كتاب :شذرات الذهب في أخبار من ذهب
المؤلف:عبد الحي بن أحمد بن محمد العكري الحنبلي

العقيلي منكر الحديث يوصل الأحاديث ثم ساق له حديثا متنه الديك الأبيض الأفرق حبيب وحبيب حبيبي وقال أبو حاتم ضعيف الحديث سمعت منه ولا أحدث عنه وقال ابن أبي حاتم روى حديثا منكرا انتهى ما أورده الذهبي في المغني
وفيها الحارث بن مسكين الإمام أبو عمرو قاضي الديار المصرية وله ست وتسعون سنة سأل الليث بن سعد وسمع الكثير من ابن عيينة وابن وهب وأخذ في المحنة فحبس دهرا حتى أخرجه المتوكل وولاه قضاء مصر وكان من كبار أئمة السنة الثقات قال السيوطي في حسن المحاضرة الحارث بن مسكين بن محمد بن يوسف الأموي أبو عمرو المصري الحافظ الفقيه العلامة روى عنه أبو داود والنسائي قال الخطيب كان فقيها على مذهب مالك ثقة في الحديث ثبتا وله تصانيف ولد سنة أربع وخمسين ومائة ومات ليلة الأحد لثلاث بقين من ربيع الأول سنة خمسين ومائتين انتهى
وفيها ويقال في سنة خمس وخمسين الإمام أبو حاتم السجستاني سهل بن محمد النحوي المقرىء اللغوي صاحب المصنفات حمل العربية عن أبي عبيدة والأصمعي وقرأ القرآن على يعقوب وكتب الحديث عن طائفة قومت كتبه يوم مات بأربعة عشر ألف دينار واشتراها ابن السكيت بدون ذلك مجاباة
وفيها عباد بن يعقوب الأسدي الرواجني الكوفي الحافظ الحجة سمع من شريك والوليد بن أبي ثور والكبار قال ابن حبان كان داعية إلى الرفض وقال ابن خزيمة حدثنا الصدوق في روايته المتهم في دينه عباد بن يعقوب وروى عنه البخاري مقرونا بآخر
وفيها عمرو بن بحر الجاحظ أبو عثمان البصري المعتزلي واليه تنسب الفرقة الجاحظية من المعتزلة صنف الكثير في الفنون كان بحرا من بحورا لعلم رأسا في الكلام والإعتزال وعاش تسعين سنة وقيل بقي إلى سنة خمس وخمسين أخذ عن القاضي أبي يوسف وثمامة بن أشرس وأبى اسحق النظام قال في المغني

عمرو بن بحر الجاحظ المتكلم صاحب الكتب قال ثعلب ليس بثقة ولا مأمون انتهى وقال غيره أحسن تأليفه وأوسعها فائدة كتاب الحيوان وكتاب البيان والتبيين وكان مشوه الخلق استدعاه المتوكل لتأديب ولده فلما رأه رده وأجازه وفلج في آخر عمره فكان يطلى نصفه بالصندل والكافور لفرط الحرارة ونصفه الآخر لو قرض بالمقاريض ما أحس به لفرط البرودة وسمى جاحظا لجحوظ عينيه أي نتوءهما وكان موته بسقوط مجلدات العلم عليه
وفيها الفضل بن مروان بن ماسرخس كان وزير المعتصم وهو الذي أخذ له البيعة ببغداد وكان المعتصم يومئذ ببلاد الروم صحبة أخيه المأمون فاتفق موت المأمون واعتد له المعتصم بها يدا عنده وفوض إليه الوزارة يوم دخلوه بغداد وهو يوم السبت مستهل شهر رمضان سنة ثماني عشرة ومائتين وخلع عليه ورد أموره كلها إليه فغلب عليه لطول خدمته وتربيته إياه فاستقل بالأمور وكذلك كان في أواخر دولة المأمون وكان نصراني الأصل قليل المعرفة بالعلم حسن المعرفة بخدمة الخلفاء وله ديوان رسائل وكتاب المشاهدات والأخبار التي شاهدها ومن كلامه مثل الكاتب كالدولاب إذا تعطل انكسر وكان قد جلس يوما لقضاء أشغال الناس ورفعت إليه قصص العامة فرأى في جملتها ورقة مكتوب فيها
( تفرعنت يافضل بن مروان فاعتبر ** فقبلك كان الفضل والفضل والفضل )
( ثلاثة أملاك مضوا لسبيلهم ** أبادتهم الأقياد والحبس والقتل )
( وأنك قد أصبحت في الناس ظالما ** ستودى كما أودى الثلاثة من قبل )
أراد بالفضول الثلاثة الفضل بن يحيى البرمكي والفضل بن سهل والفضل ابن الربيع وذكر المرزباني والزمخشري في ربيع الأبرار أن هذه الأبيات للهيثم ابن فراس السامي من سامة بن لؤي وقال الصولي أخذ المعتصم من داره لما نكبه الف الف دينار وأخذ أثاثا وآنية بألف ألف دينار وحبسه خمسة أشهر ثم أطلقه

وألزمه بيته واستوزر أحمد بن عمار ومن كلام الفضل هذا أيضا لا تتعرض لعدوك وهو مقبل فإن إقباله يعينه عليك ولا تتعرض له وهو مدبر فأن ادباره يكفيك أمره
وفيها كثير بن عبيد المذحجي الحذاء إمام جامع حمص أمه مدة ستين سنة قيل أنه ماسها في صلاة مدة ما أم حدث عن ابن عيينة وبقليه وطائفة وكان عبدا صالحا
وأبو عمرو نصر بن علي الجهضمي وقيل علي بن نصر الجهضمي الصغير البصري الحافظ الثقة أحد أوعية العلم روى عن يزيد بن زريع وطبقته وعنه أبو داود والترمذي والنسائي وغيرهم قال أبو بكر بن أبي داود كان المستعين طلب نصر بن علي ليوليه القضاء فقال لأمير البصرة حتى أرجع فاستخير الله فرجع وصلى ركعتين وقال اللهم إن كان لي عندك خير فاقبضني إليك ثم نام فنبهوه فإذا هو ميت رحمه الله تعالى مات في ربيع الآخر

سنة إحدى وخمسين ومائتين

فيها توفي إسحاق بن منصور الكوسج الإمام الحافظ أبو يعقوب المروزي بنيسابور في جمادى الأولى سمع ابن عيينة وخلقا وتفقه على أحمد وإسحاق وكان ثقة نبيلا
وفيها بل في التي قبلها كما جزم به ابن خلكان وغيره الحسين بن الضحاك ابن ياسر الشاعر البصري المعروف بالخليع سمي خليعا لكثرة مجونه وخلاعته كان مولى لولد سليمان بن ربيعة الباهلي الصحابي رضي الله عنه وأصله من خراسان وهو شاعر ماجن مطبوع حسن الافتنان في ضروب الشعر وأنواعه اتصل بمنادمة الخلفاء إلى ما لم يتصل إليه إسحاق النديم فإنه قاربه في ذلك وساواه وأول من نادمه منهم محمد الأمين بن هارون الرشيد ولم يزل مع الخلفاء بعده إلى أيام المستعين وهو في الطبقة الأولى من الشعراء المجيدين وبينه وبين أبي نواس

ماجريات لطيفة ووقائع حلوة ومن شعره قوله
( صل بخدي خديك تلقى عجيبا ** من معان يحار فيها الضمير )
( فبخديك للربيع رياض ** وبخدي للدموع غدير ) وقوله
( إذا خنتم بالغيب عهدي فما لكم ** تدلون أدلال المقيم على العهد )
( صلوا وافعلوا فعل المدل بوصله ** وألا تصدوا وافعلوا فعل ذي صد ) وعمر نحو المائة
وفيها حميد بن زنجوية أبو أحمد النسائي الحافظ صاحب التصانيف منها كتاب الآداب النبوية والترغيب والترهيب وغيرهما وكان من الثقات روى عن النضر بن شميل وخلق بعده
وفيها عمرو بن عثمان الحمصي محدث حمص كان ثقة عدلا روى عن إسماعيل ابن عياش وبقية وابن عيينة قال أبو زرعة كان أحفظ من محمد بن مصفى
وفيها أبو التقى هشام بن عبد الملك اليزني الحمصي الحافظ الثقة المتقن روى عن إسماعيل بن عياش وبقية وكان ذا معرفة تامة

سنة اثنتين وخمسين ومائتين

قتل المستعين بالله أبو العباس أحمد بن المعتصم محمد بن الرشيد العباسي ولد سنة إحدى وعشرين ومائتين وبويع بعد المنتصر وكان أمراء الترك قد استولوا على الأمر وبقي المستعين مقهورا معهم فتحول من سامرا إلى بغداد غضبان فوجهوا يعتذرون إليه ويسألونه الرجوع فامتنع فعهدوا إلى الحبس فأخرجوا المعتز بالله وحلفوا له وخلفوه وجاء أخوه أبو أحمد لمحاصرة المستعين فتهيأ المستعين ونائب بغداد بن طاهر للحرب وبنوا سور بغداد ووقع القتال ونصبت المجانيق ودام الحصار أشهرا واشتد البلاء وكثرت القتلى وجهد أهل بغداد حتى أكلوا الجيف وجرت عدة وقعات بين الفريقين قتل في وقعة منها نحو الألفين من البغادنة إلى

أن كاوا وضعف أمرهم وقوى أم المعتز ثم تخلى ابن طاهر عن المسعتين لما رأى البلاء وكاتب المعتز ثم سعوا في الصلح على خلع المستعين فخلع نفسه على شروط موكدة في أول هذه السنة ثم أنفذوه إلى واسط فاعتقل تسعة أشهر ثم أحضر إلى سامرا في آخر رمضان قله في العبر وقال ابن الأهدل اتفق الصلح على خلع السمعتين فخلع نفسه على شروط لم تف وشاور أصحابه في أي البلاد يسكن فأشار عليه بعضهم بالبصرة فقبل أنها حارة فقال أترونها أحر من فقد الخلافة فأقام حينئذ ثم استدعاه المعتز وقتله وهو ابن خمس وثلاثين سنة وكانت مدته من يوم بويع إلى أن خلع ثلاث سنين وأشهرا وبين خلعه وقتله تسعة أشهر وفيه يقول حينئذ الكاتب المعروف بالحاسه
( خلع الخليفة أحمد بن محمد ** وسيقتل التالي له أو يخلع )
( أيها بني العباس أن سبيلكم ** في قتل اعبدكم سبيل مهيع )
( رقعتم دنياكم فتمزفت ** بكم الحياة تمزقا لا يرقع )
وكان يقول في دعائه اللهم أذ خلعتني من الخلافة فلا تخلعني من رحمتك ولا تحرمني جنتك انتهى وكان سبب قتله على ما ذكره ابن الفرات أن المعتز بالله حين هم بقتله كتب إلى محمد بن عبد الله بن طاهر فوجه أحمد بن طولون التركي في جيش فاخرج المستعين فلما وافى به القاطول قتله عليه وحمل رأسه إلى المعتز وكفن ابن طولون جثته ودفنه وقيل بل كان أحمد بن طولون موكلا بالمستعين فوجه المعتز سعيد بن صالح في جماعة فحمله وقتله بالقاطول وقيل أنه أدخله إلى منزله بسر من رأى فعذبه حتى مات وقيل بل ركبه معه في زورق وشد في رجليه حجرا وأغرقه وقيل بل وكل به رجلا من الأتراك وقال له اقتله فلما أتى إليه ليقتله قال له دعني حتى أصلى ركعتين فخلاه في الركعة الأولى وضرب رأسه وأتى المعتز برأسه وهو يلعب بالشطرنج فقيل له هذا رأس المخلوع فقال دعوه حتى أفرغ من الدست فلما فرغ دعاية ونظر إليه وأمر بدفنه وأمر لسعيد بن

صالح بخمسين ألفا وولاه البصرة انتهى وكان المستعين ربعة خفيف العارضين أحمر الوجه مليحا بوجهه أثر جدري ويلثغ في السين نحو الثاء وكان مسرفا في تبذير الخزائن والذخائر سامحه الله تعالى
وفيها إسحاق بن بهلول أبو يعقوب التنوخي الأنباري الحافظ سمع ابن عيينة وطبقته وكان من كبار الأئمة صنف في القراءات وفي الحديث والفقه قال ابن صاعد حدث إسحاق بن بهلول بنحو خمسين ألف حديث من حفظه وعاش ثمانيا وثمانين سنة
وفيهاأبو هاشم زياد بن أيوب الطوسي ثم البغدادي دلويه الحافظ سمع هشيما وطبقته وحدث عنه البخاري وأحمد وغيرهما وكان ثقة ثبتا وكان يقال له شعبة الصغير لإتقانه ومعرفته
وفيها بندار محمد بن بشار بن عثمان بن داود بن كيسان العبدي البصري أبو بكر الحافظ الثقة في رجب سمع معتمر بن سليمان وغندر وطبقتهما قال أبو داود كتبت عنه خمسين ألف حديث
وفيها محمد بن المثنى بن عبيد بن قيس بن دينار أبو موسى العتري البصري الزمن في ذي القعدة ومولده عام توفي حماد بن سلمة سمع معتمر بن سليمان وسفيان بن عيينة وطبقتهما وروى عنه الأئمة الستة وابن خزيمة وغيرهم وكان حجة حافظا
وفيها يعقوب بن إبراهيم بن كثير بن زيد بن أفلح بن منصور بن مزاحم أبو يوسف العبدي النكري الدورقي البغدادي الحافظ الثقة الحجة سمع هشيما وإبراهيم بن سعد وطبقتهما وروى عنه الستة وغيرهم
وفيها بل في التي قبلها كما جزم به ابن ناصر الدين على الأفطس بن الحسن الذهلي قال في المغني علي بن الحسن الذهلي الأفطس النيسابوري عن ابن عيينة قال ابن الشرقي متروك الحديث انتهى

سنة ثلاث وخمسين ومائتين

فيها توفي أحمد بن سعيد بن صخر الحافظ أبو جعفر الدارمي السرخسي أحد الفقهاء والأئمة في الأثر سمع النضر بن شميل وطبقته وكان ثقة روى عنه الأئمة إلا النسائي
وفيها أحمد بن المقدام أبو الأشعث البصري العجلي المحدث في صفر سمع حماد بن زيد وطائفة كثيرة قال في المغني ثقة ثبت وإنما ترك أبو داود الرواية عنه لمزاحه كان بالبصرة مجان يلقون صرة الدراهم ويرقبونها فإذا جاء من يرفعها صاحوا به وخجلوه فعلمهم أحمد أن يتخذوا صرة فيها زجاج فإذا أخذوا صرة الدراهم فصاح صاحبها وضعوا بدلها صرة الزجاج وقال النسائي ليس به بأس انتهى كلام المغني
وفيها السري بن المغلس السقطي أبو الحسن البغدادي أحد الأولياء الكبار وله نيف وتسعون سنة سمع من هشيم وجماعة وصحب معروفا الكرخي وله أحوال وكرامات قال ابن الأهدل هو خال الجنيد وأستاذه وتلميذ معروف الكرخي قال الجنيد دفع لي السري رقعة وقال هذه خير لك من سبعمائة فضه فإذا فيها
( ولما ادعيت الحب قال كذبتني ** فما لي أرى الأعضاء منك كواسيا )
( فما الحب حتى يلصق الظهر بالحشا ** وتذبل حتى لا تجيب المناديا )
( وتنحل حتى لا يبقى لك الهوى ** سوى مقلة تبكي بها وتناجيا )
انتهى وقال السخاوي في طبقات الأولياء هو إمام البغداديين في الإشارات وكان يلزم بيته ولا يخرج منه لا يراه إلا من يقصده إلى بيته انقطع عن الناس وعن أسبابهم وأسند عن الجنيد قال ما رأيت أعبد من السري أتت عليه ثمان وتسعون سنة ما رؤى مضطجعا إلا في علة الموت وسئل عن المتصوف فقال هو اسم لثلاثة معان وهو الذي لا يطفئ نور معرفته نور ورعه ولا يتكلم بباطن

ينققضه عليه ظاهر الكتاب ولا تحمله الكرامات من الله على هتك استار محارم الله انتهى ما ذكره السخاوى ملخصا
وفيها الأمير محمد بن عبد الله بن طاهر بن الحسين الخزاعي نائب بغداد كان جوادا ممدحا قوى المشاركة جيد الشعر مات بالخوانيق
وفيها وصيف التركي كان أكبر أمراء الدولة وكان قد استولى على المعتز واصطفى الأموال لنفسه وتمكن ثم قتل

سنة أربع وخمسين ومائتين

فيها قتل بغا الصغير الشرابي وكان فد تمرد وطغى وراح نظيره وصيف فتفرد واستبد بالأمور وكان المعتز بالله يقول لا أستلذ بحياة ما بقى بغا ثم أنه وثب فأخذ من الخزائن مائتي ألف دينار وسار نحو السند فاختلف عليه أصحابه وفارقه عسكره فذل وكتب يطلب الأمان وانحدر في مركب فأخذته المغاربة وقتله وليد المغربي وأتى برأسه فأعطاه المعتز عشرة آلاف دينار
وفيها أبو الحسن على بن الجواد محمد بن الرضا على بن الكاظم موسى بن جعفر الصادق العلوي الحسني المعروف بالهادي كان فقيها اماما متعبدا وهو أحد الأئمة الإثني عشر الذين تعتقد غلاة الشيعة عصمتهم كالأنبياء سعى به إلى المتوكل وقيل له أن في بيته سلاحا وعدة ويريد القيام فأمر من هجم عليه منزلة فوجده في بيت مغلق وعليه مدرعة من شعر يصلى ليس بينه وبين الأرض فراش وهو يترنم بآيات من القرآن في الوعد والوعيد فحمل إليه ووصف له حاله فما رآه عظمه وأجلسه إلى جنبه وناوله شرابا فقال ما خامر لحمى ولا دمى فاعفنى منه فأعفاه وقال له أنشدني شعرا فأنشده أبياتا أبكاه بها فأمر له بأربعة آلاف دينار ورده مكرما وإنما قيل العسكري لأنه سعى به إلى المتوكل أحضره من المدينة وهي مولده وأقره مدينة العسكر وهي سر من رأى سميت بالعسكر لأنه المعتصم

الله في سنة سبعين
وفيها خرج غير واحد من العلوية وحاربوا بالعجم وغيرها
وفيها توفي الإمام الحبر أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن التميمي الدارمي السمرقندي الحافظ الثقة صاحب المسند المشهور رحل وطوف وسمع النضر بن شميل ويزيد بن هارون وطبقتهما قال أبو حاتم هو إمام أهل زمانه وقال محمد ابن عبد الله بن نمير غلبنا الدارمي بالحفظ والورع وقال رجاء بن مرجاما رأيت أعلم بالحديث منه
وفيها قتل المعتز بالله أبو عبد الله محمد بن المتوكل جعفر بن المعتصم محمد بن الرشيد العباسي في رجب خلعوه وأشهد على نفسه مكرها ثم أدخلوه بعد خمسة أيام إلى حمام فعطش حتى عاين الموت وهو يطلب الماء فيمنع ثم أعطوه ماء بثلج فشربه وسقط ميتا واختفت أمه صبيحة وسبب قتله إن جماعة من الأتراك قالوا اعطنا أرزاقنا فطلب من أمه مالا فلم تعطه وكانت ذات أموال عظيمة إلى الغاية منها جوهر وياقوت وزمرد قوموه بألفي دينار ولم يكن إذ ذاك في خزائن الخلافة شيء فحينئذ أجمعوا على خلعه ورأسهم حينئذ صالح بن وصيف ومحمد بن بغا فلبسوا السلاح وأحاطوا بدار الخلافة وهجم على المعتز طائفة منهم فضربوه بالدبابيس وأقاموه في الشمس حافيا ليخلع نفسه فأجاب وأحضروا محمد بن الواثق من بغداد فأول من بايعه المعتز بالله وعاش المعتز ثلاثا وعشرين سنة وكان من أحسن أهل زمانه ولقبوا محمدا بالمهدي بالله قاله في العبر وقال ابن الفرات كانت وفاته في شعبان من هذه السنة وكان عمره اثنتين وعشرين سنة وثلاثة أشهر وكانت خلافته من يوم بويع له ببغداد بعد خلع المستعين بالله نفسه ثلاث سنين وستة أشهر وأربعة وعشرين يوما وأشهر ولد عبد الله بن المعتز الشاعر وبه كان يكنى انتهى
وفيها محمد بن عبد الرحيم أبو يحيى البغدادي الحافظ البزاز ولقبه صاعقة

سمع عبد الوهاب بن عطاء الخفاف وطبقته وكان أحد الثقاث الإثبات المجودين
وفيها محمد بن كرام أبو عبد الله السجستاني الزاهد شيخ الطائفة الكرامية وكان من عباد المرجئة قاله في العبر وقال في المغني محمد بن كرام السجزي العابد المتكلم شيخ الكرامية أكثر عن الجوبياري ومحمد بن تميم السعدي وكانا ساقطين قال ابن حبان خذل حتى التقط من المذاهب أرداها ومن الأحاديث أوهاها وقال أبو العباس سراج شهدت البخاري ودفع إليه كتاب ابن كرام يسأله عن أحاديث فيها الزهري عن سالم عن أبيه يرفعه الإيمان لا يزيد ولا ينقص فكتب أبو عبد الله على ظهر كتابه من حدث بهذا استوجب الضرب الشديد والحبس الطويل وقال ابن حبان جعل ابن كرام الإيمان قولا بلا معرفة وقال ابن حزم قال ابن كزام الإيمان قول بلسان وأن اعتقد الكفر بقلبه فهو مؤمن قلت هذه أشنع بدعة وقوله في الرب جسم لا كالاجسام انتهى ما قاله الذهبي في المغني في الضعفاء
وفيها موسى بن عامر المري الدمشقي سمع الوليد بن مسلم وابن عيينة وكان أبوه أبو الهندام عامر بن عمارة سيد قيس وزعيمها وفارسها وكان طلب من الوليد بن مسلم فحدث ابنه هذا بمصنفاته قال في المغني موسى بن عامر المري صاحب الوليد بن مسلم صدوق تكلم فيه بلا حجة ولا ينكر له تفرده عن الوليد فأنه يكثر عنه انتهى

سنة ست وخمسين ومائتين

كان صالح بن وصيف التركي قد ارتفعت منزلته وقتل المعتز وظفر بأمه صبيحة فصادرها حتى استصفى نعمتها وأخذ منها نحو ثلاثة آلاف الف دينار ونفاها إلى مكة ثم صادر خاصة المعتز وكتابه وهم أحمد بن إسرائيل والحسن بن مخلد وأبو نوح وعيسى بن إبراهيم ثم قتل أبا نوح وأحمد فلما دخلت هذه السنة أقبل موسى بن بغا وعبأ جيشه في أكمل أهبة ودخلوا سامرا ملبين قد أجمعوا على

قتل صالح بن وصيف وهم يقولون قتل المعتز وأخذ أموال أمه وأموال الكتاب وصاحت العامه يا فرعون جاءك موسى ثم هجم موسى بمن معه على المهتدي بالله وأركبوه فرسأ وانتهبوا القصر ثم ادخلوا المهتدي دار باجور وهو يقول يا موسى ويحك ما تريد فيقول وتربة المتوكل لا نالك سوء ثم حلفوه لا يمالىء صالح ابن وصيف عليهم وبايعوه وطلبوا صالحا يناظروه على أفعاله فاختفى وردوا المهتدي إلى داره وبعد شهر قتل صالح بن وصيف
وفي رجب قتل المهتدي بالله أمير المؤمنين أبو اسحق محمد بن الواثق بالله هارون بن المعتصم محمد بن الرشيد العباسي وكانت دولته سنة وعمره نحو ثمان وثلاثين سنة وكان أسمر رقيقا مليح الصورة ورعا تقيا متعبدا عادلا فارسا شجاعا قويا في أمر الله خليقا للامارة لكنه لم يجد ناصرا ولا معينا على الخير وقيل أنه سرد الصوم مدة أمرته وكان يقنع بعض الليالي بخبز وزيت وخل وكان يشبه بعمر بن عبد العزيز وورد أنه كان له جبة صوف وكساء يتعبد فيه بالليل وكان قد سد باب الملاهي والغناء وحسم الأمراء عن الظلم وكان يجلس بنفسه لعمل حساب الدواوين بين يديه ثم أن الأتراك خرجوا عليه فلبس السلاح وأشهر سيفه وحمل عليهم فجرح ثم أسروه وخلعوه ثم قتلوه إلى رحمة الله ورضوانه وأقاموا بعده المعتمد على الله قاله في العبر وقال ابن الفرات أرادوا أن يبايعوا المهتدي بالله على الخلافة فقال لا أقبل مبايعتكم حتى أسمع بأذني خلع المعتز نفسه فأدخلوه عليه فسلم عليه بالخلافة وجلس بين يديه فقال له الأمراء ارتفع فقال لا أرتفع إلا أن يرفعني الله ثم قال للمعتز يا أمير المؤمنين خلعت أمر الرعية من عنقك طوعا ورغبة وكل من كانت لك في عنقه بيعة فهو برىء منها فقال المعتز من الخوف نعم فقال خار الله لنا ولك يا أبا عبد الله ثم ارتفع حينئذ إلى صدر المجلس وكان أول من بايعه وكان المهتدي وروعا زاهدا صواما لم تعرف له زلة وكان سهل الحجاب كريم الطبع يخاطب أصحاب الحوائج بنفسه ويجلس للمظالم ويلبس

القميص الصوف الخشن تحت ثيابه على جلده وكان من العدل على جانب عظيم حكى أن رجلا من الرملة تظلم إلى المهتدي بالله من عاملها فأمر بأنصافه وكتب إليه كتابا بخطه وختمه بيده وسلمه إلى الرجل وهو يدعو له فشاهد الرجل من رحمة المهتدي وبره بالرعية وتوليته أمورهم بنفسه ما لم ير مثله فاهتز ووقع مغشيا عليه والمهتدي يعاينه فلما أفاق قال له المهتدي ما شأنك أبقيت لك حاجة قال ولا والله وكلني ما رجوت أن أعيش حتى أرى مثل هذا العدل فقال له المهتدي كما أنفقت منذ خرجت من بلدك فقال أنفقت عشرين دينارا فقال المهتدي أنا لله وإنا إليه راجعون كان الواجب علينا أن ننصفك وأنت في بلدك ولا نحوجك إلى تعب وكلفة وإذا أنفقت ذلك فهذه خمسون دينارا من بيت المال فأنى لا أملك مالا فخذها لنفقتك واجعلنا في حل من تعبك وتأخر حقك فبكى الرجل حتى غشى عليه ثانيا وبهت بعض الناس وبكى بعضهم فقال أحد الجماعة أنت والله يا أمير المؤمنين كما قال الأعشى
( حكمتموه فقضى بينكم ** أبلج مثل القمر الزاهر )
( لا يقبل الرشوة في حكمه ** ولا يبالي غبن الخاسر )
فقال المهتدي أما أنت فأحسن الله جزاءك وأما أنا فما رويت هذا الشعر ولا سمعت به ولكني أذ كر قول الله عز وجل { ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين } فما بقى في المجلس إلا من استغرق بالدعاء له بطول العمر ونفاذ الأمر وكان يقول لو لم يكن الزهد في الدنيا والإيثار لما عند الله من طبعي لتكلفته فإن منصبي يقتضيه لأني خليفة الله في أرضه والقائم مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم النائب عنه في أمته وأنى لا ستحيي أن يكون لبني مروان عمر بن عبد العزيز وليس لبني العباس مثله وهم آل الرسول صلى الله عليه وسلم انتهى
وفيها الزبير بن بكار الإمام أبو عبد الله الأسدي الزبيري قاضي مكة في

ذي القعدة سمع سفيان بن عيينة فمن بعده وصنف كتاب النسب وغير ذلك وكان ثقة ولا يلتفت إلى من تكلم فيه كما قال ابن ناصر الدين
وفيها ليلة عيد الفطر الإمام حبر الإسلام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن المغيرة بن بردزبة البخاري مولى الجعفين صاحب الصحيح والتاصنيف ولد سنة أربع وتسعين ومائة وارتحل سنة عشر ومائتين فسمع مكي بن إبراهيم وأبا عاصم النبيل وأحمد بن حنبل وخلائق عدتهم ألف شيخ وكان من أوعية العلم يتوقد ذكاء ولم يخلف بعده مثله قاله في العبر وقال الحافظ عبد الغني في كتابه الكمال ما ملخصه محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن للغيرة بن بردزبة يكنى أبا عبد الله وبردزبة مجوسي مات عليها والمغيرة أسلم على يدي يمان البخاري وإلى بخارى ويمان هو أبو جد عبد الله بن محمد بن جعفر بن يمان وهذا هو الإمام أبو عبد الله الجعفي مولاهم البخارى صاحب الصحيح إمام هذا الشأن والمقتدى به فيه والمعول على كتابه بين أهل الإسلام رحل في طلب العلم إلى سائر محدثي الأمصار وكتب بخراسان والجبال ومدن العراق كلها وبالحجاز والشام ومصر قال ابن وضاح ومكى بن خلق سمعنا محمد بن إسماعيل يقول كتبت عن الف نفر من العلماء وزيادة ولم أكتب إلا عمن قال الإيمان قول وعمل وعن أبي اسحق الريحاني أن البخاري كان يقول صنفت كتاب الصحيح بست عشرة سنة خرجته من ستمائة ألف حديث وجعلته حجة فيما بيني وبين الله تعالى وقال محمد ابن سليمان بن فارس سمعت أبا عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري يقول رأيت النبي صلى الله عليه وسلم كأني واقف بين يديه وبيدي مروحة أذب عنه فسألت بعض المعيرين فقال أنك تذب عنه الكذب فهو الذي حملني على إخراج الصحيح وقال أبو حامد أحمد بن حمدون الأعمشى سمعت مسلم بن الحجاج يقول لمحمد بن إسماعيل البخاري لا يعيبك إلا حاسد واشهد أن ليس في الدنيا مثلك وقال أحمد بن حمدون الأعمشى رأيت محمد بن إسماعيل في جنازة أبي عثمان سعيد بن مروان

ومحمد بن يحيى يسأله عن الأسامي والكنى وعلل الحديث ويمر فيه محمد بن إسماعيل مثل السهم كأنه يقرأ قل هو الله أحد وقال عبد الله بن أحمد بن حنبل سمعت أبي يقول ما أخرجت خراسان مثل محمد بن إسماعيل البخاري وروى أبو اسحق المستملي عن محمد بن يوسف الفربري أنه كان يقول سمع كتاب الصحيح من محمد بن إسماعيل تسعون ألف رجل وما بقى أحد يروى عنه غيري وقال محمد بن إسماعيل ما أدخلت في كتابي الجامع الا ما صح وتركت من الصحاح لحال الطولي وقال النسائي ما في هذه الكتب كلها أجود من كتاب محمد بن اسماعيل وقال بكر بن منير سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول أرجو أن ألقى الله عز وجل ولا يحاسبني أني اغتبت أحدا وقال عبد الواحد بن آدم الطواويسي رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم ومعه جماعة من أصحابه وهو واقف في موضع ذكره فسلمت عليه فرد السلام فقلت ما يوقفك يا رسول الله قال أنتظر محمد بن إسماعيل البخاري فلما كان بعد أيام بلغني موته فنظرنا فإذا هو قد مات في الساعة التي رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فيها وقال بعد القدوس بن عبد الجبار السمرقندي جاء محمد بن إسماعيل إلى خرتنك قرية من قرى سمرقند على فرسخين وكان له أقرباء فنزل عليهم قال فسمعته ليلة من الليالي وقد فرغ من صلاة الليل يدعو ويقول اللهم قد ضاقت على الأرض بما رحبت فاقبضني إليك قال فما تم الشهر حتى قبضه الله عز وجل وقبره بخرتنك ولد البخاري يوم الجمعة بعد صلاة الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من شوال سنة أربع وتسعين ومائة وتوفي ليلة السبت عند صلاة العشاء ليلة الفطر ودفن يوم الفطر بعد صلاة الظهر لغرة شوال سنة ست وخمسين ومائتين وعاش اثنين وستين سنة إلا ثلاثة عشر يوما انتهى مالخصته من الكمال وقال ابن الأهدل بعد الإطناب في ذكره أجمع الناس على صحة كتابه حتى لو حلف حالف بطلاق زوجته ما في صحيح البخاري حديث مسند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو صحيح عنه كما نقله ما حكم بطلاق زوجته نقل ذلك غير واحد من الفقهاء

وقرروه ونقل الفربري عنه قال ما وضعت في كتابي الصحيح حديثا إلا وقد اغتسلت قبله وصليت ركعتين انتهى
وفيها يحيى بن حكيم البصري المقوم أبو سعيد الحافظ سمع سفيان بن عيينة وغنذرا وطبقتهما قال أبو داود كان حافظا متقنا

سنة سبع وخمسين ومائتين

فيها وثب العلوى قائد الزنج على الأبلة فاستباحها وأحرقها وقتل بها نحو ثلاثين ألفا فساق لحربه سعيد الحاجب فالتقوا فانهزم سعيد واستبحر القتل بأصحابه ثم دخلت الزنج البصرة وخربوا الجامع وقتلوا بها اثني عشر ألفا فهرب باقي أهلها بأسوأ حال فخربت ودثرت
وفيها قتل توفيل طاغية الروم قتله سيل الصقلبي
وفيها توفي المحدث المعمر أبو على الحسن بن عرفة العبدي البغدادي المؤدب وله مائة وسبع سنين سمع إسماعيل بن عياش وطبقته وكان يقول كتب عني خمسة قرون قال النسائي لا بأس به
وفيها زهير بن محمد بن قمير المروزي ثم البغدادي الحافظ سمع يعلى بن عبيد ورحل إلى عبد الرزاق وكان من أولياء الله تعالى ثقة مأمونا قال البغوي ما رأيت بعد أحمد بن حنبل أفضل منه كان يختم في رمضان
وفيها زيد بن أخزم الشهيد الطائي النبهاني البصري أبو طالب ثقة حدث عنه أصحاب الكتب إلا مسلما وذبحته الزنج
وفيها الحافظ أبو داود سليمان بن معبد السبخي المروزي روى عن النضر ابن شميل وعبد الرزاق وكان أيضا مقدما في العربية والرياشي أبو الفضل العباس بن الفرج قتلته الزنج بالبصرة وله ثمانون سنة أخذ عن أبي عبيدة ونحوه وكان إماما في اللغة والنحو أخباريا علامة ثقة خرج له أبو داود في سننه


وفيها أبو سعيد الأشج عبد الله بن سعيد الكندي الكوفي الحافظ صاحب التصانيف في ربيع الأول وقد جاوز التسعين روى عن هشيم وعبد الله بن إدريس وخلق وكان ثقة حجة قال أبو حاتم هو إمام أهل زمانه وقال محمد بن أحمد الشطوي ما رأيت أحفظ منه

سنة ثمان وخمسين ومائتين

فيها توجه منصور بن جعفر فالتقى الخبيث قائد الزنج وهو فقتل منصور في المصاف واستبيح ذلك الجيش فسار أبو أحمد الموفق أخو الخليفة في جيش عظيم فانهزمت الزنج وتقهقرت ثم جهز الموفق فرقة عليهم مفلح فالتقوا الزنج فقتل مفلح في المصاف وانهزم الناس وتحيز الموفق إلى الابلة فسير قائد الزنج جيشا عليهم يحيى بن محمد فانتصر المسلمون وقتل في الوقعة خلق وأسروا يحيى فأحرق بعد ما قتل ببغداد ثم وقع الوباء في جيش الموفق وكثر ثم كانت وقعة هائلة بين الزنج والمسلمين فقتل خلق من المسلمين وتفرق عن الموفق عامة جنده
وفيها توفي أحمد بن بديل الإمام أبو جعفر اليامي الكوفي قاضي الكوفة ثم قاضي همذان روى عن أبي بكر بن عياش وطبقته وخرج له الترمذي وغيره وكان صالحا عادلا في أحكامه وكان يسمى راهب الكوفة لعبادته قال الدارقطني فيه لين وقال في المغني أحمد بن بديل الكوفي القاضي مشهور غير متهم قال ابن عدي يكتب حديثه مع ضعفه وقال النسائي لا بأس به انتهى
وأبو علي أحمد بن حفص بن عبد الله السلمي النيسابوري قاضي نيسابور روى عن أبيه وجماعة
وفيها أحمد بن سنان القطان أبو جعفر الواسطي الحافظ سمع أبو معاوية وطبقته وروى عنه أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي وصنف المسند وكتب عنه ابن أبي حاتم وقال هو إمام أهل زمانه


وفيها أحمد بن الفرات بن خالد بن مسعود الرازي الثقة أحد الأعلام في شعبان بأصبهان طوف النواحي وسمع أبا أسامة وطبقته وكان ينظر بأبي زرعة الرازي في الحفظ وصنف المسند والتفسير وقال كتبت ألف ألف وخمسمائة ألف حديث
ومحمد بن سنجر أبو عبد الله الجرجاني الحافظ صاحب المسند في ربيع الأول بصعيد مصر سمع أبا نعيم وطبقته وكان ثقة خيرا
ومحمد بن عبد الملك بن زنجويه أبو بكر الحافظ البغدادي الغزال مات في جمادى الآخرة ببغداد وكان ثقة رحل إلى عبد الرزاق فأكثر عنه وصنف
ومحمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس أبو عبد الله الذهلي النيسابوري أحد الأئمة الأعلام الثقات سمع عبد الرحمن وطبقته وأكثر الترحال وصنف التصانيف وكان الإمام أحمد يجله ويعظمه قال أبو حاتم كان إمام أهل زمانه وقال أبو بكر بن أبي داود هو أمير المؤمنين في الحديث
ويحيى بن معاذ الرازي الزاهد حكيم زمانه وواعظ عصره توفي في جمادى الأولى بنيسابور وقد روى عن إسحاق بن سليمان الرازي وغيره وقال السلمي في طبقات الأولياء يحيى بن معاذ بن جعفر الرازي الواعظ تكلم في علم الرجال فأحسن الكلام فيه وكانوا ثلاثة إخوة يحيى وإبراهيم وإسماعيل أكبرهم سنا إسماعيل ويحي أوسطهم وإبراهيم أصغرهم وكلهم كانوا زهادا وأخوه إبراهيم خرج معه إلى خراسان وتوفي بين نيسابور وبلخ وأقام يحيى ببلخ مدة ثم خرج إلى نيسابور ومات بها ومن كلامه من استفتح باب المعاش بغير مفاتيح الأقدار وكل إلى المخلوقين وقال العبادة حرفة وحوانيتها الخلوة وآلاتها المخادعة ورأس مالها الاجتهاد بالسنة وربحها الجنة وقال الصبر على الخلق من علامات الاخلاص وقال الدنيا دار الأشغال والآخرة دار الأهوال ولا يزال العبد مترددا بين الأشغال والأهوال حتى يستقر به القرار أما إلى جنة وإما إلى نار وقال على قدر حبك لله يحبك الخلق وعلى قدر

حين بناها انتقل إليها بعسكره فسميت بذلك واقام بها صاحب الترجمة عشرين سنة فنسب إليها
وفيها محمد بن عبد الله بن المبارك المخرمي الحافظ أبو جعفر ببغداد روى عن وكيع وطبقته وعنه البخاري وأبو داود والنسائي وغيرهم وكان من كبار الحفاظ الثقات المأمونين لما قدم ابن المديني بغداد قال وجدت أكيس القوم هذا الغلام المخرمي
وفيها أبو أحمد المرار بن حموية الثقفي الهمذاني الفقيه سمع أبا نعيم وسيعد بن أبي مريم وكان موصوفا بالحفظ وكثرة العلم
وفيها العتبي صاحب العتيبة في مذهب مالك واسمه محمد بن أحمد بن عبد العزيز ابن عبتة الأموي العتبي القرطبي الأندلس الفقيه أحد الأعلام أخذ عن يحيى ورحل فأخذ بالقيروان عن سحنون وبمصر عن أصبغ وصنف المستخرجة وجمع فيها أشياء غريبة عن مالك
وفيها مؤمل بن إهاب أبو عبد الرحمن الحافظ في رجب بالرملة روى عن ضمرة بن ربيعة ويحيى بن آدم وطبقتهما
وفيها على ما جزم به ابن ناصر الدين أبو عاصم خشيش بن أصرم بن الأسود النسائي أخذ العلم عن الكبار وحدث عنه عدة منهم أبو داود والنسائي وغيرهم وكان ثقة

سنة خمس وخمسين ومائتين

فيها فتنة الزنج وخروج العلوي قائد الزنج بالبصرة خرج بالبصرة فعسكر ودعا إلى نفسه وزعم أنه علي بن محمد بن أحمد بن علي بن عيسى بن الشهيد بن زيد بن علي ولم يثبتوا نسبه فبادر إلى دعوته عبيد أهل البصرة السودان ومن ثم قيل الزنج والتف إليه كل صاحب فتنة حتى استفحل أمره وهزم جيوش الخليفة واستباح البصرة وغيرها وفعل الأفاعيل وامتدت أيامه إلى أن قتل إلى غير رحمة

خوفك من الله يهابك الخلق وعلى قدر شغلك بالله يشتغل في أمرك الخلق وسئل عن الرقص فقال
( دققنا الأرض بالرقص ** على غيب معانيكا )
( ولا عيب على رقص ** لعبد هائم فيكا )
( وهذا دقنا للأر ** ض إذ ظفنا بواديكا )
انتهى ملخصا
وفيها الفضل بن يعقوب الرخامي العالم الفاضل العلم الثقة

سنة تسع وخمسين ومائتين

كان طاغية الزنج قد نزل البطيحة وشق حوله الأنهار وتحصن فهجم عليه الموفق فقيل من أصحابه خلقا وحرق أكواخه واستنفذ من النساء خلقا كثيرا فسار الخبيث إلى الأهواز ووضع السيف في الأمة فقتل خمسين ألفا وسبى مثلهم فسار لحربه موسى بن بغا فحاربه بضعة عشر شهرا وقتل خلق من الفريقين
وفيها نزلت الروم لعنهم الله على ملطية فخرج أحمد القابوس في أهلها فالتقى الروم فقتل مقدمتهم الافريطشي فانهزموا ونصر الله المسلمين
وفيها استفحل أمر يعقوب بن الليث الصفار ودوخ الممالك واستولى على إقليم خراسان وأسر محمد بن طاهر أمير خراسان
وفيها توفي أحمد بن إسماعيل أبو حذافة السهمي المدني صاحب مالك ببغداد وهو في عشر المائة ضعفه الدارقطني وغيره وهو آخر من حدث عن مالك وقال ابن عدي حدث بالبواطيل
وفيها الإمام إبراهيم بن يعقوب أبو إسحاق الجوزجاني صاحب التصانيف سمع الحسين بن علي الجعفي وشبابة وطبقتهما وكان من كبار العلماء ونزل دمشق وجرح وعدل وهو من الثقات
وحجاج بن يوسف الشاعر ابن حجاج الثقفي البغدادي أبو محمود الحافظ

الكبير الثقة المشهور أحد الإثبات سمع عبد الرزاق وطبقته
وفيها عبا سويه وهو العباس بن يزد بن أبي حبيب أبوا لفضل البحراني البصري صدوق ثبت ثقة
وفيها حيويه وهو محمد بن يحيى بن موسى الأسفرائني الحافظ محدث اسفرائين في ذي الحجة سمع سعيد بن عامر الضبعي وطبقته وبه تخرج الحافظ أبو عوانة
وفيها اسحق بن إبراهيم بن موسى العصار الوزدولي أحد الثقات الأخيار
وفيها الحافظ أبو الحسن محمود بن سميع الدمشقي صاحب الطبقات وأحد الأثبات سمع إسماعيل بن أبي أويس وطبقته قال أبو حاتم ما رأيت بدمشق أكيس منه

سنة ستين ومائتين

وفيها كما قال في الشذور بلغ كر الحنطة مائة وخمسين دينارا وأدم اشهرها
فيها صال يعقوب بن الليث وجال وهزم الشجعان والأبطال وترك الناس بأسوأ حال ثم قصد الحسن بن زيد العلوي صاحب طبرستان فالتقوا فانهزم العلوي وتبعه يعقوب في تلك الجبال فنزلت على يعقوب كسرة سماوية ونزل على أصحابه ثلج عظيم حتى أهلكهم ورجع إلى سجستان بأسوأ حال وقد عدم من جيوشه أربعون ألفا وذهبت عامة خيله وأثقاله
وفيها توفي الإمام أبو علي الحسن بن محمد الصباح الزعفراني الفقيه الحافظ صاحب الشافعي ببغداد روى عن سفيان بن عيينة وطبقته وكان من أذكياء العلماء وروى عنه البخاري وأبو داود والترمذي وغيرهم ونسبته إلى زعفرانه قرية قرب بغداد ودرب الزعفران ببغداد الذي فيه مسجد الشافعي ينسب إلى هذا الإمام قال الشيخ أبو إسحق في طبقاته كنت أدرس فيه والزعفراني وأحمد بن حنبل وأبو ثور والكرابيسي رواة قديم الشافعي وروى الجديد المزني وحرملة والبويطي

ويونس بن عبد الأعلى والربيع الجيزى والربيع المرادى والزعفراني هذا عدة مصنفات
وفيها الحسن بن علي بن محمد بن علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق العلوي الحسيني أحد الاثني عشر الذين تعتقد الرافضة فيهم العصمة وهو والد المنتظر محمد صاحب السرداب
وفيها حسين بن إسحاق الشعراني شيخ الأطباء بالعراق ومعرب الكتب اليونانية ومؤلف المسائل المشهورة
وفيها ملك بن طوق الثعلبي أمير عرب الشام وصاحب الرحبة وبانيها

سنة إحدى وستين ومائتين

فيها كانت الفتن تغلي وتستعر بخراسان بيعقوب بن الليث وبالأهواز بقائد الزنج وتمت لهما حروب وملاحم
وفيهاتوفي أحمد بن سليمان الرهاوي الحافظ أحد الأئمة طوف وسمع زيد ابن الحباب وأقرانه وهو ثقة ثبت
وفيها أحمد بن عبد الله بن صالح أبو الحسن العجلي الكوفي نزيل طرابلس المغرب وصاحب التاريخ والجرح والتعديل وله ثمانون سنة نزح إلى المغرب أيام محنة القرآن وسكنها روى عن حسين الجعفي وشبابة وطبقتهما قال ابن ناصر الدين كان إماما حافظا قدوة من المتقنين وكان يعد كأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وكتابه في الجرح والتعديل يدل على سعة حفظه وقوة باعه الطويل انتهى
وفيها أبو بكر الأثرم أحمد بن محمد بن هانئ الطائي الحافظ الثبت الثقة أحد الأئمة المشاهير روى عن أبي نعيم وعفان وصنف التصانيف وكان من أذكياء الأمة قال ابن أبي يعلى في طبقاته أحمد بن محمد بن هانئ الطائي ويقال الكلبي الأثرم الإسكافي أبو بكر جليل القدر حافظ إمام سمع حرمي بن حفص وعفان ابن مسلم وأبا بكر بن أبي شيبة وعبد الله بن مسلمة القعنبي وإمامنا في آخرين

نقل عن إمامنا مسائل كثيرة وصنفها ورتبها أبوابا وروى عن الإمام قال سمعت أبا عبد الله يسأل عن المسح على العمامة قيل له تذهب إليه قال نعم قال أبو عبد الله ثبت من خمسة وجوه عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال كنت أحفظ الفقه والاختلاف فلما صحبت أحمد بن حنبل تركت ذلك كله وكان معه تيقظ عجيب حتى نسبه يحيى ابن معين ويحيى بن أيوب المقابري فقالا أحد أبوي الأثرم جنى وقال أبو القاسم ابن الجبلي قدم رجل فقال أريد رجلا يكتب لي من كتاب الصلاة ما ليس في كتب ابن أبي شيبة قال فقلنا له ليس لك إلا أبو بكر الأ ثرم قال فوجهوا إليه ورقا فكتب ستمائة ورقة من كتاب الصلاة قال فنظرنا فإذا ليس في كتاب ابن أبي شيبة منه شىء وقال الحسن بن علي بن عمر الفقيه قدم شيخان من خراسان للحج فحدثا فلما خرجا طلب قوم من أصحاب الحديث تحديثهما قال فخرجا يعني إلى الصحراء فقعد هذا الشيخ ناحية معه خلق من أصحاب الحديث والمستملى وقعد الآخر ناحية وقعد الأثرم بينهما فكتب ما أملى هذا وما أملى هذا وقال الأثرم كنت عند خلف البزار يوم جمعة فلما قمنا من المجلس صرت إلى قرب الفرات فأردت أن اغتسل للجمعة فغرقت فلم أجد شيئا أتقرب به إلى الله عز وجل أكثر عندي من أن قلت اللهم أن نجيتني لا توبن من صحبة حارث يعني المحاسبي قال الأثرم كان حارث في عرس لقوم فجاء يطلع على النساء من فوق الدرابزين ثم ذهب يخرجه يعني رأسه فلم يستطع فقيل له لم فعلت هذا فقال أردت أن اعتبر بالحور العين انتهى ملخصا
وفيها حاشد بن إسماعيل بن عيسى البخاري الحافظ بالشاش من إقليم الترك روى عن عبيد الله بن موسى ومكى بن إبراهيم وكان ثبتا إماما
والحسن بن سليمان أبو علي البصري المعروف بقبيطة كان حافظا ثقة إماما نبيلا
والحسن بن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب الأموي قاضي المعتمد

وكان أحد الأجواد الممدحين
وفيها شعيب بن أيوب أبو بكر الصيرفي مقرئ واسط وعالمها قرأ على يحيى ابن آدم وسمع من يحيى القطان وطائفة وكان ثقة
وأبو شعيب السوسي صالح بن زياد مقرئ أهل الرقة وعالمهم قرأ على يحيى وروى عن عبد الله بن نمير وطائفة وتصدر لللإقراء وحمل عنه طوائف قال أبو حاتم صدوق
وأبو يزيد البسطامي العارف الزاهد المشهور واسمه طيفور بن عيسى وكان يقول إذا نظرتم إلى رجل أعطى من الكرامات حتى يرتفع في الهواء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الشريعة قال أبو عبد الرحمن السلمي في طبقاته طيفور بن عيسى بن سروسان البسطامي وسروسان كان مجوسيا فأسلم وكانوا ثلاثة اخوة آدم أكبرهم وطيفور أوسطهم وعلي أصغرهم وكلهم كانوا زهادا عبادا ومات عن ثلاث وسبعين سنة وهو من قدماء مشايخ القوم له كلام حسن في المعاملات ويحكى عنه في الشطح أشياء منها ما لا يصح ويكون مقولا عليه قال أبو يزيد من لم ينظر إلى شاهدي بعين الاضطرار وإلى أوقاتي بعين الاغترار وإلى أحوالي بعين الاستدراج وإلى كلامي بعين الافتراء وإلى عبراتي بعين الاجتراء وإلى نفسي بعين الازدراء فقد أخطأ النظر في ذكرت لأبي عثمان المغربي هذه الحكاية فقال لم أسمع لأبي يزيد حكاية أحسن منها وإنما تكلم عن عين الفناء أي قوله سبحاني وقال أبو يزيد لو صفا لي تهليلة ما باليت بعدها بشيء وكتب يحيى بن معاذ لأبي يزيد سكرت من كثرة ما شربت من كأس محبته فكتب إليه أبو يزيد في جوابه سكرت وما شربت من الدور وغيرك قد شرب بحور السموات والأرض وما روى بعد ولسانه خارج من العطش ويقول هل من مزيد وقال الجنيد كل الخلق يركضون فإذا بلغوا ميدان أبي يزيد هملجوا وكان أبو يزيد إذا ذكر الله يبول الدم وحكى عنه أنه قال نوديت في سري فقيل لي خزائننا مملؤة

من الخدمة فإن أردتنا فعليك بالذل والافتقار وحكى عنه صاحبه أبو بكر الأصبهاني أنه أذن مرة فغشى عليه فلما أفاق قال العجب ممن لا يموت إذا أذن انتهى ملخصا
وفيها الإمام مسلم بن الحجاج بن مسلم بن ورد بن كرشان القشيري النيسابوري صاحب الصحيح أحد الأئمة الحفاظ وأعلام المحدثين رحل إلى الحجاز والعراق والشام وسمع يحيى بن يحيى النيسابوري وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وعبد الله ابن مسلمة وغيرهم وقدم بغداد غير مرة فروى عنه أهلها وآخر قدومه إليها في سنة تسع وخمسين ومائتين وروى عنه الترمذي وكان من الثقات المأمونين قال محمد الماسرجسي سمعت مسلم بن الحجاج يقول صنفت هذا المسند الصحيح من ثلثمائة ألف حديث مسموعة وقال الحافظ أبو علي النيسابوري ما تحت أديم السماء أصح من كتاب مسلم في علم الحديث وقال الخطيب البغدادي كان مسلم يناضل عن البخاري حتى أوحش ما بينه وبين محمد بن يحيى الذهلي بسببه وقال أبو عبد الله محمد بن يعقوب الحافظ لما استوطن البخاري نيسابور أكثر مسلم من الاختلاف اليه فلما وقع بين محمد بن يحيى والبخاري وما وقع في مسئلة اللفظ فنادى عليه ومنع الناس من الاختلاف إليه حتى هجر وخرج من نيسابور في تلك المحنة وقطعه أكثر الناس غير مسلم فإنه لم يتخلف عن زياراته فأنهى إلى محمد بن يحيى أن مسلم بن الحجاج على مذهبه قديما وحديثا وأنه عوتب على ذلك بالحجاز والعراق ولم يرجع عنه فلما كان مجلس محمد بن يحيى قال في آخر مجلسه إلا من قال باللفظ فلا يحل له أن يحضر مجلسنا فأخذ مسلم الرداء فوق عمامته وقام على رؤوس الناس وخرج عن مجلسه وجمع كل ما كتب منه وبعث به على ظهر حمال إلى باب محمد بن يحيى فاستحكمت بذلك الوحشة وتخلف عنه وعن زيارته ومحمد هذا هو محمد بن يحيى بن عبد الله بن خالد بن فارس بن ذؤيب الذهلي النيسابوري كان أحد الحفاظ الأعيان روى عنه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي

وابن ماجه وكان ثقة مأمونا وكان سبب الوحشة بينه وبين البخاري أنه لما دخل البخاري مدينة نيسابور شنع عليه محمدبن يحيى في مسئلة خلق اللفظ وكان قد سمع منه فلم يمكنه ترك الرواية عنه وروى عنه في الصوم والطب والجنائز والعتق وغير ذلك مقدار ثلاثين موضعا ولم يصرح باسمه لا يقول حدثنا محمد بن يحيى الذهلي بل يقول حدثنا محمد ولا يزيد عليه أو يقول محمد ابن عبد الله وينسبه لجد أبيه انتهى من ابن خلكان ملخصا قلت وقد مرت ترجمة محمد المذكور والله أعلم وقال في العبر مسلم بن الحجاج أبو الحسين القشيري النيسابوري الحافظ أحد أركان الحديث وصاحب الصحيح وغير ذلك في رجب وله ستون سنة وكان صاحب تجارة بخان بحمس بنيسابور وله أملاك وثروة وقد حج سنة عشرين ومائتين فلقى القعنبي وطبقته

سنة اثنتين وستين ومائتين

لما عجز المعتمد على الله عن يعقوب بن الليث كتب إليه بولاية خراسان وجرجان فلم يرض حتى يوافى باب الخليفة وأضمر في نفسه الاستيلاء على العراق والحكم على المعتمد فتحول عن سامرا إلى بغداد وجمع أطرافه وتهيأ للملتقى وجاء يعقوب في سبعين ألفا فنزل واسط فتقدم المعتمد وقصده يعقوب فقدم المعتمد أخاه الموفق بجمهرة الجيش فالتقيا في رجب واشتد القتال فوقعت الهزيمة على الموفق ثم ثبت وأسرعت الكسرة على أصحاب يعقوب فولوا الأدبار واستبيح عسكرهم وكسب أصحاب الخليفة ما لا يحد ولا يوصف وخلصوا محمدا بن طاهر وكان مع يعقوب في القيود ودخل يعقوب إلى فارس وخلع المعتمد على محمد بن طاهر أمير خراسان ورده إلى عمله وأعطاه خمسمائة ألف درهم وعاث جيوش الخبيث عند اشتغال العساكر فنهبوا البطيحة وقتلوا وأسروا فسار عسكر لحربهم فهزمهم وقتل منهم مقدم كبير يعرف بالصعلوك


وفيها توفي عمر بن شبة أبو زيد النميري البصري الحافظ العلامة الأخباري الثقة صاحب التصانيف حدث عن عبد الوهاب الثقفي وغندر وطبقتهما وكان ثقة وشبة لقب أبيه واسمه زيد لقب بذلك لأن أمه كانت ترقصه وتقول
( يا رب ابني شبا وعاش حتى دبا ** شيخا كبيرا حبا )
كذا رواه محمد بن إسحاق السراج عن عمر بن شبة
وفيها أبو سيار محمد بن عبد الله بن المستورد أبو بكر البغدادي يعرف بأبي سيار ثقة خير قاله ابن ناصر الدين
وفيها وجزم ابن ناصر الدين أنه في التي قبلها محمد بن الحسين بن إبراهيم ابن الحر بن زعلان العامري أبو جعفر بن اشكاب البغدادي حدث عنه عدة منهم البخاري وأبو داود والنسائي وكان صدوقا حفظا ثقة
وفيها محمد بن عاصم الثقفي أبو جعفر الأصبهاني العابد سمع سفيان بن عيينة وأبا أسامة وطبقتهما قال إبراهيم بن أرومة ما رأيت مثل ابن عاصم ولا رأى مثل نفسه
وفيها يعقوب بن شيبة السدوسي البصري الحافظ أحد الأعلام وصاحب المسند المعلل الذي ما صنف أحد أكثر منه ولم يتمه وكان سربا محتشما عين لقضاء القضاة ولحقه على ما خرج من المسند نحو عشرة آلاف مثقال وكان صدوقا قاله في العبر وقال ابن ناصر الدين
( يعقوب نجل شيبة بن صلت ** سادهم رواية بثبت )
وقال في شرحها ابن صلت بن عصفور أبو يوسف السدوسي البصري نزيل بغداد ثقة انتهى

سنة ثلاث وستين ومائتين

فيها توفي أحمد بن منيع بن سليط أبو الأزهرين النيسابوري

الحافظ وقيل سنة إحدى وستين رحل وسمع أبا ضمرة أنس بن عياض وطبقته ووصل إلى اليمن قال النسائي لا بأس به قال ابن ناصر الدين كان حافظا صدوقا من المهرة أنكر عليه ابن معين أربعين حديثا ثم عذره انتهى
وفيها الحسن بن أبي الربيع الجرجاني الحافظ ببغداد سمع أبا يحيى الحماني ورحل إلى عبد الرزاق وأقرانه
وفيها الوزير عبيد الله بن يحيى بن خاقان وزير المتوكل وقد نفاه المستعين إلى برقة ثم قدم بعد المستعين فوزر للمعتمد إلى أن مات
وفيها محمد بن علي بن ميمون الرقي العطار الحافظ روى عن محمد بن يوسف الفرياني والقعنبي وأقرانهما قال الحاكم كان إمام أهل الجزيرة في عصره ثقة مأمون
وفيها معاوية بن صالح الحافظ أبو عبيد الله الأشعري الدمشقي روى عن عبيد الله بن موسى وأبي مسهر وسأل يحيى بن معين وتخرج به

سنة أربع وستين ومائتين

فيها أغارت الزنج على واسط وهج أهلها حفاة عراة ونهبت ديارهم وأحرقت فسار لحربهم الموفق
وفيها غزا المسلمون الروم وكانوا أربعة آلاف عليهم ابن كاوس فلما نزلوا البديدون تبعتهم البطارقة وأحدقوا بهم فلم ينج منهم إلا خمسمائة واستشهد الباقون وأسر أميرهم جريحا
وفيها مات الأمير موسى بن بغا الكبير وكان من كبار القواد وشجعانهم كأبيه
وفيها أحمد بن عبد الرحمن بن وهب أبو عبيد الله المصري المحدث روى الكثير عن عمه عبد الله وله أحاديث مناكير وقد احتج به مسلم قاله في العبر
وفيها أحمد بن يوسف السلمي النيسابور ي الحافظ أحد الأثبات ويلقب

حمدان كان ممن رحل إلى اليمن وأكثر عن عبد الرزاق وطبقته وكان يقول كتبت عن عبيد الله بن موسى ثلاثين ألف حديث وكان ثقة
وفيها المزني الفقيه أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل المصري صاحب الشافعي في ربيع الأول وهو في عشر التسعين قال الشافعي المزني ناصر مذهبي وكان زاهدا عابدا يغسل الموتى حسبة صنف الجامع الكبير والصغير ومختصره مختصر المزني والمنثور والمسائل المعتبرة والترغيب في العلم وكتاب الوثائق وغيرها وصلى لكل مسئلة في مختصره ركعتين فصار اصل الكتب المصنفة في المذهب وعلى منواله رتبوا ولكلامه فسروا وشرحوا وكان مجاب الدعوة عظيم الورع حكى عنه أنه كان إذا فاتته الجماعة صلى منفردا خمسا وعشرين مرة ولم يتقدم عليه أحد من أصحاب الشافعي وهو الذي تولى غسله يوم مات قيل وعاونه الربيع ودفن إلى جنبه بالرقافة الصغرى ونسبته إلى مزينة بنت كلب بن وبرة أم القبيلة المشهورة انتهى
وفيها أبو زرعة عبيد الله بن عبد الكريم القرشي مولاهم الرازي الحافظ أحد الأئمة الأعلام في آخر يوم من السنة رحل وسمع من أبي نعيم والقعنبي وطبقتهما قال أبو حاتم لم يخلف بعده مثله علما وفقها وصيانة وصدقا وهذا مالا يرتاب فيه ولا أعلم في المشرق والمغرب من كان يفهم هذا الشأن مثله وقال اسحق بن راهويه كل حديث لا يحفظه أبو زرعة ليس له أصل وقال محمد بن مسلم حضرت أنا وأبو حاتم عند أبي زرعة والثلاثة رازيون فوجدناه في النزع فقلت لأبي حاتم إني لأستحي من أبي زرعة أن ألقنه الشهادة ولكن تعال حتى نتذاكر الحديث لعله إذا سمعه يقول فبدأت فقلت حدثني محمد بن بشار أنبأنا أبو عاصم النبيل أنا عبد الحميد بن جعفر فأرتج على الحديث كأني ما سمعته ولا قرأته فبدأ أبو حاتم فقال حدثنا محمد بن بشار أنا أبو عاصم النبيل أنا عبد الحميد بن جعفر عن صالح بن أبي عريب عن

كثير بن مرة عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان آخر كلامه لا إله إلا الله فخرجت روحه مع الهاء قبل أن يقول دخل الجنة وقال محمد أبو العباس المرداوي رأيت أبا زرعة في المنام فقلت ما فعل الله بك فقال لقيت ربي عز وجل فقال يا أبا زرعة إني أوتي بالطفل فآمر به إلى الجنة فكيف بمن حفظ السنن على عبادي فأقول له تبوأ من الجنة حيث شئت قال ورأيته مرة أخرى يصلي بالملائكة في السماء الرابعة فقلت يا أبا زرعة بم نلت أن تصلى بالملائكة قال برفع اليدين
وفيها يونس بن عبد الأعلى الإمام أبو موسى الصدفي المصري الفقيه المقرىء المحدث وله ثلاث وتسعون سنة روى عن ابن عيينة وابن وهب وتفقه على الشافعي وكان الشافعي يصف عقله وقرأ القرآن على ورش وتصدر للأقراء والفقه وانتهت إليه مشيخة بلده وكان ورعا صالحا عابدا كبير الشأن قال ابن ناصر الدين كان ركنا من أركان الإسلام

سنة خمس وستين ومائتين

فيها توفي أحمد بن الخصيب الوزير أبو العباس وزر للمنتصر وللمستعين ثم نفاه المستعين إلى المغرب وكان أبوه أمير مصر في دولة الرشيد
وفيها أحمد بن منصور أبو بكر الرمادي الحافظ ببغداد وكان أحد من رحل إلى عبد الرزاق وثقة أبو حاتم وغيره وقال ابن ناصر الدين كان حافظا عمدة
وفيها إبراهيم بن هانىء النيسابوري الثقة العابد رحل وسمع من يعلى بن عبيد وطبقته قال أحمد بن حنبل إن كان أحد من الأبدال فإبراهيم بن هانىء
وفيها سعدان بن نصر أبو عثمان الثقفي البغدادي البزار رحل في الحديث وسمع من ابن عيينة وأبى معاوية والكبار ووثقه الدارقطني
وفيها صالح بن أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني الإمام أبو الفضل قاضي

أصبهان في رمضان وله اثنتان وستون سنة سمع من عفان وطبقته وتفقه على أبيه قال ابن أبي حاتم صدوق
وفيها على بن حرب أبو الحسن الطائي الموصلي المحدث الأخباري صاحب المسند في شوال سمع ابن عيينة والمحازبي وطبقتهما وعاش تسعين سنة
وتوفي قبله أخوه أحمد بن حرب بسنتين
وفيها أبو حفص النيسابوري الزاهد شيخ خراسان واسمه عمر بن مسلم وكان كبير القدر صاحب أحوال وكرامات وكان عجبا في الجود والسماحة وقد نفذ مرة بضعة عشر ألف دينار يستفك بها السارى وبات وليس له عشاء وكان يقول ما استحق اسم السخاء من ذكر العطاء أو لمحه بقلبه وقال حسن أدب الظاهر عنوان أدب الباطن والفتوة أداء الإنصاف وترك طلب الإنتصاف ومن لم يرب أفعاله وأحواله كل وقت بالكتاب والسنة ولم يتهم خواطره فلا تعده من الرجال
والإمام محمد بن الحسن العسكري بن علي الهادي بن محمد الجواد بن علي الرضى بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق العلوي الحسيني أبو القاسم الذي تلقبه الرافضة بالخلف وبالحجة وبالمهدي وبالمنتظر وبصاحب الزمان وهو خاتمة الإثني عشر إماما عندهم ويلقبونه أيضا بالمتظر فإنهم يزعمون أنه أتى السرداب بسامرا فاختفى وهم ينتظرونه إلى الآن وكان عمره لما عدم تسع سنين أو دونها وضلال الرافضه ما عليه مزيد قاتلهم الله تعالى
وفيها العلامة محمد بن سحنون المغربي المالكي مفتي القيروان تفقه على أبيه وكان إماما مناظرا كثير التصانيف معظما بالقيروان خرج له عدة أصحاب وما خلف بعده مثله
وفيها يعقوب بن الليث الصفار الذي غلب على بلاد الشرق وهزم الجيوش وقام بعده أخوه عمرو بن الليث وكانا شابين صفارين فيهما شجاعة

مفرطة فصحبا صالح بن النضر الذي كان يقاتل الخوارج بسجستان فآل أمرهما إلى الملك فسبحان من له الملك ومات يعقوب بالقولنج في شوال الجندي سابور وكتب على قبره هذا قبر يعقوب المسكين وقيل أن الطيب قال له لادواء لك إلا الحقنة فامتنع منها وخلف أموالا عظيمة منها من الذهب ألف ألف دينار ومن الدراهم خمسين ألف ألف درهم وقام بعده أخوه بالعدل والدخول في طاعة الخليفة وامتدت أيامه

سنة ست وستين ومائتين

فيها أخذت الزنج رامهرمز فاستباحوها قتلا وسبيا
وفيها خرج أحمد بن عبد الله السجستاني وحارب عمرو بن الليث الصفار فظهر عليه ودخل نيسابور فظلم وعسف
وفيها خرجت جيوش الروم ووصلت إلى الجزيرة فعاثوا وأفسدوا وفيها توفى ابراهيم بن أورمة أبو إسحق الاصبهاني الحافظ أحد أذكياء
المحدثين في ذي الحجة ببغداد روى عن عباس العنبري وطبقته ومات قبل أوان الرواية قال ابن ناصر الدين فاق أهل عصره في الذكاء والحفظ
ومحمد بن شجاع بن الثلجي فقيه العراق وشيخ الحنفية سمع من إسماعيل ابن علية وتفقه بالحسن بن زياد اللؤلؤى وصنف واشتغل وهو متروك الحديث توفي ساجدا في صلاة العصر وله نحو من تسعين سنة قاله في العبر
وقال في المغني محمد بن شجاع بن الثلجي الفقيه قال ابن عدي كان يضع الأحاديث في التشبيه ينسبها إلى أصحاب الحديث يثلبهم بذلك
وفيها محمد بن عبد الملك بن مروان أبو جعفر الدقيقي الواسطي في شوال روى عن يزيد بن هارون وطبقته وكان إماما ثقة صاحب حديث

سنة سبع وستين ومائتين

فيها دخلت الزنج واسطا فاستباحوها ورموا النار فيها فسار لحربهم أبو العباس وهو المعتضد فكسرهم ثم التقاهم ثانيا بعد أيام فهزمهم ثم واقعهم ونازلهم وتصابروا على القتال شهرين فذلوا ووقع في قلوبهم رعب من أبي العباس بن الموفق ولجأوا إلى الحصون وحاربهم في المراكب فغرق منهم خلق ثم جاء أبوه الموفق في جيش لم ير مثله فهزموا هذا وقائدهم العلوى غائب عنهم فلما جاءته الأخبار بهزيمة جنده مرات ذل واختلف إلى الكنيف مرارا وتقطعت كبده ثم زحف عليهم أبو العباس وجرت له حروب يطول شرحها إلى أن برز الخبيث قائد الزنج بنفسه في ثلثمائة ألف فارس وراجل والمسلمون في خمسين ألفا ونادى الموفق بالأمان فأتاه خلق ففت ذلك في عضد الخبيث ولم تجر وقعة لأن النهر فصل بين الجيشين قاله في العبر وقال في الشذور حارب أبو أحمد الموفق الزنج وكان بعض لطلب الدنيا قد استغوى جماعة من المماليك وقال إنكم في العذاب والخدمة فتخلصوا فصاروا يهبون البلاد ويقتلون البعاد فجاءبهم الموفق فاستنقذ من أيديهم زهاء خمسة عشر ألف امرأة من المسلمات كانوا قد تغلبوا عليهن فجئن منهم بالأولاد انتهى
وفيها توفي إسماعيل بن عبد الله الحافظ أبو بشر العبدي الأصبهاني سموية سمع بكر بن بكار وأبا مسهر وخلقا من هذه الطبقة قال أبو الشيخ كان حافظا متقنا يذاكر بالحديث وقال ابن ناصر الدين ثقة
وفيها المحدث اسحق بن إبراهيم الفارسي سادان في جمادى الآخرة بشيراز روى عن جده قاضي شيراز سعد بن الصلت وطائفة وثقة ابن حبان
وفيها بحر بن نصر بن سابق الخلاني المصري سمع ابن وهب وطائفة وكان أحد الثقات الإثبات روى النسائي في جمعه لمسند مالك عن رجل عنه
وفيها حماد بن اسحق بن إسماعيل الفقيه أبو إسماعيل القاضي وأخو

إسماعيل القاضي تفقه على أحمد بن محمد المعذل وحدث عن القعنبي وصنف التصانيف وكان بصيرا بمذهب مالك
وفيها عباس البرقفي ببغداد أحد الثقات العباد سمع محمد بن يوسف الفربابي وطبقته
وفيها عبد العزيز منيب أبو الدرداء المروزي الحافظ رحل وطوف وحدث عن مكي بن إبراهيم وطبقته
وفيها محمد بن عزيز الأيلي بأيلة روى عن سلامة بن روح وغيره قال في المغني قال النسائي صويلح وقال أبو أحمد الحاكم فيه نظر انتهى
ويحيى بن محمد بن يحيى أبو عبد الله الذهلي الحافظ شيخ نيسابور بعد أبيه ويقال له حيكان رحل وسمع من سليمان بن حرب وطبقته وكان أمير المطوعة المجاهدين ولما غلب أحمد الحجستاني على نيسابور وكان طلوما غشوما فخرج منها هاربا فخافت النيسابوريون كرته فاجتمعوا على باب حيكان وعرضوا في عشرة آلاف مقاتل فرد إليهم أحد فانهزموا واختفى حيكان وصحب قافلة ولبس عباءه فعرف وأتى به إلى أحمد فقتله قال ابن ناصر الدين هو ثقة
وفيها يونس بن حبيب أبو بشر العجلي مولاهم الأصبهاني راوى مسند الطيالسي كان ثقة ذا صلاح وجلالة

سنة ثمان وستين ومائتين

فيها غزا نائب الثغور الشامية خلف التركي الطولوني فقتل من الروم بضعة عشر ألفا وغنموا غنيمة هائلة حتى بلغ السهم أربعين دينارا
وفيها كان المسلمون يحاصرون الخبيث مقدم الزنج في مدينته المسماة بالمختارة

وفيها توفي الإمام محدث مرو أحمد بن سيار المروزي الحافظ مصنف تاريخ مرو في منتصف شهر ربيع الآخرة ليلة الإثنين سمع اسحق بن راهويه وعفان وطبقتهما وكان يشبه في عصره بابن المبارك علما وزهدا وكان صاحب وجه في مذهب الإمام الشافعي نقل عنه الرافعي أنه أوجب الأذان للجمعة دون غيرهما وأن الواجب من الأذانين لها هو الذي يفعل بين يدي الخطيب
وفيها أبو عبد المؤمن أحمد بن شيبان الرملي في صفر روى عن أبن عيينه وجماعة ووثقة الحاكم وقال ابن حبان يخطىء
وأحمد بن يونس الضبي الكوفي بأصبهان روى عن حجاج الأعور وطبقته وكان ثقة محتشما
وفي شوال أحمد بن عبد الله الحجستاني كان من أمراء يعقوب الصفار وكان جبارا عنيدا خرج على يعقوب وأخذ نيسابور وله حروب ومواقف مشهورة دبحة غلمانه وقد سكر
وفيها عيسى بن أحمد العسقلاني الحافظ وهو بغدادي نزل عسقلان محلة ببلخ روى عن ابن وهب وبقية وطبقتهما
ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم الإمام أبو عبد الله المصري مفتي الديار المصرية تفقه بالشافعي وأشهب وروى عن ابن وهب وعدة قال ابن خزيمة ما رأيت أعرف بأقاويل الصحابة والتابعين منه وله مصنفات كثيرة وتوفي في نصف ذي القعدة

سنة تسع وستين ومائتين

فيها ظفر المسلمون بمدينة الخبيث وحصروه في قصره فأصاب الموفق سهم فتألم منه ورجع بالجيش حتى عوفى فحصن الخبيث مدينته وبنى ما تهدم
وفيها تخيل المعتمد على الله من أخيه الموفق ولا ريب في أنه كان مقهورا

مع الموفق فكاتب أحمد بن طولون واتفقا وسافر المعتمد في خواصه من سامرا يريد اللحاق بابن طولون في صورة متنزه متصيد فجاء كتاب الموفق إلى اسحق بن كنداخ يقول متى اتفق ابن طولون مع المعتمد لم يبق منكم باقية وكان إسحق على نصيبين في أربعة آلاف فبادر إلى الموصل فإذا بحراقات المعتمد وأمراؤه فوكل بهم وتلقى المعتمد بين الموصل والحديثه فقال يا إسحق لم منعت الحشم الدخول إلى الموصل فقال أخوك يا أمير المؤمنين في وجه العدو وأنت تخرج من مستقرك فمتى علم رجع عن قتال الخبيث فيغلب عدوك على دار آبائك ثم كلم المعتمد بكلام قوى ووكل به وساقه وأصحابه إلى سامرا فتلقاه صاعد كاتب الموفق فتسلمه من إسحق وأنزله في دار أحمد بن الخصيب ومنعه من دخول دار لخلافة ووكل بالدار خمسمائة يمنعون من يدخل إليه وبقى صاعد يقف في خدمته ولكمن ليس له حل ولا ربط وأما إبن طولون فجمع الأمراء والقضاة وقال قد نكث الموفق بأمير المؤمنين فاخلعوه من العهد فخلعوه إلا القاضي بكار فقيده وحبسه وأمر بلعنه الموفق على المنابر
وفيها توفي إبراهيم بن منقذ الخولاني المصري صاحب ابن وهب وكان ثقة
وفيها الأمير عيسى بن الشيخ الذهلي وكان قد ولى دمشق فاظهر الخلاف في سنة خمس وخمسين وأخذ الخزائن وغلب على دمشق فجاءه عسكر المعتمد فالتقاهم ابنه ووزيره فهزموا وقتل ابنه وصلب ويزره وهرب عيسى ثم استولى على آمد وديار بكرمدة

سنة سبعين ومائتين

فيها التقى المسلمون والخبيث علي بن محمد العبقسى المدعي أنه علوي فاستظهروا عليه ثم وقعة أخرى قتل فيها وعجل الله بروحه إلى النار ولقد طال قتال المسلمين له وأجتمع مع الموفق نحو ثلاثمائة ألف مقاتل أجناد ومطوعة

وفي أخر الأمر التجأ الخبيث إلى جبل ثم تراجع هو وأصحابه إلى مدينتهم فحاربهم المسلمون فانهزم الخبيث وتبعهم أصحاب الموفق يأسرون ويقتلون ثم استقبل هو وفرسانه وحملوا على الناس فاز الوهم فجمل عليه الموفق والتحم القتال فإذا بفارس قد أقبل ورأس الخبيث في يده فلم يصدقه فعرفه جماعة من الناس فحينئذ ترجل الموفق وابنه المعتضد والأمراء فخروا سجدا لله وكبروا وسار الموفق فدخل بالرأس بغداد وعملت القباب وكان يوما مشهودا وآمن الناس وشرعوا يتراجعون إلى الأمصار التي أخذها الخبيث وكانت أيامه خمس عشرة سنة قال الصولي قتل من المسلمين ألف ألف وخمسمائة ألف قال وقتل في يوم واحد بالبصرة ثلاثمائة ألف وكان يصعد على المنبر فيسب عثمان وعليا ومعاوية وعائشة وهو اعتقاد الأزارقة وكان ينادي في عسكره على العلوية بدرهمين وثلاثة وكان عند الواحد من الزنج العشر من العلويات يفترشهن وكان الخبيث خارجيا يقول لا حكم إلا الله وقيل كان زنديقا يتستر بمذهب الخوارج وهو أشبه فإن الموفق كتب إليه وهو يحاربه في سنة سبع وستين يدعوه إلى التوبة والإنابة إلى الله مما فعل من سفك الدماء وسبى الحريم وانتحال النبوة والوحى فما زاده الكتاب إلا تجبرا وطغيانا ويقال أنه قتل الرسول فنازل الموفق مدينته المختارة فتأملها فإذا مدينة حصينة محكمة الأسوار عميقة الخنادق فرأى شيئا مهولا ورأى من كثرة المقاتلة ما أذهله ثم رموه رمية واحدة بالمجانيق والمقاليع والنشاب وضجوا ضجة ارتجت منها الأرض فعمد الموفق إلى مكاتبة قواد الخبيث واستمالهم فاستجاب له عدد منهم فأحسن إليهم وقيل كان الخبيث منجما يكتب الحروز وأول شيء كان بواسط فحبسه محمد بن أبي عون ثم أطلقه فلم يلبث أن خرج بالبصرة واستغوى السودان والزبالين والعبيد فصار أمره إلى ما صار
ذكر جميع ذلك في العبر


وفيها في ذي القعدة توفي أمير الديار المصرية والشامية أبو العباس أحمد ابن طولون وهو في عشر الستين قال القضاعي كان طائش السيف فأحصى من قتله صبرا أو مات في سجنه فكانوا ثمانية عشر ألفا وكان يحفظ القرآن وأوتى حسن الصوت به وكان كثير التلاوة وكان أبوه من مماليك المأمون مات سنة أربعين ومائتين وملك أحمد الديار المصرية ستة عشرة سنة قال ابن الجوزي في كتابه شذور العقود في التاريخ المعهود أحمد بن طولون وكان أبوه طولون تركيا من مماليك المأمون فولد له أحمد وكان عالي الهمة ولم يزل يترقى حتى ولى مصر فركب يوما إلى الصيد فغاصت رجل دابة بعض أصحابه في مكان من البرية فأمر بكشف المكان فوجد مطلبا فإذا فيه من المال ما قيمته ألف ألف دينار فبنى الجامع المعروف بين مصر والقاهرة وتصدق ببعض فقال له وكيله يوما ربما امتدت إلى الكف المظرفة والمعصم فيه السوار والكم الناعم أفأمنع هذه الطبقة فقال له ويحك هؤلاء المستورون الذين بحبسهم الجاهل أغيناء من التعفف أحذر ترديدا امتدت إليك وكان يجري على أهل المساجد كل شهر ألف دينار وعلى فقراء الثغر كذلك وبعث إلى فقراء بغداد في مدة ولايته ما بلغ الفي ألف ومائتي ألف دينار وكان راتب مطبخه كل يوم ألف دينار ولما مرض خرج المسلمون بالمصاحف واليهود بالتوراة والنصارى بالإنجيل والمعلمون بالصبيان إلى الصحراء والمساجد يدعون له فلما أحس بالموت رفع يده وقال يا رب ارحم من جهل فقدان نفسه وأبطره حلمك عنه وخلف ثلاثة وثلاثين ولدا وعشرة آلاف ألف دينار وسبعة آلاف مملوك وسبعة آلاف فرس وكان خراج مصر في أيامه أربعة آلاف ألف وثلثمائة ألف دينار وكان بعض الناس يقرأ عند قبره فانقطع عنه فسئل عن ذلك فقال رايته في المنام فقال لي أحب أن لا يقرأ عندي فما يمر

بي آية إلا قرعت بها وقيل لي أما سمعت هذه في دار الدنيا انتهى ما ذكره ابن الجوزي
وفيها أسيد بن عاصم الثقفي الأصبهاني أخو محمد بن عاصم رحل وصنف المسند وسمع من سعيد بن عامر الضبعي وطبقته
وفيها أحمد بن عبد الله بن عبد الرحيم بن سعيه بن أبي زرعة الزهري المصري أبو بكر بن البرقي الحافظ كان خافظا عمدة قاله ابن ناصر الدين
وفيها بكار بن قتيبة الثقفي البكراوي أبو بكرة الفقيه البصري قاضي الديار المصرية في ذي الحجة سمع أبا داود الطيالسي وأقرانه وله أخبار في العدل والعفة والنزاهة والورع ولاه المتوكل القضاء في سنة ست وأربعين
وفيها الحسن بن علي بن عفان أبو محمد العامري الكوفي في صفر
روى عن عبد الله بن نمير وأبي أسامة وعدة قال أبو حاتم صدوق
وفيها داود بن على الإمام أبو سليمان الأصبهاني ثم البغدادي الفقيه الظاهري صاحب التصانيف في رمضان وله سبعون سنة سمع القعنبي وسليمان ابن حرب وطبقتهما وتفقه على أبي ثور وابن راهويه وكان ناسكا زاهدا قال ابن ناصر الدين تكلم أبو الفتح الأزدي وغيره فيه ومنعه أحمد بن حنبل من الدخول عليه لقوله المعروف في القرآن بلغه الذهلي لأحمد وكتب به إليه وكان داود حافظا مجتهدا إمام أهل الظاهر انتهى ملخصا وقال ابن خلكان أبو سليمان داود بن علي بن خلف الأصبهاني الإمام المشهور المعروف بالظاهري كان زاهدا متقللا كثير الورع أخذ العلم عن إسحاق بن راهويه وأبي ثور وكان من أكثر الناس تعصبا للإمام الشافعي رضي الله عنه وصنف في فضائله والثناء عليه كتابين وكان صاحب مذهب مستقل وتبعه جمع كثير يعرفون بالظاهرية وكان ولده أبو بكر محمد علي مذهبه وانتهت إليه رياسة العلم ببغداد قيل إنه كان يحضر مجلسه أربعمائة صاحب طيلسان أخضر قال داود حضر مجلسي يوما أبو يعقوب الشريطي وكان من أهل

للبصرة وعليه خرقتان فتصدر لنفسه من غير أن يرفعه أحد وجلس إلى جانبي وقال لي سل عما بدا لك فكأني غضبت منه فقلت له مستهزئا أسألك عن الحجامة فبرك ثم روى طريق أفطر الحاجم والمحجوم ومن أرسله ومن أسنده ومن وقفه ومن ذهب إليه من الفقهاء وروى اختلاف طرق احتجام رسول الله صلى الله عليه وسلم وإعطاء الحاجم أجره ولو كان حراما لم يعطه ثم روى طرقا أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم بقرن وذكر أحاديث صحيحة في الحجامة ثم ذكر الأحاديث المتوسطة مثل ما مررت بملأ من الملائكة ومثل شفاء أمتي في ثلاث وما أشبه ذلك وذكر الأحاديث الضعيفة مثل قوله عليه الصلاة والسلام لا تحتجموا يوم كذا ساعة كذا ثم ذكر ما ذهب إليه أهل الطب من الحجامة في كل زمان وما ذكروه فيها ثم ختم كلامه بأن قال وأول ما خرجت الحجامة من أصبهان فقلت له والله لأحضرت بعدك أحدا أبدا وكان داود من عقلاء الناس قال أبو العباس ثعلب في حقه كان عقل داود أكبر من علمه ونشأ ببغداد وتوفي بها سنة سبعين في ذي القعدة وقيل في شهر رمضان ودفن بالشوينزية وقيل في منزله وقال ولده أبو بكر محمد رأيت أبي داود في المنام فقلت له ما فعل الله بك فقال غفر لي وسامحني فقلت غفر لك فبم سامحك فقال يا بني الأمر عظيم والويل لمن لم يسامح رحمه الله انتهى ما ذكره ابن خلكان
وفيها الربيع بن سليمان المرادي مولاهم المصري الفقيه صاحب الشافعي وهو في عشر المائة سمع من ابن معين وكان إماما ثقة صاحب حلقة بمصر قال الشافعي ما في القوم أنفع لي منه وقال وددت أني حسوته العلم وقال في المزني سيأتي عليه زمان لا يفسر شيئا فيخطئه وفي البويطي يموت في حديده وفي ابن عبد الحكم سيرجع إلى مذهب مالك والربيع هذا آخر من روى عن الشافعي بمصر
وفيها أيضا الربيع بن سليمان الجيزي صاحب الشافعي أبو محمد وهو

قليل الرواية عن الشافعي وكان ثقة روى عنه أبو داود والنسائي وتوفي بالجيزة
وفيها زكريا بن يحيى بن أسد أبو يحيى المروزي ببغداد روى عن سفين وأبي معاوية قال الدارقطني لا بأس به
وفيها العباس بن الوليد بن زيد العذري البيروتي المحدث العابد في ربيع الآخر وله مائة سنة تامة روى عن أبيه ومحمد بن شعيب وجماعة قال أبو داود كان صاحب ليل
وفيها أبو البختري عبد الله بن محمد بن شاكر العنبري ببغداد في ذي الحجة سمع حسين بن علي الجعفي وأبا أسامة ووثقه الدارقطني وغيره
وفيها محمد بن إسحاق أبو بكر الصاغاني ثم البغدادي الحافظ الحجة في صفر سمع يزيد بن هارون وطبقته قال النسائي ثقة صاحب حديث وكان مع إمامته وعلمه فيه تعظيم لنفسه
وفيها محمد بن مسلم بن عثمان بن وارة أبو عبد الله الحافظ المجود سمع أبا عاصم النبيل وطبقته قال النسائي ثقة صاحب حديث وكان مع إمامته وعلمه فيه تعظيم لنفسه
وفيها محمد بن هشام بن ملاس أبو جعفر النميري الدمشقي عن سبع وتسعين سنة روى عن مروان بن معوية الفزاري وغيره وكان صدوقا
وفيها الفضل بن العباس الصائغ أبو بكر المروزي كان حافظا نقادا قال عجزت أن أغرب على البخاري وأنا أغرب على أبي زرعة بعدد شعره ذكره ابن ناصر الدين

سنة إحدى وسبعين ومائتين

فيها وقعت الطواعين وكان ابن طولون قد خلع الموفق من ولاية العهد ومات وقام بعده ابنه خمارويه على ذلك فجهز الموفق ولده أبا العباس المعتضد

في جيش كبير وولاه مصر والشام فسار حتى نزل بفلسطين وأقبل خمارويه فالتقى الجمعان بفلسطين وحمى الوطيس حتى احمرت الأرض من الدماء ثم انهزم خمارويه إلى مصر ونهبت خزائنه وكان سعد الأعسر كمينا لخمارويه فخرج على أبي العباس وهم غازون فأوقعوا بهم فانهزم هو وجيشه أيضا حتى وصل طرسوس في نفر يسير وذهبت أيضا خزائنه حواها سعد وأصحابه
وفيها توفي عباس بن محمد الدوري الحافظ أبو الفضل مولى بني هاشم ببغداد في صفر سمع الحسين بن علي الجعفي وأبا النضر وطبقتهماوكان من أئمة الحديث الثقات
وفيها أبو معشر المنجم كان قاطع النظراء في وقته حتى حكى أن بعض أكابر الدولة اختفى وخشى من المنجم أن يحكم بطرقه التي يستخرج بها الخبايا فأخذ طستا وملأه دما وعمل في الطست هاون ذهب وقعد على الهاون أياما فبحث المنجم في أمره وبقى مفكرا فقال له الملك فيم تفكر قال أرى المطلوب على جبل من ذهب والجبل في بحر من دم ولا أعلم في العالم موضعا على هذه الصفة فنادى الملك بالأمان للرجل فظهر وأخبرهم فتعجب الملك من صنيعهما
وفيها عبد الرحمن بن منصور الحارثي البصري أبو سعيد صاحب يحيى القطان يوم الأضحى بسامراء وفيه لين
ومحمد بن حماد الظهراني الرازي الحافظ أحد من رحل إلى عبد الرزاق حدث بمصر والشام والعراق وكان ثقة عارفا نبيلا
وفيها أبو الحسن محمد بن سنان القزاز بصري نزل بغداد وروى عن عمر ابن يونس اليمامي وجماعة قال الدارقطني لا بأس به وقال أبو داود يكذب
وفيها كيلجة واسمه محمد بن صالح بن عبد الرحمن أبو بكر الأنماطي ثقة ماجد قاله ابن ناصر الدين


وفيها يوسف بن سعيد بن مسلم الحافظ أبو يعقوب محدث المصيصة روى عن حجاج الأعور وعبيد الله بن موسى وطبقتهما قال النسائي ثقة حافظ وقال ابن ناصر الدين كان أحد الحفاظ المعتمدين والأيقاظ الصدوقين
وفيها يحيى بن عبدك القزويني محدث قزوين طوف ورحل إلى البلدان وسمع أبا عبد الرحمن المقري وعفان

سنة اثنتين وسبعين ومائتين

فيها كما قاله في الشذور زلزلت مصر زلزالا أخرب الدور والجوامع وأحصى بها في يوم واحد ألف جنازة
وفيها البرلسي وهو إبراهيم بن سليمان بن داود الأسدي أسد خزيمة أبو إسحاق بن أبي داود ثبت مجود ذكره ابن ناصر الدين
وفيها أحمد بن عبد الجبار العطاردي الكوفي في شعبان ببغداد في عشر المائة سمع أبا بكر بن عياش وعبد الله بن إدريس وطبقتهما وثقه ابن حبان
وفيها أحمد بن الفرح أبو عتبة الحمصي المعروف بالحجازي روى عن بقية وجماعة قال ابن عدي هو وسط ليس بحجة
وفيها أحمد بن مهدي بن رستم الأصبهاني الزاهد صاحب المسند رحل وسمع أبا نعيم وطبقته
وفيها أبو معين الرازي الحسين بن الحسن وقيل محمد بن الحسين وكان من كبار الحفاظ والمكثرين الأيقاظ رحل وسمع سعيد بن أبي مريم وأبا سلمة التبوذكي وطبقتهما
وسليمان بن سيف بن يحيى بن درهم الطائي مولاهم الحراني أبو داود ثقة
كذا ذكره ابن ناصر الدين وقال في العبر سليمان بن سيف الحافظ أبو داود محدث حران وشيخها في شعبان سمع ابن هارون وطبقته انتهى

ومحمد بن عبد الوهاب الفراء النيسابوري الفقيه الأديب أحد أوعية العلم سمع حفص بن عبد الله وجعفر بن عون والكبار ووثقه مسلم
وفيها محمد بن عبيد الله بن يزيد أبو جعفر بن المنادي المحدث في رمضان ببغداد وله مائة سنة وستة عشر شهرا سمع حفص بن غياث وإسحاق الأزرق وطبقتهما
وفيها محمد بن عوف بن سفيان أبو جعفر الطائي الحافظ محدث حمص سمع محمد بن يوسف الفرياني وطبقته وكان من أئمة الحديث

سنة ثلاث وسبعين ومائتين

فيها توفي إسحاق بن سيار النصيبيني محدث نصيبين في ذي الحجة سمع أبا عاصم وطبقته
وفيها حنبل بن إسحاق الحافظ أبو علي ابن عم الإمام أحمد وتلميذه في جمادى الأولى سمع أبا نعيم الفضل بن دكين وأبا غسان مالك بن إسماعيل وعفان بن مسلم وسعيد بن سليمان وعارم بن الفضل وسليمان بن حرب وإمامنا أحمد في آخرين وحدث عنه ابنه عبيد الله أو عبد الله وعبد الله البغوي ويحيى بن صاعد وأبو بكر الخلال وغيرهم وذكره ابن ثابت فقال كان ثقة ثبتا وقال الدارقطني كان صدوقا وكان حنبل رجلا فقيرا خرج إلى عكبرا فقرأ مسائله عليهم وخرج إلى واسط أيضا وقال حنبل جمعنا عمي يعني الإمام أحمد أنا وصالح وعبد الله يعني أبناء أحمد وقرأ علينا المسند وما سمعه منه يعني تاما غيرنا وقال لنا إن هذا الكتاب قد جمعته وانتقيته من أكثر من سبعمائة وخمسين ألفا فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله

صلى الله عليه وسلم فارجعوا إليه فإن وجدتموه فيه وإلا فليس بحجة ومات حنبل بواسط في جمادى الأولى انتهى ملخصا
وفيها أبو أمية الطرسوسي محمد بن إبراهيم بن مسلم الحافظ سمع عبد الوهاب بن عطاء وشبابة وطبقتهما وكان من ثقات المصنفين قال ابن ناصر الدين هو صاحب المسند كان حافظا ثقة كبيرا
وفيها الإمام الحافظ أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجه الكبير الشأن القزويني صاحب السنن والتفسير والتاريخ سمع أبا بكر بن أبي شيبة ويزيد ابن عبد الله اليمامي وهذه الطبقة قاله في العبر وقال ابن ناصر الدين محمد ابن يزيد بن ماجه أبو عبد الله الربعي مولاهم القزويني أحد الأئمة الإعلام وصاحب السنن أحد كتب الإسلام حافظ ثقة كبير صنف السنن والتاريخ والتفسير لم يحتو كتابه السنن على ثلاثين حديثا في إسنادها ضعيف انتهى وقال ابن خلكان كان إماما في الحديث عارفا بعلومه وجميع ما يتعلق به ارتحل إلى العراق والبصرة والكوفة وبغداد ومكة والشام ومصر والري لكتب الحديث وله تفسير القرآن العظيم وتاريخ مليح وكتابه في الحديث أحد الصحاح الستة وكانت ولادته سنة تسع ومائتين وتوفي يوم الإثنين ودفن يوم الثلاثاء لثمان بقين من شهر رمضان وصلى عليه أخوه أبو بكر وتولى دفنه أخواه أبو بكر وأبو عبد الله انتهى
وفيها أحمد بن الوليد الفحام أبو بكر البغدادي روى عن عبد الوهاب بن عطاء وطائفة وكان ثقة
وفي صفر صاحب الأندلس محمد بن عبد الرحمن بن الحكم بن هشام الأموي الأمير أبو عبد الله وكانت دولته خمسا وثلاثين سنة وكان فقيها عالما فصيحا مفوها رافعا لعلم الجهاد قال بقي بن مخلد ما رأيت ولا سمعت أحدا من الملوك افصح منه ولا أعقل وقال أبو المظفر بن الجوزي هو

صاحب وقعة وادي سليط التي لم يسمع بمثلها يقال إنه قتل فيها ثلثمائة ألف كافر

سنة أربع وسبعين ومائتين

فيها توفي أحمد بن محمد بن أبي الخناجر أبو علي الأطرابلسي في جمادى الآخرة روى عن مؤمل بن إسماعيل وطبقته وكان من نبلاء العلماء قاله في العبر
وفيها الحسن بن مكرم بن حسان أبو علي ببغداد روى عن علي بن عاصم وطبقته ووثق
وفيها خلف بن محمد الواسطي كردوس الحافظ سمع يزيد بن هرون وعلي بن عاصم
وفيها عبد الملك بن عبد الحميد الفقيه أبو الحسن الميموني الرقي صاحب الإمام أحمد في ربيع الأول روى عن إسحق الأزرق ومحمد بن عبد وطائفة وكان جليل القدر في أصحاب الإمام أحمد بن حنبل وكان سنة يوم مات دون المائة وكان أحمد يكرمه ويجله ويفعل معه مالا يفعل مع أحد غيره وقال صبحت أبا عبد الله على الملازمة من سنة خمس ومائتين إلى سنة سبع وعشرين قال وكنت بعد ذلك أخرج وأقدم عليه الوقت بعد الوقت قال وكان أبو عبد الله يضرب لي مثل ابن جريج في عطاء من كثرة ما أسأله ويقول لي ما أصنع بأحد ما أصنع بك وقال الميموني قلت لأحمد من قتل نفسه يصلى الإمام عليه قال لا يصلى الإمام على من قتل نفسه ولا على من غل قلت فالمسلمون قال يصلون عليهما وقال المرداوي في أواخر الأنصاف عبد الملك بن عبد الحميد الميموني كان الإمام أحمد يكرمه وروى عنه مسائل كثيرة جدا ستة عشر جزءا وجزءين كبيرين انتهى وقال الحافظ ابن

ناصر الدين في بديعة البيان
( عبد المليك الحافظ الميموني ** روى علوم ديننا القويم )
وفيا في شرحها هو عبد الملك بن عبد الحميد بن ميمون بن مهران الميموني الجزري الرقي أبو الحسن وثقة النسائي وأبو عوانة وغيرهم انتهى
وفيها محمد بن عيسى بن حيان المدائني روى عن سفيان بن عيينة وجماعة لينه الدارقطني وقال البرقاني لا بأس به قاله في العبر وقال في المغنى محمد بن عيسى ابن حيان المدائني صاحب ابن عيينة قال الدارقطني ضعيف متروك وقال غيره كان مغفلا وقال الحاكم متروك انتهى

سنة خمس وسبعين ومائتين

فيها توفي أبو بكر المروذي الفقيه أحمد بن محمد بن الحجاج في جمادى الأولى ببغداد وكان أجل أصحاب الإمام أحمد إماما في الفقه والحديث كثير التصانيف خرج مرة إلى الرباط فشيعه نحو خمسين ألفا من بغداد إلى سامرا قاله في العبر وقال في الإنصاف كان ورعا صالحا خصيصا بخدمة الإمام أحمد وكان يأنس به وينبسط إليه ويبعثه في حوائجه وكان يقول كل ما قلت فهو على لساني وأنا قلته وكان يكرمه ويأكل من تحت يده وهو الذي تولى إعفاضه لما مات وغسله روى عنه مسائل كثيرة وهو المقدم من أصحاب الإمام أحمد لفضله وورعة انتهى
وفيها أحمد بن ملاعب الحافظ أبو الفضل المخزومي وله أربع وثمانون سنة سمع عبد الله بن بكر وأبا نعيم وطبقتهما وكان ثقة نبيلا


وفيها الإمام أبو داود السجستاني سليمان بن الأشعث بن إسحق بن بشير الأزدي صاحب السنن والتصانيف المشهورة في شوال بالبصرة وله بضع وسبعون سنة سمع مسلم بن إبراهيم والقعنبي وطبقتهما وطوف الشام والعراق ومصر والحجاز والجزيرة وخراسان وكان رأسا في الحديث رأسا في الفقه ذا جلالة وحرمة وصلاح وورع حتى أنه كان يشبه بشيخه أحمد بن حنبل قاله في العبر وقال ابن خلكان أبو داود سلميان بن الأشعث بن إسحق بن بشير بن شداد بن عمرو بن عمران الأزدي السجستاني أحد حفاظ الحديث وعلمه وعلله وكان في الدرجة العالية من النسك والصلاح طوف البلاد وكتب عن العراقين والخراسانيين والشاميين والمصريين والحرميين وجمع كتاب السنن قديما وعرضه على الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه فاستحسنه واستجاده وعده الشيخ أبو إسحق الشيرازي في طبقات الفقهاء من جملة أصحاب الإمام أحمد بن حنبل وقال إبراهيم الحربي لما صنف أبو داود كتاب السنن الين لأبي داود الحديث كما الين لداود الحديد وكان يقول كتبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة ألف حديث انتخبت منها ما ضمنته هذا الكتاب يعني السنن جمعت فيه أربعة آلاف وثمانمائة حديث ذكرت الصحيح وما يشبهه ويقاربه ويكفى الإنسان لدينه من ذلك أربعة أحاديث أحدها قوله صلى الله عليه وسلم إنما الإعمال بالنيات والثاني قوله من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه والثالث قوله لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يرضى لأخيه ما يرضاه لنفسه والرابع قوله الحلال بين والحرام بين وبين ذلك أمور مشتبهات الحديث بكماله وجاءه سهل بن عبد الله التستري رحمه الله تعالى فقال له يا أبا داود لي إليك حاجة قال وما هي قال حتى تقول قضيتها مع الإمكان

قال قد قضيتها مع الإمكان قال اخرج لسانك الذي حدثت به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أقبله قال فأخرج لسانه فقبله وكانت ولادته في سنة اثنتين ومائتين وقدم بغداد مرارا ثم نزل إلى البصرة وسكنها وتوفي بها يوم الجمعة منتصف شوال سنة خمس وسبعين ومائتين رحمه الله تعالى
وكان ولده أبو بكر عبد الله بن أبي داود سليمان من أكابر الحفاظ ببغداد عالما متفقا عليه إماما ابن إمام وله كتاب المصابيح وشارك أباه في شيوخه بمصر والشام وسمع ببغداد وخراسان وأصبهان وسجستان وشيراز وتوفي سنة ست عشرة وثلثمائة واحتج به ممن صنف الصحيح أبو علي الحافظ النيسابوري وابن حمزة الأصبهاني انتهى ما أورده ابن خلكان
وفيها أي سنة خمس وسبعين يحيى بن أبي طالب جعفر بن عبد الله بن الزبرقان أبو بكر البغدادي المحدث في شوال روى عن علي بن عاصم ويزيد ابن هارون وجماعة وصحح الدارقطني حديثه

سنة ست وسبعين ومائتين

فيها على ما ذكره في الشذور انفجر تل نهر الصلة عن شبه الحوض من حجر في لون المسن وفيه سبعة أقبر فيها سبعة أبدان صحاح أكفانهم جدد كأنهم ماتوا بالأمس انتهى
وفيها جرت حروب صعبة بين صاحب مصر خمارويه وبين محمد بن أبي الساج ثم ضعف محمد وهرب إلى بغداد
وفيها توفي الحافظ أبو عمرو أحمد بن حازم بن أبي غرزة الغفاري محدث الكوفة في ذي الحجة صنف المسند والتصانيف وروى عن جعفر بن عون

وطبقته قال ابن حبان كان متقنا وقال ابن ناصر الدين كان ثقة
وفيها الإمام بقى بن مخلد أبو عبد الرحمن الأندلسي الحافظ أحد الأئمة الأعلام في جمادى الآخرة وله خمس وسبعون سنة سمع يحيى بن يحيى الليثي ويحيى بن بكير وأحمد بن حنبل وطبقتهم وصنف التفسير الكبير والمسند الكبير قال ابن حزم أقطع أنه لم يؤلف في الإسلام مثل تفسيره وكان فقيها علامة مجتهدا قواما ثبتا عديم المثل
وفيها الإمام أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري وقيل المروزي الإمام النحوي اللغوي صاحب كتاب المعارف وأدب الكاتب وغريب القرآن ومشكل الحديث وطبقات الشعراء وإعراب القرآن وكتاب الميسر والقداح وغيرها وكان فاضلا ثقة سكن بغداد وحدث بها عن ابن راهويه وطبقته روى عنه ابنه أحمد وابن درستويه وكان موته فجاءة قيل إنه أكل هريسة فأصابته حرارة فصاح صيحة شديدة ثم أغمى عليه ثم أفاق فما يزال يتشهد حتى مات قاله ابن الأهدل وقال ابن خلكان كان فاضلا ثقة سكن بغداد وحدث بها عن إسحق بن راهويه وأبى إسحق إبراهيم بن سفين بن سليمان بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن زياد وأبى حاتم السجستاني وتلك الطبقة وتصانيفه كلها مفيدة منها غريب القرآن وغريب الحديث وعيون الأخبار ومشكل القرآن ومشكل الحديث وطبقات الشعراء والأشربة وإصلاح الغلط وغير ذلك وأقرأ كتبه ببغداد إلى حين وفاته وقيل إن أباه مروزي وأما هو فمولده ببغداد وقيل بالكوفة وأقام بالدينور قاضيا مدة فنسب إليها وكانت ولادته سنة ثلاث عشرة ومائتين وكانت وفاته فجاءة صاح صيحة سمعت من بعد ثم أغمى عليه إلى وقت الظهر ثم اضطرب ساعة ثم هدأ فما يزال يتشهد إلى وقت السحر ثم مات رحمه الله تعالى


وكان ولده أبو جعفر أحمد بن عبد الله المذكور فقيها وروى عن أبيه كتبه المصنفة كلها وتولى القضاء بمصر وقدمها في ثامن عشر جمادى الآخرة سنة إحدى وعشرين وثلثمائة وتوفي بها في شهر ربيع الأول سنة إثنتين وعشرين وثلثمائة وهو على القضاء ومولده ببغداد انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا وقال الذهبي في المغني عبد الله بن مسلم بن قتيبة أبو محمد صاحب التصانيف صدوق سمع إسحق بن راهويه قال الحاكم أجمعت الأمة على أن القتيى كذاب قلت هذا بغى وتخرص بل قال الخطيب هو ثقة انتهى كلام الذهبي
وفيها أبو قلابة عبد الملك بن محمد الرقاشي البصري الحافظ أحد العباد والأئمة في شوال ببغداد روى عن يزيد بن هرون وطبقته ووثقه أبو داود قال أحمد بن كامل قيل عنه أنه كان يصلى في اليوم والليلة أربعمائة ركعة ويقال إنه روى من حفظه ستين ألف حديث قال ابن ناصر الدين في بديعة البيان
( ثم ابن عيسى الطرسوسي الدار ** كأحمد بن حازم الغفاري )
( عبد المليك ذا الرقاشي الثالث ** كل رشيد عمدة وباحث ) انتهى
وفيها محدث الأندلس قاسم بن محمد بن قاسم الأموي مولاهم القرطبي الفقيه له رحلتان إلى مصر وتفقه على الحرث بن مسكين وابن عبد الحكم وكان مجتهدا لا يقلد أحدا قال رفيقه بقي بن مخلد هو أعلم من محمد بن عبد الله بن عبد الحكم وقال لم يقدم لعينا من الأندلس أعلم من قاسم وقال محمد بن عمر ابن لبابة ما رأيت أفقه منه وروى عن إبراهيم بن المنذر الحرامي وطبقته
وفيها محدث مكة محمد بن إسماعيل الصائغ أبو جعفر وقد قارب التسعين سمع أبا أسامة وشبابة وطبقتهما
وفيها محدث دمشق أبو القاسم يزيد بن عبد الصمد سمع أبا مسهر والحميدي وطبقتهما وكان ثقة بصيرا بالحديث

سنة سبع وسبعين ومائتين

فيها توفي حافظ المشرق أبو حاتم الرازي محمد بن إدريس الحنظلي في شعبان وهو في عشر التسعين وكان بارع الحفظ واسع الرحلة من أوعية العلم سمع محمد بن عبد الله الأنصاري وأبا مسهر وخلقا لئلا يحصون وكان ثقة جاريا في مضمار البخاري وأبى زرعة الرازي وكان يقول مشيت على قدمي في طلب الحديث أكثر من ألف فرسخ وقال ابن ناصر الدين محمد بن إدريس بن المنذر بن داود بن مهران الحنظلي أبو حاتم الرازي كان في مضمار البخاري وأبى زرعة جاريا وبمعاني الحديث عالما وفي الحفظ غالبا واثني عليه خلق من المحدثين وتوفي وهو في عشر التسعين انتهى
وفيها المحدث أبو جعفر محمد بن الحسين بن أبي الحنين الحنيني الكوفي صاحب المسند روى عن عبيد الله بن موسى وأبي عبيد وطبقتهما وكان ثقة
والإمام يعقوب بن سفين الفسوى الحافظ أحد أركان الحديث وصاحب المشيخة والتاريخ في وسط السنة وله بضع وثمانون سنة سمع أبا عاصم وعبد الله بن موسى وطبقتهما وكان ثقة بارعا عارفا ماهرا
سنة ثمان وسبعين ومائتين

فيها مبدأ ظهور القرامطة بسواد الكوفة وهو قوم خوارج زنادقة مارقة من الدين قال في الشذور وكان ابتداء أمرهم أن رجلا قدم إلى سواد الكوفة فأظهر الزهد وجعل يسف الخوص ويأكل من كسبه ويصلى ويصوم ثم صار يدعو إلى إمام من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويأخذ من كل من دخل في قوله دينارا فاجتمع إليه جماعة فاتخذ منهم اثني عشر نقيبا وقال

أنتتم كحوارى عيسى وكان ملكا قد آوى إلى بيت رجل يقال له كرميته فسمى باسمه ثم خفف فقيل قرمط انتهى
وفيها توفي الموفق أبو أحمد طلحة ويقال محمد بن المتوكل ولى عهد أخيه المعتمد في صفر وله تسع وأربعون سنة وكان مكلا مطاعا وبطلا شجاعا ذا بأس وأيد ورأى وحزم حارب الزنج حتى أبادهم وقتل طاغيتهم وكان جميع امراء الجيوش إليه وكان محببا إلى الخلق وكان المعتمد مقهورا معه ميع اعتراه نقرس فبرح به وأصاب رجله داء الفيل وكان يقول قد أطبق ديواني على مائة ألف مرتزق وما أصبح فيهم اسوأ حالا مني واشتد ألم رجله واتفاخها إلى أن مات منها وكان قد ضيق على ابنه أبي العباس وخاف منه فلما احتضر رضى عليه ولما توفي ولا هـ المعتمد ولاية العهد ولقبه المعتضد وكان بعض الأعيان يشبه الموفق بالمنصور في حزمه ودهائه ورأيه وجميع الخلفاء وإلى اليوم من ذريته قاله في العبر
وفيها عبد الكريم بن الهيثم الدير عاقولي رحل وحصل وجمع وروى عن ابي نعيم وأبى اليمان وطبقتهما وكان أحد الثقات المأمونين
وفيها بل في التي قبلها على ما جزم به ابن ناصر الدين عيسى بن غاث بن عبد الله بن سنان بن دلويه أبو موسى موثق متقن
وفيها موسى بن سهل بن كثير الوشا بغداد في ذي القعدة وهو آخر من حدث عن ابن علية وإسحق الأزرق ضعفه الدارقطني وقيل في إسم أبيه وهب

سنة تسع وسبعين ومائتين

فيها نودي ببغداد لا يقعد على الطريق منجم ولا تباع كتب الكلام والفلسفة
وفيها تمكن المعتضد أبو العباس أحمد بن الموفق طلحة من الأمور وأطاعته الأمراء حتى ألزم عمه المعتمد أن يقدمه في العهد على ابنه المفوض ففعل مكرها

قال أبو العباس المذكور كان المعتمد على الله قد حبسني فرأيت في منامي وأنا محبوس أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي الله عنه يقول لي أمر الخلافة يصل إليك فا عتضد بالله وأكرم بني قال فانتبهت ودعوت الخادم الذي كان يخدمني في الحبس وأعطيته فص خاتم وقلت له امض إلى النقاش وقل له انقش عليه المعتضد بالله أمير المؤمنين فقال هذه مخاطر بالنفس وأين الخلافة منا وغاية أملنا الخلاص من السجن فقلت امض لما أمرتك فمضى ونقش عليه ما قلت له بأوضح خط فقلت اطلب لي دواة وكاغدا فجاءني بهما فجعلت أرتب الأعمال وأولى العمال وأصحاب الدواوين فبينما أنا كذلك إذ جاء القوم وأخرجوني ثم إن المعتمد على الله فوض ما كان لنا صر دين الله الموفق لولده أحمد المذكور فاستبد بالأمر واستخف بعمه المعتمد ولم يرجع إليه في شيء من عقده وحله ثم أن أحمد المذكور دخل على عمه المعتمد على الله وقص عليه رؤياه التي رآها في الحبس وقال إن أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي الله عنه ولاني هذا الأمر ومتى لم تخلع ابنك جعفرا من الخلافة طائعا وإلا خلعته كارها فخلع المعتمد ابنه وجعل العهد لا بن أخيه أحمد المذكور
وفيها كما قال في العبر منع المعتضد من بيع كتب الفلاسفة والجدل وتهدد على ذلك ومنع المنجمين والقصاص من الجلوس فكان ذلك من حسناته انتهى وفيها في رجب توفي المعتمد على الله أحمد بن المتوكل على الله جعفر العباسي وله خمسون سنة وكانت خلافته ثلاثا وعشرين سنة ويومين وكان أسمر ربعة نحيفا مدور الوجه صغير اللحية مليح العينين ثم سمن واسرع إليه الشيب ومات فجاءة وأمه أم ولد أسمها قينان وله شعر متوسط وكان قد أكل رءوس جداء فمات من الغد بين المغنين والندماء فقيل سم في الرؤس وقيل نام فغمه في بساط وقيل سم في كأس الشراب فدخل عليه القاضي

والشهود فلم يروا به أثرا وكان منهمكا في اللذات فاستولى أخوه على المملكة وحجر عليه في بعض الأشياء فاستصحب المعتضد الحال بعد أبيه وعن أحمد ابن يزيد قال كنا عند المعتمد وكان كثير العربدة إذا سكر فذكر حكاية قاله في العبر وامتد ملكه على المهانة يتدبير أخيه ولو شاء خلعه لخلعه قال ابن الفرات كان في خلافته محكوما عليه حتى إنه احتاج في بعض الأوقات إلى ثلثمائة دينار فلم يجدها في ذلك الوقت فقال
( اليس من العجائب أن مثلي ** يرى ماقل ممتنعا عليه )
( وتؤخذ باسمه الدنيا جميعا ** وما من ذاك شيء في يديه )
( إليه تحمل الأموال طرا ** وبمنع بعض ما يجبي إليه )
وفيها توفي أحمد بن أبي خيثمة زهير بن حرب الحافظ بن الحافظ أبو بكر النسائي ثم البغدادي مصنف التاريخ الكبير وله أربع وتسعون سنة سمع أبا نعيم وعفان وطبقتهما قال الدارقطني ثقة مأمون
وفيها إبراهيم بن عبد الله بن عمر العبسي القصار الكوفي أبو إسحق آخر أصحاب وكيع وفاة
وفيها جعفر بن محمد بن شاكر الصائغ ببغداد وله تسعون سنة روى عن أبي نعيم وطبقته وكان زاهدا عابدا ثقة ينفع الناس ويعلمهم الحديث
وأبو يحيى عبد الله بن زكريا بن أبي ميسرة محمد مكة في جمادى الأولى روى عن أبي عبد الرحمن المقرى وطبقته
وفيها الإمام أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة بن موسى بن الضحاك السلمي أبو عيسى الترمذي الضرير تلميذ أبي عبد الله البخاري ومشاركه فيما يرويه في عدة من مشايخه سمع منه شيخه البخاري وغيره وكان مبرزا على الأقران آية في الحفظ والإتقان قال ابن خلكان أبو عيسى محمد بن عيسى بن سورة

ابن موسى الضحاك السلمي الضرير البوغي الترمذي الحافظ المشهور أحد الأئمة الذين يقتدي بهم في علم الحديث صنف كتاب الجامع والعلل تصنيف رجل متقن وبه يضرب المثل وهو تلميذ أبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري وشاركه في بعض شيوخه مثل قتيبة بن سعيد وعلى بن حجر وابن بشار وغيرهم انتهى قيل إنه ولد أكمه
وفيها أبو الأحوص محمد بن الهيثم قاضي عكبرا في جمادى الآخر ة وكان أحد من عنى بهذا الشأن فروى عن عبد الله بن رجاء وسيعد بن عفير وطبقتهما وهو ثقة
وأبو عبد الله محمد بن جابر بن حماد أحد أئمة زمانه والمبرز بالفضل على أقرانه قال ابن ناصر الدين في بديعة البيان
( ثم أبن عيسى الترمذي محمد ** طاب رحيب علمه فقيدوا )
( مثل الفقيه المروزي النقاد ** محمد بن جابر بن حماد ) انتهى

سنة ثمانين ومائتين

فيها كما قال في الشذور زلزلت دبيل في الليل فاصبحوا فلم يبق من المدينة إلا اليسير فأخرج من تحت الهدم خمسون ومائة ألف ميت انتهى
وفيها توفي القاضي أبو العباس أحمد بن محمد بن عيسى البرتي الفقيه الحافظ صاحب المسند روى عن أبي نعيم ومسلم بن إبراهيم وخلق وكان ثقة بصيرا بالفقه عارفا بالحديث وعلله زاهدا عابدا كبير القدر من أعيان الحنفية
وفيها الإمام قاضي الديار المصرية أحمد بن أبي عمران أبو جعفر الفقيه الحنفي تفقه على محمد بن سماعة وحدث عن عاصم بن علي وطائفة وروى الكثير من حفظه لأنه عمي بمصر وهو شيخ الطحاوي في الفقه قال في حسن المحاضرة وثقة ابن يونس


وفيها الإمام أبو عبد عثمان بن سعيد الدارمي السجزي الحافظ صاحب والتصانيف روى عن سليمان بن حرب وطبقته وكان جذعا وقذى في أعين المسند المبتدعة قيما بالسنة ثقة حجة ثبتا قال يعقوب بن إسحق الفروى ما رأينا أجمع منه أخذ الفقه عن البويطي والعربية عن ابن الأعرابي والحديث عن ابن المديني توفي في ذي الحجة وقد ناهز الثمانين قال الأسنوي هو أحد الحفاظ الأعلام تفقه على البويطي وطاف الآفاق في طلب الحديث وصنف المسند الكبير انتهى
وفيها الحافظ أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل السلمي التمرذي أحد أعلام السنة سمع محمد بن عبد الله الأنصاري وسعيد بن أبي مريم وطبقتهما وجمع وصنف قال ابن ناصر الدين ثقة متقن
وفيها حرب بن أسمعيل الكرماني صاحب الإمام أحمد حافظ فقيه نبيل نقل عن الإمام أحمد مسائل كثيرة قال ابن أبي يعلى في طبقاته كان حرب فقيه البلد وكان السلطان قد جعله على أمر الحكم وغيره في البلد قال حرب سألت أحمد عن قراءة حمزة فقال لا تعجبني قال وقلت لأحمد الإدغام فكرهه وقال سمعت الإمام أحمد يكره إلا مالة مثل والضحى والشمس ضحاها وقال أكره الخفض الشديد والادغام وقال حرب سمعت أحمد بن حنبل يقول الناس يحتاجون إلى العلم مثل الخبز والماء لأن العلم يحتاج إليه في كل ساعة والخبز والماء في كل يوم مرة أو مرتين أنتهى ملخصا
وفيها أبو عمرو هلال بن العلاء بن هلال الرقي محدث الرقة وشيخها في ذي الحجة وقد قارب التسعين روى عن حجاج الأعور وخلق كثير وله شعر رائق قاله في العبر وقال ابن ناصر الدين تكلم فيه لمناكير عنده رواها عن أبيه انتهى

سنة إحدى وثماني ومائتين

فيها توفي إبراهيم بن الحسين الكسائي الهمذاني بن ديزيل ويعرف بدابة عفان للزومة وكان ثقة جوالا صالحا يصوم صوم داو وسمع أيضا أبا مسهر وأبا اليمان وطبقتهما وكان من أكثر الحفاظ حديثا ويلقب أيضا سيفنه قال ابن ناصر الدين هو ثقة مأمون
وفيها الإمام أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو النصري الدمشقي الحافظ في جمادى الآخرة سمع أبا مسهر وأبا نعيم وطبقتهما وصنف التاصنيف وكان محدث الشام في زمانه قال ابن ناصر الدين علم حافظ ثبت
وفيها الحافظ أبو عمرو وعثمان بن عبد الله بن خرزاذ الأنطاكي أحد أركان الحديث سمع عفان وسيعد بن عفير والكبار وقال محمد بن حمويه هو أحفظ من رأيت توفي في آخر السنه وكان ثقة ثبتا
وفيها العلامة أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المواز الإسكندراني المالكي صاحب التصانيف أخذ عن أصبغ بن الفرج وعبد الله بن عبد الحكم وانتهت إليه رياسة المذهب وإليه كان المنتهي في تفريغ المسائل
سنة اثنتين وثمانين ومائتين

فيها وقع الصلح بين المعتضد وخمارويه وتزوج المعتضد بابنة خماروية الملقبة قطر الندى على مهر مبلغه ألف ألف درهم فأرسلت إلى بغداد وبنى بها المعتضد وقوم جهازها بألف ألف دينار وأعطت ابن الحصاص الذي مشى في الدلالة مائة ألف درهم


وفيها توفي الحافظ أبو إسحق الطوسي العنبري إبراهيم بن إسماعيل سمع يحيى بن يحيى التميمي فمن بعده وكان محدث الوقت وزاهده به محمد بن أسلم بطوس صنف المسند الكير في مائتي جزء
وفيها العلامة أبو إسحق إسماعيل بن إسحق بن إسماعيل بن حماد بن زيد الأزدي مولاهم البصري الفقيه المالكي القاضي ببغداد في ذي الحجة فجاءة وله ثلاث وثمانون سنة وأشهر سمع مسلم بن إبراهيم وطبقته وصنف التصانيف في القراءات والحديث والفقه وأحكام القرآن والأصول وتفقه على أحمد بن المعذل وأخذ علم الحديث عن ابن المديني وكان إماما في العربية حتى قال المبرد هو أعلم بالتصريف مني
وفيها الحافظ أبو الفضل جعفر بن محمد بن أبي عثمان الطيالسي البغدادي في رمضان سمع عفان وطبقته وكان ثقة متحريا إلى الغاية في التحديث
وفيها الحافظ أبو محمد الحرث بن محمد بن أبي أسامة التميمي البغدادي صاحب المسند يوم عرفة وله ست وتسعون سنة سمع علي بن عاصم وعبد الوهاب بن عطاء وطبقتهما قال الدارقطني صدوق وقيل فيه لين كان لفقره يأخذ على التحديث أجرا
وفيها الحسين بن الفضل بن عمير البجلي الكوفي المفسر نزيل نيسابور كان آية في معان صاحب فنون وتعبد قيل إنه كان يصلى في اليوم والليلة ستمائة ركعة وعاش مائة وأربع سنين وروى عن يزيد بن هارون والكبار
وفيها خمارويه بن أحمد بن طولون الملك أبو الجيش متولى مصر والشام وحمو المعتضد فتك به غلمان له راودهم في ذي القعدة بدمشق وعاش اثنين وثلاثين سنة وكان شهما صارما كأبيه قاله في العبر وقال ابن خلكان أبو الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون لما توفي أبوه اجتمع الجند على توليته مكانه فولى وهو ابن عشرين سنة وكانت ولايته في أيام المعتمد على

الله وفي سنة ست وسبعين يحرك الإقشين محمد بن أبي الساج ديوذار بن يوسف من أرمينية والجبال في جيش عظيم وقصد مصر فلقيه خمارويه في بعض أعمال دمشق وانهزم الأقشين واستأمن أكثر عسكره وسار خمارويه حتى بلغ الفرات ودخل أصحابه الرقة ثم عاد وقد ملك من الفرات إلى بلاد النوبة فلما مات المعتمد وتولى المعتضد الخلافة بارد إليه خمارويه بالهدايا والتحف فأقره على عمله وسال خمارويه أن يزوج ابنته قطر الندى واسمها أسماء للمكتفى بالله بن المعتضد وهو إذ ذاك ولى العهد فقال المعتضد بل أنا أتزوجها فتزوجها في سنة إحدى وثمانين ومائتين والله أعلم وكان صداقها ألف ألف درهم وكانت موصوفة بفرط الجمال والعقل حكى أن المعتضد خلا بها يوما للأنس في مجلس أفرده لها ما أحضره سواها فأخذت الكأس منه فنام على فخذها فلما استثقل وضعت رأسه على وسادة وخرجت فجلست في ساحة القصر فاستيقظ فلم يجدها فاستشاط غضبا ونادى بها فأجابته عن قرب فقال ألم أخلك إكراما لك ألم أدفع إليك مهجتي دون سائرحظاياي فتضعين رأسى على وسادة وتذهبين فقالت يا أمير المؤمنين لم أجهل قدر ما أنعمت علي به ولكن فيما أدبني به أبى أن قال لا تنامي مع القيام ولا تجلسي مع النيام ويقال إن المعتضد أراد بنكاحها افتقار الطولونية وكذا كان فإن أباها جهزها بجهاز لم يعمل مثله حتى قيل إنه كان لها ألف هاون ذهبا وشرط عليه المعتضد أن يحمل كل سنة بعد القيام بجميع وظائف مصر وأرزاق أجنادها مائتي ألف دينار فأقام على ذلك إلى أن قتله غلمانه بدمشق على فراشه ليلة الأحد لثلاث بقين من ذي القعدة سنة اثنتين وثمانين وعمره اثنتان وثلاثون سنة وقتل قتلته أجمعون وحمل تابوته إلى مصر ودفن عند أبيه بسفح المقطم رحمهما الله تعالى وكان من أحسن الناس خطا انتهى ما أورده ابن خلكان
وفيها الحافظ أبو محمد الفضل بن محمد بن المسيب البيهقي الشعراني طوف

الأقاليم وكتب الكثير وجمع وصنف روى عن سليمان بن حرب وسعيد بن أبي مريم وطبقتهما قال في المغني قال أبو حاتم تكلموا فيه
وفيها محمد بن الفرج الأزرق أبو بكر في المحرم ببغداد سمع حجاج بن محمد وأبا النضر وطبقتهما قال في المغني محمد بن الفرج الأزرق له جزء معروف وهو صدوق تكلم الحاكم فيه لصحبته الكرابيسي وهذا تعنت انتهى
وفيها العلامة أبو العيناء محمد بن القسم بن خلاد البصري الضرير اللغوي الأخباري وله إحدى وتسعون سنة وأضر وله أربعون سنة أخذ عن أبي عبيدة وأبي عاصم النبيل وجماعة وله نوادر وفصاحة وأجوبة مسكتة قاله في العبر وقال ابن خلكان أصله من اليمامة ومولده بالأهواز ومنشؤه بالبصرة وبها طلب الحديث وكتب الأدب وسمع من أبي عبيدة والأصمعي وأبي زيد الأنصاري والعتبي وغيرهم وكان من أفصح الناس لسانا وأحفظهم وكان من ظرائف العالم وفيه من اللسن وسرعة الجواب والذكاء ما لم يكن في أحد من نظرائه وله أخبار حسان وأشعار ملاح مع أبي علي الضرير وحضر يوما مجلس بعض الوزراء فتفاوضوا حديث البرامكة وكرمهم وما كانوا عليه من البذل والأفضال فقال الوزير قد أكثرت من ذكرهم ووصفك إياهم وإنما هذا تصنيف الوراقين وكذب المؤلفين فقال أبو العيناء فلم لا يكذب الوراقون عليك أيها الوزير فسكت الوزير وعجب الحاضرون من إقدامه عليه وشكا إلى عبد الله بن سليمان بن وهب الوزير سوء الحال فقال له أليس قد كتبنا إلى إبراهيم بن المدبر في أمرك قال نعم قد كتبت إلى رجل قد قصر من همته طول الفقر وذل الأسر ومعاناة الدهر فأخفق سعيي وخابت طلبتي فقال عبد الله أنت اخترته فقال وما علي أيها الوزير في ذلك وقد اختار موسى قومه سبعين رجلا فما كان فيهم رشيد واختار النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن سعد بن أبي سرح كاتبا فرجع إلى المشركين مرتدا واختار علي بن أبي طالب

أبا موسى الأشعري حكما له فحكم عليه وإنما قال ذل الأسر لأن إبراهيم المذكور قد أسره علي بن محمد صاحب الزنج بالبصرة وسجنه فنقب السجن وهرب ودخل أبو العيناء على أبي الصقر إسماعيل بن بابك الوزير يوما فقال له ما الذي أخرك عنا يا أبا العيناء فقال سرق حماري قال وكيف سرق قال لم أكن مع اللص فأخبرك قال فهلا أتيتنا على غيره قال قعد بي عن الشراء قلة ايساري وكرهت ذلة المكاري ومنه العواري وخاصم علويا فقال له العلوي أتخاصمني وأنت تقول اللهم صل على محمد وعلى آله قال ولكني أقول الطيبين الطاهرين ولست منهم ووقف عليه رجل من العامة فلما أحسن به قال من هذا قال رجل من بني آدم فقال أبو العيناء مرحبا بك أطال الله بقاءك ما كنت أظن هذا النسل إلا قد انقطع وصار يوما إلى باب صاعد بن مخلد فاستأذن عليه فقيل هو مشغول بالصلاة فقال لكل جديد لذة وكان صاعد قبل الوزارة نصرانيا ومر بباب عبد الله بن منصور وهو مريض وقد صح فقال لغلامه كيف خبره فقال كما تحب فقال مالي لا أسمع الصراخ عليه ودعا سائلا ليعشيه فلم يدع شيئا إلا أكله فقال يا هذا دعوتك رحمة فتركتني رحمة وكان بينه وبين ابن مكرم مداعبات فسمع ابن مكرم رجلا يقول من ذهب بصره قلت حيلته فقال ما أغفلك عن أبي العيناء ذهب بصره فعظمت حيلته وقد ألم أبو علي البصير بهذا المعنى يسير به إلى أبي العيناء
( قد كنت خفت يد الرمان ** عليك إذ ذهب البصر )
( لم أدر إنك بالعمى ** تغني ويفتقر البشر )
وقال له ابن مكرم يوما يعرض به كم عدد المكدين بالبصرة فقال مثل عدد البغائين ببغداد وروى عنه أنه قال كنت عند أبي الحكم إذ أتاه رجل فقال له وعدتني وعدا فإن رأيت أن تنجزه فقال ما أذكره فقال إن لم تذكره فلأن من تعده مثلي كثير وأنا لا أنساه لأن من أسأله مثلك قليل فقال أحسنت

لله أبوك وقضى حاجته وكان جده إلا كبر لقي علي بن أبي طالب رضي الله عنه فأعياه المخاطبة معه فدعا عليه بالعمى له ولولده فكل من عمى من ولد جد أبي العينا فهو صحيح النسب فيهم هكذا قاله أبو سعد الطلمي وخرج من البصرة وهو بصير وقدم سر من رأى فاعتلت عيناه فعمى وعاد إلى البصرة ومات بها انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا

سنة ثلاث وثمانين ومائتين

فيها ظفر المعتضد بهرون الشاري رأس الخوارج بالجزيرة وأدخل راكبا فيلا وزينت بغداد
وفيها أمر المعتضد في سائر البلاد بتوريث ذوي الأرحام وإبطال دواوين المواريث في ذلك وكثر الدعاء له وكان قبل ذلك قد أبطل النيروز ووقيد النيران وأمات سنة المجوس
وفيها التقى عمرو بن الليث الصفار ورافع بن هرثمة فانهزمت جيوش رافع وهرب وساق الصفار وراءه فأدركه بخوارزم فقتله وكان المعتضد قد عزل رافعا عن خراسان واستعمل عليها عمرو بن الليث في سنة تسع وسبعين فبقي رافع بالري وهادن الملوك المجاورين له ودعا إلى العلوي
وفيها وصلت تقادم عمرو بن الليث إلى المعتضد من جملتها مائتا حمل مال
وفيها توفي القدوة العارف أبو محمد سهل بن عبد الله التستري الزاهد في المحرم عن نحو من ثمانين سنة وله مواعظ وأحوال وكرامات وكان من أكبر مشايخ القوم ومن كلامه وقد رأي أصحاب الحديث فقال اجهدوا أن لا تلقوا الله إلا ومعكم المحابر وقيل له إلى متى يكتب الرجل الحديث قال حتى يموت ويصب باقي حبره في قبره وقال من أراد الدنيا والآخرة فليكتب الحديث فإن فيه منفعة الدنيا والآخرة وقال السلمي في الطبقات هو سهل بن عبد الله بن

يونس بن عيسى بن عبد الله بن رفيع وكنيته أبو محمد أحد أئمة القوم وعلمائهم والمتكلمين في علوم الإخلاص والرياضات وعيوب الأفعال صحب خاله محمد بن سوار وشاهد ذا النون المصري سنة خروجه إلى الحج وأسند الحديث وأنسد عنه قال الناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا وإذا انتبهوا ندموا وإذا ندموا لم تنفعهم الندامة وقال شكر العلم العمل وشكر العمل زيادة العلم وقال ما من قلب و لا نفس إلا والله مطلع عليه في ساعات الليل والنهار فأي قلب أو نفس رأى فيه حاجة إلى سواه سلط عليه إبليس وقال الذي يلزم الصوفي ثلاثة أشياء حفظ سره وأداه فرضه وصيانة فقره وقال من أراد أن يسلم من الغيبة فليسد على نفسه باب الظنون فمن سلم من الظن سلم من التجسس ومن سلم من التجسس سلم من الغيبة ومن سلم من الغيبه الزور ومن سلم من الزور سلم من سلم من البهتان وقال ذروا التدبير والإختيار فأنهما يكدران على الناس عيشهم وقال الفتن ثلاثة فتنة العامة من إضاعة العلم وفتنة الخاصة من الرخص والتأويلات وفتنة أهل المعرفة أن يلزمهم حق في وقت فيؤخرونه إلى وقت الثاني وقال أصولنا ستة التمسك بكتاب الله والإقتداء بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأكل الحلال وكف الأذى واجتناب الآثام وأداء الحقوق وقال لامعين إلا الله ولا دليل إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا زاد إلا التقوى ولا عمل إلا الصبر عليه وقال الأعمال بالتوفيق والتوفيق من الله ومفتاحه الدعاء والتضرع وطريقة سهل تشبه طريق الملامتية وله كرامات كثيرة وكان يعتقد مذهب مالك رضي الله عنهما انتهى ملخصا وقال في الحلية عامة كلامه في تصفية الأعمال من المعايب والإعلال وأسند عنه فيها أنه قال من كان اقتداؤه بالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكن في قلبه اختيار لشيء من الأشياء سوى ما أحب الله ورسوله وقال الدنيا كلها جهل إلا العلم منها والعلم كله وبال إلا العمل به والعمل كله هباء منثور إلا

الإخلاص فيه والإخلاص أنت منه على وجل حتى تعلم هل قبل أم لا انتهى ملخصا أيضا وقال الشيخ الكبر محيي الدين محمد بن عربي الحاتمي الطائي رضى الله عنه في كتاب بلغة الغواص ما معناه إن لم يكن لفظه قال إمامنا وعالمنا سهل بن عبد الله التستري رأيت إبليس فعرفته وعرف أتى عرفته فجرى بيننا كلام ومذاكرة كان من آخره أن قلت له لم تسجد لآدم فقال غيرة مني عليه أن أسجد لغيره فقلت هذا لا يكفيك بعد أن أمرك وأيضا فآدم قبلة والسجود له تعالى ثم قلت له وهل تطمع بعد هذا في المغفرة فقال كيف لا أطمع وقد قال تعالى { ورحمتي وسعت كل شيء } قال فوقفت كالمتحير ثم تذكرت ما بعدها فقلت إنها مقيدة بقيود قال وما هي قلت قوله تعالى بعدها { فسأكتبها للذين يتقون } الآية قال فضحك وقال والله ما ظننت أن الجهل يبلغ بك هذا المبلغ أما علمت أن القيد بالنسبة إليك لا بالنسبة إليه قال فو الله لقد أفحمني وعلمت أنه طامع في مطمع انتهى فتأمل
وفيها أبو محمد عبد الرحمن بن يوسف بن خراش المروزي ثم البغدادي الحافظ صاحب الجرح والتعديل أخذ عن أبي حفص الفلاس وطبقته قال أبو نعيم بن عدي ما رأيت أحفظ منه وقال بكر بن محمد الصيرفي سمعته يقول شربت بولي في طلب هذا الشأن خمس مرات وقال الذهبي في المغني قال عبدان كان يوصل المرسل وقال ابن ناصر الدين في بديعة البيان
( لابن خراش الحالة الرذيلة ** ذا رافضي جرحه فضيلة )
وقال في شرحها هو عبد الرحمن بن يوسف بن سعيد بن خراش أبو محمد كان حافظا بارعا من الحالين لكن لم ينفعه ما وعى هو رافضي شيخ شين صنف كتابا في مثالب الشيخين قال الذهبي هذا والله الشيخ المغتر الذي ضل سعيه انتهى ما أورده ابن ناصر الدين ملخصا


وفيها توفي قاضي القضاة أبو الحسن على بن محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب الأموي البصري كان رئيسا معظما دينا خرا روى عن أبي الوليد الطيالسي وجماعة قاله في العبر
وفيها محمد بن سليمان بن الحرث أبو بكر الباغندي محدث واسطي نزل بغداد وحدث عن الأنصاري وعبيد الله بن موسى وكان صدوقا وهو والد الحافظ محمد بن محمد
وفيها تمتام الحافظ أبو جعفر محمد بن غالب بن حرب الضبي البصري في رمضان ببغداد روى عن أبي نعيم وعفان وطبقتهما وصنف وجمع وهو ثقة
وفيها عبد الله بن محمد بن مالك بن هاني أبو أحمد النيسابوري لقبه عبدوس كان من الأعيان قال ا بن ناصر الدين في بديعة البيان
( ثم الرضى تمتام الضبي ** محمد بن غالب البصري )
( كذا فتى محمد عبدوس ** كل جميل فاضل رئيس )

سنة أربع وثمانين ومائتين

فيها كما قال في الشذور ظهرت ظلمة بمصر وحمرة في السماء شديدة حتى كان الرجل ينظر إلى وجه الأرض فيراه أحمر وكذلك الحيطان وغيرها من العصر إلى العشاء فخرج الناس يدعون اله تعالى ويستغيثون إليه ووعد الناس المنجمون بالغرق فغارت المياه واحتاجوا إلى الإستسقاء انتهى
وفيها كما قاله في العبر قال محمد بن جرير عزم المعتضد على لعنة معاوية على المنابر فخوفه الوزير من اضطراب العامة فلم يلتفت إليه وتقدم إلى العامة بلزوم أشغالهم وترك الإجتماع ومنع القصاص من الكلام ومن اجتماع الحلق في الجوامع وكتب كتابا في ذلك واجتمع له الناس يوم الجمعة بناء على أن الخطيب يقرؤه فما قرىء وكان من إنشاء الوزير عبيد الله وهو طويل فيه

مصايب ومعايب فقال القاضي يوسف بن يعقوب يا أمير المؤمنين أخاف الفتنة عند سماعه فقال إن تحركت العامة وضعت فيهم السيف قال فما تصنع بالعلوية الذين هم في كل ناحية قد خرجوا عليك وإذا سمع الناس هذا من فضائل أهل البيت مالوا إليهم وصاروا بسط السنة فأمسك المعتضد انتهى
وفيها توفي محدث نيسابور ومفيدها أبو عمرو أحمد بن المبارك المستملي الحافظ سمع قتيبة وطبقته وكان مع سعة روايته راهب عصره مجاب الدعوة
وفيها أبو يعقوب إسحاق بن الحر الحربي سمع أبا نعيم والقعنبي وكان ثقة صاحب حديث
وفيها أبو عبادة الوليد بن عبيد الطائي المنبجي البحتري أمير شعراء العصر وحامل لواء القريض أخذ عن أبي تمام الطائي قال المبرد أنشدنا شاعر دهره ونسيج وحده أبو عبادة البحتري قال ابن الأهدل نسبة إلى بحتر جد من أجداده واسمه الوليد بن عبيد أخذ عن أبي تمام الطائي ومدح المتوكل ومن بعده وكان أقام ببغداد دهرا ثم رجع إلى الشام وعرض أول شعره على أبي تمام وهو بحمص فقال له أنت أشعر من أنشدني وكتب له بذلك فعظم وبجل وروى عنه قال لما سمع أبو تمام شعري أقبل على تقريظي والتقريض بالظاء والضاد مدح الإنسان في حياته بحق أو باطل وعنه قال لما أنشدت أبا تمام أنشد بيت أوس بن حجر بفتح الحاء والجيم
( إذا مقرم منا ذرا حد نابه ** تخمط فينا ناب آخر مقرم )
وقال نعيت إلى نفسي فقلت أعيذك بالله فقال إن عمري ليس بطويل وقد نشأ لطيء مثلك فمات أبو تمام بعد هذا بسنة وقال لغلامه مرة وهو مريضا اصنع لي مزورة وعنده بعض الرؤساء جاء عائدا له فقال ذلك الرئيس عندي طباخ من صفته كذا وكذا ونسى الرئيس أمرها فكتب إليه البحتري
( وجدت وعدك زورا في مزورة ** حلفت مجتهدا إحكام طاهيها )


( فلا شفى الله من يرجو الشفاء بها ** ولا علت كف ملق كفه فيها )
( فاحبس رسولك عني أن يجيء بها ** فقد حبست رسولا عن تقاضيها ) وله بيتان في هجو رجل اسمه شهاب وفي فهم معنيهما عسروهما
( قد كنت أعهد أن الشهب ثاقبة ** فقد رأينا شهابا وهو مثقوب )
( في كفه الدهر أم في ظهره قلم ** فنصفه كاتب والنصف مكتوب )
وأخباره كثيرة وكان شعره غير مرتب فرتبه أبو بكر الصولي على الحروف ثم جمعه على بن حمزة الأصبهاني على الأنواع مثل حماسة أبي تمام وسئل أبو العلاء المعري عنه وعن أبي تمام والمتنبي فقال هما حكيمان والشاعر البحتري انتهى وقال ابن خلكان قال البحتري أنشدت أبا تمام شعرا لي في بعض بني حميد وصرت به إلى مال له خطر فقال لي أحسنت أنت أمير الشعراء من بعدي فكان قوله هذا أحب إلى من جميع ما حويته وقال ميمون ابن مهران رأيت أبا جعفر أحمد بن يحيى بن جابر بن داود البلاذري المؤرخ وحاله متماسكة فسألته فقال كنت من جلساء المستعين فقصده الشعراء فقال لست أقبل الأمن قال مثل قول البحتري في المتوكل
( فلو أن مشتاقا تكلف فوق ما ** في وسعه لمشى إليك المنبر )
فرحت إلى داري وأتيته وقلت قد قلت فيك أحسن مما قاله البحتري فقال هاته فأنشدته
( ولو أن برد المصطفى إذ لبسته ** يظن لظن البرد أنك صاحبه )
( وقال وقد أعطيته وكسيته ** نعم هذه أعطافه ومناكبه ) فقال ارجع إلى منزلك وافعل ما آمرك به فرجعت فبعث لي سبعة آلاف دينار وقال ادخر هذه للحوادث من بعدي ولك على الجراية والكفاية ما دمت حيا ومن أخبار البحتري أنه كان له غلام اسمه نسيم فباعه فاشتراه أبو الفضل الحسن بن وهب الكاتب ثم إن البحتري ندم على بيعه وتتبعته

نفسه فكان يعمل فيه الشعر ويذكر فيه أنه خدع وأن بيعه له لم يكن عن مراده فمن ذلك قوله
( أنسيم هل للدهر وعد صادق ** فيما يؤمله المحب الوامق )
( مالي فقدتك في المنام ولم تزل ** عون المشوق إذا جفاه الشائق )
( اليوم جاز بي الهوى مقداره ** في أهله وعلمت أني عاشق )
( فليهنأ الحسن بن وهب إنه ** يلقى أحبته ونحن نفارق ) وكان البحتري كثيرا ما ينشد لبعض الشعراء ويعجبه قوله
( حمام الأراك ألا فاخبرينا ** لمن تندبين ومن تعولينا )
( فقد شقت بالنوح منا القلو ** ب وأبكيت بالندب منا العيونا )
( تعالى نقم مأتما للهموم ** ونعول إخواننا الظاعنينا )
( ونسعد كن وتسعدننا ** فإن الحزين يوافى الحزينا ) وأخباره ومحاسنه كثيرة فلا حاجة إلى الإطالة وكانت ولادته سنة ست أو سبع وقيل خمس وقيل اثنتين وقيل إحدى ومائتين والأول أصح وتوفي سنة أربع وقيل خمس وقيل ثلاث وثمانين ومائتين والأول أصح انتهى ما ذكره ابن خلكان ملخصا
وفيها والصحيح أنه في التي قبلها كما جزم بها ابن الأهدل وقدمه ابن خلكان فقال توفي يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من جمادى الأولى سنة ثلاث وثمانين وقيل ست وسبعين ومائتين أبو الحسن علي بن العباس بن جريج وقيل ابن جرجيس المعروف بابن الرومي مولى عبد الله بن عيسى بن جعفر المنصور صاحب النظم العجيب والتوليد الغريب يغوص على المعاني النادرة فيستخرجها من مكامنها ويبرزها في أحسن صورة ولا يترك المعنى حتى يستوفيه إلى آخره ولا يبقى فيه بقية وكان شعره غير مرتب ثم رتبه أبو بكر الصولي على الحروف وله القصائد المطولة والمقاطيع البديعة وله في الهجاء كل شيء ظريف وكذلك

في المديح فمن ذلك قوله
( المنعمون وما منوا على أحد ** يوم العطاء ولو منوا لما مانوا )
كم ضن بالمال أقوام وعندهم ** وفر وأعطى العطايا وهو يدان ) وله وقال ما سبقني أحد إلى هذا المعنى
( آراؤكم ووجوهكم وسيوفكم ** في الحادثات إذا دجون نجوم )
( منها معالم للهدى ومصابح ** تجلوا الدجى والأخريات رجوم ) ومن معانيه البديعة قوله
( وإذا امرؤ مدح امرأ لنواله ** وأطال فيه فقد أراد هجاءه )
( لو لم يقدر فيه بعد المستقى ** عند الورود لما أطال رشاءه ) وقال في بغداد وقد غاب عنها في بعض أسفاره
( بلد صحبت بها الشبيبة والصبا ** ولبست ثوب العز وهو جديد )
( وإذا تمثل في الضمير رأيته ** وعليه أغصان الشباب تميد ) وكان سبب موته أن الوزير أبا الحسن بن عبد الله وزير المعتضد كان يخاف من هجوه وفلتات لسانه فدس عليه مأكلا مسموما في مجلسه فلما أحس بالسم قام فقال له الوزير أين تذهب قال إلى الموضع الذي بعثتني إليه فقال سلم على والدي فقال ما طريقي على النار وخرج إلى منزله فأقام أياما ومات وكان الطبيب يتردد إليه ويعالجه بالأدوية النافعة للسم فزعم أنه غلط في بعض العقاقير قال نفطويه رأيت ابن الرومي يجود بنفسه فقلت ما حالك فأنشد
( غلط الطبيب على غلطة مورد ** عجزت موارده عن الإصدار )
( والناس يلحون الطبيب وإنما ** غلط الطبيب إصابة المقدار )
وقال أبو عثمان الناجمة الشاعر دخلت على ابن الرومي أعوده فوجدته يجود بنفسه فلما قمت من عنده قال لي منشدا


( أبا عثمان أنت حميد قومك ** وجودك في العشيرة دون نومك )
( تزود من أخيك فما تراه ** يراك ولا تراه بعد يومك ) وبالجملة فمحاسنه كثيرة وله في الطيرة أشياء معروفة فلا نطيل بذلك والله أعلم

سنة خمس وثمانين ومائتين

فيها على ما قال في الشذور ارتفعت ريح صفراء بنواحي الكوفة ثم استحالت سوداء وارتفعت ريح البصرة كذلك ومطر وبرد في الواحدة مائة وخمسون درهما انتهى
وفيها وثب صالح بن مدرك الطائي في طيء فانتبهوا الركب العراقي وبدعوا وسبوا النسوان وذهب للناس ما قيمته ألف ألف دينار قاله في العبر
وفيها توفي الإمام الحبر إبراهيم بن إسحاق بن بشير أبو إسحاق الحربي الحافظ أحد أركان الدين والأئمة الأعلام ببغداد في ذي الحجة وله سبع وثمانون سنة سمع أبا نعيم وعفان وطبقتهما وتفقه على الإمام أحمد وبرع في العلم والعمل وصنف التصانيف الكثيرة وكان يشبه بأحمد بن حنبل في وقته قال المرداوي في الإنصاف كان إماما في جميع العلوم متقنا مصنفا محتسبا عابدا زاهدا نقل عن الإمام أحمد مسائل كثيرة جدا حسانا جيادا انتهى
وفيها إسحاق بن إبراهيم الدبري المحدث راوية عبد الرزاق بصنعاء عن سن عالية اعتنى به أبوه وأسمعه الكتب من عبد الرزاق في سنة عشر ومائتين وكان صدوقا
وفيها أبو العباس المبرد محمد بن يزيد الأزدي البصري إمام أهل النحو في زمانه وصاحب المصنفات أخذ عن أبي عثمان المازني وأبي حاتم السجستاني وتصدر للاشتغال ببغداد وكان وسيما مليح الصورة فصيخا مفوها أخباريا علامة ثقة توفي في آخر السنة قاله في العبر وقال ابن

خلكان كان إماما في النحو واللغة وله التآليف النافعة في الأدب منها كتاب الكامل ومنها الروضة والمقتضب وغير ذلك أخذ الأدب عن أبي عثمان المازني وأبي حاتم السجستاني وأخذ عنه نفطويه وغيره من الأئمة وكان المبرد المذكور وأبو العباس أحمد بن يحيى الملقب بثعلب صاحب كتاب الفصيح عالمين متعاصرين قد ختم بهما تاريخ الأدباء وفيهما يقول بعض أهل عصرهما من جملة أبيات وهو أبو بكر بن الأزهر
( أبا طالب العلم لا تجهلن ** وعذ بالمبرد أو ثعلب )
( تجد عند هذين علم الورى ** فلا تك كالجمل الأجرب )
( علوم الخلائق مقرونة ** بهذين في الشرق والمغرب )
وكان المبرد يحب الإجتماع في المناظرة بثعلب والإستنكار منه وثعلب يكره ذلك ويمتنع منه حكى جعفربن أحمد بن حمدان الفقيه الموصلي وكان صديقهما قال قلت لأبي عبد الله الدينوري ختن ثعلب لم يأبى ثعلب الاجتماع بالمبرد فقال لأن المبرد حسن العبارة حلو الإشارة فصيح اللسان ظاهر البيان وثعلب مذهبه مذهب المعلمين فإذا اجتمعا في محفل حكم للمبرد على الظاهر إلى أن يعرف الباطن انتهى ملخصا

سنة ست وثمانين ومائتين

فيها التقى إسماعيل بن أحمد بن أسد الأمير وعمرو بن الليث الصفار بما وراء النهر فانهزم أصحاب عمرو وكانوا قد ضجروا منه ومن ظلم خراجه ولا سيما أهل بلخ فإنهم نالهم بلاء شديد من الجند فانهزم عمرو إلى بلخ فوجدها مغلوقة ففتحوا له والجماعة يسيرة ثم وثبوا عليه وقيدوه وحملوه إلى إسماعيل أمير ما وراء النهر فلما أدخل إليه قام له واعتنقه وتأدب فإنه كان في أمراء عمرو وغير واحد مثل إسماعيل وأكبر وبلغ ذلك المعتضد ففرح وخلع على إسماعيل خلع

السلطنة وقلده خراسان وما وراء النهر وغير ذلك وأرسل إليه يلح عليه في إرسال عمرو بن الليث فدافع فلم ينفع فبعثه وأدخل بغداد على جمل بعد أن كان يركب في مائة ألف وسجن ثم خنق وقت موت المعتضد
وفيها ظهر بالبحرين أبو سعيد الجنابي القرمطي وقويت شوكته وانضم إليه جمع من الأعراب فعاث وأفسد وقصد البصرة فحصنها المعتضد وكان أبو سعيد كيالا بالبصرة وجنابة من قرى الأهواز قال الصولي كان أبو سعيد فقيرا يرفو غربال الدقيق فخرج إلى البحرين وانضم إليه طائفة من بقايا الزنج واللصوص حتى تفاقم أمره وهزم جيوش الخليفة مرات وقال غيره ذبح أبو سعيد الجنابي في حمام بقصره وخلفه ابنه أبو طاهر الجنابي القرمطي الذي أخذ الحجر الأسود
وفيها توفي أحمد بن سلمة النيسابوري الحافظ أبو الفضل رفيق مسلم في الرحلة إلى قتيبة قال ابن ناصر الدين أحمد بن سلمة البزار أبو الفضل النيسابوري كان حافظا من المهرة له صحيح كصحيح مسلم انتهى
وفيها الزاهد الكبير أحمد بن عيسى أبو سعيد الخراز شيخ الصوفية وهو أول من تكلم في علم الفناء والبقاء قال الجنيد لو طالبنا الله بحقيقة ما عليه أبو سعيد الخراز لهلكنا وعن أبي سعيد قال رأيت إبليس في المنام وهو عني ناحية فناديته فقال أي شيء أعمل بكم وأنتم طرحتم ما أخادع الناس به غير أن لي فيكم لطيفة وهي صحبة الأحداث وقال السلمي في التاريخ أبو سعيد إمام القوم في كل فن من علومهم بغدادي الأصل له في مبادئ أمره عجائب وكرامات مشهورة ظهرت بركته عليه وعلى من صحبه وهو أحسن القوم كلاما ما خلا الجنيد فإنه الإمام ومن كلامه كل باطن يخالفه ظاهر فهو باطن وقال الاشتغال بوقت ماض تضييع وقت ثان وقال السخاوي في طبقاته قال أبو سعيد إن الله عز وجل عجل لأرواح أوليائه التلذذ بذكره والوصول إلى قربه وعجل

لأبدانهم النعمة بما نالوه من مصالحهم وأخذ لهم نصيبهم من كل كائن فعيش أبدانهم عيش الجنانيين وعيش أرواحهم عيش الربانيين لهم لسانان لسان في الباطن يعرفهم صنع الصانع في المصنوع ولسان في الظاهر يعلمهم علم الخالق في المخلوق وقال مثل النفس كمثل ماء واقف طاهر صاف فإن حركته ظهر ما تحته من الحمأة وكذلك النفس يظهر عند المحن والفاقة والمخالفة ما فيها ومن لم يعرف ما في نفسه كيف يعرف ربه وقال في معنى حديث جبلت القلوب على حب من أحسن إليها واعجبا ممن لا يرى محسنا إليه غير الله كيف لا يميل بكليته إليه قال ابن كثير وهذا الحديث ليس بصحيح لكن كلامه عليه من أحسن ما يكون انتهى
وفيها عبد الرحيم بن عبد الله بن عبد الرحيم بن البرقي مولى الزهريين روى عن السيرة عن ابن هشام وكان ثقة وهو أخو المحدثين أحمد ومحمد
وفيها علي بن عبد العزيز أبو الحسن البغوي المحدث بمكة وقد جاوز التسعين سمع أبا نعيم وطبقته وهو عم البغوي عبد الله بن محمد وكان فقيها مجاورا في الحرم وشيخه ثقة ثبتا
وفيها بل في التي قبلها كما جزم به ابن ناصر الدين حيث قال في منظومته
( كذا فتى سوادة السلامي ** هلاكه رزية في العام )
وقال في شرحها هو عبد الله بن أحمد بن سوادة الهاشمي مولاهم البغدادي أبو طالب كان صدوقا من المكثرين انتهى ثم قال في المنظومة
( وبعده ثلاثة فجازوا ** ذا أحمد بن سلمة البزاز ) وتقدم الكلام عليه
( كذا الفتى محمد بن سندي ** كالخشني القرطبي عد )
وقال في شرحها محمد بن محمد بن رجاء بن السندي الاسفرايني أبو بكر وكان

حافظا ثبتا تقوم به الحجة والإحتجاج وله مستخرج على صحيح مسلم بن الحجاج والثاني هو محمد بن عبد السلام بن ثعلبة القرطبي أبو الحسن ثقة انتهى
وفيها محمد بن وضاح الحافظ الإمام أبو عبد الله الأندلسي محدث قرطبة وهو في عشر التسعين رحل مرتين إلى المشرق وسمع إسمعيل بن أويس وسعيد ابن منصور والكبار وكان فقيرا زاهدا قانتا لله بصيرا بعلل الحديث
وفيها الكديمي وهو أبو العباس محمد بن يونس القرشي السامي الحافظ في جمادى الآخرة وقد جاوز المائة بيسير روى عن أبي داود الطيالسي وزوج أمه روح بن عبادة وطبقتهما وله مناكير ضعف بها قال في المغني هالك قال ابن حبان وغيره كان يضع الحديث على الثقات انتهى وقال ابن ناصر الدين كان من الحفاظ الأعلام غير أنه أحد المتروكين وثقة إسمعيل الخطبي وكأنه خفى عليه أمره انتهى

سنة سبع وثمانين ومائتين

في المحرم قصدت طى ركب العراق لتأخذه كعام أول بالمعدن وكانوا في ثلاثة آلاف وكان أمير الحاج أبو الأغر فواقعهم يوما وليلة والتحم القتال وجدلت الأبطال ثم أيد الله الوفد وقتل رئيس طى صالح بن مدرك وجماعة من أشراف قومه وأسر خلق وانهزم الباقون ثم دخل الركب بالأسرى والرءوس على الرماح
وفيها سار العباس الغنوى في عسكر فالتقى أبا سعيد الجنابي فأسر العباس وانهزم عسكره وقيل بل أسر سائر العسكر وضربت رقابهم وأطلق العباس فجاء وحده إلى المعتضد برسالة الجنابي أن كف عنا واحفظ حرمتك

قال ابن الجوزي في الشذور ومن العجائب أن المعتضد بعث العباس بن عمر الغنوى في عشرة آلاف إلى حرب القرامطة فقبض عليهم القرامطة فنجا العباس وحده وقتل الباقون
وفيها غزا المعتضد وقصد طرسوس ورد إلى أنطاكية وحلب
وفيها سار الأمير بدر فبيت القرامطة وقتل منهم مقتلة عظيمة
وفيها وفي الإمام أبو بكر أحمد بن عمرو بن أبي عاصم النبيل الشيباني البصري الحافظ قاضي أصبهان وصاحب المصنفات وهو في عشر التسعين في ربيع الآخر سمع من جده لأمه موسى بن إسمعيل وأبى الوليد الطيالسي وطبقتهما وكان إماما فقيها ظاهريا صالحا ورعا كبير القدر صاحب مناقب قال السخاوي في طبقاته أحمد بن عمرو بن أبي عاصم النبيل ورد أصبهان وسكنها وولى القضاء بعد وفاة صالح بن أ حمد بن حنبل وكان من الصيانة والعفة بمحل عجيب رؤى في النوم بعد موته بقليل فقيل له ما فعل الله بك قال يؤنسني ربي قال الرائي فشهقت شهقة وانتبهت وقال ذهبت كتبي فأمليت من ظهر قلبي خمسين ألف حديث وقيل له أيها القاضي بلغنا أن ثلاثة نفر كانوا بالبادية وهم يلقمون الرمل فقال واحد من القوم أنك قادر على أن تطعمنا خبيصا على لون هذا الرمل فأذاهم بأعرابي وبيده طبق فسلم عليهم ووضع بين أيديهم طبقا عليه خبيص حار فقال ابن أبي عاصم قد كان ذاك وكان الثلاثة عثمان بن صخر الزاهد استاذ أبي تراب النخشبي وأبو تراب وأحمد بن عمرو وأي صاحب الترجمة وهو الذي دعا وقال بو موسى المديني جمع بين العلم والفهم والحفظ والزهد والعبادة والفقه من أهل البصرة قدم أصبهان وصحب جماعة من النساك منهم أبو تراب النخشبي وسافر معه وقد عمر وكان فقيها ظاهري المذهب وصنف في الرد على داود الظاهري وكان بعد ما دخل في القضاء إذا سئل عن مسئلة

الصوفية يقول القضاء والدنية والكلام في علم الصوفية مجال وكان يقول لا أحب أن يحضر مجلسي مبتدع ولا مدع ولا طعان ولا لعان ولا فاحش ولا بذيء ولا منحرف عن الشافعي وأصحاب الحديث رحمه الله تعالى
وفيها زكريا بن يحيى السجزي الحافظ أبو عبد الرحمن خياط السنة بدمشق وقد نيف على التسعين روى عن شيبان بن فروخ وطبقته وكان من علماء الأثر ثقة قيل توفي في سنة تسع وثمانين وبه جزم ابن ناصر الدين
وفيها يحيى بن منصور أبو سعيد الهروي الحافظ شيخ هراة ومحدثها وزاهدها في شعبان وقيل توفي سنة اثنتين وتسعين
وفي رجها قطر الندى بنت الملك خمارويه بن أحمد بن طولون زوجة المعتضد وكانت شابة بديعة الحسن عاقلة رحمها الله تعالى

سنة ثمان وثمانين ومائتين

فيها ظهر أبو عبد الله الشيعي بالمغرب فدعا العامة إلى الإمام المهدي عبيد الله فاستجابوا له
وفيها كان الوباء المفرط بأذربيجان حتى فقدت الأكفان وكفنوا باللبود ثم بقي الموتى مطروحين في الطرق
ومات أمير أذربيجان محمد بن أبي الساج وسبعمائة من خواصه وأقربائه
وفيها بشر بن موسى الأسدي بن صالح بن شيخ بن عميرة البغدادي في ربيع الأول ببغداد روى عن هوذة بن خليفة والأصمعي وسمع من روح بن عبادة حديثا واحدا وكان ثقة محتشما كثير الرواية عاش ثمانيا وتسعين سنة
وفيها ثابت بن قرة بن هارون ويقال ابن هارون الحاسب الحكيم الحراني كان في مبدأ أمره بحران ثم انتقل إلى بغداد فاشتغل بعلوم الأوائل فمهر

فيها وبرع في الطب وكان الغالب عليه الفلسفة حتى قال ابن خلكان كان صابئي النحلة وله تآليف كثيرة في فنون من العلم مقدار عشرين تأليفا منها تاريخ حسن وأحد كتاب اقليدوس فهذبه ونقحه وأوضح منه ما كان مشتبها وكان من أعيان أهل عصره في الفضائل وجرى بينه وبين أهل مذهبه أشياء أنكروها عليه في المذهب فرفعوه إلى رئيسهم فأنكر عليه مقالته ومنعه من دخول الهيكل فناب ورجع عن ذلك ثم عاد بعد مدة إلى تلك المقالة فمنعوه من الدخول إلى المجمع فخرج من حران ونزل كفر توثا قرية كبيرة بالجزيرة الفراتية وأقام بها مدة إلى أن قدم محمد بن موسى من بلاد الروم راجعا إلى بغداد فاجتمع به فرآه فاضلا فصيحا فاستصحبه إلى بغداد وأنزله في داره ووصله بالخليفة فأدخله في جملة المنجمين فسكن بغداد وأولد أولادا منهم ولده
إبراهيم بن ثابت بلغ رتبة أبيه في الفضل وكان من حذاق الأطباء ومقدم أهل زمانه في صناعة الطب وعالج مرة السري الرفاء الشاعر فأصاب العافية فعمل فيه وهو أحسن ما قيل في طبيب
( هل للعليل سوى ابن قرة شاف ** بعد الإله وهل له من كاف )
( أحيا لنا رسم الفلاسفة الذي ** أودى وأوضح رسم طب عاف )
( فكأنه عيسى بن مريم ناطقا ** يهب الحياة بأيسر الأوصاف )
( مثلث له قارورتي فرأى بها ** ما اكتن بين جوانحي وشفافي )
( يبدو له الداء الخفي كما بدا ** للعين رضراض الغدير الصافي )
ومن حفدة ثابت المذكور أبو الحسن ثابت بن سنان بن قرة وكان صائبي النحلة أيضا وكان في أيام معز الدولة بن بويه وكان طبيبا عالما نبيلا يقرأ عليه كتاب بقراط وجالينوس وكان فكاكا للمعاني وكان سلك مسلك جده ثابت في نظره في الطب والفلسفة والهندسة وجميع الصناعات الرياضية

للقدماء وله تصنيف في التاريخ أحسن فيه
فائدة الحراني نسبة إلى حران وهي مدينة مشهورة بالجزيرة خرج منها علماء أجلاء منهم بنو تيمية وغيرهم ذكر ابن جرير الطبري في تاريخه إن هاران عم إبراهيم الخليل وأبو زوجته سارة هو الذي عمرها فسميت به ثم عربت به فقيل حران وكان لإبراهيم صلى الله عليه وعلى نبينا وبقية الأنبياء وسلم أخ يسمى بهاران أيضا وهو والد لوط عليه السلام وقال في الصحاح وحران اسم بلد والنسبة إليه حرنائي على غير قياس والقياس حراني على ما عليه العامة انتهى
وفيها أي سنة ثمان وثمانين توفي مفتي بغداد الفقيه عثمان بن سعيد بن بشار أبو القسم البغدادي الأنماطي صاحب المزني في شوال وهو الذي نشر مذهب الشافعي ببغداد وعليه تفقه ابن سريج قاله في العبر وقال الأسنوي والأنماطي منسوب إلى الأنماط وهي البسط التي تفرش أخذ الفقه عن المزني والربيع وأخذ عنه ابن سريج قال الشيخ أبو إسحاق كان الأنماطي هو السبب في نشاط الناس للأخذ بمذهب الشافعي في تلك البلاد قال ومات ببغداد سنة ثمان وثمانين ومائتين زاد ابن الصلاح في طبقاته وابن خلكان في تاريخه أنه في شوال نقل عنه الرافعي في الحيض وفي زكاة الغنم وغيرهما انتهى ما قاله الأسنوي
وفيها معلى بن المثنى بن معاذ العنبري البصري المحدث روى عن القعنبي وطبقته وسكن بغداد وكان ثقة عارفا بالحديث
وفيها الفقيه العلامة أبو عمر يوسف بن يحيى المغامي الأندلسي تلميذ عبد الملك بن حبيب وصاحب التصانيف ألف كتابا في الرد على الشافعي واستوطن القيروان وتفقه به خلق كثير قاله في العبر

سنة تسع وثمانين ومائتين

قال في الشذور فيها صلى الناس العصر يوم عرفة ببغداد في ثياب الصيف ثم هبت ريح فبرد الهواء حتى احتاجوا إلى التدفي بالنار وجمد الماء انتهى
وفيها خرج بالشام يحيى بن زكرويه القرمطي وقصد دمشق فحاربه طغج ابن جف متوليها غير مرة إلى أن قتل يحيى في أول سنة تسعين
وفيها توفي المعتضد أبو العباس أحمد بن الموفق ولي عهد المسلمين أبي أحمد طلحة بن المتوكل بن جعفر بن المعتصم العباسي في ربيع الآخر ومرض أياما وكانت خلافته أقل من عشر سنين وعاش ستا وأربعين سنة وكان أسمر نحيفا معتدل الخلق تغير مزاجه من إفراط الجماع وعدم الحمية في مرضه وكان شجاعا مهيبا حازما فيه تشيع ويسمى السفاح الصغير لأنه قتل أعداء بني العباس من مواليهم وغيرهم وكان قد حلب الدهر أشطريه وتأدب بصروف الزمان وكان من أكمل الخلفاء المتأخرين وولي الأمر بعده ولده المكتفي علي بن أحمد المعتضد قال ابن الفرات كان المعتضد بالله من أكمل الناس عقلا وأعلاهم همة مقداما عالما سخيا وضع عن الناس السقاية وأسقط المكوس التي كانت تأخذ بالحرمين وضبط الأمر وكانت الخلافة قد وهى أمرها وضعف فأعزها الله تعالى بالمعتضد وأيدها بتدبيره وسياسته فكان يقال له السفاح الثاني وكانت أم المعتضد أم ولد تسمى صرار وكان له خادم يقال له بدر من أغزر الناس مروءة وأظرفهم وأحسنهم أدبا وكان المعتضد يحبه حبا شديدا قال أبو الحسن علي بن محمد الأنطاكي كنت يوما بين يدي المعتضد وهو مغضب إذ دخل عليه خادمه بدر فلما رآه تبسم وقال لي يا علي من هو قائل
( في وجهه شافع يمحو إساءته ** من القلوب وجيها أينما شفعا )

قلت بقوله الحسن بن أبي القاسم البصري فقال لله دره أنشدني بقية هذا الشعر فأنشدته قوله
( ويلي على من أطار النوم فامتنعا ** وزاد قلبي إلى أوجاعه وجعا )
( كأنما الشمس من أعطافه لمعت ** يوما أو البدر من أزراره طلعا )
( مستقبل بالذي يهوى وإن كثرت ** منه الذنوب ومعذور بما صنعا )
في وجهه شافع البيت قال فلما فرغت من إنشاده أجازني وانصرفت قال ابن حمدون كنت مع المعتضد يوما وقد انفرد من العسكر العسكر وتوسطنا الصحراء إذ خرج علينا أسد وقرب منا وقصدنا فقال لي يا ابن حمدون فيك خير قلت لا والله يا سيدي قال ولا تلزم لي فرسي قلت بلى فنزل عن فرسه ولزمتها وتقدم إلى الأسد وأنا أنظره وجذب سيفه فوثب الأسد عليه ليلطمه فتلقاه بضربة وقعت في جبهته فقسمها نصفين ثم وثب الأسد ثانية وثبة ضعيفة فتلقاه بضربة أخرى وقعت أبان بها يده ثم وثب المعتضد عليه فركبه ورمى السيف من يده وأخرج سكينا كانت في وسطه فذبحه من قفاه ثم قام وهو يمسح السكين والسيف بشعر الأسد وعاد ركب فرسه وقال إياك أن تخبر بهذا أحدا فإنما قتلت كلبا قال بابن حمدون فما حدثت بهذا إلا بعد موت المعتضد وكان الثوب يقيم عليه السنة والأقل والأكثر لا ينزعه عن بدنه لكثرة اشتغاله بأمور الرعية ومات في يوم الجمعة تاسع عشر شهر ربيع الآخر وقيل مات ليلة الاثنين لسبع بقين من شهر ربيع الآخر ولما حضرته الوفاة أنشد
( تمتع من الدنيا فإنك لا تبقى ** وخذ صفوها ما إن صفت ودع الرقا )
( ولا تأمنن الدهر إني أمنته ** فلم يبق لي حالا ولم يرع لي حقا )
( قتلت صناديد الرجال ولم أدع ** عدوا ولم أمهل على ظنة خلقا )


( وأخليت دار الملك من كل نازع ** فشردتهم غربا وشردتهم شرقا )
( فلما بلغت النجم عزا ورفعة ** وصارت رقاب الخلق لي أجمعا رقا )
( رماني الردى سهما فأخمد جمرتي ** فها أنا ذا في حفرتي عاجلا ألقى )
( ولم يغن عني ما جمعت ولم أجد ** لدى ملك الأحياء في حيها رفقا )
( فيا ليت شعري بعد موتي ما أرى ** أفي نعمة لله أم ناره ألقى )
ويقال إن إسماعيل بن بلبل وزير المعتضد سقاه سما فمات ودفن ببغداد انتهى ما ذكره ابن الفرات ملخصا
وفيها توفي بدر التركي مولى المعتضد ومقدم جيوشه عمل الوزير القسم بن عبيد الله عليه ووحش قلب المكتفي بالله عليه وكان في جهة فارس يحارب فطلبه المكتفى وبعث إليه أمانا وغدر به وقتله في رمضان
وفيها بكر بن سهل الدمياطي المحدث في ربيع الأول سمع عبد الله بن يوسف التنيسي وطائفة ولما قدم القدس جمعوا له ألف دينار حتى روى لهم التفسير
وفيها حسين بن محمد أبو علي القباني النيسابوري الحافظ صاحب المسند والتاريخ سمع إسحاق بن راهويه وخلقا من طبقته وكان أحد أركان الحديث واسع الرحلة كثير السماع يجتمع أصحاب الحديث إليه بنيسابور بعد مسلم
وفيها الحسين بن محمد بن فهم أبو علي البغدادي الحافظ أحد أئمة الحديث أخذ عن يحيى بن معين وروى الطبقات عن ابن سعد قال ابن ناصر الدين
الحسين بن محمد بن عبد الرحمن بن فهم بن محرز البغدادي أبو علي الحافظ الكبير كان واسع الحفظ متقنا للأخبار عالما بالرجال والنسب والأشعار لكنه ليس بالقوي في سيره عند الدارقطني وغيره انتهى
وفيها علي بن عبد الصمد الطيالسي ولقبه علان روى عن أبي معمر الهذلي وطبقته
وفيها عمرو بن الليث الصفار الذي كان ملك خراسان قتل في الحبس عند

موت المعتضد لأنه كان له إياد علي المكتفي بالله فخاف الوزير أن يخرجه ويتمكن فينتقم من الوزير
وفيها محمد بن محمد أبو جعفر التمار البصري صاحب أبي الوليد الطيالسي
وفيها محمد بن هشام بن الدميك أبو جعفر الحافظ صاحب سليمان بن حرب ببغداد وهو والذي قبله من أكابر مشايخ الطبراني
وفيها يحيى بن أيوب العلاف المصري من كبار شيوخ الطبراني أيضا وصاحب سعيد بن أبي مريم
وفيها يوسف بن يزيد بن كامل أبو يزيد القراطيسي المصري صاحب أسد السنة وهو أيضا من كبار شيوخ الطبراني والله أعلم

سنة تسعين ومائتين

فيها زاد أمر القرامطة وحاصر رئيسهم دمشق ورئيسهم يحيى بن زكرويه وكان زكرويه هذا يدعى أنه من أولاد علي رضي الله عنه ويكتب إلى أصحابه من عبيد الله بن عبد الله المهدي المنصور بالله الناصر لدين الله القائم بأمر الله الحاكم بحكم الله الداعي إلى كتاب الله الذاب عن حريم الله المختار من ولد رسول الله فقتل وخلفه أخوه الحسين صاحب الشامة فجهز المكتفي عشرة آلاف لحربهم عليهم الأمير أبو الأغر فلما قاربوا حلب كبستهم القرامطة ليلا ووضعوا فيهم السيف فهرب أبو الأغر في ألف نفس ودخل حلب وقتل تسعة آلاف ووصل المكتفي إلى الرقة وجهز الجيوش إلى أبي الأغر وجاءت من مصر العساكر الطولونية مع بدر الحمامي فهزموا القرامطة وقتلوا منهم خلقا وقيل بل كانت الوقعة بين القرامطة والمصريين بأرض مصر وأن القرمطي صاحب الشامة انهزم إلى الشام ومر على الرحبة وهيت ينهب ويسبي

الحريم حتى دخل الأهواز
وفيها دخل عبيد الله الملقب بالمهدي المغرب متنكرا والطلب عليه من كل وجه فقبض عليه متولي سجلماسة وعلى ابنه فحاربه أبو عبد الله الشيعي داعي المهدي فهزمه ومزق جيوشه وجرت بالمغرب أمور هائلة واستولى على المغرب المهدي المنتسب إلى الحسين بن علي أيضا بكذبه وكان باطني الإعتقاد وهو الذي بني المهدية والباطنية فرقة من المبتدعة قالوا لظواهر القرآن بواطن مرادة غير ما عرف من معانيها اللغوية
وفيها الحافظ أبو عبد الرحمن عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل الذهلي الشيباني ببغداد في جمادى الآخرة وله سبع وسبعون سنة كأبيه وكان إماما خبيرا بالحديث وعالمه مقدما فيه وكان من أروى الناس عن أبيه وقد سمع من صغار شيوخ أبيه وهو الذي رتب مسند والده وروى عنه أبو القسم البغوي والمحاملي وأبو بكر الخلال وغيرهم وكان ثبتا فهما ثقة ولد في جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة ومائتين يقال إن والده حفظه خمسة عشر ألف حديث عن ظهر قلب ثم قال له لم يقل النبي صلى الله عليه وسلم شيئا من هذا فقال ولم أذهبت أيامي في حفظ الكذب قال لتعلم الصحيح فمن الآن احفظ الصحيح وروى عبد الله عن أبيه أنه قال قد روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال نسمة المؤمن إذا مات طير تعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه وذكر أبو يعلى في المعتمد قال روى عبد الله عن أبيه قال أرواح الكفار في النار وأرواح المؤمنين في الجنة والأبدان في الدنيا يعذب الله من يشاء ويرحم من يشاء ولا نقول إنهما تفنيان بل هما على علم الله عز وجل باقيتان قال القاضي أبو يعلى وظاهر هذا أن الأرواح تنعم وتعذب على الإنفراد وكذلك الأبدان وقال عبد الله كان في دهليزنا دكان وكان إذا جاء

إنسان يريد أبى أن يخلو معه أجلسه على الدكان وإذا لم يرد أن يخلو معه أخذ بعضادتي الباب وكلمه فلما كان ذات يوم جاء إنسان فقال لي قل لأحمد أبو إبراهيم السائح فخرج إليه أبي فجلسا على الدكان فقال لي أبى سلم عليه فإنه من كبار المسلمين أو من خيار المسلمين فسلمت عليه فقال له أبي حدثني يا أبا إبراهيم فقال له خرجت إلى الموضع الفلاني بقرب الدير الفلاني فأصابتني علة منعتني من الحركة فقلت في نفسي لو كنت بقرب الدير الفلاني لعل من فيه من الرهبان يداووني فإذا أنا بسبع عظيم يقصد نحوى حتى جاءني فاحتملني على ظهره حملا رفيقا حتى ألقاني عند الدير فنظر الرهبان إلى حالى مع السبع فأسلموا كلهم وهم أربعمائة راهب ثم قال أبو إبراهيم لأبي حدثني يا أبا عبد الله فقال له أبي كنت قبل الحج بخمس ليال أو أربع ليال فبينا أنا نائم إذ رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي يا أحمد حج فانتبهت ثم أخذني النوم فإذا أنا بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال لي يا أحمد حج فانتبهت وكان من شأني إذا أردت سفرا جعلت في مزود لي فتيتا ففعلت ذلك فلما أصبحت قصدت نحو الكوفة فلما انقضى بعض النهار إذا أنا بالكوفة فدخلت مسجد الجامع فإذا أنا بشاب حسن الوجه طيب الريح فقلت سلام عليكم ثم كبرت اصلى فلما فرغت من صلاتي قلت له رحمك الله هل بقى أحد يخرج إلا لحج فقال لي انتظر حتى يجيىء اخ من أخواننا فإذا أنا برجل في مثل حالي فلم نزل نسير فقال الذي معي رحمك الله إن رأيت أن ترفق بنا فقال له الشاب إن كان معنا أحمد بن حنبل فسوف يرفق بنا فوقع في نفسي أنه الخضر فقلت للذي معي هل لك في الطعام فقال لي كل مما تعرف وآكل مما أعرف ولما أصبنا من الطعام غاب الشاب من بين أيدينا ثم رجع بعد فراغنا فلما كان بعد ثلاث إذا نحن بمكة ومات عبد الله يوم الأحد ودفن في آخر النهار لتسع بقين من جمادى الآخرة


وفيها على ما ذكره ابن ناصر الدين وهذا لفظ بديعته
( بعد الإمام ابن الإمام المفضل ** ذاك الرضى بن أحمد بن حنبل ) وأحمد الأبار وابن النضر ** ذا أحمد قرطمة كالبحر )
( محمد البوشنجي خذه الخامسا ** وعد بالأذان ذاك السادسا ) فأما الأبار فهو أحمد بن علي بن مسلم النخشبي البغدادي محدث بغداد وكان ثقة فاضلا جامعا محصلا كاملا وأما ابن النضر فهو أحمد بن النضر ابن عبد الوهاب أبو الفضل النيسابوري حدث عنه البخاري وهو أكبر منه وكان البخاري ينزل عليه وعلى أخيه محمد بنيسابور وتحديثه عنهما في صحيحه مشهور
وأما قرطمة فهو محمد بن علي البغدادي أبو عبد الله وكان أحد الأئمة الرحالين والحفاظ المجودين المعدلين وهذا غير قرطمة وراق سفيان بن وكيع فإن ذاك من المجروحين وأما البوشنجي فهو محمد بن إبراهيم بن سعيد بن عبد الرحمن بن موسى العبدي أبو عبد الله الفقيه المالكي كان رأسا في علم اللسان حافظا علامة من أئمة هذا الشأن قال في العبر البوشنجي الإمام الحبر أبو عبد الله شيخ أهل الحديث بخراسان رحل وطوف وروى عن أحمد بن يونس ومسدد والكبار وكان من أوعية العلم قد روى عنه البخاري حديثا في صحيحه عن النفيلي وآخر من روى عنه إسماعيل بن نجيد انتهى
وأما أبو الأذان فهو عمر بن إبراهيم بن سليمان بن عبد الملك الخوارزمي ثم البغدادي نزيل سامرا وكنيته أيضا أبو بكر كان من الثقات الأخيار
وقال ابن ناصر الدين في بديعته أيضا
( وقبل تسعين قضى القويم ** العنبري الطوسي إبراهيم )
قال ها في شرحها هو إبراهيم بن إسماعيل الطوسي أبو إسحاق وكان حافظا علامة له رحلة إلى عدة أقطار وصنف المسند فأتقنه وأحكمه وكان محدث أهل عصره بطوس وزاهدهم بعد شيخه محمد بن أسلم انتهى

وفيها أي سنة تسعين محمد بن زكريا الغلابي الأخباري أبو جعفر بالبصرة روى عن عبد الله بن رجاء الغداني وطبقته قال ابن حبان يعتبر بحديثه إذا روى عن الثقات وقال في المغني قال الدارقطني يضع الحديث انتهى
وفيها محمد بن يحيى بن المنذر أبو سليمان القزاز بصري معمر توفي في رجب وقد قارب المائة أو كملها روى عن سعيد بن عامر الضبعي وأبي عاصم والكبار

سنة إحدى وتسعين ومائتين

فيها خرجت الترك في جيش لجب فاستنفر إسماعيل بن أحمد الناس عامة وكبس الترك في الليل فقتل منهم مقتلة عظيمة وكانت من الملاحم الكبار ونصر الله تعالى لكن أصيب المسلمون من جهة أخرى خرجت الروم في مائة ألف فوصلوا إلى الحدث فقتلوا وسبوا وأحرقوا ورجعوا سالمين فنهض جيش من طرسوس عليهم غلام زرافة فوغلوا في الروم حتى نازلوا أنطاكية مدينة صغيرة قريبة من قسطنطينية العظمى فافتتحوها عنوة وقتلوا من الروم نحو خمسة آلاف وغنموا غنيمة لم يعهد مثلها بحيث أنه بلغ سهم الفارس ألف دينار ولله الحمد وأما القرمطي صاحب الشامة واسمه حسين فعظم به الخطب والتزم له أهل دمشق بمال عظيم حتى ترحل عنهم وتملك حمص وسار إلى حماة والمعرة فقتل وسبى وعطف إلى بعلبك فقتل أكثر أهلها ثم سار فأخذ سلمية وقتل أهلها قتلا ذريعا حتى ما ترك بها عينا تطرف وجاء جيش المكتفي فالتقاهم بقرب حمص فكسروه وأسر خلق من جنده وركب هو وابن عمه الملقب بالمدثر وآخر فاخترقوا ثلاثتهم البرية فمروا بدالية بن طوق فأنكرهم وإلى تلك الناحية فقررهم فاعترف صاحب الشامة فحملهم إلى المكتفى فقتلهم وأحرقهم وقام بأمر القرامطة بعدهم أخوهما أبو الفضل وسار إلى أذرعات وبصرى

من حوران والبثنية من أعمال دمشق فخرج إليه السلطان حمدان بن حمدون التغلبي فهزمه القرمطي وسار إلى هيت وحرقها بالنار بعد قتل أهلها ورجع إلى ناحية البر فأنفذ المكتفي جيشا عظيما فخاف أصحاب القرمطي إحاطة الجيوش بهم فقتله رجل منهم يعرف بأبى الذيب غيلة وحمل رأسه إلى المكتفي ثم خرج بعدهم من القرامطة زكرويه بن مهرويه وقيل هو أبو من تقدم ذكره وعاث في البلاد فأكثر فيها الفساد وقتل ثلاثة ركوب راجعة من الحج وبلغ عدد المقتولين منهم خمسين ألفا وقيل أن هذا العدد في الركب الثالث وحده وخذلهم الله على يدي وصيف بن صول الجزري وأسر زكرويه جريحا ومات من الغد وحمل رأسه إلى المكتفي ببغداد
وفيها توفي علامة الأدب أبو العباس ثعلب أحمد بن يحيى بن يزيد الشيباني مولاهم العبسى البغدادي شيخ اللغة والعربية حدث عن غير واحد وعنه غير واحد منهم الأخفش الصغير وسمع من القواريري مائة ألف حديث فهو من المكثرين وسيرته في الدين والصلاح مشهورة قاله ابن ناصر الدين وقال ابن مجاهد المصري قال ثعلب اشتغل أهل القرآن والحديث والفقه بذلك ففازوا واشتغلت بزيد وعمر وليت شعري ما يكون حظى في الآخرة قال ابن مجاهد فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال لي أقرىء أبا العباس ثعلب عني السلام وقل له أنت صاحب العلم المستطيل قال العبد الصالح أبو عبد الله الروذباري أراد صلى الله عليه وسلم أن الكلام به يكمل والخطاب به يجمل وأن جميع العلوم تفتقر إليه صنف ثعلب التصانيف المفيدة منها كتاب الفصيح وهو صغير الحجم كبير الفائدة وكتاب القراءات وكتاب إعراب القرآن وغير ذلك وكان ثقة صالحا مشهورا بالحفظ والمعرفة وكان أصم فخرج من الجامع بعد العصر وفي يده كتاب ينظر إليه وهو يمشى

فصدمته فرس فألقته في هوة فأخرج منها وهو كالمختلط فمات في اليوم الثاني وكان حنبليا قال ابن أبي يعلى في طبقاته قال ثعلب كنت أحب أن أرى أحمد بن حنبل فصرت إليه فلما دخلت عليه قال لي فيم تنظر فقلت في النحو والعربية فأنشدني أبو عبد الله أحمد بن حنبل
( إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل ** خلوت ولكن قل على رقيب )
( ولا تحسبن الله يغفل ما مضى ** ولا أن ما يخفى عليه يغيب )
( لهونا عن الأيام حتى تتابعت ** ذنوب على آثارهن ذنوب )
( فيا ليت أن الله يغفر ما مضى ** ويأذن في توباتنا فنتوب )
انتهى
وفيها على بن الحسين بن الجنيد الرازي الحافظ الكبير الثقة أبو الحسن في آخر السنة ويعرف بالمالكي لتصنيفه حديث مالك طوف الكثير وسمع أبا جعفر النفيلي وطبقته وعاش نيفا وثمانين سنة
وقنبل قارىء أهل مكة وهو أبو عمرو محمد بن عبد الرحمن المخزومي مولاهم المكي وله ست وتسعون سنة شاخ وهرم وقطع الإقراء قبل موته بسبع سنين قرأ على أبي الحسن القواس ورحل إليه القراء وجاوروا وحملوا عنه
وفيها القسم بن عبيد الله الوزير ببغداد وزر للمعتضد وللمكتفي وكان أبوه أيضا وزير المعتضد وكان القسم قليل التقوي كثر الظلم وكان يدخله من ضياعه قي العام سبعمائة ألف دينار ولما مات أظهر الناس الشماتة بموته
وفيها محمد بن أحمد بن البراء القاضي أبو الحسن العبدي ببغداد روى عن ابن المديني وجماعة
وفيها محمد بن أحمد بن النظر بن سلمة الجارودي أبو بكر الأزدي ابن بنت معوية بن عمرو وله خمس وتسعون سنة روى عن جده والقعنبي وكان إماما حافظا ثقة من الرؤساء

وفيها محدث مكة محمد بن علي بن زيد الصائغ في ذي القعدة وهو في عشر المائة روى عن القعنبي وسعيد بن منصور
وفيها مقرئ أهل دمشق هرون بن موسى بن شريك المعروف بالأخفش صاحب ابن ذكوان في عشر المائة

سنة اثنتين وتسعين ومائتين

فيها خرج عن الطاعة صاحب مصر هرون بن خمارويه الطولوني فسارت جيوش المكتفي لحربه وجرت لهم وقعات ثم اختلف أمراء هارون واقتتلوا فخرج ليسكنهم فجاءه سهم فقتله ودخل الأمير محمد بن سليمان قائد جيش المكتفي فتملك الإقليم واحتوى على الخزائن وقتل بضعة عشر رجلا وحبس طائفة وكتب بالفتح إلى المكتفي وقيل إنه هم بالمضي إلى المكتفي أعني هارون فامتنع عليه أمراؤه وشجعوه فأبى فقتلوه غيلة ولم يمتع محمد بن سليمان فإنه أرعد وأبرق وخيف من غيلته وغلبته على بلاد مصر وكاتب وزير المكتفي القواد فقبضوا عليه
وفيها خرج الخلنجي القائد بمصر وحارب الجيوش واستولى على مصر
وفيها توفي القاضي الحافظ أبو بكر المروزي أحمد بن علي بن سعيد قاضي حمص في آخر السنة روى عن ابن الجعد وطبقته وحدث عنه الطبراني وغيره وكان ثقة أحد أوعية العلم
وفيها الحافظ أبو بكر البزار أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البصري صاحب المسند الكبير في ربيع الأول بالرملة روى عن هدبة بن خالد وأقرانه وحدث في آخر عمره بأصبهان والعراق والشام قال الدارقطني ثقة يخطئ ويتكل على حفظه وقال في المغني أحمد بن عمرو وأبو بكر البزار الحافظ صاحب المسند صدوق قال أبو أحمد الحاكم يخطئ في الإسناد والمتن انتهى
وفيها أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين بن سعد الحافظ أبو جعفر

المهدي المصري المقرىء قرأ القرآن على أحمد بن صالح وروى عن سعيد ابن عفير وطبقته وفيه ضعف قال إن عدي يكتب حديثه
وأبو مسلم الكجى إبراهيم بن عبد الله البصري الحافظ صاحب السنن ومسند الوقت في المحرم وقد قارب المائة وكملها سمع أبا عاصم النبيل والأنصاري والكبار وثقة الدارقطني وكان محدثا حافظا محتشما كبير الشأن قيل أنه لما فرغوا من سماع السنن عليه عمل لهم مأدبة غرم عليها ألف دينار تصدق بجملة منها ولما قدم بغداد ازدحموا عليه حتى حزر مجلسه بأربعين ألفا وزيادة وكان في المجلس سبعة مستملين كل واحد يبلغ الآخر
وفيها إدريس بن عبد الكريم أبو الحسن الحداد المقرىء المحدث يوم الأضحى ببغداد وله نحو من تسعين سنة روى عن عاصم بن علي وطبقته وقرأ القرآن على خلف وتصدر للإقراء والعلم قال الدارقطني هو فوق الثقة بدرجة
وفيها محدث واسط بحشل وهو الحافظ أبو الحسن أسلم بن سهل الرزاز روى عن جده لأمه وهب بن بقية وطبقته وصنف التصانيف وهو ثقة ثبت
وفيها قاضي القضاة أبو حازم عبد الحميد بن عبد العزيز الحنفي ببغداد وكان من القضاة العادلة له أخبار ومحاسن ولما احتضر كان يقول يا رب من القضاء إلى القبر ثم يبكي روى عن بندار
وفيها عيسى بن محمد بن عيسى الطماني المروزي الغوي ذكر عنه ابن السبكي في طبقاته الكبرى قصة مطولة ملخصها قال الحاكم سمعت أبا زكريا يحيى بن محمد العنبري يقول سمعت أبا العباس عيسى بن محمد بن عيسى الطهماني المروزي يقول إني وردت في سنة ثمان وثلاثين ومائتين مدينة من مدائن خوارزم تدعى هزارنيف فخبرت أن بها امرأة من نساء الشهداء رأت رؤيا كأنها أطعمت شيئا في منامها فهي لا تأكل شيئا ولا تشرب من حين ذلك ثم مررت

بتلك المدينة سنة اثنتين وأربعين ومائتين فرأيتها وحدثتني بحديثها فلم أستقص عليها لحداثة سني ثم إني عدت إلى خوارزم في آخر سنة اثنتين وخمسين ومائتين فرأيتها باقية ووجدت حديثها شائعا مستفيضا وهذه المدينة على مدرجة القوافل وكان الكثير ممن ينزلها إذا بلغتهم قصتها أحبوا أن ينظروا إليها فلا يسألون عنها رجلا ولا امرأة ولا غلاما إلا عرفها ودل عليها فلما وافيت الناحية طلبتها فوجدتها غائبة على عدة فراسخ فمضيت في إثرها من قرية إلى قرية فأدركتها بين قريتين تمشي مشية قوية وإذا هي امرأة نصف جيدة القامة حسنة البدنة ظاهرة الدم متوردة الخدين ذكية الفؤاد فسايرتني وأنا راكب فعرضت عليها مركبا فلم تركبه وأقبلت تمشي معي بقوة وكان ذكر لي الثقات من أهل تلك الناحية إنه كان من يلي خوارزم من العمال يحصرونها الشهر والشهرين والأكثر في بيت يغلقون عليها ويوكلون بها من يراعيها فلا يرونها تأكل ولا تشرب ولا يجدون لها أثر بول ولا غائط فيبرونها ويكسونها ويخلون سبيلها فلما تواطأ أهل الناحية على تصديقها اقتصصتها عن حديثها وسألتها عن اسمها وشأنها كله فذكرت أن اسمها رحمة بنت إبراهيم وإنه كان لها زوج نجار فقير معيشته من عمل يده لا فضل في كسبه عن قوت أهله وأن لها منه عدة أولاد وأن الأقطع ملك الترك قتل من قريتهم خلقا كثيرا من جملتهم زوجها ولم يبق دار إلا حمل إليها قتيل قالت فوضع زوجي بين يدي قتيلا فأدركني من الجزع ما يدرك المرأة الشابة على زوج أبي أولاد قالت واجتمع النساء من قراباتي والجيران يسعدني على البكاء وجاء الصبيان وهم أطفال لا يعقلون من الأمر شيئا يطلبون الخبز وليس عندي ما أعطيهم فضقت صدرا بأمري ثم إني سمعت أذان المغرب ففزعت إلى الصلاة فصليت ما قضى لي ربي ثم سجدت أدعو وأتضرع إلى الله أسأله الصبر وأن يجبر يتم صبياني فنمت في سجودي فرأيت كأني في أرض خشناء ذات حجارة وأنا أطلب زوجي فناداني رجل أيتها الحرة خذي ذات اليمين فأخذت

ذات اليمين فدفعت إلى أرض طيبة الثرى ظاهرة العشب وإذا قصور وأبنية لا أحفظ أن أصفها أو لم أر مثلها وإذا أنهار تجري على وجه الأرض ليس لهاحافات فانتهيت إلى قوم جلوس خلقا عليهم ثياب خضر وقد علاهم النور فإذا هم الذين قتلوا في المعركة يأكلون على موائد بين أيديهم فجعلت أتخللهم وأتصفح وجوههم أبغي زوجي فناداني يا رحمة يا رحمة فيممت الصوت فإذا أنا به في مثل حال من رأيت من الشهداء ووجهه مثل القمر ليلة البدر وهو يأكل مع رفقة له قتلوا يومئذ معه فقال لأصحابه إن هذه لبائسة جائعة منذ اليوم أفتأذنون أن أناولها شيئا تأكله فأذنوا له فناولني كسرة خبز أشد بياضا من الثلج واللبن وأحلى من العسل والسكر وألين من الزبد والسمن فأكلتها فلما استقرت في جوفي قال اذهبي كفاك الله مؤونة الطعام والشراب ما حييت في الدنيا فانتبهت من نومي شبعاء رياء لا أحتاج إلى طعام ولا شراب وما ذقتهما من ذلك اليوم إلى يومي هذا ولا شيئا تأكل الناس قلت فهل تتغذى بشيء أو تشربي شيئا غير الماء فقالت لا فسألتها هل يخرج منها ريح أو أذى كما يخرج من الناس فقالت لا قلت والحيض وأظنها قالت انقطع بانقطاع الطعم قلت فهل تحتاجين حاجة الرجال إلى النساء قالت أما تستحي مني تسألني عن مثل هذا قلت أي لعلي أحدث الناس عنك ولا بد أن أستقصي قالت لا أحتاج قلت أفتنامين قالت نعم أطيب نوم قلت فما ترين في منامك قالت مثل ما ترون قلت فتجدي لفقد الطعام وهنا في نفسك قالت ما أحسست بالجوع منذ طعمت ذلك الطعام وذكرت لي أن بطنها لاصق بظهرها فأمرت امرأة من نسائنا فنظرت فإذا بطنها كما وصفت وإذا بها قد اتخذت كيسا ضمنته القطن وشدته على بطنها كيلا ينقصف ظهرها إذا مشت هذا ملخص ما أورده ابن السبكي وقال ابن الأهدل فيها أي سنة اثنتين وتسعين ومائتين عيسى بن محمد المروزي اللغوي وهو

الذي رأى بخوارزم امرأة بقيت نيفا وعشرين سنة لا تأكل ولا تشرب وروى اليافعي عن الشيخ صفي الدين أنه ذكر أن امرأة ببحيرة مصر قامت ثلاثين سنة لا تأكل ولا تشرب في مكان واحد ولا تتألم بحر أو برد انتهى ما قاله ابن الأهد بحروفه وقاله في العبر وفيها أي سنة ثلاث وتسعين عيسى بن محمد أبو العباس الطهماني المروزي اللغوي كان إماما في العربية روى عن إسحاق بن راهويه وهو الذي رأى بخوارزم المرأة التي بقيت نيفا وعشرين سنة لا تأكل ولا تشرب
وفيها محمد بن أحمد بن سليمان الإمام أبو العباس الهروي فقيه محدث صاحب تصانيف رحل إلى الشام والعراق وحدث عن أبي حفص الفلاس وطبقته
وفيها يحيى بن منصور الهروي أبو سعد أحد الأئمة الثقات في العلم والعمل حتى قيل إنه لم ير مثل نفسه روى عن سويد بن نصر وطبقته

سنة ثلاث وتسعين ومائتين

فيها التقي الخليجي المتغلب على مصر وجيش المكتفي بالعريش فهزمهم أقبح هزيمة
وفيها عاثت القرامطة بالشام وقتلوا وسبوا وما أبقوا ممكنا بحوران وطبرية وبصري ودخلوا السماوة فطلعوا إلى هيت فاستباحوها ثم وثبت هذه الفرقة الملعونة على زعيمها أبي غانم فقتلوه ثم جمع رأس القوم زكرويه والد صاحب الشامة جموعا ونازل الكوفة فعاقله أهلها ثم جاءه جيش الخليفة فالتقاهم وهزمهم ودخل الكوفة يصيح قومه يا ثارات الحسين يعنون صاحب الشامة والد زكرويه لا رحمه الله قاله في العبر
وفيها سار فاتك المعتضدي فالتقى الخليجي فانهزم الخليجي وكثر القتل في جيشه واختفى الخليجي فدل عليه رجل فبعثه فاتك في عدة من قواده إلى

بغداد فأدخلوا على الجمال وحبسوا
وفيها توفي أبو العباس الناشي الشاعر المتكلم عبد الله بن محمد بمصر قال ابن خلكان أبو العباس عبد الله بن محمد الناشي الأنباري المعروف باين شرشير الشاعر كان من الشعراء المجيدين وهو في طبقة ابن الرومي والبحتري وأنظارهما وهو الناشي الأكبر وكان نحويا عروضيا متكلما أصله من الأنبار وأقام ببغداد مدة طويلة ثم خرج إلى مصر وأقام بها إلى آخر عمره وكان متبحرا في عدة علوم من جملتها علم المنطق وكان بقوة علم الكلام نقض علل النجاة وأدخل على قواعد العروض شبها ومثلها بغير أمثلة الخليل وكل ذلك لحذقه وقوة فطنته وله قصيدة في فنون من العلم على روى واحد تبلغ أربعة آلاف بيت وله تصانيف جميلة وله أشعار كثيرة في جوارح الصيد وآلاته وما يتعلق بها كأنه كان صاحب صيد وقد استشهد كشاجم بشعره في كتاب المصايد والمطارد في مواضع فمن ذلك قوله في طريدة في وصف باز
( لما تفرى الليل عن اثباجه ** وارتاح ضوء الصبح لانبلاجه )
( غدوت أبغي الصيد في منهاجه ** يا قمرا أبدع في نتاجه )
( ألبسه الخالق من ديباجه ** وشيا يحار الطرف في اندراجه )
( في نسق منه وفي انعراجه ** وزان فوديه إلى حجاجه )
( يزينة كفته نظم تاجه ** منشرة تنبىء عن خلاجه )
( وظفره ينبىء عن علاجه ** لو استضاء المرء في إدلاجه )
( بعينه كفته عن سراجه ** )
ومن شعره في جارية مغنية بديعة الجمال
( فديتك لو أنهم أنصفوك ** لردوا النواظر عن ناظريك )
( تردين أعيننا عن سواك ** وهل تنظر العين إلا إليك )
( وهم جعلوك رقيبا علينا ** فمن ذا يكون رقيبا عليك )


( ألم يقرؤا ويحهم ما يرون ** من وحي حسنك في وجنتيك )
وشرشير بكسر الشينين المعجمتين وبينهما راء ساكنة ثم ياء مثناة من تحتها وبعدها راء اسم طائر يصل إلى الديار المصرية في البحر في زمن الشتاء وهو أكبر من الحمام بقليل وهو كثير الوجود بساحل دمياط وباسمه سمى الرجل والله أعلم انتهى ملخصا
وفيها محمد بن أسد المديني أبو عبد الله الزاهد كان يقال إنه مجاب الدعوة عمره أكثر من مائة سنة وحدث عن أبي داود الطيالسي بمجلس واحد قال في المغني محمد بن أسد المديني الأصبهاني آخر أصحاب أبي داود الطيالسي قال أبو عبد الله بن مندة حدث عن أبي داود بمناكير انتهى
وفيها محمد بن عبدوس واسم عبدوس عبد الجبار بن كامل السراج الحافظ ببغداد في رجب روى عن علي بن الجعد وطبقته وحدث عنه الطبراني وهو ثقة
وفيها أحمد بن محمد بن عبد الله بن صدقة البغدادي روى عنه ابن قانع والطبراني وغيرهما وكان إماما حافظا ذا دراية
وعبدان عبد الله بن محمد بن عيسى بن محمد المروزي الحافظ النبيه حدث عنه الطبراني وغيره وكان من الأئمة الحفاظ

سنة أربع وتسعين ومائتين

فيها أخذ ركب العراق زكرويه القرمطي وقتل الناس قتلا ذريعا وسبى نساء وأخذ ما قيمة ألفي ألف دينار وبلغت عدة القتلى عشرين ألفا ووقع البكاء والنوح في البلدان وعظم هذا على المكتفي فبعث الجيش لقتاله وعليهم وصيف بن صوار تكين فالتقوا فأسر زكرويه وخلق من أصحابه وكان مجروحا فمات إلى لعنة الله بعد خمسة أيام فحمل ميتا إلى بغداد وقتل أصحابه ثم أحرقوا وتمزق أصحابه في البرية

وفيها توفي الحافظ الكبير أبو علي صالح بن محمد بن عمرو الأسدي البغدادي جزرة محدث ما وراء النهر نزل بخارى وليس معه كتاب فروى بها الكثير من حفظه روى عن سعدويه الواسطي وعلي بن الجعد وطبقتهما ورحل إلى الشام ومصر والنواحي وصنف وجرح وعدل وكان صاحب نوادر ومزاح قال ابن ناصر الدين حدث عن خلق منهم يحيى بن معين وعنه مسلم خارج صحيحه وغيره وهو ثقة ثبت انتهى
وفيها صباح بن عبد الرحمن أبو الغصن العتقي الأندلسي المعمر مسند العصر بالأندلس روى عن يحيى بن يحيى وأصبغ بن الفرج وسحنون قال ابن الفرضي بلغني أنه عاش مائة وثمانية عشر عاما وتوفي في المحرم
وعبيد العجل الحافظ وهو أبو علي الحسين بن محمد بن حاتم في صفر قال ابن ناصر الدين هو تلميذ يحيى بن معين وحدث عنه الطبراني وكان من الحفاظ المتقنين
وفيها محمد بن الإمام إسحاق بن راهويه القاضي أبو الحسن روى عن أبيه وعلي بن المديني قتل يوم أخذ الركب شهيدا
وفيها محمد بن أيوب بن يحيى بن الضريس الحافظ أبو عبد الله البجلي الرازي محدث الري يوم عاشوراء وهو في عشر المائة روى عن مسلم بن إبراهيم والقعنبي والكبار وجمع وصنف وكان ثقة
ومحمد بن معاذ دران الحلبي محدث تلك الناحية أصله من البصرة روى عن القعنبي وعبد الله بن رجاء وطبقتهما ورحل إليه المحدثون
وفيها محمد بن نصر المروزي الإمام أبو عبد الله أحد الأعلام كان رأسا في الفقه رأسا في الحديث رأسا في العبادة ثقة عدلا خيرا قا الحافظ أبو عبد الله بن الأحزم كان محمد بن نصر يقع على أذنه الذباب وهو في الصلاة

فيسيل الدم ولا يذبه كان ينتصب كانه خشبة وقال أبو إسحق الشيرازي كان من أعلم الناس بالإختلاف وصنف كتبا وقال شيخه في الفقه محمد بن عبد الله بن عبد الحكم كان محمد بن نصر عندنا إماما فكيف بخراسان وقال غيره لم يكن للشافعية في وقته مثله سمع يحيى بن يحيى وشيبان بن فروخ وطبقتهما وتوفي في المحرم بسمرقند وهو في عشر التسعين قال الأسنوي في طبقاته محمد بن نصر المروزي أحد أئمة الإسلام قال فيه الحاكم هو الفقيه العابد العالم إمام أهل الحديث في عصره بلا مدافعة وقال الخطيب في تاريخ بغداد كان من أعلم الناس باختلاف الصحابة ومن بعدهم ولد ببغداد سنة اثنتين ومائتين ونشأ بنيسابور وتفقه بمصر على أصحاب الشافعي وسكن سمرقند إلى أن توفي بها سنة أربع وتسعين ومائتين ذكره النووي في تهذيبه نقل عنه الرافعي في مواضع منها أنه قال يكفي في صحة الوصية الإشهاد عليه بأن هذا خطى وما فيه وصيتي وإن لم يعلم الشاهد ما فيه وفي طبقات العبادي عنه أنه يكفي الكتابة بلا شهادة بالكلية والمعروف خلاف الأمرين ومنها أن الأخوة ساقطون بالجد والمروزي نسبة إلى مرو زوادوا عليها الزاي شذوذا وهي إحدى مدن خراسان الكبار فإنها أربعة نيسابور وهراة وبلخ ومرو وهي أعظمها وأما مرو الروذ فأنها تستعمل مقيدة والروذ براء مهملة مضمومة وذال معجمة هو النهر بلغة فارس والنسبة إلى الأولى مروزي وإلى الثانية مروروذى بثلاث راءات وقد يخفف فيقال مروذي وبين المدينتين ثلاثة أيام انتهى ما ذكره الأسنوي ملخصا
وفيها الإمام موسى بن هرون بن عبد الله أبو عمران البغدادي البزاز الحافظ ويعرف أبوه بالحمال كان إمام وقته في حفظ الحديث وعلله قال أبو بكر الضبعي ما رأينا في حفاظ الحديث أهيب ولا أورع من موسى بن هرون سمع على بن الجعد وقتيبة وطبقتهما وقال ابن ناصر الدين هو محدث العراق

حدث عنه خلق منهم الطبراني وكان إماما حافظا حجة

سنة خمس وتسعين ومائتين

فيها توفي إبراهيم بن أبي طالب النيسابوري الحافظ أحد أركان الحديث روى عن إسحاق بن راهويه وطبقته قال عبد الله بن سعد النيسابوري ما رأيت مثل إبراهيم بن أبي طالب ولا رأي مثل نفسه وقال أبو عبد الله ابن الأخرم إنما أخرجت نيسابور ثلاثة محمد بن يحيى ومسلم بن الحجاج وإبراهيم ابن أبي طالب وقال ابن ناصر الدين هو ثقة
وإبراهيم بن معقل أبو إسحاق السانجني بفتح الجيم وسكون النون التي قبلها نسبة إلى سانجن قرية بنسف كان قاضي نسف وعالمها ومحدثها وصاحب التفسير والمسند وكان بصيرا بالحديث عارفا بالفقه والاختلاف روى الصحيح عن البخاري وروى عن قتيبة وهشام بن عمار وطبقتهما
وفيها الحافظ أبو علي الحسن بن علي بن شبيب المعمري نسبة إلى جده لأمه محمد بن سفين بن حميد المعمري صاحب معمر ببغداد في المحرم روى عن علي بن المديني وجبارة بن المغلس وطبقتهما وعاش اثنتين وثمانين سنة وله أفراد وغرائب مغمورة في سعة علمه قال ابن ناصر الدين كان من أوعية العلم تكلم فيه عدة وقواه آخرون انتهى وقال في المغني تفرد برفع أحاديث تحتمل له انتهى
وفيها الحكم بن معبد الخزاعي الفقيه مصنف كتاب السنة بأصبهان روى عن محمد بن حميد الرازي ومحمد بن المثنى وطبقتهما وكان من كبار الحنفية وثقاتهم
وفيها أبو شعيب الحراني عبد الله بن الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الأموي المؤدب نزيل بغداد في ذي الحجة روى عن يحيى البابلتي وعفان وعاش تسعين

سنة وكان ثقة
وأمير خراسان وما وراء النهر إسماعيل بن أحمد بن أسد بن سامان في صفر ببخارى وكان ذا علم وعدل وشجاعة ورأي وكان يعرف بالأمير الماضي أبي إبراهيم جمع بعض الفضلاء شمائله في كتاب وكان ذا اعتناء زائد بالعلم والحديث قاله في العبر
وفيها أبو علي عبد الله بن محمد بن علي البلخي الحافظ أحد أركان الحديث ببلخ سمع قتيبة وطبقته وصنف التاريخ والعلل
وفيها المكتفي بالله الخليفة أبو الحسن علي بن المعتضد أحمد بن أبي أحمد الموفق بن المتوكل بن العتصم العباسي وله إحدى وثلاثون سنة وكان وسيما جميلا بديع الجمال معتدل القامة دري اللون أسود الشعر استخلف بعد أبيه وكانت دولته ست سنين ونصفا وتوفي في ذي القعدة وفيه يقول أحد أعيان الأدباء وقد أبان زوجته عن نشوز وعقوق
( قايست بين جمالها وفعالها ** فإذا الملاحة بالخلاعة لا تفي )
( والله لا راجعتها ولو أنها ** كالبدر أو كالشمس أو كالمكتفي )
وقيل للمكتفي في مرضه الذي مات فيه لو وكلت بعبد الله بن المعتز ومحمد ابن المعتمد قال ولم قيل لأن الناس يرجفون لهما بالخلافة بعدك فتكون مستظهرا حتى لا يخرج الأمر عن أخيك جعفر فقال وأي ذنب لهما أليس هما من أولاد الخلفاء وإن يكن ذلك فليس بمنكر والله يؤتي الملك من يشاء فلا تتعرضوا لهما وكان المكتفي وكان المتفي كثير العساكر كثير المال يخص أهل بيته بالكرامة والحباء الكثير ولم يل الخلافة بعد النبي صلى الله عليه وسلم من اسمه علي إلا علي بن أبي طالب رضي الله عنه والمكتفي بالله ولما توفي المكتفي ولي بعده أخوه المقتدر وله ثلاث عشرة سنة وأربعون يوما ولم

يل أمر الأمة صبى قبله
وفيها عيسى بن مسكين قاضي القيروان وفقيه المغرب أخذ عن سحنون وبمصر عن الحرث بن مسكين وكان إماما ورعا خاشعا متمكنا من الفقه والآثار مستجاب الدعوة يشبه بسحنون في سمته وهيئته أكرهه ابن الأغلب الأمير على القضاء فولى ولم يأخذ رزقا وكان يركب حمارا ويستقى الماء لبيته رحمه الله تعالى
ومحمد بن أحمد بن جعفر الإمام أبو جعفر الترمذي الفقيه كبير الشافعية بالعراق قبل ابن سريج في المحرم وله أربع وتسعون سنة وكان قد اختلط في أواخر أيامه وكان زاهدا ناسكا قانعا باليسير متعففا قال الدارقطني لم يكن للشافعية بالعراق أرأس ولا أورع منه وكان صبورا على الفقر روى عن يحيى ابن بكير وجماعة وكان ثقة قال الأسنوي كان أولا أبو جعفر حنفيا فحج فرأى ما يقتضى انتقاله لمذهب الشافعي فتفقه على الربيع وغيره من أصحاب الشافعي وسكن بغداد وكان ورعا زاهدا متقللا جدا كانت نفقته في الشهر أربعة دراهم نقل عنه الرافعي مواضع قليلة منها أن فضلات النبي صلى الله عليه وسلم طاهرة وأن الساجد للتلاوة خارج الصلاة لا يكبر للإفتتاح لا وجوبا ولا استحبابا وأنه إذا رمى إلى حربي فأسلم ثم أصابه السهم فلا ضمان والمعروف خلافه فيهن ولد في ذي الحجة سنة ثمانين وتوفي لإحدى عشرة ليلة خلت من المحرم سنة خمس وتسعين ومائتين وترمذ مدينة على طريق نهر جيحون وفيها ثلاثة أقوال الأول فتح التاء وكسر الميم وهو المتداول بين أهلها والثاني كسرهما والثالث ضمهما قال وهو الذي يقول أهل المعرفة انتهى ملخصا قال العلامة ابن ناصر الدين في بديعته
( ثم الحكيم الترمذي هواه ** في ذلك الجرح الذي رماه )
( لكنه مجهول عند الأكثر ** موتا وفيها كان حيا حرر )


وقال في شرحها أي في سنة خمس وثمانين لأنه قدم فيها نيسابور وأخذ عن علمائها المأثور ومن حينئذ جهلت وفاته عند الجمهور وهو محمد ابن علي بن بشر الترمذي الحكيم أبو عبد الله الزاهد الحافظ كان له كلام في إشارات الصوفية واستنباط معان غامضة من الأخبار النبوية وبعضها تحريف عن مقصده وبسبب ذلك امتحن وتكلموا في معتقده وله عدة مصنفات في منقول ومعقول ومن أنظفها نوادر الأصول انتهى
وفيها أي سنة خمس وتسعين توفي الحافظ أبو بكر محمد بن إسماعيل الأسمعيلي أحد المحدثين الكبار بنيسابور له تصانيف مجودة ورحلة واسعة سمع اسحق ابن راهويه وهشام بن عمار

سنة ست وتسعين ومائتين
دخلت والملأ يستصبون المقتدر ويتكلمون في خلافته فانفق طائفة على خلعه وخاطبوا عبد الله بن المعتز فأجاب بشرط أن لا يكون فيها حرب وكان رأسهم محمد بن داود بن الجراح وأحمد بن يعقوب القاضي والحسين بن حمدان واتفقوا على قتل المقتدر ووزيره العباس بن الحسن وفاتك الأمير فلما كان في عاشر ربيع الأول ركب الحسين بن حمدان والوزير والأمراء فشد ابن حمدان على الوزير فقتله فأنكر فاتك قتله فعطف على فاتك فألحقه بالوزير ثم ساق ليثلث بالمقتدر وهو يلعب بالصوالجة فسمع الهيعة فدخل وأغلقت الأبواب ثم نزل ابن حمدان بدار سليمان بن وهب واستدعى ابن المعتز وحضر الأمراء والقضاة سوى خواص المقتدر فبايعوه ولقبوه الغالب بالله فاستوزر ابن الجراح واستحجب يمن الخادم ونفذت الكتب بخلافته إلى البلاد وأرسلوا إلى المقتدر ليتحول من دار الخلافة فأجاب ولم يكن بقي معه غير يونس الخادم ومونس الخازن وخاله الأمير غريب فتحصنوا وأصبح الحسين بن حمدان على محاصرتهم فرموه بالنشاب وتناخوا

ونزلوا على حمية وقصدوا ابن المعتز فانهزم كل من حوله وركب ابن المعتز فرسا ومعه وزيره وحاجبه وقد شهر سيفه وهو ينادي معاشر العامة ادعوا لخليفتكم وقصد سامرا ليثبت بها أمره فلم يتبعه كثير أحد وخذل فنزل عن فرسه فدخل دار ابن الجصاص واختفى وزيره ووقع النهب والقتل في بغداد وقتل جماعة من الكبار واستقام الأمر للمقتدر ثم أخذ ابن المعتز وقتل سرا وصودر ابن الجصاص وقام بأعباء الخلافة الوزير ابن الفرات ونشر العدل واشتغل المقتدر باللعب وأما الحسين بن حمدان فأصلح أمره وبعث إلى ولاية قم وقاشان رجع إلى الكلام على ابن المعتز قال ابن خلكان رحمه الله تعالى أبو العباس عبد الله بن المعتز بن المتوكل بن المعتصم بن هارون الرشيد بن المهدي بن المنصور بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن عبد المطلب الهاشمي أخذ الأدب عن أبي العباس المبرد وأبي العباس ثعلب وغيرهما وكان أديبا بليغا شاعرا مطبوعا مقتدرا على الشعر قريب المأخذ سهل اللفظ جيد القريحة حسن الإبداع للمعاني مخالطا للعلماء والأدباء معدودا من جملتهم إلى أن جرت له الكائنة في خلافة المقتدر واتفق معه جماعة من رؤساء الأجناد ووجوه الكتاب فخلعوا المقتدر يوم السبت لعشر بقين من شهر ربيع الأول سنة ست وتسعين ومائتين وبايعوا عبد الله المذكور ولقبوه المرتضى بالله وقيل المنصف بالله وقيل الغالب بالله وقيل الراضي بالله وأقام يوما وليلة ثم إن أصحاب المقتدر تحزبوا وتراجعوا وحاربوا أعوان ابن المعتز وشتتوهم وأعادوا المقتدر إلى دسته واختفى ابن المعتز في دار أبي عبد الله بن الحسين المعروف بابن الجصاص الجوهري فأخذه المقتدر وسلمه إلى مونس الخادم الخازن فقتله وسلمه إلى أهله ملفوقا في كساء وقيل إنه مات حتف أنفه وليس بصحيح بل خنقه مونس وذلك يوم الخميس ثاني عشر ربيع الآخر سنة ست وتسعين ومائتين ودفن في

خرابة بإزاء داره رحمه الله تعالى ومولده لسبع بقين من شعبان سنة سبع وأربعين وقال سنان بن ثابت سنة ست وأربعين ومائتين ثم قبض المقتدر على ابن الجصاص المذكور وأخذ منه مقدار ألفي ألف دينار وسلم له بعد ذلك مقدار سبعمائة ألف دينار وكان في ابن الجصاص غفلة وبله وتوفي يوم الثلاثاء لثلاث عشرة ليلة خلت من شوال سنة خمس عشرة وثلثمائة ولعبد الله المذكور من التصانيف كتاب الزهر والرياض وكتاب البديع وكتاب مكاتبات الإخوان بالشعر وكتاب الجوارح والصيد وكتاب السرقات وكتاب أشعار الملوك وكتاب الآداب وكتاب حلي الأخبار وكتاب طبقات الشعراء وكتاب الجامع في الغناء وأرجوزة في ذم الصبوح ومن كلامه البلاغة البلوغ إلى المعنى ولم يطل سفر الكلام ورثاه علي بن بسام الشاعر بقوله
( لله درك من ميت بمضيعة ** ناهيك في العلم والآداب والحسب )
( ما فيه لو ولا لولا فتنقصه ** وإنما أدركته حرقة الأدب ) ولابن المعتز أشعار رائقة وتشبيهات بديعة فمن ذلك قوله
( سقى المطيرة ذات الظل والشجر ** ودير عبدون هطال من المطر )
( فطالما نبهتني للصبوح بها ** في غرة الفجر والعصفور لم يطر )
( أصوات رهبان دير في صلاتهم ** سود المدارع نعارين في السحر )
( مزنرين على الأوساط قد جعلوا ** على الرءوس أكاليلا من الشعر )
( كم فيهم من مليح الوجه مكتحل ** بالسحر يطبق جفنيه على حور )
( لاحظته بالهوى حتى استقاد له ** طوعا وأسلفني الميعاد بالنظر )
( وجاءني في قميص الليل مستترا ** يستعجل الخطو من خوف ومن حذر )
( فقمت أفرش خدي في الطريق له ** ذلا وأسحب أذيالي على الأثر )
( ولاح ضوء هلال كاد يفضحنا ** مثل القلامة قد قدت من الظفر )


( وكان ما كان مما لست أذكره ** فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر ) وله في الخمر المطبوخة وهو معنى بديع وفيه دلالة على أنه كان حنفي المذهب
( خليلي قد طاب الشراب المورد ** وقد عدت بعد النسك والعود أحمد )
( فهات عقارا في قميص زجاجة ** كياقوتة في دره تتوقد )
( يصوغ عليها الماء شباك فضة ** له حلق بيض تحل وتعقد )
( وقتني من نار الجحيم بنفسها ** وذلك من إحسانها ليس يجحد )
وكان ابن المعتز شديد السمرة مسنون الوجه يخضب بالسواد ورأيت في بعض المجاميع أن عبد الله بن المعتز كان يقول أربعة من الشعراء سارت أسماؤهم بخلاف أفعالهم فأبو العتاهية سار شعره بالزهد وكان على الإلحاد وأبو نواس سار شعره باللواط وكان أزنى من قرد وأبو حكيمة الكاتب سار شعره بالعنة وكان أهب من تيس ومحمد بن حازم سار شعره بالقناعة وكان أحرص من كلب انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا
وفي سنة ست وتسعين وصل إلى مصر أمير أفريقية زيادة الله بن الأغلب هاربا من المهدي عبيد الله وداعية أبي عبد الله الشيعي فتوجه إلى العراق
وفيها أحمد بن حماد بن مسلم أخو عيسى زغبة التجيبي بمصر في جمادى الأولى روى عن سعيد بن أبي مريم وسعيد بن عفير وطائفة وعمر اربعا وتسعين سنة
وفيها أحمد بن نجدة الهروي المحدث روى عن سعيد بن منصور وطائفة
وفيها أحمد بن يحيى الحلواني أبو جعفر الرجل الصالح ببغداد سمع أحمد ابن يونس وسعدويه وكان من الثقات
وأحمد بن يعقوب أبو المثنى القاضي أحد من قام في خلع المقتدر تدينا ذبح صبرا


وخلف بن عمرو العكبري محتشم نبيل ثقة روى عن الحميدي وسعيد بن منصور
وفيها أبو حصين الوادعي بكسر المهملة ثم مهملة نسبة إلى وادعة بطن من همدان وهو القاضي محمد بن الحسين بن حبيب في رمضان صنف المسند وكان من حفاظ الكوفة الثقات روى عن أحمد بن يونس وأقرانه
وفيها محمد بن داود الكاتب أبو عبد الله الأخباري العلامة صاحب المصنفات كان أوحد أهل زمانه في معرفة أيام الناس أخذ عن عمرو بن شيبة وغيره وقتل في فتنة ابن المنذر

سنة سبع وتسعين ومائتين

قال ابن الجوزي في الشذور قال ثابت بن سنان المؤرخ رأيت في بغداد امرأة بلا ذراعين ولا عضدين ولهما كفان بأصابع معلقات في رأس كتفيها لا تعمل بهما شيئا وكانت تعمل أعمال اليدين برجليها ورأيتها تغزل برجليها وتمد الطاقة وتسويها انتهى
وفيها عبيد بن غنام بن حفص بن غياث الكوفي أبو محمد راوية أبي بكر ابن أبي شيبة ومكان محدثا صدوقا خيرا روى عن جبارة بن المغلس وطبقته
وفيها محمد بن أحمد بن أبي خيثمة زهير بن حرب أبو عبد الله الحافظ ابن الحافظ ابن الحافظ قال محمد بن كامل ما رأيت أحفظ من أربعة أحدهم محمد بن أحمد بن أبي خيثمة وكان أبوه يستعين به في تصنيف التاريخ سمع أبا حفص الفلاس وطبقته ومات في عشر السبعين
وفيها عمرو بن عثمان أبو عبد الله المكي الزاهد شيخ الصوفية وصاحب التصانيف في الطريق صحب أبا سعيد الخراز والجنيد وروى عن يونس بن عبد الأعلى وجماعة قال السخاوي في طبقاته عمرو بن عثمان بن كرب بن غصص المكي أبو عبد الله كان ينتسب إلى الجنيد وكان قريبا منه في السن

والعلم وكان أحد الأعيان ولما ولي قضاء جدة هجره الجنيد فجاء إلى بغداد وسلم عليه فلم يجبه فلما مات حضر الجنيد جنازته ولم يصل عليه إماما ومن كلامه أعلم أن كل ما توهمه قلبك من حسنن أو بهاء أو أنس أو ضياء أو جمال أو شبح أو نور أو شخص أو خيال فالله بعيد من ذلك كله بل هو أعظم وأجل وأكبر ألا تسمع إلى قوله عز وجل { ليس كمثله شيء } وقال { لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد } وقال المروءة التغافل عن زلل الإخوان وقال لا يقع على كيفية الوجد عبارة لأنه سر الله عند المؤمنين الموقنين انتهى ملخصا
وفيها محمد بن داود بن علي الظاهري الفقيه أبو بكر أحد أذكياء زمانه وصاحب كتاب الزهرة تصدر للاشغال والفتوى ببغداد بعد أبيه وكان يناظر أبا العباس بن سريج وله شعر رائق وهو ممن قتله الهوى وله نيف وأربعون سنة قاله في العبر
وفيها مطين وهو الحافظ أبو جعفر محمد بن عبد الله بن سليمان الحضرمي الكوفي في ربيع الآخر بالكوفة وله خمس وتسعون سنة دخل على أبي نعيم وروى عن أحمد بن يونس وطبقته قال الدارقطني ثقة جبل وقال في الانصاف نقل عن الإمام أحمد مسائل حسانا جيادا
وفيها محمد بن عثمان بن أبي شيبة الحافظ ابن الحافظ أبو جعفر العبسي الكوفي نزيل بغداد في جمادى الأولى وهو في عشر التسعين روى الكثير عن أبيه وعمه وأحمد بن يونس وخلق وله تاريخ كبير وثقة صالح جزرة وضعفه الجمهور وأما ابن عدي فقال لم أر له حديثا منكرا فأذكره قال ابن ناصر الدين كذبه عبد الله بن الإمام أحمد وضعفه آخرون وقال بعضهم هو عصا موسى ثتلقف ما يأفكون انتهى
وفيها موسى بن إسحاق بن موسى الأنصاري الخطمي بالفتح والسكون

نسبة إلى بني خطمة بطن من الأنصار القاضي أبو بكر الفقيه الشافعي بالأهواز وله سبع وثمانون سنة ولي قضاء نيسابور وقضاء الأهواز وحدث عن أحمد بن يونس وطائفة وهو آخر من حدث عن قالون صاحب نافع القارئ وكان يضرب به المثل في ورعه وصيانته في القضاء وثقه ابن أبي حاتم وقطع ابن ناصر الدين بتوثيقه قال الأسنوي وكان يضرب به المثل في ورعه وصيانته في القضاء حتى إن الخليفة أوصى وزيره به وبالقاضي إسماعيل وقال بهما يدفع البلاء عن أهل الأرض وكان كثير السماع سمع أحمد بن حنبل وغيره وكان لا يرى متبسما قط فقالت له يوما امرأته لا يحل لك أن تحكم بين الناس فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا يحل للقاضي أن يقضي وهو غضبان فتبسم انتهى ملخصا
وفيها يوسف بن يعقوب القاضي أبو محمد الأزدي ابن عم إسماعيل القاضي ولي قضاء البصرة وواسط ثم ولي قضاء الجانب الشرقي وولد سنة ثمان ومائتين وسمع في صغره من مسلم بن إبراهيم وسليمان بن حرب وطبقتهما وصنف السنن وكان حافظا دينا عفيفا مهيبا وقال ابن ناصر الدين ثقة

سنة ثمان وتسعين ومائتين

فيها ولي الحسين بن حمدان ديار بكر وربيعة
وفيها خرج على عبيد الله المهدي داعياه أبو عبد الله الشيعي وأخوه أبو العباس وجرت لهما معه وقعة هائلة وذلك في جمادى الآخرة فقتل الداعيان وأعيان جندهما وصفا الوقت لعبيد الله فعصى عليه أهل طرابلس فجهز لحربهم ولده القائم أبا القاسم فأخذها بالسيف في سنة ثلثمائة
وفيها توفي أبو العباس أحمد بن مسروق الطوسي الزاهد ببغداد في صفر وكان من سادات الصوفية ومحدثيهم روى عن علي بن الجعد وابن المديني وجمع

وصنف وهو من رحال الرسالة القشيرية وصحب المحاسبي والسقطي ومحمد بن منصور الفارسي وغيرهم وقال جعفر الخلدي سألته عن مسألة في العقل فقال يا أبا محمد من لم يحترز بعقله من عقله لعقله هلك بعقله وقال الزاهد الذي لا يملك مع الله سببا وقال لا يصلح السماع إلا المذبوح النفس محترق الطبع ممحق الهوى صافي السر طاهر القلب عالي الهمة دائم الوجد تام العلم كامل العقل قوي الحال وإلا خسر من حيث يلتمس الربح وضل من حيث يطلب الهدى وهلك بما يرجو به النجاة وليس في علوم التصوف علم ألطف ولا في طرقه طريق أدق من علم السماع وطريق أهله فيه وقال كثرة النظر في الباطن تذهب بمعرفة الحق من القلب وتوفي في صغر وله أربع وثمانون سنة ودفن في مقابر باب حرب بغداد
وفيها قاضي الأنبار وخطيبها البليغ المصقع أبو محمد بهلول بن إسحق بن بهلول بن حسان التنوخي نسبة إلى تنوخ قبائل أقاموا بالبحرين كان ثقة صاحب حديث سمع بالحجاز سعيد بن منصور وإسماعيل بن أويس
وفيها شيخ الصوفية تاج العارفين أبو القسم الجنيد بن محمد القواريري الخزاز بالزاي المكرزة صحب خاله السرى والمحاسبي وغيرهما من الجلة وصحبه أبو العباس بن سريج وكان إذا أفحم مناظريه قال هذا من بركة مجالستي للجنيد واصل الجنيد من نهاوند ونشأ بالعراق وتفقه على أبي ثور وقيل كان على مذهب سفين الثوري وكان يقول من لم يحفظ القرآن ويكتب الحديث لا يقتدي به في هذا الأمر لأن علمنا مقيد بالكتاب والسنة وقال له خاله تكلم على الناس فاستصغر نفسه فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمره بذلك فلما جلس لذلك جاءه غلام نصراني وقال ما معنى قوله صلى الله عليه وسلم اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله فأطرق ساعة ثم رفع رأسه

وقال له أسلم فقد حان وقت إسلامك فأسلم الغلام ولما صنف عبد الله بن سعيد بن كلاب كتابه الذي ردفيه على جميع المذاهب سأل عن شيخ الصوفية فقيل له الجنيد فسأله عن حقيقة مذهبه فقال مذهبنا إفراد القدم عن الحدث وهجران الإخوان والأوطان ونسيان ما يكون وما كان فقال ابن كلاب هذا كلام لا يمكن فيه المناظرة ثم حضر مجلس الجنيد فسأله عن التوحيد فأجابه بعبارة مشتملة على المعارف ثم قال أعد على لا بتلك العبارة ثم استعادة الثالثة فأعاده بعبارة أخرى فقال أمله على فقال لو كنت أجرده كنت أمليه فاعترف بفضله وقال الكعبي المعتزلي لبعض الصوفية رأيت لكم ببغداد شيخا يقال له الجنيد ما رأت عيني مثله كان الكتبة يحضرونه لألفاظه والفلاسفة لدقة كلامه والشعراء لفصاحته والمتكلمون لمعانيه وكلامه ناء عن فهمهم وسئل السري عن الشكر والجنيد صبي يلعب فأجاب الجنيد هو أن لا يستعين بنعمه على معاصيه وسئل الجنيد عن العارف فقال من نطق عن سرك وأنت ساكت وقال الجنيد ما انتفعت بشيء انتفاعي بأبيات سمعتها قيل وما هي قال مررت بدرب القراطيس فسمعت جارية تغني من دار فأنصت لها فسمعتها تقول
( إذا قلت اهدى الهجر لي حلل البلى ** تقولين لولا الهجر لم يطب الحب )
( وإن قلت هذا القلب أحرقه الهوى ** تقولي بنيران الهوى شرف القلب )
( وإن قلت ما أذنبت قالت مجيبة ** وجودك ذنب لا يقاس به ذنب )
فصعقت وصحت فبينما أنا كذلك إذا بصاحب الدار قد خرج وقال ما هذا يا سيدي فقلت له مما سمعت فقال هي هبة مني إليك قلت قد قبلتها وهي حرة لوجه الله تعالى ثم دفعتها لبعض أصحابنا بالرباط فولدت له ولدا نبيلا ونشأ الجنيد أحسن نشء وحج على قدميه ثلاثين حجة وقال الجريري كنت واقفا على رأس الجنيد في وقت وفاته وكان يوم جمعة ويوم نيروز الخليفة وهو يقرأ القرآن فقلت له يا أبا القاسم ارفق بنفسك فقال لي يا أبا

محمد أرأيت أحدا أحوج إليه مني في هذا الوقت وهو ذا تطوي صحيفتي وكان قد ختم القرآن الكريم ثم بدأ بالبقرة فقرأ سبعين آية ثم مات رحمه الله تعالى ومناقبه كثيرة ولو أرسلنا عنان القلم لسودنا أسفارا من مناقبه رضي الله عنه ودفن بالشوينزية عند خاله سري السقطي رضي الله عنهما
وفيها العلامة أبو يحيى زكريا بن يحيى النيسابوري المزكي شيخ الحنفية وصاحب التصانيف بنيسابور في ربيع الآخر وقد ناهز الثمانين روى عن إسحاق بن راهويه وجماعة وكان ذا عبادة وتقى
وفيها الزاهد الكبير أبو عثمان الحيري سعيد بن إسماعيل شيخ نيسابور وواعظها وكبير الصوفية بها في ربيع الآخر وله ثمان وستون سنة صحب العارف أبا حفص النيسابوري وسمع بالعراق من حميد بن الربيع وكان كبير الشأن مجاب الدعوة قاله في العبر وقال السلمي في التاريخ هو رازي الأصل ذهب إلى شاه الكرماني ووردا جميعا إلى نيسابور زائرين لأبي حفص ونزلا محلة الحيرة في دار علكان وأقاما بها أياما فلما أراد الشاه الخروج خرجا جميعا إلى قرية أبي حفص على باب مدينة نيسابور وهي قرية سمى كوزذاباذ فقال أبو حفص لأبي عثمان إن كان الشاه يرجع إلى طاعة ابيه فأنت إلى أين تذهب فنظر أبو عثمان إلى الشاه فقال الشاه أطع الشيخ فرجع مع أبي حفص إلى نيسابور وخرج الشاه وحده وقال أبو عثمان صحبت أبا حفص وأنا شاب فطردني مرة وقال لا تجلس عندي فقمت من عنده ولم أول ظهري عليه وانصرفت أمشي إلى وراء ووجهي إلى وجهه حتى غبت عنه وجعلت في نفسي أن أحفر على بابه حفرة وأدخل فيها ولا أخرج منها إلا بأمره فلما رأى ذلك مني أدناني وقربني وجعلني من خواص أصحابه وقال أبو عمرو بن نجيد في الدنيا ثلاثة لا رابع لهم أبو عثمان بنيسابور والجنيد ببغداد وأبو عبد الله بن الجلاء بالشام ومن كلامه من أمر السنة على نفسه

قولا وفعلا نطق بالحكمة ومن أمر الهوى على نفسه نطق بالبدعة لأن الله تعالى يقول { وإن تطيعوه تهتدوا } وقال موافقة الإخوان خير من الشفقة عليهم ودفن بنيسابور في مقبرة الحيرة على الشارع مع فبر أستاذه أبي حفص
وفيها فقيه قرطبة ومسند الأندلس أبو مروان عبيد الله بن الإمام يحيى ابن يحيى الليثي في عاشر رمضان وكان ذا حرمة عظيمة وجلالة روى عن والده الموطأ وحمل عنه بشر كثير
وفيها محمد بن يحيى بن سليمان أبو بكر المروزي في شوال ببغداد روى عن عاصم بن علي وأبي عبيد
وفيها محمد بن طاهر بن عبد الله بن طاهر بن الحسن الخزاعي أبو العباس الأمير ببغداد ودفن عند عمه محمد بن عبد الله سمع من إسحق بن راهويه وغيره وولى إمرة خراسان بعد والده سنة ثمان وأربعين وهو شاب ثم خرج عليه يعقوب الصفار وحاربه وأسره يعقوب في سنة تسع وخمسين ثم خلص من أسره سنة اثنتين وستين ثم بقى خاملا إلى أن مات

سنة تسع وتسعين ومائتين

فيها قبض المقتدر على الوزير ابن الفرات ونهبت دوره ووقع النهب والخبطة في بغداد
وفيها توفي شيخ نيسابور أبو عمرو أحمد بن نصر الخفاف الزاهد الحافظ سمع إسحق بن راهويه وجماعة قال الضبعي كنا نقول إنه يفي بمذاكرة مائة ألف حديث وقال ابن خزيمة يوم وفاته لم يكن بخراسان أحفظ للحديث منه وقال يحيى العنبري لما كبر أبو عمرو وأيس من الولد تصدق بأموال يقال قيمتها خمسون ألفا وقال ابن ناصر الدين أحمد بن نصر بن إبراهيم الخفاف النيسابوري أبو عمر والحافظ الملقب بزين الأشراف وكان طوافا

حافظأ صائم الدهر كثير البر تصدق حين كبر بأموال لها شأن انتهى وقال العلامة ابن ناصر الدين في بديعته
( ثم أحمد بن نصر الخفاف ** صالحهم راوية طواف )
( ومثله عليك ذاك على ** فتى سعيد بن بشير أجمل )
وقال في شرحها عليك هو على بن سعيد بن بشير بن مهران أبو الحسين الرازي كان حافظا لم يكن بذاك وكان وإلى قرية بمصر انتهى وقال في المغني قال الدارقطني ليس بذاك تفرد بأشياء انتهى
وأبو الحسن محمد بن أحمد بن كيسان البغدادي النحوي صاحب التصانيف قي القراءات والغريب والنحو كان أبو بكر بن مجاهد يعظمه ويقول هو ا نحى من الشيخين يعني ثعلبا والمبرد توفي في ذي القعدة
ومحمد بن يزيد بن عبد الصمد المحدث أبو الحسن روى عن صفوان بن صالح وطبقته وكان صدوقا
وفيها محمد بن يحيى المعروف بحامل كفنه قال ابن الجوزي في الشذور كان قد حدث عن أبي بكر بن أبي شيبة أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا أبو بكر الخطيب قال بلغني أن المعروف بحامل كفنه توفي وغسل وصلى عليه ودفن فلما كان الليل جاءه نباش فنبش عنه فلما أحل أكفانه ليأخذها استوى قاعدا فهرب النباش فقام وحمل كفنه وجاء إلى منزله وأهله يبكون فطرق الباب فقالوا من هذا قال أنا فلان فقالوا يا هذا لا يحل لك أن تزيدنا على ما بنا فقال يا قوم افتحوا فأنا والله فلان فعرفوا صوته ففتحوا فعاد حزنهم فرحا وسمى حامل كفنه
ومثل هذا سعيد بن الخمس الكوفي فإنه لما دلى في قبره اضطرب فحلت عنه الأكفان فقام ورجع إلى منزله وولد له بعد ذلك ابنه ملك انتهى ما ذكره

ابن الجوزي في الشذور

سنة ثلاثمائة

قال في الشذور أيضا فيها كثرت الأمراض ببغداد في الناس وكلبت الكلاب والدواب في البادية وكانت تطلب الناس والدواب فإذا عضت إنسانا هلك إنتهى
وفيها توفي صاحب الأندلس أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن ابن الحكم بن هشام بن عبد الرحمن بن معوية الأموي المرواني في ربيع الآخر وكانت دولته خمسا وعشرين سنة ولى بعد أخيه المنذر في سنة خمس وسبعين وكان ذا صلاح وعبادة وعدل وجهاد يلتزم الصلوات في الجامع وله غزوات كبار أشهرها غزوة ابن حفصون وكان ابن حفصون قد نازل حصن بلى في ثلاثين ألفا فخرج عبد الله من قرطبة في أربعة عشر ألفا فالتقيا فانكسر ابن حفصون وتبعه عبد الله يأسر ويقتل حتى لم ينج منهم أحد وكان ابن حفصون من الخوارج وولى الأندلس بعده حفيده الناصر لدين الله عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله فبقى في الإمرة خمسين عاما
وفيها أبو الحسن علي بن سعيد العسكري الحافظ أحد أركان الحديث روى عن محمد بن بشار وطبقته وتوفي خراسان
سنة إحدى وثلثمائة

فيها أدخل الحلاج بغداد مشهورا على جمل وعلق مصلوبا ونودي عليه هذا أحد دعاة القرامطة فاعرفوه ثم حبس وظهر أنه أدعى الالهية وصرح بحلول اللاهوت في الأشراف وكانت مكاتباته تنبىء بذلك فاستمال أهل الحبس بإظهار السنة فصاروا يتبركون به قاله في العبر


وفيها كما قال العلامة ابن ناصر الدين في بديعته
( وبكر بن أحمد بن مقبل ** أفاد شأن الأثر المبجل )
( وتسعة مثاله ذا أحمد ** البرديجي البرذعي والمسند )
محمد بن مندة فسلم ** كذا فتى العباس نجل الأخرم )
( مثل فتى ناجية ذا البربري ** كالفريابي الدينوري جعفر )
( شبه الحسين ذا فتى إدريس ** مثل الهسنجاني الرضى الرئيس )
( والهروي محمد ذا السامي ** كالفرهياني العارف الإمام )
فأما الأول فهو بكر بن أحمد بن مقبل البصري الحافظ الثبت المجود روى عن عبد الله بن معوية الجمحي وطبقته
وأما الثاني فهو أحمد بن هرون بن روح أبو بكر البرذعي نزيل بغداد كان من الثقات الأخيار ومشاهير علماء الأمصار
وأما الثالث فهو محمد بن يحيى بن إبراهيم مندة بن الوليد بن سندة بن بطة ابن استندار وأسمه فيرازان بن جهار يخت العبدي مولاهم الأصبهاني أبو عبد الله جد الحافظ أبي عبد الله محمد بن إسحق روى عن لوين وأبى كريب وخلق وحدث عنه الطبراني وغيره وكان من الثقات قال أبو الشيخ كان أستاذ شيوخنا وإمامهم وقيل إنه كان يجاري أحمد بن الفرات وينازعه
وأما الرابع فهو محمد بن العباس بن أيوب بن الأخرم أبو جعفر

الأصبهاني كان حافظا نبيها محدثا فقيها
وأما الخامس فهو عبد الله بن محمد بن ناحية بن نجية أبو محمد البربري البغدادي كان حافظا مسندا صنف مسند ا في مائة واثنين وثلاثين جزءا
وأما السادس فهو جعفر بن محمد بن الحسن بن المستفاض التركي أبو بكر الفرياني قاضي الدينور كان إماما حافظا علامة من النقادين وهو صاحب التصانيف رحل من بلاد الترك إلى مصر وعاش أربعا وتسعين سنة وكان من أوعية العلم روى عن علي بن المديني وأبي جعفر النفيلي وطبقتهما وأول سماعه سنة أربع وعشرين ومائتين قال ابن عدي كنا نحضر مجلسه وفيه عشرة آلاف أو أكثر
وأما السابع فهو الحسين بن إدريس بن المبارك بن الهيثم الأنصاري الهروي أبو علي بن حزم وثقه الدارقطني وجزم ابن ناصر الدين بتوثيقه وكان حافظا من المكثرين رحل وطوف وصنف وروى عن سعيد بن منصور وسويد بن سعيد وخلق
وأما الثامن فهو إبراهيم بن يوسف بن خالد بن إسحاق الرازي الهسنجاني بكسر الهاء والمهملة وسكون النون الأولى وجيم نسبة إلى هسنجان قرية بالري كان إماما عالما محدثا ثقة
وأما التاسع فهو محمد بن عبد الرحمن الهروي السامي الحافظ في ذي القعدة طوف ورحل وروى عن أحمد بن حنبل وأحمد بن يونس والكبار ويكنى أبا أحمد ويقال أبا عبد الله
وأما العاشر فهو عبد الله بن محمد بن سيار الفرهياني ويقال الفرهاذاني كان عالما خيرا من الأثبات
وفيها وجزم صاحب العبر وغيره أنه في التي قبلها أحمد بن يحيى بن الراوندي الملحد لعنه الله ببغداد وكان يلازم الرافضة والزنادقة قال ابن الجوزي كنت

أسمع عنه بالعظائم حتى رأيت في كتبه ما لم يخطر على قلب إنه يقوله عاقل فمن كتبه كتاب نعت الحكمة وكتاب قضيب الذهب وكتاب الزمردة وقال ابن عقيل عجبي كيف لم يقتل وقد صنف الدامغ يدمغ به القرآن والزمردة يزري بها على النبوات قاله في العبر وقال ابن الأهدل ما ملخصه له مقالات في علم الكلام وينسب إليه الإلحاد وله مائة وبضعة عشر كتابا وله كتاب نصيحة المعتزلة رد فيه عليهم وأصحابنا ينسبونه إلى ما هو أصل من مذهبهم عاش نحوا من أربعين سنة وراوند قرية من قرى قاسان بالمهملة من نواحي أصبهان قيل وهو الذي لقن اليهود القول بعدم نسخ شريعتهم وقال لهم قولوا إن موسى أمرنا أن نتمسك بالسبت ما دامت السموات والأرض ولا تأمر الأنبياء إلا بما هو حق انتهى والعجب من ابن خلكان كيف يترجمه ترجمة العلماء ساكتا عن عوارة هـ مع سعة اطلاع ابن خلكان ووقوفه على إلحاده وقد اعترض جماعات كثيرة على ابن خلكان من أجل ذلك حتى قال العماد بن كثير هذا على عادته من تساهله وغضه عن عيوب مثل هذا الشقي والله أعلم
وفيها أو في التي قبلها كما جزم به في العبر حيث قال محمد بن أحمد بن جعفر الكوفي أبو العلاء الذهلي الوكيعي بمصر عن ست وتسعين سنة روى عن علي بن المديني وجماعة
وفيها محمد بن الحسن بن سماعة الحضرمي الكوفي جمادى الأولى
ومحمد بن جعفر القتات الكوفي أبو عمرو في جمادى الأولى أيضا رويا كلاهما على ضعف فيهما عن أبي نعيم
وفيها محمد بن جعفر الربعي البغدادي أبو بكر المعروف بابن الإمام في آخر السنة بدمياط وهو في عشر المائة روى عن إسماعيل بن أبي أويس وأحمد ابن يونس
وفيها أبو الحسن مسدد بن فطن النيسابوري روى عن جده لأمه بشر بن

الحكم وطبقته بخراسان والعراق قال الحاكم كان مزني عصره والمقدم في الزهد والورع انتهى فعد هؤلاء في الثلثمائة
وفيها أي سنة إحدى وثلثمائة الحسن بن بهرام أبو سعيد الجنابي القرمطي صاحب هجر قتله خادم له صقلبي راوده في الحمام ثم خرج فاستدعى رئيسا من خواص الجنابي وقال السيد يطلبك فلما دخل قتله ثم دعا آخر كذلك حتى قتل أربعة ثم صاح النساء وتكاثروا على الخادم فقتلوه وكان هذا الملحد قد تمكن وهزم الجيوش ثم هادنه الخليفة
وفيها سار عبيد الله المهدي المتغلب على المغرب في أربعين ألفا ليأخذ مصر حتى بقي بينه وبين مصر أياما ففجرت كبراء الخاصة النيل فحال الماء بينهم وبين مصر ثم جرت بينهم وبين جيش المقتدر حروب فرجع المهدي إلى برقة بعد أن ملك الإسكندرية والفيوم
وفيها توفي أبو نصر أحمد بن الأمير إسماعيل بن أحمد الساماني صاحب ما وراء النهر قتله غلمانه وتملك بعده ابنه نصر
وفيها أبو بكر أحمد بن عبد العزيز بن الجعد البغدادي الوشاء الذي روى الموطأ عن سويد
وفيها المحدث المعمر بن حبان بن الأزهر أبو بكر الباهلي البصري القطان نزيل بغداد روى عن أبي عاصم النبيل وعمرو بن مرزوق وهو ضعيف
وفيها ألأمير علي بن أحمد الراسبي أمير جند سابور والسوس وخلف ألف فرس وألف ألف دينار ونحو ذلك
وفيها على ما قال ابن الأهدل الوزير ابن الفرات وكان عالما محبا للعلماء وبسببه سار الإمام الدارقطني من العراق إلى مصر ولم يزل عنده حتى فرغ من تأليف مسنده وكان كثير الإحسان إلى أهل الحرمين واشترى بالمدينة دارا ليس بينها وبين الضريح النبوي إلا جدار واحد ليدفن فيها ولما مات

حمل تابوته إلى مكة ووقف به في مواقف الحج ثم إلى المدينة وخرجت الأشراف إلى لقائه لسالف إحسانه ودفن حيث أمر وقيل دفن بالقرافة رحمه الله تعالى

سنة اثنتين وثلثمائة

فيها عاد المهدي ونائبه حباسة إلى الإسكندرية فتمت وقعة كبيرة قتل فيها حباسة فرد المهدي إلى القيروان
وفيها صادر المقتدر أبا عبد الله الحسين بن الجصاص الجوهري وسجنه وأخذ من الأموال ما قيمته أربعة آلاف ألف دينار وأما أبو الفرج بن الجوزي فقال أخذوا منه ما مقداره ستة عشر ألف ألف دينار عينا وورقا وقماشا وخيلا وقيل كانت عنده ودائع عظيمة لزوجة المعتضد قطر الندى بنت خمارويه وقال بعض الناس رأيت سبائك الذهب والفضة تقبن بالقبان من بيت ابن الجصاص
وفيها أخذت طي الركب العراقي وتمزق الوفد في البرية وأسروا من النساء مائتين وثمانين امراة
وفيها توفي العلامة فقيه المغرب أبو عثمان الحداد الإفريقي المالكي سعيد ابن محمد بن صبيح وله ثلاث وثمانون سنة أخذ عن سحنون وغيره وبرع في العربية والنظر ومال إلى مذهب الشافعي وأخذ يسمى المدونة المدودة فهجره المالكية ثم أحبوه لما قام على أبي عبد الله الشيعي وناظره ونصر السنة
وفيها إبراهيم بن شريك الأسدي الكوفي صاحب أحمد بن يونس ببغداد
وحمزة بن محمد بن عيسى الكاتب صاحب نعيم بن حماد ببغداد
وإبراهيم بن محمد بن الحسن بن مثوية العلامة أبو إسحاق الأصفهاني إمام

جامع أصبهان وأحد العباد الحفاظ سمع محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ومحمد بن هاشم البعلبكي وطبقتهما
وفيها محمد بن زنجوية القشيري النيسابوري صاحب إسحاق بن راهوية
وفيها القاضي أبو زرعة محمد بن عثمان الثقفي مولاهم قاضي دمشق بعد قضاء مصر وكان جده يهوديا فأسلم وولي أبو زرعة قضاء مصر ثمان سنين والشام ما يزيد على العشرة وكان ثبتا موثقا وكان أكولا يأكل سلة عنب وسلة تين قاه الذهبي في تاريخ الإسلام
وفيها محمد بن محمد بن سليمان بن الحرث الواسطي ثم البغدادي أبو بكر الباغندي ولتدليسه رمى بالتجريح مع أنه كان حافظا بحرا قال في المغني فيه لين قال ابن عدي أرجو أنه كان لا يتعمد الكذب وكان مدلسا انتهى
وفيها ألإمام عبدوس عبد الرحمن بن أحمد بن عباد بن سعيد الهمذاني السراج أبو محمد كان ثقة فاضلا نبيلا

سنة ثلاث وثلثمائة

فيها عسكر الحسين بن حمدان والتقى هو ورائق فهزم رائقا فسار لحربه مؤنس الخادم فحاربه وتمت لها خطوب ثم أخذ مؤنس يستميل أمراء الحسين فتسرعوا إليه ثم قاتل الحسين فأسره واستباح أمواله وأدخل بغداد على جمل وأعوانه ثم قبض على أخيه أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان وأقاربه
وفيها توفي الإمام أحد الأعلام صاحب المصنفات التي منها السنن أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب بن علي النسائي نسبة إلى نسا مدينة بخراسان توفي في ثالث عشر صفر وله ثمان وثمانون سنة سمع قتيبة وإسحاق وطبقتهما بخراسان والحجاز والشام والعراق ومصر والجزيرة وكان رئيسا نبيلا حسن البزة كبير القدر له أربع زوجات يقسم لهن ولا يخلو من سرية لنهمته في

التمتع ومع ذلك كان يصوم صوم داود ويتهجد قال ابن المظفر الحافظ سمعتهم بمصر يصفون اجتهاد النسائي في العبادة بالليل والنهار وأنه خرج إلى الغزو مع أمير مصر فوصف من شهامته وإقامته السنن في فداء المسلمين واحترازه عن مجالس الأمير وقال الدارقطني خرج حاجا فامتحن بدمشق وأدرك الشهادة فقال احملوني إلى مكة فحمل وتوفي بها في شعبان قال وكان أفقه مشايخ مصر في عصره وأعلمهم بالحديث قاله في العبر وقال السيوطي في حسن المحاضرة الحافظ شيخ الإسلام أحد الأئمة المبرزين والحفاظ المتقنين والأعلام المشهورين جال البلاد واستوطن مصر فأقام بزقاق القناديل قال أبو علي النيسابوري رأيت من أئمة الحديث أربعة في وطني وأسفاري النسائي بمصر وعبدان بالأهواز ومحمد بن إسحاق وإبراهيم بن أبي طالب بنيسابور وقال الحاكم النسائي أفقه مشايخ أهل مصر في عصره وأعرفهم بالصحيح والسقيم من الآثار وأعرفهم بالرجال وقال الذهبي هو أحفظ من مسلم له من المصنفات السنن الكبرى والصغرى وهي إحدى الكتب الستة وخصائص علي ومسند علي ومسند مالك ولد سنة خمس وعشرين ومائتين قال ابن يونس كان خروجه من مصر في سنة اثنتين وثلثمائة ومات بمكة وقيل بالرملة انتهى ما قاله السيوطي وقال ابن خلكان قال محمد بن إسحاق الأصبهاني سمعت مشايخنا بمصر يقولون إن أبا عبد الرحمن فارق مصر في آخر عمره وخرج إلى دمشق فسئل عن معاوية وما روى من فضائله فقال أما يرضى معاوية أن يخرج رأسا برأس حتى يفضل وفي رواية ما أعرف له فضيلة إلا لا أشبع الله بطنك وكان يتشيع فما زالوا يدافعونه في خصيتيه وداسوه ثم حمل إلى مكة فتوفي بها وهو مدفون بين الصفا والمروة وقال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني لما داسوه بدمشق مات بسبب ذلك الدوس فهو مقتول وكان صنف كتاب الخصائص في فضل علي بن أبي طالب رضي

الله عنه وأهل البيت وأكثر روايته فيه عن الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنهم عنه فقيل له ألا صنفت في فضل الصحابة رضي الله عنهم كتابا فقال دخلت دمشق والمنحرف عن علي كثير فأردت أن يهديهم الله بهذا الكتاب وكان إماما في الحديث ثقة ثبتا حافظا انتهى ملخصا
وفيها الحافظ الكبير أبو العباس الحسن بن سفيان الشيباني النسوي نسبة إلى نسا مدينة بخراسان صاحب المسند والأربعين تفقه على أبي ثور وكان يفتي بمذهبه وسمع من أحمد بن حنبل ويحي بن معين والكبار وكان ثقة حجة واسع الرحلة قال الحاكم كان محدث خراسان في عصره مقدما في التثبت والكثرة والفهم والأدب والفقه توفي في مضان وقال ابن ناصر الدين الحسن ابن سفيان بن عامر أبو العباس الشيباني النسائي ويقال النسوي صاحب المسند الكبير وكتاب الأربعين وكان شيخ خراسان في وقته مقدما في حفظه وفقهه وأدبه وثقته وثبته قلبت عليه أحاديث وعرضت فردها كما كانت ورويت انتهى
وفيها أبو علي الجبائي بالضم والتشديد نسبة إلى جبي بالقصر قرية بالبصرة وهو محمد بن عبد الوهاب البصري شيخ المعتزلة وأبو شيخ المعتزلة أبي هاشم وعن أبي علي أخذ شيخ زمانه أبو الحسن الأشعري ثم رجع عن مذهبه وله معه مناظرات في الثلاثة الإخوة وغيرها دونها الناس وسيأتي شيء منها في ترجمة الأشعري إن شاء الله تعالى
وفيها أحمد بن الحسين بن إسحاق أبو إسحاق البغدادي المعروف بالصوفي الصغير روى عن إبراهيم الترجماني وجماعة قال في المغني وثقه الحاكم وغيره ولينه بعضهم انتهى
وفيها أبو جعفر أحمد بن ذرح البغدادي المقرئ الضرير صاحب أبي عمرو الدوري تصدر للإقراء مدة طويلة وروى الحديث عن ابن المديني
وفيها إسحاق بن إبراهيم النيسابوري البشتي روى عن قتيبة وخلق وقال ابن

ناصر الدين هو إسحاق بن إبراهيم بن نصر النيسابوري البشتي أبو يعقوب كان إماما حافظا صنف المسند في ثلاث مجلدات كبار وهو غير أبي محمد بن إسحاق بن إبراهيم البستي مهملة على الصحيح وهذا أي الثاني يروي عن هشام بن عمار توفي سنة سبع وثلثمائة وقد بينت ذلك في كتابي التوضيح انتهى قلت والبشتي بضم الباء وسكون المعجمة نسبة إلى بشت قرية بهراة وبلدة بنيسابور منها صاحب الترجمة
وفيها إبراهيم بن إسحاق النيسابوري أبو إسحاق الأنماطي هو حافظ ثبت رحال وهو صاحب التفسير روى عن إسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل وكان الإمام أحمد ينبسط في منزله ويفطر عنده
وفيها جعفر بن أحمد بن نصر الحافظ أبو محمد النيسابوري المعروف بالحصيري سمع إسحاق بن راهويه وكان حافظا عابدا
وعبد الله بن محمد بن يونس السمناني أبو الحسين أحد الثقات الرحالة سمع إسحاق وعيسى زغبة وطبقتهما
وفيها عمر بن أيوب السقطي ببغداد روى عن بشر بن الوليد وطبقته
وفيها محمد بن العباس الدرفس أبو عبد الرحمن الغساني الدمشقي الرجل الصالح روى عن هشام بن عمار وعدة
ومحمد بن المنذر أبو عبد الرحمن الهروي الحافظ المعروف بشكر طوف وجمع وروى عن محمد بن رافع وطبقته قال ابن ناصر الدين وشكر هو محمد بن المنذر بن سعيد بن عثمان بن رجاء بن عبد الله بن العباس بن مرداس السلمي الهروي القهندي أبو جعفر ويقال أبو عبد الرحمن ثقة انتهى

سنة أربع وثلثمائة

قال في الشذور فيها استوزر أبو الحسن بن الفرات فركب إلى داره فسقى

الناس يومئذ في داره أربعين ألف رطل من الثلج انتهى
وفيها غزا مونس الخادم بلاد الروم من ناحية ملطية وافتتح حصونا وأثر إثره
وفيها توفي أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله المخرمي روى عن عبيد الله القواريري وجماعة ضعفه الدارقطني وقال في المغني قال الدارقطني ليس بثقة حدث ببواطيل انتهى
وإسحاق بن إبراهيم أبو يعقوب المنجنيقي روى عن داود بن رشيد وطبقته وهو بغدادي نزل بمصر وكان يحدث عن منجنيق بجامع مصر فقيل له المنجنيقي قال ابن ناصر الدين عنه النسائي فيما قيل وله كتاب رواية الكبار عن الصغار والآباء عن الأنباء انتهى
وفيها مات الأمير زيادة الله بن عبد الله الأغلبي من أمراء القيروان حارب المهدي الذي خرج بالقيروان ثم عجز عنه وهرب إلى الشام ومات بالرقة وقيل بالرملة
وفيها الحافظ عبد الله بن مظاهر الأصبهاني شابا وكان قد حفظ جميع المسند وشرع في حفظ أقوال الصحابة والتابعين روى عن مطين يسيرا
وفيها القسم بن الليث بن مسرور الرسعني العتابي أبو صالح نزيل تنيس روى عن المعافي الرسعني وهشام بن عمار
وفيها يموت بن المزرع أبو بكر العبدي النضري الأخباري العلامة وهو في عشر الثمانين روى عن خاله الجاحظ وأبي حفص الفلاس وطبقتهما وقال ابن الأهدل هو ابن أخت أبي عمرو الجاحظ كان أديبا أخباريا صاحب ملح ونوادر وكان لا يعود مريضا خشية أن يتطيروا باسمه ومدحه منصور الضرير فقال
( أنت يحيى والذي يك ** ره أن يحيا يموت )


( أنت ضوء الشمس بل أنت ** لروح النفس قوت ) انتهى وزاد ابن خلكان بيتا وهو
( أنت للحكمة بيت ** لا خلت منك البيوت )
وقال ابن خلكان وكان يقول بليت بالاسم الذي سماني به ابي فإني اذا عدت مريضا فاستأذنت عليه فقيل من هذا قلت ابن المزرع وأسقطت اسمى وقال ابن المزرع رؤى قبر بالشام عليه مكتوب لا يغترن أحد بالدنيا فإني ابن من كان يطلق الريح اذا شاء ويحبسها إذا شاء وبحذائه قبر مكتوب عليه كذب الماص بظر أمه لا يظن أحد أنه ابن سليمان بن داود عليهما السلام إنما هو ابن حداد يجمع الريح في الزق ثم ينفخ بها النار قال فما رأيت قبلهما قبرين يتشاتمان
وكان له ولد يدعي أبا فضلة مهلهل بن يموت بن المزرع وكان شاعرا مجيدا ذكره المسعودي في مروج الذهب ومعادن الجوهر فقال هو من شعراء زمانه وفيه يقول أبوه مخاطبا له
( مهلهل قد حلبت شطور دهري ** وكافحني بها الزمن العنوت )
( وحاربت الرجال بكل ربع ** فأذعن لي الحثالة والرتوت )
( فأوجع ما أحن إليه قلبي ** كريم غشه زمن عنوت )
( كفى حزنا بضيعة ذي قديم ** وأبناء العبيد لها التخوت )
( وقد أسهرت عيني بعد غمض ** مخافة أن تضيع إذا فنيت )
( وفي لطف المهيمن لي عزاء ** بمثلك إن فنيت وإن بقيت )
( فجب في الأرض وابغ بها علوما ** ولا تقطعك جائحة شتوت )
( وإن بخل العليم عليك يوما ** فذل له وديدنك السكوت )
( وقل بالعلم كان أبي جوادا ** يقولوا من أبوك فقل يموت )


( يقر لك الأباعد والأداني ** بعلم ليس يجحده البهوت ) ومن شعر مهلهل
( جلت محاسنه عن كل تشبيه ** وجل عن واصف في الناس يحكيه )
( انظر إلى حسنه واستغن عن صفتي ** سبحان خالق سبحان باريه )
( النرجس الغض والورد الجني له ** والأقحوان النضير النضر فى فيه )
( دعا بالحاظه قلبي إلى عطبى ** فجاءه مسرعا طوعا يلبيه )
( مثل الفراشة تأتي إذ ترى لهبا ** الى السراج فتلقي نفسها فيه )
وفيها توفي الشيخ الكبير شيخ الري والجبال في التصوف أبو يعقوب يوسف بن الحسين الرازي كان نسيج وحده في إسقاط التصنع صحب ذا النون وأبا تراب ومن كلامه لأن ألقي الله تعالى بجميع المعاصي أحب إلى من أن ألقاه بذرة من التصنع وإذا رأيت المريد يشتغل بالرخص فاعلم أنه لا يجيء منه شيء وكتب إلى الجنيد لا أذاقك الله طعم نفسك فانك إن ذقتها لا تذوق بعدها خيرا أبدا وقال علم القوم بأن الله يراهم فاستحيوا من نظره أن يراعوا شيئا سواه وكان يقول اللهم انك تعلم إني نصحت الناس قولا وخنت نفسي فعلا فهب لى خيانه نفسي بنصيحتي للناس وروى عن احمد ابن حنبل ودحيم وطائفه

سنة خمس وثلثمائة

فيها على ما قاله قي الشذور أهدى صاحب عمان للسلطان طرائف من البحر فيها طائر أسود يتكلم بالفارسية والهندية أفصح من الببغاء انتهى
وفيها قدم رسول ملك الروم يطلب الهدنة فاحتفل المقتدر بجلوسه له قال الصولي وغيره أقاموا الجيش بالسلاح من باب الشماسية وكان مائة وستين ألفا ثم الغلمان وكانوا سبعة آلاف وكانت الحجاب سبعمائة وعلقت

ستور الديباج فكانت ثمانية وثلاثين ألف ستر ومن البسط وغيرها ما يذهب بالبصر حسنا ومما كان في الدار مائة سبع مسلسلة ثم أدخل الرسول دار الشجرة وفيها بركة فيها شجرة لها أغصان عليها طيور مذهبة وورقها ألوان مختلفة وكل طائر يصفر لونا بحركات مصنوعة ثم أدخل إلى داره المسماة بالفردوس وفيها من الفرش والآلات ما لا يقوم
وفيها أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن شيرويه بن أسد القرشي المطلبي النيسابوري أحد الحفاظ سمع إسحاق بن راهويه وأحمد بن منيع وطبقتيهما وصنف التصانيف وكان ثقة
وفيها محدث جرجان عمران بن موسى سمع هدبة بن خالد وطبقته ورحل وصنف وكان من الثقات الأثبات وتوفي في رجب
وأبو خليفة الفضل بن الحباب الجمحي البصري مسند العصر في ربيع الآخر وله مائة سنة إلا بعض سنة وكان محدثا متقنا ثبتا أخباريا عالما روى عن مسلم بن إبراهيم وسليمان بن حرب وطبقتهما
وفيها علي سعيد العسكري نزيل الري كان من الأثبات الحفاظ
وفيها القسم بن زكريا أبو بكر المطرز ببغداد روى عن سويد بن سعيد وأقرانه وقرأ على الدوري وأقرأ الناس وجمع وصنف وكان ثقة
ومحمد بن إبراهيم بن أبان السراج البغدادي روى عن يحيى الحماني وعبيد الله القواريري وجماعة
وفيها محمد بن إبراهيم بن نصر بن شبيب أبو بكر الاصبهاني روى عن أبي ثور الكلبي وغيره
وفيها محمد بن نصير أبو عبد الله المدني روى عن إسماعيل بن عمرو البجلي وجماعة ووثقه الحافظ أبو نعيم
وفيها محمد بن إبراهيم بن حيون الأندلسي الحجازي أبو عبد الله ثقة صدوق

سنة ست وثلثمائة

فيها وقبلها أمرت أم المقتدر في أمور الأمة ونهت لركاكة ابنها فإنه لم يركب للناس ظاهرا منذ استخلف إلى سنة إحدى وثلثمائة ثم ولى ابنه عليا إمرة مصر وغيرها وهو ابن أربع سنين وهذا من الوهن الذي دخل على الأمة ولما كان في هذا العام أمرت أم المقتدر ثمل القهرمانة أن تجلس للمظالم وتنظر في القصص كل جمعة بحضرة القضاة وكانت تبرز التواقيع وعليها خطها
وفيها أقبل القائم محمد بن المهدي صاحب المغرب في جيوشه فأخذا الاسكندرية وفيها توفي أحمد بن الحسن بن عبد الجبار أبو عبد الله الصوفي ببغداد روى عن علي بن الجعد ويحي بن معين وجماعة وكان ثقة صاحب حديث مات عن نيف وتسعين سنة
وفيها القاضي أبو العباس أحمد بن عمر بن سريج البغدادي شيخ الشافعية وصاحب التصانيف في جمادى الأولى وله سبع وخمسون سنة وستة أشهر وكان يقال له الباز الأشهب ولي قضاء شيراز وله من المصنفات أربعمائة مصنف روى الحديث عن الحسن بن محمد الزعفراني وجماعه قال الأسنوى قال شيخ أبو إسحاق كان ابن سريج يفضل على جميع أصحاب الشافعي حتى علي المزني انتهى وقال ابن خلكان وأخذ الفقه عن ابي القسم الأنماطي وعنه أخذ فقهاء الإسلام ومنه انتشر مذهب الإمام الشافعي في اكثر الآفاق وكان يناظر أبا بكر محمد بن داود الظاهرى وحكى أنه قال له أبو بكر يوما أبلغني ريقي فقال له أبلعتك دجلة وقال له يوما أمهلني ساعة قال أمهلتك من الساعة إلى قيام الساعة وقال له يوما أكلمك من الرجل فتجيبني من الرأس فقال له هكذا البقر إذا جفت أظلافها دهنت قرونها وكان يقال له في عصره إن الله تعالى بعث عمر بن عبد العزيز على رأس المائة من الهجرة فأظهر كل سنة وأمات

مدة وروى عن احمد بن عبيد بن ناصح وأبي يزيد القراطيسي وطبقتهما وكان صاحب حديث له مصنفات كثيرة في الحديث والزهد وكان مقدم زمانه في الوعظ قال السيوطي في حسن المحاضرة قال ابن كثير ارتحل إلى مصر فأقام بها حتى عرف بالمصري روى عنه الدارقطني وغيره وكان له مجلس وعظ عظيم مات في ذي القعدة وله سبع وثمانون سنة انتهى ملخصا
وفيها علي سختونه بن خمشاد أبو الحسن النيسابوري الحافظ العدل الثقة أحد الأئمة سمع الفضل بن محمد الشعراني وإبراهيم ديزيل وطبقتهما ورحل وطوف وصنف وله مسند كبير في أربعمائة جزء وأحكام في مائتين وستين جزءا توفى فجأة في الحمام وله ثمانون سنة قال أحمد بن إسحاق الضبعي صحبت علي بن خشمان في الحضر والسفر فما أعلم أن الملائكة كتبت عليه خطيئة
وفيها محمد بن عبد الله بن دينار أبو عبد الله النسابوري الفقيه الرجل الصالح سمع السري بن خزيمة وأقرانه قال الحاكم كان يصوم النهار ويقوم الليل ويصبر على الفقر ما رأيت في مشايخنا أصحاب الرأي أعبد منه

سنة تسع وثلاثين وثلثمائة

فيها دخل سيف الدولة بن حمدان بلاد الروم في ثلاثين ألفا فافتتح حصونا وسبى وغنم فأخذت الروم عليه الدروب فاستولوا على عسكره قتلا وأسرا ونجا هو في عدد قليل ووصل من سلم في أسوأ حال
وفيها أعادت القرامطة الحجر الأسود إلى مكانه وكان بحكم بذل لهم في رده خمسين ألف دينار فلم يردوه وقالوا أخذناه بأمر وإذا ورد أمر رددناه فردوه وقالوا رددناه بأمر من أخذناه بأمره لتتم مناسك الناس قاله في الشذور

ومن حافظ عل الفرائض في أول مواقيتها فهو عابد ومن رأى الأفعال كلها ومن الله فهو موحد وسئل ما تقول في الرجل يدخل البادية بلا زاد قال هذا من فعل رجال الله قيل فإن مات قال الدية على القاتل وقال اهتمامك بالرزق يزيلك عن الحق ويفقرك إلى الخلق وسئل مرة عن علم الصفات فقال
( كيفية المرء ليس المرء يدركها ** فكيف كيفية الجبار في القدم )
( هو الذي أحدث الأشياء مبتدعا ** فكيف يدركه مستحدث النسم ) انتهى
وفيها حاجب ابن أركين الفرغاني الضرير المحدث روى عن أحمد بن إبراهيم الدورقي وجماعة وله جزء مشهور
والحسين بن حمدان التغلبي ذبح في حبس المقتدر بأمره
وفيها الإمام أبو محمد عبدان بن أحمد بن موسى الأهوازي الجواليقي الحافظ الثقة صاحب التصانيف سمع سهل بن عثمان وأبا بكر بن أبي شيبة وطبقتهما وكان يحفظ مائة ألف حديث ورحل إلى البصرة ثماني عشرة مرة توفي في آخر السنة وله تسعون سنة وأشهر
وفيها محمد بن خلف بن وكيع القاضي أبو بكر الأخباري صاحب التصانيف روى عن الزبير بن بكار وطبقته وولي قضاء الأهواز قال في المغني مشهور له تأليف قال ابن المنادي فيه لين انتهى
وفيها الفقيه الإمام أبو الحسن منصور بن إسماعيل بن عمر التميمي الضرير أصله من رأس عين بلدة بالجيزة له مصنفات في مذهب الشافعي حسان وشعر جيدا أصابته فاقة في سنة قحط فنادى بأعلى صوته فوق داره الغياث الغياث يا أحرار نحن فقراء وأنتم تجار إنما تحسن المواساة في الشد لا حين ترخص الأسعار فسمعه جيرانه فأصبح على بابه مائة حمل بر قال الأسنوي كان فقيها متصرفا في علوم كثيرة لم يكن في زمانه في مصر مثله قال الشيخ أبو إسحاق قرأ على

أصحاب الشافعي وأصحاب أصحابه وله مصنفات في الفقه مليحة منها الهداية والمسافر والواجب والمستعمل وغيرها وله شعر مليح وكان شاعرا خبيث اللسان في الهجو وكان جنديا ومن شعره
( لي حيلة فيمن ينم ** وليس في الكذاب حيله )
( من كان يخلق ما يقول ** فحيلتي فيه قليله )
وله أيضا
( الكلب أحسن عشرة ** وهو النهاية في الخساسه )
( ممن ينازع في الريا ** سة قبل أوقات الرياسه )
نقل عنه الرافعي في الجنايات أن مستحق القصاص يجوز له استيفاؤه بغير إذن الإمام انتهى ملخصا

سنة سبع وثلثمائة

فيها كما قال في الشذور انقض كوكب عظيم وتقطع ثلاث قطع وسمع بعد انقضاضه صوت رعد عظيم هائل من غير غيم
وفيها كانت الحرب والأراجيف الصعبة بمصر ثم لطف الله وأوقع المرض في المغاربة ومات جماعة من أمرائهم واشتدت علة القائم محمد بن المهدي
وفيها دخلت ا لقرامطة البصرة فنهبوا وسبوا
وفيها توفي أبو العباس الإشناني أحمد بن سهل المقرىء المجود صاحب عبيد بن الصباح وكان ثقة روى الحديث عن بشر بن الوليد وجماعة
وفيها أبو يعلى الموصلي أحمد بن علي المثنى بن يحيى التميمي الحافظ صاحب المسند روى عن علي بن الجعد وغسان بن الربيع والكبار وصنف التصانيف وكان ثقة صالحا متقنا توفي وله تسع وتسعون سنة
وفيها أبو بحيى زكريا بن يحيى الساجي البصري الحافظ محدث البصرة

روى عن هدبة بن خالد وطبقته وله كتاب في علل الحديث قال الأسنوي منسوب إلى الساج وهو نوع من الخشب كان أحد الأئمة الفقهاء الحفاظ الثقات ذكره الشيخ أبو إسحاق في طبقاته فقال أخذ عن الربيع والمزني وصنف كتاب اختلاف الفقهاء وكتاب علل الحديث وتوفي بالبصرة انتهى
وفيها أبو بكر عبد الله بن مالك بن سيف التجيبي مقرئ الديار المصرية روى عن محمد بن رمح وتلا على أبي يعقوب الأزرق صاحب ورش وحدث عنه ابن يونس وتوفى في جمادى الآخرة وعمر دهرا طويلا
وفيها أبو جعفر محمد بن صالح بن ذريح العكبري المحدث روى عن جبارة بن لمغلس وطائفة
وفيها محمد بن علي بن مخلد بن فرقد الداركي الأصبهاني آخر أصحاب إسماعيل بن عمرو البجلي وآخر أصحابه أبو بكر بن المقري
وفيها محمد بن هارون أبو بكر الروياني الحافظ الكبير صاحب المسند روى عن أبي كريب وطبقته وله تصانيف في الفقه وكان من الثقات
وفيها أبو عمران الجوني موسى بن سهل بالبصرة وسكن بغداد وكان ثقة رحالا حافظا سمع محمد بن رمح وهشام بن عمار وطبقتهما
وفيها الحافظ أبو محمد الهيثم بن خلف الدوري ببغداد روى عن عبيد الله بن عمر القواريري وطبقته وجمع وصنف وكان ثقة
ويحيى بن زكريا النيسابوري أبو زكريا الأعرج أحد الحفاظ بمصر وهو عم محمد بن عبد الله بن زكريا بن حيوة النيسابوري دخل مصر

على كبر السن وروى عن قتيبة وابن راهويه

سنة ثمان وثلثمائة

فيها ظهر اختلال الدولة العباسية وجيشت الغوغاء ببغداد فركب الجند وسبب ذلك كثرة الظلم من الوزير حامد بن العباس فقصدت العامة داره فحاربتهم غلمانه وكان له مماليك كثيرة فدام القتال أياما وقتل عدد كثر ثم استفحل البلاء ووقع النهب في بغداد وجرت فيها فتن وحروب بمصر وملك العبيديون جيزة الفسطاط فجزعت الخلق وشرعوا في الهرب
وفيها توفي الحافظ أبو الحسن علي بن سراج بن أبي الأزهر المصري وكان من الضعفاء لفسقه بشرب المسكر قال الحافظ ابن ناصر الدين في بديعة البيان
( ثم على بن سراج المصري ** حوله شرابه ففر )
( أي حوله عن عدالة إلى الفسق وعدم قبول الرواية شربه المسكر ففر أي انفر منه وهو أمر من الفرار
وفيها إبراهيم بن محمد بن سفيان الفقيه أبو إسحق النيسابوري الرجل الصالح راوي صحيح مسلم روى عن محمد بن رافع ورحل وسمع ببغداد والكوفة والحجاز وقيل كان مجاب الدعوة قاله في العبر
وفيها أبو محمد إسحق بن أحمد الخزاعي مقرىء أهل مكة وصاحب البزي روى مسند العدلي عن المصنف وتوفي في رمضان وهو في عشر التسعين
وعبد الله بن وهب الحافظ الكبير أبو محمد الدينوري سمع الكثير وطوف الأقاليم وروى عن أبي سعيد الأشج وطبقته قال ابن عدي سمعت عمر بن سهل يرميه بالكذب وقال الدارقطني متروك وقال أبو علي النيسابوري بلغني أن أبا ذرعة كان يعجز عن مذاكرته وقال ابن ناصر الدين كان حافظا رحالا لكنه عند الدارقطني وغيره من المتروكين وقد قبله قوم وصدقوه فيما

ذكره ابن عدي وعنه نقلوه انتهى
وفيها أبو الطيب محمد بن المفضل بن سلمة بن عاصم الضبي الفقيه الشافعي صاحب ابن سريج أحد الأذكياء صنف الكتب وهو صاحب وجه وكان يرى تكفير تارك الصلاة ومات شابا وأبوه وجده من أئمة العربية
وفيها المفضل بن محمد أبو سعيد الجندي محدث مكة روى عن إبراهيم بن محمد الشافعي والعدني وجماعة ووثقه أبو علي النيسابوري
وفيها أبو الفرج يعقوب بن يوسف وزير العزيز بن المعتز العبيدي صاحب مصر وكان يعقوب أولا يهوديا يزعم أنه من ولد السموأل بن عاد ياء صاحب حصن الأبلق باليمن وكان في خدمة كافور الإخشيدي وبعد وفاة كافور ولي الوزارة للعزيز وكان يحب العلم والعلماء وقال له العزيز في مرضه لو كنت تشتري لاشتريتك بملكي وولدي ولما مات صلى عليه ودخل قبره قاله ابن الأهدل وهي من غلطاته فإنه في هذا التاريخ لم يكن وجد وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى

سنة تسع وثلاثمائة

فيها أخذت الإسكندرية واستردت إلى نواب الخليفة ورجع العبيدي إلى المغرب
وفيها قتل أبو عبد الله الحسين بن منصور بن محمى الفارسي الحلاج وكان محمى مجوسيا قال في العبر تصوف الحلاج وصحب سهل بن عبد الله التستري ثم قدم بغداد فصحب الجنيد والنوري وتعبد فبالغ في المجاهدة والترقب ثم فتن ودخل عليه الداخل من الكبر والرياسة فسافر إلى الهند وتعلم السحر فحصل له به حال شيطاني وهرب منه الحال الإيماني ثم بدت منه كفريات أباحت دمه وكسرت صنمه واشتبه على الناس السحر بالكرامات فضل به

خلق كثير كدأب من مضى ومن يكون إلى مقتل الدجال الأكبر والمعصوم من عصمة الله وقد جال هذا الرجل بخراسان وما وراء النهر والهند وزرع في كل ناحية زندقة فكانوا يكاتبونه من الهند بالمغيث ومن بلاد الترك بالمقيت لبعد الدار عن الإيمان وأما البلاد القريبة فكانوا يكاتبونه من خراسان بأبي عبد الله الزاهد ومن خورستان بالشيخ حلاج الأسرار وسماه أشياعه ببغداد المصطلم وبالبصرة المحير ثم سكن بغداد في حدود الثلثمائة وقبلها واشترى أملاكا وبنى دارا وأخذ يدعو الناس إلى أمور فقامت عليه الكبار ووقع بينه وبين الشبلي والفقيه محمد بن داود الظاهري والوزير علي بن عيسى الذي كان في وزارته كابن هبيرة في وزارته علما ودينا وعدلا فقال ناس ساحر فأصابوا وقال ناس به مس من الجن فما أبعدوا لأن الذي كان يصدر منه لا يصدر من عاقل إذ ذلك موجب حتفه أو هو كالمصروع أو المصاب الذي يخبر بالمغيبات ولا يتعاطى بذلك حالا ولا إن ذلك من قبيل الوحي ولا الكرامات وقال ناس من الأغتام بل هذا رجل عارف ولى لله صاحب كرامات فليقل ما شاء فجهلوا من وجهين أحدهما أنه ولى والثاني أن الولي يقول ما شاء فلن يقول إلا الحق وهذه بلية عظيمة ومرضة مزمنة أعياء الأطباء داؤها وراج بهرجها وعز ناقدها والله المستعان قال أحمد بن يوسف التنوخي الأزرق كان الحلاج يدعو كل وقت إلى شيء على حسب ما يستبله طائفه أخبرني جماعة من أصحابه أنه لما افتتن به الناس بالأهواز لما يخرج لهم من الأطعمة في غير وقتها والدراهم ويسميها دراهم القدرة حدث الجبائي بذلك فقال هذه الأشياء تمكن الحيل فيها ولكن أدخلوه بيتا من بيوتكم وكلفوه أن يخرج منه جرزتي شوك فبلغ الحلاج قوله فخرج من الأهواز وروى عن عمرو بن عثمان المكي أنه لعن الحلاج وقال قرأت آية من القرآن فقال يمكنني أن أؤلف مثلها وقال أبو يعقوب الأقطع زوجت بنتي بالحلاج فبان

لي بعد أنه ساحر محتال وقال الصولي جالست الحرج فرأيت جاهلا يتعاقل وعيبيا يتبالغ وفاجرا يتزهد وكان ظاهره أنه ناسك فإذا علم أن أهل بلد يرون الإعتزال صار معتزليا أو يرون التشيع تشيع أو يرون التسنن تسنن وكان يعرف الشعبذة والكيماء والطب ويتنقل في البلدان ويدعى الربويية ويقول للواحد من أصحابه أنت أدم ولذا أنت نوح ولهذا أنت محمد ويدعى التناسخ وإن أرواح الأنبياء انتقلت إليهم وقال الصولي أيضا قبض على الراسي أمير الأهواز على الحلاج في سنة إحدى وثلثمائة وكتب إلى بغداد يذكر أن البينة قامت عنده أن الحلاج يدعى الربوبية ويقول بالحلول فحبس مدة وكان يرى الجاهل شيئا من شعبذته فإذا وثق به دعاه إلى أنه إله ثم قيل إنه سنى وإنما يريد قتله الرافضة ودافع عن نصر الحاجب قال وكان في كتبه أنه مغرق قوم نوح ومهلك عاد وثمود وكان الوزير حامد قد وجدله كتابا فيه أن المرء إذا عمل كذا وكذا من الجوع والصدقة ونحو ذلك أغناه ذلك عن الصوم والصلاة والحج فقام عليه حامد فقتل وافتي جماعة من العلماء بقتله وبعث حامد بن العباس بخطوطهم إلى المقتدر فتوقف المقتدر فراسله إن هذا قد ذاع كفره وادعاؤه الربوبية وإن لم يقتل افتتن به الناس فإذن في قتله فطلب الوزير صاحب الشرطة وأمره أن يضربه ألف سوط فإن لم يمت والأقطع أربعته فأحضر وهو يتبختر في قيده فضرب ألف سوط ثم قطع يده ورجله ثم حزر رأسه وأحرقت جثته وقال ثابت بن سنان انتهى إلى حامد في وزارته أمر الحلاج وأنه قد موه على جماعة من الخدم والحشم وأصحاب المقتدر بأنه يحيى الموتى وأن الجن يخدمونه ويحضرون إليه ما يريد وكان محبوسا بدار الخلافة فأحضر جماعة إلى حامد فاعترفوا أن الحلاج إله وأنه يحيى الموتى ثم وافقوه وكاشفوه وكانت زوجة السمرى عنده في الإعتقال فأحضرها حامد فسألها فقالت قد قال مرة زوجتك بأبنى وهو بنيسابور وأن جرى

منه ما تكرهين فصومى واصعدي على السطح على الرماد وافطري على الملح واذكري ما تكرهينه فأني اسمع وأرى قالت وكنت نائمة وهو قريب مني فما احسست إلا وقد غشيني فانتبهت فزعة فقال إنما جئت لأوقظك للصلاة وقالت لي بنته يوما اسجدى له فقلت أو يسجد أحد لغير الله وهو يسمعني فقال نعم الله في السماء واله في الأرض وقال ابن باكويه سمعت حمد بن الحلاج يقول سمعت احمد بن فاتك تلميذ والدي يقول بعد ثلاث من قتل والدي رأيت رب العزة في المنام فقلت يا رب ما فعل الحسين بن منصور قال كاشفته بمعنى فدعا الخلق إلى نفسه فأنزلت به ما رأيت وقال يوسف بن يعقوب النعماني سمعت محمد بن داود بن علي الأصبهاني الفقيه يقول أن كان ما أنزل الله على نبيه حقا فما يقول الحلاج باطل وعن أبي بكر بن سعدان قال لي الحلاج تؤمن بي حتى ابعث لك بعصفورة تطرح من زرقها على كذا منا نحاسا فيصير ذهبا قلت أفتؤمن بي حتى ابعث إليك بفيل يستلقي فتصير قوائمه في السماء فإذا أردت أن تخفيه أخفيته في عينك فابهته وكان مموها مشعوذا انتهى كلام العبر بحروفه وفي تاريخ ابن كثير قال وقد صحب الحلاج جماعة من سادات المشايخ كالجنيد وعمرو بن عثمان المكي وأبي الحسين النوري قال الخطيب البغدادي والصوفية مختلفون فيه فأكثرهم نفى أن يكون الحلاج منهم وقبله أبو العباس بن عطاء ومحمد بن جعفر الشيرازي وأبو القسم النصر أباذي وصححوا حاله ودونوا كلامه حتى قال ابن خفيف وهو محمد بن جعفر الشيرازي الحسين بن منصور عالم رباني وعوتب النصر اباذي في شيء حكى عن الحلاج في الروح فقال إن كان بعد النبيين والصديقين موحد فهو الحلاج وقال السلمي سمعت منصور بن عبد الله يقول سمعت الشبلي يقول كنت أنا والحسين بن منصور شيئا واحدا إلا أنه أظهر وكتمت قال الخطيب والذي نفاه من الصوفية نسبوه إلى الشعبذة في فعله وإلى الزندقة في عقيدته وعقده

وأجمع الفقهاء ببغداد أنه قتل كافرا وكان ممخر قامموها مشعبذا وبهذا قال أكثر الصوفية فيه ومنهم طائفة كما تقدم أجملوا القول فيه وغرهم ظاهره ولم يطلعوا على باطنه ولا باطن قوله ولما أنشد لأبي عبد الله بن خفيف قول الحلاج ابن منصور
( سبحان من أظهر ناسوته ** سرسنى لاهوته الثاقب )
( ثم بدا في خلقه ظاهرا ** في صورة الآكل والشارب )
( حتى لقد عاينه خلقه ** كخطة الحاجب بالحاجب )
فقال ابن خفيف على من يقول هذا لعنة الله فقيل له إن هذا من شعر الحلاج فقال قد يكون مقولا عليه ولما كان يوم الثلاثاء لتسع بقين من ذي القعدة سنة تسع وثلثمائة أحضر الحلاج إلى مجلس الشرطة بالجانب الغربي فضرب نحو ألف سوط ثم قطعت يداه ورجلا ثم ضربت عنقه وأحرقت جثته بالنار ونصب رأسه على سور الجسر الجديد وعلقت يداه ورجلاه إلى جانب رأسه وذكر السلمى بسنده قال أبو بكر بن ممشاد حضر عندنا بالدينور رجل ومعه خلاة فوجدوا فيها كتابا للحلاج عنوانه من الرحيم الرحمن إلى فلان بن فلان يدعوه إلى الضلالة والإيمان به فبعث بالكتاب إلى بغداد فسئل الحلاج عن ذلك فأقر أنه كتبه وعلى هذا جرى ما جرى انتهى ما قاله ابن كثير نقله عنه السخاوي
وفيها توفي أبو العباس أحمد بن محمد بن سهل بن عطاء الأدمي الزاهد أحد مشايخ الصوفية القانتين الموصوفين بالإجتهاد في العبادة قيل أنه كان ينام في اليوم والليلة ساعتين ويختم القرآن كل يوم سئل ما المرءة قال إن لا يستكثر له عملا وقال من ألزم نفسه آداب السنة نور الله قلبه بنور المعرفة ولا مقام أشرف من مقام متابعة الحبيب في أوامره وأفعاله وأخلاقه والتأدب بآدابه قولا وفعلا وعزما ونية وعقدا وقال العلم الأكبر الهيبة والحياء فمن

عرى عنهما عرى عن الخيرات وقال من حرم الآداب حرم جوامع الخيرات وقال أصح العقول عقل وافق التوفيق وشر الطاعات طاعة أورثت عجبا وخير الذنوب ذنب أعقب توبة وندما توفي في ذي القعدة بالعراق
وفيها حامد بن محمد بن شعيب أبو العباس البلخي المؤدب ببغداد روى عن شريح بن يونس وطائفة وكان ثقة عاش ثلاثا وتسعين سنة
وعمرو بن إسمعيل بن أبي غيلان أبو حفص الثقفي البغدادي سمع على بن الجعد وجماعة ووثقه الخطيب
وفيها أبو بكر محمد بن الحسين بن المكرم البغدادي بالبصرة وكان أحد الحافظ المبرزين روى عن بشر بن الوليد وطبقته
وفيها عبد الرحمن بن عبد المؤمن بن خالد المهلبي الأزدي أبو محمد وكان من الثقات الحافظ والإثبات الأيقاظ
ومحمد بن خلف بن المرزبان أبو بكر البغدادي الإخباري صاحب التصانيف روى عن الزبير بن بكار وطبقته وكان صدوقا
وفيها محمد بن أحمد بن راشد بن معدان الثقفي مولاهم أبو بكر الأصبهاني ابن معدان كان حافظا رحالا كثير المصنفات

سنة عشر وثلثمائة

فيها كما قال في الشذور انبثق بواسط تسعة عشر بثقا أصغرها مائتا ذراع وأكبرها ألف ذراع وغرق من أمهات القرى ألف وثلثمائة قرية انتهى
وفيها توفي الحافظ الكبير الثقة أبو جعفر أحمد بن يحيى سمع أبا كريب وطبقته وروى عنه ابن حبان والطبراني وكان مع حفظه زاهدا خيرا قال أبو إسحق بن حمزة الحافظ ما رأيت أحفظ منه وقال ابن المقرى فيه حدثنا تاج المحدثين فذكر حديثا


وفيها إسحق بن إبراهيم بن محمد بن جميل أبو يعقوب الأصبهاني الراوي عن أحمد بن منيع مسنده عن سن عالية قال حفيده عبيد الله بن يعقوب عاش جدي مائة وسبع عشرة سنة
وفيها أبو شيبة داود بن إبراهيم بن روزبة البغدادي بمصر روى عن محمد ابن بكار بن الريان وطائفة قال في المغني داود بن إبراهيم بن روزبة أبو شيبة معروف صدوق أخطأ ابن الجوزي ووهاه مرة على بن أنه لم يذكره في الضعفاء انتهى
وفيها على العباس البجلي الكوفي المقامني أبو الحسن روى عن أبي كريب وطبقته
وفيها على الصحيح أوفي سنة إحدى عشرة أو ست عشرة أبو إسحق إبراهيم أبن محمد بن السري بن سهل الزجاج النحوي قال ابن خلكان كان من أهل العلم والأدب والدين المتين وصنف كتابا في معاني القرآن وله كتاب الأمالي وكتاب ما فسر من جمع المنطق وكتاب الإشتقاق وكتاب العروض وكتاب النوادر وكتاب الأنواء وغيرها وأخذ الأدب عن المبرد وثعلب وكان يخرط الزجاج ثم تركه واشتغل بالأدب فنسب إليه واختص بصحبة الوزير عبيد الله بن سليمان وعلم ولده القاسم الأدب ولما استوزر القاسم أفاد بطريقته مالا جزيلا وحكى أبو على الفارسي النحوي قال دخلت مع شيخنا أبي إسحق على القسم بن عبيد الله الوزير فورد الخادم فساه بسر فاستبشره ثم نهض فلم يكن بأسرع من عاد وفي وجهه أثر الوجوم فسأله شيخنا عن ذلك فقال له كانت تختلف إلينا جارية لأحدى القينات فسمتها أن تبيعني إياها فامتنعت من ذلك ثم أشار عليها أحد من ينصحها بأن تهديها إلى رجاء أن

أضاعف لها ثمنها فلما جاءت أعلمني الخادم بذلك فنهضت مستبشرا لأفتضاضها فوجدتها قد حاضت فكان مني ما ترى فأخذ شيخنا الدواة وكتب
( فارس ماض بحربته ** حاذق بالطعن بالظلم )
( رام أن يدمى فريسته ** فاتقته من دم بدم ) انتهى ملخصا
وفيها أبو بشر الدولابي وهو محمد بن أحمد بن حماد الأنصاري الرازي الحافظ صاحب التاصنيف روى عن بندار محمد بن بشار وخلق وعاش ستا وثمانين سنة قال أبو سعيد بن يونس كان من أهل الصنعة وكان يضعف وروى عنه ابن أبي حاتم وابن حبان والطبراني قال الدارقطني تكلموا فيه وقال ابن عدي أبن حماد متهم قاله ابن درباس توفي الدولابي بين مكة والمدينة
وفيها الحبر البحر الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير والتاريخ والمصنفات الكثيرة سمع إسحق بن إسرائيل ومحمد بن حميد الرازي وطبقتهما وكان مجتهدا لا يقلد أحدا قاله في العبر قال إمام الأئمة ابن خزيمة ما أعلم على الأرض أعلم من محمد بن جرير وقال أبو حامد الأسفرائني الفقيه لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصل تفسير محمد بن جرير لم يكن كثيرا وكذلك أثنى ابن تيمية على تفسيره للغاية ومولده بآمل طبرستان سنة أربع وعشرين ومائتين وتوفي ليومين بقي من شوال وكان ذا زهد وقناعه وتوفي ببغداد وممن أخذ عنه العلم محمد الباقرحي والطبراني وخلق قال الخطيب كانت الأئمة تحكم بقوله وترجع إلى رأيه لمعرفته وفضله جمع من العلوم ما لم يشاركه فيه أحد من أهل عصره وذكر له ترجمة طويلة
وفيها على الصحيح العلام المحدث أبو العباس محمد بن الحسن بن قتيبة العسقلاني محدث فلسطين روى عن صفوان بن صالح المؤذن ومحمد بن رمح

والكبار وعنه ابن عدي وأبو علي النيسابوري وخلق وكان حافظا ثقة ثبتا
وفيها تقريبا أبو عمران الرقي موسى بن جرير المقرئ النحوي صاحب أبي شعيب السوسي تصدر للإقراء مدة
وفيها الوليد بن أبان الحافظ أبو العباس الأصبهاني بأصبهان وكان ثقة صنف المسند والتفسير وطوف الكثير وحدث عن أحمد بن الفرات الرازي وطبقته وعنه أبو الشيخ والطبراني وأهل اصبهان

سنة إحدى عشرة وثلثمائة

فيها دخل أبو طاهر سليمان بن الحسن الجنابي القرمطي البصرة في الليل في ألف وسبعمائة فارس نصبوا السلالم على السور ونزلوا فوضعوا السيف في البلد وأحرقوا الجامع وهرب خلق إلى الماء فغرقوا وسبوا الحريم واستمروا سبعة عشرة يوما يحملون ما أرادوا من الأموال والحريم والله المستعان
وفيها توفي أبو جعفر أحمد بن حمدان بن علي بن سنان الحيري النيسابوري الحافظ الزاهد المجاب الدعوة والد المحدث أبي عمرو بن حمدان روى عن عبد الرحمن بن بشر بن الحكم وطبقته وصنف الصحيح على شرط مسلم وكان يحيى الليل
وفيها أبو بكر الخلال أحمد بن محمد بن هارون البغدادي الفقيه الحبر الذي أنفق عمره في جمع مذهب الإمام أحمد وتصنيفه تفقه على المروزي وسمع من الحسن بن عرفة وأقرانه وروى عن تلميذه أبو بكر عبد العزيز بن جعفر يعرف بغلام الخلال ومحمد بن المظفر الحافظ وغير واحد قال ابن ناصر الدين هو رحال واسع العلم شديد الاعتناء بالآثار له كتاب السنة ثلاث مجلدات كبار وكتاب العلل في عدة أسفار وكتاب الجامع وهو كبير جليل المقدار انتهى وتوفي في ربيع الأول

وفيها عبد الله بن إسحاق المدائني الأنماطي روى ببغداد عن عثمان بن أبي شيبة وطبقته وكان ثقة محدثا
وعبد الله بن محمود السعدي أبو عبد الرحمن محدث مرو
وعبد الله بن عروة الهروي الحافظ أبو محمد وكان من الأثبات الثقات صنف وسمع أبا سعيد الأشج وطبقته وروى عنه أبو منصور اللغوي وأبو منصور وآخرون
وفيها الحافظ الكبير أبو حفص عمر بن محمد بن بجير الهمداني السمرقندي صاحب الصحيح والتفسير وذو الرحلة الواسعة روى عن عيسى بن حماد زغبة وبشر بن معاذ العقدي وطبقتهما وعنه محمد بن محمد بن صابر واعين بن جعفر السمرقندي وعاش ثمانيا وثمانين سنة وكان صدوقا
وفيها تقريبا محمد بن إبراهيم بن شعيب أبو الحسين الغازي كان رحالا ثقة قال ابن ناصر الدين في بديعة البيان
( وبعد بضع عشرة المجازي ** محمد الجرجاني ذاك الغازي ) انتهى
وفيها إمام الأئمة أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة السلمي النيسابوري الحافظ صاحب التصانيف شيخ الإسلام ولد سنة اثنتين وعشرين ومائتين وروى عن علي بن حجر وابن راهويه ومحمود بن غيلان وخلق وعنه البخاري ومسلم خارج صحيحهما ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم وأبو علي النيسابوري قاله ابن برداس وهو حافظ ثبت إمام رحل إلى الشام والحجاز والعراق ومصر وتفقه على المزني وغيره قال الحافظ أبو علي النيسابوري لم أر مثل محمد بن إسحاق وقال أبو زكريا العنبري سمعت ابن خزيمة يقول ليس لأحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قول إذا صح الخبر عنه وقال أبو علي الحافظ كان ابن خزيمة يحفظ الفقهيات من حديثه كما يحفظ القارئ

السورة وقال ابن حبان لم ير مثل ابن خزيمة في حفظ الإسناد والمتن وقال الدارقطني كان إماما معدوم النظير وقال الأسنوي في طبقاته صار ابن خزيمة إمام زمانه بخراسان رحلت إليه لطلبة من الآفاق قال شيخه الربيع استفدنا من ابن خزيمة أكثر مما استفاد منا وكان متقللا له قميص واحد دائما فإذا جدد آخر وهب ما كان عليه نقل عنه الرافعي في مواضع منها أنه إن رجع في الأذان ثنى الإقامة وإلا أفردها ومنها أن الركعة لا تدرك بالركوع انتهى ملخصا
وفيها أبو العباس محمد بن شاذل النيسابوري سمع ابن راهويه وأبا مصعب وخلقا وكان يختم القرآن في كل يوم
ومحمد بن زكريا الرازي الطبيب العلامة صاحب المصنفات في الطب والفلسفة وإنما اشتغل بعد أن بلغ الأربعين وكان في صباه مغنيا بالعود قاله في العبر وقال ابن الأهدل هو الطبيب الماهر أبو بكر محمد بن زكريا الرازي المشهور وله في الطب كتاب الحاوي والأقطاف وكتاب المنصور وحجمه صغير جمع فيه بين العلم والطب والعمل ومن قوله مهما أمكن العلاج بالأغذية فلا يعالج بالأدوية والمفرد أولى من المركب وكان شغله بالطب بعد أربعين من عمره انتهى
وفيها حامد بن العباس الوزير كان يخدمه ألف وسبعمائة حاجب قاله ابن الجوزي في الشذور

سنة اثنتي عشرة وثلثمائة

فيها كما قال في الشذور ورد الخبر بأن أبا طاهر الجنابي نسبة إلى جنابة بلد بالبحرين ورد إلى الهبير فلقى حاج سنة إحدى عشرة في رجوعهم وأنه

قتل منهم قتلا مسرفا وسبى من اختار من الرجال والنساء والصبيان والجمال وكان الرجال ألفين ومائتين والنساء نحوا من خمسمائة وسار بهم إلى هجر وترك باقي الحاج مكانه بلا زاد ولا جمال فماتوا بالعطش وحصل له ما حرز بألف ألف دينار ومن الطيب والأمتعة بنحو ألف ألف وكان سنة يومئذ سبع عشرة سنة
وفيها ألح مونس الخادم ونصر الحاجب وهرون ابن خال المقتدر على المقتدر حتى أذن في قتل علي بن محمد بن الحسن بن الفرات وولده المحسن فذبحا وعاش ابن الفرات إحدى وسبعين سنة وعاش بعد حامد بن العباس نصف سنة وكان جبارا فاتكا كريما سايسا متمولا كان يقدر على عشرة آلاف ألف دينار وقد وزر للمقتدر ثلاث مرات وقيل كان يدخله من ملاكه في العام ألفا ألف دينار قاله في العبر وكان علي بن الفرات هذا وأخوه أبو العباس آية في معرفة حساب الديوان وكان ولده المحسن متمولا أيضا وكان اختفى ثم ظفر به في زي امرأة قد خضب يديه فعذب وأخذ خطه بثلاثة آلاف ألف دينار وولى الوزارة عبيد الله بن محمد الخاقاني فعذب بني الفرات واصطفى أموالهم فيقال أخذ منهم ألفي ألف دينار
وفيها افتتح المسلمون فرغانة إحدى مدائن الترك
وفيها توفي الحافظ أحمد بن عمرو بن منصور الأموي مولاهم الأندلسي محدث الأندلس أبو جعفر روى عن يونس بن عبد الأعلى والربيع بن سليمان وغيرهما وكان بصيرا بعلل الحديث إماما فيه
وفيها الحسن بن علي بن نصر الطوسي أبو علي الخراساني يعرف بكردس الحافظ المشهور روى عن محمد بن رافع وبندار وإسحاق الكوسج وعنه محمد ابن جعفر البستي وأحمد بن محمد بن عبدوس وأبو أحمد الحاكم وله تصانيف تدل على معرفته قال في المغني قال أبو أحمد الحاكم تكلموا في روايته كتاب النسب عن الزبير انتهى

وفيها علي بن الحسن بن خلف بن قديد أبو القسم المصري المحدث وله بضع وثمانون سنة روى عن محمد بن رمح وحرملة
وفيها عبد الرحمن بن أحمد بن عباد الثقفي الهمداني المعروف بعبدوس الحافظ المجود أبو محمد روى عن محمد بن عبيد الأسدي ويعقوب الدورقي وعنه أحمد بن عبيد الأسدي وأبو أحمد الغطريفي وأبو أحمد الحاكم وكان ثقة متقنا
وفيها محمد بن سليمان بن فارس أبو أحمد الدلال النيسابوري انفق أموالا جليلة في طلب العلم وأنزل البخاري عنده لما قدم نيسابور وروى عن محمد ابن رافع وأبي سعيد الأشج وكان يفهم ويذاكر
ومحمد بن محمد بن سليمان الحافظ الكبير أبو بكر بن الباغندي أحد أئمة الحديث في ذي الحجة ببغداد وله بضع وتسعون سنة روى عن علي بن المديني وشيبا بن فروخ وطوف بمصر والشام والعراق روى أكثر حديثه من حفظه قال القاضي أبو بكر الأبهري سمعته يقول أجبت في ثلثمائة ألف مسئلة في حديث النبي صلى الله عليه وسلم وقال الأسماعيلي لا أتهمه ولكنه خبيث التدليس ومصحف أيضا وقال الخطيب رأيت كافة شيوخنا يحتجون به وقال في المغني قال ابن عدي أرجو أنه كان لا يتعمد الكذب وكان مدلسا انتهى
وفيها أبو بكر بن المجدر وهو محمد بن هارون البغدادي روى عن داود ابن رشيد وطبقته وكان معروفا بالانحراف عن علي رضي الله عنه قال في المغني محمد بن هارون بن المجدر أبو بكر صدوق مشهور فيه نصب وانحراف انتهى

سنة ثلاث عشرة وثلثمائة
فيها كما قال في الشذور انقض كوكب قبل مغيب الشمس بأربع ساعات من ناحية الجنوب إلى الشمال فأضاءت منه الدنيا وكان له صوت كصوت الرعد
وفيها سار ونزل القرمطي على الكوفة فقاتلوه فغلب على البلد ونهبه فندب المقتدر مؤنسا وأنفق في الجيش ألف ألف دينار فسار القرمطي عن الكوفة وتسلم الأنبار وعاث في البلاد وعظم ضرره ولم يقدر عليه
وفيها توفي أحمد بن عبد الله بن سابور الدقاق الثقة ببغداد كان واسع الرحلة روى عن أبي بكر بن أبي شيبة وأبي نعيم الحلبي وعدة
وفيها أبو العباس أحمد بن محمد بن الحسين الماسرجسي سمع من جده لأمه الحسن بن عيسى بن ماسرجس وإسحاق وشيبان بن فروخ
وفيها جماهر بن محمد بن أحمد أبو الأزهر الأزدي الزملكاني روى عن هشام بن عمار وطبقته
وفيها ثابت بن حزم السرقسطي اللغوي العلامة قال ابن الفرضي كان مفتيا بصيرا بالحديث والنحو واللغة والغريب والشعر وعاش خمسا وتسعين سنة روى عن محمد بن وضاح وطائفة
وفيها عبد الله بن زيدان بن بريد أبو محمد البجلي الكوفي عن إحدى وتسعين سنة روى عن أبي كريب وطبقته قال محمد بن أحمد بن حماد الحافظ لم ترعيني مثله كان ثقة حجة كان أكثر كلامه في مجلسه يا مقلب القلوب ثبت قلبي على طاعتك مكث نحو ستين سنة لم يضع جنبه على مضربه وكان صاحب ليل
وعلى بن عبد الحميد الغضايري نسبة إلى الغضار بالغين المعجمة وهو الإناء الذي يؤكل فيه أبو الحسب بحلب في شوال روى عن بشر بن الوليد والقواريري وعدة وقال حججت من حلب ماشيا أربعين حجة


وعلي بن محمد بن بشار أبو الحسن وأبو صالح البغدادي الزاهد شيخ الحنابلة أخذ عن صالح بن أحمد بن حنبل والمروذي وجاء عنه أنه قال أعرف رجلا منذ ثلاثين سنة يشتهي أن يشتهي ليترك لله ما يشتهي فلا يجد شيئا يشتهي قاله في العبر وقيل له كيف الطريق إلى الله فقال كما عصيت الله سرا تطيعه سرا حتى يدخل إلى قلبك لطائف البر وكان له كرامات ظاهرة وانتشار ذكر في الناس يتبرك الناس بزيارته قاله السخاوي وقال ابن أبي يعلى في الطبقات حدثنا إسماعيل الصابوني ثنا إسحاق بن إبراهيم العدل ثنا محمد بن أحمد بن حماد الوراق ثنا أبو الحسن القتات الصوفي ثنا أبو صالح الحسن بن بشار العبد الصالح حدثني عبد الله بن أحمد قال مرت بنا جنازة ونحن قعود على مسجد أبي فقال أبي ما كان صنعة صاحب الجنازة قالوا كان يبيع على الطريق قال في فنائه أو فناء غيره قالوا في فناء غيره قال عز على عز على إن كان في فناء يتيم أو غيره فقد ذهبت أيامه عطلا ثم قال قم نصلي عليه عسى الله أن يكفر عنه سيأته قال فكبر عليه أربع تكبيرات ثم حملناه إلى قبره ودفناه ونام أبي في تلك الليلة وهو مغتم به فإذا نحن بامرأة قالت نمت البارحة فرأيت صاحب الجنازة الذي مررت معه وهو يجري في الجنة جريا وعليه حلتان خضراوان فقلت له ما فعل الله بك قال غضبان على وقت خروج روحي فصلى على أحمد بن حنبل فغفر لي ذنوبي ومتعني بالجنة وأنبأنا على المحدث عن أبي عبد الله الفقيه أنه قال إذا رأيت البغدادي يحب أبا الحسن بن بشار وأبا محمد البربهاوي فاعلم أنه صاحب سنة وكان ابن بشار يقول من زعم أن الكفار يحاسبون ما يستحي من الله ثم قال من صلى خلف من يقول هذه المقالة يعيد انتهى ملخصا أي خلافا للسالمية فإنهم يقولون بحساب الكفار كالمسلمين والحق إنهم تحصى أعمالهم ويطالعون عليها ويقرعون بها تقريعا من

غير وزن وحساب لقوله تعالى { فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا } والله أعلم
وفيها محمد بن إبراهيم الرازي الطيالسي روى عن إبراهيم بن موسى الفراء وابن معين وخلق قال الدارقطني متروك روى عن سويد وأبا مصعب وطبقتهما قال في المغني محمد بن إبراهيم بن زياد الطيالسي عن ابن معين قال الدارقطني متروك وضعفه أبو أحمد الحاكم انتهى
وفيها أبو العباس محمد بن إبراهيم بن إسحق بن مهران السراج الحافظ صاحب التصانيف روى عن قتيبة وإسحاق وخلق وعنه الشيخان خارج صحيحيهما وكان إمام هذا الشأن قال أبو إسحاق المزكي سمعته يقول ختمت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم اثني عشر ألف ختمة وضحيت عنه اثني عشر ألف أضحية قال محمد بن أحمد الدقاق رأيت السراج يضحي كل أسبوع وأسبوعين أضحية لم يجمع أصحاب الحديث عليها وقد ألف السراج مستخرجا على صحيح مسلم وكان أمارا بالمعروف نهاء عن المنكر عاش سبعا وتسعين سنة
وفيها أبو قريش محمد بن جمعة بن خلف القهستاني الأصم الحافظ المتقن الثقة الرحال صاحب المسندين على الرجال وعلى الأبواب أكثر التطواف وروى عن أحمد بن منيع وطبقته

سنة أربع عشرة وثلثمائة

فيها كما قال في الشذور وقع حريق في نهر طابق فاحترقت منه ألف دار واشتد برد الهواء في كانون الأول فتلف أكثر نخل بغداد وسوادها وجمدت الخلجان والآبار ثم جمدت دجلة حتى عبرت الدواب عليها
وفيها أخذت الروم لعنهم الله ملطية عنوة واستباحوها ولم يحج أحد من العراق خوفا من القرامطة ونزح أهل مكة عنها خوفا منهم
وفيها أبو بكر أحمد بن محمد بن عمر التيمي المنكدري الحجازي نزيل

خراسان روى عن عبد الجبار بن العلاء وخلق قال الحاكم له أفراد وعجائب
ومحمد بن محمد بن النفاح بن بدر الباهلي أبو الحسن بغدادي حافظ خير متعفف توفي بمصر في ربيع الآخر روى عن إسحاق بن أبي إسرائيل وطبقته
وفيها محمد بن عمر بن لبابة أبو عبد الله القرطبي مفتي الأندلس كان رأسا في الفقه محدثا أديبا أخباريا شاعرا مؤرخا توفي في شعبان وولد سنة خمس وعشرين ومائتين روى عن أصبغ والعتبي وطبقتهما من أصحاب يحيى بن يحيى وتفقه به خلق
وفيها نصر بن القسم أبو الليث البغدادي الفرائضي روى عن شريح بن يونس وأقرانه وكان ثقة من فقهاء أهل الري

سنة خمس عشرة وثلثمائة

فيها كان أول ظهور الديلم وأول من غلب منهم على الري لبكى بن النعمان
وفيها أخذت الروم سميساط واستباحوها وضربوا الناقوس في الجامع فسار مونس بالجيوش ودخل الروم وتم مصاف كثيرة هزمت فيها الروم وقتل منهم خلق
وأما القرامطة فنازلت الكوفة فسار يوسف بن أبي الساج فالتقاهم فأسر يوسف وانهزم عسكره وقتل منهم عدة وسار القرمطي إلى أن نزل غربي الأنبار فقطع المسلمون الجسر فأخذ يتحيل في العبور ثم عبروا وأوقع بالمسلمين فخرج نصر الحاجب ومونس فعسكروا بباب الأنبار وخرج أبو الهيجاء بن حمدان وإخوته ثم ردت القرامطة فما جسر العسكر عليهم وهذا خذلان آلهي فإن القرامطة كانوا ألفا وسبعمائة من فارس وراجل والعسكر أربعين ألف فارس ثم أن القرمطي قتل ابن أبي الساج وجماعة منهم ثم سار إلى هيت فبادر العسكر وحصنوها فرد القرمطي إلى البرية فدخل الوزير ابن عيسى على المقتدر وقال قد تمكنت هيبة هذا الكافر

من القلوب فخاطب السيدة في مال تنفقه في الجيش وإلا فمالك إلا أقاصي خراسان فأخبر أمه فأخرجت خمسمائة ألف دينار وأخرج المقتدر ثلثمائة ألف دينار ونهض ابن عيسى في استخدام العساكر وجددت على بغداد الخنادق وعدمت هيبة المقتدر من القلوب وشتمته الجند قاله في العبر
وفيها توفي الحافظ أبو بكر أحمد بن علي بن شهريار الرازي ثم النيسابوري صاحب التصانيف وله أربع وخمسون سنة رحل وأدرك إبراهيم بن عبد الله القصار وطبقته بخراسان والري وبغداد والكوفة والحجاز
وأبو القسم عبد الله بن محمد بن جعفر القزويني الفقيه قاضي دمشق ثم قاضي الرملة روى عن يونس بن عبد الأعلى وطبقته وكان له حلقة بمصر للفتوى قال ابن يونس خلط ووضع أحاديث وقال في المغني كذبه الدارقطني
وفيها أبو الحسن علي بن سليمان البغدادي النحوي وهو الأخفش الصغير روى عن ثعلب والمبرد قال ابن خلكان روى عن المبرد وثعلب عنه وغيرهما وروى عن المرزباني وأبو الفرج المعافى وغيرهما وهو غير الأخفش الأكبر والأخفش الأوسط وكان بين ابن الرومي وبين الأخفش المذكور منافسة وكان الأخفش يبادر داره ويقول عند بابه كلاما يتأذى به وكان ابن الرومي كثير التطير فإذا سمع كلامه لا يخرج ذلك اليوم من بيته فكثر ذلك منه فهجاه ابن الرومي بأهاج كثيرة وهي مثبتة في ديوانه وكان الأخفش يحفظها ويوردها استحسانا لها في جملة ما يورده وافتخارا أنه نوه بذكره إذ هجاه فلما علم ابن الرومي ذلك أقصر عنه وقال المرزباني لم يكن الأخفش المذكور بالمتسع في الرواية للأخبار والعلم بالنحو وما علمته صنف شيئا البتة ولا قال شعرا وكان إذا سئل عن مسئلة في النحو ضجر وانتهر من يسأله ومات فجأة ببغداد ودفن بمقبرة قنطرة بردان والأخفش هو صغير العين مع سوء بصرها انتهى ملخصا


وفيها محمد بن الحسين أبو جعفر الخثعمي الكوفي الأشناني أحد الأثبات روى ببغداد عن أبي كريب وطبقته
وفيها محمد بن الفيض أبو الحسن الغساني محدث دمشق روى عن صفوان ابن صالح والكبار وتوفي في رمضان عن ست وتسعين سنة
ومحمد بن المسيب الأرغياني الحافظ الجوال الزاهد المفضال شيخ نيسابور الإسفنجي روى عن محمد بن رافع وبندار ومحمد بن هاشم البعلبكي وطبقتهم وكان يقول ما أعلم منبرا من منابر الإسلام بقي علي لم أدخله لسماع الحديث وقال كنت أمشي في مصر وفي كمي مائة جزء في الجزء ألف حديث قال الحاكم كان دقيق الخط وكان هذا كالمشهور من شأنه وعاش اثنتين وتسعين سنة قال ابن ناصر الدين حدث عن خلق وعنه خلق وكان من العباد المجتهدين والزهاد البكائين انتهى

سنة ست عشرة وثلثمائة

فيها دخل القرمطي الرحبة بالسيف واستباحها ثم نازل الرقة وقتل جماعة بربضها وتحول إلى هيت فرجموه بالحجارة وقتلوا صاحبه أبا الزوار فسار إلى الكوفة ثم انصرف وبنى دارا سماها دار الهجرة ودعا إلى المهدي وتسارع إليه كل مريب ولم يحج أحد ووقع بين المقتدر وبين مونس الخادم واستعفى ابن عيسى من الوزارة وولي بعده أبو علي بن مقلة الكاتب
وفيها توفي بنان الحمال بن محمد بن حمدان بن سعيد أبو الحسن الزاهد الواسطي نزيل مصر وشيخها كان ذا منزلة عظيمة في النفوس وكانوا يضربون بعبادته المثل صحب الجنيد وحدث عن الحسن بن محمد الزعفراني وجماعة وثقه أبو سعيد بن يونس وقال توفي في رمضان وخرج في جنازته أكثر أهل مصر وكان شيئا عجيبا وقال السيوطي في حسن المحاضرة جاءه

رجل فقال لي على رجل مائة دينار وقد ذهبت الوثيقة وأخشى أن ينكر فادع لي فقال له إني رجل قد كبرت وأنا أحب الحلوى فاذهب فاشتر لي رطلا وأتني به حتى أدعوا لك فذهب الرجل فاشترى فوضع له البائع الحلوى في ورقة فإذا هي وثيقته بالمائة دينار فجاء إلى الشيخ فأخبره فقال خذ الحلوى فاطعمها صبيانك وقال السخاوي هو من جلة المشايخ والقائلين بالحق له المقامات المشهورة والآيات المذكورة كان أستاذ أبي الحسن النوري قال بنان من كان يسره ما يضره متى يفلح وقال إن أفردته بالربوبية أفردك بالعناية والأمر بيدك إن نصحت صافوك وإن خلطت خلوك وقال أجل أحوال الصوفية الثقة بالمضمون والقيام بالأوامر ومراعاة السر والتخلي من الكونين بالتشبث بالحق وقال رؤية الأسباب جملة على الدوام قاطعه عن مشاهدة المسبب والإعراض عن الأسباب يؤدي بصاحبه إلى ركوب البواطل وقال ليس بمتحقق في الحب من راقب أوقاته أو تجمل في كتمان حبه حتى يهتك ويفتضح ويخلع العذار ولا يبالي عما يرد عليه من جهة محبوبة أو بسببه ويتلذذ بالبلاء كما تتلذذ الأغيار بأسباب النعم وأنشد على أثره
( لحاني العاذلون فقلت مهلا ** فإني لا أرى في الحب عارا )
( وقالوا قد خلعت فقلت لسنا ** بأول خالع خلع العذارا )
وأسند في الحلية عن أبي علي الروذباري قال كان سبب دخولي مصر حكاية بنان وذلك أنه أمر ابن طولون بالمعروف فأمر أن يلقى بين يدي السبع فجعل السبع يشمه ولا يضره فلما أخرج من بين يدي السبع قيل له ما الذي كان في قلبك حين شمك السبع قال كنت أتفكر في اختلاف الناس في سؤر السباع ولعابها واحتال عليه أبو عبيد الله القاضي حتى ضرب سبع درر فقال له حبسك الله بكل درة سنة فحبسه ابن طولون سبع سنين ومن كلامه
( الحر عبد ما طمع ** والعبد حر ما قنع )

وبنان بضم الباء الموحدة ونون وبعد الألف نون ولقب بالجمال لأنه خرج إلى الحج سنة وحمل على رقبته زاده وكان متوكلا فرأته عجوز في البادية فقالت أنت حمال ما أنت متوكل ما ظننت أن الله يرزقك حتى حملت إلى بيته
وفيها أبو بكر عبد الله بن أبي داود سليمان بن الأشعث الحافظ السجستاني ابن الحافظ ولد بسجستان سنة ثلاثين ومائتين ونشأ بنيسابور وغيرها وسمع من محمد بن أسلم الطوسي وعيسى بن زغبة وخلائق بخراسان والشام والحجاز ومصر والعراق وأصبهان وجمع وصنف وكان عنده عن أبي سعيد الأشج ثلاثون ألف حديث وحدث بأصبهان من حفظه بثلاثين ألف حديث وقال ابن شاهين كان ابن أبي داود يملي علينا من حفظه وكان يقعد على المنبر بعد ما عمي ويقعد تحته بدرجة ابنه أبو معمر وبيده كتاب يقول له حديث كذا فيسرد من حفظه حتى يأتي على المجلس وقال محمد بن عبد الله بن الشخير كان زاهدا ناسكا وقال عبد الأعلى بن أبي بكر بن أبي داود صلي على أبي ثمانين مرة وممن روى عنه ابن المظفر والدارقطني وأبو أحمد الحاكم غيرهم وقال في المغني عبد الله بن سليمان السجستاني ثقة كذبه أبوه في غير حديث انتهى
وفيها محمد بن خريم أبو بكر العقيلي محدث دمشق في جمادى الآخرة روى عن هشام بن عمار وجماعة
وفيها العلامة أبو بكر بن السراج واسمه محمد بن السري البغدادي النحوي صاحب الأصول في العربية له مصنفات كثيرة منها شرح كتاب سيبويه أخذ عن المبرد وغيره وأخذ عنه السيرافي وغيره ونقل عنه الجوهري في صحاحه قال في العبر كان مغرى بالطرب والموسيقى انتهى وقال ابن الأهدل من شعره
( ميزت بين جمالها وفعالها ** فإذا الملاحة بالجناية لا تفي )
( حلفت لنا أن لا تخون عهودنا ** وكأنما حلفت لنا أن لا تفي )


( والله لا كلمتها ولو أنها ** كالبدر أو كالشمس أو كالمتكفي ) قال اليافعي يحسن استعارة هذه الأبيات لوصف الدنيا
وفيها محمد بن عقيل بن الأزهر البلخي الحافظ شيخ بلخ ومحدثها صنف المسند والتاريخ وغير ذلك وسمع علي بن خشرم وعباد بن الوليد الغبري وطبقتهما ومنه عبد الله الهندواني وعبد الرحمن بن أبي شريح وكان حسن الحديث
وفيها أبو عوانة يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن يزيد الاسفراييني الحافظ صاحب الصحيح المسند رحل إلى الشام والحجاز واليمن ومصر والجزيرة والعراق وفارس وأصبهان وروى عن يونس بن عبد الأعلى وعلى بن حرب وطبقتهما وعنه أبو علي النيسابوري والطبراني ثقة جليل وعلى قبره مشهد باسفرائين وكان مع حفظه فقيها شافعيا إماما

سنة سبع عشرة وثلثمائة

فيها حج بالناس منصور الديلمي فدخلوا مكة سالمين فوافاهم يوم التروية عدو الله أبو طاهر القرمطي فقتل الحجيج قتلا ذريعا في المسجد وفي فجاج مكة وقتل أمير مكة ابن محارب وقلع باب الكعبة واقتلع الحجر الأسود وأخذه إلى هجر وكان معه تسعمائة نفس فقتلوا في المسجد ألفا وسبعمائة نسمة وصعد على باب البيت وصاح
أنا بالله وبالله أنا يخلق الخلق وأفنيهم أنا وقيل إن الذي قتل بفجاج مكة وظاهرها زهاء ثلاثين ألفا وسبى من النساء والصبيان نحو ذلك وأقام بمكة ستة أيام ولم يحج أحد قال محمود الأصبهاني دخل قرمطي وهو سكران فصفر لفرسه قبال عند البيت وقتل جماعة ثم ضرب الحجر الأسود بدبوس فكسر منه قطعة ثم قلعة وبقي الحجر الأسود بهجر نيفا وعشرين سنة


وفيها قتل بمكة الإمام أحمد بن الحسين أبو سعيد البرذعي شيخ حنفية بغداد أخذ عنه أبو الحسن الكرخي وقد ناهز أمره داود الظاهري فقطع داود لكنه معتزلي
وفيها الحافظ الشهيد أبو الفضل محمد الجارودي بن أحمد بن عمار الجارودي الهروي قتل بباب الكعبة وهو آخذ بحلقة الباب روى عن أحمد بن نجدة وطبقته ومات كهلا
وفيها أحمد بن محمد بن أحمد بن حفص بن مسلم أبو عمرو الجبري نسبة إلى جبر بالفتح والتشديد جد كان أحمد هذا مزكي من كبار مشايخ نيسابور ورؤسائها روى عن محمد بن رافع والكوسج ورحل وطوف وتوفي في ذي القعدة
وحرمي بن أبي العلاء المكي نزيل بغداد وهو أبو عبد الله أحمد بن محمد ابن أبي خميصة الشروطي كاتب أبي عمر القاضي روى كتاب النسب عن الزبير بن بكار
وفيها القاضي المعمر أبو القسم بدر بن الهيثم اللخمي الكوفي نزيل بغداد روى عن أبي كريب وجماعة قال الدارقطني كان نبيلا بلغ مائة وسبع عشرة سنة
وفيها الحسن بن محمد أبو علي الداركي محدث أصبهان في جمادي الآخرة روى عن محمد بن حميد الرازي ومحمد بن عبد العزيز بن أبي رزمة وطائفة
وفيها البغوي أبو القسم عبد الله بن محمد بن عبد العزيز ليلة عيد الفطر ببغداد وله مائة وثلاث سنين وشهر وكان محدثا حافظا مجودا مصنفا انتهى إليه علو الإسناد في الدنيا فإنه سمع في الصغر بعناية جده لأمه أحمد بن منيع وعمه علي بن عبد العزيز وحضر مجلس عاصم بن علي وروى الكثير عن علي بن الجعد ويحيى الحماني وأبي نصر التمار وعلي بن المديني وخلق وأول

ما كتب الحديث سنة حمس وعشرين ومائتين وكان ناسبخا مليح الخط نسخ الكثير لنفسه ولجده
وفيها علي بن أحمد بن سليمان الصيقل أبو الحسن المصري ولقبه علان المعدل روى عن محمد بن رمح وطائفة وتوفي في شوال عن تسعين سنة
وفيها محمد بن أحمد بن زهير أبو الحسن الطوسي حافظ مصنف سمع إسحاق الكوسج وعبد الله بن هاشم وطبقتهما
وفيها محمد بن زبان بن حبيب أبو بكر المصري في جمادي الأولى سمع زكريا بن يحيى كاتب العمري ومحمد بن رمح وعاش اثنتين وتسعين سنة
وفيها التجم المشهور صاحب الزيج والأعمال محمد بن جابر التباني توفي بموضع يقال له الحضر وهي مدينة بقرب الموصل وهي مملكة الشاطرون وكان حاصرها ازدشير وقتله وأخذها ذكره ابن هشام في السيرة
وفيها نصر بن أحمد البصري الشاعر وكان أميا وله الأشعار الفائقة منها
( خليلي هل أبصرتما أو سمعتما ** بأحسن من مولى تمشي إلى عبد )
( أتى زائرا من غير وعد وقال لي ** أجلك عن تعليق قلبك بالوعد )
( فما زال نجم الوصل بيني وبينه ** يدور بأفلاك السعادة والسعد )

سنة ثمان عشرة وثلثمائة

هبت ريح من المغرب في آذار وحملت رملا أحمر يشبه رمل الصاغة فامتلأت منه أسواق بغداد في الجانبين وسطحها ومنازلها قاله في الشذور
وفيها توفي القاضي أبو جعفر أحمد بن إسحاق بن بهلول بن حسان التنوخي الحنفي الأنباري الأديب أحد الفصخاء البلغاء وله سبع وثمانون سنة روى عن أبي كريب وطبقته وولي قضاء مدينة المنصور عشرين سنة وله مصنف في نحو الكوفيين
وفيها أحمد بن محمد بن المغلس البزاز أخو جعفر كان ثقة نبيلا روى

عن لوين وعدة
وفيها إسماعيل بن داود بن وردان المصري روى عن زكريا كاتب العمري ومحمد بن رمح وتوفي في ربيع الآخر عن اثنتين وتسعين سنة
وفيها أبو بكر الحسن بن علي بن بشار بن العلاف البغدادي المقرئ صاحب الدوري وكان أديبا طريفا نديما للمعتضد ثم شاخ وعمي قال ابن خلكان كان من الشعراء المجيدين وحدث عن أبي عمرو الدوري المقرئ وحميد بن سعيد البصري وغيرهما وكان ينادم الإمام المعتضد بالله وحكى قال بت ليلة في دار المعتضد مع جماعة من ندمائه فأتانا خادمه ليلا وقال يقول أمير المؤمنين أرقت الليلة بعد انصرافكم فقلت
( ولما أنتبهنا للخيال الذي سرى ** إذا الدار قفر والمزار بعيد )
وقال قد ارتج على تمامه فمن أجازه بما يوافق غرضي أمرت له بجائزة قال فارتج على الجماعة وكلهم شاعر فاضل فابتدرت وقلت
( فقلت لعيني عاودي النوم واهجعي ** لعل خيالا طارقا سيعود )
فرجع الخادم ثم عاد فقال أمير المؤمنين يقول لقد أحسنت وأمر لك بجائزة وكان لأبي بكر المذكور هر يأنس به وكان يدخل أبراج الحمام التي لجيرانه ويأكل أفراخها وكثر ذلك منه فأمسكه أربابها وذبحوه فرثاه بهذه القصيدة وقد قيل إنه رثي بها عبد الله بن المعتز وخشى من الإمام المقتدر أن يتظاهر بها لأنه هو الذي قتله فنسبها إلى الهر وعرض به في أبيات منها وكانت بينهما صحبة أكيدة وذكر صاعد اللغوي في كتاب الفصوص قال حدثني أبو الحسن المرزباني قال هويت جارية لعلي بن عيسى غلاما لأبي بكر بن العلاف الضرير ففطن بهما فقتلا جميعا وسلخا وحشى جلودهما تبنا فقال أبو بكر مولاه هذه القصيدة يرثيه وكنى عنه بالهر وهي من أحسن الشعر وأبدعه وعددها خمسة وستون بيتا وطولها يمنع من الإتيان بجميعها

فنأتي بمحاسنها وفيها أبيات مشتملة على حكم فنأتي بها وأولها
( يا هر فارقتنا ولم تعد ** وكنت عندي بمنزل الولد )
( فكيف تنفك عن هواك وقد ** صرت لنا عدة من العدد )
( تطرد عنا الأذى وتحرسنا ** بالغيب من حية ومن جرد )
( وتخرج الفأر من مكامنها ** ما بين مفتوحها إلى السدد )
( يلقاك في البيت منهم مدد ** وأنت تلقاهم بلا مدد )
( لا عدد كان منك منفلتا ** منهم ولا واحد من العدد )
( وكان يجري ولا سداد لهم ** أمرك في بيتنا على السدد )
( حتى اعتقدت الأذى لجيرتنا ** ولم تكن للأذى بمعتقد )
( وحمت حول الردى بظلمهم ** ومن يحم حول حوضه يرد )
( وكان قلبي عليك مرتعدا ** وأنت تنساب غير مرتعد )
( تدخل برج الحمام متئدا ** وتبلغ الفرخ غير متئد )
( أطعمك ألغى لحمها فرأى ** قتلك أصحابها من الرشيد )
( حتى إذا داوموك واجتهدوا ** وساعد النصر كيد مجتهد )
( صادوك غيظا عليك وانتقموا ** منك وزادوا ومن يصد يصد )
( ثم شفوا بالحديد أنفسهم ** منك ولم يرعووا إلى أحد )
( فلم تزل للحمام مرتصدا ** حتى سقيت الحمام بالرصد )
( لم يرحموا صوتك الضعيف كما ** لم ترث منها لصوتها الغرد )
( وكنت بدد شملهم زمنا ** فاجتمعوا بعد ذلك البدد )
( كأن حبلا حوى بجودته ** جيدك للخنق كان من مسد )
( كأن عيني تراك مضطربا ** فيه وفي فيك رغوة الزبد )
( وقد طلبت الخلاص منه فلم ** تقدر على حيلة ولم تجد )
( فجدت بالنفس والبخيل بها ** أنت ومن لم يجد بها تجد )


( فما سمعنا بمثل موتك إذ ** مت ولا مثل غيشك النكد )
( عشت حريصا يقوده طمع ** ومت ذا قاتل بلا قود )
( فلم تخف وثبة الزمان كما ** وثبت في البرج وثبة الأسد )
( عاقبة الظلم لا تنام وإن ** تأخرت مدة من المدد )
( أردت أن تأكل الفراخ ولا ** يأكلك الدهر أكل مضطهد )
( هذا بعيد من القياس وما ** أعزه في الدنو والبعد )
( لا بارك الله في الطعام إذا ** كان هلاك النفوس في المعد )
( كم دخلت لقمة حشاشره ** فأخرجت روحه من الجسد )
( ما كان أغناك عن تصعد البرج ** ولو كان جنة الخلد )
( قد كنت في نعمة وفي دعة ** من العزيز المهيمن الصمد )
( تأكل من فأر بيتنا رغدا ** وأين بالشاكرين للرغد ) انتهى ما أورده بابن خلكان ملخصا ومات عن مائة سنة
وفيها أبو عروبة الحسين بن أبي معشر محمد بن مودود السلمي الحراني الحافظ محدث حران وهو في عشر المائة روى عن اسمعيل بن موسى السدي وطبقته وعنه أبو حاتم بن حبان وأبو أحمد الحاكم وكان عارفا بالرجال رحل إلى الجزيرة والشام والعراق ورحل إليه الناس
وفيها سعيد بن عبد العزيز أبو عثمان الحلبي الزاهد نزيل دمشق صحب سريا السقطي وروى عن أبي نعيم عبيد بن هشام الحلبي وأحمد بن أبي الحواري وطبقتهما قال أبو أحمد الحاكم كان من عباد الله الصالحين
وفيها أبو بكر عبد الله بن محمد بن مسلم الأسفراييني الحافظ المصنف وله ثمانون سنة روى عن الحسن بن محمد الزعفراني وطبقتهما ورحل الكثير وكان ثبتا مجودا


وفيها محمد بن إبراهيم الحافظ الأوحد العلامة أبو بكر بن إبراهيم بن المنذر النيسابوري شيخ الحرم روى عن محمد بن ميمون ومحمد بن إسماعيل الصائغ وخلق وعنه ابن المقرىء ومحمد بن يحيى الدمياطي وغيرهما وكان مجتهدا لا يقلد أحدا وله تآليف حسان قال ابن ناصر الدين هو شيخ الحرم ومفتيه ثقة مجتهد فقيه
وفيها محمد بن إبراهيم بن نيروز أبو بكر الأنماطي سمع أبا حفص وطبقته
وفيها يحيى بن محمد بن صاعد الحافظ الثقة الحجة أبو محمد البغدادي مولى بني بن هاشم في ذي القعدة وله تسعون سنة عنى بالأثر وجمع وصنف وارتحل إلى الشام والعراق ومصر والحجاز وروى عن لوين وطبقته قال أبو علي النيسابوري لم يكن بالعراق في أقران ابن صاعد أحد في فهمه والفهم عندنا أجل من الحفظ وهو فوق أبي بكر بن أبي داود في الفهم والحفظ انتهى وممن روى عنه أبو القسم البغوي والدارقطني وخلق وقال الدارقطني هو ثقة ثبت حافظ

سنة تسع عشرة وثلاثمائة
فيها على ما قاله في الشذور قدم مؤتمن الخادم وكان قد خاف من الهجرى فضل بالقافلة عن الجادة فحدث أصحابه انهم رأوا في البرية آثارا عجيبة وصورا لناس من حجارة ورأوا امرأة قائمة على تنور وهي من حجر والخبز من حجر انتهى
وفيها استولي مرداويج الديلمي على همذان وبلاد الجبل إلى حلوان وهزم عسكر الخليفة
وفيها استوحش مونس الخادم من الوزير والمقتدر فأخذ يتعنت على المقتدر ويحتكم عليه في إبعاد ناس وتقديم غيرهم ثم خرج مغاضبا بأصحابه إلى الموصل فاستولى الوزير على حواصله وفرح المقتدر بالوزير وكتب اسمه على السكة وكان مونس في ثمانمائة مائة فحارب جيش الموصل وكانوا

ثلاثين ألفا فهزمهم وملك الموصل في سنة عشرين ولم يحج أحد من بغداد وأخذ الديلمي الدينور وفتك بأهلها ووصل إلى بغداد من انهزم ورفعوا المصاحف على القصب واستغاثوا وسبوا المقتدر وغلقت الأسواق وخافوا من هجوم القرامطة
وفيها توفي أبو الجهم أحمد بن الحسين بن أحمد بن طلاب الدمشقي المشغراني خطيب مشغرا وقع من على الدابة فمات لوقته روى عن هشام بن عمار وطائفة
وفيها الحافظ أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الملك بن مروان القرشي الدمشقي محدث دمشق في رجب روى عن موسى بن عامر المري ويونس بن عبد الأعلى وطبقتهما
وفيها قاضي الجماعة أبو الجعد أسلم بن عبد العزيز الأموي الأندلسي المالكي في رجب وهو من أبناء التسعين وكان نبيلا رئيسا كبير الشأن رحل فسمع من يونس بن عبد الأعلى والمزني وصحب بقي بن مخلد مدة وأضر بآخر عمره وضعف من الكبر
وفيها أبو سعيد الحسن بن علي بن زكريا البصري العدوي الكذاب ببغداد روى بوقاحة عن عمرو بن مرزوق ومسدد والكبار قال ابن عدي كان يضع الحديث قاله في العبر
وفيها الكعبي شيخ المعتزلة أبو القسم عبد الله بن أحمد البلخي قال ابن خلكان أبو القسم عبد الله بن أحمد بن محمود الكعبي البلخي العالم المشهور كان رأس طائفة من المعتزلة يقال لهم الكعبية وهو صاحب مقالات ومن مقالاته إن الله سبحانه وتعالى ليست له إرادة وإن جميع أفعاله واقعة منه بغير إرادة ولا مشيئة منه لها وكان من كبار المتكلمين وله اختيارات في علم الكلام انتهى
وفيها القاضي أبو عبيد بن جويرية البغدادي علي بن الحسين بن حرب

الفقيه الشافعي قاضي مصر وهو من أصحاب الوجوه روى عن أحمد بن المقدام والزعفراني وطبقتهما قال أبو سعيد بن يونس كان شيئا عجبا ما رأينا مثله لا قبله ولا بعده وكان تفقه على مذهب أبي ثور
وفيها محمد بن الفضيل البلخي الزاهد أبو عبد الله نزيل سمرقند وكان إليه المنتهى في الوعظ والتذكير يقال إنه مات في مجلسه أربعة أنفس صحب أحمد ابن حضرويه البلخي وهو آخر من روى عن قتيبة وقد أجاز لأبي بكر بن المقرئ وقال السخاوي هو محمد بن الفضل بن العباس بن حفص أبو عبد الله أصله من بلخ خرج منها لسبب المذهب فدخل سمرقند ومات بها وهو من جلة مشايخ خراسان ولم يكن أبو عثمان يميل إلى أحد من المشايخ ميله إليه وقال أبو عثمان لو وجدت في نفسي قوة لرحلت إلى أخي محمد بن الفضيل فأستروح سري برؤيته قال ابن الفضل الدنيا بطنك فبقدر زهدك في بطنك زهدك في الدنيا وقال العجب ممن يقطع الأودية والقفار والمفاوز حتى يصل إلى بيته وحرمه وكعبته لأن فيه آثار أنبيائه كيف لا ينقطع عن نفسه وهواه حتى يصل إلى قلبه فإن فيه آثار مولاه وتوحيده ومعرفته وقال أنزل نفسك منزلة من لا حاجة له فيها ولا بد له منها فإن من ملك نفسه عز ومن ملكته نفسه ذل وقال ست خصال يعرف بها الجاهل الغضب من غير شيء والكلام في غير نفع والعطية في غير موضعها وإفشاء السر والثقة بكل أحد ولا يعرف صديقه من عدوه وقال خطأ العالم أضر من عمل الجاهل وقال من ذاق حلاوة العلم لم يصبر عنه ومن ذاق حلاوة المعاملة أنس بها وقال العلوم ثلاثة علم بالله وعلم من الله وعلم مع الله فالعلم بالله معرفة صفاته ونعوته والعلم من الله علم الظاهر والباطن والحلال والحرام والأمر والنهي والأحكام والعلم مع الله هو علم الخوف والرجاء والمحبة والشوق وقال ثمرة الشكر الحب لله والخوف من الله وقال ذكر اللسان كفارة ودرجات وذكر القلب زلفى

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21