كتاب :شذرات الذهب في أخبار من ذهب
المؤلف:عبد الحي بن أحمد بن محمد العكري الحنبلي


أشد على من ثلاث ضرائر وقال ابن تيمية حفظ الزهري الإسلام نحوا من سبعين سنة وقال ابن قتيبة وكان أبو جده عبد الله بن شهاب شهد مع المشركين بدرا وكان أحد النفر الذين تعاقدوا يوم أحد لئن رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقتلنه أو ليقتلن دونه وهم عبد الله بن شهاب وأبي بن خلف وابن قميئة وعتبة بن أبي وقاص وكان يزيد بن عبد الملك استقضى الزهري ولما مات دفن بماله على قارعة الطريق ليمر مار فيدعو له والموضع الذي دفن فيه آخر أعمال الحجاز وأول عمل فلسطين وبه ضيعة
وأخو الزهري عبد الله بن مسلم وكان أسن من الزهري ويكنى أبا محمد وقد لقي ابن عمر وروى عنه وعن غيره ومات قبل الزهري انتهى ملخصا

سنة خمس وعشرين ومائة

فيها توفي أبو عيد بن أبي سعيد سعيد المقبري المحدث المكثر عن أبي هريرة وروى عن سعد بن أبي وقاص قال ابن سعد ثقة لكنه اختلط قبل موته بأربع سنين قال الذهبي في العبر قلت ما سمع منه ثقة في اختلاطه انتهى
وفيها مات في ربيع الآخر الخليفة أبو الوليد هشام بن عبد الملك الأموي وكانت خلافته عشرين سنة إلا شهرا وكانت داره عند الخواصين بدمشق فعمل منها السلطان نور الدين مدرسة وكان ذا رأي وحزم وحلم وجمع للمال عاش أربعا وخمسين سنة وكان أبيض سمينا أحول سديدا حسن الكلام شكس الأخلاق شديد الجمع للمال قليل البذل وكان حازما متيقظا لا يغيب عنه شيء من أمر ملكه قال المسعودي كان هشام أحول فظا غليظا يجمع الأموال ويعمر الأرض ويستجيد الخيل وأقام الحلبة فاجتمع له فيها من خيلة وخيل غيره أربعة آلاف فرس ولم يعرف ذلك في جاهلية ولا إسلام لأحد من الناس وقد ذكرت الشعراء ما اجتمع له من الخيل واستجاد الكساء والفرش وعدد الحرب

ولامتها واصطنع الرجال وقوي الثغور واتخذ القنى والبرك بمكة وغير ذلك من الآبار التي آتى عليها داود بن علي في صدره الدولة العباسية وفي أيامه عمل الحرن فسلك الناس جميعا في أيامه مذهبه ومنعوا ما في أيديهم فقل الأفضال وانقطع الرفد ولم ير زمان أصعب من زمانه وكان زيد بن علي يدخل على هشام فدخل عليه يوما بالرصافة فلما مثل بين يديه لم ير موضعا يجلس فيه فجلس حيث انتهى به مجلسه فقال له يا أمير المؤمنين ليس أحد يكبر عن تقوى الله فقال له هشام أسكت لا أم لك أنت الذي تنازعك نفسك في الخلافة وأنت ابن أمة فقال يا أمير المؤمنين إن لك جوابا إن أحببت أجبتك به وإن أحببت أمسكت عنك قال لا بل أجب قال إن الأمهات لا يقعدن بالرجال عن الغايات وقد كانت أم إسماعيل أمة لأم إسحاق صلى الله عليهما فلم يمنعه ذلك إلى أن ابتعثه الله نبيا وجعله للعرب أبا وأخرج من صلبه خير البشر محمدا صلى الله عليه وسلم أفتقول لي كذا وأنا ابن فاطمة وابن علي وقام وهو يقول
( شرده الخوف وأزرى به ** كذاك من يكره حر الجلاد )
( منخرق الخفين يشكو الوجا ** ينكبه أطراف مرو حداد )
( قد كان في الموت له راحة ** والموت حتم في رقاب العباد )
( إن يحدث الله له دولة ** يترك آثار العدا كالرماد )
وعرض هشام يوما الجند بحمص فمر به رجل من أهل حمص وهو على فرس نفور فقال له هشام ما حملك على أن ترتبط فرسا نفورا فقال الحمصي لا والرحمن الرحيم يا أمير المؤمنين ما هو بنفور وإنما أبصر حولك فظن أنه عين عرون البيطار فنفر فقال له هشام تنح فعليك وعلى فرسك لعنة الله وكان عرون نصرانيا ببلاد حمص كأنه هشام في حوله وكشفته وبينما هشام ذات يوم جالسا وعنده الأبرش الكلبي إذ طلعت وصيفة لهشام عليها ملة فقال للأبرش مازحها فقال لها الأبرش هبي لي حلتك فقالت

لأنت أطمع من أشعب فقال هشام ومن أشعب قال مضحكة بالمدينة وحدثه ببعض أحاديثه فضحك هشام وقال اكتبوا إلى إبراهيم بن هشام وكان عامله على المدينة في حمله إلينا فلما ختم الكتاب أطرق هشام طويلا ثم قال يا أبرش هشام يكتب إلى بلد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحمل إليه مضحك لاها الله ثم تمثل
( إذا أنت طاوعت الهوى قادك الهوى ** إلى بعض ما فيه عليك مقال )
وأوقف الكتاب ودخل هشام بستانا له ومعه ندماؤه فطافوا به وفيه من كل الثمار فجعلوا يأكلون ويقولون بارك الله لأمير المؤمنين فقال وكيف يبارك لي فيه وأنتم تأكلونه ثم قال ادع قيمة فدعى به فقال له اقلع شجرة واغرس فيه زيتونا حتى لا يأكل أحد منه شيئا وكان أخوه مسلمة مازحه قبل أن يلي الأمر فقال له يا هشام أتؤمل الخلافة وأنت جبان بخيل قال أي والله العليم الحليم وذكر الهيثم بن عدي والمدايني وغيرهما إن السواس من بني أمية ثلاثة معاوية وعبد الملك وبهشام ختمت أبواب السياسة وحسن السير وإن المنصور كان في أكثر أموره وتدبيره وسياسته متبعا لهشام في أفعاله لكثرة ما يستحسنه من أخبار هشام وسيره انتهى ملخصا ومن نوادره ما روى أنه تمادى في الصيد فوقع على غلام فأمر ببعض الأمر فأبى الغلام وأغلظ له في القول وقال له لا قرب الله دارك ولا حيا مذارك في قصة طويلة فيها أنه أمر بقتله وقرب له نطع الدم فأنشأ الغلام يقول
( نبئت أن الباز علق مرة ** عصفور بر ساقه المقدور )
( فتكلم العصفور في أظفاره ** والباز منهمك عليه يطير )
( ما في ما يغني لبطنك شبعة ** ولئن أكلت فإنني لحقير )
( فتعجب الباز المدل بنفسه ** عجبا وأفلت ذلك العصفور ) فضحك هشام وقال يا غلام أحش فاه درا وجوهرا


وفيها توفي أشعث بن أبي الشعث المحاربي الكوفي وآدم بن علي الشيباني الكوفي الذي روى عن ابن عمر وأبو جعفر بن أبي وحشية
وإياس صاحب سعيد بن جبير وقد روي عن عباد بن شرحبيل الصحابي
وأبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الله بن عباس الهاشمي والد المنصور والسفاح وله ستون سنة وكان جميلا وسيما مهيبا نبيلا وكان دعاة العباسيين يكاتبونه ويلقبونه بالإمام
وسبب إنتقال الأمر للعباسيين أن الشيعة كانت تقصد إمامة محمد بن الحنفية بعد أخيه الحسين ونقلوها بعده إلى ولده أبي هاشم فلما حضرت أبا هاشم الوفاة ولا عقب له أوصى إلى محمد بن علي المذكور ودفع إليه كتبه وصرف الشيعة إليه ولما حضرته الوفاة أوصى إلى ولده إبراهيم المعروف بالإمام فلما حبسه مروان بن محمد آخر ملوك الأمويين وعرف أنه مقتول أوصى إلى السفاح وهو أول خلفاء العباسيين وشرح القصة يطول وستورد تمامه في ترجمة السفاح إن شاء الله تعالى
وفيها وقيل في سنة أربع زيد بن أبي أنيسة الجزري الرهاوي الجافظ أحد علماء الجزيرة وله أربعون سنة روى عن جماعة من التابعين قال الذهبي في المعنى هو ثقة نبيل قال أحمد في حديثه بعض النكرة وفيها أو بعدها زياد بن علاقة الثعلي الكوفي روى عن طائفة وكان معمرا أدرك ابن مسعود وسمع من جرير بن عبد الله وفيها صالح مولى التؤمة المدني وقد هرم وخرف لقي أبا هريرة وجماعة

سنة ست وعشرين ومائة

فيها في جمادى الآخرة مقتل الخليفة الوليد بن يزيد بن عبد الملك بحصن البخراء بقرب تدمر وكانت خلافته سنة وثلاثة أشهر وكان من أجمل الناس وأقواهم وأجودهم نظما ولكنه كان فاسقا متهتكا زعم أخوه سليمان أنه راوده عن نفسه فقاموا عليه لذلك مع ابن عمه يزيد بن الوليد الملقب بالناقص لكونه نقص الجند أعطياتهم
وبويع يزيد الناقص فمات في العشر من ذي الحجة من السنة عن ست وثلاثين سنة وبويع بعده أخوه إبراهيم بن الوليد وكان في يويد زهد وعدل وخير لكنه قدري قال الشافعي ولي يزيد بن الوليد فدعا الناس إلى القدر وحملهم عليه وسيأتي الكلام عليه بقية قريبا إن شاء الله تعالى قاله في العبر
وقال المسعودي في مروج الذهب ظهر في أيام الوليد بن يزيد يحيى بن زيد بن علي بن أبي طالب بالجوزجان من بلاد خراسان منكرا للظلم وما عم الناس من الجور فسير إليه نصر بن سيار سالم بن أحوز المازني فقتل يحيى في المعركة بسهم أصابه في صدغه بقرية يقال لها أرعونة ودفن هنالك وقبره مشهور إلى هذه الغاية وليحي وقائع كثيرة ولما قتل ولي أصحابه يومئذ واحتزوا رأسه فحمل إلى الوليد وصلب جسده بالجوزجان فلم يزل مصلوبا إلى أن خرج أبو مسلم صاحب الدولة فقتل سالم بن أحوز وأنزل جثة يحيى فصلى عليها ودفنت هنالك وأظهر أهل خراسان النياحة علي يحيى بن زيد سبعة أيام في سائر عمائرها في حال أمنهم على أنفسهم من سلطان بني أمية ولم يولد في تلك السنة مولود بخراسان إلا وسمي يحيى أو زيد لما داخل أهل خراسان من الجزع والحزن عليهما وكان ظهور يحيى آخر سنة خمس وعشرين وقيل في سنة ست وعشرين

ومائة وكان يحيى يوم قتل يكثر من التمثل بقول الخنساء
( نهين النفوس وهون النفس ** يوم الكريهة أوفى لها )
وكان الوليد بن يزيد صاحب شراب ولهو وطرب وسماع للغناء وهو أول من حمل المغنين إليه من البلدان وجالس الملهين وأظهر الشرب والملاهي والعزف وفي أيامه كان ابن سريج المغني ومعبد والفريض وابن عائشة وابن محرز وطويس ودحمان المغنين وغلبت شهوة الغناء في أيامه على الخاص والعام واتخذ القيان وكان متهتكا ماجنا خليعا وطرب الوليد لليلتين خلتا من ملكه وأرق فأنشأ يقول
( طال ليلى وبت أسقي السلافة ** وأتاني نعي من بالرصافة )
( فأتاني ببردة وقضيب ** وأتاني بخاتم للخلافة )
ومن مجونه قوله عند وفاة هشام وقد أتاه البشير بذلك وسلم عليه بالخلافة
( إني سمعت خليلي ** نحو الرصافة رنه )
( أقبلت أسحب ذيلي ** أقول ما حالهنه )
( إذا بنات هشام ** يند بن والدهنه )
( يدعون ويلا وعولا ** والويل حل بهنه )
( أنا المخنث حقا ** إن لم انيانهه )
ومن مليح قوله في الشراب
( وصفراء في الكاس كالزعفران ** سباها لنا التجر من عسقلان )
( تريك القذاة وعرض الإناء ** ستر لها دون مس البنان )
( لها حبب كلما صفقت ** تراها كلمعة برق يماني )
ومن مجونه أيضا على شرابه قوله لساقيه
( اسقني يا يزيد بالطر جهاره ** قد طربنا وحنت المزمارة )
( اسقني اسقني فإن ذنوبي ** قد أحاطت فما لها كفارة )
والوليد يدعى خليع بني مروان وقرأ ذات يوم { واستفتحوا وخاب كل جبار }

عنيد من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد ) فدعا بالمصحف فنصبه غرضا وأقبل يرميه وهو يقول
( أتوعد كل جبار عنيد ** فها أنا ذاك جبار عنيد )
( إذا ما جئت ربك يوم حشر ** فقل يا رب خرقني الوليد )
وذكر محمد بن يزيد المبرد أن الوليد ألحد في شعر له ذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم ومن ذلك الشعر
( تلعب بالخلافة هاشمي ** بلا وحي أتاه ولا كتاب )
( فقل لله يمنعني طعامي ** وقل لله يمنعني شرابي )
فلم يمهل بعد قوله هذا إلا أياما حتى قتل انتهى ما ذكره في المروج ملخصا
وأم الوليد بنت أخي الحجاج بن يوسف الثقفية ويكنى أبا العباس وقصمه الله وهو ابن سبع وثلاثين سنة وقيل اثنتان وأربعون سنة ودفن بدمشق بين باب الجابية وباب الصغير
وفيها توفي جبلة بن سحيم الكوفي روى عن ابن عمر ومعاوية
وفي المحرم هلك خالد بن عبد الله القسري الدمشقي الأمير تحت العذاب وله ستون سنة وكان جوادا ممدحا خطيبا مفوها خطب بواسط يوم أضحى وكان ممن حضره الجعد بن درهم فقال خالد في خطبته الحمد لله الذي اتخذ إبراهيم خليلا وموسى كليما فقال الجعد وهو بجانب المنبر لم يتخذ الله إبراهيم خليلا ولا موسى كليما ولكن من ورا ورا فلما أكمل خالد خطبته قال يا أيها الناس ضحوا قبل الله ضحاياكم فإني مضح بالجعدين درهم فإنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلا ولا موسى كليمافي كلام طويل ثم نزل فذبحه في أسفل المنبر فلله ما أعظمها وأقبلها من أضحية والجعد هذا من أول من نفى الصفات وعنه انتشرت مقالة الجهمية إذ ممن حذا حذوه في ذلك الجهم بن صفوان عاملها الله تعالى بعدله قال الذهبي في المغني الجعد بن درهم ضال مضل زعم أن الله تعالى لم يتخذ إبراهيم

خليلا تعالى الله عما يقول الجعد علوا كبيرا انتهى وقال فيه أيضا خالد بن عبد الله القسري عن أبيه عن جده صدوق لكنه ناصبي جلد انتهى
وقال ابن معين عن خالد هذا كان رجل سؤ يقع في علي رضي الله عنه ولي العراق لهشام انتهى وقال ابن الأهدل في تاريخه عن خالد كان أمير العراق لهشام وكان أحد الأجواد كتب إليه هشام بلغني أن رجلا قال لك إن الله كريم وأنت كريم جواد وانت جواد حتى عد عشر خصال والله لئن لم تخرج من هذا لأستحلن دمك فكتب إليه خالد إنما قال لي إن الله كريم يحب الكريم فأنا أحبك لحب الله إياك ولكن أشد من هذا مقام ابن سعي البجلي بحضرة أمير المؤمنين قائلا خليفتك أحب إليك أم رسولك فقال بل خليفتي فقال أنت خليفة الله ومحمد رسوله والله لقتل رجل من بجيلة أهون من كفر أمير المؤمنين فكتب هشام إلى عامله على اليمن يوسف ابن عم الحجاج يقول اشفني من ابن النصرانية فسار يوسف من حينه واستعمل ولده الصلت مكانه ووصل العراق في سبعة عشر يوما فوقع على خالد بالحيرة منزل النعمان بن المنذر على فرسخ من الكوفة فعذبه أشد تعذيب وجعل عليه كل يوم مالا معلوما إن لم يؤده ضاعف عذابه ومدحه أبو الشعث العبسي في السجن بقوله
( ألا إن خير الناس حيا وميتا ** أسير ثقيف عندهم في السلاسل )
( لقد كان نهاضا لكل ملمة ** ويعطى اللهى فضلا كثير النوافل )
( وقد كان يقنى المكرمات لقومه ** ويعطى العطا في كل حق وباطل )
فأنفذ إليه عطاء ذلك اليوم فاعتذر عن قبولها فأقسم عليه ليأخذنها
وكان خالد فيما قيل من ذرية شق الكاهن وشق ابن خالة سطيح وكانا من أعاجيب الزمان كان سطيح جسدا ملقى بلا جوارح ووجهه في صدره ولم يكن له رأس ولا عنق وكان لا يقدر يجلس إلا إذا غضب فإنه ينتفخ فيجلس قيل وكان يطوي مثل الأديم وينقل من مكان إلى مكان وكان شق نصف

إنسان له يد ورجل وولدا في يوم واحد وهو اليوم الذي ماتت فيه طريقة الكاهنة الحميرية زوجة عمرو بن مزيقياء بن عامر بن ماء السماء وحين ولدا تفلت في أفواههما وماتت من ساعتها ودفنت بالجحفة انتهى ما أورده ابن الأهدل
وفيها توفي دراج بن سمعان أبو السمح المصري القاص مولى عبد الله بن عمرو بن العاص قال السيوطي في حسن المحاضرة يقال اسمه عبد الرحمن ودراج لقب روى عن عبد الله بن الحارث بن جزء وعنه الليثي انتهى
وفيها وقيل سنة ثمان سعيد بن مسروق والد سفيان الثوري
وعمرو بن دينار أبو محمد الجمحي مولاهم اليمني الصنعاني الايناوي بمكة عن ثمانين سنة قال عبد الله بن أبي نجيح ما رأيت أحدا قط أفقه منه وقال شعبة ما رأيت في الحديث أثبت منه قال في العبر سمع ابن عباس وجابرا وطائفة انتهى وقال طاووس لابنه إذا قدمت مكة فجالس عمرو بن دينار فإن أذنيه قمع العلم والقمع بكسر القاف وفتح الميم إناء واسع الأعلى ضيق الأسفل يصب فيه الدهن إلى قارورة أو نحوها وقال ابن قتيبة هو مولى ابن باذان من فرس اليمن انتهى
وفيها توفي عبد الرحمن بن القسم بن محمد بن أبي بكر الصديق التيمي المدني الفقيه كان إماما ورعا كثير العلم وفيها على الصحيح سليمان بن حبيب المحاربي قاضي دمشق روى عن معاوية وجماعة قال أبو داود ولي قضاء دمشق أربعين سنة وعبد الله بن هبيرة السبائي المصري وله ست وثمانون سنة وعبيد الله بن أبي يزيد المكي صاحب ابن عباس
ويحيى بن جابر الطائي قاضي حمص
قال ابن الأهدل وفي ذي الحجة منها مات يزيد بن الوليد بن عبد الملك وقد بلغ من السن أربعين سنة وولايته خمسة أشهر وله عقب كثير وفي

جداته من أمه كسراويتين وفي ذلك يقول مفتخرا
( أنا ابن كسرى وأنا ابن خاقان ** وقيصرية جدي وجدي مروان )
ومن خطبته يوم قتل الوليد أيها الناس والله ما خرجت أشرا ولا بطرا ولا حرصا على الدنيا ولا رغبة في الملك وما بي إطراء نفسي إني لظلوم لها ولكني خرجت غضبا لله ولدينه لما ظهر الجبار العنيد المستحل لكل حرمة الراكب لكل بدعة الكافر بيوم الحساب وأنه لابن عمي في النسب وكفؤي في الحسب فلما رأيت ذلك استخرت الله في أمره وسألته أن لا يكلني إلى نفسي ودعوت إلى ذلك من أجابني حتى أراح الله منه العباد وطهر منه البلاد بحوله وقوته لا بحولي ولا قوتي انتهى

سنة سبع وعشرين ومائة

لما بلغ مروان بن محمد بن مروان وفاة يزيد الناقص سار من أرمينية في جيوشه يطلب الأمر لنفسه فجهز إبراهيم الخليفة أخويه بشرا ومسرورا في جيش كبير فهزم جيشهما وأسرهما ثم حاربه سليمان بن هشام بن عبد الملك فانهزم أيضا فخرج إبراهيم للقائه وكان مروان نزل بمرج دمشق وبذل إبراهيم الأموال والخزائن فخذله أصحابه فخلع نفسه وبايع هو والناس مروان
وفي هذه الفتنة قتل يوسف بن عمر الثقفي في السجن بدمشق وكان سجنه يزيد بن الوليد مع الحكم وعثمان ابني الوليد بن يزيد اللذين يقال لهما الجملان فلما ولي إبراهيم بن الوليد وغلبه مروان خافت جماعة إبراهيم أن يدخل مروان دمشق فيخرجهما مع يوسف فندبوا لقتلهم يزيد بن خالد بن عبد الله القسري فقتلهم وأدرك الثار بأبيه فجعل في رجلي يوسف حبلا وجرره الولدان في الشوارع ففعل يزيد بن خالد مثل ذلك في ذلك الموضع نعوذ بالله من سخطه وقتل أيضا عبد العزيز بن الحجاج بن عبد الملك


وفيها توفي عبد الله بن دينار مولى ابن عمر بالمدينة قال ابن ناصر الدين كان ثبتا ثقة متقنا
والسي الكبير الولي الشهير أبو يحيى مالك بن دينار البصري الزاهد المشهور كان مولى لبني أسامة بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك وكان يكتب المصاحف بالأجرة أقام أربعين سنة لا يأكل من ثمار البصرة ولا يأكل إلا من عمل يده ووقع حريق بها فخرج متزرا بباريه وبيده مصحف وقال فاز المخففون وقيل له ألا تستسقي لنا فقال أنتم تنتظرون الغيث وأنا انتظر الحجارة وقال له رجل إن امرأتي حبلى منذ أربع سنين وأصبحت اليوم في كرب عظيم فادع الله لها فقال اللهم إن كان في بطنها جارية فأبدلها غلاما فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب فجاء الرجل على رقبته غلام وقد استوت أسنانه وما قطع سراره
وفيها توفي عمير بن هانئ العنسي بالنون الدارني روى عن معاوية في الصحيحين وعن أبي هريرة في السنن قال له عبد الرحمن بن يزيد بن جابر أراك لا تفتر عن الذكر فكم تسبح كل يوم قال مائة ألف تسبيحة إلا أن تخطئ الأصابع قلت هذا صريح منه بأنه كان يعد التسبيح بأصابعه ولكن أورد أبو بكر ابن داود في التحفة أن أبا الدرداء كان يسبح كل يوم مائة ألف تسبيحة أيضا ثم قال ما معناه وهذا دليل أنه كان يستعمل السبحة إذ يبعد ويتعذر أن يضبط مثل هذا العدد بغيرها وجعله من جملة الأدلة على السبحة بعد أن ذكر أيضا أن أبا هريرة كان يسبح كل يوم اثني عشر ألف تسبيحة وسلسل إليه حديثا بالسبحة والله أعلم
وفيها قاضي المدينة سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني قال شعبة كان يصوم الدهر ويختم كل يوم وعبد الكريم بن مالك الجزري الحراني الحافظ كهلا قال في المغني ثقة مشهور وتوقف فيه ابن حبان
وفيها وهيب بن كيسان المدني المؤدب عن سن عالية


وفيها أوفى سنة تسع إسماعيل السدي الكوفي المفسر المشهور
وفيها وقيل سنة ثمان توفي أبو إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي شيخ الكوفة وعللها له نحو المائة رأى علياوغزا الروم زمن معاوية قال في المعارف وهو من بطن من همدان يقال لهم السبيع قال شريك ولد أبوه إسحاق السبيعي في سلطان عثمان لثلاث سنين بقين منه ومات سنة سبع وعشرين ومائة وله خمس وتسعون سنة حدثنا عبد الرحمن عن عمه عن إسرائيل عن أبي إسحاق قال رفعني أبي حتى رأيت علي بن أبي طالب يخطب أبيض الرأس واللحية انتهى
وقال عنه ابن ناصر الدين كان أحد أئمة الإسلام والحفاظ المكثرين وروى عن زيد بن أرقم انتهى

سنة ثمان وعشرين ومائة

فيها ظهر الضحاك بن قيس الخارجي وقتل متولي البصرة والموصل واستولى عليها وكثرت جموعة وأغار على البلاد وخاف مروان فسار إليه بنفسه فالتقى الجيشان بنصيبين وكان أشار على الضحاك أمراؤه أن يتقهقر فقال مالي في دنياكم من حاجة وقد جعلت لله على أن أيت هذا الطاغية أن أحمل عليه حتى يحكم الله بيننا وعلى دين سبعة دراهم معنى منها ثلاثة دراهم فثارت الحرب إلى آخر النهار وانهزم مروان وملك مخيمه وثبت أمير الميمنة في نحو ثلاثة آلاف فأحاطوا بذلك الخارجي فقتلوه في نحو ستة آلاف من الفريقين وقام بأمر الخوارج شيبان فتحيزيهم وخندق وخندقوا على أنفسهم وجاء مروان فنازلهم وقاتلهم عشرة أشهر كل يوم يكسرونه وكانت فتنة هائلة تشبه فتنة ابن الأشعث مع الحجاج ثم رحل شيبان نحو شهرزور ثم إلى كرمان ثم كر إلى البحرين فقتل هناك
وفيها خروج بسطام بن الليث بأذربيجان ثم قدم نصيبين في نيف وأربعين رجلا فنهض لحربه عسكر الموصل فبيتهم وأصاب منهم ثم عاث بنصيبين ثم قتل


وفيها ولى العراقين يزيد بن عمر بن هبيرة وعزل عبد الله بن عمر بن عبد العزيز وقبض عليه ابن هبيرة من واسط وبعث به إلى مروان مع ابن له فلم يزالا في حبسه حتى ماتا وفيها توفى بكر بن سوادة الجذامي المصري مفتي مصر وقد روى عن عبد الله بن عمر وسهل بن سعد
وجابر بن يزيد الجعفي من كبار المحدثين بالكوفة روى عن أبي الطفيل ومجاهد وثقه وكيع وغيره وضعفه آخرون وأبو قبيل المعافري المصري حي بن هاني سمع عقبة وعبيد الله بن عمرو وعاصم بن أبي النجود الكوفي في الأسدي مولاهم أحد القراء السبعة كان حجة في القراآت صدوقا في الحديث قرأ على أبي عبد الرحمن السلمي وغيره وأبو عمران الجوني البصري عبد الملك بن حبيب عن سن عالية سمع جندب بن عبد الله وجماعة
وفيها على الأصح أبو حصين الأسدي عثمان بن عاصم سيد بني أسد بالكوفة كان ثبتا خيرا فاضلا عثمانيا لقي جابر بن سمرة وطائفة وأبو الزبير المكي محمد بن مسلم أحد العقلاء والعلماء لقي عائشة و الكبار قال ابن ناصر الدين نقم عليه التدليس ومع ذلك فهو إمام حافظ واسع العلم رئيس انتهى
وأبو جمرة الضبعي البصري نصر بن عمران صاحب ابن عباس
وفيها فقيه مصر وشيخها ومفتيها أبو رجاء يزيد بن أبي حبيب الأزدي مولاهم لقي عبد الله بن الحرث بن جزء وطائفة قال الليث هو عالمنا وسيدنا
وفيها أبو التياح البصري صاحب أنس واسمه يزيد بن حميد قال أبو إياس ما بالبصرة أحد أحب إلى أن ألقى الله بمثل عمله من أبى التياح وقال أحمد هو ثبت ثقة
وفيها يحيى بن يعمر النحوي البصري لقي ابن عمر وابن عباس وغيرهما وأخذ النحو عن أبي الأسود وكان يفضل أهل البيت من غير تنقص لغيرهم

قال له الحجاج تزعم أن الحسن والحسين من ذرية رسول الله صلى الله عليه وسلم لتخرجن من ذلك أو الألفين الأكثر من منك شعرا فقال قال الله تعالى { ومن ذريته داود وسليمان } الآية { وزكريا ويحيى وعيسى } الآية وبين عيسى و إبراهيم أكثر مما بين الحسن والحسين ومحمد صلى الله عليه وسلم فقال له الحجاج خرجت ولقد قرأتها وما علمت بها قط ثم قال له الحجاج أين ولدت قال بالبصرة قال وأين نشأت قال بخراسان قال فمن أين هذه العربية قال رزق ثم كتب الحجاج إلى قتيبة بن مسلم أن أجعل يحيى بن يعمر على قضائك

سنة تسع وعشرين ومائة

في رمضان منها كان ظهور أبي مسلم الخراساني صاحب الدعوة بمرو
وفيها توفي عالم المغرب وعابدها خالد بن أبي عمران التجيبي التونسي قاضي أفريقيه روى عن عروة وطبقته وسالم المدني أبو النضر وحديثه عن عبد الله بن أبي أوفى أجازه في الصحيحين وفيها وقيل في سنة إحدى وثلاثين على بن زيد بن جدعان القرشي التيمي البصري الضرير كان أحد أوعية العلم قال في العبر كان أحد علماء الشيعة وكان كثير الرواية ليس بالقوي انتهى
وفيها على الصحيح يحيى بن أبي كثير صالح بن المتوكل وقيل اسم أبيه يسار وقيل نشيط وقيل دينار الطائي مولاهم كان أحد العلماء الأعلام الأثبات قال أيوب السختياني ما بقي على وجه الأرض مثل يحيى بن أبي كثير وقال في العبر هو أحد الأعلام في الحديث له حديث في صحيح مسلم عن أبي أمامة وآخر في سنن النسائي عن أنس فيقال لم يلقمها والله أعلم انتهى
وفيها قارىء المدينة الزاهد العابد أبو جعفر يزيد بن القعقاع عن بضع وثمانين سنة أخذ عن أبي هريرة وابن عباس وقرأ عليه نافع وإلياس وله ذكر في سنن أبي داود وكان من أفضل أهل زمانه رؤى بعد موته على ظهر الكعبة وهو يخبر أنه من الشهداء الكرام

سنة ثلاثين ومائة

فيها كانت فتنة الإباضية وهم المنسوبون إلى عبد الله بن أباض قالوا مخالفونا من أهل القبلة كفار ومرتكب الكبيرة موحد غير مؤمن بناء على أن الأعمال داخلة في الإيمان وكفروا عليا وأكثر الصحابة وكان داعيتهم في هذه الفتنة عبد الله بن يحيى الجندي الكندي الحضرمي طالب الحق وكانت لهم وقعة بقديد مع عبد العزيز بن عبد الله بن عمرو بن عثمان فقتل عبد العزيز ومن معه من أهل المدينة فكانوا سبعمائة أكثرهم من قريش منهم مخرمة بن سليمان الوالبي روى عن عبد الله بن جعفر وجماعة وبعدها سارت الخوارج إلى وادي القرى ولقيهم عبد الملك السعدي فقتلهم ولحق رئيسهم إلى مكة فقتله أيضا ثم سار إلى تبالة وراء مكة بست مراحل فقتل داعيتهم الكندي
وفيها توفي بالبصرة شعيب بن الحبحاب صاحب أنس
وأبو الحويرث عبد الرحمن بن معاوية الأنصاري المدني
وعبد العزيز بن رفيع المكي ثم الكوفي عن نيف وتسعين سنة روى عن ابن عباس وجماعة
وشيبة بن نصاح بن سرجس ابن يعقوب مولى أم سلمة ولا يعلم أحدروى عن نصاح إلا ابنه شيبة كان شيبة إمام أهل المدينة في القراءات في دهره قرأ على أبي هريرة وابن عباس وقال قالون كان نافع أكثر اتباعا لشيبة بن جعفر
وعبد العزيز بن صهيب البصري الأعمى وكعب بن علقمة التنوخي المصري روى عن أبي تميم الجشاني وطائفة
وفيها وقيل سنة إحدى وثلاثين السيد الجليل كبير الذكر محمد بن المنكدر التيمي

المدني قال ابن ناصر الدين هو محمد بن عبد الله بن الهدير بن معبد القرشي بن عامر ابن الحارث بن حارثة بن سعد بن تميم بن مرة أبو عبد اله ويقال أبو بكر القرشي التيمي أخو أبي بكر وعمر سمع أبا هريرة وابن عباس وجابرا وأنسا وابن المسيب وعدة أخر وهو من أضراب عطاء بن أبي رباح لكن تأخرت وفاته عن تلك الطبقة انتهى قيل له أي الأعمال أفضل قال إدخال السرور على المؤمنين وقيل له أي الدنيا أحب إليك قال الافضال على الإخوان وكان يحج وعليه دين فقيل له أتحج وعليك دين فقال هو أقضى للدين وكان إذا حج خرج بنسائه وصبيانه كلهم فقيل له في ذلك أعرضهم على الله قال مالك كنت إذا وجدت من قلبي قسوة آتى ابن المنكدر فأنظر إليه نظرة فأبغض نفسي أياما وكان من أزهد الناس وأبعدهم وكان له أخوان فقيهان عابدان أبو بكر ابن المنكدر وعمر بن المنكدر وسمع محمد عائشة وأبا هريرة وكان بيته مأوى الصالحين ومجتمع العابدين
وفيها توفي أبو وجزة السعدي المدني يزيد بن عبيد الذي روى عن عمير بن أبي سلمة ويزيد الرشك بالبصرة روى عن مطرف ابن الشخير وجماعة وفيها توفي يزيد بن رومان المدني روى عن عروة وجماعة وقيل إنه قرأ على ابن عباس وهو من شيوخ نافع في القراءة

وقاضي دمشق يزيد بن عبد الرحمن بن أبي مليك الهمداني الفقيه أخذ عن وائلة بن الأسقع وجماعة

سنة إحدى وثلاثين ومائة

فيها استولى أبو مسلم صاحب الدعوة على ممالك خراسان وهزم الجيوش وأقبلت سعادة بني العباس وولت الدنيا عن بني أمية وكان ابتداء دعوته بمرو وذلك أن أبا مسلم واسمه عبد الرحمن بن مسلم قام بالدعوة الهاشمية وابتداء أمره أن أباه مسلما رأى أنه خرج من إحليله نار وارتفعت في السماء ووقعت في ناحية المشرق فقصها على مولاه عيسى بن معقل العجلي فقال له يولد لك غلام يكون له شأن فمات أبوه ووضعته أمه ونشأ عند عيسى بن معقل ثم حبس عيسى وأخوه إدريس جد أبي دلف العجلي الذي يمدح في بقايا عليهم من الخراج فكان أبو مسلم يختلف إليهما فوافق عندهم يوما جماعة من نقباء الإمام محمد بن علي بن عبد الله بن عباس يدعون إلى بيعته سرا فمال إليهم أبو مسلم وسار معهم حتى قدموا على الإمام محمد بن علي بمكة فشكر فعلهم وأشار لأبي مسلم وقال له أنت ممن يتحرك في دولتنا ومات الإمام عقب ذلك وقد أوصى إلى ابنه إبراهيم فقدمت الدعاة على إبراهيم ومعهم أبو مسلم وهو غلام حزور فسلموا أبا مسلم إليه فكان يخدمه حضرا وسفرا ثم أرسله إلى خراسان فشهر الدعوة وهو ابن ثماني عشرة سنة وقيل ابن ثلاث وثلاثين سنة وكان يدعو إلى رجل من بني هاشم غير معين ثم أظهر الدعوة لإبراهيم بن محمد وكان إبراهيم بحران فقبض عليه مروان وجعل رأسه بحراب نورة وشد عليه فمات غما وهرب أخوه عبد الله السفاح فتوارى بالكوفة حتى أتته جيوش أبي مسلم من خراسان بعد وقعاته العظيمة

بأمراء الأمويين فبايعوه وسموه المهدي الوارث للإمامة وكان أبو مسلم معظما يلقاه أبو ليلى القاضي فيقبل يده فنهى أبو ليلى فقال قبل أبو عبيدة يد عمر فقيل شبهته بعمر قال تشبهوني بأبي عبيدة ومن جوده أنه حج في ركبه فأقسم أن لا يوقد غير ناره وقام بمؤونتهم حتى قدم مكة ووقف بمكة خمسمائة وصيف يسقون الناس في المسعى وآخر أمره أنه لما ولى أبو جعفر المنصور بعد أخيه السفاح صدرت من أبي مسلم قضايا غيرت قلبه عليه من ذلك أنه كتب إليه كتابا فبدأ بنفسه وخطب إليه عمته آسية وقد كان في ابتداء دولة المنصور قام عليه ابن أخيه ابن السفاح عبد الله فجهز إليه أبو جعفر أبا مسلم فهزمه وقبض خزانته وما معه فكتب إليه أبو جعفر المنصور احتفظ بما في يديك ولا تضيعه فشق ذلك على أبي مسلم وعزم على خلع المنصور ثم إن المنصور استعطفه ومناه وحفظها له وقال لمسلم بن قتيبة الباهلي ما ترى في أبي مسلم فقال لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فقال حسبك لأذن واعية قيل وقد كان قيل لأبي مسلم أو رؤى له في الملاحم أنه يميت دولة ويحي دولة ويقتل بأرض الروم وكان المنصور برومية منزلا سوى المدائن فنزلها وبنى فيها رومية وقدم أبو مسلم من حجة على المنصور برومية ولم يخطر بباله أنها مقتله بل ذهب ذهنه إلى بلاد الروم فدس المنصور جماعة خلف سريره وقال لهم إذا دخل وعاتبته وضربت يدا على يد فأظهروا له واضربوا عنقه ففعلوا وأنشد حين رآه طريحا
( زعمت أن الكيل لا ينقضى ** فاستوف بالكيل أبا مجرم )
( اشرب بكأس كنت تسقى بها ** أمر في الحلق من العلقم )
واختلف في نسب أبي مسلم فقيل من العرب وقيل من العجم وقيل من الأكراد وفي ذلك يقول أبو دلامة
( أبا مجرم ما غير الله نعمة ** على عبده حتى يغيرها العبد )


أفي دولة المنصور حاولت غدره ** ألا إن أهل الغدر آباؤك الكرد )
( أبا مسلم خوفتني القتل فانتحى ** عليك بما خوفتني الأسد الورد )
وكان يدعى هو أنه أبن سليط بن علي بن عبد الله بن عباس وقال الكتبي في غرر الخصائص قتل أبو مسلم ستمائة ألف انتهى وكان قتل المنصور له في سنة سبع وثلاثين ومائة
وفي سنة إحدى وثلاثين مات الزاهد المشهور فرقد السبخي البصري حدث عن أنس وجماعة وكان يصلي وفيه ضعف قال الذهبي في المغني فرقد السبخي أبو يعقوب قال البخاري في حديثه مناكير وقال يحيى القطان ما تعجبني الرواية عنه عن سعيد بن جبير وثقة يحيى بن معين وقال أحمد ليس بالقوي انتهى
ومنصور بن زاذان البصري زاهد البصرة وشيخها روى عن أنس وجماعة وكان يصلي من بكرة إلى العصر ثم يسبح إلى المغرب وفيها قتل أبو مسلم الخراساني إبراهيم بن ميمون الصائغ ظلما روى عن عطاء ونافع
وفيها توفي بالبصرة إسحاق بن سويد التميمي روى عن ابن عمر وجماعة
وإسماعيل بن عبد الله بن أبي المهاجر الدمشقي مؤدب أولاد عبد الملك بن مروان وكان زاهدا عابدا روى عن أنس وطائفة
وفيها فقيه أهل البصرة أيوب السختياني أحد الأعلام كان من صغار التابعين قال شعبة كان سيد الفقهاء وقال ابن عيينة لم ألق مثله وقال حماد بن زيد كان أفضل من جالسته وأشده اتباعا للسنة وقال ابن المديني له نحو ثمانمائة حديث وقال ابن ناصر الدين هو أيوب بن أبي تميمة كيسان أبو بكر السختياني البصري كان سيد العلماء وعلم الحفاظ ثبتا من الأيقاظ انتهى
وفيها الزبير بن عدي قاضي الري يروي عن أنس وجماعة
وسمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث المخزومي المدني لقي كبار التابعين

وفيها أبو الزناد عبد الله بن ذكوان مولى رملة بنت شيبة بن ربيعة وكانت رملة تحت عثمان بن عفان وكان أبو الزناد يكني أبا عبد الرحمن فعلب عليه أبو الزناد وعن الأصمعي عن أبي الزناد أنه قال أصلنا من همدان وكان عمر بن عبد العزيز ولاه خراج العراق مع عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب ومات أبو الزناد فجاءة في مغتسله في شهر رمضان وهو ابن ست وستين سنة وكان فقيها أحد علماء المدينة لقي عبد الله بن جعفر وأنسا قال الليث رأيت أبا الزناد وخلقه ثلثمائة تابع من طالب علم وفقه وشعر وصنوف ثم لم يلبث أن بقي وحده وأقبلوا على ربيعة قال أبو حنيفة كان أبو الزناد أفقه من ربيعة
وفيها عبد الله بن أبي نجيح المكي المفسر صاحب مجاهد كان مولى لبني مخزوم ويكنى أبا يسار وكان يقول بالقدر قال الذهبي في المغني عبد الله بن أبي نجيح المكي المفسر ثقة قال القطان لم يسمع التفسير كله من مجاهد بل كله عن القسم ابن أبي بزة وقد ذكره الجوزجاني فيمن رمى بالقدر هو وزكريا ن إسحاق وعبد الحميد بن جعر وإبراهيم بن نافع وابن إسحاق وعمر بن أبي زائدة وشبل ابن عباد وابن أبي ذئب وسيف ب سليمان انتهى
وفيها محمد بن جحادة الكوفي يروي عن أنس وطائفة توفي في رمضان
وهمام بن منبه اليماني صاحب أبي هريرة وكان من أبناء المائة قال أحمد كان يغزو فجالس أبا هريرة وكان يشتري الكتب لأخيه وهب
وفيها واصل بن عطاء المعتزلي المتكلم كان ألثغ يبدل الراء غينا وكان

يخلص كلامه بحيث لا تسمع منه الراء حتى يظن خواص جلسائه أنه غير ألثغ حتى يقال إنه دفعت إليه رقعة مضمونها أمر أمير الأمراء الكرام أن يحفر بئر على قارعة الطريق فيشرب منه الصادر والوارد فقرأ على الفور حكم حاكم الحكام الفخام أن ينبش جب على جادة الممشى فيسقى منه الصادي والغادي فغير كل لفظ برديفه وهذا من عجيب الاقتدار وقد أشارت الشعراء إلى عدم تكلمه بالراء من ذلك قول بعضهم
( نعم تجنب لا يوم العطاء كما ** تجنب بن عطاء لفظة الراء )
ولما قالت الخوارج بتكفير أهل الكبائر وقالت أهل السنة بفسقهم قال واصل بن عطاء لا مؤمنون ولا كفار فطرده الحسن عن مجلسه وصار له شيعة قال السيد الشريف في التعريفات الواصلية أصحاب أبي حذيفة واصل بن عطاء قالوا بنفي القدرة عن الله تعالى وتقدس وبإسناد القدرة إلى العباد انتهى

سنة اثنتين وثلاثين ومائة

فيها ابتداء دولة العباسيين وبويع أبو العباس السفاح عبد الله بن محمد ابن علي بن عبد الله بن عباس بالكوفة وجهز عمه عبد الله بن علي لمحاربة مروان ابن محمد الجعدي فزحف مروان إليه في مائة ألف إلى أن نزل بالزاب دون الموصل فالتقوا في جمادى الآخرة فانكسر مروان واستولى عبد لله بن علي على الجزيرة وطلب الشام وهرب مروان إلى مصر فاتبعهم أيضا فأدركهم بفلسطين فأوقع بهم بضعا وثمانين رجلا ثم عبر مروان النيل طالب الحبشة فلحقه صالح بن علي عم السفاح فأدركه بقرية من قرى الفيوم من أرض مصر يقال لها بوصير فوافاه صائما وقد قدم له الفطور فسمع الصائح فخرج وسيفه مصلت فجعل يضرب بسيفه ويتمثل بقول الحجاج بن حكيم
( متقلدين صفائحا هندية ** يتركن من ضربوا كأن لم يولد )


( وإذا دعوتهم ليوم كريهة ** وافوك بين مكبر وموحد )
فقصدته الخيول من كل جانب وقتلوه وكان أهله وبناته في كنيسة هناك فأقبل خادمه بالسيف مصلتا يريد الدخول عليهم فأخذ وسئل عن مراده فقال أن مروان أمرني إذا تيقنت موته أن أضرب رقاب نسائه وبناته فأرادوا قتله فقال أن قتلتموني لتفقدن ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا فدلنا على ذلك أن كنت صادقا فخرج بهم إلى رمل هناك فكشفوه فإذا فيه القضيب والبرد والقعب والمصحف فأخذوه وكان الذي تولى قتله عامر ابن إسماعيل الخراساني وهو صاحب مقدمة صالح ولما قتله دخل بيته وركب سريره ودعا بعشائه وجعل رأس مروان في حجر ابنته وأقبل يوبخها فقالت له يا عامر إن دهرا أنزل مروان عن فراشه وأقعدك عليه حتى تعشيت عشائه لقد أبلغ في موعظتك وعمل في ايقاظك وتنبيهك أن عقلت وفكرت ثم قالت وأبتاه واأمير المؤمنيناه فأخذ عامرا الرعب من كلامها وبلغ ذلك أبا العباس السفاح فكتب إلى عامر يوبخه ويقول أما في أدب الله ما يخرجك عن عشاء مروان والجلوس على مهاده وقتل مروان وله تسع وخمسون سنة وقيل سبع وستون وإمارته خمس سنين وتسعة أشهر وأيام
وقتل معه اخ لعمر بن عبد العزيز كان أحد الفرسان وكان مروان بطلا شجاعا ظالما أبيض ضخم الهامة ربعة أشهل العين كث الحية أسرع إليه الشيب ذكره المنصور مرة فقال لله دره ما كان أحزمه وأسوسه وأعفه عن الفيء قاله في العبر وسار أولاد مروان وشيعتهم على شاطىء النيل إلى أن دخلوا ارض النوبة فأخرجهم ملكها ثم ساروا حتى توسطوا أرض البجة ميممين ناصع من ساحل بحر القلزم ولهم حروب مع من مروا به
وهلك عبيد الله بن مروان في غده قتلا وعطشا وخرج أخوه عبد الله فيمن بقي إلى ساحل المعدن بناصع وأرض البجة وقطعوا البحر إلى جدة فظفر به

وأودع السجن إلى أيام الرشيد وهلك وروى أن عبد الله هذا حدث أب جعفر المنصور بما جرى له مع ملك النوبة وملخص القصة على ما ذكره صاحب العقد الفريد ذكر سليمان بن جعفر قال كنت واقفا على رأس المنصور ليلة وعنده جماعة فتذاكروا زوال ملك بني أمية فقال بعضهم يا أمير المؤمنين في حبسك عبد الله بن مروان بن محمد وقد كانت له قصة عجيبة مع عملك النوبة فابعث إليه فاسأله عنها فقال المنصور يا مسيب علي به فأخرج وهو مقيد بقيد ثقيل وغل ثقيل فمثل بين يديه وقال السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته فقال له المنصور يا عبد الله أن رد السلام أمن ولم تسمح لك نفسي بذلك بعد ولكن اقعد فجاؤه بوسادة فقعد عليها فقال له بلغني أنه كانت لك قصة عجيبة مع ملك النوبة فما هي قال يا أمير المؤمنين والذي أكرمك بالخلافة ما أقدر على النفس من ثقل الحديد ولقد صدئ قيدي من رشاش البول وأصب عليه الماء في أوقات الصلوات فقال المنصور يا مسيب أطلق عنه حديدة فلما أطلقه قال يا أمير المؤمنين لما قصد عبد الله بن علي عم أمير المؤمنين إلينا كنت أنا المطلوب أكثر من الجماعة كلهم لأني كنت ولي عهد أبي من بعده فدخلت إلى خزانة لنا فاستخرجت منها عشرة آلاف دينار ثم دعوت عشرة من الغلمان وحملت كل واحد على دابة ودفعت إليه ألف دينار وأوقرت خمسة أبغل ما نحتاجه وشددت على وسطي جوهرا له قيمة مع شيء من الذهب وخرجت هاربا إلى بلد النوبة فسرت فيها ثلاثا فوقعت على مدينة خراب فأمرت الغلمان فكسحوا منها ما كان قذرا ثم فرشوا بعض تلك الفرش ودعوت غلاما لي كنت أثق به وبعقله فقلت انطلق إلى الملك وأقرئه عني السلام وخذ لي الأمان وابتع لي ميرة قال فمضى وأبطأ عني حتى سؤت ظنا ثم أقبل ومعه رجل آخر فلما دخل قعد بين يدي وقال لي الملك يقرأ عليك السلام ويقول لك من أنت وما جاء بك إلى بلادي أمحارب لي أم راغب إلى أم مستجير بي فقلت ترد على الملك السلام وتقول له أما محارب لك

فمعاذ الله وأما راغب في دينك فما كنت لأبغي بديني بدلا وأما مستجير بك فلعمري قال فذهب ثم رجع إلي وقال الملك يقرأ عليك السلام ويقول لك أنا صائر إليك غدا فلا تحدثن في نفسك حدثا ولا تتخذ شيئا من ميرة فإنها تأتيك وما تحتاج إليه فأقبلت الميرة فأمرت غلماني يفرشون تلك الفرش وأمرت بفرش نصب له ولى ومثله وأقبلت من غدأ رقب مجيئه فبينا أنا كذلك إذ أقبل غلماني وقالوا إن الملك قد أقبل فقمت بين شرفتين من شرف القصر أنظر إليه فإذا رجل قد لبس بردتين اتزر بإحداهما وارتدى بالأخرى حاف راجل وإذا عشرة معهم الحراب ثلاثة يقدمونه وسبعة خلفه وإذا الرجل لا يعبأ به فاستصغرت أمره وهان على لما رأيته في تلك الحال فلما قرب من الدار إذا أنا بسواد عظيم فقلت ما هذا قيل الخيل وإذا بها تزيد على عشرة آلاف عنان فكانت موافاة الخيل إلى الدار وقت دخوله فدخل إلي وقال لترجمانه أين الرجل فلما نظر إلي وثبت إليه فأعظم ذلك وأخذ بيدي فقبلها ووضعها على صدره وجعل يدفع البساط برجله فظننت أن ذلك شيئا يجهلونه أن يطأوا على مثله حتى انتهى الفرش فقلت لترجمانه سبحان الله لم لا يقعد على الموضع الذي وطئ له فقال قل له ني ملك وحق على كل ملك أن يكون متواضعا لعظمة الله سبحانه إذ رفعه ثم أقبل ينكث بإصبعه في الأرض طويلا ثم رفع رأسه فقال لي كيف سلبت نعمتكم وزال عنكم هذا الملك وأخذ منكم وأنتم أقرب إلى نبيكم من الناس جميعا فقلت جاء من هو أقرب قرابة إلى نبينا صلى الله عليه وسلم فسلبنا وطردنا وقاتلنا فخرجت إليك مستجيرا بالله ثم بك قال فلم كنتم تشربون الخمر وهو محرم عليكم في كتابكم فقلت فعل ذلك عبيد وأتباع وأعاجم دخلوا في ملكنا بغير رأينا قال فلم كنتم تركبون على دوابكم بمراكب الذهب والفضة والديباج وقد حرم عليكم ذلك قلت عبيد وأتباع وأعاجم دخلوا مملكتنا ففعلوا قال فلم كنتم أنتم إذا خرجتم إلى صيدكم تقحمتم على القرى وكلفتم أهلها مالا طاقة لهم به الضرب الموجع

ثم لا يقنعكم ذلك حتى تمشوا في زروعهم فتفسدوها في طلب دراج قيمته نصف درهم أو عصفور قيمته لا شيء والفساد محرم عليكم في دينكم فقلت عبيد وأتباع قال لا ولكنكم استحللتم ما حرم الله وفعلتم ما نهاكم عنه وأحببتم الظلم وكرهتم العدل فسلبكم الله عز وجل العز وألبسكم الذل ولله فيكم نقمة لم تبلغ غايتها بعد وإني أتخوف عليكم أن تنزل النقمة بك إذ كنت من الظلمة فتشملني معك فإن النقمة إذا نزلت عمت والبلية إذا حلت شملت فاخرج عني بعد ثلاثة أيام من أرضى فإني إن وجدتك بعدها أخذت جميع ما معك وقتلتك وقتلت جميع من معك ثم وثب وخرج فأقمت ثلاثا وحرجت إلى مصر فأخذني وإليك وبعث بي إليك وها أنا الآن بين يديك والموت أحب إلي من الحياة فهم المنصور باطلاقه فقال له إسماعيل بن علي في عنقي بيعة له قال فماذا ترى قال يترك في درامن دورنا ونجري عليه ما يليق به ففعل ذلك به انتهى قال ابن الأهدل وهرب عبد الرحمن بن معاوية بن هشام ابن عبد الملك وكثيرون من بني أمية إلى المغرب واستولى على بلاد الأندلس ومخاليفها وورثها بطنا بعد بطن واستأمن سليمان بن هشام وابناه في نحو ثمانين رجلا من بني أمية فأمنهم السفاح حتى قدم عليه الشديف بن ميمون مولى زين العابدين
( ظهر الحق واستبان مضيا ** إذ رأينا الخليفة المهديا ) إلى قوله
( قد أتتك الوفود من عبد شمس ** مستكينين قد أجادوا المطيا )
( فاردد العذر وامض بالسيف حتى ** لا تدع فوق ظهرها أمويا )
وأنشده أيضا
( علام وفيم تترك عبد شمس ** لها في كل راعية ثغاء )
( أمير المؤمنين أبح دماهم ** فإن تفعل فعادتك المضاء )
وأنشده أيضا

أصبح الملك ثابت الأساس بالبهاليل من بني العباس
غلى قوله
( فلهم أظهر المودة منهم ** وبهم منكم كحد المواسى )
فلما سمع السفاح ذلك أمر بقتل جميعهم وأجاز الشديف بألف دينار ثم قال المنصور كأني بك يا شديف قد قدمت المدينة فقلت لعبد الله بن الحسن يا ابن رسول الله إنما نداهن بني العباس لأجل عطاياهم نقوم بها أودنا وأقسم بالله لئن فعلت لأقتلنك ففعل الشديف ذلك وانتهى خبره إليه فلما تمكن منه ضربه حتى مات انتهى ما قاله ابن الأهدل
وقال في العبر لما استولى عبد الله بن على الجزيرة وطلب الشام فهرب مروان إلى مصر وخذل وانقضت أيامه نزل عبد الله على دمشق فحاصرها وبها ابن عم مروان الوليد بن معاوية بن مروان فأخذت بالسيف
وقتل بها من الأمويين عدة آلاف منهم أميرها الوليد وسليمان بن هشام ابن عبد الملك وسليمان بن يزيد بن عبد الملك وزرعة بن إبراهيم قال في المغني زرعة ابن إبراهيم عن عطاء قال أبو حاتم الرازي ليس بالقوى انتهى
وفيها أب في سنة اثنتين وثلاثين ومائة توفي عبد الله بن طاووس بن كيسان اليماني النحوي روى عن أبيه وغيره قال معمر كان من أعلم الناس بالعربية وأحسنهم خلقا وما رأيت ابن فقيه مثله ودخل مع مالك على المنصور فقال حدثني عن أبيك قال حدثني أبي أن أشد الناس عذابا يوم القيامة رجل أشركه الله في سلطانه فأدخل عليه الجور في حكمه فأمسك المنصور قال مالك فضممت ثيابي خوفا أن يصيبني دمه ثم قال له ناولني الدواة فلم يفعل فقال لم لا تناولني فقال أخاف أن تكتب بها معصية قال قوما عني قال ذلك ما كنا نبغي قال مالك فمازلت أعرف فضله


وفيها إسحق بن عبد الله بن أبي طلحة الأنصاري الفقيه كان مالك لا يقدم عليه أحدا لنبله عنده وإبراهيم بن ميسرة الطائفي صاحب أنس قال عليه قال ابن عيينة أخبرنا إبراهيم بن ميسرة من لم تر عيناك والله مثله
وفيها قتل خالد بن سلمة بن العاص المخزومي الكوفي وكان قد هرب إلى واسط مع يزيد بن عمر بن هبيرة فقتله بنو العباس
وفيها توفي سالم الأفطس الحراني الفقيه مولى بني أمية روى عن سعيد بن جبير وجماعة قتله عبد الله بن علي قال في المغني سالم الأفطس هو ابن عجلان تابعي مشهور وثقة بعضهم وخرج له البخاري قال الفسوى مرجىء معاند وقال ابن حبان يتفرد بالمعضلات انتهى
وممن قتل في هذه السنة عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف الزهري
وفيها توفي أبو عبد الله صفوان بن سليم المدني الفقيه القدوة روى عن أبن عمر وجابر وعدة قال أحمد بن حنبل ثقة من خيار عباد الله يستزل بذكره القطر
وفيها عبد الله بن عثمان بن خيثم المكي روى عن أبي الطفيل وعدة قال في المغني وثقة ابن معين مرة ومرة قال لا أعرفه انتهى
وفيها أبو عتاب منصور بن المعتمر السلمي الكوفي الحافظ أحد الأعلام أخذ عن أبي وائل وكبار التابعين وقال ما كتبت حديثا قط وكان أحفظ أهل الكوفة صام أربعين سنة وقامها وعمى من البكاء وأكره على القضاء أي قضاء الكوفة وقضى شهرين وتوفي بالمدينة قال في العبر يقال فيه يسير تشيع انتهى
وفيها قتل بجامع دمشق في أخذها يوسف بن ميسرة بن حابس المقرىء الأعمى وله مائة وعشرون سنة روى عن معاوية والكبار وكان موصوفا بالفضل والزهد كبير القدر وقتل بنهر أبي قطرس من الأردن الأمير

محمد بن عبد الملك بن مروان الأموي وله رواية عن أبيه
وفي ذي القعدة قتل الأمير أبو بخالد يزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري أمير العراقين لمروان وله خمس وأربعون سنة وهو آخر من جمع له العراقان وكان شهما طويلا شجاعا خطيبا مفوها جوادا مفرط الأكل ولما تواقع هو وبنو العباس هرب إلى واسط فحاصروه بها وثبت معه معن بن زائدة الشيباني وكان أبو جعفر المنصور أخو السفاح يعيره فيقول ابن هبيرة يخندق على نفسه كالنساء فأرسل إليه أبو هبيرة إن ابرز إلي فقال المنصور خنزير قال لأسد ابرز إلي فقال الأسد ما أنت بكفؤ لي قال الخنزير لأعرفن السباع إنك جبنت فقال الأسد احتمال ذلك أيسر من تلطخ براثني بدمك ثم أمنه المنصور وغدر به وقال لا يعز ملك وأنت فيه وكان رزق ابن هبيرة في كل سنة ستمائة ألف وكان يأكل في يومه خمس أكلات عظام وقتل وهو ساجد
وفيها كانت وقعة المسناة فقتل الأمير قحطبة بن شبيب الطائي المروزي أحد دعاة بني العباس وتأمر على الجيش في الحال ولده وفيها قتل سليمان بن كثير الخزاعي المروزي الأمير أحد نقباء بني العباس قتله أبو مسلم الخراساني
وفي ذي الحجة قتل بمصر عبيد الله بن أبي جعفر الليثي مولاهم المصري الفقيه أحد العلماء والزهاد ولد سنة ستين قال محمد بن سعد كان ثقة يقية في زمانه قال ابن ناصر الدين من حكم كلامه إذا حدث المرء فأعجبه الحديث فليمسك وإن كان ساكنا فأعجبه السكوت فليتحدث انتهى

سنة ثلاث وثلاثين ومائة

فيها نازل طاغية الروم اليون بن قسطنطين ملطية وألخ عليهم بالقتال حتى سلموها بالأمان فهدم المدينة والجامع ووجه مع المسلمين عسكرا حتى يبلغوهم مأمنهم


وفيها بعث أبو مسلم الخراساني مرارا الضبي فقتل الوزير أبا مسلمة الخلال حفص بن سليمان السبيعي مولاهم الكوفي وزير آل محمد وفيه قيل هذا البيت
( إن الوزير وزير آل محمد ** أودى فمن سناك كان وزيرا )
وفيها توفي أيوب بن موسى بن الأشدق عمر بن سعيد الأموي المكي الفقيه روى عن عطاء ومكحول قال في المغني عن بعض التابعين مجهول انتهى وقد خرج له أبو داود
ومات بمكة الأمير داود بن علي بن عبد الله بن عباس وكان فصيحا مفوها ولي إمرة المدينة وروى جماعة أحاديث قاله في العبر
وفيها وقيل في سنة خمس سعيد بن أبي هلال الليثي مولاهم المصري كهلا يروي عن التابعين وعمار الدهني دهن بن معاوية من بجيلة أبو معاوية الكوفي روي عن أبي الطفيل وعدة وعياش بن عباس القتباني المصري روى عن التابعين
ومغيرة بن مقسم الضبي مولاهم الكوفي الفقيه الأعمى أحد الأئمة روى عن أبي وائل وطبقته قال شعبة كان أحفظ من حماد بن أبي سليمان وقال مغيرة ما وقع في مسامعي شيء فنسيته وقال أحمد بن حنبل كان ذكيا حافظا صاحب سنة
وفيها أوفى التي قبلها توفي سيد أهل دمشق يحيى بن يحيى بن قيس الغساني ولى قضاء الموصل لعمر بن عبد العزيز وأخذ عن أبي إدريس الخولاني وغيره وكا ثقة إماما ولا رواية له في الكتب الستة

سنة أربع وثلاثين ومائة

فيها تحول الخليفة السفاح عن الكوفة ونزل الأنبار وفيها توفي بالبصرة أو هارون العبدي صاحب أبي سعيد الخدري أحد الضعفاء قال حماد بن زيد هو كذاب


والفقيه يزيد بن يزيد بن جابر الأزدي الدمشقي روى عن مكحول وطائفة قال أبو داود أجازه الوليد بن يزيد مرة بخمسين ألف دينار وذكر للقضاء فإذا هو أكبر من القضاء قاله في العبر وعن ابن عيينة قال لا أعلم مكحولا خلف بالشام مثل يزيد بن يزيد الإمام وقال في المغني يزيد بن يزيد بن جابر صدوق مشهور لينه ابن قانع انتهى
وفيها توجه من العراق موسى بن كعب إلى حرب منصور بن جمهور الكلبي الدمشقي حتى أتى السند فالتقى منصورا في اثني عشر ألفافهزم منصور ومات في البرية عطشا وكان قدريا

سنة خمس وثلاثين ومائة

فيها توفي أبو العلاء برد بن سنان الدمشقى نزل البصرة روى عن واثلة فمن بعده قال في المغني هو شامي لا يعرف انتهى
وداود بن الحصين المدني مولى بني أمية روى عن عكرمة وجماعة قال في المغني داود بن الحصين أبو سليمان المدني عن عكرمة صدوق يغرب ووثقه غير واحد كابن معين وقال ابن المديني ما روى عن عكرمة فمنكر وقال أبو حاتم الرازي لولا أن مالكا روى عنه لنزل حديثه وقال سفين بن عيينة كنا نتقي حديثه وقال أبو زرعة لئن قلت رمى بالقدر انتهى
وفيها على الأصح أبو عقيل زهرة بن معبد التيمي بالإسكندرية عن سن عالية قال الدارمي زعموا أنه كان من الأبدال روى عن ابن عمرو وابن الزبير
وفيها على الأصح عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري المدني شيخ مالك والسفيانين روى عن أنس وجماعة وكان كثير العلم
وفيها عطاء الخراساني نزيل بيت المقدس وهو كثير الإرسال عن الصحابة

وإنما سمع عن أبي بريدة والتابعين وولد سنة خمسين وكان يقول أوثق علمي في نفسي نشر العلم وقال ابن جابر كنا نغزو معه فكان يحيى الليل صلاة الأنومة السحر وكان يعظنا ويحثنا على التجهد
وفيها رابعة بنت إسماعيل المصرية العدوية شهيرة الفضل وقيل توفيت سنة خمس وثمانين ومائة ولا يصح اجتماع السري بها فإنه عاش حتى نيف على الخمسين ومائتين وروى أن سفيان الثوري قال بحضرتها واحزناه قالت لا تكذب وقل واقلة حزناه وسمعته يقول اللهم إني أسألك رضاك فقالت تسأل رضا من لست عنه براض ورآها بعض إخوانها في المنام فقالت هداياك تأتينا على أطباق من نور مخمرة بمناديل من نور وقبرها على رأس جبل يسمى الطور بظاهر بيت المقدس وقيل ذلك قبر رابعة أخرى غير العدوية وقيل لها في منام ما فعلت عبيدة بنت أبي كلاب قالت سبقتا إلى الدرجات العلا قيل ولم ذلك قالت لم تكن تبالي على أي حال أصبحت من الدنيا وأمست

سنة ست وثلاثين ومائة
فيها توفي أشعث بن سوار الكندي الأفرق النجار بالكوفة لقى الشعبي وغيره قال في المغنى أشعث بن سوار الكوفي الأفرق التوايتي النجار مولى ثقيف روى عن الشعبي وغيره وهو من الضعفاء الذين روى لهم مسلم متابعة ضعفه أحمد وابن معين والدارقطني وقد وثقه بعضهم وقال الثوري هو أثبت من مجالد انتهى
وجعفر بن ربيعة الكندي المصري له عن أبي سلمة والأعرج وطائفة
وحصين بن عبد الرحمن السلمي الكوفي الحافظ عن ثلاث وتسعين سنة

لقي جابر بن سمرة والكبار قال في المغني حصين بن عبد الرحمن الحارثي الكوفي مقل ما علمت أن أحدا وهاه انتهى
وربيعة بن أبي عبد الرحمن فروخ الفقيه أبو عثمان المدني عالم المدينة ويقال له ربيعة الرأي قيل له ذلك لأنه كان يتقوى بالرأي سمع أنسا وابن المسيب وكانت له حلقة للفتوى وأخذ عنه مالك وغيره وأدرك جماعة من الصحابة مات بالهاشمية مدينة بناها السفاح بالأنبار ويوم مات قال مالك ذهبت حلاوة الفقه وكان أقدمه السفاح السفاح للقضاء وكان يكثر الكلام ويقول الساكت بين النائم والأخرس وتكلم يوما وعنده أعرابي فقال ما العي فقال الذي أنت فيه منذ اليوم وهو من الثقات كما قال ابن ناصر الدين
وفيها زيد بن أسلم العدوي مولاهم الفقيه العابد لقى ابن عمر وجماعة وكانت له حلقة للفتوى والعلم بالمدينة قال أبو حازم الأعرج لقد رأيتنا في حلقة زيد ابن أسلم أربعين فقيها أدنى خصلة فينا التواسي بما في أيدينا ونقل البخاري أن زين العابدين بن علي بن الحسين كان يجلس إلى زيد بن أسلم وقال ابن ناصر الدين زيد بن أسلم القرشي العدوي العمري مولاهم المدني أبو عبد الله وقيل أبو أسامة الإمام الفقيه العلامة روى عن ابن عمر وسلمة بن الأكوع وأنس وأضرابهم وله تفسير القرآن يرويه عنه ابنه عبد الرحمن انتهى
وفيها العلاء بن الحرث الحضرمي الفقيه الشامي صاحب مكحول روى عن عبد الله بن بسر وطائفة وكان مفتيا جليلا قاله في العبر وقال في المغني العلاء بن الحرث الدمشقي الفقيه صاحب مكحول قال أبو داود ثقة تغير عقله وقال البخاري منكر الحديث وقيل كان يرى القدر انتهى
وفيها عطاء بن السائب بن مالك الثقفي الكوفي الصالح روى عن عبد الله ابن أبي أوفى وطائفه قال أحمد بن حنبل هو ثقة رجل صالح كان يختم كل ليلة من سمع منه قديما كان صحيحا قاله في العبر وقال في المغني عطاء

ابن السائب تابعي مشهور حسن الحديث ساء حفظه بآخره قال أبو حاتم سمع منه حماد بن زيد قبل أن يتغير وقال ثقة رجل صالح وقال أيضا من سمع منه قديما فهو صحيح وقال غيره ليس بالقوي وقال ابن معين لا يحتج بحديثه انتهى
وفيها يحيى بن إسحاق الحضرمي سمع أنسا وجماعة قال ابن سعد له أحاديث وكان صاحب قرآن وعربية انتهى
وفي ذي الحجة مات السفاح أبو العباس عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله ابن عباس الهاشمي بالأنبار عن اثنتين وثلاثين سنة وهو أول خلفاء بني العباس وكان طويلا أسن جميلا حسن اللحية مات بالجدري وكانت دولته دون الخمس سنين وفي أيامه تفرقت الكلمة وخرج عن طاعته الناحية الغربية إلى بلاد السودان وإقليم الأندلس وتغلب على هذه الممالك خوارج وأمه ريطة من بني الحرث بن كعب بن كهلان وكان بنو أمية قد منعوهم من زواج الحارثيات لأنهم قيل لهم يزول ملكهم على يدا بن الحارثية فلما كان زمن عمر بن عبد العزيز واستأذنه والد السفاح فقال له تزوج من شئت وبويع له وهو ابن أربع وعشرين أو ثمان وعشرين وكان بينه وبين أبيه في السن أربع عشرة سنة وسمى السفاح لأنه سفح دماء بني أمية وكان يجتمل من عبد الله بن الحسين المثنى مواجهته له بما يكره ويعطيه العطاء الجزيل وقال له أخوه المنصور يوما في عبد الله بن الحسين وابنه محمد إن هؤلاء شنؤنا فآنسهم بالإحسان فإن استوحشوا فالشر يصلح ما عجز عنه ا لخير ولا تدع محمدا يمرح في أعنة العقوق فقال له السفاح من شدد نفر ومن لان تألف والتغافل من سجايا الكرام ودخل على السفاح أبو بحيلة فسلم عليه وانتسب له وقال عبدك يا أمير المؤمنين وشاعرك أفتأذن لي في انشادك فقال له ألست القائل في مسلمة بن عبد الملك بن مروان
( أمسلم إني يا ابن كل خليفة ** ويا فارس الهيجا ويا جبل الأرض )
( شكرتك إن الشكر خبل من التقى ** وما كل من أوليته نعمة يقضى )

وأحييت لي ذكرى وما كان خاملا ** ولكن بعض الذكر أنيه من بعض قال فأنا يا أمير المؤمنين الذي أقول
( لما رأينا استمسكت يداكا ** كنا أناسا نرهب الأملاكا )
( ونركب الأعجاز والأوراكا ** من كل شيء ماخلا إلاشر كا )
( فكل ما قد قلت في سواكا ** زور وقد كفر هذا ذاكا )
( أنا انتظرنا قبلها أباكا ** ثم أنتظرنا بعدها لقاكا )
( ثم أنتظرناك لها إياكا ** فكنت أنت للرجاء ذا كا )
فرضى عنه ووصله وأجازه وكان أبو العباس إذا حضر طعامه ابسط الناس وجها فكان إبراهيم بن مخزمة الكندي إذا أراد أن يسأله حاجة أخرها إلى أن يحضر طعامه ثم يسأله فقال له يوما يا إبراهيم ما دعاك إلى أن تشغلني عن طعامي بحوائجك قال يدعوني إلى ذلك التماس النجح لمن أسال له فقال له أبو العباس أنك لحقيق بالسؤدد لحسن هذه الفطنة وكان إذا تعادى رجلان من أصحاب السفاح وبطانته لم يسمع من أحدهما في الآخر شيئا ولم يقبله وإن كان القائل عنده عدلا في شهادته وإذا اصطلح الرجلان لم يقبل شهادة واحد منهما لصاحبه ولا عليه ويقول أن الضغينة القديمة تولد العداوة المحضة وتحمل على إظهار المسالمة وتحتها الأفعى التي إذا استمكنت لم تبق وكان في أول أيامه يظهر لندمائه ثم احتجب عنهم وذلك لسنة خلت من سكة وكان قعوده من وراء الستارة وإذا غناه أحد صوتا ليطرب من وراء الستارة ويصيح بالمطرب له من المغنين أحسنت والله وأعد هذا الصوت وكان لا ينصرف عنه أحد من ندمائه ولا مطربيه إلا بصلة من مال أو كسوة ويقول لا يكون سرورنا معجلا ومكافأة من سرنا وأطربنا مؤجلا وقد سبقه إلى هذا الفعل بهرام جور من ملوك الفرس وقد حضر أبو بكر الهذلي ذات يوم والسفاح مقبل عليه يحدثه بحديث لأنوشروان في بعض حروبه بالمشرق مع بعض الملوك فعصفت ريح شديدة فأذرت ترابا

وقطعا من الآجر من أعلى السطح إلى المجلس فجزع من حضر المجلس لوقعها وارتاع لها والهذلي شاخص نحو أبي العباس لم يتغير كما تغير غيره فقال له السفاح لله أنت يا أبا بكر لم أر كاليوم أما راعك ما راعنا ولا أحسنت بما ورد علينا فقال يا أمير المؤمنين ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وإنما للمرء قلب واحد فلما غمر بالسرور لفائدة أمير المؤمنين لم يكن فيه لحادث مجال وإن الله عز وجل إذا انفرد بكرامة أحد وأحب أن يفضي له ذكرها جعل تلك الكرامة على لسان نبيه أو خليفته وهذهكرامة خصصت بها فمال إليها ذهني وشغل بها قلبي فلو انقلبت الخضراء على الغبراء ما أحسنت بها ولا جمعت لها إلا بما يلزمني في نفسي لأمير المؤمنين أعزه الله فقال السفاح لئن بقيت لك لأرفعن منك ضبعا لا تطيف به السباع ولا تنحط عليه العقبان
ومما ذكر من أخباره واستفاض من آثاره ما ذكره البهلول بن العباس عن الهيثم بن عدي الطهماني عن يزيد الرقاشي قال كان السفاح تعجبه مسامرة الرجال وإني سمرت عنده ذات ليلة فقال يا يزيد أخبرني بأظرف حديث سمعته قلت يا أمير المؤمنين وإن كان في بني هاشم قال ذلك أعجب إلي قلت يا أمير المؤمنين نزل رجل من تنوخ بحي من بني عامر بن صعصعة فجعل لا يحط شيئا من متاعه ألا تمثل بهذا البيت ( لعمرك ما تبلى سرابيل عامر ** من اللؤم ما دامت عليها جلودها )
فخرجت إليه جاريه فحادثته وآنسته وساءلته حتى أنس بها ثم قالت ممن أنت متعت بك فقال رجل من تميم قالت أتعرف الذي يقول
( تميم بطرق اللؤم أهدى من القطا ** ولو سلكت سبل المكارم ضلت )
( أرى الليل بجلوة النهار ولا أرى ** عظام المخازي عن تميم تجلت )
( ولو أن برغوثا على ظهر قملة ** يكر على صفي تميم لولت )
فقال لا والله ما أنا من تميم قلت فممن أنت قال رجل من عجل قالت

أتعرف الذي يقول
( أرى الناس يعطون الجزيل وإنما ** عطاء بني عجل ثلاث وأربع )
( إذا مات عجلي بأرض فإنما ** يشق له منها ذراع وأصبع )
فقال لا والله ما أنا من عجل قالت فممن أنت قال رجل من بني يشكر قالت أتعرف الذي يقول
( إذا يشكري من ثوبك ثوبة ** فلا تذكرون الله حتى تطهرا )
قال لا والله ما أنا من يشكر قالت فممن أنت قال رجل من عبد القيس قالت اتعرف الذي يقول
( رأيت عبد القيس لاقت ذلا ** إذا أصابوا بصلا وخلا )
( وما لحا معتقا قد صلا ** باتوا يسلون الفساء سلا )
( سل النبيط القصب المبتلا )
قال لا والله ما أنا من عبد القيس قالت فمن أنت قال رجل من باهلة قالت أتعرف الذي يقول
( إذا ازدحم الكرام على المعالي ** تنحى الباهلي عن الزحام )
( ولو كان الخليفة باهليا ** لقصر عن مناوأة الكرام )
( وعرض الباهلي ولو توقى ** عليه مثل منديل الطعام )
قال لا والله ما أنا من باهلة قالت فممن أنت قال رجل من بني فرازة قالت أتعرف الذي يقول
( لا تأمنن فزاريا خلوت به ** على قلوصك واكتبها بأسيار )
( لا تأمنن فزاريا على حمر ** بعد الذي ابتل ابر العير في النار )
قال لا والله ما أنا من فزارة قالت فممن أنت قال رجل من ثقيف قالت أتعرف الذي يقول
( أضل الناسبون أبا ثقيف ** فما لهم أب إلا الضلال )


( فإن نسبت أو انتسبت ثقيف ** إلى أحد فذاك هو المحال )
( خنازير الحشوش فقتلوها ** فإن دماءها لكم حلال )
قال لا والله ما أنا من ثقيف قالت فممن أنت قال رجل من بني عبس قالت أتعرف الذي يقول
( إذا عبسية ولدت غلاما ** فبشرها بلؤم مستفاد )
قال لا والله ما أنا من عبس قالت فممن أنت قال رجل من ثعلبة قالت أتعرف الذي يقول
( فثعلبة بن قيس شر قوم ** وألامهم وأغدرهم بجار )
قال لا والله ما أنا من بني ثعلبة قالت فممن أنت قال رجل من غنى قالت أتعرف الذي الذي يقول
( إذا غنوية ولدت غلاما ** ** فبشرها بحباط محيد )
قال لا والله ما أنا من غنى قالت فممن أنت قال رجل من بني مرة قالت أتعرف الذي يقول
( إذا مرية خضبت يداها ** فزوجها ولا تأمن زناها )
قال لا والله ما أنا من بني مرة قالت فممن أنت قال رجل من بني ضبة قالت أتعرف الذي يقول
( لقد زرقت عيناك يا ابن معكبر ** كما كل ضبي من اللؤم أزرق )
قال لا والله ما أنا من بني ضبة قالت فممن أنت قال رجل من بجيلة قالت أتعرف الذي يقول
( سألنا عن بجيلة أين حلت ** لتخبر أين قر بها القرار )
( قما تدري بجيلة حين تدعي ** أقحطان أبوها أم نزار )
( فقد وقعت بجيلة بين بين ** وقد خلعت كما خلع العذار )
قال لا والله ما أنا من بجيلة قالت فممن أنت ويحك قال أنا رجل من الأزد قالت أتعرف الذي يقول


( إذا أزدية ولدت غلاما ** فبشرها بملاح مجيد )
قال لا والله ما أنا من الأزد قالت فممن أنت ويلك أما تستحي قل الحق قال رجل من خزاعة قالت أتعرف الذي يقول
( إذا افتخرت خزاعة في قديم ** وجدنا فخرها شرب الخمور )
( وباعت كعبة الرحمن جهرا ** بزق بئس مفتخر الفجور )
قال لا والله ما أنا من خزاعة قالت فمن أنت قال رجل من سليم قالت أتعرف الذي يقول
( فما لسليم شتت الله أمرها ** تنيل بايديها وتعي ايورها )
قال لا والله ما أنا من سليم قالت فممن أنت قال رجل من لقيط قالت أتعرف الذي يقول
( لعمرك ما البحار ولا الفيافي ** بأوسع من فقاح بني لقيط )
( لقيط شر من ركب المطايا ** وأنذل من يدب على البسيط )
( ألا لعن الإله بني لقيط ** بقايا سبية من قوم لوط )
قال لا والله ما أنا من لقيط قالت فممن أنت قال رجل من كندة قالت فتعرف الذي يقول
( إذا ما افتخر الكندي ** ذو البهجة والطرة )
( فبالنسج وبالخف ** وبالتيرك والحفرة )
( فدع كندة للنسج ** فاعلي فخرها عره )
قال لا والله ما أنا من كندة قالت فممن أنت قال رجل من خثعم قالت فتعرف الذي يقول
( وخثعم لو صفرت لها صفيرا ** لطارت في البلاد مع الجراد )
قال لا والله ما أنا من خثعم قالت فممن أنت قال رجل من طيء قالت

فتعرف الذي يقول
( وما طيء إلا نبيط تجمعت ** فقالت طيايا كلمة فاستمرت )
( ولو أن حرقوصا يمد جناحه ** على جبلي طي إذا لا ستظلت )
قال لا والله ما أنا من طيىء قالت فممن أنت قال رجل من مزينة قالت اتعرف الذي يقول
وهل مزينة إلا من قبيلة ** لا يرتجى كرم منها ولادين )
قال لا والله ما أنا من مزينة قالت فممن أنت قال رجل من النخع قالت الفرق الذي يقول
( إذا النخع للئام عدوا جمعا ** تأذى الناس من ذفر اللئام )
( وما يسموا إلى مجد كريم ** وما هم في الصميم من الكرام )
قال لا والله ما أنا من النخع قالت فممن أنت قال رجل من أود قالت اتعرف الذي يقول
( إذا نزلت بأود في ديارهم ** فاعلم بأنك منهم ليس بالناجي )
( لا تركنن إلى كهل ولا حدث ** فليس في القوم إلا كل عفاج ) قال لا والله ما أنا من أود قالت فممن أنت قال رجل من لخم قالت أتعرف الذي يقول
( إذا ما انتمى قوم بفخر قديمهم ** تباعد فجر الجود عن لخم جمعا )
قال لا والله ما أنا من لخم قالت فممن أنت قال رجل من جذام قالت اتعرف الذي يقول
( إذا كاس المداد أدير يوما ** لمكرمة تنحى عن جذام )
قال لا والله ما أنا من جذام قالت فممن أنت ويلك اما تستحي من كثرة الكذب قال أنا رجل من تنوخ وهو الحق قالت اتعرف الذي يقول


( إذا تنوخ قطعت منهلا ** في طلب الغارات والثار )
( أتت بخزي من آله السما ** وشهرة في الأهل والخبار )
قال لا والله ما أنا من تنوخ قالت فممن أنت ثكلتك أمك قال أنا رجل من حمير قالت اتعرف الذي يقول
( ثبئت حمير تهجوني فقلت لهم ** ما كنت احسبهم كانوا ولا خلقوا )
( لأن جمير قوم لا نصاب لهم ** كالعود بالقاع لا ماء ولا ورق )
( لا يكثرون وإن طالت حياتهم ** ولو يبول عليهم ثعلب غرقوا )
قال لا والله ما أنا من حمير قالت فممن أنت قال رجل من بحائر قالت اتعرف الذي يقول
( ولو صر صراربا بأرض بحير ** لماتوا واضحوا في التراب رميما )
قال لا والله ما أنا من بحاير قالت فممن أنت قال رجل من قشبرة قالت اتعرف الذي يقول
( بني قشير قتلت سيدكم فاليوم لا فدية ولا قود )
قال لا والله ما أنا من قشير قالت فممن أنت قال رجل من بين أمية قالت أفتعرف الذي يقول
( وهي بأمية بينانها ** وهان على الله فقدانها )
( وكانت أمية فيما مضى ** جرىء على الله سلطانها )
( فلا آل حرب أطاعوا الرسو ** ل ولم يتق الله مروانها ) )
قال لا والله ما أنا من بني أمية قالت فممن أنت قال رجل من بين هاشم قالت أفتعرف الذي يقول
( بني هاشم عودوا إلى نخلاتكم ** فقد صار هذا التمر صاعا بدرهم )
( فإن قلتم رهط النبي محمد ** فإن النصارى رهط عيسى بن مريم )
( قال لا والله ما أنا من بني هاشم قالت فممن أنت قال رجل من همدان قالت أتعرف الذي يقول


( إذا همدان دارت يوم حرب ** رحاها فوق هامات الرجال )
( رأيتهم يحثون المطايا ** سراعا هار بين من القتال )
قال لا والله ما أنا من همدان قالت فممن أنت قال رجل من قضاعة قالت أتعرف الذي يقول
( لا يفخرن قضاعي بأسرته ** فليس من محض ولا مضر )
( مذبذبين فلا قحطان والدهم ** ولا نزار فخلوهم إلى سقر )
قال لا والله ما أنا قضاعيا قالت فممن أنت قال رجل من شيبان قالت أتعرف الذي يقول
( شيبان قوم لهم عديد ** وكلهم مقرف لئيم )
( ما فيهم من ماجد حسيب ** ولا نجيب لا ولا كريم )
قال لا والله ما أنا من شيبان قالت فممن أنت قال رجل من بني نمير قالت أتعرف الذي يقول
( فغض الطرف إنك من نمير ** فلا كعبا بلغت ولا كلابا )
( ولو وضعت فقاح بني نمير ** على خبث الحديد إذا لذابا )
قال لا والله ما أنا من نمير قالت فممن أنت قال أنا رجل من تغلب قالت أتعرف الذي يقول
( ولا تطلبن خؤولة في تغلب ** فالزنج أكرم منهم أخوالا )
( والتغلبي إذا تنحنح للقرى ** حط استه وتمثل الأمثال )
قال لا والله ما أنا من تغلب قالت فممن أنت قال رجل من مجاشع قالت أتعرف الذي يقول
( تبكى المعنة من بنات مجاشع ** ولها إذا سمعت نهيق حمار )
( قال لا والله ما أنا من مجاشع قالت فممن أنت قال أنا رجل من كلب

قالت أتعرف الذي يقول
( فلا تقربن كلبا ولا باب دارها ** فما يطمع السارى يرى ضوء نارها )
قال لا و الله ما أنا من كلب قالت فممن أنت قال رجل من تيمم قالت أتعرف الذي يقول
( تيمية مثل أنف الفيل عنبلها ** تهدى الردى ببنان غير محذوم )
قال لا والله ما أنا من تيمم قالت فممن أنت قال رجل من جرم قالت أتعرف الذي يقول
( تمنيني سويق الكرم جرم ** وما جرم وما ذاك السويق )
( فما شربوه لما كان حلا ** ولا غالي بها إذا قام سوق )
( فلما أنزل التحريم فيها ** إذا الجرمى منها لا يفيق )
قال لا والله ما أنا من جرم قالت فممن أنت قال رجل من سليم قالت أتعرف الذي يقول ( إذا ما سليم جئتها لغذائها ** رجعت كما قد جئت غرئان جائعا )
قال لا والله ما أنا من سلم قالت فممن أنت قال رجل من الموالي قالت أتعرف الذي يقول
( ألا من أراد اللؤم والفحش والخنا ** فعند الموالى الجيد والطرفان )
قال أخطأت نسبي ورب الكعبة أنا رجل من الخوز قالت أتعرف الذي يقول
( لا بارك الله ربي فيكم أبدا ** يا معشر الخوز إن الخوز في النار )
قال لا والله ما أنا من الخوز قالت ممن أنت قال من أولاد حام قالت أتعرف الذي يقول
( ولا تنكحن أولاد حام فإنهم ** مشاويه خلق الله حاشا ابن أكوع )
قال لا والله ما أنا من ولد حام ولكني من ولد الشيطان الرجيم

قالت فلعنك ولعن أباك معك أتعرف الذي يقول
( ألا يا عباد الله هذا عدوكم ** عدو نبي الله إبليس ينهق )
فقال لها هذا مقام العائذ بك قالت قم فأرخل خاسئا مذموما وإذا نزلت بقوم فلا تنشد فيهم شعرا حتى تعرف من هم لا تتعرض للمباحثة عن مساوىء الناس فلكل قوم إساءة وإحسان إلا رسل رب العالمين ومن اختاره الله من عباده وعصمه من عدوه وأنت كما قال جرير للفرزدق
( وكنت إذا حللت بدار قوم ** رحلت بخزية وتركت عارا )
فقال لها والله لا أنشدت بيت شعر أبدا
فقال السفاح لئن كنت عملت هذا الخبر ونظمت فيمن ذكرت هذه الأشعار فلقد أحسنت وأنت سيد الكذابين وأن كان الخبر صدقا وكنت فيما ذكرت محقا فإن هذه الجارية لمن أحضر الناس جوابا وأبصرهم بمثالب الناس قال المسعودي وللسفاح أخبار غير هذه وأسمار حسان أتينا على مبسوطها في كتابينا أخبار الزمان والأوسط انتهى

سنة سبع وثلاثين ومائة

في أولها بلغ عبد الله بن على موت ابن أخيه السفاح فدعا بالشام إلى نفسه وعسكر بدابق وزعم أن السفاح جعله ولى عهده من بعده وأقام شهودا بذلك فجهز المنصور لحربه أبا مسلم الخراساني فالتقى الجمعان في نصيبين في جمادى الآخرة فاشتد القتال ثم انهزم جيش عبد الله وهرب هو إلى البصرة وبها أخوه وحاز أبو مسلم خزانته وكانت شيئا عظيما لأنه استولى على جميع نعمة بني أمية فبعث المنصور إلى أبي مسلم أن احتفظ بما في يده فصعب ذلك على أبي مسلم وأزمع على خلع المنصور ثم سار نحو خراسان فأرسل إليه المنصور يستعطفه ويمنيه وما زال به حتى وقع في براثنه فأقدم على قتله فقتله في

شعبان كما تقدم
وفيها وقيل في غيرها توفي خصيف بن عبد الرحمن الجزرى الحراني روى عن مجاهد وسعيد بن جبير قال في المغني خصيف بن عبد الرحمن الجزري يكثر عن التابعين ضعفه احمد وغيره انتهى
وفيها أوفي التي تليها توفي منصور بن عبد الرحمن العبدري الحجبي المكي ولد صفية بنت شيبة قال ابن عيينة كان يبكي عند كل صلاة فكانوا يرون أنه يذكر الموت
ويزيد بن أبي زياد الكوفي عن نحو تسعين سنة روى عن مولاه عبد الله ابن الحرث بن نوفل الهاشمي وطائفة وهو حسن الحديث روى له مسلم مقرونا بآخر قاله في العبر وقال في المغني يزيد بن أبي زياد الكوفي مشهور سيء الحفظ قال ابن حبان صدوق إلا أنه كبر وساء حفظه فكان يتلقن وقال يحيى ليس بالقوي وقال أيضا لا يحتج بحديثه وقال ابن المبارك ارم به انتهى
وفيها قتل أحد الأشراف بدمشق ودو عثمان بن سراقة الأزدي وكان قد توثب عند موت السفاح وسب بني العباس على منبر دمشق وبايع لهشام بن يزيد بن خالد بن معاوية الأموي فبغتهم مجيء صالح عم السفاح فلم يقووا لحربه واختفى هشام وضرب عنق ابن سراقة

سنة ثمان وثلاثين ومائة

فيها جاء طاغية الروم قسطنطين بن البون في مائة ألف ونزل بدابق بكسر الباء وهو المذكور في صحيح مسلم فلقيه صالح بن علي عم المنصور والسفاح

فهزمهم ولله الحمد
وفيها توفي زيد بن واقد الدمشقي روى عن جبير بن نفير وكثير بن مرة وخلق قال في المغنى زيد بن واقد عن حميد وثقة أبو حاتم وسمع منه بالري وقال أبو زرعة ليس بشيء انتهى
وفيها أبو شبل العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب المدني مولى الحرقة روى عن أبيه وأنس وطائفة قال أبو حاتم ما انكر من حديثه شيئا
وسليمان بن فيروز أبو اسحق الشيباني مولاهم الكوفي قال ابن ناصر الدين كان من الحفاظ الثقات والأئمة الإثبات انتهى
وليث بن أبي سليم الكوفي قال في المغني قال أحمد مضطرب الحديث ولكن حدث عنه الناس وقال ابن معين ضعيف وقال ابن حبان اختلط في آخر عمره وقال أيضا لا بأس به انتهى

سنة تسع وثلاثين ومائة

فيها نزل عسكر المسلمين فنزلوا ملطية وهي خراب فزرعوا أرضها وطبخوا كلسا لبنائها ورجعوا فبعث طاغية الروم من حرق الزرع
وفيها توفي خالد بن يزيد المصري الفقيه كهلا يروى عن عطاء والزهري وطبقتهما وعنه الليث ويكنى أبا عبد الرحيم
وفيها يزيد بن عبد الله بن أسامة ابن الهاد الليثي المدني الفقيه يروى عن شرحبيل بن سعد وطبقته من التابعين
ويونس بن عبيد شيخ البصرة رأى أنسا وأخذ عن الحسن وطبقته قال سعيد بن عامر الضبعي ما رأيت رجلا قط افضل منه وأهل البصرة على ذاك وقال أبو حاتم هو أكبر من سليمان التيمي ولا يبلغ سليمان منزلته وقال يونس ما كتبت شيئا قط يعني لذكائه وحفظه وقال ابن ناصر الدين رأى أنسا وسمع الحسن وابن سيرين وغيرهما وكان إماما علما وحافظا مقدما ومتقنا محررا انتهى

وصالح بن كيسان المؤدب ذكره ابن ناصر الدين في بديعة البيان فقال
( ثم أبو حازم المديني ** كصالح المؤدب الأمين )
وقال في شرحها هو صالح بن كيسان المدني العالم مؤدب بني عمر بن عبد العزيز جاوز المائة سنة انتهى وقد رأيت كيف وصفه بالأمين وكفى بها منقبة

سنة أربعين ومائة

فيها نزل جبريل بن يحيى الأمير من جهة صالح بن علي مرابطا بالمصيصة فأقام بها سنة حتى بناها وحصنها
وفيها توفي فقيه واسط أبو العلاء أيوب بن أبي مسكين القصاب كهلا أخذ عن قتادة وجماعة خرج له أبو داود والترمذي والنسائي قال في المغني أيوب بن مسكين أبو العلاء الواسطي القصاب قال أبو حاتم لا يحتج به انتهى
وداود بن أبي هند البصري الفقيه وكان حافظا مبينا نبيلا روى عن سعيد ابن المسيب وأبي العالية واسم أبيه أبي هند دينار بن عذافر وقيل طهمان القشيري مولاهم قال ابن ناصر الدين كان داود مفتي أهل البصرة وأحد القانتين رأسا في العلم والعلم قدوة في الدين انتهى
وفيها أبو حازم سلمة بن دينار المدني الأعرج عالم المدينة وزاهداها وواعظها سمع سهل بن سعد وطائفة وكان أشقر فارسيا وأمه رومية وولاؤه لبنى مخزوم قال ابن خزيمة ثقة لم يكن في زمانه مثله له حكم ومواعظ
وأبو يزيد سهيل بن أبي صالح السمان المدني روى عن أبيه وطبقته وكان كثير الحديث ثقة مشهورا أخذ عنه مالك والكبار وعمارة بن غزية المازني المدني يروى عن الشعبي وطبقته قال ابن سعد ثقة كثير الحديث


وعمرو بن قيس السكوني الكندي الحمصي وله مائة سنة تامة روى عن عبد الله بن عمر والكبار وذكر إسماعيل بن عياش أنه ادرك سبعين صحابيا وقال غيره كان عمرو بن قيس أميرا من دولة عبد الملك بن مروان وكان سيد أهل حمص وشريفهم ولى غزو الروم لعمر بن عبد العزيز

سنة إحدى وأربعين ومائة

قال المدائني فيها ظهرت الريوندية وهم قوم خراسانيون على رأى أبي مسلم صاحب الدعوة يقولون بتناسخ الأرواح وإن ربهم الذي يطعمهم ويسقيهم المنصور وأن الهيثم بن معاوية جبريل فأتوا قصر المنصور وطافوا فيه فقبض على مائتين من كبارهم فغضب الباقون وحفوا بنعش وحملوا هيئة جنازة ثم مروا بالسجن فشدوا على الناس وفتحوا السجن وأخرجوا اصحابهم وقصدوا المنصور في ستمائة مقاتل فأغلق البلد وحاربهم العسكر مع معن بن زائدة ثم وضعوا فيهم السيف
وأصيب يومئذ الأمير عثمان بن نهيك فاستعمل المنصور مكانه على الحرس أخاه عيسى وكان ذلك بالهاشمية حدث أبو بكر الهذلي قال اطلع المنصور فقال رجل إلى جانبي هذا رب العزة الذي يطعمنا ويرزقنا وفيها افتتح المسلمون طبرستان بعد حروب طويلة
وأقام الحج صالح بن علي أمير الشام
وفيها توفي موسى بن عقبة المدني صاحب المغازي روى عن أم خلد بنت خلد المخزومية ولها صحبة وعن عروة وطبقته قال الواقدي كان موسى فقيها يفتي قال ابن ناصر الدين في بديعة البيان
( موسى فتى عقبة الأديب ** اسناده محرر قريب )
أي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى عالي السند وقال في شرحها موسى

ابن عقبة بن ربيعة بن أبي عياش الأسدي مولاهم المدني أبو محمد مولى آل الزبير ابن العوام روى عن صحابية وعدة من التابعين وكان متقنافقيها حافظا نبيها صنف المغازي فأجاد ووصلت إلينا ولله الحمد بالإسناد انتهى
وفيها موسى بن كعب التيمي المروزي أحد النقباء الإثني عشر نقباء بني العباس ولي أمرة مصر سبعة أشهر ومات
وإبان بن تغلب قال في العبر الكوفي القارىء المشهور وكان من ثقات الشيعة يروى عن الحكم وطائفة انتهى وقال في المغني أبان بن تغلب ثقة معروف قال ابن عدي وغيره غال في التشيع وقال الجوزجاني زائغ مذموم المذهب ووثقه أحمد وابن معين وأبو حاتم انتهى وقد خرج له مسلم والأربعة

سنة اثنتين وأربعين ومائة

فيها عزل عن مصر محمد بن الأشعث ووليها حميد بن قحطبة وولى الجزيرة والثغور عباس أهو المنصور
وفيها توفي خالد الحذاء بن مهران البصري الحافظ يروى عن كبار التابعين وقد رأى أنسا وكان يجلس في الحذائين فنسب إليهم ولقب الحذاء لجلوسه بينهم قال في المغني هو ثقة جبل والعجب من أبي حاتم يقول لا يحتج به انتهى وقال ابن ناصر الدين كان أحد الثقات الإثبات
والأمير سليمان ابن عم المنصور وكان جوادا ممدحا وبلغت عطاياه في الموسم خمسة آلاف ألف درهم وولى إمرة البصرة وعاش ستين سنة
وفيها عاصم بن سليمان الأحوال أحد حفاظ البصرة روى عن عبد الله بن سرجس وأنس وطائفة قال في المغني تابعي ثقة قال القطان ليس بالحافظ وقال الحاكم ليس بالحافظ عندهم انتهى
وفيها أو في التي بعدها عمرو بن عبيد البصري العابد الزاهد المعتزلي القدرى صاحب الحسن ثم خالفه واعتزل حلقته فلذا قيل المعتزلة

قال في العبر قال الحسن رأيته في النوم يسجد للشمس وقال ابن الأهدل لما اعتزل واصل بن عطاء مجلس الحسن وطرده تحول إليه عمرو فسموا معتزلة توفي بمران بتشديد الراء على طريق مكة وهو راجع منها ورثاه الخليفة المنصور ومدحه أيضا في حياته والناس مختلفون فيه انتهى وقال في المغنى عمرو بن عبيد شيخ المعتزلة سمع الحسن كذبه أيوب ويونس وتركه ابن أبي شيبة انتهى
وكانت له جرأة فإنه قال عن ابن عمر هو حشوى فانظر هذه الجرأة والإفتراء عامله الله بعدله
وفيها محمد بن أبي إسماعيل الكوفي روى عن أنس وجماعة وقال شريك رأيت أولاد أبي إسماعيل أربعة ولدواء في بطن واحد وعاشوا
وأبو هانىء حميد بن هانىء الخولاني المصري روى عن علي بن رباح وأدركه ابن وهب قاله في العبر

سنة ثلاث وأربعين ومائة

فيها ثارت الديلم وقتلوا خلائق من المسلمين فانتدب الناس لغزوهم
وفيها سار الأمير محمد بن الأشعث إلى المغرب فالتقى الأباضية وقتل زعيمهم أبو الخطاب في المصاف
وفيها توفي حجاج بن أبي عثمان الصواف أحد حفاظ البصرة روى عن الحسن وغيره
وحميد الطويل واسم أبي حميد تيروية أحد الثقات التابعين البصريين كان قائما يصلى فسقط ميتا سمع أنسا وطائفة وكنيته أبو عبيدة ومات وله سبع وتسعون سنة ومكث أربعين سنة يصوم يوما ويفطر يوما ويصلى الفجر بوضوء

العشاء قاله ابن الأهدل قال ابن ناصر الدين هو حميد بن أبي حميد الطويل البصري أبو عبيد ة واسم أبيه تيرويه على الأشهر وهو خال حماد بن سلمة كان أماما حافظا متقنا عمدة وكان من ثقات الرواة ولم يدع لثابت البناني علما إلا حفظه منه ووعاه انتهى
وفي ذي القعدة سليمان بن طرخان التيمي القيسي مولاهم أبو المعتمر الحافظ الإمام أحد مشايخ الإسلام روى عن أنس والحسن وغيرهما وكان عابدا صواما قانتا لله قواما قال في العبر قال شعبة كان إذا حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تغير لونه وما رأيت أحذق منه وقال معتمر مكث أبي أربعين سنة يصوم يوما ويفطر يوما ويصلى الفجر بوضوء العشاء وعاش سبعا وتسعين سنة انتهى لفظ العبر
وفيها على الأصح ليث بن أبي سليم يروى عن مجاهد وطبقته وكان أحد الفقهاء قال الفضيل بن عياض كان أعلم أهل زمانه بالمناسك وقال الدارقطني كان صاحب سنة إنما أنكروا عليه جمعه بين عطاء وطاووس ومجاهد قد تقدم ذكره في سنة ثمان وثلاثين
وفيها مطرف بن طريف الكوفي الزاهد روى عن عبد الرحمن بن أبي ليلى وجماعة
وفيها يحيى بن سعيد الأنصاري المدني الفقيه أبو سعيد أحد الأعلام ولى قضاء المنصور ومات بالهاشمية قبل أن تبني بغداد روى عن أنس وخلق قال أيوب السختياني ما تركت بالمدينة افقه منه وكان يحيى القطان يفضله ويقدمه على الزهري وقال الثوري كان من الحافظ وقال ابن المديني له نحو ثلاثمائة حديث

سنة أربع وأربعين ومائة

فيها سار جيش العراق والجزيرة لغزو الديلم وعلى الناس محمد بن السفاح
وحج بالناس المنصور وأهمه شأن محمد بن عبد الله بن حسن وأخيه إبراهيم لتخلفهما عن الحضور عنده فوضع عليهما العيون وبذل الأموال وبالغ في تطلبهما لأنه عزف مرامهما وقبض على أبيهما فسجنه في بضعة عشر من أهل البيت وماتوا في سجنه قيل طرحهم في بيت وطين عليهم حتى ماتوا ولما بلغ محمدا وفاة أبيه ثار بالمدينة وسجن متوليها وتتبع أصحابه وخطب الناس وبايعوه طوعا وكرها واستعمل على مكة واليمن والشام عمالا لم يتمكنوا وأحبه الناس حبا عظيما وكان فيه من الكمال وخصال الفضل ويشبه النبي صلى الله عليه وسلم في الخلق والخلق واسمه واسم أبيه حتى قيل أن خاتمه بين كتفيه وكان أهل المدينة يعدون فيه من الكمال مالو جاز أن يبعث الله نبيا بعد محمد صلى الله عليه وسلم لكان هو وتكاتب هو المنصور مكاتبات عظيمة ولكليهما قول فصل جزل والحق والتحقيق في جانب محمد وقد كان المنصور والسفاح في خلافة الأمويين من الدعاة إلى محمد بن عبد الله هذا ولما أعيا المنصور أمره جهز إليه ابن عمه عيسى ابن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس وقال لا أبالي أيهما قتل صاحبه لأن عيسى ولي العهد بعد المنصور على ما رتبه لهم السفاح فسار عيسى في أربعة آلاف وكتب إلى الأشراف يستميلهم فمال كثير منهم وتحصن محمد بالمدينة وأعمق خنادقها وزحف عليه عيسى وناداه بالأمان وناشده الله ومحمد لا يرعوى لذلك ولما ظهر له وتخاذل أصحابه اغتسل وتحنط وقاتلهم بنفسه قتالا شديدا ومعه ثمانون رجلا وقتل بيده اثني عشر رجلا ثم قتل واستشهد لثنتي عشرة ليلة من رمضان سنة خمس وأربعين وله اثنتان وخمسون سنة وقبره بالبقيع مشهور مزور وبعث برأسه إلى المنصور وكانت مدة قيامه

شهرين واثني عشر يوما
وخرج أخوه إبراهيم بالبصرة في هذه السنة أيضا وقد كان سار إليها من الحجاز فدخلها سرا في عشرة أنفس فدعا غلى نفسه سرا وجرت له أمور وتهاون متولى البصرة في أمر إبراهيم حتى اتسع الخرق وخرج أول ليلة من رمضان ونزل إليه متولي الكوفة بالأمان ووجد إبراهيم في بيت المال ستمائة ألف ففرقها في أصحابه ولما بلغ المنصور خروجه تحول إلى الكوفه ليأمن غائله أهلها وألزم الناس لبس السواد وجعل يقتل ويجبس من اتهمه وبعث إبراهيم عاملا إلى الأهواز وآخر إلى فارس وسائر البلدان فأتاه مقتل أخيه بالمدينة قبل عيد الفطر بثلاث فعيد منكسار وجهز المنصور لحربه خمسة آلاف فكان بينهما وقعات قتل فيها خلق عظيم ولم يبرح المنصور حتى قدم عيسى من المدينة فوجهه إلى إبراهيم وجعل المنصور لا يقر له قرار ولا يأوى إلى فراش خمسين ليلة كل ليلة يأتيه فتق من ناحية وعنده مائة ألف بالكوفة ولو هجم عليه إبراهيم بالكوفة لا وقع به ولكنه قال أخاف أن يستباح الصغير والكبير فقيل له إذا كان هذا فلم خرجت عليه فالتقى الجمعان على يومين من الكوفة فظهر جيش إبراهيم وتهيأ له الفتح لولا حملة من عيسى بن موسى وظاهرة ابنا سليمان بن على فكسروا جيش إبراهيم وجاءه سهم فوقع في حلقه فأنزلوه وهو يقول وكان أمر الله قدرا مقدورا وبعثوا برأسه إلى المنصور وقتل وسنة ثمان وأربعون وهرب أهل البصرة بحرا وبرا وكان خرج مع إبراهيم كثير من القراء والعلماء منهم هشيم وأبو خلد الأحمر وعيسى بن يونس وعبادبن العوام ويزيد بن هارون وأبو حنيفة وكان يجاهر في أمره ويحث الناس على الخروج معه كما كان مالك يحث الناس على الخروج مع أخيه محمد وقال أبو اسحق الفزاري لأبي حنيفة ما اتقيت الله حيث حثثت أخي على الخروج مع إبراهيم فقتل فقال أنه كما لو قتل يوم بدر وقال شعبة والله لهي عندي بدر الصغرى

وقال ابن قتيبة في المعارف فأما الحسن بن الحسن بن على فولد عبد الله والحسن وإبراهيم وجعفرا وداود ومحمدا وكان عبد الله بن حسن بن حسن يكنى أبا محمد وكان خيرا فاضلا ورؤى يوما يمسح على خفيه فقيل له تمسح فقال نعم قد مسح عمر بن الخطاب ومن جعل عمر بينه وبين الله فقد استوثق وكان مع أبي العباس أي السفاح وكان له مكرما وبه أنسا واخرج يوما سفطا فيه جوهر فقاسمه إياه وأراه بناء قد بناه وقال له كيف ترى هذا فقال متمثلا
( ألم تر حوشبا أمسى يبنى ** قصورا نفعها لبني بقيله )
( يؤمل أن يعمر عمر نوح ** وأمر الله يحدث كل ليلة )
فقال له أتتمثل بهذا وقد رأيت صنيعي بك فقال والله ما أردت بها سوءا ولكنها أبيات حضرت فإن رأى أمير المؤمنين أن يحتمل ما كان مني فقال قد فعلت ثم رده إلى المدينة فلما ولي أبو جعفر ألح في طلب ابنيه محمد وإبراهيم ابني عبد الله وتغيبا بالبادية فأمر أبو جعفر أن يؤخذ أبوهما عبد الله وإخوته حسن وداود وإبراهيم وأن يشدوا وثاقا ويبعث بهم إليه فوافوه في طريق مكة بالربذة مكتفين فسأله عبد الله أن يأذن له عليه فأبى أبو جعفر فلم يروه حتى فارق الدنيا ومات في الحبس وماتوا وخرج ابناه محمد وإبراهيم على أبي جعفر وغلبا على المدينة ومكة والبصرة فبعث إليهما موسى بن عيسى فقتل محمدا بالمدينة وقتل إبراهيم بباخمرا على ستة عشر فرسخا من الكوفة وإدريس بن عبد الله ابن حسن أخوهما هو الذي سار إلى الأندلس والبربر وغلب عليهما انتهى
وفيها أي في سنة أربع وأربعين توفي أبو مسعود سعيد بن إياس الجريري البصري محدث البصرة روى عن أبي الطفيل وعدة وكان إماما حافظا ثبتا إلا أنه ساء حفظه وتغير قبل موته
وفقيه الكوفة أبو شبرمة عبد الله بن شبرمة الضبي القاضي روى عن أنس

والتابعين قال أحمد العجلي كان عفيفا صارما عاقلا يشبه النساك شاعرا جوادا
وعقيل بن خلد الإيلي مولى بني أمية وصاحب الزهري لقي عكرمة وطائفة وكان حافظا ثبتا حجة
وفي ذي الحجة مجالد بن سعيد الهمذاني الكوفي صاحب الشعبي لينوا حديثه وقد خرج له مسلم مقرونا بآخر

سنة خمس وأربعين ومائة

فيها خرجت الترك والخزر بباب الأبواب وقتلوا واستباحوا بعض أرمينية
وفيها أمر المنصور فأسست بغداد وابتدئ بإنشائها ورسم هيئتها وكيفيتها أولا بالرماد وفرغت في أربعة أعوام بالجانب الغربي وتحول إليها المنصور في سنة ست وأربعين قبل تمامها وبغداد الآن أكثرها من الجانب الشرقي
وفيها توفي الأجلح الكندي من مشاهير محدثي الكوفة روى عن الشعبي وطبقته قال في المغني أجلح بن عبد الله أبو جحيفة الكندي عن الشعبي شيعى لا بأس بحديثه ولينة بعضهم قال ابن أبي شيبة ضعيف انتهى
وفيها وقيل في سنة ست إسماعيل بن أبي خالد البجلي مولاهم الكوفي الحافظ أحد الأعلام سمع أبا جحيفة وابن أبي أوفى وخلقا وكان صالحا ثبتا حجة
وعمرو بن ميمون بن مهران الجزري الفقيه أخذ عن أبيه و مكحول وكان يقول لو علمت أنه بقي على حرف من السنة باليمن لأتيتها
وحبيب بن الشهيد البصري روى عن الحسن وأقرانه وأرسل عن أنس وجماعة وكان ثبتا كثير الحديث
وعبد الملك بن أبي سليمان العرزمي الكوفي الحافظ أحد المحدثين الكبار

وكان شعبة مع جلالته يتعجب من حفظ عبد الملك روى عن أنس فمن بعده وكان يقال له ميزان الكوفة كما ذكره ابن القيم وهو ثقة ثبت
وعمرو بن عبد الله مولى غفرة عن سن عالية روى عن أنس والكبار قال أحمد أكثر أحاديثه مراسيل وليس به بأس وقال ابن معين ضعيف
ومحمد بن عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي المدني روى عن أبي سلمة وطائفة وكان حسن الحديث كثير العلم مشهورا أخرج له البخاري مقرونا بآخر
ويحيى بن الحرث الذمارى مقرىء دمشق وإمام جامعها قرأ على ابن عامر وروى عن واثلة بن الأسقع وخلق وورد أنه قرأ القرآن على واثلة بن الأسقع وعليه دارت قراءة الشاميين
ويحيى بن سيعد التيمي تيم الرباب الكوفي وكان ثقة إماما صاحب سنة روى عن الشعبي ونحوه
سنة ست وأربعين ومائة
في صفر تحول المنصور فنزل بغداد قبل استتمام بنائها وكان لا يدخلها أحد أبدا راكبا حتى أن عمه عيسى بن على شكا إليه المشي فلم يأذن له
وفيها توفي أشعث بن عبد الملك الحمراني مولى حمران مولى عثمان روى عن ابن سيرين وغيره وكان ثبتا ثقة حافظا أما أشعث بن سوار فكوفي فيه ضعف وكذا أشعث الحداني الراوي عن أنس ليس بالقوى
وفيها عوف الأعرابي البصري وكان صدوقا شيعيا كثير الحديث روى عن أبي العالية وطائفة قال في المغنى ثقة مشهور قال بندار قدري رافضي يعني يتشيع انتهى
وفيها محمد بن السائب أبو النصر الكلبي الكوفي صاحب التفسير والأخبار

والأنساب اجمعوا على تركه وقد اتهم بالكذب والرفض وقال ابن عدي ليس لأحد أطول من تفسيره عنه قال سميت العرب شعوبا لأنهم تفرقوا من ولد إسماعيل عليه السلام ومن ولد قحطان تشعبوا والعرب كلهم بنو إسماعيل إلا أربع قبائل السلف والأوزاع وحضرموت وثقيف وأول من تكلم بالعربية يعرب بن الهميسع بن نبت بن إسماعيل وكل نبي ذكر في القرآن فهو من ولد إبراهيم غير إدريس ونوح ولوط وهود وصالح وكأنه لم يستثن آدم لأنه أبو الكل قال ولم يكن في العرب نبي الأهود وصالح وإسماعيل ومحمد صلى الله عليه وسلم وروى ابن عباس ان أصحاب سفينة نوح كانوا ثمانين رجلا فلما كثروا ملكهم نمرودبن كنعان بن حام بن نوح فلما كفروا بلبل الله ألسنتهم وتفرقوا اثنين وسبعين لسانا وفهم الله العربية عمليق وأميم وطسم ابني لوذ بن سام وعادا وعبيلا بني عوص بن سام بن نوح انتهى كلام ابن الكلبي وانظر ما في كلامه فإنه ذكر أول من تكلم بالعربية يعرب من ذرية إسماعيل ثم ذكر أن الله فهمها عمليقا ومن ذكر بعده من ذرية نوح وكلاهما مخالف لما جاء أن إسماعيل تعلم العربية من جرهم لما نشأ بينهم حتى قيل أن إبراهيم لما كان ببني البيت يقول لإسماعيل هات هيك والهيك بالسريانية الحجر فيقول له إسماعيل خذ الحجر فهذا يتكلم بالسريانية وهذا بالعربية وقيل لما نزل أصحاب نوح من السفينة خلق الله في قلوبهم لغات مختلفة فتكلم كل منهم بلغة
وفيها توفي هشام بن عروة بن الزبير الفقيه أحد حفاظ الحديث قال مسح ابن عمر برأسي ودعالي وقال وهيب قدم علينا هشام بن عروة فكان مثل الحسن وابن سيرين وحدث عن أبيه وعمه وكان ثبتا متقنا توفي ببغداد وصلى عليه

المنصور ودفن بمقبرة الخيزران وأن قيل أنه ولد هو وعمر بن عبد العزيز والزهري وقتادة والأعمش ليالي قتل الحسين بن علي في المحرم سنة إحدى وستين
وفيها أوفى التي تليها يزيد بن أبي عبيد صاحب سلمة بن الأكوع ومولاه بالمدينة

سنة سبع وأربعين ومائة

فيها بدعت الكفرة الترك بناحية ارمينية وقتلوا أمما ودخلوا تفليس فالتقاهم المسمون فلم ينصروا وهزم أميرهم جبريل بن يحيى وقتل مقدمهم الآخر حرب الريوندي الذي تنسب إليه الحربية ببغداد
وفيها ألح المنصور وتحيل بكل ممكن على ابن عمه ولى العهد عيسى بن موسى بالرغبة والرهبة حتى خلع نفسه كرها وقيل بل عوضه عشرة آلاف ألف درهم وعلى أن يكون أيضا ولى عهده بعد المهدي بن المنصور
وفيها توفي عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز بن مروان الأموي حدث عن مجاهد وجماعة وكان عالما فقيها نبيلا قال في المغني وثقة جماعة وضعفه أبو مسهر انتهى وخرج له ابن عدي
وفيها انهدم الحبس على الأمير عبد الله بن علي الذي هزم مروان وافتتح دمشق وكان من رجال الدهر حزماور أياودهاء وشجاعة وهو عم المنصور سجنه المنصور سرا وقيل أنه قتله سرا وهدم الحبس قصدا
وفيها الإمام أبو عثمان عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوى العمري المدني وكان أوثق إخوته وأفضلهم وأكثرهم علما وصلاحا وعبادة روى عن القسم وسالم ونافع
وفيها هشام بن حسان الأزدي القردوسي الحافظ محدث البصرة وصاحب الحسن وابن سيرين قال ابن عينية كان أعلم الناس بحديث الحسن

وقيل كان عنده ألف حديث وقال في المغني هشام بن حسان ثقة مشهور روى شعيب بن حرب عن شعبة قال كان خشبيا ولم يكن يحفظ قلت وذكره العقيلي في كتابه فروى بإسناده عن ابن المديني قال كان أصحابنا يثبتون هشام ابن حسان وكان يحيى يضعف حديثه وكان الناس يرون أنه أرسل حديث الحسن عن حوشب وقال عرعرة بن البرند ذكر لجرير بن حازم هشام بن حسان فقال ما رأيته عند الحسن قط قلت وأنكر عليه حديثه عن محمد بن عبيدة بنقض الوضوء أذى المسلم انتهى

سنة ثمان وأربعين ومائة

فيها توجه حميد بن قحطبة في جيش كثيف إلى ثغر أرمينية
وفيها توفي الإمام سلالة النبوة أبو عبد الله جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين بن علي بن الحسين الهاشمي العلوي وأمه فروة بنت القسم بن محمد ابن أبي بكر فهو علوي الأب بكري الأم روى عن أبيه وجده القسم وطبقتهما وكان سيد بني هاشم في زمنه عاش ثمانيا وستين سنة وأشهرا وولد سنة ثمانين بالمدينة ودفن بالبقيع ي قبة أبيه وجده وعم جده الحسن وقد ألف تلميذه جابر بن حباب الصوفي كتابا في ألف ورقة يتضمن رسائله وهي خمسمائة وهو عند الأمامية من الأثني عشر بزعمهم قيل إنه سأل أبا حنيفة عن محرم كسر رباعية ظبى فقال لا أعرف جوابها فقال أما تعلم إن الظبي لا يكون له رباعية وقال في المغني جعفر بن محمد بن علي ثقة لم يخرج له البخاري وقدو ثقة ابن معين وابن عدي وأما القطان فقال مجالد أحب إلى منه انتهى
وفي ربيع الأول توفي الإمام أبو محمد سليمان بن مهران الأسدي الكاهلي مولاهم الأعمش روى عن ابن أبي أوفى وأبي وائل والكبار وكان محدث

الكوفة وعالمها قال ابن المديني للأعمش نحو ألف وثلثمائة حديث وقال ابن عيينة كان أقرأهم لكتاب الله وأعلمهم بالفرائض وأحفظهم للحديث وقال يحيى القطان هو علامة الإسلام قال وكيع بقي الأعمش قريبا من سبعين سنة لم تفته التكبيرة الأولى وقال الخريبي ما خلف أعبد منه وما يرويه عنه مالك فهو إرسال لأنه لم يسمع منه وكان فيه مزاح خرج إلى الطلبة يوما وقال لولا إن في منزلي من هو أبغض إلي منكم ما خرجت وطلبه رجل ليصلح بينه وبين زوجته فقال الرجل لزوجته لا تنظري إلى عموشة عينيه وخموشة ساقيه فإنه إمام فقالت ما لديوان الرسائل أريده فقال ما أردت إلا أن تعرفها عيوبي وقال له حائك ما تقول في شهادة الحائك فقال تقبل مع عدلين وذكر عنده حديث من نام عن قيام الليل بال الشيطان في أذنه فقال ما عمشت عيني إلا من بول الشيطان وكتب إليه هشام بن عبد الملك أن أكتب لي فضائل عثمان ومساوئ علي فأخذ كتابه ولقمه شاة عنده وقال لرسوله هذا جوابك فألح عليه الرسول في جواب وتحمل عليه بإخوانه وقال إن لم آت بالجواب قتلني فكتب بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فلو كان لعثمان مناقب أهل الأرض ما نفعتك ولو كانت لعلي مساوىء أهل الأرض ما ضرتك فعليك بخويصة نفسك والسلام وقال في المغني الأعمش ثقة جبل ولكنه يدلس قال وهب بن زمعة سمعت ابن المبارك يقول إنما أفسد حديث أهل الكوفة الأعمش وأبو إسحاق انتهى
قلت والتدليس ليس كله قادحا ولنذكر تعريفه وما يقدح منه وما لا يقدح لأن ذلك لا يخلو عن فائدة فأقول التدليس له معنيان لغوي واصطلاحي فاللغوي كتمان العيب في مبيع أو غيره ويقال دالسه كأنه خادعه كأنه من الدلس وهو الظلمة لأنه إذا غطى عليه الأمر أظلمه عليه وأما في الاصطلاح أي اصطلاح المحدثين والأصولين فهو قسمان قسم من مضر يمنع

القبول وهو تدليس المتن وهو عمدا مجروح وفاعله مجروح ويسمى المدرج أيضا مثاله أن يدخل الراوي للحديث شيئا من كلامه فيه أولا أو آخر أو وسطا على وجه يوهم أنه من جملة الحديث الذي رواه ويسمى تدليس المتون وفاعله عمدا مرتكب محرما مجروح عند العلماء لما فيه من الغش أما لو اتفق ذلك من غير قصد من صحابي أو غيره فلا يكون ذلك محرما ومن ذلك كثير أفرده الخطيب البغدادي بالتصنيف ومن أمثلته حديث ابن مسعود في التشهد قال في آخره وإذا قلت هذا فإن شئت أن تقوم فقم وإن شئت أن تقعد فاقعد وهو من كلامه لا من الحديث المرفوع لما قاله البيهقي ولخطيب والنووي وغيرهم والقسم الثاني غير مضر لكنه مكروه مطلقا عن الحنابلة وله صور إحداها أن يسمى شيخه في روايته باسم له غير مشهور من كنية أو لقب أو اسم أو نحوه كقول أبي بكر بن مجاهد المقرئ الإمام حدثنا عبد الله بن أبي أوفى يريد به عبد الله بن أبي داود السجستاني وهو كثير جدا ويسمى هذا تدليس الشيوخ وأما تدليس الإسناد وهو أن يروي عمن لقيه أو عاصره ما لم يسمعه منه موهما سماعه منه قائلا قال فلان ونحوه وربما لم يسقط شيخه ويسقط غيره ومثله بعضهم بما في الترمذي عن ابن شهاب عن أبي سلمة عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين ثم قال هذا حديث لا يصح لأن الزهري لم يسمعه من أبي سلمة ثم ذكر أن بينهما سليمان بن أرقم عن يحيى بن أبي كثير وإن هذا وجه الحديث قال ابن الصلاح هذا القسم مكروه جدا ذمه أكثر العلماء وكان شعبة من أشدهم ذما له وقال مرة التدليس أخو الكذب ومرة لأن أزني أحب إلي من أدلس وهذا إفراط منه محمول على المبالغة في الزجر عنه الصورة الثانية أن يسمى شيخه باسم شيخ آخر لا يمكن أن يكون رواه عنه كما يقول تلامذة الحافظ أبي عبد اله الذهبي حدثنا أبو عبد الله الحافظ

تشبيها بقول البيهقي فيما يرويه عن شيخه أبى عبد الله الحاكم حدثنا أبو عبد الله الحافظ وهذا لا يقدح لظهور المقصود والصورة الثالثة أن يأتي في التحديث بلفظ يوهم أمرا لا قدح في إيهامه ذلك كقوله حدثنا وراء النهر موهما نهر جيحون وهو نهر عيسى ببغداد والحيرة ونحوها كمصر فلا حرج في ذلك قاله الآمدي لأن ذلك من باب الأغراب وأن كان فيه أيهام الرحلة إلا أنه صدق في نفسه ومن فعله بصورة الثلاثة متأولا قبل عند أحمد وأصحابه والأكثر من الفقهاء والمحدثين ولم يفسق لأنه صدر من الأعيان المقتدي بهم حتى قيل لم يسلم منه إلا شعبة والقطان ولكن من عرف به عن الضعفاء لم تقبل روايته حتى يبين سماعه عند المحدثين وغيرهم والإسناد المعنعن بلا تدليس بأي لفظ كان متصل عند أحمد والأكثر من المحدثين وغيرهم عملا بالظاهر والأصل عدم التدليس حكاه ابن عبد البر في التمهيد اجماعا واله سبحانه وتعالى اعلم
وفيها أو في التي قبلها وهو الصحيح رؤبة بن العجاج المصري التيمي السعدي كان هو وأخوه من المدونين في الرجز ليس فيه شعر من أن الرجز شعر على الصحيح وكان عارفا باللغة وحشيها وغريبها والروبة جريرة اللبن وهي أيضا قطعة من الليل والحاجة والرؤبة بالهمز القطعة من الخشب يشعب بها الإناء والجميع بضم الراء وسكون الواو الإ أسم هذا الرجل والقطعة من الخشب فإنهما بالهمز
وفيها شبل بن عباد قارىء أهل مكة وتلميذ ابن كثير حدث عن أبي الطفيل وطائفة وعمرو بن الحرث المصري الفقيه حدث عن ابن أبي مليكة وطبقته قال أبو حاتم الرازي كان احفظ الناس في زمانه وقال ابن وهب ما رأيت أحفظ منه ولم يكن له نظير في الحفظ


ومحمد بن الوليد الزبيدي الحمصي القاضي عالم أهل حمص أخذ عن مكحول وعمرو بن شعيب وخلق وقال أقمت مع الزهري عشر سنين بالرصافة وقال الزهري عنه قد احتوى هذا على ما بين جنبي من العلم وقال محمد بن سعد كان أعلم الشاميين بالفتوى والحديث
والعوام بن حوشب شيخ واسط روى عن إبراهيم النخعي وجماعة قال يزيد بن هارون كان صاحب أمر بالمعروف ونهي عن المنكر
وفي رمضان قاضي الكوفة ومفتيها أبو عبد الرحمن محمد بن عبد الرحمن ابن أبي ليلى الأنصاري الفقيه لم يدرك أباه وسمع الشعبي وطبقته قال أحمد ابن يونس كان أفقه أهل الدنيا وكان صاحب قرآن وسنة قرأ عليه حمزة الزيات وكان صدوقا جائز الحديث قاله في العبر ومات وهو على القضاء
وفيها محمد بن عجلان المدني روى عن أبيه وأنس وطائفة وكان عابدا ناسكا صادقا له حلقة بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم للفتوى روى له مسلم مقرونا بآخر وكان مولى لقريش

سنة تسع وأربعين ومائة

وفيها غزا الناس بلاد الروم وعليهم العباس بن محمد فمات في الغزاة أكثر امرأته
وفيها توفي بالكوفة زكريا ابن أبي زائدة الهمذاني القاضي والد يحيى روى عن الشعبي وغيره قال في المغنى صدوق مشهور قال أبو زرعة صويلح وقال أبو حاتم لين الحديث يدلس وثقة أبو داود وقال يدلس انتهى
وفيها عيسى بن عمر النحوي قال ابن قتيبة كان صاحب تقعير في كلامه واستعمال للغريب فيه وفي قراءته وضربه بوسف بن عمر بن هبيرة في سبب وهو يقول والله إن كانت إلا أثيابا في أسفاط قبضها عشاروك انتهى

وقال ابن الأهدل عيسى بن عمر النحوي الثقفي البصري مولى خالد ابن الوليد نزل في ثقيف فنسب إليهم وكان صاحب غريب في لفظه ونحوه وحكى أنه سقط عن حمار فاجتمع عليه الناس فقال مالكم تكأ كأتم على كتكأ كئكم على ذي جنة افرنقعوا عني معناه مالكم تجمعتم على كتجمعكم على مجنون افترقوا عني فقالوا أن شيطانه هندي وهو شيخ سيبويه وله كتاب الجامع في النحو وهو المنسوب إلى سيبويه وله أيضا الإكمال وصنف نيفا وسبعين كتابا في النحو ولم يبق منها سوى الجامع والإكمال لأنها كانت احترقت إلا هذين وكان سيبويه رحل إليه وعاد ومعه الجامع فسأله الخليل عن عيسى فأخبره بأخبار وأراه الجامع فقال الخليل
( ذهب النحو جميعا كله ** غير ما أحدث عيسى بن عمر )
( ذاك إكمال وهذا جامع ** وهما للناس شمس وقمر )
وهو شيخ سيبويه والخليل وأيى عمرو بن العلاء وعيسى هذا هو الذي هذب النحو ورتبه انتهى ملخصا مزيدا فيه وفيها توفي كهمس بن الحسن البصري روى عن أبي الطفيل وجماعة
والمثنى بن الصباح اليماني بمكة روى عن مجاهد وعمرو بن شعيب وجماعة وكان من أعبد الناس وفي حديثه ضعف

سنة خمسين ومائة

فيها خرجت أهل خراسان على المنصور مع الأمير استأذنيس حتى اجتمع له فيما قيل ثلاثمائة ألف مقاتل ما بين فارس وراجل سائرهم من أهل هراة وسجستان واستولى على أكثر خراسان وعظم الخطب فنهض لحربه الأخثم المرو وذي فقتل الأخثم واستبيح عسكره فسار حازم بن خزيمة في جيش عظيم بالمرة فالتقى الجمعان وصبر الفريقان وقتل خلق حتى قيل إنه قتل في هذه

الوقعة سبعون ألفا وانهزم أستاذ سيس في طائفة إلى جبل وكانت هذه الوقعة في السنة الآتية سقناها استطرادا ثم أمر حازم بالأسرى فضربت أعناقهم كلهم وكانوا أربعة عشر ألفا ثم حاصر أسنادسيس مدة ثم نزل على حكمهم فقيد هو وأولاده وأطلق أصحابه وكانوا ثلاثين ألفا
وفيها توفي إمام الحجاز أبو الوليد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الرومي ثم المكي مولى بني أمية عن أكثر من سبعين سنة أخذ عن عطاء وطبقته وهو أول من صنف الكتب بالحجاز كما أن سعيد بن أبي عروبة أول من صنف بالعراق قال أحمد كان من أوعية العلم قال في العبر ولم يطلب العلم إلا في الكهولة ولو سمع في عنفوان شبابه لحمل عن غير واحد من الصحابة فإنه قال كنت أتتبع الأشعار العربية والأنساب حتى قيل لي لو لزمت عطاء فلزمته ثمانية عشر عاما قال ابن المديني لم يكن في الأرض أعلم بعطاء بن أبي رباح من ابن جريج وقال عبد الرزاق ما رأيت أحدا أحسن صلاة من ابن جريج وقال خالد بن نزار الايلي رحلت بكتب ابن جريج سنة خمسين ومائة لألقاه فوجدته قد مات رحمه الله تعالى انتهى كلامه في العبر وقال ابن الأهدل هو أول من صنف الكتب في الإسلام كان باليمن مع معن بن زائدة قال فحضر وقت الحج وخطر بباله فول عمر بن أبي ربيعة
( بالله قولي له من غير معتبة ** ماذا أردت بطول المكث في اليمن )
( إن كنت حاولت دينا أو نعمت بها ** فما أجدت لترك الحج من ثمن )
قال فدخلت على معن فأخبرته إني عزمت على الحج قال لم تذكره من قبل فأخبرته بما بعثني فجهزني وانطلقت انتهى وقال في المعارف ابن جريج هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج وجريج كان عبدا لأم حبيب بنت جبير وكانت تحت عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسد فنسب إلى ولائه وولد سنة اثنين عام الجحاف والجحاف سيل كان بمكة حدثني أبو حاتم

عن الأصمعي عن أبي هلال قال كان ابن جريج احمر الخضاب روى الواقدي قال حدثنا عبد الرحمن بن أبي زياد قال شهدت ابن جريج جاء إلى هشام بن عروة فقال يا أبا المنذر الصحيفة التي أعطيتها إلى فلان هي حديثك قال نعم قال الواقدي فسمعت ابن جريج بعد ذلك يقول حدثنا هشام بن عروة ما لا أحصى قال وسألته عن قراءة الحديث عن المحدث قال ومثلك يسأل عن هذا إنما اختلف الناس في الصحيفة يأخذها ويقول أحدث بما فيها ولم يقرأها وأما إذا قرأها فهو والسماع سواء انتهى كلام المعارف قلت وهذا مذهب مالك وجماعة وأما عند الحنابلة فالسماع أعلى رتبة ويشهد لمذهبهم العقل والذوق والله أعلم
وفيها مات أبو الحسن مقاتل بن سليمان الأزدي مولاهم الخراساني المفسر وقال في المغني مقاتل بن سليمان البلخي هالك كذبة وكيع النسائي انتهى وقال ابن الأهدل كان نبيلا واتهم في الرواية قال مرة سلوني عمادون العرش فقيل له من حلق رأس آدم لما حج وقال له آخر الذرة أو النملة معاؤها في مقدمها أو مؤخرها فلم يدر ما يقول وقال ليس هذا من علمكم لكن بليت به لعجبي بنفسي وسأله المنصور لما خلق الله الذباب فقال ليذل به الجبابرة وقال الشافعي الناس عيال على مقاتل بن سليمان في التفسير وعلى زهير بن أبي سلمة في الشعر وعلى أبي حنيفة في الفقه وعلى الكسائي في النحو وعلى ابن إسحاق في المغازي
وفيها توفي الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي مولى بني تيم الله بن ثعلبة ومولده سنة ثمانين رأى أنسا وغيره نظم بعضهم من لقي من الصحابة فقال
( لقي الإمام أبو حنيفة ستة ** من صحب طه المصطفى المختار )
( أنسا وعبد الله نجل أنيسهم ** وسميه ابن الحارث الكرار )
( وزاد ابن أوفى وابن واثلة الرضى ** واضمم إليهم معقل بن يسار )
ولكن لم تثبت له رواية عن أحد منهم وإنما روي عن عطاء بن أبي رباح

وطبقته وتقفه على حماد بن سليمان وكان من أذكياء بني آدم جمع الفقه والعبادة والورع والسخاء وكان لا يقبل جوائز الدولة بل ينفق ويؤثر من كسبه له دار كبيرة لعمل الخز وعنده صناع وأجراء رحمه الله تعالى قال الشافعي الناس في الفقه عيال على أبي حنيفة وقال يزيد بن هارون ما رأيت أورع ولا أعقل من أبي حنيفة وروى بشر بن الوليد عن أبي يوسف قال بينما أنا أمشي مع أبي حنيفة أذ سمعت رجلا يقول لآخر هذا أبو حنيفة لا ينام الليل فقال والله لا يتحدث عن بما لم أفعل فكان يحيى الليل صلاة ودعاء وتضرعا وقد روى أن المنصور وسقاه السم فمات شهيدا رحمه الله سمه لقيامه مع أبراهيم قاله في العبر وذكر الحافظ العامري في تأليفه الرياض المستطابة وكذلك ملخصه صالح ابن صلاح العلائي ومن خطه نقلت أن الإمام أبا حنيفة رأى عبد الله بن الحرث ان جزء الصحابي وسمع منه قوله صلى الله عليه وسلم من تفقه في دين الله كفاه الله همة ورزقه من حيث لا يحتسب انتهى وقال ابن الأهدل نقله المنصور عن الكوفة إلى بغداد ليوليه القضاء فأبى فخلف عليه ليفعلن فخلف أن لا يفعل وقال أمير المؤمنين أقدر منى على الكفارة فأمر به إلى الحبس وقيل أنه ضربه وقيل سقاه سما لقيامه مع إبراهيم الشبه بن عبد الله بن حسن فمات شهيدا وقيل أنه أقام في القضاء يومين ثم اشتكى ستة أيام ومات وكان ابن هبيرة قد أراده على القضاء في الكوفة أيام مروان الجعدي فأبى وضربه مائة سوط وعشرة أسواط كل يوم عشرة وأصر على الإمتناع فخلى سبيله وكان الإمام أحمد إذا ذكر ذلك ترحم عليه انتهى وقد قال في الإشباه والنظائر لما جلس أبو يوسف رحمه الله للتدريس من غير اعلام أبي حنيفة أرسل إليه أبو حنيفة رجلا فسأله عن خمس مسائل الأولى قصار جحد الثوب وجاءه به مقصورا أهل يستحق الإجرام لا فأجاب أبو يوسف يستحق الأجر فقال له الرجل أخطأت فقال لا يستحق فقال أخطأت ثم قال له الرجل أن كانت القصارة قبل الجحود استحق وإلا فلا الثانية هل الدخول في الصلاة بالفرض أم بالسنة فقال

بالفرض فقال أخطأت فقال بالسنة فقال أخطأت فتحير أبو يوسف فقال الرجل بهما لأن التكبير فرض ورفع اليدين سنة الثالثة طير سقط في قدر على النار فيه لحم ومرق هل يؤكلان أم لا فقال أبو يوسف يؤكلان فخطأه فقال لا يؤكلان فخطأه ثم قال إن كان اللحم مطبوخا قبل سقوط الطير يغسل ثلاثا ويؤكل وترمي المرقة وإلايرمي الكل الرابعة مسلم له زوجة ذمية ماتت وهي حامل منه تدفن في أي المقابر فقال في مقابر المسلمين فخطأه فقال أبو يوسف في مقابر أهل الذمة فخطأه فتحير فقال في مقابر اليهود اي لأنهم يوجهون قبورهم إلى القبلة ولكن يحول وجهها عن القبلة حتى يكون وجه الولد إلى القبلة لأن الولد في البطن نكون وجهه إلى ظهر أمه الخامسة أم ولد لرجل تزوجت بغير اذن مولاها هل تجب العدة من المولى فقال تجب فخطأه ثم قال الرجل ان كان الزوج دخل بها لا تجب وإلا وجبت فعلم أبو يوسف تقصيره فعاد إلى أبي حنيفة فقال تزبيت قبل أن تحصرم كذا في إجارات الفيض انتهى كلام الأشباه والله أعلم وبه التوفيق
وفيها أوفى التي قبلها وهو الصحيح الحجاج بن ارطأه قال ابن ناصر الدين في بديعة البيان
( ثم أبو ارطأة الحجاج ** مدلس قد طمس الحجاج )
أي العظم المستدير حول العين ويقال ويقال بل هو الأعلى الذي تحت الحاجب قال في المغني حجاج بن أرطأة النخعي الكوفي من كبار الفقهاء تركه ابن مهدي والقطان وقال أحمد لا يحتج به وقال ابن عدي ربما أخطأ ولم يتعمد وقد وثق وقال ابن معين أيضا صدوق يدلس خرج له مسلم مقرونا بغيره انتهى وقد خرج له الأربعة وابن حبان
وفيها عمر بن محمد بن يزيد بن عبد الله بن عمر العمري بعسقلان روى عن سالم بن عبد الله وظائفة ولم يعقب وكان من السادة العبادة قال الثوري لم يكن في آل عمر أفضل منه وقال أبو عاصم النبيل كان من أفضل أهل زمانه

وعثمان بن الأسود المكي روى عن سيعد بن جبير ومجاهد وطاووس

سنة إحدى وخمسين ومائة

فيها قدم المهدي من الري إلى بغداد ليراها فأمر أبوه ببناء الرصافة للمهدي في الجانب الشرقي مقابلة وجعل له حاشية وحشمة واله في زي الخلافة وجدد البيعة بالخلافة للمهدي من بعده من بعد المهدي لعلي بن موسى
وفي رجب توفي الإمام عبد الله بن عون شيخ أهل البصرة وعالمهم روى عن أبي وائل والكبار قال هشام بن حسان لم تر عيناي مثل ابن عون وقال قرة كنا نعجب من ورع ابن سيرين فأنساه ابن عون وقال عبد الرحمن بن مهدي ما كان بالعراق أعلم بالسنة من ابن عون وقال أبو إسحاق هو ثقة في كل شيء
وفيها محمد بن أسحق بن يسار المطلبي مولاهم المدني صاحب السيرة رأى أنسا وسمع الكثير من ا لمقبري والأعرج وهذه الطبقة وكان بحرا من بحور العلم ذكيا حافظا طلابه للعلم أخباريا نسابة علامة قال شعبة هو أمير المؤمنين في الحديث قال ابن معين هو ثقة وليس بحجة وقال أحمد بن حنبل هو حسن الحديث قاله في العبر وقال ابن الأهدل لا تجهل أمانته ووثقه الأكثرون في الحديث ولم يخرج له البخاري شيئا وخرج له مسلم حديثا واحدا من أجل طعن مالك فيه وإنما طعن فيه مالك لأنه بلغه أنه قال هاتوا حديث مالك فأنا طبيب بعلله ومن كتب ابن إسحاق أخذ عبد الملك بن هشام وكل من تكلم في السير فعليه اعتماده توفي ببغداد ودفن في مقبرة الخيزران أم الرشيد نسبت المقبرة إليها لأنها أقدم من دفن فيها وهي بالجانب الشرقي انتهى وقال بعض المحدثين ابن إسحق ثقة مالم يعنعن فيخشى منه التدليس انتهى وقال ابن ناصر الدين كان بحرا من بحور العلم صدوقا مختلفا فيه جرحا وتوثيقا انتهى
وفيها حنظلة بن أبي سفيان بن عبد الرحمن بن صفوان بن أمية الجمحى المكي

روى عن مجاهد وطبقته
والوليد بن كثير المدني بالكوفة روى عن بشير بن يسار وطائفة وكان عارفا بالمغازي والسير ولكنه أباضى قاله في العبر
والإباضة هم المنسوبون إلى عبد الله بن أباض قالوا مخالفونا من أهل القبلة كفار ومرتكب الكبيرة موحد غير مؤمن بناء على أن الأعمال داخلة في الإيمان وكفروا عليا واكثر الصحابة قال الذهبي في المغني الوليد بن كثير المخزومي ثقة حديثه في الكتب الستة سمع سعيد بن أبي هند والكبار قال أبو داود ثقة إلا أنه أباضى وقال ابن سعد ليس بذاك انتهى
وفيها سيف بن سليمان لمكي روى عن مجاهد وغيره قال في المغني ثقة إلا أنه رمى بالقدر انتهى
وفيها أو في التي تليها صالح بن علي الأمير عم المنصور وأمير الشام وهو الذي أمر ببناء أذنه التي في يد صاحب سيس وقد هزم الروم يوم دابق وكانوا مائة ألف
وفيها قتلت الخوارج غبيلة معن بن زائدة الشيباني الأمير بسجستان وكان قد وليها عام أول وكان أحد الأبطال والأجواد وكان مع بني أمية متنقلا في ولاياتهم مواليا لابن هبيرة وقاتل معه المنصور فلما قتل ابن هبيرة وخاف معن فاختفى فلما كان يوم الهاشمية وهو يوم مشهود ثار فيه جماعة من أهل خراسان على المنصور وكانت وقعتهم بالهاشمية التي بناها السفاح بقرب الكوفة وكان معن متواريا بالقرب منهم فخرج متنكرا وقاتل قتالا شديدا أبان فيه عن نجدته وفرقهم فلما أفرج عن المنصور قال له من أنت فكشف اللثام وقال أنا طليبك يا أمير المؤمنين فأمنه وأكرمه وصار من خواصه وقاله أنت الذي أعطيت مروان بن أبي حفص مائة ألف درهم على قوله
( معن بن زائدة الذي زيدت به ** شرفا على شرف بنو شيبان )
فقال إنما أعطيته على قوله


( مازالت يوم الهاشمية معلما ** بالسيف دون خليفة الرحمن )
( فمنعت حوزته وكنت وقاية ** من وقع كل مهند وسنان )
فقال أحسنت ودخل عليه أعرابي وهو جالس على سريره فأنشده
( تذكر إذ قميصك جلد كبش ** وإذ نعلاك نم جلد البعير )
( وفي يمناك عكاز طويل ** تهش به الكلاب عن الهرير )
قال نعم أعرف ذلك ولا أنساه فقال
( فسبحان الذي أعطاك ملكا ** وعلمك الجلوس على السرير )
قال بحمد الله لا بحمدك قال
( فأقسم لا أحييك ابن معن ** مدى عمري بتسليم الأمير )
( قال إذا والله لا أبالي فقال
( فمر لي يا ابن زائدة بمال ** فأبى قد عزمت على المسير )
قال لغلامه أعطه ألف ألف درهم فقال
( قليل ما أمرت به وأني ** لأطمع منك بالشيء الكثير )
قال يا غلام زده ألف درهم فقال
( ملكت الجود والأنصاف جمعا ** فبذل يديك كالبحر الغزير )
فقال يا غلام ضاعف له الحساب فاضعف له ورأى راكبا محثا ناقته فقال لحاجبه لا تحجب هذا فلما مثل بين يديه أنشد
( أصلحك الله قل ما بيدي ** فما أطيق العيال إذ كثروا )
( ألحم دهر على كلكله ** فأرسلوني إليك وانتظروا )
فأخذته اريحية وقال والله لأعجلن أوبتك إليهم فأعطاه مائة ناقة والف دينار وهو لا يعرفه ولما طلب المنصور سفيان الثوري فر سفيان إلى اليمن فكان يقرأ على الناس أحاديث الضيافة الضيافه ليضفوه ويكتفي عن سؤالهم فاتهم بسرقة ورفع إلى معن بن زائدة فتعرفه حتى عرفه فقال اذهب حيث شئت فلو كنت تحت

قدمى ما أخرجتك ولما عظم صيته له اندلس جماعة من الخوارج في ضيعة له بسجستان فقتلوه وهو يحتجم فتبعهم ابن أخيه فقتلهم جميعهم ورثاه الشعراء ومن أحسن ذلك قول مروان بن أبي حفصة في قصيدته التي أولها
( مضى لسبيله معن وأبقى ** مكارم لن تبيد ولن تنالا )
واستنشده إياها جعفر البرمكي فأنشده فبكى وأجازه بستمائة دينار وروى أنه دخل على المهدي بن المنصور فمدحه فقال له ألست القائل
( وقلنا لا ترحل بعد معن ** فقد ذهب النوال ولا نوالا )
وأمر بإخراجه ثم وفد عليه في العام المقبل وكانت الشعراء أنما تدخل على الخلفاء في كل عام مرة ثم مدحه بقصيدته التي يقول فيها طرقتك زائرة فأعجب بها وهي مائة بيت أعطاه مائة ألف درهم وهي أول إجازة بمائة ألف أعطيها شاعرا في خلافة العباسيين

سنة اثنتين وخمسين ومائة

فيها توفي إبراهيم بن أبي عبلة أحد الأشراف والعلماء بدمشق عن سن عالية روى عن أبي أمامة وواثلة بن الأسقع وخلق كثير
وفيها عباد بن منصور الناجي روى عن عكرمة وجماعة وولى قضاء البصرة نلك الأيام لإبراهيم بن عبد الله بن حسن الحسني وليس بالقوى في الحديث
وأبو حرة واصل بن عبد الرحمن البصري روى عن الحسن وطبقته قال شعبة هو اصدق الناس وقال أبو داود الطيالسي كان يختم كل ليلتين
وفيها وقيل بعدها يونس بن يزيد الأبلي صاحب الزهري وأوثق أصحابه وقد روى عن القسم وسالم وجماعة وتوفي بالصعيد قال ابن ناصر الدين
( بعدهما فتى يزيد يونس ** ذاك الإمام المكثر المدرس )
وقال في شرحها يونس بن يزيد بن أبي النجاد حجة ثقة انتهى ملخصا

سنة ثلاث وخمسين ومائة

فيها غلبت الخوارج الأباضية على أفريقية وهزموا عسكرها وقتلوا متوليها عمر بن حفص الأزدي وكان رأسهم ثلاثة أبو حاتم الأباضي وأبو عاد وأبو قرة الصفرى وكان أبو قرة في أربعين ألفا من الصفرية قد بايعوه بالخلافة وكان أبو حاتم وصاحبه في ثمانين ألف فارس وأمم لا يحصون من الرجالة
وفيها الزم المنصور الناس بلبس القلانس المفرطة الطول وتسمى بالدنية لشبهها بالدن وكانت تعمل من كاغد ونحوه على قصب ويعمل عليها السواد شبه من الشربوش
وفيها توفي أبو زيد أسامة بن زيد الليثي مولاهم المدني روى عن سعيد المسيب فمن بعده وخرج له مسلم والأربعة وابن حبان قال في المغني صدوق اختلف قول يحيى القطان فيه وقال أحمد ليس بشيء وقال ابن أبي شيبة ليس بالفوى وقال ابن عدي ليس به بأس انتهى
وأبو خالد ثور بن يزيد الكلاعي الحافظ محدث حمص روى عن خالد ابن معدان وطبقته قال يحيى القطان ما رأيت شابا أوثق منه وكفى به الشهادة وقال أحمد كان يرى القدر ولذلك نفاه أهل حمص وخرج له البخاري والأربعة قال في المغني ثقة من مشاهير القدرية انتهى
والفقيه أبو محمدا لحسن بن عمارة الكوفي قاضي بغداد روى عن ابن أبي مليكة والحكم وطبقتهما وهو اه باتفاقهم
والضحاك بن عثمان الحزامي المدني روى عن نافع وجماعة و خرج له مسلم والأربعة قال في المغني قال يعقوب بن شبية صدوق في حديثه ضعف لينه القطان انتهى
وعبد الحميد بن جعفر الأنصاري المدين عن المقبري وجماعة وخرج

له مسلم والأربعة قال في المغني صدوق ضعفه القطان وفيه قدرية انتهى
وفيها فطر بن خليفة أبو بكر الكوفي الخياط روى عن أبي الطفيل وأبي وائل وخلق وهو مكثر حسن الحديث روى البخاري له مقرونا
ومحل بن محرز الضبي الكوفي قال في المغني عن أبي وائل صدوق لم يخرجوا له في الكتب الستة شيئا قال يحيى القطان وسط لم يكن بذاك ووثقه غير واحد وقال أبوحاتم لا يحتج به وممن وثقه أحمد وله في الأدب للبخاري انتهى
وفي رمضان معمر بن راشد الأزدي مولاهم البصري الحافظ أبو عروة صاحب الزهري كهلا رأى جنازة الحسن وأقدم شيوخه موتا قتادة قال أحمد ليس نضم معمرا إلى أحد الأ وجدته فوقه وقال غيره كان معمر خيرا وهو أول من ارتحل في طلب الحديث إلى اليمن فلقى بها همام بن منبه صاحب أبي هريرة وله الجامع المشهور في السير أقدم من الموطأ وقال في المغني ثقة أمام له أوهام احتملت له قال أبو حاتم صالح الحديث وما حدث به بالبصرة ففيه أغاليط وقد قال أحمد بن حنبل ليس نظم معمرا إلى أحد إلا وجدته فوقه انتهى وقال ابن ناصر الدين معمر بن راشد بن أبو راشد أبي عمرو والأزدي مولاهم البصري عالم اليمن ثقة حجة ورع انتهى
وفيها موسى بن عبيدة الربذي بالمدينة روى عن نافع وطبقته وكان صالحا ضعيفا باتفاق قاله في العبر
وفيها على الأصح وقيل في التي بعدها هشام بن أبي عبد الله الحافظ البصري ويقال الدستوائي لأنه كان يتجر في الثياب المجلوبة من دستوى وهي من الأهواز سماه أبو داود أمير ا لمؤمنين وقال شعبة ما من الناس أحد يقول إنه طلب الحديث لله إلا هشام الدستوائي وهو أعلم بحديث قتادة منى وقال شاذ بن فياض بكى هشام حتى فسدت عينه قاله في العبر وقال ابن قتيبة هو هشام بن أبي عبد الله سنبر مولى لبني سدوس يرمي بالقدر انتهى


وهشام بن الغاز الجرشي الدمشقي متولي بيت المال للمنصور روى عن مكحول وطبقته وكان من ثقات الشاميين وعلمائهم
وفيها وهيب بن الورد الولي الشهير صاحب المواعظ والحقائق روى عن حميد بن قيس الأعرج وجماعة كان لا يأكل مما في الحجاز تورعا عما اصطفاه الولاة لأنفسهم ومواشيهم

سنة أربع وخمسين ومائة

فيها أهم المنصور أمر الخوارج واستيلاؤهم على المغرب فسار إلى الشام وزار بيت المقدس وجهز يزيد بن حاتم في خمسين ألف فارس وعقد له على المغرب فبلغنا أنه أنفق على ذلك الجيش ثلاثة وستين ألف الف فافتتح يزيد إفريقية وهزم الخوارج وقتل كبارهم واستعمل المنصور على قضاء دمشق يحيى ابن حمزة فبقى قاضيا ثلاثين سنة
وفيها توفي فقيه الجزيرة وعالمها جعفر بن برقان الجزري صاحب ميمون ابن مهران روى له البخاري في التاريخ ومسلم والأربعة قال في المغني جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران قال أحمد يخطىء في حديث الزهري وقال ابن خزيمة لا يحتج به وقد و ثقة أحمد في رواية وابن معين والفسوى وابن سعد انتهى
وفيها وزير المنصور أبو أيوب سليمان بن مخلد وقيل ابن داود المورياني نسبة إلى موريان من قرى الأهواز هم المنصور ان يوقع به لتهم الحقته وكان كلما دخل هم بذلك ثم يترك أذا رآه فقيل كان معه دهن فيه سحر فشاع في العامة دهن أبي أيوب ثم أوقع به بعد وعذبه حتى مات
وفيها توفي أشعب الطامع ويعرف بابن أم حميد روى عن عكرمة وسالم وله نوادر وملح في الطمع والتطفيل أشهر من أن تذكر
وفيها عبد الرحمن بن يزيد بن جابر الدمشقي محدث دمشق روى عن أبي الأشعث

الصنعاني قال في المغني من ثقات الدماشقة أثنى عليه جماعة والعجب من البخاري كيف أورده في الضعفاء وما ذكر ما يدل على لينه بل قال قال الوليد كان عنده كتاب سمعه وكتاب لم يسمعه انتهى وقد روى عن خلق من التابعين
وفيها قرة بن خالد السدوسي البصري صاحب الحسن وابن سيرين قال يحيى القطان وكان من أثبت شيوخنا
والحكم بن أبان العدني روى عن طاووس وجماعة وكان شيخ أهل اليمن وعالمهم بعد يعقوب قال أحمد العجلي ثقة صاحب سنة كان إذا هدأت العيون وقف في البحر إلى ركبتيه يذكر الله حتى يصبح
وفيها مقرىء البصرة الإمام أبو عمرو بن العلاء بن عمار التميمي المازني البصري أحد السبعة وله أربع وثمانون سنة قرأ على أبي العالية الرياحي وجماعة وروى عن أنس وإياس قال أبو عمرو كنت رأسا والحسن حي ونظرت في العلم قبل أن أفتن وقال أبو عبيدة كان أبو عمرو أعلم الناس بالقرآن والعربية والشعر وأيام العرب قال وكانت دفاتره ملء بيت إلى السقف ثم تنسك فأحرقها قاله في العبر وقال ابن الأهدل فاحترقت كتبه فلما رجع إلى علمه الأول لم يكن عنده إلا ما حفظه وهو في النحو في الطبقة الرابعة من على قال الأصمعي سألته عن ألف مسألة فأجابني فيها بألف حجة وفيه يقول الفرزدق مفتخرا
( مازلت أفتح أبوابا وأغلقها ** حتى أتيت أبا عمرو بن عمار )
وكنيته اسمه على الصحيح وكان إذا دخل رمضان لم ينشد بيتا حى ينقضى ودخل يوما على سليمان بن علي عم السفاح فسأله عن شيء فصدقه فلم يعجبه فخرج أبو عمرو وهو يقول
( أنفت من الذل عند المل ** ك وأن أكرموني وأن قربوا )


( اذا ما صدقتهم خفتهم ** ويرضون مني بأن أكذب )
قال اليافعي رحمه الله ورفعه للباء من أكذب لموافقة القافية مع دخول أن الناصبة للفعل المضارع دليل لجواز الاقواء المعروف انتهى وقال أبو عمرو رحمه الله أول العلم الصمت ثم حسن السؤال ثم حسن اللفظ ثم نشره عند أهله وقال احتمال الحاجة خير من طلبها من غير أهلها وقال ما تساب اثنان إلا غلب ألأمهما وقال إذا تمكن الإخاء قبح الثناء وما ضاق مجلس بمتحابين وما اتسعت الدنيا لمتباغضين وسمع أعرابيا كان مختفيا من الحجاج يقول
( ربما تجزع النفوس لأمر ** وله فرجة كحل العقال )
فقال له أبو عمرو وما الأمر قال مات الحجاج قال فلم أدري بأيهما كنت أفرح بموت الحجاج أم بقوله فرجة يعني بفتح الفاء قال الاصمعي هي بالفتح من الفرج وبالضم من فرجة الحائط ونحوه وولد أبو عمرو بمكة ومات بالكوفة رحمه الله تعالى انتهى
وفيها خندق المنصور على الكوفة والبصرة وضرب عليها سورا قاله ابن الجوزي في الشذور

سنة خمس وخمسين ومائة
فيها افتتح يزيد بن حاتم أفريقية واستعادها من الخوارج وقتل كبارهم أبا حاتم وأبا عاد وطائفة ومهد قواعدها
وفيها أو في سنة ثمان توفى محدث حمص صفوان بن عمرو السكسكي أدرك أبا أمامة وروى عن عبد الله بن بسر وجبير بن نفير والكبار وفيها مسعر بن كدام الحافظ أبو سلمة الهلالي الكوفي الأحول أحد الأعيان

يسمى المصحف من اتقانه ويدعى الميزان لنقده وتحرير لسانه قاله ابن ناصر الدين وقال في العبر أخذ عن الحكم وقتادة وخلق وكان عنده نحو ألف حديث قال يحيى القطان ما رأيت أثبت منه وقال شعبة كنا نسمى مسعرا المصحف وقال أبو نعيم مسعر أثبت من سفيان وشعبة انتهى
وفيها عثمان بن أبي العاتكة الدمشقي القاص روى عن عمير بن هانىء العنسي وجماعة
وفيها وقال ابن ناصر الدين سنة أربع جعفر بن برقان الرقى أبو عبد الله الكلابي مولاهم ذكر النسائي وغيره أنه ليس به بأس وهو معدود في حفاظ الرجال وكان أميا لا يدري الكتابة فيما يقال انتهى وقد تقدم الكلام عليه قريبا في سنة أربع
وفيها حماد الراوية بن أبي ليلى الديلمي الكوفي مولى لابن زيد الخيل الطائي الصحابي كان حماد من أعلم الناس بمآثر العرب وأشعارها وهو الذي جمع السبع الطوال قال له الوليد بن يزيد الأموي لم سميت الراوية قال لأني أروى لكل شاعر سمعت به أو لم أسمع وأميز بين قديمها وحديثها قال له كم تحفظ من الشعر قال كثير لكني أنشد على كل حرف مائة قصيدة كبيرة سوى المقطعات من شعر الجاهلية دون الإسلام فامتحنه في ذلك فوجده كما قال فأمر له بمائة ألف و وهبه هشام مائة ألف درهم

سنة ست وخمسين ومائة

فيها توفي سعيد بن أبي عروبة الإمام أبو النضر العدوى شيخ البصرة وعالمها وأول من دون العلم بها وكان قد تغير حفظه قبل موته بعشر سنين روى عن أبي رجاء العطاردي وابن سيرين والكبار وخرج له ابن عدي قال في المغني وثقة ابن معين وأحمد وهو ثقة أمام تغير حفظه قال أبو حاتم هو قبل أن يختلط

ثقة انتهى وقال ابن ناصر الدين قيل أنه كان يقول بالقدر سرا انتهى وعده ابن قتيبة في القدرية
وعبد الله بن شوذب البلخي ثم البصري نزيل بيت المقدس روى عن الحسن وطبقته وكان كثير العلم جليل القدر قال كثير بن الوليد كنت إذا رأيت ابن شوذب ذكرت الملائكة وعاش سبعين سنة
وفيها شيخ افريقية وقاضيها وأول من ولد بها من المسلمين عبد الرحمن ابن زياد بن أنعم الشعباني الإفريقي الزاهد الواعظ روى عن أبي عبد الرحمن الحبلي وطبقته وقد وفد على المنصور فوعظه بكلام حسن وليس بقوى في الحديث
وعمر بن ذر الهمذاني الكوفي الواعظ البليغ روى عن أبيه ثقة لكنه رأس في الأرجاء انتهى
وفيها على بن أبي حملة الدمشقي المعمر أدرك معاوية وروى عن أبي إدريس الخولاني والكبار وقد وثقه أحمد وغيره
وفيها وقيل سنة ثمان قارىء الكوفة أبو عمارة حمزة بن حبيب التيمي مولى تيم الله بن ربيعة الكوفي الزيات الزاهد أحد السبعة قرأ على التابعين وتصدر للأقراء فقرأ عليه جل أهل الكوفة وحدث عن الحكم بن عيينة وطبقته وكان رأسا في القرآن والفرائض قدوة في الورع قال حمزة القرآن ثلثمائة ألف حرف وثلاثة وسبعون ألف حرف ومائتان وخمسون ورأى الحق سبحانه في المنام وضمخه بالغالية وسمع منه وهو منام مشهور

سنة سبع وخمسين ومائة

فيها على ما في الشذور بني المنصور قصره الذي على شاطىء دجلة ويدعى الخلد وحول الأسواق من المدينة إلى باب الكرخ وباب الشعير والمحول

ووسع طرق المدينة وأرباضها وعقد الجسر بباب الشعير انتهى
وفيها توفي الحسين بن وأقد المروزي قاضي مرو روى عن عبد الله بن بريدة وطبقته وروى له العقيلي وابن حبان قال الذهبي في المغني واقد المروزي عن ابن بريدة صدوق استنكر أحمد بعض حديثه انتهى
وفي صفر إمام الشاميين أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي الفقيه روى عن القسم بن مخيمرة وعطاء وخلق كثير من التابعين وكان رأسا في العلم والعمل جم المناقب ومع علمه كان بارعا في الكتابة والترسل قال الهقل بن زياد أجاب الأوزاعي عن سبعين ألف مسألة وقال إسماعيل بن عباس سمعت الناس سنة أربعين ومائة يقولون الأوزاعي اليوم عالم الأمة وقال عبد الله الخريبي كان الأوزاعي أفضل أهل زمانه وقال الوليد بن مسلم ما رأيت أكثر اجتهادا في العبادة من الأوزاعي وقال أبو مسهر كان الأوزاعي يحيى الليل صلاة وقرآنا وبكاء ومات في الحمام اغلقت عليه زوجته باب الحمام ونسيته فمات و رثاه بعضهم فقال
( جاد الحيا بالشام كل عشية ** قبرا تضمن لحده الأوزاعي )
( قبرا تضمن طود كل شريعة ** سقيا له من عالم نفاع )
( عرضت له الدنيا فاقلع معرضا ** عنها بزهد أيما اقلاع )
وجاء رجل إلى بعض المعيرين فقال رأيت البارحة كان ريحانة رفعت إلى السماء من ناحية المغرب حتى توارت في السماء فقال إن صدقت رؤياك فقد مات الأوزاعي فوجدوه قد مات تلك الليلة وما حج لقيه سفيان الثوري بذي طوى فأخذ بحطام بعيره ومشى وهو يقول طرقوا للشيخ قال ابن ناصر الدين الأوزاعي هو عبد الرحمن بن عمرو بن يحمد الأوزاعي الدمشقي الثقة المأمون ولد ببعلبك سنة ثمان وثمانين وكان عالم الأمة منفردا بالسيادة مع اجتهاد في أحياء الليل أجاب في سبعين ألف مسئلة للقصاد دخل حماما في بيته نهارا وأدخلت معه زوجته

في كانون فحما ونارا ثم أغلقت عليه غير متعمدة فهاج الفحم بالنار فمات من ذلك والأوزاع قرية بدمشق اتصل بها العمران وهي المحلة التي تسمى الآن بالعقيبة انتهى وقال في المعارف حدثنا البجلي أن اسمه عبد الرحمن بن عمرو من الأوزاع وهم بطن من همدان وقال الواقدي كان يسكن ببيروت ومكتبه باليمامة فلذلك سمع من يحيى بن أبي كثير ومات ببيروت سنة سبع وخمسين ومائة وهو ابن اثنتين وسبعين سنة انتهى كلام العبر وقال النووي في شرح المهذب في باب الحيض وأما الأوزاعي فهو أبو عمرو وعبد الرحمن بن عمرو من كبار تابعي التابعين وأئمتهم البارعين كان إمام أهل الشام في زمنه أفتي في سبعين ألف مسألة وقيل ثمانين ألفا توفي في خلوة في حمام ببيروت مستقبل القبلة متوسدا يمينه سنة سبع وخمسين ومائة قيل هو منسوب إلى الأوزاع قرية كانت خارج باب الفراديس من دمشق وقيل قبيلة من اليمن وقيل غير ذلك انتهى وفي تهذيب النووي عن عبد الرحمن ابن مهدي قال الأئمة في الحديث أربعة الأوزاعي ومالك وسفيان الثوري وحماد بن زيد انتهى وقال أبو حاتم الأوزاعي إمام متبع لما سمع وذكر أبو إسحاق الشيرازي في الطبقات أن الأوزاعي سئل عن الفقه يعني استفتى وله ثلاث عشرة سنة انتهى
وفيها محمد بن عبد الله ابن أخي الزهري المدني روى عن عمه وأبيه
وفيها مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام بالمدينة روى عن أبيه وطائفة وضعفه ابن معين
وفيها يوسف ابن إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي روى عن جده وعن الشعبي قال ابن عيينة لم يكن في ولد إسحاق أحفظ منه

سنة ثمان وخمسين ومائة
فيها صادر المنصور خالد بن برمك وأخذ منه ثلاثة آلاف درهم ثم رضي عنه وأمره على الموصل
وفيها توفي أفلح بن حميد الأنصاري المدني روى عن القسم وأبي بكر بن حزم
وفيها حيوة بن شريح أبو زرعة قال السيوطي في حسن المحاضرة حياة بن شريح بن صفوان التجيبي أبو زرعة المصري الفقيه الزاهد العابد أحد العباد والعلماء السادة عن يزيد بن أبي حبيب وعنه الليث سئل عنه أبو حاتم فقال هو أحب إلي من الليث بن سعد ومن الفضل بن فضالة وقال ابن المبارك ما وصف لي أحد ورأيته إلا كانت رؤيته دون صفته إلا حياة بن شريح فإن رؤيته كانت أكبر من صفته عرض عليه قضاء مصر فأبى انتهى وقال ابن ناصر الدين الإمام القدوة كان كبير الشأن مجاب الدعوة انتهى وقال في العبر صحب يزيد بن أبي حبيب وروى عن يونس مولى أبي هريرة وطبقته وكان مجاب الدعوة انتهى
وفيها زفر قال في العبر زفر بن الهذيل بن قيس من بني العنبر ويكنى أبا الهذيل وكان قد سمع الحديث وغلب عليه الرأي ومات بالبصرة وكان أبوه الهذيل على أصبهان انتهى وقال في العبر زفر بن الهذيل العنبري الفقيه صاحب أبي حنيفة وله ثمان وأربعون سنة وكان ثقة في الحديث موصوفا بالعبادة نزل البصرة وتفقهوا عليه
وفيها عبيد الله بن أبي زياد الرصافي الشامي صاحب الزهري وثقة الدارقطني لصحة كتابه وما روى عنه إلا حفيده حجاج بن أبي منيع
وفيها عبد الله بن عياش الهمذاني الكوفي صاحب الشعبي ويعرف بالمنتوف وعوانه بن الحكم البصري الإخباري


وفيها كما قال ابن الجوزي في الشذور نزل المنصور قصره المسمى بالخلد على دجلة ثم حج وتوفي ببئر ميمون وكانت مدة خلافته إحدى وعشرين سنة وأحد عشر شهرا وأربعة عشر يوما وهو محرم وأخذت البيعة للمهدي انتهى قال في العبر توجه المنصور للحج فأدركه أجله يوم سادس ذي الحجة عند بر ميمون بظاهر مكة محرما فأقام الموسم الأمير إبراهيم بن يحيى بن محمد صبى أمرد وهو ابن أخي المنصور واستخلف المهدي وتوفي وله ثلاث وستون سنة وكانت أمه بربرية وكان طويلا مهيبا اسمر خفيف اللحية رحب الجبهة كأن عينيه لسانان ناطقان تقبله النفوس وكان يخالطه أبهة الملك بزي أولى النسك ذا حزم وعزم ودهاء ورأى وشجاعة وعقل وفيه جبروت وظلم انتهى وقال ابن الأهدل كان لا يبالي أن يحرس ملكه بهلاك من كان وكان قد روى العلم وعرف الحلال والحرام وساس هو وبنوه ملكهم سياسة الملوك وولى بعده المهدي وكان المنصور استأذن أخاه السفاح في الحج فجاءه نعي السفاح في بعض الطريق فسار مسرعا حتى دخل دار الخلافة وظفر بالأموال وتقررت قواعده ولما أراد إنشاء مدينة السلام بعد أن مكث سنة يتردد فقال له راهب كان هناك ما تريد قال أريد أن أبني ههنا مدينة قال الراهب أن صاحبها يقال له مقلاص فقال المنصور أنا والله كنت أدعي بذلك في الكتاب ثم قال له منجمه احكم الآن بالبناء فإنه يتم بناؤها ولا يكون لها في الدنيا نظير قال ثم ماذا قال ثم تخرب بعد موتك خرابا ليس بالصحراء ولكن دون العمران فوضع المنصور أول لبنة بيده وقال بسم الله الرحمن الرحيم { إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين } ولما تم بناؤها وانتقل إلى قصره وقف يتأمل باب القصر فإذا عليه مكتوب
( ادخل القصر لا تخاف زوالا ** بعدستين من سنيك ترحل )
فوقف مليا وتغرغرت عيناه ثم قال لعبة لغافل وفسحة لجاهل وكان وقوفه

أنه حسب ما بقي من عمره من المولد إلى تمام ستين انتهى قال المدائني خرجت مع المنصور في حجته التي مات فيها فسألني عن سني فقلت ثلاث وستون فقال وأنا فيها وهي دقاقة الأعناق فنزلنا منزلا فوجد مكتوبا على الحائط
( أبا جعفر حانت وفاتك وانقضت ** سنوك وأمر الله لاشك نازل )
( أبا جعفر هل كاهن أو منجم ** يرد قضاء الله أم أنت جاهل )
فجعل يراه وينظر إليه ولا نرى نحن شيئا وذكر النووي في تهذيبه واقعة جرت له مع سفيان الثوري وذلك أنه أرسل لقتل سفيان قبل دخوله مكة فجاء سفيان إلى الفضيل وسفيان بن عيينة فضرع لهما وجلس بينهما فقالا اتق الله ولا تشمت بنا الأعبد فقام سفيان إلى البيت وأخذ برتاجه وقال برئت منه أن دخلها أبو جعفر فلم يدخلها إلا ميتا انتهى
وفيها أيضا مات طاغية الروم قسطنطين بن اليون إلى اللعنة

سنة تسع وخمسين ومائة

فيها ألح المهدي على ولي العهد عيسى بن موسى بكل ممكن وبالرغبة والرهبة في خلع نفسه ليولي العهد لولده موسى الهادي فأجاب خوفا على نفسه فأعطاه المهدي عشرة آلاف درهم وإقطاعات
وفيها بنى المهدي مسجد الرصافة وأعتق الخيزران وتزوجها
وفيها توفي الإمام أبو الحرث محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحرث بن أبي ذئب هشام بن شعبة القرشي العامري المدني الفقيه ومولده سنة ثمان روى عن عكرمة ونافع وخلق قال أحمد بن حنبل كان يشبه بسعيد بن المسيب وما خلف مثله كان أفضل من مالك إلا أن مالكا أشد تنقية للرجال وقال الواقدي كان ابن أبي ذئب يصلي الليل أجمع ويجتهد في العبادة فلو قيل له إن القيامة تقوم غدا

ما كان فيه مزيد من الاجتهاد وقال أخوه أنه كان يصوم يوما ويفطر يوما ثم سرده وكان شديد الحال يتعشى بالخبز والزيت وكان من رجال العالم صرامة وقولا بالحق وكان يحفظ حديثه لم يكن له كتاب وقال أحمد دخل ابن أبي ذئب على أبي جعفر يعني المنصور فلم يهله أن قال له الظلم ببابك فاش وأبو جعفر أبو جعفر حياه المنصور فلم يقم له فقيل له لا تقوم لأمير المؤمنين فقال إنما يقوم الناس لرب العالمين
وفيها عبد العزيز بن أبي رواد بمكة روى عن عكرمة وسالم وطائفة وخرج له الأربعة قال في المغني عبد العزيز بن أبي رواد صالح الحديث ضعفه ابن الجنيد وقال ابن حبان روى عن نافع عن ابن عمر نسخة موضوعة انتهى
وقال في العبر توفي بمكة روى عن عكرمة وسالم وطائفة قال ابن المبارك كان من أعبد الناس وقال غيره كان مرجئا
انتهى
وقال ابن الاهدل رأت امرأة بمكة الحور العين حول الكعبة كهيئة العرس فقالت ما هذا فقيل زواج عبد العزيز فانتبهت فإذا هو مات
وفيها عكرمة بن عمار اليمامي روى عن طاووس وجماعة وخرج له الأربعة ومسلم قال عاصم بن علي كان مستجاب الدعوة وآخر من روى عنه يزيد بن عبد الله اليمامي شيخ ابن ماجه قال في المغني صدوق مشهور قال القطان أحاديثه عن يحيى بن أبي كثير ضعيفه وقال أحمد ضعيف الحديث ووثقه ابن معين وغيره قال الحاكم أكثر مسلم الاستشهاد به وقال البخاري لم يكن له كتاب فاضطرب حديثه انتهى كلام المغني
وعمار بن رزيق الضبي الكوفي روى عن منصور والأعمش وكان كبير القدر عالما خيرا قال أبو أحمد الزيتوني لبعضهم لو كنت اختلفت إلى عمار لكفاك أهل الدنيا
وفيها عيسى بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب المدني ولقبه رباح

روى عن أبيه وعن سعيد بن المسيب وهو أكبر شيخ للقعنبي
وفي أولها مالك بن مغول البجلي الكوفي روى عن الشعبي وطبقته وكان كثير الحديث ثقة حجة قال ابن عيينة قال له رجل اتق الله فوضع خده بالأرض
وفيها يونس بن أبي إسحاق السبيعي عن سن عالية روى عن أنس وكبار التابعين وكان صدوقا كثير الحديث قال عبد الرحمن بن مهدي وغيره لم يكن به بأس
وفيها أمير خراسان حميد بن قحطبة بن شبيب الطائي وقد ولي أيضا الجزيرة ومصر

سنة ستين ومائة
حج المهدي بالناس ونزع كسوة الكعبة كلها حتى جردها ثم طلا البيت بالخلوف وقسم في سفره ثلاثين ألف درهم وحملت معه ووصل إليه من مصر ثلاثمائة ألف دينار ومن اليمن مائة ألف فقسم ذلك كله وفرق من الثياب مائة ثوب وخمسين ألف ثوب ووسع في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله ابن الجوزي في شذور العقود
وفيها افتتح المسلمون وعليهم عبد الملك المسمعي مدينة كبيرة بالهند وحمل محمد بن سليمان الأمير الثلج حتى وافى به مكة للمهدي وهذا شيء لم يتهيأ لأحد
وتوفي في غزوة الهند في الرجعة بالبحر الربيع بن صبيح البصري صاحب الحسن وقد قال فيه شعبة هو عندي من سادات المسلمين وقال أحمد لا بأس به
وفيها لثلاث بقين من جمادى الآخرة توفي أبو بسطام شعبة بن الحجاج بن الورد العتكي الأزدي مولاهم الواسطي شيخ البصرة وأمير المؤمنين في الحديث روى عن معاوية بن قرة وعمرو بن مرة وخلق من التابعين قال الشافعي لولا شعبة ما عرف الحديث بالعراق وقال أبو زيد الهروي رأيت شعبة يصلي حتى ترم قدماه وكان موصوفا بالعلم والزهد والقناعة والرحمة والخير وكان رأسا في العربية والشعر وقال أبو عبد الرحمن النسائي أمناء الله على علم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة شعبة بن الحجاج ويحيى بن سعيد القطان ومالك بن أنس

مجونه فقال الحسن
( والنفس لا تقلع عن غيها ** ما لم يكن منها لها زاجر )
فقال أبو العتاهية وددت أن هذا البيت بشعري كله ورأى رجل الحسن في النوم فقال له ما فعل الله بك وقال رحمني بأبيات قلتها وهي
( يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة ** فلقد علمت بأن عفوك أعظم )
( إن كان لا يرجوك إلا محسن ** فبمن يلوذ ويستجير المجرم )
( أدعوك رب كما أمرت تضرعا ** ولئن رددت يدي فمن ذا يرحم )
( ما لي إليك وسيلة إلا الرجا ** وجميل ظني ثم أني مسلم )
انتهى وقال الحصري في كتابه قطب السرور قال ابن نوبخت توفي أبو نواس في منزلي فسمعته يوم مات يترنم بشيء فسألته عنه فأنشدني
( باح لساني بمضمر السر ** وذاك أني أقول بالدهر )
( وليس بعد الممات منقلب ** وإنما الموت بيضة العمر )
والتفت إلى من حوله فقال لا تشربوا الخمر صرفا فإني شربتها صرفا فأحرقت كبدي ثم طفى انتهى فإنا لله وإنا إليه راجعون

سنة سبع وتسعين ومائة

فيها حوصر الأمين ببغداد وأحاط به أمراء المأمون وهم طاهر بن الحسين وهرثمة بن أعين وزهير بن المسيب في جيوشهم وقاتلت مع الأمين الرعية وقاموا معه قياما لا مزيد عليه ودام الحصار سنة واشتد البلاء وعظم الخطب
وفيها توفي الإمام الحبر أبو محمد عبد الله بن وهب الفهري مولاهم المقري أحد الأعلام في شعبان ومولده سنة خمس وعشرين وطلب العلم بعد الأربعين ومائة بعام أو بعامين وروى عن ابن جريج وعمرو


وفيها توفي المسعودي عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود الكوفي روى عن الحكم بن عتبة وعمرو بن مرة وخلق وخرج له الأربعة قال أبو حاتم كان أعلم أهل زمانه بحديث ابن مسعود وتغير قبل موته بسنة أو سنتين وقال ابن حبان كان صدوقا إلا أنه اختلط في آخر عمره وقال آخر كان حسن الحديث

سنة إحدى وستين ومائة

فيها أمر المهدي ببناء القصور بطريق مكة واتخاذ المصانع وتجديد الأميال وحفر الركايا وزاد في جامع البصرة وأمر بنزع المقاصير وتقصير المنابر وتصييرها إلى المقدار الذي عليه منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم اليوم ففعل ذلك قاله في الشذور
وفيها كان ظهور عطاء المقنع الساحر الملعون الذي ادعى الربوبية بناحية مرو واستغوى خلائق لا يحصون قال ابن خلكان في تاريخه عطاء المقنع الخراساني لا أعرف اسم أبيه وكان مبدأ أمره قصارا من أهل مرو وكان يعرف شيئا من السحر والنيرجات فادعى الربوبية من طريق المناسخة وقال لأشياعه والذين اتبعوه إن الله تعالى تحول إلى صورة آدم عليه السلام فلذلك قال للملائكة اسجدوا فسجدوا له إلا إبليس فاستحق بذلك السخط ثم تحول من صورة آدم إلى صورة نوح ثم إلى صورة واحد فواحد من الأنبياء عليهم السلام والحكماء حتى حصل في صورة أبي مسلم الخراساني ثم زعم أنه انتقل منه إليه فقبل قوم دعواه وعبدوه وقاتلوا دونه مع ما عاينوا من عظيم ادعائه وقبح صورته لأنه كان مشوه الخلق أعور وإنما غلب على عقولهم بالتمويهات التي أظهرها لهم بالسحر والنيرجات وكان في جملة ما أظهر لهم صورة قمر يطلع

ابن الحرث وخلق وتفقه بمالك والليث قال أبو سعيد بن يونس جمع ابن وهب بين الفقه والرواية والعبادة وله تصانيف كثيرة وقال أحمد بن صالح المصري حدث ابن وهب بمائة ألف حديث ما رأيت أحدا أكثر حديثا منه وقال ابن خداش قرئ على ابن وهب كتابه في أهوال القيامة فخر مغشيا عليه فلم يتكلم بكلمة حتى مات بعد أيام وقال يونس بن عبد الأعلى كان أرادوه على القضاء فتغيب قاله في العبر وقال ابن الأهدل صحب مالكا عشرين سنة وصنف الموطأ الكبير والصغير وحدث بمائة ألف حديث وكان مالك يكتب إليه في المسائل ولم يكن يفعل هذا لغيره وقال ابن وهب عالم وابن القاسم فقيه وكتب إليه الخليفة في قضاء مصر فاختبأ ولزم بيته فاطلع عليه بعضهم يوما فقال له يا أبن وهب ألا تخرج فتقضي بين الناس بكتاب الله وسنة رسوله فقال أما علمت أن العلماء يحشرون مع الأنبياء والقضاة مع السلاطين وقرئ عليه كتاب الأهوال من جامعه فغشي عليه فحمل إلى داره فمات لحينه رحمه الله تعالى انتهى
وفيها محدث الشام الإمام أبو يحمد بقية بن الوليد الكلاعي الحمصي الحافظ ومولده سنة عشر ومائة روى عن محمد بن زياد الألهاني وبحير بن سعد والكبر وأخذ عمن دب ودرج وتفقه بالأوزاعي وكان مشهورا بالتدليس كالوليد بن مسلم وقال ابن معين إذا روى عن ثقة فهو حجة وقال بقية قال لي شعبة إني لأسمع منك احاديث لو لم أسمعها لطرت قاله في العبر وقال ابن

فيراه الناس من مسيرة شهرين من موضعه ثم يغيب فعظم اعتقادهم فيه وقد ذكر أبو العلاء المعري هذا القمر في قوله
( أفق إنما البدر المقنع رأسه ** ضلال وغى مثل بدر المقنع ) وإليه أشار ابن سناء الملك بقوله
( إليك فلا بدر المقنع طالعا ** بأسحر من ألحاظ بدري المعمم )
ولما اشتهر أمر ابن المقنع وانتشر ذكره ثار عليه الناس وقصدوه في قلعته التي كان قد اعتصم بها وحصروه فلما أيقن بالهلاك جمع نساءه وسقاهن سما فمتن ثم تناول شربة من ذلك السم فمات ودخل المسلمون قلعته فقتلوا من فيها من أشياعه وأتباعه وذلك في سنة ثلاث وستين ومائة لعنه الله تعالى ونعوذ بالله من الخذلان انتهى مخلصا
وقال ابن الأهدل بعد كلام طويل كان لا يسفر عن وجهه لقبح صورته ولذلك قيل له المقنع ثم اتخذ وجها من ذهب فتقنع به وعبده خلق كثير وقاتلوا دونه وانتدب لحربه سعيد الجرشي ولما أحس بالغلبة استعمل سما وسقى نساءه ثم شربه فماتوا كلهم انتهى ملخصا أيضا
وفيها توفي أبو دلامة زند بالنون بن الجون صاحب النوادر أنشد المهدي لما ورد عليه ببغداد
( إني حلفت لئن رأيتك سالما ** بقرى العراق وأنت ذوافر )
( لتصلين على النبي محمد ** ولتملأن دراهما حجري )
فقال المهدي أما الأولى فنعم فقال جعلت فداك لا تفرق بينهما فملأ له حجره دراهم واستدعى طبيبا لعلاج وجع فداواه على شيء معلوم فلما برأ قال له أبو دلامة والله ما عندنا شيء ولكن ادع المقدار على يهودي وأشهد لك أنا وولدي فمضى الطبيب إلى القاضي محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وقيل عبد الله ابن شبرمة فادعى الطبيب وأنكر اليهودي فجاء بأبي دلامة وابنه وخاف أبو دلامة أن يطالبه القاضي بالتزكية فأنشد في الدهليز بحيث يسمعه القاضي


( إن الناس غطوني تغطيت عنهم ** وإن بحثوا عني ففيهم مباحث )
( وإن نبشوا ابئري نبشت بئارهم ** ليعلم قوم كيف تلك البثابث )
فقال له القاضي كلامك مسموع وشهادتك مقبولة ثم غرم القاضي المبلغ من عنده ونوادره كثيرة جدا وهو مطعون فيه وليست له رواية
وفي شعبان منها توفي الإمام أبو عبد الله سفيان بن سعيد الثوري الفقيه سيد أهل زمانه علما وعملا وله ست وستون سنة روى عن عمرو بن مرة وسماك ابن حرب وخلق كثير قال ابن المبارك كتبت عن ألف شيخ ومائة شيخ ما فيهم أفضل من سفيان وقال شعبة ويحييى بن معين وغيرهما سفيان أمير المؤمنين في الحديث وقال أحمد بن حنبل لا يتقدم على سفيان في قلبي أحد وقال يحيى قطان ما رأيت أحفظ من الثوري وهو فوق مالك في كل شيء وقال سفيان ما استودعت قلبي شيئا قط فخانني وقال ورقاء لم ير الثوري مثل نفسه وكان سفيان كثير الحط على المنصور لظلمه فهم به وأراد قتله فما أمهله الله وأثنى عليه أئمة عصره بما يطول ذكره وكان أقسم برب البيت أن المنصور لا يدخلها أي الكعبة وفي رواية قال برئت منها يعني الكعبة إن دخلها منصور ودخل على المهدي فسلم عليه تسليم العامة فأقبل عليه المهدي بوجه طلق وقال نفر وههنا أتظن أن لو أردناك بسوء لم نقدر عليك فما عسى أن نحكم الآن فيك فقال سفيان إن تحكم الآن في يحكم فيك ملك قادر عادل يفرق بين الحق والباطل فقال له الربيع مولاه ألهذا الجاهل أن يستقبلك بهذا ائذن لي في ضرب عنقه فقال المهدي ويلك اسكت وهل يريد هذا وأمثاله إلا أن نقتلهم فتشقى بسعادتهم اكتبوا عهده على قضاء الكوفة على أن لا يعترض عليه فيها حكم فخرج فرمى بالكتاب في دجلة وهرب فطلب فلم يقدر عليه وتولى قضاءها عنه شريك بن عبد الله النخعي فقال فيه الشاعر
( يحرز سفيان ففر بدينه ** وأمسى شريك مرصدا للدراهم )

ومات سفيان بالبصرة متواريا وكان صاحب مذهب قال ابن رجب وجد في آخر القرن الرابع سفيانيون ومناقبه تحتمل مجلدات ورآه بعضهم بعد موته فسأله عن حاله فقال
( نظرت إلى ربي عيانا فقال لي ** هنيئا رضائي عنك يا ابن سعيد )
( لقد كنت قواما إذا أظلم الدجى ** بعبرة مشتاق وقلب عميد )
( فدونك فاختر أي قصد أردته ** وزرني فأنى منك غير بعيد )
وفيها في أولها توفي أبو الصلت زائدة بن قدامة الثقفي الكوفي الحافظ روى عن زياد بن علاقة وطبقته وقال أبو حاتم ثقة صاحب سنة وقال الطيالسي كان لا يحضر صاحب بدعة
وحرب بن شداد اليشكري البصري روى عن شهر بن حوشب والحسن ويحيى بن أبي كثير قال في المغني حرب بن شداد عن أبن أبي كثير ثقة كان يحيى القطان لا يحدث عن وقال يحيى بن معين صالح انتهى وقد خرج له الشيخان وأبو داود والترمذي وغيرهم
وفيها سعيد بن أبي أيوب المصري وقد نيف على الستين روى عن زهرة ابن معبد وجماعة
وفيها ورقاء بن عمر اليشكري الكوفي بالمدائن روى عن عبيد الله بن أبي يزيد ومنصور وطبقتهما قال في المغني ثقة ثبت قال القطان لا يساوي شيئا انتهى قال أبو داود الطيالسي قال لي شعبة عليك بورقاء فإنك لن تلقى مثله حتى ترجع وقال أحمد كان ثقة صاحب سنة
وفيها هشام بن سعد قال في المغني هشام بن سعد مولى بني مخزوم صدوق مشهور ضعفه النسائي وغيره وكان يحيى القطان لا يحدث عنه وقال أحمد ليس هو محكم للحديث وقال ابن عدي مع ضعفه يكتب حديثه وقال ابن معين ليس بذاك القوى قال الحاكم روى له مسلم في الشواهد انتهى
وفيها داود بن قيس المدني الفراء الدباغ روى عن المقبري وطبقته


وأبو جعفر الرازي عيسى بن ماهان روى عن عطاء بن أبي رباح والربيع ابن أنس الخراساني وكان زميل المهدي إلى مكة
وفيها قال ابن الأهدل أو في سنة أربع وتسعين إمام النحو عمرو بن عثمان المعروف بسيبويه الحارثي مولاهم أخذ النحو عن عيسى بن عمر واللغة عن أبي الخطاب الأخفش الأكبر وغيره قيل ولم يقرأ عليه كتابه قط وإنما قرىء بعد موته على الأخفش قال أبن سلام سألت سيبويه عن قوله تعالى { فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس } بأي شيء نصب قوم قال إذا كانت إلا بمعنى لكن نصب قيل وكان أعلم المتقدمين والمتأخرين بالنحو ولم يصنف فيه مثل كتابه وكان الخليل إذا جاءه سيبويه يقول مرحبا بزائر لا يمل وتناظر هو والكسائي في مجلس الأمين فظهر سيبويه بالصواب وظهر الكسائي بتركيب الحجة والتعصب انتهى كلام ابن الأهدل وقال الشمني في حاشيته على المغني أما سيبويه فعمرو بن عثمان بن قنبر أبو بشر طلب الآثار والفقه ثم صحب الخليل وبرع في النحو وهو مولى لنى الحارث بن كعب ويكنى أيضا أبا الحسن وتفسير سيبويه بالفارسية رائحة التفاح قال إبراهيم الحربي سمى بذلك لأن وجنتيه كانتا كأنهما تفاحتان قال المبرد كان سيبويه وحماد بن سلمة أعلم بالنحو من النضر بن شميل والأخفش وقال ابن عائشة كنا نجلس مع سيبويه في المسجد وكان شابا جميلا نظيفا قد تعلق من كل علم بسبب مع حداثة سنه وقال أبو بكر العبدي النحوي لما ناظر سيبويه الكسائي ولم يظهر سأل من يرغب من الملوك في النحو فقيل له طلحة بن طاهر فشخص إليه إلى خراسان فمات في الطريق ذكر بعضهم أنه مات سنة ثمانين ومائة وهو الصحيح كذا قال الذهبي ويقال سنة أربع وتسعين ومائة انتهى كلام الشمني وما قاله هو الصواب وانظر تناقض ابن الأهدل كيف ذكر موته سنة إحدى وستين وذكر أن ما جريته مع الكسائي في مجلس الأمين وما أبعد هذا

التناقض فلعله لم يتأمل وأما صاحب مغني اللبيب عن كتب الأعاريب فقد ذكر ذلك وذكر أن المناظر كانت عند يحيى بن خالد البرمكي فلنورد عبارته بحروفها وأن كان فيها طول لما فيها من الفوائد فنقول قال ابن هشام في المغنى مسئلة قالت العرب قد كنت أظن أن العقرب أشد لسعة من الزنبور فإذا هو هي وقالوا أيضا فإذا هو إياها وهذا هو الوجه الذي أنكره سيبويه لما سأله الكسائي وكان من خبرهما أن سيبويه قدم على البرامكة فعزم يحيى بن خالد على الجمع بينهما فجعل لذلك يوما فلما حضر سيبويه تقدم إليه الفراء وخلف فسأله خلف عن مسئلة فأجاب فيها فقال له أخطأت ثم سأله ثانية وثالثة وهو بجيبه ويقول له أخطات فقال هذا سوء أدب فأقبل عليه الفراء فقال أن في هذا الرجل حدة وعجلة ولكن ما تقول فيمن قال هؤلاء أبون ومررت بأبين كيف تقول على مثال ذلك من وأيت أو أويت فأجابه فقال أعد النظر فقال لست أكلمكما حتى بحضر صاحبكما فحضر الكسائي فقال له تسألني أو أسألك فقال له سيبويه سل أنت فسأله عن هذا المثال فقال سيبويه فإذا هو هي ولا يجوز النصب وسأله عن أمثال ذلك نحو خرجت فإذا عبد الله القائم أو القائم فقال كل ذلك بالرفع فقال له الكسائي العرب ترفع كل ذلك وتنصبه فقال يحيى قد اختلفتما وأنتما رئيسا بلديكما فمن يحكم بينكما فقال له الكسائي هذه العرب ببابك قد سمع منهم أهل البلدين فيحضرون ويسألون فقال جعفر ويحيى انصفت فحضروا فوافقوا الكسائي فاستكان سيبويه فأمر له يحيى بعشرة آلاف درهم فخرج إلى فارس فأقام بها حتى مات ولم يعد إلى البصرة فيقال أن العرب أرشوا على ذلك أو أنهم علموا منزلة الكسائي عند الرشيد ويقال إنما قالوا القول قول الكسائي ولم ينطقوا بالنصب وأن سيبويه قال ليحيى مرهم أن ينطقوا بذلك فإن ألسنتهم لا تطوع به ولقد أحسن الإمام الأديب

أبو الحسن بن محمد الأنصاري إذ قال في منظومته في النحو حاكيا هذه الواقعة والمسألة
( والعرب قد تحذف الأخبار بعد إذا ** إذا عنت فجأة الأمر الذي دهما )
( وربما نصبوا بالحال بعد إذا ** وبعد ما رفعوا من بعدها ربما )
( فإن توالى ضميران اكتسى بهما ** وجه الحقيقة من إشكاله غمما )
( لذاك أعيت على الإفهام مسئلة ** أهدت إلى سيبويه الحتف والغمما )
( قد كانت العقرب العوجاء أحسبها ** قدما أشد من الزنبور وقع حمى )
( وفي الجواب عليها هل إذا هو هي ** أو هل إذا هو ياها قد اختصما )
( وخطأ ابن زياد وابن حمزة في ** ما قال فيها أبا بشر وقد ظلما )
( وغاظ عمرا علي في حكومته ** يا ليته لم يكن في أمرها حكما )
( كغيظ عمرو عليا في حكومته ** يا ليته لم يكن في أمره حكما )
( وفجع ابن زياد كل منتحب ** من أهله إذ غدا منه يفيض دما )
( كفجعة ابن زياد كل منتحب ** من أهله إذ غدا منه يفيض دما )
( فظل بالكرب مكظوما وقد كربت ** بالكرب أنفاسه أن يبلغ الكظما )
( قضت عليه بغير الحق طائفة ** حتى قضى هدرا ما بينهم هدما )
( من كل اجور حكما من سدوم قضى ** عمرو بن عثمان مما قد قضى سدما )
( حساده في الورى عمت فكلهم ** تلفيه منتقدا للقول منتقما )
( فما النهى ذمما فيهم معارفها ** ولا المعارف في أهل النهى ذمما )
( فأصبحت بعده الأنفاس كامنة ** في كل صدر كأن قد كظ أو كظما )
( وأصبحت بعده باكية ** في كل طرس كدمع سح وانسجما )

فعادت حلوة عالية تثمر في كل عام مرتين وسميت رمانة العابدين ومناقبه وكراماته لا تحصى ومن شعره رحمه الله تعالى
( تركت الخلق طرافي رضاكا ** وايتمت العيال لكي أراكا )
( فلون قطعتني في الحب اربا ** لما حن الفؤاد إلى سواكا )
والله أعلم
وفيها وقيل سنة ستين داود ببن نصير الطائي الكوفي الزاهد وكان أحد من برع في الفقه ثم اعتزل روى عن عبد الملك بن عمير وجماعة وكان عديم النظير زهدا وصلاحا قاله في العبر ومن كلامه رحمه الله تعالى صم عن الدنيا واجعل فطرك الموت وفر من الناس قرارك من الأسد
وفيها قاضي العراق أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أ بي سبرة القرشي العامري المدني أخذ عن زيد بن أسلم وجماعة وهو متروك الحديث ولي القضاء بعده القاضي أبو يوسف
وفيها أبو المنذر زهير بن محمد التميمي المروزي الخراساني نزل الشام ثم الحجاز وحدث عن عمرو بن شعيب وطائفة وخرج له العقيلي قال في المغني زهير ابن محمد التميمي المروزي عن ابن النكدر ثقة له غرائب ضعفه ابن معين وقال البخاري روى أهل الشام عنه منا كير انتهى
وفيها أو قبلها يزيد بن إبراهيم التستري ثم البصري روى عن الحسن وعطاء والكبار وكان عفان يثني عليه ويرفع أمره قال في المغني يزيد بن إبراهيم التستري عن ابن سير بن ثقة قال ابن معين في قتادة ليس بذاك انتهى
وفيها شبيب بن شيبة المنقري البصري كان فصيحا بليغا اخباريا روى عن الحسن وابن سيرين وخرج له الترمذي قال في المغني ضعفوه في الحديث انتهى
وأبو سفيان حرب بن سريج المنقري البصري البزار روى عن ابن مليكة وجماعة قال ابن عدي أجرو أنه لا بأس به


وأبو مودود عبد العزيز بن أبي سليمان المدني القاص عن سن عالية رأى ابا سعيد الخدري وروى عن السائب بن يزيد وجماعة قال ابن سعد كان من أهل الفضل والنسك يعظ ويذكر قال في العبر وآخر من روى عنه كامل ابن طلحة
وفيها حريز بن عثمان بن جبر بن أسعد الرحبي المشرقي الحمصي قال ابن ناصر الدين هو أحد الحفاظ المشهورين وهو معدود في صفار التابعين وهو من الإثبات لكنه لسبيل النصب سالك وذكر أبو اليمان أنه كان ينال من رجل ثم ترك ذلك انتهى وقال الذهبي في المغني هو تابعي صغير ثبت لكنه ناصبي انتهى

سنة ثلاث وستين ومائة

وفيها قتل المهدي جماعة من الزنادقة وصرف همته إلى تتبعهم وأتي بكتب من كتبهم فقطعت بحضرته بحلب
وفيها توفي إبراهيم بن طهمان الخرساني بنيسابور روى عن عمرو بن دينار وطبقته قال اسحق بن راهويه كان صحيح الحديث ما كان بخراسان أكثر حديثا منه قال في المغني ثقة مشهور ضعفه محمد بن عبد الله بن عمار قال أحمد كان مرجئا انتهى
وأرطأة بن المنذر الألهاني الحمصي سمع سعيد بن المسيب والكبار وكان ثقة حافظا زاهدا معمرا قال أبو اليمان كنت أشبه أحمد بن حنبل بأرطأة بن المنذر
وبكير بن معروف الدامغاني المفسر قاضي نيسابور بدمشق روى عن أبي الزبير المكي وجماعة قال النسائي ليس به بأس
وفيها عيسى بن علي عم المنصور روى عن أبيه وقال ابن معين ليس به بأس وشعيب بن أبي حمزة بن دينار الحمصي مولى بني أمية وصاحب الزهري

قال أحمد بن حنبل رأيت كتبه وقد ضبطها وقيدها قال وهو عندنا فوق يونس وعقيل وقال على بن عياش كان عندنا من كبار الناس وكان من صنف آخر في العباد
وفيها موسى بن علي بن رباح اللخمي المصري عن أبيه وطائفة وولي إمرة ديار مصر للمنصور ست أعوام
وهمام بن يحيى العوذي مولاهم البصري روى عن الحسن وعطاء وطائفة وكان أحد أركان الحديث ببلدة قال أحمد هو ثبت في كل مشايخه
وفيها يحيى بن أيوب الغافقي المصري روى عن بكير بن الأشج وجماعة وكان لا يحتج به وقال النسائي ليس بالقوى وقال الدارقطني في بعض حديثه اظطراب وقد ذكره ابن عدي في كامله وقال هو عندي صدوق ومن غرائبه حدثنا ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء ولا لتماروا به السفهاء ولا لتجبروا به المجالس فمن فعل ذلك فالنار النار وهو معروف بيحيى بن أيوب انتهى كلام المغني
وفيها أو في حدودوها أبو غسان محمد بن مطرف المدني روى عن محمد ابن المنكدر وطبقته

سنة أربع وستين ومائة

وفيها أقبل ميخائيل البطريق وطاراد الأرمني لعنهما الله في تسعين ألفا ففشل عبد الكريم ومنع المسلمين من الملتقي وردفهم المهدي بضرب عنقه وسجنه قاله في العبر
وفيها توفي أبو إسحق بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله التيمي المدني شيخ آل طلحة عن سن عالية روى عبد الله بن جعفر بن أبي طالب وعن عميه موسى

وعيسى وآخر من روى عنه بشر بن الوليد الكندي وهو متروك الحديث قاله في العبر
وأبو معاوية شيبان النحوي نزل بغداد وروى عن الحسن وطائفة بعده وكان كثير الحديث عارفا بالنحو صاحب حروف وقراءات ثقة حجة قاله في العبر
وعبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون المدني الفقيه روى عن الزهري وطبقته وكان إماما مفتيا صاحب حلفه قال ابن ناصر الدين كان من العلماء الربانين والفقهاء المنصفين انتهى قال ابن خلكان قال ابن الماجشون عرج بروح أبي فوضعناه على سريره للغسل فدخل غاسل يغسله فرأى عرقا يتحرك في أسفل قدمه فأقبل إلينا وقال أرى عرقا يتحرك ولا أرى أن أعجل عليه فما غسلناه واعتللنا على الناس بالأمر الذي رأيناه وفي الغد جاءنا الناس وغدا الغاسل عليه فرأى العرق على حاله فاعتذرنا إلى الناس فمكث ثلاثا على حاله ثم أنه استوى جالسا فقال ائتوني بسويق فأتى به فشربه فقلنا خبرنا بما رأيت قال عرج بروحي فصعد بي الملك حتى أتى سماء الدنيا فاستفتح ففتح له ثم هكذا في السموات حتى انتهى إلى السماء السابعة فقيل له من معك قال الماجشون فقيل له لم يأذن له بعد بقي من عمره كذا وكذا سنة وكذا وكذا شهرا وكذا وكذا يوما وكذا وكذا ساعة ثم هبط فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر عن يمينه وعمر عن يساره وعمر بن عبد العزيز بين يديه فقلت للملك من هذا فقال عمر بن عبد العزيز قلت أنه قريب المقعد من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أنه عمل بالحق في زمن الجور وأنهما أي أبا كبر وعمر عملا بالحق في زمن الحق انتهى وعد الذهبي في كتابه العلو الماجشون عبد العزيز هذا ممن قال بالجهة وأقام الدليل والتعليل على ذلك فراجعه
وفيها مبارك بن فضالة البصرى مولى قريش قال أبن ناصر الدين المبارك ابن فضالة بن أبي أمية كان كثير التلديس فتكلم فيه وذكر أبو زرعة وغيره

أن المبارك إذا قال حدثنا فهو ثقة مقبول انتهى وقال في العبر روى عن الحسن وبكر المزني وطائفة وكان من كبار المحدثين والنساك وكان يحيى القطان يحسن الثناء عليه وقال أبو داود مدلس فإذا قال حدثنا فهو ثبت وقال مبارك جالست الحسن ثلاث عشرة سنة وقال أحمد ما رواه عن الحسن يحتج به انتهى وخرج له الترمذي وأبو داود والعقيلي وفيها أو في التي تليها عبد الله بن العلاء بن زيد الربيعي الدمشقي يروي عن القسم و مكحول وكان من أشراف البلد عمر تسعين سنة

سنة خمس وستين ومائة

وفيها غزا المسلمون غزوة مشهورة وعليهم هارون الرشيد وهو صبي أمرد وفي خدمته الربيع الحاجب فافتتحوا ماجدة من الروم والتقوا الروم وهزموهم ثم ساروا حتى وصلوا خليج قسطنطينة وقتلوا وسبوا وصالحتم ملكة الروم على مال جليل فقيل إنه قتل من الروم في هذه الغزوة المباركه ة خمسون ألفا وغنم المسلمون مالا يحصى حتى بيع الفرس بدرهم والبغل الجيد بعشرة دراهم
وفيها توفي سليمان بن المغيرة البصري عالم أهل البصرة في وقته روى عن ابن سيرين وثابت قال شعبة هو سيد أهل البصرة قال الخريبيي ما رأيت بصريا افضل من هو قال أحمد ثبت ثبت
وعبد الرحمن بن ثوبان الدمشقي الزاهد عن تسعين سنة روى عن خالد ابن معدان وطبقته قال أحمد بن حنبل كان عابد أهل الشام وذكر من فضله وقال أبو داود كان مجاب الدعوة وكانت فيه سلامة وما به بأس وقال أبو حاتم ثقة
ومعروف بن مشكان قارىء أهل مكة واحد أصحاب ابن كثير وقد سمع من عطاء وغيره


وفيها وهيب بن خالد أبو بكر البصري الحافظ روى عن منصور وطائفة كثيرة قال عبد الرحمن بن مهدي كان من أبصر أصحابه بالحديث والرجال وقال أبو حاتم يقال لم يكن بعد شيبة أعلم بالرجال منه
وفيها خالد بن برمك وزير السفاح وجد جعفر البرمكي عن خمس وسبعين سنة وكان يتهم بالمجوسية قاله في العبر
وفي آخر يوم منها أبو الأشهب العطاردي جعفر بن حيان بالبصرة روى عن أبي رجب العطاردي والكبار وعاش خمسا وتسعين سنة

سنة ست وستين ومائة

وفيها قبض المهدي على وزيره يعقوب بن داود لكونه اعطاه هاشميا من ولد فاطمة ليقتله فاصطنعه وهربه فظفر به الأعوان وكان يعقوب شيعيا يميل إلى الزيدية ويقربهم وفيها استقضى المهدي أبا يوسف وأخذ البيعة لهارون بعد موسى وسماه الرشيد قاله ابن الجوزي في الشذور
وفيها توفي أبو معاوية صدقة بن عبد الله السمين من كبار محدثي دمشق روى عن القسم أبي عبد الرحمن وطائفة وخرج له الترمذي والنسائي والعقيلي قال في المغني ضعفه أحمد والبخاري وغيرهما انتهى
وفيها معقل بن عبيد الله الجزري من كبار علماء الجزيرة روى عن عطاء ابن أبي رباح وميمون بن مهران والكبار قال في المغني صدوق مشهور ضعفه ابن معين وحدث انتهى
وفيها أبو بكر النهشلي الكفوي وفي اسمه أقوال قال في المغني أبو بكر النهشلي الكوفي صدوق تكلم فيه ابن حبان اسمه عبد الله على الصحيح وقد وثقه أحمد وابن معين والعجلي انتهى قال في العبر روى عن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري وجماعة وآخر أصحابه موتا جبارة بن المغلس انتهى


سنة سبع وستين ومائة
وفيها جد المهدي في طلب الزنادقة في الأفاق وأكثر الفحص عنهم وقتل طائفة
وفيها أمر بالزيادة في المسجد الحرام وغرم عليه أموالا عظيمة وأدخلت فيه دور كثيرة وفيها كان الوباء العظيم بالعراق
وفيها توفي حماد بن سلمة بن دينار البصري الحافظ في آخر السنة سمع قتادة وأبا جمرة الضبعي وطبقتهما كان سيد أهل وقته قال وهيب بن خالد حماد ابن سلمة سيدنا وأعلمنا وقال ابن المديني كان عند يحيى بن ضريس عن حماد بن سلمة عشرة آلاف حديث وقال عبد الرحمن بن مهدي لو قيل لحماد بن سلمة أنك تموت غدا ما قدر أن يزيد في العمل شيئا وقال شهاب البلخي كان حماد بن سلمة يعد من الأبدال وقال غيره كان فصيحا مفوها إماما في العربية صاحب سنة له تصانيف في الحديث وكان بطاينيا فروى سوار بن عبد الله عن أبيه قال كنت آتي حماد بن سلمة في سوقة فإذا ربح في وثوب حبة أو حبتين شد جيوبه وقام وقال موسى بن إسماعيل لو قلت أني ما رأيت حماد بن سلمة ضاحكا لصدقت كان يحدث أو يسبح أو يقرأ أو يصلي قد قسم النهار على ذلك
قلت وهو أحد الحمادين وأجلهما صاحبي المذهبين أحدهما هذا والثاني حماد ابن زيد بن درهم وتأخر موته عن هذا وسنتكلم عليه أن شاء الله تعالى قال صاحب الجواهر المضية في طبقات الحنيفة في آخرها فائدة الحمادان حماد بن زيد بن درهم وحماد بن سلمة بن دينار ولقد ألطف عبد الله بمعاوية حيث قال حدثنا حماد ابن سلمة بن دينار وحماد بن زيد بن درهم وفضل ابن سلمة على ابن زيد كفضل الدينار على الدهرم انتهى والله أعلم
وفيها الحسن بن صالح بن حي الهمداني فقيه الكوفة وعابدها روى عن

سماك بن حرب وطبقته وقال أبو نعيم ما رأيت أفضل منه وقال أبو حاتم ثقة حافظ متقن وقال ابن معين يكتب رأى الحسن بن صالح يكتب رأى الأوزاعي هؤلاء ثقات وقال وكيع الحسن بن صالح يشبه بسعيد بن جبير كان هو وأخوه على وأمهما قد جزؤا الليل ثلاثة أجزاء فماتت فقسما الليل سهمين فمات على فقام الحسن الليل كله قال في العبر قلت مات على سنة أربع وخمسين وهما توأم اخرج لهما مسلم انتهى وقال في المعارف يكنى الحسن أبا عبد الله وكان يتشبع وزوج عيسى بن زيد بن علي ابنته واستخفى معه في مكان واحد حتى مات عيسى بن زيد وكان طلبهما المهدي فلم يقدر عليهما ومات الحسن بعد عيسى بستة أشهر انتهى
وفيها الربيع بن مسلم الجمحي مولاهم البصري وكان من بقايا أصحاب الحسن ومفضل بن مهلهل السعدي الكوفي صاحب منصور قال أحمد العجلي كان ثقة صاحب سنة وفضل وفقه لما مات الثوري جاء أصحابه إلى المفضل فقالوا تجلس لنا مكانه قال ما رأيت صاحبكم يحمد مجلسه
وفيها فقيه الشام بعد الأوزاعي أبو محمد سعيد بن عبد العزيز التنوخي عن نحو ثماني سنة أحذ عن مكحول و ربيعة القصير ونافع مولى ابن عمر وخلق وكان صالحا قانتا خاشعا قال ما قمت إلى صلاة إلا مثلت لي جهنم وقال الحاكم هو لأهل الشام كما لك لأهل المدينة
وفيها أبو روح سلام بن مسكين البصري روى عن الحسن والكبار وقال أبو سلمة التبوذكي كان من أعبد أهل زمانه
وأبو شريح عبد الرحمن بن شريح المعافري بالأسكندرية روى عن أبي قبيل وطبقته وكان ذا عبادة وفضل وجلالة قال السيوطي في حسن المحاضرة ذكره ابن حبان في الثقات انتهى


وأبو عقيل يحيى بن المتوكل المدني ببغداد روى عن بهية وابن المنكدر وليس بالقوى عندهم قاله في العبر
وعبد العزيز بن مسلم بالبصرة روى عن مطر الوراق وطائفة وكان عابدا قدوة روى عنه يحيى السليحيني وقال كان من الإبدال
والقسم بن الفضل الحداني بالبصرة روى عن ابن سيرين والكبار وكان كثير الحديث قال ابن مهدي هو من مشايخنا الثقات وقد خرج له مسلم والأربعة قال في المغني القسم بن الفضل الحداني عن أبي نضرة وغيره صدوق وثقة ابن معين وأورده العقيلي في الضعفاء فما تكلم فيه بما يضعفه قط انتهى
وأبو هلال محمد بن سليم الراسي بالبصرة روى عن الحسن والكبار وثقة أبو داود وغيره وهو حسن الحديث قاله في العبر
ومحمد بن طلحة بن مصرف اليامي الكوفي أحد المكثرين الثقات يروي عن أبيه وطبقته
وفيها أبو حمزة محمد بن ميمون المروزي السكري ارتحل وأخذ عن زياد بن علاقة ونحوه وكان شيخ بلده في الحديث والفضل والعبادة قال ابن ناصر الدين هو شيخ خراسان كان ثقة ثبتا كريما يقري الضيف ويبالغ في إكرامه ولقب بالسكري لحلاوة كلامه انتهى
وفيها أبو بكر الهذلي البصري الإخباري أحد الضعفاء واسمه سلمى روى عن الشعبي ومعاذة العدوية والقدماء
وفيها قتل في الزندقة بشار بن برد البصري الأعمى شاعر العصر قال ابن الأهدل بشار بن برد العقيلي مولاهم الشاعر المشهور كان أكمه جاحظ العينين فصيحا مفوها وكان يمدح المهدي فرمى عنده بالزندقة فضربه حتى مات وقد نيف على السبعين قيل كان يفضل النار على الطين ويصوب رأى إبليس في امتناعه من السجود لآدم وينسب إليه هذا البيت


( الأرض مظلمة والنار مشرقة ** والنار معبودة مذ كانت النار )
قيل وفتشت كتبه فلم يوجد فيها شيء مما رمى به وقيل أن هجا صالح بن داود أخا يعقوب الوزير فقال
( هم حملوا فوق المنابر صالحا ** أخاك فصمت من أخيك المنابر )
فقال يعقوب للمهدي أن بشارا هجاك بقوله
( خليفة يزني بعماته ** يلعب بالدف وبالصولجان )
( أبدلنا الله به غيره ** ودس موسى في حر الخيزران )
والخيزران امرأة المهدي واليها تنسب دار الخيزران بمكة فقتله المهدي انتهى وقال ابن قاضي شهبة زنادقة الدنيا أربع بشار بن برد وابن الراوندي وأبو حيان التوحيدي وأبو العلاء المعري انتهى

سنة ثمان وستين ومائة

فيها غزا المسلمون الروم لنقضهم الهدنة وفيها سار سعيد الجرشي في سبعين ألفا إلى طبرستان
وفيها مات السيد الأمير أبو محمد الحسن بن زيد بن السيد الحسن بن علي ابن أبي طالب شيخ بني هاشم في زمانه وأمير المدينة للمنصور ووالد السيدة نفيسة وخافه المنصور فحبسه ثم أخرجه المهدي وقربه ولم يزل معه حتى مات معه بطريق مكة عن خمس وثمانين سنة روى عن أبيه وخرج له النسائي قال في المغني ضعفه ابن معين وقواه غيره انتهى
وفيها أبو الحجاج خارجة بن مصعب السرخسي من كبار المحدثين بخراسان رحل وأخذ عن زيد بن أسلم وطبقته وهو صدوق كثير الغلط لا يحتج به قاله في العبر
وسيعد بن بشير البصري ثم الدمشقي المحدث المشهور أكثر عن قتادة

وطبقته قال أبو مسهر لم يكن في بلدنا أحفظ منه وقال أبو حاتم محله الصدق وضعفه غيره قال البخاري يتكلمون في حفظه
وقيس بن الربيع أو محمد الأسدي الكوفي أحد علماء الحديث مع ضعفه على أن ابن عدي قال فيه عامة رواياته مستقيمة والقول فيه ما قال شعبة وأنه لا بأس به وقال عفان ثقة وقال أبو الوليد حضر شريك القاضي جنازة قيس ابن الربيع فقال ما ترك بعده مثله روى عن محارب بن زياد وطبقته
وفيها الأمير عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس العباسي ولي عهد السفاح بعد أخيه المنصور وقد ذكرنا أن المهدي خلعه وقد توفي أبوه شابا سنة ثمان ومائة
وفليح بن سليمان المدني مولى الخطاب روى عن نافع وطبقته واحتج به الشيخان وكان ثقة مشهورا كثير العلم لينه ابن معين
وفيها مندل علي العنزي الكوفي روى عن عبد الملك بن عمير وطبقته وكان صدوقا مكثرا في حديثه لين
ونافع بن يزيد المصري عن جعفر بن ربيعة وطبقته وكان أحد الثقات

سنة تسع وستين ومائة

فيها عزم المهدي على أن يقدم هارون في العهد ويؤخر موسى الهادي فطلبه وهو بجرجان ففهمهما ولم يقدم فهم بالمسير إلى جرجان لذلك
وفيها لثمان بقين من المحرم ساق المهدي واسمه محمد أبو عبد الله بن أبي جعفر عبد الله ابن محمد بن علي بن عبد الله عباس العباسي خلف صيد فدخل الوحش خربة فدخل الكلاب خلفه وتبعهم المهدي فدق ظهره في باب الخرب لشدة سوقه فتلف لساعته وقيل بل أكمل طعاما سمته جارية لضرتها فلما وضع يده فيه ما جسرت أن تقول هياته لضرتي فيقال كان إنجاصا فأكل واحدة وصاح من جوفه ومات من الغد عن

ثلاث وأربعين سنة وكانت خلافته عشر سنين وشهرا وكان جوادا ممدحا محببا إلى الناس وصولا لأقاربه حسن الأخلاق حليما قضابا للزنادقة وكان طويلا أبيض مليحا يقال إن المنصور خلف في الخزائن مائة ألف ألف وستين ألف ألف درهم ففرقها المهدي ولم يل الخلافة أحدا أكرم منه ولا أبخل من أبيه ويقال أنه أعطى شاعرا مرة خمسين ألف دينار ويقال أنه استضاف أعرابيا وقد انفرد عن جيشه في طلب صيد حتى جهد وعطش فسقاه لبنا مشوبا فكتب له بخمسمائة ألف فأيسر ذلك الأعرابي وكثرت مواشيه وبقي مرصدا للحاج وسمي مضيف أمير المؤمنين وقال في مروج الذهب حدث الفضل بن الربيع قال خرج المهدي يوما متنزها ومعه عمرو بن ربيع مولاه وكان شاعرا فانقطع عن المعسكر والناس في الصيد وأصاب المهدي جوع شديد فقال لعمرو ويحك ارتد إنسانا نجد عنده ما نأكل قال فما زال عمرو يطوف إلى أن وجد صاحب مبقلة وإلى جانبها كوخ له فصعد إليه فقال له عمرو أما عندك شيء يؤكل قال نعم رقاق من شعير ورثيث وهذا البقل والكراث فقال له المهدي إن كان عندك زيت فقد أكملت قال نعم عندي فضلة منه فقدم إليهما ذلك فأكلا أكلا كثيرا وجعل المهدي يستطيب أكله ويمعن فيه حتى لم يكن فيه فضل فقال لعمرو قل شيئا تصف فيه ما نحن فيه فقال عمرو
( إن من يطعم الرثيثاء بالزيت ** وخبز الشعير بالكراث )
( لحقيق بصفعة أو بثينتين ** لسوء الصنيع أو بثلاث )
فقال له المهدي بئس والله ما قلت ولكن أحسن من ذلك أن تقول
( لحقيق ببدرة أو بثنتين ** لحسن الصنيع أو بثلاث )
ووافى المعسكر ولحقته الخزائن والخدم والمواكب فأمر لصاحب المبقلة بثلاث بدر دراهم وغار فرس المهدي مرة أخرى وقد خرج للصيد فوقع إلى خباء أعرابي وهو جائع فقال يا أعرابي هل عندك من قرى فإني ضيفك وأنا جائع فقال أراك طرير آسمينا

جسيما عميما فإن احتملت الموجود قربنا لك ما يحضر قال هات ما عندك فأخرج له خبز ملة فأكلها وقال طيبة هات ما عندك فأخرج له لبنا فسقاه فقال طيب هات ما عندك فأخرج له فضلة نبيذ في زكرة فشرب الأعرابي وسقاه فلما شرب قال له المهدي تدري من أنا قال لا والله قال أنا من خدم الخاصة قال بارك الله لك في موضعك وحياك من كنت ثم شرب الأعرابي قدحا وسقاه فلما شرب قال يا أعرابي أتدري من أنا قال نعم ذكرت لي أنك من خدم الخاصة قال لست كذلك قال فممن أنت قال أنا أحد قواد المهدي قال رحبت دارك وطاب مزارك ثم شرب الأعرابي قدحا وسقاه فلما شرب الثالث قال يا أعرابي أتدري من أنا قال نعم زعمت أنك أحد قواد المهدي قال فلست كذلك أنا أمير المؤمنين بنفسه فأخذ الأعرابي زكرته فوكاها فقال له المهدي اسقنا قال لا والله لا شربت منها جرعة فما فوقها قال ولم قال سقيتك واحدا فزعمت أنك من خدم الخاصة فاحتملناها لك ثم سقيناك أخرى فزعمت أنك من قواد المهدي فاحتملناها لك ثم سقيناك أخرى فزعمت أنك أمير المؤمنين ولا والله ما آمن أن أسقيك الرابعة فتقول أنا رسول الله فضحك المهدي وأحاطت به الخيل ونزل به أبناء الملوك والأشراف فطار قلب الأعرابي ولم يكن همة إلا النجاة فجعل يشتد في عدوه فرد إليه فقال لا بأس عليك وأمر له بصلة جزيلة من مال وكسوة فقال أشهد أنك الآن صادق ولو ادعيت الرابعة والخامسة وضمه في خواصه وأجرى له رزقا انتهى كلام المسعودي
وأول من هنأه وعزاه وأجازه أبو دلامة حيث يقول
( عيناي واحدة ترى مسرورة ** بأمانها جذلا وأخرى تذرف )
( تبكي وتضحك تارة ويسوءها ** ما أنكرت ويسرها ما تعرف )
( فيسوءها موت الخليفة محرما ** ويسرها إن قام هذا إلا رأف )
( هلك الخليفة يال أمة أحمد ** وأتاكم من بعده من يخلف )

وقال علي بن يقطين كنا مع المهدي بما سبذان فقال لي يوما أصبحت جائعا فأتني بأرغفة ولحم بارد ففعلت ثم دخل البهو فنام ثم نمنا نحن في الرواق فانتبهنا لبكائه فبادرنا إليه مسرعين فقال ما رأيتم ما رأيت قلنا ما رأينا شيئا قال وقف على رجل لو أنه في ألف رجل ما خفي على صوته ولا صورته فقال
( كأني بهذا القصر قد باد أهله ** وأوحش منه ربعه ومنازله )
( وصار عميد القوم من بعد بهجة ** وملك إلى قبر عليه جنادله )
( فلم يبق إلا ذكره وحديثه ** تنادى عليه معولات حلائله )
قال علي فما أتت على المهدي بعد رؤياه هذه إلا عشرة أيام حتى توفي رحمه الله
وفيها لما مات المهدي أرسلوا بالخاتم والقضيب إلى الهادئ فأسرع إلى البريد ودخل بغداد وبالغ في طلب الزنادقة وقتل منهم عدة
وفيها خرج الحسين بن علي بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب الحسني بالمدينة وبايعه عدد كثير وحارب العسكر الذي بالمدينة
وقتل مقدمهم خالد البربذي ثم تأهب وخرج في جمع إلى مكة فالتف عليه خلق كثير فأقبل ركب العراق معهم جماعة من أمراء بني العباس في عدة وخيل فالتقوا بفخ فقتل الحسين في مائة من أصحابه
وقتل الحسن بن محمد بن عبد الله بن حسن الذي خرج أبوه زمان المنصور وهرب إدريس بن عبد الله بن حسن إلى المغرب فقام معه أهل طنجة وهو جد الشرفاء الإدريسيين
ثم تحيل الرشيد وبعث من سم إدريس فقام بعده ابنه إدريس بن إدريس وتملك مدة
وفيها توفي أبو السليل عبيد الله بن إياد بن لقيط الكوفي وله عن أبيه

سنة سبعين ومائة

في أحد ربيعيها توفي الخليفة أبو محمد موسى الهادي بن المهدي وكان طويلا ابيض جسيما مات من قرحة أصابته وقيل قتلته أمه الخيزران لما هم بقتل أخيه الرشيد فعمدت لما وعك إلى أن غمته وعاش بضعا وعشرين سنة فالله يسامحه فلقد كان جبارا ظالم النفس قاله في العبر وقال في مروج الذهب كان موسى قاسي القلب شرس الأخلاق صعب المرام كثير الأدب محبا له وكان شديدا شجاعا بطلا جوادا سمحا حدث يوسف بن إبراهيم الكاتب صاحب إبراهيم بن المهدي عن إبراهيم أنه كان واقفا بين يديه وهو على حمار له ببستانه المعروفة ببغداد إذ قيل له قد ظفر برجل من الخوارج فأمر بإدخاله إليه فلما قرب الخارجي إليه أخذ الخارجي السيف من بعض الحرس وأقبل يريد موسى فتنحيت وكل من كان معي وأنه لواقف على حماره ما يتحلحل فلما أن قرب منه صاح موسى اضربا عنقه وليس وراءه أحد منا فأوهمه فالتفت الخارجي وجمع موسى نفسه ثم طفر عليه فصرعه وأخذ السيف من يده فضرب به عنقه قال فكان خوفنا منه أكثر من الخارجي فوالله ما أنكر علينا تنحينا ولا عذلنا ولم يركب حمارا بعد ذلك اليوم ولا فارقه سيف انتهى وحدث عبد الله بن الضحاك عن الهيثم بن عدي قال وهب المهدي لموسى الهادي سيف عمرو ابن معدي كرب الصمصامة فدعا به موسى بعد ما ولى الخلافة فوضعه بين يديه ودعا بمكتل دنانير وقال لحاجبه ائذن للشعراء فلما دخلوا أمرهم أن يقولوا في السيف فبدأهم ابن يامين البصري فقال
( حاز صمصامة الزبيدي عمرو ** من جميع الأنام موسى الأمين )
( سيف عمرو وكان فيما سمعنا ** خير ما أغمدت عليه الجفون )
( أوقدت فوقه الصواعق نارا ** ثم شابت به الذعاف المنون )


( وإذا ما شهرته بهر الشمس ** ضياء فلم تكد تستبين )
( وكأن الفرند والجوهر الجا ** ري في صفحتيه ماء معين )
( ما يبالي إذا الضريبة حانت ** أشمال سطت به أم يمين )
فقال الهادي لك السيف والمكتل فخذهما ففرق المكتل على الشعراء وقال دخلتم معي وحرمتم من أجلي وفي السيف عوض ثم بعث إليه الهادي فاشترى منه السيف بخمسين ألفا انتهى وكان عيسى بن دأب من أهل الحجاز وكان أكثر أهل عصره أدبا وعلما ومعرفة بأخبار الناس وأيامهم وكان الهادي كلفا به يقول له يا عيسى ما استطلعت بك يوما ولا ليلة ولا غبت عني إلا ظننت أني لا أرى غيري فذكر عيسى هذا أنه رفع إلى الهادي أن رجلا من أرض المنصورة من بلاد السند من أشرافهم وأهل الرياسة منهم من آل المهلب بن أبي صفرة ربى غلاما سند يا أو هنديا وأن الغلام هوى مولاته فراودها عن نفسها فأجابته فدخل السيد فأصابه معها فجب ذكر الغلام وخصاه ثم عالجه إلى أن برأ فأقام مدة وكان لمولاه ابنان أحدهما طفل والآخر يافع ففاب الرجل عن منزله وعاود وقد أخذ السندي الصبيين وصعد بهما إلى أعالي سور الدار إذ دخل مولاه فرفع رأسه فإذا هو بابنيه مع الغلام على السور فقال يا فلان عرضت ابني للهلاك فقال دع ذا عنك والله إن لم تجب نفسك بحضرتي لأرمين بهما فقال له الله الله في وفي ابني قال دع ذا عنك فوالله ما هي إلا نفسي وإني لأسمح بها من شربة ماء وأهوى ليرمي بهما فأسرع مولاه فأخذ مدية وجب نفسه فلما رأى الغلام أنه قد فعل رمى بهما بالصبيين فتقطعا وقال ذلك الذي فعلت فعلت بفعلك بي وقتلى هذين زيادة فأمر الهادي بالكتاب إلى صاحب السند بقتل الغلام وتعذيبه بأفظع ما يكون من العذاب وأمر بإخراج كل سندي في مملكته فرخص السندي في أيامه حتى كانوا يتداولون بالثمن اليسير
وقال ابن داب قال لي الهادي هلم بنا إلى ذكر فضائل البصرة والكوفة

وما زادت به كل واحدة منهما على الأخرى قال قلت ذكر عن عبد الملك ابن عمير أنه قال قدم علينا الأحنف بن قيس الكوفة مع مصعب بن الزبير فما رأيت شيخا قبيحا إلا وقد رأيت في وجه الأحنف منه شيئا كان صعل الرأس أغضف لأذن باخق العين ناتئ الوجه مائل الشدق مترا كب الأسنان ولكنه كان إذا تكلم جلي عن نفسه فجعل يفاخرنا ذات يوم بالبصرة ونفاخره بالكوفة فقلنا الكوفة أغذى وأمرأ وأفسح وأطيب فقال له رجل والله ما أشبه الكوفة إلا بإنسانه قبيحة الوجه كريمة الحسب لا مال لها فإذا ذكرت حاجتها كف الناس عنها وما أشبه البصرة إلا بعجوز ذات عوارض موسرة فإذا ذكرت ذكر يسارها وذكرت عوارضها فكف عنها طالبها فقال الأحنف أما البصرة فإن أسفلها قصب وأوسطها خشب وأعلاها رطب نحن أكثر ساجا وعاجا وديباجا ونحن أكثر قيدا ونقدا والله ما آتي البصرة إلا طائعا ولا أخرج منها إلا كارها قال فقام إليه شاب من بكر بن وائل فقال يا أبا بحر ما بلغت في الناس ما بلغت فوالله ما أنت بأجملهم ولا بأشرفهم ولا بأشجعهم قال يا ابن أخي بخلاف ما أنت فيه قال وما ذاك قال بتركي ما لا يعنيني كما عناك من امرئ ما لا يعنيك انتهى وحدث عدة من ذوي المعرفة بأخبار الدولة أن موسى قال لهارون أخيه كأني بك تحدث نفسك بتمام الرؤيا وتؤمل ما أنت منه بعيد ومن دونه خرط القتاد فقال هارون يا أمير المؤمنين من تكبر وضع ومن تواضع رفع ومن ظلم خذل وإن وصل الأمر إلي وصلت من قطعت وبررت من حرمت وصيرت أولادك أعلى من أولادي وزوجتهم بناتي وقضيت بذلك حق الإمام المهدي فانجلى عن موسى الغضب وبان لاسرور في وجهه وقال ذلك الظن بك يا أبا جعفر أدن مني فقام هارون فقبل يده ثم ذهب ليعود إلى مجلسه فقال له موسى والشيخ الجليل والملك النبيل لا جلست إلا معي في صدر المجلس ثم قال يا خزائني الحمل إليه الساعة ألف ألف دينار فإذا فتح الخراج فاحمل إليه

نصفها فلما أراد هارون الرشيد الانصراف قدمت دابته إلى البساط قال عمرو الرومي فسألت الرشيد عن الرؤيا فقال قال المهدي رأيت في منامي كأني دفعت إلى موسى قضيبا وإلى هارون قضيبا فأما قضيب موسى فأروق أعلاه قليلا وأما قضيب هارون فأروق من أوله إلا آخره فقص الرؤيا على الحكم بن إسحاق الصيمري فكان يعبرها فقال له يملكان جميعا فأما موسى فتقل أيامه وأما هارون فيبلغ آخر ما عاش خليفه وتكون أيامه أحسن الأيام ودهره أحسن الدهور قال عمرو الرومي فلما أفضت الخلافة إلى هارون زوج ابنته حمدونة من جعفر بن موسى وفاطمة من إسماعيل بن موسى ووفى له بكل ما وعده
وفيها بويع الرشيد ومن الاتفاق العجيب أن الرشيد سلم عليه بالخلافة عمه سليمان بن المنصور وعم أبيه المهدي وهو العباس بن محمد وعم جده المنصور وهو عبد الصمد بن علي ذكره ابن الجوزي في الشذور
وفيها توفي الربيع بن يونس أبو الفضل حاجب المنصور والمهدي وله مع لمنصور أمور منها أن المنصور قال له يوما سلني حاجتك قال أن تحب ابني قال إن المحبة تقع بأسباب قال قد أمكنك الله من أنواع سببها قال كيف قال تفضل عليه فيحبك قال لا والله قد أحببته قبل إيقاع السبب ولكن كيف اخترت له المحبة دون كل شيء قال لتكون ذنوبه عندك كذنوب الصبيان وشفاعته كشفاعة العريان وأشار إلى قول الورد
( ليس الشفيع الذي يأتيك متزرا ** مثل الشفيع الذي يأتيك عريانا )
وقال له يوما يا ربيع ما أطيب الحياة لولا الموت فقال ما طيبها إلا الموت يعني بموت من قبلك وصلت إليك الخلافة
وفيها يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب بن أبي صفرة الأزدي وكان أرسله

المنصور لحرب الخوارج واستمر واليا على إفريقية خمس عشرة سنة وكان من الممدحين الأجواد
وكذلك أخوه روح بن حاتم وكان روح متوليا على السند وتولى لخمسة من الخلفاء السفاح والمنصور والمهدي والهادي والرشيد ولم يتفق مثل هذا إلا لأبي موسى الأشعري عمل للنبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الأربعة بعده وكان يتعجب الناس من بعد ما بين ابني حاتم يزيد وروح فاتفق أن الرشيد عزل روحا عن السند فلحق بإفريقية فدفنا في قبر واحد بإفريقية وفي يزيد بن حاتم يقول الشاعر
( وإذا تباع كريمة أو تشتري ** فسواك بائعها وأنت المشتري )
( وإذا تخيل من سحابك لامع ** صدقت مخيلته لدى المستمطر )
( وإذا الفوارس عددت أبطالها ** عدوك في أبطالهم بالخنصر )
ووفد عليه أشعب صاحب النوادر في الطمع فمدحه ببيتين فأجزل عطيته
وفيها مات إمام اللغة والعروض والنحو الخليل بن أحمد الفراهيدي الأزدي وقيل سنة خمس وسبعين ومائة وهو الذي استنبط علم العروض وحصر أقسامه في خمس دوائر واستخرج منها خمسة بحرا وزاد فيها الأخفش بحرا سماه الخبب قبل ان الخليل دعا الخليلدعا بمكة أن يرزقه الله علما لم يسبق إليه وهو في اختراعه بديهة كاختراع أرسطاطاليس علم المنطق ومن تأسيس بناء كتاب العين الذي يحصر لغة أمة من الأمم وهو أول من جمع حروف المعجم في بيت واحد فقال
صف خلق خود كمثل الشمس إذ بزغت ** يحظى الضجيع بها نجلاء معطار )
وقال تلميذه النضر بن شميل جاءه رجل من أصحاب يونس يسأله عن مسألة فأطرق الخليل يفكر وأطال حتى انصرف الرجل فعاتبناه فقال ما كنتم قائلين

فيها قلنا كذا وكذا قال فإن قال كذا وكذا قلنا نقول كذا وكذا فلم يزل يغوص حتى انقطعنا وجلسنا تفكر فقال ابن المجيب يفكر قبل لجواب وقبيح أن يفكر بعده وقال وقال ما أجيب بجواب حتى أعرف ما على فيه من الإعتراضات والمؤاخذات وكان مع ذلك صالحا قانعا قال النضر أقام في خص بالبصرة لا يقدر على فلس وعلمه قد انتشر وكسب به أصحابه الأموال قال وسمعته يقول إني لأغلق على بابي يجاوزه همي وقيل للخيل وقد اجتمع مع ابن المقفع كيف رأيته فقال علمه أكثر من عقله وقيل لابن المقفع كيف رأيت الخليل قال عقله أكثر من علمه وقرأ عليه رجل في العروض فلم يفهم فقال له الخليل قطع هذا البيت
( إذا لم تتسطع شيئا فدعه ** وجاوزه إلى ما تستطيع )
قال الخليل فشرع الرجل في تقطيعه على مبلغ علمه ثم قام فلم يرجع إلى فعجبت من فطنته لما قصدته في البيت مع بعد فهمه ويقال أن أباه أول من سمى أحمد بعد النبي صلى الله عليه وسلم وكان شاعرا مفلقا مطبوعا ومن شعره
( وما هي إلا ليلة ثم يومها ** وحول إلى حول وشهر إلى شهر )
( مطايا يقربن الجديد إلى البلى ** ويدنين اشلاء الكرام إلى القبر )
( ويتركن ازواج الغيور لغيره ** ويقسمن ما يحوى الشحيح من الوفر )
وكان من الزهد في طبقة لا تدرك حتى قيل أن بعض الملوك طلبه ليؤدب له أولاده فأتاه الرسول وبين يديه كسر يابسة يأكلها فقال له قل لمرسلك مادام يلقى مثل هذه لا حاجة به إليك ولم يأت الملك
وسأله الأخفش لم سميت بحر الطويل طويلا قال لأنه تمت أجزاؤه والبسيط لأنه انبسط على حد الطويل والمديد لتمدد سباعية حول خماسيه والكامل لكمال أجزائه السباعيه ليس فيه غيرها والوافر لوفور أجزائه لأن فيه ثلاثين حركة لا تجتمع في غيره والرجز لاضطرابه كاضطراب قوائم الناقة الرجزاء

والرمل لأنه يشبه رمل الحصير يضم بعضه إلى بعض والهزج لأنه يتصرف شبه هزج الصوت والسريع لسرعته على اللسان والمنسرح لانسراحه وسهولته والخفيف لأنه أخف السباعيات والمقتضب لأنه اقتضب من الشعر لقلته والمضارع لأنه ضارع المقتضب والمجتث لأنه اجتث أي قطع من طول دائرته والمتقارب لتقارب أجزائه وأنها خماسية كلها يشبه بعضها بعضا انتهى قيل لما دخل الخليل البصرة لمناظرة أبي عمرو بن العلاء جلس إليه ولم يتكلم بشيء فسئل عن ذلك فقال هو رئيس منذ خمسين سنة فخفت أن ينقطع فيفتضح في البلد وقال الواحدي في تفسيره الإجماع منعقد على أنه لم يكن أحد أعلم بالنحو من الخليل قاله ابن الأهدل وقال في العبر الخليل بن أحمد الأزدي البصري أبو عبد الرحمن صاحب العربية والعروض روى عن أيوب السختياني وظائفة وكان أماما كبير القدر خيرا متواضعا فيه زهد وتعطف صنف كتاب العين في اللغة انتهى
وفيها مجنون ليلى قيس بن الملوح بن مزاحم اشتهر بعشق ليلى في الدنيا وهو أحد بني كعب بن عامر بن صعصعة وقد أنكر قوم وجوده قائلين هو كالعنقاء وهذا غلط فإن اشتهار عشقه لليلى أشهر من أن يخفي وأثبته علماء السير وأما ليلى فإنها بنت مهدي وقيل بنت ورد من بني ربيعة كانت من أجمل النساء شكلا وأدبا وابتداء أمرهما أنهما كانا صغيرين يرعيان أغناما لقومهما فعلق كل منهما بصاحبه ولم يزالا على ذلك حتى كبرا واشتهر أمرهما فحجبت ليلى عنه فزال عقله وقال 30 تعلقت ليلى وهي ذات ذؤابة ** ولم يبد للاتراب من ثديها حجم )
( صغيرين نرعى البهم يا ليت أننا ** إلى اليوم لم نكبر ولم تكبر البهم )
ثم كان يأتي الحي على غفلة من أهله فلما كثر ذلك خرج أبو ليلى ومعه نفر من قومه إلى مروان بن الحكم فشكوا إليه ما أصابهم من قبيس ابن الملوح وسألوه الكتاب إلى عامله يمنعه من كلام ليلى وأن وجده أهل ليلى عندها يكون دمه هدرا فلما بلغ قيسا ذلك قال


( ألا حجبت ليلى وآلى أميرها ** على يمينا جاهدا لا أزورها )
( وواعدني فيها رجل أبوهم ** أبي وأبوهم حشيت لي صدورها )
( على غير شيء غير أنى أحبها ** وإن فؤادي عند ليلى أسيرها )
فلما يئس منها ذهب عقله بالكلية ولعب بالتراب والحصى وضنيت ليلى أيضا من فراقه ثم تزوجت ليلى فصار المجنون يدور في الفلوات عريانا ينشد الأشعار ويأنس بالوحوش ثم وجد بعد حين ملقى بين الأحجار ميتا فاحتملوه إلى الحي وغسلوه ودفنوه وبكوا عليه وكان أبو ليلى أشد القوم جزعا وبكاء وقال ما علمت أن الأمر يبلغ إلى هذا ولكني كنت أمر عربيا أخاف العار ولو علمت أن الأمر يفضي إلى هذا ما أخرجتها عن يده ويقال أنها أيضا ضنيت عليه وماتت أسفا ودفنت قريبا منه وأمرهما أشهر من أن يذكر والله أعلم
وفيها توفي عبد الله بن جعفر المخرمي روى عن عمة أبيه أم بكر بنت المسور بن مخرمة وجماعة من التابعين وخرج له مسلم والأربعة وكان قصيرا ذميما قال الواقدي كان عالما بالمغازي والفتوى وقال الذهبي في المغني عبد الله بن جعفر المخرمي المدني ثقة وهاه ابن حبان فقط انتهى
وفيها محمد بن مهاجر الحمصي روى عنه نافع وطبقته وآخر من حدث أبو ثوبة الحلبي
وأبو معشر السندي واسمه نجيح بن عبد الرحمن المدني صاحب المغازي والأخبار مشهور عن أصحاب أبي هريرة ليس بالعمدة قال ابن معين كان أميا يتقى من حديثه المسند وقال صاحب العبر روى عن محمد بن كعب القرظي والكبار واستصحبه المهدي معه لما حج إلى بغداد وقال يكون بحضرتنا ويفقه من حولنا وصله بألف دينار وكان أبيض أزرق سمينا وقيل له السندي من قبيل اللقب بالضد انتهى

وفيها الوزير أبو عبد الله معاوية بن عبيد الله بن يسار الاشعري مولاهم كاتب المهدي ووزيره وكان من خيار الوزراء صاحب علم وفضل ورواية وعبادة وصدقات روى عن منصور بن المعتمر
وفيها أو في حدودها محمد بن جعفر بن أبي كثير المدني مولى الأنصاري أخذ عن زيد بن أسلم وطبقته وكان ثقة كثير العلم
وأسباط بن نصر الهمذاني الكوفي المفسر صاحب إسماعيل السدي والله أعلم قال في المغني وثقه ابن معين وضعفه أبو نعيم قال النسائي ليس بالقوي توقف فيه أحمد اتهى وقد خرج له البخاري في التاريخ ومسلم والأربعة

سنة إحدى وسبعين ومائة

فيها أمر الرشيد بإخراج الطالبين إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم وخرجت الخيزران إلى مكة في رمضان فأقامت بها إلى وقت الحج وحجت قاله ابن الجوزي في الشذور
وفيها على الأصح توفي حبان بن علي العنزي أخو مندل وكان من فقهاء الكوفة وهو ضعيف روى عن عبد الملك بن عمير وطبقته
وأبو المنذر سلام بن سليم المزني البصري ثم الكوفي النحوي لمقرئ أخذ عن عاصم بن أبي النجود وأبي عمرو وحدث عن ثابت البناتي وغيره وهو شيخ يعقوب الحضرمي
وفيها أبو عبد الرحمن عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم العمري المدني أخو عبيد الله بن عمر روى عن نافع وجماعة وكان محدثا صالحا قال أحمد لا بأس به قال ابن الأهدل كان آية في العلم غاية في العبادة واجه الرشيد بالإنكار والموعظة الغليظة في المسعى فقال يا هارون قال لبيك يا عم قال انظر هل تحصيهم يعني الحجيج قال ومن يحصيهم قال أعلم أن كلا منهم يسأل عن نفسه وأنت تسأل

عن كلهم ثم قال والله إن الرجل ليسرف في ماله فيستحق الحجر فكيف من يسرف في أموال المسلمين انتهى
وفيها أبو الشهاب الحناط عبد ربه بن نافع الكوفي روى عن عاصم الأحول وطبقته وتوفي كهلا وقيل توفي في التي بعدها قال في المغني صدوق وليس بذاك الحافظ انتهى وخرج له الشيخان
وفيها أو نحوها مات الأمير يزيد بن حاتم بن قبيصة بن المهلب بن أبي صفرة المهلبي البصري أحد الشجعان المذكورين ولي أمرة الغرب مدة طويلة وولى إمرة مصر قبل ذلك سبع سنين
وعبد الرحمن بن سليمان بن عبد الله بن حنظلة بن الغسيل المدني رأى سهل ابن سعد وروى عن عكرمة والكبار وكان كثير الحديث ثقة جليلا

سنة اثنتين وسبعين ومائة

فيها توفيت الخيزران زوجة المهدي وأم الهادي والرشيد ولم تلد امرأة خليفتين غير ثلاثة ولادة بنت العباس العبسية تزوجها عبد الملك بن مروان فولدت له الوليد وسليمان فوليا الخلافة والثانية شافهر بنت فيروز بن يزدجرد تزوجها الوليد بن عبد الملك فولدت له يزيد وابراهيم فوليا الخلافة والثالثة الخيزران اشتراها المهدي ثم أعتقها فولدت له الهادي والرشيد ووليا الخلافة ويلحق بهؤلاء خاتون جارية ملكشاه فإنها ولدت محمدا وسنجرا وكلاهما ولي السلطنة وكان كبير القدر قاله في الشذور ولما ماتت الخيرزان خرج خلف جنازتها ولدها الرشيد وعليه جبة وطيلسان أزرق قد شدبه وسطه وهو آخذ بقائمة السرير حافيا في الطين حتى أتى مقابر قريش فغسل رجليه وصلى عليها ونزل قبرها
وفيها توفي الإمام أبو محمد سليمان بن بلال المدني مولى أبي بكر الصديق

روى عن عبد الله بن دينار وطبقته قال ابن سعد كان بربريا جميلا حسن الهيئة عاقلا كان يفتي بالمدينة وولى خراج المدينة وكان من الثقات الأثبات
وفيها أمير دمشق الفضل بن صالح بن على العباسي ابن عم المنصور وهو الذي أنشأ القبة الغريبة التي بجامع دمشق وتعرف بقبة المال
وفي جمادى الأولى مات صاحب الأندلس الأمير أبو المطرف عبد الرحمن ابن معاوية بن الخليفة هشام بن عبد الملك الأموي الدمشقي المعروف بالداخل فر إلى المغرب عند زوال دولتهم فقامت معه اليمانية وحارب يوسف الفهري متولي الأندلس وهزمه وملك قرطبة في يوم الأضحى سنة ثمان وثلاثين ومائة وامتدت أيامه وكان عالما حسن السيرة عاش اثنتين وستين سنة وولى بعده ابنه هشام وبقيت الأندلس لعقبه إلى حدود الأربعمائة
وفيها أوفى في سنة ست وسبعين صالح المري الزاهد وأعظ البصرة روى عن الحسن وجماعة وحديثه ضعيف قال عفان كان شديد الخوف من الله إذا قص كأنه ثكلى وخرج له الترمذي قال في المغني صالح بن بشر المري الزاهد عن الحسن تركه أبو داود والنسائي وضعفه غيرهما انتهى
ومهدي بن ميمون المعولى مولاهم البصري الناقد الثقة روى عن ابي رجاء العطاردي وابن سيرين والكبار
والوليد أبي ثور هو ابن عبد الله الهمداني الكوفي عن زياد بن علاقة وجماعة وهو ضعيف
وفي حدودها معاوية بن سلام بن الأسود بن سلام ممطور الحبشي ثم الشامي روى عن أبيه والزهري وجماعة قال يحيى بن معين أعده محدث أهل الشام والله أعلم

سنة ثلاث وسبعين ومائة

فيها وقيل سنة أربع توفي إسماعيل بن زكريا الخلفاني الكوفي ببغداد روى عن العلاء بن عبد الرحمن وطبقته وعاش خمسا وستين سنة قال في المغني صدوق شيعي قال الميموني قلت لأحمد بن حنبل كيف هو قال أما الأحاديث المشهورة التي يرويها فهو فيها مقارب الحديث ولكنه ليس ينشرح الصدر له قال الميموني وسمعت ابن معين يضعفه وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه حديثه مقارب وعن ابن معين أيضا هو ثقة قال العقيلي حدثنا إبراهيم ابن الجنيد حدثنا أحمد بن الوليد بن أبان حدثني جدي حسين بن حسن حدثني خالي إبراهيم سمعت إسماعيل الخالقاني يقول الذي نادى من جانب الطور عنده على بن أبي طالب قال وسمعته يقول هو الأول والآخر على ابن أبي طالب قلت هذا لم يثبت عن الخلفاني وأن صح عنه فهو زنديق عدو الله انتهى ما قاله الذهبي في المغني
وفيها أمير البصرة وفارس محمد بن سليمان بن علي ابن عم المنصور وله إحدى وخمسون سنة وكان الرشيد يبالغ في تعظيمه وإكرامه ولما مات احتوى الرشيد على خزائنه وكانت خمسين ألف ألف درهم
وفي رجب الإمام الكبير أبو خيثمة زهير بن معاوية الجعفي الكوفي نزيل الجزيرة ومحدثها وحافظها روى عن سماك بن حرب وطبقته وكان أحد الحفاظ الأعلام حتى بالغ فيه شعيب بن حرب وقال كان احفظ من عشرين شعبة
وفيها أبو سيعد سلام بن أبي مطيع البصري روى عن أبي عمر أن الجوني وطائفة قال أحمد بن حنبل ثقة صاحب سنة وقال ابن حبان لا يجوز أن يتحتج بما انفرد به وقال ابن عدي لا بأس به وليس بمستقيم الحديث في قتادة خاصة وله غرائب

ويعد من خطباء أهل البصرة وقال الحاكم منسوب إلى الغفلة وإلى سوء الحفظ انتهى وقد خرج له الشيخان وغيرهما
وفيها نوح الجامع وهو أبو عصمة نوح بن أبي مريم الفقيه قاضي مرو ولقب بالجامع لأنه أخذ الفقه عن أبي حنيفة وابن أبي ليلى والحديث عن حجاج بن أرطأة والمغازي عن ابن إسحق والتفسير عن مقاتل وهو متروك الحديث قاله في العبر
وعبد الرحمن بن أبي الموالي المدني مولى آل علي رضي الله عنه روى عن أبي جعفر الباقر وطائفة وضربه المنصور أربعمائة سوط على أن يدله على محمد بن عبد الله بن حسن فلم يدله وكان من شيعته قاله في العبر قال في المغني عبد الرحمن ابن أبي الموالي مشهور ثقة خرج مع ابن حسن قال أحمد حديثه في الإستخارة منكر قلت خرجه البخاري وقد قال ابن عدي رواه غير واحد كما رواه ابن أبي الموالي انتهى
وجويرية بن أسماء بن عبيد الضبعي البصري روى عن نافع والزهري وكان ثقة كثير الحديث

سنة أربع وسبعين ومائة

وفيها حج الرشيد فبدأ بالمدينة فقسم فيا مالا عظيما ووقع الوباء بمكة فأبطأ في دخولها ثم دخلها فقضى طوافه وسيعه ولم ينزل مكة قاله في الشذور
وفيها توفي في جمادى الآخرة الإمام أبو عبد الرحمن عبد الله بن لهيعة الحضرمي قاضي مصر الحافظ روى عن الأعرج وعطاء بن أبي رباح وخلق كثير قال أحمد بن صالح المصري كان ابن لهيعة صحيح الكتاب طلابة للعلم وقال زيد بن الحباب سمعت سفيان الثوري يقول عند ابن لهيعة الأصول

وعندنا الفروع وقال أحمد بن حنبل من كان بمصر مثل ابن لهيعة في كثرة حديثه وضبطه واتقانه وقال ابن معين ليس بذاك القوى انتهى وخرج له الترمذبي وأبو داود وغي قال في المغني قال بعض الناس ما روى عنه مثل ابن وهب وابن المبارك فهو أجود وأقوى انتهى وقال السيوطي في حسن المحاضرة ابن لهيعة عبد الله ابن عقبة بن لهيعة الحضرمي المصري أبو عبد الرحمن الفقيه قاضي مصر ومسندها عن عطاء وعمرو بن دينار والأعرج وخلق وعنه الثوري والأوزاعي وشعبة وماتوا قبله وابن المبارك وخلق وثقة أحمد وغيرها وضعفه يحيى القطان وغيره انتهى
وفيها بكر بن مضر المصري عن نيف وسبعين سنة قال ابن ناصر الدين كان إماما حجة من افاضل أهل زمانه طويل الحزن خازنا للسانه انتهى روى عن أبي قبيل المعافري وطائفة وأكثر عنه قتيبة وكنيته أبو عبد الملك
وفيها عبد الرحمن بن أبي الزناد المدني ببغداد وكان فقيها مفتيا قال ابن معين اثبت الناس في هشام بن عروة قال في العبر قلت وروى الكثير عن أبيه وطبقته وفيه ضعف يسير انتهى
وفيها يعقوب بن عبد الله الأشعري القمي رحل وحمل عن زيد بن أسلم وأكثر عن جعفر بن أبي المغيرة القمى قال في المغني صالح الحديث محدث أهل قم يروى عن جعفر بن أبي المغيرة وليث قال النسائي ليس به بأس وقال الدارقطني ليس بالقوى انتهتى
وفيها الأمير روح بن حاتم بن قبيصة بن المهلب أخو يزيد أحد القواد الكبار ولى إمرة الكوفة وغيرها

سنة خمس وسبعين ومائة

وفيها عقد الرشيد للأمين وهو ابن خمس سنين وفيها هاجت العصية بين القيسية واليمينة بالشام ورأس القيسية أبو الهيذام المري وقتل بينهما بشر كثير واتصلت فتنتهما إلى زمننا هذا
وفيها توفي شيخ الديار المصرية وعالمها أبو الحرث الليث بن سعد الفهمي مولاهم الفقيه وأصله فارسي أصبهاني قال في حسن المحاضرة الليث بن سعد ابن عبد الرحمن الفهمي أبو الحرث المصري أحد الأعلام ولد بقرقشندة سنة أربع وستين وروى عن الزهري وعطاء ونافع وخلق وعنه ابن شعيب وابن المبارك وآخرون قال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث صحيحه وكان قد اشتغل بالفتوى في زمانه بمصر وكان سريا من الرجال نبيلا سخيا له ضيافة وقال يحيى بن بكير ما رأيت أحدا أكمل من الليث كان فقيه النفس عربي اللسان يحسن القرآن والنحو ويحفظ الحديث والشعر حسن المذاكرة وقال الشافعي كان الليث أفقه من مالك إ لا أنه ضيعه أصحابه قال ابن كثير وقد حكى بعضهم أنه ولى القضاء بمصر وهو غريب وقال الذهبي في العبر كان نائب مصر وقاضيها من تحت أوامر الليث وإذا رابه من أحد شيء كاتب فيه فيعزل وقد اراد المنصور أن يلي إمرة مصر فامتنع مات يوم الجمعة رابع عشر شعبان سنة خمس وسبعين ومائة انتهى ما قاله السيوطي في حسن المحاضرة وقال ابن الأهدل أراده المنصور لولاية مصر فأبي وتولى قضاءها وروى أن الإمام مالكا اهدى له صينية رطبا فأعادها مملوءة ذهبا وكان يتخذ لأصحابه الفالوذج وكان يدخله في سنته ثمانون ألف دينار وما وجبت عليه زكاة وكان لا يتغذى كل يوم حتى يطعم ثلاثمائة وستين مسكينا انتهى ولعله أراد يصبح على كل سلامي من أحدكم

صدقة الحديث وقال في العبر كان اتبع للأثر من مالك وقال يحيى بن بكير الليث أفقه من مالك لكن الخطوة لمالك انتهى
وفيها أبو عبد الله حزم بن أبي حزم القطعي أخو سهيل روى عن الحسن وجماعة قال أبو حاتم هو من ثقات من تبقى من أصحاب الحسن
وفيها داود بن عبد الرحمن العطار المكي روى عن عمرو بن دينار وجماعة قال الشافعي ما رأيت أورع منه
وفيها قاضي الكوفة أبو عبد الله القسم بن معن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود الهذلي المسعودي روى عن عبد الملك بن عميرو طبقته قال حمد كان ثقة صاحب نحو وشعر وقال أبو حاتم كان أروى الناس للحديث والشعر وأعلمهم بالعربية والفقه وقال ابن ناصر الدين في شرحه لبديعة البيان له كان إماما علامة ثقة قاضي الكوفة لم يأخذ على القضاء رزقا مدة ولايته وكان من أروى الناس للآثار وأعلمهم بالفقه والعربية والأشعار انتهى

سنة ست وسبعين ومائة

فيها افتتح المسلمون مدينة دبسة من أرض الروم بعد حرب طويل
وفيها اشتد البلاء والقتل بين القيسية واليمنية بالشام واستمرت بينهم أحن وأحقاد ودماء يهيجون لأجلها في كل وقت وإلى اليوم
وفيها توفي قاضي بغداد للرشيد أبو عبد لله سعيد بن عبد الرحمن الجمحي المدني روى عن عبد الرحمن بن القسم وطبقته وكان من أولى العلم والصلاح وخرج له مسلم وأبو داود والنسائي وغيرهم قال في المغني ثقة لينة الفسوى انتهى
وفيها وقيل في التي تليها عبد الواحد بن زياد العبدي مولاهم البصري روى عن كليب بن وائل وطائفة كثيرة قال في المغني عبد الواحد بن زياد عن الأعمش وغيره صدوق يغرب قال ابن معين ليس بشيء وقال أبو داود الطيالسي

عمد إلى أحاديث كان يرسلها الأعمش فوصلها كلها ولينة القطان انتهى
وفيها أبو عوانة الوضاح مولى يزيد بن عطاء اليشكري البزاز الحافظ أحد الأعلام قال ابن ناصر الدين أبو عوانة الواسطي البزاز كان أحد الحفاظ الثقات الإعيان قال يحيى القطان أبو عوانة من كتابه أحب إلى من شعبة من حفظه انتهى رأى الحسن وروى عن قتادة وخلق وقال يحيى القطان ما أشبه حديثه بحديث سفيان وشعبة وقال عفان هو عندنا أصح حديثا من شعبة وقال غيره هو من سبى جرجان قاله في العبر
وفيها حماد بن أبي حنيفة الإمام وكان من أهل الخير والصلاح والفقه في مذهب أبيه قال في المغني عن أبيه ضعفه ابن عدي انتهى وكان ابنه إسماعيل بن حماد قاضي البصرة فعزل يحيى بن أكثم ولما خرج منها إسماعيل مسافرا شيعه يحيى قال إسماعيل كان لنا جار طحان رافضى له بغلان فسمى أحدهما أبا بكر والآخر عمر فرمحه أحدهما فقتله فقال جدى أبو حنيفة انظروا الذي رمحه فلا تجدونه إلا الذي سماه عمر فوجدوه كذلك

سنة سبع وسبعين ومائة

فيها توفي عبد الواحد بن زيد البصري الزاهد الذي قيل أنه صلى الغداة بوضوء العشاء أربعين سنة ومن مواعظه قوله إلا تستحيون من طول مالا تستحيون روى عن الحسن وجماعة وهو متروك الحديث قاله في العبر
وفيها شريك بن عبد الله النخعي الكوفي القاضي أبو عبد الله أحد الأعلام عن نيف وثمانين سنة روى عن سلمة بن كهيل والكبار سمع منه إسحق الأزرق تسعة آلاف حديث قال ابن المبارك هو أعلم بحديث بلده من سفيان الثوري وقال النسائي ليس به باس وقال غيره فقيه إمام لكنه يغلط قال ابن ناصر الدين استشهد له البخاري ووثقه ابن معين واخرج له مسلم متابعة انتهى


وفيها محمد بن مسلم الطائفي المكي روى عن عمرو بن دينار وجماعة قال ابن مهدي كتبه صحاح
وموسى بن أعين الحراني رحل إلى العراق وأخذ عن عبد الله بن محمد بن عقيل وطبقته فأكثر
وأبو خلد يزيد بن عطاء اليشكري الواسطي روى عن علقمه بن مرثد وطبقته وليس بالقوى قاله في العبر وقد مر مولاه أبو عوانة
وفيها أوفى حدودها عبد العزيز بن المختار البصري الدباغ حدث عن ثابت البناني وجماعة

سنة ثمان وسبعين ومائة

فيها فوض الرشيد أموره كلها إلى يحيى بن خالد بن برمك قاله في الشذور
وفيها توفي جعفر بن سليمان الضبعي بالبصرة روى عن أبي عمران الجوني وطائفة وكان أحد علماء البصرة وفيه تشيع أخذ ذلك عنه عبد الرزاق باليمن قاله في العبر وقال ابن ناصر الدين هو أبو سليمان كان من ثقات الشيعة والزهاد ولم يكن قويا ومع كثرة علومه قيل كان أميا انتهى
وفيها عبثر بن القسم أبو زبيد الكوفي روى عن حصين بن عبد الرحمن وجماعة ذكره أبو داود فقال ثقة ثقة
وعبد الله بن جعفر بن نجيح السعدي مولاهم ا لمديني نزيل البصرة ووالد على بن المديني روى عن عبد الله بن دينار وطبقته وهو ضعيف الحديث
سنة تسع وسبعين ومائة

فيها كانت فتنة الوليد بن طريف الشارى الخارجي وأحد الشراة وهم الخوارج سموا بذلك لقولهم شرينا أنفسنا في طاعة الله أي بعناها بالجنة حين

فارقنا الأئمة الجبابرة وكان الوليد أحد الشجعان وندب الرشيد لحربه يزيد بن زائدة ابن أخي معن بن زائدة الشيباني ومكث يزيد مدة يما كره ويخادعه وكانت البرامكة منحرفة عن يزيد فقالوا للرشيد إنه مداهن فأسل إليه يتوعده فناجزه يزيد فظفر به وكان الوليد ينشد في المصاف
( أنا الوليد بن طريف الشارى ** فسورة لا يصطلي بنار )
ولما انهزم تبعه يزيد بنفسه حتى أدركه على مسافة بعيدة فقتله واحتز رأسه ولما قتل لبست أخته الفارعة عدة حربها وحملت فضرب يزيد بلرمح قرنيها وقال اغربي غرب الله عنك فقد فضحت العشيرة فانصرفت ولها في أخيها مراث كثيرة شهيرة
وفيها اعتمر الرشيد في رمضان ثم رجع إلى المدينة فأقام بها إلى وقت الحج ثم حج بالناس فمشى من مكة إلى مني ثم إلى عرفات وشهد المشاهد والمشاعر ماشيا
وفيها توفي إمام دار الهجرة أبو عبد الله مالك بن أنس الحميري الأصبحي شهير الفضل كان طوالا جسيما عظيما الهامة أبيض الرأس واللحية أشقر أزرق العين يلبس الثياب العربية البيض وإذا اعتم جعلها تحت ذقنه ويسدل طرفها بين كتفيه روى أنه قال ما أفتيت حتى شهد لي سبعون أني أهل لذلك وقل رجل كنت أتعلم منه ومات حتى يستفتيني قال اليافعي أخبر بنعمة الله وكان مالك عظيم المحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم مبالغا في تعظيم حديثه حتى كان لا يركب في المدينة مع ضعفه وكبر سنه ويقول لا أركب في بدل فيها جسد رسول الله صلى الله عليه وسلم مدفون قال الشافعي قال لي محمد بن الحسن أي أعلم صاحبنا أو صاحبكم يعني أبا حنيفة ومالكا رحمهما الله تعالى قلت على الإنصاف قال نعم قلت أنشدك الله من أعلم بالقرآن قال صاحبكم قلت فمن أعلم بالسنة قال صاحبكم قلت فمن أعلم بأقاويل الصحابة قال صاحبكم قلت فما بقي إلا القياس وهو لا يكون إلى على هذه الأشياء وكان مالك يشهد الصلوات

الخمس والجمعة ويصلى على الجنائز ويعود المرضى ويقضى الحقوق وأكثر جلوسه في المسجد ثم ترك ذلك فكان يصلي وينصرف وترك حضور الجنائز ثم ترك الكل وسعى به إلى جعفر بن سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس وقيل له أنه لا يرى خلافتكم فضربه سبعين سوطا ومدت يده حتى انخلعت فلم يزل بعد ذلك في رفعة كأنما كان السياط حليا حلى به ولما ورد المنصور المدينة أراد أن يقيده منه فقال والله ما ارتفع سوط منها عن بدني إلا وقد جعلته في حل لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل ضرب لفتوى لم توافق أغراضهم وقيل أنه حمل إلى بغداد وقال له واليها ما تقول في نكاح المتعة فقال هو حرام فقيل له ما تقول في قول عبد الله بن عباس فيها فقال كلام غيره فيها أوفق لكتاب الله تعالى وأصر على القول بتحريمها فطيف به على ثور مشوها فكان يرفع القذر عن وجهه ويقول يا أهل بغداد من لم يعرفني فليعرفني أنا مالك بن أنس فعل بي ماترون لأقول بجواز نكاح المتعة ولا أقول به ثم بعد ذلك لم يزده الله تعالى الأرفعة وكان ذلك كالتميمة له فجزأه الله تعالى عن نفسه والأمة خيرا وحدث عتيق بن يعقوب الزبيدي قال قدم هرون الرشيد المدينة وكان قد بلغه أن مالك بن أنس عنده الموطأ يقرؤه على الناس فوجه إليه البرمكي فقال اقرئه السلام وقل له يحمل إلى الكتاب ويقرؤه على فأتاه البرمكي فقال اقرئه السلام وقل له أن العلم يؤتي ولا يأتي فأتاه البرمكي فأخبره وكان عنده أبو يوسف القاضي فقال يا أمير المؤمنين يبلغ أهل العراق أنك وجهت إلى مالك في أمر مخالفك إعزم عليه فبينما هو كذلك إذ دخل مالك فسلم وجلس فقال له الرشيد يا ابن أبي عامر ابعث إليك وتخالفني فقال يا أمير المؤمنين اخبرني الزهري عن خارجة بن زيد عن أبيه قال كنت أكتب الوحي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يستوي القاعدون من المؤمنين وابن أم مكتوم عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله

إني رجل ضرير وقد أنزل الله عليك في فضل الجهاد ما قد علمت فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا أدري وقلمي رطب ما جف ثم وقع فخذ النبي صلى الله عليه وسلم على فخدي ثم أغمي على النبي صلى الله عليه وسلم ثم جلس النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا زيد اكتب غير أولي الضرر ويا أمير المؤمنين حرف واحد بعث فيه جبريل والملائكة عليهم السلام من مسيرة خمسين ألف عام ألا ينبغي لي أن أعزه وأجله وأن الله تعالى رفعك وجعلك في هذا الموضع بعملك فلا تكن أنت أول من يضيع عز العلم فيضيع الله عزك فقام الرشيد يمشي مع ملك إلى منزله ليسمع منه الموطأ فأجلسه معه على المنصة فلما أراد أن يقرأه على مالك قال لي تقرؤه على قال ما ما قرأته على أحد منذ زمان قال فيخرج الناس عني حتى أقرأه أنا عليك فقال إن العلم إذا منع من العامة لأجل الخاصة لم ينفع الله تعالى به الخاصة فأمر معن بن عيسى القزاز ليقرأه عليه فلما بدأ ليقرأه قال مالك لهارون يا أمير المؤمنين أدركت أهل العلم ببلدنا وأنهم ليحبون التواضع للعلم فنزل هارون عن المنصة وجلس بين يديه وسمعه رحمهما الله تعالى وقال أبو عبد الله الحميدي الأندلسي أنشدني والدي أبو طاهر إبراهيم
( إذا قيل من نجم الحديث وأهله ** أشار أولو الألباب يعنون مالكا )
( إليه تناهى علم دين محمد ** فوطأ فيه للرواة المسالكا )
( ونظم بالتصنيف أشتات نشره ** وأوضح ما قد كان لولاه حالكا )
( وأحيا دروس العلم شرقا ومغربا ** تقدم في تلك المسالك سالكا )
( وقد جاء في الآثار من ذاك شاهد ** على أنه في العلم حص بذالكا )
( فمن كان ذا طعن على علم مالك ** ولم يقتبس من نوره كان هالكا )
يشير بقوله وقد جاء في الآثار إلخ إلى حديث تضرب الإبل أكبادها إلى عالم المدينة لا ترى أعلم منه وقال الشافعي رضي الله عنه إذا ذكر العلماء فمالك

النجم وقال معن الفزاز وجماعة حملت بمالك أمه ثلاث سنين وقيل أنه بكى في مرض موته وقال والله لوددت إني ضربت في كل مسئلة أفتيت بها وليتني لم أفت بالرأي وتوفي بالمدينة ودفن بالبقيع عن أربع وثمانين سنة وقيل تسعين ولما مات قال ابن عيينة ما ترك على وجه الأرض مثله
وفيها توفي خالد بن عبد الله الواسطي الطحان الحافظ وله سبعون سنة روى عن سهيل بن أبي صالح وطبقته قال إسحاق الأزرق ما أدركت أفضل منه وقال أحمد كان ثقة صالحا بلغني أنه اشترى نفسه من الله تعالى ثلاث مرات
وأبو الأحوص سلام بن سليم الكوفي روى عن زياد بن علاقة وطبقته وكان أحد الحفاظ الأثبات قال أحمد العجلي ثقة صاحب سنة واتباع وآخر من روى عنه هناد
وفي رمضان إمام أهل البصرة حماد بن زيد بن درهم الأزدي مولاهم البصري الضرير أبو إسماعيل كان من أهل الورع والدين قال ابن مهدي لم أرقط أعلم بالسنة منه وهو أحد الحمادين صاحبي المذهبين المشهورين وقال عبد الرحمن بن مهدي أئمة الناس أربعة الثوري بالكوفة ومالك بالحجاز وخماد بن زيد بالبصرة والأوزاعي بالشام وقال يحيى بن يحيى التميمي ما رأيت شيخا أفضل من حماد بن زيد وقال أحمد العجلي حماد بن زيد ثقة كان حديثه أربعة آلاف حديث يحفظها ولم يكن له كتاب وقال ابن معين ليس أحد أثبت من حماد بن زيد
وفيها الهقل بن زياد الدمشقي كاتب الأوزاعي قال ابن معين ما كان بالشام أوثق منه وقال مروان الطاطري كان أعلم الناس بالأوزاعي وبمجلسه وفتياه وقال ابن ناصر الدين هو الهقل بن زياد بن عبيد السكسكي مولاهم الدمشقي اسمه محمد فلقب بهقل إماما مفتيا من الثقات انتهى

سنة ثمانين ومائة

فيها هاج الهوى والعصبية بالشام بين اليمانية والنزارية وتفاقم الأمر واشتد الخطب وفيها كانت الزلزلة العظمى بمصر التي سقط منها رأس منارة الإسكندرية
وفيها نزل الرشيد الرقة واتخذها وطنا
وفيها توفي إسماعيل بن جعفر مولاهم المدني قارئ المدينة بعد نافع ومحدثها بعد مالك روى عن عبد الله بن دينار والعلاء بن عبد الرحمن وطائفة قال ابن ناصر الدين كان إماما مقرئا أمينا عالما ثقة مأمونا انتهى
وفيها عبد الوارث بن سعيد أبو عبدة العنبري مولاهم التنوري البصري كان على بدعة فيه أجمع على الاحتجاج به الشيخان وباقي أئمة الأثر قاله ابن ناصر الدين
وفيها بشر بن منصور السليمي الأزدي البصري الزاهد روى عن أيوب وطبقته قال ابن المديني ما رأيت أحدا أخوف لله منه وكان يصلي كل يوم خمسمائة ركعة وقال عبد الرحمن بن مهدي ما رأيت أحدا أقدمه عليه في الورع والرقة
وفيها حفص بن سليمان الغاضري الكوفي قاضي الكوفة وتلميذ عاصم وقد حدث عن علقمة بن مرثد وجماعة وعاش تسعين سنة وهو متروك الحديث حجة في القراءة قاله في العبر
وفيها صدقة بن خالد الدمشقي قرأ على يحيى الدماري وروى عن التابعين وكان من ثقات الشاميين
وفيها أبو وهب عبيد الله بن عمر الرقي الفقيه محدث الجزيرة ومفتيها روى عن عبد الملك بن عمير وطبقته قال محمد بن سعد كان ثقة لم يكن أحد ينازعه في الفتوى في دهره
وفضيل بن سليمان النميري بالبصرة روى عن أبي حازم الأعرج وصغار

التابعين قال في المغني عن منصور بن صفية فيه لين قال أبو حاتم وغيره ليس بالقوي وقال أبو زرعة لين وقال عياش عن ابن معين ليس بثقة انتهى
وفيها مبارك بن سعيد أخو سفيان الثوري أبو عبد الرحمن الكوفي الضرير ببغداد روى عن عاصم بن أبي النجود وطائفة وهو ثقة
وفيها فقيه مكة أبو خالد مسلم بن خالد الزنجي وله ثمانون سنة روى عن ابن أبي مليكة والزهري وطائفة وقال أحمد بن محمد الأزرقي كان فقيها عابدا يصوم الدهر وضعفه أبو داود وغيره ولقب بالزنجي في صغره وكان أشقر وعليه تفقه الشافعي
وفيها أبو المحياة يحيى بن يعلى التيمي الثقة الكوفي روى عن سلمة بن كهيل وطائفة وعمر واسن
وفيها أمير الأندلس أبو الوليد هشام بن الداخل عبد الرحمن بن معاوية الأموي المرواني وله سبع وثلاثون سنة وولي الأمر ثمانية أعوام وكان متواضعا حسن السيرة كثير الصدقات وقام بعده ابنه الحكم

سنة إحدى وثمانين ومائة

فيها أحدث الرشيد في صدور كتبه الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
وفيها غزا الرشيد وافتتح حصن الصفصاف من أرض الروم بالسيف وسار عبد الملك بن صالح بن علي العباسي حتى بلغ أنقرة وافتتح حصنا
وفيها توفي الإمام محدث الشام ومفتي أهل حمص أبو عتبة إسماعيل بن عياش العنسي عن بضع وسبعين سنة روى عن شرحبيل بن مسلم ومحمد بن زياد الألهاني وخلق من التابعين بالشام والحرمين قال ابن معين هو ثقة في الشاميين وقال يزيد بن هارون ما لقيت شاميا ولا عراقيا أحفظ منه وما أدري ما الثوري وقال ابن عدي يحتج به في حديث الشاميين خاصة وقال أبو اليمان

كان إسماعيل جارنا فكان يحيى الليل وقال داود بن عمرو ما حدثنا إسماعيل إلا من حفظه كان يحفظ نحوا من عشرين الف حديث وقيل توفي سنة اثنتين وثمانين ومناقبه كثيرة
وفيها أبو المليح الرقي عن نيف وتسعين سنة وأسمه الحسن بن عمر روى عن ميمون بن مهران والزهري والكبار ووثقه أحمد وغيره
وفيها حفص بن ميسرة الصنعاني بعسقلان روى عن زيد بن أسلم وطبقته وكان ثقة صاحب حديث
والمعمر أبو أحمد خلف بن خليفة الكوفي ببغداد وقد جاوز المائة بعام رأى عمرو بن حريث الصحابي وروى عن محارب بن دثار وجماعة قال أبو حاتم صدوق قلت هو أقدم شيخ للحسن بن عرفة قاله في العبر
وفيها الأمير حسن بن قحطبة بن شبيب الطائي وله أربع وثمانون سنة وكان من كبار قواد المنصور
وفيها وقيل سنة ثمانين أبو معاوية عباد بن عباد بن المهلب البصري أحد المحدثين والأشراف روى عن أبي جمرة الضبعي صاحب ابن عياش وغيره قال في المغني عباد بن عباد المهلبي ثقة مشهور وقد قال أبو حاتم لا يحتج به وذكره ابن سعد في الطبقات فقال لم يكن بالقوى انتهى
وفي رمضان توفي الإمام العلم أبو عبد الرحمن عبد الله بن المبارك الحنظلي مولاهم المروزي الفقيه الحافظ الزاهد ذو المناقب وله ثلاث وستون سنة سمع هشام بن عروة وحميد الطويل وهذه الطبقة وصنف التصانيف الكثيرة وحديث نحو من عشرين ألف حديثة قال أحمد بن حنبل لم يكن في زمان ابن المبارك أطلب للعلم منه وقال شعبة ما قدم علينا مثله وقال أبو إسحاق الفزاري ابن المبارك أمام المسلمين وعن شعيب بن حرب قال ما لقي ابن المبارك مثل نفسه وكانت له تجارة واسعة كان ينفق على الفقراء في السنة مائة ألف درهم قال ابن ناصر

الدين الإمام العلامة الحافظ شيخ الإسلام وأحد أئمة الأنام ذو التصانيف النافعة والرحلة الواسعة حدث عنه ابن معين وابن منيع وأحمد بن حنبل وغيرهم جمع العلم والفقه والأدب والنحو واللغة والشعر وفصاحة العرب مع قيام الليل والعبادة قال الفضيل بن عياض ورب هذا البيت ما رأت عيناي مثل ابن المبارك انتهى وقال ابن الأهدل تفقه بسفيان الثوري ومالك بن أنس وروى عنه الموطأ وكان كثير الانقطاع في الخلوات شديد الورع وكذلك أبوه مبارك روى أنه نظر بستانا لمولاه فطلب منه رمانة حامضة فجاءه برمانة حلوة فقال له أنت ما تعرف الحلو من الحامض قال لا قال ولم قال لأنك لم تأذن لي فيه فوجده كذلك وعظم قدره عند مولاه حتى كان له بنت خطبت كثيرا فقال له يا مبارك من ترى نزوج هذه البنت فقال الجاهلية كانوا يزوجون للحسب واليهود للمال والنصارى للجمال وهذه الأمة للدين فأعجبه عقله وقال لأمها مالها زوج غيره فتزوجها فجاءت بعبد الله وكان واحد وقته وفيه يقول القائل
( إذا سار عبد الله من مرو ليلة ** فقد سار منها نورها وجمالها )
( إذا ذكر الأحبار في كل بلدة ** فهم أنجم فيها وأنت هلالها )
وقد صنف في مناقبه وعد بعضهم ما جمع من خصال الخير فوجدها خمسا وعشرين فضيلة وكان يحج عاما ويغزو عاما فإذا حج قبض نفقة إخوانه وكتب على كل نفقة اسم صاحبها وينفق عليهم ذهابا وإيابا من أنفس النفقة ويشتري لهم الهدايا من مكة والمدينة فإذا رجعوا اتخذ سماطا عليه من جفان الفالوذج نحو خمس وعشرين فضلا عن غيره فيطعم إخوانه ومن شاء الله ثم يكسوهم جديدا ويرد إلى كل منهم نفقته وذلك أنه كانت له تجارة واسعة قال سفيان الثوري وددت عمري كله بثلاثة أيام من أيام ابن المبارك قيل مات بهيت بالكسر بلد بالعراق منصرفا من غزوة وقيل مات في برية سائحا مختار للعزلة وكان كثيرا ما يتمثل بهذين البيتين


( وإذا صاحبت فاصحب صاحبا ** ذا حياء وعفاف وكرم )
( قائلا للشيء لا إن قلت لا ** وإذا قلت نعم قال نعم )
انتهى وقال في العبر كان أستاذه تاجرا فتعلم منه وكان أبوه تركيا وأمه خوارزمية وقال عبد الرحمن بن مهدي كان ابن المبارك أعلم من سفيان الثوري قلت كان رأسا في العلم رأسا في الذكاء رأسا في الشجاعة والجهاد رأسا في الكرم وقبره بهيت ظاهر يزار رحمه الله تعالى انتهى
وفيها أبو الحسن علي بن هاشم بن البريد الكوفي الخزاري يروي عن الأعمش وأقرانه وخرج له مسلم والأربعة وكان شيعيا جلدا قال في المغني قال ابن حبان روى المناكير عن المشاهير انتهى
وفيها قاضي مصر أبو معاوية المفضل بن فضالة القتباني الفقيه روى عن زيد بن أبي حبيب وطائفة من كثيرة وكان زاهدا ورعا قانتا مجاب الدعوة عاش أربعا وسبعين سنة قال في المغني ثقة حجة قال ابن سعد منكر الحديث انتهى
وفيها بالإسكندرية يعقوب بن عبد الرحمن القارئ المدني روى عن يزيد ابن أسلم وطبقته فأكثر

سنة اثنتين وثمانين ومائة

فيها سملت الروم عيني طاغيتهم قسطنطين وملكوا عليهم أمه
وفيها توفي عبد الرحمن بن زيد بن أسلم العدوي العمري مولاهم المدني روى عن أبيه وجماعة وهو ضعيف كثير الحديث
وفيها عبيد الله بن عبد الرحمن الأشجعي الكوفي الحافظ سمع من هشام بن عروة وجماعة وقال سمعت من سفيان الثوري ثلاثين ألف حديث وقال ابن معين ما بالكوفة أعلم بالثوري من عبيد الله الأشجعي
وفيها عمار بن محمد الثوري الكوفي ابن أخت سفيان الثوري روى عن منصور

والأعمش وعدة قال ابن عرفة كان لا يضحك وكنا لا نشك أنه من الأبدال انتهى وخرج له مسلم والنسائي وغيرهما قال في المغني قال ابن حبان استحق الترك انتهى
وفيها أبو سفيان المعمري محمد بن حميد البصري نزيل بغداد وكان محدثا مشهورا رحل إلى معمر فلقب بالمعمري
وفيها الوليد بن الموقري البلقاوي والموقر حصن بالبلقاء وهو من ضعفاء أصحاب الزهري
وفيها على الأصح عالم أهل الكوفة يحيى بن زكريا بن أبي زائدة الكوفي الحافظ روى عن أبيه عاصم الأحول وطبقتهما وعاش ثلاثا وستين سنة قال ابن المديني انتهى العلم في زمانه إليه ما كان من أصحاب أبي حنيفة وكان ثبتا متقنا
وفيها الحافظ الثبت المتقن أبو معوية يزيد بن زريع العيشي وقيل التيمي البصري محدث أهل البصرة ثقة ماهر روى عن أيوب السختياني وطبقته وقال أحمد بن حنبل كان ريحانة البصرة ما أتقنه وما أحفظه وقال يحيى بن القطان ما كان هنا أحد أثبت منه وقال نصر بن علي الجهضمي رأيت يزيد بن زريع في النوم فقلت له ما فعل الله بك قال دخلت الجنة قلت بماذا قال بكثرة الصلاة
وفي شهر ربيع الآخر القاضي أبو يوسف واسمه يعقوب بن إبراهيم الكوفي قاضي القضاة وهو أول من دعى بذلك تفقه على الإمام أبي حنيفة وسمع من عطاء بن السائب وطبقته قال يحيى بن معين كان القاضي أبو يوسف يحب أصحاب الحديث ويميل إليهم وقال محمد بن سماعة كان أبو يوسف يصلي بعدما ولي القضاء كل يوم مائتي ركعة وقال يحيى بن يحيى النيسابوري سمعت أبا يوسف يقول عند وفاته كل ما أفتيت به فقد رجعت عنه إلا ما وافق السنة وكان مع سعة علمه أحد الأجواد الأسخياء قال أبو حاتم يكتب حديثه وقال أحمد بن حنبل صدوق قال جميع ذلك في العبر

وقال ابن الأهدل تفقه على أبي حنيفة وخالفه في مواضع وروى عنه محمد بن الحسن الشيباني وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وأكثر العلماء على تفضيله وتعظيمه ولي القضاء للمهدي وابنيه وذكر المؤرخون أن له استحسانات يخالف فيها وروى أنه قال عند وفاته كل ما أفتيت به فقد رجعت عنه إلا ما وافق الكتاب والسنة وقال اللهم إنك تعلم أني لم أجر في حكم حكمت فيه بين اثنين من عبادك متعمدا ولقد اجتهدت في الحكم فيما يوافق سنة نبيك صلى الله عليه وسلم وكلما أشكل على فقد جعلت أبا حنيفة بيني وبينك وكان عندي والله ممن يعرف أمرك ولا يخرج عن الحق وهو يعلمه وروى أن زبيدة ابنة جعفر امرأة الرشيد أرسلت إليه بمال وعند جلساؤه فقال بعضهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهديت له هدية فجلساؤه شركاؤه فيها فقال أبو يوسف ذلك حين كانت الهدايا من الأقط والتمر وقال بعضهم كان أبو يوسف يحفظ التفسير والمغازي وأيام العرب وكان أقل علومه الفقه ولم يكن من أصحاب أبي أبو حنيفة مثله وهو أول من نشر علم أبي حنيفة وسأله الأعمش عن مسئلة فأجابه فقال من أين قال من حديثك الذي حدثتنيه أنت فقال يا يعقوب إني لأعرف الحديث قبل أن يجتمع أبواك وما عرفت تأويله إلا الآن وتناظر هو وزفر بن الهذيل عند أبي حنيفة فأطالا فقال أبو حنيفة لزفر لا تطمع في رياسة بلد فيها مثل هذا وكان يقول العلم لا يعطيك بعضه حتى تعطيه كلك وعاش قريبا من سبعين سنة انتهى ما قاله ابن الأهدل وقال ابن ناصر الدين قال أحمد بن حنبل أول ما كتبت الحديث اختلفت إلى أبي يوسف القاضي فكتبت عنه وكان أبو يوسف أميل إلينا من أبي حنيفة ومحمد وقال الفلاس أبو يوسف صدوق كثير الغلط انتهى وقال ابن قتيبة في المعارف هو يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن حبتة من بجيلة وكان سعد بن حتبة استصغر يوم أحد ونزل الكوفة ومات بها وصلى عليه زيد بن أرقم وكبر عليه خمسا وكان

أبو يوسف يروي عن الأعمش وهشام بن عروة وغيرهما وكان صاحب حديث حافظ ثم لزم أبا حنيفة فغلب عليه الرأي وولي قضاء بغداد فلم يزل بها إلى أن مات وابنه يوسف ولي القضاء أيضا بالجانب الغربي في حياة أبيه وتوفي سنة اثنتين وتسعين ومائة انتهى كلام ابن قتيبة وقال ابن خلكان هو أول من غير لباس العلماء إلى هذه الهيئة التي هم عليها في هذا الزمان وكان ملبوس الناس قبل ذلك شيئا واحد لا يتميز أحد عن أحد بلباسه انتهى وقال غير واحد كان يحفظ في المجلس الواحد خمسين حديثا بأسانيدها قال ابن الفرات في تاريخه روى على ابن حرملة عن أبي يوسف رحمه الله قال كنت أطلب الحديث والفقه وأنا مقل رث المنزل فجاء أبي يوما وأنا عند أبي حنيفة فانصرفت معه فقال يا بني أنت محتاج إلى المعاش وأبو حنيفة مستغن فقصرت عن طلب العلم وآثرت طاعة أبي فتفقدني أبو حنيفة وسأل عني فلما أتيته بعد تأخيري عنه قال ما خلفك قلت الشغل بالمعاش وطاعة والدي فلما أردت الانصراف أومأ إلي فجلست فلما قام الناس دفع إلي صرة وقال استعن بهذه والزم الحلقة وإذا فقدت هذه فاعلمني فإذا فيها مائة درهم فلزمت الحلقة فكان يتعاهدني بشيء بعد شيء وما اعلمته بنفاد شيء حتى استغنيت وتمولت فلزمت مجلسه حتى بلغت حاجتي وفتح الله لي ببركته وحسن نيته فانتج من العلم المال فأحسن الله مكافأته وغفر له وقال ابن عبد البر كان أبو يوسف القاضي فقيها عالما حافظا ذكر أنه كان يعرف بالحديث وأنه كان يحضر التحديث فيحفظ خمسين حديثا وستين حديثا ثم يقوم فيمليها على الناس وكان كثير الحديث وكان جالس محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ثم جالس أبا حنيفة رضي الله عنهما وكان الغالب عليه مذهبه وربما كان يخالفه أحيانا في المسئلة بعد المسئلة وكان يقول في دبر كل صلاة اللهم اغفر لي ولأبي حنيفة ثم قال ابن عبد البر ولا أعلم قاضيا كان إليه تولية القضاء في الآفاق من المشرق إلى المغرب إلا أبا يوسف في زمانه وهو أول من لقب بقاضي القضاة وقال محمد بن جعفر أبو يوسف مشهور الأمر ظاهر الفضل

وهو أفقه أهل عصره ولم يتقدم عليه أحد في زمانه وكان بالنهاية في العلم والحلم والرياسة والقدر والجلالة وهو أول من وضع الكتب في أصول الفقه على مذهب أبي حنيفة وأملي المسائل ونشرها وبث علم أبي حنيفة في أقطار الأرض وقال الصيمري بلغني أن الرشيد رحمه الله مشى امام جنازة أبي يوسف رحمه الله وصلى عليه بنفسه ودفنه في مقبرة أهله في مقابر قريش بكرخ بغداد بقرب أم جعفر زبيدة وقال الرشيد حين دفن أبو يوسف ينبغي لأهل الإسلام إن يعزي بعضهم بعضا بأبي يوسف قيل رأى معروف الكرخي ليلة وفاة أبي يوسف كأنه دخل الجنة فرأى قصرا قد فرشت مجالسه وأرخيت ستوره وقام ولدانه قال معروف فقلت لمن هذا القصر فقيل لأبي يوسف القاضي فقلت سبحان الله وبم استحق هذا من الله تعالى فقالوا بتعليمه الناس العلم وصبره على أذاهم قيل مرض أبو يوسف رحمه الله في حياة أبي حنيفة رضي الله عنه مرضا شديدا فقيل له توفي فقال لا فقيل من أين علمت هذا قال لأنه خدم العلم ولم يجن ثمرته لا يموت حتى يجنى ثمرته فاجتبنى ثمرته بأن ولي القضاء وتوفي وله سبعمائة ركاب ذهب فصدق أبو حنيفة رضي الله عنه في الفراسة انتهى ما ذكره ابن الفرات
وفيها وقيل قبلها أو بعدها توفي يونس بن حبيب النحوي أحد الموالي المنجبين أخذ الأدب عن أبي عمرو بن العلاء وغيره وهو في الطبقة الخامسة من الأدب بعد علي كرم الله وجهه اختلف إليه أبو عبيد أربعين سنة وأبو زيد عشر سنين وخلف الأحمر عشرين سنة وله عدة تصانيف وكان يقول فرقة الأحباب سقم الألباب وينشد
( شيئان لو بكت الدماء عليهما ** عيناي حتى يؤذنا بذهاب )
( لم يبلغا المعشار من حقيهما ** شرخ الشباب وفرقة الأحباب )
ومات يونس وله مائة سنة وسنتان
وفيها وقيل في التي قبلها مروان بن أبي حفصة الشاعر اليمامي روي أنه لما مدح الرشيد بقصيدته السبعين التي يقول فيها


( إليك قصرنا النصف من صلواتنا ** مسيرة شهر بعد شهر نواصله )
( ولا نحن نخشى أن يخيب رجاؤنا ** لديك ولكن أهنأ البر عاجله )
أعطاه سبعين ألف درهم قبل أن يتمها ومن أجود شعره قوله في معن بن زائدة قصيدته اللامية وفضل بها على شعراء أرضه وأعطاه ثلاثمائة ألف درهم ومدح ولده مروان شراحيل بن معن بقوله
( يا أكرم الناس من عجم ومن عرب ** و ياذوي الفضل والإحسان والحسب )
( اعطى أبوك أبي مالا فعاش به ** فاعطني مثل ما أعطى أبوك أبي )
( ما حل أرضا أبي ثاوأبوك بها ** إلا وأعطاه قنطارا من الذهب )
فأعطاه قنطارا والقنطار ألف أوقية ومائتا أو قية وقيل غير ذلك ومثل هذه الحكاية ما روى أنه لما حبس عمر بن الخطاب رضي الله عنه الحطيئة في هجوه للناس كتب إليه
( ماذا تقول لا فراخ بذي مرح ** حمر الحواصل لا ماء ولا شجر )
( القيت كا سبهم في قعر مظلمة ** فارحم عليك سلام الله يا عمر )
( أنت الذي قام فيهم بعد صاحبه ** القت إليك مقاليد النهى البشر )
( ما آثروك بها إذ قدموك لها ** لكن لأنفسهم قد كانت الأثر )
فأطلقه وشرط عليه أن يكف لسانه فقال له إذ منعتني التكسب بلساني فأكتب لي إلى علقمة بن وقاص بن علاقة العامري فامتنع عمر فقيل له يا أمير المؤمنين ما عليك في ذلك فاكتب له فإنه ليس من عمالك وقد تشفع بك إليه فكتب ورحل إليه فصادف الناس منصرفين من جنازته وولده واقف على قبره فأنشد الحطيئة
( لعمري لنعم المرء من آل جعفر ** بحوران أمسى علقته الحبائل )
( فإن تحي لا أملك حياتي وأن تمت ** فما في حياتي بعد موتك طائل )
( وما كان بيني يلو لقيتك سالما ** وبين الغنى إلا ليال قلائل )

فقال له ابنه كم ظننت أنه كان يعطيك فقال مائة ناقة يتبعها مائة فأعطاه إياها

سنة ثلاث وثمانين ومائة

فيها كان خروج الخزر لعنهم الله ومن قصصهم ان ستيت ابنة مالك الترك خاقان خطبها الأمير الفضل بن يحيى البرمكي وحملت إليه في عام أول فماتت في الطريق ببرذعة فرد من كان معها في خدمتها من العساكر واخبروا خاقان أنها قتلت غيلة فاشتد غضبه وتجهز للشر وخرج بجيوشه من الباب الحديد وأوقع بأهل الإسلام وبالذمة وقتل وسبى وبدع وبلغ السبى مائة ألف وعظمت المصيبة على المسلمين فأنا لله وإنا إليه راجعون فانزعج هرون الرشيد واهتز لذلك وجهز البعوث فاجتمع المسلمون وطردوا العدو عن ارمينية ثم سدوا الباب الذي خرجوا منه قاله في العبر
وفيها توفي الإمام أبو معاوية هشيم بن بشير السلمي الواسطي محدث بغداد روى عن الزهري وطبقته قال يعقوب الدورقي كان عند هشيم عشرون ألف حديث وقال عبد الرحمن بن مهدي هو احفظ للحديث من الثوري وقال يحيى القطان هو احفظ من رأيت بعد سفيان وشعبة وقال ابن أبي الدنيا حدثني من سمع عمرو بن عون يقول مكث هشيم يصلى الفجر بوضوء العشاء عشر سنين قبل موته وقال أحمد كان كثير التسبيح وقال ابن ناصر الدين في شرح بديعة البيان له هشيم بن بشير بن أبي خازم قاسم بن دينار السلمي أبو معاوية الواسطى نزيل بغداد كان من الحفاظ الثقات التقنين لكنه معدود في المدلسين ومع ذلك فقد اجمعوا على صدقه وأمانته وثقته وعدالته وأمانته قال وهب بن جرير قلنا لشعبة نكتب عن هشيم قال نعم ولو حدثكم عن ابن عمر فصدقوه انتهى
وفيها الواعظ ابن السماك أبو العباس محمد بن صبيح الكوفي الزاهد مولى بني عجل روى عن الأعمش وجماعة وكان كبير القدر دخل على الرشيد فوعظه وخوفه ومن كلامه من جرعته الدنيا حلاوتها لميله إليها جرعته الآخرة

مرارتها لتجافيه عنها روى أن الرشيد استفتاه في يمين حلفها أنه من أهل الجنة فقال له هل قدرت على معصية فتركتها من مخافة الله عز وجل قال نعم قال قال الله عز وجل { وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى } فيمينك بارة قال اليافعي وإنما المراد بالآية استمرار الخوف إلى الموت وقال الفقيه حسين استدلال ابن السماك صحيح لأن الظاهر أن كل مسلم يدخلها وإنما الأشكال لو قال يدخلها دون مجازاة وغاية ما فيه الشك والحنث لا يقع به والله أعلم انتهى قلت وما قاله الفقيه حسين جار على القواعد الفقهية لعدم تحقق أنه من غير أهلها والله أعلم وقال في المغني محمد بن صبيح بن السماك الواعظ سمع الأعمش قال ابن نمير صدوق ليس حديثه بشىء
وفيها السيد الجليل أبو الحسن موسى الكاظم بن جعفر الصادق ووالد على ابن موسى الرضى ولد سنة ثمان وعشرين ومائة روى عن أبيه قال أبو حاتم ثقة إمام من أئمة المسلمين وقال غيره كان صالحا عابدا جوادا حليما كبير القدر بلغه عن رجل الأذى له فبعث بألف دينار وهو أحد الأئمة الإثني عشر المعصومين على اعتقاد الأمامية سكن المدينة فأقدمه المهدى بغداد وحبسه فرأى المهدي في نومه عليا كرم الله وجهه وهو يقول له يا محمد فهل عسيتم ان توليتم ان تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم فاطلقه على أن لا يخرج عليه ولا على أحد من بنيه واعطاه ثلاثة آلاف ورده إلى المدينة ثم حبسه هارون الرشيد في دولته ومات في حبسه وقيل أن هارون قال رأيت حسينا في النوم قد أتى بالحربة وقال إن خليت عن موسى هذه الليلة وإلا نحرتك بها فخلاه وأعطاه ثلاثين ألف درهم وقال موسى رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وقال لي يا موسى حبست ظلما فقل هذه الكلمات لا تبيت هذه الليلة في الحبس يا سامع كل صوت يا سائق الفوت يا كاسى العظام لحما ومنشرها بعد الموت أسألك باسمائك الحسنى وباسمك الأعظم الكبر المخزون المكنون الذي لم يطلع عليه

احد من المخلوقين يا حليما ذا أناة ياذا المعروف الذي لا ينقطع ابدا فرج عني وأخباره كثيرة شهيرة رضي الله عنه
وفيها شيخ أصبهان وعالمها أبو المنذر النعمان بن عبد السلام التيمي تيم الله ابن ثعلبة وكان فقيها إماما زاهدا عابدا صاحب تصانيف أخذ عن الثوري وأبي حنيفة وطائفة
وفيها الفقيه أبو عبد الرحمن يحيى بن حمزة الحضرمي البتلهى قاضي دمشق ومحدثها وله ثمانون سنة قال دحيم هو ثقة عالم روى عن عروة بن رويم وأقرانه من التابعين وولى القضاء نحو ثلاثين سنة قال في المغني يحيى بن حمزة قاضي دمشق صدوق وقال عباس عن ابن معين كان يرمي بالقدر وقال ابن معين صدقة أحب إلى منه وقال أبو حاتم صدوق وقال ابن سعد صالح الحديث انتهى

سنة أربع وثمانين ومائة

وفيها توفي الفقيه أبو إسحق إبراهيم بن سعد الزهري العوفى المدني قاضي المدينة ومحدثها وله خمس وسبعون سنة وقيل توفي في العام الماضي سمع أباه والزهري وجماعة قال الحافظ عبد الغني في كتابه الكمال في امساء الرجال روى عنه شعبة وابن مهدي وأبو داود الطيالسي وأحمد بن حنبل وغيرهم قال أحمد ويحيى وأبو حاتم ثقة وقال أبو زرعة لا بأس به وقال أبو داود سمعت أحمد بن حنبل قال كان وكيع كف عن حديث إبراهيم بن سعد ثم حدث عنه بعد قلت لم قال لا أدري إبراهيم ثقة وقال ابن سعد كان ثقة كثير الحديث وربما اخطأ في الحديث وقدم بغداد فنزلها هو وعياله وولده وولى بها بيت المال لهارون وقال ابن عدي هو من ثقات المسلمين حدث عن حماد من الأئمة ولم يتخلف أحد من الكبار عنه بالكوفة والبصرة وبغداد وقال أبو بكر الخطيب

حدث عنه يزيد بن عبد الله بن الهادي والحسين بن سيار الحراني وبين وفاتيهما مائة واثنتا عشرة سنة روى له الجماعة انتهى كلام الكمال ملخصا
وفيها الفقيه إبراهيم بن يحيى الأسلمي مولاهم المدني روى عن الزهري وابن المنكدر وطبقتهما يروى عنه الشافعي فيقول اخبرني من لا اتهم وقال كان قدريا وقال أحمد بن حنبل كان معتزليا قدريا جهميا كل بلاء فيه لا يكتب حديثه وقال البخاري جهمي تركه الناس وقال ابن عدي لم أر له حديثا منكرا إلا عن شيوخ يحتملون وله كتاب الموطأ أضعاف موطأ مالك قاله في العبر
وفيها الزاهد العمري بالمدينة واسمه عبد الله بن عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب روى عن أبيه وكان إماما فاضلا رأسا في الزهد والورع ووثقه النسائي
وفيها فقيه أهل المدينة أبو تمام عبد العزيز بن أبي حازم سلمة بن دينار أخذ عن أبيه وزيد بن أسلم وطائفة قال أحمد بن حنبل لم يكن بالمدينة بعد مالك افقه منه وقال ابن سعد ولد سنه سبع وماية ومات ساجدا رحمه الله انتهى وقد احتج به أصحاب الصحاح
وفيها على بن غراب الكوفي القاضي روى عن هشام بن عروة وطبقته وخرج له العقيلي والنسائي قال في المغني وثقه الدارقطني وقبله ابن معين وقال أبو داود تركوا حديثه وقال السعدي ساقط وقال ابن حبان حدث بالموضوعات وكان غاليا في التشيع انتهى
وفيها مروان بن شجاع الجزري ببغداد روى عن خصيف وعبد الكريم ابن مالك قال في المغني وثق وقال أحمد لا بأس به وقال ابن حبان يروى المقلوبات عن الثقات انتهى


وفيها أوفى التي مضت نوح بن قيس الحداني الطاحي البصري روى عن محمد بن واسع وطبقته

سنة خمس وثمانين ومائة

وفيها وقيل في التي تليها توفي الإمام الغازي القدوة أبو إسحق الفزراي إبراهيم ابن محمد بن الحرث الكوفي نزيل ثغر المصيصة روى عن عبد الملك بن عمير وطبقته ومن جلالته روى عنه الأوزاعي حديثا فقيل من حدثك بهذا قال حدثني الصادق المصدوق أبو أسحق الفزراي وقال الفضيل بن عياض ربما أشتقت إلى المصيصة ما بي فضل الرباط بل لارى ابا إسحق الفزاري وقال غيره كان إماما قانتا مجاهدا مرابطا أمرا بالمعروف إذا رأى بالثغر مبتدعا أخرجه قال ابن ناصر الدين إبراهيم بن محمد بن الحرث بن أسماء الكوفي الفزاري أبو إسحق الحجة الأمام شيخ الإسلام ثقة متقن وقال أبو داود الطيالسي مات أبو إسحق الفزاري وما على وجه الأرض أفضل منه انتهى
وفيها الأمير عبد الصمد شيخ آل عباس وبقية عمومة المنصور روى عن أبيه عن جده ابن عباس ولى أمرة البصرة ودمشق وكان فيه عجائب منها أنه ولد سنة أربع وماية وولد أخوه محمد أبو السفاح المنصور سنة ستين وماية فبينهما ست وخمسون سنة ومنها أن يزيد حج بالناس سنة خمس ومائة وحج عبد الصمد بالناس سنة خمسين ومائة وهما في النسب إلى عبد مناف سواء ومنها أنه أدرك السفاح والمنصور وهما ابنا أخيه ثم أدرك المهدي وهو عم أبيه ادرك الهادي وهو عم جده ثم ادرك الرشيد ومات في أيامه وقال يوما للرشيد هذا مجلس فيه أمير المؤمنين وعمه وعم عمه وعم عم عمه وذلك أن سليمان بن جعفر عم الرشيد والعباس عم سليمان وعبد الصمد عم العباس ومنها أنه ولد وقد نبتت أسنانه ومات بها ولم تتغير وكانت أسنانه قطعة واحدة من

اسفل ومنها أنه طارت ريشتان فلصقت بعينيه فذهب بصره
وفيها يزيد بن مرثد الغنوي ابن أخي معن بن زائدة وإلى أرمينية واذربيجان وأحد الفتيان الشجعان وقد سبق أن الرشيد لما أهمه شأن الوليد بن طريف الشيباني الخارجي جهزه فقتله وروى أنه سلحه يومئذ سيف النبي صلى الله عليه وسلم ذا الفقار وقال خذه فإنك ستنصر به وقال فيه مسلم بن الوليد الأنصاري
( اذكرت سيف رسول الله سنته ** وسيف أول من صلى ومن صاما ) يعني عليا رضي الله عنه إذا كان هو الضراب به وكان سبب وصول ذي الفقار يعني عليا رضي الله عنه إذ كان هو الضراب به وكان سبب وصول ذي الفقار إلى العباسيين أن محمد بن عبد الله النفس الزكية دفعة إلى تاجر كان له عليه أربع مائة دينار واشتراه منه جعفر بن سليمان قال الأصمعي رأيته وفيه ثمان عشرة فقارة وهي الثقوب والدحل انتهى وقد قيل أنه كان ينفرق أحيانا مع على رضي الله عنه حتى يقال أنه قتل به عمرا وحييا في ضربه ويشير إلى ذلك قول شرف الدين عمر بن الفارض رحمه الله تعالى
( ذو الفقار اللحظ منها ابدا ** والحشا مني عمرو وحيي )
وفيها ضمام بن إسماعيل المصري بالأسكندرية روى عن أبي قبيل المعافري قال أبو حاتم كان صدوقا متعبدا ولم يخرجوا له شيا في الكتب الستة وهو من مشاهير المحدثين وقال في المغني لينه بعض الحفاظ انتهى
وفيها عمر بن عبيد الطنافسي الكوفي روى عن زياد بن علاقة والكبار ووثقه أحمد وابن معين
وفيها على الأصح المعافي بن عمران أبو مسعود الأزدي عالم أهل الوصل وزاهدهم رحل وطاف وسمع من ابن جريج وطبقته ذكره سفيان الثوري فقال هو ياقوتة العلماء وقال محمد بن عبد الله بن عمار الحافظ لم ألق أفضل منه وقال ابن سعد كان ثقة فاضلا صاحب سنة وكان ابن المبارك وهو أسن

منه يقول حدثني ذلك الرجل الصالح
وفيها يوسف بن يعقوب بن أبي سلمة الماجشون المزني ابن عم عبد العزيز ابن الماجشون روى عن الزهري وابن ا لمنكدر وكان كثير العلم
وفيها أمير دمشق للرشيد محمد بن إبراهيم الإمام بن علي بن علي بن عباس العباسي

سنة ست وثمانين ومائة

فيها حج الرشيد ومعه ابناه فأعطى أهل مكة والمدينة ما مبلغه ألف ألف دينار وخمسون ألف دينار وكتابا لولديه واشهد ليهما بما فيه من وفاء كل واحد منهما لصاحبه قاله في الشذور
وفيها سار على بن عيسى بن ماهان في الجيوش من مرو فالتقى هو وأبو الخصيب بنسا فظفر بأبي الخصيب واستقامت خراسان للرشيد
وفيها توفي حاتم بن إسماعيل المدني روى عن هشام بن عروة وطبقته وكان ثقة كثير الحديث وقيل مات في التي تليها
وحسان بن إبراهيم الكرماني قاضي كرمان روى عن عاصم الأحول وجماعة قال في المغني حسان بن إبراهيم الكرماني ثقة قال النسائي ليس بالقوى وقال أبو زرعة لا بأس به انتهى وقد خرج له الشيخان وأبو داود
وفيها خالد بن الحرث أبو عثمان البصري الحافظ روى عن أيوب وخلق قال الإمام أحمد إليه المنتهى في التثبت بالبصرة قال ابن ناصر الدين خالد بن الحرث بن سليمان بن عبيد بن سفيان الهجيمي البصري وبنو الهجيم من بني العنبر من تميم كان من الحفاظ الثقات المأمونين انتهى
وفيها سفيان بن حبيب البصري البزاز روى عن عاصم الأحول وطائفة قال أبو حاتم ثقة أعلم الناس بحديث سعيد بن أبي عروبة

وفيها أوفى التي تليها عباد بن العوام الواسطي ببغداد روى عن أبي مالك الأشجعي وطبقته وكان صاحب حديث واتقان
وعيسى غنجار أبو أحمد البخاري محدث ما وراء النهر رحل وحمل عن سفيان الثوري وطبقته قال الحاكم هو إمام عصره طلب العلم على كبر السن وطوف يروى عن أكثر من مائة شيخ من المجهولين وحديثه عن الثقات مستقيم
وفيها فقيه المدينة أبو هاشم المغيرة بن عبد الرحمن المخزومي وله اثنتان وستون سنة روى عن هشام بن عروة وطبقته قال الزبير بن كبار عرض عليه الرشيد قضاء المدينة فامتنع فاعفاه ووصله بألفي دينار وكان فقيه المدينة بعد مالك قال في المغني وثقه غير واحد وضعفه أبو داود انتهى
وفيها عبد الواحد بن زياد العبدي مولاهم البصري أبو بشر ويقال أبو عبيدة وثقة أحمد وغيره واحتج به الشيخان في الصحيح لكنها لم يخرجا عنه شيئا مما أنكر عليه الأحاديث إلي وصلها عن الأعمش وكانت مرسلة ليده
وبشر بن المفضل بن لاحق الرقاشي مولاهم البصري أبو إسماعيل حدث عنه اسحق بن راهويه وأحمد بن حنبل وابن المديني واشباههم إليه المنتهى في التثبيت في البصرة كان ثقة مشهورا وكان يصلى كل يوم أربعمائة ركعة ويصوم يوما ويفطر يوما

سنة سبع وثمانين ومائة

فيها على ما قاله في العبر خلعت الروم من الملك الست ريتي وهلكت بعد أشهر وأقاموا عليهم نقفور والروم تزعم أن نقفور من ولد حفنة الغساني الذي تنصر وكان نقفور قبل الملك يلي الديوان فكتب نقفور هذا الكتاب

من نقفور ملك الروم إلى هارون ملك العرب أما بعد فإن الملكة كانت قبلي إقامتك مقام الرخ وأقامت نفسها مقام البيذق فحملت إليك من أموالها وذلك لضعف النساء وحمقهن فإذا قرأت كتابي هذا فاردد ما حصل قبلك وافتد نفسك وإلا فالسيف بيننا فلما قرأ الرشيد الكتاب اشتد غضبه وتفرق جلساؤه خوفا من بادرة تقع منه ثم كتب بيده على ظهر الكتاب من هارون أمير المؤمنين إلى نفقور كلب الروم قرأت كتابك يا ابن الكافرة والجواب ما تراه دون أن تسمعه ثم ركب من يومه وأسرع حتى نزل مدينة هرقلة وأوطأ الروم ذلا وبلاء فقتل وسبى وذل تفقور وطلب الموادعة على خراج يحمله فأجابه فلما رد الرشيد إلى الرقة نقض نفقور فلم يجسر أحد أن يبلغ الرشيد حتى عملت الشعراء أبياتا يلوحون بذلك فقال أوقد فعلها مكر راجعا في مشقة الشتاء حتى أناخ بفنائه ونال مراده وفي ذلك يقول أبو العتاهية
( ألا نادت هرقلة بالحراب ** من الملك الموفق للصواب )
( غدا هارون يرعد بالمنايا ** ويبرق بالمذكرة الصعاب )
( ورايات يحل النصر فيها ** تمر كأنها قطع السحاب )
وفيها غضب الرشيد على البرامكة وضرب عنق جعفر بن يحيى البرمكي الوزير أحد الأجواد الفصحاء البلغاء وكان قد تفقه على القاضي أبي يوسف فلأجل ذلك كانت توقيعاته على منهج الفقه وكتب إلى بعض العمال أما بعد فقد كثر شاكوك وقل شاكروك فأما اعتدلت وأما اعزلت وقال يهودي للرشيد إنك تموت هذه السنة فاغتم وشكا إلى جعفر فقال جعفر لليهودي كم عمرك أنت قال كذا وكذا مدة طويلة فقال للرشيد اقتله حتى تعلم أنه كذب فقتله وذهب ما عنده وكان جعفر يتحكم في مملكة الرشيد بما أراد من غير مشاورة فينفذها الرشيد وأول من ولى الوزارة منهم خالد بن برمك للسفاح وسبب قتله أمور انضم بعضها إلى بعض منها أنه زوج الرشيد جعفرا العباسة لغرض الاجتماع والمحرمية

وشرط عليه ألا يجتمع بها فقدر الاجتماع لحصول رغبة من العباسة حكى الشيخ شهاب الدين بن أبي حجلة في ديوان الصبابة أن العباسة كتبت إلى جعفر قبل مواقعته إياها
( عزمت على قلبي بأن يكتم الهوى ** فصاح ونادى إنني غير فاعل )
( فإن لم تصلني بحت بالسر عنوة ** وإن عنفتني في هواك عواذلي )
( وإن كان موت لا أموت بغصتي ** وأقررت قبل الموت إنك قاتلي )
فواقعها وحملت منه وولدت سرا فأرسلت الولد إلى مكة ثم اتصل خبره بالرشيد ومنها أن الرشيد سلم لجعفر يحيى بن عبد الله بن الحسن المثنى وكان قد خرج عليه وأمره بحبسه عنده فرق له جعفر لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم واتصاله به فأطلقه فلما بلغ الرشيد اطلاقه أضمرها له وقال قتلني الله على البدعة إن لم أقتله ومنها أنه رفعت إليه رقعة لم يعرف صاحبها مكتوب فيها
( قل لأمين الله في أرضه ** ومن إليه الحل والعقد )
( هذا ابن يحيى قد غدا مالكا ** مثلك ما بينكما حد )
( أمرك مردود إلى أمره ** وأمره ليس له رد )
( ونحن نخشى أنه وارث ** ملكك أن غيبك اللحد )
( ولن يباهي العبد أربابه ** إلا إذا ما بطر العبد )
ومع ذلك فقد كان الرشيد رأى إقبال الناس على البرامكة وكثرة اتباعهم وأشياعهم مع الادلال العظيم منهم ومع الإغراء من أعدائهم كالفضل بن الربيع وغيره ومع ذلك فكان الرشيد إذا ذكرت مساوئهم عنده يقول
( ألوا ملاما لا أبا لأبيكم ** عن القوم أوسدوا المكان الذي سدوا )
ولما أذن الله سبحانه ببلائهم ظهرت منامات وعلامات لهم ولغيرهم وإشارات تطول منها أن يحيى بن خالد حج فتعلق يأستار الكعبة وقال اللهم إن كان رضاك في أن تسلبني نعمك فاسلبني وإن كان رضاك في أن تسلبني

أهلي وولدي فاسلبني إلا الفضل ثم رجع وقال اللهم إنه قبيح بمثلي أن يستثني عليك اللهم والفضل ومنها ما حكى سهل بن هارون قال كنت أكتب بين يدي يحيى بن خالد البرمكي فأخذته سنة فقال طرقني النوم فقلت ضيف كريم إن قربته روحك وإن منعته عذبك قال فنام فواق ناقة وانتبه مذعورا فقال ذهب والله ملكنا رأيت منشدا أنشدني
( كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ** أنيس ولم يسمر بمكة سامر )
فأجبته
( بلى نحن كنا أهلها فأبادنا ** صروف الليالي والجدود العواثر )
فقال جعفر بن يحيى بن خالد بعد أيام ومنها أن جعفر وقف على كنيسة بالحيرة فيها حجر مكتوب لا تفهم كتابته فقال هاتوا من يترجمه وقد جعلت ما فيه فألا لما أخافه من الرشيد فإذا فيه
( إن من بني المنذر عام انقضوا ** بحيث شاد البيعة الراهب )
( أضحوا ولا يرجوهم راغب ** يوما ولا يرهبهم راهب )
( تنفح بالمسك ذفاريهم ** والعنبر الورد له قاطب )
( فأصبحوا أكلا لدود الثرى ** وانقطع المطلوب والطالب )
فحزن جعفر ومنها أن الرشيد لما نزل بالأنبار وفي صحبته جعفر وكانت ليلة السبت لانسلاخ المحرم وقيل أول ليلة من صفر من هذه السنة مضى جعفر إلى منزله فأتاه أبو ركاب الأعمى الطنبوري فاستحضره وجواريه خلف الستارة يضربن وأبو ركاب يغنيه
( فلا تبعد فكل فتى سيأتي ** عليه الموت يطرق أو يغادي )
( وكل ذخيرة لا بد يوما ** وإن بقيت تصير إلى نفاد )
( ولو فوديت من حدث الليالي ** فديتك بالطريف وبالتلاد )
فتطير جعفر ودخل عليه الرسول بالندى يريد قتله في تلك الحال وعلى تلك

الهيئة وذكر الطبري في تاريخه الكبير في حوادث سنة سبع وثمانين وماية أن الرشيد دعى ياسر غلامه وقال امض فأتني برأس جعفر فأتى ياسر منزل جعفر ودخل عليه هجما بلا إذن وأبو ركاب يغنيه فقال له جعفر يا ياسر سررتني بإقبالك وسؤتني بدخولك بلا إذن فقال ياسر الأمر أكبر من ذلك أمير المؤمنين أمرني بكذا فقال دعني لأدخل فأوصي قال لا سبيل إلى ذلك قال فأسير معك لمنزل أمير المؤمنين بحيث يسمع كلامي قال لك ذلك ومضينا إلى منزل أمير المؤمنين ودخل ياسر عليه عرفه الخبر فقال يا ماص بظر أمه والله لئن راجعتني فيه لأقتلنك قبله فرجع ياسر فأخذ رأس جعفر ودخل به إلى الرشيد فوضعه بين يديه فنظر إليه وبكى ثم قال يا ياسر جئني بفلان وفلان فلما أتاه بهما قال لهما اضربا عنق ياسر فإني لا أقدر أن أرى قاتل جعفر ففعلا انتهى وقيل غير ذلك في كيفية قتله ومن قتله ثم أمر الرشيد في تلك الليلة بتوجيه من أحاط بيحيى بن خالد وولده الفضل وبقية أولاده ومن كان منه بسبيل فحبسوا واستمر يحيى والفضل في السجن إلى أن ماتا ولهما قصائد طنانة تستعطف الرشيد عليهم لم ينتج منها شيء ثم فرق الرشيد الكتب من ليلته في جميع البلدان والأعمال في قبض أموالهم وأخذ وكلائهم ولما أصبح بعث بحثه جعفر بن يحيى مع جماعة منهم مسرور الخادم وأمرهم بقطعها وصلبها فقطعت قطعتين فصلبت قطعة على الجسر الأعلى وقطعة على الجسر الأسفل ونصب رأس جعفر على الجسر الأوسط وأمر الرشيد بالنداء في جميع البرامكة أن لا أمان لمن آوى أحدا منهم ومنع الناس من التقرب إلى جعفر فرأى أبا قابوس الرقاشي قائما تحت جذعه يزمزم بشعر يرثيه فقال له ما كنت قائلا تحت جذع جعفر قال أو ينجيني منك الصدق قال نعم قال ترحمت عليه وقلت
( أمين الله هب فضل بن يحيى ** لنفسك أيها الملك الهمام )
( وما طلبي إليك العفو عنه ** وقد قعد الوشاة به وقاموا )


( أرى سبب الرضا فيه قويا ** على الله الزيادة والتمام )
( نذرت على فيه صيام عام ** فإن وجب الرضا وجب الصيام )
( وهذا جعفر بالجسر تمحو ** محاسن وجهه ريح قتام )
( أقول له وقمت لديه نصبا ** إلى أن كاد يفضحني القيام )
( أما والله لولا قول واش ** وعين للخليفة لا تنام )
( لطفنا حول جذعك واستلمنا ** كما للناس بالركن استلام )
( فما أبصرت مثلك يا ابن يحيى ** حسام فله السيف الحسام )
( على اللذات في الدنيا جميعا ** لدولة آل برمك السلام )
فلما سمع هارون الرشيد ذلك اطرق مليا واستعبر ثم قال رجل أولى جميلا فقال جميلا يا غلام ناد بأمان أبي قابوس ولا يعارض ولا يحجب عنا بعد في مهم من مهماته ثم استصفى الرشيد أموال البرامكة وأخذ ضياعهم وأموالهم ومتاعهم فوجد لهم مما حباهم به اثني عشر ألف ألف ووجد من سائر أموالهم ثلاثين ألف ألف وستمائة ألف وستة وسبعين ألفا وأما غير الأموال من الضياع والغلات والأواني فشيء لا يصف أقله ولا يعرف أيسره فضلا عن جميعه إلا من أحصى الأعمال وعرف منتهى الآجال وما ذكرنا قطرة من بحر من أخبارهم والله أعلم ولما بلغ سفيان بن عيينة قتل جعفر حول وجهه إلى القبلة وقال اللهم إنه كان قد كفاني مؤونة الدنيا فاكفه مؤونة الآخرة
وفيها توفي محمد بن عبد الرحمن الطفاوي البصري سمع ايوب السختياني وجماعة قال في المغني محمد بن عبد الرحمن الطفاوي من شيوخ أحمد وثقوه وقال أبو زرعة منكر الحديث انتهى
ورباح بن زيد الصنعاني صاحب معمر قال أحمد كان خيارا ما أرى في زمانه كان خيرا منه انقطع في بيته
وعبد الرحيم بن سليمان الرازي نزيل الكوفة كان ثقة صاحب حديث له

تصانيف روى عن عاصم الأحول وخلق
وعبد السلام بن حرب الملائي الكوفي الحافظ وله ست وتسعون سنة روى عن أيوب السختياني وطبقته قال في المغني صدوق قال ابن سعد فيه ضعف انتهى
وخرج له العقيلي وقال ابن ناصر الدين عبد السلام بن حرب البصري ثم الكوفي أبو بكر الملائي كان مسندا ثقة معمرا في حديثه لين انتهى
وعبد العزيز بن عبد الصمد البصري الحافظ روى عن أبي عمران الجوني والكبار وكان يكنى أبا عبد الصمد قال ابن ناصر الدين كان حافظا من الثقات والمشايخ الإثبات انتهى
وفيها أبو محمد عبد العزيز بن محمد الدراوردي المدني روى عن صفوان ابن سليم وخلق وكان فقيها صاحب حديث قال يحيى بن معين هو اثبت من فليح
وفيها على بن نصر بن علي الجهضمي والد نصر بن علي روى عن هشام الدستوائي وأقرانه
وأبو الخطاب محمد بن سواء السدوسي البصري المكفوف الحافظ سمع من حسين المعلم وأكثر عن أبي عروبة
وفيها الإمام أبو محمد معتمر بن سليمان بن طرخان التيمي الحافظ أحد شيوخ البصرة وله إحدى وثمانون سنة روى عن أبيه ومنصور وخلق لا يحصون قال قرة بن خالد ما معتمر عندنا بدون أبيه وقال غيره كان عابدا صالحا حجة ثقة
وفيها معاذ بن مسلم الكوفي النحوي شيخ الكسائي عن نحو مائة سنة وهو الذي سارت فيه هذه الكلمة
( إن معاذ بن مسلم رجل ** ليس لميقات علمه أمد )
الأبيات قال في المغني معاذ بن مسلم عن شرحبيل بن السمط مجهول انتهى
وفي محرم هذه السنة توفي شيخ الحجاز الإمام أبو على الفضيل بن عياض

التميمي المروزي الزاهد المشهور أحد العلماء الأعلام قال فيه ابن المبارك ما بقي على ظهر الأرض أفضل من الفضيل بن عياض وكان قدم الكوفة شابا فحمل عن منصور وطبقته قال شريك القاضي فضيل حجة لأهل زمانه وقال ابن ناصر الدين الفضيل بن عياض بن مسعود بن بشر أبو علي التيمي اليربوعي المروزي إمام الحرم شيخ الإسلام قدوة الأعلام حدث عنه الشافعي ويحيى القطان وغيرهما وكان إماما ربانيا كبير الشأن ثقة نبيلا عابدا زاهدا جليلا انتهى قال الذهبي في القسطاس في الذنب عن الثقات فضيل بن عياض ثقة بلا نزاع سيد قال أحمد بن أبي خيثمة سمعت قطبة بن العلاء يقول تركت حديث فضيل بن عياض لأنه روى أحاديث ازرى على عثمان بن عفان رضى الله عنه وحدثنا عبد الصمد بن زيد الصانع قال ذكر عند الفضيل وأنا أسمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اتبعوا فقد كفيتم أبو بكر وعمر وعثمان وعلى رضي الله عنهم قلت لا يقبل قول قطبة ومن هو قطبة حتى يسمع قوله واجتهاده فالفضيل روى ما سمع ولم يقصد غضا ولا أزراء على أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه ففعل ما يسوغ أفبمثل هذا يقول تركت حديثه فهو كما قيل رمتني بدائها وانسلت وقطبة فقد قال البخاري فيه نظر وضعفه النسائي وغيره وأما فضيل فاتقانه وثقته لا حاجة بنا لذكر أقوال من اثنى عليه فأنه رأس في العلم والعمل رحمه الله تعالى انتهى كلام القسطاس وقال ابن الأهدل أبو علي الفضيل بن عياض قال ابن المبارك ما على ظهر الأرض أفضل منه وقال شريك هو حجة لأهل زمانه وقال له الرشيد ما أزهدك قال أنت أزهد مني لأني زهدت في الدنيا الفانية وأنت زهدت في الآخرة الباقية وقال له يا حسن الوجه أنت الذي أمر هذه الأمة والعباد بيدك وفي عنقك لقد تقلدت أمرا عظيما فبكى الرشيد وأعطى كل واحد من الحاضرين من العلماء والعباد بدرة وهي عشرة آلاف درهم فكل قبلها إلا الفضيل فقال له سفيان

أبن عيينة أخطأت إلا صرفتها في أبواب البر فقال يا أبا محمد أنت فقيه البلد وتغلط هذا الغلط لو طابت لأولئك طابت لى وقال إذا أحب الله عبد أكثر غمه وإذا أبغض وسع عليه دنياه وقال لو عرضت على الدنيا بحذافيرها لا أحاسب عليها لكنت أتقذرها كالجيفة وقال لو كانت لي دعوة مستجابة لما أجعلها إلا للإمام لأنه إذا صلح أمن العباد والبلاد وكان ولده من كبار الصالحين ولد الفضيل رضي الله عنه بسمرقند وقدم الكوفة شابا وسمع من منصور وطبقته ثم جاور بمكة إلى أن مات وقبره بالأبطح مشهور مزور انتهى كلام ابن الأهدل
وفيها على ما قاله ابن الأهدل ايضا توفي يعقوب بن داود السلمي كان كاتب إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن المثنى لما خرج على المنصور وكان عنده صنوف من العلم فظفر به المنصور فحبسه في المطبق وأطلقه المهدي وكان من خواصه إلى أن ظهر له منه تعلق ببعض العلويين فرده إلى المطبق وبقى فيه إلى جانب من دولة الرشيد فرأى قائلا يقول
( حنا على يوسف رب فأخرجه ** من قعر حب وبيت حوله غمم )
قال فمكثت بعده حولا آخر ثم رأيت قائلا يقول
( عسى فرج يأتي به الله أنه ** له كل يوم في خليقته أمر )
قال فمكثت بعده حولا آخر ثم رأيت قائلا يقول
( عسى الهم الذي أمسيت فيه ** يكون وراء فرج قريب )
( فيأمن خائف ويفك عان ** ويأتي أهله النائي الغريب )
فأخرجت صبيحة ذلك اليوم فلما رأيت الضوء ذهب بصرى فجيء بي إلى الرشيد فأحسن إلى ورد على مالى ثم أن الرشيد خيره بين المقام عنده وبين الذهاب فاختار الذهاب إلى مكة فجاوربها حتى مات رحمه الله تعالى
وفيها إبراهيم بن ماهان الموصلى التميمي مولاهم المعروف بالنديم صاحب

الغناء ومخترع الإلحان فيه وأول خليفة سمعه المهدي حكى أن الرشيد هوى جارية فغاضبته مرة وأنف منها فهجرها فقال في ذلك العباس بن الأحنف بسؤال جعفر البرمكي
( راجع أحبتك الذين هجرتهم ** إن المتيم قلما يتجنب )
( إن التجنب إن تطاول منكما ** دب السلو له فعز المطلب )
وأمر جعفر إبراهيم الموصلي أن يغني الرشيد ففعل فبادر وترضاها فسالت الجارية عن السبب فأخبرت فحملت لكم منهما مالا جزيلا وكانت وفاة إبراهيم بالقلولنج وله مصنفات كثيرة في الفقه وغريب الحديث والنوادر والشعر وغير ذلك والله تعالى أعلم

سنة ثمان وثمانين ومائة

فيها غزا المسلمون الروم وعليهم إبراهيم بن جبريل من درب الصفاف والتقوا فجرح الملك نقفور ثلاث جراحات وانهزم وقتل من جيشه أربعون الفا وأخذ منهم أربعة آلاف دابة وحج الرشيد بالناس في هذه السنة
وفيها عرس المأمون بام عيسى بنت عمه موسى الهادي
وفيها توفي محدث الري الحافظ أبو عبد الله جرير بن عبد الحميد الضبي وله ثمان وسبعون سنة روى عن منصور وطبقته من الكوفيين ورحل إليه الناس لثقته وسعة علمه
ورشدين بن سعد المهري محدث مصر لكنه ضعيف وفيه دين صلاح روى عن زياد بن فائد وحميد بن هاني وخلق كثير قال السيوطي في حسن المحاضرة هو أبو الحجاج المصري من عقيل ويونس بن يزيد وعنه قتيبة وأبو كريب وهاه ابن معين وغيره وقال ابن يونس كان رجلا صالحا لا يشك

في صلاحه وفضله فادر كته غفلة الصالحين فخلط في الحديث انتهى
وعبدة بن سليمان الكلابي الكوفي روى عن عاصم الأحول وطبقته قال أحمد ثقة وزيادة مع صلاح وشدة فقر وكنيته أبو محمد
وفيها وقيل سنة تسعين عتاب بن بشر الحراني صاحب خصيف وكان صاحب حديث قال في المغني عتاب بن بشير الجزري عن خصيف قال بعضهم أحاديثه عن خصيف منكرة وقال ابن معين ثقة انتهى وقد خرج له البخاري وأبو داود و النسائي
وفيها عقبة بن خالد السكوني روى عن هشام بن عروة وطبقته
وفيها او سنة تسعين محمد بن يزيد الواسطي روى عن إسماعيل ابن خالد وجماعة
وعمر بن أيوب الموصلي المحدث الزاهد رحل وسمع من جعفر بن برقان قال ابن معين ثقة مأمون وقال ابن عمار مارأيته يذكر الدنيا
وفيها مقرىء الكوفة سليم بن عيسى الحنفي مولاهم صاحب حمزة تصدر لإقراء الناس مدة وعليه دارت قراءة حمزة وروى عن الثوري قال العقيلي مجهول
وفيها على الصحيح الإمام أبو عمرو عيسى بن يونس بن أبي اسحق السبيعي رأى جده وسمع من أسماعيل بن أبي خلد وخلق من طبقته ورورى عنه من الكبار حماد بن سلمة وهو أكبر منه ذكر لابن المديني فقال بخ بخ ثقة مأمون وقال أحمد بن داود الحداني سمعت عيسى بن يونس يقول لم يكن في أسناني ابصر بالنحو مني فدخلتني منه نخوة فتركته وقال أحمد بن حنبل الذي كنا نخبر أن عيسى كان يغزو سنة ويحج سنة فقدم بغداد في شيء من أمر الحصون فأمر له بمال فلم يقبل
وفيها يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية الكوفي روى عن العلاء بن المسيب

وجماعة وكان من عباد المحدثين قال أحمد العجلي قالوا له دواء عينيك ترك البكاء قال فما جبرهما إذا

سنة تسع وثمانين ومائة

فيها كان الفداء الذي لم يسمع بمثله حتى لم يبق بأيدي الروم مسلم الإفودي به
وفيها توهم الرشيد في علي بن عيسى بن ماهان أمير خراسان الخروج فسار حتى نزل بالري فبادر إليه على بأموال وجواهر وتحف تتجاوز الوصف فأعجب الرشيد ورده على عمله
وفيها توفي في صحبة الرشيد شيخ القراءات والنحو الإمام أبو الحسن علي بن جمزة الأسدي الكوفي الكسائي أحد السبعة قرأ على حمزة وأدب الرشيد وولده الأمين وهو من تلامذة الخليل قال الشافعي من أراد أن يتبحر في النحو فهو من عيال الكسائي وعنه قال من تبحر في النحو اهتدى إلى جميع العلوم وقال لا أسأل عن مسئلة في الفقه إلا أجبت عنها من قواعد النحو فقال له محمد بن الحسن ما تقول فيمن سها في سجود السهو يسجد قال لا لأن المصغر لا يصغر وله مع اليزيدي وسيبويه مناظرات كثيرة توفي بالري صحبة هارون
وفي ذلك اليوم مات محمد بن الحسن الحنفي فقال الرشيد دفنت العربية والفقه بالري اليوم ومع تبحر الكسائي في النحو والعربية لم يكن له معرفة بالشعر وقيل له الكسائي لأنه احرم في كساء وقيل لأنه جاء إلى حمزة ضائفا بكساء فقال حمزة من يقرأ فقيل صاحب الكساء فبقى عليه اللقب
وأما محمد بن الحسن المذكور فكان فصيحا بليغا قال الشافعي لو قلت أن القرآن نزل بلغة محمد بن الحسن لفصاحته لقلت وصنف الجامع الكبير والجامع الصغير وكان منشؤه بالكوفة وتفقه بأبي حنيفة ثم بأبي يوسف قال الشافعي ما رأيت سمينا ذكيا إلا محمد بن الحسن قال في العبر قاضي القضاة

وفقيه العصر أبو عبد الله محمد بن الحسن الشيباني مولاهم الكفوي المنشأ ولد بواسط وعاش سبعا وخمسين سنة وسمع أبا حنيفة ومالك بن مغول وطائفة وكان من أذكياء العالم قال أبو عبيد ما رأيت أعلم بكتاب الله منه وقال الشافعي لو أشاء أن أقول نزل القرآن بلغه محمد بن الحسن لقلت لفصاحته وقد حملت عنه وقربختي وقال محمد خلف أبي ثلاثين ألف درهم فانفقت نصفها على النحو والشعر وانفقت الباقي على الفقه قال الخطيب وولى القضاء بعد محمد ابن الحسن علي بن حرملة التيمي صاحب أبي حنيفة انتهى كلام العبر وقال ابن الفرات محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني الإمام الرباني صاحب أبي حنيفة رضي الله عنه أصله دمشقي من أهل قرية حرستا قدم أبوه والعراق فولد محمد برأسك سنة اثنتين وثلاثين ومائة وقيل سنة إحدى وقيل سنة خمس وثلاثين ونشأ بالكوفة وطلب الحديث وسمع سماعا كثرا وجالس أبا حنيفة وسمع منه ونظر في الرأى وغلب لعيه وعرف به وكان من أجمل الناس وأحسنهم قال أبو حنيفة لوالده حين حمله إليه احلق شعر ولدك وألبسه الخلقان من الثياب لا يفتتن به من رآه قال محمد فخلق والدي شعري وألبسني الخلقان فزدت عند الخلق جمالا وقال الشافعي رحمه الله أول ما رأيت محمدا وقد اجتمع الناس عليه فنظرت إليه فكان من أحسن الناس وجها ثم نظرت إلى جبينه فكأنه عاج ثم نظرت إلى لباسه فكان من أحسن الناس لباسا ثم سألته عن مسئلة فيها خلاف فقوى مذهبه ومر فيها كالسهم وكان الشافعي رضي الله عنه يثني على محمد بن الحسن ويفضله وقد تواتر عنه بألفاظ مختلفة قال ما رأيت أحدا سئل عن مسالة فيها نظر إلا رأيت الكراهية في وجهه إلا محمد بن الحسن وقال ما رأيت أعلم بكتاب الله من محمد بن الحسن ولا افصح منه وقال ما رأيت رجلا أعلم بالحلال والحرام والعلل والناسخ والمنسوخ من محمد بن الحسن وقال لو أنصف

الناس لعلموا أنهم لم يروا مثل محمد بن الحسن ما جالست فقيها قط أفقه ولا أفتق لسانه بالفقه منه أنه كان يحسن من الفقه وأسبابه أشياء تعجز عنها الأكابر وقيل للشافعي قد رأيت مالكا و سمعت منه ورافقت محمد بن الحسن فأيهما كان أفقه فقال محمد بن الحسن أفقه نفسا من وقال أبو عبيد قدمت على محمد ابن الحسن فرأيت الشافعي لعنده فسأله عن شيء فأجابه فاستحسن الجواب فكتبه فرآه محمد فوهب له دراهم وقال له الزم إن كنت تشتهي العلم فسمعت الشافعي رحمه الله تعالى يقول لقد كتبت عن محمد وقر بعير ذكر لأنه يحمل الكثير ولولاه ما أنفتق لي من العلم ما انفتق وكان محمد قاضيا للرشيد بالرقة وكان كثير البر بالإمام الشافعي رضي الله عنه في قضاء ديونه والإنفاق عليه من ماله وإعارة ا لكتب حتى يقال انه دفع له حمل بعير كتبا وقد ذكر بعض الشافعية أن محمد بن الحسن وشيء بالإمام الشافعي رضي الله عنه إلى الخليفة بأنه يدعى أنه يصلح للخلافة وكذا أبو يوسف رحمهما الله وهذا بهتان وافتراء عليهما والعجب منهم كيف نسبوا هذا إليهما مع علمهم بأن هذا لا يليق بالعلماء ولا يقبله عقل عاقل انتهى ما ذكره ابن الفرات ملخصا قلت ويصدق مقال ابن الفرات ما ذكره حافظ المغرب الثقة الحجة الثبت إبن عبد البر المالكي في ترجمة الشافعي رضي الله عنه قال حمل الشافعي من الحجاز مع قوم من العلوية تسعة وهو العاشر إلى بغداد وكان الرشيد بالرقة فحملوا من بغداد إلى الرقة وأدخلوا عليه ومعه قاضيه محمد بن الحسن لشيباني وكان صديقا للشافعي وأحد الذين جالسوه في العلم وأخذوا عنه فلما بلغه أن الشفعي في القوم الذين اخذوا من قريش واتهموا بالطعن على هارون الرشيد اغتم لذلك غما شديدا وراعى وقت دخولهم على الرشيد فلما دخلوا عليه سألهم وأمر بضرب اعناقهم فضربت أعناقهم إلى أن بقي حدث علوي من أهل ا لمدينة قال الشافعي وأنا فقال للعلوي أنت الخارج علينا والزاعم أني لا أصلح للخلافة فقال أعوذ بالله أن أدعي ذلك وأقوله فأمر بضرب عنقه فقال له العلوي أن كان لابد من قتلى فانظرني إلى أن

أكتب إلى أمي فهي عجوز لم تعلم خبري فأمر بقتله فقتل ثم قدمت ومحمد بن الحسن جالس معه فقال لي مثل ما قال للفتى فقلت لست يا أمير المؤمنين ليت بطالبي ولا علوي وإنما ادخلت في القوم بغيا وإنما أنا رجل من بني عبد المطلب ابن عبد مناف بن قصي ولى مع ذلك حظ من العلم والفقه والقاضي يعرف ذلك أنا محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن يزيد بن هاشم ابن عبد المطلب بن عبد مناف فقال لي أنت محمد بن إدريس فقلت نعم يا أمير المؤمنين فقال لي ما ذكرك لي محمد بن الحسن ثم عطف على محمد بن الحسن فقال يا محمد ما يقول هذا هو كما يقوله قال بلى وله محل من العلم كبير وليس الذي رفع عنه من شأنه قال فخذه إليك حتى أنظر في أمره فأخذني محمد رحمه الله وكان سبب خلاصي لما أراد الله عز وجل منه هذا لفظ ابن عبد البر بعينه فيجب على كل شافعي إلى يوم القيامة أن يعرف هذا لمحمد بن الحسن ويدعو له بالمغفرة وقال إن خلكان قال الربيع بن سليمان كتب الشافعي رحمه الله إلى محمد بن الحسن رحمه الله وقد طلب منه كتباله ليستنسخها فتأخرت عنه
( قل لمن لم ترعينا ** من رآه مثله )
( ومن كأن من رآ ** هـ قد رأى من قبله )
( العلم ينهى أهله ** أن يمنعوه أهله )
( لعله يبذله ** لأهله لعله )
ويسمى محمد ابن أبي حنيفة وهو ابن خالة الفراء صاحب النحو واللغة انتهى ملخصا
وفيها توفي أبو محمد عبد الأعلى بن عبد الأعلى الشامي البصري القرشي أحد علماء الحديث سمع من حميد الطويل وطبقته قال ابن ناصر الدين صدوق من الإثبات لكنه رمى بالقدر وتكلم فيه بندار ولينه ابن سعد في الطبقات انتهى وقال في المغني صدوق قال ابن سعد لم يكن بالقوى قلت ورمى بالقدر انتهى

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21