كتاب :شذرات الذهب في أخبار من ذهب
المؤلف:عبد الحي بن أحمد بن محمد العكري الحنبلي

الدمشقي وله أربع وستون سنة روى عن ابن اللتي وابن المقير وطبقتهما وكتب الكثير ورحل إلى ابن خليل فأكثر عنه وكان يقرأ الحديث على كرسي الحائط الشمالي توفي في جمادى الآخرة وفيها الفارقاني شمس الدين اقسنقر الظاهري أستاذ دار الملك الظاهر جعله الملك السعيد نائبه فلم ترض خاصة السعيد بذلك ووثبوا على الفارقاني واعتقلوه فلم يقدر السعيد على مخالفتهم فقيل أنهم خنقوه في جمادى الأولى وكان وسيما جسيما شجاعا نبيلا له خبرة ورأي وفيه ديانة وإيثار وعليه مهابة ووقار مات في عشر الخمسين وفيها النجيبي جمال الدين أقش النجمي أستاذ دار الملك الصالح ولي أيضا للملك الظاهر استاذ داريته ثم نيابة دمشق تسعة أعوام وعزله بعز الدين أيدمر ثم بقي بالقاهرة مدة بطالا ولحقه فالج قبل موته بأربع سنين وكان محبا للعلماء كثير الصدقة لديه فضيلة وخبرة عاش بضعا وستين سنة وتوفي بربيع الآخر وله بدمشق خانقاه وخان ومدرسة ولم يخلف ولدا
وفيها قاضي القضاة صدر الدين سليمان بن أبي العز بن وهيب الأدرعي نسبة إلى أذرعات ناحية بالشام ثم الدمشقي شيخ الحنفية أبو الفضل أحد من انتهت إليه رياسة المذهب في زمانه وبقية أصحاب الشيخ جمال الدين الحصيري درس بمصر مدة ثم قدم دمشق فاتفق موت القاضي مجد الدين ابن العديم فقلد بعده القضاء فبقي فيه ثلاثة أشهر قال ابن شهبة في تاريخ الإسلام كان من كبار العلماء وله تصانيف في مذهبه وولي القضاء بالديار المصرية والشامية والبلاد الإسلامية وأذن له في الحكم حيث حل من البلاد انتهى توفي في شعبان عن ثلاث وثمانين سنة ودفن بتربة بقاسيون
وفيها كمال الدين أبو محمد طه بن إبراهيم بن أبي بكر الأربلي الشافعي قال الأسنوي كان فقيها أديبا ولد بأربل وانتقل إلى مصر شابا وانتفع به خلق كثير وروى

عنه جماعة منهم الدمياطي ومات بمصر في جمادى الأولى وقد نيف على الثمانين
وفيها مجد الدين أبو محمد عبد الله بن الحسين بن علي الكردي الأربلي الشافعي والد شهاب الدين بن المجد الذي تولى القضاء بدمشق كان المجد المذكور عارفا بالمذهب بصيرا به خبيرا بعلم القراءات خيرا دينا متعبدا حسن السمت والأخلاق سمع وأسمع ودرس بالكلاسة وتوفي في ذي القعدة
وفيها الصاحب قاضي القضاة مجد الدين أبو المجد عبد الرحمن بن الصاحب كمال الدين أبي القسم عمر بن أحمد بن أبي جرادة العقيلي الحلبي الحنفي المعروف بابن العديم سمع حضورا من ثابت بن مشرف وسماعا من أبي محمد بن الأستاذ وابن البن وخلق كثير وكان صدرا مهيبا وافر الحشمة عالي الهمة والرتبة عارفا بالمذهب والأدب مبالغا في التجمل والترفع مع دين تام وتعبد وصيانة وتواضع للصالحين توفي في ربيع الآخر عن أربع وستين سنة وفيها ابن حنا الوزير الأوحد بهاء الدين علي بن محمد بن سليم المصري الكاتب أحد رجال الدهر حزما ورأيا وجلالة ونبلا وقياما بأعباء الأمور مع الدين والعفة والصفات الحميدة والأموال الكثيرة وكان لا يقبل لأحد هدية إلا أن يكون من الفقراء والصلحاء للتبرك وكان من حسنات الزمان توزر للملك الظاهر ولولده السعيد ورزق أولادا ومات وهو جد جد وبنى مدرسة بزقاق القناديل بمصر وابتلي بفقد ولديه الصدرين فخر الدين وهني الدين فصبر وتجلد وكان يهش للمديح قال فيه الفارقي
( وقائل قال لي نبه لها عمرا ** فقلت أن عليا قد تنبه لي )
( مالي إذا كنت محتاجا إلى عمر ** من حاجة فلينم حتى انتباه على )
توفي في ذي القعدة وله أربع وسبعون سنة وفيها الحكيم الفاضل موفق الدين عبد الله بن عمر المعروف بالورل الفاضل الأديب له مشاركة

في علوم كثيرة وكان أكثر إقامته ببعلبك وسافر إلى مصر فلم تطل مدته أخذه قولنج فمات ومن شعره
( يذكرني نشر الحمى بهبوبه ** زمانا عرفنا كل طيب بطيبه )
( ليال سرقناها من الدهر خلسة ** وقد أمنت عيناي عين رقيبه )
( فمن لي بذاك العيش لو عادوا نقضى ** ليسكن قلبي ساعة من وجيبه )
( ألا أن لي شوقا إلى ساكن الغضا ** أعيد الغضا من حره ولهيبه )
وفيها الظهير العلامة مجد الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عمر بن أحمد بن أبي شاكر الأربلي الحنفي الأديب ولد سنة اثنتين وستمائة بأربل وسمع من السخاوي وطائفة بدمشق ومن الكاشغري وغيره ببغداد ودرس بالقيمارية مدة وله ديوان مشهور ونظم رائق مع الجلالة والديانة التامة توفي في ربيع الآخر وفيها ابن إسرائيل الأديب البارع نجم الدين محمد بن سوار ابن إسرائيل بن خضر بن إسرائيل الدمشقي الفقير صاحب الحريري روح المشاهد وريحانة المجامع كان فقيرا ظريفا نظيفا مليح النظم رائق المعاني لولا ما شانه بالاتحاد تصريحا مرة وتلويحا أخرى من نظمه ما كتب به إلى النجم الكحال
( يا سيد الحكماء هذي سنة ** مثبوتة في الطب أنت سننتها )
( أو كلما كلت سيوف جفون من ** سفكت لواحظه الدماء سننتها )
وقال في مليح ناوله تفاحة
( لله تفاحة وافى بها سكنى ** فسكنت لهبا في القلب يستعر )
( كفأرة المسك وافاني الغزال بها ** وغرة النجم حياني بها القمر )
( أتي بها قاتلي نحوى فهل أحد ** قبلي تمشي إليه الغصن والثمر )
توفي في رابع عشر ربيع الآخر عن أربع وسبعين سنة وشهر ودفن خارج باب توما عند قبر الشيخ رسلان وفيها ناصر الدين أبو عبد الله محمد بن عربشاه بن أبي بكر بن أبي نصر المحدث الهمداني ثم الدمشقي روى

عن ابن الزبيدي وابن المسلم المازني وابن صباح وكتب الكثير وكان ثقة صحيح النقل توفي في جمادى الأولى قاله في العبر وفيها أبو المرجا مؤمل بن محمد بن علي البالسي ثم الدمشقي روى عن الكندي والخضر بن كامل وجماعة وتوفي في رجب

سنة ثمان وسبعين وستمائة

فيها توفي أبو العباس أحمد بن أبي الخير سلامة بن إبراهيم الدمشقي الحداد الحنبلي ولد سنة تسع وثمانين وخمسمائة وكان أبوه إماما بحلقة الحنابلة فمات وهذا صغير وسمع سنة ستمائة من الكندي وأجاز له خليل الداراني وابن كليب والبوصيري وخلق وعمر وروى الكثير وكان خياطا ودلالا ثم قرر بالرباط الناصري وأضر بآخره وكان يحفظ القرآن العظيم توفي يوم عاشوراء
وفيها أحمد بن عبد المحسن الدمياطي الواعظ عرف بكتاكت كان له الشعر الحسن فمنه
( اكشف البرقع عن شمس العقار ** واخل في ليلك مع شمس النهار )
( وانهب العيش ودعه ينقضي ** غلطا ما بين هتك واستتار )
( إن تكن شيخ خلاعات الصبا ** فالبس الصبوة في خلع العذار )
( وارض بالعار وقل قد لذلى ** في هوى خما ركاسي لبس عاري )
توفي بمصر ودفن بالقرافة وفيها القاضي صفي الدين أبو محمد إسحق بن إبراهيم بن يحيى الشقراوي الحنبلي ولد بشقرا من ضياع زرع سنة خمس وستمائة وسمع من موسى بن عبد القادر والشيخ موفق الدين وأحمد بن طاووس وجماعة وتفقه وحدث وولي الحكم بزرع نيابة عن الشيخ شمس الدين ابن أبي عمر وكان فقيها فاضلا حسن الأخلاق قال الذهبي كان رجلا خيرا فقيها حفظ النوادر والأخبار وولي قضاء زرع وأعاد بمدرسته وتوفي في يوم

السبت تاسع عشر ذي الحجة ودفن بسفح قاسيون
وفيها شيخ الشيوخ شرف الدين أبو بكر عبد الله بن شيخ الشيوخ تاج الدين عبد الله بن عمر بن حموية الجويني ثم الدمشقي الصوفي ولد سنة ثمان وستمائة وروى عن أبي القسم بن صصرى وجماعة وتوفي في شوال
وفيها ابن الأوحد الفقيه شمس الدين عبد الله بن محمد بن عبد الله بن علي القرشي الزبيري روى عن الافتخار الهاشمي وكتب بديوان المارستان النوري وتوفي في شوال وله خمس وسبعون سنة
وفيها الشيخ القدوة إسمعيل بن محمد بن إسمعيل الحضرمي نسبة إلى حضرموت قال المناوي قطب الدين الإمام الكبير العارف الشهير قدوة الفريقين وعمدة الطريقين شيخ الشافعية ومربي الصوفية كان إماما من الأئمة مذكورا وعلما من أعلام الولاية مشهورا وهو من بيت مشهور بالصلاح مقصود لليمن والنجاح أعلامه للإرشاد منصوبة وبركات أهله كالأهلة مرقومة مرقوبة وكان في بدايته يؤثر الخلوة ثم تفقه فبرع وفاق وسبق الأقران والرفاق وله عدة مؤلفات في عدة فنون تدل على تمكنه منها شرح المهذب ومختصر مسلم ومختصر بهجة المجالس وفتاوي مفيدة وكلام في التصوف يدل على كمال معرفته انتفع به جمع من الأعيان وولي قضاء الأقضية فأنكر المنكرات وأقام مواسم الخيرات ثم عزل نفسه وكتب للسلطان في شقفة من خزف يايوسف كثر شاكوك وقل شاكروك فاما عدلت واما انفصلت فغضب فلم يلتفت إليه وله كرامات قال المطري كادت تبلغ التواتر منها أن ابن معطى قيل له في النوم إذهب إلى الفقيه إسمعيل الحضرمي واقرأ عليه النحو فلما انتبه تعجب لكون الحضرمي لا يحسنه ثم قال لا بد من الامتثال فدخل عليه وعنده جمع يقرؤن الفقه فبمجرد رؤياه قال أجزتك بكتب النحو فصار لا يطالع فيه شيئا إلا عرفه

بغير شيخ ومنها أنه قصد بلدة زبيد فكادت الشمس تغرب وهو بعيد عنها فخاف أن تغلق أبوابها فأشار إلى الشمس فوقفت حتى دخل المدينة وإليه أشار الإمام اليافعي بقوله
( هو الحضرمي نجل الولي محمد ** إمام الهدى نجل الإمام محمد )
( ومن جاهه أوما إلى الشمس أن قفي ** فلم تمش حتى أنزلوه بمقعد )
ومنها أنه زار مقبرة زبيد فبكى كثيرا ثم ضحك فسئل فقال كشف لي فرأيتهم يعذبون فشفعت فيهم فقالت صاحبة هذا القبر وأنا معهم يا فقيه قلت من أنت قالت فلانة المغنية فضحكت وقلت وأنت ومنها أن بعض الصلحاء رأى المصطفى صلى الله عليه وسلم فقال له من قبل قدم الحضرمي دخل الجنة فبلغ الحكمى مفتي زبيد فقصده ليقبلها فلما وقع بصره عليه مد له رجليه انتهى ملخصا
وفيها الشيخ نجم الدين بن الحكيم عبد الله بن محمد بن أبي الخير الحموي الصوفي الفقير كان له زاوية بحماة ومريدون وفيه تواضع وخدمة للفقراء وأخلاق حميدة صحب الشيخ إسمعيل الكوراني واتفق موته بدمشق فدفن عنده بمقابر الصوفية وفيها الشيخ عبد السلام بن أحمد بن الشيخ القدوة غانم بن علي المقدسي الواعظ أحد المبرزين في الوعظ والنظم والنثر توفي بالقاهرة في شوال وفيها فاطمة ابنة الملك المحسن أحمد بن السلطان صلاح الدين ولدت سنة سبع وتسعين وخمسمائة وسمعت من حنبل وابن طبرزد وفيها السلطان الملك السعيد ناصر الدين أبو المعالي محمد بن الملك الظاهر بيبرس ولد في حدود سنة ثمان وخمسين وستمائة بظاهر القاهرة وتملك بعد أبيه سنة ست وسبعين في صفر وكان شابا مليحا كريما حسن الطباع فيه عدل ولين وإحسان ومحبة للخير خلعوه من الأمر فأقام بالكرك أشهرا ومات شبه الفجأة في نصف ذي القعدة بقلعة الكرك ثم نقل بعد سنة ونصف إلى تربة والده وتملك بعده أخوه خضر


وفيها ابن الصيرفي المفتي المعمر جمال الدين أبو زكريا يحيى بن أبي منصور بن أبي الفتح بن رافع الحراني الحنبلي ويعرف بابن الحبيشي سمع من عبد القادر الرهاوي بحران ومن ابن طبرزد ببغداد ومن الكندي بدمشق واشتغل على أبي بكر بن غنيمة وأبي بكر العكبري والشيخ الموفق وكان إماما عالما متفننا صاحب عبادة وتهجد وصفات حميدة توفي في رابع صفر

سنة تسع وسبعين وستمائة

في آخرها نزل السلطان الملك الكامل سنقر الأشقر إلى الشام غازيا فنزل قريبا من عكا فخضع له أهلها وراسلوه في الهدنة وجاء إلى خدمته عيسى بن مهنا فصفح عنه وأكرمه وفيها توفي ضياء الدين أبو محمد عبد الله بن إبراهيم بن محمود بن رفيعا الجدري بفتح الجيم والدال لمهملة وراء نسبة إلى جدرة حي من الأزد المقرىء الفرضي الحنبلي نزيل الموصل قرأ بالسبع على علي بن مفلح البغدادي نزيل الموصل وسمع الحديث من جماعة وصنف تصانيف في القراءات وغيرها ونظم في القراءات والفرائض قصيدة معروفة لامية وكان شيخ القراء بالموصل قرأ عليه ابن خروف الموصلي الحنبلي وأكثر عنه وسمع منه الأحكام الشيخ مجد الدين بن تيمية وأجاز لعبد الصمد بن أبي الجيش غير مرة وتوفي سادس جمادى الآخرة
وفيها تقي الدين أبو محمد عبد الساتر بن عبد الحميد بن محمد بن أبي بكر الحنبلي سمع من موسى بن عبد القادر وابن الزبيدي والشيخ الموفق وبه تفقه في مذهب أحمد ومهر في المذهب وعنى به وبالسنة وجمع فيها وناظر الخصوم وكفرهم وكان صاحب حزبية وتخرق على الأشعرية فرموه بالتجسيم قال

الذهبي ورأيت له مصنفا في الصفات فلم أر به بأسا قال وكان متأيدا للحنابلة وفيه شراسة أخلاق مع صلاح ودين يابس توفي في ثامن شعبان عن نيف وسبعين سنة وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن داود بن الياس البعلي الحنبلي ولد سنة ثمان وتسعين وخمسمائة وسمع من الشيخ موفق الدين وابن البن وطائفة وخدم الشيخ الفقيه اليونيني مدة قال القطب بن اليونيني سمع من حنبل والكندي وابن الزبيدي ورحل إلى البلاد للسماع وخدم والدي وقرأ عليه القرآن واشتغل عليه وحفظ المقنع وعرف الفرائض وكان ذا ديانة وافرة وصدق وأمانة وتحر في شهاداته وأقواله وحدث بمسموعاته وتوفي في حادي عشرى رمضان ودفن بظاهر بعلبك
وفيها ابن النن بنونات الفقيه شمس الدين محمد بن عبد الله بن محمد البغدادي الشافعي سمع من عبد العزيز بن منينا وسليمان الموصلي وجماعة وكان ثقة متيقظا توفي بالأسكندرية في رجب وله ثمانون سنة
وفيها الجزار الأديب جمال الدين أبو الحسين يحيى بن عبد العظيم المصري الأديب الفاضل كان جزارا ثم استرزق بالمدح وشاع شعره في البلاد وتناقلته الرواة وكان كثير التبذير لا تكاد خلته تنسد وكان مسرفا على نفسه سامحه الله تعالى ومن شعره
( عاقبتني بالصد من غير جرم ** ومحا هجرها بقية رسمي )
( وشكوت الجوى إلى ريقها العذب ** فجارت ظلما بمنع لظلم )
( أنا حكمتها فجارت وشرع الحب ** يقضي أني أحكم خصمي )
ومنها في المديح
( يا أميرا يرجى ويخشى لبأس ** ونوال في يوم حرب وسلم )
( أنت موسى وقد تفر عن ذا ** الخطب ففرقه من نداك بيم )
( لي من حرفة الجزارة والآداب ** فقر يكاد ينسيني اسمي )


وله
( أكلف نفسي كل يوم وليلة ** هموما على من لا أفوز بخيره )
( كما سود القصار في الشمس وجهه ** حريصا على تبييض أثواب غيره )
وكانت بينه وبين السراج الوراق مداعبة فحصل للسراج رمد فأهدى الجزار له تفاحا وكمثرى وكتب مع ذلك
( أكافيك عن بعض الذي قد فعلته ** لأن لمولانا علي حقوقا )
( بعثت خدودا مع نهود وأعينا ** ولا غروان يجزي الصديق صديقا )
( وإن حال منك البعض عما عهدته ** فما حال يوما عن ولاك وثوقا )
( بنفسج تلك العين صار شقائقا ** ولؤلؤ ذاك الدمع عاد عقيقا )
( وكم عاشق يشكو انقطاعك عندما ** قطعت على اللذات منه طريقا )
( فلا عدمتك العاشقون فطالما ** أقمت لأوقات المسرة سوقا )
توفي في شوال وله ست وسبعون سنة أو نحوها ودفن بالقرافة
وفيها الشيخ يوسف الفقاعي الزاهد ابن نجاح بن مرهوب كان عبدا صالحا قانتا كبير القدر له أتباع ومريدون توفي في شوال ودفن بزاويته بسفح قاسيون وقد نيف على الثمانين وفيها الفقيه المعمر أبو بكر بن هلال بن عباد الحنفي عماد الدين معيد الشبلية توفي في رجب عن مائة وأربعين سنة وقد سمع في الكهولة من أبي القسم بن صصرى وغيره
وفيها النجيب بن العود أبو القسم بن حسين الحلي الرافضي المتكلم شيخ الشيعة وعالمهم سكن حلب مدة فصفع بها لكونه سب الصحابة ثم سكن جزين إلى أن مات بها في نصف شعبان وله نيف وتسعون سنة وكان قد وقع في الهرم

سنة ثمانين وستمائة

فيها توفي الشيخ موفق الدين الكواشي بالفتح والتخفيف نسبة إلى كواشة

قلعة بالموصل المفسر العلامة المقرىء المحقق الزاهد القدوة أبو العباس أحمد ابن يوسف بن حسن بن رافع بن حسين الشيباني الموصلي الشافعي ولد بكواشة سنة إحدى وتسعين وخمسمائة واشتغل فبرع في القراءات والتفسير والعربية والفضائل وقدم دمشق فأخذ عن السخاوي وغيره وحج وزار بيت المقدس ورجع إلى بلده وتعبد قال الذهبي كان منقطع القرين عديم النظير زهدا وصلاحا وتبتلا وصدقا واجتهادا كان يزوره السلطان فمن دونه ولا يعبأ بهم ولا يقوم لهم ويتبرم بهم ولا يقبل لهم شيئا وله كشف وكرامات وأضر قبل موته بنحو من عشر سنين وصنف التفسير الكبير والصغير وأخذ عنه القراءات محمد بن علي بن خروف الموصلي وغيره وتوفي في سابع عشر جمادى الآخرة وفيها جيعان إبراهيم بن سعيد الشاغوري الموله مات في جمادى الأولى وكان من أبناء السبعين على قاعدة المولهين من عدم التعبد بصلاة أو صيام أو طهارة وللعامة فيه اعتقاد يتجاوز الوصف لما يرون من كشفه وكلامه على الخواطر وقد شاركه في ذلك الكاهن والراهب والمصروع فانتفت الولاية قاله في العبر وفيها أبغا ملك التتار وابن ملكهم هلاكو بن فاان بن جنكز خان مات بنواحي همذان بين العيدين وله نحو خمسين سنة وفيها الحاج عز الدين ازدمر الجمدار الذي ولى نيابة السلطنة بدمشق لسنقر الأشقر كان ذا معرفة وفضيلة وعنده مكارم كثيرة استشهد على حمص مقبلا غير مدبر وله بضع وخمسون سنة
وفيها الكمال أبو محمد عبد الرحيم بن عبد الملك بن يوسف بن محمد بن قدامة المقدسي الحنبلي الصالح سمع من ابن طبرزد والكندي وعدة وتوفي في عاشر جمادى الأولى وفيها المجد بن الخليل عبد العزيز بن الحسين الداري والد الصاحب فخر الدين سمع من أبي الحسين بن

جبير الكتاني والفتح بن عبد السلام وطائفة وكان رئيسا دينا خيرا توفي بدمشق في ربيع الآخر عن إحدى وثمانين سنة وفيها ولي الدين الزاهد أبو الحسن علي بن أحمد بن بدر الخجندي الشافعي الفقيه نزيل بيت لهيا كان صاحب حال وكشف وعبادة وتبتل توفي في شوال وقد قارب الستين وفيها أبو الحسن علي بن محمود بن حسن بن نبهان المنجم الأديب عاش خمسا وثمانين سنة وروى عن ابن طبرزد والكندي تركه بعض العلماء لأجل التنجيم وفيها ابن بنت الأعز قاضي القضاة صدر الدين عمر ابن قاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب بن خلف الشافعي العلامي المصري ولد سنة خمس وعشرين وستمائة وسمع من الزكي المنذري والرشيد العطار وولي قضاء الديار المصرية في جمادى الأولى سنة ثمان وسبعين وعزل سنة تسع في رمضان وقيل أنه عزل نفسه واقتصر على تدريس الصالحية قال الذهبي كان فقيها عارفا بالمذهب يسلك طريقة والده في التحري والصلابة وكان فيه دين وتعبد ولديه فضائل وكان عظيم الهيبة وافر الجلالة عديم المزاح بارا بالفقهاء مؤثرا متصدقا وكان والده يحترمه ويتبرك به درس بأماكن وتوفي يوم عاشوراء وفيها الأمير الأربلي العدل أبو محمد القسم بن أبي بكر ابن القسم بن غنيمة رحل مع أبيه وله بضع عشرة سنة فذكر وهو صدوق أنه سمع جميع صحيح مسلم من المؤيد الطوسي ورواه بدمشق فسمعه منه الكبار وتوفي في جمادى الأولى وله خمس وثمانون سنة وفيها ابن سنى الدولة قاضي القضاة نجم الدين محمد بن قاضي القضاة صدر الدين أحمد بن قاضي القضاة شمس الدين يحيى الدمشقي الشافعي ولد سنة ست عشرة وستمائة واشتغل وتقدم وناب عن والده ثم ولي قضاء حلب ثم ولي قضاء دمشق ثم عزل بعد سنة بابن خلكان ثم سكن مصر مدة وصودر وتعب ثم ولي قضاء حلب ودرس بالأمينية وغيرها وكان يعد من كبار الفقهاء العارفين بالمذهب مع

الهيبة والتحري موصوفا بجودة النقل مشهورا بالصرامة والهمة العالية حدث عن أبي القسم بن صصرى وغيره وتوفي في ثامن المحرم ودفن بقاسيون وفيها شمس الدين محمد بن مكتوم البعلي الفاضل الأديب توفي شهيدا في وقعة حمص ومن شعره
( رام أن يترك الهوى فبدا له ** إذ رأى حسن وجهه قد بدا له )
( كلما لمته على الحب يزداد ** ضلالا فخله وضلاله )
( كيف يرجى الشفاء يوما لصب ** لم يحاك السقام الا خياله )
( ناقص صبره كثير بكاه ** لو رآه عدوه لرثا له )
( دنف ظل مستهاما ببدر ** عمه الوجد حين عاين خاله )
( أنا صب له وإن حال عني ** وعبيد له على كل حاله )
( فاق كل الورى جمالا وحسنا ** ضاعف الله حسنه وجماله )
وفيها ابن المجبر الكتبي شرف الدين محمد بن أحمد بن إبراهيم القرشي الدمشقي ولد سنة عشر وستمائة وسمع من أبي القسم بن صصرى وطائفة ورحل وأكثر عن الأنجب الحمامي وطبقته وكتب الكثير بالخط الحسن ولكنه لم يكن ثقة في نقله توفي في ذي القعدة ولم يكن عليه أنس الحديث الله يسامحه قاله الذهبي وفيها ابن رزين قاضي القضاة شيخ الإسلام تقي الدين أبو عبد الله محمد بن الحسين بن رزين بن موسى العامري الحموي الشافعي ولد سنة ثلاث وستمائة في شعبان بحماة واشتغل من الصغر فحفظ التنبيه في صغره ثم حفظ الوسيط والمفصل والمستصفى للغزالي إلى غير ذلك وبرع في الفقه والعربية والأصول وشارك في المنطق والكلام والحديث وفنون العلم وأفتى وله ثمان عشرة سنة وقدم دمشق فلازم ابن الصلاح وقرأ القراءات على السخاوي وسمع منهما ومن غيرهما وأخذ العربية عن ابن يعيش وكان يفتي بدمشق في أيام ابن الصلاح ويؤم بدار الحديث ثم ولي وكالة بيت

المال في أيام الناصر مع تدريس الشامية ثم تحول من هلاكو إلى مصر واشتغل ودرس بالظاهرية ثم ولي قضاء القضاة فلم يأخذ عليه رزقا تدينا وورعا ودرس بالشافعي وامتنع من أخذ الجامكية وولي عدة جهات وظهرت فضائله الباهرة وتفقه به عدة أئمة وانتفعوا بعلمه وهديه وسمته وورعه وممن نقل عنه الإمام النووي وتوفي رحمه الله تعالى بالقاهرة في ثالث رجب
وفيها الجمال بن الصابوني الحافظ أبو حامد محمد بن علي بن محمود شيخ دار الحديث النورية ولد سنة أربع وستمائة وسمع من أبي القسم بن الحرستاني وخلق كثير وكتب العالي والنازل وبالغ وحصل الأصول وجمع وصنف واختلط قبل موته بسنة أو أكثر وتوفي في نصف ذي القعدة
وفيها ابن أبي الدنية مسند العراق شهاب الدين أبو سعد محمد بن يعقوب بن أبي الفرج البغدادي ولد سنة تسع وثمانين وخمسمائة وسمع من أبي الفتح المندائي وضياء بن الخريف والأبار وأجاز له ذاكر بن كامل وابن كليب وولي مشيخة المستنصرية إلى أن توفي في ثامن عشر رجب وفيها ابن علان القاضي الجليل شمس الدين أبو الغنايم المسلم بن محمد بن المسلم بن مكي بن خلف القيسي الدمشقي ولد سنة أربع وتسعين وخمسمائة وسمع الكثير من حنبل وابن طبرزد وابن مندويه وغيرهم وأجاز له الخشوعي وجماعة وكان من سروات الناس توفي في ذي الحجة وفيها البدر يوسف بن لولو الشاعر المشهور قال الذهبي كان من كبار شعراء الدولة الناصرية ومن الأدباء الظراف من شعره وقد تكاثرت الأمطار بدمشق
( أن ألح الغيث شهرا هكذا ** جاء بالطوفان والبحر المحيط )
( ما هم من قوم نوح ياسما ** اقلعي فهم من قوم لوط )
وكتب إلى ابن إسرائيل وكان يهوى غلاما اسمه جارح
( قلبك اليوم طائر ** عنك أم في الجوانح )


( كيف يرجى خلاصه ** وهو في كف جارح )
ثم بلغه أنه تركه فقال
( خلصت طائر قلبك العاني الذي ** من جارح يغدو به ويروح )
( ولقد يسر خلاصه إن كنت قد ** خلصته منه وفيه روح )
توفي في شعبان وقد نيف على سبعين سنة وفيها المزي الفقيه شمس الدين أبو بكر بن عمر بن يونس الحنفي روى البخاري عن ابن مندويه والعطار ومسلما عن ابن الحرستاني وعاش سبعا وثمانين سنة وتوفي في شعبان

سنة إحدى وثمانين وستمائة

فيها وصلت رسل أحمد بن هلاكو بأنه استقر في المملكة إلى بغداد عوض أخيه وأمر ببناء المساجد والجوامع وإقامة الشرع الشريف على ما كان في زمن الخلفاء ووصلت رسله إلى الشام ومصر وكان منهم الشيخ قطب الدين الشيرازي وفيها كان بدمشق الحريق العظيم الذي لم يسمع بمثله أقامت النار ثلاثة أيام ليلا ونهارا وكان مبدؤه من الذهبيين وذهب للناس شيء كثير ولكن لم يحترق فيه أحد من الناس ومن جملة ما ذهب للشيخ شمس الدين الكتبي عرف بالفاشوشة خمسة عشر ألف مجلد وحكى السيد جمال الدين بن السراج البصروي قال تبنا في الجامع وإذا الهواء القى ورقة من الحريق مكتوب فيها
( سلم الأمر راضيا ** جف بالكائن القلم )
( ليس في الرزق حيلة ** إنما الرزق في القسم )
( جل من يرزق الضعيف ** وهو لحم على وضم )
( إن للخلق خالقا ** لا مرد لما حكم )
وفيها توفي الأمين الأشتري الإمام أبو العباس أحمد بن عبد الله بن عبد الجبار

ابن طلحة بن عمر بن الأشتر الشافعي الحلبي ثم الدمشقي ولد في شوال سنة خمس عشرة وستمائة وسمع من أبي محمد بن علوان والقزويني وابن روزبة وخلق وكان بصيرا بالمذهب ورعا صالحا جمع بين العلم والعمل والإنابة والديانة التامة بحيث أن الشيخ محي الدين النووي كان إذا جاءه شاب يقرأ عليه يرشده القراءة على المذكور لعلمه بدينه وعفته قال المزي كان ممن يظن به أنه لا يحسن أن يعصي الله تعالى وقال الذهبي كان بارز العدالة كبير القدر مقبلا على شأنه سرد الصوم أربعين سنة توفي فجأة بدمشق في ربيع الأول
وفيها ابن خلكان قاضي القضاة شمس الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خلكان البرمكي الأربلي الشافعي ولد بأربل سنة ثمان وستمائة وسمع البخاري من ابن مكرم وأجاز له المؤيد الطوسي وجماعة وتفقه بالموصل على كمال الدين بن يونس وبالشام على ابن شداد ولقي كبار العلماء وبرع في الفضائل والآداب وسكن مصر مدة وناب في القضاء ثم ولي قضاء الشام عشر سنين وعزل بابن الصايغ سنة تسع وستين فأقام سبع سنين معزولا بمصر ثم رد إلى قضاء الشام ثم عزل ثانيا في أول سنة ثمانين واستمر معزولا وبيده الأمينية والنجيبية قال الشيخ تاج الدين الفزاري في تاريخه كان قد جمع حسن الصورة وفصاحة المنطق وغزارة الفضل وثبات الجأش ونزاهة النفس وقال الذهبي كان إماما فاضلا متقنا عارفا بالمذهب حسن الفتاوى جيد القريحة بصيرا بالعربية علامة في الأدب والشعر وأيام الناس كثير الاطلاع حلو المذاكرة وافر الحرمة من سروات الناس كريما جوادا ممدحا وقد جمع كتابا نفيسا في وفيات الأعيان انتهى ولله در القائل
( مازلت تلهج بالأموات تكتبها ** فقد رأيتك في الأموات مكتوبا )
ومن محاسنه أنه كان لا يجسر أحد أن يذكر أحدا عنده بغيبة حكى انه جاءه إنسان فحدثه في أذنه أن عدلين في مكان يشربان الخمر فقام من مجلسه ودعا

برجل وقال اذهب إلى مكان كذا وأمر من فيه بإصلاح أمرهما وإزالة ما عندهما ثم عاد فجلس مكانه إلى أن علم أن نقيبه قد حضر فدعا بذلك الرجل وقال أنا أبعث معك النقيب فإن كنت صادقا ضربتهما الحد وإن كنت كاذبا أشهرتك وقطعت لسانك وجهز النقيب معه فلم يجدوا غير صاحب البيت وليس عنده شيء من ذلك فأحضر الدرة وهدده فشفع النقيب فيه فقبل شفاعته ثم أحضر له مصحفا وحلفه أن لا يعود يقذف عرض مسلم وله النظم الفائق فمنه قوله
( يا سادتي إني قنعت وحقكم ** في حبكم منكم بأيسر مطلب )
( إن لم تجودوا بالوصال تعطفا ** وقصدتم هجري وفرط تجنبي )
( لا تحرموا عيني القريحة أن ترى ** يوم الخميس جمالكم في الموكب )
( قسما بوجدي في الهوى وتحرقي ** وتحيري وتلهفي وتلهبي )
( لو قلت لي جدلي بروحك لم أقف ** فيما أمرت وإن شككت فجرب )
( وحياة وجهك وهو بدر طالع ** وبياض غرتك التي كالغيهب )
( وبقامة لك كالقضيب ركبت من ** أخطارها في الحب أصعب مركب )
( لو لم أكن في رتبة أرعى لها ** العهد القديم صيانة للمنصب )
( لهتكت ستري في هواك ولذلي ** خلع العذار ولج فيك مؤنبي )
( لكن خشيت بأن تقول عواذلي ** قد جن هذا الشيخ في هذا الصبي )
وله في ملاح يسبحون
( وسرب ظباء في غدير تخالهم ** بدورا بأفق الماء تبدو وتغرب )
( يقول خليلي والغرام مصاحبي ** أمالك عن هذه الصبابة مذهب )
( وفي دمك المطلول خاضوا كما ترى ** فقلت له دعهم يخوضوا ويلعبوا )
وتوفي رحمه الله تعالى في رجب ودفن بالصالحية قال ابن شهبة قال الأسنوي خلكان قرية كذا قال وهو وهم وإنما هو اسم لبعض أجداده

انتهى وقال الأسنوي في طبقاته هو صاحب التاريخ المعروف وهو ولد الشهاب محمد بيته كما ترى من أجل البيوت ولكن تلعب الدهر بنابه ما بين لهيب وخبوت وتلعب بتذكاره ما بين ظهور وخفوت وقد أوضح هو حاله في تاريخه مفرقا انتهى ملخصا
وفيها البرهان بن الدرجي أبو إسحق إبراهيم بن إسمعيل بن إبراهيم بن يحيى القرشي الدمشقي الحنفي إمام مدرسة الكشك روى عن الكندي وأبي الفتوح البكري وأجاز له أبو جعفر الصيدلاني وطائفة وروى المعجم الكبير للطبراني وتوفي في صفر وفيها ابن المليحي مسند القراء بالديار المصرية فخر الدين أبو الطاهر إسمعيل بن هبة الله بن علي المقرىء المعدل ولد سنة بضع وثمانين وخمسمائة وقرأ القراءات على أبي النجود فكان آخر من قرأ عليه وفاة وسمع الحديث من أبي عبد الله بن البنا وغيره وتوفي في رمضان وفيها الشيخ عبد الله كتيلة بن أبي بكر الحربي الفقير الصوفي الحنبلي بقية شيوخ العراق كان صاحب أحوال وكرامات وله أتباع وأصحاب تفقه وسمع الحديث وصحب الشيوخ ومات في عشر الثمانين قال ابن رجب ولد سنة خمس وستمائة وسمع الحديث بدمشق من الحافظ الضياء المقدسي وسليمان الأسعردي وأجاز له الشيخ موفق الدين وتفقه في المذهب ببغداد على القاضي أبي صالح وبحران على مجد الدين بن تيمية وابن تميم صاحب المختصر وبدمشق على الشيخ شمس الدين بن أبي عمر وغيره وبمصر على أبي عبد الله بن حمدان ونقل عنهم فوائد وشرح كتاب الخرقي وسماه المهم وله تصانيف أخر منها مجلد في أصول الدين سماه العدة للشدة ومصنف في السماع وحدث وسمع منه عبد الرزاق بن الفوطي وغيره وكان قدوة زاهدا عابدا ذا أحوال وكرامات وقال الذهبي كان مع جلالته يترنم ويغني لنفسه في بعض الأوقات وكان فيه كيس وظرف وبشاشة توفي رحمه الله يوم الجمعة

منتصف رمضان ببغداد وفيها جلال الدين أبو محمد عبد الجبار بن عبد الخالق بن محمد بن نصر الزاهد الفقيه الحنبلي المفسر الأصولي الواعظ ولد سنة عشر وستمائة ببغداد وسمع من ابن المنى وغيره واشتغل بالفقه والأصول والتفسير والوعظ والطب وبرع في ذلك وله النظم والنثر والتصانيف الكثيرة منها تفسير القرآن في ثمان مجلدات ولم يزل على ذلك إلى واقعة بغداد فأسر واشتراه بدر الدين صاحب الموصل فحمله إلى الموصل فوعظ بها ثم حدره إلى بغداد فاستمر بها صدرا إلى أن توفي في يوم الإثنين سابع عشرى شعبان وكان له يوم مشهود وفيها الشيخ زين الدين الزواوي الإمام أبو محمد عبد السلام بن علي بن عمر بن سيد الناس المالكي القاضي المقرىء شيخ المقرئين ولد ببجاية سنة تسع وثمانين وخمسمائة وقرأ القراءات بالاسكندرية على ابن عيسى وبدمشق على السخاوي وبرع في الفقه وعلوم القرآن والزهد والإخلاص وولي مشيخة الأقراء بتربة أم الصالح اثنتين وعشرين سنة وقرأ عليه عدد كثير وولي القضاء تسعة أعوام ثم عزل نفسه يوم موت رفيقه القاضي شمس الدين بن عطاء واستمر على التدريس والأقراء إلى أن توفي في رجب
وفيها البرهان المراغي أبو الثناء محمود بن عبيد الله بن عبد الرحمن بن محمد الشافعي العلامة الأصولي ولد سنة خمس وستمائة وحدث عن أبي القسم بن رواحة وكان مع سعة فضائله وبراعته في العلوم صالحا متعبدا متعففا عرض عليه القضاء ومشيخة الشيوخ فامتنع ودرس مدة بالفلكية وأفتى واشتغل بالجامع مدة طويلة وحدث عنه المزي والبرزالي وابن العطار وجماعة وكان شيخا طوالا حسن الوجه مهيبا متصوفا لطيف الأخلاق كريم الشمائل مكمل الأدوات وكان عليه وعلى الشيخ تاج الدين مدار الفتوى بدمشق توفي في ربيع الآخر ودفن بمقابر الصوفية وفيها أبو المرهف المقداد بن

أبي القسم هبة الله بن علي بن المقداد الإمام نجيب الدين القيسي الشافعي ولد سنة ستمائة ببغداد وسمع بها من ابن الأخضر وأحمد بن الدبيثي وبمكة من ابن الحصري وابن البنا وروى الكثير وكان عدلا خيرا تاجرا توفي في ثامن شعبان بدمشق وفيها منكوتمر أخو أبغا بن هلاكو المغلى طاغية التتار كان نصرانيا جرح يوم المصاف على حمص وحصل له ألم وغم بالكسرة فاعتراه فيما قيل صرع متدارك كما اعترى أباه فهلك في أوائل المحرم بقوجه من جزيرة ابن عمر وله ثلاثون سنة وكان شجاعا جريئا مهيبا
وفيها جمال الدين أبو إسحق يوسف بن جامع بن أبي البركات البغدادي القصصي الضرير المقرىء النحوي الحنبلي الفرضي ولد سابع رجب سنة ست وستمائة بالقصص من أعمال بغداد وقرأ القرآن بالروايات على أبي عبد الله محمد بن سالم صاحب البطائحي وغيره وسمع الحديث من عمر بن عبد العزيز ابن الناقد وأخته تاج النساء عجيبة وأجاز له ابن منينا وغيره وبرع في العربية والقراءات والفرائض وغير ذلك وانتفع الناس به في هذه العلوم وصنف فيها التصانيف الحسنة قال إبراهيم الجعبري هو جماعة لعلوم القرآن قرأت عليه كتبا كثيرة في ذلك وقال الذهبي كان مقرىء بغداد عارفا باللغة والنحو بصيرا بعلل القراءات متصديا لأقرائها دخل دمشق ومصر وسمع من شيوخهما جم الفضائل لا يتقدمه أحد في زمانه في الإقراء توفي يوم الجمعة تاسع عشرى صفر ببغداد ودفن بباب حرب

سنة اثنتين وثمانين وستمائة

فيها توفي إسماعيل بن أبي عبد الله العسقلاني ثم الصالحي في ذي القعدة وله ست وثمانون سنة سمع من حنبل وابن طبرزد والكبار وكان أميا لا يقرأ ولا يكتب


وفيها أمير آل مري أحمد بن حجي كان يدعى أنه من نسل البرامكة وأنه ابن عم قاضي القضاة شمس الدين بن خلكان وكانت سراياه تصل إلى أقصى نجد وأهل الحجاز يؤدون له الخفر وفيها شهاب الدين أبو المحاسن وأبو أحمد عبد الحليم بن عبد السلام بن عبد الله بن تيمية الحراني نزيل دمشق الحنبلي ابن المجد وأبو شيخ الإسلام تقي الدين ولد سنة سبع وعشرين وستمائة بحران وسمع من والده وغيره ورحل في صغره إلى حلب فسمع بها من ابن اللتي وابن رواحة ويوسف بن خليل ويعيش النحوي وغيرهم وتفقه بوالده وتفنن في الفضائل قال الذهبي قرأ المذهب حتى أتقنه على والده ودرس وأفتى وصنف وصار شيخ البلد بعد أبيه وخطيبه وحاكمه وكان إماما محققا كثير الفنون له يد طولى في الفرائض والحساب والهيئة دينا متواضعا حسن الأخلاق جوادا من حسنات العصر تفقه عليه ولداه أبو العباس وأبو محمد وحدثنا عنه على المنبر ولده وكان قدومه إلى دمشق بأهله وأقاربه مهاجرا سنة سبع وستين وكان من أنجم الهدى وإنما اختفى من نور القمر وضوء الشمس يشير إلى أبيه وابنه وقال البرزالي كان من أعيان الحنابلة باشر بدمشق مشيخة دار الحديث السكرية بالقصاعين وبها كان يسكن وكان له كرسي بالجامع يتكلم عليه أيام الجمع من حفظه ولما توفي خلفه فيهما ولده أبو العباس وله تعاليق وفوائد ومصنف في علوم عدة توفي ليلة الأحد سلخ ذي الحجة ودفن من الغد يقال بسفح قاسيون وفيها الجمال الجرائري أبو محمد عبد الله بن يحيى العتابي المحدث نزيل دمشق روى عن أبي الخطاب ابن دحية والسخاوي وخلق وكتب الكثير وصار من أعيان الطلبة مع العبادة والتواضع توفي في شوال وفيها شيخ الإسلام وبقية الأعلام شمس الدين أبو الفرج وأبو محمد عبد الرحمن بن القدوة الزاهد أبي عمر محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي ثم الصالحي الحنبلي ولد في

أول شوال وقيل في المحرم سنة سبع وتسعين وخمسمائة بدير والده بسفح قاسيون وسمع من أبيه وعمه الشيخ موفق الدين ومن ابن طبرزد وحنبل وأبي اليمن الكندي وأبي القسم بن الحرستاني وابن ملاعب وجماعة مستكثرة وأجاز له الصيدلاني وابن الجوزي جماعة وسمع من أصحاب السلفي وعنى بالحديث وكتب بخطه الأجزاء والطباق وتفقه على عمه شيخ الإسلام الموفق وشرح كتاب عمه المقنع في عشر مجلدات ضخمة وأخذ الأصول عن السيف الآمدي ودرس وأفتى وأقرأ العلم زمانا طويلا وانتفع به الناس وانتهت إليه رياسة المذهب في عصره بل رياسة العلم في زمانه وكان معظما عند الخاص والعام عظيم الهيبة لدى الملوك وغيرهم كثير الفضائل والمحاسن متين الديانة والورع وقد جمع المحدث إسمعيل بن الخباز ترجمته وأخباره في مائة وخمسين جزءا قال الحافظ الذهبي ما رأيت سيرة عالم أطول منها أبدا وقال الذهبي أيضا في معجم شيوخه في ترجمة الشيخ شمس الدين شيخ الحنابلة بل شيخ الإسلام وفقيه الشام وقدوة العباد وفريد وقته ومن اجتمعت الألسن على مدحه والثناء عليه حدث نحوا من ستين سنة وكتب عنه أبو الفتح بن الحاجب وقال سألت عنه الحافظ الضياء فقال إمام عالم خير قال الذهبي وكان الشيخ محي الدين النواوي يقول هو أجل شيوخي وأول ما ولي مشيخة دار الحديث سنة خمس وستين وستمائة حدث عنه بها وقال ابن رجب روى عنه محي الدين النووي في كتاب الرخصة في القيام له فقال أنبأ الشيخ الإمام المتفق على إمامته وفضله وجلالته القاضي أبو محمد عبد الرحمن ابن الشيخ الإمام العالم العامل الزاهد أبي عمر المقدسي رضي الله عنه وقال الذهبي وروى عنه أيضا الشيخ زين الدين أحمد بن عبد الدايم وهو أكبر منه وأسند وذكره في تاريخه الكبير وأطال ترجمته وذكر فضائله وعباداته وأوراده وكرمه ونفعه العام وأنه حج ثلاث مرات وكان آخرها قد رأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام يطلبه فحج ذلك العام وحضر

الفتوحات وأنه كان رقيق القلب سريع الدمعة كثير الذكر لله والقيام بالليل محافظا على صلاة الضحى ويصلي بين العشاءين ما تيسر ويؤثر بما يأتيه من صلات الملوك وغيرهم وكان متواضعا عند العامة مترفعا عند الملوك وكان مجلسه عامرا بالفقهاء والمحدثين وأهل الدين وأوقع الله محبته في قلوب الخلق وكان كثير الاهتمام بأمور الناس لا يكاد يعلم بمريض إلا افتقده ولا مات أحد من أهل الجبل إلا شيعه وذكر فخر الدين البعلبكي أنه منذ عرفه ما رآه غضب وعرفه نحو خمسين سنة وقد ولي القضاء مدة تزيد على اثنتي عشرة سنة على كره منه ولم يتناول عليه معلوما ثم عزل نفسه في آخر عمره وبقي قضاء الحنابلة شاغرا حتى ولي ولده نجم الدين في آخر حياة الشيخ وكان الشيخ ينزل في ولايته الحكم على بهيمة إلى البلد وقد ذكر أبو شامة في ذيله ولاية الشيخ سنة أربع وستين قال جاء من مصر ثلاثة عهود بقضاء القضاة ثلاثة ابن عطاء والزواوي وابن أبي عمر فلم يقبل المالكي والحنبلي وقبل الحنفي ثم ورد الأمر بإلزامهما بذلك وقيل إن لم يقبلاها وألا يؤخذ ما بأيديهما من الأوقاف ففعلا من أخذ جامكية وقالا نحن في كفاية فأعفيا منها وبقي بعد عزل نفسه متوفرا على العبادة والتدريس وأشغال الطلبة والتصنيف وكان أوحد زمانه في تعدد الفضائل والتفرد بالمحامد ولم يكن له نظير في خلقه ورياضته وما هو عليه وانتفع به خلق كثير وممن أخذ عنه العلم الشيخ تقي الدين بن تيمية والشيخ مجد الدين إسمعيل بن محمد الحراني وكان يقول ما رأيت بعيني مثله وروى عنه خلق كثير من الأئمة والحافظ منهم الشيخ تقي الدين بن تيمية وأبو محمد الحارثي وأبو الحسن بن العطار والمزي والبرزالي وغيرهم وتوفي رحمه الله ليلة الثلاثاء سلخ ربيع الآخر ودفن من الغد عند والده بسفح قاسيون وكانت جنازته مشهودة حضرها أمم لا يحصون ويقال أنه لم يسمع بمثلها من دهر طويل قال الذهبي رأيت وفاة الشيخ شمس الدين بن أبي عمر بخط شيخنا شيخ الإسلام ابن تيمية فمن ذلك

توفي شيخنا الإمام سيد أهل الإسلام في زمانه وقطب فلك الأيام في أوانه وحيد الزمان حقا حقا وفريد العصر صدقا صدقا الجامع لأنواع المحاسن والمعالي البريء عن جميع النقائص والمساوي القارن بين خلتي العلم والحلم والحسب والنسب والعقل والفضل والخلق والخلق ذو الأخلاق الزكية والأعمال المرضية مع سلامة الصدر والطبع واللطف والرفق وحسن النية وطيب الطوية حتى أن كان المتعنت يطلب له عيبا فيعوزه إلى أن قال وبكت عليه العيون بأسرها وعم مصابه جميع الطوائف وسائر الفرق فأي دمع ما سجم وأي أصل ما جذم وأي ركن ما هدم وأي فضل ما عدم ياله من خطب ما أعظمه ومصاب ما أفخمه وبالجملة فقد كان الشيخ أوحد العصر في أنواع الفضائل هذا حكم مسلم من جميع الطوائف وكان مصابه أجل من أن تحيط به العبارة فرحمه الله ورضي عنه وأسكنه بحبوحة جنته ونفعنا بمحبته أنه جواد كريم انتهى وفيها العماد الموصلي أبو الحسن علي بن يعقوب ابن أبي زهران المقرىء الشافعي أحد من انتهت إليه رياسة الأقراء قرأ على ابن وثيق وغيره وكان فصيحا مفوها وفقيها مناظرا تكرر على الوجيز للغزالي وتوفي في صفر وله إحدى وستون سنة وفيها ابن أبي عصرون محي الدين أبو الخطاب عمر بن محمد بن القاضي أبي سعد عبد الله بن محمد التميمي الدمشقي الشافعي سمع في الخامسة من عمره من ابن طبرزد وسمع من الكندي وغيره وتعانى الجندية ودرس بمدرسة جده بدمشق وتوفي فجأة في ذي القعدة وفيها المقدسي المفتي شمس الدين محمد بن أحمد بن نعمة الشافعي مدرس الشامية ولي نيابة القضاء عن ابن الصايغ وكان بارعا في المذهب متين الديانة خيرا ورعا توفي في ثاني عشر ذي القعدة قاله في العبر وقال الأسنوي في طبقات الشافعية أبو العباس أحمد الملقب شرف الدين كان إماما في الفقه والأصول والعربية والنظر حاد الذهن دينا متنسكا متواضعا حسن الأخلاق والاعتقاد

لطيف الشمائل طويل الروح على الاشتغال يكتب الخط الفائق المنسوب انتهت إليه رياسة المذهب بعد الشيخ تاج الدين بن الفركاح وتخرج به جماعة وصنف في الأصول تصنيفا جيدا ودرس بالشامية البرانية والغزالية وتولي مشيخة دار الحديث النورية وخطابة الجامع وناب في الحكم عن ابن الخويني وكان نظيره في العلوم توفي في رمضان سنة أربع وتسعين وستمائة وقد نيف على السبعين وأما أخوه فهو شمس الدين محمد تفقه وبرع في المذهب وكان ممن جمع بين العلم والدين المتين اشترك هو والقاضي عز الدين ابن الصايغ في الشامية البرانية ثم استقل بها عند تولية ابن الصايغ وكالة بيت المال وناب في الحكم عن ابن الصايغ وسمع وحدث وتوفي ثاني عشر ذي القعدة سنة اثنتين وثمانين وستمائة وقد جاوز الخمسين انتهى كلام الأسنوي
وفيها ابن الحرستاني خطيب دمشق محي الدين أبو حامد محمد بن الخطيب عماد الدين عبد الكريم بن القاضي أبي القسم عبد الصمد بن الحرستاني الأنصاري الشافعي الخزرجي ولد سنة أربع عشرة وستمائة وسمع من ابن صصرى وغيره ودرس وأفتى وأشغل وكان قوي المشاركة في العلوم على خطابته طلاوة وروح قال ابن كثير كان صينا دينا فقيها نبيها فاضلا شاعرا مجيدا بارعا ملازما منزله فيه عبادة وتنسك وانقطاع طيب الصوت في الخطبة عليه روح بسبب تقواه توفي في جمادى الآخرة ودفن بالصالحية انتهى
وفيها ابن القواس شرف الدين محمد بن عبد المنعم بن عمر بن عبد الله بن غدير الطائي الدمشقي ولد سنة اثنتين وستمائة وسمع من الكندي وابن الحرستاني والخضر بن كامل وكان شيخا متميزا حسن الديانة توفي في ربيع الآخر وفيها العماد بن الشيرازي القاضي الرئيس أبو الفضل محمد بن محمد بن هبة الله بن محمد الدمشقي صاحب الخط المنسوب ولد سنة خمس وستمائة وسمع من ابن الحرستاني وداود بن ملاعب وكتب على الولي وانتهت

إليه رياسة التجويد مع الحشمة والوقار وتوفي في ثامن عشر صفر وكان مرضه أربعة أيام وفيها الحافظ ابن جعوان بالجيم والواو وبينهما مهملة محمد بن محمد بن عباس بن أبي بكر بن جعوان بن عبد الله الأنصاري الدمشقي الشافعي كان إماما حافظا متقنا نحويا توفي قبيل الكهولة ولم يبلغ من التسمع مأموله قاله ابن ناصر الدين وفيها الرشيد العامري محمد بن أبي بكر بن محمد بن سليمان الدمشقي سمع دلائل النبوة وصحيح مسلم من ابن الحرستاني وجزء الأنصاري من الكندي وتوفي في ذي الحجة قاله في العبر
وفيها المحي بن القلانسي الصدر الأوحد أبو الفضل يحيى بن علي بن محمد بن سعد التميمي الدمشقي ولد سنة أربع عشرة وستمائة وسمع من ابن الموفق وابن البن وطائفة وتوفي في شوال

سنة ثلاث وثمانين وستمائة

في شعبان كانت الزيادة الهائلة بدمشق بالليل وكان عسكر المصريين بالوادي فذهب لهم ما لا يوصف وخربت البيوت وانطمت الأنهار وكسر الماء أقفال باب الفراديس ودخل حتى وصل إلى مدرسة المقدمية وكسر جسر باب الفراديس وفيها توفي ابن المنير العلامة ناصر الدين أحمد بن محمد بن منصور الجذامي الجروي الاسكندراني المالكي قاضي الاسكندرية وفاضلها المشهور ولد سنة عشرين وستمائة وبرع في الفقه والأصول والنظر والعربية والبلاغة وصنف التصانيف وتوفي في أول ربيع الأول
وفيها الملك أحمد بن هلاكو المغلى ولي السلطنة بعد أخيه أبغا أسلم وهو صبي ويسر له قرين صالح وهو الشيخ عبد الرحمن الذي قدم الشام رسولا وسعى في الصلح مات وله بضع وعشرون سنة وكان قليل الشر مائلا إلى الخير ومات أيضا عبد الرحمن في الاعتقال بقلعة دمشق بعده وفيها ابن البارزي

قاضي حماة وابن قاضيها وأبو قاضيها الإمام نجم الدين عبد الرحيم بن إبراهيم بن هبة الله الجهني الشافعي ولد بحماة سنة ثمان وستمائة وسمع من موسى بن عبد القادر وكان بصيرا بالفقه والأصول والكلام له ديانة متينة وصدق وتواضع وشعر بديع منه
( إذا شمت من تلقاء أرضكم برقا ** فلا أضلعي تهدا ولا أدمعي ترقا )
( وإن ناح فوق البان ورق حمائم ** سحيرا فنوحي في الدجى علم الورقا )
( فرقوا لقلب في ضرام غرامه ** حريق وأجفان بأدمعها غرقى )
( سميرى من سعد خذا نحو أرضهم ** يمينا ولا تستبعدا نحوها الطرقا )
( وعوجا على أفق توشح شيحه ** بطيب الشذا المكي أكرم به أفقا )
( فإن به المغنى الذي بترابه ** وذكراه يستشفي لقلبي ويسترقي )
( ومن دونه عرب يرون نفوس من ** يلوذ بمغناهم حلالا لهم طلقا )
( بأيديهم بيض بها الموت أحمر ** وسمر لدى هيجائهم تحمل الزرقا )
( وقولا محبا للشآم غدا لقى ** لفرقة قلب بالحجاز غدا ملقى )
( تعلقكم في عنفوان شبابه ** ولم يسل عن ذاك الغرام وقد أنقى )
( وكان يمني النفس بالقرب فاغتدى ** بلا أمل إذ لا يؤمل أن يبقى )
( عليكم سلام الله أما مدادكم ** فباق وأما البعد عنكم فما أبقى )
توفي في تبوك في ذي القعدة فحمل إلى المدينة المنورة
وفيها علاء الدين صاحب الديوان عطا مالك بن الصاحب بهاء الدين محمد بن محمد الخراساني الجويني أخو الوزير الكبير شمس الدين نال هو وأخوه من المال والحشمة والجاه العظيم ما يتجاوز الوصف في دولة أبغا وكان أمر العراق راجعا إلى علاء الدين فساسه أحسن سياسة طلب في هذه السنة فاختفى

ومات في الاختفاء وقتل أخوه شمس الدين
وفيها ابن مهنا رئس آل فضل ملك العرب عيسى بن مهنا كان له المنزلة العالية عند السلطان توفي في ربيع الأول وقام بعده ولده الأمير حسام الدين مهنا صاحب تدمر وفيها الصدر الكبير المنشى بهاء الدين ابن الفخر عيسى الأربلي له الفضيلة التامة والنظم الرائق والنثر الفائق صنف مقامات حسنة ورسالة الطيف ومن شعره
( أي عذر وقد تبدى العذار ** أن ثنانى تجلد واصطبار )
( فأقلا إن شئتما أو فزيدا ** ليس لي عن هوى الملاح قرار )
( هل مجير من الغرام وهيهات ** أسير الغرام ليس يجار )
( يا بديع الجمال قد كثرت ** فيك اللواحي وقلت الانصار )
وله
( ما العيش إلا خمسة لا سادس ** لهم وإن قصرت بها الأعمار )
( زمن الربيع وشرخ أيام الصبا ** والكاس والمعشوق والدينار )
وله فيه
( إنما العيش خمسة فاغتنمها ** واستمعها بصحة من صدوق )
( من سلاف وعسجد وشباب ** وزمان الربيع والمعشوق )
وفيها فاطمة بنت الحافظ عماد الدين علي بن القسم بن مؤرخ الشام أبي القسم بن عساكر ولدت سنة ثمان وتسعين وخمسمائة وسمعت من ابن طبرزد وجماعة وأجاز لها الصيدلاني وتوفيت في شعبان
وفيها ابن الصايغ بالصاد المهملة والغين المعجمة قاضي القضاة عز الدين أبو المفاخر محمد بن عبد القادر بن عبد الخالق بن خليل الأنصاري الدمشقي الشافعي ولد سنة ثمان وعشرين وستمائة وسمع من ابن اللتي وجماعة ولازم القاضي كمال الدين التفليسي حتى صار من أعيان أصحابه وكان عارفا بالمذهب

بارعا في الأصول والمناظرة درس بالشامية مشاركة مع شمس الدين المقدسي ثم ولي وكالة بيت المال ثم ولي قضاء الشام وعزل بابن خلكان فظهرت منه نهضة وشهامة وقيام في الحق بكل ممكن وكان عزله في أول سنة سبع وسبعين وبقي له تدريس العذراوية ثم أعيد إلى منصبه في أول سنة ثمانين تم أنهم أتقنوا قضيته فامتحن في رجب سنة اثنتين وثمانين وأخرجوا عليه محضرا بنحو مائة ألف دينار وتمت له فصول إلى أن خلصه الله ثم ولوا مكانه القاضي بهاء الدين بن الزكي وانقطع هو بمنزله في بستانه إلى أن توفي في تاسع ربيع الآخر ولما حضرته الوفاة جمع أهله وتوضأ وصلى بهم ثم قال هللوا معي وبقي يهلل بهم إلى أن توفي مع قول لا إله إلا الله ذكره البرزالي
وفيها ابن خلكان قاضي بعلبك بهاء الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم كان أسن من أخيه قاضي القضاة بخمس سنين وسمع الصحيح من ابن مكرم وأجاز له المؤيد الطوسي وطائفة وكان حسن الأخلاق رقيق القلب سليم الصدر ذا دين وخير وتواضع توفي في رجب وفيها الملك المنصور صاحب حماة ناصر الدين محمد بن الملك المظفر تقي الدين محمود بن المنصور محمد بن تقي الدين عمر بن شاهنشاه بن أيوب تملك بعد أبيه سنة اثنتين وأربعين وستمائة وله عشر سنين رعاية لأمه الصاحبة ابنة الكامل وكان لعابا مصرا على أمور الله يسامحه قاله في العبر
وفيها ابن النعمان القدوة الزاهد أبو عبد الله محمد بن موسى بن النعمان التلمساني قدم الاسكندرية شابا فسمع بها من محمد بن عماد والصفراوي وكان عارفا بمذهب مالك راسخ القدم في العبادة والنسك أشعريا منحرفا على الحنابلة توفي في رمضان ودفن بالقرافة وشيعه أمم قاله في العبر وفيها تقي الدين محمد بن عبد الولي بن جبارة بن عبد الولي المقدسي الفقيه الحنبلي سمع بدمشق من أبي القسم بن صصرى وغيره وببغداد من أبي الحسن القطيعي

وطبقته وكان فاضلا مفننا صالحا وهو والد الشيخ شهاب الدين أحمد بن جبارة توفي في ذي الحجة بسفح قاسيون ودفن به وفيها تقي الدين أبو الميامن مظفر بن أبي بكر بن مظفر بن علي الجوسقي ثم البغدادي الحنبلي الفقيه الأصولي النظار المعروف بالحاج ولد في مستهل رجب سنة ثلاث عشرة وستمائة وسمع من أبي الفضل محمد بن محمد بن الحسن السباك وتفقه وبرع في المذهب والخلاف والأصول وناظر وأفتى ودرس بالمدرسة البشرية لطائفة الحنابلة وكان من أعيان الفقهاء وأئمة المذهب وحدث وسمع منه القلانسي وغيره وتوفي ببغداد في آخر نهار السبت رابع عشري ربيع الأول ودفن بحظيرة قبر الإمام أحمد ولم يخلف في بغداد مثله

سنة أربع وثمانين وستمائة

فيها توفي الوزير المقرىء المجود برهان الدين إبراهيم بن إسحق بن المظفر المصري ولد سنة تسع عشرة وستمائة وقرأ القراءات على أصحاب الشاطبي وأبي الجود وأقرأها بدمشق وتوفي بين الحرمين في أواخر ذي الحجة
وفيها النسفي العلامة برهان الدين محمد بن محمود بن محمد الحنفي المتكلم صاحب التصانيف في الخلاف وتخرج به خلق وبقي إلى هذا العام وكان مولده سنة ستمائة وفيها ست العرب بنت يحيى بن قايماز أم الخير الدمشقية الكندية سمعت من مولاهم التاج الكندي وحضرت على ابن طبرزد الغيلانيات وتوفيت في المحرم عن خمس وثمانين سنة
وفيها الرشيد سعيد بن علي بن سعيد البصروي الحنفي مدرس الشبلية أحد أئمة المذهب كان دينا ورعا نحويا شاعرا توفي في شعبان وقد قارب

الستين وفيها الصاين مقرىء بلاد الروم أبو عبد الله محمد البصري المقرىء المجود الضرير قرأ القراءات بدمشق على المنتخب وكان بصيرا بمذهب الشافعي عدلا خيرا صالحا وفيها الزين عبد الله بن الناصح عبد الرحمن بن نجم بن الحنبلي سمع بالموصل من عبد المحسن بن الخطيب وببغداد من الداهري وبدمشق من ابن البن وعاش ثمانين سنة وتوفي في شوال
وفيها الشمس المقدسي عبيد الله بن محمد بن أحمد بن عبيد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الحنبلي ولد سنة خمس وثلاثين وستمائة وسمع من كريمة القرشية وغيرها وتفقه وبرع في المذهب وأفتى ودرس قال اليونيني في تاريخه كان من الفضلاء الصلحاء الأخيار سمع الكثير وكتب بخطه وشرع في تأليف كتاب في الحديث مرتبا على أبواب الفقه ولو تم لكان نافعا وكان الشيخ شمس الدين بن أبي عمر يحبه كثيرا ويفضله على سائر أهله وكان أهلا لذلك فلقد كان من حسنات المقادسة كثير الكرم والخدمة والتواضع والسعي في قضاء حوائج الإخوان والأصحاب توفي يوم الإثنين ثامن عشرى شعبان بقرية جماعيل من عمل نابلس ودفن بها
وفيها إسمعيل بن إبراهيم بن علي الفراء الصالحي كان حنبليا صالحا زاهدا ورعا ذا كرامات ظاهرة وأخلاق طاهرة ومعاملات باطنة صحب الشيخ الفقيه اليونيني وكان يقال أنه يعرف الاسم الأعظم توفي بسفح قاسيون في جمادى الأولى قاله ابن رجب وفيها الإمام نور الدين أبو طالب عبد الرحمن بن عمر بن أبي القسم بن علي بن عثمان البصري الضرير الفقيه الحنبلي نزيل بغداد ولد يوم الإثنين ثاني عشر ربيع الأول سنة أربع وعشرين وستمائة بقرية من قرى البصرة وحفظ القرآن بالبصرة سنة إحدى وثلاثين على الشيخ حسن بن دويرة وحفظ الخرقي وكف بصره سنة أربع وثلاثين وسمع بالبصرة من ابن دويرة المذكورة وقدم بغداد وحفظ بها كتاب

الهداية لأبي الخطاب ولازم الاشتغال وأفتى سنة ثمان وأربعين وسمع من المجد بن تيمية وغيره وكان بارعا في الفقه له معرفة بالحديث والتفسير ولما توفي شيخه ابن دويرة بالبصرة ولي التدريس بمدرسة شيخه وخلع عليه ببغداد خلعة وألبس الطرحه السوداء في خلافة المعتصم سنة اثنتين وخمسين وذكر ابن الساعي أنه لم يلبس الطرحة أعمى بعد أبي طالب بن الخل سوى الشيخ نور الدين هذا ثم بعد واقعة بغداد طلب إليها ليولى تدريس الحنابلة بالمستنصرية فلم يتفق وتقدم الشيخ جلال الدين بن عكبر فرتب الشيخ نور الدين مدرسا بالبشرية وله تصانيف عديدة منها كتاب جامع العلوم في تفسير كتاب الله الحي القيوم وكتاب الحاوي في الفقه في مجلدين والكافي في شرح الخرقي والواضح في شرح الخرقي أيضا وغير ذلك وتفقه عليه جماعة منهم صفي الدين بن عبد الحق وقال عنه كان شيخنا من العلماء المجتهدين والفقهاء المنفردين وكان له فطنة عظيمة ونادرة عجيبة منها ما حكى محمد بن إبراهيم الخالدي وكان ملازما للشيخ نور الدين حتى زوجه الشيخ ابنته قال عقد مجلس بالمستنصرية مرة للمظالم وحضره الأعيان فاتفق جلوس الشيخ إلى جانب بهاء الدين بن الفخر عيسى كاتب ديوان الإنشاء وتكلم الجماعة فنزل الشيخ نور الدين عليهم بالبحث ورجع إلى قوله فقال له ابن الفخر عيسى من أين الشيخ قال من البصرة قال والمذهب قال حنبلي قال عجب بصري حنبلي فقال الشيخ هنا أعجب من هذا كردي رافضي فخجل ابن الفخر وكان كرديا رافضيا والرفض من الأكراد معدوم أو نادر توفي الشيخ نور الدين ليلة السبت ليلة عيد الفطر ودفن قرب الإمام أحمد ومن فوائده أنه اختار أن الماء لا ينجس إلا بالتغير وإن كان قليلا وإن بني هاشم يجوز لهم أخذ الزكاة إذا منعوا حقهم من الخمس وفيها أبو الحسن حازم بن محمد بن حسين بن حازم النحوي الأنصاري القرطاجني صاحب القصيدة الميمية في

النحو المشهورة قال الشمني في حاشيته على المغنى القرطاجني بفتح القاف وراء ساكنة وطاء مهملة فألف فجيم مفتوحة فنون فياء نسبة من قرطاجنة الأندلس لا من قرطاجنة تونس كان إماما بليغا ريان من الأدب نزل تونس وامتدح بها المنصور صاحب أفريقية أبا عبد الله محمد بن الأمير أبي زكريا يحيى بن عبد الواحد بن أبي حفص ومات سنة أربع وثمانين وستمائة انتهى
وفيها أبو القسم علي بن بلبان المحدث الرحال علاء الدين المقدسي الناصري الكركي مشرف الجامع وإمام مسجد الماشكي تحت مأذنة فيروز ولد سنة اثنتي عشرة وستمائة وسمع من ابن اللتى والقطيعي وابن القبيطي وخلق كثير بالشام والعراق ومصر وعنى بالحديث وخرج العوالي وتوفي برمضان
وفيها المراكشي علاء الدين علي بن محمد بن علي البكري الكاتب سمع من ابن صباح وابن الزبيدي وولي نظر المارستان ونظر الدواوين وتوفي في جمادى الأولى عن بضع وستين سنة وفيها علاء الدين علي البندقداري الأمير الكبير الذي كان مولى الملك الظاهر كان أميرا جليلا عاقلا وكان أولا للأمير جمال الدين بن يغمور ثم جعله للملك الصالح فجعله بندقداره توفي بالقاهرة وفيها الأمير شبل الدولة الطواشي أبو المسك كافور الصوابي الصالحي الصفوي خزندار قلعة دمشق روى عن ابن رواح وجماعة وكان محبا للحديث عاقلا دينا توفي في رضان وقد نيف على الثمانين
وفيها ابن شداد الرئيس المنشىء البليغ عز الدين محمد بن إبراهيم بن علي الأنصاري الحلبي ولد سنة ثلاث عشرة وستمائة وهو الذي جمع السيرة للملك الظاهر وجمع تاريخا لحلب توفي في صفر وفيها ابن الأنماطي أبو بكر محمد ابن الحافظ البارع أبي الطاهر إسمعيل بن عبد الله الأنصاري المصري ولد بدمشق سنة تسع وستمائة وسمع حضورا من الكندي وأكثر عن الحرستاني وابن ملاعب وخلق وتوفي في ذي الحجة بالقاهرة


وفيها الأمير ناصر الدين الحراني محمد بن الافتخار اياز والي دمشق بعد أبيه ومشد الأوقاف كان من عقلاء الرجال والبائهم مع الفضيلة والديانة والمروة والكلمة النافذة في الدولة استعفى من الولاية فاعفى ثم أكره على نيابة حمص فلم تطل مدته بها وتوفي في شعبان ونقل إلى دمشق في آخر الكهولة
وفيها الأخميمي الزاهد شرف الدين محمد بن الحسن بن إسمعيل نزيل سفح قاسيون كان صاحب توجد وتعبد وللناس فيه عقيدة عظيمة توفي في جمادى الأولى قاله في العبر وفيها ابن عامر الشيخ أبو عبد الله محمد بن عامر بن أبي بكر الصالحي المقرىء صاحب الميعاد المعروف روى عن ابن ملاعب وجماعة وكان صالحا متواضعا خيرا حسن الوعظ حلو العبارة توفي في جمادى الآخرة وقد قارب الثمانين وفيها الرومي الزاهد شرف الدين محمد بن الشيخ الكبير عثمان بن علي صاحب الزاوية التي بسفح قاسيون كان عجبا في الكرم والتواضع ومحبة السماع توفي في جمادى الأولى وقد نيف على التسعين قاله في العبر وفيها الرضى رضى الدين الشاطبي محمد بن علي بن يوسف الأنصاري ولد ببلنسية سنة إحدى وستمائة وكان إمام عصره في اللغة وحدث عن المقير وغيره وقرأ لورش على محمد بن أحمد بن مسعود الشاطبي صاحب ابن هذيل وتصدر بالقاهرة وأخذ عنه الناس وروى عنه أبو حيان وغيره وتوفي في الثامن والعشرين من جمادى الأولى بالقاهرة
وفيها مجير الدين بن تميم محمد بن يعقوب بن علي الجندي الحموي الدمشقي الأمير سبط ابن تميم استوطن حماة وكان من العقلاء الفضلاء الكرماء وشعره في غاية الجودة فمنه قوله
( أطالع كل ديوان أراه ** ولم أزجر عن التضمين طيرى )
( أضمن كل بيت نصف بيت ** فشعرى نصفه من شعر غيرى )


وقال
( عاينت ورد الروض يلطم خده ** ويقول وهو على البنفسج محنق )
( لا تقربوه وأن تضوع نشره ** ما بينكم فهو العدو الأزرق )
وقال في توديع مليح
( مولاي قد كثرت ليالي هجرنا ** حتى عجزت سلمت لي عن عدها )
( أودع فمي قبل التودع قبلة ** وأنا الكفيل إذا رجعت بردها )

سنة خمس وثمانين وستمائة

فيها أخذت الكرك من الملك المسعود خضر بن الملك الظاهر ونزل منها وسار إلى مصر وفيها بدر الدين أبو العباس أحمد بن شيبان بن تغلب بن حيدرة الشيباني الصالحي العطار ثم الخياط راوى مسند الإمام أحمد أكثر عن حنبل وابن طبرزد وجماعة وأجاز له أبو جعفر الصيدلاني وخلق وكان مطبوعا متواضعا توفي في الثامن والعشرين من صفر عن تسع وثمانين سنة وفيها المقرىء الأستاذ القدوة أبو علي الحسن بن عبد الله بن بختيار المغربي البربري الرجل الصالح تصدر للأقراء والإفادة وأخذ عنه مثل الشيخ التونسي والشيخ شهاب الدين بن جبارة ولم يقرأ على غير الكمال الضرير وتوفي في صفر بالقاهرة وفيها الصفي أبو الصفا خليل بن أبي بكر بن محمد بن صديق المراغي الفقيه الحنبلي المقرىء سمع من ابن الحرستاني وابن ملاعب وطائفة وتفقه على الموفق وقرأ القراءات على ابن ماسويه وقرأ أصول الفقه على السيف الآمدي وناب في القضاء بالقاهرة فحمدت سيرته وطرائقه وشكرت خلائقه قال الذهبي كان مجموع الفضائل كثير المناقب متين الديانة صحيح الأخذ بصيرا بالمذهب عالما بالخلاف والطب قرأ عليه بالروايات بدر الدين بن الجوهري وأبو بكر بن الجعبري وجماعة من المصريين وسمع

منه ابن الظاهري وابنه والحافظ المزي وأبو حيان والحافظ عبد الكريم بن منير وخلق سواهم توفي يوم السبت سابع عشر ذي القعدة بالقاهرة ودفن بمقابر باب النصر
وفيها الشيخ موفق الدين أبو الحسن علي بن الحسين بن يوسف بن الصياد المقرىء الفقيه الحنبلي المعدل حدث عن ابن اللتي وروى عن حنبل وابن طبرزد والكندي وهذه الطيفة وروى عنه جماعة وتوفي ببغداد في رجب وفيها أبو الفضل محمد بن محمد بن علي الزيات البابصري البغدادي الحنبلي الواعظ أحد شيوخ بغداد المسندين حدث عن ابن صرما والفتح بن عبد السلام وغيرهما وسمع منه خلق كثير منهم الفرضي وقال كان عالما زاهدا عارفا ثقة عدلا مسندا من بيت الحديث والزهد وعظ في شبابه ثم ترك ذلك وتوفي في آخر السنة وفيها القاضي جمال الدين أبو إسحق إسمعيل بن جمعة بن عبد الرزاق قاضي سامرا كان فاضلا أديبا له نظم حسن سمع من الشيخ جمال الدين عبد الرحمن بن طلحة بن غانم العلثي فضائل القدس لابن الجوزي بسماعه منه وأجاز لغير واحد وتوفي في جمادى الأولى وفيها شامية أمة الحق بنت الحالظ أبي علي الحسن بن محمد البكري روت عن جد أبيها وجدها وحنبل وابن طبرزد وتفردت بعدة أجزاء وتوفيت بشيزر عند أقاربها في أواخر رمضان عن سبع وثمانين سنة
وفيها السراج بن فارس أبو بكر عبد الله بن أحمد بن إسمعيل التميمي الاسكندراني أخو المقرىء كمال الدين سمع من التاج الكندي وابن الحرستاني وتوفي بالاسكندرية في ربيع الأول وفيها الشيخ القدوة الزاهد تاج الدين عبد الدايم المقدسي الحنبلي روى عن الشيخ الموفق وجماعة وتوفي في رمضان وقد نيف على السبعين وفيها عفيف الدين عبد الرحيم

ابن محمد بن أحمد بن فارس البغدادي بن الزجاج أحد مشايخ العراق فقيه حنبلي زاهد سني أثري عارف بمذهب أحمد ولد سنة اثنتي عشرة وستمائة وسمع من عبد السلام العبرتي والفتح بن عبد السلام وطائفة وتوفي في المحرم بذات لحج بعد قضاء الحج قاله في العبر وفيها الشيخ عبد الواحد ابن علي القرشي الهكاري الفارقي الحنبلي سمع من مسمار بن العويس بالموصل ومن موسى بن الشيخ عبد القادر وطائفة بدمشق وكان عبدا صالحا توفي في رمضان بالقاهرة وله أربع وتسعون سنة وفيها المعين بن تولو الشاعر المشهور عثمان بن سعيد الفهري المصري توفي في ربيع الأول بالقاهرة وله ثمانون سنة
وفيها الشريشي نسبة إلى شريش ككريم مدينة بشذونة قاله السيوطي العلامة جمال الدين أبو بكر محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن سحمان البكري الوابلي الأندلسي الفقيه المالكي الأصولي المفسر ولد سنة إحدى وستمائة وسمع بالثغر من محمد بن عماد وببغداد من الحسن القطيعي وخلق وبدمشق من مكرم وكان بارعا في مذهب مالك محققا للعربية عارفا بالكلام والنظر قيما بكتاب الله وتفسيره جيد المشاركة في العلوم ذا زهد وتعبد وجلالة شرح مقامات الحريري شرحا ممتعا وتوفي في الرابع والعشرين من رجب
وفيها القاضي ناصر الدين أبو الخير عبد الله بن عمر بن محمد بن علي قاضي القضاة البيضاوي بفتح الباء إلى البيضاء من بلاد فارس الشافعي قال ابن شهبة في طبقاته صاحب المصنفات وعالم أذربيجان وشيخ تلك الناحية ولي قضاء شيراز قال السبكي كان إماما مبرزا نظارا خيرا صالحا متعبدا وقال ابن حبيب تكلم كل من الأئمة بالثناء على مصنفاته ولو لم يكن له غير المنهاج الوجيز

لفظه المحرر لكفاه ولي أمر القضاء بشيراز وقابل الأحكام الشرعية بالاحترام والاحتراز توفي بمدينة تبريز قال السبكي والأسنوي سنة إحدى وتسعين وستمائة وقال ابن كثير في تاريخه والكتبي وابن حبيب توفي سنة خمس وثمانين وأهمله الذهبي في العبر انتهى كلام ابن شهبة وقال ابن كثير في طبقاته ومن تصانيفه الطوالع قال السبكي وهو أجل مختصر في علم الكلام والمنهاج مختصر من الحاصل والمصباح ومختصر الكشاف والغاية القصوى في رواية الفتوى وغير ذلك رحمه الله تعالى وفيها ابن الخيمي شهاب الدين محمد بن عبد المنعم بن محمد الأنصاري اليمني ثم المصري الصوفي الشاعر المحسن حامل لواء النظم في وقته سمع جامع الترمذي من علي بن البناء وأجاز له عبد الوهاب بن سكينة وتوفي في رجب عن اثنتين وثمانين سنة وأكثر قاله في العبر ومن شعره
( كلفت ببدر في مبادي الدجى بدا ** فعاد لنا ضوء الصباح كما بدا )
( وحجب عنا حسنه نور حسنه ** فمن ذلك الحسن الضلالة والهدى )
( فيا حبذا نار لقلبي تصطلي ** ويا دمع عيني حبذا أنت موردا )
( ويا سقمي في الحب أهلا ومرحبا ** ويا صحة السلوان شأنك والعدا )
( فلست أرى عن ملة الحب مائلا ** وكيف ونور العامرية قد بدا )
وفيها الدينوري خطيب كفر بطنا الشيخ جمال الدين أبو البركات محمد ابن القدوة العابد الشيخ عمر بن عبد الملك الصوفي الشافعي ولد سنة ثلاث عشرة وستمائة بالدينور وقدم مع أبيه وله عشر سنين فسكن بسفح قاسيون وسمع الكثير ونسخ الأجزاء واشتغل وحصل وحدث عن ابن الزبيدي والناصح بن الحنبلي وطائفة وكان دينا فاضلا عالما وتوفي في رجب
وفيها ابن الدباب الواعظ جمال الدين أبو الفضل محمد بن أبي الفرج

محمد بن علي البابصري الحنبلي ولد سنة ثلاث وستمائة وسمع من أحمد بن صرما وثابت بن مشرف وحدث بالكثير وتوفي في آخر العام ببغداد
وفيها ابن المهتار الكاتب المجود المحدث الورع مجد الدين يوسف بن محمد بن عبد الله المصري ثم الدمشقي الشافعي قارىء دار الحديث الأشرفية ولد في حدود سنة عشر وسمع من ابن الزبيدي وابن صباح وطبقتهما وروى الكثير وتوفي في تاسع ذي القعدة وفيها ابن الزكي قاضي القضاة بهاء الدين أبو الفضل يوسف بن قاضي القضاة محي الدين يحيى بن قاضي القضاة محي الدين أبي المعالي محمد بن قاضي القضاة زكي الدين علي بن قاضي القضاة منتجب الدين محمد بن يحيى القرشي الدمشقي الشافعي ولد سنة أربعين وستمائة وبرع في العلم بذكائه المفرط وقدرته على المناظرة وحل المعضلات وسمع بمصر من جماعة وتفقه بأبيه وغيره وأخذ العلوم العقلية عن القاضي كمال الدين التفليسي وولي القضاء بعد ابن الصايغ سنة اثنتين وثمانين إلى أن توفي وهو آخر من ولي القضاء من هذا البيت وقد جمع له أجل مدارس دمشق وهي العزيزية والتقوية والفلكية والعادلية والمجاهدية والكلاسة قال الذهبي كان جليلا نبيلا ذكيا سريا كامل الرياسة وافر العلم بارعا في الأصول بصيرا بالفقه فصيحا مفوها حلالا للمشكلات غواصا على المعاني سريع الحفظ قوي المناظرة قيل أنه كان يحفظ الورقتين والثلاثة للدرس من نظرة واحدة ويورد الدرس في غاية الجزالة وكان يورد في اليوم عدة دروس وكان أديبا إخباريا كثير المحفوظ علامة كريم النفس كثير المحاسن مليح الفتاوي وهو ذكي بيت الزكي توفي في حادي عشر ذي الحجة وله خمس وأربعون سنة ودفن بتربتهم جوار ابن عربي قدس سره

سنة ست وثمانين وستمائة

فيها توفي البرهان السنجاري قاضي القضاة أبو محمد الخضر بن الحسن بن علي الزراري الشافعي ولي قضاء مصر وحدها مدة في دولة الصالح ثم آذاه الوزير بهاء الدين ونكبه فلما مات ولي الوزارة للملك السعيد وبقي مدة ثم عزل وضربه الشجاعي ثم ولى الوزارة ثانيا ثم عزل وأوذي ثم ولي قضاء القضاة بالإقليم فتوفي بعد عشرين يوما فيقال أنه سم توفي في صفر وولي بعده تقي الدين بن بنت الاعز وفيها أو في سنة أربع وثمانين نجم الأئمة الرضى شارح الكافية الإمام المشهور قال السيوطي في طبقات النحاة شرح الكافية لابن الحاجب الشرح الذي لم يؤلف عليها بل ولا في غالب كتب النحو مثله جمعا وتحقيقا وحسن تعليل وقال أكب الناس عليه وتداولوه واعتمده شيوخ هذا العصر فمن قبلهم في مصنفاتهم ودروسهم وله فيه أبحاث كثيرة مع النحاة واختيارات جمة ومذهب ينفرد به ولقبه نجم الأئمة ولم أقف على اسمه ولا على شيء من ترجمته إلا أنه فرغ من تأليف هذا الشرح سنة ثلاث وثمانين وستمائة وأخبرني صاحبنا المؤرخ شمس الدين بن عزم بمكة أن وفاته سنة أربع وثمانين أو ست وثمانين الشك مني وله شرح على الشافية انتهى كلام السيوطي وفيها ابن بليمان الأديب شرف الدين سليمان بن بليمان بن أبي الجيش الأربلي الشاعر المشهور أحد الظرفاء في العالم توفي بدمشق وقد كمل التسعين وفيها ابن عساكر الإمام الزاهد أمين الدين أبو اليمن عبد الصمد بن عبد الوهاب بن زين الأمناء الدمشقي المجاور بمكة روى عن جده والشيخ الموفق وطائفة وكان صالحا خيرا قوي المشاركة في العلم بديع النظم لطيف الشمائل صاحب توجه وصدق

ولد سنة أربع عشرة وستمائة وجاور بمكة أربعين سنة وتوفي في جمادى الأولى
وفيها عز الدين أبو العز عبد العزيز بن عبد المنعم بن علي بن الصيقل مسند الوقت الحراني روى عن أبي حامد بن جوالق ويوسف بن كامل وطائفة وأجاز له ابن كليب فكان آخر من روى عن أكثر شيوخه وممن روى عنه الحافظ علم الدين البرزالي قال حدثنا الشيخ أبو العز الحراني قال حدثني عبد الكافي بمصر ووصفه بالصلاح قال خرجت في بعض الجنائز وتحت النعش أسود فصلينا على الميت ووقف الأسود لا يصلي فلما أدخل الميت إلى القبر نظر إلي وقال أنا عمله وقفز ودخل القبر فنظرت في القبر فلم أر شيئا انتهى وتوفي أبو العز هذا بمصر في جامع عمرو بن العاص في رابع عشر رجب وقد نيف على التسعين وصلى عليه ابن دقيق العيد وفيها وقيل في التي قبلها كما جزم به الأسنوي وابن قاضي شهبة قاضي القضاة وجيه الدين عبد الوهاب بن الحسن المصري البهنسي الشافعي ولي قضاء مصر والقاهرة بعد موت القاضي تقي الدين بن رزين في رجب سنة ثمانين ثم أخذ منه قضاء القاهرة والوجه البحري وأعطى للقاضي شهاب الدين الجويني في جمادى الآخرة سنة إحدى وثمانين واستمر الوجيه حاكما بمصر والوجه القبلي إلى أن توفي قال الأسنوي كان إماما كبيرا في الفقه وقال السبكي كان من كبار الأئمة وقال غيرهما أخذ عن ابن عبد السلام ودرس بالزاوية المحدثة بالجامع العتيق بمصر وكان فقيها أصوليا نحويا متدينا متعبدا عالي الكلام في المناظرة حضر عند الشيخ شهاب الدين القرافي مرة في الدرس وهو يتكلم في الأصول فناظره القرافي وكلام الوجيه يعلو فقام طالب يتكلم بينهما فأسكته الوجيه وقال فروج يصيح بين الديكة توفي الوجيه رحمه الله تعالى في جمادى الأولى في عشر الثمانين وفيها ابن الحبوبي شهاب الدين أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد بن حمزة بن علي الثعلبي الدمشقي الشاهد روى عن الحرستاني

وغيره وأجاز له المؤيد الطوسي وابن الأخضر وتوفي في رجب
وفيها ابن القسطلاني الإمام قطب الدين أبو بكر محمد بن أحمد بن علي المصري ثم المكي ولد سنة أربع عشرة وستمائة وسمع من علي بن البناء والشهاب السهروردي وتفقه في مذهب الإمام الشافعي وأفتى ثم رحل سنة تسع وأربعين فسمع ببغداد ومصر والشام والجزيرة وكان أحد من جمع العلم والعمل والهيبة والورع قال ابن تغري بردي كان شجاعا عالما عاملا عابدا زاهدا جامعا للفضائل كريم النفس كثير الإيثار حسن الأخلاق قليل المثل وكان بينه وبين ابن سبعين عداوة وينكر عليه بمكة كثيرا من أحواله وقد صنف في الطائفة الذين يسلك طريقتهم ابن سبعين وبدأ بالحلاج وختم بالعفيفي التلمساني وكان القطب هذا مأوى الفقراء والواردين عليه يبرهم ويعين كثيرا منهم ومن شعره
( إذا كان أنسى في التزامي خلوتي ** وقلبي عن كل البرية خال )
( فما ضرني من كان لي الدهر قاليا ** ولا سرني من كان في موال )
وقال الأسنوي استقر بمكة وكان ممن جمع العلم والعمل والهيبة والورع والكرم طلب من مكة وفوضت له مشيخة دار الحديث الكاملية بالقاهرة إلى أن توفي في شهر المحرم ومن شعر
( إذا طاب أصل المرء طابت فروعه ** ومن غلط جاءت يد الشوك بالورد )
( وقد يخبث الفرع الذي طاب أصله ** ليظهر صنع الله في العكس والطرد )
وفيها الدنيسري الطبيب الحاذق عماد الدين أبو عبد الله محمد بن عباس بن أحمد الربعي ولد بدنيسر سنة ست وستمائة وسمع بمصر من علي بن مختار وجماعة وتفقه للشافعي وصحب البهاء زهير مدة وتأدب به وصنف وقال الشعر وبرع في الطب والأدب ومن شعر
( فيما التعلل بالألحاظ والمقل ** ولم أشير إلى الغزلان والغزل )


( وكم أعرض من فرط الغرام به ** عن قده بغصون البان في الميل )
( ما لذة العيش إلا أن أكون كما ** قد قيل فيما مضى من سالف المثل )
( صرحت باسمك يا من لا شبيه له ** أنا 0 فما خوفي من البلل )
( يا عاذلي كف عن عذلي فبي قمر ** قد حجبوه عن الأبصار بالأسل )
( معقرب الصدغ في تكوين صورته ** معنى يجل عن الإدراك بالمقل )
ومنه
( من يكن شافعي إلى حنبلي ** هو والله مالكي لا محالة )
( حنفي بوصله عن كئيب ** وعلى قتله أقام الدلالة )
( بشهود من الجمال ثقات ** حسن القول منهم والعداله )
( ناظر فاتر وطرف كحيل ** وجبين هاد ودمع أساله )
( قد تذللت إذ تذلل حتى ** صرت أهوى تذللي ودلاله )
( وطلبت الوصال منه فنادى ** مت بداء الهوى على كل حاله )
( قمر تخجل البدور لديه ** وغزال تغار منه الغزاله )
( رشأ بالجمال نبىء فينا ** ثم أوحى إلى القلوب رساله )
( أهيف بالجفون أسهر جفني ** كيف صبري وقد رأيت جماله )
( قد أمال القلوب قسرا لديه ** وإذا ماس فالنسيم أماله )
( لامني فيه عادل وتعدى ** أنا مالي وللعذول وماله )
وتوفي ثامن صفر
وفيها البدر بن مالك أبو عبد الله محمد بن العلامة جمال الدين محمد بن عبد الله بن مالك الطائي الشافعي شيخ العربية وقدوة أرباب المعاني والبيان أخذ عن والده النحو واللغة والمنطق وسكن بعلبك مدة ثم رجع إلى دمشق وتصدر للأشغال بعد موت والده وممن أخذ عنه القاضي بدر الدين بن جماعة والشيخ كمال الدين بن الزملكاني قال الذهبي كان إماما ذكيا فهما حاد الذهن

إماما في النحو إماما في المعاني والبيان والنظر جيد المشاركة في الفقه والأصول وغير ذلك وكان عجبا في الذكاء والمناظرة وصحة الفهم وكان مطبوع العشرة وفيه لعب ومزاح وقال الشيخ تاج الدين كان قد تفرد بعلم العربية خصوصا معرفة كلام والده وكان له مشاركات في العلوم وكان صحيح الذهن جيد الإدراك حديد النفس توفي بدمشق في المحرم من قولنج كان يعتريه كثيرا قال الذهبي ولم يتكهل وقال غيره توفي كهلا وقال ابن حبيب توفي عن نيف وأربعين سنة ودفن بباب الصغير ومن تصانيفه شرح ألفية والده وهو شرح في غاية الحسن والمصباح في المعاني والبيان وكتاب في العروض وشرح غريب تصريف ابن الحاجب وشرح لامية والده التي في الصرف
وفيها أبو صادق جمال الدين محمد بن الشيخ الحافظ رشيد الدين أبي الحسين يحيى بن علي القرشي المصري العطار سمع من محمد بن عماد وابن باقا وطائفة وكتب وخرج الموافقات وتوفي في ربيع الآخر عن بضع وستين سنة

سنة سبع وثمانين وستمائة

فيها توفي شرف الدين أبو العباس أحمد بن أحمد بن عبيد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الحنبلي الفرضي بقية السلف ولد في رابع عشر المحرم سنة أربع عشرة وستمائة وسمع من الشيخ الموفق وهو جده لأمه وعم أبيه ومن البهاء عبد الرحمن وابن أبي لقمة وابن البن وابن صصرى وغيرهم وأجاز له ابن الحرستاني وجماعة وتفقه على التقي بن العز وكان شيخا صالحا زاهدا عابدا ذا عفة وقناعة باليسير وله معرفة بالفرائض والجبر والمقابلة وله حلقة بالجامع المظفري بقاسيون يشغل بها احتسابا بغير معلوم وانتفع به جماعة وحدث وروى عنه جماعة وتوفي ليلة الثلاثاء خامس المحرم ودفن من الغد عند جده الموفق وفيها الشيخ أبو إسحق إبراهيم بن معضاد الجعبري

الزاهد الواعظ المذكر روى عن السخاوي وسكن القاهرة وكان لكلامه وقع في القلوب لصدقه وإخلاصه وصدعه بالحق وكان شافعيا قال السبكي في الطبقات الشيخ الصالح المشهور بالأحوال والمكاشفات تفقه على مذهب الشافعي وسمع الحديث بالشام من أبي الحسن السخاوي وقدم القاهرة وحدث بها فسمع منه شيخنا أبو حيان وغيره وكان يعظ الناس ويتكلم عليهم ويحصل في مجلسه أحوال سنية وتحكى عنه كرامات باهرة وقال في البدر السافر اشتهر عنه أنه قبيل وفاته ركب دابة وجاء إلى موضع يدفن فيه وقال يا قبير جاءك دبير ولم يكن به مرض ولا علة فتوفي بعيد ذلك وتوفي رحمه الله في الرابع والعشرين من المحرم وقد جاوز الثمانين ودفن بتربته بالحسينية
وفيها الجمال بن الحموي أبو العباس أحمد بن أبي بكر بن سليمان بن علي الدمشقي حضر ابن طبرزد وسمع من الكندي وابن الحرستاني افترى على الحاكم بن الصايغ بشهادة فأسقط لأجلها ومات بدويرة حمد في ذي الحجة وله سبع وثمانون سنة وفيها أبو إسحاق اللوزي إبراهيم بن عبد العزيز بن يحيى الرعيني الأندلسي المالكي ولد سنة أربع عشرة وستمائة وحج فسمع من ابن رواح وطبقته وسكن دمشق وقرأ الفقه وتقدم في الحديث مع الزهد والعبادة والإيثار والصفات الحميدة والحرمة والجلالة وناب في القضاء ثم ولي مشيخة دار الحديث الظاهرية وتوفي في الرابع والعشرين من صفر بالينبع وفيها أبو محمد سعد الخير بن أبي القسم عبد الرحمن بن نصر بن علي النابلسي ثم الدمشقي الشاهد سمع الكثير من ابن البن وزين الأمناء وطبقتهما وتوفي في جمادى الآخرة وله سبعون سنة
وفيها الأديب الفاضل الحسن بن شاور الكناني عرف بابن النقيب الشاعر المشهور من شعره


( أراد الظبي أن يحكي التفاتك ** وجيدك قلت لا يا ظبي فاتك )
( وقد الغصن قدك إذ تثنى ** وقال الله يبقي لي حياتك )
( فيا آس العذار فدتك نفسي ** وإن لم أقتطف بفمي نباتك )
( ويا ورد الخدود حمتك مني ** عقارب صدغه فأمر جناتك )
( ويا قلبي ثبت على التجني ** ولم يثبت له أحد ثباتك )
وله
( يا من أدار بريقه مشمولة ** وحبابها الثغر النقي الأشنب )
( تفاح خدك بالعذار ممسك ** لكنه بدم الخدود مخضب )
وله
( وخود دعتني إلى وصلها ** وعصر الشبيبة عني ذهب )
( فقلت مشيبي ما ينطلي ** فقالت بلى ينطلي بالذهب )
وله
( في الناس قوم إذا ما أيسروا بطروا ** فاصلح الأمر أن يبقوا مفاليسا )
( لا تسأل الله إلا في خمولهم ** فهم جياد إذا كانوا مناحيسا )
وفيها ابن خطيب المزة شهاب الدين عبد الرحيم بن يوسف بن يحيى الموصلي ثم الدمشقي نزيل القاهرة ومسندها سمع في الخامسة من حنبل وابن طبرزد وكان فاضلا دينا ثقة توفي في تاسع رمضان
وفيها القطب خطيب القدس أبو الذكاء عبد المنعم بن يحيى بن إبراهيم القرشي الزهري العوفي النابلسي الشافعي المفتي المفسر سمع من داود بن ملاعب وأبي عبد الله بن البناء وأجاز له أبو الفتح المندائي وطائفة وتوفي في سابع رمضان وله أربع وثمانون سنة وفيها ابن النفيس العلامة علاء الدين على ابن أبي الحرم القرشي الدمشقي الشافعي شيخ الطب بالديار المصرية وصاحب التصانيف ومن انتهت إليه معرفة الطب مع الذكاء المفرط والذهن الخارق والمشار إليه في الفقه والأصول والحديث والعربية والمنطق قال الذهبي ألف

في الطب كتاب الشامل وهو كتاب عظيم تدل فهرسته على أنه يكون ثلثمائة مجلدة بيض منها ثمانين مجلدة وكانت تصانيفه يمليها من حفظه ولا يحتاج إلى مراجعة لتبحره في الفن وقال السبكي صنف شرحا على التنبيه وصنف في أصول الفقه وفي المنطق وأما الطب فلم يكن على وجه الأرض مثله قيل ولا جاء بعد ابن سينا مثله قالوا وكان في العلاج أعظم من ابن سينا وقال الأسنوي أمام وقته في فنه شرقا وغربا بلا مدافعة أعجوبة دهره صنف في الفقه وأصوله وفي العربية والجدل والبيان وانتشرت عنه التلامذة وقال في العبر توفي في الحادي والعشرين من ذي القعدة وقد قارب الثمانين ووقف أملاكه وكتبه على المارستان المنصوري ولم يخلف بعده مثله
وفيها السيد الشريف محمد بن نصير بن علي الحسيني كان فاضلا بارعا حكى عن عمر بن الحسن قال رأيت إبليس في النوم على كركدن يقوده بأفعى فقال لي يا عمر بن الحسن سلني حاجتك فدفعت إليه رقعة كانت معي فوقع فيها
( ألم ير العاصي وأصحابه ** ما فعل الله بأهل القرى )
( بلى ولكن ليس من سفلة ** إلا إذا استعلى أذل الورى )
( فليت أني مت فيما مضى ** ولم أعش حتى أرى ما أرى )
( وكل ذي خفض وذي رفعة ** لا بد أن يعلو عليه الثرى )
ثم ضرب كركدنه ومضى لسبيله وروى عن الشافعي رضي الله عنه قال رأيت بالمدينة أربع عجائب جدة عمرها إحدى وعشرون سنة ورجلا فلسه القاضي في مدين من النوى وشيخا كبيرا يدور على بيوت القيان يعلمهن الغناء فإذا حضرت الصلاة صلى قاعدا ورجلا يكتب بالشمال أسرع مما يكتب باليمين وفيها النجيب أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد بن المؤيد الهمذاني ثم المصري المحدث أجاز له ابن طبرزد وعفيفة والكبار وسمع من عبد القوي بن الحباب وقرأ بنفسه على ابن باقا ثم صار كاتبا في أواخر عمره

ومات في ذي القعدة
وفيها شرف الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الخالق بن طرخان الأموي الأسكندراني أجاز له أبو الفخر أسعد بن روح وسمع من علي بن البنا والحافظ ابن المفضل وطائفة كثيرة وعاش اثنتين وثمانين سنة
وفيها الحاج يس المغربي الحجام الأسود كان جرائحيا على باب الجابية وكان صاحب كشف وحال وكان النووي رحمه الله يزوره ويتلمذ له وتوفي في ربيع الأول وقد قارب الثمانين

سنة ثمان وثمانين وستمائة

في ربيع الأول نازل السلطان الملك المنصور مدينة طرابلس ودام الحصار والقتان ورمى المجانيق الكبار وحضر النقوب ليلا ونهارا إلى أن افتتحها بالسيف في رابع ربيع الآخر وغنم المسلمون ما لا يوصف وكان سورها منيعا قليل المثل وهي من أحسن المدائن وأطيبها فخربها وتركها خاوية على عروشها ثم أنشأوا مدينة على ميل من شرقيها فجاءت رديئة الهواء والمزاج
وفيها توفي الشيخ العماد أحمد بن العماد إبراهيم بن عبد الواحد بن علي ابن سرور المقدسي الصالحي ولد سنة ثمان وستمائة وسمع من أبي القسم بن الحرستاني وجماعة واشتغل وتفقه ثم تمفقر وتجرد وصار له أتباع ومريدون أكلة بطلة توفي يوم عرفة قاله في العبر وفيها العلم بن الصاحب أبو العباس أحمد بن يوسف بن الصاحب صفي الدين بن شكر المصري اشتغل ودرس وتميز ثم تمفقز وتجرد وأرسل طباعه واشتلق على بني آدم وعاشر الخمارين وله أدلاء رؤساء ونوادره مشهورة وروائده حلوة توفي في ربيع الآخر وقد شاخ قاله في العبر أيضا ومن شعره في الحشيشة


( في خمار الحشيش معنى مرامي ** يا أهيل العقول والأفهام )
( حرموها من غير عقل ونقل ** وحرام تحريم غير الحرام )
وفيها أبو العباس أحمد بن أبي محمد بن عبد الرزاق قال الذهبي هو أخو شيخنا عيسى المغاري روى عن موسى بن عبد القادر والموفق وجماعة وتوفي في ثاني ذي الحجة عن ثمان وسبعين سنة انتهى وفيها زينب بنت مكي بن علي بن كامل الحراني الشيخة المعمرة العابدة أم أحمد سمعت من حنبل وابن طبرزد وست الكتبة وطائفة وازدحم عليها الطلبة وعاشت أربعا وتسعين سنة وتوفيت في شوال وفيها الفخر البعلبكي المفتي أبو محمد عبد الرحمن بن يوسف بن محمد بن نصر الحنبلي الفقيه المحدث الزاهد ولد سنة إحدى عشرة وستمائة ببعلبك وقرأ القرآن على خاله صدر الدين عبد الرحيم بن نصر قاضي بعلبك وسمع الحديث من أبي المجد القزويني والبهاء المقدسي وابن اللتي والناصح بن الحنبلي وخلائق وتفقه على تقي الدين أحمد بن العز وغيره وحفظ كتاب علوم الحديث وعرضه من حفظه على مؤلفه الحافظ تقي الدين بن الصلاح وقرأ الأصول وشيئا من الخلاف على السيف الآمدي وقرأ النحو على أبي عمرو بن الحاجب وغيره وصحب الشيخ الفقيه اليونيني وإبراهيم البطايحي والنووي وغيرهم وكان اليونيني يحبه ويقدمه على أولاده وتخرج به جماعة من الفقهاء وكان كثير البشر يحب الخمول ويؤثره ويلازم قيام الليل من الثلث الأخير ويتلو بين العشاءين ويصوم الأيام البيض وستة من شوال وعشر ذي الحجة والمحرم ولا يخل بذلك ذكر ذلك ولده الشيخ شمس الدين وقال ولقد أخبر بأشياء فوقعت كما قال لخلائق ولقد قال لي في صحته وعافيته أنا اعيش عمر الإمام أحمد لكن شتان ما بيني وبينه فكان كما قال وقال ابن اليونيني كان رجلا صالحا زاهدا عابدا فاضلا وهو من أصحاب والدي اشتعل عليه وقدمه يصلي به في مسجد الحنابلة

رافقته في طريق مكة فرأيته قليل المثل في ديانته وتعبده وحسن أوصافه وكان من خيار الشيوخ علما وعملا وصلاحا وتواضعا وسلامة صدر وحسن سمت وصفاء قلب وتلاوة قرآن وذكر وقال البرزالي كان من خيار المسلمين وكبار الصالحين توفي ليلة الأربعاء سابع رجب بدمشق ودفن بالقرب من قبر الشيخ موفق الدين وفيها الكمال بن النجار محمد بن أحمد بن علي الدمشقي الشافعي مدرس الدولقية وكيل بيت المال روى عن ابن أبي لقمة وجماعة وكان ذا بشر وشهامة قاله في العبر وفيها شمس الدين محمد ابن الشيخ العفيف التلمساني سليمان بن علي الكاتب الأديب كان ظريفا لعابا معاشرا وشعره في غاية الحسن منه
( يا من حكى بقوامه ** قد القضيب إذا التوى )
( ماذا أثرت على القلوب ** من الصبابة والجوى )
( ما أنت عندي والقضيب ** اللدن في حال سوا )
( هذاك حركه النسيم ** وأنت حركت الهوى )
ومنه
( إني لأشكو في الهوى ** ما راح يفعل خده )
( ما كان يعرف ما الجفا ** حتى تفتح ورده )
وله في ذم الحشيشة
( ما في الحشيشة فضل عند آكلها ** لكنه غير مصروف إلى رشده )
( حمراء في عينه خضراء في يده ** صفراء في وجهه سوداء في كبده )
توفي في رجب وله نحو ثلاثين سنة ودفن بمقابر الصوفية
وفيها ابن الكمال المحدث الإمام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الرحيم بن عبد الواحد بن أحمد المقدسي الحنبلي ولد في ليلة الخميس حادي عشر ذي الحجة سنة سبع وستمائة بقاسيون وحضر على ابن الحرستاني والكندي

وسمع ابن ملاعب والشيخ موفق الدين وخلقا ولازم عمه الحافظ الضياء وتخرج به وكتب الكثير وعنى بالحديث وتمم تصنيف الأحكام الذي جمعه عمه الحافظ ضياء الدين قال الذهبي كان إماما فقيها محدثا زاهدا عابدا كثير الخير له قدم راسخ في التقوى ووقع في النفوس متقللا من الدنيا من سادات الشيوخ علما وعملا وصلاحا وعبادة حكى لي عنه أنه كان يحفر مكانا في جبل الصالحية لبعض شأنه فوجد جرة مملوءة دنانير وكانت زوجته معه تعينه على الحفر فاسترجع وطم المكان كما كان أولا وقال لزوجته هذه فتنة ولعل لها مستحقين لا نعرفهم وعاهدها على أنها لا تشعر بذلك أحدا ولا تتعرض إليه وكانت صالحة مثله فتركا ذلك تورعا مع فقرهما وحاجتهما وهذا غاية الورع والزهد وحدث رحمه الله بالكثير نحوا من أربعين سنة وسمع منه خلق كثير وروى عنه جماعة من الأكابر وحدثنا عنه جماعة منهم ابن الخباز وابن قيم الضيائية وتوفي بعد العشاء الآخرة من ليلة الثلاثاء تاسع جمادى الأولى بمدرسة عمه بالجبل ودفن من الغد عند الشيخ موفق الدين وفيها شمس الدين الأصفهاني الأصولي المتكلم العلامة أبو عبد الله محمد بن محمود بن محمد بن عباد العجلي ينتهي نسبه إلى أبي دلف الشافعي نزيل مصر وصاحب التصانيف شرح المحصول وله كتاب الفوائد في العلوم الأربعة الأصلين والخلاف والمنطق وكتاب غاية المطلب في المنطق وله يد طولى في العربية والشعر ولد رحمه الله بأصفهان سنة ست عشرة وستمائة وكان والده نائب السلطنة بأصفهان واشتغل بأصفهان في جملة من العلوم في حياة أبيه بحيث أنه فاق نظراءه ثم لما استولى العدو على أصفهان رحل إلى بغداد فأخذ في الاشتغال في الفقه على الشيخ سراج الدين الهرقلي وبالعلوم على الشيخ تاج الدين الأرموي ثم ذهب إلى الروم إلى الشيخ أثير الدين الأبهري فأخذ عنه الجدل والحكمة ثم دخل القاهرة وولي قضاء قوص

خلافة عن القاضي تاج الدين بن بنت الأعز فباشره مباشرة حسنة وكان مهيبا قائما في الحق وقورا في درسه ودرس بالشافعي ومشهد الحسين وأخذ عنه جماعة وتخرج به المصريون وقيل أن ابن دقيق العيد كان يحضر درسه بقوص وتوفي في العشرين من رجب وله اثنتان وسبعون سنة
وفيها المهذب أبو الغنائم التنوخي العدل الكبير زين الدين كاتب الحكم بدمشق ولد سنة ثمان عشرة وستمائة وقرأ على السخاوي وسمع من مكرم وتفقه وانتهت إليه رياسة الشروط ومعرفة عللها ودقائقها وتوفي في رجب
وفيها الملك المنصور محمود بن الملك الصالح إسمعيل بن العادل أبي بكر بن أيوب سلطنه أبوه بدمشق وركب في أبهة السلطنة سنة أربعين وستمائة ولا زالت تتقلب به الأحوال إلى أن صار يطلب بالأوراق قال ابن مكتوم رأيته سلطانا ورأيته يستعطى وكان شيخا مهيبا يلبس قباء وعمامة مدورة وفيها الجرائدي تقي الدين يعقوب بن بدران بن منصور المصري شيخ القراء أخذ القراءات عن السخاوي وغيره وروى عن الزبيدي وغيره وتصدر للاقراء وتوفي في شعبان

سنة تسع وثمانين وستمائة

فيها توفي نجم الدين بن الشيخ قاضي القضاة أبو العباس أحمد بن شيخ الإسلام شمس الدين عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الصالحي الحنبلي ولد في شعبان سنة إحدى وخمسين وستمائة وسمع الحديث ولم يبلغ أوان الرواية وتفقه على والده وولي القضاء في حياة والده بإشارته قال البرزالي كان خطيب الجبل وقاضي القضاة ومدرس أكثر المدارس وشيخ الحنابلة وكان فقيها فاضلا سريع الحفظ جيد الفهم كبير المكارم شهما شجاعا ولي القضاء ولم يبلغ ثلاثين سنة فقام أتم قيام وقال غيره درس بدار

الحديث الأشرفية بالسفح وشهد فتح طرابلس مع السلطان الملك المنصور وكان مليح البزة ذكيا مليح الدروس له قدرة على الحفظ ومشاركة جيدة في العلوم وله شعر جيد منه
( آيات كتب الغرام أدرسها ** وعبرتي لا أطيق أحبسها )
( لبست ثوب الضنى على جسدي ** وحلة الصبر لست ألبسها )
( وشادن مارنا بمقلته ** إلا سبى العالمين نرجسها )
( فوجهه جنة مزخرفة ** لكن بنبل الحتوف يحرسها )
( وريقه خمرة معتقة ** دارت علينا من فيه أكؤسها )
( يا قمرا أصبحت ملاحته ** لا يعتريها عيب يدنسها )
( صل هائما إن جرت مدامعه ** تلحقها زفرة تيبسها )
توفي يوم الثلاثاء ثاني عشر جمادى الأولى بمنزله بقاسيون ودفن عند أبيه وجده وفيها ابن عز القضاة فخر الدين أبو الفداء إسمعيل بن علي بن محمد الدمشقي الزاهد ولد سنة ثلاثين وستمائة وخدم في الكتابة وكان أديبا شاعرا ناسكا زاهدا خاشعا مقبلا على شأنه حافظا لوقته توفي ليلة الأربعاء الحادي والعشرين من رمضان وكانت له جنازة مشهودة
وفيها خطيب المصلى عماد الدين أبو بكر عبد الله بن محمد بن حسان بن رافع العامري المعدل روى عن ابن البن وزين الأمناء وطائفة وتوفي في صفر وله ثلاث وسبعون سنة
وفيها الشمس عبد الرحمن بن الزين أحمد بن عبد الملك بن عثمان بن عبد الله بن سعد بن مفلح بن هبة الله بن نمير المقدسي ثم الصالحي الحنبلي المحدث الزاهد ولد في ذي القعدة سنة ست وستمائة بقاسيون وسمع بدمشق من الكندي وابن الحرستان وطائفة وتفقه بالموفق ثم رحل وأدرك الفتح بن عبد السلام وطائفة فأكثر وأجاز له ابن طبرزد

وغيره قال الذهبي كان فقيها زاهدا ثقة نبيلا من أولى العلم والعمل والصدق والورع حدث بالكثير وأكثر عنه ابن نفيس والمزي والبرزالي وطائفة وتوفي يوم الإثنين تاسع عشرى ذي القعدة بالسفح ودفن بالقرب من قبر الشيخ أبي عمر وفيها خطيب دمشق جمال الدين أبو محمد عبد الكافي بن عبد الملك بن عبد الكافي الربعي الدمشقي الشافعي المفتي ولد سنة اثنتي عشرة وستمائة وسمع من ابن الصباح وابن الزبيدي وجماعة وناب في القضاء مدة وكان دينا حسن السمت للناس فيه عقيدة كبيرة مات في جمادى الأولى
وفيها النور بن الكفتي أبو الحسن علي بن ظهير بن شهاب المصري شيخ الأقراء بديار مصر أخذ القراءات عن ابن وثيق وأصحاب أبي الجود وشهر بالاعتناء بالقراءات وعللها وسمع من ابن الجميزي وغيره مع الورع والتقى والجلالة توفي في ربيع الآخر وفيها الرشيد الفارقي أبو حفص عمر بن إسمعيل بن مسعود الربعي الشافعي الأديب ولد سنة ثمان وتسعين وخمسمائة وسمع من الفخر بن تيمية وابن الزبيدي وابن باقا وكان أديبا بارعا منشئا بليغا شاعرا مفلقا لغويا محققا درس بالناصرية مدة ثم بالظاهرية وتصدر للإفادة كتب رقعة إلى علي بن جرير وأرسلها إلى القاسمية مع رجل اسمه علي
( حسدت عليا على كونه ** توجه دوني إلى القاسمية )
( وما بي شوق إلى قربه ** ولكن مرادي ألقى سميه )
خنق في بيته في رابع المحرم بالظاهرية وأخذ ماله ودرس بعده علاء الدين ابن بنت الأعز وفيها السلطان الملك المنصور سيف الدين أبو المعالي وأبو الفتح قلاوون التركي الصالحي النجمي كان من أكبر الأمراء زمن الظاهر وتملك في رجب سنة ثمان وسبعين وستمائة وكسر التتار على حمص وغزا الفرنج غير مرة وفتح طرابلس وما جاورها وفتح حصن المرقب وفي

سنة ثمان وثمانين عمل في القاهرة بين القصرين تربة عظيمة ومدرسة كبيرة ومارستانا للمرضى وكانت وفاته ظاهر القاهرة بالمخيم وقد عزم على الغزاة فتوفي في سادس ذي القعدة ودفن بتربته بين القصرين
وفيها سبط إمام الكلاسة المحدث المفيد بدر الدين محمد بن أحمد بن محمد ابن النجيب شاب ذكي مليح الخط صحيح النقل حريص على الطلب عالي الهمة سمع من ابن عبد الدائم وابن أبي اليسر وحدث وتوفي في صفر
وفيها شمس الدين أبو الفضائل محمد بن عبد الرزاق الرسعني نسبة إلى رأس عين بلد الحنبلي كان شاعرا أديبا معدلا حدث عن ابن القبيطي وغيره وكان أحد الشهود بدمشق ويؤم بمسجد الرماحين ومن شعره
( ولو أن إنسانا يبلغ لوعتي ** ووجدي وأشجاني إلى ذلك الرشا )
( لأسكنته عيني ولم أرضها له ** ولولا لهيب القلب أسكنته الحشا )
وله
( أآيس من بر وجودك واصل ** إلى كل مخلوق وأنت كريم )
( وأجزع من ذنب وعفوك شامل ** لكل الورى طرا وأنت رحيم )
( وأجهد في تدبير حالي جهالة ** وأنت بتدبير الأنام حكيم )
( وأشكو إلى نعماك ذلي وحاجتي ** وأنت بحالي يا عزيز عليم )
غرق رحمه الله بنهر الشريعة من الغور في جمادى الآخرة وفيها محمد ابن عون الدين يحيى بن شمس الدين علي بن عز الدين محمد بن الوزير عون الدين بن هبيرة نزيل بلبيس بها وكان ناظرا على ديوانها حدث عن الداهري ونصر بن عبد الرزاق وابن اللتي وسمع من الحارثي والمزي والبرزالي وغيرهم وكان فاضلا له شعر حسن وفيها ابن المقدسي ناصر الدين محمد بن العلامة المفتي شمس الدين عبد الرحمن بن نوح الشافعي الدمشقي تفقه على أبيه وسمع من ابن اللتي ودرس بالرواحية وتربة أم الصالح ثم داخل الدولة

وولي وكالة بيت المال ونظر الأوقاف فظلم وعسف وعدا طوره ثم اعتقل بالعذراوية فوجد مشنوقا بعد ضرب بالمقارع وصودر توفي في ثالث شعبان قاله في العبر

سنة تسعين وستمائة

فيها ولله الحمد والمنة فتح ما كان بأيدي النصارى من بلاد الشام ولم يبق لهم بها حصن ولا معقل وفيها توفي الشيخ الخابوري خطيب حلب ومقرئها ونحويها الإمام شهاب الدين أحمد بن عبد الله بن الزبير الحلبي صاحب النوادر والظرف سمع بحران من فخر الدين بن تيمية وبحلب من ابن الأستاذ وببغداد من ابن الداهري وبدمشق من ابن صباح وقرأ القراءات على السخاوي وتوفي في المحرم وقد قارب التسعين وفيها السويدي الحكيم العلامة شيخ الأطباء عز الدين أبو إسحق إبراهيم بن محمد بن طرخان الأنصاري الدمشقي ولد سنة ستمائة وسمع من الشمس العطار وابن ملاعب وطائفة وتأدب على ابن معطي وأخذ الطب عن المهذب الدخوار وبرع في الطب وصنف فيه وفاق الأقران وكتب الكثير بخطه المليح ونظر في العقليات وألف كتاب الباهر في الجواهر وكتاب التذكرة في الطب وتوفي في شعبان
وفيها أرغون بن أبغا بن هلاكو صاحب العراق وخراسان وأذربيجان تملك بعد عمه الملك أحمد وكان شهما مقداما كافر النفس شديد البأس سفاكا للدماء عظيم الجبروت هلك في هذا العام فيقال أنه سم فاتهمت المغل وزيره سعيد الدولة اليهودي بقتله فمالوا على اليهود قتلا ونهبا وسبيا قاله في العبر
وفيها إسماعيل بن نور بن قمر الهيتي الصالحي روى عن موسى بن عبد القادر وجماعة وتوفي في رجب
وفيها سلامش الملك العادل بدر الدين ولد الملك الظاهر بيبرس الصالحي

الذي سلطنوه عند خلع أخيه السعيد ثم نزعوه بعد ثلاثة أشهر وبقي خاملا بمصر فلما تسلطن الأشرف أخذه وأخاه الملك خضر وأهلهم وجهزهم إلى مدينة اسطنبول بلاد الأشكري فمات بها وله نحو من عشرين سنة وكان ميح الصورة رشيق القد ذا عقل وحياء وفيها التلمساني عفيف الدين سليمان بن علي بن عبد الله بن علي الأديب الشاعر أحد زنادقة الصوفية وقيل له مرة أأنت نصير فقال النصيري بعض مني وأما شعره ففي الذروة العليا من حيث البلاغة لا من حيث الاتحاد توفي في خامس رجب وله ثمانون سنة قاله في العبر وقال الشيخ عبد الرؤف المناوي أثنى عليه ابن سبعين وفضله على شيخه القونوي فإنه لما قدم شيخه القونوي رسولا إلى مصر اجتمع به ابن سبعين لما قدم من المغرب وكان التلمساني مع شيخه القونوي قالوا لابن سبعين كيف وجدته يعني في علم التوحيد فقال أنه من المحققين لكن معه شاب أحذق منه وهو العفيف التلمساني والعفيف هذا من عظماء الطائفة القائلين بالوحدة المطلقة وقال بعضهم هو لحم خنزير في صحن صيني وأنه يدرج السم القاتل في كلامه لمن لا فطنة له بأساس قواعده ورموه بعظائم من الأقوال والأفعال وزعموا أنه كان على قدم شيخه في أنه لا يحرم فرجا وأن عنده أن ما ثم غير ولا سوى بوجه من الوجوه وأن العبد إنما يشهد السوى إذا كان محجوبا فإذا انكشف حجابه ورأى أن ماثم غيره تبين له الأمر ولهذا كان يقول نكاح الأم والبنت والأجنبية واحد وإنما هؤلاء المحجبون قالوا حرام علينا فقلنا حرام عليكم وذكروا أنه دخل على أبي حيان فقال له من أنت قال العفيف التلمساني وجدي من قبل الام ابن سبعين فقال أي والله عريق أنت في الآلهية يا كلب يابن الكلب وأكثروا من نقل هذا الهذيان في شأنه وشأن شيخه وشيخ شيخه ولم يثبت عنهم شيء من ذلك بطريق معتبر نعم هم قائلون بأن واجب الوجود هو الوجود المطلق ومبنى طريقهم على ذلك انتهى كلام

المناوي ملخصا وقال غيره له عدة تصانيف منها شرح أسماء الله الحسنى وشرح مواقف النفزي وشرح الفصوص وغير ذلك وله ديوان شعر وقال الشيخ برهان الدين بن الفاشوشة الكتبي دخلت عليه يوم مات فقلت له كيف حالك قال بخير من عرف الله كيف يخاف والله مذ عرفته ما خفته وأنا فرحان بلقائه ومن شعره
( إن كان قتلي في الهوى يتعين ** يا قاتلي فبسيف طرفك أهون )
( حسبي وحسبك أن تكون مدامعي ** غسلي وفي ثوب السقام أكفن )
( عجبا لخدك وردة في بانة ** والورد فوق البان ما لا يمكن )
( أدنته لي سنة الكرى فلثمته ** حتى تبدل بالشقيق السوسن )
( ووردت كوثر ثغره فحسبتني ** في جنة من وجنتيه أسكن )
( ما راعني إلا بلال الخال من ** خديه في صبح الجبين يؤذن )
وفيها تاج الدين الفركاح فقيه الشام شيخ الإسلام أبو محمد عبد الرحمن بن إبراهيم بن سباع الفزاري الدمشقي الشافعي ولد في ربيع الأول سنة أربع وعشرين وستمائة وسمع من ابن الزبيدي وابن اللتي وابن الصلاح والسخاوي وخلائق وتفقه على الإمامين ابن الصلاح وابن عبد السلام وبرع في المذهب وهو شاب وجلس للأشغال وله بضع وعشرون سنة وكتب على الفتاوي وله ثلاثون سنة وكانت الفتاوي تأتيه من الأقطار قال القطب اليونيني انتفع به جم غفير ومعظم قضاة الشام وما حولها وقضاة الأطراف تلامذته وكان رحمه الله عنده من الكرم المفرط وحسن العشرة وكثرة الصبر والاحتمال وعدم الرغبة في التكثر من الدنيا والقناعة والإيثار والمبالغة في اللطف ولين الكلمة والأدب ما لا مزيد عليه وقال الذهبي فقيه الشام درس وناظر وصنف وانتهت إليه رياسة المذهب في الدنيا كما انتهت إلى ولده برهان الدين

كان من أذكياء العالم وممن بلغ رتبة الاجتهاد ومحاسنه كثيرة وهو أجل ممن ينبه عليه مثلي وكان رحمه الله يلثغ بالراء فسبحان من له الكمال وكان لطيف اللحية قصيرا حلو الصورة مفركح الساقين ولهذا قيل له الفركاح وقال ابن قاضي شهبة كان أكبر من النووي بسبع سنين وكان أفقه نفسا وأزكى قريحة وأقوى مناظرة من الشيخ محي الدين وأكثر محفوظا منه وكان قليل المعلوم كثير البركة وكان مدرس البادرائية ولم يكن بيده سواها وقال الذهبي جمع تاريخا مفيدا وصنف التصانيف رأيته وسمعت كلامه في حلقة أقرائه مدة وكان بينه وبين النووي رحمهما الله وحشة توفي بالبادرائية في خامس جمادى الآخرة ودفن بمقبرة باب الصغير وفيها الأبهري القاضي شمس الدين عبد الواسع بن عبد الكافي بن عبد الواسع الشافعي ولد بأبهر وهي بالباء الموحدة الساكنة مدينة نحو يوم من قزوين سنة تسع وتسعين وخمسمائة وسمع من ابن روزبة وابن الزبيدي وطائفة وأجاز له أبو الفتح المندائي والمؤيد ابن الاحوة وخلق وسمع منه الحافظ المزي وتوفي في شوال بدمشق بالخانقاه الأسدية وفيها الفخر بن البخاري مسند الدنيا أبو الحسن علي بن أحمد بن عبد الواحد بن أحمد بن عبد الرحمن السعدي المقدسي الصالحي الحنبلي ولد في آخر سنة خمس وتسعين وخمسمائة وسمع من حنبل وابن طبرزد والكندي وخلق وأجاز له أبو المكارم اللبان وابن الجوزي وخلق كثير وطال عمره ورحل الطلبة إليه من البلاد وألحق الأسباط بالأجداد في علو الإسناد قاله في العبر وقال ابن رجب في طبقاته تفرد في الدنيا بالرواية العالية وتفقه على الشيخ موفق الدين وقرأ عليه المقنع وأذن له في إقرائه وصار محدث الإسلام وراويته روى الحديث فوق ستين سنة وسمع منه الأئمة الحفاظ المتقدمون وقد ماتوا قبله بدهر وخرج له عم الحافظ ضياء الدين جزءا من عواليه وحدث به كثيرا سمعناه من أصحابه

وذكره عمر بن الحاجب في معجم شيوخه فقال تفقه على والده وعلى الشيخ موفق الدين قال وهو فاضل كريم النفس كيس الأخلاق حسن الوجه قاض للحاجة كثير التعصب أي للحق محمود السيرة سألت عمه الشيخ ضياء الدين عنه فأثنى عليه ووصفه بالفعل الجميل والمروءة التامة وقال الفرضي في معجمه كان شيخا عالما فقيها زاهدا عابدا مسندا مكثرا وقورا صبورا على قراءة الحديث مكرما للطلبة ملازما لبيته مواظبا على العبادة ألحق الأحفاد بالأجداد وحدث نحوا من ستين سنة وتفرد بالرواية عن شيوخ كثيرة وقال الذهبي كان فقيها عارفا بالمذهب فصيحا صادق اللهجة يرد على الطلبة مع الورع والتقوى والسكينة والجلالة زاهدا صالحا خيرا عدلا مأمونا وقال سألت المزي عنه فقال أحد المشايخ الأكابر والأعيان الأماثل من بيت العلم والحديث ولا نعلم أحدا حصل له من الحظوة في الرواية في هذه الأزمان مثل ما حصل له قال شيخنا ابن تيمية ينشرح صدري إذا أدخلت ابن البخاري بيني وبين النبي صلى الله عليه وسلم في حديث قلت وقد دخل بيني وبين النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث لا تحصى منها الحديث المسلسل بالحنابلة الذي يقال له سلسلة الذهب ولا يوجد حديث أصح منه وهو ما حدثني به أستاذي الشيخ أيوب بن أحمد بن أيوب وكان حنبليا ثم تحنف وهو سبط الشيخ موسى الحجاوي الحنبلي قال روينا عن الشيخ إبراهيم يعني ابن الأحدب قال روينا بعموم الأذن إن لم يكن سماعا عن النجم بن حسن الماتاني الحنبلي قال ثنا أبو المحاسن يوسف بن عبد الهادي الحنبلي ثنا جدي أحمد بن عبد الهادي الحنبلي ح قال ابن الماتاني وأنبأنا أيضا محمد بن أبي عمر الحنبلي المعروف بابن زريق ثنا عبد الرحمن بن الطحان الحنبلي بقراءتي عليه قالا ثنا الصلاح محمد بن أحمد بن أبي عمر الحنبلي ثنا علي بن أحمد بن عبد الواحد الحنبلي المعروف بابن البخاري ثنا حنبل بن عبد الله البغدادي الحنبلي ثنا محمد بن الحصين الحنبلي ثنا الحسن بن علي بن المذهب

الحنبلي ثنا أحمد بن جعفر القطيعي الحنبلي ثنا عبد الله بن الإمام أحمد الحنبلي ثنا إمام السنة وحافظ الأمة الصديق الثاني الإمام أحمد بن حنبل الشيباني إمام كل حنبلي في الدنيا رضي الله عنه ثنا محمد بن إدريس الشافعي ثنا مالك بن أنس عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يبع بعضكم على بيع بعض ونهى عن النجش ونهى عن بيع حبل الحبلة ونهى عن المزابنة والمزابنة بيع الرطب بالتمر كيلا وبيع الكرم بالزبيب كيلا انتهى والله أعلم وله الحمد والمنة وقال الذهبي وهو آخر من كان في الدنيا بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم ثمانية رجال ثقات وقال ابن رجب حدث ببلاد كثيرة بدمشق ومصر وبغداد والموصل وتدمر والرحبة والحديثة وزرع وتكاثرت عليه الطلبة من نحو الخمسين وستمائة وازدحموا عليه عبد الثمانين وروى عنه من الحفاظ من لا يحصى منهم ابن الحاجب والزكي المنذري والرشيد العطار والدمياطي وابن دقيق العيد والحارثي والشيخ تقي الدين بن تيمية وبقيت طلبته وجماعته إلى نيف وسبعين وسبعمائة وهذه بركة عظيمة ومن شعره
( تكررت السنون علي حتى ** بليت وصرت من سقط المتاع )
( وقل النفع عندي غير أني ** أعلل بالرواية والسماع )
( فإن يك خالصا فله جزاء ** وإن يك مانعا فإلى ضياع )
وله
( إليك اعتذاري من صلاتي قاعدا ** وعجزي عن سعي إلى الجمعات )
( وتركي صلاة الفرض في كل مسجد ** تجمع فيه الناس للصلوات )
( فيا رب لا تمقت صلاتي ونجني ** من النار واصفح لي عن الهفوات )
وتوفي رحمه الله تعالى ضحى يوم الأربعاء ثاني شهر ربيع الآخر وصلى عليه وقت الظهر بالجامع المظفري ودفن عند والده بسفح قاسيون وكانت

له جنازة مشهودة شهدها القضاة والأمراء والأعيان وخلق كثير
وفيها ابن الزملكاني الإمام المفتي علاء الدين علي بن العلامة البارع كمال الدين عبد الواحد بن عبد الكريم الأنصاري السماكي الدمشقي الشافعي مدرس الأمينية توفي في ربيع الآخر وقد نيف على الخمسين سمع من خطيب مردا والرشيد العطار ولم يحدث قاله في العبر
وفيها الفخر الكرجي أبو حفص عمر بن يحيى بن عمر الشافعي ولد سنة تسع وتسعين وخمسمائة بالكرج وتفقه بدمشق على ابن الصلاح وخدمه مدة وسمع من البهاء عبد الرحمن وابن الزبيدي وطائفة وليس ممن يعتمد عليه في الرواية توفي هو والفخر بن البخاري في يوم واحد
وفيها أبو محمد غازي الحلاوي بن أبي الفضل بن عبد الوهاب الدمشقي سمع من حنبل وابن طبرزد وعمر دهرا وانتهى إليه علو الإسناد بمصر وعاش خمسا وتسعين سنة وتوفي في رابع صفر بالقاهرة
وفيها الشهاب بن مزهر أبو عبد الله محمد بن عبد الخالق بن مزهر الأنصاري الدمشقي المقرىء قرأ القراءات على السخاوي وأقرأها وكان فقيها عالما وقف كتبه بالأشرفية وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد المؤمن بن أبي الفتح الصوري الصالحي ولد سنة إحدى وستمائة وسمع من الكندي وابن الحرستاني وطائفة وببغداد من أبي علي بن الجواليقي وجماعة وأجاز له ابن طبرزد وجماعة وكان آخر من سمع من الكندي موتا توفي في منتصف ذي الحجة وفيها ابن المجاور نجم الدين ابو الفتح يوسف ابن الصاحب يعوقب بن محمد بن علي الشيباني الدمشقي الكاتب ولد سنة إحدى وستمائة وسمع من الكندي وعبد الجليل بن مندويه وجماعة وتفرد برواية تاريخ بغداد عن الكندي وتوفي في الثامن والعشرين من ذي القعدة وكان دينا مصليا إلا أنه يخدم في المكس قاله في العبر

سنة إحدى وتسعين وستمائة

فيها نازل السلطان الملك الأشرف قلعة الروم وهي مجاورة لقلعة البيرة وأهلها نصارى من تحت طاعة التتار فنصب عليها المناجيق وجد في حصارها وفتحت بعد خمسة وعشرين يوما في رجب وما أحسن ما قال الشهاب محمود في كتاب الفتح فسطا خميس الإسلام يوم السبت على أهل الأحد فبارك الله للأمة في سبتها وخميسها وفيها توفي الزكي المعرى إبراهيم بن عبد الرحمن بن أحمد بن المغربي البعلي الفقيه الحنبلي الزاهد العابد أبو إسحق حضر على الشيخ الموفق وسمع من البهاء عبد الرحمن وغيره وتفقه وحفظ المقنع وكان صالحا عابدا زاهدا ورعا اجتمعت الألسن على مدحه والثناء عليه ذكره ابن اليونيني وقال الذهبي كان من أعبد البشر توفي ليلة السبت سابع شوال ببعلبك وله إحدى وثمانون سنة وفيها ابن دبوقا المقرىء المحقق أبو الفضل جعفر بن القسم بن جعفر بن حبيش الربعي الضرير قرأ القراءات على السخاوي وأقرأها وله معرفة متوسطة وشعر جيد توفي في رجب قاله في العبر
وفيها سعد الدين الفارقي الأديب البارع المنشىء أبو الفضل سعد الله بن مروان الكاتب قال الذهبي هو أخو شيخنا زين سمع من ابن رواحة وكريمة وطائفة وكان بديع الكتابة معنى وخطا توفي في رمضان بدمشق وهو في عشر الستين وفيها السيف عبد الرحمن بن محفوظ بن هلال الرسعني أحد الشهود تحت الساعات كان عدلا صالحا ناسكا روى عن الفخر بن تيمية وغيره وأجاز له عبد العزيز بن منينا وجماعة وتوفي في المحرم عن بضع وثمانين سنة وفيها ابن صصرى العدل علاء الدين أبو الحسن علي بن أبي بكر بن أبي الفتح التغلبي الدمشقي الضرير آخر من روى صحيح البخاري عن عبد الجليل بن مندوية والعطار توفي في شعبان


وفيها الخبازي الإمام العلامة جلال الدين أبو محمد عمر بن محمد بن عمر الخجندي الحنفي كان فقيها بارعا زاهدا ناسكا عارفا بالمذهب صنف في الفقه والأصلين وأفتى ودرس ثم جاور بمكة سنة ثم رجع إلى دمشق فدرس بالخاتونية التي على الشرف القبلي إلى أن توفي في آخر ذي الحجة عن اثنتين وستين سنة ودفن بالصوفية رحمه الله تعالى وفيها وكيل بيت المال خطيب دمشق زين الدين أبو حفص عمر بن مكي بن عبد الصمد الشافعي الأصولي المتكلم توفي في ربيع الأول وفيها العماد الصايغ محمد بن عبد الرحمن بن ملهم الفرشي الدمشقي روى عن ابن البن حضورا وعن ابن الزبيدي وتوفي في شعبان عن بضع وسبعين سنة وفيها الصاحب فتح الدين محمد بن المولى محي الدين عبد الله بن عبد الظاهر المصري الكاتب الموقع روى عن ابن الجميزي وتوفي بدمشق في رمضان وفيها ابن عصرون نور الدين محمود بن القاضي نجم الدين عبد الرحمن بن أبي سعد بن أبي عصرون التميمي روى عن المؤيد الطوسي بالإجازة وتوفي في رمضان
وفيها النجم أبو بكر بن أبي العز مشرف الكاتب الأديب ويعوف بابن الحردان كان لغويا أخباريا فصيحا متقعرا له شعر جيد توفي في صفر قاله في العبر

سنة اثنتين وتسعين وستمائة

فيها سلم صاحب سيس قلعة بهنسا للسلطان صفوا عفوا وضربت البشائر في رجب وفيها توفي تقي الدين أبو إسحق إبراهيم بن علي بن أحمد بن فضل بن الواسطي الفقيه الحنبلي الزاهد شيخ الإسلام بركة الشام قطب الوقت ولد سنة اثنتين وستمائة وسمع بدمشق من ابن الحرستاني وابن البنا والشيخ موفق الدين وابن أبي لقمة وخلق ورحل في طلب الحديث والعلم

فسمع ببغداد من الفتح بن عبد السلام وابن الجواليقي وغيرهما وبحلب من عبد الرحمن بن علوان وبحران من أحمد بن سلامة وبالموصل من أبي العز القسطلي وعنى بالحديث وقرأ بنفسه وله إجازات من جماعات من الأصبهانيين والبغداديين وتفقه في المذهب وأفتى ودرس بالمدرسة الصاحبة بقاسيون نحوا من عشرين سنة وبمدرسة الشيخ أبي عمر وولي في آخر عمره مشيخة دار الحديث الظاهرية وكان من خير خلق الله تعالى علما وعملا قال الذهبي قرأت بخط العلامة كمال الدين بن الزملكاني في حقه كان كبير القدر له وقع في القلوب وجلالة ملازما للتعبد ليلا ونهارا قائما بما يعجز عنه غيره مبالغا في إنكار المنكر بايع نفسه فيه لا يبالي على من أنكر يعود المرضى ويشيع الجنايز ويعظم الشعائر والحرمات وعنده علم جيد وفقه حسن وكان داعية إلى عقيدة أهل السنة والسلف الصالح مثابرا على السعي في هداية من يرى فيه زيغا عنها وقال البرزالي تفرد بعلو الإسناد وكثرة الروايات والعبادة ولم يخلف مثله توفي آخر نهار الجمعة في جمادى الآخرة ودفن بتربة الشيخ موفق الدين
وفيها الفاضلي جمال الدين أبو إسحق إبراهيم بن داود بن ظافر العسقلاني ثم الدمشقي المقرىء صاحب السخاوي ولي مشيخة الإقراء بتربة أم الصالح مدة وسمع من ابن الزبيدي وجماعة وكتب الكثير وتوفي في مستهل جمادى الأولى وفيها الأرموي الشيخ الزاهد إبراهيم بن الشيخ القدوة عبد الله روى عن الشيخ الموفق وغيره وتوفي في المحرم وحضر جنازته الملوك والأمراء والقضاة وحمل على الرؤس وكان صالحا خيرا متقنا قانتا لله تعالى وفيها أبو العباس أحمد بن علي بن يوسف الحنفي المعدل سبط عبد الحق بن خلف ووالد قاضي الحصن روى عنه موسى بن عبد القادر والشيخ الموفق وتوفي في صفر بنواحي البقاع وفيها ابن النصيبي

الرئيس كمال الدين أحمد بن محمد بن عبد القاهر الحلبي آخر من حدث عن الافتخار الهاشمي وثابت بن مشرف وأبي محمد بن الأستاذ توفي بحلب في المحرم
وفيها تقي الدين أحمد بن أبي الطاهر بن أبي الفضل المقدسي الصالحي شيخ صالح روى عن الموفق والقزويني وتوفي في رجب
وفيها صفية بنت الواسطي أخت الشيخ إبراهيم المذكور أول هذه السنة روت عن الموفق وابن راجح وتوفيت في ذي الحجة عن نيف وثمانين سنة
وفيها محي الدين عبد الله بن عبد الظاهر بن نشوان المصري الأديب كاتب الإنشاء وأحد البلغاء المذكورين توفي بمصر وفيها المكين الأسمر عبد الله بن منصور الأسكندراني شيخ القراء بالأسكندرية أخذ القراءات عن أبي القسم بن الصفراوي وأقرأ الناس مدة وفيها التقى عبيد بن محمد الأسعردي الحافظ نزيل القاهرة سمع الكثير من أصحاب السلفي وخرج لغير واحد وتوفي في هذا العام وكان ثقة وفيها السيف علي بن الرضى عبد الرحمن بن عبد الجبار المقدسي الحنبلي نقيب الشيخ شمس الدين سمع من ابن البن والقزويني وحضر موسى والموفق وتوفي في شوال
وفيها ابن الأعمى صاحب المقامة البحرية كمال الدين علي بن محمد بن المبارك الأديب الشاعر روى عن ابن اللتي وغيره وتوفي في المحرم عن سن عالية ومن شعره في حمام ضيق ليس فيه ماء بارد
( إن حمامنا الذي نحن فيه ** قد أناخ العذاب فيه وخيم )
( مظلم الأرض والسما والنواحي ** كل عيب من عيبه يتعلم )
( حرج بابه كطاقة سجن ** شهد الله من يخر فيه يندم )
( وبه مالك غدا خازن النار ** بلى مالك أرق وأرحم )
( كلما قلت قد أطلت عذابي ** قال لي اخسأ فيه ولا تتكلم )
( قلت لما رأيته يتلظى ** ربنا اصرف عنا عذاب جهنم )


وفيها ابن فرقين الأمير ناصر الدين علي بن محمود بن فرقين أجاز له الكندي وسمع من القزويني وغيره وتوفي في شعبان
وفيها ابن الأستاذ عز الدين أبو الفتح عمر بن محمد بن الشيخ أبي محمد عبد الرحمن بن عبد الله بن علوان الأسدي الحلبي مدرس المدرسة الظاهرية التي بظاهر دمشق روى سنن ابن ماجه عن عبد اللطيف وتوفي في ربيع الأول
وفيها أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن ترجم المصري آخر من روى جامع الترمذي عن علي بن البناء

سنة ثلاث وتسعين وستمائة

فيها قتل الملك الأشرف صلاح الدين خليل بن الملك المنصور سيف الدين ولي السلطنة بعد والده في ذي القعدة سنة تسع وثمانين وفتك به الأمير بندار وذلك أنه جهز العسكر مع وزيره إلى القاهرة وتخلى بنفسه ليخلو مع خاصيته بسبب الصيد وترك نائبه الأمير بندار تحت الصناجق فلما كان وقت العصر وهو جالس بمفرده قدم الأمير بندار وصحبته جماعة من الأمراء فقتلوا السلطان وحلفوا البندار وسلطنوه ولقب بالملك القاهر وتوجهوا إلى مصر فلقيهم الخاصكية ومقدمهم الأمير زين الدين كتبغا فحملوا عليهم فانهزم الأمير بندار فأدركوه وقتلوه ومسكوا باقي الأمراء فقتلوهم وأقاموا الملك الناصر وحلفوا له واستقر الشجاعي وزيرا
ومسك ابن السلعوس واستأصلوا أمواله ومسكوا أقاربه وذويه وكان قد أحضرهم من الشام فحلت عليهم النقمة إلا رجل واحد لم يحضر من الشام وكتب إليه شعرا
( تنبه يا وزير الأرض واعلم ** بأنك قد وطئت على الأفاعي )


( وكن بالله معتصما فإني ** أخاف عليك من نهش الشجاعي )
فكان كما قاله فإنه مات من نهشة الشجاعي عاقبه إلى أن مات ولم يجد لنهشه درياقا ثم أن الشجاعي عزم على قتل كتبغا فركب عليه وحصره في القلعة فقتله بعض مماليك السلطان ورموا به إلى كتبغا فسكنت الفتنة وفرح الناس بموته وطافوا به في البلد وتزايدت أفراح الناس لما كان تعمد من المظالم
وفيها شمس الدين أبو العباس أحمد بن الخليل بن سعادة المعروف بابن الخويى نسبة إلى خوى بضم الخاء المعجمة وفتح الواو بعدها ياء تحتية وهي مدينة من أذربيجان أعني إقليم تبريز دخل خراسان وقرأ الأصول على القطب المصري تلميذ الفخر الرازي وقرأ علم الجدل على علاء الدين الطوسي وسمع بخراسان والشام وكان شافعيا عالما نظارا خبيرا بعلم الكلام والحكمة والطب كثير الصلاة والصيام صنف في الأصول والنحو والعروض وتولى قضاء الشام ومات بها سنة سبع وثلاثين وستمائة
وأما ولده شهاب الدين أحمد قاضي البلاد الشامية وابن قاضيها فولد سنة ست وعشرين وستمائة ومات ولده وهو ابن إحدى عشرة سنة فأقام بالعادلية ولزم الاشتغال حتى برع وسمع الحديث وحدث وصنف كتبا منها شرح الفصول لابن معطى ودرس بالمدرسة الدماغية ثم ولي قضاء القدس ثم انتقل إلى القاهرة في وقعة هلاكو فتولى بها قضاء القاهرة والوجه البحري ثم ولي قضاء الشام بعد القاضي شهاب الدين بن الزكي فاجتمع الفضلاء إليه وكان عالما بعلوم كثيرة وصنف كتابا ضمنه عشرين علما وكان له اعتقاد سليم على طريقة السلف حسن الأخلاق والهيئة كبير الوجه أسمر فصيح العبارة مستدير اللحية قليل الشيب حسن الأخلاق توفي ببستان من بساتين دمشق يوم الخميس الخامس والعشرين من شهر رمضان سنة ثلاث وتسعين وستمائة قاله الأسنوي
وفيها ابن مزيد المحدث المفيد تقي الدين إدريس بن محمد التنوخي الحموي

روى عن ابن رواحة وصفية بنت الحبقبق وطبقتهما وعنى بالحديث وتوفي في ربيع الآخر وفيها إسحق بن إبراهيم بن سلطان البعلبكي الكتاني المقرىء روى عن البهاء عبد الرحمن وتوفي بدمشق في ذي القعدة
وفيها بكتوت العلائي الأمير الكبير بدر الدين المنصوري توفي بمصر في جمادى الآخرة وفيها الملك الحافظ غياث الدين محمد بن شاهنشاه بن صاحب بعلبك الأمجد بهرام شاه بن فروخ شاه روى صحيح البخاري عن ابن الزبيدي ونسخ الكثير بخطه وتوفي في شعبان
وفيها الدمياطي شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد العزيز بن أبي عبد الله المقرىء أخذ القراءات عن السخاوي وتصدر واحتيج إلى علو روايته وقرأ عليه جماعة وتوفي في صفر وله نيف وسبعون سنة
وفيها ابن السلعوس الوزير الكامل مدبر الممالك شمس الدين محمد بن عثمان التنوخي الدمشقي التاجر الكاتب ولي حسبة دمشق فأحسن السيرة واستصغرها الناس عليه فلم ينشب أن ولي الوزارة ودخل دمشق في دست عظيم لم يعهد مثله وكان قبل ذلك يكثر الصيام والذكر فلما تولى الوزارة تكبر على الناس لا سيما الأمراء وأذى الذي أوصله إلى السلطان ومات في تاسع صفر بعد أن أنتن جسده من شدة الضرب وقلع منه اللحم الميت نسأل الله العافية وفيها ابن التيني فخر الدين محمد بن محمد بن عقيل الدمشقي الكاتب صاحب الخط المنسوب روى عن الشيخ الموفق وغيره وتوفي في جمادى الأولى

سنة أربع وتسعين وستمائة

فيها توفي خطيب الخطباء شرف الدين أحمد بن أحمد بن نعمة بن أحمد المقدسي الشافعي خطيب دمشق ومفتيها وشيخ الشافعية بها ولد سنة اثنتين

وعشرين وستمائة وأجاز له أبو علي بن الجواليقي وطائفة وسمع من السخاوي وابن الصلاح وتفقه على ابن عبد السلام وغيره وبرع في الفقه والأصول والعربية وكان كيسا متواضعا متنسكا ثاقب الذهن مفرط الذكاء طويل النفس في المناظرة أديبا من محاسن الزمان ومن شعره
( احجج إلى الزهر واسعى به ** وارم جمار الهم مستنفرا )
( من لم يطف بالزهر في وقته ** من قبل أن يحلق قد قصرا )
وله لغز في ناعورة
( وما أنثى وليست ذات فحل ** وتحمل دائما من غير بعل )
( وتلقى كل آونة جنينا ** فيجري في الفلاة بغير رجل )
( وتبكي حين تلقيه عليه ** بصوت حزينة ثكلت بطفل )
توفي رحمه الله تعالى في رمضان وفيها الفاروثي بالفاء والراء والمثلثة نسبة إلى فاروث قرية على دجلة الإمام عز الدين أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن عمر الواسطي الشافعي المقرىء الصوفي شيخ العراق ولد بواسط في ذي القعدة سنة أربع عشرة وستمائة وقرأ القراءات على أصحاب ابن الباقلاني وسمع من عمر بن كرم وطبقته وكان إماما عالما متفننا متضلعا من العلوم والآداب رحالا حريصا على العلم ونشره حسن التربية للمريدين لبس الخرقة من السهروردي وجاور مدة قال الذهبي ثم قدم علينا في سنة إحدى وتسعين فأقرأ القراءات وروى الكثير وولي الخطابة بعد ابن المرحل عزل بعد سنة فسافر مع الحجاج ودخل العراق ومات بواسط في أول ذي الحجة وقد نيف على الثمانين وفيها محب الدين أبو العباس أحمد بن عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن محمد شيخ الحرم الطبري المكي ولد بمكة في جمادى الآخرة سنة خمس عشرة وستمائة وسمع من جماعة وأفتى ودرس وتفقه وصنف كتابا كبيرا إلى الغاية في الأحكام في ست

مجلدات وتعب عليه مدة ورحل إلى اليمن وأسمعه للسلطان صاحب اليمن وروى عنه الدمياطي وابن العطاء وابن الخباز والبرزالي وجماعة قال الذهبي الفقيه الزاهد المحدث كان شيخ الشافعية ومحدث الحجاز وقال غيره له تصانيف كثيرة في غاية الحسن منها في التفسير كتبا وشرح التنبيه وله كتاب الرياض النضرة في فضائل العشرة وكتاب ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى وكتاب السمط الثمين في مناقب أمهات المؤمنين وكتاب القرى في ساكن أم القرى وغير ذلك توفي في جمادى الآخرة على الصحيح
وحكى البرزالي أن ولده توفي بعده في ذي القعدة واسم ولده محمد ولقبه جمال الدين وكان قاضيا بمكة المشرفة وفيها الجمال المحقق أبو العباس أحمد بن عبد الله الدمشقي كان فقيها ذكيا مناظرا بصيرا بالطب درس وأعاد وكان فيه لعب ومزاح توفي في رمضان عن نحو ستين سنة روى عن ابن طلحة
وفيها التاج إسمعيل بن إبراهيم بن قريش المخزومي المصري المحدث كان عالما جليلا سمع من جعفر الهمداني وابن المقير وهذه الطبقة ومات فجأة في رجب وفيها أبو القسم عبد الصمد بن الخطيب عماد الدين عبد الكريم بن القاضي جمال الدين بن الحرستاني الشافعي كان صالحا زاهدا صاحب كشف وفيه تواضع ووله يسير روى عن زين الأمناء وابن الزبيدي وتوفي في ربيع الآخر وله خمس وسبعون سنة وفيها ابن سحنون خطيب النيرب مجد الدين شيخ الأطباء أبو محمد عبد الوهاب بن أحمد بن سحنون الحنفي روى عن خطيب مردا يسيرا وله شعر وفضائل وتوفي في ذي القعدة قاله في العبر وفيها اللمتوني أبو الحسن علي بن عثمان بن يحيى الصنهاجي الشواء ثم أمين السجن سمع ابن غسان وابن الزبيدي وطائفة وتوفي في ذي القعدة وقد نيف على السبعين


وفيها ابن البزوري أبو بكر محفوظ بن معتوق البغدادي التاجر روى عن ابن القسطي ووقف كتبه على تربته بسفح قاسيون وكان نبيلا سريا جمع تاريخا ذيل به على المنتظم وتوفي في صفر عن ثلاث وستين سنة وهو أبو الواعظ نجم الدين وفيها ابن الحامض أبو الخطاب محفوظ بن عمر بن أبي بكر بن خليفة البغدادي التاجر روى عن ابن عبد السلام الداهري وجماعة وتوفي بمصر يوم الأضحى وفيها ابن العديم الصاحب جمال الدين أبو غانم محمد بن الصاحب كمال الدين عمر بن أحمد العقيلي الحلبي الفرضي الكاتب سمع من ابن رواحة وطائفة وببغداد ودمشق وانتهت إليه رياسة الخط المنسوب وتوقى بحماة في أول أيام التشريق وله ستون سنة
وفيها قاضي نابلس جمال الدين محمد بن القاضي نجم الدين محمد بن القاضي شمس الدين سالم بن صاعد القرشي المقدسي الشافعي روى عن أبي علي الأوقي وتوفي في ربيع الآخر عن أربع وسبعين سنة وفيها صاحب اليمن الملك المظفر يوسف ابن الملك المنصور عمر بن رسول بقي في السلطنة نيفا وأربعين سنة وكان مستظهرا في الولاية له مشاركة في العلوم يحب العلماء ويعتقد الصالحين محببا إلى الرعايا صحبه في حجته ستمائة فارس ومن ظرفه أنه كتب إليه رجل إنما المؤمنون أخوة وأخوك بالباب يطلب نصيبه من بيت المال فأرسل إليه بدرهم وقال في جوابه إخواني المؤمنون كثير في الدنيا لو قسمت بيت المال بينهم ما حصل لكل واحد منهم درهم وكتب إليه إنسان أنا كاتب أحسن الخط الظريف والكشط اللطيف فقال حسن كشطك يدل على كثرة غلطك واشتكى إليه ناظره على عدن أن عبد الله بن أبي بكر الخطيب أراق خمورهم فأجابه هذا لا يفعله إلا صالح أو مجنون وكلاهما ما لنا معه كلام توفي سامحه الله تعالى في رجب


وفيها الجوهري الصدر نجم الدين أبو بكر بن محمد بن عباس التميمي الحنفي صاحب المدرسة الجوهرية الحنفية بدمشق توفي في شوال ودفن بمدرسته عن سن عالية وفيها أبو بكر بن الياس بن محمد بن سعيد الرسعني الحنبلي روى عن الفخر بن تيمية والقزويني وتوفي بالقاهرة رحمه الله تعالى وفيها أبو الرجال بن مرى المنيني الرجل الصالح القدوة بركة الوقت كان صاحب حال وكشف وله عظمة في النفوس وكان له عشرة أولاد ذكور فكنى بأبي الرجال وكان تلميذ الشيخ جندل العجمي رحمهما الله توفي يوم عاشوراء بمنين عن نيف وثمانين سنة ودفن هناك
وفيها أبو الفهم بن أحمد بن أبي الفهم السلمي الدمشقي رجل مستور روى عن الشيخ الموفق وغيره وتوفي في أحد الربيعين وله ثلاث وثمانون سنة قاله في العبر

سنة خمس وتسعين وستمائة

استهلت وأهل الديار المصرية في قحط شديد ووباء مفرط حتى أكلوا الجيف وأخرج في اليوم الواحد ألف وخمسمائة جنازة وكانوا يحفرون الحفائر الكبار ويدفنون فيها الجماعة الكثيرة وفيها كما قال الذهبي قدم علينا شيخ الشيوخ صدر الدين إبراهيم بن الشيخ سعد الدين بن حموية الجويني طالب حديث فسمع الكثير وروى لنا عن أصحاب المؤيد الطوسي وأخبر أن ملك التتار غازان بن أرغون أسلم على يده بواسطة نائبه نوروز وكان يوما مشهودا وفيها توفي نجم الدين أبو عبد الله أحمد بن حمدان بن شبيب بن حمد بن شبيب بن حمدان بن شبيب بن حمدان بن محمود بن غياث بن سابق بن وثاب النميري الحراني الحنبلي الفقيه الأصولي القاضي نزيل القاهرة وصاحب التصانيف ولد سنة ثلاث وستمائة بحران وسمع الكثير بها من الحافظ عبد القادر الرهاوي وهو آخر من روى عنه ومن الخطيب أبي عبد الله بن

تيمية وغيره وسمع بحلب من الحافظ ابن خليل وغيره وبدمشق من ابن عساكر وابن صباح وبالقدس من الأوقى وغيره وقرأ بنفسه على الشيوخ وجالس ابن عمه الشيج مجد الدين بن تيمية وبحث معه كثيرا وبرع في الفقه وانتهت إليه معرفة المذهب ودقائقه وغوامضه وكان عارفا بالأصلين والخلاف والأدب وصنف تصانيف كثيرة منها الرعاية الصغرى والرعاية الكبرى في الفقه وكتاب الوافي ومقدمة في أصول الدين وكتاب صفة المفتي والمستفتي وغير ذلك وولي نيابة القضاء بالقاهرة وتفقه به وتخرج عليه جماعة كثيرة وحدث بالكثير وعمر وأسن وأضر وروى عنه الدمياطي والحارثي والمزي والبرزالي وغيرهم وتوفي بالقاهرة يوم الخميس سادس صفر عن اثنتين وتسعين سنة
وتوفي أخوه تقي الدين شبيب الأديب البارع الشاعر المفلق الطبيب الكحال في ربيع الآخر من هذه السنة أيضا وهو في عشر الثمانين سمع ابن روزبة وطائفة وقد عارض بانت سعاد بقصيدة عظيمة منها
( مجد كبا الوهم عن إدراك غايته ** ورد عقل البرايا وهو معقول )
( طوبى لطيبة بل طوبى لكل فتى ** له بطيب ثراها الجعد تقبيل )
وله أيضا
( وافى يعللني والليل قد ذهبا ** فخلت من راحة في راحه ذهبا )
( ظبى إذا قهقه الأبريق وابتسمت ** له المدام بكى الراووق وانتحبا )
( مقرطق لم يقم بالكاس عرس هنا ** إلا وراح بنور الراح مختضبا )
( يجلو على ابن غمام بكر معصرة ** فقم لتشهد أن العود قد خطبا )
( ماهز من قده العسال في رهج ** إلا غدا قلب جيش الهم مضطربا )
وفيها الشيخ أبو العباس الداري أحمد بن عبد الباري الصعيدي ثم

الاسكندراني المؤدب الرجل الصالح قرأ القراءات على أبي القسم بن عيسى وأكثر عنه وعن الصفراوي وتوفي في أوائل السنة عن ثلاث وثمانين سنة وألف وفيها أبو الفضائل المنقذي أحمد بن عبد الرحمن بن محمد الحسيني الدمشقي خادم مصحف مشهد علي بن الحسين روى عن ابن غسان وابن صباح وجماعة وله حضور على ذرع بن فارس وتوفي في ذي الحجة
وفيها الشريف عز الدين الحسيني نقيب الأشراف أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الرحمن الحلبي ثم المصري الحافظ المؤرخ روى عن فخر القضاة أحمد بن الحباب وأكثر عن أصحاب البوصيري وعنى بالحديث وبالغ وتوفي في سادس المحرم
وفيها قاضي الحنابلة الإمام شرف الدين حسن بن الشرف عبد الله بن الشيخ أبي عمر بن قدامة المقدسي ولد في شوال سنة ثمان وثلاثين وستمائة وسمع من المرسي وابن مسلمة وغيرهم وقرأ بنفسه على الكفر طابى وتفقه وبرع في المذهب الحنبلي وولي القضاء بعد نجم الدين أحمد بن الشيخ وإلى أن مات قال البرزالي كان قاضيا بالشام على مذهب الإمام أحمد ومدرسا بدار الحديث الأشرفية بسفح قاسيون وبمدرسة جده وكان مليح الشكل حسن المحاضرة كثير المحفوظ وقال الذهبي كان من أئمة المذهب توفي ليلة الخميس ثاني عشرى شوال ودفن بمقبرة جده بسفح قاسيون وهو والد الشيخ شرف الدين أبي العباس أحمد المعروف بابن قاضي الجبل وفيها بنت الواسطي الزاهدة العابدة أم محمد زينب بنت علي بن أحمد بن فضل الصالحية قال الذهبي روت لنا عن الشيخ الموفق وتوفيت في المحرم وقد قاربت التسعين
وفيها ابن قوام العدل الصالح كمال الدين أبو محمد عبد الله بن محمد بن نصر بن قوام بن وهب الرصافي ثم الدمشقي قال الذهبي حدثنا عن القزويني وابن الزبيدي

ومات فجأة في ذي القعدة وله ثمانون سنة وفيها ابن رزين الإمام صدر الدين عبد البر بن قاضي القضاة تقي الدين محمد قال الذهبي كان إماما شافعيا فاضلا درس بالقيمرية بدمشق ومات بها في رجب
وفيها ابن بنت الأعز قاضي الديار المصرية تقي الدين عبد الرحمن بن قاضي القضاة تاج الدين العلائي الشافعي قال الذهبي توفي في جمادى الأولى كهلا وولي بعده ابن دقيق العيد شيخنا وفيها ابن الفاضل الشيخ سعد الدين عبد الرحمن بن علي بن القاضي الأشرف أحمد بن القاضي الفاضل سمع من عبد الصمد الغضاري وجعفر الهمداني فأكثر وتوفي في رجب وقد قارب السبعين وفيها ابن الدميري نسبة إلى دميرة قرية بمصر محي الدين عبد الرحيم بن عبد المنعم المصري أخذ من الحافظ علي ابن المفضل وأبي طالب بن حديدة وأكثر عن الفخر الفارسي وكان إماما فاضلا دينا توفي في المحرم وله تسعون سنة وفيها العلامة سحنون أبو القسم عبد الرحمن بن عبد الحليم بن عمران الأوسي الدكالي بفتح الدال المهملة وتشديد الكاف نسبة إلى دكالة بلد بالمغرب المالكي المقرىء النحوي قرأ القراءات على الصفراوي وسمع منه ومن علي بن مختار وكان إماما علامة ورعا فاضلا توفي في رابع شوال وفيها الجلال عبد المنعم بن أبي بكر بن أحمد الأنصاري المصري الشافعي قاضي القدس كان شيخا عالما دينا وقورا قال الذهبي حدثنا عن ابن المقير وتوفي بالقدس في ربيع الآخر
وفيها سراج الدين عمر بن محمد الوراق المصري أديب الديار المصرية كان مكثرا حسن التصرف فمن شعره قوله
( سألتهم وقد حثوا المطايا ** قفوا نفسا فساروا حيث شاءوا )


( وما عطفوا على وهم غصون ** ولا التفتوا إلى وهم ظباء )
وفيها الشرف البوصيري صاحب البردة محمد بن سعد بن حماد الدلاصي المولد المغربي الأصل البوصيري المنشأ ولد بناحية دلاص في يوم الثلاثاء أول شوال سنة ثمان وستمائة وبرع في النظم قال فيه الحافظ ابن سيد الناس هو أحسن من الجزر والوراق قاله السيوطي في حسن المحاضرة وأقول والأمر كما قال ابن سيد الناس ومن سبر شعره علم مزيته وما أحسن قوله في افتتاح ديوانه
( كتب المشيب بأبيض في أسود ** بقضاء ما بيني وبين الخرد )
والله أعلم وفيها إمام مسجد البياطرة الفقيه أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن سلطان التميمي الحنفي الشاهد قال الذهبي حدثنا عن ابن صباح وتوفي في ربيع الأول وله ثلاث وثمانون سنة
وفيها ابن عصرون تاج الدين محمد بن عبد السلام بن المطهر بن عبد الله ابن أبي سعد بن أبي عصرون التميمي الشافعي مدرس الشامية الصغرى ولد بحلب في أول سنة عشر وستمائة وأجاز له المؤيد الطوسي وطبقته وسمع من أبيه وابن روزبة وجماعة وروى الكثير وكان خيرا متواضعا حسن الإيراد للدرس توفي في ربيع الأول وفيها الشيخ شرف الدين الأزروني الزاهد محمد بن عبد الملك بن عمر اليونيني كان صالحا عابدا مقصودا بالزيارة والتبرك توفي ببيت لهيا وفيها ابن النحاس الصاحب العلامة محي الدين أبو عبد الله محمد بن يعقوب بن إبراهيم الأسدي الحلبي الحنفي روى عن الكاشغرى وابن الخازن وكان من أساطين المذهب وتولى الوزارة بالشام في الدولة المنصورية ولم يزل معظما في جميع الدول مشهورا بالأمانة وتوفي بالمزة في آخر السنة وله إحدى وثمانون سنة وشهران


وفيها الموفق أبو عبد الله محمد بن العلاء بن علي بن مبارك الأنصاري النصيبي الشافعي المقرىء شيخ القراء والصوفية ببعلبك وقرأ القراءات على ابن الحاجب والسديد عيسى وأقرأها مدة وله نظم رائق توفي في ذي الحجة وقد قارب الثمانين قال الذهبي عرضت عليه ختمة للسبعة
وفيها شرف الدين التاذفي بالمثناة الفوقية والمعجمة والفاء نسبة إلى تاذف قرية قرب حلب محمود بن محمد بن أحمد المقرىء كان عبدا صالحا قانتا لله تعالى خائفا منه تاليا لكتابه روى عن ابن رواحة وابن خليل ومات بسفح قاسيون في رجب وقد نيف على السبعين وفيها ابن المنجا العلامة زين الدين أبو البركات المنجا بن عثمان بن أسعد بن المنجا التنوخي الدمشقي الحنبلي أحد من انتهت إليه رياسة المذهب أصولا وفروعا مع التبحر في العربية والنظر والبحث وكثرة الصيام والصلاة والوقار والجلالة ولد في عاشر ذي القعدة سنة إحدى وثلاثين وستمائة وسمع من السخاوي وابن مسلمة والقرطبي وجماعة وتفقه على أصحاب جده وأصحاب الشيخ موفق الدين وقرأ الأصول على التفليسي والنحو على ابن مالك وبرع في ذلك كله ودرس وأفتى وناظر وصنف ومن تصانيفه شرح المقنع في أربع مجلدات وتفسير كبير للقرآن العظيم وغير ذلك وسمع منه ابن العطار والمزي والبرزالي وغيرهم وتوفي يوم الخميس رابع شعبان وتوفيت زوجته أم محمد ست البهاء بنت الصدر الخجندي ليلة الجمعة خامس الشهر وصلى عليهما معا عقب صلاة الجمعة بجامع دمشق ودفنا بتربة بيت المنجا بسفح قاسيون
وفيها الوجيه النفري بكسر النون وفتح الفاء المشددة وراء نسبة إلى النفر بلد على النرس موسى بن محمد المحدث أحد من عنى بمصر بالحديث وقدم دمشق سنة نيف وسبعين فأكثر عن أصحاب ابن طبرزد وتوفي في جمادى الآخرة


وفيها أبو الفتوح نصر الله بن محمد بن عباس بن حامد الصالحي السكاكيني صالح خير فاضل حسن المجالسة قال الذهبي حدثنا عن أبي القسم بن صصرى وعلي بن زيد التسارسي وطائفة وتوفي في سلخ شوال وله تسع وسبعون سنة
وفيها رضي الدين القسنطيني بضم القاف وفتح السين المهملة وسكون النون نسبة إلى قسنطينية قلعة بحدود أفريقية العلامة أبو بكر بن عمر بن علي بن سالم الشافعي النحوي أخذ العربية عن ابن معطي وابن الحاجب وسمع من أبي علي الأوقي وابن المقير وتصدر للأشغال مدة واضر بآخرة وتوفي في رابع عشر ذي الحجة وله ثمان وثمانون سنة وفيها الكفرابي أبو الغنايم ابن محاسن بن أحمد بن مكارم المعمار روى عن قاضي حران أبي بكر والقزويني وابن روزبة وتوفي في ذي الحجة وله إحدى وثمانون سنة

سنة ست وتسعين وستمائة

فيها توجه الملك العادل إلى مصر فلما كان باللجون وثب حسام الدين لاشين المنصور على بيحاص وبكتوت الأزرق فقتلهما وكانا جناحي أستاذهما العادل فخاف وركب سرا في أربعة مماليك وساق إلى دمشق فدخل القلعة فلم ينفعه ذلك وزال ملكه وخضع المصريون لحسام لدين ولم يختلف عليه اثنان ولقب بالملك المنصور وأخذ العادل تحت الحوطة فاسكن بقلعة صرخد وقنع بها وفيها توفي الصدر الفاضل أحمد بن إبراهيم ببستانه بسطرا ودفن بتربة بسفح قاسيون قبالة الأتابكية جوار تربة تقي الدين توبة كان فاضلا في النحو واللغة والعربية وله تجرد مع الفقراء الحريرية وكان من رؤساء دمشق وله شعر حسن وفيها ابن الأعلاقي ابو العباس أحمد بن عبد الكريم بن غازي الواسطي ثم المصري قال الذهبي روى لنا عن عبد القوي وابن الحباب وابن باقا وكان إمام مسجد توفي في صفر عن ست

وثمانين سنة وفيها ابن الظاهري الحافظ الزاهد القدوة جمال الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الله الحلبي الحنفي المقرىء المحدث كان أحد من عنى بهذا الشأن وكتب عن سبعمائة شيخ بالشام والجزيرة ومصر وحدث عن ابن اللتي والأربلي فمن بعدهما وما زال في طلب الحديث وإفادته وتخريجه إلى آخر أيامه وكان من الثقات الأثبات توفي بالمغس في زاويته بظاهر القاهرة في ربيع الأول وله سبعون سنة قال ابن ناصر الدين كان أبوه مولى للظاهر غازي بن يوسف وفيها النفيس نفيس الدين إسمعيل بن محمد بن عبد الواحد بن صدقة الحراني ثم الدمشقي ناظر الأيتام وواقف النفيسية بالرصيف روى عن مكرم القرشي وتوفي في ذي القعدة عن نحو من سبعين سنة
وفيها الضياء أبو الفضل جعفر بن محمد بن عبد الرحيم الحسيني المصري القباني أحد كبار الشافعية ويعرف بابن عبد الرحيم ولد سنة تسع عشرة وستمائة وتفقه على الشيخين بهاء الدين القفطي ومجد الدين القشيري واستفاد من ابن عبد السلام وأخذ الأصول عن الشيخين مجد الدين القشيري وعبد الحميد الخسروشاهى وسمع الحديث من جماعة ودرس بالمشهد الحسيني وولي كتابة بيت المال وكان من كبار الشافعية قال ابن كثير في طبقاته أحد الأعيان كان بارعا في المذهب أفتى بضعا وأربعين سنة وتوفي في ربيع الأول عن ثمان وسبعين سنة وفيها الضياء دانيال بن منكل الشافعي قاضي الكرك قرأ على السخاوي وسمع من ابن اللتي وابن الخازن وطائفه وكان له رواء ومنظر ولديه فضائل وتوفي في رمضان وفيها التاج أبو محمد عبد الخالق بن عبد السلام بن سعيد بن علوان البعلبكي فقيه عالم جيد المشاركة في الفنون ذو حظ من عبادة وتواضع روى عن الشيخ الموفق والزويني والبهاء عبد الرحمن وتوفي في تاسع المحرم وله ثلاث وتسعون سنة
وفيها عفيف الدين أبو محمد عبد السلام بن محمد بن مزروع بن أحمد بن

عزاز المصري البصري الفقيه الحنبلي المحدث الحافظ نزيل المدينة النبوية ولد بالبصرة في شوال سنة خمس وعشرين وستمائة ورحل إلى بغداد فسمع بها من ابن قميرة وخلق وتفقه على الشيخ كمال الدين بن وضاح ثم انتقل إلى المدينة النبوية واستوطنها نحوا من خمسين سنة إلى أن مات بها وحج منها أربعين حجة على الولاء وحدث بالكثير بالحجاز وبغداد ومصر ودمشق وسمع منه جماعات منهم البرزالي وابن الخباز والحارثي وتوفي يوم الثلاثاء بعد الصبح سابع عشرى صفر ودفن بالبقيع وفيها عز الدين أبو حفص عمر بن عبد الله بن عمر بن عوض المقدسي الحنبلي قاضي القضاة بالديار المصرية سمع من جعفر الهمداني وابن رواح وأفتى ودرس وكان محمود القضايا مشكور السيرة متثبتا في الأحكام مليح الشكل سمع منه الذهبي وقال عنه إمام جماع للفضائل محمود القضايا متثبت توفي بالقاهرة في صفر ودفن بتربة الحافظ عبد الغني وله ست وستون سنة وفيها الضياء السبني بفتحتين ونون نسبة إلى السبن موضع أبو الهدى عيسى بن يحيى بن أحمد بن محمد الأنصاري الشافعي الصوفي المحدث ولد سنة ثلاث عشرة وستمائة وقدم مع أبيه فحج ولبس الخرقة من السهروردي وسمع وقرأ الكتب على الصفراوي وابن المقير وغيرهما وتوفي بالقاهرة فجأة وله ثلاث وثمانون سنة
وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن حازم بن حامد بن حسن المقدسي الحنبلي سمع من ابن صصرى والناصح بن الحنبلي وابن الزبيدي وابن عساكر والضياء الحافظ وأكثر عنه وكان فقيها فاضلا عابدا توفي في ذي الحجة بنابلس في رجوعه من زيارة المسجد الأقصى وهو في عشر الثمانين
وفيها التلعفري الشيخ محمد بن جوهر الصوفي المقرىء قرأ على أبي إسحق ابن وثيق ولقن مدة وكان عارفا بالتجويد وروى عن يوسف بن خليل وغيره

وتوفي بدمشق في صفر وفيها الضياء بن النصيبي محمد بن محمد بن عبد القاهر الحلبي الكاتب وزر لصاحب حماة وحدث عن ابن روزبة والموفق عبد اللطيف وتوفي في رجب وفيها الرضى محمد بن أبي بكر بن خليل العثماني المكي الشافعي المفتي النحوي الزاهد شيخ الحرم وفقيهه روى عن ابن الجميزي وغيره وفيها أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن بطيح الدمشقي قال الذهبي روى لنا عن الناصح وكان ينادي ويتبلغ توفي في صفر عن ثمان وسبعين سنة وفيها ابن العدل محي الدين يحيى بن محمد بن عبد الصمد الزبداني مدرس مدرسة جده بالزبداني حدث عن ابن الزبيدي وابن اللتي وتوفي في المحرم وفيها ابن عطا أبو المحاسن يوسف بن قاضي القضاة شمس الدين عبد الله بن محمد بن عطاء الأذرعي بالحنفي روى عن ابن الزبيدي وغيره وتوفي في ربيع الأول عن ست وسبعين سنة وفيها أبو تغلب بن أحمد بن أبي تغلب الفاروثي الواسطي سمع من ابن الزبيدي وغيره وتوفي بدمشق في المحرم وله إحدى وتسعون سنة

سنة سبع وتسعين وستمائة

فيها توفي الشهاب العابر أبو العباس أحمد بن عبد الرحمن بن عبد المنعم بن نعمة النابلسي الحنبلي ولد ليلة الثلاثاء ثالث عشر شعبان سنة ثمان وعشرين وستمائة بنابلس وسمع بها من عمه تقي الدين يوسف ومن الصاحب محي الدين بن الجوزي وسمع من سبط السلفي وغيره وترحل إلى مصر ودمشق والاسكندرية وتفقه في المذهب قال الذهبي فقيه إمام عالم لا يدرك شأوه في علم التعبير وله مصنف كبير في هذا العلم سماه البدر المنير توفي يوم الأحد تاسع عشرى ذي القعدة ودفن بتربة أبي الطيب بباب الصغير


وفيها الصدر بن عقبة أبو إسحق إبراهيم بن أحمد بن عقبة البصروي مفت مدرس ولي مرة قضاء حلب وكان ذا همة وجلادة وسعى توفي في رمضان عن سن عالية قاله في العبر وفيها أبو الروح جبريل بن إسمعيل بن جبريل الشارعي قال الذهبي شيخ مقرىء متواضع بزورى يؤم بمسجد توفي في هذا العام ظنا روى لنا عن ابن باقا وغيره وخرج عنه الأبيوردي في معجمه وفيها عائشة ابنة المجد عيسى بن الشيخ الموفق المقدسي مباركة صالحة عابدة قال الذهبي روت لنا عن جدها وابن راجح وعاشت ستا وثمانين سنة وفيها الكمال الفويره مسند العراق أبو الفرج عبد الرحمن بن عبد اللطيف بن محمد البغدادي الحنبلي المقرىء البزار المكثر شيخ المستنصرية قرأ القراءات على الفخر الموصلي وسمع من أحمد بن صرما وجماعة وأجاز له ابن طبرزد وعبد الوهاب بن سكينة وانتهى إليه علو الإسناد في القراءات والحديث وتوفي في ذي الحجة وله ثمان وتسعون سنة ووقع في الهرم رحمه الله تعالى وفيها ابن المغيزل الصدر شرف الدين عبد الكريم بن محمد بن محمد بن نصر الله الحموي الشافعي روى عن الكاشغري وابن الخازن وتوفي في المحرم وله إحدى وثمانون سنة
وفيها ابن واصل قاضي حماة جمال الدين أبو عبد الله محمد بن سالم بن نصر الله بن واصل الحموي الشافعي كان إماما عالما بعلوم كثيرة خصوصا العقليات مفرطا في الذكاء مداوما على الاشتغال والتفكر في العلم حتى كان يذهل عمن يجالسه وعن أحوال نفسه وصنف تصانيف كثيرة في الأصلين والحكمة والمنطق والعروض والطب والأدبيات ومن شعره
( وأغيد مصقول العذار صحبته ** وربع سروري بالتأهل عامر )
( وفارقته حينا فجاء بلحية ** تروع وقد دارت عليه الدوائر )
( فكررت طرفي في رسوم جماله ** وأنشدت بيتا قاله قبل شاعر )


( كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ** أنيس ولم يسمر بمكة سامر )
( فقال عجيب والفؤاد كأنما ** يقلقله بين الجوانح طائر )
( بلى نحن كنا أهلها فأبادنا ** صروف الليالي والجذوذ العواثر )
توفي بحماة يوم الجمعة الثاني والعشرين من شوال
وفيها ابن المغربي بدر الدين محمد بن سليمان بن معالي الحلبي المقرىء قال الذهبي عبد خير صالح عالم كتب العلم وقرأ بنفسه وروى عن كريمة وابن المقير وطائفة وتوفي في ربيع الأول عن ثمان وسبعين سنة
وفيها أبو عبد الله محمد بن صالح بن خلف الجهني المصري المقريء قال في العبر حدثنا عن ابن باقا وتوفى في حدود هذه السنة
وفيها الأيكي العلامة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن محمد الفارسي الشافعي كان فقيها صوفيا إماما في الأصلين ورد دمشق ودرس بالغزالية وشرح منطق مختصر ابن الحاجب ثم سافر إلى مصر وولي مشيخة الشيوخ بها فتكلم فيه الصوفية فخرج منها وعاد إلى دمشق فتوفي بالمزة يوم الجمعة قبيل العصر ثالث شهر رمضان عن سبعين سنة قاله الأسنوي قلت رما الإمام أبو حيان بالإلحاد وعده فيمن اشتهر بذلك في المائدة من تفسيره والله أعلم
وفيها أبو القسم القاضي بهاء الدين هبة الله بن عبد الله بن سيد الكل القفطي بكسر القاف وسكون الفاء وبالطاء المهملة نسبة إلى قفط بلد بصعيد مصر ولد في سنة ستمائة أو إحدى وستمائة وقيل في أواخر سنة تسع وتسعين وخمسمائة وتفقه على المجد القشيري في مذهب الشافعي وقرأ الأصول على الشمس الأصفهاني بقوص ودخل القاهرة فاجتمع بالشيخين عز الدين بن عبد السلام والزكي المنذري واستفاد منهما ورجع إلى بلده وانتفع به الناس وتخرجت به الطلبة وولى قضاء أسنا وتدريس المدرسة المعزية بها وكانت أسنا مشحونة بالروافض فقام في نصرة السنة وأصلح الله به خلقا وهمت الروافض بقتله فحماه الله منهم

وترك القضاء أخيرا واستمر على العلم والعبادة قال السبكي كان فقيها فاضلا متعبدا مشهور الاسم وانتهت إليه رياسة العلم في إقليمه وكان زاهدا وقال الأسنوي برع في علوم كثيرة وأخذ عنه الطلبة وقصدوه من كل مكان وممن انتفع به تقي الدين بن دقيق العيد والدشناوي وصنف كتبا كثيرة في علوم متعددة وكانت أوقاته موزعة ما بين أقراء وتدريس وتصنيف توفي باسنا ودفن بالمدرسة المجيدية

سنة ثمان وتسعين وستمائة

استهلت وسلطان الإسلام الملك المنصور حسام الدين لاجين ونائبه منكوتمر مملوكه وهو معتمد عليه في جل الأمور فشرع يمسك كبار الأمراء وينفي آخرين وفي ربيع الآخر استوحش قبجق المنصوري نائب الشام وبكتمر السلحدار وغيرهما من فعائل منكوتمر وخافوا ان يبطش بهم وبلغهم دخول ملك التتار في الإسلام فأجمعوا على المسير إليه فساروا من حمص على البرية فلم يلبثوا إن جاء الخبر بقتل السلطان ومنكوتمر على يد كرجي الأشرفي ومن قام معه هجم عليه كرجي في ستة أنفس وهو يلعب بالشطرنج بعد العشاء ما عنده إلا قاضي القضاة حسام الدين الحنفي والأمير عبد الله ويزيد البدوي وإمامه المجير بن العسال قال حسام الدين رفعت رأسي فإذا سبعة أسياف تنزل عليه ثم قبضوا على نائبه فذبحوه من الغد ونودي للملك الناصر وأحضروه من الكرك فاستناب في المملكة سلار ثم قتل طغجى وكرجى الأشرفيان ثم ركب الملك الناصر بخلعة الخليفة وتقليده وقدم الاقرم على نيابة دمشق في جمادى الاولى وكان الملك المنصور أشقر أصهب فيه دين وعدل في الجملة وله شجاعة وإقدام
وفيها توفي ابن الحصير نائب الحكم نظام الدين أحمد بن العلامة جمال

الدين محمود بن أحمد البخاري الدمشقي الحنفي وله نحو من سبعين سنة قاله في العبر وفيها الصوابي الخادم الأمير الكبير بدر الدين بدر الحبشي كان أميرا على مائة فارس بدمشق وأقام في الأمرة نحوا من أربعين سنة وكان خيرا دينا معمرا موصوفا بالشجاعة والعقل والرأي قال الذهبي روى لنا عن ابن عبد الدايم وتوفي فجأة بقرية الخيارة في جمادى الأولى وقال ابن شهبة وحمل إلى قاسيون فدفن بتربته وهو أول من أبطل ما كان يجبى من الحجاج في كل سنة لأجل العربان وهو على كل جمل عشرة دراهم أقام ذلك من ماله وأبطل الجباية وذلك سنة إحدى وثمانين فبطل ذلك إلى الآن انتهى
وفيها التقى البيع الصاحب الكبير أبو البقاء توبة بن علي بن مهاجر التكريتي عرف بالبيع كان تاجرا فلما أخذت التتار بغداد حضر إلى الشام وتولى البيعية بدار الوكالة ثم ضمنها في أيام الظاهر وخدم المنصور وأقرضه ستين ألفا بلا فائدة فلما تولى المنصور أطلق له دار الوكالة وما كان عليه مكسورا وهو مائة ألف درهم وولاه كتابة الخزانة ثم نقل إلى وزارة الشام وتوزر لخمسة ملوك الأشرف والمنصور والعادل كتبغا ولاجين والناصر وكان حسن الأخلاق ناهضا وافرا كافيا وافر الحرمة توفي في جمادى الآخرة ودفن بتربته بسفح قاسيون عن ثمان وسبعين سنة وفيها صد رالدين أبو عبد الله أحمد بن محمد بن الأنجب بن الكسار الواسطي الأصل البغدادي المحدث الحافظ الحنبلي ولد سنة ست وعشرين وستمائة وسمع ببغداد من ابن قميرة وغيره وبواسط من الشريف الداعي الرشيدي وقرأ كثيرا من الكتب والأجزاء وعنى بالحديث وكانت له معرفة حسنة به قال الذهبي قال لنا الفرضي كان فقيها محدثا حافظا له معرفة وقال الذهبي وبلغني أنه تكلم فيه وهو متماسك وله عمل كثير في الحديث وشهرة بطلبه وقال ابن رجب كان رحمه الله زرى للباس وسخ الثياب على نحو طريقة أبي محمد بن الخشاب النحوي كما سبق ذكره

وكان بعض الشيوخ يتكلم فيه وينسبه إلى التهاون في الصلاة وكان الدقوقي يقول أنهم كانوا يحسدونه لأنه كان يبرز عليهم في الكلام في المجالس والله أعلم بحقيقة أمره سمع منه خلق من شيوخنا وغيرهم توفي في رجب ودفن بمقبرة باب حرب انتهى كلام ابن رجب وفيها العماد عبد الحافظ بن بدران بن شبل المقدسي النابلسي صاحب المدرسة بنابلس روى عن الموفق وابن راجح وموسى بن عبد القادر وجماعة وطال عمره وقصد بالزيارة وتفرد بأشياء وتوفي في ذي الحجة وفيها الشيخ على الملقن بن محمد بن علي بن بقاء الصالحي المقرىء العبد الصالح روى عن ابن الزبيدي وغيره وعاش ستا وثمانين سنة وتوفي في رابع شوال
وفيها ابن القواس مسند الوقت ناصر الدين أبو حفص عمر بن عبد المنعم بن عمر الطائي الدمشقي سمع حضورا من ابن الحرستاني وأبي يعلى بن أبي لقمة فكان آخر من روى عنهما وأجاز له الكندي وطائفة وخرجت له مشيخة وكان خيرا دينا متواضعا محبا للرواية توفي في ثاني ذي القعدة وله ثلاث وتسعون سنة وفيها ابن النحاس العلامة حجة العرب بهاء الدين أبو عبد الله محمد بن إبراهيم بن أبي عبد الله الحلبي شيخ العربية بالديار المصرية روى عن الموفق بن يعيش وابن اللتي وجماعة وكان من أذكياء أهل زمانه توفي في جمادى الأولى وله إحدى وسبعون سنة
وفيها ابن النقيب الإمام المفسر العلامة جمال الدين أبو عبد الله محمد بن سليمان بن حسن البلخي ثم المقدسي الحنبلي مدرس العاشورية بالقاهرة ولد سنة إحدى عشرة وستمائة وقدم مصر فسمع بها من يوسف بن المخيلي وصنف تفسيرا كبيرا إلى الغاية وكان إماما زاهدا عابدا مقصودا بالزيارة متبركا به أمارا بالمعروف كبير القدر توفي في المحرم ببيت المقدس قاله في العبر
وفيها صاحب حماة الملك المظفر تقي الدين محمود بن الملك المنصور ناصر

الدين محمد بن المظفر محمود بن المنصور محمد بن عمر شاهنشاه الحموي آخر ملوك حماة مات في الحادي والعشرين من ذي القعدة
وفيها جمال الدين ياقوت المستعصمي الكاتب الأديب البغدادي آخر من انتهت إليه رياسة الخط المنسوب كان يكتب على طريقة ابن البواب وهو من مماليك المستعصم أمير المؤمنين قال الحافظ علم الدين البرزالي قال أنشدني أبو شامة قال أنشدني ياقوت لنفسه
( رعى الله أياما تقضت بقربكم ** قصارا وحياها الحيا وسقاها )
( فما قلت إيه بعدها لمسامر ** من الناس إلا قال قلبي آها )
وفيها الملك الأوحد نجم الدين يوسف بن الناصر صاحب الكرك داود بن المعظم توفي بالقدس في ذي الحجة وله سبعون سنة سمع من ابن اللتي وروى عنه الدمياطي في معجمه

سنة تسع وتسعين وستمائة

فيها كانت بالشام فتنة غازان ملك التتار توفي فيها من شيوخ الحديث بدمشق والجبل أكثر من مائة نفس وقتل بالجبل ومات بردا وجوعا نحو أربعمائة نفس وأسر نحو أربعة آلاف منهم سبعون نسمة من ذرية الشيخ أبي عمر وفيها توفي أبو العباس أحمد بن سليمان بن أحمد بن إسماعيل بن عطاف المقدسي ثم الحراني المقرىء روى عن القزويني وابن روزبة ووالده الفقيه أبي الربيع وتوفي في جمادى الآخرة وله أربع وثمانون سنة
وفيها أبو العباس أحمد بن عبد الله بن عبد العزيز اليونيني الصالحي الحنفي سمع البهاء عبد الرحمن وابن الزبيدي واستشهد بالجبل في ربيع الآخر
وفيها شهاب الدين أبو العباس أحمد بن فرح بن أحمد الأشبيلي الشافعي المحدث الحافظ تفقه على ابن عبد السلام قال الذهبي وحدثنا عن ابن عبد الدايم

وطبقته وكان له حلقة أشغال بجامع دمشق عاش خمسا وسبعين سنة وكان ذا ورع وعبادة وصدق وقال ابن ناصر الدين ومن نظمه الرائق قصيدته التي أولها غرامي صحيح والرجا فيك معضل ولقد حفظها جماعة وعلى فهمها عولوا وفيها نجم الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن حمزة بن منصور الهمداني الطبيب الحنبلي روى عن الزبيدي ومات بدويرة حمد في رمضان وفيها أبو العباس أحمد بن محمد بن محمد بن أبي الفتح الصالحي الحداد روى عن أبي القسم بن صصرى وابن الزبيدي وأجاز له الشيخ الموفق هلك في الجبل فيمن هلك
وفيها ابن جعوان الزاهد المفتي الشافعي شهاب الدين أحمد بن محمد بن عباس الدمشقي أخو الحافظ شمس الدين كان عمدة في النقل روى عن ابن عبد الدايم وفيها القاضي علاء الدين أحمد بن عبد الوهاب بن بنت الأعز كان فصيح العبارة تولى حسبة القاهرة والأحباس ودرس بها وبدمشق في الظاهرية والقيمرية وناب بالقاهرة وبها مات ومن نظمه
( إن أومض البرق في ليل بذي سلم ** فإنه ثغر سلمى لاح في الظلم )
( وإن سرت نسمة في الكون عابقة ** فإنها نسمة من ربة الخيم )
( تنام عين التي أهوى وما علمت ** بأن عيني طول الليل لم تنم )
( لله عيش مضى في سفح كاظمة ** قد مرحلوا مرور الطيف في الحلم )
( أيام لا نكد فيها نشاهده ** ولت بعين الرضا مني ولم تدم )
وقال في دمشق
( إني أدل على دمشق وطيبها ** من حسن وصفي بالدليل القاطع )
( جمعت جميع محاسن في غيرها ** والفرق بينهما بنفس الجامع )
وفيها نجم الدين أحمد بن محسن بفتح الحاء وكسر السين المهملة المشددة ابن ملى باللام الأنصاري البعلبكي الشافعي قال الأسنوي ولد ببعلبك في رمضان

سنة سبع عشرة وستمائة وأخذ النحو عن ابن الحاجب والفقه عن ابن عبد السلام والحديث عن الزكي البدري وكان فاضلا في علوم أخرى منها الأصول والطب والفلسفة ومن أذكى الناس وأقدرهم على المناظرة وإفحام الخصوم ودخل بغداد ومصر إلى آخر الصعيد وحضر الدرس ببلدنا اسنا ومدرسها بهاء الدين القفطي ثم استقر بأسوان مدة يدرس بها بالمدرسة البانياسية ثم عاد منها إلى الاشام وكان متهما في دينه بأمور كثيرة منها الرفض والطعن في الصحابة توفي في جمادى الاولى سنة تسع وتسعين وستمائة بقرية يقال لها نخعون من جبال الظنيين وهو جبل بين طرابلس وبعلبك انتهى
وفيها شرف الدين أبو العباس وأبو الفضل احمد بن هبة الله بن أحمد بن محمد بن الحسن بن عساكر المسند الأجل الدمشقي الشافعي ولد سنة أربع عشرة وستمائة وسمع القزويني وابن صصرى وزين الأمناء وطائفة وأجاز له المؤيد الطوسي وأبو روح الهروي وآخرون وروى الكثير وتفرد بأشياء وتوفي في الخامس والعشرين من أحد الجمادين
وفيها العماد الماسح إبراهيم بن أحمد بن محمد بن خلف بن راجح ولد القاضي نجم الدين المقدسي الصالحي روى عن إسمعيل بن ظفر وجماعة وبالإجازة عن عمر بن كرم وتوفي في أواخر السنة عن نيف وسبعين سنة
وفيها أبو عمر وأبو إسحق إبراهيم بن أبي الحسن الفراء الصالحي سمع الموفق والبهاء القزويني واستشهد بالجبل وله سبع وثمانون سنة
وفيها إبراهيم بن عنبر المارديني الأسمر قال الذهبي حدثنا عن ابن اللتي وتوفي في جمادى الأولى بعد الشدة والضرب
وفيها الشيخ بهاء الدين أبو صابر أيوب بن أبي بكر بن إبراهيم بن هبة الله الحلبي الحنفي ابن النحاس مدرس القليجية وشيخ الحديث بها قال الذهبي روى لنا عن ابن روزبة ومكرم وابن الخازن والكاشغري وابن خليل

وتوفي في شوال عن اثنتين وثمانين سنة
وفيها بلال المغيثي الطواشي الأمير الكبير أبو الخير الحبشي الصالحي روى عن عبد الوهاب بن رواج وتوفي بعد الهزيمة بالرملة وهو في عشر المائة وفيها جاعان الأمير الكبير سيف الدين الذي ولى السد بدمشق كان فيه خير ودين توفي بأرض البلقاء في أول الكهولة قاله في العبر
وفيها المطروحي الأمير جمال الدين الحاجب من جلة أمراء دمشق ومشاهيرهم عمل الحجوبية مدة وعدم في الوقعة فيقال أسر وبيع للفرنج
وفيها حسام الدين قاضي القضاة الحسن بن أحمد بن أبي شروان الرازي ثم الرومي الحنفي عدم بعد الوقعة وتحدث أنه في الأسر بقبرص ولم يثبت ذلك والله أعلم وكان هو والمطروحي من أبناء السبعين قاله في العبر
وفيها ابن هود الشيخ الزاهد بدر الدين حسن بن علي بن أمير المؤمنين أبي الحجاج يوسف قال الشيخ عبد الرؤف المناوي في طبقاته المغربي الأندلسي نزيل دمشق المعروف بابن هود كان فاضلا قد تفنن وزاهدا قد تسنن عنده من علوم الأوائل فنون وله طلبة وتلامذة ومريدون فيه انجماع عن الناس وانقباض وانفراد وإعراض عما في هذه الدنيا من الأعراض وكان لفكرته غائبا عن وجوده ذاهلا عن بخله وجوده لا يبالي بما ملك ولا يدري أية سلك قد اطرح الحشمة وذهل عما ينعم جسمه ونسى ما كان فيه من النعمة وكان يلبس قبع لباد ينزل على عينيه ويغطى به حاجبيه ولم يزل على حاله حتى برق بصره وألجمه عيه وحصره سنة سبعمائة وقد ذكره الذهبي فقال الشيخ الزاهد الكبير أبو علي بن هود المرسي أحد الكبار في التصوف على طريق الوحدة كان أبوه نائب السلطنة بها عن الخليفة المتوكل حصل له زهد مفرط وفراغ عن الدنيا فسافر وترك الحشمة وصحب ابن سبعين واشتغل بالطب والحكمة وقرع باب الصوفية وخلط هذا بهذا وكان غارقا في الفكر عديم

اللذة مواصل الأحزان فيه انقباض وكان اليهود يشتغلون عليه في كتاب الدلالة ثم قال الذهبي قال شيخنا عماد الدين الواسطي قلت له أريد أن تسلكني فقال من أي الطرق الموسوية أو العيسوية أو المحمدية وكان يوضع في يده الجمر فيقبض عليه وهو لاه عنه فإذا حرقه رجع إليه حسه فيلقيه وقال ابن أبي حجلة ابن هود شيخ اليهود عقدوا له العقود على ابنة العنقود فأكل معهم وشرب ودخل من عمران في جحر ضب خرب فأتوا إليه واشتغلوا عليه فانقلب أرضهم وأسلم بعضهم وكان له في السلوك مسلك عجيب ومذهب غريب لا يبالي بما انتحل ولا يفرق بين الملل والنحل فربما سلك المسلم على ملة اليهود واليهود على ملة هود وعاد وثمود وربما أخذته سكتة واعترته بهتة فيقيم اليوم واليومين شاخص العينين لا يفوه بحرف ولا يفرق بين المظروف والظرف ثم قال المناوي له شعر كثير وكلام يسير مات سنة تسع وتسعين وستمائة ودفن بقاسيون وكان والده متوليا نيابة عن أخيه أمير المؤمنين المتوكل محمد بن يوسف بن هود انتهى ملخصا ووصفه الذهبي في العبر بالاتحاد والضلالة وفيها ابن النشابي الوالي عماد الدين حسن بن علي كان قد أعطى الطبل خاناه ومات في شوال بالبقاع وحمل إلى تربته بقاسيون وفيها ابن الصيرفي شرف الدين حسن بن علي بن عيسى اللخمي المصري المحدث أحد من عنى بالحديث وقرأ وكتب وولي مشيخة الفارقانية روى عن بن رواح وابن قميرة وطائفة ومات في ذي الحجة
وفيها خديجة بنت يوسف بن غنيمة العالمة الفاضلة أمة العزيز روت الكثير عن ابن اللتي ومكرم وطائفة وقرأت غير مقدمة في النحو وجودت الخط على جماعة وحجت وتوفيت في رجب عن نيف وسبعين سنة
وفي حدودها شرف الدين أبو أحمد داود بن عبد الله بن كوشيار الحنبلي الفقيه المناظر كان بغداديا فقيها مناظرا بارعا عارفا بالفقه صنف في أصول

الفقه كتابا سماه الحاوي وفي أصول الدين كتابا سماه تحرير الدلائل
وفي حدودها أيضا الشيخ رسلان الدمشقي قال المناوي من أكابر مشايخ الشام المجمع على جلالتهم ومن جلة أهل التصريف له أحوال معروفة ومكاشفات مشهورة منها ما حكاه شيخ الإسلام تقي الدين السبكي أنه حضر سماعا فيه رسلان فأنشد القوال فصار الشيخ يثب في الهوى ويدور فيه ثم ينزل فعل ذلك مرارا ثم لما استقر بالأرض استند إلى شجرة يابسة فاخضر ورقها للوقت وأثمرت وكان يقول لا تأكل النار لحما دخل زاويتي فدخل رجل للصلاة بها ومعه لحم نيء فطبخه فلم ينطبخ ومن كلامه قلب العارف لوح منقوش بأسرار الموجودات فهو يدرك حقائق تلك السطور ولا تتحرك ذرة حتى يعلمه الله بها وقال الحدة مأوى كل شر والغضب يحوج إلى ذل الاعتذار وقال مكارم الأخلاق العفو عند القدرة والتواضع عند الرفعة والعطاء بغير منة وقال سبب الغضب هجوم ما تكرهه النفس عليها ممن فوقها فتحدث السطوة والانتقام مات بدمشق ودفن بها قبل السبعمائة انتهى كلام المناوي
وفيها زينب بنت عمر بن كندي أم محمد الحاجة البعلبكية الدار الشامية المحتد لها أوقاف ومعروف وروت بالإجازة عن المؤيد الطوسي وأبي روح وعدة وتوفيت في جمادى الآخرة عن نحو تسعين سنة
وفيها الشيخ سعيد الكاساني بالسين المهمة نسبة إلى كاسان بلدوراء الشاش الفرغاني شيخ خانقاه الطاحون وتلميذ الصدر القونوي قال الذهبي كان أحد من يقول بالوحدة شرح تائية ابن الفارض في مجلدتين ومات في ذي الحجة عن نحو سبعين سنة انتهى وفيها ابن الشيرجي الصاحب فخر الدين سليمان بن العماد محمد بن أحمد سمع من ابن الصلاح ولم يحدث وكان ناظر الدواوين فأقره نواب التتار على النظر فمنع أحواش الناس من تشييع جنازته لذلك وطردوهم وما بقي معه غير ولده ومات في رجب عن نيف وستين سنة


وفيها الدواداري الأمير الكبير علم الدين سنجر التركي الصالحي كان من نجباء الترك وشجعانهم وعلمائهم وله مشاركة جيدة في الفقه والحديث وفيه ديانة وكرم سمع الكثير من ابن الزكي والرشيد العطار وطبقتهما وله معجم كبير وأوقاف بدمشق والقدس تحيز إلى حصن الأكراد فتوفي به في رجب عن بضع وسبعين سنة وفيها صفية بنت عبد الرحمن بن عمرو الفراء الميادي أم محمد روت في الخامسة عن الشيخ الموفق وعدمت في الجبل قاله في العبر وفيها الطيار الأمير الكبير سيف الدين المنصوري أدركته التتار بنواحي غزة فقاتل عن حريمه حتى قتل وحصلت له الشهادة والخير بذلك فإنه كان مسرفا على نفسه وفيها تقي الدين أبو محمد عبد الله بن عبد الولي بن جبارة بن عبد الولي المقدسي ثم الصالحي الحنبلي قال الذهبي إمام مفتي مدرس صالح عارف بالمذهب متبحر في الفرائض والجبر والمقابلة كبير السن توفي في العشر الأوسط من ربيع الآخر
وفيها الفقيه سيف الدين أبو بكر بن الشهاب أبي العباس أحمد بن عبد الرحمن بن عبد المنعم النابلسي كان مولده سنة سبعين وستمائة وروى عنه الذهبي في معجمه وقال كان فقيها حنبليا مناظرا صالحا يتوسوس في الماء سمع بمصر جماعة وتفقه على ابن حمدان وسمع بدمشق بعد الثمانين وسمع معنا كثيرا وكان مطبوعا عارفا بالمذهب مناظرا ذكيا حسن المذاكرة عدم في الفتنة
وفيها الباجربقي المفتي المفنن جمال الدين عبد الرحيم بن عمرو بن عثمان الشيباني الدنيسري الشافعي اشتغل بالموصل وقدم دمشق فدرس وأشغل وحدث بجامع الأصول عن والده عن المصنف وقد ولى قضاء غزة سنة تسع وسبعين قال الذهبي شيخ فقيه محقق نقال مهيب ساكن كثير الصلاة ملازم للجامع والاشتغال وكان لازما لشأنه حافظا للسانه منقطعا عن الناس على طريقة واحدة وله نظم وسجع ووعظ وقد نظم كتاب التعجيز وعمله برموز

وتوفي في خامس شوال
وفيها على خلاف كبير أبو محمد عبد العزيز بن أحمد بن سعيد بن عبد الله الدميري الديريني نسبة إلى ديرين قرية بصعيد مصر الفقيه الشافعي العالم الأديب الصوفي الرفاعي أخذ عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام وغيره ممن عاصره ثم صحب أبا الفتح بن أبي الغنايم الرسعني وتخرج به وتكلم في الطرائق وغلب عليه الميل إلى التصوف وكان مقره بالريف ينتقل من موضع إلى موضع والناس يقصدونه للتبرك به ومن تصانيفه تفسير سماه المصباح المنير في علم التفسير في مجلدين ونظم أرجوزة في التفسير سماها التيسير في التفسير تزيد على ثلاثة آلاف ومائتي بيت وكتاب طهارة القلوب في ذكر علام الغيوب في التصوف ونظم الوجيز فيما يزيد على خمسة آلاف بيت ونظم التنبيه وله غير ذلك ومن نظمه
( وعن صحبة الأخوان والكيمياء خذ ** يمينا فما من كيمياء ولا خل )
( ولم أر خلا قد تفرد ساعة ** مع الله خالي البال والسر من شغل
وفيها ابن الزكي القاضي عز الدين عبد العزيز بن قاضي القضاة محي الدين يحيى بن محمد القرشي الشافعي مدرس العزيزية وقد ولى نظر الجامع وغير ذلك ومات كهلا وفيها عبد الولي بن علي بن السماقي روى عن ابن اللتي وتوفي في أيام التتار ودفن داخل السور وفيها عبيد الله ابن الجمال أبي حمزة أحمد بن عمر بن الشيخ أبي عمر المقدسي العلاف روى عن جعفر الهمداني وكريمة وفيها الشيخ أبو الحسن علي بن الشيخ شمس الدين عبد الرحمن بن أبي عمر المقدسي قتله التتار على مرحلتين من البيرة بالجامع المظفري وفيها المؤيد علي بن إبراهيم بن يحيى بن عبد الرزاق بن خطيب عقوبا قال الذهبي عدل كاتب متميز روى عن ابن اللتي والناصح وطائفة توفي في رجب عن سبع وسبعين سنة


وفيها علي بن أحمد بن عبد الدايم بن نعمة أبو الحسن المقدسي الحنبلي قيم جامع الجبل اعتنى بالرواية قليلا وكتب أجزاء وسمع من البهاء عبد الرحمن وابن صباح وببغداد من ابن الكاشغري وطائفة وكان صالحا كثير التلاوة وعذبه التتار إلى أن مات شهيدا وله اثنتان وثمانون سنة
وفيها علي بن مطر المحجي ثم الصالحي البقال روى عن ابن الزبيدي وابن اللتي وقتل في الجبل في جمادى الأولى قاله في العبر
وفيها ابن العقيمي شيخ الأدباء جمال الدين عمر بن إبراهيم بن حسين بن سلامة الرسعني الكاتب ولد سنة ست وستمائة برأس عين وأجاز له الكندي وسمع من القزويني وابن روزبة وطائفة وبرع في النظم والنثر وتوفي في شوال وفيها الشيخ أبو محمد عبد الله المرجاني قال ابن الأهدل الولي الشهير توفي بتونس قيل له قال فلان رأيت عمود نور ممتدا من السماء إلى فم الشيخ المرجاني في حال كلامه فلما سكت الشيخ ارتفع العمود فتبسم وقال لم يعرف كيف يعبر بل لما ارتفع العمود سكت يعني أنه كان يتكلم عن مدد الأنوار فلما ارتفع النور انقطع الكلام قال اليافعي ومناقبه تحتمل مجلدا قال وأما قول الذهبي أبو محمد عبد الله المرجاني المغربي الواعظ المذكور أحد مشايخ الإسلام علما وعملا فغض من قدره
وفيها إمام الدين قاضي القضاة أبو القسم عمر بن عبد الرحمن القزويني الشافعي انجفل إلى مصر فتألم في الطريق وتوفي بالقاهره بعد أسبوع في ربيع الآخر وكان تام الشكل سمينا متواضعا مجموع الفضائل لم يتكهل
وفيها عمر بن يحيى بن طرخان المعرى ثم البعلبكي روى عن الأربلي وغيره وكان ضعيفا في نفسه قاله الذهبي وفيها المجد عيسى بن بركة ابن والي الحوار الصالحي المؤدب روى عن ابن اللتي غيره وهلك في جمادى الأولى وفيها ابن غانم الإمام شمس الدين أبو عبد الله محمد بن سلمان

ابن حمايل بن علي المقدسي الشافعي الموقع سبط الشيخ غانم قال الذهبي روى لنا عن شيخ الشيوخ تاج الدين بن حموية وكان مع تقدمه في الإنشاء فقيها مدرسا ذكر لخطابة دمشق وقال غيره روى لنا عن ابن حموية وابن الصلاح وكان أحد الأعيان والأكابر معروفا بالكتابة والأمانة حسن المحاضرة كثير التواضع درس بالعصرونية واقتنى كتبا نفيسة وكان كثير المروءة والعصبية لمن يعرفه ومن لا يعرفه وله بر وصدقة وكان حجازي الأصل وإنما ولد في بغداد في حارة الجعافرة فكان جعفريا وفيها ابن الفخر المفتي المتفنن شمس الدين محمد بن الإمام فخر الدين عبد الرحمن بن يوسف البعلبكي الحنبلي أحد الموصوفين بالذكاء المفرط وحسن المناظرة والتقدم في الفقه وأصوله والعربية والحديث وغير ذلك قاله الذهبي وقال ابن رجب ولد في أواخر سنة أربع وأربعين وستمائة وسمع الكثير من خطب مردا وشيخ شيوخ حماة وابن عبد الدايم والفقيه اليونيني وغيرهم وتفقه وبرع وأفتى وناظر وحفظ عدة كتب ودرس وأعاد بالمسمارية والجامع وقال البرزالي كان من فضلاء الحنابلة في الفقه والأصول والنحو والحديث والأدب وله ذهن جيد وبحث فصيح 4 وأعاد وأفتى وروى الحديث وتوفي ليلة الأحد بين العشاءين تاسع رمضان ودفن بمقابر باب توما قبلى مقبرة الشيخ رسلان
وفيها زين الدين محمد بن عبد الغني بن عبد الكافي الأنصاري الذهبي بن الحرستاني المعروف بالنحوي قال الذهبي دين خير متودد روى عن ابن صباح وابن اللتي وتوفي في ذي القعدة عن خمس وسبعين سنة
وفيها العلامة شمس الدين محمد بن عبد القوي بن بدران بن سعد الله المقدسي المرداوي الصالحي الحنبلي أبو عبد الله ولد سنة ثلاثين وستمائة بمردا وسمع الحديث من خطيب مردا وعثمان بن خطيب القرافة وابن عبد الهادي وابن خليل وغيرهم وتفقه على الشيخ شمس الدين بن أبي عمر وغيره وبرع في

العربية واللغة واشتغل ودرس وأفتى وصنف قال الذهبي كان حسن الديانة دمث الأخلاق كثير الإفادة مطرحا للتكلف ولي تدريس الصاحبة مدة وكان يحضر دار الحديث ويشغل بها وبالجبل وله حكايات ونوادر وكان من محاسن الشيوخ قال وجلست عنده وسمعت كلامه ولي منه إجازة وقال ابن رجب وممن قرأ عليه العربية الشيخ تقي الدين بن تيمية وله تصانيف منها في الفقه القصيدة الطويلة الدالية وكتاب مجمع البحرين لم يتمه وكتاب الفروق وعمل طبقات للأصحاب وحدث وروى عنه إسمعيل بن الخباز في مشيخته وتوفي ثاني عشر ربيع الأول ودفن بسفح قاسيون رحمه الله تعالى
وفيها أبو السعود محمد بن عبد الكريم بن عبد القوي المنذري المصري روى عن ابن المقير وجماعة وتوفي في ربيع الأول عن خمس وستين سنة
وفيها الفخر محمد بن عبد الوهاب بن أحمد بن محمد بن الحباب التميمي المصري ناظر الخزانة روى عن علي بن الجمل وجماعة وتوفي في ربيع الأول عن خمس وسبعين سنة وفيها ابن الواسطي شمس الدين محمد بن علي بن أحمد بن فضل الصالحي الحنبلي سمع حضورا من الموفق وموسى بن عبد القادر وابن راجح وسمع من ابن البن وابن أبي لقمة وطائفة وتوفي بمارستان البلد في رجب بعد أن قاسى الشدائد وكان قليل العلم خيرا ساكنا قاله الذهبي
وفيها الخطيب موفق الدين محمد بن محمد بن الفضل بن محمد النهرواني القضاعي الحموي الشافعي ويعرف بابن حبيش خطيب حماة ثم خطيب دمشق ثم قاضي حماة قال الذهبي روى لنا بالإجازة عن جده مدرك وكان شيخا متنورا مديد القامة مهيبا كثير الفضائل توفي بدمشق في أواخر جمادى الآخرة وله سبع وسبعون سنة
وفيها محمد بن مكي بن الذكر القرشي الصقلي الرقام روى بمصر عن ابن

صباح والأربلي وطائفة كثيرة وتوفي في ربيع الأول وله خمس وسبعون سنة
وفيها أبو عبد الله محمد بن هاشم بن عبد القاهر بن عقيل العدل الهاشمي العباسي الدمشقي روى عن ابن الزبيدي وأبي المحاسن الفضل بن عقيل العباسي وشهد مدة وانقطع ببستانه ومات في رمضان عن ثلاث وتسعين سنة
وفيها الموفق محمد بن يوسف بن إسماعيل المقدسي الحنبلي الشاهد قال الذهبي حدثنا عن ابن المقير ومات في شعبان عن خمس وسبعين سنة
وفيها محمد بن يوسف بن خطاب التلي الصالحي قال الذهبي حدثنا عن جعفر الهمداني ومات في جمادى الأولى بعد المحنة والشدة بالجبل
وفيها مريم بنت أحمد بن حاتم البعلبكية حضرت البهاء وسمعت الأربلي وكانت صالحة خيرة قاله في العبر وفيها ابن المقير أبو الفرج عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي الحسن المقرىء روى عن إبراهيم بن الخير وجماعة وكان عبدا صالحا حضر المصاف واستشهد يومئذ وفيها ابن المقدم الأمير نوح بن عبد الملك بن الأمير الكبير شمس الدين محمد بن المقدم لجده المواقف المشهودة وهو الذي استشهد بعرفة زمن صلاح الدين وكان هذا من أمراء حماة استشهد يومئذ وله خمس وسبعون سنة وقد حدث عن ابن رواحة وقال الذهبي وهو ممن عرفنا من كبار من قتل يوم المصاف
وفيها هدية بنت عبد الحميد بن محمد المقدسية الصالحية روت الصحيح عن ابن الزبيدي وتوفيت بالجبل في ربيع الآخر وفيها أبو الكرم وهبان بن علي بن محفوظ الجزري المؤذن المعمر ولد بالجزيرة سنة أربع وستمائة وسمع بمصر من ابن باقا وتوفي في ربيع الأول وكان مؤذن السلطان مدة وفيها ابن السفاري الحاج أمير الحاج يوسف بن أبي نصر بن أبي الفرج الدمشقي حدث بالصحيح مرات وروى عن الناصح والأربلي وجماعة وحج مرات توفي في زمن التتار ووضع في تابوت فلما أمن الناس نقل إلى

النيرب ودفن في قبته التي بالخانقاه وله نحو من تسعين سنة
وفيها ابن خطيب بيت الآبار محي الدين أبو بكر بن عبد الله بن عمر بن يوسف المقدسي يروي عن ابن اللتي والأربلي ومات في شعبان

سنة سبعمائة

في صفر قويت الأراجيف بالتتار وأكريت المحارة من الشام إلى مصر بخمسمائة درهم وأبيعت الأمتعة بالثمن البخس وفي ربيع الآخر جاوز غازان بجيشه الفرات وقصد حلب وساق الشيخ تقي الدين بن تيمية في البريد إلى القاهرة يحرض الناس على الجهاد واجتمع بأكابر الأمراء ثم نودي في دمشق من قدر على الهرب فلينج بنفسه فانقلبت المدينة ورص الخلق بالقلعة وأشرف الناس على خطة صعبة وبقي الخوف أياما ثم تناقص برجعة غازان لما ناله من المشاق والثلوج وفيها توفي العز أبو العباس أحمد بن العماد عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة المقدسي الصالحي الحنبلي روى عن الشيخ الموفق وابن أبي لقمة وابن راجح وموسى بن عبد القادر وطائفة وخرج له مشيخة سمعها خلق وزاره نائب السلطان وتوفي في ثالث المحرم وله ثمان وثمانون سنة وفيها العماد أبو العباس أحمد بن محمد بن سعد بن عبد الله المقدسي الصالحي الحنبلي شيخ صالح مشهور روى عن القزويني وابن الزبيدي وجماعة وروى الكثير وتوفي في المحرم وله ثلاث وثمانون سنة وفيها الشيخ إسمعيل بن إبراهيم بن شويخ الصالحي شيخ البكرية كان ينتسب لأبي بكر رضي الله عنه وله أصحاب وفيه خير وسكون مات كهلا وفيها ابن الفراء العدل المسند الكبير عز الدين أبو الفداء إسمعيل بن عبدالرحمن بن عمر المرداوي الصالحي الحنبلي عن الموفق وابن راجح وابن البن وجماعة وروى الصحيح مرات وكان صالحا متعبدا

قاسى الشدائد عام أول واحترقت أملاكه توفي في سادس جمادى الآخرة وله تسعون سنة قاله في العبر وفيها أبو جلنك أحمد الحلبي الشاعر المشهور أسره التتر بحلب فسألوه عن عسكر المسلمين فعظمهم وكثرهم فقتلوه ومن شعره
( أتي العذار بماذا أنت معتذر ** وأنت كالوجد لا تبقى ولا تذر )
( لا عذر يقبل إذ نم العذار ولا ** ينجيك من شره خوف ولا حذر )
( كأنني بوحوش الشعر قد أنست ** بوجنتيك وبالعشاق قد نفروا )
( وكلما مر بي مرد أقول لهم ** قفوا انظروا وجه هذا الكيس واعتبروا )
( قد كان شكلا نقي الخد معتدلا ** كأنه غصن بان فوقه قمر )
( فعاد لحيان فانفل الجماعة إذ ** رأوا طريقا إلى السلوان وانتصروا )
( وعاد في قبضهم لا شك جودلة الأفراح ** والدمع من عينيه ينهمر )
( فاقرأ على نعشه آخر سبأ فلقد ** جاءت بما تقتضي أحواله السور )
( إذا رأى عاشقا في النازعات غدا ** ما بعدها وهو قد أودى به الضرر )
( فعاد والليل يغشى نور طلعته ** وزال عن عاشقيه الهم والحصر )
( هذا جزاؤك يا من لا وفاء له ** والعاشقون لهم طوبى بما صبروا )
وفيها المعمر شمس الدين إبراهيم بن أبي بكر الجزري الكتبي عرف بالفاشوشة مولده سنة اثنتين وستمائة وكان مشهورا بالكتب ومعرفتها وكان عنده فضيلة وكان يتشيع جاء إليه إنسان فقال عندك فضائل يزيد قال نعم ودخل الدكان وطلع ومعه جراب فجعل يضربه به ويقول العجب كيف ما قلت صلى الله عليه وسلم ومن شعره
( وما ذكرتكم إلا وضعت يدي ** على حشاشة قلب قلما بردا )
( وما تذكرت أياما بكم سلفت ** إلا تحدر من عيني ما بردا )
وفيها أيدمر الأمير الكبير عز الدين الظاهري الذي كان نائب دمشق في

دولة مخدومه حبس مدة ثم أطلق فلبس عمامة مدورة وسكن بمدرسة عند الجسر الأبيض توفي في ربيع الأول ودفن بتربته وكان أبيض الرأس واللحية قاله في العبر وفيها الأمير الكبير سيف الدين بلبان المنصوري الطباحي نائب حلب ولي إمرة مصر وإمرة طرابلس وكان من جلة الأمراء وكبرائهم حليما إذا غضب على أحد تكون عقوبته البعد عنه توفي بالساحل كهلا وخلف جملة وفيها ابن عبدان المسند شمس الدين أبو القسم الخضر ابن عبد الرحمن بن الخضر بن الحسين بن عبد الله بن عبدان الأزدي الدمشقي الكاتب خدم في جهات الظلم وكان عريا من العلم لكنه تفرد بأشياء وحدث عن ابن البن والقزويني وأبي القسم بن صصرى وجماعة وتوفي في ذي الحجة عن أربع وثمانين سنة قاله في العبر وفيها زينب بنت قاضي القضاة محي الدين يحيى بن محمد بن الزكي القرشي الدمشقي أم الخير روت عن علي بن حجاج وابن المقير وجماعة وتوفيت في شعبان عن بضع وسبعين سنة
وفيها أبو محمد عبد الملك بن عبد الرحمن بن عبد الأحد بن العنيقة الحراني العطار روى عن أبي المعالي العطار وابن يعيش وابن خليل وتوفي بطريق مصر عن ثلاث وثمانين سنة وفيها مفيد الدين أبو محمد عبد الرحمن بن سلمان عبد العزيز بن المجلخ الحربي الضرير الفقيه الحنبلي معيد الحنابلة بالمستنصرية سمع من الشيخ مجد الدين بن تيمية وغيره وكان من أكابر الشيوخ وأعيانهم عالما بالفقه والعربية والحديث قرأ عليه الفقه جماعة وسمع منه الدقوقي وغيره وفيها أبو محمد عبد المنعم بن عبد اللطيف بن زين الأمناء أبي البركات بن عساكر الدمشقي روى عن ابن غسان وابن اللتي وطائفة وتوفي في رجب وله أربع وسبعون سنة
وفيها الفرضي الإمام الحافظ شمس الدين أبو العلاء محمود بن أبي بكر بن أبي العلاء البخاري الكلاباذي الحنفي الصوفي الحافظ كان إماما في

الفرائض مصنفا فيها له حلقة أشغال وسمع الكثير بخراسان والعراق والشام ومصر وكتب بخطه الأنيق المتقن الكثير ووقف أجراءه وراح مع التتار من خوف الغلاء فنزل بماردين أشهرا فأدركه أجله بها وله ست وخمسون سنة وكان صالحا دينا سنيا قاله الذهبي وقال حدثنا عن محمد بن أبي الدنية وغيره
وفيها الغسولي أبو علي يوسف بن أحمد بن أبي بكر الصالحي الحجار روى عن موسى بن عبد القادر وهو آخر من روى في الدنيا عنه وروى عن الشيخ الموفق وعاش ثمانيا وثمانين سنة وكان فقيرا متعففا أميا لا يكتب خدم مدة في الحصون وتوفي في منتصف جمادى الآخرة بالجبل قاله الذهبي وغيره

انتهى الجزء الخامس ويتلوه السادس أوله
سنة إحدى وسبعمائة

6

بسم الله الرحمن الرحيم

سنة إحدى وسبعمائة

فيها قتل على الزندقة الذكي المتقن فتح الدين أحمد بن الثقفي ضربت رقبته بين القصرين وجعل يتشاهد ولم يقبل المالكي توبته وكان قد قامت عليه بينة بالتنقيص للقرآن المجيد والرسول صلى الله عليه وسلم وتحليل المحرمات والاستهانة بالعقائد وكان ذكيا ومن شعره
( محا الله الحشيش وآكليها ** لقد خبثت كما طاب السلاف )
( كما تصبي كذا تضني وتشقى ** لآكلها وغايتها انحراف )
( وأصغر دائها والداء جم ** بغاء أو جنون أو نشاف )
وفيها توفي صاحب مكة عز الدين أبو نمى محمد بن صاحب مكة أبي سعد حسن بن علي بن قتادة الحسني من أبناء السبعين قال الذهبي كان أسمر ضخما شجاعا سايسا مهيبا ولي أربعين سنة قال لي الدباهي لولا أنه زيدي لصلح للخلافة لحسن صفاته انتهى وفيها خديجة بنت الرضى عبد الرحمن بن محمد عن أربع وثمانين سنة روت عن القزويني والبهاء وجماعة وفيها علاء الدين علي بن عبد الغني بن الفخر بن تيمية الشاهد الحنبلي قال الذهبي حدثنا عن الموفق عبد اللطيف وابن روزبه ومات بمصر عن اثنتين وثمانين سنة وفيها أمير المؤمنين الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد بن أبي علي بن أبي بكر المسترشد بالله العباسي توفي ليلة الجمعة ثامن عشر جمادى الأولى وصلى عليه العصر بسوق الخيل تحت القلعة وحضر جنازته

الدولة والأعيان كلهم مشاة ودفن بقرب السيدة نفيسة وهو أول من دفن منهم هناك واستمر مدفنهم إلى الآن قاله السيوطي وقال الذهبي كانت خلافته أربعين عاما وعهد بالخلافة إلى ابنه المستكفى سليمان وقال ابن الأهدل كانت خلافتهم بمصر تحكما لا حكما وترسما لا رسما وفيها مسند الشام تقي الدين أحمد بن عبد الرحمن بن مؤمن الصوري الصالحي الحنبلي روى عن الشيخ الموفق حضورا وعن ابن أبي لقمة والقزويني والبهاء وابن صصرى وخرجوا له مشيخة توفي في جمادى الآخرة عن أربع وثمانين سنة وفيها الشيخ وجيه الدين محمد بن عثمان بن أسعد بن المنجا أبو المعالي التنوخي الحنبلي أخو الشيخ زين الدين بن المنجا ولد سنة ثلاثين وستمائة وسمع من جعفر الهمداني والسخاوي وخلق وكان شيخا عالما فاضلا كثير المعروف والصدقات والبر والتواضع للفقراء موسعا عليهم موسعا عليه في الدنيا له هيبة وسطوة وجلالة بنى بدمشق دار قرآن معروفة به قريبة من مدرسة الخاتونية الحنفية الجوانية ودرس في أول عمره بالمسمارية والصدرية ثم تركهما لولده فمات في حياته وولي نظر الجامع فأحسن فيه السيرة وحدث وروى عنه جماعة وتوفي في شعبان
وفي شعبان أيضا من هذه السنة توفي ببعلبك الفقيه الحنبلي المقرىء المحدث أمين الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الولي بن أبي محمد بن خولان البعلي التاجر وكان مولده سنة أربع وأربعين وستمائة وسمع من الشيخ عبد الرحمن بن أبي عمر وابن عبد الدائم وجماعة وقرأ ونظر في علوم الحديث قال الذهبي سمعت منه ببعلبك والمدينة وتبوك وكان من خيار الناس وعلمائهم فقيها محدثا متقنا صالحا عدلا ملازما للتحصيل
وفيها شيخ بعلبك الحافظ شرف الدين أبو الحسين علي بن محمد بن أحمد اليونيني الحنبلي ولد ببعلبك في حادي عشر رجب سنة إحدى وعشرين وستمائة قال الذهبي حدثنا عن البهاء حضورا وعن ابن صباح وابن الزبيدي وعدة ودرس وأفتى وقال البرزالي كان شيخا جليلا حسن الوجه بهي المنظر له سمت حسن وعليه سكينة ولديه فضل كثير فصيح العبارة حسن الكلام له قبول من الناس وهو

كثير التودد إليهم قاض للحقوق وقال ابن رجب سمع منه خلق من الحفاظ والأئمة وأكثر عنه البرزالي والذهبي وتوفي ليلة الخميس حادي عشر رمضان ببعلبك وكان موته شهادة فإنه دخل إليه يوم الجمعة خامس رمضان وهو في خزانة الكتب بمسجد الحنابلة شخص فضربه بعصا على رأسه مرات وجرحه في رأسه بسكين فاتقى بيده فجرحه فيها فأمسك الضارب وضرب وحبس فأظهر الاختلال وحمل الشيخ إلى داره فأقبل على أصحابه يحدثهم وينشدهم على عادته وأتم صيام يومه ثم حصل له بعد ذلك حمى واشتد مرضه حتى توفي ليلة الخميس المذكور وفيها مسند الوقت أبو المعالي أحمد بن إسحق بن محمد بن المؤيد الأبرقوهي بفتح الهمزة والموحدة وسكون الراء وضم القاف وبالهاء نسبة إلى أبرقوه بلدة بأصبهان حدث عن الفتح بن عبد السلام وابن صرما وابن أبي لقمة والفخر بن تيمية وتفرد بأشياء وكان مقرئا صالحا متواضعا فاضلا توفي بمكة في عشرى ذي الحجة
وفيها مجد الدين يوسف بن القباقبي الفاضل الأديب من شعره في الثلج
( طمث الثلوج على الوهاد مع الربى ** فالكون يعجب منه وهو مفضض )
( فانهض لنجمع شمل أنس مقبل ** بلذاذة فاليوم يوم أبيض )

سنة اثنتين وسبعمائة

فيها وسط اليعفوري والقباري وقطعت يمين التاج الناسخ لدخولهم في تزوير
وفيها طرق غازان التترى الشام فالتقاه يزك الإسلام وفيهم الشيخ تقي الدين بن تيمية التقوا على مرج الصفة فقتل من التتار خلق عظيم وأسر منهم جماعة ولكن استشهد من المسلمين جماعة منهم الفقيه إبراهيم بن عبيدان والأمير صلاح الدين ولد الكامل والأمير علاء الدين الحاكي والأمير حسام الدين بن قزمان والأمير الكافري وفيها توفي المسند بدر الدين الحسن بن علي بن الخلال الدمشقي عن ثلاث وسبعين سنة حدث عن مكرم وابن اللتي وابن الشيرازي

وابن المقير وجعفر وكريمة وخلق وتفرد بأشياء وتوفي في ربيع الأول
وفيها الإمام فخر الدين أبو الحسن علي بن عبد الرحمن بن عبد المنعم بن نعمة بن سلطان بن سرور بن رافع بن حسن بن جعفر المقدسي النابلسي الفقيه الحنبلي ولد سنة ثلاثين وستمائة بنابلس وسمع من ابن الحميزي وابن رواح بمصر ومن سبط السلفي بالأسكندرية ومن خطيب مردا محي الدين بن الجوزي لما قدم الشام رسولا قال البرزالي كان شيخا صالحا عالما كثير التواضع محسنا إلى الناس أقام يفتي بنابلس مدة أربعين سنة وقال الذهبي كان عارفا بالمذهب ثقة صالحا ورعا سمعت منه بنابلس توفي ليلة الأحد مستهل المحرم بنابلس
وفيها متولى حماة الملك العادل زين الدين كتبغا المغلى المنصوري ونقل فدفن بتربته في سفح قاسيون يوم الجمعة يوم الأضحى وكان في آخر الكهولة أسمر قصيرا دقيق الصوت شجاعا قصير العنق بنطوى على دين وسلامة باطن وتواضع وتسلطن بمصر عامين وخلع في صفر سنة ست وتسعين فالتجأ إلى صرخد ثم أعطى حماة فمات بها وفيها شيخ الإسلام تقي الدين أبو الفتح محمد بن علي بن وهب بن مطيع ابن أبي الطاعة القشيري المنفلوطي الشافعي المالكي المصري ابن دقيق العيد ولد في شعبان سنة خمس وعشرين وستمائة وتفقه على والده بقوص وكان والده مالكي المذهب ثم تفقه على الشيخ عز الدين بن عبد السلام فحقق المذهبين وأفتى فيهما وسمع الحديث من جماعة وولي قضاء الديار المصرية ودرس بالشافعي ودار الحديث الكاملية وغيرهما وصنف التصانيف المشهورة منها الإلمام في الحديث وشرحه وسماه الإمام وله الاقتراح في أصول الدين وعلوم الحديث وشرح مختصر ابن الحاجب في فقه المالكية ولم يكمله وشرح عمدة الأحكام للحافظ عبد الغني وله غير ذلك وكان يقول ما تكلمت بكلمة ولا فعلت فعلا إلا أعددت له جوابا بين يدي الله تعالى ويحكى ابن ابن عبد السلام كان يقول ديار مصر تفتخر برجلين في طرفيها ابن منير بالأسكندرية وابن دقيق العيد بقوص وقال الذهبي في معجمه قاضي

القضاة بالديار المصرية وشيخها وعالمها الإمام العلامة الحافظ القدوة الورع شيخ العصر كان علامة في المذهبين عارفا بالحديث وفنونه سارت بمصنفاته الركبان وولي القضاء ثمان سنين وبسط السبكي ترجمته في الطبقات الكبرى قال ولم ندرك أحدا من مشايخنا يختلف في أن ابن دقيق العيد هو العالم المبعوث على رأس السبعمائة وقال ابن كثير في طبقاته أحد علماء وقته بل أجلهم وأكثرهم علما ودينا وورعا وتقشفا ومداومة على العلم في ليله ونهاره مع كبر السن والشغل بالحكم وله التصانيف المشهورة والعلوم المذكورة برع في علوم كثيرة لا سيما في علم الحديث فاق فيه على أقرانه وبرز على أهل زمانه رحلت إليه الطلبة من الآفاق ووقع على علمه وورعه وزهده الاتفاق وقال الأسنوي له خطب بليغة مشهورة أنشأها لما كان خطيبا بقوص وله شعر بليغ فمنه
( تمنيت أن الشيب عاجل لمتي ** وقرب منى في صباي مزاره )
( لآخذ من عصر الشباب نشاطه ** وآخذ من عصر المشيب وقاره )
وله
( قالوا فلان عالم فاضل ** فأكرموه مثل ما يرتضى )
( فقلت لما لم يكن ذا تقى ** تعارض المانع والمقتضى )
وله
( وأطيب شيء إذا ذقته ** رضاب الحبيب على ما يقال )
وله
( أتعبت نفسك بين ذلة كادح ** طلب الحياة وبين حرص مؤمل )
( وأضعت نفسك لا خلاعة ماجن ** حصلت فيه ولا وقار مبجل )
وتركت حظ النفس في الدنيا وفي الأخرى ورحت عن الجميع بمعزل توفي رحمه الله تعالى في صفر بالقاهرة ودفن بالقرافة وفيها المعمر عبد الحميد بن أحمد بن خولان البنا أجاز له ابن أبي لقمة وابن البن وسمع أبا القسم بن صصرى

والناصح وابن الزبيدي توفي بزملكا عن بضع وثمانين سنة وفيها المقرىء شمس الدين محمد بن قايماز الطحان الدمشقي تلا بالسبع على السخاوي وسمع من ابن صباح وغيره وكان خيرا متواضعا توفي عن ثلاث وثمانين سنة وفيها مسند المغرب الإمام الأديب أبو محمد عبد الله بن محمد بن هرون الطائي القرطبي قال الذهبي أجاز لنا مروياته وسمع الموطأ وكامل المبرد من أبي القسم أحمد بن بقي في سنة عشرين وعمر دهرا طويلا توفي بتونس في ذي القعدة عن مائة عام
وفيها نجم الدين أبو إبراهيم موسى بن إبراهيم بن يحيى بن علوان بن محمد الأزدي السقراوي ثم الصالحي الفقيه الحنبلي المحدث النحوي المعدل ولد في رمضان سنة أربع وعشرين وستمائة وسمع من أبيه والحافظين إسمعيل بن مظفر والضيا المقدسي ومن خطيب مردا ويوسف سبط ابن الجوزي وقرأ الكثير على ابن عبد الدايم ومن بعده كابن أبي عمر وطبقته وعنى بالحديث وكتب بخطه ما لا يوصف قال الذهبي كان فقيها إماما مفتيا كثير المحفوظ والنوادر وقال غيره كان حسن المجالسة مفيد المذاكرة حدث وروى عنه الذهبي وغيره وتوفي يوم الإثنين مستهل جمادى الآخرة ودفن من الغد بسفح قاسيون

سنة ثلاث وسبعمائة

فيها أغارت العساكر المنصورة على ملطية ونازلوا تل حمدون من بلاد سيس
وفيها توفي القدوة الزاهد بركة الوقت أبو إسحق إبراهيم بن أحمد بن محمد بن معالي بن محمد بن عبد الكريم الرقي بفتح الراء وتشديد القاف نسبة إلى الرقة بلد على الفرات الحنبلي ولد سنة سبع وأربعين وستمائة بالرقة وقرأ ببغداد بالروايات العشر على يوسف بن جامع القفصي وسمع بها الحديث من الشيخ عبد الصمد بن أبي الحسين وصحبه قال الذهبي وعنى بتفسير القرآن وبالفقه على مذهب الإمام أحمد وتقدم في علم الطب وشارك في علوم الإسلام وبرع في التذكير وله المواعظ المحركة

إلى الله عز وجل والنظم العذب والعناية بالآثار النبوية والتصانيف النافعة وحسن التربية مع الزهد والقناعة باليسير في المطعم والملبس وكان إماما زاهدا عارفا قدوة سيد أهل زمانه وله التصانيف الكثيرة وكان ربما حضر السماع وتواجد وقال ابن رجب سمع منه البرزالي والذهبي وغيرهما وكان يسكن بأهله في أسفل المأذنة الشرقية بالجامع الأموي في المكان المعروف بالطواشية وهناك توفي ليلة الجمعة خامس عشر المحرم وصلى عليه عقيب الجمعة بالجامع وحمل إلى سفح قاسيون فدفن بتربة الشيخ أبي عمر
وفيها ابن الخباز نجم الدين أبو الفد إسمعيل بن إبراهيم بن سالم ينتهي نسبه إلى عبادة بن الصامت الأنصاري العبادي الصالحي الحنبلي الحافظ المحدث المؤدب ولد سنة تسع وعشرين وستمائة وسمع من الحافظ ضياء الدين وعبد الحق بن خلف وعبد الله بن الشيخ أبي عمر وغيرهم وجد واجتهد من سنة أربع وخمسين وإلى أن مات وسمع وكتب ما لا يوصف كثرة وخرج لنفسه مشيخة في مائه جزء عن أكثر من ألفي شيخ فإنه كتب العالي والنازل وعمن دب ودرج وخرج سيرة لابن أبي عمر في مائة وخمسين جزءا وكان حسن الأخلاق متواضعا غير متقن فيما يجمعه وسمع منه خلق من الحفاظ وغيرهم منهم المزي والذهبي وولده مسند وقته أبو عبد الله محمد وتوفي يوم الثلاثاء حادي عشر صفر بدمشق ودفن بسفح قاسيون وفيها المعمرة أم أحمد ست الأهل بنت علوان بن سعيد البعلبكية بدمشق في المحرم قال الذهبي مكثرة عن البهاء عبد الرحمن صالحة خيرة عاشت خمسا وثمانين سنة
وفيها زين الدين أبو محمد عبد الله بن مروان بن عبد الله بن فيروز بن الحسن الفارقي الشافعي خطيب دمشق وشيخ دار الحديث ومدرس الشامية البرانية ولد في محرم سنة ثلاث وثلاثين وستمائة وسمع الحديث من جماعة واشتغل وأفتى ودرس وولي مشيخة دار الحديث بعد النووي وهو الذي عمرها بعد خرابها في فتنة غازان قال الذهبي في معجمه كان عارفا بالمذهب وبجملة حسنة في الحديث ذا

اقتصاد في ملبسه وتصون في نفسه وسطوة على الطلبة وفيه تعبد وحسن معتقد وقال ابن كثير سمع الحديث الكثير واشتغل ودرس وأفتى مدة طويلة توفي في صفر ودفن بالصالحية في تربة أهله بتربة الشيخ أبي عمر وفيها خطيب بعلبك ضياء الدين عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن علي بن عقيل السلمي الشافعي سمع القزويني وابن اللتي وهو آخر من روى شرح السنة وخطب ستين سنة وتوفي في صفر عن تسع وثمانين سنة وفيها الشيخ أبو الفتح نصر بن أبي الضوء الزبداني الفامي أحد رواة الصحيح عن ابن الزبيدي قال الذهبي كتبنا عنه وقد جاوز الثمانين وفيها صاحب الشرق القان محمود غازان بن القان أرغون بن أبغا بن هلاكو المغلى في شوال بقرب همذان ولم يتكهل ونقل إلى تربته بتبريز سم في منديل يمسح به بعد الجماع وتملك أخوه خربندا وكان بسنجار وسموه محمدا ولقبوه غياث الدين وفيها عمر بن كثير خطيب القرية من عمل بصري وهو والد الشيخ عماد الدين بن كثير وفيها الصاحب عبد الله بن الصاحب عز الدين محمد بن أحمد بن خالد بن القيسراني الحلبي كتب في الإنشاء مدة بعد الوزارة إلى أن مات ومن شعره
( بوجه معذبي آثار حسن ** فقل ما شئت فيه ولا تحاشى )
( ونسخة حسنه قرئت وصحت ** وها خط الكمال على الحواشي )
وأصله من قيسارية الشام وتوفي بالقاهرة ودفن بتربته جوا رالسيدة نفيسة قدس سرها

سنة أربع وسبعمائة

فيها أخذ الشيخ تقي الدين بن تيمية الحجارين وذهب إلى التي في مسجد النارنج جوار المصلى فقطعها وكان يزورها الناس وينذرون لها النذور ولهم فيها اعتقاد فمحى ذلك وبنى مسجد النارنج وفيها ضربت رقبة الكمال الأحدب وسببه أنه جاء إلى القاضي جمال الدين المالكي يستفتيه وهو لا يعلم أنه القاضي ما نقول في إنسان

تخاصم هو وإنسان فقال له الخصم تكذب ولو كنت رسول الله فقال له القاضي من قال هذا قال أنا قال فأشهد عليه القاضي من كان حاضرا وحبسه وأحضره من الغد إلى دار العدل وحكم بقتله وفيها توفي محدث بغداد ومفيدها أبو بكر أحمد بن علي بن عبد الله بن أبي البدر القلانسي البغدادي الحنبلي ولد في جمادى الآخرة سنة أربعين وستمائة وعنى بالحديث وسمع الكثير وتفقه وكتب الكثير بالخط الجيد المتقن وخرج لغير واحد من الشيوخ وحدث بالقليل وسمع منه جماعة وأجاز لجماعة منهم الحافظ الذهبي وتوفي في رجب ببغداد ودفن بباب حرب وفيها ركن الدين أحمد بن عبد المنعم بن أبي الغنايم القزويني الطاووسي المعمر كبير الصوفية بدمشق روى بالإجازة العامة عن أبي جعفر الصيدلاني وطائفة وبالسماع عن ابن الخازن والسخاوي وتوفي في جمادى الأولى عن مائة سنة وسنتين وأربعة أشهر
وفيها صاحب المدينة المنورة عز الدين حماد بن شيحه العلوي الحسيني وقد شاخ وأضر وتملك بعده ابنه منصور وفيهم تشيع ظاهر قاله الذهبي وفيها أبو الحسن علي بن مسعود بن نفيس بن عبد الله الموصلي ثم الحلبي الحنبلي الصوفي المحدث الحافظ نزيل دمشق ولد سنة أربع وثلاثين وستمائة وسمع بحلب من ابن رواحة وإبراهيم بن خليل وبمصر من الكمال الضرير والرشيد العطار وغيرهما وبدمشق من ابن عبد الدايم وجماعة وقرأ كتبا مطولة مرارا وعنى بالحديث عناية تامة وكان يجوع ويشتري الأجزاء ويتعفف بكسرة فيسوء خلقه مع التقوى والصلاح وسمع منه الذهبي وجماعة وتوفي في صفر بالمارستان الصغير بدمشق وحمل إلى سفح قاسيون فدفن قبال زاوية ابن قوام وفيها شيخ الأسكندرية تاج الدين علي بن أحمد بن عبد المحسن الحسبني الغرافي بالغين المعجمة المفتوحة وتشديد الراء وفاء نسبة إلى الغراف نهر تحت واسط على قرى كثيرة قال ابن حجر في الدرر الكامنة ولد سنة ثمان وعشرين وستمائة وسمع من محمد بن عماد وظافر بن نجم وعلي بن جبارة وطائفة وببغداد من أبي الحسن القطيعي وغيره وحدث فأكثر وحمل عنه المغاربة والرحالة وحدثوا عنه في

حياته وكان عارفا بالمذهب وقال أبو العلاء الفرضي كان عالما فاضلا محدثا مكثرا مسندا مفيدا عابدا وأثنى عليه البرزالي والذهبي وغيرهما وكان يرتزق بالوراقة فإذا حصل قوته لا يتجاوز مات في الأسكندرية في ذي الحجة وفيها الضياء عيسى ابن أبي محمد بن عبد الرزاق المغاري شيخ المغارة روى عن ابن الزبيدي وابن صباح والأربلي وتوفي في ربيع الأول عن ثمانين سنة وفيها الشيخ أبو عبد الله محمد بن يوسف بن يعقوب الأربلي ثم الدمشقي أبو الفضل كبير الذهبيين كان مكثرا سمع المسلم المازني وابن الزبيدي وأبا نصر بن عساكر وغيرهم وتفرد بأشياء قال الذهبي خرجت له مشيخة ومات في رمضان سقط من السلم فمات لوقتة عن ثمانين سنة وفيها الأمير الكبير الأديب شمس الدين أبو عبد الله محمد بن إسماعيل ابن أبي سعد بن علي بن المنصور بن محمد بن الحسين الشيباني الآمدي ثم المصري الحنبلي ولد بمصر ثالث عشر المحرم سنة ثلاث وثلاثين وستمائة وسمع بمصر من ابن الجهيري وابن المقير وبدمشق من جماعة وبماردين من آخرين ونشأ بماردين
وكان والده الصاحب شرف الدين من العلماء الفضلاء جمع تاريخا لمدينة آمد وله نظم ونثر وسمع الحديث ورواه وكان محدثا فاضلا متقنا توفي سنة ثلاث وسبعين وستمائة وكان وزيرا للملك السعيد الأرتقي صاحب ماردين وصار ابنه شمس الدين هذا مع ابن الملك المظفر بن السعيد نائبا للمملكة ومدبرا لدولته إلى أن ذهب رسولا إلى الملك المنصور قلاوون صاحب مصر فحبسه ست سنين حتى ولى ابنه الملك الأشرف فأخرجه وأنعم عليه وولاه نيابة دار العدل فباشرها وكان عالما فاضلا أديبا متفننا ذا معرفة بالحديث والتاريخ والسير والنحو واللغة وافر العقل مليح العبارة حسن الخط والنظم والنثر جميل الهيئة له خبرة تامة بسير الملوك المتقدمين ودولهم لا تمل مجالسته وذكر الذهبي أنه نسب إلى نقص في دينه فالله تعالى أعلم قال ابن رجب وسمع منه جماعة منهم الشيخ تقي الدين بن تيمية والمزي والبرزالي والذهبي وتوفي بمصر سقط من فرس فكسرت أعضاؤه وبقي أياما ثم مات في جمادى الآخرة رحمه الله تعالى

سنة خمس وسبعمائة

فيها توفي خطيب دمشق الإمام الكبير شرف الدين أحمد بن إبراهيم بن سباع الفزاري الشافعي أخو الشيخ تاج الدين ولد بدمشق في رمضان سنة ثلاثين وستمائة وتلا بالسبع وأحكم العربية وقرأ الحديث وسمع كثيرا من السخاوي وغيره وكان فصيحا عديم اللحن طيب الصوت وأقرأ العربية زمانا مع الكيس والتواضع والتصوف وولي خطابة جامع جراح ثم خطابة جامع دمشق وتوفي في شوال عن خمس وسبعين سنة وشهر ودفن بباب الصغير عند أخيه وفيها المعمرة زينب بنت سليمان بن رحمة الأسعردي سمعت من الزبيدي والشمس أحمد بن عبد الواحد البخاري وعلي بن حجاج وجماعة وتفردت بأشياء وماتت في ذي القعدة عن بضع وثمانين سنة وفيها حافظ الوقت العلامة شرف الدين عبد المؤمن بن خلف ابن أبي الحسن بن شرف بن الخضر بن موسى الدمياطي الشافعي ولد بدمياط في أواخر سنة ثلاث عشرة وستمائة وتفقه بها وقرأ بالسبع على الكمال الضرير وسمع الكثير ورحل ولازم الحافظ عبد العظيم المنذري سنين وتخرج به ورحل إليه الطلاب وحدث قديما وسمع منه الشيخ محمد بن محمد الأبيوردي وكتب عنه في معجم شيوخه ومات قبله بتسع وثلاثين سنة روى عنه من تلاميذه الحفاظ المزي والبرزالي وابن سيد الناس والسبكي وغيرهم فعلى هذا الدمياطي شيخ هؤلاء وشيخ شيخهم قال المزي ما رأيت أحفظ منه وقال البرزالي كان آخر من بقي من الحفاظ وأهل الحديث أصحاب الرواية العالية والدراية الوافرة وقال الذهبي في معجمه العلامة الحافظ الحجة أحد الأئمة الأعلام وبقية نقاد الحديث رحل وسمع الكثير ومعجمه نحو ألف ومائتين وخمسين شيخا وله تصانيف في الحديث والعوالي والفقه واللغة وغير ذلك ومحاسنه جمة انتهى وقد أثنى عليه غير واحد وله مصنفات نفيسة منها السيرة النبوية في مجلد وكتاب في الصلاة الوسطى وكتاب الخيل وكتاب

التسلي والاغتباط بفوات من تقدم من الإفراط وغير ذلك توفي فجأة في نصف ذي القعدة بالقاهرة ودفن بمقابر باب النصر رحمه الله تعالى وفيها قاضي حلب وخطيبها العلامة شمس الدين محمد بن محمد بن بهرام الدمشقي الشافعي أبو عبد الله الكوراني ولد سنة خمس وعشرين وستمائة وأخذ عن ابن عبد السلام وأخذ القراءات عن الكمال الضرير فيما قيل وناب في الحكم بدمشق ثم ولي قضاء حلب وله مختصر في الخلاف مأخوذ من حلية الشاشي وغيرها قال الذهبي كان مشكورا دينا يدري المذهب صالحا ورعا وقال السبكي في الطبقات الكبرى كان من علماء حلب وكان يدري القراءات توفي بحلب في جمادى الأولى
وفيها المعمر أبو عبد الله محمد بن عبد المنعم بن شهاب المؤدب المصري حدث عن ابن باقا قال الذهبي حدثنا عنه أبو الحسن السبكي وتوفي بمصر
وفيها الإمام المعمر شرف الدين يحيى بن أحمد بن عبد العزيز بن الصواف الجذامي المالكي كبير الشهود سمع منه قاضي القضاة السبكي وجماعة وروى عن ابن عماد والصفراوي وتلا عليه بالسبع وأول سماعه كان في سنة خمس عشرة وستمائة وأصم وأضر مدة وتوفي بالأسكندرية عن ست وتسعين سنة وفيها صاحب المغرب أبو يعقوب يوسف بن السلطان يعقوب بن عبد الحق المريني

سنة ست وسبعمائة

فيها أنشىء في الصالحية تجاه الرباط الناصري جامع الأفرم وخطب به القاضي شمس الدين بن العز الحنفي وفيها مات رئيس التجار الصدر جمال الدين إبراهيم بن محمد بن السواملي والسوامل كالطاسات العراقي كان يثقب اللؤلؤ فصمد ألفي درهم ثم اتجر وسار إلى الصين فتمول وعظم وضمن العراق من القان ورفق بالرعية وصار له أولاد مثل الملوك ثم صودر وأخذ منه أموال ضخمة ومات فجأة بشيراز عن ست وسبعين سنة وفيها العلامة نصير الدين أبو بكر عبد الله

ابن عمر بن أبي الرضا الفاروثي الشافعي قال البرزالي في تاريخه قدم علينا دمشق وكان يعرف الفقه والأصلين والعربية والأدب وكان جيد المناظرة ولد بفاروث وهي قرية من عمل شيراز وسكن بغداد ومات بها ودرس بالمستنصرية وغيرها من المدارس الكبار وفيها ضياء الدين عبد العزيز بن محمد بن علي الطوسي ثم الدمشقي الشافعي اشتغل بالعلم وتفنن ودرس بالنجيبية وأعاد بغيرها وشرح الحاوي شرحا حسنا سماه المصباح وشرح مختصرا ابن الحاجب قال البرزالي كان شيخا فاضلا وقال ابن حبيب كان ذا فضائل منتظمة الفرائد وتصانيف مشتملة على كثير من الفوائد توفي فجأة بدمشق ودفن بمقابر الصوفية وفيها خطيب دمشق شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الخلاطي بن إمام الكلاسة كان دينا صالحا صينا مليح الشكل طيب الصوت حسن الهدم روى عن ابن البرهان وابن عبد الدايم وأم بالكلاسة مدة ثم خطب للخطابة فأقام ستة أشهر ونصفا وخرج من الحمام وصلى سنة الفجر فغشي عليه وانطفى وحمل على الرؤوس وصلى عليه الأفرم نائب دمشق وولي بعده الخطابة جلال الدين القزويني صاحب تلخيص المفتاح وفيها مسند حلب سنقر القضائي الزيني تفرد بأشياء وحدث عن الموفق عبد اللطيف وابن شداد وابن روزبة وابن الزبيدي وانجب الحمامي وعدة وكان دينا خيرا صبورا على الطلبة قال الذهبي أكثرنا عنه وتوفي بحلب في شوال عن سبع وثمانين سنة

سنة سبع وسبعمائة

فيها عقد مجلس بالقصر فاستتيب النجم بن خلكان من عبارات قبيحة ودعاو مبيحة للدم وادعاء نبوة ما فاختلفت فيه الآراء ومال إلى الرفق به الشيخ برهان الدين فتاب وفيها توفي رئيس مصر الصاحب تاج الدين محمد بن الصاحب فخر الدين محمد بن الوزير بهاء الدين علي بن محمد حنا قال الذهبي حدثنا عن سبط السلفي

وكان محتشما وسيما عادلا شاعرا متمولا من رجال الكمال وقال غيره وزير ابن وزير ابن وزير انتهت إليه رياسة عصره بمصر صدقاته كثيرة وتواضعه وافر وهو الذي اشترى الآثار النبوية التي بالقاهرة على ما قيل بستين ألف درهم وجعلها في مكانه المعشوق وهو المكان المنسوب إليه وذلك قطعة من العنزة ومرود ومخصف وملقط وقطعة من قصعة وقال ابن فضل الله رأيت إلى جانب تربته مكتب أيتام وهم يكتبون القرآن في الألواح فإذا أرادوا مسحها غسلوا ألواحهم وسكبوا ذلك على قبره فسألت عن ذلك فقيل لي هذا شرط الواقف وهذا قصد حسن وعقيدة حسنة ومن شعره
( لله في الأحوال لطف جميل ** فاغن به عن ذكر قال وقيل )
( ولا تفارق أبدا بابه ** فمنه قد جاء العطاء الجزيل )
( واشكر على الأنعام فيما مضى ** كم أسبل الستر زمانا طويل )
( واخيبة المعرض عن بابه ** خلى كريما ثم أم البخيل )
( فقل لمن عدد أنعامه ** كل لسان عند هذا كليل )
وتوفي رحمه الله تعالى بمصر وفيها نور الدين أبو الحسن علي بن عبد الحميد بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن أحمد بن بكير الفنيدقي الفقيه الحنبلي ولد سنة خمس وثلاثين وستمائة وسمع من أبي عبد الله بن أسعد المقدسي وجده لأمه خطيب مردا وغيرهما وبمصر من الرشيد العطار وجماعة وتفقه وبرع وأفتى ودرس مع دين وتواضع وصدق وأضر بآخره وسمع منه الذهبي وروى عنه في معجمه وتوفي بجبل نابلس في رجب وفيها رشيد الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن عمر ابن أبي القسم البغدادي الحنبلي المقرى المحدث الصوفي الكاتب ولد ليلة الثلاثاء ثالث عشر ذي القعدة سنة ثلاث وعشرين وستمائة وسمع الكثير من ابن روزبة والسهروردي وابن الخازن وابن اللتي وغيرهم وعنى بالحديث وسمع الكتب الكبار والأجزاء وكان عالما صالحا من محاسن البغداديين وأعيانهم ذا لطف

وسهولة وحسن أخلاق من أجلاء العدول ولبس خرقة التصوف من السهروردي وحدث بالكثير وسمع منه خلق كثير من أهل بغداد والرحالين وانتهى إليه علو الإسناد وتوفي في جمادى الآخرة ببغداد ودفن بمقبرة الإمام أحمد
وفيها أبو عبد الله محمد بن مطرف الأندلسي جاور نحو ستين عاما بمكة وكان يطوف في اليوم والليلة خمسين أسبوعا وتوفي بمكة في رمضان عن نيف وتسعين سنة وحمل نعشه صاحب مكة حميضة وفيها جمال الدين أبو بكر محمد بن عبد العظيم بن علي بن السقطي الشافعي روى بالإجازة عن ابن باقا وعن العلم بن الصابوني وأكثر المحدثون عنه وله أخ باسمه وهو العدل نجم الدين محمد مات بعد النووي ومات صاحب الترجمة بالقاهرة عن خمس وثمانين سنة وكان قاضي قضاتها مدة
وفيها شهاب الدين محمد بن أبي العز بن مشرف بن بيان الأنصاري البزاز مسند دمشق وشيخ الرواية بالدار الأشرفية حدث عن ابن الزبيدي والناصح وابن صباح وابن المقير وغيرهم وتفرد واشتهر وتوفي بدمشق عن ثمان وثمانين سنة

سنة ثمان وسبعمائة

فيها توفي بغرناطة عالمها وحافظها أبو جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزبير الثقفي طلب العلم في سنة ست وأربعين وستمائة وسمع من جماعة وتفرد بالسنن الكبير للنسائي عن أبي الحسن الشاري بينه وبين المؤلف ستة أنفس قال ابن ناصر الدين كان نحويا حافظا علامة أستاذ القراء ثقة عمدة وقال الذهبي مات بغرناطة في ربيع الأول عن ثمانين سنة وفيها المعمر عماد الدين إسمعيل بن علي بن الطبال شيخ المستنصرية سمع عمر بن مكرم وابن روزبة وجماعة وتفرد ومات ببغداد
وفيها خديجة بنت عمر بن أحمد بن العديم في عشر التسعين قال الذهبي روت لنا عن الركن إبراهيم الحنفي وفيها الشيخ الزاهد القدوة الكبير عثمان بن عبد الله الصعيدي ثم الحلبوني كان صالحا عابدا متعففا تؤثر عنه أحوال وأقام

مدة ببعلبك ومدة ببرزة وكان لا يأكل الخبز ويزعم أنه يتضرر بأكله ومات في المحرم بقرية برزة قاله السخاوي وفيها شهاب الدين بن علي المحيى كان عالما مسندا مكثيرا عن ابن المقير وابن رواج والساوى وتوفي بمصر عن ثمانين سنة وفيها علم الدين إبراهيم عرف بابن خليقة كان حكيما فاضلا رئيس الطب بالديار المصرية والشامية وهو أول من ركب شراب الورد ولم يعرف بدمشق قبل ذلك توفي بمصر قيل بلغت تركته ثلثمائة ألف دينار وفيها أم عبد الله فاطمة بنت سليمان بن عبد الكريم الأنصاري لها إجازة الفتح وابن عفيجة وجماعة وسمعت المسلم المازني وكريمة وابن رواحة وروت الكثير ولم تتزوج توفيت في ربيع الآخر بدمشق عن قريب التسعين وفيها شيخ الحرم ظهير الدين محمد بن عبد الله بن منعة البغدادي جاور بمكة أربعين سنة وحدث عن الشرف المرسى وتوفي بالمهجم من نواحي اليمن عن بضع وسبعين سنة وفيها الحافظ مفيد مصر شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن شامة بن كوكب الطائي السوادي الحكمي وحكم بالفتح قرية من قرى السواد الحنبلي الحافظ الزاهد ولد في رجب سنة اثنتين وستين وستمائة وسمع من أحمد بن أبي الخير وابن أبي عمر وغيرهم ورحل سنة ثلاث وثمانين إلى مصر وسمع بها من العز الحراني وابن خطيب المزة وغيرهما وبالأسكندرية من ابن طرخان وجماعة وببغداد من ابن الطبال وخلق وبأصبهان والبصرة وحلب وواسط عنى بهذا الفن وحصل الأصول وكتب العالي والنازل قال الحافظ عبد الكريم الحلبي كان إماما عالما فاضلا حسن القراءة فصيحا ضابطا متقنا قرأ الكثير وسمع من صغره إلى حين وفاته وقال البرزالي خالط الفقراء وصارت له أوراد كثيرة وتلاوة واستوطن ديار مصر وتزوج

وصارت له بها حظوة وشهرة بالحديث وقراءته وكان معمور الأوقات بالطاعات وقال الذهبي في معجمه أحد الرحالين والحفاظ والمكثرين ودخل أصبهان طمعا أن يجد بها رواة فلم يلق شيوخا ولا طلبة فرجع وكان ثقة صحيح النقل عارفا بالأسماء من أهل الدين والعبادة وقال ابن رجب سمع منه البرزالي والذهبي وعبد الكريم الحلبي وذكروه في معاجمهم توفي يوم الثلاثاء رابع عشر ذي القعدة ودفن بالقرافة بالقرب من الشافعي وفيها وجزم ابن حجر في الدرر الكامنة أنه في التي قبلها جمال الدين شرف القضاة أبو عبد الله محمد بن المكين بن الطاهر إسمعيل بن محمد بن محمود بن عمر التنوخي الأسكندراني المالكي سمع من ابن الفوى كرامات الأولياء ومن ابن رواج ومن غيرهما وسمع منه أبو العلاء الفرضي وأبو الفتح بن سيد الناس وغيرهما وحدث وكان من أعيان أهل الإسكندرية مات في أول يوم من شهر رمضان وفيها مسند دمشق والشام أبو جعفر محمد بن علي بن حسين السلمي العباسي الدمشقي بن الموازيني كان دينا زاهدا حج مرات وتفرد عن القاسم بن صصرى والبهاء عبد الرحمن ورحل إليه وتوفي بدمشق في نصف ذي الحجة عن أربع وتسعين سنة

سنة تسع وسبعمائة

فيها كما قال السيوطي خرج السلطان الملك الناصر بن قلاوون قاصدا للحج فخرج من مصر في رمضان وخرج معه جماعة من الأمراء لتوديعه فردهم فلما اجتاز بالكرك عدل إليها فنصب له الجسر فلما توسطه انكسر به فسلم من قدامه وقفز به الفرس فسلم وسقط من وراءه وكانوا خمسين فمات أربعة وتهشم أكثرهم في الوادي الذي تحته وأقام السلطان بالكرك وكتب كتابا إلى الديار المصرية يتضمن عزل نفسه عن المملكة فاثبت ذلك على القضاة بمصر ثم نفذ على قضاة الشام وبويع الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير بالسلطنة في الثالث والعشرين من شوال ولقب الملك المظفر وقلده الخليفة وألبسه الخلعة السوداء والعمامة المدورة ونفذ التقليد إلى الشام

في كيس أسود أطلس فقرىء هناك وأوله أنه من سليمان وأنه بسم الله الرحمن الرحيم ثم عاد الناصر في رجب سنة تسع وطلب عوده إلى الملك ووالاه على ذلك جماعة من الأمراء فدخل دمشق في شعبان ثم دخل مصر يوم عيد الفطر وصعد القلعة وقال العلاء الوداعي في عوده إلى الملك
( الملك الناصر قد أقبلت ** دولته مشرقة الشمس )
( عاد إلى كرسيه مثل ما ** عاد سليمان إلى الكرسي )
وخذل المظفر فجاء إلى خدمة السلطان فوبخه وخنقه وأباد جماعة من رؤس الشر وتمكن وهرب نائبه سلار نحو تبوك ثم خدع وجاء برجله إلى أجله فأميت جوعا وأخذ من أمواله ما يضيق عنه الوصف وكان تملك إحدى عشرة سنة وكان مغليا أسمر سهل الخدين ليس بالطويل ذا هيئة قليل الظلم وبلغ من الجاه والمال ما لا مزيد عليه وفيها مات المقرىء المعمر أبو إسحق إبراهيم بن أبي الحسن علي بن صدقة المخرمي قال الذهبي حدثنا عن ابن اللتي وجعفر ومكرم ومات بدمشق عن بضع وثمانين سنة وفيها أبو العباس أحمد بن أبي طالب الحمامي البغدادي الزانكي المجاور من زمان بمكة بحيث صار مسندها سمع من الأنجب الحمامي أجزاء تفرد بها وأخذ عنه ابن مسلم القاضي وشمس الدين بن الصلاح مدرس القيمرية وأجاز لأبي عبد الله الذهبي وتوفي بمكة في جمادى الآخرة عن بضع وثمانين سنة
وفيها تاج الدين أبو الفضل أحمد بن محمد بن عبد الكريم بن عطاء الله الأسكندري المالكي الشاذلي قال ابن حجر في الدرر الكامنة صحب الشيخ أبا العباس المرسي صاحب الشاذلي وصنف مناقبه ومناقب شيخه وكان المتكلم على لسان الصوفية في زمانه وهو ممن قام على الشيخ تقي الدين بن تيمية فبالغ في ذلك وكان يتكلم على الناس وله في ذلك تصانيف عديدة قال الذهبي كانت له جلالة عظيمة ووقع في النفوس ومشاركة في الفضائل وكان يتكلم بالجامع الأزهر فوق كرسي بكلام يروح النفوس ومزج كلام القوم بآثار السلف وفنون العلم فكثر اتباعه وكانت عليه

سيما الخير ويقال أن ثلاثة قصدوا مجلسه فقال أحدهم لو سلمت من العائلة لتجردت وقال الآخر أنا أصلي وأصوم ولا أجد من الصلاح ذرة وقال الثالث أنا صلاتي ما ترضيني فكيف ترضى ربي فلما حضروا مجلسه قال في أثناء كلامه ومن الناس من يقول فأعاد كلامهم بعينه وقال الكمال جعفر سمع من الأبرقوهي وقرأ النحو على الماروني وشارك في الفقه والأدب وصحب المرسي وتكلم على الناس وكثر اتباعه وقال ابن الأهدل الشيخ العارف بالله شيخ الطريقين وإمام الفريقين كان فقيها عالما ينكر على الصوفية ثم جذبته العناية فصحب شيخ الشيوخ المرسي وفتح عليه على يديه والذي جرى له معه مذكور في كتابه لطائف المنن وله عدة تصانيف منها الحكم وكلها مشتملة على أسرار ومعارف وحكم ولطائف نثرا ونظما وما أحسن قوله في شيخه في بعض قصائده
( كم من قلوب قد أميتت بالهوى ** أحيا بها من بعد ما أحياها )
وكان شيخه يستعيد منه هذا البيت ومن طالع كتبه عرف فضله توفي رحمه الله تعالى بمصر في نصف جمادى الآخرة ودفن بالقرافة وقبره مشهور يزار
وفيها نبيه الدين حسن بن حسين بن جبريل الأنصاري المعدل سمع من ابن المقير وابن رواج وغيرهما وتوفي بمصر عن تسع وسبعين سنة وأجاز له السهروردي سنة ولادته وهي سنة ثلاثين وستمائة وفيها شهدة بنت الصاحب كمال الدين عمر بن العديم العقيلي ولدت يوم عاشوراء سنة تسع عشرة وستمائة وحضرت الكاشغرى وعمر بن بدر ولها إجازة من ثابت بن مشرف وكانت تكتب وتحفظ أشياء وتتزهد وتتعبد قال الذهبي سمعت منها وماتت بحلب وفيها مات بمصر الأمير الكبير الوزير شمس الدين سنقر المنصوري الأعسر وله عدة مماليك تقدموا وكان كبيرا شهما عارفا فيه ظلم قاله في العبر وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أبي الفتح بن أبي الفضل البعلي الفقيه الحنبلي المحدث النحوي اللغوي ولد سنة خمس وأربعين وستمائة ببعلبك وسمع بها من الفقيه محمد اليونيني وبدمشق من ابن خليل ومحمد

ابن عبد الهادي وغيرهما وعنى بالحديث وقرأ العربية واللغة على ابن مالك ولازمه حتى برع في ذلك وصنف تصانيف منها شرح ألفية ابن مالك وكتاب المطلع على أبواب المقنع في غريب ألفاظه ولغاته قال الذهبي كان إماما في المذهب والعربية والحديث غزير الفوائد متفننا ثقة صالحا متواضعا على طريقة السلف حدثنا ببعلبك ودمشق وطرابلس وتوفي بالقاهرة في ثامن عشر المحرم وذلك عبد دخوله إياها بدون شهر وكان زار القدس وسار إلى مصر ليسمع ابنه ودفن بالقرافة عند الحافظ عبد الغني

سنة عشر وسبعمائة

قال الذهبي في نيسان مطرنا مطرا أحمر كأعكر ماء الزيادة وبقي أثر الطين على التمر والورق نحو شهرين وفيها توفي شهاب الدين أبو العباس أحمد بن شرف الدين حسن بن الحافظ أبي موسى عبد الله بن الحافظ الكبير عبد الغني بن عبد الواحد بن سرور المقدسي ثم الصالحي الفقيه الحنبلي قاضي القضاة ولد في ثاني عشر صفر سنة ست وخمسين وستمائة بسفح قاسيون وسمع من ابن عبد الدايم وغيره وتفقه وبرع وأفتى ودرس وولي القضاء بالشام نحو ثلاثة أشهر سنة تسع وسبعمائة ثم عزل لما عاد الملك الناصر إلى الملك قال البرزالي كان رجلا جيدا من أعيان الحنابلة وفضلائهم فقيها حسن العبارة وروى لنا عن ابن عبد الدايم وتوفي ليلة الأربعاء تاسع عشرى ربيع الأول ودفن من الغد بتربة الشيخ أبي عمر بسفح قاسيون وفيها شهاب الدين أحمد بن عبد الملك بن عبد المنعم العزازي الشاعر قال ابن حجر في الدرر المشتغل بالأدب ومهر وفاق أقرانه وسمع من نظمه أبو حيان والحافظ أبو الفتح اليعمري وحدث عنه غير واحد وله في الموشحات يد طولى وله في القوس ملغزا
( ما عجوز كبيرة بلغت عمرا ** طويلا وتبتغيها الرجال )


( قد علا جسمها صفار ولم تشك ** سقاما ولو عراها هزال )
( ولها في البنين قهر وسهم ** وبنوها كبار قدر نبال )
قال الكمال جعفر كان مكثرا من النظم وحدث بشيء من شعره وسمع منه الفضلاء وكتب عنه الكبراء ومدح الأعيان والوزراء وتوفي في المحرم بمصر وله ثلاث وثمانون سنة وفيها المسند العالم كمال الدين إسحق بن أبي بكر بن إبراهيم الأسدي الحلبي بن النحاس سمع ابن يعيش وابن قميرة وابن رواحة وابن خليل فأكثر ونسخ الأجزاء وانقطع بموته شيء كثير وتوفي في رمضان عن بضع وسبعين أو ثمانين سنة وفيها الشيخ نجم الدين أحمد بن محمد بن علي بن مرتفع بن حازم بن إبراهيم بن العباس الأنصاري البخاري الشافعي الشهير بابن الرفعة قال ابن شهبة شيخ الإسلام وحامل لواء الشافعية في عصره ولد بمصر سنة خمس وأربعين وستمائة وسمع الحديث من أبي الحسن بن الصواف وعبد الرحيم بن الدميري وتفقه على الشيخين السديد والظهير التزمنتى وعلى الشريف العباسي وأخذ عن القاضيين ابن بنت الأعز وابن رزين ولقب الفقيه لغلبة الفقه عليه وولى حسبة مصر ودرس بالمعزية بها وناب في القضاء ولم يل شيئا من مناصب القاهرة وصنف التصنيفين العظيمين المشهورين الكفاية في شرح التنبيه والمطلب في شرح الوسيط في نحو أربعين مجلدا وهو أعجوبة في كثرة النصوص والمباحث ومات ولم يكمله بقي عليه من باب صلاة الجماعة إلى البيع وأخذ عنه الشيخ تقي الدين بن السبكي وجماعة وقال السبكي أنه أفقه من الرواياني صاحب البحر وقال الأسنوي كان شافعي زمانه وإمام أوانه مد في مدارك العلم باعا وتوغل في مسائله علما وطباعا إمام مصره بل سائر الأمصار وفقيه عصره في سائر الأقطار لم يخرج إقليم مصر بعد ابن الحداد من يدانيه ولا نعلم في الشافعية مطلعا بعد الرافعي يساويه كان أعجوبة في استحضار كلام الأصحاب لا سيما في غير مظانه وأعجوبة في معرفة نصوص الشافعي

وأعجوبة في قوة التخريج دينا خيرا محسنا إلى الطلبة توفي بمصر في رجب ودفن بالقرافة وفيها نجم الدين أبو بكر عبد الله بن أبي السعادات بن منصور بن أبي السعادات بن محمد الأنباري ثم البابصري المقرىء خطيب جامع المنصور وشيخ المستنصرية بعد ابن الطبال سمع ابن بهروز والأنجب الحمامي وأحمد بن المارستاني ومات ببغداد في رمضان عن اثنتين وثمانين سنة وفيها عبد الله ابن أبي جمرة السبتي المالكي روى بالإجازة عن ابن الربيع بن سالم ثم ولي خطابة غرناطة في أواخر عمره فتفق أنه صعد المنبر يوم الجمعة فسقط ميتا
وأما عبد الله بن أبي جمرة الإمام القدوة الذي شرح مختصره للبخاري فمات قبل القرن وفيها علي بن علي بن أسمح اليعقوبي الزاهد ويلقب منلا الناسخ كان علامة متفننا ذا محفوظات منها مصابيح البغوي والمفصل والمقامات وسكن الروم وركب البغلة ثم تزهد وهاجر إلى دمشق واستمر بدلق ومئزر صغير أسود وتردد إلى المدارس وأقرأ العربية ومات باللجون
وفيها بهاء الدين علي بن الفقيه عيسى بن سليمان بن رمضان الثعلبي المصري ابن القيم كان ناظر الأوقاف وذكر مرة للوزارة وكان دينا خيرا متواضعا حدث عن الفخر الفارسي وابن باقا وتوفي في ذي القعدة بمصر عن سبع وتسعين سنة
وفيها أبو عمرو عثمان بن إبراهيم الحمصي النساخ حضر ابن الزبيدي وروى كثيرا عن الضياء ومات بدمشق في رجب عن ثلاث وثمانين سنة
وفيها قاضي القضاة شمس الدين محمد بن إبراهيم بن عبد الغني السروجي الشافعي أحد أئمة المذهب صنف التصانيف واشتهر وتوفي في ربيع الآخر وله ثلاث وسبعون سنة وفيها ست الملوك فاطمة بنت علي بن أبي البدر روت كتابي الدارمي وعبد بن حميد عن ابن بهروز الطبيب وتوفيت ببغداد في ربيع الأول قاله في العبر

سنة إحدى عشرة وسبعمائة

فيها توفي عماد الدين أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن مسعود الواسطي الحزامي الزاهد القدوة العارف ولد في حادي أو ثاني عشر ذي الحجة سنة سبع وخمسين وستمائة بشرقي واسط وكان أبوه شيخ الطائفة الأحمدية ونشأ الشيخ عماد الدين بينهم والهمه الله تعالى من صغره طلب الحق ومحبته والنفور عن البدع وأهلها فاجتمع بالفقهاء بواسط كالشيخ عز الدين الفاروثي وغيره وقرأ شيئا من الفقه على مذهب الشافعي ثم دخل بغداد وصحب بها طوائف من الفقهاء وحج واجتمع بجماعة منهم وأقام بالقاهرة مدة ببعض جوانبها وخالط طوائف الفقراء ولم يسكن قلبه إلى شيء من الطرائق المحدثة واجتمع بالأسكندرية بالطائفة الشاذلية فوجد عندهم ما يطلبه من لوائح المعرفة والمحبة والسلوك فأخذ ذلك عنهم وانتفع بهم واقتفى طريقتهم وهديهم ثم قدم دمشق فرأى الشيخ تقي الدين بن تيمية وصاحبه فدله على مطالعة السيرة النبوية فأقبل على سيرة ابن إسحق تلخيص ابن هشام فلخصها واختصرها وأقبل على مطالعة كتب الحديث والسنة والآثار وتخلى من جميع طرائقه وأذواقه وسلوكه واقتفى أثر الرسول صلى الله عليه وسلم وهديه وطرائقه المأثورة عنه في كتب السنن والآثار واعتنى بأمر السنة أصولا وفروعا وتبوع في الرد على طوائف المبتدعة الذين خالطهم وعرفهم من الاتحادية وغيرهم وبين عوراتهم وكشف أستارهم وانتقل إلى مذهب الإمام أحمد واختصر الكافي في مجلد سماه البلغة وألف تآليف كثيرة في الطريقة النبوية والسلوك الأثري المحمدي وهي من أنفع كتب الصوفية للمريدين وانتفع به خلق كثير من متصوفة أهل الحديث ومتعبديهم قاله ابن رجب وقال الشيخ تقي الدين بن تيمية هو جنيد وفته وقال البرزالي في معجمه صالح عارف صاحب نسك وعبادة وانقطاع وعزوف عن الدنيا وله كلام متين في التصوف الصحيح وكان داعية إلى طريق الله تعالى وقلمه أبسط

من عبارته واختصر السيرة النبوية وكان يتقوت من النسخ ولا يكتب إلا مقدار ما يدفع به الضرورة وكان محبا لأهل الحديث معظما لهم وأوقاته كلها معمورة وقال الذهبي كان سيدا عارفا كبير الشأن منقطعا إلى الله تعالى ينسخ بالأجرة ويتقوت ولا يكاد يقبل من أحد شيئا إلا في النادر صنف أجزاء عديدة في السلوك والسير إلى الله تعالى وفي الرد على الاتحادية والمبتدعة وكان داعية إلى السنة ومذهبه مذهب السلف في الصفات يمرها كما جاءت وقد انتفع به جماعة صحبوه ولا أعلم خلف بدمشق في طريقته مثله توفي آخر نهار السبت سادس عشرى ربيع الآخر بالمارستان الصغير بدمشق وصلى عليه من الغد بالجامع ودفن بسفح قاسيون قبالة زاوية السيوفي
وفيها الأمير الكبير سيف الدين استدمر الكرجى قال الذهبي توفي في سجن الكرك في آخر الكهولة ولي البر بدمشق ثم نيابة طرابلس ثم حلب وكان بطلا شجاعا سايسا داهية جبارا ظلوما مهيبا سمع بقراءتي صحيح البخاري انتهى
وفيها إسمعيل بن نصر الله بن تاج الأمناء أحمد بن عساكر قال الذهبي حدثنا عن ابن اللتي ومكرم وابن الشيرازي وطبقتهم وشيوخه نحو التسعين وكان مكثرا وفيه خفة وطيش ولكنه فيه دين توفي بدمشق في صفر عن اثنتين وثمانين سنة
وفيها وقيل في التي قبلها كما جزم به ابن قاضي شهبة عز الدين الحسن بن الحرث بن الحسن بن خليفة المعروف بابن مسكين وهو من أولاد الحرث بن مسكين أحد المالكية المعاصرين للشافعي قال ابن كثير في طبقاته كان من أعيان الشافعية بالديار المصرية وكان عين لقضاء الشافعية بدمشق فامتنع لمفارقة الوطن وقال الأسنوي درس بالشافعي وكان من أعيان الشافعية الصلحاء كتب ابن الرفعة تحت خطه جوابي كجواب سيدي وشيخي توفي في جمادى الأولى
وفيها رشيد الدين رشيد بن كامل الرقي الشافعي درس وأفتى وبرع في الأدب وكان وكيل بلاد حلب حدث عن ابن مسلمة وابن علان وكان علامة شيخ الأدباء توفي عن ست وثمانين سنة وفيها أو في التي قبلها وجزم به ابن شهبة الشيخ

عز الدين عبد العزيز بن عبد الجليل النمراوي المصري الشافعي ولد بنمرا من أعمال الغربية واشتغل وتصدى للاشتغال ودرس في التفسير بالقبة المنصورية قال ابن كثير في طبقاته أحد الفضلاء المناظرين من الشافعية أفتى ودرس وناظر بين يدي العلامة ابن دقيق العيد والعلامة صدر الدين بن الوكيل فاستجاد ابن دقيق العيد بحثه ورجحه في ذلك البحث على ابن الوكيل فارتفع قدره من يومئذ وصحب النائب سلار فازداد وجاهة في الدنيا بذلك توفي في ذي القعدة ودفن بالقرافة وفيها بل في التي قبلها جزم به غير واحد بدر الدين أبو البركات عبد اللطيف بن قاضي القضاة تقي الدين محمد بن الحسين بن رزين العامري الحموي الأصل المصري الشافعي العلامة مولده سنة تسع وأربعين وستمائة وسمع بمصر والشام من جماعة وأعاد عند والده وهو ابن عشرين سنة وناب عنه في القضاء وأفتى وولي قضاء العسكر في حياة والده وخطب بجامع الأزهر ودرس بالظاهرية والسيفية والأشرفية قال ابن كثير كان من صدور الفقهاء وأعيان الرؤساء وأحد المذكورين في الفضلاء وكان له اعتناء جيد بالحديث ويلقى الدروس منه ومن التفسير والفقه وأصوله وله اعتناء بالسماع والرواية وقال السبكي في الطبقات كان يجتمع عنده بالظاهرية من الفضلاء ما لا يجتمع عند غيره وتحصل بينهم الفضائل الجمة بحيث كان طالب التحقيقات يحضر درسه لأجل من يحضر فممن كان يحضر الوالد وقطب الدين السنباطي وتاج الدين طوير الليل وجماعة توفي بالقاهرة في جمادى الآخرة وفيها شعبان بن أبي بكر بن عمر الأربلي قال الذهبي الشيخ الزاهد الصالح البركة خرج له رفيقة ابن الظاهري عن محمد بن النعالي وعبد الغني بن بنين والكمال الضرير وطبقتهم وكان خيرا متواضعا وافر الحرمة توفي في رجب عن سبع وثمانين سنة وكانت جنازته مشهودة وفيها القاضي المنشىء جمال الدين محمد بن مكرم بن علي الأنصاري يروى عن مرتضى وابن المقير ويوسف المحيلي وابن الطفيل وحدث بمصر ودمشق واختصر تاريخ ابن عساكر وله نظم ونثر وفيه شائبة تشيع وتوفي بمصر في شعبان

عن اثنتين وثمانين سنة وفيها الأديب الخليع الحكيم شمس الدين محمد بن دانيال مؤلف كتاب طيف الخيال كانت له نكت غريبة وطباع عجيبة وصحبه ولد القسيس الملكي وكان جميل الصورة فخاف والده عليه منه فكتب إليه ابن دانيال
( قلت للقسيس يوما ** والورى تفهم قصدي )
( ما الذي أنكرت من نجلك ** إذ أخلصت ودى )
( خفت أن يسلم عندي ** هو ما يسلم عندي )
ومن شعره
( ما عاينت عيناي في عطلتي ** أيشم من حظي ومن بختي )
( قد بعت عبدي وحماري وقد ** أصبحت لا فوقي ولا تحتي )
وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن أبي نصر الدباهي البغدادي الحنبلي الزاهد ولد سنة ست أو سبع وثلاثين وستمائة ببغداد وصحب الشيخ يحيى الصرصري وكان خال والدته والشيخ عبد الله كتيلة مدة وسافر معه وجاور بمكة عشر سنين ودخل الروم والجزيرة ومصر والشام ثم استوطن دمشق وبها توفي قال ابن الزملكاني عنه شيخ صالح وعارف زاهد كثير الرغبة في العلم وأهله والحرص على الخير والاجتهاد في العبادة تخلى عن الدنيا وخرج عنها ولازم العبادة والعمل الدائم واستغرق أوقاته في الخير وقال بن رجب سمع منه البرزالي والذهبي ابتلى بضيق النفس سبعة أشهر ثم بالاستسقاء وانتقل إلى رحمة الله تعالى يوم الخميس رابع عشرى شهر ربيع الآخر ودفن بقاسيون قبل الشيخ عماد الدين الواسطي بيومين وفيها شرف الدين محمد بن شريف بن يوسف ابن الوحيد الزرعي قال الذهبي شيخ التجويد وصاحب الكتابة الباهرة والانشاء الجيد كان شجاعا مقداما متكلما منشئا وهو متهم في دينه يرمى بعظائم توفي في شعبان وقد شاخ انتهى وفيها عماد الدين أبو المعالي محمد بن علي بن محمد بن علي بن النابلسي الدمشقي قال في العبر العدل المرتضى المسند سمع من

إسحق الشاغوري وكريمة وجماعة حضورا ومن السخاوي وابن قميره وابن شقير وخلق خرجت له معجما كبيرا ووقف أجزاءه وكان محمودا في الشهادات حسن الديانة توفي في جمادى الأولى عن أربع وسبعين سنة وفيها الصاحب فخر الدين عمر بن عبد العزيز بن الحسن بن الخليلي التميمي الداري المصري روى عن المرسي وولي وزارة الصحبة في آخر الدولة المنصورية ثم للعادل والمنصور حسام الدين ثم عزل ثم ولي للناصر ثم عزل ومات معزولا وكان خبيرا بالأمور شهما مقداما فيه كرم وسؤدد مات ليلة الفطر عن إحدى وسبعين سنة وفيها أبو حفص عمر بن عبد النصير بن محمد بن هاشم بن عز العرب القرشي السهمي القوصي ثم الأسكندراني المعروف بالزاهد قال الذهبي حدثنا بدمشق عن ابن المقير وابن الجميزي وحج مرات وقال ابن حجر أجاز لبعض شيوخنا وله شعر فمنه
( قف بالحمى ودع الرسائل ** وعن الاحبة قف وسائل )
( واجعل خضوعك والتذلل ** في طلابهم وسائل )
( والدمع من فرط البكاء ** عليهم جار وسائل )
( واسأل مراحمهم فهن ** لكل محروم وسائل )
وتوفي في منتصف المحرم بالثغر عن ست وتسعين سنة وفيها أم محمد فاطمة بنت الشيخ إبراهيم بن محمود بن جوهر البطايحي البعلي والدة الشيخ إبراهيم بن القرشية وإخوته روت الصحيح عن ابن الزبيدي مرات وسمعت صحيح مسلم من ابن الحصيري شيخ الحنفية وسمعت من ابن رواحة وكانت دينة متعبدة صالحة مسندة توفيت في صفر عن ست وثمانين سنة وفيها قاضي حماة العلامة عز الدين عبد العزيز بن محي الدين محمد بن نجم الدين أحمد بن هبة الله بن العديم الحنفي قال الذهبي حدثنا عن ابن خليل وهدية وغيرهما وكان له اعتناء بالكشاف وبمفتاح السكاكي علامة توفي بحماة في ربيع الأول عن ثمان وسبعين سنة ودفن بتربته وفيها قاضي الحنابلة سعد الدين أبو محمد وأبو عبد الرحمن مسعود بن

أحمد بن مسعود المحدث الحافظ قاضي قضاة الحنابلة الحارثي ولد سنة اثنتين أو ثلاث وخمسين وستمائة وسمع بمصر من الرضى بن البرهان والنجيب الحراني وابن علاق وجماعة من أصحاب البوصيري وبالأسكندرية من عثمان بن عوف وابن الفرات وبدمشق من أحمد بن أبي الخير وأبي زكريا بن الصيرفي وخلق من هذه الطبقة وعنى بالحديث وكتب بخطه الكثير وتفقه على ابن أبي عمر وغيره وبرع وأفتى وصنف وخرج لنفسه أمالي وتكلم فيها على الحديث ورجاله وعلى التراجم فأحسن وشفى وحج غير مرة ودرس بعدة أماكن وولي القضاء سنتين ونصفا وكان سنيا أثريا متمسكا بالحديث قال الذهبي في معجمه كان فقيها مناظرا مفتيا عالما بالحديث وفنونه حسن الكلام عليه وعلى الأسماء ذا حظ من عربية وأصول واقرأ المذهب ودرس ورأس الحنابلة روى عنه إسمعيل بن الخباز وهو أسند منه وأبو الحجاج المزي وأبو محمد البرزالي وذكره الذهبي أيضا في طبقات الحفاظ وقال كان عارفا بمذهبه ثقة متقنا صينا وقال ابن رجب حدثنا بالكثير وروى عنه جماعة من شيوخنا وغيرهم وتوفي سحر يوم الأربعاء عشرى ذي الحجة بالقاهرة ودفن من يومه بالقرافة والحارثي نسبة إلى الحارثية قرية ببغداد غربيها كان أبوه منها

سنة اثنتي عشرة وسبعمائة

فيها مات شيخ بعلبك الإمام الفقيه الزاهد القدوة بركة الوقت أبو إسحق إبراهيم بن أحمد بن حاتم الحنبلي حدث عن سليمان الأسعردي وأبي سليمان الحافظ والشيخ الفقيه وبالإجازة عن ابن روزبة ونصر بن عبد الرزاق وكان من العلماء الأبرار قليل المثل خيرا منورا أمارا بالمعروف توفي في صفر عن نيف وثمانين سنة
وفيها الصدر الأديب المقرىء شهاب الدين أحمد بن سليمان بن مروان بن البعلبكي الدمشقي من تجار الخواصين ومن عدول القيمة عرض الشاطبية على

السخاوي وسمع منه أجزاء وله نظم جيد منه
( هم الأحبة إن جاروا وإن عدلوا ** ومنتهى أربى صدوا وإن وصلوا )
( مالي اعتراض عليهم في تصرفهم ** جادوا علي بوصل أو هم بخلوا )
( أحبابنا كيف حللتم قطيعة من ** أمسى وليس له في غيركم أمل )
( لا يحمل الضيم إلا في محبتكم ** ولا يقاس به في عيره رجل )
( والحب يبدي اعتذارا من جنايته ** بغير وجه ويعلو وجهه الخجل )
( وكل ساع سعى فينا يقول لنا ** لا ناقة لي في هذا ولا جمل )
توفي في ربيع الآخر عن خمس وثمانين سنة وفيها تاج الدين أحمد بن العماد بن الشيرازي ولي الوكالة والحسبة ونظر الدواوين ونظر الجامع وتنقل في المناصب ثم مات بطالا حدث عن ابن عبد الدايم وتوفي بالمزة في رجب عن ثمان وخمسين سنة وفيها الفقيه الحنبلي المعمر عماد الدين أحمد بن القاضي شمس الدين محمد بن العماد إبراهيم المقدسي الحنبلي سمع ببغداد من الكاشغري وابن الخازن وبمصر من ابن رواج وطائفة وتفرد بأجزاء وتوفي بمصر في جمادى الآخرة عن خمس وسبعين سنة وفيها زين الدين أبو محمد الحسن بن عبد الكريم بن عبد السلام الغماري المصري المالكي سبط الفقيه زيادة سمع من أبي القسم بن عيسى المقرىء ومحمد بن عمر الفوطي المقرىء وتفرد عنهما وتلا بالسبع على أصحاب أبي النجود وكان خيرا فاضلا كيسا يؤدب في منزله توفي بمصر في شوال عن خمس وتسعين سنة وفيها نجم الدين داود الكردي الشافعي درس بصلاحية القدس ثلاثين سنة وكان علامة وتوفي بالقدس
وفيها شرف الدين أبو البركات عبد الأحد بن أبي القسم بن عبد الغني بن خطيب حران فخر الدين بن تيمية الحراني الحنبلي التاجر روى عن ابن اللتى حضورا وعن ابن رواحة وابن شقير وجماعة وكان صالحا عدلا تقيا توفي بدمشق في شعبان عن اثنتين وثمانين سنة وفيها أبو الحسن علي بن محمد بن هرون

التغلبي الدمشقي قارىء المواعيد للعامة سمع من ابن صباح حضورا ومن ابن الزبيدي والمازري وابن اللتي والناصح ومكرم وعدة وتفرد بالعوالي واشتهر وكان دينا خيرا متواضعا مسندا عالما توفي بمصر في ربيع الآخر وله ست وثمانون سنة
وفيها نور الدين علي بن نصر الله بن عمر القرشي المصري بن الصواف الشافعي الذي روى عن ابن باقا أكثر سنن النسائي سماعا وتفرد واشتهر وسمع من جعفر الهمداني والعلم بن الصابوني وله إجازة أبي الوفا محمود بن مندة من أصبهان وتوفي في رجب وقد قارب التسعين وفيها الملك المظفر شهاب الدين غازي ابن الناصر داود بن المعظم بن العادل قال الذهبي حدثنا عن الصدر البكري وخطيب مردا وكان عاقلا دينا عاش نيفا وسبعين سنة وفيها سلطان دشت القفجاق طقططية المغلى الجنكز خانى وله نحو من أربعين سنة وكانت دولته ثلاثا وعشرين سنة وكان على دين قومه يحب السحرة وفيه عدل في الجملة وميل إلى الإسلام وعسكره خلق عظيم بالمرة وتملك بعده القان الكبير أزبك خان وهو شاب بديع الجمال حسن الإسلام موصوف بالشجاعة وامتدت أيامه قاله في العبر
وفيها صاحب ماردين نجم الدين غازي بن المظفر قرا أرسلان بن السعيد غازي بن أرتق بن غازي بن تمرتاش بن الملك غازي بن أرتق التركماني الأرتقي توفي في ربيع الآخر ودفن بتربة آبائه عن بضع وستين سنة وتملك بعده ولده العادل فمات بعد أيام فيقال سمهما قرا سنقر ثم تملك ابنه الآخر الملك الصالح
وفيها المعمرة أم محمد هدية بنت علي بن عسكر الهراس ولها ست وثمانون سنة تروى عن ابن الزبيدي حضورا وعن ابن اللتى والهمذاني وغيرهم وكانت فقيرة صالحة قنوعة متعبدة سمراء قابلة توفيت بالقدس في جمادى الأولى قاله الذهبي
وفيها ست الأجناس موفية بنت عبد الوهاب بن عتيق بن وردان المصرية روت عن الحسن بن دينار والعلم بن الصابوني وغيرهما وتفردت وعمرت اثنتين

وثمانين سنة وفيها الأديب محمد بن موسى القدسي عرف بكاتب أمير سلاح كتب في لوح صبي مليح اسمه سالم
( وأهيف تهفو نحو بانة قده ** قلوب تبث الشجو فهي حمائم )
( عجبت له إذ دام توريد خده ** وما الورد في حال على الغصن دائم )
( وأعجب من ذا أن حية شعره ** تجول على أعطافه وهو سالم )

سنة ثلاث عشرة وسبعمائة

فيها توفي أبو بكر أحمد بن محمد بن أبي القسم الدشتي بفتح المهملة وسكون المعجمة وفوقية نسبة إلى دشتى محلة بأصبهان الكردي المؤدب الحنبلي قال الذهبي حدثنا عن ابن رواحة وابن يعيش وابن قميرة والضيا وصفية القرشية وعدة وله مشيخة بانتقاء البرزالي وتفرد بأشياء عالية وتوفي في جمادى الآخرة بدمشق عن ثمانين سنة غير أشهر وفيها المسند المعمر ركن الدين بيبرس التركي العديمي قال الذهبي حدثنا عن الكاشغري وهبة الله بن الدوامي وجماعة وكان مسندا توفي بحلب في ذي القعدة عن نحو التسعين أو أكثر وفيها شيخ القراء تقي الدين أبو بكر ثابت بن محمد بن المشيع الجزري المقصاتي أم مدة بالرباط الناصري بسفح قاسيون وتلا على الشيخ عبد الصمد وغيره وروى عن الكواشي تفسيره وكان دينا صالحا بصيرا بالسبع وتوفي بدمشق في جمادى الآخرة عن بضع وثمانين سنة وفيها فخر الدين أبو عمرو عثمان بن محمد بن عثمان التوزري بفتح المثناة الفوقية والزاي بينهما واو ساكنة وآخره راء نسبة إلى توزر مدينة بأفريقية الحافظ المالكي المجاور سمع السبط وابن الجميزي وعدة وقرأ ما لا يوصف كثرة ثم جاور للعبادة مدة وكان قد تلا بالسبع وتوفي بمكة المشرفة في ربيع الآخر عن ثلاث وثمانين سنة وفيها الخطيب القاضي عماد الدين علي ابن الفخر عبد العزيز بن قاضي القضاة عماد الدين عبد الرحمن بن عبد العلي

ابن السكري المصري الشافعي خطيب جامع الحاكم ومدرس مشهد الحسين وقد ذهب في الرسالة إلى ملك التتار وحدث بدمشق عن جده لأمه ابن الجميزي وتوفي عن أربع وسبعين سنة

سنة أربع عشرة وسبعمائة

فيها جرت وقعة بقرب مكة بين الأخوين حميضة وأبي الغيث فقتل أبو الغيث واستولى حميضة على مكة وفيها توفي العدل المسند زين الدين إبراهيم بن عبد الرحمن بن تاج الدين أحمد بن القاضي أبي نصر بن الشيرازي الشافعي قال الذهبي حدثنا عن السخاوي وكريمة والنسابة والتاج بن حموية وطائفة وانتخب عليه العلائي مولده وتوفي في جمادى الآخرة وله ثمانون سنة
وفيها رشيد الدين إسمعيل بن عثمان بن المعلم القرشي الدمشقي الحنفي شيخ الحنفية سمع من ابن الزبيدي الثلاثيات وسمع من السخاوي والنسابة وجماعة وتفرد وتلا بالسبع على السخاوي وأفتى ودرس ثم انجفل إلى القاهرة سنة سبعمائة وتغير قبل موته بقليل وانهرم وتوفي بمصر في رجب عن إحدى وتسعين سنة ومات قبله ابنه المفتي تقي الدين بقليل وفيها نقيب الأشراف أمين الدين جعفر ابن شيخ الشيعة محي الدين محمد بن عدنان الحسيني توفي في حياة أبيه فولي النقابة بعده ولده شرف الدين عدنان وخلع عليه بطرحة وهو شاب طري قاله في العبر
وفيها الشيخ سليمان التركماني الموله قال الذهبي كان يجلس بسقاية باب البريد وحوله الكلاب ثم يطرق العلبيين وعليه عباءة نجسة ووسخ بين وهو ساكن قليل الحديث له كشف وحال من نوع إخبارات الكهنة وللناس فيه اعتقاد زائد وكان شيخنا إبرهيم الرقي مع جلالته يخضع له ويجلس عنده قارب سبعين سنة وكان يأكل في رمضان ولا صلاة ولا دين ورأيت من يحكي أنه يعقل ولكنه

يتجانن انتهى وفيها محتشم العراق القدوة شهاب الدين عبد المحمود بن عبد الرحمن بن أبي جعفر محمد بن الشيخ شهاب الدين السهروردي وخلف نعمة جزيلة وكان عالما واعظا حدث عن جده أبي جعفر
وفيها علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الرحمن بن خطاب الباجي بالباء الموحدة والجيم نسبة إلى باجة مدينة بالأندلس المصري الشافعي الإمام المشهور ولد سنة إحدى وثلاثين وستمائة سنة مولد النووي وتفقه بالشام على ابن عبد السلام ثم ولي قضاء الكرك قديما في دولة الملك الظاهر ثم دخل القاهرة واستوطنها وناب في الحكم ثم ترك ذلك ولزمته الطلبة للاشتغال عليه وممن أخذ عنه الشيخ تقي الدين السبكي أخذ عنه الأصلين وتخرج به في المناظرة وله مصنفات في فنون قال ابن شيبة كان أعلم أهل الأرض بمذهب الأشعري وكان هو بالقاهرة والصفي الهندي بالشام القائمين بنصرة مذهب الأشعري وكان ابن دقيق العيد كثير التعظيم له وقال التقى السبكي كان ابن دقيق العيد لا يخاطب أحدا إلا بقوله يا إنسان غير اثنين الباجي وابن الرفعة يقول للباجي يا إمام ولابن الرفعة يا فقيه وقال الأسنوي له في المحافل مباحث مشهورة وفي المشاهد مقامات مأثورة كان إماما في الأصلين والمنطق فاضلا فيما عداها كان أنظر أهل زمانه ومن أذكاهم قريحة لا يكاد ينقطع في المباحث فصيح العبارة وكان يبحث مع الكبير والصغير إلا أنه قليل المطالعة جدا ولا يكاد أحد يراه ناظرا في كتاب وصنف مختصرات في علوم متعددة واشتهرت وحفظت في حياته وعقب موته ثم انطفت كأن لم تكن توفي في ذي القعدة ودفن بالقرافة بقرب المكان المعروف بورش وفيها العالمة الفقيهة الزاهدة القانتة سيدة نساء زمانها الواعظة أم زينب فاطمة بنت عباس البغدادية الشيخة بمصر عن نيف وثمانين سنة وشيعها خلائق وانتفع بها خلق من النساء وتابوا وكانت وافرة العقل والعلم قانعة باليسير حريصة على النفع والتذكير ذات إخلاص وخشية وأمر بالمعروف انصلح بها نساء دمشق ثم نساء مصر وكان لها قبول زائد ووقع

في النفوس رحمها الله زرتها مرة قاله في العبر وفيها العدل جمال الدين ابن عطية بن إسمعيل بن عبد الوهاب بن محمد بن عطية اللخمي المتفرد بكرامات الأولياء عن مظفر الفوى مات وهو من أبناء الثمانين وفيها الصالح المعمر بقية السلف محمد حياك الله الموصلي بزاويته في سويقة كوم الريش بمصر ودفن بالقرافة وكان من الأخيار يقصد للزيارة والتبرك سئل عن مولده فقال قدمت مصر في أول دولة المعز أيبك التركماني وعمري خمس وثمانون سنة فيكون لي مائة وستون سنة وكان كثير الذكر والتلاوة وعنده محاضرة وعلى ذهنه أشياء ومن شعره
( إذا الحب لم يشغلك عن كل شاغل ** فما ظفرت كفاك منه بطائل )
( وما الحب إلا خمرة تسكر الفتى ** فيصبح نشوانا لطيف الشمائل )
( لقيني من أهواه يوما فقال لي ** بمن أنت مشغوف فقلت بسائلي )
( ولو أن في السلوان ما عنكم غني ** لخلصت قلبي واستراحت عواذلي )

سنة خمس عشرة وسبعمائة

فيها كما قال في العبر قتل أحمد الرويس الأقباعي بدمشق لاستحلاله المحارم وتعرضه للنبوة وكان له كشف وإخبار عن المغيبات فضل به الجهلة وكان يقول أتاني النبي صلى الله عليه وسلم وحدثني وكان يأكل الحشيشة ويترك الصلاة وعليه قباء
وفيها توفي السيد ركن الدين حسن بن شرف شاه الحسيني الأستراباذي صاحب التصانيف كان علامة متكلما نحويا مبالغا في التواضع يقوم لكل أحد حتى للسقاء وكانت جامكيته في الشهر ألفا وثمانية دراهم وتوفي بالموصل في المحرم وقد شاخ
وفيها الشيخة الصالحة ست الوزراء ابنة أبي الفضل يحيى بن محمد بن حمزة التغلبي الدمشقي مولدها سنة تسع وثلاثين وستمائة وأجاز لها ابن البخاري والضياء وعز الدين بن عساكر وعتيق السلماني وخطيب عقربا وجماعة وهي من بيت الحديث وفيها مسند الشام قاضي القضاة تقي الدين أبو الفضل سليمان بن

حمزة بن أحمد بن عمر بن أبي عمر محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي ثم الصالحي الحنبلي ولد في منتصف رجب سنة ثمان وعشرين وستمائة وحصر على ابن الزبيدي صحيح البخاري وعلى الفخر الأربلي وابن المقير وجماعة وسمع من ابن اللتي وجعفر الهمداني وكريمة القرشية والحافظ ضياء الدين وابن قمرية وخلق وأكثر عن الحافظ الضياء حتى قال سمعت منه نحو ألف جزء وكتب كثيرا من الكتب الكبار والأجزاء وأجاز له خلق من البغداديين كالسهروردي والقطيعي ومن المصريين كابن عمار وعيسى بن عبد العزيز وابن باقا ولازم الشيخ شمس الدين بن أبي عمر وأخذ عنه الفقه والفرائض وغير ذلك قال البرزالي شيوخه بالسماع نحو مائة شيخ وبالإجازة أكثر من سبعمائة وخرجت له المشيخات والعوالي والمصالحات والموافقات ولم يزل يقرأ عليه إلى قبل وفاته بيوم قال وكان شيخاجليلا فقيها كبيرا بهي المنظر وضيىء الشيبة حسن الشكل مواظبا على حضور الجماعات وقيام الليل والتلاوة والصيام وأوراد وعبادة وكان عارفا بالفقه خصوصا كتاب المقنع قرأه واقرأه مرات وكان قوي النفس لين الجانب حسن الخلق متوددا إلى الناس حريصا على قضاء الحوائج وعلى النفع المتعدى وحدث بثلاثيات البخاري سنة ست وخمسين وستمائة وحدث بجميع الصحيح سنة ستين وولي القضاء سنة خمس وتسعين وقال الذهبي كان إماما محدثا أفتى نيفا وخمسين سنة وبرع في المذهب وتخرج به الفقهاء وروى الكثير وتفرد في زمانه وكان يقول لم أصل الفريضة قط منفردا الا مرتين وكأنى لم أصلهما وسمع من الأبيوردي وذكره في معجمه مع أنه توفي قبله بدهر وابن الخباز وتوفي قبله بمدة وسمع منه أئمة وحفاظ وروى عنه خلق كثير وتوفي ليلة الإثنين حادي عشرى ذي القعدة بمنزله بالدير فجأة وكان قد حكم يوم الإثنين بالمدينة وطلع إلى الجبل آخر النهار فعرض له تغير يسير وتوضأ للمغرب ومات عقيب المغرب ودفن من الغد بتربة جده الشيخ أبي عمر وفيها الشيخ

الزاهد محي الدين علي بن محتسب دمشق فخر الدين محمود بن سيما السلمي روى عن أبيه حضورا وعن ابن عبد الدايم وأجاز له ابن دحية والأربلي وجماعة وكان خيرا دينا منقطعا عن الناس توفي بدمشق في بستانه في صفر عن أربع وثمانين سنة
وفيها محب الدين أبو الحسن علي بن محمد بن علي بن وهب بن مطيع القاضي الإمام الشافعي بن الإمام تقي الدين بن دقيق العيد ولد بقوص في صفر سنة سبع وخمسين وستمائة وأخذ عن والده وسمع الحديث وحدث وناب في الحكم عن والده قال الأسنوي كان فاضلا ذكيا علق على التعجيز شرحا جيدا لم يكمله وانقطع في القرافة مدة وتوفي في شهر رمضان بمصر ودفن عند أبيه وفيها العلامة شيخ الشيوخ صفي الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الرحيم بن محمد الأرموي ثم الهندي الشافعي المتكلم على مذهب الأشعري مولده بالهند في ربيع الآخر سنة أربع وأربعين وستمائة وتفقه على جده لأمه الذي توفى سنة ست وستمائة وسار من دلى سنة سبع وستين إلى اليمن وحج وجاور ثلاثة أشهر وجالس ابن سبعين ثم قدم مصر فأقام بها أربع سنين ثم سافر إلى بلاد الروم فأقام بها إحدى عشرة سنة بقونية وغيرها وأخذ عن صاحب التحصيل ثم قدم دمشق سنة خمس وثمانين وسمع من ابن البخاري وولي بها مشيخة الشيوخ ودرس بها بالظاهرية الجوانية والأتابكية والرواحية والدولعية وانتصب للإفتاء والإقراء في الأصول والمعقول والتصنيف والنظر وأخذ عنه ابن المرحل وابن الوكيل والفخر المصري والكبار وكان ذا دين وتعبد وإيثار وخير وحسن اعتقاد وكان يحفظ ربع القرآن قال السبكي كان من أعلم الناس بمذهب الشيخ أبي الحسين وأدراهم بأسراره متضلعا بالأصلين وقال الأسنوي كان فقيها أصوليا متكلما أديبا متعبدا توفي بدمشق في صفر عن إحدى وسبعين سنة ودفن بمقابر الصوفية ومن تصانيفه في علم الكلام الزبدة والفائق وفي أصول الفقه النهاية والرسالة السيفية وكل مصنفاته حسنة جامعة لا سيما النهاية انتهى وفيها العلامة المفتي شمس الدين بن العونسي محمد بن

أبي القسم بن جميل المالكي ولي قضاء الأسكندرية مدة وكان علامة متفننا توفي بمصر وله ست وسبعون سنة وفيها تاج الدين أبو المكارم محمد بن كمال الدين أحمد بن محمد بن عبد القاهر بن النصيبي قال الذهبي مكثر عن يوسف بن خليل وكان مدرس العصرونية ووكيل بيت المال وولي مرة نظر الأوقاف وكتابة الإنشاء وتوفي بحلب عن أربع وسبعين سنة وفيها ناصر الدين محمد بن يوسف بن محمد بن المهتار نقيب الحاكم سمع المرجا بن شقيرة ومكي بن علان وأبا عمرو بن الصلاح وعدة وله مشيخة وأجاز له ظافر بن شحم وابن المقير وتفرد بأشياء وتوفي في ذي الحجة عن تسع وسبعين سنة وفيها عز الدين أبو الفتح موسى بن علي بن أبي طالب العلوي الموسوي الدمشقي الحنفي روى عن الأربلي حضورا وعن مكرم والسخاوي وابن الصلاح وجماعة وتفرد ورحل إليه وتوفي في ذي الحجة بمصر عن سبع وثمانين سنة

سنة ست عشرة وسبعمائة

فيها توفي أبو إسحق إبراهيم بن أحمد بن عيسى الغافقي الأشبيلي المالكي سمع التيسير من ابن حوير بسماعه من أبي حمزة وبحث كتاب سيبويه على ابن أبي الربيع وتلا بالسبع وكان مقرئا نحويا ذا علوم وتصانيف وجلالة وتلامذة توفي بسبتة وله خمس وسبعون سنة وفيها المقرىء المعمر صدر الدين أبو الفدا إسمعيل بن يوسف بن مكتوم بن أحمد القيسي الدمشقي سمع ابن اللتي ومكرما وابن الشيرازي والسخاوي وقرأ عليه بثلاث روايات وكان فقيها بالمدارس ومقريا بالزويزانية وله أملاك وتفرد بأجزاء وتوفي بدمشق في شوال عن ثلاث وتسعين سنة
وفيها الرئيس العدل شمس الدين عبد القادر بن يوسف بن مظفر بن الحظيري الدمشقي ولي نظر الخزانة ونظر الجامع ونظر المارستان وحدث عن ابن رواج وبالإجازة عن علي بن الجمل وابن الصفراوي وطائفة وكان دينا صينا أمينا وافر الجلالة

وتوفي في جمادى الأولى عن إحدى وثمانين سنة وفيها كشتية الناصري
وفيها علاء الدين علي بن مظفر الكندي ويعرف بكاتب ابن وداعة سمع من البكري وإبراهيم بن خليل وطبقتهما وتلا بالسبع على العلم القسم وغيره ونسخ الأجزاء كان أديبا بارعا محدثا من جياد الطلبة على رقة في دينه وهنات وله نظم ونثر وحسن كتابة ولي مشيخة النفيسية مدة وكتابة الإنشاء وتوفي عن ست وسبعين سنة قاله الذهبي
وفيها نجم الدين أبو الربيع سليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم بن سعيد الطوفي الصرصري ثم البغدادي الحنبلي الأصولي المتفنن ولد سنة بضع وسبعين وستمائة بقرية طوفا من أعمال صرصر وحفظ بها مختصر الخرقي في الفقه واللمع في النحو لابن جنى وتردد إلى صرصر وقرأ الفقه بها على الشيخ شرف الدين علي بن محمد الصرصري ثم دخل بغداد سنة إحدى وتسعين فحفظ المحرر في الفقه وبحثه على الشيخ تقي الدين الزريراني وقرأ العربية والتصريف على أبي عبد الله محمد بن الحسين الموصلي والأصول على النصير الفارقي وغيرهم وقرأ الفرائض وشيئا من المنطق وجالس فضلاء بغداد في أنواع الفنون وعلق عنهم وسمع الحديث من ابن الطبال وغيره وسافر إلى دمشق سنة أربع وسبعمائة فسمع بها الحديث من ابن حمزة وغيره ولقي الشيخ تقي الدين بن تيمية والمزى والبرزالي ثم سافر إلى مصر سنة خمس وسبعمائة فسمع من الحافظ عبد المؤمن بن خلف والقاضي سعد الدين الحارثي وقرأ على أبي حيان النحوي مختصره لكتاب سيبويه ولقي بها جماعة وحج وجاور بالحرمين الشريفين وسمع بهما وقرأ بهما كثيرا من الكتب وأقام بالقاهرة مدة وصنف تصانيف كثيرة منها الأكسير في قواعد التفسير والرياض النواضر في الأشباه والنظاير وبغية الواصل إلى معرفة الفواصل وشرح مقامات الحريري في مجلدات وغير ذلك وكان مع ذلك كله شيعيا منحرفا في الاعتقاد عن السنة حتى أنه قال في نفسه أشعري حنبلي رافضي هذه إحدى العبر ووجد له في الرفض قصائد ويلوح به في كثير من تصانيفه حتى أنه صنف كتابا سماه العذاط الواصب على أرواح النواصب قال تاج الدين أحمد

ابن مكتوم اشتهر عنه الرفض والوقوع في أبي بكر رضي الله عنه وابنته عائشة رضي الله عنها وفي غيرهما من جلة الصحابة رضوان الله عليهم وظهر له في هذا المعنى أشعار بخطه نقلها عنه بعض من كان يصحبه ويظهر موافقة له منها قوله في قصيدة
( كم بين من شك في خلافته ** وبين من قيل أنه الله )
فرفع أمر ذلك إلى قاضي الحنابلة سعد الدين الحارثي وقامت عليه بذلك البينة فتقدم إلى بعض نوابه بضربه وتعزيره وإشهاره وطيف به ونودي عليه بذلك وصرف عن جميع ما كان بيده من المدارس وحبس أياما ثم أطلق فخرج من حينه مسافرا فبلغ قوص من صعيد مصر وأقام بها مدة ثم حج في أواخر سنة أربع عشرة وجاور سنة خمس عشرة ثم حج ثم نزل إلى الشام في الأرض المقدسة فأدركه الأجل في بلد الخليل عليه السلام في شهر رجب وفيها طقطاي بن منكوتمر بن طغاي بن باطو بن الطاغية الأكبر جنكز خان المغلي التتري ملك القبجاق جلس على تخت الملك وعمره سبع سنين وكان يحب السحرة ويعظمهم ويحب الأطباء وممالكه واسعة جدا منها قرم وسراي وغير ذلك وكان له جيش عظيم إلى الغاية يقال أنه جهز عسكرا مرة يشتمل على مائتي ألف فارس وطالت أيامه إلى هذه السنة وكانت دولته ثلاثا وعشرين سنة وملك بعده أخوه أزبك خان وفيها مسندة الوقت ست الوزراء بنت عمر بن أسعد بن المنجا التنوخية روت عن أبيها القاضي شمس الدين وابن الزبيدي وحدثت بالصحيح وبمسند الشافعي بدمشق ومصر مرات وكانت على خير عظيم وتوفيت في شعبان فجاءة عن اثنتين وتسعين سنة
وفيها سلطان التتار غياث الدين خربندا بن أرغون بن أبغا بن هلاكو هلك من هيضة في آخر رمضان ولم يتكهل وكانت دولته ثلاث عشرة سنة وتملك بعده ابنه أبو سعيد وفيها بحماة أم أحمد فاطمة بنت النفيس محمد بن الحسين بن رواحة روت أجزاء عن عمها بمصر وطرابلس قال الذهبي سمعنا منها
وفيها الشيخ العلامة ذو الفنون صدر الدين أبو عبد الله محمد بن عمر بن مكي

ابن عبد الصمد بن عطية بن أحمد بن عطية الشافعي العثماني المعروف بابن المرحل وبابن الوكيل ولد بدمياط في شوال سنة خمس وستين وستمائة ونشأ بدمشق وسمع من ابن علان والقسم الأربلي وحفظ كتبا يقال أنه كان إذا وضع بعضها على بعض كانت طول قامته وحفظ المفصل في مائة يوم ومقامات الحريري في خمسين يوما وديوان المتنبي في جمعة واحدة قاله ابن قاضي شهبة وتفقه على والده وعلى الشيخ شرف الدين المقدسي والشيخ تاج الدين الفزاري وغيرهم وأخذ الأصلين عن الصفي الهندي والنحو عن بدر الدين بن مالك وبرع وأفتى وله اثنتان وعشرون سنة واشتغل وناظر واشتهر اسمه وشاع ذكره ودرس بالشاميتين والعدرواية وولى مشيخة دار الحديث الأشرافية وخالط النائب أقش الأفرم وجرت له أمور لا يحسن ذكرها ولا يرشد أمرها وأخرجت جهاته وانتقل إلى حلب فأقام بها مدة ودرس ثم انتقل إلى الديار المصرية ودرس بالمشهد الحسيني وجمع كتاب الأشباه والنظائر وأثنى عليه السبكي كثيرا وله نظم رائق وشعر فائق منه
( ليذهبوا في ملامي أية ذهبوا ** في الخمر لا فضة تبقى ولا ذهب )
( لا تأسفن على مال تفرقة ** أيدي سقاة الطلا والخرد العرب )
( راح بها راحتي في راحتي حصلت ** فتم عجبي بها وازدادني العجب )
( فما كسوارا حتى من راحها حللا ** إلا وعروا فؤادي الهم واستلبوا )
( إذ ينبع الدن من حلو مذاقته ** والتبر من منسبك في الكاس منسكب )
( وليست الكيميا في غيرها وجدت ** وكلما قيل في ألوانها كذب )
( قيراط خمس على القنطار من حزن ** يعود في الحال أفراجا وينقلب )
( عناصر أربع في الكاس قد جمعت ** وفوقها الفلك السيار والشهب )
( ماء ونار هواء أرضها قدح ** وطوقها فلك والأنجم الحبب )
( ما الكأس عندي بأطراف الأنامل بل ** بالخمس تقبض لا يحلو لها الهرب )
( شججت بالماء منها الرأس موضحة ** فحين أعقلها بالخمس لا عجب )


( وما تركت بها الخمس التي وجبت ** وإن رأوا تركها في بعض ما يجب )
( وإن تقطب وجهي حين تبسم لي ** فعند بسط الموالي يحسن الأدب )
( عاطيتها من بنات الترك غانية ** كإظهار لأسود والسود قد غلبوا )
( ما قلت أردافها مهما برزت بها ** قف لي عليها وقل لي هذه الكتب )
( وإن مررت بشعر فوق قامتها ** بالله قل لي كيف البان والعذب )
( تحكي الثنايا التي أبدته من حبب ** لقد حكيت ولكن فاتك الشنب )
وله
( عيرتني بالسقم أنك مشبهى ** ولذاك خصرك مثل جسمي ناحلا )
( وأراك تشمت إذ رأيتك سائلا ** لا بد أن يأتي عذارك سائلا )
قال الذهبي تخرج به الأصحاب وكان أحد الأذكياء وقال ابن شهبة توفي في ذي الحجة بالقاهرة ودفن بالقرافة بتربة القاضي فخر الدين ناظر الجيش ولما بلغت وفاته ابن تيمية قال أحسن الله عزاء المسلمين فيك يا صدر الدين
وفيها على خلاف في ذلك محمد بن يوسف بن عبد الله بن محمود الجزري ثم المصري شمس الدين أبو عبد الله ولد سنة سبع وثلاثين وستمائة واشتغل بالعلم وأخذ بقوص عن الأصفهاني وشرح منهاج البيضاوي شرحا حسنا والفية بن مالك وأخذ السبكي عنه علم الكلام وتوفي بمصر في ذي القعدة
وفيها على خلاف أيضا شمس الدين أبو عبد الله محمد بن يوسف بن أبي بكر ابن هبة الله الحزري ثم المصري الشافعي ويعرف بابن المحوجب وفي بلاده بابن القوام ولد سنة ست وثلاثين وستمائة كذا رأيته في بعض تواريخ المصريين وقرأ القراآت السبع وأخذ بدمشق النحو عن شرف الدين بن المقدسي وبقوص المعقولات عن الأصفاني والفقه عن الشيخين ابن دقيق العيد والدشناوي وأخذ بمصر عن القرافي قال الأسنوي كان ذكيا أقام بمصر وأخذ عنه كثير من طلبتها ودرس بالمعزية بعد موت ابن الرفعة وكانت السوداء تغلب على مزاجه توفي في رجب سنة إحدى عشرة

وسبعمائة وقد جاوز الثمانين كذا قاله الأسنوي

سنة سبع عشرة وسبعمائة

في مستهل صفرها شرع في بناء جامع تنكز ظاهر دمشق
وفي صفرها أيضا كانت الزيادة العظمى ببعلبك فغرق في البلد مائة وبضع وأربعون نسمة وخرق السيل سورها الحجارة مساحة أربعين ذراعا ثم تدكدك بعد مكانه بمسيرة نحو من خمسمائة ذراع فكان ذلك آية بينة وتهدم من البيوت والحوانيت نحو ستمائة موضع وفيها ظهر جبلى ادعى أنه المهدى بجبلة وثار معه خلق من النصيرية والجهلة وبلغوا ثلاثة آلاف فقال أنا محمد المصطفى مرة ومرة قال أنا علي وتارة قال أنا محمد بن الحسن المنتظر وزعم أن الناس كفرة وأن دين النصيرية هو الحق وأن الناصر صاحب مصر قد مات وعاثوا بالساحل واستباحوا جبلة ورفعوا أصواتهم وقالوا لا إله إلا على ولا حجاب إلا محمد ولا باب إلا سلمان ولعنوا الشيخين وخربوا المساجد وكانوا يحضرون المسلم إلى طاغيتهم ويقولون اسجد لالهك فسار إليهم عسكر طرابلس وقتل الطاغية وجماعة وتمزقوا قاله في العبر
وفيها مات الأديب الفاضل شهاب الدين أحمد بن أبي المحاسن الطيبي الطرابلسي بها ومن شعره
( ما مسني الضيم إلا من أحبائي ** فليتني كنت قد صاحبت أعدائي )
( ظننتهم لي دواء الهم فانقلبوا ** داء يزيد بهم همي وأدوائي )
( من كان يشكو من الأعداء جفوتهم ** فإنني أنا شاك من أودائي )
وفيها أبو بكر أحمد بن أبي بكر البغدادي الدمشقي المعروف بنقيب المتعممين كانت عنده فضائل في النظم والنثر مما يناسب الوقائع ويحضر التهاني والتعازي ويعرف الموسيقيا والشعبذة وضرب الرمل ويحضر مجالس البسط والهزل ثم انقطع لكبر سنه حكاه ابن الجزري في تاريخه وفيها وجزم ابن شهبة أنه في التي قبلها فقال

يوسف بن محمد بن موسى بن يونس بن منعة كمال الدين أبو المعالي بن بهاء الدين ابن كمال الدين بن رضى الدين بن قاضي الموصل قال بعض المتأخرين في طبقات جمعها انتهت إليه رياسة إقليمه وشرح الحاوي وقدم رسولا من غازان على الملك الناصر فأكرمه وظهر له من الحشمة والمهابة ما يليق ببيته وأصالته مات بالسلطانية سنة ست عشرة وسبعمائة انتهى كلام ابن شهبة وفيها على خلاف أيضا عز الدين أبو حفص عمر بن أحمد بن أحمد المدلجي النسائي المصري قال ابن شهبة لا أدري عمن أخذ الفقه وسمع من جماعة ودرس بالفاضلية وله على الوسيط إشكالات حسنة مفيدة إلا أنها لم تكمل وعليه تفقه ولده كمال الدين والشيخ مجد الدين الزنكلوني وقال الأسنوي كان إماما بارعا في الفقه والنحو والعلوم الحسابية محققا دينا ورعا زاهدا متصوفا يحب السماع ويحضره وكانت في أخلاقه حدة وانتفع به خلق كثير وقال ابن السبكي كان فقيها كبيرا ورعا صالحا حج في البحر من عيذاب سنة ست عشرة وسبعمائة وتوفي في تلك السنة بمكة في العشر الأخير من ذي القعدة وقيل في ذي الحجة ودفن بالمعلى انتهى وفيها شرف الدين الحسين بن علي بن إسحق بن سلام بتشيديد اللام بن عبد الوهاب بن الحسن بن سلام الشافعي ولد سنة ثلاث وسبعين وستمائة واشتغل فبرع وحصل وأفتى وناظر ودرس بالعدراوية وولي إفتاء دار العدل أيام الأفرم وكلام الكتبي يفهم أنه أول من ولي الإفتاء بها قال الذهبي كان من الأذكياء وقال ابن كثير كان واسع الصدر كبير الهمة كريم النفس مشكورا في فهمه وحفظه وفصاحته ومناظرته توفي بدمشق في رمضان ودفن بباب الصغير وفيها الرشيد فضل الله بن أبي الخير الهمذاني الطبيب كان أبوه يهوديا عطارا فاشتغل هذا في المنطق والفلسفة وأسلم واتصل بغازان وعظم في دولة خربندا بحيث أنه صار في رتبة الملوك قام عليه

الوزير على شاه بأنه هو الذي قتل القان خربندا لكونه أعطاه على هيضة مسهلا فتقيأ فخارت قواه فاعترف وبرطل جوبان بألف ألف دينار فما نفع بل قتل هو وابنه وكان يوصف بحلم ولطف وسخاء ودهاء فسر القرآن العظيم فشحنه بآراء الأوائل وعاش نيفا وسبعين سنة وقيل بل كان جيد الإسلام وهو والد الوزير المعظم محمد بن الرشيد وكان وزير التتار ومدبر دولتهم وفيها المحدث الإمام الشيخ علي بن محمد الجبني بالضم والتشديد نسبة إلى الجبن المأكول الصوفي روى عن الفخر علي وتاج الدين الفزاري وكان تقيا دينا مؤثرا كثير المحاسن توفي في المحرم عن سبع وأربعين سنة وفيها الشيخ تاج الدين محمد بن علي الباريناري المصري العالم الشافعي الملقب طوير الليل قال السبكي أحد أذكياء الزمان برع فقها وأصولا ومنطقا قرأ الأصول والمعقول على الأصبهاني شارح المحصول وسمعت الوالد رحمه الله يقول قال لي ابن الرفعة من عندكم من الفضلاء في درس الظاهرية فقلت له قطب الدين السنباطي وفلان وفلان حتى انتهيت إلى الباريناري فقال لي ما في من ذكرت مثله مولده سنة أربع وخمسين وستمائة انتهى
وفيها المعمر قاضي المالكية بدمشق جمال الدين محمد بن سليمان بن سومر الزواوي استمر قاضيا بدمشق ثلاثين سنة قال الذهبي ثنا الزواوي عن الشرف المرسي وابن عبد السلام وأصابه فالج سنوات فعجز عن المنصب فجاء على منصبه قبل موته بعشرين يوما العلامة فخر الدين بن سلامة الأسكندراني وتوفي الزواوي بدمشق عن بضع وثمانين سنة وفيها أبو القسم محمد بن خالد بن إبراهيم الحراني الفقيه الحنبلي التاجر بدر الدين أخو الشيخ تقي الدين بن تيمية لأمه ولد سنة خمسين وستمائة تقريبا بحران وسمع بد مشق من ابن عبد الدايم وابن أبي اليسر وابن الصيرفي وابن أبي عمر وغيرهم وتفقه ولازم الاشتغال على الشيوخ وأفتى بالمدرسة الجوزية وبمسجد الرماحين بسوق جقمق ودرس بالمدرسة الحنبلية نيابة عن أخيه الشيخ تقي الدين مدة قال الذهبي كان فقيها عالما إماما بالجوزية وله رأس مال

يتجر به وكان قد تفقه على أبي زكريا بن الصيرفي وابن المنجا وغيرهما سمعنا منه أجزاء وكان خيرا متواضعا وقال البرزالي كان فقيها مباركا كثير الخير قليل الشر حسن الخلق منقطعا عن الناس وكان يتجر ويتكسب وترك لأولاده تركه وروى جزء ابن عرفة مرارا عديدة وتوفي يوم الأربعاء ثامن جمادى الآخرة ودفن بمقابر الصوفية عند والدته
وفيها شمس الدين محمد بن الصلاح موسى بن خلف بن راجح الصالحي الحنبلي سمع ابن قميرة والرشيد بن مسلمة وجماعة وله نظم جيد توفي في جمادى الآخرة في عشر الثمانين
وفيها القاضي الأثير شرف الدين عبد الوهاب بن فضل الله بن مجلى العدوي كاتب السر بمصر ثم بدمشق كان دينا عاقلا ناهضا ثقة مشكورا مليح الخط والأنشاء روى عن ابن عبد الدايم وتوفي بدمشق في رمضان عن أربع وتسعين سنة
وفيها القاضي الأديب علاء الدين علي بن الصاحب فتح الدين محمد بن عبد الله بن عبد الظاهر بن نشوان السعدي الجذامي كان من كبار المنشئين وعلمائهم ورثاه الشهاب محمود بقصيدة أولها
( الله أكبر أي ظل زالا ** عن آمليه وأي طود مالا )
( أنعى إلى الناس المكارم والعلا ** والجود والإحسان والأفضالا )
وفيها فخر الدين عثمان بن بلبان المقاتلي معيد المنصورية قال الذهبي كان رفيقنا محدثا رئيسا حدث عن أبي حفص بن القواص وطبقته وارتحل وحصل وكتب وخرج وكان نديما إخباريا توفي بمصر عن اثنتين وخمسين سنة
وفيها المقرى زين الدين محمد بن سليمان بن أحمد بن يوسف الصنهاجي المراكشي ثم الأسكندراني إمام مسجد قداح سمع من ابن رواج ومظفر بن الفوى وتوفي في ذي الحجة قاله في العبر

سنة ثمان عشرة وسبعمائة

فيها كان القحط المفرط بالجزيرة وديار بكر وأكلت الميتة وبيع الأولاد وجلا الناس ومات بعض الناس من الجوع وجرى ما لا يعبر عنه وكان أهل بغداد في قحط أيضا ولكن دون ذلك وجاءت بأرض طرابلس زوبعة أهلكت جماعة وحملت الجمال في الجو قاله في العبر وفيها توفي كمال الدين أحمد بن الشيخ جمال الدين محمد بن أحمد بن الشريشي الوابلي البكري الشافعي وكيل بيت المال وشيخ دار الحديث وشيخ الرباط الناصري مولده في رمضان سنة ثلاث وخمسين وستمائة وسمع ورحل وطلب مدة وقرأ بنفسه الكتب الكبار وكان أبوه مالكيا فاشتغل هو في مذهب الشافعي وأفتى ودرس وناظر وناب في القضاء عن ابن جماعة ثم ترك ذلك ودرس بالشامية البرانية وبالناصرية عشرين سنة قال ابن كثير اشتغل في مذهب الشافعي فبرع وحصل علوما كثيرة وكان خبيرا بالنظم والنثر وكان مشكور السيرة فيما يتولاه من الجهات كلها توفي في سلخ شوال متوجها إلى الحج بالحسا ودفن هناك وفيها الشهاب المقرى الجنايزى أحمد بن أبي بكر بن حطة البغدادي أبوه الدمشقي هو صاحب الألحان والصوت الطيب وله نظم ونثر وفضائل وظرف ومنادمة ووعظ توفي في ذي القعدة عن خمس وثمانين سنة
وفيها المهتار شهاب الدين أحمد بن رمضان عرف بابن كسيرات مهتار الطستخاناه وهو الذي سعى في تبطيل ما يؤخذ من قوام الحمامات للرجال والنساء في سنة اثنتي عشرة وسبعمائة واستمر الحال إلى الآن وفيها فخر الدين أحمد بن سلامة بن أحمد الأسكندراني المالكي القاضي العلامة الأصولي البارع كان حميد السيرة بصيرا بالعلم محتشما توفي بدمشق في ذي الحجة عن سبع وخمسين سنة وفيها مجد الدين أبو بكر بن محمد بن قاسم التونسي الشافعي قال الذهبي هو شيخ النحاة والبحاثين أخذ القراآت والنحو عن الشيخ حسن الراشدي وتصدر بتربة الأشرفية

وبأم الصالح وتخرج به الفضلاء وكان دينا صينا ذكيا حدثنا عن الفخر علي وتوفي في ذي القعدة عن اثنتين وثمانين سنة وفيها السيد ركن الدين أبو محمد الحسن بن محمد بن شرفشاه الإمام العلامة المفنن الحسيني الأستراباذي الشافعي أخذ عن النصير الطوسي وحصل وتقدم وكان الطوسي قد جعله رئيس أصحابه بمراغة يعيد دروس الجلة ثم انتقل إلى الموصل ودرس بالنورية بها وشرح مختصر ابن الحاجب شرحا متوسطا وشرح الحاجبية ثلاثة شروح المتوسط أشهرها وشرح الحاوي في أربع مجلدات فيه اعتراضات على الحاوي حسنة وتوفي في هذه السنة في المحرم عن نيف وسبعين سنة بالموصل وقيل توفي في سنة خمس عشرة
وفيها برهان الدين أبو إسحق إبراهيم بن الشيخ عز الدين عبد الحافظ بن أبي محمد عبد الحميد بن محمد بن أبي بكر بن ماضي المقدسي الحنبلي تفقه بدمشق وحضر بنابلس على خطيب مردا وسمع وكتب بخطه كثيرا قال الذهبي كان فقيها إماما عارفا بالفقه والعربية وفيه دين وتواضع وصلاح وسمعت منه قصيدته التي يرثى بها الشيخ شمس الدين بن أبي عمر ثم روى عنه حديثا وقال ابن رجب كان عدلا وفقيها في المدارس من أهل الدين والعفاف وكان كثير السكوت قليل الكلام توفي بالصالحية ودفن بتربة الشيخ موفق الدين وكان من أبناء التسعين
وفيها أبو بكر بن المنذر بن زين الدين أحمد بن عبد الدايم بن نعمة المقدسي الحنبلي قال الذهبي كان مسند الوقت صالحا سمع حضورا في سنة سبع وعشرين وستمائة وسمع من ابن الزبيدي والناصح والأربلي والهمذاني وسالم بن صصرى وطائفة وتفرد وكان ذا همة وجلادة وذكر وعبادة لكنه أضر وثقل سمعه وتوفي في رمضان عن ثلاث وتسعين سنة وأشهر وفيها تقي الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن تمام بن حسان التلى الصالحي الأديب الزاهد الحنبلي ولد سنة خمس وثلاثين وستمائة وسمع الحديث من ابن قميره والمرسي واليلداني

وجماعات وقرأ النحو والأدب على الشيخ جمال الدين بن مالك وعلى ولده بدر الدين وصحبه ولازمه مدة وأقام بالحجاز مدة قال البرزالي كان شيخا فاضلا بارعا في الأدب حسن الصحبة مليح المحاضرة صحب الفضلاء والفقراء وتخلق بالأخلاق الجميلة زاهدا متقللا من الدنيا لم يكن له أثاث ولا طاسة ولا فراش ولا زبدية ولا سراج بل كان بيته خاليا من ذلك كله ومن شعره
( يا من عصيت عواذلي في حبه ** وأطعت قلبي في هواه وناظري )
( لي في هواك صبابة عذرية ** علقت بأذيال النسيم الحاجري )
( وحديث وجدي في هواك مكرر ** فلذاك يحلو إذ يمر بخاطري )
توفي ليلة السبت ثالث ربيع الآخر ودفن من الغد بمقابر المرداويين بالقرب من تربة الشيخ أبي عمر وفيها تاج الدين عبد الرحمن بن محمد بن أفضل الدين حامد التبريزي الأفضلي الشافعي الواعظ قال الذهبي كان شيخ تبريز إماما قدوة قانتا مذكرا مات في رمضان ببغداد بعد حجه كهلا وفيها زين الدين علي بن مخلوف بن ناهض النويري المالكي قاضي المالكية بمصر كانت ولايته ثلاثا وثلاثين سنة وحدث عن المرسي وغيره وكان مشكور السيرة وتوفي بمصر عن ثلاث وثمانين سنة وفيها الإمام القدوة بركة الوقت الشيخ محمد بن عمر بن الشيخ الكبير أبي بكر بن قوام البالسي نزيل دمشق ولد سنة خمسين وستمائة قال الذهبي كان كبير القدر ذا صدق وإخلاص وانقباض عن الناس متين الديانة قرأت عليه أوراقا من أوائل الغيلانيات وسمع من الشيخ شمس الدين ابن الشيخ أبي عمر والكمال عبد الرحيم والفخر وطائفة وقد ألف سيرة لجده في ثلاث كراريس وقال ابن كثير كان شيخا جليلا بشوش الوجه حسن السمت مقصدا لكل أحد كثير الوقار عليه سيما العبادة والخير ولم يكن له مرتب على الدولة ولا لزاويته وقد عرض عليه ذلك فلم يقبل وكان لديه علم وفضل وله فهم صحيح

ومعرفة تامة وحسن عقيدة وطوية صحيحة ومات في شهر صفر بزاويتهم في سفح قاسيون وفيها محمد بن عمر بن أحمد بن خشير الزاهد قال الشيخ عبد الرءوف المناوي في طبقاته كان عالما عاملا عارفا كاملا معروفا بالصلاح طائرا بجناح النجاح ذا كرامات مشهورة وإشارات بين القوم مذكورة وكان في بدايته يختلي في مكان مشهود له بالفضل فأقام فيه شهرا فدخل رجل فسلم وأحرم بركعتين ثم صلى ثلاثة أيام ولم يجدد وضوءا قال صاحب الترجمة فقلت هذا الرجل أعطى هذا الحال وأنت مقيم في هذا الموضع مدة ما فتح عليك بشيء ثم عزمت على الخروج فالتفت إلي وقال يقرع أحدكم بالباب مدة حتى يوشك أن يفتح له ثم يعزم على الخروج فأقمت فما تم لي أربعون يوما إلا وكلى عين ناظرة وله كلام في الحقائق يدل على كمال فضله وتوسعه في علوم المعارف فمنه المجتبى مطلوب والمنيب طالب { يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب } والسلام على من اتبع لا من ابتدع وقال رأس مال الفقير الثقة بالله وإفلاسه الركون إلى الخلق { ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار } والظلم تشترك فيه العامة والخاصة بدليل إن الإنسان لظلوم فإياك والركون لغير الله فتقع في الشرك الخفي وقال التعلق بغير الله تعب في الدنيا والآخرة والإقبال عليه بالقلب راحة فيهما والتوفيق كله من الله إلا أن التعرض للنفحات مندوب قال ذلك الهادي الرشاد الشافع في الميعاد عليه الصلاة والسلام انتهى ملخصا وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عمر بن عبد المحمود بن رباطر الحراني الفقيه الزاهد نزيل دمشق الحنبلي ولد سنة سبع وثلاثين وستمائة بحران وسمع بها من عيسى الخياط والشيخ مجد الدين بن تيمية وسمع بدمشق من إبراهيم بن خليل ومحمد بن عبد الهادي واليلداني وابن عبد الدايم وخطيب مردا وعنى بسماع الحديث إلى آخر عمره قال الذهبي كان فقيها زاهدا ناسكا سلفيا عارفا بمذهب الإمام أحمد وقال ابن رجب حدث وسمع منه

جماعة منهم الذهبي وصفي الدين عبد المؤمن بن عبد الحق وسافر سنة إحدى عشرة إلى مصر لزيارة الشيخ تقي الدين بن تيمية فأسر من سبخة بردويل وبقي مدة في الأسر ويقال أن الفرنج لما رأوا ديانته وأمانته واجتهاده أكرموه واحترموه انتهى وفيها الجلال محمد بن محمد بن حسن القاهري طباخ الصوفية حدث عن ابن قميرة وابن الجميزى والساوى وطائفة وتوفي بالقاهرة قاله في العبر
وفيها أبو الوليد محمد بن أبي القسم أحمد بن القاضي أبي الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن الحاج التجيبي القرطبي الإمام الكبير إمام محراب المالكية بدمشق ووالد إمامه كان من العلماء العاملين ومن بيت فضل وجلالة قال الذهبي حدثنا عن الفخر ابن البخاري وتوفي بدمشق في رجب وله ثمانون سنة

سنة تسع عشرة وسبعمائة

فيها كما قال في العبر جاء كتاب سلطاني يمنع ابن تيمية من فتياه بالكفارة في الحلف بالطلاق وجمع له القضاة وعوقب في ذلك واشتد المنع فبقي أصحابه يفتون بها خفية وفيها كانت الملحمة العظمى بالأندلس بظاهر غرناطة فقتل فيها من الفرنج أزيد من ستين ألفا ولم يقتل من عسكر المسلمين سوى ثلاثة عشر نفسا { إن في ذلك لآية } فلله الحمد على هذا النصر المبين واشتهرت هذه الكائنة وصحت لدينا قاله في العبر أيضا وفيها توفي شيخ القراء شهاب الدين حسين بن سليمان بن فزارة الكفري الحنفي قال الذهبي كان قاضيا مفتيا شيخ القراء تلا بالسبع على علم الدين القسم وأخذ عنه خلق وحدث عن ابن طلحة وغيره وكان دينا خيرا فقيها توفي بدمشق في شعبان عن اثنتين وثمانين سنة
وفيها الشيخ عبد الرحيم بن يحيى بن عبد الرحيم بن مسلمة القلانسي المقرىء قال الذهبي له مشيخة حدثنا عن عمه الرشيد بن مسلمة وابن علان وجماعة وعن السخاوي حضورا وكان فيه خير وقناعة مات بدمشق في المحرم عن سبع وسبعين

سنة وفيها مسند الوقت شرف الدين عيسى بن عبد الرحمن بن معالي بن أحمد الصالحي المطعم في الأشجار ثم السمسار في العقار سمع الصحيح بفوت من ابن الزبيدي وسمع الأربلي حضورا وسمع ابن اللتي وجعفر وكريمة والضياء وتفرد وتكاثروا عليه وكان أميا عاميا قاله في العبر وفيها سيف الدين عزلو الأمير الكبير العادلي الذي استنابه أستاذه العادل كتبغا على دمشق في آخر سنة خمس وتسعين وستمائة وكان أحد الشجعان العقلاء وله تربة مليحة بقاسيون توفي بدمشق ودفن بها وفيها الإمام بدر الدين محمد بن منصور الحلبي ثم المصري ابن الجوهري قال الذهبي كان صدرا كبير الرؤساء روى عن إبراهيم بن خليل والكمال الضرير وجماعة وتلا بالسبع وتفقه وكان فيه دين ونزاهة وتذكر للوزارة ومات غريبا بدمشق وله سبع وستون سنة وفيها العلامة أبو عبد الله محمد بن يحيى بن عبد الرحمن بن ربيع القرطبي تفرد بالسماع من الشلوبين والكبار وكان شيخ مالقة على الإطلاق وفيها الإمام القدوة العابد أبو الفتح نصر بن سليمان المنبجي المقرىء حدث عن إبرهيم بن خليل وجماعة وتلا بثلاث على الكمال الضرير وتفقه وانعزل ثم اشتهر وزاره الأعيان وكان الجاشنكير الذي تسلطن يتغالى في حبه وله سيرة ومحاسن جمة توفي بمصر في زاويته في الحسينية في جمادى الآخرة عن بضع وثمانين سنة وفيها وجزم السيوطي في حسن المحاضرة في التي قبلها فقال أبو العلاء رافع بن محمد بن هجرس بن شافع الصعيدي السلامي المقرىء المحدث جمال الدين والد الحافظ تقي الدين محمد بن رافع تفقه في مذهب الشافعي على العلم العراقي وأخذ النحو عن البهاء بن النحاس وسمع من أبي الحسن ابن البخاري وجماعة وتلا على أبي عبد الله محمد بن الحسن الأربلي الضرير وتصدر للأقراء بالفاضلية ولد بدمشق سنة ثمان وستين وستمائة ومات بالقاهرة في ذي الحجة سنة ثمان عشرة وسبعمائة انتهى كلام السيوطي وفيها نخوة بنت محمد بن عبد القاهر بن النصيبي قال الذهبي روت لنا عن يوسف بن خليل

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21