كتاب :شذرات الذهب في أخبار من ذهب
المؤلف:عبد الحي بن أحمد بن محمد العكري الحنبلي

وفيها أبو خالد الأحمر سليمان بن حيان الكوفي أحد الكبار روى عن أبي مالك الأشجعي وخلق من طبقته قال ابن ناصر الدين هو سليمان بن حيان أبو خالد الأزدي الجعفري الكوفي قال ابن معين وابن عدي عنه صدوق ليس بحجة ووثقه غيرهما انتهى
وفيها قاضي الموصل علي بن مسهز أبو الحسن الكوفي الفقيه روى عن أبي مالك الأشجعي وأقرانه قال أحمد هو أثبت من أبي معاوية في الحديث وقال أحمد العجلي ثقة جامع للفقه والحديث
وحكام بن سلم الرازي يروي عن حميد الطويل وطبقته
وفيها وقيل قبلها بعام يحيى بن اليمان العجلي الكوفي الحافظ روى عن هشام بن عروة وإسماعيل بن أبي خالد وطائفة ذكره أبو بكر بن عياش فقال ذاك راهب وعن وكيع قال ما كان أحد من أصحابنا احفظ منه كان يحفظ في المجلس خمسمائة حديث ثم نسى وقال ابن المديني صدوق تغير من الفالج وقال ابن ناصر الدين يحيى بن اليمان العجلي الكوفي أبو زكريا قرأ القرآن على حمزة الزيات وحدث عن جماعة كان صدوقا من حفاظ هذا الشأن فلج فتغير حفظه فغلط فيما يرويه ومن ثم تكلم من تكلم فيه انتهى
وفيها أوفى حدودها محمد بن مروان السدي الصغير الكوفي المفسر صاحب الكلبي وهو متروك الحديث

سنة تسعين ومائة

فيها استعد الرشيد وأمعن في بلاد الروم فدخلها في مائة ألف وبضعة وثلاثين ألفا سوى المجاهدين تطوعا وبث جيوشه في نواحيها وفتح هرقلة ولما افتتحها خربها وسبى أهلها وكان مقامه عليها شهرا وسارت فرقة فافتتحت حصن الصقالبة وفرقة افتتحت حصن الصفصاف وملقونية وركب حميد بن معيوف في البحر فغزا قبرص وسبى

وأحرق وبلغ السبي من قبرس ستة عشر ألفا وكان فيهم أسقف قبرس فنودي عليه فبلغ ألفي دينار وبعث نقفور الجزية عن رأسه وامرأته وخواصه فكان ذلك خمسين ألف دينار وبعث إلى الرشيد يخضع له ويلتمس منه أن لا يخرب حصونا سماها فاشترط عليه الرشيد ألا يعمر هرقلة وأن يحمل في العام ثلثمائة ألف دينار وكتب إليه نقفور أما بعد فلي إليك حاجة أن تهب لي لابني جارية من سبي هرقلة كنت خطبتها له فاستعفنى بها فأحضر الرشيد الجارية فزينت وأرسل معها سرادقا وتحفا فأعطى نقفور الرسول خمسين ألفا وثلثمائة ثوب وبراذين ذكره في العبر وفيها كما قال ابن الجوزي في الشذور أسلم الفضل بن سهل على يد المأمون وكان مجوسيا
وفيها توفي الفقيه أسد بن عمرو البجلي الكوفي صاحب أبي حنيفة وقاضي بغداد قال في المغني أسد بن عمرو أبو المنذر عن ربيعة الرأي لينه البخاري وقال يحيى كذوب وقال أحمد صدوق وقال ابن عدي لم أر له شيئا منكرا انتهى
وفيها قارئ مكة في زمنه إسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين المخزومي مولاهم المعروف بالقسط وله تسعون سنة وهو آخر أصحاب ابن كثير وفاة قرأ عليه الشافعي جماعة
وفيها أبو عبيدة الحداد البصري نزيل بغداد واسمه عبد الواحد بن واصل روى عن عوف الأعرابي وعدة وكان حافظا متقنا
وعبيدة بن حميد الكوفي الحذاء الحافظ وله بضع وثمانون سنة روى عن الأسود بن قيس ومنصور والكبار وكان صاحب قرآن وحديث ونحو أدب الأمين بعد الكسائي وكان من الأثبات
وعمر بن علي المقدمي أبو جعفر البصري وكان حافظا مدلسا كان يقول حدثنا أو يقول سمعت ثم يسكت ثم يقول هشام بن عروة وينوي القطع قال

ابن ناصر الدين عمر بن علي بن عطاء المقدمي من اليثقات لكنه شديد التدليس انتهى
وفيها عطاء بن مسلم الخفاف كوفي صاحب حديث ليس بالقوي نزل حلب وروى عن محمد بن سوقة وطبقته
وفيها حميد بن عبد الرحمن الرواسي الكوفي روى عن الأعمش وطبقته قال أبو بكر بن أبي شيبة قل من رأيت مثله قال في المغني عن الضحاك لا يعرف انتهى
وفيها يحيى بن خالد بن برمك البرمكي توفي في سجن الرشيد وله سبعون سنة قال ابن الأهدل وبرمك من مجوس بلخ ولا يعلم إسلامه وكان خالد قد ولى وزارة السفاح قال المسعودي ولم يبلغه أحد من بنيه لا يحيى في شرفه وبعد همته ولا موسى في شجاعته ونجدته وكان المهدي قد جعل الرشيد في حجر يحيى فعلمه الأدب وكان يدعوه أبا فلما ولى دفع إليه خاتمه وقلده أمره وفي ذلك يقول الموصلي
( ألم تر أن الشمس كانت سقيمة ** فلما ولي هارون أشرق نورها )
( أمين أمين الله هارون ذو الندى ** فهارون واليها وهذا وزيرها )
ومن كلام يحيى ثلاثة أشياء تدل على عقول أربابها الهدية والكتاب والرسول وكان يقول لبنيه اكتبوا أحسن ما تسمعون واحفظوا أحسن ما تكتبون وتحدثوا بأحسن ما تحفظون وفي بنيه يقول الشاعر
( أولاد يحيى أربع ** كأربع الطبائع )
( فهم إذا اختبرتهم ** طبائع الصنائع )
وفيه يقول العتابي
( سألت الندى والجود حران أنتما ** فقالا كلانا عبد يحيى بن خالد )
( فقلت شراء ذلك الملك قال لا ** ولكن إرثا والدا بعد والد )
وكان يقول إذا أقبلت فانفق فإنها لا تفنى وإذا أدبرت فانفق فإنها لا تبقى

وقال يدل على حلم الرجل سوء أدب غلمانه وحكى أنه كتب أبياتا قبل موته يخاطب الرشيد
( سينقطع التلذذ عن أناس ** أداموه وتنقطع الهموم )
( ستعلم في الحساب إذا التقينا ** غدا عنه الإله من الظلوم )
( ألا يا بائعا دينا بدنيا ** غرورا لا يدوم لها نعيم )
( تخل من الذنوب فأنت منها ** على أن لست ذا سقم سقيم )
( تنام ولم تنم عنك المنايا ** تنبه للمنية يا تؤوم )
( تروم الخلد في دار التفاني ** وكم قد رام قبلك ما تروم )
( إلى ديان يوم الدين نمضي ** وعند الله تجتمع الخصوم )
ولم يزل يحيى بن خالد وابنه الفضل في الرافقة وهي الرقة القديمة المجاورة للرقة الجديدة وهي البلد المشهورة الآن على شاطئ الفرات ويقال لهما الرقتان تغليبا كالعمرين في حبس الرشيد إلى أن مات يحيى في الثالث من المحرم سنة تسعين وهو ابن سبعين سنة وصلى عليه ابنه الفضل بن يحيى ودفن في شاطئ الفرات في ربض هرثمة ووجد في جيبه رقعة فيها مكتوب بخطه وقد تقدم الخصم والمدعي عليه في الأثر والقاضي هو الحكم العدل الذي لا يجور ولا يحتاج إلى بينة ولما قرأ الرشيد الرقعة بكى يومه كله واستمر أياما يتبين الأسى في وجهه ونام يحيى فمات فجاءة فقال الرشيد اليوم مات عاقل الناس وقال يحيى بن أكثم سمعت المأمون يقول لم يكن ليحيؤى بن خالد ولولده أحد في الكفاية والبلاغة والجود والشجاعة انتهى

سنة إحدى وتسعين ومائة

فيها أمر الرشيد بتغيير هيئة أهل الذمة وفيها توفي سلمة بن الأبرش قاضي الري وراوى المغازي عن ابن إسحاق وهو مختلف في الاحتجاج به ولكنه في

ابن إسحاق ثقة
وفيها الإمام أبو عبد الله عبد الرحمن بن القاسم العتقي مولاهم المصري الفقيه صاحب مالك وله ستون سنة وقد أنفق أموالا كثيرة في طلب العلم ولزم مالكا مدة وسأله عن دقائق الفقه قال السيوطي في حسن المحاضرة عبد الرحمن بن القاسم ابن خالد العتقي المصري أبو عبد الله الفقيه راوية المسائل عن مالك روى عن ابن عيينة وغيره وعنه أصبغ وسحنون وآخرون قال ابن حبان كان حبرا فاضلا فقه على مذهب مالك وفرع على أصوله ولد سنة ثمان وعشرين ومائة ومات في صفر سنة إحدى وتسعين ومائة وكان زاهدا صبورا مجانبا للسلطان انتهى
وفيها الفضل بن موسى السيناني شيخ مرو ومحدثها وسينان من قرى مرو ارتحل وكتب الكثير وحدث عن هشام بن عروة وطبقته قال ابو نعيم الكوفي هو أثبت من ابن المبارك وقال وكيع أعرفه ثقة صاحب سنة وقال ابن ناصر الدين كان ثقة متقنا من كبار أهل مرو صاحب سنة
وفيها محمد بن سلمة الحراني الفقيه محدث حران ومفتيها روى عن هشام ابن حسان وطبقته قال ابن سعد كان ثقة فاضلا له رواية وفتوى
ومجالد بن الحسين الأزدي المهلبي البصري نزيل المصيصة وكان من عقلاء زمانه وصلحائهم
ومعمر بن سليمان الرقي روى عن إسماعيل بن أبي خالد وطبقته وكان من أجلاء المحدثين ذكره الإمام أحمد فذكر من فضله وهيبته وقال أبو عبيد كان من خير من رأيت

سنة اثنيتن وتسعين ومائة

فيها أول ظهور الخرامية بأروا بجبال أذربيجان فغزاهم حازم بن خزيمة أو عبد الله بن مالك فسبى ذراريهم وبيعوا ببغداد

وفيها هدم حائط جامع المنصور وأعيد بناؤه وزيد في توسعته
وفيها توفي الإمام الكبير أبو محمد عبد الله بن إدريس الأودي الكوفي الحافظ العابد روى عن حصين بن عبد الرحمن وطبقته وقد روى عن مالك مع قدمه وجلالته قال أحمد بن حنبل كان عبد الله بن إدريس نسيج وحده وقال ابن عرفة ما رأيت بالكوفة أفضل منه وقال أبو حاتم هو إمام من أئمة المسلمين حجة وقال غيره لم يكن بالكوفة أعبد لله منه عاش اثنتين وسبعين سنة وقال ابن ناصر الدين نسيج وحده علما وعملا وعبادة وورعا وكان إذا لحن أحد في كلامه لم يحدثه انتهى
وفيها علي بن ظبيان العبسي الكوفي القاضي أبو الحسن ولي قضاء الجانب الشرقي ببغداد ثم ولي قضاء القضاة وروى عن أبي حنيفة وإسماعيل بن أبي خالد وكان محمود الأحكام دينا متواضعا ضعيف الحديث
وفيها الفضل بن يحيى بن خالد البرمكي أخو جعفر البرمكي مات في السجن وقد ولي أعمالا جليلة وكان أندى كفا من جعفر مع كبر وتيه له أخبار في السخاء المفرط حتى أنه وصل مرة بعض أشراف العرب بخمسين ألف دينار قاله في العبر وقال ابن الأهدل قال محمد بن مرة يزيد الدمشقي ولد للفضل ولد فقام الشعراء يوم سابعة يهنئونه فنثر عليهم الدنانير مطيبة بالمسك وأخذوا وأخذت معهم ولما خرجوا وخرجت استدعاني فقال أحب أن تسمعني في المولود شيئا فاستعفيته فقال لا بد ولو بيتا واحدا فقلت
( ونفرح بالمولود من آل برمك ** لبذل الندى والجود والمجد والفضل )
( ونعرف فيه اليمن عند ولاده ** ولا سيما إن كان من ولد الفضل )
فأمر لي بعشرة آلاف درهم فلما نكبوا اتصل بي الولد المولود في أسوأ حال فقلت له كل ما ترى من المال من أجلك فخذه فلا وارث لي وأنا أعيش في فضلك حتى أموت فبكى وأبى فعزمت عليه في البعض فأبى وكان آخر عهدي

به وكان الفضل كثير البر بأبيه حتى في السجن وكان في السجن ينشد قول أبي العتاهية
( إلى الله فيما نالنا نرفع الشكوى ** ففي يده كشف المضرة والبلوى )
( خرجنا من الدنيا ونحن من أهلها ** فلسنا من الأموات فيها ولا الأحبا )
( إذا جاءنا السجان يوما لحاجة ** عجبنا وقلنا جاء هذا من الدنيا )
ولما بلغ الرشيد خبر موته قال أمري قريب من أمره فكان كذلك انتهى ما قاله ابن الأهدل وقال ابن خلكان كان الفضل بن يحيى بن خالد بن برمك البرمكي من أكثرهم كرما مع كرم البرامكة وسعة جودهم وكان أكرم من أخيه جعفر وأراد وكان جعفر أبلغ في الرسائل والكتابة منه وكان هارون الرشيد قد ولاه الوزارة قبل جعفر وأراد أن ينقلها إلى جعفر فقال لأبيهما يحيى يا أبت وكان يدعوه يا أبت إني أريد أن أجعل الخاتم الذي لأخي الفضل لجعفر وكان يدعو الفضل يا أخي فإنهما متقاربان في المولد وكانت أم الفضل قد أرضعت الرشيد واسمها زبيدة من مولدات المدينة والخيزران أم الرشيد أرضعت الفضل فكانا أخوين من الرضاع وفي ذلك قال مروان بن أبي حفصة يمدح الفضل
( كفى لك فضلا أن أفضل حرة ** غذتك بثدي والخليفة واحد )
( لقد زنت يحيى في المشاهد كلها ** كما زان يحيى خالدا في المشاهد ) وقال الرشيد ليحيى قد احتشمت من الكتاب إليه في ذلك فاكفنيه فكتب والده إليه قد أمر أمير المؤمنين بتحويل الخاتم من يمينك إلى شمالك فكتب إليه الفضل قد سمعت ما قاله أمير المؤمنين في أخي وأطعت ما انتقلت عني نعمة صارت إليه ولا غربت عني رتبة طلعت عليه فقال جعفر لله أخي ما أنفس نفسه وأبين دلائل الفضل عليه وأقوى منة العقل فيه وأوسع في البلاغة ذرعه وكان الرشيد قد جعل محمدا في حجر الفضل بن يحيى والمأمون في حجر جعفر فاختص كل واحد منهما بمن في حجره ثم إن الرشيد قلد الفضل عمل

خراسان فتوجه إليها وأقام بها مدة فوصل كتاب صاحب البريد بخراسان إلى الرشيد ويحيى جالس بين يديه ومضمون الكتاب أن الفضل بن يحيى متشاغل بالصيد وإدمان اللذات عن النظر في أمر الرعية فلما قرأ الرشيد رمى به إلى يحيى وقال له يا أبت اقرأ هذا الكتاب واكتب إليه بما يردعه عن هذه فكتب يحيى على ظهر كتاب صاحب البريد حفظك الله يا بني وامتع بك قد انتهى إلى أمير المؤمنين ما أنت عليه من التشاغل بالصيد ومداومة اللذات عن النظر في أمر الرعية ما أنكره فعاود ما هو أزين بك فإنه من عاد إلى ما يزينه وترك ما يشينه لم يعرفه أهل بلده إلا به والسلام وكتب في أسفله هذه الأبيات
( انصب نهار في طلاب العلى ** واصبر على فقد لقاء الحبيب )
( حتى إذا الليل أتى مقبلا ** واستترت فيه عيون الرقيب )
( فكابد الليل بما تشتهي ** فإنما الليل نهار الأريب )
( كم من فتى تحسبه ناسكا ** يستقبل الليل بأمر عجيب )
( غطى عليه الليل أستاره ** فبات في لهو وعيش خصيب )
( ولذة الأحمق مكشوفة ** يسعى بها كل عدو رقيب )
والرشيد ينظر إلى ما يكتب فلما فرغ قال قد أبلغت يا أبت ولما ورد الكتاب على الفضل لم يفارق المسجد إلى أن انصرف من عمله ومن مناقبه أنه لما ولى خراسان دخل إلى بلخ وهي وطنهم وبها النوبهار وهو بيت النار التي كانت المجوس تعبدها وكان جدهم برمك خادم ذلك البيت فأراد الفضل هدم ذلك البيت فلم يقدر لإحكام بنائه فهدم منه ناحية وبنى فيها مسجدا انتهى ملخصا
وفيها مفتي الأندلس وخطيب قرطبة صعصعة بن سلام الدمشق أخذ عن الأوزاعي ومالك والكبار وأخذ عنه عبد الملك بن حبيب وجماعة

سنة ثلاث وتسعين ومائة

فيها سار الرشيد إلى خراسان ليمهد قواعدها وكان قد بعث في العام الماضي هرثمة بن أعين فقبض له على الأمير علي بن عيسى بن ماهان بحيلة وخديعة واستصفى أمواله وخزائنه فبعث بها فوافت الرشيد وهو بجرجان على ألف وخمسمائة حمل ثم سار إلى طوس في صفر وهو عليل وكان رافع بن الليث قد استولى عل ما وراء النهر وعصى فالتقى جيشه وعليهم أخوه هم وهرثمة فهزمهم وقتل أخو رافع وملك هرثمة بخارا
وفي ذي القعدة توفي الإمام العلم أبو إسماعيل بشر بن علية الأسدي مولاهم البصري واسم أبيه إبراهيم بن مقسم وعلية أمه سمع أيوب وطبقته قال يزيد بن هارون دخلت البصرة وما بها أحد يفضل في الحديث على ابن علية وقال أحمد إليه المننهى في التثبت بالبصرة وقال ابن معين كان ثقة ورعا تقيا وقال شعبه ابن علية سيد المحدثين وقال ابن ناصر الدين كان ثبتا متقنا لم يحفظ عنه خطأ فيما يرويه وشهرته بأمه علية دون أبيه انتهى
وبعده بأيام توفي محمد بن جعفر غندر الحافظ أبو عبد الله البصري صاحب شعبة وقد روى عن حسين المعلم وطائفة وقال لزمت شعبة عشرين سنة قال ابن معين كان من أصح الناس كتابا وقال غيره مكث غندر خمسين سنة يصوم يوما ويفطر يوما وقال ابن ناصر الدين روى عنه أحمد وابن المديني وغيرهما كان أصح الناس كتابا في زمانه وكان فيه بعض تغفل مع اتقانه انتهى
وفيها مجالد بن يزيد الحراني محدث رحال روى عن يحيى بن سعيد الأنصاري وطبقته
وفيهافي ذي الحجة أبو عبد الله مروان بن معاوية الفزاري الكوفي

الحافظ نزيل دمشق وابن عم أبي إسحاق روى عن حميد الطويل وطبقته قال أحمد ثبت حافظ وقال ابن المديني ثقة فيما روى عن المعروفين وقال ابن ناصر الدين كان ثقة حجة وقال في المغني ثقه حجه لكنه يكتب عمن دب ودرج فينظر في شيوخه
وفيها الإمام أبو بكر بن عياش الأسدي مولاهم الكوفي الحناط شيخ الكوفة في القراءة وله بضع وتسعون سنة كان أجل أصحاب عاصم قطع الأقراء قبل موته بتسع عشرة سنة وقال ابن المبارك ما رأيت أحدا أسرع إلى السنة من أبي بكر ابن عياش وقال غيره كان لا يفتر من التلاوة قرأ اثنتي عشرة ألف ختمة وقيل أربعين ألف ختمة
وفيها العباس بن الأحنف أحد الشعراء المجيدين ولا سيما في الغزل ومن شعره
( إذا هي لم تأتيك إلا بشافع ** فلا خير في ود يكون بشافع )
( فأقسم ما تركي عتابك عن قلى ** ولكن لعلمي أنه غير نافع )
( وإني وإن لم ألزم الصبر طائعا ** فلا بد منه مكرها غير طائع )
وفي ثلاث جمادى الآخرة توفي هارون الرشيد أبو جعفر بن المهدي محمد ابن المنصور بن عبد الله العباسي بطويس روى عن أبيه وجده ومبارك بن فضالة وحج مرات في خلافته وغزا عدة غزوات حتى قيل فيه
( فمن يطلب لقاءك أو يرده ** فبالحرمين أو أقصى الثغور )
وكان شهما شجاعا حازما جوادا ممدحا فيه دين وسنة مع انهماكه على اللذات والقيان وكان أبيض طويلا سمينا مليحا قد وخطه الشيب وورد أنه كان يصلي في اليوم مائة ركعة إلى أن مات ويتصدق كل يوم من بيت ماله بألف درهم وكان يخضع للكبار ويتأدب معهم وعظه الفضيل وابن السماك وغيرهما وله مشاركة في الفقه والعلم والأدب قاله في العبر وقال ابن الفرات كان الرشيد يتواضع لأهل العلم والدين ويكثر من

محاضرة العلماء والصالحين قال علي بن المديني سمعت أبا معاوية الضرير يقول أكلت مع الرشيد طعاما يوما من الأيام فصب على يدي رجل لا أعرفه فقال هارون يا أبا معاوية تدري من يصب على يديك قلت لا قال أنا قلت أنت أمير المؤمنين قال نعم إجلالا للعلم ودخل عليه منصور بن عمار فأدناه وقربه فقال له منصور لتواضعك في شرفك أحب إلينا من شرفك فقال له يا أبا السر ي عظني وأوجز فقال من عف في جماله وواسى من ماله وعدل في سلطانه كتبه الله من الأبرار وكان طيب النفس فكها يحب المزاح ويميل إلى أهل العفة ويكره المراء في الدين قال علي بن صالح كان مع الرشيد ابن أبي مريم المدني وكان مضاحكا محداثا فكها وكان الرشيد لا يصبر عن محادثته وكان قد جمع إلى ذلك المعرفة بأخبار أهل الحجاز ولطائف المجان فبلغ من خصوصيته به أنه أنزله منزلا في قصره وخلطه ببطانته وغلمانه فجاءت ذات ليلة وهو نائم وقد طلع الفجر فكشف اللحاف عن ظهره ثم قال له كيف أصبحت فقال يا هذا ما أصبحت بعد مر إلى عملك قال ويلك قم إلى الصلاة فقال هذا وقت صلاة أبي الجارود وأنا من أصحاب أبي يوسف القاضي فمضى وتركه نائما وقام الرشيد إلى الصلاة وأخذ يقرأ في صلاة الصبح { وما لي لا أعبد الذي فطرني } وأرتج عليه فقال له ابن أبي مريم لا أدري والله لم لا تعبده فما تمالك الرشيد أن ضحك في صلاته ثم التفت إليه كالمغضب وقال يا هذا ما صنعت قطعت على الصلاة قال و الله ما فعلت إنما سمعت منك كلاما غمني حين سمعته فضحك الرشيد وقال إياك والقرآن والدين ولك ما شئت بعدهما وكان للرشيد فطنة وذكاء قال الأصمعي تأخرت عن الرشيد ثم جئته فقال كيف كنت يا أصمعي قلت بت والله بليلة النابغة فقال أنا والله وهو
( فبت كأني ساورتني ضئيلة ** من الرقش في أنيابها السم ناقع )
فعجبت من ذكائه وفطنته لما قصدته ودخل الأصمعي على الرشيد ومعه بنية له فقال له الرشيد قبلها فسكت الأصمعي فقال قبل ويلك فقال الأصمعي

في نفسه أن فعلت قتلني ثم قام فوضع كمه على رأسها ثم قبل فقال والله لو أخطأت هذا لضربت عنقك وكان الرشيد رحمه الله يحب الحديث وأهله وسمع الحديث من مالك بن أنس وإبراهيم بن سعد الزهري وأكثر حديثه عن آبائه وروى عنه القاضي أبو يوسف والإمام الشافعي رضي الله عنهما ذكر ذلك ابن الجوزي ومما رواه الرشيد عن النبي صلى الله عليه وسلم عقوا عن أولادكم فإنها نجاة لهم من كل آفة وكان كثير البكاء من خشية الله تعالى سريع الدمعة عند الذكر محبا للمواعظ قال يحيى بن أيوب العابد سمعت منصور بن عمار يقول ما رأيت اغزر دمعا عند الذكر من ثلاثة فضيل بن عياض وأبى عبد الرحمن الزاهد وهارون الرشيد ودخل الإمام الشافعي رضي الله عنه على الرشيد فقال له عظني فقال على شرط رفع الحشمة وترك الهيبة وقبول النصيحة قال نعم قال أعلم أن من أطال عنان الأمل في الغرة طوى عنان الحذر في المهلة ومن لم يعول على طريق النجاة خسر يوم القيامة إذا امتدت يد الندامة فبكى هارون ووصله بمال جزيل ودخل ابن السماك على الرشيد فاستسقى الرشيد ماء فقال له ابن السماك بالله يا أمير المؤمنين لو منعت هذه الشربة بكم تشتريها قال بملكي قال لو منعت خروجها بكم كنت تشتريه قال بملكي فقال أن ملكا قيمته شر به ماء لجدير أن لا ينافس فيه وكان للرشيد شعر حسن منه
( ملك الثلاث الغانيات عناني ** وحللن من قلبي بكل مكان )
( مالي تطاوعني البرية كلها ** وأطيعهن وهن في عصياني )
ما ذاك إلا أن سلطان الهوى ** وبه قوين أعز من سلطاني )
وكان نقش خاتم الرشيد العظمة والقدرة لله انتهى ما قاله ابن الفرات ملخصا وقال ابن قتيبة في المعارف وأفضت الخلافة إلى هارون الرشيد سنة سبعين ومائة وبويع له في اليوم الذي توفي فيه موسى ببغداد وولد له ابنه عبد الله المأمون ليلة أفضت الخلافة إليه في صبيحتها وأمه الخيزران

وكانت تنزل الخلد ببغداد في الجانب الغربي كان يحيى بن خالد وزيره وابناه الفضل وجعفر ينزلون في رحبة الخلد ثم ابتني جعفر قصره الدور ولم ينزله حتى قتل وحج هارون بالناس ست حجج آخرها سنة ست وثمانين ومائة وحج معه في هذه السنة ابناه ووليا عهده محمد الأمين وعبد الله المأمون وكتب لكل واحد منهما على صاحبه كتابا وعلقه في الكعبة فلما انصرف نزل الأنبار ثم حج بالناس سنة ثمان وثمانين وقتل جعفر بن يحيى بالعمر موضع بقرب الأنبار سنة تسع وثمانين ومائة آخر يوم من المحرم وبعث بجثته إلى بغداد ولم يزل يحيى ابن خالد وابنه الفضل محبوسين حتى ماتا بالرقة وخرج الوليد بن طريف الشاري في خلافته وهزم غير مرة عسكره فوجه إليه يزيد بن مزيد فظفر به فقتله وخرج بعده حراشة الشارى أيضا وقتل هارون أنس بن أبي شيخ وهو ابن أبي خالد الحذاء المحدث وكان أنس صديقا لجعفر بن يحيى وصلبه بالرقة وكان يرمي بالزندقة وكذلك البرامكة يرمون بالزندقة إلا من عصم الله منهم ولذلك قال الأصمعي فيهم
( إذا ذكر الشرك في مجلس ** اثارت قلوب بني برمك )
( وإن تليت عندهم آية ** اتوابا بالأحاديث عن مردك )
وغزا هارون سنة تسعين ومائة الروم فافتتح هرقلة وظفر ببنت بطريقها فاستخلصها لنفسه فلما انصرف ظهر رافع بن ليث بن نصر بن سيار بطخارستان مباينا لعلي بن عيسى فوجه إليه هرثمة لمحاربته وأشخاص على بن عيسى إليه فلما قدم عليه أمر بحبسه واستصفى أمواله وأموال ولده وتوجه هارون سنة اثنتين وتسعين ومائة ومعه المأمون نحو خراسان حتى قدم طوس فمرض بها ومات وقبره هناك وكانت وفاته ليلة السبت لثلاث خلون من جمادى الآخرة سنة ثلاث وتسعين ومائة وقد بلغ من السن سبعا وأربعين سنة وكانت ولايته ثلاثا وعشرين سنة وشهرين وسبعة عشر يوما ومن ولد هارون محمد أمه زبيدة بنت جعفر بن أبي جعفر

والمأمون واسمه عبد الله وأمه تسمى مراجل والمؤتمن واسمه القاسم وصالح وأبو عيسى وأبو إسحاق المعتصم وحمدونة وغيرهم انتهى ما قاله ابن قتيبة وقال ابن الأهدل وفي إمرة الرشيد وأخيه الهادي قام يحيى بن عبد الله بن الحسن المثنى وبث دعاته في الأرض وبايعه كثيرون من أهل الحرمين واليمن ومصر والعراقين وبايعه من العلماء محمد بن إدريس الشافعي وعبد ربه بن علقمة وسليمان بن جرير وبشر بن المعتمر والحسن بن صالح وغيرهم وكان هذا في زمن الهادي فلما فتش عنه الرشيد وأخذ عليه بالرصد والطلب وأمعن في ذلك فلحق يحيى بخاقان ملك الترك وأقام عنده سنتين وستة أشهر والكتب ترد عليه من هارون وعماله يسألونه تسليم يحيى فأبى وقال لا أرى في ديني الغدر وهو رجل من ولد نبيكم شيخ عالم وقيل أنه أسلم على يديه سرا ثم رحل يحيى من عنده إلى طبرستان ثم إلى الديلم فانفذ هارون في طلبه الفضل بن يحيى البرمكي في ثمانين ألف رجل وكاتبه ملك الديلم من الري وبذلوا له من الأموال حتى انخدع ولما فهم يحيى فشله قبل أمان الرشيد بالإيمان المغلظة وكتب له بذلك نسختين نسخة عنده ونسخة عند يحيى البرمكي فلما قدم عليه أظهر بره وكرامته وأعطاه مالا جزيلا ثم خرج إلى المدينة بإذنه وقيل بإذن الفضل دونه وفرق المال بالمدينة على قرابته وقضى دين الحسين بن علي وحج ولم يزل آمنا حتى وشى به عبد الله بن مصعب الزبيري فاستدعاه الرشيد وأخبره بقول الزبيري فقال يحيى إن هذا قد كان بايع أخي محمدا ومدحه بقوله
( قوموا بأمركم ننهض بنصرتنا ** إن الخلافة فيكم يا بني الحسن )
واليوم يكذب علي ويسعى بي إليك فصدقه هارون وعذره ومات ابن مصعب في اليوم الثالث قيل وسبب نقض أمان يحيى أنه قال له الرشيد في مناظرات عددها ويحيى في كلها يقيم له الحجة على نفسه اتقاء لشره حتى قال له من أقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منا فاستعفاه فلم يعفه وكرر ذلك

مرارا فلم يعفه فقال له يحيى بعد لجاج عظيم لو بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أكان له أن يتزوج فيكم فقال الرشيد نعم قال فنحن له أن يتزوج فينا قال لا قال فهذه حسب فأنف الرشيد وغضب وطلب الفقهاء فاستفتاهم في نقض أمان يحيى فأحجم بعضهم وتكلم بعضهم بموجب العلم أنه لا سبيل إلى نقضه وقال بعضهم هذا رجل شق عصا المسلمين وسفك الدماء لا أمان له فأمر الرشيد بحبسه وضيق عليه حتى مات محبوسا وقيل أنه شد إلى جدار وسمر على يديه ورجليه وسد عليه المنافذ حتى مات وقيل أنه وقع في رقعة ودفعها إلى يحيى بن خالد وخرج عليه بوقوفه بين يدي الله إلا كتمها إلى موت ثم يدفعها إلى هارون فدفعها بعد موته إلى هارون فإذا فيها بسم الله الرحمن الرحيم يا هارون المستعدى عليه قد تقدم والخصم بالأثر والقاضي لا يحتاج إلى بينه وأما إدريس بن عبد الله بن الحسن المثنى فإنه لما انفلت من وقعة فخ لحق بالمغرب ومعه ابن أخيه محمد بن سليمان الذي قتل بفخ فتمكن بها ودعى ونشر دعوته وأجابوه واستعمل ابن أخيه على أدنى المغرب من تاهرت إلى فاس وبقى بها وولده يتوارثونها وانتشر ملكهم واستقر ويقال إن إدريس أدرك بالسم إلى هناك وأوصى إلى إبنه إدريس فقام بالأمر إحدى وعشرين سنة وأوصى إلى ابنه إدريس المثلث وكان أحد العلماء قال صاحب كتاب روضة الأخبار وهم على ذلك إلى هذه الغاية يتوارثون المغرب والبربر ويقال إن عبد المؤمن القائم اليوم بأرض المغرب ينسب إلى بني الحسن بن علي ظهر على الأندلس سنة أربعين وخمسمائة وفيه يقول الشاعر من قصيدة طويلة
( ما هز عطفيه بين البيض والأسل ** مثل الخليفة عبد القائم بن علي )
وقدج ملكوا المغرب كلهم والأندلس إلى يومنا هذا وهي سنة سبع وعشرين وستمائة انتهى ما قاله ابن الأهدل
وفيها وقيل بعدها فقيه الأندلس زياد بن عبد الرحمن اللخمي شبطون صاحب مالك وعليه تفقه يحيى بن يحيى قبل أن يرحل إلى مالك وكان زياد ناسكا ورعا أريد على

القضاء فهرب
وفيها قتل نقفور ملك الروم في حرب برجان وكانت مملكته تسعة أعوام وملك بعده ابنه شهرين وهلك وفملك زوج أخته ميخائيل بن جرجس لعنهم الله تعالى

سنة أربع وتسعين ومائة

فيها وثبت الروم على ملكهم ميخائيل فهرب وترهب وقام بعده ليون القائد
وفيها مبدأ الفتنة بن الأمين والمأمون وكان الرشيد أبوهما قد عهد بالعهد للأمين ثم بعده المأمون وكان المأمون على إمرة خراسان فشرع الأمين في العمل على خلع أخيه ليقدم ولده ابن خمس سنين وأخذ ببذل الأموال للقواد ليقوموا معه في ذلك ونصحه أولو الرأي فلم يرعو حتى آل الأمر إلى أن قتل
وفي آخرها توفي الإمام أبو عمر حفص بن غياث بن طلق النخعي قاضي الكوفة وقاضي بغداد روى عن الأعمش وطبقته وعاش خمسا وسبعين سنة قال يحيى القطان حفص أوثق أصحاب الأعمش وقال سجادة كان يقال ختم القضاء بحفص ابن غياث وقال ابن معين جميع ما حدث به حفص بالكوفة وبغداد فمن حفظه وقال حفص والله ما وليت القضاء حتى حلت لي الميتة وقال ابن ناصر الدين كان حفص ثقة متقنا تكلم في بعض حفظه
وفيها سويد بن عبد العزيز الدمشقي قاضي بعلبك قرأ القرآن على يحيى الذماري روى عن أبي الزبير المكي وعاش بعضا وثمانين سنة وضعفوه
وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي محدث البصرة روى عن أيوب السختياني ومالك بن دينار وطبقتهما وقال الفلاس كانت غلته في السنة أربعين ألفا ينفقها كلها على أصحاب الحديث وقال أبو إسحاق النظام المتكلم وذكر

عبد الوهاب هو والله أحلى من أمن بعد خوف وبره بعد سقم وخصب بعد جدب وغنى بعد فقر ومن طاعة المحبوب وفرج المكروب وقال ابن ناصر الدين هو ثبت متقن
ومحمد بن عدي البصري المحدث روى عن حميد وطبقته وكان أحد الثقات الكبار ويقال له محمد بن إبراهيم بن أبي عدي قال ابن ناصر الدين مشهور بالحفظ والثقة
ومحمد بن حرب الخولاني الأبرش الحمصي قاضي دمشق روى عن الزبيدي فأكثر وعن محمد بن زياد الألهاني وكان حافظا مكثرا
ويحي بن سعيد بن أبان الأموي الكوفي الحافظ ولقبه جمل روى عن الأعمش وخلق وحمل المغازي عن ابن إسحاق واعتنى بها وزاد فيها أشياء وقال ابن ناصر الدين يحيى بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاص بن الأحيحة أبو أيوب القرشي الأموي الكوفي كان ثبتا حافظا نبيلا كان يلقب جملا عنده عن الأعمش غرائب ووهم من جعله أحد الاخوة عمر الأشدق وعبد الله وعنبسة إنما ذلك أخو أبان جد يحيى المذكور وكان من التابعين انتهى
وفيها قاسم بن يزيد الجرمي الموصلي عالم الموصل وزاهدها ومحدثها المشهور وعابدها
وفيها استشهد في غزوة أبو علي شقيق البلخي الزاهد شيخ خراسان سافر مرة وفي صحبته ثلثمائة مريد وهو شيخ حاتم الأصم
وفيها سالم بن سالم البلخي الزاهد روى عن ابن جريج وجماعة وكان صواما قواما عجبا في الأمر بالمعروف وقال أبو مقاتل السمرقندي سالم في زماننا كعمر بن الخطاب في زمانه قال في العبر قلت هو وشقيق ضعيفان في الحديث انتهى
وفيها عمر بن هارون البلخي روى عن جعفر الصادق وطبقته وكان كثير الحديث بصيرا بالقراءات تركوه قاله في العبر

سنة خمس وتسعين ومائة

لما تيقن المأمون أن الأمين خلعه تسمى بإمام المؤمنين وكوتب بذلك وجهز الأمين علي بن عيسى بن ماهان في جيش عظيم أنفق عليهم أموالا لا تحصى وأخذ علي معه قيد فضة ليقيد به المأمون بزعمه فبلغ إلى الري وأقبل طاهر بن الحسين الخزاعي في نحو أربعة ألاف فأشرف على جيش ابن ماهان وهم يلبسون السلاح وقد امتلأت الصحراء بهم بياضا وصفرة في العدد المذهبة فقال طاهر هذا ما لا قبل لنا به ولكن اجعلوها خارجية واقصدوا القلب ثم قبل ذلك ذكروا ابن ماهان الأيمان التي في عنقه للمأمون فلم يلتفت وبرز فارس من جند ابن ماهان فحمل عليه طاهر بن الحسين فقتله وشد داود سياه على علي بن عيسى بن ماهان فطعنه وصرعه وهو لا يعرفه ثم ذبحه بالسيف فانهزم جيشه فحمل رأسه على رمح واعتق طاهر مماليكه شكرا لله وشرع أمر الأمين في سفال وملكه في زوال قيل أنه لما بلغ قتل ابن ماهان وهزيمة جيشه كان يتصيد سمكا فقال لليزيدي ويلك دعني كوثر قد صاد سمكتين وأناما صدت شيئا بعد وندم في الباطن على خلع أخيه وطمع فيه أمراؤه ولقد فرق عليهم أموالا لا تحصى حتى فرغ الخزائن وما نفعوه وجهز جيشا فالتقاهم طاهر أيضا بهمذان فقتل في المصاف خلق كثير من الفريقين وانتصر طاهر بعد وقعتين أو ثلاث وقتل مقدم جيش الأمين عبد الرحمن الأساوي أحد الفرسان المذكورين بعد أن قتل جماعة وزحف طاهر حتى نزل بحلوان
وفيها ظهر بدمشق أبو العميطر السفياني فبايعوه بالخلافة واسمه علي بن عبد الله بن خالد بن الخليفة يزيد بن معاوية بن أبي سفيان فطرد عاملها الأمير سليمان بن المنصور فسير إليه الأمين عسكرا لحربه فنزلوا الرقة ولم يقدموا عليه قاله في العبر


وفيها توفي إسحاق بن يوسف الأزرق محدث واسط روى عن الأعمش وطبقته وكان حافظا عابدا يقال أنه بقي عشرين سنة لم يرفع رأسه إلى السماء قال ابن ناصر الدين إسحاق بن يوسف بن مرداس القرشي الواسطي أبو محمد حدث عنه خلق منهم أحمد وابن معين كان من الحفاظ النقاد والصلحاء العباد انتهى
وفيها بشر بن السري البصري الأفوه نزيل مكة كان فصيحا بالمواعظ مفوها ذا صلاح وقال أحمد كان متقنا للحديث عجبا روى عن مسعر والثوري وطبقتهما قال في المغني بشر بن السري أبو عمرو والأفوه وثقة ابن معين وغيره وأما الحميدي أبو بكر فقال كان جهميا لا يحل أن يكتب عنه وقال ابن عدي يقع في حديثه منكر وهو في نفسه لا بأس به قلت رجع عن التجهم انتهى
وفيها أبو معاوية الضرير محمد بن معاوية الكوفي الحافظ ولد سنة ثلاث عشرة ومائة ولزم الأعمش عشر سنين قال أبو نعيم سمعت الأعمش يقول لأبي معاوية أما أنت قد ربطت رأس كيسك وكان شعبة إذا توقف في حديث الأعمش راجع أبا معاوية وسأله عنه وقال ابن ناصر الدين أبو معاوية محمد ابن خازم الضرير التيمي السعدي كان حافظا ثبتا محدث الكوفة وكان من الثقات وربما دلس وكان يرى الأرجاء فيقال إن وكيعا لم يحضر جنازته لذلك انتهى
وفيها عبد الرحمن بن محمد المحاربي الحافظ روى عن عبد الملك بن عمير وخلق قال وكيع ما كان أحفظه للطوال توفي بالكوفة
وفيها أوفى التي مضت عثام بن علي الكوفي روى عن عروة بن

هشام والأعمش
وفيها أو في الماضية محمد بن فضيل بن غزوان الضبي مولاهم الكوفي الحافظ روى عن حصين بن عبد الرحمن وطبقته قال في المغني ثقة مشهور لكنه شيعي قال ابن سعد بعضهم لا يحتج به انتهى
وفيها محدث الشام أبو العباس الوليد بن مسلم الدمشقي وله ثلاث وسبعون سنة توفي بذي المروة راجعا من الحج في المحرم روى عن يحيى الذماري ويزيد ابن أبي مريم وخلائق وصنف التصانيف قال ابن جوصاء لم نزل نسمع أنه من كتب مصنفات الوليد صلح أن يلي القضاء وهي سبعون كتابا وقال أبو مسهر كان مدلسا ربما دلس عن الكذابين وقال ابن ناصر الدين الوليد ابن مسلم الدمشقي أبو العباس الأموي مولاهم كان إماما حافظا عالم الدمشقيين لكنه فيما ذكره أبو مسهر وغيره كان مدلسا وربما دلس عن الكذابين وهو واسع العلم صدوق من الإثبات انتهى
وفيها يحيى بن سليم الطائفي الحذاء بمكة وكان ثقة صاحب حديث روى عن عبد الله بن عثمان بن خيثم وطبقته قال الخليل في الإرشاد أخطأ يحيى في أحاديث ثم ذكر حديث ابن عمران أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من مر بحائط فليأكل منه ولا يتخذ خبنه قال الخليل لم يسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم والباقون عن بن عمر عن عمر وقال في المغني يحيى بن سليم الطائفي مشهور وثقة ابن معين وقال النسائي ليس بالقوي وقال أحمد رأيته يخلط في الأحاديث فتركته انتهى وقال ابن ناصر الدين روى عنه الشافعي وكان بعده من الأبدال وفي بعض أحاديثه مقال انتهى

سنة ست وتسعين ومائة

فيها توثب الحسين بن علي بن عيسى بن ماهان ببغداد فخلع الأمين في رجب وحبسه ودعا إلى بيعة المأمون فلم يلبث الجند عليه فقتلوه وأخرجوا الأمين وجرت أمور طويلة وفتنة كبيرة
وفيها توفي قاضي البصرة أبو المثنى معاذ بن معاذ العنبري في ربيع الآخر روى عن حميد الطويل وطبقته وكان أحد الحفاظ قال يحيى القطان ما بالبصره ولا بالكوفة ولا بالحجاز أثبت من معاذ بن معاذ وقال أحمد كان ثبتا وما رأيت أعقل منه
وفيها قاضي شيراز ومحدثها سعد بن الصلت الكوفي روى عن الأعمش وطبقته وكان حافظا قال سفيان ما فعل سعد بن الصلت قالوا ولي القضاء قال ذره وقع في الحش قال في العبر قلت آخر من روى عنه سبطه إسحاق بن إبراهيم شادان انتهى
وفيها أبو نواس الحسن بن هانئ الحكمي الأديب شاعر العراق قال ابن عيينة هو أشعر الناس وقال الجاحظ ما رأيت أعلم باللغه منه قال ابن الأهدل كان أبوه من جند مروان الصغير الأموي فتزوج امرأة بالأهواز فولدت أبا نواس فلما ترعرع أصحبته أبا أسامة الشاعر فنشأ على يديه وقدم به بغداد فبرع في الشعر وعداده في الطبقة الأولى من المولدين وشعره عشرة أنواع وقد اعتنى بشعره جماعة فجمعوه ولهذا يوجد ديوانه مختلفا وكان المأمون يقول لو وصفت الدنيا نفسها ما بلغت قول أبي نواس
( ألا كل حي هالك وابن هالك ** وذو نسب في الهالكين عريق )


( إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت ** له عن عدو في ثياب صديق )
وكنى بأبي نواس لذؤابتين كانتا على عاتقه تنوسان وأثنى عليه ابن عيينة وعلماء عصره بالفصاحة والبلاغة وقال أبو حاتم لو كتبت بيتيه هذين بالذهب لما كثر وهما
( ولو أني استزدتك فوق مابي ** من البلوى لأعوزك المزيد )
( ولو عرضت على الموتى حياتي ** بعيش مثل عيشى لم يريدوا )
وله نوادر حسان رائقة واقترح عليه الرشيد مرات أن ينظم له على قضايا خفية يعرفها في داره ونسائه فيأتي على البديهة بما لو حضرها وعاينها لم يزد على ذلك انتهى كلام ابن الأهدل ومن لطيف شعره قوله بديها وهو من ألطف بديهة وأبدعها
( ودار ندامى عطلوها وأدلجوا ** بها أثر منهم جديد ودارس )
( مساحب من جر الزقاق على الثرى ** وأضغاث ريحان جنى ويابس )
( ولم أدر منهم غير من شهدت به ** بشرقي ساباط الديار البسابس )
( حبست بها صحبي فجددت عهدهم ** وإني على أمثال تلك لحابس )
( أقمنا بها يوما ويوما وثالثا ** ويوما له يوم الترحل خامس )
( تدار علينا الراح في عسجدية ** حبتها بأنواع التصاوير فارس )
( قرارتها كسرى وفي جنباتها ** مهى تدريها بالقسى الفوارس )
( وللماء ما ذرت عليه جيوبها ** وللراح ما دارت عليه القلانس )
وقد اختلف في معنى قوله أقمنا بها يوما ويوما إلخ فقال ابن هشام ثمانية أيام وقال الدماميني في شرح المغني سبعة لأن يوم الترحل ليس من أيام الإقامة فليتأمل وقال ابن الفرات أبو نواس الحسن بن هانئ البصري مولى الحكم بن سعد العشيرة سمى سعد العشيرة لأنه لم يمت حتى ركب معه من ولده وولد ولده مائة رجل وتوفي وعمره اثنتان وخمسون سنة والحسن أحد المطبوعين وكان كثير المجون قيل عاتب أبو العتاهية الحسن على

ناصر الدين بقية بن الوليد بن صايد الحميري الكلاعي الحمصي أبو محمد محدث الشام كان إماما مكثرا ويدلس عن المتروكين لكن إذا قال حدثنا أو أخبرنا فهو مقبول انتهى
وفيها شعيب حرب المدائني الزاهد أحد علماء الحديث روى عن مالك ابن مغول وطبقته قال الطيب بن إسماعيل دخلنا عليه وقد بنى له كوخا وعنده خبز يابس يأكله وهو جلد وعظم قال أحمد بن حنبل حمل على نفسه في الورع
وفيها شيخ الأقراء بالديار المصرية أبو سعيد عثمان بن سعيد القيرواني ثم المصري ورش صاحب نافع وله سبع وثمانون سنة قال السيوطي في حسن المحاضرة ورش وهو عثمان بن سعيد أبو سعيد المصري وقيل أبو عمرو وقيل أبو القسم أصله قبطي مولى آل الزبير بن العوام ولد سنة عشر ومائة وأخذ القراءة عن نافع وهو الذي لقبه بورش لشدة بياضه وقيل لقبه بالورشان ثم خفف انتهت إليه رياسة الأقراء بالديار المصرية في زمانه وكان ماهرا في العربية انتهى
وفيها محمد بن فليح بن سليمان المدني روى عن هشام بن عروة وطبقته قال في المغني ثقة قال أبو حاتم ليس بذاك القوي انتهى
وفيها قاضي صنعاء وعالمها هشام بن يوسف الصنعاني أخذ عن معمر وابن جريج وجماعة قال ابن معين هو أثبت من عبد الرزاق في ابن جريج وقال ابن ناصر الدين كان ثقة برز وفاق على أقرانه
وفيها الإمام العلم أبو سفيان وكيع بن الجراح الرواسي في المحرم راجعا من الحج يفيد وله سبع وستون سنة روى عن الأعمش وأقرانه قال ابن معين كان وكيع في زمانه كالأوزاعي في زمانه وقال أحمد ما رأيت أوعى للعلم

ولا أحفظ من وكيع وقال القعنبي كنا عند حماد بن زيد فخرج وكيع فقالوا هذا راوية سفيان قال إن شئتم أرجح من سفيان وقال يحيى بن أكثم صحبت وكيعا فكان يصوم الدهر ويختم القرآن كل ليلة وقال أحمد ما رأت عيني مثل وكيع قط وقال ابن معين ما رأيت أحفظ من وكيع كان يحفظ حديثه ويقوم الليل ويسرد الصوم ويفتي بقول أبي حنيفة قال وكان يحيى القطان يفتي بقوله أبضا وقال ابن ناصر الدين وكيع بن الجراح بن مليح بن عدي بن فرس الرواسي الكوفي أبو سفيان محدث العراق ثقة متقن ورع قال أحمد بن حنبل ما رأيت رجلا قط مثل وكيع في العلم والحفظ والإسناد والأموات مع خشوع وورع انتهى

سنة ثمان وتسعين ومائة

في المحرم ظفر طاهر بن الحسين بعد أمور يطول شرحها بالأمين فقتله ونصب رأسه على رمح وكان مليحا أبيض جميل الوجه طويل القامة عاش سبعا وعشرين سنة واستخلف ثلاث سنين وأياما وخلع في رجب سنة ست وتسعين وحارب سنة ونصفا وهو ابن زبيدة بنت جعفر بن المنصور وكان مبذرا للأموال قليل الرأي كثير اللعب لا يصلح للخلافة سامحه الله ورحمه قاله في العبر وكتبت زبيدة إلى المأمون تحرضه على قتل طاهر بن الحسين قاتل ابنها الأمين فلم يلتفت إليها فكتبت إليه ثانية بقول أبي العتاهية
( ألا أن ريب الدهر يدني ويبعد ** ويؤنس بالآلاف طورا ويفقد )
( أصابت لريب الدهر مني يدي يدي ** فسلمت للأقدار والله أحمد )
( فقلت لريب الدهر إن ذهبت يد ** فقد بقيت والحمد لله لي يد )
( إذا بقى المأمون لي فالرشيد لي ** ولي جعفر لم يفقدا ومحمد )
تعني بجعفر أباها وبمحمد ابنها الأمين وقال ابن قتيبة في المعارف بويع محمد الأمين

ابن هارون بطوس وولي أمر البيعة صالح بن هارون وقدم عليه به رجاء الخادم للنصف من جمادى الآخرة فخطب الناس وبويع ببغداد واخرج من الحبس من كان أبوه حبسه فاخرج عبد الملك بن صالح والحسن بن علي بن عاصم وسالم أبن سالم والهيثم بن عدي ومات إسماعيل بن علية وكان على مظالم محمد في ذي القعدة سنة ثلاث وتسعين ومائة فولى مظالمه محمد بن عبد الله الأنصاري من ولد أنس بن مالك والقضاء ببغداد وبعث إلى وكيع بن الجراح فأقدمه بغداد على أن يسند إليه أمورا من أموره فأبى وكيع أن يدخل في شيء وتوجه وكيع إلى مكة فمات في طريق مكة واتخذ الفضل بن الربيع وزيرا وجعل إسماعيل بن صبيح كاتبه وجعل العباس بن الفضل بن الربيع حاجبه فأغرى الفضل بينه وبين المأمون فنصب محمد ابنه موسى بن محمد لولاية العهد بعده وأخذ البيعة له ولقبه الناطق بالحق سنة أربع وتسعين ومائة وجعله في حجر على بن عيسى وأمر عليا بالتوجه إلى خرسان لحرب المأمون سنة خمس وتسعين ومائة فوجه المأمون هرثمة من مرو وعلى مقدمة طاهر بن الحسين فالتقى على بن عيسى وطاهر بالري فاقتتلوا فقتل على بن عيسى وجماعة من ولده في شهر رمضان سنة خمس وتسعين ومائة وظفر طاهر بجميع ما كان معه من الأموال والعدة والكراع فوجه محمد بن عبد الرحمن بن جبلة الأنباري فالتقى هو وطاهر بهمذان فقتله طاهر ودخل همذان واجتمع طاهر وهرثمة فأخذ طاهر على الأهواز وأخذ هرثمة على الجادة طريق حلوان ووجه الفضل ابن سهل زهير بن المسيب على طريق كرمان فأخذ كرمان ثم دخل البصرة ولما أتى طاهر الأهواز وجد عليها واليا من المهالبة لمحمد فقتله واستولى على الأهواز ثم سار إلى واسط وسار هرثمة إلى حلوان ووثب الحسين بن علي بن عيسى ببغداد في جماعة فدخل على محمد وهو في الخلد فأخذه وحبسه في برج من أبراج مدينة أبي جعفر فتقوضت عساكر محمد من جميع الوجوه وتغيب الفضل بن الربيع

يومئذ فلم ير له أثر حتى دخل المأمون بغداد ووجه الحسين بن علي إلى هرثمة وطاهر يحثمها على بغداد ووثب أسد الحربي وجماعة فاستخرجوا محمدا وولده واعتذروا إليه وأخذوا الحسين بن علي فأتوه به فعفا عنه بعد أن اعترف ذنبه وتاب منه وأقرأنه مخدوع مغرور فأطلقه فلما خرج من عنده وعبر الجسر نادى ياما يا مأمون يا منصور وتوجه نحو هرثمة وتوجهو في طلبه فأدركوه بقرب نهر وين فقتلوه وأتوا محمدا برأسه وصار هرثمة إلى نهروين ونزل طاهر باب الأنبار وصار زهير بن المسيب بكلواذي ولم يزالوا في محاربة وكان طاهر كاتب القاسم بن هارون المؤتمن وكان نازلا في قصر جعفر بن يحيى بالدور وسأله أن يخرج ففعل وسلم إليه القصر ولم يزل الأمر على محمد مختلا حتى لجأ إلى مدينة أبي جعفر وبعث إلى هرثمة أني أخرج إليك الليلة فلما خرج محمد صار في أيدي أصحاب طاهر فأتوا به طاهرا فقتله من ليلته فلما أصبح نصب رأسه على الباب الحديد ثم أنزل وبعث به إلى خراسان مع ابن عمه محمد بن الحسن ابن مصعب ودفنت جثته في بستان مؤنسة انتهى ما قاله ابن قتيبة وقال ابن الفرات ما ملخصه لما صار محمد الأمين بمدينة أبي جعفر علم قواده أنه ليس معهم عدة الحصار فأتوه وقالوا لا بقاء لنا وقد بقي من خيار خيلك سبعة آلاف فرس فاختر لها سبعة آلاف رجل تخرج إلى الجزيرة فتفرض الفروض فعزم على ذلك فبلغ الخبر طاهر فكتب إلى سليمان بن أبي جعفر ومحمد بن عيسى والسدي بن شاهك لئن لم تردوه عن هذا الرأي لا قتنصن ضياعكم ولا سعين في هلا ككم فدخلوا على محمد وقالوا أن خرجت أخذوك أسيرا وتقربوا بك فرجع إلى قبول الأمان والخروج إلى هرثمة فقالوا له الخروج إلى طاهر خير فقال أنا اكره ذلك لأني رأيت في المنام كأني على حائط رقيق وطاهر يحفره حتى هدمه وهرثمة مولانا وبمنزلة الوالد وأنا أثق به قال إبراهيم بن المهدي بعث إلى محمد الأمين ليلة وقد خرج إلى قصر لينفرج مما كان فيه وشرب وسقاني ودعا

جارية اسمها ضعف لتغنيه فتطيرا إبراهيم من اسمها فغنته
كليب لعمري كان أكثر ناصرا ** وأيسر ذنبا منك ضرج بالدم )
فتطير محمد وقال غنى هذا فغنت
( ما زال يعدو وعليهم ريب دهرهم ** حتى تفانوا وريب الدهر عداء )
فغضب وقال غنى غير هذا فغنت
أما ورب السكون والحركات ** الأبيات فقال قومي لا بارك الله )
عليك فقامت وعثرت بقدح من بلور كان يسميه رباح فكسرته فقال إبراهيم أما ترى ما كان ما أظن أمري إلا قد اقترب قال بل أعز ملكك وكبت عدوك فسمعا صارخا من دجلة يقول قضى الأمر الذي فيه تستفتيان فقال يا إبراهيم أما تسمع فقال ما أسمع شيئا وقد كان سمعه فقتل بعد ليلتين ومنح طاهر محمدا الأمين ومن معه الماء والدقيق فهم محمد بالخروج إلى هرثمة فلما بلغ طاهر اشتد عليه وقال أنا فعلت ما فعلت به ويكون الفتح لهرثمة وأتى معاقدوه إلى طاهر إلى أن يدفع له الخاتم والقضيب والبردة ويخرج محمد إلى هرثمة فرضى بذلك فلما علم الهرش الخبر تقرب إلى طاهر وقال مكر بك وقال أن الخاتم والبرد والقضيب يحمل مع محمد الأمين إلى هرثمة فاغتاظ وكمن حول القصر الرجال فلما خرج محمد وصار في الحراقة مع هرثمة خرج طاهر وأصحابه فرموها بالحجارة وغرقوها فسبح الأمين وخرج إلى بستان موسى وإخراج رجل من الملاحين هرثمة وكان به نقرس فلما خرج محمد الأمين أخذه إبراهيم بن جعفر البلخي ومحمد بن حميد وهو ابن أخي شكلة أم إبراهيم بن المهدي والقىء عليه إزارا من أزر الجند وحمل إلى دار إبراهيم بن جعفر بباب الكوفة وكان أحمد بن سلام صاحب المظالم ممن غرق مع هرثمة فأخذ فكان مع محمد الأمين في دار إبراهيم بن جعفر فقال له الأمين ادن منى وضمني إليك فأنى أجد وحشة شديدة ففعل وكان على كتفيه خرقة فنزع أحمد ثوبه وقال ألبسه فقال دعني فهذا لي من الله خير كثير في هذا الموضع ثم دخل عليه حميرويه غلام قريش مولى طاهر في جماعة فأخذ

محمد وسادة وضربه بها وأخذ السيف من يده فصاح بأصحابه فقتلوه
ونصب طاهر رأسه ثم بعث رأسه إلى المأمون والرداء والقضيب قال الموصلي كتب أحمد بن يوسف إلى المأمون عن لسان طاهر بقتل محمد الأمين أما بعد فإن المخلوع قسيم أمير المؤمنين في النسب واللخمة قد فرق الله بينه وبينه في الولاية والحرمة لمفارقته عصم الدين وخروجه من الأمر الجامع للمسلمين قال الله عز وجل في ابن نوح على نبينا وعليه السلام أنه ليس من أهلك أنه عمل غير صالح ولا طاعة لأحد في معصية الله ولا قطيعة إذا كانت في جنب الله ثم انشد طاهر بعد قتل الأمين
( ملكت الناس قسرا واقتدارا ** وقتلت الجبابرة الكابرا )
( ووجهت الخلافة نحو مرو ** إلى المأمون تبتدر ابتدارا )
( وسوف أدين قيس الشام ضربا ** يطير من رؤسهم الشرارا )
قيل أتى محمد الأمين بأسد فاطلقه فقصد محمد فاستتر منه بمرفقة ثم يده فضربه في أصل أذنه فخر الأسد ميتا وزالت كل قصبة في يده من موضعها وكان الأمين رحمه الله سبطا انزع صغير العينين جميلا طويلا بعيد ما بين المنكبين ويكنى أبا موسى وقيل أبا عبد الله انتهى
وفيها توفي في أول رجب شيخ الحجاز وأحد الأعلام أبو محمد سفيان بن عيينة الهلالي مولاهم الكوفي الحافظ نزيل مكة وله إحدى وتسعون سنة سمع زياد بن علاقة والزهري والكبار قال الشافعي لولا مالك وابن عيينة لذهب علم الحجاز وقال ابن وهب لا أعلم أحدا أعلم بالتفسير من ابن عيينة وقال أحمد العجلي كان حديثه نحوا من سبعة آلاف حديث لم يكن له كتب وقال بهز ابن أسد ما رأيت مثل ابن عيينة وقال أحمد بن حنبل ما رأيت أحدا أعلم بالسنن من ابن عيينة وقال ابن ناصر الدين هو الإمام العلم محدث الحرم روى عنه الأعمش وابن جريج وشعبة وهم من شيوخه والشافعي وابن المبارك وأحمد وخلق قال أحمد ما رأيت أعلم بالسنن منه وحج سفيان


( وليس يخلو امرؤ من حاسد إضم ** لولا التنافس في الدنيا لما اضما )
( والغبن في العلم أشجى محنة علمت ** وأبرح الناس شجوا عالم هضما )
انتهى كلام ابن هشام وقال شارحه الشمني ويقال إن هذه الواقعة كانت سبب علة سيبويه التي مات بها انتهى حتى أن الناس لا تعرف غيره وربما تشير إليه أبيات حازم المتقدمة والله أعلم

سنة اثنتين وستين ومائة

فيها أمر المهدي أن يجري على المجذمين وأهل السجون في سائر الآفاق
وفيها احتفل لغزو الروم وسار لحربهم الحسن بن قحطبة في ثمانين ألفا سوى المطوعة فأغار وحرق وسبى ولم يلق بأسا
وفيها ظهرت المحمرة ورأسهم عبد القهار واستولوا على جرجان وقتلوا خلائق فقصده عمر بن العلاء من طبرستان فقتل عبد القهار وخلق من أصحابه
وفيها توفي السيد الجليل والزاهد النبيل أبو إسحاق إبراهيم بن أدهم البلخي الزاهد بالشام روى عن منصور ومالك بن دينار وطائفة قال في العبر وثقه النسائي وغيره وكان أحد السادات انتهى قلت في كلام العبر ما يشعر بأن هناك من لم يوثقه ولهذا تعجب اليافعي من نقل الذهبي لتوثيقه عن واحد وغيره مع ظهور فضله وكراماته واجتهاده عند الخاص والعام حتى يقال إنه بلغ رتبة الاجتهاد فقيل له لم لم تتكلم في العلوم وتنفع الناس فقال كلما هممت بشيء من ذلك يمنعني أمور منها إذا قال الله تعالى يوم القيامة { وامتازوا اليوم أيها المجرمون } مع من أكون في كلام يطول وكان أول انقطاعه إلى الله تعالى بعد أن كان أحد الملوك أنه سمع هاتفا من قربوس سرجه وروى أنه قعد تحت رمانة وسعه محمد بن المبارك الصوري فصليا تحتها فخاطبته الرمانة بأن يأكل منها شيئا فأخذ رمانتين فأكل واحدة وناول صاحبه الأخرى وكانت قصيرة حامضة

سبعين حجة وقال الشافعي ما رأيت أحدا فيه من الفتيا ما فيه ولا أكف عن الفتيا منه
وفي جمادى الآخرة أبو سعيد عبد الرحمن بن مهدي البصري اللؤلؤي الحافظ أحد أركان الحديث بالعراق وله ثلاث وستون سنة وروى عن هشام الدستوائي وخلق وأول طلبه سنة نيف وخمسين ومائة فكتب عن صغار التابعين أيمن بن نابل وغيره وقال أحمد بن حنبل هو أفقه من يحيى القطان واثبت من وكيع وقال ابن المديني كان عبد الرحمن بن مهدي أعلم الناس لو حلفت بين الركن والمقام لحلفت أني لم أر مثله أعلم منه قلت وكان أيضا أسا في العبادة رحمه الله تعالى قاله في العبر وهو أحد الموالي المنجبين من البصريين وقال ابن ناصر الدين عبد الرحمن بن مهدي بن حسان الأزدي مولاهم وقيل العنبري البصري اللؤلؤي أبو سعيد الحافظ المشهور والإمام المنشور كان فقيها مفتيا عظيم الشأن وهو فيما ذكره أحمد أفقه من يحيى القطان وأثبت من وكيع في الأبواب انتهى
وفيها الأمام أبو يحيى معن بن عيسى المدني القزاز صاحب مالك روى عن موسى بن علي بن رباح وطائفة وكان ثبتا ثقة حجة صاحب حديث قال أبو حاتم هو أثبت أصحاب مالك وأوثقهم
وفي صفر الإمام أبو سعيد يحيى بن سعيد القطان البصري الحافظ أحد الأعلام وله ثمان وسبعون سنة روى عن عطاء بن السائب وحميد وخلق قال أحمد بن حنبل ما رأيت بعيني مثله وقال ابن معين قال لي عبد الرحمن بن مهدي لا ترى بعينيك مثل يحيى القطان وقال بندار واختلفت إليه عشرين سنة فما أظن أنه عصى الله قط وقال ابن معين أقام يحيى القطان عشرين سنة يختم كل ليلة ولم يفته الزوال في المسجد أربعين سنة وقال ابن ناصر الدين يحيى بن سعيد بن فروخ التيمي مولاهم البصري أبو سعيد القطان الأحول سيد الحفاظ في زمانه والمتنهي إليه في هذا الشأن بين أقرانه انتهى
وفيها أبو عبد الرحمن مسكين بن بكير الحراني روى عن جعفر بن برقان

وطبقته وكان مكثرا ثقة
وفيها انتدب محمد بن صالح بن بهيش الكلابي أمير عرب الشام لحرب السيناني ولمن قام معه من الأموية وأخذ منهم دمشق وهرب أبو العميطر السفياني في إزار إلى المزة وجرت بين أهل المزة وداريا وبين ابن بهيش حروب ظهر فيها عليهم فاستولى على دمشق وأقام الدعوة للمأمون قاله في العبر

سنة تسع وتسعين ومائة

فيها قتنة ابن طباطبا العلوي وهو محمد بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم ابن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ظهر بالكوفة وقام بأمره أبو السرايا الشي بن منصور الشيباني وشرع الناس إلى ابن طباطبا وغلب على الكوفة وكثر جيشه فسار لحربه زهير بن المسيب في عشرة آلاف فالتقوا فهزم زهير واستبيح عسكره وذلك في سلخ جمادى الآخرة فلما كان من الغد اصبح ابن طباطبا ميتا فقيل أن أبا السريا سمه لكونه لم ينصفه في الغنيمة وأقام بعده في الحال محمد بن محمد بن يزيد بن على الحسنى شاب أمرد ثم جهز الحسن ابن سهل جيشا عليهم عبدوس المروذي فالتقوا فقتل عبدوس وأسر عمه وقتل خلق من جيشه وقوى العلوين ثم استولى أبو السرايا على واسط فسار لحربه هرثمة بن أعين فالتقوا فقتل خلق من أصحاب أبي السرايا وتقهقر إلى الكوفة ثم التقوا ثانيا وعظمت الفتنة
وفيها توفي إسحق بن سليمان الرازي الكوفي الأصل روى عن ابن أبي ذئب وطبقته وكان عابد خاشعا يقال أنه من الإبدال
وحفص بن عبد الرحمن البلخي ثم النيسابوري أبو عمر قاضي نيسابور روى عن عاصم الأحول وأبي حنيفة وطائفة وكان ابن المبارك يزوره ويقول هذا اجتمع فيه الفقه والوقار والورع وقال في المغني صدوق قال أبو حاتم مضطرب الحديث انتهى


وفيها أبو مطيع الحكم بن عبد الله البلخي الفقيه صاحب أبي حنيفة وصاحب كتاب الفقه الكبر وله أربع وثمانون سنة ولي قضاء بلخ وحدث عن ابن عوفا وجماعة قال أبو معين ثقة الا أنه مرجىء يتبع الشيطان وقال أبو حاتم محله الصدق وقال أبو داود كان جهميا تركوا حديثه وبلغنا أن أبا مطيع كان من كبار الآمرين بالمعروف و الناهين عن المنكر
وفيها شعيب بن الليث بن سعد المصري الفقيه
وفيها عبد الله بن نمير الخارقي أبو هشام الكوفي أحد أصحاب الحديث المشهورين روى عن هشام بن عروة وطبقته وعاش بضعا وثمانين سنة وثقه ابن معين وغيره والخارفي نسبة إلى خارف بطن من خمدان نزلوا الكوفة
وعمرو بن محمد العنقري الكوفي والعنقز هو المرز نجوش روى عن ابن جريج وطبقته وكان صاحب حديث
ومحمد بن شعيب بن شابور الدمشقي بيروت روى عن عروة بن رويم وطبقته وكان من علماء المحدثين وعقلائهم المشهورين
وفيها يونس بن بكير أبو بكر الشباني الكوفي الحافظ صاحب المغازي روى عن الأعمش وخلق قال ابن معين صدوق وقال ابن ناصر الدين كان صدوقا شيعيا من مورطي الأعيان وقال ابن معين ثقة إلا أنه مرجىء يتبع الشيطان ولينة يغر واحد وروى له مسلم متابعة والبخاري في الشواهد انتهى وقال في المغني صدوق مشهور شيعي روى له مسلم أحاديث في الشواهد لا الأصول قال ابن زرعة أما في الحديث فلا أعلمه مما ينكر عليه وقال أبو داود ليس بحجة عندي سمع هو والبكائي من ابن أسحق بالري وقال النسائي ليس بالقوى انتهى
وفيها وقيل في التي تليها سيار بن حاتم العنزي البصري صاحب القصص والرقائق وراوية جعفر بن سلميان الضبعي وقد خرج له الترمذي والنسائي وغيرهما ووثقه ابن حبان قال في المغني صالح الحديث فيه خفة ولم يضعف انتهى

سنة مائتين
فيها أحصى ولد العباس فبلغوا ثلاثة وثلاثين ألفا ما بين ذكر وأنثى قاله ابن الجوزي في الشذور
وفي أولها هرب أبو السرايا والعلويون من الكوفة إلى القادسية وضعف سلطانهم فدخل هرثمة الكوفة وأمن أهلها ثم ظفر أصحاب المأمون بأبي السرايا ومحمد بن محمد العلوي فأمر الحسن بن سهل بقتل أبي السرايا وبعث بمحمد إلى المأمون وخرج بالبصرة بالحجاز آخرون فلم تقم لهم قائمة بعد فتن وحروب
وفيها طلب المأمون هرثمة بن أعين فشتمه وضربه وحبسه وكان الفضل ابن سهل الوزير يبغضه فقتله في الحبس سرا
وفيها قتلت الروم عظيمهم اليون وكانت أيامه سبع سنين ونصف وأعادوا الملك إلى ميخائيل الذي ترهب
وفيها توفي أسباط بن محمد أبو محمد الكوفي وكان ثقة صاحب حديث روى عن الأعمش وطبقته قال في المغني أسباط بن محمد القرشي ثقه ومشهور قال ابن سعد ثقة فيه بعض الضعف انتهى
وفيها أبو ضمرة أنس بن عياض الليثي المدني وله ست وتسعون سنة روى عن سهيل بن أبي صالح وطبقته وكان مكثر صدوقا وقال ابن ناصر الدين أنس بن عياض الليثي المدني أبو حمزة محدث المدينة كان من الثقات المتقنين انتهى
وسلم بن قتيبة بالبصرة روى عن يونس بن أبي إسحاق وطبقته وأصله خراساني
وفيها عبد الملك بن الصباح المسمعي الصنعاني البصري روى عن ثور بن يزيد وابن عون
وفيها عمر بن عبد الواحد السلمي الدمشقي ولد سنة ثمان عشرة ومائة وقرأ القراءات على يحيى الذماري وحدث عن جماعة وكان من الثقات الشاميين
وفيها قتادة بن الفضل الرهاوي رحل وسمع من الأعمش وعدة


وفيها أبو إسماعيل محمد بن إسماعيل بن مسلم بن أبي فديك الديملي مولاهم المدني الحافظ روى عن سلمة بن وردان وكان كثير الحديث قال في المغني محمد ابن إسماعيل بن أبي فديك ثقة مشهور قال ابن سعد وحده ليس بحجة انتهى
وفيها أبو عبد الله أمية بن خالد أخو هدبة روى عن شعبة والثوري
وفيها صفوان بن عيسى القسام بالبصرة يروي عن يزيد بن عبيد وطبقته
وفيها محمد بن الحسن الأسدي الكوفي بن الثل روى عن فطر بن خليفة وطبقته قال في المغني محمد بن الحسن الأسدي عن الأعمش وعنه داود بن عمر وقال ابن معين ليس بشيء انتهى
وفي صفر محمد بن حمير السليحي محدث حمص روى عن محمد بن زياد الألهاني وطائفة وثقة ابن معين ودحيم وقال أبو حاتم لا يحتج به وقال يعقوب الفسوي ليس بالقوي وقال الدارقطني خرجه بعض شيوخنا ولا بأس به
وفيها أبو إسماعيل مبشر بن إسماعيل الحلبي روى عن جعفر بن برقان وطبقته وكان صاحب حديث وإتقان قال في المغني مبشر بن إسماعيل الحارثي ثقة مشهور تكلم فيه بلا حجة انتهى
ومعاذ بن هشام بن أبي عبد الله الدستوائي روى عن أبيه وابن عون وطائفة وكان صاحب حديث له أوهام يسيرة قال في المغني معاذ بن هشام الدستوائي صدوق وقال ابن معين صدوق ليس بحجة وقال ابن عدي أرجو أنه صدوق وقال غيره له غرائب وافرادات انتهى
وفيها المغيرة بن سلمة المخزومي بالبصرة قال ابن المديني ما رأيت قرشيا أفضل منه ولا أشد تواضعا أخبرني بعض جيرانه أنه كان يصلي طول الليل وروى عن القسم بن الفضل الحداني وطبقته


وفيها القاضي أبو البختري وهب بن وهب القرشي المدني ببغداد وكان جوادا محتشما حتى قيل أنه كان إذا بذل ظهر عليه السرور بحيث أنه يظن أنه هو المبذول له روى عن هشام بن عمرو وطائفة واتهم بالكذب قال ابن قتيبة أبو البختري هو وهب بن وهب بن وهب بن كثير بن عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى بن قصي قدم بغداد فولاه هارون القضاء بعسكر المهدي ثم عزله فولاه مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم بعد بكار ابن عبد الله وجعل إليه حربها مع القضاء ثم عزل فقدم بغداد فتوفى بها سنة مائتين وكان ضعيفا في الحديث انتهى وقال في المغني كذبه أحمد وغيره انتهى وهو الذي وضع حديث المسابقة بذي الجناح
وفيها القدوة الزاهد معروف الكرخي أبو محفوظ صاحب الأحول والكرامات كان من موالي علي بن موسى الرضى كان أبواه نصرانيين فاسلماه إلى مؤدبهم فقال له إن الله ثالث ثلاثة فقال بل هو الله أحد فضربه فهرب وأسلم على يد علي بن موسى الرضي ورجع إلى أبويه فأسلما واشتهرت بركاته وإجابة دعوته وأهل بغداد يستسقون بقبره ويسمونه ترياقا مجربا قال مرة لتلميذه السري السقطي إذا كانت لك إلى الله حاجة فاقسم عليه بي وكان من المحدثين ومن كلامه علامة مقت الله للعبد أن يراه مشتغلا بما لا يعنيه من أمر نفسه وقال طلب الجنة بلا عمل ذنب من الذنوب وانتظار الشفاعة بلا سبب نوع من الغرور وارتجاء رحمة من لا يطاع جهل حمق

نسخة وكان عريف قومه بني سدوس قال في المغني عبيد الله بن إياد بن لقيط ثقة قيل إن بعض روايته صحيحة قاله ابن قانع
وفيها كما قال ابن ناصر الدين نافع بن عمر الجمحي القرشي المكي كان محدث مكة حافظا ثبتا قال عبد الرحمن بن مهدي كان من أثبت الناس قال في المغني نافع ابن عمر الجمحي حجة قال أحمد ثقة ثبت وقال ابن سعد ثقة فيه شيء انتهى
ومحمد بن مطرف المدني ثقة عمدة
ومعاوية بن سلام بن أبي سلام ممطور الحبشي الشامي الدمشقي كان ثقة متقنا
وجرير بن حازم الأزدي البصري أحد فصحاء البصرة ومحدثيها عمر دهرا واختلط بآخره فحجبه ابنه وهب فلم يرو شيئا في اختلاطه روى عن الحسن والكبار وحضر جنازة أبي الطفيل بمكة وقيل توفي جرير هذا سنة سبعين جزم به في العبر
وفيها أبو سعيد المؤدب ببغداد واسمه محمد وهو جزري روى عن عبد الكريم الجزري وحماد بن أبي سليمان وهو مؤدب موسى الهادي
وفيها نافع بن أبي نعيم أبو عبد الرحمن وقيل أبو رويم الليثي مولاهم قارئ أهل المدينة وأحد السبعة قال موسى بن طارق سمعته يقول قرأت على سبعين من التابعين وقال الليث حججت سنة ثلاث عشرة ومائة وأمام الناس في القراءة نافع بن أبي نعيم وقال مالك نافع أمام الناس في القراءة قال في المغني وثقة ابن معين وقال أحمد كان تؤخذ عنه القراءة وليس بشيء في الحديث انتهى وكا إذا قرأ يشم من فيه ريح المسك ولذا قال في الشاطبية
( فأما الكريم السر في الطيب نافع ** )
وفيها ثابت بن يزيد الأحول البصري له عن هلال بن خباب وجماعة وكان من ثقات الشيوخ

2

سنة إحدى ومائتين

فيها عمد المأمون إلى علي بن موسى العلوي فعهد إليه بالخلافة ولقبه بالرضي وأمر الدولة بترك السواد ولبس الخضرة وأرسل إلى العراق بهذا فعظم هذا على بني العباس الذين ببغداد ثم خرجوا عليه وأقاموا منصور بن المهدي ولقبوه بالمرتضى فضعف عن الأمر وقال إنما أنا خليفة المأمون فتركوه وعدلوا إلى أخيه إبراهيم بن المهدي الأسود فبايعوه بالخلافة ولقبوه بالمبارك وخلعوا المأمون وجرت بالعراق حروب شديدة وأمور عجيبة
وفيها أول ظهور بابك الخرمي الكافر فعاث وأفسد وكان يقول بتناسخ الأرواح
وفيها توفي أبو أسامة حماد بن أسامة الكوفي الحافظ مولى بني هاشم وله إحدى وثمانون سنة روى عن الأعمش والكبار قال أحمد ما أثبته لا يكاد يخطئ وقال ابن ناصر الدين ثقة كيس
وفيها حماد بن مسعدة بالبصرة روى عن هشام بن عروة وعدة وكان ثقة صاحب حديث
وفيها جرير بن عمارة بن أبي حفصة البصري روى عن قرة بن خالد وشعبة
وفيها سعد بن إبراهيم بن سعد الزهري العوفي قاضي واسط سمع أباه وابن أبي ذئب
وفيها علي بن عاصم أبو الحسن الواسطي محدث واسط وله بضع وتسعون سنة روى عن حصين بن عبد الرحمن وعطاء بن السائب والكبار وكان يحضر مجلسه ثلاثون ألفا وقال وكيع أدركت الناس والحلقة لعلي بن عاصم بواسط وضعفه غير واحد لسوء حفظه وكان إماما ورعا صالحا جليل القدر
وفيها قتل المسيب بن زهير أكبر قواد المأمون وضعفه أمر الحسن بن سهل بالعراق وهزم جيشه مرات ثم ترجح أمره وحاصل القصة أن أهل بغداد أصابهم بلاء عظيم في هذه السنوات حتى كادت تتداعى بالخراب وجلا خلق من أهلها عنها للنهب والسبي والغلاء وخراب الدور قال ابن الأهدل ولما عجز بنو العباس

وتكرر عفو المأمون عنهم وجهوا إليه زينب بنت سليمان بن على عمة جده المنصور فقالت يا أمير المؤمنين إنك على بر أهلك العلويين والأمر فينا أقدر منك على برهم والأمر فيهم فلا تطعمن أحدا فينا فقال يا عمة والله ما كلمني أحد في هذا المعنى بأوقع من كلامك هذا ولا يكون إلا ما تحبون ولبس السواد وترك الخضرة أهله وكان ميل المأمون للعلويين اصطناعا ومكافأة لفعل علي كرم الله وجهه ولما ولي الإمامة لبني هاشم خصوصا بني العباس
وفيها توفي يحيى بن عيسى العسلي الكوفي الفاخوري بالرملة روى عن الأعمش وجماعة وهو حسن الحديث

سنة اثنتين ومائتين

فيها خلع أهل بغداد المأمون لكونه أخرج الخلافة من بني العباس وبايعوا إبراهيم بن المهدي وتزوج المأمون بوران بنت الحسن بن سهل وزوج ابنته أم حبيب علي بن موسى الرضي وزوج ابنته أم الفضل محمد بن علي بن موسى قاله ابن الجوزي في الشذور
وفيها على الصحيح توفي حمزة بن ربيعة في رمضان بفلسطين روى عن الأوزاعي وطبقته وكان من العلماء المكثرين قال ابن ناصر الدين حمزة بن ربيعة الدمشقي القرني مولاهم كان ثقة مأمونا اه
وفيها أبو بكر بن عبد الحميد بن أبي أويس المدني أخو إسماعيل روى عن ابن أبي ذئب وسليمان بن بلال وطائفة قال في المغني ثقة أخطأ الأزدي حيث قال كان يضع الحديث اه وقد خرج له الشيخان
وفيها أبو يحيى عبد الحميد بن عبد الرحمن الحماني الكوفي روى عن الأعمش وجماعة قال أبو داود وكان داعية إلى الإرجاء وقال النسائي ليس بالقوي
وفيها أبو حفص عمر بن شبيب المسلي الكوفي روى عن عبد الملك بن عمير

والكبار قال النسائي ليس بالقوي وقال أبو زرعة واهي الحديث وضعفه الدارقطني
وفيها يحيى بن المبارك اليزيدي المقرئ النحوي اللغوي صاحب التصانيف الأدبية وتلميذ أبي عمرو بن العلاء وله أربع وسبعون سنة وهو بصري نزل بغداد قال ابن الأهدل عرف باليزيدي لصحبته يزيد بن منصور خال المهدي وتأديب بنيه أخذ عن الخليل وغيره وله كتاب النوادر في اللغة وغيره ولما قدم مكة أقبل على العبادة وحدث بها عن أبي عمرو بن العلاء وروى عنه ابنه محمد وأبو عمرو والدوري وأبو شعيب السوسي وغيرهم وخالف أبا عمرو في حروف يسيرة وكان يجلس هو والكسائي في مجلس واحد ويقرئان الناس وتنازعا مرة في مجلس المأمون قبل أن يلي الخلافة في بيت شعر فظهر اليزيدي وضرب بقلنسوته الأرض وقال أنا أبو محمد فقال المأمون والله لخطأ الكسائي مع حسن أدبه أحسن من صوابك مع سوء أدبك فقال إن حلاوة الظفر أذهبت عني حسن التحفظ وكان الكسائي يؤدب الأمين ويأخذ عليه حرف حمزة وهو يؤدب المأمون ويأخذ عليه حرف أبي عمرو اه
وفيها الفضل بن سهل ذو الرياستين وزير المأمون قتله بعض أعدائه في حمام بسرحس فانزعج المأمون وتأسف عليه وقتل به جماعة وكان من مسلمة المجوس وقال ابن الأهدل الفضل بن سهل وزير المأمون السرخسي وسرخس بالخاء المعجمة مدينة بخراسان وكان يلقب بذى الرياستين وكان محتدا في علم النجوم كثير الإصابة فيه من ذلك أن المأمون لما أرسل طاهرا لحرب الأمين وكان طاهر ذا يمينين أخبره أنه يظفر بالأمين ويلقب بذي اليمينين وكان كذلك واختار لطاهر وقتا عقد له فيه اللواء وقال عقدته لك خمسا وستين لا يحل فكان كذلك ووجد في تركته أخبار عن نفسه أنه يعيش ثماني وأربعين سنة ثم يقتل بين الماء والنار فعاش هذه المدة ثم دس عليه خال المأمون غالب فدخل عليه الحمام

بسرخس ومعه جماعة فقتلوه في السنة المذكورة وقيل في التي تليها وله ثمان وأربعون سنة وأشهر وقد مدحه الشعراء فأكثروا من ذلك قول سالم بن الوليد الأنصاري من قصيدة له
( أقمت خلافة وأزلت أخرى ** جليل ما أقمت ما أزلتا ) اه

سنة ثلاث ومائتين

فيها استوثقت الممالك للمأمون وقدم بغداد في رمضان من خراسان واتخذها سكنا
وفيها في الحجة حدث بخراسان زلازل أقامت سبعين يوما وهلك بها خلق كثير وبلاد كثيرة
وفيها غلبت السوداء على عقل الحسن بن سهل حتى شد في الحديد
وفيها توفي أزهر بن سعد السمان أبو بكر البصري روى عن سليمان التيمي وطبقته وعاش أربعا وتسعين سنة قال ابن ناصر الدين كان ثقة من فضلاء الأئمة وعلماء الأمة وقال ابن الأهدل كان يصحب المنصور قبل خلافته فجاء يسلم عليه بالخلافة ويهنئه فحجبه فترصد يوم جلوسه العام فقال ما جاء بك قال جئت مهنئا للأمير فأعطاه ألفا وقال لا تعد فقد قضيت التهنئة فجاءه من قابل فسأله فقال سمعت بمرضك فجئت عائدا فأمر له بألف وقال قولوا له لا تعد فقد قضيت وظيفة العيادة وأنا قليل المرض ثم جاء من قابل فسأله فقال سمعت منك دعاءا فأردت أتحفظه فقال إنه غير مستجاب لأني دعوت به أن لا تعود فعدت اه
وفي ذي القعدة الإمام حسين بن علي الجعفي مولاهم الكوفي المقرىء الحافظ روى عن الأعمش وجماعة قال أحمد بن حنبل ما رأيت أفضل منه ومن سعيد ابن عامر الضبعي وقال يحيى بن يحيى النيسابوري أن بقي أحد من الأبدال فحسين الجعفي وكان مع تقدمه في العلم رأسا في الزهد والعبادة وقال ابن ناصر الدين هو ثقة وكان يقال له راهب الكوفة


وفيها الحسين بن الوليد النيسابوري رحل وأخذ عن مالك بن مغول وطبقته وقرأ القرآن على الكسائي وكان كثير الغزو والجهاد والكرم
وفيها خزيمة بن خازم الخراساني الأمير أحد القواد الكبار العباسية
وداود بن يحيى بن يمان العجلي ثقة
وزيد بن الخباب أبو الحسين الكوفي سمع مالك بن مغول وخلقا كثيرا وكان حافظا صاحب حديث واسع الرحلة صابرا على الفقر والفاقة
وفيها عثمان بن عبد الرحمن الحراني الطرائفي وكان يتبع طرائف الحديث فقيل له الطرائقي روى عن هشام بن حسان وطبقته وهو صدوق
وعلي بن موسى الرضي الإمام أبو الحسن الحسيني بطوس وله خمسون سنة وله مشهد كبير بطوس يزار روى عن أبيه موسى الكاظم عن جده جعفر ابن محمد الصادق وهو أحد الأئمة الاثني عشر في اعتقاد الإمامية ولد بالمدينة سنة ثلاث أو إحدى وخمسين وماية ومات بطوس وصلى عليه المأمون ودفنه بجنب أبيه الرشيد وكان موته بالحمى وقيل بالسم وكان المأمون أرسله إلى أخيه زيد بن موسى وقد قام بالبصرة ليرده عن ذلك فقال على يا زيد ما تريد بهذا فعلت بالمسلمين الأذى وتزعم أنك من ولد فاطمة والله لأشد الناس عليك رسول الله صلى الله عليه وسلم يا زيد ينبغي لمن أخذ برسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعطي به ولما بلغ كلامه المأمون وبكى وقال في المغني علي بن موسى بن جعفر الرضي عن آبائه قال ابن طاهر يأتي عن آبائه بعجائب قلت الشأن في صحة الإسناد إليه فإنه كذب عليه وعلى جده اه
وفيها أبو داود الحفري عمر بن سعد بالكوفة روى عن مالك بن مغول ومسعر وكان من عباد المحدثين قال أبو حمدون المقرئ لما دفناه تركنا بابه مفتوحا ما خلف شيئا وقال ابن المديني ما رأيت بالكوفة أعبد منه وقال وكيع إن كان يدفع بأحد في زماننا فيأتي داود الحفري


وفيها عمر بن عبد الله بن رزين السلمي النيسابوري رحل وسمع محمد بن اسحق وطبقته قال سهل بن عمار لم يكن بخراسان أنبل منه
وفيها أبو حفص عمر بن يونس اليمامي روى عن عكرمة بن عمار وجماعة وكان ثقة مكثرا
وفيها محمد بن بكر البرساني بالبصرة روى عن ابن جريج وكان أحد الثقات الأدباء الظرفاء
ومحمد بن بشر العبدي الكوفي الحافظ روى عن الأعمش وطبقته قال أبو داود هو احفظ من كان بالكوفة في وقته وقال ابن ناصر الدين محمد بن بشر العبدي الكوفي أبو عبد الله ثقة أحفظ من كان بالكوفة اه
ومحمد بن عبد الله أبو أحمد الزبيري الأسدي مولاهم الكوفي روى عن يونس ابن إسحق وطبقته وقال أبو حاتم كان ثقة حافظا عابدا مجتهدا له أوهام
وأبو جعفر محمد بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن الحسين الحسيني المدني الملقب بالديباج روى عن أبيه وكان قد خرج بمكة سنة مائتين ثم عجز وخلع نفسه وأرسل إلى المأمون فمات بجرجان ونزل المأمون في لحده وكان عاقلا شجاعا يصوم يوما ويفطر يوما يقال أنه جامع وافتصد ودخل الحمام في يوم فمات فجاءة
وفيها مصعب بن المقدام الكوفي روى عن ابن جريج وجماعة
وفيها النضر بن شميل بن خرشة بن يزيد بن كلثوم المازني مازن بن مالك بن عمرو ابن تيم بن مرأ بو الحسن البصري نزيل مرووعالمها كان أماما حافظا جليل الشأن وهو أول من أظهر السنة بمرو وجميع بلاد خراسان روى عن حميد وهشام بن عروة والكبار وكان رأسا في الحديث رأسا في ا للغة والنحو ثقة صاحب سنة قال ابن الأهدل ضاقت معيشته بالبصرة فرحل إلى خراسان فشيعه من البصرة نحو من ثلثمائة عالم فقال لهم لو وجدت كل يوم كليجة باقلاء ما فارقتكم فلم يكن فيهم من تكفل له بذلك وأقام

بمرو واجتمع له هناك مال سمع النضر من هشام بن عروة وغيره من أئمة التابعين وسمع عليه ابن معين وابن المديني وغيرهم وروى المأمون يوما عن هشيم بسنده المتصل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تزوج المرأة لدينها وجمالها فيها سداد من عوز بفتح السين فرده النضر وقال هو بكسر السين فقال له المأمون تلحنني فأقصر فقال إنما لحن هشيم وكان لحانة لأن السداد بالفتح القصد في الدنيا والسبيل وبالكسر البلغة وكل ما سددت به شيئا فهو سداد يعني بكسر السين ومنه قول العرجي
( أضاعوني وأى فتى أضاعوا ** ليوم كريهة وسداد ثغر )
فأمر له بجائزة جزيلة والعرجي المذكور منسوب إلى العرج منزلة بين مكة والمدينة شاعر مشهور أموي حبسه محمد بن هشام المخزومي أمير مكة وخال عبد الملك لما شبب بأمه فأقام في الحبس سبع سنين ومات فيه عن ثمانين سنة وبعد البيت المذكور
( وصبر عند معترك المنايا ** وقد شرعت أسنتها بنحري )
وفيها الوليد بن القسم الهمذاني الكوفي روى عن الأعمش وطبقته وكان ثقة
وفيها الوليد مزيد العذري البيروتي صاحب الأوزاعي
وفيها الإمام الحبر أبو زكريا يحيى بن آدم الكوفي المقرىء الحافظ الفقيه أخذ القراءة عن أبي بكر بن عياش وسمع من يونس بن أبي أسحق ونصر بن خليفة وهذه الطبقة وصنف التصانيف قال أبو أسامة كان بعد الثوري في زمانه يحيى ابن آدم وقال أبو داود يحيى بن آدم واحد الناس وذكره ابن المديني فقال رحمه الله أي علم كان عنده وقال ابن ناصر الدين يحيى بن آدم بن سليمان القرشي مولاهم الكوفي الأحوال أبو زكريا روى عنه أحمد واسحق وغيرهما وكان إماما علامة من المصنفين حافظا ثقة فقيها من المتقنين اه

سنة أربع ومائتين

فيها أعاد المأمون لبس السواد وفيها في سلخ رجب توفي فقيه العصر والإمام الكبير والجليل الخطير أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي المطلبي بمصر وله أربع وخمسون سنة أخذ عن مالك ومسلم بن خالد الزنجي وطبقتهما وكان مولده بغزة ونقل إلى مكة وله سنتان قال المزني ما رأيت أحسن وجها من الشافعي إذا قبض على لحيته لا تفضل عن قبضته وقال الزعفراني كان خفيف العارضين يخضب بالحناء وكان حاذقا بالرمى يصيب تسعة من العشرة وقال الشافعي استعملت اللبان سنة الحفظ فأعقبني صب الدم سنة قال يونس بن عبد الأعلى لو جمعت أمة لوسعهم وقال اسحق بن راهويه لقيني أحمد بن حنبل بمكة فقال تعال حتى أريك رجلا لم تر عيناك مثله قال فأقامني على الشافعي وقال أبو ثور الفقيه ما رأيت مثل الشافعي ولا رأى مثل نفسه وقال الشافعي سميت ببغداد ناصر الحديث وقال أبو داود ما أعلم للشافعي حديثا خطأ وقال الشافعي ما شيء أبغض إلى من الكلام وأهله قاله في العبر وقال السيوطي في حسن المحاضرة الإمام الشافعي أبو عبد الله محمد ابن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن عبد يزيد بن هاشم بن المطلب بن عبد مناف جد رسول الله صلى الله عليه وسلم والسايب جده صحابي أسلم يوم بدر وكذا ابنه شافع لقي النبي صلى الله عليه وسلم وهو مترعرع ولد الشافعي سنة خمسين وماية بغزة أو بعسقلان أو اليمن أو اليمن أو مني أقوال ونشأ بمكة وحفظ القرآن وهو ابن سبع سنين والموطأ وهو إبن عشر وتفقه على مسلم بن خالد الزنجي مفتي مكة وأذن له في الإفتاء وعمره خمس عشرة سنة ثم لازم مالكا بالمدينة وقدم بغداد سنة خمس وتسعين فاجتمع عليه علماؤها وأخذوا عنه وأقام بها حولين وصنف بها كتابه القديم ثم عاد إلى مكة ثم خرج إلى بغداد سنة ثمان وتسعين فأقام بها شهرا ثم خرج إلى مصر وصنف به كتبه الجديدة

كالأم والأ مالي الكبرى والإملاء الصغير ومختصر البويطي ومختصر المزني ومختصر الربيع والرسالة والسنن قال ابن زولاق صنف الشافعي نحوا من مائتي جزء ولم يزل بها ناشرا للعلم ملازما للإشتغال إلى أن أصابته ضربة شديدة فمرض بسببها أياما ثم مات يوم الجمعة سلخ رجب سنة أربع ومائتين قال ابن عبد الحكم لما حملت أم الشافعي به رأت كأن المشتري خرج من فرجها حتى انقض بمصر ثم وقع في كل بلد منه شظية فتأوله أصحاب الرؤيا أنه يخرج عالم يخص علمه أهل مصر ثم يتفق في سائر البلدان وقال الإمام أحمد أن الله تعالى يقيض للناس في كل راس مائة سنة من يعلمهم السنن وينفى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الكذب فنظرنا فإذا في رأس المائة عمر بن عبد العزيز وفي رأس المائتين الشافعي وقال ابن الربيع كان الشافعي يفتي وله خمس عشرة سنة وكان يحيى الليل إلى أن مات وقال أبو ثور كتب عبد الرحمن بن مهدي إلى الشافعي أن يضع له كتابا فيه معاني القرآن ويجمع مقبول الأخبار فيه وحجة الإجماع وبيان الناسخ والمنسوخ من القرآن والسنة فوضع له كتاب الرسالة قال الأسنوي الشافعي أول من صنف في أصول الفقه باجماع وأول من قرر ناسخ الحديث من منسوخه وأول من صنف في أبواب كثيرة من الفقه معروفة اه كلام السيوطي وكان يقول وددت أن لو أخذ عني هذا العلم من غير أن ينسب إلى منه شيء وقال ما ناظرت أحدا إلا وددت أن يظهر الله الحق على يديه وكان يقول لأحمد بن حنبل يا أبا عبد الله أنت أعلم بالحديث مني فإذا صح الحديث فأعلمني حتى أذهب إليه شاميا كان أو كوفيا أو بصريا وكان رضي الله عنه مع جلالة قدره شاعرا مفلقا مطبوعا فمن شعره الرائق الفائق قوله
( وما هي إلا جيفة مستحيلة ** عليها كلاب همهن اجتذابها )
( فإن تجتنبها كنت سلما لأهلها ** وأن تجتذبها نازعتك كلابها ) وقوله


( ماحك جلدك مثل ظفرك ** فتول أنت جميع أمرك )
( وإذا بليت بحاجة ** فاقصد لمعترف بقدرك )
وقوله معارضا لابن الأزرق وهو الغاية في المتانة
( إن الذي رزق اليسار ولم ينل ** أجرا ولا حمدا لغير موفق )
( الجد يدني كل أمر شاسع ** والجد يفتح كل باب مغلق )
( فإذا سمعت بأن مجدودا حوى ** عودا فأتمر في يديه فصدق )
( وإذا سمعت بأن مجذوذا أتى ** ماءا ليشر به فغاض فحقق )
( لو أن بالحيل الغنى لوجدتني ** بنجوم ارجاء السماء تعلقي )
( لكن من رزق الحجا حرم الغنى ** ضدان مفترقان أي تفرق )
وأحق خلق الله بالهم امرؤ ** ذو همة يبلى برزق ضيق )
( ومن الدليل على القضاء وكونه ** بؤس اللبيب وطيب عيش الأحمق )
وله
( من نال منى أو علقت بذمته ** أبرأته لله شاكر منته )
( أأرى معوق مؤمن يوم الجزا ** أو أن أسوء محمدا في امته )
وقال
( إذا المرء أفشى بسره لصديقه ** ودل عليه غيره فهو أحمق )
( إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه ** فصدر الذي أودعته السر أضيق ) ومما ينسب إليه
( على ثياب لو تباع جميعها ** بفلس لكان الفلس منهن أكثرا )
( وفيهن نفس لو تقاس بمثلها ** نفوس الورى كانت أعزو أكبرا )
وفيها قاضي ديار مصر اسحق بن الفرات أبو نعيم التجيبي صاحب مالك قال الشافعي ما رأيت بمصر أعلم باختلاف الناس من اسحق بن الفرات رحمه الله وقد روى اسحق رحمه الله أيضا عن حميد بن هاني والليث بن سعد وغيرهما


وفي ثامن عشر شعبان أشهب بن عبد العزيز أبو عمرو العامري صاحب مالك وله أربع وستون سنة وكان ذا مال وحشمة وجلالة قال الشافعي ما أخرجت مصر أفقه من أشهب لولا طيش فيه وكان محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أشهب يفضل أشهب على ابن القاسم قال ابن عبد الحكم سمعت أشهب يدعوه على الشافعي بالموت فبلغ ذلك الشافعي فقال
( تمنى رجال أن أموت وأن أمت ** فتلك طريق لست فيها بأ وحد )
( فقل للذي يبغي خلاف الذي مضى ** تزود لأخرى مثلها فكأن قد )
ومكث أشهب بعد الشافعي شهرا قال ابن عبد الحكم وكان قد اشترى من تركة الشافعي عبدا فاشتريت ذلك العبد من تركه أشهب
وفيها أبو على الحسن بن زياد اللؤلؤى الكوفي قاضي الكوفة وصاحب أبي حنيفة وكان يقول كتبت عن ابن جريج اثني عشر أف حديث قال في العبر ولم يخرجوا له في الكتب الستة لضعفه وكان رأسا في الفقه اه
وفيها الإمام أبو داود الطيالسي واسمه سليمان بن داود البصري الحافظ صاحب المسند كان يسرد من حفظه ثلاثين ألف حديث قال الفلاس ما رأيت احفظ منه وقال عبد الرحمن بن مهدي هو أصدق الناس قال في العبر قلت كتب عن ألف شيخ منهم أبوعون وطبقته اه وقال ابن ناصر الدين الحافظ الكبير من الحفاظ المكثرين قيل غلط في أحاديث رواها من لفظه وأتى في ذلك من قبل اتكاله على حفظه قال عمر بن شيبة كتبوا عن أبي داود من حفظه أربعين ألف حديث اه وقيل أنه أكل حب البلادر لأجل الحفظ والفهم فأحدث له جزاما وبرصا
وفيها شجاع بن الوليد الكوفه أبو بدر قال ابن ناصر الدين كان ثقة ورعا عابدا متقنا اه وقال في العبر كان من صلحاء المحدثين وعلمائهم روى عن الأعمش والكبار قال سفيان الثوري ليس بالكفوة أعبد من شجاع بن الوليد اه
وفيها أبو بكر الحنفي عبدا لكبير بن عبد المجيد أخو أبي على الحنفي بصرى مشهور صاحب حديث روى عن خيثم بن غزال وجماعة


وفيها أبو نصر عبد الوهاب بن عطاء الخفاف بصري صاحب حديث واتقان سمع من حميد وخالد الحذاء وطائفة قال ابن ناصر الدين عبد الوهاب بن عطاء العجلي الخفاف أبو نصر أحد علماء البصرة والحفاظ المهرة جاء توثيقه عن الدارقطني وابن معين وتكلم فيه البخاري وغيره بأنه ليس بالقوى فقيه لين اه
وفيها هشام بن محمد بن السائب الكلبي الأخباري النسابة صاحب كتاب الجمهرة في النسب ومصنفاته تزيد على مائة وخمسين تصنيفا في التاريخ والأخبار وكان حافظا علامة إلا أنه متروك الحديث فيه رفض روى عن أبيه وعن مجالدين سعيد وغيرهما قاله في العبر

سنة خمس ومائتين

فيها توفي اسحق بن منصور السكوني الكوفي روى عن إسرائيل وطبقته
وفيها أبو عبد الله بسر بن بكر الدمشقي ثم التنيسي محدث تنيس حدث عن الأوزاعي وجماعة
زفي جمادى الأولى أبو محمد روح بن عبادة القيسي البصري الحافظ روى عن ابن عون وابن جريج وصنف في السنن والتفسير وغير ذلك وعمر دهرا قال ابن ناصر الدين روح بن عبادة بن العلاء بن حسان القيسي البصري أبو محمد ثقة مكثر مفسر انتهى
وفيها الزاهد القدوة أبو سليمان الدارني العنسي أحد الإبدال كان عديم النظير زهدا وصلاحا وله كلام رفيع في التصوف والمواعظ من كلامه من أحسن في نهاره كوفيء في ليلة ومن أحسن في ليله كوفيء في نهاره ومن صدق في ترك شهوة ذهب الله بها من قلبه والله أكرم من أن يعذب قلبا ترك شهوة له وأفضل الأعمال خلاف هوى النفس وله كرامات و خوارق ونسبته إلى داريا قربة بغوطة دمشق أو داران قيل وهذا الصحيح والعنسى نسبة إلى عنس بن مالك رجل من مذحج


وفيها أوفى التي قبلها وبه جزم ابن ناصر الدين أبو عامر العقدي عبد الملك ابن عمرو والبصري أحد الثقات المكثرين روى عن هشام الدستوائي وأقراه قال ابن ناصر الدين كان أماما أمينا ثقة مأمونا
وفيها محمد بن عبيد الطنافسي الأحدب الكوفي الحافظ سمع هشام بن عروة والكبار قال ابن سعد كان ثقة صاحب سنة وقال ابن ناصر الدين هو وأخواه يعلى وعمر من الموثقين اه
وفيها قارىء أهل البصرة يعقوب بن أسحق الحضرمي مولاهم المقرىء النحوي أحد الأعلام قرأ على أبي المنذر سلام الطويل وسمع من شعبة وأقرانه تصدر للأقراء والتحديث وحمل عنه خلق كثير وله في القراءة رواية مشهورة ثامنة على قراءة السبعة رواها عنه روح بن عبد المؤمن وغيره واقتدى به البصريون وأكثرهم على مذهبه بعد أبى عمرو بن العلاء وقد حافظ البغوي في تفسيره على رواية قراءته وقراءة أبي جعفر يزيد بن القعقاع وذكر سندهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو حاتم السمتاني كان يعقوب الحضرمي أعلم من أدركنا في الحروف والإختلاف في القرآن العظيم وتعليله ومذاهبه ومذاهب النحو بين فيه وكتابه الجامع جمع فيه بين عامة الإختلاف ووجوه الفراءات ونسب كل حرف إلى من قرأ به

سنة ست ومائتين

فيها استعمل المأمون على بغداد اسحق بن إبراهيم الخزاعي فوليها مدة وهو الذي كن يمتحن الناس بخلق القرآن في أيام ا لمأمون والمعتصم والواثق
وفيها كان المد الذي غرق منه السواد وذهبت الغلات
وفيها نكث بابك الخرمي عيسى بن محمد بن أبي خالد
وفيها استعمل المأمون على تجارته نصر بن شيث وولاه الديار المصرية


وفيها في رجب توفي أبو حذيفة اسحق بن بشر البخاري وصاحب المبتدأ روى عن إسماعيل بن أبي خالد وابن جريح والكبار فأكثر وأغرب وأتى بالطامات فتركوه
وفيها في ربيع الأول حجاج بن محمد المصيصي الأعور صاحب ابن جريج وأحد الحفاظ الثقات المتقنين المكثرين الضابطين قال أحمد ما كان أصح حديثه وأضبطه وأشد تعاهده للحروف
وشبابة بن سوار المدايني الحافظ روى عن ابن أبي ذئب وطبقته وكان ثقة مرجئا
وفي رمضان عبد الله بن نافع المدني الصائغ الفقيه صاحب مالك روى عن زيد بن أسلم وطائفة قال أحمد بن صالح كان أعلم الناس برأى مالك وحديثه وقال أحمد بن حنبل لم يكن صاحب حديث بل كان صاحب رأى مالك ومفتي المدينة وخرج له مسلم والأربعة قال في المغني عبد الله بن نافع الصائغ عن مالك وثق وقال البخاري في حفظه شيء وقال أحمد بن حنبل لم يكن بذاك في الحديث اه
وفيها محاضر بن المورع الكوفي روى عن عاصم الأحول وطبقته وهو صدوق وقد خرج له مسلم وأبو داود والنسائي قال في المغني عن الأعمش وغيره قال أبو زرعة صدوق وقال أبو حاتم ليس بالقوي وقال أحمد كان مغفلا جدا لم يكن من أصحاب الحديث أه
وفيها قطرب النحوي صاحب سيبويه وهو الذي سماه قطربا لأنه كان يبكر في المجيء إليه فقال ما أنت إلا قطرب ليل وهي دويبة لا تزال تدب ولا تهتدي فغلب عليه وكنية قطرب أبو على واسمه محمد بن المستنير البصري اللغوي كان من أئمة عصره صنف معاني القرآن وكتاب الإشتقاق وكتاب القوافي وكتاب النوادر وكتاب الأزمنة وكتاب الأصول وكتاب الصفات وكتاب

العلل في النحو وكتاب الأضداد وكتاب خلق الإنسان وكتاب خلق الفرس وكتاب غريب الحديث وكتاب الهمز وكتاب فعل وأفعل وكتاب الرد على الملحدين في متشابه القرآن وغير ذلك وهو أول من وضع المثلث في اللغة وتبعه البطليوسي والخطيب وكان يعلم أولاد أبي دلف العجلي
وفيها مؤمل بن إسماعيل في رمضان بمكة وكان من ثقات البصريين روى عن شعبة والثوري
وفيها أبو العباس وهب بن جرير بن حازم الأزدي البصري الحافظ أكثر عن أبيه وابن عون وعدة
وفيها الإمام الزياتي يزيد بن هارون أبو خالد الواسطي الحافظ روى عن عاصم الأحول والكبار قال علي بن المديني مارأيت رجلا قط احفظ من يزيد ابن هارون يقول احفظ أربعة وعشرين ألف حديث بإسنادها ولا فخر وقال يحيى بن يحييى التميمي هو احفظ من وكيع وقال أحمد بن سنان القطان كان هو وهشيم معروفان بطول صلاة الليل والنهار وقال يحيى بن أبي طالب سمعت من يزيد ببغداد وكان يقال أن في مجلسه سبعين ألفا وقال ابن ناصر الدين كان حافظا إماما ثقة مأمونا مناقبه جمة خطيرة قال شعيب سمعت يزيد يقول احفظ أربعة وعشرين ألف حديث ولا فخر واحفظ للشاميين عشرين ألفا لا أسأل عنها اه

سنة سبع ومائتين

فيها توفي طاهر بن الحسين فجاءة على فراشه وحم ليلة وكان تلك الأيام قد قطع دعوة المأمون على وعزم على الخروج عليه فأتى الخبر إلى المأمون بأنه خلعه فما أمسي حتى جاءه الخبر بموته وقام بعده ابنه طلحة فأقره المأمون على خراسان فوليها سبع سنين وبعده ولى أخوه عبد الله قال ابن الأهدل طاهر بن الحسين الخزاعي وقيل مولاهم الملقب ذا اليمينين كان جوادا شجاعا ممدحا وهو الذي قتل

الأمين وكان المأمون قد أخدمه غلاما رباه وأمره أن رأى منه ما يريبه سمه فلما تمكن طاهر من خراسان قطع خطبة المأمون أي وخطب لنفسه فأصبح يوم السبت ميتا واستخلف المأمون ولده طلحة بن طاهر وقيل جعله نائبا لأخيه عبد الله بن طاهر وسيأتي ذكر ولده عبد الله سنة ثلاثين وولد ولده سنة ثلثمائة أه
وفيها أبو عون جعفر بن عون بن جعفر بن عمرو حريث المخزومي العمري الكوفي عن نيف وتسعين سنة سمع من الأعمش وإسماعيل بن أبي خالد والكبار قال أبو حاتم صدوق
وعبد الصمد بن عبد الوارث بن سعيد التميمي التنوري أبو سهل روى عن أبيه وهشام الدستوائي وشعبة وكان ثقة صاحب حديث قال ابن ناصر الدين كان محدث البصرة وأحد الثقات اه
وفيها عمر بن حبيب العدوي البصري في أول السنة روى عن حميد الطويل ويونس بن عبيد وجماعة وولي قضاء الشرقية للمأمون قال ابن عدي هو مع ضعفه حسن الحديث وقال في المغني عمر بن حبيب العدوي القاضي عن هشام بن عروة كذبه ابن معين وقال النسائي ضعيف وقال ابن عدي مع ضعفه يكتب حديثه اه
وفيها قراد أبو نوح بن غزوان عبد الرحمن بن غزوان الخزاعي توفي ببغداد وحدث عن عوف وشعبة وطائفة قال أحمد بن حنبل كان عاقلا من الرجال وقال ابن المديني ثقة وقال ابن معين ليس به بأس
وكثير بن هشام الكلابي الرقي راوية جعفر بن برقان توفي ببغداد في شعبان
وفيها محمد بن عبد الله بن كناسة الأسدي النحوي الأخباري الكوفي سمع هشام بن عروة والأعمش ومات في شوال على الصحيح قال في المغني محمد بن كناسة الأسدي عن الأعمش وثقه ابن معين وغيره وقال أبو حاتم لا يحتج به أه


والواقدي قاضي بغداد أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد الأسلمي المدني العلامة أحد أوعية العلم روى عن ثور بن يزيد وابن جريج وطبقتهما وكان يقول حفظي أكثر من كتبي وقد تحول مرة فكانت كتبه مائة وعشرين حملا ضعفه الجماعة كلهم قال ابن ناصر الدين أجمع الأئمة على ترك حديثه حاشا ابن ماجه لكنه لم يجسر أن يسميه حين أخرج حديثه في اللباس يوم الجمعة وحسبك ضعفا بمن لا يجسر أن يسميه ابن ماجه اه وقال الذهبي في كتابه المغني في الضعفاء محمد بن عمر بن واقد الأسلمي مولاهم الواقدي صاحب التصانيف مجمع على تركه وقال ابن عدي يروي أحاديث غير محفوظة والبلاء منه وقال النسائي كان يضع الحديث وقال ابن ماجه حدثنا ابن أبي شيبة حدثنا شيخ ثنا عبد الحميد بن صفوان فذكر حديثا في لباس الجمعة وحسبك بمن لا يجسر ابن ماجه أن يسميه اه قلت وقد كذبه أحمد والله أعلم وقال ابن الأهدل الإمام الواقدي أبو عبد الله محمد بن واقد الاسلمي قاضي بغداد كان يقول حفظي أكثر من كتبي وكانت كتبه مائة وعشرين حملا وضعفه أهل الحديث ووثقوا كاتبه محمد بن سعد من تصانيفه كتاب الردة ذكر فيه المرتدين وما جرى بسببهم وكان المأمون يكرمه ويراعيه روى عنه قال كان لي صديقان أحدهما هاشمي وكنا كنفس واحدة فشكوت إليه عسرة فوجه إلي كيسا مختوما فيه ألف درهم فما استقر في يدي حتى جاءني كتاب صديقي الآخر يشكو مثل ذلك فوجهته إليه كما هو وخرجت إلى المسجد فبت في حياء من زوجتي ثم إن صديقي الهاشمي شكا إلى صديقي الآخر فأخرجه إليه بحالة هـ فجاءني به حين عرفه وقال اصدقني كيف خرج منك فعرفته الحكاية فتواجهنا وتواسيناه بيننا وعزلنا للمرأة مائة درهم ونمى الخبر إلى المأمون فوجه إلى كل منا ألف دينار وللمرأة ألفا وقد ذكر هذه الحكاية الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد أه كلام ابن الأهدل
وفيها بشر بن عمر الزهراني كان ثقة متقنا ذا علم وحديث وكنيته أبو محمد
وفيها أبو كامل مظفر بن مدرك الخراساني ثم البغدادي كان ثقة مأمونا أخذ

عنه أحمد بن حنبل ويحي بن معين وآخرون
وفيها أبو نضر هاشم بن القاسم الخراساني قيصر نزل بغداد وكان حافظا قوالا بالحق سمع شعبة وابن أبي ذئب وطبققتهما ووثقه جماعة قال ابن ناصر الدين هو ثقة ماجد شيخ لأحمد بن حنبل اه
وفيها الهيثم بن عدي أبو عبد الرحمن الطائي الكوفي الأخباري المؤرخ روى عن مجالد وابن إسحاق وجماعة وهو متروك الحديث وقال أبو داود السجستاني كذاب
وفيها الفراء يحيى بن زياد الكوفي النحوي نزل بغداد وحدث في مصنفاته عن قيس بن الربيع وأبي الأحوص وهو أجل أصحاب الكسائي كان رأسا في النحو واللغة قال ابن الأهدل في تاريخه الإمام البارع يحيى بن زياد الفرائ كوفي أجل أصحاب الكسائي هو والأحمر قيل لولاه لما كانت عربيه لأنه هذبها وضبطها وقال ثمامة بن أشرس المعتزلي ذاكرت الفراء فوجدته في النحو نسيج وحده وفي اللغة بحرا وفي الفقه عارفا باختلاف القوم وفي الطب خبيرا وبأيام العرب وأشعارها حاذقا ولحن يوما بحضرة الرشيد فرد عليه فقال يا أمير المؤمنين إن طباع الأعراب والحضر اللحن فإذا تحفظت لم ألحن وإذا رجعت إلى الطبع لحنت صنف الفراء للمأمون كتاب الحدود في النحو وكتاب المعاني واجتمع لإملائه خلق كثير منهم ثمانون قاضيا وعمل كتابا على جميع القرآن في نحو ألف ورقة لم يعمل مثله وكل تصنيفه حفظا لم يأخذه بيده نسخة إلا كتاب على جميع القرآن في نحو ألف ورقة لم يعمل مثله وكل تصنيفه حفظا لم يأخذ بيده نسخة إلا كتاب ملازم وكتاب نافع وعجب له تعظيم الكسائي وهو أعلم بالنحو منه قال الفراء أموت وفي نفسي من حتى شيء لأنها تجلب الحركات الثلاثة ولم يعمل الفراء ولا باعها وإنما كان يفري الكلام وقطعت يد والده في مقتلة الحسين بن علي رضي الله عنه وكان يؤدب ابني المأمون فطلب نعليه يوما فابتدر إليهما يسبق إلى تقديمهما له فقال له المأمون ما أعز من يتبادر إلى تقديم نعليه وليا عهد المسلمين فقال ما كنت أدفعهما عن مكرمة سبقا إليها وشريفة حرصا عليها وقد أمسك ابن عباس بركابي الحسن والحسين وقد خرجا من عنده فقال المأمون لو منعتهما لأوجعتك

لوما فلا يحسن ترفع الرجل عن ثلاثة والده وسلطانه ومعلمه وأعطاهما عشرين ألف دينار وأعطاه عشرة آلاف وروى أن محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة سأل الفقراء وهو ابن خالته عمن سها في سجود السهو فقال لا شيء عليه لأن المصغر لا يصغر وروى مثلك عن الكسائي انتهى كلام ابن الأهدل

سنة ثمان ومائتين

فيها جاء سيل بمكة حتى بلغ الماء الحجر والباب وهدم أكثر من ألف دار ومات نحو من ألف إنسان
وفيها سار الحسن بن الحسين بن مصعب الخزاعي إلى كرمان فخرج بها فسار لحربه أحمد بن أبي خالد فظفر به وأتى به المأمون فعفا عنه
وفيها توفي الأسود بن عامر شاذان أبو عبد الرحمن ببغداد روى عن هشام ابن حسان وشعبة وجماعة قال ابن ناصر الدين كان ثقة حافظا
وسعيد بن عامر الضبعي أبو محمد البصري أحد الأعلام في العلم والعمل روى عن يونس بن عبيد وسعيد بن أبي عروبة وطائفة قال أحمد بن حنبل ما رأيت أفضل منه وقال ابن ناصر الدين وأخذ عنه أحمد بن حنبل وغيره وقال يحيى القطان هو شيخ المصر منذ أربعين سنة اه وتوفي في شوال
وعبد الله بن السهمي الباهلي أبو وهب البصري روى عن حميد الطويل وبهز بن حكيم وطائفة وكان ثقة مشهورا توفي في المحرم ببغداد
والفضل بن الربيع بن يونس الأمير حاجب الرشيد وابن حاجب المنصور وهو الذي قام بأعباء خلافة الأمين ثم اختفى مدة بعد قتل الأمين توفي في ذي القعدة قال ابن الأهدل هو وزير الرشيد بدلا عن البرامكة وقد كان بينه وبينهم أحن وشحناء دخل يوما على يحيى بن خالد وابنه جعفر يوقع بين يديه فعرض عليه الفضل عشر رقاع للناس فلم يوقع له في واحدة منهن فجمع رقاعه وقال ارجعن خائبات وخرج وهو يقول


( عسى وعسى يثني الزمان عنانه ** بتصريف حال والزمان عثور )
( فتقضي لبانات وتشفي حسايف ** ويحدث من بعد الأمور أمور )
والحسائف الضغائن فقال له يحيى عزمت عليك يا أبا العباس إلا رجعت فرجع فوقع له فيها كلها ولم يمتد أمرهم بعدها وكانت نكبتهم على يداه
وفيها توفيت السيدة نفيسة بنت الأمير حسن بن زيد الحسن بن علي بن أبي طالب الحسنية صاحبة المشهد بمصر ولي أبوها إمرة المدينة للمنصور ثم حبسه دهرا ودخلت هي مصر مع زوجها إسحاق بن جعفر الصادق وتوفيت في شهر رمضان وقال ابن الأهدل وقيل قدمت مصر مع ابنها وكانت من الصالحات سمع عليها الشافعي وحملت جنازته يوم مات فصلت عليه ولما ماتت هم زوجها إسحاق بحملها إلى المدينة فأبى أهل مصر فدفنت بين القاهرة ومصر يقال أن الدعاء يستجاب عند قبرها قال الذهبي ولم يبلغنا شيء من مناقبها وللجهال فيها اعتقاد لا يجوز وقد يبلغ بهم إلى الشرك بالله فإنهم يسجدون للقبر ويطلبون منه المغفرة وكان أخوها القاسم بن حسن زاهدا عابدا قلت وسلسلتها في النسب وسماع الشافعي منها وعليها وحمله ميتا إلى بيتها أعظم منقبة فلم يكن ذلك إلا عن قبول وإقبال وحيت وإجلال نفع الله بها ومبلغها انتهى ما قاله ابن الأهدل
وفيها القاسم بن الحكم العرني الكوفي قاضي همدان روى عن زكريا بن يحيى ابن أبي زائدة وأبي حنيفة وجماعة وقد كان أراد الإمام أحمد أن يرحل إليه وخرج له الترمذي وقال في المغني وثقه النسائي وقال أبو حاتم لا يحتج به اه
وقريش بن أنس البصري روى عن حميد وابن عون وجماعة قال النسائي ثقة إلا أنه تغير ومات في رمضان
ومحمد بن مصعب القرقساني روى عن الأوزاعي وإسرائيل وضعفه النسائي وغيره
وهارون بن علي المنجم الفاضل البغدادي صنق تاريخ المولدين جمع مائة وإحدى وستين شاعرا افتتحه بذكر بشار بن برد وختمه بمحمد بن عبد الملك

ابن صالح واختار من شعرهم الزبد دون الزبد وصنف غير ذلك
ويحي بن حسان التنيسي أبو زكريا روى عن معاوية بن سلام وحماد بن سلمة وطائفة وكان إماما حجة من جلة المصريين توفي في رجب
ويحي بن بكير العبدي قاضي كرمان حدث عن شعبة وأبي جعفر الرازي والكبار وثقه ابن معين وغيره قال ابن ناصر الدين واسم أبيه قيس بن أبي أسيد بالتصغير وكان ثقة أخطأ في إسناد واحد مع كثرة حفظه اه
ويعقوب بن إبراهيم بن سعد الزهري العوفي المدني نزيل بغداد سمع أباه وعاصم بن محمد العمري والليث بن سعد وكان إماما ثقة ورعا كبير القدر
ويونس بن محمد البغدادي المؤدب الحافظ روى عن سفيان وفليح بن سليمان وطائفة وتوفي في صفر قال ابن ناصر الدين يونس بن محمد بن مسلم المكتب كان ثقة اه

سنة تسع ومائتين

فيها طال القتال بين عبد الله بن طاهر ونصر بن شبيب العقيلي إلى أن حضره في قلعة ونال منه فطلب نصر الأمان فكتب له المأمون أمانا وبعثه إليه فنزل وهدم الحصن
وفيها توفي الحسن بن الأشيب أبو علي البغدادي قاضي طبرستان بعد قضاء الموصل روى عن شعبة وحريز بن عثمان وطائفة وكان ثقة مشهورا
وحفص بن عبد الله السلمي أبو عمرو النيسابوري قاضي نيسابور سمع مسعرا ويونس بن أبي إسحاق وأكثر عن إبراهيم بن طهمان ومكث عشرين سنة يقضي بالآثار وكان صدوقا
وأبو علي الحنفي عبيد الله بن عبد الحميد البصري روى عن قرة بن خالد ومالك ابن مغول وطائفة
وعثمان بن عمر ن فارس العبدي البصري الرجل الصالح روى عن ابن عون وهشام بن حسان ويونس بن يزيد وطائفة توفي في ربيع الأول بالبصرة


ويعلى بن عبيد الطنافسي أبو يوسف الكوفي روى عن الأعمش ويحي بن سعيد الأنصاري والكبار فعن أحمد بن يونس قال ما رأيت أفضل منه

سنة عشر ومائتين

فيها على ما قاله ابن الجوزي في الشذور عرس المأمون على بوران ففرش له يوم البناء حصير من ذهب ونثر عليه ألف حبة من الجوهر وأشعل بين يديه شمعة عنبر وزنها مائة رطل ونثر على القواد رقاع بأسماء صياع فمن وقعت بيده رقعة أشهد له الحسن بالضيعة وكان الحسن بن سهل يجري في مدة إقامة المأمون عنده على ستة وثلاثين ألف ملاح فلما أراد المأمون الأصعاد أمر له بألف ألف دينار وأقطعه مدينة الصلح وقال ابن الأهدل وفي سنة عشر ومائتين تزوج المأمون بوران بنت الحسن بن سهل بواسط وكان عرسا لم يسمع بمثله في الدنيا نثر فيه على الهاشميين والقواد الوجوه بنادق مسك فيها رقاع متضمنة لضياع وجوار ودواب ومن وقع في حجره بندقة ملك ما فيها وأقام أبوها الجيش كله بضعة عشر يوما فكتب له المأمون بخراج فارس والأهواز سنة ودخل عليها في الليله الثالثة من وصوله فلما قعد عندها نثرت جدتها ألف درة فقال لها سلي حوائجك فقالت الرضى عن إبراهيم ابن المهدي ففعل ولما أصبح جلس للناس فقال له أحمد بن يوسف الكاتب باليمن والبركة وشدة الحركة والظفر في المعركة فقال يعرض بحيضها
( فارس ماض بحربته ** صادقا بالطعن في الظلم )
( رام أن يدمي فريسته ** فاتقته من دم بدم )
انتهى ما قاله ابن الأهدل
وفيها توفي أبو عمرو الشيباني إسحاق بن مرار الكوفي اللغوي صاحب التصانيف

وله تسعون سنة وكان ثقة علامة خيرا فاضلا
والحسن بن محمد بن أعين الحراني أبو علي مولى بني أمية روى عن فليح بن سليمان وزهير بن معاوية وطائفة
وفيها علي بن جعفر الصادق بن محمد بن علي بن الحسن العلوي الحسيني روى عن أبيه وأخيه موسى وسفيان الثوري وكان من جلة السادة الأشراف
ومحمد بن صالح بن بيهس الكلابي أمير عرب الشام وسيد قيس وفارسها وشاعرها والمقاوم لأبي العميطر السفياني والمحارب له حتى شتت جموعه فولاه المأمون دمشق وكانت له آثار حسنة
وفيها مروان بن محمد الطاطري أبو بكر الدمشقي صاحب سعيد بن عبد العزيز كان إماما ثقة متقنا صالحا خاشعا من جلة الشاميين قال الطبراني كل من يبيع ثياب الكرابيس بدمشق يسمى الطاطري اه
وفيها أو في التي قبلها كما جزم به ابن الجوزي وابن ناصر الدين أبو عبيدة معمر بن المثنى التيمي البصري اللغوي العلامة الأخباري صاحب التصانيف روى عن هشام بن عروة وأبي عمرو بن العلاء وكان أحد أوعية العلم قا ابن ناصر الدين حكى عنه البخاري في تفسير القرآن لبعض لغاته وكان حافظا لعلوم إماما في مصنفاته قال الدارقطني لا بأس به إلا أنه يتهم بشيء من رأي الخوارج أه وقال ابن الأهدل وفي سنة تسع ومائتين توفي معمر بن المثنى التيمي تيم قريش مولاهم كان مع استجماعه لعلوم جمة مقدوحا فيه بأنه يرى رأي الخوارج ويدخله في نسبه وغير ذلك وكانت تصانيفه نحو مائتي مصنف قرأ عليه الرشيد شيئا منها قل أبو نواس الأصمعي بلبل في قفص وأبو عبيدة أديم طوي على علم وخلف الأحمر جمع علوم الناس وفهمها وإنما قال ذلك لأن الأصمعي كان حسن العبارة وكان معمر سيء العبارة وحضر أبو عبيدة ضيافة لموسى بن عبد الرحمن الهلالي فوقع على ثوبه المرق فأقبل موسى يعتذر إليه فقال لا عليك فإن مرقكم لا يؤذي أي ما فيه دسم وله كتاب المجاز وسبب تصنيفه أنه سئل عن قوله تعالى { طلعها كأنه }

رؤوس الشياطين ) قيل له أن الوعد والإيعاد لا يكون إلا بما عرف وهذا لم يعرف فقال خوطب العرب بقدر كلامهم كقول امرئ القيس
( أتقتلني والمشرفي مضاجعي ** ومسنونة زرق كأنياب أغوال )
والغول لم يروها قط ولكنها مما يهولهم وله مع الأصمعي مناظرات وممن أخذ عنه أبو عبيد القاسم بن سلام اه كلام بن الأهدل والله أعلم

سنة إحدى عشرة ومائتين

وفيها أمر المأمون فنودي برئت الذمة ممن ذكر معاوية بخير وأن أفضل الخلق بعد النبي صلى الله عليه وسلم علي رضي الله عنه
وفيها توفي أبو الجواب أحوص بن جواب الكوفي روى عن يونس بن أبي إسحاق وسفيان الثوري وجماعة وخرج له مسلم وأبو داود والترمذي وغيرهم قال في المغني أحوص بن جواب صدوق قال ابن معين ليس بذاك القوي قال أبو حاتم صدوق اه
وأبو العتاهية إسماعيل بن القاسم العنزي الكوفي الشاعر المشهور مولى عنزة مولده بعين التمر بليدة بالحجاز قرب المدينة وأكثر الناس ينسبونه إلى القول بمذهب الفلاسفة وكان يقول بالوعيد وتحريم المكاسب ويتشيع على مذهب الزيدية وكان محيرا وهو من مقدمي المولدين ومن طبقة بشار بن برد وأبي نواس أعطاه المهدي مرة سبعين ألفا وخلع عليه ولما ترك الشعر حبسه في سجن الجرائم وحبس معه بعض أصحاب زيد الهاشمي حبس ليدل عليه فأبى فضربت عنقه وقيل لأبي العتاهية إن قلت الشعر وإلا فعلنا بك مثله فقاله فاطلقوه ويقال إن أبا نواس وجماعة من الشعراء معه دعا أحدهم بماء يشربه فقال عذب الماء فطابا ثم قال أجيزوا فترددوا ولم يعلم أحد منهم ما يجانسه في سهولته وقرب مأخذه حتى طلع أبو العتاهية فقالوا هذا قال وفيم أنتم قالوا قال أحدنا نصف بيت ونحن نخبط في تمامه قال وما الذي قال قالوا عذب الماء فطابا فقال أبو العتاهية

حبذا الماء شرابا
ومن رائق شعره قوله في عتبة جارية الخيزران وكان يهواها ويشبب بها وهو
( بالله يا حلوة العينين زوريني ** قبل الممات وإلا فاستزيريني )
هذان أمران فاختاري أحبهما ** إليك أولا فداعي الموت يدعوني )
( إن شئت مت فأنت الدهر مالكة ** روحي إن شئت أن أحيا فتحميني )
( يا عتب ما أنت إلا بدعة خلقت ** من غير طين وخلق الناس من طين )
( إني لأعجب من حب يقربني ** ممن يباعدني منه ويعصيني )
( أما الكثير فلا أرجوه منك ولو ** أطعمتني في قليل كان يكفيني )
وقوله في تشبيه البنفسج
( ولازوردية تزهو بزرقتها ** بين الرياض على حمر اليواقيت )
( كأنها ورقاق القضب تحملها ** أوائل النار في أطراف كبريت )
قال الشريف العباسي في شرح الشواهد كان أبو العتاهية في أول أمره يتخنث ويحمل زاملة المخنثين ثم كان يبيع الفخار ثم قال الشعر فبرع فيه وتقدم ويقال أطبع الناس بالشعر بشار والسيد الحميري وأبو العتاهية وحدث خليل بن أسد الفرشجاني قال أتانا أبو العتاهية إلى منزلنا فقال زعم الناس أني زنديق والله ما ديني إلا التوحيد فقلنا فقل شيئا نتحدث به عنك فقال
( ألا إننا كلنا بائد ** وأي بني آدم خالد )
( وبدؤهم كان من ربهم ** وكن إلى ربهم عائد )
( فيا عجبا كيف يعصي الإله ** أم كيف يجحده الجاحد )
( وفي كل شيء له شاهد ** يدل على أنه واحد )
وكان من أبخل الناس مع يساره وكثرة ما جمع من الأموال وأبو العتاهية لقب غلب عليه لأنه كان يحب الشهوة والمجون فكنى بذلك لعتوه انتهى ملخصا وفيها أبو زيد الهروي سعيد بن الربيع البصري وكان يبيع الثياب الهروية روى عن قرة بن خالد وطائفة


وفيها أو في سنة عشر وهو الصحيح يحيى السيلحيني بن إسحاق والسيلحين موضع بالحيرة كان ثقة صدوقا
وطلق بن غنام النخعي الكوفي كاتب حكم شريك القاضي روى عن مالك ابن مغول وطبقته وهو وأبو زيد الهروي أقدم من مات من شيوخ البخاري
وفيها عبد الله بن صالح العجلي الكوفي المقرئ المحدث والد الحافظ أحمد ابن عبد الله العجلي نزيل المغرب قرأ القرآن على حمزة وسمع من إسرائيل وطبقته وأقرأ وحدث ببغداد
وفيها عبد الرزاق بن همام العلامة الحافظ أبو بكر الصنعاني صاحب المصنفات روى عن معمر وابن جريج وطبقتهما ورحل الأئمة إليه إلى اليمن وله أوهام مغمورة في سعة علمه عاش بضعا وثمانين سنة وتوفي في شوال قال ابن ناصر الدين وثقه غير واحد لكن نقموا عليه التشيع اه
وعلي بن الحسين بن واقد محدث مرو وابن محدثها روى عن أبيه وأبي حمزة السكري وخرج له الأربعة قال في المغني علي بن الحسين بن واقد المروزي صدوق وثق وقال أبو حاتم ضعيف اه
ومعلى بن منصور الرازي الفقيه نزيل ببغداد روى عن الليث بن سعد وغيره روى أنه كان يصلي فوقع عليه كور الزنانير فأتم صلاته فنظروا فإذا رأسه قد صار هكذا من الانتفاخ وهو من الثقات

سنة اثنتي عشرة ومائتين

فيها جهز المأمون جيشا عليهم محمد بن حميد الطوسي لمحاربة بابك الخرمي
وفيها أظهر المأمون القول بخلق القرآن مع ما أظهر في العام الماضي من التشيع فاشمأزت منه القلوب وقدم دمشق فصام بها رمضان ثم حج بالناس
وفيها توفي الحافظ أسد بن موسى الأموي نزيل مصر ويقال له أسد السنة روى عن شعبة وطبقته ورحل في الحديث وصنف التصانيف وهو أحد الثقات الأكياس


والفقيه أبو حيان إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة الإمام روى عن مالك بن مغول وجماعة وولي قضاء الجانب الشرقي ببغداد ثم ولي قضاء البصرة وكان موصوفا بالزهد والعبادة والعدل في الأحكام
والحسين بن حفص الهمداني الكوفي قاضي أصبهان وفتيها أكثر عن سفيان الثوري وغيره وكان دخله في العام مائه ألف درهم وما وجبت عليه زكاة
وفيها المحدث خلاد بن يحيى الكوفي بمكة روى عن عيسى بن طهمان وطبقته وهو من كبار شيوخ البخاري
وزكريا بن عدي الكوفي روى عن جعفر بن سليمان وطائفة قال ابن عوف البزوزي ما كتبت عن أحد أفضل منه وحديثه في الصحيحين
وأبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد الشيباني محدث البصرة توفي في ذي الحجة وقد نيف على التسعين سمع من يزيد بن أبي عبيد وجماعة من التابعين وكان واسع العلم ولم ير في يده كتاب قط قال عمر بن شيبة ما رأيت مثله وقال البخاري سمعت أبا عاصم يقول ما اغتبت أحدا قط منذ عقلت أن الغيبة حرام وروى عنه أحمد والبخاري وغيرهما وهو ثقة متقن
وفيها أبو المغيرة عبد القدوس بن حجاج الخولاني الحمصي الحافظ محدث حمص سمع الأوزاعي وطبقته وأدركه البخاري وهو ثقة
وفيها الفقيه أبو مروان عبد الملك بن عبد العزيز بن الماجشون صاحب مالك كان فصيحا مفوها وعليه دارت الفتيا في زمانه بالمدينة
وفيها مفتي الأندلس عيسى بن دينار الغافقي صاحب ابن القاسم وكان صالحا ورعا مجاب الدعوة مقدما في الفقه على يحيى بن يحيى
وفيها أبو عبد الله محمد بن يوسف الفرياني الحافظ في أول السنة بقيسارية أكثر عن الأوزاعي والثوري أدركه البخاري ورحل إليه الإمام أحمد فلم يدركه بل بلغه موته بحمص فتأسف عليه وهو ثقة ثبت

سنة ثلاث عشرة ومائتين
فيها توفي أسد بن الفرات الفقيه أبو عبد الله المغربي صاحب مالك وصاحب

المسائل الأسدية التي كتبها عن ابن القاسم
وخالد بن مخلد القطواني أحد الحفاظ بالكوفة رحل وأخذ عن مالك وطبقته وقال أبو داود صدوق شيعي
وعبد الله بن داود الخريبي الحافظ الزاهد سمع من الأعمش والكبار وكان من أعبد أهل زمانه توفي بالكوفة في شوال وقد نيف على التسعين وهو ثقة
وأبو عبد الرحمن المقرئ عبد الله بن يزيد شيخ مكة وقارئها ومحدثها روى عن ابن عون والكبار ومات في عشر المائة وقرأ القرآن سبعين سنة
وعمرو بن عاصم الكلابي الثقة البصري روى عن طبقة شعبة قال في المغني صدوق مشهور قال بندار لولا شيء لتركته اه
وفيها عبيد الله بن موسى العبسي الكوفي الحافظ روى عن هشام بن عروة والكبار وقرأ القرآن على حمزة وكان إماما في الفقه والحديث والقرآن موصوفا بالعبادة والصلاح لكنه من رؤس الشيعة
وعمرو بن أبي سلمة التنيسي الفقيه وأصله دمشقي روى عن الأوزاعي وطبقته قال في المغني ثقة وقال أبو حاتم لا يحتج به اه
ومحمد بن سابق البغدادي روى عن مالك بن مغول وجماعة وقيل توفي في لسنة الآتية
ومحمد بن عرعرة بن البرند الشامي البصري روى عن شعبة وطائفة توفي في شوال
وفيها الهيثم بن جميل البغدادي الحافظ نزيل أنطاكية روى عن جرير بن حازم وطبقته وكان من ثقات المحدثين وصلحانهم وإثباتهم
ويعقوب بن محمد الزهري المدني الفقيه الحافظ روى عن إبراهيم بن سعد وطبقته وهو ضعييف يكتب حديثه

وفيها قتل المأمون على جبلة الشاعر العكوك السمين أحد المبرزين من الموالي في الشعر وكان ولد أعمى وقيل عمي صغيرا من الجدري حكى المبرد قال أخبرني على ابن القاسم قال قال لي علي بن جبلة زرت أبا دلف العجلي فكنت لا أدخل إليه إلا تلقاني بشره ولا أخرج عنه إلا تلافاني ببره فلما أكثر ذلك هجرته أياما حياء منه فبعث إلي أخاه معقلا فقال يقول لك الأمير هجرتنا وقعدت عنا فإن كنت رأيت تقصيير فما مضى فاعذر فإننا نتلافاه في المستقبل ونريد فيما يجب من برك فكتبت إليه بهذه الأبيات
( هجرتك لم أهجرك من كفر نعمة ** وهل يرتجى نيل الزيارة بالكفر )
ولكنني لما أتيتك زائرا ** فافرطت في بري عجزت عن الشكر )
( فم الآن لا آتيك إلا مسلما ** أزورك في الشهرين يوما أو الشهر )
( فإن زدتني برا تزايدت جفوة ** فلا نلتقي طول الحياة إلى الحشر )
فلما نظر فيها معقل استحسنها وكان أديبا شاعرا أشعر من أخيه أبي دلف فقال جودت والله وأحسنت أما إن الأمير سيعجب بهذه الأبيات والمعاني فلما أوصلها إلى أبي دلف استحسنها وكتب إلي بهذه الأبيات
( ألا رب طيف طارق قد بسطته ** وآنسته قبل الضيافة بالبشر )
( أتاني يرجيني فما حال دونه ** ودون القرى مني ومن نائلي شري )
( رأيت له فضلا علي بقصده ** إلي وبرا لا يعادله شكري )
( فلم أعد أن أدنيته وإبتدأته ** ببشر وإكرام وبر على بر )
( وزودته مالا سريعا نفاده ** وزودني مدحا يقيم على الدهر )
ووجه الأبيات مع وصيف وألف دينار فلذلك قلت فيه قصيدتي الغراء التي سارت واشتهرت في العجم والعرب
( إنما الدنيا أبو دلق ** بين باديه و محتضره )
( فإذا ولى أبو دلف ** ولت الدنيا على أثره )
حدث الزعفراني قال لما بلغ المأمون قول على بن جبلة في أبى دلف


( كل من في الأرض من عرب ** بين بادية إلى حضره )
( مستعير منك مكرمة ** يكتسيها يوم مفتخره )
استشاط غضبا وقال ويل لابن الزانية يزعم أنا لا نعرف مكرمة إلا وهي مشعاره من أبي دلف وطلبه فهرب فكتب في طلبه وأخذه فحمل إليه فلما مثل بين يديه قال يا ابن اللخناء أنت القائل كيت وكيت وقرأ والبيتين اجعلتنا نستعير المكارم منه فقال غثيت أشكال أبى دلف وأما أنتم فقد أبانكم الله بالفضل عن سائر عباده لما اختصكم به من النبوة والكتاب والحكمة والملك ومازال يستعطفه حتى عفا عنه وقال بعض الرواة قتله وقال أما أني لا استحل دمك بهذا القول ولكني استحله بكفرك وجرأتك على الله سبحانه إذ تقول في عبد ضعيف مهين تسوى بينه وبين رب العزة
( أنت الذي تنزل الأيام منزلها ** وتنقل الدهر من حال إلى حال )
( وما مددت مدى طرف إلى أحد ** ألا قضيت بأرزاق وآجال )
ذاك الله عز وجل ثم أمر فسل لسانه من قفاه والأول أصح وانه مات
حتف أنفه ومن مدح العكوك لحميد بن عبد العزيزي الطوسي
إنما الدنيا حميد ** وأياديه الجسام )
فإذ ولى حميد فعلى الدنيا السلام )
وفيها توفي اسحق بن مرار النحوي اللغوي أحد الأئمة الأعلام أخذ عنه أحمد بن حنبل وأبو عبيد القاسم بن سلام ويعقوب بن السكيت وقال في حقه عاش مائة وعشرين سنة وكان يكتب بيده إلى أن مات رحمه الله تعالى

سنة أربع عشرة ومائتين

فيها التقى محمد بن حميد الطوسي وبابك الخرمي فهزمهم بابك وقتل الطوسي وفيها توجه عبد الله بن طاهر بن الحسين على إمرة خراسان وأعطاه المأمون

خمسمائة ألف دينار وكان عبد الله من آداب الناس وأعلمهم بأيام العرب وسيأتي ذكره في سنة ثمان وعشرين ومائتين عند ذكر وفاته
وكان من أخصائه وأخصاء والده عوف بن محلم الشاعر اختصه بمنادمته طاهر بن الحسين فلما مات طاهر اعتقد عوف أنه يخلص من قيد الملازمة فلوى عبد الله بن طاهر هذا يده عليه وتمسك به واجتهد عوف على التخلص منه فلم يقدر حتى خرج عبد الله من العراق يريد خراسان وعوف عديله يسامره ويحادثه فلما شارفوا الرى سحرة وقد أدلجوا فإذا بقمرى يغرد على سروة بأشجى صوت وأرق نغمة فالتفت عبد الله إلى عوف فقال ألا تسمع هذا الصوت ما أرقه وأشجاه قاتل الله أبا كثير الهذلي حيث يقول
( ألا ياحمام ألا يك فرخك حاضر ** وغصنك مياد ففيم تنوح )
فقال عوف أيها الأمير أحسن والله أبو كثير وأجاد أنه كان في هذيل أربعون شاعرا من المحسنين دون المتوسطين وكان أبو كثير من أشعرهم وأشهرهم وأذكرهم وأقدرهم قال عبد الله أقسمت عليك ألا أجزت له هذا البيت فقال أصلح الله الأمير شيخ مسن وأحمل على البديهة وعلى معارضة مثل أبي كثير وهو من قد علمت فقال سألتك بحق طاهر ألا أجزته فقال
( أفى كل عام غربة ونزوح ** أما للنوى من ونية فيريح )
( لقد طلح البين المشتركائبي ** فهل أرين البين وهوطليح )
( وأرقني بالري شجو حمامة ** فنحت وذو الشوق المشت ينوح )
( على أنها ناحت ولم تذر عبرة ** وتحت وأسراب الدموع سفوح )
( وناحت وفرخاها بحيث تراهما ** ومن دون أفراخي مهامه فيح )
( ألا يا حمام الأيك فرخك حاضر ** وغصنك مياد ففيم تنوح )
( أفق لا تنح من غير شيء فأنني ** بكيت زمانا والفؤاد صحيح )
( ولوعاوشطت غربة دار زينب ** فها أنا أبكى والفؤاد قريح )
عسى جود عبد الله أن يعكس النوى ** فتضحي عصا التطواف وهي طليح )


( فأن الغني يدنى الفتى من صديقه ** وعدم الفتى بالمقترين طروح )
فاستعبر عبد الله ورق له لما سمع من تشوقه إلى أولاده وقال يا أبا محلم ما أحسن ما تلطفت به لحاجتك وأني والله بك لضنين وبقربك لشحيح ولكن والله لا جاوزت هذا حتى نرجع إلى أهلك وأمر له بثلاثين ألف درهم نققته ورحله ورده من موضعه فأدركته المنية قبل وصوله إلى أهله ولما رده عبد الله قال عوف
( يا ابن الذي دان له المشرقان ** وألبس الامن به المغربان )
( ان الثمانين وبلغتها ** قد أحوجت سمعى إلى ترجمان )
( وأبدلتني بالنشاط انحنا ** وكنت كالصعدة تحت السنان )
( وعوضتني من زماع الفتى ** وهمه هم الهجين الهدان )
( وهمت بالأوطان وجدا بها ** وبالغواني أين مني الغوان )
( فقرباني بأبي أنتما ** من وطني قبل إصفرار البنان )
( وقبل منعاي إلى نسوة ** أوطانها حوران والرقتان )
( حبا قصور الشادباخ الحيا ** من بعد عهدي وقصور المبان )
وهذه القصور التي ذكرها كلها بمرو ونيسابور وهي مساكن آل طاهر وكان عوف يألفها لكثرة غشيانه إياها ومقامه معهم فيها فلذلك دعا لها ومن شعر عوف
( وكنت إذا صحبت رجال قوم ** صحبتهم وشيمتي الوفاء )
( فأحسن حين يحسن محسونهم ** وأجتنب الإساءة إن أساءوا )
( وأبصر ما يريبهم بعين ** عليها من عيونهم غطاء )
وكان عوف من بلغاء الشعراء وفصائحهم واختصت به بنو طاهر ولزمهم لمزيد ميلهم إليه وكثرة منحهم له كأبي الطيب مع بني حمدان غير أن عوفا لم يلحقه طمع أبي الطيب الذي فارق له بني حمدان
وفيها توفي أحمد بن خالد الذهبي الحمصي راوي المغازي عن ابن اسحق وكان مكثرا حسن الحديث

وأبو أحمد حسين بن محمد المرودي المؤدب ببغداد ونسبته بفتح الميم وضم الراء مع سكون الواو ويليها ذال مكسورة معجمة بعدها ياء النسبة نسبة إلى مرو الروذ من أشهر مدن خراسان وكان من حفاظ الحديث التقات روى عن ابن أبي ذئب وشبيان وأحمد بن حنبل وروى عنه أحمد أيضا وغيره
وفيها الفقيه عبد الله بن عبد الحكم أبو محمد المصري وله ستون سنة وكان من جلة أصحاب مالك أفضت إليه الرياسة بمصر بعد أشهب وسمع الموطأ على مالك يقال أنه دفع للشافعي عند قدومه ألف دينار وأخذ له من تاجر الفا ومن رجلين آخرين ألفا وله مصنفات في الفقه وهو مدفون إلى جانب الشافعي
وفيها معاوية بن عمرو الأزدي أبو عمرو البغدادي الحافظ المجاهد روى عن زائدة وطبقته وأدركه البحاري وكان بطلا شجاعا معروفا بالإقدام كثير الرباط

سنة خمس عشرة ومائتين

فيها دخل المأمون من درب المصيصة إلى الروم وافتتح حصن قرة عنوة وتسلم ثلاثة حصون بالإمان ثم قدم دمشق وفيها توفي الحافظ اسحق بن عيسى بن الطباع البغدادي نزيل أدنه سمع الحمادين وطائفة
وفيها مفتي أهل بلخ أبو سعيد خلف بن أيوب العامري صاحب أبي يوسف سمع من عوف الأعرابي وجماعة من الكبار وكان زاهدا قدوة روى عنه يحيى ابن معين والكبار
وفيها العلامة أبو زيد الأنصار ي سعيد بن أوس البصري اللغوي وله ثلاث وتسعون سنة روى عن سليمان التيمي وحميد الطويل والكبار وصنف التصانيف قال بعض العلماء كان الاصمعي يحفظ ثلث اللغة وكان أبو زيد يحفظ ثلثي اللغة وكان صدوقا صالحا وغلبت عليها النوادر كالأصمعي مع أن الأصمعي كان يقبل رأسه ويقول أنت سيدنا منذ خمسين سنة وكان سفيان الثوري يقول الأصمعي حفظ الناس وأبو عبيدة أجمعهم وأبو ريد أوثقهم وكان النضر بن شميل وأبو

زيد واليزيدي في معاملة واحدة وصنف أبو زيد في اللغة نحو عشرين مصنفا وضجر شعبة يوما من إملاء الحديث فرأى أبا زيد في أخريات الحلقة فقال
( استعجمت دار مي ما تكلمنا ** والدار لو كلمتنا ذات أخبار )
ألا تعال يا أبا زيد فجاءة فتحادثا وتناشدا الأشعار فقال له بعض الحاضرين يا أبا بسطام تقطع إليك ظهور الإبل فتدعنا وتقبل على الأشعار فقال أنا أعلم بالأصلح لي أنا والله الذي لا إله إلا هو في هذا أسلم مني في ذلك كأنه يروح قلبه عند السآمة ومثل هذا ما روى أن ابن عباس كان يقول لأصحابه أحمضوا وكما قال أبو الدرداء إني لأجم نفسي بشيء من الباطل لأستعين به على الحق
وفيها محمد بن عبد الله الأنصاري بن المثنى أبو عبد الله قاضي البصرة وعالمها ومسندها سمع سليمان التيمي وحميد والكبار وعاش سبعا وتسعين سنة وهو من كبار شيوخ البخاري وهو ثقة مشهور
وفيها محمد بن المبارك الصوري أبو عبد الله الحافظ صاحب سعيد بن عبد العزيز قال يحيى بن معين كان شيخ دمشق بعد أبي مسهر وقال أبو داود هذا رجل الشام بعد أبي مسهر وهو شيخ الإسلام ومن كلامه السديد المتين كذب من ادعى محبة الله ويده في قصاع المترفين
وفيها السكن مكي بن إبراهيم البلخي الحافظ روى عن هشام بن حسان والكبار وهو آخر من روى من الثقات عن يزيد بن أبي عبيد عاش نيفا وتسعين سنة
وفيها أبو عامر قبيصة بن عقبة السوائي الكوفي العابد الثقة أحد الحفاظ روى عن قطر بن خليفة وطبقته وأكثر عن الثوري وهو أحد شيوخ الإمام أحمد قال إسحاق بن سيار ما رأيت شيخا أحفظ منه وقال آخر كان يقال راهب الكوفة وكان هناد بن السرى إذا ذكره دمعت عيناه وقال الرجل الصالح
وفيها محدث مرو على بن الحسين بن شقيق روى عن أبي حمزة السكرى وطائفة وعنه البخاري وغيره وكان محدث مرو وكان حافظا كثير العلم كثير الكتب كتب الكثير حتى كتب التوراة والإنجيل وجادل اليهود والنصارى
ويجيى بن حماد البصرى الحافظ ختن أبي عوانة سمع شعبة وطبقته


وفيها الأخفش الأوسط سعيد بن مسعدة إمام العربية المجاشعي البصري كان يقول ما وضع سيبويه في كتابه شيئا إلا وعرضه علي وكان يرى أنه أعلم به مني وأنا اليوم أعلم به منه وزاد في العروض بحرا على الخليل وكان أجلع وهو الذي لا تنضم شفتاه على أسنانه والخفش صغر العينين مع سوء بصرهما ومصنفاته بضعة عشر مصنفا
وأما الأخفش الأكبر فهو عبد الحميد بن عبد الحميد أخذ عنه أبو عبيدة وسيبويه وهو مجهول الوفاة
وأما الأخفش الصغير فهو علي بن سليمان البغدادي النحوي قاله ابن الأهدل
وفيها كما قاله ابن ناصر الدين بدل بن محبر اليربوعي ثقة حدث عنه البخاري وغيره

سنة ست عشرة ومائتين

فيها غزا المأمون فدخل الروم وأقام بها ثلاثة أشهر وافتتح أخوه عدة حصون وأغار جيشه فغنموا وسبوا ثم رجع إلى دمشق ودخل الديار المصرية
وفيها توفي أبو حبيب حبان بن هلال البصري الحافظ الثقة روى عن شعبة وطبقته قال الإمام أحمد إليه المنتهى في التثبت بالبصرة توفي في رمضان وكان قد امتنع من التحديث قبل موته بأعوام
وفيها أبو العلاء الحسن بن سوار البغوي نزيل بغداد روى عن عكرمة ابن عمار وأقرانه وكان ثقة صاحب حديث
وعبد الله بن نافع الأسدي الزبيري المدني الفقيه روى عن مالك وجماعة ووصفه الزبير بن بكار بالفقه والعبادة والصوم وخرج له مسلم والأربعة قال في المغني عبد الله بن نافع الصائغ عن مالك وثق وقال البخاري في حفظه شيء وقال أحمد بن حنبل لم يكن بذاك في الحديث انتهى
وعبد الصمد بن النعمان البزاز ببغداد روى عن عيسى بن طهمان وطبقته وكان أحد الثقات ولم تقع له رواية في الكتب الستة
وفيها العلامة أبو سعيد عبد الملك بن قريب الباهلي البصري الأصمعي اللغوي

الأخباري سمع ابن عون والكبار وأكثر عن أبي عمرو بن العلاء وكانت الخلفاء تجالسه وتحب منادمته وعاش ثمانيا وثمانين سنة وله عدة مصنفات قاله في العبر وقال ابن الأهدل تصانيفه تزيد على ثلاثين روى عنه أنه قال احفظ أربعة عشر ألف أرجوزة منها المائة والمئتان وكان الشافعي يقول ما عبر أحد بأحسن من عبارة الأصمعي وعنه قال سألت أبا عمرو بن العلاء عن ثمانية آلاف مسئلة وما مات حتى أخذ عني مالا يعرفه فيقبله مني ويعتقده وعنه قال كنت بالبادية طوافا واكتب ما سمعت فقال لي أعرابي أنت كالحفظة تكتب لفظ اللفظة فكتبته أيضا وعنه قال رأيت شيخا بالبادية قد سقط حاجباه وله مائة وعشرون سنة وفيه بقية فسألته فقال تركت الحسد فبقي الجسد وأنشد
( ألا أيها الموت الذي ليس تاركي ** أرحني فقد أفنيت كل خليل )
أراك بصيرا بالذين أحبهم ** كأنك تنحو نحوهم بدليل )
ونوادره تحتمل مجلدات وإعطاء الرشيد والمأمون له واسع ولما صنف كتابا في الخيل مجلدا واحدا وصنف أبو عبيدة في ذلك خمسين مجلدا امتحنهما الرشيد فقرب لهما فرسا فلم يعرف أبو عبيدة أعيان الأعضاء وأما الأصمعي فجعل يسمى كل عضو ويضع يده عليه وينشد ما قالت العرب فيه فقال له الرشيد خذه قال فكنت إذا أردت أن أغضب أبا عبيدة ركبته إليه
( ورث أبو العالية السامي الأصمعي فقال
( لادر در بنات الأرض إذا فجعت ** بالأصمعي لقد أبقت لنا أسفا )
( عش ما بدا لك في الدنيا فلست ترى ** في الناس منه ولا من علمه خلقا )
ومن مسنده عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إياكم ومحقرات الذنوب فإن لها من الله طالبا وبإسناده عن علي كرم الله وجهه إنه قال هذا المال لا يصلحه إلا ثلاث أخذه من حله ووضعه في حقه ومنعه من السرف وبإسناده قال قال النبي صلى الله عليه وسلم من أنعم الله عليه فليحمد الله ومن استبطأ الرزق فليستغفر الله ومن حزبه أمر فليقل لا حول ولا قوة إلا بالله وقد

أو رده الحافظ ابن حجر في أسماء الرجال وقال فيه صدوق سني وجعله في الطبقة التاسعة من صغار أتباع التابعين كالشافعي ويزيد بن هارون وعبد الرزاق وغيرهم انتهى
وفيها قاضي دمشق محمد بن بكار بن بلال العاملي أخذ عن سعيد بن عبد العزيز وطبقته وكان من العلماء الثقات
ومحمد بن سعيد بن سابق الرازي محدث قزوين روى عن أبي جعفر الرازي وطبقته
وهود بن خليفة الثقفي البكرواي البصري الأصم وله إحدى وتسعون سنة روى عن يونس بن عبيد وسليمان التيمي والكبار قال الإمام أحمد ما كان أضبطه عن عوف الأعرابي وقال ابن معين ضعيف
وأبو يوسف محمد بن كثير الصنعاني ثم المصيصي روى عن الأوزاعي ومعمر وكان محدثا حسن الحديث

سنة سبع عشرة ومائتين

في وسطها دخل المأمون بلاد الروم فنازل لولوة مائة يوم ولم يظفر بها فنزل على حصارها عجيفا فخدعه أهلها وأسروه ثم أطلقوه بعد جمعة ثم أقبل عظيم الروم توفيل فأحاط بالمسلمين فجهز المأمون نجدة وغضب وهم بغزو قسطنطينية ثم فتر لشدة الشتاء
وفيها كان الحريق العظيم بالبصرة حتى أتى على أكثرها فيما قيل
وفيها وقيل في التي مضت توفي الحجاج بن منهال البصري أبو محمد الأنماطي السمسار كان سمسارا بأنماط وكان يأخذ من كل دينار حبة إذا باع بالسمسرة حدث عنه البخاري وغيره وسمع شعبة وطائفة وكان ثقة صاحب سنة
وفيها شريح بن النعمان البغدادي الجوهري الحافظ يوم الأضحى روى عن حماد بن سلمة وطبقته وكان ثقة مبرزا
وفيها موسى بن داود الضبي أبو عبد الله الكوفي الحافظ سمع شعبة وخلقا كان مصنفا مكثرا مأمونا وقال ابن عمار كان ثقة زاهدا صاحب حديث وولى قضاء طرسوس حتى مات


وهشام بن إسماعيل الدمشقي العطار أبو عبد الملك الخزاعي القدوة روى عن إسماعيل بن عياش وكان ثقة

سنة ثماني عشرة ومائتين

فيها احتفل المأمون لبناء مدينة طوانة من أرض الروم وحشد لها الصناع من البلاد وأمر بنائها ميلا في ميل وولي ولده العباس أمر ببنائها
وفيها امتحن المأمون العلماء بخلق القرآن وكتب في ذلك إلى نائبه على بغداد وبالغ في ذلك وقام في هذه البدعة قيام متعبد بها فأجاب أكثر العلماء على سبيل الإكراه وتوقفت طائفة ثم أجابوا وناظروا فلم يلتفت إلى قولهم وعظمت المصيبة بذلك وتهدد على ذلك بالقتل ولم يصف من علماء العراق إلا أحمد بن حنبل ومحمد بن نوح فقيدا وأرسلا إلى المأمون وهو بطرسوس فلما بلغا الرقة جاءهم الفرج بموت المأمون قال ابن الأهدل ومرض محمد بن نوح ومات بالطريق وهو الذي كان يشد أزر أحمد ويشجعه ولما مات المأمون عهد إلى أخيه المعتصم فامتحن الإمام أيضا وضرب بين يديه بالسياط حتى غشى ثم أطلقه وندم على ضربه ولحق من تولى ضربه عقوبات ظاهرة
وكان المأمون يكنى بأبي العباس ويسمى بعبد الله وكان أبيض ربعة حسن الوجه أعين أديبا شجاعا له همة عالية في الجهاد ومشاركته في علوم كثيرة وكان في اعتقاده معتزليا شيعيا استقل بالخلافة عشرين سنة ومات وله ثمان وأربعون سنة انتهى كلام ابن الأهدل وقال ابن الفرات روى يحيى بن حماد الموكبي عن أبيه قال وصفت للمأمون جارية بكل ما توصف به امرأة من الجمال والكمال فبعث في شرائها فأتى بها في وقت خروجه إلى بلاد الروم فلما هم يلبس درعه خطرت بباله فأمر بإخراجها فأخرجت إليه فلما نظر إليها أعجب بها وأعجبت به فقالت ما هذا قال أريد الخروج إلى بلاد الروم فقالت يا سيدي قتلتني والله وتحدرت دموعها وأنشأت
( سأدعو دعوة المضطر ربا ** يثيب على الدعاء ويستجيب )
( لعل الله يكفيك حزنا ** ويجمعنا كما تهوى القلوب )
فضمها المأمون إلى صدره وأنشد
( فيا حسنها إذ يغسل الدمع كحلها ** وإذ هي تذري دمعها بالأنامل )


( صبيحة قالت في الوداع قتلتني ** وقتلني بما قالت بتلك المحافل )
ثم قال للخادم احتفظ بها وأصلح لها ما تحتاج إليه من المقاصير والجواري إلى وقت رجوعي فلولا ما قال الأخطل
( قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم ** دون النساء ولو باتت بأطهار )
لأقمت قال فلما دخلت الجارية إلى منزلها وخرج المأمون اعتلت علة شديدة وورد نعي المأمون رحمه الله تعالى فلما بلغها ذلك تنفست الصعداء وقالت وهي تجود بنفسها
( إن الزمان سقانا من مرارته ** بعد الحلاوة كاسات فأروانا )
( أبدى لنا تارة منه فاضحكنا ** ثم انثنى تارة أخرى فأبكانا )
ثم شهقت شهقة واحدة فماتت اه وحكي أن المأمون أتى بجارية فائقة الجمال بارعة الكمال وكان في رجلها عرج فلما نظر إليها المأمون أعجبه جمالها وساءه عرجها فقال للنخاس خذ بيد جاريتك فلولا عرجها لاشتريتها فقالت يا أمير المؤمنين إني وقت حاجتك إلى تكون رجلي بحيث لا تراها فأعجبه جوابها وأمر بشرائها وأن يعطي مولاها ما احتكم وحظيت عنده وكان له حلم شديد كان يقول والله إني لأخشى أن لا أثاب على الحلم والعفو لما أرى فيهما من اللذة ولو علم الناس ذلك لتقربوا إلي بالجناية وكان حسن المحاضرة لطيف المسامرة فمن ذلك ما ذكر أبو الفرج الأصفهاني في كتاب الأغاني قال لما تواتر النقل عند المأمون عن يحيى بن أكثم بن محمد بن قطن بن سمعان التميمي الأسدي المروزي القاضي بأنه يلوط أراد امتحانه استدعاه وأوصى مملوكا له بأن يقف عندهما وحده وإذا خرج المأمون يقف المملوك عند يحيى ولا ينصرف وكان المملوك في غاية الحسن فلما اجتمعا في المجلس وتحادثا ساعة قام المأمون كأنه يقضي حاجة فوقف وتجسس المأمون عليهما وكان أمره أن يعبث بيحيى فلما عبث به المملوك سمعه المأمون وهو يقول لولا أنتم لكنا مؤمنين فدخل المأمون وهو ينشد
( وكنا نرجي أن نرى العدل ظاهرا ** فأعقبنا بعد الرجاء قنوط )


( متى تصلح الدنيا ويصلح أهلها ** وقاضي قضاة المسلمين يلوط )
وهذان البيتان لأبي حكيمة راشد بن إسحاق الكاتب وله فيه مقاطيع كثيرة انتهى كلام صاحب الأغاني وروى الحافظ أبو بكر أحمد صاحب تاريخ بغداد في تاريخه أن المأمون قال ليحيى بن أكثم من الذي يقول
( قاض يرى الحد في الزناء ولا ** يرى على من يلوط من باس )
قال أما تعرف يا أمير المؤمنين من قاله قال لا قال يقوله الفاجر أحمد بن أبي نعيم الذي يقول
( لا أحسب الجور ينقضى وعلى ال ** أمة وال من آل عباس )
قال فأفحم المأمون خجلا وقال ينبغي أن ينفي أحمد بن أبي نعيم إلى السند وهذان البيتان من أبيات أولها
( انطقني الدهر بعد إخراس ** لنائبات أطلن وسواسي )
( يا بؤس للدهر لا يزال كما ** رفع ناسا يحط من ناس )
( لا أفلحت أمة وحق لها ** بطول نكس وطول إعكاس )
ترضى بيحيى يكون سائسها ** وليس يحيى لها بسواس )
قاض يرى الحد في الزناء ولا ** يرى على من يلوط من باس )
( يحكم للأمرد العزيز على ** مثل جرير ومثل عباس )
( فالحمد لله كيف قد ذهب ال ** عدل وقل الوفاء في الناس )
( أميرنا يرتشي وحاكمنا ** يلوط والرأس شر ما راس )
( لو صلح الدين واستقام لقد ** قام على الناس كل مقياس )
( لا أحسب الدهر ينقضي وعلى ال ** أمة وال من آل عباس )
انتهى وحكى أبو الفرج معافا بن زكريا النهرواني في كتاب الجليس والأنيس عن محمد السعدي قال وجه إلى القاضي يحيى بن أكثم قاضي المأمون رحمهما الله فصرت إليه فإذا عن يمينه قمطرة مجلدة فجلست فقال افتح هذه القمطرة ففتحها فإذا بشيء قد خرج منها رأسه رأس إنسان وهو من أسفله إلى سرته زاغ في

صدره سلعتان فكبرت وهللت وفزعت ويحيى يضحك فقال بلسان فصيح زلق
( أنا الزاغ أبو عجوه ** أنا ابن الليث واللبوة )
( أحب الراح والريحا ** ن والنشوة والقهوة )
( فلا غدري بدا يخشى ** ولا يحذر لي سطوة )
( ولي أشياء تستظرف ** يوم العرس والدعوة )
( فمنها سلعة في الظهر لا تسترها الفروه )
( وأما السلعة الأخرى ** فلو كان لها عروه )
( لما شكت جميع النا ** س فيها أنها ركوة )
ثم قال يا كهل أنشدني شعرا غزلا فقال يحيى قد أنشدك فأنشده فأنشدته
( أغرك أن أذنبت ثم تتابعت ** ذنوب فلم أهجرك ثم ذنوب )
( وأكثرت حتى قلت ليس بصارمي ** وقد يصرم الإنسان وهو حبيب ) فصاح زاغ زاغ ثم طار وسقط في القمطر فقلت ليحيى أعز الله القاضي وعاشق وضحك أيضا فقلت أيها القاضي ما هذا فقال هو ما ترى وجه به صاحب اليمن إلى أمير المؤمنين وما رآه بعد وكتب كتابا لم أفضضه وأظنه ذكر فيه شأنه وحاله انتهى وقال ابن خلكان رحمه الله رأيت في بعض الكتب أن المأمون رحمه الله كان يقول لو وصفت الدنيا نفسها لما وصفت بمثل قول أبي نواس
( ألا كل حي هالك وابن هالك ** وذو نسب في الهالكين عريق )
( إذا امتحن الدنيا لبيب تكشفت ** له عن عدو في ثياب صديق )
انتهى وقال المأمون الإخوان ثلاث طبقات طبقة كالغذاء لا يستغنى عنه أبدا وهم إخوان الصفاء وإخوان كالدواء يحتاج إليهم في بعض الأوقات وهم الفقهاء وإخوان كالداء لا يحتاج إليهم أبدا وهم المنافقون وكان سبب وفاة المأمون رحمه الله تعالى أنه جلس على شاطئ نهر السدون ودلى رجليه في مائه فأعجبه برد مائه وصفاؤه فقال لو أكلنا رطبا وشربنا من هذا الماء البارد لكان حسنا فلم يخرج الكلام من فيه إلا ومواقع حوافر خيل البريد أقبلت من ازاد وعليها حقائب

الرطب فحمد الله تعالى على ذلك وأكل منه فحم وتحركت عليه مادة في حلقه فبطت قبل بلوغها غايتها فكانت سبب وفاته وحال وفلة كتب وصية هذا ما أشهد به عليه عبد الله بن هارون أمير المؤمنين أنه يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ملكه ولا مدبر غيره وأنه خالق وما سواه مخلوق وأن محمدا عبده ورسوله وأن الموت حق والبعث والحساب حق والجنة والنار حق وأن محمدا صلى الله عليه وسلم بلغ عن ربه شرائع دينه وأدى النصيحة إلى أمته حتى توفاه الله إليه فصلى الله عليه أفضل صلاة صلاها على أحد من ملائكته المقربين وأنبيائه والمرسلين وإني مقر بذنبي أخاف وأرجو إلا أني إذا ذكرت عفو الله رجوت فإذا أنا مت فوجهوني وغمضوني وأسبغوا وضوئي وأجيدوا كفني وليصل علي أقربكم مني نسبا وأكبركم سنا وليكبر خمسا ولينزل في حفرتي أقربكم مني قرابة وضعوني في لحدي وسدوا علي باللبن ثم احثوا التراب علي وخلوني وعملي فكلكم لا يغني عني شيئا ولا يدفع عني مكروها ثم قفوا بأجمعكم فقولوا خيرا إن علمتم وأمسكوا عن ذكر شر إن عرفتم ثم قال يا ليت عبد الله لم يكن شيئا باليته لم يخلق ثم قال لأخيه وولي عهده المعتصم يا أبا إسحاق ادن مني واتعظ بما ترى وخذ بسيرة أخيك واعمل في الخلافة إذا طوقكها الله عمل المريد لله الخائف من عقابه ولا تغتر بالله وامهاله فكأن قد نزل بك الموت ولا تغفل عن أمر الرعية فإنما الملك يقوم بهم ولا يتبين لك أمر فيه صلاح المسلمين إلا وقدمه على غيره وإن خالف هواك وخذ من قويهم لضعيفهم واتق الله في أمرك كله والسلام ثم قال هؤلاء بنو عمك لا تغفل عن صلاتهم فلنها واجبة عليك ثم تلا { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون } وكانت وفاته يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلة بقيت من شهر رجب سنة ثماني عشرة ومائتين ونقله ابنه العباس إلى طرطوس فدفنه بها ووكل بقبره مائة من الجرس وأجرى على كل رجل منهم تسعين درهما في كل شهر وكان له عدة أولاد لم يشتهر منهم

سوى العباس وعلي فأما العباس فكان مغرما بشراء الضياع والعقار وكان المعتصم مغري بجمع المال واقتناء الغلمان والعدة والرجال قاله ابن الفرات
وفي هذه السنة عهد المأمون بالخلافة إلى أخيه المعتصم فأمر بهدم طوانة وبنقل ما فيها وبصرف أهلها إلى بلادهم
وفيها دخل خلق من أهل بلاد همذان في دين الخرمية المجوس الباطنية وعسكروا فندب المعتصم لهم أمير بغداد إسحاق بن إبراهيم بن مصعب فالتقاهم في ذي الحجة بأرض همدان فكسرهم وقتل منهم ستين ألفا وانهزم من بقي إلى ناحية الروم
وفيها توفي بمصر إسحاق بن بكر بن مضر الفقيه وكان يجلس في حلقه الليث فيفتي ويحدث قال في العبر لا أعلمه يروي عن غير أبيه
وفيها بشر المريسي الفقيه المتكلم وكان داعية للقول بخلق القرآن هلك في آخر السنة ولم يشيعه أحد من العلماء وحكم بكفره طائفة من الأئمة روى عن حماد بن سلمة وعاش نيفا وسبعين سنة قاله في العبر وقال ابن الأهدل كان مرجئا داعية الأرجاء وإليه تنسب طائفة المريسية المرجئة كان أبوه يهوديا صباغا في الكوفة وكان يناظر الشافعي وهو لا يعرف النحو فيلحن لحنا فاحشا انتهى
وفيها عبد الله بن يوسف التنيسي الحافظ أحد الأثبات أصله دمشقي وسمع من سعيد بن عبد العزيز ومالك والليث
وفيها عالم أهل الشام أبو مسهر الغساني الدمشقي العبد الأعلى بن مسهر في حبس المأمون ببغداد في رجب لمحنة القرآن سمع سعيد بن عبد العزيز وتفقه عليه وولد سنة أربعين ومئة وكان علامة بالمغازي والأثر كثير العلم رفيع الذكر قال يحيى ابن معين منذ خرجت من باب الأنبار إلى أن رجعت لم أر مثل أبي مسهر وقال أبو حاتم ما رأيت أفصح منه وما رأيت أحدا في كورة من الكور أعظم قدرا ولا أجل عند أهلها من أبي مسهر بدمشق إذا خرج اصطف الناس يقبلون يده وقال ابن ناصر الدين هو ثقة


وفيها عبد الملك بن هشام البصري النحوي صاحب المغازي هذب السيرة ونقلها عن البكائي صاحب ابن إسحاق وكان أديبا إخباريا نسابة سكن مصر وبها توفي
ومحمد بن نوح العجلي ناصر السنة حمل مقيدا مع الإمام أحمد بن حنبل متزاملين فمرض ومات بغابة في الطريق قوليه المحدود ودفنه وكان في الطريق يثبت أحمد ويشجعه قال أحمد ما رأيت أقوم بأمر الله منه روى عن إسحاق الأزرق ومات شابا رحمه الله قاله في العبر
ومعلى بن أسد البصري أخو بهز بن أسد روى عن وهيب بن أسد وطبقته وكان ثقة مؤدبا
ويحي البابلتي الحراني روى عن الأوزاعي وابن أبي ذئب وطائفة وليس بالقوي في الحديث

سنة تسع عشرة ومائتين

فيها وقيل في التي بعدها امتحن المعتصم الإمام أحمد بن حنبل وضرب بين يديه بالسياط حتى غشي عليه فلما صمم ولم يجب أطلقه وندم على ضربه قاله في العبر
وفيها توفي على بن عياش الألهاني الحمصي الحافظ محدث حمص وعابدها سمع من جرير بن عثمان وطبقته وذكر فيمن يصلح لقضاء حمص
وفيها أبو أيوب سليمان بن داود بن علي الهاشمي العباسي سمع إسماعيل بن جعفر وطبقته وكان إماما حجة فاضلا شريفا روى أن أحمد بن حنبل أثنى عليه وقال يصلح للخلافة
وعالم أهل مكة الحافظ أبو بكر عبد الله بن الزبير القرشي الحميدي روى عن فيضل بن عياض وطبقته وكان إماما حجة قال أحمد بن حنبل الحميدي والشافعي وابن راهويه كل كان إماما أو كلاما هذا معناه وصحب الحميدي والشافعي وابن راهويه كل كان إماما أو كلاما هذا معناه وصحب الحميدي

الشافعي ووالاه بعد أن كان نافرا عنه وصحبه في رحلته إلى مصر قال ابن ناصر الدين حدث عنه البخاري وغيره من كبار الأئمة
وفيها أبو نعيم الفضل بن دكين الملائي الحافظ محدث الكوفة روى عن الأعمش وزكريا ابن أبي زائدة والكبار قال ابن معين ما رأيت أثبت من أبي نعيم وعفان وقال أحمد كان يقظان في الحديث عارفا وقام في أمر الامتحان بما لم يقم غيره عافا الله وكان أعلم من وكيع بالرجال وأنسابهم ووكيع أفقه منه وقال غيره لما امتحنوه قال والله عنقي أهون من زري هذا ثم قطع زره ورماه وقال ابن ناصر الدين الفضل بن دكين هو عمرو بن حماد التيمي مولاهم الكوفي الملائي التاجر حدث عنه أحمد وإسحاق والبخاري وغيرهم وكان حافظا ثبتا فقيها واسع المجال شارك الثوري في أكثر من مائة من الرواة وكان غاية في إتقان ما حفظه ووعاه انتهى
وفيها أبو غسان مالك بن إسماعيل النهدي الكوفي الحافظ روى عن إسرائيل وطبقته قال ابن معين ليس بالكوفة أتقن منه وقال ابن ناصر الدين مالك بن إسماعيل النهدي مولاهم الكوفي ثقة متقن ذو فضل وأمانة وعبادة واستقامة على تشيع فيه كما كان أبو داود يحكيه انتهى وقال أبو حاتم الرازي كان ذا فضل وصلاح وعبادة كنت إذا نظرت إليه كأنه خرج من قبر ولم أر بالكوفة أتقن منه لا أبو نعيم ولا غيره وقال أبو داود كان شديد التشيع
وفيها أبو الأسود النضر بن عبد الجبار المرادي المصري الزاهد روى عن الليث وطبقته قال أبو حاتم صدوق عابد شبهته بالقعنبي رحمهما الله

سنة عشرين ومائتين

وفيها اتخذ المعتصم سر من رأى مسكنا وفيها عقد المعتصم الأقمشين على

حرب بابك الخرمي الذي هزم الجيوش وخرب البلاد منذ عشرين سنة ثم جهز محمد بن يوسف الأمين ليبنى الحصون التي خربها بابك فالتقى الأقمشين ببابك فهزمه وقتل من الخرمية نحو ألف وهرب بابك إلى موقان ثم جرت لهما أمور يطول شرحها
وفيها غضب المعتصم على وزيره الفضل بن مروان وأخذ منه عشرة آلاف ألف دينار ثم نفاه واستوزر محمد بن عبد الملك بن الزيات
وفيها تولى آدم بن أبي أياس الخراساني ثم البغدادي نزيل عسقلان روى عن ابن أبي ذئب وشعبة وكان صالحا ثقة قانتا لله لما احتضر قرأ الختمة ثم قال لا إله إلا الله ثم فارق قال أبو حاتم ثقة مأمون متعبد
وخلاد بن خالد الصيرفي الكوفي قارئ الكوفة وتلميذ سليم تصدر للإقراء وحمل عنه طائفة وحدث عن الحسن بن صالح بن حي وجماعة قال أبو حاتم صدوق
وعاصم بن يوسف اليربوعي الكوفي الخياط روى عن إسرائيل وجماعة وروى البخاري عن أصحابه
وعبد الله بن جعفر الرقي الحافظ روى عن عبيد الله بن عمرو الرقي وطبقته وقد تغير حفظه قبل موته بسنتين
وفيها أبو عمرو عبد الله بن رجا الغداني بالبصرة يوم آخر السنة وكان ثقة حجة روى عن عكرمة بن حماد وطبقته
وعثمان بن الهيثم مؤذن جامع البصرة في رجب عن هشام بن حسان وابن جريج والكبار قال أبو حاتم كان باخرة يلقن
وعفان بن مسلم الأنصاري مولاهم البصري الصفار أبو عثمان أحد أركان الحديث نزل بغداد ونشر بها علمه وحدث عن شعبة وأقرانه قال يحيى بن معين أصحاب الحديث خمسة ابن جريج ومالك والثوري وشعبة وعفان وقال حنبل كتب المأمون إلى متولي بغداد يمتحن الناس فامتحن عفان وكتب المأمون فإن لم يجب عفان فاقطع رزقه وكان له في الشهر خمسمائة درهم فلم يجبهم وقال { وفي السماء رزقكم وما توعدون } وقال ابن ناصر الدين جعل له عشرة آلاف دينار على أن يقف

عن تعديل رجل وعن جرحه فأبى وقال لا أبطل حقا من الحقوق
وفيها أبو عمر حفص بن عمر الضرير البصري صدوق
وقالون القارئ قارئ أهل المدينة صاحب نافع وهو أبو موسى عيسى بن ميناء الزهري مولاهم المدني قال الذهبي في المغني حجة في القراءة لا في الحديث سئل عنه أحمد بن صالح فضحك وقال يكتبون عن كل أحد انتهى
وفيها الشريف أبو جعفر محمد الجواد بن علي بن موسى الرضي الحسيني أحد الاثني عشر إماما الذين تدعي فيهم الرافضة العصمة وله خمس وعشرون سنة وكان المأمون قد نوه بذكره وزوجه بابنته وسكن بها المدينة فكان المأمون ينفذ إليه في السنة ألف ألف درهم وأكثر ثم وفد على المعتصم فأكرم مورده وتوفي ببغداد آخر السنة ودفن عند جده موسى ومشهدهما ينتابه العامة بالزيارة
وفيها أبو حذيفة النهدي موسى بن مسعود البصري المؤدب في جمادى الآخرة سمع أيمن بن بابك وطبقته قال أبو حاتم روى عن سفيان الثوري بضعة عشر ألف حديث وكان يصحف قال في المغني موسى بن مسعود أبو حذيفة النهدي صدوق مشهور من مشيخة البخاري تكلم فيه أحمد ولينه وقال ابن خزيمة لا أحدث عنه وقال أبو حفص الفلاس لا يروي عنه من ينصف الحديث انتهى

سنة إحدى وعشرين ومائتين

فيها كانت وقعة عظمى فكسر بابك الخرمي بغا الكبير ثم تقوى بغا وقصد بابك فالتقوا فانهزم بابك
وفيها توفي أبو علي الحسن بن الربيع البجلي البوراني القصبي الكوفي روى عن قيس بن الربيع وطبقته وهو من شيوخ البخاري وكان ثقة ثبتا عابدا
وعاصم بن علي بن عاصم الواسطي الحافظ أبو الحسن في رجب سمع ابن أبي ذئب وشعبة وخلقا وقدم بغداد فازدحموا عليه من كل مكان حتى حزر مجلسه بمائة ألف وكان ثقة حجة


وفيها محدث مرو وشيخها عبد الله بن عثمان عبدان المروزي سمع شعبة وأبا حمزة السكري والكبار وعاش ستا وسبعين سنة وكان ثقة جليل القدر معظما تصدق في حياته بألف ألف درهم وروى عنه البخاري وغيره
وفيها ألإمام الرباني أبو عبد الرحمن عبد الله بن سلمة بن قعنب الحارثي المدني القعنبي الزاهد سكن البصرة ثم مكة وتوفي بها في المحرم روى عن سلمة بن وردان وأفلح بن حميد والكبار وهو أوثق من روى الموطأ وخرج له أصحاب الكتب الستة قال أبو زرعة ما كتبت عن أحد أجل في عيني من القعنبي وقال أبو حاتم ثقة حجة لم أر أخشع منه وقال الخريبي حدثني القعنبي عن مالك وهو والله عندي خير من مالك وقال الفلاس كان القعنبي مجاب الدعوة وقال محمد بن عبد الوهاب الفرا سمعتهم بالبصرة يقولون القعنبي من الأبدال
وفيها محمد بن بكير الحضرمي البغدادي حدث بأصبهان عن شريك وطبقته وقال أبو حاتم صدوق يغلظ أحيانا
وفيها أبو همام الدلال محمد بن مجبب بصري مشهور روى عن الثوري وطبقته
وفيها الفقيه هشام بن عبد الله الرازي الحنفي روى عن أبي ذئب ومالك وطبقتهما وكان كثير العلم واسع الرواية وفيه ضعف وقد جاء عنه أنه قال أنفقت في طلب العلم سبعمائة ألف درهم

سنة اثنتين وعشرين ومائتين

فيها التقى الأمشين والخرمية لعنهم الله وهزمهم ونجا بابك فلم يزل الأمشين يتحيل عليه حتى أسره وقد عاث هذا الملعون وأفسد البلاد والعباد وامتدت أيامه نيفا وعشرين سنة وأراد أن يقيم ملة المجوس بطبرستان واستولى على أذربيجان وغيرها وفي أيامه ظهر الماربان القائم بملة المجوس بطبرستان وقد بعث المعتصم في أول السنة خزائن أموال إلى الأمشين ليتقوى بها وكانت ثلاثين ألف

ألف درهم وافتتحت مدينة بابك في رمضان بعد حصار شديد فاختفى بابك في غيضة في الحصن وأسر جميع خواصه وأولاده وبعث إليهم المعتصم الأمان فخرقه وسبه وكان قوي النفس شديد البطش صعب المراس فطلع من تلك الغيضة في طريق يعرفها في الجبل وانقلب ووصل إلى جبال أرمينية فنزل على البطريق سهل فأغلق عليه وبعث يعرف الأمشين فجاء الأقشينية فتسلموه وكان المعتصم قد جعل لمن جاء به حيا ألفي ألف درهم ولمن جاء رأسه ألف ألف درهم وكان دخوله بغداد يوما مشهودا
وفيها توفي أبو اليمان الحكم بن نافع البهراني الحمصي الحافظ روى عن جرير ابن عبد الحميد وطبقته وكان ثقة حجة كثير الحديث ولد سنة ثمان وثلاثين ومائة ومات في ذي الحجة وقد سئل أبو اليمان مرة عن حديث لشعيب بن أبي حمزة فقال ليس هو مناولة المناولة لم أخرجها إلى أحد
وعمر بن حفص بن غياث الكوفي روى عن أبيه وطتقته ومات كهلا في ربيع الأول وكان ثقة متقنا عالما
وفيها أبو عمرو مسلم بن إبراهيم الفراهيدي مولاههم البصري القصاب الحافظ محدث البصرة سمع من ابن عون حديثا واحدا ومن قرة بن خالد ولم يرحل لكن سمع من ثمانمائة شيخ بالبصرة وكان ثقة حجة أضر بآخره وكان يقول ما أتيت حراما ولا حلالا قط أي لم يفعل إلا فرضا أو سنة توفي في صفر
وفيها فقيه حمص ومحدثها يحيى بن صالح الوحاظي ولد سنة سبع وثلاثين ومائة وسمع من سعيد بن عبد العزيز وفليح بن سليمان وطبقتهما وعين لقضاء حمص قال العقبلي هو حمصي جهمي وقال الجوزجاني كان مرجئا خبيثا ووثقه غيره

سنة ثلاث وعشرين ومائتين
فيها أتى المعتصم ببابك الخرمي قال ابن الجوزي في الشذور أنبأنا محمد بن عبد الباقي أنبأنا على بن المحسن عن أبيه أن أخا بابك الخرمي قال له لما دخل على المعتصم بابابك أنك قد عملت ما لم يعمل أحد فاصبر الآن صبرا لم يصبره أحد فقال له سترى صبري فأمر المعتصم بقطع أيدهما بحضرته فبدأ ببابك فقطعت يمينه فأخذ الدم فمسح به وجهه وقال لئلا يرى في وجهي صفرة فيظن أني جزعت من الموت ثم قطعت أربعته وضربت عنقه وقذف في النار وفعل ذلك بأخيه فما فيهما من صاح وخرج المعتصم إلى عموريه فقتل ثلاثين ألفا وسبى مثلها وطرح فيها النار وجاء ببابها إلى العراق فهو الذي يسمى باب العامة انتهى وتوج المعتصم ألاقشين ووصله بعشرين ألف ألف درهم نصفها له ونصفها لعسكره
وفيها التقى المسلمون وعليهم الأقشين وطاغية الروم فاقتتلوا أياما وكثرت القتلى ثم انهزم الملاعين وكان طاغيتهم في هذا الوقت توفيل بن ميخائيل بن جرجس لعنهم الله نزل على ريطرة في مائة ألف أياما وافتتحها بالسيف ثم أغار على ملطية ثم أذله الله بهذه الكسرة
وفيها توفي خالد بن خداش المهلبي البصرى المحدث في جمادى الآخرة روى عن مالك وطبقته وخرج له البخاري في التاريخ ومسلم والنسائي قال أبو حاتم وغيره صدوق وقال ابن المديني ضعيف
وفيها أبو الفضل صدقة بن الفضل المروزي عالم أهل مرو ومحدثهم رحل وكتب عن ابن عينه وطبقته وأقدم شيخ له أبو حمزة السكري قال بعضهم كان ببلده كأحمد بن حنبل ببغداد
وفيها عبد الله بن صالح أبو صالح الجهني المصري الحافظ كاتب الليث بن سعد توفي في يوم عاشوراء وله ست وثمانون سنة حدث عن معاوية بن صالح وعبد العزيز الماجشون وخلق قال ابن معين أقل أحوال أبي صالح أنه قرأ هذه الكتب على الليث فأجازها له وقال ابن ناصر الدين روى عنه البخاري في الصحيح وله مناكير

وقال الفضل الشعراني ما رأيت عبد الله بن صالح ألا يحدث أو يسبح وضعفه آخرون كما قال في العبر
وفيها أبو بكر بن أبي الأسود واسمه عبد الله بن محمد بن حميد قاضي همذان سمع مالكا وأبا عوانة وكان حافظا متقنا
وأبو عثمان عمرو بن عون الواسطي سمع الحمادين وظائفة قال أبو حاتم لقه حجة وكان يحيى بن معين يطنب في الثناء عليه وقال ابن ناصر الدين هو ابن أخت عبد الرحمن بن مهدي حدث عنه البخاري وغيره وكان ثبتا متقنا أنتهى
وفيها محمد بن سنان العوفي أبو بكر البصري أحد الأثبات روى عن جرير ابن حازم وطبقته
وفيها أبو عبد الله محمد بن كثير العبدي البصري المحدث روى عن حماد بن سلمة وطبقته قال ابن معين كيس صادق كثير الحديث
وفيها معاذ بن أسد بالبصرة وهو مر وزي روى عن ابن المبارك وكان كاتبه
وموسى بن إسماعيل أبو سلمة المنقري التبوذكي البصري الحافظ أحد أركان الحديث سمع من شعبة حديثا وأحدا وأكثر عن حماد بن سلمة وطبقنه قال عباس الدوري كتبت عنه خمسة وثلاثين ألف حديث وقال ابن ناصر الدين ثقة
والحسن البوراني على ما ذكره ابن ناصر الدين وقال هو ثقة وشيخ للبخاري

سنة أربع وعشرين ومائتين

وفيها زلزلت مدينة فرغانه فمات منها أكثر من خمسة عشر ألفا قاله في الشذور
وفيها ظهر مازيار بطبرستان وخلع المعتصم فسار لحربه عبد الله بن طاهر وظلم مازيار وعسف وصادر وخرب أسوار آمل والري وجرجان وجرت له حروب وفصول ثم اختلف عليه جنده إلى أن قتل في السنة الآتية


وفيها توفي الأمير إبراهيم بن المهدي بن محمد المنصور العباسي الأسود ولذلك ولضخامته يقال له التنين ويقال له ابن شكلة وهي أمه وكان أديبا فصيحا شاعرا محسنا رأسا في معرفة الغناء وأنواعه ولي إمرة دمشق لأخيه الرشيد وبويع بالخلافة ببغداد ولقب المبارك عندما جعل المأمون ولي عهده علي بن موسى الرضي فحاربه الحسن بن سهل فانكسر ثم حاربه حميد الطوسي فانكسر جيش إبراهيم وانهزم فاختفى وذلك في سنة ثلاث وبقى في الاختفاء سبع سنين ثم ظفروا به وهو في ازار فعفا عنه المأمون وذلك لأنه استشار خاصته في أمره فكل أشار بقتله قائلا من ذاق حلاوة الخلافة لا تصح منه توبة إلا يحيى بن أكثم فإنه أجاب بما معناه لقد سمعنا بمن جنى كجنايته كثيرا وإنه إذا قدر عليه قتل ولم نسمع أنه إذا قدر عليه عفى عنه فاجعل عفوك عنه خيرا ومكرمة تذكر إلى آخر الدهر فقبل رأي يحيى وأطلقه مكرما
وفيها إبراهيم بن أبي سويد البصري الزارع أحد أصحاب الحديث روى عن حماد بن سلمة وأقرانه قال أبو حاتم ثقة رضي
وأيوب بن سليمان بن بلال له نسخة صحيحة يرويها عن عبد الحميد بن أبي أويس عن أبيه عن سليمان بن بلال ما عنده سواها
وفيها أبو العباس حياة بن شريح الحضرمي الحمصي الحافظ سمع إسماعيل ابن عياش وطائفة
وربيع بن يحيى الأشناني البصري روى عن مالك بن مغول والكبار وكان ثقة صاحب حديث
وبكار بن محمد بن عبد الله بن محمد بن سيرين السيريني روى عن ابن عون والكبار وفيه ضعف يسير وقال في المغني عن ابن عون قال أبو زرعة ذاهب الحديث انتهى
وفيها سعيد بن أبي مريم الحكم بن محمد بن سالم الجمحي مولاهم المصري

الثقة أحد أركان الحديث وله ثمانون سنة روى عن يحيى بن أيوب وأبي غسان محمد بن مطرف وطبقتهما من المصريين والحجازيين
وفيها قاضي مكة أبو أيوب سليمان بن حرب الأزدي الواشحي البصري الحافظ في ربيع الآخر وهو في عشر التسعين سمع شعبة وطبقته قال أبو داود سمعته يقع في معاوية وكان بشر الحافي يهجره لذلك وكان لا يدلس ويتكلم في الرجال وقرأ الفقه وقد ظهر من حديثه نحو عشرة آلاف حديث وما رأيت في يده كتابا قط وحضرت مجلسه ببغداد فحزر بأربعين ألفا وحضر مجلسه المأمون من وراء ستر وقال ابن ناصر الدين هو ثقة ثبت
وفيها أبو معمر المقعد وهو عبد الله بن عمرو المنقري مولاهم البصري الحافظ صاحب عبد الوارث قال ابن معين ثقة ثبت وقال ابن ناصر الدين كنيته أبو عمر حدث عن البخاري وغيره وهو ثقة
وفيها عمرو بن مرزوق الباهلي مولاهم البصري الحافظ روى عن مالك بن مغول وطبقته قال محمد بن عيسى بن السكن سالت ابن معين عنه فقال ثقة مأمون صاحب غزو وحمده
وفيها أبو الحسن علي بن محمد المدائني البصري الأخباري صاحب التصانيف والمغازي والأنساب وله ثلاث وتسعون سنة سمع ابن ابي ذئب وطبقته وكان يسرد الصوم ووثقه ابن معين وغيره
وفيها العلامة العلم أبو عبيد القسم بن سلام البغدادي صاحب التصانيف سمع شريكا وابن المبارك وطبقتهما وقال إسحاق بن راهويه الحق يجب لله أبو عبيد أفقه مني واعلم وقال أحمد أبو عبيد أستاذ وقال ابن ناصر الدين هو ثقة إمام فقيه مجتهد أحد الأعلام وكان إماما في القراءات حافظا للحديث وعلله الدقيقات عارفا بالفقه والتعريفات رأسا في اللغة ذا مصنفات انتهى وقال ابن الأهدل قيل أنه أول من صنف غريب الحديث وصنف نيفا وعشرين كتابا وعنه قال مكثت في الغريب

أربعين سنة ووقف عليه عبد الله بن طاهر فاستحسنه وقال أن عقلا دعا صاحبه لمثل هذا حقيق أن لا يحوج إلى طلب المعاش وأجرى له كل شهر عشرة آلاف درهم ولي القضاء بمدينة طرسوس ثماني عشرة سنة وكان يقسم الليل أثلاثا صلاة ونوما وتصنيفا وكان أحمر الرأس واللحية يخضب بالحناء وكان مهيبا توفي بمكة بعد أن حج وعزم على الانصراف إلى العراق مع الناس قال فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم وأردت الدخول عليه فمنعت فقيل لي لا تدخل عليه ولا تسلم وأنت خارج إلى العراق فقلت لا أخرج إذا فأخذوا عهدي على ذلك وخلوا بيني وبينه فسلمت عليه وصافحني فأقام بمكة حتى مات وعنه قال كنت مستلقيا بالمسجد الحرام فجاءتني عائشة المكية وكانت من العارفات فقالت يا أبا عبيد لا تجالسه إلا بأدب ووإلا محاك من ديوان العلماء والصالحين وقال هلال بن العلاء الرقي من الله سبحانه على هذه الأمة بأربعة في زمانهم الشافعي ولولاه ما تفقه الناس في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحمد ولولاه ابتدع الناس ويحيى بن معين نفى الكذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي عبيد فسر غريب الحديث ولولاه اقتحم الناس الخطأ وكان أبو عبيد موصوفا بالدين وحسن المذهب والسيرة الجميلة والفضل البارع وأثنى عليه علماء وقته بما يطول ذكره انتهى وكان أبوه عبدا روميا لرجل من أهل هراة
وفيها أبو الجماهر محمد بن عثمان التنوخي الكفرسوسي سمع سعيد بن عبد العزيز وطبقته قال أبو حاتم ما رأيت أفصح منه ومن أبي مسهر وقال ابن ناصر الدين هو ثقة
وفيها أبو جعفر محمد بن عيسى الطباع الحافظ نزيل الثغر بأدنة سمع مالكا وطبقته قال أبو حاتم ما رأيت أحفظ للأبواب منه وقال أبو داود كان يتفقه ويحفظ نحوا من أربعين ألف حديث
وفيها أبو النعمان محمد بن الفضل ويعرف بعارم السدوسي البصري الحافظ أحدأركان الحديث روى عن الحمادين وطبقتهما ولكنه اختلط بآخره وكان

سليمان بن حرب يقدمه على نفسه وكان حافظا ثبتا قد اختلط بآخره وزال عقله فيما يذكر ولم يظهر له بعد اختلاطه فيما قاله الدارقطني شيء منكر قال ابن ناصر الدين
وفيها على ما ذكره ابن ناصر الدين يزيد بن عبد ربه الزبيدي الجرجسي الثبت

سنة خمس وعشرين ومائتين

فيها على ما قاله في الشذور كانت رجفة بالأهواز عظيمة تصدعت منها الجبال وهرب أهل البلد إلى البر وإلى السفن وسقطت فيها دور كثيرة وسقط نصف الجامع ومكثت ستة عشر يوما
وفيها توفي احترقت الكرخ فأسرعت النار في الأسواق فوهب المعتصم للتجار وأصحاب العقار خمسة آلاف درهم
وفيها توفي الفقيه أصبغ بن الفرج أبو عبد الله المصري الثقة مفتي أهل مصر ووراق ابن وهب أخذ عن ابن وهب وابن القاسم وتصدر للأشغال والحديث قال ابن معين كان من أعلم خلق الله كلهم برأي مالك يعرفها مسئلة مسئلة متى قالها مالك ومن خالفه فيها وقال أبو حاتم هو أجل أصحاب ابن وهب وقال بعضهم ما أخرجت مصر مثل أصبغ وقد كان ذكر لقضاء مصر وله مصنفات حسان
وفيها حفص بن عمر أبو عمر الحوضي الحافظ بالبصرة روى عن هشام الدستوائي والكبار قال أحمد بن حنبل ثقة ثبت لا يوجد عليه حرف واحد وقال ابن ناصر الدين هو ثقة
وفيهاسعدويه الواسطي سعيد بن سليمان الحافظ ببغداد روى عن حماد ابن سلمة وطبقته قال أبو حاتم ثقة مأمون لعله أوثق من عفان وقال صالح جزرة سمعت سعدويه يقول حججت ستين حجة وقال ابن ناصر الدين هو سعيد بن سليمان الضبي البزار رمى بالتصحيف وقال أبو حاتم ثقة انتهى
وفيها أبو عبيدة شاذ بن فياض اليشكري البصري واسمه هلال روى عن هشام

الدستوائي والكبار فأكثر
وفيها أبو عمر الجرمي النحوي صالح بنإسحاق وكان دينا ورعا نبيلا رأسا في اللغة والنحو نال بالأدب دنيا عريضة وقال ابن الأهدل كان دينا ورعا حسن العقيدة صنف في النحو وناظر الفراء وحدث عنه المبرد وله كتاب في السير عجيب وكتاب غريب سيبويه والعروض وجرم المنسوب إليها في العرب كثيرة منهم جرم بن علقمة بن أنمار ومنهم جرم بن ريان انتهى
وفيها فروة بن أبي المغزاء الكوفي المحدث روى عن شريك وطبقته
وفيها الأمير أبو دلف قاسم بن عيسى العجلي صاحب الكرخ أحد الأبطال المذكورين الممدوحين والأجواد المشهورين والشعراء المجيدين وقد ولى إمرة دمشق للمعتصم يحكى عنه أنه قال يوما من لم يكن مغالبا في التشييع فهو ولد زنا فقال له ولده يا أبت لست على مذهبك فقال له أبوه لما وطئت أمك وعلقت بك ما كنت بعد استبريتها فهذا من ذاك وقال ابن الأهدل مدحه أبو تمام وغيره وله صنعة في الغناء وصنف كتاب البزاة والصيد والسلاح ومناسبة الملوك وغير ذلك كان لكثرة عطائه قد ركبته الديون فلما مات رآه ابنه دلف جالسا عريانا على أسوأ حال وأنشده أبياتا منها
( ولو كنا إذا متنا تركنا ** لكان الموت راحة كل حي )
( ولكنا إذا متنا بعثنا ** ونسأل بعده عن كل شيء )
زكان أبوه قد شرع في عمران مدينة الكرخ ثم أتمها هو وكان بها أولاده وعشيرته انتهى
وفيها محمد بن سلام البيكندي الخافظ رحل وسمع من مالك وخلق كثير وكان يحفظ خمسة آلاف حديث وقال أنفقت في طلب العلم أربعين ألفا وفي نشره مثلها وقال ابن ناصر الدين به تخرج البخاري انتهى

سنة ست وعشرين ومائتين

فيها كما قال في الشذور مطر أهل تيماء مطرا وبردا كالبيض فقتل ثلثمائة وسبعين إنسانا وهدم دورا وسمع في ذلك صوت يقول ارحم عبادك اعف عن عبادك ونظر إلى أثر قدم طولها ذراع بلا أصابع وعرضها شبران من الخطوة إلى الخطوة خمسة أذرع أو ست فاتبعوا الصوت فجعلوا يسمعون صوتا ولا يرون شخصا
وفيها غضب المعتصم على الاقشين وسجنه وضيق عليه ومنع من الطعام حتى مات أو خنق ثم صلب إلى جانب بابك وأتى بأصنام من داره أنهم بعبادتها فأحرقت وكان أقلف متهما في دينه وأيضا خافه المعتصم وكان من أولاد ملوك الأكاسرة واسمه حيدر بن كاوس وكان بطلا شجاعا مطاعا ليس في الأمراء أكبر منه
وأيضا ظفر المعتصم بمازيار الذي فعل الأفاعيل بطبرستان وصلبه إلى جنب بابك والاقشين
وفيها توفي أحمد بن عمرو الحديثي النيسابوري سمع مسلم بن خالد الزنجي وطبقته ولزم محمد بن نصر المروزي فأكثر عنه قال الحاكم كان إمام عصره في العلم والحديث والزهد ثقة
وإسحاق بن محمد الفروي المدني الفقيه روى عن مالك وطبقته
وإسماعيل بن أبي أويس الحافظ أبو عبد الله الأصبحي المدني سمع من خاله مالك وطبقته وفيه ضعف لم يؤخره عن الاحتجاج به عند صاحبي الصحيحين وقال ابن ناصر الدين أثنى عليه أحمد والبخاري وتكلم فيه النسائي وغيره انتهى
وفيها سعيد بن كثير بن عفير أبو عثمان المصري الحافظ العلامة قاضي الديار المصرية روى عن الليث ويحيى بن أيوب والكبار وكان فقيها نسابة أخباريا شاعرا كثير الاطلاع قليل المثل صحيح النقل ثقة روى عنه البخاري وغيره
وفيها محدث الموصل غسان بن الربيع الأزدي روى عن عبد الرحمن بن ثابت

ابن ثوبان وطبقته وكان ورعا كبير القدر ليس بحجة
وصدقة بن الفضل المروزي أبو الفضل البحر في العلوم روى عنه البخاري وغيره وكان شيخ مرو على الإطلاق قاله ابن ناصر الدين
وحسين بن داود المصيصي المحتسب أبو على الحافظ لقبه سنيد وبه اشتهر أحد أوعية العلم والأثر تكلم فيه أحمد وغيره ووثقه ابن حبان والخطيب البغدادي قاله ابن ناصر الدين
ومحمد بن مقاتل المروزي شيخ البخاري بمكة روى عن ابن المبارك وطبقته
وفيها شيخ خراسان الإمام يحيى بن يحيى بن بكر التميمي النيسابوري في صفر في نيسابور قال ابن راهويه ما رأيت مثل يحيى بن يحيى ولا أحسبه رأى مثل نفسه ومات وهو إمام لأهل الدنيا

سنة سبع وعشرين ومائتين

فيها قدم على إمرة دمشق أو المغيث الرافعي فخرجت عليهم قيس لكونه صلب منهم خمسة عشر رجلا وأخذوا خيل الدولة من المرج فوجه أبو المغيث إليهم جيشا فهزموه ثم استفحل شرهم وعظم جمعهم وزحفوا على دمشق وحاصروها فجاء رجاء الحصارى الأمير في جيش من العراق ونزل بدير مران والقيسية بالمرج فوجه إليهم يناشدهم الطاعة فأبوا إلا أن يعزل أبو المغيث فأنذرهم القتال يوم الإثنين ثم كبسهم يوم الأحد بكفر بطنا وكان جمهور القيسية بدومة فوضع السيف في كفر بطنا وسقبا وجسرين حتى قتل ألفا وخمسمائة وقتلوا الصبيان ووقع النهب قاله في العبر
وفيها توفي أحمد بن عبد الله بن يونس أبو عبد الله اليربوعي الكوفي الحافظ سمع الثوري وطبقته وعاش أربعا وتسعين سنة قال أحمد بن حنبل لرجل سأله عمن اكتب قال أخرج إلى أحمد بن يونس اليربوعي فأنه شيخ الإسلام انتهى وهو من الثقات الإثبات
وإبراهيم بن بشار الرمادي الزاهد صاحب سفيان بن عيينة قال ابن عدي

سألت محمد بن أحمد الزريقي عنه فقال كان والله ازهد أهل زمانه وقال ابن حبان كان متقنا ضابطا
وأبو النضر اسحق بن إبراهيم الدمشقي الفراديسي من أعيان الشيوخ بدمشق روى عن سعيد بن عبد العزيز وجماعة قال في المغني إسحق بن إبراهيم بن النضر الفراديسي مشهور ثقة قال ابن عدي له أحاديث غير محفوظة انتهى
وإسماعيل بن عمرو البجلي محدث أصبهان وهو كوفي روى عن مسعر وطبقته وثقة ابن حبان وغيره وضعفه الدارقطني وهو مكثر عالى الإسناد
وفيها الرباني القدوة أبو نصر بشر بن الحرث المروزي الزاهد المعروف ببشر الحافي سمع من حماد بن زيد وإبراهيم بن سعد وطبقتهما وعني بالعلم ثم أقبل على شأنه ودفن كتبه حدث بشيء يسير وكان في الفقه على مذهب الثوري وقد صنف العلماء مناقب بشر وكراماته رحمه الله عاش خمسا وسبعين سنة وتوفي ببغداد في ربيع الأول قاله في العبر وقال السخاوي في طبقات الأولياء قال ابن حبان في الثقات أخباره وشمائله في التقشف وخفى الورع أشهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفها وكان وثوري المذهب في الفقه والورع جميعا وقال الخطيب هو ابن عم على بن خشرم كان ممن فاق أهل عصره في الورع والزهد وتفرد بوفور العقل وأنواع الفضل وحسن الطريقة وعزوف النفس وإسقاط التكلف والفضول وكان كثير الحديث إلا أنه لم ينصب نفسه للرواية وكان يكثرها ودفن كتبه لأجل ذلك وقال ابن الجوزي هو مروزي الأصل من قرية على ستة أميال من مرو ويقال لها ما ترسام بالتاء الفوقية وكان من أبناء الرؤساء والكتبة وولد في سنة خمسين ومائة بمرو ولم يملك بشر ببغداد ملكا قط وكان لا يأكل من غلة بغداد ورعا لأنها من أرض السواد التي لم تقسم وكان في حدائته يطلب العلم ويمشي في طلبه حافيا حتى اشتهر بهذا الإسم قال مسعر من طلب الحديث فليتقشف وليمش حافيا وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال من أغبرت قدماه في سبيل الله حرمهما الله على النار فرأى بشر أن طالب

العلم يمشي في سبيل الله فأحب تعميم قدميه بالغبار ولم يتزوج بشر قط ولم يعرف النساء قيل له لم لا تتزوج قال لو أظلني زمان عمر وأعطاني كنت أتزوج وقيل له لو تزوجت تم نسكك قال أخاف أن تقوم بحقي ولا أقوم بحقها قال تعالى { ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف } وكان يعمل المغازل ويعيش منها حتى مات وكان لا يقبل من أحد شيئا عطية أو هدية سوى رجل من أصحابه ربما قبل منه وقال لو علمت أن أحدا يعطي لله لأخذت منه ولكن يعطي بالليل ويتحدث بالنهار وقال لابن أخته عمر يا بني اعمل فإن أثره في الكفين أحسن من أثر السجدة بين العينين وقال ليس شيء من أعمال البر أحب إلي من السخاء ولا أبغض إلي من الضيق وسوء الخلق وسئل أحمد بن حنبل عن مسألة في الورع فقال استغفر الله لا يحل لي أن أتكلم في الورع وأنا آكل من غلة بغداد لو كان بشر صلح أن يجيبك عنه فإنه كان لا يأكل من غلة بغداد ولا من طعام السواد يصلح أن يتكلم في الورع وقال بشر إذا قل عمل العبد ابتلى بالهم وقال ما من أحد خالط لحمه ودمه ومشاشة حب النبي صلى الله عليه وسلم فيرى النار وقال كانوا لا يأكلون تلذذا ولا يلبسون تنعما وهذا طريق الآخرة والأنبياء والصالحين فمن زعم أن الأمر غير هذا فهو مفتون ونظر إلى الفاكهة فقال ترك هذه عبادة ثم التفت إلى سجن باب الشام فقال ما هذا قالوا سجن فقال هذه الشهوات ادخلت هؤلاء هذا المدخل وقال الفكرة في أمر الآخرة تقطع حب الدنيا وتذهب شهواتها وقال من طلب الدنيا فليتهيا للذل قال جميع ذلك ابن الجوزي في مناقبه وأسند الخطيب عنه أنه قال لو لم يكن في القناعة شيء إلا التمتع بعز الغنى لكان ذلك يجزئ ثم أنشد
( أفادتني القناعة أي عز ** ولا عز أعز من القناعة )
( فخدمنها لنفسك رأس مال ** وصير بعدها التقوى بضاعة )
( تحز حالين تغني عن بخيل ** وتحظى في الجنان بصبر ساعة )
وأسند الخطيب عن أحمد بن مسكين قال خرجت في طلب بشر من باب

حرب فإذا به جالس وحده فأقبلت نحوه فلما رآني مقبلا خط بيده على الجدار وولى فأتيت موضعه فإذا هو قد خط بيده
( الحمد لله لا شريك له ** في صحبه دائما وفي غلسه )
( لم يبق لي مؤنس فيؤنسنى ** الا أنيس أخاف من أنسه )
فاعتزل الناس يا أخي ولا ** تركن إلى من تخاف من دنسه )
قال عبد الله بن الإمام أحمد مات بشر قبل المعتصم بستة أيام وأسند عن أبي حسان الزيادي قال مات بشر سنة سبع وعشرين ومائتين عشية الأربعاء لعشر بقين من ربيع الأول وقد بلغ من السن خمسا وسبعين سنة وحشد الناس لجنازته وكان أبو نصر التمار وعلي بن المديني يصيحان في الجنازة هذا والله شرف الدنيا قبل شرف الآخرة وأخرجت جنازته بعد صلاة الصبح ولم يحصل في القبر إلا في الليل وكان نهارا صائفا وقال عمر ابن اخته كنت أسمع الجن تنوح على خالي في البيت الذي كان فيه غير مرة وعن القاسم بن منبه قال رأيت بشرا في النوم فقلت ما فعل الله بك قال غفر لي وقال يا بشر قد غفرت لك ولكل من تبع جنازتك قال فقلت يا رب ولكل من أحبني قال ولكل من أحبك إلى يوم القيامة انتهى ما أورده الخطيب مختصرا
و فهيا أبو عثمان سعيد بن منصور الخراساني الحافظ صاحب السنن روى عن فليح بن سليمان وشريك وطبقتهما وجاور بمكة وبها مات في رمضان وقد روى البخاري عن رجل عنه وكان من الثقات المشهورين
وسهل بن بكار البصري روى عن شعبة وجماعة
وفيها محمد بن الصباح البغدادي البزاز المزني مولاهم الدولابي أبو جعفر روى عن شريك وطبقته وله سنن صغيرة وهو ثقة روى عنه أحمد والشيخان وغيرهم
وفيها أبو الوليد الطيالسي هشام بن عبد الملك الباهلي مولاهم البصري الحافظ

أحد أركان الحديث في صفر وله أربع وتسعون سنة سمع عاصم بن محمد العمري وهشام الدستوائي والكبار قال أحمد بن سنان كان أمير المحدثين وقال أبو زرعة كان إماما في زمانه جليلا عند الناس وقال أبو حاتم إمام فقيه عاقل ثقة حافظ ما رأيت في يده كتابا قط وقال ابن وارة ما أراني أدركت مثله
وفيها يحيى بن بشير الحريري الكوفي سمع بدمشق من معاوية بن سلام وجماعة وعمر دهرا وهو مجهول
وفي ربيع الأول الخليفة المعتصم أبو إسحاق محمد بن هارون الرشيد بن المهدي العباسي وله سبع وأربعون سنة وعهد إليه بالخلافة المأمون وكان أبيض أصهب اللحية طويلها مربوعا مشرق اللون قويا إلى الغاية شجاعا شهما مهيبا وكان كثير اللهو مسرفا على نفسه وهو الذي افتتح عمورية من أرض الروم وكان يقال له المثمن لأنه ولد سنة ثمانين ومائة في ثامن شهر فيها وهو شعبان وتوفي أيضا في ثامن عشر رمضان وهو ثامن الخلفاء من بني العباس وفتح ثمان فتوح عمورية ومدينة بابك ومدينة البط وقلعة الأحراف و مصر وأذربيجان وأرمينية وديار ربيعة ووقف في خدمة ثمانية ملوك الاقشين ومازيار وبابك وباطس ملك عمورية وعجيف ملك اشيا حيج وصول صاحب أسبيجاب وهاشم ناحور ملك طخارستان وكناسة ملك السند فقتل هؤلاء سوى صول وهاشم واستخلف ثمان سنين وثمانية أشهر وثمانية أيام وخلف ثمانية بنين وثماني بنات وخلف من الذهب ثمانية آلاف ألف دينار ومن الدراهم ثمانية عشر ألف ألف درهم ومن الخيل ثمانين ألف فرس ومن الجمال والبغال مثل ذلك ومن المماليك ثمانية آلاف وثمانية آلاف جارية وبنى ثمانية قصور وكان له نفس سبعية إذا غضب لم يبال من قتل ولا ما فعل وقام بعده ابنه الواثق قال جميع ذلك في العبر ومن عجيب ما اتفق له أنه كان قاعدا في مجلس أنسه والكاس في يده فبلغه أن امرأة شريفة في الأسر عند علج من علوج الروم في عمورية وأنه لطمها على وجهها يوما فصاحب وامعتصماه فقال لها العلج ما يجيء إليك إلا على أبلق فختم

المعتصم الكأس وناوله وقال والله ما شربته إلا بعد فك الشريفة من الأسر وقتل العلج ثم نادى في العساكر المحمدية بالرحيل إلى غزو عمورية وأمر العسكر أن لا يخرج أحد منهم إلا على أبلق فخرجوا معه في سبعين ألف أبلق فلما فتح الله تعالى عليه بفتح عمورية دخلها وهو يقول لبيك لبيك وطلب العلج صاحب الأسيرة الشريفة وضرب عنقه وفك قيود الشريفة وقال للساقي ائتني بكأسي المختوم ففك ختمه وشربه وقال الآن طاب شرب الشراب سامحه الله تعالى وجزاه خيرا

سنة ثمان وعشرين ومائتين
فيها غلا السعر بطريق مكة فبيعت راوية الماء بأربعين درهما وسقطت قطعة من الجبل عند جمرة العقبة فقتلت عدة من الحجاج
وفيها توفي داود بن عمرو بن زهير بن عمرو بن جميل الضبي البغدادي سمع نافع بن عمر الجمحي وطائفة وكان صدوقا صاحب حديث قال ابن ناصر الدين كنيته أبو سليمان حدث عنه أحمد ومسلم وغيرهما وكان ثقة ميرزا على أصحابه وكان أحمد بن حنبل أذا راد أن يركب داود يأخذ له بركابه انتهى
وفيها حماد بن مالك الأشجعي الخراساني شيخ معمر مقبول الرواية روى عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر والأوزاعي
وفيها أبو نصر التمار عبد الملك بن عبد العزيز الزاهد ببغداد في أول العام روى عن حماد بن سلمة وطبقته وكان ثقة ثبتا عالما عابدا قانتا ورعا يعد من الأبدال
وعبيد الله بن محمد العيشي البصري الأخباري أحد الفصحاء الأجواد روى عن حماد بن سلمة قال يعقوب بن شيبة أنفق ابن عائشة على إخوانه أربعمائة ألف دينار في الله وعن إبراهيم الحربي قال ما رأيت مثل ابن عائشة وقال ابن حراش صدوق وقال ابن الأهدل أمه عائشة بنت طلحة ومن كلامه جزعك في مصيبة

صديقك أحسن من صبرك وصبرك في مصيبتك أحسن من جزعك ووقف على قبر ابن له مات فقال
( إذا ما دعوت الصبر بعدك والبكى ** أجاب البكى طوعا ولم يجب الصبر )
( فإن ينقطع منك الرجاء فإنه ** سيبقى عليك الحزن ما بقى الدهر )
وعنه قال ما أعرف كلمة بعد كلام الله ورسوله أخصر لفظا ولا أكمل وضعا ولا أعم نفعا من قول علي كرم الله وجهه قيمة كل امرئ ما يحسن ومن قوله أول الفراعنة سنان بن علوان بن عبيد بن عوج بن عمليق وهو صاحب القضية مع سارة وإبراهيم وأخدمها هاجر والثاني صاحب يوسف ريان بن الوليد وهو خيرهم يرجع نسبة إلى عمرو بن عمليق يقال أنه أسلم على يد يوسف والثالث فرعون موسى الوليد بن مصعب بن معاوية وهو أخبثهم يرجع إلى عمرو بن عمليق أيضا والرابع نوفل الذي قتله بخت نصر حين غزا مصر والخامس كان طوله ألفي ذراع وكان قصيراه جسر نيل مصر انتهى ما قاله ابن الأهدل
وفيها علي بن عثام بن علي العامري الكوفي نزيل نيسابور سمع مالكا وطبقته وكان حافظا زاهدا فقيها أديبا كبير القدر توفي مرابطا بطرسوس روى مسلم في صحيحه عن رجل عنه
وفيها أبو الجهم العلاء بن موسى الباهلي ببغداد وله جزء مشهور من أعلى المرويات روى فيه عن الليث بن سعد وجماعة قال الخطيب صدوق وخرج له الترمذي وقال في المغني العلاء الباهلي الرقي قال البخاري وغيره منكر الحديث فأما العلاء بن هلال البصري فما فيه تجريح انتهى
وفيها محمد بن الصلت أبو يعلى الثوري ثم البصري الحافظ سمع الدراوردي وطبقته قال أبو حاتم كان يملي علينا التفسير من حفظه
وفيها العتبي الأخباري وهو أبو عبد الرحمن محمد بن عبيد الله بن عمرو الأموي

أحد الفصحاء الأدباء من ذرية عتبة بن أبي سفيان بن حرب وكان من أعيان الشعراء بالبصرة سمع أباه وسمع أيضا من سفيان بن عيينة عدة أحاديث والأخبار أغلب عليه قاله في العبر وقال ابن الأهدل روى عنه أبو الفضل الرقاشي وله عدة تصانيف ومن قوله
( رأين الغواني الشيب لاح بعارضي ** فأعرضن عني بالخدود النواضر )
( وكن متى أبصرنني أو سمعنني ** سعين يرفعن اللوا بالمحاجر )
( فإن عطفت عني أعنة أعين ** نظرن بأحداق المها والجآذر )
( فإني من قوم كرام ثناؤهم ** لأقدامهم صيغت رؤوس المنابر )
( خلائف في الإسلام في الشرك قادة ** بهم وإليهم فخر كل مفاخر )
وله وقد مات ولد له
( أضحت بخدي للدموع رسوم ** أسفا عليك وفي الفؤاد كلوم )
( والصبر يحمد في المواطن كلها ** ألا عليك فإنه مذموم ) انتهى
وفيها مسدد بن مسرهد بن مسربل بن مغربل بن مرعبل بن مطربل بن أرندل ابن سرندل بن عرندل بن ماسك بن المستورد الأسدي بالسكون ويقال بالتحريك كان يحيى بن معين إذا ذكر نسب مسدد قال هذه رقية عقرب قال ابن الأهدل في شرحه للبخاري نسب مسدد إذا أضيف إليه بسم الله الرحمن الرحيم كانت رقية من العقرب والخمسة الأول بصيغة المفعول والثلاثة الأخيرة أعجمية وكان مسدد أحد الحفاظ الثقات وهو ممن نفرد به البخاري دون مسلم انتهى وقال في العبر مسدد بن مسرهد الحافظ أبو الحسن البصري سمع جويرية بن أسماء وأبا عوانة وخلقا وله مسند في مجلد سمعت بعضه انتهى
وفيها نعيم بن حماد أبو عبد الله الفارض الأعور منهم من وثقه والأكثر منهم ضعفه قال في المغني نعيم بن حماد أحد الأئمة وثقه أحمد بن حنبل وغيره وابن معين في رواية وقال في رواية أخرى يشبه له فيروى مالا أصل له وقال

النسائي ليس بثقة وقال الدارقطني كثير الوهم وقال أبو حاتم محله الصدق وقال العباس بن مصعب وضع كتبا في الرد على أبي حنيفة قال الأزدي كان يضع الحديث في تقوية السنة وحكايات مزورة في ثلب أبي حنيفة كلها كذب وكان من أعلم الناس بالفرائض انتهى ملخصا
وفيها نعيم بن الهيضم الهروي ببغداد روى عن أبي عوانة وجماعة وهو من ثقات شيوخ البغوي
وفيها أبو زكريا يحيى بن عبد الحميد الحماني الكوفي الحافظ أحد أركان الحديث قال ابن معين ما كان بالكوفة من يحفظ معه سمع قيس بن الربيع وطبقته وهو ضعيف لكن وثقه ابن معين

سنة تسع وعشرين ومائتين

فيها توفي الإمام أبو محمد خلف بن هشام البزاز شيخ القراء والمحدثين ببغداد سمع من مالك بن أنس وطبقته وله اختيار خالف فيه حمزة في أماكن وكان عابدا صالحا كثير العلم صاحب سنة رحمه الله تعالى
وعبد الله بن محمد الحافظ أبو جعفر الجعفي البخاري المسندي لقب بذلك لأنه كان يتبع المسند ويتطلبه رحل وكتب الكثير عن سفيان بن عيينة وطبقته وكان ثبتا روى عنه البخاري وغيره
وفيها نعيم بن حماد الخزاعي الفرضي المروزي الحافظ أحد علماء الأثر سمع أبا حمزة السكري وهشيما وطبقتهما وصنف التصانيف وله غلطات ومناكير مغمورة في كثرة ما روى وامتحن بخلق القرآن فلم يجب وقيد ومات في الحبس رحمه الله تعالى قاله في العبر
وفيها يزيد بن صالح الفراء أبو خالد النيسابوري العبد الصالح روى عن إبراهيم بن طهمان وقيس بن الربيع وطائفة وكان ورعا قانتا مجتهدا في العبادة قال في المغني يزيد بن صالح اليشكري النيسابوري الفراء مجهول قلت بل مشهور صدوق انتهى

سنة ثلاثين ومائتين


فيها توفي إبراهيم بن حمزة الزبيري المدني الحافظ روى عن إبراهيم بن سعد وطبقته ولم يلق مالكا
وفيها سعيد بن محمد الجرمي الكوفي روى عن شريك وحاتم بن إسماعيل وطائفة وكان صاحب حديث خرج له الشيخان وأبو داود وغيرهم قال في المغني سعيد بن محمد الجرمي عن حاتم بن إسماعيل وطائفة وكان صاحب حديث خرج ثقة إلا أنه شيعي ووثقه أبو داود وخلق انتهى
وفيها أمير المشرق أبو العباس عبد الله بن طاهر بن الحسين الخزاعي وله ثمان وأربعون سنة وكان شجاعا مهيبا عاقلا جوادا كريما يقال أنه وقع مرة على قصص بصلات بلغت أربعة آلاف ألف درهم وقد خلف من الدراهم خاصة أربعين ألف درهم وقد تاب قبل موته وكسر آلات اللهو واستفك أسرى بألفي ألف درهم وتصدق بأموال كثيرة وفيه يقول أبو تمام وقد قصده من العراق من قصيدته المشهورة
( أمطلع الشمس تبغي أن تؤم بنا ** فقلت كلا ولكن مطلع الجود )
وفي سفرة أبي تمام هذه ألف كتاب الحماسة فأنه حكم عليه البرد هناك ووقع على خزانة كتب فاختار منها الحماسة
وفيها على بن الجعد أبو الحسن الهاشمي مولاهم البغدادي الجوهري الحافظ محدث بغداد في رجب وله ست وتسعون سنة روى عن شعبة وابن أبي ذئب والكبار فأكثر وكان يحدث من حفظه قال البغوي أخبرت أنه مكث ستين سنة يصوم يوما ويفطر يوما وقال ابن ناصر الدين هو شيخ بغداد وصاحب العالى من الإسناد خرج عنه البخاري وغيره وكان ثقة عجبا في حفظه لم يرو عنه مسلم لبدعة وتجهم كان فيه انتهى
وفيها على بن محمد بن اسحق أبو الحسن الطنافسي الكوفي الحافظ محدث

قزوين وأبو قاضيها الحسين سمع سفيان بن عيينة وطبقته فأكثر وثقة أبو حاتم وقال هو أحب إلي من ابن أبي شيبة في الفضل والصلاح
وعون بن سلام الكوفي وله تسعون سنة سمع أبا بكر النهشلي وزهير بن معاوية قال في المغني صدوق وقد لين
وفيها محمد بن إسماعيل بن أبي سمينة البصري الحافظ المجاهد روى عن معتمر ابن سليمان وطبقته
وفيها الإمام الحبر أبو عبد الله محمد بن سعد الحافظ كاتب الواقدي وصاحب الطبقات والتاريخ ببغداد في جمادى الآخرة وله اثنتان وستون سنة روى عن سفيان بن عيينة وهشيم وخلق كثير قال أبو حاتم صدوق قال ابن الأهدل قيل أنه مكث ستين سنة يصوم يوما ويفطر يوما
وفيها أبو غسان مالك بن عبد الواحد المسمعي البصري المحدث روى عن معتمر بن سليمان وطبقته
وفي حدود الثلاثين إبراهيم بن موسى الرازي الفراء الحافظ أبو أسحق أحد أركان العلم رحل وسمع أبا الأحوص وخالد بن عبد الله الواسطي وطبقتهما قال أبو زرعة الحافظ كتبت عنه مائة ألف حديث وهو أتقن من أبي بكر بن أبي شيبة وأصح حديثا

سنة إحدى وثلاثين ومائتين

فيها ورد كتاب الواثق على أمير البصرة يأمره بامتحان الأئمة والمؤذنين بخلق القرآن وكان قد تبع أباه في امتحان الناس
وفيها قتل أحمد بن نصر الخزاعي الشهيد كان من أولاد الأمراء فنشأ في علم وصلاح وكتب عن مالك وجماعة وحمل عن هشيم مصنفاته وما كان يحدث ويزري على نفسه قتله الواثق بيده لامتناعه من القول بخلق القرآن ولكونه أغلظ للواثق في الخطاب وقال له يا صبي وكان رأسا في الأمر بالمعروف والنهى

عن المنكر فقام معه خلق من المطوعة واستفحل أمرهم فخافت الدولة من فتق يتم بذلك قال ابن الأهدل روى أنه صلب فاسود وجهه فتغيرت قلوب الناس ثم ابيض سريعا فرؤى في النوم فقال لما صلبت رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعرض عني بوجهه فاسود وجهي غضبا مسألته صلى الله عليه وسلم عن سبب أعراضه فقال حياء منك إذ قتلك واحد من أهل بيتي فابيض وجهي انتهى
وفيها إبراهيم بن محمد بن عرعرة الشامي البصري أبو اسحق الحافظ ببغداد في رمضان سمع جعفر بن سليمان الضبعي وعبد الوهاب الثقفي وطائفة قال عثمان ابن خرزاذ ما رأيت أحفظ من أربعة فذكر منهم إبراهيم هذا
وفيها أمية بن بسطام أبو بكر العيشي البصري أحد الإثبات روى عن ابن عمه يزيد بن زريع وطبقته
وفيها عبد الله بن محمد بن أسماء الضبعي البصري أحد الأئمة روى عن عمه جويرية بن أسماء وجماعة قال أحمد الدورقي لم أر بالبصرة أحفظ منه وذكر لعلى ابن المديني فعظمه وقال ابن ناصر الدين كنيته أبو عبد الرحمن وهو حجة ثقة
وفيها كامل بن طلحة وله ست وثمانون سنة روى عن مبارك بن فضالة وجماعة قال أبو حاتم لا بأس به وقال في المغني قال أبو داود رميت بكتبه وقال أحمد ما أعلم أحدا يدفعه بحجة وقال ابن معين ليس بشيء وقال أبو حاتم وغيره لا بأس به وقال الدارقطني ثقة انتهى
وفيها ابن الأعرابي صاحب اللغة وهو أبو عبد الله محمد بن زياد توفي بسامرا وله ثمانون سنة وكان إليه المنتهى في معرفة لسان العرب قال ابن الأهدل هو مولى بني العباس أخذ عنه أبي معاوية الضرير والكسائي وأخذ عنه الحربي وثعلب وابن السكيت واستدرك على من قبله وله بضعة عشر مصنفا منها كتاب النوادر

وكتاب الخيل وكتاب تفسير الأمثال وكتاب معاني الشعر وكان يحضر مجلسه مائة مستفيد انتهى
وفيها محمد بن سلام الجمحي البصري الأخباري الحافظ أبو عبد الله روى عن حماد بن سلمة وجماعة وصنف كتبا منها كتاب الشعراء وكان صدوقا
وفيها أبو جعفر محمد بن المنهال البصري الضرير الحافظ روى عن أبي عوانة ويزيد بن زريع وجماعة وكان أبو يعلي الموصلي يفخم أمره ويقول كان أحفظ من بالبصرة وأثبتهم في وقته وهو من الثقات قال في العبر قلت
ومات قبله ييسير أو بعده محمد بن المنهال العطار أخو حجاج بن منهال روى عن يزيد بن زريع وجماعة وكان صدوقا روى عن أبي يعلى الموصلي انتهى
وفيها منجاب بن الحارث الكوفي روى عن شريك وأقرانه
وفيها أبو علي هارون بن معرف الضرير ببغداد روى عن عبد العزيز الداوردي وطبقته وكان من حفاظ الوقت صاحب سنة
وفيها الحافظ أبو زكريا يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي مولاهم المصري في صفر سمع مالكا والليث وخلقا كثيرا وصنف التصانيف وسمع الموطأ من مالك سبع عشرة مرة قال ابن ناصر الدين هو صاحب مالك والليث ثقة وإن كان أبو حاتم والنسائي تكلما فيه احتج البخاري ومسلم في صحيحهما بما يرويه انتهى
وفيها العلامة أبو يعقوب يوسف بن يحيى البويطي الفقيه صاحب الشافعي ببغداد في السجن والقيد ممتحنا بخلق القرآن وكان عابدا مجتهدا دائم الذكر كبير القدر قال الشافعي ليس في أصحابي أعلم من البويطي وقال أحمد العجلي ثقة صاحب سنة وسمع أيضا من ابن وهب وقال الأسنوي في طبقاته كان ابن أبي الليث الحنفي يحشده فسعى به إلى الواثق بالله أيام المحنة بالقول بخلق القرآن فأمر بحمله إلى بغداد مع جماعة من العلماء فحمل إليها على بغل مغلولا مقيدا مسلسلا في

أربعين رطلا من حديد وأريد منه القول بذلك فامتنع فحبس ببغداد على تلك الحالة إلى أن مات يوم الجمعة قبل الصلاة وكان في كل جمعة يغسل ثيابه ويتنظف ويغتسل ويتطيب ثم يمشي إذا سمع النداء إلى باب السجن فيقول له السجان ارجع رحمك الله فيقول البويطي اللهم إني أجبت داعيك فمنعوني انتهى ملخصا
وفيها أبو تمام الطائي حبيب بن أوس الحوراني مقدم شعراء العصر توفي في آخر السنة كهلا سئل الشريف الرضي عن أبي تمام والبحتري والمتنبي فقال أما أبو تمام فخطيب منبر وأما البحتري فواصف جؤذر وأما المتنبي فقائد عسكر وقال أبو الفتح بن الأثير في كتاب المثل السائر يصف الثلاثة وهؤلاء الثلاثة هم لات الشعر وعزاه ومناته الذين ظهرت على أيديهم حسناته ومستحسناته وقد حوت أشعارهم غرابة المحدثين وفصاحة القدماء وجمعت بين الأمثال السائرة وكلمة الحكماء أما أبو تمام فرب معان وصيقل ألباب وأذهان وقد شهد له بكل معنى مبتكر لم يمش فيه على أثر فهو غير مدافع عن مقام الأغراب الذي يبرز فيه على الأضراب ولقد مارست من الشعر كل أول وأخير ولم أقل ما أقول فيه إلا عن تنقيب وتنقير فمن حفظ شعر الرجل وكشف عن غامضه وراض فكره برائضه أطاعته أعنة الكلام وكان قوله في البلاغة ما قالت حزام فخذ مني في ذلك قول حكيم وتعلم ففوق كل ذي علم عليم وأما البحتري فإنه أحسن في سبك اللفظ على المعنى وأراد أن يشعر فغنى ولقد حاز طرفي الرقة والجزالة على الاطلاق فبينا يكون في شظف نجد حتى يتشبب بريف العراق وسئل أبو الطيب عنه وعن أبي تمام وعن نفسه فقال أنا وأبو تمام حكيمان والشاعر البحتري قال ولعمري لقد أنصف في حكمه وأعرب بقوله هذا عن متانة علمه فإن أبا عبادة أتى في شعره بالمعنى المقدود من الصخرة الصماء في اللفظ المصوغ من سلاسة الماء فأدرك بذلك بعد المرام مع قربه من الإفهام وما أقول إلا أنه أتى في معانيه بأخلاط الغالية ورقى في ديباجة لفظه إلى الدرجة العالية وأما أبو الطيب المتنبي فأراد أن يسلك مسلك أبي تمام

فقصرت عنه خطاه ولم يعطه الشعر ما أعطاه لكنه حظى في شعره بالحكم والأمثال واختص بالإبداع في وصف مواقف القتال قال وأنا أقول قولا لست فيه متأثما ولا منه متثلما و ذلك أنه إذا خاض في وصف معركة كان لسانه أمضى من نصالها وأشجع من أبطالها وقامت أقواله للسامع مقام أفعالها حتى تظن الفريقين فيه تقابلا والسلاحين فيه تواصلا وطريقه في ذلك يضل بسالكه ويقوم بعذر تاركه ولا شك أنه كان يشهد الحروب مع سيف الدولة بن حمدان فيصف لسانه وما أداه إليه عيانه ومع هذا فأني رأيت الناس عادلين فيه عن سنن التوسط فأما مفرط فيه وأما مفرط وهو وأن انفرد في طريق وصار أبا عذره فأن سعادة الرجل كانت أكبر من شعره وعلى الحقيقة و فأنه كان خاتم الشعراء ومهما وصف به فهو فدق الوصف وفرق الإطراء ولقد صدق في قوله من أبيات يمدح بها السيف الدولة
( لا تطلبن كريما بعد رؤيته ** أن الكرام بأسخاهم يدا ختموا )
( ولا تبال بسعر بعد شاعره ** قد أفسد القول حتى أحمد الصمم )
انتهى ما قاله ابن الأثير وقال ابن الأهدل ألف أبو تمام كتاب الحماسة وكتاب فحول الشعراء جمع فيه بين الجاهلين والمخضرمين والإسلاميين وكتاب الإختيارات من شعر الشعراء وكان يحفظ أربعة آلاف ارجوزة غير القصائد والمقاطيع وجاب البلاد ومدح الخلفاء وغيرهم وكان قصد البصرة في جماعة من اتباعه وبه شاعرها عبد الصمد بن المعدل فخاف عبد الصمد أن يميل الناس إليه فكتب إليه قبل قدومه
( أنت بين اثنتين تبرز للناس ** وكلتاهما بوجه مذال )
( أي ماء يبقى بوجهك هذا ** بين ذل الهوى وذل السؤال )
فلما وقف عليه رجع وكتب على ظهر ورقته
( أفى تنظم قول الزور والفند ** وأنت أنقص من لاشيء في العدد )


( أسرجت قلبك من غيظ على حنق ** كأنها حركات الروح في الجسد )
( أقدمت ويحك من هجوي على خطر ** كالعير يقدم من خوف على الأسد )
قيل أن العير إذا شم رائحة الأسد وثب عليه فزعا ومدح أبو تمام الخليفة بحضرة أبي يوسف الفيلسوف الكندي فقال
( إقدام عمر في سماحة حاتم ** في حلم أحنف في ذكاء إياس )
فقال له الفيلسوف أتشبه الخليفة بأجلاف العرب فقال نور الله سبحانه شبه بمصباح في مشكاة للتقريب فقال للخليفة أعطه ما سأل فإنه لا يعيش أكثر من أربعين يوما لأنه قد ظهر في عينيه الدم من شدة الفكر وقيل قال إنه يموت قريبا أو شابا فقيل له وكيف ذلك فقال رأيت فيه من الذكاء والفطنة ما علمت أن النفس الروحانية تأكل جسمه كما يأكل السيف المهند غمده فقال له الخليفة ما تشتهي قال الموصل فأعطاه إياها فمات سريعا وقد نيف على الثلاثين وبنى عليه أبو نهشل بن حميد قبة ورثاه جماعة منهم أبو نهشل بن حميد الذي ولاه الموصل فقال
( فجع القريض بخاتم الشعراء ** وغدير روضتها حبيب الطائي )
( ماتا معا فتجاورا في حفرة ** وكذاك كانا قبل في الأحياء )
ورثاه محمد بن عبد الملك الزيات وزير المعتصم فقال
( نبأ أتى من أعظم الأنباء ** لما ألم مقلقل الأحشاء )
( قالوا حبيب قد ثوى فأجبتهم ** ناشدتكم لا تجعلوه الطائي )
انتهى ما قاله ابن الأهدل قلت ومن شعر أبي تمام هذه الأبيات الثلاثة وتطلب المناسبة بينهما وهي
( لولا العيون وتفاح النهود إذا ** ما كان يحسد أعمى من له بصر )
( قالوا أتبكي على رسم فقلت لهم ** من فاته العين يذكي شوقه الأثر )
( إن الكرام كثير في البلاد وإن ** قلوا كما غيرهم قل وإن كثروا )

سنة اثنتين وثلاثين ومائتين
)
فيها توفي الحكم بن موسى أبو صالح القنطري البغدادي الحافظ أحد العباد في شوال سمع إسماعيل بن عياش وطبقته
وفيها عبد الله بن عون الخزاز الزاهد أبو محمد البغدادي المحدث وكان يقال أنه من الأبدال وروى عن مالك وطبقته توفي في رمضان قال السخاوي في طبقاته عبد الله الخزاز من كبار مشايخ الري ومن كبار فتيانهم قال عبد الله بن عبد الوهاب كان عبد الله الخزاز إذا دخل مكة يقول المجاورون طلعت شمس الحرم وقال الجنيد لا يأتينا م هذه الناحية مثل عبد الله الخزاز وقال يوسف بن لاحسين لم أر مثل عبد الله الخزاز ولا أرى عبد الله مثل نفسه انتهى
وفيها عمرو بن محمد الناقد الحافظ أبو عثمان البغدادي نزيل الرقة وفقيها ومحدثها سمع هشيما وطبقته توفي في ذي الحجة ببغداد
وفيها ابو يحيى هارون بن عبد الله الزهري العوفي المكي المالكي الإمام القاضي نزيل بغداد تفقه بأصحاب مالك قال أبو إسحاق الشيرازي هو أعلم من صنف الكتب في مختلف قول مالك وقال الخطيب أنه سمع من مالك وأنه ولي قضاء العسكر ثم قضاء مصر
وفيها يوسف بن عدي الكوفي نزيل مصر أخو زكريا بن عدي حدث عن مالك وشريك وكان محدثا تاجرا
وفي ذي الحجة توفي الواثق بالله أبو جعفر وقيل أبو القاسم هارون بن المعتصم محمد بن الرشيد بن المهدي العباسي عن بضع وثلاثين سنة وكانت أيامه خمس سنين وأشهرا ولي بعهد من أبيه وكان أديبا شاعرا أبيض تعلوه صفرة حسن اللحية في عينيه نكتة دخل في القول بخلق القرآن وامتحن الناس وقوي عزمه ابن أبي دؤاد القاضي ولما احتضر ألصق خده بالأرض وجعل يقول يا من لا يزول ملكه ارحم من قد زال ملكه واستخلف بعده أخوه المتوكل فأظهر السنة ورفع المحنة

وأمر بنشر أحاديث الرؤية والصفات قاله في العبر قال ابن الجوزي في الشذور وسلم على المتوكل بالخلافة ثمانية كلهم أولاد خليفة المنتصر ابنه ومحمد بن الواثق وأحمد بن المعتصم وموسى بن المأمون وعبد الله بن الأمين وأبو أحمد بن الرشيد والعباس بن الهادي ومنصور بن المهدي وكانت عدة كل نوبة من نوب الفراشين في دار المتوكل أربعة آلاف فراش انتهى قال ابن الفرات كان الواثق مشغوفا بحب الجواري واتخاذ السراري والتمتع بالأنكحة روى أنه كان يحب جارية حملت إليه من مصر هدية فغضبت يوما من شىء جرى بينه وبينها فجلست مع صاحبات لها فقالت لهن لقد هجرته منذ أمس وهو يروم أن أكلمه فلم أفعل فخرج من مرقده على غفلة فسمع هذا القول منها فأنشأ يقول
( ياذا الذي بعذابي ظل مفتخرا ** هل أنت ألا مليك جار إذ قدرا )
( لولا الهوى لتجارينا على قدر ** وان أفق منه يوما ما فسوف ترى )
فاصطلحا ولحنته وجعلت تغنيه به بقية يومه ذلك وقيل كان مع جارية فظنها نامت فقام إلى أخرى فشعرت به التي كان معها فقامت مغضبة فبعث إلى الخليع البصري وأخبره بقصته فقال
( غضبت إذ زرت أخرى خلسة ** فلها العتبي لدينا والرضا )
( يافدتك النفس كانت هفوة ** فاغفريها واصفحى عما مضى )
( واتركى العذل على من قاله ** وانسبي جورى إلى حكم القضا )
( فلقد نبهتني من رقدتي ** وعلى قلبي كيزان الفضا )
فاصطلحا وأجازه وكان الواثق شديد الإعتزال وقام في أيام المحنة بخلق القرآن القيام الكلى وشدد على الناس في ذلك وكان سبب موته أن طبيبه ميخائيل عبر عليه ذات يوم فقال له يا ميخائيل ابغ لي دواء للباه فقال يا أمير المؤمنين خف الله في نفسك النكاح يهد البدن فقال لا بد من ذلك فقال إذا كان ولا بد فعليك بلحم السبع اغله بالخل سبع غليات وخذ منه ثلاثة دراهم على الشراب وإياك أن

تكثر منه تقع في الإستقساء ففعل الواثق ذلك وأخذ منه فأكثر لمحبته في الجماع فاستسقى بطنه فأجمع الأطباء أن لا دواء له إلا أن يسجر له تنور بحطب الزيتون وإذا ملىء جمرا نحى ما في جوفه وألقى فيه على ظهره ويجعل تحته وفوقه الأشياء الرطبة ويودع فيه ثلاث ساعات وإذا طلب ماء لم يسق فأن سقى كان تلفه فيه فأمر الواثق فصنع به كذلك وأخرج من التنور وهو في رأي العين أنه أحترق فلما أصاب جسمه روح الهواء اشتد عليه فجعل يخور كما يخور الثور ويصيح ردوني إلى التنور فاجتمعت جواريه ووزيره محمد بن الزيات فردوه إلى التنور فلما ردوه إليه سكن صياحه وأخرج ميتا وقد عدت ميتته هذه من فضائل الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه فأن المعتصم لم امتحنه للمقالة بخلق القرآن كان الواثق يقول له لم لا تقول بمقالة أمير المؤمنين قال لأنها باطلة قال لئن كان ما تقوله أنت حقا أحرقني الله بالنار فما مات حتى حرق بالنار انتهى ما قاله ابن الفرات ملخصا

سنة ثلاث وثلاثين ومائتين

فيها كما قاله ابن الجوزي في الشذور رجفت دمشق رجفة شديدة من ارتفاع الضحى أي إلى ثلاث ساعات كما قاله في العبر فانتقضت منها البيوت زالت الحجارة العظيمة وسقطت عدة طاقات من الأسواق على من فيها فقتلت خلقا كثيرا وسقط بعض شرفات الجامع وانقطع ربع منارته وانكفأت قرية من عمل الغوطة على أهلها فلم ينج منهم إلا رجل واحد واشتدت الزلازل على أنطاكية والموصل ووقع أكثر من ألفي دار على أهلها فقتلتهم ومات من أهلها عشرون ألفا وفقد من بستان أكثر من مائتي نخلة من أصولها فلم يبق لها أثر انتهى
وفيها توفي إبراهيم بن الحجاج الشامي المحدث بالبصرة روى عن الحمادين وجماعة وخرج له النسائي
وفيها حبان بن موسى المروزي سمع أبا حمزة السكري وأكثر عن ابن المبارك

وكان ثقة مشهورا
وسليمان بن عبد الرحمن ابن بنت شرحبيل أبو أيوب التميمي الشامي الحافظ محدث دمشق في صفر وله ثمانون سنة سمع إسماعيل بن عياش ويحيى بن حمزة وطبقتهما وعني بهذا الشأن وكتب عمن دب ودرج
وسهل بن عثمان العسكري الحافظ أحد الأئمة توفي فيها أوفى حدودها روى عن شريك وطبقته
وفيها القاضي أبو عبد الله محمد بن سماعة الفقيه ببغداد وقد جاوز المائة وتفقه على أبي يوسف ومحمد وروى عن الليث بن سعد وله مصنفات واختيارات في المذهب وكان ورده في اليوم والليلة مائتي ركعة
وفيها الحافظ أبو عبد الله محمد بن عائذ الدمشقي الكاتب صاحب المغازي والفتوح وغير ذلك من المصنفات المفيدة روى عن إسماعيل بن عياش والوليد ابن مسلم وخلق وكان ناظر خراج الغوطة
وفيها الوزير أبو جعفر محمد بن عبد الملك بن الزيات وزر للمعتصم والواثق والمتوكل ثم قبض عليه المتوكل وعذبه وسجنه حتى هلك كان أديبا بليغا وشاعرا محسنا كامل الأدوات جهميا قال ابن الأهدل كان أول أمره كاتبا فلتفق أن المعتصم سأل وزيره أحمد بن عمار البصري عن الكلأ ما هو فقال لا أدري فقال لمعتصم خليفة أمي ووزير عامي انظروا من بالباب من الكتاب فوجدوا ابن الزيات فسأله عن الكلاء فقال العشب على الإطلاق فأن كان رطبا فهو الخلى وأن كان يابسا فهو الحشيش وشرع في تقسيم النبات فاستوزره وارتفع شأنه وظلم واتخذ تنورا من حديد يحبس فيه المصادرين فإذا سئل الرحمة قال الرحمة جور في الطبيعة فأمسكه المتوكل في خلافته وأدخله التنور وقيده بخمسة عرش رطلا من حديث فافتقده بعد حين فوجده ميتا فيه وله ديوان شعر رائق انتهى ملخصا وقال ابن الفرات قال صالح بن سليمان العبدي كان ابن الزيات يتعشق جارية فبيعت من رجل

من أهل خراسان وأخرجها قال فذهل عقل محمد بن الزيات حتى خشى عليه ثم أنشأ يقول
( يا طول ساعات ليل العاشق الدنف ** وطول رعيته للنجم في السدف )
( ماذا توارى ثيابي من أخي حرق ** كأنما الجسم منه دقة الألف )
( ما قال يا أسفي يعقوب من كمد ** إلا لطول الذي لاقى من الأسف )
( من سره أن يرى ميت الهوى دنفا ** فليستدل على الزيات وليقف )
وفيها يحيى بن أيوب المقابري أبو زكريا البغدادي العابد أحد أئمة الحديث والسنة روى عن إسماعيل بن جعفر وطبقته توفي في ربيع الأول وله ست وسبعون سنة
وفيها الإمام أبو زكريا يحيى بن معين البغدادي الحافظ أحد الأعلام وحجة الإسلام في ذي القعدة بمدينة النبي صلى الله عليه وسلم متوجها إلى الحج وغسل على الأعواد التي غسل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وعاش خمسا وسبعين سنة سمع هشيما ويحيى بن أبي زائدة وخلائق وحدث عنه الإمام أحمد والشيخان وجاء عنه أنه قال كتبت بيدي هذه ستمائة ألف حديث يعني لمكرر وقال أحمد بن حنبل كل حديث لا يعرفه يحيى ابن معين فليس حديث وقال ابن المدني انتهى علم الناس إلى يحيى بن معين قال في العبر حديثه في الكتب الستة وقال ابن الأهدل كان بينه وبين احمد مودة واشتراك في طلب الحديث ورجاله وقيل لما خرج من المدينة إلى مكة سمع هاتفا في النوم يقول يا أبا زكريا أترغب عن جواري فرجع وأقام بالمدينة ثلاثا ومات رحمه الله وكان ينشد
( المال يذهب حله وحرامه ** طوعا وتبقى في غد آثامه )
( ليس التقى بمتق لا لهه ** حتى يطيب شرابه وطعامه )
( ويطيب ما تحوى وتكسب كفه ** ويكون في حسن الحديث كلامه )
( نطق النبي لنا به عن ربه ** فعلى النبي صلاته وسلامه )

سنة أربع وثلاثين ومائتين

قال في الشذور هبت ريح شديدة لم يعهد مثلها فاتصلت نيفا وخمسين يوما وشملت بغداد والبصرة والكوفة وواسط وعبدان والأهواز ثم إلى همذان فأحرقت الزرع ثم ذهبت إلى الموصل فمنعت الناس من الإنتشار وعطلت الأسواق وزلزلت هراة حتى سقطت الدور انتهى
وفيها توفي أحمد بن حرب النيسابوري الزاهد الذي قال فيه يحيى بن حيى أن لم يكن من الأبدال فلا أدري من هم رحل وسمع من ابن عيينة وجماعة وكان صاحب غزو وجهاد ومواعظ ومصنفات في العلم وخرج له النسائي قال في المغني عن ابن عيينة له مناكير قال أبو حاتم وكان صدوقا انتهى
وفيها الأمير ايتاخ التركي مقدم الجيوش وكبير الدولة خافه المتوكل وعمل عليه بكل حيلة حتى قبض عليه نائبه على بغداد اسحق بن إبراهيم وأميت عطشا وأخذ له المتوكل من الذهب ألف ألف دينار
وفيها الإمام أبو خيثمة زهير بن حرب الشيباني الحافظ ببغداد في شعبان وله أربع وسبعون سنة رحل وكتب الكثير عن هشيم وطبقته وصنف وهو والد صاحب التاريخ أحمد بن أبي خيثمة قال ابن ناصر الدين زهير بن حرب بن شداد الحرثي مولاهم النسائي أبو حيثمة ثقة انتهى
وفيها أبو أيوب سليمان بن داود الشاذ كوني البصري الحافظ الذي قال فيه صالح بن محمد ما رأيت أحفظ منه سمع حماد بن زيد وطبقته وكان آية في كثرة الحديث وحفظه ينظر بعلى بن المديني ولكنه متروك الحديث قاله في العبر وقال ابن ناصر الدين سليمان بن داود الشاذ كوني المنقري أبو أيوب كان من كبار الحفاظ لكنه أتهم بالكذب وقال البخاري فيه نظر وقال ابن عدي سألت عبدان عنه فقال معاذ الله أن يتهم إنما كان قد ذهبت كتبه وكان يحدث حفظا انتهى
وفيها أبو جعفر النفيلي الحافظ أحد الأعلام عبد الله بن محمد بن علي بن نفيل

الحراني في ربيع الآخر عن سن عالية روى عن زهير بن معاوية والكبار قال أبو داود لم أر أحفظ منه قال وكان الشاذ كوني لا يقر لأحد بالحفظ إلا للنفيلي وقال أبو حاتم ثقة مأمون وقال محمد بن عبد الله بن نمير كان النفيلي رابع أربعة وكيع وابن المهدي وأبو نعيم وهو
وفيها أبو الحسن بن بحر بن بري القطان البغدادي الحافظ بناحية الأهواز كتب الكثير عن عبد العزيز الداوردي وطبقته وقال ابن ناصر الدين هو على ابن بحر بن بري الفارسي البغدادي روى عنه أحمد وغيره ووثق انتهى
وفيها علي بن المديني وهو الإمام أحد الأعلام أبو الحسن علي بن عبد الله ابن جعفر بن نجيح السعدي مولاهم البصري الحافظ صاحب التصانيف سمع من حماد بن زيد وعبد الوارث وطبقتهما قال البخاري ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند ابن المديني وقال أبو داود ابن المديني أعلم باختلاف الحديث من أحمد ابن حنبل وقال عبد الرحمن بن مهدي علي بن المديني أعلم الناس بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وخاصة بحديث سفيان بن عيينة توفي في ذي القعدة وله ثلاث وسبعون سنة
وفيها محمد بن عبد الله بن نمير الحافظ أبو عبد الرحمن الهمذاني الكوفي أحد الأئمة في شعبان سمع أباه وسفيان بن عيينة وخلقا قال أبو إسماعيل الترمذي كان أحمد بن حنبل يعظم محمد بن عبد الله بن نمير تعظيما عجيبا وقال علي بن الحسين ابن الجنيد الحافظ ما رأيت بالكوفة مثله قد جمع العلم والسنة والزهد وكان فقيرا يلبس في الشتاء لبادة وقال ابن صالح المصري ما رأيت بالعراق مثله ومثل أحمد ابن حنبل جامعين لم أر مثلهما في العراف
وفيها محمد بن بكير بن علي بن عطاء بن مقدم مولى ثقيف الحافظ أبو عبد الله المقدمي البصري توفي في أول السنة روى عن حماد بن زيد وطبقته
وفيها المعافي بن سليمان الرسعني محدث رأس العين روى عن فليح بن سليمان

وزهير بن معاوية وكان صدوقا
وفيها شيخ الأندلس يحيى بن يحيى بن كثير الفقيه أبو محمد الليثي مولاهم الأندلسي في رجب وله اثنتان وثمانون سنة روى الموطأ عن مالك سوى فوت من الاعتكاف وانتهت إليه رياسة الفتوى ببلده وخرج له عدة أصحاب وبه انتشر مذهب مالك بناحيته وكان إماما كثير العلم كبير القدر وافر الحرمة كامل العقل خير النفس كثير العبادة والفضل كان يوما عند مالك فقدم فيل وخرج الناس ينظرون إليه ولم يخرج فقال له مالك لم لا تخرج تنظره فإنه ليس ببلدك فيل فقال إنما جئت من بلدي لأنظر إليك وأتعلم هديك وعلمك فقال له أنت عاقل الأندلس رحمه الله تعالى

سنة خمس وثلاثين ومائتين

فيها كما قاله في الشذور أمر المتوكل بأخذ أهل الذمة بلبس الطيالس العسلية والزنانير وترك ركوب السروج ونهى أن يستعان بهم في الدواوين وأن يتعلم أولادهم في كتاتيب المسلمين ولا يعلمهم مسلم وفي ذي الحجة تغير ماء دجلة إلى الصفرة فبقي ثلاثة أيام ففزع الناس لذلك ثم صار في لون الورد انتهى
وفيها توفي إسحاق بن إبراهيم الموصلي النديم أبو محمد كان رأسا في صناعة الطرب والموسيقا أديبا عالما أخباريا شاعرا محسنا كثير الفضائل سمع من مالك وهشيم وجماعة وعاش خمسا وثمانين سنة وكان نافق السوق عند الخلفاء إلى الغاية يعد من الأجواد وثقه إبراهيم الحربي قاله في العبر وقال ابن الأهدل كان المأمون يقول لولا ما سبق لإسحاق من الشهرة بالغناء لوليته القضاء فإنه أولى وأعف وأصدق وأكثر دينا وأمانة من هؤلاء القضاة لكن طعن فيه الخطابي كما نقله النواوي عنه وقال إنه معروف بالسخف والخلاعة وأنه لما وضع كتابه في الأغاني وأمعن في تلك الأباطيل لم يرض بما تزود من إثمها حتى صدر كتابه بذم أصحاب الحديث وزعم أنهم يروون مالا يدرون انتهى وقال ابن الفرات كان إسحاق

رحمه الله من العلماء باللغة والفقه والكلام والأشعار وأخبار الشعراء وأيام الناس وكان كثير الكتب حتى قال ثعلب رأيت لإسحاق الموصلي ألف جزء من لغات العرب كلها سماعه وما رأيت اللغة في منزل أحد أكثر منها في منزل إسحاق ثم منزل ابن الأعرابي وهو صاحب كتاب الأغاني الذي يرويه عنه ابنه حماد وقد روى عنه أيضا الزبير بن بكار ومصعب بن عبيد الزبيري وأبو العيناء وميمون ابن هارون وغيرهم وقال عون بن محمد الكلبي حدثنا محمد بن عطية العطوي الشاعر أنه كان عند يحيى بن أكثم في مجلس له يجتمع الناس فيه فرآني إسحاق بن إبراهيم فأخذ يناظر أهل الكلام حتى انتصف منهم ثم تكلم في الفقه فأحسن وقاس واحتج وتكلم في الشعر واللغة ففاق من حضر فأقبل على يحيى وقال أعز الله القاضي أفي شيء مما ناظرت فيه وحكيته نقص أو مطعن قال لا وكان إسحاق قد عمي قبل وفاه بسنتين حدث أبو عبد الله النديم قال لقيت إسحاق بن إبراهيم الموصلي بعد ما كف بصره فسألني عن أخبار الناس والسلطان فأخبرته ومن أخباره ما روى عنه أنه قال أخبرني رجل من بني تميم أنه خرج في طلب ناقة له قال فوردت على ماء من مياه طي فإذا خبا آن أحدهما قريب من الآخر وإذا في أحد الخباءين شاب كأنه الشن البالي فدنوت منه فرأيت من حاله ما رثيت له فسألته عن خبره فأعلمني أنه عاشق لابنة عم له وقد كان يأتيها فيتحدث مها وقد منع من لقياها فنحل لذلك جسمه وطال همه وأنشأ يقول
( ألا ما للحليلة لا تعود ** أبخل بالحليلة أم صدود )
( مرضت فعادني أهلي جميعا ** فمالك لم أر فيمن يعود )
( وما استبطأت غيرك فاعلميه ** وحولي من بني عمي عديد )
( فلو كنت السقيمة جئت أسعى ** إليك ولم ينهنهني الوعيد )
قال فسمعت كلامه الذي عناها به فخرجت من ذلك الخباء كالبدر ليلة تمه وهي تقول


( وعاق لأن أزورك ياخليلي ** معاشر كلهم واش حسود )
( اشاعوا ما علمت من الدواهي ** وعابونا وما فيهم رشيد )
( فلا يا حب ما طابت حياتي ** وأنت ممرض فرد وحيد )
فتبادر النساء إليها وتعلقن بها وأحسن بها فوثب إلها فتبادر الرجال نحوه فتعلقوا به فجعلت تجذب نفسها والشاب يجذب نفسه حتى تخلصا فالتقيا واعتنقا ثم شهقا شهقة واحدة وخرا من قامتيهما متعانقين ميتين فخرج شيخ من تلك الأخبية فوقف عليهما وقال رحمكما الله أما والله لئن لم أجمع بينكما في حياتكما لأجمعن بينكما بعد وفاتكما ثم أمر بهما فغسلا وكفنا في كفن واحد وحفر لهما قبرا واحدا ودفنهما فيه فسألته عنهما فقال ابنتي وابن أخي بلغ بهما الحب إلى ما رأيت ففارقته وانصرفت
ومن شعر إسحاق النديم رحمه الله ما كتبه إلى هارون الرشيد رحمه الله من أبيات
( أرى الناس خلان الجواد ولا أرى ** بخيلا له في العالمين خليل )
( وإني رأيت الخل يزري بأهله ** فأكرمت نفسي أن يقال بخيل )
( ومن خير حالات الفتى لو علمته ** إذا نال شيئا أن يكون ينيل )
( عطائي عطاء المكثرين تكرما ** ومالي كما قد تعلمين قليل )
( وكيف أخاف الفقر أو أحرم الغنى ** ورأي أمير المؤمنين جميل )
وفيها الأمير إسحاق بن إبراهيم بن مصعب الخزاعي ابن عم طاهر بن الحسين ولي بغداد أكثر من عشرين سنة وكان يسمى صاحب الجسر وكان صارما سايسا حازما وهو الذي كان يطلب العلماء ويمتحنهم بأمر المأمون مات في آخر السنة
وفيها سريج بن يونس البغدادي أبو الحرث الجمال العابد أحد أئمة أصحاب

الحديث سمع إسماعيل بن جعفر وطبقته وهو الذي رأى رب العزة في المنام وهو جد أبي العباس بن سريج
وفيها شيبان بن فروخ الأيلي وهو من كبار الشيوخ وثقاتهم روى عن جرير ابن حازم وطبقته قال عبدان كان عنده خمسون ألف حديث
وفيها أبو بكر بن أبي شيبة وهو الإمام أحد الأعلام عبد الله بن محمد بن أبي شبية إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي صاحب التصانيف الكبار توفي في المحرم وله بضع وسبعون سنة سمع من شريك فمن بعده قال أبو زرعة ما رأيت أحفظ منه وقال أبو عبيد انتهى علم الحديث إلى أربعة أبي بكر بن أبي شيبة وهو أسردهم له وابن معين وهو أجمعهم له وابن المديني وهو أعلمهم به وأحمد بن حنبل وهو أفقهم فيه وقال صالح جزرة أحفظ من رأيت عند المذاكرة أبو بكر بن أبي شيبة وقال نفطويه لما قدم أبو بكر بن أبي شيبة بغداد في أيام المتوكل حزروا مجلسه بثلاثين ألفا قال ابن ناصر الدين كان ثقة عديم النظير وخرج له الشيخان
وفيها عبد الله بن عمر القواريري البصري الحافظ أبو سعيد ببغداد في ذي الحجة روى عن حماد بن زيد وطبقته فأكثر وقال صالح جزرة هو أعلم من رأيت بحديث أهل البصرة وقال ابن ناصر الدين هو عبيد الله بن عمر بن ميسرة ثقة
وفيها وقيل سنة ست وعشرين أبو الهذيل العلاف محمد بن هذيل بن عبيد الله البصري شيخ المعتزلة ورأس البدعة وله نحو من مائة سنة قاله في العبر وكان يقول بفناء أهل النار

سنة ست وثلاثين ومائتين

قال في الشذور فيها حجت سجاع أم المتوكل فشيعها المتوكل إلى النجف فلما صارت إلى الكوفة أمرت لكل رجل من الطالبيين والعباسيين بألف درهم ولابناء المهاجرين بخمسائة درهم وأمرت لكل امرأة من الهاشميات بخمسمائة درهم


وفيها أمر المتوكل بهدم قبر الحسين بن علي وكان كثير البعض في على بن أبي طالب رضي الله عنه ولكنه منع من القول بخلق القرآن انتهى
وفيها توفي إبراهيم بن المنذر الحزامي المدني الحافظ أبو إسحق محدث المدينة روى عن ابن عيينة والوليد بن مسلم وطبقتهما فأكثر
وفيها أوفى التي قبلها وجزم به ابن ناصر الدين السمين محمد بن حاتم بن ميمون المروزي ثم البغدادي القطيعي أبو عبد الله وله كتاب تفسير القرآن وكان إماما حافظا من الموثقين وثقة ابن عدي والدارقطني ولينه يحيى بن معين وخرج له مسلم وأبو داود
وفيها أبو معمر القطيعي إسماعيل بن إبراهيم ببغداد روى عن شريك وطبقته وكان ثقة صاحب حديث وسنة
وفيها وزير المأمون وحموه أبو محمد الحسن بن سهل وله سبعون سنة وكان سمحا إلى الغاية جوادا ممدحا يقال أنه أنفق على عرس بنته بوران على المأمون أربعة آلاف ألف دينار قال ابن الأهدل الحسن بن سهل السرخسي وسرخس مدينة من خراسان وكان موته لغلبه المرة السوداء لشدة حزنه على أخيه الفضل حين قتل معافصة في الحمام وكان عالي الهمة ممدحا ودام في الوزارة كأخيه مدة طويلة وفيهما قال الشاعر
( تقول حليلتي لما رأتني ** أشد مطيتي من بعد حل )
( أبعد الفضل ترتحل المطايا ** فقلت نعم إلى الحسن بن سهل ) انتهى
وفيها مصعب بن عبد الله بن مصعب الحافظ أبو عبد الله الأسدي الزبيري المدني النسابة الإخباري سمع مالكا وطائفة قال الزبير كان عمى مصعب وجه قريش مروءة وعلما وشرفا وبيانا وقدرا وجاها وكان نسابة قريش عاش ثمانين سنة وكان ثقة
وفيها هدبة بن خالد القيسي البصري أبو خالد الحافظ سمع حماد بن سلمة ومبارك

ابن فضالة والكبار فأكثر قال عبدان الأهوازي كنا لا نصلى خلف هدبة مما يطول كان يسبح في الركوع والسجود نيفا وثلاثين تسبيحة وكان من أشبه خلق الله بهشام بن عمار لحيته ووجهه وكل شيء منه حتى صلاته

سنة سبع وثلاثين ومائتين

وفيها على ما قاله في الشذور تم جامع سر من رأى فبلغت النفقة عليه ثلثمائة ألف وثمانية آلاف ومائتين واثني عشر دينار انتهى
وفيها وثبت بطارقة أرمينية على متوليها يوسف بن محمد فقتلوه فجهز المتوكل لحربهم بغا الكبير فالتقوا عند دييل فكسرهم بغاو قتل منهم زهاء ثلاثين ألفا وسبى وغنم ونزل بناحية تفليس
وفيها غضب المتوكل على أحمد بن أبي دؤاد القاضي وآله وصادرهم وأخذ منهم ستة عشر ألف ألف درهم
وفيها توفي حاتم الأصم أبو عبد الرحمن الزاهد صاحب المواعظ والحكم بخراسان وكان يقال له لقمان هذه الأمة قال أبو عبد الرحمن السلمي في طبقاته حاتم الأصم البلخي وهو حاتم بن عنوان ويقال حاتم بن يوسف كنيته أبو عبد الرحمن وهو من قدماء مشايخ خراسان ومن أهل بلخ صحب شقيق بن إبراهيم وكان استاذ أحمد بن حضرويه وهو مولى للمثنى بن يحيى البخاري وله ابن يقال له خشنام بن حاتم مات عند رباط يقال له رأس سرود على جبل فوق واشجرد قال حاتم من دخل في مذهبنا هذا فليجعل على نفسه أربع خصال من الموت موت ابيض وموت اسود وموت أحمر وموت أخضر فالموت الأبيض الجوع والموت الأسود احتمال الأذى والموت الأحمر مخالفة النفس والموت الأخضر طرح الرقاع بعضها على بعض وقال من أصبح وهو مستقيم في أربعة أشياء فهو يتقلب في رضا الله أولها الثقة بالله ثم التوكل ثم الإخلاص ثم المعرفة والأشياء كلها تتم بالمعرفة وقال الوثق برزقة هو أن لا يفرح بالغنى ولا يغتم بالفقر ولا يبالي أصبح

في عسر أو يسر وقال يعرف الإخلاص بالاستقامة والاستقامة بالرجاء والرجاء بالإرادة والإرادة بالمعرفة وقال أصل الطاعة ثلاثة أشياء الخوف والرجا والحب وأصل المعصية ثلاثة أشياء الكبر والحسد والحرص وقال إذا أمرت الناس بالخير فكن أنت أولى به وأحق واعمل فيما تأمر وكذا فيما تنهى وأسند في الحلية قال مر عصام بن يوسف بحاتم الأصم وهو يتكلم في مجلسه فقال يا حاتم تحسن تصلي قال نعم قال كيف تصلي قال حاتم أقوم بالأمر وامشي بالخشية وادخل بالنية وأكبر بالعظمة وأقرأ بالترتيل والتفكر وأركع بالخشوع وأسجد بالتواضع وأجلس للتشهد بالتمام وأسلم السبل والسنة وأسلمها بالإخلاص لله عز وجل وأرجع على نفسي بالحق وأخاف أن لا تقبل مني وأحفظه عني إلى الموت قال تكلم فأنت تحسن تصلي انتهى ما ذكره السلمي ملخصا قال ابن الجوزي ولم يكن أصم وإنما كانت امرأة تسأله فخرج منها صوت فخجلت فقال ارفعي صوتك حتى أسمع فزال خجلها وغلب عليه هذا الاسم
وفيها عبد الأعلى بن حماد الحافظ في جمادى الآخرة روى عن حماد بن سلمة ومالك وخلق وكان ممن قدم على المتوكل فوصله بمال
وعبيد الله بن معاذ بن معاذ العنبري البصري سمع أباه ومعمر بن سليمان قال أبو داود كان فصيحا يحفظ نحو أربعة آلاف حديث
والفضيل بن الحسين الجحدري ابن أخي كامل بن طلحة سمع حماد بن سلمة والكبار وكان له حفظ ومعرفة
وأبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن العباس بن عثمان المطلبي ابن عم الشافعي سمع الفضيل بن عياض وطائفة وكان كثير الحديث ثقة

وفيها وثيمة بن موسى الوشاء سمى به لبيعة الوشي وهو نوع من ثياب الابرسيم وكان وثيمة أحد الحفاظ صنف كتاب أخبار الردة أجاد فيه وأوسع قال في المغني قال ابن حاتم يحدث عن سلمة بن الفضل بأحاديث موضوعة انتهى

سنة ثمان وثلاثين ومائتين

فيها جاءت الروم في ثلثمائة مركب وأحرقوا كثيرا من ديار المسلمين ومسجد الجامع بدمياط وسبوا نساء مسلمات عدتهن ستمائة كما قاله في العبر قال ابن حبيب وفي صفر وجه عبد الله بن طاهر إلى المتوكل حجرا سقط بناحية طبرستان وزنه ثمانمائة وأربعون درهما ابيض فيه صدع وذكروا أنه سمع لسقوطه هدة أربعة فراسخ في مثلها وأنه ساخ في الأرض خمسة أذرع ذكره في الشذور
وفيها توفي إسحاق بن راهوية وهو الإمام عالم المشرق أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي المروزي ثم النيسابوري الحافظ صاحب التصانيف سمع الدراوردي وبقية وطبقتهما وعاش سبعا وسبعين سنة وقد سمع من ابن المبارك وهو صغير فترك الرواية عنه لصغره قال أحمد بن حنبل لا أعلم بالعراق له نظيرا وما عبر الجسر مثل إسحاق وقال محمد بن أسلم ما أعلم أحدا كان أخشى لله من إسحاق ولو كان سفيان حيا لاحتاج إلى إسحاق وقال أحمد بن سلمة أملى على إسحاق التفسير على ظهر قلبه وجاء من غير وجه أن إسحاق كان يحفظ سبعين ألف حديث قال أبو زرعة ما رؤى أحفظ من إسحاق توفي إسحاق ليلة نصف شعبان بنيسابور قاله في العبر وناظر الشافعي في بيع دور مكة فلما عرف فضله صحبه وصار من أصحاب الشافعي رضي الله عنه قاله ابن الأهدل
وفيها بشر بن الحكم العبدي النيسابوري الفقيه والد عبد الرحمن توفي قبل إسحاق بشهر قال أبو زرعة ما رؤى أحد أحفظ منه وقد رحل قبله ولقى مالكا والكبار وعني بالأثر
وفيها بشر بن الوليد الكندي القاضي العلامة أبو الوليد ببغداد في ذي القعدة

وله سبع وتسعون سنة تفقه على أبي يوسف وسمع من مالك وطبقته وولي قضاء مدينة المنصور وكان محمود الأحكام كثير العبادة والنوافل
وفيها الحسين بن منصور أبو علي السلمي النيسابوري الحافظ رحل وأكثر عن ابن عياش وابن عيينة وطبقتهما وعرض عليه قضاء نيسابور فاختفى ودعا الله فمات في اليوم الثالث
وفيها طالوت بن عباد أبو عثمان الصيرفي البصري له نسخة مشهورة عالية روى عن حماد بن سلمة وطبقته وكان ثقة لم يخرجوا له شيئا
وعمرو بن زرارة الكلابي النيسابوري وله ثمان وسبعون سنة روى عن هشيم وطبقته وكان ثقة صاحب حديث
وعبد الملك بن حبيب مفتي الأندلس ومصنف الواضحة وغير ذلك في رابع رمضان وله أربع وستون سنة تفقه بالأندلس على أصحاب مالك زياد ابن عبد الرحمن شبطون وغيره وحج سنة ثمان ومائتين فحمل عن عبد الملك ابن الماجشون وطائفة وهو في الحديث ليس بحجة قال في المغني عبد الملك ابن حبيب القرطبي الفقيه كثير الوهم صحفي وقد اتهم انتهى
وفيها عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بن الداخل الأموي صاحب الأندلس وقد نيف على الستين وكانت أيامه اثنتين وثلاثين سنة وكان محمود السيرة عادلا جوادا مفضلا له نظر في العقليات ويقيم للناس الصلوات ويهتم بالجهاد
وفيها محمد بن بكار بن الريان ببغداد في ربيع الآخر سمع فليح بن سليمان وقيس بن الربيع والكبار
وفيها أبو جعفر محمد بن الحسين البرجلاني مصنف الزهديات وشيخ ابن أبي الدنيا


وفيها محمد بن عبيد بن حساب الغبرى بالبصرة روى عن حماد بن زيد وطبقته وكان ثقة حجة
ومحمد بن أبي السرى العسقلاني في شعبان سمع الفضيل بن عياض وطبقته
وفيها أبو سعيد يحيى بن سليمان الجعفي الكوفي المقرىء الحافظ نزيل مصر وقيل في السنة التي قبلها سمع عبد العزيز الدراوردي وطبقته

سنة تسع وثلاثين ومائتين

وفيها على ما قاله في الشذور أخذ المتوكل أهل الذمة بلبس رقعتين عسليتين على الأقبية والدرايع وأن يصبغ النساء مقانعهن عسليات وأن يقتصروا على ركوب البغال والحمير دون الخيل والبراذين وغزا بلاد الروم على بن يحيى الأرميني فقتل عشرة آلاف علج وسبى عشرة آلاف فارس ومن الدواب سبعة آلاف دابة وأحرق أكثر من ألف قرية ورجفت طبرية في الليل حتى مادت الأرض واصطكت الجبال ثم انقطع من الجبل المطل عليها قطعة ثمانين ذراعا طولا في خمسين ذراعا فمات منها خلق كثير انتهى
وفيها على ما قاله في العبر غزا المسلمون وعليهم على الأرمني حتى شارفوا القسطنطينية فأغاروا وأحرقوا ألف قرية وقتلوا وسبوا
وفيها عزل يحيى بن أكثم من القضاء وصودر وأخذ منه مائة ألف درهم
وفيها توفى مفتى بلخ أبو اسحق ابراهيم بن يوسف الباهلي البلخي الحنفي الفقيه في جمادى الأولى أخذ عن أبي يوسف وسمع من مالك وجماعة وكان رئيسا مطاعا فأخرج قتيبة من بلخ لعداوة بينهما وخرج له النسائي وهو شيخه قال في المغني ثقة فقيه فقيه قال أبو حاتم لا يشتغل به انتهى
وفيها داود بن رشيد أبو الفضل الخوارزمي ببغداد في شعبان سمع إسماعيل ابن جعفر وطبقته وكان ثقة واسع الرواية
وفيها صفوان بن صالح أبو عبد الملك مؤذن جامع دمشق روى عن الوليد

ابن مسلم وطبقته وكان حنفي المذهب
والصلت بن مسعود الجحدري قاضي سامرا في صفر روى عن حماد ابن زيد وطبقته
وفيها عبد الله بن عمر بن أبان الكوفي مشكل روى عن أبي الأحوص وجماعة كثيرة
وفيها عثمان بن محمد بن أبي شيبة العبسي الكوفي الحافظ وكان أكبر من أخيه أبي بكر رحل وطوف وصنف التفسير والمسند وحضر مجلسه ثلاثون ألفا روى عن شريك وأبي الأحوص وخاق وروى عنه الشيخان وغيرهما وكان ثقة
وفيها محمد بن يحيى بن مهران أبو جعفر الرازي الجمال الحافظ رحل وطوف وروى عن فضيل بن عياض وخلق كثير وحدث عنه الشيخان وغيرهما وكان ثقة
وفيها محمد بن أبي سمينة أبو جعفر البغدادي التمار الحافظ في ربيع الأول سمع المعافى بن عمران وطائفة
وفيها محمود بن غيلان أبو أحمد المروزي الحافظ محدث مرو حج وحدث ببغداد عن الفضل بن موسى وابن عيينة وطائفة قال أحمد بن حنبل اعرفه بالحديث صاحب سنة حبس بسبب القرآن وقال ابن ناصر الدين حدث عنه الشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجه وغيرهم وكان حافظا ثقة انتهى
وفيها وهب بن بقية الواسطي ويقال له وهبان روى عن هشيم وأقرانه

سنة أربعين ومائتين

فيها كما قاله في الشذور أخذ أهل الذمة بتعليم أولادهم العبرانية والسريانية ومنعوا من العربية ونادى المنادي بذلك فأسلم منهم خلق كثير
وفيها خرجت ريح من بلاد الترك فمرت بمرو فقتلت خلقا كثيرا بالزكام ثم صارت إلى نيسابور وإلى الري وإلى همذان وحلوان ثم إلى العراق وأصاب

أهل بغداد وسر من رأى حمى وسعال وزكام وقال محمد بن حبيب جاءت الكتب من المغرب أن ثلاثة عشر قرية من القيروإن خسف بها فلم ينج من أهلها إلا اثنان وأربعون رجلا سود الوجوه فأتوا القيروان فأخرجهم أهلها فقالوا أنتم مسخوط عليكم فبنى لهم العامل حظيرة خارج المدينة فنزلوها انتهى ما ذكره في الشذور
وفيها توفي أحمد بن أبي دؤاد على وزن فؤاد قاضي القضاة أبو عبد الله الأيادي وله ثمانون سنة وكان فصيحا مفوها شاعرا جوادا ممدحا رأسا في التجهم وهو لذي شغب على الإمام أحمد بن حنبل وأفتى بقتله قاله في العبر وقال ابن الأهدل كان عالما جوادا ممدحا معتزليا وكان له القبول التام عند المأمون والمعتصم وهو أول من بدأ الخلفاء بالكلام وكانوا لا يكلمون حتى يتكلموا وبسببه وفتياه امتحن الإمام أحمد وأهل السنة بالضرب والهوان على القول بخلق القرآن وابتلى ابن أبي دؤاد بعد ذلك بالفالج نحو أربع سنين ثم غضب عليه المتوكل فصادره هو وأهله وأخذ منهم ستة عشر ألف ألف درهم وأخذ من والده مائة ألف وعشرين ألف دينار وجوهرا بأربعين ألف دينار وقيل أنه صالحه على ضياعه وضياع أبيه بألف ألف دينار ولأحمد بن أبي دؤاد عطايا جزيلة وشفاعة إلى الخلفاء مقبولة وفيه يقول الشاعر
( لقد أنست مساوي كل دهر ** محاسن أحمد بن أبي دؤاد )
( وما سافرت في الأقطار إلا ** ومن جدواك راحلتي وزادي )
وكان بينه وبين ابن الزيات شحناء ومهاجاة عظيمة انتهى ما قاله ابن الأهدل
وفيها أبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي البغدادي الفقيه أحد الأعلام تفقه وسمع من ابن عيينة وغيره وبرع في العلم ولم يقلد أحدا قال أحمد بن حنبل أعرفه بالسنة منذ خمسين سنة وهو عندي في صلاح سفيان الثوري انتهى قال ابن

الأهدل صنف فجمع في تصنيفه بين الحديث والفقه واستعمل أولا مذهب أهل الرأي حتى قدم الشافعي العراق وصحبه فاتبعه وهو غير مقلد لأحد وقال له محمد ابن الحسن غلبنا عليك هذا الحجازي يعني الشافعي فقال أجد الحق معه انتهى وقال ابن ناصر الدين هو ثقة مأمون مجتهد انتهى
والحسن بن عيسى بن ماسرجس أبو علي النيسابوري توفي في أول السنة بطريق مكة وكان ورعا دينا ثقة أسلم على يد ابن المبارك وسمع الكثير منه ومن أبي الأحوص وطائفة ولما مر ببغداد حدث بها وعدوا في مجلسه اثني عشر ألف محبرة
وفيها أبو عمرو خليفة بن خياط العصفري البصري الحافظ شباب صاحب التاريخ والطبقات وغير ذلك سمع من يزيد بن ربيع وطبقته وحدث عنه البخاري وغيره وكان ثبتا يقظا
وسويد بن سعيد أبو محمد الهروي ثم الحدثاني نسبة إلى الحديثة التي تحت عانة سمع مالكا وشريكا وطبقتهما وكان مكثرا حسن الحديث بلغ مائة سنة قال أبو حاتم صدوق كثير التدليس قال في المغني سويد بن سعيد الحدثاني شيخ مسلم محدث نبيل له مناكير قال أبو حاتم صدوق وقال أحمد متروك وقال النسائي ليس بثقة وقال البخاري عمي وكان يقبل التلقين انتهى
وسويد بن نصر المروزي رحل وكتب عن ابن المبارك وابن عيينة وعمر تسعين سنة
وسحنون مفتي القيروان وقاضيه أبو سعيد عبد السلام بن سعيد بن حبيب التنوخي الحمصي الأصل ثم المغربي المالكي صاحب المدونة أخذ عن أبي القاسم وابن وهب وأشهب وله عدة أصحاب وعاش ثمانين سنة
وعبد الواحد بن غياث المرثدي البصري سمع حماد بن سلمة وطبقته
وفيها محدث خراسان أبو رجاء قتيبة بن سعيد الثقفي مولاهم البلخي ثم البغلاني الحافظ واسمه يحيى وقيل علي ولقبه قتيبة سمع مالكا والليث والكبار

ورحل العلماء إليه من الأقطار وكان من الأغنياء قال ابن ناصر الدين حدث عنه أصحاب الكتب إلا ابن ماجه وروى عنه أحمد وابن معين إليه المنتهى في الثقة انتهى
وأبو بكر الاعين محمد بن أبي غياث الحسن بن طريف البغدادي الحافظ في جمادي الأولى سمع زيد بن الحباب وطبقته ورحل إلى الشام ومصر وجمع وصنف
والليث بن خالد أبو الحرث المقرئ الكبير صاحب الكسائي وكان من أعيان أهل الأداء ببغداد وتوفي قبل الأربعين ومائتين تقريبا
وسليمان بن أحمد الدمشقي ثم الواسطي الحافظ روى عن الوليد بن مسلم وجماعة وهو مضعف قال البخاري فيه نظر
وفيها عبد العزيز بن يحيى الكتاني المكي سمع من سفيان بن عيينة وناظر بشر المريسي في مجلس المأمون بمناظرة عجيبة غريبة فانقطع بشر وظهر عبد العزيز ومناظرتهما مشهورة مسطورة وعبد العزيز هو صاحب كتاب الحيدة وهو معدود في أصحاب الشافعي
وفيها نصير بن يوسف الرازي النحوي المقري تلميذ الكسائي
وعمر بن زرارة الحدثي ثقة له نسخة مشهورة روى عن شريك وجماعة
وفيها أبو يعقوب الأزرق صاحب ورش وكان مقرئ ديار مصر في زمانه واسمه يوسف بن عمرو بن يسار قال في حسن المحاضرة أبو يعقوب الأزرق يوسف بن عمرو بن يسار المدني ثم المصري لزم ورشا مدة طويلة وأتقن عنه الأداء وخلفه في الإقراء بالديار المصرية وانفرد عنه بتغليظ اللامات وترقيق الراءات قال أبو الفضل الخزاعي أدركت أهل مصر والمغرب على أبي يعقوب عن ورش لا يعرفون غيرها انتهى
وفيها أحمد بن المعدل بن غيلان العبدي البصري الفقيه المالكي المتكلم صاحب

عبد الملك الماجشون كان فصيحا مفوها له عدة مصنفات وعليه تفقه إسماعيل القاضي والبصريون

سنة إحدى وأربعين ومائتين

فيها على ما قاله في الشذور ماجت النجوم في السماء وجعلت تطاير شرقا وغربا كالجراد من قبل غروب الشفق إلى قريب من الفجر ولم يكن مثل هذا إلا عند ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى
وفيها توفي في ثاني عشر ربيع الأول بكرة الجمعة شيخ الأمة وعالم أهل العصر أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الذهلي الشيباني المروزي ثم البغدادي أحد الأعلام ببغداد وقد تجاوز سبعا وسبعين سنة بأيام وكان أبوه جنديا فمات شابا أول طلب أحمد للعلم في سنة تسع وسبعين ومائة فسمع أحمد من هشيم وإبراهيم ابن سعد وطبقتهما وكان شيخا أسمر مديد القامة مخضوبا عليه سكينة ووقار وقد جمع ابن الجوزي أخباره في مجلد وكذلك البيهقي وشيخ الإسلام الهروي وكان إماما في الحديث وضروبه إماما في الفقه ودقائقه إماما في السنة ودقائقها إماما في الورع وغوامضه إماما في الزهد وحقائقه قاله في العبر وقال الحافظ عبد الغني في كتابه الكمال في أسماء الرجال أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال ابن أسد بن إدريس بن عبد الله بن حيان بن عبد الله بن أنس بن عوف بن قاسط ابن مازن بن شيبان بن ذهل بن ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أقضى بن دعمي بن جذيلة بن أسد بن ربيعة بن نزار ابن معد ابن عدنان الشيباني أبو عبد الله خرج من مرو حملا وولد ببغداد ونشأ بها ومات بها ورحل إلى الكوفة والبصرة ومكة والمدينة واليمن والشام والجزيرة وسمع من سفيان بن عيينة وإبراهيم بن سعد ويحيى بن سعيد القطان وهشيم بن بشير ومعتمر بن سليمان وإسماعيل بن علية ووكيع بن الجراح وعبد الرحمن بن مهدي وخلق وروى عنه عبد الرزاق بن همام ويحيى بن آدم وأبو الوليد هشام

ابن عبد الملك الطيالسي وأبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي والأسود بن عامر شاذان والبخاري ومسلم وأبو داود وأكثر عنه في كتاب السنن وروى الترمذي عن أحمد بن الحسن الترمذي عنه وروى النسائي عن عبد الله بن أحمد بن حنبل عنه وعن محمد بن عبد الله عنه ووى ابن ماجه عن محمد بن يحيى الذهلي عنه وإبراهيم الحربي والأثرم وأبو بكر أحمد المروزي وعمر بن سعيد الدارمي ومحمد بن يحيى الذهلي النيسابوري وخلق لا يحصون قال إبراهيم الحربي أدركت ثلاثة لن ير مثلهم أبدا يعجز النساء أن يلدن مثلهم رأيت أبا عبيد القاسم بن سلام ما أمثله إلا بجبل نفخ فيه روح ورأيت بشر بن الحرث ما شبهته إلا برجل عجن من قرنه إلى قدمه عقلا ورأيت أحمد بن حنبل كأن الله عز وجل جمع له علم الأولين من كل صنف يقول ما شاء ويمسك ما شاء وعن الحسن بن العباس قال قلت لأبي مسهر هل تعرف أحدا يحفظ على هذه الأمة أمر دينها قال لا أعلم إلا شابا بالمشرق يعني أحمد بن حنبل وقال قتيبة بن سعيد لو أدرك أحمد بن حنبل عصر الثوري والأوزاعي ومالك والليث بن سعد لكان هو المقدم وقيل لقتيبة يضم أحمد بن حنبل إلى التابعين قال إلى كبار التابعين وقال يحيى بن معين دخلت على أبي عبد الله أحمد بن حنبل فقلت له أوصني فقال لا تحدث المسند إلا من كتاب وقال علي بن المديني قال لي سيدي أحمد بن حنبل لا تحدث إلا من كتاب وقال يوسف بن مسلم قال حدث الهيثم بن جميل بحديث عن جميل بحديث عن هشيم فوهم فيه فقيل له خالفوك في هذا فقال من خالفني قالوا أحمد بن حنبل قال وددت أنه نقص من عمري وزيد في عمر أحمد بن حنبل وقيل لأبي زرعة من رأيت من المشايخ المحدثين أحفظ قال أحمد بن حنبل حزر كتبه اليوم الذي مات فيه فبلغ اثني عشر حملا وعدلا ما على ظهر كتاب منها حديث فلان ولا في بطنه حدثنا فلان وكل ذلك كان يحفظه من ظهر قلبه وروى عن أبي عبد الله أحمد بن حنبل إمام الحفاظ أنه قال إذا جاء الحديث في فضائل الأعمال وثوابها

وترغيبها تساهلنا في إسناده وإذا جاء الحديث في الحدود والكفارات والفرائض تشددنا فيه وقال إبراهيم بن شماس خاض الناس فقالوا إن وقع أمر في أمة محمد صلى الله عليه وسلم فمن الحجة على وجه الأرض فاتفقوا كلهم على أن أحمد بن حنبل حجته انتهى ما قاله في الكمال ملخصا وقال ابن الأهدل كان أحمد من خواص أصحاب الشافعي وكان الشافعي يأتيه إلى منزله فعوتب في ذلك فأنشد
( قالوا يزورك أحمد وتزوره ** قلت الفضائل لا تفارق منزله )
( إن زارني فبفضله أو زرته ** فلفضله فالفضل في الحالين له )
رضي الله عنهما وكان أحمد يحفظ ألف ألف حديث قال الربيع كتب إليه الشافعي من مصر فلما قرأ الكتاب بكى فسألته عن ذلك فقال إنه يذكر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم وقال اكتب إلى أبي عبد الله أحمد بن حنبل واقرأ عليه مني السلام وقل له إنك ستمتحن على القول بخلق القرآن فلا تجبهم نرفع لك علما إلى يوم القيامة قال الربيع فقلت له البشارة فخلع على قميصه وأخذت جوابه فلما قدمت على الشافعي وأخبرته بالقميص قال لا نفجعك به ولكن بله وادفع إلى ماءه حتى أكون شريكا لك فيه وكان يخضب بالحناء خضابا ليس بالقاني وحزر من حضر جنازته من الرجال فكانوا ثمانمائة ألف ومن النساء ستين ألفا وأسلم يوم موته عشرون ألفا من اليهود والنصارى والمجوس وحكى عن إبراهيم الحربي قال رأيت بشر الحافي في النوم كأنه خارج من مسجد الرصافة وفي كمه شيء يتحرك فقلت ما هذا في كمك فقال نثر علينا لقدوم روح أحمد لدر والياقوت فهذا ما التقطته انتهى ما ذكره ابن الأهدل ملخصا
وفيها توفي جبارة بن المغلس الحماني الكوفي عن سن عالية روى عن شبيب ابن أبي شيبة النهشلي قال في المغني جبارة ابن المغلس شيخ ابن ماجه واه قال ابن نمير صدوق كان يوضع له الحديث يعني فلا يدري وقال البخاري مضطرب الحديث قال أبو حاتم وقال ابن معين كذاب انتهى

وفيها الحسن بن حماد الإمام أبو علي الحضرمي البغدادي سجادة روى عن أبي بكر بن عياش وطبقته وكان ثقة صاحب سنة وله حلقة وأصحاب
وفيها أبو ثوبة الحلبي واسمه الربيع بن نافع الحافظ سمع معاوية بن سلام وشريكا والكبار وروى عنه أحمد وغيره بلا واسطة والشيخان بواسطة كان أحد الثقات ونزل طرسوس فكان شيخها وعالمها
وعبد الله بن منير أبو عبد الرحمن المروزي الزاهد القانت الذي قال البخاري لم أر مثله روى عن يزيد بن هارون وطبقته وكان ثقة
ويعقوب بن حميد بن كاسب المحدث مدني مشهور نزل مكة وروى عن إبراهيم بن سعد وطبقته وكان يكنى أبا يوسف قواه البخاري ووثقه ابن معين وضعفه جماعة
وفيها عبيد الله بن سعيد السرخسي أبو قدامة اليشكري المولى الرضي العلامة الثقة روى عن الشيخان والنسائي وابن خزيمة أظهر السنة بسرخس ودعا إليها وحده
وفيها الحسن بن إسحاق بن زياد حسنونة أحد الثقات روى عنه البخاري والنسائي وغيرهما

سنة اثنتين وأربعين ومائتين
فيها على ما قاله في الشذور رجمت قرية يقال لها السويداء بناحية مصر بخمسة أحجار فوقع حجر منها على خيمة أعرابي فاخترقت وزن منها حجر فكان عشرة أرطال فحمل أربعة إلى الفسطاط وواحد إلى تنيس وزلزلت الري وجرجان وطبرستان ونيسابور وأصبهان وقم وقاشان كلها في وقت واحد وتقطعت جبال ودنا بعضها من بعض وسمع للسماء والأرض أصوات عالية وسار جبل كان باليمن عليه مزارع قوم إلى مزارع قوم آخرين فوقف عليها وزلزلت الدامغان فسقط نصفها على أهلها فهلك بذلك خمسة وعشرون ألفا وسقطت بلدان كثيرة على

أهلها ووقع طائر أبيض دون الغراب وفوق الرخمة على دلبة بحلب لسبع مضين من رمضان فصاح يا معشر الناس اتقوا الله الله الله حتى صاح أربعين صوتا ثم طار وجاء من الغد فصاح أربعين صوتا وكتب صاحب البريد بذلك وأشهد خمسمائة إنسان سمعوه ومات رجل في بعض كور الأهواز فسقط طائر أبيض فصاح بالفارسية وبالجورية ان الله قد غفر لهذا الميت ولمن شهده انتهى ما ذكره ابن الجوزي في الشذور
وفيها توفي أبو مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري الفقيه قاضي المدينة ومفتيها في رمضان وله اثنتان وتسعون سنة تفقه على مالك وسمع منه الموطأ ولزمه مدة وسمع من جماعة وكان ثقة قال الزبير بن بكار مات وهو فقيه المدينة غير مدافع
وفيها القاضي أبو حسان الزيادي وهو الحسن بن عثمان في رجب ببغداد وكان إماما ثقة أخباريا مصنفا كثير الاطلاع سمع حماد بن زيد وطبقته قيل أن الشافعي نزل عليه ببغداد
وفيها الحافظ أبو محمد الحسن بن علي الحلواني الخلال سمع حسين بن علي الجعفي وطبقته كان محدث مكة ثقة مكثرا قال إبراهيم بن أرومة بقي اليوم في الدنيا ثلاثة محمد بن يحيى الذهلي بخراسان وأحمد بن الفرات بأصبهان والحسن بن علي الحلواني بمكة
وفيها الإمام أبو عمرو عبد الله بن أحمد بن بشير بن ذكوان المقرئ إمام جامع دمشق قرأ على أيوب بن تميم وسمع من الوليد بن مسلم وطائفة قال أبو زرعة الدمشقي ما في الوقت اقرأ من ابن ذكوان وقال أبو حاتم صدوق قال في العبر قلت عاش سبعين سنة انتهى
وفيها الإمام الرباني محمد بن أسلم الطوسي الزاهد صاحب المسند والأربعين وكان يشبه في وقته بابن المبارك رحل وسمع الحديث من يزيد بن هارون جعفر بن عون وطبقتهما وروى عنه إمام الأئمة ابن جزيمة وقال لم تر عيناي

مثله وقال غيره كان يعد من الأبدال وكان يقال له رباني هذه الأمة قال ابن ناصر الدين قيل أنه صلى عليه لما مات ألف ألف إنسان
وفيها أبو عبد الله محمد بن رمح التجيبي مولاهم المصري الحافظ في شوال سمع الليث وابن لهيعة قال النسائي ما أخطأ في حديث واحد وقال ابن يونس ثقة ثبت كان أعلم الناس بأخبار بلدنا
وفيها محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي الحافظ أبو جعفر صاحب التاريخ وعلل الحديث سمع المعافي بن عمران وابن عيينة وطبقتهما وكان عبيد العجلي يعظم أمره ويرفع قدره وقال النسائي ثقة صاحب حديث قال في المغني ثقة أساء أبو يعلى القول فيه انتهى
وفيها نوح بن أبي حبيب القومسي الحافظ في رجب روى عن عبد الله بن إدريس ويحيى القطان وطبقتهما وكان ثقة صاحب سنة
وفيها يحيى بن أكثم القاضي أبو محمد المروزي ثم البغدادي أحد الأعلام في آخر السنة بالربذة منصرفا من الحج وله بضع سبعون سنة سمع جرير بن عبد الحميد وطبقته وكان فقيها مجتهدا مصنفا قال طلحة الشاهد يحيى بن أكثم أحد أعلام الدنيا قائم بكل معضلة غلب على المأمون حتى أخذ بمجامع قلبه وقلده القضاء وتدبير مملكته وكانت الوزراء لا تعمل الشيء إلا بعد مطالعته قاله في العبر وقال ابن الأهدل كان سني العقيدة غلب على المأمون فقلده القضاء وتدبير مملكته ثم عزله المعتصم بابن أبي دؤاد ثم رده المتوكل وعزل ابن أبي دؤاد حتى طابت عقائد أهل السنة وكان يحيى كثير المزاح واختلف المحدثون في توثيقه ولي قضاء البصرة وهو ابن ثماني عشرة سنة وقال له المأمون كم سنك فقال كعتاب بن أسيد حين أمره النبي صلى الله عليه وسلم على مكة وسئل أحمد عما يذكر عنه من الهنات فأنكره إنكارا شديدا وله الأثر المحمود والمقام التام يوم نادى المأمون بتحليل المتعة فرده بصريح النقل حتى رجع واستغفر ولما استدعاه المأمون للقضاء نظر

إليه وكان ذميم الخلق فعلم أنه استحقره فقال يا أمير المؤمنين سلني إن كان القصد علمي لا خلقي فسأله عن المسألة المعروفة بالمأمونية وهي أبوان وابنتان ولم تقسم ولم تقسم التركة حتى ماتت إحدى البنتين عمن في المسألة فقال الميت الأول رجل أو امرأة فقال له إذا سألت عن الميت الأول فقد عرفتها انتهى ما قاله ابن الأهدل ملخصا قلت لأن الميت الأول إن كان رجلا فالأب وارث في المسألة الثانية لأنه أبو أب وإلا فلا لأنه أبو أم وروى أبو القاسم القشيري رحمه الله تعالى في الرسالة قال حكى أبو عبد الله الحسين بن عبد الله بن سعيد قال كان القاضي يحيى بن أكثم صديقا لي وكان يودني وأوده فمات فكنت أشتهي أن أراه في المنام فأقول له ما فعل الله بك فرأيته ليلة في المنام فقلت ما فعل الله بك فقال غفر لي إلا أنه وبخني ثم قال لي يا يحيى خلطت على نفسك في دار الدنيا فقلت يا رب اتكلت على حديث حدثني به أبو معاوية الضرير عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنك قلت إني لأستحي أن أعذب شيبة بالنار فقال قد عفوت عنك يا يحيى وصدق نبي إلا أنك خلطت على نفسك في دار الدنيا انتهى كلامه وأكتم بالمثناة والمثلثة العظيم البطن

سنة ثلاث وأربعين ومائتين

فيها توفي أبو عبد الله أحمد بن سعيد الرباطي الأشقر الحافظ بنيسابور وقيل في سنة خمس أو ست وأربعين سمع وكيعا ورحل إلى عبد الرزاق وحدث عنه الأئمة سوى ابن ماجه وكان علامة مفيدا متقنا
وفيها أبو عبد الله أحمد بن عيسى المصري المعروف بابن التستري سمع ضمام ابن إسماعيل وابن وهب ونزل بغداد وحدث عنه الشيخان والنسائي وغيرهم قال في المغني عن ابن وهب ثقة كذبه ابن معين وقال النسائي لا بأس به انتهى
وفيها إبراهيم بن العباس الصولي البغدادي أحد الشعراء المجيدين والكتاب المنشئين كان موصوفا بالبلاغة والبراعة وله ديوان مشهور فيه أشياء بديعة

قال دعبل لو تكسب إبراهيم بن العباس بالشعر لتركنا في غير شيء وقال ابن خلكان وله ديوان شعر كله نخب وهو صغير ومن رقيق شعره
( دنت باناس عن تناء زيارة ** وشطت بليلى عن دنو مزارها )
( وإن مقيمات بمنعرج اللوى ** لأقرب من ليلى وهاتيك دارها )
وله نثر بديع فمن ذلك ما كتبه عن أمير المؤمنين إلى بعض البغاة الخارجين يتهددهم ويتوعدهم وهو أما بعد فإن لأمير المؤمنين أناة فإن لم تغن عقب بعدها وعيدا فإن لم يغن أغنت عزائمه والسلام وهذا الكلام مع وجازته في غاية الإبداع فإنه ينشأ منه بيت شعر وهو
( أناة فإن لم تغن عقب بعدها ** وعيدا فإن لم يغن أغنت عزائمه )
وكان يقول ما اتكلت في مكاتبتي إلا على ما يجلبه خاطري ويجيش به صدري انتهى ما قاله ابن خلكان ملخصا
وفيها الزاهد الناطق بالحكمة الحرث بن أسد المحاسبي صاحب المصنفات في التصوف والأحوال روى عن يزيد بن هارون وغيره قال ابن الأهدل كان أحد الخمسة الجامعين بين العلمين في واحد هو والجنيد وأبو محمد وأبو العباس بن عطاء وعمرو بن عثمان المكي وله مصنفات نفيسة في السلوك والأصول ولم يأخذ من ميراث أبيه شيئا لأن أباه كان قدريا ومن قوله فقدنا ثلاثة أشياء حسن الوجه مع الصيانة وحسن القول مع الأمانة وحسن الإخاء مع الوفاء وهو أحد شيوخ الجنيد انتهى
وفيها الفقيه أبو حفص حرملة بن يحيى التجيبي المصري الحافظ مصنف المختصر والمبسوط وغيرهما روى عن ابن وهب مائة ألف حديث وتفقه بالشافعي وخرج له مسلم والنسائي قال في المغني هو شيخ مسلم صدوق يغرب قال أبو حاتم لا يحتج به وقال عبد الله بن محمد الفرهياني ضعيف وقال ابن عدي قد تبحرت في حديثه وقتشته الكثير فلم أجد له ما يضعف من أجله انتهى وقال الاسنوي

حرملة بن يحيى بن عبد الله بن حرملة المصري التجيبي نسبة إلى تجيب بتاء مثناة من فوق مضمونة وقيل مفتوحة ثم جيم بعدها ياء بنقطتين من تحت ثم موحدة وهي قبيلة نزلت بمصر وأصلها اسم امرأة كان حرملة إماما حافظا للحديث والفقه صنف المبسوط والمختصر المعروف به ولد سنة ست وستين ومائة وتوفي في شوال سنة ثلاث وأربعين ومائتين انتهى ملخصا
وفيها عبد الله بن معاوية الجمحي البصري وقد نيف على المائة روى عن القاسم بن الفضيل الحداني والحمادين وكان ثقة صاحب حديث
وفيها عقبة بن مكرم أبو عبد الملك العمي البصري الحافظ روى عن غندر وطبقته وكان ثبتا حجة ومات قبله بأعوام عقبة بن مكرم الضبي الكوفي روى عن ابن عيينة ويونس بن بكير ولم تقع له رواية في شيء من الكتب الستة
وفيها محمد بن يحيى بن أبي عمر أبو عبد الله العدني الحافظ صاحب المسند بمكة في آخر السنة روى عن الفضيل بن عياض والدراوردي وخلق وكان عبدا صالحا خيرا وقال مسلم وغيره هو حجة صدوق
وفيها هارون بن عبد الله الحافظ أبو موسى البغدادي البزاز المعروف بالحمال رحل وسمع عبد الله بن نمير وابن أبي فديك وطبقتهما قيل إنه تزهد وصار يحمل بأجرة يتقوت بها
وفيها هناد بن السري الحافظ الزاهد القدوة أبو السري الدارمي الكوفي صاحب كتاب الزهد روى عن شريك وإسماعيل بن عياش وطبقتهما فأكثر وجمع وصنف وروى عنه أصحاب الكتب الستة إلا البخاري
وفيها أبو همام الوليد بن شجاع السكوني الحافظ الكوفي سمع شريكا وابن جعفر وطبقتهما قال في المغني ثقة مشهور قال أبو حاتم لا يحتج به انتهى

سنة أربع وأربعين ومائتين

فيها على ما قاله في الشذور اتفق عيد الأضحى وعيد الفطر لليهود وشعانين النصارى


وفيها توفي أحمد بن منيع الحافظ الكبير أبو جعفر البغوي الأصم صاحب المسند ببغداد في شوال سمع هشيما وطبقته وهو جد أبي القاسم البغوي لأمه وقد خرج له الجماعة لكن البخاري بواسطة واحد وكان أحد الثقات المشهورين
وإبراهيم بن عبد الله الهروي الحافظ ببغداد في رمضان روى عن إسماعيل بن جعفر وكان من أعلم الناس بحديث هشيم وكان صواما عابدا تقيا قال في المغني إبراهيم ابن عبد الله الهروي شيخ الترمذي قال النسائي ليس بالقوي وقال أبو داود ضعيف وقد وثق انتهى
وفيها إسحاق بن موسى الأنصاري الخطمي المدني ثم الكوفي أبو موسى قاضي نيسابور روى عن أبن عيينة وطبقته أطنب أبو حاتم الرازي في الثناء عليه وكان كثير الأسفار فتوفي بجوسية من أعمال حمص
والحسن بن شجاع أبو علي البلخي الحافظ أحد أركان الحديث في شوال كهلا ولم ينشر حديثه سمع عبيد الله بن موسى وطبقته روى الترمذي عن رجل عنه قال ابن ناصر الدين الحسن بن شجاع بن رجاء البلخي أبو علي روى عنه البخاري وغيره وكان من نظراء أبي زرعة لكن لم يشتهر لموته كهلا قبل أوان السماع انتهى
وفيها أبو عمار الحسين بن حريث المروزي الحافظ سمع جرير بن عبد الحميد وطبقته ولم يرحل
وحمدوية وهو حميد بن مسعدة بن المبارك السامي البصري الثقة وأقرأ وسمع وحدث روى عنه أصحاب الكتب الستة إلا البخاري
وفيها عبد الحميد بن بيان الواسطي روى عن خالد الطحان وهشيم فأكثر
وفيها علي بن حجر الحافظ الإمام أبو الحسن السعدي المروزي نزيل نيسابور في جمادى الأولى وله نحو من تسعين سنة روى عن إسماعيل بن جعفر وشريك وخلق وكان من الثقات الأخيار
ومحمد بن أبان أبو بكر المستملي مستملي وكيع لقى ابن عيينة وابن وهب والكبار
وفيها أبو عبد الله محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب الأموي البصري

في جمادى الأولى سمع أبا عوانة وطبقته وكان صاحب حديث ولي القضاء جماعة من أولاده
وفيها يعقوب بن السكيت النحوي أبو يوسف البغدادي صاحب كتاب إصلاح المنطق وتفسير دواوين الشعراء وغير ذلك سبق أقرانه في الأدب مع حظ وافر في السنن والدين وكان قد ألزمه المتوكل تأديب ابنه المعتز فلما جلس عنده قال له يا بني بأي شيء يحب الأمير أن يبتدئ من العلوم قال بالانصراف قال ابن السكيت فأقوم قال المعتز أنا أخف نهوضا منك فقام المعتز مسرعا فعثر بسراويله فسقط فالتفت خجلا فقال ابن السكيت
( يصاب الفتى من عثرة بلسانه ** وليس يصاب المرء من عثرة الرجل )
( فعثرته بالقول تذهب رأسه ** وعثرته بالرجل تبري على مهل )
فلما كان من الغد دخل على المتوكل فقال له قد بلغني البيتان وأمر له بخمسين ألف درهم وقال أحمد بن محمد بن شداد شكوت إلى ابن السكيت ضائقة فقال هل قلت شيئا قلت لا قال فأقول أنا ثم أنشد
( نفسي تروم أمورا لست أدركها ** ما دمت أحذر ما يأتي به القدر )
( ليس ارتحالك في كسب الغنى سفرا ** لكن مقامك ف ضر هو السفر )
وقال ابن السكيت كتب رجل إلى صديق له قد عرضت لي قبلك حاجة فإن نجحت فالفاني منها حظي والباقي حظك وإن تعذرت فالخير مظنون بك والعذر مقدم لك والسلام وكان ابن السكيت يوما عند المتوكل فدخل عليه ابناه المعتز والمؤيد فقال له يا يعقوب أيما أحب إليك ابناي هذان أم الحسن والحسين فغض من ابنيه وذكر محاسن الحسن والحسين فأمر المتوكل الأتراك فداسوا بطنه وحمل إلى داره فمات من الغد وروى أنه قال له والله إن قنبرا خادم علي خير منك ومن ابنيك فأمر بسل لسانه من قفاه رحمه الله ورضي عنه ويقال أنه حمل ديته إلى أولاده

سنة خمس وأربعين ومائتين

فيها كما قاله في الشذور زلزلت بلاد المغرب حتى تهدمت الحصون والمنازل والقناطر فأمر المتوكل بتفرقة ثلاثة آلاف الف درهم في الذين أصيبوا بمنازلهم وكانت بانطاكية زلزلة ورجفة قتلت خلقا كثيرا وسقط منها ألف وخمسمائة دار ووقع من سورها نيف وتسعون برجا وسمع أهلها أصواتا هائلة لا يحسنون وصفها فتركوا المنازل وهرب الناس إلى الصحراء وسمع أهل تنيس صيحة عالية دامت فمات منها خلق كثير وذهبت حبا بأهلها انتهى
وفيها توفي أحمد بن عبدة العنبي بالبصرة سمع حمادين زيدو الكبار وروى الكثير
واسحق بن أبي إسرائيل إبراهيم بن كامجر المروزي الحافظ في شوال ببغداد وله خمس وتسعون سنة سمع حماد بن زيد وطبقته وكان من كبار المحدثين قال ابن ناصر الدين هو ثقة لكن تكلم فيه انتهى
وفيها إسماعيل بن موسى الفزاري الكوفي الشيعي المحدث ابن بنت السدى روى عن مالك وطبقته وروى عن عمر بن شاكر عن أنس بن مالك وخرج له أبو داود والترمذي وغيرهما قال في المغني إسماعيل بن موسى الفزاري السدى يترفض وقال أبو داود يتشيع انتهى
وفيها ذو النون المصري أبو الفيض ثوبان ويقال الفيض بن إبراهيم أحد رجال الطريقة وواحد وقته كان أبوه نوبيا سعى به إلى المتوكل في فسجنه وأهدى له طعام في السجن فكرهه لكون السجان حمله بيده ولما أطاق اجتمع عليه الصوفية ببغداد في الجامع واستأذنوه في السماع وحضر حضرته القوال فأنشد
( صغير هواك عذبني ** فكيف به إذا احتنكا )
( وأنت جمعت من قلبي ** هوى قد كان مشتركا )
فتواجد ذو النون وسقط فانشج رأسه وقطر منه دم ولم يقع على الأرض فقام شاب يتواجد فقال له ذو النون الذي يراك حين تقوم فقعد الشاب قال بعضهم

كان ذو النون صاحب أشراف والشاب صاحب أنصاف ومن كلامه علامة محب الله متابعة الرسول في كل ما أمر به قال السيوطي في كتاب حسن المحاضرة ذو النون المصري ثوبان بن إبراهيم أبو الفيض أحد مشايخ الطريق المذكورين في رسالة القشيري وهو أول من عبر عن علوم المنازلات وأنكر عليه أهل مصر وقالوا حدثت علما لم تتكلم فيه الصحابة وسعوا به إلى الخليفة المتوكل ورموه عنده بالزندقة وأحضروه من مصر على البريد فلما دخل سر من رأى وعظه فبكى المتوكل ورده مكرما وكان مولده باخميم حدث عن مالك والليث وابن لهيعة وروى عنه الجنيد وآخرون وكان أوحد وقته علما وورعا وحالا وأدبا مات في ذي القعدة سنة خمس وأربعين ومائتين وقد قارب التسعين قال السلمي كان أهل مصر يسمونه بالزنديق فلما مات أظلت الطير الخضر جنازته ترفرف عليه إلى أن وصل إلى قبره انتهى ما ذكره السيوطي
وفيها سوار بن عبد الله بن سوار التميمي العنبري البصري أبو عبد الله قاضي الرصافة ببغداد روى عن يزيد بن زريع وطبقته قال في المغني سوار بن عبد الله ابن قدامة العنبري ليس بشيء انتهى وكان من الشعراء المجيدين
ودحيم الحافظ الحجة أبو سعيد عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي قاضي فلسطين والأردن وله خمس وسبعون سنة سمع ابن عيينة والوليد بن مسلم وطبقتهما وروى عنه البخاري وغيره قال أبو داود لم يكن في زمانه مثله
وفيها أبو تراب النخشي العارف واسمه عسكر بن الحصين من كبار مشايخ القوم صحب حاتم الأصم وغيره قل السخاوي في طبقاته عسكر بن حصين أبو تراب النخشي ويقال عسكر بن محمد بن حصين أحد فتيان خراسان والمذكورين بالأحوال السنية الرفيعة وأحد علماء هذه الطائفة صحب حاتم الأصم حتى مات ثم خرج إلى الشام وكتب الحديث الكثير ونظر في كتب الشافعي ثم نزل مكة ثم كان يخرج إلى عبادان والثغر ويرجع إلى مكة ومات بين المسجدين ودخل

البصرة وتزوج بها وصحب شقيفا البلخي قال أبو تراب من كان غناه بماله لم يزل فقيرا ومن كان غناه في قلبه لم يزل غنيا من كان غناه بربه فقد قطع عنه اسم الفقر والغنى لأنه دخل في حيز ما لا وصف له وقال ابن الجلاء قال أبو تراب إذا ألفت القلوب الإعراض عن الله صحبتها الوقيعة في الأولياء وقال أشرف القلوب قلب حي بنور الفهم عن الله عز وجل وقال ليس في العبادات شيء أنفع من إصلاح خواطر القلوب وقال إن الله ينطق العلماء في كل زمان بما يشاء كل أعمال ذلك الزمان وقال من أشغل مشغولا بالله عن الله أدركه المقت من ساعته دخل بغداد مرات واجتمع بالإمام أحمد بن حنبل فجعل الإمام أحمد يقول فلان ضعيف فلان ثقة فقال له أبو تراب لا تغتب العلماء فالتفت إليه الإمام أحمد وقال له ويحك هذا نصيحة ليس هذا غيبة انتهى ما ذكره السخاوي ملخصا
وفيها محمد بن رافع أبو عبد الله القشيري مولاهم النيسابوري الحافظ سمع ابن عيينة ووكيعا وخلائق وروى عنه الشيخان وغيرهما وكان ثقة زاهدا صالحا قد أرسل إليه ابن طاهر نوبة خمسة آلاف درهم فردها ولم يكن لأهله يومئذ خبر
وفيها محمد بن هشام التميمي السعدي قال ابن الأهدل كان ممدوحا بالحفظ وحسن الروية قال مؤرخ أخذ مني كتاب فحبسه ليلة ثم جاء به وقد حفظه وقال له سفيان ابن عيينة لا أراك تخطئ شيئا مما تسمع ثم قال له حدثني الزهري عن عكرمة عن ابن عباس أنه قال يولد في كل سبعين سنة من يحفظ كل شيء قال وضرب بيده على جنبي وقال أراك منهم انتهى
وفيها هشام بن عمار الإمام أبو الوليد السلمي خطيب دمشق وقارئها وفقيهها ومحدثها في سلخ المحرم عن سنتين وتسعين سنة روى عن مالك وطبقته وقرأ على عراك وأيوب بن تميم عن قراءتهما على يحيى الذماري صاحب ابن عامر قال في المغني هشام بن عمار خطيب دمشق ومقرئها ثقة مكثر له ما ينكر قال أبو حاتم

صدوق وقد تغير فكان كلما لقنه تلقن وقال أبو داود حدث بأربعمائة حديث لا أصل لها وقال ابن معين ثقة وقال مرة كيس كيس وقال النسائي لا بأس به وقال الدارقطني صدوق كبير المحل وقال صالح جزرة كان يأخذ على الروية انتهى كلام المغني

سنة ست وأربعين ومائتين

فيها كما قاله في الشذور مطرت سكة يبلخ دما عبيطا
وفيها توفي أحمد بن إبراهيم بن كثير أبو عبد الله العبدي البغدادي الدورقي الحافظ الثقة سمع جرير بن عبد الحميد وطبقته وصنف التصانيف الحسنة المقيدة
وفيها أحمدبن أبي الحواري الزاهد الكبير أبو الحسن الدمشقي سمع أبا معاوية وطبقته وكان من كبار المحدثين والصوفية وأجل أصحاب أبي سليمان الداراني وله كلام في الحقائق منه ما ابتلى الله عبدا بشيء أشد من القسوة والغفلة وقالت له زوجته رابعة الشامية أحبك حب الإخوان لا حب الأزواج وكانت زوجته أيضا من كبار الصالحات الذاكرات وكانت تطعمه الطيب وتطيبه وتقول اذهب بنشاطك إلى أهلك وتقول عند تقريبها الطعام إليه كل فما نضج إلى بالتسبيح وتقول إذا قامت من الليل
( قام المحب إلى المؤمل قومه ** كاد الفؤاد من السرور يطير )
وقال السخاوي في طبقات الأولياء أحمد بن أبي الحواري كنيته أبو الحسن وأبو الحواري اسمه ميمون من أهل دمشق صحب أبا سليمان الداراني وسفيان بن عيينة وأبا عبد الله النياحي وغيرهم وله أخ يقال له محمد يجري مجراه في الزهد والورع وابنه عبد الله بن أحمد بن أبي الحواري من الزهاد وأبوه أيضا كان من العارفين والورعين فبيتهم بينت الورع والزهد ومن كلامه من عمل بلا اتباع سنة فعمله باطل وقال إني لا أقرأ القرآن فانظر في آية آية فيحار عقلي وأعجب

من حفاظ القرآن كيف يهنيهم النوم ويسعهم أن يشتغلوا بتدبير الدنيا وهم يتلون كلام الرحمن أما لو فهموا ما يتلون وعرفوا حقه وتلذذوا به واستحلوا المناجاة به لذهب عنهم النوم فرحا بما رزقوا ووفقوا وقال الحافظ الذهبي في التذهيب قال محمد بن عوف الحمصي رأيت أحمد بن أبي الحواري صلى العتمة ثم قام يصلي فاستفتح بالحمد إلى { إياك نعبد وإياك نستعين } فطفت الحائط كله ثم رجعت فإذا هو لا يجاوز إياك نعبد وإياك نستعين ثم نمت ومررت به سحرا وهو يقول إياك نعبد وإياك نستعين فلم يزل يرددها إلى الصبح انتهى ملخصا
وفيها أبو عبد الله الحسين بن الحسن المروزي الحافظ صاحب ابن المبارك بمكة وقد سمع من هشيم والكبار
وفيها أبو عمر الدوري شيخ المقرئين في عصره وله ست وتسعون سنة وهو حفص بن عمر بن عبد العزيز بن صهبان المقرئ قرأ على الكسائي وإسماعيل بن جعفر ويحيى اليزيدي وحدث عن طائفة وصنف في القراءات وكان صدوقا قرأ عليه خلق كثير قال أدركت حياة نافع ولو كان عندي شيء لرحلت إليه
وفيها دعبل بن علي الخزاعي الشاعر المشهور الرافضي مدح الخلفاء والملوك وكان يحب الهجاء وقد أجازه عبد الله بن طاهر على أبيات ستين ألف درهم قال ابن خلكان قيل أن دعبلا لقب واسمه الحسن وقيل عبد الرحمن وقيل محمد وكنيته أبو جعفر وقيل أنه كان أطروشا وفي قفاه سلعة كان شاعرا مجيدا إلا أنه بذيء اللسان مولعا بالهجاء والحط من أقدار الناس وهجاء الخلفاء ومن دونهم وطال عمره فكان يقول لي خمسون سنة أحمل خشبتي على كتفي أدور على من يصلبني عليها فما أجد من يفعل ذلك وكان بين دعبل ومسلم بن الوليد الأنصاري اتحاد كثير وعليه تخرج دعبل في الشعر فاتفق أن ولي مسلم جهة في بعض بلاد خراسان وهي جرجان فقصده دعبل لما يعلمه من الصحبة التي بينهما فلم يلتفت مسلم إليه ففارقه وقال


( غششت الهوى حتى تداعت أصوله ** بنا وابتذلت الوصل حتى تقطعا )
( وأنزلت من بين الجوانح والحشا ** ذخيرة ود طال ما قد تمتعا )
( فلا تعذلني ليس لي فيك مطمع ** تخرقت حتى لم أجد لك مرقعا )
( وهبك يميني استأكلت فقطعتها ** وصبرت قلبي بعدها فتشجعا )
ومن شعره في الغزل
( لا تعجبي يا سلم من رجل ** ضحك المشيب برأسه فبكى )
( يا ليت شعري كيف نومكم ** يا صاحبي إذا دمي سفكا )
( لا تأخذا بظلامتي أحدا ** قلبي وطرفي في دمي اشتركا )
ولما مات دعبل وكان صديقا للبحتري وكان أبو تمام قد مات قبله رثاهما البحتري فقال
( قد زاد في كلفي وأوقد لوعتي ** مثوى حبيب يوم مات ودعبل )
في أبيات انتهى ملخصا
وفيها العباس بن عبد العظيم أبو الفضل العنبري البصري الحافظ أحد علماء السنة سمع يحيى القطان وطبقته وتوفي في رمضان وكان من الثقات الأخيار
ولوين واسمه محمد بن سليمان أبو جعفر الأسدي البغدادي ثم المصيصي سمع مالكا وحماد بن زيد والكبار وعمر دهرا طويلا وجاوز المائة وكان كثير الحديث ثقة قاله في العبر
وفيها محمد بن يحيى بن فياض الزماني البصري روى عن عبد الوهاب الثقفي وطبقته فأكثر وحدث في آخر عمره بدمشق وبأصبهان
والمسيب بن واضح الحمصي روى عن إسماعيل بن عياش والكبار وتوفي في آخر السنة قال أبو حاتم صدوق ويخطئ
وفيها الفضل بن غسان الغلابي ببغداد روى عن عبد الرحمن بن مهدي وطبقته وله تاريخ مفيد

سنة سبع وأربعين ومائتين
فيها توفي إبراهيم بن سعيد الجوهري أبو إسحاق البغدادي الحافظ مصنف المسند روى عن هشيم وخلق كثير مات مرابطا بعين زربة وكان من أركان الحديث خرج مسند أبي بكر الصديق في نيف وعشرين جزا
وفيها أبو عثمان المازني النحوي صاحب التصانيف واسمه بكر بن محمد قال تلميذه المبرد لم يكن بعد سيبويه أعلم من أبي عثمان المازني بالنحو قال ابن خلكان كان في غاية الورع ومما رواه المبرد أن بعض أهل الذمة قصده ليقرأ عليه كتاب سيبويه وبذل له مائة دينار في تدريسه إياه فامتنع أبو عثمان من ذلك قال فقلت له جعلت فداك أترد هذه المنفعة مع فاقتك وشدة إضافتك فقال إن هذا الكتاب يشتمل على ثلثمائة وكذا وكذا آية من كتاب الله عز وجل ولست أرى أن أمكن منها ذميا غيره على كتاب الله عز وجل وخشية له قال فاتفق إن غنت جارية بحضرة الواثق بقول العرجي
( أظلوم إن مصابكم رجلا ** أهدي السلام تحية ظلم )
فاختلف من بالحضرة في أعراب رجلا فمنهم من نصبه وجعله اسم إن ومنهم من رفعه على أنه خبرها والجارية مصرة على أن شيخها أبا عثمان المازني لقنها إياه بالنصب فأمر الواثق بإشخاصه قال أبو عثمان فلما مثلت بين يديه قال ممن الرجل قلت من بني مازن قال أي الموازن أمازن تميم أم مازن قيس أم مازن ربيعة فقلت من مازن ربيعة فكلمني بكلام قومي وقال بااسبك لأنهم يقلبون الميم باء والباء ميما فكرهت أن أجيبه على لغة قومي لئلا أواجهه بالمكر فقلت بكر يا أمير المؤمنين ففطن لما قصدته وأعجب به ثم قال ما تقول في قول الشاعر
( أظلوم إن مصابكم رجلا ** البيت أترفع رجلا أن تنصبه ) فقلت بل الوجه النصب يا أمير المؤمنين فقال ولما ذاك فقلت هو بمنزلة قولك إن ضربك زيدا ظلم فالرجل مفعول مصابكم وهو منصوب به والدليل عليه أن

الكلام معلق إلى أن يقول ظلم فاستحسنه الواثق وقال هل لك من ولد قلت نعم يا أمير المؤمنين بنية قال ما قالت لك عند مسيرك قلت أنشدت قول الأعشى
( أيا أبتا لا ترم عندنا ** فأنا بخير إذا لم ترم )
( أرانا إذا أضمرتك البلاد ** نجفي وتقطع منا الرحم )
قال فما قلت لها قال قلت قول جرير
( ثقي بالله ليس له شريك ** ومن عند الخليفة بالنجاح )
قال علي النجاح إن شاء الله تعالى ثم أمر لي بألف دينار وردني مكرما قال المبرد فلما عاد إلى البصرة قال لي كيف رأيت يا أبا العباس رددنا لله مائة فعوضنا ألفا انتهى ما ذكره ابن خلكان ملخصا
وفيها في شوال قتل المتوكل على الله أبو الفضل جعفر بن المعتصم محمد بن الرشيد العباسي فتكوا به في مجلس لهوه بأمر ابنه المنتصر وعاش أربعين سنة وكان أسمر نحيفا مليح العينين خفيف العارضين ليس بالطويل وهو الذي أحيا السنة وأمات التجهم ولكنه كان فيه نصب ظاهر وانهماك على اللذات والمكاره وفيه كرم وتبذير وكان قد عزم على ابنه المنتصر وتقدم إليه بتقديم المعتز عليه لفرط محبته لأمه وبقي يؤذيه ويتهدده إن لم ينزل عن العهد واتفق مصادرة المتوكل لوصيف فتعاملوا عليه ودخل عليه خمسة في جوف الليل فنزلوا عليه بالسيوف فقتلوه وقتلوا وزيره الفتح بن خاقان معه ولما قتلا أصبح الناس يقولون قتل المتوكل والفتح بن خاقان دبر عليهما المنتصر ولد المتوكل وكان الناس على لسان واحد يقولون والله لا عاش المنتصر إلا ستة أشهر كما عاش شيرويه بن كسرى حيث قتل أباه فكان الأمر كذلك وكان قتله ليلة الأربعاء لثلاث خلون من شوال وكان للمتوكل خمسمائة وصيفة للفراش ولم يكن فيهن أحظى من صبيحة أم ولده المعتز

وبسبب ميله إليها أراد يقدم ولدها بالعهد وكان اصغر من المنتصر وكان تقدم منه العهد للمنتصر ثم لأخويه من بعده وفي ذلك يقول السلمي
( لقد شد ركن الدين بالبيعة الرضا ** وسار بسعد جعفر بن محمد )
( لمنتصر بالله أثبت عهده ** وأكد بالمعتز ثم المؤيد )
ورزق المتوكل من الحظ من العامة لتركه الهزل واللهو إلا أنه كان يتشبه في الغضب بخلق الجبابرة وبلغ المتوكل أن صالح بن أحمد بن حنبل رأى في نومه قائلا يقول
( ملك يقاد إلى مليك عادل ** متفضل بالعفو ليس بجائر )
فصدقه بذلك وروى علي بن الجهم قال لما أفضت الخلافة إلى المتوكل أهدى له الناس على أقدارهم فأهدى له محمد بن عبد الله بن طاهر ثلثمائة جارية من أصناف الجواري وكان فيهن جارية يقال لها محبوبة وقد نشأت بالطائف فوقعت من قلب المتوكل موقعا عظيما وحلت من نفسه محلا جسيما وكانت تسامره ولا تفارقه فغاضبها يوما وأمرها بلزوم مقصورتها وأمر أن لا يدخل الجواري عليها قال علي بن الجهم فبينا أنا عنده جالس يوما إذ قال لي يا علي رأيت البارحة كأنني صالحت محبوبة فقلت أقر الله عينيك وجعله حقيقة في اليقظة وأنا لفي ذلك إذ أقبلت وصيفة كانت تقف على رأسه فقالت يا أمير المؤمنين سمعت الساعة في منزل محبوبة غناء فقال لي يا علي قم بنا الساعة فأنا سنرد على بوادر ظريفة فأخذ بيدي وجعلنا نمشي رويدا لئلا يسمع حسنا فوقف على باب المقصورة وإذا بها تضرب بالعود وتغني
( أدور في القصر لا أرى أحدا ** أشكو إليه ولا يكلمني )
( حتى كأني جنيت معصية ** ليست لها توبة تخلصني )
( فهل شفيع لنا إلى ملك ** قد زارني في الكرى وصالحني )
( حتى إذا ما الصباح لاح لنا ** عاد إلى هجره فصار مني )


فنفر المتوكل طربا ونفرت معه لنفيره فأحست بنا فخرجت حافية ثم أكبت على رجلي أمير المؤمنين ويديه ورأسه ثم قالت يا أمير المؤمنين رأيت البارحة في النوم كأني قد صالحتك قال لها وأنا والله رأيت مثل ذلك قالت فإن رأى أمير المؤمنين أن يتمم المنة فهو المنعم على كل حال فقال ادخل فأنا سنرد على ما نحب قال فمكثنا ثلاثة أيام ونحن كأننا في بعض رياض الجنة ووصلني بعد ذلك ببدرة فأخذتها وانصرفت
قيل قرئ على المتوكل كتاب فيه ملاحم فمر القارئ فيه على موضع فيه إن الإمام العاشر من بني العباس يقتل في مجلسه على فراشه فقال ليت شعري من الشقي الذي يقتله ثم وجم فقيل له أنت الحادي عشر وعدوا إبراهيم بن المهدي من جملة الخلفاء فسرى عنه وقيل رأى المتوكل في منامه كأن دابة تكلمه فقال لبعض جلسائه ما تفسره ففسره له بشيء آخر ثم قال لبعض من حضر سرا حان رحيله لقوله تعالى { وإذا وقع القول عليهم أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم } وقيل رأى المتوكل في منامه رؤيا فقصها على الفتح بن خاقان وزيره فقال يا أمير المؤمنين أضغاث أحلام ولو تشاغلت بالشرب والغناء لسري عنك هذا فقطع عامة نهاره بالتشاغل فلما جاءه الليل أمر بإحضار الندماء والمغنين وجلس بقصره المعروف بالجعفري وعنده الفتح فقال للمغنين غنوا فغنوا ثم قام ولده محمد المنتصر ومعه الحاجب يشيعه فخلا الموضع فدخل عليه خمسة من الأتراك فقتلوه وقتلوا أيضا الفتح أيضا
وفيها توفي سلمة بن شبيب أبو عبد الرحمن النيسابوري الحافظ الموثق في رمضان بمكة روى عن يزيد بن هارون وطبقته وقد روي عنه من الكبار أحمد ابن حنبل وأصحاب الكتب الستة إلا البخاري
وفيها أو بعدها محمد بن مسعود الحافظ بن العجمي سمع عيسى بن يونس ويحيى ابن سعيد القطان وطبقتهما ورابط بطرسوس قال محمد بن وضاح القرطبي هو رفيع الشأن فاضل ليس بدون أحمد بن حنبل يعني في العمل لا في العلم والله

أعلم قاله في العبر

سنة ثمان وأربعين ومائتين

فيها بل في التي قبلها كما جزم به في الشذور توفيت شجاع أم المتوكل وكانت خيرة كثيرة الرغبة في الخير وخلفت من العين خمسة ألاف الف دينار وخمسين الف دينار ومن الجوهر قيمته الف الف دينار ولا يعرف أمراة رأت ابنها وهو جد وثلاثة أولاد ولاة عهود إلا هي قاله في الشذور
وقيها توفي الإمام العلم أبو جعفر أحمد بن صالح الطبري ثم المصري الحافظ سمع ابن عيينة وابن وهب وخلقا وكان ثقة قال محمد بن عبد الله بن نمير إذا جاوزت الفرات فليس أحد مثل أحمد بن صالح وقال ابن وارة الحافظ أحمد بن حنبل ببغداد وأحمد بن صالح بمصر وابن نمير بالكفوى و النفيلي بحران هؤلاء أركان الدين وقال يعقوب الفسوى كتبت عن الف شيخ حجتي فيما بيني وبين الله رجلان أحمد بن صالح وأحمد بن حنبل
وفيها الحسين بن علي الكرابيسي الفقيه المتكلم أبو علي ببغداد وقيل مات في سنة خمس وأربعين تفقه على الشافعي وسمع من اسحق الأزرق وجماعة وصنف التصانيف وكان متضلعا من الفقه والحديث والأصول ومعرفة الرجال والكرابيس الثياب الغلاظ
وفيها بغا الكبير أبو موسى التركي مقدم قواد المتوكل عن سن عالية وكان بطلا شجاعا مقداما له عدة فتوح ووقائع باشر الكثير من الحروب فما جرح قط وخلف أموالا عظيمة
وفيها أمير خراسان وابن أميرها طاهر بن عبد الله بن طاهر بن الحسين الخزاعي في رجب ولى امرة خراسان بعد أبيه ثمان عشرة سنة ووليها بعده ولده

محمد بن طاهر عشرين سنة وقد حدث طاهر عن سليمان بن حرب
وفيها عبد الجبار بن العلاء بن عبد الجبار أبو بكر البصري ثم المكي ثم العطار روى عن سفيان بن عيينة وطبقته وكان ثقة صاحب حديث
وعبد الملك بن شعيب بن الليث بن سعد المصري سمع أباه وابن وهب وكان أحد الفقهاء
وعيسى بن حماد زغمة التجبي مولاهم المصري راوية الليث بن سعد
والقسم بن عثمان الدمشقي الزاهد المعروف بالجوعي من كبار الصوفية والعارفين صحب أبا سليمان الداراني وروى عن سفيان بن عيينة وجماعة قال أبو حاتم صدوق
وفيها محمد بن حميد الرازي أبو عبد الله الحافظ روى عن جرير بن عبد الحميد ويعقوب القمي وخلق وكان من أوعية العلم لكن لا يحتج به وله ترجمة طويلة أثنى عليه أحمد بن حنبل وقال ابن خزيمة لو عرفه أحمد لما أثنى عليه وقد خرج له أبو داود والترمذي وغيرهما قال الذهبي في المغني محمد بن حميد الرازي الحافظ عن يعقوب القمي وجرير وابن المبارك ضعف لا من قبل الحفظ قال يعقوب بن شيبة كثير المناكير وقال البخاري فيه نظر وقال أبو زرعة يكذب وقال النسائي ليس بثقة وقال صالح جزرة ما رأيت أحذق بالكذب منه ومن ابن الشاذ كوني انتهى ما قاله في المغني
وفي ربيع الآخر المنتصر بالله أبو جعفر محمد بن المتوكل على الله جعفر ابن المعتصم محمد بن الرشيد بالخوانيق وكانت خلافته سبعة أشهر وعاش ستا وعشرين سنة وأمه رومية تسمى حبشة وكان ربعة جسيما أعين أقنى بطينا مليح الصورة مهيبا وكان كامل العقل محبا للخير محسنا إلى آل على بارا بهم وقيل إن أمراء الترك خافوه فلما حم دسوا إلى طبيبه ابن طيفور ثلاثين ألف دينار ففصده بريشة مسمومة وقيل سم في كمثرى قاله في العبر وقال ابن الأهدل قيل إن أمه جاءته عائدة فبكى وقال يا أماه عاجلت أبي فعوجلت ثم أنشأ يقول


( فما فرحت نفسي بدنيا أخذتها ** ولكن إلى الملك القدير أصير )
( ومالي شيء غير أني مسلم ** بتوحيد ربي مؤمن وخبير )
وبايع الترك بعده لأحمد بن محمد بن المعتصم خوفا منهم أن يبايعوه لأحد من أولاد المتوكل فيقتلهم بأبيه وسموه المستعين انتهى ما ذكره ابن الأهدل وقال ابن الفرات قيل رأى المنتصر بالله اباه المتوكل على الله في منامه فقال له ويحك يا محمد ظللتني وقتلتني والله لامتعت بالدنيا بعدي وقد أجمعوا على أن المنتصر بالله مات مسموما وكان سبب ذلك أنه رأى باغر التركي في حفدته الأتراك فقال قتلني الله إن لم أقتلكم جميعا فبلغهم الخبر فسموه في ريشه الفاصد ومات وله من العمر خمس وعشرون سنة
وفيها محمد بن زنبور أبو صالح المكي روى عن حماد بن زيد وإسماعيل بن جعفر وكان صدوقا
وفيها محدث الكوفة أبو كريب محمد بن العلاء الهمداني الحافظ في جمادى الآخرة سمع ابن المبارك وعبد الله بن إدريس وخلائق وكان ثقة مكثرا
وفيها أبو هشام الرفاعي محمد بن يزيد الكوفي القاضي أحد أعلام القرآن قرأ على سليم بن وسمع من أبي خالد الأحمر وابن فضيل وطبقتهما وكان إماما مصنفا في القراءات ولي القضاء ببغداد قال في المغني محمد بن يزيد أبو هشام الرفاعي قال أحمد العجلي لا بأس به وقال غيره صدوق وأما البخاري فقال رأيتهم مجمعين على ضعفه وروى ابن عقده عن مطين عن ابن نمير كان يسرق الحديث انتهى

سنة تسع وأربعين ومائين

فيها توفي الحسن بن الصباح الإمام أبو علي البزار سمع سفيان بن عيينة وأبا معاوية وطبقتهما وكان أحمد بن حنبل يرفع قدره وبجله ويحترمه وروى عنه البخاري وقال البخاري وقال أبو حاتم صدوق كانت له جلالة عجيبة ببغداد رحمه الله تعالى


والبزار بالراء آخره لعله منسوب إلى بيع البزر وكذلك محمد بن السكن البزار وبشر بن ثابت البزار وخلف بن هشام البزار المقرى وكل من في البخاري ومسلم سوى هؤلاء الأربعة فهو البزاز بزايين
وفيها رجاء بن مرجاء أبو محمد السمرقندي الحافظ ببغداد روى عن النضر ابن شميل فمن بعده قال الخطيب كان ثقة ثبتا إماما في الحفظ والمعرفة
وعبد بن حميد الحافظ أبو محمد الكشي صاحب المسند والتفسير واسمه عبد الحميد فخفف سمع يزيد بن هارون وابن أبي فديك وطبقتهما وكان ثقة ثبتا
وفيها أبو حفص عمرو بن علي الباهلي البصرى الصيرفي الفلاس الحافظ أحد الأعلام سمع معتمر بن سليمان وطبقته وصنف وعنى بهذا الشأن قال النسائي ثقة حافظ وقال أبو زرعة ذاك من فرسان الحديث وقال أبو حاتم كان أوثق من على بن المديني
وفيها محمد بن عبد الله بن عبد الرحيم بن سعية بن أبي زرعة الزهري مولاهم المصري أبو عبيد الله بن البرقي حدث عنه أبو داود والنسائي وغيرهما وهو صاحب كتاب الضعفاء قاله ابن ناصر الدين

سنة خمسين ومائتين

فيها توفي العلامة أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن السرح المصري الفقيه مولى بني أمية روى عن ابن عيينة وابن وهب وشرح الموطأ وروى عنه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه وغيرهم
وفيها أبو الحسن أحمد بن محمد البزي المقرىء مؤذن المسجد الحرام وشيخ الإقراء ولد سنة سبعين ومائة وقرأ على عكرمة بن سليمان وأبى الأخريط وقرأ عليه جماعة وكان لين الحديث حجة في القرآن قال الذهبي في المغني أحمد بن محمد ابن عبد الله البزي مقرىء مكة ثقة في القراءة وأما في الحديث فقال أبو جعفر

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21