كتاب :شذرات الذهب في أخبار من ذهب
المؤلف:عبد الحي بن أحمد بن محمد العكري الحنبلي

حين وفاته وكان فقيها فاضلا قارئا مجودا طيب النغمة قال ابن الليثي كان قويا في دين الله متمسكا بالآثار لا يرى منكرا أو يسمع به إلا غيره لا يحابي في قول الحق أحدا قال وصحبته وسمعت عليه معتقدا في السنة قاله ابن رجب
وفيها عبد النبي بن المهدي الذي كان تغلب على اليمن ويلقب بالمهدي وكان أبوه أيضا قد استولى على اليمن فظلم وغشم وذبح الاطفال وكان باطنيا من دعاة المصريين فهلك سنة ست وستين وقام بعده ولده هذا فاستباح الحرائر وتمرد على الله فقتله شمس الدولة كما ذكرنا
وفيها أبو الحسن علي بن أحمد بن حنين الكناني القرطبي نزيل فاس سمع الموطأ من أبي عبد الله بن الطلاع وأخذ القراءات عن أبي الحسن العبسي وسمع من حازم بن محمد والكبار وحج سنة خمسمائة ولقي الكبار وعمر دهرا ولد سنة ست وسبعين وأربعمائة وتصدر للإقراء مدة
وفيها الفقيه عمارة بن علي بن زيدان أبو محمد الحكمي المذحجي اليمني الشافعي الفرضي نجم الدين نزيل مصر وشاعر العصر قال ابن خلكان كان شديد التعصب للسنة أديبا ماهرا لم يزل ماشي الحال في دولة المصريين إلى أن ملك صلاح الدين فمدحه ثم انه شرع في أمور وأخذ في اتفاق مع الرؤساء في التعصب للعبيديين وإعادة دولتهم فنقل أمرهم وكانوا ثمانية إلى صلاح الدين فشنقهم في رمضان انتهى
وقال الاسنوي حج سنة تسع وأربعين وسيره قاسم ابن هاشم أمير مكة شرفها الله تعالى رسولا إلى ديار المصرية فدخلها في ربيع الأول سنة خمسين وخمسمائة والخليفة يومئذ الفائز بن الظافر والوزير الصالح بن رزيك فمدحهما بقصيدة منها
( الحمد للعيس بعد العزم والهمم ** حمدا يقوم بما أولت من النعم )
( لا أجحد الحق عندي للركاب يد ** تمنت اللجم فيها رتبة الخطم )
( قربن بعد مزار العز من نظري ** حتى رأيت إمام العصر من أمم )


( ورحن من كعبة البطحاء مجتهدا ** وفدا إلى كعبة المعروف والكرم )
( حيث الخلافة مضروب سرادقها ** بين النقيضين من عفو ومن نقم )
فاستحسنا قصيدته وأجزلا صلته وأقام إلى شوال من سنة خمسين في أرغد عيش وأعز جانب ثم فارق مصر وتوجه إلى مكة حرسها الله تعالى ثم إلى زبيد في صفر سنة إحدى وخمسين ثم حج من عامه فأرسله قاسم صاحب مكة إلى مصر في رسالة ثانية فاستوطنها ولم يفارقها بعد فأحسن إليه الصالح ومن يتعلق به كل الإحسان وصحبوه مع اختلاف العقيدة وشدة التعصب للسنة ولما لطف الله بإزالة ملك الدولة كان عمارة مقيما بها فرثاهم بقصيدة لامية طنانة ثم شرع في الاتفاق مع جماعة من رؤساء البلد على إعادة الدولة المصرية فعلم بهم السلطان وكانوا ثمانية من الأعيان ومن جملتهم الفقيه عمارة المذكور فأمر بشنق الجميع فشنقوا في يوم السبت ثاني شهر رمضان وكفى الله شرهم ولما قبض على المذكور وأخذ للشنق تحيل على المرور على باب القاضي الفاضل فغيب عنه وامتنع من رؤيته فأنشد
( عبد الرحيم قد احتجب ** أن الخلاص من العجب )
وكان ذلك آخر شيء نظمه انتهى ما ذكره الاسنوي وقيل انه صلب منكسا وانه أنشد في هذه الحالة
( وما تعلقت بالسرياق منتكسا ** لعلة أوجبت تعذيب ناسوتي )
( لكنني مذ نفثت السحر من كلمى ** عذبت تعذيب هاروت وماروت )
فالله أعلم
وفيها هبة الله بن كامل المصري التنوخي قاضي القضاة وداعي الدعاة أبو القسم قاضي الخليفة العاضد كان أحد الثمانية الذين سعوا في إعادة دولة بني عبيد فشنقهم صلاح الدين رحمه الله تعالى


وفيها أبو البركات يحيى بن نجاح بن مسعود بن عبد الله اليوسفي المؤدب الأديب الشاعر الحنبلي سمع من أبي العز بن كادش وغيره وقال ابن الجوزى سمع الحديث الكثير ثم قرأ النحو واللغة وكان غزير الفضل يقول الشعر الحسن وقال ابن القطيعي كان من أهل الأدب والعلم له خط حسن وشعر رقيق سمع منه جماعة من الطلبة وكان حنبلي المذهب حسن الاعتقاد ومن شعره
( أقلى منك ذا الجفا أم دلال ** كل يوم يروعني منك حال )
( أعذول يغريك أم عزة المعشوق ** أم هكذا يتيه الجمال )
( نظرة كنت يوم ذاك فأني ** صرت في القلب عثرة لا تقال )
( أنا عرضت يوم سلع بنفسي ** للهوى فالغرام داء عضال )
( عبثا تقتل النفوس ولا تحسب ** إلا أن الدماء حلال )
( من عجيب أن لا يطيش لها سهم ** ولم تدر قط كيف النضال )
وهي طويلة توفي رحمه الله تعالى يوم السبت لإحدى عشرة مضت من شوال ودفن من الغد بمقبرة الأمام أحمد

سنة سبعين وخمسمائة

فيها قدم صلاح الدين فأخذ دمشق بلا ضربة ولا طعنة وسار الصالح و اسمعيل بن نور الدين الشهيد في حاشيته إلى حلب ثم سار صلاح الدين فحاصر حمص بالمجانيق ثم سار فأخذ حماة في جمادى الآخرة ثم سار فحاصر حلب وأساء العشرة في حق آل نور الدين ثم رد وتسلم حمص ثم عطف إلى بعلبك فتسلمها ثم كر فالتقى عز الدين مسعود بن مودود بن صاحب الموصل وأخو صاحبها فانهزم المواصلة على قرون جماة أسوأ هزيمة ثم استناب أخاه بدمشق سيف الإسلام وكان بمصر أخوه العادل


وفيها توفي أحمد بن المبارك المرقعاتي روى عن جده لأمه ثابت بن بندار وكان يبسط المرقعة للشيخ عبد القادر على الكرسي توفي في صفر
وفيها خديجة بنت أحمد بن الحسينى النهرواني روت عن أبي عبد الله النعالي وكانت صالحة توفيت في رمضان
وفيها حامد بن محمود بن حامد بن محمد بن أبي عمرو الحراني الخطيب الفقيه الحنبلي الزاهد أبو الفضل المعروف بابن أبي الحجر ويلقب تقي الدين شيخ حران وخطيبها ومدرسها ومفتيها ولد سنة ثلاث عشرة وخمسمائة بحران كما قال ابن تيمية ورحل إلى بغداد وسمع بها من عبد الوهاب الانماطي الحافظ وغيره وتفقه بها وبرع وناظر ولقى بها الشيخ عبد القادر ولاذمه فرآه الشيخ يوما يمشى على سجادته على بساط الشيخ فقال الشيخ عبد القادر كأني بك وقد دست على بساط السلطان فكان كما قال وقال ابن الجوزى صديقنا قدم بغداد وتفقه وناظر وعاد إلى حران وأفتى ودرس وكان ورعا به وسوسة في الطهارة وذكر ابن القطيعي نحوا من ذلك وقال كان تاليا للقرآن كتبت عنه وكان ثقة انتهى
وقال ابن الحنبلي كان شيخ حران في وقته بني نور الدين محمود المدرسة في حران لأجله ودفعها إليه ودرس بها وتولى عمارة جامع حران فما قصر فيه وقال ابن رجب أخذ عنه العلم جماعة من أهل حران منهم الخطيب فخر الدين بن تيمية وابن عبدوس وغيرهما وسمع منه الحديث بحران جماعة منهم أبو المحاسن القرشي الدمشقي وابن القطيعي وروى عنه في تاريخه وقال توفي لسبع خلون من شوال بحران
وفيها سلمة التركماني تملك بلاد فارس وجدد قلاعا وحارب الملوك ونهب المسلمين وكان يخطب للخليفة التقاه البهلوان ومعه عسكر من التركمان لهم ثأر على سملة فانهزم جيشه وأصابه سهم وأسر فمات وكان ظالما جبارا فرح الناس بمصرعه وكانت أيامه عشرين سنة
قاله في العبر


وفيها قايماز الملك قطب الدين المستنجدي عظم في دولة مولاه وصار مقدم الجيش في دولة المستضئ واستبد بالأمور إلى أن هم بالخروج فسار بعسكره نحو الموصل فمات في ذي الحجة وكان فيه كرم وقلة ظلم
وفيها أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن خليل القيسي الليلي نزيل فاس ثم مراكش روى عن ابن الطلاح وحازم بن محمد وسمع صحيح مسلم من أبي على الغساني قال الأبار كان من أهل الرواية والدراية لازم مالك بن وهيب مدة
وفيها أبو شجاع عمر بن محمد البسطامي البلخي كان فقيها فاضلا ومن شعره
( وجربت أبناء الزمان بأسرهم ** فأيقنت أن القل في عدهم كثر )
) وخبرت طغواهم ولوم فعالهم ** فلما التقينا صغر الخبر الخبر )
وفيها أبو الفضل يحيى بن جعفر صاحب المخزن ونائب الوزارة وكان حافظا للقرآن فاضلا عادلا محبا للصالحين والعلماء وذكره مأوى لهم سمع الحديث الكثير قام إليه الحيص بيص وهو في نيابة الوزارة فقال
( لكل زمان من أماثل أهله ** برامكة يمتارهم كل معشر )
( أبو الفضل يحيى مثل يحيى بن خالد ** ندى وأبوه جعفر مثل جعفر )
فقام ناشب الواعظ فأنشد
( وفي الجانب الشرقي يحيى بن جعفر ** وفي الجانب الغربي موسى بن جعفر )
( فذاك إلى الله الكريم شفيعنا ** وهذا إلى المولى الكريم المطهر )
أراد جعفر الصادق

سنة إحدى وسبعين وخمسمائة

فيها سار صلاح الدين فأخذ منبج ثم نازل قلعة عزاز مدة وقفز على

الإسمعيلية فجرحوه في فخذه وأخذوا فقتلوا وافتتح القلعة
وفيها توفي الحافظ ابن عساكر صاحب التاريخ الثمانين مجلدة أبو القسم علي ابن الحسن بن هبة الله الدمشقي محدث الشام ثقة الدين قال ابن شهبة فخر الشافعية وإمام أهل الحديث في زمانه وحامل لوائهم صاحب تاريخ دمشق وغيره من المؤلفات المفيدة المشهورة مولده في مستهل سنة تسع وتسعين وأربعمائة رحل إلى بلاد كثيرة وسمع الكثير من نحو ألف وثلثمائة شيخ وثامنين امرأة وتفقه بدمشق وبغداد وكان دينا خيرا يختم في كل جمعة وأما في رمضان ففي كل يوم معرضا عن المناصب بعد عرضها عليه كثير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قليل الالتفات إلى الأمراء وأبناء الدنيا قال الحافظ أبو سعد السمعاني في تاريخه هو كثير العلم غزير الفضل حافظ ثقة متقن دين خير حسن السمت جمع بين معرفة المتون والأسانيد صحيح القراءة متثبت محتاط رحل وبالغ في الطلب إلى أن جمع ما لم يجمع غيره وصنف التصانيف وخرج التخاريج وقال أبو محمد عبد القادر الرهاوي رأيت الحافظ السلفي والحافظ أبا العلاء الهمداني والحافظ أبا موسى المديني ما رأيت فيهم مثل ابن عساكر توفي في رجب ودفن بمقبرة باب الصغير شرقي الحجرة التي فيها معاوية رضي الله عنه ومن تصانيفه المشهورة التاريخ الكبير ثمانمائة جزء في ثمانين مجلدا الموافقات اثنان وسبعون جزءا الأطراف للسنن الأربعة ثمانية وأربعون جزءا معجم شيوخه اثنا عشر جزءا مناقب الشبان خمسة عشر جزءا فضل أصحاب الحديث أحد عشر جزءا تبيين كذب المفتري على الشيخ أبي الحسن الأشعري مجلدة وقال الذهبي ومن تصفح تاريخه عرف منزلة الرجل في الحفظ وله شعر حسن منه
( إلا أن الحديث اجل علم ** وأشرفه الأحاديث العوالي )
( وانفع كل يوم منه عندي ** وأحسنه الفوائد والأمالي )


( وأنك لن ترى للعلم شيئا ** يحققه كأفواه الرجال )
( فكن يا صاح ذا حرص عليه ** وخذه من الرجال بلا ملال )
( ولا تأخذه من صحف فترمي ** من التصحيف بالداء العضال )
وفيها حفدة العطاردي الأمام مجد الدين أبو منصور محمد بن أسعد بن محمد الطوسي الفقيه الشافعي الاصولي الواعظ تلميذ محي السنة البغوي وراوي كتابيه شرح السنة ومعالم التنزيل وقد دخل إلى بخاري وتفقه بها ثم عاد إلى أذربيجان والجزيرة وبعد صيته في الوعظ أنشد يوما على الكرسي من جملة أبيات
( تحية صوت المزن يقرؤها الرعد ** على منزل كانت تحل به هند )
( نأت فأعارتها القلوب صبابة ** وعارية العشاق ليس لها رد )
قال ابن خلكان توفي في ربيع الآخر ثم قال وقيل سنة ثلاث وسبعين
وفيها أبو النجم المبارك بن الحسن بن طراد الباماوردي الفرضي الحنبلي المعروف بابن القابلة ولد سنة خمس وخمسمائة تقريبا وسمع من طلحة العاقولي سنة عشر وهو أقدم سماع وجدله ومن القاضي أبي الحسين بن الفراء وأبي غالب الماوردي وغيرهم قال ابن الجوزى كان عارفا بعلم الفرائض والحساب والدور حسن العلم بالجبر والمقابلة وغامض الوصايا والمناسخات امارا بالمعروف شديدا على أهل البدع عارفا بمواقيت الشمس والقمر توفي ليلة السبت لعشر بقين من جمادي الأولى ودفن بمقبرة الطبري بقرية الزادمان ظاهر بغداد
وفيها أبو المحاسن المجمعي محمد بن عبد الباقي بن هبة الله بن حسين بن شريف المجمعي الموصلي الحنبلي ذكره ابن القطيعي فقال أحد فقهاء الحنابلة المواصلة ورد بغداد وتفقه على القاضي أبي يعلى وسمع بها الحديث والأدب وكان


تاليا لكتاب الله تعالى وجمع كتابا اشتمل على طبقات الفقهاء من أصحاب الأمام أحمد قال وكان بالموصل عمر الملا مقدما في بلده فاتهم بشيء من ماله وكان خصيصها به فضربه إلى أن أشفى على التلف ثم أخرجه إلى بيته وبقى أياما يسيرة وتوفي في رجب أو شعبان بالموصل وهذا عمر كان يظهر الزهد والديانة وأظنه كان يميل إلى المبتدعة وقد تبين بهذه الحكاية أيضا ظلمه وتعديه قاله ابن رجب

سنة اثنتين وسبعين وخمسمائة

فيها أمر صلاح الدين ببناء السور الكبير المحيط بمصر والقاهرة من البر وطوله تسعة وعشرون ألف ذراع وثلثمائة ذراع بالقاسمي فلم يزل العمل فيه إلى أن مات صلاح الدين وأنفق عليه أموالا لا تحصى وكان مشيد بنائه قرافوش وأمر أيضا بإنشاء قلعة الجبل ثم توجه إلى الإسكندرية وسمع الحديث من السلفي قاله في العبر
وفيها كانت وقعة الكنز جمع الكنز الأسود مقدم السودان خلقا وجيش بالصعيد ليعيد دولة العبيديين وسار إلى القاهرة في مائة ألف فخرج لحربه نائب مصر سيف الدين أبو بكر العادل فالتقوا فانكسر الكنز وقتل في المصاف قال أبو المظفر بن الجوزي قيل انه قتل منهم ثمانون آلفا يعني من السودان
وفيها توفي أبو محمد صالح ابن المبارك بن الرخلة الكرخي المقرئ القزاز سمع النعالي وغيره وتوفي في صفر
وفيها العثماني أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن يحيى الأموي الديباجي محدث الإسكندرية بعد السلفي في الرتبة روى عن أبي القسم بن الفحام وغيره ويعرف بابن أبي اليابس كان ثقة صالحا يقرئ النحو واللغة وكان السلفي

يؤذيه ويرميه بالكذب فكان يقول كل من بيني وبينه شيء فهو في حل إلا السلفي فبيني وبينه وقفة بين يدي الله تعالى توفي في شوال عن ثمان وثمانين سنة قاله في العبر
وفيها أبو الحسن علي بن عساكر بن المرحب بن العوام البطائحي الضرير المقرئ الحنبلي الأستاذ قرأ القراءات على أبي العز القلانسي وأبي عبد الله البارع وطائفة وتصدر للاقراء وأتقن الفن وحدث عن أبي طالب بن يوسف وطائفة قال الشيخ موفق الدين بن قدامة كان مقرئ أهل بغداد في وقته وكان عالما بالعربية إماما في السنة قرا عليه القراءات جماعه من الكبار منهم عبد العزيز بن دلف وابن الحميري وحدث عنه جماعة منهم ابن الأخضر وعبد الغني المقدسي وعبد القادر الرهاوي وغيرهم توفي ليلة الثلاثاء ثامن عشرى شعبان وصلى عليه من الغد الجواليقي ودفن بباب حرب
وفيها محمد بن أحمد بن ما ساده أبو بكر الاصبهاني المقرئ المحقق قرأ القراءات وتفرد بالسماع من سليمان بن إبراهيم الحافظ ومات في عشر المائة
وفيها الأديب الرفاء أبو عبد الله محمد بن غالب الاندلسي الشاعر المشهور ديوانه كله ملح ومن شعره في غلام نساج
( قالوا وقد أكثروا في حبه عذلي ** لم ذا تهيم بمذال ومبتذل )
( فقلت لو كان أمرى في الصبابة لي ** لا خترت ذاك ولكن ليس ذلك لى )
( أحببته حبي الثغر عاطره ** حلو اللمى ساحر الاجفان والمقل )
( غزيل لم يزل في الغزل جائلة ** بنانه جولان الفكر في الغزل )
( جذلان تلعب بالمحراك أنمله ** على السدي لعب الأيام بالدول )
( جذبا بكفيه أو فحصا بأخمصه ** تخبط الظبي في إشراك محتبل )
وفيها أبو المعالي محمد بن مسعود خرج إلى الحج فمات ومن شعره

قال ابن العديم تفقه وبرع في المذهب وافتى وكان مجيدا في مناظرته فريدا في محاورته ناظر الفحول الواردين من وراء النهر وخراسان قدم القاهرة ودرس بالسيوفية ومات بها قاله في حسن المحاضرة
وفيها على بن حمزة أبو الحسن البغدادي الكاتب حاجب باب النوبي حدث بمصر عن ابن الحصين وتوفي في شعبان
وفيها غياث الدين الغوري سلطان غزنة أبو الفتح محمد بن سام بن حسين ملك جليل غال محبب إلى رعيته كثير المعروف والصدقات تفرد بالممالك بعده أخوه السلطان شهاب الدين
وفيها ابن الشهر زوري قاضي القضاة أبو الفضائل القسم بن يحيى ابن أخي قاضي الشام كمال الدين ولى قضاء الشام بعد عمه قليلا ثم لما تملك العادل سار إلى بغداد فولي بها القضاء والمدارس والاوقاف وارتفع شأنه عند الناصر لدين الله إلى الغاية ثم انه خاف الدوائر فاستعفي وتوجه إلى الموصل ثم قدم حماة فولى قضاءها فعيب عليه ذلك وكان جوادا ممدحا له شعر جيد ورواية عن السلفي توفي بحماة في رجب عن خمس وستين سنة وحمل إلى دمشق فدفن بها
وفيها الزاهد أبو عبد الله القرشي محمد بن احمد بن إبراهيم الاندلسي الصوفي أحد العارفين واصحاب الكرامات والاحوال نزل بيت المقدس وبه توفي عن خمس وخمسين سنة وقبره مقصود بالزيارة
وفيها أبو بكر بن أبي جمرة محمد بن احمد بن عبد الملك الأموي مولاهم القرشي المالكي القاضي أحد ائمة المذهب عرض المدونة على والده وله منه إجازة كما لأبيه إجازة من أبي عمرو الداني واجاز له أبو بحر بن العاص وافتى ستين سنة وولى قضاء مرسية وشاطبة دفعات وصنف التصانيف وكان اسند من بقى بالأندلس توفي في المحرم


( ولما أن توليت القضايا ** وفاض الجور من كفيك فيضا )
( ذبحت بغير سكين وأني ** لأرجو الذبح بالسكين أيضا )
وفيها أبو الضفل بن الشهرزورى قاضي القضاة كمال الدين محمد بن عبد الله ابن القسم بن المظفر الموصلي الشافعي ولد سنة إحدى وتسعين وأربعمائة وتفقه ببغداد على أسعد المهيني وسمع من نور الهدى الزينبي وبالموصل من جده لأمه على بن طوق وولى قضاء بلده لا تابك زنكي ثم وفد علي نور الدين فبالغ في تبجيله وركن إليه وصار قاضيه ووزيره ومشيره ومن جلالته أن السلطان صلاح الدين لما أخذ دمشق وتمنعت عليه القلعة أياما مشى إلى دار القاضي كمال الدين فانزعج وخرج لتلقيه فدخل وجلس وقال طب نفسا فالأمر أمرك والبلد بلدك قال ابن قاضي شهبه ولاه نور الدين قضاء دمشق سنة خمس وخمسين وهو الذي أحدث الشباك الكمالي الذي يصلي فيه نواب السلطنة اليوم وبنى مدرسة بالوصل ومدرستين بنصيبين ورباطا بالمدينة المنورة ووقف الهامة على الحنابلة وحكم في البلاد الشامية واستناب ولده محي الدين بحلب وابن أخيه أبي القسم في قضاء حماة وابن أخيه الآخر في قضاء حمص قال ابن عساكر وكان يتكلم في الأصول كلاما حسنا وكان أديبا شاعرا فكه المجالسة وقال صاحب المرآة لما قدم أحمد بن قدامة والد الشيخ أبي عمر إلى دمشق خرج إليه القاضي كمال الدين ومعه ألف دينار فعرضها عليه فلم يقبلها فاشترى بها قرية الهامة ووقف نصفها على الشيخ أحمد والمقادسة ونصفها على الأساري انتهى
ومن شعر الشهرزورى
( وجاءوا عشاء يهرعون وقد بدا ** بجسمي من داء الصبابة ألوان )
( فقالوا وكل معظم بعض ما يرى ** أصابتك عين قل أن وأجفان )
( وفيها مسلم بن ثابت بن زيد بن القسم بن أحمد بن النحاس البزار البغدادي المأموني الفقيه الحنبلي أبو عبد الله بن أبي البركات ويعرف بابن جوالق بضم

الجيم ولد سنة أربع وتسعين وأربعمائة وسمع من أبي علي بن نبهان وتفقه على أبي الخطاب الكلوذاني وناظر وروى عنه ابن الأخضر توفي في يوم الأحد عشر ذي الحجة ودفن بمقبرة باب حرب
وفيها أبو الفتح نصر بن سيار بن صاعد بن سيار الكتاني الهروي الحنفي القاضي شرف الدين كان بصيرا بالمذهب مناظرا دينا متواضعا سمع الكثير من جده القاضي أبي العلاء والقاضي أبي عامر الازدي ومحمد بن علي العميري والكبار وتفرد في زمانه وعاش سبعا وتسعين سنة وتوفي يوم عاشوراء وهو آخر من روى جامع الترمذى على ابى عامر قاله في العبر

سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة

فيها كانت وقعة الرملة سار صلاح الدين من مصر فسبى وغنم ببلاد عسقلان وسار إلى الرملة فالتقى الفرنج فحملوا على المسلمين وهزموهم وثبت السلطان وابن أخيه تقي الدين عمر ودخل الليل واحتوت الفرنج على المعسكر بما فيه وتمزق العسكر وعطشوا في الرمال واستشهد جماعة ونجا والله الحمد وقتل ولد لتقي الدين عمر وله عشرون سنة وأسر الأمير الفقيه عيسى الهكاري وكانت نوبة صعبة ونزلت الفرنج على حماة وحاصرتها أربعة أشهر لاشتغال السلطان بلم شعث العسكر
وفيها توفي أرسلان بن طغر بك بن محمد بن ملكشاه السلجوقي سلطان أذربيجان كان له السكة والخطبة والقائم بدولته زوج أمه الزكر ثم ابنه البهلوان فلما توفي خطبوا لولده طغر بك الذي قتله خوارزم شاه
وفيها أبو العباس أحمد بن محمد بن المبارك بن أحمد بن بكروس بن سيف الدينوري ثم البغدادي ويعرف بابن أبي العز وبابن الحمامي الفقيه الحنبلي الزاهد العابد قرأ بالروايات على جماعة وسمع من ابن كادش وغيره وتفقه

علي أبي بكر الدينوري وكان رفيق ناصح الإسلام بن المنى وبنى مدرسة ببغداد ودرس بها وتفقه عليه جماعة منهم الشيخ فخر الدين بن تيمية وروى عنه الشيخ موفق الدين وكان متزوجا بابنة ابن الجوزى وتوفي يوم الثلاثاء خامس صفر وكان له يوم مشهود وتوفي شابا
وفيها صدقة بن الحسين بن بختيار بن الحداد البغدادي الفقيه الحنبلي الأديب الشاعر المتكلم الكاتب المؤرخ أبو الفرج ولد سنة سبع وسبعين وأربعمائة وقرأ بالروايات وسمع الحديث من أبي السعادات المتوكل وغيره وتفقه على ابن عقيل وابن الزاغوني وبرع في الفقه وفروعه وأصوله وقرأ علم الكلام والمنطق والفلسفة والحساب ومتعلقاته من الفرائض وغيرها وكتب خطا حسنا صحيحا وقال الشعر الحسن وأفتى وتردد إليه الطلبة في فنون العلم وروى عنه ابن شافع وابن ريحان وغيرهما قال ابن النجار وله مصنفات حسنة في الأصول وجمع تاريخا على السنين بدأ فيه من وفاة شيخه ابن الزاغونى سنة سبع وعشرين وخمسمائة مذيلا به على تاريخ شيخه ولم يزل يكتب فيه إلى قريب وفاته وكان قوته من أجرة نسخه ولم يزل قليل الحظ منغص العيش وحط عليه ابن الجوزى في تاريخه ونسبه إلى الحيرة والشك
وفيها الوزير أبو الفرج محمد بن عبد الله بن هبة الله بن المظفر بن رئيس الرؤساء الوزير أبي القسم علي بن المسلمة روى عن ابن الحصين وجماعة ووزر للمستضئ ولقب عضد الدين وكان جوادا سريا معظما مهيبا خرج للحج في تجمل عظيم فوثب عليه واحد من الباطنية فقتله في أوائل ذي القعدة عن تسع وخمسين سنة
وفيها أبو محمد بن المأمون الأديب صاحب التاريخ هرون بن العباس ابن محمد العباسي المأموني البغدادي الأديب روى عن قاضي المارستان

وشرح مقامات الحريري توفي في ذي الحجة كهلا
وفيها لاحق بن علي بن كاره أخو دهبل البغدادي روى عن أبي القسم ابن بيان وغيره وتوفي في نصف شعبان عن ثمان وسبعين سنة
وفيها أبو شاكر السفلاطوني يحيى بن يوسف بن بالان الخباز روى عن ثابت بن بندار والحسين بن البسرى وجماعة وتوفي في شعبان

سنة أربع وسبعين وخمسمائة

فيها أخذ ابن قرايا الرافضي الذي ينشد في الأسواق ببغداد فوجدوا في بيته سب الصحابة فقطعت يده ولسانه ورجمته العامة فهرب وسبح فألحوا عليه بالأجر فغرق فأخرجوه وحرقوه ثم وقع التقبح على الرافضة وأحرقت كتبهم وانقمعوا حتى صاروا في ذلة اليهود وهذا شيء لم يتهيأ ببغداد من نحو مائتين وخمسين سنة
وفيها خرج نائب دمشق فرخ شاه ابن أخي السلطان فالتقى الفرنج فهزمهم وقتل مقدمهم هنقري الذي كان يضرب به المثل في الشجاعة
وفيها توفي أحمد بن أسعد بن بلدرك البغدادي البواب المعمر في ربيع الأول عن مائة وأربع سنين ولو سمع في صغره لبقى مسند العالم سمع من أبي الخطاب بن الجراح وأبي الحسين بن العلاف
وفيها أبو العباس أحمد بن أبي غالب بن أبي عيسى بن شيخون الابرودي الجبابيني نسبة إلى الجبابين بكسر الموحدة الثانية وتحتية ونون قرية ببغداد الفقيه الحنبلي الضرير دخل بغداد في صباه وحفظ القرآن وقرأ بالروايات علي أبي محمد سبط الخياط وسمع منه الحديث ومن سعد الخير الأنصاري ومن جماعة دونهما وقرأ الفقه وحصل منه طرفا صالحا وكان صالحا صدوقا توفي يوم الجمعة عاشر رجب وصلى عليه يومئذ ودفن بمقبرة الأمام أحمد عن نيف وأربعين سنة


وفيها الحيص بيص شهاب الدين أبو الفوارس سعد بن محمد بن سعد ابن صيفي التميمي الشاعر المشهور وله ديوان معروف كان وافر الأدب متضلعا من اللغة بصيرا بفقه الشافعية والمناظرة قال ابن خلكان كان لا يخاطب أحدا إلا باللغة العربية ويلبس على زي العرب ويتقلد سيفا فرأى الناس في حركة مزعجة فقال ما للناس حيص بيص فلقب بذلك وقال تفقه بالري على القاضي محمد بن عبد الكريم المعروف بالوزان وتميز فيه وتكلم في الخلاف إلا انه غلب عليه الشعر سمع الحديث وحدث وقال توفي في سادس شعبان ودفن من الغد غربي بغداد بمقابر قريش انتهى
وقال ابن شهبة في تاريخ الإسلام وسموا ابنه هرج مرج وابنته دخل خرج حكى نصر بن مجلى وكان من أهل السنة انه رأى علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في النوم فقال له يا أمير المؤمنين تفتحون مكة فتقولون من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ثم يتم على ولدك الحسين يوم الطف ما تم فقال أما سمعت أبيات ابن صيفي في هذا المعنى فقلت لا قال اسمعها منه فاستيقظت فأتيت إلى دار الحيص بيص فذكرت له المنام فشهق وبكى وحلف إنها ما خرجت من فمه لأحد ولم ينظمها إلا في ليلته ثم أنشدني
( ملكنا فكان العفو منا سجية ** فلما ملكتم سال بالدم أبطح )
( وحللتم قتل الأساري وطالما ** غدونا على الأسرى نمن ونصفح )
( وحسبكم هذا التفاوت بيننا ** وكل وعاء بالذي فيه وينضح )
وقال غيره خرج حيص بيص ليلة ثملا فرأى في طريقه جرو كلب فضربه بسيفه فقتله فعمد بعض الظرفاء إلى أبيات وعلقها في عنق أمه وأدخلها ديوان الوزير هيئة مثتكية ففضت الورقة فإذا فيها


( يا أهل بغداد أن الحيص بيص أتى ** بخزية أكسبته العار في البلد )
( أبدى شجاعته في الليل مجترئا ** على جرى ضعيف البطش والجلد )
( فأنشدت أمه من بعد ما احتسبت ** دم الإبيلق عند الواحد الصمد )
( لا أعتب الدهر والايام ما صنعت ** كلتا يدي أصابتني ولم أرد )
( كلاهما خلف من فقد صاحبه ** هذا أخي حين أدعوه وذا ولدي )
يشير إلى قتل أعرابية قتل أخوها ولدها والله أعلم
وفيها شهدة بنت أبي نصر أحمد بن الفرج الدينوري ثم البغدادي الكاتبة المسندة فخر النساء كانت دينة عابدة صالحة سمعها ابوها الكثير وصارت مسندة العراق وروت عن طراد وابن البطر وطائفة وكانت ذات بروخير توفيت في رابع عشر المحرم عن نيف وتسعين سنة
وفيها أبو رشيد عبد الله بن عمر الأصبهاني آخر من بقي بأصبهان من أصحاب الرئيس الثقفي
وفيها أبو نصر عبد الرحيم بن عبد الخالق بن أحمد اليوسفي أخو عبد الحق روى عن ابن بيان وجماعة وكان خياطا دينا توفي بمكة وله سبعون سنة
وفيها أبو الخطاب العليمي عمر بن محمد بن عبد الله الدمشقي التاجر السفار طلب بنفسه وكتب الكثير في تجارته بالشام ومصر والعراق وما وراء النهر روى عن نصر الله المصيصي وعبد الله بن الفراوي وطبقتهما وتوفي في شوال عن أربع وخمسين سنة
وفيها أبو عبد الله بن المجاهد الزاهد القدوة محمد بن أحمد بن عبد الله الأنصاري الاندلسي عن بضع وثمانين سنة قرأ العربية ولزم أبا بكر بن العربي مدة قال الآبار كان المشار إليه في زمانه بالصلاح والورع والعبادة وإجابة الدعوة وكان أحد أولياء الله الذين تذكر به رؤيتهم آثاره مشهورة وكراماته معروفة مع الحظ الوافر من الفقه والقراءات


وفيها محمد بن عبد نسيم العيشوني روى عن ابن العلاف وابن نبهان وقع من سلم فمات في الحال في جمادي الآخرة قاله في العبر

سنة خمس وسبعين وخمسمائة

فيها كما قال في الشذور وقعت زلزلة فوق بلاد اربل فتصادمت منها الجبال وكان هناك نهر أحمر ماؤه من دماء الهالكين
وفيها نزل صلاح الدين على بانياس وأغارت سراياه على الفرنج ثم أخبر بمجيء الفرنج فبادر في الحال وكبسهم فإذا هم في ألف قنطارية وعشرة آلاف راجل فحملوا على المسلمين فثبتوا لهم ثم حمل المسلمون فهزموهم ووضعوا فيهم السيف ثم أسروا مائتين وسبعين أسيرا منهم مقدم الديويه فاستفك نفسه بألف أسير وبجملة من المال واما ملكهم فانهزم جريحا
وفيها توفي أحمد بن أبي الوفاء عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الصمد بن محمد ابن الصائغ البغدادي الفقيه الحنبلي الأمام أبو الفتح نزيل حران ولد ببغداد سنة تسعين وأربعمائة ولزم أبا الخطاب الكلوذاني وخدمه وتفقه عليه وسمع منه ومن ابن بيان وسافر إلى حلب وسكنها ثم استوطن حران إلى حين وفاته وكان هو المفتي والمدرس بها وقرأ عليه الفقه جماعة منهم الشيخ فخر الدين ابن تيمية وسمع منه جماعة منهم ابن عبدوس والعماد المقدسي وأبو الحسن ابن القطيعي وروى عنه في تاريخه قال وأنشدني أبو الخطاب الكلوذاني لنفسه
( أنا شيخ وللمشايخ بالآداب ** علم يخفى على الشبان )
( فإذا ما ذكرتني فتأدب ** فهو فرض يرد بالميزان )
وفيها إسمعيل بن موهوب بن أحمد بن محمد بن الخضر بن الحسن بن محمد ابن الجواليقي الأديب بن الأديب أبو محمد بن أبي منصور الحنبلي ولد في شعبان سنة اثنتي عشرة وخمسمائة وسمع من أبي الحصين وأبي الحسين بن الفراء


وغيرهما وقرأ القرآن والأدب على أبيه وكان عالما باللغة والعربية والأدب وله سمت حسن وقام مقام أبيه في دار الخلافة قال ابن الجوزى ما رأينا ولدا أشبه إباه مثله حتى في مشيه وافعاله وتوفي يوم الجمعة منتصف شوال ودفن بمقبرة الأمام أحمد وقال ابن النجار كان من أعيان العلماء بالأدب صحيح النقل كثير المحفوظ حجة ثقة نبيلا مليح الخط
وفيها أبو يحيى اليسع بن عيسى بن حزم الغافقي المقرئ أخذ القراءات عن أبيه وأبي الحسن شريح وطائفة وأقرأ بالاسكندرية والقاهرة واستملى عليه السلطان صلاح الدين وقربه وإحترمه وكان فقيها مفتيا محدثا مقرئا نسابة أخباريا بديع الخط وقيل هو أول من خطب بالدعوة العباسية بمصر توفي في رجب
وفيها تجني الوهبانية أم عتب آخر من روى في الدنيا بالسماع عن طراد والنعالي توفيت في شوال
وفيها المستضئ بأمر الله أبو محمد الحسن بن المستنجد بالله يوسف بن المقتفي محمد بن المستظهر أحمد بن المقتدي العباسي بويع بعد أبيه في ربيع الآخر سنة ست وستين ونهض بخلافته الوزير عضد الدين بن رئيس الرؤساء فاستوزره وكان ذا دين وحلم واناة ورأفة ومعروف زائد وأمه أرمنية عاش خمسا وأربعين سنة وخلف ولدين أحمد الناصر وهاشما قال ابن الجوزى في المنتظم أظهر من العدل والكرم ما لم نره في أعمارنا وفرق مالا عظيما في الهاشميين وفي المدارس وكان ليس للمال عنده وقع وقال الذهبي كان يطلب ابن الجوزى ويأمر بعقد مجلس الوعظ ويجلس بحيث يسمع ولا يرى وفي أيامه اختفى الرفض ببغداد ووهي وأما بمصر والشام فتلاشى وزالت دولة العبيديين أولى الرفض وخطب له بديار مصر وبعض المغرب واليمن وقال السيوطي في تاريخ الخلفاء ولما استخلف خلع على أرباب الدولة وغيرهم

فحكى خياط المخزن انه فصل ألفا وثلثمائة قباء ابريسم وخطب له على منابر بغداد ونثرت الدنانير كما جرت العادة وولى روح الحديثي القضاء وأمر سبعة عشر مملوكا وللحيص بيص فيه
( يا إمام الهدى علوت عن الجود ** بمال وفضة ونضار )
( فوهبت الاعمار والامن والبلدان ** في ساعة مضت من نهار )
( فماذا نثني عليك وقد جاوزت ** فضل البحور والأمطار )
( إنما أنت معجز مستقل ** خارق للعقول والأفكار )
( جمعت نفسك الشريفة بالبأس ** وبالجود بين ماء ونار )
قال ابن الجوزى واحتجب المستضئ عن اكثر الناس فلم يركب إلا مع الخدم ولم يدخل عليه غير قيماز وفي خلافته انقضت دولة بني عبيد وخطب له بمصر وضربت السكة بأسمه وجاء البشير بذلك فغلقت الأسواق ببغداد وعملت القباب وصنفت كتابا سميته النصر على مصر هذا كلام ابن الجوزى وللعماد الكاتب قصيدة في ذلك منها
( قد خطبنا للمستضئ بمصر ** نائب المصطفى إمام العصر )
( وخذ لنا لنصره العضد العاضد ** ضد والقاصر الذي بالقصر )
( وتركنا الدعي يدعو ثبورا ** وهو بالذل تحت حجر وحصر )
وتوفي المستضئ في ذي القعدة عن ست و ثلاثين سنة
وفيها أبو الحسين عبد الحق بن عبد الخالق بن أحمد اليوسفي الشيخ الثقة عن إحدى وثمانين سنة أسمعه أبوه الكثير من أبي القسم الربعي وابن الطيوري وجعفر السراج وطائفة ولم يحدث بما سمعه حضورا تورعا وكان فقيرا صالحا متعففا كثير التلاوة جدا توفي في جمادي الأولى
وفيها أبو الفضل عبد المحسن بن نزيك الازجي البيع روى عن ابن بيان

وجماعة توفي يوم عرفة
وفيها أبو المحاسن عمر بن علي بن الخضر بن عبد الله بن علي القرشي الزبيري الدمشقي القاضي الحافظ نزيل بغداد وسمع من أبي الدر ياقوت الرومي وطائفة بدمشق ومن أبي القوت والناس ببغداد وصحب أبا التجيب السهروردي وولى قضاء الحريم توفي في ذي الحجة وله خمسون سنة قال ابن ناصر الدين هو حافظ رحال ثقة مأمون
وفيها أبو هاشم الدوشابي بضم الدال المهملة ومعجمة وباء موحدة نسبة إلى الدوشاب وهو الدبس عيسى بن أحمد الهاشمي العباسي البغدادي الهراس روى عن الحسين بن البسرى وغيره وتوفي في رجب
وفيها أبو بكر محمد بن خير بن عمر بن خليفة اللمتوني الاشبيلي المقرئ الحافظ صاحب شريح فاق الأقران في ضبط القراءات وسمع الكثير من أبي مروان الباجي وابن العربي وخلق وبرع أيضا في الحديث واشتهر بالإتقان وسعة المعرفة بالعربية توفي في ربيع الأول عن ثلاث وسبعين سنة قال ابن ناصر الدين لم يكن له نظير في الإتقان
وفيها أبو بكر الباقداري بكسر القاف بعد الموحدة والألف وبإهمال الدال والراء نسبة إلى باقدارى بالقصر من قرى بغداد محمد بن أبي غالب بن أحمد بن أحمد بن مرزوق بن أحمد الضرير الحافظ سمع أبا محمد سبط الخياط فمن بعده وبرع في الحديث حتى صار ابن ناصر يسأله ويرجع إلى قوله وكان حنبلي المذهب قال ابن الزينبي انتهى إليه معرفة رجال الحديث وحفظه وعليه كان المعتمد فيه توفي كهلا الخمس بقين من ذي الحجة ببغداد
وفيها أبو عبد الله الوهراني محمد بن محرز ركن الدين وقيل جمال الدين المقرئ الأديب الكاتب صاحب المزاح والدعابة والمنام الطويل الذي جمع أنواعا من المجون والأدب مات في رجب بدمشق قاله في العبر وقال ابن

خلكان هو أحد الفضلاء الظرفاء قدم من بلاده إلى البلاد المصرية في أيام السلطان صلاح الدين رحمه الله تعالى وفنه الذي يمت به صناعة الإنشاء فلما دخل البلاد رأى بها القاضي الفاضل وعماد الدين الاصبهاني الكاتب وتلك الحلبة علم من نفسه انه ليس في طبقتهم ولا تنفق سلعته مع وجودهم فعدل عن طريق الجد وسلك طريق الهزل وعمل المنامات والرسائل المشهورة والمنسوبة إليه وهي كثيرة بأيدي الناس وفيها دلالة على خفة روحه ورقة حاشيته وكمال ظرفه ولو لم يكن فيها إلا المنام الكبير لكفاه فأنه أتى فيه بكل حلاوة ولولا طوله لذكرته ثم أن الوهراني المذكور تنقل في البلاد واقام بدمشق زمانا وتوفي في رجب ونقلت من خط القاضي الفاضل وردت الأخبار من دمشق في سابع عشر رجب بوفاة الوهراني رحمه الله تعالى والوهراني بفتح الواو وسكون الهاء وفتح الراء وبعد الألف نون هذه النسبة إلى وهران مدينة كبيرة على أرض القيروان بينها وبين تلمسان مسافة يوم وهي على البحر الشامي خرج منها جماعة من العلماء وغيرهم وفي بعض نسخ ابن خلكان ثم أن الوهراني المذكور تنقل في البلاد وأقام بدمشق زمانا وتولى الخطابة بداريا وهى قرية على باب دمشق في الغوطة وتوفى سنة خمس وسبعين وخمسمائة بداريا ودفن على باب تربة الشيخ أبي سليمان الداراني رحمه الله تعالى
انتهى ما أورده ابن خلكان
وفيها أبو محمد بن الطباخ المبارك بن علي بن الحسين بن عبد الله بن محمد الطباخ البغدادي نزيل مكة وإمام الحنابلة بالحرم المحدث الحافظ سمع الكثير ببغداد من ابن الطيوري وابن كادس وغيرهما وتفقه بالقاضي أبي الحسين وابن الزاغوني وكان صالحا دينا ثقة حافظ مكة في زمانه والمشار إليه بالعلم بها وأخذ عنه ابن عبدوس وغيره وتوفي في ثاني شوال بمكة وكان يوم جنازته مشهودا رحمه الله تعالى


وفيها أبو الفضل متوجهر بن محمد بن تركانشاه الكاتب كان أديبا فاضلا مليح الانشاء حسن الطريقة كتب للأمير قايماز المستنجدي وروى المقامات عن الحريري مرارا وروى عن هبة الله بن أحمد الموصلي وجماعة وتوفي في جمادي الأولى وله ست وثمانون سنة
وفها أبو منصور المظفر بن محمد بن محمد بن محمد بن الحسين بن محمد ابن خلف بن الفراء ولد سنة ست وثلاثين وخمسمائة وسمع الحديث وبرع في مذهب الحنابلة أصولا وفروعا وناظر وتأدب وقال الشعر الجيد ومن شعره
( لست أنسى من سليمى قولها ** يوم جد البين مني وبكت )
( قطع الله بد الدهر لقد ** قرطست إذ بالنوى شملى رمت )
( فجرى دمعي لما قد سمعت ** ووعت أذناي منها ما وعت )
( يا لها من قولة عن ناظري ** نومه طول حياتي قد نفت )
توفي في عنفوان شبابه يوم الجمعة لخمس عشرة خلت من شوال ودفن بمقبرة الأمام أحمد
وفيها أبو عمر بن عباد الأستاذ المقرئ المحقق يوسف بن عبد الله بن سعد الاندلسي الحافظ قدم بلنسية وأخذ القراءات عن أبي مروان بن الصقيل وابن هذيل وسمع من طارق بن يعيش وجماعة وعنى بصناعة الحديث وكتب العالي والنازل وبرع في معرفة الرجال وصنف التصانيف الكثيرة وعاش سبعين سنة

سنة ست وسبعين وخمسمائة

فيها نزل السلطان صلاح الدين على حصن من بلاد الأرمن فافتتحه وهدمه ثم رجع فوافاه التقليد وخلع السلطنة بحمص من الناصر لدين الله فركب

بها هناك وكان يوما مشهودا
وفيها أبو طاهر السلفي الحافظ العلامة الكبير مسند الدنيا ومعمر الحفاظ أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم الاصبهاني الحرواني وحروان محلة بأصبهان وسلفة بكسر المهملة لقب جده أحمد ومعناه غليظ الشفة سمع من أبي عبد الله الثقفي وأحمد بن عبد الغفار بن أشته ومكي السلار وخلق كثير بأصبهان خرج عنهم في معجم وحدث بأصبهان في سنة اثنتين وتسعين قال وكنت ابن سبع عشرة سنة أكثر أو اقل ورحل سنة ثلاث فأدرك ابا الخطاب بن البطر ببغداد وتفقه بها بالكيا الهراسي وأبي بكر الشاشي وغيرهما وعمل معجما لشيوخ بغداد ثم حج وسمع بالحرمين والكوفة والبصرة وهمذان وزنجان والري والدينور وقزوين وأذربيجان وزنجان والشام ومصر فأكثر وأطاب وتفقه فأتقن مذهب الشافعى وبرع فى الأدب وجود القرآن بالروايات واستوطن الإسكندرية بضعا وستين سنة مكبا على الاشتغال والمطالعة والنسخ وتحصيل الكتب وقد أفردت أخباره في جزء وجاوز المائة بلا ريب وإنما النزاع في مقدار الزيادة ومكث نيفا وثمانين سنة يسمع عليه قال الذهبى ولا أعلم أحدا مثله في هذا وقال ابن عساكر سمع السلفى ممن لا يحصى ومات يوم الجمعة بكرة خامس ربيع الآخر
وتزوج بالإسكندرية امرأة ذات يسار وحصلت له ثروة بعد فقر وصارت له بالإسكندرية وجاهة وبنى له العادل علي بن اسحق بن السلار أمير مصر مدرسة بالإسكندرية وقال ابن السمعاني هو ثقة ورع متقن متثبت حافظ فهم له حظ من العربية
وفيها شمس الدولة الملك المعظم توران شاه ومعناه ملك المشرق بن أيوب بن شادي وكان أسن من أخيه السلطان صلاح الدين وكان يحترمه ويتأدب معه سيره فغزا النوبة فسبى وغنم ثم بعثه فافتتح اليمن وكانت بيد

الخوارج الباطنية وأقام بها ثلاث سنين ثم اشتاق إلى طيب الشام ونضارتها فقدم وناب بدمشق لأخيه وكان أرسله أخوه قبل فتحه اليمن إلى بلاد الروم ليفتحها فوجدها لا تساوي التعب فرجع عنها بغنائم كثيرة ورقيق كثير وتحول من الشام إلى مصر في سنة أربع وسبعين ثم مات بالإسكندرية في صفر هذه السنة فنقلته أخته ست الشام ودفنته في مدرستها المعروفة بها بمحلة العونية ودفنت هي معه وولدها وكان توران من أجود الناس وأسخاهم غارقا في اللذات مات وعليه مائتا ألف دينار فوفاها عنه أخوه صلاح الدين قال الفاضل مهذب الدين أبو طالب محمد بن علي الخيمي نزيل مصر رأيته في النوم فمدحته وهو في القبر فلف كفنه ورماه إلى وقال
( لا تستقلن معروفا سمحت به ** ميتا وأصبحت منه عاري البدن )
( ولا تظنن جودى شانه بخل ** من بعد بذلى ملك الشام واليمن )
( إني خرجت من الدنيا وليس معي ** من كل ما ملكت كفى سوى كفني )
وفيها أبو الحسن عبد الله بن محمد بن المبارك بن أحمد بن بكروس الحنبلي البغدادي الفقيه أخو أبي العباس أحمد ولد يوم الاثنين ثالث رجب سنة أربع وخمسمائة وسمع الحديث من ابن الحصين وابن السمرقندي وغيرهما وتفقه في المذهب وبرع وأفتى وناظر ودرس بمدرسة أخيه آخرا وصنف في المذهب وله كتاب رءوس المسائل و كتاب الأعلام وحدث وسمع منه جماعة منهم ابن القطيعي وروى عنه في تاريخه ولزم بيته في آخر عمره لمرض حصل له إلى أن توفي يوم الاثنين ثالث ذي الحجة ودفن بمقبرة الأمام أحمد
وفيها أبو المعالي عبد الله بن عبد الرحمن بن أحمد بن علي بن صابر الدمشقي ولد سنة تسع وتسعين وأربعمائة وعنى بالحديث أسمعه أبوه الكثير من النسيب وأبي طاهر الحسباني وطبقتهما ولعب في شبابه وباع أصول

أبيه في شبابه بالهوان توفي في رجب على طريقة سنة
وفيها أبو المفاخر المأموني راوي صحيح مسلم بمصر سعيد بن الحسين بن سعيد العباسي روى الحديث هو وأبنه وحفيده ونافلته
وفيها أبو الفهم بن أبي العجايز الازدي الدمشقي واسمه عبد الرحمن بن عبد العزيز بن محمد وهو راوي حديث سختام عن أبي طاهر الحنائي
وفيها أبو الحسن بن العصار النحوي علي بن عبد الرحيم السلمي الرقي ثم البغدادي كان علامة في اللغة حجة في العربية اخذ عن ابن الجواليقي وكتب الكثير بخطه الأنيق وروى عن أبي الغنائم بن المهتدي بالله وغيره وخلف مالا طائلا واليه انتهى علم اللغة توفي في المحرم عن ثمان وستين سنة
وفيها السلطان غازي سيف الدين صاحب الموصل وابن صاحبها قطب الدين مودود بن اتابك زنكى التركى الاتابكى توفى في صفر بعلة السل وله ثلاثون سنة وكان شابا مليحا أبيض طويلا عاقلا وقورا قليل الظلم قال ابن شهبة في تاريخ الإسلام كان من أحسن الناس صورة غيورا ما يدع خادما بالغا يدخل على حريمه طاهر اللسان عفيفا عن أموال الناس قليل السفك للدماء استسقى الناس وهو معهم واستعانوا عليه وقالوا كيف يستجاب لنا وفينا الخمور والحواطين بيننا فقال قد ابطلتها فرجعوا الى البلد وفيهم أبو الفرج الدقاق الرجل الصالح فأراق الخمور ونهب العامة دكاكين الخمارين فاستدعى الدقاق إلى القلعة وقال أنت جرأت العامة علي وضربه على رأسه فانكشف فنزل مكشوف الرأس فقيل له غطه فقال لا أغطيه حتى ينتقم الله لي فمن ظلمني فمات الدوادار الذي ضربه بعد قليل ومرض سيف الدين
وتوفي
انتهى
وفيها محمد بن محمد بن مواهب أبو العز بن الخراساني البغدادي الأديب

صاحب النوادر والعروض والديوان الشعر الذي هو في مجلدات كان صاحب ظرف ومجون وذكاء مفرط وتفنن في الأدب روى عن أبي الحسن بن الطيوري وأبي سعد بن حشيش وجماعة وتغير ذهنه قبل موته بيسير توفي في رمضان وله اثنتان وثمانون سنة
قاله في العبر

سنة سبع وسبعين وخمسمائة

فيها توفي الملك الصالح أبو الفتح اسمعيل بن السلطان نور الدين محمود ابن زنكي ختنه أبوه وقتا باهرا وزينت دمشق لختانه ثم مات أبوه بعد ختانه بأيام وأوصى له بالسلطنة فلم تتم له وبقيت له حلب وكان شابا دينا عاقلا محببا إلى الحلبيين إلى الغاية بحيث انهم قاتلوا عن حلب صلاح الدين قتال الموت وما تركوا شيئا من مجهودهم ولما مرض بالقولنج في رجب ومات أقاموا عليه المأتم وبالغوا في النوح والبكاء وفرشوا الرماد في الطرق وكان له تسع عشرة سنة وأوصى بحلب لابن عمه عز الدين مسعود بن مودود فجاء وتملكها ولما كان اسمعيل بالقولنج وصف له الأطباء قليل خمر فقال لا أفعل حتى أسأل الفقهاء فسأل الشافعية فأفتوه بالجواز وسأل العلاء الكاساني فأفتاه بالجواز أيضا فقال له أن كان الله قرب أجلي يؤخره شرب الخمر فقال لا فقال والله لا لقيت الله وقد فعلت ما حرم علي ومات ولم يشربه رحمه الله تعالى
وفيها الكمال بن الأنباري النحوي العبد الصالح أبو البركات عبد الرحمن ابن محمد بن عبيد الله الشافعي تفقه بالنظامية علي ابن الرزاز وأخذ النحو عن ابن الشجرى واللغة عن ابن الجواليقي وبرع في الأدب حتى صار شيخ العراق توفي في شعبان وله أربع وستون سنة وكان زاهدا عابدا مخلصا ناسكا تاركا للدنيا له مائة وثلاثون مصنفا في اللغة والأصول والزهد وأكثرها في فنون العربية منها كتاب أسرار العربية وهو سهل المأخذ كثير الفائدة و كتاب

الميزان في النحو
أيضا و كتاب طبقات الأدباء المتقدمين والمتأخرين مع صغر حجمه ثم انقطع في آخر عمره في بيته واشتغل بالعلم والعبادة وترك الدنيا ومجالسة أهلها وكان لا يسرج في بيته مع خشونة الملبس والفراش ولا يخرج إلا يوم الجمعة وحمل إليه المستضئ خمسمائة دينار فردها فقال أتركها لولدك فقال أن كنت خلقته فأنا أرزقه وأنجب كل من اشتغل عليه ودفن في تربة أبي اسحق الشيرازي والانبار قرية قديمة على الفرات بينها وبين بغداد عشرة فراسخ
وفيها شيخ الشيوخ أبو الفتح عمر بن علي بن الزاهد محمد بن علي بن حمويه الجويني الصوفي وله أربع وستون سنة روى عن جده والفراوي وولاه نور الدين مشيخة الشيوخ بالشام وكان وافر الحرمة

سنة ثمان وسبعين وخمسمائة

فيها سار صلاح الدين فافتتح حران وسروج وسنجار ونصيبين والرقة ونازل الموصل فحاصرها وتحير من حصانتها ثم جاءه رسول الخليفة بأمره بالترحل عنها فرحل ورجع فأخذ حلب من عز الدين مسعود الأتابكي وعوضه بسنجار
وفيها مات نائب دمشق فرخشاه وولى بعده شمس الدين محمد ابن المقدم
وفيها توفي الشيخ الزاهد القدوة أبو العباس أحمد بن علي بن أحمد بن يحيى ابن حازم بن علي بن رفاعة الشيخ الكبير الرفاعي البطائحي والبطائح عدة قرى مجتمعة في وسط الماء بين واسط والبصرة كان شافعي المذهب فقيها قال ابن قاضي شهبة في طبقاته وهو مغربي الأصل ولد في المحرم سنة خمسمائة وتخرج بخاله الشيخ الزاهد منصور قال ابن خلكان كان رجلا صالحا شافعيا

فقيها انضم إليه خلق من الفقراء وأحسنوا فيه الاعتقاد وهم الطائفة الرفاعية ويقال لهم الأحمدية والبطائحية ولهم أحوال عجيبة من أكل الحيات حية والنزول إلى التنانير وهي تضرم نارا والدخول إلى الأفرنة وينام الواحد منهم في جانب الفرن والخباز يخبز في الجانب الآخر وتوقد لهم النار العظيمة ويقام السماع فيرقصون عليها أن تنطفئ النار وياقل أنهم في بلادهم يركبون الأسود ونحو ذلك وأشباهه انتهى
وعن الشيخ أحمد انه قال سلكت كل الطرق الموصلة فما رأيت اقرب ولا اسهل ولا اصلح من الافتقار والذل والانكسار فقيل له يا سيدي فكيف يكون قال تعظم أمر الله وتشفق على خلق الله وتقتدي بسنة سيدك رسول الله وقد صنف الناس في مناقب الشيخ أحمد رحمه الله تعالى وأفردوا ترجمته وذكروا من كراماته ومقاماته أشياء حسنة وكان فقيها شافعيا قرأ التنبيه وله شعر حسن توفي في جمادي الأولى قال ابن كثير ولم يعقب وانما المشيخة في ابنى أخيه
انتهى كلام ابن قاضي شهبة
وقال في العبر وقد كثر الزغل في أصحابه وتجددت لهم أحوال شيطانية منذ أخذت التتار العراق من دخول النيران وركوب السباع واللعب بالحيات وهذا لا يعرفه الشيخ ولا صلحاء أصحابه فنعوذ بالله من الشيطان الرجيم انتهى
وقال سبط ابن الجوزى حضرت عنده ليلة نصف شعبان وعنده نحو مائة ألف إنسان فقلت له هذا جمع عظيم فقال حشرت محشر هامان أن خطر ببالي أني مقدم هذا الجمع وكان متواضعا سليم الصدر مجردا من الدنيا ما ادخر شيئا قط رآه بعض أصحابه في المنام مرارا في مقعد صدق ولم يخبره وكان للشيخ احمد امرأة بذيئة اللسان تسفه عليه وتؤذيه فدخل عليه الذي رآه في مقعد صدق يوما فرآه وفي يد امرأته محراك التنور وهي تضربه على أكتافه فاسود ثوبه وهو ساكت فانزعج الرجل وخرج من عنده وقال يا قوم يجري على الشيخ من هذه الامرأة هذا وأنتم سكوت فقال بعضهم مهرها خمسمائة

دينار وهو فقير فمضى الرجل وجمع خمسمائة دينار وجاء بها إلى الشيخ فقال ما هذا قال مهر هذه الامرأة السفيهة التي فعلت بك كذا وكذا فتبسم وقال لولا صبري على ضربها ولسانها ما رأيتني في مقعد صدق وعن يعقوب ابن كرازان الشيخ كان لا يقوم لأحد من أبناء الدنيا ويقول النظر في وجوههم يقسي القلب وكان يترنم بهذا البيت
( إن كان لي عند سليمى قبول ** فلا أبالي ما يقول العذول )
وكان يقول
( ومستخبري عن سر ليلى تركته ** بعمياء من ليلى بغير يقين )
( يقولون خبرنا فأنت أمينها ** وما أنا أن خبرتهم بأمين )
وذكر ابن الجوزى أن سبب وفاته رضي الله عنه آبيات أنشدت بين يديه تواجد عند سماعها تواجدا كان سبب مرضه الذي مات فيه وكان المنشد لها الشيخ عبد الغني بن نقطة حين زاره وهي
( إذا جن ليلى هام قلبي بذكركم ** أنوح كما ناج الحمام المطوق )
( وفوقي سحاب يمطر الهم والأسى ** وتحتى بحار بالأسى تتدفق )
( سلوا أم عمرو كيف بات أسيرها ** تفك الأساري دونه وهو موثق )
( فلا هو مقتول ففي القتل راحة ** ولا هو مأسور يفك فيطلق )
فمفهوم كلام ابن الجوزى أن الأبيات لغيره مع أن ابن خلكان ذكر إنها من نظمه
وفيها أبو طالب الخضر بن هبة الله بن أحمد بن طاووس الدمشقي المقرئ آخر من قرأ على أبي الوحش سبيع وآخر من سمع على الشريف النسيب توفي في شوال وله ست وثمانون سنة
وفيها أبو القسم بن بشكوال خلف بن عبد الملك بن مسعود بن موسى الأنصاري القرطبي الحافظ محدث الأندلس ومؤرخها ومسندها سمع أبا محمد

ابن عتاب وأبا بحر بن العاص وطبقتهما وأجاز له أبو علي الصدفي وسمع العالي والنازل وكان سليم الباطن كثير التواضع ألف خمسين تأليفا في أنواع العلوم منها الحكايات المستغربة وغوامض الأسماء المبهمة ومعرفة العلماء الأفاضل والقربة إلى الله بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وجزء ذكر فيه من روى الموطأ عن مالك رتبهم على حروف المعجم فبلغوا ثلاثة وسبعين رجلا و كتاب المستعينين عند المهمات والحاجات وما يسر الله لهم من الاجابات وغير ذلك وولى قضاء بعض جهات إشبيلية ثم اقتصر على إسماع العلم وتوفي في ثامن رمضان وله أربع وثمانون سنة
وفيها خطيب الموصل أبو الفضل عبد الله بن أحمد بن محمد بن عبد القادر الطوسي ثم البغدادي ولد في صفر سنة سبع وثمانين وسمع حضورا من طراد والنعالي وغيرهما وسمع من ابن البطرواني بكر الطرثيثي وخلق وكان ثقة في نفسه توفي في رمضان قال ابن النجار وقرأ الفقه أي فقه الشافعي والأصول على الكيا الهراسي وأبي بكر الشاشي والأدب علي أبي زكريا التبريزي وولى خطابة الموصل زمانا وتفرد في الدنيا وقصده الرحالون
وفيها أبو محمد عبد الله بن احمد بن محمد بن علي بن حمنيس البغدادي السراج سمع أبا الحسن بن العلاف وأبا سعد بن حشيش وجماعة قال ابن الأخضر كان لا يحسن يصلي ولا أن يقول التحيات وتوفي في رجب قاله في العبر
وفيها عز الدين فروخشاه بن شاهنشاه بن أيوب بن شادي صاحب بعلبك وأبو صاحبها الملك الأمجد ونائب دمشق لعمه صلاح الدين وكان ذا معروف وبر وتواضع وأدب وكان للتاج الكندي به اختصاص توفي بدمشق ودفن في قبته التي بمدرسته المطلة على الميدان في الشرق الشمالي في جمادي الأولى وهو أخو صاحب حماة تقي الدين وله شعر حسن منه
( إذا شئت أن تعطي الأمور حقوقها ** وتوقع حكم العدل أحسن موقعه )


فلا تضع المعروف مع غير أهله ** فظلمك وضع الشيء في غير موضعه )
وفيها القطب النيسابوري الفقيه العلامة أبو المعالي مسعود بن محمد ابن مسعود الطريثيثي بضم الطاء المهملة وفتح الراء وسكون التحتية ومثلثة نسبة إلى طريثيث ناحية بنيسابور الشافعي ولد سنة خمس وخمسمائة وتفقه على محمد بن يحيى صاحب الغزالي وتأدب على أبيه وسمع من هبة الله السيدي وجماعة وبرع في الوعظ وحصل له القبول ببغداد ثم قدم دمشق سنة أربعين وأقبلوا عليه ودرس بالمجاهدية والغزالية ثم خرج إلى حلب ودرس بالمدرستين اللتين بناهما نور الدين وأسد الدين ثم ذهب إلى همذان فدرس بها ثم عاد بعد مدة إلى دمشق ودرس بالغزالية وانتهت إليه رياسة المذهب بدمشق وكان حسن الأخلاق قليل التصنع مطرحا للتكلف صنف مختصرا في الفقه سماه الهادي وتوفي بدمشق في شهر رمضان ودفن بمقابر الصوفية
وفيها أبو محمد بن الشيرازي هبة الله بن محمد بن هبة الله بن جميل البغدادي المعدل الصوفي الواعظ سمع أبا علي بن نبهان وغيره وقدم دمشق سنة ثلاثين وخمسمائة وهو شاب فسكنها وأم بمشهد على وفوض إليه عقد الأنكحة توفي في ربيع الأول وهو في عشر الثمانين وأم بعده في المشهد ابنه القاضي شمس الدين أبو نصر محمد
وفيها أبو الفضل وفا بن اسعد التركي الخباز روى عن أبي القسم بن بيان وجماعة وتوفي في ربيع الآخر وكان شيخا صالحا
وفيها ممدود الذهبي البغدادي المجاب الدعوة اتهم بسرقة فأتى به إلى باب النوبي ومد ليضرب فرفع النقيب يده ليضربه فيبست يده فقال له صاحب الباب مالك قال قد يبست يدي فرفعوه عن الأرض فعادت يده صحيحة فعاد النقيب ليضربه فيبست يده فعل ذلك ثلاث مرات فبكى صاحب الباب وقام إليه وأجلسه إلى جانبه واعتذر إليه


وفيها أبو يعقوب يوسف بن عبد المؤمن صاحب المغرب كان حسن السيرة مجاهدا في سبيل الله تعالى أغار الفنش ملك طليطلة على بلاد الأندلس فعدا إليه يوسف في مائتي ألف فارس وثمانين ألفا فنزل على بلاد الفنش فخامر عليه وزيره ابن المالقي وقال للعساكر أن أمير المؤمنين يأمركم أن تعدوا إلى مراكش فبقي في نفر يسير وأرسل إلى الفنش يقول له ادهمه فليس معه عسكر فجاء الفنش فالتقاه يوسف فطعن في جنبه فمات بعد يومين وحمل إلى إشبيلية وكانت إمارته اثنتين وعشرين سنة وقدموا ولده يعقوب وبايعوه وللقب بالمنصور ولم يكن في بنى عبد المؤمن مثل يعقوب
وفيها أبو الحسن علي بن أبي المعالي المبارك وقيل أحمد بن أبي الفضل بن أبي القسم بن الأديب الوراق الدارقزى المحولى الفقيه الحنبلي المعروف بابن غريبة ولد في منتصف رمضان سنة ست وخمسمائة وسمع الكثير من أبي القسم بن الحصين وغيره ببغداد وغيرها من البلاد وتفقه في المذهب سيف علي ابن سيف وغيره وقرأ الفرائض على القاضي أبي بكر وكان ثقة صحيح السماع ذا عقل وتجربة ولاه الوزير ابن هبيرة رفع المظالم وانقطع في آخر عمره بالمحول الى ان مات وافلج قبل موته بشهور وسمع منه جماعة منهم ابن الحنبلى وابن القطيعى وغيرهما وروى عنه ابن الجوزى وتوفى يوم الأحد حادى عشر جمادى الأول بالمحول وحمل على أعناق الرجال فدفن بمقبرة الأمام أحمد
وفيها أبو القسم عبيد الله بن علي بن محمد بن محمد بن الحسين بن محمد بن خلف الفراء القاضي ابن القاضي ابن القاضي أبي يعلى حولد ولد ليلة ليلة الاثنين رابع عشر ذى الحجة سنة سبع وعشرين وخمسمائة وأسمعه أبوه الكثير في صباه من جماعه أعيان وسمع هو بنفسه من ابن ناصر الحافظ وأبي بكر بن الزاغوني وغيرهما وبالغ في السماع والإكثار وتفقه وكتب وكانت داره مجمعا لأهل

العلم وينفق عليهم بسخاء نفس وسعة صدر وسمع منه جماعة منهم ابن القطيعي وجمع وصنف انواعا من العلوم وحمله بذل يده وكرم طبعه على أن استدان مالا يمكنه وفاؤه فغلبه الأمر حتى باع معظم كتبه وخرج عن يده أكثر أملاكه واختفى في بيته من الديون وبلغ به الحال إلى أن اغتيل في شهادة على امرأة بتصريف بعض الحاضرين فأنكرت المرأة المشهود عليها ذلك الأشهاد فكان سببا لعزله من الشهادة فهو عدل في روايته ضعيف في شهادته وتوفي يوم الجمعة يوم عيد الأضحى في هذه السنة أو في سنة ثمانين كما صححه بل جزم به ابن رجب

سنة تسع وسبعين وخمسمائة

فيها توفي تاج الملوك مجد الدين بورى أخو السلطان صلاح الدين وله ثلاث وعشرون سنة كان أديبا شاعرا له ديوان صغير وجمع الله فيه محاسن الأخلاق ومكارمها مع الشجاعة والفصاحة ومن شعره
( أقبل من أعشقه راكبا ** من جانب الغرب على أشهب )
( فقلت سبحانك يا ذا العلي ** أشرقت الشمس من المغرب )
ومنه أيضا
( أيا حامل الرمح الشبيه بقده ** ويا شاهرا سيفا على لحظه غضبا )
( ذر الرمح واغمد ما سللت فربما ** قتلت وما حاولت طعنا ولا ضربا )
أصابت ركبته طعنة على حلب مات منها بعد أيام
وفيها تقية بنت غيث بن علي الارمنازي الشاعرة المحسنة لها شعر سائر وكانت امرأة برزة جلدة مدحت تقي عمر صاحب حماة والكبار وعاشت أربعا وسبعين سنة ولها ابن محدث معروف عثرت يوما فانجرحت فشقت وليدة في الدار خرقة من خمارها وعصبت به جرحها فقالت
( لو وجدت السبيل جدت بخدى ** عوضا عن خمار تلك الوليدة )


( كيف لي أن اقبل اليوم رجلا ** سلكت دهرها الطريق الحميدة )
وفيها أبو الفتح الخرقي عبد الله بن أحمد بن أبي الاصبهاني مسند أصبهان سمع أبا مطيع المصري وأحمد بن عبد الله السوذرجاني وانفرد بالرواية عن جماعة توفي في رجب وله تسع وثمانون سنة وكان رجلا صالحا
وفيها الابله الشاعر صاحب الديوان أبو عبد الله محمد بن بختيار البغدادي شاب ظريف وشاعر مفلق جمع شعره بين الصناعة والرقة وسمى الأبله لذكائه من باب تسمية الشيء بضده كما يقال للأسود كافور أنشد الأبله لابن الدوامى الحاجب يوما قوله
( زار من أحيا بزورته ** والدجى في لون طرته )
( قمر يثنى معاطفه ** بانة في طي بردته )
( بت استجلي المدام على ** غرة الواشي وغرته )
( آه من خصر له وعلى ** رشفة من ترد ريقته )
( ياله في الحسن من صم ** كلنا من جاهليته )
فقال هل ابن الدوامي يا حجة العرب هي لك قال نعم فصاح صائح يكذب ما هي له ففتشوا فلم يجدوا أحدا فقال أنشدني غيرها فانشده غيرها كل ذلك والقائل يقول له تكذب ثلاث مرات فقال الأبله في الثالثة فما هي لي فهي لمن فقال القائل هي لي قال ومن أنت قال شيطانك الذي أعلمك قول الشعر قال له صدقت الله يحفظك علي قال أبو الدر الرومي الشاعر مرض الأبله فعدته فقال ما بقيت أقدر أنظم قلت فما سببه قال مات تابعي وتوفي بعد ذلك


ومن شعره أيضا
( دارك يا بدر الدجى جنة ** بغيرها نفسي ما تلهو )
( وقد روى في خبرانه ** أكثر أهل الجنة البله )
وله
( يا ذا الذي كفل اليتيم وقصده كفل اليتيم ** )
( أن كنت ترغب في النعيم فقد حصل على الجحيم ** )
قال الذهبي مات وخلف ثمانية آلاف دينار ولم يكن له وارث وتوفي في جمادي الآخرة
وفيها أبو العلاء البصري محمد بن جعفر البصري ثم البغدادي المقرئ قرأ القرآن علي أبي الخير العسال وسمع من ابن بيان وأبي النرسي وعاش ثلاثا وتسعين سنة
وفيها قاضي زبيد الأمام الفاضل البارع المحمود السيرة علي بن الحسين السير بفتح السين وبالراء المهملتين توفي بمخلاف الساعد قافلا من مكة وكان ممن أجمع على فضله الموافق والمخالف يقال انه أجاب عن ألف مسئلة امتحنه بها أهل زبيد وفضائله يتعجب منها السامع كما قال ابن سمرة
وفيها أبو طالب الكتاني محمد بن علي بن أحمد الواسطي المحتسب توفي في المحرم وله أربع وتسعون سنة سمع من أبي الصقر الشاعر وأبي نعيم الجماري وطائفة وانفرد بإجازة أبي طاهر أحمد بن الحسن الكرجي الباقلاني وجماعة ورحل إلى بغداد فلحق بها أبا الحسن بن العلاف وكان ثقة دينا
وفيها يونس بن محمد بن منعة الأمام رضي الدين الموصلي الشافعي والد العلامة كمال الدين موسى وعماد الدين محمد تفقه علي الحسين بن نصر بن خميس وببغداد علي أبي منصور الرزاز ودرس وأفتى وناظر وتفقه به جماعة وكان مولده بإربل سنة إحدى عشرة وخمسمائة وتوفي في المحرم

سنة ثمانين وخمسمائة

فيها توفي ايلغازي بن المنى بن تمرتاش بن ايلغازي بن ارتق الملك قطب الدين التركماني صاحب ماردين وليها بعد أبيه مدة وكان موصوفا بالشجاعة والعدل توفي في جمادي الآخرة
وفيها محمد بن حمزة بن أبي الصقر أبو عبد الله القرشي الدمشقي الشروطي المعدل توفي في صفر وله إحدى وثمانون سنة وكان ثقة صاحب حديث سمع من هبة الله بن الأكفاني وطائفة ورحل فسمع من ابن الطبر وقاضي المارستان وكتب الكثير وأفاد وكان شروطي البلد
سنة إحدى وثمانين وخمسمائة

فيها نازل صلاح الدين الموصل وقد سارت إلى خدمته ابنة الملك نور الدين محمود زوجة عز الدين صاحب البلد وخضعت له فردها خائبة وحصر الموصل فبذل أهلها نفوسهم وقاتلوا أشد قتال فندم وترحل عنهم لحصانتها ثم نزل على ميافارقين فأخذها الأمان ثم رد إلى الموصل وحاصرها أيضا ثم وقع الصلح على أن يخطبوا له وأن يكون صاحبها طوعه وان يكون لصلاح الدين شهرزور وحصونها ثم رحل فمرض واشتد مرضه بحران حتى ارجفوا بموته وسقط شعر لحيته ورأسه
وفيها استولى ابن عاينة الملثم على أكثر بلاد إفريقية وخطب للناصر العباسي وبعث رسوله يطلب التقليد بالسلطنة
وفيها توفي صدر الإسلام أبو الطاهر بن عوف اسمعيل بن مكي بن اسمعيل بن عيسى بن عوف الزهري الاسكندراني المالكي في شعبان وله ست وتسعون سنة تفقه على أبي بكر الطرطوشي وسمع منه ومن أبي عبد الله الرازي وبرع في المذهب وتخرج به الأصحاب وقصده السلطان صلاح الدين

وسمع منه الموطأ
وفيها محمد بن البهلوان بن الزكر الأتابك شمس الدين صاحب أذربيجان وعراق العجم توفي في هذه السنة وقام بعده أخوه قزل وكان السلطان طغر بك السلجوقي من تحت حكم البهلوان كما كان أبوه أرسلان شاه من تحت حكم أبيه الزكر وكان له خمسة آلاف مملوك
وفيها الشيخ الكبير الولي الشهير حياة بن قيس الحراني أحد الأربعة الذين قال فيهم أبو عبد الله القرشي رأيت أربعة من المشايخ يتصرفون في قبورهم كحياتهم الشيخ معروف الكرخي والشيخ عبد القادر الجيلاني والشيخ عقيل المنبجي والشيخ حياة بن قيس الحراني رضي الله عنهم تخرج بالشيخ حياة كثير من المريدين وانجبوا وله من الكرامات أحوال تذهل العقول منها ما حكاه الشيخ الصالح غانم بن يعلى قال انكسرت بنا سفينة في بحر الهند فنجوت إلى جزيرة فوجدت فيها مسجدا فيه أربعة نفر متوجهون إلى الله تعالى فلما كان وقت العشاء دخل الشيخ حياة الحراني فتبادروا للسلام وتقدم فصلى بهم ثم صلوا الفجر وسمعته يقول في مناجاته يا حبيب التائبين ويا سرور العارفين ويا قرة عين العابدين ويا أنس المنفردين وياحرز اللاجئين ويا ظهير المنقطعين يا من حنت إليه قلوب الصديقين وآنست به أفئدة المحبين وعلقت عليه همة الخائفين ثم بكى فرأيت الأنوار قد حفت بهم ثم خرج من المسجد وهو يقول
( سير المحب إلى المحبوب زلزال ** والقلب فيه من الاهوال بلبال )
( أطوى المهامه من قفر على قدم ** إليك تدفعني سهل وأجبال )
فقالوا لي اتبع الشيخ فتبعته فكانت الأرض تطوي لنا فوافينا حران وهم يصلون الصبح سكن رحمه الله تعالى حران إلى أن توفي قاله ابن الأهدل


وفيها أبو اليسر شاكر بن عبد الله بن محمد التنوخي المعرى ثم الدمشقي صاحب ديوان الإنشاء في الدولة النورية عاش خمسا وثمانين سنة
وفيها المهذب بن الدهان عبد الله بن أسعد بن علي الموصلي الفقيه الشافعي الأديب الشاعر النحوي ذو الفنون دخل يوما على نور الدين الشهيد فقال له كيف أصبحت فقال أصبحت كما لا يريد الله ولا رسوله ولا أنت ولا أنا ولا ابن عصرون فقال نور الدين كيف ذلك فقال لان الله ورسوله يريدان مني الأعراض عن الدنيا والإقبال على الآخرة ولست كذلك وأنت تريد مني أن لا أسألك شيئا ولست كذلك وأنا أريد من نفسي أن أكون أسعد الناس ولست كذلك وابن عصرون يريد منى أن اكون مقطعا اربا اربا ولست كذلك فضحك منه وأمر له بصلة وقال العماد الكاتب لما وصل السلطان صلاح الدين إلى حمص خرج إلينا ابن الدهان فقدمته وقلت هذا الذي يقول في قصيدة يمدح بها ابن رزبك
( أأمدح الترك أبغي الفضل عندهم ** والشعر ما زال عند الترك متروكا )
فأعطاه السلطان مائة دينار وقال حتى لا يقول انه متروك عند الترك فامتدحه بقصيدته العينية التي يقول فيها
( أعلمت بعدك وقفتي بالأجرع ** ورضا طلولك عن دموعي الهمع )
( لا قلب لي فأعي الكلام فأنني ** أودعته بالأمس عند مودعي )
( قل للبخيلة بالسلام تورعا ** كيف استبحت دمي ولم تتورعي )
( هل تسمحين ببذل أيسر نائل ** أن اشتكى وجدي إليك وتسمعي )
( أو سائلي جسدي ترى أين العنا ** أو فاسألي أن شئت شاهد أدمعي )
( فالسقم آية ما أجن من الجوى ** والدمع بينة على ما أدعي )
وله في غلام لسبته نحلة في شفته


( بأبي من لسبته نحلة ** آلمت أكرم شيء واجل )
) أثرت لسبتها في شفة ** ما براها الله إلا للقبل )
( حسبت أن بفيه بيتها ** إذ رأت ريقته مثل العسل )
توفي بحمص في شعبان وكان مدرسا بها
وفيها عبد الحق بن عبد الرحمن بن عبد الله أبو محمد الأزدي الأشبيلي الحافظ ويعرف بابن الخراط أحد الأعلام ومؤلف الأحكام الكبرى والصغرى والجمع بين الصحيحين و كتاب الغريبين في اللغة و كتاب الجمع بين السنة وغير ذلك روى عن أبي الحسن شريح وجماعة نزل بجاية وولى خطابتها وبها توفي بعد محنة لحقته من الدولة في ربيع الآخر عن إحدى وسبعين سنة وكان مع جلالته في العلم قانعا متعففا موصوفا بالصلاح والورع ولزوم السنة
وفيها الأمام السهيلي أبو زيد وأبو القسم وأبو الحسن عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد العلامة الاندلسي المالقي النحوي الحافظ العلم صاحب التصانيف منها الروض الأنف في شرح سيرة ابن هشام والأعلام بما أبهم القرآن من الأسماء الأعلام و كتاب نتائج النظر ومسئلة رؤية الله عز وجل في المنام وروية النبي صلى الله عليه وسلم ومسئلة السر في عور الدجال ومسائل كثيرة وله آبيات الفرج المشهورة قال ابن دحية أنشدنيها وقال ما يسأل الله بها أحد حاجة إلا أعطاه أياها وهي
( يا من يرى ما في الضمير ويسمع ** أنت المعد لكل ما يتوقع )
( يا من يرجى للشدائد كلها ** يا من إليه المشتكي والمفزع )
( يا من خزائن رزقه في قول كن ** أمنن فإن الخير عندك أجمع )
( مالي سوى قرعى لبابك حيلة ** فلئن رددت فأي باب أقرع )
( ما لي سوى فقري إليك وسيلة ** وبالإفتقار إليك فقري أدفع )


( من ذا الذي أدعو واهتف باسمه ** أن كان فضلك عن فقيرك يمنع )
( حاشا لمجدك أن تقنط عاصيا ** الفضل أجزل والمواهب أوسع )
وله أشعار كثيرة نافعة وكان مالكيا ضريرا أخذ القراءات عن جماعة وروى عن أبي العربي والكبار وبرع في العربية واللغات والأخبار والأثر وتصدر للإفادة وكان مشهورا بالصلاح والورع والعفاف والقناعة بالكفاف وأقام ببلده إلى أن نمى خبره إلى مراكش فطلبه واليها وأحسن إليه وأقبل عليه وأقام بها نحو ثلاثة أعوام وهو منسوب إلى السهيل قرية بالقرب من مالقة بالأندلس وتوفي في شعبان في اليوم الذي توفي فيه شيخ الأسكندرية أبو الطاهر بن عوف وعاش اثنتين وسبعين سنة
وفيها عبد الرزاق بن نصر بن المسلم الدمشقي النجار روى عن ابن الموازيني وغيره وتوفي في ربيع الآخر عن أربع وثمانين سنة
وفيها ابن شابيل أبو الفتح عبيد الله بن عبد الله بن محمد بن نجا الدباس مسند بغداد سمع الحسين بن البسري وأبا غالب بن الباقلاني وجماعة وتفرد بالرواية عن بعضهم ووهم من قال انه سمع من البطر توفي في رجب عن تسعين سنة
وفيها عصمة الدين الخاتون بنت الأمير معين الدين انز زوجة نور الدين ثم صلاح الدين وواقفة المدرسة التي بدمشق للحنفية وبنت خانقاه للصوفية على الشرف القبلي خارج باب النصر وبنت تربة بقاسيون على نهر يزيد تجاه قبة جركس ودفنت بها وهي في يومنا هذا داخل جامع الجديد بالصالحية وأوقفت على هذه الأماكن أوقافا كثيرة
وفيها الماشي أبو حفص عمر بن عبد المجيد القرشي شيخ الحرم تناول من أبي عبد الله الرازي وسمع من جماعة وله كراس في علم الحديث توفي بمكة


وفيها أبو المجد البانياسي الفضل بن الحسين الحميري عفيف الدين الدمشقي روى عن أبي القسم الكلابي وأبي الحسن بن الموازيني توفي في شوال وله ست وثمانون سنة
وفيها صاحب حمص الملك ناصر الدين محمد بن الملك أسد الدين شيركوه وابن عم السلطان صلاح الدين كان فارسا شجاعا جريئا متطلعا إلى السلطنة قلي انه قتله الخمر وقيل بل سقي لبسم مات يوم عرفة
وفيها أبو سعد الصائغ محمد بن عبد الواحد الأصبهاني المحدث روى عن غانم البرجي والحداد وخلق
وفيها أبو موسى المديني محمد بن أبي بكر عمر بن أحمد الحافظ صاحب التصانيف وله ثمانون سنة سمع من غانم البرجي وجماعة من أصحاب أبي نعيم ولم يخلف بعده مثله مات في جمادى الأولى وكان مع براعته في الحفظ والرجال صاحب ورع وعبادة وجلالة وتقي

سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة

قال العماد الكاتب أجمع المنجمون في هذا العام في جميع البلاد على خراب العالم في شعبان عند اجتماع الكوكب الستة في الميزان بطوفان الريح وخوفوا بذلك الأعاجم والروم فشرعوا في حفر مغارات ونقلوا إليها الماء والزاد وتهيأوا فلما كانت الليلة التي عينها المنجمون لمثل ريح عاد ونحن جلوس عند السلطان والشموع توقد فلا تتحرك ولم نر ليلة مثل ركودها
وفيها توفي العلامة عبد الله بن برى أبو محمد المقدسي ثم المصري النحوي صاحب التصانيف وله ثلاث وثمانون سنة روى عن أبي صادق المديني وطائفة وانتهى إليه علم العربية في زمانه وقصد من البلاد لتحقيقه وتبحره ومع ذلك فله حكايات في الفضل وسذاجة الطبع كان يلبس الثياب

الفاخرة ويأخذ في كمه العنب والبيض فيقطر على رجله ماء العنب فيرفع رأسه ويقول العجب إنما تمطر مع الصحو وكان يتحدث ملحونا ويتبرم بمن يخاطبه بإعراب وهو شيخ الجزولي
وفيها أبو السعود أحمد بن المبارك الزاهد الحريمي كان عطارا فأقامه الله فانقطع إليه وصحب الشيخ عبد القادر الكيلاني وله كرامات وكان لا يأكل حتى يطعم ولا لا يشرب حتى يسقي ولا يلبس ثوبا حتى يجعل في عنقه ولا يتكلم إلا جوابا ولا يزال على طهارة مستقبل القبلة وقع عليه سقف فجاء جذع فكسر رؤوس أضلاعه فلم يتحرك حتى جاء أصحابه فأزالوا السقف عنه فأقام عشرين سنة لا يعلم أحد أن أضلاعه مكسرة حتى مات فوجدوها على المغتسل مكسرة
وفيها عبد الرحمن بن جامع بن غنيمة بن البناء البغدادي الأزجي الميداني الفقيه الحنبلي الزاهد أبو الغنائم ويسمى أيضا غنيمة ولد سنة خمسمائة تقريبا وسمع الحديث من أبي طالب اليوسفي وغيره وتفقه على أبي بكر الدينوري وقرأ الخلاف على أسعد الميهني وبرع وأفتى وناظر ودرس بمسجده وكان عارفا بالمذهب صالحا تقيا قال ابن النجار كان فقيها فاضلا ورعا زاهدا مليح المناظرة حسن المعرفة بالمذهب والخلاف وحدث عنه الشيخ موفق الدين وغيره وتوفي ليلة الاثنين ثامن شوال ودفن بمقبرة باب حرب
وفيها علي بن مكي بن عبد الله أبو الحسن الضرير المقرىء الفقيه الحنبلي الأزجي قرأ القرآن وسمع الحديث الكثير من ابن ناصر وابن البطي وغيرهما وتفقه على أبي حكيم النهرواني وكان من أهل الدين والصلاح توفي ليلة الأربعاء عاشر شوال ودفن بباب حرب إلى جانب شيخه أبي حكيم

سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة

فيها افتتح صلاح الدين بالشام فتحا مبينا ورزق نصرا متينا وهزم الفرنج

وأسر ملوكهم وكانوا أربعين ألفا ونازل القدس وأخذه وكان المنجمون قد قالوا له تفتح القدس وتذهب عينك الواحدة فقال رضيت أن أفتحه وأعمى فافتتحها بعد أن كانت بأيدي الفرنج أكثر من تسعين سنة ثم أخذ عكا ثم جال فافتتح عدة حصون ودخل على المسلمين سرور لا يعلمه إلا الله تعالى
وفيها قتل ابن الصاحب ببغداد ولله الحمد فذلت الرافضة
وفيها توفي عبد الجبار بن يوسف البغدادي شيخ الفتوة وحامل لوائها كان قد علا شأنه بكون الناصر الخليفة يمضي إليه توفي حاجا بمكة
وفيها عبد المغيث بن زهير بن علوي الحربي المحدث الزاهد أبو العزيز ابن حرب الحنبلي محدث بغداد ولد سنة خمسمائة تقريبا وسمع من أبي القسم بن الحصين وابن كادش وغيرهما وعنى بهذا الشأن وحصل الأصول ولم يزل يسمع حتى سمع من أقرانه وتفقه على القاضي أبي الحسين ابن الفراء وكان صالحا متدينا صدوقا أمينا حسن الطريقة جميل السيرة حميد الأخلاق مجتهدا في اتباع السنة والآثار منظورا إليه بعين الديانة والأمانة وجمع وصنف وحدث ولم يزل يفيد الناس إلى حين وفاته وبورك له حتى حدث بجميع مروياته وسمع منه الكبار قال الدبيثي عنى بطلب الحديث وسماعه وجمعه من مظانه وخرج وصنف وكان ثقة صالحا صاحب طريقة حميدة وكتبنا عنه ونعم الشيخ كان وروى عنه الشيخ موفق الدين والحافظ عبد الغني وغيرهما وقدم دمشق وحدث بها وقال ابن الحنبلي سمعت من عبد المغيث وكان حافظا زاهدا ورعا كنت إذا رايته خيل إلى انه أحمد ابن حنبل غير انه كان قصيرا وتوفي ليلة الأحد ثالث عشرى المحرم ودفن

بتكة قبر الأمام أحمد قال الذهبي صنف جزءا في فضائل يزيد أتى فيه بالموضوعات
وفيها قاضي القضاة ابن الدامغاني أبو الحسن علي بن أحمد بن قاضي القضاة أبي عبد الله محمد بن علي الحنفي وله سبعون سنة وكان ساكنا وقورا محتشما حدث عن ابن الحصين وطائفة وولى القضاء بعد موت قاضي القضاة أبي القسم الزينبي ثم عزل عند موت المقتفي فبقى معزولا إلى سنة سبعين ثم ولى إلى أن مات
وفيها ابن المقدم الأمير الكبير شمس الدين محمد بن عبد الملك كان من أعيان أمراء الدولتين وهو الذي سلم سنجار إلى نور الدين ثم تملك بعلبك وعصى على صلاح الدين مدة فحاصره ثم صالحه وناب له بدمشق وكان بطلا شجاعا محتشما عاقلا شهد في هذا العام الفتوحات وحج فلما حل بعرفات رفع علم السلطان صلاح الدين وضرب الكوسات فأنكر عليه أمير ركب العراق طاشتكين فلم يلتفت وركب في طلبه وركب طاشتكين فالتقوا وقتل جماعة من الفريقين وأصاب ابن المقدم سهم في عينه فخر صريعا وأخذ طاشتكين ابن المقدم فمات من الغد بمنى وهو باني المدرسة المقدمية والتربة والخان داخل باب الفراديس
وفيها مخلوف بن علي بن جاره أبو القسم المغربي ثم الاسكندراني المالكي أحد الأئمة الكبار تفقه به أهل الثغر زمانا
وفيها أبو السعادات القزاز نصر الله بن عبد الرحمن بن محمد الشيباني الحريمي مسند بغداد سمع جده أبا غالب القزاز وأبا القسم الربعي وطائفة وتوفي في ربيع الآخر عن اثنتين وتسعين سنة
وفيها أبو بكر محمد بن نصر الخرقي القاشاني الحافظ الثقة الناقد النبيل كما قال ابن ناصر الدين
وفيها أبو الفتح بن المنى ناصح الإسلام نصر بن فتيان بن مطر النهراوني

ثم البغدادي الحنبلي فقيه العراق وشيخ الحنابلة على الإطلاق روى عن أبي الحسن بن الزاغوني وطبقته وتفقه على أبي بكر الدينوري وكان ورعا زاهدا متعبدا على منهاج السلف الصالح تخرج به أئمة قال الشيخ ناصح الدين بن الحنبلي رحلت اليه فوجدت مسجده بالفقهاء والقراء معمورا وكل فقيه عنده من فضله وافضاله مغمورا فأنخت راحلتي بربعه وحططت زاملة بغيتي على شرعة شرعه فوجدت الفضل الغزير والدين القويم المنير فتلقاني بصدر بالأنوار قد شرح ومنطق بالأذكار قد ذكر ومدح وبباب الى كل باب من الخيرات قد شرع وفتح فتح الله تعالى عليه حفظ القرآن العظيم وهو في حداثة من سنه ولاحت عليه أعلام المشيخة فرجح منه على كل من بفضل الله ومنه ثم قال لم ننقل انه لعب ولا لها ولا طرق باب طرب ولا مشى إلى لذة ومشتهى وقال قال لي ابن المنى تقدمت في زمن أقوام ما كنت أصلح أن أقدم مداسهم وقال لي رحمه الله تعالى ما أذكر أحدا قرأ على القرآن إلا حفظه ولا سمع درس الفقه إلا انتفع ثم قال هذا حظي من الدنيا قال ابن الحنبلي وما تزوج ولا تسرى ولا ركب بغلة ولا فرسا ولا ملك مملوكا ولا لبس الثياب الفاخرة إلا لباس التقوى وكان أكثر طعامه يشرب في قدح ماء الباقلاء وكان إذا فتح عليه بشيء فرقه بين أصحابه وكان لا يتكلم في الأصول ويكره من يتكلم فيه سليم الاعتقاد صحيح الانتقاد في الأدلة الفروعية وقال ابن رجب صرف همته طول عمره إلى الفقه أصولا وفروعا مذهبا وخلافا واشغالا واشتغالا ومناظرة وتصدر للدرس والأشغال والإفادة وطال عمره وبعد صيته وقصده الطلبة من البلاد وشدت إليه الرحال في طلب الفقه وتخرج به أئمة كثير منهم ابن الجوزى وفقهاء الحنابلة اليوم في سائر البلاد يرجعون إليه والى أصحابه لأن فقهاء زماننا إنما يرجعون في الفقه من جهة الكتب إلى الشيخين موفق الدين المقدسي ومجد الدين بن تيمية الحراني فأما الشيخ

الموفق فهو تلميذ ابن المنى وعنه أخذ الفقه وأما ابن تيمية فهو تلميذ تلميذه أبي بكر بن الحلاوي وكان مرض ابن المنى الاسهال وذلك من تمام السعادة لأن مرض البطن شهادة وتوفي به يوم السبت رابع شهر رمضان ودفن يوم الأحد ونودى في الناس بموته فانثال من الخلائق والأمم عدد لا يحصى وازدحم الناس وخيف من الفتن فنفذ الولاة الأجناد والأتراك بالسلاح ومات عن اثنتين وثمانين سنة ولم يخلف مثله
وفيها الزاهد عبد الغني بن شجاع أبو بكر البغدادي الحنبلي المعروف بابن نقطة قال السخاوي هو مشهور بالتقلل والإيثار والزهد وكان له ببغداد زاوية يأوي إليها الفقراء ولم يكن في عصره من يقاومه في التجريد كان يفتح عليه قبل غروب الشمس بألف دينار فيفرقها والفقراء صيام فلا يدخر لهم منها شيئا ويقول نحن لا نعمل بأجرة يعني لا نصوم وندخر ما نفطر عليه وزوجته أم الخليفة الناصر بجارية من خواصها وجهزتها بعشرة آلاف دينار فما حال الحول وعنده سوى هاون فجاء فقير فوقف على الباب وقال لي ثلاثة أيام ما أكلت شيئا فأخرج إليه الهاون وقال لا تشنع على الله كل بهذا ثلاثين يوما وقال ابن شهبة في تاريخه وكان له أخ مزكلش ينشدكان وكان ومواليا في الأسواق ويسحر الناس في رمضان فقيل له أخوك زاهد العراق وأنت هكذا فأنشد مواليا
( قد خاب من شبه الجزعه إلى دره ** وسام قحبه إلى مستحسنه حره )
( أنا مغني وخي زاهد إلى مره ** بيرين في دار ذي حلوه وذي مره )
انتهى
وتوفي في رابع جمادي الآخرة ببغداد ويأتي ذكر ولده محمد في سنة

ثمان وعشرين وستمائة أن شاء الله تعالى
وفيها مجد الدين بن الصاحب هبة الله بن علي ولي اسناد راية المستضئ ولما ولى الناصر رفع منزلته وبسط يده وكان رافضيا سبابا تمكن وأحيا شعار الأمامية وعمل كل قبيح إلى أن طلب إلى الديوان فقتل وأخذت حواصله فمن ذلك ألف ألف دينار وعاش إحدى وأربعين سنة قاله في العبر

سنة أربع وثمانين وخمسمائة

دخلت وصلاح الدين يصول ويجول بجنوده على الفرنج حتى دوخ بلادهم وبث سراياه وافتتح أخوه الملك العادل الكرك بالأمان في رمضان وسلموها لفرط القحط
وفيها توفي أسامة بن مرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ الأمير الكبير مؤيد الدولة أبو المظفر الكناني الشيرازي كان من أكابر بني منقذ أصحاب قلعة شيزر وعلمائهم وشجعانهم له تصانيف عديدة في فنون الأدب والأخبار والنظم وفيه تشيع قال العماد الكاتب في الخريدة سكن دمشق ثم نبت به كما تنبو الدار بالكريم فانتقل إلى مصر فبقى فيها مؤمرا مشارا إليه بالتعظيم إلى أيام الصالح بن رزبك ثم عاد إلى الشام وسكن دمشق ثم رماه الزمان إلى حصن كيفا فأقام به حتى ملك السلطان صلاح الدين دمشق فاستدعاه وهو شيخ قد جاوز الثمانين وقال ابن خلكان له ديوان شعر في جزءين موجود بأيدي الناس ورأيته ونقلت منه
( لا تستعر جلدا على هجرانهم ** فقواك تضعف عن صدود دائم )
( وأعلم بأنك أن رجعت إليهم ** طوعا وألا عدت عودة راغم )
وله جواب عن آبيات كتبها أبوه إليه
( وما أشكو تلون أهل ودي ** ولو أجدت شكيتهم شكوت )


( ملكت عتابهم ويئست منهم ** فما أرجوهم فيمن رجوت )
( إذا أدمت قوارضهم فؤادي ** كظمت على أذاهم وانطويت )
( ورحت عليهم طلق المحيا ** كأني ما سمعت ولا رأيت )
( تجنوا لي ذنوبا ما جنتها ** يداي ولا أمرت ولا نهيت )
( ولا والله ما أضمرت غدرا ** كما قد أظهروه ولا نويت )
( ويوم الحشر موعدنا فتبدو ** صحيفة ما جنوه وما جنيت )
وله وقد قلع ضرسه وقال عملتهما ونحن بظاهر خلاط وهو معنى غريب ويصلح أن يكون لغزا في الضرس
( وصاحب لا أمل الدهر صحبته ** يشقى لنفعي ويسعى سعى مجتهد )
( لم ألقه مذ تصاحبنا فمذ وقعت ** عيني عليه افترقنا فرقة الأبد )
توفي يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من شهر رمضان ودفن من الغد شرقي جبل قاسيون
وفيها عبد الرحمن بن محمد بن حبيش القاضي أبو القسم الأنصاري المرى نزيل مرسية عاش ثمانين سنة وقرأ القراءات على جماعة ورحل بعد ذلك فسمع بقرطبة من يونس بن محمد بن مغيث والكبار وكان من أئمة الحديث والقراءات والنحو واللغة ولي خطابة مرسية وقضاءها مدة واشتهر ذكره وبعد صيته وكانت الرحلة إليه في زمانه وقد صنف كتاب المغازي في عدة مجلدات
وفيها عمر بن بكر بن محمد بن على القاضي عماد الدين بن الإمام شمس الأئمة الخابوري الزرنجري بفتح الزاي والراء الأولى والجيم وسكون النون نسبة إلى زرنجرا قرية ببخارا شيخ الحنفية في زمانه بما وراء النهر ومن انتهت إليه رياسة الفقه توفي في شوال عن نحو تسعين سنة
وفيها التاج المسعودي محمد بن عبد الرحمن البنجديهي بفتح الموحدة وسكون

النون وفتح الجيم وبعد الدال المهملة تحتية نسبة إلى بخ ديه خمس وقرى بمرو الروذ الخراساني الصوفي الشافعي الرحال الأديب مات عن اثنتين وثمانين سنة بدمشق وسمع من أبي الوقت وطبقته وأملى بمصر مجالس وعنى بهذا الشأن وكتب وسعى وجمع فأوعى وصنف شرحا طويلا للمقامات قال يوسف ابن خليل الحافظ لم يكن في نقله بثقة وقال ابن النجار كان من الفضلاء في كل فن في الفقه والحديث والأدب وكان من أظرف المشايخ وأجملهم
وفيها أبو الفتح بن التعاويذي محمد بن عبد الله بن الكاتب الشاعر المشهور نسب إلى التعاويذي لأنه نشأ في حجره وهو جده لأمه كان شاعرا لطيفا عذب الكلام سهل الألفاظ سار نظمه في الآفاق وتقدم على شعراء العراق وعمى فى آخر عمره وجمع ديوانه بنفسه قال ابن خلكان كان شاعر وقته لم يكن فيه مثله جمع شعره بين جزالة الألفاظ وعذوبتها ورقة المعاني ودقتها وهو في غاية الحسن والحلاوة وفيما أعتقده لم يكن قبله بمائتي سنة من يضاهيه وله في عماه أشياء كثيرة يرثي عينيه وزمان شبابه ونضرته وكان قد جمع ديوانه بنفسه قبل العمى وعمل له خطبة ظريفة ورتبه أربعة فصول وكل ما جدده بعد ذلك سماه الزيادات فلهذا يوجد ديوانه خاليا من الزيادات وفي بعضها مكملا بالزيادات ولما عمى كان باسمه راتب في الديوان فالتمس أن ينقل باسم أولاده فنقل وكان وزير الديوان ابن البلدي قد عزل أرباب الدواوين وحبسهم وحاسبهم وصادرهم وعاقبهم فقال فيه ابن التعاويذي
( يا رب أشكو إليك ضرا ** أنت على كشفه قدير )
( أليس صرنا إلى زمان ** فيه أبو جعفر وزير )
وكانت ولادة ابن التعاويذي في العاشر من رجب يوم الجمعة سنة تسع عشرة وخمسمائة وتوفى في ثانى شوال والتعاويذى نسبة إلى كتب التعاويذ

وهي الحروز
وفيها أبو بكر محمد بن موسى بن عثمان بن حازم المعروف بالحازمي بالحاء المهملة نسبة إلى جده الهمذاني الشافعي الملقب زين الدين كان فقيها حافظا زاهدا ورعا متقشفا حافظا للمتون والاسانيد غلب عليه علم الحديث وصنف فيه تصانيفه المشهورة منها الناسخ والمنسوخ في الحديث لم يصنف في فنه مثله و كتاب المشتبه و كتاب سلسلة الذهب فيما روى الأمام أحمد عن الشافعي وفي شروط الأئمة وغيرها من التصانيف النافعة واستوطن بغداد ولازم الاشتغال والتعبد إلى أن مات ليلة الاثنين الثامن والعشرين من جمادي الأولى ودفن في الشونيزية مقابل الجنيد وكان قد فرق كتبه على أصحاب الحديث قال الاسنوي ولا نعلم أحدا ممن ترجمنا له توفي أصغر سنا منه عكس القاضي أبي الطيب وأبي طاهر الزيادي نقل عنه في الروضة في أثناء كتاب القضاء أن الذين أدركتهم من الحفاظ كانوا يميلون إلى جواز إجازة غير المعين بوصف العموم كأجرت للمسلمين ونحوه ثم صححه النووي انتهى
وفيها ابن صدقة الحراني أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن الحسن بن صدقة التاجر السفار راوي صحيح مسلم عن الفراوي شيخ صالح صدوق كثير الأسفار سمع في كهولته الكتاب المذكور وعمر سبعا وتسعين سنة توفي في ربيع الأول بدمشق وله بها أوقاف وبر
وفيها يحيى بن محمود بن سعد الثقفي أبو الفرج الاصبهاني الصوفي حضر في أول عمره على الحداد وجماعة وسمع من جعفر بن عبد الواحد الثقفي وفاطمة الجوزدانية وجده لأمه أبي القسم صاحب الترغيب والترهيب وروى الكثير بأصبهان والموصل وحلب ودمشق وتوفي بنواحي همذان وله سبعون سنة

سنة خمس وثمانين وخمسمائة

فيها توفي أبو العباس أحمد بن أحمد بن محمد بن ينال الأصبهاني شيخ صوفية بلده ومسندها سمع أبا مطيع وعبد الرحمن الدوني وببغداد أبا علي ابن نبهان وتوفي في شعبان في عشر المائة
وفيها ابن الموازيني أبو الحسين أحمد بن حمزة بن أبي الحسين علي بن الحسن السلمي سمع من جده ورحل إلى بغداد في الكهولة فسمع من أبي بكر بن الزاغوني وطبقته وكان صالحا خيرا محدثا فهما توفي في المحرم وهو في عشر التسعين
وفيها ابن أبي عصرون قاضي القضاة فقيه الشام شرف الدين أبو سعد عبد الله بن محمد بن هبة الله بن المطهر بن علي بن أبي عصرون التميمي الحديثي ثم الموصلي أحد الأعلام و مولده في ربيع الأول سنة اثنتين وقيل ثلاث وتسعين وأربعمائة تفقه بالموصل وسمع بها من أبى الحسن بن طوق ثم رحل إلى بغداد فقرأ القراءات على أبي عبد الله البارع وسبط الخياط وسمع من أبي الحصين وطائفة ودرس النحو والأصلين ودخل واسط وتفقه بها ورجع إلى الموصل بعلوم جمة ودرس بها وأفتى ثم سكن سنجار مدة ثم قدم حلب ودرس بها وأقبل عليه نور الدين فقدم معه عندما افتتح دمشق وولى القضاء لصلاح الدين سنة ثلاث وسبعين وله مصنفات كثيرة منها الانتصار في أربع مجلدات وصفوة المذهب في نهاية اختصار نهاية المطلب في سبع مجلدات وغير ذلك قال الشيخ موفق الدين بن قدامة كان ابن أبي عصرون إمام أصحاب الشافعي وقال ابن الصلاح في طبقاته كان من أفقه أهل عصره واليه المنتهى في الفتاوي والأحكام وتفقه به خلق كثير انتهى وبنى له نور الدين المدارس بحلب وحماه وحمص وبعلبك وبنى هو لنفسه مدرسة بحلب وأخرى بدمشق

وتوفي في شهر رمضان وله ثلاث وتسعون سنة
وفيها أبو طالب الكرخي صاحب ابن الخل وأسمه المبارك بن المبارك شيخ الشافعية بوقته في بغداد وصاحب الخط المنسوب ومؤدب أولاد الناصر لدين الله درس بالنظامية بعد أبي الخير القزويني وتفقه به جماعة وحدث عن ابن الحصين وكان رب علم وعمل ونسك وورع وكان أبوه مغنيا فتشاغل الابن بضرب العود حتى شهدوا له أنه في طبقة معبد ثم أنف من ذلك فجود الكتابة حتى زاد بعضهم وقال هو أكتب من ابن البواب ثم اشتغل بالفقه فبلغ في العلم الغاية
وفيها محمود بن علي بن أبي طالب أبو طالب التميمي الأصفهاني الشافعي قال ابن خلكان تفقه على حمد بن يحيى وبرع في علم الخلاف وصنف فيه طريقة مشهورة وكانت عمدة المدرسين في إلقاء الدروس ويعدون تاركها قاصر الفهم عن إدراكها واشتغل عليه خلق كثير فصاروا أئمة وكان خطيبا واعظا له اليد الطولى في الوعظ ودرس بأصبهان مدة وقال الذهبي كان ذا يقين في العلوم وله تعليقة جمة المعارف وتوفي في شوال
وفيها كما قال ابن ناصر الدين يوسف بن أحمد الشيرازي كان حافظا نقادا بارعا شيخ الصوفية ببغداد انتهى
وفيها البحراني الشاعر المشهور تفنن في الأدب واشتغل بكتب الأوائل وحل كتاب اقليدس وهو منسوب إلى البحرين بليدة فوق هجر لأن في ناحية قراها بحيرة على باب الاحساء قدرها ثلاثة أميال وكرهوا أن يقولوا البحري فيشتبه بالنسبة إلى البحر قاله ابن الأهدل في تاريخه

سنة ست وثمانين وخمسمائة

دخلت والفرنج محدقون بعكا والسلطان في مقاتلتهم والحرب مستعر فتارة

يظهر هؤلاء وتارة يظهر هؤلاء وقدمت عساكر الأطراف مددا لصلاح الدين وكذلك الفرنج أقبلت في البحر من الجزائر البعيدة وفرغت السنة والناس كذلك
وفيها توفي أبو المواهب الحسن بن هبة الله بن محفوظ الحافظ الكبير ابن صصري التغلبي الدمشقي سمع من جده ونصر الله المصيصي وطبقتهما ولزم الحافظ ابن عساكر وتخرج به ثم رحل وسمع بالعراق من ابن البطى وطبقته وبهمذان من أبي العلاء الحافظ وعدة وأصبهان من ابن ما شاده وطبقته وبالجزيرة والنواحي وبرع في هذا الشأن وجمع وصنف مع الثقة والجلالة والكرم والرياسة عاش تسعا وأربعين سنة وكان ثبتا
وفيها أبو القسم سيف الدين عبد الله بن عمر بن أبي بكر الفقيه الحنبلي الأمام ولد سنة تسع وخمسين وخمسمائة بقاسيون ورحل إلى بغداد فسمع بها من جماعة وتفقه وبرع في معرفة المذهب والخلاف والمناظرة وقرأ النحو على أبي البقاء وحفظ الإفصاح لأبي علي وقرأ العروض وله فيه تصنيف قال الحافظ الضياء اشتغل بالفقه والخلاف والفرائض والنحو وصار إماما عالما ذكيا فطنا فصيحا مليح الإيراد حتى أنني سمعت بعض الناس يقول عن بعض الفقهاء ما اعترض السيف على دليل الأثلم دليله قاله ابن رجب وكان حسن الخلق والخلق أنكر منكرا ببغداد فضربه الذي أنكر عليه فكسر ثنيته ثم انه مكن من ذلك الرجل فلم يقتص منه وغزا مع صلاح الدين وسافر إلى حران فتوفي بها شابا في حياة أبيه وتوفي في شوال رحمه الله تعالى
وفيها أبو العلاء نجم الدين عبد الوهاب بن شرف الإسلام عبد الواحد ابن محمد بن على الشيرازي الأصل الأنصاري شيخ الحنابلة بالشام في وقته

قال ولده ناصح الدين عبد الرحمن ولد والدي سنة ثمان وتسعين وأربعمائة وأفتى ودرس وهو ابن نيف وعشرين سنة إلى أن مات وما زال محترما معظما قويا ولما مرض مرض الموت رآني وقد بكيت فقال إيش بك قلت خيرا قال لا تحزن علي أنا ما توليت قضاءا ولا شحنكية ولا حبست ولا ضربت ولا دخلت بين الناس ولا ظلمت أحدا فإن كان لي ذنوب فبيني وبين الله عز وجل ولى ستون سنة أفتى الناس والله ما حابيت في دين الله تعالى وكان الشيخ الموفق وأخوه أبو عمر إذا أشكل عليهما شيء سألا والدي وتوفي ثاني عشرى ربيع الآخر ودفن بسفح قاسيون
وفيها عز الدين عبد الهادي بن شرف الإسلام الحنبلي كان فقيها واعظا شجاعا حسن الصوت بالقرآن شديد القوى شديدا في السنة تحكى عنه حكايات عجيبة في شدة قوته منها انه بارز فارسا من الفرنج فضربه بدبوس فقطع ظهره وظهر الفرس فوقعا جميعا وكان في صحبة أسد الدين شيركوه إلى مصر وشاهده جماعة رفع الحجر الذي على بر جامع دمشق فمشى به خطوات ثم رده إلى مكانه وبنى مدرسة بمصر ومات قبل تمامها وتوفي بمصر وهو أخو نجم الدين المذكور قبله
وفيها علي بن محمد بن علي بن الزيتوني الفقيه الحنبلي المقرئ الضرير أبو الحسن المعروف بالبرابدسي وبرابدس قرية من قرى بغداد قال ابن القطيعي سألته عن مولده فقال ما اعلم ولكني ختمت القرآن سنة ثمان وخمسمائة قال وسمع من ابن الحصين وغيره وتفقه وناظر وأفتى ودرس وقال المنذري في وفياته مولده سنة ثمانين وأربعمائة انتهى
وفيها أبو بكر بن الجد محمد بن عبد الله بن يحيى الفهري الإشبيلي الحافظ النحوي ختم كتاب سيبويه علي أبي الحسن بن الأخضر وسمع صحيح مسلم من أبي القسم الهوازني ولقي بقرطبة أبا محمد بن عتاب وطائفة وبرع في الفقه

والعربية وانتهت إليه الرياسة في الحفظ وقدم للستوري في سنة إحدى وعشرين وخمسمائة وعظم جاهه وحرمته وتوفي في شوال وله تسعون سنة
وفيها محي الدين قاضي القضاة أبو حامد محمد بن قاضي القضاة كمال الدين أبي الفضل محمد بن عبد الله بن الشهرزوري الشافعي تفقه ببغداد على أبي منصور بن الرزاز وناب بدمشق عن أبيه ثم ولى قضاء حلب ثم الموصل وتمكن من صاحبها عز الدين مسعود إلى الغاية قال ابن خلكان قيل أنه أنعم في ترسله مرة إلى بغداد بعشرة آلاف دينار على الفقهاء والادباء والشعراء ويقال انه في مدة حكمه بالموصل لم يعتقل غريما على دينارين فما دونها بل يوفي ذلك عنه وتحكي عنه رياسة ضخمة ومكارم كثيرة ومن شعره في وصف جرادة
( لها فخذا بكر وساقا نعامة ** وقادمتا نسر وجؤجؤ ضيغم )
( حبتها أفاعي الرمل بطنا وأنعمت ** عليها جياد الخيل بالرأس والفم )
وتوفي بالموصل في جمادى الأولى وله اثنتان وستون سنة
وفيها محمد بن المبارك بن الحسين بن عبد الله بن أبي السعود الحلاوى الحربي المقرئ روى بالاجازة عن أبي الحسين بن الطيوري وجماعة ثم ظهر سماعه بعد موته من جعفر السراج وغيره وعاش ثلاثا وتسعين سنة
وفيها أبو الفضل مسعود بن علي بن النادر البغدادي قرأ على أبي بكر المزرفي وسبط الخياط وكتب عن قاضي المارستان فمن بعده فأكثر ونسخ مائة واحدى وعشرين ختمة وعاش ستين سنة وتوفي في المحرم
وفيها ابن الكيال أبو الفتح نصر الله بن علي الفقيه الحنفي مقرئ واسط أخذ العشرة عن علي بن علي بن بشران وأبي عبد الله البارع وأخذ العربية

عن ابن الشجري وابن الجواليقي وتفقه ودرس وناظر وولى قضاء واسط توفي في جمادى الآخرة عن أربع وثمانين سنة وحدث عن ابن الحصين
وفيها زين الدين يوسف بن زين الدين علي بن كوجك صاحب اربل وابن صاحبها مظفر الدين مات مرابطا على عكا
وفيها الفقيه نجم الدين محمد بن الموفق الصوفي الزاهد الشافعي الخبوشاني تفقه على محمد تلميذ الغزالي وكان يستحضر كتابه المحيط في شرح الوسيط وصنف عليه كتابا سماه تحقيق المحيط ستة عشر مجلدا وكان صلاح الدين يعتقده وعمر له مدرسة الشافعي فعمد إلى قبر ابن الكيراني الظاهري وهو من غلاة أهل السنة فنبشه من عند الشافعي وقال لا يكون صديق وزنديق في موضع واحد فثارت عليه الحنابلة بمصر ووقع فتنة بسبب ذلك ودفن نجم الدين تحت رجلي الشافعي بينهما شباك وكان يوصف بسلامة الباطن وقلة المعرفة بأحوال أهل الدنيا قاله ابن الأهدل

سنة سبع وثمانين وخمسمائة

فيها توفي الموفق أسعد بن المطران الطبيب كان نصرانيا فأسلم وكان عزير المروءة حسن الأخلاق متعصبا للناس عند السلطان وكان يتوالى أهل البيت وكان يحب صبيا اسمه عمر فقال ابن عنين
( قالوا الموفق شيعى فقلت لهم ** هذا خلاف الذي للناس منه ظهر )
( وكيف يصبح دين الرفض مذهبه ** وما دعاه إلى الإسلام غير عمر )
وكان يعود المرضى من الفقراء ويحمل إليهم الأشربة من عنده والأدوية حتى أجره الحمام وكان مليح الصورة ومات بدمشق ودفن بقاسيون على قارعة الطريق عند دار زوجته واسمها جوزه وبنت إلى جانب تربته مسجدا

ويعرف بدار جوزه
وفيها الفقيه أبو محمد عبد الرحمن بن علي بن المسلم اللخمي الدمشقي الخرقي الشافعي روى عن ابن الموازيني وعبد الكريم بن حمزة وجماعة وكان فقيها متعبدا يتلو كل يوم وليلة ختمة أعاد مدة بالأمينية وتوفي في ذي القعدة وسنة ثمان وثمانون سنة
وفيها الفقيه أبو بكر عبد الرحمن بن محمد بن مفاوز الشاطبي الكاتب وهو آخر من سمع من أبي علي بن سكرة وسمع أيضا من جماعة وكان منشئا بليغا مفوها شاعرا توفي في صفر
وفيها أبو محمد عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عبيد الله الحجري الأندلسي المري أبو محمد بن عبد الله المقرئ الصالح كان حافظا غاية في الورع والصلاح والعدالة برع في هذا الشأن قاله ابن ناصر الدين
وفيها أبو المعالي عبد المنعم بن عبد الله بن محمد بن المظفر الفراوي النيسابوري مسند خراسان سمع من جده وأبي بكر الشيروى وجماعة وتفرد في عصره وتوفي في أواخر شعبان عن سن عالية
وفيها تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب الملك المظفر صاحب حماة وأحد الأبطال الموصوفين كان عمه صلاح الدين يحبه ويعتمد عليه وكان يتطاول للسلطنة ولا سيما لما مرض صلاح الدين فإنه كان نائبه على مصر سار إلى ميافارقين والى خلاط فأخذهما وحاصر مناز كرد فمرض في رمضان ومات يوم الجمعة وكان معه ولده المنصور محمد فكتم موته إلى ميافارقين وبنيت له مدرسة بظاهر حماة ودفن بها واستقر ولده محمد المنصور بحماة
وفيها قزل ارسلان بن الزكر ملك أذربيجان واران وهمذان واصبهان

والرى بعد أخيه البهلوان محمد قتل غيلة على فراشه في شعبان
وفيها السهروردي الفيلسوف المقتول شهاب الدين يحيى بن حبش بن أميرك أحد أذكياء بني آدم كان رأسا في معرفة علوم الأوائل بارعا في علم الكلام مناظرا محجاجا متزهدا زهد مردكة وفراغ مزدريا للعلماء مستهزئا رقيق الدين قدم حلب واشتهر اسمه فعقد له الملك الظاهر غازي ولد السلطان صلاح الدين مجلسا فبان فضله وبهر علمه فارتبط عليه الظاهر واختص به وظهر للعلماء منه زندقة وانحلال فعملوا محضرا بكفره وسيروه إلى صلاح الدين وخوفوه من أن يفسد عقيدة ولده فبعث إلى ولده بأن يقتله بلا مراجعة فخيره السلطان فاختار أن يموت جوعا لأنه كان له عادة بالرياضة فمنع من الطعام حتى تلف وعاش ستا وثلاثين سنة قاله في العبر وقال السيف الآمدي رأيته كثير العلم قليل العقل قال لي لا بد لي أن أملك الأرض وقال ابن خلكان هو يحيى بن حبش وقيل اسمه احمد وقيل اسمه كنيته أبو الفتوح وقيل عمر والأول أصح كان من علماء عصره قرأ الحكمة وأصول الفقه على الشيخ مجد الدين الجيلي بمدينة مراغة من أعمال أذربيجان إلى أن برع فيهما وهذا مجد الدين الجيلي هو شيخ فخر الدين الرازي وعليه تخرج وبصحبته انتفع وكان اماما في فنونه قال في طبقات الأطباء كان السهروردى اوحد أهل زمانه في علوم الحقيقة والفلسفة بارعا في أصول الفقه مفرط الذكاء وكان علمه أكبر من عقله قال ويقال عنه انه كان يعرف علم السيمياء حكى بعض فقهاء العجم أنه كان في صحبته وقد خرجوا من دمشق قال فلما وصلنا إلى القابون الذي هو على باب دمشق في طريق من يتوجه إلى حلب لقينا قطيع غنم مع تركماني فقلنا للشيخ يا مولانا نريد من هذا الغنم رأسا نأكله فقال هذه عشرة دراهم خذوها واشتروا بها رأس غنم فاشترينا من أحدهم رأسا ومشينا قليلا فلحقنا رفيق لمن باعنا وقال ردوا هذا الرأس وخذوا أصغر

منه فإن هذا ما عرف يبيعكم وتقاولنا نحن واياه فلما عرف الشيخ ذلك قال لنا خذوا الرأس وامشوا وأنا أقف معه وأضيعه فتقدمنا نحن وبقي الشيخ يتحدث معه ويطيب قلبه فلما مضينا قليلا تركه وتبعنا وبقى التركماني يمشي خلفه ويصيح به وهو لا يلتفت إليه ولما لم يكلمه لحقه بغيظ وجذب يده اليسرى وإذا بيد الشيخ انخلعت من عند كتفه وبقيت بيد التركماني ودمها يجري فبهت التركماني وتحير في أمره ورمى اليد وخاف فأخذ الشيخ اليد بيده اليمنى ولحقنا فلما وصل إلينا رأينا في يده اليمنى منديلا لا غير ويحكى عنه أشياء مثل هذه كثيرة والله أعلم بصحتها وله تصانيف فمن ذلك التنقيحات في أصول الفقه والتلويحات والهياكل وغير ذلك وله أشعار فمن ذلك ما قاله في النفس على مثال أبيات ابن سينا
( خلعت هياكلها بجرعاء الحمى ** وصبت لمغناها القديم تشوقا )
( وتلفتت نحو الديار فشاقها ** ربع عفت اطلاله فتمزقا )
( وقفت تسائله فرد جوابها ** رجع الصدى أن لا سبيل إلى اللقا )
( فإذا بها برق تألق بالحمى ** ثم انطفى فكأنه ما أبرقا )
ومن شعره المشهور أيضا
( أبدا تحن إليكم الأرواح ** ووصالكم ريحانها والراح )
( وقلوب أهل ودادكم تشتاقكم ** وإلى لذيذ لقائكم ترتاح )
( وارحمتا للعاشقين تكلفوا ** ستر المحبة والهوى فضاح )
وهي طويلة وله في النظم والنثر أشياء لطيفة وكان شافعي المذهب وكان يتهم بانحلال العقيدة والتعطيل ويعتمد مذهب الحكماء المتقدمين واشتهر ذلك عنه انتهى ما اورده ابن خلكان ملخصا وقال ابن شهبة في تاريخ الإسلام كان دنئ الهمة زرى الخلقة دنس الثياب وسخ البدن لا يغسل له ثوبا ولا جسما

ولا يدا ولا يقص ظفرا ولا شعرا وكان القمل يتناثر على وجهه ويسعى على ثيابه وكل من يراه يهرب منه وهذه الاشياء تنافي الحكمة والعقل والشرع وقال ابن الأهدل قيل قتل وصلب أياما وقيل خير في أنواع القتل فاختار القتل بالجوع لاعتياده الرياضات فمنع من الطعام حتى تلف وقال ابن شداد أقمت بحلب فرأيت أهلها مختلفين فيه منهم من يصدقه ومنهم من يزندقه والله أعلم
وفيها أبو طاهر يحيى بن مقبل بن احمد بن بركة بن عبد الملك التيمي القرشي الحريمي البغدادي الحنبلي المعروف بابن الصدر وهو لقب جده عبد الواحد ويعرف أيضا بابن الأبيض ولد في شعبان سنة سبع عشرة وخمسمائة وسمع من ابن الحصين وأبي بكر الأنصاري وغيرهما وتفقه في المذهب وناظر في حلق الفقهاء وحدث قال ابن القطيعي كتبت عنه وكان ثقة قال وتوفي يوم الاثنين في شهر شوال ودفن بمقبره الأمام احمد

سة ثمان وثمانين وخمسمائة

فيها أخذ سيف الدين يافا بالسيف ثم هادن الفرنج ثلاثة أعوام وثمانية أشهر
وفيها توفي احمد بن الحسين بن أحمد بن محمد البغدادي المقرئ أبو العباس المعروف بالعراقي نزيل دمشق قرأ القرآن على أبي محمد سبط الخياط وسمع الحديث من ابن سهلون وغيره ومهر في علم القراءات ولقى المهذب بن منير الشاعر بحلب وروى عنه وقدم دمشق فسكنها من سنة أربعين إلى أن مات وقعد للاقراء تحت قبة النسر وكان حنبليا قال الشيخ موفق الدين كان إماما في السنة داعيا إليها إماما في القراءة وكان دينا يقول الشعر الحسن وروى عنه الشيخ موفق الدين وغيره وتوفي في شعبان


وفيها الخبزوى أبو الفضل إسماعيل بن علي الشافعي الشروطي الفرضي من أعيان المحدثين بدمشق وبها ولد تفقه على جمال الإسلام بن المسلم وغيره وسمع من هبة الله بن الاكفاني وطبقته ورحل إلى بغداد فسمع أبا علي بن الباقرحي وابن مرزوق الزعفراني والكبار وكتب الكثير وكان بصيرا بعقد الوثائق والسجلات وتوفي في جمادى الأولى عن تسعين سنة
وفيها موفق الدين خالد بن الوليد البارع محمد بن نصر القيسراني أبو البقإ الكاتب صاحب الخط المنسوب كان صدرا نبيلا وافر الحشمة وزر للسلطان نور الدين الشهيد وسمع بمصر من عبد الله بن رفاعة وتوفي بحلب
وفيها أبو جعفر بن السمين عبيد الله بن احمد بن علي البغدادي الوراق الحنبلي المقرئ المحدث الزاهد نزيل الموصل ولد سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة وسمع الكثير من أبي منصور القزاز وغيره وتفقه على أبي الحسن وأبي بكر ابني الزاغوني وغيرهما وحدث بالكثير ببغداد والموصل وكان صالحا ثقة دينا صدوقا من أهل التقشف والصلاح والنسك يأكل من كسب يده توفي في العشر الأخير من شهر رمضان بالموصل ودفن بتل توبه
وفيها أبو ياسر عبد الوهاب بن هبة الله بن أبي حبه البغدادي الطحان روى عن ابن الحصين وزاهر وقدم حران فروى بها المسند وكان فقيرا صبورا توفي في ربيع الأول عن اثنتين وسبعين سنة وحبه بباء موحدة
وفيها على بن مكي بن جراح بن علي البغدادي الفقيه الحنبلي الزاهد أبو الحسن تفقه على أبي الفتح بن المني وأبي يعلي بن أبي خازم وبرع في الفقه وأفتى وناظر وكان زاهدا عابدا توفي في حادي عشرى صفر ببغداد ودفن بمقبرة باب حرب
وفيها أبو الحسن علي بن أبي العز بن عبد الله الباجراي بفتح الموحدة

والجيم وتشديد الراء نسبة إلى باجرا قرية بالجزيرة الفقيه الحنبلي الزاهد كان يسكن بمدرسة الشيخ عبد القادر وسمع الكثير من أبي الوقت وابن البطي وغيرهما وحدث باليسير وسمع منه جماعة من الفقهاء وكان صالحا ورعا متدينا ذا عبادة وزهد وجمع كتابا في تفسير القرآن الكريم في أربع مجلدات وتوفي ليلة الخميس حادي عشر ذي القعدة ودفن بباب حرب
وفيها الأمير سيف الدين المشطوب مقدم الجيوش على بن احمد ابن صاحب قلاع الهكارية أبي الهيجاء الهكاري نائب عكا لما أخذت الفرنج عكا اسروه ثم اشترى بمبلغ عظيم وكان شجاعا صابرا في الحرب مطاعا في قبيلته دخل مع أسد الدين شيركوه إلى مصر وشهد فتحها وأقطعه السلطان نابلس فجار نوابه على أهلها فشكوا إلى السلطان وهو مأربهم واستغاثوا فقال ما لهؤلاء قالوا يتظلمون من ابن المشطوب واصحابه وهو راكب بين يديه فقال له السلطان لو كان هؤلاء يدعون لك هيهات أن يسمع الله فكيف وهم يدعون عليك ثم اقطعه صلاح الدين القدس فتوفي بها في شوال وكان ابنه عماد الدين بن المشطوب من كبراء الأمراء بمصر
وفيها راشد الدين أبو الحسن سنان بن سلمان مقدم الاسمعيلية وصاحب الدعوة بقلاع الشام وأصله من البصرة قدم إلى الشام في أيام نور الدين الشهيد وأقام في القلاع ثلاثين سنة وجرت له مع السلطان صلاح الدين وقائع وقصص ولم يعط طاعة قط وعزم السلطان على قصده بعد صلح الفرنج وكان قد قرأ كتب الفلسفة والجدل قال المنتجب أرسلني السلطان إلى سنان مقدم الاسمعيلية ومعي القطب النيسابوري وأرسل معنا تخويفا وتهديدا فلم يجبه بل كتب على طرة كتاب السلطان
( يا ذا الذي بقراع السيف هددني ** لأقام مصرع جنبي حين تصرعه )
( قام الحمام على البازي يهدده ** وكشرت لأسود الغاب أضبعه )


( إنا منحناك عمرا كي تعيش به ** فإن رضيت وألا سوف ننزعه )
( اضحى يسد فم الافعى بأصبعه ** يكفيه ماذا تلاقى منه أصبعه )
ثم كتب بعد الأبيات خطبة بليغة مضمونها عدم الخوف والطاعة فلما يئس صلاح الدين منه جنح إلى صلحه فصالحه ودخل في مرضاته قال اليونيني في تاريخه أن سنانا سير رسولا وأمره أن لا يؤدي رسالته إلا خلوة ففتشه السلطان صلاح الدين فلم يجد معه ما يخافه فأخلى له المجلس إلا نفرا يسيرا فامتنع من أداء الرسالة حتى يخرجوا فخرجوا كلهم غير مملوكين صغيرين فقال هات رسالتك فقال أمرت أن لا أقولها إلا في خلوة فقال هذان ما يخرجان قال ولم قال لأنهما مثل أولادي فالتفت الرسول إليهما وقال إذا أمرتكما عن مخدومي بقتل هذا السلطان تقتلانه قالا نعم وجذبا سيفهما فبهت السلطان وخرج الرسول وأخذهما معه فجنح صلاح الدين إلى الصلح وصالحه ودخل في مرضاته انتهى
وفيها قلج ارسلان بن مسعود بن قلج ارسلان بن سليمان بن قتلمش بن إسرائيل بن سلجوق بن دقاق التركي السلجوقي صاحب الروم وحمو الناصر لدين الله امتدت أيامه وشاخ وقويت عليه أولاده وتصرفوا في ممالكه في حياته وهي قونية واقسر وسيواس وملطية وعاش سلطانا أكثر من ثلاثين سنة وتملك بعده ابنه غياث الدين
وفيها ابن مجير الشاعر أبو بكر بن يحيى بن عبد الجليل الفهري ثم الاشبيلي صاحب الأندلس في عصره وهو كثير القول في يعقوب بن يوسف ابن عبد المؤمن
وفيها أبو المرهف وأبو الفتح أيضا نصر بن منصور بن الحسن النميري

الأديب الشاعر الحنبلي ولد يوم الثلاثاء ثالث عشر جمادى الآخرة سنة إحدى وخمسمائة بالرافقة بقرب رفة الشام وكان من أولاد أمراء العرب نشأ بالشام وخالط أهل الأدب وقال الشعر الفائق وهو مراهق وأصابه جدرى وله أربع عشرة سنة فضعف بصره حتى كان لا يبصر إلا ما قرب منه ثم قدم بغداد لمعالجة بصره فأيس الأطباء منه فعمي وأقام ببغداد وسكن باب الازج فحفظ القرآن العظيم وسمع الحديث من أبي الحصين والقاضي أبي بكر وابن ناضر وغيرهم وتفقه وقرأ العربية والأدب على ابن الجواليقي وصحب العلماء والصالحين كالشيخ عبد القادر وغيره ومدح الخلفاء والوزراء وله ديوان شعر حدث به وكان فصيح القول حسن المعاني ذا دين وصلاح وتصلب في السنة وسمع منه القطيعي وغيره وروى عنه جماعة ومن شعره وقد سئل عن مذهبه واعتقاده
( أحب عليا والبتول وولدها ** ولا أجحد الشيخين حق التقدم )
( وأبرأ ممن نال عثمان بالأذى ** كما كنت أبرا من ولاء ابن ملجم )
( وتعجبني أهل الحديث بصدقهم ** فلست إلى قوم سواهم بمنتم )
ومن شعره أيضا

( سبرت شرائع العلماء طرا ** فلم أر كاعتقاد الحنبلى )
( فكن من أهله سرا وجهرا ** تكن أبدا على النهج السوى )
( هم أهل الحديث وما عرفنا ** سوى القرآن والنص الجلى ) ومنه أيضا
( وزهدني في جميع الأنام ** قلة انصاف من يصحب )
( هم الناس مالم تجربهم ** وطلس الذئاب إذا جربوا )


( ولم تك تسلم عند البعاد ** منهم فكيف إذا تقرب )
توفي يوم الثلاثاء ثامن عشرى ربيع الآخر ودفن من الغد بمقبرة الأمام احمد

سنة تسع وثمانين وخمسمائة

وتسمى سنة الملوك
فيها توفي بكتمر السلطان سيف الدين صاحب خلاط توفي في جمادى الأولى وكان فيه دين واحسان إلى الرعية وله همة عالية ضرب لنفسه الطبل في أوقات الصلوات الخمس قتله بعض الاسمعيلية قاله في العبر
وفيها صاحب مكة داود بن عيسى بن فليتة بن أبي هاشم العلوي الحسنى وكانت مكة تكون له تارة ولأخيه مكثر تارة
وفيها محمود سلطان شاه أخو الملك علاء الدين خوارزم شاه ابنا ارسلان ابن محمد الخوارزمي تلك بعد أبيه سنة ثمان وسبعين ثم قوى على أخوه وحاربه وتنقلت به الأحوال ثم وثب على مدينة مرو وكان نظيرا لأخيه في الجلالة والشجاعة دفع الغز عن مرو ثم تجمعوا له وحاربوه وقتلوا رجاله ونهبوا خزائنه فاستعان على حربهم بالخطا وجاء بجيش عرمرم واستولى على مملكة مرو وسرخس ونسا وابيورد ووردت الخطا بمكاسب عظيمة من مال المسلمين ثم أغار على بلاد الغوري وظلم وعسف ثم التقى هو والغورية فهزموه ووصل إلى مرو في عشرين فارسا وجرت له أمور طويلة وتوفي في سلخ رمضان
وفيها الحضرمي قاضي الإسكندرية أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن محمد المالكي روى عن محمد بن احمد الرازي وغيره
وفيها صاحب الموصل السلطان عز الدين مسعود بن مودود بن اتابك زنكي بن اقسنقر قال ابن الاثير بقى عشرة أيام لا يتكلم إلا بالشهادتين


وبالتلاوة ورزق خاتمة خير وكان كثير الخير والاحسان يزور الصالحين ويقربهم ويشفعهم وفيه حلم وحياء ودين انتهى
ودفن بمدرسته التي أنشأها بالموصل تجاه دار السلطنة وتمكن بعده ولده نور الدين
وفيها السلطان صلاح الدين الملك الناصر أبو المظفر يوسف بن أيوب ابن شادي بن مروان بن يعقوب الدويني الأصل أول دولة الاكراد وملوكهم قال ابن خلكان اتفق أهل التاريخ على أن أباه وأهله من دوين بضم الدال المهملة وكسر الواو وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها نون وهي بلدة في آخر عمل أذربيجان من جهة أران وبلاد الكرد وأنهم أكراد روادية بفتح الراء والواو وبعد الألف دال مهملة ثم ياء مثناة من تحتها مشددة وبعدها ماء والروادية بطن من الفذانية بفتح الفاء والذال المعجمة وبعد الألف نون مكسورة ثم ياء مشددة مثناة من تحتها وبعدها هاء قبيلة كبيرة من الاكراد انتهى وقال الذهبي هو تكريتي المولد ولد سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة وكان أبوه شحنة تكريت ملك البلاد ودانت له العباد وأكثر من الغزو وأطاب وكسر الفرنج مرات وكان خليقا بالملك شديد الهيبة محببا إلى الأمة عالي الهمة كامل السؤدد جم المناقب ولى السلطنة عشرين سنة وتوفي بقلعة دمشق في السابع والعشرين من صفر وارتفعت الأصوات في البلد بالبكاء وعظم الضجيج حتى أن العاقل يتخيل أن الدنيا كلها تصيح صوتا واحدا وكان أمرا عجيبا فرحمه الله ورضى عنه انتهى
وقال ابن شهبة في تاريخ الإسلام كان شجاعا سمحا جوادا مجاهدا في سبيل الله يجود بالمال قبل الوصول إليه وكان مغرما بالانفاق في سبيل الله وما كان يلبس إلا ما يحل له لبسه وم جالسه لا يعلم انه جليس سلطان
كان شديد الرغبة في سماع الحديث ادعى رجل عليه أن


سنقر الخلاطى مملوكه مات على رقه فتزحزح عن طراحته وساواه في الجلوس وادعى الرجل فرفع السلطان رأسه وقال لمن تعرفون سنقر قالوا نشهد أنه مملوكك مات على رقك ولم يكن للرجل بينة فأسقط في يده ثم إن السلطان وهب له خلعة ونفقة وبغلة وما شتم أحدا قط ولا كتب بيده ما فيه آذى مسلم وكان الحجاب يزدحمون على طراحته فجاء سنقر الخلاطى وقدم له رقعة يعلم عليها وكان السلطان قد مد يده اليمنى على الأرض ليستريح فداس عليها سنقر ولم يعلم وقال له علم لي على هذا القصة وكرر القول والسلطان لا يرد عليه فقال له السلطان اعلم بيدي أو برجلي فنظر سنقر فرأى يد السلطان تحت رجله فخجل وتعجب الحاضرون من حلمه وأول ما فتح الديار المصرية والحجاز ومكة والمدينة واليمن من زبيد إلى حضرموت متصلا بالهند ومن الشام دمشق وبعلبك وحمص وبانياس وحلب وحماة ومن الساحل بلاد القدس وغزة وتل الصافية وعسقلان ويافا وقيسارية وحيفا وعكا وطبرية والشقيق وصفد وكوكب والكرك والشوبك وصيدا وبيروت وجبلة واللاذقية والشغر وصهيون وبلا طنس ومن الشرق حران والرها والرقة ورأس عين وسنجار ونصيبين وسروج وديار بكر وميافارقين وأمد وحصونها وشهرزور ويقال انه فتح ستين حصنا وزاد على نور الدين بمصر والمغرب والحجاز واليمن والقدس والساحل وبلاد الفرنج وديار بكر ولو عاش لفتح الدنيا شرقا وغربا وبعدا وقربا ولم يبلغ ستين سنة وكذا نور الدين وكان له ستة عشر ولدا ذكرا وبنت واحدة واكبرهم الأفضل علي وابنته مونسة خاتون تزوج بها الكامل بن العادل وبنى الملك الأفضل قبة شمالي الجامع الأموي في جواره شباك إلى الجامع ونقله إليها في يوم عاشوراء سنة اثنتين وتسعين ومشى الأفضل بين يدي تابوته وأراد العلماء والفقهاء حمله على اعنقاهم فقال الأفضل تكفي أدعيتكم الصالحة وحمله مماليكه وأخرج من القلعة وأدخل إلى الجامع

ووضع قدام باب النسر وصلى عليه القاضي محي الدين بن الزكي ثم حمل على الرؤس إلى بطن ملحدة ثم لحده الأفضل وجلس ثلاثة أيام للعزاء وأنفقت ست الشام أخت السلطان في هذه الأيام أموالا عظيمة وقد رأى بعض الصالحين النبي صلى الله عليه وسلم في جماعة من أصحابه رضي الله عنهم وقد زاروا قبر صلاح الدين ولما مات اختلفت اخوته وطمع الفرنج فأخذوا جبيلا حاصروها وبها جماعة من الاكراد فباعوها للفرنج
انتهى ما أورده ابن شهبة ملخصا
وفيها أبو المظفر منصور بن المبارك الواعظ الملقب جرادة كان ظريفا كيسا ذكر يوما في وعظه حديث من قتل حية كان له قيراطان من الأجر ومن قتل عقربا كان له قيراط فقام رجل فقال يا سيدي ومن قتل جرداة قال صلب على باب المسجد

سنة تسعين وخمسمائة

فيها سار بنارس أكبر ملوك الهند وقصد الإسلام فطلبه شهاب الدين الغوري فالتقي الجمعان على نهر ماحون قال ابن الاثير وكان مع الهندي سبعمائة فيل ومن العسكر على ما قيل ألف ألف نفس فصبر الفريقان وكان النصر لشهاب الدين وكثر القتل في الهنود حتى جافت منهم الأرض وأخذ شهاب الدين تسعين فيلا وقتل بنارس ملك الهند وكان قد شد أسنانه بالذهب فما عرف إلا بذلك ودخل شهاب الدين بلاد بنارس وأخذ من خزانته ألف واربعمائة حمل ومن جملة الفيلة فيل أبيض حدثني من رآه
وفيها توفي القزويني العلامة رضي الدين أبو الخير أحمد بن اسمعيل بن يوسف الطالقاني الفقيه الشافعي الواعظ ولد سنة اثنتي عشرة وخمسمائة وتفقه على

الفقيه ملكدار القزويني وقرأ بالروايات على إبراهيم بن عبد الملك القزويني وفاق الأقران وسمع من الفراوي وزاهر وخلق ثم قدم بغداد قبل الستين ودرس بها ووعظ ثم قدمها قبل السبعين ودرس بالنظامية وكان إماما في المذهب والخلاف والأصول والتفسير والوعظ وروى كتبا كبارا ونفق كلامه على الناس لحسن سمته وحلاوة منطقه وكثر محفوظاته وكان صاحب قدم راسخ في العبادة عديم النظير كبير الشأن رجع إلى قزوين سنة ثمانين ولزم العبادة إلى أن مات في المحرم قال ابن شهبة صنف كتاب البيان في مسائل القرآن ردا على الحلولية والجهمية وصار رئيس الأصحاب وكان يتكلم يوما وابن الجوزى يوما ويحضر الخليفة من وراء الأستار وتحضر الخلائق والأمم انتهى
وفيها طغر بك شاه بن أرسلان شاه بن طغر لبك بن محمد شاه السجلوقي السلطان صاحب أذربيجان طلب السلطنة من الخليفة وان يأتي بغداد ويكون على قاعدة الملوك السلجوقية سوى صاحب الروم وكان سفاكا للدماء قتل خلقا كثيرا قال السبط رأيته وكأن وجهه القمر ولم ير في زمانه أحسن صورة منه قصده خوارزم شاه والتقيا على الري فجاءته نشابة في عينه فضربه مملوك له بالسيف فقتله وقطع رأسه وحمله إلى خوارزم شاه وهو آخر السجلوقية وعدتهم نيف وعشرون ملكا ومدة ملكهم مائة وستون سنة
وفيها عبد الخالق بن فيروز و الجوهري الهمداني الواعظ أكثر الترحال وروى عن زاهر والفراوي وطائفة ولم يكن ثقة ولا مأمونا قاله في العبر
وفيها عبد الوهاب بن علي القرشي الزبيري الدمشقي الشروطي ويعرف بالحبقبق والد كريمة روى عن جمال الإسلام أبي الحسن السلمي وجماعة وتوفي في صفر
وفيها الشاطبي أبو محمد القسم بن فيره بكسر الفاء وسكون التحتية وتشديد

الراء المضمومة معناه بالعربي الحديد بن أبي القسم خلف بن أحمد الرعيني بضم الراء وفتح العين المهملة وسكون المثناة التحتية وبعدها نون نسبة إلى ذي رعين أحد أقيال اليمن الشاطبي الضرير المقرئ صاحب القصيدة التي سماها حرز الأماني ووجه التهاني في القراءات وعدتها ألف ومائة وثلاثة وسبعون بيتا ولقد أبدع فيها كل الإبداع وهي عمدة قراء هذا الزمان في نقلهم ولم يسبق إلى أسلوبها روى عنه انه كان يقول لا يقرأ أحد قصيدتي هذه إلا وينفعه الله عز وجل لأنني نظمتها لله تعالى مخلصا في ذلك ونظم قصيدة دالية خمسمائة بيت من حفظها أحاط علما بكتاب التمهيد لابن عبد البر وكان عالما بكتاب الله تعالى قراءة وتفسيرا وبحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم مبرزا فيه وكان إذا قرئ عليه صحيح البخاري ومسلم والموطأ يصحح النسخ من حفظه ويملى النكت على المواضع المحتاج إليها وكان أوحد في علم النحو واللغة عارفا بعمل الرؤيا حسن المقاصد مخلصا فيما يقول ويفعل قرأ القرآن العظيم بالروايات على ابن هذيل الاندلسي وغيره وسمع الحديث من ابن سعادة وغيره وانتفع به خلق كثير وكان يتجنب فضول الكلام ولا ينطق في سائر أوقاته إلا بما تدعو إليه ضرورة ولا يجلس للاقراء إلا على طهارة في هيئته حسنة وتخشع واستكانة وكان يعتل العلة الشديدة فلا يشتكى ولا يتأوه وإذا سئل عن حاله قال العافية لا يزيد على ذلك وكان كثيرا ما ينشد هذا اللغز في نعش الموتى
( أتعرف شيئا في السماء نظيره ** إذا سار صاح الناس حيث يسير )
( فتلقاه مركوبا وتلقاه راكبا ** وكل أمير يعتليه أسير )
( يحض على التقوى ويكره قربه ** وتنفر منه النفس وهو نذير )
( ولم يستزر عن رغبة في زيارة ** ولكن على رغم المزور يزور )
وكانت ولادته سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة وكان ثقة في نفسه وتوفي في

الثامن والعشرين من جمادي الآخرة ودفن بتربة القاضي الفاضل بالقرافة وقبره مشهور مزور وكان شافعي المذهب كما ذكره ابن شبهة في طبقاته
وفيها أبو مدين الاندلسي الزاهد العارف شيخ أهل المغرب شعيب بن الحسين سكن تلسمان وكان من أهل العمل والاجتهاد منقطع القرين في العبادة والنسك بعيد الصيت ويسميه الشيخ محي الدين بن عربي بشيخ الشيوخ ونشر الله ذكره وتخرج به جماعة من الفضلاء كأبي عبد الله القرشي وغيره وانتهى إليه كثير من العلماء المحققين وفضلاء الصالحين كابن عربي وله في الحقائق كلام واسع ومن شعره
( يا من علا فرأى ما في الغيوب وما ** تحت الثرى وظلام الليل منسدل )
( أنت الغياث لمن ضاقت مذاهبه ** أنت الدليل لمن حارت به الحيل )
( أنا قصدناك والآمال واثقة ** والكل يدعوك ملهوف ومبتهل )
( فإن عفوت فذو فضل وذو كرم ** وان سطوت فأنت الحاكم العدل )
طلبه سلطان المغرب فلما وصل الى تلمسان قال مالنا وللسلطان نزور الاخوان ثم نزل واستقبل القبلة وتشهد وقال ها قد جئت ها قد جئت وعجلت إليك رب لترضي فمات ودفن في جبانة العباد وقد قارب الثمانين وقبره بها مشهور مزور
وفيها ابن الفخار أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن خلف الأنصاري المالقي الحافظ صاحب أبي بكر بن العربي أكثر عنه وعن شريح وخلق وكان إماما ثقة مأمونا معروفا يسرد المتون والأسانيد عارفا بالرجال واللغة جليل القدر طلبه السلطان ليسمع منه بمراكش فمات بها في شعبان وله ثمانون سنة
وفيها محمد بن عبد الملك بن بويه الغندري المالقي بن البيطار نزيل غرناطة

وآخر من روى بالإجازة عن أبي علي بن سكرة سمع أبا محمد بن عتاب وأبا بحر بن العاص وعاش أربعا وثمانين سنة
وفيها فخر الدين بن الدهان محمد بن علي بن شعيب البغدادي الفرضي الحاسب الأديب النحوي الشاعر جال في الجزيرة والشام ومصر وصنف الفرائض على شكل المنبر فكان أول من اخترع ذلك وله تاريخ وألف كتاب غريب الحديث في مجلدات وصنف في النجوم والزيج وكان أحد أذكياء العالم مات فجأة بالحلة
وفيها مصلح الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن علي بن محمد بن عبد الله ابن عبد الملك الأصبهاني الحمامي الحنبلي العابد الأديب الجورتاني نسبة إلى جورتان من قرى أصبهان ولد سنة خمسمائة في رجب وسمع من أبي علي الحداد وغيره قال ابن النجار كان فقيها فاضلا كامل المعرفة بالأدب وأكثر أدباء أصبهان من تلامذته وكان متدينا حسن الطريقة صدوقا انتهى
وكان يقول لما بلغ عقد الثمانين أسأل الله تعالى أن يمهلني إلى التسعين وان يوفقني كل يوم لختمه فاستجيبت دعوته وقال ابن النجار سمعت أبا البركات الدويدسى بأصبهان يقول توفي محمد بن أحمد الحنبلي يعرف بالحمامي أستاذ الأئمة يوم الأربعاء ثالث عشر شهر ربيع الآخر
وقال ابن رجب توفي قبله بيسير ولده أبو بكر أحمد وكان سمع سعيد بن أبي الرجاء وغيره وكان يلقب أمين الدين انتهى
وفيها أبو عبد الله ويقال أبو الفتح محمد بن عبد الله بن الحسين بن علي أبن أبي طلحة نصر بن أحمد بن محمد بن جعفر البرمكي الهروي الأشكيبذاني بكسر الهمزة وسكون الشين المعجمة وكسر الكاف وسكون الياء التحتية وفتح الدال المعجمة وبعدها باء موحدة مفتوحة وبعد الألف نون قاله

المنذري كان حنبليا محدثا نزل مكة فكان عظيم الحنابلة بها ولد سنة ثمان وعشرين وخمسمائة وسمع بهمذان من أبي الوقت وأبي الفضل بن جماز وغيرهما وببغداد من ابن النحاس وغيره وبمصر من أبي الطاهر الزيات وبالإسكندرية من الحافظ السلفي وحدث بمكة ومصر والإسكندرية وأقام بمكة في آخر عمره وأم بها في موضع الحنابلة قال ابن الحنبلي ناصح الدين سمعت منه بقراءته جزءا بمكة وكان في عزمي أنني أدخل اليمن وقد هيأت هدية لصاحبها من طرف دمشق فاستشرته فقال أنت أعلم ثم قال قرأنا ههنا جزءا من أيام فجاء فيه عن بعض السلف علامة قبول الحج أن الإنسان لا ينصرف عن مكة طالبا للدنيا فزهدت في اليمن ورجعت عن ذلك العزم
وفيها الشيخ الأجل إمام الحرم مكي بن نابت بالنون بن أبي زهرة الحنبلي بمصر ليلة السادس من شهر ربيع الآخر وذكره المنذري ولم يزد عليه
وفيها أبو الكرم بن عبد الكريم بن أبي العلاء العطار العباسي الهمذاني مسند همذان حدث سنة خمس وثمانين عن أبي غالب العدل وقيل الشعراني
وفيها جاكير الزاهد القدوة أحد شيوخ العراق وأسمه محمد بن دشم الكردي الحنبلي له أصحاب واتباع وأحوال وكرامات قاله في العبر وقال السخاوي له كرامات ولم يتزوج وله زاوية وضريح براذان وهمع على بريد من سامرا وان أخاه الشيخ أحمد قعد بعده في المشيخة وقال ابن الأهدل لما شاع ذكره بعث إليه تاج العارفين أبو الوفاء طاقيته من الشيخ علي الهيتي ولم يكلفه الحضور فقال الشيخ على الهيتي سألت الله أن يكون جاكير من مريده فوهبه لي وكان يفتخر به وينوه بذكره وكان ربما عرف ما في بطون البهائم المنذورة له ومن يذبحها ومن يأكلها سكن صحراء من صحاري العراق على

يوم من سامرا ومات بها فبنى إلى جانبه قرية بنيت للتبرك به انتهى

سنة إحدى وتسعين وخمسمائة

فيها كانت وقعة الزلاقة بالأندلس بين يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن وبين الفيش المتغلب على أكثر جزيرة الأندلس فدخل يعقوب وعدي من زقاق سبتة في مائة ألف وأما المطوعة فقل ما شئت وأقبل الفيش في مائتي ألف وأربعين ألفا فانتصر الإسلام وانهزم الكلب في عدد يسير وقتل من الفرنج كما أرخ أبو شامة وغيره مائة ألف وستة وأربعون ألفا وأسر ثلاثون ألفا وغنم المسلمون غنيمة لم يسمع بمثلها حتى أبيع السيف بنصف درهم والحصان بخمسة دراهم والحمار بدرهم وذلك في شعبان
وفيها توفي أبو الحسن اسمعيل بن أبي سعد بن علي بن إبراهيم بن محمد الاصبهاني المحدث ويعرف بطاهرنيه الحنبلي سمع الكثير وحصل الأصول وحدث ببغداد قدمها حاجا عن فاطمة الجوزدانية وفاطمة بنت محمد ابن أحمد بن البغدادي وسمع منه أبو الفتوح بن الحصري وغيره وكان شيخا صالحا صدوقا توفي في صفر
وفيها ذاكر بن كامل الخفاف البغدادي أخو المبارك سمعه أخوه من أبي علي الباقرحي وأبي علي بن المهدي وأبي سعيد بن الطيوري والكبار وكان صالحا خيرا صواما توفي في رجب
وفيها أبو الحسن شجاع بن محمد بن سيدهم المدلجي المصري المقريء الفقيه المالكي النحوي قرأ القراءات على ابن الخطية وسمع من جماعة

وتصدر بجامع مصر وتوفي في ربيع الآخر وآخر أصحابه الكمال الضرير
وفيها أبو محمد عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن عبيد الله الحجري الاندلسي المري الحافظ الزاهد القدوة أحد الأعلام ولد سنة خمس وخمسمائة وقرأ صحيح البخاري على شريح وسمع فأكثر عن أبي الحسن ابن مغيث وابن العربي والكبار وتفنن في العلوم وبرع في الحديث وطال عمره وشاع ذكره وكان قد سكن سبتة فدعاه السلطان إلى مراكش ليسمع منه وكان غاية في العدالة في هذا الشأن توفي في أول صفر
وفيها أبو محمد عبد الؤمن بن عبد الغالب بن محمد بن طاهر بن خليفة ابن محمد بن حمدان الشيباني البغدادي الوراق الفقيه الحنبلي ولد في شهر ربيع الاخر سنة سبع عشرة وخمسمائة وسمع ببغداد من القاضي أبي بكر ابن عبد الباقي وابن الطلاية وابن الزاغوني وغيرهم وبهمذان من أبي الخير الباغبان وغيره وحدث وسمع منه ابن القطيعي وقال كان له صلاح ودين زائد وروى عنه ابن خليل الحافظ وغيره وتوفي يوم عرفة ودفن بباب حرب
وفيها أبو الحسن علي بن هلال بن خميس الواسطي الفاخراني نسبة إلى بيع الفخار الضرير ويلقب معين الدين ذكره المنذري فقال تفقه على مذهب الأمام أحمد وسمع من أبي الحسين بن عبد الخالق وأبي الفرج بن صدقة وخديجة بنت أحمد النهرواني وغيرهم وحدث وهو منسوب إلى الفخرانية قرية من سواد واسط توفي في حادي عشرى ذي الحجة انتهى

سنة اثنتين وتسعين وخمسمائة

فيها التقى يعقوب صاحب المغرب والفيش فهزمه أيضا يعقوب ولله الحمد وساق وراءه إلى طليطلة وحاصره وضربها بالمجانيق فخرجت والدة الفيش

وحريمة وبكين بين يدي يعقوب فرق لهن ومن عليهن ولولا ابن عانية الملثم وهيجه ببلاد المغرب لافتتح يعقوب عدة مدن للفرنج لكنه رجع لحرب عانية
وفيها هبت ريح سوداء عمت الدنيا وذلك بعد خروج الناس من مكة ووقع على الناس رمل أحمر ووقع من الركن اليماني قطعه وتحرك البيت الحرام وهذا شيء لم يعهد
وفيها ظهر ببوصر قرية بصعيد مصر بيت هرمس الحكيم وفيه أمثلة كباش وضفادع وقوارير كلها كأس وفيه أموات لم تبل ثيابهم
وفيها توفي أبو الرضا أحمد بن طارق الكركي ثم البغدادي التاجر المحدث سمع من ابن ناصر وأبي الفضل الأرموي وطبقتهما فأكثر ورحل إلى دمشق ومصر وهو من كرك نوح وكان شيعيا جلدا قاله في العبر
وفيها نجيب الدين أبو عبد الله حامد بن محمد بن حامد الصفار الأصفهاني الفقيه الحنبلي المحدث الإمام سمع أباه أبا جعفر محمد وأبا طاهر بن نصر وجماعة بأصبهان وبهمذان أبا زرعة المقدسي وأبا العلاء القطان وقدم بغداد حاجا سنة ثمان وثمانين وسمع بها من جماعة وقرأ على ابن الجوزى مناقب الإمام أحمد وحدث بها اليسير وكتب عنه ابن النفيس قال ابن النجار كان فقيها حنبليا فاضلا له معرفة بالحديث انتهى
وفيها الأمام فخر الدين قاضي خان الحسن بن منصور بن محمود بن عبد العزيز الأوزجندي الإمام الكبير بقية السلف مفتى الشرق من طبقة المجتهدين في المسائل أخذ عن الإمام ظهير الدين المرغيناني وإبراهيم بن اسمعيل الصغار وتفقه عليه شمس الأئمة الكردري وله الفتاوي وشرح الجامع الصغير قاله ابن كمال باشا في طبقاته


وفيها تقي الدين أبو الفضل اليأس بن حامد بن محمود بن حامد بن محمد ابن أبي الحجر الحراني الفقيه الحنبلي المحدث سمع ببغداد من شهدة وغيرها قال ناصح الدين بن الحنبلي وكان رفيقي في درس شيخنا ابن المنى وسكن الموصل إلى أن توفي بها في سلخ شوال وولى مشيخة دار الحديث بها وكان حسن الطريقة وسمع منه بدل التبريزي
وفيها سعد بن أحمد بن مكي النيلي بكسر النون نسبة إلى نيل بلد على الفرات المؤدب الشاعر أكثر شعره مديح في أهل البيت قال العماد كان غاليا في التشيع حاليا بالتورع عالما بالأدب ومن شعره
( قمر قرأ أقام قيامتي بقوامه ** لم لا يجود لمهجتي بذمامه )
) ملكته كبدي فأتلف مهجتي ** بجمال بهجته وحسن كلامه )
) وبمبسم عذب كأن رضابه ** شهد مذاب في عتيق مدامه )
وهي طويلة
وفيها الشيخ السديد شيخ الطب بالديار المصرية شرف الدين عبد الله ابن علي أخذ الصناعة عن الموفق بن المعين وخدم العاضد صاحب مصر ونال الحرمة والجاه العريض وعمر دهرا وأخذ عنه نفيس الدين بن الزبير وحكى بعضهم أن الشيخ السديد حصل له في يوم ثلاثون ألف دينار وحكى عنه ابن الزبير تلميذه انه طهر ولدي الحافظ لدين الله فحصل له من الذهب نحو خمسين ألف دينار
وفيها عبد الخالق بن عبد الوهاب بن محمد الصابوني المالكي الخفاف الحنبلي أبو محمد الضرير سمعه أبوه من أبي علي الباقرحي وعلي بن عبد الواحد الدينوري وطائفة وتوفي في ذي الحجة قاله في العبر ومن شعره
( دع الناس طرا واصرف الود عنهم ** إذا كنت في أخلاقهم لا تسامح )
) فشيآن معدومان في الأرض درهم ** حلال وخل في الحقيقة ناصح )


وفيها أبو الغنائم بن المعلم شاعر العراق محمد بن علي بن فارس بن علي ابن عبد الله بن الحسين بن القسم الواسطي الهذلي الملقب نجم الدين الشاعر المشهور كان شاعرا رقيق الشعر لطيف حاشية الطبع يكاد شعره يذوب من رقته وهو أحد من سار شعره وانتشر ذكره ونبه بالشعر قدره وحسن به حاله وأمره وطال في نظم القريض عمره وساعده على قوله زمانه ودهره يغلب على شعره وصف الشوق والحب وذكر الصبابة والغرام وذكر بعضهم أن سبب لطافة شعر ابن المعلم حفظ المنتسبين للشيخ أحمد بن الرفاعي لشعره واعتناؤهم به في سماعاتهم فعادت عليه بركة أنفاسهم قال ابن خلكان وبالجلمة فتشعره يشبه النوح لا يسمعه من عنده أدنى هوى إلا فتنة وهاج غرامه وكان بينه وبين ابن التعاويذي تنافس ومن شعر ابن المعلم قوله من قصيدة
( ردوا على شوارد الأظعان ** ما الدار إن لم تغن من أوطاني )
( ولكن بذاك الجذع من متمنع ** هزأت معاطفه بغصن البان )
وقوله
( كم قلت إياك العقيق فأنه ** ضربت جآذره بصيد أسوده )
( وأردت صيد مها الحجاز فلم يساعدك ** القضاء فرحت بعض صيوده )
وله من قصيدة
) أجيرتنا أن الدموع التي جرت ** رخاصا على أيدي النوى لغوال )
) أقيموا على الوادي ولو عمر ساعة ** كاوث أزار أو كحل عقال )
فكم ثم لي من وقفة لو شريتها ** بنفسي لم أغبن فكيف بمالي )
وكانت ولادته في ليلة سابع عشر جمادي الآخرة سنة إحدى وخمسمائة وتوفي رابع رجب بالهرث بضم الهاء وسكون الراء وبعدها ثاء مثلثة قرية من أعمال نهر جعفر بينها وبين واسط نجو عشرة فراسخ وكانت وطنه ومسكنه


إلى أن توفي بها
وفيها ابن القصاب الوزير الكبير مؤيد الدين أبو الفضل محمد بن علي البغدادي المنشئ البليغ وزر بظاهر همذان في شعبان وقد نيف على التسعين ورد المعسكر فلما جاء خوارزم شاه نبشه وحزر رأسه وطوف به بخراسان
وفيها المجير الأمام أبو القسم محمود بن المبارك الواسطي ثم البغدادي الفقيه الشافعي أحد الأذكياء والمناظرين ولد سنة سبع عشرة وخمسمائة وتفقه بالنظامية على أبي منصور بن الرزاز وغيره وأخذ علم الكلام عن أبي الفتوح محمد بن الفضل الاسفراييني وصار المشار إليه في زمانه والمقدم على أقرانه حدث عن أبي الحسين وجماعة ودرس بالنظامية وكان ذكيا طوالا غواصا على المعاني قدم دمشق وبنيت له مدرسة جاروخ ثم توجه إلى شيراز وبنى له ملكها مدرسة ثم أحضره ابن القصاب وقدمه قال ابن شهبه قال ابن الدبيثى ما رأينا أجمع لفنون العلم منه مع حسن العبارة قال وخرج رسولا إلى خوارزم شاه إلى أصبهان فمات بهمذان في ذي القعدة
وفيها يوسف معالي الاطرابلسي ثم الدمشقي الكتاني البزار المقرئ روى عن هبة الله بن الأكفاني وجماعة وتوفي في شعبان

سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة

في شوال افتتح العادل باقاعنوة كانت له في يد الفرنج
وفيها أخذت الفرنج من المسلمين بيروت وهرب أميرها عز الدين شامة إلى صيدا
وفيها توفي سيف الإسلام الملك العزيز طغتكين بن أيوب بن شادي أرسله أخوه صلاح الدين فتملك اليمن وكان بها نواب أخيهما شمس الدولة وبقي بها بضع عشرة سنة وكان شجاعا سايسا فيه ظلم رحل إليه ابن عنين


إلى اليمن لما نفاه صلاح الدين لهجوه للناس فامتدحه بقصيدة لامية ومدح فيها دمشق أولها
( حنين إلى الأوطان ليس يزول ** وقلب عن الأشواق ليس يحول )
( إلا ليت شعري هل أبيتن ليلة ** وظلك في مقرى على ظليل )
( دمشق في شوق إليها مبرح ** وان لج واش أو ألح عذول )
( بلاد بها الحصباء در وتربها ** عبير وأنفاس الشمال شمول )
( تسلسل فيها ماؤها وهو مطلق ** وصح نسيم الروض وهو عليل )
( وفي كبدي من قاسيون حرارة ** تزول رواسية وليس تزول )
( ووالله ما فارقتها على ملالة ** سواي عن العهد القديم يحول )
( ولكن أبت أن تحمل الضيم همتي ** ونفس لها فوق السماك حلول )
( فأن الفتى يلقي المنايا مكرما ** ويكره طول العمر وهو ظليل )
( وكيف أخاف الدهر أوأحرم الغني ** ورأى ظهير الدين في جميل )
( فتى الجد أما جاره فمكرم ** عزيز وأما ضده فذليل )
( من القوم أما أحنف فمسفه ** لديه وأما حاتم فبخيل )
( واما عطايا كفه فسوابغ ** عذاب وأما ظله فظليل )
فأجزل صلته واكتسب من جهته مالا وافرا وخرج به من اليمن وسلطانها يومئذ الملك العزيز عثمان بن صلاح الدين فألزمه بدفع الزكاة من المتاجر التي وصلت معه من اليمن فقال
) ما كل من يتسمى بالعزيز لها ** أهل ولا كل سحب في الورى غدقه )
) بين العزيزين بون في فعالهما ** هذاك يعطى وهذا يأخذ الصدقه )
وكان طغتكين صاحب الترجمة محمود السيرة مع ظلم وعسف ولما كثر عليه الذهب سبكة وجعله مثل الطواحين ومات بالمدينة التي أنشأها باليمن يقال لها المنصورة وقام من بعده ولد اسمعيل الذي سفك الدماء وقال انه


أموي وادعي الخلافة
وفيها تقي الدين أبو محمد طلحة بن عبد بن مظفر بن غانم بن محمد العلثي بفتح العين المهملة وسكون اللام ومثلثة نسبة إلى علث قرية بين عكبرا وسامرا الفقيه الحنبلي الخطيب المحدث الفرضي النظار المفسر الزاهد الورف العارف نشأ في العلث وحفظ الكتاب العزيز وقرأ على البطائحي والبرهان ابن الحضري وغيرهما وقرأ الفقه علي ابن المنى وسمع الحديث الكثير وقرأ صحيح مسلم وكان متواضعا لطيفا أديبا في مناظرته لا يسفه على أحد فقيرا مجردا ويرحم الفقراء ولا يخالط الأغنياء وروى عن ابن الجوزى ولازمه وقرأ عليه كثيرا من تصانيفه وكان أديبا شاعرا فصيحا واشتهر اسمه ورزق القبول من الخلق وكثر اتباعه وانتفع به الناس وروى عن ابن الجوزى في تاريخه حكاية فقال حدثني طلحة بن مظفر الفقيه انه ولد عندهم بالعلث مولود لستة أشهر فخرج وله أربعة أضراس قال المنذري توفي في ثالث عشر ذي الحجة بالعلث ودفن بزاويته هناك
وفيها الوزير جلال الدين عبد الله بن يونس مسعود بن أحمد بن عبيد الله ابن هبة الله البغدادي الازجي الفقيه الحنبلي الفرضي الأصولي المتكلم وزير الخليفة الناصر جلال الدين تفقه في الأصلين والحساب والهندسة والجبر والمقابلة ورحل في طلب العلم إلى همذان وصنف وعنى بالحديث والفرائض والحساب وسمع ممن لا يحصى وسمع منه جماعة لا تحصر منهم ابن دلف وابن القطيعي وبالغ في مدحه والثناء عليه وذكر ابن النجار انه لم يكن في ولايته محمودا وقد علمت أن الناس لا يجتمعون على حمد شخص ولا ذمه وأما أبو شامة فأنه بالغ في ذمه والحط عليه بأمور لم يقم عليها حجة وكذلك ابن شهبه في تاريخ الإسلام قال بعد أن أثنى عليه غير انه شان فضيلته برأيه الفاسد وأفعاله السيئة فأنه خرب بيت الشيخ عبد القادر الكيلاني وشتت أولاده ويقال

انه بعث في الليل من نبش قبر الشيخ عبد القادر الكيلاني ورمى عظامه في دجلة وقال هذا وقف ما يحل أن يدفن فيه أحد ولما اعتقله الخليفة كتبوا فيه فتاوي انه كان سبب هزيمة العسكر فذكروا أشياء فأفتوا باباحة دمه فسلم إلى الوزير ابن القصاب واعتقله في بيت للسلاح فأخرج منه ميتا انتهى
وفيها أبو بكر بن الباقلاني مقرئ العراق عبد الله بن منصور بن عمران الربعي الواسطي تلميذ أبي العز القلانسي وآخر أصحابه روى الحديث عن خميس الجوزى وأبي عبد الله البارع وطائفة وتوفي في سلخ ربيع الأول وله ثلاث وتسعون سنة وثلاثة أشهر
وفيها أبو محمد عبد الوهاب بن الشيخ عبد القادر بن أبي صالح الجيلي ثم البغدادي الأزجي الفقيه الحنبلي الواعظ ولد في ثاني شعبان سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة ذكر أبو شامة انه سمع من ابن الحصين وابن السمرقندي وذكر ابن القادسي انه سمع من ابن الحصين وابن الزاغوني وابن البنا وغيرهم واسمعه والده في صباه من أبي غالب بن البنا وغيره وقرأ الفقه على والده حتى برع ودرس نيابة عن والده بمدرسته وهو حي وقد نيف على العشرين من عمره ثم استقل بالتدريس بها بعده ثم نزعت منه لابن الجوزى ثم ردت إليه وتولي المظالم للناصر سنة ثلاث وثمانين وكان كيسا ظريفا من ظرفاء أهل بغداد ولم يكن في أولاد أبيه أفقه منه كان فقيها فاضلا له كلام حسن في مسائل الخلاف فصيحا في الوعظ وإيراد الملح مع عذوبة الألفاظ مليح النادرة ذا مزح ودعابة وكياسة قال أبو شامة قيل له يوما على مجلس وعظه ما تقول في أهل البيت فقال قد أعموني وكان أعمش أجاب عن بيت نفسه وروى عنه ابن الديثي وابن الغزال الواعظ وابن خليل وأجاز لمحمد بن يعقوب وتوفي ليلة الأربعاء خامس عشرى شوال
وفيها قاضي القضاة أبو طالب علي بن علي بن هبة الله بن محمد بن النجاري

البغدادي الشافعي سمع من أبي الوقت وولي القضاء سنة اثنتين وثمانين ثم عزل ثم أعيد سنة تسع وثمانين
وفيها محمد بن حيدرة بن أبي البركات عمر بن إبراهيم بن محمد أبو المعمر الحسيني الزيدي الكوفي سمع من جده وهو آخر من حدث عن أبي النرسي وكان رافضيا
وفيها أبو البركات ويقال أبو الثناء محمود بن أحمد بن ناصر البغدادي الحربي الحذاء سمع من ابن الطلاية وعبد الخالق بن يوسف وغيرهما وتفقه في مذهب أحمد وأقرأ الفقه وحدث وتوفي في شهر ربيع الآخر ببغداد
وفيها أبو اسحق ويقال أبو الحزم مكي بن أبي القسم بن عبد الله بن معالي ابن عبد الباقي بن العراد البغدادي المأموني الفقيه الحنبلي المحدث ولد سنة تسع وعشرين وخمسمائة وسمع من ابن ناصر والأرموي وابن البنا وغيرهم واعتنى بهذا الشأن ولم يزل يقرأ ويسمع إلى آخر عمره وهو ثقة صحيح السماع وقد نسبه القطيعي إلى التساهل والتسامح وروى عنه ابن خليل والبلداني وغيرهما وتوفي ليلة الجمعة سادس المحرم ببغداد ودفن بباب حرب مجاورا قبر بشر الحافي
وفيها ناصر بن محمد أبو الفتح الأصبهاني القطان روى الكثير عن جعفر الثقفي واسمعيل بن الأخشيد وخلق وتوفي في ذي الحجة وأكثر عنه الحافظ ابن خليل
وفيها أبو القسم يحيى بن أسعد بن بوش الأزجي الحنبلي الخباز سمع الكثير من أبي طالب اليوسفي وأبي سعد بن الطيوري وأبي علي الباقرحي وطائفة وكان عاميا مات شهيدا غص بلقمة فمات في ذي القعدة عن بضع وثمانين سنة وله إجازة ابن بيان قاله في العبر

سنة أربع وتسعين وخمسمائة

فيها استولى علاء الدين بن خوارزم شاه تكش على بخاري وكانت لصاحب الخطا لعنه الله وجرى له معه حروب وخطوب ثم انتصر تكش وقتل خلق من الخطا
وفيها توفي أبو علي الفارسي الزاهد واسمه الحسن بن مسلم الحنبلي الفارسي من قرية بنهر عيسى يقال لها الفارسية كان أحد الأبدال وزاهد العراق سمع وتفقه بأبي ذر الكرخي وكان متبتلا أقام أربعين سنة لا يكلم أحدا من الناس صائم الدهر قائم الليل يقرأ كل يوم وليلة ختمة وكانت السباع تأوي إلى زاويته والخليفة وأرباب الدولة يمشون إلى زيارته حكى أن فقيرا احتلم بزاويته في ليلة باردة فنزل إلى النهر ليغتسل فجاء السبع فنام على جبته وكاد الفقير يموت من البرد والخوف فخرج الشيخ حسن وجاء إلى السبع فضربه بكمه وقال يا مبارك لم تتعرض لضيفنا فقام السبع يهرول وتوفي بالفارسية في المحرم وقد بلغ التسعين
وفيها جرد بك أحد أكابر أمراء الدولتين النورية والصلاحية حضر جميع الفتوحات وهو الذي قتل شاور بمصر وابن الخشاب بحلب وكان فارس الإسلام
وفيها صاحب سنجار الملك عماد الدين زنكي بن قطب الدين مودود ابن أتابك زنكي تملك حلب بعد ابن عمه الصالح إسماعيل فسار السلطان صلاح الدين فنازله ثم أخذ منه حلب وعوضه بسنجار فملكها إلى هذا الوقت ونجد صلاح الدين على عكا وكان عادلا متواضعا موصوفا بالبخل وتملك بعده ابنه قطب الدين محمد
وفيها تقي الدين أبو الحسين وأبو الخير سلامة بن إبراهيم بن سلامة

الحذاء القبابي الدمشقي المحدث الفقيه الحنبلي سمع من ابن هلال وابن الموازيني وغيرهما من مشايخ دمشق وعني بالحديث وأم بحلقة الحنابلة بجامع دمشق وكان ثقة صالحا وابن نقطة الحافظ يعتمد على خطه وينقل عنه في استدراكه قال ابن الحنبلي كان حسن السمت يحف شاربه ويقصر ثوبه ويأكل من كسب يده ويعمل القبابين ويعتمد عليه في تصحيحها وروى عنه ابن خليل في معجمه وتوفي سابع عشرى ربيع الآخر
وفيها أبو الفضائل الكاغدي الخطيب عبد الرحيم بن محمد الأصبهاني المعدل روى عن أبي علي الحداد وعدة وتوفي في ذي القعدة
وفيها أبو طاهر الأصبهاني على بن سعيد بن فادشاة روى عن الحداد أيضا ومات في ربيع الأول
وفيها أبو الهيجاء مقدم الاكراد ويعرف بالسمين بعثه الخليفة إلى همذان فلم يتم أمره وتفرق عنه أصحابه فاستحيا أن يعود إلى بغداد فطلب الشام فلما وصل إليها مرض وكان نازلا على تل فقال ادفنوني فيه فلما مات حفر له قبر على رأس التل فظهرت بلاطة عليها اسم أبيه فدفنوه عليه
وفيها أبو الحسن علي بن موسى بن محمد بن خلف الأنصاري نزيل فاس وخطيبها ومصنف شذور الذهب في صنعة الكيمياء الذي لم ينظم أحد في الكيمياء مثل نظمه حتى قيل انه أن لم يعلمك صنعة الذهب علمك صنعة الأدب وإن فاتك ذهبه لم يفتك أدبه ويعرف بابن ارفع رأس ويقال هو شاعر الحظ حكيم الشعر
وفيها مجاهد الدين قايماز الخادم الرومي الحاكم على الموصل وهو الذي بنى الجامع المجاهدي والمدرسة والرباط والمارستان بظاهر الموصل على دجلة وأوقف عليه الأوقاف وكان عليه رواتب كثيرة بحيث لم يدع في الموصل

بيت فقير إلا وأغنى أهله وكان دينا صالحا يتصدق كل يوم خارجا عن الرواتب بمائة دينار وكان يصوم في السنة ستة أشهر ومدحته الشعراء منهم ابن التعاويذي بقصيدة أولها
( عليل الشوق فيك متى يصح ** وسكران بخبل كيف يصحو )
فأعطاه ألف دينار
وفيها قوام الدين بن زيادة يحيى بن سعيد بن هبة الله الواسطي ثم البغدادي صاحب ديوان الإنشاء ببغداد ومن انتهت إليه صناعة الترسل مع معرفته بالفقه والأصول والكلام والنحو والشعر أخذ عن ابن الجواليقي وحدث عن علي بن الصباغ والقاضي الارجاتي وولى نظر واسط ثم ولى حجابة الحجاب وغير ذلك وتوفي في ذي الحجة ومن شعره
( باضطراب الزمان ترتفع ** الانذال فيه حتى يعم البلاء )
( وكذا الماء ساكنا فإذا حرك ** ثارت من قعره الاقذاء )
وله أيضا
( لا تغبطن وزيرا للملوك وان ** أناله الدهر منهم فوق همته )
( واعلم بأن له يوما تمور به ** الأرض الوقور كما مارت لهيبته )
( هرون وهو أخو موسى الشقيق له ** لولا الوزارة لم يأخذ بلحيته )

سنة خمس وتسعين وخمسمائة

فيها كانت فتنة فخر الدين الرازي صاحب التصانيف وذلك انه قدم هراة ونال إكراما عظيما من الدولة فاشتد ذلك على الكرامية فاجتمع يوما هو والزاهد مجد الدين بن القدوة فاستطال فخر الدين على ابن القدوة وشتمه وأهانه فلما كان من الغد جلس ابن عم مجد الدين فوعظ الناس وقال { ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين } أيها الناس لا نقول

إلا ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما قول ارسطو وكفريات ابن سينا وفلسفة الفارابي فلا نعلمها فلأي شيء يشتم بالأمس شيخ من شيوخ الإسلام يذب عن دين الله وبكى فأبكى الناس وضجت الكرامية وثاروا من كل ناحية وحميت الفتنة فأرسل السلطان الجند فسكنهم وأمر الرازي بالخروج قاله في العبر
وفيها كانت بدمشق فتنة الحافظ عبد الغني وكان امارا بالمعروف داعية إلى السنة فقام عليه الأشعرية وأفتوا بقتله فأخرج من دمشق طريدا قاله في العبر أيضا
وفيها مات العزيز صاحب مصر أو الفتح عثمان بن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب توفي في المحرم عن ثمان وعشرين سنة وكان شابا مليحا ظريف الشمائل قويا ذا بطش وأيد وكرم وحياء وعفة بلغ من كرمه انه لم تبق له خزانة وبلغ من عفته انه كان له غلام بألف دينار فحل لباسه ثم وفق فتركه وأسرع إلى سرية له فافتضها وأمر الغلام بالتستر وأقيم بعده ولده على فاختلفت الأمراء وكاتب بعضهم الأفضل فصار من صرخد إلى مصر وعمل نيابة السلطنة ثم سار بالجيوش ليأخذ دمشق من عمه فأحرق العادل الحواضر والسرب ووقع الحصار ثم دخل الأفضل من باب السلامة وفرحت به العامة وحوصرت القلعة مدة وكان سبب موت العزيز انه خرج إلى الفيوم يتصيد فتقنطرت به فرسه فأصابته حمى فمات بعد يومين ودفن بالقرافة قرب الأمام الشافعي وكان عمره سبعا وعشرين سنة وخلف عشرة أولاد أكبرهم ناصر الدين محمد
وفيها صلب بدمشق الذي زعم انه عيسى بن مريم وأضل طائفة فأفتى العلماء بقتله
وفيها عبد الخالق بن هبة الله أبو محمد الحريمي بن البندار الزاهد روى

عن ابن الحصين وجماعة قال ابن النجار كان يشبه الصحابة ما رأيت مثله توفي في ذي القعدة
وفيها ابن رشد الحفيد هو العلامة أبو الوليد محمد بن احمد بن العلامة المفتى أبو الوليد محمد بن احمد بن رشد القرطبي المالكي أدرك من حياة جده شهرا سنة عشرين وتفقه وبرع وسمع الحديث وأتقن الطب وأقبل على الكلام والفلسفة حتى صار يضرب به المثل فيها وصنف التصانيف مع الذكاء المفرط والملازمة للاشتغال ليلا ونهارا وتآليفه كثيرة نافعة في الفقه والطب والمنطق والرياضي والآلهي وتوفي في صفر بمراكش
وفيه أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن إسماعيل بن عبد الملك بن إسماعيل ابن علي الاصبهاني الواعظ الحنبلي ولد سنة إحدى أو اثنتين وثلاثين وخمسمائة وسمع من أبي على الحمامي والباغبان وغيرهما وببغداد من هبة الله بن الشبلي وخلق وكان له قبول كثير عند أهل بلده وقدم بغداد غير مرة وأملى بها وسمع منه ابن القطيعي وابن النجار وقال كان فاضلا صدوقا وتوفي ليلة الرابع والعشرين من ذي الحجة
وفيها أبو بكر بن خيرون بن زهر محمد بن عبد الملك بن زهر الايادي الاشبيلي شيخ الطب وجالينوس العصر ولد سنة سبع وخمسمائة وأخذ الصناعة عن جده أبي العلاء زهر بن عبد الملك وبرع ونال تقدما وحظوة عند السلاطين وحمل الناس عنه تصانيفه وكان جوادا ممدحا محتشما كثير العلوم قيل انه حفظ صحيح البخاري كله قال ابن دحية كان شيخنا أبو بكر يحفظ شعر ذي الرمة وهو ثلث لغة العرب مع الأشراف على جميع أقوال أهل الطب توفي بمراكش في ذي الحجة
وفيها أبو جعفر الطرسوسي محمد بن إسماعيل الاصبهاني الحنبلي سمع أبا علي الحداد ويحيى بن منده وابن طاهر وطائفة وتفرد في عصره وتوفي في جمادى

الآخرة عن أربع وتسعين سنة
وفيها أبو الحسن الجمال مسعود بن أبي منصور بن محمد الأصبهاني الخياط روى عن الحداد ومحمود الصيرفي وحضر غانما البرجي وأجاز له عبد الغفار الشيروي وتوفي في شوال
وفيها أبو الفضل الصوفي منصور بن أبي الحسن الطبري الواعظ تفقه وتفنن وسمع من زاهر الشحامي وغيره وهو ضعيف في رواية لمسلم عن الفراوي توفي بدمشق في ربيع الآخر
وفيها جمال الدين أبو القسم يحيى بن علي بن الفضل بن هبة الله العلامة البغدادي شيخ الشافعية بها ويعرف بابن فضلان ولد سنة خمس عشرة وخمسمائة وتفقه على أبي منصور بن الرزاز ببغداد وبنيسابور على محمد ابن يحيى تلميذ الغزالي وسمع جماعة وانتفع به خلق كثير واشتهر اسمه وطار صيته وكان إماما في الفقه والأصول والخلاف والجدل مشارا إليه في ذلك وكان يجري له وللمجير البغدادي بحوث ومحافل ويشنع كل منهما على الآخر وتوفي في شعبان
وفيها المنصور أبو يوسف يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن بن علي القيسي الملقب بأمير المؤمنين بويع سنة ثمانين وخمسمائة بعد أبيه وسنه اثنتان وثلاثون سنة وكان صافي اللون جميلا أعين أفوه أقنى أكحل مستدير اللحية ضخما جهوري الصوت جزل الألفاظ كثير الإصابة بالظن والفراسة خبيرا ذكيا شجاعا مقداما محبا للعلوم كثير الجهاد ميمون التقية ظاهري المذهب معاديا لكتب الفقه والفقه اباد منها شيئا كثيرا بالحريق وحمل الناس على التشاغل بالأثر قاله في العبر وقال ابن الأهدل طاب حاله واظهر بهجة ملك عبد المؤمن وتنصل للجهاد وأجرى الأحكام على قانون الشرع ولقب أمير المؤمنين كأبيه وجده رحل إلى الأندلس ورتب قواعدها وعزم

عليهم في الجهر بالتسمية في أول الفاتحة ثم عاد إلى مراكش وهي كرسي ملكهم فجاءه كتاب ملك الفرنج يتهدده من جملة كتابه باسمك اللهم فاطر السموات والأرض وصلى الله على السيد المسيح روح الله وكلمته فمزق يعقوب الكتاب وكتب على ظهر قطعة منه ارجع إليهم فلنأتينهم بجنود لا قبل لهم بها ولنخرجنهم منها أذلة وهم صاغرون الجواب ما ترى لا ما تسمع وأنشد
( ولا كتب إلا المشرفية عندنا ** ولا رسل إلا الخميس العرمرم )
ثم سار إليهم وعبر بحرسبتة إلى الأندلس ثم رحل منها فدخل بلادهم وأوقع بهم وقعة لم يسمع بمثلها ولم ينج منهم إلا ملكهم في عدد يسير وبلغت الدروع من المغنم ستين ألف درع ولم يحص عدد الدواب وكان من عادة الموحدين لا يأسرون مشركا بل يقتلونهم ثم عاد إلى أشبيلية والتمس الفرنج صلحهم فصالحهم ولو طالت أيامه لم يترك في يدهم مدينة وبنى بالقرب من سلا مدينة على هيئة الإسكندرية في اتساع الشوارع وحسن التقسيم والتحسين بناها على جانب البحر المحيط وسماها دار الفتح ثم رجع إلى مراكش وكان محبا للعلم والعلماء يصلي بالناس الخمس ويلبس الصوف وكان على قدم التواضع وإليه تنسب الدنانير اليعقوبية وكان قد عزم على علماء زمانه أن لا يقلدوا أحدا من الأئمة الماضين بل تكون أحكامهم بما ينتهي إليه اجتهادهم قال ابن خلكان أدركنا جماعة منهم على هذا المنهج مثل أبي الخطاب بن دحية وأخيه أبي عمر ومحي الدين بن عربي الطائي نزيل دمشق وغيرهم وتوفي يعقوب بمراكش وأوصى أن يدفن على قارعة الطريق لتترحم عليه المارة وقيل انه تجرد من الملك وذهب إلى المشرق فمات خاملا قال اليافعي سمعت من لا أشك في صلاحه من المغاربة أن شيوخ المغرب راموا أن يعارضوا رسالة القشيري وما جمع فيها من المشايخ المشارقة فذكروا إبراهيم بن أدهم وقالوا لا تتم لنا

المعارضة إلا بملك مثله فلما تزهد يعقوب وانسلخ عن الملك تم لهم ذلك وبويع بعد يعقوب لوالده محمد الناصر فاسترجع المهدية من الملثم

سنة ست وتسعين وخمسمائة

قال ابن كثير في هذه السنة والتي بعدها كان بديار مصر غلاء شديد فهلك الغني والفقير وعم الجليل والحقير وهرب الناس منها نحو الشام ولم يصل منهم إلا القليل من الفئام وتخطفتهم الفرنج من الطرقات وعزوهم في أنفسهم واغتالوهم بالقليل من الأقوات
وفيها توفي أبو جعفر القرطبي أحمد بن علي بن أبي بكر المقرئ الشافعي إمام الكلاسة وأبو إمامها ولد سنة ثمان وعشرين بقرطبة وسمع بها من أبي الوليد بن الدباغ وقرأ القراءات على أبي بكر بن صيف ثم حج وقرأ القراءات على ابن سعدون القرطبي ثم قدم دمشق فأكثر عن الحافظ ابن عساكر وكتب الكثير وكان عبدا صالحا خبيرا بالقراءات
وفيها أبو اسحق العراقي العلامة إبراهيم بن منصور بن المسلم الفقيه الشافعي المصري المعروف بالعراقي ولد بمصر سنة عشر وخمسمائة ولقب بالعراقي لاشتغاله ببغداد وتفقه بها على أبي بكر الأرموي تلميذ أبي إسحق الشيرازي وغيره وبمصر على القاضي مجلى وشرح المهذب في نحو خمسة عشر جزءا متوسطة وتخرج به جماعة وتوفي في جمادي الأولى
وفيها اسمعيل بن صالح ابن ياسين أبو الطاهر الساعي المقرئ الصالح روى عن أبي عبد الله الرزاز مشيخته وسداسياته وتوفي في ذي الحجة
وفيها أبو سعيد الراراني براءين مهملتين نسبة إلى راران قرية بأصبهان

خليل بن أبي الرجاء بدر بن ثابت الاصبهاني الصوفي ولد سنة خمسمائة وروى عن الحداد ومحمود الصيرفي وطائفة وتوفي في ربيع الآخر وتفرد بعدة أجزاء
وفيها علاء الدين خوارزم شاه تكش بن خوارزم شاه أرسلان بن أطر ابن محمد بن بوستكين سلطان الوقت ملك من السند والهند وما وراء النهر إلى خراسان إلى بغداد وكان جيشه مائة ألف فارس وهو الذي أزال دولة بني سلجوق وكان حاذقا بلعب العود ذهبت عينه في بعض حروبه وكان شجاعا فارسا عالي الهمة تغيرت نيته للخليفة وعزم على قصد العراق فجاءه الموت فجأة بدهستان في رمضان وحمل إلى خوارزم وقيل كان عنده أدب ومعرفة بمذهب الأمام أبي حنيفة مات بالخوانيق وقام بعده ولده قطب الدين محمد ولقبوه بلقب أبيه
وفيها مجد الدين طاهر بن نصر الله بن جهبل الكلابي الحلبي الشافعي الفرضي مدرس مدرسة صلاح الدين بالقدس سمع الحديث من جماعة وحدث وصنف للسلطان نور الدين الشهيد كتابا في فضل الجهاد وهو والد بني جهبل الفقهاء الدمشقيون وأحد من قام على السهروردي الفيلسوف وأفتى بقتله مات بالقدس عن أربع وستين سنة
وفيها القاضي الفاضل أبو علي عبد الرحيم بن علي بن الحسن اللخمي البيساني ثم العسقلاني ثم المصري محي الدين صاحب ديوان الإنشاء وشيخ البلاغة ولد سنة تسع وعشرين وخمسمائة قيل أن مسودات رسائله لو جمعت لبلغت مائة مجلد قال عبد اللطيف البغدادي في تاريخه كان ثلاثة أخوة أصلهم من بيسان وكان أحدهم بالإسكندرية وبها مات وخلف من الخواتم صناديق ومن الحصر والقدور والخزف بيوتا مملوءة وكان متى رأى خاتما أو سمع به اجتهد في تحصيله واشتراه واما الأخ الثاني فكان له هوس مفرط

في تحصيل الكتب وكان عنده مائتا ألف كتاب ومن كل كتاب نسخ كثيرة حتى من الصحاح ثمان عشرة نسخة وأما الثالث فالقاضي الفاضل وكان يحب الكتابة فقصد مصر ليشتغل بالأدب فاشتغل به وحفظ القرآن وقال الشعر والمراسلات وخدم الأكابر فلما ملك أسد الدين احتاج إلى كاتب فأحضر إليه فأعجبه نفاده وسمته ودينه ونصحه فلما تملك صلاح الدين استخلصه لنفسه وحسن اعتقاده فيه ووجد البركة في رأيه ولذلك لم يكن أحد في منزلته وكان نزها عفيفا نظيفا قليل اللذات كثير الحسنات دائم التهجد ملازم القرآن والاشتغال بعلوم الأدب غير انه كان خفيف البضاعة من النحو لا عريا منه لكن قوة الدربة توجب له عدم اللحن وكتب ما لم يكتبه أحد ولما عظم شأنه أنف من قول الشعر وكان لباسه لا يساوي دينارين وثيابه البياض ولا يركب معه أحد ولا يصحبه سوى غلام له ويكثر زيارة القبور ويشيع الجنائز ويعود المرضى وكان له صدقات ومعروف كثير في الباطن وكان ضعيف البنية رقيق الصورة له حدبة يسترها الطيلسان وفيه سوء خلق لا يضر أحدا ولأصحاب الفضائل عنده موقع يحسن إليهم ولا يمن عليهم ويؤثر أرباب البيوت ومن كان خملا من ذوي النباهة ويحب الغرباء ولم يكن له انتقام من أعدائه بل يحسن إليهم وكان دخله كل سنة من إقطاعه ورباعه وضياعه خمسون ألف دينار هذا سوى التجارات من الهند والمغرب وغير ذلك وسوى ضيعة من السلطان تسمى ترنجه تعمل أثنى عشر ألف دينار وكان يقتني الكتب من كل فن ويجتلبها من كل جهة وله نساخ لا يفترون ومجلدون لا يسأمون قال لي بعض من يخدمه في الكتب أن عدد كتبه قد بلغ مائة ألف كتاب وأربعة عشر ألف كتاب هذا قبل أن يموت بعشرين سنة وحكى لي ابن صورة الكتبي قال أن ابنه التمس من نسخة حماسة ليقرأها فقلت

للفاضل فاستدعى من الخادم أن يحضر شدات الحماسة فاحضر خمسا وثلاثين نسخة يقول هذه بخط فلان وهذه بخط فلان حتى أتى على الجميع ثم قال ليس فيها ما تبتذله الصبيان فاشترى له نسخة ولم يزل معظما بعد موت صلاح الدين عند ولده العزيز ثم الأفضل ومات فجأة أحوج ما كان إلى الموت عند تولي الإقبال واستيلاء الأدبار كان أمر بإصلاح الحمام وقت السحر فأصلح وجاءت ابنته تخبره بذلك فوجدته جالسا ساكتا فهابته لأنه كان مهابا فطال سكوته حتى ارتابت فقدمت قليلا فلم تر عليه أثر حركة فوضعت يدها عليه فخر صريعا وأخذ في النزع وقبض وقت الظهر وقت رجوع عسكر مصر مهزوما ودخل الملك الأفضل فصلى عليه ودفن بالقرافة وكان له يوم مشهود وفي حدبة القاضي الفاضل يقول ابن سناء الملك
( حاشا لعبد الرحيم سيدنا الفاضل ** ما تقوله السفل )
( يكذب من قال أن حدبته ** في ظهره من عبيده حبل )
( هذا قياس في غير سيدنا ** يصح لو كان يحبل الرجل )
وحدثني من أثق به أن الفاضل دخل مع أبيه مصر لطلب الإنشاء وكان إذ ذاك المقدم بها فيه ابن عبد الظاهر فقصده وطلب منه الاشتغال عليه بذلك فقال له ما أعددت للإنشاء قال ديواني الطائيين يعني أبا تمام الطائي والبحتري الطائي فقال مختبرا لقابليته اذهب فانثرهما ذهب ونثرهما في ليلة واحدة وعرضهما عليه فقال له يقرب أن تصير كاتب إنشاء انتهى
وقال ابن شهبة في تاريخه كان له بمصر ربع عظيم يؤجر بمبلغ كثير فلما عزم على الحج ركب ومر به ووقف وقال اللهم انك تعلم أن هذا الربع ليس شيء أحب إلى منه اللهم فاشهد أني وقفته على فكاك الأسرى وهو إلى يومنا هذا وقف وهو الذي زاد في الكلاسة بدمشق مثلها ولما حفرها وجد تحت الأرض أعمدة رخام قائمة على قواعد رخام وفوقها مثلها وأثر العمارة متصل تحت الأرض ليس له

نهاية وكأنه كان معبدا ووجد فيه قبلة نحو الشمال وله مدرسة بالقاهرة هي أول مدرسة بنيت بالقاهرة وكان صلاح الدين يقول ما فتحت البلاد بالعساكر إنما فتحتها بكلام الفاضل وله مائتان وخمسون ألف بيت من الشعر انتهى ملخصا
وفيها تاج الدين أبو منصور عبد العزيز بن ثابت بن طاهر البغدادي المأموني السمعي بكسر السين المهملة والسكون نسبة إلى السمع بن مالك بطن من الأنصار الخياط المقرئ الفقيه الحنبلي الزاهد قال أبو الفرج بن الحنبلي كان رفيقنا في سماع درس ابن المنى من الزهد والعبادة إلى حد يقال به تمسك بغداد وكان لطيفا في صحبته توفي يوم الأربعاء تاسع عشرى شعبان ودفن بباب حرب
وفيها عبد اللطيف بن أبي البركات اسمعيل بن أبي سعد النيسابوري ثم البغدادي ابن شيخ الشيوخ كان صوفيا عاميا روى عن قاضي المارستان وابن السمرقندي وحج فقدم دمشق فمات بها في ذي الحجة
وفيها ابن كليب مسند العراق أبو الفرج عبد المنعم بن عبد الوهاب بن سعد الحراني ثم البغدادي الحنبلي التاجر ولد في صفر سنة خمسمائة وسمع من ابن بيان وابن نبهان وابن زيدان الحلواني وطائفة ومات في ربيع الأول ممتعا بحواسه قاله في العبر
وفيها الأثير محمد بن محمد بن أبي الطاهر بن محمد بن بيان الانباري ثم المصري الكاتب روى عن أبي صادق ومرشد المديني وغيره وروى ببغداد صحاح الجوهري عن أبي البركات العراقي وعمر وزالت رياسته وتوفي في ربيع الآخر وله تسع وثمانون سنة
وفيها الشهاب الطوسي أبو الفتح محمد بن محمود بن محمد بن شهاب الدين نزيل مصر وشيخ الشافعية توفي بمصر عن أربع وسبعين سنة ودرس وأفتى

ووعظ وتخرج به الأصحاب وكان يركب بالغاشية والسيوف المسلولة وبين يديه ينادي هذا ملك العلماء وبنى له الملك عمر بن شاهنشاه المدرسة المعروفة بمنال العز وانتفع به جماعة كثيرة وكان جامعا لفنون كثيرة معظما للعلم وأهله غير ملتفت إلى أبناء الدنيا ووعظ بجامع مصر مدة ذكر أبو شامة انه لما قدم بغداد كان يركب بسنجق والسيوف مسللة والغاشية على رأسه والطوق في عنق بغلته فمنع من ذلك فذهب إلى مصر ووعظ وأظهر مذهب ألاشعري ووقع بينه وبين الحنابلة أمور وقال غيره وكان معظما عند الخاص والعام طويلا مهيبا مقداما يرتاع منه كل أحد ويرتاع هو من الخبوشاني وعليه مدار الفتوى في مذهب الشافعي وتوفي في ذي القعدة
وفيها ابن رزيق الحداد أبو جعفر المبارك بن المبارك بن أحمد الواسطي شيخ الاقراء ولد سنة تسع وخمسمائة وقرأ على أبيه وعلى سبط الخياط وسمع من أبي علي الفارقي وعلي بن علي بن شيران وأجاز له خميس الجوزى وطائفة وتوفي في رمضان

سنة سبع وتسعين وخمسمائة

فيها كان الجوع المفرط والموت بالديار المصرية وجرت أمور تتجاوز الوصف ودام ذلك إلى نصف العام الآتي فلو قال قائل مات ثلاثة أرباع أهل الأقليم لما أبعد وأكلت لحوم الآدميين
وفي شعبان كانت الزلزلة العظمى التي عمت أكثر الدنيا قال أبو شامة مات بمصر خلق تحت الهدم قال ثم تهدمت نابلس وذكر خسفا عظيما إلى أن قال وأحصى من هلك في هذه السنة فكان ألف ألف ومائة ألف


وفيها توفي اللبان القاضي العدل أبو المكارم أحمد بن محمد بن محمد التميمي الأصبهاني مسند العجم مكثر عن أبي علي الحداد وله إجازة من عبد الغفار السروي توفي في آخر العام
وفيها أبو القاسم تميم بن أحمد بن أحمد البندنيجي الأزجي الحنبلي مفيد بغداد ومحدثها كتب الكثير وعنى بهذا الشأن وحدث عن أبي بكر بن الزاغوني وطبقته وسمع منه ابن النجار وتكلم فيه هو وشيخه ابن الأخضر وأجاز للحافظ المنذري وتوفي يوم السبت ثالث جمادي الآخرة عن أربع وخمسين سنة ودفن بمقبرة باب حرب
وفيها ظافر بن الحسين أبو منصور الازدي المصري شيخ المالكية كان منتصبا للإفادة والفتيا وانتفع به بشر كثير وتوفي بمصر في جمادي الأخرة
وفيها أبو محمد بن الطويلة عبد الله بن أبي بكر المبارك بن هبة الله البغدادي روى عن ابن الحصين وطائفة وتوفي في رمضان
وفيها أبو الفرج بن الجوزى عبد الرحمن بن علي بن محمد بن علي بن عبيد الله بن عبد الله بن جمادي بن أحمد بن محمد بن جعفر بن عبد الله بن القسم ابن النضر بن القسم بن محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن القسم بن محمد ابن أبي بكر الصديق رضي الله عنه القرشي التيمي البكري البغدادي الحنبلي الواعظ المتفنن صاحب التصانيف الكثيرة الشهيرة في أنواع العلم من التفسير والحديث والفقه والزهد والوعظ والأخبار والتاريخ والطب وغير ذلك ولد سنة عشر وخمسمائة أو قبلها وسمع من علي بن عبد الواحد الدينوري وابن الحصين وأبي عبد الله البارع وتتمة سبعة وثمانين نفسا ووعظ من صغره وفاق فيه الأقران ونظم الشعر الملح وكتب بخطه مالا يوصف ورأى من القبول والاحترام مالا مزيد عليه وحكى غير مرة أن مجلسه حزر بمائة

ألف وحضر مجلسه الخليفة المستضئ مرات من وراء الستر وذكر هو انه منسوب إلى محلة بالبصرة تسمى محلة الجوز ولما ترعرع حملته عمته إلى مسجد أبي الفضل بن ناصر وهو خاله فاعتنى به وأسمعه الحديث وحفظ القرآن وقرأه على جماعة من القراء بالروايات وسمع بنفسه الكثير وعنى بالطلب ونظر في جميع الفنون والف فيها وعظم شأنه في ولاية ابن هبيرة قال في آخر كتاب القصاص والمذكرين له مازلت أعظ الناس وأحرضهم على التوبة والتقوى فقد تاب على يدي إلى أن جمعت هذا الكتاب أكثر من مائة ألف رجل وقد قطعت من شعور الصبيان اللاهين أكثر من عشرة آلاف طائلة وأسلم على يدي أكثر من مائة ألف قال ولا يكاد يذكر لي حديث إلا ويمكنني أقول صحيح أو حسن أو محال ولقد أقدرني الله على أن ارتجل المجلس كله من غير ذكر محفوظ وقال سبطه أبو المظفر كان زاهدا في الدنيا متقللا منها وما مازح أحدا قط ولا لعب مع صبي ولا أكل من جهة لا يتيقن حلها وما زال على ذلك الأسلوب إلى أن توفاه الله تعالى وقال الموفق عبد اللطيف كان ابن الجوزى لطيف الصوت حلو الشمائل رخيم النغمة موزون الحركات لذيذ المفاكهة يحضر مجلسه مائة ألف أو يزيدون لا يضيع من زمانه شيئا يكتب في اليوم أربع كراريس ويرتفع له كل سنة من كتابته ما بين خمسين مجلدا إلى ستين وله في كل علم مشاركة وكان يراعي حفظ صحته وتلطيف مزاجه وما يفيد عقله قوة وذهنه حدة يعتاض عن الفاكهة بالمفاكهة لباسه الأبيض الناعم المطيب ونشأ يتيما على العفاف والصلاح وله مجون لطيف ومداعبات حلوة ولا ينفك من جارية حسناء وذكر غير واحد انه شرب حب البلادر فسقطت لحيته فكانت قصيرة جدا وكان يخضبها بالسواد إلى أن مات وصنف في جواز الخضاب بالسواد مجلدا

وسئل عن عدد تصانيفه فقال زيادة على ثلاثمائة وأربعين مصنفا منها ما هو عشرون مجلدا وأقل وقال الحافظ الذهبي ما علمت أن أحدا من العلماء صنف ما صنف هذا الرجل وقال يوما في مناجاته الهي لا تعذب لسانا يخبر عنك ولا عينا تنظر إلى علوم تدل عليك ولا قدما تمشي إلى خدمتك ولا يدا تكتب حديث رسولك فبعزتك لا تدخلني النار فقد علم أهلها أني كنت أذب عن دينك وقال ابن رجب نقم عليه جماعة من مشايخ أصحابنا وأئمتهم ميله إلى التأويل في بعض كلامه واشتد نكيرهم عليه في ذلك ولا ريب أن كلامه في ذلك مضطرب مختلف وهو وأن كان مطلعا على الأحاديث والآثار فلم يكن يحل شبه المتكلمين وبيان فسادها وكان معظما لأبي الوفاء بن عقيل متابعا لأكثر ما يجده من كلامه وان كان قد رد عليه في بعض المسائل وكان ابن عقيل بارعا في الكلام ولم يكن تام الخبرة بالحديث والآثار فلهذا يضطرب في هذا الباب ويتلون فيه أراؤه وأبو الفرج تابع له في هذا التلون قال الشيخ موفق الدين المقدسي كان ابن الجوزى أمام أهل عصره في الوعظ وصنف في فنون العلم تصانيف حسنة وكان صاحب فنون وكان يدرس الفقيه ويصنف فيه وكان حافظا للحديث وصنف فيه إلا أننا لم نرض تصانيفه في السنة ولا طريقته فيها انتهى توفي ليلة الجمعة بين العشاءين من شهر رمضان وكان في تموز فأفطر بعض من حضر جنازته لشدة الزحام والحر
وفيها ابن ملاح الشط عبد الرحمن بن محمد بن أبي ياسر البغدادي روى عن ابن الحصين وطبقته ومات في عشر المائة
وفيها عمر بن علي الحربي الواعظ أبو علي البغدادي روى عن ابن الحصين أيضا والكبار وتوفي في شوال
وفيها قراقوش الأمير الكبير الخادم بهاء الدين الأبيض فتى الملك أسد الدين شيركوه وقد وضعوا عليه خرافات لا تصح ولولا وثوق صلاح الدين

بعقله لما سلم إليه عكا وغيرها وكانت له رغبة في الخير وآثار حسنة قال ابن شهبة أسر في عكا ففداه السلطان بستين ألف دينار وهو الذي بنى قلعة القاهرة والسور على مصر والقاهرة والقنطرة التي عند الأهرام وله مع المصريين وقعات عجيبة حتى صنفوا له كتاب الفافوش في أحكام قراقوش انتهى
وفيها الكراني أبو عبد الله محمد بن أبي زيد بن أحمد الأصبهاني الخباز المعمر توفي في شوال وقد استكمل مائة عام وسمع الكثير من الحداد ومحمود الصيرفي وغيرهما وكران محلة معروفة بأصبهان
وفيها العماد الكاتب الوزير العلامة أبو عبد الله محمد بن محمد بن حامد الأصبهاني ويعرف بابن أخي العزيز ولد سنة تسع عشرة بأصبهان وتفقه ببغداد في مذهب الشافعي علي ابن الرزاز واتقن الفقه والخلاف والعربية وسمع من علي بن الصباغ وطبقته وأجاز له ابن الحصين والفراوي ثم تعاني الكتابة والترسل والنظم ففاق الأقران وحاز قصب السبق وولاه ابن هبيرة نظر واسط وغيرها ثم قدم دمشق بعد الستين وخمسمائة وخدم في ديوان الإنشاء فبهر الدولة ببديع نثره ونظمه وترقي إلى أعلى المراتب ثم عظمت رتبته في الدولات الصلاحية وما بعدها وصنف التصانيف الأدبية وختم به هذا الشأن وكانت بينه وبين القاضي الفاضل مطارحات ومداعبات قال يوما للقاضي الفاضل سر فلا كبابك الفرس وكانا تلاقيا في الطريق وإنما أراد انه يقرأ طردا وعكسا فأجابه الفاضل في الحال دام علا العماد وهو أيضا يقرأ طردا وعكسا واجتمعا يوما في مجلس السلطان وقد انتشر الغبار لكثرة الفرسان فأنشد العماد
( أما الغبار فإنه ** مما أثارته السنابك )


( والجو منه مظلم ** لكن أنار به السنابك )
( يا دهر لي عبد الرحيم ** فلست أخشى مس نابك )
ولما صنف خريدة القصر أرسلها إلى الفاضل فوقف عليها فلم تعجبه وكانت في ثمانية أجزاء فقال اين الآخران لأنه سماها خريدة يعني خرى عشرة وهذه ثمانية لأن ده بالعجمي عشرة ومن ههنا أخذ ابن سناء الملك قوله
( خريدة أفيه من نتنها ** كأنها من بعض أنفاسه )
( فنصفها الأول في ذقنه ** ونصفها الآخر في رأسه )
توفي العماد رحمه الله تعالى في أول رمضان ودفن بمقابر الصوفية
وفيها ابن الكيال أبو عبد الله محمد بن محمد بن هرون البغدادي ثم الحلي البزار أحد القراء الأعيان ولد سنة خمس عشرة وخمسمائة وقرأ القراءات على سبط الخياط وأبي الكرم الشهرزوري وأقرأ بالحلة زمانا وتوفي في ذي الحجة
وفيها أبو شجاع بن المقرون محمد بن أبي محمد بن أبي المعالي البغدادي أحد ائمة القراء قرأ على سبط الخياط وأبي الكرم وسمع من أبي الفتح بن البيضاوي وطائفة ولقن خلقا لا يحصون وكان صالحا عابدا ورعا مجاب الدعوة يتقوت من كسب يده وكان من الآمرين بالمعروف الناهين عن المنكر توفي في ربيع الآخر
وفيها أبو الحجاج يوسف بن عبد الرحمن بن غصن الإشبيلي أخذ القراءات عن شريح وجماعة وحدث عن ابن العربي وتصدر للأقراء وكان آخر من قرأ القراءات على شريح توفي في هذا العام أو في حدوده قاله في العبر

سنة ثمان وتسعين وخمسمائة

فيها تغلب قتادة بن إدريس الحسيني على مكة وزالت دولة بني فليتة


وفيها جاءت زلزلة عظيمة في شعبان شقت قلعة حمص ورمت المنطرة التي على القلعة وأخرجت ما بقي من نابلس
وفيها شرع الشيخ أبو عمر شيخ المقادسة في بناء الجامع بالجبل وكان بقاسيون رجل فامي يقال له أبو داود محاسن فوضع أساسه وبقي قامة وأنفق عليه ما كان يملكه وبلغ مظفر الدين كوكبوري صاحب إربل فبعث إلى الشيخ أبي عمر مالا فتممه وأوقف عليه وقفا وبعد ذلك أراد مظفر الدين يسوق إليه ماء من برزة وبعث إليه الماء فقال المعظم عيسى طريق الماء كلها قبور كيف يجوز نبش عظام المسلمين أعملوا مدارا عل بغل ولا تؤذوا أحدا واشتروا بالباقي وقفا ففعلوا ذلك
وفيها توفي أحمد بن ترمش الخياط البغدادي نقيب القاضي روى عن قاضي المارستان والكروخي وجماعة وتوفي بحلب
وفيها أسعد بن أحمد بن أبي غانم الثقفي الأصبهاني الضرير سمع هو وأخوه زاهر الثقفي مسند أبي يعلى من أبي عبد الله الخلال وسمع هو من جعفر بن عبد الواحد الثقفي وجامعة وكان فقيها معدلا
وفيها لمؤيد أبو المعالي أسعد بن العميد بن أبي يعلى بن القلانسي التميمي الدمشقي الوزير روى عن نصر الله المصيصي وغيره ومات في ربيع الأول وكان صدر البلد
وفيها الملك المعز إسماعيل بن سيف الإسلام طغتكين بن نجم الدين أيوب صاحب اليمن وابن صاحبها كان مجرما مصرا على الخمر والظلم أدعى انه أموي وخرج وعزم على الخلافة فوثب عليه إخوان من امرائه فقتلاه ويقال انه ادعى النبوة ولم يصح وولى بعده أخ له صبي اسمه الناصر أيوب قاله في العبر


وفيها الخشوعي مسند الشام أبو طاهر بركات بن إبراهيم بن طاهر الدمشقي الانماطي ولد في صفر سنة عشروا كثر عن هبة الله بن الأكفاني وجماعة وأجاز له الحريري وأبو صادق المديني وخلق من العراقيين والمصريين والأصبهانيين وعمر وبعد صيته ورحل إليه وكان صدوقا توفي في سابع صفر
وفيها أبو الثناء حماد بن هبة الله بن حماد بن الفضل بن الفضلي الحراني التاجر السفار المحدث الحافظ الحنبلي المؤرخ ولد في ربيع الأول سنة إحدى عشرة بحران وسمع ببغداد من أبي القسم بن السمر قندي وأبي بكر بن الزاغوني وجماعة وبهراة ومصر والإسكندرية من الحافظ السلفي وغيره وجمع تاريخا بحران وحدث به وجمع جزءا فيمن اسمه حماد وله شعر جيد وحدث بمصر والإسكندرية وبغداد وحران وممن روى عنه الشيخ موفق الدين وعبد القادر الرهاوي والعلم السخاوي المقرئ والحافظ الضياء وغيرهم وتوفي يوم الأربعاء ثاني عشرى ذي الحجة بحران
وفيها أبو محمد الحربي عبد الله بن أحمد بن أبي المجد الاسكاف روى المسند عن ابن الحصين ببغداد وبالموصل واشتهر ذكره وتوفي في المحرم
وفيها أبو بكر عبد الله بن طلحة بن أحمد بن عطية المحاربي الغرناطي المالكي المفتي تفرد بإجازة غالب بن عطية أخو جدهم وأبي محمد بن عتاب وسمع من القاضي عياض والكبار وهو من بيت علم ورواية
وفيها أبو الحسن العمري عبد الرحمن بن أحمد بن محمد البغدادي القاضي أجاز له أبو عبد الله البارع وسمع من ابن الحصين وطائفة وناب في الحكم وتوفي في رمضان
وفيها زين القضاة أبو بكر عبد الرحمن بن سلطان بن يحيى القرشي الدمشقي


الشافعي سمع من جده أبي الفضل يحيى الزكى وجماعة وأجاز له زاهر الشحامي وجماعة وكان نعم الرجل فقها وفضلا ورياسة وصلاحا توفي في ذي الحجة رحمه الله
وفيها عبد الرحيم بن أبي القسم الجرجاني أبو الحسن أخو زينب الشعرية ثقة صالح مكثر روى مسلما عن الفراوي والسنن والآثار عن عبد الجبار الحواري والموطأ عن السيدي والسنن الكبير عن عبد الجبار الدهان وتوفي في المحرم
وفيها الدولعي نسبة إلى الدولعية قرية بالموصل خطيب دمشق ضياء الدين عبد الملك بن زيد بن يس التغلبي الموصلي الشافعي وله إحدى وتسعون سنة تفقه بدمشق وسمع من الفقيه نصر الله المصيصي وببغداد من الكروخي وكان مفتيا خبيرا بالمذهب خطب دهرا ودرس بالغزالية وولى الخطابة بعده سبعا وثلاثين سنة ابن أخيه قال النووي في طبقاته كان عبد الملك شيخ شيوخنا وكان أحد الفقهاء المشهورين والصلحاء الورعين توفي في ربيع الأول ودفن بباب الصغير ونقل عنه في الروضة
وفيها على بن محمد بن على بن يعيش سبط ابن الدامغاني روى عن ابن الحصين وزاهر وتوفي في صفر وكان متميزا جليلا لقيه ابن عبد الدائم
وفيها لولو الحاجب العادلي من كبار الدولة له مواقف حميدة بالسواحل وكان مقدم المجاهدين المؤيدين الذين ساروا الحرب الفرنج الذين قصدوا الحرم النبوي في البحر وظفروا بهم قيل أن لولو سار جازما بالنصر وأخذ معه قيودا بعدد الملاعين وكانوا ثلثمائة وشيء كلهم من الأبطال من كرك الشوبك مع طائفة من العرب المرتدة فلما بقى بينهم وبين المدينة يوم ادركهم لؤلؤ وبذل الأموال للعرب فخامروا معه وذلت الفرنج واعتصموا


بجبل فترجل لؤلؤ وصعد إليهم بالناس وقيل بل صعد في تسعة أنفس فهابوه وسلموا أنفسهم فصفدهم وقيدهم كلهم وقدم بهم مصر وكان يوم دخولهم يوما مشهودا وكان لولو شيخا أرمنيا من غلمان القصر فخدم مع صلاح الدين فكان أينما توجه فتح ونصر ثم كبر وترك وكان يتصدق كل يوم بعدة قدور طعام وباثني عشر ألف رغيف ويضعف ذلك في رمضان توفي في صفر رحمه الله تعالى
وفيها ابن الوزان عماد الدين محمد بن الأمام أبي سعد عبد الكريم بن أحمد الرازي شيخ الشافعية بالري وصاحب شرح الوجيز قال ابن السمعاني عالم محقق مدقق تفقه على والده ثم علي أبي بكر الخجندي وجالس الشيخ أبا اسحق
وفيها ابن الزكي قاضي الشام محي الدين أبو المعالي محمد بن قاضي القضاة منتخب الدين محمد بن يحيى القرشي من ذرية عثمان بن عفان رضي الله عنه الشافعي ولد سنة خمسين وخمسمائة وروى عن الوزير الفلكي وجماعة وكان فقيها إماما طويل الباع في الإنشاء والبلاغة فصيحا مفوها كامل السؤدد قال ابن خلكان كان ذا فضائل عديدة من الفقه والأدب وغيرهما وله النظم المليح والخطب والرسائل وتولى القضاء بدمشق وكذلك أبوه زكي الدين وجده مجد الدين وجد أبيه زكي الدين وهو أول من ولى من بيتهم وولده زكي الدين أبو العباس الطاهر ومحي الدين أبو الفضل يحيى كانوا قضاتها وكانت له عند السلطان صلاح الدين المنزلة العالية ولما فتح السلطان المذكور حلب ثامن صفر سنة تسع وسبعين وخمسمائة أنشده القاضي محي الدين قصيدة بائية من جملة أبياتها
( وفتحك القلعة الشهباء في صفر ** مبشر بفتوح القدس في رجب )
فكان كما قال فأن القدسي فتحت لثلاث يقين من رجب سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة فقيل لمحي الدين من اين لك هذا قال أخذته


من تفسير ابن برجان في قوله تعالى { الم غلبت الروم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون في بضع سنين } وذكر له حسابا طويلا وطريقا في استخراج ذلك وخطبته يوم فتح المقدس من أبلغ الخطب وأشهرها فلا نطول بذكرها وتوفي في سابع شعبان بدمشق ودفن من يومه بسفح قاسيون .
وفيها محمود بن عبد المنعم التميمي الدمشقي روى معجم ابن جميع عن جمال الإسلام وتوفي في جمادى الأولى .
وفيها السبط أبو القسم هبة الله بن الحسن بن أبي سعيد الهمداني سبط ابن لآل روى عن أبيه وابن الحصين وخلق توفي في المحرم
وفيها البوصيري أبو القسم هبة الله بن علي بن مسعود الأنصاري الكاتب الأديب مسند الديار المصرية ولد سنة ست وخمسمائة وسمع من أبي صادق المديني ومحمد بن بركات السعيدي وطائفة وتفرد في زمانه ورحل إليه توفي في ثاني صفر
وفيها أبو غالب هبة الله بن عبد الله بن هبة الله بن محمد السامري ثم البغدادي الحريمي ثم الآزجي الفقيه الحنبلي الواعظ سمع من أبي البدر الكرخي وغيره ولازم أبا الفرج بن الجوزي وتفقه وتكلم وافتى ووعظ قال القادسي كان فقيها مجودا واعظا دينا خيرا سمع منه ابن القطيعي وروى عنه ابن خليل في معجمه وتوفي ليلة الخميس ثامن عشر المحرم ودفن من الغد بمقبرة الأمام احمد قريبا من بشر الجافي رضي الله عنهم أجمعين

سنة تسع وتسعين وخمسمائة

في ليلة السبت سلخ المحرم هاجت النجوم في السماء شرقا وغربا وتطايرت كالجراد المنتشر يمينا وشمالا وأقام ذلك إلى الفجر وانزعج الخلق وضجوا بالدعاء ولم يعهد مثل ذلك الاعام البعث قاله السيوطي في حسن المحاضرة


وفيها توفي أبو علي بن شنانة الحسن بن إبراهيم بن منصور الفرغاني ثم البغدادي الصوفي روى عن ابن الحصين وغيره وتوفي في صفر
وفيها أبو محمد بن عليان عبد الله بن محمد بن عبد القاهر الحربي روى عن ابن الحصين وجماعة وتغير من السوداء في آخر عمره مديدة
وفيها أبو الفتح القاشاني إسماعيل بن محمد بن محمد بن يوسف بن محمد بن الخليل المروذي الحافظ ابن أبي نصر كان عالما فاضلا حافظا من المكثرين قال ابن ناصر الدين في بديعته
( ثم الفتى إسماعيل ذا القاشاني ** ثبت صدوق طيب اللسان )
وفيها أبو اسحق إبراهيم بن احمد بن محمد بن احمد بن الصقال الطيبي ثم البغدادي الازجي الفقيه الحنبلي مفتي العراق ويلقب موفق الدين ولد في خامس عشرى شوال سنة خمس وعشرين وخمسمائة وسمع من ابن الطلاية وابن ناصر وأبي بكر بن الزاغوني وغيرهم وقرأ الفقه على القاضي أبي يعلي الصغير وأبي حكيم النهرواني وقيل وعلى ابن المنى أيضا وبرع في الفقه مذهبا وخلافا وجدلا واتقن علم الفرائض والحساب وكتب خطا حسنا وافتى ودرس وناظر وكان من أكابر العدول وشهود الحضرة واعيان المفتين المعتمد على اقوالهم في المحافل والمجالس متين الديانة حسن المعاشرة طيب المفاكهة وسمع منه القطيعي وروى عنه ابن الدبيثي والحافظ الضياء وابن النجار وتوفي يوم الاثنين ثاني ذي الحجة ودفن بباب حرب وهو منسوب إلى الطيب بلدة قديمة بين واسط والاهواز وينسب إليها الطيبي شارح الكشاف أيضا
وفيها أبو بكر مجد الدين عبيد الله بن علي بن نصر بن حمرة بن علي ابن عبيد الله البغدادي التميمي المعروف بابن المرستانية الفقيه الحنبلي الأديب المحدث المؤرخ كان يذكر انه من ولد أبي بكر الصديق رضي الله عنه ويذكر


نسبا متصلا إليه وذكرانه ولد سنة إحدى وأربعين وخمسمائة وسمع الحديث من أبي المظفر بن الشبلي وابن البطي وابن بندار وشهدة وغيرهم وقرأ كثيرا على المشايخ المتأخرين بعدهم وحصل الأصول وعني بهذا الفن وتفقه في المذهب وصنف كتابا سماه ديوان الإسلام في تاريخ دار السلام قسمه ثلثمائة وستين كتابا وله غير ذلك قال ابن النجار كان قد قرأ كثيرا من علم الطب والمنطق والفلسفة وكانت بينه وبين عبيد الله بن يونس صداقة فلما أفضيت إليه الوزارة اختص به وقوى جاهه وبنى دارا بدرب الشاكرية وسماها دار العلم وحصل فيه خزانة كتب وأوقفها على طلاب العلم ورتب ناظرا على أوقاف المارستان العضدي فلم تحمد سيرته فقبض عليه وسجن في المارستان مدة مع المجانين مسلسلا وبيعت داره دار العلم بما فيها من الكتب مع سائر أمواله واطلق فصار يطبب الناس ويدور على المرضى في منازلهم وصادف قبولا في ذلك فأثرى وعاد إلى حالة حسنة وحصل كتبا كثيرة وكان القبض عليه بعد عزل ابن يونس والقبض عليه وتتبع أصحابه وفي تلك الفتنة كانت محنة ابن الجوزي أيضا وبالغ ابن النجار في الحط عليه بسبب ادعائه النسب إلى أبي بكر الصديق ونسبه إلى انه روى عن مشايخ لم يدركهم واختلق طباقا على الكتب بخطوط مجهولة تشهد بكذبه وتزويره قاله ابن رجب ثم انتصر له
وفيها زين الدين أبو الحسن على بن إبراهيم بن نجا بن غنايم الأنصاري الدمشقي الفقيه الحنبلي الواعظ المفسر المعروف بابن نجية نزيل مصر سبط الشيخ أبي الفرج الشيرازي الجيلي ولد بدمشق سنة ثمان وخمسمائة فيما ذكره ابن نقطة والمنذرى وغيرهما وقال ابن الحنبلى سنة عشر وسمع بدمشق من أبي الحسن علي بن احمد بن قيس وسمع درس خاله شرف الإسلام عبد الوهاب وتفقه وسمع التفسير واحب الوعظ وغلب عليه واشتغل به قال

ناصح الدين قال لي حفظني خالي مجلس وعظ وعمري يومئذ عشر سنين ثم نصب لي كرسيا في داره واحضر لي جماعة وقال تكلم فتكلمت فبكى قال وكان ذلك المجلس يذكره وهو ابن تسعين سنة وكان بطيء النسيان يعظ بالعربية وغيرها بعثه نور الدين الشهيد رسولا إلى بغداد سنة أربع وستين وخلع عليه خلعة سوداء فكان يلبسها في الاعياد وسمع هناك الحديث من سعد الخير ابن محمد الأنصاري وصاهره على ابنته فاطمة ونقلها معه إلى مصر وسمع من غيره ببغداد واجتمع بالشيخ عبد القادر وغيره من الاكابر وقال سبط ابن الجوزي كان ابن نجية قد اقتنى أموالا عظيمة وتنعم تنعما زائدا بحيث انه كان في داره عشرون جارية للفراش تساوي كل جارية ألف دينار واما الأطعمة فكان يعمل في داره مالا يعمل في دور الملوك وتعطيه الملوك والخلفاء أموالا عظيمة كثيرة قال ومع هذا مات فقيرا كفنه بعض أصحابه وذكر ابن الحنبلي أن ابن نجا المذكور ضاق صدره في عمره من دين عليه وان الملك العزيز عثمان لما عرف ذلك أعطاه ما يزيد على أربعة آلاف دينار مصرية قال وقال لي ما احتجت في عمري إلا مرتين وقال ناصح الدين قال لي والدي زين الدين أي صاحب الترجمة أنا اسعد بدعاء والدتي كانت صالحة حافظة تعرف التفسير قال زين الدين كنا نسمع من خالي التفسير ثم اجيء إليها فتقول ايش فسر أخي اليوم فأقول سورة كذا وكذا فتقول ذكر قول فلان ذكر الشيء الفلاني فأقول لا فتقول ترك هذا وكانت تحفظ كتاب الجواهر مجلدة تأليف والدها وسمع من ابن نجية خلق منهم الحافظ عبد الغني وابن خليل والضياء المقدسي وجماعات واجاز للمنذري وغيره وتوفي في شهر رمضان ودفن في سفح المقطم
وفيها عبد الوهاب الحنفي أبو محمد بن النحاس المعروف بالبدر المجرد

وفيها الغزنوى الفقيه بهاء الدين أبو الفضل محمد بن يوسف الحنفي المقرئ روى عن قاضي المارستان وطائفة وقرأ القراءات على سبط الخياط قرأ عليه بطرق المنهج للسخاوي وغيره ودرس المذهب وتوفي بالقاهرة في ربيع الأول
وفيها أبو عبد الله محمد بن عثمان بن عبد الله بن عمر بن عبد الباقي بن العكبري البغدادي الظفري نسبة إلى الظفرية محلة ببغداد الفقيه الحنبلي المحدث الواعظ قال ابن النجار جارنا بالظفرية حفظ القرآن في صباه وقرأه بالروايات على أبي بكر بن الباقلاني الواسطي وغيره وتفقه على مذهب الأمام احمد بن حنبل وقرأ العربية على أبي البركات الانباري وابن الخشاب وصحب شيخنا أبا الفرج ابن الجوزي وقرأ عليه شيئا من مصنفاته في الوعظ وغيره وسمع الحديث من أبي العباس احمد بن محمد بن المرقعاني وشهدة الكاتبة وخلق كثير وكان يجلس للوعظ ثم انقطع ببيته لا يخرج إلا إلى الجمعة والجماعة وكان يكثر الجلوس في المقابر سمعت منه وكان يسمع بقراءتي على مشايخنا وكان صدوقا متدينا عفيفا قليل المخالطة للناس محبا للخلوة وقال ذكران مولده في سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة وتوفي ليلة الاثنين ثامن عشر جمادى الأولى
وفيها أبو المعطوس مسند العراق أبو طاهر المبارك بن المبارك بن هبة الله الحريمي العطار ولد سنة سبع وخمسمائة وسمع من أبي علي بن المهدي وأبي الغنايم بن المهتدي بالله وبه ختم حديثهما وسمع المسند كله ورواه وتوفي في عاشر جمادى الأولى
وفيها البرهان الحنفي أبو الموفق مسعود بن شجاع الأموي الدمشقي مدرس النورية والخاتونية وقاضي العسكر كان صدرا عظما مفتيا رأسا في المذهب وارتحل إلى بخارى وتفقه هناك وعمر دهرا توفي في جمادى الآخرة وله تسع وثمانون سنة وكان لا تغسل له فرجية بل يهبها ويلبس جديدة


وفيها ابن الطفيل أبو يعقوب يوسف بن هبة الله بن محمد الدمشقي الصوفي شيخ صالح له عناية بالرواية رحل إلى بغداد وسمع من أبي الفضل الارموي وابن ناصر وطبقتهما واسمع ابنه عبد الرحيم من السلفي
وفيها أبو بكر جمال الدين محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن منصور المقدسي الزاهد أخو البهاء عبد الرحمن الاتي ذكره إن شاء الله تعالى ولد سنة ثلاث وستين وخمسمائة وسمع الحديث بدمشق ودخل مع أخيه بغداد وسمع بها وأقام بها مدة واشتغل وحصل فنونا من العلم ثم عاد وكان فقيها ورعا زاهدا كثير الخشية والخوف من الله تعالى حتى كان يعرف بالزاهد وكان يبالغ في الطهارة وأم بدمشق بمسجد دار البطيخ وهو مسجد السلاطين وحج في آخر عمره ثم توجه إلى القدس فأدركه اجله بنابلس قاله ابن رجب

سنة ستمائة

فيها أخذت الفرنج فوة عنوة واستباحوها دخلوا من فم رشيد في النيل فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
وفيها توفي العلامة أبو الفتوح العجلي منتخب الدين اسعد بن أبي الفضائل محمود بن خلف الاصبهاني الشافعي الواعظ شيخ الشافعية عاش خمسا وثمانين سنة وروى عن جماعة وكان يقنع وينسخ وله كتاب مشكلات الوجيز وتتمة التتمة وترك الوعظ وألف كتابا سماه آفات الوعاظ قال ابن شهبة ولد بإصبهان في إحدى الربيعين سنة خمس عشرة وخمسمائة وكان فقيها مكثرا من الرواية زاهدا ورعا يأكل من كسب يده يكتب ويبيع يتقوت به لا غير وكان عليه المعتمد بإصبهان في الفتوى وتوفي في صفر بأصبهان
وفيها بقا بن عمر بن جند أبو المعمر الازجي الدقاق ويسمى أيضا المبارك روى عن ابن الحصين وجماعة وتوفي في ربيع الآخر


وفيها أبو الفرج بن اللحية جابر بن محمد بن يونس الحموي ثم الدمشقي التاجر روى عن الفقيه نصر المصيصي وغيره
وفيها ابن شرقيني أبو القسم شجاع بن معالي البغدادي العراد القصناتي روى عن ابن الحصين وجماعة وتوفي في ربيع الآخر
وفيها أبو سعد بن الصفار عبد الله بن العلامة أبي حفص عمر بن أحمد بن منصور النيسابوري الشافعي فقيه متبحر أصولي عامل بعلمه ولد سنة ثمان وخمسمائة وسمع من جده لأمه أبي نصر بن القشيري وسمع سنن الدارقطني بفوت من أبي القسم الابيوردي وسمع سنن أبي داود من عبد الغافر بن إسماعيل وسمع من طائفة كتبا كبارا توفي في شعبان أو رمضان وله اثنتان وتسعون سنة
وفيها الإمام تقي الدين أبو محمد الحافظ عبد الغني بن عبد الواحد بن علي ابن سرور المقدسي الجماعيلي الحنبلي ولد سنة إحدى وأربعين وخمسمائة وهاجر صغيرا إلى دمشق بعد الخمسين فسمع أبا المكارم بن هلال وببغداد أبا الفتح ابن البطي وغيره وبالإسكندرية من السلفي وهذه الطبقة ورحل إلى أصبهان فأكثر بها سنة نيف وسبعين وصنف التصانيف الكثيرة الكبيرة الشهيرة ولم يزل يسمع ويكتب إلى أن مات واليه انتهى حفظ الحديث متنا وإسنادا ومعرفة بفنونه مع الورع والعبادة والتمسك بالأثر والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسيرته في جزءين ألفها الحافظ الضياء ابن ناصر الدين هو محدث الإسلام وأحد الأئمة المبرزين الأعلام ذو ورع وعبادة وتمسك بالآثار وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر له كتاب المصباح في ثمانية وأربعين جزءا وغيره من المصنفات وقال ابن رجب امتحن الشيخ ودعى إلى أن يقول لفظي بالقرآن مخلوق فأبى فمنع من التحديث وأفتى أصحاب التأويل بإراقة دمه فسافر إلى مصر وأقام بها إلى أن مات وقال فيه أبو نزار ربيعة بن الحسن
( يا أصدق الناس في بدو وفي حضر ** واحفظ الناس فيما قالت الرسل )


( أن يحسدوك فلا تعبأ بقائلهم ** هم الغثاء وأنت السيد البطل )
وقال الضياء ما أعرف أحدا من أهل السنة رأى الحافظ عبد الغني إلا أحبه حبا شديدا ومدحه مدحا كثيرا وكان إذا مر بأصبهان يعطف الناس في السوق فينظرون اليه ولو أقام بأصبهان مدة وأراد أن يملكها لملكها من حبهم له ورغبتهم فيه ولما وصل إلى مصر أخيرا كان إذا خرج يوم الجمعة إلى الجامع لا يقدر يمشي من كثرة الخلق يتبركون به ويجتمعون حوله وقال الشيخ موفق الدين كان جوادا يؤثر بما تصل إليه يده سرا وعلانية وقال ولده الحافظ أبو موسى ابن بنت الشيخ أبي عمر بن قدامة زوجة الحافظ عبد الغني قال لي والدي في مرضه الذي مات فيه يا بني أوصيك بتقوى الله والمحافظة على طاعته فجاء جماعة يعودونه فسلموا عليه فرد عليهم السلام وجعلوا يتحدثون ففتح عينيه وقال ما هذا الحديث اذكروا الله وقولوا لا اله إلا الله فقالوها ثم قاموا فجعل يذكر الله ويحرك شفتيه بذكره ويشير بعينه فدخل رجل فسلم عليه وقال له ما تعرفني يا سيدي فقال بلى فقمت لأناوله كتابا من جانب المسجد فرجعت وقد خرجت روحه وذلك يوم الاثنين الثالث والعشرون من ربيع الأول ودفناه يوم الثلاثاء بالقرافة مقابلة قبر الشيخ أبي عمرو بن مرزوق
وفيها أبو الفضل ركن الدين عزيز بن محمد بن الحراق القزويني الشافعي المعروف بالطاووسي كان إماما فاضلا مناظرا محجاجا قيما في علم الخلاف ماهرا فيه اشتغل فيه على الشيخ رضى الدين النيسابوري الحنفي صاحب الطريقة في الخلاف وبرز فيه وصنف ثلاث تعاليق مختصرة في الخلاف وثانية وثالثة مبسوطة واجتمع عليه الطلبة بمدينة همذان وقصدوه من البلاد البعيدة وعلقوا تعاليقه وبنى له الحاجب جمال الدين بهمذان مدرسة تعرف بالحاجبية وطريقته الوسطى أحسن من طريقتيه الأخريين لأن فقهها كثير وفوائدها غزيرة جمة

وأكثر اشتغال الناس في هذا الزمان بها واشتهر صيته في البلاد وحملت طرائقه إليها وتوفي بهمذان رابع عشر جمادي الآخرة ولعله منسوب إلى طاووس بن كيسان التابعي قاله ابن خلكان
وفيها فاطمة بنت سعد الخير بن محمد بن عبد الكريم ولدت بأصبهان سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة وسمعت حضورا من فاطمة الجوزدانية ومن ابن الحصين وزاهر الشحامي ثم سمعت من هبة الله بن الطير وخلق وتزوج بها أبو الحسن بن نجا الواعظ روت الكثير بمصر توفيت في ربيع الأول عن ثمان وسبعين سنة
وفيها القسم بن الحافظ أبي القسم علي بن الحسن المحدث أبو محمد بن عساكر الدمشقي الشافعي قال ابن شهبة ولد في جمادى الأولى سنة سبع وعشرين وخمسمائة وكان محدثا حسن المعرفة شديد الورع ومع ذلك كان كثير المزاح وتولى مشيخة دار الحديث النورية بعد والده فلم يتناول من معلومها شيئا بل كان يرصده للواردين من الطلبة حتى قيل لم يشرب من مائها ولا توضأ وقال الذهبي سمع من جد أبويه القاضي الزكي يحيى بن علي القرشي وجمال الإسلام بن مسلم وطبقتهما وأجاز له الفراوي وقاضي المارستان وطبقتهما وكان محدثا فهما كثير المعرفة شديد الورع صاحب مزاح وفكاهة وخطه ضعيف عديم الإتقان وتوفي في صفر
وفيها محمد بن صافي أبو المعالي البغدادي النقاش روى عن أبي بكر المررزبي وجماعة وتوفي في ربيع الآخر
وفيها أبو البركات محمد بن أحمد التكريتي الأديب يعرف بالمؤيد كان في زمنه شخص نحوي يعرف بالوجيه النحوي حنبلي المذهب فآذاه الحنابلة فتحنف فآذاه الحنفية فانتقل إلى المذهب الشافعي فجعلوه مدرس النظامية في النحو


( فعمل فيه المؤيد التكريتي
( إلا مبلغ عنى الوجيه رسالة ** وان كان لا تجدي إليه الرسائل )
( تمذهبت للنعمان بعد ابن حنبل ** وذلك لما أعوزتك المآكل )
( وما اخترت رأى الشافعي تدينا ** ولكنما تهوي الذي هو حاصل )
( وعما قليل أنت لاشك صائر ** الى مالك فافهم لما أنا قائل )
وفيها المبارك بن إبراهيم بن مختار بن تغلب الأزجي الطحان بن الشبيي روى عن ابن الحصين وجماعة وتوفي في شوال
وفيها صنيعة الملك القاضي أبو محمد هبة الله بن يحيى بن علي بن حيدرة المصري ويعرف بابن مشير المعدل راوي كتاب السيرة توفي في ذي الحجة
وفيها وجزم السيوطي انه في التي قبلها قال في حسن المحاضرة أبو القسم هبة الله بن معد بن عبد الكريم القرشي الدمياطي الشافعي المعروف بابن البوري نسبة إلى بوره بلد قرب دمياط ينسب إليها السمك البورى تفقه علي ابن أبي عصرون وابن الخل ثم استقر بالإسكندرية ودرس بمدرسة السلفي انتهى
وفيها لاحق بن أبي الفضل بن علي بن حيدرة روى المسند كله عن ابن الحصين وتوفي في المحرم عن ثمان وثمانين سنة والله سبحانه وتعالى أعلم

شذرات الذهب ج 3

5

بسم الله الرحمن الرحيم

سنة إحدى وستمائة

فيها تغلبت الفرنج على مملكة القسطنطينية وأخرجوا الروم منها بعد حصار طويل وحروب كثيرة قاله في العبر وفيها خرجت الكرج فعاثوا ببلاد أذربيجان وقتلوا وسبوا ووصلت زعازعهم إلى عمل خلاط فانتدب لحربهم عسكر خلاط وعسكر أردن الروم فالتقوهم ونصر الله الإسلام وقتل في المصاف ملك الكرج وفيها جاءت الفرنج إلى حماة بغتة وأخذوا النساء الغسالات من باب البلد وخرج إليهم الملك المنصور وقاتل قتالا حسنا وكسر الفرنج عسكره ووقف في الساقة من الرقيطا إلى باب حماة ولولا وقوفه ما أبقوا من المسلمين أحدا وفيها ولدت امرأة ولدا له رأسان وأربعة أرجل وأيد ومات من يومه قاله ابن شهبة في تاريخ الإسلام
وفيها توفي السكر المحدث أحمد بن سليمان بن أحمد الحربي المقرىء المفيد عن نيف وستين سنة قرأ القراءات على أحمد بن محمد بن سيف وجماعة وسمع من سعيد بن البنا وابن البطى فمن بعدهما وكان ثقة مكثرا صاحب قرآن وتهجد وإفادة للطلبة توفي في صفر وفي حدودها وما يقرب أبو الآثار وأبو الأمانة جبريل بن صارم بن علي بن سلامة الصعبي الأديب الحنبلي قدم بغداد سنة أربع وثمانين وخمسمائة وهو فقير فتفقه في المذهب وقرأ الخلاف

وجالس النحاة وحصر طرفا صالحا من الأدب وسمع الحديث من ابن الجوزي وغيره ومدح الخليفة الناصر بعدة قصائد وأثرى ونبل مقداره واشتهر ذكره فنفذ من الديوان في رسالة إلى خوارزم شاه وسمع الحديث من مشايخ خراسان وحصل نسخا بما سمع ثم عاد إلى بغداد وقد صار له الغلمان الترك والمراكب ولم يزل يرسل من الديوان إلى خوارزم شاه إلى أن قبض عليه لسبب ظهر منه فسجن بدار الخلافة وانقطع خبره عن الناس ومما أنشد له ابن القطيعي
( لاغروان أضحت الأيام توسعني ** فقرا وغيري بالاثراء موسوم )
( فالحرف في كل حال غير منتقص ** ويدخل الاسم تصغير وترخيم )
وفيها عبد الرحيم بن محمد بن أحمد بن حمويه الأصبهاني الرجل الصالح نزيل همذان روى بالحضور معجم الطبراني عن عبد الصمد العنبري عن ابن ريذة وفيها أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن بن أيوب الحربي الفلاح آخر من سمع من أبي العز بن كادش وسمع أيضا من ابن الحصين توفي في ربيع الأول وفيها نجم الدين أبو محمد عبد المنعم بن علي بن نصر بن منصور ابن هبة الله النهري الحراني الفقيه الحنبلي الواعظ من أهل حران رحل إلى بغداد في صباه سنة ثمان وسبعين لطلب العلم فسمع من أبي السعادات القزاز وغيره وتفقه على أبي الفتح بن المنى حتى حصل طرفا صالحا من المذهب والخلاف ثم عاد إلى حران ثم قدم بغداد مرة أخرى سنة ست وتسعين ومعه ولداه النجيب عبد اللطيف والعز عبد العزيز فسمع وأسمعهما الكثير وقرأ على الشيوخ وكتب وحصل وناظر في مجالس الفقهاء وحلق المناظرين ودرس وأفاد الطلبة واستوطن بغداد وعقد بها مجلس الوعظ بعدة أماكن ذكره ابن النجار وقال كان مليح الكلام في الوعظ رشيق الألفاظ حلو العبارة كتبنا عنه شيئا يسيرا وكان ثقة صدوقا متحريا حسن الطريقة متدينا متورعا نزها

عفيفا عزيز النفس مع فقر شديد وله مصنفات حسنة وشعر جيد وكلام في الوعظ بليغ وكان حسن الأخلاق لطيف الطبع متواضعا وقال سبط ابن الجوزى كان كثير الحياء يزور جدى ويسمع معنا الحديث وذكر أنه استوطن بغداد لوحشة جرت بينه وبين خطيب حران ابن تيمية فإنه خشى منه أن يتقدم عليه وكان يقصد التجانس في كلامه وسمعته ينشد
( واشتاقكم يا أهل ودى وبيننا ** كما زعم البين المشت فراسخ )
( فأما الكرى عن ناظري فمشرد ** وأما هواكم في فؤادي فراسخ )
وقال ابن النجار أيضا توفي يوم الخميس سادس عشر ربيع الأول
وفيها شميم الحلى أبو الحسن علي بن الحسن بن عنبر النحوي اللغوي الشاعر تأدب بابن الخشاب وكان ذا تيه وحمق ودعاو كثيرة تزرى بكثرة فضائله قاله في العبر وقال ابن خلكان كان أديبا فاضلا خبيرا بالنحو واللغة وأشعار العرب حسن الشعر وكان اشتغاله ببغداد على ابن الخشاب ومن في طبقته من أدباء ذلك الوقت ثم سار إلى ديار بكر والشام ومدح الأكابر وأخذ جوائزهم واستوطن الموصل وله عدة تصانيف وجمع من نظمه كتابا سماه الحماسة ورتبه على عشرة أبواب وضاهى به كتاب الحماسة لأبي تمام وكان جم الفضيلة إلا أنه كان بذيء اللسان كثير الوقوع في الناس متعرضا لثلب أعراضهم لا يثبت لأحد في الفضل شيئا وسئل لم سمى شميما قال أقمت مدة آكل كل يوم شيئا من الطين فإذا وضعته عند قضاء الحاجة شممته فلا أجد له رائحة فسمى بذلك شميما وشميم بضم الشين المعجمة وفتح الميم وسكون الياء المثناة من تحتها وبعدها ميم وهو من الشم انتهى ملخصا وقال ياقوت الحموي قدمت آمد فقصدته فوجدته شيخا كبيرا نحيف الجسم وبين يديه جمدان مملوء كتبا من تصانيفه فقال من أين قدمت قلت من بغداد فهش لي وأقبل يسألني عنها

وقلت له إنما جئت لأقتبس من علومك شيئا فقال وأي علم تحب قلت الأدب فقال أن تصانيفي في الأدب كثيرة وكلما أجمع الناس على استحسان شيء أنشأت فكرتي من جنسه ما أدحض به المتقدمين ورأيت الناس مجمعين على خمريات أبي نواس فعملت كتاب الخمريات من نظمى لو عاش أبو نواس لاستحيا أن يذكر شعر نفسه ورأيتهم مجمعين على خطب ابن نباتة فصنفت كتاب الخطب وليس للناس اليوم إلا الاشتغال بخطبى وجعل يزرى على المتقدمين ويمدح نفسه ويجهل الأوائل فعجبت منه وقلت أنشدني شيئا من شعرك فأنشدني
( أمزج بمسبوك اللجين ** ذهبا حكته دموع عيني )
( لما نعى ناعى الفراق ** ببين من أهوى وبيني )
( كانت ولم تقدر لشيء ** قبلها إيجاب كوني )
( فأخالها التحريم لما ** شبهت بدم الحسين )
( خفقت لنا شمسان من ** لألائها في الخافقين )
( وبدت لنا في كأسها ** من لونها في حلتين )
( فأعجب هداك الله من ** كون اتفاق الضرتين )
( في ليلة جاء السرور ** بها يطالبنا بدين )
( ومضى طليق الراح من ** قد كان مغلول اليدين )
( هي زينة الأحياء في الدنيا ** وزينة كل زين )
فاستحسنت ذلك فقال ويلك يا جاهل ما عندك غير الاستحسان قلت فما أصنع قال اصنع هكذا ثم قام يرقص ويصفق إلى أن تعب ثم جلس وقال ما أصنع بهؤلاء الذين لا يفرقون بين الدر والبعر والياقوت والحجر فاعتذرت إليه وسألته عمن تقدم من العلماء فلم يحسن الثناء على أحد منهم فسألته عن أبي العلاء المعرى فغضب وقال ويلكم كم تسيئون الأدب بين يدي من هو ذاك الكلب الأعمى حتى يذكر بحضرتي فقلت يا سيدي أنا رجل محدث وأحب

أن أسألك عن شيء فقال هات مسألتك فقلت لم سميت شميما فشتمني ثم ضحك وقال بقيت مدة من عمري لا آكل إلا الطين بحيث تنشفت الرطوبة فإذا جاءني الغائط كان مثل البندقة فكنت آخذه وأقول لمن أنبسط إليه شمه فإنه لا رائحة له فكثر ذلك مني فلقبت بذلك انتهى توفي بالموصل في رجب عن سن عالية
وفيها أبو محمد محمد بن حمد بن حامد بن مفرج بن غياث الأنصاري الأرتاحي المصري الحنبلي ولد سنة سبع وخمسمائة تخمينا وسمع بمصر من أبي الحسن بن علي بن نصر بن محمد بن عفير الأرتاحي العابد وغيره وبمكة من المبارك بن الطباخ وأجاز له أبو الحسن علي بن الحسين بن عمر الفراء الموصلي وتفرد بإجازته قال المنذري كتب عنه جماعة من الحفاظ وغيرهم من أهل البلد والواردين عليها وحدثوا عنه وهو أول شيخ سمعت منه الحديث ونعته بالشيخ الأجل الصالح أبي عبد الله محمد بن الشيخ الأجل الصالح أبي الثناء حمد وقال وهو من بيت القرآن والحديث والصلاح حدث من بيته غير واحد وروى عنه ابن خليل في معجمه ونعته بالصالح وبالإمام توفي في عشرى شعبان بمصر ودفن بسفح المقطم وفيها ابن الحصيب أبو المفضل محمد بن الحسن بن أبي الرضا القرشي الدمشقي روى عن جمال الإسلام وعلي بن عقيل الصوري وضعفه ابن خليل وفيها يوسف بن سعيد البنا الأزجي البعلي الفقيه الحنبلي المحدث سمع كثيرا وكتب بخطه توفي يوم السبت سلخ السنة ودفن يوم الأحد مستهل السنة التي بعدها وفيها أبو الفتوح يوسف بن المبارك بن كامل الخفاف البغدادي سمعه أبوه الحافظ أبو بكر الكبير من القاضي أبي بكر الأنصاري وابن زريق القزاز وطائفة وكان عاميا لا يكتب توفي في ربيع الأول

سنة اثنتين وستمائة

فيها كما قال في العبر وجد باربل خروف وجهه وجه آدمي


وفيها كثرت الغارات من الكلب ابن ليون صاحب سيس على بلاد حلب يسبى ويحرق فسار لحربه عسكر حلب فهزمهم انتهى وفيها وجد التقى الأعمى مدرس الأمينية مشنوقا في المنارة الغربية ابتلى بأخذ ماله من بيته فاتهم شخصا كان يقرأ عليه ويقوده من الجامع إلى بيته ومن بيته إلى الجامع فأنكر المتهم ذلك وتعصب له أقوام عند والي البلد فوقع الناس في عرض التقى لكونه اتهم من ليس من أهل التهم ولكونه جمع المال وهو وحيد غريب وأنه ليس بصادق فيما ادعاه فغلب عليه هم من ضياع ماله والوقع في عرضه ففعل بنفسه ذلك وامتنع الناس من الصلاة عليه وقالوا قتل نفسه فتقدم الشيخ فخر الدين ابن عساكر وصلى عليه فاقتدى الناس به ودرس بعده في الأمينية الجمال المصري وكيل بيت المال وفيها توفي أبو يعلى حمزة بن علي بن حمزة ابن فارس بن القسطي البغدادي المقرىء قرأ القراءات على سبط الخياط والشهرزوري وسمع منهما ومن أبي عبد الله السلار وطائفة وكان خيرا زاهدا بصيرا بالقراءات حاذقا بها توفي في ذي الحجة
وفيها عثمان بن عيسى بن درباس القاضي العلامة ضياء الدين أبو عمرو الكردي الهدباني الحاراني ثم المصري تفقه في مذهب الشافعي على أبي العباس الخضر بن عقيل وابن أبي عصرون والخضر بن شبل وساد وبرع وتقدم في المذهب وشرح المهذب في عشرين مجلدا إلى كتاب الشهادات وشرح اللمع في مجلدين وناب عن أخيه صدر الدين عبد الملك قال ابن خلكان كان من أعلم الفقهاء في وقته بمذهب الشافعي ماهرا في أصول الفقه توفي بالقاهرة في ذي القعدة وقد قارب تسعين سنة ودفن بالقرافة الصغرى قاله ابن قاضي شهبه في طبقاته وفيها محمد بن سام صاحب غزنه قتلته الإسمعيلية في شعبان بعد قفوله من غزو الهند وكان ملكا جليلا مجاهدا واسع الممالك حسن السيرة

وهو الذي حضر عنده فخر الدين الرازي فوعظه وقال يا سلطان العالم لا سلطانك يبقى ولا تلبيس الرازي يبقى وإن مردنا إلى الله فانتحب السلطان بالبكاء
وفيها ضياء بن أبي القسم بن أحمد بن علي بن الخريف البغدادي النجار سمع الكثير من قاضي المارستان وأبي الحسين محمد بن الفراء وكان أميا توفي في شوال وفيها أبو العز عبد الباقي بن عثمان الهمداني الصوفي روى عن زاهر الشحامي وجماعة وكان ذا علم وصلاح وفيها أبو زرعة اللفتواني بفتح اللام وسكون الفاء وضم الفوقية نسبة إلى لفتوان قرية بأصبهان عبيد الله بن محمد بن أبي نصر الأصبهاني اسمعه أبوه الكثير من الحسين الخلال وحضر على ابن أبي ذر الصالحاني وبقي إلى هذه السنة وانقطع خبره بعدها
وفيها طاشتكين أمير الحاج العراقي ويلقب بمجير الدين حج بالناس ستا وعشرين سنة وكان سجاعا سمحا قليل الكلام حليما يمضي عليه الأسبوع ولا يتكلم استغاث إليه رجل فلم يكلمه فقال له الرجل الله كلم موسى فقال له وأنت موسى فقال له الرجل وأنت الله فقضى حاجته وكان قد جاوز التسعين واستأجر وقفا مدة ثلثمائة سنة على جانب دجلة ليعمره دارا وكان ببغداد رجل محدث يقال له فتيحة فقال يا أصحابنا نهنيكم مات ملك الموت فقالوا وكيف ذلك فقال طاشتكين عمره تسعون سنة واستأجر أرضا ثلثمائة سنة فلو لم يعرف أن ملك الموت قد مات لم يفعل ذلك فضحك الناس قاله ابن شهبة في تاريخه

سنة ثلاث وستمائة

فيها تمت عدة حروب بخراسان قوى فيها خوارزم شاه واتسع ملكه وافتتح بلخ وغيرها وفيها قبض الخليفة على الركنى عبد السلام بن الشيخ عبد القادر وأحرقت كتبه وحكم بفسقه وهو الذي وشى على الشيخ أبي الفرج

ابن الجوزي حتى نكب فلقاه الله تعالى وفيها توفي جمال الدولة واقف الاقباليتين اقبال الخادم بالقدس بعد أن وقف داره بدمشق مدرستين شافعية وحنفية ووقف عليها مواضع الثلثان على الشافعية والثلث على الحنفية
وفيها ايتامش مملوك الخليفة الناصر كان أقطعه الخليفة دجيل وقوفا وبها رجل نصراني من جهة الوزير ابن مهدي يؤذي المسلمين ويركب ويتجبر على المسلمين فسقى اتيامش سما فمات فأمر الخليفة أن يسلم ابن ساوة النصراني لمماليك ايتامش فكتب الوزير إلى الخليفة يقول أن النصارى بذلوا في ابن ساوة مائة ألف دينار على أن لا يقتل فكتب الخليفة على رأس الورقة
( إن الأسود أسود الغاب همتها ** يوم الكريهة في المسلوب لا السلب )
فسلم إلى المماليك فقتلوه وأحرقوه وفيها داود بن محمد بن محمود بن ماشاده أبو إسمعيل الأصبهاني في شعبان حضر فاطمة الجوزدانية وسمع زاهر الشحامي وغانم بن خالد وجماعة وفيها سعيد بن محمد بن محمد بن محمد بن عطاف أبو القسم المؤدب ببغداد روى عن قاضي المارستان وأبي القسم بن السمرقندي وتوفي في ربيع الآخر وفيها عبد الرزاق بن الشيخ عبد القادر بن أبي صالح الحافظ الثقة الحنبلي أبو بكر اسمعه أبوه من أبي الفضل الأرموي وطبقته ثم سمع هو بنفسه قال الضياء لم أر ببغداد في تيقظه وتحريه مثله وقال ابن نقطة كان حافظا ثقة مأمونا وقال ابن النجار كان حافظا ثقة متقنا حسن المعرفة بالحديث فقيها على مذهب أبي عبد الله أحمد بن حنبل ورعا متدينا كثير العبادة منقطعا في منزله عن الناس لا يخرج إلا في الجمعات محبا للرواية مكرما لطلاب العلم سخيا بالفائدة ذا مروءة مع قلة ذات يده وأخلاق حسنة وتواضع وكيس وكان خشن العيش صابرا على فقره عزيز النفس عفيفا على منهاج السلف وقال أبو شامة في تاريخه كان زاهدا عابدا ورعا لم يكن في أولاد الشيخ مثله وكان مقتنعا من الدنيا باليسير ولم يدخل فيما دخل فيه غيره من إخوته وقال ابن رجب ولد يوم الإثنين ثامن عشر ذي

القعدة سنة ثمان وعشرين وخمسمائة ببغداد وسمع الكثير بإفادة والده وبنفسه وتوفي ليلة السبت سادس شوال وصلى عليه بمواضع متعددة وكان يوما مشهودا ودفن بمقبرة الإمام أحمد وقال الذهبي حدث عنه أبو عبد الله الدبيثي وابن النجار والضياء المقدسي والنجيب عبد اللطيف والتقى اليلداني وابنه قاضي القضاة أبو صالح وآخرون وفيها أبو محمد عبد الحليم بن محمد بن أبي القسم الخضري محمد بن تيمية أبو محمد بن الشيخ فخر الدين وسيأتي ذكر والده ولد المترجم سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة وسمع الحديث ببغداد من ابن كلب وابن المعطوس وابن الجوزي وغيرهم وأقام ببغداد مدة طويلة وقرأ الفقه على مذهب الإمام أحمد وأتقن الخلاف والأصول والحساب والهندسة والفلسفة والعلوم القديمة ذكر ذلك ابن النجار وسمع منه الحافظ ضياء الدين وغيره وتوفي في سادس شوال بحران وذكر والده في كتابه الترغيب أن لولده عبد الحليم هذا كتابا سماه الذخيرة وذكر عنه فروعا في دقائق الوصايا وعويص المسائل وفيها أبو الفرج علي بن عمر بن فارس الحداد الباجراي ثم البغدادي الأزجي الفرضي الحنبلي تفقه على أبي حكيم النهرواني وقرأ الفرائض والحساب وكان فيه فضل ومعرفة وتقلب في الخدم الديوانية ذكره المنذري وقال توفي ليلة رابع شعبان ببغداد وفيها أبو الحسن علي بن فاضل بن سعد الله بن صمدون الحافظ الصوري ثم المصري قرأ القراءات على أحمد بن جعفر الغافقي وأكثر عن السلفي وسمع بمصر من الشريف الخطيب وكان رأسا في هذا الشأن وكتب الكثير توفي في صفر وفيها أبو جعفر الصيدلاني نسبة إلى بيع الأدوية والعقاقير محمد بن أحمد بن نصر الأصبهاني سبط حسين بن مندة ولد في ذي الحجة سنة تسع وخمسمائة وحضر الكثير على الحداد ومحمود الصيرفي وسمع من فاطمة الجوزدانية وانتهى إليه علو الاسناد في

الدنيا ورحلوا إليه توفي في رجب وفيها محمد بن كامل بن أحمد بن أسد أبو المحاسن التنوخي الدمشقي سمع من طاهر بن سهل الاسفراييني ومات في ربيع الأول وممن حدث عنه الفخر بن البخاري وفيها مخلص الدين أبو عبد الله محمد بن معمر بن الفاخر القرشي الأصبهاني ولد سنة عشرين وخمسمائة اسمعه والده حضورا من فاطمة الجوزدانية وجعفر الثقفي وسمع من أبي ذر وزاهر وخلق وكان عارفا بمذهب الشافعي وبالنحو والحديث قوي المشاركة محتشما ظريفا وافر الجاه توفي في ربيع الآخر وفيها صاين الدين أبو الحرم مكي بن ريان بن شبه العلامة الماكسيني بكسر الكاف وبالمهملة نسبة إلى ماكسين مدينة بالجزيرة ثم الموصلي الضرير المقري النحوي صاحب ابن الخشاب قرأ القراءات على يحيى بن سعدون وبرع في القراءات والعربية واللغة وغير ذلك ولم يكن لأهل الجزيرة في وقته مثله روى عن خطيب الموصل وسمع منه الفخر علي والناس توفي بالموصل وقد شاخ
وفيها الشيخ الكبير الشهير أبو الحسن علي بن عمر بن محمد المعروف بالأهدل وقيل توفي سنة سبع واقتصر عليه الجزري في تاريخه كان من أعيان المشايخ أهل الكرامات والإفادات قدم جده محمد من العراق على قدم التصوف وهو شريف حسيني ونشأ ابن ابنه على نشوءا حسنا وبلغ من الحال والشهرة مبلغا قيل ولم يكن له شيخ وقيل بل صحبه رجل سايح من أصحاب الشيخ عبد القادر الجيلاني وقيل رأى أبا بكر الصديق وأخذ عنه مناما وقيل أخذ من الخضر وكان يقول انانبات الرحمن وبه تخرج أبو الغيث بن جميل وتهذب وكان يقول خرجت من عند ابن أفلح لؤلؤا بهما فثقبني سيدي على الأهدل وأما والد الشيخ فكان سايحا ونعاه ولده الشيخ علي إلى أصحابه يوم مات وصلوا عليه وتوفي الشيخ علي بأحواف السودان من سهام ولذريته كرامات وبركات قاله ابن الأهدل في تاريخه

سنة أربع وستمائة

فيها سار خوارزم شاه محمد بن تكش بجيوشه وقصد الخطا فحشدوا له والتقوه فجرى لهم وقعات انهزم المسلمون وأسر جماعة منهم السلطان خوارزم شاه واختبطت البلاد وأسر معه أمير من أمرائه فأظهر خوارزم شاه أنه مملوك لذلك الأمير ثم قال الأمير أريد أن أبعث رجلا بكتابي إلى أهلي ليستفكوني بما أردت قال ابعث غلامك بذلك وقرر عليه مبلغا كبيرا فبعث مملوكه يعني خوارزم شاه وخلص بهذه الحيلة ووصل وزينت البلاد ثم قال الخطاي لذلك الأمير سلطانكم قد عدم قال أو ما تعرفه قال لا قال هو الذي قلت لك أنه مملوكي قال هلا عرفتني حتى كنت أخدمه وأسير به إلى مملكته فأسعد به قال خفتك عليه قال فسر بنا إليه فسارا إليه وفيها تملك الملك الأوحد أيوب بن العادل مدينة خلاط بعد حرب جرت بينه وبين صاحبها بليان ثم قتل بليان بعد ذلك وفيها توفي أبو العباس الرعيني أحمد بن محمد بن أحمد بن مقدام الأشبيلي المقرىء آخر من روى القراءات عن أبي الحسن شريح وسمع منه ومن أبي العربي وجماعة وكان من الأدب والزهد بمكان أخذ الناس عنه كثيرا وتوفي بين العيدين عن سبع وثمانين سنة وفيها حنبل بن عبد الله الرصافي أبو عبد الله المكبر راوي المسند بكماله عن ابن الحصين كان دلالا في الأملاك وسمع المسند في نيف وعشرين مجلسا بقراءة ابن الخشاب سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة توفي في رابع المحرم بعد عوده من دمشق وما تهنى بالذهب الذي ناله وقت سماعهم عليه قاله في العبر وفيها ست الكتبة نعمة بنت علي بن يحيى بن الطراح روت الكثير بدمشق عن جدها وتوفيت في ربيع الأول وفيها عبد المجيب بن عبد الله بن زهير البغدادي سمعه عمه عبد المغيث بن عبد الله من أحمد بن يوسف

ومن جماعة وكان كثير التلاوة جدا توفي بحماة في سلخ المحرم وفيها أبو محمد وأبو الفرج عبد الرحمن بن عيسى بن أبي الحسن علي بن الحسين البزوري البابصري الواعظ الحنبلي ولد سنة تسع وثلاثين وخمسمائة وسمع من أبي الوقت وهبة الله بن الشبلي وغيرهما وقرأ الوعظ والفقه والحديث على الشيخ أبي الفرج بن الجوزي وكان خصيصا به ثم تهاجرا وتباينا إلى أن فرق الموت بينهما قال سبط ابن الجوزي ثم حدثته نفسه بمضاهاة جدي وتكنى بكنيته واجتمع إليه سفساف أهل باب البصرة وانقطع عن جدي ولما جاء من واسط ما جاء إليه ولا زاره وتزوج صبية وهو في عشر السبعين فاغتسل في ماء بارد فانتفخ ذكره ومات وقال ابن رجب هو منسوب إلى بزورا قرية بدجيل وقال ابن النجار تفقه على مذهب أحمد ووعظ وكان صالحا حسن الطريقة خشن العيش غزير الدمعة عند الذكر كتبت عنه وهو الذي جمع سيرة ابن المنى وطبقات أصحابه وذكر فيها أنه لزمه وقرأ عليه وكلامه فيها يدل على فصاحة ومعرفة بالفقه والأصول والحديث وقد ذكره الحافظ الضياء فقال شيخنا الإمام الواعظ أبو محمد ولكن ابن الجوزي وأصحابه يذمونه توفي ليلة الإثنين السادس من شعبان ودفن بباب حرب
وفيها أبو الفضل عبد الواحد بن عبد السلام بن سلطان الأزجي البيع المقرى الأستاذ قرأ القراءات على سبط الخياط وأبي الكرم الشهرزوري وسمع منهما ومن الأرموي وأقرأ القراءات وكان دينا صالحا توفي في ربيع الأول
وفيها ابن الساعاتي الشاعر المفلق بهاء الدين علي بن محمد بن رستم صاحب ديوان الشعر قال ابن خلكان له ديوان شعر يدخل في مجلدين أجاد فيه كل الإجادة وآخر لطيف سماه مقطعات النيل نقلت منه
( لله يوم في سيوط وليلة ** صرف الزمان باختها لا يغلط )
( بتنا وعمر الليل في علوائه ** وله بنور البدر فرع اشمط )


( والطل في سلك الغصون كلؤلؤ ** رطب يصافحه النسيم فيسقط )
( والطير يقرأ والغدير صحيفة ** والريح يكتب والغمام ينقط )
وهذا تقسم بديع ونقلت منه أيضا
( ولقد نزلت بروضة خزية ** رتعت نواظرها بها والأنفس )
( وظللت أعجب حيث يحلف صاحبي ** والمسك من نفحائها يتنفس )
( ما الجو الا عنبر والدوح ** الا جوهر والروض الا سندس )
( سفرت شقايقها فهم الأقحوان ** بلثمها فرنا إليه النرجس )
( فكأن ذا خد وذا ثغر يحا ** وله وذا أبدا عيون تحرس )
وله كل معنى مليح أخبرني ولده بالقاهرة المحروسة أن أباه توفي يوم الخميس الثالث والعشرين من شهر رمضان بالقاهرة ودفن بسفح المقطم وعمره إحدى وخمسون سنة وستة أشهر واثني عشر يوما انتهى
وفيها أبو ذر الخشني مصعب بن محمد بن مسعود الجياني النحوي اللغوي الفقيه المالكي ويعرف أيضا بابن أبي ركب صاحب التصانيف وحامل لواء العربية بالأندلس ولي خطابة اشبيلية مدة ثم قضاء جيان ثم تحول إلى فاس وبعد صيته وسارت الركبان بتصانيفه توفي بفاس وله سبعون سنة

سنة خمس وستمائة

فيها نازلت الكزج مدينة ارحلس فافتتحوها بالسيف وأحرقوها قال ابن الأهدل والكزج بالزاي والجيم وفيها توفي ابن الفارض الحسين ابن أبي نصر بن حسين بن هبة الله بن أبي حنيفة الحريمي المقري الضرير روى عن ابن الحصين وعمر دهرا وتوفي في شعبان وفيها أبو عبد الله الحسين بن أحمد الكرخي الكاتب روى عن قاضي المارستان وأبي منصور

ابن زريق مات في ذي القعدة وفيها صاحب الجزيرة العمرية الملك سنجرشاه بن غازي بن مودود بن اتابك زنكي قتله ابنه غزاي وحلفوا له ثم وثب عليه من الغد خواص أبيه فقتلوه وملكوا أخاه الملك المعظم وكان سنجر سيء السيرة ظلوما وفيها الجبائي الإمام السني أبو محمد عبد الله بن أبي الحسن بن أبي الفرج قال المنذري ابن أبي الفضل بدل ابن أبي الفرج والأول أصح قال القطيعي سألته عن مولده فقال سنة إحدى وعشرين وخمسمائة تقريبا وسألته عن نسبه فقال نحن من قرية يقال لها الجبة من ناحية بسرى من أعمال طرابلس وكنا قوما نصارى فتوفي أبي ونحن صغار وكان أبي من علماء النصارى وهم يعتقدون فيه أنه يعلم الغيب فلما مات نفذت إلى المعلم فقالت والدتي ولدي الكبير للكسب وعمارة أرضنا وولدي الصغير يضعف عن الكسب وأشارت إلي ولنا أخ أوسط فقال المعلم أما هذا الصغير يعنيني فما يتعلم ولكن هذا وأشار إلى أخي فأخذه وعلمه ليكون مقام أبي فقدر الله أن وقعت حروب فخرجنا من قريتنا فهاجرت من بينهم وكان في قريتنا جماعة من المسلمين يقرءون القرآن وإذا سمعتهم أبكي فلما دخلت أرض الإسلام أسلمت وعمري بضع عشرة سنة ثم بلغني إسلام أخي الكبير وتوفي مرابطا ثم أسلم أخي الذي كان يعلمه المعلم ودخلت بغداد في سنة أربعين وخمسمائة وقال ابن رجب وأصابه سباء فاسترق وقال أبو الفرج ابن الحنبلي كان مملوكا فقرأ القرآن في حلقة الحنابلة بجامع دمشق فحفظه وحفظ شيئا من عبادات المذهب الحنبلي فقام قوم إلى الشيخ زين الدين علي بن إبراهيم بن نجا الواعظ وهو على منبر الوعظ فقالوا هذا الصبي قد حفظ القرآن وهو على خير نريد أن نشتريه ونعتقه فاشتري من سيده وأعتق وسافر عن دمشق وطلب همذان ولقي الحافظ أبا العلاء الهمذاني فأقام عنده وقرأ عليه القرآن وسمع الحديث وصار عند الحافظ مصدرا يقرىء الناس

ويأخذ عليه واشتهر بالخير والعلم ودخل العجم وسمع الكثير ورجع إلى بغداد وسمع حديثها ولقي مشايخها قال ولقيته ببغداد واستزارني إلى بيته وقال جماعته أنا مملوك بيت الحنبلي ثم سافر إلى أصبهان وقال الشيخ موفق الدين كان رجلا صالحا وهو من جبة طرابلس سبي من طرابلس صغيرا واشتراه ابن نجية وأعتقه فسافر إلى بغداد ثم إلى أصبهان وكان يسمع معنا الحديث انتهى سمع المترجم من ابن ناصر وأضرابه وتفقه على أبي حكيم النهرواني وصحب الشيخ عبد القادر الجيلي مدة مائلا إلى الزهد والصلاح وانتفقع به قال ابن النجار كتب إلى عبد الله بن أبي الحسن الجبائي قال كنت أسمع كتاب حلية الأولياء على شيخنا ابن ناصر فرق قلبي وقلت في نفسي اشتهيت أن أنقطع عن الخلق وأشتغل بالعبادة ومضيت وصليت خلف الشيخ عبد القادر فلما صلى جلسنا بين يديه فنظر إلي وقال إذا أردت الانقطاع فلا تنقطع حتى تتفقه وتجالس الشيوخ وتتأدب بهم فحينئذ يصلح لك الانقطاع وإلا فتمضي وتنقطع قبل أن تتفقه وأنت فريخ ما ريشت فإن أشكل عليك شيء من أمر دينك تخرج من زاويتك وتسأل الناس عن أمر دينك ما أحسن صاحب الزاوية أن يخرج من زاويته ويسأل الناس عن أمر دينه ينبغي لصاحب الزاوية أن يكون كالشمعة يستضاء بنوره قال وكان الشيخ يتكلم يوما في الإخلاص والرياء والعجب وأنا حاضر في المجلس فخطر في نفسي كيف الخلاف من العجب فالتفت إلى الشيخ وقال إذا رأيت الأشياء من الله تعالى وأنه وفقك لعمل الخير وأخرجت من البين سلمت من العجب وقال ابن الحنبلي كانت حرمة الشيخ عبدالله كبيرة ببغداد وبأصبهان وكان إذا مشى في السوق قام له أهل السوق وله رياضات ومجاهدات وروى عنه ابن خليل في معجمه وتوفي ثالث جمادى الآخرة بأصبهان وفيها عبدالواحد بن أبي المطهر القسم بن الفضل الصيدلاني الأصبهاني في جمادى الأولى عن إحدى وتسعين

سنة سمع من جعفر الثقفي وفاطمة الجوزدانية وغيرهم وفيها أبو الحسن المعافري خطيب القدس علي بن محمد بن علي بن جميل المالقي المالكي سمع كتاب الأحكام من مصنفه عبدالحق وسمع بالشام من يحيى الثقفي وجماعة وكتب وحصل ونال رياسة وثروة مع الدين والخير وفيها علي بن ربيعة بن أحمد بن محمد بن حينا الحربوي من أهل حربا من سواد بغداد قدم بغداد في صباه وصحب عمه لامه أبا المقال سعد بن علي الخاطري وقرأ عليه الأدب وحفظ القرآن وتفقه في مذهب الإمام أحمد وسمع الحديث من أبي الوقت وسعيد بن البنا وأبي بكر بن الزاغوني وغيرهم وشهد عند الحكام وتوكل للخليفة الناصر ورفع قدره ومنزلته ثم عزل عن الوكالة وكان ذا طريقة حميدة وحسن سمت واستقامة وعفة ونزاهة فاضلا خيرا يكتب خطا حسنا على طريقة ابن مقلة وسمع منه إسحق العلثي وكان يكره الرواية ويقل مخالطة الناس ذكره ابن النجار وقال توفي يوم السبت ثامن شوال ودفن بباب حرب وأظنه قارب السبعين وفيها أبو الجود غياث ابن فارس اللخمي مقرىء الديار المصرية ولد سنة ثمان وخمسمائة وسمع من ابن رفاعة وقرأ القراءات على الشريف الخطيب واقرأ الناس دهرا وآخر من مات من أصحابه إسمعيل المليجي توفي في رمضان وفيها أبو الفتح الميداني محمد بن أحمد بن بختيار الواسطي المعدل مسند العراق ولد سنة سبع عشرة وخمسمائة واسمعه أبوه القاضي أبو العباس من ابن الحصين وأبي عبد الله البارع وغيرهما وتفقه على سعيد بن الرزاز وتأدب على ابن الجواليقي توفي في شعبان وكان من خيار الناس وفيها أو في التي قبلها كما جزم به ابن قاضي شهبة محمد بن أحمد بن أسعد الإمام أبو الخطاب رئيس الشافعية ببخارى هو وأبوه وجده وجد جده قال السبكي في الطبقات الكبرى كان عالم تلك البلاد وإمامها ومحققها وزاهدها وعابدها وقال عفيف الدين المطري

هو مجتهد زمانه وعلامة أقرانه لم تر العيون مثله ولا رأى مثل نفسه انتهى قال السبكي وهو مصنف المخلص وكتاب المصباح كلاهما في الفقه
وفيها أبو بكر بن مشق المحدث العالم محمد بن المبارك بن محمد البغدادي البيع عاش ثنتين وسبعين سنة وروى عن القاضي الأرموي وطبقته وكان صدوقا متوددا بلغت أثبات مسموعاته ست مجلدات

سنة ست وستمائة

فيها جلس سبط ابن الجوزي بجامع دمشق ووعظ وحث على الغزاة وكان الناس من باب الساعات إلى مشهد زين العابدين واجتمع عنده شعور كثيرة وذكر حكاية أبي قدامة الشامي مع تلك المرأة التي قطعت شعرها وبعثت به إليه وقالت اجعله قيدا لفرسك في سبيل الله فعمل من الشعور التي عنده مجتمعة شكلا لخيل المجاهدين ولما صعد المنبر أمر بإحضارها فكانت ثلثمائة شكال فلما رآها الناس صاحوا صيحة واحدة وقطعوا مثلها وكان والي دمشق حاضرا والأعيان فلما نزل عن المنبر قام والي دمشق ومشى مع السبط وركب وركب الناس وخرجوا إلى باب المصلى وكانوا خلقا لا يحصون كثرة وساروا إلى نابلس لقتال الفرنج فأسروا وهزموا وهدموا وقتلوا ورجعوا سالمين غانمين وفي سابع شوال شرعوا في عمارة المصلى بظاهر دمشق المجاورة لمسجد النارنج برسم صلاة العيدين وفتحت له الأبواب من كل جانب وبنى له منبر كبير عال وفيها جددت أبواب الجامع الغربية من جهة باب البريد بالنحاس الأصفر وفيها توفي إدريس بن محمد أبو القسم العطار المعروف بآل والويه روى عن محمد بن علي بن أبي ذر الصالحاني وتوفي في شعبان قيل أنه جاوز المائة وفيها أسعد ويسمى محمد بن المنجا بن بركات بن المؤمل التنوخي المعرى ثم الدمشقي الحنبلي القاضي وجيه الدين أبو المعالي ويقال

في أبيه أبو المنجا وفي جده أبو البركات ولد سنة تسع عشرة وخمسمائة وسمع بدمشق من أبي القسم نصر بن أحمد بن مقاتل السوسي وببغداد من أبي الفضل الأرموي وأبي العباس المايداي وغيرهم وهو واقف الوجيهية التي برأس باب البريد وهي مدرسة قريبة من مدرسة الخاتونية الجوانية وبها خلا وكثيرة ولها وقف كثير اختلس قال المنذري وتفقه ببغداد على مذهب الإمام أحمد وقال الذهبي ارتحل إلى بغداد وتفقه بها وبرع في المذهب وأخذ الفقه عن الشيخ عبد القادر الجيلي وغيره وتفقه بدمشق على شرف الإسلام عبدالوهاب ابن الشيخ أبي الفرج وأخذ عنه الشيخ الموفق وروى عنه جماعة وقال ناصح الدين بن الحنبلي كان أبو المعالي بن المنجا يدرس في المسمارية يوما وأنا يوما ثم استقليت بها في حياته وكان له اتصال بالدولة وخدمة السلاطين وأسن وكبر وكف بصره في آخر عمره وله تصانيف منها كتاب الخلاصة في الفقه والعمدة والنهاية في شرح الهداية في بضعة عشر مجلدا وسمع منه جماعة منهم الحافظ المنذري وابن خليل وابن البخاري وتوفي ثامن عشرى ربيع الأول ودفن بسفح قاسيون رحمه الله تعالى وفيها أبو الطاهر إسمعيل بن نعمة بن يوسف ابن شبيب الرومي المصري العطار الأديب البارع ابن أبي حفص ولد سنة إحدى وخمسين وخمسمائة تقديرا وكان بارعا في الأدب حنبلي المذهب له مصنفات أدبية وله مماليك منها مائة جارية ومائة غلام وغير ذلك وكان بارعا في معرف العقاقير ذكره المنذري وقال رأيته ولم يتفق لي السماع منه وتوفي في عشرى المحرم بمصر ودفن إلى جنب أبيه بسفح المقطم على جانب الخندق وكان أبوه رجلا صالحا مقرئا وأخوه مكي هو الذي جمع سيرة الحافظ عبد الغني
وفيها عفيفة بنت أحمد بن عبد الله بن محمد بن هاني الفارقانية الأصبهانية ولدت سنة ست عشرة وخمسمائة وهي آخر من روى عن عبد الواحد

صاحب أبي نعيم ولها إجازة من أبي علي الحداد وجماعة وسمعت من فاطمة المعجمين الكبير والصغير للطبراني توفيت في ربيع الآخر وفيها القاضي الأسعد أبو المكارم أسعد بن الخطير أبي سعد مهذب بن ميناس بن زكريا ابن أبي قدامة بن أبي مليح مماتي المصري الكاتب الشاعر كان ناظر الدواوين بالديار المصرية وفيه فضائل وله مصنفات عديدة ونظم سيرة السلطان صلاح الدين ونظم كتاب كليلة ودمنة وله ديوان شعر منه
( تعاتبني وتنهى عن أمور ** سبيل الناس أن ينهوك عنها )
( أتقدر أن تكون كمثل عيني ** وحقك ما على أضر منها )
وله في ثقيل رآه بدمشق
( حكى نهرين ما في الأرض ** من يحكيهما أبدا )
( حكى في خلقه تورا ** وفي ألفاظه بردا )
وله في غلام نحوي
( وأهيف أحدث لي نحوه ** تعجبا يعرب عن ظرفه )
( علامة التأنيث في لفظه ** وأحرف العلة في ظرفه )
توفي يوم الأحد سلخ جمادى الأولى عن اثنتين وستين سنة وكانت وفاته في حلب وفيها أحمد بن أحمد بن حكينا الشاعر الأديب قال العماد أجمع أهل بغداد على أنه لم يرزق أحد من الشعر لطافة شعره ومنه
( لافتضاحي في عوارضه ** سبب والناس لوام )
( كيف يخفى ما أكابده ** والذي أهواه نمام )
وقوله
( لما بدا خط العذار ** بريش عارضه بمشق )
( فظننت أن سواده ** فوق البياض كتاب عتق )
( فإذا به من سوء حظي ** عهدة كتبت برقي )


وفيها أبو عبد الله المرادي محمد بن سعيد المرسي أخذ القراءات عن ابن هذيل وسمع من جماعة وتوفي في رمضان وفيها الإمام فخر الدين الرازي العلامة أبو عبدالله محمد بن عمر بن حسين القرشي الطبرستاني الأصل الشافعي المفسر المتكلم صاحب التصانيف المشهورة ولد سنة أربع وأربعين وخمسمائة واشتغل على والده الإمام ضياء الدين خطيب الري صاحبمحي السنة البغوي وكان فخر الدين ربع القامة عبل الجسم كبير اللحية جهوري الصوت صاحب وقار وحشمة له ثروة ومماليك وبزة حسنة وهيئة جميلة إذا ركب مشى معه نحو الثلثمائة مشتغل على اختلاف مطالبهم في التفسير والفقه والكلام والأصول والطب وغير ذلك وكان فريد عصره ومتكلم زمانه رزق الحظوة في تصانيفه وانتشرت في الأقاليم وكان له باع طويل في الوعظ فيبكي كثيرا في وعظه سار إلى شهاب الدين الغوري سلطان غزنة فبالغ في إكرامه وحصلت له منه أموال طائلة واتصل بالسلطان علاء الدين خوارزم شاه فحظي لديه وكان بينه وبين الكرامية السيف الأحمر فينال منهم وينالون منه سبا وتكفيرا حتى قيل أنهم سموه فمات وخلف تركة ضخمة منها ثمانون ألف دينار توفي بهراة يوم عيد الفطر قاله جميعه في العبر وقال ابن قاضي شهبة ومن تصانيفه تفسير كبير لم يتمه في اثني عشر مجلدا كبارا سماه مفاتيح الغيب وكتاب المحصول والمنتخب ونهاية المعقول وتأسيس التقديس والمعالم في أصول الدين والمعالم في أصول الفقه والملخص في الفلسفة وشرح سقط الزند لأبي العلاء وكتاب الملل والنحل ومن تصانيفه على ما قيل كتاب السر المكتوم في مخاطبة الشمس والنجوم على طريقة من يعتقده ومنهم من أنكر أن يكون من مصنفاته انتهى ملخصا وقال ابن الصلاح أخبرني القطب الطوعاني مرتين أنه سمع فخر الدين الرازي يقول يا ليتني لم أشتغل بعلم الكلام وبكى وروى عنه أنه قال لقد

اختبرت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فلم أجدها تروي غليلا ولا تشفي عليلا ورأيت أصح الطرق طريقة القرآن أقرأ في التنزيه { والله الغني وأنتم الفقراء } وقوله تعالى { ليس كمثله شيء } و { قل هو الله أحد } وأقرأ في الأثبات { الرحمن على العرش استوى } { يخافون ربهم من فوقهم } و { إليه يصعد الكلم الطيب } وأقرأ أن الكل من الله قوله { قل كل من عند الله } ثم قال وأقول من صميم القلب من داخل الروح أني مقر بأن كل ما هو إلا كمل الأفضل الأعظم الأجل فهو لك وكلما هو عيب ونقص فأنت منزه عنه انتهى وقال ابن الأهدل ومن شعره
( نهاية أقدام العقول عقال ** وأكثر سعي العالمين ضلال )
( وأرواحنا في وحشة من جسومنا ** وحاصل دنيانا أذى ووبال )
( ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا ** سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا )
وأنشد يوما معاتبا لأهل هراة
( المرء ما دام حيا يستهان به ** ويعظم الرزء فيه حين يفتقد )
انتهى وفيها العلامة مجد الدين أبو السعادات بن الأثير المبارك بن محمد بن محمد بن عبدالكريم الشيباني الجزري ثم الموصلي الشافعي الكاتب مصنف جامع الأصول والنهاية في غريب الحديث ولد سنة أربع وأربعين وسمع من يحيى بن سعدون القرطبي وخطيب الموصل قال ابن شهبة في طبقاته ولد بجزيرة ابن عمر ونشأ بها ثم انتقل إلى الموصل وسمع الحديث وقرأ الفقه والحديث والأدب والنحو ثم اتصل بخدمة السلطان وترقت به المنازل حتى باشر كتابة السر وسأله صاحب الموصل أن يلي الوزارة فاعتذر بعلو السند والشهرة بالعلم ثم حصل له نقرس أبطل حركة يديه ورجليه وصار يحمل في محفة وقال ابن خلكان كان فقيها محدثا أديبا نحويا عالما بصنعة الحساب والإنشاء ورعا عاقلا مهيبا ذا بر وإحسان وذكره ابن المستوفى

والمنذري وأثنى كل واحد منهما عليه وذكره ابن نقطة وقال توفي آخر يوم من سنة ست وستمائة برباطه في قرية من قرى الموصل ودفن به وقال ابن الأهدل له مصنفات بديعة وسيعة منها جامع الأصول الستة الصحاح أمهات الحديث وضعه على كتاب رزين بن معاوية الأندلسي إلا أن فيه زيادات كثيرة ومنها النهاية في غريب الحديث وكتاب الإنصاف في الجمع بين الكشف والكشاف في تفسير القرآن العظيم أخذه من الثعلبي والزمخشري وله كتاب المصطفى والمختار في الأدعية والأذكار وكتاب صنعة الكتابة وشرح أصول ابن الدهان في النحو وكتاب الشافعي في شرح مسند الشافعي وغير ذلك وعرض له فالج أبطل نصفه وبقي مدة تغشاه الأكابر من العلماء وأنشأ رباطا ووقف أملاكه عليه وداره التي يسكنها وحكى أن تصنيفه كله في حال تعطله لأنه كان عنده طلبة يعينونه على ذلك وحكى أخوه أبو الحسين جاءه طبيب وعالجه بدهن قارب أن يبرأ فقال إني في راحة من صحبة هؤلاء القوم وحضورهم وقد سكنت نفسي إلى الإنقطاع فدعني أعش باقي عمري سليما من الذل وترك انتهى وفيها ابن الأخوة مؤيد الدين أبو مسلم هشام بن عبد الرحيم بن أحمد بن محمد بن الأخوة البغدادي ثم الأصبهاني المعدل سمع حضورا من أبي ذر وزاهر وسمع من أبي عبد الله الخلال وطائفة وروى كتبا كبارا توفي في جمادى الآخرة وفيها أبو زكريا الأواني يحيى بن الحسين قرأ القراءات على أبي الكرم الشهرزوري ودعوان وسمع بواسط من أبي عبد الله الجلابي وغيره وتوفي في صفر
وفيها مجد الدين يحيى بن الربيع العلامة أبو علي الشافعي ولد سنة ثمان وعشرين وخمسمائة بواسط تفقه أولا على أبي النجيب السهروردي ورحل إلى محمد بن يحيى فتفقه عنده سنتين ونصف وسمع من نصر الله بن الحلجت

وببغداد من ابن ناصر وبنيسابور من عبد الله بن الفراوي وولى تدريس النظامية وكان إماما في القراءات والتفسير والمذهب والأصلين والخلاف كبير القدر وافر الحرمة توفي في ذي القعدة

سنة سبع وستمائة

فيها خرجت الفرنج من البحر من غربي دمياط وساروا في البر فأخذوا قرية نوره واستباحوها وردوا في الحال وفيها توفي صاحب الموصل الملك العادل نور الدين أرسلان شاه بن عز الدين مسعود بن مودود بن اتابك زنكي التركي ولي بعد أبيه ثمان عشرة سنة وكان شهما شجاعا سايسا مهيبا مخوفا قال أبو السعادات بن الأثير وزيره ما قلت له في فعل خير إلا وبادر إليه وقال أبو شامة كان عقد نور الدين صاحب الموصل مع وكيله بدمشق على بنت من بيت المال على مهر ثلاثين ألف دينار ثم بان أنه قد مات من أيام وقال أبو المظفر الجوزي كان جبارا سافكا للدماء بخيلا وقال ابن خلكان كان شهما عارفا بالأمور تحول شافعيا ولم يكن في بيته شافعي سواه وله مدرسة قل أن يوجد مثلها في الحسن توفي ليلة الأحد التاسع والعشرين من رجب في شبارة بالشط ظاهر الموصل والشبارة عندهم هي الحراقة بمصر وكتم موته حتى دخل به دار السلطنة بالموصل ودفن بتربته التي بمدرسته المذكورة وخلف ولدين هما الملك القاهر عز الدين مسعود والملك المنصور عماد الدين زنكي وقام بالمملكة بعده ولده القاهر وهو أستاذ الأمير بدر الدين أبي الفضائل لولو الذي تغلب على الموصل وملكها في سنة ثلاثين وستمائة في أواخر شهر رمضان وكان قبل نائبا بها ثم استقل
وفيها أبو الفخر أسعد بن سعيد بن محمود بن محمد بن روح الأصبهاني

التاجر رحلة وقته ولد سنة سبع عشرة وخمسمائة وسمع المعجم الكبير للطبراني بفوت والمعجم الصغير من فاطمة وكان آخر من سمع منها وسمع من زاهر وسعيد بن أبي الرجا توفي في ذي الحجة وآخر من سمع منه وروى عنه بالإجازة تقي الدين بن الواسطي وفيها بقية بنت محمد بن آموسان روت عن أبي عبد الله الخلال وغانم بن خالد توفيت في رجب بأصبهان
وفيها أخوها جعفر بن آموسان الواعظ أبو محمد الأصبهاني سمع من فاطمة بنت البغدادي وجماعة وروى الكثير وحج فأدركه الأجل بالمدينة النبوية في المحرم وفيها زاهر بن أحمد بن أبي غانم أبو المجد بن أبي طاهر الثقفي الأصبهاني ولد سنة إحدى وعشرين وسمع من محمد بن علي بن أبي ذر وسعيد بن أبي الرجا وزاهر بن طاهر وطائفة وروى حضورا عن جعفر بن عبد الله الثقفي توفي في ذي القعدة وفيها عائشة بنت معمر بن الفاخر أم حبيبة الأصبهانية حضرت فاطمة الجوزدانية وسمعت من زاهر وجماعة قال ابن نقطة سمعنا منها مسند أبي يعلى بسماعها من سعيد الصيرفي توفيت في ربيع الآخر وفيها أبو أحمد بن سكينة الحافظ ضياء الدين عبد الوهاب ابن الأمين علي بن علي البغدادي الصوفي الشافعي مسند العراق وسكينة جدته ولد سنة تسع عشرة وسمع من ابن الحصين وزاهر الشحامي وطبقتهما ولازم ابن السمعاني وسمع الكثير من قاضي المارستان وأقرانه وقرأ القراءات على سبط الخياط وجماعة ومهر فيها وقرأ العربية على ابن الخشاب وقرأ المذهب والخلاف على أبي منصور الرزاز وصحب جده لأمه أبا البركات إسمعيل بن أسعد وأخذ علم الحديث عن ابن ناصر ولازمه قال ابن النجار هو شيخ العراق في الحديث والزهد والسمت وموافقة السنة كانت أوقاته محفوظة لا تمضي له ساعة إلا في تلاوة أو ذكر أو تهجد أو تسميع وكان يديم الصيام غالبا ويستعمل السنة في أموره إلى أن قال وما رأيت أكمل منه ولا أكثر عبادة

ولا أحسن سمتا صحبته وقرأت عليه القراءات وكان ثقة نبيلا من أعلام الدين وقال ابن الدبيثي كان من الأبدال وقال الذهبي آخر من له إجازته الكمال المكبر توفي في تاسع ربيع الآخر وفيها ابن طبرزد مسند العصر أبو حفص موفق الدين عمر بن محمد بن معمر الدارقزي المؤدب ولد سنة ست عشرة وخمسمائة وسمع من ابن الحصين وأبي غالب بن البنا وطبقتهما فأكثر وحفظ أصوله إلى وقت الحاجة وروى الكثير ثم قدم دمشق في آخر أيامه فازدحموا عليه وقد أملى مجالس بجامع المنصور وعاش تسعين سنة وسبعة أشهر وكان ظريفا كثير المزاح توفي في تاسع رجب ببغداد
وفيها أبو موسى الجزولي بضم الزاي نسبة إلى جزولة بطن من البربر بالمغرب عيسى بن عبد العزيز بن يللبخت البربري المراكشي النحوي العلامة حج وأخذ العربية عن ابن بري بمصر وسمع الحديث من أبي عبيد الله واليه انتهت الرياسة في علم النحو وولى خطابة مراكش مدة وكان بارعا في الأصول والقراءات قال ابن خلكان كان إماما في علم النحو كثير الإطلاع على دقائقه وغريبه وشاذه وصنف فيه المقدمة التي سماها القانون ولقد أتى فيها بالعجائب وهي في غاية الإيحاز مع الاشتمال على شيء كثير من النحو ولم يسبق إلى مثلها واعتنى بها جماعة من الفضلاء فشرحوها ومنهم من وضع لها أمثلة ومع هذا كله لا تفهم حقيقتها وأكثر النحاة يعترفون بقصور افهامهم عن إدراك مراده منها فإنها كلها رموز وإشارات وبالجملة فإنه أبدع فيها وله أمال في النحو لم تشتهر ونسبت الجمل إليه لأنها من نتائج خواطره وكان يقول هي ليست من تصنيفي لأنه كان متورعا وكان استفادها من شيخه ابن بري وإنما نسبت إليه لأنه انفرد بترتيبها وانتفع به خلق كثير وتوفى بازمور من عمل مراكش ويللبخت بفتح التحتية المثناة واللام الأولى وسكون الثانية وفتح الباء الموحدة وسكون الخاء المعجمة وبعدها تاء مثناة فوقية اسم بربري


وفيها الشيخ أبو عمر المقدسي الزاهد محمد بن أحمد ابن محمد بن قدامة بن مقدام الحنبلي القدوة الزاهد أخو العلامة موفق الدين ولد بجماعيل سنة ثمان وعشرين وخمسمائة وهاجر إلى دمشق لاستيلاء الفرنج على الأرض المقدسة وسمع الحديث من أبي المكارم عبد الواحد بن هلال وطائفة كثيرة وكتب الكثير بخطه وحفظ القرآن والفقه والحديث وكان إماما فاضلا مقرئا زاهدا عابدا قانتا لله خاشعا من الله منيبا إلى الله كثير النفع لخلق الله ذا أوراد وتهجد واجتهاد وأوقات مقسمة على الطاعات من الصلاة والصيام والذكر وتعلم العلم والفتوة والمروءة والخدمة والتواضع رضي الله عنه وأرضاه فلقد كان عديم النظير في زمانه خطب بجامع الجبل إلى أن مات قاله في العبر وقال ابن رجب في طبقاته هاجر به والده وبأخيه الشيخ الموفق وأهلهم إلى دمشق لاستيلاء الفرنج على الأرض المقدسة فنزلوا بمسجد أبي صالح ظاهر باب شرقي فأقاموا به مدة نحو سنتين ثم انتقلوا إلى الجبل قال أبو عمر فقال الناس الصالحية الصالحية ينسبونا إلى مسجد أبي صالح لا أنا صالحون حفظ الشيخ أبو عمر القرآن وقرأه بحرف أبي عمرو وسمع الحديث من والده وخلائق وقدم مصر وسمع بها من الشريف أبي المفاخر سعيد بن الحسن بن المأموني وأبي محمد بن بري النحوي وخرج له الحافظ عبدالغني المقدسي أربعين حديثا من رواياته وحدث بها وسمع منه جماعة منهم الضياء والمنذري وروى عنه ابن خليل وولده شمس الدين أبو الفرج عبدالرحمن قاضي القضاة وحفظ مختصر الخرقي في الفقه وتفقه في المذهب وكتب بخطه كثيرا من ذلك الحلية لأبي نعيم وتفسير البغوي والمغني في الفقه لأخيه الشيخ موفق الدين والإبانة لابن بطة وكتب مصاحف كثيرة لأهله ويكتب الخرقي للناس والكل بغير أجرة وكان سريع الكتابة وربما كتب في اليوم كراسين بالقطع الكبير وقال الحافظ الضياء وكان الله قد جمع له معرفة الفقه والفرائض

والنحو مع الزهد والعمل وقضاء حوائج الناس قال وكان لا يكاد يسمع دعاء إلا حفظه ودعا به ولا يسمع ذكر صلاة إلا صلاها ولا يسمع حديثا إلا عمل به وكان لا يترك قيام الليل من وقت شبوبيته وقلل إلا كل في مرضه قبل موته حتى عاد كالعود ومات وهو عاقد على أصابعه يسبح قال وحدثت عن زوجته قالت كان يقوم الليل فإذا جاءه النوم عنده قضيب يضرب به على رجله فيذهب عنه النوم وكان كثير الصيام سفرا وحضرا وقال عبد الله أنه في آخر عمره سرد الصوم فلامه أهله فقال اغتنم أيامي وكان لا يسمع بجنازة إلا حضرها ولا مريض إلا عاده ولا بجهاد إلا خرج فيه وكان يقرأ في الصلاة كل ليلة سبعا مرتلا ويقرأ في النهار سبعا بين الظهر والعصر وكان يقري ويلقن إلى ارتفاع النهار ثم يصلي الضحى طويلة وكان يصلي كل ليلة جمعة بين العشاءين صلاة التسبيح ويصلي يوم الجمعة ركعتين بمائة قل هو الله أحد وكان يصلي في كل يوم وليلة اثنتين وسبعين ركعة نافلة وله أوراد كثيرة وكان يزور القبور كل جمعة بعد العصر ولا ينام إلا على وضوء ويحافظ على سنن وأذكار عند نومه وكان لا يترك غسل الجمعة ولا يخرج إلى الجمعة إلا ومعه شيء يتصدق به وكان يؤثر بما عنده لأقاربه وغيرهم ويتصدق كثيرا ببعض ثيابه حتى يبقى في الشتاء بجبة بغير قميص وكانت عمامته قطعة بطانة فإذا احتاج أحد إلى خرقة أو مات صغير قطع منها وكان يلبس الخشن وينام على الحصير وكان ثوبه إلى نصف ساقه وكمه إلى رسغه ومكث مدة لا يأكل أهل الدير إلا من بيته يجمع الرجال ناحية والنساء ناحية وكان إذا جاء شيء إلى بيته فرقه على الخاص والعام وكان يقول لا علم إلا ما دخل مع صاحبه القبر ويقول إذا لم تتصدقوا لا يتصدق أحد عنكم وإذا لم تعطوا السائل أنتم أعطاه غيركم وكان إذا خطب ترق القلوب وتبكي الناس بكاء كثيرا وكانت له هيبة عظيمة في القلوب وأحتاج الناس إلى المطر سنة فطلع إلى مغارة الدم ومعه نساء من محارمه

واستسقى ودعا فجاء المطر حينئذ وجرت الأودية شيئا لم يره الناس من مدة طويلة وقال عبد الله بن النحاس كان والدي يحب الشيخ أبا عمر فقال لي يوم جمعة أنا أصلي الجمعة خلف الشيخ ومذهبي أن بسم الله الرحمن الرحيم من الفاتحة ومذهبه أنها ليست من الفاتحة فمضينا إلى المسجد فوجدنا الشيخ فسلم على والدي وعانقه وقال يا أخي صل وأنت طيب القلب فإنني ما تركت بسم الله الرحمن الرحيم في فريضة ولا نافلة مذ أممت بالناس وله كرامات كثيرة وقد أطال الضياء ترجمته وكذلك سبط ابن الجوزي في المرآة وقال كان معتدل القامة حسن الوجه عليه أنوار العبادة لا يزال متبسما نحيل الجسم من كثرة الصيام والقيام وكان يحمل الشيح من الجبل إلى بيوت الأرامل واليتامى ويحمل إليهم في الليل الدراهم والدقيق ولا يعرفونه ولا نهر أحدا ولا أوجع قلب أحد وكان أخوه الموفق يقول هو شيخنا ربانا وأحسن إلينا وعلمنا وحرص علينا وكان للجماعة كالوالد يقوم بمصالحهم ومن غاب منهم خلفه في أهله وهو الذي هاجر بنا وسفرنا إلى بغداد وبنى الدير ولما رجعنا من بغداد زوجنا وبنى لنا دورا خارجة عن الدير وكفانا هموم الدنيا وكان يؤثرنا ويدع أهله محتاجين وبنى المدرسة والمصنع بعلو همته وكان مجاب الدعوة وما كتب لأحد ورقة للحمى إلا وشفاه الله تعالى وذكر جماعة أن الشيخ قطب قبل موته بست سنين وقال سبط ابن الجوزي كان على مذهب السلف الصالح حسن العقيدة متمسكا بالكتاب والسنة والآثار المروية ويمرها كما جاءت من غير طعن على أئمة الدين وعلماء المسلمين وينهى عن صحبة المبتدعين ويأمر بصحبة الصالحين قال وأنشدني لنفسه
( أوصيكم في القول بالقرآن ** بقول أهل الحق والإيقان )
( ليس بمخلوق ولا بفان ** لكن كلام الملك الديان )
( آياته مشرقة المعاني ** متلوة في اللفظ باللسان )


( محفوظة في الصدر والجنان ** مكتوبة في الصحف بالبنان )
( والقول في الصفات يا أخواني ** كالذات والعلم مع البيان )
( امرارها من غير ما كفران ** من غير تشبيه ولا عدوان )
ولما كان عشية الإثنين ثامن عشرى ربيع الأول جمع أهله واستقبل القبلة ووصاهم بتقوى الله تعالى ومراقبته وأمرهم بقراءة يس وكان آخر كلامه { إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون } وتوفي رحمه الله وغسل في المسجد ومن وصل إلى الماء الذي غسل به نشف النساء والرجال به عمائمهم وكان يوما مشهودا ولما خرجوا بجنازته من الدير كان يوما شديد الحر فأقبلت غمامة فأظلت الناس إلى قبره وكان يسمع منها دوى كدوي النحل ولولا الدولة أحاطوا به بالسيوف لما وصل من كفنه إلى قبره شيء ولما دفن رأى بعض الصالحين في منامه تلك الليلة النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول من زار أبا عمر ليلة الجمعة فكأنما زار الكعبة فاخلعوا نعالكم قبل أن تصلوا إليه ومات عن ثمانين سنة ولم يخلف قليلا ولا كثيرا وذكر الضياء عن عبد المولى بن محمد أنه كان يقرأ عند قبر الشيخ سورة البقرة وكان وحده فبلغ إلى قوله تعالى { لا فارض ولا بكر } قال فغلطت فرد على الشيخ من القبر قال فخفت وارتعدت وقمت ثم مات القارىء بعد ذلك بأيام قال وقرأ بعضهم عند قبره سورة الكهف فسمعه من القبر يقول لا إله إلا الله ورؤيت له منامات كثيرة ودفن بسفح قاسيون إلى جانب والده رحمهما الله تعالى وفيها محمد بن هبة الله بن كامل أبو الفرج الوكيل عند قضاة بغداد أجاز له ابن الحصين وسمع من أبي غالب بن البنا وطائفة وروى الكثير وكان ماهرا في الحكومات توفي في رجب
وفيها المظفر بن إبراهيم أبو منصور بن البرتى بكسر الموحدة وفوقية نسبة إلى برت قرية بنواحي بغداد الحربي آخر من حدث عن أبي الحسين

محمد بن الفراء توفي في شوال وفيها أبو القاسم المبارك بن أبي سكين بن عبدالله النجمي السيدي البغدادي المعدل الأديب الحنبلي سمع من أبي المظفر بن التركي الخطيب وخلق وشهد عند قاضي القضاة أبي القسم بن الشهرزوري وكان وكيل الخليفة الناصر بباب طراد وبقي على ذلك إلى موته قال ابن نقطة سمعت منه وكان ثقة عالما فاضلا وروى عنه ابن خليل في معجمه توفي في حادي عشر صفر ودفن بباب حرب وفيها أبو زكريا يحيى بن أبي الفتح ابن عمر بن الطباخ الحراني الضرير المقري الفقيه الحنبلي رحل وقرأ القرآن بواسط بالروايات على هبة الله الواسطي وغيره وسمع بها الحديث من ابن الكتاني وسمع ببغداد من ابن الخشاب وشهدة في آخرين وتفقه ببغداد ورجع إلى حران وحدث بها وسمع منه سبط بن الجوزي وغيره وتوفي في شوال بحران وفيها صفي الدين أبو زكريا يحيى بن المظفر بن علي بن نعيم البغدادي البدري الزاهد الحنبلي المعروف بابن الحبير ولد في محرم سنة أربعين وخمسمائة وسمع الحديث من ابن ناصر وأبي الوقت وغيرهما وتفقه في المذهب وكان يسافر في التجارة إلى الشام ثم انقطع في بيته بالبدرية محلة من محال بغداد الشرقية وكان كثير العبادة حسن الهيئة والسمت كثير الصلاة والصيام والتنسك ذا مروءة وتفقد للأصحاب وتودد إليهم وانتفع به جماعة من مماليك الخليفة وثبت له ذكر في آخر عمره لقراءة الحديث عليه وتوفي في يوم الإثنين ضحى تاسع عشرى ذي الحجة ودفن بباب حرب وكان له ابن يقال له أبو بكر محمد كان فقيها فاضلا في المذهب فانتقل إلى مذهب الشافعي لاجل الدنيا وولى القضاء وقيلت فيه الإشعار قاله ابن رجب

سنة ثمان وستمائة

فيها قدم رسول جلال الدين حسن صاحب الالموت بدخول قومه في

الإسلام وأنهم قد تبرأوا من الباطنية وبنوا المساجد والجوامع وصاموا رمضان ففرح الخليفة بذلك وفيها وثب قتادة الحسيني أمير مكة على الركب العراقي بمنى فنهب الناس وقتل جماعة فقيل راح للناس ما قيمته ألف ألف دينار ولم ينتطح فيها عنزان قاله في العبر وفيها كانت زلزلة عظيمة بمصر هدمت دورا كثيرة بالقاهرة ومات خلق كثير تحت الهدم قاله السيوطي وفيها توفي أبو العباس العاقولي أحمد بن الحسن بن أبي البقا المقرىء قرأ القراءات على أبي الكرم الشهرزوري وسمع من أبي منصور القزاز وابن خيرون وطائفة وتوفي يوم التروية عن ثلاث وثمانين سنة وفيها جهاركس ويقال جركس الأمير الكبير فخر الدين الصلاحي أعطاه العادل بانياس والشقيف فأقام هناك مدة وكان أحد أمراء صلاح الدين شهد الغزوات كلها وتوفي في رجب بدمشق ودفن بقاسيون في تربته التي وقف عليها قرية بوادي بردا تسمى الكفر وعشرين قيراطا من جميع قرية بيت سوا سوى احكار بيوت بالصالحية وعلى قبره قبة عظيمة على جادة الطريق قال ابن خلكان كان كريما نبيل القدر عالي الهمة بنى بالقاهرة القيسارية الكبرى المنسوبة إليه رأيت جماعة من التجار الذين طافوا البلاد يقولون لم نر في شيء من البلاد مثلها في حسنها وعظمها وإحكام بنائها وبنى بأعلاها مسجدا كبيرا وربعا معلقا وجهاركس بكسر الجيم معناه بالعربي أربعة أنفس وفيها ابن حمدون صاحب التذكرة أبو سعد الحسن بن محمد بن الحسن بن محمد بن حمدون البغدادي كاتب الإنشاء للدولة قاله في العبر فكناه بأبي سعد وجزم بوفاته في هذه السنة وقال ابن خلكان أبو المعالي محمد بن أبي سعد الحسن بن محمد علي بن حمدون الكاتب الملقب كافي الكفاة بهاء الدين البغدادي كان فاضلا ذا معرفة تامة بالأدب والكتابة من بيت مشهور بالرياسة هو وأبوه وأخواه أبو نصر وأبو المظفر

وسمع أبو المعالي من أبي القسم إسمعيل بن الفضل الجرجاني وغيره وصنف كتاب التذكرة وهو من أحسن المجاميع يشتمل على التاريخ والأدب والنوادر والأشعار لم يجمع أحد من المتأخرين مثله وهو مشهور بأيدي الناس كثير الوجود وهو من الكتب الممتعة ذكره العماد الكاتب الأصبهاني في الخريدة فقال كان عارض العسكر المقتدى ثم صار صاحب ديوان الزمام المستنجدي وهو كلف باقتناء الحمد وابتناء المجد وفيه فضل ونبل وله على أهل الأدب ظل وألف كتابا سماه التذكرة وجمع فيه الغث والسمين والمعرفة والنكرة فوقف الإمام المستنجدي على حكايات ذكرها نقلا من التواريخ توهم في الدولة غضاضة فأخذ من دست منصبه وحبس ولم يزل في نصبه إلى أن رمس وذلك في أوائل سنة اثنتين وستين وخمسمائة وأورد له
( يا خفيف الرأس والعقل معا ** وثقيل الروح أيضا والبدن )
( تدعي أنك مثلي طيب ** طيب أنت ولكن بلبن )
انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا فانظر التناقض بين كلامه وكلام العبر وفيها اسباه مير بن محمد بن نعمان الجيلي الفقيه الحنبلي أبو عبد الله تفقه ببغداد على الشيخ عبد القادر ونزل عنده ولازم الإشتغال بمدرسته إلى آخر عمره وسمع من ابن المادح وحدث عنه باليسير وعمر وسمع منه ابن القطيعي وجماعة وكان أصابه صمم شديد في آخر عمره قال ابن النجار كان شيخا صالحا مشتغلا بالعلم والخير مع علو سنه وأظنه ناطح المائة وقال ابن رجب توفي ليلة الجمعة حادي عشرى ربيع الأول ودفن بباب حرب
وفيها الخضر بن كامل بن سالم بن سبيع الدمشقي السروجي المعبر سمع من نصر الله المصيصي وببغداد من الحسين سبط الخياط توفي في شوال
وفيها عبدالرحمن الرومي عتيق أحمد بن باقا البغدادي قرأ على أبي الكرم الشهرزوري وروى صحيح البخاري بمصر والإسكندرية عن أبي الوقت

توفي في ذي القعدة وقد شاخ
وفيها ابن نوح الغافقي العلامة أبو عبد الله محمد بن أيوب بن محمد ابن وهب الأندلسي البلنسي ولد سنة ثلاثين وخمسمائة وقرأ القراءات على ابن هذيل وسمع من جماعة وتفقه وبرع على مذهب مالك ولم يبق له في وقته نظير بشرق الأندلس تفننا واستبحارا كان رأسا في الفقه والقراءات والعربية وعقد الشروط قال الابار تلوت عليه وهو أغزر من لقيت علما وأبعدهم صيتا توفي في شوال وفيها عماد الدين محمد بن يونس بن محمد بن منعة بن مالك العلامة أبو حامد الشافعي تفقه على والده وببغداد على يوسف بن بندار وغيره ودرس في عدة مدارس بالموصل واشتهر وقصده الطلبة من البلاد قال ابن خلكان كان إمام وقته في المذهب والأصول والخلاف وكان له صيت عظيم في زمانه صنف المحيط جمع فيه بين المهذب والوسيط وكان ذا ورع ووسواس في الطهارة بحيث أنه يغسل يده من مس القلم وكان كالوزير لصاحب الموصل نور الدين وما زال به حتى نقله إلى الشافعية وتوجه إلى بغداد وتفقه بالمدرسة النظامية على السديد محمد وسمع بها الحديث من الكشميهني وغيره وعاد إلى الموصل ودرس بها في عدة مدارس منها النورية والعزية والزينبية والبغشية والعلائية وقال ابن شهبة كان لطيف المحاورة دمث الأخلاق وكان مكمل الأدوات لم يرزق سعادة في تصانيفه فإنها ليست على قدر فضله توفي في جمادى الآخرة انتهى وقال الذهبي هو جد مصنف التعجيز تاج الدين عبدالرحمن بن محمد بن محمد الموصلي
وفيها منصور بن عبد المنعم بن أبي البركات عبد الله بن فقيه الحرم محمد بن الفضل الفراوي أبو الفتح وأبو القسم ولد سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة وسمع من جده وجد أبيه وعبدالجبار الحواري ومحمد بن إسمعيل الفارسي وروى الكتب الكبار ورحلوا إليه وتوفي في ثامن شعبان بنيسابور


وفيها ابن سناء الملك القاضي أبو القسم هبة الله بن القاضي الرشيد أبي الفضل جعفر بن المعتمد سناء الملك المصري الأديب صاحب الديوان المشهور والمصنفات الأدبية قرأ على الشريف الخطيب وقرأ النحو على ابن بري وسمع من السلفي وكتب بديوان الإنشاء مدة وكان بارع الترسل والنظم قال ابن خلكان كان كثير التخصيص والتنعم وافر السعادة محظوظا من الدين اختصر كتاب الحيوان للجاحظ وسمى المختصر روح الحيوان وهي تسمية لطيفة وله ديوان جميعه موشحات سماه در الطراز وجمع شيئا من الرسائل الدائرة بينه وبين القاضي الفاضل وفيه كل معنى مليح واتفق في عصره جماعة من الشعراء المجيدين وكان لهم مجالس تجري بينهم فيها مفاكهات ومحاورات يروق سماعها ودخل في ذلك الوقت إلى مصر شرف الدين بن عنين فعملوا له الدعوات وكانوا يجتمعون على أرغد عيش وكانوا يقولون هذا شاعر الشام وجرت لهم محافل سطرت عنهم ومن شعر ابن سناء الملك
( لا الغصن يحكيك ولا الجوذر ** حسنك مما أكثروا أكثر )
( يا باسما أبدى لنا ثغره ** عتدا ولكن كله جوهر )
( قال لي اللاحي ألا تستمع ** فقلت يا لاحي ألا تبصر )
وله يتغزل بجارية عمياء
( شمسي بغير الشعر لم تحجب ** وفي سوى العينين لم تكسف )
( مغمدة المرهف لكنها ** تجرح في الجفن بلا مرهف )
( رأيت منها الجلد في جوذر ** ومقلتي يعقوب في يوسف )
وله في غلام ضرب ثم حبس
( بنفسي من لم يضربوه لريبة ** ولكن ليبدوا الورد في سائر الغصن )
( ولم يودعوه السجن إلا مخافة ** من العين أن تعدو على ذلك الحسن )
( وقالوا له شاركت في الحسن يوسفا ** فشاركه أيضا في الدخول إلى السجن )


وله أيضا
( وما كان تركي حبه عن ملالة ** ولكن لأمر يوجب القول بالترك )
( أراد شريكا في الذي كان بيننا ** وإيمان قلبي قد نهاني عن الشرك )
وقال العماد الكاتب في الخريدة كنت عند القاضي الفاضل في خيمته فاطلعني على قصيدة كتبها إليه ابن سناء الملك وكان سنه لم يبلغ عشرين سنة فعجبت منها وأولها
( فراق قضى للهم والقلب بالجمع ** وهجر تولي صلح عيني مع الدمع )
وتوفي ابن سناء الملك في العشر الأول من شهر رمضان بالقاهرة عن بضع وستين سنة وفيها يونس بن يحيى الهاشمي أبو محمد البغدادي القصار نزيل مكة روى عن أبي الفضل الأرموي وابن الطلاية وطبقتهما قاله في العبر

سنة تسع وستمائة

فيها كانت الملحمة العظمى بالأندلس بين الناصر محمد بن يعقوب بن يوسف وبين الفرنج ونصر الله الإسلام واستشهد بها عدد كثير وتعرف بوقعة العقاب وفيها توفي أبو جعفر الحصار أحمد بن علي بن يحيى بن عون الله الأنصاري الأندلسي الداني المقرىء المالكي نزيل بلنسية قرأ القراءات على ابن هذيل وسمع من جماعة وتصدر للاقراء ولم يكن أحد يقارنه في الضبط والتحرين ولكن ضعفه الأبار وغيره لروايته عن ناس ما كان لقيهم توفي في صفر قاله في العبر وفيها أبو عمر بن عات أحمد بن هرون ابن أحمد بن جعفر بن عات النقري بضم النون والقاف وراء نسبة إلى نقر بطن من احمس الشاطبي الحافظ سمع أباه العلامة أبا محمد وابن هذيل ولما حج

من السلفي وكان عجبا في سرد المتون ومعرفة الرجال والأدب وكان زاهدا سلفيا متعففا عدم في وقعة العقاب في صفر قال ابن ناصر الدين كان زاهدا ورعا حافظا ثقة مأمونا انتهى وفيها الملك الأوحد أيوب بن الملك العادل أبي بكر بن أيوب تملك خلاط خمس سنين وكان ظلوما سفاكا لدماء الأمراء مات في ربيع الأول وفيها أبو نزار ربيعة بن الحسن الحضرمي ليمنى الصنعاني الشافعي المحدث ولد سنة خمس وعشرين وخمسمائة وتفقه بظفار ورحل إلى العراق وأصبهان وسمع من أبي المطهر الصيدلاني ورجاء بن حامد المعداني وطائفة وكان مجموع الفضائل كثير التعبد والعزلة قال ابن ناصر الدين أبو نزار الذماري ربيعة بن الحسن بن علي الحضرمي الصنعاني أبو نزار الحافظ الفقيه الشافعي كان إماما حافظا فقيها ماهرا لغويا أديبا شاعرا انتهى توفي في جمادى الآخرة وفيها أبو شجاع زاهر بن رستم الأصبهاني الأصل ثم البغدادي الفقيه الشافعي الزاهد قرأ القراءات على سبط الخياط وأبي الكرم وسمع منهما ومن الكروخي وجماعة وجاور وأم بمقام إبراهيم إلى أن عجز وانقطع توفي في ذي القعدة وكان ثقة بصيرا بالقراءات
وفيها أبو الفضل بن المعزم عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن صالح الهمداني الفقيه توفي في ربيع الآخر وسمع من أبي جعفر محمد بن علي الحافظ وعبد الصبور الهروي وطائفة وكان مكثرا صحيح السماع
وفيها علي بن يحيى الحمامي قال ابن ناصر الدين معدود في الحفاظ الفضلاء والمحدثين العلماء انتهى وفيها أبو الحسن بن النجار علي بن محمد بن حامد اليغنوي بفتح الياء التحتية والنون وسكون الغين المعجمة نسبة إلى يغنى قرية بنسف الفقيه الحنبلي قرأ الفقه الحنبلي قرأ الفقه والخلاف على الفخر إسمعيل صاحب ابن المنى وتكلم في مسائل الخلاف فأجاد وقرأ طرفا صالحا من الأدب وقال

الشعر وكان يكتب خطا حسنا وسافر عن بغداد ودخل ديار بكر وولي القضاء بآمد وأقام بها إلى حين وفاته وكان صهرا لعبد الرزاق بن الشيخ عبد القادر الكيلاني على ابنته وتوفي بآمد في رمضان وقد جاوز الأربعين قال ابن النجار أنشدت له
( لو صب ما ألقى على صخرة ** لذابت الصخرة من وجدها )
( أو ألقيت نيران قلبي على ** دجلة لم يقد رعلى وردها )
( أو ذاقت النار غرامي بكم ** لم تتوار النار في زندها )
( لو لم ترج الروح روح اللقا ** لكان روح الروح في فقدها )
وفيها ابن القسطي أبو الفرج محمد بن علي بن حمزة أبو حمزة الحراني ثم البغدادي روى عن الحسين وأبي محمد سبطي الخياط وأبي منصور بن خيرون وطائفة وكان متيقظا حسن الأخلاق وفيها محمد بن محمد بن أبي الفضل الخوارزمي سمع من زاهر الشحامي بأصبهان وفيها ناصر الدين أبو الثناء وأبو الشكر محمود بن عثمان بن مكارم النعال البغدادي الأزجي الفقيه الحنبلي الواعظ الزاهد ولد سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة ببغداد وقرأ القرآن وسمع الحديث من أبي الفتح بن البطي وحدث وحفظ مختصر الخرقي وقرأ على أبي الفتح بن المنى وصحب الشيخ عبد القادر مدة وتأدب به وكان يطالع الفقه والتفسير ويجلس في رباطه للوعظ وكان رباطه مجمعا للفقراء وأهل الدين والفقهاء الغرباء الذين يرحلون إلى أبي الفتح بن المنى وكان الاشتغال في رباطه بالعلم أكثر من الاشتغال في سائر المدارس سكنه الشيخ موفق الدين المقدسي والحافظ عبدالغني وأخوه الشيخ العماد والحافظ عبدالقادر الرهاوي وغيرهم من أكابر الرحالين لطلب العلم قال أبو الفرج بن الحنبلي ولما قدمت بغداد سنة اثنتين وسبعين نزلت الرباط ولم يكن فيه بيت خال فعمرت به بيتا وسكنته وكان الشيخ محمود وأصحابه

ينكرون المنكر ويريقون الخمور ويرتكبون الأهوال في ذلك وضرب مرات وهو شديد في دين الله له إقدام وجهاد وكان كثير الذكر قليل الحظ من الدنيا وكان يسمى شيخ الحنابلة قال وكان يهذبنا ويؤدبنا وانتفعنا به كثيرا وقال أبو شامة كانت له رياضات وسياحات ومجاهدات وساح في بلاد الشام وغيرها وكان يؤثر أصحابه وانتفع به خلق كثير وكان مهيبا لطيفا كيسا باشا مبتسما يصوم الدهر ويختم القرآن كل يوم وليلة ولا يأكل إلا من غزل عمته توفي ليلة الأربعاء عاشر صفر عن أزيد من ثمانين سنة ودفن برباطه وفيها أبو زكريا يحيى بن سالم بن مفلح البغدادي نزيل الموصل الحنبلي سمع ببغداد من أبي الوقت وتفقه بها على صدقة بن الحسين بن الحداد وحدث بالموصل وتوفي بها في شهر رمضان ودفن بمقبرة الجامع العتيق

سنة عشر وستمائة

فيها ظهرت بلاطة وهم يحفرون خندق حلب وقلعت فوجد تحتها سبع عشرة قطعة من ذهب وفضة على هيئة اللبن فوزنت فكانت ثلاثة وستين رطلا بالحلبي وعشرة أرطال ونصف وأربعة وعشرين فضة ثم وجد حلقة من ذهب وزنها رطلان ونصف فكمل الجميع قنطارا وفيها كما قال أبو شامة ورد الخبر بخلاص خوارزم شاه من أسر التتار أي وذلك أنه كان صاحب اقدام فكان من خبره أنه نازل التتار بجيوشه فخطر له أن يكشفهم فتنكر ولبس زيهم هو وثلاثة ودخلوا فيهم فأنكرتهم التتار وقبضوا عليهم وقرروهم فمات اثنان تحت الضرب ولم يقرا ورسموا على خوارزم شاه ورفيقه فهربا في الليل
وفيها توفي أبو إسحق إبراهيم بن علي بن محمد بن المبارك بن أحمد بن بكروس البغدادي الفقيه الحنبلي المعدل ويلقب شمس الدين ولد ليلة ثامن

عشرى جمادى الأولى سنة سبع وخمسين وخمسمائة ذكر القادسي أن أباه سماه عبد الرحمن فرأى في منامه النبي صلى الله عليه وسلم وأمره أن يسميه إبراهيم ويكنيه أبا محمد وقرأ القرآن على عمه وسمع من أبيه وعمه ومن أبي الفتح بن البطي وجماعة كثيرة واشتغل بالمذهب على أبيه وعمه وبالخلاف على أبي الفتح بن المنى ولازمه مدة وشهد عند قاضي القضاة ابن الشهرزوري وولى نظر وقوف الجامع ثم ولى النيابة بباب النوى سنة أربع وستمائة فغير لباسه وتغيرت أحواله وأساء السيرة بكثرة الأذى والمصادرة والجنايات على الناس والسعي بهم قال ابن القادسي حدثني عبد العزيز بن دلف قال كان ابن بكروس يلازم قبر معروف الكرخي فسمعته يدعو أكثر الأوقات اللهم مكني من دماء المسلمين ولو يوما واحدا قال فمكنه الله تعالى من ذلك وقال ابن اللياعي حدثني عبد العزيز الناسخ أنه وعظ ابن بكروس يوما فقال يا شيخ اعلم أني قد فرشت حصيرا في جهنم فقمت متعجبا من قوله ولم يزل على ذلك إلى أن قبض عليه في ربيع الآخر وضرب حتى تلف فمات ليلة الخميس ثامن عشر جمادى الأولى قال ابن القادسي قرأ سورة يس فلما بلغ إلى قوله تعالى { إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون } جعل يكررها إلى أن مات انتهى وفيها أبو الفضل تاج الامناء أحمد بن محمد بن الحسن بن هبة الله الدمشقي المعدل ابن عساكر والد العز النسابة ولد سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة وسمع من نصر بن احمد بن مقاتل وأبي القسم ابن البن وعميه الصاين والحافظ وطائفة وسمع بمكة من أحمد بن المقرب وخرج لنفسه مشيخة وكتب وجمع وخدم في جهات كبار توفي في رجب
وفيها أبو الفضل التركستاني أحمد بن مسعود بن علي شيخ الحنفية بالعراق وعالمهم ومدرس مشهد أبي حنيفة الإمام توفي في ربيع الآخر
وفيها الفخر فخر الدين إسمعيل بن علي بن حسين البغدادي الأزجي

المأموني الفقيه الحنبلي أبو محمد ويعرف بابن الرفا المناظر ويعرف أيضا بغلام ابن المنى ولد سنة تسع وأربعين وخمسمائة ولازم أبا فتح نصر بن المنى مدة وسمع من شهدة وكانت له حلقة كبيرة للمناظرة والاشتغال بعلم الكلام والجدل ولم يكن في دينه بذاك وتخرج به جماعة وأجاز لعبد الصمد بن أبي الجيش المقري وولاه الخليفة الناصر النظر في قراه وعقاره الخاص ثم صرفه وقد حط عليه أبو شامة ونسبه إلى الظلم في ولايته وكذلك ابن النجار مع أنه قال كان حسن العبارة جيد الكلام في المناظرة مقتدرا على رد الخصوم وكانت الطوائف مجمعة على فضله وعلمه قال ورتب ناظرا في ديوان المطبق مديدة فلم تحمد سيرته فعزل واعتقل مدة بالديوان ثم أطلق ولزم منزله قال ولم يكن في دينه بذاك ذكر لي ولده أبو طالب عبد الله في معرض المدح أنه قرأ المنطق والفلسفة على ابن مرقيس الطبيب النصراني ولم يكن في زمانه أعلم منه بتلك العلوم وأنه كان يتردد إليه إلى بيعة النصارى قال وسمعت من أثق به من العلماء أنه صنف كتابا سماه نواميس الأنبياء يذكر فيه أنهم كانوا حكماء كهرمس وأرسطاطاليس قال وسألت بعض تلامذته الخصيصين به فما أثبته ولا أنكره وقال كان متسمحا في دينه متلاعبا به ولم يزد على ذلك قال وكان دائما يقع في الحديث وفي رواته ويقول هم جهال لا يعرفون العلوم العقلية ولا معاني الحديث الحقيقية بل هم مع اللفظ الظاهر ويذمهم ويطعن عليهم ومما أنشده ابن النجار من شعره
( دليل على حرص ابن آدم أنه ** ترى كفه مضمومة وقت وضعه )
( ويبسطها وقت الممات إشارة ** إلى صفرها مما حوى بعد جمعه )
وتوفي كما قال أبو شامة وابن القادسي في ربيع الأول وقال ابن النجار يوم الثلاثاء ثامن ربيع الآخر ودفن من يومه بداره بدرب الجب ثم نقل إلى باب حرب سامحه الله وفيها ايدغمش السلطان شمس الدين

صاحب همذان وأصبهان والري كان قد تمكن وكثرت جيوشه واتسعت ممالكه بحيث أنه حصر ولد أستاذه أبا بكر بن البهلوان بأذربيجان إلى أن خرج عليه منكلى بالتركمان وحاربه واستعان عليه بالمماليك البهلوانية فهرب إلى بغداد فسلطنه الخليفة وأعطاه الكوسات في العام الماضي فلما كان في المحرم كبسته التركمان وقتلوه وحملوا رأسه إلى منكلى وفيها الحسين بن سعيد بن شنيف أبو عبد الله الأمين سمع من هبة الله بن الطبر وقاضي المارستان وجماعة وتوفي في المحرم ببغداد وفيها زينب بنت إبراهيم القيسي زوجة الخطيب ضياء الدين الدولعي أم الفضل سمعت من نصر الله المصيصي وأجاز لها أبو عبد الله الفراوي وخلق توفيت في ربيع الأول
وفيها ابن حديدة الوزير معز الدين أبو المعالي سعيد بن علي الأنصاري البغدادي وزر للناصر في سنة أربع وثمانين وخمسمائة فلما عزل بابن مهدي صودر فبذل للمترسمين ذهبا وهرب وحلق لحيته والتف في إزار وبقي بأذربيجان مدة ثم قدم بغداد ولزم بيته إلى أن مات في جمادى الأولى
وفيها عبد الجليل بن أبي غالب بن مندويه الأصبهاني أبو مسعود الصوفي القرى نزيل دمشق روى الصحيح عن أبي الوقت وروى عن نصر البرمكي قال العوصي هو الإمام شيخ القراء بقية السلف توفي في جمادى الأولى
وفيها ابن هبل الطبيب العلامة مهذب الدين علي بن أحمد بن علي البغدادي نزيل الموصل روى عن أبي القاسم بن السمرقندي وكان من الأذكياء الموصوفين له عدة تصانيف وجماعة تلامذة وفيها عين الشمس بنت أحمد بن أبي الفرج الفقيه الأصبهانية سمعت حضورا في سنة أربع وعشرين من إسماعيل بن الأخشيد وسمعت من أبي ذر وكانت آخر من حدث عنهما توفيت في ربيع الآخر وفيها محمد بن مكي بن أبي الرجا بن علي بن الفضل الأصبهاني المليحي المحدث الحنبلي المؤدب سمع من

مسعود الثقفي وخلق كثير وعنى بهذا الشأن وقرأ الكثير بنفسه وكتب بخطه وخرج وأفاد الطلبة بأصبهان وحدث وأجاز للحافظ المنذري ولأبي الحسن ابن البخاري وأحمد بن شيبان وقد رويا عنه بالإجازة توفي في العشر الأواخر من المحرم بأصبهان
وفيها محمد بن حماد بن محمد بن جوخان البغدادي الضرير الفقيه الحنبلي أبو بكر سمع الحديث من ابن البطي وشهدة وحدث بيسير وحفظ القرآن وقرأه بتجويد وأقرأه وتفقه على ابن المنى وتكلم في مسائل الخلاف وتوفي يوم الأربعاء سلخ رمضان ببغداد وقد ناطح السبعين ودفن بباب حرب
وفيها أبو العشاير بن البلولي محمد بن علي بن محمد بن كرم السلامي المعدل سمع من ابن البطي وجماعة وتفقه في مذهب الإمام أحمد بن حنبل وقر طرفا من العربية على ابن الخشاب وشهد عند قاضي القضاة العباسي وكان يؤم بمسجد بالجانب الغربي من بغداد حدث وسمع منه قوم من الطلبة وكان غاليا في التسنن حتى أنه يقول أشياء لا يلزمه التلفظ بها منها أن بلالا خير من موسى ابن جعفر ومن أبيه وكان ذلك في وزارة القمي الشيعي فنفاه إلى واسط وكان ناظرها غاليا في التشيع فأخذه وطرحه في مطمورة إلى أن مات بها وانقطع خبره في هذه السنة رحمه الله تعالى وفيها صاحب المغرب السلطان الملك الناصر الملقب بأمير المؤمنين أبو عبد الله محمد بن يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن بن علي القيسي وأمه أمة رومية وكان أشقر أشهل أسيل الخد حسن القامة طويل الصمت كثير الاطراق بعيد الغور ذا شجاعة وحلم وفيه بخل بين تملك بعد أبيه في صفر سنة خمس وتسعين وخمسمائة ووزر له غير واحد منهم أخوه إبراهيم وكان أولى بالملك منه وفي سنة تسع وتسعين سار ونزل على مدينة فاس وكان قد أخذها منهم ابن عانية فظفر جيشه بابن عانية عبد الله بن إسحق بن عانية متولى فاس فقتلوه ثم خرج عليه

عبد الرحمن بن الحدارة بالسوس وهزم الموحدين مرات ثم قتل واستولى ابن عمة ابن عانية على إفريقية كلها سوى بحايه وقسنطينية فسار الناصر وحاصر المهدية أربعة أشهر ثم تسلمها من ابن عمة ابن عانية وصار من خواص أمرائه ثم خامر إليه سير أخو ابن عانية فأكرمه أيضا قال عبد الواحد المراكشي في تاريخه فبلغني أن جملة ما أنفقه في هذه السفرة مائة وعشرين حمل ذهب ثم دخل الأندلس في سنة ثمان وستمائة فحشد له الأدقيش واستنفر عليه حتى فرنج الشام وقسطنطينية الكبرى وكانت وقعة الموضع المعروف بالعقاب فانكسر المسلمون وكان الذي أعان على ذلك أن البربر الموجودين لم يسلوا سلاحا بل جبنوا وانهزموا غيظا على تأخير أعطياتهم وثبت السلطان ولله الحمد ثباتا كليا ولولا ذلك لاستؤصلت تلك الجموع ورجعت الفرنج بغنائم لا تحصى وأخذوا بلد ببا عنوة ثم مات بالسكتة في شعبان
وفيها أبو النجم هلال بن محفوظ الرسعني الجزري الفقيه الحنبلي رحل إلى بغداد وسمع بها من شهدة الكاتبة وغيرها وتفقه بها وبيته بالجزيرة بيت مشيخة وصلاح أحدث برأس العين وسمع منه جماعة رحمه الله تعالى والله سبحان أعلم

سنة إحدى عشرة وستمائة

فيها توفي جمال الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن محمد بن الحسين بن الفراء الحنبلي البغدادي القاضي بن القاضي أبي يعلى أبي حازم بن القاضي أبي يعلى الكبير ولد بواسط إذ كان أبوه قاضيها بعد الأربعين وخمسمائة بقليل وسمع الكثير من أبي بكر بن الزاغوني وسعيد بن البنا وأبي الوقت وابن البطي وخلق كثير وعنى بالحديث وكتب بخطه الكثير لنفسه وللناس وشهد عند ابن الدامغاني قال ابن القادسي كان خيرا من أهل الدين والصيانة والعفة

والديانة وحدث وسمع منه ابن الدبيثي وغيره وتوفي ليلة الجمعة ثاني عشرى شعبان ودفن عند أبيه بباب حرب وفيها الركن عبد السلام بن عبد الوهاب بن عبد القادر الكيلاني ويلقب بالركن وتقدم ذكر أبيه وجده ولد ليلة ثامن ذي الحجة سنة ثمان وأربعين وخمسمائة وسمع الحديث من جده وابن البطي وشهدة وغيرهم وقرأ وكتب وتفقه بجده ودرس بمدرسة جده وكان حنبليا وولى عدة ولايات وكان أديبا كيسا مطبوعا عارفا بالمنطق والفلسفة والتنجيم وغير ذلك من العلوم الردية وبسبب ذلك نسب إلى عقيدة الأوائل حتى قيل أن والده رأى عليه يوما ثوبا بخاريا فقال والله هذا عجب ما زلنا نسمع البخاري ومسلم فأما البخاري وكافر فما سمعناه وكان أبوه كثير المجون والمداعبة كما تقدم وكان عبد السلام أيضا غير ضابط للسانه ولا مشكور في طريقته وسيرته يرمى بالفواحش والمنكرات وقد جرت عليه محنة في أيام الوزير ابن يونس فإنه كبس دار عبد السلام هذا وأخرج منها كتبا من كتب الفلاسفة ورسائل إخوان الصفا وكتب السحر والنارنجات وعبادة النجوم واستدعى ابن يونس العلماء والفقهاء والقضاة والأعيان وكان ابن الجوزي معهم وقرىء في بعضها مخاطبة زحل بقول أيها الكوكب المضيء المنير أنت تدبر الأفلاك وتحي وتميت وأنت إلهنا وفي حق المريخ من هذا الجنس وعبد السلام حاضر فقال ابن يونس هذا خطك قال نعم قال لم كتبته قال لا رد على قائله ومن يعتقده فأمر بإحراق كتبه فجلس قاضي القضاة والعلماء وابن الجوزي معهم على سطح مسجد مجاور لجامع الخليفة يوم الجمعة وأضرموا نارا عظيمة تحت المسجد وخرج الناس من الجامع فوقفوا على طبقاتهم والكتب على سطح المسجد وقام أبو بكر بن المارستانية فجعل يقرأ كتابا كتابا من مخاطبات الكواكب ونحوها ويقول العنوا من كتبه ومن يعتقده وعبد السلام حاضر فتصيح العوام باللعن

فتعدى اللعن إلى الشيخ عبد القادر بل وإلى الإمام أحمد وظهرت الأحقاد البدرية ثم حكم القاضي بتفسيق عبد السلام ورمى طيلسانه وأخرجت مدرسة جده من يده ويد أبيه عبد الوهاب وفوضت إلى الشيخ أبي الفرج ابن الجوزي قال ابن القادسي بعد ذكر ذلك ثم أودع عبد السلام الحبس مدة ولما أفرج عنه أخذ خطه بأنه يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأن الإسلام حق وما كان عليه باطل وأطلق ثم لما قبض على ابن يونس ردت مدرسة الشيخ عبد القادر إلى ولده عبد الوهاب ورد ما بقي من كتب عبد السلام التي أحرق بعضها وقبض على الشيخ أبي الفرج بسعي عبد السلام هذا ونزل عبد السلام معه في السفينة إلى واسط واستوفى بالكلام منه والشيخ ساكت ولما وصل إلى واسط عقد مجلس حضره القضاة والشهود وادعى عبد السلام على الشيخ بأنه تصرف في وقف المدرسة واقتطع من مالها وأنكر الشيخ ذلك وكتب محضر بما جرى وأمر الشيخ بالمقام بواسط ورجع عبد السلام وذكره ابن النجار في تاريخه وذمه ذما بليغا وذكر أنه لم يحدث بشيء وأنه توفي يوم الجمعة لثمان خلون من رجب ودفن شرقي بغداد
وفيها أبو محمد بن الأخضر الحافظ المتقن مسند العراق عبد العزيز بن محمود ابن المبارك الجنابذي بضم الجيم وفتح النون وموحدة ثم معجمة نسبة إلى جنابذ ويقال كونابذ قرية بنيسابور الحنبلي ثم البغدادي ولد يوم الخميس ثامن عشر رجب سنة أربع وعشرين وخمسمائة ببغداد وأول سماعه سنة ثلاث وخمسمائة سمع بإفادة أبيه وأستاذه ابن بكروس من القاضي أبي بكر بن عبد الباقي وأبي القسم بن السمرقندي وخلق وسمع هو بنفسه من أبي الفضل الأرموي وابن الزاغوني وابن البنا وابن ناصر الحافظ وأبي الوقت وطبقتهم ومن بعدهم وبالغ في الطلب وقرأ بنفسه وكتب بخطه وحصل الأصول ولازم أبا الحسن بن بكروس الفقيه وابن ناصر وانتفع بهما ولم يزل يسمع

ويقرأ على الشيوخ لإفادة الناس إلى آخر عمره قال ابن النجار صنف مجموعات حسنة في كل فن ولم يكن في أقرانه أكثر سماعا منه ولا أحسن أصولا كأنها الشمس وضوحا وعليها أنوار الصدق وبارك الله له في الرواية حتى حدث بجميع مسموعاته ومروياته صحبته مدة طويلة وقرأت عليه الكثير من الكتب الكبار والأجزاء وأكثر ما جمعه وخرجه وعلقت عنه واستفدت منه كثيرا وكان ثقة حجة نبيلا ما رأيت في شيوخنا سفرا وحضرا مثله في كثرة مسموعاته ومعرفته بمشايخه وحسن أصوله وحفظه وإتقانه وكان أمينا متدينا جميل الطريقة عفيفا أريد على أن يشهد عند القضاة فأبى ذلك وكان من أحسن الناس خلقا وألطفهم طبعا من محاسن البغداديين وظرفائهم ما يمل جليسه منه وقال المنذري حدث نحوا من ستين سنة وصنف تصانيف مفيدة وانتفع به جماعة ولنا منه إجازة وكان حافظ العراق في وقته وقال ابن رجب ومن تصانيفه المقصد الأرشد في ذكر من روى عن أحمد في مجلدين وكتاب تنبيه اللبيب وتلقيح فهم المريب في تحقيق أوهام الخطيب وتلخيص وصف الأسماء في اختصار الرسم والترتيب أجزاء كثيرة رأيت منه الجزء العشرين وروى عنه ابن الجوزي وابن الدبيثي وابن نقطة وابن النجار والضياء المقدسي والبرزالي وابن خليل وغيرهم من أكابر الحفاظ وتوفي ليلة السبت بين العشاءين سادس شوال ودفن بمقبرة باب حرب وفيها أبو محمد عبد المحسن ابن يعيش بن إبراهيم بن يحيى الحراني الفقيه الحنبلي سمع بحران من أبي ياسر ابن أبي جبة ورحل إلى بغداد فسمع من ابن كليب وابن الجوزي وطبقتهما وقرأ المذهب والخلاف حتى تميز وأقام ببغداد مدة ثم عاد إلى حران فأقام بها ثم قدم بغداد حاجا سنة عشر وستمائة وحدث بها وسمع منه بعض الطلبة ثم رجع إلى حران فتوفي بها وهو شاب وفيها علي بن المفضل بن علي الإمام المفتي شرف الدين أبو الحسن اللخمي المقدسي ثم الأسكندراني

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21