كتاب :شذرات الذهب في أخبار من ذهب
المؤلف:عبد الحي بن أحمد بن محمد العكري الحنبلي

سنة عشرين وسبعمائة

فيها توفي القاضي جمال الدين أحمد المعروف بابن عصبة البغدادي الحنبلي قال الطوفي حضرت درسه وكان بارعا في الفقه والتفسير والفرائض وأما معرفة القضاء والأحكام فكان أوحد عصره في ذلك وفيها أبو الهدى أحمد بن إسمعيل بن علي بن الحباب الكاتب تفرد بأجزاء عن سبط السلفي وكان قاضيا صدرا ويلقب بفخر الدين توفي بمصر عن سبع وسبعين سنة
وفيها حميضة بن أبي نمى الحسني صاحب مكة كان ثم نزع الطاعة فتولى أخوه عطيفة قتله جندي التصق به في البرية غيلة ثم قتله السلطان لغدره
وفيها كمال الدين عبد الرحيم بن عبد المحسن بن حسن بن ضرغام الكناني المصري الحنبلي المنشاوي وكان خطيب المنشية قال الذهبي حدثنا عن السبط واختلط قبل موته بنحو أربعة أشهر فما أخاله حدث فيها وكان عدلا فقيها توفي في ربيع الآخر وله ثلاث وتسعون سنة
وفيها شمس الدين محمد بن حسن بن سباع الجذامي المصري ثم الدمشقي الصايغ كان نحويا لغويا أديبا بارعا ذا نظم ونثر وتصانيف تخرج به فضلاء ومات بدمشق عن خمس وسبعين سنة
وفيها المسند الجليل شرف الدين أبو الفتح محمد بن عبد الرحيم بن عباس القرشي التاجر الحريري المسند بن النشو قال الذهبي حدثنا عن ابن رواج وابن الجميزي وابن الحباب وتفرد بعوالي وتوفي بدمشق في شوال عن ثمانين سنة
وفيها المعمر الصالح أمين الدين محمد بن أبي بكر بن إبراهيم بن هبة الله الأسدي الحلي الصفار روى عن صفية القرشية وشعيب الزعفراني والساوى وابن خليل وتفرد وأكثروا عنه وتوفي في شوال بدمشق أيضا عن نيف وتسعين سنة قال الذهبي

سنة إحدى وعشرين وسبعمائة

فيها توفي بهاء الدين إبراهيم بن المفتى شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن نوح المقدسي الدمشقي قال الذهبي حدثنا عن ابن مسلمة وابن علان والمرسي وله أوقاف على البر وفيه خير وتصون وكان يكره فعائل أخيه ناصر الدين المشنوق وكان عدلا مسندا توفي بدمشق في جمادى الآخرة عن اثنتين وثمانين سنة
وفيها نور الدين إبراهيم بن هبة الله بن علي بن الضيعة الحميري الأسنائي ويقال الأسنوي نسبة إلى اسنا بلد بصعيد مصر الأعلى الشافعي قال الأسنوي في طبقاته كان إماما عالما ماهرا في فنون كثيرة ملازما للاشتغال والاشغال والتصنيف دينا خيرا أخذ في بلده عن البهاء القفطي وهاجر إلى القاهرة في صباه فلازم الشمس الأصبهاني شارح المحصول والبهاء بن النحاس الحلبي النحوي وغيرهما من شيوخ العصر وصنف تصانيف حسنة بليغة في علوم كثيرة وتولى أعمالا كثيرة بالديار المصرية آخرها الأعمال القوصية ثم صرف عنها في أواخر سنة عشرين وسبعمائة لقيام بعض كتاب أهل الدولة عليه لكونه لم يجبه إلى ما لا يجوز تعاطيه فاستوطن القاهرة وشرع في الاشتغال والتصنيف على عادته واجتمعت عليه الفضلاء فعاجلته المنية وتوفي في أوائل السنة وقد قارب السبعين انتهى وفيها خطيب الفيوم الرئيس الأكمل المحتشم مجد الدين أحمد بن القاضي معين الدين أبي بكر الهمداني المالكي كان يضرب به المثل في السؤدد والمكارم عزى به الناس أخاه شرف الدين المالكي وفيها تاج الدين أحمد بن المجير محمد بن الشيخ كمال الدين علي بن شجاع القرشي العباسي روى عن جده الكمال الضرير وابن رواج والسبط وحدث بالكرك لما ولى نظرها وكان رئيسا محتشما توفي بمصر في جمادى الأولى وله تسع وسبعون سنة وفيها الشيخ مجد الدين إسمعيل

ابن الحسين بن أبي التايب الأنصاري الكاتب المعدل روى عن مكي بن علان والرشيد العراقي وجماعة وطلب بنفسه وأخذ النحو عن ابن مالك وكتب الطباق والإجازات وتوفي ببستانه بقرية جوبر وفيها صاحب اليمن الملك المؤيد هزبر الدين داود بن الملك المظفر يوسف بن عمر التركماني كانت دولته بضعا وعشرين سنة وكان عالما فاضلا سايسا شجاعا جوادا له كتب عظيمة نحو مائة ألف مجلد وكان يحفظ التنبيه وغير ذلك وتوفي بتعز في ذي الحجة وفيها العارف الكبير نجم الدين عبد الله بن محمد بن محمد الأصبهاني الشافعي تلميذ الشيخ أبي العباس المرسي جاور بمكة مدة وانتقد عليه الشيخ على الواسطي أنه مع ذلك لم يزر النبي صلى الله عليه وسلم وتوفي بمكة في جمادى الآخرة عن ثمان وسبعين سنة وفيها العدل المسند علاء الدين علي بن يحيى بن علي الشاطبي الدمشقي الشروطي روى شيئا كثيرا وسمع ابن المسلمة وابن علان والمجد الأسفراييني وعدة وتفرد وتوفي في رمضان عن خمس وثمانين سنة وفيها الشيخ شمس الدين محمد بن عثمان بن مشرق بن رزين الأنصاري الدمشقي الكتاني ثم الخشاب المعمار روى عن التقى بن العز وغيره وبالإجازة عن ابن اللتى وابن المقير وابن الصفراوي وتوفي بدمشق في ذي الحجة عن اثنتين وتسعين سنة وفيها تقي الدين محمد بن عبد الحميد بن محمد الهمداني ثم المهلبي حمل عن إسمعيل بن عرون والنجيب وطبقتهما وحصل وتعب ثم انقطع ولزم المنزل مدة وكان صوفيا محدثا رحالا ساء خلقه آخرا وتوفي بمصر
وفيها شيخ الشيعة وفاضلهم محمد بن أبي بكر بن أبي القسم الهمذاني ثم الدمشقي السكاكيني كان لا يغلو ولا يسب معينا ولديه فضائل روى عن ابن مسلمة والعراقي ومكي بن علان وتلا بالسبع وله نظم كثير وأخذ عن أبي صالح الرافضي الحلبي وأخذه معه صاحب المدينة منصور فأقام بها سنوات وكان يتشيع به سنة ويتسنن

به رافضة وفيه اعتزال توفي بدمشق في صفر عن ست وثمانين سنة وفيها سعد الدين يحيى بن محمد بن سعد المقدسي روى عن ابن اللتي حضورا وعن جعفر والمرسي وطائفة وأجاز له ابن روزبة والقطيعي وعدة وتفرد واشتهر اسمه وبعد صيته مع الدين والسكينة والمروءة والتواضع قال الذهبي وتفرد بإجازة ابن صباح فيما أرى وهو والد المحدث شمس الدين توفي بالصالحية في ذي الحجة عن تسعين سنة وتسعة أشهر وفيها عالم المغرب الحافظ العلامة أبو عبد الله بن رشيد الفهري في المحرم بفاس عن أربع وستين سنة قاله في العبر

سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة

فيها توفي أبو إسحق إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الطبري المكي الشافعي شيخ الإسلام وإمام المقام كان صاحب حديث وفقه وإخلاص وتأله روى عن شعيب الزعفراني وابن الجميزي وعبد الرحمن بن أبي حرمى والمرسي وعدة وأجاز له السخاوي وغيره وخرج لنفسه التساعيات وتفرد بأشياء وتوفي بمكة في ربيع الأول وله ست وثمانون سنة وفيها الزاهد الكبير قال في العبر جلال الدين إبراهيم ابن شيخنا زين الدين محمد بن أحمد العقيلي الدمشقي بن القلانسي الكاتب روى عن ابن عبد الدايم والكرماني ودخل مصر منجفلا وانقطع في مسجد فتغالوا فيه ونوهوا بذكره وعظموه وبنوا له زاوية واشتهر وحصل لأخيه عز الدين الحسبة ونظر الخزانة وتوفي المترجم بالقدس في ذي القعدة عن ثمان وستين سنة وفيها المعمرة الرحلة أم محمد زينب بنت أحمد بن عمر بن أبي بكر بن شكر المقدسي في ذي الحجة عن أربع وتسعين سنة سمعت ابن اللتي والهمداني وتفردت بأجزاء كالثقفيات ومسندي عبد والدارمي وارتحلت إليها الطلبة وحدثت بمصر والمدينة النبوية وماتت ببيت المقدس وفيها زين الدين عبد الرحمن بن أبي صالح رواحة بن علي بن الحسين بن مظفر بن نصر بن رواحة الأنصاري الجميزي الشافعي سمع من

جده لأمه أبي القسم بن رواحة وصفية القرشية وتفرد ورحل إليه وله إجازات من ابن روزبة والسهروردي وعدة وتوفي بأسيوط في ذي الحجة عن أربع وتسعين سنة وكان رئيسا معمرا كاتبا وفيها نصير الدين عبد الله بن الوجيه محمد بن علي بن سويد التغلبي التكريتي ثم الدمشقي الصدر الكبير صاحب الأموال من أبناء السبعين سمع الرضى والبرهان والنجيب وابن عبد الدايم
وفيها تقي الدين عتيق بن عبد الرحمن بن أبي الفتح العمري كان محدثا زاهدا له رحلة وفضائل وروى عن النجيب وابن علاق ومرض بالفالج مدة ثم توفي بمصر في ذي القعدة وفيها المعمر الصالح أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن علي النجدي كان ذا خشية وعبادة وتلاوة وقناعة سمع من المرسي وخطيب مردا وأجاز له ابن القبيطي وكريمة وخلق وروى الكثير ومات بالسفح في صفر عن بضع وثمانين سنة وفيها قطب الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الصمد بن عبد القادر السنباطي المصري الشافعي ولد سنة ثلاث وخمسين وستمائة وتفقه بابن رزين وغيره وسمع من الدمياطي وغيره وتقدم في العلم ودرس بالمدرسة الحسامية ثم الفاضلية وولي وكالة بيت المال وناب في الحكم وصنف تصحيح التعجيز وأحكام المبعض واستدراكات على تصحيح التنبيه للنووي واختصر قطعة من الروضة قال السبكي كان فقيها كبيرا تخرجت به المصريون وقال الأسنوي كان إماما حافظا للمذهب عارفا بالأصول دينا خيرا سريع الدمعة متواضعا حسن التعليم متلطفا بالطلبة توفي بالقاهرة في ذي الحجة ودفن بالقرافة وسنباط بلدة من أعمال المحلة
وفيها السيد المعمر الإمام محي الدين محمد بن عدنان بن حسن الحسيني الدمشقي قال الذهبي ولي نظر الحلق والسبع مدة وكان عابدا كثير التلاوة جدا تخضع له الشيعة وهو والد النقيبين زين الدين حسين وأمين الدين جعفر وجد النقيب ابن عدنان وابن عمه عاش ثلاثا وتسعين سنة وكانت له معرفة وفضيلة وفيه انجماع وانقباض عن الناس وفيها أو في التي قبلها الأديب شمس الدين محمد بن

على المازني كان يعرف الأنغام ويعمل الشعر ويلحنه ويغني به فمن ذلك قوله
( لا تحسبوا أنني عن حبكم سالي ** وحياتكم لم يزل حالي بكم حالي )
( أرخصتم في هواكم مدنفا صلفا ** وهو العزيز الذي عهدي به غالي )
( سكنتم في فؤادي وهو منزلكم ** لا عشت يوما أراه منكم خالي )
( يا هاجرين بلا ذنب ولا سبب ** قطعتم بسيوف الهجر أوصالي )
( إن كان يوسف أوصى بالجمال لكم ** فإن والده بالحزن أوصى لي )
وفيها الإمام أقضى القضاة شمس الدين محمد بن شرف الدين أبي البركات محمد بن الشيخ أبي العز الأذرعي الحنفي كان فاضلا فقيها بصيرا بالأحكام حكم بدمشق نحو عشرين سنة وخطب بجامع الأفرم مدة ودرس بالظاهرية والقليجية والمعظمية وأفتى وفيها العلامة القدوة أبو عبد الله محمد بن محمد بن علي بن حريث القرشي البلنسي ثم السبتي المالكي روى الموطأ عن ابن أبي الربيع عن ابن بقي وكان صاحب فنون وولي خطابة سبتة ثلاثين عاما وتفقهوا عليه ثم حج وبقي بمكة سبع سنين ومات بها في جمادى الآخرة عن إحدى وثمانين سنة
وفيها مجد الدين محمد بن محمد بن علي بن الصيرفي سبط ابن الحبوبي روى عن أبي اليسر ومحمد بن النشى وشهد وحضر المدارس وقال الشعر وعمل لنفسه مجلدا ضخما وكان متواضعا ساكنا توفي في رمضان بدمشق عن إحدى وستين سنة

سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة

فيها توفي الشيخ أبو العباس أحمد بن علي بن مسعود الكلبي البدوي ثم الصالحي الفامي ويعرف بابن سعفور ويلقب بعمى سمع من المرسى حضورا ومن محمد بن عبد الهادي وخطيب مردا وطائفة وأجاز له السبط وكان خيرا كيسا متعففا منقطعا توفي بقاسيون في ربيع الآخر عن إحدى وثمانين سنة وفيها قاضي

القضاة نجم الدين أبو العباس أحمد بن الرئيس الكبير عماد الدين محمد بن المعدل أمين الدين سالم بن الحافظ بهاء الدين بن هبة الله بن محفوظ بن صصرى التغلبي الربعي الدمشقي الشافعي سمع الحديث من جماعة وقرأ للسبع وجود الخط على ابن المهتار وأتقن الأقلام السبعة ودرس بالأمينية وغيرها واستمر على القضاء إلى أن مات وكان حسن الأخلاق كثير التودد كريم المجالسة مليح المحاضرة حسن الملتقى متواضعا جدا له مشاركة في فنون شتى وعنده حظ من الأدب والنظم ومن نظمه
( ومهفهف بالوصل جاد تكرما ** فأعاد ليل الهجر صبحا أبلجا )
( مازلت الثم ما حواه ثغره ** حتى أعدت الورد فيه بنفسجا )
توفي ببستانه بالسهم وحمل الصوفية نعشه إلى الجامع المظفري وصلى عليه الشيخ برهان الدين الفزاري ودفن بتربته بالقرب من الركنية وفيها الفاضل الأديب العدل شهاب الدين أحمد بن محمد عرف بابن دمرداش كان جنديا فلما كبر وشاخ ترك ذلك وصار شاهدا بمركز الرواحية وله شعر كثير لطيف فمنه قوله
( أقول لمسواك الحبيب لك الهنا ** بلثم فم ما ناله ثغر عاشق )
( فقال وفي أحشائه حرق الجوى ** مقالة صب للديار مفارق )
( تذكرت أوطاني فقلبي كما ترى ** أعلله بين العذيب وبارق )
وله
( يا قمري إن جئت وادي الأراك ** وقبلت أغصانه الخضر فاك )
( فارسل إلى عبدك من بعضها ** فإنني والله مالي سواك )
وله دوبيت قيل أن الشيخ صدر الدين بن الوكيل قال وددت أنه يأخذ جميع شيء قلته ويعطينيه وهو
( الصب بك المنعوب والمعتوب ** والقلب بك المسلوب والملسوب )
( يا من طلبت لحاظه سفك دمى ** مهلا ضعف الطالب والمطلوب )
وفيها الرئيس شهاب الدين أحمد بن محمد بن القطينة التاجر المشهور كان

فقيرا معدما ففتح الله تعالى عليه بحيث بلغت زكاته ثمانين ألفا وكان فيه بر وخير وبنى مدرسة بذرع وتوفي بدمشق ودفن بتربته على طريق القابون
وفيها مؤرخ الآفاق العالم المتكلم كمال الدين عبد الرزاق بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عمر بن أبي المعالي محمد بن محمود بن أحمد بن محمد بن أبي المعالي الفضل بن العباس بن عبد الله بن معن بن زائدة الشيباني المروزي الأصل البغدادي الأخباري الكاتب المؤرخ الحنبلي ابن الصابوني ويعرف بابن الفوطي محركا نسبة إلى بيع الفوط وكان الفوطي المنسوب إليه جده لأمه ولد في سابع عشر محرم سنة اثنتين وأربعين وستمائة بدار الخلافة من بغداد وسمع بها من الصاحب محي الدين بن الجوزي ثم أسر في واقعة بغداد وخلصه النصير الطوسي الفيلسوف وزير الملاحدة فلازمه وأخذ عنه علوم الأوائل وبرع في الفلسفة وغيرها وأمده بكتابة الزيج وغيره من علم النجوم واشتغل على غيره في اللغة والأدب حتى برع ومهر في التاريخ والشعر وأيام الناس وأقام بمراغة مدة وولي بها كتب الرصد بضع عشرة سنة وظفر بها بكتب نفيسة وحصل من التواريخ ما لا مزيد عليه وسمع بها من المبارك بن المستعصم بالله سنة ست وستين ثم عاد إلى بغداد وبقي بها إلى أن مات وسمع ببغداد الكثير وعنى بالكثير وعد من الحفاظ حتى ذكره الذهبي في طبقاتهم وقال له النظم والنثر والباع الأطول في ترصيع تراجم الناس وله ذكاء مفرط وخط منسوب رشيق وفضائل كثيرة وسمع منه الكثير وعنى بهذا الشأن وجمع وأفاد فلعل الحديث أن يكفر عنه به وكتب من التواريخ ما لا يوصف وعمل تاريخا كبيرا لم يبيضه ثم عمل آخر دونه في خمسين مجلدا سماه مجمع الآداب في معجم الأسماء على معجم الألقاب وله كتاب درر الأصداف في غر رالأوصاف وهو كبير جدا ذكر أنه جمعه من ألف مصنف وكتاب المؤتلف والمختلف رتبة مجدولا وكتاب التاريخ على الحوادث وكتاب حوادث المائة السابعة وإلى أن مات وكتب نظم الدرر الناصعة في شعر المائة السابعة في عدة مجلدات وذكر الذهبي

أيضا في المعجم المختص أنه خرج معجما لشيوخه فبلغوا خمسمائة شيخ بالسماع والإجازة قال وذيل على تاريخ شيخه ابن الساعي نحوا من ثمانين مجلدا وله تلقيح الإفهام في تنقيح الأوهام وله أشياء كثيرة في الأنساب وغيرها وقد تكلم في عقيدته وفي عدالته قال وهو في الجملة أخباري علامة ما هو بدون أبي الفرج الأصبهاني وكان ظريفا متواضعا حسن الأخلاق الله يسامحه توفي في ثالث المحرم ببغداد ودفن بالشونيزية
وفيها مسند الشام بهاء الدين القسم بن مظفر بن النجم محمود بن تاج الأمناء ابن عساكر حضر في سنة تسع وعشرين وستمائة على مشهور النيرباني وحضر ابن عساكر وكريمة وعبد الرحيم بن عساكر وابن المقير وسمع من ابن اللتي وجماعة وأجاز له مشايخ البلاد وبلغ معجمه سبع مجلدات وألحق الصغار بالكبار ووقف أماكن على المحدثين وكان طبيبا مؤرخا وخرج له البرزالي مشيخة وابن طغرلبك معجما كبيرا جمع فيه شيوخه فبلغوا أكثر من خمسمائة وسبعين شيخا وتوفي بدمشق في شعبان عن أربع وتسعين سنة وفيها خطيب صفد وعالمها بها نجم الدين حسن بن محمد الصفدي تقدم في الأدب والمعقول وله تآليف وتوفي في رمضان وهو من أبناء الثمانين وفيها شرف الدين أبو عبد الله محمد بن سعد الله بن عبد الأحد بن سعد الله بن عبد القاهر بن عبد الأحد بن عمر بن نجيح الحراني ثم الدمشقي الفقيه الحنبلي الإمام سمع من الفخر بن البخاري وغيره وطلب الحديث وقرأ بنفسه وتفقه وأفتى وصحب الشيخ تقي الدين بن تيمية ولازمه وكان صحيح الذهن جيد المشاركة في العلوم من خيار الناس وعقلائهم وعلمائهم توفي في ذي الحجة بوادي بني سالم في رجوعه من الحج وحمل إلى المدينة النبوية فدفن بالبقيع وكان كهلا وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن محمود الجيلي نزيل بغداد المدرس للحنابلة بالبشيرية كان إماما فقيها عالما فاضلا له مصنف في الفقه لم يتمه سماه الكفاية ذكر فيه أن الإمام أحمد نص على أن من وصى بقضاء الصلاة المفروضة عند نفذت وصيته توفي ببغداد في يوم الثلاثاء عاشر جمادى

الأولى وفيها الأمير الصاحب الوزير نجم الدين محمد بن عثمان بن الصفي البصروي الحنفي ولي الحسبة ثم الخزانة ثم الوزارة ثم الإمرة ودرس أولا بمدرسة بصرى وكان فاضلا مقدم خيول عربية فتقدم في ذلك وتوفي ببصرى كهلا وفيها مسند الوقت شمس الدين أبو نصر محمد بن محمد بن محمد بن مميل بن الشيرازي الدمشقي سمع من جده القاضي أبي نصر والسخاوي وجماعة وبمصر من العلم بن الصابوني وابن قميرة وأجاز له أبو عبد الله بن الزبيدي والحسين ابن السيد وقاضي حلب بن شداد وخلق وله مشيخة وعوال وروى الكثير وكان ساكنا وقورا منقبضا له كفاية وكبر سنه وأكثر ولم يختلط وتوفي بالمزة ليلة عرفة عن أربع وتسعين سنة وشهرين وفيها صفي الدين محمود بن محمد بن حامد الأرموي ثم القرافي الصوفي كان محدثا لغويا إماما سمع الكثير وكتب وتعب واشتهر وحدث عن النجيب والكمال وكان شافعيا حفظ التنبيه مع دين وتصون ومعرفة توفي بدمشق بالمارستان في جمادى الآخرة وله ست وسبعون سنة
وفيها صاحب الأجرومية أبو عبد الله محمد بن محمد بن داود الصنهاجي النحوي المشهور بابن آجروم بفتح الهمزة الممدودة وضم الجيم والدال المشددة ومعناه بلغة البربر الفقير الصوفي صاحب المقدمة المشهورة بالجرومية قال ابن مكتوم في تذكرته نحوى مقرى له معلومات من فرائض وحساب وأدب بارع وله مصنفات وأراجيز وقال غيره المشهور بالبركة والصلاح ويشهد لذلك عموم النفع بمقدمته ولد بفاس سنة اثنتين وسبعين وستمائة وتوفي بها في صفر

سنة أربع وعشرين وسبعمائة

فيها كان الغلاء المفرط بالشام وبلغت الغرارة أزيد من مائتي درهم أياما ثم جلب القمح من مصر بالزام سلطاني لأمرائه فنزل إلى مائة وعشرين درهما ثم بقي أشهرا ونزل السعر بعد شدة وأسقط مكس الأقوات بالشام بكتاب سلطاني

وكان على الغرارة ثلاثة دراهم ونصف قاله في العبر
وفيها توفي القاضي المعمر العدل شمس الدين أحمد بن علي بن الزبير الجيلي ثم الدمشقي الشافعي سمع من ابن الصلاح من سنن البهيقي وتوفي بدمشق في ربيع الآخر عن تسع وثمانين سنة وفيها وزير الشرف على شاه بن أبي بكر التبريزي كان سنيا معظما لصاحب مصر محبا له توفي بأرجان في جمادى الآخرة وقد شاخ وفيها الصاحب الكبير كريم الدين عبد الكريم بن هبة الله بن العلم هبة الله بن السديد المصري وكيل السلطان أسلم كهلا في أيام الجاشنكير وكان كاتبه وتمكن من السلطان غاية التمكن بحيث صار الكل إليه وبيده العقد والحل وبلغ من الرتبة ما لا مزيد عليه وجمع أموالا عظيمة عاد أكثرها إلى السلطان وكان حسن الخلق عاقلا خيرا سمحا داهية وقورا مرض نوبة فزينت مصر لعافيته وكان يعظم الدينين وله بر وإيثار عمر البيارات وأصلح الطرق وعمر جامع القبيبات وجامع القابون وأوقف عليهما الأوقاف ثم انحرف عليه السلطان ونكبه فنفى إلى الشويكة ثم إلى القدس ثم إلى أسوان فأصبح مشنوقا بعمامته ولما أحس بالقتل صلى ركعتين وقال هاتوا عشنا سعداء ومتنا شهداء أعطاني السلطان الدنيا والآخرة وشنق وقد قارب السبعين
وفيها الحافظ الزاهد علاء الدين علي بن إبراهيم بن دواد بن سلمان بن سليمان أبو الحسن بن العطار الشافعي ويلقب بمختصر النووي سمع من ابن عبد الدايم وابن أبي اليسر وغيرهما ولد يوم عيد الفطر سنة أربع وخمسين وستمائة وتفقه على الشيخ محي الدين النووي وأخذ العربية عن جمال الدين بن مالك وولي مشيخة دار الحديث النورية وغيرها ومرض بالفالج أزيد من عشرين سنة وكان يحمل في محفة وكتب الكثير وحمله ودرس وأفتى وصنف أشياء مفيدة قال الذهبي خرجت له معجما في مجلد انتفعت به وأحسن إلي باستجازته لي كبار المشيخة وله فضائل وتأله وأتباع وقال ابن كثير له مصنفات مفيدة وتخاريج ومجاميع وقال غيره هو أشهر

أصحاب النووي وأخصهم به لزمه طويلا وخدمه وانتفع به وله معه حكايات واطلع على أحواله وكتب مصنفاته وبيض كثيرا منها وعده في الحفاظ العلامة ابن ناصر الدين وأثنى عليه توفي بدمشق في ذي الحجة عن سبعين سنة
وفيها الإمام الزاهد نور الدين علي بن يعقوب بن جبريل بن عبد المحسن أبو الحسن البكري المصري الشافعي ولد سنة ثلاث وسبعين وستمائة وسمع مسند الشافعي من وزيرة بنت المنجا واشتغل وأفتى ودرس وكان يذكر نسبه إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه ولما دخل ابن تيمية إلى مصر قام عليه وأنكر ما يقوله وآذاه قاله ابن شهبة وقال السبكي في الطبقات الكبرى صنف كتابا في البيان وكان من الأذكياء سمعت الوالد يقول أن ابن الرفعة أوصى بأنه يعمل شرحه على الوسيط وكان رجلا جيدا آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر وقد واجه مرة الملك الناصر بكلام غليظ فأمر السلطان بقطع لسانه حتى شفع فيه وقال الأسنوي تحيا بمجالسته النفوس ويتلقى بالأيدي فيحمل على الرؤس تقمص بأنواع الورع والتقى وتمسك بأسباب التقى فارتقى كان عالما صالحا نظارا ذكيا متصوفا أوصى إليه ابن الرفعة بأن يكمل ما بقي من من شرحه على الوسيط لما علم من أهليته لذلك دون غيره فلم يتفق ذلك لما كان يغلب عليه من التخلي والانقطاع والإقامة والأعمال الخيرية تنقل بأعمال مصر لأن الملك الناصر منعه من الإقامة بالقاهرة ومصر إلى أن توفي في شهر ربيع الآخر ودفن بالقرافة وفيها الشيخ ركن الدين عمر بن محمد بن يحيى القرشي العتبى الشاهد بن جابى الأحباس تفرد عن السبط بجزء شيبان وبالدعاء للمحاملي ومشيخته وتوفي بالثغر في صفر عن خمس وثمانين سنة وفيها قاضي حلب زين الدين عبد الله بن قاضي الخليل محمد بن عبد القادر الأنصاري ولي حلب نيفا وعشرين سنة وقبلها ولي بعلبك وناب بدمشق وولي حمص وكان مسمتا مليح الشكل فاضلا وتوفي عن سبعين سنة وفيها شمس الدين محمد بن الإمام جمال الدين عبد الرحيم بن عمر الباجر بقي الشافعي قال الذهبي الضال الذي

حكم القاضي المالكي بضرب عنقه مدة بعد أخرى لثبوت أمور فظيعة وكلمات شنيعة فتغيب عن دمشق وأقام بمصر بالجامع الأزهر وتردد إليه جماعة وكان الشيخ صدر الدين يتردد إليه ويبهت في وجهه ويجلس بين يديه وكان يرى الناس بوارق شيطانية وكان له قوة تأثير وشهد عليه أيضا بما أبيح دمه به منهم الشيخ مجد الدين التونسي فسافر إلى العراق ثم سعى أخوه بحماة حتى حكم الحنبلي بعصمة دمه فغضب المالكي وجدد الحكم بقتله وكان أولا فقيها بالمدارس ثم حصل له كشف شيطاني فضل به جماعة وكان يتنقص بالأنبياء ويتفوه بعظائم ثم قدم القابون مختفيا وسكن بها إلى أن مات في ربيع عن ستين سنة وفيها بدر الدين أبو عبد الله محمد بن عثمان بن يوسف بن محمد بن الحداد الآمدي ثم المصري الخطيب الحنبلي قال ابن رجب الإمام الصد رالفقيه خطيب دمشق وحلب سمع الحديث وتفقه بالديار المصرية وحفظ المحرر وشرحه على ابن حمدان ولازمه مدة من السنين حتى قرأه عليه وبرع في الفقه وكان ابن حمدان يشكره ويثني عليه كثيرا واشتغل بالكتابة واتصل بالأمير سنقر المنصوري بحلب وولاه نظر الأوقاف وخطابة جامعها وصرف عنه جلال الدين القزويني ثم صرف بالقزويني وولي ابن الحداد حينئذ نظر المارستان ثم ولي حسبة دمشق ونظر الجامع واستمر في نظره إلى حين وفاته وعين لقضاء الحنابلة في وقت وتوفي ليلة الأربعاء سابع جمادى بدمشق ودفن بمقبرة باب الصغير
وفيها الشيخ شرف الدين أبو عبد الله محمد بن المنجا بن عثمان بن أسعد بن المنجا التنوخي الدمشقي الحنبلي ولد سنة خمس وسبعين وستمائة وأسمعه والده الكثير من المسلم بن علان وابن أبي عمر وطبقتهما وسمع المسند والكتب الكبار وتفقه وأفتى ودرس بالمسمارية وكان من خواص أصحاب الشيخ تقي الدين بن تيمية وملازمية حضرا وسفرا وكان مشهورا بالديانة والتقوى ذا خصال جميلة وعلم وشجاعة روى عنه الذهبي في معجمه وقال كان إماما فقيها حسن الفهم صالحا

متواضعا توفي إلى رضوان الله في رابع شوال ودفن بسفح قاسيون
وفيها أمير العرب محمد بن عيسى بن مهنا كان عاقلا نبيلا فيه خير وهو أخو مهنا توفي بسلمية في أحد الربيعين عن نيف وسبعين سنة ودفن عند أبيه

سنة خمس وعشرين وسبعمائة

في جمادى الأولى كان غرق بغداد المهول وبقيت كالسفينة وساوى الماء الأسوار وغرق أمم لا تحصى وعظمت الاستغاثة بالله تعالى ودام خمس ليال وقيل تهدم بالجانب الغربي نحو خمسة آلاف بيت قال الذهبي ومن الآيات أن مقبرة الإمام أحمد بن حنبل غرقت سوى البيت الذي فيه ضريحه فإن الماء دخل في الدهليز علو ذراع ووقف بإذن الله تعالى وبقيت البواري عليها غبار حول القبر صح هذا عندنا وفيها توفي شيخ الظاهرية عفيف الدين إسحق بن يحيى الآمدي الحنفي روى كثيرا عن ابن خليل وعن عيسى الخياط وعدة وطلب الحديث وحصل أصولا بمروياته قال الذهبي خرج له ابن المهندس معجما قرأته توفي بدمشق في رمضان عن ثلاث وثمانين سنة رحمه الله تعالى وفيها الأديب الأمشاطي أحمد بن عثمان قيم الشام في نظم الزجل كان فردا في وقته وكان كاتبا في دار البطيخ ومن نظمه
( وفتاك اللواحظ بعد هجر ** وفي كرما وأنعم بالمزار )
( وظل نهاره يرمي بقلبي ** سهاما من جفون كالشفار )
( وعند الليل قلت لمقلتيه ** وحكم النوم في الاجفان سار )
( تبارك من توفاكم بليل ** ويعلم ما جرحتم بالنهار )
وفيها كبير الدولة الأمير الكبير ركن الدين بيبرس المنصوري الخطائي الدويدار صاحب التاريخ الكبير ورأس الميسرة ونايب مصر قبل أرغون توفي في رمضان بمصر عن ثمانين سنة قال ابن حجر في الدرر الكامنة هو صاحب

التاريخ المشهور في خمسة وعشرين مجلدا وقال الذهبي كان عاقلا وافر الهيبة كبير المنزلة وقال غيره كان كثير الأدب حنفي المذهب عاقلا قد أجيز بالإفتاء والتدريس وله يد ومعروف كثير الصدقة سرا ويلازم الصلاة في الجماعة وغالب نهاره في سماع الحديث والبحث في العلوم وليله في القرآن والتهجد مع طلاقة الوجه ودوام البشر رحمه الله وفيها الفقيه المعمر شهاب الدين أحمد بن العفيف محمد بن عمر الصقلي ثم الدمشقي الحنفي إمام مسجد الرأس وهو آخر من حدث عن ابن الصلاح توفي في صفر وله ثمان وثمانون سنة وثلاثة أشهر
وفيها جمال الدين أحمد بن علي اليمني المعروف بالعامري وهو ابن أخت إسمعيل الحضرمي شارح المهذب قال الأسنوي كان شافعيا عالما جليلا شرح الوسيط في نحو ثمانية أجزاء وشرح أيضا التنبيه شرحا لطيفا وتولى قضاء المهجم ومات بها
وفيها صدر الدين سليمان بن هلال بن شبل بن فلاح بن خصيب القاضي العالم الزاهد الورع أبو الربيع الهاشمي الجعفري المعروف بخطيب داريا ولد سنة اثنتين وأربعين وستمائة وسمع الحديث وتفقه على الشيخين تاج الدين الفزاري ومحي الدين النووي وولي خطابة داريا وأعاد بالناصرية وناب في الحكم مدة سنين واستسقى الناس به سنة تسع عشرة فسقوا وكان يذكر نسبه إلى جعفر الطيار بينهما ثلاثة عشر أبا ثم أنه ولي خطابة جامع التوبة وترك نيابة الحكم قال الذهبي كان يتزهد في ثوبه وعمامته الصغيرة ومأكله وفيه تواضع وترك للرياسة والتصنع وفراغ عن الرعونات وسماحة ومروءة ورفق وكان لا يدخل حماما حدث عن ابن أبي اليسر والمقداد وكان عارفا بالفقه وله حكايات في مشيه إلى شاهد يؤدي عنه وإلى فقير وربما نزل في طريق داريا عن حمارته وحمل عليها حزم حطب لمسكينة رحمه الله توفي في ذي القعدة ودفن بباب الصغير عند شيخه تاج الدين
وفيها الشيخ المعمر عبد الرحمن بن عبد الولي الصحراوي سبط اليلداني سمع من جده كثيرا ومن الرشيد العراقي وابن خطيب القرافة وشيخ الشيوخ الحموي

وأجاز له الضياء والسخاوي وسمع منه نايب السلطنة الآثار للطحاوي ووصله ورتب له مرتبا ثم أضر وعجز وتوفي بدمشق في ربيع الأول عن خمس وثمانين سنة
وفيها أول الملوك العثمانية خلد الله دولتهم وهو السلطان عثمان بن طغربك بن سليمان شاه بن عثمان تولى صاحب الترجمة سنة تسع وتسعين وستمائة فأقام ستا وعشرين سنة نقل القطبي أن أصله من التركمان الرحالة النزالة من طائفة التتار ويتصل نسبه إلى يافث بن نوح عليه السلام انتهى ونقل صاحب درر الأثمان في أصل منبع آل عثمان أن عثمان جدهم الأعلى من عرب الحجاز وأنه هاجر من الغلاء لبلاد قرمان واتصل باتباع سلطانها في سنة خمسين وستمائة وتزوج من قونيا فولد له سليمان فاشتهر أمره بعد عثمان ثم تسلطن وهو الذي فتح برصا في حدود ثلاثين وسبعمائة ثم تسلطن بعد سليمان ولده عثمان حواى الأصغر ويقال هو الذي افتتح برسبا وأنه أول ملوك بني عثمان فإنه استقل بالملك وأما أبواه فكانا تابعين للملوك السلجوقية ونقل بعض المؤرخين أن أصل ملوك بني عثمان من المدينة المنورة فالله أعلم ولما ظهر جنكزخان أخرب لاد بلخ فخرج سليمان شاه بخمسين ألف بيت إلى أرض الروم فغرق في الفرات فدخل ولده طغربك الروم فأكرمه السلطان علاء الدين السلجوقي سلطان الروم فلما مات طغربك خلف أولادا أمجادا أشدهم بأسا وأعلاهم همة عثمان صاحب الترجمة فنشأ مولعا بالقتال والجهاد في الكفار فلما أعجب السلطان علاء الدين السلجوقي ذلك منه أرسل إليه الراية السلطانية والطبل والزمر فلما ضربت النوبة بين يديه قام على قدميه تعظيما لذلك فصار قانونا مستمرا لآل عثمان إلى الآن يقومون عند ضرب النوبة ثم بعد ذلك تمكن من السلطنة واستقل بالأمر وافتتح من الكفارة عدة قلاع وحصون رحمه الله تعالى قاله الشيخ مرعي في نزهة الناظرين
وفيها الإمام المحدث نور الدين علي بن جابر الهاشمي اليمني الشافعي شيخ الحديث حدث عن زكي البيلقاني وعرض عليه الوجيز للغزالي وله مشاركات وشهرة وتوفي بالمنصورية عن بضع وسبعين سنة وفيها علاء الدين علي بن النصير

محمد بن غالب بن محمد الأنصاري الشافعي روى عن الكمال الضرير الشاطبية وعن ابن عبد الدايم وابن أبي اليسر وطلب وكتب وتفقه وشارك في العلم وتميز في كتابة الحكم والشروط وتوفي بدمشق عن ثمانين سنة وفيها شيخ القراء تقي الدين محمد بن أحمد بن عبد الخالق العلامة المعروف بابن الصايغ الشافعي شيخ القراء بالديار المصرية قرأ الشاطبية على الكمال الضرير والكمال على مصنفه ابن فارس واشتهر وأخذ عنه خلق ورحل إليه وكان ذا دين وخير وفضيلة ومشاركة قوية قال الأسنوي رحل إليه الطلبة من أقطار الأرض لأخذ علم القراءة عليه لانفراده بها رواية ودراية وأعاد بالطيرسية والشريفية وغيرهما وتوفي بمصر في صفر عن أربع وتسعين سنة
وفيها العلامة الورع نور الدين محمد بن إبراهيم بن الأسيوطي الشافعي حكم بالكرك نحوا من ثلاثين سنة وتفقه به الطلبة وحدث عن قطب الدين القسطلاني وغيره وهو والد شرف الدين قاضي بلبيس وتوفي بالكرك
وفيها شهاب الدين محمود بن سليمان بن فهد الحلبي ثم الدمشقي أبو الثناء كاتب السر الحنبلي قال الذهبي علامة الأدب وعلم البلاغيين وكاتب السر بدمشق حدث عن ابن البرهان ويحيى بن الحنبلي وابن مالك وخدم بالإنشاء نحوا من خمسين سنة وكان يكتب التقاليد على البديه وقال ابن رجب في طبقاته تعلم الخط المنسوب ونسخ بالأجرة بخطه الأنيق كثيرا واشتغل بالفقه على الشيخ شمس الدين بن أبي عمر وأخذ العربية عن الشيخ جمال الدين بن مالك وتأدب بالمجد بن الظهير وغيره وفتح له في النظم والنثر ثم ترقت حاله واحتيج إليه وطلب إلى الديار المصرية واشتهر اسمه وبعد صيته وصار المشار إليه في هذا الشأن في الديار المصرية والشامية وكان يكتب القاليد الكبار بلا مسودة وله تصانيف في الإنشاء وغيره ودون الفضلاء نظمه ونثره ويقال لم يكن بعد القاضي الفاضل مثله وله من الخصائص ما ليس للفاضل من كثرة القصائد المطولة الحسنة الانيقة وبقي في ديوان الإنشاء نحوا من خمسين سنة بدمشق ومصر وولي كتابة السر بدمشق نحوا من ثمانين سنين قبل موته

وحدث وروى عنه الذهبي في معجمه وقال كان دينا خيرا متعبدا مؤثرا للانقطاع والسكون حسن المحاورة كثير الفضايل وتوفي بدمشق ليلة السبت ثاني عشرى شعبان ودفن بتربته التي أنشاها بالقرب من اليعمورية وولى بعده ابنه شمس الدين ومن شعره أي الشهاب محمود
( يا من أضاف إلى الجمال جميلا ** لا كنت إن طاوعت فيك عذولا )
( عوضتني من نار هجرك جنة ** فسكنت ظلا من رضاك ظليلا )
( ومننت حين منحتني سقما به ** أشبهت خصرك رقة ونحولا )
( وسلكت بي في الحب أحسن مسلك ** لم يبق لي نحو السلو سبيلا )
( ولرب ليل مثل وجهك بدره ** ودجاه مثل مديد شعرك طولا )
( أرسلت لي فيه الخيال فكان لي ** دون الأنيس مؤانسا وخليلا )
( إن لم أجد للوجد فيك بمهجتي ** لا نال قلبي من وصالك سولا )
وله في حراث
( عشقت حراثا مليحا غدا ** في يده المساس ما أجمله )
( كأنه الزهرة قدامه الثور ** يراعي مطلع السنبله )
وفيها سراج الدين يونس بن عبد المجيد بن علي الأرمنتي نسبة إلى أرمنت من صعيد مصر الأعلى ولد بها في المحرم سنة أربع وأربعين وستمائة واشتغل بقوص على الشيخ مجد الدين القشيري وأجازه بالفتوى ثم ورد مصر فاشتغل على علمائها وسمع من الرشيد العطار وغيره وصار في الفقه من كبار الأئمة مع فضله في النحو والأصول وغير ذلك وتصدر لإفادة الطلبة وصنف كتابا سماه المسائل المهمة في اختلاف الأئمة وكتاب الجمع والفرق وولاه ابن بنت الأعز قضاء أخميم ثم صار يتنقل في أقاليم الديار المصرية مشكور السيرة محمود الحال إلى أن تولى القوصية فأقام بها سنين قليلة فلسعه ثعبان في المشهد بظاهر قوص فمات به في ربيع الآخر وذكر قبل موته بقليل أنه لم يبق أحد في الديار المصرية أقدم منه في الفتوى

وكان أديبا شاعرا حسن المحاضرة وجد بعضهم مكتوبا بخطه على ظهر كتاب له
( الحال مني يا فتى ** يغني عن الخبر المفيد )
( فبغير سكين ذبحت ** فؤاد حر في الصعيد )
فكان كذلك لم يخرج من قوص كما سبق وله البيتان المعروفان في الكفاءة
( شرط الكفاءة حررت في ستة ** ينبيك عنها بيت شعر مفرد )
( نسب ودين صنعة حرية ** فقد العيوب وفي اليسار تردد )
قاله الأسنوي

سنة ست وعشرين وسبعمائة

فيها في شعبانها أخذ ابن تيمية وحبس بقلعة دمشق في قاعة ومعه أخوه عبد الرحمن يؤنسه وعزروا جماعة من أصحابه منهم ابن القيم وفيها توفي زين الدين أبو بكر بن يوسف المري بن الحريري الشافعي كان عالما متواضعا مقريا بالسبع أخذ عن الزواوي وحفظ الفقه والنحو وحدث عن خطيب مردا والبكري وابن عبد الدايم وله جهات وكان مقريا مدرسا توفي بدمشق في ربيع الأول عن ثمانين سنة وفيها الخطيب المسند تقي الدين أحمد بن إبراهيم بن عبد الله ابن أبي عمر المقدسي الحنبلي سمع من خطيب مردا السيرة وسمع من اليلداني والبكري ومحمد بن عبد الهادي حضورا ومن إبرهيم بن خليل وأجاز له السبط وجماعة وكان يخطب جيدا بالجامع المظفري وتوفي في جمادى الآخرة عن بضع وسبعين سنة
وفيها المعمرة أمة الرحمن ست الفقهاء بنت الشيخ تقي الدين إبراهيم بن علي ابن الواسطي الصالحية المحدثة سمعت جزء ابن عرفة من عبد الحق حضورا وسمعت من إبراهيم بن خليل وغيره وأجاز لها جعفر الهمذاني وكريمة وأحمد بن المعز وابن القسطي وعدد كثير وكانت مشاركة صالحة مباركة روت الكثير وهي والدة فاطمة بنت الدباهي توفيت في ربيع الآخر عن ثلاث وتسعين سنة


وفيها الفاضل الأديب الحسن بن أحمد بن زفر الأربلي سافر وتغرب ودخل إلى بلاد العجم واشتغل بالطب واستوطن دمشق وأقام بها صوفيا بدويرة حمد إلى أن مات وكان يعرف النحو والأدب والتاريخ ومن شعره
( وإذا المسافر آب مثلي مفلسا ** صفر اليدين من الذي رجاه )
( وخلا عن الشيء الذي يهديه ** للأخوان عند لقائهم إياه )
( لم يفرحوا بقدومه وتثقلوا ** بوروده وتكرهوا لقياه )
( وإذا أتاهم قادما بهدية ** كان السرور بقدر ما أهداه )
وفيها الزاهد الكبير الشيخ حماد التاجر بن القطان كان يقرىء القرآن ويحكي عجايب عن الفقراء وفيه زهد وتعفف ويحضر السماع ويصيح وله وقع في القلوب توفي بالعقيبة عن ست وتسعين سنة وفيها الشيخ علاء الدين علي بن محمد السكاكري الشاهد كان رأسا في كتابة الشروط وفيه شهامة وحط على الكبار ولكنه متحرز في الشهادة ساء ذهنه بأخرة وأجاز له عبد العزيز بن الزبيدي وهبة الله بن الواعظ وغيرهما وسمع من ابن عبد الدايم وجماعة وتوفي في المحرم عن ثمانين سنة وفيها خطيب المدينة وقاضيها سراج الدين عمر بن أحمد بن طراد الخزرجي المصري الشافعي حدث عن الرشيد وأجازه الشرف المرسي والمنذري وتفقه بابن عبد السلام قليلا ثم بالسديد التزمنتي والنصير بن الطباخ وخطب بالمدينة أربعين سنة ثم سافر إلى مصر ليتداوى فأدركه الموت بالسويس عن تسعين سنة
وفيها العالم المسند شمس الدين محمد بن أحمد بن أبي بن الهيجاء بن الزراد الصالحي روى شيئا كثيرا وتفرد قال الذهبي وخرجت له مشيخة روى عن البلخي ومحمد بن عبد الهادي والبلداني وخطيب مردا والبكري وكان يروي السند والسيرة ومسند أبي عوانة والأنواع والتقاسيم ومسند أبي يعلى وأشياء وافتقر واحتاج وتغير ذهنه قبل موته ولم يختلط وتوفي بقاسيون عن ثمانين سنة وفيها شمس الدين

أبو عبد الله محمد بن مسلم بن مالك بن مزروع بن جعفر الزيني الصالحي الفقيه الحنبلي قاضي قضاة المدينة المنورة ولد سنة اثنتين وستين وستمائة وتوفي أبوه سنة ثمان وستين وكان من الصالحين فنشأ يتيما فقيرا وكان قد حضر على ابن عبد الدايم وعمر الكرماني وسمع من ابن البخاري وطبقته وأكثر عن ابن الكمال وعنى بالحديث وتفقه وأفتى وبرع في العربية وتصدى للاشتغال والإفادة واشتهر اسمه مع الديانة والورع والزهد والاقتناع باليسير ثم بعد موت القاضي تقي الدين سليمان ورد تقليده للقضاء في صفر سنة ست عشرة موضعه فتوقف في القبول ثم استخار الله تعالى وقبل بعد أن شرط أن لا يلبس خلعة حرير ولا يركب في المواكب قال الذهبي في معجمه برع في المذهب والعربية واقرأ الناس مدة على ورع وعفاف ومحاسن جمة ثم ولي القضاء بعد تمنع فشكر وحمد ولم يغير زيه واجتهد في الخير وفي عمارة أوقاف الحنابلة وكان من قضاة العدل والحق لا يخاف في الله لومة لائم وهو الذي حكم على ابن تهيمية بمنعه من الفتيا بمسائل الطلاق وغيرها مما يخالف المذهب وقد حدث وسمع منه جماعة وخرج له المحدثون تخاريج عدة وحج ثلاث مرات ثم حج رابعة فتمرض في طريقه فورد المدينة المنورة يوم الإثنين ثالث عشرى ذي القعدة وهو ضعيف فصلى في المسجد وسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وكان بالأشواق إلى ذلك في مرضه ثم مات عشية ذلك اليوم وصلى عليه بالروضة الشريفة ودفن بالبقيع شرقي قبر عقيل رضي الله عنه وفيها كمال الدين محمد بن علي بن عبد القادر التميمي الهمذاني ثم المصري الشافعي حدث عن النجيب وجماعة وقرأ عليه ولده الإمام نور الدين صحيح البخاري وله عليه حواش بخطه المنسوب وكان إماما قاضيا توفي بمصر عن إحدى وسبعين سنة وفيها الصدر الكبير قطب الدين موسى ابن الشيخ الفقيه أبي عبد الله محمد بن أبي الحسين عبد الله اليونيني الحنبلي المؤرخ ولد بدمشق سنة أربعين وستمائة وسمع من أبيه ومن ابن عبد الدايم وعبد العزيز شيخ شيوخ حماة وبمصر من الرشيد العطار وإسمعيل بن صارم وجماعة وأجاز له ابن رواج

والبشيري قال الذهبي كان عالما فاضلا مليح المحاضرة كريم النفس معظما جليلا حدثنا بدمشق وبعلبك وجمع تاريخا حسنا ذيل به على مرآة الزمان واختصر المرآة قال وانتفعت بتاريخه ونقلت منه فوائد جمة وقد حسنت في آخر عمره حالته وأكثر من العزلة والعبادة وكان مقتصدا في لباسه وزيه صدوقا في نفسه مليح الشيبة كثير الهيبة وافر الحرمة توفي ببعلبك عن ست وثمانين سنة ودفن عند أخيه بباب سطحا
وفيها جمال الدين يوسف بن عبد المحمود بن عبد السلام البغدادي المقري الفقيه الحنبلي الأديب النحوي المتفنن قرأ بالروايات وسمع الحديث من محمد بن حلاوة وعلي بن حصين وعبد الرزاق الفوطي وغيرهم وقرأ بنفسه على ابن الطبال وأخذ عن ابن القواس شارح الفية ابن معطي الأدب والعربية والمنطق وغير ذلك وتفقه بالشيخ تقي الدين الزيزراني وكان معيدا عنده بالمستنصرية قال الطوفي استفدت منه كثيرا وكان نحوى العراق ومقريه عالما بالأدب له حظ من الفقه والأصول والفرائض والمنطق وقال ابن رجب نالته في آخر عمره محنة واعتقل بسبب موافقته الشيخ تقي الدين بن تيمية في مسئلة الزيارة وكتابته عليها مع جماعة من علماء بغداد وتخرج به جماعة وتوفي في حادي عشر شوال ودفن بمقبرة الإمام أحمد وفيها كبير السادة الأشراف ناصر الدين يونس بن أحمد الحسيني الدمشقي عن إحدى وثمانين سنة وكان رئيسا وسيما حدث عن خطيب مردا وذكر للنقابة وفيها هلك قتلا بالسيف ناصر بن أبي الفضل ضربت عنقه لثبوت زندقته على قاضي القضاة شرف الدين بن مسلم الحنبلي ونقل الثبوت إلى قاضي القضاة شرف الدين المالكي فأنفذه وحكم بإراقة دمه وعدم قبول توبته وأن أسلم مع العلم بالخلاف وطلع معه عالم عظيم فصلى ركعتين وضربت عنقه وكان في ابتداء أمره من أحسن الناس صورة حسن الصوت وعاشر الكبار وانتفع بهم وكان كثير المزح والمجون ولما كبر اجتمع بمحلولي العقيدة متل ابن المعمار والباجر بقي والنجم بن خلكان وغيرهم فانحلت عقيدته وتزندق من غير علم فشهد عليه فهرب إلى بلاد الروم ثم قدم حلب واجتمع بالشيخ كمال الدين

ابن الزملكاني فأكرمه واستتابه ثم ظهر منه زندقة عظيمة فسيره إلى دمشق فضربت عنقه وهو من أبناء الستين وفرح الناس بذلك ثم ضربت عنق توما الراهب الذي أسلم من ثلاث سنين وارتد سرا ثم أفشى ذلك عند المالكي فقتل وأحرق ولم يتكهل وهو بعلبكي وفيها هلك المعمر فضل الله بن أبي الفخر بن السقاعي النصراني الكاتب ببستانه بارزة ودفن في مقابر النصارى وكان خبيرا في صناعته باشر ديوان المرتجع ثم نقل إلى ديوان البرنم ثم انقطع عن ذلك كله وكانت عنده فضيلة في دينه جمع الأناجيل الأربعة إنجيل متى ومرقص ولوقا ويوحنا وجعلها إنجيلا واحدا في كتاب بألسنة مختلفة عبراني وسرياني وقبطي ورومي وذكر في كل فصل ما قاله الآخر وذكر اختلاف الحواريين وبين عباراتهم وكان يقول أنه يحفظ التوراة والإنجيل والمزامير وكان المكين بن العميد النصراني قد عمل تاريخا من أول العالم إلى سنة ثمان وخمسين وستمائة فكتبه ابن السقاعي بخطه وذيل عليه إلى سنة عشرين وسبعمائة واختصر تاريخ ابن خلكان وذيل عليه وعمل وفيات المطربين وغير ذلك وقارب مائة سنة

سنة سبع وعشرين وسبعمائة

فيها توفي الشيخ نجم الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن مكي بن يس القرشي المخزومي القمولي بالفتح والضم نسبة إلى قمولة بلد بصعيد مصر المصري الشافعي قال الأسنوي تسربل بسربال الورع والتقى وتعلق بأسباب الرقى فارتقى وغاص مع الأولياء فركب في فلكهم وأكرمهم حتى انتظم في سلكهم كان إماما في الفقه عارفا بالأصول والعربية صالحا سليم الصدر كثير الذكر والتلاوة متواضعا متوددا كريما كبير المروءة شرح الوسيط شرحا مطولا أقرب تناولا من شرح ابن الرفعة وإن كان كثير الاستمداد منه وأكثر فروعا منه أيضا بل لا أعلم كتابا في

المذهب أكثر مسائل منه سماه البحر المحيط في شرح الوسيط ثم لخص أحكامه خاصة كتلخيص الروضة من الرافعي سماه جواهر البحر وشرح مقدمة ابن الحاجب في النحو شرحا مطولا وشرح الأسماء الحسنى في مجلد وكمل تفسير ابن الخطيب وتولى تدريس الفخرية بالقاهرة ونيابة الحكم توفي في رجب ودفن بالقرافة
وفيها الرئيس العابد الأمين ضياء الدين إسمعيل بن عمر بن الحموي الدمشقي الكاتب سمع من خطيب القرافة وشيخ الشيوخ وكان ذا حظ من صيام وقيام وإطعام وإيثار تام بصيرا بالحساب شارف الجامع مدة والخزانة وتوفي بدمشق في صفر عن اثنتين وتسعين سنة وفيها الملك أبو يحيى زكريا بن أحمد بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن محمد الهنتاني المغربي ويعرف باللحياني وقد وزر أبوه لابن عمه المستنصر بتونس مدة اشتغل زكريا في الفقه والنحو فبرع في ذلك وتملك يونس وحج سنة تسع وسبعمائة ورجع فبايعوه في سنة إحدى عشرة ولقبوه بالقايم بأمر الله فاستمر سبع سنين ثم تحول إلى طرابلس المغرب وأخذت منه تونس فتوجه إلى الأسكندرية في سنة إحدى وعشرين فسكنها وكان قد أسقط ذكر المهدي المعصوم أعتى ابن تومرت من الخطب وتوفي بالثغر عن بضع وثمانين سنة
وفيها المفتي الزاهد القدوة شرف الدين عبد الله بن عبد الحليم بن عبد السلام بن أبي القسم بن الخضر بن محمد بن تيمية الحراني ثم الدمشقي الحنبلي الفقيه الإمام المتقن أبو محمد أخو الشيخ تقي الدين ولد في حادي عشر محرم سنة ست وستين وستمائة بحران وقدم مع أهله إلى دمشق رضيعا فحضر بها على ابن أبي اليسر وغيره ثم سمع ابن علان وابن الصيرفي وخلقا وسمع المسند والصحيحين وكتب السنن وتفقه في المذهب حتى أفتى وبرع أيضا في الفرائض والحساب وعلم الهيئة وفي الأصلين والعربية وله مشاركة قوية في الحديث ودرس بالحنبلية مدة وكان صاحب صدق وإخلاص قانعا باليسير شريف النفس شجاعا مقداما مجاهدا زاهدا عابدا ورعا يخرج من بيته ليلا ويأوي إليه نهارا ولا يجلس في مكان معين بحيث يقصد فيه لكنه يأوي المساجد المهجورة خارج البلد

فيختلي فيها للصلاة والذكر وكان كثير العبادة والتأله والمراقبة والخوف من الله تعالى ذا كرامات وكشوف كثير الصدقات والإيثار بالذهب والفضة في حضره وسفره مع فقره وقلة ذات يده وكان رفيقه في المحمل في الحج يفتش رحله فلا يجد فيه شيئا ثم يراه يتصدق بذهب كثير جدا وهذا أمر مشهور معروف عنه وحج مرات متعددة وكان له يد طولى في معرفة تراجم السلف ووفياتهم في التواريخ المتقدمة والمتأخرة وجلس مع أخيه مدة في الديار المصرية وقد استدعى غير مرة وحده للمناظرة فناظر وأفحم الخصوم وسئل عنه الشيخ كمال الدين بن الزملكاني فقال هو بارع في فنون عديدة من الفقه والنحو والأصول ملازم لأنواع الخير وتعليم العلم حسن العبارة قوي في دينه مليح البحث صحيح الذهن قوي الفهم رحمه الله قاله ابن رجب وذكره الذهبي في المعجم وغيره وأثنى عليه كثيرا توفي رحمه الله تعالى يوم الأربعاء رابع عشر جمادى الأولى بدمشق وصلى عليه الظهر بالجامع وحمل إلى القلعة فصلى عليه أخواه تقي الدين وعبد الرحمن وغيرهما صلى عليه أخواه في السجن لأن التكبير عليه كان يبلغهم وكان وقتا مشهودا ثم صلى عليه مرة ثالثة ورابعة وحمل على الرؤوس والأصابع فدفن في مقابر الصوفية
وفيها الشيخ عز الدين عبد العزيز بن أحمد بن عثمان بن عيسى بن عمر بن الخضر الكردي الشافعي ويعرف بابن خطيب الأشمونين قال ابن شهبة سمع من عبد الصمد بن عساكر بمكة وسمع بدمشق وغيرها من جماعة وتفقه وتفنن وفاق الأقران وكان قد عين لقضاء دمشق بعد موت ابن صصرى فلم يتفق ودرس وأفتى وصنف على حديث الأعرابي الذي جامع في رمضان كتابا نفيسا مشتملا على ألف فائدة وفائدة وولي قضاء قوص وقضاء المحلة ثم قدم القاهرة فمات بها في رمضان انتهى وقال السبكي له تصانيف كثيرة حسنة وأدب وشعر وفيها المعمر شمس الدين محمد بن أحمد بن منعة بن مطرف القنوي ثم الصالحي سمع من عبد الحق حضورا ومن ابن قميرة والمرسي واليلداني وأجاز له الضياء الحافظ وابن يعيش

النحوي وروى جملة وتفرد وتوفي في المحرم عن اثنتين وتسعين سنة
وفيها النور علي بن عمر بن أبي بكر الداني الصوفي سمع من ابن رواح والسبط والمرسي وتفرد بعوالي وكان دينا خيرا أضر ثم أبصر وتوفي بمصر في المحرم عن اثنتين وتسعين سنة وفيها قاضي القضاة صدر الدين علي بن الإمام صفي الدين أبي القسم بن محمد بن عثمان بن محمد البصراوي الحنفي ولد في رجب سنة اثنين وأربعين وستمائة بقلعة بصرى وكان من أكابر علماء الحنفية اشتغل على قاضي القضاة شمس الدين بن عطاء ودرس في المقدمية والخاتونية البرانية والنورية وولي القضاء وكان متحريا في أحكامه متعه الله بسمعه وبصره وجميع حواسه إلى أن توفي ببستانه بأرض سطرا وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن علي بن القسم بن أبي العز بن الوراق الموصلي المقري الفقيه الحنبلي المحدث النحوي ويعرف بابن الخروف ولد في حدود الأربعين وستمائة بالموصل وقرأ بها القراءات على عبد الله بن إبراهيم الجزري الزاهد وقصد الإمام أبا عبد الله شعلة ليقرأ عليه فوجده مريضا مرض الموت ثم رحل ابن خروف إلى بغداد بعد الستين وقرأ بها القراءات بكتب كثيرة في السبع والعشر على الشيخ عبد الصمد بن أبي الجيش ولازمه مدة طويلة وقرأ القراءات أيضا على أبي الحسن بن الوجوهي وسمع الحديث منهما ومن ابن وضاح وذكر الذهبي أنه حفظ الخرقي وعنى بالحديث وقرأ في التفسير على الكواشي المفسر بالموصل وقرأ بها أيضا على الغرنوي معالم التنزيل للبغوي وتصدى للأقراء والاشتغال ببلده مدة وقرأ عليه جماعة وقدم الشام سنة سبع عشرة فسمع منه الذهبي والبرزالي وذكره في معجمه وأثنى عليه وسمع منه أيضا أبو حيان وعبد الكريم الحلبي وذكره في معجمه ورجع إلى بلده الموصل فتوفي بها في ثامن جمادى الأولى ودفن بمقبرة المعافى بن عمران رضي الله عنه وفيها الشيخ كمال الدين أبو المعالي محمد بن علي بن عبد الواحد بن عبد الكريم بن خلف بن نبهان الأنصاري الشافعي بن خطيب زملكا ويعرف بابن الزملكاني ولد في شوال سنة سبع وقيل

ست وستين وستمائة وسمع من جماعة وطلب الحديث بنفسه وكتب الطباق بخطه وقرأ الفقه على الشيخ تاج الدين الفزاري والأصول على بهاء الدين بن الزكي والصفي الهندي والنحو على بدر الدين بن مالك وجود الكتابة على نجم الدين ابن البصيص وكتب الإنشاء مدة وولي نظر الخزانة مدة ووكالة بيت المال ونظر المارستان ودرس بالعادلية الصغرى وتربة أم الصالح ثم بالشامية البرانية والظاهرية الجوانية والعدراوية والرواحية والمسرورية وجلس بالجامع للأشغال وله تسع عشرة سنة أرخ ذلك شيخه الشيخ تاج الدين ثم ولي قضاء حلب سنة أربع وعشرين بغير رضاه ودرس بها بالسلطانية والسيفية والعصرونية والأسدية ثم طلب إلى مصر ليشافهه السلطان بقضاء الشام فركب البريد فمات قبل وصوله إلى مصر ومن مصنفاته الرد على ابن تيمية في مسئلة الزيارة والرد عليه في مسألة الطلاق قال ابن كثير في مجلد قال وعلق قطعة كبيرة من شرح المنهاج للنووي وله كتاب في فضل الملك على البشر قال الذهبي في معجمه المختص شيخنا عالم العصر طلب بنفسه وقرأ على الشيوخ ونظر في الرجال والعلل وكان عذب القراءة سريعا وكان من بقايا المجتهدين ومن أذكياء زمانه ودرس وأفتى وصنف وتخرج به الأصحاب وقال ابن كثير انتهت إليه رياسة المذهب تدريسا وإفتاء ومناظرة برع وساد أقرانه وحاز قصب السبق عليهم بذهنه الوقاد وتحصيله الذي أسهره ومنعه الرقاد وعبارته التي هي أشهى من السهاد وخطه الذي هو أنضر من أزاهير المهاد إلى أن قال أما دروسه في المحافل فلم أسمع أحدا من الناس يدرس أحسن منه ولا أجل من عبارته وحسن تقريره وجودة احترازاته وصحة ذهنه وقوة قريحته وحسن نظره توفي في رمضان ببلبيس وحمل إلى القاهرة ودفن جوار قبة الشافعي رضي الله عنه
وفيها فخر الدين محمد بن محمد بن محمد المعروف بابن الصقلي ضبطه بعضهم بفتح الصاد والقاف وبعضهم بفتح الصاد وكسر القاف نسبة إلى جزيرة صقلية في بحر الروم الشافعي تفقه في القاهرة على الشيخ قطب الدين السنباطي

وناب في القضاء بظاهر القاهرة وصنف التنجيز في الفقه وهو التعجيز إلا أنه يزيد فيه التصحيح على طريقة النووي ويشير إلى تصحيح الرافعي بالرموز وزاد فيه بعض قيود قال السبكي كان فقيها فاضلا دينا ورعا توفي بالقاهرة في ذي القعدة
وفيها القاضي الأديب شمس الدين محمد بن الشهاب محمود كاتب السر توفي في شوال عن ثمان وخمسين سنة

سنة ثمان وعشرين وسبعمائة

فيها نقض رخام الحائط القبلي من ناحية جامع دمشق الغربية فوجد الحائط منحدبا فنقض كأنه تغير من زلزلة فأخرب إلى الأرض مساحة خمسين ذراعا فبنى وأحدث فيه محراب للحنفية وجدد ترخيم حيطان الجامع سوى المقصورة وأركان القبة وفيها توفي الإمام القدوة عز الدين إبراهيم بن أحمد بن عبد المحسن الحسيني العراقي الشافعي من ولد موسى الكاظم سمع من والده وحليمة بنت ولد جمال الإسلام والبادراي وجماعة وأجاز له ابن يعيش وابن رواج ونسخ بالأجرة وتفرد مع التقوى والعلم والورع توفي بالثغر في المحرم عن تسعين سنة
وفيها شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن تيمية الحراني الحنبلي بل المجتهد المطلق ولد بحران يوم الإثنين عاشر ربيع الأول سنة إحدى وستين وستمائة وقدم به والده وباخويه عند استيلاء التتار على البلاد إلى دمشق سنة سبع وستين فسمع الشيخ بها ابن عبد الدابم وابن أبي اليسر والمجد بن عساكر ويحيى بن الصيرفي والقسم الأربلي والشيخ شمس الدين ابن أبي عمر وغيرهم وعنى بالحديث وسمع المسند مرات والكتب الستة ومعجم الطبراني الكبير وما لا يحصى من الكتب والأجزاء وقرأ بنفسه وكتب بخطه جملة من الأجزاء وأقبل على العلوم في صغره فأخذ الفقه والأصول عن والده وعن الشيخ شمس الدين بن أبي عمر والشيخ زين الدين بن المنجا وبرع في ذلك وناظر وقرأ العربية

على ابن عبد القوي ثم أخذ كتاب سيبويه فتأمله وفهمه وأقبل على تفسير القرآن الكريم فبرز فيه واحكم أصول الفقه والفرائض والحساب والجبر والمقابلة وغير ذلك من العلوم ونظر في الكلام والفلسفة وبرز في ذلك على أهله ورد على رؤسائهم وأكابرهم ومهر في هذه الفضائل وتأهل للفتوى والتدريس وله دون العشرين سنة وأفتى من قبل العشرين أيضا وأمده الله بكثرة الكتب وسرعة الحفظ وقوة الإدراك والفهم وبطء النسيان حتى قال غير واحد أنه لم يكن يحفظ شيئا فينساه ثم توفي والده وله إحدى وعشرون سنة فقام بوظائفه بعده مدة فدرس بدار الحديث التنكزية المجاورة لحمام نور الدين الشهيد في البزورية في أول سنة ثلاث وثمانين وحضر عنده قاضي القضاة بهاء الدين بن الزكي والشيخ تاج الدين الفزاري وابن المرحل وابن المنجا وجماعة فذكر درسا عظيما في البسملة بحيث بهر الحاضرين وأثنوا عليه جميعا قال الذهبي وكان الشيخ تاج الدين الفزاري يبالغ في تعظيم الشيخ تقي الدين بحيث أنه علق بخطه درسه بالتنكزية ثم جلس عقب ذلك مكان والده بالجامع على منبر أيام الجمع لتفسير القرآن العظيم وشرع من أول القرآن فكان يورد في المجلس من حفظه نحو كراسين أو أكثر وبقي يفسر في سورة نوح عدة سنين أيام الجمع وقال الذهبي في معجم شيوخه شيخنا وشيخ الإسلام وفريد العصر علما ومعرفة وشجاعة وذكاء وتنويرا إلهيا وكرما ونصحا للأمة وأمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر سمع الحديث وأكثر بنفسه من طلبه وكتب وخرج ونظر في الرجال والطبقات وحصل ما لم يحصله غيره وبرع في تفسير القرآن وغاص في دقيق معانيه بطبع سيال وخاطر وقاد إلى مواضع الأشكال ميال واستنبط منه أشياء لم يسبق إليها وبرع في الحديث وحفظه فقل من يحفظ ما يحفظ من الحديث معزوا إلى أصوله وصحابته مع شدة استحضار له وقت إقامة الدليل وفاق الناس في معرفة الفقه واختلاف المذاهب وفتاوى الصحابة والتابعين بحيث أنه إذا أفتى لم يلتزم بمذهب بل بما يقوم دليله عنده وأتقن العربية أصولا وفروعا

وتعليلا واختلافا ونظر في العقليات وعرف أقوال المتكلمين ورد عليهم ونبه على خطأهم وحذر ونصر السنة بأوضح حجج وأبهر براهين وأوذى في ذات الله من المخالفين وأخيف في نصر السنة المحضة حتى أعلى الله مناره وجمع قلوب أهل التقوى على محبته والدعاء له وكبت أعداءه وهدى به رجالا كثيرة من أهل الملل والنحل وجبل قلوب الملوك والأمراء على الانقياد له غالبا وعلى طاعته وأحيا به الشام بل الإسلام بعد أن كاد ينثلم خصوصا في كائنة التتار وهو أكبر من أن ينبه على سيرته مثلى فلو حلفت بين الركن والمقام لحلفت أني ما رأيت بعيني مثله وأنه ما رأى مثل نفسه انتهى كلام الذهبي وكتب الشيخ كمال الدين بن الزملكاني تحت اسم ابن تيمية كان إذا سئل عن فن من العلم ظن الرائي والسامع أنه لا يعرف غير ذلك الفن وحكم أن أحدا لا يعرفه مثله وكان الفقهاء من سائر الطوائف إذا حالسوه استفادوا في مذاهبهم منه أشياء ولا يعرف أنه ناظر أحدا فانقطع معه ولا تكلم في علم من العلوم سواء كان من علوم الشرع أو غيرها إلا فاق فيه أهله واجتمعت فيه شروط الاجتهاد على وجهها وكتب الحافظ ابن سيد الناس في جواب سؤالات الدمياطي في حق ابن تيمية الفيته ممن أدرك من العلوم حظا وكان يستوعب السنن والآثار حفظا أن تكلم في التفسير فهو حامل رايته وإن أفتى في الفقه فهو مدرك غايته أو دان بالحديث فهو صاحب علمه وذو روايته أو حاضر بالحنل والملل لم ير أوسع من نحلته ولا أرفع من درايته برز في كل فن على أبناءه جنسه ولم تر عين من رآه مثله ولا رأت عينه مثل نفسه وقال الذهبي في تاريخه الكبير بعد ترجمة طويلة بحيث يصدق عليه أن يقال كل حديث لا يعرفه ابن تيمية فليس بحديث وترجمة ابن الزملكاني أيضا ترجمة طويلة وأثنى عليه ثناء عظيما وكتب تحت ذلك
( ماذا يقول الواصفون له ** وصفاته جلت عن الحصر )
( هو حجة لله باهرة ** هو بيننا أعجوبة الدهر )


( هو آية للخلق ظاهرة ** أنوارها أربت على الفجر )
وللشيخ أثير الدين أبي حيان النحوي لما دخل الشيخ مصر واجتمع به فأنشد أبو حيان
( لما رأينا تقي الدين لاح لنا ** داع إلى الله فردا ما له وزر )
( على محياه من سيما الأولى صحبوا ** خير البرية نور دونه القمر )
( حبر تسربل منه دهره حبرا ** بحر تقاذف من أمواجه الدرر )
( قام ابن تيمية في نصر شرعتنا ** مقام سيد تيم إذ عصت مضر )
( فأظهر الدين إذ آثاره درست ** وأخمد الشرك إذ طارت له شرر )
( يا من تحدث عن علم الكتاب أصخ ** هذا الإمام الذي قد كان ينتظر )
يشير بهذا إلى أنه المجدد وممن صرح بذلك الشيخ عماد الدين الواسطي وقد توفي قبل الشيخ وقال في حق الشيخ بعد ثناء طويل جميل ما لفظه فوالله ثم والله ثم والله لم ير تحت أديم السماء مثل شيخكم ابن تيمية علما وعملا وحالا وخلقا واتباعا وكرما وحلما وقياما في حق الله عند انتهاك حرماته أصدق الناس عقدا وأصحهم علما وعزما وأنفذهم وأعلاهم في انتصار الحق وقيامه همة وأسخاهم كفا وأكملهم اتباعا لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم ما رأينا في عصرنا هذا من تستجلي النبوة المحمدية وسننها من أقواله وأفعاله إلا هذا الرجل يشهد القلب الصحيح إن هذا هو الاتباع حقيقة وقال الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد وقد سئل عن ابن تيمية بعد اجتماعه به كيف رأيته فقال رأيت رجلا سائر العلوم بين عينيه يأخذ ما شاء منها ويترك ما شاء فقيل له فلم لا تتناظرا قال لأنه يحب الكلام وأحب السكوت وقال برهان الدين بن مفلح في طبقاته كتب العلامة تقي الدين السبكي إلى الحافظ الذهبي في أمر الشيخ تقي الدين بن تيمية فالمملوك يتحقق قدره وزخاره بحره وتوسعته في العلوم الشرعية والعقلية وفرط ذكائه واجتهاده وأنه بلغ من ذلك كل المبلغ الذي يتجاوزه الوصف والمملوك يقول ذلك دائما وقدره في نفسي أكبر من ذلك وأجل مع ما جمعه الله له من الزهادة والورع والديانة ونصرة الحق والقيام فيه لا لغرض سواه وجريه

على سنن السلف وأخذه من ذلك بالمأخذ الأوفى وغرابة مثله في هذا الزمان بل في أزمان انتهى وقال العلامة الحافظ ابن ناصر الدين في شرح بديعته بعد ثناء جميل وكلام طويل حدث عنه خلق منهم الذهبي والبرزالي وأبو الفتح بن سيد الناس وحدثنا عنه جماعة من شيوخنا الأكياس وقال الذهبي في عد مصنفاته المجودة وما أبعد أن تصانيفه إلى الآن تبلغ خمسماية مجلدة وأثنى عليه الذهبي وخلق بثناء حميد منهم الشيخ عماد الدين الواسطي العارف والعلامة تاج الدين عبد الرحمن الفزاري وابن الزملكاني وأبو الفتح وابن دقيق العيد وحسبه من الثناء الجميل قول أستاذ أئمة الجرح والتعديل أبي الحجاج المزي الحافظ الجليل قال عنه ما رأيت مثله ولا رأى هو مثل نفسه وما رأيت أحدا أعلم بكتاب الله وسنة رسوله ولا اتبع لهما منه وترجمه بالاجتهاد وبلوغ درجته والتمكن في أنواع العلوم والفنون ابن الزملكاني والذهبي والبرزالي ابن عبد الهادي وآخرون ولا يخلف بعده من يقاربه في العلم والفضل انتهى كلام ابن ناصر الدين ملخصا وكان الشيخ العارف بالله أبو عبد الله ابن قوام يقول ما أسلمت معارفنا إلا على يد ابن تيمية وقال ابن رجب كانت العلماء والصلحاء والجند والأمراء والتجار وسائر العامة تحبه لأنه منتصب لنفعهم ليلا ونهارا بلسانه وعلمه ثم قال ابن رجب وغيره ذكر نبذة من مفرداته وغرائبه اختار ارتفاع الحدث بالمياه المعتصرة كماء الورد ونحوه والقول بأن المائع لا ينجس بوقوع النجاسة فيه إلا أن يتغير قليلا كان أو كثيرا والقول بجواز المسح على النعلين والقدمين وكلما يحتاج في نزعه من الرجل إلى المعالجة باليد أو بالرجل الأخرى فإنه يجوز المسح عليه مع القدمين واختار أن المسح على الخفين لا يتوقت مع الحاجة كالمسافر على البريد ونحوه وفعل ذلك في ذهابه إلى الديار المصرية على خيل البريد ويتوقت مع إمكان النزع وتيسره واختار جواز المسح على اللفايف ونحوها واختار جواز التيمم بخشية فوات الوقت في حق غير المعذور كمن أخر الصلاة عمدا حتى تضايق وقتها وكذا من خشي فوات الجمعة والعيدين وهو محدث

واختار أن المرأة إذا لم يمكنها الاغتسال في البيت وشق عليها النزول إلى الحمام وتكرره أنها تتيمم وتصلي واختار أن لا حد لأقل الحيض ولا لأكثره ولا لأقل الطهر بين الحيضتين ولا لسن الإياس وأن ذلك يرجع إلى ما تعرفه كل امرأة من نفسها واختار أن تارك الصلاة عمدا لا يجب عليه القضاء ولا يشرع له بل يكثر من النوافل وأن القصر يجوز في قصير السفر وطويله كما هو مذهب الظاهرية واختار القول بأن البكر لا تستبرأ وإن كانت كبيرة كما هو قول ابن عمر واختاره البخاري صاحب الصحيح والقول بأن سجود التلاوة لا يشترط له وضوء كما هو مذهب ابن عمر واختيار البخاري والقول بأن من أكل في شهر رمضان معتقدا أنه ليل وكان نهارا لا قضاء عليه كما هو الصحيح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وإليه ذهب بعض التابعين وبعض الفقهاء بعدهم والقول بجواز المسابقة بلا محلل وإن أخرج المتسابقان والقول باستبراء المختلعة بحيضة وكذلك الموطوءة بشبهة والمطلقة آخر ثلاث تطليقات والقول بإباحة وطء الوثنيات بملك اليمين وجواز طواف الحائض ولا شيء عليها إذا لم يمكنها أن تطوف طاهرا والقول بجواز بيع الأصل بالعصير كالزيتون بالزيت والسمسم بالسيرج والقول بجواز بيع ما يتخذ من الفضة للتحلي وغيره كالخاتم ونحوه بالفضة متفاضلا وجعل الزايد من الثمن في مقابلة الصنعة والقول ومن أقواله المعروفة المشهورة التي جرى بسبب الافتاء بها محن وقلاقل قوله بالتكفير في الحلف بالطلاق وأن الطلاق الثلاث لا يقع إلا واحدة وأن الطلاق المحرم لا يقع وله في ذلك مؤلفات كثيرة لا تنحصر ولا تنضبط وقال ابن رجب مكث الشيخ معتقلا في القلعة من شعبان سنة ست وعشرين إلى ذي القعدة سنة ثمان وعشرين ثم مرض بضعة وعشرين يوما ولم يعلم أكثر الناس بمرضه ولم يفجأهم إلا موته وكانت وفاته في سحر ليلة الإثنين عشرى ذي القعدة ذكره مؤذن القلعة على منارة الجامع وتكلم به الحرس على الأبرجة فتسامع الناس بذلك وبعضهم علم به في منامه واجتمع الناس حول القلعة حتى أهل

الغوطة والمرج ولم يطبخ أهل الأسواق ولا فتحوا كثيرا من الدكاكين وفتح باب القلعة واجتمع عند الشيخ خلق كثير من أصحابه يبكون ويثنون وأخبرهم أخوه زين الدين عبد الرحمن أنه ختم هو والشيخ منذ دخلا القلعة ثمانين ختمة وشرعا في الحادية والثمانين وانتهيا إلى قوله تعالى { إن المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر } فشرع حينئذ الشيخان الصالحان عبد الله بن المحب الصالحي والزرعي الضرير وكان الشيخ يحب قراءتهما فابتدآ من سورة الرحمن حتى ختما القرآن وخرج من عند من كان حاضرا إلا من يغسله ويساعد على تغسيله وكانوا جماعة من أكابر الصالحين وأهل العلم كالمزي وغيره وما فرغ من تغسليه حتى امتلأت القلعة وما حولها بالرجال فصلى عليه بدركاة القلعة الزاهد القدوة محمد بن تمام وضج الناس حينئذ بالبكاء والثناء والدعاء بالترحم وأخرج الشيخ إلى جامع دمشق وصلوا عليه الظهر وكان يوما مشهوا لم يعهد بدمشق مثله وصرخ صارخ هكذا تكون جنايز أئمة السنة فبكى الناس بكاء كثيرا وأخرج من باب البريد واشتد الزحام وألقى الناس على نعشه مناديلهم وصار النعش على الرؤس يتقدم تارة ويتأخر أخرى وخرجت جنازته من باب الفرج وازدحم الناس على أبواب المدينة جميعا للخروج وعظم الأمر بسوق الخيل وتقدم في الصلاة عليه هناك أخوه عبد الرحمن ودفن وقت العصر أو قبلها بيسير إلى جانب أخيه شرف الدين عبد الله بمقابر الصوفية وحزر من حضر جنازته بمائتي ألف ومن النساء بخمسة عشر ألفا وختمت له ختمات كثيرة رحمه الله ورضي عنه وفيها شهاب الدين أبو العباس أحمد بن يحيى بن محمد بن بدر الجزري ثم الصالحي المقرىء الفقيه الحنبلي ولد في حدود السبعين وستمائة وقرأ بالروايات على الشيخ جمال الدين البدري وسمع من جماعة من أصحاب ابن طبرزد والكندي ولزم المجد التونسي وأخذ عنه علم القراءات حتى مهر فيها وأقبل على الفقه وصحب القاضي ابن مسلم مدة وانتفع به وكان من خيار الناس دينا وعقلا وحياء ومروءة وتعففا أقرأ القراءات وحدث وتوفي سنة ثمان وعشرين وسبعمائة قاله ابن رجب


وفيها أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الولي بن جبارة المقدسي المقرىء الفقه الحنبلي الأصولي النحوي شهاب الدين بن الشيخ تقي الدين ولد سنة سبع أو ثمان وأربعين وستمائة وسمع من خطيب مرادا وابن حصورا وابن عبد الدايم وارتحل إلى مصر بعد الثمانين فقرأ بها القراءات على الشيخ حسن الراشدي وصحبه إلى أن مات وقرأ الأصول على شهاب الدين القرافي المالكي والعربية على بهاء الدين بن النحاس وبرع في ذلك وتفقه في المذهب وقدم دمشق ثم تحول إلى حلب وأقرأ بها ثم استوطن بيت المقدس وتصدر لأقراء القراءات والعربية وصنف شرحا كبيرا للشاطبية وشرحا آخر للرائية في الرسم وشرحا لالفية ابن معطى وصنف تفسيرا وأشياء في القراءات ذكره الذهبي في معجم شيوخه فقال كان إماما مقرئا بارعا فقيها نحويا نشأ إلى اليوم في صلاح ودين وزهد سمعت منه مجلس البطاقة وانتهت إليه مشيخة بيت المقدس وذكر البرزالي أنه حج وجاور بمكة وأنه يعد في العلماء الصالحين الأخيار وقال قرأت عليه بدمشق والقدس عدة أجزاء وتوفي بالقدس سحر يوم الأحد رابع رجب وذكر الدبيثي أنه مات فجأة وفيها الشيخ جمال الدين عبد الله بن محمد بن علي ابن العاقولي الواسطي الشافعي مدرس المستنصرية قال ابن قاضي شهبة في طبقاته مولده في رجب سنة ثمان وثلاثين وستمائة وسمع الحديث من جماعة واشتغل وبرع وقال ابن كثير درس بالمستنصرية مدة طويلة نحو أربعين سنة وباشر نظر الأقاف وعين لقضاء القضاة في وقت وأفتى من سنة سبع وخمسين وإلى أن مات وذلك إحدى وسبعون سنة وهذا شيء غريب جدا وكان قوي النفس له وجاهة في الدولة كم كشفت به كربة عن الناس بسعيه وقصده وقال السبكي ولي قضاء القضاة بالعراق وقال الكتبي انتهت إليه رياسة الشافعية ببغداد ولم يكن يومئذ من يماثله ولا يضاهيه في علومه وعلو مرتبته وعين لقضاء القضاة فلم يقبل توفي في شوال ببغداد وله تسعون سنة وثلاثة أشهر ودفن بداره وكان وقفها على شيخ وعشرة صبيان يقرؤن القرآن ووقف عليها أملاكه كلها وفيها الفقيه المعمر جمال

الدين عبد الرحمن بن أحمد بن عمر بن شكر المقدسي الحنبلي ولد في رمضان سنة تسع وثلاثين وستمائة وسمع من النور البلخي والمرسي ومحمد بن عبد الهادي وطائفة توفي بالصالحية في ذي القعدة وفيها عفيف الدين أبو عبد الله محمد بن عبد المحسن بن أبي الحسن البغدادي ابن الخراط الحنبلي قال الذهبي الإمام الواعظ مسند العراق شيخ المستنصرية مولده في ربيع الأول سنة ثمان وثلاثين وستمائة سمع من عجيبة كثيرا وابن الخير وابن قميرة وأخيه وطائفة وتفرد ومات ببغداد في جمادى الأولى وفيها قاضي القضاة شمس الدين محمد بن عثمان بن أبي الحسن الدمشقي الحنفي بن الحريري ولد في صفر سنة ثلاث وخمسين وستمائة وحدث عن ابن الصيرفي والقطب بن عصرون وابن أبي اليسر وكان عادلا مهيبا صارما دينا رأسا في المذهب وتوفي بمصر في جمادى الآخرة

سنة تسع وعشرين وسبعمائة

فيها توفي العلامة شيخ الإسلام برهان الدين إبراهيم بن شيخ الشافعية تاج الدين عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع الفزاري المصري الأصل الشافعي بل شافعي الشام ولد في شهر ربيع الأول سنة ستين وستمائة وسمع الكثير من ابن عبد الدايم وابن أبي اليسر وعدة وله مشيخة خرجها العلائي وأخذ عن والده وبرع وأعاد في حلقته وأخذ النحو عن عمه شرف الدين ودرس بالبادرائية بعد وفاة أبيه وخلفه في أشغال الطلبة والافتاء ولازم الاشغال والتصنيف وحدث بالصحيح مرات وعرض عليه القضاء فامتنع وباشر الخطابة بعد موت عمه مدة يسيرة ثم تركها وصنف التعليقة على التنبيه في نحو عشر مجلدات وله تعليقة على مختصر ابن الحاجب في الأصول وله مصنفات أخر ذكره الذهبي في المعجم المختص وقال انتهت إليه معرفة المذهب ودقائقه ووجوهه مع علمه متون الأحكام وعلم الأصول والعربية وغير ذلك وسمع الكثير وكتب مسموعاته وكان يدري علوم الحديث مع الدين والورع وحسن السمت والتواضع توفي

بالبادرائية في جمادى الأولى ودفن بباب الصغير عند أبيه وعمه
وفيها مجد الدين أبو الفدا إسمعيل بن محمد بن إسمعيل بن الفراء الحراني ثم الدمشقي الفقيه الحنبلي شيخ المذهب ولد سنة خمس أو ست وأربعين وستمائة بحران وقدم دمشق مع أهله سنة إحدى وسبعين فسمع بها الكثير من ابن أبي عمر وابن الصيرفي والكمال عبد الرحيم وابن البخاري والأربلي وابن حامد الصابوني وغيرهم وطلب بنفسه وسمع المسند والكتب الكبار وتفقه بالشيخ شمس الدين ابن أبي عمر وغيره ولازمه حتى برع في الفقه وتصدى للأشغال والفتوى مدة طويلة وانتفع به خلق كثير مع الديانة والتقوى وضبط اللسان والورع في المنطق وغيره واطراح التكلف في الملبس وغيره قال الطوفي كان من أصلح خلق الله وأدينهم كأن على رأسه الطير وكان عالما بالفقه والحديث وأصول الفقه والفرائض والجبر والمقابلة وقال الذهبي كان شيخ الحنابلة وقال غيره يقال أنه أقرأ المقنع مائة مرة وكان عديم التكلف يحمل حاجته بنفسه وليس له كلام في غير العلم ولا يخالط أحدا وأوقاته محفوظة وقال هو ما وقع في قلبي الترفع على أحد من الناس فانى أخبر بنفسي ولست أعرف أحوال الناس وقال ابن رجب كان سريع الدمعة سمعت بعض شيوخنا يذكر عنه أنه كان لا يذكر النبي صلى الله عليه وسلم في دروسه إلا ودموعه جارية ولا سيما أن ذكر شيئا من الرقائق أو أحاديث الوعيد ونحو ذلك وقد قرأ عليه عامة أكابر شيوخنا ومن قبلهم حتى الشيخ تقي الدين الذريراتي شيخ العراق وحدث وسمع منه جماعة منهم الذهبي وغيره وتوفي ليلة الأحد تاسع جمادى الأولى بالمدرسة الجوزية ودفن بمقابر الباب الصغير وفيها الصاحب الأمجد رئيس الشام عز الدين حمزة بن المؤيد بن القلانسي الدمشقي كان محتشما معظما متنعما عمل الوزارة وغيرها وروى عن البرهان وابن عبد الدايم وتوفي في ذي الحجة عن ثمانين سنة وأشهر قاله في العبر وفيها الإمام تقي الدين أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن إسمعيل بن أبي البركات بن مكي بن أحمد الذريراتي ثم البغدادي الحنبلي

فقيه العراق ومفتي الآفاق ولد في جمادى الآخرة سنة ثمان وستين وستمائة وحفظ القرآن وله سبع سنين وسمع الحديث من إسمعيل بن الطبال وخلائق وتفقه ببغداد على جماعة منهم الشيخ مفيد الدين الحربي وغيره ثم ارتحل إلى دمشق فقرأ بها المذهب على الشيخ زين الدين بن المنجا والشيخ مجد الدين الحراني ثم عاد إلى بلده وبرع في الفقه وأصوله ومعرفة المذهب والخلاف والفرائض ومتعلقاتها وكان عارفا بأصول الدين وبالحديث وبأسماء الرجال والتواريخ وباللغة والعربية وغير ذلك وانتهت إليه معرفة الفقه بالعراق وكان يحفظ الهداية والخرفي وذكر أنه طالع المغنى للشيخ موفق الدين ثلاثا وعشرين مرة وكان يستحضر أكثره وعلق عليه حواشي وفوايد قال ابن رجب انتهت إليه رياسة العلم ببغداد من غير مدافع وأقر له الموافق والمخالف وكان الفقهاء من ساير الطوائف يجتمعون به ويستفيدون منه في مذاهبهم ويتأدبون معه ويرجعون إلى قوله ويردهم عن فتاويهم فيذعنون له ويرجعون إلى ما يقوله حتى ابن المطهر شيخ الشيعة كان الشيخ يبين له خطأه في نقله لمذهب الشيعة فيذعن له ويوم وفاته قال الشيخ شهاب الدين عبد الرحمن بن عسكر شيخ المالكية لم يبق ببغداد من يراجع في علوم الدين مثله وقرأ عليه جماعة من الفقهاء وتخرج به أئمة وأجاز لجماعة وولي القضاء توفي ببغداد ليلة الجمعة ثاني عشرى جمادى الأولى ودفن بمقابر الإمام أحمد قريبا من القاضي أبي يعلى رحمهم الله تعالى وفي حدودها نجم الدين أبو الفضل إسحق بن أبي بكر بن المنى بن أطر التركي ثم المصري الفقيه الحنبلي المحدث الأديب الشاعر ولد سنة سبعين وسبعمائة وسمع بمصر من الأبرقوهي ورحل وسمع بالأسكندرية من القرافي وبدمشق من أبي الفوارس وإسمعيل بن الفراء وبحلب من سنقر الزيني وتفقه وقال الشعر الحسن وسمع منه الحافظ الذهبي بحلب ثم دخل العراق بعد السبعمائة وتنقل في البلاد وسكن أذربيجان ولم تكن سيرته هناك مشكورة وبقي إلى حدود هذه السنة ولم تتحقق سنة وفاته وليس له في الزهد والعلم مشبه سوى الحسن البصري وابن المسيب قاله ابن رجب وفيها قاضي القضاة علاء

الدين علي بن إسمعيل بن يوسف القونوي الشافعي قاضي القضاة وشيخ الشيوخ فريد العصر ولد بمدينة قونوة سنة ثمان وستين وستمائة واشتغل هناك وقدم دمشق في أول سنة ثلاث وتسعين فازداد بها اشتغالا وسمع الحديث من جماعة وتصدر للأشغال بالجامع ودرس بالأقبالية ثم تحول سنة سبعمائة إلى مصر وسمع بها من جماعة ولازم ابن دقيق العيد وأثنى عليه ثناء بالغا مع شدة احترازه في الألفاظ وتولى بالقاهرة تدريس الشريفية ومشيخة الميعاد بالجامع الطولوني وولي مشيخة الشيوخ في سنة عشر وسبعمائة وانتصب للأشغال وازدحم عليه الناس إلى أن تخرج به خلق كثير وصنف شرحه المشهور على الحاوي وصنف مصنفا في حياة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام في قبورهم ذكره الذهبي في المعجم المختص فقال قدم علينا دمشق في أوائل سنة ثلاث وتسعين فحضر المدارس وبهرت فضائله ودرس وأفتي وأعادوا وأفاد وبرع في عدة علوم وتخرج به أئمة مع الوقار والورع وحسن السمت ولطف المحاورة وجميل الأخلاق قل أن ترى العيون مثله وذكر له تلميذه الشيخ جمال الدين الأسنوي ترجمة حسنة وقال كان أجمع من رأيناه للعلوم مع الاتساع فيها خصوصا العلوم العقلية واللغوية لا يشار بها إلا إليه ولا يحال فيها إلا عليه وولي القضاء بدمشق ومشيخة الشيوخ وباشر على النمط الذي كان عليه بالديار المصرية مع الحرمة والنزاهة والأشغال والتحديث إلى أن توفي بدمشق في ذي القعدة ودفن بجبل قاسيون وفيها الصد رنجم الدين علي بن محمد بن هلال الأزدي حدث عن ابن البرهان والقاضي صد رالدين بن سنى الدولة والزين خالد والكرماني وطلب وحصل الأصول وولي نظر الأيتام وكان تام الشكل حسن البزة ذا كرم وتحمل ومات بدمشق في ربيع الآخر عن ثمانين سنة وفيها القاضي نجم الدين أبو عبد الله محمد بن عقيل بن أبي الحسن بن عقيل البالسي ثم المصري الشافعي شارح التنبيه ولد سنة ستين وستمائة وسمع بدمشق من جماعة واشتغل وفضل ثم دخل القاهرة وسمع من ابن دقيق العيد ولازمه وناب في الحكم بمصر ودرس

بالمعزية والطييرسية وكان قوي النفس كثير الإيثار مع التقلل وانتفع به طلبة مصر ودارت عليه الفتيا بها قال الذهبي كان إماما زاهدا وقال السبكي في الطبقات الكبرى شارح التنبيه واختصر كتاب الترمذي في الحديث وكان أحد أعيان الشافعية دينا وورعا وقال الأسنوي كان له في التقوى سابقة قدم وفي الورع رسوخ قدم وفي العلم آثار هي أوضح للسارين من نار على علم كان فقيها محدثا ورعا قواما في الحق توفي في المحرم بالقاهرة ودفن بالقرافة الصغرى
وفيها بدر الدين أبو اليسر محمد بن محمد بن عبد القادر بن عبد الخالق بن خليل بن مقلد بن جابر الأنصاري الدمشقي الإمام الزاهد بن قاضي القضاة عز الدين المعروف بابن الصايغ الشافعي مولده في المحرم سنة ست وسبعين وستمائة وقرأ التنبيه ولازم الشيخ برهان الدين الفزاري زمانا وسمع الكثير وحدث وسمع منه البرزالي وخرج له أجزاء من حديثه وحدث به ودرس بالعمادية والدماغية وجاءه التقليد بقضاء القضاة في سنة سبع وعشرين فامتنع وأصر على الامتناع فأعفى ثم ولي خطابة القدس ثم تركها قال الذهبي الإمام القدوة العابد كان مقتصدا في أموره كثير المحاسن حج غير مرة وقال ابن رافع كان على طريقة حميدة وعنده عبادة واجتماع وملازمة للصلحاء والأخيار وإعراض عن المناصب وكان معظما مبجلا وقورا توفي بدمشق في جمادى الأول ودفن بتربتهم بسفح قاسيون
وفيها العلامة ناظر الجيش معين الدين هبة الله بن مسعود بن حشيش روى عن ابن البخاري وغيره وله نظم ونثر وقوة أدوات توفي بمصر عن ثلاث وستين سنة وفيها المسند المعمر فتح الدين يونس بن إبرهيم بن عبد القوي الكناني العسقلاني ثم المصري الدبابيسي كان آخر من روى عن ابن المقير بالسماع وبالإجازة وعن المخيل وحمزة بن أوس وظافر بن شحم وعدة وتفرد وروى الكثير وكان عاقلا منورا توفي بمصر في جمادى الأولى وقد جاوز التسعين بيسير

سنة ثلاثين وسبعمائة

فيها توفي مسند الدنيا شهاب الدين أحمد بن أبي طالب بن نعمة بن حسن الصالحي الحجار بن الشحنة من قرية من قرى وادي بردا بدمشق انفرد بالرواية عن الحسين الزبيدي وبين سماعه للصحيح وموته مائة سنة وسافر إلى القاهرة مرتين مطلوبا مكرما ليحدث بها قال البرزالي مولده سنة ثلاث وعشرين وستمائة وعمر مائة عام وسبعة أعوام وانفرد بالدنيا بالإسناد عن الزبيدي وكان أميا يوم لا يسمع عليه يخرج إلى الجبل مع الحجارين يقطع الحجارة وألحق أولاد الأولاد بالأجداد وكان ربما خرج الطلبة إليه وهو يقطع الحجارة ليسمعهم فيقول اقرءوا على الفروة وكان إذا قلب عليه سند حديث يقول لم أسمعه هكذا وإنما سمعته كذا وكذا طبق ما في الصحيح وقال الذهبي حدث يوم موته وسمع من الزبيدي وابن اللتي وأجاز له ابن روزبة وابن القطيعي وعدة ونزل الناس بموته درجة ومات بصالحية دمشق في الخامس والعشرين من صفر ودفن بالتربة المحوط عليها بمحلة تعرف بالسكة بالقرب من زاوية الدومى جوار جامع الأفرم وفيها سيف الدين بهادر آص المنصوري كان من أمراء الألوف بدمشق وقبته خارج باب الجابية ودفن بها وقد نيف على السبعين وفيها المعمر زين الدين أيوب بن نعمة النابلسي ثم الدمشقي الكحال حدث عن المرسي والرشيد العراقي وعبد الله بن الخشوعي وجماعة وتفرد وحدث بمصر ودمشق ومات في ذي الحجة عن أزيد من تسعين سنة وفيها فخر الدين أبو عمرو عثمان بن علي بن عثمان بن إبرهيم بن إسمعيل بن يوسف بن يعقوب الطائي الحلبي الشافعي المعروف بابن خطيب جبرين مولده بالقاهرة في ربيع الأول سنة اثنتين وستين وستمائة تفقه على ابن بهرام قاضي حلب وغيرها قرأ عليه التعجيز بقراءته له على مصنفة وقرأ على القاضي شرف الدين البارزي وغيرهما ودرس وأفتى وأشغل الناس بالعلم بحلب

وانتفع به وشرح مختصر ابن الحاجب والحاوي الصغير ولم يكمله والتعجيز والشامل الصغير للقزويني والبديع لابن الساعاتي وله منسك ومصنفات أخر وولي وكالة بيت المال بحلب وقضاء القضاة بها بعد شمس الدين بن النقيب ووقع بينه وبين نايب حلب فكاتب فيه فطلب إلى مصر بسبب حكومة فأدركه أجله هناك وقال الكتبي تخرج به الفقهاء والقراء واشتهر اسمه وتوفي بالقاهرة في المحرم ودفن بمقبرة الصوفية وجبرين بالجيم والباء والراء المكسورة قرية من قرى حلب والصحيح في وفاته أنه في سنة تسع وثلاثين وسبعمائة كما جزم به الأسنوي وابن قاضي شهبة وغيرهما وفيها قاضي القضاة فخر الدين أبو عمرو عثمان بن محمد بن عبد الرحيم بن إبراهيم بن هبة الله بن المسلم الجهني الحموي المعروف بابن البارزي الشافعي قاضي حلب ولد بحماة سنة ثمان وستين وستمائة وناب عن عمه القاضي شرف الدين بحماة وتولى قضاء حمص مدة ثم عاد إلى حماة وولي خطابة الجامع بها ثم ولي قضاء حلب قال الذهبي حدث بمسند الشافعي عن ابن النصيبي وحفظ كتبا وأفتى وذكره ابن حبيب وأثنى عليه وقال كان عارفا بمشكلات الحاوي وله عليه شرح يفيد السامع والراوي توفي بحلب فجأة في صفر ودفن خارج باب المقام وفيها المحدث الزاهد فخر الدين عثمان قال الذهبي ابن شيخنا الحافظ أحمد بن الظاهري حضر ابن علاق والنجيب وكان مكثرا ارتحل به أبوه ونسخ هو بخطه وحدث وتوفي بمصر في رجب عن ستين سنة سوى أشهر وفيها قاضي مكة ومفتيها نجم الدين محمد بن محمد بن الشيخ محب الدين الطبري الشافعي ولد سنة ثمان وخمسين وستمائة وسمع من جده الشيخ محب الدين ومن عم جده يعقوب بن أبي بكر الطبري والفاروثي وغيرهم قال الأسنوي والسبكي كان فقيها شاعرا وقال الكتبي كان شيخا فاضلا فقيها مشهورا يقصد بالفتاوى من بلاد

الحجاز واليمن وكان له النظم الفائق والنثر الرائق ولم يخلف في الحرمين مثله توفي بمكة في جمادى الآخرة ودفن بقبة باب المعلى

سنة إحدى وثلاثين وسبعمائة

وفيها وصل إلى حلب نهر الساجور بعد غرامة كثيرة وحفر طويل وفرحوا به وفيها توفي مسند حلب وخاتمة أصحاب ابن خليل عز الدين إبراهيم بن صالح بن العجمي سمع بدمشق من خطيب مردا وتوفي في حلب بعد أيام خلت من رجب وهو في سن التسعين وفيها أقضى القضاة جمال الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن محمد بن نصر الله بن المظفر بن أسعد بن حمزة بن أسد بن علي بن محمد بن القلانسي الشافعي الصد رالكبير الرئيس الإمام العالم ولد سنة تسع وستين وستمائة وحفظ التنبيه ثم المحرر للرافعي واشتغل على الشيخ تاج الدين الفزاري وقرأ النحو على شرف الدين الفزاري والأدب على الرشيد الفارقي وولي قضاء العسكر ووكالة بيت المال وتدريس الأمينية والظاهرية والعصرونية قال ابن كثير تقدم بطلب العلم والرياسة وباشر جهات كبار ودرس في أماكن وتفرد في وقته بالرياسة في البيت والمناصب الدينية والدنيوية وكان فيه تواضع وحسن سمت وتودد وإحسان وبر بأهل العلم والصلحاء وهو ممن أذن له في الفتيا وكتب إنشاء ذلك وأنا حاضر على البديهة فأجاد وأفاد وأحسن التعبير وعظم في عيني وسمع الحديث من جماعة وخرج له فخر الدين البعلبكي مشيخة سمعناها عليه توفي في ذي القعدة ودفن بتربتهم بالسفح وفيها نايب السلطنة أرغون الدويدار الذي باشر النيابة مدة ثم أخر وكان مليح الخط نسخ صحيح البخاري وقرأ في مذهب أبي حنيفة وحصل كتبا نفيسة ومات بحلب في ربيع الأول كهلا وفي حدودها جمال الدين عبد الحميد بن عبد الرحمن بن عبد الحميد الجيلوني الشيرازي الشافعي صاحب البحر الصغير والعجالة قال الأسنوي كان فقيها كبيرا ذا حظ من كثير

من العلوم ورعا زاهدا بحث الحاوي الصغير بقزوين على ابن المصنف في أربعين يوما ثم عاد إلى بلده وصنف كتابه المسمى بالبحر وهو مختصر أوضح من الحاوي متضمن لزيادات توفي بجبل من نواحي شيراز سنة نيف وثلاثين وسبعمائة انتهى
وفيها ضياء الدين أبو الحسن علي بن سليم بن ربيعة العالم القاضي الشافعي الأنصاري الأذرعي أخذ عن الشيخ محي الدين النووي قال الذهبي أخذ عن الشيخ تاج الدين وغيره وتنقل لقضاء النواحي نحوا من ستين سنة وكان منطبعا بساما عاقلا وقال ابن كثير تنقل في ولايات الأقضية بمدائن كثيرة مدة ستين سنة وحكم بطرابلس ونابلس وحمص وعجلون وزرع وغيرها وحكم بدمشق نيابة عن القونوي نحوا من شهر وكان عنده فضيلة وله نظم كثير نظم التنبيه في ستة عشر ألف بيت وتصحيحه في ألف وثلثمائة بيت وله غير ذلك توفي بالرملة في ربيع الأول
وفيها قاضي الحنابلة عز الدين محمد بن قاضي القضاة سليمان بن حمزة بن أحمد بن عمر بن أبي عمر المقدسي ثم الصالحي الحنبلي ولد في عشرى ربيع الآخر سنة خمس وستين وستمائة وسمع وناب عن والده في الحكم وروى عن الشيخ وعن أبي بكر الهروي وبالإجازة عن ابن عبد الدايم قال الذهبي كان متوسطا في العلم والحكم متواضعا وقال غيره ولي القضاء مستقلا بعد موت ابن المسلم وكان ذا فضل وعقل وحسن خلق وتودد وتهجد وقضاء حوائج للناس وتلاوة وحج ثلاث مرات وتوفي في تاسع صفر ودفن بتربة جده الشيخ أبي عمر
فيها السلطان أبو سعيد عثمان بن السلطان يعقوب بن عبد الحق المريني كانت دولته اثنتين وعشرين سنة توفي بالمغرب في ذي القعدة وقد قارب التسعين وتملك بعده ابنه السلطان الإمام الفقيه أبو الحسن وفيها تاج الدين عمر بن علي بن سالم بن صدقة اللخمي الأسكندري الفاكهي العلامة النحوي قال في الدرر ابن الفاكهاني سمع على ابن طرخان والمكين الأسمر وتفقه لمالك وأخذ عن ابن المنير

وغيره ومهر في العربية والفنون وصنف شرح العمدة وغيرها ومن تصانيفه الإشارة في النحو والمورد في المولد وغيرهما وحج من طريق دمشق سنة ثلاثين وسبعمائة ورجع فمات في بلده سنة إحدى وثلاثين وقال الشمني له شرح مقدمة في النحو وسمع من التقى بن دقيق العيد والبدر بن جماعة وأجاز لعبد الوهاب الهروي انتهى
وفيها فاطمة بنت الشيخ الحافظ علم الدين البرزالي بدمشق حفظت القرآن وسمعت الحديث من جماعة وكتبت ربعة شريفة وصحيح البخاري وعدة أجزاء وأحكام مجد الدين بن تيمية وفيها كمالية بنت أحمد بن عبد القادر بن رافع الدمراوي وتسمى ست الناس روت بالإجازة عن عبد الله بن برطلة الأندلسي ومحمد بن الجراح والشرف المرسي وماتت في الثغر في شعبان وفيها نجم الدين هاشم بن عبد الله البعلي الشافعي قرأ الأصول والفقه ومن نظمه
( ولقد سمعت بسكر من وصلكم ** فعساكم أن تجعلوه مكررا )
( وأظنه حلوا لذيذا طعمه ** إذ كنت أسمع بالوصال ولا أرى )
وفيها العدل بدر الدين يوسف بن عمر الختني سمع من ابن رواج حضورا وصالح المدلجي والبكري والرشيد والمرسي وابن اللمط الذي سمع من أبي جعفر الصيدلاني وتفرد بأشياء وتوفي بمصر في صفر عن أربع وثمانين سنة

سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة

فيهاجاء بحمص سيل فغرق خلق منهم في حمام النايب بظاهرها نحو المائتين من نساء وأولاد وفيها توفي العلامة رضي الدين المنطيقي إبراهيم بن سليمان الرومي الحنفي مدرس القيمازية حج سبع مرات كان مفتيا له علم وفضل وتلامذة وتوفي بدمشق عن ست وثمانين سنة وفيها برهان الدين أبو إسحق

الكناس مجلدات كثيرة ولي ملكة حماة في سنة عشرين إلى أن توفي وكان الملك الناصر يكرمه ويحترمه ويعظمه وله شعر حسن وكان جوادا ممدحا امتدحه غير واحد وقال ابن كثير وله مصنفات عديدة وكان يحب العلماء ويقصدونه لفنون كثيرة وكان من فضلاء بني أيوب الاعيان منهم وذكر له الاسنوي في طبقاته ترجمة عظيمة وقال كان جامعا لأشتات العلوم أعجوبة من أعاجيب الدنيا ماهرا في الفقه والتفسير والاصلين والنحو وعلم الميقات والفلسفة والمنطق والطب والعروض والتاريخ وغير ذلك من العلوم شاعرا ماهرا كريما إلى الغاية صنف في كل علم تصنيفا أو تصانيف توفى في المحرم فجأة عن ستين سنة إلا ثلاثة أشهر وأياما
وفيها سراج الدين أبو عبد الله الحسين بن يوسف بن محمد بن أبي السرى الدجيلي بضم المهملة وفتح الجيم وسكون التحتية نسبة إلى دجيل نهر كبير بنواحي بغداد على قرى كثيرة ثم البغدادي الفقيه الحنبلي الحنبلي المقرىء الفرضى النحوى الاديب ولد سنة أربع وستين وستمائة وحفظ القرآن في صباه ويقال أنه تلقن سورة البقرة في مجلسين والحواميم في سبعة أيام وسمع الحديث ببغداد من اسمعيل بن الطبال ومفيد الدين الحربي الضرير وابن الدواليني وغيرهم وبدمشق من المزي والحافظ وغيره وله اجازة من الكمال البزار وجماعة من القدماء وحفظ كتبا في العلوم منها المقنع في الفقه والشاطبية والالفيتان ومقامات الحريري وعروض ابن الحاجب والدريدية ومقدمة في الحساب وقرأ الاصلين وعني بالعربية واللغة وعلوم الادب وتفقه على الزريراتي وكان في مبدأ أمره يسلك طريق الزهد والتقشف البليغ والعبادة الكثيرة ثم فتحت عليه الدنيا وكان له مع ذلك أوراد ونوافل وصنف كتاب الوجيز في الفقه وعرضه على شيخه الزريراني وصنف كتاب نزهة الناظر وكتاب تنبيه الغافلين وغير ذلك توفى ليلة السبت سادس ربيع الاول ودفن بالشهيد قرية من أعمال دجيل
وفيها وجيه بنت على بن يحيى ابن على بن سلطان الانصارية البوصيرية وتدعى زين الدور روت عن احمد بن

إبراهيم بن عمر بن إبراهيم بن خليل الشيخ العلامة المقرىء الشافعي الربعي الجعبري شيخ بلد الخليل ولد بجعبر في حدود سنة أربعين وستمائة وتلا بالسبع على أبي الحسن الوجوهي وبالعشر على المنتخب التكريتي وسمع ببغداد من جماعة وحفظ التعجيز وعرضه على مصنفه وأخذ عنه الفقه ثم قدم دمشق وسمع من جماعة وخرج له البرزالي مشيخة ثم دخل إلى بلد الخليل عليه السلام وأقام به مدة طويلة نحو أربعين سنة ورحل الناس إليه وروى عنه السبكي والذهبي وخلائق وصنف التصانيف الكثيرة منها شرح الشاطبية وشرح الرائية واختصر مختصر ابن الحاجب ومقدمته في النحو وحسبك قدرة على الاختصار من مختصر ابن الحاجب والحاجبية وكمل شرح التعجيز فإن مصنفه لم يكمله كما تقدم قال بعضهم وتصانيفه تقرب المائة وذكره الذهبي في المعجم المختص فقال العلامة ذو الفنون مقرىء الشام له التصانيف المتقنة في القراءات والحديث والأصول والعربية والتاريخ وغير ذلك وله مصنف مؤلف في علوم الحديث توفي في بلد الخليل في شهر رمضان وله اثنتان وتسعون سنة وفيها عماد الدين إبراهيم بن يحيى بن الكيال الدمشقي الحنفي قرأ على ابن عبد الدايم وابن أبي اليسر وأيوب الحمامي وعدة وكان محدثا إماما عالما فصيحا خدم في المواريث وحصل ثم ناب وحج وأم بالربوة وغيرها وتوفي في ربيع الآخر عن سبع وثمانين سنة وفيها أبو العباس احمد بن الفخر البعلبكي السكاكيني روى عن خطيب مردا وابن عبد الدايم وروى كثيرا وكان مقرئا صالحا تقيا توفي بدمشق في صفر عن أربع وثمانين سنة وفيها صاحب حماة الملك المؤيد عماد الدين إسمعيل بن الأفضل علي بن محمود بن عمر بن شاهنشاه بن أيوب بن شادي العالم العلامة المفنن الشافعي السلطان مولده في جمادى الأولى سنة اثنتين وسبعين وستمائة كما ذكره هو في تاريخه قال ابن قاضي شهبة اشتغل في العلوم وتفنن فيها وصنف التصانيف المشهورة منها التاريخ في ثلاث مجلدات والعروض والأطوال والكلام على البلدان في مجلد وله نظم الحاوي الصغير وكتاب

النحاس وبالإجازة عن يوسف الشاوي والأمير يعقوب الهدباني وتوفيت بالأسكندرية في رجب وفيها كبير الطب أمين الدين سليمان بن داود في عشر التسعين وكان فاضلا طبيبا درس بالدخوارية وفيها قاضي الحنابلة شرف الدين عبد الله بن حسن بن عبد الله بن عبد الغني بن عبد الواحد المقدسي الصالحي الحنبلي قرأ على ابن عبد الهادي واليلداني وخطيب مردا وإبراهيم ابن خليل وغيرهم وروى عنهم وأجاز له جماعة وطلب بنفسه وتفقه وأفتى وناب في الحكم عن أخيه ثم عن ابن مسلم مدة ولامهما ثم ولي القضاء في آخر عمره مستقلا فوق سنة ودرس بالصاحبية وولي مشيخة الحديث بالصادرية والعالمية وكان فقيها عالما صالحا خيرا منفردا بنفسه ذا فضيلة جيدة حسن القراءة حميد السيرة في القضاء وحدث وسمع منه الذهبي وخلق وتوفي فجأة وهو يتوضأ للمغرب آخر نهار الأربعاء مستهل جمادى الأولى ودفن بتربة الشيخ أبي عمر وكان قد حكم ذلك اليوم بالمدينة وتوجه آخر النهار إلى السفح وفيها أبو محمد وأبو الفرج عبد الرحمن بن أبي محمد بن محمد بن سلطان بن محمد بن علي القرامزي العابد الحنبلي ولد سنة أربع وأربعين وستمائة تقريبا وقرأ بالروايات وسمع ابن عبد الدايم وإسمعيل بن أبي اليسر وجماعة وتفقه في المذهب ثم تزهد وأقبل على العبادة والطاعة وملازمة الجامع وكثرة الصلوات واشتهر بذلك وصار له قبول وعظمة عند الأكابر وقد غمزه الذهبي بأنه نال بذلك سعادة دنيوية وتمتع بالدنيا وشهواتها التي لا تناسب الزاهدين قال وسمعت منه اقتضاء العلم للخطيب وكان قوي النفس لا يقوم لأحد وله محبون ومن حسناته أنه كان من اللاعنين للإتحادية انتهى توفي مستهل المحرم ببستانه بأرض جوبر ودفن بمقبرة باب الصغير
وفيها عز الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن إبرهيم بن عبد الله بن أبي عمر بن قدامة المقدسي الحنبلي الفرضي الزاهد القدوة ولد في تاسع عشر جمادى الأولى سنة ست وخمسين وستمائة وسمع من ابن عبد الدايم وغيره وحج صحبة الشيخ

شمس الدين بن أبي عمر وكمل عليه قراءة المقنع بالمدينة النبوية وحج بعد ذلك مرات وسمع منه الذهبي وذكره في معجمه فقال كان فقيها عالما متواضعا صالحا على طريقة سلفه وكان عارفا بمذهب أحمد له فهم ومعرفة تامة بالفرائض وفيه تودد وانطباع وعدم تكلف أخذ عنه الفرائض جماعة وانتفعوا به وتوفي في ثامن شهر رجب ودفن بتربة الشيخ أبي عمر وفيها فخر الدين أبو بكر عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن يوسف بن محمد بن نصر البعلي ثم الدمشقي الحنبلي الفقيه المحدث ولد يوم الخميس رابع عشرى ربيع آخر سنة خمس وثمانين وستمائة وسمع من ابن البخاري في الخامسة ومن الشيخ تقي الدين الواسطي وعمر بن القواص وعنى بالحديث وارتحل فيه مرات وكتب العالي والنازل وخرج لغير واحد من الشيوخ وأفاد وتفقه وأفتى في آخر عمره وولي مشيخة الصدرية والإعادة بالمسمارية وسمع منه الذهبي وجماعة وكان فقيها محدثا كثير الاشتغال بالعلم عفيفا دينا حج مرات وأقام بمكة أشهرا وكان مواظبا على قراءة جزئين من القرآن العظيم في الصلاة كل ليلة وله مؤلفات كثيرة منها كتا بالثمر الرائق المجتنى من الحدائق وانتفع بمجالسه الناس وتوفي يوم الخميس تاسع عشرى ذي القعدة ودفن بمقبرة الصوفية ولم يعقب رحمه الله تعالى وفيها شمس الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن مسعود بن أحمد بن مسعود بن زيد الحارثي ثم المصري الفقيه الحنبلي المناظر الأصولي ولد سنة إحدى وسبعين وستمائة وسمع بقراءة والده الكثير بالديار المصرية من العز الحراني وابن خطيب المزة وغازى الحلاوى وشامية بنت البكري وغيرهم وبدمشق من ابن البخاري وابن المجاور وجماعة وبالأسكندرية من العراقي وقدم دمشق بنفسه مرة ثانية فسمع من عمر بن القواس وغيره وعنى بالسماع والطلب وتفقه بالمذهب حتى برع وأفتى وناظر وأخذ الأصول عن ابن دقيق العيد والعربية عن ابن النحاس وناب عن والده وغيره في الحكم ودرس بالمنصورية وجامع طولون وغيرهما وتصدر للأشغال وكان شيخ المذهب

بالديار المصرية وله مشاركة في التفسير والحديث مع الديانة والورع والجلالة معد من العلماء العاملين وحدث وسمع منه جماعة وتوفي يوم الجمعة سادس عشرى ذي الحجة بالمدرسة الصالحية بالقاهرة ودفن إلى جانب والده بالقرافة
وفيها العلامة شهاب الدين عبد الرحمن بن محمد بن عسكر المالكي البغدادي مدرس المستنصرية وله ثمان وثمانون سنة وفيها الإمام تاج الدين أبو القسم عبد الغفار بن محمد بن عبد الكافي السعدي الشافعي سمع ابن أبي عصرون والنجيب وعدة وخرج التساعيات وأربعين مسلسلات وطلب وكتب الكثير وتميز وأتقن وولي مشيخة الصاحبة وأفتى ونسخ نحوا من خمسمائة مجلد وخرج لشيوخ ومات بمصر في ربيع الأول عن اثنتين وثمانين سنة
وفيها محي الدين أبو محمد عبد القادر بن محمد بن إبراهيم المقريزي البعلي الحنبلي المحدث الفقيه ولد في حدود سنة سبع وسبعين وستمائة وسمع بدمشق من عمر بن القواس وطائفة وبمصر من سبط زيادة وغيره وعنى بالحديث وقرأ وكتب بخطه كثيرا وخرج وتفقه قال الذهبي له مشاركة في علوم الإسلام ومشيخه الحديث بالبهائية وغير ذلك علقت عنه فوائد وسمع منه جماعة وتوفي ليلة الإثنين ثامن عشر ربيع الأول ودفن بمقبرة الصوفية بالقرب من قبر الشيخ تقي الدين رحمهما الله تعالى وفيها العدل نور الدين علي بن التاج إسمعيل بن قريش المخزومي سمع الزكي المنذري والرشيد وشيخ شيوخ حماة وابن عبد السلام وحضر عبد المحسن بن مرتفع في الرابعة وكان صالحا مكثرا توفي بمصر في رجب عن ثمانين سنة وفيها الشيخ بدر الدين محمد بن أسعد التستري بمثناتين فوقيتين بينهما سين مهملة نسبة إلى تستر مدينة بقرب شيراز الشافعي أخذ عنه الأسنوي وقال كان فقيها إمام زمانه في الأصلين والمنطق مطلعا على أسرارها ووضع على كثير منها تعاليق متضمنة لنكت غريبة وإن كانت عبارته

قلقة ركيكة منها شرح ابن الحاجب وشرح البيضاوي والطالع والطوالع والغاية القصوى وشرح أيضا كتاب ابن سينا أقام بقزوين يدرس نحو عشر سنين وقدم الديار المصرية في أوائل سنة سبع وعشرين وسبعمائة فأقام بها أشهرا قلائل ثم رجع إلى العراق وكان يصيف بهمذان ويشتي ببغداد لحرارتها وتوفي بهمذان في نيف وثلاثين وسبعمائة قال وكان مداوما على لعب الشطرنج رافضيا كثير الترك للصلاة ولهذا لم تكن عليه أنوار أهل العلم ولا حسن هيئتهم مع ثروة زائدة وحسن شكالة انتهى وفيها قاضي القضاة علم الدين محمد بن قاضي القضاة شمس الدين أبي بكر بن عيسى بن بدران بن رحمة السعدي الأخنائي المصري الشافعي ولد في رجب سنة أربع وستين وستمائة بالقاهرة وسمع الكثير وأخذ عن الدمياطي وغيره وولي قضاء الأسكندرية ثم الشام بعد وفاة القونوي قال الذهبي في معجمه من نبلاء العلماء وقضاة السداد وقد شرع في تفسير القرآن وجملة من صحيح البخاري وكان أحد الأذكياء وكان يبالغ في الاحتجاب عن الحاجات فتتعطل أمور كثيرة ودائرة علمه ضيقة لكنه وقور قليل الشر وقال في العبر كان دينا عادلا حدث بالكثير وقال ابن كثير كان عفيفا نزها ذكيا شاذ العبارة محبا للفضايل معظما لأهلها كثير الاستماع للحديث في العادلية الكبرى خيرا دينا توفي بدمشق في ذي القعدة ودفن بسفح قاسيون بتربة العادل كتبغا وفيها ناظر الجيش الصدر قطب الدين موسى بن أحمد بن شيخ السلامية كان من رجال الدهر وله فضل وخبرة وتوفي بدمشق في ذي الحجة ودفن بتربة مليحة أنشأها قاله في العبر
وفيها زاهد الأسكندرية الشيخ ياقوت الحبشي الشاذلي صاحب أبي العباس المرسي كان من مشاهير الزهاد وكان يقول أنا أعلم الخلق بلا إله إلا الله توفي بالأسكندرية عن ثمانين سنة

سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة

فيها توفي الفاضل أبو إسحق إبراهيم بن شمس الدين الفاشوشة الكتبي اشتغل بالعربية والأدب ومن شعره في المشمش
( قد أتى سيد الفواكه في ثوب ** نضار والشهد منه يفور )
( يشبه العاشق المتيم حالا ** اصفر اللون قلبه مكسور )
وفيها الرئيس المعمر تاج الدين أحمد بن المحدث إدريس بن محمد بن مزين الحموي ذكر لوزارة بلده وسمع من صفية حضورا وبدمشق من ابن علان واليلداني ومحمد بن عبد الهادي وعدة وأجاز له إبراهيم بن الخير وابن العليق وكان صدرا رئيسا محتشما توفي بحماة في رمضان عن تسعين سنة وشهرين وفيها الشيخ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن يحيى بن إسمعيل بن طاهر بن نصر بن جهبل الشافعي الحلبي الأصل الدمشقي المعروف بابن جهبل ولد سنة سبعين وستمائة وسمع من جماعة واشتغل بالعلم ولزم الشيخ صدر الدين بن المرحل وأخذ عن الشيخ شرف الدين المقدسي وغيره ودرس بصلاحية القدس الشريف مدة ثم تركها وتحول إلى دمشق فباشر مشيخة دار الحديث الظاهرية ثم ولي تدريس البادرائية بعد وفاة الشيخ برهان الدين وترك المشيخة المذكورة واستمر في تدريس البادرائية إلى أن مات قال ابن كثير ولم يأخذ معلوما من واحدة منهما قال وكان من أعيان الفقهاء وفضلائهم وقال السبكي درس وأفتى وأشغل مدة بالعلم بالقدس ودمشق وحدث وسمع منه الحافظ علم الدين البرزالي قال ووقفت له على تصنيف في نفي الجهة ردا على ابن تيمية لا بأس به وسرده بمجموعه في الطبقات الكبرى في نحو كراسين توفي بدمشق في جمادى الآخرة ودفن بمقابر الصوفية
وفيها الأمير الكبير بكتمر الساقي بدرب الحجاز بعيون القصب ثم حمل فدفن بالتربة التي أنشأها بالقرافة كان له عند السلطان مكانة عظيمة لا يفترقان أما

أن يكون عند السلطان أو السلطان عنده وكان فيه خير وسياسة وقضاء لحوائج الناس وكان في اصطبله مائة سطل لمائة سايس كل سايس على ستة رءوس من الخيل العتاق وبيع من خيله بما لا يحصى وقومت زرد خاناه على الأمير قوصون بستمائة ألف دينار وأخذ السلطان ثلاثة صناديق جوهو ليس لها قيمة وابيع له من كل نوع بما لا يحصر وفيها أسماء بنت محمد بن سالم بن الحافظ أبي المواهب بن صصرى أخت القاضي نجم الدين سمعت من مكي بن علان وتفردت وحجت مرارا وتوفيت بدمشق في ذي الحجة عن خمس وتسعين سنة وكانت مسندة ذات صدقات وفضل رحمها الله تعالى وفيها الإمام القدوة الولي الشيخ على ابن الحسن الواسطي الشافعي كان من أعبد البشر حج واعتمر أزيد من ألف مرة وتلا أزيد من أربعة آلاف ختمة وطاف مرات في الليل سبعين أسبوعا ومات ببدر محرما رحمه الله تعالى قاله في العبر
وفيها الإمام المحدث العدل شمس الدين محمد بن إبراهيم بن غنايم بن المهندس الصالحي الحنفي سمع من ابن أبي عمر وابن شيبان فمن بعدهما وكتب الكثير ورحل وخرج وتعب ونسخ تهذيب الكمال مرتين مع الدين والتواضع ومعرفة الشروط وتوفي في شوال عن ثمان وستين سنة وفيها قاضي القضاة شيخ الإسلام بدر الدين محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة بن حازم بن صخر بن عبد الله الكناني الحموي الشافعي ولد في ربيع الآخر سنة تسع وثلاثين وستمائة بحماة وسمع الكثير واشتغل وأفتى ودرس وأخذ أكثر علومه بالقاهرة عن القاضي تقي الدين بن رزين وقرأ النحو على الشيخ جمال الدين بن مالك وولي قضاء القدس سنة سبع وثمانين ثم نقل إلى قضاء الديار المصرية سنة تسعين وجمع له بين القضاء ومشيخة الشيوخ ثم نقل إلى دمشق وجمع له بين القضاء والخطابة ومشيخة الشيوخ ثم أعيد إلى قضاء الديار المصرية بعد وفاة ابن دقيق العيد ولما عاد الملك الناصر من الكرك عزله مدة سنة ثم أعيد وعمى في أثناء سنة سبع وعشرين فصرف عن القضاء واستمر معه تدريس

الزاوية بمصر وانقطع بمنزله بمصر قريبا من ست سنين يسمع عليه ويتبرك به إلى أن توفي قال الذهبي في معجم شيوخه قاضي القضاة شيخ الإسلام الخطيب المفسر له تعاليق في الفقه والحديث والأصول والتواريخ وغير ذلك وله مشاركة حسنة في علوم الإسلام مع دين وتعبد وتصون وأوصاف حميدة وأحكام محمودة وله النظم والنثر والخطب والتلامذة والجلالة الوافرة والعقل التام الرضى فالله تعالى يحسن له العاقبة وهو أشعري فاضل وقال السبكي في الطبقات الكبرى حاكم الإقليمين مصرا وشاما وناظم عقد الفخار الذي لا يسامى متحل بالعفاف إلا عن مقدار الكفاف محدث فقيه ذو عقل لا تقوم أساطين الحكماء بما جمع فيه ومن نظمه قوله
( لما تمكن في فؤادي حبه ** عاتبت قلبي في هواه ولمته )
( فرثى له طرفي وقال أنا الذي ** قد كنت في شرك الردى أوقعته )
( عاينت حسنا باهرا فاقتادني ** قسرا إليه عندما أبصرته )
توفي في جمادى الأولى ودفن قريبا من الإمام الشافعي رضي الله عنهما وله أربع وتسعون سنة وفيها تقي الدين أبو الثناء محمود بن علي بن محمود بن مقبل بن سليمان بن داود الدقوقي ثم البغدادي الحنبلي المحدث الحافظ ولد بكرة نهار الإثنين سادس عشرى جمادى الأولى سنة ثلاث وستين وستمائة وسمع الكثير بإفادة والده من عبد الصمد بن أبي الجيش وعلي بن وضاح وابن الساعي وعبد الله بن بلدجي وعبد الجبار بن عكبر وغيرهما وأجاز له جماعة كثيرة من أهل العراق والشام ثم طلب بنفسه وقرأ ما لا يوصف كثرة وكان يجتمع عنده في قراءة الحديث آلاف وانتهى إليه علم الحديث والوعظ ببغداد ولم يكن بها في وقته أحسن قراءة للحديث منه ولا معرفة بلغاته وضبطه وله اليد الطولى في النظم والنثر وإنشاء الخطب وكان لطيفا حلو النادرة مليح الفكاهة ذا حرمة وجلالة وهيبة ومنزلة عند الأكابر وجمع عدة أربعينيات في معان مختلفة وله كتاب مطالع الأنوار في الأخبار والآثار الخالية عن السند والتكرار وكتاب الكواكب الدرية في المناقب العلوية وتخرج به جماعة

في علم الحديث وانتفعوا به وسمع منه خلق وحدث عنه طائفة وتوفي يوم الإثنين بعد العصر عشرين الحرم ببغداد رحمه الله

سنة أربع وثلاثين وسبعمائة

فيها جاء بطيبة سيل عظيم أخذ الجمال وعشرين فرسا وخرب أماكن
وفيها توفي قاضي القضاة جمال الدين سليمان بن عمر بن سالم بن عمرو بن عثمان الزرعي الشافعي قال السبكي سمع من عبد الدايم والجمال بن الصيرفي وغيرهما وولي قضاء زرع مدة ثم تنقلت به الأحوال وهو قوي النفس لا يطلب رزقا عفيفا في أحكامه ثم ولي هو قضاء القضاة بالديار المصرية عن ابن جماعة ثم ولي قضاء الشام بعد ابن صصرى ثم عزل بعد عام وبقي شيخ الشيوخ ومدرس الأتابكية وتوفي بالقاهرة في صفر عن تسع وثمانين سنة وقال الذهبي كان مليح الشكل وافر الحرمة قليل العلم لكنه حكام وفيها زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن محمود بن عبيدان البعلي الفقيه الزاهد قال ابن رجب ولد سنة خمس وسبعين وستمائة وسمع الحديث وتفقه على الشيخ تقي الدين وغيره وبرع وأفتى وكان إماما عارفا بالفقه وغوامضه والأصول والحديث والعربية والتصوف زاهدا عابدا ورعا متألها ربانيا صحب الشيخ عماد الدين الواسطي وتخرج به في السلوك وتذكر له أحوال وكرامات ويقال أنه كان يطلع على ليلة القدر كل سنة وقد نالته محنة مرة بسبب حال حصل له وصنف كتابا في الأحكام على أبواب المقنع سماه المطلع وشرح قطعة من أول المقنع وجمع زوايد المحرر على المقنع وله كلام في التصوف وحدث بشيء من مصنفاته وتوفي في منتصف صفر ببعلبك ودفن بباب سطحا وفيها نجم الدين أبو عمر عبد الرحمن بن حسين بن يحيى بن عمر اللخمي المصري القبابي وقباب قرية من قرى الصعيد الحنبلي الفقيه الزاهد العابد القدوة قال ابن رجب كان رجلا صالحا زاهدا عابدا قدوة عارفا فقيها ذا فضل ومعرفة وله اشتغال بالمذهب أقام بحماة في زاوية يزار بها وكان معظما عند الخاص والعام وأئمة وقته يثنون عليه كالشيخ

تقي الدين بن تيمية وغيره وكان أمارا بالمعروف نهاء عن المنكر من العلماء الربانيين وبقايا السلف الصالحين وله كلام حسن يؤثر عنه توفي في آخر نهار الإثنين رابع عشر رجب بحماة وكانت جنازته مشهودة ودفن شمالي البلد وتوفي ولده الإمام سراج الدين عمر بالقدس وكان جامعا بين العلم والعمل واشتغل وانتفع بابن تيمية ولم أر على طريقته في الصلاح مثله رحمه الله تعالى انتهى كلام ابن رجب
وفيها عماد الدين أبو حفص عمر بن عبد الرحيم بن يحيى بن إبراهيم بن علي بن جعفر بن عبيد الله بن الحسن القرشي الزهري النابلسي الخطيب الشافعي الإمام قاضي نابلس تفقه بدمشق وأذن له بالفتوى وانتقل إلى نابلس وولي خطابة القدس مدة طويلة وقضاء نابلس معها ثم ولي قضاء القدس في آخر عمره قال ابن كثير له اشتغال وفضيلة وشرح مسلما في مجلدات وكان سريع الحفظ سريع الكتابة مات في المحرم ودفن بتربة ماملا وفيها كما قال في العبر الشيخ الضال محمد بن عبد الرحمن السيوفي صاحب ابن سبعبن هلك به جماعة انتهى
وفيها فتح الدين أبو الفتح محمد بن محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن يحيى بن سيد الناس الشافعي الإمام الحفاظ اليعمري الأندلس الأشبيلي المصري المعروف بابن سيد الناس قال ابن قاضي شهبة ولد في ذي القعدة وقيل في ذي الحجة سنة إحدى وسبعين وستمائة بالقاهرة وسمع الكثير من الجم الغفير وتفقه على مذهب الشافعي وأخذ علم الحديث عن والده وابن دقيق العيد ولازمه سنين كثيرة وتخرج عليه وقرأ عليه أصول الفقه وقرأ النحو على ابن النحاس وولي دار الحديث بجامع الصالح وخطب بجامع الخندق وصنف كتبا نفيسة منها السيرة الكبرى سماها عيون الأثر في مجلدين واختصره في كراريس وسماه نور العين وشرح قطعة من كتاب الترمذي إلى كتاب الصلاة في مجلدين وصنف في منع بيع أمهات الأولاد مجلدا ضخما يدل على علم كثير وذكره الذهبي في معجمه المختص وقال أحد أئمة هذا الشأن كتب بخطه المليح كثيرا وخرج وصنف وصحح وعلل وفرع وأصل وقال الشعر البديع

وكان حلو النادرة حسن المحاضرة جالسته وسمعت قراءته وأجاز لي مروياته عليه مآخذ في دينه وهديه فالله يصلحه وإيانا وقال ابن كثير اشتغل بالعلم فبرع وساد أقرانه في علوم شتى من الحديث والفقه والنحو وعلم السير والتاريخ وغير ذلك وقد جمع سيرة حسنة في مجلدين وقد حرر وحبر وأجاد وأفاد ولم يسلم من بعض الانتقاد وله الشعر والنثر الفايق وحسن التصنيف والترصيف والتعبير وجودة البديهة وحسن الطوية والعقيدة السلفية والاقتداء بالأحاديث النبوية وتذكر عنه شئون أخر الله يتولاه فيها ولم يكن بمصر في مجموعه مثله في حفظ الأسانيد والمتون والعلل والفقه والملح والأشعار والحكايات وقال صاحب البدر السافر وخالط أهل السفه وشراب المدام فوقع في الملام ورشق بسهام الكلام والناس معادن والقرين يكرم ويهين باعتبار المقارن قال ولم يخلف بعده في القاهرة ومصر من يقوم بفنونه مقامه ولا من يبلغ في ذلك مرامه أعقبه الله السلامة في دار الإقامة وقال ابن ناصر الدين كان إماما حافظا عجيبا مصنفا بارعا شاعرا أديبا دخل عليه واحد من الإخوان يوم السبت حادي عشر شعبان فقام لدخوله تم سقط من قامته فلقف ثلاث لقفات ومات من ساعته ودفن بالقرافة عند ابن أبي جمرة رحمهما الله تعالى

سنة خمس وثلاثين وسبعمائة

فيها وقع بحماة حريق كبير ذهبت به الأموال واحترق مايتا وخمسون دكانا قاله في العبر وفيها توفي بدمشق رئيس المؤذنين وأطيبهم صوتا برهان الدين إبراهيم بن محمد الخلاطي الشافعي الواني حدث عن الرضى بن البرهان وابن عبد الدايم وجماعة ومات في صفر عن أكثر من تسعين سنة
وفيها نصير الدين أحمد بن عبد السلام بن تميم بن أبي نصر بن عبد الباقي بن عكبر البغدادي المعمر الحنبلي سمع الكثير من عبد الصمد بن أبي الجيش وابن وضاح وهذه الطبقة وحدث وسمع منه خلق وتفقه وأعاد بالمدرسة البشيرية للحنابلة

وأضر في آخر عمره وانقطع في بيته وكان يذكر أنه من أولاد عكبر الذي تاب هو وأصحابه من قطع الطريق لرؤيته عصفورا ينقل رطبا من نخلة إلى أخرى حائل فصعد فنظر حية عمياء والعصفور يأتيها برزقها فتاب هو وأصحابه ذكره ابن الجوزي في صفوة الصفوة توفي صاحب الترجمة في جمادى الأولى ببغداد عن خمس وتسعين سنة وفيها الواعظ شمس الدين حسين بن راشد بن مبارك بن الأثير سمع الحافظ عبد العظيم وعبد المحسن بن عبد العزيز المخزومي والنجيب وكان حسن المذاكرة والعلم توفي بمصر عن أربع وثمانين سنة وفيها المعمرة زينب بنت الخطيب يحيى بن الشيخ عز الدين بن عبد السلام السلمية روت عن اليلداني وإبراهيم بن خليل وابن خطيب القرافة وغيرهم ولها إجازة من السبط وروت الكثير وتفردت وتوفيت في ذي القعدة عن سبع وثمانين سنة وفيها مسند الوقت بدر الدين عبد الله بن حسين بن أبي التائب الأنصاري الدمشقي الشاهد حدث عن ابن علان والعراقي والبلخي وعثمان بن خطيب القرافة وجماعة وسماعه صحيح لكنه لين تفرد بأشياء وتوفي في صفر عن قريب من تسعين سنة
وفيها أقضى القضاة زين الدين أبو محمد عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن تمام بن حامد بن يحيى بن عمر بن عثمان بن علي بن سوار بن سليم الأنصاري الخزرجي السبكي المصري والد الشيخ تقي الدين السبكي الشافعي سمع من جماعة وقرأ الفروع على الظهير والسديد والأصول على القرافي وتنقل في أعمال الديار المصرية وحدث بالقاهرة والمحلة وخرج له ولده تقي الدين مشيخة حدث بها قال حفيده القاضي تاج الدين كان من أعيان نواب القاضي تقي الدين بن دقيق العيد وكان رجلا صالحا كثير الذكاء وله نظم كثير غالبه زهد ومدح في النبي صلى الله عليه وسلم وتوفي في رجب وفيها الحافظ الكبير الإمام قطب الدين عبد الكريم بن عبد النور بن منير الحلبي تلا بالسبع على إسمعيل المليحي وسمع من ابن العماد وإبراهيم المنقري والعز والفخر علي وبنت مكي وابن الفرات

الأسكندراني وصنف وخرج وأفاد مع الصيانة والديانة والأمانة والتواضع والعلم ولزوم الاشتغال والتآليف حج مرات قال الذهبي حدثنا بمنى وعمل تاريخا كبيرا لمصر بيض بعضه وشرح السيرة لعبد الغني في مجلدين وعمل أربعين تساعيات وأربعين متباينات وأربعين بلدانيات وعمل معظم شرح البخاري في عدة مجلدات وكان حنفي المذهب يدرس بالجامع الحاكمي وتوفي بمصر في رجب عن إحدى وسبعين سنة وفيها العدل الأديب الفاضل أحمد بن عبد الكريم بن عبد الصمد أنوشروان التبريزي الحنفي عرف بكرشت كان يشهد قبالة المسمارية وعنده معرفة بالشروط وكتابة حسنة وله شعر كثير ومن قوله
( أترى تمثل طيفك الأحلام ** أم زورة الطيف الملم حرام )
( يا باخلا بالطيف في سنة الكرى ** ما وجه بخلك والملاح كرام )
( لو كنت تدري كيف بات متيم ** عبثت به في حبك الأسقام )
( لرحمت كل متيم من أجله ** وعلمت أهل العشق كيف يناموا )
( إن دام هجرك والتجني والقلا ** فعلى الحياة تحية وسلام )
( نار الغرام شديدة لكنها ** برد على أهل الهوى وسلام )
وفيها مفيد الجماعة أمين الدين محمد بن إبراهيم المذكور في أول هذه السنة روى المترجم عن الشرف بن عساكر وابن الحسن اللمتوني وابن مؤمن وعدة وارتحل مرات وحج وجاور وكتب وخرج وأفاد ومات بعد والده بشهر
وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمود بن قاسم بن البرزالي البغدادي الفقيه الحنبلي الأصولي الأديب النحوي قرأ الفقه على الشيخ تقي الدين الزريراتي وكان إماما متقنا بارعا في الفقه والأصلين والعربية والأدب والتفسير وغير ذلك وله نظم حسن وخط مليح درس بالمستنصرية بعد شيخه الزريراتي وكان من فضلاء أهل بغداد وكذلك كان والده أبو الفضل إماما عالما مفتيا صالحا توفي

أبو عبد الله ببغداد في هذه السنة وفيها مجود دمشق بهاء الدين محمود بن خطيب بعلبك محي الدين محمد بن عبد الرحيم المسلمي كتب صحيح البخاري وكان دينا صينا مليح الشكل متواضا عمر سبعا وأربعين سنة قاله في العبر
وفيها ملك العرب حسام الدين مهنا بن الملك عيسى بن مهنا الطائي بقرب سلمية في ذي القعدة عن نيف وثمانين سنة وأقاموا عليه المآتم ولبسوا السواد وكان فيه خير وتعبد قاله في العبر أيضا

سنة ست وثلاثين وسبعمائة

فيها توفي الشيخ الصالح أحمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم الهكاري الصرخدي حدث عن خطيب مردا وابن عبد الدايم وتوفي في ربيع الأول عن تسعين سنة
وفيها الرئيس الإمام شهاب الدين أحمد بن محمد بن إبراهيم المرادي المغربي العشاب وزير تونس حدث عن يوسف بن خميس وغيره وطلب الحديث وبرع في النحو وأقرأه ومات بالثغر في ربيع الأول عن سبع وثمانين سنة
وفيها ناظر الخزانة عز الدين أحمد بن الزين محمد بن أحمد العقيلي بن القلانسي المحتسب كان مليح الشكل متواضعا نزها دينا ورعا أخذت منه الحسبة عام أول واعتقل لامتناعه من شهادة وتوفي بدمشق عن ثلاث وستين سنة
وفيها كمال الدين أبو القسم أحمد بن محمد بن محمد بن هبة الله بن محمد بن هبة الله ابن الشيرازي الشافعي الصدر الكبير العالم مولده سنة سبعين وستمائة وسمع من جماعة وحفظ مختصر المزني وتفقه على الشيخين تاج الدين الفزاري وزين الدين الفارقي وقرأ الأصول على الشيخ صفي الدين الهندي ودرس في وقت بالبادرائية مدة يسيرة لما انتقل الشيخ برهان الدين إلى الخطابة ودرس بالشامية البرانية وبالناصرية الجوانية مدة سنين إلى حين وفاته قال الذهبي كان فيه معرفة وتواضع وصيانة وقال ابن كثير كان صدرا كبيرا ذكر لقضاء دمشق غير مرة وكان حسن المباشرة

والشكل توفي في صفر ودفن بتربتهم بسفح قاسيون وفيها والي دمشق شهاب الدين احمد بن سيف الدين أبي بكر بن برق الدمشقي كان جيد السياسة محببا إلى الناس ولي ثلاث عشرة سنة وحدث عن ابن علاق والمجد بن الخليلي وتوفي عن أربع وستين سنة ومات بعده بيومين وإلى البر فخر الدين عثمان بن محمد بن ملك الأمراء شمس الدين لولو عن أربع وستين سنة أيضا وكان أجود الرجلين قاله في العبر وفيها شيخ الشيعة الزين جعفر بن أبي الغيث البعلبكي الكاتب روى عن ابن علان وتفقه للشافعي وترفض ومات عن اثنتين وسبعين سنة وفيها الصاحب الأمجد قال الأذهبي عماد الدين إسمعيل بن محمد ابن شيخنا الصاحب فتح الدين بن القيسراني كان منشئا بليغا رئيسا دينا صينا نزها روى عن العز الحراني وغيره وهو والد كاتب السر القاضي شهاب الدين توفي بدمشق في ذي القعدة عن خمس وستين سنة وفيها القان أرياخان الذي تسلطن بعد أبي سعيد ضربت عنقه صبرا يوم الفطر وكانت دولته نصف سنة خرج عليه على باش والقان موسى فالتقوا فأسر المذكور ووزيره الذي سلطنه محمد بن الرشيد الهمداني وقتلا صبرا وكان المصاف في وسط رمضان فدقت لذلك البشاير بدمشق وجاء الرسول بنصرتهم قاله في العبر وفيها القان أبو سعيد بن خربندا ابن أرغون بن أبغا بن هلاكو المغلى كان يكتب الخط المنسوب ويجيد ضرب العود وفيه رأفة وديانة وقلة شر هادن سلطان الإسلام وهادنه وألقى مقاليد الأمور إلى وزيره ابن الرشيد وقدم بغداد مرات وأحبه الرعية وكانت دولته عشرين سنة وتوفي بالأزد ونقل إلى السلطانية فدفن بتربته وله بضع وثلاثون سنة
وفيها عائشة بنت محمد بن المسلم الحرانية أخت محاسن روت عن العراقي والبلخي حضورا وعن اليلداني ومحمد بن عبد الهادي وتفردت وتوفيت في شوال عن تسعين سنة وفيها المسند الرحلة أبو الحسن علي بن محمد بن ممدود

ابن جامع البندنيجي البغدادي الصوفي سمع صحيح مسلم من الباذبيني البغدادي وجامع الترمذي من العفيف بن الهيتي وأجاز له جماعات وتفرد وأكثروا عنه وتوفي بالسميساطية في المحرم عن اثنتين وتسعين سنة وفيها قطب الدين الأخوين واسمه محمد بن عمر التبريزي الشافعي قاضي بغداد سمع شرح السنة من قاضي تبريز محي الدين وكان ذا فنون ومروءة وذكاء وكان يرتشي وعاش ثمانيا وستين سنة قاله في العبر

سنة سبع وثلاثين وسبعمائة

فيها أخذ بمصر شمس الدين بن اللبان الشافعي وشهد عليه عند الحاكم بعظائم تبيح الدم فرجع ورسم بنفيه وفيها قتل على الزندقة عدو الله الحموي الحجار بحماة وأحرق أضل جماعة وقام عليه قاضي القضاة شمس الدين قاله في العبر
وفيها الاديب البليغ شهاب الدين أحمد بن محمد بن غانم الشافعي الناظم الناثر دخل اليمن ومدح الكبار وخدم في الديوان وروى عن ابن عبد الدايم وجماعة ثم اختلط قبل موته بسنة أو أكثر وربما ثاب إليه وعيه وله نظم ونثر ومعرفة بالتواريخ وعاش سبعا وثمانين سنة ومات قبله بأشهر أخوه الصدر الإمام علاء الدين علي بن محمد المنشى روى عن ابن عبد الدايم والزين خالد والنظام ابن البانياسي وعدة وحفظ التنبيه وله النظم والترسل الفائق والمروءة التامة وكثرة التلاوة ولزوم الجماعات والشيبة البهية والنفس الزكية باشر الإنشاء ستين سنة وحدث بالصحيحين وحج مرات وتوفي بتبوك في المحرم عن ست وثمانين سنة
وفيها محب الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن أبي بكر محمد بن إبرهيم بن أحمد بن عبد الرحمن بن إسمعيل بن منصور السعدي الصالحي المقدسي الحنبلي بن المحب ولد يوم الأحد ثاني عشر المحرم سنة اثنتين وثمانين وستمائة بقاسيون وأسمعه والده من الفخر بن البخاري وابن الكمال وزينب بنت

مكي وجماعة ثم طلب بنفسه وسمع من عمر بن القواس وأبي الفضل بن عساكر ويوسف الغسولي وخلق من بعدهم وذكر أن شيوخه الذين أخذ عنهم نحوا من ألف شيخ قال الذهبي كان فصيح القراءة جهوري الصوت منطلق اللسان بالآثار سريع القراءة طيب الصوت بالقرآن صالحا خائفا من الله تعالى صادقا انتفع الناس بتذكيره ومواعيده وذكره أيضا في معجم شيوخه وقال كان شابا فاضلا صالحا في سمعه ثقل ما وقد حدث كثيرا وسمع منه جماعة وتوفي يوم الإثنين سابع ربيع الأول ودفن بالقرب من الشيخ موفق الدين وفيها الزاهد القدوة شمس الدين أبو محمد عبد الله بن محمد بن يوسف بن عبد المنعم بن نعمة المقدسي النابلسي الفقيه الحنبلي ولد سنة تسع وأربعين وستمائة وحضر على خطيب مردا وسمع من عم أبيه جمال الدين عبد الرحمن بن عبد المؤمن وأجاز له سبط السلفي وتفقه وأفتى وأم بمسجد الحنابلة بنابلس نحوا من سبعين سنة وكان كثير العبادة حسن الشكل والصوت عليه البهاء والوقار وحدث وسمع منه طائفة وتوفي يوم الخميس ثاني عشرى ربيع الآخر بنابلس وتوفي بها وتوفي قبله في ربيع الأول من السنة بنابلس أيضا الإمام المفتي عماد الدين أبو إسحق إبرهيم بن علي بن عبد الرحمن بن عبد المنعم بن نعمة وفيها قتل صاحب تلمسان أبو تاشفين عبد الرحمن بن موسى بن عثمان بن الملك عمر بن عبد الواحد الزناتي البربري كان سيء السيرة قتل أباه وكان قتله له رحمة للمسلمين لما انطوى عليه من خبث السيرة وقبح السريرة ثم تمكن وتظلم وكان بطلا شجاعا تملك نيفا وعشرين سنة حاصره سلطان المغرب أبو الحسين المزيني مدة ثم برز عبد الرحمن ليكبس المزيني فقتل على جواده في رمضان كهلا قاله في العبر وفيها المعمر الملك أسد الدين عبد القادر بن عبد العزيز بن السلطان الملك المعظم روى السيرة وأجزاء عن خطيب مردا وتفرد وكان ممتعا بحواسه مليح الشكل ما تزوج ولا تسرى توفي في رمضان عن خمس وتسعين سنة ودفن بالقدس الشريف


وفيها المحدث المفيد ناصر الدين محمد بن طغربك الصيرفي قرأ الكثير وتعب ورحل وخرج وقرأ للعوام وحدث عن أبي بكر بن عبد الدائم وعيسى الدلال ومات غريبا عن نيف وأربعين سنة الله يسامحه وفيها الفقيه العالم شمس الدين محمد بن أيوب بن علي الشافعي بن الطحان نقيب الشامية والسبع الكبير سمع من عثمان بن خطيب القرافة ومن الكرماني والزين خالد وتوفي بدمشق في رجب وله خمس وثمانون سنة وأشهر وفيها الشيخ محمد بن عبد الله ابن المجد إبراهيم المصري المرشدي الزاهد الشافعي قرأ في التنبيه والقرآن وانقطع بزاوية له وكان يقرىء الضيفان وربما كاشف وللناس فيه اعتقاد زائد ويخدم الواردين ويقدم لهم ألوان المآكل ولا خادم عنده حتى قيل أنه أطعم للناس في ليلة ما قيمته مائة دينار وأنه أطعم في ثلاث ليال متوالية ما قيمته ألف دينار وزاره الأمراء والكبراء وبعد صيته حتى أن بعض الفقهاء يقول كان مخدوما وبلغني أنه كان في عافية فأرسل إلى القرى المجاورة له أحضروا فقد عرض أمر مهم ثم دخل خلوته فوجدوه ميتا في رمضان بقريته مينة مرشد كهلا قاله في الغبر
وفيها مسند مصر العدل شرف الدين يحيى بن يوسف المقدسي له إجازة ابن رواج وابن الجميزي وروى الكثير وتفرد وتوفي بمصر في جمادى الآخرة عن نيف وتسعين سنة وفيها أحمد بن علي بن أحمد النحوي يعرف بابن نور قال ابن حجر في الدرر الكامنة كان أبوه خوليا وباشر هو صناعة أبيه ثم اشتغل على النجم الأصفوني فبرع في مدة قريبة ومهر في الفقه والنحو والأصول ودرس وأفتى ومات بمرض السل رحمه الله تعالى

سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة

فيها كان أهل العراق وأذربيجان في خوف وحروب وشدايد لاختلاف التتار وفيها توفي الصالح المسند أبو بكر بن محمد بن الرضى الصالحي القطان سمع حضورا من خطيب مردا وعبد الحميد بن عبد الهادي وسمع من عبد الله

ابن الخشوعي وابن خليل وابن البرهان وتفرد وأكثروا عنه قال الذهبي ونعم الشيخ كان له إجازة السبط وجماعة وتوفي في جمادى الآخرة عن تسع وثمانين سنة
ومات قبله بشهر المعمر أبو بكر بن محمد بن أحمد بن عنتر الدمشقي عن ثلاث وتسعين سنة روى الكثير بإجازة السبط انتهى وفيها شيخ الشافعية زين الدين عمر بن أبي الحزم بن عبد الرحمن بن يونس المعروف بابن الكتاني قال الأسنوي شيخ الشافعية في عصره بالاتفاق ولد سنة ثلاث وخمسين وستمائة بالقاهرة قريبا من جامع الأزهر ثم سافر بعد سنة مع أبويه إلى دمشق لأن أباه كان تاجرا في الكتان من مصر إلى الشام فاستقر بها وتفقه وقرأ الأصول على البرهان المراغي والفقه على التاج الفركاح وأفتى ودرس ثم انتقل إلى الديار المصرية فتولى الحكم بالحكر ثم ولاه ابن جماعة الغربية ثم عزل نفسه وانقطع عن ابن جماعة وهجره بلا سبب وتولى مشيخة حلقة الفقه بالجامع الحاكمي وخطابة جامع الصالح ومشيخة الخانقاه الطيبرسية بشاطىء النيل وتدريس المدرسة المنكدمرية للطائفة الشافعية ثم فوض إليه في آخر عمره مشيخة الحديث بالقبة المنصورية وكان نافرا عن الناس سيء الخلق يطير الذباب فيغضب ومن تبسم عنده يطرد إن لم يضرب وأفضى به ذلك إلي أنه في غالب عمره المتصل بالموت كان مقيما في بيته وحده لم يتزوج ولم يتسر ولم يقن رقيقا ولا مركوبا ولا دارا ولا غلاما ولم يعرف له تصنيف ولا تلميذ ومع ذلك كان حسن المحاضرة كثير الحكايات والأشعار كريما وكتب بخطه حواشي على الروضة وكان قليل الفتاوى توفي بمسكنه على شاطىء النيل بجوار الخانقاه التي مشيخته بيده يوم الثلاثاء الخامس عشر من شهر رمضان ودفن بالقرافة وفيها زين الدين أبو محمد عبادة بن عبد الغني بن عبادة الحراني ثم الدمشقي الفقيه الحنبلي المفتي الشروطي المؤذن ولد في رجب سنة إحدى وسبعين وستمائة وسمع من القسم الأربلي وأبي الفضل بن عساكر وجماعة وطلب الحديث وكتب الأجزاء وتفقه على الشيخ زين الدين بن المنجا ثم على الشيخ

تقي الدين بن تيمية قال الذهبي في معجم شيوخه كان فقيها عالما جيد الفهم يفهم شيئا من العربية والأصول وكان صالحا دينا ذا حظ من تهجد وإيثار وتواضع اصطحبنا مدة ونعم والله الصاحب هو كان يسع الجماعة بالخدمة والأفضال والحلم خرجت له أجزاء وحدث بحصبح مسلم انتهى وسمع من جماعة وتوفي في شوال ودفن بمقبرة الباب الصغير وفيها قاضي القضاة شهاب الدين محمد بن المجد الأربلي ثم الدمشقي الشافعي روى عن ابن أبي اليسر وابن أبي عمر وجماعة وأفتى وناظر وحكم نحو ثلاث سنين وجاء على منصبه قاضي الممالك جلال الدين وتوفي في آخر جمادى الأولى عن ست وسبعين سنة نفرت به بغلته فرضت دماغه ومات إلى عفو الله بعد ست ليال وفيها الشيخ زين الدين أبو عبد الله محمد بن علم الدين عبد الله بن الشيخ الإمام زين الدين عمر بن مكي بن عبد الصمد العثماني المعروف بابن المرحل الشافعي سمع من جماعة وأخذ الفقه والأصلين عن عمه الشيخ صدر الدين وغيره ونزل له عمه عن تدريس المشهد الحسيني بالقاهرة فدرس به مدة ثم قايض الشيخ شهاب الدين بن الأنصاري منه إلى تدريس الشامية البرانية والعذراوية فباشرهما إلى حين وفاته وناب في الحكم فحمدت سيرته ثم تركه وبيض كتاب الأشباه والنظائر لعمه وزاد فيه قال الذهبي العلامة مدرس الشامية الكبرى فقيه مناظر أصولي وكان يذكر للقضاء وقال السبكي ولد بعد سنة تسعين وستمائة وكان رجلا فاضلا دينا عالما عارفا بالفقه وأصوله صنف في الأصول كتابين وقال الصلاح الكتبي كان من أحسن الناس شكلا وربى على طريقة حميدة في عفاف وملازمة للاشتغال بالعلوم وانجماع عن الناس وكان يلقى الدروس بفصاحة وعذوبة لفظ قيل لم تكن دروسه بعيدة من دروس ابن الزملكاني وكان من أجود الناس طباعا وأكرمهم نفسا وأحسنهم ملتقى توفي في رجب ودفن بتربة لهم عند مسجد الذبان عند جده وفيها ولي العهد القائم بأمر الله محمد بن أمير المؤمنين المستكفي كان سريا فقيها شجاعا مهيبا وسيما قيل هو

السبب في تسييرهم إلى قوص مات بقوص في ذي الحجة عن أربع وعشرين سنة
وفيها قاضي القضاة شرف الدين أبو القسم هبة الله بن قاضي القضاة نجم الدين عبد الرحيم بن القاضي شمس الدين إبراهيم المعروف بابن البارزي الشافعي قاضي حماة وصاحب التصانيف الكثيرة ولد في رمضان سنة خمس وأربعين وستمائة وسمع من والده وجده وعز الدين الفاروثي وجمال الدين بن مالك وغيرهم وأجاز له جماعة وتلا بالسبع وتفقه على والده وأخذ النحو عن ابن مالك وتفنن في العلوم وأفتى ودرس وصنف وولي قضاء حماة وعمى في آخر عمره وحدث بدمشق وحماة وسمع منه البرزالي والذهبي وخلق وقد خرج له ابن طغربك مشيخة كبيرة وخرج له البرزالي جزءا وذكره الذهبي في معجمه فقال شيخ العلماء بقية الأعلام صنف التصانيف مع العبادة والدين والتواضع ولطف الأخلاق ما في باعه من الكبر ذرة وله ترام على الصالحين وحسن ظن بهم وقال الأسنوي كان إماما راسخا في العلم صالحا خيرا محبا للعلم ونشره محسنا إلى الطلبة وصارت إليه الرحلة وقال السبكي انتهت إليه مشيخة المذهب ببلاد الشام وقصد من الأطراف توفي في ذي القعدة عن ثلاث وتسعين سنة وفيه يقول ابن الوردي
( حماة مذ فارقها شيخها ** قد أعظم العاصي بها الفرية )
( صرت كمن ينظرها بلقعا ** أو كالذي مر على قرية )
ومن تصانيفه روضات الجنان في تفسير القرآن عشر مجلدات كتاب الفريدة البارزية في حل الشاطبية كتاب المجتبى كتاب المجتنى كتاب الوفا في أحاديث المصطفى مجلدان وغير ذلك وفيها القاضي جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن إبراهيم ابن جمله بن مسلم بن تمام بن حسين بن يوسف المحجي الدمشقي الصالحي الشافعي ولد في سنة اثنتين وثمانين وستمائة وسمع من جماعة وأخذ عن الشيخين صدر الدين ابن الوكيل وشمس الدين بن النقيب وولي القضاء مدة سنة ونصف فشكرت سيرته ونهضته إلا أنه وقع بينه وبين بعض خواص النائب فعزل وسجن مدة ثم أعطى

الشامية البرانية قال البرزالي خرجت له جزءا عن أكثر من خمسين نفسا وحدث به بالمدينة النبوية وبدمشق وكان فاضلا في فنون اشتغل وحصل وأفتى وأعاد ودرس وله فضائل جمة ومباحث وفوايد وهمة عالية وحرمة وافرة وفيه تودد وإحسان وقضاء للحقوق وولي قضاء دمشق نيابة واستقلالا ودرس بالمدارس الكبار توفي في ذي القعدة بدمشق عن سبع وخمسين سنة ودفن بسفح قاسيون عند والده وأقاربه

سنة تسع وثلاثين وسبعمائة

فيها هلك بطرابلس الشام تحت الزلزلة ستون نفسا وفيها قدم العلامة شيخ الإسلام تقي الدين السبكي على قضاء الشافعية بالشام وفرح الناس به
وفيها توفي الشيخ موفق الدين أحمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن عثمان بن مكي الشارعي فكان آخر من حدث بالسماع عن جد أبيه وتوفي بمصر عن تسعين سنة وفيها القاضي كمال الدين أحمد بن قاضي القضاة علم الدين بن الأخنائي حدث عن الدمياطي وغيره وكان قاضي العساكر وناظر الخزانة بالقاهرة وبها توفي
وفيها قال الذهبي شيخنا المعمر الصالح شرف الدين الحسين بن علي بن محمد ابن العماد الكاتب عن ثمانين سنة وأشهر درس بالعمادية وأفتى وحدث عن ابن أبي اليسر وابن الأوحد وجماعة انتهى وفيها نجم الدين حسين بن علي بن سيد الكل الأزدي المهلبي الأسواني الشافعي مولده سنة ست وأربعين وستمائة وتفقه على أبي الفضل جعفر التزمنتي وبرع وحدث وأشغل الناس بالعلم مدة كثيرة قال الشيخ تقي الدين السبكي وكان قد وصل إلى سن عالية وتحصل للطلبة به انتفاع في الاشتغال عليه وهو فقيه حسن مفتي وله قدم هجرة وصحبة للفقراء يتخلق بأخلاق حسنة وقال الأسنوي كان ماهرا في الفقه يشغل في أكثر العلوم متصوفا كريما جدا مع الفاقة منقطعا عن الناس شريف النفس معزا للعلم اشتغل عليه الخلق طبقة بعد

طبقة وانتفعوا به وتصدر بمدرسة الملك بالقاهرة وتجرد مع الفقراء في البلاد توفي في صفر وقد زاحم المائة وفيها خطيب القدس زين الدين عبد الرحيم ابن قاضي القضاة بدر الدين محمد بن إبراهيم بن جماعة الشافعي توفي بالقدس الشريف وفيها المعمر نجم الدين عبد الرحيم بن الحاج محمود الشيعي حدث عن ابن عبد الدايم وغيره وتوفي بالصالحية عن إحدى وتسعين سنة ذكره الذهبي وفيها عالم بغداد صفي الدين عبد المؤمن بن الخطيب عبد الحق بن عبد الله بن علي بن مسعود بن شمايل البغدادي الحنبلي الإمام الفرض المتقن ولد في سابع عشرى جمادى الآخرة سنة ثمان وخمسين وستمائة ببغداد وسمع بها الحديث من عبد الصمد بن أبي الجيش وابن الكسار وخلق وسمع بدمشق من الشرف ابن عساكر وجماعة وبمكة من الفخر التوزري وأجاز له ابن البخاري وأحمد بن شيبان وبنت مكي وغيرهم من أهل الشام ومصر والعراق وتفقه على أبي طالب عبد الرحمن بن عمر البصري ولازمه حتى برع وأفتى ومهر في علم الفرائض والحساب والجبر والمقابلة والهندسة والمساحة ونحو ذلك واشتغل في أول عمره بعد التفقه بالكتابة والأعمال الدنيوية مدة ثم ترك ذلك وأقبل على العلم فلازمه مطالعة وكتابة وتدريسا وتصنيفا وأشغالا وإفتاء إلى حين موته وصنف في علوم كثيرة فمن مصنفاته شرح المحرر في الفقه ست مجلدات شرح العمدة مجلدان إدراك الغاية في اختصار الهداية مجلد لطيف وشرحه في أربع مجلدات تلخيص المنقح في الجدل تحقيق الأمل في علم الأصول والجدل اللامع المغيث في علم المواريث واختصر تاريخ الطبري في أربع مجلدات واختصر الرد على الرافضي للشيخ تقي الدين بن تيمية في مجلدين لطيفين واختصر معجم البلدان لياقوت وله غير ذلك وخرج لنفسه معجما لشيوخه بالسماع والإجازة نحوا من ثلثمائة شيخ وسمع منه خلق كثيرون وله شعر رائق منه
( لا ترج غير الله سبحانه ** واقطع عرى الآمال من خلقه )
( لا تطلبن الفضل من غيره ** واضنن بماء الوجه واستبقه )


( فالرزق مقسوم وما لامرىء ** سوى الذي قدر من رزقه )
( والفقر خير للفتى من غنى ** يكون طول الدهر في رقه )
توفي رحمه الله تعالى ليلة الجمعة عاشر صفر ببغداد ودفن بمقبرة الإمام أحمد
وفيها قاضي حلب ذو الفنون فخر الدين عثمان بن علي الحلبي المعروف بابن خطيب جبرين بالباء الموحدة والراء قرية من قرى حلب وقد تقدمت ترجمته في سنة ثلاثين والصحيح وفاته في هذه السنة وفيها الشيخ شرف الدين أبو الحسين علي بن عمر البعلي شيخ الربوة والشبلية حدث عن الشيخ شمس الدين ابن أبي عمر وابن البخاري وطائفة وتوفي في المحرم وله بضع وثمانون سنة
وفيها معيد البادرائية المعمر علاء الدين علي بن عثمان بن الخراط حدث عن ابن البخاري وغيره وعمل خطبا ومقامات وتوفي بدمشق وفيها الحافظ علم الدين القسم بن محمد بن يوسف بن محمد البرزالي الشافعي قال الذهبي الامام الحافظ محدث الشام وصاحب التاريخ والمعجم الكبير أول سماعه في سنة ثلاث وسبعين وستمائة وكان له من العمر عشر سنين وروى عن ابن أبي الخير وابن أبي عمر والعز الحراني وخلق كثير ووقف جميع كتبه وأوصى بثلثه وحج خمس مرات انتهى وقال ابن قاضي شهبة ولد سنة ثلاث وستين وستمائة وسمع الجم الغفير وكتب بخطه ما لا يحصى كثرة وتفقه بالشيخ تاج الدين الفزاري وصحبه وأكثر عنه الشيخ تاج الدين في تاريخه وولي مشيخة دار الحديث النورية ومشيخة النفيسية وصنف التاريخ ذيلا على تاريخ أبي شامة بدأ فيه من عام مولده وهو السنة التي مات فيها أبو شامة في سبع مجلدات والمعجم الكبير وبلغ ثبته بضعا وعشرين مجلدا أثبت فيه كل من سمع منه وانتفع به المحدثون من زمانه إلى آخر القرن وقال الذهبي أيضا في معجمه الإمام الحافظ المتقن الصادق الحجة مفيدنا ومعلمنا ورفيقنا مؤرخ العصر ومحدث الشام مشيخته بالإجازة والسماع فوق الثلاثة آلاف وكتبه وأجزاؤه الصحيحة في عدة أماكن وهي مبذولة للطلبة وقراءته المليحة الفصيحة مبذولة لمن قصده

وتواضعه وبشره مبذول لكل غني وفقير توفي محرما بخليص في ذي الحجة وله أربع وسبعون سنة وأشهر وفيها بدر الدين أبو اليسر محمد بن قاضي القضاة الإمام العادل عز الدين محمد بن عبد القادر الأنصاري بن الصايغ الدمشقي الشافعي قال الذهبي القاضي الإمام القدوة العابد مدرس العمادية والدماغية حدث عن ابن شيبان والفخر وطائفة وحفظ التنبيه ولازم الشيخ برهان الدين وجاءه التقليد والتشريف بقضاء القضاة في سنة سبع وعشرين فأصر على الامتناع فأعفى ثم ولى خطابة القدس وتركها وكان مقتصدا في أموره كثير المحاسن حج غير مرة وتوفي في جمادى الأولى عن ثلاث وستين سنة وفيها قاضي القضاة الإقليمين جلال الدين محمد بن عبد الرحمن بن عمر بن أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن الحسن بن علي بن إبراهيم بن علي بن أحمد بن دلف بن أبي دلف العجلي القزويني ثم الدمشقي الشافعي قال ابن قاضي شهبة مولده بالموصل سنة ست وستين وستمائة وتفقه على أبيه وأخذ الأصلين عن الأربلي وسكن الروم مع أبيه واشتغل في أنواع العلوم وسمع من أبي العباس الفاروثي وغيره وخرج له البرزالي جزءا من حديثه وحدث به وأفتى ودرس وناب في القضاء عن أخيه ثم عن ابن صصرى ثم ولي الخطابة بدمشق ثم القضاء بها ثم انتقل إلى قضاء الديار المصرية لما عمى القضاء بدر الدين بن جماعة فأقام بها نحو إحدى عشرة سنة ثم صرف في جمادى الآخرة سنة ثمان وثلاثين ونقل إلى قضاء الشام وألف تلخيص المفتاح في المعاني والبيان وشرحه بشرح سماه الإيضاح وقال الذهبي أفتى ودرس وناظر وتخرج به الأصحاب وكان مليح الشكل فصيحا حسن الأخلاق غزير العلم وأصابه طرف فالج مدة وقال ابن رافع حدثني وسمع منه البرزالي وخرج له جزءا من حديثه عن جماعة من شيوخه وصنف في الأصول كتابا حسنا وفي المعاني والبيان كتابين كبيرا وصغيرا ودرس بمصر والشام بمدارس وكان لطيف الذات حسن المحاضرة كريم النفس ذا عصبية ومودة وقال الأسنوي كان فاضلا في علوم كريما مقداما ذكيا مصنفا

وإليه ينسب كتاب الإيضاح والتلخيص في علمي المعاني والبيان توفي بدمشق في جمادى الأولى ودفن بمقابر الصوفية وفيها شمس الدين محمد بن عبد العزيز بن الشيخ عبد القادر الجيلي قال الذهبي شيخ بلاد الجزيرة الإمام القدوة كان عالما صالحا وقورا وافر الجلالة حج مرتين وروى عن الفخر علي بدمشق وببغداد وخلف أولادا كبارا لهم كفاية وحرمة وتوفي في أول ذي الحجة بقرية الحيال من عمل سنجار عن سبع وثمانين سنة وفيها شمس الدين محمد بن إبراهيم بن عبد العزيز بن الجزري صاحب التاريخ الكبير قال الذهبي كان دينا خيرا ساكنا وقورا به صمم روى عن إبراهيم بن أحمد والفخر بن البخاري وسمع ولديه مجد الدين ونصير الدين كثيرا وكان عدلا أمينا وقال غيره كان من خيار الناس كثير المروءة من كبار عدول دمشق أقام يشهد على القضاة مدة وإذا انفرد بشهادة يكتفون به لوثوقهم به جمع تاريخا كبيرا ذكر فيه أشياء حسنة لا توجد في غيره توفي ببستانه الزعيفرانية في وسط السنة وله إحدى وثمانون سنة
وفيها بأطرابلس الشيخ ناصر الدين محمد بن المعلم المنذري سمع المسند من ابن شيبان وفيها وجيه الدين يحيى بن محمد الصنهاجي المالكي قال الذهبي مات بالأسكندرية قاضيها العلامة

سنة أربعين وسبعمائة

في صفر هبت بجبل طرابلس سموم وعواصف على جبال عكا وسقط نجم اتصل نوره بالأرض برعد عظيم وعلقت منه نار في أراضي الجون أحرقت أشجارا ويبست ثمارا وأحرقت منازل وكان ذلك آية ونزل من السماء نار بقرية الفسيحة على قبة خشب أحرقتها وأحرقت إلى جانبها ثلاثة بيوت وصح هذا واشتهر قاله في العبر
وبهذه السنة ختم الذهبي كتابيه العبر والدول وفيها توفي نجم الدين إبراهيم بن بركات بن أبي الفضل بن القرشية البعلبكي الصوفي أحد الأعيان الصوفية

وأكابر الفقهاء القادرية حدث عن الشيخ شمس الدين بن أبي عمر وكان خاتمة أصحابه وعن ابن عبد الدايم وابن أبي اليسر وجماعة وولي مشيخة الشبلية والأسدية وتوفي بدمشق في رجب عن تسعين سنة أو أكثر وفيها مجد الدين أبو بكر بن إسمعيل بن عبد العزيز الزنكلوني المصري الشافعي ولد سنة تسع وسبعين وستمائة وتفقه على مشايخ عصره قال ابن قاضي شهبة ولا أحفظ عمن أخذ منهم وسمع الحديث وتصدى للاشتغال والتصنيف وممن أخذ عنه الشيخ جمال الدين الأسنوي وذكر له في طبقاته ترجمة حسنة فقال كان إماما في الفقه أصوليا محدثا نحويا ذكيا حسن التعبير قانتا لله لا يمكن أحدا أن تقع منه غيبة في مجلسه صاحب كرامات منقبضا عن الناس ملازما لشأنه لا يتردد إلى أحد من الأمراء ويكره أن يأتوا إليه وراض نفسه إلى أن صار يحمل طبق العجين على كتفه إلى الفرن ويعود به مع كثرة الطلبة عنده وكان ملازما للأشغال ليلا ونهارا ويمزج الدروس بالوعظ وبحكايات الصالحين ولذلك بارك الله في طلبته وحصل لهم نفع كبير وكان حسن المعاشرة كثير المروءة ولي مشيخة الخانقاه البيبرسية وتدريس الحديث بها وبالجامع الحاكمي توفي في ربيع الأول ودفن بالقرافة وزنكلون قرية من بلاد الشرقية من أعمال الديار المصرية وأصلها سنكلوم بالسين المهملة في أولها والميم في آخرها إلا أن الناس لا ينطقون إلا الزنكلوني ولذلك كان الشيخ يكتبه بخطه كذلك غالبا ومن تصانيفه شرح التنبيه الذي عم نفعه للمتفقهة ورسخ في النفوس وقعه والمنتخب مختصر الكفاية وشرح المنهاج نحو شرح التنبيه وشرح التعجيز ومختصر التبريزي وغير ذلك وفي حدودها علاء الدولة وعلاء الدين أبو المكارم أحمد بن محمد بن أحمد السمناني ذكره الأسنوي في طبقاته وقال كان إماما عالما مرشدا له مصنفات كثيرة في التفسير والتصوف وغيرهما
وفيها القاضي محي الدين إسمعيل بن يحيى بن إسمعيل بن نصر بن جهبل أبو الفداء الحلبي الأصل الدمشقي الشافعي ولد بدمشق في سنة ست وستين وستمائة واشتغل وحصل وحدث عن ابن عطا وابن البخاري وأفتى ودرس بالأتابكية وسمع منه جماعة

منهم البرزالي وخرج له مشيخة وحدث بها وناب في الحكم بدمشق وولي قضاء طرابلس مدة ثم عزل منها وعاد إلى دمشق وتوفي في شعبان ودفن عند أخيه بمقبرة الصوفية وفيها مسندة الشام أم عبد الله زينب بنت الكمال أحمد بن عبد الرحيم المقدسية المرأة الصالحة العذراء روت عن محمد بن عبد الهادي وخطيب مردا واليلداني وسبط ابن الجوزي وجماعة وبالإجازة عن عجيبة الباقدارية وابن الخير وابن العليق وعدد كثير وتكاثروا عليها وتفردت وروت كتبا كبارا وتوفيت في تاسع عشر جمادى الأولى عن أربع وتسعين سنة وفيها الخليفة المستكفى بالله أبو الربيع سليمان بن الحاكم بأمر الله ولد في نصف المحرم سنة أربع وثمانين وستمائة واشتغل قليلا وبويع بالخلافة بعهد من أبيه في جمادى الأولى سنة إحدى وسبعمائة وخطب له على المنابر بالبلاد المصرية والشامية وصارت البشارة بذلك إلى جميع الأقطار والممالك الإسلامية وكانوا يسكنون بالكبش فنقلهم السلطان إلى القعلة وأفرد لهم دارا وتوفي بقوص وكانت خلافته ثمانيا وثلاثين سنة وبويع أخوه إبراهيم بغير عهد
وفيها قبض على الصاحب شرف الدين عبد الوهاب القبطي في صفر وصودر واستصفيت حواصله بمباشرة لأمير سيف الدين شنكر الناصري ومن جملة ما وجد له صندوق ضمنه تسعة عشر ألف دينار وأربعمائة مثقال لؤلؤ كبار وصليب مجوهر ووجد بداره كنيسة مرخمة بمحاريبها الشرقية ومذابحها وآلاتها واستمر الملعون في العقوبة حتى هلك في ربيع الآخر وفيها في ليلة السادس والعشرين من شوال وقع بدمشق حريق كبير شمل اللبادين القبلية وما تحتها وما فوقها إلى عند سوق الكتب واحترق سوق الوراقين وسوق الذهب وحاصل الجامع وما حوله والمأذنة الشرقية وعدم للناس فيه من الأموال والمتاع ما لا يحصر قاله في العبر والله أعلم وفيها الحسن بن إبرهيم بن أبي خالد البلوي قال في تاريخ غرناطة كان أديبا فقيها نحويا أخذ عن أبي خميس وأبي الحسن القيجاطي ومات

يوم عيد الفطر وفيها أبو عامر محمد بن عبد الله بن عيد العظيم بن أرقم النميري الوادياشي قال في تاريخ غرناطة كان أحمد شيوخه مشاركا في فنون من فقه وأدب وعربية وهي أغلب الفنون عليه مطرحا مخشوشنا مليح الدعابة كثير التواضع بيته معمور بالعلماء أولى الأصالة والتعين تصد رببلده للفتيا والأسماع والتدريس وكان قرأ على أبي العباس بن عبد النور وأبي خالد بن أرقم وروى عنه ابن الزبير وأبو بكر بن عبيد وغيرهما وله شعر مات ببلده انتهى
وفيها شمس الدين محمد المغربي الأندلسي قال ابن حجر كان شعلة نار في الذكاء كثير الاستحضار حسن الفهم عارفا بعدة علوم خصوصا بالعربية أقام بحماة مدة وولي قضاءها ثم توجه إلى الروم فأقام بها وأقبل عليه الناس مات ببرصا في شعبان

سنة إحدى وأربعين وسبعمائة

في ذي الحجة منها كانت زلزلة عظيمة بمصر والشام والأسكندرية مات فيها تحت الردم ما لا يحصى وغرقت مراكب كثيرة وتهدمت جوامع ومواذن لا تعد
وفيها كانت واقعة طريف ببلاد المغرب قال لسان الدين في كتاب الإحاطة استشهد فيها جماعة من الأكابر وغيرهم وكان سببها أن سلطان فاس أمير المسلمين أبا الحسن علي بن عثمان بن يعقوب ابن عبد الحق المزيني جاز البحر إلى جزيرة الأندلس برسم الجهاد ونصرة أهلها على عدوهم حسبما جرت بذلك عادة سلفه وغيرهم من ملوك العدوة وشمر عن ساعد الاجتهاد ووجد من الجيوش الإسلامية نحو ستين ألفا وجاء إليه أهل الأندلس بقصد الأمداد وسلطانهم ابن الأحمر ومن معه من الأجناد فقضى الله الذي لا مرد لما قدره أن سارت تلك الجموع مكسرة ورجع السلطان أبو الحسن مغلولا وأضحى حسام الهزيمة عليه وعلى من معه مسلولا ونجا برأس طمرة ولجام ولا تسل كيف وقتل جمع من أهل الإسلام وجملة وافرة من الأعلام وأمضى فيهم حكمه السيف وأسر ابن السلطان وحريمه وانتهبت ذخائره واستولى على الجميع أيدي

الكفر والحيف واشرأب العدو الكافر لأخذ ما بقي من الجزيرة ذات الظل الوريف وثبت قدمه في بلد طريف وبالجملة فهذه الواقعة من الدواهي المعضلة الداء والأزراء التي تضعضع لها ركن الدين بالمغرب وقرت بذلك عيون الأعداء انتهى
وممن استشهد في هذه الواقعة والد لسان الدين بن الخطيب هو عبد الله بن سعيد بن عبد الله بن سعيد بن علي بن أحمد السلماني قال لسان الدين في الأكليل في حق والده هذا إن طال الكلام وجمحت الأقلام كنت كما قيل مادح نفسه يقرئك السلام وإن أجمحت فما سديت في الثناء ولا ألحمت أضعت الحقوق وخفت ومعاذ الله العقوق هذا ولو أني زجرت طير البيان عن أوكاره وجئت بعون الإحسان وأبكاره لما قضيت حقه بعد ولا قلت إلا بالذي علمت سعد فقد كان رحمه الله ذمر عزم ورجل رجاء وازم تروق أنوار خلاله الباهرة وتضيء مجالس الملوك من صورتيه الباطنة والظاهرة ذكاء يتوقد وطلاقة يحسد نورها الفرقد وكانت له في الأدب فريضة وفي النادرة العذبة منادح عريضة تكلمت يوما بين يديه في مسائل من الطب وأنشدته أبياتا من شعرى ورقاعا من أنشائي فتهلل وما برح أن ارتجل
( الطب والشعر والكتابة ** سماتنا في بنى النجابة )
( هن ثلاث مبلغات ** مراتبا بعضها الحجابة )
ووقع لي يوما بخطه على ظهر أبيات بعثتها إليه أعرض نمطها عليه
( وردت كما صد رالنسيم بسحرة ** عن روضة جاد الغرام رباها )
( فكأنما هاروت أودع سحره ** فيها وآثرها به وحباها )
( مصقولة الألفاظ يبهر حسنها ** فبمثلها افتخر البليغ وباها )
( فقررت عينا عند رؤية وجهها ** أني أبوك وكنت أنت أباها )
ومن شعره
( عليك بالصمت فكم ناطق ** كلامه أدى إلى كلمه )


( أن لسان المرء أهدى إلى ** غرته والله من خصمه )
( يرى صغير الجسم مستضعفا ** وجرمه أكبر من جرمه )
وقال في الإحاطة كان من رجال الكمال طلق الوجه فقد في الكائنة العظمى بطريف يوم الإثنين سابع جمادى الأولى سنة إحدى وأربعين وسبعمائة ثابت الجأش غير جذوع ولا هيابة حدثني الخطيب بالمسجد الجامع من غرناطة الفقيه أبو عبد الله بن اللوشي قال كبا باخيك الطرف وقد غشي العدو فجنحت إلى أردافه فانحدر إليه والدك وصرفني وقال أنا أولى به فكان آخر العهد بهما انتهى وذكر في الإحاطة أن مولده بغرناطة في جمادى الأولى عام اثنين وسبعين وستمائة
وفيها افتخار الدين أبو عبد الله جابر بن محمد بن محمد بن محمد بن عبد العزيز بن يوسف الخوارزمي الكاتي بالمثناة أو المثلثة الحنفي النحوي ولد في عاشر شوال سنة سبع وستين وستمائة وقرأ على خاله أبي المكارم وقرأ المفصل والكشاف على أبي عاصم الأسفندري واشتغل ببلاده ومهر وقدم القاهرة فسمع من الدمياطي وولي مشيخة الجاولية التي بالكبش وباشر الإفتاء والتدريس بأماكن وقدم مكة وقرأ الصحيح على التوزري وتكلم على أماكن فيه من جهة العربية ودرس بالقدس ومكة وكان فاضلا حسن الشكل مليح المحاضرة مات بالقاهرة في منتصف المحرم
وفيها برهان الدين أبو إسحق إبراهيم بن أحمد بن هلال الزرعي ثم الدمشقي الفقيه الحنبلي الأصولي المناظر الفرضي سمع بدمشق من عمر بن القواس وأبي الفضل بن عساكر وغيرهما وتفقه وأفتى قديما ودرس وناظر وولي نيابة الحكم عن علاء الدين ابن المنجا وغيره ودرس بالحنبلية من حين سجن الشيخ تقي الدين بالقلعة في المرة التي توفي فيها فساء ذلك أصحاب الشيخ ومحبيه واستمر بها إلى حين وفاته وكان بارعا في أصول الفقه والفرائض والحساب وإليه المنتهى في التحري وجودة الخط وصحة الذهن وسرعة الإدراك وقوة المناظرة وحسن الخلق لكنه كان قليل الاستحضار

لنقل المذهب وكان قاضي القضاة أبو الحسن السبكي يسميه فقيه الشام وكان فيه لعب وعليه في دينه مآخذ سامحه الله تعالى وتفقه وتخرج به جماعة ولم يصنف كتابا معروفا توفي في وقت صلاة الجمعة سادس عشر رجب ودفن بمقبرة باب الصغير
وفيها الحسين بن أبي بكر بن الحسين الأسكندري المالكي النحوي قال في الدرر ولد سنة أربع وخمسين وستمائة واشتغل بالعلم خصوصا العربية وانتفع به الناس وجمع تفسيرا في عشر مجلدات وحدث عن الدمياطي وتوفي في ذي الحجة
وفي حدودها الشيخ علي بن عبد الله الطواشي اليمني الصوفي الكبير العارف الشهير ذو الأحوال السنية والمقامات العلية وحسبك فيه ما قاله تلميذه ومريده الإمام اليافعي من أبيات
( إذا قصد الزوار للبيت كعبة ** علي بن عبد الله قصدي وكعبتي )
وفيها ركن الدين شافع بن عمر بن إسمعيل الفقيه الحنبلي الأصولي نزيل بغداد سمع الحديث ببغداد على إسمعيل بن الطبال وابن الدواليبي وغيرهما وتفقه على الشيخ تقي الدين الزريراتي وصاهره على ابنته وأعاد عنده بالمستنصرية وكان رئيسا نبيلا فاضلا عارفا بالفقه والأصول والطب مراعيا لقوانينه في مأكله ومشربه ودرس بالمجاهدية بدمشق واقرأ جماعة من الأئمة الأربعة قال ابن رجب منهم والدي وله مصنف في مناقب الأئمة الأربع سماه زبدة الأخبار في مناقب الأئمة الأربعة الأبرار وكان قاصر العبارة لأن في لسانه عجمة ومدرسة المجاهدية تعرف الآن بالحجازية ثم صارت اصطبلا خيل الطانشمندية لا حول ولا قوة إلا بالله توفي المترجم ببغداد يوم الجمعة ثاني عشر شوال ودفن بدهليز تربة الإمام أحمد رضي الله عنه
وفيها شرف الدين أبو محمد عبد الرحيم بن عبد الملك بن محمد بن أبي بكر بن إسمعيل الزريراتي البغدادي الحنبلي بن شيخ العراق تقي الدين أبي بكر المتقدم ذكره ولد ببغداد ونشأ بها وحفظ المحرر وسمع الحديث واشتغل ثم رحل إلى دمشق فسمع من زينب بنت الكمال وجماعة من أصحاب ابن عبد الدايم وخطيب مردا وطبقتهما

وارتحل إلى مصر وسمع من مسندها يحيى بن المصري وغيره ولقي بها أبا حيان وغيره ثم رجع إلى بغداد بفضائل جمة ودرس للحنابلة بالبشرية بعد وفاة صفي الدين بن عبد الحق ثم درس بالمجاهدية بعد وفاة صهره المترجم قبله شافع ولم تطل بها مدته قال ابن رجب وحضرت درسه وأنا إذ ذاك صغير لا أحققه جيدا وناب في القضاء ببغداد واشتهرت فضائله وخطه في غاية الحسن وألف مختصرات في فنون عديدة وتوفي ببغداد يوم الثلاثاء عشر ذي الحجة ودفن عند والده بمقبرة الإمام أحمد وله من العمر نحو الثلاثين سنة رحمه الله تعالى وفيها علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد بن إبراهيم الشافعي خازن كتب خانقاه السميساطية بدمشق ولد ببغداد سنة ثمان وسبعين وستمائة وسمع الحديث وكان صالحا خيرا جمع وألف فمن تأليفه تفسير القرآن العظيم وشرح عمدة الأحكام وأضاف إلى جامع الأصول مسند الإمام أحمد وسنن ابن ماجة وسنن الدارقطني وسماه مقبول المنقول وجمع سيرة وحدث ببعض مصنفاته وكان صوفيا بالخانقاه المذكورة وكان بشوش الوجه ذا تودد وسمت حسن توفي في شعبان وفيها أبو عبد الله محمد بن أحمد بن تمام بن حسان التكي ثم الصالحي القدوة الزاهد الفقيه الحنبلي ولد سنة إحدى وخمسين وستمائة وسمع من ابن عبد الدايم وغيره وصحب الشيخ شمس الدين ابن الكمال وغيره من العلماء والصلحاء وكان صالحا تقيا من خيار عباد الله يقتات من عمل يده وكان عظيم الحرمة مقبول الكلمة عند الملوك وولاة الأمور ترجع إلى رأيه وقوله أمارا بالمعروف نهاء عن المنكر ذكره الذهبي في معجم شيوخه وقال كان مشارا إليه في الوقت بالإخلاص وسلامة الصدر والتقوى والزهد والتواضع التام والبشاشة ما أعلم فيه شيئا يشينه في دينه أصلا وقال ابن رجب حدث بالكثير وسمع منه خلق وأجاز لي ما تجوز له روايته بخط يده وتوفي في ثالث عشر ربيع الأول ودفن بقاسيون رحمه الله تعالى وفيها شمس الدين أبو المعالي محمد بن أحمد بن إبراهيم بن حيدرة بن علي بن عقيل الإمام العالم الفقيه الشافعي

المفتي المدرس الكبير بن القماح القرشي المصري ولد في ذي القعدة سنة ست وخمسين وستمائة وسمع الكثير وقرأ الحديث بنفسه وكتب بخطه وتفقه على الظهير الترميني وغيره وبرع وأفتى ودرس بقبة الإمام الشافعي إلى حين وفاته بعد أن أعاد بها خمسين سنة وناب في الحكم مدة سنن وسمع منه خلق كثير من الفقهاء والمحدثين قال الأسنوي كان رجلا عالما فاضلا فقيها محدثا حافظا لتواريخ المصريين ذكيا إلا أن نقله يزيد على تصرفه وكان سريع الحفظ بعيد النسيان مواظبا على النظر والتحصيل كثير التلاوة سريعا متوددا توفي في ربيع الآخر أو الأول ودفن بالقرافة
وفيها شرف الدين محد بن عبد المنعم المنفلوطي المعروف بابن المعين الشافعي تفقه بالشيخ نجم الدين البالسي وغيره وقرأ الأصول على الشمس المحوجب قال الكمال الأدفوي كان أديبا فقيها شاعرا اختصر الروضة وتكلم على أحاديث المهذب وسماه الطراز المذهب انتهى وفيها عز الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الوهاب بن يوسف الأفقهسي المصري سمع بالقاهرة ودمشق من جماعة قال ابن رافع ودرس بدمشق وكان كثير النقل لفروع مذهبه قوي الحافظة قيل أنه حفظ محر رالرافعي في شهر وستة أيام توفي بدمشق شابا رحمه الله تعالى
وفيها أبو عبد الله محمد بن يحيى بن محمد بن يحيى بن أحمد بن محمد بن بكر بن سعد الأشعري المالقي يعرف بابن بكر قال في تاريخ غرناطة كان من صدور العلماء وأعلام الفضل معرفة وتفننا ونزاهة عارفا بالأحكام والقراءات مبررا في الحديث والتاريخ حافظا للأنساب والأسماء والكنى قائما على العربية مشاركا في الأصول والفروع واللغة والفرائض والحساب أصيل النظر منصفا مخفوض الجناح حسن الخلق عطوفا على الطلبة محبا للعلم والعلماء أخذ القراءات والعربية والفقه والحديث والأدب عن الأستاذ أبي محمد بن أبي السداد الباهلي وابن الزبير وابن رشيد وغيرهم وأجاز له جماعة من سبتة وأفريقبة والمشرق منهم الشرف الدمياطي والأبرقوهي وولي الخطابة والقضاء بغرناطة فصدع بالحق وتصدر لنشر العلم فاقرأ العربية والفقه

والقراءات والأصول والفرائض والحساب وعقد مجلس الحديث شرحا وسماعا مولده في ذي القعدة سنة أربع وسبعين وستمائة ووقف في مصاف المسلمين يوم المساحة الكبرى بظاهر طريف فكبت به بغلته فمات منها وذلك يوم الإثنين سابع جمادى الأولى انتهى وفيها أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن الإمام قال المقرىء في التعريف بابن الخطيب قال مولاي الجد رحمه الله تعالى فممن أخذت عنه علماها يعني تلمسان الشامخان وعالماها الراسخان أبو زيد عبد الرحمن وأبو موسى عيسى ابنا محمد بن عبد الله بن الإمام وكانا قد رحلا في شبابهما من بلدهما برشك إلى تونس فأخذا بها عن ابن جماعة وابن العطار والنفزي وتلك الحلبة وأدركا المرجاني وطبقته من أعجاز المائة السابعة ثم وردا في أول المائة الثامنة تلمسان على أمير المسلمين أبي يعقوب وهو محاصر لها وفقيه حضرته يومئذ أبو الحسن علي بن مخلف التنسي وكان قد خرج إليه برسالة من صاحب تلمسان المحصورة فلم يعد وارتفع شأنه عند أبي يعقوب حتى أنه شهد جنازته ولم يشهد جنازة غيره وقام على قبره وقال نعم الصاحب فقدنا اليوم ثم زادت حظوتهما عند أمير المسلمين أبي الحسن إلى أن توفي أبو زيد في العشر الأوسط من رمضان عام أحد وأربعين وسبعمائة بعد وقعة طريف بأشهر فزادت مرتبة أبي موسى عند السلطان وكانا رحلا إلى المشرق في حدود العشرين وسبعمائة فلقيا علاء الدين القونوي وجلال الدين القزويني صاحب البيان وسمعا صحيح البخاري على الحجاز وناظرا تقي الدين بن تيمية وظهرا عليه وكان ذلك من أسباب محنته وكان شديد الإنكار على الإمام فخر الدين حدثني شيخي العلامة أبو عبد الله الأيلي أن عبد الله بن إبراهيم الزنوري أخبره أنه سمع ابن تيمية ينشد لنفسه
( محصل في أصول الدين حاصله ** من بعد تحصيله علم بلا دين )
( أصل الضلالة والإفك المبين فما ** فيه فأكثره وحي الشياطين )
قال وكان في يده قضيب فقال والله لو رأيته لضربته بهذا القضيب وشهدت مجلسا

عند السلطان قرىء فيه على أبي زيد بن الإمام حديث لقنوا موتاكم لا إله إلا الله في صحيح مسلم فقال له الأستاذ أبو إسحق بن حكم السلوي هذا الملقن محتضر حقيقة ميت مجازا فما وجه ترك محتضريكم إلى موتاكم والأصل الحقيقة فأجابه أبو زيد بجواب لم يقنعه وكنت قد قرأت على الأستاذ بعض التنقيح أي للقرافي فقلت زعم القرافي أن المشتق إنما يكون حقيقة في الحال مجازا في الاستقبال مختلفا فيه في الماضي إذا كان محكوما به أما إذا كان متعلق الحكم كما هنا فهو حقيقة إجماعا وعلى هذا التقرير لا مجاز فلا سؤال وذكر أبو زيد بن الإمام يوما في مجلسه أنه سئل بالمشرق عن هاتين الشرطيتين { ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون } فإنهما يستلزمان بحكم الإنتاج لو علم الله فيهم خيرا لتولوا وهو محال ثم أراد أن يرى ما عند الحاضرين فقال ابن الحاكم قال الخونجي والإهمال بالإطلاق لفظ لو وأن في المتصلة فهاتان القضيتان على هذا مهملتان والمهملة في قوة الجزئية ولا قياس عن جزءيتين انتهى وفيها الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون بن عبد الله الصالحي ولد في صفر وقيل في نصف المحرم سنة أربع وثمانين وستمائة وشوهد منه أنه ولد وكفاه مقبوضتان ففتحتهما الداية فسال منهما دم كثير ثم سار يقبضهما فإذا فتحهما سال منهما دم كثير فأول ذلك بأنه يسفك على يديه دماء كثيرة فكان كذلك وولي السلطنة عقب قتل أخيه الأشرف وعمره تسع سنين فولي السلطنة سنة إلا ثلاثة أيام ثم خلع بكتبغا وكان كتبغا قد جهز الناصر إلى الكرك بعد أن حلف له أنه إذا ترعرع وترجل يفرغ له عن المملكة بشرط أن يعطيه مملكة الشام استقلالا ثم أحضر الناصر من الكرك إلى مصر سنة ثمان وتسعين وسلطنوه ثانيا واستقر بيبرس الجاشنكير دويدارا وسلار نائبا في السلطنة ولم يكن للناصر معهما حكم البتة واستقر اقش الأفرم نائب دمشق وحضر الناصر وقعة غازان سنة تسع وتسعين وثبت الناصر الثبات القوي وجرى لغازان بدمشق ما اشتهر وقطعت خطبة الناصر من دمشق مدة ثم أعيدت فتحرك غازان في العود فوصل إلى حلب ثم رجع


وفي شعبان سنة اثنتين وسبعمائة كانت وقعة شقحب وكان للناصر فيها اليد البيضاء من الثبات والفتك ووقع النصر للمسلمين ثم في سنة ثمان وسبعمائة أظهر الناصر أنه يطلب الحج فتوجه إلى الكرك وأقام بها وطرد نائب الكرك إلى مصر وأعرض عن المملكة لاستبداد سلار وبيبرس دونه بالأمور وكتب الناصر إلى الأمراء بمصر يترقق لهم ويستعفيهم من السلطنة ويسألهم أن يتركوا له الكرك فوافقوه على ذلك وتسلطن بيبرس الجاشنكير ثم قصد الناصر مصر في سنة تسع وسبعمائة فاستقر في دست سلطنته يوم عيد الفطر ولما استقرت قدمه قبض على أكثر الأمراء وعزل وولي وحج وجدد خيرات كثيرة وبنى جوامع ومدارس وخوانق وفتحت في أيامه ملطية وطرسوس وغيرهما واشترى المماليك فبالغ في ذلك حتى اشترى واحدا بما يزيد على أربعة آلاف دينار قال في الدرر ولم ير أحد مثل سعادة ملكه وعدم حركة الأعادي عليه برا وبحرا مع طول المدة فمنذ وقعة شقحب إلى أن مات لم يخرج عليه أحد ووجدت له إجازة بخط البرزالي من ابن مشرف وغيره وسمع من ست الوزراء وابن الشحنة وخرج له بعض المحدثين جزءا وكان مطاعا مهيبا عارفا بالأمور يعظم أهل العلم والمناصب الشرعية ولا يقرر فيها إلا من يكون أهلا لها وتوفي في تاسع عشرى ذي الحجة بقلعة مصر في آخر النهار وحمل ليلا إلى المنصورية فغسل بها وصلى عليه عز الدين بن جماعة القاضي إماما بحضرة أناس قلائل من الأمراء وحصل للمسلمين بموته ألم شديد لأنهم لم يلقوا مثله وعهد قبيل موته لولده الملك المنصور فجلس على كرسي الملك قبل موت والده بثلاثة أيام والله أعلم

سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة

وفي محرمها بايع السلطان الملك المنصور الخليفة الحاكم بأمر الله أبا العباس أحمد بن الخليفة المستكفي للخلافة بعهد من والده وجلس مع السلطان على كرسي

واحد وبايعهم القضاة وغيرهم وفيها توفي السلطان الملك المنصور أبو بكر بن السلطان الملك الناصر محمد بن قلاوون خلع في صفر قال السيوطي لفساده وشرب الخمور حتى قيل أنه جامع زوجات أبيه ونفى إلى قوص وقتل بها وتسلطن أخوه الملك الأشرف كجك ثم خلع من عامه وولي أخوه أحمد ولقب الناصر وعقد المبايعة بينه وبين الخليفة الشيخ تقي الدين السبكي قاضي الشام وكان قد حضر معه وفيها الحافظ الكبير جمال الدين أبو الحجاج يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف بن عبد الملك بن يوسف بن علي بن أبي الزهر الإمام العلامة الحافظ الكبير المزي الشافعي قال ابن قاضي شهبة شيخ المحدثين عمدة الحفاظ أعجوبة الزمان الدمشقي المزي مولده في ربيع الآخر سنة أربع وخمسين وستمائة بظاهر حلب ونشأ بالمزة قرأ شيئا من الفقه على مذهب الشافعي وحصل طرفا من العربية وبرع في التصريف واللغة ثم شرع في طلب الحديث بنفسه وله عشرون سنة وسمع الكثير ورحل قال بعضهم ومشيخته نحو الألف وبرع في فنون الحديث وأقر له الحفاظ من مشايخه وغيرهم بالتقدم وحدث بالكثير نحو خمسين سنة فسمع منه الكبار والحفاظ وولي دار الحديث الأشرفية ثلاثا وعشرين سنة ونصفا وقال ابن تيمية لما باشرها لم يلها من حين بنيت إلى الآن أحق بشرط للواقف منه لقول الواقف فإن اجتمع من فيه الرواية ومن فيه الدراية قدم من فيه الرواية وقال الذهبي في المعجم المختص شيخنا الإمام العلامة الحافظ الناقد المحقق المفيد محدث الشام طلب الحديث سنة أربع وسبعين وهلم جرا وأكثر وكتب العالي والنازل بخطه المليح المتقن وكان عارفا بالنحو والتصريف بصيرا باللغة يشارك في الأصول والفقه ويخوض في مضايق العقول انتهى وقال السبكي في

الطبقات ولا احسب شيخنا المزي يدري المعقولات فضلا عن الخوض في مضايقها فسامح الله شيخنا الذهبي ثم قال الذهبي ويدري الحديث كما في النفس متنا وإسنادا وإليه المنتهى في معرفة الرجال وطبقاتهم ومن نظر في كتابه تهذيب الكمال علم محله من الحفظ فما رأيت مثله ولا رأى هو مثل نفسه في معناه وكان ينطوي على سلامة باطن ودين وتواضع وفراغ عن الرياسة وحسن سمت وقلة كلام وحسن احتمال وقد بالغ في الثناء عليه أبو حيان وابن سيد الناس وغيرهما من علماء العصر توفي في صفر ودفن بمقابر الصوفية غربي قبر صاحبه ابن تيمية ومن تصانيفه تهذيب الكمال والأطراف وغيرهما

سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة

في محرمها جمع الناصر الأموال التي في قلعة الجبل وأخذها وراح إلى الكرك وترك الملك ونسبت إليه أشياء قبيحة فخلعوه من السلطنة وبايعوا أخاه السلطان الصالح إسمعيل فأرسل جيشا إلى محاربة الناصر أحمد في الكرك وأظهر أنه يطلب الأموال ووقع بالشام غلاء بسبب هذا الحصار وفيها توفي الحسن بن عمر بن عيسى بن خليل البعلبكي روى عن التاج بن عبد الخالق بن عبد السلام وتوفي في شعبان قاله في الدرر وفيها الإمام المشهور الحسن بن محمد بن عبد الله الطيبي شارح الكشاف العلامة في المعقول والعربية والمعاني والبيان قال ابن حجر كان آية في استخراج الدقائق من القرآن والسنن مقبلا على نشر العلم متواضعا حسن المعتقد شديد الرد على الفلاسفة مظهرا فضائحهم مع استيلائهم حينئذ شديد الحب لله ورسوله كثير الحياء ملازما لاشغال الطلبة في العلوم الإسلامية بغير طمع بل يجديهم ويعينهم ويعير الكتب النفيسة لأهل بلده وغيرهم من يعرف ومن لا يعرف محبا لمن عرف منه تعظيم الشريعة وكان ذا ثروة من الإرث والتجارة فلم يزل ينفقه في وجوه الخيرات حتى صار في آخر عمره فقيرا صنف شرح الكشاف والتفسير

والتبيان في المعاني والبيان وشرحه وشرح المشكاة وكان يشغل في التفسير من بكرة إلى الظهر ومن ثم إلى العصر في الحديث إلى يوم مات فإنه فرغ من وظيفة التفسير وتوجه إلى مجلس الحديث فصلى النافلة وجلس ينتظر إقامة الفريضة فقضى نحبه متوجها إلى القبلة وذلك يوم الثلاثاء ثالث عشرى شعبان قال السيوطي ذكر في شرحه على الكشاف أنه أخذ من أبي حفص السهروردي وأنه قبيل الشروع في هذا الشرح رأى النبي صلى الله عليه وسلم وقد ناوله قدحا من اللبن فشرب منه
وفيها الأمير صارم الدين صاروجا بن عبد الله المظفري كان أميرا في أول دولة الملك الناصر محمد بن قلاوون بالديار المصرية وكان صاحب أدب وحشمة ومعرفة ولما أعطى الملك الناصر تنكز إمرة عشرة جعل صاروجا هذا أغاه له وضمه إليه فأحسن صاروجا لتنكز ودربه واستمر إلى أن حضر الملك الناصر من الكرك اعتقله ثم أفرج عنه بعد عشر سنين تقريبا وأنعم عليه بإمرة في صفد فأقام بها نحو سنتين ونقل إلى دمشق أميرا بها بسفارة تنكز نائب الشام فلما وصل إلى دمشق عن له تنكز خدمته السالفة وحظي عنده وصارت له كلمة بدمشق وعمر بها عماير مشهورة به منها السويقة التي خارج دمشق إلى جهة الصالحية ولما أمسك تنكز قبض على صاروجا وحضر مرسوم بتكحيله فكحل وعمى ثم ورد مرسوم بالعفو عنه ثم جهز إلى القدس الشريف فأقام به إلى أن مات في أواخر هذه السنة
وفيها تاج الدين أبو المحاسن عبد الباقي بن عبد المجيد بن عبد الله الإمام الأديب البارع اليماني الأصل المكي الشافعي ولد في رجب سنة ثمانين وستمائة بمكة وقدم دمشق ومصر وحلب ودرس بالمشهد النفيسي وأقام باليمن مدة وولي الوزارة ثم عزل وصودر ثم استقر بالقدس ودرس به واشتغل وله تآليف منها مطرب السمع في شرح حديث أم زرع ومنها لقطة العجلان المختصر في وفيات الأعيان وسمع منه البرزالي والذهبي وذكراه في معجميهما وابن رافع وخلائق وكتب عنه الشيخ أبو حيان وأثنى عليه وأكثر وعمل تاريخا للنحاة واختصر الصحاح توفي بالقاهرة في

شهر رمضان رحمه الله تعالى وفيها برهان الدين عبيد الله بن محمد الشريف برهان الدين الحسيني الشافعي الفرغاني المعروف بالعبري بكسر العين المهملة كما قاله ابن شهبة وقال لا أدري نسبته إلى أي شيء وقال السيوطي بالضم والسكون نسبة إلى عبرة بطن من الأزد قاضي تبريز كان جامعا لعلوم شتى من الأصلين والمعقولات وله تصانيف مشهورة وسكن السلطانية مدة ثم انتقل إلى تبريز وشرح كتب البيضاوي المنهاج والغاية القصوى والمصباح والمطالع وقال الحافظ زين الدين العراقي في ذيل العبر كان حنيفيا يقرىء مذهب أبي حنيفة والشافعي وصنف فيهما وقال الذهبي في المشتبه السيد العبري عالم كبير في وقتنا وتصانيفه سائرة وقال بعض فضلاء العجم كان مطاعا عند السلاطين مشهورا في الآفاق مشارا إليه في جميع الفنون ملاذا للضعفاء كثير التواضع والإنصاف توفي في رجب أو في ذ الحجة
وفيها أو في التي قبلها وجزم به السيوطي في طبقات النحاة أبو المعالي محمد بن يوسف بن علي بن محمود الصبري بلدا قاضي تعز كان ذا فضل في الفقه والنحو والحديث والقراءات السبع والفرائض كثير الصلاح والورع والعبادة ساعيا في قضاء حوائج الناس حج في سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة مع الملك المجاهد صاحب اليمن وتوفي آخر يوم عرفة من هذا العام مبطونا وغسل بمنى ودفن بالأبطح انتهى
وفيها شرف الدين محمود بن محمد بن محمد بن محمود الدركزيني بفتح المهملة وسكون الراء وكسر الكاف والزاي نسبة إلى دركزين بلد بهمذان القرشي الطالبي العالم الصالح الشافعي قال الأسنوي كان عالما زاهدا كثير العبادة شديد الاتباع للسنة صاحب كرامات أجمع عليه الخاصة والعامة والملوك والعلماء فمن دونهم وكان طويلا جدا جهوري الصوت حسن الخلق والخلق جوادا من بيت علم ودين صنف في الحديث كتابا سماه نزل السائرين في مجلد وشرح منازل السائرين في جزءين توفي في شعبان بدركزين ودفن بها والله أعلم

سنة أربع وأربعين وسبعمائة

في جمادى الآخرة منها قتل إبراهيم بن يوسف المقصاتي الرافضي إلى لعنة الله شهد عليه بسب الصحابة رضي الله عنهم وقذف عائشة والوقع في حق جبريل عليه السلام وفيها توفي القاضي تاج الدين أحمد بن عثمان بن إبرهيم بن مصطفى بن سليمان المارديني الأصل المعروف بابن التركماني الحنفي قال في الدرر ولد بالقاهرة ليلة السبت الخامس والعشرين من ذي الحجة سنة إحدى وثمانين وستمائة واشتغل بأنواع العلوم ودرس وأفتى وناب في الحكم وصنف في الفقه والأصلين والحديث والعربية والعروض والمنطق والهيئة وغالبها لم يكمل وسمع من الدمياطي وابن الصواف والحجار وحدث ومات في أوائل جمادى الأولى وله نظم وسط وفيها حسن بن محمد ابن أبي بكر السكاكيني قال في الدرر كان أبوه فاضلا في عدة علوم متشيعا من غير سب ولا غلو فنشأ ولده هذا غاليا في الرفض فثبت عليه عند القاضي شرف الدين المالكي بدمشق وثبت عليه أنه أكفر الشيخين وقذف ابنتيهما ونسب جبريل إلى الغلط في الرسالة إلى غير ذلك فحكم بزندقته وبضرب عنقه فضربت بسوق الخيل حادي عشر جمادى الاولى وفيها شهاب الدين أبو الفرج عبد اللطيف بن عبد العزيز بن يوسف بن أبي العز بن نعمة الإمام البارع المحقق النحوي الشافعي المصري المعروف بابن المرحل قال ابن شهبة سمع من جماعة واشتغل في العلم ومهر في النحو وقد انتهت إليه وإلى الشيخ أبي حيان مشيخة النحو بالديار المصرية وأخذ عنه جمال الدين بن هشام وهو الذي نوه باسمه وعرف بقدره وقال أن الاسم في زمانه كان لأبي حيان والانتفاع بابن المرحل وقال ابن رافع وخرجت له جزءا من حديثه عن بعض شيوخه وتصدر بالجامع الحاكمي وأشغل الناس بالعلم مدة وانتفع به جماعة وقال الأسنوي كان فاضلا فقيها إماما في النحو مدققا فيه محققا عارفا باللغة وعلم البيان والقراءات وتصدر بالجامع الحاكمي مدة طويلة وانتفع به وتخرجت به الطلبة

وصاروا أئمة فضلاء توفي في المحرم بالقاهرة وقد جاوز الستين وممن أخذ عنه الشيخ شمس الدين بن الصايغ الحنفي ورثاه بقصيدة وفيها الحافظ أبو حامد محمد بن أيبك السروجي كان علامة ثقة متقنا وممن عده من الحفاظ ابن ناصر الدين قال في بديعته محمد بن أيبك السروجي دار ذرى مواطن العروج
وفيها الحافظ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة المقدسي الجماعيلي الأصل ثم الصالحي الفقيه الحنبلي المقرىء المحدث الحافظ الناقد النحوي المتفنن الجبل الراسخ ولد في رجب سنة أربع وسبعمائة وقرأ بالروايات وسمع الكثير من ابن عبد الدايم والحجار وخلق كثير وعنى بالحديث وفنونه ومعرفة الرجال والعلل وبرع في ذلك وأفتى ودرس ولازم الشيخ تقي الدين بن تيمية مدة وقرأ عليه قطعة من الأربعين في أصول الدين للرازي ولازم أبا الحجاج المزي وأخذ عن الذهبي وغيره وقد ذكره الذهبي في طبقات الحفاظ فقال ولد سنة خمس أو ست وسبعمائة واعتنى بالرجال والعلل وبرع وتصدى للإفادة والاشغال في الحديث والقراءات والفقه والأصلين والنحو وله توسع في العلوم وذهن سيال وله عدة محفوظات وتآليف وتعاليق مفيدة كتب عني واستفدت منه ثم قال وصنف تصانيف كثيرة بعضها كمله وبعضها لم يكمله لهجوم المنية وعد له ابن رجب في طبقاته ما يزيد على سبعين مصنفا يبلغ التام منها ما يزيد على مائة مجلد توفي رحمه الله عاشر جمادى الأولى ودفن بسفح قاسيون
وفيها تقي الدين أبو الفتح محمد بن عبد اللطيف بن يحيى بن علي بن تمام الأنصاري السبكي الشافعي الفقيه المحدث الأديب المفنن ولد سنة أربع وسبعمائة وطلب الحديث في صغره وسمع خلقا وتفقه على جده الشيخ صدر الدين وعلى الشيخ تقي الدين السبكي والشيخ قطب الدين السنباطي وتخرج بالشيخ تقي الدين السبكي في كل فنونه وقرأ النحو على أبي حيان وتلا عليه بالسبع ولازمه سبعة عشر عاما ودرس بالقاهرة وناب في الحكم ثم قدم دمشق وناب في الحكم أيضا ودرس في الشامية الجوانية والركنية وعلق

تاريخا للمتجددات في زمانه ذكره الذهبي في المعجم المختص قال ابن فضل الله ليس في الفقهاء بعد ابن دقيق العيد أدرب منه توفي في ذي القعدة ودفن بتربتهم بسفح قاسيون وفيها بهاء الدين أبو الثناء محمود بن علي بن عبد الولي بن خولان البعلي الفقيه الحنبلي الفرضي ولد في حدود السبعمائة وسمع الحديث من جماعة وقرأ على الحافظ الدبيثي عدة أجزاء وتفقه على الشيخ مجد الدين الحراني ولازم الشيخ تقي الدين بن تيمية وبرع في الفرائض والوصايا والجبر والمقابلة وكان مفتيا دينا متواضعا متوددا ملازما للاشتغال والاشغال حريصا على إفادة الطلبة بارا بهم محسنا إليهم تفقه به جماعة وانتفعوا به وبرع منهم طائفة وتوفي ببعلبك في رجب رحمه الله تعالى

سنة خمس وأربعين وسبعمائة

فيها توفي شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الغني الحراني ثم الدمشقي الفقيه الحنبلي ولد سنة اثنتين وسبعمائة وسمع من ابن الموازيني وغيره وطلب بنفسه وكتب الكثير وسمع الكثير أيضا وتفقه في المذهب وأصول الفقه وهو الذي بيض مسودة الأصول لابن تيمية ورتبها ذكره الذهبي في المعجم المختص فقال من أعيان أهل مذهبه فيه دين وتقوى ومعرفة بالفقه أخذ عني ومعي وتوفي في جمادى الآخرة بدمشق ودفن بمقبرة باب الصغير وفيها علم الدين سنجر بن عبد الله الأمير الكبير الجاولي الشافعي ولد سنة ثلاث وخمسين وستمائة بآمد ثم صار لأمير من الظاهرية يسمى جاولى وانتقل بعد موته إلى بيت المنصور وتنقلت به الأحوال إلى أن صار مقدما بالشام وكانت داره بدمشق غربي جامع تنكز وبعضها شماليه فسأله تنكز عند بناء الجامع إضافة ما بين جامعه وبين الميدان وكان هناك اصطبل وغيره فأبى ذلك كل الإباء ووقفها وكان ذلك سببا لنقله من دمشق ثم ولي نيابة غزة ثم قبض عليه في شعبان سنة عشرين اتهم بأنه يريد الدخول إلى اليمن وسجن بالأسكندرية وأحيط على أمواله ثم أفرج عنه آخر سنة ثمان وعشرين ثم استقر أميرا مقدما بمصر

واستقر من أمراء المشورة ثم ولي حماة بعد موت الناصر مدة يسيرة ثم ولي نيابة غزة فأقام بها أربعة أشهر ثم عاد إلى مصر وقد روى مسند الشافعي عن قاضي الشوبك دانيال وحدث به غير مرة ورتب مسند الشافعي ترتيبا حسنا وشرحه في مجلدات بمعاونة غيره جمع بين شرحيه لابن الأثير والرافعي وزاد عليهما من شرح مسلم للنووي وبنى جامعا بالخليل في غاية الحسن وجامعا بغزة ومدرسة بها وخانقاه بظاهر القاهرة قال ابن كثير وقف أوقافا كثيرة بغزة والقدس وغيرهما وكان له معرفة بمذهب الشافعي ورتب المذهب ترتيبا حسنا فيما رأيته وشرحه في مجلدات فيما بلغني قال الحافظ زين الدين العراقي أنه رتب الأم للشافعي توفي في رمضان ودفن بالخانقاه التي أنشأها وفيها جلال الدين عبد الله بن أحمد بن علي بن أحمد الفقيه الحنفي النحوي العراقي الكوفي المعروف بابن الفصيح طلب الحديث وسمع من الخزرجي والذهبي وشارك في الفضائل مولده في شوال سنة اثنتين وسبعمائة قاله الصفدي وفيها نجم الدين أبو الحسن علي بن داود بن يحيى بن كامل بن يحيى بن جبارة الزبيري القرشي الأسدي قال الصفدي شيخ أهل دمشق في عصره خصوصا في العربية قرأ عليه أهل دمشق وانتفعوا به ولد في جمادى الأولى سنة ثمان وستين وستمائة وقرأ النحو على العلاء بن المطرز والفقه على الشمس الحريري والأصول على البدر بن جماعة والعربية على الشرف الفزاري والمجد التونسي والمعاني والبيان على البدر بن النحوية والميقات على البدر بن دانيال وسمع الحديث على النجم الشقراوي والبرهان بن الدرجي قال ولم أصنف شيئا لمؤاخذتي للمصنفين فكرهت أن أجعل نفسي غرضا غير أني جمعت منسكا للحج وله النظم والنثر والكتابة المنسوبة ولي تدريس الركنية ثم نزل عنها ورعا وخطب بجامع تنكز ومن شعره
( اضمرت في القلب هوى شادن ** مشتغل في النحو لا ينصف )
( وصفت ما أضمرت يوما له ** فقال لي المضمر لا يوصف )
توفي في رابع عشرى رجب وفيها سراج الدين عمر بن عبد الرحمن

ابن عمر البهبهائي صاحب الكشف على الكشاف قرأ على قوام الدين الشيرازي وهو قرأ على القطب العالي وكان له حظ وافر من العلوم سيما العربية واخترمته المنية شابا عن سبع أو ثمان وثلاثين سنة وفيها أبو عبد الله محمد بن علي المصري النحوي قال الخزرجي في طبقات أهل اليمن كان فقيها فاضلا عارفا بالنحو والفقه واللغة والحديث والتفسير والقراءات أعاد بالمؤيدية بثغر رودس وبالمجاهدية بها وفيها شمس الدين محمد بن أبي بكر بن إبرهيم بن عبد الرحمن بن محمد بن حمدان بن النقيب ولد تقريبا سنة اثنتين وستين وستمائة وأخذ شيئا من الفقه عن الشيخ محي الدين النووي وخدمه وتفقه بالشيخ شرف الدين المقدسي وسمع الحديث وسمع منه البرزالي وغير واحد وأخذ عنه جمال الدين بن جملة قديما وولي قضاء حمص فطرابلس ثم حلب ثم صرف عنها وعاد إلى دمشق وولي تدريس الشامية البرانية قال السبكي له الديانة والعفة والورع الذي طرد به الشيطان وأرغم أنفه كان من أساطين المذهب توفي في ذي القعدة ودفن بالصالحية
وفيها تقي الدين أبو الفتح محمد بن محمد بن علي بن همام بالضم والتخفيف ابن راجي الله بن سرايا بن ناصر بن داود الإمام المحدث العسقلاني الأصل المصري المعروف بابن الإمام الشافعي مولده في شعبان سنة سبع وسبعين وستمائة وطلب الحديث وقرأ وكتب بخطه وحصل الأجزاء والكتب الحديثية وتخرج بالحافظ الدمياطي وسمع من جماعة وكان إماما بالجامع الصالحي ظاهر القاهرة وساكنا به وصنف كتابا حسنا في الأذكار والأدعية سماه سلاح المؤمن وكتاب الاهتداء في الوقف والابتداء من أخصر ما ألف وأحسنه وكتابا في المتشابه مرتبا على السور واشتهر كتابه سلاح المؤمن في حياته واختصره الذهبي توفي في ربيع الأول
وفيها شمس الدين محمد بن مظفر الدين الخلخالي ويعرف أيضا بالخطيب الشافعي قال الأسنوي كان إماما في العلوم العقلية والنقلية ذا تصانيف كثيرة مشهورة منها شرح المصابيح ومختصر ابن الحاجب والمفتاح والتلخيص في علم

البيان وصنف أيضا في المنطق وتوفي بأران بهمزة مفتوحة وراء مهملة مشددة والخلخالي نسبة إلى الخلخال بخاءين معجمتين مفتوحتين آخره لام قرية من نواحي السلطانية وفيها الإمام أثير الدين أبو حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيان الأندلسي الغرناطي النفزي نسبة إلى نفزة بكسر النون وسكون الفاء قبيلة من البربر نحوى عصره ولغويه ومفسره ومحدثه ومقريه ومؤرخه وأديبه ولد بمطخشارش مدينة من حضيرة غرناطة في آخر شوال سنة أربع وخمسين وستمائة وأخذ القراءات عن أبي جعفر بن الطباع والعربية عن أبي الحسن الأبذي وأبي جعفر بن الزبير وابن أبي الأحوص وابن الصائغ وبمصر عن البهاء بن النحاس وجماعة وتقدم في النحو وأقرأ في حياة شيوخه بالمغرب وسمع الحديث بالأندلس وأفريقية والأسكندرية ومصر والحجاز من نحو أربعمائة وخمسين شيخا منهم أبو الحسن بن ربيع وابن أبي الأحوص والقطب القسطلاني وأجاز له خلق من المغرب والمشرق منهم الشرف الدمياطي وابن دقيق العيد والتقى بن رزين وأبو اليمن بن عساكر وأكب على طلب الحديث وأتقنه وشرع فيه وفي التفسير والعربية والقراءات والأدب والتاريخ واشتهر اسمه وطار صيته وأخذ عنه أكابر عصره وتقدموا في حياته كالشيخ تقي الدين السبكي وولديه والجمال الأسنوي وابن قاسم وابن عقيل والسمين وناظر الجيش والسفاقسي وابن مكتوم وخلائق قال الصفدي لم أره قط إلا يسبح أو يشغل أو يكتب أو ينظر في كتاب وكان ثبتا قيما عارفا باللغة وأما النحو والتصريف فهو الإمام المطلق فيهما خدم هذا الفن أكثر عمره حتى صار لا يدركه أحد في أقطار الأرض فيهما وله اليد الطولي في التفسير والحديث وتراجم الناس ومعرفة طبقاتهم خصوصا المغاربة وأقرأ الناس قديما وحديثا

وألحق الصغار بالكبار وصارت تلامذته أئمة وشيوخا في حياته والتزم أن لا يقرىء أحدا إلا في كتاب سيبويه أو التسهيل أو مصنفاته وكان سبب رحلته عن غرناطة أنه حملته حدة الشبيبه على التعرض للأستاذ أبي جعفر بن الطباع وقد وقعت بينه وبين أبي جعفر بن الزبير واقعة فنال منه وتصدى لتأليف في الرد عليه وتكذيب روايته فرفع أمره إلى السلطان فأمر بإحضاره وتنكيله فاختفى ثم ركب البحر ولحق بالمشرق وقال السيوطي ورأيت في كتابه النضار الذي ألفه في ذكر مبدئه واشتغاله وشيوخه ورحلته أن مما قوى عزمه على الرحلة عن غرناطة أن بعض العلماء بالمنطق والفلسفة والرياضي والطبيعي قال للسلطان أني قد كبرت وأخاف أن أموت فأرى أن ترتب لي طلبة أعلمهم هذه العلوم لينتفعوا من بعدي قال أبو حيان فأشير إلى أن أكون من أولئك وترتب لي راتب جيد وكسوة وإحسان فتمنعت ورحلت مخافة أن أكره على ذلك قال الصفدي وقرأ على العلم العراقي وحضر مجلس الأصبهاني وتمذهب للشافعي وكان أبو البقاء يقول أنه لم يزل ظاهريا وقال ابن حجر كان أبو حيان يقول محال أن يرجع عن مذهب الظاهر من علق بذهنه وقال الأدفوي كان يفخر بالبخل كما يفخر الناس بالكرم وكان ثبتا صدوقا حجة سالم العقيدة من البدع الفلسفية والاعتزال والتجسيم ومال إلى مذهب أهل الظاهر وإلى محبة علي بن أبي طالب كثير الخشوع والبكاء عند قراءة القرآن وكان شيخا طوالا حسن النغمة مليح الوجه ظاهر اللون مشربا بحمرة منور الشيبة كبير اللحية مسترسل الشعر وكان يعظم ابن تيمية ثم وقع بينه وبينه في مسئلة نقل سيبويه في تبيين موضع من كتابه فأعرض عنه ورماه في تفسيره النهر بكل سوء وقال الصفدي وكان له إقبال على الطلبة الأذكياء وعنده تعظيم لهم وهو الذي جسر الناس على مصنفات ابن مالك ورغبهم في قراءتها وشرح لهم غامضها وخاض لهم في لججها وكان يقول عن مقدمة ابن الحاجب هذه نحو الفقهاء تولى تدريس التفسير بالمنصورية والإقراء بجامع الأقمر وكانت عبارته فصيحة لكنه في غير القرآن يعقد القاف قريبا من الكاف وله

من التصانيف البحر المحيط في التفسير ومختصره النهي واتحاف الأريب بما في القرآن من الغريب والتذييل والتكميل في شرح التسهيل ومطول الارتشاف ومختصره مجلدان ولم يؤلف في العربية أعظم من هذين الكتابين ولا اجمع ولا أحصى للخلاف والأحوال قال السيوطي وعليهما اعتمدت في كتابي جمع الجوامع نفع الله به ومن مؤلفاته التنحيل الملخص من شرح التسهيل للمنصنف وابنه بدر الدين والأسفار الملخص من شرح سيبويه للصفار والتجويد لأحكام سيبويه والتذكرة في العربية أربع مجلدات كبار والتقريب في مختصر المقرب والتدريب في شرحه والمبدع في التصريف والارتضاء في الضاد والظاء وعقد اللآلى في القراءات على وزن الشاطبية وقافيتها والحلل الحالية في أسانيد القراءات العالية ونحاة الأندلس والأبيات الوافية في علم القافية ومنطق الخرس في لسان الفرس والإدراك للسان الأتراك وزهو الملك في نحو الترك والوهاج في اختصار المنهاج للنووي وغير ذلك مما لم يكمل كمجاني الهصر في تاريخ أهل العصر ومن شعره
( عداي لهم فضل على ومنة ** فلا أذهب الرحمن عني الأعاديا )
( هم بحثوا عن زلتي فاجتنبتها ** وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا )
ومنه
( سبق الدمع بالمسير المطايا ** إذ نوى من أحب عني نقله )
( فأجاد السطور في صفحة الخد ** ولم لا يجيد وهو ابن مقله )
ومنه
( راض حبيبي عارض قد بدا ** يا حسنه من عارض رائض )
( وظن قوم أن قلبي سلا ** والأصل لا يعتد بالعارض )
مات بالقاهرة في ثامن عشر صفر ودفن بمقبرة الصوفية رحمه الله تعالى

سنة ست وأربعين وسبعمائة

فيها توفي الملك الصالح إسمعيل بن محمد بن قلاوون ولي السلطنة سنة ثلاث وأربعين كما تقدم وكان حسن الشكل تزوج بنت أحمد بن بكتم التي من بنت تنكز وكان يميل إلى السود مع العفة وكراهة الظلم والمثابرة على المصالح وكان أرغون العلائي زوج أمه مدبر دولته ونائب مصر اق سنقر السلاري ومات الصالح في ربيع الآخر وله نحو عشرين سنة ومدة سلطنته ثلاث سنين وثلاثة أشهر وهو الذي عمر البستان بالقلعة وكانت أيامه طيبة والناس في دعة وسكون خصوصا بعد قتل أخيه أحمد واستقر عوض الصالح شقيقه الكامل شعبان
وفيها أبو بكر بن محمد بن عمر بن الشيخ الكبير أبي بكر بن قوام بن علي بن منصور بن قوام الشيخ العالم الصالح القدوة نجم الدين البالسي الأصل الدمشقي الشافعي المعروف بابن قوام ولد في ذي القعدة سنة تسعين وستمائة وسمع وتفقه وكان شيخ زاوية والده ودرس في آخر عمره بالرباط الناصري وحدث وسمع منه الحسيني وآخرون قال ابن كثير كان رجلا حسنا جميل المعاشرة فيه أخلاق وآداب حسنة وعنده فقه ومذاكرة ومحبة للعلم مات في رجب ودفن بزاويتهم إلى جانب والده وفيها فخر الدين أحمد بن الحسن بن يوسف الإمام العلامة الجاربردي الشافعي نزيل تبريز أحد شيوخ العلم المشهورين بتلك البلاد والتصدي لشغل الطلبة أخذ عن القاضي ناصر الدين البيضاوي وشرح منهاجه والحاوي الصغير ولم يكمله وشرح تصريف ابن الحاجب وله على الكشاف حواشي مفيدة قال السبكي كان إماما فاضلا دينا خيرا وقورا مواظبا على الاشتغال بالعلم وإفادة الطلبة وجده يوسف أحد شيوخ العلم المشهورين بتلك البلاد والتصدي لشغل الطلبة وله تصانيف معروفة وعنه أخذ الشيخ نور الدين الأردبيلي وغيره توفي صاحب الترجمة بتبريز في شهر رمضان وفيها تاج الدين علي بن عبد الله

ابن أبي الحسن الأردبيلي التبريزي الشافعي المتضلع بغالب الفنون من المعقولات والفقه والنحو والحساب والفرائض ولد سنة سبع وستين وستمائة وأخذ عن قطب الدين الشيرازي وعلاء الدين النعماني الخوارزمي وغيرهما ودخل بغداد سنة ست عشرة وحج ثم دخل مصر سنة اثنتين وعشرين قال الذهبي هو عالم كبير شهير كثير التلامذة حسن الصيانة من مشايخ الصوفية وقال السبكي كان ماهرا في علوم شتى وعنى بالحديث بآخره وصنف في التفسير والحديث والأصول والحساب ولازم شغل الطلبة بأصناف العلوم وقال الأسنوي واظب العلم فرادى وجماعة وجانب الملك فلم يسترح قبل قيامته ساعة كان عالما في علوم كثيرة من أعرف الناس بالحاوي الصغير وقال غيره قرأ الحاوي كله سبع مرات في شهر واحد وكان يرويه عن علي بن عثمان العفيقي عن مصنفه وتخرج به جماعة منهم برهان الدين الرشيدي وناظر الجيش وابن النقيب وتوفي بالقاهرة يوم الأحد تاسع عشرى شهر رمضان ودفن بتربته التي أنشأها قريبا من الخانقاة الدويدارية
وفيها مجد الدين أبو الحسن عيسى بن إبرهيم بن محمد الماردي بكسر الراء نسبة إلى ماردة جد النحوي الشاعر قال في الدرر تفقه على أحمد بن مندل ومهر واختصر المعالم للرازي ومات في المحرم وهو في عشر السبعين
وفيها أسد الدين رميثة بمثلثة مصغر أبو عرادة بن أبي نمى بالنون مصغر محمد بن أبي سعيد حسن بن علي بن قتادة الحسني ولي مكة مع أخيه ثم استقل سنة خمس عشرة ثم قبض عليه في ذي الحجة سنة ثمان عشرة فاجرى الناصر عليه في الشهر ألفا ثم هرب بعد أربعة أشهر فأمسكه شيخ عرب آل حديث بعقبة أيلة فبسجن إلى أن أفرج عنه في محرم سنة عشرين ورد إلى مكة فلما كان في سنة إحدى وثلاثين تحارب هو وأخوه عطية ثم اصطلحا وكثر ضرر الناس منهما ثم بلغ الناصر أنه أظهر مذهب الزيدية فأنكر عليه وأرسل إليه عسكرا فلم يزل أمير الحاج يستميله حتى عاد ثم أمنه السلطان فرجع إلى مكة ولبس الخلعة ثم حج الناصر سنة

اثنتين وثلاثين فتلقاه رميثة إلى ينبع فأكرمه الناصر واستقر رميثة وأخوه إلى أن انفرد رميثة سنة ثمان وثلاثين ثم نزل عن الإمرة لولديه ثقبة وعجلان إلى أن مات
وفيها الملك الأشرف كجك بن محمد بن قلاوون الصالحي ولي السلطنة وعمره خمس سنين تقريبا وذلك في أواخر سنة اثنتين وأربعين واستمر مدة يسيرة وقوصون مدبر المملكة إلى أن حضر الناصر أحمد من الكرك فخلع وادخل الدور إلى أن مات في هذه السنة في أيام أخيه الكامل شعبان وله من العمر نحو الاثنتي عشرة سنة وفيها ضياء الدين محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن المناوي الشافعي القاضي ولد بمنية القائد سنة خمس وخمسين وستمائة وسمع من جماعة وأخذ الفقه عن ابن الرفعة وطبقته وقرأ النحو على البهاء بن النحاس والأصول على الأصفهاني والقرافي وأفتى وحدث ودرس بقبة الشافعي وغيرها وولي وكالة بيت المال ونيابة الحكم بالقاهرة قال الأسنوي ووضع على التنبيه شرحا مطولا وكان دينا مهيبا سليم الصدر كثير الصمت والتصميم لا يحابى أحدا منقطعا عن الناس وتوفي في رمضان ودفن بالقرافة وفيها بدر الدين محمد بن محي الدين بن يحيى بن فضل الله كاتب السر ولد سنة عشر وسبعمائة وتعاني صناعة أبيه وكان في خدمته بدمشق ومصر وهو شقيق شهاب الدين وأرسله أخوه علاء الدين إلى دمشق فباشر كتابة السر بها عوضا عن أخيه شهاب الدين وذلك في رجب سنة ثلاث وأربعين وكان أحب إخوته إلى أبيه وأخيه شهاب الدين وكان عاقلا فاضلا ساكنا كثير الصمت حسن السيرة أحبه الناس وتوفي في رجب والله أعلم

سنة سبع وأربعين وسبعمائة

فيها خلع ثم قتل الملك الكامل شعبان بن محمد بن قلاوون قال في الدرر ولي السلطنة سنة ست وأربعين في ربيع الآخر بعد أخيه الصالح فاتفق أنه ركب من باب النصر إلى الإيوان لعب به الفرس فنزل عنه ومشى خطوات حتى دخل

إيوان دار العدل فتطير الناس وقالوا لا يقيم إلا قليلا فكان كذلك ثم باشر السلطنة بمهابة فخافه الأمراء والأجناد لكنه أقبل على اللهو والنساء وصار يبالغ في تحصيل الأموال ويبذرها عليهم وولع بلعب الحمام وسهل في النزول عن الإقطاعات فثار عليه يلبغا بدمشق وأشاع خلعه معتمدا على أن الناصر كان أوصاه وأوصى غيره أنه من تسلطن من أولاده ولم يسلك الطريقة المرضية فجروا برجله وملكوا غيره فلما بلغ الكامل جهز إليه عسكرا فاتفق الأمراء والأجناد وأصحاب العقد والحل في جمادى الأولى من هذه السنة فخلع ثم خنق في يوم الأربعاء ثالث الشهر المذكور وقرروا أخاه المظفر حاجي وفيها سيف الدين أبو بكر بن عبد الله الحريري قال في الدرر سمع من الحجار وقرأ بالروايات ومهر في النحو وولي تدريس الظاهرية البرانية ومشيخة النحو بالناصرية وذكره الذهبي في المختص وقال فيه الإمام المحصل ذو الفضائل سمع وكتب وتعب واشتغل وأفاد سمع مني وتلا بالسبع وأعرض عن أشياء من فضلات العلم توفي في ربيع الأول ودفن بالصوفية وفيها تقي الدين أبو محمد عبد الكريم بن قاضي القضاة محي الدين يحيى بن الزكي ولد سنة أربع وستين وستمائة وسمع من الفخر وحدث وكان من أعيان الدمشقيين وبقية أهل بيته وكان أول ما درس سنة ست وثمانين بالمجاهدية وولي مشيخة الشيوخ سنة ثلاث وسبعمائة لما تركها الشيخ صفي الدين الهندي وكان رئيسا محتشما توفي في شوال وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الحق بن عيسى الحصري القاضي الشافعي خرج من مصر صحبة القاضي علاء الدين القونوي وقد تضلع من العلوم وولي قضاء بعلبك مدة ثم نقل إلى قضاء صفد ثم تركه وولي قضاء حمص قال ابن رافع وحمدت سيرته وكان فاضلا وأشغل الناس ببعلبك وصفد وحمص وقال العثماني قاضي صفد في طبقات الفقهاء شيخي وأستاذي وأجل من لقيت في عيني أحد مشايخ المسلمين والفقهاء المحققين

والحفاظ المتقنين والأذكياء البارعين والفضلاء الجامعين والحكام الموفقين والمدرسين الماهرين قال ولما ولي صفد أحياها ونشر العلم بها ودرس بها التدريس البديع الذي لم يسمع مثله وكان طريقه جدا لا يعرف الهزل ولا يذكر أحد عنده بسوء توفي بحمص في شعبان وفيها شمس الدين أبو بكر محمد بن محمد بن نمير بن السراج قال ابن حجر قرأ على نور الدين الكفتي وعلى المكين الأسمر وغيرهما وعنى بالقراءات وكتب الخط المنسوب وحدث عن شامية بنت البكري وغيرها وتصدر للإقراء وانتفع الناس به وكان سليم الباطن يعرف النحو ويقرئه مات في شعبان وله سبع وسبعون سنة وفيها زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية أخو الشيخ تقي الدين ولد سنة ثلاث وستين وستمائة بحران وحضر على أحمد بن عبد الدايم وسمع من ابن أبي اليسر والقسم الأربلي والقطب بن أبي عصرون في آخرين وجمع له منهم البرزالي ستة وثمانين شيخا وكان يتعانى التجارة وهو خير دين حبس نفسه مع أخيه بالأسكندرية ودمشق محبة له وإيثارا لخدمته ولم يزل عنده ملازما معه للتلاوة والعبادة إلى أن مات الشيخ وخرج هو وكان مشهورا بالديانة والأمانة وحسن السيرة وله فضيلة ومعرفة مات في ذي القعدة قاله ابن حجر وفيها أبو زكريا يحيى ين إبرهيم بن يحيى بن عبد الواحد بن أبي حفص الهنتاتي بالكسر والسكون وفوقيتين بينهما ألف نسبة إلى هنتاتة قبيلة من البربر بالمغرب ملك تونس نحو ثلاثين سنة توفي في رجب واستقر بعده ابنه أبو حفص عمر

سنة ثمان وأربعين وسبعمائة

قتل في ثالث عشر شعبانها الملك المظفر سيف الدين حاجي بن محمد بن قلاوون ولد وأبوه في الحجاز سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة وولي السلطنة في العام الذي قبل هذا كما تقدم واتفق رخص الأسعار في أول ولايته ففرح الناس به لكن انعكس مزاجهم عليه بلعبه وإقباله على اللهو والشغف بالنساء حتى وصلت قيمة عصبة حظيته

التي على رأسها مائة ألف دينار وصار يحضر الأوباش بين يديه يلعبون بالصراع وغيره وكان مرة يلعب بالحمام فدخل عليه بعض الأمراء ولامه وذبح منها طيرين فطار عقله وقال لخواصه إذا دخل هذا إلي فبضعوه بالسيف فسمعها بعض من يميل إليه فحذره فجمع الأمراء وركب فبلغ ذلك المظفر فخرج فيمن بقي معه فلما تراءى الجمعان ضربه بعض الخدم بطبر من خلفه فوقع وكتفوه ودخلوا به إلى تربة هناك فقتلوه ثم قرروا أخاه الناصر حسن مكانه في رابع عشر شعبان قاله ابن حجر
وفيها كمال الدين أبو الفضل جعفر بن تغلب بن جعفر بن الإمام العلامة الأدفوي بضم الفاء نسبة إلى أدفو بلد بصعيد مصر الشافعي ولد في شعبان سنة خمس وثمانين وقيل خمس وسبعين وستمائة وسمع الحديث بقوص والقاهرة وأخذ المذهب والعلوم عن علماء ذلك العصر منهم ابن دقيق العيد قال أبو الفضل العراقي كان من فضلاء أهل العلم صنف تاريخا للصعيد ومصنفا في حل السماع سماه كشف القناع وغير ذلك وقال الصلاح الصفدي صنف الأمتاع في أحكام السماع والطالع السعيد في تاريخ الصعيد والبدر السافر في تحفة المسافر في التاريخ انتهى توفي في صفر بمصر ودفن بمقابر الصوفية وفيها علاء الدين أبو الحسن علي بن أيوب بن منصور ابن وزير المقدسي الشافعي ولد سنة ست وستين وستمائة تقريبا وقرأ على التاج الفزاري وولده برهان الدين وبرع في الفقه واللغة والعربية وسمع الحديث الكثير بدمشق والقدس ودرس بالأسدية وبحلقة صاحب حمص وسمع منه الذهبي وذكره في المعجم المختص فقال الإمام الفقيه البارع المتقن المحدث بقية السلف قرأ بنفسه ونسخ أجزاء وكتب الكثير من الفقه والعلم بخطه المتقن وأعاد بالبادرائية ثم تحول إلى القدس ودرس بالصلاحية تغير وجف دماغه في سنة اثنتين وأربعين وكان إذا سمع عليه في حال تغيره يحضر ذهنه وكان يستحضر العلم جيدا توفي بالقدس في شهر رمضان وفيها الإمام الحافظ شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز التركماني الذهبي قال التاج السبكي في طبقاته الكبرى شيخنا وأستاذنا

محدث العصر اشتمل عصرنا على أربعة من الحفاظ وبينهم عموم وخصوص المزي والبرزالي والذهبي والشيخ الوالد لا خامس لهم في عصرهم فأما أستاذنا أبو عبد الله فبصر لا نظير له وكنز هو الملجأ إذا نزلت المعضلة أمام الوجود حفظا وذهب العصر معنى ولفظا وشيخ الجرح والتعديل ورجل الرجال في كل سبيل كأنما جمعت الأمة في صعيد واحد فنظرها ثم أخذ يخبر عنها أخبار من حضرها وكان محط رحال المعنت ومنتهى رغبات من تعنت تعمل المطى إلى جواره وتضرب البزل المهاري أكبادها فلا تبرح أو تبيد نحو داره وهو الذي خرجنا في هذه الصناعة وأدخلنا في عداد الجماعة جزاه الله عنا أفضل الجزاء وجعل حظه من عرصات الجنان موفر الأجزاء وسعده بدرا طالعا في سماء العلوم يذعن له الكبير والصغير من الكتب والعالي والنازل من الأجزاء كان مولده في سنة ثلاث وسبعين وستمائة وأجاز له أبو زكريا بن الصيرفي والقطب بن عصرون والقسم الأربلي وغيرهم وطلب الحديث وله ثمان عشرة سنة فسمع بدمشق من عمر بن القواس وأحمد بن هبة الله بن عساكر ويوسف بن أحمد الغسولي وغيرهم وببعلبك من عبد الخالق بن علوان وزينب بنت عمر بن كندي وغيرهما وبمصر من الأبرقوهي وعيسى بن عبد المنعم بن شهاب وشيخ الإسلام بن دقيق العيد والحافظين أبي محمد الدمياطي وأبي العباس بن الظاهري وغيرهم ولما دخل على شيخ الإسلام بن دقيق العيد وكان المذكور شديد التحري في الأسماع قال له من أين جئت قال من الشام قال بم تعرف قال بالذهبي قال من أبو طاهر الذهبي قال له المخلص فقال أحسنت وقال من أبو محمد الهلالي قال سفيان بن عيينة قال أحسنت إقرأ ومكنه من القراءة حينئذ إذ رآه عارفا بالأسماء وسمع بالأسكندرية من أبي الحسن علي بن أحمد الغرافي وأبي الحسين يحيى بن أحمد بن الصواف وغيرهما وبمكة من التوزري وغيره وبحلب من سنقر الزيني وغيره وبنابلس من العماد بن بدران وفي شيوخه كثرة فلا نطيل بتعدادهم وسمع منه الجم الكثير

وما زال يخدم هذا الفن حتى رسخت فيه قدمه وتعب الليل والنهار وما تعب لسانه وقلمه وضربت باسمه الأمثال وسار اسمه مسير لقبه الشمس إلا أنه لا يتقلص إذا نزل المطر ولا يدبر إذا أقبلت الليال وأقام بدمشق يرحل إليه من سائر البلاد وتناديه السؤالات من كل ناد وهو بين أكنافها كنف لأهليها وشرف تفتخر وتزهو به الدنيا وما فيها طورا تراها ضاحكة عن تبسم أزهارها وقهقهة غدرانها وتارة تلبس ثوب الوقار والافتخار بما اشتملت عليه من أبياتها المعدود من سكانها توفي رحمه الله تعالى ليلة الإثنين ثالث ذي القعدة بالمدرسة المنسوبة لأم الصالح في قاعة سكنه ورآه الوالد قبل المغرب وهو في السياق ثم سأله أدخل وقت المغرب فقال له الوالد ألم تصل العصر فقال نعم ولكن لم أصل المغرب إلى الآن وسأل الوالد رحمه الله عن الجمع بين المغرب والعشاء تقديما فأفتاه بذلك ففعله ومات بعد العشاء قبل نصف الليل ودفن بباب الصغير حضرت الصلاة عليه ودفنه وكان قد أضر قبل موته بمدة يسيرة أنشدنا شيخنا الذهبي من لفظه لنفسه
( تولى شبابي كأن لم يكن ** وأقبل شيب علينا تولى )
( ومن عاين المنحنى والنقى ** فما بعد هذين إلا المصلى )
انتهى ما قاله السبكي ملخصا وقال ابن تغري بردي في المنهل الصافي بعد ترجمة حسنة وله أوراد هائلة وتصانيف كثيرة مفيدة منها تاريخ الإسلام الكبير في أحد وعشرين مجلدا ومختصره سير النبلاء في عدة مجلدات كثيرة ومختصر العبر في خبر من غبر ومختصر آخر سماه الدول الإسلامية ومختصره الصغير المسمى بالإشارة ومختصره أيضا وسماه الإعلام بوفيات الإعلام واختصر تهذيب الكمال للمزي وسماه تذهيب التهذيب واختصر أيضا منه مجلدا سماه الكاشف وله ميزان الاعتدال في نقد الرجال والمغنى في الضعفاء مختصره ومختصر آخر قبله والنبلاء في شيوخ السنة مجلدا والمقتنى في سر الكنى وطبقات الحفاظ مجلدين وطبقات مشاهير القراء مجلد والتاريخ الممتع في ستة أسفار والتجريد في أسماء الصحابة ومشتبه النسبة واختصر أطراف

المزي واختصر تاريخ بغداد للخطيب واختصر تاريخ ابن السمعاني واختصر وفيات المنذري والشريف النسابة واختصر سنن البيهقي على النصف من حجمها مع المحافظة على المتون واختصر تاريخ دمشق في عشر مجلدات واختصر تاريخ نيسابور للحاكم واختصر المحلى لابن حزم واختصر الفاروق لشيخ الإسلام الأنصاري وهذبه واختصر كتاب جواز السماع لجعفر الأدفوي واختصر الزهد للبيهقي والقدر له والبعث له واختصر الرد على الرافضة لابن تيمية مجلد واختصر العلم لابن عبد البر واختصر سلاح المؤمن في الأدعية وصنف الروع والأدجال في بقاء الدجال وكتاب كسروثن رتن الهندي وكتاب الزيادة المضطرية وكتاب سيرة الحلاج وكتاب الكبائر وكتاب تحريم أدبار النساء كبيرة وصغيرة وكتاب العرش وكتاب أحاديث الصفات وجزء في فضل آية الكرسي وجزء في الشفاعة وجزءان في صفة النار ومسئلة السماع جزء ومسئلة الغيب وكتاب رؤية الباري وكتاب الموت وما بعده وطرق أحاديث النزول وكتاب اللباس وكتاب الزلازل ومسئلة دوام النار وكتاب التمسك بالسنن وكتاب التلويح بمن سبق ولحق وكتاب مختصر في القراءات وكتاب هالة البدر في أهل بدر وكتاب تقويم البلدان وكتاب ترجمة السلف ودعاء المكروب وجزء صلاة التسبيح وفضل الحج وأفعاله وكتاب معجم شيوخه الكبير والمعجم الأوسط والمعجم الصغير والمعجم المختص وله عدة تصانيف أضربت عنها لكثرتها وقال الصفدي ذكره الزملكاتي بترجمة حسنة وقال أنشدني من لفظه لنفسه وهو تخيل جيد إلى الغاية
( إذا قرأ الحديث على شخص ** وأخلى موضعا لوفاة مثلي )
( فما جازى بإحسان لأني ** أريد حياته ويريد قتلي )
ثم قال وأنشدني أيضا
( العلم قال الله قال رسوله ** إن صح والإجماع فاجهد فيه )


( وحذار من نصب الخلاف جهالة ** بين الرسول وبين رأي فقيه )
انتهى وفيها بدر الدين محمد بن أحمد بن عبد الله بن أبي الفرج أبو عبد الله بن أبي الحسن بن سرايا بن الوليد الحراني نزيل مصر الفقيه الحنبلي القاضي ويعرف بابن الحبال ولد بعد السبعين وستمائة تقريبا وسمع من العز الحراني وابن خطيب المزة والشيخ نجم الدين بن حمدان وغيرهم وتفقه وبرع وأفتى وأعاد بعدة مدارس وناب في الحكم بظاهر القاهرة وصنف تصانيف عديدة منها شرح الخرقي وهو مختصر جدا وكتاب الفنون وحدث وروى عنه جماعه منهم ابن رافع وكان حسن المحاضرة لين الجانب لطيف الذات ذا ذهن ثاقب توفي في تاسع عشر ربيع الآخر وفيها عز الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر محمد بن أحمد بن قدامة المقدسي الحنبلي الخطيب الصالح القدوة ابن الشيخ العز ولد في رجب سنة ثلاث وستين وستمائة وسمع من ابن عبد الدايم والكرماني وغيرهما وتفقه قديما بعم أبيه الشيخ شمس الدين بن أبي عمر ودرس بمدرسة جده الشيخ أبي عمر وخطب بالجامع المظفري دهرا وكان من الصالحين الأخيار المتفق عليهم وعمر وحدث بالكثير وخرجوا له مشيخة في أربعة أجزاء ذكره الذهبي في معجم شيوخه فقال كان فقيها عالما خيرا متواضعا على طريقة سلفه توفي يوم الإثنين عشرى رمضان ودفن بتربة جده الشيخ أبي عمر
وفيها جمال الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد البصال بالباء الموحدة اليمني الشافعي تفقه على الفقيه عبد الرحمن بن شعبان وصحب الشيخ عمر الصفار ووضع شرحا على التنبيه وسئل أن يلي قضاء عدن فامتنع وأخذ عنه الشيخ عبد الله اليافعي ولبس منه خرقة التصوف قال الأسنوي وكان صاحب كشف وكرامات ومشاهدات وفيها قوام الدين أبو محمد مسعود بن برهان الدين محمد بن شرف الدين الكرماني الحنفي الصوفي قال في الدرر ولد سنة أربع وستين وستمائة واشتغل في تلك البلاد ومهر في الفقه والأصول والعربية وكان نطارا بحاثا

وقدم دمشق فظهرت فضائله ثم قدم القاهرة وأشغل الناس بالعلم وله النظم الرائق والعبارة الفصيحة أخذ عنه البرزالي وابن رافع ومات في منتصف شوال

سنة تسع وأربعين وسبعمائة

فيها كان الطاعون العام الذي لم يسمع بمثله عم سائر الدنيا حتى قيل أنه مات نصف الناس حتى الطيور والوحوش والكلاب وعمل فيه ابن الوردي مقامة عظيمة ومات فيه كما يأتي قريبا وفيها مات برهان الدين إبرهيم بن لاجين بن عبد الله الرشيدي المصري الشافعي النحوي العلامة مولده سنة ثلاث وسبعين وستمائة وتفقه على العلم العراقي وقرأ القراءات على التقي بن الصايغ وأخذ النحو عن الشيخين بهاء الدين بن النحاس وأبي حيان والأصول عن الشيخ تاج الدين البارنباري والمنطق عن السيف البغدادي وسمع وحدث ودرس وأفتى واشتغل بالعلم وولي تدريس التفسير بالقبة المنصورية بعد موت الشيخ أبي حيان وتصدر مدة وعين لقضاء المدينة المشرفة فلم يفعل وممن أخذ عنه القاضي محب الدين ناظر الجيش والشيخان زين الدين العراقي وسراج الدين بن الملقن قال الصفدي أقرأ الناس في أصول ابن الحاجب وتصريفه وفي التسهيل وكان يعرف الطب والحساب وغير ذلك توفي بالقاهرة شهيدا بالطاعون في شوال أو في ذي القعدة
وفيها برهان الدين إبراهيم بن عبد الله بن علي بن يحيى بن خلف الحكري المقرىء النحوي أخذ عن ابن النحاس وتلا على التقى الصايغ وابن الكفتي ولازم درس أبي حيان وأخذ عنه الناس وكان حسن التعليم وسمع الحديث من الدمياطي والأبرقوهي مولده سنة نيف وسبعين وستمائة ومات في الطاعون العام في ذي القعدة
وفيها علاء الدين أحمد بن عبد المؤمن الشافعي قال ابن قاضي شهبة الشيخ الإمام السبكي ثم النووي نسبة إلى نوى من أعمال القليوبية وكان خطيبا بها تفقه على الشيخ عز الدين النسائي وغيره وكتب شرحا على التنبيه في أربع مجلدات وصنف

كتابا آخر فيه ترجيحات مخالفة لما رجحه الرافعي والنووي قال الزين العراقي كان رجلا صالحا صاحب أحوال ومكاشفات شاهدت ذلك منه غير مرة وكان سليم الصدر ناصحا للخلق قانعا باليسير باذلا للفضل بل لقوت يومه مع حاجته إليه
وفيها شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن قيس الإمام العلامة الشافعي المعروف بابن الأنصاري وابن الظهير فقيه الديار المصرية وعالمها ولد في حدود الستين وستمائة وأخذ عن الضياء جعفر وخلق وبرع في المذهب وسمع من جماعة ودرس وأفتى وأشغل بالعلم وشاع اسمه وبعد صيته وحدث بالقاهرة والأسكندرية قال السبكي لم يكن بقي من الشافعية أكبر منه وقال الأسنوي كان إماما في الفقه والأصلين ومات وهو شيخ الشافعية بالديار المصرية وكان فصيحا إلا أنه لا يعرف النحو فكان يلحن كثيرا وقال الزين العراقي في ذيله فقيه القاهرة كان مدار الفتيا بالقاهرة عليه وعلى الشيخ شمس الدين بن عدلان توفي شهيدا بالطاعون يوم الأضحى أو يوم عرفة
وفيها تاج الدين أبو محمد أحمد بن عبد القادر بن أحمد بن مكتوم بن محمد القيسي الحنفي النحوي قال في الدرر ولد في آخر ذي الحجة سنة اثنتين وثمانين وستمائة وأخذ النحو عن البهاء بن النحاس ولازم أبا حيان دهرا طويلا وأخذ عن السروجي وغيره وتقدم في الفقه والنحو واللغة ودرس وناب في الحكم وكان سمع من الدمياطي اتفاقا قبل أن يطلب ثم أقبل على سماع الحديث ونسخ الأجزاء والرواية عنه عزيزة وقد سمع منه ابن رافع وذكره في معجمه وله تصانيف حسان منها الجمع بين العباب والمحكم في اللغة وشرح الهداية في الفقه والجمع المنتقاة في أخبار اللغويين والنحاة عشر مجلدات وكأنه مات عنها مسودة فتفرقت شذر مذر قال السيوطي وهذا الأمر هو أعظم باعث لي على اختصار طبقاتي الكبرى في هذا المختصر يعني طبقات النحاة ومن تصانيفه شرح مختصر ابن الحاجب وشرح شافيته وشرح الفصيح والدرر اللقيط من البحر المحيط مجلدات والتذكرة ثلاث مجلدات سماها قيد الأوابد توفي

في الطاعون في رمضان وفيها شهاب الدين أبو العباس أحمد بن يحيى بن فضل الله بن مجلى القرشي العمري الشافعي القاضي الكبير الإمام الأديب البارع ولد بدمشق في شوال سنة سبعمائة وسمع بالقاهرة ودمشق من جماعة وتخرج في الأدب بوالده وبالشهاب محمود وأخذ الأصول عن الأصفهاني والنحو عن أبي حيان والفقه عن البرهان الفزاري وابن الزملكاني وغيرهما وباشر كتابة السر بمصر نيابة عن والده ثم أنه فاجأ السلطان بكلام غليظ فإنه كان قوي النفس وأخلاقه شرسة فأبعده السلطان وصادره وسجنه بالقلعة ثم ولي كتابة السر بدمشق وعزل ورسم عليه أربعة أشهر وطلب إلى مصر فشفع فيه أخوه علاء الدين فعاد إلى دمشق واستمر بطالا إلى أن مات ورتبت له مرتبات كثيرة وصنف كتاب مسالك الأبصار في ممالك الأمصار في سبعة وعشرين مجلدا وهو كتاب جليل ما صنف مثله وفواضل السمر في فضائل عمر أربع مجلدات والتعريف بالمصطلح وله ديوان في المدائح النبوية وغير ذلك ذكره الذهبي في المعجم المختص وقال ابن كثير كان يشبه بالقاضي الفاضل في زمانه حسن المذاكرة سريع الاستحضار جيد الحفظ فصيح اللسان جميل الأخلاق يحب العلماء والفقراء توفي شهيدا بالطاعون يوم عرفة
وفيها بدر الدين الحسن بن قاسم بن عبد الله بن علي المرادي المصري المولد النحوي اللغوي الفقيه المالكي البارع المعروف بابن أم قاسم وهي جدته أم أبيه واسمها زهرا وكانت أول ما جاءت من المغرب عرفت بالشيخة فكانت شهرته تابعة لها ذكر ذلك العفيف المطرى في ذيل طبقات القراء قال وأخذ النحو والعربية عن أبي عبد الله الطنجي والسراج الدمنهوري وأبي زكريا الغماري وأبي حيان والفقه عن الشرف المقيلي المالكي والأصول عن الشيخ شمس الدين بن اللبان وأتقن العربية والقراءات على المجد إسمعيل التستري وصنف وتفنن وأجاد وله شرح التسهيل وشرح المفصل وشرح الألفية والجنى الداني في حروف المعاني

وغير ذلك وكان تقيا صالحا مات يوم عيد الفطر وفيها الإمام علاء الدين طيبرس الجندي النحوي قال الصفدي هو الشيخ الإمام العالم الفقيه النحوي أقدم من بلاده إلى البيرة فاشتراه بعض الأمراء بها وعلمه الخط والقرآن وتقدم عنده وأعتقه فقدم دمشق وتفقه بها واشتغل بالنحو واللغة والعروض والأدب والأصلين حتى فاق أقرانه وكان حسن المذاكرة لطيف المعاشرة كثير التلاوة والصلاة بالليل صنف الطرفة جمع فيها بين الألفية والحاجبية وزاد عليها وهي تسعمائة بيت وشرحها وكان ابن عبد الهادي يثني عليها وعلى شرحها ولد تقريبا سنة ثمانين وستمائة ومات بالطاعون العام ومن شعره
( قد بت في قصر حجاج فذكرني ** بضنك عيشة من في النار يشتعل )
( بق يطير وبق في الحصير سعى ** كأنه ظلل من فوقه ظلل )
وفيها زين الدين عمر بن مظفر بن عمر بن محمد بن أبي الفوارس بن الوردي المصري الحلبي الشافعي كان إماما بارعا في اللغة والفقه والنحو والأدب مفننا في العلم ونظمه في الذروة العليا والطبقة القصوى وله فضائل مشهورة قرأ على الشرف البارزي وغيره وصنف البهجة في نظم الحاوي الصغير وشرح الفية ابن مالك وضوء الدرة على ألفية ابن معطي واللباب في علم الإعراب وتذكرة الغريب في النحو نظما ومنطق الطير في التصوف وغير ذلك وله مقامات في الطاعون العام واتفق أنه مات بآخره في سابع ذي الحجة بحلب والرواية عنه عزيزة قال ابن شهبة له مقدمة في النحو اختصر فيها الملحة سماها النفحة وشرحها وله تاريخ حسن مفيد وأرجوزة في تعبير المنامات وديوان شعر لطيف ومقامات مستظرفة وناب في الحكم بحلب في شبيبته عن الشيخ شمس الدين بن النقيب ثم عزل نفسه وحلف لا يلي القضاء لمنام رآه وكان ملازما للاشغال والاشتغال والتصنيف شاع ذكره واشتهر بالفضل اسمه وقال الصفدي بعد ترجمة طويلة حسنة شعره أسحر من عيون الغيد

وأبهى من الوجنات ذوات التوريد وقال السبكي شعره أحلى من السكر المكرر وأغلى قيمة من الجوهر وقال السيوطي ومن نظمه
( لا تقصد القاضي إذا أدبرت ** دنياك واقصد من جواد كريم )
( كيف ترجي الرزق من عند من ** يفتي بأن الفلس مال عظيم )
وله
( سبحان من سخر لي حاسدي ** يحدث لي في غيبتي ذكرا )
( لا أكره الغيبة من حاسد ** يفيدني الشهرة والأجرا )
وقال وقد مر به غلام جميل له قرط
( مر مقرطق ** ووجهه يحكي القمر )
( هذا أبو لؤلؤة ** منه خذوا ثأر عمر )
وفيها زين الدين أبو حفص عمر بن سعد الله بن عبد الأحد الحراني ثم الدمشقي الفقيه الفرضي القاضي الحنبلي أخو شرف الدين محمد ولد سنة خمس وثمانين وستمائة وسمع من يوسف بن الغسولي وغيره بالقاهرة وغيرها ودخل بغداد وأقام بها ثلاثة أيام وتفقه وبرع في الفقه والفرائض ولازم الشيخ تقي الدين وغيره وولي نيابة الحكم عن ابن منجا وكان دينا خيرا حسن الأخلاق متواضعا بشوش الوجه متثبتا سديد الأقضية والأحكام حدث ابن شيخ السلامية عنه أنه قال لم أقض قضية إلا وأعددت لها الجواب بين يدي الله وذكره الذهبي في المختص فقال عالم ذكي خير وقور متواضع بصير بالفقه والعربية سمع الكثير وتخرج بابن تيمية وغيره توفي شهيدا بالطاعون
وفيها صفي الدين أبو عبد الله الحسين بن بدران بن داود البابصري البغدادي الخطيب الفقيه الحنبلي المحدث النحوي الأديب ولد آخر نهار عرفة سنة اثنتي عشرة وسبعمائة وسمع الحديث متأخرا وعنى بالحديث وتفقه وبرع في العربية والأدب ونظم الشعر الحسن وصنف في علوم الحديث وغيرها واختصر إلا كمال لابن ماكولا

قال ابن رجب وقرأت عليه بعضه وسمعت بقراءته صحيح البخاري على الشيخ جمال الدين مسافر بن إبراهيم الخالدي وحضرت مجالسه كثيرا وتوفي يوم الجمعة سابع عشرى رمضان ببغداد مطعونا ودفن بمقبرة باب حرب وفيها أبو الخير سعيد بن عبد الله الذهلي الحريري الحنبلي الحافظ المؤرخ مولى الصدر صلاح الدين عبد الرحمن بن عمر الحريري سمع ببغداد من الدقوقي وخلق وبدمشق من زينب بنت الكمال وأمم وبالقاهرة والأسكندرية وبلدان شتى وعنى بالحديث وأكثر من السماع والشيوخ وجمع تراجم كثيرة لأعيان أهل بغداد وخرج الكثير وكتب بخطه الرديء كثيرا قال الذهبي له رحلة وعمل جيد وهمة في التاريخ ويكثر المشايخ والأجزاء وهو ذكي صحيح الذهن عارف بالرجال حافظ انتهى
وفيها سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن موسى بن الخليل البغدادي الأزجي البزار الفقيه الحنبلي المحدث ولد سنة ثمان وثمانين وستمائة تقريبا وسمع من إسمعيل بن الطبال وابن الدواليبي وجماعة وعنى بالحديث وقرأ الكثير ورحل إلى دمشق فسمع بها صحيح البخاري على الحجار بالحنبلية وأخذ عن الشيخ تقي الدين ابن تيمية وحج مرارا ثم أقام بدمشق وكان حسن القراءة ذا عبادة وتهجد وصنف كثيرا في الحديث وعلومه ثم توجه إلى الحج في هذه السنة فتوفي بمنزلة حاجر قبل الوصول إلى الميقات ومعه نحو خمسين نفسا بالطاعون وذلك صبيحة يوم الثلاثاء حادي عشرى ذي القعدة ودفن بتلك المنزلة وفيها شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد المؤمن بن اللبان المصري الشافعي الإمام العلامة ولد سنة خمس وثمانين وستمائة وسمع الحديث بدمشق والقاهرة من جماعة وتفقه بابن الرفعة وغيره وصحب في التصوف الشيخ ياقوت العرشي المقيم بالأسكندرية ودرس بقبة الشافعي وغيرها وله مؤلفات منها ترتيب الأم للشافعي ولم يبيضه واختصر الروضة ولم يشتهر لغلاقة لفظه وجمع كتابا في علوم الحديث وكتابا في النحو وله تفسير لم يكمله وله كتاب متشابه القرآن والحديث تكلم فيه على طريقة

الصوفية قال الأسنوي كان عارفا بالفقه والأصلين والعربية أديبا شاعرا ذكيا فصيحا ذا همة وصرامة وانقباض عن الناس وقال الحافظ زين الدين العراقي أحد العلماء الجامعين بين العلم والعمل امتحن بأن شهد عليه بأمور وقعت في كلامه وأحضر إلى مجلس الجلال القزويني وادعى عليه بذلك فاستتيب ومنع من الكلام على الناس وتعصب عليه بعض الحنابلة وتخرج به جماعة من الفضلاء توفي شهيدا بالطاعون في شوال وفيها شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن إبراهيم بن عدلان بن محمود بن لاحق بن داود المعروف بابن عدلان الكناني المصري شيخ الشافعية ولد في صفر سنة ثلاث وستين وستمائة وسمع من جماعة وتفقه على ابن السكري وغيره وقرأ الأصول على القرافي وغيره والنحو على ابن النحاس وبرع في العلوم وحدث وأفتى وناظر ودرس بعدة أماكن وأفاد وتخرج به جهات وشرح مختصر المزني شرحا مطولا لم يكمله قال الأسنوي كان فقيها إماما يضرب به المثل في الفقه عارفا بالأصلين والنحو والقراءات ذكيا نظارا فصيحا يعبر عن الأمور الدقيقة بعبارة وجيزة مع السرعة والاسترسال دينا سليم الصدر كثير المروءة وقال غيره كان مدار الفتيا بالقاهرة عليه وعلى الشيخ شهاب الدين بن الأنصاري وولي قضاء العسكر في أيام الناصر أحمد وتوفي في ذي القعدة وفيها عماد الدين محمد بن إسحق بن محمد بن المرتضى البلبيسي المصري الشافعي أخذ الفقه عن ابن الرفعة وغيره وسمع من الدمياطي وغيره وولي قضاء الأسكندرية ثم امتحن وعزل وكان صبورا على الاشتغال ويحث على الاشتغال بالحاوي قال الأسنوي كان من حفاظ مذهب الشافعي كثير التولع بالألغاز الفروعية محبا للفقراء شديد الاعتقاد فيهم وقال الزين العراقي انتفع به خلق كثير من أهل مصر والقاهرة توفي شهيدا في شعبان بالطاعون
وفيها تقي الدين محمد المعروف بابن الببائي ابن قاضي ببا الشافعي تفقه على العماد البلبيسي وابن اللبان وغيرهما من فقهاء مصر ذكره الزين العراقي في وفياته فقال

برع في الفقه حتى كان أذكر فقهاء المصريين له مع فقه النفس والدين المتين والورع وكان يكتسب بالمتجر يسافر إلى الأسكندرية مرتين أو مرة ويشغل بجامع عمرو بغير معلوم وكان يستحضر الرافعي والروضة ويحل الحاوي الصغير حلا حسنا وصحب الشيخ أبا عبد الله بن الحاج وغيره من أهل الخير وتوفي شهيدا بالطاعون
وفيها شمس الدين أبو الثناء محمود بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن أبي بكر بن علي الشافعي العلامة الأصبهاني ولد في شعبان سنة أربع وسبعين وستمائة واشتغل ببلاده ومهر وتميز وتقدم في الفنون فبهرت فضائله وسمع كلامه التقي بن تيمية فبالغ في تعظيمه ولازم الجامع الأموي ليلا ونهارا مكبا على التلاوة وشغل الطلبة ودرس بعد ابن الزملكاني بالرواحية ثم قدم القاهرة وبنى له قوصون الخانقاه بالقرافة ورتبه شيخا لها قال الأسنوي كان بارعا في العقليات صحيح الاعتقاد محبا لأهل الصلاح طارحا للتكلف وكان يمتنع كثيرا من الأكل لئلا يحتاج إلى الشرب فيحتاج إلى دخول الخلاء فيضيع عليه الزمان صنف تفسيرا كبيرا وشرح كافية ابن الحاجب وشرح مختصره الأصلي وشرح منهاج البيضاوي وطوالعه وشرح بديعية ابن الساعاتي وشرح الساوية في العروض وغير ذلك مات في ذي القعدة بالطاعون ودفن بالقرافة وفيها محب الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن لب بن الصايغ الأموي المري قال في تاريخ غرناطة أقرأ النحو بالقاهرة إلى أن صار يقال له أبو عبد الله النحوي وكان قرأ على أبي الحسن بن أبي العيش وغيره ولازم أبا حيان وانتفع بجاهه وكان سهلا دمث الأخلاق محبا للطلب وتعانى الضرب بالعود فنبغ فيه وقال في الدرر كان ماهرا في العربية واللغة قيما في العروض ينظم نظما وسطا توفي في رمضان بالطاعون وفيها يوسف بن عمر بن عوسجة العباسي النحوي المقرىء ذكره الذهبي في طبقات القراء وأصحاب التقى الصايغ وقال في الدرر وكان شيخ العربية انتهى

سنة خمسين وسبعمائة

في ربيعها الأول قتل أرغون شاه الناصري كان أبو سعيد أرسله إلى الناصر فحظي وتأمر وزوجه بنت اق بغا عبد الواحد ثم وولي الاستادارية في زمن المظفر حاجي ثم ولي نيابة صفد ورجع إلى مصر ثم ولي نيابة حلب ثم دمشق وتمكن وبالغ في تحصيل المماليك والخيول وعظم قدره ونفذت كلمته في سائر الممالك الشامية والمصرية ولم يزل على ذلك إلى أن برز أمر بإمساكه فأمسك وذبح وكان خفيفا قوي النفس شرس الأخلاق قاله في الدرر وفيها توفي أبو إسحق إبراهيم بن عبد الله الأنصاري الأشبيلي ويعرف بالشرقي قال ابن الزبير كان إماما في حفظ اللغات وعلمها لم يكن في وقته بالمغرب من يضاهيه أو يقاربه في ذلك متقدما في علم العروض مقصودا في الناس مشكور الحال في علمه ودينه انتهى
وفيها أبو العباس أحمد بن سعد بن محمد العسكري الأندرشي الصوفي قال الصفدي شيخ العربية بدمشق في زمانه أخذ عن أبي حيان وأبي جعفر بن الزيات وكان منجمعا عن الناس حضر يوما عند الشيخ تقي الدين بن السبكي بعد إمساك تنكز بخمس سنين فذكر إمساكه فقال وتنكز أمسك فقيل له نعم وجاء بعده ثلاثة نواب أو أربعة فقال ما علمت بشيء من هذا وكان بارعا في النحو مشاركا في الفضائل تلا على الصايغ وشرح التسهيل واختصر تهذيب الكمال وشرع في تفسير كبير مولده بعد التسعين وستمائة ومات بعلة الاسهال في ذي القعدة
وفيها جمال الدين أبو العباس أحمد بن علي بن محمد البابصري البغدادي الحنبلي الفقيه الفرضي الأديب ولد سنة سبع وسبعمائة تقريبا وسمع الحديث على صفي الدين بن عبد الحق وعلي بن عبد الصمد وغيرهما وتفقه على الشيخ صفي الدين ولازمه وعلى غيره وبرع في الفرائض والحساب وقرأ الأصول والعربية والعروض والأدب ونظم الشعر الحسن وكتب بخطه الحسن كثيرا واشتهر بالاشتغال والفتيا

ومعرفة المذهب وأثنى عليه فضلاء الطوائف وكان صالحا دينا متواضعا حسن الأخلاق طارحا للتكلف قال ابن رجب حضرت دروسه وأشغاله غير مرة وسمعت بقراءته الحديث وتوفي في طاعون سنة خمسين ببغداد بعد رجوعه من الحج وفيها شهاب الدين أحمد بن موسى بن خفاجا الصفدي الشافعي شيخ صفد مع ابن الرسام أخذ عن ابن الزملكاني وغيره قال العثماني في طبقاته كان ماهرا في الفرائض والوصايا نقالا للفروع الكثيرة انقطع بقرية بقرب صفد يفتي ويصنف ويتعبد ويعمل بيده في الزراعة لقوته وقوت أهله ولا يقبل وظيفة ولا شيئا وله مصنفات كثيرة نافعة منها شرح التنبيه في عشر مجلدات ومختصر في الفقه سماه العمدة وشرح الأربعين للنووي في مجلد ضخم وغير ذلك لكن لم يشتهر شيء منها توفي بصفد وفيها نجم الدين أبو محمد عبد الرحمن بن يوسف بن إبراهيم بن علي أبو القسم وأبو محمد الأصفوني بفتح الهمزة وبالفاء الشافعي ولد بأصفون بلدة في صعيد مصر في سنة سبع وسبعين وستمائة وتفقه على البهاء القفطي وقرأ القراءات وسكن قوص وانتفع به كثيرون وحج مرات من بحر عيذاب آخرها سنة ثلاث وثلاثين وأقام بمكة إلى أن توفي قال الأسنوي برع في الفقه وغيره وكان صالحا سليم الصدر يتبرك به من يراه من أهل السنة والبدعة اختصر الروضة وصنف في الجبر والمقابلة توفي بمنى ثاني عيد الاضحى ودفن بباب المعلى وفيها علاء الدين أبو الحسن علي بن الشيخ زين الدين المنجا بن عثمان بن أسعد بن المنجا التنوخي الحنبلي قاضي القضاة ولد في شعبان سنة ثلاث وسبعين وستمائة وسمع الكثير عن ابن البخاري وخلق وولي القضاء من سنة اثنتين وثلاثين وحدث بالكثير وقال ابن رجب قرأت عليه جزءا فيه الأحاديث التي رواها مسلم في صحيح عن الإمام أحمد بسماعه الصحيح من أبي عبد الله محمد بن عبد السلام بن أبي عصرون بإجازته من المؤيد توفي في شعبان بدمشق ودفن بسفح قاسيون وفيها أبو عبد الله محمد بن محمد بن

محارب الصريخي النحوي المالقي بن أبي الجيش قال في تاريخ غرناطة كان من صدور المقرئين قائما على العربية إماما في الفرائض والحساب مشاركا في الفقه والأصول وكثير من العقليات أقرأ بمالقة وشرع في تقييد على التسهيل في غاية الاستيفاء فلم يكمله ومات في ربيع الآخر بعد أن تصدق بمال جم ووقف كتبه

سنة إحدى وخمسين وسبعمائة

فيها توفي العلامة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد بن حريز الزرعي ثم الدمشقي الفقيه الحنبلي بل المجتهد المطلق المفسر النحوي الأصولي المتكلم الشهير بابن قيم الجوزية قال ابن رجب شيخنا ولد سنة إحدى وتسعين وستمائة وسمع من الشهاب النابلسي وغيره وتفقه في المذهب وبرع وأفتى ولازم الشيخ تقي الدين وأخذ عنه وتفنن في علوم الإسلام وكان عارفا بالتفسير لا يجاري فيه وبأصول الدين وإليه فيه المنتهى وبالحديث ومعانيه وفقهه ودقائق الاستنباط منه لا يلحق في ذلك وبالفقه وأصوله والعربية وله فيها اليد الطولى وبعلم الكلام وغير ذلك وعالما بعلم السلوك وكلام أهل التصوف وإشاراتهم ومتونه وبعض رجاله وقد حبس مدة لإنكاره شد الرحيل إلى قبر الخليل وتصدر للاشغال ونشر العلم وقال ابن رجب وكان رحمه الله ذا عبادة وتهجد وطول صلاة إلى الغاية القصوى وتأله ولهج بالذكر وشغف بالمحبة والإنابة والافتقار إلى الله تعالى والانكسار له والاطراح بين يديه على عتبة عبوديته لم أشاهد مثله في ذلك ولا رأيت أوسع منه علما ولا أعرف بمعاني القرآن والحديث والسنة وحقائق الإيمان منه وليس هو بالمعصوم ولكن لم أر في معناه مثله وقد امتحن وأوذي مرات وحبس مع الشيخ تقي الدين في المرة الأخيرة بالقلعة منفردا عنه ولم يفرج عنه إلا بعد موت الشيخ وكان في مدة حبسه مشتغلا بتلاوة القرآن وبالتدبر والتفكر ففتح عليه من ذلك خير كثير وحصل له جانب عظيم من الأذواق

والمواجيد الصحيحة وتسلط بسبب ذلك على الكلام في علوم أهل المعارف والخوض في غوامضهم وتصانيفه ممتلئة بذلك وحج مرات كثيرة وجاور بمكة وكان أهل مكة يذكرون عنه من شدة العبادة وكثرة الطواف أمرا يتعجب منه ولازمت مجالسه قبل موته أزيد من سنة وسمعت عليه قصيدته النونية الطويلة في السنة وأشياء من تصانيفه وغيرها وأخذ عنه العلم خلق كثير من حياة شيخه وإلى أن مات وانتفعوا به وكان الفضلاء يعظمونه ويسلمون له كابن عبد الهادي وغيره وقال القاضي برهان الدين الزرعي عنه ما تحت أدميم السماء أوسع علما منه ودرس بالصدرية وأم بالجوزية مدة طويلة وكتب بخطه ما لا يوصف كثرة وصنف تصانيف كثيرة جدا في أنواع العلوم وكان شديد المحبة للعلم وكتابته ومطالعته وتصنيفه واقتناء كتبه واقتنى من الكتب ما لم يحصل لغيره فمن تصانيفه كتاب تهذيب سنن أبي داود وإيضاح مشكلاته والكلام على ما فيه من الأحاديث المعلولة مجلد كتاب سفر الهجرتين وباب السعادتين مجلد ضخم كتاب مراحل السائرين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين مجلدان وهو شرح منازل السائرين لشيخ الإسلام الأنصاري كتاب جليل القدر كتاب عقد محكم الاحقاء بين الكلم الطيب والعمل الصالح المرفوع إلى رب السماء مجلد ضخم كتاب شرح أسماء الكتاب العزيز مجلد كتاب زاد المسافرين إلى منازل السعداء في هدى خاتم الأنبياء مجلد كتاب زاد المعاد في هدى خير العباد أربع مجلدات وهو كتاب عظيم جدا كتاب حل الافهام في ذكر الصلاة والسلام على خير الأنام وبيان أحاديثها وعللها مجلد كتاب بيان الدليل على استغناء المسابقة عن التحليل مجلد كتاب نقد المنقول والمحك المميز بين المردود والمقبول مجلد كتاب اعلام الموقعين عن رب العالمين ثلاث مجلدات كتاب بدائع الفوائد مجلدان الشافية الكافية في الانتصار للفرقة الناجية وهي القصيدة النونية في السنة مجلد كتاب الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة مجلدان كتاب حادي الأرواح

إلى بلاد الأفراح وهو كتاب صفة الجنة مجلد وكتاب نزهة المشتاقين وروضة المحبين مجلد كتاب الداء والدواء مجلد كتاب تحفة المودود في أحكام المولود مجلد لطيف كتاب مفتاح دار السعادة مجلد ضخم كتاب اجتماع الجيوش الاسلامية على غزو الفرقة الجهمية مجلد كتاب مصايد الشيطان مجلد كتاب الطرق الحكمية مجلد رفع اليدين في الصلاة مجلد نكاح المحرم مجلد تفضيل مكة على المدينة مجلد فضل العلم مجلد كتاب عدة الصابرين مجلد كتاب الكبائر مجلد حكم نارك الصلاة مجلد نور المؤمن وحياته مجلد حكم اغمام هلال رمضان مجلد التحرير فيما يحل ويحرم من لباس الحرير مجلد إغاثة اللهفان من مكايد الشيطان مجلد إغاثة اللهفان في طلاق الغضبان مجلد جوابات عابدي الصلبان وإن ما هم عليه دين الشيطان مجلد بطلان الكيمياء من أربعين وجها مجلد الروح مجلد الفرق بين الخلة والمحبة ومناظرة الخليل لقومه مجلد الكلام الطيب والعمل الصالح مجلد لطيف الفتح القدسي والتحفة المكية كتاب أمثال القرآن شرح الأسماء الحسنى إيمان القرآن المسائل الطرابلسية مجلدان الصراط المستقيم في أحكام أهل الجحيم مجلدان كتاب الطاعون مجلد لطيف وغير ذلك توفي رحمه الله وقت العشاء الآخرة ثالث عشر رجب وصلى عليه من الغد بالجامع الأموي عقيب الظهر ثم بجامع جراح ودفن بمقبرة الباب الصغير وكان قد رأى قبل موته بمدة الشيخ تقي الدين رحمه الله في النوم وسأله عن منزلته فأشار إلى علوها فوق بعض الأكابر ثم قال له وأنت كدت تلحق بنا ولكن أنت الآن في طبقة ابن خزيمة رحمه الله
وفيها فخر الدين أبو الفضائل وأبو المعالي محمد بن علي بن إبراهيم بن عبد الكريم الإمام العلامة فقيه الشام وشيخها ومفتيها ابن الكاتب المصري الأصل الدمشقي الشافعي المعروف بالفخر المصري ولد بالقاهرة سنة اثنتين وقيل إحدى وتسعين وستمائة واخرج إلى دمشق وهو صغير وسمع الحديث بها وبغيرها وتفقه على الفزاري وابن الوكيل وابن الزملكاني وتخرج به في فنون العلم وأذن له في الافتاء في سنة خمس

عشرة وأخذ الأصول عن الصفي الهندي والنحو عن مجد الدين التونسي وأبي حيان وغيرهما والمنطق عن الرضى المنطيقي والعلاء القونوي وحفظ كتبا كثيرة وحفظ مختصر ابن الحاجب في تسعة عشرة يوما وكان يحفظ في المنتقى كل يوم خمسمائة سطر وناب في القضاء عن القزويني والقونوي ثم ترك ذلك وتفرغ للعلم وتصدر للاشتغال والفتوى وصار هو الإمام المشار إليه والمعول في الفتوى عليه وحج مرارا وجاور في بعضها وتعاني التجارة وحصل منها نعما طائلة وحصلت له نكبة في آخر أيام تنكز وصودر وأخرجت عنه العادلية الصغرى والرواحية ثم بعد موت تنكز استعادهما ذكره الذهبي في المعجم المختص فقال تفقه وبرع وطلب الحديث بنفسه ومحاسنه جمة وكان من أذكياء زمانه وقال الصلاح الكتبي أعجوبة الزمان كان ابن الزملكاني معجبا به وبذهنه الوقاد يشير إليه في المحافل وينوه بذكره ويثني عليه توفي في ذي القعدة ودفن بمقابر باب الصغير قبلي قبة القلندرية
وفيها بل في التي قبلها يحيى بن محمد بن أحمد بن سعيد الحارثي الكوفي النحوي قال في الدرر ولد في شعبان سنة ثمان وسبعمائة واشتغل بالكوفة وبغداد وصنف مفتاح الألباب في النحو وقدم دمشق ومات بالكوفة

سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة

فيها توفي أبو العتيق أبو بكر بن أحمد بن دمسين اليمني قال الخزرجي في تاريخ اليمن كان فقيها نبيها عالما عاملا عارفا بالفقه وأصوله والنحو واللغة والحديث والتفسير ورعا زاهدا صالحا عابدا متواضعا حسن السيرة قانعا باليسير كثير الصيام والقيام وجيها عند الخاص والعام يحب الخلوة والانفراد تفقه وجمع وانتشر ذكره وله كرامات مات بزبيد وفيها عماد الدين أبو العباس أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة الصالحي الحنبلي المقري ولد الحافظ شمس الدين المتقدم ذكره سمع من الفخر بن البخاري والشيخ شمس

الدين بن أبي عمر وغيرهما وسمع منه ابن رافع والحسيني وجمع وتوفي في رابع صفر
وفيها أبو الحسن علي بن أبي سعيد بن يعقوب المريني صاحب مراكش وفاس وفيها سراج الدين أبو حفص عمر بن محمد بن علي بن فتوح الدمنهوري قال الحافظ أبو الفضل العراقي برع في النحو والقراءات والحديث والفقه وكان جامعا للعلوم أخذ العربية عن الشرف الشاذلي والقراءات عن التقي الصايغ والأصول عن العلاء القونوي والمعاني عن الجلال القزويني والفقه عن النور البكري وسمع من الحجار والشريف الموسوي ودرس وأفتى وحدث عنه أبو اليمن الطبري وقال الفارسي توفي يوم الثلاثاء ثالث عشرى ربيع الأول ومولده بعد ثمانين وستمائة وفيها بهاء الدين أبو المعالي وأبو عبد الله محمد بن علي بن سعيد بن سالم الأنصاري الدمشقي الشافعي المعروف بابن إمام المشهد محتسب دمشق ولد في ذي الحجة سنة ست وتسعين وستمائة وسمع بدمشق ومصر وغيرهما وكتب الطباق بخطه الحسن وتلا بالسبع على الكفري وجماعة وتفقه على المشايخ برهان الدين الفزاري وابن الزملكاني وابن قاضي شهبة وغيرهم وأخذ النحو عن التونسي والقحفازي وبرع في الحديث والقراءات والعربية والفقه وأصوله وأفتى وناظر ودرس بعدة مدارس وخطب بجامع التوبة وولي الحسبة ثلاث مرات ذكره الذهبي في المختص وقال ابن رافع جمع مجلدات على التمييز للبارزي وكتابا في أحاديث الأحكام في أربع مجلدات وناولني إياه وتوفي في شهر رمضان ودفن بمقبرة باب الصغير وفيها تاج الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن يوسف بن حامد المراكشي المصري الشافعي ولد سنة إحدى وقيل ثلاث وسبعمائة واشتغل بالقاهرة على العلاء القونوي وغيره من مشايخ العصر وأخذ النحو عن أبي حيان وتفنن في العلوم وسمع بالقاهرة ودمشق من جماعة وأعاد بقبة الشافعي وكان ضيق الخلق لا يحابي أحدا ولا يتحاشاه فآذاه لذلك القاضي جلال الدين القزويني أول دخوله القاهرة فلم يرجع فشاور عليه السلطان

فرسم بإخراجه من القاهرة إلى الشام مرسما عليه فأقام بها ودرس بالمسرورية مدة يسيرة ثم أعرض عنها تزهدا قال الأسنوي حصل علوما عديدة أكثرها بالسماع لأنه كان ضعيف النظر مقاربا للعمى وكان ذكيا غير أنه كان عجولا محتقرا للناس كثير الوقيعة فيهم ولما قدم دمشق أقبل على الاشتغال والاشغال وسماع الحديث والتلاوة والنظر في العلوم إلى الموت وقال السبكي كان فقيها نحويا مفتيا مواظبا على طلب العلم جميع نهاره وغالب ليله يستفرغ فيه قواه ويدع من أجله طعامه وشرابه وكان ضريرا لا نراه يفتر عن الطلب إلا إذا لم يجد من يطالع له توفي فجاءة في جمادى الآخرة

سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة

فيها على ما قاله في ذيل الدول قبض السلطان على الوزير علم الدين بن زنبور وصودر بعد الضرب والعذاب فكان المأخوذ منه من النقد ما ينيف على ألف ألف دينار ومن أواني الذهب والفضة نحو ستين قنطارا ومن اللؤلؤ نحو أردبين ومن الحياصات الذهب ستة آلاف ومن القماش المفصل نحو ألفين وستمائة قطعة وخمسة وعشرين معصرة سكر ومائتي بستان وألف وأربعمائة ساقية ومن الخيل والبغال ألف ومن الجواري سبعمائة ومن العبيد مائة ومن الطواشية سبعون إلى غير ذلك
وفي صفر كان الحريق العظيم بباب جيرون وفيها توفي أمير المؤمنين أبو العباس الحاكم بأمر الله أحمد بن المستكفي العباسي كان أبوه لما مات بقوص عهد إليه بالخلافة فقدم الملك الناصر عليه إبراهيم ابن عمه لما كان في نفسه من المستكفي وكانت سيرة إبراهيم قبيحة وكان القاضي عز الدين بن جماعة قد جهد كل الجهد في صرف السلطان عنه فلم يفعل فلما حضرته الوفاة أوصى الأمراء برد الأمر إلى ولي عهد المستكفي ولده أحمد فلما تسلطن المنصور عقد مجلسا وقال من يستحق الخلافة فاتفقوا على أحمد هذا فخلع إبراهيم وبايع أحمد وبايعه القضاة ولقب الحاكم بأمر

الله لقب جده قال ابن فضل الله في المسالك هو إمام عصرنا وغمام مصرنا قام على غيظ العدى وغرق بفيض الندى صارت له الأمور إلى مصائرها وسيقت إليه مصايرها فأحيا رسوم الخلافة ورسم بما لم يستطع أحد خلافه وسلك مناهج آبائه وقد طمست وأحياها بمناهج أبنايه وقد درست وجمع شمل بني أبيه وقد طال بهم الشتات وأطال عذرهم وقد اختلفت السيآت ورفع اسمه على ذرى المنابر وقد غبر مدة لا تطلع إلا في إفاقه تلك النجوم ولا تسح الا من سحبه تلك الغيوم والسجوم طلب بعد موت السلطان وأنفذ حكم وصيته في تمام مبايعته والتزام متابعته وكان أبوه قد أحكم له بالعقد المتقدم عقدها وحفظ له عند ذوي الأمانة عهدها وذكر الشيخ زين الدين العراقي أن الحاكم هذا سمع الحديث على بعض المتأخرين وأنه حدث مات في الطاعون في نصف السنة بمصر ودفن بها وفيها أبو علي حسين بن يوسف بن يحيى بن أحمد الحسيني السبتي نزيل تلمسان قال في تاريخ غرناطة كان ظريفا شاعرا أديبا لوذعيا مهذبا له معرفة بالعربية ومشاركة في الأصول والفروع حج ودخل غرناطة وولي القضاء ببلاد مختلفة ثم قضاء الجماعة بتلمسان ولد سنة ثلاث وستين وستمائة ومات يوم الإثنين سابع عشر شوال وفيها عضد الدين عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار قاضي قضاة المشرق وشيخ العلماء والشافعية بتلك البلاد الأيجى بكسر الهمزة وإسكان التحتية ثم جيم الشيرازي شارح مختصر ابن الحاجب وله المواقف قال الأسنوي كان إماما في علوم متعددة محققا مدققا ذا تصانيف مشهورة منها شرح مختصر ابن الحاجب والمواقف والجواهر وغيرها في علم الكلام والفوايد الغياثية في المعاني والبيان وكان صاحب ثروة وجود وإكرام للوافدين عليه تولى قضاء القضاة بمملكة أبي سعيد فحمدت سيرته وقال السبكي كان إماما في المعقولات عارفا بالأصلين والمعاني والبيان والنحو مشاركا في الفقه له في علم الكلام كتاب المواقف وغيره وفي أصول الفقه شرح المختصر وفي المعاني والبيان الفوايد الغياثية وكانت له سعادة مفرطة ومال جزيل وأنعام على طلبة العلم وكلمة نافدة مولده سنة

ثمان وسبعمائة وأنجب تلامذة اشتهروا في الآفاق مثل الشمس الكرماني والضياء العفيفي والسعد التفتازاني وغيرهم وقال التفتازاني في الثناء عليه لم يبق لنا سوى اقتفاء آثاره والكشف عن خبيئات أسراره بل الاجتناء من بحار ثماره والاستضاءة بأنواره توفي مسجونا بقلعة بقرب ايج غضب عليه صاحب كرمان فحبسه بها واستمر محبوسا إلى أن مات
وفيها أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد بن بليش العبدري الغرناطي النحوي قال في تاريخ غرناطة كان فاضلا منقبضا متضلعا بالعربية عاكفا عمره على تحقيق اللغة له في العربية باع شديد مشاركا في الطب أثرى من التكسب بالكتب وسكن سبتة مدة ورجع وأقر بغرناطة وكان قرأ على ابن الزبير ومات في رجب
وفيها شهاب الدين يحيى بن إسمعيل بن محمد بن عبد الله بن محمد القيسراني أحد الموقعين ولد سنة سبعمائة وورد مع أبيه من حلب فباشر أبوه توقيع الدست وباشر هو كتابة الانشاء وكان حسن الخلق جدا تام الخلق متواضعا متوددا صبورا على الأذى كثير التجمل في ملبوسه وهيئته حتى كان ابن فضل الله يقول المولى شهاب الدين جمل الديوان وكان يكتب قلم الرقاع قويا إلى الغاية ثم باشر توقيع الدست بعد أبيه سنة ست وثلاثين ثم ولي كتابة السر في نيابة تنكز ثم أمسك وصودر فلزم بيته مدة ثم نقل إلى القاهرة فكتب بها الانشاء سنة ما رأيت منه سوءا قط وكان يتودد للصالحين ويكثر الصوم والعبادة ويصبر على الأذى ولا يعامل صديقه وعدوه إلا بالخير وطلاقة الوجه مات بعلة الاستسقاء بعد أن طال مرضه به في ثاني عشرى رجب بدمشق وصلى عليه بالجامع الأموي بعد العصر

سنة أربع وخمسين وسبعمائة

فيها كما قال ابن كثير كان في ترابلس بنت تسمى نفيسة زوجت بثلاثة أزواج ولا يقدرون عليها يظنون أنها رتقاء فلما بلغت خمس عشرة سنة غار ثدياها ثم جعل يخرج من محل الفرج شيء قليلا إلى أن برز

منه ذكر قدر أصبع وانثيان وكتب ذلك في محاضر وفيها توفي أبو عبد الله محمد بن علي بن أحمد الخولاني يعرف بابن الفخار وبالألبيري النحوي قال في تاريخ غرناطة أستاذ الجماعة وعلم الصناعة وسيبويه العصر وأحد الطبقة من أهل هذا الفن كان فاضلا تقيا منقبضا عاكفا على العلم ملازما للتدريس إمام الأئمة من غير مدافع مبرزا منتشر الذكر بعيد الصيت عظيم الشهرة متبحر العلم يتفجر بالعربية تفجر البحر ويسترسل استرسال القطر قد خالطت لحمه ودمه ولا يشكل عليه منها مشكل ولا يعوزه توجيه ولا تشذ عنه حجة جدد بالأندلس ما كان قد درس من العربية من لدن وفاة أبي علي الشلوبين وكانت له مشاركة في غير العربية من قراءات وفقه وعروض وتفسير وقل في الأندلس من لم يأخذ عنه من الطلبة وكان مفرط الطول نحيفا سريع الخطو قليل الالتفات والتفريج جامعا بين الحرص والقناعة قرأ على أبي إسحق الغافقي ولازمه وانتفع به وبغيره مات بغرناطة ليلة الإثنين ثاني عشر رجب وفيها صدر الدين محمد بن علي بن أبي الفتح بن أسعد بن المنجا الحنبلي حضر على زينب بنت محلى وسمع من الشرف بن عساكر وعمر بن القواس وجماعة وسمع منه الذهبي والحسيني وابن رجب وحج مرارا وتوفي ليلة الإثنين ثاني عشر المحرم ودفن بسفح قاسيون
وفيها جمال الدين أبو الحجاج يوسف بن عبد الله بن العفيف محمد بن يوسف بن عبد المنعم بن نعمة بن سلطان بن سرور المقدسي ثم الدمشقي الحنبلي الشيخ الإمام العالم العامل العابد الحبر ولد سنة إحدى وتسعين وستمائة وسمع سنن ابن ماجه من الحافظ ابن بدران النابلسي وسمع من التقى سليمان وأبي بكر بن عبد الدايم وعيسى المطعم ووزيرة بنت المنجا وغيرهم وسمع منه ابن كثير والحسيني وابن رجب وكان من العلماء العباد الورعين كثير التلاوة وقيام الليل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحبة الحديث والسنة توفي في العشر الأوسط من جمادى الآخرة ودفن بقاسيون

سنة خمس وخمسين وسبعمائة

فيها توفي شهاب الدين أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الله الدمشقي القاضي الشافعي المعروف بالظاهري مولده في شوال سنة ثمان وسبعين وستمائة وسمع من جماعة وتفقه على الشيخ برهان الدين الفزاري وسمع منه البرزالي والذهبي وولده القاضي تقي الدين ودرس بالأمجدية وغيرها وأفتى وولي قضاء الركب سنين كثيرة وحج بضعا وثلاثين مرة وزار القدس أكثر من ستين مرة وتوفي في شعبان ودفن بقاسيون وفيها نجم الدين أحمد بن قاضي القضاة عز الدين محمد بن سليمان بن حمزة بن أحمد بن أبي عمر المقدسي الصالحي الحنبلي الخطيب بالجامع المظفري سمع من جده التقي سليمان وغيره وكان من فرسان الناس وقل من كان مثله في سمته توفي في رجب عن بضع وأربعين سنة
وفيها القاضي جمال الدين أبو الطيب الحسين بن علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام الأنصاري الخزرجي السبكي المصري ثم الدمشقي الشافعي ولد في رجب سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة وأحضره أبوه التقي السبكي على جماعة من المشايخ وسمع البخاري على الحجار لما ورد مصر وتفقه على والده وعلى الزنكلوني وغيره وأخذ النحو عن أبي حيان والأصول عن الأصفهاني وقدم دمشق مع والده سنة تسع وثلاثين ثم طلب الحديث بنفسه فقرأ على المزي والذهبي وغيرهما ثم رجع إلى مصر ثم عاد إلى الشام وأفتى وناظر وناب عن والده في القضاء سنة خمس وأربعين ودرس بالشامية البرانية والعذراوية وغيرهما قال ابن كثير كان يحكم جيدا نظيف العرض في ذلك وأفتى وتصدر وكان لديه فضيلة وقال أخوه في الطبقات الكبرى كان من أذكياء العالم وكان عجبا في استحضار التسهيل ودرس بالأجر على الحاوي الصغير وكان عجبا في استحضاره

ومن شعره ملغزا ولعله في ريباس
( يا أيها البحر علما والغمام ندى ** ومن به أضحت الأيام مفتخره )
( أشكو إليك حبيبا قد كلفت به ** مورد الخد سبحان الذي فطره )
( خمساه قد أصبحا في زي عارضه ** وفيه بأس شديد قل من قهره )
( لا ريب فيه وفيه الريب أجمعه ** وفيه يبس ولين القامة النضره )
( وفيه كل الورى لما تصحفه ** في ضيعة ببلاد الشام مشتهره )
توفي في شهر رمضان قبل والده بسبعة أشهر ودفن بتربتهم بقاسيون
وفيها زين الدين أبو الحسن علي بن الحسين بن القسم بن منصور بن علي الموصلي الشافعي المعروف بابن شيخ العوينة كان جده الأعلى علي من الصالحين واحتفر عينا في مكان لم يعهد بالماء فقيل له شيخ العوينة ولد زين الدين في رجب سنة إحدى وثمانين وستمائة وقرأ القراءات على الشيخ عبد الله الواسطي الضرير وأخذ الشاطبية عن الشيخ شمس الدين بن الوراق وشرح الحاوي والمختصر ورحل إلى بغداد وقرأ على جماعة من شيوخها وسمع الحديث وقدم دمشق وسمع بها من جماعة ثم رجع إلى الموصل وصار من علمائها وله تصانيف منها شرح المفتاح للسكاكي وشرح مختصر ابن الحاجب والبديع لابن الساعاتي وغير ذلك قال ابن حبيب إمام بحر علمه محيط وظل دوحه بسيط وألسنة معارفه ناطقة وأفنان فنونه باسقة كان بارعا في الفقه وأصوله خبيرا بأبواب كلام العرب وفصوله نظم كتاب الحاوي وشنف سمع الناقل والراوي وبينه وبين الشيخ صلاح الدين الصفدي مكاتبات قال ابن حجر وشعره أكثر انسجاما وأقل تكلفا من شعر الصفدي توفي بالموصل في شهر رمضان وفيها سراج الدين عمر بن عبد الرحمن بن الحسين بن يحيى بن عبد المحسن بن القباني الحنبلي سمع من عيسى المطعم وغيره وكان مشهورا بالصلاح كريم النفس كبير القدر جامعا بين العلم والعمل واشتغل وانتفع بابن تيمية ولم ير على طريقه في الصلاح مثله وخرج له الحسيني مشيخة وحدث بها

ومات ببيت المقدس وفيها ناصر الدين خطيب الشام محمد بن أحمد بن أحمد بن نعمة بن أحمد بن جعفر النابلسي ثم الدمشقي الحنبلي ولد سنة ثمانين وستمائة وسمع على الفخر بن البخاري مشيخته ومن جامع الترمذي وكان أحد العدول بدمشق توفي مستهل ربيع الآخر وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن معالي بن إبراهيم بن زيد الأنصاري الخزرجي الدمشقي الحنبلي المعروف بابن المهيني سمع من ابن البخاري ومن التقي سليمان وحدث وكان بشوش الوجه حسن الشكل كثير التودد للناس وفيه تساهل للدنيا وصحب الشيخ تقي الدين ابن تيمية وتوفي في رابع شوال بدمشق ودفن بالباب الصغير قاله العليمي

سنة ست وخمسين وسبعمائة

في شهر ربيع الآخر منها مطر ببلاد الروم برد زنة الواحدة نحو رطل وثلثي رطل بالحلبي وفيها توفي شهاب الدين أبو العباس أحمد بن يوسف بن محمد وقيل عبد الدايم المعروف بابن السمين وقال السيوطي في طبقات النحاة ويعرف بالسمين الحلبي ثم المصري الشافعي النحوي المقرىء الفقيه العلامة قرأ النحو على أبي حيان والقراءات على ابن الصايغ وسمع وولي تصدير إقراء النحو بالجامع الطولوني وأعاد بالشافعي وناب في الحكم بالقاهرة وولي نظر الأوقاف بها ولازم أبا حيان إلى أن فاق أقرانه وسمع الحديث من يونس الدبوسي وله تفسير القرآن في نحو عشرين مجلدا وإعراب القرآن ألفه في حياة شيخه أبي حيان وناقشه فيه كثيرا وشرح التسهيل وشرح الشاطبية وغير ذلك مات في جمادى الآخرة بالقاهرة وفيها محي الدين أبو الربيع سليمان بن جعفر الأسنوي المصري الشافعي ولد في أوائل سنة سبعمائة وأفتى ودرس واشتغل وأشغل ذكره ابن أخته جمال الدين الأسنوي في طبقاته وقال كان فاضلا مشاركا في علوم ماهرا في الجبر والمقابلة صنف طبقات فقهاء الشافعية ومات عنها وهي مسودة لا ينتفع بها توفي في جمادى الآخرة ودفن بتربة الصوفية خارج باب النصر


وفيها قاضي القضاة فخر الدين أبو إبراهيم إسمعيل بن يحيى بن إسمعيل بن ممدود التميمي الشيرازي الشافعي قال ابن السبكي تفقه على والده وقرأ التفسير على قطب الدين الشعار صاحب التقريب على الكشاف وولي قضاء القضاة بفارس وهو ابن خمس عشرة سنة وعزل بعد مدة بالقاضي ناصر الدين البيضاوي ثم أعيد بعد ستة أشهر واستمر على القضاء خمسا وسبعين سنة وكان مشهورا بالدين والخير والمكارم وله شرح مختصر ابن الحاجب ومختصر في الكلام ونظم كثير توفي بشيراز في رجب وفيها جمال الدين عبد الله بن شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي الأصل الدمشقي الفقيه الحنبلي الفاضل ابن ابن قيم الجوزية كان لديه علوم جيدة وذهن حاضر حاذق وأفتى ودرس وناظر وحج مرات وكان أعجوبة زمانه توفي يوم الأحد رابع عشر شعبان وفيها الإمام تقي الدين أبو الحسن علي بن عبد الكافي بن علي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام بن حامد بن يحيى بن عمر بن عثمان بن علي بن مسور بن سوار بن سليم السبكي الشافعي المفسر الحافظ الأصولي اللغوي النحوي المقرىء البياني الجدلي الخلافي النظار البارع شيخ الإسلام أوحد المجتهدين قال السيوطي ولد مستهل صفر سنة ثلاث وثمانين وستمائة وقرأ القرآن على التقي بن الصايغ والتفسير على العلم العراقي والفقه على ابن الرفعة والأصول على العلاء الباجي والنحو على أبي حيان والحديث على الشرف الدمياطي ورحل وسمع من ابن الصواف والموازيني وأجاز له الرشيد بن أبي القسم وإسمعيل بن الطبال وخلق يجمعهم معجمه الذي خرجه له ابن أيبك وبرع في الفنون وتخرج به خلق في أنواع العلوم وأقر له الفضلاء وولي قضاء الشام بعد الجلال القزويني فباشره بعفة ونزاهة غير ملتفت إلى الأكابر والملوك ولم يعارضه احد من نواب الشام إلا قصمه الله وولي مشيخة دار الحديث بالأشرفية والشامية البرانية والمسرورية وغيرها وكان محققا مدققا نظارا له في الفقه وغيره الاستنباطات الجليلة والدقائق والقواعد المحررة التي لم يسبق إليها وكان منصفا في

البحث على قدم من الصلاح والعفاف وصنف نحو مائة وخمسين كتابا مطولا ومختصر المختصر منها يشتمل على ما لا يوجد في غيره من تحرير وتدقيق وقاعدة واستنباط منها تفسير القرآن وشرح المنهاج في الفقه ومن نظمه
( أن الولاية ليس فيها راحة ** إلا ثلاث يبتغيها العاقل )
( حكم بحق أو إزالة باطل ** أو نفع محتاج سواها باطل )
وله
( قلبي ملكت فما له ** مرمي لواش أو رقيب )
( قد حزت من أعشاره ** سهم المعلى والرقيب )
( يحييه قربك أن مننت ** به ولو نفدا رقيب )
( يا متلفي ببعاده ** عني أمالك من رقيب )
وأنجب أولادا كراما أعلاما وتوفي بمصر بعد أن قدم إليها وسأل أن يولي القضاء مكانه ولده تاج الدين فأجيب إلى ذلك وفيها شمس الدين محمد بن إسمعيل بن إبراهيم بن سالم بن بركات بن سعد بن بركات بن سعد بن كامل بن عبد الله بن عمر من ذرية عبادة بن الصامت رضي الله عنه الشيخ الكبير المسند المعمر المكثر المعروف بابن الخباز الحنبلي ولد في رجب سنة تسع وستين وستمائة وحضر الكثير على ابن عبد الدايم وغيره وسمع من المسلم بن علان المسند بكماله وأجازه عمر الكرماني والشيخ محي الدين النووي وخرج له البرزالي مشيخة وذكر له أكثر من مائة وخمسين شيخا وسمع منه المزي والذهبي والسبكي وابن جماعة وابن رافع وابن كثير والحسيني والمقري وابن رجب وابن العراقي وغيرهم وكان رجلا جيدا صدوقا مأمونا صبورا على الأسماع محبا للحديث وأهله مع كونه يكتب بيده في حال السماع وحدث مع أبيه وعمره عشرون سنة وتوفي يوم الجمعة ثالث رمضان بدمشق عن سبع وثمانين سنة وشهرين ودفن بباب الصغير
وفيها بدر الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الغني بن عبد الله بن أبي نصر

المعروف بابن البطايني الحنبلي الشيخ العدل الأصيل ولد في رمضان سنة ثمان وسبعين وستمائة وسمع من ابن سنان وابن البخاري والشرف بن عساكر وسمع منه جماعة منهم المقري وابن رجب والحسيني وباشر نيابة الحسبة بالشام وتولى قضاء الركب الشامي وتكسب بالشهادة وتوفي يوم الجمعة سادس رجب ودفن بسفح قاسيون

سنة سبع وخمسين وسبعمائة

وقع فيها في جمادى الآخرة حريق بدمشق ظاهر باب الفرج لم يعهد مثله بحيث كانت عدة الحوانيت المحرقة سبعمائة سوى البيوت
وفيها توفي كمال الدين أبو العباس أحمد بن عمر بن أحمد بن أحمد بن مهدي الإمام العالم الورع المصري الشافعي النشائي بالنون والمعجمة مخففا نسبة إلى نشا قرية بريف مصر ولد في ذي القعدة سنة إحدى وتسعين وسستمائة وسمع من الحفاظ الدمياطي ورضي الدين الطبري وجماعة واشتغل على والده وغيره من مشايخ العصر ودرس بجامع الخطيري وخطب به وأم أول ما بنى وأعاد بالظاهرية والصالحية وغيرها وصنف التصانيف المفيدة الجامعة المحررة منها المنتقى في خمس مجلدات وجامع المختصرات وشرحه في ثلاث مجلدات ونكت التنبيه وهو كتاب مفيد والأبريز في الجمع بين الحاوي والوجيز وكشف غطاء الحاوي ومختصر سلاح المؤمن وكلامه في مصنفاته قوي مختصر جدا وفي فهمه عسر فلذلك أحجم كثير من الناس عن مصنفاته وسمع منه وحدث عنه زين الدين العراقي وابن رجب الحنبلي وذكره رفيقه الأسنوي فقال كان إماما حافظا للمذهب كريما متصوفا طارحا للتكلف وفي أخلاقه حدة كوالده توفي في صفر ودفن بالقرافة الصغرى وفيها سلطان بغداد حسن ابن اقبغا بن ايلكان بن خربندا بن أرغون بن هلاكو المغلى ويعرف بحسن الكبير تمييزا له عن حسن بن عرياس وكان حسن الكبير ذا سياسة حسنة وقيام بالملك

أحسن قيام وفي ولايته وقع ببغداد الغلاء المفرط حتى بيع الخبز بصنج الدراهم ونزح الناس عن بغداد ثم نشر العدل إلى أن تراجع الناس إليها وكانوا يسمونه الشيخ حسن لعدله قال في الدرر وفي سنة تسع وأربعين توجه إلى تستر ليأخذ من أهلها قطيعة قررها عليهم فأخذها وعاد فوجد نوابه في بغداد في رواق العدل ببغداد ثلاث قدور مثل قدور الهريسة مملوءة ذهبا مصريا وصوريا ويوسفيا وغير ذلك فيقال جاء وزن ذلك أربعين قنطارا بالبغدادي ولما توفي قام ابنه أويس مقامه
وفيها جمال الدين عبد الله بن أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عباس بن حامد بن خلف المعروف بابن الناصح وهو لقب عبد الرحمن الحنبلي سمع على الفخر ابن البخاري وحدث وكان رجلا صالحا مباركا يتعانى التجارة ثم ترك ذلك ولازم الجامع نحو الستين سنة توفي في ذي القعدة
وفيها السيد شرف الدين أبو الحسن علي بن الحسين بن علي بن الحسين بن محمد الحسيني الأرموي المصري الشافعي المعروف بابن قاضي العسكر مولده سنة إحدى وتسعين وستمائة وسمع من جماعة واشتغل بالفقه والأصول والعربية وأفتى ودرس بمشهد الحسين والفخرية والطيبرسية وولي نقابة الأشراف والحسبة ووكالة بيت المال وحدث وسمع منه جماعة قال ابن رافع كان من أذكياء العالم كثير المروءة أديبا بارعا وقال ابن السبكي كان رجلا فاضلا ممدحا أديبا هو والشيخ جمال الدين بن نباتة والقاضي شهاب الدين بن فضل الله أدباء العصر إلا أن ابن نباته وابن فضل الله يزيدان عليه بالشعر فإنه لم يكن له فيه يد وأما في النثر فكان أستاذا ماهرا مع معرفته بالفقه والأصول والنحو توفي بالقاهرة في جمادى الآخرة

سنة ثمان وخمسين وسبعمائة

فيها وثب مملوك يقال له آي قجا من مماليك السلطان على شيخو الناصري وكان شيخو هذا تقدم في أيام المظفر واستقر في أول دولة الناصر حسن من رؤس

أهل المشورة ثم كاتب القصص إلى أن صار زمام الملك بيده وعظم شأنه في سنة إحدى وخمسين كتب له بنيابة طرابلس وهو في الصيد فساروا به إلى دمشق فوصل أمر بإمساكه فأمسك وأرسل إلى الأسكندرية فسجن بها فلما استقر الصالح أفرج عنه في رجب سنة اثنتين وخمسين واستقر على عادته أولا وكثر دخله حتى قيل أنه كان يدخل له من إقطاعه وأملاكه ومستأجراته في كل يوم مائتا ألف ولم يسمع بمثل ذلك في الدولة التركية ولما وثب عليه المملوك وجرحه بالسيف في وجهه وفي يده اضطرب الناس فمات من الزحام عدد كثير وأمسك المملوك فقال ما أمرني أحد بضربه ولكني قدمت له قصة فما قضى حاجتي فطيف بالمملوك وقتل وقطبت جراحات شيخو فأقام نحو ثلاثة أيام والناس تعوده السلطان فمن دونه ثم مات في سادس عشر ذي القعدة وترك من الأموال ما لا يحصى وفيها توفي شهاب الدين أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن عبد المحسن المصري العسجدي ولد في رمضان سنة ست وثمانين وستمائة وطلب الحديث وهو كبير فسمع من النور البعلي والدبوسي والواني وغيرهم وأكثر جدا وكتب الطباق وأسمع أولاده وكان أديبا متواضعا فاضلا متدينا يعرف أسماء الكتب ومصنفيها وطبقات الأعيان ووفياتهم وولي تدريس الحديث بالمنصورية والفخرية وغيرهما قال ابن حبيب كان عالما بارعا مفيدا مسارعا إلى الخير ومن شعره
( ولعى بشمعته وضوء جبينه ** مثل الهلال على قضيب مائس )
( في خده مثل الذي في كفه ** فأعجب لماء فيه جذوة قابس )
وفيها أرغون الصغير الكاملي نايب حلب كان أحد مماليك الصالح إسمعيل رباه وهو صغير السن حتى صيره أميرا وزوجه أخته لأمه هي بنت أرغون العلائي وكان جميلا جدا قال الصفدي لما تزوج خرج وعليه قباء مطرز فبهر الناس بحسنه ولما ولي الكامل حظي عنده وكان يدعي أرغون الصغير فصار يدعي أرغون الكاملي ثم ولاه الناصر حسن نيابة حلب فباشرها مباشرة حسنة وخافة التركمان والعرب ثم

ولي نيابة دمشق في أول دولة الصالح صالح ثم اعتقل بالأسكندرية ثم أفرج عنه وأقام بالقدس بطالا وعمر له فيها تربة حسنة ومات بها في شوال
وفيها قوام الدين أمير كاتب بن أمير عمر بن أمير غازي أبو حنيفة الأتقاني الحنفي قال السيوطي اسمه لطف الله قال ابن حبيب كان رأسا في مذهب أبي حنيفة بارعا في اللغة والعربية وقال ابن كثير ولد بأتقان في ليلة السبت تاسع عشر شوال سنة خمس وثمانين وستمائة واشتغل ببلاده ومهر وقدم دمشق سنة عشرين وسبعمائة ودرس وناظر وظهرت فضائله وقال ابن حجر ودخل مصر ثم رجع فدخل بغداد وولي قضاءها ثم قدم دمشق ثانيا وولي بها تدريس دار الحديث الظاهرية بعد وفاة الذهبي وتكلم في رفع اليدين في الصلاة وادعى بطلان الصلاة به وصنف فيه مصنفا فرد عليه الشيخ تقي الدين السبكي وغيره ثم دخل مصر فأقبل عليه صرغتمش وعظم عنده جدا وجعله شيخ مدرسته التي بناها وذلك في جمادى الأولى سنة سبع وخمسين فاختار لحضور الدرس طالعا فحضر والقمر في السنبلة والزهرة في الأوج وأقبل عليه صرغتمش إقبالا عظيما وقدر أنه لم يعش بعد ذلك سوى سنة وشيء وكان شديد التعظيم لنفسه متعصبا جدا معاديا للشافعية يتمنى تلافهم واجتهد في ذلك بالشام فما أفاد وأمر صرغتمش أن يقصر مدرسته على الحنفية وشرح الهداية وحدث بالموطأ رواية محمد بن الحسن بإسناد نازل جدا وذكر القاضي عز الدين ابن جماعة أن بينه وبين الزمخشري اثنين فأنكر ذلك وقال أنا أسن منك وبيني وبينه أربعة أو خمسة وكان أحد الدهاة وأخذ عنه الشيخ محب الدين بن الوحدية ومات في حادي عشر شوال انتهى ما ذكره السيوطي في طبقات النحاة
وفيها أحمد بن مظفر بن أبي محمد بن مظفر بن بدر بن الحسن بن مفرج بن بكار بن النابلسي سبط الزين خالد أبو العباس كان حافظا مفيدا حجة ذا صلاح ظاهر لكنه عن الناس نافر قاله ابن ناصر الدين وفيها شهاب الدين أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن عبد الولي بن جبارة المقدسي

ثم الصالحي المرداوي الحنبلي المعمر المسند المعروف بالحريري مولده سنة ثلاث وستين وستمائة وسمع من الكرماني وابن البخاري وخلق وأجاز له أحمد بن عبد الدايم والنجيب عبد اللطيف قال الحسيني وهو آخر من حدث بالإجازة عنهم في الدنيا وسمع منه الذهبي والبرزالي والحسيني وطائفة وضعف بصره وهو كثير التلاوة والذكر توفي في ثالث عشر رمضان ببستان الأعسر وصلى عليه بجامع المظفري ودفن بالسفح بمقبرة المرادوة وفيها شرف الدين أبو سليمان داود بن محمد بن عبد الله المرداوي الحنبلي الشيخ الإمام الصالح أخو قاضي القضاة جمال الدين المرداوي سمع الكثير متأخرا على التقي سليمان وأجاز له جماعة منهم ابن البخاري وغيره وتوفي في رمضان ودفن بسفح قاسيون وفيها تاج الدين محمد بن أحمد بن رمضان بن عبد الله الجزيري ثم الدمشقي الحنبلي سمع من الشيخ شمس الدين بن أبي عمر وابن عساكر وابن الفراء وأجاز له الصيرفي وابن الصابوني وابن البخاري وابن الكمال وخلق وخرج له ابن سعد مشيخة سمعها عليه جماعة منهم الحسيني وابن رجب توفي مستهل رمضان وصلى عليه بالأموي ودفن بسفح قاسيون وفيها مريم وتدعى قضاة بنت الشيخ عبد الرحمن ابن أحمد بن عبد الرحمن الحنبلية الشيخة الصالحة المسندة من أصحاب الشيخ المسند أبي الفضل أحمد بن هبة الله بن عساكر ولدت عام أحد أو اثنين وتسعين وستمائة وروت عن خلق وحدثت وأجازت لولدها شمس الدين بن عبد القادر النابلسي ويأتي ذكره إن شاء الله تعالى وتوفيت في المحرم وفيها بهاء الدين عمر بن محمد بن أحمد بن منصور الهندي الحنفي نزيل مكة قال الفارسي كان عالما بالفقه والأصول والعربية مع حلم وأدب وعقل راجح وحسن خلق جاور بالمدينة وحج فسقط إلى الأرض فيبست أعضاؤه وبطلت حركته وحمل إلى مكة وتأخر عن الحج ولم يقم إلا قليلا ومات وفيها محب الدين أبو الثناء محمود بن علي بن إسمعيل بن يوسف التبريزي القونوي الأصل المصري الشافعي ولد بمصر سنة تسع

عشرة وسبعمائة وتوفي والده وهو صغير فاشتغل وأخذ عن مشايخ العصر ودرس وأفتى وصنف ذكره رفيقه الأسنوي في طبقاته وبالغ في المدح له والثناء عليه وشرع في تصنيف أشياء عاقه عن أكمالها اخترام المنية وكمل شرح المختصر في جزءين وهو من أحسن شروحه توفي في ربيع الآخر

سنة تسع وخمسين وسبعمائة

فيها توفي أبو الغيث بن عبد الله بن راشد السكوني الكندي الحضرمي قال الخزرجي كان فقيها بارعا محققا عارفا بالفقه والنحو واللغة والمعاني والبيان والعروض والقوافي أخذ عن جماعة من أهل زبيد وولي القضاء بها وتدريس العفيفية ثم نقله المجاهد إلى تعز لتدريس مدرسته فاستمر بها إلى أن مات وفيها الحسين بن علي بن أبي بكر بن محمد بن أبي الخير الموصلي الحنبلي قدم الشام وكان شيخا طوالا ذكيا له قدرة على نظم الألغاز وكتابته جيدة وكان يذكر أنه سمع جامع الأصول ودرس وتوفي في خامس عشر رمضان وهو والد الشيخ عز الدين الموصلي
وفيها علاء الدين علي بن عبد الرحمن بن الحسين الخطيب بن الخطيب العثماني الصفدي الشافعي ناب في الحكم بصفد وخطب بها ودرس وقام بالفتوى بعد ابن الرسام وله مختصر في الفقه سماه النافع توفي بصفد عقب وصوله من الحج وهو أخو القاضي شمس الدين العثماني قاضي صفد وصاحب طبقات الفقهاء المحشوة بالأوهام وتاريخ صفد وغيرهما قاله ابن قاضي شهبة وفيها شمس الدين محمد بن إبراهيم بن إسمعيل المعروف بالحفة بمهملة وفاء وقد يصغر فيقال حفيفة الحنبلي الشيخ الصالح المقرىء الملقن المعمر سمع من ابن البخاري مشيخته وحدث وسمع منه ابن رجب والعراقي وطائفة وكان يقرىء بالجامع المظفري وقرأ عليه جماعة مستكثرة توفي ليلة الثلاثاء عاشر ربيع الأول بالصالحية ودفن بسفح قاسيون
وفيها شمس الدين محمد بن أحمد بن الحسن بن عبد الله بن عبد الواحد المقدسي

الأصل ثم الدمشقي الحنبلي الشيخ الإمام كان إماما بمحراب الحنابلة بجامع دمشق وحضر على ابن البخاري المسند وسمع من جده لأمه الشيخ تقي الدين الواسطي وابن عساكر وغيرهما وحدث وسمع منه الحسيني وابن رجب توفي يوم السبت سابع عشر شعبان بسفح قاسيون ودفن به وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن عثمان بن موسى الآمدي ثم المكي الحنبلي أمام مقام الحنابلة بمكة شرفها الله تعالى ولي الإمامة بعد وفاة والده فباشرها أحسن مباشرة واستمر نحو ثلاثين سنة وسمع الحديث من والده وغيره وفيها شمس الدين محمد بن يحيى بن محمد بن سعيد بن عبد الله بن سعد بن مفلح بن هبة الله بن نمير الشيخ الإمام العالم المتقن المحدث المفيد الحنبلي المقدسي ثم الصالحي ذكره الذهبي في معجمه المختص فقال المحدث الفاضل البارع مفيد الطلبة بكر به والده فسمع كثيرا وهو حاضر وسمع من خلق كثير وطلب بنفسه وكتب ورحل وخرج للشيوخ وقال الحسيني سمع خلقا كثيرا وجما غفيرا وجمع فأوعى وكتب ما لا يحصى وخرج لخلق من شيوخه وأقرانه وأثنى عليه ابن كثير وابن حبيب وغيرهما توفي يوم الإثنين ثالث ذي القعدة بالصالحية ودفن بقاسيون وقد قارب الستين

سنة ستين وسبعمائة

فيها توفي خطيب مكة وقاضيها شهاب الدين أحمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن إبراهيم الطبري القاضي المكي الشافعي من بيت العلم والقضاء والرياسة والحديث قال في الدرر ولد سنة ثمان عشرة وسبعمائة وولي قضاء مكة وهو شاب بعد أبيه وولي الخطابة وكان سمع على الرضى والصفى والفخر التوزري وغيرهم وسمع منه غير واحد من شيوخنا ومات في العشر الآخر من شعبان وفيها شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن أبي الزهر بن عطية الهكاري الحنبلي الشيخ الإمام سمع من ابن البخاري مشيخته وغيرها وسمع منه

الذهبي وابن رجب وابن العراقي وغيرهم وكان شيخا صالحا حسنا من أولاد المشايخ توفي ليلة الجمعة سابع عشرى جمادى الأولى ودفن بسفح قاسيون
وفيها شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد بن سام بن السراج الحنبلي الشيخ الصالح حضر في الثانية على ابن القواس معجم ابن جميع وسمع الغسولي وغيره وحدث وسمع منه الذهبي والحسيني وابن ايدغدي وجماعة وكان رجلا جيدا توفي سابع ذي الحجة بالصالحية ودفن بقاسيون
وفيها زين الدين عمر بن عثمان بن سالم بن خلف بن فضل المقدسي المؤدب الصالحي الحنبلي سمع من ابن البخاري سنن أبي داود ومن التقي الواسطي وخطيب بعلبك وحدث وسمع منه الحسيني وابن ايدغدي وجماعة وكان من أهل الدين والخير وكان عامل الضيائية متوددا كثير التحصيل للكتب الحديثية توفي ليلة الخميس سادس عشر ذي القعدة وفيها محمد بن عيسى بن عبد الله السكسكي النحوي الشافعي المصري نزيل دمشق قال في الدرر مهر في العربية وشغل الناس بها وكان كثير المطالعة والمذاكرة وله أرجوزة في التصريف وكتب شيئا على منهاج النووي وله سماع من عبد الرحيم بن أبي اليسر وغيره وكان كثير العبادة حسن البشر جيد التعليم درس وأفتى وولي الخانقاه الشهابية وله أسئلة في العربية سأل عنها الشيخ تقي الدين السبكي فأجابه مات في ثامن عشر ربيع الأول والله أعلم

سنة إحدى وستين وسبعمائة

فيها توفي أورخان بن عثمان السلطان العظيم ثاني ملوك بني عثمان ولي سنة ست وعشرين وستمائة بعد وفاة والده السلطان عثمان حق أول ملوك بني عثمان وكانت ولاية صاحب الترجمة في أيام السلطان حسن صاحب مصر قال القطبي كان أورخان شديدا على الكفار ففاق والده في الجهاد وفتح البلاد فافتتح قلاعا

كثيرة وحصونا منيعة وفتح برسا وجعلها مقر سلطنته ثم ولي بعده ولده مراد
وفيها بشر بن إبراهيم بن محمود بن بشر البعلي الحنبلي الشيخ الصالح المقرىء الفقيه ولد في ذي القعدة سنة إحدى وثمانين وستمائة وسمع من التاج عبد الخالق وابن مشرف والشيخ شرف الدين اليونيني وغيرهما وكان خيرا حسن السمت صحب الفقراء وروى عنه ابن رجب حديث الربيع بنت النضر وقول النبي صلى الله عليه وسلم إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره وجاور بمكة وتوفي بمعان مرجعه من الحج ليلة الجمعة رابع عشر ذي الحجة ودفن هناك وأرخ الحافظ ابن حجر وفاته في المحرم ولعله الأقرب وفيها جمال الدين الدارفوي الحنبلي المقرىء للسبع إمام الضيائية بدمشق توفي في جمادى الأولى قاله العليمي
وفيها صلاح الدين أبو سعيد خليل بن كيكلدى بن عبد الله العلائي الشافعي الإمام المحقق بقية الحفاظ ولد بدمشق في ربيع الأول سنة أربع وتسعين وستمائة وسمع الكثير ورحل وبلغ عدد شيوخه بالسماع سبعمائة وأخذ علم الحديث عن المزي وغيره وأخذ الفقه عن الشيخين البرهان الفزاري ولازمه وخرج له مشيخة والكمال الزملكاني وتخرج به وعلق عنه كثيرا وأجيز بالفتوى وجد واجتهد حتى فاق أهل عصره في الحفظ والإتقان ودرس بدمشق بالأسدية وغيرها ثم انتقل إلى القدس مدرسا بالصلاحية وحج مرارا وجاور وأقام بالقدس مدة طويلة يدرس ويفتي ويحدث ويصنف إلى آخر عمره ذكره الذهبي في معجمه وأثنى عليه وكذلك الحسيني في معجمه وذيله فقال كان إماما في الفقه والنحو والأصول مفننا في علم الحديث ومعرفة الرجال علامة في معرفة المتون والأسانيد بقية الحفاظ ومصنفاته تنبىء عن إمامته في كل فن درس وأفتى وناظر ولم يخلف بعده مثله وقال السبكي كان حافظا ثبتا ثقة عارفا بأسماء الرجال والعلل والمتون فقيها متكلما أديبا شاعرا ناظما متفننا أشعريا صحيح العقيدة سنيا لم يخلف بعده في الحديث مثله لم يكن في عصره من يدانيه فيه ومن تصانيفه القواعد المشهورة والوشي المعلم فيمن روى عن

أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم وعقيلة المطالب في ذكر أشراف الصفات والمناقب وجمع الأحاديث الواردة في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ومنخة الرائض بعلوم آيات الفرائض وكتابا في المدلسين وكتابا سماه تلقيح الفهوم في صيغ العموم وغير ذلك من التصانيف المتقنة المحررة توفي بالقدس في المحرم ودفن بمقبرة باب الرحمة إلى جانب سور المسجد وفيها أبو الربيع سليمان بن محمد بن عبد الحق الحنفي البليغ الناظم الناثر ولي ولايات جليلة ومن شعره
( من يكن أصم أعمى ** يدخل الحان جهارا )
( يسمع الالحان تتلو ** وترى الناس سكارى )
وفيها تقي الدين أبو محمد عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن نصر بن فهد المقدسي الصالحي البزوري العطار الحنبلي المعروف بابن قيم الضيائية ولد في أواخر سنة تسع وستين وستمائة وأخذ عن الفخر بن البخاري وسمع من الشيخ شمس الدين بن أبي عمر وابن الزين وابن الكمال وسمع منه الذهبي وابن رافع والحسيني وابن رجب وأجاز للشيخ شهاب الدين بن حجي وللشيخ شرف الدين بن مفلح وكان مكثرا مسندا فقيها وكان له حانوت بالصالحية يبيع فيه العطر توفي بالصالحية ليلة الثلاثاء خامس عشرى المحرم ودفن بالروضة عن إحدى وتسعين سنة
وفيها جمال الدين أبو محمد عبد الله بن يوسف بن أحمد بن عبد الله بن هشام الأنصاري الحنبلي النحوي العلامة قال في الدرر ولد في ذي القعدة سنة ثمان وسبعمائة ولزم الشهاب عبد اللطيف بن المرحل وتلا على ابن السراج وسمع على أبي حيان ديوان زهير بن أبي سلمى ولم يلازمه ولا قرأ عليه وحضر درس التاج التبريزي وقرأ على التاج الفاكهاني شرح الإشارة له إلا الورقة الأخيرة وتفقه للشافعي ثم تحنبل فحفظ مختصر الخرقي في دون أربعة أشهر وذلك قبل موته بخمس سنين وأتقن العربية ففاق الأقران بل الشيوخ وحدث عن ابن جماعة بالشاطبية وتخرج به جماعة من أهل مصر وغيرهم وتصدر لنفع الطالبين وانفرد بالفوايد الغريبة والمباحث

الدقيقة والاستدراكات العجيبة والتحقيق البالغ والاطلاع المفرط والاقتدار على التصرف في الكلام والملكة التي كان يتمكن من التعبير بها عن مقصوده بما يريد مع التواضع والبر والشفقة ودماثة الخلق ورقة القلب قال ابن خلدون وما زلنا ونحن بالمغرب نسمع أنه ظهر بمصر عالم بالعربية يقال له ابن هشام أنحى من سيبويه وكان كثير المخالفة لأبي حيان شديد الانحراف عنه صنف مغنى اللبيب عن كتب الأعاريب اشتهر في حياته وأقبل الناس عليه وقد كتب عليه حاشية وشرحا لشواهده والتوضيح على الألفية مجلدا ورفع الخصاصة عن قراء الخلاصة أربع مجلدات وعمدة الطالب في تحقيق تصريف ابن الحاجب مجلدان والتحصيل والتفصيل لكتاب التكميل والتذييل عدة مجلدات وشرح التسهيل مسودة وشرح الشواهد الكبرى والصغرى والجامع الكبير والجامع الصغير وشرح اللمحة لأبي حيان وشرح بانت سعاد وشرح البردة والتذكرة خمس مجلدات والمسائل السفرية في النحو وغير ذلك وله عدة حواش على الألفية والتسهيل ومن شعره
( ومن يصطبر للعلم يظفر بنيله ** ومن يخطب الحسناء يصبر على البذل )
( ومن لم يذل النفس في طلب العلى ** يسيرا يعش دهرا طويلا أخاذل )
وله
( سوء الحساب أن يؤاخذ الفتى ** بكل شيء في الحياة قد أتى )
توفي ليلة الجمعة خامس ذي القعدة ودفن بعد صلاة العصر بمقبرة الصوفية بمصر
وفيها أبو القسم محمد بن أحمد بن محمد الشريف الحسيني الفقيه الجليل النبيه رئيس العلوم اللسانية بالأندلس وقاضي الجماعة بها قال المقري المغربي المتأخر في كتابه تعريف ابن الخطيب في ذكر مشايخ لسان الدين بن الخطيب كان هذا الشريف آية الله الباهرة في العربية والبيان والأدب قال محمد بن علي بن الصباغ العقيلي كان آية زمانه وأزمة البيان طوع بنانه له شرح المقصورة القرطاجنية أغرب ما تتحلى به الآذان وأبدع ما ينشرح له الجنان إلى العقل الذي لا يدرك والفضل

الذي حمد منه المسلك جرت بينه وبين الوالد نادرة وذلك أن الوالد دخل عليه يوما لأداء شهادة فوجد بين يديه جماعة من الغزاة يؤدون شهادة أيضا فسمع القاضي منهم وقال هل ثم من يعرفكم فقالوا نعم يعرفنا سيدي على الصباغ فقال القاضي أتعرفهم يا أبا الحسن فقال نعم يا سيدي معرفة محمد بن يزيد فما أنكر عليه شيئا بل قال لهم عرف الفقيه أبو الحسن ما عنده فانظروا من يعرف معه رسم حالكم فانصرفوا راضين ولم يرتهن والدي في شيء من حالهم ولا كشف القاضي لهم ستر القضية قال محمد بن الصباغ أما قول والدي معرفة محمد بن يزيد فإشارة إلى قول الشاعر
( أسائل عن ثمالة كل حي ** فكلهم يقول وما ثماله )
( فقلت محمد بن يزيد منهم ** فقالوا الآن زدت بهم جهاله )
قال ففطن القاضي رحمه الله تعالى لجودة ذكائه إلى أنه يرتهن في شيء من معرفتهم ممتنعا من إظهار ذلك بلفظه الصريح فكنى واكتفى بذكاء القاضي الصحيح رحمه الله تعالى ومن شعر الشريف
( واحور زان خديه عذار ** سبى الألباب منظره العجاب )
( أقول لهم وقد عابوا غرامي ** به إذ لاح للدمع انسكاب )
( ابعد كتاب عارضه يرجى ** خلاص لي وقد سبق الكتاب )
توفي في هذه السنة وقال في الإحاطة مولده سنة سبع وتسعين وستمائة وتوفي سنة ستين وسبعمائة والأول أصح وفي حدودها قاضي القضاة أبو عبد الله جد المقري المتأخر صاحب نفح الطيب قال في الإحاطة محمد بن محمد بن أحمد بن أبي بكر بن عبد الله بن يحيى بن عبد الرحمن بن أبي بكر القرشي المقري قاضي الجماعة بفاس ولد بتلمسان وكان أول من اتخذها من سلفه قرارا جده الخامس

عبد الرحمن صاحب الشيخ أبي مدين الذي دعا له ولذريته بما ظهر فيهم قبوله وتبين وقال حفيده المقري في كتابه التعريف بابن الخطيب وقد ألف علم الدنيا ابن مرزوق تأليفا استوفى فيه التعريف بمولاي الجد سماه النور البدري في التعريف بالفقيه المقري وهذا بناء منه على مذهبه أنه بفتح الميم وسكون القاف كما صرح بذلك في شرح الألفية عند قوله ووضعوا لبعض الأجناس علم وضبطه غيره وهم الأكثرون بفتح الميم وتشديد القاف وعلى ذلك عول أكثر المتأخرين وهما لغتان في البلدة التي نسب إليها وهي قرية من قرى زاب أفريقية وقال مولاي الجد مولدي بتلمسان أيام أبي حم موسى بن عثمان وقد وقفت على تاريخ ذلك ولكني رأيت الصفح عنه لأن أبا الحسن بن مؤمن سأل أبا طاهر السلفي عن سنه فقال أقبل على شأنك فإني سألت أبا الفتح بن رويان عن سنه فقال لي اقبل على شأنك فإني سألت علي بن محمد اللبان عن سنه فقال لي اقبل على شأنك فإني سألت أبا القاسم حمزة بن يوسف السهمي عن سنه فقال لي اقبل على شأنك فإني سألت أبا بكر محمد بن عدي المنقري عن سنه فقال لي اقبل على شأنك فإني سألت أبا إسمعيل الترمذي عن سنه فقال لي اقبل على شأنك فإني سألت بعض أصحاب الشافعي عن سنة فقال لي اقبل على فإني سألت الشافعي عن سنه فقال لي اقبل على شأنك فإني سألت مالك بن أنس عن سنه فقال اقبل على شأنك ليس من المروءة للرجل أن يخبر بسنه انتهى وأنشد لبعضهم في المعنى
( احفظ لسانك لا تبح بثلاثة ** سن ومال ما استطعت ومذهب )
( فعلى الثلاثة تبتلي بثلاثة ** بمكفر وبحاسد ومكذب )
وقال في الإحاطة في ترجمة الفقيه المقري هذا هذا الرجل مشار إليه بالعدوة الغربية اجتهادا وأدبا وحفظا وعناية واضطلاعا ونقلا ونزاهة سليم الصدر قريب الغور صادق القول مسلوب التصنع كثير الهشة مفرط الخفة ظاهر السذاجة ذاهب أقصى مذاهب التخلق محافظ على العمل مثابر على الانقطاع حريص على العبادة قديم النعمة

متصل الخيرية مكب على النظر والدرس معلوم الصيانة والعدالة منصف في المذاكرة حاسر الذراع عند المباحثة رحب الصدر في وطيس المناقشة غير ضنين بالفائدة كثير الالتفات متقلب الحدقة جهير بالحجة بعيد عن المراء والمباهتة قائل بفضل أولى الفضل من الطلبة يقوم أتم القيام على العربية والفقه والتفسير ويحفظ الحديث ويتهجر بحفظ التاريخ والأخبار والآداب ويشارك مشاركة فاضلة في الأصلين والمنطق والجدل ويكتب ويشعر مصيبا غرض الإصابة ويتكلم في طريقة الصوفية كلام أرباب المقال ويعتني بالتدوين فيها شرق وحج ولقي جلة ثم عاد إلى بلده فأقرأ به وانقطع إلى خدمة العلم وقال المقري في هذه الترجمة سأل ابن فرحون ابن حكم هل تجد في التنزيل ست فاءات مرتبة ترتيبها في هذا البيت
( رأى فحب فرام الوصل فامتنعت ** فسام صبرا فأعيا نيله فقضى )
ففكر ثم قال نعم { فطاف عليها طائف من ربك } إلى آخرها ثم قال لابن فرحون هل عندك غيره فقال نعم { فقال لهم رسول الله } إلى آخر السورة وأكثر ما وجدت الفاء تنتهي في كلامهم إلى هذا العدد وقال المقري صاحب الترجمة رأيت بجامع الفسطاط من مصر فقيرا عليه قميص إلى جانبه دفاسة قائمة وبين يديه قلنسوة فذكر لي هنالك أنهما محشوتان بالبرادة وأن زنة الدفاسة أربعمائة رطل مصرية وهي ثلثمائة وخمسون مغربية وزنة القلنسوة مائتا رطل مصرية فعمدت إلى الدفاسة فأخذتها من طرفها أنا ورجل آخر وأملناها بالجهد فلم نصل بها إلى الأرض وعمدت إلى القلنسوة فأخذتها من أصبع كان في رأسها فلم أطق حملها فتركتها وكان يوم جمعة فلما قضيت الصلاة مررنا في جملة من أصحابنا بالفقير فوجدناه لابسا تلك الدفاسة في عنقه واضعا تلك القلنسوة على رأسه فقام إلينا وإلى غيرنا ومشى بهما كما يمشي أحدنا بثيابه فجعلنا نتعجب ويشهد بعضنا بعضا على ما رأى ولم يكن بالعظيم الخلقة وقال لما حللت ببيت المقدس وعرف به مكاني من الطلب سألني بعض الطلبة بحضرة قاضيها فقال

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21