب الزكاة إذا أحاله بدينه هل يكون قبضا عند قول المصنف: "ومن كان له دين على مسلم من صداق أو غيره".

قوله : "ولا يجوز دفعها إلى كافر".
يستثنى من ذلك المؤلف كما تقدم في كلام المصنف.
وأما العامل: فقد قدم المصنف هناك من شرطه أن يكون مسلما وكلامه هنا موافق لذلك وتقدم الخلاف فيه هناك.
وأما الغارم لذات البين والغازي: فالصحيح من المذهب أنه لا يجوز الدفع إليهما إذا كانا كافرين قاله المصنف والمجد وغيرهما وجزم به في الفائق وغيره وقدمه في الفروع وجزم في المذهب والمستوعب بالجواز.
قال في الرعايتين، والحاويين: ومن حرمت عليه الزكاة بما سبق فله أخذها لغزو وتأليف وعمالة وغرم لذات البين وهدية ممن أخذها وهو من أهلها وجزم بن تميم أنها لا تدفع إلى غارم لنفسه كافر فظاهره يجوز لذات البين قال في الفروع ولعله ظاهر كلام الشيخ يعني به المصنف فإنه ذكر المنع في الغارم لنفسه.
قوله : "ولا إلى عبد".
هذا المذهب من حيث الجملة وعليه جماهير الأصحاب ونص عليه إلا ما استثنى من كونه عاملا على الصحيح من المذهب على ما تقدم وقال في الهداية والمستوعب وغيرهما ومن حرمت عليه الزكاة من ذوي القربى وغيرهم فإنه يجوز أن يأخذ منها لكونه غازيا أو عاملا أو مؤلفا أو لإصلاح ذات البين وجزم به في الرعاية.
تنبيه : ظاهر كلام المصنف أنه لا يجوز دفعها إلى عبد ولو كان سيده فقيرا. وهو صحيح وهو المذهب وقال المجد في تعليل المسألة لأن الدفع إليه دفع إلى سيده لأنه إن قلنا يملك فله تملكه عليه والزكاة دين أو أمانة فلا يدفعها إلى من لم يأذن له المستحق وإن كان عبده كسائر الحقوق وقال القاضي في التعليق في باب الكتابة إذا كان العبد بين اثنين فكاتبه أحدهما يجوز وما قبضه من الصدقات فنصفه يلاقي نصفه المكاتب فيجوز وما يلاقي نصف السيد الآخر إن كان فقيرا جاز في حصته وإن غنيا لم يجز انتهى.
قال المجد: وكذا إن كاتب بعض عبده فما أخذه من الصدقة يكون للحصة المكاتبة منه بقدرها والباقي لحصة السيد مع فقره انتهى.
قال في الفروع: ويتوجه أن ذلك يشبه دفع الزكاة بغير إذن المدين في فصل الغارم وجزم غير القاضي من الأصحاب أن جميع ما يأخذه من بعضه مكاتب يكون له لأنه استحقه بجزئه المكاتب كما لو ورث بجزئه الحر.
فائدة: المدبر وأم الولد والمعلق عتقه بصفة كالعبد في عدم الأخذ من الزكاة وأما من بعضه حر فإنه يأخذ من الزكاة بقدر حريته بنسبته من خمسين أو من كفايته على الخلاف المتقدم أول الباب فمن نصفه حر يأخذ خمسة وعشرين أو نصف كفايته.

قوله : "ولا فقيره لها زوج غني".
هذا المذهب. وعليه الأصحاب ويأتي قريبا في كلام المصنف هل يجوز دفعها إلى سائر من تلزمه مؤنته من أقاربه؟.
فوائد :
إحداها : لا يجوز دفعها إلى غني بنفقة لازمة على الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب قال في الفروع اختاره الأكثر وأطلق في الترغيب والرعاية وجهين وجزم في الكافي بجواز الأخذ قال المجد لا أحسب ما قاله إلا مخالفا للإجماع في الولد الصغير.
الثانية : هل يجوز دفعها إلى غني بنفقة تبرع بها قريبه أو غيره فيه وجهان وأطلقهما في الحاوي الصغير والرعايتين واختار فيهما الجواز وهو الصواب وهو ظاهر ما قدمه في الفروع.
الثالثة : لو تعذرت النفقة من زوج أو قريب بغيبة أو امتناع أو غيره جاز أخذ الزكاة نص عليه وجزم به في الفروع وغيره كمن غصب ماله أو تعطلت منفعة عقاره.
قوله : "ولا الوالدين وإن علوا ولا الولد وإن سفل".
إن كان الوالدان وأن علوا والولد وإن سفل في حال وجوب نفقتهم عليه لم يجز دفعها إليهم إجماعا وإن كانوا في حال لا تجب نفقتهم عليه كولد البنت وغيره ممن ذكر [وكما إذا لم يتسع للنفقة ماله] لم يجز أيضا دفعها إليهم على الصحيح من المذهب ونص عليه وعليه أكثر الأصحاب.
وقيل: يجوز والحالة هذه اختاره القاضي في المجرد والشيخ تقي الدين وصاحب الفائق وذكره المجد ظاهر كلام أبي الخطاب وأطلق في الواضح في جد وبن بن محجوبين وجهين.
فائدة : لا يعطى عمودى نسبه لغرم لنفسه ولا لكتابته على الصحيح من المذهب نص عليه وقدمه في الفروع وغيره وقيل يجوز اختاره الشيخ تقي الدين ولا يعطوا لكونهم بن سبيل جزم به في التلخيص والبلغة وهو ظاهر ما قدمه في الفروع وغيره وذكر المجد أنه يعطى واختاره الشيخ تقي الدين ويأخذ لكونه عاملا ومؤلفا وغازيا وغارما لذات البين جزم به في الهداية والمستوعب والخلاصة والتلخيص والبلغة والرعايتين والحاويين وغيرهم.
قوله : "ولا بني هاشم".
هذا المذهب مطلقا نص عليه وعليه أكثر الأصحاب وكالنبي صلى الله عليه وسلم إجماعا.

وقيل: يجوز إن منعوا الخمس لأنه محل حاجة وضرورة اختاره الآجري قال في الفائق وقال القاضي يعقوب وأبو البقاء وأبو صالح إن منعوا الخمس جاز ذكره الصيرفي انتهى.
وقال في الفروع: ومال شيخنا إلى أنهم إن منعوا الخمس أخذوا الزكاة وربما مال إليه أبو البقاء وقال إنه قول القاضي يعقوب من أصحابنا ذكره بن الصيرفي في منتخب الفنون واختاره الآجري في كتاب النصيحة انتهى.
وزاد بن رجب على من سماهم في الفائق: نصر بن عبد الرزاق الجيلي.
قلت: واختاره في الحاويين.
وقال جامع الاختيارات: وبنو هاشم إذا منعوا من خمس الخمس جاز لهم الأخذ من الزكاة ويجوز لهم الأخذ من زكاة الهاشميين انتهى.
فتلخص جواز الأخذ لبني هاشم إذا منعوا من [خمس] الخمس عند القاضي يعقوب وأبي البقاء وأبي صالح ونصر بن عبد الرزاق وأبي طالب البصري وهو صاحب الحاويين والشيخ تقي الدين.
تنبيه : تقدم الخلاف في جواز كون ذوي القربى عاملين في فصله ولم يستثن جماعة سواه وذكر المصنف أن بني هاشم يعطون للغزو والعمالة وأن الأصحاب قالوا يعطى لغرم نفسه ثم ذكر احتمالا بعدم الجواز قال في الفروع وذكر بعضهم أنه أظهر.
قلت: جزم في الهداية والمستوعب والخلاصة والتلخيص والبلغة والرعايتين والحاويين وغيرهم بجواز أخذ ذوي القربى من الزكاة إذا كانوا غزاة أو عمالا أو مؤلفين أو غارمين لذات البين قال الزركشي يجوز أن يعطوا لكونهم غزاة أو غارمين لإصلاح ذات البين قال القاضي قياس المذهب أنهم يأخذون لمصلحتنا لا لحاجتهم وفقرهم وكذا قال المجد وزاد أو مؤلفه.
فائدة : بنو هاشم من كان من سلالة هاشم على الصحيح من المذهب. وذكره القاضي وأصحابه وجزم به المجد في شرحه وغيره وقدمه في الفروع فيدخل فيهم آل العباس وآل علي وآل جعفر وآل عقيل وآل الحارث بن عبد المطلب وآل أبي لهب وجزم في التلخيص والرعاية الكبرى إن بني هاشم هم آل العباس وآل علي وآل جعفر وآل عقيل وآل الحارث بن عبد المطلب فلم يدخلا أبا لهب مع كونه أخا العباس وأبي طالب.
قوله : "ولا لمواليهم".
هذا المذهب. نص عليه وعليه الأصحاب وهو من المفردات وأومأ الإمام أحمد في رواية يعقوب إلى الجواز.

فوائد:
إحداها : يجوز دفعها إلى موالي مواليهم على الصحيح من المذهب وسئل الإمام أحمد في رواية الميموني مولى قريش يأخذ الصدقة قال ما يعجبني قيل له فإن كان مولى مولى قال هذا أبعد قال في الفروع فيحتمل التحريم.
الثانية : يجوز دفعها إلى ولد هاشمية من غير هاشمي على الصحيح من المذهب اعتبارا بالأب قال في الفروع يجوز في ظاهر كلامهم وقاله القاضي في التعليق وقال أبو بكر في التنبيه والشافي لا يجوز واقتصر عليه في الحاوي الكبير وجزم به في الرعايتين والحاوي الصغير وظاهر شرح المجد الإطلاق.
الثالثة : لا يحرم أخذ الزكاة على أزواجه صلى الله عليه وسلم في ظاهر كلام الإمام أحمد والأصحاب قاله في الفروع وقال المصنف في المغني وتبعه الشارح في قول عائشة رضي الله عنها: "إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة" هذا يدل على تحريمها على أزواجه عليه أفضل الصلاة والسلام ولم يذكرا ما يخالفه وجزم به ابن رزين في شرحه: وقال المجد في شرحه أزواجه عليه أفضل الصلاة والسلام من أهل بيته المحرم عليهم الزكاة في إحدى الروايتين.
الثانية: لا يحرم عليهن انتهى.
وقال الشيخ تقي الدين: في تحريم الصدقة عليهن وكونهن من أهل بيته روايتان أصحهما التحريم وكونهن من أهل بيته قال في الفروع كذا قال.
قوله : "ويجوز لبني هاشم الأخذ من صدقة التطوع ووصايا الفقراء".
هذا المذهب نص عليه وعليه الأصحاب وحكاه في الفروع إجماعا ونقل الميموني أن التطوع لا يحل لهم أيضا قال المجد في شرحه فيكون النذر والوصية للفقراء أولى بالتحريم وجزم في الروضة بتحريم أخذ صدقة التطوع على بني هاشم ومواليهم وقدمه ابن رزين.
قوله : "وفي النذر".
يعني: يجوز لهم الأخذ من النذر كصدقة التطوع ووصايا الفقراء وهذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وجزم به أكثرهم.
وقطع في الروضة بتحريمه أيضا عليهم وحكى في الحاويين في جواز أخذهم من النذور وجهين وأطلقهما هو وصاحب تجريد العناية.
قوله : "وفي الكفارة: وجهان".
قال في الهداية: ويتخرج في الكفارة وجهان وأطلقهما في المستوعب والخلاصة والمغني والكافي والهادي والتلخيص والبلغة والشرح والرعايتين والحاويين والفائق والزركشي وتجريد العناية.

أحدهما: هي كالزكاة فلا يجوز لهم الأخذ منها لوجوبها بالشرع وهو المذهب صححه المجد في شرحه وقال بل هي أولى من الزكاة في المنع وهو ظاهر الوجيز فإنه قال وللهاشمي والمطلبي الأخذ من الوصية وصدقة التطوع وقدمه في الفروع.
والوجه الثاني: هي كصدقة التطوع قدمه ابن رزين وصححه في التصحيح والنظم.
تنبيه : رأيت في نسختين عليهما خط المصنف "ويجوز لبني هاشم الأخذ من صدقة التطوع ووصايا الفقراء وفي النذر وجهان" بغير ذكر الكفارة وأيضا: وإطلاق الخلاف في النذر ثم أصلح وعمل كما في الأصل وهو: "ويجوز لبني هاشم الأخذ من صدقة التطوع، ووصايا الفقراء والنذر وفي الكفارة وجهان" وهو الأليق بالمشهور بين الأصحاب ولكن قد ذكرنا الخلاف في النذر أيضا.
فائدة : إذا حرمت الصدقة على بني هاشم فالنبي صلى الله عليه وسلم بطريق أولى ونقله الميموني وإن لم تحرم عليهم فهي حرام عليه أيضا عليه أفضل الصلاة والسلام على الصحيح قدمه في الفروع وقال اختاره جماعة وصححه المصنف والشارح قال في الفائق ويحرم عليه صدقة التطوع على أصح الروايتين ونقل جماعة عن أحمد لا تحرم عليه اختاره القاضي وذكرها بن البنا وجهين وأطلقهما في المستوعب وشرح المجد والحاوي الكبير.
قوله : "وهل يجوز دفعها إلى سائر من تلزمه مؤنته من أقاربه على روايتين".
وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمغني والكافي والهادي والشرح والمحرر والنظم والفروع والفائق والزركشي والمذهب الأحمد.
إحداهما: لا يجوز دفعها إليهم وهو المذهب جزم به الخرقي وصاحب المبهج والإيضاح وعقود بن البنا والعمدة والإفادات والتسهيل والمنتخب. وناظم المفردات وهو منها وصححه في التلخيص والبلغة [وتصحيح المحرر] واختاره القاضي في الأحكام السلطانية والتعليق وقال هذه الرواية أشهرهما قال الزركشي: هي أشهرهما وأنصهما قال بن هبيرة هي الأظهر قال في الفروع اختاره الأكثر منهم المجد في شرحه وقدمه في المستوعب والخلاصة والرعايتين والحاويين وشرح ابن رزين.
والرواية الثانية: يجوز دفعها إليهم نقلها الجماعة عن الإمام أحمد قال المصنف في المغني وتبعه الشارح هي الظاهر عنه رواها عنه الجماعة وجزم به في الوجيز والمنور وصححه في التصحيح قال القاضي في التعليق يمكن حملها على اختلاف حالين فالمنع إذا كانت النفقة واجبة والجواز إذا لم تجب.
فعلى هذه الرواية: لو دفعها إليه وقبلها لم تلزمه نفقته لاستغنائه بها والنفقة لا تجب في الذمة وإن لم يقبلها وطالبه بنفقته الواجبة أجبر على دفعها ولا يجزئه في هذه الحال جعلها زكاة.

تنبيه : ظاهر كلام المصنف: جواز دفعها إلى أقاربه الذين لا يلزمه نفقتهم إذا كان يرثهم وهو إحدى الروايات وهو المذهب نقله الجماعة وهو داخل في عموم قول المصنف "ويستحب صرفها إلى أقاربه الذين لا يلزمه مؤنتهم" وهو ظاهر كلامه في النظم والرعايتين وجزم به في الكافي وقدمه في الخلاصة وشرح ابن رزين قال الزركشي جاز الدفع إليهم بلا نزاع قال في الفروع اختاره الأكثر منهم الخرقي والقاضي وصاحب المحرر.
والرواية الثانية: لا يجوز دفعها إليهم صححه في التلخيص والبلغة وأطلقهما في الفروع.
والرواية الثالثة: إن كان يمونهم عادة لم يجز دفعها إليهم وإلا جاز ذكرها بن الزاغوني.
فوائد :
الأولى : لو كان أحدهما يرث الآخر ولا يرثه الآخر كعمه وبن أخيها وعتيق ومعتقه وأخوين لأحدهما بن ونحوه فالوارث منهما تلزمه النفقة على الصحيح من المذهب والروايتين على ما يأتي في كلام المصنف في باب نفقة الأقارب.
فعليها في جواز دفع الزكاة إليهم الخلاف المتقدم وعكسه الآخر ذكره المجد في شرحه وتبعه في الفروع وغيره.
الثانية: يجوز دفعها إلى ذوي الأرحام ولو ورثوا على الصحيح من المذهب والروايتين لضعف قرابتهم قال المصنف وتبعه الشارح هذا ظاهر المذهب وقدمه في الفروع وغيره وعنه لا يجوز دفعها إليهم.
الثالثة : في الإرث بالرد الخلاف المتقدم قاله في الفروع وقدمه وقال في الرعاية الكبرى يجوز وفيه رواية وتقدم إذا كان غنيا بنفقة لازمة أو تبرع هل يجوز الدفع إليه عند قوله: "ولا فقيرة لها زوج غني؟".
الرابعة : يجوز كون قريب المزكى عاملا ويأخذ من زكاته بلا نزاع جزم به في الفروع وغيره وقال المجد لا تختلف الرواية أنه يجوز أن يدفع إلى أقاربه غير النفقة الواجبة عليه إذا كان غارما أو مكاتبا أو بن سبيل بخلاف عمودي نسبه لقوة القرابة.
وجعل في الرعايتين والحاويين والفائق الأقارب كعمودي النسب في الإعطاء لغرم وكتابة لا غير على قول فقالوا وقيل يعطى عمودي نسبه وبقية أقاربه لغرم وكتابة وأطلق هذين الوجهين في الحاويين.
وقال في الأحكام السلطانية: لا يدفع إلى أقاربه من سهم الغارمين إذا كانوا منهم وجزم المصنف وغيره أنه يعطى قرابته لعمالة وتأليف وغرم لذات البين وغزو ولا يعطى لغير ذلك.

الخامسة : لو تبرع بنفقة قريب أو يتيم أو غيره وضمه إلى عياله جاز له دفع الزكاة إليه قال المجد وهو ظاهر كلام الخرقي والقاضي وأكثر الأصحاب قال في الفروع اختاره الأكثر منهم المصنف والشارح والشيخ تقي الدين.
ونقل الأكثر عن الإمام أحمد أنه لا يجوز دفعها إليه اختاره أبو بكر في التنبيه وبن أبي موسى في الإرشاد وجزم به في المستوعب وقدمه في الحاوي الكبير وشرح ابن رزين وأطلقهما في الفروع وشرح المجد.
قوله : "أو إلى الزوج"؟
على روايتين وأطلقهما في الهداية والمبهج والإيضاح وعقود بن البنا والمستوعب والخلاصة والكافي والهادي والمغني والتلخيص والبلغة والمحرر والشرح والنظم والرعايتين والحاويين والفروع والفائق والزركشي وتجريد العناية.
إحداهما: يجوز وهي المذهب اختاره القاضي وأصحابه والمصنف قاله في الفروع [وفيه نظر، لأنا لم نجد المصنف اختاره في كتبه بل المجزوم به في العمدة خلاف ذلك] قال ابن رزين هذا أظهر واختاره أبو بكر قاله شيخنا في تصحيح المحرر وصححه في المذهب ومسبوك الذهب والتصحيح وجزم به في الوجيز وقدمه في إدراك الغاية.
والرواية الثانية: لا يجوز قال بن منجا في شرحه هذا المذهب وجزم به في الخرقي والعمدة والمنور والتسهيل وصححه في تصحيح المحرر وقال اختاره القاضي في التعليق وقدمه ابن رزين في شرحه واختاره أبو بكر والمجد في شرحه وقال اختاره أبو الخطاب واختاره الخلال أيضا وقال هذا القول الذي عليه أحمد ورواية الجواز قول قديم رجع عنه.
فائدة : لم يستثن جماعة من الأصحاب منهم المصنف هنا جواز أخذ الزوج من الزوجة وأخذها منه لسبب من الأسباب غير الفقر والمسكنة فلا يجوز أخذ واحد منهما لغزو ولا لكتابة ولا لقضاء دين [ونحوه قال المجد في شرحه ظاهر المذهب لا يجوز أخذ واحد منهما من الآخر لقضاء دين ولا لكتابة].
وقال القاضي في المجرد: يجوز الأخذ لقضاء دين أو كتابة لأنه لا يدفع عن نفسه نفقة واجبة كعمودي النسب وأما الأخذ لغيرهما فلا يجوز قولا واحدا.
قوله : "أو بني المطلب على روايتين".
وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والمغني والكافي والهادي والتلخيص والبلغة والمحرر والشرح والنظم والرعايتين والحاويين والفروع والفائق وتجريد العناية والزركشي [والمذهب الأحمد].

إحداهما: يجوز وهو المذهب اختاره المصنف والمجد في شرحه وهو ظاهر كلام الخرقي والمصنف في العمدة وبن عبدوس في تذكرته لمنعهم بني هاشم ومواليهم واقتصارهم على ذلك.
قال في الفروع: اختاره الخرقي والشيخ تقي الدين وصاحب المحرر وغيرهم وجزم به بن البنا في العقود وصاحب المنور وقدمه ابن رزين في شرحه.
والرواية الثانية: لا يجوز اختاره القاضي وأصحابه وصححه في التصحيح وتصحيح المحرر وبن منجا في شرحه وجزم به في المبهج والإيضاح والإفادات والوجيز والتسهيل وإليه ميل الزركشي.
فائدة : قال في الفروع لم يذكر الأصحاب موالي بني المطلب قال ويتوجه أن مراد أحمد والأصحاب أن حكمهم كموالي بني هاشم وهو ظاهر الخبر والقياس وسئل في رواية الميموني عن مولى قريش يأخذ الصدقة قال ما يعجبني قيل له فإن كان مولى مولى قال هذا أبعد فيحتمل التحريم انتهى كلام صاحب الفروع.
والظاهر: أنه تابع القاضي فإنه قال في بعض كلامه لا يعرف فيهم رواية ولا يمتنع أن نقول فيهم ما نقول في موالي بني هاشم. انتهى.
قلت: لم يطلع صاحب الفروع على كلام القاضي وغيره من الأصحاب في ذلك فقد قال في الجامع الصغير والإشارة والخصال له تحرم الصدقة المفروضة على بني هاشم وبني المطلب ومواليهم وكذا قال في المبهج والإيضاح وقال في الوجيز ولا تدفع إلى هاشمي ومطلبي ومواليهما.
قوله : "وإن دفعها إلى من لا يستحقها وهو لا يعلم ثم علم لم يجزه إلا لغني إذا ظنه فقيرا في إحدى الروايتين".
اعلم أنه إذا دفعها إلى من لا يستحقها وهو لا يعلم ثم علم فتارة يكون عدم استحقاقه لغناه وتارة يكون لغيره فإن كان لكفره أو لشرفه أو كونه عبدا فجزم المصنف هنا أنها لا تجزئه وهو المذهب.
قال في الفروع: لم تجزه في الأشهر قال صاحب المذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والمصنف والشارح لم تجزه رواية واحدة وجزم به في المحرر والوجيز والفائق والخلاصة.
وقيل: حكمه حكم ما لو بان غنيا على ما يأتي قريبا إن شاء الله تعالى وجزم به ابن عقيل في فنونه وكذلك ذكره القاضي في الجامع الصغير وحكاهما بن تميم طريقتين وأطلقهما قال في القواعد الأصولية فيه طريقان أحدهما كالغنى والثاني لا تجزئه قطعا.

فعلى المذهب: يستردها بزيادة مطلقا ذكره الآجري وأبو المعالي وغيرهما واقتصر عليه في الفروع.
وإن ظهر قريبا للمعطى فجزم المصنف هنا أنه لا يجزئه وهو المذهب وعليه الأصحاب قاله المجد وتبعه في الفروع وسوى في الرعايتين والحاويين بين ما إذا بان قريبا غير عمودي النسب وبين ما إذا بان غنيا وأطلق الروايتين.
والمنصوص: أنه يجزئه إذا بان قريبا مطلقا.
قال المجد في شرحه: هذا أصوب عندي لخروجها عن ملكه إلى من يجوز دفع زكاة سائر الناس إليه ولحديث يزيد بن معن انتهى.
قال في القواعد: فإن بان نسيبا فطريقان.
أحدهما: لا يجزئه قولا واحدا.
والثاني: هو كما لو بان غنيا.
والمنصوص هنا: الإجزاء لأن المانع خشية المحاباة وهو منتف مع عدم العلم.
وأما إذا دفعها إلى غني وهو لا يعلم ثم علم: فأطلق المصنف في الإجزاء روايتين وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والكافي والمغني والمحرر والشرح والفائق.
إحداهما: يجزئه وهو المذهب نص عليه وعليه أكثر الأصحاب قال في القواعد الفقهية هذا الصحيح وقال في القواعد الأصولية هذا المذهب.
قال المجد: اختاره أصحابنا وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
والرواية الثانية: لا يجزئه اختاره الآجري والمجد وغيرهما.
فعلى هذه الرواية: يرجع على الغني بها إن كانت باقية وإن كانت تلفت رجع بقيمتها يوم تلفها إذا علم أنها زكاة رواية واحدة ذكره القاضي وغيره.
قال بن شهاب: ولا يلزم إذا دفع صدقة تطوع إلى فقير فبان غنيا لأن مقصده في الزكاة إبراء الذمة وقد بطل ذلك فيملك الرجوع والسبب الذي أخرج لأجله في التطوع الثواب ولم يفت فلم يملك الرجوع وسبق رواية مهنا في آخر الباب الذي قبله عند قوله: "لم يرجع على المسكين".
وسبق كلام أبي الخطاب وغيره هناك.
وذكر جماعة من الأصحاب أن كل زكاة لا تجزئ وإن بان الآخذ غنيا فالحكم في الرجوع كالزكاة المعجلة على ما تقدم في آخر الباب الذي قبله وتقدم هناك تفاريع ذلك كله.

فوائد :
إحداها : لو دفع الإمام أو الساعي الزكاة إلى من يظنه أهلا لأخذها لم يضمن إذا بان غنيا ويضمن في غيره على الصحيح من المذهب قال في الفروع هذا الأشهر.
قال القاضي في المجرد: لا يضمن الإمام إذا بان غنيا بغير خلاف وصححه في الأحكام السلطانية وجزم المجد وغيره بعدم الضمان إذا بان غنيا وفي غيره روايتان انتهى.
وعنه يضمن في الجميع قدمه في الرعاية الصغرى ولم يذكر رواية التفرقة وتابعه في الحاويين قال في الفروع كذا قال.
وعنه لا يضمن في الجميع وذكر في الرعاية الكبرى رواية التفرقة وقدم الضمان مطلقا وأطلقهن بن تميم.
الثانية : لا يجوز دفع الزكاة إلا لمن يظنه من أهلها فلو لم يظنه من أهلها فدفعها إليه ثم بان من أهلها لم تجزه على الصحيح من المذهب.
وقال في الفروع: ويتوجه تخريج من الصلاة إذا أصاب القبلة.
الثالثة : الكفارة كالزكاة فيما تقدم من الأحكام ومن ملك فيهما الرجوع ملكه وارثه.
فائدة: قوله : "والصدقة على ذي الرحم صدقة وصلة".
هذا بلا نزاع وهي أفضل من العتق نقله حرب لحديث ميمونة والعتق أفضل من الصدقة على الأجانب إلا زمن الغلاء والحاجة نقله بكر بن محمد وأبو داود وقال الحلواني في التبصرة وصاحب الحاوي الصغير العتق أحب القرب إلى الله انتهيا ويأتي ذلك أول كتاب العتق.
وهل الحج أفضل أم الصدقة مع عدم الحاجة أم مع الحاجة وعلى القريب أم على القريب مطلقا فيه أربع روايات.
قال الشيخ تقي الدين: الحج أفضل من الصدقة وهو مذهب أحمد انتهى.
قلت: الصدقة زمن المجاعة لا يعدلها شيء لا سيما الجار خصوصا القرابة.
وقال في المستوعب: وصيته بالصدقة أفضل من وصيته بالحج التطوع.
فيؤخذ منه: أن الصدقة أفضل بلا حاجة فيبقى قول خامس.
وفي كتاب الصفوة لابن الجوزي: الصدقة أفضل من الحج ومن الجهاد.
وسبق في أول صلاة التطوع: أن الحج أفضل من العتق.
فحيث قدمت الصدقة على الحج فعلى العتق بطريق أولى وحيث قدم العتق على الصدقة فالحج بطريق أولى ويأتي في باب الوليمة هل يجوز الأكل من مال من في ماله حرام وحلال أم لا؟.

قوله : "ويستحب الصدقة بالفاضل عن كفايته وكفاية من يمونه".
هكذا أطلق جماعة من الأصحاب ومرادهم بالكفاية الكفاية الدائمة كما صرح به الأصحاب بمتجر أو غلة وقف وصنعة وهذا المذهب مطلقا أعني الصدقة بالفاضل عن كفايته وكفاية من يمونه بمتجر ونحوه وعليه أكثر الأصحاب وجزم به في المذهب والمغني والشرح والوجيز وغيرهم وقدمه في الفروع وقال ومعنى كلام بن الجوزي في بعض كتبه لا يكفي الاكتفاء بالصنعة وقاله في غلة وقف أيضا قال صاحب الفروع وفي الاكتفاء بالصنعة نظر وقال ابن عقيل في موضع من كلامه أقسم بالله لو عبس الزمان في وجهك مرة لعبس في وجهك أهلك وجيرانك ثم حث على إمساك المال.
وذكر بن الجوزي في كتابه "السر المصون" أن الأولى أن يدخر لحاجة تعرض وأنه قد يتفق له مرفق فيخرج ما في يده فينقطع مرفقه فيلاقي من الضرر ومن الذل ما يكون الموت دونه وذكر كلاما طويلا في ذلك.
قوله : "وإن تصدق بما ينقص مؤنة من تلزمه مؤنته أثم".
وكذا لو أضر ذلك بنفسه أو بغريمه أو بكفالته قاله الأصحاب.
فائدة: قال في الفروع ظاهر كلام جماعة من الأصحاب أنه إذا لم يضر فالأصل الاستحباب وجزم في الرعاية الكبرى بما ذكره بعض الأصحاب أنه يكره التصدق قبل الوفاء والإنفاق الواجب.
قوله : "ومن أراد الصدقة بماله كله وهو يعلم من نفسه حسن التوكل والصبر عن المسألة فله ذلك".
بلا نزاع لكن ظاهر ذلك الجواز لا الاستحباب وصرح به بعضهم وجزم المجد في شرحه وغيره بالاستحباب قال في الفروع ودليلهم يقتضي ذلك.
قوله : "فإن لم يثق من نفسه لم يجز له".
وهو المذهب وعليه الأصحاب قاله أبو الخطاب وغيره فيمنع من ذلك ويحجر عليه وقال المصنف وغيره يكره ذلك.
قوله : "ويكره لمن لا صبر له على الضيق أن ينقص نفسه عن الكفاية التامة".
بلا نزاع. زاد في الفروع وغيره وكذا من لا عادة له بالضيق.

فوائد:
الأولى : ظهر مما سبق أن الفقير لا يقترض ويتصدق ونص الإمام أحمد في فقير لقرابته وليمة يستقرض ويهدى له ذكره أبو الحسين في الطبقات.
قال الشيخ تقي الدين: فيه صلة الرحم بالقرض.
قال في الفروع: ويتوجه أن مراده أنه يظن وفاء وقال أيضا ويتوجه في الأظهر أن أخذ صدقة التطوع أولى من الزكاة وأن أخذها سرا أولى.
قال: وفيها قولان للعلماء أظن علماء الصوفية.
الثانية : تجوز صدقة التطوع على الكافر والغني وغيرهما نص عليه ولهم أخذها.
الثالثة : يستحب التعفف فلا يأخذ الغني صدقة ولا يتعرض لها فإن أخذها مظهرا للفاقة قال في الفروع فيتوجه التحريم قلت وهو الصواب.
الرابعة : يحرم المن بالصدقة وغيرها وهو كبيرة على نص أحمد الكبيرة ما فيه حد في الدنيا أو وعيد في الآخرة ويبطل الثواب بذلك وللأصحاب خلاف فيه وفيه بطلان طاعة بمعصية واختار الشيخ تقي الدين الإحباط لمعنى الموازنة.
قال في الفروع: ويحتمل أن يحرم المن إلا عند من كفر إحسانه وأساء إليه فله أن يعدد إحسانه.
الخامسة : من أخرج شيئا يتصدق به أو وكل في ذلك ثم بدا له استحب أن يمضيه ولا يجب قال الإمام أحمد ما أحسن أن يمضيه وعنه يمضيه ولا يرجع فيه وحمل القاضي ما روى عن أحمد على الاستحباب قال ابن عقيل لا أعلم للاستحباب وجها قاله في القاعدة الثانية والخمسين وهو كما قال وإنما يتخرج على أن الصدقة تتعين بالتعيين كالهدي والأضحية يتعينان بالقول وفي تعيينهما بالنية وجهان انتهى.
وتقدم متى يملك الصدقة في آخر الباب الذي قبله فليعاود.

كتاب الصيام
مدخل...
كتاب الصيامفوائد:
إحداها : الصوم والصيام في اللغة الإمساك وهو في الشرع عبارة عن إمساك مخصوص في وقت مخصوص على وجه مخصوص.
الثانية : فرض صوم رمضان في السنة الثانية إجماعا فصام رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام تسع رمضانات إجماعا.
الثالثة : المستحب أن يقول "شهر رمضان" كما قال الله تعالى ولا يكره قول "رمضان" بإسقاط "شهر" مطلقا على الصحيح من المذهب وذكر المصنف يكره إلا مع قرينة وذكر الشيخ تقي الدين رحمه الله تعالى وجها يكره مطلقا وفي المنتخب لا يجوز.
قوله : "وإن حال دون منظره غيم أو قتر ليلة الثلاثين وجب صيامه بنية رمضان في ظاهر المذهب".
وهو المذهب عند الأصحاب ونصروه وصنفوا فيه التصانيف وردوا حجج المخالف وقالوا نصوص أحمد تدل عليه وهو من مفردات المذهب.
وعنه لا يجب صومه قبل رؤية هلاله أو إكمال شعبان ثلاثين.
قال الشيخ تقي الدين: هذا مذهب أحمد المنصوص الصريح عنه وقال لا أصل للوجوب في كلام الإمام أحمد ولا في كلام أحد من الصحابه.
ورد صاحب الفروع جميع ما احتج به الأصحاب للوجوب وقال لم أجد عن أحمد قولا صريحا بالوجوب ولا أمر به فلا يتوجه إضافته إليه واختار هذه الرواية أبو الخطاب وابن عقيل ذكره في الفائق واختارها صاحب التبصرة قاله في الفروع واختارها الشيخ تقي الدين وأصحابه منهم صاحب التنقيح والفروع والفائق وغيرهم وصححه ابن رزين في شرحه.
فعلى هذه الرواية: يباح صومه قال في الفائق اختاره الشيخ تقي الدين وقيل بل يستحب قال الزركشي اختاره أبو العباس انتهى.
قال في الاختيارات: وحكى عن أبي العباس أنه كان يميل أخيرا إلى أنه لا يستحب صومه انتهى.

وعنه الناس تبع للإمام إن صام صاموا وإلا فيتحرى في كثرة كمال الشهور ونقصها وإجباره بمن لا يكتفى به وغير ذلك من القرائن ويعمل بظنه وقيل إلا المنفرد برؤيته فإنه يصومه على الأصح وقيل الناس تبع للإمام في الصوم والفطر إلا المنفرد برؤيته فإنه يصومه حكى هذين القولين صاحب الرعاية.
قلت: المذهب وجوب صوم المنفرد برؤيته على ما يأتي في كلام المصنف رحمه الله قريبا.
وعنه صومه منهي عنه قاله في الفروع وقال اختاره أبو القاسم بن منده الأصفهاني وأبو الخطاب وابن عقيل وغيرهم قال الزركشي وقد قيل إن هذا اختيار ابن عقيل وأبي الخطاب في خلافيهما قال والذي نصره أبو الخطاب في الخلاف الصغير كالأول وأصل هذا في الكبير انتهى.
فعلى هذه الرواية قيل: يكره صومه وذكره ابن عقيل رواية وقيل النهي للتحريم ونقله حنبل ذكره القاضي وأطلقهما في الفروع والزركشي والفائق فقال وإذا لم يجب فهل هو مباح أو مندوب أو مكروه أو محرم على أربعة أوجه اختار شيخنا الأول انتهى.
قال بعض الأصحاب: يجيء في صيامه الأحكام الخمسة قال الزركشي وقول سادس بالتبعية.
وعمل ابن عقيل في موضع من الفنون بعادة غالبة كمضي شهرين كاملين فالثالث ناقص وقال هو معنى التقدير وقال أيضا البعد مانع كالغيم فيجب على كل حنبلي يصوم مع الغيم أن يصوم مع البعد لاحتماله.
وقال أيضا: الشهور كلها مع رمضان في حق المطمور كاليوم الذي يشك فيه من الشهر في التحرز وطلب التحقق ولا أحد قال بوجوب الصوم بل بالتأخير ليقع أداء أو قضاء كذا لا يجوز تقديم صوم لا يتحقق من رمضان وقال في مكان آخر أو يظنه لقبولنا شهادة واحد.
تنبيه: فعلى قول الأصحاب يجوز صومه بنية رمضان حكما ظنيا بوجوبه احتياطا ويجزئ على الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب.
وعنه ينويه حكما جازما بوجوبه وذكره بن أبي موسى عن بعض الأصحاب وجزم به في الوجيز قال الزركشي حكى عن التميمي.
فعلى المقدم وهو الصحيح يصلي التراويح على أصح الوجهين اختاره بن حامد والقاضي وجماعة منهم ولده القاضي أبو الحسين قال في المستوعب في صلاة التطوع وصاحب الحاوي الكبير هذا الأقوى عندي قال المجد في شرحه هو أشبه بكلام أحمد في رواية الفضل القيام قبل الصيام احتياطا لسنة قيامه ولا يتضمن محذورا والصوم نهي عن تقديمه قال في تجريد العناية وتصلى التراويح ليلتئذ في الأظهر قال بن تميم: فعلت في أصح

الوجهين. قال بن الجوزي هو ظاهر كلام الإمام أحمد واختيار مشايخنا المتقدمين ذكره في كتاب "درء اللوم والضيم في صوم يوم الغيم".
والوجه الثاني: لا تصلى التراويح اقتصارا على النص اختاره أبو حفص والتميميون وغيرهم وجزم به بن عبدوس في تذكرته وصاحب المنور وصححه في تصحيح المحرر قال في التلخيص وهو أظهر قال الناظم هو أشهر القولين وأطلقهما في المحرر وشرح الهداية والرعايتين والحاوي الصغير والفائق والزركشي والقواعد الفقهية وهو ظاهر الفروع.
وأما بقية الأحكام: من حلول الآجال ووقوع المتعلقات وانقضاء العدد ومدة الإيلاء وغير ذلك فلا يثبت منها شيء على الصحيح عندهم وقدمه في الفروع وقال هو أشهر وذكر القاضي احتمالا تثبت هذه الأحكام كما يثبت الصوم وتوابعه وتبييت النية ووجوب الكفارة بالوطء فيه ونحو ذلك قال في القواعد وهو ضعيف قال الزركشي هما احتمالان للقاضي في التعليق وأطلقهما وعلى رواية أنه ينويه حكما بوجوبه جاز ما يصلي التراويح أيضا على الصحيح وجزم به أكثر الأصحاب وقيل لا يصلي.
فائدة : قال في المستوعب فإن غم هلال شعبان وهلال رمضان جميعا فعلى الرواية الأولى وهي المذهب عند الأصحاب يجب أن يقدروا رجبا وشعبانا ناقصين ثم يصومون ولا يفطرون حتى يروا هلال شوال ويتموا صومهم اثنين وثلاثين يوما وعلى هذا فقس إذا غم هلال رجب وشعبان ورمضان.
ويأتي بأتم من هذا عند قوله: "وإن صاموا لأجل الغيم لم يفطروا".
قوله : "وإذا رؤي الهلال نهارا قبل الزوال وبعده فهو لليلة المقبلة".
هذا المذهب سواء كان أول الشهر أو آخره جزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره قال في الفروع هذا المشهور قال الزركشي هذا المذهب فعليه لا يجب به صوم ولا يباح به فطر.
وعنه إذا رؤي بعد الزوال فهو لليلة المقبلة وقبل الزوال للماضية اختاره أبو بكر والقاضي وقدمه في الفائق.
وعنه إذا رؤي بعد الزوال آخر الشهر فهو لليلة المقبلة وإلا لليلة الماضية قال في المذهب فأما إذا رؤي في آخره قبل الزوال فهو للماضية قولا واحدا وإن كان بعد الزوال فعلى روايتين انتهى.
وعنه إذا رؤي قبل الزوال وبعده آخر الشهر فهو لليلة المقبلة وإلا لليلة الماضية.
قوله : "وإذا رأى الهلال أهل بلد لزم الناس كلهم الصوم".
لا خلاف في لزوم الصوم على من رآه. وأما من لم يره: فإن كانت المطالع متفقة. لزمهم

الصوم أيضا. وإن اختلفت المطالع فالصحيح من المذهب لزوم الصوم أيضا قدمه في الفروع والفائق والرعاية وهو من المفردات وقال في الفائق والرؤية ببلد تلزم المكلفين كافة.
وقيل: تلزم من قارب مطلعهم اختاره شيخنا يعني به الشيخ تقي الدين وقال في الفروع وقال شيخنا يعني به الشيخ تقي الدين تختلف المطالع باتفاق أهل المعرفة فإن اتفقت لزم الصوم وإلا فلا وقال في الرعاية الكبرى يلزم من لم يره حكم من رآه ثم قال قلت بل هذا مع تقارب المطالع واتفاقها دون مسافة القصر لا فيما فوقها مع اختلافها انتهى.
فاختار أن البعد مسافة القصر وفرع فيها على المذهب وعلى اختياره فقال لو سافر من بلد لرؤية ليلة الجمعة إلى بلد لرؤية ليلة السبت فبعد وتم شهره ولم يروا الهلال صام معهم وعلى المذهب يفطر فإن شهد به وقبل قوله أفطروا معه على المذهب وإن سافر إلى بلد لرؤية ليلة الجمعة من بلد لرؤية ليلة السبت وبعد أفطر معهم وقضى يوما على المذهب ولم يفطر على الثاني ولو عيد ببلد بمقتضى الرؤية ليلة الجمعة في أوله وسافرت سفينة أو غيرها سريعا في يومه إلى بلد الرؤية ليلة السبت وبعد أمسك معهم بقية يومه لا على المذهب انتهى.
قال في الفروع: كذا قال قال وما ذكره على المذهب واضح وعلى اختياره فيه نظر لأنه في الأولى اعتبر حكم البلد المنتقل إليه لأنه صار من جملتهم وفي الثانية اعتبر حكم المنتقل منه لأنه التزم حكمه انتهى.
قوله : "ويقبل في هلال رمضان قول عدل واحد".
هذا المذهب نص عليه وعليه جماهير الأصحاب وقال في الرعاية: ويثبت بقول عدل واحد وقيل حتى مع غيم وقتر فظاهره أن المقدم خلافه قال في الفروع والمذهب التسوية وعنه لا يقبل فيه إلا عدلان كبقية الشهود.
واختار أبو بكر أنه إن جاء من خارج المصر أو رآه في المصر وحده لا في جماعة قبول قول عدل واحد وإلا اثنان وحكى هذه رواية قال في الرعاية وقيل عنه إن جاء من خارج المصر أو رآه فيه لا في جمع كثير قبل وإلا فلا.
فقال في هذه الرواية: "لا في جمع كثير" ولم يقل "وإلا اثنان".
فعلى المذهب: هو خبر لا شهادة على الصحيح من المذهب فيقبل قول عبد وامرأة واحدة.
وقال في المبهج: أما الرؤية: فيصوم الناس بشهادة الرجل العدل أو امرأتين.
فظاهره: أنه لا يقبل قول امرأة واحدة ويأتي الخلاف فيها.
وعلى المذهب أيضا: لا يختص بحاكم بل يلزم الصوم من سمعه من عدل قال بعض الأصحاب ولو رد الحاكم قوله.

وقال أبو البقاء: إذا ردت شهادته ولزم الصوم فأخبره غيره لم يلزمه بدون ثبوت وقيل إن وثق إليه لزمه ذكره بن عقيل.
وعلى المذهب: لا يعتبر لفظ "الشهادة" وذكر القاضي في شهادة القاذف أنه شهادة لا خبر فتنعكس هذه الأحكام وذكر بعضهم وجهين هل هو خبر أو شهادة قال في الرعاية وفي المرأة والعبد إذا قلنا يقبل قول عدل وجهان وأطلق في قبول المرأة الواحدة إذا قلنا يقبل قول عدل واحد الوجهان في الرعاية الصغرى والنظم والحاويين والفائق وقال في الكافي يقبل قول العبد لأنه خبر وفي المرأة وجهان أحدهما يقبل لأنه خبر والثاني لا يقبل لأن طريقه الشهادة ولهذا لا يقبل فيه شهادة شاهد الفرع مع إمكان شاهد الأصل ويطلع عليه الرجل كهلال شوال قال في الفروع كذا قال.
تنبيه : ظاهر كلام المصنف وغيره أنه لا يقبل قول الصبي المميز والمستور وهو صحيح وهو المذهب وقطع به أكثرهم وقال في الفروع يتوجه في المستور والمميز الخلاف.
فائدة : إذا ثبت الصوم بقول عدل ثبتت بقية الأحكام على الصحيح من المذهب جزم به المجد في شرحه في مسألة الغيم وقطع به في القاعدة الثالثة والثلاثين بعد المائتين وقال صرح به ابن عقيل في عمد الأدلة وقدمه في الفروع وقال القاضي في مسألة الغيم مفرقا بين الصوم وبين غيره وقد يثبت الصوم ما لا يثبت الطلاق والعتق ويحل الدين وهو شهادة عدل ويأتي إن شاء الله تعالى إذا علق طلاقها بالحمل فشهد به امرأة.
قوله : "ولا يقبل في سائر الشهور إلا عدلان".
وهو المذهب. وعليه الأصحاب وقطع به أكثرهم وحكاه الترمذي إجماعا وقال في الرعاية الكبرى وعنه يقبل في هلال شوال عدل واحد بموضع ليس فيه غيره فعلى المذهب قال الزركشي قبوله بشهادة عدلين يحتمل عند الحاكم ويحتمل مطلقا وبه قطع أبو محمد فجوز الفطر بقولهما لمن يعرف حالهما ولو ردهما الحاكم لجهله بهما ولكل واحد منهما الفطر. انتهى.
قوله : "وإذا صاموا بشهادة اثنين ثلاثين يوما فلم يروا الهلال أفطروا".
وهو المذهب مطلقا وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم.
وقيل: لا يفطرون مع الصحو وصححه في الحاويين قال في الفروع اختاره في المستوعب وأبو محمد بن الجوزي لأن عدم الهلال يقين فيقدم على الظن وهو الشهادة انتهى.
قلت: ليس كما قال صاحب المستوعب وصاحب المستوعب قطع بالفطر فقال: "وإن صاموا بشهادة عدلين أفطروا وجها واحدا".

قوله : "وإن صاموا بشهادة واحد فعلى وجهين".
عند الأكثر وقيل هما روايتان وأطلقهما في الكافي والمغني والرعايتين والفروع والفائق والشرح.
أحدهما : لا يفطرون وهو الصحيح من المذهب جزم به في العمدة والمنور والمنتخب وصححه في التصحيح والمذهب والخلاصة والبلغة والنظم واختاره بن عبدوس في تذكرته قال في القواعد أشهر الوجهين لا يفطرون انتهى وقدمه في الهداية والفصول والمستوعب والهادي والتلخيص والمحرر وشرح ابن رزين.
والوجه الثاني: يفطرون اختاره أبو بكر وجزم به في الوجيز والتسهيل وظاهر كلامه في الحاويين أن على هذا الأصحاب فإنه قال فيها ومن صام بشهادة اثنين ثلاثين يوما ولم يره مع الغيم أفطر ومع الصحو يصوم الحادي والثلاثين هذا هو الصحيح وقال أصحابنا له الفطر بعد إكمال الثلاثين صحوا كان أو غيما وإن صام بشهادة واحد فعلى ما ذكرنا في شهادة اثنين وقيل لا يفطر بحال انتهى.
وقيل: لا يفطرون إن صاموا بشهادة واحد إلا إذا كان آخر الشهر غيم. قال المجد في شرحه وهذا حسن إن شاء الله تعالى واختاره في الحاويين.
قوله : "وإن صاموا لأجل الغيم لم يفطروا".
وهو المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به أكثرهم.
وقيل: يفطرون وقال في الرعاية قلت إن صاموا جزما مع الغيم أو القتر أفطروا وإلا فلا.
قلت: وكلا القولين ضعيف جدا فلا يعمل بهما.
فعلى المذهب: إن غم هلال شعبان وهلال رمضان فقد يصام اثنان وثلاثون يوما حيث نقصنا رجب وشعبان وكانا كاملين وكذا الزيادة إن غم هلال رمضان وشوال وأكملنا شعبان ورمضان وكانا ناقصين قال في المستوعب وعلى هذا فقس قال في الفروع وليس مراده مطلقا.
فائدة: لو صاموا ثمانية وعشرين يوما ثم رأوا هلال شوال أفطروا قطعا وقضوا يوما فقط على الصحيح من المذهب ونقله حنبل وجزم به المجد في شرحه وغيره وقدمه في الفروع وقال ويتوجه تخريج وإحتمال يعني أنهم يقضون يومين.
قوله : "ومن رأى هلال رمضان وحده وردت شهادته لزمه الصوم".
وهذا الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب ونقل حنبل لا يلزمه الصوم واختاره الشيخ تقي الدين.

قال الزركشي، وصاحب الفائق هذه الرواية عن أحمد.
فعلى المذهب: يلزمه حكم رمضان فيقع طلاقه وعتقه المعلق بهلال رمضان وغير ذلك من خصائص الرمضانية.
وعلى الرواية الثانية: قال في المستوعب والرعايتين والحاويين وغيرهم لا يلزمه شيء واختاره الشيخ تقي الدين وظاهر ما قدمه في الفروع أنه يلزمه جميع الأحكام خلا الصيام على هذه الرواية ويأتي في باب ما يفسد الصوم عند قوله: "وإن جامع في يوم رأى الهلال في ليلته وردت شهادته" بعض ما يتعلق بذلك.
فعلى الأولى: هل يفطر يوم الثلاثين من صيام الناس لأنه قد اكمل العدة في حقه أم لا يفطر فيه وجهان ذكرهما أبو الخطاب وقال في الرعايتين وتابعه في الفائق قلت فعلى الأولة هل يفطر مع الناس أو قبلهم يحتمل وجهين.
وأطلق الوجهين في الفروع. وقال: ويتوجه عليهما وقوع طلاقه وحلول دينه المعلقين به قال في الرعاية قلت فعلى الأولة يقع طلاقه ويحل دينه المعلقين به.
قلت: وهو الصواب.
وقواعد الشيخ تقي الدين: أنه لا يفطر إلا مع الناس ولا يقطع طلاقه المعلق ولا يحل دينه.
وتقدم إذا قلنا يقبل قول عدل واحد أنه خبر لا شهادة فيلزم من أخبره الصوم.
قوله : "وإن رأى هلال شوال وحده لم يفطر".
هذا المذهب نقله الجماعة عن أحمد وعليه أكثر الأصحاب وقال أبو حكيم يتخرج أن يفطر واختاره أبو بكر قال ابن عقيل يجب الفطر سرا وهو حسن وقال في الرعاية الكبرى فيمن رأى هلال شوال وحده وعنه يفطر وقيل سرا قال في الفروع كذا قال قال المجد في شرحه لا يجوز إظهار الفطر إجماعا قال القاضي ينكر على من أكل في رمضان ظاهرا وإن كان هناك عذر قال في الفروع فظاهره المنع مطلقا وقيل لابن عقيل يجب منع مسافر ومريض وحائض من الفطر ظاهرا لئلا يتهم فقال إن كانت أعذار خفية يمنع من إظهاره كمريض لا أمارة له ومسافر لا علامة عليه.
تنبيه : قال الشيخ تقي الدين والنزاع في أصل المسألة مبني على أصل وهو أن الهلال هل هو اسم لما يطلع في السماء وإن لم يظهر أو أنه لا يسمى هلالا إلا بالظهور والاشتهار كما يدل عليه الكتاب والسنة والاعتبار فيه قولان للعلماء هما روايتان عن الإمام أحمد.

فائدتان :
إحداهما : قال المجد في شرحه المنفرد بمفازة ليس بقربه بلد يبني على يقين رؤيته لأنه لا يتيقن مخالفة الجماعة بل الظاهر الرؤية بمكان آخر.
الثانية : لو رآه عدلان ولم يشهدا عند الحاكم أو شهدا فردهما لجهله بحالهما لم يجز لأحدهما ولا لمن عرف عدالتهما الفطر بقولهما في قياس المذهب قاله المجد في شرحه لما فيه من الاختلاف وتشتيت الكلمة وجعل مرتبة الحاكم لكل إنسان وقدمه في الفروع وجزم المصنف والشارح بالجواز [وهو الصواب].
قوله : "وإذا اشتبهت الأشهر على الأسير تحرى وصام فإن وافق الشهر أو ما بعده أجزاه".
إن وافق صوم الأسير ومن في معناه كالمطمور ومن بمفازة ونحوهم شهر رمضان فلا نزاع في الإجزاء وإن وافق ما بعده ما بعده فتارة يوافق رمضان القابل وتارة يوافق ما قبل رمضان القابل فإن وافق ما قبل رمضان القابل فلا نزاع في الإجزاء كما جزم به المصنف لكن إن صادف صومه شوالا أو ذا الحجة صام بعد الشهر يوما مكان يوم العيد وأربعا إن قلنا لا تصام أيام التشريق.
ويأتي ما إذا صام شهرا كاملا عن رمضان وكان أحدهما ناقصا في "باب ما يكره ويستحب".
وإن وافق رمضان السنة القابلة فقال المجد في شرحه قياس المذهب لا يجزئه عن واحد منهما إن اعتبرنا نية التعيين وإن لم نعتبرها وقع عن رمضان الثاني وقضى الأول واقتصر عليه في الفروع.
قوله : "وإن وافق قبله لم يجزه".
هذا المذهب نص عليه وعليه الأصحاب وقال في الفائق قلت وتتوجه الصحة بناء على أن فرضه اجتهاده.
فعلى المذهب لو صام شعبان ثلاث سنين متوالية ثم علم بعد ذلك صام ثلاثة أشهر شهرا على إثر شهر كالصلاة إذا فاتته نقله مهنا وذكره أبو بكر في التنبيه قال في الفروع ومرادهم والله أعلم أن هذه المسألة كالشك في دخول وقت الصلاة على ما سبق وسبق في باب النية تصح نية القضاء بنية الأداء وعكسه إذا بان خلاف ظنه للعجز عنها انتهى.
فائدة : لو تحرى وشك هل وقع صومه قبل الشهر أو بعده أجزأه كمن تحرى في الغيم وصلى ولو صام بلا اجتهاد فحكمه حكم من خفيت عليه القبلة على ما تقدم ولو ظن أن الشهر لم يدخل فصام ثم تبين أنه كان دخل لم يجزه وسبق في القبلة وجه بالإجزاء فكذا هنا.

ولو شك في دخوله فكما لو ظن أنه لم يدخل وقال في الرعاية يحتمل وجهين قال في الفروع كذا قال.
ونقل مهنا: إن صام لا يدرى هو رمضان أو لا فإنه يقضي إذا كان لا يدري ويأتي ما يتعلق بالقضاء في بابه.
قوله : "ولا يجب الصوم إلا على المسلم العاقل البالغ القادر على الصوم".
احترازا من غير القادر كالعاجز عن الصوم لكبر أو مرض لا يرجى برؤه وما في معناه على ما يأتي إن شاء الله تعالى.
قوله : "ولا يجب على كافر ولا مجنون".
تقدم حكم الكافر في كتاب الصلاة والردة تمنع صحة الصوم إجماعا فلو ارتد في يوم ثم أسلم فيه أو بعده أو ارتد في ليلة ثم أسلم فيها فجزم المصنف وغيره بقضائه وقال المجد ينبني على الروايتين فيما إذا وجد الموجب في بعض اليوم فإن قلنا يجب وجب هنا وإلا فلا وأما المجنون فيأتي حكمه بعد ذلك.
قوله : "ولا صبي".
يعني لا يجب الصوم عليه وهو الصحيح من المذهب مطلقا وعليه جماهير الأصحاب قال القاضي المذهب عندي رواية واحدة لا يجب الصوم حتى يبلغ وعنه يجب على المميز إن أطاقه وإلا فلا اختاره أبو بكر وبن أبي موسى وأطلقهما في الحاويين وأطلق في الترغيب وجهين وأطلق ابن عقيل الروايتين ومرادهم إذا كان مميزا كما صرح به جماعة.
وعنه يجب على من بلغ عشر سنين وأطاقه وقد قال الخرقي يؤخذ به إذا.
فائدة: أكثر الأصحاب أطلق الإطاقة وهو ظاهر ما قدمه في الفروع وقدمه في الرعاية وحدد بن أبي موسى إطاقته بصوم ثلاثة أيام متوالية ولا يضره.
قوله : "لكن يؤمر به إذا أطاقه ويضرب عليه ليعتاده".
يعني: على القول بعدم الوجوب قال أكثر الأصحاب يكون الأمر بذلك والضرب عند الإطاقة قاله في الفروع وذكر المصنف قول الخرقي وقال اعتباره بالعشر أولى لأمره عليه أفضل الصلاة والسلام بالضرب على الصلاة عندها وقال المجد لا يؤخذ به ويضرب عليه فيما دون العشر كالصلاة وعلى كلا القولين يجب ذلك على الولي صرح به جماعة من الأصحاب واقتصر عليه في الفروع وقال ابن رزين يسن لوليه ذلك.
فائدة : حيث قلنا بوجوب الصوم على الصبي فإنه يعصي بالفطر ويلزمه الإمساك والقضاء كالبالغ.

قوله : "وإذا قامت البينة بالرؤية في أثناء النهار لزمهم الإمساك والقضاء".
وهذا المذهب وعليه الأصحاب وذكر أبو الخطاب رواية لا يلزم الإمساك وأطلقهما في الهداية وقال الشيخ تقي الدين يمسك ولا يقضي وأنه لو لم يعلم بالرؤية إلا بعد الغروب لم يلزمه القضاء.
قوله : "وإن أسلم كافر أو أفاق مجنون أو بلغ صبي فكذلك".
يعني يلزمهم الإمساك والقضاء إذا وجد ذلك في أثناء النهار وهذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب وعنه لا يجب الإمساك ولا القضاء وقدمه ابن رزين وقال لأنه لم يدرك وقتا يمكنه التلبس قال الزركشي وهو ظاهر كلام الخرقي في الكافي وأطلقهما في الهداية والمستوعب والخلاصة والمحرر والفائق والشرح وأطلقهما في المجنون في المغني وقال الزركشي وحكى أبو العباس رواية فيما أظن واختارها يجب الإمساك دون القضاء والقضاء في حق هؤلاء من مفردات المذهب ويأتي أحكام المجنون.
فائدة : لو أسلم الكافر الأصلي في أثناء الشهر لم يلزمه قضاء ما سبق منه بلا خلاف عند الأئمة الأربعة.
قوله : "وإن بلغ الصبي صائما" أي بالسن والاحتلام "أتم ولا قضاء عليه عند القاضي".
كنذره إتمام نفل قال في الخلاصة والبلغة فلا قضاء في الأصح وصححه في تصحيح المحرر وقدمه في المستوعب والتلخيص وشرح ابن رزين "وعند أبي الخطاب عليه القضاء" كالصلاة إذا بلغ في أثنائها وجزم به في الإفادات والوجيز وأطلقهما في الهداية والمذهب والكافي والمغني والهادي والمجد في شرحه ومحرره والنظم والرعايتين والحاويين والفروع والفائق والشرح، والخلاف هنا مبني على الصحيح من المذهب في المسألة التي قبلها.
فائدة : لو علم أنه يبلغ في أثناء اليوم بالسن لم يلزمه الصوم قبل زوال عذره لوجود المبيح قاله الأصحاب ولو علم المسافر أنه يقدم غدا لزمه الصوم. على الصحيح نقله أبو طالب وأبو داود كمن نذر صوم يوم يقدم فلان وعلم قدومه في غد وهو من المفردات.
وقيل: يستحب لوجود سبب الرخصة قال المجد وهو أقيس لأن المختار أن من سافر في أثناء يوم له الفطر.
قوله : "وإن طهرت حائض أو نفساء أو قدم المسافر مفطرا فعليهم القضاء".

إجماعا. وفي الإمساك روايتان وأطلقهما في الهداية والتلخيص والبلغة والمحرر والرعايتين والحاويين والشرح.
إحداهما : يلزمه الإمساك وهو المذهب وعليه أكثر الأصحاب قال في الفروع لزمهم الإمساك على الأصح وصححه في التصحيح وفصول ابن عقيل قال في تجريد العناية أمسكوا على الأظهر ونصره في المبهج وجزم به في الإيضاح والوجيز والإفادات وقدمه في المستوعب والفائق.
والرواية الثانية: لا يلزمهم الإمساك.
وتقدم أن من أبيح له الفطر من الحائض والمريض وغيرهما لا يجوز لهم إظهاره عند قوله: "وإن رأى هلال شوال وحده لم يفطر".
ويأتي في أحكام أهل الذمة منعهم من إظهار الأكل في رمضان.
فوائد :
الأولى : لو بريء المريض مفطرا فحكمه حكم الحائض والنفساء والمسافر.
الثانية : لو أفطر المقيم متعمدا ثم سافر في أثناء اليوم أو تعمدت المرأة الفطر ثم حاضت في أثناء اليوم لزمهم الإمساك في السفر والحيض نقله بن القاسم وحنبل فيعايى بها ووجه في الفروع عدم الإمساك مع الحيض والسفر خلافا. وقال في المستوعب وعنه في صائم أفطر عمدا أو لم ينو الصوم حتى أصبح لا إمساك عليه قال في الفروع كذا قال.
وأطلق جماعة الروايتين في الإمساك وقال في الفصول يمسك من لم يفطر وإلا فروايتان ونقل الحلواني إذا قال المسافر أفطر غدا أنه كقدومه مفطرا وجعله القاضي محل وفاق.
الثالثة : إذا قلنا لا يجب الإمساك فقدم مسافر مفطرا فوجد امرأته قد طهرت من حيضها جاز أن يطأها فيعايى بها.
الرابعة : لو حاضت امرأة في أثناء يوم فقال الإمام أحمد تمسك كمسافر قدم هذا الصحيح من المذهب وجعلها القاضي كعكسها تغليبا للواجب ذكره ابن عقيل في المنثور وذكر في الفصول فيما إذا طرأ المانع روايتين وذكره المجد قال في الفروع يؤخذ من كلام غيره إن طرأ جنون وقلنا يمنع الصحة وأنه لا يقضى أنه هل يقضى على روايتين في إفاقته في أثناء يوم بجامع أنه أدرك جزءا من الوقت قال في الفروع وظاهر كلامهم الإمساك مع المانع وهو أظهر.
الخامسة : لا يلزم من أفطر في صوم واجب غير رمضان الإمساك ذكره جماعة وقدمه في الفروع وقيل يلزم.

قوله : "ومن عجز عن الصوم لكبر أو مرض لا يرجى برؤه أفطر وأطعم عن كل يوم مسكينا".
بلا نزاع لكن لو كان الكبير مسافرا أو مريضا فلا فدية لفطره بعذر معتاد ذكره القاضي في الخلاف قاله في الفروع وقال المجد في شرحه ذكره القاضي في تعليقه وهما كتاب واحد ولا قضاء عليه والحالة هذه للعجز عنه وتبع القاضي من بعده فيعايى بها.
ويأتي حكم الكفارة إذا عجز عنها بعد أحكام الحامل والمرضع.
ويأتي آخر باب ما يفسد الصوم إذا عجز عن كفارة الوطء وغيره.
فائدتان :
إحداهما : لو أطعم العاجز عن الصوم لكبر أو مرض لا يرجى برؤه ثم قدر على القضاء فالصحيح من المذهب أن حكمه حكم المعضوب في الحج إذا حج عنه ثم عوفي على ما يأتي في كلام المصنف في كتاب الحج جزم به المجد وغيره وقدمه في الفروع وغيره وذكر بعض الأصحاب احتمالين أحدهما هذا والثاني يلزمه القضاء بنفسه.
الثانية : المراد بالإطعام هنا ما يجزئ في الكفارة قاله الأصحاب.
تنبيه : ظاهر قوله "أفطر وأطعم عن كل يوم مسكينا" أنه لا يجزئ الصوم عنهما وهو صحيح وهو المذهب وعليه الأصحاب.
وقال الشيخ تقي الدين: لو تبرع إنسان بالصوم عمن لا يطيقه لكبر ونحوه أو عن ميت وهما معسران توجه جوازه لأنه أقرب إلى المماثلة من المال وحكى القاضي في صوم النذر في حياة الناذر نحو ذلك.
قوله : "والمريض إذا خاف الضرر والمسافر استحب لهما الفطر".
أما المريض إذا خاف زيادة مرضه أو طوله أو كان صحيحا ثم مرض في يومه أو خاف مرضا لأجل العطش أو غيره فإنه يستحب له الفطر ويكره صومه وإتمامه إجماعا.
فوائد :
إحداها : من لم يمكنه التداوي في مرضه وتركه يضر به فله التداوي نقله حنبل فيمن به رمد يخاف الضرر بترك الاكتحال لتضرره [بالصوم] كتضرره بمجرد الصوم.
الثانية : مفهوم قوله : "والمريض إذا خاف الضرر" أنه إذا لم يخف الضرر لا يفطر وهو صحيح وعليه الأصحاب وجزم به في الرعاية في وجع رأس وحمى ثم قال قلت إلا أن يتضرر قال في الفروع كذا قال.

وقيل لأحمد: متى يفطر المريض قال إذا لم يستطع قيل مثل الحمى قال وأي مرض أشد من الحمى؟.
الثالثة : إذا خاف التلف بصومه أجزأ صومه وكره على الصحيح من المذهب وقدمه في الفروع وقال في عيون المسائل والانتصار والرعايتين والحاويين والفائق وغيرهم يحرم صومه قال في الفروع ولم أجدهم ذكروا في الإجزاء خلافا وذكر جماعة في صوم الظهار أنه يجب فطره بمرض مخوف.
الرابعة : لو خاف بالصوم ذهاب ماله فسبق أنه عذر في ترك الجمعة والجماعة في صلاة الخوف.
الخامسة : لو أحاط العدو ببلد والصوم يضعفهم فهل يجوز الفطر ذكر الخلال روايتين وقال ابن عقيل إن حصر العدو بلدا أو قصد المسلمون عدوا لمسافة قريبة لم يجز الفطر والقصر على الأصح ونقل حنبل إذا كانوا بأرض العدو وهم بالقرب أفطروا عند القتال.
واختار الشيخ تقي الدين: الفطر للتقوى على الجهاد وفعله هو وأمر به لما نزل العدو دمشق وقدمه في الفائق وهو الصواب فعلى القول بالجواز يعايى بها.
وذكر جماعة فيمن هو في الغزو وتحضر الصلاة والماء إلى جنبه يخاف إن ذهب إليه على نفسه أو فوت مطلوبه فعنه يتيمم ويصلي اختاره أبو بكر.
وعنه لا يتيمم ويؤخر الصلاة وعنه إن لم يخف على نفسه توضأ وصلى وسبق ذلك في التيمم وأن المذهب أنه يتيمم ويصلي.
السادسة : لو كان به شبق يخاف منه تشقق أنثييه جامع وقضى ولا يكفر نقله الشالنجي.
قال الأصحاب: هذا إذا لم تندفع شهوته بدونه فإن اندفعت شهوته بدون الجماع لم يجز له الجماع وكذا إن أمكنه أن لا يفسد صوم زوجته لم يجز وإلا جاز للضرورة فإذا تضرر بذلك وعنده امرأة حائض وصائمة فقيل وطء الصائمة أولى لتحريم الحائض بالكتاب ولتحريمها مطلقا صححه العلامة بن رجب في القاعدة الثانية عشرة بعد المائة [وقدمه ابن رزين في شرحه].
وقيل: يتخير لإفساد صومها وأطلقهما في الفروع [وهما احتمالان بوجهين مطلقين في المغني والشرح].
السابعة : لو تعذر قضاؤه لدوام شبقه فحكمه حكم العاجز عن الصوم لكبر أو مرض لا يرجى برؤه على ما تقدم قريبا ذكره في الفروع وغيره.
الثامنة : حكم المرض الذي ينتفع فيه بالجماع حكم من يخاف من تشقق أنثييه.
قوله : "والمسافر يستحب له الفطر".
وهذا المذهب. وعليه الأصحاب ونص عليه وهو من المفردات سواء وجد مشقة أم لا وفيه وجه أن الصوم أفضل ذكره في القاعدة الثانية والعشرين من القواعد الأصولية.

فوائد :
إحداها : المسافر هنا هو الذي يباح له القصر على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب وقال الشيخ تقي الدين يباح له الفطر ولو كان السفر قصيرا.
الثانية : لو صام في السفر أجزأه على الصحيح من المذهب كما قطع به المصنف هنا وعليه الأصحاب ونقل حنبل لا يعجبني واحتج حنبل بقوله عليه أفضل الصلاة والسلام: "ليس من البر الصوم في السفر" قال في الفروع: والسنة الصحيحة ترد هذا القول ورواية حنبل تحتمل عدم الإجزاء ويؤيده تفرد حنبل وحملها على رواية الجماعة أولى.
فعلى المذهب: لو صام فيه كره على الصحيح من المذهب وحكاه المجد عن الأصحاب قال وعندي لا يكره إذا قوي عليه واختاره الآجري وظاهر كلام ابن عقيل في مفرداته وغيره لا يكره بل تركه أفضل قال وليس الصوم أفضل وهو من المفردات وفرق بينه وبين رخصة القصر أنها مجمع عليها تبرأ بها الذمة قال في الفروع ورد بصوم المريض وبتأخير المغرب ليلة المزدلفة.
الثالثة : لو سافر ليفطر حرم عليه.
قوله : "ولا يجوز أن يصوما في رمضان عن غيره".
يعني المسافر والمريض أما المريض فلا نزاع في عدم الجواز.
وأما المسافر: فالمذهب وعليه الأصحاب أنه لا يجوز مطلقا.
وقيل: للمسافر صوم النفل فيه قال في الرعاية وهو غريب بعيد.
فعلى المذهب: لو خالف وصام عن غيره فهل يقع باطلا أو يقع ما نواه قال في الفروع هي مسألة تعيين النية يعني الآتية في أول الفصل من هذا الباب.
وعلى المذهب: أيضا لو قلب صوم رمضان إلى نفل لم يصح له النفل ويبطل فرضه إلا على رواية عدم التعيين.
فائدة : لو قدم من سفره في أثناء النهار وكان لم يأكل فهل ينعقد صومه نفلا قال القاضي لا ينعقد نفلا ذكره عنه في الفصول واقتصر عليه.
قوله : "ومن نوى الصوم في سفره فله الفطر".
هذا المذهب مطلقا وعليه الأصحاب وعنه لا يجوز له الفطر بالجماع لأنه لا يقوى على السفر.
فعلى الأول قال أكثر الأصحاب لأن من له الأكل له الجماع كمن لم ينو وذكر جماعة من الأصحاب منهم المصنف والشارح أنه يفطر بنية الفطر فيقع الجماع بعد الفطر.

فعلى هذا: لا كفارة بالجماع اختاره القاضي وأكثر الأصحاب قاله المجد وقدمه في الفروع وذكر بعضهم رواية أنه يكفر وجزم به على هذا قال في الفروع وهو أظهر انتهى.
وعلى الرواية الثانية: إن جامع كفر على الصحيح عليها وعنه لا يكفر لأن الدليل يقتضي جوازه فلا أقل من العمل به في إسقاط الكفارة لكن له الجماع بعد فطره بغيره كفطره بسبب مباح.
ويأتي ذلك في كلام المصنف في آخر باب ما يفسد الصوم وهو قوله: "وإن نوى الصوم في سفره ثم جامع فلا كفارة عليه".
فائدة : المريض الذي يباح له الفطر حكمه حكم المسافر فيما تقدم قاله المصنف والمجد وغيرهما وجعله القاضي وأصحابه وبن شهاب في كتب الخلاف أصلا للكفارة على المسافر بجامع الإباحة وجزم جماعة من الأصحاب بالإباحة على النفل.
ونقل مهنا في المريض يفطر بأكل فقلت يجامع قال لا أدري فأعدت عليه فحول وجهه عني.
قوله : "وإن نوى الحاضر صوم يوم ثم سافر في أثنائه فله الفطر".
هذا المذهب مطلقا وعليه الأصحاب سواء كان طوعا أو كرها وهو من مفردات المذهب ولكن لا يفطر قبل خروجه.
وعنه لا يجوز له الفطر مطلقا ونقل بن منصور إن نوى السفر من الليل ثم سافر في أثناء النهار أفطر وإن نوى السفر في النهار وسافر فيه فلا يعجبني أن يفطر فيه والفرق أن نية السفر من الليل تمنع الوجوب إذا وجد السفر في النهار فيكون الصيام قبله مراعى بخلاف ما إذا طرأت النية والسفر في أثناء النهار.
قال في القواعد: وعنه لا يجوز له الفطر بجماع ويجوز بغيره.
فعلى المنع: لو وطىء وجبت الكفارة على الصحيح.
وجعلها بعض الأصحاب كمن نوى الصوم في سفره ثم جامع على ما تقدم قريبا.
وعلى الجواز وهو المذهب الأفضل له أن لا يفطر ذكره القاضي وابن عقيل وبن الزاغوني وغيرهم واقتصر عليه في الفروع وغيره فيعايى بها.
قوله : "والحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أفطرتا وقضتا".
يعني من غير إطعام وهذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به أكثرهم وذكر بعضهم رواية بالإطعام.
قال الزركشي: هو نص أحمد في رواية الميموني وصالح وذكره وتأوله القاضي على خوفها على ولدها وهو بعيد انتهى.

فائدة : يكره لهما الصوم والحالة هذه قولا واحدا.
قوله : "وإن خافتا على ولديهما أفطرتا وقضتا وأطعمتا عن كل يوم مسكينا".
إذا خافتا على ولديهما أفطرتا على الصحيح من المذهب بلا ريب وأطلقه أكثر الأصحاب وقال المجد في شرحه وتبعه في الفروع إن قبل ولد المرضعة ثدي غيرها وقدرت أن تستأجر له أو له ما يستأجر منه فلتفعل ولتصم وإلا كان لها الفطر انتهيا ولعله مراد من أطلق.
فوائد :
إحداها : يكره لها الصوم والحالة هذه على الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب وذكر ابن عقيل في [فنونه] النسخ إن خافت حامل ومرضع على حمل وولد حال الرضاع لم يحل الصوم وعليها الفدية وإن لم تخف لم يحل الفطر.
الثانية : يجوز الفطر للظئر وهي التي ترضع ولد غيرها إن خافت عليه، أو على نفسها قاله الأصحاب وذكر في الرعاية قولا أنه لا يجوز لها الفطر إذا خافت على رضيعها وحكاه ابن عقيل في الفنون عن قوم.
قلت: لو قيل إن محل ما ذكره الأصحاب إذا كانت محتاجة إلى رضاعه أو هو محتاج إلى رضاعها فأما إذا كانت مستغنية عن إرضاعه أو هو مستغن عن إرضاعها لم يجز لها الفطر.
الثالثة : يجب الإطعام على من يمون الولد على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع وقال ابن عقيل في الفنون يحتمل أنه على الأم وهو أشبه لأنه تبع لها ولهذا وجبت كفارة واحدة ويحتمل أنه بينها وبين من تلزمه نفقته من قريب أو من ماله لأن الإرفاق لهما.
وكذلك الظئر فلو لم تفطر الظئر فتغير لبنها أو نقص خير المستأجر فإن قصدت الإضرار أثمت وكان للحاكم إلزامها الفطر بطلب المستأجر ذكره بن الزاغوني.
وقال أبو الخطاب: إن تأذى الصبي بنقصه أو تغيره لزمها الفطر فإن أبت فله الفسخ قال في الفروع فيؤخذ من هذا أنه يلزم الحاكم إلزامها بما يلزمها وإن لم تقصد به الضرر بلا طلب قبل الفسخ قال وهذا متجه.
الرابعة : يجوز صرف الإطعام إلى مسكين واحد جملة واحدة بلا نزاع قال في الفروع وظاهر كلامهم إخراج الإطعام على الفور لوجوبه قال وهذا أقيس انتهى.
قلت: قد تقدم في أول باب إخراج الزكاة أن المنصوص عن الإمام أحمد لزوم إخراج النذر المطلق والكفارة على الفور وهذا كفارة.
وقال المجد: إن أتى به مع القضاء جاز لأنه كالتكملة له.

الخامسة : لا يسقط الإطعام بالعجز على الصحيح من المذهب. وهو ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله واختاره المجد وجزم به في المستوعب والمحرر وقدمه في الفروع.
وقيل: يسقط اختاره ابن عقيل وصححه في الحاوي الكبير وجزم به في الكافي والحاوي الصغير وقدمه في الشرح.
وذكر القاضي وأصحابه يسقط في الحامل والمرضع ككفارة الوطء بل أولى للعذر.
ولا يسقط الإطعام عن الكبير والميؤس بالعجز ولا إطعام من أخر قضاء رمضان وغيره غير كفارة الجماع وجزم به في المحرر وقدمه في الفائق.
السادسة : لو وجد آدميا معصوما في تهلكة كغريق ونحوه فقال بن الزاغوني في فتاويه يلزمه إنقاذه ولو أفطر وياتي في الديات أن بعضهم ذكر في وجوبه وجهين وذكر بعضهم هنا وجهين هل يلزمه الكفارة كالمرضع يحتمل وجهين.
قال في التلخيص بعد أن ذكر الفدية على الحامل والمرضع للخوف على جنينهما وهل يلحق بذلك من افتقر إلى الإفطار لإنقاذ غريق يحتمل وجهين وجزم في القواعد الفقهية بوجوب الفدية وقال لو حصل له بسبب إنقاذه ضعف في نفسه فأفطر فلا فدية عليه كالمريض انتهى.
فعلى القول بالكفارة هل يرجع بها على المنقذ قال في الرعاية يحتمل وجهين قال في الفروع ويتوجه أنه كإنقاذه من الكفار ونفقته على الآبق.
قلت: بل أولى وأولى أيضا من المرضع.
وقالوا: يجب الإطعام على من يمون الولد على الصحيح كما تقدم.
قوله : "ومن نوى الصوم قبل الفجر ثم جن أو أغمي عليه جميع النهار لم يصح صومه".
هذا المذهب وعليه الأصحاب وذكر في المستوعب أن بعض الأصحاب خرج من رواية صحة صومه رمضان بنية واحدة في أوله أنه لا يقضي من أغمي عليه أياما بعد نيته المذكورة.
قوله : "وإن أفاق جزءا منه صح صومه".
إذا أفاق المغمى عليه جزءا من النهار صح صومه بلا نزاع والجنون كالإغماء على الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب وجزم به في الحاوي وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
وقيل: يفسد الصوم بقليل الجنون اختاره بن البنا والمجد وقال بن الزاغوني في الواضح هل من شرطه إفاقته جميع يومه أو يكفي بعضه فيه روايتان.

قوله : "ويلزم المغمى عليه القضاء دون المجنون".
الصحيح من المذهب: لزوم القضاء على المغمى عليه وعليه أكثر الأصحاب.
وقيل: لا يلزمه قال في الفائق وهو المختار.
وتقدم ما نقله في المستوعب من التخريج.
والصحيح من المذهب: أن المجنون لا يلزمه القضاء سواء فات الشهر كله بالجنون أو بعضه وعليه الأصحاب وعنه يلزم القضاء مطلقا وعنه إن أفاق في الشهر قضى وإن أفاق بعده لم يقض لعظم مشقته.
فائدة : لو جن في صوم قضاء أو كفارة ونحو ذلك قضاه بالوجوب السابق.
قوله : "ولا يصح صوم واجب إلا أن ينويه من الليل معينا".
هذا المذهب نص عليه يعني أنه لا بد من تعيين النية وهو أن يعتقد أنه يصوم من رمضان أو من قضائه أو نذره أو كفارته قال القاضي في الخلاف اختارها أصحابنا أبو بكر وأبو حفص وغيرهما واختارها القاضي أيضا وابن عقيل والمصنف وغيرهم قال في الفروع واختارها الأصحاب قال الزركشي هي أنصهما واختيار الأكثرين وعنه لا يجب تعيين النية لرمضان.
فعليها: يصح بنية مطلقة وبنية نفل ليلا وبنية فرض تردد فيها.
واختار المجد: يصح بنية مطلقة لتعذر صرفه إلى غير رمضان ولا يصح بنية مقيدة بنفل أو نذر أو غيره لأنه ناو تركه فكيف يجعل كنية النفل وهذا اختيار الخرقي في شرحه للمختصر واختاره الشيخ تقي الدين إن كان جاهلا وإن كان عالما فلا وقال في الرعاية فيما وجب من الصوم في حج أو عمرة يتخرج أن لا يجب نية التعيين.
تنبيه: قوله : "إلا أن ينويه من الليل".
يعني تعتبر النية من الليل لكل صوم واجب بلا نزاع ولو أتى بعد النية بما يبطل الصوم لم يبطل على الصحيح من المذهب نص عليه وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم وقال بن حامد يبطل.
قلت: وهذا بعيد جدا وأطلقهما في الحاويين.
فوائد :
الأولى : لو نوت حائض صوم غد وقد عرفت الطهر ليلا فقيل يصح لمشقة المقارنة.
قلت: وهو الصواب.
وقيل: لا يصح لأنها ليست أهلا للصوم وأطلقهما في الفروع بقيل وقيل.

وقال في الرعاية: إن نوت حائض صوم فرض ليلا وقد انقطع دمها أو تمت عادتها قبل الفجر صح صومها وإلا فلا.
الثانية : لا تصح النية في نهار يوم لصوم غد على الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب وقد شمله قول المصنف "إلا أن ينويه من الليل" وعنه يصح نقلها بن منصور فقال من نوى الصوم عن قضاء رمضان بالنهار ولم ينو من الليل فلا بأس إلا أن يكون فسخ النية بعد ذلك فقوله: "ولم ينوها من الليل" يبطل به تأويل القاضي وقوله: "عن قضاء رمضان" يبطل به تأويل ابن عقيل على أنه يكفي لرمضان نية في أوله وأقرها أبو الحسين على ظاهرها.
الثالثة : يعتبر لكل يوم نية مفردة على الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب وعنه يجزئ في أول رمضان نية واحدة لكله نصرها أبو يعلى الصغير على قياسه النذر المعين وأطلقهما في المحرر والفائق.
فعليها: لو أفطر يوما لعذر أو غيره لم يصح صيام الباقي بتلك النية جزم به في المستوعب وغيره.
وقيل: يصح قدمه في الرعاية فقال وقيل ما لم يفسخها أو يفطر فيه يوما.
قوله : "ولا يحتاج إلى نية الفريضة".
هذا المذهب. وعليه أكثر الأصحاب وقال بن حامد يجب ذلك وأطلقهما في التلخيص والبلغة والمحرر والرعايتين والحاويين.
فائدتان:
إحداهما : لا يحتاج مع التعيين إلى نية الوجوب على الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب وقال بن حامد يحتاج إلى ذلك.
الثانية : لو نوى خارج رمضان قضاءا ونفلا أو قضاءا وكفارة ظهار فهو نفل إلغاءا لهما بالتعارض فتبقى نية أصل الصوم جزم به المجد في شرحه وقدمه في الفروع وقيل على أيهما يقع فيه وجهان.
قوله : "وإن نوى إن كان غدا من رمضان فهو فرضي وإلا فهو نفل لم يجزه".
وهذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب وهو مبني على أنه يشترط تعيين النية على ما تقدم قريبا وعنه يجزئه وهي مبنية على رواية أنه لا يجب تعيين النية لرمضان واختار هذه الرواية الشيخ تقي الدين قال في الفائق نصره صاحب المحرر وشيخنا وهو المختار انتهى.
ونقل صالح عن أحمد رواية ثالثة بصحة النية المترددة والمطلقة مع الغيم دون الصحو لوجوب صومه.

فوائد :
منها : لو نوى إن كان غدا من رمضان فصومي عنه وإلا فهو عن واجب عينه بنيته لم يجزه عن ذلك الواجب وفي إجزائه عن رمضان إن بان منه الروايتان المتقدمتان.
ومنها : لو نوى إن كان غدا من رمضان فصومي عنه وإلا فأنا مفطر لم يصح وفيه في ليلة الثلاثين من رمضان وجهان للشك والبناء على الأصل قدم في الرعاية الصحة قال في القاعدة الثامنة والستين صح صومه في أصح الوجهين لأنه بنى على أصل لم يثبت زواله ولا يقدح تردده لأنه حكم صومه مع الجزم.
والوجه الثاني: لا يجزئه اختاره أبو بكر.
ومنها : إذا لم يردد النية بل نوى ليلة الثلاثين من شعبان أنه صائم غدا من رمضان بلا مستند شرعي كصحو أو غيم ولم نوجب الصوم به فبان منه فعلى الروايتين فيمن تردد أو نوى مطلقا وظاهر رواية صالح والأثرم يجزئه مع اعتبار التعيين لوجودها قاله في الفروع هنا وقال في كتاب الصيام ومن نواه احتياطا بلا مستند شرعي فبان منه فعنه لا يجزئه وعنه بلى وعنه يجزئه ولو اعتبر نية التعيين وقيل في الإجزاء وجهان وتأتي المسألة انتهى.
ومنها : لا شك مع غيم وقتر على الصحيح من المذهب وعنه بلى قال في الفائق وهو المختار قال بل هو أضعف ردا إلى الأصل.
ومنها : لو نوى الرمضانية عن مستند شرعي أجزأه كالمجتهد في الوقت.
ومنها : لو قال أنا صائم غدا إن شاء الله تعالى فإن قصد بالمشيئة الشك والتردد في العزم والقصد فسدت نيته وإلا لم تفسد ذكره القاضي في التعليق وابن عقيل في الفنون واقتصر عليه في الفروع لأنه إنما قصد أن فعله للصوم بمشيئة الله وتوفيقه وتيسيره كما لا يفسد الإيمان بقوله أنا مؤمن إن شاء الله تعالى غير متردد في الحال ثم قال القاضي وكذا نقول في سائر العبادات لا تفسد بذكر المشيئة في نيتها.
ومنها : لو خطر بقلبه ليلا أنه صائم غدا فقد نوى قال في الروضة ومعناه لغيره الأكل والشرب بنية الصوم نية عندنا وكذا قال الشيخ تقي الدين هو حين يتعشى يتعشى عشاء من يريد الصوم ولهذا يفرق بين عشاء ليلة العيد وعشاء ليالي رمضان.
قوله : "ومن نوى الإفطار أفطر".
هذا المذهب نص عليه وزاد في رواية يكفر إن تعمده وعليه أكثر الأصحاب وقال بن حامد لا يبطل صومه.

تنبيه : معنى قوله: "من نوى الإفطار أفطر" أي صار كمن لم ينو لا كمن أكل فلو كان في نفل ثم عاد ونواه جاز نص عليه وكذا لو كان عن نذر أو كفارة أو قضاء فقطع نيته ثم نوى نفلا جاز ولو قلب نية نذر وقضاء إلى النفل كان حكمه حكم من انتقل من فرض صلاة إلى نفلها على ما تقدم في باب نية الصلاة.
وعلى المذهب: لو تردد في الفطر أو نوى أنه سيفطر ساعة أخرى أو قال إن وجدت طعاما أكلت وإلا أتممت فكالخلاف في الصلاة قيل يبطل لأنه لم يجزم النية نقل الأثرم لا يجزئه عن الواجب حتى يكون عازما على الصوم يومه كله.
قلت: وهذا الصواب.
وقيل: لا يبطل لأنه لم يجزم نية الفطر والنية لا يصح تعليقها وأطلقهما في الفروع والزركشي.
قوله : "ويصح صوم النفل بنية من النهار قبل الزوال وبعده".
هذا المذهب نص عليه قال في الفروع وعليه أكثر الأصحاب منهم القاضي في أكثر كتبه وهو من المفردات ومنهم بن أبي موسى والمصنف وصححه في الخلاصة وتصحيح المحرر.
وقال القاضي: لا يجزئه بعد الزوال اختاره في المجرد وهو رواية عن الإمام أحمد واختاره ابن عقيل وبن البنا في الخصال وقدمه في الرعايتين والحاويين وأطلقهما في المذهب ومسبوك الذهب والتلخيص والبلغة والمحرر.
فائدة : يحكم بالصوم الشرعي المثاب عليه من وقت النية على الصحيح من المذهب نقله أبو طالب قال المجد وهو قول جماعة من أصحابنا منهم القاضي في المناسك من تعليقه واختاره المصنف والشارح وغيرهما.
قال في الفروع: وهو أظهر وقدمه في الكافي والشرح والحاويين والفائق والزركشي.
وقيل: يحكم بالصوم من أول النهار اختاره القاضي في المجرد وأبو الخطاب في الهداية والمجد في شرحه وجزم به في الخلاصة وقدمه في المستوعب والرعايتين وأطلقهما في القواعد الفقهية.
فعلى المذهب: يصح تطوع حائض طهرت وكافر أسلم ولم يأكلا بقية اليوم.
قلت: فيعايى بها.
وعلى الثاني: لا يصح لامتناع تبعيض صوم اليوم وتعذر تكميله لفقد الأهلية في بعضه.
قال في الفروع: ويتوجه يحتمل أن لا يصح عليهما لأنه لا يصح منهما صوم كمن أكل ثم نوى صوم بقية يومه وما هو ببعيد.

باب ما يفسد الصوم ويوجب الكفارة
قوله : "أو استعط".
سواء كان بدهن أو غيره فوصل إلى حلقه أو دماغه فسد صومه هذا المذهب وعليه الأصحاب وقال المصنف في الكافي إن وصل إلى خياشيمه أفطر لنهيه عليه أفضل الصلاة والسلام الصائم عن المبالغة في الاستنشاق.
قوله : "أو احتقن أو داوى الجائفة بما يصل إلى جوفه".
فسد صومه وهذا المذهب وعليه الأصحاب واختار الشيخ تقي الدين عدم الإفطار بمداواة جائفة ومأمومة وبحقنه.
فائدتان:
إحداهما : مثل ذلك في الحكم لو أدخل شيئا إلى مجوف فيه قوة تحيل الغذاء أو الدواء من أي موضع كان ولو كان خيطا ابتلعه كله أو بعضه أو طعن نفسه أو طعنه غيره بإذنه بشيء في جوفه فغاب كله أو بعضه فيه.
الثانية : يعتبر العلم بالواصل على الصحيح من المذهب وقطع المجد في شرحه بأنه يكفي الظن قال في الفروع كذا قال.
قوله : "أو اكتحل بما يصل إلى حلقه".
فسد صومه وسواء كان بكحل أو صبر أو قطور أو ذرور إو إثمد مطيب وهذا المذهب في ذلك كله نص عليه وعليه أكثر الأصحاب وقال بن أبي موسى الاكتحال بما يجد طعمه كصبر يفطر.
ولا يفطر الإثمد غير المطيب إذا كان يسيرا نص عليه.
واختار الشيخ تقي الدين أنه لا يفطر بذلك كله.
وقال بن عقيل: يفطر بالكحل الحاد دون غيره.
تنبيه: قوله: "بما يصل إلى حلقه" يعني يتحقق الوصول إليه وهذا الصحيح من المذهب وجزم المجد في شرحه إن وصل يقينا أو ظاهرا أفطر كالواصل من الأنف كما تقدم عنه فيما إذا احتقن أو داوى الجائفة.
قوله : "أو داوي المأمومة".
فسد صومه هذا المذهب وعليه الأصحاب إلا الشيخ تقي الدين فإنه قال لا يفطر بذلك كما تقدم عنه قريبا.

قوله : "أو استقاء".
يعني: فقاء فسد صومه هذا المذهب سواء كان قليلا أو كثيرا وعليه أكثر الأصحاب.
قال المصنف وغيره: هذا ظاهر المذهب [وعليه الأصحاب] قال المجد [في شرحه] وغيره: هذا أصح الروايات.
قال الزركشي: هذا المذهب بلا ريب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره وقال في الفروع ويتوجه أن لا يفطر به وعنه لا يفطر إلا بملء الفم اختاره ابن عقيل وعنه بملئه أو نصفه كنقض الوضوء.
قال ابن عقيل في الفصول: ولا وجه لهذه الرواية عندي وعنه إن فحش أفطر وإلا فلا وقاله القاضي وذكر بن هبيرة أنها الأشهر.
قال بن عبدوس في تذكرته: واستقائه ناقضا.
واحتج القاضي بأنه لو تجشأ لم يفطر وإن كان لا يخلو أن يخرج معه أجزاء نجسة لأنه يسير كذا ها هنا قال في الفروع: كذا قال.
ويتوجه ظاهر كلام غيره: إن خرج معه نجس فإن قصد به القيء فقد استقاء فيفطر وإن لم يقصد لم يستقىء فلم يفطر وإن نقض الوضوء وذكر ابن عقيل في مفرداته أنه إذا قاء بنظره إلى ما يغثيه يفطر كالنظر والفكر.
قوله : "أو استمنى".
فسد صومه يعني إذا استمنى فأمنى وهذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقيل لا يفسد.
قوله : "أو قبل أو لمس فأمنى".
فسد صومه هذا المذهب وعليه الأصحاب ووجه في الفروع احتمالا بأنه لا يفطر ومال إليه ورد ما احتج به المصنف والمجد.
فائدتان :
إحداهما : لو نام نهارا فاحتلم لم يفسد صومه وكذا لو أمنى من وطء ليل أو أمنى ليلا من مباشرة نهارا قال في الفروع وظاهره ولو وطىء قرب الفجر ويشبهه من اكتحل إذن.
الثانية : لو هاجت شهوته فأمنى أو أمذى ولم يمس ذكره لم يفطر على الصحيح من المذهب وخرج بلى.

قوله : "أو أمذى".
يعني: إذا قبل أو لمس فأمذى فسد صومه هذا الصحيح من المذهب نص عليه وعليه أكثر الأصحاب.
وقيل: لا يفطر اختاره الآجري وأبو محمد الجوزي والشيخ تقي الدين نقله عنه في الاختيارات قال في الفروع وهو أظهر.
قلت: وهو الصواب.
واختار في الفائق: أن المذي عن لمس لا يفسد الصوم وجزم به في نهاية ابن رزين ونظمها.
ويأتي في كلام المصنف في آخر الباب "إذا جامع دون الفرج فأنزل أو لم ينزل" وما يتعلق به.
قوله : "أو كرر النظر فأنزل".
فسد صومه وهذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب وقال الآجري لا يفسد.
تنبيه : مفهوم قوله: "أو كرر النظر فأنزل" أنه لو كرر النظر فأمذى لا يفطر وهو صحيح وهو المذهب وعليه أكثر الأصحاب قال الزركشي هذا الصحيح.
وقال في الفروع: القول بالفطر أقيس على المذهب كاللمس وروى عن أبي بكر عبد العزيز.
ومفهوم كلامه أيضا: أنه إذا لم يكرر النظر لا يفطر وهو صحيح وسواء أمنى أو أمذى وهو المذهب وعليه أكثر الأصحاب لعدم إمكان التحرز وقيل يفطر بهما.
ونص الإمام أحمد: يفطر بالمني لا بالمذي وقطع به القاضي.
ويأتي قريبا "إذا فكر فأنزل وكذا إذا فكر فأمذى".
ويأتي بعد ذلك هل "تجب الكفارة بالقبلة واللمس وتكرار النظر؟".
قوله : "أو حجم أو احتجم".
فسد صومه هذا المذهب فيهما وعليه جماهير الأصحاب ونص عليه وهو من المفردات وعنه إن علما النهي أفطرا وإلا فلا.
واختار الشيخ تقي الدين: إن مص الحاجم القارورة أفطر وإلا فلا ويفطر المحجوم عنده إن خرج الدم وإلا فلا.
وقال الخرقي: أو احتجم فظاهره أن الحاجم لا يفطر.
ولا نعلم أحدا من الأصحاب فرق في الفطر وعدمه بين الحاجم والمحجوم.

قال في الفروع: كذا قال قال ولعل مراده ما اختاره شيخنا أن الحاجم يفطر إذا مص القارورة.
قال الزركشي: كان من حقه أن يذكر الحاجم أيضا.
فائدتان :
إحداهما : قال في الفروع ظاهر كلام الإمام أحمد والأصحاب أنه لا فطر إن لم يظهر دم قال وهو متوجه واختاره شيخنا وضعف خلافه انتهى.
قلت: قال في الفائق ولو احتجم فلم يسل دم لم يفطر في أصح الوجهين.
وجزم بالفطر ولو لم يظهر دم في الفصول والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والتلخيص والرعايتين والحاويين والمنور والزركشي فقال لا يشترط خروج الدم بل يناط الحكم بالشرط.
الثانية : لو جرح نفسه لغير التداوي بدل الحجامة لم يفطر.
تنبيه : ظاهر كلام المصنف أنه لا يفطر بغير الحجامة فلا يفطر بالفصد وهو أحد الوجهين والصحيح منهما قال في التلخيص والبلغة لا يفطر بالفصد على أصح الوجهين وصححه الزركشي واختاره بن عبدوس في تذكرته وجزم به القاضي في التعليق وصاحب المستوعب والمحرر فيه والمنور وقدمه المجد في شرحه وصاحب الفروع.
والوجه الثاني: يفطر به جزم به بن هبيرة عن الإمام أحمد قال الشيخ تقي الدين هذا أصح الوجهين واختاره هو وصاحب الفائق وأطلقهما في الحاويين وقال في الرعايتين الأولى إفطار المفصود دون الفاصد قال في الفائق ولا فطر على فاصد في أصح الوجهين واختاره الشيخ تقي الدين.
فعلى القول بالفطر: هل يفطر بالتشريط قال في الرعاية يحتمل وجهين وقال الأولى إفطار المشروط دون الشارط واختاره الشيخ تقي الدين وصححه في الفائق.
وظاهر كلام المصنف وغيره: أنه لا يفطر بإخراج دمه برعاف وغيره وهو صحيح وهو المذهب واختار الشيخ تقي الدين الإفطار بذلك.
قوله : "عامدا ذاكرا لصومه فسد صومه وإن فعله ناسيا أو مكرها لم يفسد".
يعني: أنه إذا فعل ما تقدم ذكره عامدا ذاكرا لصومه مختارا يفسد صومه وإن فعله ناسيا أو مكرها سواء أكره على الفطر حتى فعله أو فعل به لم يفسد صومه وهذا المذهب في ذلك كله ونقله الجماعة عن الإمام أحمد ونقله الفضل في الحجامة وذكره ابن عقيل في مقدمات الجماع وذكره الخرقي في الإمناء بقبلة أو تكرار نظر وقال في المستوعب: المساحقة كالوطء

فيما دون الفرج وكذا من استمنى فأنزل المني وذكر أبو الخطاب أنه كالأكل في النسيان.
وقال في الرعاية الكبرى: من فعل بعض ذلك جاهلا أو مكرها فلا قضاء في الأصح وعنه يفطر بالحجامة ناس اختاره ابن عقيل في التذكرة لظاهر الخبر.
واختار ابن عقيل أيضا: الفطر بالاستمناء ناسيا وقيل يفطر باستمناء قال في الفروع والمراد مقدمات الجماع وذكر في الرعاية الفطر إن أمنى بغير مباشرة مطلقا وقيل عامدا أو أمذى بغير المباشرة عامدا وقيل أو ساهيا.
وقال في المكره: لا قضاء في الأصح وقيل يفطر إن فعل بنفسه كالمريض ولا يفطر إن فعله غيره به بأن صب في حلقه ماء مكرها أو نائما أو دخل في فيه ماء المطر.
فوائد :
إحداها : لو أوجر المغمى عليه لأجل علاجه لم يفطر على الصحيح من المذهب وقيل يفطر.
الثانية : الصحيح من المذهب أن الجاهل بالتحريم يفطر بفعل المفطرات ونص عليه في الحجامة وعليه أكثر الأصحاب قال المجد هو قول غير أبي الخطاب وقدمه في الفروع والحاوي الصغير والمحرر قال الزركشي هو اختيار الشيخين.
وقيل: لا يفطر كالمكره والناسي وجزم به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والتبصرة والتلخيص والبلغة والرعاية الصغرى واقتصر على كلام أبي الخطاب في الحاوي الكبير وصححه في الرعاية الكبرى وقدمه المجد في شرحه لأنه لم يتعمد المفسد كالناسي.
الثالثة : لو أراد من وجب عليه الصوم أن يأكل أو يشرب في رمضان ناسيا أو جاهلا فهل يجب إعلامه على من رآه فيه وجهان وأطلقهما في الفروع والرعاية الكبرى.
إحداهما : يلزمه الإعلام.
قلت: هو الصواب وهو في الجاهل آكد لفطره به على المنصوص.
والوجه الثاني : لا يلزمه إعلامه ووجه في الفروع وجها ثالثا بوجوب إعلام الجاهل لا الناسي قال ويتوجه مثله إعلام مصل أتى بمناف لا يبطل وهو ناس أو جاهل انتهى.
قلت: ولهذه المسألة نظائر.
منها: لو علم نجاسة ماء فأراد جاهل به استعماله هل يلزمه إعلامه قدمه في الرعاية أو لا يلزمه إن قيل إزالتها شرط أقوال.
ومنها: لو دخل وقت صلاة على نائم هل يجب إعلامه أو لا أو يجب إن ضاق الوقت جزم به في التمهيد وهو الصواب أقوال لأن النائم كالناسي.

ومنها: لو أصابه ماء ميزاب هل يلزم الجواب للمسئول أو لا أو يلزم إن كان نجسا اختاره الأزجي وهو الصواب أقوال.
وتقدم ذلك في كتاب الطهارة والصلاة.
وسبق أيضا: أنه يجب على المأموم تنبيه الإمام فيما يبطل لئلا يكون مفسدا لصلاته مع قدرته.
الرابعة : لو أكل ناسيا فظن أنه قد أفطر فأكل عمدا فقال في الفروع: يتوجه أنها مسألة الجاهل بالحكم فيه الخلاف السابق وقال في الرعاية يصح صومه ويحتمل عدمه قال في الفروع كذا قال انتهى.
قلت: ويشبه ذلك لو اعتقد البينونة في الخلع لأجل عدم عود الصفة ثم فعل ما حلف عليه على ما يأتي في آخر باب الخلع.
تنبيه : ظاهر كلام المصنف أنه لا كفارة عليه فيما تقدم من المسائل حيث قلنا يفسد صومه وهو صحيح وهو المذهب وعليه أكثر الأصحاب سوى المباشرة بقبلة أو لمس أو تكرار نظر وفكر على خلاف وتفصيل يأتي قريبا إن شاء الله تعالى.
ونقل حنبل يقضي ويكفر للحقنة ونقل محمد بن عبدك يقضي ويكفر من احتجم في رمضان وقد بلغه الخبر وإن لم يبلغه قضى فقط.
قال المجد: فالمفطرات المجمع عليها أولى وقال قال بن البنا على هذه الرواية يكفر بكل أما فطره بفعله كبلع حصاة وقيء وردة وغير ذلك.
وقال في الرعاية بعد رواية محمد بن عبدك وعنه يكفر من أفطر بأكل أو شرب أو استمناء فاقتصر على هذه الثلاثة وقال في الحاويين وفي الاستمناء سهوا. وجهان.
وخص الحلواني رواية الحجامة بالمحجوم وذكر بن الزاغوني على رواية الحجامة كما ذكره بن البنا لأنه أتى بمحظور الصوم كالجماع وهو ظاهر اختيار أبي بكر الآجري وصرح في أكل وشرب.
تنبيه : حيث قلنا يكفر هنا فهي ككفارة الجماع على الصحيح من المذهب مطلقا وقيل يكفر للحجامة ككفارة الحامل والمرضع على ما تقدم وأطلقهما في الفائق والزركشي.
قوله : "وإن طار إلى حلقه ذباب أو غبار".
لم يفسد صومه هذا المذهب وعليه الأصحاب وحكى في الرعاية قولا أنه يفطر من طار إلى حلقه غبار إذا كان غير ماش أو غير نخال أو وقاد وهو ضعيف جدا.
قوله : "أو قطر في إحليله".
لم يفسد صومه وهو المذهب نص عليه وعليه أكثر الأصحاب وقطع به أكثرهم وقيل يفطر إن وصل إلى مثانته وهو العضو الذي يجتمع فيه البول داخل الجوف.

قوله : "أو فكر فأنزل".
لم يفسد صومه وكذا لو فكر فأمذى وهو الصحيح من المذهب فيهما وهو ظاهر كلام الإمام أحمد وعليه أكثر الأصحاب قال في الفروع وهو أشهر قال الزركشي هذا أصح الوجهين وقال أبو حفص البرمكي وابن عقيل يفطر بالإنزال والمذي إذا حصل بفكره وقيل يفطر بهما إن استدعاهما وإلا فلا.
قوله : "أو احتلم".
لم يفسد صومه بلا نزاع.
قوله : "أو ذرعه القيء".
لم يفسد صومه بلا نزاع وكذا لو عاد إلى جوفه بغير اختياره فأما إن أعاده باختياره أو قاء ما لا يفطر به ثم أعاده باختياره أفطر.
قوله : "أو أصبح في فيه طعام فلفظه".
لم يفسد صومه بلا نزاع وكذا لو شق لفظه فبلعه مع ريقه بغير قصد أو جرى ريقه ببقية طعام تعذر رميه أو بلع ريقه عادة لم يفطر وإن أمكنه لفظه بأن تميز عن ريقه فبلعه باختياره أفطر نص عليه.
قال أحمد فيمن تنخع دما كثيرا في رمضان أحسن عنه ومن غير الجوف أهون وإن بصق نخامة بلا قصد من مخرج الحاء المهملة ففي فطره وجهان مع أنه في حكم الظاهر قاله في الفروع كذا قيل وجزم به في الرعاية.
قلت: الصواب عدم الفطر.
قوله : "أو اغتسل".
يعني إذا أصبح لم يفسد صومه لو أخر الغسل إلى بعد طلوع الفجر واغتسل صح صومه بلا نزاع وكذا على الصحيح من المذهب لو أخره يوما كاملا صح صومه ولكن يأثم وهذا المذهب من حيث الجملة ومن حيث التفصيل يبطل صومه حيث كفرناه بالترك بشرطه وحيث لم نكفره بالترك لم يبطل ولكن يأثم وهذا المذهب.
وقال في المستوعب: يجيء على الرواية التي تقول يكفر بترك الصلاة إذا تضايق وقت التي هي بعدها أن يبطل الصوم إذا تضايق وقت الظهر قبل أن يغتسل ويصلي الفجر قال في الفروع كذا قال قال ومراده ما قاله في الرعاية كما قدمناه من التفصيل انتهى.

قلت: وإنما لم يرتض صاحب الفروع كلامه في المستوعب لأن الصحيح من المذهب أن لا يكفر بمجرد ترك الصلاة ولو ترك صلوات كثيرة بل لا بد من دعائه إلى فعلها كما تقدم ذلك في كتاب الصلاة.
فائدتان:
إحداهما : حكم الحائض تؤخر الغسل إلى ما بعد طلوع الفجر حكم الجنب على ما تقدم على الصحيح من المذهب.
ونقل صالح في الحائض تؤخر الغسل بعد الفجر تقضى.
الثانية : يستحب للجنب والحائض إذا طهرت ليلا الغسل قبل الفجر.
قوله : "وإن زاد على الثلاث أو بالغ فيهما فعلى وجهين".
وأطلقهما في الهداية والمستوعب والخلاصة والكافي والهادي والمغني والتلخيص والبلغة وشرح المجد والمحرر والشرح والرعايتين والحاويين وشرح بن منجا والنظم والفروع والفائق.
أحدهما : لا يفطر وهو المذهب صححه في التصحيح قال في العمدة لو تمضمض أو استنشق فوصل إلى حلقه ماء لم يفسد صومه وجزم به في الإفادات وناظم المفردات وهو منها ويأتي كلامه في الوجيز والمنور.
والوجه الثاني: يفطر صححه في المذهب ومسبوك الذهب وقدمه ابن رزين في شرحه وجزم في الفصول بالفطر بالمبالغة وقال به إذا زاد على الثلاث.
وقيل: يبطل بالمبالغة دون الزيادة اختاره المجد قال في الوجيز والمنور لو دخل حلقه ماء طهارة ولو بمبالغة لم يفطر.
وظاهر كلام الإمام أحمد: إبطال الصوم بالمجاوزة على الثلاث فإنه قال إذا جاوز الثلاث فسبق الماء إلى حلقه يعجبني أن يعيد الصوم قاله ابن عقيل والمجد في شرحه.
فائدتان :
إحداهما : لو تمضمض أو استنشق لغير طهارة فإن كان لنجاسة ونحوها فحكمها حكم الوضوء وإن كان عبثا أو لحر أو عطش كره نص عليه وفي الفطر به الخلاف المتقدم في الزائد على الثلاث وكذا الحكم إن غاص في الماء في غير غسل مشروع أو أسرف في الغسل المشروع على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع وقال المجد في شرحه إن فعله لغرض صحيح فكالمضمضة المشروعة وإن كان عبثا فكمجاوزة الثلاث.
ونقل صالح: يتمضمض إذا أجهد.

الثانية : لا يكره للصائم الغسل واختار المجد أن غوصه في الماء كصبه عليه ونقل حنبل لا بأس به إذا لم يخف أن يدخل الماء حلقه أو مسامعه وجزم به بعضهم وقال في الرعاية يكره في الأصح.
فإن دخل حلقه: ففي فطره وجهان وقيل له ذلك ولا يفطر انتهى.
ونقل بن منصور وأبو داود وغيرهما يدخل الحمام ما لم يخف ضعفا.
فائدتان :
إحداهما: قوله: "ومن أكل شاكا في طلوع الفجر فلا قضاء عليه".
يعني إذا دام شكه وهذا بلا نزاع مع أنه لا يكره الأكل والشرب مع الشك في طلوعه ويكره الجماع مع الشك نص عليهما.
الثانية : لو أكل يظن طلوع الفجر فبان ليلا ولم يجدد نية صومه الواجب قضاء قال في الفروع كذا جزم به بعضهم.
وما سبق من أن له الأكل حتى يتيقن طلوعه يدل على أنه لا يمنع نية الصوم وقصده غير اليقين والمراد والله أعلم اعتقاد طلوعه انتهى.
قوله : "وإن أكل شاكا في غروب الشمس فعليه القضاء".
يعني إذا دام شكه وهذا إجماع وكذا لو أكل يظن بقاء النهار إجماعا فلو بان ليلا فيهما لم يقض وعبارة بعضهم صح صومه.
فائدة : قال في الفروع: وإن أكل يظن الغروب ثم شك ودام شكه لم يقض وجزم به.
وقال في القاعدة التاسعة والخمسين بعد المائة: يجوز الفطر من الصيام بغلبة ظن غروب الشمس في ظاهر المذهب ومن الأصحاب من قال لا يجوز الفطر إلا مع تيقن الغروب وبه جزم صاحب التلخيص والأول أصح انتهى.
قال الزركشي: لو أكل ظانا أن الفجر لم يطلع أو أن الشمس قد غربت فلم يتبين له شيء فلا قضاء عليه ولو تردد بعد قاله أبو محمد.
وأوجب صاحب التلخيص القضاء في ظن الغروب ومن هنا قال: يجوز الأكل بالاجتهاد في أول اليوم دون آخره وأبو محمد يجوزه بالاجتهاد فيهما.
قوله : "وإن أكل معتقدا أنه ليل فبان نهارا فعليه القضاء".
وهو المذهب وعليه الأصحاب وحكى في الرعاية رواية لا قضاء على من جامع يعتقده ليلا فبان نهارا.
واختار الشيخ تقي الدين: أنه لا قضاء عليه.

واختار صاحب الرعاية إن أكل يظن بقاء الليل فأخطأ لم يقض لجهله وإن ظن دخوله فأخطأ قضى وتقدم إذا أكل ناسيا فظن أنه أفطر فاكل متعمدا.
قوله : "وإذا جامع في نهار رمضان في الفرج قبلا كان أو دبرا".
يعني بفرج أصلي في فرج أصلي "فعليه القضاء والكفارة عامدا كان أو ساهيا".
لا خلاف في وجوب القضاء والكفارة على العامد والصحيح من المذهب أن الناسي كالعامد في القضاء والكفارة نقله الجماعة عن الإمام أحمد وعليه أكثر الأصحاب قال الزركشي هو المشهور عنه والمختار لعامة أصحابه وهو من مفردات المذهب.
وعنه لا يكفر اختارها بن بطة قال الزركشي ولعله مبني على أن الكفارة ماحية ومع النسيان لا إثم ينمحي.
وعنه ولا يقضى أيضا اختاره الآجري وأبو محمد الجوزي والشيخ تقي الدين وصاحب الفائق.
تنبيهات
الأول : قوله "قبلا كان أو دبرا" هو المذهب وعليه الأصحاب. ووجه في الفروع تخريجا من الغسل والحد لا يقضى ولا يكفر إذا جامع في الدبر لكن إن أنزل فسد صومه وقد قاس جماعة عليهما.
الثاني : شمل كلام المصنف رحمه الله تعالى الحي والميت من الآدمي وهو الصحيح وهو المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقال في المستوعب إن أولج في آدمي ميت ففي الكفارة وجهان وأطلقهما في الرعاية الصغرى والحاويين ويأتي حكم وطء البهيمة الميتة.
الثالث : شمل كلام المصنف أيضا المكره وهو الصحيح من المذهب ونص عليه وعليه أكثر الأصحاب وسواء أكره حتى فعله أو فعل به من نائم وغيره وعنه لا كفارة عليه مع الإكراه والنسيان واختار ابن عقيل أنه لا كفارة على من فعل به من نائم ونحوه.
وعنه كل أمر غلب عليه الصائم فليس عليه قضاء ولا غيره قال أكثر الأصحاب كما قال المصنف.
وهذا يدل على إسقاط القضاء والكفارة مع الإكراه والنسيان.
قال ابن عقيل في مفرداته: الصحيح في الأكل والوطء إذا غلب عليهما لا يفسدان قال فأنا أخرج في الوطء رواية من الأكل وفي الأكل رواية من الوطء ونفى القاضي في تعليقه هذه الرواية وقال يجب القضاء رواية واحدة وكذا قال الشيرازي وغيره.
واختار الشيخ تقي الدين: أنه لا قضاء مع الإكراه واختاره في الفائق.
وقيل: يقضي من فعل بنفسه لا من فعل به من نائم وغيره.
وقيل: لا قضاء مع النوم فقط وذكر بعضهم نص أحمد لعدم حصول مقصوده.

فوائد :
الأولى : حيث فسد الصوم بالإكراه فهو في الكفارة كالناسي على الصحيح من المذهب وقيل يرجع بالكفارة على من أكرهه.
قلت: وهو الصواب.
وقيل: يكفر من فعل بالوعيد دون غيره.
الثانية : لو جامع يعتقده ليلا فبان نهارا وجب القضاء على الصحيح من المذهب قال في الفروع جزم به الأكثر وذكر في الرعاية رواية أنه لا يقضى واختاره الشيخ تقي الدين والصحيح من المذهب أنه يكفر اختاره الأصحاب قاله المجد وأنه قياس من أوجبها على الناسي وأولى انتهى وهو من مفردات المذهب وعنه لا يكفر وأطلقهما في الفروع.
فعلى الثانية: إن علم في الجماع أنه نهارا ودام عالما بالتحريم لزمته الكفارة بناء على من وطىء بعد فساد صومه.
الثالثة : لو أكل ناسيا أو اعتقد الفطرية ثم جامع فحكمه حكم الناسي والمخطىء إلا أن يعتقد وجوب الإمساك فيكفر على الصحيح على ما يأتي.
قوله : "ولا يلزم المرأة كفارة مع العذر".
هذا المذهب نص عليه وعليه أكثر الأصحاب وذكر القاضي رواية تكفر وذكر أيضا أنها مخرجة من الحج.
وعنه تكفر وترجع بها على الزوج اختاره بعض الأصحاب قاله في التلخيص.
قلت: وهو الصواب.
قال في الرعايتين: وعنه لا تسقط فيكفر عنها.
وقال ابن عقيل: إن أكرهت حتى مكنت لزمتها الكفارة وإن غصبت أو أتيت نائمة فلا كفارة عليها.
فائدتان :
إحداهما : الصحيح من المذهب فساد صوم المكرهة على الوطء نص عليه وعليه أكثر الأصحاب وهو ظاهر كلام المصنف هنا.
وعنه لا يفسد اختاره في الروضة وأطلقهما في مسبوك الذهب.
وقيل: يفسد إن قبلت لا المقهورة والنائمة.
وأفسد بن أبي موسى صوم غير النائمة.

الثانية : لو جومعت المرأة ناسية فلا كفارة عليها وإن أوجبناها على الناسي قال في الفروع وهو الأشهر واختاره أبو الخطاب وجماعة وهو ظاهر كلام المصنف هنا.
وقيل: حكمها حكم الرجل الناسي على ما تقدم ذكره القاضي وقدمه في الفروع وقال في الفروع ويتخرج أن لا يفسد صومها مع النسيان وإن فسد صومه لأنه مفسد لا يوجب كفارة انتهى.
وكذا الخلاف والحكم: إذا جومعت جاهلة ونحوها.
وعنه يكفر عن المعذورة بإكراه أو نسيان أو جهل ونحوه كأم ولده إذا أكرهها وقلنا يلزمها الكفارة.
قوله : "وهل يلزمها مع عدمه على روايتين".
يعني: إذا طاوعته وأطلقهما في الهداية والمستوعب والخلاصة والهادي والكافي والتلخيص والمحرر والحاوي الكبير والفائق والشرح.
إحداهما : يلزمها وهو المذهب اختاره أبو بكر وجزم به في المنور وتذكرة بن عبدوس وقدمه في الفصول والرعايتين والحاوي الصغير والفروع [وصححه في المحرر].
والرواية الثانية: لا يلزمها كفارة جزم به في الوجيز.
وعنه يلزم الزوج كفارة واحدة عنهما خرجها أبو الخطاب من الحج وضعفه غير واحد لأن الأصل عدم التداخل.
فائدتان :
إحداهما : لو طاوعت أم ولده على الوطء كفرت بالصوم على الصحيح من المذهب وقيل يكفر عنها سيدها.
الثانية : لو أكره الرجل الزوجة على الوطء دفعته بالأسهل فالأسهل ولو أفضى ذلك إلى ذهاب نفسه كالمار بين يدي المصلي ذكره ابن عقيل واقتصر عليه في الفروع.
قوله : "وإن جامع دون الفرج فأنزل أفطر".
هذا المذهب وعليه الأصحاب ووجه في الفروع احتمالا لا يفطر بالإنزال إذا باشر دون الفرج ومال إليه.
فائدة: لو أمذى بالمباشرة دون الفرج أفطر أيضا على الصحيح من المذهب نص عليه وعليه أكثر الأصحاب واختار الآجري وأبو محمد الجوزي والشيخ تقي الدين أنه لا يفطر بذلك قال في الفروع وهو أظهر.
قلت: وهو الصواب.

وتقدم نظير ذلك إذا قبل أو لمس فأمنى أو أمذى أول الباب فإن المسألة واحدة.
تنبيه : ظاهر كلام المصنف أنه يفطر أيضا إذا كان ناسيا وجزم به الخرقي فقال ومن جامع دون الفرج فأنزل عامدا أو ساهيا فعليه القضاء.
قال الزركشي: هذا المشهور عنه والمختار لعامة أصحابه والقاضي وابن عقيل وغيرهما وقدمه في المستوعب والرعايتين وجزم به في الوجيز والصحيح من المذهب أنه لا يفطر إذا كان ناسيا سواء أمنى أو أمذى ونقله الجماعة عن الإمام أحمد وقدمه في الفروع.
قوله : "أو وطىء بهيمة في الفرج أفطر".
الصحيح من المذهب: أن الإيلاج في البهيمة كالإيلاج في الآدمي نص عليه وعليه الأصحاب قال الزركشي وقيل عنه لا تجب الكفارة بوطء البهيمة.
ومبنى الخلاف عند الشريف وأبي الخطاب على وجوب الحد بوطئها وعدمه انتهى.
قال في الفروع: وخرج أبو الخطاب في الكفارة وجهين بناء على الحد وكذا خرجه القاضي رواية بناء على الحد انتهى وقال بن شهاب لا يجب بمجرد الإيلاج فيه غسل ولا فطر ولا كفارة قال في الفروع كذا قال.
فائدة : الإيلاج في البهيمة الميتة كالإيلاج في البهيمة الحية على الصحيح من المذهب وقيل الحكم مخصوص بالحي فقط قدمه في الرعاية الكبرى قال في الفروع كذا قيل.
قوله : "وفي الكفارة وجهان".
وهما روايتان في المجامع دون الفرج يعني إذا جامع دون الفرج فأنزل أو وطء بهيمة في الفرج وقلنا يفطر فأطلق الخلاف فيما إذا جامع دون الفرج فأنزل وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والتلخيص والكافي والمحرر والرعايتين والحاويين والفروع.
إحداهما : لا تجب الكفارة وهي المذهب اختاره المصنف والشارح وصاحب النصيحة والخلاصة والمحرر والفائق قال في الفروع وهي أظهر قال ابن رزين وهي أصح وقدمه في النظم.
والرواية الثانية: تجب الكفارة اختارها الأكثر منهم الخرقي وأبو بكر وبن أبي موسى والقاضي.
قال الزركشي: هي المشهورة من الروايتين حتى إن القاضي في التعليق لم يذكر غيرها. قال في الفروع: اختارها الأكثر وجزم به في الإفادات والوجيز وقدمه في الفائق وشرح ابن رزين.
فعلى الأولى: لا كفارة على الناسي أيضا بطريق أولى.

وعلى الثانية: يجب عليه أيضا كالعامد على الصحيح جزم به الخرقي والوجيز وصاحب التبصرة وقدمه في الفروع.
قال الزركشي: هي المشهورة عنه والمختارة لعامة أصحابه والقاضي وغيره وقال المصنف وصاحب الروضة وغيرهما لا كفارة على الناسي.
فائدة : لو أنزل المجبوب بالمساحقة فحكمه حكم الواطىء دون الفرج إذا أنزل قاله الأصحاب وكذلك إذا تساحقت امرأتان فأنزلتا [إن قلنا يلزم المطاوعة كفارة وإلا فلا كفارة قاله في الفروع وغيره قال في المغني إذا تساحقتا فأنزلتا] فهل حكمهما حكم المجامع في الفرج أو لا كفارة عليهما بحال فيه وجهان مبنيان على أن الجماع من المرأة هل يوجب الكفارة على روايتين وأصح الوجهين لا كفارة عليهما لأنه ليس بمنصوص عليه ولا في معنى المنصوص عليه فيبقى على الأصل انتهى وكذلك الاستمناء على الصحيح من المذهب وقال القاضي في التعليق لا كفارة بالاستمناء معتمدا على نص أحمد وبالفرق.
فائدتان :
إحداهما: الصحيح من المذهب أن القبلة واللمس ونحوهما إذا أنزل أو أمذى به لا تجب به الكفارة ولو أوجبناها في المجامعة دون الفرج قال في الفروع اختارها الأصحاب.
وعنه حكم ذلك حكم الوطء دون الفرج اختارها القاضي وجزم به في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والتلخيص والمحرر والإفادات وأطلقهما في الفروع ونص أحمد إن قبل فأمذى لا يكفر.
الثانية : لو كرر النظر فأمنى فلا كفارة على الصحيح من المذهب كما لو لم يكرره وعنه هو كاللمس إذا أمنى به وجزم في الإفادات بوجوب الكفارة بذلك واختاره القاضي في تعليقه وقدمه في الفائق وأطلق الروايتين في الهداية والفصول والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والتلخيص.
وقيل: إن أمنى بفكره أو نظره واحدة عمدا أفطر وفي الكفارة وجهان.
وأما إذا وطىء بهيمة في الفرج فأطلق المصنف في وجوب الكفارة بذلك إذا قلنا يفطر وجهين وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والحاوي والتلخيص والبلغة والرعايتين والحاويين.
أحدهما : هو كوطء الآدمية وهو الصحيح ونص عليه وعليه جماهير الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
والوجه الثاني: لا تجب الكفارة بذلك خرجه أبو الخطاب من القول بعدم وجوب الحد بوطء البهيمة وخرجه القاضي رواية بناء على الحد وهو احتمال في الكافي وتقدم قول بن شهاب لا يجب بمجرد الإيلاج فيه غسل ولا فطر ولا كفارة.

قوله : "وإن جامع في يوم رأى الهلال في ليلته وردت شهادته فعليه القضاء والكفارة".
وهذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب ونقل حنبل لا يلزمه الصوم اختاره الشيخ تقي الدين.
فعلى هذه الرواية: قال في المستوعب وتبعه في الرعايتين والحاويين واختاره الشيخ تقي الدين لا يلزمه شيء من الأحكام الرمضانية من الصوم وغيره وتقدم ذلك عند قوله في كتاب الصيام "ومن رأى هلال رمضان وحده وردت شهادته".
قوله : "وإن جامع في يومين ولم يكفر فهل يلزمه كفارة أو كفارتان على وجهين".
وأطلقهما في الهداية والفصول والمغني والهادي والكافي والشرح والنظم والفروع والزركشي وشرح بن منجا.
أحدهما : يلزمه كفارتان وهو المذهب وحكاه بن عبد البر عن الإمام أحمد رحمه الله كيومين في رمضانين واختاره بن حامد والقاضي في خلافه وجامعه وروايتيه والشريف وأبو الخطاب في خلافيهما وبن عبدوس في تذكرته ونصره المجد في شرحه.
قال في الخلاصة: لزمه كفارتان في الأصح قال في المذهب ومسبوك الذهب هذا المشهور في المذهب قال في التلخيص هذا أصح الوجهين قال في تجريد العناية لزمه اثنتان في الأظهر وجزم به في الإيضاح والإفادات والمنور وهو ظاهر المنتخب وقدمه في المذهب ومسبوك الذهب والمحرر والرعايتين والحاويين والفائق.
والوجه الثاني: لا يلزمه إلا كفارة واحدة كالحدود وهو ظاهر كلام الخرقي واختاره أبو بكر وبن أبي موسى قال في المستوعب واختاره القاضي وقدمه هو وابن رزين في شرحه.
فائدة : قال المجد في شرحه فعلى قولنا بالتداخل لو كفر بالعتق في اليوم الأول عنه ثم في اليوم الثاني عنه ثم استحقت الرؤية الأولى لم يلزمه بدلها وأجزأته الثانية عنهما ولو استحقت الثانية وحدها لزمه بدلها ولو استحقتا جميعا أجزأه بدلهما وقيل واحدة لأن محل التداخل وجود السبب الثاني قبل أداء موجب الأول ونية التعيين لا تعتبر فتلغو وتصير كنية مطلقة هذا قياس مذهبنا انتهى.
قوله : "وإن جامع ثم كفر ثم جامع في يومه فعليه كفارة ثانية".
هذا المذهب نص عليه وعليه الأصحاب وهو من مفردات المذهب.
وذكر الحلواني رواية لا كفارة عليه وخرجه ابن عقيل من أن الشهر عبادة واحدة وذكره بن عبد البر إجماعا بما يقتضي دخول أحمد فيه.

تنبيه : مفهوم كلام المصنف أنه لو جامع ثم جامع قبل التكفير أنه لا يلزمه إلا كفارة واحدة وهو صحيح وهو المذهب وعليه الأصحاب قال المصنف بغير خلاف انتهى وعنه عليه كفارتان.
فعلى المذهب: تعدد الواجب وتداخل موجبه ذكره صاحب الفصول والمحرر وغيرهما. وعلى الثاني: لم يجب بغير الوطء الأول شيء.
قوله : "وكذلك كل من لزمه الإمساك إذا جامع".
يعني عليه الكفارة وهذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب ونص الإمام أحمد في مسافر قدم مفطرا ثم جامع لا كفارة عليه.
فاختار المجد: حمل هذه الرواية على ظاهرها وهو وجه ذكره بن الجوزي في المذهب وذكر القاضي في تعليقه وجها فيمن لم ينو الصوم لا كفارة عليه وحمل القاضي وأبو الخطاب هذه الرواية على أنه لا يلزمه الإمساك.
فائدة : لو أكل ثم جامع ففيه الخلاف المتقدم ذكره في الفروع.
قوله : "ولو جامع وهو صحيح ثم جن أو مرض أو سافر لم تسقط عنه".
وكذا لو حاضت أو نفست وهذا المذهب في ذلك كله ونص عليه في المرض وعليه الأصحاب.
وذكر أبو الخطاب في الانتصار وجها: تسقط الكفارة بحدوث حيضة ونفاس لمنعهما الصحة ومثلهما موت وكذا جنون إن منع طريان الصحة.
فائدة : وإن كانت كالأجنبية لو مات في أثناء النهار بطل صومه.
وفائدة بطلان صومه: أنه لو كان نذرا وجب الإطعام عنه من تركته وإن كان صوم كفارة تخيير وجبت الكفارة في ماله.
قوله : "وإن نوى الصوم في سفره ثم جامع فلا كفارة عليه".
هذا الصحيح من المذهب جزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره واختاره القاضي وأكثر الأصحاب قاله المجد قال المصنف وغيره يفطر بنية الفطر فيقع الجماع بعد الفطر.
وذكر بعض الأصحاب رواية: عليه الكفارة وجزم به على هذا قال في الفروع وهو أظهر وتقدم رواية عند قول المصنف "ومن نوى الصوم في سفره فله الفطر" أنه لا يجوز الفطر بالجماع فعليها إن جامع كفر على الصحيح من المذهب وعنه لا يكفر.

قوله : "ولا تجب الكفارة بغير الجماع في صيام رمضان".
يعني في نفس أيام رمضان وهذا المذهب وعليه الأصحاب وقطع به أكثرهم وذكر في الرعاية رواية يكفر إن أفسد قضاء رمضان.
فائدة : لو طلع الفجر وهو مجامع فإن استدام فعليه القضاء والكفارة بلا نزاع وإن لم يستدم بل نزع في الحال مع أول طلوع الفجر فكذلك عند بن حامد والقاضي ونصره ابن عقيل في الفصول وجزم به في المبهج في موضع من كلامه وفي المنور ونظم المفردات وهو منها.
قال في الخلاصة: فعليه القضاء والكفارة في الأصح.
وقال أبو حفص: لا قضاء عليه ولا كفارة قال في الفائق وهو المختار.
واختاره الشيخ تقي الدين قاله في القواعد وأطلقهما في الإيضاح والمبهج في موضع آخر والهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والهادي والمغني والتلخيص والمحرر والشرح والرعايتين والحاويين والفروع وذكر القاضي أن أصل ذلك اختلاف الروايتين في جواز وطء من قال لزوجته إن وطئتك كنت علي كظهر أمي قبل كفارة الظهار فإن جاز فالنزع ليس بجماع وإلا كان جماعا وقال بن أبي موسى يقضي قولا واحدا وفي الكفارة عنه خلاف قال المجد وهذا يقتضي روايتين.
إحداهما: يقضي قال وهو أصح عندي لحصوله مجامعا أول جزء من اليوم أمر بالكف عنه بسبب سابق من الليل واختاره بن عبدوس في تذكرته.
قال بن رجب في القاعدة الثامنة والخمسين: المذهب أنه يفطر بذلك وفي الكفارة روايتان وقال ينبغي أن يقال إن خشي مفاجأة الفجر أفطر وإلا فلا وتقدم في باب الحيض بعض ذلك.
قوله : "والكفارة عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا".
الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب أن الكفارة هنا واجبة على الترتيب كما قدمه المصنف.
وعنه أن الكفارة على التخيير فبأيها كفر أجزأه قدمه في تجريد العناية ونظم نهاية ابن رزين.
ويأتي ذلك أيضا في أول الفصل الثالث من كتاب الظهار.

فائدتان :
إحداهما : لو قدر على العتق في الصيام لم يلزمه الانتقال نص عليه ويلزمه إن قدر عليه قبل الشروع في الصوم.
الثانية : لا يحرم الوطء هنا قبل التكفير ولا في ليالي صوم الكفارة قال في التلخيص وهذه الكفارة مرتبة ككفارة الظهار سواء إلا في تحريم الوطء قبل التكفير وفي ليالي الصوم إذا كفر [به] فإنه يباح وجزم به في الرعايتين والحاويين وقدمه في الفروع ككفارة القتل ذكره فيها القاضي وأصحابه.
وذكر بن الحنبلي في كتاب أسباب النزول أن ذلك يحرم عليه عقوبة وجزم به.
قوله : "فإن لم يجد سقطت عنه".
الصحيح من المذهب أن [هذه] الكفارة تسقط عنه بالعجز عنها نص عليه وعليه أكثر الأصحاب قال المصنف والشارح وصاحب الفروع وغيرهم هذا ظاهر المذهب وجزم [به] في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره وقال في الرعاية الكبرى فإن عجز وقت الجماع عنها بالمال وقيل والصوم سقطت نص عليه قال في الفروع كذا قال.
وعنه لا تسقط. قال في الفروع ولعل هذه الرواية أظهر وقال في الرعاية الكبرى وغيره تفريعا على الرواية الثانية فلو كفر عنه غيره بإذنه فله أخذها وجزم به في المحرر وقدمه في الحاويين وقيل وبدون إذنه وعنه لا يأخذها وأطلق بن أبي موسى في أنه هل يجوز له أكلها أم كان خاصا بذلك الأعرابي على روايتين.
وقال في الفروع: ويتوجه احتمال أنه عليه أفضل الصلاة والسلام رخص للأعرابي فيه لحاجته ولم تكن كفارة.
فوائد :
إحداها : لا تسقط غير هذه الكفارة بالعجز عنها ككفارة الظهار واليمين وكفارات الحج ونحو ذلك على الصحيح من المذهب نص عليه وعليه جماهير الأصحاب قال المجد وغيره وعليه أصحابنا.
وعنه تسقط. وذكر غير واحد تسقط ككفارة وطء الحائض بالعجز على الأصح وعنه تسقط ككفارة وطء الحائض بالعجز عنها كلها لأنه لا بدل فيها.
وقال ابن حامد: تسقط مطلقا كرمضان وتقدم في كتاب الصيام بعد أحكام الحامل والمرضع هل يسقط الإطعام بالعجز وتقدم ككفارة وطء الحائض في بابه.
الثانية : حكم أكله من الكفارات بتكفير غيره عنه حكم كفارة رمضان على الصحيح من المذهب وعنه جواز أكله مخصوص بكفارة رمضان اختاره أبو بكر وأطلقهما في المحرر.

الثالثة : لو ملكه ما يكفر به وقلنا له أخذه هناك فله هنا أكله وإلا أخرجه عن نفسه وهذا الصحيح من المذهب.
وقيل: هل له أكله أو يلزمه التكفير به على روايتين ذكره في الرعاية والفروع وجزم في الحاويين أنه ليس له أخذها هنا ويأتي في كتاب الظهار شيء من أحكام الكفارة لرمضان وغيره مقدار ما يطعم كل مسكين وصفته.

باب ما يكره وما يستحب وحكم القضاء
قوله : "يكره للصائم أن يجمع ريقه فيبتلعه وأن يبتلع النخامة وهل يفطر بها على وجهين".
إذا جمع ريقه وابتلعه قصدا كره بلا نزاع ولا يفطر به على الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب كما لو ابتلعه قصدا ولم يجمعه وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره.
وفيه وجه آخر يفطر بذلك فيحرم فعله وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والرعايتين والحاويين والفائق.
فوائد :
إحداها : لو أخرج ريقه إلى ما بين شفتيه ثم أعاده وبلعه حرم عليه وأفطر به على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع وجزم به في الرعايتين والحاويين وغيرهم وقال المجد لا يفطر إلا إذا خرج إلى ظاهر شفتيه ثم يدخله ويبلعه لإمكان التحرز منه عادة كغير الريق.
الثانية : لو أخرج حصاة من فمه أو درهما أو خيطا ثم أعاد فإن كان ما عليه كثيرا فبلعه أفطر وإن كان يسيرا لم يفطر على الصحيح من المذهب.
وقيل: يفطر.
الثالثة : لو أخرج لسانه ثم أدخله إلى فيه بما عليه وبلعه لم يفطر ولو كان كثيرا على الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب منهم القاضي وجزم به في المذهب وغيره وقدمه في الفروع وغيره قال في الفروع أطلقه الأصحاب وقال ابن عقيل يفطر وأطلقهما في مسبوك الذهب والرعايتين والحاويين.
الرابعة : لو تنجس فمه أو خرج إليه قيء أو قلس فبلعه أفطر نص عليه وإن قل,

لإمكان التحرز منه وإن بصقه وبقي فمه نجسا فبلع ريقه فإن تحقق أنه بلع شيئا نجسا أفطر وإلا فلا.
وأما النخامة إذا بلعها: فأطلق المصنف في الفطر به وجهين.
واعلم أن النخامة تارة تكون من جوفه وتارة تكون [من دماغه وتارة تكون من] حلقه فإذا وصلت إلى فمه ثم بلعها فللأصحاب فيها ثلاث طرق.
أحدها : إن كانت من جوفه أفطر بها قولا واحدا وإلا فروايتان وهذه الطريقة هي الصحيحة وهي طريقة صاحب الفروع وغيره.
إحداهما : يفطر فيحرم وهو المذهب جزم به بن عبدوس في تذكرته وصاحب المنور وقدمه في المحرر والشرح.
والثانية : لا يفطر فيكره جزم به في الوجيز وأطلقهما في الفروع.
الطريق الثاني: في بلع النخامة من غير تفريق روايتان وهي طريقة القاضي وغيره قاله في المستوعب وجزم بها في المذهب ومسبوك الذهب والمجد في شرحه ومحرره والمصنف هنا وفي المغني والنظم وغيرهم وقدمها في المستوعب والرعايتين والحاويين والفائق وغيرهم.
إحداهما : يفطر بذلك وهو المذهب جزم به بن عبدوس في تذكرته والمنور وقدمه في المحرر والشرح.
والثانية : لا يفطر به صححه في الفصول وجزم به في الوجيز وأطلقهما في المذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والرعايتين والحاويين والفائق والمغني.
الطريق الثالث: إن كانت من دماغه أفطر قولا واحدا وإن كانت من صدره فروايتان وهي طريقة بن أبي موسى نقله عنه في المستوعب.
قوله : "ويكره ذوق الطعام".
هكذا قال جماعة وأطلقوا منهم صاحب الهداية والمذهب والمحرر والمنور وهو ظاهر ما قدمه في الفروع وقال ابن عقيل يكره من غير حاجة ولا بأس به للحاجة وقال أحمد أحب إلي أن يجتنب ذوق الطعام فإن فعل فلا بأس قال المجد في شرحه والمنصوص عن أحمد أنه لا بأس به إذا كان لمصلحة وحاجة كذوق الطعام من القدر والمضغ للطفل ونحوه واختاره أبو بكر في التنبيه وحكاه أحمد عن بن عباس.
فعلى الأول: إن وجد طعمه في حلقه أفطر لإطلاق الكراهة.
وعلى الثاني: إذا ذاقه فعليه أن يستقصي في البصق ثم إن وجد طعمه في حلقه لم يفطر كالمضمضة وإن لم يستقص في البصق أفطر لتفريطه على الصحيح من المذهب وقدمه في

الفروع وجزم جماعة يفطر مطلقا.
قلت: هو ظاهر كلام المصنف هنا.
وقال في الفروع: ويتوجه الخلاف في مجاوزة الثلاث.
قوله : "ويكره مضغ العلك الذي لا يتحلل منه أجزاء".
قال في الهداية والمستوعب وغيرهما وهو الموميا واللبان الذي كلما مضغه قوي وهذا المذهب نص عليه وعليه الأصحاب لأنه يحلب الفم ويجمع الريق ويورث العطش ووجه في الفروع احتمالا لا يكره.
وقال في الرعاية في تحريم ما لا يتحلل غالبا: وفطره بوصوله أو طعمه إلى حلقه وجهان وقال في الرعاية الصغرى والحاويين وفي تحريم ما لا يتحلل وجهان وقيل يكره بلا حاجة.
فعلى المذهب: هل يفطر إن وجد طعمه في حلقه أم لا فيه وجهان وضعفهما في الكافي والفروع والمغني والفروع.
أحدهما : لا يفطر وهو ظاهر كلام المصنف هنا لأن مجرد وجود الطعم لا يفطر كمن لطخ باطن قدمه بحنظل إجماعا ومال إليه المصنف والشارح.
والوجه الثاني: يفطر وجزم به في الوجيز وقدمه ابن رزين في شرحه.
قوله : "ولا يجوز مضغ ما يتحلل منه أجزاء".
هذا مما لا نزاع فيه في الجملة بل هو إجماع.
قوله : "إلا أن لا يبلع ريقه".
يعني فيجوز وهكذا قال في الكافي والنظم والوجيز وجزموا به بهذا القيد والصحيح من المذهب أنه يحرم مضغ ذلك ولو لم يبتلع ريقه وجزم به الأكثر وقدمه في الفروع وقال وفرض بعضهم المسألة في ذوقه يعني يحرم ذوقه وإن لم يذقه لم يحرم قال في الرعايتين ويحرم ذوق ما يتحلل أو يتفتت وقيل إن بلع ريقه وإلا فلا.
قوله : "وتكره القبلة إلا أن تكون ممن لا تحرك شهوته على إحدى الروايتين".
فاعل القبلة لا يخلو: إما أن يكون ممن تحرك شهوته أو لا فإن كان ممن تحرك شهوته فالصحيح من المذهب كراهة ذلك فقط جزم به في الهداية والمبهج والمذهب ومسبوك الذهب والخلاصة والنظم والوجيز والرعاية الصغرى والحاويين وقدمه في الفروع والرعاية الكبرى وصححه.
وعنه تحرم جزم به في المستوعب وغيره.

تنبيه : محل الخلاف إذا لم يظن الإنزال فإن ظن الإنزال حرم عليه قولا واحدا.
وإن كان ممن لا تحرك شهوته فالصحيح من المذهب أنها لا تكره قال في الفائق ولا تكره له القبلة إذا لم تحرك شهوته على أصح الروايتين قال في المبهج والوجيز وتكره القبلة بشهوة.
فمفهومه: لا تكره بلا شهوة وصححه في النظم وقدمه في الفروع والمحرر والرعاية الصغرى وصححه في الرعاية الكبرى.
وعنه تكره لاحتمال حدوث الشهوة وقدمه في الرعاية الكبرى وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والمغني والكافي والشرح والحاويين.
تنبيه : الظاهر أن الخلاف الذي أطلقه المصنف عائد إلى من لا تحرك شهوته وعليه شرح الشارح وبن منجا وصاحب التلخيص ولأن الخلاف فيه أشهر.
ويحتمل أن يعود على من تحرك شهوته فيكون تقدير الكلام على هذا: وتكره القبلة على إحدى الروايتين إلا أن يكون ممن لا تحرك شهوته فلا تكره.
لكن يبعد هذا أن المصنف لم يحك الخلاف في المغني والكافي.
فائدة : إذا خرج منه مني أو مذي بسبب ذلك فقد تقدم في أول الباب الذي قبله وإن لم يخرج منه شيء لم يفطر وذكره بن عبد البر إجماعا.
واعلم أن مراد من اقتصر من الأصحاب كالمصنف وغيره على ذكر القبلة دواعي الجماع بأسرها أيضا ولهذا قاسوه على الإحرام وقالوا عبادة تمنع الوطء فمنعت دواعيه قال في الكافي وغيره واللمس وتكرار النظر كالقبلة لأنهما في معناها وقال في الرعاية بعد أن ذكر الخلاف في القبلة وكذا الخلاف في تكرار النظر والفكر في الجماع فإن أنزل أثم وأفطر والتلذذ باللمس والنظر والمعانقة والتقبيل سواء هذا كلامه وهو مقتضى ما في المستوعب وغيره.
قوله : "فإن شتم استحب أن يقول إني صائم".
يحتمل أن يكون مراده: أن يقول ذلك بلسانه في الفرض والنفل مع نفسه يزجر نفسه بذلك ولا يطلع الناس عليه وهو احد الوجوه جزم به في الرعاية الكبرى وهو ظاهر كلامه هو وصاحب الفائق وغيره وظاهر ما قدمه في الفروع.
ويحتمل أن يكون مراده: أن يقوله جهرا في رمضان وغيره وهو الوجه الثاني للأصحاب واختاره الشيخ تقي الدين.
ويحتمل أن يكون مراده أن يقوله جهرا في رمضان وسرا في غيره زاجرا لنفسه وهو الوجه الثالث واختاره المجد وذلك للأمن من الرياء وهو المذهب على ما اصطلحناه.

تنبيهان
أحدهما : قوله : "ويستحب تعجيل الإفطار".
إجماعا. يعني إذا تحقق غروب الشمس.
الثاني : قوله : "ويستحب تأخير السحور".
إجماعا إذا لم يخش طلوع الفجر ذكره أبو الخطاب والأصحاب قال في الفروع وظاهر كلام الشيخ يعني به المصنف استحباب السحور مع الشك وذكر المصنف أيضا قول أبي داود قال أبو عبد الله "إذا شك في الفجر يأكل حتى يستيقن طلوعه" قال في الفروع ولعل مراد غير الشيخ الجواز وعدم المنع بالشك وكذا جزم بن الجوزي وغيره يأكل حتى يستيقن وقال إنه ظاهر كلام الإمام أحمد وكذا خص الأصحاب المنع بالمتيقن كشكه في نجاسة طاهر.
قال الآجري وغيره ولو قال لعالمين ارقبا الفجر فقال أحدهما طلع الفجر وقال الآخر لم يطلع أكل حتى يتفقا.
وذكر ابن عقيل في الفصول: إذا خاف طلوع الفجر وجب عليه أن يمسك جزءا من الليل ليتحقق له صوم جميع اليوم وجعله أصلا لوجوب صوم يوم ليلة الغيم وقال لا فرق ثم ذكر هذه المسألة في موضعها وأنه لا يحرم الأكل مع الشك في الفجر وقال بل يستحب قال في الفروع كذا قال وقال في المستوعب والرعاية الأولى أن لا يأكل مع شكه في طلوعه وجزم به المجد مع جزمه بأنه لا يكره.
فوائد :
الأولى : تقدم عند قوله ومن أكل شاكا في طلوع الفجر فلا قضاء عليه أنه لا يكره الأكل والشرب مع الشك في طلوعه ويكره الجماع نص عليهما.
الثانية : قال في الفروع لا يجب إمساك جزء من الليل في أوله وآخره في ظاهر كلام جماعة وهو ظاهر ما سبق أو صريحه وذكر بن الجوزي أنه أصح الوجهين.
وقطع جماعة من الأصحاب بوجوب الإمساك في أصول الفقه وفروعه وأنه مما لا يتم الواجب إلا به وذكره ابن عقيل في الفنون وأبو يعلى الصغير في صوم يوم ليلة الغيم.
الثالثة : المذهب يجوز له الفطر بالظن قاله في الفروع وغيره.
وقال في التلخيص: يجوز الأكل بالاجتهاد في أول اليوم لا يجوز في آخره إلا بيقين ولو أكل ولم يتيقن لزمه القضاء في الآخر ولم يلزمه في الأول انتهى.
قال في القواعد الأصولية: وهو ضعيف.

الرابعة : إذا غاب حاجب الشمس الأعلى أفطر الصائم حكما وإن لم يطعم ذكره في المستوعب وغيره وجزم به في الفروع فلا يثاب على الوصال كما هو ظاهر المستوعب واقتصر عليه في الفروع وقال وقد يحتمل أنه يجوز له الفطر وقال والعلامات الثلاث في قوله عليه أفضل الصلاة والسلام " إذا أقبل الليل من ها هنا وأدبر النهار من ها هنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم" متلازمة وإنما جمع بينها لئلا يشاهد غروب الشمس فيعتمد على غيرها ذكره النووي في شرح مسلم عن العلماء قال في الفروع كذا قال قال ورأيت بعض أصحابنا يتوقف في هذا ويقول يقبل الليل مع بقاء الشمس ولعله ظاهر المستوعب انتهى.
قلت: وهذا مشاهد.
الخامسة : تحصل فضيلة السحور بأكل أو شرب قال المجد في شرحه وكمال فضيلته بالأكل.
قوله : "وأن يفطر على التمر فإن لم يجد فعلى الماء".
هكذا قال كثير من الأصحاب وقال في المغني والشرح والفروع والفائق يسن أن يفطر على الرطب فإن لم يجد فعلى التمر فإن لم يجد فعلى الماء وقال في الوجيز: ويفطر على رطب أو تمر أو ماء وقال في الحاويين يفطر على تمر أو رطب أو ماء وقال في الرعايتين ويسن أن يعجل فطره على تمر أو ماء.
قوله : "وأن يقول اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت سبحانك وبحمدك اللهم تقبل مني إنك أنت السميع العليم".
هكذا ذكره جماعة من الأصحاب منهم المصنف وأبو الخطاب قال في الفروع وهو أولى واقتصر عليه جماعة وذكره بن حمدان وزاد "بسم الله" وذكره بن الجوزي وزاد في أوله "بسم الله والحمد لله" وبعد قوله: "وعلى رزقك أفطرت": "وعليك توكلت" وذكر بعض الأصحاب قول بن عمر "كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا أفطر: "ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله تعالى".
فوائد :
إحداها : يستحب أن يدعو عند فطره فإن له دعوة لا ترد.
الثانية : يستحب أن يفطر الصوام. "ومن فطر صائما فله مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيء" قاله في الفروع وظاهر كلامهم من أي شيء كان كما هو ظاهر الخبر وقال الشيخ تقي الدين مراده بتفطيره أن يشبعه.
الثالثة : يستحب له كثرة قراءة القرآن والذكر والصدقة.

قوله : "ويستحب التتابع في قضاء رمضان ولا يجب".
هذا المذهب وعليه الأصحاب ونص عليه وذكره القاضي في الخلاف في أن الزكاة تجب على الفور إن [قلنا: إن] قضاء رمضان على الفور واحتج بنصه في الكفارة ويأتي في الباب الذي يليه هل يصح التطوع بالصيام قبل [قضاء] رمضان لهم أم لا؟.
تنبيه : كلام المصنف وغيره ممن أطلق مقيد بما إذا لم يبق من شعبان إلا ما يتسع للقضاء فقط فإنه في هذه الصورة يتعين التتابع قولا واحدا.
فائدتان :
إحداهما : هل يجب العزم على فعل القضاء قال في الفروع يتوجه الخلاف في الصلاة ولهذا قال ابن عقيل في الصلاة لا تنتفي إلا بشرط العزم على النفل في ثاني الوقت قال وكذا كل عبادة متراخية.
الثانية : من فاته رمضان كاملا سواء كان تاما أو ناقصا لعذر كالأسير والمطمور ونحوهما أو غيره قضى عدد أيامه مطلقا كأعداد الصلوات على الصحيح من المذهب اختاره صاحب المستوعب والمصنف والمجد في شرحه وقدمه في الفروع وعند القاضي إن قضى شهرا هلاليا أجزأه سواء كان تاما أو ناقصا وإن لم يقض شهرا صام ثلاثين يوما وهو ظاهر كلام الخرقي قال المجد وهو ظاهر كلام الإمام أحمد وقال هو أشهر قال في الرعاية الصغرى أجزأ شهر هلالي ناقص على الأصح وقدمه في المحرر والرعاية الكبرى والنظم والحاويين والفائق وجزم به في الإفادات والمنور والتلخيص.
فعلى الأول: من صام من أول شهر كامل أو من أثناء شهر تسعة وعشرين يوما وكان رمضان الفائت ناقصا أجزأه عنه اعتبارا بعدد الأيام.
وعلى الثاني: يقضي يوما تكميلا للشهر بالهلال أو العدد ثلاثين يوما.
قوله : "ولا يجوز تأخير قضاء رمضان إلى رمضان آخر من غير عذر".
نص عليه وهذا بلا نزاع فإن فعل فعليه القضاء وإطعام مسكين لكل يوم وهذا المذهب بلا ريب وعليه الأصحاب وظاهره ولو أخره رمضانات ولم يمت وهو كذلك ووجه في الفروع احتمالا لا يجب الإطعام لظاهر قوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185]
وتقدم قريبا: أن قضاء رمضان على التراخي على الصحيح.
فائدة : يطعم ما يجزئ كفارة ويجوز الإطعام قبل القضاء ومعه وبعده قال المجد الأفضل تقديمه عندنا مسارعة إلى الخير وتخلصا من آفات التأخير.

قوله : "وإن أخره لعذر فلا شيء عليه وإن مات".
هذا المذهب بلا ريب نص عليه وعليه الأصحاب وذكر في التلخيص رواية يطعم عنه كالشيخ الكبير.
وقال أبو الخطاب في الانتصار: يحتمل أن يجب الصوم عنه أو التكفير.
تنبيه : ظاهر قوله: "وإن أخره لغير عذر فمات قبل رمضان آخر أطعم عنه لكل يوم مسكين".
أنه لا يصام عنه وهو صحيح وهو المذهب وعليه الأصحاب وقال أبو الخطاب في الانتصار في جواب من قال العبادة لا تدخلها النيابة فقال لا نسلم بل النيابة تدخل الصلاة والصيام إذا وجبت وعجز عنها بعد الموت.
وقال أيضا فيه: فأما سائر العبادات فلنا رواية أن الوارث ينوب عنه في جميعها في الصوم والصلاة انتهى.
ومال الناظم إلى جواز صوم رمضان عنه بعد موته فقال لو قيل به لم أبعد.
وقال في الفائق: ولو أخره لا لعذر فتوفى قبل رمضان آخر أطعم عنه لكل يوم مسكين والمختار الصيام عنه انتهى.
وقال بن عبدوس في تذكرته: ويصح قضاء نذر قلت وفرض عن ميت مطلقا كاعتكاف انتهى.
وقال الشيخ تقي الدين: إن تبرع بصومه عمن لا يطيقه لكبر ونحوه أو عن ميت وهما معسران يتوجه جوازه لأنه أقرب إلى المماثلة من المال.
قوله : "وإن مات بعد أن أدركه رمضان آخر فهل يطعم عنه لكل يوم مسكين أو اثنان على وجهين".
وحكاهما في الفائق روايتين وأطلقهما قال الزركشي فوجهان وقيل روايتان.
أحدهما : يطعم عنه لكل يوم مسكين فقط وهو المذهب نص عليه وجزم به في الوجيز والمستوعب ومال إليه المجد في شرحه وقدمه في الفروع والمغني والشرح والكافي.
قال الزركشي: وهو ظاهر إطلاق الخرقي والقاضي والشيرازي وغيرهم.
والوجه الثاني: يطعم عنه لكل يوم مسكينان لاجتماع التأخير والموت بعد التفريط جزم به في الهداية والمذهب والخلاصة والتلخيص والمحرر والإفادات والمنور وقدمه في الرعايتين والحاويين.
واختار الشيخ تقي الدين: لا يقضي من أفطر متعمدا بلا عذر وكذلك الصلاة وقال لا تصح عنه وقال ليس في الأدلة ما يخالف هذا وهو من مفردات المذهب.

فائدتان :
إحداهما : الإطعام يكون من رأس المال أوصى به أو لم يوص.
الثانية : لا يجزئ صوم كفارة عن ميت وإن أوصى به نص عليه وإن كان موته بعد قدرته عليه وقلنا الاعتبار بحالة الوجوب أطعم عنه ثلاثة مساكين لكل يوم مسكين ذكره القاضي.
ولو مات وعليه صوم شهر من كفارة: أطعم عنه أيضا نص عليه.
قوله : "وإن مات وعليه صوم أو حج أو اعتكاف منذور فعله عنه وليه".
إذا مات وعليه صوم منذور فعله عنه وليه على الصحيح من المذهب نص عليه وعليه الأصحاب قاله في الفروع وغيره وهو من المفردات واختار ابن عقيل أن صوم النذر عن الميت كقضاء رمضان على ما سبق وقدمه في الفروع.
فائدتان :
إحداهما : يجوز صوم جماعة عنه في يوم واحد ويجزئ عدتهم من الأيام على الصحيح اختاره المجد في شرحه قال في الفروع هو أظهر وقدمه الزركشي وحكاه الإمام أحمد عن طاوس.
وحمل المجد ما نقل عن أحمد على صوم شرطه التتابع وتعليل القاضي يدل عليه.
ونقل أبو طالب: يصوم واحد قال القاضي في الخلاف فمنع الاشتراك كالحجة المنذورة تصح النيابة فيها من واحد لا من جماعة.
الثانية : يجوز أن يصوم غير الولي بإذنه وبدونه على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع وقال جزم به القاضي [والأكثر منهم المصنف في المغني].
وقيل: لا يصح إلا بإذنه وذكر المجد أنه ظاهر نقل حرب يصوم أقرب الناس إليه ابنه أو غيره.
قال في الفروع: فيتوجه يلزم من الاقتصار على النص أنه لا يصام بإذنه.
فائدتان :
الأولى : قوله : "فعله عنه وليه".
يستحب للولي فعله.
واعلم أنه إذا كان له تركه وجب فعله فيستحب للولي الصوم وله أن يدفع إلى من يصوم عنه من تركته عن كل يوم مسكينا وجزم به في القاعدة الرابعة والأربعين بعد المائة فإن لم يكن له تركه لم يلزمه شيء.

وقال في المستوعب وغيره: ومع امتناع الولي من الصوم يجب إطعام مسكين من مال الميت عن كل يوم ومع صوم الورثة لا يجب.
وجزم المصنف في مسألة من نذر صوما يعجز عنه أن صوم النذر لا إطعام فيه بعد الموت بخلاف رمضان.
قال في الفروع: ولم أجد في كلامه خلافه وقال المجد لم يذكر القاضي في المجرد أن الورثة إذا امتنعوا يلزمهم استنابة ولا إطعام.
الثانية : لا كفارة مع الصوم عنه أو الإطعام على الصحيح من المذهب.
واختار الشيخ تقي الدين: أن الصوم عنه بدل مجزىء عنه بلا كفارة.
وأوجب في المستوعب الكفارة قال كما لو عين بنذره صوم شهر فلم يصمه فإنه يجب القضاء والكفارة قال في الرعاية إن لم يقضه عنه ورثته أو غيرهم أطعم عنه من تركته لكل يوم فقير مع كفارة يمين وإن قضى كفته كفارة يمين وعنه مع العذر المتصل بالموت.
تنبيهات
الأول : هذا التفريع كله فيمن أمكنه صوم ما نذره فلم يصمه حتى مات فأما إن أمكنه صوم بعض ما نذره قضي عنه ما أمكنه صومه فقط قدمه في الفروع قال المجد في شرحه ذكره القاضي وبعض أصحابنا وذكره ابن عقيل أيضا وذكر القاضي في مسألة الصوم عن الميت أن من نذر صوم شهر وهو مريض ومات قبل القدرة عليه يثبت الصيام في ذمته ولا يعتبر إمكان أدائه ويخير وليه بين أن يصوم عنه أو ينفق على من يصوم عنه.
واختار المجد: أنه يقضى عن الميت ما تعذر فعله بالمرض دون المتعذر بالموت وقال في القاعدة التاسعة عشرة وأما المنذورات ففي اشتراط التمكن لها من الأداء وجهان.
فعلى القول بالقضاء: هل يقضى الصائم الفائت بالمرض خاصة أو الفائت بالمرض والموت على وجهين.
الثاني : هذا كله إذا كان النذر في الذمة فأما إن نذر صوم شهر بعينه فمات قبل دخوله لم يصم ولم يقض عنه قال المجد في شرحه وهذا مذهب سائر الأئمة ولا أعلم فيه خلافا وإن مات في أثنائه سقط باقيه فإن لم يصمه لمرض حتى انقضى ثم مات في مرضه فعلى الخلاف السابق فيما إذا كان في الذمة.
هذه أحكام من مات وعليه صوم نذر وأما من مات وعليه حج منذور فالصحيح من المذهب أن وليه يفعله عنه ويصح منه وعليه أكثر الأصحاب ونص عليه الإمام أحمد وفي الرعاية قول لا يصح قال في الفروع كذا قال.

فوائد :
إحداها : لا يعتبر تمكنه من الحج في حياته على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع والمجد في شرحه وقال هو ظاهر كلامه وهو أصح وقال القاضي في خلافه في الفقير إذا نذر الحج ولم يملك بعد النذر زادا ولا راحلة حتى مات لا يقضى عنه كالحج الواجب بأصل الشرع.
قال المجد: وعليه قياس كل صورة مات قبل التمكن كالذي يموت قبل مجيء الوقت أو عند خوف الطريق قال وهذه المسألة شبيهة بمسألة أمن الطريق وسعة الوقت هل هو في حجة الفرض شرط للوجوب في الذمة أو للزوم الأداء؟.
الثانية : حكم العمرة المنذورة حكم الحج المنذور إذا مات وهي عليه.
الثالثة : يجوز أن يحج عنه حجة الإسلام بإذن وليه بلا نزاع وبغير إذنه على الصحيح من المذهب واختاره ابن عقيل والمجد وهو ظاهر ما قدمه في الفروع.
وقيل: لا يصح بغير إذنه اختاره أبو الخطاب في الانتصار.
ويأتي ذلك في كتاب الحج.
فعلى المذهب: له الرجوع بما أنفق على التركة وكذا لو أعتق عنه في نذر أو أطعم عنه في كفارة إذا قلنا يصح ذكره في القاعدة الخامسة والسبعين في ضمن تعليل القاضي.
وأما إذا مات وعليه اعتكاف منذور فالصحيح من المذهب أنه يفعل عنه نقله الجماعة عن الإمام أحمد وعليه الأصحاب ونقلابنإبراهيم وغيره ينبغي لأهله أن يعتكفوا عنه وحكى في الرعاية قولا لا يصح أن يعتكف عنه قال في الفروع فيتوجه على هذا أن يخرج عنه كفارة يمين ويحتمل أن يطعم عنه لكل يوم مسكين انتهى.
فعلى المذهب: إن لم يمكنه فعله حتى مات فالخلاف السابق كالصوم.
وقيل: يقضي وقيل لا فعليه يسقط إلى غير بدل.
تنبيه : اعلم أن في نسخة المصنف كما حكيته في المتن هكذا "وإن مات وعليه صوم أو حج أو اعتكاف منذور" فلفظة "منذور" مؤخرة عن الاعتكاف وهكذا في نسخ قرئت على المصنف فغير ذلك بعض أصحاب المصنف المأذون له بالإصلاح. فقال: "وإن مات وعليه صوم منذور أو حج أو اعتكاف فعله عنه وليه" لأن تأخير لفظه "منذور" لا يخلو من حالين: إما أن يعيده إلى الثلاثة أو إلى الأخير وهو الاعتكاف وعلى كليهما يحصل في الكلام خلل لأنه لو عاد إلى الاعتكاف فقط بقي الصوم مطلقا والولي لا يفعل الواجب بالشرع من الصوم وإن عاد إلى الثلاثة بقي الحج مشروطا بكونه منذورا ولا يشترط ذلك لأن الولي يفعل الحج الواجب بالشرع أيضا فلذلك غير.
ولا يقال: إذا قدمنا لفظة منذور على الحج والاعتكاف يبقى الاعتكاف مطلقا. لأنا

نقول: لا يكون الاعتكاف واجبا إلا بالنذر.
قلت: والذي يظهر أن كلام المصنف على [صفة] ما قاله من غير تغيير أولى ولا يرد على المصنف شيء مما ذكر لأن مراده هنا النيابة في المنذورات لا غير ولذلك ذكر الصلاة المنذورة والصوم المنذور فكذا الاعتكاف والحج وأما كون الحج إذا كان واجبا بالشرع يفعل فهذا مسلم وقد صرح به المصنف في كتاب الحج فقال ومن وجب عليه الحج فتوفي قبله أخرج عنه من جميع ماله حجة وعمرة وهذا واضح ولذلك ذكر غالب الأصحاب مثل ما قال المصنف هنا فيذكرون الصوم والحج والاعتكاف المنذورات والله أعلم.
قوله : "وإن كانت عليه صلاة منذورة فعلى روايتين".
وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والهادي والتلخيص والبلغة والمجد في شرحه ومحرره والشارح والرعايتين والحاويين والفروع والفائق والزركشي.
إحداهما: يفعل عنه وهو المذهب. [...] حرب. وجزم به في الإفادات والوجيز والمنور والمنتخب وهو ظاهر ما جزم به في العمدة وصححه في التصحيح والنظم وقدمه في المغني قال القاضي اختارها أبو بكر والخرقي وهي الصحيحة قال في الفروع اختاره الأكثر واختارهابنعبدوس في تذكرته قال الزركشي اختاره أبو بكر والقاضي في التعليق وغيرهما وهو من مفردات المذهب.
والرواية الثانية: لا يفعل عنه نقلها الجماعة عن أحمد قالابنمنجا في شرحه وهي أصح قال في إدراك الغاية لا يفعل في الأشهر قال في نظم النهاية لا يفعل في الأظهر فعلى المذهب تصح وصيته بها.
تنبيهات
أحدها : قال في القاعدة الرابعة والأربعين بعد المائة كثير من الأصحاب يطلق ذكر "الوارث" هنا. وقال ابن عقيل وغيره هو الأقرب فالأقرب وكذلك قال الخرقي هو الوارث من العصبة.
الثاني : هذه الأحكام كلها وهو القضاء إذا كان الناذر قد تمكن من الأداء فأما إذا لم يتمكن من الأداء فالصحيح من المذهب أنه كذلك فلا يشترط التمكن وقيل يشترط.
الثالث : ظاهر كلام المصنف: أنه لا يفعل غير ما ذكر من الطاعات المنذورة عن الميت وهو ظاهر كلام كثير من الأصحاب لاقتصارهم على ذلك وقال في الإيضاح من نذر طاعة فمات فعلت وقال الخرقي ومن نذر أن يصوم فمات قبل أن يأتي به صام عنه ورثته من أقاربه.

وكذلك كل ما كان من نذر وطاعة وكذا قال في العمدة وقال في المستوعب يصح أن يفعل عنه كل ما كان عليه من نذر وطاعة إلا الصلاة فإنها على روايتين وقال المجد في شرحه قصة سعد بن عبادة تدل على أن كل نذر يقضى وكذا ترجم عليها في كتابه المنتقى بقضاء كل المنذورات عن الميت.
وقال ابن عقيل وغيره لا تفعل طهارة منذورة عنه مع لزومها بالنذر.
قال في الفروع: ويتوجه في فعلها عن الميت ولزومها بالنذر ما سبق في صوم يوم الغيم هل هي مقصودة في نفسها أم لا مع أن قياس عدم فعل الولي لها أن لا تفعل بالنذر وإن لزمت الطهارة لزم فعل صلاة ونحوها بها كنذر المشي إلى المسجد يلزم تحية صلاة الركعتين على ما يأتي في النذر انتهى.
قلت: فيعايى بها.
وقال في الفروع: ظاهر كلام الأصحاب: أن الطواف المنذور كالصلاة المنذورة.

باب صوم التطوع
قوله : "وأفضله صوم داود عليه السلام كان يصوم يوما ويفطر يوما".
هذا الصحيح من المذهب وعليه الأصحاب ونص عليه وكان أبو بكر النجاد من الأصحاب يسرد الصوم فظاهر حاله أن سرد الصوم أفضل.
فائدتان :
إحداهما : يحرم صوم الدهر إذا دخل فيه يومي العيدين وأيام التشريق ذكره القاضي وأصحابه بل عليه الأصحاب وعبر القاضي وأصحابه بالكراهة ومرادهما كراهة تحريم ذكره المصنف والمجد وغيرهما وهو واضح.
وإن أفطر أيام النهي جاز صومه ولم يكره على الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب نقل صالح إذا أفطرها رجوت أن لا بأس به واختار الكراهة المصنف وهو رواية الأثرم.
وقال الشيخ تقي الدين: الصواب قول من جعله تركا للأولى أو كراهة.
الثانية: قوله : "ويستحب صيام أيام البيض من كل شهر".
هذا بلا نزاع واعلم أنه يستحب صيام ثلاثة أيام من كل شهر. والأفضل أن تكون أيام

البيض نص عليه فإنها أفضل نص عليه وسميت بيضاء لابيضاضها ليلا بالقمر ونهارا بالشمس وهذا الصحيح.
وذكر أبو الحسن التميمي في كتابه اللطيف الذي لا يسع جهله إنما سميت بيضاء لأن الله تعالى تاب فيها على آدم وبيض صحيفته وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر.
تنبيه : ظاهر قوله: "ومن صام رمضان وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر".
أن الأولى: متابعة الست إذ المتابعة ظاهرها التوالي وهو ظاهر كلام الخرقي وجماعة كثيرة من الأصحاب وصرح بعض الأصحاب بذلك وجزم به في المذهب ومسبوك الذهب.
والصحيح من المذهب: حصول فضيلتها بصومها متتابعة ومتفرقة ذكره كثير من الأصحاب منهم صاحب الهداية والمستوعب والمغني والشرح والمحرر والرعاية الصغرى والفائق وغيرهم وهو ظاهر كلامه في الخلاصة والتلخيص والوجيز والحاويين وغيرهم لإطلاقهم صومها وقال في الرعاية الكبرى وإن فرقها جاز وقدمه في الفروع وقال وهو ظاهر كلام الإمام أحمد في أول الشهر وآخره قال في اللطائف هذا قول أحمد واختاره الشيخ تقي الدين واستحب بعض الأصحاب التتابع وأن يكون عقيب العيد قال في الفروع وهذا أظهر ولعله مراد أحمد والأصحاب لما فيه من المسارعة إلى الخير وإن حصلت الفضيلة بغيره.
فائدتان :
إحداهما : ظاهر كلام المصنف أن الفضيلة لا تحصل بصيام الستة في غير شوال وهو صحيح وصرح به كثير من الأصحاب وقال في الفروع ويتوجه احتمال تحصل الفضيلة بصومها في غير شوال وقال في الفائق ولو كانت من غير شوال ففيه نظر.
قلت: وهذا ضعيف مخالف للحديث وإنما ألحق بفضيلة رمضان لكونه حريمه لا لكون الحسنة بعشر أمثالها ولأن الصوم فيه يساوي رمضان في فضيلة الواجب قاله في الفروع ويتوجه تحصيل فضيلتها لمن صامها وقضى رمضان وقد أفطره لعذر قال ولعله مراد الأصحاب وما ظاهره خلافه خرج على الغالب المعتاد انتهى قلت وهو حسن.
الثانية: قوله: "وصيام يوم عاشوراء كفارة سنة ويوم عرفة كفارة سنتين".
وهذا بلا نزاع قال بن هبيرة أما كون صوم يوم عرفة بسنتين ففيه وجهان.
أحدهما: لما كان يوم عرفة في شهر حرام بين شهرين حرامين كفر سنة قبله وسنة بعده.
والثاني: إنما كان لهذه الأمة وقد وعدت في العمل بأجرين.
وإنما كفر عاشوراء السنة الماضية لأنه تبعها وجاء بعدها والتكفير بالصوم إنما يكون لما مضى لا لما يأتي.

قوله : "ولا يستحب لمن كان بعرفة".
هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وفطره أفضل واختار الآجري أنه يستحب لمن كان بعرفة إلا لمن يضعفه وحكى الخطابي عن أحمد مثله.
وقيل: يكره صيامه اختاره جماعة من الأصحاب.
فعلى المذهب: يستثنى من ذلك إذا عدم المتمتع والقارن الهدي فإنه يصوم عشرة أيام ثلاثة في الحج ويستحب أن يكون آخرها يوم عرفة عند الأصحاب وهو المشهور عن أحمد على ما يأتي في كلام المصنف في باب الفدية.
تنبيه : عدم استحباب صومه لتقويه على الدعاء قاله الخرقي وغيره وعن الشيخ تقي الدين لأنه يوم عيد.
فائدتان :
الأولى : سمي يوم عرفة للوقوف بعرفة فيه وقيل لأن جبريل حج بإبراهيم عليه الصلاة والسلام فلما أتى عرفة قال عرفت قال عرفت وقيل لتعارف حواء وآدم بها.
الثانية : ظاهر كلام المصنف وأكثر الأصحاب أن يوم التروية في حق الحاج ليس كيوم عرفة في عدم الصوم وجزم في الرعاية بما ذكره بعضهم أن الأفضل للحاج الفطر يوم التروية ويوم عرفة بهما انتهى.
وسمى "يوم التروية" لأن عرفة لم يكن بها ماء وكانوا يرتوون من الماء إليها وقيل لأن إبراهيم عليه الصلاة والسلام رأى ليلة التروية الأمر بذبح ابنه فأصبح يتروى هل هو من الله أو حلم فلما رآه الليلة الثانية عرف أنه من الله.
قوله : "ويستحب صوم عشر ذي الحجة".
بلا نزاع وأفضله يوم التاسع وهو يوم عرفة ثم يوم الثامن وهو يوم التروية وهذا المذهب وعليه الأصحاب وقال في الرعايتين والفائق وآكد العشر الثامن ثم التاسع.
قلت: وهو خطأ وقال في الفروع ولا وجه لقول بعضهم آكده الثامن ثم التاسع ولعله أخذه من قوله في الهداية آكده يوم التروية وعرفة.
قوله : "وأفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم".
قال عليه أفضل الصلاة والسلام "أفضل الصلاة بعد المكتوبة جوف الليل وأفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم" رواه مسلم. فحمله صاحب الفروع على ظاهره وقال لعله عليه أفضل الصلاة والسلام لم يلتزم الصوم فيه لعذر أو لم يعلم فضله إلا أخيرا انتهى.

وحمله بن رجب في لطائفه على أن صيامه أفضل من التطوع المطلق بالصيام. بدليل قوله عليه أفضل الصلاة والسلام أفضل الصلاة بعد المكتوبة جوف الليل قال ولا شك أن الرواتب أفضل فمراده بالأفضلية في الصلاة والصوم والتطوع المطلق وقال صوم شعبان أفضل من صوم المحرم لأنه كالراتبة مع الفرائض قال فظهر أن فضل التطوع ما كان قريبا من رمضان قبله أو بعده وذلك ملتحق بصيام رمضان لقربه منه وهو أظهر انتهى.
فوائد :
الأولى : أفضل المحرم اليوم العاشر وهو يوم عاشوراء ثم التاسع وهو تاسوعاء ثم العشر الأول.
الثانية : لا يكره إفراد العاشر بالصيام على الصحيح من المذهب وقد أمر الإمام أحمد بصومهما ووافق الشيخ تقي الدين أنه لا يكره وقال مقتضى كلام أحمد أنه يكره.
الثالثة : لم يجب صوم يوم عاشوراء قبل فرض رمضان على الصحيح من المذهب قدمه في الفروع وقال اختاره الأكثر منهم القاضي قال المجد هو الأصح من قول أصحابنا.
وعنه أنه كان واجبا ثم نسخ اختاره الشيخ تقي الدين ومال إليه المصنف والشارح.
قوله : "ويكره إفراد رجب بالصوم".
هذا المذهب وعليه الأصحاب وقطع به كثير منهم وهو من مفردات المذهب وحكى الشيخ تقي الدين في تحريم إفراده وجهين قال في الفروع ولعله أخذه من كراهة أحمد.
تنبيه : مفهوم كلام المصنف أنه لا يكره إفراد غير رجب بالصوم وهو صحيح لا نزاع فيه قال المجد لا نعلم فيه خلافا.
فائدتان :
إحداهما : تزول الكراهة بالفطر من رجب ولو يوما أو بصوم شهر آخر من السنة قال المجد وإن لم يله.
الثانية : قال في الفروع لم يذكر أكثر الأصحاب استحباب صوم رجب وشعبان واستحسنه بن أبي موسى في الإرشاد قال بن الجوزي في كتاب أسباب الهداية يستحب صوم الأشهر الحرم وشعبان كله وهو ظاهر ما ذكره المجد في الأشهر الحرم وجزم به في المستوعب وقال آكد شعبان يوم النصف واستحب الآجري صوم شعبان ولم يذكر غيره.
وقال الشيخ تقي الدين: في مذهب أحمد وغيره نزاع قيل يستحب صوم رجب وشعبان وقيل يكره فيفطر ناذرهما بعض رجب.

قوله : "وإفراد يوم الجمعة".
يعني يكره وهذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب ونص عليه قال المجد لا نعلم فيه خلافا وقال الآجري يحرم صومه ونقل حنبل لا أحب أن يتعهده قال الشيخ تقي الدين لا يجوز صوم يوم الجمعة وحكاه في الرعاية وجها.
قوله : "ويوم السبت".
يعني يكره إفراد يوم السبت بالصوم وهو المذهب وعليه الأصحاب واختار الشيخ تقي الدين أنه لا يكره صيامه مفردا وأنه قول أكثر العلماء وأنه الذي فهمه الأثرم من روايته وأن الحديث شاذ أو منسوخ وقال هذه طريقة قدماء أصحاب الإمام أحمد الذين صحبوه كالأثرم وأبي داود وأن أكثر أصحابنا فهم من كلام الإمام أحمد الأخذ بالحديث انتهى ولم يذكر الآجري كراهة غير صوم يوم الجمعة فظاهره لا يكره غيره.
قوله : "ويوم الشك".
يعني أنه يكره صومه.
واعلم أنه إذا أراد أن يصوم يوم الشك فتارة يصومه لكونه وافق عادته.
وتارة يصومه موصولا قبله وتارة يصومه عن قضاء فرض وتارة يصومه عن نذر معين أو مطلق وتارة يصومه بنية الرمضانية احتياطا وتارة يصومه تطوعا من غير سبب فهذه ست مسائل.
إحداها : إذا وافق صوم يوم الشك عادته فهذا لا يكره صومه وقد استثناه المصنف في كلامه بعد ذلك.
الثانية : إذا صامه موصولا بما قبله من الصوم فإن كان موصولا بما قبل النصف فلا يكره قولا واحدا وإن وصله بما بعد النصف لم يكره على الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب.
وقيل: يكره ومبناهما على جواز التطوع بعد نصف شعبان فالصحيح من المذهب أنه لا يكره ونص عليه وإنما يكره تقدم رمضان بيوم أو يومين.
وقيل: يكره بعد النصف اختاره بن عبدوس في تذكرته وقدمه في الرعايتين وأطلقهما في الحاويين ومال صاحب الفروع إلى تحريم تقدم رمضان بيوم أو يومين.
الثالثة : إذا صامه عن قضاء فرض فالصحيح من المذهب أنه لا يكره وعنه يكره صومه قضاء جزم به الشيرازي في الإيضاح وبن هبيرة في الإفصاح وصاحب الوسيلة فيها قال في الفروع فيتوجه طرده في كل واجب للشك في براءة الذمة.

الرابعة : إذا وافق نذر معين يوم الشك أو كان النذر مطلقا لم يكره صومه قولا واحدا.
الخامسة : إذا صامه بنية الرمضانية احتياطا كره صومه ذكره المجد وغيره واقتصر عليه في الفروع.
السادسة : إذا صامه تطوعا من غير سبب فالصحيح من المذهب يكره وعليه جماهير الأصحاب كما قطع به المصنف هنا قال في الكافي قاله أصحابنا قال الزركشي هو قول القاضي وأبي الخطاب والأكثرين وقال المجد وهو ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله.
وقيل: يحرم صومه فلا يصح وهو احتمال في الكافي ومال إليه فيه واختاره بن البنا وأبو الخطاب في عباداته الخمس والمجد وغيرهم وجزم به بن الزاغوني وغيره ومال إليه في الفروع وهما روايتان في الرعاية.
وعنه لا يكره صومه حكاه الخطابي عن الإمام أحمد.
السابعة : يوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان إذا لم يكن في السماء علة ليلة الثلاثين ولم يتراءى الناس الهلال قدمه في الفروع وقال القاضي وأكثر الأصحاب أو شهد به من ردت شهادته قال القاضي أو كان في السماء علة وقلنا لا يجب صومه.
قوله : "ويوم النيروز والمهرجان".
يعني يكره صومهما وهو المذهب وعليه جماهير الأصحاب وقطع به كثير منهم وهو من مفردات المذهب واختار المجد أنه لا يكره لأنهم لا يعظمونهما بالصوم.
فوائد :
منها: قال المصنف والمجد ومن تبعهما وعلى قياس كراهة صومهما كل عيد للكفار أو يوم يفردونه بالتعظيم.
وقال الشيخ تقي الدين: لا يجوز تخصيص صوم أعيادهم.
ومنها: النيروز والمهرجان عيدان للكفار قال الزمخشري النيروز الشهر الثالث من الربيع والمهرجان اليوم السابع من الخريف.
ومنها: يكره الوصال وهو أن لا يفطر بين اليومين فأكثر على الصحيح من المذهب وقيل يحرم واختاره بن البنا قال الإمام أحمد لا يعجبني وأومأ إلى إباحته لمن يطيقه وتزول الكراهة بأكل تمرة ونحوها وكذا بمجرد الشرب على ظاهر ما رواه المروذي عنه ولا يكره الوصال إلى السحر نص عليه ولكن ترك الأولى وهو تعجيله الفطر.
ومنها: هل يجوز لمن عليه صوم فرض أن يتطوع بالصوم قبله فيه روايتان وأطلقهما في الهداية والمغني والمجد في شرحه والشرح والفروع والفائق.
إحداهما : لا يجوز ولا يصح وهو المذهب نص عليه في رواية حنبل. وقال في

الحاويين: لم يصح في أصح الروايتين واختاره بن عبدوس في تذكرته وجزم به في المذهب ومسبوك الذهب والإفادات والمنور وقدمه في المستوعب والخلاصة والمحرر والرعايتين وابن رزين في شرحه وهو من مفردات المذهب.
والرواية الثانية: يجوز ويصح قدمه في النظم قال في القاعدة الحادية عشرة جاز على الأصح.
قلت: وهو الصواب.
فعلى المذهب وهو عدم الجواز فهل يكره القضاء في عشر ذي الحجة أم لا يكره فيه روايتان وأطلقهما في المغني والشرح وشرح المجد والفائق والفروع.
قلت: الصواب عدم الكراهة.
وهذه الطريقة هي الصحيحة وهي طريقة المجد في شرحه وتابعه في الفروع. وقال هذه الطريقة هي الصحيحة قال المصنف في المغني وهذا أقوى عندي قال في الفروع لأنا إذا حرمنا التطوع قبل الفرض كان أبلغ من الكراهة فلا تصح تفريعا عليه انتهى.
ولنا طريقة أخرى قالها بعض الأصحاب وهي إن قلنا بعدم جواز التطوع قبل صوم الفرض لم يكره القضاء في عشر ذي الحجة بل يستحب لئلا يخلو من العبادة بالكلية وإن قلنا بالجواز كره القضاء فيها لتوفيرها على التطوع لبيان فضله فيها مع فضل القضاء قال في المغني قاله بعض أصحابنا.
وقال في الرعايتين والحاويين ويباح قضاء رمضان في عشر ذي الحجة وعنه يكره وقال في الكبرى أيضا ويحرم نفل الصوم قبل قضاء فرضه لحرمته نص عليه وعنه يجوز.
فائدة: لو اجتمع ما فرض شرعا ونذر بدىء بالمفروض شرعا إن كان لا يخاف فوت المنذور وإن خيف فوته بدىء به ويبدأ بالقضاء أيضا إن كان النذر مطلقا.
قوله : "ولا يجوز صوم يومي العيدين عن فرض ولا تطوع وإن قصد صيامهما كان عاصيا ولم يجزه عن فرض".
الصحيح من المذهب: أنه لا يصح صوم يومي العيدين عن فرض ولا نفل وعليه الأصحاب وحكاه بن المنذر إجماعا وعنه يصح عن فرض نقله مهنا في قضاء رمضان وفي الواضح رواية يصح عن نذره المعين.
قوله : "ولا يجوز صيام أيام التشريق تطوعا" بلا نزاع "وفي صومها عن الفرض روايتان".
وأطلقهما في الهداية والمذهب ومسبوك الذهب والمستوعب والخلاصة والكافي،

والمغني والتلخيص والبلغة وشرح المجد والشرح والرعاية الصغرى والزركشي وشرح بن منجا هنا والحاوي الكبير.
إحداهما : لا يجوز اختاره بن أبي موسى والقاضي قال في المبهج وهي الصحيحة وقدمه الخرقي وابن رزين في شرحه قال الزركشي وهي التي ذهب إليها أحمد أخيرا وجزم به في الوجيز والمنتخب.
والرواية الثانية: يجوز صححه في التصحيح والنظم واختاره بن عبدوس في تذكرته وقدمه في المحرر والرعاية الكبرى في باب صوم النذر والتطوع وجزم به في المنور وذكر الترمذي عن أحمد جواز صومها عن دم المتعة خاصة قال الزركشي خص بن أبي موسى الخلاف بدم المتعة وكذا ظاهر كلام ابن عقيل تخصيص الرواية بصوم المتعة وهو ظاهر العمدة فإنه قال ونهى عن صيام أيام التشريق إلا أنه أرخص في صومها للمتمتع إذا لم يجد هديا واختاره المجد في شرحه.
قلت: وقدم المصنف في هذا الكتاب في باب الفدية أنها تصام عن دم المتعة إذا عدم وجزم به في الإفادات وصححه في الفائق في باب أقسام النسك وقدمه في الرعاية الكبرى في آخر باب الإحرام قال بن منجا في شرحه في باب الفدية هذا المذهب وقدمه الشارح هناك والناظم.
قوله : "ومن دخل في صوم أو صلاة تطوع استحب له إتمامه ولم يجب".
هذا المذهب نص عليه وعليه الأصحاب وعن أحمد يجب إتمام الصوم ويلزمه القضاء ذكره بن البنا والمصنف في الكافي ونقل حنبل في الصوم إن أوجبه على نفسه فأفطر بلا عذر أعاد قال القاضي أي نذره وخالفه ابن عقيل وذكره أبو بكر في النفل وقال تفرد به حنبل وجميع الأصحاب نقلوا عنه لا يقضى وفي الرعاية وغيرها رواية في الصوم لا يقضى المعذور.
وعنه يلزم إتمام الصلاة بخلاف الصوم قال المصنف في الكافي والمجد مال إلى ذلك أبو إسحاق الجوزجاني وقال الصلاة ذات إحرام وإحلال كالحج قال المجد والرواية التي حكاها بن البنا في الصوم تدل على عكس هذا القول لأنه خصه بالذكر وعلل رواية لزومه بأنه عبادة يجب بإفسادها الكفارة العظمى فلزمت بالشروع كالحج قال والصحيح من المذهب التسوية.
قوله : "وإن أفسده فلا قضاء عليه".
هذا مبني على الصحيح من المذهب كما تقدم ولكن يكره خروجه منه بلا عذر على الصحيح من المذهب قال في الفروع وعلى المذهب يكره خروجه يتوجه لا يكره إلا لعذر وإلا كره في الأصح.

فوائد :
الأولى : هل يفطر لضيفه قال في الفروع يتوجه أنه كصائم دعي يعني إلى وليمة وقد صرح الأصحاب في الاعتكاف يكره تركه بلا عذر.
الثانية : لم يذكر أكثر الأصحاب سوى الصوم والصلاة وقال في الكافي وسائر التطوعات من الصلاة والاعتكاف وغيرهما كالصوم والحج والعمرة وقيل الاعتكاف كالصوم على الخلاف يعني إذا دخل في الاعتكاف وقد نواه مدة لزمته ويقضيها ذكره بن عبد البر إجماعا ورد المصنف والمجد كلام بن عبد البر في ادعائه الإجماع.
الثالثة : لو نوى الصدقة بمال مقدر وشرع في الصدقة به فأخرج بعضه لم يلزمه الصدقة بباقيه إجماعا قاله المصنف وغيره ولو شرع في صلاة تطوع قائما لم يلزمه إتمامها قائما بلا خلاف في المذهب وذكر القاضي وجماعة أن الطواف كالصلاة في الأحكام إلا فيما خصه الدليل قال في الفروع فظاهره أنه كالصلاة هنا قال ويتوجه على كل حال إن نوى طواف شوط أو شوطين أجزأ وليس من شرطه تمام الأسبوع كالصلاة.
الرابعة : لا تلزم الصدقة والقراءة والأذكار بالشروع.
وأما نفل الحج والعمرة فيأتي حكمه في آخر باب الفدية عند قوله: "ومن رفض إحرامه ثم فعل محظورا فعليه فداؤه".
الخامسة : لو دخل في واجب موسع كقضاء رمضان كله قبل رمضان والمكتوبة في أول وقتها وغير ذلك كنذر مطلق وكفارة إن قلنا يجوز تأخيرهما حرم خروجه منه بلا عذر قال المصنف بغير خلاف قال المجد لا نعلم فيه خلافا فلو خالف وخرج فلا شيء عليه غير ما كان عليه قبل شروعه وقال في الرعاية وقيل يكفر إن أفسد قضاء رمضان.
قوله : "وتطلب ليلة القدر في العشر الأخير من رمضان".
هذا المذهب وعليه الأصحاب منهم المصنف في العمدة والهادي وقال في الكافي والمغني تطلب في جميع رمضان قال الشارح يستحب طلبها في جميع ليالي رمضان وفي العشر الأخير آكد وفي ليالي الوتر آكد انتهى.
قلت: يحتمل أن تطلب في النصف الأخير منه لأحاديث وردت في ذلك وهو مذهب جماعة من الصحابة خصوصا ليلة سبعة عشر لا سيما إذا كانت ليلة جمعة.
قوله : "وليالي الوتر آكد".
هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب واختار المجد أن كل العشر سواء.
فائدة : قال الشيخ تقي الدين الوتر يكون باعتبار الماضي فتطلب ليلة القدر ليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين إلى آخره ويكون باعتبار الباقي لقوله عليه أفضل الصلاة والسلام

"لتاسعة تبقى" فإذا كان الشهر ثلاثين يكون ذلك ليالي لأشفاع فليلة الثانية تاسعة تبقى وليلة الرابعة سابعة تبقى كما فسره أبو سعيد الخدري وإن كان الشهر ناقصا كان التاريخ بالباقي كالتاريخ بالماضي.
قوله : "وأرجاها ليلة سبع وعشرين".
هذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب وهو من المفردات وقال المصنف في الكافي وأرجاها الوتر من ليالي العشر قال في الفروع كذا قال وقيل أرجاها ليلة ثلاث وعشرين وقال في الكافي أيضا والأحاديث تدل على أنها تنتقل في ليالي الوتر قال بن هبيرة في الإفصاح الصحيح عندي أنها تنتقل في أفراد العشر فإذا اتفقت ليالي الجمع في الأفراد فأجدر وأخلق أن تكون فيها وقال غيره تنتقل في العشر الأخير وحكاه بن عبد البر عن الإمام أحمد.
قلت: وهو الصواب الذي لا شك فيه.
وقال المجد: ظاهر رواية حنبل أنها ليلة معينة.
فعلى هذا: لو قال أنت طالق ليلة القدر قبل مضي ليلة أول العشر وقع الطلاق في الليلة الأخيرة وإن مضى منه ليلة وقع الطلاق في السنة الثانية في ليلة حلفه فيها.
وعلى قولنا إنها تنتقل في العشر: إن كان قبل مضي ليلة منه وقع الطلاق في الليلة الأخيرة وإن كان مضى منه ليلة وقع الطلاق في الليلة الأخيرة من العام المقبل واختاره المجد قال في الفروع وهو أظهر قال المجد ويتخرج حكم العتق واليمين على مسألة الطلاق.
قلت: هو الصواب.
قلت: تلخص لنا في المذهب عدة أقوال.
وقد ذكر الشيخ الحافظ الناقد شهاب الدين أحمد بن حجر العسقلاني في شرح البخاري أن في ليلة القدر للعلماء خمسة وأربعين قولا وذكر أدلة كل قول أحببت أن أذكرها هنا ملخصه فأقول:
قيل: وقعت خاصة بسنة واحدة * وقعت في زمنه عليه أفضل الصلاة والسلام * خاصة بهذه الأمة * ممكنة في جميع السنة * تنتقل في جميع السنة * ليلة النصف من شعبان * مختصة برمضان * ممكنة في جميع لياليه * أول ليلة منه * ليلة النصف منه * ليلة سبعة عشر.
قلت: أو إن كانت ليلة جمعة ذكره في اللطائف.
ثمان عشرة * تسع عشرة * حادي عشرين * ثاني عشرين * ثالث عشرين * رابع عشرين * خامس عشرين * سادس عشرين * سابع عشرين * ثامن عشرين * تاسع عشرين * ثلاثين *

أرجاها ليلة إحدى وعشرين * ثلاث وعشرين * سبع وعشرين * تنتقل في جميع رمضان * في النصف الأخير * في العشر الأخير كله * في أوتار العشر الأخير * مثله بزيادة الليلة الأخيرة * في السبع الأواخر * وهل هي الليالي السبع من آخر الشهر؟ * أو في آخر سبع من الشهر؟ * منحصرة في السبع الأواخر منه * في أشفاع العشر الأوسط * والعشر الأخير * مبهمة في العشر الأوسط * أو آخر ليلة * أو أول ليلة * أو تاسع ليلة * أو سابع عشرة * أو إحدى وعشرين * أو آخر ليلة في سبع * أو ثمان من أول النصف الثاني * ليلة ست عشرة * أو سبع عشرة * ليلة سبع عشرة * أو تسع عشرة * أو إحدى وعشرين * ليلة تسع عشرة * أو إحدى وعشرين * أو ثلاث وعشرين * ليلة إحدى وعشرين * أو ثلاث وعشرين * أو خمس وعشرين * ليلة اثنتين وعشرين * أو ثلاث وعشرين * ليلة ثلاث وعشرين * أو سبع وعشرين * الثالثة من العشر الأخير * أو الخامسة منه.
وزدنا قولا على ذلك.
فوائد :
إحداها : لو نذر قيام ليلة القدر قام العشر كله وإن كان نذره في أثناء العشر فحكمه حكم الطلاق على ما تقدم ذكره القاضي في التعليق في النذور.
الثانية : قال جماعة من الأصحاب يسن أن ينام متربعا مستندا إلى شيء نص عليه.
الثالثة : ليلة القدر أفضل الليالي على الصحيح من المذهب وحكاه الخطابي إجماعا وعنه ليلة الجمعة أفضل ذكرها ابن عقيل قال المجد في شرحه وهذه الرواية اختيار بن بطة وأبي الحسن الجوزي وأبي حفص البرمكي لأنها تابعة لأفضل الأيام.
وقال الشيخ تقي الدين: ليلة الإسراء أفضل في حقه عليه أفضل الصلاة والسلام من ليلة القدر.
وقال الشيخ تقي الدين أيضا: يوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع إجماعا.
وقال: يوم النحر أفضل أيام العام وكذا ذكره المجد في شرحه في صلاة العيد قال في الفروع وظاهر ما ذكره أبو حكيم أن يوم عرفة أفضل قال وظهر مما سبق أن هذه الأيام أفضل من غيرها ويتوجه على اختيار شيخنا بعد يوم النحر يوم القر الذي يليه.
قال في الغنية: إن الله اختار من الأيام أربعة الفطر والأضحى وعرفة ويوم عاشوراء واختار منها يوم عرفة.
وقال أيضا: إن الله اختار للحسين الشهادة في أشرف الأيام وأعظمها وأجلها وأرفعها عند الله منزلة.
الرابعة : قال في الفروع: عشر ذي الحجة أفضل على ظاهر ما في العمدة وغيرها وسبق كلام شيخنا في صلاة التطوع.

وقال الشيخ تقي الدين أيضا: قد يقال ذلك وقد يقال ليالي عشر رمضان الأخير وأيام ذلك أفضل قال والأول أظهر لوجوه وذكرها.
الخامسة : رمضان أفضل الشهور ذكره جماعة من الأصحاب وذكره بن شهاب فيمن زال عذره وذكروا أن الصدقة فيه أفضل.
وقال في الغنية: إن الله اختار من الشهور أربعة رجب وشعبان ورمضان والمحرم واختار منها شعبان وجعله شهر النبي صلى الله عليه وسلم فكما أنه أفضل الأنبياء فشهره أفضل الشهور قال في الفروع كذا قال.
وقال بن الجوزي قال القاضي في قوله تعالى: {مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة: 36] إنما سماها حرما لتحريم القتال فيها ولتعظيم انتهاك المحارم فيها أشد من تعظيمه في غيرها كذلك تعظيم الطاعات وذكر ابن الجوزي معناه.

كتاب الاعتكاف
كتاب الاعتكاف...
كتاب الاعتكافتنبيه : قوله : "وهو لزوم المسجد لطاعة الله تعالى".
يعني على صفة مخصوصة من مسلم طاهر مما يوجب غسلا.
فائدة: قوله: "وهو سنة إلا أن ينذره فيجب".
بلا نزاع وإن علقه أو قيده بشرط فله شرطه وآكده عشر رمضان الأخير ولم يفرق الأصحاب بين البعيد وغيره وهو المذهب.
ونقل أبو طالب: لا يعتكف بالثغر لئلا يشغله عن الثغر.
ولا يصح إلا بالنية ويجب تعيين المنذور بالنية ليتميز وإن نوى الخروج منه فقيل يبطل.
قلت: وهو الصواب إلحاقا له بالصلاة والصيام.
وقيل: لا لتعلقه بمكان كالحج وأطلقهما في الرعاية الكبرى والفروع.
ولا يصح من كافر ومجنون وطفل.
ولا يبطل بإغماء جزم به في الرعاية وغيرها واقتصر عليه في الفروع.
قوله : "ويصح بغير صوم".
هذا المذهب وعليه الأصحاب وعنه لا يصح قدمه في نظم نهاية ابن رزين.
فعلى المذهب: أقله إذا كان تطوعا أو نذرا مطلقا ما يسمى به معتكفا لابثا.
قال في الفروع: وظاهره ولو لحظة وفي كلام جماعة من الأصحاب أقله ساعة لا لحظة وهو ظاهر كلامه في المذهب وغيره.
وعلى المذهب أيضا: يصح الاعتكاف في أيام النهي التي لا يصح صومها.
وعليه أيضا لو صام ثم أفطر عمدا لم يبطل اعتكافه.
وعلى الثانية: لا يصح في ليلة مفردة كما قال المصنف.
ويحتمل قوله: "ولا بعض يوم" أن مراده إذا كان غير صائم فأما إن صائما فيصح في بعض يوم وهو أحد الوجهين.
قال في الفروع: جزم بهذا غير واحد.
قلت: منهم صاحب الإفادات والرعايتين والحاويين والمحرر واختاره في الفائق.

ويحتمل أن يكون على إطلاقه فلا يصح الاعتكاف بعض يوم ولو كان صائما وهو الوجه الثاني اختاره أبو الخطاب وقدمه في المغني والشرح والفائق وكلامه في الهداية والمستوعب ككلام المصنف هنا.
قال المجد في شرحه: اشتراط كونه لا يصح أقل من يوم إذا اشترطنا الصوم اختيار أبي الخطاب وأطلقهما المجد في شرحه والفروع وجزم به في المستوعب والرعايتين والحاويين وغيرهم.
وعلى الرواية الثانية: إذا نذر اعتكافا وأطلق يلزمه يوم قال في الفروع ومرادهم إذا لم يكن صائما انتهى.
قلت: قال في الفائق ولو شرط الناذر صوما فيوم على الروايتين ثم قال قلت بل مسماه من صائم انتهى.
وعلى الرواية الثانية أيضا: لا يصح الاعتكاف في أيام النهي التي لا يصح صومها واعتكافها نذرا ونفلا كصومها نذرا ونفلا.
فإن أتى عليه يوم العيد في أثناء اعتكاف متتابع فإن قلنا: يجوز الاعتكاف فيه فالأولى أن يثبت مكانه ويجوز خروجه لصلاة العيد ولا يفسد اعتكافه وإن قلنا لا يجوز خرج إلى المصلى إن شاء وإلى أهله وعليه حرمة العكوف ثم يعود قبل غروب الشمس من يومه لتمام أيامه.
فوائد :
الأولى : على القول باشتراط الصوم لا يشترط أن يكون الصوم له ما لم ينذره بل يصح في الجملة سواء كان فرض رمضان أو كفارة أو نذرا أو تطوعا.
الثانية: لو نذر أن يعتكف رمضان ففاته لزمه شهر غيره بلا نزاع لكن هل يلزمه صوم قدم في الرعايتين والحاويين والفائق وغيرهم أنه لا يلزمه لأنه لم يلتزمه.
وقيل: يلزمه قال في الرعاية الكبرى وهو أولى ثم قال وقيل إن شرطناه فيه لزمه وإلا فلا وهذا هو الذي في المستوعب وقاله المجد في شرحه وأطلق اللزوم وعدمه في الفروع.
واما إذا شرط فيه الصوم: فالصحيح من المذهب أنه يجزئه رمضان آخر قدمه في الفروع وذكر القاضي وجها لا يجزئه وأطلق بعضهم وجهين.
ولم يذكر القاضي خلافا في نذر الاعتكاف المطلق أنه يجزئه صوم رمضان وغيره قال في الفروع وهذا خلاف نص أحمد رحمه الله تعالى ومتناقض لأن المطلق أقرب إلى التزام الصوم فهو أولى ذكره المجد قال في الفروع والقول به في المطلق متعين.
الثالثة : لو نذر اعتكاف عشر رمضان الأخير ففاته فالصحيح من المذهب: أنه يجوز قضاؤه

خارج رمضان ذكره القاضي وقدمه في الفروع والمجد في شرحه وقال بن أبي موسى يلزمه قضاء العشر الأخير من رمضان في العام المقبل وهو ظاهر رواية حنبل وبن منصور ولأنها مشتملة على ليلة القدر قال في الفروع ولعله أظهر.
قلت: وهو الصواب.
قال في الرعاية: هذا الأشهر وجزم به في الفائق قال في الفروع ويتوجه من تعيين العشر تعيين رمضان في التي قبلها.
قلت: وهو الصواب لاشتماله على ليلة لا توجد في غيره وهي ليلة القدر.
الرابعة: لو نذر أن يعتكف صائما أو يصوم معتكفا لزماه معا فلو فرقهما أو اعتكف وصام فرض رمضان ونحوه لم يجزه وذكر المجد عن بعض الأصحاب يلزمه الجميع لا الجمع فله فعل كل منهما منفردا.
وإن نذر أن يصوم معتكفا فالوجهان في التي قبلها قاله المجد وتبعه في الفروع وقال في التلخيص ولو نذر أن يصوم معتكفا أو يصلي معتكفا لم يلزمه الجميع لأن الصوم من شعار الاعتكاف وليس الاعتكاف من شعار الصوم والصلاة.
وقال في الرعاية الكبرى: ولو نذر أن يصوم أو يصلي معتكفا صحا بدونه ولزماه دون الاعتكاف وقيل يلزمه الاعتكاف مع الصوم فقط انتهى.
وإن نذر أن يعتكف مصليا فالوجهان وفيه وجه ثالث: لا يلزمه الجمع هنا لتباعد ما بين العبادتين.
ولو نذر أن يصلي صلاة ويقرأ فيها سورة بعينها: لزمه الجمع فلو قرأها خارج الصلاة لم يجزه ذكره في الانتصار واقتصر عليه في الفروع.
قوله : "ولا يجوز الاعتكاف للمرأة بغير إذن زوجها، ولا للعبد بغير إذن سيده" بلا نزاع "وإن شرعا فيه بغير إذن فلهما تحليلهما".
وهذا المذهب وعليه الأصحاب وخرج المجد في شرحه أنهما لا يمنعان من الاعتكاف المنذور كرواية في المرأة في صوم وحج مندوبين ذكرها القاضي في المجرد والتعليق ونصرها في غير موضع.
والعبد يصوم النذر قال المجد ويتخرج وجه ثالث منعهما وتحليلهما من نذر مطلق فقط لأنه على التراخي كوجه لأصحابنا في صوم وحج منذور قال المصنف والشارح ويحتمل أن لهما تحليلهما إذا أذنا لهما في النذر وهو غير معين.
قال المجد: ويتخرج وجه رابع منعهما وتحليلهما إلا من منذور معين قبل النكاح

والملك، كوجه لأصحابنا في سقوط نفقتهما قال في الفروع ويتوجه إن لزم بالشروع فيه فكالمنذور.
فعلى المذهب: إن لم يحللاهما صح وأجزأ على الصحيح من المذهب وعليه أكثر الأصحاب وقدمه المجد في شرحه والفروع.
وقال جماعة من الأصحاب منهم بن البنا يقع باطلا لتحريمه كصلاة في مغصوب ذكره المجد في شرحه وجزم به في المستوعب والرعاية وذكره نص أحمد في العبد.
قوله : "وإن كان بإذن فلهما تحليلهما إن كان تطوعا وإلا فلا".
إذا أذنا لهما فتارة يكون واجبا وتارة يكون تطوعا فإن كان تطوعا فلهما تحليلهما بلا نزاع وإن كان واجبا فتارة يكون نذرا معينا وتارة يكون مطلقا فإن كان معينا لم يكن لهما تحليلهما بلا نزاع وإن كان مطلقا فظاهر كلام المصنف هنا وغيره من الأصحاب أنهما ليس لهما تحليلهما قال في الفروع وظاهر كلامهم المنع كغيره واختار المجد في شرحه في النذر المطلق الذي يجوز تفريقه كنذر عشرة أيام قال فيها إن شئت متفرقة أو متتابعة إذا أذن لهما في ذلك يجوز تحليلهما منه عند منتهى كل يوم لجواز الخروج له منه إذن كالتطوع قال ولا أعرف فيه نصا لأصحابنا لكن تعليلهم يدل على ما ذكرت قال في الفروع: وهذا متوجه وقال في الرعاية لهما تحليلهما في غير نذر وقيل في غير وقت معين.
فائدتان :
إحداهما : لو أذنا لهما ثم رجعا قبل الشروع جاز إجماعا.
الثانية : حكم أم الولد والمدبر والمعلق عتقه بصفة حكم العبد فيما تقدم.
قوله : "وللمكاتب أن يعتكف بغير إذن سيده".
هذا المذهب مطلقا ونص عليه وعليه أكثر الأصحاب جزم به في الهداية والمذهب والمستوعب والخلاصة والمغني والشرح والوجيز والحاويين وغيرهم وقدمه في الفروع والرعاية الصغرى وغيرهما وقال جماعة من الأصحاب له أن يعتكف بغير إذن سيده ما لم يحل نجم جزم به في المحرر والرعاية الكبرى.
قوله : "ويحج بغير إذن سيده".
يعني للمكاتب أن يحج بغير إذن سيده وهذا المذهب أيضا مطلقا نص عليه قدمه في الفروع والرعاية الصغرى [والشرح وشرح ابن منجا وعللوه بأن السيد لا يستحق منافعه ولا يملك إجباره على الكسب وإنما له دين في ذمته فهو كالحر المدين وهو ظاهر ما قدمه في الفروع هنا] قال في المحرر والرعاية الكبرى [والنظم والمنور وتجريد العناية وغيرهم هنا] ما لم يحل نجم انتهوا وقدمه في الفروع في باب الكتابة ولا يمنع من إنفاقه هنا.

وقال المصنف: يجوز بشرط أن لا ينفق على نفسه مما قد جمعه ما لم يحل نجم.
ونقل الميموني: له الحج من المال الذي جمعه ما لم يأت نجمه وحمله القاضي وابن عقيل والمصنف على إذنه له ويأتي ذلك في باب المكاتب بأتم من هذا.
فائدة : يجوز للمكاتب أن يعتكف ويحج بإذن سيده وأطلقه كثير من الأصحاب وقالوا نص عليه أحمد قال في الفروع ولعل المراد ما لم يحل نجم وصرح به بعضهم وعنه المنع مطلقا.
قوله : "ولا يصح الاعتكاف إلا في مسجد يجمع فيه".
اعلم أن المعتكف لا يخلو إما أن يأتي عليه في مدة اعتكافه فعل صلاة وهو ممن تلزمه الصلاة أولا فإن لم يأت عليه في مدة اعتكافه فعل صلاة فهذا يصح اعتكافه في كل مسجد سواء جمع فيه أو لا وإن أتى عليه في مدة اعتكافه فعل صلاة لم تصح إلا في مسجد يجمع فيه أي يصلي فيه الجماعة على الصحيح من المذهب في الصورتين وعليه جماهير الأصحاب وهذا مبني على وجوب صلاة الجماعة أو شرطيتها أما إن قلنا إنها سنة فيصح في أي مسجد كان قاله الأصحاب واشتراط المسجد الذي يجمع فيه من مفردات المذهب وقال أبو الخطاب في الانتصار لا يصح الاعتكاف من الرجل مطلقا إلا في مسجد تقام فيه الجماعة قال المجد وهو ظاهر رواية بن منصور وظاهر قول الخرقي.
قلت: وهو ظاهر كلام المصنف هنا.
قوله : "إلا المرأة لها الاعتكاف في كل مسجد إلا مسجد بيتها".
وهذا المذهب وعليه جماهير الأصحاب ومسجد بيتها ليس مسجدا لا حقيقة ولا حكما قال في الفروع وقال في الانتصار لا بد أن يكون في مسجد تقام فيه الجماعة وهو ظاهر رواية بن منصور والخرقي كما تقدم ذلك في الرجل.
فوائد :
إحداها : رحبة المسجد ليست منه على الصحيح من المذهب والروايتين وهو ظاهر كلام الخرقي والحاويين والرعايتين في موضع وقدمه المجد في شرحه ونص عليه في رواية إسحاق بن إبراهيم.
قال الحارثي في إحياء الموات اختاره الخرقي وصاحب المحرر وهو من المفردات.
وعنه أنها منه جزم به بعض الأصحاب منهم القاضي في موضع من كلامه وجزم به في الحاويين والرعاية الصغرى في موضع فقالا ورحبة المسجد كهو وأطلقهما في الفروع والفائق والزركشي وجمع القاضي بينهما في موضع من كلامه فقال إن كانت محوطة فهي منه وإلا فلا.

قال المجد: ونقل محمد بن الحكم ما يدل على صحة هذا الجمع وهو أنه كان إذا سمع أذان العصر وهو في رحبة المسجد انصرف ولم يصل فيه وقال ليس هو بمنزلة المسجد هذا المسجد هو الذي عليه حائط وباب وقدم هذا الجمع في المستوعب وقال ومن أصحابنا من جعل المسألة على روايتين والصحيح أنها رواية واحدة على اختلاف الحالين وقدمه أيضا في الرعاية الكبرى في موضع والآداب الكبرى.
الثانية : المنارة التي للمسجد إن كانت فيه أو بابها فيه فهي من المسجد بدليل منع جنب وإن كان بابها خارجا منه بحيث لا يستطرق إليها إلا خارج المسجد أو كانت خارج المسجد قال في الفروع والمراد والله أعلم وهي قريبة منه كما جزم به بعضهم فخرج للأذان بطل اعتكافه على الصحيح من المذهب لأنه مشى حيث يمشي لأمر منه بد كخروجه إليها لغير الأذان.
وقيل: لا يبطل اختاره بن البنا والمجد قال القاضي لأنها بنيت له فكأنها فيه وقال أبو الخطاب لأنها كالمتصلة به وقال المجد لأنها بنيت للمسجد لمصلحة الأذان وكانت منه فيما بنيت له ولا يلزمه ثبوت بقية أحكام المسجد لأنها لم تبن له وأطلقهما في المحرر.
الثالثة : ظهر المسجد منه بلا نزاع أعلمه.
الرابعة : لما ذكر في الآداب الثواب الحاصل بالصلاة في مسجدي مكة والمدينة قال وهذه المضاعفة تختص المسجد على ظاهر الخبر وظاهر قول العلماء من أصحابنا وغيرهم قال ابن عقيل الأحكام المتعلقة بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم لما كان في زمانه لا ما زيد فيه لقوله عليه الصلاة والسلام "في مسجدي هذا" واختار الشيخ تقي الدين: أن حكم الزائد حكم المزيد عليه.
قلت وهو الصواب.
قوله : "والأفضل الاعتكاف في الجامع إذا كانت الجمعة تتخلله".
ولا يلزم فيه وهذا المذهب وعليه الأصحاب وذكر في الانتصار وجها بلزوم الاعتكاف فيه فإن اعتكف في غيره بطل لخروجه إليها.
فائدة : يجوز لمن لا تلزمه الجمعة أن يعتكف في غير الجامع الذي يتخلله الجمعة لكن يبطل بخروجه إليها إلا أن يشترط كعيادة المريض.
قوله : "ومن نذر الاعتكاف أو الصلاة في مسجد فله فعله في غيره".
هذا المذهب إلا ما استثناه المصنف وعليه الأصحاب وقال في الفائق قال أبو الخطاب القياس وجوبه انتهى وجزم به في تذكرة بن عبدوس وقال في الفروع ويتوجه إلا مسجد قباء إذا نذر الاعتكاف أو الصلاة فيه لا يفعله في غيره.

تنبيهان
الأول : ظاهر كلام المصنف هنا أنه سواء نذر الاعتكاف أو الصلاة في مسجد قريب أو بعيد عتيق أو جديد امتاز بمزية شرعية كقدم وكثرة جمع أو لا وهو صحيح وهو المذهب وهو ظاهر كلام أكثر الأصحاب ومفهوم كلام المصنف في المغني إذا كان المسجد بعيدا يحتاج إلى شد رحل يلزمه فيه وهو ظاهر كلام أبي الخطاب في الانتصار فإنه قال القياس لزومه تركناه لقوله عليه أفضل الصلاة والسلام " لا تشد الرحال - الحديث " وذكره أبو الحسين احتمالا في تعيين المسجد العتيق للصلاة وذكر المجد في شرحه أن القاضي ذكر وجها يتعين المسجد العتيق في نذر الصلاة قال المجد ونذر الاعتكاف مثله.
وأطلق الشيخ تقي الدين في تعيين ما امتاز بمزية شرعية كقدم وكثرة جمع وجهين واختار في موضع آخر يتعين.
وقال القاضي وابن عقيل: الاعتكاف والصلاة لا يختصان بمكان بخلاف الصوم قال في الفروع كذا قالا.
فعلى المذهب: له أن يعتكف ويصلي في غير المسجد الذي عينه والصحيح من المذهب أنه لا كفارة عليه كما جزم به المصنف هنا وهو أحد الوجهين ولم يذكر عدم الكفارة في نسخة قرئت على المصنف وكذا في نسخ كثيرة.
وقيل: عليه كفارة قال في الرعايتين وعليه كفارة يمين في وجه إن لم يفعل وجزم بالكفارة في تذكرة بن عبدوس وأطلقهما في الفروع والفائق والحاويين والمحرر ذكره في باب النذر.
الثاني : قال في الفروع وفي الكفارة وجهان إن وجبت في غير المستحب انتهى فمحل الخلاف إذا قلنا بوجوب الكفارة في غير المستحب.
الثالث : جعل المصنف الصلاة والاعتكاف إذا نذرهما في غير المساجد الثلاثة على حد سواء وهو صحيح وهو المذهب وعليه أكثر الأصحاب.
وقال في الفروع: وظاهر كلام جماعة يصلي في غير مسجد أيضا ولعله مراد غيرهم وهو متجه انتهى.
الرابع : قوله "فله فعله في غيره" يعني: من المساجد وهذا الصحيح من المذهب قال في الفروع وظاهر كلام جماعة يصلي في غير مسجد أيضا ولعله مراد غيرهم وهو متجه انتهى.
فائدة : لو أراد الذهاب إلى ما عينه بنذره فإن كان يحتاج إلى شد رحل: خير بين ذهابه وعدمه عند القاضي وغيره وجزم بعض الأصحاب بإباحته واختار المصنف والشارح: الإباحة

في السفر القصير ولم يجوزه ابن عقيل والشيخ تقي الدين وقال في التلخيص لا يترخص قال في الفروع ولعل مراده يكره وذكر بن منجا في شرح المقنع يكره إلى القبور والمشاهد قال في الفروع وهي المسألة بعينها.
وحكى الشيخ تقي الدين وجها: يجب السفر المنذور إلى المشاهد.
قال في الفروع: ومراده والله أعلم اختيار صاحب الرعاية.
وإن كان لا يحتاج إلى شد رحل خير على الصحيح من المذهب بين الذهاب وغيره ذكره القاضي وابن عقيل وقدمه في الفروع.
وقال في الواضح: الأفضل الوفاء قال في الفروع وهذا أظهر.
قوله : "إلا المساجد الثلاثة وأفضلها المسجد الحرام ثم مسجد المدينة ثم المسجد الأقصى".
الصحيح من المذهب أن مكة أفضل من المدينة نصره القاضي وأصحابه وعليه جماهير الأصحاب وعنه المدينة أفضل اختاره بن حامد وغيره.
ويأتي ذلك أيضا في آخر باب صيد الحرم ونباته.
فعلى المذهب: إذا عين المسجد الحرام في نذره لم يجزه في غيره لأنه أفضلها احتج به أحمد والأصحاب قال في الفروع فدل إن قلنا المدينة أفضل أن مسجدها أفضل وهذا ظاهر كلام المجد في شرحه وغيره وصرح به في الرعاية.
وإن عين مسجد المدينة: لم يجزه في غيره إلا المسجد الحرام على ما تقدم.
وإن عين المسجد الأقصى أجزأه المسجدان فقط نص عليه.
قوله : "ومن نذر اعتكاف شهر بعينه لزمه الشروع فيه قبل دخول ليلته إلى انقضائه".
هذا المذهب نص عليه وعليه الأصحاب.
وعنه أو يدخل قبل فجر أول ليلة من أوله قال الزركشي ولعله بناء على اشتراط الصوم له.

فائدتان :
إحداهما : كذا الحكم والخلاف والمذهب إذا نذر عشرا معينا.
وعنه رواية ثالثة: جواز دخوله بعد صلاة الفجر.
الثانية : لو أراد أن يعتكف العشر الأخير من رمضان تطوعا دخل قبل ليلته الأولى نص عليه.
وعنه بعد صلاة فجر أول يوم منه.
وتقدم إذا نذر اعتكافا في رمضان وفاته.
ولو نذر أن يعتكف العشر لزمه ما يتخلله من لياليه إلى ليلته الأولى نص عليه وفيهما في لياليه المتخللة تخريج ابن عقيل وقول أبي حكيم الآتيان قريبا.
قوله : "وإن نذر شهرا مطلقا لزمه شهر متتابع".
هذا المذهب نص عليه وعليه أكثر الأصحاب وجزم به في الوجيز وغيره وقدمه في الفروع وغيره قال القاضي يلزمه التتابع وجها واحدا كمن حلف لا يكلم زيدا شهرا وكمدة الإيلاء والعنة وبهذا فارق لو نذر صيام شهر.
وعنه لا يلزمه تتابعه اختاره الآجري وصححه بن شهاب وغيره.
فائدتان :
إحداهما : يلزمه أن يدخل معتكفه قبل الغروب من أول ليلة منه على الصحيح من المذهب كما تقدم في نظيرتها.
وعنه أو وقت صلاة المغرب وذكره بن أبي موسى.
وعنه أو قبل الفجر الثاني من أول يوم فيه.
الثانية : يكفيه شهر هلالي ناقص بلياليه أو ثلاثين يوما بلياليها قال المجد على رواية أنه لا يجب التتابع يجوز إفراد الليالي عن الأيام إذا لم نعتبر الصوم وإن اعتبرناه لم يجب ووجب اعتكاف كل يوم مع ليلته المتقدمة عليه.
وإن ابتدأ الثلاثين في أثناء النهار فتمامه في تلك الساعة من اليوم الحادي والثلاثين وإن لم نعتبر الصوم وإن اعتبرناه فثلاثين ليلة صحاحا بأيامها الكاملة فيتم اعتكافه بغروب شمس الحادي والثلاثين في الصورة الأولى أو الثاني والثلاثين في الثانية لئلا يعتكف بعض يوم أو بعض ليلة دون يومها الذي يليها.
قوله : "وإن نذر أياما معدودة فله تفريقها".
وكذا لو نذر ليالي معدودة وهذا المذهب فيهما وجزم به في الوجيز وغيره. وقدمه في

الفروع وغيره واختاره أبو الخطاب وغيره.
وقال القاضي: يلزمه التتابع.
وقيل: يلزمه التتابع إلا إذا نذر ثلاثين يوما للقرينة لأن العادة فيه لفظ الشهر فعدوله عنه يدل على عدم التتابع.
قلت: لو قيل يلزمه التتابع في نذره الثلاثين يوما لكان له وجه لأنه بمنزلة من نذر اعتكاف شهر ثم وجدت ابن رزين في نهايته ذكره وجها وقدمه ناظمها.
تنبيه : مراد المصنف بقوله فله تفريقها إذا لم ينو التتابع فأما إذا نوى التتابع فإنه يلزمه قاله الأصحاب.
فوائد :
منها: إذا تابع فإنه يلزمه ما يتخللها من ليل أو نهار على الصحيح من المذهب وقيل لا يلزمه.
ومنها: يدخل معتكفه فيما إذا نذر أياما قبل الفجر الثاني على الصحيح من المذهب وعنه أو بعد صلاته.
ومنها: لو نذر أن يعتكف يوما معينا أو مطلقا دخل معتكفه قبل فجر الثاني على الصحيح من المذهب وخرج بعد غروب شمسه وحكى بن أبي موسى رواية يدخل وقت صلاة الفجر.
ومنها: لو نذر شهرا متفرقا جاز له تتابعه.
قوله : "أو نذر أياما وليالي متتابعة لزمه ما يتخللها من ليل أو نهار".
وهذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب وخرج ابن عقيل أنه لا يلزمه ما يتخلله واختاره أبو حكيم وخرجه أيضا من اعتكاف يوم لا يلزمه معه ليلة.
وقيل: لا يلزمه ليلا ذكره في الرعاية الكبرى.
فائدة : لو نذر اعتكاف يوم معينا أو مطلقا فقد تقدم متى يدخل معتكفه ولا يجوز تفريقه بساعات من أيام فلو كان في وسط النهار وقال لله علي أن أعتكف يوما من وقتي هذا لزمه من ذلك الوقت إلى مثله وفي دخول الليلة الخلاف السابق.
واختار الآجري: إن نذر اعتكاف يوم فمن ذلك الوقت إلى مثله.
تنبيه : مراده بقوله : "ولا يجوز للمعتكف الخروج من المسجد إلا لما لا بد منه كحاجة الإنسان".
إجماعا. وهو البول والغائط إذا لزمه التتابع في اعتكافه وسواء عين بنذره مدة أو شرط التتابع في عدد.

فائدة : يحرم بوله في المسجد في إناء وكذا فصد وحجامة وذكر ابن عقيل احتمالا لا يجوز في إناء كالمستحاضة مع أمن تلويثه وكذا حكم النجاسة في هواء المسجد قال بن تميم يكره الجماع فوق المسجد والتمسح بحائطه والبول نص عليه قال ابن عقيل في الفصول في الإجارة في التمسح بحائطه مراده الحظر فإذا بال خارجا وجسده فيه لا ذكره كره وعنه يحرم وقيل فيه الوجهان.
وتقدم بعض ذلك في آخر باب الوضوء.
قوله : "والطهارة".
يجوز له الخروج للوضوء عن حدث نص عليه وإن قلنا لا يكره فعله فيه بلا ضرورة ويخرج لغسل الجنابة وكذا لغسل الجمعة إن وجب وإلا لم يجز ولا يجوز الخروج لتجديد الوضوء.
فوائد :
يجوز له أيضا الخروج لقيء بغتة وغسل متنجس لحاجته وله المشي على عادته وقصد بيته إن لم يجد مكانا يليق به لا ضرر عليه فيه ولا منه كسقاية لا يحتشم مثله عنها ولا نقص عليه ويلزمه قصد أقرب منزليه لدفع حاجته به.
ويجوز الخروج ليأتي بمأكول ومشروب يحتاجه إن لم يكن له من يأتيه به نص عليه.
ولا يجوز الخروج لأكله وشربه في بيته في ظاهر كلامه وهو الصحيح من المذهب اختاره المصنف والمجد وغيرهما وقدمه في الفروع وغيره.
وقال القاضي: يتوجه الجواز واختاره أبو حكيم وحمل كلام أبي الخطاب عليه.
وقال بن حامد: إن خرج لما لا بد منه إلى منزله جاز أن يأكل فيه يسيرا كلقمة ولقمتين لا كل أكله.
قوله : "والجمعة".
يخرج إلى الجمعة إن كانت واجبة عليه وكذا إن لم تكن واجبة عليه. واشترط خروجه إليها فأما إن كانت غير واجبة عليه ولم يشترط الخروج إليها فإنه لا يجوز له الخروج إليها فإن خرج بطل اعتكافه.
فائدتان :
إحداهما : حيث قلنا يخرج إلى الجمعة فله التبكير إليها نص عليه وله إطالة المقام بعدها ولا يكره لصلاحية الموضع للاعتكاف لكن المستحب عكس ذلك ذكره القاضي وهو ظاهر كلام الإمام أحمد رحمه الله في رواية أبي داود وقدمه في الفروع.

وقال المصنف: ويحتمل أن تكون الخيرة إليه في تعجيل الرجوع وتأخيره وفي شرح المجد احتمال أن تبكيره أفضل وأنه ظاهر كلام أبي الخطاب في باب الجمعة لأنه لم يستثن المعتكف.
وقال ابن عقيل في الفصول يحتمل أن يضيق الوقت وأنه إن تنفل فلا يزيد على أربع
ونقل أبو داود في التبكير أجود وأنه يركع بعدها عادته.
الثانية : لا يلزمه سلوك الطريق الأقرب إلى الجمعة قدمه في الفروع وقال وظاهر ما سبق يلزمه كقضاء الحاجة قال بعض الأصحاب الأفضل خروجه لذلك وعوده في أقصر طريق لا سيما في النذر.
والأفضل سلوك أطول الطرق إن خرج لجمعة عبادة وغيرها.
قوله : "والنفير المتعين".
بلا نزاع وكذا إذا تعين خروجه لإطفاء حريق وإنقاذ غريق ونحوه.
قوله : "والشهادة الواجبة".
يجوز الخروج للشهادة المتعينة عليه فيلزمه الخروج ولا يبطل اعتكافه ولو لم يتعين عليه التحمل ولو كان سببه اختياريا وهذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب واختار في الرعايتين إن كان تعين عليه تحمل الشهادة وأداؤها خرج إليها وإلا فلا.
فائدة: قوله: "والخوف من فتنة".
يجوز الخروج إن وقعت فتنة وخاف منها إن أقام في المسجد على نفسه أو حرمته أو ماله نهبا أو حريقا ونحوه ولا يبطل اعتكافه بذلك.
قوله : "أو مرض".
اعلم أن المرض إذا كان يتعذر معه القيام فيه أو لا يمكنه إلا بمشقة شديدة يجوز له الخروج وإن كان المرض خفيفا كالصداع والحمى الخفيفة لم يجز له الخروج إلا أن يباح به الفطر فيفطر فإنه يخرج إن قلنا باشتراط الصوم وإلا فلا.
قوله : "والحيض والنفاس".
تخرج المرأة للحيض والنفاس إلى بيتها إن لم يكن للمسجد رحبة فإذا طهرت رجعت إلى المسجد وإن كان له رحبة يمكن ضرب خبائها فيها بلا ضرر فعلت ذلك فإذا طهرت رجعت إلى المسجد ذكره الخرقي وبن أبي موسى ونقله يعقوب بن بختان عن أحمد وقدمه في الفروع واقتصر عليه في المغني والشرح وغيرهما ونقل محمد بن الحكم تذهب إلى بيتها فإذا طهرت بنت على اعتكافها وهو ظاهر كلام المصنف هنا.

قلت: الظاهر أن محل الخلاف إذا قلنا إن رحبة المسجد ليست منه وهو واضح.
فعلى الأول: إقامتها في الرحبة على سبيل الاستحباب على الصحيح من المذهب اختاره المصنف والمجد وغيرهما وجزم به في المستوعب والرعاية وغيرهما واختار في الرعاية أنه يسن جلوسها في الرحبة غير المحوطة.
وحكى صاحب التلخيص قولا بوجوب الكفارة عليها.
وهذا الحكم إذا لم تخف تلويثه فأما إن خافت تلويثه فأين شاءت وكذا بشرط الأمن على نفسها قال الزركشي ولهذا قال بعضهم هذا مع سلامة الزمان.
قوله - بعد ذكر ما يجوز الخروج له – "ونحو ذلك".
فنحو ذلك: إذا تعين خروجه لإطفاء حريق أو إنقاذ غريق كما تقدم وكذا إذا أكرهه السلطان أو غيره على الخروج وكذا لو خاف أن يأخذه السلطان ظلما فخرج واختفى وإن أخرجه لاستيفاء حق عليه فإن أمكنه الخروج منه بلا عذر بطل اعتكافه وإلا لم يبطل لأنه خروج واجب.
فائدة : لو خرج من المسجد ناسيا لم يبطل اعتكافه كالصوم ذكره القاضي في المجرد وقدمه في الفروع والرعاية والقواعد الأصولية.
وذكر القاضي في الخلاف وابن عقيل في الفصول يبطل لمنافاته الاعتكاف كالجماع وذكر المجد أحد الوجهين لا ينقطع التتابع ويبنى كمرض وحيض واختاره وذكره قياس المذهب وجزم أيضا أنه لا ينقطع تتابع المكره وأطلق بعضهم وجهين قال في القواعد الأصولية لا يبطل اعتكافه إذا أكره على الخروج ولو خرج بنفسه.
فائدة: قوله: "ولا يعود مريضا ولا يشيع جنازة".
وكذا كل قربة كزيارة وتحمل شهادة وأدائها وتغسيل ميت وغيره إلا أن يشترط وهذا المذهب في ذلك كله نص عليه قال في الفروع اختاره الأصحاب.
وعنه: له فعل ذلك كله من غير شرط وذكر الترمذي وبن المنذر رواية عن أحمد بالمنع مع الاشتراط أيضا.
فعلى المذهب: لا يقضى زمن الخروج إذا نذر شهرا مطلقا في ظاهر كلام الأصحاب قاله في الفروع كما لو عين الشهر قال المجد ولو قضاه صار الخروج المستثنى والمشروط في غير الشهر.
تنبيه : يستثنى من ذلك لو تعينت عليه صلاة جنازة خارج المسجد أو دفن ميت أو تغسيله فإنه كالشهادة إذا تعينت عليه على ما سبق.
ويأتي آخر الباب ما يجوز له فعله في المسجد.

فائدة : لو شرط في اعتكافه فعل ما له منه بد وليس بقربة ويحتاجه كالعشاء في بيته والمبيت فيه جاز على الصحيح من المذهب والروايتين جزم به المصنف في المغني والشارح وغيرهما ونصروه وجزم به في الرعايتين والحاويين.
وعنه المنع من ذلك جزم به القاضي وابن عقيل وغيرهما واختاره المجد وغيره وأطلقهما في الفروع.
ولو شرط الخروج للبيع والشراء أو الإجارة أو التكسب بالصناعة في المسجد لم يجز بلا خلاف عن الإمام أحمد وأصحابه.
ولو قال: متى مرضت أو عرض لي عارض خرجت فله شرطه على الصحيح من المذهب جزم به المصنف والشارح وغيرهما وأطلقوا وقدمه في الفروع وقال المجد فائدة الشرط هنا سقوط القضاء في المدة المعينة فأما المطلقة كنذر شهر متتابع فلا يجوز الخروج منه إلا لمرض فإنه يقضى زمن المرض لإمكان حمل شرطه هنا على نفي انقطاع التتابع فقط فنزل على الأقل ويكون الشرط أفاد هنا البناء مع سقوط الكفارة على أصلنا.
قوله : "وله السؤال عن المريض في طريقه ما لم يعرج".
إذا خرج إلى ما لا بد منه فسأل عن المريض أو غيره في طريقه ولم يعرج جاز كبيعه وشرائه إذا لم يقف له قال في الفروع ولا وجه لقوله في الرعاية فيسأل عن المريض وقيل أو غيره.
فائدة : لو وقف لمسألته بطل اعتكافه.
قوله : "والدخول إلى مسجد يتم اعتكافه فيه".
إذا خرج لما لا بد منه فدخل مسجدا يتم اعتكافه فيه جاز إن كان الثاني أقرب إلى مكان حاجته من الأول وإن كان أبعد أو خرج إليه ابتداء بلا عذر بطل اعتكافه لتركه لبثا مستحقا جزم به في الفروع وغيره فيهما وكلام المصنف محمول على الأول.
قوله : "وإن خرج لغير المعتاد في المتتابع وتطاول خير بين استئنافه وإتمامه مع كفارة يمين".
مراده "بالتتابع" غير المعين ومراده "بالخروج غير المعتاد" الخروج للنفير والخوف والمرض ونحو ذلك وهذا المذهب وعليه أكثر الأصحاب وقال في الرعاية يتمه وفي الكفارة الخلاف وقيل أو يستأنف إن شاء قال في الفروع كذا قال ويتخرج يلزم الاستئناف في مرض يباح الفطر به ولا يجب بناء على أحد الوجهين في انقطاع صوم الكفارة بما يبيح الفطر ولا يوجبه.

واختار القاضي في المجرد: أن كل خروج لواجب كمرض لا يؤمن معه تلويث المسجد لا كفارة فيه وإلا كان فيه الكفارة.
واختار المصنف وجوب الكفارة إلا لعذر حيض أو نفاس لأنه معتاد كحاجة الإنسان.
وضعف المجد كلام القاضي والمصنف. قال في الفروع كذا قال المجد.
قال في الفروع: وظاهر كلام الشيخ يعني به المصنف لا يقضي ولعله أظهر قال ويتوجه من قول القاضي هنا في الصوم ولا فرق.
فائدة : تقييد المصنف الخروج لغير المعتاد يدل على أنه يوجد خروج لمعتاد وهو صحيح فالمعتاد من هذه الأعذار حاجة الإنسان إجماعا والطهارة من الحدث إجماعا والطعام والشراب إجماعا والجمعة وقد تقدم شروط ذلك. وغير المعتاد: بقية الأعذار المتقدمة.
ثم إن غير المعتاد إذا خرج له فلا يخلو إما أن يتطاول أو لا فإن تطاول فهو كلام المصنف المتقدم.
وإن لم يتطاول: فذكر المصنف والشارح وغيرهما أنه لا يقضي الوقت الفائت بذلك لكونه يسيرا مباحا أو واجبا ويوافقه كلام القاضي في الناسي قال في الفروع وعلى هذا يتوجه لو خرج بنفسه مكرها أن يخرج بطلانه على الصوم وظاهر كلام الخرقي وغيره أنه يقضي واختاره المجد.
قوله : "وإن فعله في متعين قضى وفي الكفارة وجهان".
يعني إذا خرج لغير المعتاد وتطاول في متتابع متعين وأطلقهما في المحرر وشرح بن منجا.
أحدهما : يكفر مع القضاء وهو المذهب ونص عليه في الخروج لفتنة وصححه في التصحيح وجزم به في الوجيز وقدمه في الفروع والشرح والرعاية الكبرى قال الزركشي وهو الذي ذكره الخرقي انتهى.
والذي ذكره الخرقي في الفتنة والخروج للنفير وعدة الوفاة وذكره بن أبي موسى في عدة الوفاة.
والوجه الثاني: لا كفارة عليه قال الزركشي وعن أحمد ما يدل على أنه لا كفارة مع العذر انتهى.
قال في الفروع: وعن أحمد فيمن نذر صوم شهر بعينه فمرض فيه أو حاضت فيه المرأة في الكفارة مع القضاء روايتان والاعتكاف مثله هذا معنى كلام أبي الخطاب وغيره وقاله صاحب المستوعب والمجد وغيرهما قال فيتخرج جميع الأعذار في الكفارات في الاعتكاف على روايتين.

وعن القاضي: إن وجب الخروج فلا كفارة وإن لم يجب وجبت.
وقال بن عبدوس المتقدم وصاحب التلخيص إن كان الخروج لحق نفسه كالمرض والفتنة ونحوهما وجبت وإن كان لحق عليه كالشهادة والنفير والحيض فلا كفارة وقيل تجب.
ونقل المروذي وحنبل: عدم الكفارة في الاعتكاف وحمله المجد على رواية عدم وجوبها في الصوم وسائر المنذورات.
فائدتان :
إحداهما : لو ترك اعتكاف الزمن المعين لعذر أو غيره قضاه متتابعا على الصحيح من المذهب وعنه لا يلزمه التتابع إلا بشرطه أو نيته.
الثانية : إذا خرج لغير المعتاد وتطاول في نذر أيام مطلقة فإن قلنا يجب التتابع على قول القاضي السابق فحكمه حكم النذر المتتابع كما تقدم في كلام المصنف وإن قلنا لا يجب تمم ما بقي على ما تقدم لكنه يبتدئ اليوم الذي خرج فيه من أوله ليكون متتابعا ولا كفارة عليه هذا المذهب.
وقال المجد قياس المذهب: يخير بين ذلك وبين البناء على بعض اليوم ويكفر.
قوله : "وإن خرج لما له منه بد في المتتابع لزمه استئنافه".
يعني سواء كان متتابعا بشرط كمن نذر اعتكاف شهر متتابعا أو عشرة أيام متتابعة أو كان متتابعا بنية أو قلنا يتابع في المطلق وهذا المذهب في ذلك كله بشرط أن يكون عامدا مختارا وعليه أكثر الأصحاب وجزم به المجد في شرحه وغيره وقدمه في الفروع وقال في الرعاية يستأنف المطلق المتتابع بلا كفارة وقيل أو يبنى أو يكفر قال في الفروع كذا قال وهذا القول من المفردات.
فائدة : خروجه لما له منه بد مبطل سواء تطاول أو لا لكن لو أخرج بعض جسده لم يبطل على الصحيح من المذهب نص عليه وقيل: يبطل.
هذا كله إذا كان عالما مختارا فأما إن خرج مكرها أو ناسيا فقد سبق.
قوله : "وإن فعله في معين فعليه كفارة".
يعني إذا خرج لما له منه بد وفي الاستئناف وجهان.
واعلم أنه إذا خرج في المعين فتارة يكون نذره متتابعا معينا وتارة يكون معينا ولم يقيده بالتتابع فإن كان معينا ولم يقيده بالتتابع كنذره اعتكاف شهر شعبان وخرج لما له منه بد فعليه كفارة يمين رواية واحدة وفي الاستئناف وجهان وأطلقهما، في الفروع والمجد في

شرحه، والشارح وشرح بن منجا والمستوعب والرعايتين والحاويين.
أحدهما : يستأنف لتضمن نذره التتابع قال المجد وهذا أصح في المذهب وهو قياس قول الخرقي وصححه في التصحيح وقدمه في الهداية والخلاصة.
والوجه الثاني: يبنى لأن التتابع حصل ضرورة التعيين فسقط وسقط بفواته فصار كقضاء رمضان ويقضي ما فاته.
وأصل هذين الوجهين: من نذر صوم شهر بعينه فأفطر فيه روايتين.
وإن كان متتابعا معينا كنذر شعبان متتابعا استأنف إذا خرج وكفر كفارة يمين قولا واحدا.
قوله : "وإن وطىء المعتكف في الفرج فسد اعتكافه".
إن وطىء عامدا فسد اعتكافه إجماعا وإن كان ناسيا فظاهر كلام المصنف فساد اعتكافه أيضا وهو الصحيح من المذهب نص عليه وعليه أكثر الأصحاب وخرج المجد من الصوم عدم البطلان وقال الصحيح عندي أنه يبنى.
قوله : "ولا كفارة عليه إلا لترك نذره".
اعلم أن الصحيح من المذهب أنه لا تجب الكفارة بالوطء في الاعتكاف مطلقا نقله أبو داود وهو ظاهر نقل بن إبراهيم قال المصنف والشارح، وصاحب الفروع: هذا ظاهر المذهب قال في الكافي وبن منجا في شرحه هذا المذهب قال في الفائق ولا كفارة عليه للوطء في أصح الروايتين قال المجد في شرحه وهو الصحيح واختاره المصنف وغيره وقدمه في الفروع وغيره وجزم به في المحرر وغيره وهو ظاهر ما جزم به في الوجيز.
واختار القاضي وأصحابه وجوب الكفارة إن كان نذرا كرمضان والحج وهو من المفردات قال في المستوعب هذا أصح الروايات وقدمه في الخلاصة والرعايتين والحاويين وغيرهم.
تنبيهات
الأول : قوله "إلا لترك نذره" يعني إنما تجب الكفارة لترك النذر لا للوطء مثل أن يطأ في وقت عين اعتكافه بالنذر.
الثاني : خص جماعة من الأصحاب وجوب الكفارة بالوطء بالاعتكاف المنذور لا غير منهم القاضي وأبو الخطاب وغيرهما واختاره المجد وغيره وقال ابن عقيل في الفصول يجب في التطوع في أصح الروايتين قال المجد في شرحه لا وجه له قال ولم يذكرها القاضي ولا وقفت على لفظ يدل عليها عن أحمد وهي في المستوعب فهذه ثلاث روايات.

الثالث : حيث أوجبنا عليه الكفارة بالوطء فقال أبو بكر في التنبيه عليه كفارة يمين وحكى ذلك رواية عن أحمد واختاره بن عبدوس في تذكرته وجزم به في الإفادات وقدمه في الرعاية الكبرى والزركشي والخلاصة قال في الفروع ومراد أبي بكر ما اختاره صاحب المغني والمحرر والمستوعب وغيرهم أنه أفسد المنذور بالوطء وهو كما لو أفسده بالخروج لما له منه بد على ما سبق وهذا معنى كلام القاضي في الجامع الصغير.
وذكر بعض الأصحاب أنه قال إن هذا الخلاف في نذر وقيل معين. وقدمه في الرعايتين والحاويين وجزم به في الإفادات وتجريد العناية والمنور فلهذا قيل يجب الكفارتان كفارة الظهار وكفارة اليمين وحكى القول بذلك في الحاوي وغيره.
وقال القاضي في الخلاف: عليه بالوطء كفارة الظهار وقدمه في النظم والفائق والرعاية الصغرى والحاويين واختار في الكبرى وجوبها ككفارة رمضان قال أبو الخطاب في الهداية وهو ظاهر كلام أحمد في رواية حنبل وتأولها المجد وأطلقهما في المذهب ومسبوك الذهب والشرح والمذهب الأحمد وهما روايتان عند الشيرازي.
قوله : "وإن باشر دون الفرج فأنزل فسد اعتكافه وإلا فلا".
بلا نزاع فيهما ثم رأيت الزركشي حكى عن بن عبدوس المتقدم احتمالا بعدم الفساد مع الإنزال ومتى فسد خرج في إلحاقه بالوطء في وجوب الكفارة وجهان ذكره بن عقيل.
وقال المجد: ويتخرج وجه ثالث يجب بالإنزال بالوطء دون الفرج ولا يجب بالإنزال باللمس والقبلة وقال مباشرة الناسي كالعامد على إطلاق أصحابنا واختار هنا لا يبطله كالصوم انتهى.
قلت: الأولى وجوب الكفارة إذا أنزل بالمباشرة فيما دون الفرج إذا قلنا بوجوبها بالوطء في الفرج.
فوائد :
الأولى : لا تحرم المباشرة فيما دون الفرج بلا شهوة على الصحيح من المذهب وذكر القاضي احتمالا بالتحريم وما هو ببعيد.
وتحرم المباشرة بشهوة. على الصحيح من المذهب نص عليه وقيل لا تحرم وجزم به في الرعاية.
الثانية : لو سكر في اعتكافه فسد ولو كان ليلا ولو شرب ولم يسكر، أو أتى كبيرة فقال المجد ظاهر كلام القاضي لا يفسد واقتصر هو وصاحب الفروع عليه.
الثالثة : لو ارتد في اعتكافه بطل بلا نزاع.

قوله : "ويستحب للمعتكف التشاغل بفعل القرب واجتناب ما لا يعنيه".
من جدال ومراء وكثرة كلام ونحوه قال المصنف لأنه مكروه في غير الاعتكاف ففيه أولى.
وله أن يتحدث مع من يأتيه ما لم يكثر ولا بأس أن يأمر بما يريد خفيفا لا يشغله.
فائدتان :
إحداهما : ليس الصمت من شريعة الإسلام قال ابن عقيل يكره الصمت إلى الليل قال المصنف في المغني والمجد في شرحه وظاهر الأخبار تحريمه وجزم به في الكافي وإن نذره لم يف به.
الثانية : لا يجوز أن يجعل القرآن بدلا عن الكلام ذكره ابن عقيل وتبعه غيره وجزم في التلخيص والرعاية أنه يكره ولا يحرم وقال الشيخ تقي الدين إن قرأ عند الحكم الذي أنزل له أو ما يناسبه فحسن كقوله لمن دعاه لذنب تاب منه: {مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ} [النور: 16] وقوله عند ما أهمه {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف: 86]
قوله : "ولا يستحب له قراءة القرآن والعلم والمناظرة فيه".
هذا المذهب نص عليه وعليه الأصحاب قاله أبو الخطاب في الهداية قال أبو بكر لا يقرأ ولا يكتب الحديث ولا يجالس العلماء.
قال أبو الخطاب: يستحب إذا قصد به الطاعة واختاره المجد وغيره وذكر الآمدي في استحباب ذلك روايتين.
فعلى المذهب: فعله لذلك أفضل من الاعتكاف لتعدي نفعه قال المجد ويتخرج على أصلنا في كراهة أن يقضي القاضي بين الناس وهو معتكف إذا كان يسيرا وجهان بناء على الإقراء وتدريس العلم فإنه في معناه.
فوائد :
إحداها : لا بأس أن يتزوج ويشهد النكاح لنفسه ولغيره ويصلح بين القوم ويعود المريض ويصلي على الجنازة ويعزي ويهني ويؤذن ويقيم كل ذلك في المسجد.
قال في الفروع: ولعل ظاهر الإيضاح يحرم أن يتزوج أو يزوج.
وقال المجد قال أصحابنا: يستحب له ترك لبس رفيع الثياب والتلذذ بما يباح قبل الاعتكاف وأن لا ينام إلا عن غلبة ولو مع قرب الماء وأن لا ينام مضطجعا بل متربعا مستندا ولا يكره شيء من ذلك انتهى.
وكره بن الجوزي وغيره لبس رفيع الثياب.

قال المجد: ولا بأس بأخذ شعره وأظفاره في قياس مذهبنا وكره ابن عقيل إزالة ذلك في المسجد مطلقا صيانة له وذكر غيره يسن ذلك قال في الفروع وظاهره مطلقا ولا يحرم إلقاؤه فيه.
ويكره له أن يتطيب قدمه في الفروع ونقل المروذي لا يتطيب ونقل أيضا لا يعجبني وهو من المفردات.
ونقل ابن إبراهيم: يتطيب كالتنظف ولظواهر الأدلة قال في الفروع وهذا أظهر وقاس أصحابنا الكراهة على الحج والتحريم على الصوم وأطلق في الرعاية في كراهة لبس الثوب الرفيع والتطيب وجهين.
ويحرم الوطء في المسجد على ما يأتي في أواخر الرجعة وجزم به في الفروع هناك وقال بن تميم يكره الجماع فوق المسجد والتمسح بحائطه والبول عليه نص عليه على ما تقدم قريبا عند خروجه لما لا بد منه.
الثانية : ينبغي لمن قصد المسجد للصلاة أو غيرها أن ينوي الاعتكاف مدة لبثه فيه لا سيما إن كان صائما ذكره بن الجوزي في المنهاج ومعناه في الغنية وقدمه في الفروع ولم ير ذلك الشيخ تقي الدين.
الثالثة : لا يجوز البيع والشراء للمعتكف في المسجد وغيره على الصحيح من المذهب نص عليه في رواية حنبل وجزم به القاضي وابنه أبو الحسين وغيره وصاحب الوسيلة والإيضاح والشرح هنا وبن تميم وغيرهم وقدمه في الفروع والرعاية الكبرى وغيرهما قال ابن هبيرة منع صحته وجوازه أحمد وجزم في الفصول والمستوعب بالكراهة وجزم به في الشرح [والمغني وبن تميم والمجد وشرح ابن رزين] في آخر كتاب البيع ونقل حنبل عن أحمد ما يحتمل أنه يجوز أن يبيع ويشتري في المسجد ما لا بد منه كما يجوز خروجه له إذا لم يكن له من يأتيه به.
فعلى المذهب: لا يجوز في المسجد ويخرج له.
وعلى الثاني: يجوز ولا يخرج له.
وعلى المذهب أيضا: قيل في صحة البيع وجهان وأطلقهما في الآداب قال في الرعاية الكبرى في صحتهما وجهان مع التحريم.
قلت: قاعدة المذهب تقتضي عدم الصحة وتقدم كلام بن هبيرة.
وظاهر ما قدمه في الفروع: الصحة هنا وقال في الفروع في آخر كتاب الوقف وفي صحة البيع في المسجد وفاقا للأئمة الثلاثة وتحريمه خلافا لهم روايتان وقال في المغني قبل كتاب السلم بيسير ويكره البيع والشراء في المسجد فإن باع فالبيع صحيح.

وقال في الرعاية الكبرى في باب مواضع الصلاة واجتناب النجاسات يسن أن يصان المسجد عن البيع والشراء فيه نص عليه.
وقال بن أبي المجد في مصنفه في كتاب البيع قبل الخيار يحرم البيع والشراء في المسجد للخبر ولا يصحان في الأصح فيهما انتهى.
قال بن تميم: ذكر القاضي في موضع بطلانه.
وقال الشيخ تقي الدين: يصح مع الكراهة.
وقال في الفروع: والإجارة فيه كالبيع والشراء.
ويأتي في كتاب الحدود: هل يحرم إقامة الحد فيه أم يكره؟.
وقال بن بطال المالكي: أجمع العلماء أن ما عقده من البيع في المسجد لا يجوز نقضه قال في الفروع كذا قال.
الرابعة : يحرم التكسب بالصنعة في المسجد كالخياطة وغيرها والقليل والكثير والمحتاج وغيره سواء قاله القاضي وغيره وجزم به في الإيضاح والمذهب قال المجد قاله جماعة وقدمه في الفروع.
ونقل حرب التوقف في اشتراطه.
ونقل أبو الخطاب: ما يعجبني أن يعمل فإن كان يحتاج فلا يعتكف.
وقال في الروضة: لا يجوز له فعل غير ما هو فيه من العبادة ولا يجوز أن يتجر ولا أن يصنع الصنائع قال وقد منع بعض أصحابنا من الإقراء وإملاء الحديث قال في الفروع كذا قال.
وقال ابن البناء: يكره أن يتجر أو يتكسب بالصنعة حكاه المجد وجزم به في المستوعب وغيره.
وإن احتاج للبسه خياطة أو غيرها للتكسب فقال ابن البنا: لا يجوز حكاه المجد واختار هو والمصنف وغيرهما الجواز قالوا وهو ظاهر كلام الخرقي كلف عمامته والتنظيف.
الخامسة : لا يبطل الاعتكاف بالبيع وعمل الصنعة للتكسب على الصحيح من المذهب وذكر المجد في شرحه قولا بالبطلان إن حرم لخروجه بالمعصية عن وقوعه قربه والله سبحانه وتعالى أعلم.

كتاب المناسك
مدخل...
كتاب المناسكفائدة : الصحيح أن الحج فرض سنة تسع من الهجرة وقيل سنة عشر وقيل سنة ست وقيل سنة خمس.
قوله : "يجب الحج والعمرة في العمر مرة واحدة".
وجوب الحج في العمر مرة واحدة إجماع والعمرة إذا قلنا تجب فمرة واحدة بلا خلاف والصحيح من المذهب أنها تجب مطلقا وعليه جماهير الأصحاب منهم المصنف في العمدة والكافي قال المجد هذا ظاهر المذهب قال في الفروع والعمرة فرض كالحج ذكره الأصحاب قال الزركشي جزم به جمهور الأصحاب وعنه أنها سنة اختاره الشيخ تقي الدين.
فعليها يجب إتمامها إذا شرع فيها وأطلقهما في الشرح.
وعنه تجب على الآفاقي دون المكي نص عليه في رواية عبد الله والأثرم والميموني وبكر بن محمد واختارها المصنف في المغني والشارح.
قال الشيخ تقي الدين: عليها نصوصه وأطلقهن في الفائق.
قوله : "بخمسة شروط الإسلام والعقل فلا يجب على كافر ولا مجنون ولا يصح منهما".
إن كان الكافر أصليا لم يجب عليه إجماعا والصحيح من المذهب أنه يعاقب عليه وعلى سائر فروع الإسلام كالتوحيد إجماعا وعنه لا يعاقب عليه وعنه يعاقب على النواهي لا الأوامر وتقدم ذلك في أوائل كتاب الصلاة والزكاة.
تنبيه : شمل كلام المصنف المرتد وهو كذلك لكن هل يلزمه الحج باستطاعته في حال ردته فإن قلنا يقضي ما فاته من صلاة وصوم لزمه الحج وإلا فلا ولا تبطل استطاعته بردته على الصحيح من المذهب وعنه تبطل ولا يجب عليه الحج باستطاعته في حال ردته فقط على الصحيح من المذهب وعنه يجب.
وإن حج ثم ارتد ثم أسلم وهو مستطيع لم يلزمه حج ثان على الصحيح من المذهب وعنه يلزمه جزم به في الجامع الصغير وابن عقيل في الفصول في كتاب الحج والإفادات.
قال أبو الحسن الجزري وجماعة: يبطل الحج بالردة واختاره القاضي وصححه في الرعايتين والحاويين هنا وأطلقهما في الفروع والمحرر والرعاية الكبرى والفائق في كتاب الصلاة.
وتقدم ذلك كله مستوفى في كتاب الصلاة فليراجع.

فوائد :
الأولى : لا يصح الحج من الكافر ويبطل إحرامه ويخرج منه بردته فيه.
الثانية : لا يجب الحج على المجنون إجماعا لكن لا تبطل استطاعته بجنونه ولا يصح الحج منه إن عقده بنفسه إجماعا وكذا إن عقده له الولي اقتصارا على النص في الطفل وقيل يصح قال المجد في شرحه اختاره أبو بكر.
الثالثة : هل يبطل إحرامه بالجنون لأنه لم يبق من أهل العبادات أم لا يبطل كالموت فيه وجهان وأطلقهما المجد في شرحه وصاحب الفروع وابن عقيل.
أحدهما : لا يبطل.
قلت: وهو قياس الصوم إذا أفاق جزءا من اليوم والصحيح هناك الصحة وهو قول الأئمة الثلاثة وظاهر ما قدمه في الرعاية الصغرى.
فعليه: حكمه حكم من أغمي عليه.
والوجه الثاني: يبطل وهو من المفردات وهو قياس قول المجد في الصوم.
الرابعة : لا يبطل الإحرام بالإغماء على الصحيح من المذهب قال في الفروع وهو المعروف وقيل يبطل.
وأطلق ابن عقيل وجهين في بطلانه بجنون وإغماء.
الخامسة : لا يبطل الإحرام بالسكر قولا واحدا ووجه في الفروع البطلان من الوجه الذي ذكره ابن عقيل في الإغماء
فائدة: قوله: "والبلوغ والحرية فلا يجب على صبي ولا عبد".
بلا نزاع لكن مال في القواعد الأصولية إلى الوجوب على العبد إذا قلنا يملك وفي يده مال يمكنه أن يحج به وكذا إذا لم يحتج إلى راحلة لكونه دون مسافة القصر ويمكنه المشي بلا ضرر يلحقه ومثله العبد المكاتب والمدبر وأم الولد والمعتق بعضه.
قوله : "إلا أن يبلغ ويعتق في الحج قبل الخروج من عرفة وفي العمرة قبل طوافها".
هذا المذهب من حيث الجملة وعليه الأصحاب ونص عليه وعنه لا يجزئهما.
فائدة: لو سعى أحدهما قبل الوقوف وقبل البلوغ وبعد طواف القدوم وقلنا السعي ركن فهل يجزئه هذا السعي أم لا فيه وجهان وأطلقهما المجد في شرحه والزركشي والفروع.
أحدهما : يجزئه وهو ظاهر كلام المصنف هنا وغيره واختاره القاضي في التعليق وأبو الخطاب وقدمه في المحرر والرعاية الكبرى والنظم.
والوجه الثاني : لا يجزئه وهو الصحيح اختاره المجد وقال هو الأشبه بتعليل أحمد الإجزاء باجتماع الأركان حال الكمال واختاره القاضي في المجرد. وقال هو قياس المذهب واختاره ابن عقيل وجزم به في الفائق والرعاية الصغرى والحاويين.

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28