كتاب :شذرات الذهب في أخبار من ذهب
المؤلف:عبد الحي بن أحمد بن محمد العكري الحنبلي

وستين حين كان ابن خمس عشرة سنة ودام في المملكة إلى الآن وأخذ من الكفار قلعة الشبابانير فابتناها مدينة وسماها أحمد أباد ومن جملة ممالكه كنباية انتهى وقال في النور قال جار الله بن فهد أقول وعمر بمكة رباطا مجاور باب الدربية عرف بالكنباتية وقرر به جماعة ودروسا وغير ذلك وكان يرسل لهم مع أهل الحرمين عدة صدقات ثم قطعها لما بلغه استيلاء النظار عليها واستمر على ولايته إلى أن توفي يوم الأحد ثاني رمضان بأحمد أباد
وفيها شهاب الدين أحمد بن محمد الفرغاني الإمام العلامة الصالح القاضي توفي يوم الأربعاء ثامن عشرى المحرم بمدينة تعز
وفيها محب الدين أبو بكر أحمد بن شرف الدين أبي القسم محمد بن محمد بن أحمد بن محمد الشيخ الإمام خطيب الخطباء بالمسجد الحرام وإمام الموقف الشريف القرشي الهاشمي العقيلي النويري المكي الشافعي أخذ عن أبي الفتح المراغي وسمع ثلاثيات البخاري على جدته لأمه أم الفضل خديجة وتدعى سعادة بنت وجيه الدين عبد الرحمن بن أبي الخير محمد بن فهد المكي وعلى العلامة البرهان الزمزمي وعلى أخيه المحب الزمزمي كلهم عن أبي إسحق إبراهيم بن محمد الرسام عن الحجار وله شيوخ آخرون وأجاز البرهان العمادي في السنة التي قبلها وتوفي في هذه السنة ظنا وفيها القاضي بدر الدين حسن بن القاضي زين الدين أبي بكر بن مزهر كاتب أسرار القاهرة قال في الكواكب صودر وحبس ثم ضرب بحضرة السلطان الغوري ثم عصر ثم لف القصب والمشاق على يديه وأحرقت ثم عصر رأسه ثم أحمى له الحديد ووضع على يديه وقطع ثديه وأطعم لحمه واستمر في العذاب إلى أن مات بقلعة مصر وعذب عذابا شديدا رحمه الله تعالى وكانت وفاته يوم الأربعاء رابع رجب سنة ست عشرة وتسعمائة انتهى قلت الصحيح موته في اليوم المذكور من الشهر المذكور لكن سنة عشر والله أعلم وفيها بدر الدين

أبو علي حسن بن علي بن عبيد بن أحمد بن عبيد بن إبراهيم المرداوي ثم الدمشقي الصالحي الحنبلي حفظ القرآن العظيم وعدة كتب واشتغل على جماعة من آخرهم الشيخ زين الدين بن العيني وقرأ عليه شرحية على الألفية والخزرجية وأخذ الحديث عن ابن السلمي وابن الشريفة والنظام بن مفلح ورحل مع الجمال بن المبرد إلى بعلبك فسمع بها غالب مسموعاته وسمع على جماعة كثيرين وكان له خط حسن وكان يتكسب بالشهادة وهو من شيوخ ابن طولون ومجيزيه توفي يوم الخميس تاسع رمضان وفيها رضى الدين الصديق بن عبد العليم إقبال القربتي قال في النور كان فقيها نبيلا سريا توفي عصر يوم الثلاثاء من عشر ذي الحجة ودفن بمجنة باب القرتب بجوار مشهد الفقيه أبي بكر بن علي الحداد انتهى وفيها شمس الدين علي ابن موسى المشرع عجيل كان فقيها خيرا توفي بزبيد ليلة الإثنين خامس جمادى الأولى وفيها تقريبا زين الدين عبد الرحيم بن صدقة المكي الشافعي كان إماما علامة ورعا زاهدا قرأ عليه البرهان العمادي الحلبي أحاديث من الكتب الستة وأجازه برباط العباس تجاه المسجد الحرام في العشر الأول من الحجة سنة خمس عشر وتسعمائة قاله في الكواكب
وفيها القاضي جلال الدين محمد بن عمر بن محمد بن محمد بن أحمد بن عبد القادر بن هبة الله النصيبي الحلبي الشافعي سبط المحب أبي الفضل بن الشحنة ولد في ربيع الأول سنة إحدى وخمسين وثمانمائة بحلب وحفظ المنهاجين والألفيتين وجمع الجوامع وعرض ذلك على الجمال الباعوني وأخيه البرهان والبدر بن قاضي شهبة والنجم بن قاضي عجلون وأخيه التقوي وأخذ الفقه عن أبي ذر والأصول والنحو عن السلامي وولده الزيني عمر ثم قدم القاهرة على جده لامه سنة ست وسبعين وثمانمائة فأخذ عن الجوجري وغيره وقرأ شرح الألفية لابن أم قاسم على الشمني وقرأ على السخاوي بعض مؤلفاته وبرع

وتميز وناب في القضاء بالقاهرة ودمشق وحلب وولي قضاء حماة وقضاء حلب أنشد فيه بعضهم لما ولي قضاء حماة
( حماة مذ صرت بها قاضيا ** استبشر الداني مع القاصي )
( وكل من فيها أتى طائعا ** إليك وانقاد لك العاصي )
وكان ذا فطنة وحافظة مع رفاهية وجمع تعليقا على المنهاج سماه الابتهاج في أربع مجلدات واختصر جمع الجوامع وجمع كتابا كبيرا فيه نوادر وأشعار وله شعر حسن منه تخميس الأبيات المشهورة لابن العفيف
( غبتم فطرفي من الهجران ما غمضا ** ولم أجد عنكم لي في الهوى عوضا )
( فيا عذولا بفرط اللوم قد نهضا ** للعاشقين بأحكام الغرام رضا )
( فلا تكن يا فتى بالعذل معترضا ** )
( أنا الوفي بعهد ليس ينتقض ** وإن هم نقضوا عهدي وإن رفضوا )
( فقلت لما بقتلي بالأسى فرضوا ** روحي الفداء لأحبابي وإن نقضوا )
( عهد الوفاء الذي للعهد ما نقضا ** )
( أحبابنا ليس لي عن عطفكم بدل ** وعن غرامي ووجدي لست انتقل )
( يا سائلي عن أحبائي وقد رحلوا ** قف واستمع سيرة الصب الذي قتلوا )
( فمات في حبهم لم يبلغ الغرضا ** )
( قد حملوه غراما فوق ما يسع ** وعذبوا قلبه هجرا وما انتفعوا )
( دعى أجاب توالي سهده هجعوا ** رأى فحب فرام الصبر فامتنعوا )
( فسام صبرا فاعيا نيله فقضى ** )
وتوفي في ثالث عشر رمضان وفيها بدر الدين محمد بن محمد الشهير بابن الياسوفي الدمشقي الشافعي المفتي المدرس ولد سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة وسافر إلى القاهرة مرارا آخرها مطلوبا مع جماعة مباشري الجامع الأموي في جمادى الآخرة سنة ست عشرة وتسعمائة فحصل له قبل دخول القاهرة توعك واستمر إلى رابع يوم من وصوله إليها فتوفي يوم الإثنين تاسع

رجب منها وفيها شرف الدين موسى بن عبد الله بن عبد الله الشهير بابن جماعة القدسي الشافعي الإمام العلامة خطيب المسجد الأقصى ولد في حادي عشرى رجب سنة خمس وأربعين وثمانمائة وأجازه الشيخ زين الدين ابن الشيخ خليل وغيره قال في الأنس الجليل اشتغل في العلم على والده وغيره وخطب بالمسجد الأقصى وله نحو خمس عشرة سنة واستقر في الخطابة مشاركا لبقية الخطباء هو وأخوه الخطيب بدر الدين محمد قال وأعاد الخطيب شرف الدين بالمدرسة الصلاحية وفضل وتميز وصار من أعيان بيت المقدس وهو رجل خير من أهل العلم وعنده فصاحة في الخطبة وعلى صوته الأنس والخشوع والناس سالمون من لسانه ويده انتهى ودخل دمشق مع والده حين أسمع والده بها غالب مسموعاته وكان والده من الأكابر يرحل للأخذ عنه وكان صاحب الترجمة رجلا مهيبا وتوفي ببيت المقدس في رجب أو شعبان

سنة سبع عشرة وتسعمائة

فيها كما قال في النور السافر ولدت مولودة بقرية النويدرة من اليمن وطلب من يؤذن في أذنها فحين بلغ أشهد أن محمدا رسول الله سمع الطفلة تقول الله أكبر الله أكبر ثلاث مرات وفيها خسف بفيل السلطان عامر بن عبد الوهاب المسمى مرزوق بقرية يقال لها الركز من زوايا الشيخ شهاب الدين قطب زمانه احمد بن علوان قريبا من قرية يغرس وكان قد أدخله بيت بعض فقراء الشيخ كرها وسألهم ما لا طاقة لهم بتسليمه فلم يشعروا حتى غاب أكثر الفيل في الأرض من قبل رجليه فصرخ صرخات ومات لا رحم الله سايسه فكان عبرة لمن رأى ولم يقدر أحد على إخراج شيء منه من موضع الخسف انتهى وفيها توفي برهان الدين إبراهيم بن عمر بن إبراهيم بن محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج بن عبد الله الحنبلي مفتي الحنابلة الإمام العلامة ولد في ربيع الأول سنة ست وخمسين وثمانمائة

وأخذ عن أبيه وغيره وتوفي بقرية مضايا من الزبداني ليلة الجمعة سادس عشر شعبان وحمل ميتا إلى منزله بالصالحية ودفن بالروضة قرب والده
وفيها تقي الدين أبو بكر بن الحافظ ناصر الدين محمد بن زريق الحنبلي الدمشقي الصالحي كان إماما علامة توفي يوم السبت ثاني عشر صفر
وفيها تقريبا أبو الخير بن نصر قال في الكواكب هو شيخ البلاد الغربية من أعمال مصر ومحيى السنة بها توفي في أواسط حدود هذه الطبقة رحمه الله تعالى انتهى وفيها صفي الدين أحمد بن عمر المزجدالي قال في النور كان فقيها إماما عاملا صالحا مفتيا مدرسا توفي ضحى يوم الخميس رابع المحرم وأسف عليه والده أسفا كثيرا وصبر انتهى
وفيها أبو القسم بن علي بن موسى المشرع قال في النور كان فقيها صالحا حصل له في ليلة الجمعة حادي عشر ربيع الأول وهو قاعد في بيته بين الناس لقراءة مولد النبي صلى الله عليه وسلم من ضربه على رأسه فانكسر فأقام تسعة أيام ثم مات ولم يعلم قاتله ودفن بمرجام إلى جنب أبيه وجده انتهى
وفيها شهاب الدين أحمد الفيومي قال في الكواكب هو الشيخ العلامة خطيب جامع بردبيك بدمشق وهو المعروف بالجامع الجديد خارج بأبي الفراديس والفرج أي وهو المعروف الآن بجامع المعلق توفي ثاني رمضان وأخذ عنه الخطابة صاحب والد الشيخ يونس العيثاوي واستمرت في يده إلى أن مات وفيها المولى باشا جلبي العالم ابن المولى زيرك الرومي الحنفي كان من الأفاضل وله ذكاء تام ولطف محاورة وتخرج عنده كثير من الطلبة وكان من مشاهير المدرسين وتنقل في التدريس حتى ولي إحدى المدرستين المتجاورتين بادرنة وتوفي وهو مدرس بها في حدود هذه السنة وله شريك في اسمه سيأتي إن شاء الله تعالى
وفيها السيد الشريف الحسين بن عبد الله العيدورس ولد سنة إحدى

وستين وثمانمائة وكان عالما بالكتاب والسنة حافظا لكتاب الله تعالى مواظبا على تلاوته ليلا ونهارا قائما بما جرى عليه سلفه من الأوراد والأذكار وإكرام الوافدين والفقراء والمساكين وبذل الجاه في الشفاعات للمسلمين وإصلاح ذات بينهم ولله در من قال فيه
( إن الحسين تواترت أخباره ** في فضله عن سادة فضلاء )
( غيث يسح على العفاة سحابه ** سحا إذا شحت يد الأنواء )
( تال لآثار النبي محمد ** متمسك بالسنة البيضاء )
( ورث المكارم والعلى عن سادة ** ورثوا عن الآباء فالآباء )
وروى عن والده أنه كان يقول كنت كثير الدعاء في سجودي أن يرزقني الله ولدا عالما سنيا وأرجو أن يكون هو الحسين قال في النور وكان مشاركا في جميع العلوم المنطوق منها والمفهوم ومن مشايخه الفقيه عبد الله ابن أحمد باكثير والقاضي إبراهيم بن ظهيرة والشيخ عبد الهادي السودي قبل أن ينجذب وكانت له اليد الطولى في علم الفلك وحج وجاور بمكة سنتين وزار قبر جده مرتين وتوفي بتريم في سادس عشر المحرم ودفن عند أبيه انتهى
وفيها خليل العالم الفاضل المولى الرومي الحنفي المشهور بمنلا خليل كان حليما كريما متواضعا متخشعا إلا أنه كان يغلب عليه الغفلة في سائر أحواله درس في بعض مدارس الروم ثم بإحدى الثمانية ثم بمدرسة أدرنة ثم أعطى قضاء القسطنطينية في دولة السلطان أبي يزيد ثم قضاء العسكر الأناضولي ثم الروم أيلي ومات على ذلك في أوائل دولة السلطان سليم خان قاله في الكواكب
وفيها العارف بالله تعالى رستم خليفة الرومي البرسوي الحنفي أصله من قصبة كونيك من ولاية أناضولي وأخذ الطريق عن العارف حاجي خليفة الرومي وكان له خوارق ويتستر بتعليم الأطفال ولا يتكلم إلا عن ضرورة وله أنعام تام على الأغنياء والفقراء وإذا أهدى إليه أحد شيئا كافأه

بأضعافه ولم يكن له منصب ولا مال وحكى عن نفسه أنه رمد مرة فلم ينفعه الدواء فرأى رجلا فقال له يا ولدي اقرأ المعوذيتين في الركعتين الأخيرتين من السنن المؤكدة قال فداومت على ذلك فشفى بصري وكان بعض جماعته يرى أن ذلك الرجل هو الخضر عليه السلام وتوفي ببروسا ودفن بها
وفيها تقريبا المولى عبد الوهاب بن عبد الكريم الفاضل ابن الفاضل المولى ابن المولى الرومي الحنفي قرأ على جماعة منهم المولى عذارى والمولى لطفي التوقاتي والمولى خطيب زاده والمولى القسطلاني وكان ذكيا عارفا بالعلوم الشرعية والعقلية مهيبا طارحا للتكلف مع أصحابه ودرس بالقسطنطينية ثم صار حافظا لدفتر الديوان السلطاني ثم ولي قضاء بعض البلاد قاله في الكواكب
وفيها علاء الدين علي بن محمد بن علي بن عبد الله بن مليك الحموي ثم الدمشقي الفقاعي الحنفي الشاعر ولد بحماة سنة أربعين وثمانمائة وأخذ الأدب عن الفخر عثمان بن الصد التنوخي وغيره وأخذ النحو والعروض عن بهاء الدين بن سالم وقدم دمشق فتسبب ببيع الفقاع عند قناة العوني ثم تركه وصار يتردد إلى دروس الشيخ برهان الدين بن عون وأخذ عنه فقه الحنفية وصارت له فيه يد طولى وشارك في اللغة والنحو والصرف وكان له معرفة بكلام العرب وبرع في الشعر حتى لم يكن له نظير في فنونه وجمع لنفسه ديوانا في نحو خمس عشرة كراسة وخمس المنفرجة ومدح النبي صلى الله عليه وسلم بعدة قصائد ومن لطائفه قوله
( لم أجعل الفقاع لي حرفة ** إلا لمعنى حسنك الشاهد )
( أقابل الواشي بالحد ** والعاذل أسقيه من البارد )
ومنها
( ولما احتمت منا الغزالة في السما ** وعزت على قناصها أن تنالها )
( نصبنا شباك الماء في الأرض حيلة ** عليها فلم نقدر فصدنا خيالها )


ومن لطائفه
( يا من به رق شعري ** وزاد بالنعث وصفه )
( قد مزق الشعر شاشي ** والقصد شيء ألفه )
وكان له صوف عتيق فقلبه وقال
( قد كان لي صوف عتيق طالما ** قد كنت ألبسه بغير تكلف )
( والآن لي قد قال حين قلبته ** قلبي يحدثني بأنك متلفي )
وحكى عنه أنه مر بالمرجة على قوم جلوس للشرب وكانوا يعرفونه فدعوه إلى الزاد فقعد عندهم يذاكرهم فبينما هم كذلك إذ جاءهم جماعة الوالي فأخذوهم وأخذوه معهم فلما وصلوا للقاضي للتسجيل عليهم عرفه القاضي فلامه فقال
( والله ما كنت رفيقا لهم ** ولا دعتني للهوى داعيه )
( وإنما بالشعر نادمتهم ** لأجل ذا ضمتني القافية )
فخلوا عنه وله دوبيت
( الطرف يقول قد رماني القلب ** والقلب لناظري يقول الذنب )
( والله لقد عجبت من حالهما ** هذا دنف ودمع هذا صب )
وشعره كله جيد وتوفي في شوال بدمشق ودفن بمقبرة باب الفراديس
وفيها العارف بالله سيدي علي بن ميمون بن أبي بكر بن علي بن ميمون ابن أبي بكر بن يوسف بن إسماعيل بن أبي بكر بن عطاء الله بن حسون بن سليمان بن يحيى بن نصر الشيخ المرشد المربي القدوة الحجة ولي الله تعالى السيد الحسيب النسيب الشريف أبو الحسن بن ميمون الهاشمي القرشي المغربي الغماري التباسي أصله من جبل غمارا بالغين المعجمة من معاملة فاس وسكن مدينة فاس واشتغل بالعلم ودرس ثم ولي القضاء ثم ترك ذلك ولازم الغزو على السواحل وكان رأس العسكر ثم ترك ذلك أيضا وصحب مشايخ الصوفية منهم الشيخ عرفة القيرواني فأرسله إلى أبي العباس أحمد

التوزي الدباسي ويقال التباسي بالتاء ومن عنده توجه إلى المشرق قال الشيخ موسى الكناوي فدخل بيروت في أول القرن العاشر وكان اجتماع سيدي محمد بن عراق به أولا هناك ولما دخل بيروت استمر ثلاثة أيام لم يأكل شيئا فاتفق أن ابن عراق كان هناك فأتي بطعام فقال لبعض جماعته أدع لي ذلك الفقير فقام السيد علي وأكل وقال ابن عراق لأصحابه قوموا بنا نزور الإمام الأوزاعي فصحبهم ابن ميمون لزيارته ففي أثناء الطريق لعب ابن عراق على جواده كعادة الفرسان فعاب عليه ابن ميمون فقال له أتحسن لعب الخيل أكثر مني قال نعم فنزل ابن عراق عن فرسه فتقدم إليها ابن ميمون فحل الحزام وشده كما يعرف وركب ولعب على الجواد فعرفوا مقداره في ذلك ثم انفتح الأمر بينهما إلى أن أشهر الله تعالى سيدي علي بن ميمون وقال في الشقائق أنه دخل القاهرة وحج منها ثم دخل البلاد الشامية وربى كثيرا من الناس ثم توطن مدينة بروسا ثم رجع إلى البلاد الشامية وتوفي بها قال وكان لا يخالف السنة حتى نقل عنه أنه قال لو أتاني السلطان أبو يزيد بن عثمان لا أعامله إلا بالسنة وكان لا يقوم للزائرين ولا يقومون له وإذا جاءه أحد من أهل العلم يفرش له جلد شاة تعظيما له وكان قوالا بالحق لا يخاف في الله لومة لائم وكان له غضب شديد إذا رأى في المريدين منكرا يضربهم بالعصا قال وكان لا يقبل وظيفة ولا هدايا الأمراء والسلاطين وكان مع ذلك يطعم كل يوم عشرين نفسا من المريدين وله أحوال كثيرة ومناقب عظيمة انتهى وكان من طريقته ما حكاه عنه سيدي محمد بن عراق في كتابه السفينة أنه لا يرى لبس الخرقة ولا الباسها وذكر الشيخ علوان أنه كان لا يرى الخلوة ولا يقول بها وكان يقول جواب الزفوت السكوت ومن وصاياه اجعل تسعة أعشارك صمتا وعشرك كلاما وكان يقول الشيطان له وحي وفيض فلا تغتروا بما يجري في نفوسكم وعلى ألسنتكم من الكلام في التوحيد والحقائق

حتى تشهدوه من قلوبكم وكان ينهى أصحابه عن الدخول بين العوام وبين الحكام ويقول ما رأيت لهم مثلا إلا الغار والحيات فإن كلا منهما مفسد في الأرض وكان شديد الإنكار على علماء عصره ويسمى القضاة القصاة ومن كلامه لا ينفع الدار إلا ما فيها ومنه لا تشتغل بعد أموال التجار وأنت مفلس ومنه أسلك ما سلكوا تدرك ما أدركوا ومنه عجبت لمن وقع عليه نظر المفلح كيف لا يفلح ومنه كنزك تحت جدارك وأنت تطلبه من عند جارك وله من المؤلفات شرح الجرومية على طريقة الصوفية وكتاب غربة الإسلام في مصر والشام وما والاهما من بلاد الروم والإعجام ورسائل عدة منها رسالة لطيفة سماها تنزيه الصديق عن وصف الزنديق ترجم فيها الشيخ محي الدين ابن العربي ترجمة في غاية الحسن والتعظيم وذكر ابن طولون أنه دخل دمشق في أواخر سنة اثنتي عشرة وتسعمائة ونزل بحارة السكة بالصالحية وهرع الناس إليه للتبرك به وممن صعد إليه للأخذ عنه الشيخ عبد النبي شيخ المالكية والشيخ شمس الدين بن رمضان شيخ الحنفية وتسلكا على يديه هم وخلق من الفضلاء وقال سيدي محمد بن عراق في سفينته أنه لم يشتهر في بلاد العرب بالعلم والمشيخة والإرشاد إلا بعد رجوعه من الروم إلى حماة سنة إحدى عشرة ثم قدم منها إلى دمشق في سابع عشري رجب سنة ثلاث عشرة وتسعمائة قال وأقام في قدمته هذه ثلاث سنوات وخمسة أشهر وأربعة عشر يوما يربي ويرشد ويسلك ويدعو إلى الله على بصيرة قال واجتمع عليه الجم الغفير ثم دخل عليه قبض وهو بصالحية دمشق واستمر ملازما له حتى ترك مجلس التأديب وأخذ يستفسر عن الأماكن التي في بطون الأودية ورؤس الجبال حتى ذكر له سيدي محمد بن عراق مجدل معوش فهاجر اليهافي ثاني عشر محرم هذه السنة قال سيدي محمد بن عراق ولم يصحب غيري والولد علي وكان سنه عشر سنين وشحص آخر عملا بالسنة وأقمت معه خمسة

أشهر وتسعة عشر يوما وتوفي ليلة الإثنين حادي عشر جمادى الآخرة ودفن بها في أرض موات بشاهق جبل حسبما أوصى به قال ودفن خارج حضرته المشرفة رجلان وصبيان وامرأتان وأيضا امرأتان وبنتان الرجلان محمد المكناسي وعمر الأندلسي والصبيان ولدي عبد الله وكان عمره ثلاث سنين وموسى بن عبد الله التركماني والإمرأتان أم إبراهيم وبنتها عائشة زوجة الذعري والإمرأتان الأخريتان مريم القدسية وفاطمة الحموية وسألته عند وفاته أين أجعل دار هجرتي فقال مكان يسلم فيه دينك ودنياك ثم تلا قوله تعالى { الذين تتوفاهم الملائكة } الآية
وفيها سراج الدين أبو حفص عمر بن عبد العزيز الفيومي الأصل الدمشقي قال في الكواكب كانت له مشاركة جيدة وقال الشعر الحسن وله ديوان شعر في مجلد ضخم ومدح الأكابر والأعيان وخمس البردة تخميسا حسنا ورزق فيه السعادة التامة واشتهر في حال حياته وكتبه الناس لحسنه وعذوبة ألفاظه ومن شعره
( إن كان هجري لذنب حدثوك به ** عاتب به ليبين العبد أعذاره )
( وإن يكن حظ نفس ماله سبب ** فلا تطعها فإن النفس أمارة )
وتوفي بدمشق ودفن بمقبرة باب السريجة على والده
وفيها شمس الدين أبو الفضل محمد بن صارم الدين إبراهيم الرملي الشافعي الشهير بابن الذهبي الإمام العالم أحد الشهود المعتبرين بدمشق ذكر النعيمي أنه كان قائما بخدمة الشيخ رضى الدين الغزي وأن ميلاده كان سنة تسع وخمسين وثمانمائة وقال البدر الغزي كان يعرف القراءات وتوفي بدمشق ليلة الجمعة ثالث عشر المحرم بعد عوده من القاهرة
وفيها عز الدين محمد بن شهاب الدين أحمد الكوكاجي الحموي ثم الدمشقي الحنبلي أقضى القضاة ولد بعد الأربعين وثمانمائة وتوفي عشية الثلاثاء تاسع

عشر ذي القعدة بدمشق وصلى عليه بالجامع الأموي ودفن بالروضة من سفح قاسيون
وفيها جمال الدين محمد بن إسمعيل المشرع عجيل اليمني قال في النور كان إماما عالما صالحا توفي بمدينة زبيد ضحى يوم الخميس الثالث عشر من شهر رمضان ودفن إلى جنب أبيه قبلي تربة الشيخ إسمعيل الجبرتي انتهى
وفيها شمس الدين محمد بن خليل الشيخ الإمام العالم الطرابلسي الشافعي خليفة الحكم بمدينة طرابلس دخل إلى دمشق في ضرورة له فتوفي بها غريبا يوم الأربعاء سابع شعبان ودفن بباب الفراديس وفيها محمد بن عبد الرحمن الأسقع باعلوي اليمني الشافعي قال في النور حفظ الحاوي ومنظومة البرماوي في الأصول وألفية ابن مالك وقرأ الكثير ودأب في الطلب وأخذ عن الكثير من الأعلام منهم إبراهيم بن ظهيرة والسخاوي وله منه إجازة ومكث في مكة مدة لطلب العلم وحصل الكثير من العلوم وأقبل على نفع الناس إقراء وإفتاء مع الدين المتين والتحقيق والإتقان وشدة الورع والزهد والعبادة والخمول وكان حسن التقرير أخذ عنه غير واحد وتوفي بتريم في شوال ومن كراماته أن بعض خدمه سرق داره فقال له اذهب إلى المكان الفلاني تجد ما أخذ لك ففعل فوجد ما سرق له في ذلك المكان الذي عينه انتهى وفيها تقريبا المولى قوام الدين يوسف العالم الفاضل الشهير بقاضي بغداد كان من بلاد العجم من مدينة شيراز وولي قضاء بغداد مدة فلما حدثت فيه فتنة ابن أردبيل ارتحل إلى ماردين وسكن بها مدة ثم رحل إلى بلاد الروم فأعطاه السلطان أبو يزيد سلطانية بروسا ثم إحدى الثمانية وكان عالما متشرعا زاهدا وقورا صنف شرحا عظيما على التجريد وشرحا على نهج البلاغة وكتابا جامعا لمقدمات التفسير وغير ذلك رحمه الله تعالى

سنة ثمان عشرة وتسعمائة

فيها توفي العلامة برهان الدين إبراهيم بن علي القرصلي ثم الحلبي كان من قرصة بفتح القاف وسكون الراء وضم الصاد المهملة قرية من القصير وكان من جملة فلاحيها فتعلم الخط ثم رأى في المنام أنه على لوح في البحر وبيده عصى يحركه فأول له ذلك بأنه يكون من أهل العلم وكان كما أول له من العلماء ودرس بمسجد العناتبة بحلب وغيره قال ابن الحنبلي وأكب على دروسه جماعة في العقليات لمهارته فيها وإن كان في النقليات أمهر وفضله فيها أظهر انتهى وفيها السلطان الأعظم أبو يزيد خان بن السلطان محمد خان ابن السلطان مراد خان بن السلطان محمد خان بن السلطان بايزيد خان ابن السلطان مراد خان بن السلطان أورخان بن السلطان عثمان خان سلطان الروم وهو الثامن من ملوك بني عثمان ولد سنة ست وخمسين وثمانمائة قال الشيخ مرعي في كتابه نزهة الناظرين ولي السلطنة سنة سبع وثمانين وثمانمائة وكان محبا للعلماء والمشايخ والأولياء وله رياضات وفي أيامه تزايد الفتح ببلاد الروم وفتح عدة قلاع وحصون وبنى المدارع والجوامع والتكايا والزوايا والخوانق ودار الشفاء والحمامات والجسور ورتب للمفتي الأعظم ومن في رتبته من العلماء لكل واحد في كل عام عشرة آلاف عثماني وكان يرسل للحرمين في كل سنة أربعة عشر ألف دينار نصفها لمكة ونصفها للمدينة وفي أيامه قاتله أخوه السلطان جم على السلطنة ثم انهزم جم إلى مصر وحج في زمن السلطان قايتباي ثم عاد فأكرمه قايتباي إكراما عظيما ثم رجع إلى الروم وقاتل أخاه ثانيا فهزمه فهرب جم إلى بلاد النصارى فأرسل بايزيد إليه من سمه فحلق رأسه بموسى مسموم فمات وفي أيامه كان ظهور إسمعيل شاه فاستولى على ملوك العجم وأظهر مذهب الإلحاد والرفض وغير

اعتقاد أهل العجم إلى يومنا هذا وفي أيامه قدم عليه خطيب مكة الشيخ محي الدين عبد القادر بن عبد الرحمن العراقي والشيخ شهاب الدين أحمد بن الحسين شاعر البطحاء وامتدحه بقصيدته التي أولها
( خذوا من ثنائي موجب الحمد والشكر ** ومن در لفظي أطيب النظم والنثر )
فأجازه عليها ألف دينار ورتب له في دفتر الصر كل سنة مائة دينار فكانت تصل إليه ثم إلى أولاده من بعده انتهى وقال في الكواكب وكان قد استولى على المرحوم السلطان أبي يزيد في آخر عمره مرض النقرس وضعف عن الحركة وترك الحروب عدة سنين فصارت عساكره يتطلبون سلطانا شابا قوي الحركة كثير الأسفار ليغازي بهم فرأوا أن السلطان سليم خان من أولاد أبي يزيد أقوى أخوته وأجلدهم فمالوا إليه وعطف عليهم فخرج إليه أبوه محاربا فقاتله وهزمه أبوه ثم عطف على أبيه ثانيا لما رأى من ميل العساكر إليه فلما رأى السلطان أبو يزيد توجه أركان الدولة إليه استشار وزراءه وأخصاءه في أمره فأشاروا أن يفرغ له عن السلطنة ويختار التقاعد في أدرنة وأبرموا عليه في ذلك فأجابهم حين لم ير بدا من إجابتهم وعهد إليه بالسلطنة ثم توجه مع بعض خواصه إلى أدرنة فلما وصل إلى قرب جورا وكان فيها حضور أجله فتوفي بها ووصل خبر موته هو وسلطان مكة قايتباي بن محمد بن بركات الشريف وسلطان اليمن الشيخ عامر بن محمد إلى دمشق في يوم واحد وهو يوم الأحد ثامن عشرى ربيع الأول من هذه السنة انتهى وفيها شهاب الدين أحمد بن إبراهيم ابن محمد بن إبراهيم بن منجك الأمير الدمشقي قال في الكواكب لم يحمد ابن طولون سيرته في أوقافهم وكانت وفاته بطرابلس وحمل إلى دمشق في محفة ودخلوا به دمشق يوم الأحد سابع عشر المحرم ودفن بتربتهم بميدان الحصا وتولى أوقافهم بعده الأمير عبد القادر بن منجك انتهى


وفيها شهاب الدين أحمد بن حسن مفتي مدينة تعز من اليمن توفي بها يوم الأربعاء ثالث عشر جمادى الأولى
وفيها الفقيه عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر بافضل الحضرمي قال في النور ولد سنة خمسين وثمانمائة وارتحل لطلب العلم إلى عدن وغيرها وأخذ عن الإمامين محمد بن أحمد بأفضل وعبد الله بن أحمد مخرمه ولازم الثاني وتخرج به وانتفع به كثيرا وأخذ أيضا عن البرهان بن ظهيرة وتميز واشتهر ذكره وبعد صيته وأثنى عليه الأئمة من مشايخه وغيرهم وكان حريا بذلك وكان إماما عالما عاملا عابدا ناسكا ورعا زاهدا شريف النفس كريما سخيا مفضالا كثير الصدقة حسن الطريقة لين الجانب صبورا على تعليم العلم متواضعا حسن الخلق لطيف الطباع آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر له حرمة وافرة عند الملوك وغيرهم حافظا أوقاته لا يرى إلا في تدريس علم أو مطالعة كتاب أو اشتغال بعبادة وذكر ولي التدريس بجامع الشحر وانتصب فيها للاشغال والفتوى وصار عمدة القطر وانتهت إليه رياسة الفقه في جميع تلك النواحي ولم يزل على ذلك حتى توفي يوم الأحد خامس شهر رمضان ودفن في طرف بلد الشحر من جهة الشمال في موضع موات وهو أول من دفن هناك ودفن الناس إلى جانبه حتى صارت مقبرة كبيرة انتهى وفيها زين الدين عبد الحق بن محمد البلاطنسي الشافعي الإمام العلامة ولد في سنة ست وخمسين وثمانمائة وتوفي فجأة يوم الأربعاء سابع شعبان وصلى عليه غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة ثالث رمضان قاله في الكواكب
وفيها عفيف الدين عبد العليم بن القاضي جمال الدين محمد بن حسين القماط اليمنى قال في النور كان نعم الرجل فقها وصلاحا ودينا وأمانا وعفة وصيانة قدم في السنة التي قبلها من مدينة أب متوعكا إلى زبيد بعد طلوع ولده عفيف الدين عبد الله إليه فجعله نائبا له وقدم المدينة فلم يزل بها مريضا

إلى أن وصل ابنه عبد الله باستدعائه إليه فمات بعد قدومه في ليلة الإثنين سادس عشر المحرم ودفن إلى جنب والده بمجنة باب سهام انتهى
وفيها المولى مظفر الدين علي بن محمد الشيرازي العمري الشافعي قطن حلب سنة ست عشرة وتسعمائة وأخذ بها عن جماعة منهم الشمس بن بلال وكتب حواشي على الكافية وكان صهرا لمنلا جلال الدواني وكان ماهرا في المنطق حتى كان يقول عنه منلا جلال الدين لو كان المنطق جسما لكان هو منلا مظفر الدين وذكر في الشقائق أنه دخل بلاد الروم وكان المولى ابن المؤيد قاضيا بالعسكر وكان المنلا مظفر الدين مقدما عليه حال قراءتهما على الدواني فأكرمه ابن المؤيد إكراما عظيما وعرضه على السلطان أبي يزيد فأعطاه مدرسة مصطفى باشا بالقسطنطينية فدرس بها مدة ثم أعطاه إحدى المدارس الثمان فدرس بها مدة أيضا ثم أضرت عيناه فعجز عن إقامة التدريس فعين له السلطان سليم خان كل يوم ستين درهما بطريق التقاعد وتوطن مدينة بروسا قال وكانت له يد طولى في الحساب والهيئة والهندسة وزيادة معرفة بعلم الكلام والمنطق خاصة في حاشية التجريد وحواشي شرح المطالع قال ورأيت على كتاب اقليدس من فن الهيئة أنه قرأه من أوله إلى آخره على الفاضل أمير صدر الدين الشيرازي قال وكتب عليه حواشي محال مشكلات قال وكان سليم النفس حسن العقيدة صالحا مشتغلا بنفسه راضيا من العيش بالقليل واختار الفقر على الغنى وكان يبذل ماله للفقراء والمحاويج وقال ابن الحنبلي أنه مات مطعونا في هذه السنة وقال في الشقائق أنه مات بمدينة بروسا سنة اثنتين وعشرين فالله أعلم وفيها القاضي علاء الدين علي الرملي الفاضل خليفة الحكم العزيز بدمشق قال في الكواكب قتل بين المغرب والعشاء ليلة السبت حادي جمادى الآخرة بسوق الرصيف بالقرب من الجامع الأموي وهو السوق المعروف الآن بدرويش باشا عند باب البريد خرج عليه جماعة

فقتلوه ولم يعرف قاتله واتهم بقتله القاضي شهاب الدين الرملي إمام الجامع الأموي لما كان بينهما من المخاصمات الشديدة انتهى
وفيها محمد بن أحمد بن أبي بكر بن عبد الله العيدروس باعلوي الشافعي قال في النور كان مشاركا في العلوم وقرأ المنهاج الفقهي ومن محفوظاته الإرشاد وملحة الإعراب وتوفي بتريم ودفن بمشهد جده الشيخ عبد الله انتهى

سنة تسع عشرة وتسعمائة

فيها توفي الشيخ المعتقد إبراهيم بن محمد بن عبد الرحمن الدسوقي الشافعي الصوفي الرباني ولد في سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة ولبس خرقة التصوف من الشيخ شهاب الدين بن قرا وتفقه به ولقنه الذكر أبو العباس القرشي وأخذ عليه العهد عن والده عن جده قال الحمصي وكان صالحا مباركا مكاشفا وقال ابن طولون كان شديد الإنكار على صوفية هذا العصر المخالفين له خصوصا الطائفة العربية قال ولم تر عيناي متصوفا من أهل دمشق أمثل منه لبست منه الخرقة ولقنني الذكر وأخذ على العهد الجميع يوم السبت سادس عشرى ذي الحجة سنة اثنتي عشرة وتسعمائة انتهى وذكره الجمال يوسف ابن عبد الهادي في كتابه الرياض اليانعة في أعيان المائة التاسعة فقال اشتغل وتصوف مشاع ذكره وعنده ديانة ومشاركة وللناس فيه اعتقاد انتهى وتوفي بدمشق ليلة الإثنين ثالث شعبان ودفن بمقبرة باب الصغير
وفيها برهان الدين إبراهيم بن عثمان بن محمد بن عثمان بن موسى بن يحيى المرداوي الدمشقي الصالحي الحنبلي المعروف بجابي بن عبادة ولد في رمضان سنة سبع وأربعين وثمانمائة وسمع على البرهان بن الباعوني والنظام بن مفلح والشهاب بن زيد وكان من الأفاضل وتوفي يوم الخميس مستهل رجب
وفيها القاضي تقي الدين أبو بكر الشيخ العلامة الدمشقي الشافعي المعروف بابن قاضي زرع كان أحد خلفاء الحكم بدمشق وتوفي يوم الثلاثاء عاشر شهر رمضان


وفيها شهاب الدين أحمد بن صدقة الشيخ الفاضل الشافعي أحد العدول بدمشق توفي وهو متوجه إلى مصر بالعريش في أواخر جمادى الآخرة
وفيها قاضي القضاة العلامة شهاب الدين أحمد الشيشي المصري الحنبلي ولي قضاء الحنابلة بمصر سنين وكان إماما علامة وتوفي في صفر وولي قضاء الحنابلة عوضه ولده قاضي القضاة عز الدين وفيها زين الدين ومحب الدين بركات بن إبراهيم بن محمد بن إبرهيم الأذرعي الدمشقي العاتكي الشافعي الشهير بابن سقط الشيخ الإمام الفاضل ولد في سابع عشر شعبان سنة ثلاث وخمسين وثمانمائة وكان أحد عدول دمشق وتوفي ليلة الجمعة ثاني عشر شوال
وفيها تقريبا شرف الدين شرف الصعيدي الشيخ الصالح الورع الزاهد دخل مصر في أيام الغوري وأقام بها حتى مات وكان يصوم الدهر ويطوي أربعين يوما فأكثر وبلغ الغوري أمره فحبسه في بيت وأغلق عليه الباب ومنعه الطعام والماء ثم أخرجه فصلى بالوضوء الذي دخل به فاعتقده الغوري اعتقادا عظيما وكان يكاشف بما يقع للولاة وغيرهم قاله في الكواكب
وفيها شيخ بن عبد الله بن العيدروس الشريف اليمني الشافعي قال حفيده في النور السافر كان من أعيان عباد الله الصالحين وخلاصة المقربين حسن الأخلاق والشيم جميل الأوصاف معروفا بالمعروف والكرم سليم الصدر رفيع القدر صحب غير واحد من الأكابر كأبيه الشيخ عبد الله العيدروس وعمه الشيخ علي وعمه الشيخ أحمد وأخيه الشيخ أبي بكر ومن في طبقتهم وأخذ عنهم وتخرج بهم وصار وحيد عصره ومن المشار إليهم في قطره ومحاسنه كثيرة وبحار فضائله غزيرة لا سبيل إلى حصرها والأولى الآن طيها دون نشرها وفيه يقول حفيده وسميه سيدي الشيخ الوالد قدس الله روحه
( وفي شيخ ابن عبد الله جدي ** معاشرة لحسن الخلق تبدي )
( له قلب منيب ذو صفاء ** سليم الصدر بالإنفاق يسدي )


( له في الأوليا حسن اعتقاد ** كريم الأصل ذو فخر ومجد )
( تربي بالولي القطب حقا ** أبوه العيدروس الخير يهدي )
انتهى بحروفه وفيها قاضي القضاة نجم الدين عمر بن إبراهيم بن محمد بن مفلح الراميني الأصل الدمشقي الصالحي الحنبلي ولد سنة ثمان وأربعين وثمانمائة وأخذ عن والده وغيره وولي قضاء قضاة الحنابلة بدمشق مرارا آخرها سنة عشر وتسعمائة واستمر فيه إلى أن توفي ليلة الجمعة ثاني شوال ودفن بالصالحية على والده وكانت له جنازة حافلة حضرها نائب الشام سيباي والقضاة الثلاثة وخلائق لا يحصون وفيها سراج الدين عمر بن شيخ الإسلام علاء الدين علي بن عثمان بن عمر بن صالح الشهير بابن الصيرفي الدمشقي الشافعي ولد سنة أربع أو خمس وعشرين وثمانمائة وقيل سنة ثلاثين وكان إماما عالما علامة خطيبا مصقعا له أسانيد عالية بالحديث النبوي وولي نيابة القضاء بدمشق مدة طويلة والعرض والتقرير وباشر خطابة الجامع الأموي نحو أربعين سنة وتوفي ليلة الأحد سابع شوال وصلى عليه السيد كمال الدين بن حمزة بالأموي ودفن بمقبرة باب الصغير على والده الحافظ علاء الدين الصيرفي غربي مسجد النارنج
وفيها أبو حفص عمر البجائي المغربي المالكي الإمام العلامة القدوة الحجة الفهامة ولي الله تعالى والعارف به قدم إلى مصر في زمان السلطان الغوري وصار له عند الأكابر وغيرهم القبول التام وكان له كشف ظاهر يخبر بالوقائع الآتية في مستقبل الزمان فتقع كما أخبر وهو ممن أخبر بزوال دولة الجراكسة وقتالهم لابن عثمان وقال أن الدولة تكون للسلطان سليم ومر على المعمار وهو يعمر القبة الزرقاء للغوري تجاه مدرسته فقال ليس هذا قبر الغوري فقالوا له واين قبره فقال يقتل في المعركة فلا يعرف له قبر وكان الأمر كما قال وكان شابا طويلا جميل الصورة طيب الرائحة على الدوام حفظ المدونة الكبرى للإمام مالك وسمع الحديث الكثير وكان يصوم الدهر وقوته في الغالب الزبيب ولم يكن على رأسه

عمامة إنما كان يطرح ملاءة عريضة على رأسه وظهره ويلبس جبة سوداء واسعة الأكمام وسكن جامع الملك بالحسينية ثم انتقل إلى جامع محمود ثم عاد إلى قبة المارستان بخط بين القصرين وبقي بها إلى أن مات ولما سكن بجامع محمود قال فيه الشيخ شمس الدين الدمياطي أبياتا منها
( سألتني أيها المولى مديح أبي ** حفص وما جمعت أوصافه الغرر )
( مكمل في معانيه وصورته ** كمال من لابه نقص ولا قصر )
( مطهر القلب لا غل يدنسه ** ولا له قط في غير التقى نظر )
( فهن جامع محمود بساكنه ** لإنه الآن محمود ومفتخر )
( وقل له فيك بحر العلم ليس له ** حد فيا لك بحرا كله درر )
وتوفي في هذه السنة أو التي بعدها ودفن بالقرافة في حوش عبد الله بن وهب بالقرب من قبر القاضي بكار وفيها أو في التي بعدها مصلح الدين مصطفى الرومي الحنفي الشهير بابن البركي الإمام العالم طلب العلم وخدم المولى قاسم الشهير بقاضي زاده ثم صار معيدا لدرسه ثم درس في بعض المدارس ثم جعله السلطان أبو يزيد معلما لولده السلطان أحمد وهو أمير باماسية ثم أعطاه إحدى الثمانية ثم قضاء أدرنة وكان في قضائه حسن السيرة محمود الطريقة واستمر قاضيا بها مدة طويلة إلى أن عزله السلطان سليم في أوائل سلطنته وعين له كل يوم مائة وثلاثين عثمانيا وكان مفننا فصيح اللسان طلق الجنان رحمه الله تعالى
وفيها نجم الدين محمد بن أحمد الشهير بابن شكم الدمشقي الشافعي الإمام العلامة قال الحمصي كان عالما صالحا زاهدا وقال ابن طولون كتب على أربعين مسئلة بالشامية سأله عنها مدرسها شيخ الإسلام تقي الدين بن قاضي عجلون فكتب عليها وعرضها عليه يوم الأربعاء سادس عشرى ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وتسعمائة عند ضريح الواقفة فأسفر عن استحضار حسن وفضيلة تامة وتوفي

يوم الإثنين خامس عشر شوال ودفن بصالحية دمشق وفيها محي الدين محمد بن حسن بن عبد الصمد الساموني الرومي الحنفي العالم العامل الزاهد قرأ على والده وعلى المولى علاء الدين العربي ثم ولي التدريس وترقى فيه ثم صار قاضي أدرنة من قبل السلطان سليم وتوفي وهو قاض بها قال في الشقائق كان مشتغلا بالعلم غاية الاشتغال بحيث لا ينفك عن حل الدقائق ليلا ونهارا وكان معرضا عن مزخرفات الدنيا يؤثر الفقراء على نفسه حتى يختار لأجلهم الجوع والعرى راضيا من العيش بالقليل له محبة صادقة للصوفية وله حواش على شرح المفتاح للسيد الشريف وحواش على حاشية التجريد للسيد أيضا وحواش على التلويح للتفتازاني انتهى وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن حسن بن محمد بن أبي بكر البابي المولد الحلبي المنشأ الشافعي المعروف بابن البيلوني الإمام العالم العامل لازم الشيخ بدر الدين بن السيوفي وحدث عنه وقرأ على الكمال محمد بن الناسخ الطرابلسي وهو نزيل حلب في شعبان سنة خمس وتسعمائة من أول صحيح البخاري إلى أول تفسير سورة مريم وأجازه ومن معه وأجازه جماعة آخرون منهم الحافظ السخاوي وألبسه الطاقية وصافحه وأسمعه الحديث المسلسل بالمصافحة ومنهم الكمال والبرهان ابنا أبي شريف المقدسيان وذلك عن اجتماع وقراءة عليهما وحدث بجامع حلب على الكرسي بصحيح البخاري وغيره وولي إمامة السفاحية والحجازية بجامع حلب دهرا وكان متقشفا متواضعا يعبر عن نفسه بلفظ عبيدكم كثيرا وتوفي بحلب يوم السبت ثاني عشرى القعدة
وفيها شمس الدين محمد بن جلال الدين محمد بن فتح الدين عبد الرحمن ابن وجيه الدين حسن المصري المالكي ويعرف كسلفه بابن سويد قال في النور ولد في سادس شعبان سنة ست وخمسين وثمانمائة ونشأ في كنف أبيه فحفظ القرآن وابن الحاجب الفرعي والأصلي والفية النحو وغير ذلك وعرض على

خلق واشتغل قليلا على والده وورث عنه شيئا كثيرا فأتلفه في أسرع وقت ثم أملق وذهب إلى الصعيد ثم إلى مكة وقرأ هناك على الحافظ السخاوي الموطأ ومسند الشافعي وسنن الترمذي وابن ماجه وسمع عليه شرحه للألفية وغير ذلك من تصانيفه ولازمه مدة وذكره السخاوي في تاريخه فقال كان صاحب ذكاء وفضيلة في الجملة واستحضار وتشدق في الكلام وكانت سيرته غير مرضية وأنه توجه إلى اليمن ودخل زيلع ودرس وحدث ثم توجه إلى كنباية وأقبل عليه صاحبها وقال الشيخ جار الله بن فهد وقد عظم صاحب الترجمة في بلاد الهند وتقرب من سلطانها محمود شاه ولقبه بملك المحدثين لما هو مشتمل عليه من معرفة الحديث والفصاحة وهو أول من لقب بها وعظم بذلك في بلاده وانقاد له الأكابر في مراده وصار منزله مأوى لمن طلبه وصلاته واصلة لأهل الحرمين واستمر كذلك مدة حياة السلطان المذكور ولما تولى ولده مظفر شاه أخرج بعض وظائفه عنه بسبب معاداة بعض الوزراء فتأخر عن خدمته إلى أن مات قال ولم يخلف ذكرا بل تبنى ولدا على قاعدة الهند فورثه مع زوجته ولم يحصل لابنته التي بالقاهرة شيئا من ميراثها لغيبتها ودفن بأحمداباد من كجرات انتهى

سنة عشرين وتسعمائة

فيها توفي المولى إبراهيم الرومي الحنفي الشهير بابن الخطيب العالم الفاضل أحد الموالي العثمانية قرأ على أخيه المولى خطيب زاده وعلى غيره وولي التداريس وترقى فيها حتى صار مدرسا بمدرسة السلطان مراد خان ببروسا وتوفي وهو مدرس بها قال في الشقائق كان سليم الطبع حليم النفس منجمعا عن الخلق مشتغلا بنفسه أديبا لبيبا إلا أنه لم يشتغل بالتصنيف لضعف دائم في مزاجه انتهى وفيها شهاب الدين أحمد بن حمزة الشيخ الإمام العالم العلامة الصالح التركي الطرابلسي الدمشقي الشافعي الصوفي ولد في شوال سنة

أربع وثلاثين وثمانمائة وكان إماما لكافل طرابلس الشام ولما جاء من كفالة طرابلس إلى كفالة دمشق صحبه المترجم وكان على طريقة حسنة قال الحمصي كان رجلا عالما صالحا ومن محاسنه أنه صلى بالجامع الأموي في شهر رمضان بالقرآن جميعه في ركعتين وقال النعيمي أصيب في بصره سنة خمس عشرة وتسعمائة بعد أن أصيب في أواخر القرن التاسع بأولاد نجباء وصبر ثم انقطع عن الناس بالمدرسة التقوية إلى أن توفي يوم الخميس خامس ذي القعدة
وفيها تقريبا شهاب الدين أحمد بن عمر بن سليمان الجعفري الدمشقي الشافعي الصوفي الوفائي له كتاب لطيف شرح فيه حكم ابن عطاء الله وضعه على أسلوب غريب كلما تكلم على حكمة اتبعها بشعر عقدها فيه فمن ذلك قوله
( أجل أوقات عارف زمن ** يشهد فيه وجود فاقته )
( متصفا بالذي يقربه ** من ربه من وجود زلته )
عقد فيه قول ابن عطاء الله خير أوقاتك وقت شهدت فيه وجود فاقتك وترد إلى وجود زلتك وقال أيضا
( خير ما تطلب منه ** هو ما يطلب منكا )
( فاطلب التوفيق منه ** للذي يرضيه عنكا )
عقد فيه قول ابن عطاء الله خير ما تطلبه منه ما هو طالبه منك وقال أيضا
( إن وسع الكون صغير جرم جثما نيتك ** )
( فإنه يضيق عن عظيم روحانيتك ** )
عقد فيه قول ابن عطاء الله وسعك الكون من حيث جثمانيتك ولم يسعك من ثبوت روحانيتك وفرغ من تأليف هذا الكتاب يوم الجمعة ثالث عشرى القعدة من السنة التي قبلها بمكة المشرفة تجاه البيت الحرام وفيها أحمد الشيخ الصالح المعتقد المعروف بأبي عراقية أصله من العجم وأقام بدمشق وكان للأروام فيه اعتقاد زائد قال ابن طولون وهو ممن أخذ عنه وقد أخبرنا

كثيرا عن استيلائهم على هذه البلاد وعمارتهم على قبر المحيوي بن العربي وعنده تكية قبل موته وقد وقع ذلك بعد موته بسنتين كما قال انتهى توفي في هذه السنة ودفن عند صفة الدعاء أسفل الروضة من سفح قاسيون
وفي حدودها صاحب خزانة الفتاوى وهو القاضي جكن بضم الجيم وفتح الكاف وسكون النون وهي كلمة هندية جعلت علما ومعناها بلسان الهند كثير المال كان رحمه الله تعالى أحد إخوة أربعة كلهم فقهاء فضلاء ولوا القضاء بنهر واله من إقليم الكجرات واسم القصبة التي نشأوا بها كرى بفتح الكاف وكسر الراء آخره ياء مثناة تحت وكان في أواخر سلطنة السلطان محمود شاه بن محمد شاه بن أحمد شاه الكجراتي وفيها حسام الدين حسين ابن عبد الرحمن الرومي الحنفي العالم الفاضل قرأ على علماء عصره ودخل إلى خدمة المولى أفضل زاده ثم قرأ على المولى عبد الرحمن بن المؤيد ثم خدم المولى خواجه زاده ثم ولي التداريس حتى صار مدرسا بمدرسة السلطان محمد ببروسا ثم بمدرسة أبي يزيد باماسية ثم بإحدى الثمانية ومات وهو مدرس بها وكان فاضلا بارعا حسن الصوت لطيف المعاشرة له أدب ووقار وله حواش على أوائل حاشية التجريد وكلمات متعلقة بشرح الوقاية لصدر الشريعة ورسالة في جواز استخلاف الخطيب ورسالة في جواز الذكر الجهري وغير ذلك قاله في الكواكب وفيها عمر بن معوضة الشرعي قال في النور كان فقيها عالما صالحا مات يوم الأربعاء ثاني عشر شوال بزبيد انتهى
وفيها أبو الوفا محمد بن عبد الله بن محمد بن محمد الموصلي الأشعري الشافعي الشيخ الصالح المسلك المربي قال في الكواكب كان من أعيان الصوفية بدمشق وأصلائهم أبا عن جد توفي في ثامن عشر شهر رمضان ودفن بمقبرة القبيبات رحمه الله تعالى وفيها جمال الدين محمد بن الصديق الصائغ قال في النور كان فقيها إماما علامة توفي بمدينة زبيد ليلة السبت الحادي عشر من

شهر ربيع الأول ودفن غربي مشهد الشيخ أحمد الصياد انتهى

سنة إحدى وعشرين وتسعمائة

في حدودها توفي الشيخ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن حسين بن محمد العليني المكي نزيل المدينة الشافعي ولد سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة وسمع على جماعة وأجازه آخرون قال ابن طولون أجازني في استدعاء بخط شيخنا النعيمي مؤرخ في سنة عشرين وتسعمائة قال وربما اجتمعت به انتهى
وفيها بدر الدين حسن بن ثابت بن إسمعيل الزمزمي المكي خادم بئر زمزم وسقاية العباس نزيل دمشق الشافعي الإمام الحيسوب المفيد قال في الكواكب أخذ العلم عن قريبه الشيخ إبراهيم الزمزمي وغيره ثم اعتنى بعلم الزيارج وبتصانيف الشيخ جلال الدين السيوطي رحمه الله تعالى وتوفي بالمدرسة البادرائية داخل دمشق في سابع عشر ربيع الأول تقريبا سنة إحدى وعشرين وتسعمائة تحقيقا ودفن بمقبرة باب الصغير انتهى
وفيها قاضي القضاة سرى الدين أبو البركات عبد البر بن قاضي القضاة محب الدين أبي الفضل محمد بن قاضي القضاة محب الدين أيضا أبي الوليد محمد بن الشحنة الحنفي ولد بحلب سنة إحدى وخمسين وثمانمائة ورحل إلى القاهرة فاشتغل في علوم شتى على شيوخ متعددة ذكرهم السخاوي في ترجمته في الضوء اللامع منهم والده وجده ودرس وأفتى وتولى قضاء حلب ثم قضاء القاهرة وصار جليس السلطان الغوري وسميره قال الحمصي كان عالما متقنا للعلوم الشرعية والعقلية وقال ابن طولون ولم يثن الناس عليه خيرا وذكر الحمصي أن عبيد السلموني شاعر القاهرة هجاه بقصيدة قال في أولها
( فشا الزور في مصر وفي جنباتها ** ولم لا وعبد البر قاضي قضاتها )
وعقد على السلموني بسبب ذلك مجلس في مستهل محرم سنة ثلاث عشرة

بحضرة السلطان الغوري وأحضر في الحديد فأنكر ثم عزر بسببه بعد أن قرئت القصيدة بحضرة السلطان وأكابر الناس وهي في غاية البشاعة والشناعة والسلموني المذكور كان هجاء خبيث الهجو ما سلم منه أحد من أكابر مصر فلا يعد هجوه جرحا في مثل القاضي عبد البر وقد كان له في ذلك العصر حشمة وفضل وكان تليمذه القطب بن سلطان مفتي دمشق يثني عليه خيرا ويحتج بكلامه في مؤلفاته وكان ينقل عنه أنه أفتى بتحريم قهوة البن وله رحمه الله تعالى مؤلفات كثيرة منها شرح منظومة ابن وهبان في فقه أبي حنيفة النعمان ومنها شرح الوهبانية في فقه الحنفية وشرح منظومة جده أبي الوليد بن الشحنة التي نظمها في عشرة علوم وكتاب لطيف في حوض دون ثلاثة أذرع هل يجوز فيه الوضوء أو لا وهل يصير مستعملا للتوضى فيه أو لا ومنها الذخائر الأشرفية في ألغاز الحنفية وله شعر لطيف منه
( أضاروها مناقبي الكبار ** وبي والله للدنيا الفخار )
( بفضل شائع وعلوم شرع ** لها في سائر الدنيا انتشار )
( ومجد شامخ في بيت علم ** مفاخرهم بها الركبان ساروا )
( وهمة لوذع منهم تسامى ** وفوق الفرقدين لها قرار )
( وفكر صائب في كل فن ** إلى تحقيقه أبدا يصار )
وقال ناظما لأسماء البكائين في غزوة تبوك وهم الذين نزلت فيهم { ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع }
( ألا إن بكاء الصحابة سبعة ** لكونهم قد فارقوا خير مرسل )
( فعمرو أبو ليلى وعلية سالم ** كذا سلمة عرباص وابن مغفل )
وذيل عليه البدر الغزي فقال
( كثعلبة عمرو وصخر وديعة ** وعبد ابن عمرو بن أزرق معقل )

قال البدر المذكور وكنت قبل أن أقف على بيتي القاضي عبد البر المذكور قد استوفيت أسماءهم ونظمتها في هذه الأبيات
( وفي الصحب بكاءون بضعة عشر قد ** بكوا حزنا إذ فارقوا خير مرسل )
( فمنهم أبو ليلى وعمرو بن عتمة ** وصخر بن سلمان وربع بمعقل )
( كذلك عبد الله وهو ابن أزرق ** كذاك ابن عمرو ثم نجل مغفل )
( وثعلبة وهو ابن زيد وسالم ** هو ابن عمير في مقال لهم جلي )
( أبو علية أو علية ووديعة ** وبالأمجد العرباض للعد أكمل )
وذكر ابن الحنبلي في تاريخه أن القاضي عبد البر نظم أبياتا في أسماء البكائين المذكورين وبين فيها اختلاف المفسرين وأهل السير فيهم وشرحها في رسالة لطيفة ومن لطائفه قوله
( حبشية ساءلتها عن جنسها ** فتبسمت عن در ثغر جوهري )
( وطفقت أسأل عن نعومة ما طفى ** قالت فما تبغيه جنسي امحري )
وتوفي يوم الخميس خامس شعبان بحلب وفيها تقريبا عز الدين عبد العزيز بن عبد اللطيف بن أحمد بن جار الله بن زايد بن يحيى بن محيا بن سالم المكي الشافعي المعروف كسلفه بابن زايد ولد سنة ثمان وثلاثين وثمانمائة بمكة وحفظ القرآن العظيم وسافر مع أبيه في التجارة إلى الهند واليمن وسواكن وغيرها وسمع على أبي الفتح المراغي جميع البخاري خلا أبواب وبعض مسلم وكتبا كثيرة منه السنن الأربعة وسمع على الحافظ تقي الدين بن فهد ومنه أشياء كثيرة وعلى الشهاب الزفتاوي المسلسل بالأولية وجزء أيوب السختياني والبردة للبوصيري وغير ذلك وأجاز له جماعة منهم الحافظ ابن حجر وأحمد بن محمد بن أبي بكر الدماميني والعز عبد الرحيم بن الفرات والسعد الديري وجماعة آخر وفيها تقريبا أيضا الحافظ عز الدين أبو الخير وأبو فارس عبد العزيز بن العمدة المؤرخ الرحال نجم الدين

أبي القسم وأبي حفص عمر بن العلامة الرحلة الحافظ تقي الدين أبي الفضل محمد بن محمد بن محمد الشريف العلوي الشهير كسلفه بابن فهد المكي الشافعي ولد في الثلث الأخير من ليلة السبت سادس عشرى شوال سنة خمسين وثمانمائة بمكة المشرفة وحفظ القرآن العظيم والأربعين النووية والإرشاد لابن المقري والفية ابن مالك والنخبة لابن حجر والتحفة الوردية والجرومية وعرضها جميعها على والده وجده والثلاثة الأولى على جماعة غيرهما واستجاز له والده جماعة منهم ابن حجر وأسمعه على المراغي والزين الأسيوطي والبرهان الزمزمي وغيرهم ثم رحل بنفسه إلى المدينة المنورة ثم إلى الديار المصرية وسمع بهما وبالقدس وغزة ونابلس ودمشق وصالحيتها وبعلبك وحماة وحلب وغيرها ممن لا يحصى وجد واجتهد وتميز ثم عاد إلى بلده ثم رجع إلى مصر بعد نحو أربع سنوات وذلك في سنة خمس وسبعين وقرأ على شيخ الإسلام زكريا والشرف عبد الحق السنباطي في الإرشاد وعلى السخاوي الفية الحديث وغيرها ورجع إلى بلده ثم سافر في موسم السنة التي تليها إلى دمشق وقرأ بها على الزين خطاب والمحب البصروي وكان قد أخذ عنه بمكة أيضا وحضر دروس التقوى بن قاضي عجلون وسافر إلى حلب ثم رجع وسافر إلى القاهرة ثم عاد إلى بلده ثم عاد إلى القاهرة ولازم السخاوي وحضر دروس إمام الكاملية والسراج العبادي ثم رجع إلى بلده وأقام بها ملازما للاشتغال والاشغال ولازم فيها عالم الحجاز البرهان ابن ظهيرة في الفقه والتفسير وأخاه الفخر والنور الفاكهي في الفقه وأصوله وأخذ النحو عن أبي الوقت المرشدي والسيد السنهوري مؤرخ المدينة والنحو والمنطق عن العلامة يحيى المالكي وبرع في علم الحديث وتميز فيه بالحجاز مع المشاركة في الفضائل وعلو الهمة والتخلق بالأخلاق الجميلة وصنف عدة كتب منها معجم شيوخه نحو ألف شيخ وفهرست مروياته وجزء في

المسلسل بالأولية وكتاب فيه المسلسلات التي وقعت له ورحلة في مجلد وكتاب الترغيب والاجتهاد في الباعث لذوي الهمم الغلية على الجهاد وترتيب طبقات القراء للذهبي وتاريخ على السنين ابتدأ فيه من سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة وذكر ابن طولون أنه أجازه مرارا وسمع منه الحديث المسلسل بالأولية ثم المسلسل بالمحمدين ثم المسلسل بحرف العين وذلك يوم الإثنين سادس ذي الحجة سنة عشرين وتسعمائة بزيارة دار الندوة انتهى
وفيها جمال الدين محمد بن محمد النظاري قال في النور كان نعم الرجل فقها وعقلا وصيانة ودينا وأمانة وبذلا للمعروف كافا للأذى معينا للملهوف له صدقات جليلة سرا وعلانية وكان قطب رحى المملكة السلطانية الظافرية وعين الأعيان في الجهة اليمانية ومن آثاره بناء المسجد ببيت الفقيه عجيل عمره عمارة متقنة إلى الغاية وبنى مدرسة بمدينة اب ووقف عليها وقفا جليلا وجملة من الكتب النفيسة وله من الآثار الحسنة ما يجل عن الوصف وتوفي يوم الخميس الثاني والعشرين من جمادى الأولى بمدينة اب بعد أن طلع إليها متوعكا من نحو شهر وترك ولده الفقيه عبد الحق عوضا عنه بزبيد انتهى

سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة

فيها زالت دولة الجراكسة بملوك بني عثمان خلد الله دولتهم وأبد سيادتهم وفيها توفي القاضي برهان الدين إبراهيم السمديسي المصري الحنفي قال في الكواكب ولي نيابة القضاء والوظائف الدينية بالقاهرة وناب عن عمه القاضي شمس الدين السمديسي في إمامة الغورية وتوفي يوم الإثنين سادس عشر جمادى الأولى وصلى عليه في الجامع الأزهر انتهى
وفيها برهان الدين أبو الوفا إبراهيم بن زين الدين أبي هريرة عبد الرحمن ابن شمس الدين محمد بن مجد الدين إسمعيل الكركي الأصل القاهري

المولد والدار والوفاة الحنفي إمام السلطان ويعرف بابن الكركي قال في النور السافر ولد وقت الزوال من يوم الجمعة تاسع شهر رمضان سنة خمس وثلاثين وثمانمائة بالقاهرة وأمه أم ولد جركسية وحفظ القرآن وأربعين النووي والشاطبية ومختصر القدوري والفية ابن مالك وغيرها وعرض محفوظاته على أئمة عصره كالشهاب بن حجر والعلم البلقيني والقلقشندي واللولوي السقطي وابن الديري وابن الهمام وجماعة آخرين وكتبوا كلهم له وسمع صحيح مسلم أو أكثره على الزين الزركشي وأقبل على العلم وتحصيله فأخذ الفقه والعربية عن الشمس إمام الشيخونية وكذا أخذ عن النجم الغزي والعز عبد السلام البغدادي وسمع عليه الشفا وقرأ الصحيحين على الشهاب بن العطار وحضر دروس الكمال بن الهمام ولازم التقي الحصني والتقي الشمني والكافيجي وعظم اختصاصه بهم وأخذ عن الشمني التفسير وعلوم الحديث والفقه والأصلين والعربية والمعاني والبيان ورتبت له الوظائف الكثيرة من جملتها دينار كل يوم ونوه به في قضاء الحنفية وكان شأنه أعلى من ذلك إذ كان القضاة وغيرهم يترددون إليه ومال الأفاضل من الغرباء وغيرهم من الاستفادة منه والمباحثة معه ولم يزل يزيد اختصاصه بالسلطان قايتباي بحيث لم يتخلف عنه في سفر ولا غيره قال السخاوي أنه تمنى بحضرته الموت فانزعج من ذلك وقال بل أنا أتمناه لتقرأ عند قبري وتزورني وصنف وأفتى وحدث وروى ونظم ونثر ونقب وتعقب وخطب ووعظ وقطع ووصل وقدم وأخر ومن تصانيفه فتاوى في الفقه مبوبة في مجلدين وحاشية على توضيح ابن هشام هذا كله مع الفصاحة والبلاغة وحسن العبارة والضبط وجودة الخط ولطف العشرة والميل إلى النادرة واللطف ومزيد الذكاء وسرعة البديهة والاعتراف بالنعمة والطبع المسقتيم إلى أن تنكد خاطر

السلطان من جهته في سنة ست وثمانين فمنعه من الحضور في حضرته فتوجه للاقراء في بيته فنون العلم والفتيا وحج ثلاث حجات وأخذ عن أهل الحرمين وأخذوا عنه انتهى كلام صاحب النور وقال ابن فهد أنه تولى قضاء الحنفية بالقاهرة في زمن الأشرف بن قايتباي في سنة ثلاث وتسعمائة ثم عزل سنة ست واستمر معزولا إلى أن مات وقال في الكواكب السائرة كانت وفاته يوم الثلاثاء خامس شعبان غريقا تجاه منزله من بركة الفيل بسبب أنه كان توضأ بسلالم قيطونه فانفرك به القبقاب فانكفأ في البركة ولم يتفق أحد يسعفه فاستبطأوه وطلبوه فوجدوا عمامته عائمة وفردة القبقاب على السلم فعلموا سقوطه في البركة فوجدوه ميتا ونال الشهادة ودفن من الغد بفسقيته التي أنشأها بتربة الأتابك يشبك بقرب السلطان قايتباي وتردد الأمير طومان باي الذي صار سلطانا بعد موت الغوري إلى بيته وذهب ماشيا إلى جنازته هو ومن بمصر من الأعيان انتهى وفيها برهان الدين أبو الفتح إبراهيم بن علي بن أحمد القلقشندي الشيخ الإمام العلامة المحدث الحافظ الرحلة القدوة الشافعي القاهري أخذ عن جماعة منهم الحافظ ابن حجر والمسند عز الدين بن الفرات الحنفي وغيرهما وخرج لنفسه أربعين حديثا قال البدر العلائي أنه آخر من يروي عن الشهاب الواسطي وأصحاب الميدومي والتاج الشرابشي والتقي الغزنوي وعائشة الكنانية وغيرهم وقال الشعراوي كان عالما صالحا زاهدا قليل اللهو والمزاح مقبلا على أعمال الآخرة حتى ربما يمكث اليومين والثلاثة لا يأكل انتهت إليه الرياسة وعلو السند في الكتب الستة والمسانيد والأقراء قال وكان لا يخرج من داره إلا لضرورة شرعية وليس له تردد إلى أحد من الأكابر وكان إذا ركب بغلته وتطيلس يصير الناس كلهم ينظرون إليه من شدة الهيبة والخفر الذي عليه وتوفي فقيرا بحصر البول يوم الثلاثاء عاشر جمادى الآخرة عن إحدى وتسعين سنة لا تزيد

يوما ولا تنقص يوما وصلى عليه بالجامع الأزهر ودفن بتربة الطويل خارج باب الحديد من صحراء القاهرة قال الشعراوي وكأن الشمس كانت في مصر فغربت أي عند موته وفيها برهان الدين إبراهيم بن موسى بن أبي بكر بن الشيخ علي الطرابلسي ثم الدمشقي نزيل القاهرة الحنفي الإمام العلامة أخذ عن السخاوي والديمي وغيرهما وكان منقطعا في خلوة بالمؤيدية عند الشيخ صلاح الدين الطرابلسي ثم طلب العلم واشتغل وترقى مقامه عند الأتراك بواسطة اللسان ثم صار شيخ القجماسية وتوفي في آخر هذه السنة وصلى عليه وعلى البرهانين ابن الكركي المتقدم وابن أبي شريف الآتي في السنة التي بعد هذه غائبة بجامع دمشق وفيها أحمد بن أبي بكر العيدروس الشيخ الصالح الولي العجيب قال في النور أمه بهية بنت الشيخ علي بن أبي بكر بن الشيخ عبد الرحمن الشقاف وأمها فاطمة بنت الشيخ عمر المحضار بن الشيخ عبد الرحمن الشقاف فولده الشيخ عمر من الجهتين كما ولده أيضا الشيخ أبو بكر ابن عبد الرحمن مرتين وقد تميز بهذا عن غيره من بني عمه كما أشار إليه العلامة بحرق حيث يقول فيه
( أصيل السيادة لا ينتمي ** إلى جد الا هو السيد )
( لئن شاركته بنو العيدروس ** بفخر هو الشمس لا يجحد )
( فقد خصه الله من بينهم ** بآيات مجد له تشهد )
( حوى سر جديه من أمه ** فطاب له الفرع والمحتد )
فهو الوارث لأبيه وجده وحامل الراية من بعده وولي عهده فقد قام بالمقام أتم قيام ونهض بما نهض به آباؤه الكرام فساد وجاد وبنى معاقل المجد وشاد وأحيا الرواتب التي أسسها أبوه والأوراد وواظب على إطعام الطعام وصلة الأرحام والإحسان إلى الفقراء والأيتام باذلا جاهه وماله في إيصال النفع إلى أهل الإسلام واتفق أن ثمن الكسوة التي اشتراها في

آخر ختمة لرمضان صلاها بلغ خمسة آلاف دينار أو أكثر وحكى أن خبز مطبخه كان إذا ركموه يبلغ إلى سطح الدار ودور عدن عالية جدا بحيث أنها تكون على ثلاثة قصور غالبا قال الراوي فعجبت وقلت ما كان بعدن إذ ذاك سائل قالوا لا ما كان في زمنه وزمن والده في عدن سائل أصلا ومحاسنه رحمه الله تعالى أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تذكر ورثاه العلامة بحرق بمرثية حسنة منها
( لمن تبنى مشيدات القصور ** وأيام الحياة إلى قصور )
إلى أن قال
( وروعت الأنام بفقد شخص ** رزيته على بشر كثير )
( شهاب ثاقب من نور بدر ** تبقى من شموس من بدور )
وهي طويلة وتوفي في سلخ المحرم بعدن ودفن بها في قبة أبيه وعمره يومئذ أربعون سنة تقريبا انتهى ملخصا وفيها السيد أحمد البخاري العارف بالله تعالى الشريف الحسيني قال في الكواكب صحب في بدايته الشيخ العارف بالله تعالى خواجه عبيد الله السمرقندي ثم صحب بأمره الشيخ الالهي وسار معه إلى بلاد الروم وترك أهله وعياله ببخارى وكان الشيخ الالهي يعظمه غاية التعظيم وعين له جانب يمينه وكان يقول أن السيد أحمد البخاري صلى بنا الفجر بوضوء العشاء ست سنين وسئل السيد أحمد عن نومه في تلك المدة قال كنت آخذ بغلة الشيخ وحماره في صبيحة كل يوم وأصعد الجبل لنقل الحطب إلى مطبخ الشيخ وكنت أرسلهما ليرتعا في الجبل واستند إلى جبل وأنام ساعة وذهب بإذن شيخه إلى الحجاز على التجريد والتوكل وأعطاه الشيخ حمارا وعشرة دراهم وأخذ من سفرة الشيخ خبزة واحدة ولم يصحب سوى ذلك إلا مصحفا ونسخة من المثنوي فسرق المصحف وباع المثنوي بمائة درهم وكان مع ذلك على حسن حال وسعة نفقة

وجاور بمكة المشرفة قريبا من سنة ونذر أن يطوف بالكعبة كل يوم سبعا ويسعى بين المروتين سبعا وكان كل ليلة يطوف تارة ويجتهد أخرى وتارة يستريح ولا ينام ساعة مع ضعف بنيته وزار القدس الشريف وسكنه مدة ثم رجع إلى شيخه وخدمته ببلدة سيما ثم وقع في نفسه زيارة مشايخ القسطنطينية فاستأذن من شيخه فأذن له فذهب إليها ثم كتب إلى شيخه يرغبه في سكناها فرحل إليه شيخه ثم لما مات شيخه كان خليفة في مقامه ورغب الناس في خدمته حتى تركوا المناصب واختاروا خدمته وكان على مجلسه الهيبة والوقار وكان له أشراف على الخواطر ولا يجري في مجلسه ذكر الدنيا أصلا وكانت طريقته الأخذ بالعزيمة والعمل بالسنة والتجنب عن البدعة والعزلة والجوع والصمت وإحياء الليل وصوم النهار والمحافظة على الذكر الخفي وتوفي بقسطنطينية ودفن عند مسجده وقبره يزار ويتبرك به قيل ولما وضع في قبره توجه هو بنفسه إلى القبلة وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم انتهى
وفيها أحمد الزواوي الشيخ الصالح العابد أخذ الطريق عن الشيخ شعبان البلقطري وكان ورده في اليوم والليلة عشرين ألف تسبيحة وأربعين ألف صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قال المناوي في طبقات الأولياء كان عابدا زاهدا جزل الألفاظ لطيف المعاني يفعل قوله في النفوس ما لا تفعله المثالث والمثاني ولما سافر الغوري إلى قتال ابن عثمان جاء إلى مصر ليرد ابن عثمان عنها فعارضه بعض أوليائها فلحقه داء البطن فتوجه إلى دمنهور الوحش فمات في الطريق ودفن بدمنهور انتهى وفيها بدر الدين حسن بن عطية بن محمد بن فهد العلوي الهاشمي المكي الشافعي الإمام المسند ولد يوم الأربعاء تاسع المحرم سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة وأخذ عن والده وعمه الحافظ تقي الدين وأبي الفتح المراغي وعبد الرحيم الأسيوطي وابن حجر العسقلاني واجتمع به ابن طولون في سنة عشرين وأجازه ولم يسمع

منه وتوفي في هذه السنة وفيها حسام الدين حسين بن حسن بن عمر البيري ثم الحلبي الشافعي الصوفي قال في الكواكب وصفه شيخ الإسلام الوالد في رحلته وغيرها بالشيخ الإمام الكبير العلامة المفتي العارف بالله تعالى ولد ببيرة الفرات ثم انتقل إلى حلب وجاور بجامع الطواشي ثم بالالجيهية ثم ولي في سنة أربع وتسعمائة النظر والمشيخة بمقام سيدي إبراهيم ابن أدهم وكان له ذوق ونظم ونثر بالعربية والفارسية والتركية وله رسالة في القطب والإمام وعرب شيئا من المثنوي من الفارسية وشيئا من منطق الطير من التركية منه
( اسمعوا يا سادتي صوت اليراع ** كيف يحكي عن شكايات الوداع )
ومنه
( ما ترى قط حريصا قد شبع ** ما حوى الدر الصدف حتى قنع )
ومن شعره رضي الله عنه
( بقايا حظوظ النفس في الطبع أحكمت ** كذلك أوصاف الأمور الذميمة )
( تحيرت في هذين والعمر قد مضى ** إلهي فعاملنا بحسن المشيئة )
انتهى ملخصا وفيها المولى سعدي بن ناجي بيك أخو المولى جعفر جلبي بن ناجي بيك الرومي الحنفي العالم الفاضل قرأ على جماعة من الموالي منهم المولى قاسم الشهير بقاضي زاده والمولى محمد بن الحاج حسين وبرع واشتهرت فضائله ودرس في مدرسة السلطان مرادخان الغازي ببروسا ثم أعطى مدرسة الوزير علي باشا بقسطنطينية ثم إحدى الثمانية ثم حج وعاد فأعطى تقاعدا بثمانين عثمانيا وكان فاضلا في سائر الفنون خصوصا العربية وله باللسان العربي إنشاء وشعر في غاية الجودة وله حواش على شرح المفتاح للسيد الشريف وحاشية على باب الشهيد من شرح الوقاية لصدر الشريعة ونظم عقائد النسفي بالعربية وله رسائل أخرى قاله في الكواكب


وفيها المولى عبد الرحمن بن علي المعروف بابن المؤيد الأماسي الرومي الحنفي العالم العلامة المحقق الفهامة ولد بأماسية في صفر سنة ستين وثمانمائة واشتغل بالعلم بلده ولما بلغ سن الشباب صحب السلطان أبا يزيد خان حين كان أميرا بأماسية فوشى به المفسدون إلى السلطان محمد خان والد السلطان أبي يزيد فأمر بقتله فبلغ السلطان أبا يزيد ذلك قبل وصول أمر والده فأعطاه عشرة آلاف درهم وخيلا وسائر أهبة السفر وأخرجه ليلا من أماسية ووجهه إلى بلاد حلب وكانت إذ ذاك في أيدي الجراكسة فدخلها سنة ثمان وثمانين وثمانمائة فأقام هناك مدة واشتغل بها في النحو فقرأ في الفصل ثم أشار عليه بعض تجار العجم أن يذهب إلى المولى جلال الدين الدواني ببلدة شيراز ووصف له بعض فضائله فخرج مع تجار العجم وقصد المنلا المذكور فقرأ عليه زمانا كثيرا وحصل عنده من العلوم العقلية والعربية والتفسير والحديث كثيرا وأجازه وشهد له بالفضل التام بعد أن أقام عنده سبع سنين فلما بلغه جلوس السلطان أبي يزيد على تخت السلطنة سافر إلى الروم فصحب موالي الروم وتكلم معهم فشهدوا بفضله وعرضوه على السلطان فأعطاه مدرسة قلندرخانه بالقسطنطينية ثم إحدى الثمانية ثم قضاء القسطنطينية ثم أدرنه ثم قضاء العسكر بولاية أناضولي ثم بولاية روم إيلي ثم عزل وجرت له محنة ثم لما تولى السلطان سليم خان أعاده إلى قضاء العسكر في سنة تسع عشرة وسافر معه إلى بلاد العجم لمحاربة الشاه إسمعيل ثم عزل عن قضاء العسكر بسبب اختلال حصل في عقله في شعبان سنة عشرين وعين له كل يوم مائتي درهم ورجع إلى القسطنطينية معزولا وكان قبل اختلاله بالغا الغاية القصوى في العلوم العقلية والعربية ماهرا في التفسير مهيبا حسن الخط جدا ينظم الشعر بالفارسية والعربية وله

مؤلفات بقي أكثرها في المسودات منها رسالة لطيفة في المواضع المشكلة من علم الكلام ورسالة في تحقيق الكرة المدحرجة وتوفي بالقسطنطينية ليلة الجمعة خامس عشر شعبان وقيل في تاريخ وفاته
( نفسي الفداء لحبر حل حين قضى ** في روضة وهو في الجنات محبور )
( مقامه في علا الفردوس مسكنه ** أنيسه في الثرى الولدان والحور )
( قل للذي يبتغي تاريخ رحلته ** نجل المؤيد مرحوم ومغفور )
وفيها قاضي القضاة محي الدين عبد القادر المعروف بابن النقيب القاهري الشافعي الإمام العلامة قرأ على جماعة من الأعلام منهم الكمال بن أبي شريف وزكريا الأنصاري وتولى قضاء مصر مرات وكان لا يصلي الصبح صيفا ولا شتاء إلا في الجامع الأزهر يمشي كل يوم من المدرسة الناصرية إليه وكان متواضعا سريع الدمعة وكان بيده مشيخة الخانقاة الصلاحية سعيد السعداء وتدريس الظاهرية الجديدة برقوق بين القصرين وكان مارا بالقصبة ليلة الإثنين حادي عشر ربيع الأول فرفسه بغل فانكسر ضلعه أو فخذه ومات في اليوم الثاني وفيها تاج الدين عبد الوهاب الذاكر المصري الشيخ الصالح المسلك المربي المجد الداعي إلى الله تعالى ربى يتيما بمكتب مدرسة الحسامي فلما ترعرع تعلق على صنعة البناء ثم وفقه الله تعالى للاجتماع على الشيخ نور الدين بن خليل عرف بابن عين الغزال فلازمه وصار يحضر المحافل ويتردد إلى الشيخ تقي الدين الأوجاقي حتى اشتهر فجمع الناس ولازم الذكر والخير وأقرأ البخاري والشفا والعوارف بروايته لها عن العز بن الفرات وعن التقي الأوجاقي ونازع العلائي أن يكون سمع من العز بن الفرات وكان نير الوجه حسن السمت كثير الشفاعات شديد الإهتمام بقضاء حوايج الناس مجدا في العبادة دائم الطهارة لا يتوضأ عن حدث إلا كل سبعة أيام وسائر طهاراته تجديد وانتهى أمره آخرا إلى أنه كان يمكث اثنى عشر

يوما لا يتوضأ عن حدث ولم يعرض ذلك لأحد في عصره إلا الشيخ أبي السعود الجارحي وامتحنه قوم دعوه وجعلوا يطعمونه سبعة أيام ولم يحدث ثم علم أنهم امتحنوه فدعا عليهم فانقلبت بهم المركب فقيل له في ذلك فقال لا غرق وإنما هو تأديب وينجون فكان كذلك ثم ندم على الدعاء عليهم وقال لا بد لي من المؤاخذة فمرض أكثر من أربعين يوما ومكث خمسا وعشرين سنة لم يضع جنبه على الأرض إنما ينام جالسا على حصير وقال عند موته لي أربعون سنة أصلي الصبح بوضوء العشاء وقد طويت سجادتي من بعدي وتوفي يوم الخميس ثالث عشرى جمادى الآخرة ودفن بزاويته قريبا من حمام الدود قاله في الكواكب وفيها عز الدين الصابوني الحلبي الحنفي المعروف بابن عبد الغني ابن عم أبي بكر بن الموازيني كان خطيبا جيد الخطبة ولي خطابة جامع الأطروش بحلب فلما دخل السلطان سليم خان حلب في هذه السنة صلى الجمعة بالجامع المذكور خلف المذكور فحظي بسبب ذلك ولم يلبث أن توفي في هذه السنة وكان في قدميه اعوجاج بحيث لا يتردد في الشوارع إلا راكبا وفيها عائشة بنت يوسف بن أحمد ابن ناصر بنت الباعوني المعروفة بالباعونية الشيخة الصالحة الأريبة العالمة العاملة أم عبد الوهاب الدمشقية أحد أفراد الدهور ونوادر الزمان فضلا وأدبا وعلما وشعرا وديانة وصيانة تنسكت على يد السيد الجليل إسمعيل الخوارزمي ثم على خليفة المحيوي يحيى الأرموي ثم حملت إلى القاهرة ونالت من العلوم حظا وافرا وأجيزت بالافتاء والتدريس وألفت عدة مؤلفات منها الفتح الحنفي يشتمل على كلمات لدنية ومعارف سنية وكتاب الملامح الشريفة والآثار المنيفة يشتمل على إنشادات صوفية ومعارف ذوقية وكتاب در الغائص في بحر المعجزات والخصائص وهو قصيدة رائية وكتاب الإشارات الخفية في المنازل العلية وهي أرجوزة اختصرت فيها منازل

السائرين للهروي وأرجوة أخرى لخصت فيها القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع للسخاوي وبديعية وشرحتها وغير ذلك ومن كلامها وكان مما انعم الله به على أنني بحمده لم أزل أتقلب في أطوار الإيجاد في رفاهية لطائف البر الجواد إلى أن خرجت إلى هذا العالم المشحون بمظاهر تجلياته الطافح بعجائب قدرته وبدائع إرادته المشوب موارده بالأقدار والأكدار الموضوع بكمال القدرة والحكمة للابتلاء والاختبار دار ممر لا بقاء لها إلى دار القرار فرباني اللطف الرباني في مشهد النعمة والسلامة وغذاني بلبان مداد التوفيق لسلوك سبيل الاستقامة وفي بلوغ درجة التمييز أهلني الحق لقراءة كتابه العزيز ومن على بحفظه على التمام ولي من العمر حينئذ ثمانية أعوام ثم لم أزل في كنف ملاطفات اللطيف حتى بلغت درجة التكليف في كلام آخر ولما دخلت القاهرة ندبت لقضاء مآرب لها تتعلق بولد لها كان في صحبتها المقر أبو الثنا محمود بن اجا الحلبي صاحب دواوين الانشاء بالديار المصرية فأكرمها وولدها وأنزلها في حريمه وكانت قد مدحته بقصيدة أولها
( روى البحر أصباب العطا عن نداكم ** ونشر الصبا عن مستطاب ثناكم )
فعرضها على شيخ الأدباء السيد عبد الرحيم العباسي القاهري فأعجب بها وبعث إليها بقصيدة من بديع نظمه فأجابت عنها بقصيدة مطلعها
( وافت تترجم عن حبر هو البحر ** بديعة زانها مع حسنها الخفر )
ومن شعرها
( نزه الطرف في دمشق ففيها ** كلما تشتهي وما تختار )
( هي في الأرض جنة فتأمل ** كيف تجري من تحتها الأنهار )
( كم سما في ربوعها كل قصر ** اشرقت من وجوهها الأقمار )
( وتناغيك بينها صارخات ** خرصت عند نطقها الأوتار )
( كلها روضة وماء زلال ** وقصور مشيدة وديار )

وذكر ابن الحنبلي أنها دخلت حلب في هذه السنة والسلطان الغوري بها لمصلحة لها كانت عنده فاجتمع بها من وراء حجاب البدر السيوفي وتلميذه الشمس السفيري وغيرهما ثم عادت إلى دمشق وتوفيت بها في هذه السنة
وفيها السلطان الملك الأشرف أبو النصر قانصوه بن عبد الله الجركسي المشهور بالغوري وسماه ابن طولون جندب وجعل قانصوه لقبا له والغوري نسبة إلى طبقة الغور أحد الطبقات التي كانت بمصر معدة لتعليم المؤدبين قال ابن طولون كان يذكر أن مولده في حدود الخمسين وثمانمائة وترقى في المناصب حتى صار نائب طرسوس فانتزعها منه جماعة السلطان أبي يزيد بن عثمان فهرب منها وعاد إلى حلب فلما انتصر عسكر مصر على الأروام عاد إلى طرسوس مرة ثانية ثم اخذها الأروام مع ما والاها فهرب منها أيضا إلى حلب ثم نصر عسكر مصر ثانيا فعاد إليها مرة ثالثة ثم أعطى نيابة ملطية فلما مات الملك الأشرف قايتباي رجع إلى مصر ووقعت له أمور في دولة الملك الناصر بن قايتباي ثم أعطاه تقدمة ألف ثم في دولة جان بلاط أعطاه رأس نوبة النوب ثم تنقلت به الأحوال إلى أن صار سلطانا قال الشيخ مرعي الحنبلي في كتابه نزهة الناظرين تولى الملك يوم الإثنين عيد الفطر مستهل شوال سنة ست وتسعمائة بعد أن هاب أمر الجلوس على تخت الملك وجعل بعضهم يحيل على بعض في الجلوس عليه فاتفقوا على الغوري لأنهم يروه لين العريكة سهل الإزالة أي وقت أرادوا وليس الأمر كما ظنوا فقال لهم أقبل ذلك بشرط أن لا تقتلوني بل إذا أردتم خلعي وافقتكم فاستوثق منهم وبويع بقلعة الجبل بحضرة الخليفة المستنصر بالله والقضاة الأربع وأصحاب الحل والعقد فأقام سلطانا خمس عشرة سنة وتسعة أشهر وخمسة وعشرين يوما وكان إذا رأى وفطنة كثير الدهاء والعسف قمع الأمراء وأذل المعاندين حتى اشتد ملكه وهيبته فهادته الملوك وأرسلت

قصادها إليه كملك الهند واليمن والمغرب والروم والمشرق والعبد والزنج وفك الأسرى منهم وكان له المواكب الهائلة ومهد طريق الحج بحيث كان يسافر فيه النفر اليسير وكانت فيه خصال حسنة وكان يصرف لمطبخ الجامع الأزهر في رمضان ستمائة وسبعين دينارا ومائة قنطار عسل وخمسمائة أردب قمح للخبز المفرق فيه وفي أيامه بني دائرة الحجر الشريف وبعض أروقة المسجد الحرام وباب إبراهيم وجعل علوه قصرا شاهقا وتحته ميضأة وبنى عدة خانات وآبار في طريق الحج المصري منها خان في العقبة والأزلم وأنشا مدرسة بسوق الجملون بالقاهرة والتزبة المقابلة لها والمأذنة المعتبرة بالجامع الأزهر والبستان تحت القلعة والمنتزه العجيب بالملقة وأنشأ مجرى الماء من مصر إلى القلعة وعمر بعض أبراج الأسكندرية وغير ذلك من جوامع وقصور ومنتزهات إلا أنه كان شديد الطمع كثير الظلم والعسف مصادرا للناس في أخذ أموالهم وبطل الميراث في أيامه بحيث كان إذا مات أحد أخذ ماله جميعا كذا قال القطبي فجمع أموالا عظيمة وخزائن وأمتعة وافتتح اليمن واتخذ مماليك لنفسه فصاروا يظلمون الناس وأظهروا الفساد وأضروا العباد وهو يغضي عنهم ويحكي أن بعض مماليكه اشترى متاعا ولم يرض صاحبه بقيمته فقال له شرع الله فضربه بالدبوس فشج رأسه وقال هذا شرع الله فسقط مغشيا عليه وذهب بالمتاع ولم يقدر أحد يتكلم فرفع بعض الصالحين يديه ودعا على الجندي وعلى سلطانه بالزوال ثم قالت له نفسه كيف يزول ملك هذا السلطان العظيم الذي ملأت جنوده وسطوته الأرض فلم يمض إلا قليل ثم وقعت بينه وبين السلطان سليم ملك الروم بسبب إسمعيل شاه فقصد كل منهما الآخر في عسكرين عظيمين فالتقيا بموضع يسمى مرج دابق شمالي حلب بمرحلة خامس عشرى رجب فانهزم عسكر الغوري بمكيدة خير بك والغزالي من جماعته وفقد الغوري تحت سنابك

الخيل في مرج دابق وأقام السلطان سليم بعد الوقعة في بلاد الشام أشهرا وأمر بعمارة قبر الشيخ محي الدين بن عربي بصالحية دمشق
ثم تولى في تلك المدة بمصر الملك الأشرف طومان باي الجركسي ابن أخي الغوري ووقع بينه وبين السلطان سليم حروب يطول ذكرها ثم سلم نفسه طائعا فقتل بباب زويلة وأمر السلطان سليم بدفنه بجانب مدفن الغوري المشهور وبه انقرضت دولة الجراكسة وفي آخر أيام الغوري في حدود العشرين ظهرت الفرنج البرتقال على بنادر الهند استطرقوا إليها من بحر الظلمات من وراء جبال القمر منابع النيل فعاثوا في أرض الهند ووصل أذاهم وفسادهم إلى جزيرة العرب وبنادر اليمن وجدة فلما بلغ السلطان الغوري ذلك جهز إليهم خمسين غرابا مع الأمير حسين الكردي وأرسل معه عسكرا عظيما من الترك والمغاربة واللوند وجعل له جدة أقطاعا وأمره بتحصينها فلما وصل حسين الكردي شرع في بناء سورها وأحكام أبراجها وهدم كثيرا من بيوت الناس مع عسف وشدة ظلم بحيث بنى السور جميعه في دون عام ثم توجه بعساكره إلى الهند في حدود سنة إحدى وعشرين فاجتمع بسلطان كجرات خليل شاه فأكرمه وعظمه وهرب الفرنج عن البنادر لما سمعوا بوصوله ثم عاد حسين الكردي على اليمن فافتتحها من بني طاهر ملوكها وقتل سلاطينها في هذه السنة وترك بها نائبا في زبيد اسمه برسباي الجركسي وتم الأمر الذي لا مزيد عليه له وللسلطان الغوري وإذا تم أمر بدا نقصه ثم عاد حسين إلى جدة وقدم مكة فبلغه زوال دولة الغوري
وورد أمر السلطان سليم بقتل حسين الكردي فأخذه شريف مكة بغتة وقيده وشمت به وأرسله لبحر جده فغرقه فيه فائدة تولى مصر اثنان وعشرون سلطانا مسهم الرق من الجراكسة وغيرهم أيبك التركماني وقطز المعزي والظاهر بيبرس وقلاوون وكتبغا ولاجين وبيبرس الجاشنكير وبرقوق

والمؤيد شيخ وططر وبرسباي وجقمق وإينال وخشقدم وبلباي وتمربغا وقايتباي وقانصوه وطومان باي وجنبلاط والغوري وطومان باي ابن أخيه آخر الدولة المصرية الجركسية ومما قيل فيه
( وكان شخصا حسن المجالسه ** وهو انتهاء مدة الجراكسة )
وعدد سلاطين الجراكسة اثنان وعشرون أيضا ومدتهم مائة وثمان وأربعون سنة والله أعلم وفيها القاضي بدر الدين محمد بن أبي العباس أحمد البهوتي المصري العالم الشافعي كان من أعيان المباشرين بمصر وكان ذا ثروة ووجاهة زائدة حتى هابه بنو الجيعان وغيرهم من أرباب الديوان وكان قد عرض بعض الكتب في حياة والده على الشرف المناوي والجلال البكري والمحب بن الشحنة والسراج العبادي وغيرهم وكان ملازما للشيخ محمد البكري النازل بالحسينية وله فيه اعتقاد زائد ولما دخل السلطان سليم مصر وتطلب الجراكسة ببيوت مصر وجهاتها خشي القاضي بدر الدين على نفسه وعياله فحسن عنده أن يتوجه بهم إلى مصر القديمة عند صهره نور الدين البكري فأنزلهم في الشختور فاختلت به فسقط في النيل فغرق فاضطربوا لغرقه فانحدر الشختور إلى الوطاق العثماني فظنوا أنهم من الجراكسة المتشبهين بالنساء فأحاطوا بهم وسلبوهم ما معهم بعد التفتيش فبينما هم كذلك إذ أتى زوجة القاضي بدر الدين المخاض فرحمها شخص بقرب قنطرة قيدار فوضعت ولدا ذكرا في منزله وكان القاضي بدر الدين يتمنى ذلك وينذر عليه النذور فلم يحصل إلا على هذا الوجه وأحيط بماله وبما جمعه فاعتبروا يا أولي الأبصار وكان ذلك في آخر هذه السنة وفيها محمد بن حسن الشهير بابن عنان الشيخ العالم الصالح الناسك العارف بالله تعالى الشافعي الجامع بين علمي الشريعة والحقيقة قال المناوي في طبقاته إمام تقدم في جامع الإيمان وعارف أشرقت بضوء شمسه الأكوان كثير التعبد غزير التهجد وافر الجلالة عليه

القبول أي دلالة عالي الرتبة لا يقاس به غيره ولا يشبه عظيما في الديانة ممدودا من الله بالإعانة سلك طريق الهداية واعتنى بالتصوف أتم عناية أخذ عنه الشعراوي وقال ما رأيت مثله وكان مشايخ عصره بين يديه كالأطفال وله كرامات منها أنه أشبع خمسمائة فقير من عجين أمه وكان وصف ويبة ومنها أنه كان بالأسكندرية رجل إذا غضب على رجل قال يا قمل رح إليه فيمتلىء قملا فلا ينام ويعجز عن تنقيته فذهب إليه وقال ما تعمل يا شيخ القمل وأخذه بيده ورماه في الهواء فلم يعرف له خبر ومنها أنه سافر هو والشيخ أبو العباس الغمري فاشتد الحر وعطش الغمري وليس هناك ماء فأخذ ابن عنان طاسة وغرف بها من الأرض اليابسة وقال اشرب فقال الغمري الظهور يقطع الظهور فقال لولا خوف الظهور جعلتها بركة يشرب منها إلى يوم القيامة ومنها أنه أتى برجل أكل محارتين فسيخا وحملين تمرا في ليلة واحدة فوضع له رغيفا صغيرا في فمه فلم تزل تلك أكلته كل يوم حتى مات وكانت أوقاته مضبوطة لا يصغي لكلام أحد ويقول كل نفس مقوم على صاحبه بسنة وغضب من أهل بلاده لعدم قبولهم الأمر بالمعروف فقدم مصر وسكن بسطح جامع الغمري وكان كل مسجد أقام به لا يقيم إلا على سطحه شتاء وصيفا وكان يقول لصحبه احرصوا على إيمانكم في هذا الزمان فإنه لم يبق مع غالب الناس عمل يعتمد عليه وأما الأعمال الصالحة فقد تودع منها لكثرة العلل فيها وقال من أراد أن يسمع كلام الموتى في قبورهم فليعمل على كتم الأسرار فإن المانع من سماعه عدم القدرة على الكتمان ولما احتضر بسطح جامع باب البحر مات بنصفه الأسفل فصلى وهو قاعد فاضجعوه لما فرغ فما زال يهمهم بشفتيه والسبحة في يده حتى صعدت روحه وذلك في شهر ربيع الأول عن نحو مائة وعشرين سنة ودفن خلف محراب جامع المقسم وبنى عليه والده الشيخ أبو الصفا قبة وزاوية وفيها شمس الدين

محمد بن رمضان الشيخ الإمام العالم العلامة الدمشقي مفتي الحنفية بها قال الحمصي كان قد انعزل عن الناس وتنصل من حرفة الفقهاء ولازم العزلة إلى أن مات قال النجم الغزي وكان سبب عزلته انقطاعه إلى الله تعالى على يد سيدي علي بن ميمون وكانت وفاة صاحب الترجمة في تاسع ربيع الآخر بدمشق وفيها أبو الفتح محمد بن عبد الرحيم بن صدقة الشيخ الواعظ المصري قال في الكواكب كان يعظ بالأزهر وغيره إلا أنه تزوج بامرأة زويلية فافتتن بها فيما ذكره العلائي حتى باع فتح الباري والقاموس وغيرهما من النفائس وركبته ديون كثيرة ثم خالعها وندم وأراد المراجعة فأبت عليه إلا أن يدفع إليها خمسين دينارا فلم يقدر إلا على ثلاثين منها فلم تقبل فبعث بها إليها وبعث معها سما قاتلا وقال إن لم تقبلي الثلاثين وإلا اتحسي هذا السم فردتها عليه فتحسى السم فمات من ليلته في ربيع الأول انتهى وفيها جمال الدين محمد بن الفقيه موسى الضجاعي أحد المدرسين بمدينة زبيد قال في النور كان فقيها عالما فاضلا توفي بزبيد يوم الخميس الثاني من صفر انتهى

سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة

فيها توفي برهان الدين أبو إسحق إبراهيم بن الأمير ناصر الدين محمد بن أبي بكر بن علي بن أيوب المعروف بابن أبي شريف المقدسي المصري الشافعي الشيخ الإمام والحبر الهمام العلامة المحقق والفهامة المدقق شيخ مشايخ الإسلام ومرجع الخاص والعام ولد بالقدس الشريف سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة ونشأ بها واشتغل بفنون العلم على أخيه الكمال بن أبي شريف ورحل إلى القاهرة فأخذ الفقه عن العلم البلقيني والشمس القاياتي والأصول عن الجلال المحلى وسمع عليه في الفقه أيضا وأخذ الحديث عن شيخ الإسلام

ابن حجر وغيره وتزوج بابنة قاضي القضاة شرف الدين يحيى المناوي وناب عنه في القضاء ودرس وأفتى ونظم ونثر وصنف وترجمه صاحب أنس الجليل فيه في حياته وقال ولي المناصب السنية وغيرها من الأنظار بالقاهرة المحروسة واشتهر أمره وبعد صيته وصار الآن المعول عليه في الفتوى بالديار المصرية قال وهو رجل عظيم الشأن كثير التواضع حسن اللقاء فصيح العبارة ذو ذكاء مفرط وحسن نظم ونثر وفقه نفس وكتابة على الفتوى نهاية في الحسن ومحاسنه كثيرة وترجمته وذكر مشايخه يحتمل الإفراد بالتأليف ولو ذكرت حقه في الترجمة لطال الفصل ثم قال قدم من القاهرة إلى بيت المقدس سنة ثمان وتسعين وثمانمائة بعد غيبة طويلة ثم عاد إلى وطنه بالقاهرة انتهى وقال ابن طولون قدم دمشق يوم الجمعة ثاني الحجة سنة ثمان وتسعين وثمانمائة ونزل بالسميساطية وقرأنا عليه فيها وقال النعيمي فوض إليه قضاء مصر في تاسع عشر ذي الحجة سنة ست وتسعمائة عوض محي الدين بن النقيب أي وبقي في القضاء إلى سنة عشر وتسعمائة فعزل بالشهاب بن الفرفور كما ذكره الحمصي ثم أنعم عليه الغوري بمشيخة قبته الكائنة قبالة مدرسته الغورية بمصر واستمر في المشيخة إلى سنة تسع عشرة فوقعت حادثة بمصر وهي أن رجلا اتهم أنه زنى بامرأة فرفع أمرهما إلى حاجب الحجاب بالديار المصرية الأمير انسباي فضربهما فاعترفا بالزنا ثم بعد ذلك رفع أمرهما إلى السلطان الغوري فأحضرا بين يديه فذكرا أنهما رجعا عما أقرا به من الزنا قبل فعقد السلطان لذلك مجلسا جمع فيه العلماء والقضاة الأربع فأفتى صاحب الترجمة بصحة الرجوع فغضب السلطان لذلك وكان المستفتي القاضي شمس الدين الزنكلوني الحنفي وولده فأمر السلطان بهما فضربا في المجلس حتى ماتا تحت الضرب وأمر بشنق المتهمين بالزنا على باب صاحب الترجمة فشنقا وعزل صاحب الترجمة من مشيخة القبة الغورية والقضاة الأربعة

الكمال الطويل الشافعي والسري بن الشحنة الحنفي والشرف الدميري المالكي والشهاب الشيشني الحنبلي واستمر صاحب الترجمة ملازما لبيته والناس يقصدونه للأخذ عنه والاشتغال عليه في العلوم العقلية والنقلية قال الشعراوي وكان من المقبلين على الله عز وجل ليلا ونهارا لا يكاد يسمع منه كلمة يكتبها عليه كاتب الشمال وكان لا يتردد لأحد من الولاة أبدا وكان يتقوت من مصبنة له بالقدس ولا يأكل من معاليم مشيخة الإسلام شيئا وكان قوالا بالحق آمرا بالمعروف لا يخاف في الله لومة لائم وكان الناس يقولون جميع ما وقع للغوري بسر الشيخ انتهى ومن فوائده ما ذكره الزين بن الشماع في عيون الأخبار قال وقد حضرت دروسه بالقاهرة سنة إحدى عشرة فأتى بفوائد كثيرة وختم المجلس بنكتة فيها بشارة جليلة فقال ما حاصله اختم المجلس ببشارة عظيمة ظهرت في قوله تعالى { نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم } قال قوله تعالى نبىء أي يا محمد عبادي شرفهم بياء الإضافة إلى تقدس ذاته فأوقع ذكره بينه وبين نبيه فعباد وقع ذكرهم بين ذكر نبيهم وذكر ربهم لا ينالهم إن شاء الله تعالى ما يضرهم بل المرجو من كرم الله تعالى أن يحصل لهم ما يسرهم انتهى ومن مؤلفاته شرح المنهاج في أربع مجلدات كبار وشرح الحاوي وكتاب في الآيات التي فيها الناسخ والمنسوخ وغير ذلك ومن شعره من قصيدة ختم بها صحيح البخاري
( دموعي قد نمت بسر غرامي ** وباح بوجدي للوشاة سقامي )
( فأضحى حديثي بالصباية مسندا ** ومرسل دمعي من جفوني هامي )
وتوفي في فجر يوم الجمعة ليومين بقيا من المحرم ودفن بالقرب من ضريح الإمام الشافعي رضي الله عنه وفيها شمس الدين أحمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن زهير بن خليل الرملي ثم الدمشقي

الشافعي الإمام العلامة ولد بالرملة في ربيع الأول سنة أربع وخمسين وثمانمائة ونشأ بها وكان يعرف قديما بابن الحلاوي وبابن الشقيع ثم تحول إلى دمشق وحفظ المنهاج وألفية النحو والحديث والشاطبيتين والدرة في القراءات الثلاث وعرض على جماعة وأخذ عن ابن نبهان وابن عراق وأبي زرعة المقدسي وابن عمران وعمر الطيبي والزين الهيثمي والمحب بن الشحنة وابن الهائم وجعفر السنهوري وآخرين وسمع علي الجمال عبد الله بن جماعة خطيب المسجد الأقصى المسلسل بالأولية وغيره وناب في الحكم بدمشق فحسنت سيرته وولي مشيخة الإقراء بجامع بني أمية وبدار الحديث الأشرفية وبتربة الأشرفية وبتربة أم الصالح بعد البقاعي وكان لازمه حين إقامته بدمشق وأخذ عنه كثيرا وعادى أهل بلده أو الكثير منهم بسببه قال السخاوي وقصدني في بعض قدماته إلى القاهرة وأخذ عني وأنشدني قصيدة من نظمه امتدح فيها الخيضري وكان نائبه في إمامة مقصورة جامع بني أمية قال وبالجملة فهو خفيف مع فضيلة انتهى وقال في الكواكب ناب في إمامة الجامع الأموي عن العلامة غرس الدين اللدي ثم لما مات استقل بها فباشرها سنين حتى مات وانتهت إليه مشيخة الإقراء بدمشق وكان له مشاركة جيدة في عدة من العلوم وله نظم حسن وتوفي يوم السبت عشرى ذي الحجة ودفن بمقبرة باب الصغير وفيها الحافظ شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن أبي بكر بن عبد الملك بن أحمد بن محمد بن حسين بن علي القسطلاني المصري الشافعي الإمام العلامة الحجة الرحلة الفقيه المقرىء المسند قال السخاوي مولده ثاني عشر ذي القعدة سنة إحدى وخمسين وثمانمائة بمصر ونشأ بها وحفظ القرآن وتلا للسبع وحفظ الشاطبية والجزرية والوردية وغير ذلك وذكر له عدة مشايخ منهم الشيخ خالد الأزهري النحوي والفخر المقسمي والجلال البكري وغيرهم وأنه قرأ صحيح البخاري في خمسة مجالس

على الشاوي وتلمذ له أيضا وأنه قرأ عليه أعنى السخاوي بعض مؤلفاته وأنه حج غير مرة وجاور سنة أربع وثمانين وسنة أربع وتسعين وأنه أخذ بمكة عن جماعة منهم النجم بن فهد وولي مشيخة مقام سيدي الشيخ أحمد الحرار بالقرافة الصغرى وعمل تأليفا في مناقب الشيخ المذكور سماه نزهة الأبرار في مناقب الشيخ أبي العباس الحرار وكان يعظ بالجامع الغمري وغيره ويجتمع عنده الجم الغفير ولم يكن له نظير في الوعظ وكتب بخطه شيئا كثيرا لنفسه ولغيره وأقرأ الطلبة وتعاطى الشهادة ثم انجمع وأقبل على التأليف وذكر من تصانيفه العقود السنية في شرح المقدمة الجزرية والكنز في وقف حمزة وهشام على الهمز وشرحا على الشاطبية زاد فيه زيادات ابن الجزري مع فوائد غريبة وشرحا علي البردة سماه الأنوار المضية وكتاب نفائس الأنفاس في الصحبة واللباس والروض الزاهر في مناقب الشيخ عبد القادر وتحفة السامع والقاري بختم صحيح البخاري ورسائل في العمل بالربع المجيب انتهى ما ذكره السخاوي ملخصا وقال في النور ارتفع شأنه بعد ذلك فأعطى السعادة في قلمه وكلمه وصنف التصانيف المقبولة التي سارت بها الركبان في حياته ومن أجلها شرحه على صحيح البخاري مزجا في عشرة أسفار كبار لعله أجمع شروحه وأحسنها وألخصها ومنها المواهب اللدنية بالمنح المحمدية وهو كتاب جليل المقدار عظيم الوقع كثير النفع ليس له نظير في بابه ويحكى أن الحافظ السيوطي كان يغض منه ويزعم أنه يأخذ من كتبه ويستمد منها ولا ينسب النقل إليها وأنه ادعى عليه بذلك بين يدي شيخ الإسلام زكريا فألزمه ببيان مدعاه فعدد مواضع قال أنه نقل فيها عن البيهقي وقال أنه للبيهقي عدة مؤلفات فليذكر لنا ذكره في أي مؤلفاته لنعلم أنه نقل عن البيهقي ولكنه رأى في مؤلفاتي ذلك النقل عن البيهقي فنقله برمته وكان الواجب عليه أن يقول نقل السيوطي عن البيهقي وحكى الشيخ جار الله بن فهد أن الشيخ رحمه الله قصد إزالة ما في

خاطر الجلال السيوطي فمشى من القاهرة إلى الروضة إلى باب السيوطي ودق الباب فقال له من أنت فقال أنا القسطلاني جئت إليك حافيا مكشوف الرأس ليطيب خاطرك علي فقال له قد طاب خاطري عليك ولم يفتح له الباب ولم يقابله قال في النور وبالجملة فإنه كان إماما حافظا متقنا جليل القد رحسن التقرير والتحرير لطيف الإشارة بليغ العبارة حسن الجمع والتأليف لطيف الترتيب والترصيف زينة أهل عصره ونقاوة ذوي دهره ولا يقدح فيه تحامل معاصر به عليه فلا زالت الأكابر على هذا في كل عصر توفي ليلة الجمعة سابع المحرم بالقاهرة ودفن بالمدرسة العينية جوار منزله انتهى وقال في الكواكب كان موته بعروض فالج نشأ له من تأثره ببلوغه قطع رأس إبراهيم بن عطاء الله المكي بحيث سقط عن دابته وأغمي عليه فحمل إلى منزله ثم مات بعد أيام انتهى
وفيها شهاب الدين أحمد بن محمد بن علي الرملي ثم الدمشقي الشافعي الشهير بابن الملاح ولد سنة تسع وخمسين وثمانمائة وكان على جانب كبير من العلم والديانة وصفاء القلب إماما في القراءات تولى مشيخة الإقراء بالمدرسة السيبائية والإمامة بها وناب في إمامة الأموي مرات وتوفي يوم الإثنين تاسع عشر شهر رمضان وفيها المولى شجاع الدين الياس العالم الفاضل الرومي كان من نواحي قسطموني واشتغل بالعلم وتقدم في الفضل حتى صار معيدا للمولى خواجه زاده ثم اشتغل بالتدريس حتى صار مدرسا بإحدى الثمانية ثم أعطى تقاعدا وكان كريم النفس متخشعا مشتغلا بنفسه منقطعا عن الخلق يقال أنه تجاوز التسعين وتوفي في هذه السنة
وفيها نور الدين أبو الفتح جعفر بن الشيخ صارم الدين أبو إسحاق إبراهيم السنهوري المصري الشافعي المقرىء البصير الإمام العلامة أخذ القراءات عن الشيخ شهاب الدين أبي جعفر الكيلاني المعروف بالحافظ وغيره
وفيها أو في التي بعدها المولى خضر بك بن المولى أحمد باشا الرومي الحنفي

الشيخ العارف تربى في حجر والده وحصل فضيلة وافرة من العلم وصار مدرسا بمدرسة السلطان مراد الغازي ببروسا وانتفع به الطلبة وفضلوا عنده ثم مال إلى التصوف وتهذيب الأخلاق وصار خاشعا وقورا ساكنا مهيبا متأدبا متواضعا مراعيا لجانب الشريعة حافظا لآداب الطريقة مقبولا عند الخاص والعام إلى أن توفي قاله في الكواكب
وفيها السلطان الملك الظافر عامر بن عبد الوهاب سلطان اليمن قال في النور كان على جانب عظيم من الدين والتقوى والمشي في طاعة الله تعالى لا تعلم له صبوة وكان ملازما للطهارة والتلاوة والأوراد لا يفتر عن ذلك آناء الليل وأطراف النهار كثير الصدقات وفعل المبرات ومآثره بأرض اليمن من بناء المساجد والمدارس وغير ذلك مخلدة لذكره على الدوام وموجبة لحلوله دار السلام في جوار الملك العلام استمر ملكا تسعا وعشرين سنة وفيه وفي أخيه صلاح الدين يقول العلامة الديبع
( تحطم من ركن الصلاح مشيده ** وقوض من بنيانه كل عامر )
( فما من صلاح فيه بعد صلاحه ** ولا عامر والله من بعد عامر )
وتوفي يوم الجمعة الثالث والعشرين من ربيع الآخر شهيدا رحمه الله تعالى انتهى وفيها المولى حليمي عبد الحليم بن علي القسطموني المولد الرومي الحنفي العالم الفاضل اشتغل بالعلم وخدم المولى علاء الدين العربي ثم ارتحل إلى بلاد العرب وقرأ على علمائها وحج ثم سافر إلى بلاد العجم وقرأ على علمائها وصحب الصوفية وتربى عند شيخ يقال له المخدومي ثم عاد إلى بلاد الروم واستقر بها ثم طلبه السلطان سليم الفاتح قبل جلوسه على سرير السلطنة وجعله إماما له وصاحبا فرآه متفننا في العلوم متحليا بالمعارف فلما جلس على سرير السلطنة نصبه معلما لنفسه وعين له كل يوم مائة عثماني وأعطاه قرى كثيرة ودخل معه بلاد الشام ومصر وتوفي بدمشق بعد عوده

في صحبة سلطانه إليها من مصر يوم الجمعة عشرى شوال ودفن بتربة الشيخ محي الدين بن عربي إلى جانب الشيخ محمد البلخشي من القبلة
وفيها العارف بالله تعالى عبد الرحمن بن الشيخ علي بن أبي بكر العيدروس الشافعي ولد سنة خمسين وثمانمائة وقرأ على والده وغيره من الأعلام فمن جملة ما قرأ على والده الأحياء أربعين مرة وكان يغتسل لكل فرض ومن مجاهداته وهو صغير أنه كان يخرج هو وابن عمه إلى شعب من شعاب تريم يقال له النعير بعد مضي نصف الليل فينفرد كل منهما يقرأ عشرة أجزاء في صلاة ثم يرجعان إلى منازلهما وكان يحفظ الحاوي في الفقه والوردية في النحو وكان يغطي إحدى يديه فلا يكشفها فألح عليه بعضهم أن يخبره بالسبب فقال كنت شاعرا وامتدحت النبي صلى الله عليه وسلم بجملة قصائد ثم اتفق أن قلت قصيدة في مدح بعض أهل الدنيا فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم وهو يعاتبني على ذلك ثم أمر بقطع يدي فقطعت فشفع في الصديق فعادت والتحمت فانتبهت والعلامة ظاهرة في يدي ثم كشف له عن يده فإذا محل القطع نور يتلألأ وممن أخذ عنه من أكابر العلماء الفقيه عبد الله باقشير والفقيه عمر باشيبان وتوفي في المحرم بتريم ودفن بها قاله في النور
وفيها زين الدين عبد الرحمن الصالحي الشافعي الإمام العالم الصالح المحدث توفي بالقاهرة في صفر وفيها عبد الفتاح بن أحمد بن عادل باشا الحنفي العجمي الأصل ثم أحد موالي الروم كان عالما محققا وله خط حسن قرأ على جماعة منهم المولى محي الدين الأسكليبي والمولى عبد الرحمن بن المؤيد ثم صار مدرسا بمدرسة المولى يكان ببروسا ثم بمدرسة أحمد باشا بن ولي الدين بها بمدرسة إبراهيم باشا بالقسطنطينية ومات وهو مدرس بها
وفيها كريم الدين عبد الكريم بن الأكرم الدمشقي الحنفي القاضي الشيخ العلامة توفي بمنزله بالعنابة خارج دمشق يوم الخميس سادس عشر صفر ودفن

بمقبرة الشيخ أرسلان قاله في الكواكب وفيها الشيخ عبد النبي المغربي المالكي الشيخ الإمام العلامة الحجة القدوة الفهامة مفتي السادة المالكية بدمشق أحد إخوان سيدي علي بن ميمون توفي بدمشق يوم الجمعة ثالث عشرى شهر رمضان ووافق حضور جنازته بالجامع الأموي حضور السلطان سليم فصلى عليه مع الجماعة وفيها ولي الله عبد الهادي الصفوري ثم الدمشقي الشافعي الشيخ الصالح الصوفي المسلك المربي توفي بمنزله بمحلة قبر عاتكة يوم الأحد سادس عشر شوال ودفن بتربة بالقرب من مسجد الطالع بالمحلة المذكورة وتعرف الآن بالدقاقين وقبره الآن ظاهر يزار
وفيها محب الدين المقدسي إمام المسجد الأقصى الشيخ العلامة قاله في الكواكب وفيها شمس الدين محمد بن حسين الداديخي ثم الحلبي الشافعي المقرىء المجود كان دينا خيرا له أخلاق حسنة أخذ القراءات عن مغربي كان بداديخ وبرع فيها وفي غيرها وأخذ عن البازلي بحماة وعن البدر السيوفي بحلب وهما أجل شيوخه وكان يشغل الطلبة في قبة بجامع عيسى ويؤدب الأطفال وفيها كمال الدين محمد بن العلامة شمس الدين محمد ابن داود البازلي الكردي الأصل الحموي الشافعي الإمام العالم العلامة قال الحمصي باشر نيابة القضاء بدمشق ومشيخة المدرسة الشامية وكان عالما مفننا توفي بدمشق يوم السبت تاسع عشري شوال وكان والده إذ ذاك حيا انتهى
وفيها شمس الدين محمد بن نصير الدمشقي الميداني الضرير المقرىء المجود العلامة النحوي كان من أهل العلم بالقراآت وله في النحو مؤلفات منها كتاب مطول سماه ذخر الطلاب في علم الاعراب وكتاب مختصر سماه تنقيح اللباب فيما لا بد أن يعتني به في فن الاعراب وكان فقيرا من الدنيا وكان ابن طولون يتردد إليه كثيرا وانتفع به جماعة وتوفي يوم الخميس قبل المغرب سابع عشرى صفر ودفن بمقبرة الجوزة بمحلة الميدان قال في

الكواكب وفيها سادات كالشيخ إبراهيم القدسي كاتب المصاحف وكانت وفاته قبل المغرب العاشر في ثاني رمضان سنة أربع وتسعين وثمانمائة انتهى
وفيها محي الدين محمد بن يعقوب الرومي الحنفي الشهير باجه زاده الإمام العالم قرأ على علماء عصره ثم وصل إلى خدمة المولى خطيب زاده ثم ولي الولايات وتنقل فيها حتى صار قاضي بروسا ثم عزل ومات معزولا قال في الشقائق كان عالما فاضلا ذكيا سليم الطبع مبارك النفس مقبلا على الخير متواضعا متخشعا صاحب كرم وأخلاق انتهى
وفيها مفتي زبيد وعالمها كمال الدين موسى بن زين العابدين بن أحمد بن أبي بكر الرداد البكري لصديقي الشافعي الجهبذ المصقع المدقق قال في النور كان شافعي زمانه ورئيس أقرانه علما وعملا بحرا من بحار العلم وجبلا من جبال الدين له القدم الراسخة في المذهب والباع الطويل في كل مشرب رحل إليه الطالبون ورغب في الأخذ عنه الراغبون وتفقه بالقاضي الطيب الناشري ونجم الدين المقري الجبائي وغيرهما وروى فقه الإمام الشافعي من طريق العراقيين والمراوزة عن الإمام علي بن عطيف نزيل مكة وأهل طبقته وأفتى ودرس وانتشر صيته في جميع الآفاق واعترف له الأكابر بالإمامة وقصد للفتوى من كل نجد وتهامة وتفقه به الجلة منهم ابنه المحقق فخر الدين أبو بكر وأبو العباس الطنبذاوي وغيرهما وله الأجوبة الرائقة والبحوث الفائقة والمصنفات المقبولة والشروح المتداولة المنقولة منها الكوكب الوقاد شرح الإرشاد في أربع وعشرين مجلدا وله شرح صغير على الإرشاد وفتاوى جمعها ولده ورتبها

ترتيبا حسنا وزاد عليها زيادات لا غناء عنها قال تلميذه الناشري اتفق له ما لم يتفق لأحد قبله وذلك أنه زرع البر في أرضه واستغله وحرث غيره وكان غالب قوته في غالب الأحوال اللوز والعسل ومن نعم الله عليه أنه مكث أربعين سنة ما رزىء بأحد من بيته ولم تخرج من بيته جنازة وتوفي عصر يوم الجمعة التاسع والعشرين من المحرم انتهى وفيها نصوح الطوسي العارف بالله تعالى قال في الكواكب كان عالما صالحا يحفظ القرآن العظيم ويكتب الخط الحسن ثم انتسب إلى الطريقة الزينبية وخدم الشيخ تاج الدين القرماني وبلغ عنده رتبة الإرشاد وقعد على سجادة التربية بعد وفاة الشيخ صفي الدين في زاوية شيخه المذكور ومات في وطنه انتهى
وفيها شرف الدين يونس بن إدريس بن يوسف الحلبي ثم الدمشقي الشافعي الصوفي الهمداني الخرقة الصالح المسلك ولد بمدينة حلب سنة سبع وستين وثمانمائة واشتغل على جماعة في عدة فنون وتوجه إلى مكة ثلاث مرات وجاور في حدود الثمانين وسمع بها الحديث على السخاوي والمحب الطبري وولده أبي السعادات وقرأ عليه في النحو ولبس الخرقة الهمدانية وتلقن الذكر من السيد عبيد الله التستري الهمداني وصار له أتباع كثيرون يتداولون الأوراد الصحيحة بالمدرسة الرواحية بحلب وهاجر إلى دمشق وأقام بدار الحديث بقرب قلعة دمشق وتوفي بدمشق يوم الإثنين عشرى

سنة أربع وعشرين وتسعمائة

فيها توفي برهان الدين إبراهيم بن قاسم بن محمد الشهير بابن الكيال الدمشقي الشافعي الفاضل المحدث توفي يوم الثلاثاء حادي عشر صفر ودفن بمقبرة باب الصغير قاله في الكواكب وفيها شهاب الدين أحمد بن

علي بن إبراهيم الباعوني الأصل من قرية باعونة بالموصل الحلبي المولد والدار والوفاة الشاعر المعروف بابن الصواف والمعروف أبوه بالصغير بالتصغير كان أديبا شاعرا ذكره جار الله بن فهد في رحلته إلى حلب سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة وذكره في معجم الشعراء الذين سمع منهم الشعر وأنشد له
( روحي الفداء لذي لحاظ قد غدت ** بسوادها البيض الصحاح مراضا )
( كالغصن قدا والنسيم لطافة ** والياسمين براقة وبياضا )
وله قصيدة التزم فيها واوين أول كل بيت وآخره مطلعها
( وواد به الغيد الحسان قد استووا ** وورد ظباء الحي في ظله ثووا )
توفي بالحريق في داره بحلب وفيها شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر الشهير بابن بري الخالدي البابي الحلبي ثم الدمشقي الحنفي الصوفي ولد في ثالث صفر سنة أربعين وثمانمائة وكان من أعيان الناس الصلحاء وتوفي بدمشق يوم الاحد سادس عشر رجب ودفن بمقبرة الحمرية
وفيها زين الدين عبد الرحمن بن جماعة المقدسي الشافعي العلامة شيخ الصلاحية بالقدس الشريف توفي بالقدس في هذه السنة وصلى عليه وعلى الشيخ عبد القادر الدشطوطي غائبة بجامع بني أمية بدمشق يوم الجمعة ثاني عشر رمضان قاله في الكواكب وفيها الشيخ زين الدين عبد القادر بن محمد الشيخ الصالح المعمر المعتقد المجرد العفيف العارف بالله تعالى الدشطوطي كذا ضبطه العلائي وضبطه السخاوي في الضوء الطشطوطي بطاءات مهملات بينهما شين معجمة وواو نسبة إلى دشطوط من قرى الصعيد قال الشيخ عبد الرءوف المناوي في طبقاته هو المعروف بالكرامات المشهورة بخوارق الآيات البينات والكشف العام والقبول التام عند الملوك فمن سواهم من الأعلام ذوو الصفات التي اشتهرت والعجائب التي بهرت عندم ظهرت كان ضريرا وعمر جوامع بمصر وقراها ووقف الناس عليه أوقافا كثيرة ومن كلامه

أوصيك بعدم الالتفات لغير الله تعالى في شيء من أمر الدارين فإن جميع الأمور لا تبرز إلا بأمره فارجع فيها لمن قدرها وقال إذا استحكمت هيبة الله في قلب عبد أخذ عن إدراك التكليف وقامت به حالة حالت بينه وبين الحركة والصلاة وصار عليه كل بلاء أهون من صلاة ركعتين وقال في بعض الكتب المنزلة يقول الله يا عبدي لو سقت لك ذخائر الكونين فنظرت بقلبك إليها طرفة عين فأنت مشغول عنا لا بنا وكان صاحيا لكن حافيا مكشوف الرأس عليه جبة حمراء وكان لقبة بين الأولياء صاحب مصر توقف النيل ثم هبط أيام الوفاء ثلاثة أذرع فخاض في البحر وقال اطلع بإذن الله فطلع فورا فاقتتل الناس عليه يتبركون به وحج ماشيا حافيا طاويا فلما وصل باب السلام وضع خده على العتبة فما أفاق إلا بعد ثلاث وكان يرى مع الدليل تارة ومع الساقة أخرى ويخفى ويظهر وكان قايتباي إذا زاره يمرغ وجهه على أقدامه وقال طلبت من الله مقام الحضور بين يديه فتجلى لي من حضرته أمر ذابت منه مفاصلي وصرت أطلب طلوع روحي فما أجاب فتوسلت بالمصطفى صلى الله عليه وسلم فرحمني وأسدل على الحجاب ولما عمر القبة التي دفن بها بزاويته صار يقول للشيخ جلال الدين البكري أسرع فالوقت قرب وقال له لا تجعل لأحد من الشهود والقضاة وظيفة في زاويتي إنما جعلتها وقفا لمكشفي الركب من كل مقيم ووارد انتهى وبالجملة فمناقبه كثيرة وترجمه الحافظ السيوطي بالولاية وألف بسببه تأليفا في تطور الولي ذكر في أوله أن سبب تأليفه أن رجلين من أصحاب الشيخ المذكور حلف كل واحد منهما أن الشيخ عبد القادر بات عنده ليلة كذا فرفع إليه سؤال في حكم المسئلة قال فأرسلت إلى الشيخ عبد القادر وذكرت له القصة فقال لو قال أربعة أني بت عندهم لصدقوا قال السيوطي فأجبت بأنه لا يحنث واحد منهما ثم حمل ذلك على تطور الولي وهو جزء لطيف حافل نقل فيه كلام فحول العلماء كابن السبكي والقونوي وابن أبي المنصور وعبد الغفار

القوصي واليافعي رضي الله تعالى عنهم وعنه وفيها قوام الدين أبو يزيد محمد بن أبي بكر بن محمد بن أبي بكر بن نصر بن عمر بن هلال الحبيشي الأصل الحلبي الشافعي العلامة قال في الكواكب كان عالما فاضلا مناظرا له حدة في المناظرة وذكاء مفرط وحفظ عجيب حفظ الشاطبية وعرضها بحلب سنة ثلاث وثمانين وثمانمائة وسافر مع أبيه إلى بيت المقدس فعرض أماكن منها ومن الرائية على إمام الأقصى عبد الكريم بن أبي الوفا ثم جاور بمكة سنين واشتغل بها وسمع مع أبيه على الحافظ السخاوي ثم عاد من مكة إلى حلب واشتغل على عالمها البدر السيوفي فقرأ عليه الإرشاد لابن المقري وسمع بقراءته الشيخ زين الدين بن الشماع ودرس بجامع حلب ووعظ به وكان يأتي في وعظه بنوادر الفوائد وسرد مرة النسب النبوي طردا وعكسا ثم أعرض عن ذلك وصار صوفيا بسطاميا كأبيه يلف المئزر ويرخي له عذبة رعاية للسنة وكانت وفاته في حياة أبيه في شوال بحلب انتهى

سنة خمس وعشرين وتسعمائة

فيها توفي شهاب الدين أحمد بن القاضي محي الدين عبد القادر النبراوي المصري الحنبلي الشاب الفاضل توفي يوم الخميس خامس عشرى ربيع الأول
وفيها شهاب الدين أبو العباس أحمد بن عبد الملك بن علي بن عبد الله الموصلي الشيباني المقدسي ثم الدمشقي الشافعي الصوفي الصالح الورع الزاهد العابد المحقق المسلك أحد مشايخ الصوفية بدمشق والقدس وشيخ زاويتي جده بهما ولد بالقدس في ربيع الأول سنة أربع وأربعين وثمانمائة وأخذ عن القطب الخيضري وغيره ولبس الخرقة من ابن عمه الشيخ زين الدين عبد القادر بلباسه لها من والده الشيخ إبراهيم بلباسه لها من يد والده الشيخ العارف بالله تعالى سيدي أبي بكر الموصلي وهو جد المترجم أيضا قال ابن طولون

جالسته كثيرا بالجامع الأموي وانتفعت به وأجاز لي شفاها غير مرة وكتبت عنه أشياء انتهى وتوفي يوم الإثنين حادي عشرى ذي القعدة ودفن جوار قبر الشيخ إبراهيم الناجي بباب الصغير وفيها شهاب الدين أحمد الحسامي القاهري الشافعي النحوي الإمام العلامة المحقق المجد الصوفي كان بارا بأمه قائما بمصالحها صابرا متواضعا يخدم نفسه ويشتري حوائجه من السوق ويحملها بنفسه ولا يمكن أحدا يحملها عنه وكان يتعمم بالقطن من غير قصارة وثيابه قصيرة اقتداءا بالسلف وكان ملازما للطهارة لا يكاد يدخل عليه وقت وهو محدث وكان كثير الصمت قليل الكلام تجلس معه اليوم واليومين فلا تسمع منه كلمة لغو كثير الصيام والقيام يقوم النصف الثاني من الليل كل ليلة وكان يتورع عن صدقات الناس ولا يقبل هدية من أحد وأخذ التصوف عن الشيخ علي المرصفي وكان يذهب إلى مجلسه كل يوم جمعة وكان العلماء مع ذلك يرجعون إليه في المعقولات ويعدلونه في العربية بابن مالك وابن هشام وتوفي بالقاهرة يوم الثلاثاء خامس عشر ربيع الثاني وفيها تقريبا المولى إدريس بن حسام الدين العجمي ثم الرومي الحنفي العالم الفاضل قال في الشقائق كان موقعا لديوان أمراء العجم ولما حدثت فتنة ابن أردويل ارتحل إلى الروم فأكرمه السلطان أبو يزيد غاية الإكرام وعين له مشاهرة ومسانهة وعاش في كنف حمايته عيشة راضية وأمره أن ينشىء تواريخ آل عثمان بالفارسية فصنفها وكان عديم النظير فاقد القرين بحيث أنسى الأقدمين ولم يبلغ إنشاءه أحد من المتأخرين وله قصائد بالعربية والفارسية تفوت الحصر وله رسائل عجيبة في مطالب متفرقة وبالجملة كان من نوادر الدهر ومفردات العصر انتهى
وفيها بدر الدين حسن بن إبراهيم بن أحمد بن خليل بن أحمد ابن عيسى بن عثمان بن عمر بن علي بن سلامة العجمي الأصل المقدسي

ثم الصالحي الحنبلي حفظ المحرر للمجد بن تيمية وحله على شارحه الشيخ علاء الدين البغدادي ولازم شيخ الحنابلة الشهاب العسكري في الفقه وقرأ توضيح ابن هشام على الشهاب بن شكم ولازمه مدة طويلة وتسبب بالشهادة في مركز العشر وتوفي يوم الخميس حادي عشر المحرم بالصالحية ودفن بتربة القاضي علاء الدين الزواوي
وفيها بدر الدين حسن بن علي بن يوسف بن المختار الأربلي الأصل الحصكفي الحلبي الشافعي الشهير بابن السيوفي العلامة شيخ الإسلام ولد تقريبا كما ذكره السخاوي في الضوء اللامع في سنة خمسين وثمانمائة بحصن كيفا ونشأ به وحفظ القرآن العظيم والمنهاج للنووي والإرشاد لابن المقري وألفيتي العراقي في الحديث وفي السيرة ومنهاج البيضاوي الأصلي والطوالع له أيضا والشاطبية والكافية لابن الحاجب والألفية لابن مالك وتصريف العزى والشمسية وقرأ الشاطبية والقرآن العظيم بمضمونها على ابن مبارك شاه الهروي وهو على الجلال الهروي وهو على ابن الجزري وقرأ على الهروي المذكور في العروض وأنهى عليه كتاب القسطاس للزمخشري قرأه بحلب وقرأ أيضا بعض السبع على أبي الحسن الجبرتي نزيل سطح الجامع الأزهر في دخلته إلى القاهرة وقرأ ثمن حزب أو دونه للأربعة عشر على الزين جعفر السنهوري وأخذ الفقه وغيره بها عن الشمس الجوجري وسمع عليه وأخذ بالقدس عن الكمال بن أبي شريف وأجازه وأخذ الفقه والحديث أيضا عن الشمس السلامي الحلبي بها والأصول والمنطق والمعاني والبيان عن علي قرا درويش والحديث أيضا عن البرهان الحلبي وقرأ عليه الصحيحين والشفا وعن الشيخ نصر الله كافية ابن الحاجب وعن منلا زادة تفسير البيضاوي والنحو عن المنلا عبد الرحمن الجامي وحج سنة ست وستين وثمانمائة فأخذ بمكة عن التقي بن فهد وسمع بدمشق على الشيخ عبد الرحمن بن خليل

الأذرعي وأخذ عن البرهان البقاعي وأجازه بالافتاء والتدريس جماعة وصار أعجوبة زمانه وواسطة عقد أقرانه ثم تصدر ببلده للإفادة وانتفع الناس به وصار شيخ بلده ومفتيها ومحققها ومدققها مع الديانة والصيانة قال في الكواكب غير أنه كان يكثر الدعوى والتبجح والمشاححة لطلبة العلم في الألفاظ وغيرها وكان طويل القامة نير الشيبة مهيبا يخضب لحيته بالسواد في أول شيبه ثم ترك آخرا ومن مؤلفاته حاشية على شرح المنهاج للمحلى وحاشية على شرح الكافية المتوسط ومن شعره
( إذا ما نالت السفهاء عرضي ** ولم يخشوا من العقلاء لوما )
( كسوت من السكوت فمي لثاما ** وقلت نذرت للرحمن صوما )
وتوفي بحلب في ربيع الأول بعد أن ألمت به كائنة بغير حق من قبل قاضي حلب زين العابدين محمد بن الفناري وفي تاريخ ابن طولون أنه مات قهرا بسبب تلك الكائنة ولم تطل مدة القاضي بعده وفيها شيخ الإسلام قاضي القضاة زين الدين الحافظ زكريا بن محمد بن أحمد بن زكريا الأنصاري السنيكي ثم القاهري الأزهري الشافعي قال في النور ولد سنة ست وعشرين وثمانمائة بسنيكة من الشرقية ونشأ بها وحفظ القرآن وعمدة الأحكام وبعض مختصر التبريزي ثم تحول إلى القاهرة سنة إحدى وأربعين فقطن في جامع الأزهر وكمل حفظ المختصر ثم حفظ المنهاج الفرعي والألفية النحوية والشاطبية والرائية وبعض المنهاج الأصلي ونحو النصف من ألفية الحديث ومن التسهيل إلى كاد وأقام بالقاهرة يسيرا ثم رجع إلى بلده وداوم الاشتغال وجد فيه وكان ممن أخذ عنه القاياتي والعلم البلقيني والشرف السبكي والشموس الوفائي والحجازي والبدرشي والشهاب بن المجدي والبدر النسابة والزين البوشنجي والحافظ ابن حجر والزين رضوان في آخرين وحضر دروس الشرف المناوي وأخذ عن الكافيجي وابن الهمام ومن لا يحصى كثرة ورجع

إلى القاهرة فلم ينفك عن الاشتغال والاشغال مع الطريقة الجميلة والتواضع وحسن العشرة والأدب والعفة والانجماع عن أبناء الدنيا مع التقلل وشرف النفس ومزيد العقل وسعة الباطن والاحتمال والمداراة وأذن له غير واحد من شيوخه في الافتاء والأقراء منهم شيخ الإسلام ابن حجر وتصدى للتدريس في حياة شيوخه وانتفع به الفضلاء طبقة بعد طبقة وشرح عدة كتب وألف ما لا يحصى كثرة فلا نطيل بذكرها إذ هي أشهر من الشمس وقصد بالفتاوى وزاحم كثيرا من شيوخه فيها ورويته أحسن من بديهته وكتابته أمتن من عبارته وعدم مسارعته إلى الفتاوى يعد من حسناته وله الباع الطويل في كل فن خصوصا التصوف وولي تدريس عدة مدارس إلى أن رقي إلى منصب قضاء القضاة بعد امتناع كثير وذلك في رجب سنة ست وثمانين واستمر قاضيا مدة ولاية الأشرف قايتباي ثم بعد ذلك إلى أن كف بصره فعزل بالعمى ولم يزل ملازم التدريس والافتاء والتصنيف وانتفع به خلائق لا يحصون منهم ابن حجر الهيتمي وقال في معجم مشايخه وقدمت شيخنا زكريا لأنه أجل من وقع عليه بصري من العلماء العاملين والأئمة الوارثين وأعلى من عنه رويت ودريت من الفقهاء الحكماء المهندسين فهو عمدة العلماء الأعلام وحجة الله على الأنام حامل لواء المذهب الشافعي على كاهله ومحرر مشكلاته وكاشف عويصاته في بكره وأصائله ملحق الأحفاد بالأجداد المتفرد في زمنه بعلو الإسناد كيف ولم يوجد في عصره إلا من أخذ عنه مشافهة أو بواسطة أو بوسائط متعددة بل وقع لبعضهم أنه أخذ عنه مشافهة تارة وعن غيره ممن بينه وبينه نحو سبع وسائط تارة أخرى وهذا لا نظير له في أحد من أهل عصره فنعم هذا التمييز الذي هو عند الأئمة أولى به وأحرى لأنه حاز به سعة التلامذة والأتباع وكثرة الآخذين عنه ودوام الانتفاع انتهى وتوفي رحمه الله تعالى يوم الجمعة رابع ذي الحجة بالقاهرة ودفن بالقرافة

بالقرب من الإمام الشافعي رضي الله عنه وجزم في الكواكب بوفاته في السنة التي بعدها وقال عاش مائة وثلاث سنين انتهى
وفيها عبد الله بن أحمد بن با كثير بفتح الكاف وكسر المثلثة الحضرمي ثم المكي الشافعي قال في النور ولد في سنة ست أو سبع وأربعين وثمانمائة بحضرموت ونشأ بها سبع سنين ونقله والده إلى غيل باوزير فحفظ القرآن في سنة وعمره ثمان سنين وحفظ المنهاج والبهجة لابن الوردي وخلاصة ابن ظفر وألفية ابن مالك وغيرها ثم سأل والده الاجتماع بشيخ من الصوفية فأشار عليه بالشيخ عبد الله العيدروس فتوجه إلى تريم وأخذ عنه وتربى على يديه وكان يقول لو اجتمع شيوخ الرسالة في جانب الحرم وأنا في جانبه الآخر ما كنت أهتز إلى عندهم لما ملأني به الشريف يعني الشيخ عبد الله ورحل إلى مكة وأقام بها إلى أن مات ولقي جماعة من العلماء وأجيز بالافتاء والتدريس فتصدى لذلك وانتفع الناس به ونثر ونظم من ذلك الدرر اللوامع في نظم جمع الجوامع وتتمة التمام وسفك المدام في عقائد الإسلام ومن شعره
( من كان يعلم أن كل مشاهد ** فعل الاله فما له أن يغضبا )
( بل واجب أن يرتضي ما شاهدت ** عيناه من ذاك الفعال ويطربا )
وكان كثير الفوائد عالما عاملا عين المدرسين بمكة مع الزهد والصلاح والعفة والاحتمال والسكون والانجماع عن أبناء الدنيا وتوفي بمكة ليلة السبت الثالث عشر ربيع الثاني ودفن بالمعلاة وخلف نحو عشرة أولاد ذكورا وإناثا انتهى وفيها السيد تاج الدين عبد الوهاب بن أحمد السيد الشريف ابن نقيب الأشراف وأمه الفاضلة البارعة زينب بنت الباعوني أخذ الفقه عن الشيخ برهان الدين الطرابلسي الحنفي المصري بها وقرأ عليه مصنفه في الفقه على طريقة المجمع وتردد إلى سيدي محمد بن عراق إلى أن توفي ليلة

السبت في ربيع الأول بصالحية دمشق عن نحو ثلاثين سنة وصلى عليه بمدرسة أبي عمر ودفن بالروضة وفيها علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الرحيم بن محمد بن علي بن إبراهيم بن مسعود بن محمد الحصكفي الموصلي الشافعي العلامة المفنن المتقن قطن دمشق أولا مع أبيه وقرأ بها على الشيخ عماد الدين المعروف بخطيب السقيفة والبرهان بن المعتمد وغيرهما وحج ماشيا ثم قطن حلب وقرأ بها على الفخر عثمان الكردي والبدر السيوفي والشمس البازلي وغيرهم ودرس بها وأفاد وأفتى وجلس بمكتب الشهادة بحلب تحت قلعتها وتردد الطلبة إليه وتلقى منه جمع جم من الأفاضل حتى ترقى بعضهم إلى الإفادة ثم لما أبطلت الدولة العثمانية مكاتب الشهود ترك ذلك وأقبل على الاشتغال والاشغال وكان له يد طولى في النحو والصرف والمنطق والعروض والقوافي وله تقرير حسن في الفقه ومشاركة كلية في الأدب وشعره لطيف منه
( تمر الليالي والحوادث تنقضي ** كأضغاث أحلام ونحن رقود )
( وأعجب من ذا أنها كل ساعة ** تجد بنا سيرا ونحن قعود )
وله ملغزا
( يا إماما في النحو شرقا وغربا ** من له باب سره المكنون )
( أيما اسم قد جاء ممنوع صرف ** وأتى الجر فيه والتنوين )
وأجاب هو عنه بقوله
( علم كان للمؤنث جمعا ** سالما جمع ذين فيه يكون )
وأجاب عن قول بعض فضلاء النحو
( سلم على شيخ النحاة وقل له ** عندي سؤال من يجبه يعظم )
( أنا إن شككت وجدتموني جازما ** وإذا جزمت فإنني لم أجزم )
بقوله


( قل في الجواب بأن إن في شرطها ** جزمت ومعناها التردد فاعلم )
( وإذا بجزم الحكم إن شرطية ** وقعت ولكن شرطها لم يجزم )
وتوفي يوم الثلاثاء سابع شوال وفيها فاطمة بنت يوسف التادفي الحنبلي الحلبي قال ابن الحنبلي وهو ابن أخيها كانت من الصالحات الخيرات وكان لها سماع من الشيخ المحدث برهان الدين وكانت قد حجت مرتين ثم عادت إلى حلب وأقلعت عن ملابس نساء الدنيا بل عن الدنيا بالكلية ولبست العباءة وزارت بيت المقدس ثم حجت ثالثة وتوفيت بمكة المشرفة انتهى
وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن داود البازلي الكردي ثم الحموي الشافعي شيخ الإسلام مفتي المسلمين العلامة ولد في ضحوة يوم الجمعة سنة خمس وأربعين وثمانمائة في جزيرة ابن عمر ونشأ بها وانتقل إلى أذربيجان فحفظ بها كثيرا من الكتب منها الحاوي الصغير وعقائد النسفي وعروض الأندلسي والشمسية وكافية ابن الحاجب وتصريف العزي وأخذ المعقولات عن منلا ظهير ومنلا محمد القتجفاني ومولانا عثمان الباوي والمنقولات عن والده وغيره وقدم الشام سنة تسعين وثمانمائة وحج سنة خمس وتسعين وعاد من الحجاز إلى حماة فقطنها وكان زاهدا متقشفا كثير العبادة يصوم الدهر ويلازم التدريس وألف عدة مؤلفات منها حاشية شرح جمع الجوامع للمحلى وكتاب سماه غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام وكتاب تقدمة العاجل لذخيرة الآجل وأجوبة شافية عن إشكالات كانت ترد عليه وأسئلة ترفع إليه وتوفي بحماة رحمه الله تعالى وفيها شمس الدين محمد بن علي بن الدهن الحلبي الشافعي المعمر شيخ القراء والاقراء بحلب وإمام الحجازية بجامعها الكبير قرأ على جماعة منهم منلا سليمان بن أبي بكر المقري الهروي وغيره وكان من العلماء المنورين وفيها قاضي القضاة جلال الدين محمد بن قاسم المصري المالكي العلامة قال الشعراوي كان كثير المراقبة لله

في أحواله وكانت أوقاته كلها معمورة بذكر الله تعالى وشرح المختصر والرسالة وانتفع به خلائق لا يحصون وولاه الغوري القضاء مكرها وكان حسن الاعتقاد في طائفة القوم قال وكان أكثر أيامه صائما لا يفطر في السنة إلا العيدين وأيام التشريق وكان حافظا للسانه في حق أقرانه لا يسمع أحدا يذكرهم الا ويبجلهم توفي بمصر في هذه السنة وفيها محب الدين أبو الثناء محمود بن محمد بن محمود بن خليل بن أجا التدمري الأصل الحلبي ثم القاهري الحنفي كاتب الأسرار الشريفة بالممالك الإسلامية المعروف بابن أجا قال السخاوي ولد سنة أربع وخمسين وثمانمائة بحلب واشتغل بالعلم في القاهرة إلى سنة ثمان وثمانين ثم زار بيت المقدس ورجع إلى حلب وتميز بالذكاء ولطف العشرة وولي قضاء حلب في شهر رمضان سنة تسعين وحج سنة تسعمائة ثم رجع إلى حلب وطلبه السلطان الغوري وولاه كتابة السر بالقاهرة عوضا عن ابن الجيعان في أول ولايته سنة ست وتسعمائة واستمر فيها إلى آخر الدولة الجركسية وهو آخر من ولي كتابة السر ثم حج في دولته سنة عشرين فقرأ عليه المسند جار الله بن فهد عشرين حديثا عن عشرين شيخا وخرجها له في جزء سماه تحقيق الرجا لعلو المقر بن أجا ثم عاد إلى القاهرة فشكا مدة فركب إليه السلطان وزاره لمحبته له ثم سافر صحبة الغوري إلى حلب سنة اثنتين وعشرين وأقام بها حتى قتل الغوري فرجع إلى القاهرة فولاه السلطان طومان باي كتابة السر بها ثم لما دخل السلطان سليم إليها أكرمه وعرض عليه وظيفته فاستعفى منها واعتذر بكبر سنه وضعف يديه ثم سأل السلطان سليم الإقامة بحلب فأجابه وعاد معه إلى حلب واستقر في منزله إلى أن توفي بها وكان ذا هيبة وشكالة حسنة وشيبة نيرة ظريفا كيسا يحب التواريخ ويرغب في خلطة الأكابر ومدحه الناس كثيرا بالمدائح الحسنة منهم عائشة الباعونية حين قدمت عليه القاهرة بقصيدتها الرائية التي أولها


( حنيني لسفح الصالحية والجسر ** أهاج الهوى بين الجوانح والصدر )
وتوفي بحلب في العشر الأول من شهر رمضان
وفيها أو في التي بعدها نهالي بن عبد الله الرومي الحنفي المولى الفاضل المشتهر بهذا اللقب قال في الشقائق ولم نعرف اسمه وكان عتيقا لبعض الأكابر وقرأ في صغره مبادىء العلوم ثم خدم العلماء وفاق على أقرانه ومهر في العربية والأصول والتفسير وكان له نظم بالعربية والتركية والفارسية ووصل إلى خدمة المولى محمد بن الحاج حسن ودرس بالمدرسة التي بناها المولى المذكور بالقسطنطينية ثم بمدرسة مصطفى باشا بالقسطنطينية أيضا ثم فرغ عن التدريس وسافر إلى الحج فلما أتم الحج مرض فعاهد الله تعالى إن صح من مرضه لم يعاود التدريس وندم على ما مضى من عمره في الاشتغال بغير الله تعالى فأدركته المنية في مرضه ذلك بمكة المشرفة ودفن بها

سنة ست وعشرين وتسعمائة

فيها توفي أبو النور التونسي المالكي نزيل المدرسة المقدمية بحلب كان حافظا لكتاب الله تعالى مقرئا يؤدب الأطفال بالمدرسة المذكورة وكان من عادته أنه يقرأ ثلث القرآن بعد المغرب وثلثه بعد العشاء ومن غريب ما اتفق له أنه لما ركب البحر من تونس إلى أسكندرية حصل لملاح السفينة وكان فرنجيا حمى غب أشغلته عن مصلحة السفينة وعجز ركابها عن علاج ينفعه وطلب من الشيخ أبي النور ما يكتب للحمى فكتب له في ورقة { خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه } ولف الورقة ودفعها له فوضعها في رأسه فما مضت تلك الليلة حتى ذهبت عنه الحمى وتوفي الشيخ بحلب ودفن بمقبرة الرحبي وفيها الشيخ أحمد بن بترس الصفدي الشيخ العارف بالله تعالى المكاشف بأسرار غيب الله كان

ظاهر الأحوال بصفد مسموع الكلمة عند حكامها وكان الناس يترددون إليه فيشفع لهم ويقضي حوائجهم ويقربهم ويضيفهم وكان ذا شيبة نيرة وكان إذا أراد أن يتكلم بكشف يطرق رأسه إلى الأرض ثم يرفعه وعيناه كالجمرتين يلهث كصاحب الحمل الثقيل ثم يتكلم بالمغيبات وكان في بدايته ذا رياضة ومجاهدة وتوفي بصفد قال ابن طولون صلى عليه غائبة بجامع دمشق يوم الجمعة ثامن عشرى ذي القعدة سنة ست وعشرين وتسعمائة انتهى
وفيها شهاب الدين أحمد بن الحسين بن محمد ابن الحسين بن عيسى بن محمد ابن أحمد بن مسلم الشهاب بن البدر المكي ويعرف كأبيه بابن العليف بضم العين المهملة تصغير علف الشافعي قال في النور ولد بمكة سنة إحدى وخمسين وثمانمائة ونشأ بها وحفظ القرآن والألفية النحوية والأربعين النووية والكثير من المنهاج وسمع بمكة على التقي بن فهد وولده النجم والزين عبد الرحمن الأسيوطي وأبي الفضل المرجاني ولازم النور الفاكهي في دروسه الفقهية والنحوية وبالقاهرة من الجوجري وغيره ودخل القاهرة مرارا قال السخاوي وكنت ممن أخذ عنه بها وبالحرمين وتكسب بالنساخة مع عقل وتودد وحسن عشرة وتميز ومع ذلك فلم يسلم ممن يعاديه بل كاد أن يفارق المدينة لذلك قال وأغلب إقامته الآن بطيبة على خير وانجماع وتقلل ونعم الرجل انتهى وألف لسلطان الروم بايزيد بن عثمان الدر المنظوم في مناقب سلطان الروم ومدحه وغيره من أمرائه فرتب له خمسين دينارا في كل سنة ومدح السيد بركات الحسني صاحب مكة واقتصر على مدحه وحظى عنده لبلاغته حتى صار متنبي زمانه ثم أصيب بكثرة الأمراض في آخره ومن نظمه الفائق القصيدة العجيبة التي منها
( خذ جانب العليا ودع ما يترك ** فرضا البرية غاية لا تدرك )
( واجعل سبيل الذل عنك بمعزل ** فالعز أحسن ما به تتمسك )


( وامنح مودتك الكرام فربما ** عز الكريم وفات ما يستدرك )
( وإذا بدت لك في عدو فرصة ** فافتك فإن أخا العلا من يفتك )
( ودع الأماني للغبي فإنما ** عقبى المنى للحر داء مهلك )
( من يبتغي سببا بدون عزيمة ** ضلت مذاهبه وعز المدرك )
( تعست مداراة العدو فإنها ** داء تحول به الجسوم وتوعك )
وهي طويلة وتوفي بمكة المشرفة يوم الثلاثاء من ذي الحجة ودفن بالمعلاة
وفيها تقي الدين باكير الرومي الشيخ الفاضل ناظر التكية السليمية وولي نظارة الجامع الأموي قال في الكواكب نزل عند شيخ الإسلام الجد وكان من أصحابه وتلاميذه وترجمه بالولاية والفضل ثم عزل من الجامع الأموي وأعطى تولية التكية السليمية ثم عزل عنها بالشيخ أبي الفتح بن مظفر الدين المكي ثم سافر إلى الروم وعاد بتولية الجامع والتكية معا ودخل دمشق عاشر رجب هذه السنة فصرفه نائب الشام في تولية التكية دون الجامع وتوفي ليلة الجمعة خامس ذي الحجة الحرام ودفن بالقرب من الشيخ محي الدين ابن عربي تحت السماء
وفيها المولى التوقاتي الحنفي العالم المدرس ببلدة أماسية قال النجم الغزي كان فاضلا منقطعا عن الناس بالكلية مشتغلا بالدرس والعبادة وكان لا يقدر على الحضور بين الناس وحشة منهم وحياءا وكان صالحا مباركا مات بأماسية في أوائل سلطنة السلطان سليمان خان انتهى وفيها حمزة بن عبد الله ابن محمد بن علي بن أبي بكر بن علي بن محمد الناشري اليمني الشافعي قال في النور ولد ثالث عشر شوال سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة وأخذ الفقه والحديث عن العلامة قاضي القضاة الطيب بن أحمد الناشري مصنف الإيضاح على الحاوي وعن والده قاضي القضاة عبد الله وغيرهما وروى عن القاضي مجد الدين الفيروزابادي صاحب القاموس وغيره وأجازه شيخ الإسلام ابن حجر

العسقلاني وكتب له بالإجازة هو وعلماء مصر كالشيخ زكريا الأنصاري والجوجري والسيوطي وابن أبي شريف وغيرهم ومن الحجاز أبو الخير السخاوي واشتهر باللطافة والعلم وكان كثير الزواج قارب المائة وهو يفتض الأبكار ورزق كثيرا من الأولاد مات غالبهم وتفقه به خلائق كثيرون كالحافظ ابن الديبع وأبي البركات الناشري وله مصنفات حسنة غريبة منها الأربعون التهليلية ومسالك التحبير من مسائل التكبير ومختصره التحبير في التكبير وانتهاز الفرص في الصيد والقنص وكتاب النبات العظيم الشان المسمى حدائق الرياض وغوصة الفياض وعجائب الغرائب وغرائب العجائب وسالفة العذار في الشعر المذموم والمختار وغير ذلك وله شعر لطيف منه
( إذا نظرت إلى العيناء تحسبها ** جاما من التتر فيه فص ياقوت )
( أو خد غانية يحمر من خجل ** أو قرص عاشقة أدماه كالتوت )
وتوفي يوم الخميس تاسع عشر ذي الحجة بمدينة زبيد ودفن بمقبرة سلفه الصالح بباب سهام قريبا من قبر الشيخ إسماعيل الجبرتي انتهى
وفيها السلطان سليم بن أبي يزيد بن محمد السلطان المفخم والخاقان المعظم سليم خان بن عثمان تاسع ملوك بني عثمان هو من بيت رفع الله على قواعده فسطاط السلطنة الإسلامية ومن قوم أبرز الله تعالى لهم ما ادخره من الاستيلاء على المدائن الإيمانية رفعوا عماد الإسلام وأعلوا مناره وتواصوا باتباع السنة المطهرة وعرفوا للشرع الشريف مقداره وصاحب الترجمة منهم هو الذي ملك بلاد العرب واستخلصها من أيدي الجراكسة بعد ما شتت جمعهم فانفلوا عن مليكهم وجدوا في الهرب ولد بأماسية في سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة وجلس على تخت السلطنة وعمره ست وأربعون سنة بعد أن خلع والده نفسه عن السلطنة وسلمها إليه وكان السلطان سليم ملكا قهارا وسلطانا جبارا قوي البطش كثير السفك شديد التوجه إلى أهل النجدة والباس

عظيم التجسس عن أخبار الناس وربما غير لباسه وتجسس ليلا ونهارا وكان شديد اليقظة والتحفظ يحب مطالعة التواريخ وأخبار الملوك وله نظم بالفارسية والرومية والعربية منه ما ذكره القطب الهندي المكي أنه رآه بخطه في الكوشك الذي بنى له بروضة المقياس بمصر ونصه
( الملك لله من يظفر بنيل غنى ** يردده قسرا ويضمن عنده الدركا )
( لو كان لي أو لغيري قدر أنملة ** فوق التراب لكان الأمر مشتركا )
قال الشيخ مرعي الحنبلي في كتابه نزهة الناظرين وفي أيامه تزايد ظهور شأن إسمعيل شاه واستولى على سائر ملوك العجم وملك خراسان وأذربيجان وتبريز وبغداد وعراق العجم وقهر ملوكهم وقتل عساكرهم بحيث قتل ما يزيد على ألف ألف وكان عسكره يسجدون له ويأتمرون بأمره وكاد يدعي الربوبية وقتل العلماء وأحرق كتبهم ومصاحفهم ونبش قبور المشايخ من أهل السنة وأخرج عظامهم وأحرقها وكان إذا قتل أميرا أباح زوجته وأمواله لشخص آخر فلما بلغ السلطان سليم ذلك تحركت همته لقتاله وعد ذلك من أفضل الجهاد فالتقى معه بقرب تبريز بعسكر جرار وكانت وقعة عظيمة فانهزم جيش إسمعيل شاه واستولى سليم على خيامه وسائر ما فيها وأعطى الرعية الأمان ثم أراد الإقامة بالعجم للتمكن من الإستيلاء عليها فما أمكنه ذلك لشدة القحط بحيث بيعت العليقة بمايتي درهم والرغيف بمائة درهم وسببه تخلف قوافل الميرة التي كان أعدها السلطان سليم وما وجد في تبريز شيئا لأن إسمعيل شاه عند انهزامه أمر بإحراق أجران الحب والشعير فاضطر سليم للعود إلى بلاد الروم
وفي أيامه كانت وقعة الغوري وذلك أن سليم لما رجع من غزو إسمعيل شاه تفحص عن سبب انقطاع قوافل الميرة عنه فأخبر أن سببه سلطان مصر قانصوه الغوري فإنه كان بينه وبين إسمعيل شاه محبة ومراسلات وهدايا فلما تحقق سليم ذلك صمم على قتال الغوري أولا ثم بعده يتوجه لقتال إسمعيل

شاه ثانيا فتوجه بعسكره إلى جهة حلب سنة اثنتين وعشرين كما تقدم فخرج الغوري بعساكر عظيمة لقتاله ووقع المصاف بمرج دابق شمالي حلب ورمى عسكر سليم عسكر الغوري بالبندق ولم يكن في عسكر الغوري شيء منه فوقعت الهزيمة على عسكر الغوري بعد أن كانت النصرة له أولا ثم فقد تحت سنابك الخيل كما مر عند ذكره وكان ذلك بمخامرة خير بك والغزالي بعد أن عهد إليهما السلطان سليم بتوليتهما مصر والشام ثم بعد الوقعة أخليا له حلب لأنهما معه في الباطن فأقبل سليم إلى حلب فخرجوا إلى لقائه يطلبون الأمان ومعهم المصاحف يتلون جهارا { وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى } فقابلهم بالإجلال والإكرام ثم حضرت صلاة الجمعة فلما سمع الخطيب خطب باسمه وقال خادم الحرمين الشريفين سجد لله شكرا على أن أهله لذلك ثم ارتحل للشام بعد أن أخلاها له خير بك والغزالي فخرجوا للقائه ودعوا له فأكرمهم وأقام بها لتمهيد أمر المملكة وأمر بعمارة قبة على الشيخ محي الدين بن عربي بصالحية دمشق ورتب عليها أوقافا كثيرة ثم توجه إلى مصر فلما وصل إلى خان يونس بقرب غزة قتل فيه وزيره حسام باشا ثم لما دخل مصر وقع بينه وبين طومان باي سلطان الجراكسة حروب يطول ذكرها وقتل بها وزير سليم يوسف باشا سنان باشا وكان مقداما ذا رأي وتدبير فأسف سليم عليه بحيث قال أي فائدة في مصر بلا يوسف وقاتل طومان باي ومن معه من الأمراء قتالا شديدا وظهر لطومان باي شجاعة قوية عرف بها وشهد له بها الفريقان وأوقع الفتك بعسكر السلطان سليم ولولا شدة عضده بخير بك والغزالي ومكيدتهما ما ظفر بطومان باي ثم لما ظفر به أراد أن يكرمه ويجعله نائبا عنه بمصر فعارضه خير بك وخاف عاقبة فعله وقال لسليم أنك إن فعلت ذلك استولى على السلطنة ثانيا وحسن له قتله فقتله وصلبه بباب زويلة ودفنه كما أسلفنا ونزل السلطان سليم بالمقياس مدة

إقامته بمصر بعدا عن روائح القتلى وحذرا من المكيدة إلى أن مهدها ثم ولي خير بك أمير الأمراء على مصر وولي الغزالي على الشام وولي بمصر القضاة الأربع وهم قاضي القضاة كمال الدين الشافعي وقاضي القضاة نور الدين علي بن يس الطرابلسي الحنفي وقاضي القضاة الدميري المالكي وقاضي القضاة شهاب الدين أحمد بن النجار الحنبلي واستولى على الأرض الحجازية وغيرها ورتب الرواتب وأبقى الأوقاف على حالها ورتب لأهل الحرمين في كل سنة سبعة آلاف أردب حب ثم عاد للقسطنطينية وقد أصرف غالب خزائنه فأخر السفر عن بلاد العجم ليجمع ما يستعين به على القتال فظهر له في ظهره جمرة منعته الراحة وحرمته الاستراحة وعجزت في علاجه حذاق الأطباء وتحيرت في أمره عقول الألباء ولا زالت به حتى حالت بينه وبين الأمنية وخلت بينه وبين المنية فتوفي رحمه الله تعالى في رمضان أو شوال بعد علة نحو أربعين يوما وذكر العلائي في تاريخه أنه خرج من القسطنطينية إلى جهة أدرنة وقد خرجت له تلك الجمرة تحت إبطه وأضلاعه فلم يفطن بها حتى وصل إلى المكان الذي بارز فيه أباه السلطان أبا يزيد حين نازعه في السلطنة فطلب له الجرايحية والأطباء فلم يدركوه إلا وقد تأكلت ووصلت إلى الأمعاء فلم يستطيعوا دفعا عنه ولا نفعا ومات بها ودفن بأدرنة عند قبر أبيه انتهى وفيها تقريبا عبد الله بن إبراهيم الفاضل العلامة الشهير بابن الشيشري الحنفي قال في الكواكب قرأ على علماء العجم وبرع هناك في العربية والمعقولات ثم دخل بلاد الروم وعين له السلطان سليم كل يوم ثلاثين عثمانيا وعمل قصيدة بالفارسية نحو ثلاثين بيتا أحد مصراعي كل بيت تاريخ لسلطنة السلطان سليمان والمصراع الثاني من كل بيت تاريخ فتح رودس وله حواش على حاشية شرح المطالع للسيد الشريف وشرح على الكافية ورسالة في المعمى فارسية انتهى وفيها تقريبا أيضا جمال الدين عبد الله بن أحمد

الشنشوري المصري الشافعي الإمام العلامة له شرح التدريب للسراج البلقيني رحمهما الله تعالى وفيها جمال الدين عبد الله بن عبد الله بن رسلان البويضي من قرية البويضة من أعمال دمشق ثم الدمشقي الشافعي الشيخ الإمام العلامة ولد سنة إحدى وخمسين وثمانمائة وكان رفيقا للشيخ تقي الدين البلاطنسي على مشايخه وأخذ عنه الشيخ موسى الكناوي صحيح البخاري وغيره توفي بالبيمارستان النوري يوم الخميس سادس أو سابع ذي القعدة وصلى عليه إماما رفيقه البلاطنسي ودفن بمقبرة باب الصغير جوار الشيخ نصر المقدسي بصفة الشهداء وفيها قاضي القضاة بدر الدين أبو البقاء محمد بن محمد بن عبد الله بن الفرفور الدمشقي الحنفي قال في الكواكب اشتغل يسيرا في الفقه على البرهان بن عون ثم ولي كتابة السر عوضا عن أمين الدين الحسباني ثم استنزل له عمه قاضي القضاة شهاب الدين بن الفرفور قاضي القضاة محب الدين القصيف عن نظر القصاعية وتدريسها وأسمعه الحديث على جماعة من الدمشقين ثم ولي قضاء قضاة الحنفية بالشام مرارا عزل عن آخرها في شوال سنة ثلاث عشرة وتسعمائة انتهى
وفيها المولى زين الدين وقيل زين العابدين محمد بن محمد الفناري الرومي الحنفي العالم الفاضل أول قضاة القضاة بدمشق من الدولة العثمانية قرأ على علماء عصره منهم المولى الفاضل علاء الدين الفناري ثم وصل إلى خدمة المولى ابن المعرف معلم السلطان أبي يزيد ثم تنقلت به الأحوال إلى أن صار قاضيا بدمشق ثم بحلب قال في الشقائق كان عالما فاضلا ذكيا صاحب طبع وقاد وذهن نقاد قوي الجنان طلق اللسان صاحب مروءة وفتوة محبا للفقراء والمساكين يبرهم ويرعى جانبهم وكان في قضائه مرضي السيرة محمود الطريقة انتهى وذكر ابن طولون أن سيرته بدمشق كانت أحسن منها بحلب وتوفي وهو قاض بحلب في أول ربيع الأول


وفيها قاضي القضاة صلاح الدين محمد بن أبي السعود بن إبراهيم الشيخ الإمام قاضي قضاة مكة المشرفة ابن ظهيرة المكي الشافعي جرت له محنة في أيام الجراكسة وهي أن السلطان الغوري حبسه بمصر من غير جرم ولا ذنب بل للطمع في مال يأخذه منه على عادته ولما خرج بعساكره من مصر لقتال السلطان سليم بن عثمان أطلق كل من في حبسه من أرباب الجرائم وغيرهم ولم يطلق صاحب الترجمة فلما قتل الغوري أطلقه طومان باي ثم لما وصل السلطان سليم إلى مصر جاء إليه القاضي صلاح الدين فأكرمه وعظمه وخلع عليه وجهزه إلى مكة معزوزا مكرما مع الإحسان إليه وجعله نائبه في تفرقة الصدقات السليمية في تلك السنة وخطب عامئذ في الموقف الشريف خطبة عرفة وبقي بمكة إلى أن توفي بها في أواخر هذه السنة
وفيها نبهان بن عبد الهادي الصفوري الشافعي العالم الفاضل العارف بالله تعالى قال في الكواكب ذكره شيخ الإسلام الوالد في معجم تلامذته قال وكان من عباد الله الصالحين سريع الدمعة خاشع القلب ساكن الحواس قرأ على الوالد ألفيته في التصوف كاملة وحضر دروسي كثيرا واستجازني فأجزته انتهى

سنة سبع وعشرين وتسعمائة

فيها توفي برهان الدين إبراهيم بن أبي الوفاء بن أبي بكر بن أبي الوفاء الأرمنازي ثم الحلبي الشافعي الشيخ الصالح المعمر كان من حفاظ كتاب الله تعالى وكان إماما للسلطان الغوري حين كان حاجب الحجاب بحلب فلما تسلطن توجه الشيخ إبراهيم إليه إلى القاهرة وحج منها في سنة ست وتسعمائة ثم عاد إليها واجتمع به فأحسن إليه وأمره بالإقامة لاقراء ولده فاعتذر إليه فقبل عذره ورتب له ولأولاده من الخزينة في كل سنة ثلاثين دينارا ثم عاد

إلى حلب قال ابن الحنبلي واتفق له أنه قرأ في طريق الحاج ذهابا وإيابا وفي إقامته بمصر قدر شهرين ما يزيد على ثلثمائة وخمسين ختمة قيل وكان راتبه في الإقامة مع قضاء مصالحه في اليوم والليلة ختمة وبدونه ختمة ونصفا وكان يمشي في الأسواق فلا يفتر عن التلاوة وتوفي بحلب رحمه الله تعالى
وفيها تقي الدين أبو بكر الظاهري المصري نزيل دمشق الشيخ الفاضل العالم توفي بدمشق في مستهل رمضان
وفيها المولى أحمد باشا بن خضر بك بن جلال الدين الرومي الحنفي قال في الكواكب كان عالما متواضعا للفقراء ولما بنى السلطان محمد خان المدارس الثمانية أعطاه واحدة منها وسنه يومئذ دون العشرين ثم تنقل في المناصب حتى صار مفتيا بمدينة بروسا في سلطنة السلطان بايزيد وأقام بها مدة متطاولة وله مدرسة هناك بقرب الجامع الكبير منسوبة إليه وله كتب موقوفة على المدرسة وتوفي في هذه السنة قال في الشقائق وقد جاوز التسعين
وفيها شهاب الدين أحمد بن القاضي علاء الدين علي بن البهاء بن عبد الحميد بن إبراهيم البغدادي ثم الدمشقي الصاحلي الحنبلي الإمام العلامة ولد ليلة الإثنين عاشر ربيع الأول سنة سبعين وثمانمائة وأخذ العلم عن أبيه وغيره وانتهت إليه رياسة مذهبه وقصد بالفتاوى وانتفع الناس به فيها وفي الاشغال وتعاطى الشهادة على وجه اتقان لم يسبق إليه وفوض إليه نيابة القضاء في الدولة العثمانية زين العابدين الفناري ثم ترك ذلك وأقبل على العلم والعبادة ومن تلاميذه البدر الغزي وللبدر عليه مشيخة أيضا وهو الذي أشار عليه بالكتابة على الفتوى بمحضر من والده الشيخ رضى الدين وكان يمنعه أولا من الكتابة في حياة شيوخه فاستأذنه له فيها وتوفي صاحب الترجمة بدمشق بكرة نهار الجمعة حادي عشرى رجب ودفن بتربة باب الفراديس
وفيها شهاب الدين أحمد المعروف بابن نابتة المصري الحنفي حضر في

الفقه على العلامة الشمس قاسم بن قطلوبغا والجلال الطرابلسي والقراءات عن الشمس الحمصاني وكان متزهدا متقللا وأقبلت عليه الطلبة واشتغل الناس عليه وأصيب بالفالج أشهرا ثم توفي ليلة الأربعاء حادي عشر ربيع الثاني وهو في أواخر الثمانين ودفن بتربة الجلال السيوطي
وفيها شهاب الدين أحمد المتوفي الشيخ الفاضل المحصل المعتقد الشافعي متولي الظاهرية القديمة بمصر ولي قضاء بلده منوف العليا فباشر القضاء بعفة ونزاهة وطرد البغايا من تلك الناحية وأزال المنكرات واستخلص الحقوق بحيث كانت تأتيه الخصوم من بلاد بعيدة أفواجا وتستخلص بهمته وعدله حقوقا كانت قد ماتت قال العلائي وقد أوقفني على عدة مختصرات له في الفقه والفرائض والحساب والعربية حوت مع الاختصار فوائد وفرائد خلت منها كثير من المختصرات والمطولات وتوفي في مستهل شوال
وفيها صدر الدين إدريس المارديني القاهري الإمام العالم المؤرخ المنشىء توفي بالقاهرة في هذه السنة وفيها جان بردى بن عبد الله الجركسي الشهير بالغزالي السخيف الرأي كان في الدولة الجركسية كافل حماة ثم دمشق ثم خامر على الغوري كما تقدم ووعده السلطان سليم بنيابة دمشق ومع هذا فإنه لما فر من ميسرة الغوري بمرج دابق مخامرة رجع إلى مصر ولحق بطومان باي وأعانه على السلطان سليم ولما افتتح السلطان سليم مصر ثبت على ميثاقه ووعده وولاه نيابة الشام وخرج في ركابه من مصر إلى دمشق ثم خرج في وداعه ثم عاد إلى دمشق وقد ولي السلطان سليم قاضي القضاة ابن الفرفور بعد أن تحنف وكان شافعيا وأبطل القضاة الأربعة إلا ابن فرفور فكان قاضيا وكان الغزالي نائبا فأعاد الشهود إلى مراكزهم على عادتهم في الدولة الجركسية ووقع بينه وبين ابن فرفور بهذا السبب غير أن الغزالي نشر العدل في دمشق وأعمالها وأبطل ما كان حدث بها من اليسق ومنع البوابين أن يأخذوا شيئا من الداخلين

إلى المدينة وجرد السيف على كل من تعرض من الأروام لامرأة أو صبي وكتب بذلك إلى السلطان سليم وأخبره بأن دمشق غير معتادة لشيء من هذه المناكير فأجيب بأنا قلدناك أمر الرعية فافعل ما هو الشرع وعرض بالقضاء لقاضي القضاة شرف الدين بن مفلح بدلا عن ابن فرفور فأجيب إلى ذلك فباشر الغزالي النيابة وابن مفلح القضاء بسيرة حسنة إلى سنة ست وعشرين فكان الغزالي ببيروت وجاءه الخبر بموت السلطان سليم فركب من ساعته إلى دمشق وحاصر قلعتها ثم سلمها إليه أهلها ونفى نائبها إلى بيت المقدس وجعل نيابتها للأمير إسمعيل بن الأكرم وأمر الخطباء أن ينوهوا بسلطنته ويدعوا له على المنابر وفرح بذلك جهلة العوام دون عقلاء الناس ثم توجه إلى طرابلس وحمص وحماة وحلب وحاصر قلاعها ولم يظفر بطائل لكنه قبض على كافل حمص وقتله ثم دخل حماة وقد فر كافلها وقاضيها إلى حلب فأخذ من كان معه في النهب وقتل من كان له غرض في قتله وكان فر ابن فرفور أيضا إلى حلب خوفا من معرته ولما بلغ السلطان سليمان خبره جهز إليه جيشا فصار الغزالي يحصن قلعة دمشق وما حولها ونصب بها منجنيقا ليرمي به المحاصرين وصار يركب من دار السعادة إلى القلعة ومن القلعة إلى دار السعادة وضاقت عليه الأرض وهم بالهرب فثبت جأشه جهلة عساكره الذي جمعهم من القرى وقالوا نحن فينا كفاية قال الحمصي وفي يوم الجمعة الثالث والعشرين من شهر صفر أمر جان بردى الغزالي أن يخطبوا له بالسلطنة ويلقبوه بالأشرف وصلى بالجامع الأموي في المقصورة وخطب له بالأشرف ووقف على المقصورة بساط في اليوم المذكور قال وفي يوم السبت جمع مشايخ الحارات بالجامع الأموي وحلفهم أن لا يخونوه وأن يكونوا معه على كلمة واحدة ثم خرج يوم الثلاثاء سابع عشريه هو والعساكر وأهل الحارات إلى مسطبة السلطان بالقابون ووصل العسكر العثماني إلى القصير وعدته اثنان وستون

ألفا باشهم الوزير الثالث فرحات وصحبته نائب حلب قراجا باشا والأمير شاه سوار وقاضي القضاة ولي الدين بن فرفور وقد أعيد إلى القضاء على عادته وكان صحبة الغزالي الأمير يونس بن القواس بعشيره والأمير عمر بن العزقي بعشيره فالتقى العسكران بين دوما وعيون فاسريا والقصير ففر ابن القواس بعشيره وثبت الغزالي وقليل ممن معه فقتلوا وقتل معه عمر بن العزقي واستأصل جميع عسكره الأسافل وذكروا أن عدة القتلى كانت سبعة آلاف ثم دخل العسكر العثماني دمشق فرأوا الأبواب مفتحة وسلمهم ابن الأكرم مفاتيح القلعة ولو قصدوا قتل العوام لفعلوا وكان ذلك يوم الثلاثاء سابع عشرى صفر وفيها بدر الدين حسن بن عيسى بن محمد الفلوجي البغدادي الأصل العالم الحنفي قال في الكواكب اشتغل قليلا على الزيني ابن العيني واعتنى بالشهادة ثم تركها وحصل دنيا واسعة وحج سنة عشرين وجاور وولي نظر الماردانية والمرشدية ونزل له أخوه شمس الدين عن تدريسها وعدة مدارس ولم يكن فيه أهلية فتفرقها الناس مع أنه كان كثير الشر كما قال ابن طولون ومات يوم الثلاثاء تاسع عشر صفر ودفن يوم الأربعاء بالسفح وفيها سيدي ابن محمود المولى العالم الصالح الرومي الحنفي الشهير بابن المجلد كان أصله من ولاية قوجه ايلي واشتغل بالعلم وحصل وصار مدرسا بمدرسة عيسى بيك ببروسا ثم رغب في التصوف وعين له كل يوم خمسة عشر درهما بالتقاعد ثم صحب الشيخ العارف بالله تعالى السيد البخاري وكان فاضلا مدققا حسن الخط صالحا دينا يخدم بيته بنفسه ويشتري حوائجه ويحملها من السوق بنفسه ملازما للمسجد منعزلا عن الناس وتوفي في حدود هذه السنة تقريبا وفيها القاضي محب الدين عبد الرحمن بن إبراهيم الشيخ العابد الدين الصالح الدسوقي ولد في ذي الحجة سنة ثمان وستين وثمانمائة وكان ناظر الأيتام بدمشق وفوض إليه نيابة القضاء

في سنة ست عشرة وتسعمائة وتوفي ليلة السبت سابع ربيع الآخر فجأة ودفن بمقبرة باب الصغير عند والده وفيها محي الدين أبو المفاخر عبد القادر بن محمد بن عمر بن محمد بن يوسف بن عبد الله بن نعيم بضم النون النعيمي الدمشقي الشافعي الشيخ العلامة الرحلة مؤرخ دمشق وأحد محدثيها ولد يوم الجمعة ثاني عشر شوال سنة خمس وأربعين وثمانمائة ولازم الشيخ إبراهيم الناجي والعلامة زين الدين عبد الرحمن بن خليل وزين الدين خطاب الغزاوي وزين الدين مفلح بن عبد الله الحبشي المصري ثم الدمشقي ولبس منه خرقة التصوف وأخذ عن البدر بن قاضي شهبة والشهاب بن قرا وقرأ على البرهان البقاعي مصنفه المسمى بالإيذان وأجاز له به وبما تجوز له وعنه روايته وشيوخه كثيرة ذكرهم في تواريخه وألف كتبا كثيرة منها الدارس في تواريخ المدارس ومنها تذكرة الاخوان في حوادث الزمان والتبيين في تراجم العلماء والصالحين والعنوان في ضبط مواليد ووفيات أهل الزمان والقول المبين المحكم في اهداء القرب للنبي صلى الله عليه وسلم وتحفة البررة في الأحاديث المعتبرة وإفادة النقل في الكلام على العقل وغير ذلك وتوفي كما قال ولده المحيوي يحيى وقت الغداء يوم الخميس رابع جمادى الأولى ودفن بالحمرية رحمه الله تعالى وفيها وقيل في سنة عشر وتسعمائة وقيل سبع عشرة ولعله الصحيح على النبتيتي الشافعي الشيخ الإمام العلامة ولي الله تعالى العارف به البصير بقلبه المقيم ببلدته نبتيت من أعمال مصر كان رفيقا للقاضي زكريا في الطلب والاشتغال وبينهما أخوة أكيدة وأخذ العلم عن جماعة منهم الكمال إمام الكاملية وكان النبتيتي من جبال العلم متضلعا من العلوم الظاهرة والباطنة وله أخلاق شريفة وأحوال منيفة ومكاشفات لطيفة وكان يغلب عليه الخوف والخشية حتى كأن النار لم تخلق إلا له وحده وكان الناس يقصدونه للعلم والافتاء والافادة والتبرك

والزيارة من سائر الآفاق وكانت ترفع إليه المسائل المشكلة من مصر والشام والحجاز فيجيب عنها نظما ونثرا وكانت نصوص الشافعي وأصحابه كأنها نصب عينيه وكان مخصوصا في عصره بكثرة الاجتماع بالخضر قال الشعراي كان وقته كله معمورا بالعلم والعبادة ليلا ونهارا وكان يقول لا يكمل الرجل في العقل إلا أن كاتب الشمال لا يجد شيئا من أعماله يكتبه وله مناقب كثيرة ومن شعره رضي الله تعالى عنه
( ومالي لا أنوح على خطائي ** وقد بارزت جبار السماء )
( قرأت كتابه وعصيت سرا ** لعظم بليتي ولشؤم رائي )
( بلائي لا يقاس به بلاء ** وأعمالي تدل على شقائي )
( فياذلي إلى ما قال ربي ** إلى النيران سوقوا ذا المرائي )
( فهذا كان يعصيني جهارا ** ويزعم أنه من أوليائي )
( تصنع للعباد ولم يردني ** وكان يريد بالمعنى سوائي )
في أبيات أخر توفي يوم عرفة ببلده ودفن بها وقبره بها يزاد
وفيها المولى غياث الدين الشهير بباشا جلبي الرومي الحنفي العالم الفاضل ابن أخي آق شمس الدين الرومي قرأ على المولى الخيالي والمولى خواجه زاده وغيرهما وصحب الصوفية ثم أعطى مدرسة المولى الكوراني بالقسطنطينية ثم إحدى الثمانية ثم ترك ذلك واختار مدرسة أبي أيوب الأنصاري ثم أعطى سلطانية أماسية مع منصب الفتوى ثم تركها وأعطى تقاعدا بسبعين عثمانيا كل يوم ثم طلب مدرسة القدس الشريف فمات قبل السفر إليها وله رسائل كثيرة لكنه لم يدون كتابا رحمه الله تعالى
وفيها شرف الدين قاسم بن عمر الزواوي المغربي القيرواني المالكي الشيخ الفاضل الصالح المعتقد كان أولا مقيما في صحبة رفيقه الشيخ العابد الزاهد محمد الزواوي بمقام الشيخ تاج الدين بن عطاء الله الأسكندري

ثم أقام بمقام الإمام الشافعي رضي الله عنه خادما لضريحه وصحب الشيخ جلال الدين السيوطي وارتبط به وقلده في ملازمة لبس الطيلسان صيفا وشتاء وكان يتردد إلى التقي الأوجاقي وغيره وأخذ عنه البدر الغزي وتوفي يوم الثلاثاء رابع عشرى شعبان
وفيها كمال الدين محمد بن الشيخ غياث الدين أحمد بن الشيخ كمال الدين الشماخي الأصل والمولد وشماخي أم المدائن بولاية شروان أخذ عن السيد يحيى بن السيد بهاء الدين الشرواني الشماخي ثم الباكوي وباكو بلدة من ولاية شروان أيضا وبها توفي السيد يحيى سنة ثمان أو تسع وستين وثمانمائة وكان السيد يحيى هذا جليل المقدار انتشرت خلفاؤه إلى أطراف الممالك وأما صاحب الترجمة فذكر العلائي أنه دخل القاهرة بعد فتنة الطاغية إسمعيل شاه فلم يظهر مشيخة ولا سلوكا ولا تقرب من أرباب الدنيا بل جلس في حانوت بقرب خان الخليلي يشتغل فيه الأقماع والكوافي على أسلوب العجم بحسن صناعة وجميل دربة واتقان صنع وكان حافظا لعبارات كثير من المشايخ وآدابهم وأخلاقهم وحسن سيرتهم مما خلا منه كثير من المتصدرين مع عدم التكثر والتبجح وتوفي ليلة الإثنين ثالث ربيع الأول قال العلائي عن مائة وثلاث عشرة سنة وفيها شمس الدين محمد بن عبيد الضرير الشيخ الإمام العلامة المقرىء المجود ولد سنة خمس وأربعين وثمانمائة وكان قفافيا بميدان الحصى بدمشق ثم اشتغل بالعلم وأم وأقرأ بمسجد الباشورة بالباب الصغير وكان عالما صالحا يقرىء الشاطبية وغيرها من كتب القراءات والتجويد وانتفع به خلق كثير وتوفي يوم الأربعاء تاسع عشرى القعدة ودفن بمقبرة باب الصغير بالقرب من ضريح الشيخ حماد رحمهما الله تعالى وفيها شمس الدين محمد بن ليل الزعفراني التونسي القاطن بالقاهرة قال في الكواكب كان يحفظ أنواع الفضائل وكان يتأنق

في إيراد أنواع التحميدات والتسبيحات والصلوات ويعرف الألسن العربية المتنوعة والخواص العجيبة وكان يذكر أنه عارف بالصنعة مات بالقاهرة يوم الأربعاء تاسع عشرى جمادى الآخرة ودفن بتربة المجاورين
وفيها محي الدين محمد بن محمد بن محمد البردعي الحنفي أحد موالي الروم العالم الفاضل كان من أولاد العلماء واشتغل على والده وغيره ثم دخل شيراز وهراة وقرأ على علمائها وحصل علما كثيرا ثم ارتحل إلى بلاد الروم وصار مدرسا بمدرسة أحمد باشا بمدينة بروسا ثم بإحدى المدرستين المتلاصقتين بادرنة وتوفي وهو مدرس بها وله حواش على تفسير البيضاوي وحواش على شرح التجريد للسيد الشريف وحواش على التلويح وشرح على آداب البحث للعضد وكان له حظ وافر من العلوم ومعرفة تامة بالعربية والتفسير والأصول والفروع وكان حسن الأخلاق لطيف الذات متواضعا متخشعا له وجاهة ولطف ويكتب الخط الحسن مع سرعة الكتابة وتوفي بأدرنة في هذه السنة رحمه الله تعالى
وفيها الأمير مرجان بن عبد الله الظافري الذي عمر قبة العيدروس بعدن وهو مدفون معه فيها قال في حقه العلامة بحرق الأمير المؤيد بتوفيق الله وعنايته المسدد بحفظ الله ورعايته الذي فتح الله بنور الإيمان عين بصيرته وطهر عن سوء العقيدة باطن سريرته وصار معدودا من الأولياء لموالاته لهم باطنا وظاهرا وحاز من بين الولاة والحكام من التواضع لله والرفق بالفقراء والمساكين حظا وافرا مرجان بن عبد الله الظافري لا زال على الأعداء ظافرا وإلى مرضاة مولاه مبادرا انتهى وفيها نسيم الدين قاضي مكة الحنفي قال العلائي كان فاضلا ذكيا مستحضرا لكثير من المسائل حافظا لمتن المجمع دينا فصيحا لطيفا عفيفا لا يتناول على القضاء شيئا البتة وأخذ الفقه عن الشمس بن الضياء وعن جماعة من المصريين وغيرهم وتوفي

بمكة سنة سبع وعشرين وتسعمائة انتهى

سنة ثمان وعشرين وتسعمائة

فيها توفي تقي الدين أبو الصدق أبو بكر بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن شرف بن منصور بن محمود بن توفيق بن عبد الله المعروف بابن قاضي عجلون الزرعي ثم الدمشقي الشافعي الإمام العلامة القدوة الرحلة الأمة العمدة ولد بدمشق في شعبان سنة إحدى وأربعين وثمانمائة واشتغل على والده وأخيه شيخ الإسلام نجم الدين وعلى شيخ الإسلام زين الدين خطاب وسمع الحديث على المسند أبي الحسن بن بردس البعلي والحافظ شمس الدين بن ناصر الدين وغيرهما وأخذ عن ابن حجر مكاتبة والعلم صالح البلقيني والشمس المناوي والجلال المحلى وكان إماما بارعا في العلوم وكان أفقه أهل زمانه وأجل معاصريه وأقرانه ودرس بالجامع الأموي والشامية البرانية والعمرية وبالقاهرة دروسا حافلة وألف منسكا لطيفا وكتابا حافلا سماه أعلام النبيه مما زاد على المنهاج من الحاوي والبهجة والتنبيه وانتهت إليه مشيخة الإسلام ورياسة الشافعية ببلاد الشام بل وبغيرها من بلاد الإسلام وحصل له من السعد في العلم والرياسة وكثرة التلامذة وقرة العين بهم في دمشق ما حصل لشيخ الإسلام زكريا بالقاهرة إلا أن القاضي زكريا زاد عليه في السعادة بكثرة التصانيف مع تحريرها وتحقيقها رحمهما الله تعالى وبرع أكثر تلاميذ صاحب الترجمة في حياته كالشيخ شمس الدين الكفرسوسي والشيخ تقي الدين البلاطنسي والسيد كمال الدين بن حمزة والقاضي رضي الدين الغزي والبدر الغزي والشيخ بهاء الدين الفصي البعلي والشيخ تقي الدين القاري والشيخ علاء الدين القيمري والشرف العيثاوي وغيرهم ولما قدم العلامة برهان الدين البقاعي دمشق في سنة ثمانين

وثمانمائة تلقاه الشيخ تقي الدين هو وجماعة من أهل العلم إلى القنيطرة ثم لما ألف كتابه في الرد على حجة الإسلام الغزالي في مسألة ليس في الإمكان أبدع مما كان وبالغ في الإنكار على ابن العربي وأمثاله حتى أكفر بعضهم كان الشيخ تقي الدين ممن أنكر على البقاعي ذلك وهجره بهذا السبب خصوصا بسبب حجة الإسلام مع أنه كان ينهى عن مطالعة كتب ابن العربي قال الحمصي في تاريخه وامتحن شيخ الإسلام مرارا منها مرة في أيام الغوري بسبب فتياه في واقعة ابن محب الدين الأسلمي المعارضة لفتيا تلميذه وابن أخيه السيد كمال الدين بن حمزة وطلب هو والسيد وجماعة إلى القاهرة وغرم بسبب ذلك أموالا كثيرة حتى باع أكثر كتبه وانتهى الأمر آخرا على العمل بفتياه واعادة تربة ابن محب الدين المهدومة بفتوى السيد كما كانت عملا بفتوى الشيخ تقي الدين وأعاد الشيخ تقي الدين هو وولده الشيخ نجم الدين إلى دمشق وقد ولي ولده قضاء قضاة الشافعية بها وقال في الكواكب أخبرنا شيخ الإسلام الوالد قال أخبرنا شيخنا شيخ الإسلام تقي الدين بن قاضي عجلون عن أخيه شيخ الإسلام نجم الدين أن جميع أسماء الذين أفتوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله
( لقد كان يفتي في زمان نبينا ** مع الخلفاء الراشدين أئمة )
( معاذ وعمار وزيد بن ثابت ** أبي ابن مسعود وعوف حذيفة )
( ومنهم أبو موسى وسلمان حبرهم ** كذاك أبو الدرداء وهو تتمة )
( وأفتى بمرآه أبو بكر الرضى ** وصدقه فيها وتلك مزية )
وتوفي صاحب الترجمة ضحوة يوم الإثنين حادي عشر رمضان ودفن بمقبرة باب الصغير وفيها شهاب الدين أبو السعود أحمد بن عبد العزيز السنباطي المصري الشافعي العلامة المحدث ولد سنة سبع وثلاثين

وثمانمائة وكان أحد العدول بالقاهرة وسمع صحيح البخاري على المشايخ المجتمعين بالمدرسة الظاهرية القديمة بين القصرين بالقاهرة وكانوا نحو أربعين شيخا منهم العلامة علاء الدين القلقشندي وابن أبي المجد والتنوخي ومن مشايخه أبو السعادات البلقيني والشهاب الأبدي صاحب الحدود في النحو والعلامة ناصر الدين بن قرقماس الحنفي صاحب زهر الربيع في شواهد البديع أخذه عنه وممن أخذ عن صاحب الترجمة الشيخ نجم الدين الغيطي قرأ عليه جميع صحيح البخاري وتوفي في هذه السنة رحمه الله تعالى
وفيها شهاب الدين أحمد قال في الكواكب الشيخ الفاضل العريق ابن الشيخ العالم المعروف بالراعي شارح الجرومية قال العلائي وهو ممن سمع على شيخ الإسلام ابن حجر وتقدم في صناعة التوريق والتسجيل واعتبر وله فيه مصنفات وتوفي تاسع جمادى الأولى وفيها القاضي غرس الدين خليل بن محمد بن أبي بكر بن خلفان بفتح المعجمة والفاء وإسكان اللام بينهما وبالنون آخره الدمشقي الحنبلي المعروف بالسروجي ولد في ربيع الأول سنة ستين وثمانمائة بميدان الحصا واشتهر بالشهادة ثم فوض إليه نيابة الحكم مدة يسيرة وتوفي يوم الخميس سابع شهر رمضان ودفن بتربة الجورة بالميدان
وفيها القاضي محي الدين عبد القادر النبراوي الحنبلي كان أقدم الحنابلة بمصر وأعرفهم بصناعة التوريق والقضاء والفقاهة مع سماع له ورواية وكان أسود اللون وله مع ذلك تمتع بحسان النساء للطف عشرته ودماثة أخلاقه وكان يصبغ بالسواد مع كبر سنه مات ليلة الأربعاء خامس عشر جمادى الآخرة عن نيف وتسعين سنة وفيها زين الدين عبد القادر المكي الشيباني الحنفي دخل مصر متوجها إلى بلاد الروم لطلب قضاء الحنفية بمكة ثم رحل من القاهرة في قافلة صحبة الأمير جانم الحمزاوي ليلة الإثنين سادس

جمادى الآخرة فتوفي في أم الحسن وفيها عبد الكريم بن محمد بن يوسف المباهي الأموي الدمشقي الشافعي المقرىء كان فاضلا صالحا قرأ على البدر الغزي كثيرا قاله في الكواكب وفيها جلال الدين محمد بن أسعد الدواني بفتح المهملة وتخفيف النون نسبة لقرية من كازرون الكازروني الشافعي الصديقي القاضي بإقليم فارس قال في النور السافر هو المذكور بالعلم الكثير والعلامة في المعقول والمنقول وممن أخذ عنه المحيوي اللاري وحسن بن البقال وتقدم في العلوم سيما العقليات وأخذ عنه أهل تلك النواحي وارتحلوا إليه من الروم وخراسان وما وراء النهر ذكره السخاوي في ضوئه فقال وسمعت الثناء عليه من جماعة ممن أخذ عني واستقره السلطان يعقوب في القضاء وصنف الكثير من ذلك شرح على شرح التجريد للطوسي عم الانتفاع به وكذا كتب على العضدي مع فصاحة وبلاغة وصلاح وتواضع وهو الآن حي في سنة تسع وتسعين ابن بضع وسبعين انتهى كلام الضوء وفيها المولى محمد بن خليل قال في الكواكب العالم الفاضل المولى محمد الرومي الحنفي قاضي أدنة توجه إلى الحج الشريف فتوفي بالمدينة قبل وصوله إلى مكة في ذي القعدة انتهى
وفيها خير الدين أبو الخير محمد بن عبد القادر بن جبريل الغزي ثم الدمشقي المالكي قاضي القضاة العلامة ولد بغزة في ثاني عشر شوال سنة اثنتين وستين وثمانمائة واشتغل وبرع ثم قدم دمشق وحضر دروس الشيخ عبد النبي المالكي وظهرت فضيلته خصوصا في علم الفرائض والحساب ثم ولي قضاء المالكية بالشام في سنة إحدى عشرة وتسعمائة وسار في القضاء سيرة حسنة بعفة وزهد وقيام في نصرة الحق واستمر حتى عزل في رمضان سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة فتوجه إلى بلده ثم مكة المشرفة وبها توفي في صفر ودفن بالمعلاة


وفيها شمس الدين محمد بن الشيخ العلامة علاء الدين علي المحلي المصري الشافعي المفتي المعروف بابن قرينة تلقى عن أبيه تدريس التفسير بالبرقوقية وتدريس الفقه بالمؤيدية والأشرفية وكان ذا علم وعقل وتؤدة توفي في ثامن ربيع الثاني وخلف ولدا صغيرا أسند الوصاية عليه إلى جماعة منهم السيد كمال الدين بن حمزة الشامي وفيها زين الدين محمد بن عمر البحيري العلامة فقيه السلطان الغوري توفي بمرض الاستسقاء سادس عشر شعبان بعد أن نزل عن وظائفه ووقف كتبه وفيها شمس الدين محمد بن محمد بن علي بن أبي اللطف الحصكفي ثم المقدسي سبط العلامة تقي الدين القلقشندي توفي والده شيخ الإسلام أبو اللطف وهو حمل في عاشر جمادى الآخرة سنة تسع وخمسين وثمانمائة فنشأ بعده واشتغل بالعلم على علماء بيت المقدس منهم الكمال بن أبي شريف ورحل إلى القاهرة فأخذ عن علمائها منهم الشمس الجوجري وسمع الحديث وقرأه على جماعة وأذن له بالافتاء والتدريس وصار إماما علامة من أعيان العلماء الأخيار الموصوفين بالعلم والدين والتواضع وكان عنده تودد ولين جانب وسخاء نفس وإكرام لمن يرد عليه وأجمع الناس على محبته وتوفي ليلة السبت ثالث عشر القعدة ببيت المقدس وفيها ولي الدين محمد بن القاضي شمس الدين محمد بن عمر الدورسي الصالحي الحنبلي الإمام العالم توفي بصالحية دمشق يوم السبت تاسع عشر ذي الحجة ودفن بها وفيها قاضي القضاة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن يحيى بن عبد الله الطولقي المالكي سمع على العلامة جمال الدين الطمطامي قال ابن طولون قدم علينا دمشق واتجر بحانوت بسوق الذراع ثم ولي قضاء دمشق عوضا عن قاضي القضاة شمس الدين المريني وعزل عن القضاء ثم وليه مرارا ثم استمر معزولا مخمولا إلى أن توفي يوم الأربعاء ثاني عشرى شعبان فجأة وكان له مدة قد أضر وصار يستعطي

ويتردد إلى الجامع الأموي وكان يكتب عنه على الفتوى بالأجرة له ودفن بمقبرة باب الصغير انتهى وفيها أو في التي بعدها المولى يعقوب الحميدي العلامة الشهير باجه خليفة أحد الموالي الرومية خدم المولى علاء الدين الفناري ودرس في عدة مدارس آخرها مدرسة مغنيسا وهو أول مدرس بها ومات عنها وكان فاضلا صالحا متصوفا له مهارة في الفقه ومشاركة في غيره ذو سمت حسن صحيح العقيدة رحمه الله تعالى

سنة تسع وعشرين وتسعمائة

فيها توفي شهاب الدين أحمد بن اسكندر بن يوسف وقيل ابن يوسف ابن اسكندر المعروف بابن الشيخ اسكندر الحلبي نزيل دمشق الشافعي قال النجم الغزي هو جد أخي لوالدي لأمه الشيخ العلامة العارف بالله تعالى شهاب الدين أحمد الغزي أخذ عن جماعة منهم جدي ووالدي وكان علامة قال والدي وكان له يد في علم الهيئة والمنطق والحكمة وغير ذلك وكان مدرس السيبائية بتقرير من واقفها سيباي نائب دمشق وناظرا على وقف سيدي إبراهيم ابن أدهم رضي الله عنه قتله اللصوص بدرب الروم انتهى
وفيها شهاب الدين أحمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بالحاج الشافعي بأفضل قال في النور ولد يوم الجمعة خامس شوال سنة سبع وسبعين وثمانمائة وتفقه بوالده وبالفقيه محمد بن أحمد فضل وأخذ عن قاضي القضاة يوسف ابن يونس المقري وغيره وبرع وتميز وتصدر للافتاء والتدريس في زمن والده وكان إماما عالما علامة فقيها حسن الاستنباط قوي الذهن شريف النفس وكان والده يعظمه ويثني عليه وحج مرارا واجتمع في حجته الأخيرة بسيدي محمد بن عراق فصحبه ولازمه وتسلك على يديه وكان سخيا كثير الصدقة وفعل المعروف محبا للصالحين والفقراء حسن العقيدة ولم يزل على

ذلك حتى استشهد في معركة الكفار لما دخل الإفرنج الشحر وقتلوا وأسروا ونهبوا وذلك بعد فجر يوم الجمعة عاشر ربيع الثاني ودفن عند والده وله من التصانيف نكت على روض ابن المقري في مجلدين ونكت على الإرشاد ومشكاة الأنوار قال مؤلفه عليك بالأوراد التي علقتها في كراريس سميتها مشكاة الأنوار فإني ضمنتها والله الاسم الأعظم الذي هو اكسير الأولياء وله وصية مختصرة ومن كلامه من كان همه المعالف فاتته المعارف انتهى
وفيها شهاب الدين أحمد البحيري المصري المالكي العلامة المفنن السالك الشاعر المعمر حفظ القرآن العظيم وسلك في شبوبيته على الشيخ العالم أبي العباس الشربيني وأخذ عن الشيخ مدين واشتغل في العلم وأمعن في العربية ولا سيما التصريف وألف فيه شرحا جيدا على المراح وأخذ الفقه عن الشيخ يحيى العلمي وكتب بخطه كثيرا وله نظم جيد وألغاز وكان قانعا متقللا وتزوج وهو شاب ثم تجرد وتوفي في خامس شوال
وفيها إدريس بن عبد الله قال في الكواكب الشيخ الفاضل اليمني الشافعي نزيل دمشق كان من أصحاب شيخ الإسلام الوالد حضر دروسه وشملته إجازته وكان قد عزم على قراءة المنهاج عليه وعلى غيره فعاجلته المنية
وفيها المولى الفاضل بالي الأيديني الرومي الحنفي أخذ العلم عن علماء عصره واتصل بخدمة المولى خطيب زادة ثم بخدمة المولى سنان جلبي ثم تنقل في التداريس حتى صار مدرسا بإحدى الثمانية ثم تقاعد عنها بثمانين عثمانيا ثم أعطى قضاء بروسا ثم أعيد إلى إحدى الثمانية ثم ولي قضاء بروسا ثانيا ثم أعيد إلى إحدى الثمانية واستمر بها إلى أن مات وكانت له مشاركة جيدة في سائر العلوم قادرا على حل غوامضها قوي الحفظ مكبا على الاشتغال حتى سقط مرة عن فرسه فانكسرت رجله فاستمر ملقى على ظهره أكثر من شهرين ولم يترك الدرس وألف رسالة أجاب فيها عن إشكالات سيدي

الحميدي وتوفي في هذه السنة ودفن عند مسجده بالقسطنطينية
وفيها زين الدين بركات بن أحمد بن محمد بن يوسف الشهير بابن الكيال الشافعي الصالح الواعظ كان في ابتداء أمره تاجرا ثم ترك التجارة بعد أن ترتبت عليه ديون كثيرة ولازم الشيخ برهان الدين الناجي زمانا طويلا وانتفع به قال الحمصي قرأ عليه صحيح البخاري كاملا وكتبا من مصنفاته ودرس بالجامع الأموي في علم الحديث وكان متقنا محررا وخرج أحاديث مسند الفردوس وانتفع الناس به وبوعظه وحديثه قال ابن طولون رأس بعد موت شيخه ولازم الجامع الأموي تجاه محراب الحنابلة ووعظ بمسجد الأقصاب وجامع الجوزة وغيرهما وخطب بالصابونية سنين وحصل دنيا كثيرة وصنف عدة كتب أي منها كتاب حياة القلوب ونيل المطلوب في الوعظ ومنها الكواكب الزاهرات في معرفة من اختلط من الرواة الثقات ومنها أسنى المقاصد في معرفة حقوق الولد على الوالد والجواهر الزواهي في ذم الملاعب والملاهي والانجم الزواهر في تحريم القراءة بلحون أهل الفسق والكبائر وتوفي يوم الأحد ثامن ربيع الأول بسبب أنه خرج من بيته لصلاة الصبح بالجامع الأموي فلقيه اثنان فأخذا عمامته عن رأسه وضربه أحدهما على صدره فانقطع مدة ثم أراد الخروج إلى الجامع فما استطاع فتوضأ وصلى الصبح والضحى وتوفي بعد صلاة الضحى ودفن بمقبرة باب الصغير
وفيها منلا بدر الدين حسن بن محمد الرومي الحنفي قدم دمشق مع الدفتردار الزيني عمر الفيقي وكان يقرىء ولده فأخذ له تدريس الحنفية بالقصاعية فدرس بها وكان أولاد العرب منهم القطب بن سلطان مدرس الظاهرية الجوانية وحج في السنة التي قبلها وتوفي يوم الأربعاء ثامن عشرى جمادى الآخرة قادما من الحج وفيها زين الدين عبد الرحمن شيخ الصوابية بصالحية دمشق كان صالحا مسلكا توفي بها يوم الخميس ثامن عشرى

رجب وفيها علاء الدين علي بن أبي القسم الأخميمي القاهري قاضي قضاة الشافعية العدل العفيف السخي قال العلائي كان له انقطاع عن الناس وانجماع بالكلية وكان له معرفة في الصناعة وتصميم في المهمات وإن كان قليل العلم توفي سادس عشر القعدة وصلى عليه بالأزهر
وفيها علاء الدين علي بن حسن السرميني ثم الحلبي الشافعي الفرضي الحبسوب كان يعرف بالنعش المخلع وهذا على عادة الحلبيين في الألقاب أخذ الفرائض والحساب عن الجمال الأسعردي ومهر فيهما واشتهر بهما وكان له في الدولة الجركسية مكتب على باب العدل بحلب يطلب منه لكتابة الوثائق ثم لما أبطلت الدولة العثمانية مكاتب الشهود أخذ في كتابة المصاحف والانتفاع بثمنها وتأديب الأطفال بمكتب داخل باب أنطاكية بحلب وبه قرأ عليه ابن الحنبلي القرآن العظيم سنة سبع وعشرين وتسعمائة وتوفي صاحب الترجمة في رمضان هذه السنة بحلب
وفيها تقريبا نور الدين أبو الحسن على الأشموني الشافعي الفقيه الإمام العالم العامل الصدر الكامل المقرىء الأصولى أخذ القراءات عن ابن الجزري قال الشعراوي ونظم المنهاج في الفقه وشرحه ونظم جمع الجوامع في الأصول وشرحه وشرح ألفية ابن مالك شرحا عظيما وكان متقشفا في مأكله وملبسه وفرشه قاله في الكواكب وفيها أمين الدين أبو الجود محمد بن أحمد ابن عيسى بن النجار الشافعي الدمياطي ثم المصري الإمام الأوحد العلامة الحجة ولد سنة خمس وأربعين وثمانمائة وأخذ العلم عن صالح البلقيني والتقي الشمني وزينب بنت عبد الرحيم العراقي وغيرهم وأخذ عنه النجم الغيطي والبدر الغزي وغيرهما وكان ممن جمع بين العلم والعمل إماما في علوم الشرع وقدوة في علوم الحقيقة متواضعا يخدم العميان والمساكين ليلا ونهارا ويقضي حوائجهم وحوائج الأرامل ويجمع لهم أموال الزكاة ويفرقه عليهم ولا

يأخذ لنفسه منه شيئا ويلبس الثياب الزرق والجبب السود ويتعمم بالقطن غير المقصور ولا يترك قيام الليل صيفا ولا شتاء وكان ينام بعد الوتر لحظة ثم يقوم وينزل إلى الجامع الغمري فيتوضأ ويصلي والباقي للفجر نحو سبعين درجة ثم يصعد الكرسي ويتلو نحو القرآن سرا فإذا أذن الصبح قرأ جهرا قراءة تأخذ بجوامع القلوب ومر نصراني من مباشري القلعة يوما في السحر فسمع قراءته فرق قلبه وأسلم على يديه وكان يأتيه الناس للصلاة خلفه من الأماكن البعيدة لحسن صوته وخشوعه وكثرة بكائه حتى يبكي غالب الناس خلفه وكان الشيخ أبو العباس الغمري يقول الجامع جثة والشيخ أمين الدين روحها وكان يقري ويضيف كل وارد ويخدم بنفسه ومع هذا فله هيبة عظيمة يكاد من لا يعرفه يرعد من هيبته وانتهت إليه الرياسة بمصر في علوم السنة في الكتب الستة وغيرها ويقرأ للأربعة عشر ومناقبه كثيرة وتوفي ليلة السابع والعشرين من ذي القعدة
وفيها أبو السعود محمد بن دغيم الجارحي القاهري الفقيه الصوفي المتعبد المتنسك المعتقد عند الملوك فمن دونهم وكان والده من أعيان كوم الجارح والمتسببين به في أنواع المتاجر فنشأ الشيخ أبو السعود على خير وحفظ القرآن العظيم واشتغل في الفقه والنحو ثم أقبل على العبادة والمجاهدة ومكث عشرين سنة صائما لا يدري بذلك أهله وكان يصلي مع ذلك بالقرآن في ركعة أو ركعتين في تلك المدة وأخذ في التقليل من الأكل فانتهى أكله إلى لوزة وربما تركها قال الشيخ عبد الرؤوف المناوي في طبقاته هو عارف علوم جمة وصوفي ذو أحوال وكرامات بين الأمة قدوة في علمه ودينه فريد في عصره وحينه اجتهد وترقى في المقامات وأخذ عن الشيخ أحمد المرحومي عن الشيخ مدين عن الزاهد وارتفعت روحه وسمت عن مقعر فلك القمر وارتفع

إلى الحضرة التي لا ليل فيها ولا نهار وضوءها وضاح كحال أهل الجنة في الجنة ولما دخلها صار يكتب الكراريس العديدة حال ظلمة الليل كما يكتب نهارا بغير فرق وكان له قبول تام عند الأكابر تقف الأمراء بين يديه فلا يأذن لهم بالقعود وحملوا في عمارة زاويته الحجر والتراب وشق السلطان طومان باي وعليه جبة من جبب الشيخ وكان يقول لا يفلح الفقير القانع بالزي أبدا لقصور همته وكان يقول ينبغي للعارف أن يجعل في بيته دائما شيئا من الدنيا ولو كيميا خوفا أن يقع في رائحة الاتهام لله في أمر الرزق وكثيرا ما كان ينظر للمريد بحال فيتمزق لوقته ومحاسنه وكراماته أكثر من أن تحصر وتوفي ليلة الأربعاء مستهل جمادى الأولى وصلى عليه بجامع عمرو بن العاص ودفن بزاويته بكوم الجارح بالقرب من جامع عمرو في السرداب الذي كان يتعبد فيه وقبره مشهور يزار
وفيها المولى محي الدين محمد بن علي بن يوسف بالي الفناري الإسلامبولي الحنفي العالم الكامل قاضي قضاة العساكر بالولاية الأناضولية ثم بالولاية الروميلية المشهور بمحمد باشا قال في الشقائق كان رحمه الله تعالى ذا أخلاق حميدة وطبع زكي ووجه بهي وكرم وفي وعشرة حسنة ووقار عظيم وله حواش على شرح المواقف وشرح الفرائض كلاهما للسيد الشريف وحواش على أوائل شرح الوقاية لصدر الشريعة توفي وهو قاضي العسكر الروم ايلي ودفن عند قبر جده المولى شمس الدين بمدينة بروسا
وفيها جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن محمد أو ابن أحمد الشهير بابن المبيض الحمصي الأصل ثم المقدسي ثم الدمشقي الشافعي أحد الوعاظ بدمشق العلامة المحدث ومن شعره ما كتبه عنه ابن طولون من إملائه عاقدا للحديث المسلسل بالأولية
( جاءنا فيما روينا أننا ** يحرم الرحمن منا الرحما )


( فارحموا جملة من في الأرض من ** خلقه يرحمكم من في السما )
توفي بدمشق يوم الإثنين ثاني عشر شوال ودفن بباب الصغير
وفيها قاضي القضاة جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن اسكندر ابن محمد بن محمد الحلبي الحنفي المشهور والده بالخواجا ابن الجق وهو ابن أخت المحب بن أجا كاتب السر اشتغل بالفقه وغيره على الزيني عبد الرحمن بن فخر النساء وغيره وسمع على الجمال إبراهيم القلقشندي وعلى المحب أبي القسم محمد بن جرباش سيرة ابن هشام وأجاز له كل منهما ما يجوز له وعنه روايته وتولى القضاء بحلب بعناية خاله ثم ولي في الدولة الرومية تدريس الحلاوية ووظائف أخرى ثم رحل إلى القاهرة وتولى مدرسة المؤيدية بها وسار فيها السيرة المرضية وكان له شكل حسن وشهامة ورياسة وفخامة وألف رسالة في تقوية مذهب الإمام الأعظم في عدم رفع اليدين قبل الركوع وبعده وحج من القاهرة ثم قدمها موعكا فتوفي بها ليلة الأربعاء ثامن عشر صفر وفيها شرف الدين يونس بن محمد المعروف بابن سلطان الحرافيش بدمشق قال ابن طولون كان علامة من المتعقلين في المجالس ولكن حصل به النفع في آخر عمره بملازمته المشهد الشرقي بالجامع الأموي لاقراء الطلبة وكان في ابتداء أمره شاهدا تجاه باب المؤيدية وتوفي يوم الأربعاء حادي عشرى جمادى الآخرة ودفن بباب الصغير رحمه الله تعالى

سنة ثلاثين وتسعمائة

فيها توفي برهان الدين إبراهيم بن عمر بن إبراهيم اليمني الحرازي القحطاني الحاتمي الشافعي نزيل دمشق المقرىء الوقور أخذ عن شيخ الاقراء بدمشق الشيخ شهاب الدين الطيبي وغيره قال في الكواكب وتلمذ لشيخ الإسلام

الوالد قرأت بخط والدي رضي الله تعالى عنه بعد أن ترجم الشيخ برهان الدين المذكور ما نصه قرأ على البخاري كاملا قراءة اتقان وكتب له به إجازة مطولة وكان أحد المقتسمين للمنهاج في مرتين وللتنبيه وأجزته بهما وقرأ بعض الألفية وقرأ علي شيئا من القرآن العظيم وصلى بي وبجماعة التراويح ثلاث سنين بالكاملية ختم فيها نحو خمس وحضر دروسا كثيرة ولزمني إلى أن مات شهيدا بالطاعون ثاني عشر جمادى الثانية ودفن بباب الفراديس انتهى وفيها تقي الدين أبو بكر بن محمد بن أبي بكر الحبيشي ينتهي نسبه إلى زيد الخيل الصحابي الحبيشي الأصل الحلبي الشافعي البسطامي ذكره السخاوي في الضوء اللامع فقال ولد سنة ثمان وأربعين وثمانمائة في مستهل جمادى الأولى بحلب ولازم والده في النسك وقرأ وسمع على أبي ذر بن البرهان الحافظ وتدرب في كثير من المهمات والغريب والرجال بل وتفقه به وبالشمس البابي وأبي عبد الله بن القيم وابن الضعيف في آخرين بل أجاز له ابن حجر والعلم البلقيني وغيرهما وزار بيت المقدس وحج في سنة ست وثمانين وجاور ولازم الشمس السخاوي وحمل عنه مؤلفاته وتوفي في رجب وفيها شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب بن عبد القادر الدمشقي الحنفي سبط زين الدين العيني حفظ القرآن العظيم والمختار والأجرومية وغيرها وقرأ على الشمس بن طولون بدمشق وعلى عمه الجمال ابن طولون بمكة وقرأ على القطب بن سلطان بدمشق وسمع على علماء عصره وحضر بالجامع الأموي وتوفي مطعونا يوم الثلاثاء ثالث عشر رجب وتقدم للصلاة عليه السيد كمال الدين بن حمزة وفيها صفي الدين وشهاب الدين أبو السرور أحمد بن عمر بن محمد بن عبد الرحمن القاضي ابن القاضي ينتسب إلى سيف بن ذي يزن المذحجي السيفي المرادي الشهير بالمزجد بميم مضمومة ثم زاي مفتوحة ودال مهملة الشافعي الزبيدي

العلامة ذو التصانيف المجمع على جلالته وتحريه قال في النور ولد سنة سبع وأربعين وثمانمائة بجهة قرية الزيدية ونشأ بها وحفظ جامع المختصرات ثم اشتغل فيها على أبي القاسم أبي محمد مريغد ثم انتقل إلى بيت الفقيه ابن عجيل فأخذ فيها على شيخ الإسلام إبراهيم بن أبي القسم جعمان وغيره ثم ارتحل إلى زبيد واشتغل فيها بالفقه على العلامة أبي حفص الفتى ونجم الدين المقري بن يونس الجبائي وبهما تخرج وانتفع وأخذ الأصول عن الشيفكي والجبائي والحديث عن الحافظ يحيى العامري وغيره والفرائض عن الموفق الناشري وغيره وبرع في علوم كثيرة وتميز في الفقه حتى كان فيه أوحد وقته ومن مصنفاته العباب في الفقه وهو كاسمه اشتهر في الآفاق وكثر الاعتناء به وشرحه غير واحد من الأعلام منهم ابن حجر الهيثمي ومنها تجريد الزوايد وتقريب الفوائد وكتاب تحفة الطلاب ومنظومة الإرشاد في خمسة آلاف وثمانمائة وأربعين بيتا وزاد على الإرشاد شيئا كثيرا وله غير ذلك وتفقه به خلائق كثيرون منهم أبو العباس الطنبذاوي والحافظ الديبع والعلامة بحرق وله شعر حسن منه
( لا تصحب المرء إلا في استكانته ** تلقاه سهلا أديبا لين العود )
( واحذره إن كانت الأيام دولته ** لعل يوليك خلقا غير محمود )
( فإنه في مهاو من تغطرسه ** لا يرعوي لك إن عادى وإن عودي )
( وقل لأيامه اللاتي قد انصرمت ** بالله عودى علينا مرة عودى )
ومنه
( قلت للفقر أين أنت مقيم ** قال لي في محابر العلماء )
( إن بيني وبينهم لإخاء ** وعزيز على قطع الإخاء )
وتوفي فجر يوم الأحد سلخ ربيع الآخر بمدينة زبيد
وفيها الشهاب أحمد بن سليمان بن محمد بن عبد الله الكناني الحوراني

المقرىء الحنفي الغزي نزيل مكة ولد في حدود الستين وثمانمائة بغزة ونشأ بها وحفظ القرآن العظيم ومجمع البحرين وطيبة النشر وغيرها واشتغل بالقراءات وتميز فيها وفهم العربية وقطن بمكة ثلاث عشرة سنة وتردد إلى المدينة واليمن وزيلع وأخذ عن جماعة فيها وفي القاهرة قال السخاوي قد لازمني في الدراية والرواية وكتبت له إجازة وسمعته ينشد من نظمه
( سلام على دار الغرور لأنها ** مكدرة لذاتها بالفجائع )
( فإن جمعت بين المحبين ساعة ** فعما قليل أردفت بالموانع )
قال ثم قدم القاهرة من البحر في رمضان سنة تسع وثمانين وأنشدني في الحريق والسيل الواقع بالمدينة وبمكة قصيدتين من نظمه وكتبهما لي بخطه وسافر لغزة لزيارة أمه وأقبل عليه جماعلة من أهلها انتهى أي وتوفي بها
وفيها أبو العباس أحمد بن محمد المغربي التونسي المشهور بالتباسي بفتح المثناة الفوقية وتشديد الموحدة ويقال الدباسي بالدال المهملة المالكي العارف بالله تعالى شيخ سيدي علي بن ميمون كان والده من أهل الثروة والنعمة فلم يلتفت إلى ذلك بل خرج عن ماله وبلاده وتوجه إلى سيدي أبي العباس أحمد بن مخلوف الشابي بالمعجمة والموحدة الهدلي القيرواني والد سيدي عرفة فخدمه وأخذ عنه الطريق ثم أقبل على العبادة والاشتغال والاشغال حتى صار شيخ ذلك القطر وتوفي بنفزاوة بالنون والفاء والزاي من معاملة الجناح الأخضر من المغرب في ذي القعدة وقد جاوز المائة
وفيها الأمير عماد الدين أبو الفداء إسمعيل بن الأمير ناصر الدين بن الأكرم العنابي الدمشقي سمع شيئا من البخاري على البدر بن نبهان والجمال بن المبرد وولي إمرة التركمان في الدولتين الجركسية والعثمانية ونيابة القلعة في أيام خروج الغزالي على ابن عثمان وكان في مبدأ أمره من أفقر بني الأكرم فحصل دنيا عريضة وجهات كثيرة وفي آخر عمره انتقل من

العنابة وعمر له بيتا غربي المدرسة الفدمية داخل دمشق وكان عنده تودد لطلبة العلم ومحبة لهم واعتقاد في الصالحين وبعض إحسان إليهم وخرج مع نائب دمشق إلى قتال الدروز فتضعف بالبقاع ورجع منه في شقدوف إلى أن وصل إلى قرية دمر فمات بها وحمل إلى دمشق وهو ميت فغسل بمنزله الجديد وصلى عليه بالأموي ودفن بالعنابة صبيحة يوم الخميس حادي عشر المحرم عن نحو سبعين سنة وفيها الشريف بركات بن محمد سلطان الحجاز والد الشريف أبي نمي وفيها أمين الدين جبريل بن أحمد بن إسمعيل الكردي ثم الحلبي الشافعي الإمام العلامة أحد معتبري حلب ومدرسيها كان له القدم الراسخ في الفقه والكتابة الحسنة المعربة على رقاع الفتاوى أخذ الحديث عن السيد علاء الدين الأيجي وأجاز له جميع ما يجوز له وعنه روايته وأخذ الصحيحين عن الكمال بن الناسخ وصحيح مسلم قراءة على نظام الدين بن التادفي الحنبلي وكان دينا خيرا متواضعا مشغولا بإقراء الطلبة في الفقه والعربية وغيرهما وتوفي في هذه السنة بحلب
وفيها خديجة بنت محمد بن حسن البابي الحلبي المعروف بابن البيلوني الشافعي الشيخة الصالحة المتفقهة الحنفية أجاز لها الكمال بن الناسخ الطرابلسي وغيره رواية صحيح البخاري واختارت مذهب أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه مع أن أباها وأخوتها شافعيون حفظا لطهارتها عن النتقاض بما عساه يقع من مس الزوج لها وحفظت فيه كتابا وكانت دينة صينة متعبدة مقبلة على التلاوة إلى أن توفيت في شهر رمضان
وفيها السلطان صالح بن السلطان سيف متملك بلاد بني جبر كان من بيت السلطنة هو وأبوه وجده وهو خال السلطان مقرن وقد وقع بينهما وقعة عظيمة تشهد لصالح بالشجاعة التي لا توصف فإنه كر على مقرن وعسكره وكانوا جما غفيرا بنفسه وكان خارجا لصلاة الجمعة لا أهبة معه

ولا سلاح فكسرهم ثم كان الحرب بينهما سجالا وقدم دمشق في سنة سبع وعشرين وتسعمائة فأخذ عن علمائها وأجازه منهم الرضى الغزي وولده البدر وكان في قدمته متسترا مختفيا غير منتسب إلى سلطنة وسمى نفسه إذ ذاك عبد الرحيم ثم حج وعاد إلى بلاده وكان مالكي المذهب فقيها متبحرا في الفقه والحديث وله مشاركة جيدة في الأصول والنحو وكان محبا للعلماء والصلحاء شجاعا مقداما عادلا في ملكه صالحا كاسمه توفي ببلاده قاله في الكواكب
وفيها المولى ظهير الدين الأردبيلي الحنفي الشهير بقاضي زاده قرأ في بلاد العجم على علمائها ولما دخل السلطان سليم إلى مدينة تبريز لقتال شاه إسمعيل الصوفي أخذه معه إلى بلاد الروم وعين له كل يوم ثمانين درهما قال في الشقائق كان عالما كاملا صاحب محاورة ووقار وهيبة وفصاحة وكانت له معرفة بالعلوم خصوصا الإنشاء والشعر وكان يكتب الخط الحسن وذكر العلائي أنه استمال أحمد باشا إلى اعتقاد إسمعيل شاه الصوفي طلبا لاستمداده واستظهاره معه بمكاتبات وغيرها وعزم على إظهار شعار الرفض واعتقاد الإمامية على المنبر حتى قال أن مدح الصحابة على المنبر ليس بفرض ولا يخل بالخطبة فقبض عليه مع أحمد باشا الوزير يوم الخميس عشرى ربيع الثاني وقطع رأس صاحب الترجمة وعلق على باب زويلة بالقاهرة
وفيها زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن محمد بن يوسف بن عبد الله الكبيسي الأصل الحلبي المولد والدار والوفاة الحنفي العلامة ولد بعد الستين وثمانمائة واشتغل في النحو والصرف ثم حج ولازم السخاوي بمكة وسمع من لفظه الحديث المسلسل بالأولية وغيره وسمع عليه البخاري ومعظم مسلم وكثيرا من مؤلفاته وأجاز له في ذي القعدة سنة ست وثمانين وفي هذه

السنة أجازت له أيضا المسندة زينب الشويكية ما سمعه عليها بمكة من سنن ابن ماجه من باب صفة الجنة والنار إلى آخر الكتاب وأذنت له في رواية سائر مروياتها وأذن له الشمس البازلي بحماة بالافتاء والتدريس وأجاز له بعد أن وصفه بالإمام العالم العلامة الجامع بين المعقول والمنقول المتبحر في الفروع والأصول وأجاز له الكمال بن أبي شريف سنة خمس وتسعمائة أن يروى عنه سائر مؤلفاته ومروياته ثم أجاز له الحافظ عثمان الديمي في سنة سبع وكان قصير القامة نحيف البدن لطيف الجثة حسن المفاكهة كثير الملاطفة له إلمام بالفارسية والتركية واعتناء بالتنزهات مع الديانة والصيانة وتوفي بحلب في ذي القعدة
وفيها محي الدين أبو المفاخر عبد القادر بن أحمد بن عمر بن محمد بن إبراهيم الدمشقي الحنفي المعروف بابن يونس قاضي قضاة الحنفية بدمشق سنين إلى أن عزل عنه في سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة وتوفي بدمشق يوم الخميس ثالث عشر ذي القعدة ودفن بباب الصغير عند ضريح سيدنا بلال
وفيها زين الدين عرفة بن محمد الأرموي الدمشقي الشافعي العلامة المحقق الفرضي الحيسوب كان خبيرا بعلم الفرائض والحساب ويعرف ذلك معرفة تامة وله فيه شهرة كلية وهو الذي رتب مجموع الكلائي وأخذ الفرائض عن الشيخ شمس الدين الشهير بابن الفقيرة عن العلامة شهاب الدين بن أرسلان الرملي عن العلامة شهاب الدين بن الهايم وأخذ عنه الفرائض شهاب الدين الكنجي وغيره وتوفي يوم الأحد حادي عشرى شوال
وفيها نور الدين علي بن خليل المرصفي العارف بالله تعالى الصوفي قال المناوي في طبقات الأولياء كان أبوه إسكافيا يخيط النعال ونشأ هو تحت كنفه كذلك فوفق للاجتماع بالشيخ مدين وهو ابن ثمان سنين فلقنه الذكر ثم أخذ عن ولد أخته محمد وأذن له في التصدر للمشيخة وأخذ

العهد على المريد في جملة من أجاز وكانوا بضعة عشر رجلا فلم يثبت ويشتهر منهم إلا هو وأخذ عنه خلق وأذنت له مشايخ عصره واختصر رسالة القشيري قال الشعراوي لقنني الذكر ثلاث مرات بين الأولى والثانية سبع عشرة سنة وذلك أني جئت وأنا أمرد وكنت أظن أن الطريق نقل كلام كغيرها ثم قعدت بين يديه وقلت يا سيدي لقني بحال فقال اجلس متربعا وغمض عينيك واسمع مني لا إله إلا الله ثلاثا ثم اذكر أنت ثلاثا ففعلت فما سمعت منه إلا المرة الأولى وغبت من العصر إلى المغرب وعاش حتى انقرض جميع أقرانه ولم يبق بمصر من يشار إليه في الطريق غيره ومن كلامه أجمع أهل الطريق على أن الملتفت لغير شيخه لا يفلح وقال إذا ذكر المريد ربه بشدة طويت له مقامات الطريق بسرعة وربما قطع في ساعة مالا يقطعه غيره في شهر وقال السالك من طريق الذكر كالطائر المجد إلى حضرات القرب والسالك من غير طريقه كالصلاة والصوم كمن يزحف تارة ويسكن أخرى مع بعد المقصد فربما قطع عمره ولم يصل وكان الجنيد إذا دعى لفقير قال أسأل الله أن يدلك عليه من أقرب الطرق وقال إياك والأكل من طعام الفلاحين فإنه مجرب لظلمة القلب وقال الشعراوي دخل سيدي أبو العباس الحريثي يوما فجلس عندي بعد المغرب إلى أن دخل وقت العشاء فقرأ خمس ختمات وأنا أسمع فذكرت ذلك لسيدي علي المرصفي فقال يا ولدي أنا قرأت مرة حال سلوكي ثلثمائة وستين ختمة في اليوم والليلة كل درجة ختمة وتوفي يوم الأحد حادي عشر جمادى الأولى بمصر ودفن بزاويته بقنطرة أمير حسين ولم يخلف بعده مثله
وفيها نور الدين علي بن سلطان المصري الحنفي الشيخ الفاضل الناسك السالك كان متجردا منقطعا وله أخلاق حسنة دمثة توعك مدة وتوفي يوم الثلاثاء حادي عشر القعدة بمصر عن غير وارث وفيها محمد بن عز

الشيخ الصالح المجذوب قال في الكواكب كان ساكنا في الزاوية الحمراء خارج مصر وكان يلبس ثياب الجند ويمشي بالسلاح والسيف وكان أكابر مصر يحترمونه وللناس فيه مزيد اعتقاد وكان لا ينام من الليل ويستمر من العشاء إلى الفجر تارة يضحك وتارة يبكي حتى يرق له من يراه وكان لا يخبر بولاية أحد أو عزله فيخطىء أبدا وكان مجاب الدعوة زحمه إنسان بين القصرين فرماه على ظهره فدعا عليه بالتوسيط فوسطه الباشا آخر النهار وكانت وفاته غريقا في الخليج بالقرب من الزاوية الحمراء انتهى
وفيها جمال الدين محمد بن عمر بن مبارك بن عبد الله الحميري الحضرمي الشافعي الشهير ببحرق بحاء مهملة بعد الموحدة ثم راء مفتوحة بعدها قاف قال في النور ولد بحضرموت ليلة النصف من شعبان ليلة تسع وستين وثمانمائة ونشأ بها فحفظ القرآن ومعظم الحاوي ومنظومة البرماوي في الفقه والأصول والنحو وأخذ عن جماعة من فقهائها ثم ارتحل إلى عدن ولازم الإمام عبد الله بن أحمد مخرمة وكان غالب انتفاعه به ثم ارتحل إلى زبيد وأخذ عن علمائها كالإمام جمال الدين الصايغ والشريف الحسين الأهدل وألبسه خرقة التصوف وعادت عليه بركته وحج فسمع من السخاري وسلك السلوك في التصوف وحكى عنه أنه قال دخلت الأربعينية بزبيد فما أتممتها إلا وأنا أسمع أعضائي كلها تذكر الله تعالى ولزم الجد والاجتهاد في العلم والعمل وأقبل على نفع الناس اقراءا وافتاءا وتصنيفا وكان رحمه الله تعالى من محاسن الدهر من العلماء الراسخين والأئمة المتبحرين له اليد الطولى في جميع العلوم وصنف في أكثر الفنون وبالجملة فإنه كان آية من آيات الله تعالى وكتبه تدل على غزارة علمه وكثرة اطلاعه وكان له بعدن قبول وجاه من أميرها مرجان ثم لما مات مرجان توجه إلى الهند ووفد على السلطان مظفر فقربه وعظمه وأنزله المنزلة التي تليق به ومن تصانيفه الأسرار النبوية في اختصار

الأذكار النووية ومختصر الترغيب والترهيب للمنذري والحديقة الأنيقة في شرح العروة الوثقية وعقد الدرر في الإيمان بالقضاء والقدر والقول الثمين في ابطال القول بالتقبيح والتحسين والحسام المسلول على منتقصي أصحاب الرسول ومختصر المقاصد الحسنة ومتعة الأسماع بأحكام السماع مختصر من كتاب الامتاع وشرح الملحة في النحو وشرح لأمية ابن مالك في الصرف شرحا مفيدا جيدا وله غير ذلك في الحساب والطب والأدب والفلك مما لا يحصى ومن شعره
( أنا في سلوة على كل حال ** إن أتاني الحبيب أوان أباني )
( اغنم الوصل إن دنا في أمان ** وإذا ما نأى اعش بالأماني )
قال السخاوي وصاهر صاحبنا حمزة الناشري وأولدها وتولع بالنظم انتهى ملخصا وله هذا اللغز اللطيف وشرحه نثر
( يا متقنا كلمات النحو أجمعها ** حدا ونوعا وأفرادا ومنتظمه )
( ما أربع كلمات وهي أحرفها ** أيضا وقد جمعتها كلها كلمه )
ثم قال هذا في تمثيل الوقف على هاء السكت أي قولك لمه فالكاف في قولك كلمه للتمثيل واللام للجر والميم أصلها ما الاستفهامية حذفت ألفها والهاء للسكت وله كرامات كثيرة وكان في غاية الكرم كثير الإيثار ومما قيل فيه
( لاي المعاني زيدت القاف في اسمكم ** وما غيرت شيئا إذا هي تذكر )
( لأنك بحر العلم والبحر شأنه ** إذا زيد فيه الشيء لا يتغير )
وتوفي رحمه الله تعالى بالهند شهيدا قيل أن الوزراء حسدوه لحظوته عند السلطان فسموه وذلك في ليلة العشرين من شعبان
وفيها موسى بن الحسن الشيخ الزاهد العالم المعروف بالمنلا موسى الكردي اللالاني بالنون الشافعي نزيل حلب اشتغل ببلاده على جماعة منهم المنلا محمد

الخبيصي وأخذ عن الشمس البازلي نزيل حماة وعن المنلا إسمعيل الشرواني أحد مريدي خواجه عبيد النقشبندي أخذ عنه بمكة تفسير البيضاوي وأخذ عن الشهاب أحمد بن كلف بأنطاكية شرح التجريد مع حاشيته ومتن لجغميني في الهيئة ثم قدم حلب وأكب على المطالعة ونسخ الكتب العلمية لنفسه ولازم التدريس بزاوية الشيخ عبد الكريم الحافي بها مع كثرة الصيام والقيام والزهد والسخاء والصبر على الطلبة وممن أخذ عنه علم البلاغة ابن الحنبلي وتوفي مطعونا بحلب في شعبان ودفن بتربة أولاد ملوك

سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة

فيها توفي الشاب الفاضل شهاب الدين أحمد بن عبد الرحمن بن عمر الشويكي الأصل النابلسي ثم الصالحي الحنبلي حفظ القرآن العظيم ثم المقنع ثم شرع في حله على ابن عمه العلامة شهاب الدين الشويكي الآتي ذكره وقرأ الشفا للقاضي عياض على الشهاب الحمصي وقرأ في العربية على ابن طولون وكان له سكون وحشمة وميل إلى فعل الخيرات وتوفي يوم الأربعاء تاسع شعبان ودفن بالسفح وتأسف الناس عليه وصبر والده واحتسب ومات وهو دون العشرين سنة وفيها المولى الفاضل بخشى خليفة الأماسي الرومي الحنفي اشتغل في العلم بأماسية على علمائها ثم رحل إلى ديار العرب فأخذ عن علمائهم وصارت له يد طولى في الفقه والتفسير وكان يحفظ منه كثيرا وكان له مشاركة في سائر العلوم وكان كثيرا ما يجلس للوعظ والتذكير وغلب عليه التصوف فنال منه منالا جليلا وفتح عليه بأمور خارقة حتى كان ربما يقول رأيت في اللوح المحفوظ مسطورا كذا وكذا فلا يخطيء أصلا وله رسالة كبيرة جمع فيها ما اتفق له من رؤية النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وكان خاضعا خاشعا متورعا متشرعا

يلبس الثياب الخشنة ويرضى بالعيش القليل قاله في الكواكب
وفيها العلامة عبد الحق بن محمد بن عبد الحق السنباطي القاهري الشافعي ويعرف كأبيه بابن عبد الحق قال في النور ولد في إحدى الجمادين سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة بسنباط ونشأ بها وحفظ القرآن والمنهاج الفرعي ثم أقدمه أبوه القاهرة في ذي القعدة سنة خمس وخمسين فحفظ بها العمدة والألفيتين والشاطبيتين والمنهاج الأصلي وتلخيص المفتاح والجعبرية في الفرائض والخزرجية وعرض على خلق منهم الجلال البلقيني وابن الهمام وابن الديري والولي السنباطي وجد في الاشتغال وأخذ عن الأجلاء وانتفع بالتقي الحصني ثم بالشمني وأجاز له ابن حجر العسقلاني والبدر العيني وآخرون بالتدريس والافتاء وولي المناصب الجليلة في أماكن متعددة وتصدى للأقراء بالجامع الأزهر وغيره وكثر الآخذون عنه وحج مع أبيه وسمع هناك ثم حج أيضا وجاور بمكة ثم بالمدينة ثم بمكة وأقرأ الطلبة بالمسجدين متونا كثيرة ثم رجع إلى القاهرة فاستمر على الأقراء والافتاء هذا ملخص ما ذكره السخاوي ثم قال في النور وكان شيخ الإسلام وصفوة العلماء الأعلام على أجمل طريق من العقل والتواضع وأقام بمكة بأولاده وعائلته وأقاربه وأحفاده ليموت بأحد الحرمين فانتعشت به البلاد واغتبط به العباد وأخذ الناس عنه طبقة بعد أخرى وألحق الأحفاد بالأجداد واجتمع فيه كثير من الخصال الحميدة كالعلم والعمل والتواضع والحلم وصفاء الباطن والتقشف وطرح التكلف بحيث علم ذلك من طبعه ولا زال على ذلك إلى أن توفي بمكة المشرفة عند طلوع فجر يوم الجمعة مستهل شهر رمضان ودفن بالمعلاة وكثر التأسف عليه رحمه الله تعالى انتهى وفيها تقريبا عبد الحليم بن مصلح المنزلاوي الصوفي قال في الكواكب المتخلق بالأخلاق المحمدية كان متواضعا كثير الأزراء بنفسه والحط عليها وجاءه مرة رجل فقال له يا سيدي

خذ على العهد بالتوبة فقال والله يا أخي أنا إلى الآن ما تبت والنجاسة لا تطهر غيرها وكان إذا رأى من فقير دعوى فارغة بالأدب قرأ عليه شيئا من آداب القوم بحيث يعرف ذلك المدعى أنه عار منها ثم يسأله عن معاني ذلك بحيث يظن المدعي أنه شيخ وأن الشيخ عبد الحليم هو المريد أو التلميذ وجاءه مرة شخص من اليمن فقال له أنا أذن لي شيخي في تربية الفقراء فقال الحمد لله الناس يسافرون في طلب الشيخ ونحن جاء الشيخ لنا إلى مكاننا وأخذ عن اليماني ولم يكن بذاك وكان الشيخ يربيه في صورة التلميذ إلى أن كمله ثم كساه الشيخ عبد الحليم عند السفر وزوده وصار يقبل رجل اليماني وعمر عدة جوامع في المنزلة ووقف عليها الأوقاف وله جامع مشهور في المنزلة له فيه سماط لكل وارد وبنى بيمارستان للضعفاء قريبا منه وكان يجذب قلب من يراه أبلغ من جذب المغناطيس للحديد وكان لا يسأله فقير قط شيئا من ملبوسه إلا نزعه له في الحال ودفعه إليه وربما خرج إلى صلاة الجمعة فيدفع كل شيء عليه ويصلي الجمعة بفوطة في وسطه ومناقبه كثيرة مشهورة بدمياط والمنزلة وتوفي ببلده ودفن بمقبرتها الخربة وقبره بها ظاهر يزار رحمه الله تعالى
وفيها تقريبا أيضا عبد الخالق الميقاتي الحنفي المصري الشيخ الإمام العالم الصالح كان له الباع الطويل في علم المعقولات وعلم الهيئة وعلم التصوف وكان كريم النفس لا ينقطع عنه الواردون في ليل ولا نهار وكان للفقراء عنده في الجمعة ليلة يتذاكرون فيها أحوال الطريق إلى الصباح وكان له سماط من أول رمضان إلى آخره وكان دائم الصمت لا يتكلم إلى لضرورة ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وفيها تقريبا أيضا عبد العال المجذوب المصري قال في الكواكب كان مكشوف الرأس لا يلبس القميص وإنما يلبس الإزار صيفا وشتاء وسواكه مربوط في إزاره وكان محافظا على الطهارة خاشعا في صلاته مطمئنا فيها متألها وكان يحمل ابريقا عظيما يسقي به الناس

في شوارع مصر وكان يطوف البلاد والقرى ثم يرجع إلى مصر وكان يمدح النبي صلى الله عليه وسلم فيحصل للناس من إنشاده عبرة ويبكون قال الشعراوي ولما دنت وفاته دخل لنا الزاوية وقال الفقراء يدفنوني في أي بلد فقلت الله أعلم فقال في قليوب قال فكان الأمر كما قال بعد ثلاثة أيام ودفن قريبا من القنطرة التي في شط قليوب وبنوا عليه قبة وفيها المولى السيد الشريف عبد العزيز بن يوسف بن حسين الرومي الحنفي الشهير بعايد جلبي خال صاحب الشقائق قرأ على المولى محي الدين الساموني ثم على المولى قطب الدين حفيد قاضي زاده الرومي ثم المولى أخي جلبي ثم المولى علي بن يوسف الفناري ثم صار مدرسا بمدرسة كليبولي ثم قاضيا ببعض النواحي ومات بمدينة كفه قاضيا بها
وفيها جمال الدين أبو عبد الله عبد القادر أو عبيد بن حسن الصاني بصاد مهملة ونون نسبة إلى صانية قرية داخل الشرقية من أعمال مصر القاهري الشافعي الإمام العلامة قال العلائي سمع على الملتوني وابن حصن وغيرهما وأخذ عن القاضي زكريا وكان رجلا معتبرا وجيها وثابا في المهمات حتى أن قيام دولة القاضي زكريا وصمدته كانت منه وكان قوي البدن ملازما للتدريس والاقراء والافتاء انتهى وقال الشعراوي كان قوالا بالمعروف ناهيا عن المنكر يواجه بذلك الملوك فمن دونهم حتى أداه ذلك إلى الحبس الضيق وهو مصمم على الحق انتهى وأخذ عنه الشيخ نجم الدين الغيطي وغيره وتوفي ليلة الأحد تاسع شوال
وفيها محي الدين عبد القادر بن عبد العزيز بن جماعة المقدسي الشافعي القادري خطيب الأقصى الإمام العارف بالله تعالى أخذ عن والده وعن العماد ابن أبي شريف وعن العارف بالله سيدي أبي العون الغزي وأخذ عنه الشيخ نجم الدين الغيطي حين ورد القاهرة في السنة التي قبلها وهو والد الشيخ عبد النبي بن جماعة وفيها علاء الدين علي بن خير الحلبي

نزيل القاهرة الحنفي الفقيه شيخ الشيخونية بمصر قال العلائي كان لين العريكة أخذ عن ابن أمير حاج وتوفي ليلة الثلاثاء رابع عشرى ربيع الأول
وفيها نور الدين علي الجارحي المصري شيخ مدرسة الغوري كان مبجلا عند الجراكسة وكان من قدماء فقهاء طباقهم يكتب الخط المنسوب وظفر منهم بعز وافر قال الشعراوي كان قد انفرد بمصر بعلم القراءات هو والشيخ نور الدين السمنهودي وكان يقرىء الأطفال تجاه جامع الغمري وكان مذهب الإمام الشافعي نصب عينيه وما دخل عليه وقت وهو على غير طهارة وقال أنه كان ليله ونهاره في طاعة ربه وكان يتهجد كل ليلة بثلث القرآن انتهى وتوفي في شعبان وفيها المولى محي الدين محمد بن محمد القوجوي الرومي الحنفي كان عالما بالتفسير والأصول وسائر العلوم الشرعية والعقلية وأخذ العلم عن والده وكان والده من مشاهير العلماء ببلاد الروم ثم قرأ على المولى عبدي الدرس باماسية ثم على المولى حسن جلبي بن محمد شاه الفناري وولي التدريس والولايات حتى صار قاضي العسكر بولاية أناضولي ثم استعفى منه فأعفى وأعطى إحدى المدارس الثمان ثم صار قاضيا بمصر فأقام بها سنة ثم حج وعاد إلى القسطنطينية وبها مات في هذه السنة قاله في الكواكب

سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة

فيها توفي زين الدين أبو بكر بن عبد المنعم البكري الشافعي أحد أعيان قضاة مصر القديمة وأصلائها كان فقيها فاضلا ذا نباهة وعقل وحياء توفي في منتصف الحجة عن نحو خمسين سنة من غير وارث إلا شقيقه عمر محتسب القاهرة يومئذ وصلى عليه بجامع عمرو ودفن بالقرافة عند والده بقرب مقام الشافعي رضي الله عنه وفيها شهاب الدين أحمد بن الشيخ برهان الدين إبراهيم بن أحمد الأقباعي الدمشقي الشافعي الصوفي العارف بالله

تعالى قال في الكواكب القطب الغوث ولد في سنة سبعين تقريبا واشتغل في العلم على والده وابن عمته الشيخ رضي الدين وأخذ الطريق عن أبيه وقرأ على شيخ الإسلام الوالد جانبا من عيون الأسئلة للقشيري وحضر بعض دروسه وتولى مشيخة زاوية جده بعد أبيه وكان على طريقة حسنة وتوفي صبيحة يوم الأربعاء سادس عشرى ربيع الأول قال الشيخ الوالد ووقفت على غسله وحملت تابوته وتقدمت في الصلاة عليه قال النعيمي ودفن على والده بمقبرة سيدي الشيخ رسلان انتهى كلام الكواكب
وفيها شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد الباني المصري الشافعي الأصم كأبيه صنف تفسيرا من سورة يس إلى آخر القرآن وباعه مع بقية كتبه لفقره وفاقته ووالده الشيخ شمس الدين الباني أحد شيوخ الشيخ جلال الدين السيوطي وخرج له السيوطي مشيخة وقرأها عليه وكانت وفاة ولده صاحب الترجمة يوم الجمعة سادس عشر المحرم وفيها السلطان العظيم مظفر شاه أحمد بن محمود شاه صاحب كجرات قال في النور كان عادلا فاضلا محبا لأهل العلم حسن الخط وكتب بيده جملة مصاحف أرسل منها مصحفا إلى المدينة الشريفة وخرجت روحه وهو ساجد والظاهر أنه هو الذي وفد عليه العلامة بحرق وصنف بسببه السيرة النبوية وإن كان اسم الكتاب يشعر بغير ذلك فإنه ما كان في ذلك الزمان أحد ممن ولي السلطنة غيره ولم يزل عنده مبجلا مكرما إلى أن مات وفيها بدر الدين حسين بن سليمان بن أحمد الأسطواني الصالحي الحنبلي قال ابن طولون حفظ القرآن بمدرسة أبي عمر وقرأ على شيخنا ابن أبي عمر الكتب الستة وقرأ وسمع ما لا يحصى من الأجزاء الحديثية عليه قال وسمعت بقراءته عدة أشياء وولي إمامة محراب الحنابلة بالجامع الأموي في الدولة العثمانية انتهى وقال البدر الغزي حضر بعض دروسي وشملته إجازتي وسألني وقرأ علي في الفقه وذاكرني فيه وقرر في

سبع الكاملية إلى أن توفي في صفر ودفن بباب الفراديس
وفيها زين الدين عبد الرحمن بن محمد بن إدريس الكتبي الدمشقي الحنفي قال في الكواكب كان عنده فضيلة وله قراءة في الحديث وكان لطيفا يميل إلى المجون والمزاح رحمه الله تعالى انتهى
وفيها تاج الدين عبد الوهاب الدنجيهي المصري الشافعي الكاتب النحوي السالك الصالح المجرد القانع حفظ القرآن العظيم وصحب الشيخ العارف بالله تعالى سيدي إبراهيم المتبولي وجود حتى حسن خطه وكتب كتبا نفيسة واشتغل في الصرف والنحو والمعاني والبيان والمنطق والأصلين والفقه على العلامة علاء الدين بن القاضي حسين الحصن كيفى وسمع عليه المطول وشرح العقائد وشرح الطوالع وغاية القصد والمتوسط وشرح الشمسية وحضر غالب دروس شيخ الإسلام زكريا الأنصاري وتصانيفه وقرأ شرح قاضي زاده في علم الهيئة على العلامة عبد الله الشرواني وقرأ على غير هؤلاء وتمرض في البيمارستان شهرا وتوفي به يوم الجمعة حادي عشرى جمادى الأولى
وفيها العلامة علاء الدين علي بن أحمد الرومي الحنفي الجمالي قال في الكواكب قرأ على المولى علاء الدين بن حمزة القرماني وحفظ عنده القدوري ومنظومة النسفي ثم دخل إلى القسطنطينية وقرأ على المولى خسرو ثم بعثه المذكور إلى مصلح الدين بن حسام وتعلل بأنه مشتغل بالفتوى وبأن المولى مصلح الدين يهتم بتعليمه أكثر منه فذهب إليه وهو مدرس سلطانية بروسا فأخذ عنه العلوم العقلية والشرعية وأعاد له بالمدرسة المذكورة وزوجه ابنته وولدت له ثم أعطى مدرسة بثلاثين وتنقلت به الأحوال على وجه يطول شرحه فترك التدريس واتصل بخدمة العارف بالله تعالى مصلح الدين بن أبي الوفا ثم لما تولى أبو يزيد السلطنة رآه في المنام فأرسل إليه الوزراء ودعاه إليه فامتنع فأعطاه تدريسا بثلاثين جبرا ثم رقاه حتى أعطاه

إحدى الثمانية فدرس بها مدة طويلة ثم توجه بنية الحج إلى مصر فأقام بمصر سنة ثم حج وعاد إلى الروم وكان توفي المولى أفضل الدين المفتي فولاه السلطان أبو يزيد منصب الفتوى وعين له مائة درهم ثم لما بنى مدرسته بالقسطنطينية ضمها له إلى الفتوى وعين له خمسين درهما زائدة على المائة وكان يصرف جميع أوقاته في التلاوة والعبادة والتدريس والفتوى ويصلي الخمس في الجماعة وكان كريم الأخلاق لا يذكر أحدا بسوء وكان يغلق باب داره ويقعد في غرفة له فتلقى إليه رقاع الفتاوي فيكتب عليها ثم يدليها يفعل ذلك لئلا يرى الناس فيميز بينهم في الفتوى وكان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويصدع بالحق ويواجه بذلك السلطان فمن دونه حتى أن السلطان سليم أمر بقتل مائة وخمسين رجلا من حفاظ الخزينة فذهب صاحب الترجمة إلى الديوان ولم يكن من عادتهم أن يذهب المفتي إلى الديوان إلا لأمر عظيم فلما دخل تحيروا وقالوا أي شيء دعا المولى إلى المجيء فقال أريد ألاقي السلطان فلي معه كلام فعرضوا أمره على السلطان فأمر بدخوله وحده فدخل وسلم وجلس وقال وظيفة أرباب الفتوى أن يحافظوا على آخرة السلطان وقد سمعت بأنك أمرت بقتل مائة وخمسين رجلا من أرباب الديوان لا يجوز قتلهم شرعا فغضب السلطان سليم وكان صاحب حدة وقال له لا تتعرض لأمر السلطنة وليس ذلك من وظيفتك فقال بل أتعرض لأمر آخرتك وهو من وظيفتي فإن عفوت فلك النجاة وإلا فعليك عقاب عظيم فانكسرت سورة غضبه وعفا عن الكل ثم تحدث معه ساعة ثم سأله في إعادة مناصبهم فأعادها لهم وحكى أن السلطان سليم أرسل إليه مرة أمرا بأن يكون قاضي العسكر وقال له جمعت لك بين الطرفين لأني تحققت أنك تتكلم بالحق فكتب إليه وصل إلى كتابك سلمك الله تعالى وأبقاك وأمرتني بالقضاء وأني أمتثل أمرك إلا أن لي مع الله تعالى عهدا أن لا تصدر عني لفظة حكمت فأحبه السلطان محبة

عظيمة ثم زاد في وظيفته خمسين عثمانيا فصارت مائتي عثماني وتوفي رحمه الله تعالى في هذه السنة
وفيها علاء الدين علي بن عبد الله العشاري نسبة إلى عشارة بضم المهملة بلدة قريبة من الدير الحلبي الشافعي القاضي المعروف بابن القطان قرأ على الجلال النصيبي وحرص على اقتناء الكتب النفيسة وولي قضاء اعزاز وسرمين وتوفي في العشر الآخر من رجب وفيها بدر الدين محمد بن أبي بكر المشهدي المصري الشافعي العلامة المسند ولد سنة اثنتين وستين وثمانمائة وسمع على المسند أبي الخير الملتوتي وابن الجزري والخيضري وأخذ عن الشهاب الحجازي الشاعر والرضي الاوجاقي وغيرهما وأجاز له ابن بلال المؤذن في آخرين من حلب وسمع على جماعة من أصحاب شيخ الإسلام ابن حجر وابن عمه شعبان وغيرهما ودرس وأسمع قليلا وناب في مشيخة سعيد السعداء الصلاحية عن ابن نسيبه وكان علامة عاقلا دينا دمث الأخلاق غير أنه كان ممسكا حتى عن نفسه وفي مرض موته كما قال العلائي وقال الشعراوي كان عالما صالحا كثير العبادة محبا للخمول إن رأى أحدا يقرأ عليه وإلا أغلق باب داره قال فقلت له يوما ما أصبرك يا سيدي على الوحدة فقال من كان مجالسا لله فما ثم وحدة قال وكان يقول مدح الناس للعبد قبل مجاوزته للصراط كله غرور انتهى وتوفي يوم الإثنين سابع القعدة ودفن في تربة الصلاحية بباب النصر وهو آخر ذرية ابن خلكان فيما يعلم ولم يعقب وفيها شمس الدين محمد السروي المشهور بابن أبي الحمايل قال المناوي في طبقاته العارف الكبير الكامل الغيث الهامع الشامل زاهد قطف كروم الكرامات وعارف وصل إلى أعلى المقامات كان طودا عظيما في الولاية وملجأ وملاذا لطالب الهداية أخذ عنه خلق كالثناوي والحديدي والعدل واضرابهم وكان عالي الهمة كثير الطيران من بلد لآخر

وكان يغلب عليه الحال ليلا فيتكلم بألسنة غير عربية من عجم وهند ونوبة وغيرها وربما قال قاق قاق طول الليل ويزعق ويخاطب قوما لا يرون وإذا قال شيئا في غلبة الحال نفذ وكان مبتلى بالأذى من زوجته مع قدرته على إهلاكها وربما أدخل فقيرا الخلوة فتخرجه قبل تمام المدة وتقول له قال لك فلان أنا ما أعمل شيخا فلا يتكلم وقدم مصر فسكن الزاوية الحمراء ثم زاوية إبراهيم المواهبي وبها مات وكان يكره للمريد قراءة أحزاب الشاذلية ويقول ما ثم جلاء للقلوب مثل لا إله إلا الله وقارىء أحزاب الشاذلية كزبال خطب بنت سلطان وصار يقول للسلطان أعطني بنتك واجعلني جليسك وهو لا يعرف شيئا من آداب حضرته ومن كراماته أنه شكا له أهل بلد كبير الفأر في مقات البطيخ فقال لرجل ناد في الغيط رسم لكم محمد بن أبي الحمائل أن ترحلوا فلم يبق فيها فأر فسأله أهل بلد آخر في ذلك فقال الأصل الاذن ولم يفعل وكان إذا اشتد به الحال في مجلس الذكر يحمل الرجلين وأكثر ويحمل التيغار الذي يسع ثلاثة قناطير ويجري بذلك قال الشعراوي لقنني الذكر وأنا صغير سنة اثنتي عشرة وتسعمائة ومات بمصر في هذه السنة ودفن بزاويته بين السورين
وفيها شمس الدين بن الشيخ الصالح شهاب الدين أحمد بن محمد الكنجي الدمشقي الشافعي ولد في ربيع الأول سنة ست وخمسين وثمانمائة وقرأ العربية على الشيخ محمد التونسي المغربي ثم قدم دمشق وصار من أصحاب البدر الغزي ووالده وقرأ عليهما وكانت له يد طولى في النحو والحساب والميقات وكان حافظا لكتاب الله تعالى مجودا وولي مشيخة الكلاسة وتوفي يوم الجمعة خامس عشرى ذي القعدة ودفن بباب الصغير وكان ينشد كثيرا في معنى الحديث
( والناس أكيس من أن يمدحوا رجلا ** حتى يروا عنده آثار إحسان )
وفيها كمال الدين محمد بن الزيني سلطان الدمشقي الصالحي الحنفي القاضي

ولد في شعبان سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة واشتغل وحصل وبرع وناب في الحكم وجمع منسكا في مجلد سماه تشويق الساجد إلى زيارة أشرف المساجد وتوفي ليلة الأربعاء ثامن عشر ربيع الآخر ودفن بالصالحية بتربتهم تحت المعظمية
وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن الكفرسوسي الشافعي الفقيه المفتي العلامة تفقه بالنجم بن قاضي عجلون وأخيه التقي وغيرهما من الدمشقيين وأخذ عن القاضي زكريا وأخذ عنه جماعة منهم العلامة الشهاب الطيبي وأشار إلى ذلك في إجازته للشيخ أحمد القابوني بعد أن ذكر جماعة من شيوخه بقوله
( ومنهم ولي الله شيخي محمد ** هو الكفرسوسي الإمام المحبر )
( بعلم واخلاص يزين ولم يزل ** معينا لخلق الله للحق ينصر )
( وعن زكرياء المقدم قد روى ** وعن غيره ممن له الفضل يغزر )
وأثنى عليه ابن طولون في مواضع من تاريخه وألف شرحا على فرائض المنهاج ومجالس وعظية وتوفي ليلة السبت الثامن والعشرين من ربيع الأول ودفن بمقبرة باب الفراديس وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن علي ابن محمد بن إبراهيم بن محمد السودي نسبة إلى قرية تسمى سودة شغب على ثلاث مراحل من صنعاء اليمن الشهير بعبد الهادي اليمني الشافعي قطب العارفين وسلطان العاشقين قال في النور كان من العلماء الراسخين والأئمة المتبحرين درس وأفتى ثم طرأ عليه الجذب وذلك أنه كان يقرأ في الفقه على بعض العلماء فلما وصل إلى هذه المسألة والعبد لا يملك شيئا مع سيده كرر هذا السؤال على شيخه كالمستفهم واعترته عند ذلك هيبة عظيمة وبهت وحصل له الجذب وبالجملة فإنه كان آية من آيات الله تعالى وأقواله تدل على تفننه في العلوم الظاهرية واطلاعه على الأخبار السالفة

والأمثال السائرة حتى كأن جميع العلوم ممثلة بين عينيه يختار منها الذي يريد ولا يعدل عن شيء إلا إلى ما هو خير منه وكان مولعا بشرب القهوة ليلا ونهارا وكان يطبخها بيده ولا يزال قدرها بين يديه وقد يجعل رجله تحتها في النار مكان الحطب وكان كلما أتى إليه من النذور إن كان من المأكولات طرحه فيها وإن كان من غيرها قذفه تحتها من ثوب نفيس أو عود أو غير ذلك وقيل إن عامر بن عبد الوهاب السلطان بعث إليه بخلعة نفيسة فألقاها تحتها فاحترقت فبلغ ذلك السلطان فغضب وأرسل يطلبها منه فأدخل يده في النار وأخرجها كما كانت ودفعها إليهم وقد أشار إلى هذا الشيخ عبد المعطي ابن حسن باكثير في موشحته التي عارض فيها شيخ الإسلام أبا الفتح المالكي وكلاهما قد مدح القهوة فقال
( قهوة البن جل مقصودي ** في الخفا والعلن )
( هام فيها إمامنا السودي ** قطب أهل اليمن )
( وطبخها بالند والعود ** وبغالي الثمن )
( من ثياب حرير مع قطن ** فاخر الملبس )
( وبذاكم خوارق تثنى ** عليه لم تدرس )
ولما طرأ عليه الجذب صدرت عنه أمور وكرامات تدل على أنه من العارفين بالله تعالى وأخذ ينظم حينئذ فإنه ما وقع له نظم إلا بعد الجذب حتى حكى أنه ما كان يقوله إلا في حال الوارد مثل ابن الفارض فكان يكتب بالفحم على الجدران فإذا أفاق محى ما كان كتبه من ذلك فكان فقراؤه بعد أن علموا منه ذلك يبادرون بكتب ما وجدوه من نظمه على الجدران فيجمعونه وحكى أن بعض المنشدين أنشد بين يديه قصيدة من نظمه فطرب لها وتمايل عليها ثم سأل عن قائلها فقيل أنها من نظمك فأنكر ذلك وقال حاشا ما قلت شيئا حاشا ما قلت شيئا ومن شعره الرائق


( يا راحة الروح يا من ** هواه أشرف مذهب )
( واصل فديتك صبا ** أنسيته كل مذهب )
( وباين الكل إلا ** من الهوى قد تمذهب )
( مشارب القوم شتى ** من بالهوى قد تمذهب )
( قد شرق الناس طرا ** وللغرايب غرب )
( فهو الغريب ولكن ** محبوبة منه أغرب )
( تعجب الخلق منه ** وباطن الامر أعجب )
( يا موجبين لصحوى ** السكر والله أوجب )
( وليس يوجب صحوى ** الا بليد معذب )
( بين الغوير ونجد ** طول الزمان مذبذب )
( وطالعوا ان شككتم ** تهذيبكم والمهذب )
( ياما ألذ استماعي ** قول الندامى لى أشرب )
( في حضرة ليس فيها ** إلا مراد مقرب )
( ومطرب الحى يشدو ** لا عاش من ليس يطرب )
ومنه
( بالله كرر أيها المطرب ** تذكار قوم ذكرهم يعجب )
( ما زمزم الحادى بذاكراهم ** في الشرق الارقص المغرب )
ومنه
( ومهفهف قبلت أشنب ثغره ** وبلوغ ذاك الثغر ما لا يحسب )
( قال احسب القبل التى قبلتنى ** فأجبت انا أمة لا نحسب )
بالجملة فشعره كثير جدا وفيه تأثير غريب فانه السهل الممتنع يفهمه كل أحد مع متانة عبارته وتتأثر به النفوس غالبا ويكثر عليه وجد المتواجدين وتوفى رحمة الله تعالى يوم الربعاء سابع صفر بتغز وقبره بها مشهور يزار

وعليه قبة عظيمة وكان للشيخ ولدان أحدهما عبد القادر والآخر محمد مات عبد القادر في حياة أبيه وخلف بنتا ولم يبق للشيخ عبد الهادي نسل إلا منها وأما محمد فعاش بعد والده وصار قاضيا بتعز ولما استولت الأروام على تعز لزموه وبعثوه إلى مصر فمات هناك في حدود الستين وتسعمائة وفيها القاضي أفضل الدين محمد بن محمد الرومي المصري الحنفي الإمام العلامة قرأ الفقه على ابن قاسم وأجازه جماعة في استدعاء سبط شيخ الإسلام ابن حجر وكان دينا عاقلا وحج صحبته الشيخ أمين الدين الأقصرائي وتوفي بمصر في المحرم وفيها محب الدين محمد بن محمد الزيتوني العوفي نسبة إلى سيدنا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه المصري الشافعي الفاضل البارع دخل إلى دمشق وأخذ عن البدر الغزي وأجازه بصحيح البخاري وبالتنبيه والمنهاج بعد أن قرأ عليه أكثرها
وفيها شمس الدين محمد بن محمد الشهير بابن الغرس بالمعجمة المصري الحنفي العلامة ابن العلامة كان ذا يد في النحو والأعاريب وله شعر وافتقر في آخر عمره وسقم سنين بعد عز وترف ووجاهة فكان صابرا شاكرا وتوفي في ذي القعدة وفيها القاضي شمس الدين محمد السمديسي الحنفي أخذ عن رضوان العقبي وعبد الدايم الأزهري والشمس محمد بن أسد والقراءات عن جعفر السمنودي وأخذ عنه الشيخ بهاء الدين القليعي والشيخ علاء الدين المقدسي نزيل القاهرة الفقه والقراءات وسمعا منه كثيرا وهو صاحب فيض الغفار شرح المختار وتوفي في هذه السنة
وفيها نور الدين محمود بن أبي بكر بن محمود قاضي القضاة المصري الأصل الحموي ثم الحلبي الشافعي سبط الشيخ أبي ذر بن الحافظ برهان الدين الحلبي ولي قضاء حماة إلى آخر دولة الجراكسة فلما مر السلطان سليم على حماة قضاءها أيضا ثم لما رجع السلطان سليم بدا لصاحب الترجمة أن يترك

القضاء في هذه الدولة تورعا عما أحدثوه من المحصول والرسم فتركه وترك غيره من المناصب الحموية فأخرجت له براءة واحدة بنحو ثلاثين منصبا ما بين تدريس وتولية ثم أنه قطن حلب هو وولده وأخوه المقر أحمد وسكن بالمدرسة الشمسية بمحلة سويقة حاتم فلم يلبثوا إلا قليلا حتى ماتوا وكانت وفاة القاضي نور الدين في هذه السنة قاله في الكواكب

سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة

فيها توفي برهان الدين إبراهيم بن أحمد بن يعقوب الكردي القصيري الحلبي الشافعي العلامة المعروف بفقيه اليشبكية بحلب لتأديبه الأطفال بها قال في الكواكب ولد بقرية عاده بمهملتين من القصير من أعمال حلب وانتقل مع والده إلى حلب صغيرا فقطن بها وحفظ القرآن العظيم ثم الحاوي ودخل إلى دمشق فعرضه على البدر بن قاضي شهبة والنجمي والتقوى ابني قاضي عجلون وسمع الحديث بها وبالقاهرة على جماعة وبحلب على الموفق أبي ذر وغيره وأجازه الشيخ خطاب وغيره قال ابن الشماع ولم يهتم بالحديث كما ظهر لي من كلامه وإنما اشتغل في القاهرة بالعلوم العقلية والنقلية وقال ابن الحنبلي كان دينا خيرا كثير التلاوة للقرآن معتقدا عند كل إنسان طارحا للتكلف سارحا في طريق التقشف مكفوف اللسان عن الاغتياب مثابرا على إفادة الطلاب إلى أن قال وقد انتفع به كثيرون في فنون كثيرة منها العربية والمنطق والحساب والفرائض والفقه والقراءات والتفسير قال وكنت ممن انتفع به في العربية والمنطق والتجويد قال ولما كف بصره رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فوضع يده الشريفة على إحدى عينيه قال فكانت لها بعد ذلك رؤية ما كما نقل لنا عنه صاحبنا الشيخ الصالح برهان الدين إبراهيم الصهيوني قال ثم كانت وفاته ليلة الثلاثاء رابع عشر جمادى الآخرة انتهى


وفيها تقريبا تقي الدين أبو بكر بن عبد المحسن البغدادي الأصل الدمشقي الموقت بالجامع الأموي كان من أهل العلم وأخذ عن البدر الغزي وغيره
وفيها بدر الدين أحمد بن قاضي القضاة تقي الدين أبي بكر بن محمود الحموي ثم الحلبي الشافعي الأصيل العريق ناظر أوقاف الحرمين الشريفين بحلب كان له حشمة ورياسة وذكاء عجيب واستحضار جيد لفرائد أصلية وفرعية غير أنه انضم إلى قرا قاضي مفتش أوقاف حلب وأملاكها وداخل أمور السلطنة وصار له عنده اليد النافذة وهرع الناس إليه فلما قتل قرا قاضي في هذه السنة في جامع حلب قتل معه وأراد العامة حرقه فاستخلصه منهم أهله وجماعته فغسلوه وكفنوه ودفنوه بمقبرة أقربائه وفيها عبد الرحمن ابن موسى المغربي التادلي المالكي نزيل دمشق قال في الكواكب كان رجلا فاضلا صالحا اختص بصحبة شيخ الإسلام الوالد وجعل نفسه كالنقيب لدرسه وقرأ عليه مختصر الشيخ خليل على مذهب الإمام مالك وقرأ عليه غير ذلك ثم سافر إلى الحجاز فمات في الطريق وفيها محي الدين عبد القادر بن محمد بن عبد القادر بن محمد بن يحيى بن نصر بن عبد الرزاق بن سيدي الشيخ عبد القادر الكيلاني السيد الشريف الحموي القادري الشافعي نقل ابن الحنبلي عن ابن عمه القاضي جلال الدين التادفي أنه ترجمه في كتابه قلائد الجواهر فقال كان صالحا مهيبا وقورا حسن الخلق كريم النفس جميل الهيئة مع كيس وتواضع وبشر وحلم وحسن ملتقى لطيف الطبع حسن المحاضرة مزاحا لا يزال متبسما معظما عند الخاص والعام له حرمة وافرة وكلمة نافذة وهيبة عند الحكام وغيرهم انتهى وتوفي في أحدى الجمادين بحماة وفيها تقريبا كريم الدين عبد الكريم بن عبد القادر بن عمر بن محمد إبراهيم الجعبري صاحب الشرح والمصنفات المشهورة قدم دمشق سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة قاله في الكواكب


وفيها علاء الدين علي بن سلطان الحوراني الشافعي نزيل صالحية دمشق الشيخ الصالح الزاهد كان من أصحاب الشيخ محمد العمري بالمهملة والشيخ أبي الصفا الميداني صاحب الزاوية المشهورة به بميدان الحصا وكان قد قطن بالصالحية مدة يتعبد بها وكان لشيخ الإسلام كمال الدين بن حمزة فيه اعتقاد زائد وأوصى له بشيء عند موته وتوفي صاحب الترجمة في يوم الخميس مستهل ذي الحجة وفيها السيد كمال الدين محمد بن حمزة بن أحمد بن علي ابن محمد بن علي بن الحسن بن حمزة الحسيني الدمشقي الشافعي الشهير بأبيه ولد في جمادى الأولى سنة خمسين وثمانمائة واستجاز له والده من ابن حجر واشتغل في العلم على والده وخاليه النجمي والتقوى ابني قاضي عجلون وعلى غيرهم وبرع وفضل وتردد إلى مصر في الاشتغال ثم صار أحد شيوخ الإسلام المعول عليهم بدمشق فقها وأصولا وعربية وغير ذلك وولي افتاء دار العدل بدمشق وقصده الطلبة وكان إماما علامة جامعا لأشتات العلوم مع جلالة ومهابة وهيئة حسنة وكان يقرر دروسه بسكينة ووقار وتؤدة واحتشام مع حل المشكلات وانتفع به الطلبة مصرا وشاما وما والاهما وكان يدرس ويفتي وترك الافتاء آخرا بسبب محنة حصلت له من الغوري بسبب سؤال رفع إليه فيمن بنى بنيانا في مقبرة مسبلة هل يهدم أولا فكتب أنه يهدم فهدم على الفور وكان الحق في جوابه وأجاب خاله التقوى بن قاضي عجلون بعدم الهدم وهو غير المنقول وكأنه أدخل عليه في السؤال ما دعاه إلى الافتاء بذلك وشرح القصة يطول وولي المترجم مع تدريس البقعة بالجامع الأموي تدريس الشاميتين بدمشق والعزيزية والتقوية والأتابكية وكان مجلس درسه بالجامع الأموي شرقي مقصورته وممن حمل عنه الفقه وغيره من العلماء العلامة تقي الدين بن القاري والعلامة بهاء الدين بن سالم والعلامة كمال الدين الكردي إمام الشامية البرانية وخطيبها والعلامة شمس الدين

ابن الكيال والعلامة برهان الدين الأخنائي والعلامة جلال الدين البصروي والعلامة زين الدين بن قاضي عجلون والعلامة جمال الدين ابن حمدان والعلامة برهان الدين بن حمزة والعلامة يعقوب الواعظ والعلامة شمس الدين الوفائي الواعظ والعلامة يونس العيثاوي والعلامة شهاب الدين الطيبي وغيرهم قال الشيخ يونس العيثاوي وكان السيد كمال الدين سبب ظهور شرح المنهاج للجلال المحلى بدمشق قال وأول اجتماعي بالسيد المذكور سألني عن محل إقامتي فقلت بميدان الحصا فقال لي هذه المحلة خصها الله تعالى بثلاثة أباريه كل منهم انفرد بفن لا يشاركه فيه غيره الشيخ إبراهيم الناجي بعلم الحديث والشيخ إبراهيم القدسي بفن القراءات والشيخ إبراهيم بن قرا في التصوف انتهى ومدح المترجم أفاضل عصره منهم العلامة علاء الدين بن صدقة بقصيدة طنانة مطلعها
( لي في المحبة شاهد بفنائي ** عند الأحبة وهو عين بقائي )
وهي طويلة وتوفي رحمه الله تعالى نهار الإثنين ثالث عشر رجب الفرد وصلى عليه بالجامع الأموي وصلى عليه أيضا الشيخ أبو الفضل بن أبي اللطف عند باب جامع جراح في جماعة ممن لم يكن صلى ودفن إلى جانب خاله شيخ الإسلام تقي الدين بن قاضي عجلون بمقبرة باب الصغير وقال تلميذه تقي الدين القاري يرثيه
( توفي قرة العين الكمالي ** وصرنا بعده في سوء حال )
( ولكنا صبرنا واحتسبنا ** وليس القلب بعد الصبر سال )
( ومهما كان في الدنيا جميعا ** فإن مصير ذاك إلى الزوال )
وفيها بهاء الدين محمد بن عبد الله بن علي بن خليل العاتكي الدمشقي الشافعي الإمام العالم البارع ولد سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة وأخذ عن التقي بن قاضي عجلون والكمال بن حمزة وغيرهما وتوفي بالقاهرة في رجب


وفيها شمس الدين أبو علي محمد بن علي بن عبد الرحمن الشهير بابن عراق الدمشقي نزيل المدينة المنورة الإمام العلامة العارف بالله تعالى المجمع على ولايته وجلالته القطب الرباني أحد أصحاب سيدي علي بن ميمون قال في الشقائق كان رحمه الله تعالى من أولاد أمراء الجراكسة وكان من طائفة الجند على زي الأمراء وكان صاحب مال عظيم وحشمة وافرة ثم ترك الكل واتصل بخدمة الشيخ العارف بالله تعالى السيد علي بن ميمون المغربي واشتغل بالرياضة عنده حتى حكي أنه لم يشرب الماء مدة عشرين يوما في الأيام الحارة حتى خر يوما مغشيا عليه من شدة العطش وقرب من الموت فقالوا للشيخ أن ابن عراق قرب من الموت من شدة العطش فقال الشيخ إلي رحمة الله تعالى فكرروا عليه القول فلم يأذن في سقيه وقال صبوا على راحتيه الماء ففعلوا فقام على ضعف ودهشة فلم يمض على ذلك أيام إلا وقد انفتح عليه الطريق ونال ما يتمناه انتهى وذكر هو عن نفسه في كتابه المسمى بالسفينة العراقية في لباس خرقة الصوفية أنه ولد في سنة ثمان وسبعين وثمانمائة وقرأ القرآن بالتجويد على الشيخ عمر الداراني قرأ عليه ختمات وعلى الشيخ إبراهيم القدسي قرأ عليه يويمات ثم اشتغل في الحساب على الشيخ زين الدين عرفة ثم جود ختمة لابن كثير وأفرد لراوييه على الشيخ عمر الصهيوني وجود عليه الخط أيضا وأخذ عنه علم الرماية ولزمه فيه ثلاث سنوات كاملات وفي أثنائها مات والده في سنة خمس وتسعين وثمانمائة وتزوج في تلك السنة ثم توجه إلى بيروت بنية استيفاء اقطاع والده فسمع وهو ببيروت برجل من الأولياء فيها يسمى سيدي محمد الرائق فزاره ودعا له وقال له لا خيب الله سعيك ثم رجع إلى دمشق واشتغل بالفروسية والرمي والصيد ولعب الشطرنج والنرد والنقاف والتنعم بالمأكولات والملبوسات وإنشاء الاقطاع والفدادين ولم يزل مع هذه الأمور مواظبا على الصلوات وزيارة الصالحين وحب الفقراء

والمساكين حتى تم له خمسة أعوام ولم ييسر له من يوقظه من هذا المنام حتى كان يوم جمعة صادف فيه الشيخ إبراهيم الناجي في جبانة الباب الصغير وهو راجع من ميعاده فنزل سيدي محمد عن فرسه إجلالا للشيخ وسلم عليه فقال الشيخ من يكون هذا الإنسان فقيل له فلان ابن فلان فأهل به ورحب وترحم على والده فسأله سيدي محمد أن يدعو له أن ينقذه الله مما هو فيه فقال له لو حضرت الميعاد ولازمتنا لحصل الخير فكان بعد ذلك يحضر مواعيد الشيخ وحصلت له بركته واستمر في صحبته حتى مات ولبس منه خرقة التصوف وأخذ عنه وعن الشيخ أبي الفضل بن الإمام وعن الشهاب بن مكية النابلسي علم التفسير والحديث والفقه وأخذ الأصول والنحو والمعاني والبيان عن جماعة منهم الشيخ أبو الفتح المزي والشيخ محمد بن نصير والشيخ علي المصري وكان مع ذلك يصحب الصالحين والفقراء الصادقين مثل الشيخ محمد بن البزة والشيخ محمد يعقوب وأضرا بهما إلى أن لاحت له ناصية الفلاح وجاءه المرشد سيدي علي بن ميمون إلى باب داره عند الصباح وذلك مستهل سنة أربع وتسعمائة فكان كماله على يديه ودخل مصر سنة خمس فاجتمع بجماعة من الأعلام من أعلمهم وأفضلهم القاضي زكريا والجلال السيوطي والدمياطي واجتمع بجماعة من الألياء منهم الشيخ عبد القادر الدشطوطي وأبو المكارم الهيتي وابن حبيب الصفدي واضرابهم وحصلت له بركتهم ثم عاد في بحر النيل إلى دمياط واجتمع فيها بعلماء أخيار منهم الشيخ أحمد البيجوري وحضر دروسه وألف له منسكا جامعا وحصل من العلم في البلدتين المذكورتين ما لم يحصله غيره في مدة طويلة ثم رجع إلى الشام وأقام بها حتى قدم سيدي علي بن ميمون من الروم إلى حماة سنة إحدى عشرة وتسعمائة فبعث إليه كتابا يدعوه فسار إليه مسرعا وأقام عنده بحماة أربعة أشهر وعشرة أيام كل يوم يزداد علما من الله وهدى ثم أذن له بالمسير إلى بيروت فسار إليها وقعد لتربية

المريدين وألف في مدة إقامته بها أربعة وعشرين كتابا في طريق القوم فلما بلغ شيخه ذلك تطور عليه وكتب إليه أن يلقاه بالكتب إلى دمشق وقدم على شيخه وهو عند والدته بدمشق في سابع عشرى رجب سنة ثلاث عشرة وتسعمائة ونزل بالصالحية فسار إليه سيدي محمد وتلقاه بالسلام والإكرام غير أنه استدعاه في ذلك المجلس وقال له يا خائن يا كذاب عمن أخذت هذا القيل والقال فقال له سيدي محمد يا سيدي قد أتيناك بالموبقات فافعل فيها ما تشاء فغسلها سيدي علي ولم يبق منها سوى القواعد والتأديب ثم لزمه سيدى محمد هو ووالدته وأهله وسكن بهم عنده بالصالحية وقدمه شيخه على بقية جماعته في الإمامة وافتتاح الورد والذكر بالجماعة وبقي عنده هو وأهله على قدم التجريد حتى انتقل سيدي علي إلى مجدل مغوش فسافر معه وبقي عنده حتى توفي وفي سنة ثلاث وعشرين عاد إلى ساحل بيروت وبنى بها دارا لعياله ورباطا لفقرائه ثم انتقل إلى غوطة دمشق ونزل بقرية سقبا وانقطع بها عنده جماعة ثم ذهب سيدي محمد بعياله إلى الحج ماشيا سنة أربع وعشرين وقطن بالمدينة وتردد بين الحرمين مرارا وحج مرات وقصد بالمدينة للإرشاد والتربية واشتهر بالولاية بل بالقطبية وبالجملة فقد كان في عصره مفردا علما وإماما في علمي الحقيقة والشريعة مقدما وليثا على النفس قادرا وغيثا لبقاع الأرض ماطرا قال بعضهم مكث أربع عشرة سنة ما أكل اللحم ومن آثاره بدمشق لما كان قاطنا بصالحيتها عمارته للرصفان بدرب الصالحية وكان يعمل في ذلك هو وأصحابه رضي الله عنهم وممن أخذ عنه أولاده الثلاثة سيدي والشيخ عبد النافع والنعمان والشيخ قطب الدين عيسى الأيجي الصفوي وصاحبه الشيخ محمد الأيجي ثم الصالحي والعارف بالله تعالى الشيخ أحمد الداجاني المقدسي والشسخ موسى الكناوي ثم الدمشقي والشيخ محمد البزوري وغيرهم قال الشيخ موسى الكناني ولما حججت سنة ثلاثين وتسعمائة

اجتمعت به بالحرم النبوي الشريف ودعا لي وأعطاني شيئا من التمر وكان ذلك آخر العهد به إلى أن قال وكان في صفته الظاهرة حسن الصورة أبيض الوجه لحيته إلى شقرة مربوع القامة وقال أبو البركات البزوري رضي الله عنه اجتمعت بمكة المشرفة بالشيخ القطب الغوث العارف بالله تعالى شمس الدين محمد بن عراق فسألني ما اسمك قلت بركات فقال بل أنت محمد أبو البركات ثم صافحني ولقنني الذكر ودعا لي وحرضني على قراءة قصيدته اللامية الجامعة لأسماء الله الحسنى التي أولها
( بدأت ببسم الله والحمد أولا ** على نعم لم تحص فيما تنزلا )
قال في كل ليلة أحسبه قال بين المغرب والعشاء قال النجم الغزي قلت لشيخنا أبي البركات هذه القصيدة اللامية هي من نظم سيدي محمد بن عراق قال نعم هي من نظمه وأنا أخذتها عنه فلازم على قراءتها فإنها نافعة قلت له يا سيدي فنحن نرويها عنكم عن سيدي محمد بن عراق قال نعم ومن مؤلفات سيدي محمد بن عراق كتاب المنح الغنائية والنفحات المكية وكتاب هداية الثقلين في فضل الحرمين وكتاب مواهب الرحمن في كشف عورات الشيطان ورسالة كتبها إلى من انتسب إلى الطريقة المحمدية في سائر الآفاق خصوصا بمكة العلية والمدينة المرضية وكتاب السفينة العراقية وكتاب سفينة النجاه لمن إلى الله التجاه ورسالة في صفات أولياء الله تعالى وما ينسب تأليفه إليه حزب الاشراق ومن شعره
( كلام قديم لا يمل سماعه ** تنزه عن قولي وفعلي ونيتي )
( به أشتفي من كل داء وأنه ** دليل لعلمي عند جهلي وحيرتي )
( فيا رب متعني بحفظ حروفه ** ونور به قلبي وسمعي ومقلتي )
وتوفي على المعتمد بمكة المشرفة يوم الثلاثاء رابع عشرى صفر ودفن من الغد بباب المعلى عن أربع وخمسين سنة تقريبا وفيها بهاء الدين محمد

ابن الشيخ العالم علاء الدين علي بن خليل بن أحمد بن سالم بن مهنا بن محمد بن سالم العاتكي الدمشقي الشافعي المعروف بابن سالم الإمام العلامة ولد سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة وأخذ العلم عن أبيه وعن التقوى بن قاضي عجلون والسيد كمال الدين بن حمزة وغيرهم وكان عالما عاملا خيرا حج وجاور وتوفي بالقاهرة في رجب وفيها شمس الدين محمد بن علي المعروف بابن هلال الشافعي النحوي العرضي الأصل ثم الحلبي اشتغل بحلب على الشيخ محمد الداديخي والعلاء الموصلي فلم يبلغ مطلوبه فارتحل إلى القاهرة ولزم الشيخ خالد مدة طويلة إلى أن مات الشيخ خالد فقدم حلب ودرس بجامعها وألف عدة كتب منها حاشية على تفسير البيضاوي وشرح على المراح وشرح على تصريف الزنجاني سماه بالتظريف على التصريف ورسالة أثبت فيها أن فرعون موسى آمن إيمانا مقبولا وغض منه ابن الحنبلي كثيرا وقال كان له شعر يابس وفيه هجو فاحش وتوفي يوم الأربعاء سادس عشر القعدة

سنة أربع وثلاثين وتسعمائة

فيها كما قال في النور أخذ الإمام الجراد أحمد مدينة هرمز من بلاد الحبشة وضعف عن مقاومته سلطانها ولم يزل أمره يعظم حتى صار إلى ما صار إليه واستفتح كثيرا من بلاد الحبشة وقهر الكفار وواظب على الجهاد والغزو في سبيل الله تعالى ونقل عنه في ذلك ما يبهر العقول حتى قيل ما تشبه فتوحاته إلا بفتوحات الصحابة وناهيك بمن يكون بهذه المثابة وحكى من أمر شجاعته واجراء أموره على قوانين الشريعة المطهرة شيء كثير انتهى
وفيها توفي شهاب الدين أبو العباس أحمد بن عبد العزيز الدمشقي المالكي ابن أخي القاضي شعيب الشافعي قال في الكواكب كان من رؤساء المؤذنين بالجامع الأموي وكانت عنده تواضع قال ابن طولون وأوقفني على منظومة

في علم المعاني والبيان حج في آخر عمره ورجع من الحج متضعفا واستمر مدة إلى أن توفي ليلة الجمعة خامس عشر المحرم ودفن بباب الصغير
وفيها القاضي شهاب الدين أحمد بن محمد بن عمر بن أبي بكر بن أبي بكر ابن عثمان الأنصاري الحمصي الدمشقي الشافعي الإمام العلامة الخطيب البليغ المحدث المؤرخ يتصل نسبه بعبد الله بن زيد الأنصاري ولد سنة إحدى أو ثلاث وخمسين وثمانمائة واعتنى بالحديث والعلم وأخذ عن جماعة من الشاميين والمصريين وفوض إليه القضاء قاضي القضاة شهاب الدين بن الفرفور ثم سافر إلى مصر وفوض إليه القضاء أيضا قاضي القضاة زكريا الأنصاري وكان يخطب مكانه بقلعة الجبل وكان الغوري يميل إلى خطبته ويختار تقديمه لفصاحته ونداوة صوته ثم رجع إلى دمشق في شعبان سنة أربع عشرة وتسعمائة وخطب بجامعها عن قاضي قضاة الشافعية اللولوي بن الفرفور وتوفي يوم الثلاثاء تاسع عشر جمادى الآخرة ودفن بباب الفراديس
وفيها تقريبا شهاب الدين أحمد بن محمد بن محمد بن عمران المقدسي الحنفي سمع بقراءة الشهابي أحمد بن عبد الحق السنباطي على البرهان القلقشندي وحصل وبرع وفيها تقريبا شهاب الدين أحمد بن الصايغ المصري الحنفي أخذ عن الشيخ أمين الدين الأقصرائي والشيخ تقي الدين الشمني والكافيجي والأمشاطي وغيرهم وأجازوه بالفتيا والتدريس وكان إماما بارعا علامة في العلوم الشرعية والعقلية وله باع في الطب ولم يتعلق بشيء من الوظائف وعرضت عليه عدة وظائف فلم يقبلها وكان يؤثر الخمول ويقول أحب شيء إلي أن ينساني الناس فلا يأتوني وكان حسن الأخلاق حلو اللسان متواضعا قليل التردد إلى الناس يدرس في البيضاوي وغيره رحمه الله تعالى
وفيها تقريبا أيضا شهاب الدين أحمد المسري المصري الشافعي الإمام العلامة كان بارعا في العلوم الشرعية والعقلية رث الهيئة مع الهيبة والوقار صغير

العمامة يقصده الناس في الشفاعات وقضاء الحوائج عند الأمراء والأكابر وكان مسموع الكلمة عندهم ينقادون إليه ولا يردون له شفاعة لزهده فيما في أيديهم وكان كثيرا ما يأتيه الفقير يسأله الشفاعة وهو يدرس فيترك الدرس ويقوم معه ويقول هذه ضرورة ناجزة وضرورة الحاجة إلى العلم متراخية رحمه الله تعالى وفيها عماد الدين إسماعيل بن مقبل بن محمد الغزاوي الحنفي الشيخ المفيد العالم المصري قال ابن طولون صاحبنا حفظ القرآن ببلده غزة وتلا للسبع ثم مجمع البحرين وقدم دمشق في سن الطفولة فحله على الشمسي بن رمضان شيخ القجماسية وكان نازلا بها وسمع عليه أشياء وعلى غيره ثم عاد إلى غزة إلى أن توفي والده فعاد إلى دمشق وأم بالجامع التنكزي إلى أن مات يوم الخميس تاسع عشرى صفر ودفن بتربة باب الصغير انتهى
وفيها عبد الله بن محمد بن أحمد المدرني الحنفي الفاضل المرشد أحد مشايخ الروم ومواليها مات والده الشيخ محمد شاه وهو شاب في تحصيل العلم وقرأ على المولى عبد الرحيم بن علاء الدين العربي والمولى محمد القرماني وكان في بدايته تابعا لهوى نفسه فرأى ليلة أباه في منامه قد ضربه ضربا شديدا ووبخه على فعله فلما أصبح ذهب إلى الشيخ رمضان المتوطن بأدرنة وتاب على يديه ودخل الخلوة وارتاض وجاهد ونال منالا عظيما حتى أجازه بالإرشاد فرجع إلى وطنه وأقام هناك يرشد ويدرس ويعظ وكان له مشاركة في سائر العلوم وله خط حسن وكان من محاسن الأيام رحمه الله تعالى
وفيها محي الدين عبد القادر بن أبي بكر بن سعيد الحلبي الشافعي المشهور بابن سعيد كان جده سعيد هذا يهوديا فأسلم واشتغل صاحب الترجمة بالعلم في حلب على العلاء الموصلي ومنلا حبيب الله العجمي وأخذ عن الكمال بن أبي شريف ببيت المقدس وكان ذا همة عالية في النسخ ورحل إلى دمشق

والقاهرة قال ابن طولون قدم دمشق إماما لقصروه نائب حلب فقرأ عليه صاحبنا العلامة نجم الدين الزهيري المتوفى قبله وكانت له شهرة ولديه رياسة ثم عاد إلى حلب وصار مفتي دار العدل بها في الدولة الجركسية وولي المناصب في الدولة العثمانية مشيخة التغرمشية ومشيخة الزينبية ونظرها ونظر جامع الأطروش وتوفي بحلب في رجب وفيها تاج الدين عبد الوهاب ابن أحمد بن محمد الكنجي الدمشقي الشيخ الفاضل أخو الشيخ الإمام شمس الدين الكنجي المتقدم ذكره عني بالفرائض والحساب قال في الكواكب ولزم شيخ الإسلام الوالد كثيرا وقرأ عليه في شرح المنهاج للمحلى وغالب ترتيب المجموع في الفرائض مع أنه قرأه على مؤلفه الشيخ بدر الدين المارديني قال شيخ الإسلام الوالد وذكره في فهرست تلاميذه وهو وأخوه عماي من الرضاع قال وهو ممن أذهب عمره في الحساب مع جمود فيه وغالب عليه الحمق وقلة العقل وعدم حساب العواقب ثم قال توفي يوم الإثنين تاسع عشر شوال انتهى وفيها أبو الفضل علي بن محمد بن علي بن أبي اللطف المقدسي الشافعي نزيل دمشق الإمام العالم العلامة ولد في جمادى الأولى سنة ست وخمسين وثمانمائة ببيت المقدس وأخذ الفقه عن الشهاب الحجازي والسيد علاء الدين الأيجي والشيخ ماهر المصري وهو أعلى شيوخه في الفقه وتفقه أيضا بالكمال ابن أبي شريف ورحل إلى مصر فأخذ عن علمائها الفقه والحديث منهم شيخ الإسلام زكريا والتاج العبادي ورحل إلى دمشق واستوطنها وحضر دروس شيخ مشايخ الإسلام زين الدين خطاب والنجم بن قاضي عجلون وغيرهما ورافق الشيخ تقي الدين البلاطنسي والبهاء الفصي البعلي وغيرهما من الأجلة وجاور بمكة مع الشيخ تقي الدين بن قاضي عجلون وتزوج بمكة وحضر دروس قاضي القضاة ابن ظهيرة الشافعي وعاد إلى دمشق مستوطنا بعياله يفتي ويدرس بالجامع الأموي وبيض التحرير للنجم بن قاضي عجلون

وزاد فيه فوائد مهمة وله كتاب مر النسيم في فوائد التقسيم وكان حافظا لكتاب الله تعالى له همة مع الطلبة ومهابة ومودة للخاص والعام ونفس غنية وكان متقللا من الوظائف وتمنى الموت لفتنة حصلت له لما دخلت الدولة العثمانية ومن شعره يشير إلى ذلك
( ليت شعري من على الشام دعا ** بدعاء خالص قد سمعا )
( فكساها ظلمة مع وحشة ** فهي تبكينا ونبكيها معا )
( قد دعا من مسه الضر ** من الظلم والجور اللذين اجتمعا )
( فعلا الحجب الدعا فانبعثت ** غارة الله بما قد وقعا )
( فأصاب الشام ما حل بها ** سنة الله الذي قد أبدعا )
وتوفي نهار الأحد خامس عشر صفر ودفن بباب الصغير
وفيها السيد علاء الدين علي بن محمد الحسيني العجلوني ثم البروسوي المعروف بالحديدي خليفة الشيخ العارف بالله تعالى أبي السعود الجارحي توطن بروسا من بلاد الروم نحو ثلاثين سنة ثم حج وعاد إلى القاهرة وكان له عبث بعلم الوفق والأسماء وصناعة الكيميا وكان له أسانيد عالية رحمه الله تعالى وفيها محي الدين محمد بن سعيد الشيخ الإمام العلامة المعروف بابن سعيد قدم دمشق فصار إماما لنائبها قصروه وقرأ عليه عدة من الأفاضل وصارت له كلمة مسموعة وتوفي بحلب في هذه السنة
وفيها شمس الدين محمد بن علي الحريري الحلبي الحنفي المعروف بابن السيوفي تعلم القراءة والكتابة على كبر وتفقه بالزين بن فخر النساء وأخذ عن الزين بن الشماع قال ابن الحنبلي وكان يترجى أن يعمل كتابا في فقه الحنفية يرتب فيه ذكر المسائل على ترتيب منهاج النووي قال وكان عبدا صالحا ملك كتبا كثيرة انتهى
وفيها القاضي نجم الدين محمد الزهيري الحنفي الشيخ الفاضل كان نائب

الباب بدمشق وكان بيده تدريس الريحانية والمرشدية والمقدسية البرانية والعزية البرانية وقد كان عمرها وجدد قاعة المدرس بها وأقام فيها الجمعة وكان لها سنون بطالة نحو ثلاثين سنة مع إحسانه إلى مستحقيها ولما مات بطل ذلك وتوفي في سلخ ربيع الأول وفيها محي الدين محمد الرومي المولى الفاضل الشهير بابن المعمار الحنفي خدم المولى محمد بن الحاج حسن ثم درس باسكوب ثم بمدرسة الوزير محمود باشا ثم بإحدى المدرستين المتجاورتين بأدرنة ثم بإحدى الثمانية ثم ولي قضاء حلب ثم أعيد إلى إحدى الثمانية وعين له كل يوم ثمانون عثمانيا ثم أعيد إلى قضاء حلب ومات بها
وفيها مجير الدين الرملي الشيخ الفاضل أحد العدول بدمشق قال ابن طولون كان صالحا وعنده فضيلة وببصره بعض تكسر مات رحمه الله يوم الثلاثاء ثامن عشرى ربيع الأول وفيها نور الدين محمود بن أحمد ابن محمد بن أبي بكر القرشي البكري الحلبي الشافعي الأصيل المعمر الجليل خطيب المقام بقلعة حلب وابن خطيبه أخذ عن الحافظ أبي ذر بن الحافظ برهان الدين الحلبي وأخذ عنه ابن الحنبلي ووالده الحديث المسلسل بالأولية واستجازاه فأجاز لهما وتوفي نهار الأحد حادي عشرى ربيع الآخر بحلب ودفن بمقابر الصالحين وفيها المولى مصلح الدين مصطفى المشهور بحاكي الحنفي أحد الموالي الرومية كان رحمه الله تعالى حائكا ولما بلغ سن الأربعين رغب في العلم وبرع فيه وصار مدرسا ببلده تيره وصحب العارف بالله تعالى محمد الجمالي والعارف بالله أمير البخاري ثم انقطع عن التدريس وتقاعد بثلاثين عثمانيا وكان يكتب على الفتوى ويأخذ عليها أجرا وكان يحيى أكثر الليل وربما غلب عليه الحال في الصلاة

سنة خمس وثلاثين وتسعمائة

فيها توفي برهان الدين إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر البقاعي

الحنبلي ثم الشافعي العارف بالله تعالى ولد في ربيع الأول سنة خمس وثمانين وثمانمائة وقرأ على البدر الغزي في الأصول والعربية وغير ذلك وقرأ عليه البخاري كاملا في ستة أيام أولها يوم السبت حادي عشر شهر رمضان سنة ثلاثين وتسعمائة وصحيح مسلم كاملا في شهر رمضان سنة إحدى وثلاثين في خمسة أيام متفرقة في عشرين يوما وقرأ عليه نصف الشفا الأول وغير ذلك وترجمه البدر بأنه كان من الأولياء الذين لا يعلمون بأنفسهم وتوفي شهيدا بالبطن يوم الثلاثاء حادي عشر شعبان
وفيها المولى برهان الدين إبراهيم الحسيب النسيب أحد موالي الروم الحنفي كان والده من سادات العجم رحل إلى الروم وتوطن قرية من قرى أماسية يقال لها قريكجه وكان من أكابر أولياء الله تعالى وله كرامات وخوارق منها أنه كف بصره في آخر عمره فكشف ولده السيد إبراهيم المذكور رأسه بين يديه يوما فقال له يا ولدي لا تكشف رأسك ربما يضرك الهواء البارد فقال له ولده كيف رأيتني وأنت بهذه الحالة قال سألت الله أن يريني وجهك فمكنني من ذلك فصادف نظري انكشاف رأسك ونشأ ولده المذكور في حجره بعفة وصيانة ورحل في طلب العلم إلى مدينة بروسا فقرأ على الشيخ سنان الدين ثم اتصل بخدمة المولى حسن الساموني ثم رغب في خدمة المولى خواجه زاده ثم ولي التدريس حتى صار مدرسا بمدرسة السلطان بايزيد كل يوم بمائة عثماني على وجه التقاعد ولما جلس السلطان سليم على سرير الملك اشترى له دارا في جوار أبي أيوب الأنصاري والآن هي وقف وقفها السيد إبراهيم على من يكون مدرسا بمدرسة أبي أيوب وكان مجردا لم يتزوج في عمره بعد أن أبرم عليه والده في التزوج وكان منقطعا عن الناس للعلم والعبادة زاهدا ورعا يستوي عنده الذهب والمدر ذا عفة ونزاهة وحسن سمت وأدب واجتهاد ما رؤي إلا جاثيا على ركبتيه ولم يضطجع

أبدا مع كبر سنه وكان طويل القامة كبير اللحية حسن الشيبة يتلألأ وجهه نورا متواضعا خاشعا يرحم الصغير ويجل الكبير ويكثر الصدقة وكف في آخر عمره ثم عولج فأبصر ببعض بصره وتوفي في هذه السنة ودفن عند جامع أبي أيوب الأنصاري رحمه الله تعالى
وفيها المولى جلال الدين الرومي الحنفي الفاضل خدم المولى محمد بن الحاج حسن ثم صار مدرسا بمدرسة المولى المذكور بالقسطنطينية ثم صار قاضيا بعدة من البلاد ثم تقاعد بخمسة وثلاثين عثمانيا وصرف جميع أوقاته في العلم والعبادة وكان محققا مدققا ذا شيبة نيرة بقية من الصالحين
وفيها داود بن سليمان القصيري الشافعي الفقيه البارع أخو الشيخ عبد وأخذ الفقه عن جماعة وبرع فيه وفيها عبد الرزاق الترابي المصري الشيخ الصالح الورع الزاهد أخذ الطريق عن سيدي علي النبتيتي وسيدي أحمد الترابي والشيخ نجا النبتيتي وكان على قدم عظيم من الزهد والورع وأقبل الناس عليه بالاعتقاد بعد موت شيخه الشيخ نجا وله رسالة في الطريق ونظم لطيف انتقل من الريف إلى مصر وأقام بها مدة ثم انتقل إلى الجيزة فأقام بها إلى أن مات ومن كراماته أنه طلع مرة إلى الأمير خير بك وإلى مصر في شفاعة فلم يقبلها وأغلظ على الشيخ فخرجت له تلك الليلة جمرة ومات منها بعد سبعة أيام
وفيها الشيخ عبيد الدنجاوي ثم البلقيني المصري العارف بالله تعالى أحد أصحاب الشيخ محمد الكركبي الحلبي دخل مصر من قبل الشام في زمن السلطان قايتباي وكان يعتقده أشد الاعتقاد وكان وظيفته خدمة شيخه المذكور حتى كان في كاهله أثر من حمل الماء وغيره على ظهره وكان مشغولا بالخدمة لا يحضر مع أصحاب شيخه أو رادهم قط فلما حضرت شيخه الوفاة تطاول ذو الهيئات للأذن فلم يلتفت إلى أحد منهم وقال هاتوا عبيد فاذن له بحضرتهم فحسدوه وكادوا يقتلونه فسافر إلى مصر ودخلها مجذوبا عريان

ليس عليه سوى سراويل وطرطور وكلاهما من جلد ثم ذهب إلى الصعيد وأقام بها مدة ثم سكن بلقين وعمر بها زاوية وأقبل الناس عليه من سائر الآفاق ونزل السلطان إلى زيارته ثم سكن في مصر في الزاوية الحلاوية عمرها له الغوري وكان ينزل هو وولده إلى زيارته ثم ترك لباس الجلد وصار يلبس الملابس الفاخرة كملابس الملوك وكان له سبعة نقباء لقضاء حوايج الناس عند السلطان فمن دونه وكان لا ترد له كلمة ولا شفاعة وكان لا يرد سائلا قط ومن سأله درهما أعطاه ما يساوي خمسين دينارا أو ما يقرب منها وتوفي في جمادى الآولى
وفيها قاضي القضاة نجم الدين محمد بن شيخ مشايخ الإسلام تقي الدين أبي بكر بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن شرف بن قاضي عجلون الشافعي الإمام العلامة ولد بدمشق سابع عشر شوال سنة أربع وسبعين وثمانمائة واشتغل على والده ودرس عنه نيابة بمدرسة شيخ الإسلام أبي عمر وولي خطابة جامع يلبغا وفوض إليه قاضي القضاة شهاب الدين بن الفرفور نيابة الحكم يوم الخميس حادي عشر جمادى الأولى سنة أربع وتسعمائة ولما رجع مع أبيه إلى القاهرة في حادثة محب الدين ناظر الجيوش ولاه الغوري قضاء القضاة بالشام استقلالا وذلك في سنة أربع عشرة واعتقل بقلعة دمشق في جامعها عشية الخميس تاسع عشرى جمادى الآخرة سنة خمس عشرة ثم عزل في ثاني القعدة منها وأعيد القاضي ولي الدين بن الفرفور وتوفي القاضي نجم الدين ليلة الثلاثاء عاشر ربيع الثاني ودفن عند والده بتربة باب الصغير
وفيها شمس الدين محمد بن علي بن أحمد بن سالم الجناجي بجيمين الأولى مضمومة بينهما نون خفيفة نسبة لجناج قرية بين البحرارية وسنهور من الغربية ثم القاهري الأزهري المكي المالكي وربما عرف بمكة بابن وحشي ولد سنة ستين وثمانمائة تقريبا وحفظ القرآن العظيم ونحو النصف الأول

من مختصر الشيخ خليل ومن ألفية النحو واشتغل في الفقه والعربية على السنهوري وغيره وقرأ على الديمي البخاري وسمع على الكمال بن أبي شريف في مسلم وعلى الشاوي في البخاري بحضرة الخيضري كذا ذكره السخاوي قال وحج غير مرة ولقيني في سنة سبع وتسعين بمكة فقرأ على الموطأ ونحو النصف من الشفا بسماع باقيه ولازمني في غير ذلك سماعا وتفهما انتهى باختصار وتوفي بمكة المشرفة في ربيع الثاني ودفن بالمعلاة
وفيها القاضي رضى الدين أبو الفضل محمد بن رضى الدين محمد ابن أحمد بن عبد الله بن بدر بن بدري بن عثمان بن جابر بن ثعلب بن ضوى بن شداد ابن عاد بن مفرج بن لقيط بن جابر بن وهب بن ضباب بن جحيش بن معيص بن عامر بن لؤي بن غالب كذا ساق نسبه حفيده النجم في الكواكب وقال الشيخ الإمام شيخ الإسلام المحقق المدقق العمدة العلامة الحجة الفهامة الغزي الأصل الدمشقي المولد والمنشأ والوفاة العامري القرشي الشافعي جدي لأبي ولد في صبيحة اليوم العاشر من ذي القعدة سنة اثنتين وستين وثمانمائة وتوفي والده شيخ الإسلام زين الدين خطاب بن عمر بن مهنا الغزاوي الشافعي شيخ الشافعية بدمشق فرباه أحسن تربية إلى أن ترعرع وطلب العلم بنفسه مشمرا عن ساق الاجتهاد مؤثرا لطريقة التصوف ومنعزلا عن الناس في زاوية جده لأمه سيدي الشيخ أحمد الأقباعي بعين اللؤلؤة خارج دمشق إلى أن برع في علمي الشريعة والحقيقة ولازم الشيخ خطاب مدة حياته وتفقه عليه وانتفع به ثم تزوج ابنته بالتماس منه ولزم أيضا الشيخ محب الدين محمد البصروي فأخذ عنه الفقه والحديث والأصول والعروض ثم لزم الشيخ برهان الدين الزرعي وأخذ عنه الحديث وغيره وولده الشيخ شهاب الدين أحمد وأخذ عنه المعقولات والمعاني والبيان والعربية وتفقه أيضا بالبدر بن قاضي شهبة والشيخ شمس الدين محمد بن حامد الصفدي وغيرهم وكان رحمه الله تعالى

ممن قطع عمره في العلم طلبا وإفادة وجمعا وتصنيفا أفتى ودرس وولي القضاء نيابة عن قريبه القطب الخيضري وسنه إذ ذاك دون العشرين سنة ثم عن الشهاب بن الفرفور ثم عن ولده القاضي ولي الدين بعد أن تنزه عن الحكم ثم ألزم به من قبل السلطان سليم خان وباشر مدة ولايته القضاء بعفة ونزاهة وطهارة يد ولسان وقيام في الحق لا يحابى أحدا ولا تأخذه في الله لومة لائم وهو آخر قضاة العدل وممن أخذ عنه ولده شيخ الإسلام بدر الدين وأبو الحسن البكري وأمين الدين بن النجار المصري والسيد عبد الرحيم العباسي والبدر العلائي وغيرهم ومن مؤلفاته الدرر اللوامع نظم جمع الجوامع في الأصول وألفية في التصوف سماها الجوهر الفريد في أدب الصوفي والمريد وألفية في اللغة نظم فيها فصيح ثعلب وألفية في علم الهيئة وألفية في علم الطب ومنظومة في علم الخط ونظم رسالة السيد الشريف في علمي المنطق والجدل ووضع على نظمه شرحا نفيسا وألف مختصرا في علمي المعاني والبيان سماه بالافصاح عن لب الفوائد والتلخيص والمفتاح ووضع عليه شرحا حافلا وشرح أرجوزة البارزي في المعاني والبيان وشرح عقيدة جمع الجوامع ونظم عقائد الغزالي وعقائد لبعض الحنفية ونخبة الفكر لابن حجر في علم الحديث وقلائد العقيان في مورثات الفقر والنسيان للشيخ إبراهيم الناجي وألف كتاب الملاحة في علم الفلاحة وغير ذلك ومن شعره
( ما كان بكر علومي قط يخطبها ** إلا ذوو جدة بالفضل أكفاء )
( وغض منه ذوو جهل معازرة ** والجاهلون لأهل العلم أعداء )
وتوفي في شوال عن ثلاث وسبعين سنة ودفن بمقبرة الشيخ رسلان انتهى باختصار
وفيها شمس الدين أبو البركات محمد بن العلامة شمس الدين محمد بن حسن

البابي الأصل الحلبي الشهير كأبيه بابن البيلوني وبإمام السفاحية سمع بقراءة أبيه على الكمال بن الناسخ من أول صحيح البخاري إلى تفسير سورة مريم وسمع على الزين بن الشماع الشمايل للترمذي وأجازا له وقرأ على العلاء الموصلي في شرح الألفية لابن عقيل ودرس بالحجازية وكان له حظوة عند قاضي حلب عبيد الله سبط ابن الفناري وكان له حركة وسعى في تحصيل الدنيا فعرض له شيخه ابن الشماع في ذلك فذكر أنه إنما يطلب الدنيا للاكتفاء عن الحاجة إلى الناس والاستعانة على الاشتغال بالعلم والتوسعة على المحتاجين في وجوه البر وتوفي بمنبج وهو دون الأربعين ودفن وراء ضريح سيدي عقيل المنبجي وفيها شهاب الدين محمد الحلبي المصري الإمام العالم توفي في أوائل هذه السنة وفيها محي الدين محمد الشهير بابن قوطاس المولى الفاضل الرومي الحنفي كان أبوه من بلاد العجم ودخل الروم وصار قاضيا ببعض بلادها واشتغل ابنه هذا على جماعة منهم المولى ابن المؤيد والمولى محمد بن الحاج حسن ثم ولي التداريس حتى درس باسحاقية اسكوب ثم بمدرسة محمود باشا بالقسطنطينية وتوفي وهو مدرس بها وكان فاضلا محققا مجتهدا في العبادة ملازما تلاوة القرآن طارحا للتكلف رحمه الله تعالى
وفيها شمس الدين محمد الحصني السيد الحسيب النسيب قريب شيخ الإسلام تقي الدين الحصني رحل إلى القاهرة وأقام بها مدة وتوفي بها وكان إماما علامة صالحا رحمه الله تعالى وفيها محمود بن مصطفى بن موسى بن طليان القصيري الأصل الحلبي المولد الحنفي المشهور بابن طليان ولي خطابة الجامع الكبير بحلب في أوائل الدولة العثمانية وكان فقيها جيدا يصدع بالحق ولا يخاف في الله لومة لائم لكن كان عنده حدة وحج في آخر عمره وتوفي في شهر رمضان وفيها المولى مصلح الدين مصطفى بن

خليل والد صاحب الشقائق النعمانية ولد ببلدة طاش كبرى سنة خمس وخمسين وثمانمائة وهي السنة التي فتحت فيها قسطنطينية وقرأ على والده ثم على خاله المولى التكشاري ثم على المولى درويش بن المولى خضر شاه المدرس بسلطانية بروسا ثم على المولى بهاء الدين المدرس بإحدى الثمانية ثم على المولى ابن مغيسا ثم على المولى قاضي زاده ثم على المولى علاء الدين العربي ثم على المولى خواجه زاده ثم درس بالأسدية ببروسا ثم بالمدرسة البيضاء بأنقرة ثم بالسيفية بها ثم باسحاقية اسكوب ثم بحلبية أدرنة ثم صار معلما للسلطان سليم خان ثم أعطى تدريس السلطانية ببروسا ثم إحدى الثمانية ثم صار قاضيا بحلب ثم استعفى من القضاء وعرض وصية والده له في ذلك على السلطان وكان عالما زاهدا عابدا متأدبا مشتغلا بنفسه معرضا عن الدنيا وله رسائل وحواش على السلطان نبذ من شرح المفتاح ورسالة في الفرائض وغير ذلك رحمه الله تعالى

سنة ست وثلاثين وتسعمائة

فيها توفي برهان الدين إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن يوسف بن خليل اليمني الزبيدي ثم الحسوي المالكي الإمام العلامة قال في الكواكب لازم شيخ الإسلام الوالد سنين وقرأ عليه في الفقه على مذهب الشافعي وفي ألفية ابن مالك وقرأ عليه شرحه المنظوم على الألفية انتهى
وفيها برهان الدين إبراهيم بن الشيخ شهاب الدين أحمد بن حمزة الدمشقي الشافعي الإمام العلامة قال الشيخ يونس العيثاوي كان رفيقا في الاشتغال ووالده من أهل العلم الكبار وكان هو شابا مهيبا له يد طولى في المعقولات دأب وحصل وجمع بين طرفي المنهاج على شيخنا البلاطنسي ورافقنا على السيد كمال الدين بن حمزة مع الأجلة الأكابر وله أبحاث عالية وهمة سامية طارح للتكلف سكن المدرسة التقوية ومات بها ليلة الثلاثاء سابع ربيع الأول

ودفن بباب الفراديس انتهى وفيها تقي الدين أبو بكر بن محمد ابن محمد بن عبد الله بن أبي بكر بن أبي بكر البلاطنسي الشافعي الحافظ شيخ مشايخ الإسلام العلامة المحقق الناقد المجتهد ولد يوم الجمعة عاشر رجب سنة إحدى وخمسين وثمانمائة وأخذ العلم عن والده وعن الزين خطاب والبدر ابن قاضي شهبة وشيخي الإسلام النجمي والتقوى ابني قاضي عجلون والجمال ابن الباعوني والعلاء الأيجي والبرهان الناجي والشهاب الأذرعي وغيرهم قال الشيخ يونس العيثاوي وهو تلميذه هو من بيت صلاح وعلم سمعت مدحه بذلك من السيد كمال الدين بن حمزة ودخل دمشق في طلب العلم وأخذ عن علمائها المشار إليهم ثم استوطنها ولم يتناول من أوقافها شيئا وكان يجلس في البادرائية وأرسل إليه بأموال ووظائف فلم يقبل وكان عالما عاملا ورعا كاملا له مهابة في قلوب الفقهاء والحكام يرجع إليه في المشكلات لا يتردد إلى أحد لغناه وله همة مع الطلبة ونصيحة واعتناء بالعلم أمارا بالمعروف نهاء عن المنكر لا تأخذه في الله لومة لائم لا يداهن في الحق له حالة مع الله تعالى يستغاث بدعائه ويتبرك بلحظه قائما بنصرة الشريعة حاملا لواء الإسلام مجدا في العبادة مجانبا للرياء لا يحب أن يمدحه أحد يختم القرآن في كل يوم جمعة ويختم في شهر رمضان كل ليلة ختمتين وأكب في آخره على التلاوة وله شعر متوسط منه قصيدة نونية مدح فيها السلطان سليمان وتعرض فيها لما حصل في زمنه من الفتوحات كرودس وغيرها وتوفي ليلة الإثنين ثاني المحرم ودفن بباب الصغير جوار بلديه شيخ الإسلام شمس الدين البلاطنسي وقبرهما في آخر التربة من جهة الشمال وفيها أحمد بن منلا شيخ المعروف بخجا كمال العجمي اللالأئى نسبة إلى لالا قرية من أعمال تبريز الشافعي قال في الكواكب كان له فضيلة ومشاركة وهو أول من ولي نظارة النظار بدمشق وتولى الجامع الأموي والتكية السليمية والبيمارستان إلى جانبها أخذ عن شيخي الإسلام الجد والوالد

وعن غيرهما وربما انتقد عليه بعض الناس أمورا ولكن لو لم يكن له من المكرمة إلا مصاهرة شيخ الإسلام الجد له كما صاهر القاضي برهان الدين الأخنائي والقاضي أمين الدين بن عبادة لكفاه توثيقا وتعديلا قال ثم أن والد شيخنا أثنى على صاحب الترجمة لما أن حرق سوق باب البريد واحترق أبواب الجامع معه قال وكان المتكلم عليه الخجا العجمي من قبل حزم باشا وأحسن النظر فيه وعمر ما احترق من مال الوقف الذي كان مرصدا عنده والحال أنه سرق له مال من منزله وتحدث الناس أنه يدعي سرقة المال المرصد ولو ادعاه لصدقوه لكنه قال مال الجامع محفوظ لم يسرق فازداد الناس في مدحه وذكر عفته قال وكان كذلك فإنه لم يقطع على المستحقين شيئا بل هو الذي رتب القراء تحت القبة واستمر وتوفي ليلة الخميس تاسع عشرى ربيع الآخر ودفن بباب الصغير انتهى ملخصا وفيها شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد بن علي بن محمد بن عمر بن عبد الله بن أبي بكر الفاكهي الأصل المصري المكي الشافعي ابن أخت السراج البلقيني قال في النور ولد في شعبان سنة ثمان وستين وثمانمائة بمكة ونشأ بها فحفظ القرآن وأربعين النواوي وارشاد ابن المقري وألفية ابن مالك وعرض على البرهان بن ظهيرة والمحب الطبري والعلمي وعمر بن فهد في آخرين قال السخاوي سمع مني بمكة والمدينة أشياء بل قرأ علي بالقاهرة في سنن أبي داود وتكرر قدومه لها وهو حاذق فطن منور وقال جار الله بن فهد واستمر على حاله في التردد والحذق وكثرة دخول القاهرة ومخالطة الأكابر مع الحرص على تحصيل الوظائف وتزوج واحدة بعد واحدة ورزق جملة أولاد أنجبهم عبد الله بن حبيشة وله غيره من مكية ومدنية وحصل الأملاك وعمرها ثم ضعف في آخر عمره وطلع له فتق في بدنه وانقطع في بيته نحو جمعة بالاسهال ثم مات بمكة يوم الجمعة تاسع عشر المحرم بعد وصية وحصل له بالاسهال الشهادة

ووقى فتنة القبر بموته يوم الجمعة ودفن على قبر أبيه وجده جوار الفضيل ابن عياض وفيها المولى شمس الدين أحمد بن يوسف القسطنطيني المولد الحنفي المعروف بابن الجصاص اشتغل ثم خدم المولى ابن المؤيد ثم درس وترقى في المدارس حتى أعطى سلطانية بروسا ثم ولي قضاء الشام ثم عزل منها بعد إقامته بها شهرين وأربعة أيام ثم أتاه أمر باستمراره في دمشق مفتشا على الأوقاف وكان محافظا على الصلاة بالجماعة في الجامع الأموي لا يحب أحدا يمشي أمامه على هيئة الأكابر وصار بعد عوده إلى الروم مدرسا بإحدى الثمانية بثمانين درهما وكان عالما عاملا مدققا ماهرا في العلوم العقلية بعيدا عن التكلف صحيح العقيدة رحمه الله تعالى
وفيها ظناجان التبريزي الشافعي المعروف بميرجان الكبابي القاطن بحلب قال في الكواكب كان عالما كبيرا سنيا صوفيا قصد قتله شاه إسمعيل صاحب تبريز لتسننه فخلع العذار وطاف في الأزقة كالمجنون ثم صار على أسلوب الدراويش وقال ابن الحنبلي زرته بحلب في العشر الرابع من القرن وهو بحجرة ليس فيها إلا الحصير ومن لطيف ما سمعته منه السوقية كلاب سلوقية وفي تاريخ ابن طولون المسمى مفاكهة الأخوان وفي يوم الثلاثاء سادس عشر شعبان يعني سنة أربع وثلاثين قدم دمشق عالم الشرق مرجان القبالي التبريزي الشافعي وقيل أنه كان إذا طلع محل درسه نادى مناد في الشوارع من له غرض في حل اشكال فليحضر عند المنلا فلان قال ووقفت له على تفسير عدة آيات على طريقة نجم الدين الكبرى في تفسيره قال وعنده اطلاع انتهى ثم ذكر أنه سافر راجعا إلى بلاده من دمشق حادي عشر محرم سنة خمس وثلاثين قال وكان شاع عنه أنه يمسح على الرجلين من غير خف وأنه يقدم عليا رضي الله عنه وأنه استخرج ذلك من آية من القرآن العظيم انتهى
وفيها عفيف الدين عبد الله بن عبد اللطيف بن أبي بدرون السيد الشريف

الحسيني الفاسي المكي قريب مؤرخ مكة القاضي تقي الدين ولد في شوال سنة سبع وأربعين وثمانمائة وأجازه الحافظ بن حجر ومن في طبقته باستدعاء المحدث نجم الدين عمر بن فهد في سنة خمسين وله سماع على الشيخ أبي الفتح المراغي العثماني وغيره وتوفي في شوال عن ثمان وثمانين سنة
وفيها تقريبا عبد الرحمن الشامي المدرس بخانقاة سعيد السعدا بالقاهرة قال في الكواكب الشيخ الإمام الفقيه النحوي الصوفي كان يتعمم بالصوف وله تحقيق في العلوم الشرعية والعقلية أقبلت عليه الأكابر والأمراء واعتقدوه وكانوا يجلسون بين يديه متأدبين وهو يخاطبهم بأسمائهم من غير تعظيم ولا تلقيب مات في حدود هذه الطبقة ودفن قريبا من تربة السلطان اينال ورؤيت الوحوش تنزل من الجبل فتقف على باب تربته في الليل فيخرج إليها ويكلمها فترجع ذكره الشعراوي انتهى وفيها زين الدين عبد القادر بن أحمد الحمصي المعروف بابن الدعاس الشيخ الفاضل العالم قال في الكواكب دخل دمشق وحضر دروس شيخ الإسلام الوالد وكتب نسختين من مؤلفه المسمى بالدر النضيد في أدب المفيد والمستفيد واجتمع به في ذهابه إلى الروم سنة ست وثلاثين ثم رجع الوالد سنة سبع وثلاثين فوجده قد مات بحمص انتهى
وفيها المولى عبيد الله بن يعقوب المولى الفاضل الحنفي أحد الموالي الرومية سبط الوزير أحمد باشا بن الفناري قال في الشقائق قرأ على علماء عصره واشتغل بالعلم غاية الاشتغال ثم وصل إلى خدمة الفاضل مصلح الدين البارحصاري ثم انتقل إلى خدمة الشيخ محمود قاضي العسكر المنصور ثم صار قاضيا بحلب وكان فاضلا ذكيا له مشاركة في العلوم ومعرفة تامة بعلم القراءات قوي الحفظ حفظ القرآن العظيم في ستة أشهر صاحب أخلاق حميدة جدا من الكرم في غاية لا يمكن المزيد عليها ملك كتبا كثيرة وهي على

ما يروى عشرة آلاف مجلد قال ورأيت له شرحا للقصيدة المسماة بالبردة وقال ابن الحنبلي وكان له مدة إقامته بحلب شغف بجمع الكتب سمينها وغثها جديدها ورثها حتى جمع منها ما يناهز تسعة آلاف مجلد وجعل فهرستها مجلدا مستقلا ذكر فيه الكتاب ومن ألفه وكان مع أصالته فاضلا سيما في القراءات عارفا باللسان العربي سخيا معتقدا في الصوفية كثير التردد إلى مجلس الشيخ علي الكيزواني لتقبيل يده من غير حائل ولا يتغالى في ملبسه ولا يبالي به وكان يقول من تعاطى الأوقاف فقد تحمل أحدا أوقاف انتهى ملخصا وفيها الشيخ علوان علي بن عطية بن الحسن بن محمد ابن الحداد الهيتي الحموي الشافعي الصوفي الشاذلي الإمام العلامة الفهامة شيخ الفقهاء والأصوليين وأستاذ الأولياء العارفين سمع على الشمس البازلي كثيرا من البخاري ومسلم وعلى نور الدين بن زهرة الحنبلي الحمصي وأخذ عن القطب الخيضري والبرهان الناجي والبدر حسن بن شهاب الدمشقيين وغيرهم من أهلها وعن ابن السلامي الحلبي وابن الناسخ الطرابلسي والفخر عثمان الديمي المصري وقرأ على محمود بن حسن البزوري الحموي ثم الدمشقي الشافعي وأخذ طريقة التصوف عن سيدي علي بن ميمون المغربي قال المترجم اجتمعت به بحماة وكنت أعظ من الكراريس بأحاديث الرقائق ونوادر الحكم فقال يا علوان عظ من الراس ولا تعظ من الكراس فلم أعبأ به فأعاد القول ثانيا وثالثا فتنبهت عند ذلك وعلمت أنه من أولياء الله تعالى فأتيت في اليوم القابل فإذا بالسيد في قبالتي قال فابتدأت غيبا وفتح الله علي واستمر الفتح إلى الآن قال وأمرني بمطالعة الأحياء وأخذت عنه طريق الصوفية وبالجملة فقد كان سيدي علوان ممن أجمع الناس على جلالته وتقدمه وجمعه بين

العلم والعمل وانتفع الناس به وبتآليفه في الفقه والأصول والتصوف وتآليفه مشهورة منها المنظومة الميمية المسماة بالجوهر المحبوك في علم السلوك وكتاب مصباح الهداية ومفتاح الدراية في الفقه وكتاب النصائح المهمة للملوك والأئمة وبيان المعاني في شرح عقيدة الشيباني وعقيدة مختصرة وشرحها ورسالة سماها فتح اللطيف بأسرار التصريف على نهج رسالة شيخه التي في إشارات الجرومية وشرح يائية ابن الفارض وتائية ابن حبيب وهو أشهر كتبه وكتاب مجلى الحزن في مناقب شيخه السيد الشريف أبي الحسن والنفحات القدسية في شرح الأبيات الششترية وهي التي نقلها سيدي أحمد زروق في شرح الحكم العطائية ومن نظمه في النفحات المذكورة
( القتل في الحب أسنى منية الرجل ** طوبى لمن مات بين السيف والأسل )
( سيف اللحاظ ورمح القد كم قتلا ** من مستهام فقاداه إلى الأجل )
( لو تعلم الروح فيمن أهدرت تلفا ** أضحت ومقدارها في نيل ذاك على )
( أن الغرام وإن أشقى السقيم به ** على الهلاك لدرياق من العلل )
( ياحبذا سقمي فيهم وسفك دمي ** به ارتفعت بلا شك على زحل )
( أحباب قلبي بعيش قد مضى بكم ** جودوا بوصل فأنتم غاية الأمل )
( أشكو انقطاعي وهجري والصدود لكم ** إن تقطعوا بانصرام الود ماحيلي )
( وحق معنى جمال يجتلي أبدا ** من حسن طلعتكم قدما من الأزل )
( ما حلت عنكم ولا أبغي بكم بدلا ** فليس من شيمتي ميل إلى البدل )
( هيهات إن أنثني يوما إلى أحد ** وليس غيركم في الكون يصلح لي )
وتوفي رضي الله عنه بحماة في جمادى الأولى قال ولده سيدي محمد في تحفة الحبيب ولقد أخبرني بموته قبل حلول مرضه وعرف بأمور تصدر في بلدته وغيرها بعد موته من أصحابه وغيرهم فجاءت مواعيده التي أشار بها كفلق الصبح
وفيها زين الدين أبو حفص عمر بن أحمد بن علي بن محمود بن الشماع

الحلبي الشافعي الإمام العلامة المسند المحدث ولد سنة ثمانين وثمانمائة تقريبا واشتغل على محي الدين بن الأبار والجلال النصيبي وغيرهما من علماء حلب وأخذ الحديث عن التقي الحبيشي الحلبي وغيره بحلب وعن الجلال السيوطي والقاضي زكريا والبرهان بن أبي شريف بالقاهرة وقد زادت شيوخه بالسماع على مائتين وبالإجازة العامة دون السماع والإجازة الخاصة على مائة وحج وجاور بمكة مرات وسافر في طلب الحديث إلى حماة وحمص ودمشق وبيت المقدس وصفد والقاهرة وبلبيس والحرمين الشريفين وغيرها وصحب بمكة سيدي محمد بن عراق ولبس منه الخرقة وتلقن منه الذكر وأخذ الطريق أيضا عن الشيخ علوان الحموي وصحبه وأخذ عنه الشيخ علوان أيضا وكان إماما عالما أمارا بالمعروف نهاءا عن المنكر لا يقبل هدايا أهل الدنيا ولا يتولى شيئا من الوظائف والمناصب بل يقنع بما يحصل له من ربح مال كان يضارب به رجلا من أصحابه وله مؤلفات كثيرة منها مورد الظمآن في شعب الإيمان ومختصره تنبيه الوسنان إلى شعب الإيمان ومختصر شرح الروض سماه مغنى الراغب في روض الطالب وكتاب بلغة المقتنع في آداب المستمع والدر الملتقط من الرياض النضرة في فضائل العشرة والعذب الزلال في فضائل الآل واللآلىء اللامعة في ترجمة الأئمة الأربعة والمنتخب من النظم الفائق في الزهد والرقائق وعرف الند في المنتخب من مؤلفات ابن فهد والفوائد الزاهرة في السلالة الطاهرة والمنتخب المرضي من مسند الشافعي ولقط المرجان من مسند النعمان واتحاف العابد الناسك بالمنتقى من موطأ مالك والدر المنضد من مسند أحمد واليواقيت المكللة في الأحاديث المسلسلة والقبس الحاوي لغرر ضوء السخاوي والمواهب الملكية وتحفة الأمجاد والتذكرة المسماة سفينة نوح والسيرة الموسومة بالجواهر والدرر وكتاب محرك همم القاصرين لذكر الأئمة المجتهدين المتعبدين

والنبذة الزاكية فيما يتعلق بذكر أنطاكية وعيون الأخبار فيما وقع له في الإقامة والأسفار ومن شعره في معنى الحديث المسلسل بالأولية
( كن راحما لجميع الخلق منبسطا ** لهم وعاملهم بالبشر والبشر )
( من يرحم الناس يرحمه الاله كذا ** جاء الحديث به عن سيد البشر )
وتوفي بحلب صبح يوم الجمعة قبيل أذانه ثاني عشر صفر ودفن تحت جبل الجوشن عند الجادة التي يرد عليها من يرد من أنطاكية
وفيها كمال الدين محمد بن علي القاهري الشافعي قاضي قضاة الشافعية بالديار المصرية الشهير بالطويل الإمام العلامة شيخ الإسلام ولد سنة ست وأربعين وثمانمائة قال الشعراوي كان من أولاد الترك وبلغنا أنه كان في صباه يلعب بالحمام في الريدانية فمر عليه سيدي إبراهيم المتبولي وهو ذاهب إلى بركة الحاج فقال له مرحبا بالشيخ كمال الدين شيخ الإسلام فاعتقد الفقراء أنه يمزح معه إذ لم يكن عليه أمارة الفقهاء ففي ذلك اليوم ترك لعب الحمام واشتغل بالقراءة والعلم وعاش جماعة الشيخ إبراهيم حتى رأوه تولى مشيخة الإسلام وهي عبارة عن قضاء القضاة أخذ الشيخ كمال الدين العلم والحديث عن الشرف المناوي والشهاب الحجازي وغيرهما وسمع صحيح مسلم وغيره على القطب الخيضري وألفية العراقي وغيرها على الشرف المناوي قال الشعراوي وكان إماما في العلوم والمعارف متواضعا عفيفا ظريفا لا يكاد جليسه يمل من مجالسته انتهت إليه الرياسة في العلم ووقف الناس عند فتاويه وكانت كتب مذهب الشافعي كأنها نصب عينيه لا سيما كتب الأذرعي والزركشي وقدم دمشق وحلب وخطب بدمشق لما كان صحبة الغوري وأخذ بحلب عنه الشمس السفيري والمحيوي بن سعيد وعاد إلى القاهرة فتوفي بها ورؤى في ليلة وفاته أن أعمدة مقام الشافعي سقطت ودفن بتربته خارج باب النصر
وفيها شمس الدين محمد بن علاء الدين علي بن شهاب الدين أحمد الحريري

الدمشقي الشهير بابن فستق الشافعي الحافظ لكتاب الله تعالى مع الاتقان قال في الكواكب كان فاضلا صالحا مقرئا مجودا في خدمة الجد شيخ الإسلام رضى الدين الغزي ومن أخصائه ثم لازم شيخ الإسلام الوالد وحضر دروسه كثيرا انتهى
وفيها أبو الفتح محمد القدسي الشافعي الإمام العلامة كان شيخ الخانقاه السميساطية جوار جامع بني أمية بدمشق وولي نظر العذراوية وكان له سكون وله شرح على البردة توفي يوم الجمعة عشرى جمادى الآخرة
وفيها شمس الدين محمد البانقوسي الحلبي عرف بابن طاش بفطي تفقه على ابن فخر النساء ودرس بالأتابكية البرانية بحلب وكان صالحا مباركا قليل الكلام حسن الخط كبير السن كثير التهجد رحمه الله تعالى

سنة سبع وثلاثين وتسعمائة

فيها توفي المولى سليمان الرومي أحد مواليهم ترقى في التدريس حتى درس بإحدى المدرستين المتجاورتين بأدرنة ومات وهو مدرس بها وكانت وفاته في مجلس غاص بالعلماء في وليمة الختان لأولاد السلطان سليمان سقط مغشيا عليه فحمل إلى خيمته فمات بها وكان فاضلا مشتغلا بنفسه
وفيها عبد الله المجذوب المصري كان يصحن الحشيش في خرائب الأزبكية بالقاهرة وكان من كرامته أن من أخذ من حشيشه وأكل منه يتوب لوقته ولا يعود إليها أبدا قال الشعراوي وكان من الراسخين قال وكان كثير الكشف سمعته مرة يقول وعزة ربي ما أخذها أحد من هذه اليد وعاد إليها يعني الحشيشة مات في هذه السنة ودفن في خرائب الأزبكية مع الغرباء
وفيها تقريبا فخر الدين عثمان السنباطي الشافعي الإمام العلامة أخذ عن القاضي زكريا والبرهان بن أبي شريف والكمال الطويل وصحب محمد الشناوي

وكان من العلماء العاملين قليل الكلام حسن السمت ولما ضرب القانون على القضاة عزل نفسه وكان يقضي في بلده احتسابا رحمه الله تعالى
وفيها ظنا عز الدين المازندراني العجمي جاور بمكة ثم قدم حلب سنة إحدى وثلاثين وظهر له فضل في علوم شتى لا سيما القراآت فإنه كان فيها أمة وألف فيها كتابا في وقف حمزة وهشام وله شرح على الجرومية أجاد فيها وأتى بعبارات محكمة لكنها مغلقة على المبتدىء ثم رحل إلى بلاده فمات بها
وفيها أو ما يقرب منها علاء الدين علي بن محمد بن أحمد الكنجي الشافعي الدمشقي الامام العلامة ولد بالقدس الشريف سنة تسعين وثمانمائة وكان فاضلا صالحا مباركا بارعا في علوم كثيرة خيرا كأبيه رحمهما الله تعالى
وفيها علاء الدين أبو الحسن علي بن أحمد بن موسى بن محمد الديري ثم الجوبري الدمشقي الشافعي الأديب ولد بقرية الشوبك ببلاد نابلس في جمادى الآخرة سنة سبع وخمسين وثمانمائة وكان مؤذنا بالجامع الأموي متسببا بباب البريد فاضلا بارعا شاعرا له ديوان شعر ولم يشتهر ومن شعره تخميس أبيات ابن حجر
( أمر يطول ومدة متقاصره ** وبصائر عميت وعين باصره )
( فإلى متى يا نفس ويحك صابره ** قرب الرحيل إلى ديار الآخره )
( فاجعل إلهي خير عمري آخره ** )
( فالعيش في الدنيا كلذة حالم ** وسواك يا مولاي ليس بدائم )
( وإليك مرجعنا بأمر جازم ** فلئن رحمت فأنت أكرم راحم )
( وبحار جودك يا إلهي زاخره ** )
( يا رب إن الدهر أبلى جدتي ** وعصيت في جهل الشباب وجدتي )


( فإذا تصرم ما بقي من مدتي ** آنس مبيتي في القبور ووحدتي )
( وارحم عظامي حين تبقى ناخره ** )
( إن كنت ترحم من مضت أعوامه ** في لهوه حتى نمت آثامه )
( والعفو منك رجاؤه ومرامه ** فأنا المسيكين الذي أيامه )
( ولت بأوزار غدت متواتره ** )
( فبوجهك الباقي وعز جلاله ** ومحمد سر الوجود وآله )
( رفقا بمن أنت العليم بحاله ** وتوله باللطف عند مآله )
( يا مالك الدنيا ورب الآخرة ** )
توفي يوم الأربعاء سابع عشر صفر وفيها أقضى القضاة علاء الدين علي بن أحمد بن محمد بن عز الدين الصغير بن عز الدين بن محمد الكبير ابن خليل الحاضري الأصل الحنفي أخذ عن الشمس الدلجي وغيره وجلس بمكتب العدول على باب جامع حلب الشرقي وناب بمحكمة الجمالي يوسف ابن اسكندر الحنفي وكتب بخطه كثيرا من الكتب العلمية ووعظ بجامع حلب وكان صالحا عفيفا سليم الصدر وتوفي في شوال وفيها تقريبا قاضي القضاة فضيل بن مفتي المملكة الرومية علاء الدين علي بن أحمد بن محمد الأقصرائي الحنفي كان ينسب إلى الشيخ جمال الدين محمد الأقصرائي صاحب موجز الطب والإيضاح البياني وغيرهما وكان الشيخ جمال الدين هذا ينسب إلى الفخر الرازي الذي هو من ذرية أبي بكر الصديق رضي الله عنه كذا قال ابن الحنبلي وذكر أنه قدم حلب في ذي القعدة سنة ستين متوليا قضاء بغداد فاجتمع به واستجازه ثم ولي قضاء حلب ثم في سنة إحدى وستين دخلها متوليا ووهبه رسالة له سماها إعانة الفارض في تصحيح واقعات الفرائض ولم يؤرخ وفاته وفيها قصير الحنفي مفتي بخاري قال ابن طولون دخل دمشق في أثناء جمادى الأولى سنة سبع وثلاثين وتسعمائة ومعه جماعة

وزار بيت المقدس ثم عاد إلى دمشق وحج منها وكان عالما بالعربية نزل بالشامية البرانية وتردد إليه الشيخ عبد الصمد الحنفي والشيخ تقي الدين القاري وقرأ عليه الثاني في المصابيح انتهى وفيها شمس الدين محمد بن إبراهيم بن محمد بن مقبل البلبيسي ثم المقدسي ثم الدمشقي الوفائي الشافعي الإمام العلامة واعظ دمشق أخذ عن الشيخ أبي الفتح المزي وغيره وكان أسن من البدر الغزي ومع ذلك أخذ عنه قال في فهرست تلاميذه أجزته ببعض مؤلفاتي وأشعاري وحضر دروسا من دروسي انتهى وكان مجاورا في خلوة بالسميساطية وانقطع بها خمس سنوات وقد تعطل شقه الأيسر وفي يوم السبت عاشر رجب سنة خمس وثلاثين وتسعمائة دخل عليه اثنان من المناحيس وهو على هذه الحال فأخذا منه منديل النفقة بما فيه وعدة من كتب وذهبا كان عنده وكان ذلك قبل صلاة الصبح فأقام الصوت عليهما فلم يدركا وكان ذلك سببا في زيادة ابتلائه وكان من عباد الله الصالحين وتوفي في رجب هذه السنة
وفيها تقريبا شمس الدين محمد بن إبراهيم الثنائي المالكي العلامة قاضي القضاة بالديار المصرية كان ممن جمع بين العلم والعمل صواما قواما له شرح عظيم على الرسالة وعدة تصانيف مشهورة وأجمع الناس على جلالته وتحريره لنقول مذهبه وممن أخذ عنه السيد عبد الرحيم العباسي رحمه الله تعالى
وفيها ظنا شمس الدين محمد بن إبراهيم بن بلبان البعلي المعروف بجده الشيخ الصالح ولد تاسع عشر المحرم سنة إحدى وسبعين وثمانمائة وأخذ ورد ابن داود عن الشيخ عبد القادر بن أبي الحسن البعلي الحنبلي بحق روايته عن ولد المصنف سيدي عبد الرحمن بن أبي بكر بن داود عن أبيه
وفيها قاضي القضاة ولي الدين محمد بن قاضي القضاة شهاب الدين أحمد بن محمود بن عبد الله بن محمود بن الفرفور الدمشقي الشافعي قال في الكواكب

ولد في ثامن عشر جمادى الأولى سنة خمس وتسعين بتقديم التاء وثمانمائة وحفظ القرآن العظيم والمنهج في الفقه لشيخه شيخ الإسلام القاضي زكريا وجمع الجوامع لابن السبكي وألفية ابن مالك وأخذ الفقه بدمشق عن شيخ الإسلام تقي الدين بن قاضي عجلون وبالقاهرة عن القاضي زكريا والبرهان ابن أبي شريف وأخذ الحديث بدمشق عن الحافظ برهان الدين الناجي والشيخ أبي الفتح المزي والشيخ أبي الفضل بن الإمام والجمال بن عبد الهادي وبمصر عن المحدث التقي الأوجاقي وغيره وأجاز له جماعات في استدعاءات وولي قضاء قضاة الشافعية بدمشق بعد وفاة أبيه وعزل عنه وأعيد إليه مرارا آخرها سنة ثلاثين وتسعمائة وولي قضاء حلب سنة ست وعشرين وكان آخر قاض تولى حلب من أولاد العرب ومع توليته بدمشق وحلب في الدولة العثمانية لم ينتقل عن مذهبه وصار لنائب دمشق عيسى باشا عليه حقد آخرا فسافر من دمشق في رمضان سنة ست وثلاثين ودخل حلب وعيد بها وفي ثالث شوال حضر أولا قان من جهة عيسى باشا نائب الشام ومعهما مكاتبات يخبر فيها بحضور مرسوم سلطاني بعود القاضي ابن الفرفور محتفظا للتفتيش عليه وتحرير ما نسب إليه من المظالم وأن المتولي لذلك عيسى باشا وقاضي الشام ابن إسرافيل المتولي مكانه فرجع ابن الفرفور إلى دمشق فوصلها تاسع عشر شوال ووضع فيه قلعتها ونودي من الغد بالتفتيش عليه أياما في نحو خمسة عشر مجلسا وخرج عليه من كان داخلا فيه وراكنا إليه وشدد عليه في الحساب من كان يعده من الأجباب فأتاه الخوف من جانب الا ومن حيث أمل الربح جاءه الغبن وبقي مسجونا بالقلعة إلى أن توفي بها يوم الثلاثاء سلخ جمادى الآخرة ودفن بتربته التي أنشأها شمالي ضريح الشيخ أرسلان ورثاه جماعة انتهى ملخصا
وفيها تقريبا شمس الدين محمد بن خليل بن الحاج علي بن أحمد بن ناصر

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21