كتاب :شذرات الذهب في أخبار من ذهب
المؤلف:عبد الحي بن أحمد بن محمد العكري الحنبلي

من شاسع البلاد وضربت إليه آباط الابل من كل ناد وعقدت عليه الخناصر وتلمذت له الأكابر وحج وزار القبر الشريف فاجتمع بفضلاء الحرمين ودرس فيهما واشتغل بالافتاء من وفاة شيخه أبي العباس الطنبذاوي وذلك سنة ثمان وأربعين وتسعمائة وكان من الفقر على جانب عظيم بحيث كان كما أخبر عن نفسه يصبح وليس عنده قوت يومه حتى اتفق أن زوجته وضعت وليس عنده شيء حتى عجز عن المصباح وباتوا كذلك وفي سنة أربع وستين نزل في عينيه ماء فكف بصره فاحتسب ورضي وقال مرحبا بموهبة الله وجاءه قداح فقال له أنا أصلح بصرك وقال بعض أهل الثروة وأنا أنفق عليك وعلى عيالك مدة ذلك فامتنع وقال شيء ألبسنيه الله لا أتسبب في إبطاله ومع ذلك كان على عادته من التدريس والافتاء والتصنيف ومن مصنفاته اثبات رفع اليدين عند الاحرام والركوع والاعتدال والقيام من الركعتين وكتاب فتح المبين في أحكام تبرع المدين والمقالة الناصة على صحة ما في الفتح والذيل والخلاصة وهذه الكتب الثلاثة صنفها بسبب ما وقع بينه وبين ابن حجر في عدم بطلان تبرع المدين وله كتاب النخبة في الأخوة والصحبة والأدلة الواضحة في الجهر بالبسملة وأنها من الفاتحة وهو كتاب مشتمل على مناقب الأئمة الأربعة والتقليد وأحكام رخص الشريعة وله كتاب إقامة البرهان على كمية التراويح في رمضان وكشف الغمة عن حكم المقبوض عما في الذمة وكون الملك فيه موقوفا عند الأئمة ومزيل العناء في أحكام الغناء وسمط اللآل في كتب الأعمال وكشف النقاب عن أحكام المحراب وله غير ذلك مما لا يعد كثرة وتوفي بزبيد ليلة الأحد حادي عشر رجب قاله في النور
وفيها عز الدين أبو نصر عبد السلام بن شيخ الإسلام وجيه الدين عبد الرحمن بن عبد الكريم بن زياد اليمني الشافعي ولد سنة ثلاث وأربعين

وتسعمائة ونشأ في حجر والده وتغذى بدر علومه وفوائده وقرت به عينه وتفقه بوالده كثيرا ورأس على الأكابر صغيرا ودرس وأفتى في حياة أبيه وصنف مصنفات لا يستغني عنها فقيه وكتب معاصرو أبيه على فتاويه وانفرد بعد والده بالافتاء مع زحمة البلد بأئمة شتى وكان من الولاية والعلم على جانب عظيم ومن مصنفاته شرح على مولد السيد حسين بن الأهدل وشرح لوداع ابن الجوزي مات عنهما مسودتين وتشنيف الأسماع بحكم الحركة في الذكر والسماع والقول النافع القويم لمن كان ذا قلب سليم والتحرير الواضح الأكمل في حكم الماء المطلق والمستعمل والمطالع الشمسية وبالجملة فإنه كان مفتي الأنام وعلامة الأعلام توفي في ثاني عشر شوال قاله في النور أيضا
وفيها علي المتقي بن حسام الدين الهندي ثم المكي كان من العلماء العاملين وعباد الله الصالحين على جانب عظيم من الورع والتقوى والاجتهاد في العبادة ورفض السوى وله مصنفات عديدة وكرامات كثيرة وتوفي بمكة المشرفة بعد مجاورته بها مدة طويلة
وفيها الشيخ محمد بن خليل بن قيصر القبيباتي الحنبلي الصوفي الفاضل الصالح المعتقد توفي في هذه السنة وقد جاوز المائة رحمه الله تعالى
وفيها المولى محمد بن عبد الوهاب بن عبد الكريم الشهير بعبد الكريم زادة الحنفي الإمام العلامة قال في العقد المنظوم كان جده عبد الكريم قاضيا بالعسكر في دولة السلطان محمد خان وولي أبوه عبد الوهاب الدفتردارية في عهد السلطان سليم خان ونشأ هو غائصا في بحار العلوم ولجج المعارف طالبا لدرر الفضائل واللطائف واشتغل على إسرافيل زادة وجوى زادة وابن كمال باشا والمولى أبي السعود وغيرهم وتبحر وتمهر وفاق أقرانه وطار صيته في الآفاق وجمع أشتات العلوم وتنقل في المدارس على عادة أمثاله إلى أن صار طودا من المعارف نحوا وعربية وأدبا وفقها وغير ذلك حلو المفاكهة

طيب المعاشرة وكان من عادته أن لا يكتب بالقلم الذي يكتب به اسم الله تعالى ولا ينام ولا يضطجع في بيت كتبه تعظيما للعلم ومن تصانيفه عدة مقامات على منوال الحريري وحاشية على تفسير البيضاوي من أوله إلى سورة طه وحواش على حاشية المولى جلال الدين الدواني للتجريد وكتب أشياء أخر إلا أنها لم تظهر بعد موته وكان ينظم بعدة لغات نظما جيدا منه
( كفاني كفاف النفس ما أنا قاصد ** إلى دولة فيها الأنام خصام )
( فهل هي إلا نحو طيف لناعس ** وهل هي إلا ما يراه نيام )
( فياعجبا للمرء يعقد قلبه ** على شهوات صرمهن لزام )
( ولله صعلوك قنوع بحظه ** وما معه عند اللئام لوام )
( قناعته أغنته عن كل حاجة ** فذاك أمير والزمان غلام )
وتوفي في سابع عشرى رمضان
وفيها القاضي أبو الفتح محمد بن محمد بن عبد السلام بن أحمد الربعي التونسي الخروبي لإقامته باقليم الخروب بدمشق نزيل دمشق المالكي الإمام العلامة المفنن قال في الكواكب ولد ليلة الإثنين غرة شهر ربيع الأول سنة إحدى وتسعمائة ودخل دمشق قديما وهو شاب فكان يتردد إلى ضريح الشيخ محي الدين بن عربي وأخذ عن شيخ الإسلام الوالد وكان فقيها أصوليا يفتي الناس على مذهبه وفتاويه مقبولة وله حرمة ووجاهة وكان علامة في النحو والصرف والمعاني والبيان والبديع والعروض والمنطق وأكثر العلوم العقلية والنقلية وكان له الباع الطويل في الأدب ونقد الشعر وشعره في غاية الحسن إلا أنه كان متكيفا يأكل البرش والأفيون لا يكاد يصحو منه وربما قرأ الناس عليه في علوم شتى وهو يسرد فإذا فرغ القارىء من قراءته المقالة فتح عينيه وقرر العبارة أحسن تقرير وكان على مذهب الشعراء من التظاهر بمحبة الاشكال والصور الحسنة حتى رمي واتهم وكان هجاءا يتفق

له النكات في هجائه وفي شعره ولو على نفسه وكان يقع في حق العلماء والأكابر وإذا وصله من أحدهم نوال مدحه وأثنى عليه وكانوا يخافون من لسانه وولي نيابة القضاء بالمحكمة الكبرى زمانا طويلا مع الوظائف الدينية وحمل عنه الناس العلم وانتفعوا به وأنبل من تخرج به في الشعر والعربية العلامة درويش ابن طالو مفتي الحنفية بدمشق انتهى ملخصا ومن شعره مؤرخا عمارة الحمام الذي بناه مصطفى باشا تحت قلعة دمشق
( لما كملت عمارة الحمام ** وازداد به حسن دمشق الشام )
( قالت طربا وأرخت منشدة ** حمامك أصل راحة الأجسام )
ومنه مواليا موجها بأسماء الكواكب السبعة
( كم صدغ عقرب على مريخ خدك دب ** وقوس حاجبك دايم مشتريه الصب )
( وكم أسد شمس حسنك يا قمر قد حب ** والعاذل الثور في زهرة جمالك سب )
وتوفي قاضيا في غرة شوال ودفن بمقبرة باب الفراديس وكانت له جنازة مشهودة حمل بها مصطفى باشا الوزير وهو إذ ذاك متولي الشام ورثاه بعض أدباء عصره مؤرخا وفاته فقال
( مذ عالم الدنيا قضى نحبه ** منتقلا نحو جوار الاله )
( فأغلق الفضل له بابه ** مؤرخا مات أبو الفتح آه )

سنة ست وسبعين وتسعمائة

فيها توفي عبد العزيز الزمزمي المكي الإمام العلامة قال في النور ولد سنة تسعمائة وكان من علماء مكة وفضلائها وأكابرها ورؤسائها وله النظم البديع الرائق منه قوله في قصيدته المسماة بالفتح المبين في مدح سيد المرسلين
( فاز بالرفع مغلق لك وشى ** كيف ترقى وافحم الشعراء )
( ونخفض الجنان جوزي منشى ** ذكر الملتقى جزاءا وفاءا )


( جئت من بعدذا وذاك أخيرا ** فلهذا نظمي على الفتح جاء )
وكان له جاريتان إحداهما اسمها غزال والأخرى دام السرور فاتفق أنه باعهما ثم ندم على ذلك فقال
( بجاريتي كنت قرير عين ** وأفق مسرتي بهما منير )
( فنفر صرف أيامي غزالي ** فلا دامت ولا دام السرور )
وله غير ذلك مما لا يحصى وكان من أجلاء عصره رحمه الله تعالى انتهى
وفيها مصلح الدين المشتهر بالدرزاداة الحنفي والإمام العلامة قال في العقد المنظوم قرأ على أفاضل عصره منهم محي الدين قطب الدين زادة وصار ملازما من المولى خير الدين معلم السلطان سليمان ثم تنقل في المدارس إلى أن قلد قضاء المدينة المنورة ويحكى أنه لما دخل الحرم أعتق مماليكه واجتهد في أداء مناسك الحج وكان صاحب يد في العلوم سهل القياد صحيح الاعتقاد سمحا جوادا إلا أن فيه خصلة ابن حزم الذي قيل فيه لسان ابن حزم وسيف الحجاج شقيقان وعلق حواشي في أثناء دروسه على بعض المواضع من شرح المفتاح للشريف الجرجاني وتوفي بعد أن تمم أعمال حجة بمكة المشرفة ودفن بالبقيع انتهى وفيها القاضي كمال الدين محمد بن القاضي شهاب الدين أحمد بن يوسف بن أبي بكر الزبيري الصفدي ثم الدمشقي الحنفي الشهير بابن الحمراوي قال في الكواكب قال والدي حضر كثيرا من دروسي وذكر أن مولده سنة تسع وتسعمائة وتولى وظائف متعددة كنظر النظار ونظر الجامع الأموي والحرمين الشريفين وكان الحرب بينه وبين السيد تاج الدين وولده محمد قائمة وكان هو المؤيد عليهما وكان من رؤساء دمشق وأعيانها المعدودين جوادا له في كل يوم أول النهار وآخره مائدة توضع بألوان الأطعمة المفتخرة وكان ذا مهابة وحشمة ووجاهة لا ترد شفاعته في قليل ولا كثير وكان ينفع الناس بجاهه ويكرم القادمين إلى دمشق من أعيان

أهل البلاد ويتردد إليه الفضلاء والأعيان وكان باب الخضر الذي يمر منه إلى الطواقية ضيقا فوسعه من ماله وللشعراء فيه مدائح طنانة وتوفي نهار الاثنين رابع عشر ربيع الأول ودفن بباب الصغير

سنة سبع وسبعين وتسعمائة

فيها كما قال في النور توفي السلطان بدر بن السلطان عبد الله بن السلطان جعفر الكثيري سلطان حضرموت ولد سنة اثنتين وتسعمائة وولي السلطنة وهو شاب وطالت مدته وحسنت سيرته وكان جميل الأخلاق جوادا وافر العقل جميل الصورة كان كاسمه بدرا منيرا مقداما هزبرا محظوظا جدا بحيث لا يقصد بابا مغلقا إلا انفتح ولا يتقدم على أمر مهم إلا اتضح وتوفي في آخر شعبان بعد أن قبض عليه ولده السلطان عبد الله وحجر عليه حتى مات وتولى بعده وفيها زين الدين عبد الرحمن بن محمد بن عبد السلام بن أحمد البتروني ثم الطرابلسي ثم الحلبي الشافعي ثم الحنفي الإمام العلامة الصوفي واعظ حلب ووالد مفتيها الشيخ أبي الجود قرأ على الشيخ علوان الحموي وغيره من علماء عصره وجد واجتهد فبلغ ما قصد ونظم تصريف الزنجاني في أرجوزة وشرح الجزرية وكتب على تائية ابن حبيب تعليقة استمد فيها من شرح شيخه الشيخ علوان
وفيها محي الدين يحيى بن عبد القادر بن محمد النعيمي الشافعي الفقيه المحدث الإمام العلامة ولد سنة اثنتين وتسعمائة وأخذ عن والده وغيره وعنى بالحديث أتم عناية وبرع في الفقه وغيره وأخذ عنه الشيخ شمس الدين الميداني وغيره وكان من محاسن الدنيا رحمه الله تعالى
وفيها شمس الدين محمد بن عبد الوهاب الأبار الدمشقي العاتكي الشافعي الخطيب التبريزي الشيخ الإمام العالم الصالح كان من العلماء العاملين والورثة

الكاملين والجلة المتعبدين رحمه الله تعالى وفيها شمس الدين محمد بن محمد الشربيني القاهري الشافعي الخطيب الإمام العلامة قال في الكواكب أخذ عن الشيخ أحمد البرلسي الملقب عميرة والنور المحلى والنور الطهواني والشمس محمد بن عبد الرحمن بن خليل النشكي الكردي والبدر المشهدي والشهاب الرملي والشيخ ناصر الدين الطبلاوي وغيرهم وأجازوه بالافتاء والتدريس فدرس وأفتى في حياة أشياخه وانتفع به خلائق لا يحصون وأجمع أهل مصر على صلاحه ووصفوه بالعلم والعمل والزهد والورع وكثرة النسك والعبادة وشرح كتاب المنهاج والتنبيه شرحين عظيمين جمع فيهما تحريرات أشياخه بعد القاضي زكريا وأقبل الناس على قراءتهما وكتابتهما في حياته وله على الغاية شرح مطول حافل وكان من عادته أن يعتكف من أول رمضان فلا يخرج من الجامع إلا بعد صلاة العيد وكان إذا حج لا يركب إلا بعد تعب شديد وإذا خرج من بركة الحاج لم يزل يعلم الناس المناسك وآداب السفر ويحثهم على الصلاة ويعلمهم كيف القصر والجمع وكان يكثر من تلاوة القرآن في الطريق وغيره وإذا كان بمكة أكثر من الطواف ومع ذلك فكان يصوم بمكة والسفر أكثر أيامه ويؤثر على نفسه وكان يؤثر الخمول ولا يكترث بأشغال الدنيا وبالجملة كان آية من آيات الله تعالى وحجة من حججه على خلقه وتوفي بعد عصر يوم الخميس ثاني شعبان سنة سبع وسبعين وتسعمائة وهي سنة ميلادي انتهى ملخصا
وفيها شمس الدين محمد بن مسلم بتشديد اللام المفتوحة المغربي التونسي الحصيني نسبة إلى حصين مصغرا طائفة من عرب المغرب المالكي ثم الحنفي نزيل حلب كان إماما عالما صالحا توفي بحلب في هذه السنة
وفيها المولى مصلح الدين المشتهر بمعلم السلطان جهانكير قال في ذيل الشقائق طلب العلوم وشمر عن ساق الاجتهاد وأخذ عن جوى زادة والمولى

عبد الواسع وصار ملازما منه ثم تنقلت به الأحوال إلى أن صار معلم السلطان جهانكير بن سليمان خان واستمر على تعليمه إلى أن توفي فلم تطل مدة المترجم أيضا وكان عالما عاملا ورعا دينا سريع الفهم قوي الذهن حسن الأخلاق وتوفي في المحرم انتهى
وفيها المولى مصلح الدين الشهير ببستان الحنفي قال في العقد المنظوم ولد بقصبة نيرة سنة أربع وتسعمائة وطلب العلم ورحل في الطلب وأخذ عن علماء عصره كالمولى محي الدين الفناري والمولى شجاع وابن كمال باشا وتخرج به وصار ملازما من المولى خير الدين معلم السلطان سليمان ثم تنقل في المدارس وقضاء القصبات إلى أن قلد قضاء برسة ثم قضاء أدرنة ثم قضاء قسطنطينية ثم قضاء عسكر أناضول ثم بعد عشرة أيام قضاء روم ايلي لموت جوى زادة فاستقر فيه خمس سنين ثم عزل وعين له مائة وخمسون درهما كل يوم وكان من أكابر العلماء وفحول الفضلاء إذا باحث أقام للأعجاز برهانا وأصمت البابا وأذهانا وكان المشاهير من كبار التفاسير مركوزة في صحيفة خاطره وأما العلوم العقلية فاليه فيها المنتهى وكتب حاشية على تفسير البيضاوي لسورة الأنعام ثم سلك مسلك الزهد والصلاح وكان يحفظ القرآن العظيم ويختمه في صلاته كل أسبوع وتوفي في العشر الأخير من شهر رمضان ودفن بقر بزاوية السيد البخاري خارج قسطنطينية

سنة ثمان وسبعين وتسعمائة

فيها كان ميلاد صاحب النور السافر في أعيان القرن العاشر في عشية يوم الخميس لعشرين خلت من شهر ربيع الأول كما قاله في نوره
وفيها توفي المولى أحمد بن عبد الله المعروف بفوري أفندي مفتي الحنفية بدمشق الشام قال في الكواكب كان من العلماء البارعين والفضلاء المحققين ولي تدريس السليمانية بدمشق والافتاء بها وعمل درسا عاما استدعى له العلماء

وكتب إلى شيخ الإسلام الوالد يستدعيه إليه وكان الشيخ مريضا مدة طويلة فكتب يعتذر إليه
( حضوري عند مولاي منائي ** ولكن الضرورة لا تساعد )
( لضعف ليس يمكنني ركوب ** ولا مشى يقارب أو يباعد )
( وأشهر علتي لا شك عشر ** تعذر إن أرى فيهن قاعد )
( وأحسن حالتي ذا الحين مشى ** يكون به المعاون والمساعد )
( ولولا ذاك مولانا قعدنا ** لسمع دروسك العليا مقاعد )
( بقيت مدى الزمان فريدعصر ** إلى أعلى المراتب أنت صاعد )
وكانت وفاة المفتي يوم الثلاثاء ختام شوال ودفن بتربة باب الصغير بالقلندرية رحمه الله تعالى وفيها رحمة الله قاضي بن عبد الله السندي الحنفي نزيل مكة قال في الكواكب كان عاملا فاضلا له رسالة سماها غاية التحقيق ونهاية التدقيق في مسائل ابتلى بها أهل الحرمين الشريفين انتهى
وفيها الشيخ محمد بن محمد بن عبد الرحيم بن عبد الله المعروف بالزغبي الشيخ الصالح المجذوب قال في الكواكب كان سمينا طويل اللحية له شيبة بيضاء وكان له ذوق ونكت ولطائف على لسان القوم واشارات الصوفية وكان قد صحب في طريق الله جماعة منهم الشيخ عمر العقيبي وحدثني بعض اخواننا الصالحين قال كنت مرة مع الزغبي بقرية برزة بالمقام فسألته بماذا أعطى ما أعطى قال فقال لي مالك بهذا السؤال فقلت لا بد أن تخبرني فقال يا ولدي ما نلت هذه الرتبة حتى سحت في البرية أربع عشرة سنة وحكى لي أنه في بدء أمره وحال تجرده وقف على جبل الربوة المعروف بالمنشار فوثب منه إلى جبل المزة وأنا أنظر وكان الزغبي يحب أن يشرب الماء عن الرماد ويصفه لكل من شكا إليه مرضا أي مرض كان وكان يقول هو الصفوة وكان منزله بمحلة القيمرية ومر يوما على دكان جزار بمحلة القيمرية

فوجد الشيخ شهاب الدين الطيبي واقفا على الجزار فقال الزغبي للجزار يا معلم توص من هذا الشيخ فإنه يتصرف من الألوف من الناس ويطاوعونه ولا يتجرأ أحد على مخالفته إن طأطأ رأسه طأطؤوا معه وإن رفع رأسه رفعوا معه قال وسأله بعض الناس عن أسفار زوجته فقال { والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا } الآية وكانت وفاة زوجته قبله في سنة سبع وسبعين بقرية حرستا ودفنت هناك ولما توفيت قال تقدمتنا الحجة واتسعنا لحزنها ولو تقدمناها ما وسعت حزننا ومر قبل موته بنحو سنة بالمكان الذي هو مدفون فيه الآن فقال لا إله إلا الله ان لنا هنا حبسة طويلة فلما توفي دفن هناك قريبا من الشيخ أبي بكر بن قوام وقبره مشهور يزار وعليه قبة حسنة وقيل أن يوم موته وافق فتح قبرس انتهى باختصار

سنة تسع وسبعين وتسعمائة

فيها توفي الفقيه بافضل حسين بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الشافعي الحضرمي قال في النور كان من أكمل المشايخ العارفين الجامعين بين علوم الشريعة وسلوك الطريقة وشهود الحقيقة صاحب أحوال سنية ومقامات عليه وفراسات صادقة وكرامات خارقة وله في التصوف رسالة سماها الفصول الفتحية والنفثات الروحية فيما يوجب الجمعية وعدم البراح من الحق والفناء والبقاء به بالكلية والجزئية وتوفي بتريم رحمه الله ورضي عنه
وفيها الشيخ رمضان المعروف ببهشتي كان من قصبة ديزه فخرج منها لطلب العلم واتصل بمجالس الأعلام فقرأ على المولى محمد الشهير بمرحبا ثم اتصل بخدمة المولى سعد الله ثم حببت إليه العزلة والقناعة ورغب عن قبول المناصب واختار خطابة جامع أحمد باشا في قصبة جورلي وأكب على الاشتغال والاشغال وانتفع به الطلبة وهرعوا إليه وكتب في أثناء دروسه حاشية لطيفة على حواشي الخيالي وعلى شرح المسعود الرومي في آداب البحث وحواشي

على بعض المواضع من شرح المفتاح للشريف وكان عالما فاضلا مدققا لطيف الطبع حسن الصحبة حلو المحاورة ينظم الشعر التركي أبلغ نظام فاتسم فيه ببهشتي على عادتهم وتوفي في القصبة المزبورة وفيها المولى خواجه عطاء الله معلم السلطان سليم خان بن السلطان سليمان خان قال في ذيل الشقائق نشأ بقصبة بركى من ولاية ايدين صارفا لرائج عمره في احراز العلوم والمعارف بحيث لا يلويه عن تحصيلها عائق ولا صارف وقرأ على ابن كمال باشا والمولى أبي السعود المفتي وسعد الله محشي تفسير البيضاوي وهو قاض بقسطنطينية ثم صار ملازما بطريق الاعادة من اسرافيل زادة ثم تنقل في المدارس ثم عين لتعليم السلطان سليم خان وهو يومئذ أمير بلواء مغنيسا ولما وصلت السلطنة إلى مخدومه علت كلمته وارتفعت رتبته واستقام أمره واشتعل جمره فبالغ في اكرامه وأفرط في اعظامه وكان يدعوه إلى داره العامرة فيجتمع به ثم قدم صغار طلبته على المشايخ الكبار وقلدهم المناصب الجليلة في الأزمنه القليلة فضج الناس عليه بالدعاء وكان عالما فاضلا ورعا دينا قوي الطبع صحيح الفكر إلا أن فيه التعصب الزائد وكتب رسالة تشتمل على خمسة فنون الحديث والفقه والمعاني والكلام والحكمة وتوفي في أوائل صفر بقسطنطينية وصلى عليه المولى أبو السعود المفتي
وفيها المولى علي قال في الكواكب ابن اسرافيل وقال في العقد المنظوم ابن محمد الشهير بقنالي زادة ولد سنة ثمان عشرة وتسعمائة في قصبة أسبارتة من لواء حميد وكان أبوه من قضاة بعض القصبات ثم اشتغل المترجم بالعلوم فقرأ على المولى محي الدين المشتهر بالمعلول والمولى سنان الدين محشى تفسير البيضاوي والمولى محي الدين المشتهر بمرحبا ثم صار معيدا لدرس المولى صالح الأسود وعلى جوى زادة ولازمه وصار ملازما من المولى محي الدين الفناري ثم عمل رسالة حقق فيها بحث نفس الأمر وعرضها على أبي السعود افندي وهو

يومئذ قاضي روم ايلي فقلده المدرسة الحسامية بادرنة بعشرين ثم تنقل في المدارس إلى أن قلد قضاء دمشق ثم القاهرة ثم بروسه ثم ادرنة ثم قسطنطينية ثم قضاء عسكر أناضولي وكان رحمه الله تعالى إماما عالما بليغا واسع المعرفة كثير الافتنان جاريا في مجاري المعارف بغير عنان اخترع الكثير من المعاني وولد وقلد جيد الزمان من منثوره ومنظومه ما قلد فمن نظمه
( أرى من صدغك المعوج دالا ** ولكن نقطت من مسك خالك )
( فصارت داله بالنقط ذالا ** فها أنا هالك من أجل ذلك )
ومنه
( لهيب نار الهوى من أين جاء إلى ** أحشاك حتى رأينا القلب وهاجا )
( وما دروا أنه من سحر مقلته ** ألفى سبيلا إلى قلبي ومنهاجا )
ومنه
( أنفق فإن الله كافل عبده ** فالرزق في اليوم الجديد جديد )
( المال يكثر كلما أنفقته ** كالبير ينزح ماؤها فيزيد )
ومن نثره قوله في رسالة قلمية مد باعه في العلوم وقده قيد شبر حبر باهر إذا رأيت آثاره تقول أحسن بهذا الخبر قادر على تحرير العلوم وتحبيره يتكلم ويدر على الكافور عبيرا فياحسن تعبيره إذا شكل رفع الاشكال وإذا قيد أطلق العقول من العقال طورا يجلس على الدست مثل الكرام الصيد وطورا يبيت على المجرة باسطا ذراعيه بالوصيد يتنزه في مراتع الطرب ويتبختر في غلايل القصب إذا شط داره نشط عنه مزاره فهو يبكي كالغمام وينوح كالحمام يذكر لذاته وأترابه ويحن إلى أول أرض مس جلد ترابه على منبر الأنامل خطيب مصقع ألف تراه تارة في الدواة وطورا على الاصبع يقوم في خدمة الناس وإذا قلت له أجر يقول على الرأس يتعيش بكسب يمينه ويقتات من عرق جبينه لفظوا باسمه فصيحا وهو محرف أرادوا أن يصحفوه فلم يصحف ميزاب عين الحكمة عنه نابعة مقياس بمصر العلم يعتبرون أصابعه أخرس ولكن

لسانه قارىء يتكلم بعد ما قطع رأسه وهو حكمة الباري مداح لكنه لا يفارقه الهجا سترطرة صبح تحت أذيال الدجى وله رسالة سيفية طنانة وأشعار فارسية وغيرها وكان أعجوبة من الأعاجيب وتوفي رحمه الله شهيدا في سابع شهر رمضان بمدينة أدرنة وذلك أنه سافر مع السلطان إلى أدرنة وكان مبتلى بعرق النسا فاشتد ألمه بالحركة وشدة البرد فعالجه بعض المتطببة ودهنه بدهن فيه بعض السموم ثم أعقبه بالطلاء بدهن النفط فوصل السم إلى باطنة فكان سبب موته
وفي حدودها الإمام العلامة تقي الدين أحمد بن شهاب الدين الفتوحي صاحب المنتهى قال الشعراوي في ذيله على طبقاته ومنهم سيدنا ومولانا الشيخ الإمام العلامة الشيخ تقي الدين ولد شيخنا شيخ الإسلام الشيخ شهاب الدين الشهير بابن النجار صحبته أربعين سنة فما رأيت عليه ما يشينه في دينه بل نشأ في عفة وصيانة ودين وعلم وأدب وديانة أخذ العلم عن والده شيخ الإسلام المذكور وعن جماعة من أرباب المذاهب المخالفة وتبحر في العلوم حتى انتهت إليه الرياسة في مذهبه وأجمع الناس أنه إذا انتقل إلى رحمة الله تعالى مات بذلك فقه الإمام أحمد من مصر وسمعت القول مرارا من شيخنا الشيخ شهاب الدين الرملي وما سمعته قط يستغيب أحدا من أقرانه ولا غيرهم ولا حسد أحدا على شيء من أمور الدنيا ولا تزاحم عليها وولي القضاء بسؤال جميع أهل مصر فأشار عليه بعض العلماء بالولاية وقال يتعين عليك كذلك فأجاب مصلحة للمسلمين وما رأيت أحدا أحلى منطقا منه ولا أكثر أدبا مع جليسه حتى يود أنه لا يفارقه ليلا ولا نهارا وبالجملة فأوصافه الجميلة تجل عن تصنيفي فأسأل الله أن يزيده من فضله علما وعملا وورعا إلى أن يلقاه وهو عنه راض آمين اللهم آمين انتهى وفيها يعقوب أفندي الكرماني الحنفي الإمام العالم الزاهد الناسك ولد ببلدة شيخلو وكان أبوه من الأجناد العثمانية ورغب هو في العلم وأهله فجد واجتهد وأخذ عن علماء عصره ثم

رأى صورة المحشر في المنام وشاهد فيه شدائد الساعة وأهوال القيام فلما استيقظ سلك طريق الصوفية فاختار سلوك منهج الخلوتية فأخذ ذلك عن مصلح الدين المشتهر بمركز أنف وصار خليفة من خلفائه إلى أن فوض إليه مشيخة زاوية مصطفى باشا بقسطنطينية فسلك بها أحسن الطرق مع العلم والدين والوعظ والتذكير والتفسير وانتفع به الناس إلى أن توفي في ذي القعدة

سنة ثمانين وتسعمائة

فيها كما قال في النور أخذ السلطان أكبر بن همايون كجرات وهو من ذرية تيمورلنك بينه وبينه أربعة آباء وكان عظيم الشأن ورزق السعد وطالت أيامه واتسع ملكه جدا وكان عادلا إلا أنه كان يميل إلى الكفرة ويستصوب أقوالهم ويستحسن أفعالهم وتوفي في جمادى الآخرة سنة أربع عشرة وألف وكانت مدة سلطنته خمسين سنة وتولى بعده ولده سليم شاه انتهى
وفيها توفي الشيخ بالي الخلوتي المعروف بسكران قال في العقد المنظوم نشأ في طلب العلم وتحصيل الفضائل حتى صار ملازما من المولى خير الدين معلم السلطان سليمان ودرس في عدة مدارس ثم رأى مناما كان سببا لتركه ذلك واقباله على طريق التصوف وتلقن الذكر وسلك الطريق وفوضت إليه زاوية داخل قسطنطينية فاشتغل بالارشاد والافادة وتربية المريدين وكان عالما فاضلا عابدا صالحا معرضا عن أبناء الدنيا غير مكترث بالأغنياء لم يدخل قط إلى باب أمير ولا صاحب منصب غاية في الميل إلى الخيل الجياد ويرسل بعضها إلى الغزو وصاحب جذبة عظيمة وله في تعبير الرؤيا ما يدهش وتوفي في ذي القعدة ودفن بقسطنطينية وفيها زينب بنت محمد بن محمد بن أحمد الغزي الشافعية قال في الكواكب كانت من أفاضل النساء من أهل العلم والدين والصلاح مولدها في القعدة سنة عشر وتسعمائة وقرأت على والدها

وعلى أخيها شقيقها الشيخ الوالد كثيرا وكتبت له كتبا بخطها ومدحته بقصيدة تقول فيها
( إنما العالم الذي ** جمع العلم واكتمل )
( قام فيه بحقه ** يتبع العلم بالعمل )
( سهر الليل كله ** بنشاط بلا كسل )
( فهو في الله دأبه ** أبد الدهر لم يزل )
( حاز علما بخشية ** وبدنياه ما اشتغل )
( حاسديه تعجبوا ** ليس ذا الفضل بالحيل )
( ذاك مولاه خصه ** بكمال من الأزل )
( من يرم مشبها له ** في الورى عقله اختبل )
( أو بلوغا لفضله ** فله قط ما وصل )
( فهو شيخي وسيدي ** وبه النفع قد حصل )
وشعرها في المواعظ وغيرها في غاية الرقة والمتانة اتصلت بمنلا كمال وبعده بالقاضي شهاب الدين البصروي انتهى وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن علي الغزي الأزهري الشافعي الإمام العلامة المعمر أخذ عن القاضي زكريا وغيره وكان إماما محدثا مسندا جليل القدر وافر العلم رحمه الله تعالى وفيها المولى مصلح الدين المشتهر بمعلم زادة الحنفي ينتهي نسبه إلى السلطان إبراهيم بن أدهم رضي الله عنه قرأ على سعد الله ابن عيسى بن أميرخان وتنقل في المدارس إلى أن ولي قضاء حلب ثم قضاء برسه ثم قضاء العسكر الأناضولي ثم الروم ايلي ودام فيه خمس سنين وكان بينه وبين عطاء الله معلم السلطان مصاهرة واتصال فلذا حصلت له الحظوة وعظم الشوكة ولما مات عطاء الله اغتنم أعداؤه الفرصة وسعوا به حتى عزل وكان عالما فاضلا محققا كاملا مجيدا للكتابات على الفتاوى لين الجانب مجبولا

على الكرم وحسن المعاشرة غير أن فيه طمعا زائدا وحرصا وافرا وتوفي في ربيع الأول وقد أناف على سبعين سنة ومات وهو متوض وصلى ركعتين وأخذ سبحته بيده واضطجع فخرجت روحه ودفن بفناء مسجده الذي بناه في مدينة برسه

سنة إحدى وثمانين وتسعمائة

فيها وقيل سنة تسع وسبعين وهو الصحيح توفي الشيخ شهاب الدين أحمد الطيبي الشافعي الإمام العلامة أخذ عن الكمال بن حمزة وغيره من علماء عصره وأجازوه وعنى بالحديث والقراآت فصار ممن يشار إليه فيهما بالبنان وكان إماما بجامع بني أمية علامة محدثا فاضلا عديم النظير ومن شعره عاقدا لما أخرجه أبو المظفر بن السمعاني عن الجنيد رحمه الله إنما تطلب الدنيا لثلاثة أشياء الغنى والعز والراحة فمن زهد فيها عز ومن قل سعيه فيها استراح ومن قنع فيها استغنى
( لثلاث يطلب الدنيا الفتى ** للغنى والعز أو أن يستريح )
( عزه في الزهد والقنع غنى ** وقليل السعي فيها مستريح )
وبالجملة فكان أحد مشايخ دمشق وعلمائها وصدورها رحمه الله تعالى
وفيها تقريبا شمس الدين محمد الفارضي القاهري الحنبلي الشاعر المشهور الإمام العلامة قال في الكواكب أخذ عن جماعة من علماء مصر واجتمع بشيخ الإسلام الوالد حين كان بالقاهرة سنة اثنتين وخمسين وكان بدينا سمينا فقال الوالد يداعبه
( الفارضي الحنبلي الرضى ** في النحو والشعر عديم المثيل )
( قيل ومع ذا فهو ذو خفة ** فقلت كلا بل رزين ثقيل )
واستشهد الشيخ شمس الدين العلقمي بكلامه في شرح الجامع الصغير فمن ذلك قوله في معنى ما رواه الدينوري في المجالسة والسلفي في بعض تخاريجه

محي الدين الأسكليبي وأجازه بالارشاد وجلس مدة في وطنه بالي كسرى ثم عاد إلى القسطنطينية وجلس في زاوية شيخه المذكور بعد موت المولى عبد الرحيم ابن المؤيد وكان عالما بالعلوم الشرعية والفرعية ماهرا في العلوم العقلية عارفا بالتفسير والحديث والعربية زاهدا ورعا ملازما لحدود الشريعة مراعيا لآداب الطريقة جامعا بين علوم الشرع ومعارف الحقيقة أمارا بالمعروف لا تأخذه في الله لومة لائم ومن تصانيفه شرح الأسماء الحسنى وتفسير القرآن العظيم وشرح الفقه الأكبر للإمام الأعظم جمع فيه بين طريق الكلام وطريق التصوف وله في التصوف رسائل كثيرة وحج في سنة إحدى وخمسين فدخل بلاد الشام وتوفي ببلدة قيصرية ودفن بها عند قبر الشيخ إبراهيم القيصري وهو شيخ شيخه وفيها شمس الدين محمد بن علي بن الفلوجي الدمشقي الشافعي الواعظ المقرىء أخو الشيخ أحمد القلوجي الآتي وأسن منه إلا أنه توفي شابا أخذ عن البدر الغزي والتقي القاري والسعد الذهبي وغيرهم ومكث في القاهرة سنين في الاشتغال ثم قدم دمشق يوم السبت ثاني عشرى رمضان سنة تسع وثلاثين وتسعمائة ثم شرع يعظ تحت قبة النسر بالأموي عقب صلاة الجمعة وابتدأ يوم عيد الفطر وتكلم على أول الأعراف وكان شابا ذكيا واعظا يفتي ويدرس في الشامية البرانية وأم بمقصورة الأموي شريكا للشهاب الطيبي وكان عارفا بالقراآت وتوفي بدمشق ليلة السبت سادس عشر رمضان ودفن بباب الصغير وتأسف الناس عليه

سنة ثلاث وخمسين وتسعمائة

فيها توفي الشيخ شهاب الدين أحمد بن محمد بن إبراهيم بن محمد الأنطاكي الحلبي الحنفي المعروف بابن حمارة الإمام العلامة الورع ولد بأنطاكية سنة إحدى وسبعين وثمانمائة ونشأ بها وحفظ القرآن العظيم وتخرج في صنعة

عن سفيان الثوري قال أوحى الله تعالى إلى موسى عليه الصلاة والسلام لأن تدخل يدك إلى المنكبين في فم التنين خير من أن ترفعها إلى ذي نعمة قد عالج الفقر
( ادخالك اليد في التنين تدخلها ** لمرفق منك مستعد فيقضمها )
( خير من المرء يرجى في الغنى وله ** خصاصة سبقت قد كان يسنمها )
ومن بدائع شعره
( إذا ما رأيت الله للكل فاعلا ** رأيت جميع الكائنات ملاحا )
( وإن لا ترى إلا مضاهي صنعه ** حجبت فصيرت المساء صباحا )
ومن محاسنه أيضا أنه صلى شخص إلى جانبه ذات يوم فخفف جدا فنهاه فقال أنا حنفي فقال الفارضي
( معاشر الناس جمعا حسما رسمت ** أهل الهدى والحجا من كل من نبها )
( ما حزم العلم النعمان في سند ** يوما طمأنينة أصلا ولا كرها )
( وكونها عنده ليست بواجبة ** لا يوجب الترك فيما قرر الفقها )
( فيا مصرا على تفويتها أبدا ** عد وانتبه رحم الله الذي انتبها )
انتهى ملخصا وأخذ عن الفارضي كثير من الاجلاء منهم العلامة شمس الدين محمد المقدسي العلمي مدرس القصاعية بدمشق وأنشد له وذكر أن القاضي البيضاوي خطأ من أدغم الراء في اللام ونسبه إلى أبي عمرو
( أنكر بعض الورى على من ** تدغم في اللام عنه راء )
( ولا نخطى أبا شعيب ** والله يغفر لمن يشاء )
وله
( ألا خذ حكمة مني ** وخل القيل والقالا )
( فساد الدين والدنيا ** قبول الحاكم المالا )
وقال يرثي الشيخ مغوش التونسي لما مات بمصر
( تقضي التونسي فقلت بيتا ** يروح كل ذي شجن ويونس )


( أتوحشنا وتؤنس بطن لحد ** ولكن مثل ما أوحشت تونس )
وفيها تقريبا أيضا قال في الكواكب ما لفظه محمد بن عبد الله بن علي الشيخ العلامة الشنشوري المصري الشافعي مولده تقريبا سنة ثمان وثمانين وثمانمائة وأخذ عن الجلال السيوطي والقاضي زكريا والديمي والقلقشندي والسعد الذهبي والكمال الطويل والنور المحلى وله مؤلفات في الفرائض وغيرها وأجاز ابن كسباي في ربيع الثاني سنة ثمانين وتسعمائة وقال ولده الشيخ عبد الله شارح الترتيب في اجازة ذكر فيها مشايخه ومن مشايخي الشيخ العلامة والدي الشيخ بهاء الدين محمد بن الشيخ الصالح عبد الله بن الشيخ المسلك نور الدين علي الشنشوري الشافعي وتوفي والدي سابع عشر الحجة الحرام سنة ثلاث وثمانين وتسعمائة وله من العمر تسع وتسعون سنة انتهى ومن خطه نقلت
وفيها المولى علي بن عبد العزيز المشتهر بأم ولد زادة قال في العقد المنظوم صار ملازما من المولى محي الدين الفناري وتنقل في المدارس وقاسى فقرا شديدا أيام طلبه إلى أن ولي قضاء حلب فلم يكمل سنة حتى توفي وكان عالما أديبا وفاضلا لبيبا مبرزا على أقرانه حائزا قصبات السبق في ميادين العلوم وله رسائل أنيقة وألفاظ رشيقة ومن شعره القصيدة الميمية الطنانة التي أولها
( أبا لصد تحلو عشرة وتدام ** وفي القلب من نار الغرام ضرام )
( شربت بذكر العامرية قهوة ** فسكرى إلى يوم القيام مدام )
وهي طويلة انتهى ملخصا

سنة اثنتين وثمانين وتسعمائة

فيها عمر درويش باشا الوزير جامعا بدمشق المحروسة فجعل له مامية تاريخا فقال
( في دولة السلطان بالعدل مراد ** من قام بالفرض وأحيا السنه )


( درويش باشا قد أقام معبدا ** وكم له أجر به ومنه )
( بناه خير جامع تاريخه ** لله فاسجد واقترب بجنه )
وفيها توفي السلطان الأعظم سليم بن سليمان قال في الأعلام مولده الشريف سنة تسع وعشرين وتسعمائة وجلوسه على تخت ملكه الشريف بالقسطنطينية العظمى في يوم الاثنين لتسع مضين من ربيع الآخر سنة أربع وسبعين وتسعمائة ومدة سلطنته الشريفة تسع سنين وسنه حين تسلطن ست وأربعون سنة وعمره كله ثلاث وخمسون سنة وكان سلطانا كريما رؤفا بالرعية رحيما عفوا عن الجرائم حليما محبا للعلماء والصلحاء محسنا إلى المشايخ والفقراء طالما طافت بكفيه الآمال واعتمرت وصدع بأوامره الليالي والأيام فائتمرت كم أظهرت لسواد الكفرة يد صارمة البيضاء آية للناظرين وكم جهز جيوشا للجهاد في سبيل الله فقطع دابر القوم الكافرين فمن أكبر غزواته فتح جزيرة قبرس بسيف الجهاد ومنها فتح تونس المغرب وحلق الواد ومنها فتح ممالك اليمن واسترجاعها من العصاة البغاة أهل الإلحاد ومن خيراته تضعيف صدقة الحب على أهل الحرمين والأمر ببناء المسجد الحرام وتوفي لسبع مضين من شهر رمضان ودفن بقرب أياصوفيا وتولى بعده ولده السلطان مراد ولماميه الروم في تاريخ جلوسه
( بالبخت فوق التخت أصبح جالسا ** ملك به رحم الاله عباده )
( وبه سرير الملك سر فارخوا ** حاز الزمان من السرور مراده )
وفيها الياس القرماني الطبيب الحنفي قال في العقد المنظوم ولد بولاية قرمان ثم خرج من بلاده لطلب العلم بعد ما بلغ الحنث وتنقل في البلدان حتى وصل إلى خدمة الحكيم اسحق وحصل عنده بعض العلوم سيما الطب وفتح حانوتا في بعض الأسواق وتكسب بالطب وبيع المعاجين والأشربة ثم فرغ عن الحانوت وشمر عن ساق الاجتهاد وبعد ما ظهر فيه الشيب وتقيد بأخي زاده

وحصل عليه كثيرا من العلوم هذا مع العائلة والاحتياج إلى أن برع وفاق أقرانه وكان من العلماء العاملين مع كمال الورع والتصلب في الدين آية في الزهد والتقوى متبحرا في الفنون الشرعية والنقلية مشاركا في العلوم العقلية وكان يفسر القرآن العظيم وينتفع به الناس إلى أن توفي شهيدا في ذي القعدة وذلك أنه طبب فرهاد باشا الوزير من سلس البول فمات في أيام قلائل بالزحير فاتهم بقتله فترصد له جماعته ساعة حتى خرج من داره فضربوه بالسكاكين حتى قتلوه فغضب السلطان لذلك وصلب بعضهم ونفى الباقين
وفيها الشيخ عبد القادر بن أحمد بن علي الفاكهي المكي الشافعي قال في النور ولد في ربيع الأول عام عشرين وتسعمائة وكان إماما عالما وله تصانيف كثيرة لا تحصى منها شرحان على البداية للغزالي ورأيت منها جملة عديدة في فنون شتى ولعمري أنه كان يشبه الجلال السيوطي في كثرتها بحيث أنه يكتب على كل مسئلة رسالة مع أن عبارته ما هي بذاك رحمه الله وتوفي بمكة انتهى وفيها سراج الدين عمر بن عبد الوهاب الناشري اليمني الشافعي قال في النور ولد بمدينة زبيد وكان إماما علامة وكان سئل عما يعتاده أهل زبيد من العيد الذي في أول خميس من رجب هل له أصل وهل هو سنة أم لا فأجاب بهذه الأبيات
( وسائل سال عن قوم وعادتهم ** عيد الخميس الذي في مبتدا رجب )
( أتى معاذ بأمر الله فيه لنا ** بالاتباع إلى منهاج خير نبي )
( فصار ذلك عيدا عندنا فلذا ** نخصه لمزيد الحب بالقرب )
( ولا نقول بتخصيص الصيام له ** ولا صلاة ولا شيء من القرب )
( نعم لنا فيه تخصيص المحبة إذ ** كان النجاة لنا فيه من العطب )
( فصار اقباله فيه القبول على ** قوابل القابلين الكل عن أرب )
( ثم الصلاة مع التسليم لابرحا ** على محمد خير العجم والعرب )


( والآل والصحب ثم التابعين لهم ** ما انهل مزن على الاشجار والكثب )
وفيها القاضي عيسى الهندي العلامة المفنن قال في النور كان من أعيان العلماء المشهورين وواحد المشايخ المدرسين وله تصانيف نافعة رحمه الله تعالى وتوفي بأحمداباد انتهى
وفيها ناصر الدين محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن عيسى بن شرف المعروف بابن أبي الجود وبابن أبي الحيل قديما وبابن الكشك الشلاح أبوه قال في الكواكب قال الوالد قرأ علي من الترمذي إلى كتاب الصلاة والبردة والمنفرجة وسمع قصيدتي القافية والخائية مرثيتي شيخ الإسلام وغير ذلك وأجزته مولده سنة تسع عشرة وتسعمائة انتهى وأخبرنا الشيخ أبو اليسر القواس أنه كان له ذكاء مفرط وعرض له أكل الأفيون وهو لبن الخشخاش وغلب عليه فكتبت إليه العمة خالة أبي اليسر المذكور السيدة زينب بنت الشيخ رضى الدين تنصحه
( يا ناصر الدين يابن الكشك ياذا الجود ** اسمع أقول لك نصيحة تطرب الجلمود )
( بسك تعاني اللبن فهمك هو المفقود ** يصير بالك ومالك والذكا مفقود )
وكان المذكور رئيس الكتبة بمحكمة القسمة وماميه ترجمانها وكان يصير بينهما لطائف ووقائع وتوفي يوم السبت رابع عشر الحجة ودفن بباب الفراديس انتهى ملخصا وفيها المولى أبو السعود محمد بن محمد بن مصطفى العمادي الحنفي الإمام العلامة قال في العقد المنظوم ولد سنة ثمان وتسعين وثمانمائة بقرية قريبة من قسطنطينية وقرأ على والده كثيرا من جملة ما قرأه عليه حاشية التجريد للشريف الجرجاني بتمامها وشرح المفتاح للشريف أيضا قرأه عليه مرتين وشرح المواقف له أيضا وصار ملازما من المولى سعدى جلبي وتنقل في المدارس ثم قلد قضاء برسه ثم قضاء قسطنطينية ثم قضاء العسكر في ولاية روم ايلي ودام عليه مدة ثمان سنين ثم لما توفي

المولى سعد الله بن عيسى بن أميرخان تولى مكانه الفتيا فقام باعبائها أتم قيام وذلك سنة اثنتين وخمسين وتسعمائة واستمر على ذلك إلى أن مات وسارت أجوبته في جميع العلوم وجميع الآفاق مسير النجوم وجعلت رشحات أقلامه تميمة نحر لكونها يتيمة بحرياله من بحر وكان من الذين قعدوا من الفضائل والمعارف على سنامها وغاربها وضربت له نوبة الامتياز في مشارق الأرض ومغاربها تفرد في ميدان فضله فلم يجاره أحد وانقطع عن القرين والمماثل في كل بلد وحصل له من المجد والاقبال والشرف والأفضال ما لا يمكن شرحه بالمقال وقد عاقه الدرس والفتوى والاشتغال بما هو أهم وأقوى عن التفرغ للتصنيف سوى أنه اختلس فرصا وصرفها إلى التفسير الشريف وقد أتى فيه بما لم تسمح به الاذهان ولم تقرع بمثله الآذان وسماه بارشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم ولما وصل منه إلى آخر سورة ص ورد التقاضي من طرف السلطان سليمان خان فبيض الموجود وأرسله إليه وبعد ذلك تيسر له الختام وأنعم عليه السلطان بما لم يدخل تحت الحصر وله حاشية على العناية من أول كتاب البيع وبعض حواش على بعض الكشاف وجمعها حال اقرائه له وكان طويل القامة خفيف العارضين غير متكلف في الطعام واللباس غير أن فيه نوع اكتراث بمداراة الناس والميل الزائد لأرباب الرياسة فكان ذا مهابة عظيمة واسع التقرير سائغ التحرير يلفظ الدرر من كلمه وينثر الجوهر من حكمه بحرا زاخرا وطودا باذخا وله شعر كثير مطبوع منه قصيدته الميمية الطويلة التي أولها
( أبعد سليمي مطلب ومرام ** وغير هواها لوعة وغرام )
( وفوق حماها ملجأ ومثابة ** ودون ذراها موقف ومقام )
( وهيهات أن تثنى إلى غير بابها ** عنان المطايا أو يشد حزام )
وهي طويلة انتهى ملخصا وينسب إليه البيتان اللذان أجيب بهما بيتا العجم وهما


( نحن أناس قد غدا دأبنا ** حب علي بن أبي طالب )
( يعيبنا الناس على حبه ** فلعنة الله على العائب )
فأجاب المولى أبو السعود بقوله
( ما عيبكم هذا ولكنه ** بغض الذي لقب بالصاحب )
( وقولكم فيه وفي بنته ** فلعنة الله على الكاذب )
وتوفي بقسطنطينية مفتيا في أوائل جمادى الأولى وصلى عليه المولى سنان محشى تفسير البيضاوي ودفن بجوار أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه

سنة ثلاث وثمانين وتسعمائة

فيها توفي شمس الدين أحمد السرائي الحنفي الإمام العالم ولد بمدينة سراي ونشأ بها وطلب العلم وأكثر من الشيوخ حتى صار ملازما من محي الدين عرب زادة ومعيدا له وصار معلما للوزير محمود الشهير بزال فارتفع قدره وعظم شأنه ثم تنقلت به الأحوال وتقلب في المدارس وكان عارفا عالما حسن السمت مرضي السيرة صاحب ذهن سليم وطبع مستقيم معرضا عن البطالة مكبا على الاشتغال حسن النثر والنظم باللسان العربي وله رسالتان سيفية وقلمية في غاية البلاغة وتوفي في رجب
وفيها المولى محمد بن عبد العزيز المشتهر بمعيد زادة قال في ذيل الشقائق ولد بمرعش سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة واشتغل على علماء بلده ثم جاء إلى قسطنطينية فقرأ على معمار زادة ثم على المولى سنان وصار ملازما من المولى خير الدين معلم السلطان سليمان ثم تنقل في المدارس إلى أن توفي ولم يجلس بمجلس القضاء وكان عالما محققا مدققا صاحب يد طولى في العلوم الأدبية وقدم راسخة في فنون العربية مع المشاركة التامة في سائر العلوم المتداولة وله تعليقات على بعض المواضع من التفسير والفروع وغيرهما ومن شعره


( لقد جار الزمان على بنيه ** عليهم ضاق بالرحب البقاع )
( ترى الأشعار في الأسعار أغلى ** وعلم الشرع أكسد ما يباع )
( فقد صارت جوائزهم عقودا ** وغايتها خماس أو رباع )
( وكم من شاعر أمسى عزيزا ** لقد أضحى له أمر مطاع )
( وذي فضل ينادي في النوادي ** أضاعوني وأي فتى أضاعوا )
توفي ببيت المقدس لما توجه قاضيا لها قبل أن يباشر الحكم في ذي القعدة انتهى وذكر في الكواكب أنه كان مفتيا بدمشق ومدرسا بالسليمانية بها
وفيها محمود بن أحمد المشتهر بابن برزان ولد بقصبة اسكليب ونشأ على طلب العلم والفضائل وأخذ عن أعيان الأفاضل حتى صار ملازما من المولى أبي السعود وتنقل في المدارس وأذن له في الافتاء فلم تطل مدته وكان عارفا كاملا مطلعا على دقائق العربية له باع في العلوم الأدبية عالما بالفقه والكلام وتوفي بقسطنطينية في شوال وفيها المولى محمود بن حسن السامون الحنفي الإمام العلامة قرأ على علماء عصره ومهر وصار ملازما من المولى خير الدين معلم السلطان سليمان وتنقل في المدارس إلى أن ولي قضاء حلب ثم دمشق ثم مكة ثم تقاعد بوظيفة مثله وكان عالما صالحا مشتغلا بنفسه جيد الحفظ كثير العلوم محمود السيرة في قضائه وتوفي في ذي القعدة
وفيها الشيخ محي الدين الأسكليبي الحنفي ولد بقصبة تسمى اسكليب ونشأ في طلب العلم ودار البلاد العجمية والرومية والعربية في طلبه واجتمع بكثير من الأعيان وتلقى عن جلة من علماء الزمان إلى أن برع في العلوم وتضلع من المنطوق والمفهوم ثم سلك طريق السادة الصوفية وتسلك بالشيخ إبراهيم القيصري إلى أن صار كما قال فيه محي الدين المشتهر بحكيم جلبي من الرجال الكاملين مملوءا من المعارف الآلهية من فرقه إلى قدمه وروحه المطهرة متصرفة الآن في هذه الأقطار وأن أرباب السلوك وطلبة المعارف الآلهية مستفيدون

من معارفه وتوفي رحمه الله تعالى باسكليب وفيها مصلح الدين مصطفى بن الشيخ علاء الدين المشتهر بجراح زاده الحنفي ولد بمدينة أدرنة في صفر سنة إحدى وتسعمائة ونشأ بها طالبا للعلوم والمعارف وقرأ كتاب المفتاح باتقان وتحقيق على المولى لطف الله بن شجاع ثم هبت عليه نسمات الزهد فتلقى طريق القوم من سادات زمانه وتحمل مشاق العبادات والمجاهدات حتى صار بحرا من بحار الحقيقة وكهفا منيفا لأرباب الطريقة متخليا عن الأخلاق الناسوتية متحليا بمفاخر الحلل اللاهوتية منجمعا عن الناس معرضا عن تكلفاتهم راغبا عن بدعهم وعن خرافاتهم لا يطرق أبواب الأمراء ولا يطرف مجالس الأغنياء وله كشوفات عجيبة واشرافات على الخواطر غريبة وتوفي بأدرنة في المحرم ودفن بقرب زاوية الشيخ شجاع

سنة أربع وثمانين وتسعمائة

فيها توفي المولى رمضان المعروف بناظر زادة الرومي الحنفي الإمام العلامة قال في العقد المنظوم ولد بقصبة صوفية من بلاد الروم ونشأ في طلب العلم والأدب وأخذ عن المولى عبد الباقي والمولى برويز وصار ملازما من قطب الدين زادة وحفظ الكنز وقلد المدارس ثم قلد قضاء الشام ثم مصر ثم بروسه ثم أدرنة وقبل أن يصل إليها قلد قضاء قسطنطينية وكان ممن حاز قصب السبق في مضمار الفضائل وشهد بوفور علمه وغزارة فضله الأفاضل علما مستقيما عفيفا نزها جميل الصورة حسن السيرة متواضعا ومع هذا الفضل الباهر والتقدم الظاهر لم ير له تأليف لغاية احترازه عن النسبة إلى الخطأ وتوفي بقسطنطينية فجأة في أواسط شعبان وفيها زين العباد القيصري الحنفي ولد ببلدة قيصرية واشتغل على الشيخ شمس الدين مدرس البكتوتية ببلدة مرعش ثم رحل إلى القسطنطينية وقرأ على علمائها حتى وصل إلى خدمة سعدى جلبى محشى البيضاوي ثم بعد موته بجوى زاده وصار

ملازما منه وتنقل في المدارس حتى وصل إلى مدرسة بايزيد خان باماسية بثمانين وأقام بها على الافتاء والدرس إلى الموت وكان واسع العلم كثير المحفوظ قليل الاعتناء بزخارف الدنيا مكبا على الاشتغال والاشغال
وكان له أخ يسمى عبد الفتاح كان فاضلا كاملا تنقل في مدارس عديدة إلى أن نقل إلى مدرسة السلطان سليمان خان بدمشق فباشرها مع الافتاء بها واستمر فيها إلى أن توفي في هذه السنة أيضا وفيها سعيد سلطاني الحبشي الحنفي قال في النور كان عالما فاضلا صالحا دينا فقيها مشاركا في كثير من العلوم يحفظ القرآن العظيم كثير العبادة يختم في رمضان خمس ختمات في الصلاة وكان أمراء الجيوش يحترمونه ويجلونه وجعلوا له معلوما يوازي خمسة عشر ألف دينار وكان محسنا لأهل العلم ولما حج قرأ على ابن حجر الهيتمي وكان له رغبة في تحصيل الكتب وابتنى بأحمداباد مسجدا حسنا إلا أنه كان فيه كبر والكمال لله وتوفي بأحمداباد يوم الإثنين ثالث شوال ودفن بمسجده ثم دفن إلى جنبه شيخنا الشيخ عبد المعطي باكثير انتهى
وفيها عبد الله بن سعد الدين المدني السندي قال في النور أيضا كان من كبار العلماء البارعين وأعيان الأئمة المتبحرين وله جملة مصنفات منها حاشية على العوارف للسهروردي وتوفي بمكة في ذي الحجة انتهى
وفيها شمس الدين محمد بن شمس الدين محمد بن الشيخ علوان الحموي الشافعي أخذ عن أبيه وغيره وتفقه وكان إماما كاملا وتوفي بحماة
وفيها بدر الدين أبو البركات محمد بن القاضي رضي الدين محمد بن محمد ابن عبد الله بن بدر بن عثمان بن جابر الغزي العامري القرشي الشافعي الإمام العلامة شيخ الإسلام بحر العلوم قال ولده النجم في الكواكب ولد في وقت العشاء ليلة الإثنين رابع عشر ذي القعدة سنة أربع وتسعمائة وحمله والده إلى الشيخ أبي الفتح المزي الصوفي فألبسه خرقة التصوف ولقنه الذكر

وأجاز له بكل ما تجوز له وعنه روايته وهو دون السنتين وأحسن والده تربيته وهو أول من فتق لسانه بذكر الله تعالى ثم قرأ القرآن العظيم على عدة مشايخ منهم البدر السنهوري بروايات العشرة ثم لزم في الفقه والعربية والمنطق والده الشيخ رضي الدين وقرأ في الفقه أيضا على تقي الدين بن قاضي عجلون وكان معجبا به يلقبه شيخ الإسلام وأكثر انتفاعه بعد والده عليه وسمع عليه في الحديث ثم أخذ الحديث والتصوف عن البدر ابن الشويخ المقدسي ثم رحل مع والده إلى القاهرة فأخذ عن مشايخ الإسلام بها القاضي زكريا وأكثر انتفاعه في مصربه والبرهان بن أبي شريف والبرهان القلقشندي والقسطلاني وغيرهم وبقي في الاشتغال بمصر مع والده نحو خمس سنوات واستجاز له والده قبل ذلك من الحافظ جلال الدين السيوطي وبرع ودرس وأفتى وألف وشيوخه أحياء فقرت أعينهم به وجمعه بجماعة من أولياء مصر وغيرها والتمس له منهم الدعاء كالشيخ عبد القادر الدشطوطي وسيدي محمد المنير الخانكي ثم تصدر بعد عوده مع والده من القاهرة في سنة إحدى وعشرين للتدريس والافادة واجتمعت عليه الطلبة وهو ابن سبع عشرة سنة واستمر على ذلك إلى الممات مشتغلا بالعلم تدريسا وتصنيفا وافتاء ليلا ونهارا مع الاشتغال بالعبادة وقيام الليل وملازمة الأوراد وتولى الوظائف الدينية كمشيخة القراء بالجامع الأموي وإمامة المقصورة ودرس بالعادلية ثم بالفارسية ثم الشامية البرانية ثم المقدمية ثم التقوية ثم جمع له بينهما وبين الشامية الجوانية ومات عنهما وانتفع به الناس طبقة بعد طبقة ورحلوا إليه من الآفاق ولزم العزلة عن الناس في أواسط عمره لا يأتي قاضيا ولا حاكما ولا كبيرا بل هم يقصدون منزله الكريم للعلم والتبرك وطلب الدعاء وإذا قصده قاضي قضاة البلد أو نائبها لا يجتمع به إلا بعد الاستئذان عليه والمراجعة في الاذن وقصده نائب الشام مصطفى باشا فلم

يجتمع به إلا بعد مرات وكذا درويش باشا نائب الشام وقال له يا سيدي ما تسمع عني قال الظلم وكان لا يأخذ على الفتوى شيئا بل سد باب الهدية مطلقا فلم يقبل إلا من أخصائه وأقاربه ويكافىء أضعافا وكان يحب الصوفية ويكرمهم وأخذ عنه العلم من لا يحصى كثرة وأما تصانيفه فبلغت مائة وبضعة عشر مصنفا من أشهرها التفاسير الثلاثة المشهورة المنثور والمنظومان وأشهرها المنظوم الكبير في مائة ألف بيت وثمانين ألف بيت وحاشيتان على شرح المنهاج للمحلى وشرحان على المنهاج كبير وصغير وكتاب فتح المغلق في تصحيح ما في الروضة من الخلاف المطلق والتنقيب على ابن النقيب والبرهان الناهض في نية استباحة الوطء للحائض وشرح خاتمة البهجة والدر النضيد في أدب المفيد والمستفيد والتذكرة الفقهية وشرحان على الرحبية وثلاثة شروح على الألفية في النحو منظومان ومنثور وشرح الصدور بشرح الشذور وشرح على التوضيح لابن هشام وشرح شواهد التلخيص وأسباب النجاح في آداب النكاح وكتاب فصل الخطاب في وصل الأحباب ومنظومة في خصائص النبي صلى الله عليه وسلم ومنظومة في خصائص يوم الجمعة وشرحها ومنظومة في موافقات سيدنا عمر للقرآن العظيم وشرحها والعقد الجامع في شرح الدرر اللوامع نظم جمع الجوامع وغير ذلك ومن شعره
( إله العالمين رضاك عنى ** وتوفيقي لما ترضى منائي )
( فحرماني عطائي إن ترده ** وفقري إن رضيت به غنائي )
ومنه
( بالحظ والجاه لا بفضل ** في دهرنا المال يستفاد )
( كم من جواد بلا حمار ** وكم حمار له جواد )
وكان ابتداء مرضه في ثاني شوال من هذه السنة واستمر مريضا إلى يوم الأربعاء سادس عشرى شوال المذكور وصلى عليه الشهاب العيثاوي ودفن بتربة الشيخ أرسلان وقال ماميه الشاعر مؤرخا لوفاته


( أبكي الجوامع والمساجد فقد من ** قد كان شمس عوارف التمكين )
( وكذا المدارس أظلمت لما أتى ** تاريخه بخفاء بدر الدين )
وفيها نجم الدين محمد بن أحمد بن علي بن أبي بكر الغيطي السكندري ثم المصري الشافعي الإمام العلامة المحدث المسند شيخ الإسلام ولد في أثناء العشر الأول من القرن العاشر قال في الكواكب كان رفيقا لوالدي على والده وعلى القاضي زكريا قرأ عليه البخاري ومسلم كاملين وسنن أبي داود إلا يسيرا من آخرها وجمع عليه للسبعة ولبس منه خرقة التصوف وسمع على الشيخ عبد الحق السنباطي سنن ابن ماجه كاملا والموطأ وغير ذلك وقرأ عليه في التفسير والقراآت والنحو والصرف وأذن له بالافتاء والتدريس وقرأ وسمع على السيد كمال الدين بن حمزة لما قدم مصر وقرأ على الكمال الطويل كثيرا وأجازه بالتدريس والافتاء وأخذ عن الأمين بن النجار والبدر المشهدي كثيرا وعن الشمس الدلجي وأبي الحسن البكري وغيرهم قال الشعراوي أفتى ودرس في حياة مشايخه باذنهم وألقى الله محبته في قلوب الخلائق فلا يكرهه إلا مجرم أو منافق وانتهت إليه الرياسة في علم الحديث والتفسير والتصوف ولم يزل أمارا بالمعروف ناهيا عن المنكر يواجه بذلك الأمراء والأكابر لا يخاف في الله لومة لائم قال وتولى مشيخة الصلاحية بجوار الإمام الشافعي ومشيخة الخانقاة السرياقوسية وهما من أجل وظائف مشايخ الإسلام من غير سؤال منه وأجمع أهل مصر على جلالته وما رأيت أحدا من أولياء مصر إلا يحبه ويجله وذكره القاضي محب الدين الحنفي في رحلته إلى مصر فقال وأما حافظ عصره ومحدث مصره ووحيد دهره الرحلة الإمام والعمدة الهمام الشيخ نجم الدين الغيطي فإنه محدث هذه الديار على الاطلاق جامع للكمالات الجميلة ومحاسن الأخلاق حاز أنواع الفضائل والعلوم واحتوى على بدائع المنثور والمنظوم إذا تكلم في الحديث بلفظه الجاري أقر كل مسلم بأنه البخاري

أجمعت على صدارته في العلم علماء البلاد واتفقت على ترجيحه بعلو الاسناد وقفت له على مؤلف سماه القول القويم في اقطاع تميم انتهى أي ومن مؤلفاته المعراج المتداول بأيدي الناس يقرؤه علماء الأزهر كل سنة في رجبها

سنة خمس وثمانين وتسعمائة

فيها كما قال في النور طلع نجم ذو ذؤابة كهيئة الذنب طويل جدا له شعاع ومكث كذلك يطلع نحو شهرين انتهى قلت قال السيوطي في كتابه حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة ما لفظه ذكر كوكب الذنب قال صاحب المرآة أن أهل النجوم يذكرون أن كوكب الذنب طلع في وقت قتل قابيل هابيل وفي وقت الطوفان وفي وقت نار إبراهيم الخليل وعند هلاك قوم عاد وقوم ثمود وقوم صالح وعند ظهور قوم موسى وهلاك فرعون وفي غزوة بدر وعند قتل عثمان وعلي وعند قتل جماعة من الخلفاء منهم الراضي والمعتز والمهتدي والمقتدر وأدنى الأحداث عند ظهور هذه الكواكب الزلازل والأهوال قلت يدل لذلك ما أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه من طريق ابن أبي مليكة قال غدوت على ابن عباس فقال ما نمت البارحة قلت لم قال طلع الكوكب ذو الذنب فخشيت أن يكون الدخان قد طرف انتهى ما أورده السيوطي بحروفه وفيها توفي المولى حامد أفندي المفتي قال في العقد المنظوم ولد بقونية وطلب العلم في كبره بعد أن ذهب شبابه لكنه أكب على الطلب ولازم الأفاضل وحصل له منهم قبول زائد منهم المولى سعدى محشى تفسير البيضاوي وصار ملازما من المولى القادري ثم تنقل في المدارس من سنة أربعين وتسعمائة إلى أن قلد قضاء دمشق فلم يمكث فيه سنة حتى نقل إلى قضاء مصر فأقام فيها ثلاث سنين ثم قلد قضاء برسه ثم قضاء قسطنطينية ثم قضاء العسكر بولاية روم ايلي فاستمر فيه تسع سنين سالكا أحسن مسلك وكان السلطان لكثرة اعتماده عليه وحبه له أراد أن يوليه

الوزارة العظمى فوافق موت المرحوم المولى أبي السعود أفندي المفتي فأقيم مقامه وسلم إليه المجد زمامه فدام في الفتوى إلى أن توفي وذلك في أوائل شعبان ودفن بجوار أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه
وفيها ميان عبد الصمد الهندي الرجل الصالح قال في النور كان من الأخيار عالما فاضلا محسنا متواضعا وحكى أنه كان إذا لم يكن على طهارة وثم أحد ممن اسمه اسم نبي لم يتلفظ باسمه تعظيما واحتراما لذلك الاسم الشريف رحمه الله تعالى انتهى وفيها شمس الدين أبو النعمان محمد بن كريم الدين محمد الأيجي العجمي الشافعي الصالحي نزيل صالحية دمشق الإمام العلامة العارف بالله تعالى قال في الكواكب قدم دمشق وهو شاب في سنة عشرين وتسعمائة وصحب سيدي محمد بن عراق سنين كثيرة وتعانى عنده المجاهدات واشتغل بالعلم قبل أن يدخل بلاد الشام وبعده على الشيخ الصفوي الأيجي وغيره وكان له يد في المعقولات وتولى تدريس الشامية عن شيخ الإسلام الوالد بعد ما كان بينهما من المودة والصحبة ما لا يوصف وانتقد على الأيجي ذلك وعوض الله على الوالد بأحسن منها وكان الأيجي ملازما على الأوراد والعبادات أمارا بالمعروف نهاءا عن المنكر وكان يتردد إلى الحكام وغيرهم لقضاء حوائج الناس وسافر إلى الروم مرتين انتهى وكان إماما عالما عاملا زاهدا وليا من أولياء الله تعالى له كرامات كثيرة شهيرة توفي بصالحية دمشق يوم الجمعة بعد الصلاة عاشر جمادى الأولى وصلى عليه بجامع الحنابلة قاضي قضاة دمشق حسين جلبي ابن قرا ونائب الشام حسن باشا ابن الوزير محمد باشا ودفن من الغد بمنزله بسفح قاسيون
وفيها الشيخ مسعود بن عبد الله المغربي المعتقد العارف بالله تعالى قال في الكواكب صحب بدمشق الشيخ شهاب الدين الاخ وكان يجلس عنده في درسه عن يمينه فيقول له الاخ يا سيدي مسعود احفظ لي قلبي فإن جدي الشيخ رضى

الدين كان يجلس إلى جانبه سيدي علي بن ميمون في درسه فيقول له يا سيدي علي امسك لي قلبي ولما دخل سيدي مسعود دمشق كان يقتات من كسب يمينه فكان يضرب الأبواب المغربية جدرانا لبساتين دمشق فكان يبقى ما يعمله خمسين سنة وأكثر لا يتهدم من اتقانه لها وأخبرت أنه عرض له جندي والشيخ في لباس الشغل فقال له خذ هذه الجرة واحملها وكان بها خمر فحملها الشيخ معه فلما وضعها له وجدها الجندي دبسا فجاء إلى الشيخ واعتذر إليه وتاب على يديه وكان لأهل دمشق فيه كبير اعتقاد يتبركون به ويقبلون يديه وكان الشيخ يحيى العمادي يزوره قال النجم الغزي ولقد دعا لي ومسح على رأسي وأنا أجد بركة دعائه الآن وتوفي رحمه الله يوم الخميس رابع عشري شهر رمضان ودفن بالزاوية

سنة ست وثمانين وتسعمائة

فيها توفي المولى أحمد بن محمد المشتهر بنشانجي زاده قال في ذيل الشقائق ولد بمدينة قسطنطينية سنة أربع وثلاثين وتسعمائة وقرأ على علماء عصره كالمولى شيخ زاده شارح البيضاوي والمولى عبد الكريم زاده والمولى برويز وصار ملازما من المولى سنان وتنقل في المدارس ثم اتفق أن مات عدة من أولاده فترك تصاريف الدنيا وأعرض عن المدارس واختار الانزواء ثم رجع وصار مدرسا بإحدى المدارس الثمان ثم قلد قضاء مكة ثم مصر ثم المدينة المنورة وقبل توجهه إليها تغير عليه خاطر السلطان فعزله وأمره بالخروج عن البلدة فخرج متوجها إلى الحج فلما حج وعاد توفي بقرب دمشق فحمل إليها ودفن فيها وكان رحمه الله طويل الباع في العلوم العربية مائلا إلى الصلاح متصلا بأسباب الفلاح مكبا على الاشتغال والاشغال بدأ باعراب القرآن العظيم مقتفيا أثر السفاقسي والسمين وصل به إلى سورة الاعراف وشرح الحزب المنسوب إلى الإمام علي بن أبي طالب الذي أوله اللهم يا من ولع لسان الصبح

وعلق حواشي على مواضع من تفسير البيضاوي والهداية وشرح المواقف والمفتاح وله رسائل كثيرة بقيت في المسودات ومن شعره
( بفضل الله إنا لا نبالي ** وإن كان العدو رمى بجهله )
( وليس يضرنا الحساد شيئا ** فسوء المكر ملتحق بأهله )
وفيها جمال الدين محمد طاهر الهندي الملقب بملك المحدثين قال في النور ولد سنة ثلاث عشرة وتسعمائة وحفظ القرآن قبل أن يبلغ الحنث وجد في طلب العلم نحو خمس عشرة سنة وبرع في فنون عديدة حتى لم يعلم أن أحدا من علماء كجرات بلغ مبلغه في الحديث وورث من أبيه مالا جزيلا فأنفقه على طلبة العلم وكان يرسل إلى معلمي الصبيان ويقول أيما صبي حسن ذكاؤه فأرسله إلي فيرسل إليه جماعة فيقول لكل واحد كيف حالك فإن كان غنيا أمره بطلب العلم وإن كان فقيرا يقول له تعلم ولا تهتم من جهة معاشك ثم يتعهده بجميع ما يحتاج إليه وكان هذا دأبه حتى صار منهم جماعة كثيرة علماء في فنون كثيرة ولما حج أخذ عن أبي الحسن البكري وابن حجر الهيتمي والشيخ علي المتقي الهندي وجار الله بن فهد والشيخ عبد الله العيدروس وغيرهم وكان عالما عاملا متضلعا متبحرا ورعا وله مصنفات منها مجمع بحار الأنوار في غرائب التنزيل ولطائف الأخبار وكان يقوم على طائفتي الرافضة والمهدوية ويناظرهم ويريد ارجاعهم إلى الحق وقهرهم في مجالس وأظهر فضائحهم وقال بكفرهم فسعوا عليه واحتالوا حتى قتلوه في سادس شوال
وفيها شمس الدين وقيل نجم الدين محمد بن محمد بن رجب البهنسي الأصل الدمشقي المولد والمنشأ والوفاة الحنفي الإمام العلامة شيخ الإسلام ولد في صفر سنة سبع وعشرين وتسعمائة وأخذ عن ابن فهد المكي وغيره وتفقه بالقطب بن سلطان وبه تخرج لأنه كان يكتب عنه على الفتوى لأن القطب كان ضريرا ثم أفتى استقلالا من سنة خمسين واشتغل في بقية

العلوم على الشيخ أبي الفتح المالكي والشيخ محمد الأيجي نزيل الصالحية وتخرج به غالب حنفية دمشق منهم الشيخ عماد الدين المتوفي قبله ورأس في دمشق وكان إماما بارعا وولي خطابة الجامع الأموي ودرس بالأموي والسيبائية ثم بالمقدمية ثم بالقصاعية ومات عنها وعلوفته في التدريس بها ثمانون عثمانيا وحج مرتين وألف شرحا على كتاب منتهى الإرادات لم يكمله وكان من أفراد الدهر وأعاجيب العصر وتوفي بعد ظهر يوم الأربعاء رابع أو خامس جمادى الآخرة ودفن بمقبرة باب الصغير وأرخ موته بعض الشعراء فقال
( لما لدار التقى مفتي الأنام مضى ** فالعين تبكي دما من خشية الله )
( لفقد مولى خطيب الشام سيدنا ** من لم يزل قائما في نصرة الله )
( وفاته قد أتت فيما أؤرخه ** البهنسي عليه رحمة الله )
وفيها عماد الدين محمد بن محمد البقاعي الأصل ثم الدمشقي الحنفي الإمام الأوحد العلامة قال في الكواكب مولده في سنة سبع وثلاثين وتسعمائة وقرأ في النحو والعروض والتجويد على الشهاب الطيبي المقرىء والمعقولات على أبي الفتح المالكي والشيخ علاء الدين بن عماد الدين رفيقا عليهما للشيخ إسمعيل النابلسي والشمس بن المنقار والأسد والشيخ محمد الصالحي وغيرهم وقرأ في الفقه على النجم البهنسي وغيره وبرع في العربية وغيرها وتصدر للتدريس بالجامع الأموي ودرس بالريحانية والجوهرية والخاتونية والناصرية ومات عنها وقصده للقراءة عليه الفضلاء وتردد إليه النواب وغيرهم وكان حسن الأخلاق ودودا وكان في ابتداء أمره فقيرا ثم حصل دنيا ونال وجاهة وثروة ولم يتزوج حتى بلغ نحو أربعين سنة وكان حسن الشكل لطيف الذات جميل المعاشرة خفيف الروح عنده عقل وشرف نفس وكان يدرس في التفسير وغيره

وانتفعت به الطلبة منهم إبراهيم بن محمد بن مسعود بن محب الدين والشيخ تاج الدين القطان والشيخ حسن البوريني وغيرهم ومن شعره معمى في عمر
( ولم أنس إذ زارني منيتي ** عشية عنا الرقيب احتبس )
( فمن فرحتي رحت أتلو الضحى ** وحاسدنا مر يتلو عبس )
وله معمى في علي
( قد زارني من أحب ليلا ** بطلعة البدر والكمال )
( وبت منه بطيب عيش ** أوله بالهنا وفالي )
وله في القهوة
( هذه القهوة الحلال أتتكم ** تتهادى والطيب يعبق منها )
( سودوها على الحرام بحل ** وأماطوا غوائل الغول عنها )
وتوفي ليلة الاثنين ثاني عشر شعبان ودفن بمقبرة باب توما جوار الشيخ أرسلان انتهى ملخصا وفيها المولى يوسف المشتهر بالمولى سنان قال في العقد المنظوم ولد بقصبة صونا وجد في الطلب ورحل فيه وتحمل المتاعب وأخذ عن أفاضل عصره منهم المولى محي الدين الفناري والمولى علاء الدين الجمالي وصار ملازما من المولى خير الدين معلم السلطان سليمان ثم تنقل في المدارس ثم صار مفتشا ببغداد ثم عزل وقبل وصوله إلى قسطنطينية بشر بقضاء دمشق ثم نقل إلى قضاء أدرنة ثم إلى قضاء قسطنطينية وقبل الوصول إليها بشر بقضاء العساكر في ولاية أناضولي وجلس للدرس العام بحضرة الأعيان وكان رحمه الله تعالى جميل الصورة من جلة وأعيان أفاضل الروم شهد بفضله الخاص والعام واعترفوا برسوخ قدمه في الفنون ومن تصانيفه حاشية على تفسير البيضاوي أظهر فيها اليد البيضاء والحجة الزهراء وشرح لكتاب الكراهية وكتاب الوصايا من الهداية وامتحن في آخر أمره بأن أشاع عنه بعض الحسدة ما هو برىء منه فعزل من قضاء العسكر

وأمر بالتفتيش عليه مع شريكه المولى مصلح الدين الشهير ببستان فلما ظهرت براءة ذمته عينت له وظيفة أمثاله وقلد تدريس دار الحديث التي بناها السلطان سليمان ثم استعفى منها لهرمه وتوفي في صفر وقد أناف على التسعين

سنة سبع وثمانين وتسعمائة

فيها كما قال في النور مات السلطان حيدرة بن حنش صاحب أحور
وفيها درويش باشا بن رستم باشا الرومي هو ابن أخت محمد محمد باشا الوزير تولى ايالة دمشق وعمر بها الجامع خارج باب الجابية لصيق المغيربية وعمر الحمام داخل المدينة بالقرب من الجامع الأموي ويعرف الآن بحمام القيشاني وعمر القيسارية والسوق والقهوة ووقف ذلك فيما وقفه على جامعه وشرط تدريسه للشيخ إسماعيل النابلسي وكان خصيصا به وعمر الجسر على نهر بردا عند عين القصارين بالمرجة ومات ببلاده قرمان وحمل تابوته إلى دمشق فدفن بها وفيها نور الدين علي بن صبر اليافعي الشافعي قاله في النور كان فقيها صالحا قانتا ذا كرامات انتهى
وفيها عمر بن عبد الله بن عمر باعلوي الهنداون قال في النور اشتهر بذلك لقوة كانت في بدنه ودينه تشبيها بالحديد الهنداون وكان وليا صالحا شريفا ومن كراماته أنه أخبر أخي السيد عبد الله عن شيء يقع من شخص بعينه فكان كما قال بعد موته بيسير وتوفي بتريم وفيها محمد بن أحمد بن عبد الله المعروف بماميه الرومي الشاعر المشهور أصله من الروم وقدم دمشق في حال صغره فلما التحى صار ينكجريا بخمسة عثمانية وحج في زمرة الينكجرية سنة ستين وتسعمائة وكان في تلك الحال يميل إلى الأدب ونظم الشعر ثم عزل عن الينكجرية وصحب الشيخ أبا الفتح المالكي وعليه تخرج بالأدب قال في الكواكب وقرأ على الشيخ شهاب الدين الأخ في الجرومية وكان قبل قراءته في النحو جمع لنفسه ديوانا كله ملحون فلما

ألم بالنحو أصلح ما أمكن إصلاحه وأعرض عن الباقي وتولى آخر الترجمة بمحكمة الصالحية ثم بالكبرى وعزل منها ثم أعيد إليه زمن جوى زادة ثم عزل ثم ولي ترجمة القسمة فأثرى وكان إليه المنتهى بالزجل والموال والموشحات وقال فيه أستاذه أبو الفتح
( ظهرت لماميه الأديب فضيلة ** في الشعر قد رجحت بكل علوم )
( لا تعجبوا من حسن رونق نظمه ** هذا إمام الشعر ابن الرومي )
وجمع لنفسه ديوانا وجعل تاريخ جمعه قوله { وأتوا البيوت من أبوابها } وذلك سنة إحدى وسبعين وتسعمائة وله التواريخ التي لا نظير لها كقوله في تاريخ عرس
( هنئتم بعرسكم ** والسعد قد خولكم )
( وقد أتى تاريخه ** نساؤكم حرث لكم )
ولقد أحسن في قوله
( قل لقوم ضلوا عن الرشد لما ** أظهروا منهم اعتقادا خبيثا )
( كيف تنبي عن القديم عقول ** لا يكادون يفقهون حديثا )
وتوفي في ذي الحجة من هذه السنة أو في محرم التي بعدها ودفن بباب الفراديس بالقرب من قبري ابن مليك وأبي الفتح المالكي وفيها محمد باشا الوزير وزير السلطان سليمان ثم السلطان سليم ثم السلطان مراد وقف الطاحون خارج باب الفراديس وغيرها على المقرئة وتوفي شهيدا بالقسطنطينية

سنة ثمان وثمانين وتسعمائة

فيها توفي المولى شمس الدين أحمد المشتهر بقاضي زادة قال في العقد المنظوم قرأ على علماء عصره منهم جوى زادة وسعدى جلبى وصار ملازما من المولى القادري وتنقل في المدارس ثم قلد قضاء حلب فأقام فيه عدة سنين ثم ولي قضاء قسطنطينية بعد تعب شديد ثم صار قاضيا

بعساكر روم ايلي فبعد سبعة أشهر اختل أمره وتراجع سعره ففر طائر عزه وطار قبل أن يقضي الأوطار بسبب وحشة كانت بينه وبين المولى عطاء الله معلم السلطان سليم خان فتقاعد بوظيفة مثله ثم لما جلس السلطان مراد خان على سرير السلطنة أعاده إلى قضاء العسكر بالولاية المزبورة لما سمع عنه من الفضيلة الباهرة والصلابة الدينية الظاهرة فاستمر مدة ثم قلد الفتوى بدار السلطنة السنية فاستمر فيها إلى أن دخل في خبر كان وأيلى ديباجة حياته الجديدان وكان رحمه الله تعالى من أساتذة العلوم والجهابذة القروم طالما جال في ميدان الفضائل وبرز وأحرز من قصبات السبق في مضمار المعارف ما أحرز أفحم من عارضه بشقاشقه الهادرة وأرغم من عاناه بحقائقه النادرة كثير الاعتناء بدرسه دائم الاشتغال في يومه وأمسه رفيع القدر شديد البأس عزيز النفس يهابه الناس ومن تصانيفه شرح الهداية من أول كتاب الوكالة إلى آخر الكتاب وحاشية على شرح المفتاح للسيد الشريف من أوله إلى آخر الفن الثاني وحاشية على أوائل صدر الشريعة وحاشية التجريد في بحث الماهية ورسائل أخرى وكان أيام قضائه بالعسكر ثانيا سببا لسنن جميلة منها تقديم قضاء العسكر على غير الوزراء وأمير الأمراء وكانوا قبل ذلك يتقدم عليهم من كان أمير الأمراء في الممالك وبالجملة فإنه كان رحمه الله عين الأعيان وقدوة الزمان وفارس الميدان غير أن فيه من التهور المفرط والحدة ما زاد علة المعتاد ستره الله بفضله يوم التناد وتوفي بآخر الربيعين بقسطنطينية ودفن قريبا من جامع السلطان محمد

سنة تسع وثمانين وتسعمائة

فيها توفي ظنا داود بن عمر الأنطاكي الطبيب الأكمه العالم العلامة قال

الطالوي في السانحات داود بن عمر الأنطاكي نزيل القاهرة المعزية والمميز على من له فيها المزية المتوحد بأنواع الفضائل والمتفرد بمعرفة علوم الأوائل سيما علم الأبدان المقدم على علم الأديان فإنه بلغ فيه الغاية التي لا تدرك وأما معرفته لأقسام النبض فآية له باهرة وكرامة على صدق دعواه ظاهرة ولقد سألته عن مسقط رأسه ومشعل نبراسه فأخبرني أنه ولد بأنطاكية بهذا العارض قال وقد بلغت سيارة النجوم وأنا لا أستطيع أن أقوم لعارض ريح تحكم في الأعصاب وكان والدي رئيس قرية حبيب النجار واتخذ قرب مزار سيدي حبيب رباطا للواردين وبنى فيه حجرات للمجاورين ورتب لها في كل يوم من الطعام ما يحمله إليه بعض الخدام وكنت أحمل إلى الرباط فأقيم فيه سحابة يومي وإذا برجل من أفاضل العجم يدعى محمد شريف نزل بالرباط فلما رآني سأل عني فأخبر فاصطنع لي دهنا مسدني به في حر الشمس ولفني في لفافة من فرقي إلى قدمي حتى كدت أموت وتكرر منه ذلك الفعل مرارا من غير فاصل فقمت على قدمي ثم أقرأني في المنطق والرياضي والطبيعي ثم أفادني اللغة اليونانية وقال إني لا أعلم الآن على وجه الأرض من يعرفها غيري فأخذتها عنه وأنا الآن فيها بحمد الله هو إذ ذاك ثم سار فسرت إلى جبل عاملة ثم إلى دمشق واجتمعت ببعض علمائها كأبي الفتح المغربي والبدر الغزي والعلاء العمادي ثم دخلت مصر وها أنا فيها إلى الآن قال وكان فيه دعابة وحسن سجايا وكرم نجار وخوف من المعاد وخشية من الله كان يقوم الليل إلا قليلا ويتبتل إلى ربه تبتيلا وكان إذا سئل عن شيء من العلوم الحكمية والطبيعية والرياضية أملى ما يدهش العقل بحيث يجيب على السؤال الواحد بنحو الكراسة ومن مصنفاته التذكرة جمع فيها الطب والحكمة ثم اختصرها في مجلدة وشرح قصيدة النفس لابن سينا شرحا حافلا نفيسا وقرىء عليه قال وأجازني إجازة طنانة ثم أوردها في السانحات فراجعه


وفيها المولى أحمد المشتهر بمظلوم ملك قال في ذيل الشقائق اشتغل بالعلوم وصار من ملازمي المولى جعفر وتنقل في المدارس ثم قلد قضاء بيت المقدس ثم المدينة المنورة ثم مكة المشرفة وكان رحمه الله تعالى عالما فصيحا حازما جيد العقيدة صاحب أخلاق حميدة ووقار واتعاظ وتوفي بقسطنطينية انتهى وفيها المولى خضر بك ابن القاضي عبد الكريم ولد بقسطنطينية المحمية ونشأ في خدمة الفضل وذويه وقرأ على علماء عصره حتى صار ملازما من المولى أحمد المشتهر بمعلم زادة ودرس بعدة مدارس إلى أن قلد المدرسة المشهورة بمناستر بمحروسا بروسة وتوفي مدرسا بها وكان من الغائصين في لجج بحار العلوم على درر دقائق الفهوم مكبا على الاشتغال غير أنه لا يخلو عن القيل والقال مطلق اللسان في السلف ومزدريا بشأن الخلف مع غاية الاعجاب بنفسه عفا الله عنه بلطفه في رمسه قاله في العقد المنظوم وفيها باكثير عبد المعطي بن الشيخ حسن بن الشيخ عبد الله المكي الحضرمي الشافعي الإمام العالم المحدث المعمر قال في النور ولد بمكة في رجب سنة خمس وتسعمائة ونشأ بها ولقي جماعة من العلماء منهم الشيخ زكريا الأنصاري سمع عليه صحيح البخاري بقراءة والده فهو يرويه عنه سماعا كما في اصطلاح أهل الحديث وأخذ عن جماعة وقرأ على بعض شيوخه كتاب الشفا في مجلس واحد من صلاة الصبح إلى الظهر وكان عالما مفننا لطيف المحاورة فكها له ملح ونوادر أديبا شاعرا مصقعا ومن شعره
( قلت إذ أقبل الربيع ووافى ** ورده الغض ليت ذاك نصيبي )
( فخدود الملاح تعزى إليه ** وشذاه أربى على كل طيب )
ومنه
( الورد سلطان الزهور ** وما سواه الحاشية )
( فللونه المحمر ينسب ** حسن خد الغانية )
( وإذا تضوع نشره ** يهدى إليك الغالية )


ومنه
( وميمات الدواة تعد سبعا ** وسبعا عدهن بلا خفاء )
( مداد ثم محبرة مقص ** ومرملة ومصمغة الغراء )
( ومكشطة ومقلمة مقط ** ومصقلة ومموهة لماء )
( ومحراك ومسطرة مسن ** وممسحة لختم وانتهاء )
ومنه في القهوة
( أهلا بصافي قهوة كالاثمد ** جليت فزينت بالخمار الأسود )
( لما أديرت في كؤوس لجينها ** بيمين ساق كالقضيب الأملد )
( يحكى بياض إنائها وسوادها ** طرفا كحيلا لا بكحل المرود )
ودخل الهند بآخره وأقام بها إلى أن مات بأحمداباد ليلة الثلاثاء لثلاث بقين من ذي الحجة وفيها السيد علاء الدين علي بن محمد بن حمزة الفقيه الشافعي المسند قاضي القضاة الشافعية بدمشق ونقيب الأشراف بها ولد يوم الخميس سادس ربيع الأول سنة ثمان وتسعمائة وأخذ عن والده وغيره وسمع على والده المشيخة التي خرجها لنفسه بقراءة الشيخ شرف الدين موسى الحجاوي الحنبلي في مجلسين آخرهما يوم الثلاثاء حادي عشر شوال سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة بمنزل والده شمالي المدرسة البادرائية وأجازه أن يرويها عنه وجميع ما يجوز له وعنه روايته وقد تسلسل له فيها من المسلسلات قبل ذلك وممن أخذ عن صاحب الترجمة الشيخ زين الدين الشهير بابن صارم الدين الصيداوي الشافعي وروى عنه المسلسل بالقضاة وتوفي يوم الأحد سابع عشرى القعدة الحرام رحمه الله تعالى وفيها قطب شاه سلطان كلكندة قال في النور كان عادلا كريما إلا أنه كان غاليا في التشيع
وفيها تقريبا ولي الدين محمد بن علي بن سالم الشبشيري القاهري الشافعي العالم الفاضل المعمر قال في الكواكب أخذ عن السخاوي والديمي والسيوطي والقاضي زكريا وآخرين وتوفي في حدود التسعين وتسعمائة رحمه الله تعالى

انتهى وفي حدودها شمس الدين محمد الصفري القدسي الشافعي الإمام العالم الواعظ بالجامع الأزهر أخذ عن علماء عصره ودأب وحصل ووعظ وأفاد رحمه الله تعالى وفيها المولى محمد المعروف بصاروكز زاده نسبة إلى جده من قبل أبيه الحنفي الرومي قال في العقد المنظوم نشأ في مجالس الأفاضل الأكارم ومحافل الأماثل الأعاظم مغترفا من حياض معارفهم ومتأنقا في رياض لطائفهم إلى أن صار ملازما من المولى أبي السعود وتنقل في المدارس إلى أن قلد قضاء المدينة المنورة فتبرم من ذلك فبدل بقضاء حلب فلم يبارك له في عمره بل في مدة تقرب من سنتين توفي وكان رحمه الله تعالى عالما عاملا فاضلا كاملا حليما سليما لطيف الطبع وقورا صبورا مهتما بدرسه مشتغلا بنفسه وله تعليقة على كتاب الصوم من الهداية وحواش على المفتاح من القانون الأول إلى آخر بحث الاستعارة وحواش على الهيئات من شرح المواقف وله رسالة بليغة في وصف العلم مطلعها
( لك الحمد يا من أنطق النون والقلم ** فأوصافه جلت عن النقص والعدم )
( وأضحك من طرس ثغورا بصنعه ** وأبكى به عين اليراع من السقم )
( صلاة وتسليم على الروضة التي ** تعطر من أنفاسها المسك والشمم )
وبقيتها سجع في غاية البلاغة انتهى

سنة تسعين وتسعمائة

فيها توفي القاضي الشريف حسين المكي المالكي الملقب بالكرم لفرط كرمه قيل كان سماطه في الأعياد ألف صحن صيني قال في النور كان من أعيان مكة وفضلائها وأجوادها ورؤسائها لم يخلف مثله ولبعض فضلاء مكة هذا التخميس على البيتين المشهورين جعله رثاء فيه
( لهفي على بدر الوجود وسعده ** ومغيبه تحت الثرى في لحده )


( مات الحسين المالكي بمجده ** يا دهر بع رتب العلا من بعده )
( بيع الهوان ربحت أم لم تربح ** )
( وافعل مرادك يا زمان كما ترى ** وارفع من الغوغا وحط ذوي الذرى )
( لا تعتذر لذوي النهى عما جرى ** قدم وأخر من أردت من الورى )
( مات الذي قد كنت منه تستحي ** )
ومن شعره هو وقد أهدى إليه القطب الحنفي سمكا
( يا أيها القطب الذي ** بوجوده دار الفلك )
( لو لم تكن بحر الندى ** ما جاءنا منك السمك )
وولي قضاء المدينة المنورة مدة طويلة مع حسن السيرة وتوفي في تاسع صفر
وفيها قطب الدين محمد بن علاء الدين أحمد بن محمد بن قاضي خان بن بهاء الدين بن يعقوب بن حسن بن علي النهرواني الهندي ثم المكي الحنفي الإمام العلامة ولد سنة سبع عشرة وتسعمائة وأخذ عن والده والشيخ عبد الحق السنباطي وهو أجل من أخذ عنه من المحدثين والشيخ محمد التونسي والشيخ ناصر اللقاني والشيخ أحمد بن يونس بن الشلبي وغيرهم وذكره ابن الحنبلي في تاريخه إلا أنه سمى والده على والصحيح الأول وأثنى عليه ثناءا حسنا قال ومن مؤلفاته طبقات الحنفية احترقت في جملة كتبه وقال النجم الغزي وقفت له على تاريخ كتبه لمكة المشرفة وكان بارعا مفننا في الفقه والتفسير والعربية ونظم الشعر وشعره في غاية الرقة منه الزائية المشهورة وهي
( أقبل كالغصن حين يهتز ** في حلل دون لطفها الخز )
( مهفهف القد ذو محيا ** بعارض الخد قد تطرز )
( دار بخديه واو صدغ ** والصاد من لحظه تلوز )
( الخمر والجمر من لماه ** وخده ظاهر وملغز )
( يشكو له الخصرجور ردف ** أثقله حمله وأعجز )


( طلبت منه شفاء سقمي ** فقال لحظي لذاك أعوز )
( قد غفر الله ذنب دهر ** لمثل هذا المليح أبرز )
( حز فؤادي بسيف لحظ ** أواه لو دام ذلك الحز )
( أفديه من أغيد مليح ** بالحسن في عصره تميز )
( كان نديمي فمذ رآني ** أسيره في الهوى تعزز )
( يا قطب لا تسل عن هواه ** وأثبت وكن في الغرام مركز )
وقال في النور ومن شعره
( الدن لي والكاس والقرقف ** وللفقيه الكتب والمصحف )
( إن كان ما تعجبه قسمتي ** فليقتسمها مثل ما يعرف )
( لا تنكروا حالي ولا حاله ** كل بما ينفعه أعرف )
( لكنه ينكر أذواقنا ** وما له ذوق ولا ينصف )
( كم يزدري الراح وشرابها ** أخشى على هذا الفتى يقصف )
( دعني وحالي يا فقيه الورى ** فأنت عن إدراكه تكسف )
( هيهات أن يدرك طعم الهوى ** من لم يكن في ذوقه يلطف )
( للعشق سر لم يزل غامضا ** لغير أهل الحب لا يكشف )
( فيا نديمي اشرب على رغمه ** ودعه في انكاره يرشف )
( واحبسه في باب الطهارات من ** كتابه لعله ينظف )
( وبي غزال طاب مرعاه في ** كناس قلبي وهو لا يألف )
( بدر كمال لا يرى حسنه ** نقصا ولا محقا ولا يكسف )
( في خده أنبت ماء الحيا ** وردا بغير اللحظ لا يقطف )
( عارضه لام وفي صدغه ** واو ولكن آه لو يعطف )
( عزيز مصر الحسن لو كان في ** زمانه هام به يوسف )
ومنه معمى في علي


( بلغ حبيبي بعض ما ** ألقاه إن أبصرته )
( أما عذولي قل له ** دع عنك ما أضمرته )
ومنه معمى في أحمد
( لنا إن دارت الكاس العقار ** بأطراف الرماح دم مدار )
ومن إفاداته أن لفظ ابن خلكان ضبط على صورة الفعلين خل أمر من التخلية وكان الناقصة قال وسببه أنه كان يكثر قول كان والدي كذا كان جدي كذا كان فلان كذا فقيل له خل كان فغلبت عليه انتهى وتوفي رحمه الله تعالى بمكة المشرفة وفيها الشريف أبو نمى محمد بن بركات صاحب مكة قال في النور ولبعض فضلاء مكة في تاريخ وفاته
( يا من به طبنا وطاب الوجود ** قد كنت بدرا في سماء السعود )
( ما صرت في الترب ولكنما ** أسكنك الله جنان الخلود )
ولد سنة عشر وتسعمائة وتوفي يوم عاشوراء انتهى
وفيها المولى محمد بن نور الله المشتهر بأخي زادة نسبة إلى جده من قبل أمه المولى أخي يوسف التوقاتي محشى صدر الشريعة قال في العقد المنظوم نشأ صاحب الترجمة في طلب العلم والسيادة وأخذ عن جلة من المشايخ منهم عرب جلبي والمولى عبد الباقي ثم صار ملازما من المولى خير الدين معلم السلطان سليمان ثم قلد المدارس إلى أن قلد قضاء حلب ثم برسة ثم أدرنة ثم صار قاضيا بالعساكر في ولاية أناضولي ثم تقاعد بوظيفة مثله ثم قلد تدريس دار الحديث السليمانية فدام على الدرس والإفادة ونشر العلوم والمعارف إلى الوفاة وكان بحرا من بحار العلوم زاخرا وطودا من أطواد الفهوم باذخا يقذف للقريب من جواهر معارفه عجائب ويبعث للغريب من طماطم فضائله سحائب طالما فتح بمفاتيح أنظاره الدقيقة مغالق المعضلات وحل بخاطره اليقظان وفكره العجيب الشان عقد المشكلات عديم النظير

في سرعة الانتقال وحسن التقرير وصاحب أدب وسكينة ومعارف رصينة أنظر أهل زمانه وفارس ميدانه وتوفي في آخر ذي القعدة انتهى ملخصا
وفيها الشيخ العارف بالله تعالى شيخ بن عبد الله بن شيخ بن عبد الله العيدروس اليمني الشافعي قال ولده في النور السافر في أعيان القرن العاشر ولد سنة تسع عشرة وتسعمائة بتريم من اليمن وصار شيخ زمانه باتفاق عارفي وقته ولقد ألهم الله أهله حيث سموه شيخا كما ألهم الله آل النبي صلى الله عليه وسلم حيث سموه محمدا وكان علامة وقته وشيخ الطريقة حقيقة واسما فإن الشيخ أبا بكر باعلوي كان يقول ما أحد من آل باعلوي أولهم وآخرهم أعطى مثله وقال غيره والله ما هو إلا آية من آيات الله تعالى وما ألف مثل كتابه الفوز والبشرى وحكى من مجاهداته أنه كان يعتمر غالبا في رمضان أربع عمرات بالليل وأربعا بالنهار وهذا شيء من أعظم الكرامات وممن أخذ عنه العلم ابن حجر الهيتمي والعلامة عبد الله باقشير الحضرمي وله من كل منهما إجازة في جماعة آخرين يكثر عددهم ومن مصنفاته العقد النبوي والسر المصطفوي والفوز والبشرى وشرحان على قصيدته المسماة تحفة المريد ومولدان كبير وصغير ومعراج ورسالة في العدل وورد سماه الحزب النفيس ونفحات الحكم على لامية العجم وهو على لسان التصوف ولم يكمله وديوان شعر ومن شعره
( كفاني أن أزهو بجد ووالد ** ولي حسب من فوق هام الفراقد )
( ولي نسب بالمصطفى وابن بنته ** حسين علا زينا زكي المحاتد )
( أبا وأبا من سيد الرسل هكذا ** إلى العيدروس المجتبى خير ماجد )
( وراثة خير الخلق أحمد جدنا ** ونحن به نعلو العلا في المعاقد )
( ورثنا العلا أكرم بنا خير سادة ** شذا مجدنا يشذو بطيب المحامد )
وقد أفرد ترجمته ومناقبه غير واحد بالتأليف كالعلامة حميد بن عبد الله السندي

وقال فيه الفاضل عبد اللطيف الدبيري
( شيخ الأنام مفيد كل محقق ** بحر العلوم العارف الرباني )
( ابن العفيف أبو الشهاب المجتبى ** قطب الزمان العيدروس الثاني )
( شرف السيادة والزهادة والتقى ** فخر الحماة الغر من عدنان )
( هو كالسفينة من تولاه نجا ** وسواه لم يأمن من الطوفان )
دخل الهند سنة ثمان وخمسين وتسعمائة فأقام بها إلى أن توفي بأحمداباد ليلة السبت لخمس وعشرين خلت من شهر رمضان انتهى ما أورده ولده ملخصا

سنة إحدى وتسعين وتسعمائة

فيها تقريبا توفي برهان الدين إبراهيم بن المبلط القاهري شاعر القاهرة كان فاضلا أديبا شاعرا ومن شعره في القهوة
( يقول عذولي قهوة البن مرة ** وشربة حلو الماء ليس لها مثل )
( فقلت على ما عبتها من مرارة ** قد اخترتها فاختر لنفسك ما يحلو )
وقال
( أرى قهوة البن في عصرنا ** على شربها الناس قد أجمعوا )
( وصارت لشرابها عادة ** وليست تضر ولا تنفع )
وقال
( يا عائبا لسواد قهوتنا التي ** فيها شفاء النفس من أمراضها )
( أو ما تراها وهي في فنجانها ** تحكي سواد العين وسط بياضها )
وفيها نور الدين علي بن علي السنفي المصري ثم الدمشقي الشافعي الإمام العلامة قال في الكواكب ولد بمصر سنة إحدى وتسعمائة وأخذ الفقه وغيره عن القاضي زكريا والبرهان بن أبي شريف والبرهان القلقشندي والكمال الطويل وغيرهم وورد الشام وقطنها وانتفع به الفضلاء كالشيخ إسماعيل النابلسي وشيخنا شيخ الإسلام أحمد العيثاوي وولي نيابة القضاء بالكبرى وتنزه عن المحصول برهة ثم تناوله وكانت وفاته بدمشق ليلة الأحد رابع

شعبان وفيها جمال الدين محمد بن أبي بكر الأشخر بالشين المعجمة الساكنة والخاء المعجمة بعدها راء اليمني الشافعي الإمام العلامة قال في النور ولد في اليوم الثاني والعشرين من ذي الحجة سنة خمس وأربعين وتسعمائة وتخرج بأبيه وقرأ على جماعة من الجلة وحصل له من الجميع الإجازة وبرع في العلوم حتى صار شيخ الإسلام ومفتي الأنام الفرد الحافظ الحجة السالك بالطالبين في أوضح المحجة إمام الفنون الذي اعترف بتقدمه المفتون وله التصانيف المفيدة والتآليف العديدة منها منظومة الارشاد وشرح الشذور ومنظومة في أصول الفقه وشرحها ومختصر المحرر للسمهودي في تعليق الطلاق ومنظومة في أسماء الرجال وألفية في النحو نظمها في مرض موته وله فتاوى مجلد ضخم وشرح بهجة المحافل واختصر التفاحة في علم المساحة وله غير ذلك ومن نظمه جامعا غزوات النبي صلى الله عليه وسلم
( غزوة بدر أحد فالخندق ** بني قريظة بني المصطلق )
( وخيبر وطائف بالاتفاق ** قاتل فيها المصطفى أهل الشقاق )
( والخلف في بني النضير ذكرا ** فتح حنين غابة وادي القرى )
وله فيها مرتبا على سني الهجرة الشريفة
( فبدر فأحد بعد هاذين خندق ** فذات رقاع والمريسيع خيبر )
( وفتح تبوك رتبت هذه على ** سنى هجرة كل بذاك يخبر )
ومنه مما يتعلق بالبروج والمنازل
( وزنوا عقربا بقوس شتاءا ** غفروا للبليد لما أساء )
( شرب الجدي دلو حوت ربيعا ** فله الذبح حيث حل الرشاء )
( حمل الثور جوزة نحو صيف ** شاركا للذراع لما أشاء )
( سرط الليث سنبلا بخريف ** ناثرا أنجم السماك شراء )
ونظمه كثير وعلمه غزير ونظم كثيرا من المسائل العلمية والقواعد الفقهية

ليقرب ضبطها ويسهل حفظها وبالجملة فإنه كان آية من آيات الله تعالى خاتمة المحققين لم يخلف بعده مثله وتخرج به جماعة من بلده وغيرها
منهم أخوه العلامة أحمد الاشخر وناهيك به إذ حفظ العباب للمزجد وكان أخوه يعظمه ويقدمه على سائر الطلبة غير أنه بعد ذلك ظهرت فيه طبيعة السوداء فترك الاجتماع بالناس إلا نادرا ومع ذلك لما اجتمع به الفقيه أحمد ابن الفقيه محمد باجابر حصل له عنده الحظوة التامة واختلى به أياما مدة إقامته عنده وأملى عليه شيئا كثيرا من نظم أخيه وبحث معه في مسائل فقهية وتعجب الناس لذلك فرحمهم الله تعالى جميعا

سنة اثنتين وتسعين وتسعمائة

فيها توفي الولي الكبير الشيخ أبو بكر بن سالم باعلوي قال في النور كان من المشايخ الأفراد المقصودين بالزيارة من أقصى البلاد وانتفع ببركته الحاضر والباد وانغمرت بنفحات أنفاسه العباد واشتهرت كراماته ومناقبه في الآفاق وسارت بها الركبان والرفاق ووقع على ولايته الاجماع والاتفاق توفي رحمه الله تعالى ليلة الأحد السابع والعشرين من ذي الحجة بعينات بكسر المهملة وسكون المثناة التحتية وقبل الالف نون وبعدها مثناة فوقية من قرى حضرموت على نصف مرحلة من تريم
وفيها شهاب أحمد الشيخ بدر الدين العباسي المصري الشافعي ولد بمصر سنة ثلاث وتسعمائة وأخذ عن القاضي زكريا والبرهان بن أبي شريف والنور المحلى وكمال الدين الطويل ونور الدين المليجي بالجيم وأبي العباس الطنبذاوي البكري بزبيد وحفظ المنهاج الفقهي والشاطبية والعمدة في الحديث للحافظ عبد الغني المقدسي والأربعين النواوية والأجرومية ومختصر أبي شجاع وكان عالما عاملا علامة شديد الورع قليل الاختلاط بالناس متمسكا بالكتاب والسنة وطريقة السلف الصالح له اليد الطولى في علم الحرف والفلك

والميقات وله الشعر الرائق فمنه
( كان البخاري حافظا ومحدثا ** جمع الصحيح مكمل التحرير )
( ميلاده صدق ومدة عمره ** فيها حميد وانقضى في نور )
ولما وقف على هذه الأبيات التي نظم فيها بعضهم ما لكل فصل من المنازل على اصطلاح أهل اليمن وهي
( شرط البطين ثريا دبر هقعقها ** وهنة الذرع فصل الصيف قد كملا )
( فنثرة الطرف جبه الزبرة انصرفت ** عوا سماك فذا فصل الخريف خلا )
( غفر زبانا تكلل قلب شولتها ** نعامة بلدة فصل الشتا كملا )
( واذبح بلاعا سعودا واخب مزعمها ** في بطن حوت فذا فصل الربيع تلا )
استحسنها وقال أنه أجاد فيها غير أنه اعتمد في ذلك على حساب المتقدمين في المنازل حيث بدأ بالشرطين وعلى حساب المتأخرين يبدأون بالفرغ المؤخر وتوفي بالهند بأحمداباد ليلة الجمعة رابع صفر ودفن بها بتربة العرب بالقرب من تلميذه وصاحبه الشيخ عبد الرحيم العمودي وكانا في حياتهما روحين في جسد وفيها القاضي زين الدين عبد الرحمن بن محمد بن أحمد ابن الفرفور الحنفي كان إماما فاضلا شاعرا بارعا من شعره
( اترك الدنيا لناس زعموا ** أن فيها مرهم القلب الجريح )
( ذاك ظن منهم بل غلط ** آه منها ما عليها مستريح )
وأهدى سفينة لبعض أصحابه وكتب معها
( سفينة وافتك يا سيدي ** مشحونة بالنظم والنثر )
( قد ملئت بالدر أرجاؤها ** من أجل ذا جاءت إلى البحر )
وفيها أبو السعادات محمد بن أحمد بن علي الفاكهي المكي الحنبلي الإمام العلامة ولد سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة وقرأ في المذاهب الأربعة فكانت له اليد الطولى وتفنن في العلوم ومن شيوخه الشيخ أبو الحسن البكري

وابن حجر الهيتمي والشيخ محمد الحطاب في آخرين من أهل مكة وحضرموت وزبيد يكثر عددهم بحيث يزيدون على التسعين وأجازوه وحفظ الأربعين النواوية والعقائد النسفية والمقنع في فقه الحنابلة وجمع الجوامع الأصولي وألفية ابن مالك وتلخيص المفتاح وغير ذلك منها القرآن العظيم وقرأ للسبعة ونظم ونثر وألف من ذلك شرح مختصر الأنوار المسمى نور الأبصار في فقه الشافعي ورسالة في اللغة وغير ذلك ورزق الحظوة في زمنه وكان جوادا سخيا لا يمسك شيئا ولذلك كان كثير الاستقراض وكانت تغلب عليه الحدة ودخل الهند وأقام بها مدة مديدة ثم رجع إلى وطنه مكة سنة سبع وخمسين وتسعمائة وفي ذلك العام زار النبي صلى الله عليه وسلم ثم حج في السنة التي تليها وعاد إلى الهند فمات بها ليلة الجمعة الحادي والعشرين من جمادى الآخرة وفي حدودها بهاء الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله المصري النحوي الشيخ العالم الصالح قال في الكواكب ولد تقريبا سنة ثمان وتسعمائة وتوفي في عشر التسعين انتهى وفيها قطعا شهاب الدين محمود بن شمس الدين محمد السندي الطبيب قال في النور كان آية في الطب والمعالجات حكى أن بعض السلاطين أهدى إلى السلطان محمود صاحب كجرات أشياء نفيسة من جملتها جارية وصيفة فأعطاها السلطان لبعض الوزراء فاتفق أن صاحب الترجمة جس نبضها قبل أن يمسها ذلك الوزير فحذره من جماعها وقال كل من جامعها يموت فأرادوا تجربته في ذلك وجاءوا بعبد وأدخلوه عليها فمات لوقته فازدادوا تعجبا منه وسأله الوزير عن السبب فقال إنهم أطعموها أشياء أورثت ذلك وأن مهديها قصد هلاك السلطان ويقرب من هذا بل يؤيده أن القزويني ذكر في عجائب البلدان عند الكلام على عجائب الهند ومن عجائبها البيش وهو نبت لا يوجد إلا في الهند سم قاتل أي حيوان يأكل منه يموت ويتولد تحته حيوان يقال له فأرة

البيش تأكل منه ولا يضرها ومما ذكر أن ملوك الهند إذا أرادوا الغدر بأحد عمدوا إلى الجواري إذا ولدن وفرشوا من هذا النبت تحت مهودهن زمانا ثم تحت فرشهن زمانا ثم تحت ثيابهن زمانا ثم يطعمونهن منه في اللبن حتى تصير الجارية إذا كبرت تتناول منه ولا يضرها ثم يبعثوا بها مع الهدايا إلى من أرادوا الغدر به من الملوك فإذا غشيها مات انتهى

سنة ثلاث وتسعين وتسعمائة

فيها توفي الشيخ تقي الدين أبو بكر بن محمد الحمامي والده الصهيوني الشافعي الإمام العلامة قال في الكواكب قرأ على الشيخ شهاب الدين الطيبي في القراآت وغيرها وعلى الشيخ شهاب الدين أخي في الحساب وغيره وكان يعتمد علم الحرف ويعمل الأوفاق اعتقده الحكام بسبب ذلك وعاش فقيرا ثم أثرى في آخر عمره فقال لبعض أصحابه حيث وسعت علينا الدنيا فالأجل قريب فمات عن قرب ومن كلامه ليس في التردد إلى من ليس فيه كبير فائدة كبير فائدة وله نظم لطيف منه
( أضنى الجوانح بالهوى ولهيبه ** بدر تزايد في الهوى ولهى به )
( وجوانحي جنحت إلى ذاك الذي ** شغل الفؤاد بحبه ولهيبه )
( وعلى هواه مقلتي سحت وما ** شحت بفيض مدامعي وصبيبه )
( فإذا أصبت أذى بأوصاف الهوى ** لا تنكروا بحياتكم وصبى به )
( لله صب ما تذكر للهوى ** إلا وهام بذكره وصبى به )
ذكر الشيخ حسن البوريني أنه ذاكرا أبا بكر الصيوني فوجده فاضلا في علوم إلا أنه اشتهر بعلم النجوم انتهى ملخصا وفيها الشيخ إسمعيل بن أحمد بن الحاج إبراهيم النابلسي الشافعي قال في الكواكب هو شيخ الإسلام ومفتي الأنام أستاذ العصر ومفرد الوقت تصدر للافتاء والتدريس وصار إليه المرجع بعد شيخ الإسلام الوالد مولده وجدته بخط المنلا أسد سنة

سبع وثلاثين وتسعمائة واشتغل على جماعة من أهل العلم في النحو والصرف وحفظ القرآن العظيم وألفية ابن مالك ثم لازم الشيخ أبا الفتح الشيشري هو وصاحبه الشيخ عماد الدين الحنفي ثم لزم العلامة الشيخ علاء الدين بن عماد الدين في المعقولات وغيرها وأخذ عن شيخ الاقراء الشيخ شهاب الدين الطيبي وقرأ المنهاج على العلامة الفقيه السنفي ودرس بالجامع الأموي ثم بدار الحديث الأشرفية وبالشامية البرانية عن الشهاب القلوجي ودرس بالدرويشية بشرط واقفها وضم إليها تدريس العادلية الكبرى وكانت دروسه حافلة لصفاء ذهنه وطلاقة لسانه وحسن تقريره وله شعر منه قوله محاجيا في عاقر قرحا
( مولاي يا خير مولى ** ويا سليم القريحه )
( ما مثل قول المحاجي ** يوما عجوز قريحه )
وأجاب عن قول بعضهم
( يا أيها النحوي ما اسم قد حوى ** من مانعات الصرف خمس موانع )
( وتزول من تلك الموانع علة ** فيصير مصروفا بغير منازع )
بقوله
( يا أكمل الفضلاء يا من قد غدا ** في فضله فردا بغير مدافع )
( في أذربيجان لقد ألغزت إذ ** شنفت باللغز البديع مسامعي )
توفي رحمه الله تعالى يوم السبت ثالث عشر المحرم ودفن بمقبرته التي أنشاها شمالي مقبرة باب الصغير بالقرب من جامع جراح
وفيها رحمة الله بن عبد الله السندي الحنفي نزيل المدينة المشرفة قال في النور كان من العلماء العاملين وعباد الله الصالحين وتوفي في مكة في ثامن عشر المحرم وكان له أخ اسمه حميد وكان أيضا من أهل العلم والصلاح حسن الأخلاق كثير التواضع ظاهر الفضل جليل القدر وحصل له في آخر الأمر جاه عظيم وجاور بها تسع سنين ومات بها أيضا انتهى وممن أخذ عنه

النجم الغيطي وممن أخذ عن الشيخ حميد الشيخ محمد علي ابن ابن الشيخ محمد علان المكي الشافعي الصديقي الشهير بابن علان شيخ شيخنا السيد محمد بن السيد حمزة الحسيني نقيب السادة الأشراف بدمشق
وفيها شمس الدين محمد بن محمد بن محمد بن أبي اللطف المقدسي الشافعي المتقدم ذكر والده في سنة إحدى وسبعين وتسعمائة ولد صاحب الترجمة سنة أربعين وتسعمائة وبرع وهو شاب وفضل وتقدم على من هو أسن منه حتى على أخويه وصار مفتي القدس الشريف على مذهب الإمام الشافعي وكان له يد طولى في العربية والمعقولات وله شعر منه قوله مقيدا لأسماء النوم بالنهار وما في كل نوع منها
( النوم بعد صلاة الصبح غيلوله ** فقر وعند الضحى فالنوم فيلوله )
( وهو الفتور وقبل الميل قيل له ** إذ زاد في العقل أي بالقاف قيلوله )
( والنوم بعد زوال بين فاعله ** وبين فرض صلاة كان ميلوله )
( وبعد عصر هلاك كان مورثا وكذاك ** قلة العقل بالاهمال عيلوله )
وكان إماما علامة وتوفي رحمه الله تعالى بالقدس الشريف في أواخر صفر
وفيها الاستاذ الأعظم شمس الدين محمد بن الشيخ أبي الحسن علي بن محمد بن عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عوض بن عبد الخالق بن عبد المنعم بن يحيى بن يعقوب بن نجم الدين بن عيسى بن داود ابن نوح بن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه البكري الصديقي الشافعي الأشعري المصري قال في النور أخذ عن والده والقاضي زكريا وغيرهما وكان من آيات الله في الدرس والاملاء يتكلم بما يحير العقول ويذهل الأفكار بحيث لا يرتاب سامعه في أن ما يتكلم به ليس من جنس ما ينال بالكسب وربما كان يتكلم بكلام لا يفهمه أحد من أهل مجلسه مع كون كثير منهم أو أكثرهم على الغاية من التمكن في سائر مراتب

العلوم وكان إليه النهاية في العلم حتى كان بعض الأجلاء ممن يحضر دروسه يقول لولا أن باب النبوة سد لاستدلينا بما نسمعه منه على نبوته وأما مجالسه في التفسير وما يقرره فيها من المعاني الدقيقة والأبحاث الغامضة مع استيعاب أقوال الأئمة وذكر المناسبات بين السور والآيات وبين أسماء الذات المقدس والصفات وما قاله أئمة الطريق في كل آية من علوم الإشارة فمما يحير العقول ويدهش الخواطر وجميع ما يلقيه بألفاظ مسجعة معربة موضوع كل لفظ في محله الذي لا أولى به ولم يحفظ أحد له هفوة في لفظ من ألفاظه من جهة اعراب أو تصريف أو تقديم أو تأخير أو غير ذلك من هفوات الألسن وما من درس من دروسه إلا وهو مفتتح بخطبة مشتملة على الاشارة إلى كل ما اشتمل عليه ذلك الدرس على طريق براعة الاستهلال وهكذا كانت مجالسه في الفقه والحديث وكل علم يتصدى لتقريره وله جملة تصانيف منها شرح مختصر على أبي شجاع في الفقه وكتب أيضا على أوائل منهج القاضي زكريا وله رسائل في أنواع من العلوم والمعارف والآداب كرسالته في الاسم الاعظم ورسالته في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ورسالته في السماع وغير ذلك وله ديوان شعر كبير منه قوله
( ما أريض مفتح الأزهار ** وبهيج مشعشع الأنوار )
( ولآل منظمات عقودا ** لغوان عرائس أبكار )
( وشموس تضيء في أفق السعد ** زها ضوؤها على الأقمار )
( وغصون بايكها تسجع الورق ** فتنسى ترنم الأوتار )
( مثل قول الاله في حق جدي ** { ثاني اثنين إذ هما في الغار } )
ومنه قصيدته الطويلة التي مطلعها
( ما أرسل الرحمن أو يرسل ** من رحمة تصعد أو تنزل )
( في ملكوت الله أو ملكه ** من كل ما يختص أو يشمل )


( الا وطه المصطفى عبده ** نبيه مختاره المرسل )
( واسطه فيها وأصل لها ** يفهم هذا كل من يعقل )
ومنه
( إذا خطب ذنب علينا دجا ** أنرنا دجاه بنور الرجا )
( فكم شدة من ذنوب عظام ** لها الله بالعفو قد فرجا )
( وكم ضقت ذرعا بجرمي فما ** وجدت سوى العفو لي مخرجا )
( فلله فالجأ ولا تيأسن ** فما خاب عبد إليه التجا )
ومنه
( انظر إلى الماء الذي ** بيد النسيم تجعدا )
( قد شبهوه بمبرد ** فلأجل ذا يبري الصدا )
وكان رضي الله عنه يحج في كل عامين مرة وبالجملة فلم يكن له نظير في زمانه ولم يخلف مثله وتوفي بالقاهرة في ربيع الثاني وقيل في تاريخ وفاته
( مات من نسل أبي بكر فتى ** كان في مصر له قدر مكين )
( قلت لما الدمع من عيني جرى ** أرخوه مات قطب العارفين )
وفيها المولى السيد محمد بن محمد بن عبد القادر أحد موالي الروم وابن أحد مواليها السيد الشريف الحنفي المعروف بابن معلول قال في الكواكب ولي قضاء الشام وكلف الناس المبالغة في تعظيمه وماتت له بنت فصلى عليها شيخ الإسلام الوالد وعزاه بالجامع الأموي ولم يذهب معه فحنق عليه ثم لما ولى مصر ثم قضاء العساكر فوجه التقوية عن الوالد للشيخ محمد الحجازي المعروف بابن سماقة ثم باشر قضاء العسكر سبعة عشر يوما ثم جن وأخذ من مجلس الديوان محمولا وولي قضاء العسكر بعده جوى زادة فأعاد التقوية إلى الشيخ ثم ولي ابن معلول الافتاء ثم عزل عنه سريعا وأعطي نقابة الأشراف ومات وهو نقيب عن ثمان وخمسين سنة انتهى باختصار

سنة أربع وتسعين وتسعمائة

فيها توفي برهان الدين إبراهيم بن عبد الرحمن بن علي بن أبي بكر العلقمي

القاهري الشافعي الإمام العلامة أخو الشيخ شمس الدين العلقمي ولد سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة وهو منسوب إلى بلدة العلاقمة قرية من كورة بلبيس ونشأ بها ثم رحل إلى القاهرة وتفقه بأخيه والشيخ شهاب الدين البلقيني وقرأ البخاري كاملا وثلث مسلم وجميع الشفا على قاضي القضاة شهاب الدين الفتوحي وسمع عليه الأكثر من بقية الكتب الستة بقراءة الشمس البرهمتوشي وقرأ جميع سيرة ابن هشام علي المحيوي يحيى الوفائي قاضي الحضرة وجميع رياض الصالحين على العارف بالله تعالى أحمد بن داود النسيمي وجميع البخاري وسيرة ابن سيد الناس علي السيد الشريف يوسف بن عبد الله الأرميوني وأجازه بالفقه والنحو الشهاب البلقيني تلميذ القسطلاني وقرأ الكثير من حلية أبي نعيم على الإمام المحدث أحمد بن عبد الحق وكان في ابتداء أمره يلازم دروس الشهاب الرملي ويسمعه وله مشايخ غير هؤلاء وبالجملة فقد كان إماما عالما عاملا رحمه الله تعالى
وفيها شهاب الدين أحمد بن قاسم العبادي القاهري الشافعي الإمام العلامة الفهامة أخذ العلم عن الشيخ ناصر الدين اللقاني ومحقق عصره بمصر شهاب الدين البرلسي المعروف بعميرة والعلامة قطب الدين عيسى الصفوي وبرع وساد وفاق الأقران وسارات بتحريراته الركبان وتشنفت من فرائد فوائده الآذان ومن مصنفاته الحاشية على شرح جمع الجوامع المسماة بالآيات البينات وحاشية على شرح الورقات وحاشية على المختصر في المعاني والبيان وحاشية على شرح المنهج وأخذ عنه الشيخ محمد بن داود المقدسي وغيره وتوفي بالمدينة المنورة عائدا من الحج وفيها تقريبا نور الدين علي بن محمد العسيلي المصري الشافعي الإمام العلامة الأديب المفنن في العلوم النقلية والعقلية ذكره الشعراوي وأثنى عليه بالخشية والبكاء عند سماع القرآن والتهجد قال وكان يغلب عليه أحوال الملامية وإن غالب أعماله قلبية وكان

إماما علامة له حاشية حافلة على مغنى ابن هشام ومن نظمه قوله في صدر قصيدة
( رعى الله ليلة وصل خلت ** خلوت بها وضجيعي القمر )
( صفت عن رقيب وعن عاذل ** فلم تك إلا كلمح البصر )
( وقد قصرت بعد طول النوى ** وما قصرت مع ذاك القصر )
وقوله في عبد له اسمه فرج
( لكل ضيق إذا استبطأته فرج ** وكل ضيق أراه فهو من فرج )
وكان الشيخ نور الدين من أخص الناس بالشيخ محمد بن أبي الحسن البكري
وفيها شمس الدين أبو مسلم محمد بن محمد بن خليل بن علي بن عيسى بن أحمد الصمادي الدمشقي القادري الشافعي ولد سنة إحدى عشرة وتسعمائة قال في الكواكب وكان من أمثل الصوفية في زمانه وله شعر في طريقتهم إلا أنه لا يخلو من مؤاخذة في العربية وكان شيخ الإسلام الوالد يجله ويقدمه على أقرانه من الصوفية ويترجمه بالولاية وأفتى شيخ الإسلام الوالد تبعا لشيخي الإسلام شمس الدين بن حامد والتقوى بن قاضي عجلون بإباحة طبولهم في المسجد وغيره قياسا على طبول الجهاد والحجيج لأنها محركة للقلوب إلى الرغبة في سلوك الطريق وهي بعيدة الأسلوب عن طريقة أهل الفسق والشرب وكان الأستاذ الشيخ محمد البكري يبجل صاحب الترجمة لأنهما اجتمعا في بيت المقدس وعرف كل منهما مقدار الآخر قال النجم الغزي وما رأيت في عمري أنور من أربعة إذا وقعت الأبصار عليهم شهدت البصائر بنظر الله إليهم أجلهم والدي والشيخ محمد الصمادي والشيخ محمد اليتيم ورجل رأيته بمكة المشرفة سنة إحدى وألف وكان الشيخ محمد الصماد معتقدا للخواص والعوام خصوصا حكام دمشق والواردين إليها من الدولة وكانوا يقصدونه في زاويته للتبرك وطلب الدعاء منه وبالجملة كان من أفراد الدهر توفي رضي الله عنه ليلة الجمعة عاشر صفر ودفن بزاويتهم داخل باب الشاغور وكانت

دمشق قبل ذلك بثلاثة أيام مزينة لفتح تبريز وقيل في تاريخ وفاته
( لهف قلبي على الصمادي يوما ** الحسيب النسيب أعني محمد )
( مذ توفي أهل النهى أرخوه ** مات قطب من الرجال ممجد )
انتهى باختصار وفيها المولى محمد بن عبد الكريم الملقب بزلف نكار الحنفي الرومي القسطنطيني الإمام العلامة قال في العقد المنظوم وهو آخر من ترجم فيه كان من ملازمي المولى جعفر وتنقل في المدارس وله حواش مقبولة على حواشي التجريد للشريف الجرجاني ورسالة على أول كتاب العتاق من الهداية ورسائل أخر في علم البيان وغيره وكان فاضلا عالما عاملا أديبا وقورا خيرا صبورا انتهى

سنة خمس وتسعين وتسعمائة

فيها توفي المولى محي الدين محمد بن محمد بن الياس المعروف بحوى زادة الحنفي الإمام العلامة قال في الكواكب هو أحسن قضاة الدولة العثمانية وأعفهم وأصلحهم سيرة ترقى في المدارس على عادة موالي الروم وولي قضاء دمشق فدخلها في خامس عشر صفر سنة سبع وسبعين وتسعمائة وهي سنة ميلادي وانفصل في ختام السنة عن قضاء دمشق وأعطى قضاء مصر ثم صار قاضيا بالعساكر وفي آخر أمره صار مفتيا بالتخت السلطاني وكانت سيرته في قضائه في غاية الحسن بحيث يضرب بها المثل وكان عالما فاضلا بارعا دينا خيرا عفيفا كان رسم الحجة في دمشق قبل ولايته أربع عشرة قطعة فجعله عشرا وكان رسم الصورة ثمان قطع فجعله ستا ودام على ذلك وأخذ بعض نوابه في بعض الوقائع ما زاد على ذلك فرده وقرأ على الشيخ الوالد في أوائل الكتب الستة وغير ذلك وحضر بعض دروسه في الفقه والتفسير واستجازه فأجازه وكان يفتخر بقراءته على الشيخ وإجازته وكان رحمه الله تعالى حليما إلى الغاية إلا في أمر الدين ومصالح المسلمين فإنه كان صلبا

يغضب لله تعالى وبالغ في ردع السياسة وربما ضرب بعضهم ولم يقبل من أحد هدية أيام قضائه ولما انفصل عن دمشق أمر مناديا ينادي يوم الجمعة بالجامع الأموي أن قاضي القضاة عزل عن دمشق فمن أعطاه شيئا أو أخذ منه أحد من جماعته شيئا أو تعدى عليه أحد من جماعته فليرفع قصته إليه حتى يرد إليه ما انتزع منه فرفعت الناس أصواتهم بالبكاء والدعاء له ودام في ولاياته كلها على التعبد والورع في طعامه وشرابه ولباسه ومات وهو مفتي التخت السلطاني ليلة الخميس سادس جمادى الآخرة انتهى ملخصا
وفيها مصطفى بن محمد العجي الحلبي ثم الدمشقي الشافعي كان أبوه من تجار دمشق وأهل الخير وكان لصاحب الترجمة معرفة بالفرائض والحساب ومشاركة في عدة فنون وله شعر لطيف قاله في الكواكب

سنة ست وتسعين وتسعمائة

فيها توفي المولى برويز بن عبد الله الرومي الحنفي الإمام العالم العلامة قرأ على علماء عصره وتنقل في المدارس وولي عدة من المناصب الشريفة وكان بارعا مفننا له حاشية على تفسير البيضاوي وحاشية على الهداية ورسائل في فنون عديدة
وفيها الشريف الفاضل محمد بن الحسين الحسيني السمرقندي قال في النور كان فاضلا منشئا يعرف عدة ألسن مثل العربية والفارسية والرومية والهندية والحبشية وكان أهل المدينة إذا أرادوا مكاتبة أحد الأكابر لا يكتبون ذلك إلا بإنشائه ولما مات أحصيت كتبه فكانت ألفا وتسعين كتابا ووجد بخطه هذان البيتان
( روحي ائتلفت بحبكم في القدم ** من قبل وجودها وبعد العدم )
( ما يجمل بي من بعد عرفانكم ** إن أنقل من طرق هواكم قدمي )
وذكر أنهما لسيدي الشيخ عبد القادر الكيلاني قدس الله روحه وأنهما إذا

قرئا في اذن المصروع أفاق البتة وتوفي بالمدينة المشرفة ليلة الخميس تاسع المحرم انتهى وفيها جمال الدين محمد بن الصديق الخاص الحنفي اليمني الزبيدي قال في النور كان إماما عالما رحلة محققا مدققا من كبار علماء زبيد وأعيان المدرسين بها والمفتين على مذهب الإمام الأعظم ليس له نظير في زمانه ولم يخلف في ذلك القطر مثله وتوفي بزبيد عصر يوم الأربعاء رابع شعبان انتهى

سنة سبع وتسعين وتسعمائة

فيها توفي شهاب الدين أحمد بن الشيخ شهاب الدين أحمد بن عبد الحق المصري الشافعي الإمام العلامة أخذ عن والده وغيره من أعيان علماء مصر ودأب وحصل ودرس وأفتى وصار ممن يشار إليه في الاقليم المصري بالبنان وتتشنف بفرائد فوائده الآذان رحمه الله تعالى
سنة ثمان وتسعين وتسعمائة

فيها توفي المنلا أسد بن معين الدين الشيرازي الشافعي نزيل دمشق الإمام العلامة المحقق المدقق قال في الكواكب أكثر انتفاعه بالشيخ علاء الدين بن عماد الدين قرأ عليه الارشاد في الفقه لابن المقري وقرأ عليه في شرح المفتاح في المعاني والبيان وشرح الطوالع للأصبهاني والعضدوفي الكشاف والقاضي وكتب بخطه المطول وديوان أبي تمام والمتنبي وشرح ابن المصنف على الألفية وغير ذلك ودرس بالناصرية البرانية ثم بالشامية وجمع له بينهما وأفتى بعد موت الشيخ إسماعيل النابلسي وعنه أخذ أكثر فضلاء الوقت كالشيخ حسن البوريني والشهلبى أحمد بن محمد المنقار والشيخ محمد بن حسين الحمامي وغيرهم وله شعر رائق بليغ كأنه لم يكن أعجميا ومن شعره
( قال لي صاحبي غداة التقينا ** إذ رآني بمدمع مهراق )
( لم تبكي فقلت قد أنشدوني ** مفردا فائقا لطيف المذاق )


( كل من كان فاضلا كان مثلي ** فاضلا عند قسمة الأرزاق )
وتوفي في جمادى الثانية ودفن بسفح قاسيون انتهى وفيها الحافظ جمال الدين الطاهر بن الحسين بن عبد الرحمن الأهدل اليمني الشافعي محدث الديار اليمنية قال في النور ولد سنة أربع عشرة وتسعمائة بقرية المراوعة وبها نشأ وتعلم القرآن وقرأ على إمام جامعها فخر الدين بن أبي بكر المعلم علوم النحو والفقه والحساب وغير ذلك ثم انتقل إلى مدينة زبيد ولازم الحافظ عبد الرحمن بن الديبع وانتفع به انتفاعا رقى به إلى درجة الكمال وساد على الأمثال وله مشايخ كثيرة في الحديث وغيره منهم أبو العباس الطنبذاوي ووجيه الدين ابن زياد والسيد عبد المحسن الأهدل وبرهان الدين مطير وخلائق وأجازوا له وارتحل إلى مكة المشرفة وجاور بها واجتمع فيها بجماعة من العلماء مثل شيخ الإسلام أبي الحسن البكري وقرأ عليه وعلى الحافظ أبي السعادات المالكي وغيرهما ثم أنه انفرد بعد شيخه ابن الديبع برياسة الحديث وارتحل إليه الناس وكثر الآخذون عنه منهم الحافظ محي الدين البزاز ومحمد بن أحمد الصابوني وبرهان الدين بن جعمان وعبد الرحمن الضجاعي وأمين الدين الأعمر وتخرج به ابن ابنه العلامة السيد الحسين بن أبي بكر بن الطاهر المترجم وعمى بآخر عمره بعد أن حصل بخطه كتبا كثيرة وصنف أشياء حسنة وبالجملة فإنه كان أوحد عصره علما وعملا وحفظا واتقانا وضبطا ومعرفة بأسماء الرجال وجميع علوم الحديث بحيث كان مسند الدنيا وتوفي يوم الأربعاء سابع عشر ربيع الأول بمدينة زبيد ودفن بباب سهام بمقبرة أهله انتهى
وفيها وجيه الدين ميان الهندي قال في النور توفي بأحمداباد وكان من أهل العلم والزهد وحصل له القبول التام من الناس وانتفع به الطلبة في كثير من الفنون واشتهر أمره جدا انتهى وتقدمت ترجمة عبد الصمد ميان الهندي أيضا وهذا غيره

سنة تسع وتسعين وتسعمائة

قال في النور في يوم الأربعاء رابع عشر رجب زالت الدولة المهدوية بأحمد نكر من بلاد الدكن وقتل الوزير جمال خان وجيء برأسه إلى أحمد نكر وطيف به فيها ثم علق أياما وتسلطن برهان شاه انتهى
وفيها توفي المولى عبد الغني بن ميرشاه الحنفي أحد الموالي الرومية تنقل في المدارس إلى أن وصل إلى السلمانية ثم أعطى منها قضاء دمشق عوضا عن محمد أفندي بن بستان في سنة ثلاث وثمانين وتسعمائة وعزل عنها بتولية قضاء مصر سنة أربع وثمانين وتسعمائة ثم ولي دمشق بعد قضاء العسكرين في سنة أربع وتسعين وتسعمائة ثم عزل عنها وعاد إلى الروم فمات بها
وفيها الشيخ محمد بن محمد بن موسى البقاعي الحمادي الشافعي نزيل دمشق المعروف بالعره الزاهد الصالح العارف بالله تعالى قال في الكواكب كان دسوقي الطريقة وصحب سيدي محمد الأسد الصفدي من أصحاب سيدي محمد ابن عراق وكان بينهما مصاهرة أو قرابة وكان الشيخ محمد العره مواظبا على ذكر الله لا يفتر عنه طرفة عين ووجهه مثل الورد يتهلل نورا بحيث أن من رآه ذكر الله تعالى عند رؤيته وعلم أنه من أولياء الله تعالى إلى أن قال بعد ثناء طويل حسن وهو ممن أرجو أن ألقى الله على محبته واعتقاده رضي الله تعالى عنه وكانت وفاته في صبيحة يوم الثلاثاء تاسع عشر ربيع الأول وفيها المولى محمد بن حسن الشريف الحسيب المعروف بالسعودي أخذ هو وأخوه محمد المعروف بالحبابي عن المولى أبي السعود وتوفي أخوه قبله بعد أن ولي عدة مناصب منها قضاء حلب وكان صاحب الترجمة إماما محققا مدققا وتوفي بآمد
سنة ألف

فيها توفي شهاب الدين أحمد بن محمد بن علي بن محمد بن أحمد بن يوسف

ابن حسين بن يوسف بن موسى الحصكفي الأصل الحلبي المولد والدار الشافعي المعروف بابن المنلا جده لأبيه كان قاضي قضاة تبريز شهرته منلا جامي شرح المحرر وجده لأمه الشرفي يحيى أجا بن أجا قال في الكواكب مولده سنة سبع وثلاثين وتسعمائة ونشأ في كنف أبيه واشتغل بالعلم فقرأ على ابن الحنبلي في مغنى اللبيب فما دونه من كتب النحو وفي شرح المفتاح والمنطق والقراآت والحديث وفي مؤلفاته وصحب سيدي محمد بن الشيخ علوان وهو بحلب سنة أربع وخمسين وسمع منه نحو الثلث من البخاري وحضر مواعيده وسمع المسلسل بالأولية من البرهان العمادي وأجاز له وقرأ بالتجويد على الشيخ إبراهيم الضرير الدمشقي نزيل حلب كثيرا وأجاز له وذلك في سنة ست وخمسين ورحل إلى دمشق رحلتين وأخذ بها عن شيخ الإسلام الوالد وحضر دروسه بالشامية وبحث فيها بحوثا حسنة مفيدة أبان فيها عن يد في الفنون طولى وكلما انتقل من مسئلة إلى غيرها تلا لسان حاله { وللآخرة خير لك من الأولى } كما شهد بذلك الوالد في إجازته له البهجة وأجاز له وقرأ بها شرح منلا زادة على هداية الحكمة وعلى محب الدين التبريزي مع سماعه عليه في التفسير وقرأ قطعتين صالحتين من المطول والأصفهاني على الشيخ أبي الفتح الشبشيري ورحل إلى القسطنطينية سنة ثمان وخمسين فأخذ رسالة الاسطرلاب عن نزيلها الشيخ غرس الدين الحلبي واجتمع بالفاضل المحقق السيد عبد الرحيم العباسي واستجاز منه رواية البخاري فأجاز له فمدحه بقوله
( لك الشرف العالي على قادة الناس ** ولم لا وأنت الصدر من آل عباس )
( حويت علوما أنت فيها مقدم ** وفي نشرها أضحيت ذا قدم راس )
( وفقت بنى الآداب قدرا ورتبة ** وسدتهم بالجود والفضل والباس )
( فيا بدر أفق الفضل يا زاهر السنا ** ويا عالم الدنيا ويا أوحد الناس )
( إلى بابك العالي أتاك ميمما ** كليم بعضب عدت أنت له آس )


( فتى عاري الآداب بادي الحجا فما ** سواك لعار عن سنى الفضل من كاس )
( فأقبسه من مشكاة نورك جذوة ** وعلله من ورد الفضائل بالكاس )
( وسامحه في تقصيره ومديحه ** فمدحك بحر فيه من كل أجناس )
( فلا زلت محمود المآثر حاوي المفاخر ** مخصوصا بأطيب أنفاس )
( مدى الدهر ما احمرت خدود شقائق ** وما قام غصن الورد في خدمة الآس )
ودرس وأفاد وصنف وأجاد وله شرح على المغنى جمع فيه بين حاشيتي الدماميني والشمني وشرح شواهده للسيوطي وكتب ونظم الشعر الحسن فمن شعره في مليح لابس أسود
( ماس في أسود اللباس حبيبي ** ورمى القلب في ضرام بعاده )
( لم يمس في السواد يوما ولكن ** حل في الطرف فاكتسى من سواده )
وتوفي سنة ألف قتله اللصوص في بعض قراه رحمه الله تعالى ثم تحرر لي من خط العلامة الشيخ عمر العرضي أنه مات في سنة ثلاث وألف انتهى
وفيها بدر الدين حسين بن عمر بن محمد النصيبي الشافعي أخذ النحو والصرف عن العلاء الموصلي والفقه عن البرهان التسيلي والبرهان العمادي والشمس الخناجري والنحو وغيره عن الشهاب الهندي وعن منلا موسى بن عوض الكردي والشيخ محمد المعرى الشهير بابن المرقي ورحل إلى حماة فدخل في مريدي الشيخ علوان وزوجه الشيخ ابنته وكان إماما عالما شاعرا مطبوعا له مساجلات مع ابن المنلا وكان بينهما غاية الاتحاد والمحبة
وفيها سراج الدين عمر بن عبد الله العيدروس الشريف الحسيب اليمني الشافعي الإمام العالم قال في النور كان من العلماء العاملين والمشايخ العارفين وكان عيدروسيا من الأب والأم الشيخ عبد الله العيدروس جده من الطرفين وتصدر بمكة المشرفة سنة ثمان وسبعين وتسعمائة فقام بالمقام أتم قيام ومشى على طريق السلف الصالح وتوفي بعدن في المحرم ودفن بها في قبة جده لأمه الشيخ أبي

بكر العيدروس وفيها جمال الدين محمد بن علي الحشيبري الشيخ الكبير قال في النور كان من المشايخ المشهورين ورزق القبول في حركاته وسكناته وحصلت له شهرة عظيمة ورويت عنه كرامات ولا يقدح في جلالته ذم بعض العلماء له وتنقيصه إياه بحسب ما يظهر لهم من أموره من غير نظر إلى خصوصيته فقد قيل المعاصر لا يناصر ولا زالت الأكابر على هذا وفيما يقع له من التخريفات والشطحات له أسوة بغيره من الصوفية كما أن للمنكرين أسوة بغيرهم من العلماء وحمل ما يصدر منه من الأحوال الغريبة على أحسن المحامل أولى فإن بنى حشيبر أهل صلاح وولاية وخرقتهم تعود إلى أبي الغيث بن جميل اليمني وتوفي المترجم ليلة الأحد سابع عشر ربيع الثاني بأحمداباد انتهى والله أعلم
قال مؤلفه شيخنا أمتع الله به وأطال بقاءه ونفع به المسلمين وهذا آخر ما أردنا جمعه من شذرات الذهب في أخبار من ذهب وقد بذلت في تهذيبه وتنقيحه وسعي وسهرت لأجله ليالي من عمري ونقحت عبارات رأيت ناقليها انحرفوا فيها عن نهج الصواب إما لغط أو سبق قلم أو تحامل على مترجم ونحو ذلك وتحريت ما صح نقله وربما لم أعز ما أنقله إلى كتاب لظهور ما أثبته ولطلب الاختصار وأنا أرجو الله تعالى أن ييسر لي عمل ذيل لأهل القرن الحادي عشر بمنه وكرمه وكان الفراغ من تأليفه في يوم الاثنين تاسع عشر شهر رمضان المعظم من شهور سنة ثمانين وألف على يد جامعه أفقر العباد أبي الفلاح عبد الحي بن أحمد بن محمد بن العماد غفر الله له ولمن ستر عيبا رآه وأصلح فيه خللا أبصرته عيناه آمين والحمد لله رب العالمين
وكان الفراغ من نسخة يوم الخميس خامس عشر شهر رجب الفرد الذي هو من شهور سنة أربع وثمانين وألف على يد الفقير الحقير محمد بن أحمد المحيوي الصالحي عفى عنهم آمين وهي أول نسخة نقلت من خط المصنف حفظه الله تعالى

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21