كتاب :شذرات الذهب في أخبار من ذهب
المؤلف:عبد الحي بن أحمد بن محمد العكري الحنبلي

وخلف ولده سعد الدين سعد الله ولم تطل مدته بل مات سنة إحدى وعشرين ولم يكتهل
وفيها عبد الله بن صالح بن أحمد بن عبد الكريم ابن أبي المعالي الشيباني المكي سمع من عثمان بن الصفي الطبري والسراج الدمنهوري وغيرهما وتفرد بالرواية عنهم بمكة وكان خطيبا بجدة توفي في ربيع الآخر وقد قارب الثمانين
وفيها جمال الدين عبد الله بن علاء الدين علي بن محمد بن علي بن عبد الله الكناني العسقلاني الحنبلي المعروف بالجندي سبط أبي الحرم بن القلانسي ولد سنة خمسين وسبعمائة وأحضر على الميدومي وسمع من الأتقوي والعرضي والبسه الميدومي خرقة التصوف وحدث باليسير في آخر عمره وأحب الرواية وأكثروا عنه وكان ذا سمت حسن وديانة ونادرة حسنة ويتكلم في مسائل الفقه وسمع منه ابن حجر جزءا من حديث أبي الشيخ بسماعه على جده أبي الحرم القلانسي بسنده وقرأ عليه أيضا سباعيات مونسة خاتون بنت الملك العادل بسماعه على جده أيضا عنها سماعا وتوفي في القاهرة في رجب
وفيها زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن يوسف بن الحسن بن محمود المدني الزرندي بالزاي والراء والنون نسبة إلى زرند بلد بأصبهان الحنفي ولد في ذي القعدة سنة ست وأربعين وسبعمائة بالمدينة النبوية وسمع على العز بن جماعة والصلاح العلائي وأجاز له الزبير الأسواني وهو آخر من حدث عنه وتفقه وبرع في الفقه وغيره وولي قضاء الحنفية بالمدينة النبوية نحوا من ثلاث وثلاثين سنة مع حسبتها وحمدت سيرته لعفته ودينه ولم يزل بالمدينة إلى أن توفي بها في ربيع الأول
وفيها الحافظ جمال الدين أبو حامد محمد بن عبد الله بن ظهيرة بن أحمد بن عبد الله بن عطية بن ظهيرة بن مرزوق بن محمد بن سلمان المخزومي المكي الشافعي ولد سنة خمسين وسبعمائة تقريبا وعنى بالحديث فرحل

فيه إلى دمشق وحماة وحلب والقدس ومصر وغيرها وحصل الأجزاء ونسخ وكتب الكثير بخطه الدقيق الحسن وبرع في الفقه والحديث وأخذ عن ابن أميلة وصلاح الدين بن أبي عمر وجمع من أصحاب التقى سليمان ومن بعدهم وتفقه بعمه أبي الفضل النويري وبالبهاء السبكي وبالأذرعي والبلقيني ولزم العراقي في الحديث وانتفع الناس به بمكة وأشغلهم نحوا من أربعين سنة وخرج له غرس الدين خليل معجما عن شيوخه بالسماع والإجازة في مجلدة وشرح هو قطعة من الحاوي وله عدة ضوابط نظما ونثرا وله أسئلة تدل على باع واسع في العلم استدعى الجواب عنها من البلقيني فأجابه عنها وهي معروفة تلقب بالأسئلة المكية وحدث بكثير من مروياته بالمسجد الحرام وسمع منه ابن حجر وقال وهو أول شيخ سمعت الحديث بقراءته بمصر في سنة ست وثمانين وولي قضاء مكة وعزل وأعيد مرارا وكان كثير العبادة والأوراد مع السمت الحسن والسكون والسلامة وتوفي قاضيا بمكة في شهر رمضان
وفيها مجد الدين أبو الطاهر محمد بن يعقوب بن إبراهيم بن عمر الفيروزابادي اللغوي الشافعي العلامة قال السخاوي في الضوء اللامع ولد في ربيع سنة تسع وعشرين وسبعمائة بكازرون ونشأ بها وحفظ القرآن وهو ابن سبع وانتقل إلى شيراز وهو ابن ثمان وأخذ الأدب واللغة عن والده وغيره من علماء شيراز وانتقل إلى العراق فدخل واسط وأخذ عن الشرف عبد الله بن بكتاش وهو قاضي بغداد ومدرس النظامية بها وولي بها تداريس وتصادير وكثرت فضائله وظهرت وكثر الآخذون عنه فكان ممن أخذ عنه الصفدي والفهامة ابن عقيل والجمال الأسنوي وابن هشام ثم قدم القاهرة وأخذ عن علمائها وجال في البلاد الشرقية والشامية ودخل الروم والهند ولقي جمعا من

الفضلاء وحمل عنهم شيئا كثيرا تجمعه مشيخته تخريج الجمال بن موسى المراكشي وفيه أن مروياته الكتب الستة وسنن البيهقي ومسند أحمد وصحيح ابن حبان ومصنف ابن أبي شيبة وغير ذلك على مشايخ عديدة وجم غفير ثم دخل زبيد في رمضان سنة ست وتسعين بعد وفاة قاضي الأقضية باليمن كله الجمال الريمي شارح التنبيه فتلقاه الأشرف إسماعيل وبالغ في إكرامه وصرف له ألف دينار سوى ألف أخرى أمر صاحب عدن أن يجهزه بها واستمر مقيما في كنفه على نشر العلم وكثر الانتفاع به وأضيف إليه قضاء اليمن كله في ذي الحجة سنة سبع وتسعين بعد ابن عجيل فارتفق بالمقام في تهامة وقصده الطلبة وقرأ السلطان فمن دونه عليه واستمر بزبيد مدة عشرين سنة وهي بقية أيام الأشرف ثم ولده الناصر وكان الأشرف قد تزوج ابنته لمزيد جمالها ونال منه رفعة وبرا بحيث أنه صنف كتابا وأهداه له على طباق فملأها له دراهم وفي أثناء هذه المدة قدم مكة مرارا وجاور بالمدينة والطائف وعمل بها مآثر حسنة وكان يحب الانتساب إلى مكة ويكتب بخطه الملتجىء إلى حرم الله تعالى ولم يدخل بلدا إلا وأكرمه متوليها وبالغ في تعظيمه مثل شاه منصور ابن شجاع صاحب تبريز والأشرف صاحب مصر والسلطان بايزيدخان بن عثمان متولي الروم وابن أويس صاحب بغداد وتمر لنك وغيرهم واقتنى كتبا كثيرة حتى نقل عنه أنه قال اشتريت بخمسين ألف مثقال كتبا وكان لا يسافر إلا وفي صحبته منها أحمال ويخرجها في كل منزل وينظر فيها لكنه كان كثير التبذير وإذا أملق باع منها وإذا أيسر اشترى غيرها وصنف كتبا كثيرة منها بصائر ذوي التمييز في لطائف الكتاب العزيز مجلدان وتنوير المقباس في تفسير ابن عباس أربع مجلدات تيسير فاتحة الإهاب بتفسير فاتحة الكتاب مجلد كبير والدر النظيم المرشد إلى فضائل القرآن العظيم وحاصل كورة الخلاص في فضائل سورة الإخلاص وشرح خطبة الكشاف وشوارق الأسرار العلية

في شرح مشارق الأنوار النبوية مجلدان وفتح الباري بالسيل الفسيح الجاري في شرح صحيح البخاري كمل ربع العبادات منه في عشرين مجلدا والأسعاد بالأصغاد إلى درجة الاجتهاد ثلاثة مجلدات والنفحة العنبرية في مولد خير البرية والصلات والبشر في الصلاة على خير البشر والوصل والمنى في فضل منى والمغانم المطابة في معالم طابة وتهييج الغرام إلى البلد الحرام وإثارة الشجون لزيارة الحجون عمله في ليلة وأحاسن اللطائف في محاسن الطايف وفصل الدرة من الخرزة في فضل السلامة على الخبزة وروضة الناظر في ترجمة الشيخ عبد القادر والمرقاة الوفية في طبقات الحنفية والبلغة في ترجمة أئمة النحاة واللغة والفضل الوفي في العدل الأشرفي ونزهة الأذهان في تاريخ أصبهان مجلد وتعيين الغرفات للمعين على عين عرفات ومنية السول في دعوات الرسول والتجاريح في فوائد متعلقة بأحاديث المصابيح وتسهيل طريق الوصول إلى الأحاديث الزائدة على جامع الأصول والأحاديث الضعيفة والدر الغالي في الأحاديث العوالي وسفر السعادة والمتفق وضعا المختلف صقعا واللامع المعلم العجاب الجامع بين المحكم والعباب قدر تمامه في مائة مجلد يقرب كل مجلد منه صحاح الجوهري كمل منه خمس مجلدات والقاموس المحيط والقابوس الوسيط ومقصود ذوي الألباب في علم الأعراب مجلد وتحبير الموشين فيما يقال بالسين والشين تبع فيه أوهام المجمل لابن فارس في ألف موضع والمثلث الكبير في خمس مجلدات والروض المسلوف فيما له اسمان إلى الوف وتحفة القماعيل فيمن تسمى من الناس والملائكة بإسماعيل وأسماء السراح في أسماء النكاح والجليس الأنيس في أسماء الخندريس مجلد وأنواء الغيث في أسماء الليث وترقيق الأسل في تضعيف العسل كراسين وزاد المعاد في وزن بانت سعاد وشرحه في مجلد والنخب الطرائف في النكت الشرائف وغير ذلك من مختصر ومطول

وقال الخزرجي في تاريخ اليمن أنه لم يزل في ازياد من علو الجاه والمكان ونفوذ الشفاعات والأوامر على القضاة في الأمصار ورام في عام تسع وتسعين الوصول إلى مكة شرفها الله تعالى فكتب إلى السلطان ما مثاله ومما ينهيه إلى المعلوم الشريف ضعف العبد ورقة جسمه ودقة بنيته وعلو سنه وآل أمره إلى أن صار كالمسافر الذي تحزم وانتقل إذ وهن العظم والرأس اشتعل وتضعضع السن وتقعقع الشن فما هو إلا عظام في جراب وبنيان قد أشرف على الخراب وقد ناهز العشر التي تسميها العرب دقاقة الرقاب وقد مر على المسامع الشريفة غير مرة في صحيح البخاري من قول النبي صلى الله عليه وسلم إذا بلغ المرء ستين سنة فقد أعذر الله إليه فكيف من نيف على السبعين وأشرف على الثمانين ولا يجمل بالمؤمن أن يمضي عليه أربع سنين ولا يتجدد له شوق إلى رب العالمين وزيارة سيد المرسلين وقد ثبت في الحديث النبوي ذلك والعبد له ست سنين عن تلك المسالك وقد غلب عليه الشوق حتى فاق عمرو بن طوق ومن أقصى أمنيته أن يجدد العهد بتلك المعاهد ويفوز مرة أخرى بتلك المشاهد وسؤاله من المراحم العلية الصدقة عليه بتجهيزه في هذا العام قبل اشتداد الحر وغلبة الأوام فإن الفصل أطيب والريح أزيب وأيضا كان من عادة الخلفا سلفا وخلفا أنهم كانوا يبردون البريد لتبليغ سلامهم إلى حضرة سيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه فاجعلني جعلني الله فداك ذلك البريد فلا أتمنى شيئا سواه ولا أريد
( شوقي إلى الكعبة الغراء قد زادا ** فاستحمل القلص الوخادة الزادا )
( واستأذن الملك المنعام زيد على ** واستودع الله أصحابا وأولادا )
فلما وصل كتابه إلى السلطان كتب على طرته ما مثاله إن هذا الشيء ما ينطق به لساني ولا يجري به قلمي فقد كانت بلاد اليمن عمياء فاستنارت

فكيف يمكن أن نتقدم وأنت أعلم أن الله قد أحيا بك ما كان ميتا من العلم فبالله عليك إلا ما وهبتنا بقية هذا العمر والله يا مجد الدين يمينا بارة إني أرى فراق الدنيا ونعيمها ولا فراقك أنت اليمن وأهله وقال الفاسي وله شعر كثير ونثر أعلى وكان كثير الاستحضار لمستحسنات الشعر والحكايات وله خط جيد مع السرعة وكان كثير الحفظ حتى قال ما كنت أنام حتى أحفظ مائتي سطر وكانت له دار بمكة على الصفا عملها مدرسة للأشرف صاحب اليمن وقرر بها مدرسين وطلبة وفعل بالمدينة كذلك وله بمنى دور وبالطائف بستان وقد سارت الركبان بتصانيفه سيما القاموس فإنه أعطى قبولا كثيرا قال الأديب المفلق نور الدين بن العفيف المكي الشافعي لما قرأ عليه القاموس
( مذ مد مجد الدين في أيامه ** من فيض بحر علومه القاموسا )
( ذهبت صحاح الجوهري كأنها ** سحر المدائن حين ألقى موسا )
ومن شعره هو
( أحبتنا الأماجد أن رحلتم ** ولم ترعوا لنا عهدا وإلا )
( نودعكم ونودعكم قلوبا ** لعل الله يجمعنا وإلا )
وقال المقري في كتاب زهر الرياض في أخبار عياض قلت ومن أغرب ما منح الله به المجد مؤلف القاموس أنه قرأ بدمشق بين باب النصر والفرج تجاه نعل النبي صلى الله عليه وسلم على ناصر الدين أبي عبد الله محمد بن جهبل صحيح مسلم في ثلاثة أيام وتبجح بذلك فقال
( قرأت بحمد الله جامع مسلم ** بجوف دمشق الشام جوف لإسلام )
( على ناصر الدين الإمام بن جهبل ** بحضرة حفاظ مشاهير أعلام )
( وتم بتوفيق الإله وفضله ** قراءة ضبط في ثلاثة أيام )
فسبحان المانح الذي يؤتي فضله من يشاء وكان يرجو وفاته بمكة فما قدر له

ذلك بل توفي بزبيد ليلة العشرين من شوال وهو متمتع بحواسه وقد ناهز التسعين
وفيها أو في التي قبلها وبه جزم في المنهل الصافي صدر الدين أبو الحسن علي بن محمد قاضي القضاة الدمشقي الحنفي المعروف بابن الأدمي ولد بدمشق سنة سبع وستين وسبعمائة ونشأ بها وحفظ القرآن الكريم وطلب العلم حتى تفقه وبرع وشارك في عدة فنون ومهر في الأدب وقال الشعر الفائق الرائق وولي كتابة سر دمشق ثم عزل وولي قضاءها وكان خصيصا بالأمير شيخ المحمودي نائب دمشق وامتحن من أجله فلما تسلطن شيخ المذكور عرف له ذلك وولاه قضاء قضاة الحنفية بالديار المصرية فلم تطل مدته بل باشر أقل من سنة ومن شعره
( يا متهمي بالسقم كن مسعفي ** ولا تطل رفضي فإني على ل )
( أنت حليلي فبحق الهوى ** كن لشجوني راحما يا خلي ل )
ومنه
( قد نمق العاذل يا منيتي ** كلامه بالزور عند الملام )
( وما درى جهلا بأني فتى ** لم يرع سمعي عاجلا فيك لام )
ومنه قصيدته الرائية المشهورة
( عدمت غداة البين قلبي وناظري ** فيا مقلتي حاكي السحاب وناظري )
وتوفي ليلة السبت ثامن شهر رمضان

سنة ثمان عشرة وثمانمائة

فيها كان بمصر طاعون وغلاء عظيمين وفي أولها كانت كائنة الشيخ سليم بفتح السين وذلك أنه كان بالجيزة بالجانب الغربي من النيل كنيسة للنصارى فقيل أنهم جددوا فيها شيئا كثيرا فتوجه الشيخ سليم من الجامع الأزهر

ومعه جماعة فهدموها فاستعان النصارى بأهل الديوان من القبط فسعوا عند السلطان بأن هذا الشيخ افتات على المملكة وفعل ما أراد بيده بغير حكم حاكم فاستدعى بالمذكور فأهين فاشتد ألم المسلمين لذلك ثم توصل النصارى ببعض قضاة السوء إلى أن أذن لهم في إعادة ما تهدم فجر ذلك إلى أن شيدوا ما شاؤا بعلة إعادة المتهدم الأول فلله الأمر
وفيها كانت كائنة شمس الدين بن عطاء الله الرازي المعروف بالهروي الذي شاع عنه أنه يحفظ اثنى عشر ألف حديث وأنه يحفظ صحيح مسلم بأسانيده ويحفظ متون البخاري فجرت مناظرة بينه وبين ابن حجر بحضرة الملك المؤيد وظهر زيفه ومن جملتها أنه سأله أن يزيد على السبعة الذين يظلهم الله في ظله فعجز فزاد ابن حجر سبعة أخرى بأحاديث حسان وأربعة عشر بأحاديث ضعاف وذكر ذلك في أنباء الغمر فراجعه قلت أوصلهم بعضهم إلى تسع وثمانين وممن أوصلهم إلى هذا المقدار العلامة ابن علان المكي المدرك في كتابة شرح رياض الصالحين للنووي
وفيها توفي أيوب بن سعد بن علوي الحسباني الشاغوري الدمشقي الشافعي ولد سنة تسع وأربعين وسبعمائة وحفظ التنبيه وعرض على ابن جملة وطبقته وأخذ عن العماد الحسباني وذويه ثم فتر عن الطلب واعتذر بأنه لم يحصل له نية خالصة وكان ذا أوراد من تلاوة وقيام وقناعة واقتصاد في الحال وفراغ عن الرياسة مع سلامة الباطن توفي في صفر
وفيها خلف بن أبي بكر النحريري المالكي أخذ عن الشيخ خليل في شرح ابن الحاجب وبرع في الفقه وناب في الحكم وأفتى ودرس ثم توجه إلى المدينة المنورة فجاور بها معتنيا بالتدريس والإفادة والانجماع والعبادة إلى أن مات بها في صفر عن ستين سنة
وفيها جمال الدين عبد الله بن أبي عبد الله الدمشقي الفرخاوي نسبة

إلى فرخا بفاء وخاء معجمة مفتوحتين بينهما راء ساكنة قرية من عمل نابلس قال ابن حجر عنى بالفقه والعربية والحديث ودرس وأفاد وكان قد أخذ عن العنابي فمهر في النحو وكان يعتني بصحيح مسلم ويكتب منه نسخا وقد سمع من جماعة من شيوخنا بدمشق ومات في عمل الرملة
وفيها موفق الدين علي بن أحمد بن علي بن سالم الزبيدي الشافعي أصله من مكة ولد بها سنة سبع وأربعين وسبعمائة وعنى بالعلم فبرع في الفقه والعربية ورحل إلى مصر والشام وأخذ عن جماعة ثم رجع إلى مكة وتحول إلى زبيد فمات بها في ذي القعدة
وفيها علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد بن العفيف النابلسي الحنبلي ولد سنة اثنتين وستين وسبعمائة وولي قضاء نابلس قال العليمي في طبقاته كان من أئمة الحديث وهو من مشايخ شيخنا شيخ الإسلام تقي الدين القرقشندي توفي بنابلس انتهى
وفيها عز الدين محمد بن أحمد بن محمد بن جمعة بن مسلم الدمشقي الحنفي الصالحي المعروف بابن خضر ولد سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة واشتغل ومهر وأذن له في الافتاء وناب في الحكم وصار المنظور إليه في أهل مذهبه بالشام وتوفي في شوال
وفيها شمس الدين محمد بن جلال بن أحمد بن يوسف التركماني الأصل التباني بالمثناة الفوقية وتشديد الموحدة نسبة إلى بيع التبن الحنفي ولد في حدود السبعين وسبعمائة وأخذ عن أبيه وغيره ومهر في العربية والمعاني وأفاد ودرس ثم اتصل بالملك المؤيد وهو حينئذ نائب الشام فقرره في نظر الجامع الأموي وفي عدة وظائف وباشر مباشرة غير مرضية ثم ظفر به الناصر فأهانه وصادره فباع ثيابه واستعطى بالسيد فأحضره إلى القاهرة ثم أفرج عنه فلما قدم المؤيد القاهرة عظم قدره ونزل له القاضي جلال الدين البلقيني عن درس التفسير

بالجمالية واستقر في قضاء العسكر ثم رحل مع السلطان في سفرته إلى نوروز فاستقر قاضي الحنفية بالشام فباشره مباشرة لا بأس بها ولم يكن يتعاطى شيئا من الأحكام بنفسه بل له نواب يفصلون القضايا بالنوبة على بابه وتوفي بدمشق في تاسع عشرى رمضان
وفيها نجم بن عبد الله القابوني أحد الفقراء الصالحين انقطع بالقابون ظاهر دمشق مدة وكان صحب جماعة من الصالحين وكان ذا اجتهاد وعبادة وتحكي عنه كرامة وللناس فيه اعتقاد وتوفي في صفر

سنة تسع عشرة وثمانمائة

استهلت والغلاء والطاعون باقيين زائدين بمصر وطرابلس حتى قيل مات بطرابلس في عشرة أيام عشرة آلاف نفس وتواتر انتشار الطاعون في البلاد حتى قيل أن أهل أصبهان لم يبق منهم إلا النادر وأن أهل فاس أحصوا من مات منهم في شهر واحد فكانوا ستة وثلاثين ألاف حتى كادت البلدان تخلو من أهلها
وفيها أمر السلطان الخطباء إذا وصلوا إلى الدعاء له في الخطبة أن يهبطوا من المنبر درجة أدبا ليكون اسم الله ورسوله في مكان أعلى من المكان الذي يذكر فيه السلطان فصنع ذلك واستمر
وفيها شهاب الدين أبو العباس أحمد ابن قاضي المالكية بمكة تقي الدين علي بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن السيد الشريف الحسني الفاسي محتدا المكي مولدا ومنشأ ووفاة المالكي مذهبا والد الحافظ المؤرخ تقي الدين الفاسي قال ولده المذكور في تاريخه ولد والدي في الثاني والعشرين من ربيع الأول سنة أربع وخمسين وسبعمائة بمكة وسمع بها على قاضيها شهاب الدين الطبري تساعيات جده الرضى الطبري وتفرد بها عنه وعلى الشيخ خليل

المالكي صحيح مسلم خلا المجلد الرابع من تجزئة أربعة وسمعه بكماله على الشيخ عبد الله بن أسعد اليافعي وعلى القاضي عز الدين بن جماعة الأربعين التساعية له ومنسكه الكبير وغير ذلك وعلى القاضي موفق الدين الحنبلي قاضي الحنابلة بمصر وسمع بالقاهرة من قاضيها أبي البقاء السبكي صحيح البخاري ومن غيره وسمع بحلب وأجاز له جماعة من أصحاب ابن البخاري وطبقته وغيرهم وحفظ كتبا علمية في صغره واشتغل في الفقه والمعاني والبيان والعربية والأدب وغير ذلك وكان ذا فضل ومعرفة تامة بالأحكام والوثائق وله نظم كثير ونثر ويقع له في ذلك أشياء حسنة إلى أن قال وتوفي بأثر صلاة الصبح من يوم الجمعة الحادي والعشرين من شوال بمكة ودفن بالمعلاة
وفيها شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن نشوان بن محمد بن نشوان بن محمد بن أحمد الحوراني ثم الدمشقي الشافعي ولد سنة سبع وخمسين وسبعمائة وقدم دمشق من بلده وقرأ القرآن ثم أقرأ ولدي الشيخ شهاب الدين الزهري واشتغل في العلم معهما وبسببهما على الشيخ شهاب الدين ولازمه كثيرا وحضر عند مشايخ العصر إلى أن تنبه وفضل ومهر واشتهر بالفضل وناب في الحكم بدمشق وأفتى ودرس ولازم الجامع للاشغال وانتفع به الطلبة وقصد بالفتاوى وكان يكتب عليها كتابة حسنة ودرس في آخر عمره بالعذراوية وكان عاقلا ذكيا يتكلم في العلم بتؤدة وسكون وعنده انصاف وله محاضرة حسنة ونظم رائق منه قوله
( واخجلتي وفضيحتي في موقف ** صعب المسالك والخلائق تعرض )
( وتوقعي لمهدد لي قائل ** أصحيفة سودا وشعرك أبيض )
وتوفي في جمادى الأولى من هذه السنة ووهم من أرخه سنة تسع
وفيها ظهيرة بن حسين بن علي بن أحمد بن عطية بن ظهيرة القرشي المخزومي المكي ولد سنة خمس وأربعين وسبعمائة وسمع بمكة من العز بن جماعة

وغيره وأجاز له من شيوخ مصر الجزايري وأبو الحرم القابسي وجماعة وروى عن القلانسي جزء الغطريف بسماعه له من ابن خطيب المزة وأخذ عنه حافظ العصر ابن حجر جزء الغطريف لغرابة اسمه وتوفي بمكة ليلة الخميس عاشر صفر
وفيها عبد الرحمن بن سليمان بن عبد الرحمن بن محمد بن سليمان بن حمزة المقدسي الحنبلي قال ابن حجر من بيت كبير ولد في ذي الحجة سنة إحدى وأربعين وسبعمائة وسمع من عبد الرحمن بن إبراهيم بن علي بن بقاء الملقن وأحمد بن عبد الحميد بن عبد الهادي وغيرهما وحدث ومات بالصالحية انتهى
وفيها زين الدين أبو هريرة عبد الرحمن بن محمد بن علي بن عبد الواحد بن يوسف بن عبد الرحيم الدكالي بفتح الدال المهملة والكاف المشددة وباللام نسبة إلى دكالة بلد بالمغرب ثم المصري الشافعي ابن النقاش قال ابن حجر ولد رابع عشر ذي الحجة سنة سبع وأربعين وسبعمائة بالقاهرة واشتغل بالعلم ودرس بعد وفاة أبيه وله بضع عشرة سنة وسمع من محمد بن إسماعيل الأيوبي والقلانسي وغيرهما واشتهر بصدق اللهجة وجودة الرأي وحسن التذكير والأمر بالمعروف مع الصرامة والصدع بالوعظ في خطبه وقصصه وصارت له وجاهة عند الخاصة والعامة وانتزع خطابة جامع ابن طولون من ابن بهاء الدين السبكي فاستمرت بيده وكان مقتصدا في ملبسه مفضالا على المساكين كثير الإقامة في منزله مقبلا على شأنه عارفا بأمر دينه ودنياه يتكسب من الزراعة وغيرها ويبر أصحابه مع المحبة التامة في الحديث وأهله وله حكايات مع أهل الظلم وامتحن مرارا ولكن ينجو سريعا بعون الله وقد حج مرارا وجاور وكانت بيننا مودة تامة مات ليلة الحادي عشر من ذي الحجة ودفن عند باب القرافة وكان الجمع

في جنازته حافلا جدا فرحمه الله تعالى انتهى
وفيها زين الدين عبد الرحمن بن يوسف الكردي الدمشقي الشافعي حفظ التنبيه في صباه وقرأ على الشرف بن الشريشي ثم تعانى عمل المواعيد فنفق سوقه فيها واستمر على ذلك أكثر من أربعين سنة وصار على ذهنه من التفسير والحديث وأسماء الرجال شيء كثير وكان رائجا عند العامة مع الديانة وكثرة التلاوة وكان ولي قضاء بعلبك ثم طرابلس ثم ترك واقتصر على عمل المواعيد بدمشق وقدم مصر وجرت له محنة مع القاضي جلال الدين البلقيني ثم رضي عنه وألبسه ثوبا من ملابسه واعتذر إليه ورجع إلى بلده وكان يعاب بأنه قليل البضاعة في الفقه ومع ذلك لا يسأل عن شيء إلا بادر بالجواب ولم يزل بينه وبين الفقهاء منافرات قال ابن حجر ويقال أنه يرى حل المتعة على طريقة ابن القيم وذويه ومات مطعونا في ربيع الآخر وهو في عشر السبعين
وفيها أمين الدين عبد الوهاب بن محمد بن أحمد بن أبي بكر الحنفي الطرابلسي نزيل القاهرة القاضي ابن القاضي ولد سنة أربع وسبعين وسبعمائة واشتغل في حياة أبيه وولي القضاء استقلالا بعد موت الملطي فباشره بعفه ومهابة وكان مشكور السيرة إلا أنه كان كثير التعصب لمذهبه مع إظهار محبته للآثار عار من أكثر الفنون إلا استحضار شيء يسير من الفقه توفي بالطاعون في خامس عشرى ربيع الأول
وفيها علاء الدين أبو الحسن علي بن عيسى الفهري البسطي اشتغل ببلاده ثم حج ودخل الشام ونزل بحلب على قاضيها الجمال النحريري واقرأ بحلب التسهيل وعمل المواعيد وكان يذكر في المجلس بنحو سبعمائة سطر يرتبها أولا ثم يلقيها ويطرزها بفوائد ومجانسات ثم رحل إلى الروم وعظم قدره ببرصا وكان فاضلا ذكيا أديبا يعمل المواعيد بالجامع ثم دخل الروم فسكنها وحصل له ثروة ثم دخل القرم وكثر ماله واستمر هناك إلى أن مات


وفيها شمس الدين أبو الحسن علي بن محمد بن الحسن بن حمزة بن محمد بن ناصر الحسيني الدمشقي الشافعي المحدث الشهير مات أبوه سنة خمس وستين وسبعمائة وهو صغير فحفظ القرآن والتنبيه وقرأ على ابن السلار وابن اللبان ومهر في ذلك حتى صار شيخ الأقراء بالقرمية وكتب الخط المنسوب وجلس مع الشهود مدة ووقع وكان عين البلد في ذلك وكان مشكورا في ذلك وولي نقابة الأشراف مدة يسيرة وولي نظر الأوصياء أيضا ومات في شوال
وفيها جلال الدين غانم بن محمد بن محمد بن يحيى بن سالم الخشبي بمعجمتين مفتوحتين ثم موحدة المدني الحنفي ولد سنة إحدى وأربعين وسبعمائة وسمع من ابن أميلة وغيره بدمشق وسمع منه ابن حجر وكان نبيها في العلم ثم خمل وانقطع بالقاهرة وتوفي بالطاعون
وفيها محمد بن أحمد بن أبي بكر البيري بن الحداد الشافعي أخذ عن أبي جعفر وأبي عبد الله الاندلسيين وتمهر في العربية وحفظ المنهاج وكان يستحضر أشياء حسنة وحدث عن شرف الدين بن قاضي الجبل وغيره وتوفي في البيرة
وفيها أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن عمر التونسي المالكي المعروف بالوانوغي بتشديد النون المضمومة وسكون الواو بعدها معجمة قال السيوطي ولد بتونس سنة تسع وخمسين وسبعمائة ونشأ بها وسمع من مسندها أبي الحسن بن أبي العباس البواني خاتمة أصحاب ابن الزبير بالإجازة وسمع أيضا من ابن عرفة وأخذ عنه الفقه والتفسير والأصلين والمنطق وعن الولي بن خلدون الحساب والهندسة والأصلين والمنطق والنحو عن أبي العباس البصار وكان شديد الذكاء سريع الفهم حسن الأداء للتدريس والفتوى وإذا رأى شيئا وعاه وقرره وإن لم يعتن به وله تآليف على قاعدة ابن عبد السلام وعشرون سؤالا في فنون من العلم تشهد بفضله بعث بها إلى القاضي جلال الدين البلقيني

وقد وقفت على الأسئلة وجوابها ولم أقف على الرد وكان يعاب عليه إطلاق لسانه في العلماء ومرعاة السائلين في الافتاء أجاز لغير واحد من شيوخنا المكين ومات بمكة المشرفة سحر يوم الجمعة تاسع عشرى ربيع الآخر
وفيها محمد بن أيوب بن سعيد بن علوي الحسباني الأصل الدمشقي الشافعي ولد سنة بضع وسبعين وسبعمائة واشتغل وحفظ المنهاج الفقهي والمحرر لابن عبد الهادي وغيرهما وأخذ عن الزهري والشريشي والصرخدي وغيرهم ولازم الملكاوي ومهر في الفقه والحديث وجلس للاشتغال بالجامع والنفع إلى الطلبة وكان قليل الغيبة والحسد بل حلف أنه ما حسد أحدا توفي مطعونا في ربيع الأخر
وفيها عز الدين محمد بن شرف الدين أبي بكر بن عز الدين عبد العزيز بن بدر الدين محمد بن برهان الدين إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الشافعي ولد سنة تسع وأربعين وسبعمائة بمدينة ينبع قال السيوطي في ترجمته العلامة المفنن المتكلم الجدلي النظار النحوي اللغوي البياني الخلافي استاذ الزمان وفخر الأوان الجامع لأشتات جميع العلوم وقال ابن حجر سمع من القلانسي والعرضي وغيرهما وحفظ القرآن في شهر واحد كل يوم حزبين واشتغل بالعلوم على كبر وأخذ عن السراج الهندي والضياء القرمي والمحب ناظر الجيش والركن القرمي والعلاء السيرامي وجار الله والخطابي وابن خلدون والحلاوي والتاج السبكي وأخيه البهاء والسراج البلقيني والعلاء بن صفير الطبيب وغيرهم وأتقن العلوم وصار بحيث يقضي له في كل فن بالجميع حتى صار المشار إليه بالديار المصرية في الفنون العتلية والمفاخر به علماء العجم في كل فن والمعول عليه وأقرأ وتخرج به طبقات من الخلق وكان أعجوبة زمانه في التقرير وليس له في التأليف حظ مع كثرة مؤلفاته حتى جاوزت الألف فأن له على كل كتاب أقرأه التاليف والتاليفين والثلاثة وأكثر ما بين شرح مطول ومتوسط ومختصر

وحواش ونكت إلى غير ذلك وكان قد سمع الحديث على جده والبياني والقلانسي وغيرهم وأجاز له أهل عصره مصرا وشاما وكان ينظم شعرا عجيبا غالبه بلا وزن وكان منجمعا عن بني الدنيا تاركا للتعرض للمناصب بارا بأصحابه مبالغا في إكرامهم يأتي مواضع النزه ويحضر حلق المنافقين وغيرهم ويمشي بين العوام ولم يحج ولم يتزوج وكان لا يحدث إلا متوضئا ولا يترك أحدا يستغيب عنده مع محبته المزاح والمفاكهة واستحسان النادرة وكان يعرف علوما عديدة منها الفقه والتفسير والحديث والأصلان والجدل والخلاف والنحو والصرف والمعاني والبيان والبديع والمنطق والهيئة والحكمة والزيج والطب والفروسية والرمح والنشاب والدبوس والتقاف والرمل وصناعة النفط والكيمياء وفنون آخر وعنه أنه قال أعرف ثلاثين علما لا يعرف أهل عصري أسماءها وقال في رسالته ضوء الشمس سبب ما فتح به على من العلوم منام رأيته قال السيوطي وقد علقت أسماء مصنفاته في نحو كراسين ومن عيونها في الأصول شرح جمع الجوامع مع نكت عليه وثلاث نكت على مختصر ابن الحاجب وحاشية على شرح البيضاوي للأسنوي وحاشية على المغني وثلاثة شروح على القواعد الكبرى وثلاث نكت عليها وثلاثة شروح على القواعد الصغرى وثلاث نكت عليها وإعانة الإنسان على أحكام اللسان وحاشية على الألفية وحاشية على شرح الشافية للجاربردي وغير ذلك وأخذ عنه جمع منهم الكمال بن الهمام وابن قزيل والشمس القاياتي والمحب بن الأقصرائي وابن حجر وقال لازمته من سنة تسعين إلى أن مات وكنت لا أسميه في غيبته إلا إمام الأئمة وقد أقبل في الأخير على النظر في كتب الحديث وكان ينهى أصحابه عن دخول الحمام أيام الطاعون فقدر أن الطاعون ارتفع أو كاد فدخل هو الحمام وخرج فطعن عن قرب ومات وقال العلامة البقاعي حدثني الشيخ محب الدين الأقصرائي وكان ممن لازم الشيخ عز الدين

أنه رأى رجلا تكروريا اسمه الشيخ عثمان ماغفا بالغين المعجمة والفاء ورد إلى القاهرة وله عشرة بنين رجال أتى بهم إلى الشيخ عز الدين للاستفادة فقرأ عليه كتابا فكان إذا قرر له مسألة وقف ودار ثلاث دورات على هيئة الراقص ثم انحنى للشيخ على هيئة الراكع وجلس فإذا جلس قام بنوه العشرة ففعلوا مثل فعله وقال ابن حجر وكان يعاب الشيخ عز الدين بالتزيى بزي العجم من طول الشارب وعدم السواك حتى سقطت أسنانه وتوفي في عشرى ربيع الآخر واشتد أسف الناس عليه ولم يخلف بعده مثله
وفيها شمس الدين محمد بن علي بن محمد المشهدي بن القطان قال ابن حجر أخذ عن الشيخ ولي الدين الملوي ونحوه واعتنى بالعلوم العقلية واشتغل كثيرا حتى تنبه وكان يدري الطب ولكن ليست له معرفة بالعلاج سمعت من فوائده ومات في الطاعون عن نحو ستين سنة انتهى
وفيها محمد بن علي بن معبد القدسي المالكي المعروف بالمدني ولد سنة تسع وخمسين وسبعمائة واشتغل قليلا وأخذ عن جمال الدين بن خير ولازمه وسمع الحديث من محي الدين بن عبد القادر الحنفي وحدث ثم ولي تدريس الحديث بالشيخونية فباشره مع قلة علمه به مدة ثم نزل عنه ثم ولي القضاء في الأيام الناصرية ثم صرف وأعيد مرارا وكان مشكورا في أحكامه ووقعت له كائنة صعبة مع شريف حكم بقتله فأنكر عليه ذلك أهل مذهبه ولم يكن بالماهر في مذهبه وتوفي في عاشر ربيع الأول
وفيها ناصر الدين محمد بن عمر بن إبراهيم بن محمد بن عمر بن عبد العزيز بن محمد بن أبي جرادة العقيلي الحلبي نزيل القاهرة ابن العديم الحنفي ولد سنة اثنتين وتسعين وسبعمائة بحلب وأسمع علي عمر بن ايدغمش مسند حلب وعلى غيره وقدم القاهرة مع أبيه وهو شاب فشغله في عدة فنون على عدة مشايخ وقرأ بنفسه على العراقي قليلا من منظومته وكان يتوقد ذكاء

مع هوج ومحبة في المزاح والفكاهة إلى أن مات أبوه وأوصاه أن لا يترك منصب القضاء ولو ذهب فيه جميع ما خلفه فقبل الوصية ورشا على الحكم إلى أن وليه ثم صار يرشي أهل الدولة بأوقاف الحنفية بأن يؤجرها لمن يخطر منه ببال بأبخس أجرة ليكون عونا له على مقاصده إلى أن كاد يخربها ولو دام قليلا لخربت كلها وصار في ولايته القضاء كثير الوقيعة في العلماء قليل المبالاة بأمر الدين كثير التظاهر بالمعاصي ولا سيما الربا سيء المعاملة جدا أحمق أهوج متهورا وقد امتحن وصودر وهو مع ذلك قاضي الحنفية ثم قام في موجب قتل الناصر قياما بالغا ولم ينفعه ذلك لأنه ظن أن ذلك يبقيه في المنصب فعزل عن قرب ثم لما وقع الطاعون في هذه السنة ذعر منه ذعرا شديدا وصار دأبه أن يستوصف ما يدفعه ويستكثر من ذلك أدوية وأدعية ورقى ثم تمارض لئلا يشاهد ميتا ولا يدعي إلى جنازة لشدة خوفه من الموت فقدر الله أنه سلم من الطاعون وابتلى بالقولنج لصفراوي فتسلسل به الأمر إلى أن اشتد به الخطب فأوصى ثم مات في ليلة السبت تاسع ربيع الآخر قاله ابن حجر
وفيها شمس الدين محمد بن محمد بن عبد الله بن مؤذن الزنجبيلية الحنفي اشتغل وهو صغير فحفظ مجمع البحرين والألفية وغيرهما وأخذ الفقه عن البدري المقدسي وابن الرضى ومهر في الفرائض وأخذها عن الشيخ محب الدين واحتاج الناس إليه فيها وجلس للاشتغال بالجامع الأموي وكان خيرا دينا وتوفي في شوال
وفيها نجم الدين أبو الفتح محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن عبد الدايم الباهي الحنبلي برع في الفنون وتقرر مدرسا للحنابلة في مدرسة جمال الدين برحبة باب العيد وكان عاقلا صينا كثير التأدب توفي ليلة الجمعة رابع عشرى ربيع الأول بالطاعون عن بضع وثلاثين سنة


وفيها قطب الدين محمد الأبرقوهي أحد الفضلاء ممن قدم القاهرة في رمضان سنة ثماني عشرة فأقرأ الكشاف والعضد وانتفع به الطلبة ومات في آخر صفر مطعونا
وفيها مساعد بن ساري بن مسعود بن عبد الرحمن الهواري المصري نزيل دمشق الشافعي ولد سنة بضع وثلاثين وسبعمائة وطلب بعد أن كبر فقرأ على الشيخ صلاح الدين العلائي والولي المنفلوطي والبهاء بن عقيل والأسنوي وغيرهم ومهر في الفرائض والميقات وكتب بخطه الكثير لنفسه ولغيره ثم سكن دمشق وانقطع بقرية عقربا وكان الرؤساء يزورونه وهو لا يدخل البلد مع أنه لا يقصده أحد إلا أضافه وتواضع معه وكان متدينا متقشفا سليم الباطن حسن الملبس مستحضرا لكثير من الفوائد وتراجم الشيوخ الذين لقيهم وله كتاب سماه بدر الفلاح في أذكار المساء والصباح وتوفي بقرية عقربا شهيدا بالطاعون وكان ذميم الشكل جدا رحمه الله
وفيها همام الدين همام بن أحمد الخوارزمي الشافعي اشتغل في بلاده ثم جاء إلى حلب قبل اللنكية فأنزله القاضي شرف الدين في دار الحديث البهائية ثم قدم القاهرة في الدولة الناصرية وحصل له بها حظ وجاه كبير وسماع كلمة وأقبل عليه الطلبة لأجل الجاه وأقرأ الحاوي والكشاف ثم طال الأمر فاقتصر على الكشاف وكان ماهرا في أقرائه إلا أنه بطىء العبارة جدا بحيث يمضي قدر درجة حتى ينطق بقدر عشر كلمات وكانت له مشاركة في العلوم العقلية مع أطراح التكلف وكان يمشي في السوق ويتفرج في الحلق في بركة الرطلي وغيرها وكانت له ابنة ماتت أمها فصار يلبسها بزي الصبيان ويحلق شعرها ويسميها سيدي علي وتمشي معه في الأسواق إلى أن راهقت وهي التي تزوجها الهروي فحجبها بعد ذلك وتوفي في العشر الأخير من ربيع الأول

وقد جاوز السبعين قاله ابن حجر
وفيها صلاح الدين يوسف ابن أخي الملك العادل سليمان قال البرهان البقاعي كان إماما عالما صالحا ذكيا جدا زاهدا حتى قال شيخنا ما رأيت مثله وكان قد عزفت نفسه عن الدنيا فتركها ورحل إلى القاهرة لقصد الاشتغال بالعلم ثم التوجه إلى بعض الثغور للجهاد فاخترمته المنية في الطاعون
وفيها يوسف بن عبد الله المارديني الحنفي قدم القاهرة ووعظ الناس بالجامع الأزهر وحصل كثيرا من الكتب مع لين الجانب والتواضع والخير والاستحضار لكثير من التفسير والمواعظ توفي بالطاعون وقد جاوز الخمسين وخلف تركة جيدة ورثها أخوه أبو بكر ومات بعده بقليل

سنة عشرين وثمانمائة

فيها قتل الشيخ نسيم الدين التبريزي نزيل حلب وهو شيخ الحروفية سكن حلب وكثر أتباعه ونشأت بدعته وشاعت فآل أمره إلى أن أمر السلطان بقتله فضربت عنقه وسلخ جلده وصلب
وفيها كما قال ابن حجر وضعت جاموسة ببلبيس مولودا برأسين وعينين وأربع أيد وسلسلتي ظهر ودبر واحد ورجلين اثنتين لا غير وفرج واحد أنثى والذنب مفروق باثنين فكانت من بديع صنع الله تعالى
وفي أواخرها مالت المأذنة التي بنيت على البرج الشمالي بباب زويلة بمصر من جامع المؤيد وكادت تسقط واشتد خوف الناس منها وتحولوا من حواليها فأمر السلطان بنقضها فنقضت بالرفق إلى أن أمنوا شرها وعامل السلطان من ولي بناءها بالحلم وكان ناظر العمارة ابن البرجي فقال تقي الدين بن حجة في ذلك
( على البرج من بابي زويلة أنشئت ** منارة بيت الله والمعبد المنجي )


( فأخنى بها البرج الخبيث أمالها ** ألا صرحوا يا قوم باللعن للبرجى )
وقال الشهاب بن حجر العسقلاني
( لجامع مولانا المؤيد رونق ** منارته بالحسن تزهو وبالزين )
( تقول وقد مالت عن القصد أمهلوا ** فليس على جسمي أضر من العين )
فغضب الشيخ بدر الدين العيني وظن أن ابن حجر عرض به فاستعان بالنواجي الأبرص فنظم له بيتين معرضا بابن حجر ونسبهما العيني لنفسه
( منارة كعروس الحسن إذ جليت ** وهدمها بقضاء الله والقدر )
( قالوا أصيبت بعين قلت ذا غلط ** ما أوجب الهدم إلا خسة الحجر )
وفيها توفي شهاب الدين أحمد بن أحمد المغراوي المالكي قال ابن حجر اشتغل كثيرا وبرع في العربية وغيرها وشارك في الفنون وشغل الناس وقد عين مرة للقضاء فلم يتم ذلك مات في تاسع عشر شعبان انتهى
وفيها شهاب الدين أحمد بن يهودا الدمشقي الطرابلسي النحوي الحنفي ولد سنة بضع وسبعين وسبعمائة وتعانى العربية فمهر في النحو واشتهر به وأقرأ فيه ونظم التسهيل في تسعمائة بيت وكان تحول بعد فتنة اللنك إلى طرابلس فقطنها فانتفع به أهلها إلى أن مات في آخر هذه السنة وكان يتكسب بالشهادة
وفيها برهان الدين حيدرة الشيرازي ثم الرومي قال السيوطي كان علامة بالمعاني والبيان والعربية أخذ عن التفتازاني وشرح الإيضاح للقزويني شرحا ممزوجا وقدم الروم وأخذ عنه شيخنا العلامة محي الدين الكافيجي انتهى
وفيها داود بن موسى الغماري المالكي عنى بالعلم ثم لازم العبادة وتزهد وجاور بالحرمين أكثر من عشرين سنة وكانت إقامته بالمدينة المنورة أكثر منها بمكة وتوفي في مستهل المحرم


وفيها جمال الدين عبد الله بن إبراهيم بن خليل البعلبكي الدمشقي المعروف بابن الشرايحي الشافعي قال ابن حجر ولد سنة ثمان وأربعين وسبعمائة وأخذ عن الشيخ جمال الدين بن بردس وغيره ثم دخل دمشق فأدرك جماعة من أصحاب الفخر وأحمد بن سنان ونحوهم فسمع منهم ثم من أصحاب ابن القواس وابن عساكر ثم من أصحاب القاضي والمطعم ومن أصحاب الحجار ونحوه ومن أصحاب الجزري وبنت الكمال والمزي فأكثر جدا وهو مع ذلك أمي وصار أعجوبة دهره في معرفة الأجزاء والمرويات ورواتها ولديه مع ذلك محفوظات وفضائل ومذكرات حسنة وكان لا ينظر إلا نظرا ضعيفا وقد حدث بمصر والشام وسمعت منه وسمع معي الكثير في رحلتي وأفادني أشياء وكان شهما شجاعا مهابا جدا كله لا يعرف الهزل قدم القاهرة بعد الكائنة العظمى فقطنها مدة طويلة ثم رجع إلى دمشق وولي تدريس الحديث بالأشرفية إلى أن مات في هذه السنة انتهى وقال ابن ناصر الدين الحافظ المفيد الضرير كان فقيها فرضيا آية في حفظ الرواة المتأخرين حدث بصحيح مسلم وثاني ليلة ختمه مات انتهى
وفيها جمال الدين عبد الله بن أحمد بن عبد العزيز بن موسى بن أبي بكر البشيتي بفتح الموحدة وكسر الشين المعجمة وتحتية وفوقية نسبة إلى بشيت قرية بأرض فلسطين ولد عاشر شعبان سنة اثنتين وستين وسبعمائة وتفقه بسراج الدين بن الملقن وأخذ العربية عن الشمس الغماري واختص به وبرع في الفقه والعربية واللغة وكتب الخط المنسوب وصنف كتابا جليلا في الألفاظ المعربة وكتابا استوعب فيه أخبار قضاة مصر وكتابا في شواهد العربية أوسع الكلام فيه وتوفي بالأسكندرية في رابع ذي القعدة
وفيها فراج الكفل الحنبلي قال العليمي في طبقاته هو الشيخ الإمام العالم الفقيه توفي في هذه السنة انتهى


وفيها عز الدين محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد العزيز النويري ثم المكي العقيلي الشافعي ولد سنة أربع أو خمس وسبعين وسبعمائة واشتغل وهو صغير وناب لأبيه في الخطابة والحكم ثم استقل بعد وفاته في رمضان سنة تسع وتسعين إلى أن صرف في ذي الحجة سنة ثمانمائة ثم وليها مرارا ثم استقرت بيده الخطابة وغيرها ثم استقر في الخطابة ونظر الحرم والحسبة حتى مات وكان مشكور السيرة في غالب أموره وتوفي في ربيع الأول
وفيها شمس الدين محمد بن علي بن جعفر البلالي نسبة إلى بلالة من أعمال عجلون نشأ هناك وسمع الحديث واشتغل بالعلم وسلك طريق الصوفية وصحب الشيخ أبا بكر الموصلي ثم قدم القاهرة فاستوطنها بضعا وثلاثين سنة واستقر في مشيخة سعيد السعدا مدة متطاولة مع التواضع الكامل والخلق الحسن وإكرام الوراد وصنف مختصر الأحياء فأجاد فيه وطار اسمه في الآفاق ورحل إليه بسببه ثم صنف تصانيف أخرى وكانت له مقامات وأوراد وله محبون معتقدون ومبغضون منتقدون توفي في رابع شوال وقد جاوز السبعين
وفيها عز الدين محمد بن بهاء الدين علي بن عز الدين عبد الرحمن بن محمد بن التقي سليمان المقدسي الحنبلي خطيب الجامع المظفري بالصالحية وابن خطيبه ولد سنة أربع وستين وسبعمائة وحفظ المقنع وسمع الحديث وبرع في الفقه والحديث وأخذ عن ابن رجب وابن المحب وكان له النظم الرائق وباشر القضاء وحج وأكثر المجاورة بمكة ودرس بدار الحديث الأشرفية بالجبل وكان في آخره عين الحنابلة وألف مؤلفات حسنة منها نظم المفردات سماه النظم المفيد الأحمد في مفردات الإمام أحمد واقترح عليه صاحب مجد الدين عمل مؤلف على نمط عنوان الشرف لابن المقرى فعمل قطعة نظما أولها
( أشار المجد مكتمل المعاني ** بأن أحدو على حدو اليماني )

وتوفي مغرب ليلة الأحد سابع عشرى ذي القعدة
وفيها كمال الدين أبو البركات محمد بن أبي السعود محمد بن حسين بن علي بن ظهيرة المخزومي المكي الشافعي قاضي مكة ولد سنة خمس وستين وسبعمائة وأحضر في سنة سبع وستين على العز بن جماعة وسمع من غير واحد وولي قضاء مكة ونظر الأوقاف بها والربط وباشر ذلك ثم عزل واستمر معزولا إلى أن توفي بمرض ذات الجنب ليلة الخميس ثالث عشر ذي الحجة ودفن صبيحتها بالمعلاة وخلف عدة أولاد صغار قاله في المنهل
وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبادة السعدي الأنصاري الحنبلي قاضي قضاة دمشق أخذ عن ابن رجب وابن اللحام وكان فردا في زمنه في معرفة الوقائع والحوادث استقل بقضاء دمشق بعد وفاة ابن المنجا وكانت وظيفة القضاء دولا بينه وبين القاضي عز الدين ناظم المفردات إلى أن لحق بالله تعالى ليلة الخميس خامس رجب وله خمسون سنة
وأما ولده قاضي القضاة شهاب الدين أبو العباس أحمد فولده في صفر سنة ثمان وثمانين وسبعمائة وكان من خيار المسلمين كثير التلاوة لكتاب الله العزيز ناب لأبيه في القضاء ثم استقل بعد وفاة والده في ربيع الأول سنة إحدى وعشرين ثم عزل في صفر سنة ثلاث وعشرين ثم عرض عليه المنصب مرارا فلم يقبله وحصلت له الراحة الوافرة إلى أن توفي ودفن عند والده بالروضة قريبا من الشيخ موفق الدين ولم أطلع على تاريخ وفاته
وفيها شرف الدين نعمان بن فخر بن يوسف الحنفي ولد سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة وكان والده عالما فأخذ عنه وقدم دمشق وجلس بالجامع بعد اللنك للاشغال ودرس في أماكن وكان ماهرا في الفقه بارعا في ذلك مات في شعبان قاله ابن حجر

سنة إحدى وعشرين وثمانمائة

فيها كما قال برهان الدين البقاعي ومن خطه نقلت في ليلة الأحد تاسع شعبان أوقع ناس من قريتنا خربة روحا من البقاع يقال لهم بنو مزاحم بأقاربي بني حسن من القرية المذكورة فقتلوا تسعة أنفس منهم أبو عمر بن حسن الرباط بن علي بن أبي بكر وأخواه محمد سويد شقيقه وعلى أخوهما لأبيهما وضربت أنا بالسيف ثلاث ضربات إحداها في رأسي فجرحتني وكنت إذ ذاك ابن اثنتي عشرة سنة فخرجنا من القرية المذكورة واستمرينا ننقل في قرى وادي التيم والعرقوب وغيرهما إلى أن أراد الله تعالى بإقبال السعادتين الدنيوية والأخروية فنقلني جدي لأمي علي بن محمد السليمي إلى دمشق فجودت القرآن وجددت حفظه وأفردت القراآت وجمعتها على بعض المشايخ ثم على الشمس بن الجزري لما قدم إلى دمشق سنة سبع وعشرين وثمانمائة واشتغلت بالنحو والفقه وغيرهما من العلوم وكان ما أراد الله من التنقل في البلاد والفوز بالعز والحج أدام الله نعمه آمين ومن ثمرات ذلك أيضا الإراحة من الحروب والوقائع التي أعقبتها هذه الواقعة فإنها استمرت أكثر من ثلاثين سنة ولعلها زادت على مائة وقعة كان فيها ما قاربت القتلى فيه الفا انتهى بحروفه
وفيها توفي القاضي شهاب الدين أحمد بن علي بن أحمد القلقشندي الشافعي نزيل القاهرة تفقه ومهر وتعانى الأدب وكتب في الانشاء وناب في الحكم وكان يستحضر الحاوي وكتب شيئا على جامع المختصرات وصنف كتابا حافلا سماه صبح الأعشى في معرفة الانشا وكان مستحضرا لأكثر ذلك وصنف غير ذلك وكان مفضالا وقورا في الدول إلى أن توفي ليلة السبت عاشر جمادى الآخرة عن خمس وستين سنة
وفيها بدر الدين أبو عمر حسن بن علي بن محمد بن داود البيضاوي

الأصل المكي المعروف بالزمزمي ولد قبل السبعين وسبعمائة وأجاز له الصلاح بن أبي عمر وابن أميلة وحسن بن الهبل وجماعة من قادمي مكة واشتغل بالعلم ومهر في الفرائض والحساب وفاق الأقران في معرفة الهيئة والهندسة وحدث باليسير وتوفي في ذي الحجة
وفيها صلاح الدين وغرس الدين أبو الصفا خليل بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن الأقفهسي المصري المحدث الحافظ ولد سنة ثلاث وستين وسبعمائة تقريبا واشتغل بالفقه قليلا وبالفرائض والحساب والأدب ثم أحب الحديث فسمع بنفسه من غرس الدين المليجي وصلاح الدين البلبيسي وصلاح الدين الزفتاوي وغيرهم ثم حج سنة خمس وتسعين وجاور فسمع بمكة من شيوخها ثم قدم دمشق سنة سبع وتسعين للسماع فسمع من ابن الذهبي وغيره وأكثر عن ابن العز وسمع الكثير قال ابن حجر ثم قدم إلى مصر سنة ثمان وتسعين فلازمنا في الأسمعة وسافر صحبتي إلى مكة في البحر فجاور بها ثم رحل إلى دمشق مرة ثانية فأقام بها ورافقني في السماع في سنة اثنتين وثمانمائة بدمشق ورجع معي إلى القاهرة ثم حج سنة أربع وجاور سنة خمس فلقيته في آخرها مشمرا على ما أعهده من الخير والعبادة والتخريج والإفادة وحسن الخلق وخدمة الأصحاب واستمر مجاورا إلى أن خرج إلى المدينة وتوجه في ركب العراق ثم ركب البحر إلى كنبابة من بلاد الهند ثم رجع إلى هرمز ثم جال في بلاد المشرق فدخل هراة وسمرقند وغيرها وقد خرج لشيخنا مجد الدين الحنفي مشيخة ولشيخنا جمال الدين بن ظهيرة معجما وخرج لنفسه المتباينات فبلغت مائة حديث وخرج أحاديث الفقهاء الشافعية ونظم الشعر وتوفي بيزد خرج من الحمام فمات فجأة انتهى
وفيها سعد الله بن سعد بن علي بن إسماعيل الهمداني الحنفي قدم حلب مع والده وهو شاب واشتغل بالعلم وتفقه ومهر ودرس في حلب بمدارس

منها فاتفق أن فجأه الموت في رابع جمادى الأولى وأسف الناس عليه
وفيها عبد الله بن إبراهيم بن أحمد الحراني ثم الحلبي الحنبلي كان يذكر أنه من ذرية ابن أبي عصرون وكان شافعي الأصل وولي قضاء الثغر شافعيا وكانت له وظائف في الشافعية ثم انتقل حنبليا وولي قضاء الحنابلة بحلب قال القاضي علاء الدين في تاريخ حلب كان حسن السيرة ولي القضاء ثم صرف ثم أعيد مرارا ثم صرف قبل موته بعشرة أشهر فمات في شعبان
وفيها عبد الرحمن بن هبة الله الملحاني اليماني قال ابن حجر جاور بمكة وكان بصيرا بالقراآت سريع القراءة قرأ في الشتاء في يوم ثلاث ختمات وثلث ختمة وكان دينا عابدا مشاركا في عدة علوم مات في رجب انتهى
وفيها كمال الدين محمد بن حسن بن محمد بن محمد بن خلف الله الشمني بضم المعجمة والميم وتشديد النون نسبة إلى شمنة مزرعة بباب قسطنطينية ثم الأسكندري المالكي ولد سنة بضع وستين واشتغل بالعلم في بلده ومهر ثم قدم القاهرة فسمع بها من شيوخها وسمع في الأسكندرية وتقدم في الحديث وصنف فيه وتخرج بالبدر الزركشي والزين العراقي ونظم الشعر الحسن ثم استوطن القاهرة وأصيب في بعض كتبه وتوفي في ربيع الأول
وفيها غياث الدين محمد بن علي بن نجم الكيلاني التاجر ولد في حدود سبعين وسبعمائة وكان أبوه من أعيان التجار فنشأ ولده هذا في عز ونعمة طائلة ثم شغله أبوه بالعلم بحيث كان يشتري له الكتاب الواحد بمائة دينار وأزيد ويعطي معلميه فيفرط فمهر في أيام قلائل واشتهر بالفضل ونشأ متعاظما ثم لما مات أبوه التهى عن العلم بالتجارة وتنقلت به الأحوال فصعد وهبط وغرق وسلم وزاد ونقص إلى أن تزوج جارية من جواري الناصر يقال لها سمراء فهام بها وأتلف عليها ماله وروحه وطلق لأجلها زوجته ابنة عمه وأفرطت هي في بغضه إلى أن قيل أنها سقته السم فتعلل مدة ولم تزل بها

حتى فارقها فتدله عقله من حبها إلى أن مات ولها بها ويحكى أنها تزوجت بعده رجلا من العوام فأذاقها الهوان وأحبته وأبغضها عكس ما جرى لها مع غياث الدين ويحكى أنها زارته في مرضه واستحللته فحاللها من شدة حبه لها ومن شعره فيها
( سلوا سمراء عن حربي وحزني ** وعن جفن حكى هطال مزن )
( سلوها هل عراها ما عراني ** من الجن الهواتف بعد جن )
( سلوا هل هرت الأوتار بعدي ** وهل غنت كما كانت تغني )
ويقول في آخرها
( سأشكوها إلى مولى حليم ** ليعفو في الهوى عنها وعني )
قال ابن حجر وهذا آخر من عرفنا خبره من المتيمين مات في سابع عشر شوال
وفيها شرف الدين أبو الطاهر محمد بن عز الدين أبي اليمن محمد بن عبد اللطيف بن أحمد بن محمود المعروف بابن الكويك الربعي التكريتي ثم الأسكندري نزيل القاهرة الشافعي المسند المحدث ولد في ذي القعدة سنة سبع وثلاثين وسبعمائة وأجاز له فيها المزي والبرزالي والذهبي وبنت الكمال وإبراهيم بن القريشة وابن المرابط وعلي بن عبد المؤمن في آخرين وهو آخر من حدث عنهم بالإجازة في الدنيا وسمع بنفسه من الأسعردي وابن عبد الهادي وغيرهما ولازم القاضي عز الدين بن جماعة وتعانى المباشرات فكان مشكورا فيها وتفرد بآخره بأكثر مشايخه وتكاثر عليه الطلبة ولازموه وحبب إليه التحديث ولازمه قال ابن حجر قرأت عليه كثيرا من المرويات بالإجازة والسماع من ذلك صحيح مسلم في أربعة مجالس سوى مجلس الختم وقال في المنهل تصدر للأسماع عدة سنين وأضر بآخره وكان شيخا دينا ساكنا كافا عن الشر من بيت رياسة ولم يشتهر بعلم وتوفي يوم السبت سادس عشرى ذي القعدة


وفيها جمال الدين يوسف بن محمد بن عبد الله الحميدي نسبة إلى امرأة ربته كانت تعرف بأم عبد الحميد الحنفي نشأ بالأسكندرية وتفقه وبرع في عدة علوم وكانت له ثروة ويتعانى المتجر وتولى قضاء الأسكندرية فحمدت سيرته وكانت له ديانة وصيانة وأفتى ودرس بالثغر إلى أن توفي بالأسكندرية ليلة خمس وعشرين من جمادى الآخرة وقد أناف على الثمانين

سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة

في ربيع الآخر منها كما قال ابن حجر اتفق أن شخصا له أربعة أولاد ذكور فلما وقع الموت في الأطفال سألت أمهم أن تختنهم لتفرح بهم قبل أن يموتوا فجمع الناس لذلك على العادة وأحضر المزين فشرع في ختن واحد بعد آخر وكل من يختن يسقى شرابا مذابا بالماء على العادة فمات الأربعة في الحال عقب ختنهم فاستراب أبوهم بالمزين وظن أن مبضعه مسموم فجرح المزين نفسه ليبرىء ساحته وانقلب فرحهم عزاء ثم ظهر في الزير الذي كان يذاب منه الشراب حية عظيمة ماتت فيه وتمزعت فكانت سبب هلاك الأطفال ولله الأمر
وفيها توفي شهاب الدين أبو نعيم أحمد بن عبد الله بن بدر بن مفرج بن يزيد بن عثمان بن جابر العامري الغزي ثم الدمشقي الشافعي ولد سنة بضع وستين وسبعمائة بغزة وأخذ عن الشيخ علاء الدين بن خلف وحفظ التنبيه وقدم دمشق بعد الثمانين وهو فاضل فأخذ عن الشريشي والزهري وشرف الدين الغزي بلديه وغيرهم ومهر في الفقه والأصول وجلس بالجامع يشغل الناس في حياة مشايخه وأفتى ودرس وأعاد ثم أصيب بماله وكتبه بعد الفتنة اللنكية وناب في القضاء وعين مرة مستقلا فلم يتم وولي إفتاء دار العدل واختصر المهمات اختصارا حسنا وكتب على الحاوي وجمع الجوامع ودرس

بأماكن وأقبل على الحديث حتى لم يبق بالشام في آخر عمره من يقاربه في رياسة فقه الشافعية إلا ابن نشوان وكان يرجع إلى دين وعفة من صغره وعلو همة ومروءة ومساعدة لمن يقصده مع عجلة فيه وحسن عقيدة وسلامة باطن وجاور في أواخر أمره بمكة فمات بها مبطونا في شوال وله اثنتان وستون سنة
وفيها أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد المطري المدني سمع من العز ابن جماعة وعنى بالعلم وكان يذاكر بأشياء حسنة ثم تزهد ودخل اليمن فأقام بها نحوا من عشرة أعوام وكان ينسب إلى معاناة الكيمياء توفي في أول ذي الحجة
وفيها أحمد بن محمد بن محمد بن يوسف بن علي بن عياش الجوخي الدمشقي نزيل تعز ولد سنة ست وأربعين وسبعمائة وتعانى بيع الجوخ فرزق منه دنيا طائلة وعنى بالقراآت فقرأ على جماعة وكان يقرأ في كل يوم نصف ختمة وكان قد أسمع في صغره على علي بن العز عمر حضورا جزء ابن عرفة وحدث به عنه وقرأ بدمشق على شمس الدين بن اللبان وابن السلار وغيرهما وتصدى للقراآت فانتفع به جمع من أهل الحجاز واليمن وكان غاية في الزهد في الدنيا فإنه ترك بدمشق أهله وماله وخيله وخدمه وساح في الأرض وحدث وهو مجاور بمكة واستمر في إقامته باليمن في خشونة العيش حتى مات وكان بصيرا بالقراآت كثير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأنجب ولده المقرىء عبد الرحمن مقرىء الحرم
وفيها أحمد بن يوسف بن محمد الدمشقي الشاعر المشهور عرف بابن الزعيفريني قال في المنهل الصافي كانت له فضيلة ويكتب الخط المنسوب وينظم الشعر ويشتغل بعلم الحرف ويزعم أن له فيه اليد الطولى وحصل له حظ بهذا المعنى عند جماعة من أعيان الأمراء وغيرهم إلى أن ظفر بعض

أعيان الدولة بأبيات من نظمه بخطه نظمها للأمير جمال الدين الأستادار يوهمه أنه سيملك مصر ويملك بعده ابنه فقطع الملك الناصر فرج لسانه وعقدتين من أصابعه ورفق به عند القطع فلم يمنعه ذلك من النطق لكنه أظهر الخرس مدة أيام الناصر ثم تكلم بعد ذلك وأخذ في الظهور والكتابة بيده اليسرى فلم يرج في الأيام المؤيدية وانقطع إلى أن مات ومن شعره ما كتبه بيده اليسرى إلى قاضي القضاة صدر الدين علي بن الأدمي الحنفي
( لقد عشت دهرا في الكتابة مفردا ** أصور منها أحرفا تشبه الدرا )
( وقد صار خطى اليوم أضعف ما ترى ** وهذا الذي قد يسر الله لليسرى )
فأجابه صدر الدين المذكور
( لئن فقدت يمناك حسن كتابة ** فلا تحتمل هما ولا تعتقد عسرا )
( وأبشر ببشر دائم ومسرة ** فقد يسر الله العظيم لك اليسرى )
وتوفي ابن الزعيفريني يوم الأربعاء ثاني ربيع الأول
وفيها تندو بنت حسين بن أويس كانت بارعة الجمال وقدمت مع عمها أحمد بن أويس إلى مصر فتزوجها الظاهر برقوق ثم فارقها فتزوجها ابن عمها شاه ولد ابن شاه زاده بن أويس فلما رجعوا إلى بغداد ومات أحمد أقيم شاه ولد في السلطنة فدبرت مملكته حتى قتل وأقيمت هي بعده في السلطنة ثم ملكت تستر وغيرها واستقلت بالمملكة مدة وصار في ملكها الحويزة وواسط يدعى لها على منابرها وتضرب السكة باسمها إلى أن ماتت في هذه السنة وقام بعدها ابنها أويس بن شاه ولد قاله ابن حجر
وفيها علم الدين أبو الربيع سليمان بن نجم الدين فرج بن سليمان الحجبي الحنبلي بن المنجا ولد سنة سبع وستين وسبعمائة واشتغل على ابن الطحان وغيره ورحل إلى مصر فأخذ عن ابن الملقن وغيره ثم عاد بعد فتنة اللنك فناب في القضاء وشارك في الفقه وغيره وأشغل الناس بالجامع الأموي

وبمدرسة أبي عمر وتوفي في ربيع الآخر
وفيها عز الدين عبد العزيز بن مظفر بن أبي بكر البلقيني قريب شيخ الإسلام سراج الدين الشافعي اشتغل على الشيخ سراج الدين وكان يشارك في الفنون ويذاكر بالفقه مذاكرة حسنة قال ابن حجر رافقنا في سماع الحديث كثيرا وناب في الحكم وكان سيء السيرة في القضاء جماعة للمال من غير حله في الغالب زرى الملبس مقترا على نفسه إلى الغاية توفي في ثالث عشرى جمادى الأولى وخلف مالا كثيرا جدا فحازه ولده
وفيها نجم الدين عبد اللطيف بن أحمد بن علي الفاسي الشافعي قال ابن حجر سمع معنا كثيرا من شيوخنا ولازم الاشتغال في عدة فنون وأقام في القاهرة مدة بسبب الذب عن منصب أخيه تقي الدين قاضي المالكية إلى أن مات مطعونا في هذه السنة انتهى
وفيها مجد الدين فضل الله بن القاضي فخر الدين عبد الرحمن بن عبد الرزاق بن إبراهيم الشهير بابن مكانس القبطي المصري الحنفي الشاعر المشهور ولد في سابع شعبان سنة سبع وستين وسبعمائة ونشأ في كنف والده الوزير فخر الدين وعنه أخذ الأدب وقرأ النحو والفقه والأدب على علماء مصره إلى أن برع ومهر ونظم الشعر وهو صغير السن جدا وكتب في الإنشاء وتوقيع الدست مدة في حياة أبيه بدمشق وكان أبوه وزيرا بها ثم قدم القاهرة وساءت حالته بعد أبيه ثم خدم في ديوان الإنشاء وتنقلت رتبته فيه إلى أن جاءت الدولة المؤيدية فأحسن إليه القاضي ناصر الدين البارزي كثيرا واعتنى به ومدح السلطان بقصائده فأثابه ثوابا حسنا وشعره في الذروة العليا وكذلك منثوره وجمع هو ديوان أبيه ورتبه وفيه يقول والده
( أرى ولدي قد زاده الله بهجة ** وكمله في الخلق والخلق مذ نشا )
( سأشكر ربي حيث أوتيت مثله ** وذلك فضل الله يؤتيه من يشا )


ومن شعره هو
( تساومنا شذا أزهار روض ** تحير ناظري فيه وفكري )
( فقلت نبيعك الأرواح حقا ** بعرف طيب منه ونشر )
ومنه
( جزى الله شيبي كل خير فإنه ** دعاني لما يرضى الإله وحرضا )
( فأقلقت عن ذنبي وأخلصت تائبا ** وأسكت لما لاح لي الخيط أبيضا )
قال ابن حجر وكانت بيننا مودة أكيدة اتصلت نحوا من ثلاثين سنة وبيننا مطارحات وكان قليل البضاعة من العربية فربما وقع له اللحن الظاهر وأما الخفي فكثيرا جدا مات في يوم الأحد خامس عشرى ربيع الآخر انتهى
وفيها الخواجا محمد الزاهد البخاري قال في المنهل الصافي في ترجمة تيمور اجتمع في أيامه أي تمرلنك بسمرقند ما لم يجتمع لغيره من الملوك فمن ذلك الفقيه عبد الملك من أولاد صاحب الهداية الفقهية فإنه كان بلغ الغاية في الدروس والفتيا ونظم القريض ويعرف النرد والشطرنج ويلعب بهما جيدا في حالة واحدة دائما مدى الأيام والخواجا محمد الزاهد البخاري أي صاحب الترجمة المحدث المفسر صنف تفسيرا للقرآن العظيم في مائة مجلد ومات بالمدينة النبوية سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة انتهى
وفيها محمد بن عبد الله بن شوعان الزبيدي الحنفي قال ابن حجر انتهت إليه الرياسة في مذهب أبي حنيفة بزبيد ودرس وأفاد انتهى
وفيها شمس الدين محمد بن عبد الماجد العجيمي سبط العلامة جمال الدين بن هشام الشافعي أخذ عن خاله الشيخ محب الدين بن هشام ومهر في الفقه والأصول والعربية ولازم الشيخ علاء الدين البخاري لما قدم القاهرة وكذلك الشيخ بدر الدين الدماميني وكان كثير الأدب فائقا في معرفة

العربية ملازما للعبادة وقورا ساكنا توفي في العشرين من شعبان
وفيها نظام الدين محمد بن عمر الحموي الأصل الحنفي المعروف بالتفتازاني لعله تشبيها لنفسه بالسعد قال ابن حجر كان أبوه حصريا فنشأ هذا بين الطلبة وقرأ في مذهب أبي حنيفة وتعانى الآداب واشتغل في بعض العلوم الآلية وتعلم كلام العجم وتزيا بزيهم وتسمى نظام الدين التفتازاني وغلب عليه الهزل والمجون وجاد خطه وقرر موقعا في الدرج وكان عريض الدعوى وله شعر وسط وقال محب الدين الحنبلي كان حسن المنادمة لطيف المعاشرة ولم يتزوج قط وكان متهما بالولدان وكان يأخذ الصغير فيربيه أحسن تربية فإذا كبر وبلغ حد التزويج زوجه انتهى وتوفي في رابع عشرى ذي القعدة عن نحو الستين
وفيها أبو البركات محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن فرحون اليعمري المالكي قاضي المدينة مات بها في المحرم قاله ابن حجر
وفيها فتح الدين أبو الفتح محمد بن محمد بن محمد النحريري المعروف بابن أمين الحكم قال ابن حجر سمع على جماعة من شيوخنا وعنى بقراءة الصحيح وشارك في الفقه والعربية وأكثر المجاورة بالحرمين ودخل اليمن فقرأ الحديث بصنعاء وغيرها ثم قدم القاهرة بآخره فوعك ومات بالمارستان عن نحو من خمسين سنة انتهى
وفيها شمس الدين محمد بن محمد بن محمود الجعفري البخاري اشتغل ببلاده ثم قدم مكة فجاور بها وانتفع الناس به في علوم المعقول وتوفي بمكة في العشر الأخير من ذي الحجة عن ست وسبعين سنة
وفيها يوسف ابن شريكار العنتابي المقري قال العنتابي في تاريخه ولد بعنتاب وتعانى القراآت فمهر فيها وانتفعوا به وكان يتكلم على الناس بلسان الوعظ

وكان فصيح اللسان حلو المنطق مليح الوجه له يد في التفسير وعاش خمسا وستين سنة انتهى

سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة

في ثالث رمضان ذبح جمل بغزة فأضاء لحمه كما تضيء الشموع وشاع ذلك وذاع حتى بلغ حد التواتر قاله ابن حجر
وفيها توفي صارم الدين إبراهيم بن شيخ المحمودي الظاهري الملك المؤيد أبوه قال في المنهل ولد بالبلاد الشامية في أوائل القرن تقريبا وأمه أم ولد جاركسية تسمى نوروز وكان ملكا شجاعا شابا حسنا مقداما كريما ساكنا وعنده أدب وحشمة ملوكية وكان يميل إلى الخير والعدل والعفة عن أموال الرعية إلا أنه كان مسرفا على نفسه سامحه الله انتهى وقال ابن حجر أغرى والده عليه بأنه كان يتمنى موته ويعد الأمراء بمواعيد إذا وقع ذلك فحقد عليه ودس بعض خواصه أن يعطيه ما يكون سببا لقتله من غير إسراع فدسوا عليه من سقاه من الماء الذي يطفأ فيه الحديد فلما شربه أحس بالمغص في جوفه فعالجه الأطباء مدة وندم السلطان على ما فرط منه فتقدم الأطباء بالمبالغة في علاجه فلازموه نصف شهر إلى أن كاد يتعافى فدسوا إليه ثانيا من سقاه بغير علم أبيه فانتكس واستمر إلى ليلة الجمعة خامس عشر جمادى الآخرة فمات فاشتد جزع السلطان عليه إلا أنه تجلد وأسف الناس كافة على فقده ولم يعش أبوه بعده إلا ستة أشهر تزيد أياما لدأب من قتل أباه أو ابنه على الملك قبله عادة مستقرة وطريقة مستقرأة انتهى
وفيها زين الدين أبو المحاسن تغري برمش بن يوسف بن عبد الله التركماني الحنفي قدم القاهرة شابا وقرأ على الجلال التباني وغيره وتفقه بجماعة من

أعيان العلماء وكان كثير الاستحضار لفروع مذهبه ويحفظ بعض مختصرات قال في المنهل وكان يميل إلى الصوفية مع أنه يبالغ في ذم ابن عربي واتباعه وأحرق كتبه وأرسله المؤيد شيخ إلى الحجاز وعلى يده مراسيم تتضمن النظر في أحوال مكة المشرفة وجاور بها وأخذ بالأمر فيها بالمعروف والنهي عن المنكر ومنع المؤذنين من المدائح النبوية فوق المنابر ليلا ومنع المداحين من الإنشاد في المسجد الحرام وجرى له مع أهل مكة أمور بسبب ذلك يطول شرحها ثم عاد إلى القاهرة وكان يميل إلى دين وخير انتهى وقال ابن حجر كان يكثر الحط على ابن العربي وغيره من متصوفي الفلاسفة وبالغ في ذلك وصار يحرق ما يقدر عليه من كتب ابن العربي وربط مرة كتاب الفصوص في ذنب كلب وصارت له بذلك سوق نافقة عند جمع كثير وقام عليه جماعة من أضداده فما بالى بهم وقال المقريزي ذاما له رضي من دينه وأمانته بالحط على ابن العربي مع عدم معرفته بمقالته وكان يتعاظم مع دناءته ويتمصلح مع رذالته حتى انكشفت للناس سيرته وانطلقت الألسن بذمه بالداء العضال مع عدم مداراته وشدة انتقامه ممن يعارضه في أغراضه ولم يزل على ذلك حتى مات بمكة ليلة الأربعاء مستهل المحرم
وفيها جمال الدين عبد الله بن مقداد بن إسماعيل قاضي القضاة الأقفهسي المالكي قاضي الديار المصرية نشأ بالقاهرة وطلب العلم وتفقه بالشيخ خليل وغيره إلى أن برع في الفقه والأصول وأفتى ودرس وناب في الحكم ثم استبد به ثم صرف ثم ولي وكان مشكور السيرة في أحكامه دينا خيرا وشرح رسالة الشيخ خليل وتوفي على القضاء في رابع عشر جمادى الأولى
وفيها محمد بن مورمه البخاري الحنفي قال ابن حجر يلقب نبيرة بنون وموحدة وزن عظيمة ذكر أنه من ذرية حافظ الدين النسفي ونشأ ببلاده وقرأ الفقه وسلك الزهد وحج في هذه السنة وأراد أن يرجع إلى بلاده فذكر أنه رأى

النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقال له إن الله قد قبل حج كل من حج في هذا العام وأنت منهم وأمره أن يقيم بالمدينة فأقام فاتفقت وفاته يوم الجمعة ودفن بالبقيع انتهى
وفيها شمس الدين محمد بن محمد بن حسين المخزومي البرقي الحنفي كان مشهورا بمعرفة الأحكام مع قلة الدين وكثرة التهتك وقد باشر عدة أنظار وتداريس مات في جمادى الأولى قاله ابن حجر
وفيها شمس الدين محمد بن العلامة شمس الدين محمد بن سليمان بن الخراط الحموي الشاعر المنشىء الموقع أخذ عن أبيه وغيره وقال الشعر فأجاد ووقع في ديوان الإنشاء وكان مقربا عند ابن البارزي ومات ولم يكمل الخمسين وعاش أخوه زين الدين عبد الرحمن بعده وهو أسن منه إلى سنة أربعين
وفيها شمس الدين محمد بن محمد بن عبد الله بن أحمد الصغير بالتصغير الطبيب المشهور ولد في خامس عشر جمادى الأولى سنة خمس وأربعين وسبعمائة وكان أبوه فراشا فاشتغل هو بالطب وحفظ الموجز وشرحه وتصرف في العلاج فمهر وصحب البهاء الكازروني وكان حسن الشكل له مروءة مات بعد مرض طويل في عاشر شوال قاله ابن حجر
وفيها القاضي ناصر الدين محمد بن محمد بن عثمان البارزي الشافعي كاتب السر ولد في شوال سنة تسع وستين وسبعمائة وحفظ الحاوي في صغره واستمر يكرر عليه ويستحضر منه وتعانى الشعر والأدب وكتب الخط الجيد ثم ولي قضاء بلده وكتابة السر بها وقضاء حلب وكتابة السر بالقاهرة طول دولة المؤيد وكان لطيف المنادمة كبير الرياسة ذا طلاقة وبشر وإحسان للعلماء والفضلاء على طريقة قدماء الكرماء وتوفي بالقاهرة يوم الأربعاء ثامن شوال
وفيها الحافظ جمال الدين أبو المحاسن محمد بن موسى بن علي بن عبد الصمد بن محمد بن عبد الله المراكشي الأصل ثم المكي ولد في ثالث رمضان سنة سبع وثمانين

وسبعمائة وحفظ القرآن العظيم وأجاز له وهو صغير قبل التسعين وبعدها أبو عبد الله بن عرفة وتقي الدين بن حاتم وناصر الدين بن الميلق وجماعة وتفقه وحبب إليه الطلب فسمع بمكة على مشايخ مكة كابن صديق ومن دونه وعلى القادمين عليها وأخذ علم الحديث عن الشيخ جمال الدين بن ظهيرة والحافظ تقي الدين الفاسي والحافظ صلاح الدين الأقفهسي وتخرج به في معرفة العالي والنازل ورحل إلى الديار المصرية فسمع من شيوخها ثم رحل إلى الشام فأدرك عائشة بنت عبد الهادي خاتمة أصحاب الحجار وجال في رحلته فسمع بحلب وحماة وحمص وبعلبك والقدس والخليل وغزة والرملة والأسكندرية وغيرها ورجع وقد كمل معرفته وخرج لغير واحد من مشايخه وعمل تراجم مشايخه فأفاد وخرج لنفسه أربعين متباينة لكن لم يلتزم فيها السماع ورحل إلى اليمن فسمع بها ومدح الناصر أحمد فأجازه وولاه مدرسة هناك فأقام بتلك البلاد وصار يحج كل سنة وكان حافظا ذا مروءة وقناعة وصبر على الأذى باذلا كتبه وفوائده موصوفا بصدق اللهجة وقلة الكلام قدم في هذه السنة حاجا فعاقهم الريح فخشي فوات الحج فركب البحر وأجهد نفسه فأدرك الحج لكنه توعك واستمر مريضا إلى أن مات بمكة في ثامن عشر ذي الحجة ودفن بالمعلاة
وفيها القاضي شرف الدين أبو الفتح موسى بن محمد بن نصر البعلبكي المعروف بابن السقيف تصغير سقف الشافعي ولد سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة وأخذ الفقه عن الخطيب جلال الدين والحديث عن عماد الدين ابن بردس وغيرهما واشتغل بدمشق على ابن الشريشي والزهري وغيرهما ومهر وتصدى للافتاء والتدريس ببلده من اول سنة احدى وثمانين وهلم جرا وولي قضاء بلده مرارا فحمدت سيرته وكان كثير البر للطلبة سليم الباطن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وله أوراد وعبادة وانتهت إليه رياسة الفقه ببلده إلى أن توفي في جمادى الآخرة


وفيها جمال الدين يوسف بن الشيخ إسمعيل الأنبابي قال ابن حجر ابن القدوة إسمعيل أخذ الكثير عن شيوخنا وقرأ في الفقه والأصول والعربية وأكثر جدا ثم انقطع بزاوية أبيه بانبابة وأحبه الناس واعتقدوه وحج مرارا وكان يذكر لنفسه نسبا إلى سعد بن عبادة ومات في شوال وخلف مالا كثيرا جدا انتهى
وفيها السلطان قرا يوسف بن محمد قرا التركماني ملك العجم كان في أول أمره من التركمان الرحالة النزالة فتنقلت به الأحوال إلى أن استولى بعد اللنك على عراق العرب والعجم ثم ملك تبريز وبغداد وماردين وغيرها واتسعت مملكته وكان ينتمي إلى أحمد بن أويس وتزوج أحمد أخته ثم وقع بينهما وتقابلا فهرب أحمد منه فملك بغداد سنة خمس وثمانمائة فأرسل إليه اللنك عسكرا فهرب إلى دمشق واجتمع مع أحمد بن أويس وتصالحا ثم تنقلت به الأحوال إلى أن قتل مرزاشاه بن اللنك في ربيع الآخر سنة ثلاث عشرة واستبد بملك العراق وسلطن ابنه محمد شاه ببغداد ثم نهب سنجار والموصل وأوقع بالأكراد واختلف الحال بينه وبين شاه رخ ثم تصالحا وتحالفا وتصاهرا ثم انتقض الصلح سنة سبع عشرة وتحاربا وفي سنة إحدى وعشرين سبى أهل عنتاب وقتل وأسر وأفحش في القتل والسبي بحيث أبيع صغير واحد بدرهمين وحرق المدينة وأخذ أموالها وتوجه إلى البيرة فنهبها ثم بلغه أن ولده محمد شاه عصى عليه ببغداد فتوجه إليه وحصره واستصفى أمواله وعاد إلى تبريز وكان شديد الظلم قاسي القلب لا يتمسك بدين واشتهر عنه أن في عصمته أربعين امرأة وقد خربت في أيامه وأيام أولاده مملكة العراقين وتوفي بتبريز في ذي القعدة وقام بعده ابنه اسكندر

سنة أربع وعشرين وثمانمائة

فيها توفي شهاب الدين أحمد بن هلال الحلبي اشتغل قديما على الشيخ شمس الدين بن الخراط وغيره وكان مفرط الذكاء وأخذ التصوف عن شمس الدين البلالي ثم توغل في مذهب أهل الوحدة ودعا إليه وصار كثير الشطح وجرت له وقائع وكان أتباعه يبالغون في اطرائه ويقولون هو نقطة الدائرة إلى غير ذلك من مقالاتهم المستبشعة قاله ابن حجر
وفيها جقمق كان من أبناء التركمان فاتفق مع بعض التجار أن يبيعه ويقسم ثمنه بينهما ففعل فتنقل في الخدم حتى تقرر دويدارا ثانيا عند الملك المؤيد قبل سلطنته ثم استمر وكان يتكلم بالعربية لا يشك من جالسه أنه من أولاد الأحرار ثم استقر دويدارا كبيرا إلى أن قرره الملك المؤيد في نيابة الشام فبنى السوق المعروف بسوق جقمق وأوقفه على المدرسة التي بناها قرب الأموي ثم أظهر العصيان لما مات الملك المؤيد قال المقريزي كان سيء السيرة شديدا في دواداريته على الناس حصل أموالا كثيرة وكان فاجرا ظلوما غشوما لا يكف عن قبح انتهى قتله ططر بدمشق بعد أن صادره في أمواله في أواخر شعبان ودفن بمدرسته لصيق الكلاسة
وفيها الملك المؤيد شيخ بن عبد الله المحمودي قدم القاهرة وهو ابن اثنتي عشرة سنة وكان جميل الصورة فمات جالبه فاشتراه محمود تاجر المماليك وانتسب إليه وقدمه لبرقوق وفأعجبه وجعله خاصكيا ثم جعله من السقاة ونشأ ذكيا فتعلم الفروسية من اللعب بالرمح ورمى النشاب والضرب بالسيف وغير ذلك ومهر في جميع ذلك مع جمال الصورة وكمال العشرة والتهتك وضرب بسبب ذلك ثم تنقلت به الأحوال من الإمارة على الحاج وغير ذلك إلى أن ولي نيابة الشام ثم تسلطن يوم الإثنين مستهل شعبان سنة خمس عشرة وثمانمائة قال في المنهل

وكان ملكا شجاعا مقداما مهابا سيوسا عارفا بالحروب والوقائع جوادا على من يستحق الأنعام بخيلا على من لا يستحقه إلى الغاية طويلا بطينا واسع العينين أشهلهما كث اللحية جهوري الصوت فحاشا سبابا ذا خلق سيء وسطوة وجبروت وهيبة زائدة يرجف القلب عند مخاطبته محبا لأهل العلم مبجلا للشرع مذعنا له غير مائل إلى شيء من البدع إلا أنه كان مسرفا على نفسه متظاهرا بذلك وبنى أماكن تقام فيها الخطبة منها جامعه المؤيدي داخل باب زويلة الذي ما عمر في الاسلام أكثر زخرفة وأحسن ترخيما منه بعد جامع دمشق وتوفي يوم الإثنين تاسع المحرم وسلطنوا ولده المظفر أبا السعادات وعمره سنة واحدة وثمانية أشهر وسبعة أيام قال المقريزي واتفق في موته موعظة وهو أنه لما غسل لم يوجد له منشفة ينشف بها فنشف في منديل لبعض من حضر من الأمراء ولا وجد له مئزر يستره حتى أخذ له مئزر صوف صعيدي من فوق رأس بعض جواريه ولا وجد له طاسة يصب بها عليه الماء وهو يغسل مع كثرة ما خلف من الأموال انتهى ودفن بقبته التي أنشأها بالجامع المؤيدي بباب زويلة
وفيها أبو الفتح ططر بن عبد الله الظاهري ملك الديار المصرية والشامية كان من جملة مماليك الظاهر برقوق ولا زال يترقى حتى صار أمير مائة مقدم ألف بالديار المصرية وتنقلت به الأحوال إلى أن مرض الملك المؤيد وأوصى له بالتكلم على ابنه أحمد فلما مات المؤيد خرج ططر إلى البلاد الشامية بالسلطان والخليفة والقضاة والعساكر وعزل وولي ثم دخل حلب ثم عاد إلى دمشق واستمال الخواطر وتحبب إلى الأمراء ثم عزم على خلع الملك المظفر لصغره فخلعه في تاسع عشرى شعبان من هذه السنة وتسلطن هو ولقب بالملك الظاهر أبي الفتح وجلس على كرسي الملك ثم في سابع عشر شهر رمضان برز من دمشق إلى الديار المصرية فوصلها يوم الخميس رابع شوال فمرض ولزم بيته إلى يوم الثلاثاء أول ذي القعدة نصل ودخل الحمام وتباشر الناس بعافيته ثم أخذ مرضه يتزايد إلى

ثاني ذي الحجة فجمع الخليفة المعتضد بالله داود والقضاة وعهد لولده محمد وأن يكون الأمير جانبك الصوفي متكلما في الأمور وحلف الأمراء على ذلك كما حلف هو غير مرة لابن الملك المؤيد وتوفي ضحى يوم الأحد رابع ذي الحجة وله نحو خمسين سنة ودفن بالقرافة بجوار الإمام الليث بن سعد وكانت مدة سلطنته أربعة وتسعين يوما وفي هذه المدة اليسيرة لا يستقل ما فعل من الانتقام والجور وسفك الدماء فأتعب نفسه ومهد لغيره وكان ملكا عارفا فطنا عفيفا عن المنكرات مائلا إلى العدل يحب الفقهاء وأهل العلم ويذاكر بالفقه ويشارك فيه وله فهم وذوق في البحث بارعا في حفظ الشعر التركي عارفا بمعانيه وعنده إقدام وجرأة وكرم مفرط مع طيش وخفة وكان قصيرا جدا كبير اللحية أسودها مليح الشكل يتكلم بأعلى حسه وفي صوته بحة شنعة كثير التعصب لمذهب الحنفية يريد أن لا يدع أحدا من الفقهاء غير الحنفية قاله في المنهل الصافي
وفيها جلال الدين عبد الرحمن بن شيخ الإسلام سراج الدين عمر بن رسلان البلقيني الشافعي ولد في جمادى الأولى سنة ثلاث وستين وسبعمائة وأمه بنت القاضي بهاء الدين بن عقيل النحوي ونشأ بالقاهرة وحفظ القرآن وعدة متون في عدة علوم وتفقه بوالده وغيره وبرع في الفقه والأصول والعربية والتفسير والمعاني والبيان وأفتى ودرس في حياة والده وتولى قضاء العسكر بالديار المصرية في حياة والده أيضا قال المقريزي لم يخلف بعده مثله في كثرة علومه بالفقه وأصوله والحديث والتفسير والعربية والنزاهة عما ترمي به قضاة السوء انتهى وممن أثنى عليه جلال الدين بن ظهيرة المكي وأنشد فيه لنفسه
( هنيئا لكم يا أهل مصر جلالكم ** عزيز فكم من شبهة قد جلا لكم )
( ولولا اتقاء الله جل جلاله ** لقلت لفرط الحب جل جلالكم )
وقال ابن تغرى بردى بعد أن أثنى عليه أحسن الثناء وأنا أعرف به من غيري فإنه كان تأهل بكريمتي وما نشأت إلا عنده وقرأت عليه غالب القرآن الكريم

وكان إذا توجه إلى منتزه يأخذني صحبته إلى حيث سار فإذا أقمنا بالمكان يطلبني ويقول اقرأ الماضي من محفوظك فأقرأ عليه ما شاء الله أن أقرأه وتوفي ليلة الخميس بعد العشاء الآخرة بساعة الحادي عشر من شوال
وفيها تاج الدين أبو نصر عبد الوهاب بن أحمد بن صالح بن أحمد بن خطاب البقاعي الفاري بالفاء والراء الخفيفة نسبة إلى قرية بالبقاع تسمى بيت فار الدمشقي الشافعي ولد سنة سبع وستين وسبعمائة وحفظ التمييز وغيره واشتغل على والده وعلى النجم بن الجابي والشريشي وغيرهم ونشأ هو وأخوه عبد الله على خير وتصون ودرس في حياة أبيه بالعادلية الصغرى واستمرت بيده إلى أن مات ودرس بعد أبيه بالشامية البرانية وولي افتاء دار العدل وناب في الحكم مدة طويلة وولاه الأمير نوروز القضاء باتفاق الفقهاء عليه بعد موت الأخنائي فباشره مباشرة حسنة فلما غلب المؤيد على نوروز صرفه ولم يعزله بسوء فلزم الشباك الكمالي بجامع دمشق يفتي وبالشامية يدرس وكان حسن الرأي والتدبير دينا له حظ من عبادة إلا أنه لم يكن مشكورا في مباشرة الوظائف وكان عاقلا ساكنا كثير التلاوة يقوم الليل كثير الأدب والحشمة طاهر اللسان توفي في أحد الربيعين قاله ابن حجر
وفيها قتل أبو سعيد عثمان بن أحمد بن إبراهيم بن علي بن عثمان بن يعقوب بن عبد الخالق المريني قتله مدبر مملكته عبد العزيز الكناني وقتل إخوته وأولاده وأكابر البلد وأبطالها وشيوخها وكانت فتنة كبيرة انقطعت فيها دولة بني مرين من فاس وأقام محمد بن أبي سعيد في المملكة واستبد هو بتدبير الأمور فسبحان من لا يزول ملكه
وفيها شمس الدين محمد بن إبراهيم البوصيري الشافعي قال ابن حجر كان خيرا دينا كثير النفع للطلبة يحج كثيرا ويقصد الأغنياء لنفع الفقراء

وربما استدان للفقراء على ذمته ويوفي الله عنه وكانت له عبادة وتؤثر عنه كرامات مات في سادس ربيع الآخر انتهى
وفيها عز الدين محمد بن خليل بن هلال الحاضري الحلبي الحنفي ولد في أحد الجمادين سنة سبع وأربعين وسبعمائة ورحل إلى دمشق فأخذ بها عن جماعة منهم ابن أميلة قرأ عليه سنن أبي داود والترمذي ودخل القاهرة فأخذ عن الشيخ ولي الدين المنفلوطي والجمال الأسنوي ورحل إلى القاهرة مرة أخرى وتفقه ببلده وحفظ كتبا نحو الخمسة عشر كتابا في عدة فنون وقرأ على العراقي في علوم الحديث وأجاز له ولازم العلم إلى أن انفرد وصار المشار إليه ببلاده وولي قضاء بلده ودرس وأفتى وكان محمود السيرة مشكور الطريقة قال البرهان المحدث لا أعلم بالشام كلها مثله ولا بالقاهرة مثل مجموعه الذي اجتمع فيه من العلم الغزير والتواضع والدين المتين والذكر والتلاوة انتهى وتوفي في أحد الجمادين
وفيها رضي الدين أبو حامد محمد بن عبد الرحمن بن أبي الخير محمد بن أبي عبد الله الفاسي الحسني المكي المالكي ولد في رجب سنة خمس وثمانين وسبعمائة وسمع الحديث وتفقه وأفتى ودرس وولي قضاء المالكية ثم عزل فناب عن القاضي الشافعي وكان خيرا ساكنا متواضعا ذاكرا للفقه توفي في ربيع الأول
وأخوه محب الدين أبو عبد الله محمد كان أسن منه أجاز له ابن أميلة وغيره ومهر في الفقه

سنة خمس وعشرين وثمانمائة

فيها كما قال ابن حجر ولدت فاطمة بنت القاضي جلال الدين البلقيني من بعلها تقي الدين رجب بن العماد قاضي الفيوم ولدا خنثى له ذكر وفرج أنثى

وقيل أن له يدين زائدتين نابتتان في كتفيه وفي رأسه قرنان كقرني الثور فيقال ولدته ميتا ويقال مات بعد أن ولدته انتهى
وفيها أخذ الفرنج مدينة سبتة من أيدي المسلمين وفيها كان الطاعون الشديد بحلب حتى خلى أكثر البلد من الناس
وفيها برهان الدين إبراهيم بن أحمد البيجوري الشافعي ولد في حدود الخمسين وسبعمائة وأخذ عن الأسنوي ولازم البلقيني ورحل إلى الأذرعي بحلب سنة سبع وسبعين وبحث معه وكان الأذرعي يعترف له بالاستحضار وشهد له الشيخ جمال الدين الحسباني عالم دمشق بأنه أعلم الشافعية بالفقه في عصره وقال محي الدين المصري فارقته سنة خمس وثمانين وهو يسرد الروضة حفظا وكان دينا خيرا متواضعا لا يتردد إلى أحد سليم الباطن لا يكتب على الفتوى تورعا وولي بآخره مشيخة الفخرية بين السورين وكان الطلبة يصححون عليه تصانيف العراقي نقلا وفهما وكانوا يراجعون العراقي في ذلك فلا يزال يصلح في تصانيفه ما ينقلونه له عنه ولم يخلف بعده من يقارنه وكان فقيرا جدا مع قلة وظائف وتوفي يوم السبت رابع عشر رجب رحمه الله تعالى
وفيها برهان الدين أبو إسحق إبراهيم بن محمد بن عيسى بن عمر بن زياد العجلوني الدمشقي الشافعي الشهير بابن خطيب عذرا ولد سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة بعجلون وحفظ المنهاج في صغره واشتغل على مشايخ عصره ودأب في الفقه خصوصا الروضة وتصدر للأشغال مدة طويلة وولي قضاء صفد في أيام الظاهر برقوق سنة ثلاث وثمانمائة وقدم دمشق سنة ست وثمانمائة وولي نيابة الحكم وأقام على ذلك سنين ثم تنزه عن ذلك كله وأكب على الأشغال وصار يفتي ويدرس إلى أن حصل له فالج فلزم منه الفراش من غير أن يتكلم إلى أن توفي سابع عشرى المحرم

وفيها صدر الدين أبو بكر بن تقي الدين إبراهيم بن محمد بن مفلح المقدسي الأصل ثم الدمشقي الحنبلي ولد سنة ثمانين وسبعمائة وتفقه قليلا واستنابه أبوه وهو صغير واستنكر الناس منه ذلك ثم ناب لابن عبادة وشرع في عمل المواعيد بجامع الأرموي وشاع اسمه وراج بين العوام وكان على ذهنه كثير من التفسير والأحاديث والحكايات مع حضور شديد في الفقه وولي القضاء استقلالا في شوال سنة سبع عشرة فباشر خمسة أشهر ثم عزل وتوفي في جمادى الآخرة قاله ابن حجر
وفيها نفيس الدين سليمان بن إبراهيم بن عمر التعزي الشافعي الفقيه العلوي نسبة إلى علي بن بلي بن وائل سمع أباه وابن شداد وغيرهما وعنى بالحديث وأحب الرواية واستجيز له من جماعة من أهل مكة قال ابن حجر وسمع مني وسمعت منه وكان محبا في السماع والرواية محثا على ذلك مع عدم مهارة فيه فذكر لي أنه مر على صحيح البخاري مائة وخمسين مرة ما بين قراءة وسماع وأسماع ومقابلة وحصل من شروحه كثيرا وحدث بالكثير وكان محدث أهل بلده مات في ذي الحجة وقد جاوز الثمانين
وفيها صدقة بن سلامة بن حسين بن بدران بن إبراهيم بن جملة الجيدوري ثم الدمشقي المقرىء عنى بالقراآت وأتقنها وأقرأ بالجامع الأموي وأدب خلقا وانتفعوا به وله تآليف في القراآت توفي في عاشر جمادى الأولى
وفيها أسد الدين عبد الرحمن بن محمد بن طولوبغا التنكزي مسند الشام قال ابن حجر تفرد وحدث وحج في سنة أربع وعشرين وثمانمائة بمكة ورجع فمات بدمشق في ثاني عشر ذي القعدة وكان مسند الشام
وفيها عثمان بن سليمان الصنهاجي قال ابن حجر في أنباء الغمر من أهل الجزائر الذين بين تلمسان وتونس رأيته كهلا وقد جاوز الخمسين وقد شاب

أكثر لحيته وطوله إلى رأسه ذراع واحد بذراع الآدميين لا يزيد عليه شيئا وهو كامل الأعضاء وإذا قام قائما يظن من رآه أنه صغير قاعد وهو أقصر آدمي رأيته وذكر لي أنه صحب أبا عبد الله بن الغمار وأبا عبد الله بن عرفة وغيرهما ولديه فضيلة ومحاضرة حسنة انتهى
وفيها علي بن أحمد بن علي المارديني سمع من ابن قواليح صحيح مسلم بدمشق وحدث عنه وتوفي بمكة في شوال
وفيها صبر الدين علي بن سعد الدين محمد ملك المسلمين بالحبشة كان شجاعا فارسا شديدا على كفرة الحبشة وجرت له معهم وقائع عديدة وتوفي مبطونا واستقر بعده أخوه
وفيها شمس الدين أبو المعالي محمد بن أحمد بن معالى الحبتي بفتح الحاء المهملة وسكون الموحدة وفوقية نسبة إلى حبتة بنت ملك بن عمرو بن عوف الحنبلي المحدث ولد سنة خمس وأربعين وسبعمائة وسمع من عمر بن أميلة والعماد بن كثير وغيرهما ومهر في فنون كثيرة وتفقه بابن قاضي الجبل وابن رجب وغيرهما وتعانى الآداب فمهر وقدم القاهرة في رمضان سنة أربع وثمانمائة وحدث بها ببعض مسموعاته وقص على الناس في عدة أماكن وناب في الحكم وكان يحب جمع المال مع مكارم الأخلاق وحسن الخلق وطلاقة الوجه والخشوع التام قال ابن حجر سمعنا بقراءته صحيح البخاري في عدة سنين بالقلعة وسمعنا من مباحثه وفوائده ونوادره وماجرياته وتوفي فجأة ليلة الخميس وقت العشاء ثامن عشرى المحرم بالقاهرة
وفيها شمس الدين محمد بن علي بن خالد الشافعي المعروف بابن البيطار سمع من مشايخ ابن حجر معه وغيره وكان وقورا ساكنا حسن الخلق كثير التلاوة
وفيها شمس الدين محمد بن علي بن أحمد الزراتيتي الحنبلي المقرىء إمام

الظاهرية البرقوقية ولد سنة سبع وأربعين وسبعمائة وعنى بالقراآت ورحل فيها إلى دمشق وحلب وأخذ عن المشايخ واشتهر بالدين والخير قال ابن حجر سمع معنا الكثير وسمعت منه شيئا يسيرا ثم أقبل على الطلبة بآخره فأخذوا عنه القراآت ولازموه وأجاز للجماعة وانتهت إليه الرياسة في الاقراء بمصر ورحل إليه من الأقطار ونعم الرجل كان توفي يوم الخميس سادس جمادى الآخرة بعد أن أضر
وفيها السلطان محمد جلبي بن أبي يزيد بن مراد بن أورخان بن عثمان كان يلقب كرشي كان شجاعا مقداما مجاهدا فتح عدة قلاع وبلاد وبنى المدارس وعمر العماير وهو أول من عمل الصر للحرمين الشريفين من آل عثمان رحمه الله تعالى
وفيها بدر الدين محمود بن العلامة شمس الدين الأقصرائي الأصل المصري المولد والدار والوفاة الحنفي ولد سنة بضع وتسعين وسبعمائة ونشأ بالقاهرة وطلب العلم فبرع في الفقه والعربية وشارك في عدة فنون ورأس على أقرانه وجالس الملك المؤيد شيخ ثم اختص بالملك الظاهر ططر اختصاصا زائدا وتردد الناس إلى بابه وتحدثوا برفعته فعوجل بمنيته ليلة الثلاثاء خامس المحرم

سنة ست وعشرين وثمانمائة

فيها كان طاعون مفرط بالشام حتى قيل أن جملة من مات في أيام يسيرة زيادة على خمسين ألفا ووقع أيضا بدمياط طاعون عظيم
وفيها توفي إبراهيم بن مبارك شاه الأسعردي الخواجا التاجر المشهور صاحب المدرسة بالجسر الأبيض كان كثير المال واسع العطاء كثير البذل قاله ابن حجر


وفيها الحافظ ولي الدين أبو زرعة أحمد بن حافظ العصر شيخ الإسلام عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن العراقي الإمام ابن الإمام والحافظ ابن الحافظ وشيخ الإسلام ابن شيخ الإسلام الشافعي ولد في ذي الحجة سنة اثنتين وستين وسبعمائة وبكر به أبوه فأحضره عند المسند أبي الحرم القلانسي في الأولى وفي الثانية واستجاز له من أبي الحسن العرضي ثم رحل به إلى الشام في سنة خمس وستين وقد طعن في الثالثة فأحضره عند جمع كثير من أصحاب الفخر بن البخاري وأنظارهم ثم رجع فطلب بنفسه وقد أكمل أربع عشرة سنة فطاف على الشيوخ وكتب الطباق وفهم الفن واشتغل في الفقه والعربية والمعاني والبيان وأحضر على جمال الدين الأسنوي وشهاب الدين بن النقيب وغيرهما وأقبل على التصنيف فصنف أشياء لطيفة في فنون الحديث ثم ناب في الحكم وأقبل على الفقه فصنف النكت على المختصرات الثلاثة جمع فيها بين التوشيح للقاضي تاج الدين السبكي وبين تصحيح الحاوي لابن الملقن وزاد عليهما فوائد من حاشية الروضة للبلقيني ومن المهمات للأسنوي وتلقى الطلبة هذا الكتاب بالقبول ونسخوه وقرأوه عليه واختصر أيضا المهمات وأضاف إليها حواشي البلقيني على الروضة وكان لما مات أبوه تقرر في وظائفه فدرس بالجامع الطولوني وغيره ثم ولي القضاء الأكبر وصرف عنه فحصل له سوء مزاج من كونه صرف ببعض تلامذته بل ببعض من لا يفهم عنه كما ينبغي فكان يقول لو عزلت بغير فلان ما صعب على وكان من خير أهل عصره بشاشة وصلابة في الحكم وقياما في الحق وطلاقة وجه وحسن خلق وطيب عشرة وتوفي في يوم الخميس التاسع والعشرين من شهر رمضان عن ثلاث وستين سنة وثمانية أشهر ودفن عند والده

رحمهما الله تعالى
وفيها مجد الدين أبو البركات سالم بن سالم بن أحمد المقدسي ثم المصري الحنبلي قاضي القضاة بالديار المصرية وشيخ الإسلام بها ولد سنة ثمان وأربعين وسبعمائة وقدم القاهرة في سنة أربع وستين واستقر في القضاء بعد وفاة القاضي موفق الدين بن نصر الله المتقدم ذكره وكان يعد من فقهاء الحنابلة وأخيارهم باشر القضاء نيابة واستقلالا أكثر من ثلاثين سنة بتواضع وعفة وعزل بابن مغلي فقال بعضهم عند عزله
( قضى المجد قاضي الحنبلية نحبه ** بعزل وما موت الرجال سوى العزل )
( وقد كان يدعى قبل ذلك سالما ** فخالطه فرط انسهال من المغلى )
وتوفي يوم الخميس تاسع عشرى ذي القعدة بعد أن ابتلي بالزمانة والعطلة عدة سنين
وفيها زين الدين عبد الرحمن بن الشيخ شمس الدين محمد بن إسماعيل القلقشندي الشافعي سبط الشيخ صلاح الدين العلائي اشتغل على أبيه وغيره وأحب الحديث وطلبه وكتب الطباق بخطه وصنف ونظم وكان فاضلا نبيها قال ابن حجر سمع معي في الرحلة إلى دمشق كثيرا بها وبنابلس والقدس وغيرها وصار مفيد بلده في عصره وقدم القاهرة في هذه السنة فأسمع ولده بها من جماعة وكان حسن العقل والخط حاذقا رجع إلى بلده فمات بها وأسفنا عليه رحمه الله تعالى انتهى
وفيها عز الدين عبد العزيز بن علي بن أحمد النويري ثم المكي الشافعي العقيلي ولد سنة ثمان وسبعين وسبعمائة وتفقه ومهر وقرأ سنن أبي داود علي السراج البلقيني سنة اثنتين وثمانمائة وكان أبوه مالكي المذهب فخالفه وأقام بالقاهرة مدة وأخذ عن شيوخها وأذن له الشيخ برهان الدين الأنباسي وبدر الدين الطنبدي ثم دخل اليمن وولي القضاء بتعز ثم رجع إلى مكة فتوفي بها في

حادي عشرى ذي الحجة
وفيها عبد القادر ويدعى محمدا ابن قاضي الحنابلة علاء الدين علي بن محمود ابن المغلي السليماني ثم الحموي الحنبلي نشأ على طريقة حسنة ونبغ وحفظ المحرر وغيره وتوفي مراهقا في نصف ذي القعدة وأسف أبوه عليه جدا ولم يكن له ولد غيره
وفيها نور الدين علي بن رمح بن سنان بن قنا الشافعي سمع من عز الدين بن جماعة وغيره ولم ينجب وصار بآخره يتكسب في حوانيت الشهود وهو أحد الصوفية بالخانقاه البيبرسية وتوفي عن أزيد من ثمانين سنة
وفيها زين الدين وسراج الدين عمر بن عبد الله بن علي بن أبي بكر الأديب الشاعر الأنصاري الأسواني نزيل القاهرة ولد بأسوان سنة اثنتين وستين وسبعمائة وقدم القاهرة فأقام بها مدة ثم توجه إلى دمشق وأخذ الأدب عن الشيخ جلال الدين بن خطيب داريا ثم عاد إلى القاهرة واستوطنها إلى أن مات بها قال المقريزي كان يقول الشعر ويتقن شيئا من العربية مع تعاظم وتطاول وإعجاب بنفسه وإطراح جانب الناس لا يرى أحدا وأن جل شيئا بل يصرح بأن أبناء زمانه كلهم ليسوا بشيء وأنه هو العالم دونهم وأنه يجب على الكافة تعظيمه والقيام بحقوقه وبذل أموالهم كلها له لا لمعنى فيه يقتضي ذلك بل سوء طباع وكان يمدح فلا يجد من يوفيه حقه بزعمه فيرجع إلى الهجاء فلذلك كان مشنوءا عند الناس ومن شعره
( إن دهري لقد رماني بقوم ** هم على بلوتي أشد حثيثا )
( إن أفه بينهم بشيء أجدهم ** لا يكادون يفقهون حديثا )
وتوفي يوم الجمعة حادي عشر ربيع الأول
وفيها زين الدين عمر بن محمد الصفدي ثم النيني بنون مفتوحة ثم ياء تحتية ساكنة ثم نون الشافعي اشتغل قديما ومهر حتى صار يستحضر الكفاية لابن

الرفعة وأخذ بدمشق عن علاء الدين حجي وأنظاره وسمع من ابن قوالح وناب في الحكم في بلاد عديدة في معاملات حلب ثم قدم القاهرة قبل العشرين وثمانمائة ونزل بالمؤيدية في طلبة الشافعية وكان كثير التقتير على نفسه وتوفي بمصر في جمادى الأولى وقد قارب الثمانين ووجد له مبلغ عند بعض الناس فوضع يده عليه ولم يصل لوارثه منه شيء عفا الله عنه
وفيها شمس الدين محمد بن عبد الله بن عمر بن يوسف المقدسي الصالحي الحنبلي المعروف بابن المكي ولد سنة إحدى وخمسين وسبعمائة وتفقه قليلا وتعانى الشهادة ولازم مجلس القاضي شمس الدين بن التقي وولي رياسة المؤذنين بجامع الأموي وكان من خيار العدول عارفا جهوري الصوت حسن الشكل طلق الوجه منور الشيبة أصيب بعدة أولاد له كانوا أعيان عدول البلدة مع النجابة والوسامة فماتوا بالطاعون ثم توفي هو في جمادى الأولى
وفيها شمس الدين محمد بن علي بن أحمد الغزي الحلبي المقرىء المعروف بابن الركاب ولد سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة بغزة وتعانى الاشتغال بالقراآت فمهر وقطن بحلب واشتغل في الفقه بدمشق مدة ثم أقبل على التلاوة والاقراء فانتفع به أهل حلب وأقرأ أكابرهم وفقراءهم بغير أجرة وممن قرأ عليه قاضي حلب علاء الدين بن خطيب الناصرية وكان قائما بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومواظبة الاقراء مع الهرم وتوفي في تاسع عشر ربيع الأول
وفيها محمد بن الشيخ شمس الدين محمد بن عبد الدايم البرماوي كان قد مهر وحفظ عدة كتب وتوجه مع أبيه إلى الشام فمات بالطاعون ولم يكمل العشرين سنة وأسف عليه أبوه ولم يقم بالشام بعده بل قدم القاهرة

سنة سبع وعشرين وثمانمائة

فيها توفي الملك الناصر أحمد بن الأشرف إسماعيل بن الأفضل عباس بن المجاهد على صاحب اليمن استقر في المملكة بعد أبيه سنة ثلاث وثمانمائة وجرت له كائنات وكان فاجرا جائرا قال ابن حجر مات بسبب صاعقة سقطت على حصنه من زجاج فارتاع من صوتها فتوعك ثم مات في سادس عشر جمادى الأخرة قال الله تعالى { ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء } انتهى بحروفه
وفيها شهاب الدين أحمد بن عبد الله البوتيجي الشافعي تفقه ومهر وحفظ المنهاج وكان يتكسب بالشهادة ثم تركها تورعا
وفيها شهاب الدين أحمد بن علي بن أحمد النويري المكي المالكي قاضي مكة وإمام المالكية بحرمها الشريف وابن إمامهم ولد في صفر سنة ثمانين وسبعمائة وسمع على والده والعفيف عبد الله وبقراءة أخيه عبد العزيز المذكور في السنة التي قبلها على الشيخ نصر الله بن أحمد البغدادي الحنبلي ومن جماعة أخر بمكة وحفظ رسالة ابن أبي زيد المالكي وتفقه على الشريف أبي الخير الفاسي وغيره وأفتى ودرس وولي بعد وفاة والده بمدة إمامة المالكية بالحرم ثم بعد مدة طويلة ولي القضاء فلم يتم أمره ودام مصروفا إلى أن توفي قبيل العصر من يوم الأربعاء ثالث عشر ربيع الآخر ودفن بالمعلاة وكان له ثروة
وفيها القاضي محب الدين أحمد بن الشيخ جمال الدين محمد بن عبد الله بن ظهيرة المخزومي الشافعي قاضي مكة وابن قاضيها ومفتيها وابن مفتيها ولد في جمادى

الأولى سنة تسع وثمانين وسبعمائة وحفظ المنهاج وعدة كتب وتفقه بوالده وغيره وأذن له في الافتاء الشهاب الغزي والشهاب بن حجي وغيرهما وكان ماهرا في الفقه والفرائض حسن السيرة في القضاء ولي من سنة ثماني عشرة إلى أن مات وتوفي في جمادى الأولى وخلت مكة بعده ممن يفتي فيها على مذهب الشافعي قاله ابن حجر
وفيها زين الدين أبو بكر بن عمر بن محمد الطريني ثم المحلى المالكي الشيخ الفاضل المعتقد كان صالحا ورعا حسن المعرفة بالفقه قائما في نصر الحق وله اتباع وصيت كبير وتوفي في حادي عشر ذي الحجة وقد جاوز الستين
وفيها الملك العادل فخر الدين أبو المفاخر سليمان بن الملك الكامل غازي بن محمد بن أبي بكر بن شادي صاحب حصن كيفا وابن صاحبه تسلطن في الحصن بعد موت أبيه وحسنت أيامه وكان مشكور السيرة محببا للرعية مع الفضيلة التامة والذكاء والمشاركة الحسنة وله نظم ونثر وديوان شعر لطيف ومن شعره
( أريعان الشباب عليك مني ** سلام كلما هب النسيم )
( سروري مع زمانك قد تناءى ** وعندي بعده وجد مقيم )
( فلا برحت لياليك الغوادي ** وبدر التم لي فيها نديم )
( يغازلني بغنج والمحيا ** يضيء وثغره در نظيم )
( وقد مثل لدن أن تثني ** وريقته بها يشفى السقيم )
( إذا مزجت رحيق مع رضاب ** ونحن بليل طرته نهيم )
( ونصبح في ألذ العيش حتى ** تقول وشاتنا هذا النعيم )
( ونرتع في رياض الحسن طورا ** وطورا للتعانق نستديم )
واستمر في مملكة الحصن إلى أن توفي وأقيم بعده ولده الملك الأشرف

أحمد المقتول بيد أعوان قرايلك في سنة ست وثلاثين وثمانمائة
وفيها عبيد الله بن محمد بن محمد بن محمد بن زبد بالزاي والباء الموحدة البعلبكي الشافعي المعروف بابن زبد ولد سنة ستين وسبعمائة تقريبا وتفقه على ابن الشريشي والقرشي وغيرهما بدمشق ثم ولي قضاء بلده قبل اللنك ودرس وأفتى ثم ولي قضاء طرابلس في سنة عشر ثم ولاه المؤيد قضاء دمشق عوضا عن نجم الدين بن حجي في سنة تسع عشرة ثم في سنة ست وعشرين في أيام الأشرف وكانت مدته في الولايات يسيرة جدا الأولى ستة أشهر والثانية شهرا ونصفا ولما صرف في النوبة الثانية حصل له ذل كبير وقهر زائد وذهب غالب ما كان حصله في عمره ولحقه فالج فاستمر به إلى أن مات في ربيع الأول قاله ابن حجر
وفيها أبو محمد عبد الله بن مسعود بن علي الحلبي المعروف بابن القرشية أخذ عن أبيه عن الوادياشي وعن أبي عبد الله بن عرفة وأبي علي عمر بن قداح الهواري وأحمد بن إدريس الزواوي شيخ بجاية أخذ عنه المسلسل بالأولية ومصافحة المعمرين وأبي عبد الله بن مرزوق في آخرين تتضمنهم فهرسته التي أجاز فيها لابن أخيه أبي الفرج سرور بن عبد الله القرشي وتوفي بتونس على ما ذكره ابن أخيه سرور
وفيها زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن يوسف بن الحسن بن محمد الزرندي المدني الحنفي قاضي الحنفية بالمدينة المنورة ولد في ذي القعدة سنة ست وأربعين وسبعمائة بالمدينة وسمع على عز الدين بن جماعة وصلاح الدين العلائي وأجاز له الزبير بن علي الأسواني فكان خاتمة أصحابه وتوفي في ربيع الأول
وفيها محي الدين عبد القادر بن أبي الفتح محمد بن أبي المكارم أحمد بن أبي عبد الله محمد بن عبد الرحمن الشريف الحسني الفاسي الأصل المكي الحنبلي أخو قاضي سراج الدين عبد اللطيف الحنبلي ولد سنة إحدى وتسعين

وسبعمائة وقرأ وتفقه وناب في الحكم عن أخيه شقيقه سراج الدين المذكور وتوفي بمكة في يوم الأربعاء الثاني والعشرين من شعبان ودفن بالمعلاة قاله تقي الدين الفاسي في تاريخه
وفيها نور الدين علي بن عبد الكريم الفوي قال ابن حجر سمع من الشيخ جمال الدين بن نباتة وأحمد بن يوسف الخلاطي وغيرهما وحدث بالكثير سمعت عليه السيرة النبوية لابن هشام ونعم الشيخ كان مات في خامس ذي الحجة وبلغ الستين
وفيها نور الدين علي بن لولو قال ابن حجر كان عالما متورعا لا يأكل إلا من عمل يده ولم يتقلد وظيفة قط ولازم الاقراء بالجامع الأزهر وغيره وانتفع الناس به وله مقدمة في العربية سهلة المأخذ مات في عشر الستين انتهى
وفيها عيسى بن يحيى الريغي براء ومثناة تحية وغين معجمة نسبة إلى ريغة إقليم بالمغرب المغربي المالكي نزيل مكة قال الفاسي كان خيرا متعبدا معتنيا بالعلم نظرا وإفادة وله في النحو وغيره يد وسمع الحديث بمكة على جماعة من شيوخها والقادمين إليها وكان كثير السعي في مصالح الفقراء والطرحاء وجمعهم من الطرقات إلى البيمارستان المستنصري بالجانب الشامي من المسجد الحرام وربما حمل الفقراء المنقطعين بعد الحج إلى مكة من منى وجاور بمكة سنين كثيرة تقارب العشرين وتأهل فيها بنساء من أعيان مكة ورزق بها أولادا وبها توفي ليلة الإثنين سلخ المحرم ودفن بالمعلاة وهو في عشر الستين ظنا
وفيها محمد بن أحمد بن المبارك الحموي بن الخرزي الحنفي ولد قبل سنة ستين وسبعمائة واشتغل على الصدر منصور من أشياخ الحنفية بدمشق ثم سكن حماة وتحول إلى مصر بعد اللنك وناب في الحكم ثم تحول إلى دمشق ودرس وكان مشاركا في عدة فنون إلا أن يده في الفقه ضعيفة وكان كثير المرض وتوفي في شعبان


وفيها بدر الدين محمد بن أبي بكر بن عمر بن أبي بكر بن محمد بن سليمان بن جعفر القرشي المخزومي الأسكندراني المالكي النحوي الأديب قال السيوطي في طبقات النحاة ولد بالأسكندرية سنة أربع وستين وسبعمائة وتفقه وتعانى الأدب ففاق في النحو والنظم والنثر والخط والمعرفة الشروط وشارك في الفقه وغيره وناب في الحكم ودرس بعدة مدارس وتقدم ومهر واشتهر ذكره وتصدر بالجامع الأزهر لأقراء النحو ثم رجع إلى الأسكندرية واستمر يقرىء بها ويحكم ويتكسب بالتجارة ثم قدم القاهرة وعين للقضاء فلم يتفق له ودخل دمشق سنة ثمانمائة وحج منها وعاد إلى بلده وتولى خطابة الجامع وترك الحكم وأقبل على الاشتغال ثم أقبل على أشغال الدنيا وأمورها فتعانى الحياكة وصار له دولاب متسع فاحترقت داره وصار عليه مال كثير ففر إلى الصعيد فتبعه غرماؤه وأحضروه مهانا إلى القاهرة فقام معه الشيخ تقي الدين بن حجة وكاتب السر ناصر الدين البارزي حتى صلحت حاله ثم حج سنة تسع عشرة ودخل اليمن سنة عشرين ودرس بجامع زبيد نحو سنة فلم يرج له بها أمر فركب البحر إلى الهند فحصل له إقبال كثير وعظموه وأخذوا عنه وحصل له دنيا عريضة فبغته الأجل ببلد كلبرجة من الهند في شعبان قتل مسموما وله من التصانيف شرح الخزرجية وجواهر البحور في العروض وتحفة الغريب في شرح مغنى اللبيب وشرح البخاري وشرح التسهيل والفواكه البدرية من نظمه ومقاطع الشرب ونزول الغيث وهو حاشية على الغيث الذي اشجم في شرح لأمية العجم للصفدي وعين الحياة مختصر حياة الحيوان للدميري وغير ذلك روى لنا عنه غير واحد ومن شعره
( رماني زماني بما ساءني ** فجاءت نحوس وغابت سعود )
( وأصبحت بين الورى بالمشيب ** غليلا فليت الشباب يعود )


وله في امرأة جبانة
( مذ تعانت لصنعة الجبن خود ** قتلتنا عيونها الفتانه )
( لاتقل لي كم مات فيها قتيل ** كم قتيل بهذه الجبانة )
انتهى كلام السيوطي بحروفه ومن نظمه أيضا
( قلت له والدجى مول ** ونحن بالأنس في التلاقي )
( قد عطس الصبح يا حبيبي ** فلا تشمته بالفراق )
وله ملغزا في غزال
( ان من قد هويته ** محنتي في وقوفه )
( فإذا زال ربعه ** زال باقي حروفه )
وفيها نجم الدين محمد بن أبي بكر بن علي بن يوسف الذروي الأصل الصعيدي ثم المكي الشافعي المعروف بالمرجاني ولد سنة ستين وسبعمائة بمكة وأسمع على العز بن جماعة وغيره وقرأ في الفقه والعربية وتصدى للتدريس والإفادة وله نظم حسن ونفاذ في العربية وحسن عشرة ورحل في طلب الحديث إلى دمشق فسمع من ابن خطيب المزة وابن المحب وابن الصيرفي وغيرهم بإفادة الياسوفي وغيره وكان يثني عليه وعلى فضائله وحدث قليلا فسمع منه ابن حجر وتوفي في رجب
وفيها شمس الدين محمد بن سعد بن محمد بن عبد الله بن سعد بن أبي بكر بن مصلح بن أبي بكر بن سعد المقدسي الحنفي المعروف بابن الديري نسبة إلى مكان بمردا من جبل نابلس ولد سنة اثنتين أو ثلاث وأربعين وسبعمائة وتعانى الفقه والاشتغال في الفنون وعمل المواعيد ثم تقدم في بلده حتى صار مفتيها والمرجوع إليه فيها وكانت له أحوال مع الأمراء وغيرهم يقوم فيها عليهم ويأمرهم بكف الظلم واشتهر اسمه فلما مات ناصر الدين بن العديم في سنة تسع عشرة استدعاه المؤيد فقرره في قضاء الحنفية بالقاهرة وكان

قدمها مرارا فباشرها بصرامة وشهامة وقوة نفس ثم انمزج مع المصريين ومازج الناس وكان منقادا لما يأمر ويروم ابن البارزي ولما كملت المؤيدية قرر في مشيختها وظن أن السلطان لا يخرج عنه القضاء فجاء الأمر بخلاف ظنه فإنه لما قرره في المشيخة قال له استرحنا واسترحت يشير بذلك إلى كثرة الشكاوى عليه من الأمراء وكان ابن الديري كثير الازدراء بأهل عصره لا يظن أن أحدا منهم يعرف شيئا مع دعوى عريضة وشدة إعجاب مع شدة التعصب لمذهبه والحط على مذهب غيره سامحه الله وكان يأسف على بيت المقدس ويقول سكنته أكثر من خمسين سنة ثم أموت في غيره فقدرت وفاته به في سابع ذي الحجة واستقر ولده سعد الدين في مشيخة المؤيدية
وفيها المولى حافظ الدين محمد بن محمد الكردي الحنفي المشهور بابن البزازي له كتاب مشهور من الفتاوى اشتهر بالفتاوى البزازية وكتاب في مناقب الإمام الأعظم وكتاب في المطالب العالية نافع جدا ولما دخل بلاد الروم ذاكر وباحث المولى الفناري وغلبه في الفروع وغلبه الفناري في الأصول وتوفي في أواسط رمضان
وفيها شرف الدين يعقوب بن جلال واسم جلال رسولا ويسمى أيضا أحمد الرومي الحنفي العجمي الأصل المصري المولد والدار والوفاة المعروف بالتباني بفتح المثناة الفوقية وتشديد الموحدة التحتية لسكنه بالتبانة خارج القاهرة نشأ بالقاهرة وتفقه بوالده وغيره وبرع في الفقه والأصلين والعربية والمعاني والبيان وأفتى ودرس سنين وولي وكالة بيت المال ونظر الكسوة ومشيخة خانقاه شيخون وكان ذا همة عالية ومكارم وبرا وإيثار وصدقة وحرمة في الدولة وكلمة مسموعة وصلة بالأمراء والأكابر واختص بالملك المؤيد شيخ اختصاصا كثيرا وعظم وضخم وتردد الناس إلى بابه وهو مع

ذلك ملازم للاشتغال والاشغال مع الديانة والصيانة قاله في المنهل الصافي وشرع في شرح المشارق وتوفي بالقاهرة فجأة يوم الأربعاء سادس عشر صفر عن نيف وسبعين سنة واستقر بعده في الشيخونية سراج الدين قاري الهداية

سنة ثمان وعشرين وثمانمائة

فيها توفي شهاب الدين أحمد بن أبي بكر بن عبد الله الأسدي العبشمي الشهير جده بالطواشي ولد بعد الستين وسبعمائة وأحضر في الثالثة على ابن جماعة وأسمع على الضياء الهندي وغيره وأجاز له الكمال بن حبيب ومحمد بن جابر وأبو جعفر الرعيني وأبو الفضل النويري والزرندي والأميوطي وغيرهم وكان خيرا دينا منقطعا عن الناس توفي بمكة يوم الجمعة سابع عشر شعبان
وفيها الإمام في الأدب وفنونه الزين شعبان بن محمد بن داود المصري الأثاري قاله في ذيل دول الذهبي
وفيها الحافظ نور الدين أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن سلامة بن عطوف الشافعي المكي السلمي المعروف بابن سلامة ولد في سابع شوال سنة ست وأربعين وسبعمائة بمكة وسمع بها من الشيخ خليل المالكي والعز ابن جماعة وغيرهما ورحل إلى بغداد فسمع بها على جماعة ورحل إلى البلاد الشامية والمصرية فسمع بها على من لا يحصى ما لا يحصى وسمع ببيت المقدس وبلد الخليل ونابلس والأسكندرية وعدة من البلاد وأجاز له جماعة كثيرة وله مشيخة شيوخه بالسماع والإجازة وفهرست ما سمعه وقرأه من الكتب والأجزاء تخريج الإمام تقي الدين بن فهد وتفقه بجماعة وأذن له بالافتاء والتدريس جماعة منهم سراج الدين بن الملقن وبرهان الدين

الأبناسي وكان له حظ من العبادة وله عناية كثيرة بالقراآت ومن نظمه وقد أهدى للشيخ شمس الدين بن الجزري من ماء زمزم
( ولقد نظرت فلم أجد يهدي لكم ** غير الدعاء المستجاب الصالح )
( أو جرعة من ماء زمزم قد سمت ** فضلا على مد الفرات السائح )
( هذا الذي وصلت له يد قدرتي ** والحق قلت ولست فيه بمازح )
فأجابه الشيخ شمس الدين بن الجزري
( وصل المشرف من إمام مرتضى ** نور الشريعة ذي الكمال الواضح )
( وذكرت أنك قد نظرت فلم تجد ** غير الدعاء المستجاب الصالح )
( أو جرعة من ماء زمزم حبذا ** ما قد وجدت ولست فيه بمازح )
( أما الدعاء فلست أبغي غيره ** ما كنت قط إلى سواه بطامح )
وتوفي ابن سلامة بمكة المشرفة يوم السبت رابع عشرى شوال
وفيها القاضي علاء الدين أبو الحسن علي بن محمود بن أبي بكر بن مغلى الحنبلي أعجوبة الزمان الحافظ قال في المنهل ولد بحماة وقيل بسلمية سنة إحدى وسبعين وسبعمائة ونشأ بحماة وطلب العلم وقدم دمشق فتفقه بابن رجب الحنبلي وغيره وسمع مسند الإمام أحمد وغيره وبرع في الفقه والنحو والحديث وغير ذلك وتولى قضاء حماة وعمره نحو عشرين سنة ثم قضاء حلب وعاد إلى بلده حماة وولي قضاءها وحمدت سيرته إلى أن طلبه السلطان المؤيد شيخ إلى الديار المصرية وولاه قضاء قضاتها وحمدت سيرته إلى أن طلبه السلطان المؤيد شيخ إلى الديار المصرية وولاه قضاء قضاة الحنابلة بها مضافا إلى قضاء حماة وكان إماما عالما حافظا يحفظ في كل مذهب من المذاهب الأربعة كتابا يستحضره في مباحثه وكان سريع الحفظ إلى الغاية ويحكي عنه في ذلك غرائب منها ما حكى بعض الفقهاء قال استعار مني أوراقا نحو عشرة كراريس فلما أخذها مني احتجت إلى مراجعتها في اليوم فرجعت إليه

بعد ساعة هينة وقلت أريد أنظر في الكراريس نظرة ثم خذها ثانيا فقال ما بقي لي فيها حاجة قد حفظتها ثم سردها من حفظه وتوفي بالقاهرة قاضيا يوم الخميس العشرين من المحرم ودفن بتربة باب النصر وخلف مالا جما ورثه ابن أخيه محمود انتهى
وفيها شمس الدين محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد الحريري البيري الشافعي أخو جمال الدين الأستادار ولد في حدود الخمسين وسبعمائة وتفقه على أبي البركات الأنصاري وسمع من أبي عبد الله بن جابر وأبي جعفر الغرناطي نزيل البيرة بحلب وولي قضاء البيرة مدة ثم قضاء حلب سنة ست وثمانمائة ثم تحول إلى القاهرة في دولة أخيه وتوجه إلى مكة فجاور بها ثم قدم فعظم قدره وعين للقضاء ثم ولي مشيخة البيبرسية ثم درس بالمدرسة المجاورة للشافعي ثم انتزعتا منه بعد كائنة أخيه ثم أعيدت إليه البيبرسية في سنة ست عشرة ثم صرف عنها بابن حجر في سنة ثماني عشرة ثم قرر في مشيخة سعيد السعداء وكان قد ولي خطابة بيت المقدس وتوفي في سحر يوم الجمعة رابع عشرى ذي الحجة
وفيها شمس الدين محمد بن القاضي شهاب الدين أحمد الدمزي المالكي ولد سنة بضع وستين وسبعمائة وتفقه وأحب الحديث فسمعه وطاف على الشيوخ قال ابن حجر وسمع معنا كثيرا من المشايخ وكان حسن المذاكرة جيد الاستحضار ودرس بالناصرية الحسنية وغيرها وكان قليل الحظ مات في العشرين من جمادى الأولى انتهى
وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن أحمد بن المحب عبد الله السعدي المقدسي الأصل ثم الدمشقي الحنبلي المحدث الإمام ولد في شوال سنة خمس وخمسين وسبعمائة وأحضره والده في السنة الأولى من عمره مجالس الحديث وأسمعه كثيرا على عدة شيوخ منهم عبد الله بن القيم وأحمد

ابن الحوفي وعمر بن أميلة وست العز ابنة محمد بن الفخر بن البخاري وحدث قبل فتنة تمر لنك وبعدها وصنف شرحا على البخاري وله نظم ونثر وكان يقرأ الصحيحين في الجامع الأموي وحصل به النفع العام توفي بطيبة في رمضان وقد رأى في نومه من نحو عشرين سنة ما يدل على موته هناك
وفيها شمس الدين محمد الحموي النحوي المعروف بابن العيار قال ابن حجر كان في أول أمره حائكا ثم تعانى الاشتغال فمهر في العربية وأخذ عن ابن جابر وغيره ثم سكن دمشق ورتب له على الجامع تصدير بعناية البارزي وكان حسن المحاضرة ولم يكن محمودا في تعاطي الشهادات مات في ذي القعدة انتهى

سنة تسع وعشرين وثمانمائة

في رمضانها كان فتح قبرس وعمل زين الدين عبد الرحمن بن محمد بن الخراط موقع الدست بالقلعة قصيدة طويلة فائية أولها
( بشراك يا ملك الملوك الأشرف ** بفتح قبرس بالحسام المشرفي )
( فتح بشهر الصوم تم قتاله ** من أشرف في أشرف في أشرف )
( قالت دما تلك البلاد وقد عفا ** إنجيلهم أهلا بأهل المصحف )
وفي آخرها
( لم تخلف الأيام مثلك فاتكا ** ملكا ومثلي شاعرا لم تخلف )
( فيك التقى والعدل والإحسان في ** كل الرعية والوفا والفضل في )
وبيع السبي والغنايم وحمل الثمن إلى الخزانة السلطانية وفرق في الذين جاهدوا منه بعضه
وفيها نهب المدينة المنورة عاملها عجلان بن ثابت لما بلغه أنه عزل بابن عمه حسن بن جماز وهدم أكثر بيوتها وحرق وسلم منه بيوت الرافضة وأقام

قاضيا رافضيا بها يقال له الصيقل ولم يسلم منه من أرباب الخدم إلا القاضي الشافعي لأنه استجار بقريب لعجلان يقال له مانع فأجاره
وفيها توفي شهاب الدين أحمد بن محمد القطوي الشافعي ولد بقطية سنة تسع وسبعين وسبعمائة وأبوه إذ ذاك الحكم بها ونشأ نشأة حسنة وحفظ الحاوي واشتغل في الفرائض ولازم الشيخ شمس الدين العراقي في ذلك وكان يستحضر الحاوي وكثيرا من شرحه واشتغل في العربية قليلا ثم ولي قضاء قضية بعد أبيه ثم ولي قضاء غزة في أول الدولة المؤيدية ثم استقر في دمياط في غاية الأعزاز والإكرام وكان كثير الاحتمال حسن الأخلاق وصاهر ابن حجر على ابنته رابعة ودخل بها وهي بكر سنة خمس عشرة وولدت منه بنتا ثم مات عنها في شهر رمضان وكثر الأسف عليه
وفيها الشيخ تقي الدين أبو بكر بن محمد بن عبد المؤمن بن حريز بن معلى بن موسى بن حريز بن سعيد بن داود بن قاسم بن علي بن علوي بن ناشي بن جوهر بن علي بن أبي القسم بن سالم بن عبد الله بن عمر بن موسى بن يحيى بن علي الأصغر بن محمد المتقي بن حسن بن علي بن محمد الجواد بن علي الرضى بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي زين العابدين بن الحسين الشهيد بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الحصني نسبة إلى الحصن قرية من قرى حوران ثم الدمشقي الفقيه الشافعي ولد سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة وتفقه بالشريشي والزهري وابن الجابي والصرخدي والغزي وابن غنوم وأخذ عن الصدر الياسوفي ثم انحرف عن طريقته وحط على ابن تيمية وبالغ في ذلك وتلقى ذلك عنه الطلبة بدمشق وثارت بسبب ذلك فتن كثيرة وكان يميل إلى التقشف ويبالغ في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وللناس فيه اعتقاد زائد ولخص المهمات في مجلد وكتب على التنبيه قال القاضي تقي الدين الأسدي كان خفيف الروح منبسطا له نوادر ويخرج إلى النزه

ويبعث الطلبة على ذلك مع الدين المتين والتحري في أقواله وأفعاله متزوج عدة نساء ثم انقطع وتقشف وانجمع كل ذلك قبل القرن ثم ازداد بعد الفتنة تقشفه وانجماعه وكثرت مع ذلك أتباعه حتى امتنع من مكالمة الناس ويطلق لسانه في القضاة وأصحاب الولايات وله في الزهد والتقلل من الدنيا حكايات تضاهى ما نقل عن الأقدمين وكان يتعصب للأشاعرة وأصيب في سمعه وبصره فضعف وشرع في عمارة رباط داخل باب الصغير فساعده الناس بأموالهم ونفسهم ثم شرع في عمارة خان السبيل ففرغ في مدة قريبة وكان قد جمع تآليف كثيرة قبل الفتنة وكتب بخطه كثيرا في الفقه والزهد وقال السخاوي شرح التنبيه والمنهاج وشرح مسلم في ثلاث مجلدات ولخص المهمات في مجلدين وخرج أحاديث الأحياء مجلد وشرح النواوية مجلد وأهوال القيامة مجلد وجمع سير نساء السلف العابدات مجلد وقواعد الفقه مجلد وتفسير القرآن إلى الأنعام آيات متفرقة مجلد وتأديب القوم مجلد وسير السالك مجلد وتنبيه السالك على مظان المهالك ست مجلدات وشرح الغاية مجلد وشرح النهاية مجلد وقمع النفوس مجلد ودفع الشبه مجلد وشرح أسماء الله الحسنى مجلد والمولد مجلد وتوفي بخلوته بجامع المزاز بالشاغور بعد مغرب ليلة الأربعاء خامس عشر جمادى الآخرة وصلى عليه بالمصلى صلى عليه ابن أخيه ثم صلى عليه ثانيا عند جامع كريم الدين ودفن بالقبيبات في أطراف العمارة على جادة الطريق عند والدته وحضر جنازته عالم لا يحصيهم إلا الله مع بعد المسافة وعدم علم أكثر الناس بوفاته وازدحموا على حمله للتبرك به وختم عند قبره ختمات كثيرة وصلى عليه أمم ممن فاتته الصلاة على قبره ورؤيت له منامات صالحة في حياته وبعد موته انتهى
وفيها شمس الدين شمس بن عطاء الهروي الرازي الأصل القاضي

الشافعي كان يكتب أيام قضائه محمد بن عطا قال ابن حجر كان شيخا ضخما طوالا أبيض اللحية مليح الشكل إلا أن في لسانه مسكة وقال الحافظ تاج الدين محمد بن الغرابيلي ما نصه كما نقله عنه البرهان البقاعي محمد بن عطا شمس الدين أبو عبد الله الهروي شيخنا الإمام العالم أحد عجائب الوقت في كل أموره حتى في كذبه وزوره ولم ير مثل نفسه ولا والله ما رأى من أهل عصره أحد مثله في كل شيء من العلوم والظلم والمخرقة ولولا أني كنت أشاهد جوارحه في كل وقت لقلت أنه شيطان خرج إلى الناس في زي إنسان أفردت ترجمة تشتمل على عجائبه في نحو كراسة مات رحمه الله وأرضى عنه خصومه يوم الإثنين بعد الفجر تاسع عشر ذي الحجة من جمرة طلعت بين كتفيه وصلى عليه بعد الظهر بالمسجد الأقصى وحمل إلى تربة ماملا فدفن إلى جوار شيخنا العلامة أحد الزهاد عمر البلخي رحمه الله تعالى انتهى بحروفه
وفيها علاء الدين أبو الحسن علي بن عبد الله بن محمد بن الحسين بن علي بن إسحق بن سلام بن عبد الوهاب بن الحسن بن سلام الدمشقي الشافعي ولد سنة خمس أو ست وخمسين وسبعمائة وحفظ القرآن والتنبيه والألفية ومختصر ابن الحاجب وتفقه على علاء الدين بن حجي وابن قاضي شهبة وغيرهما وأخذ الأصول عن الضيا القرمي وارتحل إلى القاهرة فقرأ المختصر على الركراكي وكان يطريه حتى كان يقول يعرفه أكثر من مصنفه فاشتهر وتميز ومهر وأصيب في الفتنة الكبرى بماله وفي يده بالحرق وأسروه فسار معهم إلى ماردين ثم انفلت منهم وقرره ابن حجي في الظاهرية البرانية ونزل له التاج الزهري عن العذراوية ودرس بالركنية وكان يقرىء في الفقه والمختصر أقراء حسنا وله يد في الأدب والنظم والنثر وكان بحثه أقوى من تقريره وكان مقتصدا في ملبسه وغيره شريف النفس حسن

المحاضرة ينسب إلى نصرة مقالة ابن العربي وكان يطلق لسانه في جماعة من الكبار واتفق أنه حج في هذه السنة فلما رد من الحج والزيارة مات في وادي بني سالم في أواخر ذي الحجة وحمل إلى المدينة فدفن بالبقيع وقد شاخ
وفيها سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن فارس المصري الحنفي المعروف بقاري الهداية قال في المنهل شيخ الإسلام وعلم زمانه ولد بالحسينية ظاهر القاهرة ونشأ بالقاهرة وحفظ القرآن العظيم وطلب العلم وتفقه بجماعة من علماء عصره وجد ودأب حتى برع في الفقه وأصوله والنحو والتفسير وشارك في عدة علوم وصار إمام عصره ووحيد دهره وتصدى للأقراء والتدريس والفتوى عدة سنين وانتهت إليه رياسة السادة الحنفية في زمانه وانتفع به غالب الطلبة وصار المعول عليه في الفتوى بالديار المصرية وشاع ذكره وبعد صيته وتولى عدة مدارس ووظائف دينية وكان مهابا وقورا أوقاته مقسمة للطلبة وعلى دروسه خفر ومهابة هذا مع اطراح الكلفة والاقتصاد في ملبسه والتعاطي لشراء ما يحتاجه من الأسواق بنفسه وكان يسكن بين القصرين ويذهب لتدريس الشيخونية على حمار ولم يركب الخيل انتهى ملخصا
وفيها كمال الدين أبو الفضل محمد بن أحمد بن ظهيرة المخزومي المكي الشافعي ابن عم الشيخ جمال الدين محمد ولد في ربيع الأول سنة ست وخمسين وسبعمائة وسمع من عز الدين بن جماعة والشيخ خليل المالكي والموفق الحنبلي وابن عبد المعطي وناب في الخطابة وحدث وأضر بآخره وتوفي في صفر
وفيها القاضي جمال الدين يوسف بن خالد بن أيوب الحفناوي بفتح الحاء المهملة وسكون الفاء ونون نسبة إلى حفنا قرية بمصر الشافعي نشأ بحلب وقرأ الفقه على ابن أبي الرضى وقرأ عليه القراآت ثم سافر إلى ماردين فأخذ

عن زين الدين سريجا وولي قضاء ملطية مدة ثم دخل القاهرة وتولى قضاء حلب ثم قضاء طرابلس ثم كتابة السر بصفد وكان حسن الشكل فائق الخط قوي النظم وتوفي بطرابلس في ثالث عشر المحرم

سنة ثلاثين وثمانمائة

في عاشر جمادى الآخرة منها قبض على تغرى بردى المحمودي وهو يومئذ رأس نوبة وهو يلعب مع السلطان بالأكرة في الحوش وذكر أن ذنبه أنه اختلس من أموال قبرس وشيع في الحال إلى الأسكندرية مقيدا
ومن عجائب ما اتفق له في تلك الحال أن شاهد ديوانه شمس الدين محمد بن الشامية لحقه قبل أن يصل إلى البحر فقال له وهو يبكي يا خوند هل لك عندي مال وقصد أن يقول لا فينفعه ذلك بعده عند السلطان وغيره فكان جوابه له أنا لا مال لي بل للسلطان فلما سمعها ابن الشامية دق صدره واشتد حزنه وسقط ميتا من غير ضعف ولا علة قاله ابن حجر
وفيها توفي شهاب الدين أحمد بن يوسف الزعيفريني الدمشقي ثم القاهري قال ابن حجر كان أديبا بارعا
وفيها شهاب الدين أحمد بن موسى بن نصير المتبولي الشافعي القاضي أحد نواب الحكم قال في المنهل ولد في حدود سنة خمس وأربعين وسبعمائة وكان فقيها محدثا سمع الكثير وحدث عن محمد بن أزبك وعمر بن أميلة وست العرب وآخرين وتوفي يوم الأربعاء ثاني ربيع الأول انتهى
وفيها أويس بن شاه در بن شاه زاده بن أويس صاحب بغداد قتل في الحرب بينه وبين محمد شاه بن قرا يوسف واستولى محمد شاه على بغداد مرة أخرى
وفيها الملك المنصور عبد الله بن الناصر أحمد بن الأشرف صاحب اليمن

توفي في جمادى الأولى واستقر بعده الأشرف إسمعيل بن الناصر أحمد
وفيها نجم الدين أبو الفتوح عمر بن حجي بن موسى بن أحمد بن سعد السعدي الحسباني الأصل الدمشقي الشافعي ولد بدمشق سنة سبع وستين وسبعمائة وقرأ القرآن ومات والده وهو صغير فحفظ التنبيه في ثمانية أشهر وحفظ كثيرا من المختصرات وأسمعه أخوه الشيخ شهاب الدين من ابن أميلة وجماعة واستجاز له من جماعة وسمع هو بنفسه من جماعة كثيرة وأخذ العلم عن أخيه وابن الشريشي والزهري وغيرهم ودخل مصر سنة تسع وثمانين فأخذ عن ابن الملقن والبدر الزركشي والعز بن جماعة وغيرهم وأذن له ابن الملقن ولازم الشرف الأنطاكي قال ابن حجر تعلم العربية وكان قليل لاستحضار إلا أنه حسن الذهن جيد التصرف وحج سنة ست وثمانين ثم ولي إفتاء دار العدل سنة اثنتين وتسعين وجرت له كائنة مع الباعوني هو والغزي وغيرهما فضربهم وطوفهم وسجنوا بالقلعة وذلك في رمضان سنة خمس وتسعين ثم حج سنة تسع وتسعين وجاور وولي قضاء حماة مرتين ثم قضاء الشام مرارا وقال في المنهل ثم طلب لقضاء الديار المصرية فامتنع ولما كانت دولة الأشرف برسباي طلبه إلى الديار المصرية وخلع عليه باستقراره في كتابة السر في حادي عشر جمادى الآخرة سنة سبع وعشرين وثمانمائة وباشر ذلك بتجمل وحزمة وافرة وعدم التفات إلى رفقته من مباشري الدولة فعمل عليه بعضهم حتى عزل وأخرج من القاهرة على وجه شنع في جمادى الآخرة سنة ثمان وعشرين إلى دمشق ثم جهز إليه تقليد بقضاء دمشق فباشر وكان حاكما صارما مقداما رئيسا فاضلا ذا حرمة وإحسان لأهل العلم والخير واستمر قاضيا إلى أن قتل ببستانه في النيرب خارج دمشق ولم تدر زوجته إلا وهو يضطرب في دمه وذلك في ليلة الاحد مستهل ذي القعدة ولم يعرف قاتله


وفيها فتح الدين عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن محمود بن غازي بن أيوب بن محمود بن ختلو الحلبي بن الشحنة أخو العلامة محب الدين الحنفي كان أصغر سنا من أخيه واشتغل كثيرا في الفقه وناب عن أخيه في الحكم ثم تحول بعد الفتنة العظمى مالكيا وولي القضاء ثم عزل وحصل له نكد لاختلاف الدول ثم عاد إلى القضاء مرارا قال القاضي علاء الدين الحلبي رافقته في القضاء وكان صديقي وصاحبي وعنده مروءة وحشمة وأنشد له من نظمه
( لا تلوموا الغمام إن صب دمعا ** وتوالت لأجله الأنواء )
( فالليالي أكثرن فينا الرزايا ** فبكت رحمة علينا السماء )
وفيها تاج الدين أبو عبد الله محمد بن المحدث عماد الدين إسمعيل بن محمد بن نصر بن بردس بن رسلان البعلبكي الحنبلي ولد يوم السبت تاسع عشرى جمادى الآخرة سنة خمس وأربعين وسبعمائة ببعلبك وسمع من والده وأسمعه أيضا من عدة منهم أبو عبد الله بن الخباز سمع منه صحيح مسلم وجزء ابن عرفة وهو آخر من حدث عنه وسمع من أبي عبد الله محمد بن يحيى بن السعر جميع مسند الإمام أحمد وتفرد برواية المسند عنه ومن ابن الجوخي وابن أميلة وجماعة من أصحاب ابن البخاري وحدث ورحل الناس إليه وانتفع به جماعة منهم الشيخ تقي الدين بن قندس وكان ملازما للاشغال في العلم ورواية الحديث ولا يخل بتلاوة القرآن مع قراءته لمحفوظاته وكان طلق الوجه حسن الملتقى كثير البشاشة ذا فكاهة ولين مع عبادة وصلاح وصلابة في الدين مبالغا في حب الشيخ تقي الدين بن تيمية وكان كثير الصدقة سرا ملازما لقيام الليل وله نظم ونثر ومن نظمه ما كتب على استدعاء إجازته لجماعة
( أجزت للأخوان ما قد سألوا ** مولهم رب العلي في الأثر )


( وذاك بالشرط الذي قرره ** أئمة النقل رواة الأثر )
وتوفي ببعلبك في شوال
وفيها بدر الدين محمد بن إبراهيم بن محمد الدمشقي الأصل البشتكي كان أبوه فاضلا فنزل بخانقاه بشتاك الناصري فولد له بدر الدين هذابها وكان جميل الصورة فنشأ محبا في العلم وحفظ القرآن وعدة مختصرات وتعانى الأدب فمهر فيه ولازم ابن أبي حجلة وابن الصايغ ثم قدم ابن نباتة فلازمه ثم رافق جلال الدين بن خطيب داريا وأخذ عن البهاء السبكي وغيره قال ابن حجر وبالجملة كان عديم النظير في الذكاء وسرعة الإدراك إلا أنه تبلد ذهنه بكثرة النسخ سمعت منه كثيرا من شعره وفوائده ومن نظمه
( وكنت إذا الحوادث دنستي ** فزعت إلى المدامة والنديم )
( لأغسل بالكؤوس الهم عني ** لأن الراح صابون الهموم )
وكانت وفاته فجأة دخل الحمام فمات في الحوض يوم الإثنين ثالث عشرى جمادى الآخرة
وفيها شمس الدين محمد بن خالد بن موسى الحمصي القاضي الحنبلي المعروف بابن زهرة بفتح الزاي أول حنبلي ولي قضاء حمص كان أبوه خالد شافعيا فيقال أن شخصا رأى النبي صلى الله عليه وسلم وقال له أن خالدا ولد له ولد حنبلي فاتفق أنه كان ولد له هذا فشغله لما كبر بمذهب الحنابلة وقرأ على ابن قاضي الجبل وزين الدين بن رجب وغيرهما وولي قضاء حمص
وفيها تقي الدين محمد بن عبد الواحد بن العماد محمد بن القاضي علم الدين أحمد بن أبي بكر الأخنائي المالكي نائب الحكم قال ابن حجر كان من خيار القضاة مات في سادس ذي الحجة بمكة وكان قد جاور بها في هذه السنة انتهى


وفيها محي الدين أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن الإمام أبي حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي الشافعي الطوسي قدم من بلاده إلى حلب في شهر رمضان من هذه السنة بعد أن كان دخل الشام قديما وسمع من مسند الوقت ابن أميلة وحدث عنه في هذه القدمة قال في ذيل تاريخ حلب رأيت أتباعه يذكرون عنه علما كثيرا وزهدا وورعا وأخبر عنه بعض الطلبة أنه حج مرارا منها واحدة ماشيا على قدم التجريد وكان معظما في بلاده وأخذ عنه إبراهيم بن علي الزمزمي المكي وتوفي بحلب في العشر الأخير من شهر رمضان وكانت جنازته مشهودة انتهى والله أعلم

سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة

فيها ولد السخاوي تلميذ ابن حجر
وفيها توفي شمس الدين محمد بن أحمد بن موسى بن عبد الله الكفيري الشافعي العجلوني الأصل ثم الدمشقي ولد في العشر الأول من شوال سنة سبع وخمسين وسبعمائة وحفظ التنبيه وأخذ عن ابن قاضي شهبة وغيره ولازم الشيخ شمس الدين الغزي مدة طويلة واشتهر بحفظ الفروع وكتب بخطه الكثير وناب في الحكم وولي بعض التداريس وحج مرارا وجاور وولي مرة قضاء الركب وجمع شرحا على البخاري في ست مجلدات وكان قد لخص شرح ابن الملقن وشرح الكرماني ثم جمع بينهما وسمع علي بن أميلة وابن قوالح وابن المحب وابن عوض وخلائق وصنف عين النبيه في شرح التنبيه واختصر الروض الأنف للسهيلي وسماه زهر الروض وتوفي في ثالث عشر المحرم
وفيها تاج الدين أبو حامد محمد بن بهادر بن عبد الله قال البرهان البقاعي

الإمام العلامة القدوة سبط ابن الشهيد كان يعرف علوما كثيرة ويحل أي كتاب قرىء عليه سواء كان عنده له شرح أم لا وكان فصيح العبارة حسن التقرير صحيح الذهن دينا شديد الانجماع عن الناس مع خفة الروح ولطافة المزاج والصبر على الطلبة وعدم الميل إلى الدنيا وكثرة التلاوة لكتاب الله تعالى وإيثار العزلة والانقطاع في الجامع مع التجمل في اللباس والهيئة وتوفي صبح يوم الثلاثاء تاسع شهر رمضان بدمشق عن ثلاث وثلاثين سنة ولم أر جنازة أحفل من جنازته ووالله لم يحصل لي بأحد من النفع ما حصل لي به انتهى ملخصا
وفيها شمس الدين محمد بن عبد الدايم بن عيسى بن فارس البرماوي الشافعي ولد في نصف ذي القعدة سنة ثلاث وستين وسبعمائة وكان اسم والده فارسا فغيره البرماوي وتفقه وهو شاب وسمع من إبراهيم بن إسحق الآمدي وعبد الرحمن بن القاري وغيرهما قال الحافظ تاج الدين بن الغرابيلي الكركي ما نصه هو أحد الأئمة الأجلاء والبحر الذي لا تكدره الدلاء فريد دهره ووحيد عصره ما رأيت أقعد منه بفنون العلوم مع ما كان عليه من التواضع والخير وصنف التصانيف المفيدة منها شرح البخاري شرح حسن ولخص المهمات والتوشيح ونظم الفية في أصول الفقه لم يسبق إلى مثل وضعها وشرحها شرحا حافلا نحو مجلدين وكان يقول أكثر هذا الكتاب هو جملة ما حصلت في طول عمري وشرح لأمية ابن مالك شرحا في غاية الجودة واختصر السيرة وكتب الكثير وحشى الحواشي المفيدة وعلق التعاليق النفيسة والفتاوى العجيبة وكان من عجائب دهره جاور بمكة سنة ثم قدم إلى القاهرة فوافى موت شيخنا شمس بن عطا الهروي فولي الصلاحية وقدم القدس فأقام بها قريب سنة غالبها ضعيف بالقرحة وتوفي بها يوم الخميس ثامن عشرى أحد الجمادين ودفن بتربة ماملا بجوار

الشيخ أبي عبد الله القرشي انتهى وكان بينه وبين ابن حجر نوع وقفة والله أعلم

سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة

فيها توفي أحمد بن إبراهيم بن أحمد بن أبي بكر بن عبد الوهاب المرشدي المكر أخو محمد وعبد الواحد قال ابن حجر ولد سنة ستين وسبعمائة وسمع من محمد بن أحمد بن عبد المعطي صحيح ابن حبان ومن عبد الله بن أسعد اليافعي صحيح البخاري ومن عز الدين بن جماعة وغيرهم وأجاز له الصلاح ابن أبي عمر وابن أميلة وابن هبل وابن قواليح وغيرهم وحدث وتوفي بمكة يوم الخميس رابع ذي القعدة
وفيها شهاب الدين أبو العباس محمد بن عمر بن أحمد وقيل عبد الله المعروف بالشاب التائب الشافعي قال في المنهل الصافي الفقيه الشافعي الواعظ المذكر بالله تعالى مولده بالقاهرة في حدود الستين وسبعمائة وبها نشأ وطلب العلم وتفقه ومال إلى التصوف وطاف البلاد وحج مرارا ودخل اليمن مرتين والعراق والشام وكثيرا من البلاد الشرقية وكان ماهرا في الوعظ وللناس فيه اعتقاد زائد وبنى زوايا بعدة بلاد كمصر والشام وغيرهما واستوطن دمشق فمات بها يوم الجمعة ثامن عشر رجب انتهى ملخصا
وفيها نور الدين علي بن عبد الله قال في المنهل الشيخ الأديب المعتقد النحريري المولد والمنشأ والدار والوفاة الشهير بابن عامرية كان أديبا شاعرا فاضلا وأكثر شعره في المدائح النبوية توفي بالنحريرية في يوم الخميس سادس عشر ربيع الآخر
وفيها شمس الدين محمد بن إبراهيم بن عبد الله الشطنوفي بفتح الشين المعجمة وتشديد الطاء المهملة نسبة إلى شطنوف بلد بمصر النحوي قال السيوطي ولد بعد الخمسين وسبعمائة وقدم القاهرة شابا واشتغل بالفقه ومهر

في العربية وتصدر بالجامع الطولوني في القراآت وفي الحديث بالشيخونية وانتفع به الطلبة وسمع الحديث وحدث ولم يرزق الإسناد العالي وكان كثير التواضع مشكور السيرة أخذ عنه النحو جماعة منهم شيخنا تقي الدين الشمني وحدثنا عنه خلق منهم شيخنا علم الدين البلقيني وتوفي ليلة الإثنين سادس عشر ربيع الأول
وفيها الحافظ تقي الدين أبو الطيب محمد بن أحمد بن علي الفاسي ثم المكي المالكي مفيد البلاد الحجازية وعالمها ولد سنة خمس وسبعين وسبعمائة وأجاز له بإفادة الشيخ نجم الدين المرجاني بن عوض وابن السلار وابن المحب وجماعة من الدماشقة وعنى بالحديث فسمع بعد التسعين من جماعة ببلده ورحل إلى القاهرة والشام مرارا وولي قضاء بلده للمالكية وهو أول مالكي ولي القضاء بها استقلالا وصنف أخبار مكة وأخبار ولاتها وأخبار من نبل بها من أهلها وغيرهم عدة مصنفات طوال وقصار وذيل على العبر للذهبي وعلى التقييد لابن نقطة وعمل الأربعين المتباينة وفهرست مروياته وكان لطيف الذات حسن الأخلاق عارفا بالأمور الدينية والدنيوية له تمور ودهاء وتجربة وحسن عشرة وحلاوة لسان يخلب القلوب بحسن عبارته ولطيف إشارته قال ابن حجر رافقني في السماع كثيرا بمصر والشام واليمن وغيرها وكنت أوده وأعظمه وأقوم معه في مهماته ولقد ساءني موته وأسفت على فقد مثله فلله الأمر وكان قد أصيب ببصره وله في ذلك أخبار ومكن من قدحه فما أطاق ذلك ولا أفاده انتهى ومن مصنفاته العقد الثمين في أخبار البلد الأمين وغاية المرام في أخبار البلد الحرام وتوفي بمكة في رابع شوال
وفيها ناصر الدين محمد بن عبد الوهاب بن محمد البارنباري بالباء الموحدة وبعد الألف راء ثم نون ثم موحدة نسبة إلى بارنبار قرية قرب دمياط الشافعي النحوي قال السيوطي ولد قبيل سبعين وسبعمائة وقدم القاهرة

فاشتهر ومهر في الفقه والعربية والحساب والعروض وغير ذلك وتصدر بالجامع الأزهر تبرعا ودرس وأفتى مدة وأقرأ وخطب وناب في الجمالية عن حفيد الشيخ ولي الدين العراقي ثم انتزعها منه الشيخ شمس الدين البرماوي وأصابه فالج أبطل نصفه واستمر موعكا إلى أن مات ليلة الأحد حادي عشر ربيع الأول
وفيها محمد ويدعى الخضر بن علي بن أحمد بن عبد العزيز بن القسم النويري الشافعي ولد في ربيع الآخر سنة اثنتين وستين وسبعمائة وتفقه قليلا وأسمع على العز بن جماعة وابن حبيب وابن عبد المعطي والأميوطي ومن بعدهم وأجاز له البهاء بن خليل والجمال الأسنوي وأبو البقاء السبكي وغيرهم وناب في الحكم عن قريبه عز الدين بن محب الدين وولي قضاء المدينة مدة يسيرة ولم يصل إليها بل استناب ابن المطري وصرف وكان ضخما جدا وانصلح بآخره وهو والد أبي اليمن خطيب الحرم وتوفي في رابع عشر ذي الحجة

سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة

فيها كما قال البرهان البقاعي أخبرني الفاضل البارع بدر الدين حسين البيري الشافعي أنه سكن آمد مدة وأنها أمطرت بها ضفادع وذلك في فصل الصيف وأخبرني أن ذلك غير منكر في تلك الناحية بل هو أمر معتاد وأن الضفادع تستمر إلى زمن الشتاء فتموت وأخبرني أن أهل المدينة وهي آمد أخبروه أنها أمطرت عليهم مرة حيات ومرة أخرى دما انتهى
وفيها كان الغلاء الشديد بحلب ودمشق والطاعون المفرط بدمشق وحمص ومصر حتى قال ابن حجر ركب أربعون نفسا مركبا يقصدون الصعيد فما وصلت إلى الميمون حتى مات الجميع وأن ثمانية عشر صيادا اجتمعوا في مكان فمات منهم في يوم واحد أربعة عشر فجهزهم الأربعة فمات منهم وهم

مشاة ثلاثة فلما وصل بهم الآخر إلى المقبرة مات انتهى
وفيها مات صاحب الحبشة إسحق بن داود بن سيف أرغد الحبشي الأمحري توفي في ذي القعدة وكانت ولايته إحدى وعشرين سنة
وأقيم بعده ولده اندراس فملك أربعة أشهر وهلك فأقيم عمه خرنباي ابن داود فهلك في سبعة أشهر فأقيم سلمون بن إسحق بن داود المذكور فهلك سريعا فأقيم بعده صبي صغير إلى أن هلك في طاعون سنة تسع وثلاثين
وفيها صارم الدين إبراهيم بن ناصر الدين بن الحسام الصقري نشأ طالبا للعلم فتأدب وتعلم الحساب والكتابة والأدب والخط البارع وولي حسبة القاهرة في أواخر أيام المؤيد وتوفي مطعونا في ثامن عشر جمادى الآخرة
وفيها زين الدين أبو بكر بن عمر بن عرفات القمني الشافعي الشيخ الإمام العالم ولد بناحية قمن من ريف مصر وقدم القاهرة وتفقه بها على جماعة من علماء عصره وبرع في المذهب وصحب أعيان الأمراء فأثرى بعد فقر وتولى تدريس الصلاحية بالقدس الشريف ودرس بعدة مدارس وكتب على الفتاوى وأشغل وتوفي ليلة الجمعة ثالث عشر رجب عن نحو ثمانين سنة
وفيها شهاب الدين أحمد بن علي بن إبراهيم بن عدنان الشريف الحسيني الدمشقي الأصل والمولد والمنشأ المصري الوفاة الشافعي ولد في سنة أربع وسبعين وسبعمائة ومع والده نقابة الأشراف قال ابن حجر وكان فيه جراءة وإقدام ثم ترقى بعد موت أبيه فولي نقابة الأشراف بدمشق ثم كتابة السر في سلطنة المؤيد ثم ولي القضاء بدمشق في سلطنة الأشرف انتهى وقال في المنهل تفقه على مذهب الشافعي وولي بدمشق عدة وظائف سنية وتكرر قدومه إلى القاهرة إلى أن طلبه الأشرف برسباي إلى الديار المصرية وولاه كتابة سرها فباشرها مباشرة حسنة وسار فيها أجمل سيرة على أنه لم تطل أيامه فإن قدومه إلى القاهرة كان في ذي الحجة سنة اثنتين وثلاثين وتوفي

ليلة الخميس ثامن عشرى جمادى الآخرة بالطاعون
وتولى كتابة السر بعده أخوه أبو بكر الملقب عماد الدين ولم تطل أيامه فمات ليلة الجمعة ثالث عشر رجب من هذه السنة بعد أخيه بستة عشر يوما قدم مصر لزيارة أخيه فطعن ومات
وفيها شهاب الدين أبو العباس أحمد بن علي بن محمد بن عبد الله بن علي بن حاتم الشيخ الإمام الرحلة قاضي القضاة ابن الحبال البعلي الحنبلي ولد سنة تسع وأربعين وسبعمائة وتفقه وسمع الحديث وولي قضاء طرابلس ثم قضاء دمشق سنة أربع وعشرين وثمانمائة إلى أن صرف سنة اثنتين وثلاثين في شعبان بسبب ما اعتراه من ضعف البصر والارتعاش وكان مع ذلك كثير العبادة ملازما على الجمعة والجماعة منصفا لأهل العلم قال الشاب التائب كان أهل طرابلس يعتقدون فيه الكمال بحيث أنه لو جاز أن يبعث الله نبيا في هذا الزمان لكان هو وتوفي بطرابلس بعد قدومه إليها في يوم واحد وذلك في ربيع الأول
وفيها صدر الدين أحمد بن محمود بن محمد بن عبد الله القيسري المعروف بابن العجمي الحنفي ولد سنة سبع وسبعين وسبعمائة بالقاهرة ونشأ بها واعتنى به أبوه في صغره وصلى بالناس التراويح بالقرآن أول ما فتحت الظاهرية سنة ثمان وثمانين وهو ابن إحدى عشرة سنة لم يكملها وبرع في الفقه والأصول والعربية وباشر التوقيع في ديوان الإنشاء ثم ولي الحسبة مرارا ونظر الجوالي وغير ذلك إلى أن تمت له عشر وظائف نفيسة وأفتى ودرس وكان كريما حسن المحاضرة متواضعا فصيحا بحاثا طلق اللسان مستحضرا ذكيا توفي بالطاعون يوم السبت رابع عشر رجب
وفيها تاج الدين إسحق بن إبراهيم بن أحمد بن محمد التدمري الشافعي خطيب الخليل قال ابن حجر ذكر أنه عن قاضي حلب شمس الدين محمد بن

أحمد بن المهاجر وعن شيوخنا العراقي وابن الملقن وغيرهما وأجاز له ابن الملقن في الفقه ومات ليلة عيد رمضان انتهى
وفيها أمير المؤمنين المستعين أبو الفضل العباس بن المتوكل بن المعتضد استقر في الخلافة بعهد من أبيه في رجب سنة ثمان وثمانمائة وقرر أيضا سلطانا مع الخلافة مدة إلى أن تسلطن المؤيد فعزله من الخلافة وقرر فيها أخاه داود ولقب المعتضد واعتقل المستعين بالأسكندرية فلم يزل بها إلى أن تكلم ططر في المملكة فأرسل في إطلاقه وأذن له في المجيء إلى القاهرة فاختار الاستمرار بالأسكندرية لأنه استطابها وحصل له مال كثير من التجارة إلى أن توفي بها شهيدا بالطاعون وخلف ولده يحيى
وفيها جمال الدين عبد الله بن محب الدين خليل بن فرح بن سعيد القدسي الأصل الدمشقي البرماوي المعروف بالقلعي قال البرهان البقاعي هو شيخنا الرباني الصوفي العارف كان إماما عارفا مسلكا مربيا قدوة ذا قدم راسخ في علم الباطن مشاركا في الفقه والنحو مشاركة جيدة استاذا في علم الكلام ذا حافظة قوية مفتوحا عليه في الكلام في الوعظ يحفظ حديثا كثيرا ويعزوه إلى مخرجيه وله مصنفات منها منار سبل الهدى وعقيدة أهل التقى بحثت عليه بعضه وأقمت عنده مدة بزاويته بالعقيبة الصغرى ومات بدمشق يوم الجمعة عاشر شهر ربيع الأول انتهى
وفيها نسيم الدين عبد الغني بن جلال الدين عبد الواحد بن إبراهيم المرشدي المكي اشتغل كثيرا ومهر وهو صغير وأحب الحديث فسمع الكثير وحفظ وذاكر ودخل اليمن فسمع من الشيخ مجد الدين الفيروزبادي وكتب عن ابن حجر الكثير وتوفي مطعونا بالقاهرة
وفيها علي بن عنان بن معافس بن رميثة بن أبي نمى الحسيني المكي الشريف ولي إمرة مكة مدة ودخل المغرب بعد عزله عنها فأكرمه أبو

فارس متولي تونس ثم عاد إلى القاهرة فتوفي بها مطعونا في ثالث جمادى الآخرة وكان عنده فضيلة ومعرفة ويحاضر بالأدب وغيره
وفيها فاطمة بنت خليل بن أحمد بن محمد بن أبي الفتح الشيخة المسندة المعمرة الحنبلية الأصيلة بنت الشيخ صلاح الدين وهي بنت أخي قاضي القضاة ناصر الدين نصر الله بن أحمد الحنبلي شاركت الشيخ زين الدين القبابي في أكثر مروياته وهي التي ذكرها شيخ الإسلام ابن حجر في المشيخة المخرجة للقبابي التي سماها بالمشيخة الباسمة للقبابي وفاطمة توفيت في آخر يوم الجمعة الأول من جمادى الأولى بالقاهرة وصلى عليها بباب النصر ودفنت هناك
وفيها شمس الدين محمد بن أحمد بن سليمان الأذرعي الحنفي أخذ عن ابن الرضى والبدر المقدسي وتفقه حنفيا ثم بعد اللنك انتقل إلى مذهب الشافعي وولي قضاء بعلبك وغيرها ثم عاد حنفيا وناب في الحكم ودرس وأفتى وكان يقرىء البخاري جيدا ويكتب على الفتوى كتابة حسنة بخط مليح وتوجه إلى مصر في آخر عمره فعند وصوله طعن فمات غريبا شهيدا في جمادى الآخرة
وفيها السلطان الصالح محمد ططر خلع في خامس عشر ربيع الأول سنة خمس وعشرين وأقام عند السلطان الملك الأشرف مكرما إلى أن طعن ومات في سابع عشرى جمادى الآخرة
وفيها الحافظ شمس الدين أبو الخير محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن علي بن يوسف المعروف بابن الجزري الشافعي مقرىء الممالك الإسلامية ولد بدمشق ليلة السبت الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة إحدى وخمسين وسبعمائة وتفقه بها ولهج بطلب الحديث والقراآت وبرز فيهما وعمر للقراء مدرسة سماها دار القرآن واقرأ الناس وعين لقضاء الشام

مرة ولم يتم ذلك لعارض وقدم القاهرة مرارا وكان شكلا حسنا مثريا فصيحا بليغا وكان باشر عند قطلبك استادار ايتمش فاتفق أنه نقم عليه شيئا فتهدده ففر منه فنزل البحر إلى بلاد الروم في سنة ثمان وتسعين فاتصل بأبي يزيد بن عثمان فعظمه وأخذ أهل البلاد عنه علم القراآت وأكثروا عنه ثم كان فيمن حضر الوقعة مع ابن عثمان واللنكية فلما أسر ابن عثمان اتصل ابن الجزري باللنك فعظمه وفوض له قضاء شيراز فباشره مدة طويلة وكان كثير الإحسان لأهل الحجاز وأخذ عنه أهل تلك البلاد القراآت والحديث ثم اتفق أنه حج سنة اثنتين وعشرين فنهب ففاته الحج وأقام بينبع ثم بالمدينة المنورة ثم بمكة إلى أن حج ورجع إلى العراق ثم عاد سنة ست وعشرين وحج ودخل القاهرة سنة سبع فعظمه الملك الأشرف وأكرمه وحج في آخرها وأقام قليلا ودخل اليمن تاجرا فأسمع الحديث عند صاحبها ووصله ورجع ببضاعة كثيرة فدخل القاهرة في سنة سبع وأقام بها مدة إلى أن سافر على طريق الشام ثم على طريق البصرة إلى أن وصل شيراز قال ابن حجر وقد انتهت إليه رياسة علم القراآت في الممالك وكان قديما صنف الحصن الحصين في الأدعية ولهج به أهل اليمن واستكثروا منه وسمعوه على قبل أن يدخل هو إليهم ثم دخل إليهم فأسمعهم وحدث بالقاهرة بمسند أحمد ومسند الشافعي وغير ذلك وسمع بدمشق وبمصر من ابن أميلة وابن الشيرجي ومحمود بن خليفة وعماد الدين بن كثير وابن أبي عمر وخلائق وبالأسكندرية من عبد الله بن الدماميني وببعلبك من أحمد بن عبد الكريم وطلب بنفسه وكتب الطباق وعنى بالنظم وكانت عنايته بالقراآت أكثر وذيل طبقات القراء للذهبي وأجاد فيه ونظم قصيدة في قراآت الثلاثة وجمع النشر في القراآت العشر وقد سمعت بعض العلماء يتهمه بالمجازفة في القول وأما الحديث فما أظن ذلك به إلا أنه كان إذا رأى للعصريين شيئا أغار عليه ونسبه لنفسه وهذا أمر

قد أكثر المتأخرون منه ولم ينفرد به وكان يلقب في بلاده الإمام الأعظم ولم يكن محمود السيرة في القضاء وأوقفني بعض الطلبة من أهل تلك البلاد على جزء فيه أربعون حديثا عشاريات فتأملتها فوجدته خرجها بأسانيده من جزء الأنصاري وغيره وأخذ كلام شيخنا العراقي في أربعينه العشاريات انتهى باختصار وبالجملة فإنه كان عديم النظير طائر الصيت انتفع الناس بكتبه وسارت في الآفاق مسير الشمس وتوفي بشيراز في ربيع الأول ودفن بمدرسته التي بناها بها رحمه الله تعالى
وفيها جلال الدين نصر الله بن عبد الرحمن بن أحمد بن إسمعيل المعروف بالشيخ نصر الله العجمي الحنفي الأنصاري البخاري الروياني الكحور ولد بكحول إحدى قرى رويان من بلاد العجم سنة ست وستين وسبعمائة تقريبا ونسبته إلى أنس بن مالك وتجرد وبرع في علم الحكمة والتصوف وشارك في الفنون وكتب الخط الفائق ودخل القاهرة على قدم التجريد وصحب الأمراء والأكابر وحصل له قبول زائد ونالته السعادة وجمع الكتب النفيسة وكان يتكلم في علم التصوف على طريقة ابن عربي وفاق في علم الحرف وما أشبهه قال ابن تغرى بردى وكانت له تصانيف كثيرة في عدة فنون وصنع مرة للوالد خاتما يضعه على الثعبان فيفر منه أو يموت فأعجب به الوالد إعجابا كثيرا وأنعم عليه برزقة في بر الجيزة نحو مائة فدان وأظنها إلى الآن وقفا على زاويته بقرب خان الخليلي وكانت له وجاهة في الدولة ولم يزل وافر الحرمة إلى أن توفي بالقاهرة ليلة الجمعة سادس رجب ودفن ببيته وأوصى أن يكون زاوية فوقع ذلك وفتح لها شباك على الطريق بالقرب من خان الخليلي
وفيها القاضي تقي الدين يحيى بن العلامة شمس الدين محمد بن يوسف الكرماني البغدادي ولد في رجب سنة اثنتين وستين وسبعمائة وسمع من أبيه وغيره ونشأ ببغداد وتفقه بأبيه وغيره وشارك في عدة علوم وقدم

القاهرة هو وأخوه في حدود الثمانمائة بشرح أبيهما على البخاري فابتهج الناس به وكتبت منه نسخ عديدة وعرف تقي الدين هذا بالفضيلة وتقرب غاية التقرب من السلطان شيخ في خال إمارته وسلطنته وكان عالما فاضلا شرح البخاري ومسلم واختصر الروض الأنف وله مصنف في الطب وغير ذلك وتوفي بالقاهرة في الطاعون يوم الخميس ثامن جمادى الآخرة قاله في المنهل
وفيها نظام الدين يحيى بن يوسف وقيل سيف وهو الأشهر ابن عيسى السيرامي الأصل والمولد المصري الدار والوفاة الحنفي شيخ الشيوخ بمدرسة الظاهر برقوق وابن شيخها قدم مع والده وإخوته في السابعة من عمره إلى القاهرة بعد موت العلاء السيرامي ونشأ بالقاهرة تحت كنف والده وبه تفقه حتى برع في الفقه والأصلين واللغة والعربية والمعاني والبيان والجبر والمقابلة والمنطق والطب والحكمة والهندسة والهيئة وشارك في عدة فنون وتصدر للافتاء والتدريس والاشغال عدة سنين وتفقه به جماعة من أعيان الناس وانتفعوا به في المعقول والمنقول وكان إماما دينا وافر الحرمة مهابا وقورا معظما في الدول محببا للملوك كثير الخير حاد الذهن جيد التصور مليح الشكل فصيح العبارة بحاثا مناظرا مقداما شهما قويا في ذات الله كثير العبادة توفي بالقاهرة في الطاعون في جمادى الآخرة
وفيها يعقوب بن إدريس بن عبد الله الشهير بقرا يعقوب الرومي الحنفي النكدي نسبة إلى نكدة من بلاد ابن قرمان ولد سنة تسع وثمانين وسبعمائة واشتغل في بلاده ومهر في الأصول والعربية والمعاني والبيان وكتب على المصابيح شرحا وعلى الهداية حواشي ودخل البلاد الشامية وحج سنة تسع عشرة ثم رجع وأقام بلارندة يدرس ويفتي ثم قدم القاهرة فاجتمع بمدبر المملكة ططر فأكرمه إكراما زائدا ووصله بمال جزيل فاقتنى كتبا كثيرة ورجع إلى بلاده فأقام بلارندة إلى أن مات في شهر ربيع الأول بها

سنة أربع وثلاثين وثمانمائة

فيها توفي مجد الدين إسمعيل بن أبي الحسن علي بن محمد البرماوي المصري الشافعي ولد في حدود الخمسين وسبعمائة ودخل القاهرة قديما وأخذ عن المشايخ وسمع ومهر في الفقه والفنون وتصدى للتدريس وخطب بجامع عمرو بمصر وتوفي في نصف ربيع الآخر
وفيها شرف الدين أبو محمد عبد الله بن القاضي شمس الدين محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج الراميني ثم الدمشقي الحنبلي الإمام علامة الزمان شيخ المسلمين قال ابن حجر ولد في ربيع الأول سنة خمسين وسبعمائة وتوفي أبوه وهو صغير فحفظ القرآن وصلى به وكان يحفظه إلى آخر عمره ويقوم به في التراويح في كل سنة بجامع الأفرم وله محفوظات كثيرة منها المقنع في الفقه ومختصر ابن الحاجب في الأصول وألفية ابن مالك والفية الجوينى في علوم الحديث والانتصار في الحديث مؤلف جده جمال الدين المرداوى وكان علامة في الفقه يستحضر غالب فروع والده أستاذا في الأصول بارعا في التفسير والحديث مشاركا فيما سوى ذلك وكان شيخ الحنابلة بالمملكة الإسلامية وأثنى عليه أئمة عصره كالبلقيني والديري وسمع من جده لأمه جمال الدين المرداوي وابن قاضي الجبل وغيرهما وأفتى ودرس وناظر وأشغل وتوفي ليلة الجمعة ثاني ذي القعدة ودفن عند والده وإخوته بالروضة
وفيها وحيد الدين عبد الرحمن بن الجمال المصري ولد بزبيد وتفقه وتزوج بنت عمه النجم المرجاني وقطن مكة وأشغل الناس بها في الفقه واشتهر بمعرفته وتوفي في سابع عشر رجب
وفيها سراج الدين عمر بن منصور بن عبد الله البهادري الحنفي أحد خلفاء الحكم بالقاهرة ولد سنة اثنتين وستين وسبعمائة وكان إماما بارعا في

الفقه والنحو واللغة انتهت إليه الرياسة في علم الطب وتقدم على أقرانه في ذلك لغزير حفظه وكثرة استحضاره ونقول أقوال الحكماء قديما وحديثا وكان شيخا معتدل القامة مصفر اللون جدا وكان مع تقدمه في علم الطب غير ماهر بالمداواة يفوقه أقل تلامذته لقلة مباشرته لذلك فإنه لم يتكسب بهذه الصناعة وناب في الحكم وتوفي يوم السبت ثاني عشر شوال ولم يخلف بعده مثله
وفيها شمس الدين محمد بن الحسن بن محمد الحسني الحصني ابن أخي الشيخ تقي الدين الشافعي اشتغل على عمه ولازم طريقته في العبادة والتجرد ودرس بالشامية وقام في عمارة البادرائية وكان شديد التعصب على الحنابلة وتوفي في ربيع الأول
وفيها شمس الدين محمد بن حمزة بن محمد بن محمد الرومي بن الفنري بالفاء والراء المهملة بالنسبة إلى صنعة الفنيار الحنفي قال السيوطي كان عارفا بالعربية والمعاني والقراآت كثير المشاركة في الفنون ولد في صفر سنة إحدى وخمسين وسبعمائة وأخذ عن العلامة علاء الدين الأسود شارح المغنى والجمال محمد بن محمد بن محمد الأقصرائي ولازم الاشتغال ورحل إلى مصر وأخذ عن الشيخ أكمل الدين وغيره ثم رجع إلى الروم فولي قضاء برصة وارتفع قدره عند ابن عثمان جدا واشتهر ذكره وشاع فضله وكان حسن السمت كثير الفضل والأفضال غير أنه لعاب بنحلة ابن العربي وبأقراء الفصوص ولما دخل القاهرة لم يتظاهر بشيء من ذلك واجتمع به فضلاء العصر وذاكروه وباحثوه وشهدوا له بالفضيلة ثم رجع وكان قد أثرى وصنف في الأصول كتابا أقام في عمله ثلاثين سنة وأقرأ العضد نحو العشرين مرة وأخذ عنه ولازمه شيخنا العلامة الكافيجي وكان يبالغ في الثناء عليه ومات في رجب انتهى كلام السيوطي
وفيها محمد بن الشيخ بدر الدين الحمصي المعروف بابن العصياني قال ابن

حجر اشتغل كثيرا وكان في أول أمره جامد الذهن ثم اتفق أنه سقط من مكان فانشق رأسه نصفين ثم عولج فالتأم فصار حفظة ومهر في العلوم العقلية وغيرها وكان يرجع إلى دين وينكر المنكر ويوصف بحدة ونقص عقل مات في صفر انتهى
وفيها قاضي القضاة نور الدين أبو الثناء محمود بن أحمد بن محمد الهمداني الفيومي الشافعي المعروف بابن خطيب الدهشة أصله من الفيوم وولد والده بالفيوم وكان يعرف بابن ظهير ثم رحل إلى حماة واستوطنها وولي خطابة الدهشة وولد له ابنه هذا في حدود سنة خمسين وسبعمائة وبها نشأ وحفظ القرآن الكريم وعدة متون وتفقه على جماعات من علماء حماة وغيرهم وبرع في الفقه والعربية والأصول واللغة وغير ذلك وأفتى ودرس مع الدين المتين والورع والعفة واشتهر ذكره وعظم قدره وانتفع به عامة أهل حماة إلى أن نوه بذكره القاضي ناصر الدين بن البارزي كاتب السر بالديار المصرية عند الملك المؤيد شيخ فولاه قضاء حماة وحسنت سيرته وأظهر في ولايته من العفة والصيانة ما هو مشهورعنه ودام في الحكم إلى أن صرف في دولة الأشرف برسباي فلزم داره على أجمل طريقة وأخذ في الأقراء والاشغال ومن تصانيفه مختصر القوت للأذرعي في أربع مجلدات سماه لباب القوت وتكملة شرح منهاج النووي في الفقه للسبكي في ثلاث عشرة مجلدة وكتاب التحفة في المبهمات وكتاب تحرير الحاشية في شرح الكافية لابن مالك في النحو ثلاث مجلدات وكتاب تهذيب المطالع في اللغة الواردة في الصحيحين والموطأ ست مجلدات واختصره في جزءين وسماه التقريب ومنظومة في صناعة الكتابة نحو تسعين بيتا وشرحها وكتاب اليواقيت المضية في المواقيت الشرعية وغير ذلك ومن شعره
( غصن النقا لا تحكه ** فما له في ذا شبه )
( فرامه قلت اتئد ** ما أنت إلا حطبه )

ومنه
( وصل حبيبي خبر ** لأنه قد رفعه )
( بنصب قلبي غرضا ** إذ صار مفعولا معه )
وتوفي بحماة يوم الخميس سابع شوال قيل لما احتضر تبسم ثم قال لمثل هذا فليعمل العاملون

سنة خمس وثلاثين وثمانمائة

فيها خرب الشرق من بغداد إلى تبريز من فرط الغلاء وعمومه حتى أكلوا الكلاب والميتة
وفيها أجريت عيون مكة حتى دخلتها وامتلأت برك باب المعلى ومرت على الصفا وسوق الليل وعم النفع بها
وفيها كما قال ابن حجر ثارت فتنة عظيمة بين الحنابلة والأشاعرة بدمشق وتعصب الشيخ علاء الدين البخاري نزيل دمشق على الحنابلة وبالغ في الحط على ابن تيمية وصرح بتكفيره فتعصب جماعة من الدماشقة لابن تيمية وصنف صاحبنا الحافظ شمس الدين بن ناصر الدين جزءا في فضل ابن تيمية وسرد أسماء من أثنى عليه وعظمه من أهل عصره فمن بعدهم على حروف المعجم مبينا لكلامهم وأرسله إلى القاهرة فكتب عليه غالب المصريين التصويب وخالفوا علاء الدين البخاري في إطلاق القول بتكفيره وتكفير من أطلق عليه أنه شيخ الإسلام وخرج مرسوم السلطان إلى أن كل أحد لا يعترض على مذهب غيره ومن أظهر شيئا مجمعا عليه سمع منه وسكن الأمر انتهى
وفيها توفي الشيخ شهاب الدين أحمد بن إسمعيل الأبشيطي قال ابن حجر تفقه قليلا ولزم قريبه الشيخ صدر الدين الأبشيطي وأدب جماعة من أولاد الأكابر ولهج بالسيرة النبوية فكتب منها كثيرا إلى أن شرع في جمع

كتاب حافل في ذلك وكتب منه نحوا من ثلاثين سفرا تحتوي على سيرة ابن إسحق وما وضع عليها من كلام السهيلي وغيره وعلى ما احتوت عليه المغازي للواقدي وضم إلى ذلك ما في السيرة للعماد بن كثير وغير ذلك وعنى بضبط الألفاظ الواقعة فيها ومات في سلخ شوال وقد جاوز السبعين انتهى
وفيها شهاب الدين أحمد بن أبي بكر بن علي المعروف ببواب الكاملية الحنبلي قال العليمي في طبقاته الشيخ الإمام العالم القدوة عنى بالحديث كثيرا وسمع وكان يتغالى في حب الشيخ تقي الدين ويأخذ بأقواله وأفعاله وكتب بخطه تاريخ ابن كثير وزاد فيه أشياء حسنة وكان يؤم في مسجد ناصر الدين تجاه المدرسة التي أنشأها نور الدين الشهيد وكان قليل الاجتماع بالناس وعنده عبادة وتقشف وتقلل من الدنيا وكان شافعيا ثم انتقل إلى عند جماعة الحنابلة وأخذ بمذهبهم وتوفي يوم السبت تاسع عشر صفر وقد قارب الثمانين ودفن بسفح قاسيون
وفيها شهاب الدين أحمد بن تقي الدين عبد الرحمن بن العلامة جمال الدين بن هشام المصري النحوي اشتغل كثيرا بمصر وأخذ عن الشيخ عز الدين ابن جماعة وغيره وفاق في العربية وغيرها وكان يجيد لعب الشطرنج وانصلح بآخره قال البرهان البقاعي كان شريف النفس لم يتدنس بشيء من وظائف الفقهاء وكان ثاقب الذهن نافذ الفكر فاق جميع أقرانه في هذا الشأن مع صرف غالب زمانه في لعب الشطرنج انتهى سكن دمشق فمات بها في رابع جمادى الآخرة
وفيها شهاب الدين أحمد بن عثمان بن محمد بن عبد الله الكلوتاتي الحنفي قال في المنهل الصافي المسند المعمر المحدث ولد سنة اثنتين وستين وسبعمائة واعتنى بالحديث وسمع الكثير وقرأ من سنة تسع وسبعين بنفسه على المشايخ فأكثر حتى قرأ صحيح البخاري نحوا من خمسين مرة ودأب وحصل وأفاد الطلبة وحدث سنين بالقاهرة إلى أن توفي يوم الإثنين الرابع والعشرين من

جمادى الآخرة انتهى
وفيها حسين بن علاء الدولة بن أحمد بن أويس آخر ملوك العراق من ذرية أويس كان اللنك أسره وأخاه حسنا وحملهما إلى سمرقند ثم أطلقا فساحا في الأرض فقيرين مجردين فأما حسن فاتصل بالناصر فرج وصار في خدمته ومات عنده قديما وأما حسين هذا فتنقل في البلاد إلى أن دخل العراق فوجد شاه محمد بن شاه ولد بن أحمد بن أويس وكان أبوه صاحب البصرة فمات فملك ولده شاه محمد فصادفه حسين قد حضره الموت فعهد إليه بالمملكة فاستولى على البصرة وواسط وغيرها ثم حاربه أصبهان شاه بن قرا يوسف فانتهى حسين إلى شاه رخ بن اللنك فتقوى بالانتماء إليه وملك الموصل وأربل وتكريت وكانت مع قرا يوسف فقوى أصبهان شاه واستنقذ البلاد وكان يخرب كل بلد ويحرقه إلى أن حاصر حسينا بالحلة منذ سبعة أشهر ثم ظفر به بعد أن أعطاه الأمان فقتله خنقا
وفيها زين الدين خالد بن قاسم العاجلي ثم الحلبي الحنبلي ولد في رمضان سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة ولازم القاضي شرف الدين بن فياض وولده أحمد وأخذ عن شمس الدين بن اليونانية وأحب مقالة ابن تيمية وكان من رءوس القائمين مع أحمد بن البرهان على الظاهر وهو آخر من مات منهم وتنزل بالآثار النبوية وكان قد غلب عليه حب المطالب فمات ولم يظفر بطائل ونزله المؤيد بمدرسته في الحنابلة ومات في ثالث ذي الحجة قاله ابن حجر
وفيها قطب الدين وجمال الدين عبد الله بن نور الدين محمد بن قطب الدين عبد الله بن حسن بن يوسف بن عبد الحميد بن أبي الغيث البهنسي ولد في رجب سنة خمس وخمسين وسبعمائة واشتغل وسمع الحديث وقال الشعر وكان موسرا لكنه أكثر التقتير على نفسه جدا وأصيب في عقله بآخره

وأكمل الثمانين سنة ومن شعره
( إذا الخل قد ناجاك بالهجر فاصطبر ** وسامح له واغفر بنصح وداره )
( فإن عاد فاقله ثم لا تذكر اسمه ** وحول طريق القصد عن باب داره )
توفي في شهر رمضان
وفيها القاضي زين الدين عبد الرحمن بن علي بن عبد الرحمن بن علي بن هاشم التفهني بفتح المثناة الفوقية وكسر الفاء وسكون الهاء ونون نسبة إلى تفهن قرية بمصر الحنفي ولد سنة بضع وستين وسبعمائة ومات أبوه وهو صغير فانتقل إلى القاهرة وهو شاب وتنزل في مكتب اليتامى بمدرسة صرغتمش ثم ترقى إلى أن صار عريفا وتنزل في الطلبة هناك ولازم الاشتغال ودار على الشيوخ فمهر في الفقه والعربية وجاد خطه وشهر اسمه وخالط الأتراك وصحب بدر الدين محمود الكلستاني كاتب السر فاشتهر ذكره وناب في الحكم وولي تدريس الصرغتمشية وولاه المؤيد شيخ قضاء الحنفية في سنة اثنتين وعشرين فباشره مباشرة حسنة وكان حسن العشرة كثير العصبية لأصحابه عارفا بأمور الدنيا على أنه يقع منه في بعض الأمور لجاج شديد يعاب به ولا يستطيع يتركه وصرف عن القضاء سنة تسع وعشرين بالعيني ثم أعيد في سنة ثلاث وثلاثين ثم صرف قبل موته في جمادى الآخرة وتوفي ليلة الأحد تاسع شوال ويقال ان أم ولده دست عليه سما لأنه لما توفيت زوجته ظنت أم ولده أنها تنفرد به فتزوج امرأة وأخرج أم ولده فحصلت لها غيرة والعلم عند الله
وفيها زين الدين عمر بن أبي بكر بن عيسى بن عبد الحميد المغربي الأصل البصروي قدم دمشق فاشتغل بالفقه والعربية والقراآت وفاق في النحو وشغل الناس وهو بزي أهل البر وكان قانعا باليسير حسن العقيدة موصوفا بالخير والدين سليم الباطن فارغا من الرياسة توفي في رابع جمادى الآخرة
وفيها شرف الدين عيسى بن محمد بن عيسى الأقفهسي الشافعي أحد نواب

الحكم تفقه بالجمال الأسنوي ولازم البلقيني وأذن له بالتدريس قيل والفتوى وناب في الحكم عن البرهان بن جماعة وغيره مدة طويلة ومات في جمادى الآخرة وقد جاوز الثمانين
وفيها جمال الدين محمد بن سعد الدين ملك الحبشة للمسلمين ولي بعد فقد أخيه منصور في سنة ثمان وعشرين وكان شجاعا بطلا مديما للجهاد وأسلم على يديه خلائق من الحبشة قتله بنو عمه في جمادى الآخرة واستقر بعده أخوه شهاب الدين أحمد
وفيها الحافظ تاج الدين محمد بن ناصر الدين محمد بن محمد بن محمد بن مسلم بن علي بن أبي الجود الكركي بن الغرابيلي سبط العماد الكركي قال ابن حجر ولد سنة ست وتسعين بالقاهرة حيث كان جده لأمه حاكما ونقله أبوه إلى الكرك حيث عمل أمرتها ثم تحول به إلى القدس سنة سبع عشرة فاشتغل وحفظ عدة مختصرات كالكافية لابن الحاجب والمختصر الأصلي والإلمام والألفية في الحديث ولازم الشيخ عمر البلخي فبحث عليه في العضد والمعاني والمنطق وتخرج أيضا بنظام الدين قاضي العسكر وبابن الديري الكبير ومهر في الفنون إلا الشعر ثم أقبل على الحديث بكليته فسمع الكثير وعرف العالي والنازل وقيد الوفيات وغيرها من الفنون وشرع في شرح على الإلمام ونظر في التواريخ والعلل وسمع الكثير ببلده ورحل إلى الشام والقاهرة فلازمني وكان الأكابر يتمنون رؤيته والاجتماع به لما يبلغهم من جميل أوصافه فيمتنع انتهى باختصار وألف مجلدا لطيفا في الحمام يرحل إليه وتوفي بالقاهرة في جمادى الآخرة

سنة ست وثلاثين وثمانمائة

في ثامن عشرى شوالها كسفت الشمس كسوفا عظيما من بعد العصر

إلى قرب المغرب وصلوا الكسوف وظنوا أنها غربت كاسفة فانجلت قبيل الغروب انجلاء تاما
وفيها توفي برهان الدين إبراهيم بن حجاج الأبناسي الشافعي قال البرهان البقاعي كان علامة وقته ومحقق زمانه ملازما لابن حجر ومعظما له ونفعه كثيرا وكان إماما عالما بالمعقولات فقيها نحويا مفوها جريئا في قوله شهم النفس حديد الذهن فحل المناظرة ثابتا عند المضايق وتوفي بالمغس في زاوية شيخه وسميه البرهان الأنباسي ودفن بباب الشعرية بمكان هناك كأنه زاوية انتهى
وفيها الملك الأشرف أحمد بن العادل سليمان الأيوبي صاحب حصن كيفا قال ابن حجر كان دينا فاضلا له شعر حسن وقفت على ديوانه وهو يشتمل على نوائح في أبيه وغزل وزهديان وغير ذلك وكان جوادا محبا في العلماء خرج في عسكره لملاقاة السلطان على حصار آمد فاتفق أنه نزل لصلاة الصبح فوقع به فريق من التركمان فأوقعوا به على غرة فقتل ووصل بقية أصحابه وولده خليل فقرر ولده في مملكة أبيه ولقب بالصالح
وفيها شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمود بن محمد المعروف بابن خازوق الحنبلي قاضي القضاة قال العليمي ولي قضاء حلب ثم عزل عنها فولي قضاء طرابلس ثم أعيد إلى قضاء حلب وتوفي بها في آخر السنة
وفيها زين الدين أبو بكر الأنبابي الشافعي أحد نواب الحكم كان كثير الاشتغال وأخذ عن الشيخ علاء الدين الأقفهسي وابن العماد والبلقيني وغيرهم وكان خيرا مات في شعبان
وفيها قاضي القضاة شهاب الدين أحمد بن قاضي القضاة محي الدين المعروف بابن الكشك الدمشقي الحنفي قاضي قضاة دمشق ورئيسها من بيت علم ورياسة وعراقة ولد بدمشق ونشأ بها وطلب العلم وتفقه وولي قضاءها مرارا وجمع في بعض الأحيان بين قضائها ونظر جيشها وقدم القاهرة غير مرة

وكانت له ثروة وأفضال وتوفي بدمشق ليلة الخميس سابع ربيع الأول
وفيها بدر الدين حسن بن شرف الدين أبي بكر بن أحمد القدسي المشهور بابن بقيرة بالتصغير وإمالة الراء الحنفي اشتغل قديما من سنة ثمانين وهلم جرا بالقدس ثم بالشام ثم بالقاهرة وكان مفوها عارفا بالعربية وغيرها وولي مشيخة الشيخونية وتوفي يوم الخميس ثالث ربيع الآخر وقد قارب السبعين
وفيها زين الدين عبد الرحمن بن محمد القزويني الشافعي المعروف بالحلالي بمهملة ولام مشددة من أهل جزيرة ابن عمر وهو ابن أخت العالم نظام الدين عالم بغداد ولد سنة بضع وسبعين وسبعمائة وأخذ عن أبيه وغيره وبرع في الفقه والقراءات والتفسير وحج وقدم حلب لزيارة القدس فزاره ثم رجع إلى حلب وهو في سن الكهولة فظهرت فضائله ودخل القاهرة في سنة أربع وثلاثين وأخذوا عنه ثم رجع فلما وصل إلى بلده مات بعد أربعة أشهر
وفيها شمس الدين محمد بن عبد الرحيم بن أحمد المنهاجي الشافعي المعروف بسبط ابن اللبان ولد بعد السبعين وسبعمائة واشتغل قديما فأخذ عن العز بن جماعة وشمس الدين بن القطان ومشايخ العصر قال ابن حجر قرأ على ابن القطان البخاري بحضوري وقرأ على ترجمة البخاري يوم الختم وتعانى نظم الشعر فمهر فيه ومهر في الفقه والأصول وعمل المواعيد وشغل الناس وكان واسع المعرفة بالفنون حج في هذه السنة من البحر فسلم ودخل مكة في شهر رجب فجاور إلى زمن إقامة الحج فحج وقضى نسكه ورمى جمرة العقبة ثم رجع فمات بمنى قبل أن يطوف طواف الإفاضة
وفيها أبو عبد الله محمد بن عبد الحق بن إسمعيل السبتي المالكي قال ابن حجر ولد سنة ثلاث وثمانين وسبعمائة وأخذ عن الحاج أبي القسم بن أبي حجة ببلده ووصل إلى غرناطة وتفرد بالأدب وقدم القاهرة سنة اثنتين

وثلاثين فحج وحضر عندي في الاملاء وأوقفني على شرح البردة له وله آداب وفضائل مات في صفر انتهى
وفيها شمس الدين محمد بن علي بن موسى الدمشقي الشافعي المعروف باين قديدار ولد سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة تقريبا وقرأ القرآن في صغره وحفظ المنهاج والعمدة والألفية وتلا بالسبع على جماعة منهم ابن اللبان وصحب الشيخ أبا بكر الموصلي وغيره وأقبل على العبادة واشتهر من بعد سنة تسعين حتى أن اللنك لما طرق الشام أرسل من حماة وحمى من معه وكان السلطان شيخ يعظمه وكان سهل العريكة لين الجانب متواضعا جدا محبا في العلماء والمحدثين يتردد إلى بيروت للمرابطة وله بها زاوية فيها سلاح كثير وكلمته نافذة عند الفرنج ويكتب إليهم بسبب المسلمين فيقبلون ما يكتب به وحصل له في آخر عمره ضعف في بدنه وثقل سمعه وتوفي ليلة عيد الفطر

سنة سبع وثلاثين وثمانمائة

فيها أحصى من بالأسكندرية من الحاكة فكان فيها ثمانمائة نول وكان ذلك وقع آخر القرن الثامن فكانت أربعة عشر ألف نول ومن ذلك أن كتاب الجيش أحصوا قرى مصر قبليها وبحريها فكانت ألفين ومائة وسبعين قرية بعد أن كانت في أوائل دولة الفاطميين عشرة آلاف قرية
وفيها هبت بدمياط رياح عاصفة فتقصف نخيل كثير وتلفت أشجار الموز وقصب السكر من الصقيع وانهدمت عدة دور وفزع الناس من شدة الريح حتى خرجوا إلى ظاهر البلد وسقطت صاعقة فأحرقت شيئا كثيرا ثم نزل المطر فدام طويلا
وفي ليلة الجمعة الحادي والعشرين من جمادى الأولى وقع بمكة سيل عظيم ارتفع في المسجد الحرام أربعة أذرع وتهدمت منه دور كثيرة ومات تحت الردم جماعة


وفيها توفي إبراهيم بن داود بن محمد بن أبي بكر العباسي ولد أمير المؤمنين المعتضد بن المتوكل العباسي الشافعي كان رجلا حسنا كبير الرياسة قرأ القرآن وحفظ المنهاج واشتغل كثيرا وخلف أباه لما سافر خلافة حسنة شكر عليها ومات بمرض السل في ليلة الأربعاء ثالث عشر ربيع الأول بالقاهرة ولم يكمل الثلاثين ولم يبق لأبيه ولا ذكر وذكر انه تمام عشرين ولدا ذكرا
وفيها شهاب الدين أحمد بن محمود بن أحمد بن إسمعيل الدمشقي الحنفي المعروف بابن الكشك قال ابن حجر انتهت إليه رياسة أهل الشام في زمانه وكان شهما قوي النفس يستحضر الكثير من الأحكام ولي قضاء الحنفية استقلالا مدة ثم أضيف إليه نظر الجيش في الدولة المؤيدية وبعدها ثم صرف عنهما معا ثم أعيد لقضاء الشام وكان بينه وبين نجم الدين بن حجي معاداة فكان كل منهما يبالغ في الآخر لكن كان ابن الكشك أجود من حجي سامحهما الله تعالى وتوفي ابن الكشك بالشام في صفر عن بضع وخمسين سنة
وفيها تقي الدين أبو بكر بن علي بن حجة الحموي الأديب البارع الحنفي شاعر الشام المعروف بابن حجة ولد بحماة سنة سبع وسبعين وسبعمائة وبها نشأ وحفظ القرآن الكريم وطلب العلم وعانى علم الحرير يعقد الأزر وينظم الأزجال ثم مال إلى الأدب ونثر ونظم ثم سافر إلى دمشق ومدح أعيانها واتصل بخدمة نائبها الأمير شيخ المحمودي ثم قدم صحبته إلى القاهرة فلما تسلطن قربه وأدناه وجعله من ندمائه وخواصه وصار شاعره وله فيه عدة مدائح وعظم في الدولة وصارت له ثروة وحشمة وسئل الحافظ ابن حجر من شاعر العصر فقال الشيخ تقي الدين بن حجة انتهى ونظم بديعيته المشهورة على طريقة شيخه الشيخ عز الدين الموصلي وشرحها شرحا حافلا عديم النظير وجمع مجاميع أخرى مخترعة ولما توفي الملك المؤيد تسلط عليه جماعة من شعراء عصره وهجوه لأنه كان ظنينا بنفسه وشعره مزريا بغيره من الشعراء

ينظر شعراء عصره كأحد تلامذته ولا زالوا به حتى خرج من مصر وسكن وطنه حماة ومات بها ومن قولهم فيه
( زاد ابن حجة بالاسهال من فمه ** وصار يسلح منثورا ومنظوما )
( وظن أن قد تنبا في ترسله ** لو صح ذلك قطعا كان معصوما )
ومن شعره هو
( سرنا وليل شعره منسدل ** وقد غدا بنومنا مظفرا )
( فقال صبح ثغره مبتسما ** عند الصباح يحمد القوم السري )
ومنه
( في سويداء مقلة الحب نادى ** جفنه وهو يقنص الأسد صيدا )
( لا تقولوا ما في السويدا رجال ** فأنا اليوم من رجال السويدا )
ومنه
( أرشفني ريقه وعانقني ** وخصره يلتوي من الدقه )
( فصرت من خصره وريقته ** أهيم بين الفرات والرقة )
ومنه وقد بدا به مرضه الذي مات فيه وكان بردية وسخونة
( بردية بردت عظمى وطابقها ** سخونة ألفتها قدرة الباري )
( فامنن بتفرقة الضدين من جسدي ** ياذا المؤلف بين الثلج والنار )
وتوفي بحماة في خامس عشرى شعبان على حالة حسنة
وفيها شرف الدين أبو محمد إسماعيل بن أبي بكر بن عبد الله المقري ابن علي بن عطية الشاوري اليمني الشافعي عالم البلاد اليمنية وإمامها ومفننها المعروف بابن المقري ولد سنة خمس وستين وسبعمائة بأبيات حسين وبها نشأ وتفقه على الكاهلي وغيره ثم انتقل إلى زبيد فأكمل تفقهه على العلامة جمال الدين شارح التنبيه وغيره وبرع في العربية والفقه وبرز في المنظوم والمنثور وأقبل عليه ملوك اليمن وولاه الأشرف صاحب اليمن تدريس المجاهدية وبتعز والنظامية بزبيد ولما مات مجد الدين الفيروز بادي طمع المذكور

في ولاية القضاء فلم يتم له واستمر على ملازمة العلم والتصنيف والأقراء ومن مصنفاته مختصر الروضة للنووي سماه الروض ومختصر الحاوي الصغير وشرحه وكتاب عنوان الشرف الوافي وهو كتاب حسن لم يسبق إلى مثله يحتوي على خمسة فنون وفيه يقول بعضهم
( لهذا كتاب لا يصنف مثله ** لصاحبه الجزء العظيم من الحظ )
( عروض وتاريخ ونحو محقق ** وعلم القوافي وهو فقه أولى الحفظ )
( فأعجب به حسنا وأعجب أنه ** بطين من المعنى خميص من اللفظ )
وله مع ذلك النظم الرائق والنثر الفائق ونظم بديعية على نمط بديعية العز الموصلي وشرحها شرحا حسنا التزم في البديعية في كل بيت تورية مع التورية باسم النوع البديعي وعمل مرة ما يتفرع من الخلاف في مسئلة الماء المشمس فبلغت آلافا وشهد بفضله علماء عصره منهم ابن حجر وقد اجتمع به بمكة المشرفة وأنشده
( مد الشهاب بن علي بن حجر ** سورا على مودتي من الغير )
( فسور ودى فيك قد بنيته ** من الصفا والمروتين والحجر )
فأجابه ابن حجر بقصيدة أولها
( يا أيها القاضي الذي مراده ** يأتي على وفق القضاء والقدر )
ومن شعر ابن المقري
( يا من لدمع مارقي وحبيبه ** ولو جد قلب ما انقضى ولهيبه )
( ومتيم قد هذبته يد الهوى ** بصحيح وجد غير ما تهذيبه )
( خانته مهجته فما تمشي على ** عاداته الأولى ولا تجريبه )
( وحشا تعسفه الغرام وحله ** قسرا وليس بكفئه وضريبه )
( يا هند قد أضرمت من ذكر الجفا ** في القلب ما لا ينطفي وغريبه )
( أنا من عرفت غرامه فاستخبري ** عن حال مأخوذ الحجا وسليبه )

توفي بزبيد يوم الأحد آخر صفر
وفيها عبد الله بن مسعود التونسي المالكي الشيخ الجليل المعروف بابن القرشية قال ابن حجر أخذ عن والده وقرأت بخطه أن من شيوخه شيخنا بالإجازة أبا عبد الله بن عرفة وقاضي الجماعة أبا العباس أحمد بن محمد بن جعدة وأبا القسم أحمد الغبريني وأحمد بن إدريس الزواوي شيخ بجاية وأبا عبد الله بن مرزوق ومنهم أبو الحسن محمد بن أبي العباس الأنصاري البطرني وذكر أنه قرأ عليه القرآن وسمع عليه كثيرا من الحديث وألبسه خرقة التصوف انتهى باختصار
وفيها السلطان أبو فارس عبد العزيز بن أبي العباس أحمد صاحب تونس قال أبو عبد الله محمد بن عبد الحق السبتي كان لا ينام من الليل إلا قليلا وليس له شغل إلا النظر في مصالح ملكه وكان يؤذن بنفسه ويؤم بالناس في الجماعة ويكثر من الذكر ويقرب أهل الخير وقد أبطل كثيرا من المفاسد بتونس منها الصالة وهو وكان يباح فيه الخمر للفرنج ويحصل منه في السنة شيء كثير ولم يكن ببلاده كلها شيء من المكوس لكنه يبالغ في أخذ الزكاة والعشر وكان محافظا على عمارة الطرق حتى أمنت القوافل في أيامه في جميع بلاده وكان يرسل الصدقات إلى القاهرة والحرمين وغيرها ولا يلبس الحرير ولا يتختم بالذهب ويسلم على الناس وكتب إليه ابن عرفة مرة والله لا أعلم يوما يمر إلا وأنا داع لكم بخير الدنيا والآخرة فإنكم عماد الدين ونصرة المسلمين وتوفي وهو قاصد تلمسان
وفيها أبو الحسن علي بن حسين بن عروة المشرقي ثم الدمشقي الحنبلي المعروف بابن زكنون قال ابن حجر ولد قبل الستين وكان في ابتداء أمره جمالا وسمع على يحيى بن يوسف الرحبي ويوسف الصيرفي ومحمد بن محمد بن داود وغيرهم وكان يذكر أنه سمع من ابن المحب ثم أقبل على العبادة

والاشتغال فبرع وأقبل على مسند أحمد فرتبه على الأبواب ونقل في كل باب ما يتعلق بشرحه من كتاب المغني وغيره وفرغ في مجلدات كثيرة وكان منقطعا في مسجد يعرف بمسجد القدم خارج دمشق وكان يقرىء الأطفال ثم انقطع ويصلي الجمعة بالجامع الأموي ويقرأ عليه بعد الصلاة في الشرح وثار بينه وبين الشافعية شر كبير بسبب الاعتقاد وكان زاهدا عابدا قانتا خيرا لا يقبل لأحد شيئا ولا يأكل إلا من كسب يده توفي في ثاني عشر جمادى الآخرة وكانت جنازته حافلة انتهى
وفيها بدر الدين محمد بن أبي بكر بن محمد بن سلامة المارديني الحلبي الحنفي اشتغل ببلده مدة ولقي أكابر المشايخ وحفظ عدة مختصرات ومهر في الفنون وشغل الناس وقدم إلى حلب مرارا فاشتغل بها ثم درس في أماكن وأقام بها مدة عشرين سنة ثم رجع ولما غلب قرا ملك على ماردين نقله إلى آمد فأقام مدة ثم أفرج عنه فرجع إلى حلب فقطنها ثم حصل له فالج قبل موته بنحو عشر سنين فانقطع ثم خف عنه وصار يقبل الحركة وكان حسن النظم والمذاكرة فقيها فاضلا صاحب فنون من العربية والمعاني والبيان وتوفي بحلب عن اثنتين وثمانين سنة ولم يخلف بعده مثله
وفيها تاج الدين محمد بن أبي بكر بن محمد المقرىء الشهير بابن تمريه ولد قبل الثمانين وسبعمائة بيسير وكان أبوه تاجرا بزازا فنشأ هو محبا في الاشتغال مع حسن الصورة والصيانة وتعانى القراءات فمهر فيها ولازم الشيخ فخر الدين بالجامع الأزهر والشيخ كمال الدين الدميري وصار شيخ الاقراء بالقاهرة وتوفي يوم الجمعة عاشر صفر
وفيها جمال الدين أبو المحاسن محمد بن علي بن محمد بن أبي بكر العبدري الشيبي الشافعي قاضي مكة ولد في رمضان سنة تسع وسبعين وسبعمائة وسمع على برهان الدين بن صديق وغيره وأجازه الحافظ العراقي وغيره ورحل

إلى شيراز وبغداد ونظر في التواريخ وصنف حوادث زمانه وطيب الحياة مختصر حياة الحيوان مع زوائد وتعاليق على الحاوي وولي قضاء مكة وحجابة البيت وتوفي ليلة الجمعة ثامن عشرى ربيع الآخر
وفيها القاضي بدر الدين أبو اليمن محمد بن العلامة نور الدين علي الحكري المصري الحنبلي ناب في الحكم بالقاهرة دهرا طويلا وكان من أعيانهم وأعاد ببعض المدارس ومهر في الفقه والفنون وكان شكلا حسنا وكان يستشرف أن يلي قضاء الحنابلة بالديار المصرية ولو فسح في أجله لوصل ولكن اخترمته المنية ثالث ربيع الأول بالقاهرة في حياة شيخ المذهب قاضي القضاة محب الدين أبو نصر الله
وفيها أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد بن القماح التونسي المالكي المحدث بتونس سمع من ابن عرفة وجماعة وحج فسمع من تاج الدين بن موسى خاتمة من كان عنده حديث السلفي بالعلو بالسماع المتصل بالقاهرة من حافظ العصر الزين العراقي ومن مسند القاهرة برهان الدين السامي ومن جماعة وحدث بالإجازة العامة عن البطرني الأندلسي مسند تونس وخاتمة أصحاب ابن زبير بالإجازة وعن غيره من المشارقة وحدث بالكثير وكان حسن الأخلاق محبا للحديث وأهله وتوفي بتونس في أواخر ربيع الآخر
وفيها شمس الدين محمد بن شفشيل الحلبي قال ابن حجر أحد الفقهاء بها اشتغل كثيرا وفضل سمعت من نظمه بحلب وكتب عنى كثيرا مات في جمادى الأولى انتهى
وفيها ناصر الدين محمد بن الفخر المصري المعروف بابن النيدي قال ابن حجر كان أبوه تاجرا فنشأ هو محبا في العلم فمهر في العربية وصاهر شيخنا العراقي على ابنته ثم ماتت معه فتزوج بركة بنت الشيخ ولي الدين أخي زوجته

الأولى وماتت في عصمته وخلف ولدين وكان معروفا بكثرة المال فلم يظهر له شيء وله بضع وستون سنة انتهى
وفيها جلال الدين أبو المظفر محمد بن فندو ملك بنجالة ويلقب بكاس كان أبوه كافرا فثار على شهاب الدين مملوك سيف الدين حمزة بن غياث الدين أعظم شاه بن اسكندر شاه فغلبه على بنجاية وأسره وكان أبو المظفر قد أسلم فثار على أبيه واستملك منه البلاد وأقام شعار الإسلام وجدد ما خربه أبوه من المساجد وراسل صاحب مصر بهدية واستدعى بعهد من الخليفة وكانت هداياه متواصلة بالشيخ علاء الدين البخاري نزيل مصر ثم دمشق وعمر بمكة مدرسة هائلة وكانت وفاته في ربيع الآخر وأقيم بعده ولده المظفر أحمد شاه وهو ابن أربع عشرة سنة
وفيها ناصر الدين محمد بن عبد الله بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الدمشقي الحنبلي ولد سنة سبع وخمسين وسبعمائة وكان يتعانى التجارة وولي قضاء الأسكندرية مدة وكان عارفا بالطب وله دعاو في الفنون أكثر من علمه وتوفي بالقاهرة يوم الأحد سابع شهر رمضان

سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة

فيها كان وباء عام في بلاد المسلمين والكفار مات به من لا يحصى كثرة
وفيها توفي شهاب الدين أحمد بن عبد الخالق بن عبد المحي بن عبد الخالق بن عبد العزيز الأسيوطي سمع من أبيه ومن عبد الرحمن بن القاري وأجاز له وكان يواظب التكسب بالشهادة في جامع ظاهر الوراقين ومات في ثاني عشر ربيع الآخر
وفيها شهاب الدين أحمد بن ناصر الدين محمد بن أبي بكر بن رسلان بن نصير البلقيني الشافعي ابن أخي سراج الدين البلقيني ولد سنة ست وتسعين

وسبعمائة وقرأ القرآن وحفظ كتبا ودربه أبوه في توقيع الحكم واشتغل في القراآت والعربية وكان حسن الصوت بالقرآن أم بالمدرسة المالكية بالقرب من مشهد الحسين ووقع في الحكم ثم ناب في القضاء بآخره وخدم ابن الكوين وهو كاتب السر ثم ابن مزهر فأثرى وصارت له وجاهة وحصل جهات ثم تمرض أكثر من سنة وتوفي في السادس والعشرين من رجب بعلة السل ودفن عند أبيه بمقابر الصوفية
وفيها مجد الدين أبو الطاهر إسمعيل بن علي بن محمد بن داود بن شمس بن عبد الله بن رستم البيضاوي الزمزي المؤذن بمكة قال ابن حجر ولد سنة ست وستين وسبعمائة وأجاز له صلاح الدين بن أبي عمر وعمر بن أميلة وأحمد بن النجم وابن مقبل وآخرون وكان يتعانى النظم وله نظم مقبول ومدائح نبوية من غير اشتغال بآلاته ثم أخذ العروض عن الشيخ نجم الدين المرجاني ومهر وكان فاضلا ورحل إلى القاهرة فسمع من بعض شيوخنا وكان قليل الشر مشتغلا بنفسه وعياله مشكور السيرة ملازما لخدمة قبة العباس وله سماع من قدماء المكيين وحدث بشيء يسير سمعت من نظمه
وأخوه إبراهيم ولد سنة سبع وسبعين وسبعمائة وأجاز له في سنة سبع وثمانين الشهاب بن ظهيرة وآخرون واشتغل في عدة فنون وأخذ عن أخيه حسين علم الفرائض والحساب فمهر فيها انتهى كلام ابن حجر
وفيها زكي الدين أبو بكر بن أحمد بن عبد الله بن الهليس المهجمي الأصل ثم المصري قال ابن حجر رفيقي ولد بعد السبعين وسبعمائة بيسير ونشأ في حال بزة وترفه ثم اشتغل بالعلم بعد أن جاوز العشرين ولازم الشيوخ وسمع معي من عوالي شيوخي مثل ابن الشحنة وابن أبي المجد وبنت الأذرعي وغيرهم فأكثر جدا وأجاز له عامة من أخذت عنه في الرحلة الشامية ورافقني في الاشتغال على الأبناسي والبلقيني والعراقي وغيرهم ثم دخل اليمن سنة ثمانمائة

فاستمر بالمهجم وبعدن إلى أن عاد من قرب فسكن مصر ثم ضعف بالدرب واختل عقله جدا وسئم منه جيرانه فنقلوه إلى المارستان فأقام به نحو شهرين ومات وصليت عليه ودفنته بالتربة الركنية ببيبرس في سلخ المحرم انتهى
وفيها الشيخ تقي الدين أبو بكر اللوبياني الفقيه الشافعي أحد الفضلاء الشافعية بدمشق باشر تدريس الشامية الجوانية وغيرها وتوفي في شوال
وفيها شرف الدين وبدر الدين حسين بن علي بن سبع المالكي البوصيري قال ابن حجر ولد سنة خمس وأربعين وسبعمائة وسمع على المحب الخلاطي أكثر الدارقطني أنا الدمياطي وصفة التصوف لابن طاهر خلا من أول زهد إلى آخر الكتاب وسمع أيضا على عز الدين بن جماعة غالب الأدب المفرد للبخاري وعرض على مغلطاي شيئا من محفوظه وأجاز له وكان من الطلبة بالشيخونية وحدث سمع منه رضوان وابن فهد والبقاعي وغيرهم وأجاز لابني محمد ومن معه ومات في ربيع الأول انتهى
وفيها زين الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن سليمان بن حمزة المقدسي الحنبلي المعروف بابن زريق ولد في رمضان سنة تسع وثمانين وسبعمائة وأسمعه عمه الكثير من ابن المحب وابن عوض وابن داود وابن الذهبي وابن العز ومن مسموعه على ابن العز السادس من مسند أنس من المختارة للضياء والثاني والسبعين منها وسمع علي بن داود من أمالي المحاملي رواية أبي عمر بن مهدي أنا سليمان بن حمزة وتوفي فجأة ليلة الثلاثاء ثالث عشر ربيع الآخر
وفيها زين الدين أبو زيد وأبو هريرة عبد الرحمن بن نجم الدين عمر بن عبد الرحمن بن حسين بن يحيى بن عمر بن عبد المحسن القبابي نسبة إلى القباب الكبرى من قرى أشمون الرمان بالوجه الشرقي من أعمال القاهرة ثم المقدسي الحنبلي المسند ولد في ثالث عشر شعبان سنة تسع وأربعين وسبعمائة وأجاز

له أبو الفتح الميدومي وجل شيوخ العراقي وسمع من الشيخ تقي الدين السبكي وصلاح الدين بن أبي عمر وابن أميلة وصلاح الدين العلائي والتباني وابن رافع والخلاطي وابن جماعة ومغلطاي وابن هبل وخلائق تجمعهم مشيخة خرجها له ابن حجر سماها المشيخة الباسمة للقبابي وفاطمة وكان أحد الفقهاء المبجلين بالقدس الشريف وقد أكثر عنه الرحالة وغيرهم وقصد لذلك وتفرد بأكثر مشايخه وأخذ عنه خلق منهم ابن حجر وتوفي ببيت المقدس في سابع ربيع الآخر
وفيها جلال الدين أبو المحامد عبد الرحمن بن إبراهيم بن أحمد بن أبي بكر بن عبد الوهاب الفوي الأصل ثم المكي العلامة النحوي الشهير بالمرشدي قال ابن حجر ولد في جمادى الآخرة سنة ثمانين وسبعمائة بمكة وأسمع علي الشاوري والأميوطي والشهاب بن ظهيرة وغيرهم ورحل إلى القاهرة فسمع بها من بعض شيوخنا ومهر في العربية وقرأ الأصول والمعاني والفقه وكان نعم الرجل مروءة وصيانة ومات في يوم الجمعة رابع عشرى شعبان وكثر الأسف عليه انتهى
وفيها علاء الدين علي بن طيبغا بن حاجي بك التركماني العينتابي الحنفي كان فاضلا وقورا مهر في الفنون وقرره السلطان الأشرف مدرسا وخطيبا بالتربة التي أنشاها بالصحراء وتوفي بطريق الحجاز ودفن بالقرب من الينبع
وفيها نور الدين علي بن محمد بن موسى بن منصور المحلى ثم المدني قال ابن حجر ولد في جمادى الأولى سنة أربع وخمسين وسبعمائة بالمدينة المنورة وسمع علي ابن حبيب وابن خليل وابن القاري وأبي البقاء السبكي وغيرهم وأجاز له ابن أميلة وابن الهبل وابن أبي عمر وحدث باليسير وأجاز لنا وليس ببلاد الحجاز أسند منه يوم مات وتوفي في ثالث شوال
وفيها نجم الدين محمد بن عبد الله بن عبد القادر الواسطي السكاكيني

الشافعي قرأ على العاقولي وصدر الدين الأسفراييني مصنف ينابيع الاحكام في مذاهب الأربعة الأعلام ومهر في النظم والقراءات والفقه يقال أنه أقرأ الحاوي ثلاثين مرة وله شرح على منهاج البيضاوي ونظم بقية القراءات العشر وتكملة للشاطبي على طريقه حتى يغلب على سامعه أنه نظم الشاطبي وخمس البردة وبانت سعاد وتوفي بمكة في سادس عشرى ربيع الآخر
وفيها تقي الدين محمد بن بدر الدين محمد بن سراج الدين عمر البلقيني الشافعي ولد سنة تسع وثمانين وسبعمائة ومات أبوه وهو طفل فرباه جده وحفظ القرآن وصلى بالناس وهو صغير نحو عشرة سنين ودرس في المنهاج ولازم الكمال الدميري وغيره وكان ذكيا حسن النغمة ونشأ في املاق ولما ولي عمه القضاء نبه قليلا وولي بآخره نيابة الحكم بمينة الأمل وغيرها من الضواحي ودرس بعد موت عمه جلال الدين بجامع طولون وتمول بملازمة ناظر الجيوشي عبد الباسط وحصل وظائف وإقطاعات وصار كثير المال جدا في مدة يسيرة وحدث عن جده بشيء يسير وتوفي بالقاهرة ليلة الثاني عشر من شوال ودفن على أبيه وجده وخلف ولدا كبيرا وآخر صغيرا وابنتين

سنة تسع وثلاثين وثمانمائة

فيها وقع ببرصا طاعون عظيم واستمر أربعة أشهر
وفيها وقع الوباء ببلاد كرمان وفشا الطاعون بهراة حتى قيل أن عدة من مات بهراة ثمانمائة ألف وكذلك فشا الوباء في بلاد اليمن جميعها وفي بلاد البربر والحبشة
وفيها توفي أميرزاه إبراهيم بن شاه رخ صاحب شيراز وكان قد ملك البصرة وكان فاضلا حسن الخط جدا توفي في رمضان
وفيها أحمد بن شاه رخ ملك الشرق مات في شعبان بعد أن رجع من

بلاد الجزيرة ثم فرار الروم فحزن عليه أبوه واتفق أنه مات له في هذه السنة ثلاثة أولاد كانوا ملوك الشرق بشيراز وكرمان وهذا كان أشدهم ويقال له أحمد جوكي قاله ابن حجر
وفيها همام الدين أحمد بن عبد العزيز السبكي ثم الشيرازي قال ابن حجر قرأ على الشريف الجرجاني المصباح في شرح المفتاح وقدم مكة فنزل في رباط فاتفق أنه كان يقرىء في بيته فسقط بهم البيت إلى طبقة سفلى فلم يصب أحدا منهم شيء وخرجوا يمشون فلما برزوا سقط السقف الذي كان فوقهم وكان حسن التقرير قليل التكلف مع لطف العبارة وكثرة الورع عارفا بالسلوك على طريق كبار الصوفية وكان يحذر من مقالة ابن عربي وينفر عنها مات في خامس عشرى شهر رمضان انتهى
وفيها شهاب الدين أحمد بن محمد بن علي بن إسمعيل بن علي بن محمد بن محمد الزاهدي الحفار المعمر العابد خادم ضريح الشيخ رسلان بدمشق ولد سنة سبع وثلاثين وسبعمائة وأسمع من زينب بنت الكمال وغيرها وقرأ الناس عليه بإجازتها وتوفي في تاسع جمادى الأولى وله مائة سنة وسنتان
وفيها الأمير حسين بن أمير المسلمين أبي فارس الحفصي قال ابن حجر الإمام العلامة المفتي الأمير ابن الأمير كان أخوه لما مات في العام الماضي استقر ولده في المملكة أي مملكة المغرب ثم أراد الحسين هذا الثورة فظفر به وقتله وقتل أخوين له وعظمت المصيبة بقتل الحسين فإنه كان فاضلا مناظرا ذكيا رحمه الله
وفيها زين الدين عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن الفخر محمد بن علي المصري ثم الدمشقي تفقه قليلا وأسمعه أبوه الكثير من مشايخ عصره فسمع على الكمال بن حبيب سنن ابن ماجه وعلى ابن المحب جزء العالي أنا الحجار

وعشرة الحداد أنا إبراهيم بن صالح وعلي الصلاح بن أبي عمر مسند عائشة من مسند أحمد وتوفي في جمادى الآخرة
وفيها ركن الدين عبد الرحمن بن علي بن محمد الحلبي الحنفي الشريف المعروف بالدخان اشتغل بدمشق فمهر في المذهب وناب في الحكم مدة ثم ولي القضاء استقلالا بعد موت ابن الكشك وتوفي ليلة الأحد سابع المحرم
وفيها زين الدين عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد العدناني الشهير بالبرشكي المحدث الرحال الفاضل أخذ ببلاده عن جماعة ورحل إلى المشرق سنة ست عشرة فحج وحمل عن المشايخ وأجاز له البرهان الشامي وكان حسن الأخلاق لطيف المجالسة كريم الطباع رحمه الله تعالى قاله ابن حجر
وفيها عبد الملك بن علي بن عبد الملك بن عبد الله بن عبد الباقي بن عبد الله بن أبي المنا البابي نزيل حلب الشافعي الضرير النحوي المعروف بالشيخ عبيد ولد في حدود سنة ست وستين وسبعمائة واشتغل على شرف الدين الأنصاري وشمس الدين النابلسي وغيرهما وتقدم فيهما وأخذ عنه جمع جم وناب في الإمامة والخطابة بالجامع إلى أن مات في جمادى الآخرة وكانت جنازته حافلة جدا
وفيها ولي الدين عبد الولي بن محمد بن الحسن الخولاني اليمني الشافعي ولد بقرب تعز ولازم بها الإمام رضي الدين بن الخياط والإمام جمال الدين محمد بن عمر العوادي وغيرهما ولازم الشيخ مجد الدين الفيروز بادي وأخذ عنه النحو واللغة وجاور معه بمكة والطائف ومهر إلى أن صار مفتي تعزمع ابن الخياط وتوفي بالطاعون
وفيها الحافظ جمال الدين محمد بن الإمام رضي الدين أبي بكر بن محمد بن الخياط اليمني الشافعي حافظ البلاد اليمنية قال ابن حجر تفقه بأبيه وغيره حتى مهر ولازم الشيخ نفيس الدين العلوي في الحديث فما مضى إلا اليسير

حتى فاق عليه حتى كان لا يجاريه في شيء وتخرج بالشيخ تقي الدين الفاسي وأخذ عن القاضي مجد الدين الشيرازي أي صاحب القاموس واغتبط به حتى كان يكاتبه فيقول إلى الليث ابن الليث والماء ابن الغيث ودرس جمال الدين بتعز وأفتى وانتهت إليه رياسة العلم بالحديث هناك وأخذ عن الشيخ شمس الدين الجزري لما دخل اليمن بآخره ومات بالطاعون في هذه السنة انتهى
وفيها تاج الدين أبو الفتح محمد بن عمر بن أبي بكر بن محمد بن علي بن الشرابيشي الشافعي طلب الفقه وسمع من ابن خليل وأكثر عنه وسمع الكثير من أصحاب أصحاب السبط وهذه الطبقة ولازم ابن الملقن والعراقي قال ابن حجر وسمع معي كثيرا وأجاز لي في استدعاء أولادي غير مرة وتصدى للأسماع وأكثر عنه الطلبة من بعد سنة ثلاث وثمانمائة إلى أن مات وكان يعلق الفوائد التي يسمعها في مجالس المشايخ والأئمة حتى حصل من ذلك جملة كبيرة ثم تسلط عليه بعض أهله يسرقون المجلدات مفرقات من عدة كتب قد أتقنها وحررها فيبيعونها تفاريق والتي لم تجلد يبيعونها كراريس وتغير عقله بآخره وتوفي يوم الأحد تاسع عشر جمادى الآخرة عن بضع وثمانين سنة
وفيها المنتصر أبو عبد الله محمد بن محمد بن أبي فارس صاحب تونس لم يتهن في أيام ملكه لطول مرضه وكثرة الفتن وتوفي في حادي عشرى صفر واستقر بعده شقيقه عثمان ففتك في أقاريه وغيرهم بالقتل والأسر وخرج عليه عمه أبو الحسن صاحب بجاية
وفيها محي الدين أبو زكريا يحيى بن يحيى بن أحمد بن حسن العبابي نسبة إلى عباب بفتح العين المهملة وتشديد الموحدة جد الشافعي المصري ولد في آخر سنة ستين وسبعمائة وقدم القاهرة فاشتغل بها وحفظ التنبيه والألفية ومختصر ابن الحاجب وحضر دروس البلقيني وابن الملقن والأبناسي وغيرهم واشتغل في علم الحديث علي العراقي ولازم العز بن جماعة في قراءة

المختصر ومحب الدين بن هشام في العربية وطاف على الشيوخ ثم ارتحل إلى دمشق وهو فاضل فلازم الزهري وأثنى على فضائله حتى قال ما قدم علينا من طلبة مصر مثله وأذن له وتكلم على الناس بالجامع وسكن بعد الفتنة بيت روحا فأقام بها ودخل إلى مصر مع الشاميين ثم عاد فلازم عمل الميعاد واجتمع عليه العامة وانتفعوا به وقرأ صحيح البخاري عند نوروز ثم ناب في الحكم عن ابن حجي سنة إحدى عشرة وثمانمائة واستمر في ذلك قال ابن حجر ولم يكن في أحكامه محمودا وكان في بصره ضعف فتزايد إلى أن أضر وهو مستمر على الحكم وكان يؤخذ بيده فيعلم بالقلم وكان فصيحا ذكيا جيد الذهن مشاركا في عدة فنون مفتيا وأقبل في آخره على اقراء الفقه والتدريس وسمع على شيئا وتوفي في ثامن عشر صفر انتهى باختصار
وفيها الشيخ أبو الطاهر بن عبد الله المراكشي المالكي قال ابن حجر الشيخ المغربي نزيل مكة كان قرأ على عبد العزيز الحلماوي قاضي مراكش وغيره وكان خيرا دينا صالحا توفي بمكة في شوال

سنة أربعين وثمانمائة

فيها توفي إبراهيم بن عبد الكريم الكردي الحلبي قال ابن حجر دخل بلاد العجم وأخذ عن الشريف الجرجاني وغيره وأقام بمكة وكان حسن الخلق كثير البشر بالطلبة انتفعوا به كثيرا في عدة فنون وجلها المعاني والبيان وكان يقررها تقريرا واضحا مات في آخر المحرم انتهى
وفيها شهاب الدين أحمد بن أبي بكر بن إسمعيل بن سليم بن قايماز بن عثمان بن عمر البوصيري الشافعي ولد في المحرم سنة اثنتين وستين وسبعمائة وسكن القاهرة ولازم العراقي على كبر فسمع منه الكثير ولازم ابن حجر فكتب عنه لسان الميزان والنكت على الكاشف والكثير من التصانيف

ثم أكب على نسخ الكتب الحديثية وكان كثير السكون والعبادة والتلاوة مع حدة الخلق وجمع أشياء منها زوائد سنن ابن ماجه على الكتب الأصول الستة وعمل زوائد المسانيد العشرة وزوائد السنن الكبير للبيهقي وكتاب تحفة الحبيب للحبيب بالزوائد في الترغيب والترهيب لم يبيضه ولم يزل مكبا على الاشتغال والنسخ إلى أن توفي ليلة ثامن عشرى المحرم بالقاهرة
وفيها شهاب الدين أحمد بن صلاح بن محمد بن محمد بن عثمان بن علي بن السمسار الشافعي المعروف بابن المحمرة ويعرف أبوه بابن البحلاق ولد في صفر سنة سبع وستين وسبعمائة وحفظ القرآن وهو صغير والعمدة والمنهاج وسمع من عبد الله بن علي الباجي وتقي الدين بن حاتم ونحوهما وأكثر عن البرهان الشامي وابن أبي المجد وناب في الحكم وباشر عدة مدارس قال ابن قاضي شهبة في طبقاته ناب في القضاء مدة ودخل في قضايا كبار وفضلها وولي بعض البلاد فحصل منها مالا وصار يتجر بعد أن كان مقلا يتكسب من شهادة المخبز بالخانقاه الصلاحية ولما ولي قضاء الشام سار سيرة مرضية بحسب الوقت ولم يعدم من يفتري عليه إلا أنه كان متساهلا بحيث لا يتجنب عن القضايا الباطلة وكان لا يتولى الحكم بنفسه ولا يفصل شيئا ولا ينكر على ما يصدر من نوابه مع اطلاعه على حالهم انتهى وقال ابن حجر استمر بالقاهرة إلى أن شغرت مشيخة الصلاحية بصرف الشيخ عز الدين القدسي عنها فسار إليها في ذي الحجة سنة ثمان وثلاثين فباشرها إلى أن مات في شهر ربيع الآخر انتهى
وفيها ست العيش أم عبد الله وأم الفضل عائشة بنت القاضي علاء الدين علي بن محمد بن علي بن عبد الله بن أبي الفتح بن هاشم بن إسمعيل بن إبراهيم بن نصر الله بن أحمد الكاتبة الفاضلة الصالحة الكنانية العسقلانية الأصل ثم المصرية الحنبلية سبطة القلانسي ولدت سنة إحدى وستين وسبعمائة وحضرت

على جدها فتح الدين القلانسي أكثر العلامات وغيرها وسمعت من العز ابن جماعة والقاضي موفق الدين الحنبلي وناصر الدين الحراوي ولها إجازة من محب الدين الخلاطي وجماعة من الشاميين والمصريين وأكثر عنها الطلبة آخرا وكانت خيرة تكتب خطا جيدا وهي والدة القاضي عز الدين ابن قاضي المسلمين برهان الدين إبراهيم بن نصر الله الحنبلي
وفيها زين الدين عبد الرحمن بن محمد بن سليمان بن عبد الله المروزي الأصل نزيل القاهرة المعروف بابن الخراط الأديب الشاعر موقع الدست ولد بحماة في سنة سبع وسبعين وسبعمائة وقدم مع والده إلى حلب فنشأ بها واشتغل على والده وغيره في الفقه وغيره ثم تولع بالأدب واشتهر وأكثر من مدح أكابر أهل حلب ومدح جكم بقصائد طنانة فأجازه واختص به ونادمه ثم بعد إقامته بمصر مدح ملوكها ورؤساءها وقدم أخوه شمس الدين إلى القاهرة صحبة ابن البارزي فسعى له في كتابة السر بطرابلس فوليها ثم قدم الديار المصرية فقطنها وقرر في كتابة الإنشاء وكانت بيده وظائف كثيرة وولي قضاء الباب بعد والده فاستمر معه إلى أن مات واعتراه في آخر عمر انحراف بعد أن كان في غاية اللطافة والكياسة وتوفي ليلة الثلاثاء مستهل المحرم
وفيها تاج الدين عبد الرحمن بن عمر بن محمود بن محمد الشافعي الحلبي المعروف بابن الكركي ولد بحلب سنة إحدى وسبعين وسبعمائة وسمع من جماعات وولي قضاء حلب مدة ثم نزل عن ذلك واستمرت بيده جهات قليلة يتبلغ منها قال ابن حجر سكن القاهرة مدة وناب عني في الحكم وحج وتوجه فلقيته بحلب لما توجهت إليها وأجاز لأولادي وتوفي في ثاني عشرى شهر رمضان
وفيها شمس الدين محمد بن إسماعيل بن أحمد الضبي الشافعي قال ابن حجر كان خطيبا بجامع يونس بالقرب من قنطرة السباع وكان دينا خيرا مقبلا على شأنه لازمني نحو الثلاثين سنة وكتب أكثر تصانيفي منها أطراف المسند

وما كمل من شرح البخاري وهو أحد عشر سفرا والمشتبه ولسان الميزان والأمالي وهي في قدر أربع مجلدات وتخريج الرافعي وكتب لنفسه من تصانيف غيري واشتغل بالعربية ولم تكن له همة في غير الكتابة وكان متقللا من الدنيا قانعا باليسير صابرا توفي يوم الثلاثاء ثاني عشرى رمضان
وفيها شمس الدين محمد بن محمد بن أحمد المناوي الأصل الجوهري الشافعي المعروف بابن الريفي قال ابن حجر حصلت له ثروة من قبل بعض حواشي الناصر من النساء وأكثر من القراءة على الشيخ برهان الدين البيجوري فقرأ عليه الروضة وفي الرافعي الكبير وفي الرافعي الصغير وغير ذلك ولازم دروس الولي العراقي وكان كثير التلاوة والإحسان للطلبة توفي يوم الخميس خامس شوال وكانت جنازته مشهودة
وفيها مجد الدين أبو الطاهر محمد بن محمد بن علي بن إدريس بن أحمد بن محمد بن عمر بن علي بن أبي بكر بن عبد الرحمن العلوي نسبة إلى بني علي بن بلي بن وائل التعزي الشافعي ولد في أول شوال سنة ست وثمانمائة وقرأ القرآن وحصل طرفا من العربية ونظم الشعر وأحب طلب الحديث فأخذ عن الجمال بن الخياط بتعز وحضر عند الفيروزبادي وأجاز له وحج سنة تسع وثلاثين فسمع بمكة ثم قدم القاهرة فأكثر على ابن حجر السماع ليلا ونهارا وكتب بخطه كثيرا ثم بغته الموت فتوعك أياما وتوفي يوم الجمعة تاسع عشر جمادى الآخرة
وفيها شمس الدين محمد المغربي الأندلسي النحوي قال ابن حجر ولي قضاء حماة وأقام بها مدة ثم توجه إلى الروم فأقام بها وأقبل الناس عليه وكان شعلة نار في الذكاء كثير الاستحضار عارفا بعدة علوم خصوصا العربية وقد قرأ في علوم الحديث علي وكان حسن الفهم مات في شعبان ببرصا من بلاد الروم
وفيها شرف الدين موسى بن أحمد بن موسى بن عبد الله بن سليمان السبكي الشافعي ولد سنة اثنتين وستين وسبعمائة تقريبا في شبك العبيد

وكان متصديا لشغل الطلبة بالفقه جميع نهاره وأقام على ذلك نحو عشرين سنة ولم يخلف بعده نظيره في ذلك وتوفي بمرض السل يوم الخميس سابع عشر ذي القعدة
وفيها شهاب الدين أبو الخير نعمة الله بن الشيخ شرف الدين محمد بن عبد الرحيم البكري الجرهي بكسر الجيم وفتح الراء الخفيفة ولد بشيراز سنة خمس عشرة وثمانمائة وسمع الكثير وحبب إليه الطلب قال ابن حجر سمع من أبيه وجماعة بمكة ثم قدم القاهرة فأكثر عنى وعن الشيوخ وفهم وحصل كثيرا من تصانيفي ومهر فيها وكتب الخط الحسن وعرف العربية
ثم بلغه أن أباه مات في العام الماضي فتوجه في البحر فوصل إلى البلاد
ورجع هو وأخوه قاصدين مكة فغرق نعمة الله في نهر الحسا في رجب أو شعبان ظنا ونجا أخوه فلما وصل إلى اليمن ركب البحر إلى جده فاتفق وقوع الحريق بها فاحترق مع من احترق لكنه عاش وفقد رجليه معا فإنهما احترقا والله أعلم

سنة إحدى وأربعين وثمانمائة

فيها وقع الطاعون في نصف الشتاء في البلاد الشامية فأكثر بحماة وحلب وحمص ثم تحول إلى دمشق أواخر الشتاء ثم اتصل بالبلاد المصرية
وفيها توفي الحافظ برهان الدين أبو إسحق إبراهيم بن محمد بن خليل الشيخ الإمام الحافظ الحلبي المعروف بالقوف سبط ابن العجمي قال في المنهل الصافي مولده في ثاني عشرى رجب سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة وبها نشأ وطلب العلم وقرأ الحديث على الشيخ كمال الدين عمر بن العجمي وشرف الدين بن حبيب والظهير بن العجمي وخلق وقرأ النحو على الشيخين أبي جعفر وأبي عبد الله الأندلسيين وغيرهما واشتغل في الفقه والقراآت والتصريف

والبديع والتصوف ورحل فسمع بحماة ودمشق والقاهرة من الحافظ ابن المحب وصلاح الدين بن أبي عمر والحافظ زين الدين العراقي والحافظ سراج الدين بن الملقن وغيرهم وسمع بالأكسندرية والقدس وغزة وسمع منه جماعة كثيرون منهم ابن حجر وابن ناصر الدين حافظ دمشق وغيرهما ورحلت إليه الطلبة وكان إماما حافظا بارعا مفيدا سمع الكثير وألف التآليف المفيدة الحسنة وكتب على صحيح البخاري وعلى سيرة ابن سيد الناس وعلى كتاب الشفا للقاضي عياض وصنف نهاية السول في رواية الستة الأصول وشرح سنن ابن ماجه وذيل على كتاب الميزان للذهبي وتوفي بحلب ضحى يوم الإثنين السادس والعشرين من شوال انتهى
وفيها شهاب الدين أحمد بن محمد بن علي بن أحمد بن عبد الرحمن المادح المعروف بالقرداح الواعظ ولد سنة ثمانين وسبعمائة قال ابن حجر قد انتهت إليه رياسة الفن ولم يكن في مصر والشام من يدانيه وكان طيب النغمة عارفا بالمويسيقي يجيد الأعمال ويتقنها ولا ينشد غالبا إلا معربا ومهر في علم الميقات وكان ينظم نظما وسطا سمعت منه ومدحني مرارا وكان يعمل الألحان وينقل كثيرا منها إلى ما ينظمه فإذا اشتهر وكثر استعمل غيره وهو أحد مفاخير الديار المصرية ولم يخلف بعده مثله وخلف كتبا كثيرة تزيد على ألف مجلد وخلف مالا جزيلا خفى غالبه على ورثته انتهى
وفيها الملك الأشرف برسباي بن عبد الله أبو النصر الدقماقي الظاهر الجاركسي سلطان الديار المصرية والبلاد الشامية والأقطار الحجازية الثاني والثلاثون من ملوك الترك والثامن من ملوك الجراكسة أخذ من بلاد الجركس وأبيع بالقرم ثم اشتراه بعض التجار وقدم به إلى الجهة الشامية فلما وصل إلى مدينة ملطية اشتراه نائبها الأمير دقماق المحمدي ثم أرسله إلى الملك الظاهر برقوق في جملة تقدمة هائلة ثم أعتقه برقوق وتنقلت به الأيام إلى أن

صار ساقيا في دولة الناصر فرج ثم انحرف إلى جهة الأميرين شيخ ونوروز وصار معهما إلى أن قتل الناصر وقدم صحبة الأمير شيخ إلى الديار المصرية وصار من جملة الأمراء بها ولا زال يترقى إلى أن صار أمير مائة مقدم ألف ثم ولي نيابة طرابلس سنة إحدى وعشرين وثمانمائة ثم عزل وقبض عليه وحبس بالمرقب ثم أفرج عنه وصار أمير مائة ومقدم ألف بدمشق ثم عاد إلى الديار المصرية صحبة الملك الظاهر ططر سنة أربع وعشرين ثم تنقلت به الأحوال إلى أن بويع بالسلطنة في ربيع الآخر سنة خمس وعشرين فساس الملك أحسن سياسة ونالته السعادة وفتحت في أيامه عدة فتوحات منها ما غوصة قبرص ثم بقية جزيرة قبرص وأسر ملكها جينوس ولم يقتل من المسلمين إلا القليل ثم عرض عليه جينوس ومن معه من الأسرى وهو يرفل في قيوده على برسباي فذرفت عيناه وأعلن بالحمد والشكر ورتب له ما يكفيه ثم أطلقه وأعاده بعد أن ضرب عليه الجزية واستمرت وكان برسباي ملكا جليلا مهابا عارفا سيوسا متواضعا حسن الخلق شهما شجاعا ذا شيبة نيرة وهيئة حسنة متجملا في حركاته حريصا على ناموس الملك لا يتعاطى شيئا من المسكرات محبا لجمع المال مكثرا من المماليك شرها في جمع الخيول والجمال وغيرها وكانت أيامه في غاية الحسن مرض في أوائل شعبان وتطاول به المرض ولما قوي عليه المرض وسط طبيبه العفيف الأسلمي رئيس الأطباء وزين الدين خضر في يوم السبت رابع شوال ولما قدم العفيف للتوسيط استسلم وثبت حتى صار قطعتين وقدم خضر فراع وجزع جزعا شديدا ودافع عن نفسه وصاح وبكى فتكاثروا عليه ووسطوه توسيطا معذبا لتلويه واضطرابه فساءت القالة في السلطان وقوى مرضه من حينئذ وابتلى بالصرع المهول إلى أن توفي قبيل عصر يوم السبت ثالث عشر ذي الحجة عن نيف وستين سنة وتسلطن بعده ولده العزيز يوسف بعهد منه وكانت مدة سلطنته

ست عشرة سنة وثمانية شهور وخمسة أيام وهو الذي أنشأ المدرسة الأشرفية في القاهرة بين القصرين وغيرها من الآثار الجميلة
وفيها قاضي القضاة شهاب الدين أحمد بن أقضى القضاة ناصر الدين محمد بن أحمد بن محمد بن سليمان بن حمزة الشيخ الإمام العالم المحدث الحنبلي الشهير بابن زريق قرأ القرآن واشتغل فقرأ الخرقي وأخذ الفقه عن جماعة منهم الشيخ شرف الدين بن مفلح قرأ عليه قطعة كبيرة من فروع والده ويقال أنه كان يحفظ ثلث الفروع والشيخ شمس الدين بن القباقبي وأذن له في الافتاء وكان له ذهن جيد ومحاضرة حسنة وناب في الحكم ثم ترك وأقبل على عمل الميعاد بالجامع المظفري وقرأ صحيح البخاري فيه مع تقشف وديانة إلى أن لحق بالله تعالى في الطاعون ودفن بالروضة قريبا من الشيخ موفق الدين وتأسف الناس على فقده
وفيها أحمد بن يحيى الشاوي اليمني الصوفي قال المناوي في طبقاته كان كبير القدر سريا رفيع الذكر سنيا صاحب أحوال وكرامات منها أنه قصده جمع من الزيدية ممن لا يثبت الكرامات وقصدوا امتحانه وكان عنده جب فيه ماء فجعل يغرف منه تارة لبنا وتارة سمنا وأخرى عسلا وغير ذلك بحسب ما اقترحوا عليه ودخل على القاضي عثمان بن محمد الناشري وقد أرجف بموته ثم خرج وعاد إليه وقال لأهله قد استمهلت له ثلاث سنين فأقام القاضي بعدها ثلاث سنين لا تزيد ولا تنقص وكان يحصل له وجد عظيم عند السماع فيتكلم بغرائب من العلوم والمعارف والحقائق انتهى
وفيها القاضي تاج الدين أبو محمد عبد الرحيم بن محمد بن أبي بكر الطرابلسي الحنفي سمع علي ابن مناع الدمشقي بعض الأجزاء الحديثية بسماعه من عيسى المطعم وسمع على البرهان الشامي وغيره وحدث قليلا وناب في الحكم عن أخيه أمير الدين وغيره وولي افتاء دار العدل وكان يصمم في

الأحكام ولا يتاساهل كغيره وأقعد في أواخر عمره وحصلت له رعشة ثم فلج فحجب وأقام على ذلك إلى أن مات ليلة الثاني والعشرين من المحرم
وفيها علاء الدين أبو الحسن علي بن مصلح الدين موسى بن إبراهيم الرومي الحنفي الشيخ الإمام العلامة ولد سنة ست وخمسين وسبعمائة وكان فقيها بارعا مفننا في علوم شتى تخرج بالشريف الجرجاني والسعد التفتازاني وحضرا أبحاثهما بحضرة تيمور وغيره فكان يحفظ تلك الأسئلة والأجوبة المفحمة ويتقنها وقدم مصر مرات ونالته الحرمة الوافرة من الملك الأشرف برسباي وولاه مشيخة الصوفية بمدرسته التي أنشأها وتدريسها فباشرها مدة ثم تركها وتوجه إلى الحج وكان دأبه الانتقال من بلد إلى بلد وكان متضلعا من العلوم عالما مفننا محققا عارفا بالجدل بارعا في علوم كثيرة إلا أنه يستخف بكثير من علماء مصر وانضم إليه طلبتها لما قدم آخرا وأخذ في الاشغال فلم تطل مدته وتوفي يوم الأحد العشرين من شهر رمضان
وفيها علاء الدين محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد البخاري العجمي الحنفي العلامة علامة الوقت قال ابن حجر ولد سنة تسع وسبعين وسبعمائة ببلاد العجم ونشأ ببخارى فتفقه بأبيه وعمه العلاء عبد الرحمن وأخذ الأدبيات والعقليات عن السعد التفتازاني وغيره ورحل إلى الأقطار واجتهد في الأخذ عن العلماء حتى برع في المعقول والمنقول والمفهوم والمنطوق واللغة والعربية وصار إمام عصره وتوجه إلى الهند فاستوطنه مدة وعظم أمره عند ملوكه إلى الغاية لما شاهدوه من غزير علمه وزهده وورعه ثم قدم مكة فأقام بها ودخل مصر فاستوطنها وتصدر للأقراء بها فأخذ عنه غالب من أدركناه من كل مذهب وانتفعوا به علما وجاها ومالا ونال عظمة بالقاهرة مع عدم تردد إلى أحد من أعيانها حتى ولا السلطان والكل يحضر إليه وكان ملازما للاشغال والأمر بالمعروف والنهي

عن المنكر والقيام بذات الله تعالى مع ضعف كان يعتريه وآل أمره إلى أن توجه إلى الشام فسار إليها بعد أن سأله السلطان الإقامة بمصر مرارا فلم يقبل وسار إليها فأقام بها حتى مات في خامس شهر رمضان ولم يخلف بعده مثله في العلم والزهد والورع واقماع أهل الظلم والجور

سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة

فيها خلعوا الملك العزيز بن برسباي بعد أن كان له في السلطنة ثلاثة أشهر وأقيم الملك الظاهر أبو سعيد جقمق
وفيها توفي إبراهيم بن حجي الحنبلي الكفل حارسي الشيخ الإمام العلامة برهان الدين قاله العليمي في طبقتاته
وفيها شهاب الدين أحمد بن تقي الدين محمد بن أحمد الدميري المالكي المعروف بابن تقي وكانت أمه أخت القاضي تاج الدين بهرام فكان ينتسب إليها ولا ينتسب لأبيه ويكتب بخطه في الفتاوي وغيرها أحمد بن أخت بهرام قال ابن حجر كان فاضلا مستحضرا للفقه والأصول والعربية والمعاني والبيان وغيرها فصيحا عارفا بالشروط والأحكام جيد الخط قوي الفهم لكنه كان زري الهيئة مع ما ينسب إليه من كثرة المال وقد عين للقضاء مرارا فلم يتفق وكان في صباه آية في سرعة الحفظ بحيث يحفظ الورقة من مختصر ابن الحاجب من مرتين أو ثلاث وتوفي في ثاني عشر ربيع الأول ولم يكمل الستين وخلف ذكرين وأنثى
وفيها علم الدين أحمد بن القاضي تاج الدين محمد بن القاضي علم الدين محمد بن القاضي كمال الدين محمد بن القاضي برهان الدين محمد الأخنائي المالكي أحد نواب الحكم بالقاهرة قال في المنهل كان فقيها فاضلا مستحضرا لفروع مذهبه من بيت علم ورياسة وفضل ناب في الحكم عدة سنين وكان مشكور السيرة في أحكامه وله ثروة وحشمة مات بعد مرض طويل بالقاهرة في يوم

الأربعاء خامس عشرى شهر رمضان
وفيها الملك الظاهر هزبر الدين عبد الله وقيل يحيى بن إسمعيل بن علي بن داود بن يوسف بن عمر بن علي بن رسول صاحب اليمن بن الأشرف ملك اليمن في رجب سنة ثلاثين وثمانمائة وضعفت مملكته وخربت ممالك اليمن في أيامه لقلة محصوله بها من استيلاء العربان على أعمالها ولم يزل على ذلك إلى أن توفي يوم الخميس سلخ رجب وملك بعده ابنه الملك الأشرف إسمعيل وله نحو العشرين سنة فساءت سيرته
وفيها علي بن عبد الرحمن بن محمد الشلقامي الشافعي قال ابن حجر ولد في الطاعون الكبير سنة تسع وأربعين وسبعمائة أو في حدودها وهو أسن من بقي من الفقهاء الشافعية حضر دروس الجمال الأسنائي وكان من أعيان الشهود وله فضيلة ونظم مات راجعا من الحج بالقرب من السويس
وفيها موفق الدين علي بن محمد بن قحر بضم القاف وسكون المهملة بعدها راء الشافعي الزبيدي قال في المنهل الإمام العامل المفنن عالم زبيد ومفتيها ولد سنة ثمان وخمسين وسبعمائة وانتهت إليه رياسة العلم والفتوى بزبيد إلى أن توفي بها في ثاني شوال انتهى
وفيها حافظ دمشق شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر عبد الله بن محمد بن أحمد بن مجاهد بن يوسف بن محمد بن أحمد بن علي القيسي الدمشقي الشهير بابن ناصر الدين الشافعي وقيل الحنبلي ولد في أواسط محرم سنة سبع وسبعين وسبعمائة بدمشق وبها نشأ وحفظ القرآن العزيز وعدة متون وسمع الحديث في صغره من الحافظ أبي بكر بن المحب وتلا بالروايات على ابن البانياسي ثم أكب على طلب الحديث ولازم الشيوخ وكتب الطباق وسمع من خلق منهم بدر الدين بن قوام ومحمد بن عوض والعز الأبناسي وابن غشم المرداوي

والصدر المناوي ونجم الدين بن العز وبرهان الدين بن عبد الهادي وأبو هريرة بن الذهبي وخلائق يطول ذكرهم وأخبر السخاوي أنه قرأ على ابن حجر وابن حجر قرأ عليه ومهر في الحديث وكتب وخرج وعرف العالي والنازل وخرج لنفسه ولغيره وصار حافظ الشام بلا منازع وأخذ العربية عن البانياسي وغيره والفقه عن ابن خطيب الدهشة والسراج البلقيني وأجاز له من القاهرة الحافظ الزين العراقي والسراج بن الملقن وغيرهما واشتهر اسمه وبعد صيته وألف التآليف الجليلة منها توضيح مشتبه الذهبي في ثلاث مجلدات كبار وجرد منه كتاب الأعلام بما وقع في مشتبه الذهبي من الأوهام وبديعة البيان عن موت الأعيان نظما وشرحها في مجلد سماه التبيان وقصيدة في أنواع علوم الحديث سماها عقود الدرر في علوم الأثر وشرحها شرحين مطول ومختصر وكتاب السراق من الضعفاء وكشف القناع عن حال من افترى الصحبة والأتباع واتحاف السالك برواية الموطأ عن مالك وجامع الآثار في مولد المختار ثلاثة أسفار كبار ومورد الصادي في مولد الهادي واختصر منه اللفظ الرائق في مولد خير الخلائق وله مصنفات في المعراج وكذا في الوفاة النبوية وافتتاح القاري لصحيح البخاري وتحفة الأخباري بترجمة البخاري ومنهاج السلامة في ميزان القيامة والتنقيح لحديث التسبيح وجزء في فضل يوم عرفة وجزء في فضل يوم عاشوراء وبرد الأكباد عن موت الأولاد ونفحات الأخيار في مسلسلات الأخبار والأربعون المتباينة الأسانيد والمتون ومسند تميم الداري وترجمته وعرف العنبر في وصف المنبر والروض الندى في الحوض المحمدي مجلد ذكر فيه طرق حديث الحوض من ثمانين طريقا وربع الفرع في شرح حديث أم زرع ورفع الدسيسة بوضع الهريسة وجزء فيه أحاديث ستة عن حفاظ ستة في معان ستة من مشايخ الأئمة الستة بين مخرجيها وبين رواتها ستة ونيل الأمنية بذكر الخيل النبوية والاملاء الأنفسي في ترجمة

عسعسي وأعلام الرواة بأحكام حديث القضاة والأعلام الواضحة في أحكام المصافحة واطفاء حرقة الحوبة بالباس خرقة التوبة ومختصر في مناسك الحج وعدة مصنفات أخر وتوفي بدمشق في ليلة الجمعة سادس عشر ربيع الآخر ودفن بمقبرة باب الفراديس
وفيها تاج الدين عبد الوهاب بن أحمد بن محمد بن عبد القادر الجعفري النابلسي الحنبلي قال العليمي الشيخ الإمام العالم القاضي كان من أهل الفضل وهو من بيت علم ورياسة وكان يكتب على الفتوى عبارة حسنة تدل على فضله وصنف مناسك الحج وهو حسن وله رواية في الحديث وخط حسن ولي قضاء الحنابلة بنابلس وباشر مدة طويلة وتوفي بها
وتوفي ولده زين الدين جعفر في سنة أربع وأربعين وولده الثاني القاضي زين الدين عمر في سنة ست وأربعين وثمانمائة
وفيها قاضي القضاة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن نعيم بن محمد بن حسن بن غنام البساطي المالكي النحوي قال السيوطي ولد في جمادى الأولى سنة ستين وسبعمائة ببساط وانتقل إلى مصر واشتغل بها كثيرا في عدة فنون وكان نابغة الطلبة في شبيبته واشتهر أمره وبعد صيته وبرع في فنون المعقول والعربية والمعاني والبيان والأصلين وصنف فيها وفي الفقه وعاش دهرا في بؤس بحيث انه كان ينام على قشر القصب ثم تحرك له الحظ فولي تدريس المالكية بمدرسة جمال الدين الاستادار ثم مشيخة تربة الملك الناصر ثم تدريس البرقوقية وتدريس الشيخونية وناب في الحكم عن ابن عمه ثم تولي القضاء بالديار المصرية سنة ثلاث وعشرين وثمانمائة فأقام فيه عشرين سنة متوليا لم يعزل منه وكان سمع الحديث من التقى البغدادي وغيره ولم يعتن به ومن تصانيفه المغنى في الفقه وشفاء الغليل في مختصر الشيخ خليل وشرح ابن الحاجب الفرعي وحاشية على المطول وحاشية

على شرح المطالع للقطب وحاشية على المواقف للعضد ونكت على الطوالع للبيضاوي ومقدمة في أصول الدين وأخذ عنه جماعة من أئمة العصر منهم شيخنا الإمام الشمني وقاضي القضاة محي الدين المالكي قاضي مكة وحدثنا عنه غير واحد ومات بالقولنج ثاني عشر شهر رمضان وأمطرت السماء بعد دفنه مطرا غزيرا أي وكانت وفاته بالقاهرة
وفيها جمال الدين محمد بن سعيد بن كبن بفتح الكاف وشدة الموحدة بعدها نون اليمني قاضي عدن كان فاضلا مشاركا في علوم كثيرة ولي القضاء بعدن نحوا من أربعين سنة تخللتها ولاية للقاضي عيسى اليافعي مددا مفرقة وتوفي بعدن وأسف الناس عليه لما كان فيه من المداراة وخفض الجناح ولين الجانب والاصلاح بين الخصوم وقد قارب الثمانين
وفيها شرف الدين أبو التون يونس بن حسين بن علي بن محمد بن زكريا الزبيري بن الجزار الألواحي نزيل القاهرة الشافعي ولد بالقاهرة سنة خمس وستين وسبعمائة وسمع من عبد الرحمن بن القاري وناصر الدين الطبردار وغيرهما وحدث بالكثير وعرض العمدة على الجمال الأسنوي ولازم السراج البلقيني قال ابن حجر وجمع لنفسه مجاميع مفيدة لكنه كان عريا من العربية فيقع له اللحن الفاحش وكان كثير الابتهال والتوجه ولا يعدم في طول عمره عاميا يتسلط عليه وخصوصا ممن يجاوره وسمع منه خلق وتوفي ليلة الخميس رابع عشر ذي الحجة

سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة

فيها توفي برهان إبراهيم بن فلاح النابلسي الحنبلي كان من العلماء العاملين توفي بصالحية دمشق
وفيها تقي الدين عبد اللطيف بن القاضي بدر الدين محمد بن الأمانة قال

ابن حجر درس في الحديث بالمنصورية وفي الفقه بالمدرسة الهكارية مكان أبيه أياما ومات وهو شاب في يوم الأحد ثامن عشرى ذي القعدة وكان مشكور السيرة على صغر سنه انتهى
وفيها القاضي علاء الدين علي بن محمد بن سعد بن محمد بن علي بن عمر بن إسمعيل بن إبراهيم بن يوسف بن يعقوب بن علي بن هبة الله بن ناجية الطائي الشافعي الحلبي قاضي حلب وفقيهها المعروف بابن خطيب الناصرية ولد سنة أربع وسبعين وسبعمائة وسمع من أحمد بن عبد العزيز بن المرحل وهو أقدم شيخ له ومن عمر بن أيدغمش خاتمة أصحاب إبراهيم بن خليل وكان إماما عالما مفنا شديد الحب للقضاء حتى بلغ من غيرته عليه أنه أوصى بأن يسعى به لابن بنته أثير الدين بن الشحنة في قضاء الشافعية بحلب مع أنه حنفي المذهب توفي يوم الخميس حادي عشر ذي القعدة بحلب ولم يخلف بعده مثله ولا قريبا منه
وفيها جمال الدين محمد بن عبد الله الكازروني المدني الشيخ الإمام العالم انتهت إليه رياسة العلم بالمدينة النبوية وولي قضاءها وخطابتها ثم صرف ودخل القاهرة مرارا ولم يخلف بعده من يقارنه بالمدينة المنورة
وفيها شمس الدين محمد بن يحيى بن علي بن محمد بن أبي بكر المصري الصالحي نسبة إلى قرية يقال لها مينة أم صالح بناحية مليج الغربية وإلى حارة الصالحية بالبرقية داخل القاهرة الشافعي المذهب ولد قبل الستين وسبعمائة وعنى بالقراءات فأتقن السبع على جماعة ورحل إلى دمشق واشتغل بالفقه وتولى تدريس الفقه بالبرقوقية عن الشيخ أوحد بحكم نزوله له عنه بمبلغ كبير من الذهب واتصل بالأمير قطلوبغا الكركي فقرره إماما بالقصر وناب بجاهه في الحكم أحيانا وأم قطلوبغا المذكور ثم ولي مشيخة القراءات بالمدرسة المؤيدية لما فتحت وما تزوج وكان مولعا بالمطالب ينفق ما يتحصل له فيها مع

التقتير على نفسه وكف بصره في أواخر عمره واختل ذهنه عفا الله عنه قاله ابن حجر
وفيها صلاح الدين خليل بن أحمد الأديب المعروف بابن الفرس المصري الشاعر المشهور قال في المنهل الصافي كان أديبا ذكيا فاضلا يلبس لبس أولاد الأتراك واشتغل في ابتداء أمره بفقه الحنفية ثم غلب عليه الأدب حتى صار معدودا من الشعراء المجيدين وكان ضخما جسيما إلا أنه كان لطيفا حاذقا حلو المحاضرة حسن البديهة ومن شعره
( عجوزة حدباء عاينتها ** تبسمت قلت استري فاكي )
( سبحان من بدل ذاك البها ** بقبح أشداق وأحناك )
ومنه أيضا
( خليلى ابسطالي الانس أني ** فقير مت في حب الغواني )
( وأن تجدا مداما أو قيانا ** خذانى للمدامة والقيان )
توفي في شعبان وقد نيف على الخمسين

سنة أربع وأربعين وثمانمائة

فيها توفي شهاب الدين أحمد بن أبي بكر بن رسلان بن نصير بن صالح الشافعي المعروف بالعجيمي قاضي المحلة قال في المنهل كان فقيها عالما فاضلا ولي نيابة الحكم بالمحلة وغيرها عدة سنين وكثر ماله من ذلك وكانت له وجاهة واستمر على ذلك إلى أن توفي يوم الثلاثاء رابع عشرى جمادى الأولى عن أكثر من ثمانين سنة
وفيها شهاب الدين أبو العباس أحمد بن حسين بن أرسلان المقدسي الشافعي الصوفي الشيخ الإمام العالم الصالح القدوة ولد برملة فلسطين سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة ثم رحل لأخذ العلوم فسمع الحديث على جماعة كثيرة

وبرع في الفقه حتى أجازه قاضي القضاة الباعوني بالافتاء وتصدى للأقراء وما قرأ عليه أحد إلا انتفع وكان يكنى جماعته بكنى كأبي طاهر وأبي المواهب فلا يتخلف أثرها ولزم الافتاء والتدريس مدة ثم ترك ذلك وسلك طريق الصوفية القويم وجد واجتهد حتى صار منارا يهتدي به السالكون وشعارا يقتدي به الناسكون وغرست محبته في قلوب الناس فأثمر له ذلك الغراس ومن تصانيفه النافعة شرح سنن أبي داود والبخاري وعلق على الشفا وشرح مختصر ابن الحاجب وجمع الجوامع ومنهاج البيضاوي وشرح أرجوزته الزبد في كبير وصغير وتصحيح الحاوي ومختصر الروضة والمنهاج وأدب القاضي للغزي والأذكار وحياة الحيوان ونظم في علم القراآت وأعرب الألفية وشرح الملحة وعمل طبقات الشافعية ونظم من علوم القرآن ستين نوعا ومن نظمه في المواضع التي لا يجب فيها رد السلام
( رد السلام واجب إلا على ** من في صلاة أو بأكل شغلا )
( أو شرب أو قراءة أو أدعية ** أو ذكر أو في خطبة أو تلبية )
( أو في قضاء حاجة الإنسان ** أو في إمامة أو الأذان )
( أو سلم الطفل أو السكران ** أو شابة يخشى بها افتتان )
( أو فاسق أو ناعس أو نائم ** أو حالة الجماع أو محاكم )
( أو كان في الحمام أو مجنونا ** هي اثنتان بعدها عشرونا )
قال المناوي في طبقات الأولياء وله كرامات لا تكاد تحصى منها أنه شفع عند طوغان كاشف الرملة فلم يقبل شفاعته وقال طولتم علينا يا ابن رسلان إن كان له سر فليرم هذه النخلة لنخلة بقربه فما تم كلامه إلا وهبت ريح عاصفة فألقتها فبادر إلى الشيخ معتذرا ومنها أنه لما أتم كتاب الزبد أتى به إلى البحر وثقله بحجر وألقاه في قعره وقال اللهم إن كان خالصا لك فأظهره وإلا فأذهبه فصعد من قعر البحر حتى صار على وجه الماء ولم يذهب منه حرف ومنها أنه سمع

عند إنزاله القبر يقول { رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين } وكان صائما قائما قلما يضطجع بالليل وتوفي بالقدس يوم الإثنين لثمان بقين من شهر رمضان عن إحدى وسبعين سنة وارتجت الدنيا لموته ولم يخلف بعده بتلك الديار مثله
وفيها شهاب الدين أبو العباس أحمد بن صالح المحلى الشافعي قال في المنهل الشيخ الإمام العلامة كان إماما بارعا في الفقه والأصول والفرائض والنحو والتصريف وتصدر للتدريس عدة سنين وخطب مدة مع سلوك ونسك وعبادة وصلاح وكان للناس فيه اعتقاد حسن ولم يزل على ذلك إلى أن توفي يوم الأربعاء ثامن عشرى ذي الحجة انتهى
وفيها قاضي القضاة محب الدين أبو الفضل أحمد بن نصر الله بن أحمد بن محمد بن عمر البغدادي ثم المصري الحنبلي شيخ الإسلام وعلم الأعلام المعروف بابن نصر الله شيخ المذهب ومفتي الديار المصرية ولد ببغداد في ضحوة يوم السبت سابع عشر رجب سنة خمس وستين وسبعمائة وسمع بها من والده الشيخ نصر الله ومن نجم الدين أبي بكر بن قاسم ونور الدين علي بن أحمد المقري وعنى بالحديث ثم قدم القاهرة مع والده وأخذ عن مشايخ منهم سراج الدين البلقيني وزين الدين العراقي وابن الملقن وأخذ عن الشيخ زين الدين بن رجب بالشام وسمع بحلب من الشهاب بن المرحل وولي تدريس الظاهرية البرقوقية وغيرها وناب في الحكم عن ابن المغلي وناظر وأفتى وانتفع به الناس وكان متضلعا بالعلوم الشرعية من تفسير وحديث وفقه وأصول قال برهان الدين بن مفلح في طبقاته وهو من أجل مشايخنا وانتهت إليه مشيخة الحنابلة بعد موت مستخلفه علاء الدين بن مغلى وله عمل كثير في شرح مسلم وله حواش على المحرر حسنة وعلى الفروع وكتابة على الفتوى نهاية وأفتى بصحة الخلع حيلة وعدم وقوع الطلاق بفعل المحلوف عليه في

زمن البينونة ويأتي نظير ذلك في ترجمة نور الدين الشيشيني ومن فوائده أن من اشترى حصة مبلغها النصف مثلا من بناء على أرض محتكرة فليس لشريكه طلب الشفعة في البناء المبيع دون الأرض ومنها قوله كثيرا ما يقع في سجلات القضاة الحكم بالموجب تارة والحكم بالصحة أخرى وقد اختلف كلام المتأخرين في الفرق بينهما وعدمه ولم أجد لأحد من أصحابنا كلاما منقولا في ذلك والذي نقوله بعد الاستعصام بالله تعالى وسؤاله التوفيق أن الحكم بالصحة لا شك أنه يستلزم ثبوت الملك والحيازة قطعا فإذا ادعى رجل أنه ابتاع من آخر عينا واعترف المدعى عليه بذلك لم يجز للحاكم الحكم بصحة البيع بمجرد ذلك حتى يدعى المدعي أنه باعه العين المذكورة وهو مالك لها ويقيم البينة بذلك فأما لو اعترف له البائع بذلك لم يكن جواز الحكم بالصحة لأن اعترافه يقتضي ادعاء ملك العين المبيعة وقت البيع ولا يثبت ذلك بمجرد دعواه فلا بد من بينة تشهد بملكه وحيازته حال البيع حتى يسوغ للحاكم الحكم بالصحة وأما الحكم بالموجب بفتح الجيم فمعناه الحكم بموجب الدعوى الثابتة بالبينة أو علم القاضي أو غيرهما هذا هو معنى الموجب ولا معنى للموجب غير ذلك وكان لا ينظر بإحدى عينيه مع حسن شكله وأبهته واستقل بقضاء مصر مددا وأجازه الشمس الكرماني بإجازة عظيمة ووصفه بالفضيلة مع صغر السن وتمثل فيه بقول الشاعر
( إن الهلال إذا رأيت نموه ** أيقنت أن سيصير بدرا كاملا )
وتوفي بالقاهرة صبيحة يوم الأربعاء النصف من جمادى الآخرة عن ثمان وسبعين سنة وعشرة أشهر إلا يومين واستقر ولده يوسف بعده في تدريس المنصورية والأشرفية
وفيها قاضي القضاة موفق الدين علي بن أبي بكر اليمني الشافعي الشهير بالناشري كان عالم مدينة تعز باليمن وقاضيها ومفتيها وبها توفي في خامس

عشرى صفر عن تسعين سنة
وفيها علاء الدين أبو الحسن علي بن عثمان بن عمر بن صالح الدمشقي الشافعي الشهير بابن الصيرفي ولد بدمشق سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة وبها نشأ وطلب العلم وسمع الحديث على أبي الحسن علي بن أبي المجد والزين عمر البالسي وفاطمة بنت المنجا والكمال بن النحاس وغيرهم وحفظ عدة متون في مذهبه وتفقه على الشرف الغزي والشهاب الملكاوي وبرع في الفقه والأصول والعربية والحديث وقدم القاهرة سنة ثلاث وثمانمائة فأخذ عن السراج البلقيني والحافظ الزين العراقي وقرأ الأصول على العز بن جماعة ثم عاد إلى دمشق واشتهر في آخر عمره وتصدر بجامع بني أمية وأفتى ودرس بالشامية البرانية وبدار الحديث الأشرفية وصنف عدة تصانيف منها كتاب الوصول إلى ما في الرافعي من الأصول مجلد وكتاب نتائج الفكر في ترتيب مسائل المنهاج على المختصر في أربع مجلدات وكتاب ذهن الفقيه الساري في ترتيب مسائل المنهاج على أبواب البخاري وهو كبير جدا وكتاب خطب في في مجلد وكتاب زاد السائرين في فقه الصالحين وهو شرح للتنبيه وناب في الحكم في أواخر عمره وكان دينا سليم الصدر متواضعا متقشفا في ملبسه ملازما للاشتغال والاشغال إلى أن توفي بدمشق ليلة الإثنين حادي عشر رمضان ودفن بمقابر الصوفية
وفيها برهان الدين إبراهيم بن البجلاق البعلي الحنبلي شيخ الحنابلة ومدرسهم ومفتيهم بمدينة بعلبك له سماع كثير للحديث وتوفي ببعلبك في أواسط شوال
وفيها قاضي القضاة شهاب الدين أبو العباس أحمد بن أبي بكر بن أحمد بن علي بن إسمعيل الحنبلي المعروف بابن الرسام ولد تقريبا سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة وولي قضاء حماة ثم قضاء حلب وقدم الشام والقاهرة مرارا

وأسمع الصحيح من شمس الدين بن اليونانية وسمع من العراقي وأجاز له جماعة منهم ابن المحب وابن رجب وكان يعمل المواعيد وله كتاب في الوعظ على نمط كتاب شيخه ابن رجب المعروف بلطائف المعارف وتوفي في شوال
وفيها زين الدين عبد الرحمن بن سليمان بن أبي الكرم الحنبلي المعروف بأبي شعر الشيخ الإمام العلامة القدوة الحافظ نشأ على خير ودين واشتغل على الشيخ علاء الدين بن اللحام وأذن له بالإفتاء شمس الدين القباقبي وحضر زين الدين بن رجب وعنى بالحديث وعلومه وكان أستاذا في التفسير وله مشاركة جيدة في الفقه والأصلين والنحو وكان متبحرا في كلام الشيخ تقي الدين بن تيمية إلى أن وقع له كائنة مع بعض الناس فلزم بيته بصالحية دمشق وعكف عليه جماعة كثيرة وانتفعوا به وكانت هيئتة تذكر بالسلف الصالح وله كشف سريع وصبر في حق الله تعالى توفي في ثامن عشرى شوال ودفن بالروضة قريبا من الشيخ موفق الدين
وتوفي قبله ولده برهان الدين إبراهيم في الطاعون سنة إحدى وأربعين وكان شابا حسنا دينا فاضلا تأسف الناس عليه
وفيها نور الدين أبو الحسن علي بن عمر بن حسن بن حسين بن علي بن صالح التلواني الشافعي أصله من الغرب وسكن والده بجروان قرية بالمنوفية بالوجه البحري من أعمال القاهرة فولد له بها الشيخ نور الدين هذا بعد سنة ستين وسبعمائة فنشأ بها وحفظ القرآن العزيز ثم سكن تلوانة بالمنوفية أيضا فعرف بالتلواني ثم قدم القاهرة وطلب العلم وأكب على الاشتغال ولازم السراج البلقيني وغيره وأجازه البلقيني بالفتوى والتدريس وتصدر لهما وانتفع به جماعة وحضر دروسه غالب علماء العصر وتولى عدة وظائف دينية وتداريس عديدة منها تدريس قبة الشافعي إلى أن توفي يوم الإثنين ثالث عشرى ذي القعدة وقد أناف على الثمانين وحواسه سليمة


وفيها شمس الدين محمد بن عمار بن محمد المالكي الإمام العالم العلامة ولد في حدود الستين وسبعمائة واشتغل قديما ولقي المشايخ وسمع من كثيرين وقرأ بنفسه قال ابن حجر وسمع معي بالقاهرة والأسكندرية وكان صاحب فنون وقد جمع مجاميع كثيرة وشرح العمدة وكتب على التسهيل واختصر كثيرا من الكتب المطولة وسكن بمصر بجوار جامع عمرو بن العاص وانتفع به المصريون وسكن تربة الشيخ أبي عبد الله الجبرتي بالقرافة مدة وكان حسن المحاضرة محبا في الصالحين حسن المعتقد وتوفي ليلة السبت رابع عشرى ذي الحجة وقد أكمل ستا وثمانين سنة انتهى

سنة خمس وأربعين وثمانمائة

فيها توفي تقي الدين أحمد بن علي بن عبد القادر بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن تميم بن عبد الصمد المقريزي الحنفي البعلي الأصل المصري المولد والدار والوفاة الإمام العالم البارع عمدة المؤرخين وعين المحدثين ولد بعد سنة ستين وسبعمائة ونشأ بالقاهرة وتفقه على مذهب الحنفية وهو مذهب جده العلامة شمس الدين محمد بن الصايغ ثم تحول شافعيا بعد مدة طويلة وسمع الكثير من البرهان النشاوري والبرهان الآمدي والسراج البلقيني والزين العراقي وسمع بمكة من ابن سكر وغيره وله إجازة من الشيخ شهاب الدين الأذرعي والجمال الأسنوي وغيرهما وكان علما من الأعلام ضابطا مؤرخا مفننا محدثا معظما في الدول ولي حسبة القاهرة غير مرة

وعرض عليه قضاء دمشق فأبى وكتب الكثير بخطه وانتقى وحصل الفوائد واشتهر ذكره في حياته وبعد موته في التاريخ وغيره حتى صار يضرب به المثل وكان منقطعا في داره ملازما للخلوة والعبادة قل أن يتردد لأحد إلا لضرورة إلا أنه كان كثير التعصب على السادة الحنفية وغيرهم لميله إلى مذهب الظاهر قال ابن تغرى بردى قرأت عليه كثيرا من مصنفاته وكان يرجع إلى قولي فيما أذكره له من الصواب وأجاز لي جميع ما تجوز له وعنه روايته ومن مصنفاته امتاع الأسماع فيما للنبي صلى الله عليه وسلم من الحفدة والمتاع في ست مجلدات وكتاب الخبر عن البشر ذكر فيه القبائل لأجل نسب النبي صلى الله عليه وسلم في أربع مجلدات وعمل له مقدمة في مجلد وله كتاب السلوك في معرفة دول الملوك في عدة مجلدات يشتمل على ذكر الحوادث إلى يوم موته ذيلت عليه في حياته من سنة أربعين وثمانمائة وسميته حوادث الدهور في مدى الأيام والشهور ولم ألتزم فيه ترتيبه وله كتاب درر العقود الفريدة في تراجم الأعيان المفيدة ذكر فيه من مات بعد مولده إلى يوم وفاته وكتاب المواعظ والاعتبار في ذكر الخطط والآثار في عدة مجلدات وهو في غاية الحسن وكتاب مجمع الفرائد ومنبع الفوائد كمل منه نحو الثمانين مجلدا كالتذكرة وله غير ذلك وتوفي يوم الخميس سادس عشر شهر رمضان بالقاهرة ودفن بمقبرة الصوفية خارج باب النصر انتهى
وفيها أمير المؤمنين المعتضد بالله أبو الفتح داود بن المتوكل على الله كانت خلافته ثمانية وعشرين سنة وشهرين وتوفي يوم الأحد رابع شهر ربيع الأول وقد قارب التسعين واستقر بعده شقيقه المستكفي بالله أبو الربيع سليمان بعهد منه
وفيها جمال الدين عبد الله بن محمد بن الجلال نائب الحكم الزيتوني الشافعي

قال ابن حجر أخذ عن شيخنا برهان الدين الأبناسي وغيره واشتغل كثيرا وتقدم ومهر ونظم الشعر المقبول الجيد وأفاد وناب في الحكم وتصدر وكان قليل الشر كثير السكون والكلام وتوفي في يوم الخميس سادس عشر رجب وأظنه قارب السبعين
وفيها جمال الدين عبد الله بن محمد بن الدماميني نسبة إلى دمامين قرية بالصعيد الأسكندراني قاضي الأسكندرية وليها أكثر من ثلاثين سنة وكان قليل البضاعة في العلم لكنه كثير البذل ضخم الرياسة سخي النفس أفنى مالا كثيرا في قيام صورته في المنصب ودفع من يعارضه وركبه الدين ثم توفي يوم الأحد ثاني عشر القعدة عن نحو خمس وستين سنة
وفيها زين الدين أبو ذر عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن محمد الزركشي المصري الحنبلي المسند العلامة بن الإمام العلامة شمس الدين أبي عبد الله المتقدم ذكره ولد في سابع عشر رجب سنة خمسين وسبعمائة وسمع الكثير وانفرد في آخر عمره بسماع مسلم من البياني بسنده فإنه آخر من روى عنه بالسماع وكان خيرا فاضلا ناب في الحكم بمصر مدة طويلة واستقر في تدريس الأشرفية المستجدة بالقاهرة في رمضان سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة وروى عنه خلق من الأعيان منهم القاضي عز الدين الكناني الآتي ذكره وقاضي القضاة سعد الدين الديري الحنفي وكمال الدين بن أبي شريف الشافعي وخلق من العلماء وغيرهم وتوفي بالقاهرة في أحد الجمادين
وفيها زين الدين أبو محمد وأبو الفرج عبد الرحمن بن يوسف بن أحمد بن سليمان بن داود بن سليمان بن قريج بقاف وجيم مصغرا بن الطحان الحنبلي الصالحي المسند ولد في خامس عشر محرم سنة ثمان وستين وسبعمائة على الصحيح واعتنى به أبوه فأسمعه على صلاح الدين بن أبي عمر وعلي ابن أميلة جامع الترمذي والسنن لأبي داود ومشيخة الفخر بن البخاري وعمل اليوم

والليلة لابن السني وعلى زينب بنت قاسم ما في المشيخة من جزء الأنصاري وصحيح مسلم وغيرهم وقرأ بنفسه على ابن المحب وسمع على أبي الهول علي بن عمر الجزري كتاب الذكر لابن أبي الدنيا وقرأ على أحمد بن العماد وأبي بكر بن العز ومحمد بن الرشيد وغيرهم وأكثر من الرواية والمشايخ بحيث صار من كبار المسندين المشار إليهم وأخذ عنه خلق كثير وقدم مصر فأسمع سنن أبي داود وقطعة كبيرة من المسند وتوفي بقلعة الجبل يوم الإثنين سابع عشرى صفر
وفيها عبد المؤمن بن المشرقي الشافعي قال البرهان البقاعي نزيل القدس الشريف مات يوم الجمعة يوم عرفة بالقدس وكان يوما مشهودا وكان فاضلا وله يد طولى في الوعظ وله صوت عال بحيث أنه إذا وعظ في باب حطة سمعه من تحت الزيتون انتهى
وفيها علاء الدين علي بن إسماعيل بن محمد بن بردس البعلي الحنبلي الشيخ الإمام المسند المحدث ولد سنة اثنتين وستين وسبعمائة وبكر به أبوه إلى السماع فأسمعه كثيرا وعمر وصار إليه المنتهى في علو الإسناد في الدنيا ورحل إليه الحافظ شمس الدين بن ناصر الدين الدمشقي بجماعة من أهل الشام للسماع عليه ببعلبك وتوفي يوم الثلاثاء العشرين من ذي الحجة قاله العليمي
وفيها شمس الدين محمد بن عمر بن عبد الله بن محمد بن غازي الدنجاوي الشافعي الإمام البارع المفنن الأديب ولد بثغر دمياط سنة اثنتين وثمانمائة تقريبا واشتغل في الفقه والعربية فبرع فيهما وتعانى الأدب فمهر وقرره شرف الدين يحيى بن العطار في خزانة الكتب بالمؤيدية وكان خفيف ذات اليد توعك يسيرا فرأى في توعكه أنه يؤم بناس كثيرة وأنه قرأ سورة نوح ووصل إلى قوله تعالى { إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر } فاستيقظ وجلا فقص المنام

على بعض أصحابه وقال هذا دليل أنني أموت في هذا الضعف وكان كما قال وتوفي بالقاهرة يوم الثلاثاء حادي عشرى ذي القعدة وصلى عليه بالأزهر الشمس القاياتي
وفيها ضياء الدين محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن عبد الرزاق بن عيسى بن عبد المنعم بن عمران بن حجاج الأنصاري الصفطي قال ابن حجر هو ابن شيخنا ناصر الدين شيخ الآثار النبوية على شاطىء النيل كان خيرا فاضلا مشهورا بالخير والديانة وولي المشيخة بعد أبيه فأقام فيها نيفا وثلاثين سنة وتوفي في شوال
وفيها شمس الدين محمد بن محمود بن محمد البالسي ثم القاهري ولد سنة أربع وخمسين وسبعمائة وسمع الكثير من ابن الملقن وصاهره على ابنته وسمع من غيره أيضا واستجاز له ابن الملقن من مسندي الشام منهم عمر بن أميلة وأحمد بن السيف وصلاح الدين بن أبي عمر وأحمد بن المهندس وآخرون وحدث في أواخر عمره وكان حسن الخط أحد رؤساء القاهرة ناب في الحكم في عدة بلاد تمرض مدة ومات صحيح السمع والبصر والاسنان

سنة ست وأربعين وثمانمائة

فيها توفي زين الدين عبادة بضم العين المهملة وتخفيف الباء الموحدة بن علي بن صالح بن عبد المنعم بن سراج بن نجم بن فضل الله بن فهد بن عمرو الأنصاري الخزرجي المالكي النحوي قال السيوطي مشهور باسمه ولد في جمادى الأولى سنة سبع وسبعين وسبعمائة ومهر في الفقه والعربية وسمع الحديث من التنوخي والحلاوي وغيرهما وصار رأس المالكية وعين للقضاء بعد موت الدمياطي فامتنع وولي تدريس الأشرفية والشيخونية والظاهرية وانقطع في آخر عمره إلى الله تعالى وأعرض عن الاجتماع بالناس وامتنع

من الافتاء وانتفع به جماعة وسمع منه صاحبنا النجم بن فهد وغيره وتوفي في رمضان وقيل شوال انتهى
وفيها جمال الدين عبد الله السنباطي الشافعي الواعظ قال ابن حجر لازم مجلس الشيخ سراج الدين البلقيني يقرأ عليه من كلامه وكلام غيره وكان يتكلم على الناس بالجامع الأزهر من نحو سبعين سنة ومع ذلك يشتغل بالعلم ويستحضر في الفقه وقد ناب في الحكم عن القاضي جلال الدين وغيره وتوفي في رمضان بعد مرض طويل
وفيها قاضي الأقاليم عز الدين أبو البركات عبد العزيز بن الإمام العلامة علاء الدين أبي الحسن علي بن العز بن عبد العزيز بن عبد المحمود البغدادي مولدا ثم المقدسي الحنبلي الشيخ الإمام العالم المفسر ولد ببغداد في سنة سبعين وسبعمائة واشتغل بها ثم قدم دمشق فأخذ الفقه عن ابن اللحام وعرض عليه الخرقي واعتنى بالوعظ وعلم الحديث ودرس وأفتى وله مصنفات منها مختصر المغنى وشرح الشاطبية وصنف في المعاني والبيان وجمع كتابا سماه القمر المنير في أحاديث البشير النذير وولي قضاء بيت المقدس بعد فتنة اللنك في سنة أربع وثمانمائة وهو أول حنبلي ولي القدس وطالت مدته وجرى له فصول ثم ولي المؤيدية بالقاهرة ثم ولي قضاء الديار المصرية في جمادى الآخرة سنة تسع وعشرين ثم ولي قضاء دمشق في دفعات يكون مجموعها ثمان سنين وكان يسمى بقاضي الأقاليم لأنه ولي قضاء بغداد والعراق وبيت المقدس ومصر والشام وكان فقيها دينا متقشفا عديم التكلف في ملبسه ومركبه له معرفة تامة ولما ولي قضاء مصر صار يمشي لحاجته في الأسواق ويردف عبده على بغلته وأشياء من هذا النسق وكانت جميع ولاياته من غير سعي وتوفي بدمشق ليلة الأحد مستهل ذي القعدة ودفن عند قبر والده بمقابر باب كيسان إلى جانب الطريق قاله العليمي


وفيها القاضي جمال الدين محمد بن عمر بن علي الطنبذي المعروف بابن عرب الشافعي ولد بعد الخمسين وسبعمائة بيسير واشتغل وحفظ التنبيه ووقع على القضاة في العشرين من عمره شهد على أبي البقاء السبكي سنة ثلاث وسبعين فأداها بعد نيف وسبعين سنة وولي حسبة القاهرة ووكالة بيت المال غير مرة وناب في الحكم وجرت له خطوب وانقطع بآخره في منزله مع صحة عقله وقوة جسده وكان أكثر إقامته ببستان له بجزيرة الفيل سقط من مكان فانكسرت ساقه فحمل في محفة من جزيرة الفيل إلى القاهرة فأقام نحو أربعة أشهر ثم توفي ليلة الخميس الثامن من شهر رمضان
وفيها شمس الدين محمد بن علي بن محمد بن محمد البدري ثم القاهري الشافعي كان إماما عالما توفي في شوال عن نحو ستين سنة

سنة سبع وأربعين وثمانمائة

فيها توفي زين الدين أبو بكر بن إسحق بن خالد الكختاوي المعروف بالشيخ باكير النحوي قال السيوطي ولد في حدود السبعين وسبعمائة وكان إماما عالما بارعا متفننا في علوم وتفرد بالمعاني والبيان وفي لسانه لكنة مع سكون وعقل زائد وحسن شكل وشيبة منورة وجلالة عند الخاص والعام ولي قضاء حلب فحمدت سيرته وأفتى ودرس بها واستدعاه الملك الأشرف برسباي إلى مصر وولاه مشيخة الشيخونية بحكم وفاة البدر القدسي وانتفع به جماعة وممن أخذ عنه والدي رحمة الله تعالى مات ليلة الأربعاء ثالث عشر جمادى الأولى انتهى
وفيها نور الدين علي بن أحمد بن خليل بن ناصر بن علي بن طيىء المشهور قديما بابن السقطي وأخيرا بابن بصال الأسكندراني الأصل ولد سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة قال ابن حجر واشتغل كثيرا في عدة فنون ولم يكن

بالماهر وكان يتعانى توقيع الإنشاء وسمع من سراج الدين بن الملقن وغيره وكتب بخطه كثيرا من تصانيف ابن الملقن وحدث باليسير ولازم مجالس الإملاء عندي نحوا من عشرين سنة وتوفي آخر يوم الأربعاء ثالث عشرى جمادى الأولى انتهى
وفيها نور الدين أبو المعالي محمد بن السلطان الظاهر جقمق ولد في رجب سنة ست عشرة وثمانمائة وقرأ القرآن واشتغل بالعلم وحفظ كتبا ومهر في مدة يسيرة ولازم الشيخ سعد الدين بن الديري قبل أن يلي القضاء وأخذ عن الكافيجي وغيره وكان محبا في العلم والعلماء وولي الإمرة بعد سلطنة أبيه بقليل وجلس رأس الميسرة وأصابه مرض السل ثم بعده توفي ليلة السبت الثاني عشر من ذي الحجة بعلة البطن في القاهرة
وفيها جمال الدين يوسف بن محمد بن أحمد بن المجبر التزمنتي بكسر المثناة الفوقية وسكون الزاي والنون وفتح الميم آخره فوقية نسبة إلى تزمنت قرية من عمل البهنسا ولد سنة سبعين وسبعمائة قال ابن حجر كان فاضلا اشتغل ودار على الشيوخ ودرس في أماكن وناب في الحكم عن علم الدين البلقيني وكان صديقه وتوفي ليلة الجمعة خامس عشر رجب انتهى أي واختلط قبل موته والله تعالى أعلم

سنة ثمان وأربعين وثمانمائة

فيها كان بالقاهرة الطاعون العظيم بحيث كان يخرج في اليوم الواحد ما يزيد على الألف
وفيها توجه الشيخ شمس الدين محمد بن أحمد الفرياني بضم الفاء وكسر الراء المشددة نسبة إلى فريانة قرية قرب سفاقس المغربي إلى جبال حميدة بالأرض المقدسة وهي جبال شاهقة صعبة المرتقى ليس لها مسلك يسع أكثر

من واحد وبأعلى جبل منها سهلة بها مزدرع وعيون ماء وكروم وأقوام في غاية المنعة والقوة من التجأ إليهم أمن ولو حاربه السلطان فمن دونه فنزل الفرياني عندهم وادعى أنه المهدي وقيل ادعى أنه القحطاني وراج أمره هناك وكان قدم القاهرة وأكثر التردد إلى المقريزي وواظب الجولان في قرى الريف الأدنى يعمل المواعيد ويذكر الناس وكان يستحضر كثيرا من التواريخ والأخبار الماضية ويدعي معرفة الحديث النبوي ورجاله وتحول عن مذهب مالك وادعى أنه يقلد الشافعي وولي قضاء نابلس إلى أن ظهر منه ما ظهر
وفيها شهاب الدين أحمد بن محمد بن إبراهيم الفيشي بالفاء والشين المعجمة بينهما تحتية مثناة الحنائي بكسر المهملة وتشديد النون مع المد النحوي المالكي ولد في شعبان سنة ثلاث وستين وسبعمائة قال ابن حجر سمع من جماعة قبلنا وسمع معنا من شيوخنا وقرأ بنفسه وطلب وولي نيابة الحكم ودرس في أماكن وكان من الصوفية البيبرسية وكان وقورا ماكنا قليل الكلام كثير الفضل انتفع به جماعة في العربية وغيرها وقال السيوطي ألف في النحو وسمع منه صاحبنا ابن فهد وتوفي ليلة ثامن عشر جمادى الأولى
وفيها زين الدين عبد الرحيم بن علي الحموي الواعظ المعروف بابن الآدمي قال ابن حجر تعانى عمل المواعيد فبرع فيها واشتهر وأثرى وقدم القاهرة بعد اللنكية فاستوطنها إلى أن مات وولي في غضون ذلك خطابة المسجد الأقصى ثم صرف واستمر في عمل المواعيد والكلام في المجالس المعدة لذلك واشتهر اسمه وطار صيته وكان غالبا لا يقرأ إلا من كتاب مع نغمة طيبة وأداء صحيح وكان يقرأ صحيح البخاري في شهر رمضان في عدة أماكن إلى أن مات فجأة في الثاني من ذي القعدة بعد أن عمل يوم موته الميعاد في موضعين وقد جاوز الثمانين وترك أولادا أحدهم شيخ يقرب من الستين
وفيها زين الدين عبد الخلاق بن أحمد بن الفرزان الحنبلي الشيخ الإمام

توفي بنابلس في هذه السنة
وفيها شمس الدين محمد بن أحمد بن عمر بن كميل المنصوري الشافعي الشهير بابن كميل قال ابن حجر اشتغل كثيرا وحفظ الحاوي ونظم الشعر ففاق الأقران عرفته سنة أربع وعشرين حججنا جميعا وكنا نجتمع في السير ونتذاكر في الفنون وكان يتناوب نيابة الحكم بالمنصورة هو وابن عمه شمس الدين محمد بن خلف بن كميل ويتعاهد السفر للقاهرة في كل سنة مرة أو مرتين وله مدائح نبوية مفلقة وقصائد في جماعة من الأعيان ثم استقل بقضاء المنصورة وضم إليه سلمون ثم زدته مينة بني سلسيل فباشر ذلك كله وكان مشكور السيرة ونشأ له ولد اسمه أحمد فنبغ واغتبط به مات أي في ذي القعدة شمس الدين فجأة وذلك أنه توجه إلى سلمون فنزل في المسجد وله فيه خلوة فوقها طبقة وللطبقة سطح مجاور المأذنة فاتفق هبوب ريح عاصف في تلك الليلة واشتد في آخرها وفي أول النهار فصلى الصبح ودخل خلوته فقصف الريح نصف المأذنة فوقع على سطح الطبقة فنزل به إلى سطح الخلوة فنزل الجميع على الخلوة وشمس الدين لم يشعر بذلك حتى نزل الجميع عليه وجاء الخبر إلى ولده فتوجه من المنصورة مسرعا فنبش عنه فوجد الخشب مصلبا عليه ولم يخدش شيء من جسمه بل تبين أنه مات غما لعجزه عن التخلص
وفيها الخواجا الكبير الشمس محمد بن علي بن أبي بكر بن محمد الحلبي ثم الدمشقي ويعرف بابن المزلق كان ذا ثروة كبيرة ومآثر حسنة بالشام وغيرها

سنة تسع وأربعين وثمانمائة

فيها في ليلة الجمعة ثامن المحرم سقطت بالقاهرة المنارة التي بالمدرسة الفخرية في سويقة الصاحب التي أنشئت بعد الستمائة بقليل وهلك في الروم جماعة كثيرة
وفيها توفي شهاب الدين أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن إسمعيل بن

أحمد بن محمد الذهبي المعروف بابن ناظر الصاحبية الحنبلي المسند المعدل الضابط ولد سنة ست وستين وسبعمائة قال ابن حجر وسمع على محمد بن الرشيد وعبد الرحمن المقدسي جزء أبي الجهم أنا الحجار وسمع على والده شيخنا وعلى ابن المهندس الحنفي جميع رسالة الحسن البصري إلى عبد الرحمن الرفادي يرغبه في المقام بمكة وعلى العماد الخليلي قالا أنا الحجار وسمع على الشهاب أحمد بن العز وذكر لي شيخنا الإمام المحدث الحافظ أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن عبد الله بن ناصر الدين رحمه الله غير مرة أنه قال ذكر لي يعني زين الدين بن ناظر الصاحبة أنه قال ما فرحت بشيء أعظم من أني أحضرت ولدي هذا يعني أحمد المذكور جميع مسند الإمام أحمد علي البدر أحمد بن محمد بن محمود بن الزقاق بن الجوخي أنا زينب بنت مكي أنا حنبل قال شيخنا ابن ناصر الدين وكان شيخنا زين الدين بن ناظر الصاحبة من الثقات قدم القاهرة فحدث بها بالمسند وغيره ثم رجع إلى بلده فمات في هذه السنة انتهى كلام ابن حجر
وفيها شمس الدين محمد بن أحمد بن عمر بن محمد بن عمر النحريري المعروف بالسعودي الشافعي ولد سنة ست وخمسين وسبعمائة وحفظ القرآن والتنبيه وغير ذلك وطلب العلم وجلس مؤدبا للأولاد مدة ثم قدم القاهرة في حدود التسعين فأجلس مع الشهود ولازم البلقيني الكبير وخدمه وصار يجمع له أجرة أملاكه وهو مع ذلك يؤدب الأولاد وخرج من تحت يده جماعة فضلاء وكان كثير المذاكرة وحج فأخذ عن جماعة هناك ودخل بيت المقدس فسمع من شهاب الدين بن الحافظ صلاح الدين العلائي ومن ابن خاله شمس الدين القلقشندي وغيرهما ومرض مرضا شديدا في حدود سنة ثلاثين فلما عوفي منه عمى وتنوعت عليه في آخر عمره الأمراض حتى ثقل سمعه جدا وأقعد ولسانه

لا يفتر عن التلاوة إلى أن توفي فجأة في العشر الأخير من شهر رمضان
وفيها شمس الدين محمد بن إسماعيل بن محمد بن أحمد الونائي بفتح الواو والنون نسبة إلى ونا قرية بصعيد مصر القرافي الشافعي ولد سنة ثمان وثمانين وسبعمائة واشتغل بالعلم وأخذ عن الشيخ شمس الدين البرماوي وطبقته واشتهر بالفضل وتزوج إلى الشيخ نور الدين التلواني وصحب جماعة من الأعيان ونزل في المدارس طالبا ثم تدريسا وولي تدريس الشيخونية ثم ولي قضاء الشام مرتين ثم رجع بعد أن استعفى من القضاء فأعفى وذلك سنة سبع وأربعين فسعى في تدريس الصلاحية بجوار الشافعي فباشرها سنة ونيفا ثم ضعف نحو الشهرين إلى أن توفي في يوم الثلاثاء سابع عشر صفر
وفيها شمس الدين محمد بن خليل بن أبي بكر الحلبي الأصل الغزي القدسي كان مقرئا بارعا صاحب فضائل وله بديعية عارض بها الصفى الحلى وتوفي في رجب وقد جاوز السبعين
وفيها القاضي شمس الدين محمد بن قاضي القضاة زين الدين عبد الرحمن بن علي التفهني الحنفي ولد قبيل القرن واشتغل كثيرا ومهر وكان صحيح الذهن حسن المحفوظ كثير الأدب والتواضع عارفا بأمور دنياه مالكا لزمام أمره ولي في حياة والده قضاء العسكر وإفتاء دار العدل وتدريس الحديث بالشيخونية وولي بعد وفاة والده تدريس الفقه بها ومشيخة البهائية الرسلانية وتدريس الفانبيهية بالرميلة وحصلت له محن من جهة تغرى بردى الدويدار مع اعترافه بإحسان والده له ومرض مرضا طويلا إلى أن مات في ثامن شهر رمضان
وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عمر بن أحمد الواسطي الأصل ثم الغمري ثم المحلى الشافعي المعروف بالغمرى ولد سنة ست وثمانين وسبعمائة بمينة غمر ونشأ بها فحفظ القرآن والتنبيه ثم قدم القاهرة فأقام بالجامع الأزهر للاشتغال مدة وأخذ الفقه عن شيوخ الجامع وعن المارديني في الميقات

وتدرب بغيره في الشهادة وتكسب بها قليلا وكان في غاية التقلل حتى كان يقع له أنه يطوي أسبوعا كاملا ويتقوت بقشر الفول وقشر البطيخ ونحو ذلك وتكسب ببلده وببلبيس بالعطر حرفة أبيه وكان يطلب منه الشيء فيبذله لطالبه مجانا فيجيء والده فيسأله ما بعت فيقول كذا وكذا بلاش فيحمده ويدعو له ثم أعرض عن جميع ذلك ولازم التجرد والتعبد واعتزل دهرا طويلا بعد ما تفقه وصحب غير واحد من سادات الصوفية حتى فتح له وأذن له في التربية والإرشاد وتصدى لذلك بكثير من النواحي وقطن المحلة الكبرى ووسع المدرسة الشمسية وأحكم بناءها ثم عمر بالقاهرة بخط سوق أمير الجيوش جامعا كانت الخطة مفتقرة إليه جدا واشتهر صيته وكثر اتباعه وذكرت له أحوال وخوارق وجدد عدة مواضع بكثير من الأماكن يعجز عنها السلطان وقصد للزيارة والتبرك من جميع الأقطار كل جميع ذلك مع الزهد والتحذير من البدع والحوادث والاعراض عن أبناء الدنيا وأرباب المناصب وحج مرارا وجاور وزار بيت المقدس ومن تصانيفه كتاب النصرة في أحكام الفطرة ومحاسن الخصال في بيان وجوه الحلال والعنوان في تحريم معاشرة الشباب والنسوان والمحكم المضبوط في تحريم عمل قوم لوط والانتصار لطريق الاخيار والرياض المزهرة في أسباب المغفرة وقواعد الصوفية والحكم المشروط في بيان الشروط جمع فيه شروط أبواب الفقه ومنح المنة في التلبس بالسنة في أربع مجلدات والوصية الجامعة والمناسك ومن كراماته أنه دخل عليه أحمد النحال فوجد له سبع أعين فغشى عليه فلما أفاق قال له الشيخ إذا كمل الرجل صار له سبع أعين على عدد أقاليم الدنيا ومنها أنه كان يقعد في الهواء متربعا أخبر القاضي زكريا أنه رآه كذلك وتوفي يوم الثلاثاء آخر يوم من شعبان بالمحلة الكبرى ودفن في جامعه
وفيها شمس الدين محمد بن أمين الدين محمد بن أحمد المنهاجي الشافعي وأبوه

سبط الشيخ شمس الدين بن اللبان ولد سنة سبعين وسبعمائة وحفظ القرآن والتنبيه وولي حسبة مصر وكان مثريا وناب في الحكم مرارا ولا زال ينخفض ويرتفع إلى أن مات

سنة خمسين وثمانمائة

فيها تم تاريخ ابن حجر أنباء الغمر
وفيها توفي برهان الدين إبراهيم بن رضوان الحلبي الشافعي قال ابن حجر كان ممن اشتغل بالفقه ومهر وتميز ونزل في المدارس بحلب وولي بعض التداريس وناب في الحكم ثم صحب ولد السلطان الظاهر جقمق لما أقام مع والده بحلب فاختص به ثم قدم عليه القاهرة فلازمه حتى صار إماما له وكان ممن مرضه في ضعفه الذي مات فيه وقررت له بجاهه وظائف وندبه السلطان في الرسيلة إلى حلب في بعض المهمات فلما مات ولد السلطان رقت حاله واستعيد منه التدريس الذي كان استقر فيه بحلب ثم توجه إلى الحج في العام الماضي فسقط عن الجمل فانكسر منه شيء ثم تداوى فلما رجع سقط مرة أخرى فدخل القاهرة مع الركب وهو سالم إلى أن مات وكان ينسب إلى شيء يستقبح ذكره والله أعلم بسريرته انتهى
وفيها تقريبا برهان الدين إبراهيم بن عبد الخالق السيلي الحنبلي شيخ الحنابلة بنابلس قال العليمي كان من أهل العلم ويقصده الناس للكتابة على الفتوى وعبارته حسنة جدا لكن خطه في غاية الضعف وتوفي بمكة المشرفة ودفن بباب المعلاة
وفيها شهاب الدين أبو العباس أحمد بن يوسف المرداوي الحنبلي الإمام الحافظ المفنن العلامة أحد مشايخ المذهب أخذ الفقه عن الشيخ علاء الدين ابن اللحام باشر القضاء بمردا مدة طويلة وكان يقصد بالفتاوى من كل إقليم

ومن تلامذته الأعيان شمس الدين العليمي وغيره وعرض عليه قضاء حلب فامتنع واختار قضاء مردا وكان يكتب على الفتاوى بخط حسن وعبارته جيدة تدل على تبحره وسعة علمه وكان إماما في النحو يحفظ محرر الحنابلة ومحرر الشافعية وإذا سئل عن مسئلة أجاب عنها على مذهبه ومذهب غيره وتوفي بمردا في صفر وقد جاوز السبعين
وفيها شهاب الدين أحمد بن رجب بن طيبغا الشهير بابن المجدى الشافعي الفرضي العلامة ولد بالقاهرة سنة سبع وستين وسبعمائة ونشأ بها ولازم علماء عصره وجد في الطلب إلى أن برع في الفقه والفرائض والحساب والعربية وشارك في علوم كثيرة غيرها كالهندسة والميقات وفاق فيها أهل عصره وانفرد بها وما زال مستمرا على الاشتغال والاشغال وصنف تصانيف كثيرة مشهورة منها شرح الجعبرية في الفرائض إلى أن توفي ليلة السبت حادي عشر ذي القعدة
وفيها شمس الدين محمد بن علي بن محمد بن يعقوب القاياتي بالقاف وبعد الألف الأولى ياء تحتية وبعد الثانية مثناة فوقية نسبة إلى قايات بلد قرب الفيوم ثم القاهري الشافعي قاضي القضاة ومحقق الوقت وعلامة الآفاق ولد سنة خمس وثمانين وسبعمائة تقريبا وحضر دروس السراج البلقيني وأخذ عن البدر الطنبذي والعز بن جماعة والعلاء البخاري وغيرهم وبرع في الفقه والعربية والأصلين والمعاني وسمع الحديث وحدث باليسير وولي تدريس البرقوقية والأشرفية والشافعي والشيخونية وقضاء الشافعية بمصر فباشره بنزاهة وعفة وأقرأ زمانا وانتفع به خلق وشرح المنهاج توفي ليلة الإثنين ثامن عشرى المحرم بالقاهرة رحمه الله تعالى

سنة إحدى وخمسين وثمانمائة

في أثناء شوالها وقعت صاعقة هائلة ببيت المقدس


وفيها توفي برهان الدين إبراهيم بن أحمد بن محمد بن محمد بن محمد الخجندي المدني العالم وقد جاوز السبعين
وفيها الشيخ تقي الدين أبو بكر بن شهاب الدين أحمد بن محمد بن قاضي شهبة الشافعي صاحب طبقات الشافعية كان إماما علامة تفقه بوالده وغيره وسمع من أكابر أهل عصره وأفتى ودرس وجمع وصنف من مصنفاته شرح المنهاج ولباب التهذيب والذيل على تاريخ ابن كثير والمنتقى من تاريخ الأسكندرية للنويري والمنتقى من الانساب لابن السمعاني والمنتقى من نخبة الدهر في عجائب البر والبحر والمنتقى من تاريخ ابن عساكر وغير ذلك وتوفي بدمشق فجأة يوم الخميس حادي عشر ذي القعدة
وفيها القان معين الدين شاه رخ بن تيمورلنك صاحب سمرقند وبخارى وغيرهما
وفيها القاضي عز الدين عبد الرحيم بن القاضي ناصر الدين علي بن الحسين الحنفي الإمام المسند المعمر المحدث الرحلة المؤرخ المعروف بابن الفرات

ولد سنة تسع وخمسين وسبعمائة بالقاهرة وسمع بها من والده والحسين بن عبد الرحمن بن سباع التكريتي وغيرهما وأجاز له العز بن جماعة والصلاح الصفدي وابن قاضي الجبل وغيرهم تجمعهم مشيخة تخريج الإمام المحدث سراج الدين عمر بن فهد وحدث سنين وتفرد بأشياء عوال وسمع منه الأعيان والفضلاء وصار رحلة زمانه قال ابن تغرى بردى وأجاز لي بجميع مسموعاته ومروياته وكانت له معرفة تامة بالفقه والأحكام وناب في الحكم بالقاهرة سنين إلى أن توفي بها في أواخر ذي الحجة
وفيها ركن الدين عمر بن قديد الحنفي النحوي قال السيوطي كان علامة بارعا فاضلا عالما بالأصول والنحو والصرف وغيرها لازم الشيخ عز الدين بن جماعة وأخذ عنه عدة فنون وتصدر للأقراء وتخرج به جماعة وله حواش وتعاليق وفوائد وكان منقطعا عن أبناء الدنيا طارحا للتكلف متقشفا في ملبسه انتهى

سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة

فيها توفي شيخ الإسلام علم الأعلام أمير المؤمنين في الحديث حافظ العصر شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن أحمد الشهير بابن حجر نسبة إلى آل حجر قوم تسكن الجنوب الآخر على بلاد الجريد وأرضهم قابس الكناني العسقلاني الأصل المصري المولد والمنشأ والدار والوفاة الشافعي ولد في ثاني عشرى شعبان سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة ومات والده وهو حدث السن فكفله بعض أوصياء والده إلى أن كبر وحفظ القرآن الكريم وتعانى المتجر وتولع بالنظم وقال الشعر الكثير المليح إلى الغاية ثم حبب الله إليه طلب الحديث فأقبل عليه وسمع الكثير بمصر وغيرها

ورحل وانتقى وحصل وسمع بالقاهرة من السراج البلقيني والحافظين ابن الملقن والعراقي وأخذ عنهم الفقه أيضا ومن البرهان الأبناسي ونور الدين الهيثمي وآخرين وبسرياقوس من صدر الدين الأبشيطي وبغزة من أحمد بن محمد الخليلي وبالرملة من أحمد بن محمد الأيكي وبالخليل من صالح بن خليل بن سالم وببيت المقدس من شمس الدين القلقشندي وبدر الدين بن مكي ومحمد المنبجي ومحمد بن عمر بن موسى وبدمشق من بدر الدين بن قوام البالسي وفاطمة بنت المنجا التنوخية وفاطمة بنت عبد الهادي وعائشة بنت عبد الهادي وغيرهم وبمنى من زين الدين أبي بكر بن الحسين ورحل إلى اليمن بعد أن جاور بمكة وأقبل على الاشتغال والاشغال والتصنيف وبرع في الفقه والعربية وصار حافظ الإسلام قال بعضهم كان شاعرا طبعا محدثا صناعة فقيها تكلفا انتهى إليه معرفة الرجال واستحضارهم ومعرفة العالي والنازل وعلل الأحاديث وغير ذلك وصار هو المعول عليه في هذا الشأن في سائر الأقطار وقدوة الأمة وعلامة العلماء وحجة الأعلام ومحي السنة وانتفع به الطلبة وحضر دروسه وقرأ عليه غالب علماء مصر ورحل الناس إليه من الأقطار وأملى بخانقاة بيبرس نحوا من عشرين سنة ثم انتقل لما عزل عن منصب القضاء بالشمس القاياتي إلى دار الحديث الكاملية بين القصرين واستمر على ذلك وناب في الحكم عن جماعة ثم ولاه الملك الأشرف برسباي قضاء القضاة الشافعية بالديار المصرية عن علم الدين البلقيني بحكم عزله وذلك في سابع عشرى محرم سنة سبع وعشرين ثم لازال يباشر القضاء ويصرف مرارا كثيرة إلى أن عزل نفسه سنة مات في خامس عشرى جمادى الآخرة وانقطع في بيته ملازما للاشغال والتصنيف ومن مصنفاته تعليق التعليق وصل فيه تعليقات البخاري وهو أول تصانيفه وهو كتاب نفيس وشرح البخاري في نيف وعشرين مجلدا سماه فتح الباري وصنف له مقدمة في مجلد وكتاب فوائد الاحتفال في بيان أحوال

الرجال المذكورين في البخاري زيادة على تهذيب الكمال في مجلد ضخم وكتاب تجريد التفسير من صحيح البخاري على ترتيب السور وكتاب تقريب الغريب واتحاف المهرة بأطراف العشرة في ثمان مجلدات ثم أفرد منه أطراف مسند الإمام أحمد وسماه أطراف المسند المعتلى بأطراف المسند الحنبلي في مجلدات وأطراف الصحيحين وأطراف المختارة للضياء مجلد ضخم وتهذيب تهذيب الكمال للحافظ المزي في ست مجلدات ومختصره تقريب التهذيب مجلد ضخم وكتاب تعجيل المنفعة برواية رجال الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب والإصابة في تمييز الصحابة خمس مجلدات ولسان الميزان وتحرير الميزان وتبصير المنتبه بتحرير المشتبه مجلد ضخم وطبقات الحفاظ في مجلدين والدرر الكامنة في المائة الثامنة وأنباء الغمر بأبناء العمر وقضاة مصر مجلد ضخم والكاف الشاف في تحرير أحاديث الكشاف مجلد والاستدراك عليه مجلد آخر والتمييز في تخريج أحاديث الوجيز مجلدين والدراية في منتخب تخريج أحاديث الهداية والإعجاب ببيان الأسباب مجلد ضخم والأحكام لبيان ما في القرآن من الابهام والزهر المطول في بيان الحديث المعدل وشفاء الغلل في بيان العلل وتقريب النهج بترتيب الدرج والأفنان في رواية القرآن والمقترب في بيان المضطرب والتعريج على التدريج ونزهة القلوب في معرفة المبدل من المقلوب ومزيد النفع بما رجح فيه الوقف على الرفع وبيان الفصل بما رجح فيه الإرسال على الوصل وتقويم السناد بمدرج الإسناد والإيناس بمناقب العباس وتوالى التأسيس بمعالى ابن إدريس والمرجة الغيثية عن الترجمة الليثية والاستدراك على الحافظ العراقي في تخريج أحاديث الأحياء مجلد وتخريج أحاديث مختصر ابن الحاجب الأصلي مجلدين وتحفة الظراف بأوهام الأطراف مجلد والمطالب العالية من رواية المسانيد الثمانية والتعريف الأوحد بأوهام

من جمع رجال المسند وتعريف أولى التقديس بمراتب الموصوفين بالتدليس وكتاب الأعلام بمن ولي مصر في الإسلام وتعريف الفئة بمن عاش مائة من هذه الأمة والقصد الأحمد فيمن كنيته أبو الفضل واسمه أحمد وإقامة الدلائل على معرفة الأوائل والخصال المكفرة للذنوب المقدمة والمؤخرة والشمس المنيرة في معرفة الكبيرة والاتقان في فضائل القرآن مجلد والأنوار بخصائص المختار والآيات النيرات للخوارق المعجزات والنبأ الأنبه في بناء الكعبة والقول المسدد في الذب عن المسند وبلوغ المرام بأدلة الأحكام وبذل الماعون بفضل الطاعون والمنحة فيما علق به الشافعي القول على الصحة والأجوبة المشرقة على الأسئلة المفرقة ومنسك الحج وشرح مناسك المنهاج وتصحيح الروضة كتب منه ثلاث مجلدات ونخبة الفكر في مصطلح أهل الأثر وشرحها نزهة النظر بتوضيح نخبة الفكر والانتفاع بترتيب الدارقطني على الأنواع ومختصر البداية والنهاية لابن كثير وتخريج الأربعين النووية بالأسانيد العلية والأربعين المتباينة وشرح الأربعين النووية وترجمة النووي وغير ذلك وله ديوان شعر ومن شعره
( أحببت وقادا كنجم طالع ** أنزلته برضا الغرام فؤادي )
( وأنا الشهاب فلا تعاند عاذلي ** إن ملت نحو الكوكب الوقاد )
وكان رحمه الله تعالى صبيح الوجه للقصر أقرب ذا لحية بيضاء وفي الهامة نحيف الجسم فصيح اللسان شجي الصوت جيد الذكاء عظيم الحذق راوية للشعر وأيام من تقدمه ومن عاصره هذا مع كثرة الصوم ولزوم العبادة واقتفاء السلف الصالح وأوقاته مقسمة للطلبة مع كثرة المطالعة والتأليف والتصدي للافتاء والتصنيف وتوفي ليلة السبت ثامن عشرى ذي الحجة ودفن بالرميلة وكانت جنازته حافلة مشهورة
وفيها الأمير سيف الدين أبو محمد تغرى برمش بن عبد الله الجلال المؤيدي

الفقيه الحنفي نائب القلعة بالديار المصرية قال هو قدم بي الخواجا جلال الدين من بلادي إلى حلب فاشتراني جقمق بحلب ولي سبع أو ثمان سنين وأتى بي إلى الديار المصرية وقدمني إلى أخيه الأمير جاركس القاسمي المصارع فأقمت عنده إلى أن خرج عن طاعة الملك الناصر فرج واستولى الناصر على مماليكه فأخذني فيمن أخذ وجعلني من جملة المماليك السلطانية الكتابية بالطبقة بقلعة الجبل إلى أن قتل الناصر واستولى المؤيد شيخ على الديار المصرية اشتراني فيمن اشتراه من المماليك الناصرية وأعتقني وجعلني جمدارا مدة طويلة قال صاحب المنهل استمر تغرى برمش إلى أول رجب سنة أربع وأربعين وثمانمائة فأنعم عليه بإمرة عشرة ونيابة القلعة فباشر ذلك بحرمة وافرة وصار معدودا من أعيان الدولة وقصدته الناس لقضاء حوائجهم ثم أخذ أمره في انتقاص لسوء تدبيره وصار يتكلم في كل وظيفة ويداخل السلطان فيما لا يعنيه فتكلم فيه من له رأس عند السلطان وهو لا يعلم إلى أن أمر بنفيه إلى القدس في السنة التي قبل هذه فذهب إلى القدس وأقام به إلى أن توفي به وكان له فضل ومعرفة بالحديث لا سيما أسماء الرجال فإنه كان بارعا في ذلك وكانت له مشاركة جيدة في الفقه والتاريخ والأدب محسنا لفنون الفروسية فصيحا باللغة العربية والتركية مقداما محبا لطلبة العلم وأهل الخير متواضعا كثير الأدب جهوري الصوت أشقر ضخما للقصر أقرب كث اللحية بادره الشيب قرأ صحيح البخاري على القاضي محب الدين بن نصر الله الحنبلي وصحيح مسلم على الزين الزركشي والسنن الصغرى للنسائي على الشهاب الكلوتاتي وسنن ابن ماجه على شمس الدين محمد المصري وسنن أبي داود على الحافظ ابن حجر وقرأ ما لا يحصى على من لا يحصى وتفقه بسراج الدين قارىء الهداية وبسعد الدين الديري وتوفي في ثالث شهر رمضان عن نيف وخمسين سنة
وفيها زين الدين أبو النعيم بفتح النون المشددة رضوان بن محمد بن يوسف

ابن سلامة بن البهاء بن سعيد الصغير الشافعي المستملي المصري البارع مفيد القاهرة ولد في رجب سنة تسع وستين وسبعمائة بمينة عقبة بالجيزة ونشأ بها ثم دخل القاهرة واشتغل بها في عدة علوم وتلا بالسبع على الإمام نور الدين الدميري المالكي سبع ختمات ثم بالسبع وقراءة يعقوب على الشمس الغماري وأجاز له ثم بالثمان المذكورة على ركن الدين الأشعري المالكي وتفقه بالشمس العراقي والشمس الشطنوفي والشمس القليوبي والصدر الأمشيطي والعز بن جماعة وغيرهم وأخذ النحو عن شمس الدين الشطنوفي والغماري والشمس البساطي وكتب عن الزين العراقي مجالس كثيرة من أماليه وسمع الحديث من التقى بن حاتم والبرهان الشامي وابن الشحنة وخلائق ثم حبب إليه الحديث فلازم السماع من أبي الطاهر بن الكويك فأكثر عنه ولازم الحافظ ابن حجر وكتب عنه الكثير وتفقه به أيضا وحج ثلاث حجات وجاور مرتين وسمع بمكة من الزين المراغي وغيره وخرج لبعض الشيوخ ولنفسه الأربعين المتباينات وغير ذلك وكان دينا خيرا متواضعا غزير المروءة رضي الخلق ساكنا بشوشا طارحا للتكلف سليم الباطن توفي عصر يوم الإثنين ثالث رجب بالقاهرة
وفيها قطب الدين محمد بن عبد القوي بن محمد بن عبد القوي البجائي ثم المكي المالكي شاعر مكة كان إماما أديبا ماهرا توفي في ذي الحجة وقد جاوز التسعين والله أعلم

سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة

فيها توفي ألوغ بك بن القان معين الدين شاه رخ صاحب هراة ابن الطاغية تيمورلنك وقيل اسمه تيمور على اسم جده وقيل محمد صاحب سمرقند فريد دهره ووحيد عصره في العلوم العقلية والهيئة والهندسة طوسي زمانه

الحنفي المذهب ولد في حدود تسعين وسبعمائة ونشأ في أيام جده وتزوج في أيامه أيضا وعمل له جده العرس المشهور ولما مات جده تيمور وآل الأمر إلى أبيه شاه رخ ولاه سمرقند وأعمالها فحكمها نيفا وثلاثين سنة وعمل بها رصدا عظيما انتهى به إلى سنة وفاته وقد جمع لهذا الرصد علماء هذا الفن من سائر الأقطار وأغدق عليهم الأموال وأجزل لهم الرواتب الكثيرة حتى رحل إليه علماء الهيئة والهندسة من البلاد البعيدة وهرع إليه كل صاحب فضيلة وهو مع هذا يتلفت إلى من يسمع به من العلماء في الأقطار ويرسل يطلب من سمع به هذا مع علمه الغزير وفضله الجم واطلاعه الكبير وباعه الواسع في هذه العلوم مع مشاركة جيدة إلى الغاية في فقه الحنفية والأصلين والمعاني والبيان والعربية والتاريخ وأيام الناس قيل أنه سأل بعض حواشيه ما تقول الناس عني وألح عليه فقال يقولون أنك ما تحفظ القرآن الكريم فدخل من وقته وحفظه في أقل من ستة أشهر حفظا متقنا وكان أسن أولاد أبيه واستمر بسمرقند إلى أن خرج عن طاعته ولده عبد اللطيف وسببه أنه لما ملك المترجم هراة طمع عبد اللطيف أن يوليه هراة فلم يفعل وولاه بلخ ولم يعطه من مال جده شاه رخ شيئا وكان ألوغ بك هذا مع فضله وغزير علمه مسيكا فسأمته أمراؤه لذلك وكاتبوا ولده عبد اللطيف في الخروج عن طاعته وكان في نفسه ذلك فانتهز الفرصة وخرج عن الطاعة وبلغ أباه الخبر فتجرد لقتاله والتقى معه وفي ظنه أن ولده لا يثبت لقتاله فلما التقى الفريقان وتقابلا هرب جماعة من أمراء الوغ بك إلى ابنه فانكسر الوغ بك وهرب على وجهه وملك ولده سمرقند وجلس على كرسي والده أشهرا ثم بدا لألوغ بك العود إلى سمرقند ويكون الملك لولده ويكون هو كآحاد الناس واستأذن ولده في ذلك فأذن له ودخل سمرقند وأقام بها إلى أن قبض عبد اللطيف على أخيه عبد العزيز وقتله صبرا في حضرة والده ألوغ بك فعظم

ذلك عليه فإنه كان في طاعته وخدمته حيث سار ولم يمكنه الكلام فأذن ولده عبد اللطيف في الحج فأذن له فخرج قاصدا للحج إلى أن كان عن سمرقند مسافة يوم أو يومين وقد حذر بعض الأمراء ابنه منه وحسن له قتله فأرسل إليه بعض أمرائه ليقتله فدخل عليه مخيمه واستحيا أن يقول جئت لقتلك فسلم عليه ثم خرج ثم دخل ثانيا وخرج ثم دخل ففطن ألوغ بك وقال له لقد علمت بما جئت به فافعل ما أمرك به ثم طلب الوضوء وصلى ثم قال والله لقد علمت أن هلاكي على يد ولدي عبد اللطيف هذا من يوم ولد ولكن أنساني القدر ذلك والله لا يعيش بعدي إلا خمسة أشهر ثم يقتل أشر قتلة ثم سلم نفسه فقتله المذكور وعاد إلى ولده وقتل ولده عبد اللطيف بعد خمسة أشهر
وفيها زين الدين أبو محمد عبد الرحمن بن الشيخ شهاب الدين أحمد بن محمد بن محمد بن يوسف بن علي بن عياش المقرىء المسند الزاهد المعمر الشهير بابن عياش ولد بدمشق في شهر ربيع الأول سنة اثنتين وسبعين وسبعمائة وأخذ القراءات عن أبيه إفرادا وجمعا وقرأ عليه ختمة جامعة للقراءات العشرة بما تضمنه كتاب ورقات المهرة في تتمة قراءات الأئمة العشرة تأليف والده وقرأ على الشيخ شمس الدين محمد بن أحمد العسقلاني القراءات العشرة فساوى والده في علو السند وذلك لما رحل إلى القاهرة سنة إحدى وتسعين وسبعمائة ثم رحل إلى مكة المشرفة واستوطنها وانتصب بها لأقراء القراءات بالمسجد الحرام كل يوم وانتفع به عامة الناس وصار رحلة زمانه وتردد إلى المدينة المنورة وجاور بها غير مرة وتصدى بها أيضا للأقراء وأقام بها سنين ثم عاد إلى مكة واستمر إلى أن مات بها في هذه السنة
وفيها قاضي قضاة الحرمين الشريف الحسيب سراج الدين أبو المكارم عبد اللطيف بن أبي الفتح محمد بن أحمد بن أبي عبد الله محمد الحسني الفاسي

الأصل المكي الحنبلي ولد في شعبان سنة تسع وثمانين وسبعمائة بمكة المشرفة ونشأ بها وسمع الحديث على العفيف النشاوري والجمال الأميوطي وإبراهيم ابن صديق وغيرهم وأجاز له السراج البلقيني والحافظان الزين العراقي والنور الهيثمي والسراج بن الملقن والبرهان الشامي وأبو هريرة بن الذهبي وأبو الخير بن العلائي وجماعة وخرج له التقى بن فهد مشيخة وولي إمامة الحنابلة بالمسجد الحرام وقضاء مكة المشرفة ثم جمع له بين قضاء الحرمين الشريفين مكة والمدينة سنة سبع وأربعين وثمانمائة واستمر إلى أن مات وهو أول من ولي قضاء الحنابلة بالحرمين ودخل بلاد العجم غير مرة وكان له حظ وافر عند الملوك والأعيان وتوفي بعلة الإسهال ورمي الدم في ضحى يوم الإثنين سابع شوال بمكة المشرفة ودفن بالمعلاة
وفيها قاضي القضاة أمين الدين أبو اليمن محمد بن محمد بن علي النويري المكي الشافعي قاضي مكة وخطيبها باشر خطابة مكة عدة سنين ثم ولي قضاءها في سنة اثنتين وأربعين ثم عزل ثم ولي ومات قاضيا وخطيبا بمكة في هذه السنة
وفيها شرف الدين يحيى بن أحمد بن عمر الحموي الأصل الكركي القاهري ويعرف بابن العطار الشافعي المفنن توفي في ذي الحجة عن أزيد من أربع وستين سنة
وفيها شرف الدين يحيى بن سعد الدين محمد بن محمد المناوي المصري الشافعي قاضي القضاة ولد بالقاهرة وبها نشأ تحت كثف والده وكان والده يتعانى الخدم الديوانية وتزوج ولي الدين العراقي بابنته أخت المترجم فحبب لصاحب الترجمة طلب العلم لصهارته بالولي العراقي فاشتغل وتفقه بجماعة

من علماء عصره وأخذ المعقول عن الكمال بن الهمام وغيره وبرع في الفقه وشارك في غيره وأفتى ودرس وعرف بالفضيلة والديانة واشتهر ذكره وولي تدريس الصلاحية ثم ولي قضاء قضاة الشافعية بعد علم الدين البلقيني فلم يمتنع بل ابتهج بذلك وأظهر السرور ثم غير ملبسه ومركبه وترك ما كان عليه أولا من التقشف والتواضع وسلك طريق من تقدمه من القضاة من مراعاة الدولة وامتثال ما يأمرونه به ومال إلى المنصب ميلا كليا بخلاف ما كان يظن به واستكثر من النواب وولي جماعة كثيرة وانقسم الناس في أمره إلى قادح ومادح وكانت ولايته القضاء قبيل موته بيسير وتوفي بالقاهرة في ثاني رجب
وفيها أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد بن إسمعيل المغربي الأندلسي ثم القاهري ويعرف بالراعي المالكي وكان إماما عالما ولد بغرناطة سنة نيف وثمانين وسبعمائة واشتغل بالفقه والأصول والعربية ومهر فيها واشتهر اسمه بها وسمع من أبي بكر بن عبد الله بن أبي عامر وأجاز له جماعة ودخل القاهرة سنة خمس وعشرين وثمانمائة واستوطنها وحج ثم رجع إلى القاهرة وأقرأ بها وانتفع به جماعة وأم بالمؤيدية وله نظم حسن وشرح الألفية والجرومية وحدث عنه ابن فهد وغيره وأضر بآخره وتوفي في سابع عشرى ذي الحجة
وفيها بل في اللتي قبلها كما جزم به السيوطي زين الدين عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن يحيى السندبيسي بفتح السين المهملة وسكون النون وفتح الدال المهملة وكسر الموحدة وسكون التحتية آخره سين مهملة النحوي ابن النحوي ولد سنة ثمان وثمانين وسبعمائة تقريبا وبرع في الفنون لا سيما في العربية وكان أخذها عن الزين الفارسكوري وأخذ الحديث عن الولي العراقي وسمع من الحلاوي وابن الشحنة والسويداوي وجماعة وأجاز له ابن العلاء وابن الذهبي وخلق وكان عالما فاضلا بارعا مواظبا على الاشتغال حسن الديانة كثير التواضع أقرأ الناس وحدث بجامع الحاكم وسمع منه النجم بن فهد وغيره وتوفي ليلة

الأحد سابع عشر صفر

سنة أربع وخمسين وثمانمائة

فيها توفي شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الله بن إبراهيم قال ابن تغرى بردى الإمام العالم العلامة المفنن الأديب الفقيه اللغوي النحوي المؤرخ الدمشقي الحنفي المعروف بابن عربشاه كان إمام عصره في المنظوم والمنثور تردد إلى القاهرة غير مرة وصحبني في بعض قدومه إلى القاهرة وانتسج بيننا صحبة أكيدة ومودة وأسمعني كثيرا من مصنفاته نظما ونثرا بل غالب ما نظمه ونثره وألفه وكان له قدرة على نظم العلوم وسبكها في قالب المديح والغزل وسيظهر لك فيما كتبه لي لما استجزته كتبه بخطه وأسمعنيه من لفظه غير مرة وهو هذا بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي زين مصر الفضائل بجمال يوسفها العزيز وجعل حقيقة ذراه مجاز أهل الفضل فحل به كل مجاز ومجيز أحمده حمد من طلب إجازة كرمه فأجاز وأشكره شكرا أوضح لمزيد نعمه علينا سبيل المجاز وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله يجيب سائله ويثيب آمله ويطيب لراجيه نائله وأشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله سيد من روى عن ربه وروى عنه والمقتدى لكل من أخذ عن العلماء وأخذ منه صلى الله عليه ما رويت الأخبار ورؤيت الآثار وخلدت أذكار الأبرار في صحائف الليل والنهار وعلى آله وأصحابه وتابعيه وأحزابه وسلم وكرم وشرف وعظم وبعد فقد أجزت الجناب الكريم العالي ذا القدر المنيف الغالي والصدر الذي هو بالفضائل حالي وعن الرذائل خالي المولوي الأميري الكبيري الأصيلي العريقي الكاملي الفاضلي المخدومي أبا المحاسن الذي ورد فضائله وفواضله غير آسن يوسف بن المرحوم المقر الأشرف الكريم العالي المولوي الأميري الكبيري المالكي المخدومي السيفي تغرى بردى الملكي

الظاهري أدام الله جماله وأبلغه من المرام كماله وهو ممن تغذى بلبان الفضائل وتربى في حجر قوابل الفواضل وجعل اقتناء العلوم دأبه ووجه إلى مدين الآداب ركابه وفتح إلى دار الكمالات بابه وصير أحرازها في خزائن صدره اكتسابه فحاز بحمد الله تعالى حسن الصورة والسيرة وقرن بضياء الأسرة صفاء السريرة وحوى السماحة والحماسة والفروسية والفراسة ولطف العبارة والبراعة والعرابة واليراعة والشهامة والشجاعة فهو أمير الفقهاء وفقيه الأمراء وظريف الأدباء وأديب الظرفاء
( فمهما تصفه صف وأكثر فإنه ** لأعظم مما قلت فيه وأكبر )
فأجزت له معولا عليه أحسن الله إليه أن يروي عني هذه المنظومة المزبورة المرقومة التي سميتها جلوة الأمداح الجمالية في حلتي العروض والعربية عظم الله تعالى شأن من أنشئت فيه وحرسه بعين عنايته وذويه وسائر ما تجوز لي وعنى روايته وينسب إلى علمه ودرايته من منظوم ومنثور ومسموع ومسطور بشروطه المعتبرة وقواعده المحررة عموما وما أذكر لي من مصنفات خصوصا فمن ذلك مرآة الأدب في علمي المعاني والبيان منها بعد ذكر الخطبة في تقسيم العربية وذكر فائدته وأقسامه
( بدا بتاج جمال في حلى أدب ** تسربل الفضل بين العجب والعجب )
( بدر تأدب حتى كله أدب ** يقول من يهو وصلى يكتسب أدبي )
( يصن كلامي وخطى في معاهدتي ** عن الخطا أنني بدر من العرب )
( هذا وقدر علومي كالبروج علا ** فمن ينلها يصرفي الفضل كالشهب )
( أصولها مثل أبواب الجنان زهت ** ينال من نالها ما رام من رتب )
( خذ بكر نظم تجلت وجهها غزل ** وروحها العلم والجثمان من أدب )
( فريد لفظي إذا ما رمت جوهره ** ترى الصحاح كثغر زين بالشنب )


( وإن تصرف من عقد ومن عقد ** إلى عقود فهذا الصرف كالذهب )
( لفظي من الشهد مشتق بخطى ذا ** سيف فدونك علم الضرب والضرب )
( أصل المعاني إذا ما رمت من كلمي ** فقل هي الدر واقصد نحونا تصب )
( معناي زاد على حسني فصنف في ** علم المعاني وفي حسني وفي حسبي )
( طورا أبين كما طورا أبين لذا ** فن البيان غدا مرآة مطلبي )
( طبعي وشعري وأوزاني يناط بها ** علم العروض مناط الود بالسبب )
( حسني وظرفي وأدابي قد انتظمت ** نظم القوافي فخذ علمي وسل نسبي )
( قد خلف البان قدى حين خط على ** خدي لريحان خط ليس في الكتب )
( هذا على أصل حسني يستزاد فلا ** تعب ودونك علم الخط لا تخب )
( في وصفي النظم والنثر البديع فخذ ** علم القريض مع الانشاء والخطب )
( وإن تحاضر فحاضر في مغازلتي ** واحفظ تواريخ ما أمليه من نخب )
( واقصد بديع معاني التي بهرت ** عند البيان عقول العجم والعرب )
( أني أنا البدر سار في منازله ** مكمل الحسن بين الرأس والذنب )
ومن ذلك العقد الفريد في علم التوحيد وأوله بعد الخطبة
( سبى القلب ظبي من بني العلم أغيد ** له مقلة كحلي وخد مورد )
( أوحد من أنشاه للخلق فتنة ** فيسأل ما التوحيد وهو يعربد )
( فقلت له الإيمان بالله من يرى ** لحاظك باري الخلق والكون يشهد )
( فبالكتب والأملاك والرسل صل فتى ** براه هواك القاتل المتعمد )
( وإن تفنني هجرا أقم يوم بعثتي ** وقد نشر الأموات والحوض يورد )
( وقد كورت شمس وشققت السما ** وكل الورى نحو القصاص تحشدوا )
( وقد نصب الميزان وامتد جسرهم ** وأقبلت في ثوب الجمال تردد )
( أنادي وقد شبثت كفي بذيله ** وتضريج أكفاني ولحظك يشهد )
( حبيبي بما استحللت قتل مبرأ ** وما ذنبه إلا ضنى فيك مكمل )

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21