كتاب :شذرات الذهب في أخبار من ذهب
المؤلف:عبد الحي بن أحمد بن محمد العكري الحنبلي

وكان ممن يخشى لسانه وكان أبوه قاضي المدينة مات هو في رمضان وقد اختلط عقله انتهى وفيها علاء الدين علي بن محمود بن علي بن محمود بن علي بن محمود ثلاثة على نسق ابن العطار الحراني سبط الشيخ زين الدين الباريني ولد بعد الستين وسبعمائة وتفقه للشافعي بالشيخ أبي البركات الأنصاري وغيره وبرع في النحو والفرائض وتصدى لنفع الناس وتصدر بأماكن وكانت دروسه فائقة وكان يتوقد ذكاءا ذكر القاضي علاء الدين في تاريخ حلب أنه حفظ ربع ألفية العراقي في يوم واحد ولو عمر لفاق الأقران لكن مات عن نيف وثلاثين سنة في شهر رمضان وفيها علاء الدين علي بن محمد بن عبد الرحيم الأفقهسي المقبري قدم من بلده سنة إحدى وثلاثين وهو كبير فاشتغل وأخذ عن ابن عدلان والكمال النسائي وغيرهما ومهر في الفقه وشارك في غيره وكان دينا مع فكاهة فيه ودرس بأماكن بالقاهرة وأفاد وولي مشيخة خانقاه بشتك وناب في الحكم وتوفي في شوال وانتفع به جمع كثير وفيها محب الدين أبو البركات محمد بن أحمد بن الرضى إبراهيم بن محمد بن أبي بكر الطبري المكي قال ابن حجر ولد سنة بضع وعشرين وسمع من عيسى الحجي وطائفة من الوادي آشي والأمين الأقشهري وأجاز له الحجار وآخرون ومات في ذي القعدة اجتمعت به وصليت خلفه مرارا وكان أعرج لأنه سقط فانكسرت رجله وباشر العقود وعمر بعده أخوه أبو اليمن دهرا انتهى وفيها صلاح الدين أبو عبد الله محمد بن محمد بن سالم بن عبد الرحمن الأعمى الحنبلي الشيخ الإمام العالم الجيلي ثم المصري اشتغل وحصل وأشغل وأعاد ودرس وأفتى ودرس بالظاهرية الجديدة وبمدرسة السلطان حسن وتوفي بالقاهرة ليلة الأربعاء سادس ربيع الأول ودفن من الغد بحوش الصوفية
وفيها أمين الدين محمد بن محمد بن أحمد بن علي بن أحمد الدمشقي الحنفي الآدمي ولد سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة وأخذ عن زوج ابنته الفخر بن الفصيح وسمع من ابن الخباز وابن سبع وغيرهما وعنى بالعربية وأخذ عن الصلاح الصفدي وغيره

وكانت له وجاهة بدمشق وباشر بها أماكن وهو والد القاضي صدر الدين قال ابن حجي لم يكن محمودا بالنسبة إلى الوقيعة في الناس ومع ذلك فكان أحد أوصياء تاج الدين السبكي ثم صار من أخصاء البرهان بن جماعة ودرس بالأينالية وحصل له دنيا واسعة وأموالا جمة وعرض عليه بعض الحكام نيابة فلم يقبل وتوفي في جمادى الأولى فجأة وفيها جمال الدين محمد بن يحيى بن سليمان السكوني المغربي المالكي قال في أنباء الغمر كان عارفا بالمعقولات إلا أنه طائش العقل ولي قضاء حماة وطرابلس فلم يحمد ثم ولي قضاء دمشق شهرين بعد غلبة الظاهر فبدا منه طيش أهين بسببه وذلك أنه تصدى لأذى الكبار وتغريم بعضهم فكوتب فيه السلطان وعرفوه ثبوت فسقه فقدم مصر ثم نفى إلى الرملة فمات بها في أوائل هذه السنة وقال ابن حجي كان كثير الدعوى ولما عزل عن القضاء وقف للسلطان بمصر وشكا من غرمائه فقال له أنا ما عزلتك هم حكموا بعزلك فأخذ يعرض ببعض الأكابر فعملوا عليه حتى أخرجوه وفيها شرف الدين أبو البقاء محمود بن العلامة جمال الدين محمد بن الإمام كمال الدين أحمد بن محمد بن أحمد المعروف بابن الشريشي الشافعي العلامة الورع بقية السلف مفتي المسلمين وأقدم المدرسين وأقضى القضاة البكري الوايلي ولد سنة تسع وعشرين وسبعمائة بحمص وأخذ العلم عن والده والشيخ شمس الدين بن قاضي شهبة وأضرابهما وقرأ في الأصول والنحو والمعاني والبيان وشارك في ذلك كله مشاركة قوية ونشأ في عبادة وتقشف وسكون وأدب وانجماع عن الناس ودرس بالبادرائية نزل له والده عنها واستمر يدرس بها إلى حين وفاته من سنة خمسين وناب للقاضي تاج الدين في آخر عمره فمن بعده ولازم الاشتغال والافتاء واشتهر بذلك وصار هو المقصود بالفتاوى من سائر الجهات وكان يكتب على الفتاوى كتابة حسنة وقال الشيخ زين الدين القرشي يقبح علينا أن نفتي مع وجود ابن الشريشي وتخرج به خلق كثير وكتب بخطه أشياء كثيرة وكان محببا إلى الناس كله خير ليس فيه شيء من الشر وانتهت إليه وإلى رفيقه الشيخ شهاب الدين


( أحسن إلى من أساما استطعت واعف إذا ** قدرت واصبر على رزء البليات )
( وماء وجهك خير السلعتين فلا ** تبعه بخسا ولو باليوسفيات )
( فكل ما كان مقدورا ستبلغه ** وكل آت على رغم العدا آت )
وكان يلقب بالقرع وكتب له بقضاء دمشق بعد السبكي الكبير فلم يتم له وباشر توقيع الدست ونظر الجامع وكان حسن الخط جدا سريع الكتابة بحيث أنه كتب صداقا بمدة واحدة وكان مفرط الكرم حتى أنه افتقر آخرا جدا وانقطع ببستانه خاملا إلى أن مات في جمادى الآخرة وفيها علاء الدين علي بن محمد بن علي بن عبد الله بن أبي الفتح بن هاشم الكناني العسقلاني الحنبلي قاضي دمشق ولد سنة بضع عشرة وسمع من أحمد بن علي الجزري وأجاز له ابن الشحنة وناب أولا في الحكم بالقاهرة عن موفق الدين ثم ولي قضاء دمشق بعد موت ابن قاضي الجبل وكان فاضلا متواضعا دينا عفيفا وكان أعرج وهو والد جمال الدين عبد الله بن علاء الدين الجندي شيخ ابن حجر توفي في نصف شوال وقد نيف على السبعين
وفيها أمين الدين محمد بن القاضي برهان الدين إبرهيم بن علي بن أحمد الشهير بابن عبد الحق الحنفي ويعرف بابن قاضي الحصن كان فاضلا ممدحا من الأعيان اشتغل ودرس بالعذراوية والخاتونية وولي الحسبة ونظر الجامع ومدحه ابن نباتة وغيره توفي بدمشق في المحرم بالطاعون عن بضع وستين سنة
وفيها جمال الدين محمد بن أحمد بن عبد الله الخزرجي المكي ولد سنة اثنتين وسبعمائة وسمع الكثير من جده لأبيه صفي الدين أحمد الطبري وأخيه الرضى والفخر التوزري وجماعة وكان عارفا بالفرائض والفقه حدث بالكثير من مسموعاته وكان يقال له أحيانا ابن الصفي نسبة لجده لأمه توفي في تاسع عشر رجب
وفيها شمس الدين محمد بن أحمد بن علي بن الحسن بن جامع الدمشقي بن اللبان المقرىء ولد سنة عشر أو ثلاث عشرة وأخذ القراءات عن سبط ابن السعلوس

الزهري رياسة الشافعية وكان مباركا له في رزقه ليس له سوى البادرائية وتصدير على الجامع ولا زال يضيف الطلبة ويحسن إليهم ويكثر الحج وقال ابن قاضي شهبة في طبقاته لم أر في مشايخي أحسن من طريقته ولا أجمع لخصال الخير منه وكان يلعب بالشطرنج وكان رأسا فيه توفي في صفر ودفن بتربتهم بالصالحية مقابل الجامع الأفرم بالسفح وفيها موسى بن أحمد بن منصور العبدوسي المالكي كان عالما صالحا عابدا على طريقة السلف نزل دمشق وعين للقضاء فامتنع ودرس وأفاد ثم تحول إلى القدس وله أسئلة مفيدة واعتراضات واستنباطات حسنة توفي ببلد الخليل صلوات الله عليه بزاوية الشيخ عمر المجود في أحد الجمادين
وفيها ناصر الدين أبو الفتح نصر الله بن أحمد بن محمد بن أبي الفتح بن هاشم بن نصر الله بن أحمد الكناني العسقلاني ثم المصري الشيخ الإمام علامة الزمان قاضي قضاة الحنابلة بنابلس ولد سنة ثماني عشرة وسبعمائة وسمع من الميدومي وجماعة واشتغل في العلوم وتفنن وأفتى ودرس وناب في القضاء عن حموه قاضي القضاة موفق الدين مدة طويلة ثم استقل بالقضاء بعد وفاته سنة تسع وستين وكانت مباشرته للقضاء نيابة واستقلالا ما يزيد على ست وأربعين سنة وكان من القضاة العدول مثابرا على التهجد بالليل ودرس بالشيخونية وحدث قال ابن حجر كان دينا عفيفا مصونا صارما مهيبا محبا في الطاعة والعبادة وحدث ودرس وأفاد وأجاز لي بعد أن قرأت عليه شيئا انتهى توفي ليلة الأربعاء حادي عشرى شعبان بالقاهرة ودفن عند حموه قاضي القضاة موفق الدين خارج باب النصر وحضر جنازته نائب السلطنة سودون والحجاب والقضاة والأعيان وغيرهم
وفيها أبو تاشفين موسى بن أبي حمو يوسف التلمساني آخر بني عبد الواد خرج على أبيه وحاربه وجرت له معه خطوب وحروب إلى أن قتل أبوه في محرم سنة اثنتين وتسعين وأسر أخوه أبو عمر فقتل هو وملك تلمسان فصار يخطب لصاحب فاس لكونه نصره على أبيه ويقوم له كل سنة بمال إلى أن قام أبو زبان بن

ثم رحل فأخذ عن ابن السراج وعلي المرداوي وأبي حيان وغيرهم وتصدر للإقراء وأكثر الناس عليه وكان يحفظ كثيرا من الشواذ وربما قرأ بعضها في الصلاة فأنكر ذلك عليه وحدث عن ابن الشحنة ووجيهة بنت الصعيدي الأسكندرانية وغيرها ومات في ربيع الآخر وقد جاوز السبعين وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن الحسن بن عبد الله السيد الشريف الحسيني الواسطي الشافعي نزيل الشامية الجوانية ولد سنة سبع عشرة وسبعمائة واشتغل وفضل ودرس بالصارمية وأعاد بالشامية البرانية وكتب الكثير نسخا وتصنيفا بخط حسن فمن تصانيفه مختصر الحلية لأبي نعيم في مجلدات سماه مجمع الأحباب وتفسير كبير وشرح مختصر ابن الحاجب في ثلاث مجلدات وكتاب في أصول الدين مجلد وكتاب في الرد على الأسنوي في تناقضه قال ابن حجي كان منجمعا عن الناس وعن الفقهاء خصوصا توفي بدمشق في ربيع الأول ودفن عند مسجد القدم وفيها جمال الدين أبو عبد الله محمد بن الحسن بن محمد بن عمار بن متوج بن جرير الحارثي الشافعي مفتي الشام المعروف بابن قاضي الزبداني ولد سنة ثمان وثمانين وستمائة وسمع الحديث من جماعة وتفقه على الفزاري والكمال بن قاضي شهبة وابن الزملكاني وأذن له بالفتوى ودرس قديما بالنجيبية ثم بالظاهرية الجوانية والعادلية الصغرى وأعاد بالشامية الجوانية ودرس بها نيابة قال ابن حجي اشتهر بدمشق في شأن الفتوى وصار المشار إليه فيها ولم يضبط عليه فتوى أخطأ فيها وكان معظما يخضع له الشيوخ ويقصد لقضاء حوائج الناس عند القضاة وغيرهم وله تواضع وأدب زايد توفي بالطاعون في مستهل المحرم ودفن بسفح قاسيون وفيها لسان الدين محمد بن عبد الله بن سعيد بن عبد الله بن سعيد بن أحمد بن علي السلماني اللوشي الأصل الغرناطي الأندلسي كان والده بارعا فاضلا وتقدم ذكره سنة إحدى وأربعين قال العلامة المقرىء في كتابه تعريف ابن الخطيب هو الوزير الشهير الكبير الطائر الصيت في المشرق والمغرب عرف الثناء عليه بالعنبر والعبير المثل المضروب في الكتابة والشعر والطب ومعرفة

أبي حمو فجمع جموعا ونزل على تلمسان فحصرها فكاده أخو وفرق جمعه ووفد على صاحب فاس فجهز معه عسكرا فمات أبو تاشفين صاحب الترجمة في شهر رمضان فأقام وزيره أحمد بن العز ولده فسار إليهم يوسف بن أبي حمو فقتل الصبي والوزير فخرج صاحب فاس إلى تلمسان فملكها وانقضت دولة بني عبد الواد بتلمسان وصارت لصاحب فاس والله تعالى أعلم وفيها أمة الرحيم ويقال أمة العزيز بنت الحافظ صلاح الدين العلائي أسمعها من الحجار وغيره وحدثت وتوفيت في رابع شوال وكذلك أسماء أختها ماتت في العشرين منه

سنة ست وتسعين وسبعمائة

في أولها سار تمرلنك بنفسه وعساكره إلى تكريت فحاصرها في بقية المحرم كله ودخلها عنوة في آخر الشهر فقتل صاحبها وبنى من رؤس القتلى مأذنتين وثلاث قباب وضرب البلد واستولى على قلعتها وهدم على أميرها دارا بعد أن نزل إليه بالأمان فمات تحت الردم ثم أثخن في قتل الرجال وأسر النساء والأطفال
ثم نازل الموصل فصالحه صاحبها وسار في خدمته
ثم نزل رأس العين فملكها ونازل الرها فأخذها بغير قتال ووقع النهب والأسر وانتهى ذلك في آخر صفر واتفق هجوم الثلج والبرد ولما بلغ ذلك صاحب الحصن جمع خواصه وما عنده من التحف والذخائر وقصد تمرلنك ليدخل في طاعته فقبل هديته وأكرم ملتقاه ورعى له كونه راسله قبل جميع تلك البلاد ثم خلع عليه وأذن له في الرجوع إلى بلاده ثم سار إلى ماردين وتلك البلاد بأسرها فاستولى على بلاد الجزيرة والموصل وسار فيهم سيرة واحدة من القتل والسبي والأسر والنهب والتعذيب ثم أقام على نصيبين في شدة الشتاء فلما أتى الربيع نازل مارقين في جمادى الآخرة وبنى قدامها جوسقا يحاصرها منه ففتحها عن قرب وقتل ما لا يحصى ثم توجه إلى خلاط ففعل بها نحو ذلك


ثم رجع إلى البلاد الشامية إلى تبريز لما بلغه أن طقتمش خان صاحب بلاد الدشت والسراي وغيرهما مشى على بلاده فصنع في بلاد الكرج عادته في غيرها من البلاد ثم رجع إلى تبريز فأقام بها قليلا ثم توجه إلى قتال صاحب السراي وغيرها وكان طقتمش خان قد استعد لحربه فالتقيا جميعا ودام القتال فكانت الهزيمة على القفجاق والسراي فانهزموا وتبعهم إلى أن ألجأهم إلى داخل بلادهم وأرسل اللنك صاحب سيواس القاضي برهان الدين أحمد يستدعي منه طاعته فلم يجبه وأرسل نسخة كتابه إلى الظاهر صاحب مصر وإلى أبي يزيد ملك الروم وفيها توفي برهان الدين إبراهيم بن عبد الله بن عمر الصنهاجي المالكي القاضي ولد سنة سبع عشرة وسمع من الوادياشي وغيره وتفقه بدمشق على القاضي بدر الدين الغماري المالكي وتزوج بنته بعده وكان يحفظ الموطأ وولي قضاء دمشق غير مرة أولها سنة ثلاث وثمانين فلما جاءه التوقيع لم يقبل وصمم على عدم المباشرة وامتنع من لبس الخلعة فولي غيره ثم ولي في ربيع الأول سنة ثمان وثمانين فامتنع أيضا فلم يزالوا به حتى قبل فباشر ثلاث سنين ثم صرف ومات في ربيع الآخر فجأة بعد أن خرج من الحمام وقد ناهز الثمانين وهو صحيح النقيبة حسن الوجه واللحية وفيها السلطان أبو العباس أحمد بن إبراهيم بن علي بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق المريني صاحب فاس لقبه المستنصر بالله أمير المسلمين تملك فاس في شوال سنة ثمان وثمانين وملك طنجة وغيرها من بلاد المغرب توفي في المحرم وقام بعده ابنه أبو فارس ولم تطل مدته وفيها أبو السباع وأبو العباس أحمد بن محمد بن أبي بكر بن يحيى بن إبراهيم بن يحيى بن عبد الواحد ابن أبي جعفر الجعفي الهنتاتي بفتح الهاء وسكون النون بعدها مثناة فوقية وبعد الألف مثناة أخرى نسبة إلى هنتاتة قبيلة من البربر بالمغرب صاحب تونس وأفريقية وغيرهما كان يقال له أبو السباع ولي المملكة في ربيع الأول من سنة

اثنتين وسبعين وكل من في عمود نسبه ولي السلطنة إلا أباه وجد أبيه توفي في شعبان واستقر بعده ولده عبد العزيز وفيها أحمد بن يعقوب الغماري المالكي كان فاضلا في مذهبه درس وأفتى وولي قضاء حماة ثم صرف فأقام بدمشق إلى أن مات في ذي القعدة عن نحو من ستين سنة
وفيها تقي الدين أبو بكر بن محمد بن الزكي عبد الرحمن المزي ابن أخي الحافظ جمال الدين سمع الحجار والمزي وغيرهما وحدث وتوفي في المحرم عن خمس وسبعين سنة وفيها علاء الدين علي بن نجم الدين بن عبد الواحد بن شرف الدين محمد بن صغير رئيس الأطباء بالديار المصرية قال ابن حجر كان فاضلا مفننا انتهت إليه المعرفة وكان ذا حدس صائب جدا يحفظ عنه المصريون أشياء كثيرة وكان حسن الصورة بهي الشكل جميل الشيبة أخذ عنه شيخنا ابن جماعة وكان يثني على فضائله اجتمعت به مرارا وسمعت فوائده وكان له مال قدر خمسة آلاف دينار قد أفرده للقرض فكان يقرض من يحتاج من غير استفضال بل ابتغاء الثواب قرأت بخط الشيخ تقي الدين المقريزي كان يصف الدواء للموسر بأربعين ألفا ويصف الدواء في ذلك الداء بعينه للمعسر بفلس قال وكنت عنده فدخل عليه شيخ شكا ما به من السعال فقال لعلك تنام بغير سراويل قال أي والله قال لا تفعل نم بسراويلك فمضى فصدفت ذلك الشيخ بعد أيام فسألته عن حاله فقال عملت بما قال فبرئت قال وكان لنا جار حدث لابنه رعاف حتى أفرط فانحلت قوى الصغير فقال له شرط آذانه فتعجب وتوقف فقال توكل على الله وافعل قال ففعل ذلك فبرىء وله من هذا النمط أشياء عجيبة مات بحلب في ذي الحجة ثم نقلته ابنته إلى مصر فدفنته بتربتهم
وفيها أبو الفتح محمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن علي الحبي الفاسي ثم المكي المالكي سبط الخطيب بهاء الدين محمد بن التقي عبد الله بن المحب الطبري ولد بمكة في ذي القعدة سنة اثنتين وثلاثين وسمع بها على عثمان بن الصفي أحمد بن محمد الطبري وغيره وبالمدينة علي الزين بن الأسواني والجمال الطبري

وغيرهما وأجاز له جماعة من مصر والشام وحدث وتوفي بمكة المشرفة في خامس صفر وفيها محمد بن علي بن سالم الفرغاني أحد شهود الحكم بدمشق اشتغل بالقراءات وتلا بالسبع على اللبان وأقرأ وتوفي في ذي الحجة
وفيها ناصر الدين محمد بن محمد بن داود بن حمزة ولد سنة ثمان وسبعمائة وسمع على عم أبيه التقى سليمان وغيره وأجاز له الكمال إسحق النحاس وأولاد ابن العجمي الثلاثة وتفرد بالرواية عنهم وتوفي في رجب وفيها تاج الدين محمد بن محمد المليحي المعروف بصائم الدهر ولي نظر الاحباس والجوالي والحسبة وخطب بمدرسة السلطان حسن بالقاهرة وكان ساكنا قليل الكلام جميل السيرة توفي في صفر وفيها أمين الدين يحيى بن محمد بن علي الكناني العسقلاني الحنبلي قال ابن حجر عم شيخنا عبد الله بن علاء الدين سمع الميدومي وغيره وحدث رأيته ولم يتفق لي أن أسمع منه

سنة سبع وتسعين وسبعمائة

فيها كانت الوقعة بين تمرلنك وبين طقتمش خان فدام القتال ثلاة أيام ثم انكسر طقتمش خان ودخل بلاد الرؤس واستولى تمرلنك على القرم وحاصر بلد كافا ثمانية عشر يوما ثم استباحها وخربها وفيها توفي أبو محمد إبراهيم ابن داود الآمدي ثم الدمشقي نزيل القاهرة قال ابن حجر في أنباء الغمر بأنباء العمر أسلم على يد الشيخ تقي الدين بن تيمية وهو دون البلوغ وصحبه إلى أن مات وأخذ عن أصحابه ثم قدم القاهرة فسمع بطلبه بنفسه من الحسن الأربلي وابن السراج الكاتب وإبراهيم بن الخيمي وأبي الفتح بن الميدومي ونحوهم وكان شافعي الفروع حنبلي الأصول دينا خيرا متألها قرأت عليه عدة أجزاء وأجازني قبل ذلك قلت له يوما رضي الله عنكم وعن والديكم فنظر إلى منكرا ثم قال ما كانا على الاسلام انتهى
وفيها شهاب الدين أحمد بن علي بن عثمان الفيشي المصري الضرير المقرىء أخذ

القراءات عن الشيخ تقي الدين البغدادي وغيره وتوفي في صفر
وفيها أبو بكر بن عبد البر بن محمد الموصلي الشافعي قال في ذيل الأعلام الشيخ الإمام القدوة الزاهد العابد الخاشع العالم الناسك الرباني بقية مشايخ علماء الصوفية وجنيد الوقت كان في ابتداء أمره حين قدم من الموصل وهو شاب يتعانى الحياكة وأقام بالقبيبات عند منزله المعروف زمانا طويلا على هذه الحال وفي أثناء ذلك يشتغل بالعلم ويسلك طريق الصوفية والنظر في كلامهم ولازم الشيخ قطب الدين مدة واجتمع بغيره وكان يطالع أيضا كتب الحديث ويحفظ جملة من الأحاديث ويعزوها إلى رواتها وله إلمام جيد بالفقه وكلام الفقهاء فاشتهر أمره وصار له أتباع وكان شعاره إرخاء عذبة خلف الظهر ثم علا ذكره وبعد صيته وصار يتردد إليه نواب الشام ويمتثلون أوامره وسافر بآخره إلى مصر مستخفيا وحج غير مرة ثم عظم قدره عند السلطان وكان يكاتبه بما فيه نفع للمسلمين ثم أن السلطان عام أول اجتمع به في منزله وصعد إلى علية كان فيها وأعطاه مالا فلم يقبله وكان إذ ذاك بالقدس الشريف وقال في أنباء الغمر وكان يشغل في التنبيه ومنازل السائرين وكان ولده عبد الملك يذكر عنه أنه قال كنت في المكتب ابن سبع سنين فربما لقيت فلسا أو درهما فأنظر أقرب دار فأعطيهم إياه وأقول لقيته قريب داركم توفي بالقدس في شوال وقد جاوز الستين وفيها سعيد بن عمر بن علي الشريف البعلي الحنبلي قال ابن حجر كان من قدماء الفقهاء بدمشق أفاد ودرس وأفتى وحدث مات في المحرم عن نيف وستين سنة وفيها عبد الرحمن بن عبد الله بن أسعد اليافعي الشافعي المكي ولد الشيخ عفيف الدين اشتغل بفنون من العلم وحفظ الحاوي وكانت تعتريه حدة وفيه صلاح وله شعر منه قوله
( الا أن مرآة الشهود إذا انجلت ** أرتك تلاشي الصد والبعد والقرب )
( وصانت فؤاد الصب عن ألم الأسى ** وعن ذلة الشكوى وعن منة الكتب )
وله سماع من أبيه وبالشام من ابن أميلة وبمصر من البهاء بن خليل ولزم السياحة

والتجريد فمات غريقا بالرحبة بين الشام والعراق وله ست وأربعون سنة
وفيها عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي الخير الشماخي بفتح المعجمة وفي آخره خاء معجمة نسبة إلى الشماخ جد الزبيدي محدث زبيد أخذ عنه عفيف الدين العلوي وغيره وتوفي في شعبان وفيها نور الدين عبد الرحمن بن أفضل الدين محمد بن عبد الرحمن بن محمد الإسفراييني الصوفي الحنفي ولد سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة وكان عارفا بالفقه والتصوف وله أتباع ومريدون وقد حدث بالمشارق عن عمر بن علي القزويني عن محمد بن عراك الواسطي عن الصغاني أجازة وهو القائل
( زعم الذين تشرقوا وتغربوا ** أن الغريب وأن أعز ذليل )
( فأجبتهم أن الغريب إذا اتقى ** حيث استقل به الركاب جليل )
وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد القادر بن محي الدين عثمان بن عبد الرحمن بن عبد المنعم بن نعمة بن سلطان بن سرور الجعفري النابلسي الحنبلي المعروف بالجنة الإمام العالم العلامة ولد بنابلس سنة سبع وعشرين تقريبا وسمع بها من الإمام شمس الدين أبي محمد عبد الله بن محمد بن يوسف وسمع على الحافظ صلاح الدين العلائي والشيخ إبراهيم الزيتاوي وغيرهم مما لا يحصى كثرة ورحل إلى دمشق فسمع بها وكان من الفضلاء الأكابر وكان يلقب بالجنة لكثرة ما عنده من العلوم لأن الجنة فيها ما تشتهي الأنفس وكان عنده ما تشتهي أنفس الطلبة وانتهت إليه الرحلة في زمانه ولما مات ولده قاضي القضاة شرف الدين عبد القادر المتقدم ذكره حصل له عليه اختلاط وسلب عقله واستمر على ذلك إلى أن مات ببلده نابلس في شوال وله مصنفات حسنة منها مختصر طبقات الحنابلة ومنها تصحيح الخلاف المطلق في المقنع مطولا ومختصرا ومختصر كتاب العزلة لأبي سليمان الخطابي وقطعة من تفسير القرآن العظيم من أوله وشرع في شرح الوجيز وصحب ابن قيم الجوزية فقرأ عليه أكثر تصانيفه وكان خطه حسنا جدا


وفيها نور الدين علي بن عبد الرحمن بن عبد المؤمن الهرريني سمع من الزين الأسواني الشفاء للقاضي عياض وحدث عنه وعن الوادي آشي وقد ولي أبوه قضاء المدينة وولي هو مشيخة خانقاه قوصون وكان مشكورا وتزوج ببنت القاضي فخر الدين القاياتي بعده مدة وناب في الحكم وكان قد حفظ كتبا منها الشفاء والإلمام والمقامات وعرضها وتوفي في رجب
وفيها أبو الحسن علي بن عجلان بن رميثة بن أبي نمى الحسني أمير مكة وابن أميرها ولي في أول شعبان سنة تسع وثمانين وكان في غالب ولايته في الحروب ولم يهنأ له عيش إلى أن قتل في شوال قتله جماعة من آل بيتهم ودفن بالمعلى واستقر بعده أخوه حسن بن عجلان وفيها علي بن محمد القليوبي ثم المصري قال ابن حجر أحد الهرة في مذهب الشافعي ناب في الشيخونية وتوفي في رجب
وفيها سراج الدين عمر بن محمد بن أبي بكر الكومي قال ابن حجر سمع من أحمد بن علي الجزري وعلي بن عبد المؤمن بن عبد وغيرهما وحدث ولم يتهيأ لي السماع منه مع حرصي على ذلك توفي بمصر وقد جاوز الثمانين
وفيها أبو علي محمد بن أحمد بن علي بن عبد العزيز المهدوي ثم المصري البزاز بسوق الفاضل المعروف بابن المطرز سمع من الواني والدبوسي وغيرهما وحدث بالكثير وأجاز له إسمعيل بن مكتوم والمطعم ووزيرة وأبو بكر بن عبد الدايم وغيرهم من دمشق قال ابن حجر قرأت عليه الكثير وتوفي في جمادى الأولى
وفيها بدر الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عيسى بن عبد الكريم بن عساكر بن سعد بن أحمد بن محمد بن سليم بن مكتوم القيسي السويدي الأصل الدمشقي الشافعي المعروف بابن مكتوم الفقيه المحدث النحوي ولد في بضع وأربعين وسبعمائة وسمع من جماعة وحفظ التنبيه ثم الحاوي وطلب الحديث وقرأ بنفسه وكان يقرىء صحيح البخاري بالجامع في رمضان بعد الظهر مدة قال ابن حجي هو رجل فاضل قرأ في الفقه على والدي وعلى الحسباني ولازمه وقرأ في النحو على أبي العباس

العنابي وبرع فيه وتصدى للأشغال بالجامع خمس عشرة سنة وكان يفتي بآخره وأعاد بالناصرية وبالعادلية الصغرى وولي مشيخة النحو بالناصرية أيضا وكان رجلا خيرا عنده ديانة وله عبادة من صوم وقراءة انتهى وقال ابن قاضي شهبة كان فيه إحسان إلى طلبة العلم والفقراء يضيفهم ويفطرهم في رمضان وعنده بر وصلة لأقاربه وتقلل في ملبسه ويشتري حاجته بنفسه ويحملها وهو قليل الخلطة بالفقهاء وغيرهم توفي في جمادى الأولى ودفن بمقبرة باب الصغير عند والده وعمه عند قبر الشيخ حماد
وفيها ناصر الدين محمد بن عبد الدايم بن محمد بن سلامة الشاذلي ابن بنت الميلق سمع من أحمد بن محمد الحكمي وغيره من أصحاب النجيب وغيره واعتنى بالعلم وتعانى طريق التصوف وفاق أهل زمانه في حسن الأداء في المواعيد وإنشاء الخطب البليغة وقال الشعر الرائق والتفت عليه جماعة من الأمراء والعامة إلى أن ولي القضاء فباشره بمهابة وصرامة ولم يحمد مع ذلك في ولايته وأهين بعد عزله بمدة وقال ابن القطان كان شديد البخل بالوظائف وكان أيام هو واعظا خيرا من أيام هو قاضيا توفي في أحد الجمادين وقد جاوز الستين وفيها محمد بن علي بن صلاح الحريري الحنفي إمام الصرغتمشية سمع من الوادي آشي ومحمد بن غالي وآخرين واعتنى بالقراءات والفقه وأخذ عن قوام الدين الأتقاني وغيره وله إلمام بالحديث وناب في الحكم وسمع منه ابن حجر وغيره وتوفي في رجب وفيها غياث الدين أبو المكارم محمد بن صدر الدين محمد بن محي الدين عبد الله بن أبي الفضل محمد بن علي بن حماد بن ثابت الواسطي ثم البغدادي الشافعي المعروف بابن العاقولي قال ابن قاضي شهبة في طبقاته صدر العراق ومدرس بغداد وعالمها ورئيس العلماء بالمشرق مولده في رجب سنة ثلاث وثلاثين وسبعمائة ببغداد ونشأ بها وسمع من والده وجماعة وأجاز له جماعة قال الحافظ شهاب الدين بن حجي كان مدرس المستنصرية ببغداد كأبيه وجده ودرس أيضا بالنظامية كأبيه ودرس هو بغيرهما وكان هو وأبوه وجده كبراء بغداد وانتهت إليه الرياسة بها في مشيخة العلم والتدريس وصار المشار إليه

والمعول عليه تهرع القضاة والوزراء إلى بابه والسلطان يخافه وكان بارعا في الحديث والمعاني والبيان وشرح مصابيح البغوي وخرج لنفسه أربعين حديثا وفيها أوهام وسقوط رجال في الأسانيد وكانت نفسه قوية وفهمه جيدا وكان بالغا في الكرم حتى ينسب إلى الإسراف ولما دخل تمرلنك بغداد هرب منها مع السلطان أحمد فنهبت أمواله وسبيت حريمه وقدم الشام واجتمعنا به وأنشدنا من نظمه فلما رجع السلطان إلى بغداد رجع معه فأقام دون خمسة أشهر وقال الحافظ برهان الدين الحلبي كان إماما علامة متبحرا في العلوم غاية في الذكاء مشارا إليه وكان يدخله كل سنة زيادة على مائة ألف درهم وكلها ينفقها وصنف في الرد على الرافضة في مجلد توفي في صفر ودفن بالقرب من معروف الكرخي بوصية منه وقال ابن حجر شرح منهاج البيضاوي والغاية القصوى له وحدث بمكة وبيت المقدس وأنشد لنفسه بالمدينة
( يا دار خير المرسلين ومن بها ** شغفي وسالف صبوتي وغرامي )
( نذر علي لئن رأيتك ثانيا ** من قبل أن أسقي كؤوس حمامي )
( لأعفرن على ثراك محاجري ** وأقول هذا غاية الأنعام )
وفيها محمد بن أبي محمد الأقصرائي نزيل القاهرة الحنفي قال ابن حجر درس بمدرسة ايتمش للحنفية وهو والد صاحبنا بدر الدين محمود وأخيه أمين الدين ويحيى وتوفي في جمادى الأولى

سنة ثمان وتسعين وسبعمائة

فيها رجع اللنك بعساكره من بلاد الدشت بعد أن أثخن فيهم فوصل إلى السلطانية في شعبان ثم توجه إلى همذان وأمر بالإفراج عن الظاهر صاحب ماردين فوصل إليه في رمضان فتلقاه واعتذر إليه وأضافه أياما ثم خلع عليه وأعطاه مائة فرس وجمالا وبغالا وخلعا كثيرة وعقد له لواء وكتب له ستة وخمسين منشورا كل منشور بتولية بلد من البلاد التي كان تيمور افتتحها في سنة ست وتسعين

ما بين أذربيجان إلى الرها وشرط عليه أن يلبي دعوته كلما طلبه
وفيها توفي شهاب الدين أبو العباس أحمد بن أبي بكر بن أحمد بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة الحنبلي المعروف بابن العز الشيخ الإمام الفقيه المفتي سمع من عيسى المطعم وابن عبد الدايم والحجار وأكثر عن القاضي تقي الدين سليمان ويحيى بن سعد وحدث عن المعمار وهو آخر من حدث عنه وعن القاضي بالسماع وكان شيخا طوالا عليه أبهة أقعد في آخر عمره وسمع جزء ابن عرفة على نحو من ثمانين شيخا وجزء ابن الفرات على نحو من خمسين شيخا توفي ليلة الإثنين العشرين من شهر ربيع الأول ودفن بمقبرة الشيخ موفق الدين وقد كمل له إحدى وتسعون سنة إلا خمسة أيام
وفيها أحمد بن علي بن أيوب بن رافع الحنفي إمام القلعة بدمشق قال ابن حجر سمع من أبي بكر بن الرضى وغيره وحدث وأجاز لي غير مرة وتوفي في شوال وله ثمانون سنة وفيها أبو سعد أحمد بن شمس الدين محمد بن موسى بن سند ولد سنة سبع وأربعين وأحضره أبوه على ابن الخباز وابن الحموي وغيرهما وأسمعه من ابن القيم وغيره واشتغل في العربية وغيرها ووعظ الناس ومات في شعبان
وفيها عماد الدين إسمعيل بن أحمد بن علي الباريني الحلبي الفقيه الشافعي ولد سنة تسع عشرة وقدم من حلب إلى دمشق وهو طالب علم فقرأ على الشيخ ولي الدين المنفلوطي وولاه البلقيني قضاء بعلبك ثم ولي خطابة القدس ثم توجه إلى مصر وكان ممن قام على التاج السبكي مع البلقيني ثم ولي قضاء الشوبك ثم قضاء القدس وحدث وأفتى ودرس وتوفي في ربيع الأول ببيت المقدس وقد جاوز الثمانين
وفيها بدر الدين خليل بن محمد بن عبد الله الناسخ الحلبي ولد بدمشق بعد العشرين وأحضره أبوه عند ابن تيمية فمسح رأسه ودعا له واشتغل فمهر في عدة فنون ثم سكن حلب ووقع في الحكم واشتهر وكان يذكر أنه سمع من الوادي آشي

وابن النقيب الشافعي توفي في ربيع الأول وفيها ست الركب بنت علي بن محمد بن محمد بن حجر أخت كاتبه قال ابن حجر ولدت في رجب سنة سبعين في طريق الحج وكانت قارئة كاتبة أعجوبة في الذكاء وهي أمي بعد أمي أصبت بها في جمادى الآخرة من هذه السنة وفيها سعد بن إبراهيم الطائي الحنبلي البغدادي قال في أنباء الغمر كان فاضلا وله نظم فمنه
( خانني ناظري وهذا دليل ** لرحيل من بعده عن قليل )
( وكذا الركب أرادوا قفولا ** قدموا ضوءهم امام الحمول )
وفيها سفر شاه بن عبد الله الرومي الحنفي تقدم في العلم ببلاده وتقدم عند أبي يزيد بن عثمان وقدم القاهرة رسولا من صاحب الروم فأخذ عن فضلائها وأكرمه السلطان وحصل له وعك واستمر إلى أن بغته الأجل بالقاهرة فمات في جمادى الآخرة
وفيها طقتمش خان التركي صاحب بلاد الدشت قتل في هذه السنة بعد أن انكسر من اللنك قتله أمير من أمراء التتار يقال له تمرقطلو
وفيها عبد الله بن عمر بن محلى بن عبد الحافظ البيتليدي بفتح الموحدة وسكون المثناة التحتية وفتح المثناة الفوقية بعدها لام مكسورة خفيفة ثم مثناة تحتانية ساكنة الوراق الدمشقي قال ابن حجر سمع من أبي بكر بن الرضى وشرف الدين ابن الحافظ ومحمد بن علي الجزري وغيرهم أجاز لي غير مرة ومات في ذي القعدة
وفيها فخر الدين عثمان بن عبد الله العامري أخو تقي الدين كان شافعيا بارعا في الفقه وهو منسوب إلى كفر عامر قرية من ناحية الزبداني فربما قيل فيه الكفر العامري أخذ عن الشرف الشريشي وأثنى عليه ابن حجي بحسن الفهم وصحة الذهن وهو ممن أذن له البلقيني في الإفتاء توفي في ذي الحجة كهلا دون الأربعين
وفيها موفق الدين علي بن عبد الله الشاوري الزبيدي اليمني الشافعي كان بارعا في الفقه والصلاح مع الدين والتواضع وعرض عليه القضاء فامتنع توفي في صفر
وفيها فرج بن عبد الله الشرفي الحافظي الدمشقي مولى شرف الدين بن الحافظ

قال ابن حجر سمع من يحيى بن سعد وابن الزراد وغيرهما وأجاز لي غير مرة وتوفي في شوال وقد قارب التسعين وفيها محب الدين محمد بن أحمد بن محمد بن عماد المصري ثم المقدسي الشافعي ابن الهايم قال ابن حجر في أنباء الغمر ولد سنة ثمانين أو إحدى وثمانين وحفظ القرآن وهو صغير جدا وكان من آيات الله في سرعة الحفظ وجودة القريحة واشتغل في الفقه والعربية والقراءات والحديث ومهر في الجميع في أسرع مدة ثم صنف وخرج لنفسه ولغيره رافقني في سماع الحديث كثيرا وسمعت بقراءته المنهاج عن شيخنا برهان الدين وهو أذكى من رأيت من البشر مع الدين والتواضع ولطف الذات وحسن الخلق والصيانة مات في رمضان وأصيب به أبوه وأسف عليه كثيرا عوضه الله الجنة انتهى بحروفه
وفيها عز الدين محمد بن محمد بن محمد بن عثمان الأماسي بهمزة وميم مفتوحتين وبعد الألف سين مهملة الدمشقي قال ابن حجر سمع من الحجار صحيح البخاري وحدث أجاز لي وكان ناظر الأيتام بدمشق ويتكسب بالشهادة تحت الساعات ويوقع على الحكام أقام على ذلك أكثر من ستين سنة مات في ربيع الآخر وقد ناهز الثمانين وفيها محمد بن محمد بن موسى بن عبد الله الشنشي بمعجمتين وبينهما نون مفتوحات الحنفي ناب في الحكم وكان أحد طلبة الصرغتمشية وكان فاضلا جاور بمكة سنة ثلاث وثمانين ومات في جمادى الأولى
وفيها مقبل بن عبد الله الصرغتمشي تفقه وتقدم في العلم وصنف وشرح وشارك في العربية ومات في رمضان وأنجب ولده محمدا فشارك في الفضائل ومهر في الحساب وكان قصير القامة أحدب مات قبل أبيه بشهرين قاله ابن حجر
وفيها ميكائيل بن حسين بن إسرائيل التركماني الحنفي نزيل عنتاب قدمها فأخذ عن الشيخ فخر الدين إياس وغيره وباشر بها بعض المدارس ولازم الإفادة أخذ عنه القاضي بدر الدين العيني وهو الذي ترجمه وقال أنه عاش أكثر من سبعين سنة مات في سابع عشر ذي الحجة وفيها جمال الدين أبو المحاسن

يوسف بن تقي الدين أحمد بن العز إبراهيم بن الخطيب شرف الدين عبد الله بن الشيخ أبي عمر المقدسي الحنبلي أخو مسند عصره صلاح الدين الصالحي إمام مدرسة جده الشيخ أبي عمر سمع من الحجار وغيره ومهر في مذهبه وكان فاضلا جيد الذهن صحيح الفهم معروفا بذلك أثنى عليه ابن حجي بذلك وقال ابن حجر مهر في مذهبه وكان يعاب بفتواه بمسئلة الطلاق البتة أجاز لي انتهى توفي يوم الأحد ثامن عشر رمضان وصلى عليه من الغد ودفن بمقبرة جده أبي عمر

سنة تسع وتسعين وسبعمائة

فيها وصلت كتب من جهة تمرلنك فعوقب رسله بالشام وأرسلت الكتب التي معهم إلى القاهرة ومضمونها التحريض على إرسال قريبه اطلمش الذي أسره قرا يوسف فأمر السلطان أطلمش المذكور أن يكتب إلى قريبه كتابا يعرفه فيه ما هو عليه من الخير والإحسان بالديار المصرية وأرسل السلطان ذلك مع أجوبته ومضمونها أنك إذا أطلقت الذين عندك من جهتي أطلقت من عندي من جهتك والسلام
وفيها توفي إبراهيم بن عبد الله الحلبي الصوفي الملقن قدم دمشق وهو كبير وأقرأ القرآن بالجامع وصارت له جماعة مشهورة ويقال أنه قرأ عليه أكثر من ألف نفس اسمه محمد خاصة وكان الفتوح يأتيه فيفرقه في أهل حلقته وكان أول من يدخل الجامع وآخر من يخرج منه واستسقوا به مرة بدمشق وكان شيخا طوالا كامل البنية وافر الهمة كثير الأكل مات في شعبان عن مائة وعشرين سنة وكانت جنازته حافلة جدا وفيها إبراهيم بن عبد الله وسماه الغساني في تاريخه حسن بن عبد الله قال الغساني المذكور حسن بن عبد الله الأخلاطي الحسيني كان منقطعا في منزله ويقال أنه كان يصنع اللازورد ويعرف الكيمياء واشتهر بذلك وكان يعيش عيش الملوك ولا يتردد لأحد وكان ينسب إلى الرفض لأنه كان لا يصلي الجمعة ويدعى من يتبعه أنه المهدي وكان أول أمره قدم حلب أي من بلاد العجم التي نشأ

بها فنزل بجامعها منقطعا عن الناس فذكر للظاهر أنه يعرف الطب معرفة جيدة فأحضره إلى القاهرة ليداوي ولده فلم ينجع فاستمر مقيما بمنزله على شاطىء النيل إلى أن مات في أول جمادى الآخرة وقد جاوز الثمانين وخلف موجودا كثيرا ولم يوص بشيء فنزل قلمطاي الدويدار الكبير فاحتاط على موجوده فوجد عنده جام ذهب وقوارير فيها خمر وزنانير للرهبان ونسخة من الإنجيل وكتبا تتعلق بالحكمة والنجوم والرمل وصندوق فيه فصوص مثمنة على ما قيل وفيها برهان الدين أبو الوفا إبراهيم بن نور الدين أبي الحسن علي بن محمد بن أبي القسم فرحون بن محمد بن فرحون اليعمري المدني المالكي ولد بالمدينة الشريفة ونشأ بها وسمع من الحافظ جمال الدين المطري والوادياشي سمع منه الموطأ وغيرهما وتفقه وبرع وصنف وجمع وحدث وولي قضاء المالكية بالمدينة المنورة وكانت وفاته بها في ذي الحجة ودفن بالبقيع وقد جاوز التسعين وفيها نجم الدين أحمد بن إسمعيل بن محمد بن أبي العز وهب الأذرعي ثم الدمشقي الحنفي المعروف بابن الكشك ولد سنة عشرين وسمع من الحجار وحدث عنه وتفقه وولي قضاء مصر سنة سبع وسبعين فلم تطب له فرجع وولي قضاء دمشق مرارا آخرها سنة اثنتين وتسعين ثم لزم داره وكان خبيرا بالمذهب درس بأماكن وهو أقدم المدرسين والقضاة وكان عارفا صارما وأجاز له سنة مولده وبعدها القسم بن عساكر ويحيى بن سعد وابن الرزاز وابن شرف وزينب بنت سكر وغيرهم وأجاز هو للحافظ ابن حجر وضربه أخ له مختل بسكين فقتله رحمه الله وفيها شهاب الدين أحمد بن محمد بن إبراهيم الصفدي نزيل مصر المعروف بابن شيخ الوضوء قال ابن حجر كانت له عناية بالعلم وعرف والده بشيخ الوضوء لأنه كان يتعاهد المطاهر فيعلم العوام الوضوء وهو والد الشيخ شهاب الدين وتوفي المترجم في ربيع الأول
وفيها محب الدين أحمد بن أبي الفضل محمد بن أحمد بن عبد العزيز النويري الشافعي قاضي مكة وابن قاضيها ولد سنة إحدى وخمسين وسبعمائة وأسمعه أبوه على

البدر بن جماعة وغيره وتفقه بأبيه وغيره وناب عن أبيه وولي قضاء المدينة في حياته ثم تحول إلى قضاء مكة سنة سبع وثمانين فمات بها وكان عارفا بالاحكام مشكورا
وفيها شهاب الدين أحمد بن محمد بن أسد بن قطليشا العطار ولد سنة بضع وعشرين وسبعمائة وحدث عن زينب بنت الكمال وأبي بكر بن الرضى وغيرهما وقال ابن حجر أجاز لي ومات في ربيع الأول وقد جاوز السبعين
وفيها أبو بكر بن أحمد بن عبد الهادي المقدسي ثم الصالحي الحنبلي قال في أنباء الغمر سمع من الحجار وحدث وكان به صمم مات في المحرم وقد جاوز الثمانين أجاز لي انتهى وفيها عماد الدين أبو الفداء إسمعيل بن الشيخ زين الدين عبد الرحمن بن أبي بكر بن أيوب الزرعي الأصل ثم الدمشقي الحنبلي المعروف بابن قيم الجوزية كان من الأفاضل واقتنى كتبا نفيسة وهي كتب عمه الشيخ شمس الدين بن القيم وكان لا يبخل بعاريتها توفي يوم السبت خامس عشرى رجب وفيها زينب بنت عبد الله بن عبد الحليم بن تيمية الحنبلية بنت أخي الشيخ تقي الدين قال ابن حجر سمعت من الحجار وغيره وحدثت وأجازت لي وفيها زينب بنت محمد بن عثمان بن عبد الرحمن الدمشقية يعرف أبوها بابن العصيدة حدثت بالإجازة العامة عن الفخر البخاري وغيره وأجازت لابن حجر وزاد عمرها على المائة وعشر سنين
وفيها سعد بن عبد الله البهائي السبكي الشافعي مولى أبي البقاء سمع من زينب بنت الكمال والجزري بدمشق ومن العلامة شمس الدين بن القماح وإسمعيل بن عبد ربه بالقاهرة ومن غيرهم وأجاز للحافظ ابن حجر العسقلاني وتوفي في رمضان
وفيها عبد الله بن علي بن عمر السنجاري الحنفي قاضي صور ولد سنة اثنتين وعشرين وتفقه بسنجار وماردين والموصل وأربل وحمل عن علماء تلك البلاد وحدث عن الصفي الحلي بشيء من شعره وقدم دمشق فأخذ بها عن القونوي الحنفي ثم قدم مصر فأخذ عن شمس الدين الأصبهاني وأفتى ودرس وتقدم ونظر المختار في

فقه الحنفية وغير ذلك وكان يصحب أمير على المارداني فأقام معه بمصر مدة وناب في الحكم ثم ولي وكالة بيت المال بدمشق ودرس بالصالحية وكان حسن الأخلاق لطيف الذات لين الجانب ومن شعره
( لكل امرىء منا من الدهر شاغل ** وما شغلي ما عشت إلا المسائل )
وكان يحفظ كثيرا من الحكايات والنوادر وعنده سكون وتواضع توفي بدمشق في ربيع الآخر وفيها أبو الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن مبارك بن حماد بن تركي بن عبد الله المعري نزيل القاهرة الشافعي ولد سنة أربع أو خمس عشرة وسمع من الدبوسي والواني وابن سيد الناس وخلق كثير وأجاز له ابن الشيرازي والقسم بن عساكر والحجار وخلق كثير أيضا وطلب بنفسه وتيقظ وأخذ الفقه عن السبكي وغيره وكان يقظا نبيها مستحضرا عابدا قانتا وكان يتسبب في حانوت بزاز ظاهر باب الفتوح ثم ترك ذلك قال ابن حجر وكان بينه وبين أبي مودة وصحبة فكان يزورنا بعد موت أبي وأنا صغير ثم اجتمعت به لما طلبت الحديث فأكرمني وكان يديم الصبر لي على القراءة إلى أن أخذت أكثر مروياته وقد تفرد برواية المستخرج على صحيح مسلم لأبي نعيم قرأته عليه كله وحدثت بالكثير من مسموعاته وقال لي شيخنا العراقي مرارا عزمت على أن أسمع عليه شيئا وقد تغير قليلا في أول هذه السنة واتفق له لما كان في الحانوت أن أودع عنده شخص مائتي دينار فوضعها في صندوق بالحانوت فنقب اللصوص الحانوت وأخذوا ما فيه فطابت نفس صاحب الذهب ولم يكذب الشيخ ولا اتهمه فاتفق أن الشيخ رأى في النوم بعد ستة أشهر من يقول له أن الذهب الوديعة في الحانوت وأنه وقع من اللص لما أخذ الصندوق في الدروند فأصبح فجاء إلى الحانوت فوجد الصرة كما هي قد غطاها التراب فأخذها وجاء إلى صاحب الذهب فقال خذ ذهبك فقال ما علمت منك إلا الصدق والأمانة وقد نقب حانوتك وسرق الذهب فلم كلفت نفسك واقترضت هذا الذهب فحدثه بالخبر فقال لا آخذ منه شيئا وأنت في حل منه فعالجه حتى أعياه

فامتنع من أخذه فحج الشيخ وجاور مدة حتى أنفق الذهب وتوفي بمصر في تاسع عشرى ربيع الآخر وفيها أبو هريرة عبد الرحمن بن الحافظ أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي الشافعي مسند الشام في عصره أحضره أبوه على وزيرة بنت المنجا والقاضي سليمان وإسمعيل بن مكتوم وابن عبد الدايم وأسمعه من عيسى المطعم وابن الشيرازي وابن مشرف والقسم بن عساكر وأهل عصره فأكثر عنهم قال في أنباء الغمر وخرج له أربعين حديثا وحدث بها في حياة أبيه سنة سبع وأربعين وسبعمائة وحدث في غالب عمره وكان صبورا على الأسماع محبا لأهل الحديث والروايات ويذاكر بأشياء حسنة وأم بجامع كفر بطنا عدة سنين وأضر بآخره وتفرد بكثير من الشيوخ والروايات وأجاز لي غير مرة مات في ربيع الأول بقرية كفربطنا وله إحدى وثمانون سنة
وفيها عبد القادر بن محمد بن علي بن حمزة العمري المدني المعروف بالحجاز قال ابن حجر روى عن جده وسمع من أصحاب الفخر وعنى بالعلم وتفقه قليلا مات في عيد الأضحى وذكر لنا السكري أنه رأى سماعه الموطأ على الوادياشي انتهى
وفيها عثمان بن محمد بن وجيه الشيشيني بمعجمتين مكسورتين بعد كل منهما تحتانية ساكنة ثم نون قبل ياء النسب سمع جامع الترمذي من العرضي ومظفر الدين العسقلاني بسندهما المعروف وكان يباشر في الشهادات وينوب في الحكم ببعض البلاد وكان ذا مروءة ومواساة لأصحابه وأجاز للحافظ ابن حجر وتوفي يوم نصف ربيع الآخر وفيها علي بن أحمد بن عبد العزيز النويري ثم المكي المالكي ولد سنة أربع وعشرين وسمع من عيسى الحجي والزين بن علي والوادياشي وغيرهم وتفقه وباشر إمامة مقام المالكية بمكة خمسا وثلاثين سنة وناب في الحكم عن أبيه أبي الفضل ثم عن ابن أخيه وكان ذا مروءة وعصبية وتصلب في الأحكام مع المهابة
وفيها شرف الدين عيسى بن عثمان بن عيسى بن غازي الغزي الشافعي ولد سنة تسع وخمسين وقدم دمشق وهو كبير فأخذ عن ابن حجي والحسباني وابن

قاضي شهبة وغيرهم وعنى بالفقه والتدريس وناب في الحكم وولي قضاء داريا وأخذ عن ابن الخابوري الفقه بطرابلس وأذن له في الفتوى وكان بطيء الفهم متشاغلا في الأحكام مع المعرفة التامة وله تصنيف في أدب القضاء جوده وهو حسن في بابه وكان في أول أمره فقيرا ثم تزوج فماتت الزوجة فحصل له منها مال له صورة ثم تزوج أخرى كذلك ثم أخرى إلى أن أثرى وكثر ماله قال ابن حجي كان أكثر الناس يمقتونه مات في رمضان قاله ابن حجر وفيها زين الدين قاسم بن محمد بن إبراهيم بن علي النويري المالكي تفقه وقرأ المواعيد وأعاد للمالكية بأماكن وتصدر بالجامع الأزهر وغيره وكان صالحا خيرا دينا متواضعا مات في المحرم عن نحو ستين سنة وفيها القاضي شمس الدين محمد بن أحمد بن أبي بكر الطرابلسي الحنفي تفقه ببلده على شمس الدين بن إيمان التركماني وغيره وبدمشق على صدر الدين ابن منصور وقدم القاهرة فتقرر من طلبة الصرغتمشية وأخذ عن السراج الهندي وناب عنه في الحكم وسمع على الشيخ جمال الدين الأسيوطي بمكة وولي القضاء بالقاهرة مرتين استقلالا وكان خبيرا بالأقضية عارفا بالوثائق قال العثماني في تاريخه كان شيخا مهابا مليح الشيبة فقيها مشاركا في الفنون عارفا بالشعر وطرق أحوال الأحكام انتهى توفي في ذي الحجة قبل انسلاخ الشهر بيوم وقد زاد على السبعين
وفيها محمد بن أحمد بن سليمان الكفرسوسي اللبان المعمر قال ابن حجر زاد على المائة يقرءون عليه بإجازته العامة من الأبرقوهي ونحوه وأجاز لي انتهى
وفيها محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن سلامة بن المسلم بن البهاء الحراني ثم الصالحي المؤذن المعروف بابن البهاء سمع من القسم بن عساكر والحجار وغيرهما وحدث في سنة ست وثمانين بالصحيح قرأه عليه بدر الدين بن مكتوم ومات في هذه السنة
وفيها محب الدين محمد بن العلامة جمال الدين عبد الله بن يوسف بن هشام حضر على الميدومي وغيره وسمع من بعده وقرأ العربية على أبيه وغيره وشارك في غيرها قليلا وكان إليه المنتهى في حسن التعليم مع الدين المتين مات في رجب عن

نحو خمسين سنة وفيها ناصر الدين محمد بن الشيخ عز الدين محمد بن الشيخ ناصر الدين داود بن حمزة بن أحمد بن عمر بن أبي عمر الحنبلي المسند الأصيل المقرىء أجاز له إسحق النحاس وجماعة وسمع من القاضي سليمان وكان إمام المسجد المعروف بابيه عز الدين وقد أضر في آخر عمره انقطع ثلاثة أيام مطعونا وتوفي في ليلة ثامن رجب ودفن بتربة جده الشيخ أبي عمر على والده
وفيها شرف الدين أبو الخطاب محمد بن القاضي جمال الدين محمد بن عبد الرحمن بن علي بن عبد الملك الدمشقي سبط التقي السبكي ولد في رمضان سنة إحدى وخمسين وسبعمائة وأحضر على ابن الخباز وغيره وأجاز له ابن الملوك وجماعة من المصريين وكان أبوه قاضي المالكية ثم تحول هو شافعيا مع أخواله السبكية ونشأ بينهم فسلك طريقهم وولي إفتاء دار العدل وناب في الحكم عن برهان الدين بن جماعة نحو سنة بعد أن صاهره على ابنته فصرف عن قريب ثم استقل بالحكم بعده وولي خطابة المسجد الأقصى بعد وفاة ولد البرهان بن جماعة ثم طلب للقاهرة ليولى القضاء فأدركه أجله بها في شهر رجب وكان عفيفا صارما مع لين جانب شريف النفس حسن المباشرة للأوقاف مقتصدا في مأكله وملبسه
وفيها جمال الدين محمود بن علي القيصري الرومي الحنفي المعروف بالعجمي قدم القاهرة قديما واشتغل بالفنون ومهر وولي الحسبة مرارا ثم نظر الأوقاف ودرس بالمنصورية في التفسير وولي مشيخة الشيخونية وقضاء الحنفية ونظر الجيش وكان بحالة املاق ثم وصل إلى ما وصل إليه حتى قال هذا الذي حصل لي أي من الغنى غلطة من غلطات الدهر وكان عنده دهاء مع حشمة زائدة وسخاء وكان فصيحا بالعربية والتركية والفارسية كثير التأنق في ملبسه ومأكله مات في سابع ربيع الأول
وفيها يوسف بن أمين الدين عبد الوهاب بن يوسف بن السلار الشماع حضر على الحجار وغيره وحدث وأجاز لابن حجر وتوفي في المحرم عن سبعين سنة والله تعالى أعلم

سنة ثمانمائة

فيها نازل تمرلنك الهند فغلب على ولي كرسي المملكة وفتك على عادته وخرب وكان توجه إليها على طريق غريبة على البر ووصل زحفه إلى اليمن وكان السبب المحرك له على ذلك أن فيروز شاه ملك الهند مات فبلغه ذلك فسمت نفسه إلى الاستيلاء على أمواله فتوجه في عساكره وكان فيروز شاه لما مات قام بالأمر بعده بلوا الوزير واستقر في المملكة فقصده اللنك فاستقبله بلوا بجد وصدر أمام عسكره الفيلة عليها المقاتلة فلما استقبلتها خيل اللنك هربت منها فبادر اللنك وأمر باستعمال قطع من الحديد على صفة الشوك وألقاها في المنزلة التي كان بها فلما أصبحوا واصطفوا للقتال أمر عساكره بالتقهقر إلى خلف فظنوا أنهم انهزموا فتبعوهم فاجتازت الفيلة على ذلك الشوك الكائن في الأرض فجفلت منه أعظم من جفل الخيل منها ورجعت القهقري من ألم الحديد فكانت أشد عليهم من عدوهم بحيث طحنت المقاتلة الرجال والفرسان فانهزموا بغير قتال وفيها في شوال كان الحريق العظيم بدمشق عم الحريريين والقواسين والسوفيين وبعض النخاسين ووصلت النار إلى حائط الجامع وإلى قرب النورية واحترقت الجوزية وحمام نور الدين وغير ذلك وأقام من يوم السبت العشرين من شوال إلى يوم الثلاثاء ثالث عشرينه
وفيها برهان الدين إبراهيم بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن يوسف بن محمد بن قدامة الحنبلي المعروف بالقاضي الشيخ الإمام الصالح أخو الحافظ شمس الدين حضر على الحجار وسمع من أحمد بن علي الحريري وعائشة بنت المسلم وزينب بنت الكمال وحدث فسمع منه الحافظ ابن حجر وتوفي في شوال
وفيها إبراهيم بن أحمد بن عبد الواحد بن عبد المؤمن بن سعيد بن علوان بن كامل التنوخي البعلي ثم الشامي نزيل القاهرة الشافعي شيخ الإقراء ومسند القاهرة ولد سنة تسع أو عشر وسبعمائة وأجاز له إسمعيل بن مكتوم وابن عبد الدايم والقسم

ابن عساكر وجمع كثير يزيدون على الثلاثمائة ثم طلب الحديث بنفسه فسمع الكثير من أبي العباس الحجار والبرزالي والمزي وخلق كثير يزيد على المائتين وعنى بالقراءات فأخذ عن البرهان الجعبري والبرقي وغيرهما ثم رحل فأخذ عن أبي حيان وابن السراج وغيرهما ومهر في القراءات وكتب مشايخه له خطوطهم بها وتفقه على المازري بحماة وابن النقيب بدمشق وابن القماح بالقاهرة وغيرهم وأذنوا له وأفاد وحدث قديما قال ابن حجر قرأت عليه الكثير ولازمته طويلا وخرجت له عشاريات غاية ثم خرجت له المعجم الكبير في أربعة وعشرين جزءا فصار يتذكر به مشايخه وعهده القديم فانبسط للسماع وحبب إليه فأخذ عنه أهل البلد والرحالة فأكثروا عنه وكان قد أضر بآخره وحصل له خلط ثقل منه لسانه فصار كلامه قد يخفى بعضه بعد أن كان لسانه كما يقال كالمبرد ومات فجأة من غير علة في جمادى الأولى انتهى وفيها تاج الدين أحمد بن القاضي فتح الدين محمد بن أبي بكر إبراهيم بن أبي الكرم محمد بن الشهيد الشامي الفقيه الشافعي شارك في الفنون والنظم والنثر ودرس في عدة أماكن وباشر قضاء العسكر وكان محبوبا إلى الناس توفي في ذي القعدة وفيها شهاب الدين أحمد بن محمد بن موسى الدمشقي الشوبكي نزيل مكة قال ابن حجر كان عارفا بالفقه والعربية مع الدين والورع وأتقن القراءات وجاور بمكة نحو عشر سنين فقرأوا عليه ومات بها في ربيع الأول وهو في عشر الخمسين وكانت جنازته حافلة جدا وفيها بدر الدين حسن بن علي بن سرور بن سليمان البرماوي الشافعي ابن خطيب الحديثة قال ابن حجي اشتغل وحصل وذكر في النبهاء بعد الخمسين وقرر في عدة وظائف ثم تركها وأقبل على العبادة والمواظبة على الأوراد الشاقة ولم يغير زي الفقهاء وكان شكلا حسنا نير الوجه منبسطا ولا يكون في الخلوة إلا مصليا أو تاليا أو ذاكرا أو مطالعا في كتاب وكان يبدي مسائل ومشكلات ويحسن الجواب ولم يكن في عصره من الفقهاء أعبد منه وكان أخوه القاضي شرف الدين قد كفاه هم الدنيا مات في سلخ رمضان انتهى


وفيها زينب بنت عثمان بن محمد بن لولو الدمشقية سمعت الحجار وأجازت للحافظ ابن حجر وفيها أبو عامر عبد الله بن أحمد بن إبراهيم بن علي بن عثمان بن يعقوب بن عبد الحق المريني صاحب فاس وبلاد المغرب توفي في جمادى الآخرة واستقر بعده أخوه أبو سعيد عثمان ودبر أمر المملكة أحمد بن علي القبائلي على عادته في أيام أخيه وفيها تاج الدين أبو محمد عبد الله بن علي بن عمر السنجاري الحنفي المعروف بقاضي صور بفتح الصاد المهملة بلدة بين حصن كيفا وبين ماردين بديار بكر ولد بسنجار سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة وتفقه بها وبالموصل وماردين وكان إماما عالما بارعا مفننا في الفقه والأصلين والعربية واللغة أفتى ودرس سنين وقدم إلى دمشق ثم إلى القاهرة وأخذ عن علماء المصريين وألف عدة كتب منها البحر الحاوي في الفتاوى ونظم المختار في الفقه ونظم السراجية في الفرائض ونظم سلوان المطاع لابن ظفر وناب في الحكم بالقاهرة ودمشق وولي وكالة بيت المال بدمشق وكان من محاسن الدنيا توفي آخر هذه السنة رحمه الله تعالى وفيها عبد الرحمن بن أحمد بن المقداد بن أبي الوسم بن هبة الله بن المقداد القيسي الصقلي الأصل ثم الدمشقي قال ابن حجر سمع من الحجار وحفيد العماد والمزي وهلال بن أحمد البصراوي وأيوب بن نعمة الكحال وغيرهم وحدث وهو رجل جيد أجاز لي غير مرة وكان قد انفرد بسماع مسند الحميدي انتهى
وفيها مجد الدين عبد الرحمن بن مكي الأقفهسي المالكي تفقه وناب في الحكم وتوفي في جمادى الاولى وفيها علاء الدين علي بن صلاح الدين محمد بن زين الدين محمد بن المنجا بن محمد بن عثمان الحنبلي التنوخي قاضي الشام تقدم في العلم إلى أن صار أمثل فقهاء الحنابلة في عصره مع الفضل والصيانة والديانة والأمانة وناب عن ابن قاضي الجبل ثم استقل بالقضاء سنة ثمان وثمانين بعد موت ابن التقي ثم صرف مرارا وأعيد إلى أن مات في رجب بالطاعون بمنزله بصالحية دمشق وفيها علي بن محمد بن محمد بن أبي المجد بن علي الدمشقي المحدث

سبط القاضي نجم الدين الدمشقي ويعرف بابن الصايغ وبابن خطيب عين ترما وبالجوزي لأن أباه كان إمام مسجد الجوزة بدمشق ولد في ربيع الأول سنة سبع وسبعمائة وسمع من ابن تيمية والقسم بن عساكر ووزيرة والحجار وخلق وتفرد بالسماع منهم وخرجت له عنهم مشيخة وأجاز له سنة ثلاث عشرة التقى سليمان والمطعم والدبوسي وابن سعد وابن الشيرازي وظهر سماعه للصحيح من ست الوزراء بآخره فقرأوا عليه بدمشق ثم قدم القاهرة فحدث به مرارا قال ابن حجر سمعت عليه سنن ابن ماجه ومسند الشافعي وتاريخ أصبهان وغير ذلك من الكتب الكبار والأجزاء الصغار فأكثرت عنه وكان صبورا على التسميع ثابت الذهن ذاكرا ينسخ بخطه وقد جاوز التسعين صحيح السمع والبصر رجع إلى بلده فأقام بمنزله إلى أن مات في ربيع الأول وفيها شمس الدين محمد بن يسير البعلبكي المعروف بابن الأقرع الحنبلي الأعجوبة قال في أنباء الغمر اشتغل كثيرا وتمهر وكان جيد الذهن قوي الحفظ يعمل المواعيد عن ظهر قلب وله عند العامة بدمشق قبول زائد وكان طلق اللسان حلو الإيراد مات في شهر رمضان مطعونا انتهى
وفيها بهاء الدين أبو البقاء محمد بن حجي الحسباني الشافعي أخو قاضي الشام الآن نجم الدين عمر والشيخ شهاب الدين ولد سنة ثلاث وستين وسبعمائة وعنى بالعلم وشارك في عدة فنون وكان حسن الصوت بالقرآن جدا توفي في شوال شابا
وفيها أبو عبد الله محمد بن سلامة التوزري المغربي الكركي نزيل القاهرة قال ابن حجر كان فاضلا مستحضرا لكثير من الأصول والفقه صحب السلطان في الكرك فارتبط عليه واعتقده ثم قدم عليه فعظمه جدا وكان يسكن في مخزن في اسطبل الأمير قلمطاي الدويدار وإذا ركب إلى القلعة ركب على فرس بسرج ذهب وكبنوش مزركش من مراكب السلطان وكان داعية إلى مقالة ابن العربي الصوفي يناضل عنها ويناظر عليها ووقع له مع شيخنا الشيخ سراج الدين البلقيني مقامات اجتمعت به وسمعت كلامه وكنت أبغضه في الله تعالى وكان قد حج في

السنة الماضية ووقع بينه وبين ابن النقاش وغيره ممن حج من أهل الدين وقائع وكتبوا عليه محضرا بأمور صدرت منه فيها ما يقتضي الكفر ولم يتمكنوا من القيام عليه لميل السلطان إليه مات في الرابع والعشرين من ربيع الأول ولما مات أمر السلطان ليلبغا السالمي بمائتي دينار ليجهزه بها فتولى غسله وتجهيزه وأقام على قبره خمسة أيام بالمقرئين على العادة انتهى كلام ابن حجر
وفيها جمال الدين محمد بن عبد اللطيف بن محمد بن يوسف الزرندي المدني الحنفي عنى بالفقه والحديث وبرع في مذهب الإمام الأعظم توفي بين مكة والمدينة
وفيها أمين الدين محمد بن محمد بن علي الأنصاري الحمصي الدمشقي الحنفي تقدم في الأدب وأخذ الفقه عن رمضان الحنفي والعربية عن تقي الدين بن الحمصية وولي كتابة السر بحمص ثم بدمشق قال ابن حجر قدم القاهرة مع نائبها تتم فاجتمعت به وسمعت عليه قطعة من نظمه وأجاز لي وكان شكلا حسنا مع التواضع والأدب وكان له في النظم والنثر اليد البيضاء طارح فتح الدين بن الشهيد وعلاء الدين التبريزي وفخر الدين بن مكانس وغيرهم وأثنى عليه طاهر بن حبيب وقال كانت له مشاركة في الفنون وكتابة فائقة وعبارة رائقة توفي في ربيع الأول ولم يكمل الخمسين ومن شعره
( كلما قلت قد نصرت عليه ** لاح من عسكر اللحاظ كمينا )
( خنت فيه مع التشوق صبري ** ليت شعري فكيف أدعى أمينا )
وفيها شمس الدين محمد بن المبارك بن عثمان الحلبي الرومي الأصل الحنفي أصله من قرية يقال لها مترى قرأ ببلاده الهداية على التاج بن البرهان ثم قدم حلب فأخذ عن الشيخ شمس الدين بن الأقرب وقطبها وكان صالحا خيرا متعبدا وهو آخر فقهاء حلب المتعبدين العاملين كثير التلاوة والخير والعبادة والإيثار قدم القاهرة فأخذ عن العراقي وابن الملقن والجلال التباني وحج وجاور ومات في ثامن عشر شهر رمضان


وفيها بدر الدين محمد بن يوسف بن أحمد بن الرضى عبد الرحمن الدمشقي الحنفي اشتغل وبرع وسمع من ابن الخباز وابن عبد الكريم وكان أعرف من بقي من الحنفية بنقل الفقه مع جودة النباهة ودرس بأماكن وأفتى وناب في الحكم وكان هو المعتمد عليه في المكاتيب بدمشق وتوفي في ذي الحجة
وفيها شمس الدين محمد بن يوسف بن أبي المجد الحكار سمع من الميدومي وابن عبد الهادي وغيرهما وأجاز له جماعة من المصريين والشاميين وحدث وسمع منه الحافظ ابن حجر وتوفي في رجب والله تعالى أعلم
تم بعون الله تعالى وقوته الجزء السادس من شذرات الذهب
ويليه الجزء السابع وأوله سنة إحدى وثمانمائة

شذرات الذهب ج 4

7

بسم الله الرحمن الرحيم
سنة إحدى وثمانمائة

وهي أول القرن التاسع من الهجرة قال ابن حجر دخلت وسلطان مصر والشام والحجاز الملك الظاهر أبو سعيد برقوق وسلطان الروم أبو يزيد بن عثمان وسلطان اليمن من نواحي تهامة الملك الأشرف إسماعيل بن الأفضل بن المجاهد وسلطان اليمن من نواحي الجبال الإمام الزيدي الحسني علي بن صلاح وسلطان المغرب الأوسط أبو سعيد عثمان المريني وسلطان المغرب الأقصى ابن الأحمر وصاحب البلاد الشرقية تيمور كوركان المعروف باللنك وصاحب بغداد أحمد بن أويس وأمير مكة حسن بن عجلان بن رميثة الحسني وبالمدينة ثابت بن نفير والخليفة العباسي أبو عبد الله محمد المتوكل على الله بن المعتضد بالله أبي بكر ويدعى أمير المؤمنين ونازعه في هذا الاسم الإمام الزيدي وبعض ملوك المغرب وصاحب اليمن لكن خطيبها يدعو في خطبته للمستعصم العباسي أحد الخلفاء ببغداد وكان نائب دمشق يومئذ تنم الحسنى وبحلب أرغون شاه وبطرابلس أقبغا الحمالي وبحماة يونس الغلمطاوي وبصفد شهاب الدين بن الشيخ علي وبغزة طيفورا انتهى
وقال الحافظ السخاوي قد أفردت تراجم أهله في ست مجلدات
وفيها غزا اللنك بلاد الهند واستولى على دلى وسبى منها خلقا كثيرا ولما رجع إلى سمرقند بيع السبي الهندي برخص عظيم لكثرته
وفيها توفي العلامة برهان الدين أبو محمد إبراهيم بن موسى بن أيوب الأبناسي بفتح الهمزة وسكون الموحدة بعدها نون وفي آخره سين نسبة إلى أبناس قرية

صغيرة بالوجه البحري ولد على ما نقل من خطه بابناس سنة خمس وعشرين وسبعمائة تقريبا وقدم القاهرة وله بضع وعشرون سنة وسمع بها وبدمشق من جماعة وخرج له الحافظ ولي الدين بن العراقي مشيخة وتخرج في فقه الشافعية على الشيخين جمال الدين الأسنائي وولي الدين المنفلوطي وغيرهما وتخرج في الحديث بمغلطاي قال المؤرخ ناصر الدين بن الفزات كان شيخ الديار المصرية مربيا للطلبة وله مصنفات في الحديث والفقه والأصول والعربية وحج وجاور مرات وقال الحافظ ابن حجر مهر في الفقه والأصول والعربية وشغل فيها وبنى زاوية بالمقس ظاهر القاهرة وأقام بها يحسن إلى الطلبة ويجمعهم على التفقه ويرتب لهم ما يأكلونه ويسعى لهم في الرزق خصوصا الواردين من النواحي فصار أكثر الطلبة بالقاهرة تلامذته وتخرج به خلق كثير وكان حسن التعليم لين الجانب متواضعا بشوشا متعبدا متقشفا مطرح التكلف وقد عين للقضاء فتوارى وذكر أنه فتح المصحف فخرج { قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه } ولم يزل مستمرا على طريقته وإفادته ونفعه إلى أن حج فمات راجعا في المحرم بعيون القصب بالقرب من عقبة أيلة ودفن هناك
وفيها شهاب الدين أحمد بن إبراهيم بن عبد العزيز بن علي الموصلي الأصل الدمشقي ابن الخباز نزيل الصالحية قال في أنباء الغمر سمع من أبي بكر بن الرضى وزينب بنت الكمال وغيرهما وحدث سمع منه صاحبنا الحافظ غرس الدين وأظنه استجازه لي ومات في شهر ربيع الأول عن بضع وثمانين وسنة انتهى
وفيها شهاب الدين أحمد بن أبي بكر بن محمد العبادي الحنفي تفقه على السراج الهندي وفضل ودرس وشغل ثم صاهر القليجي وناب في الحكم ووقع على القضاء ودرس بمدرسة الناصر حسن وكان يجمع الطلبة ويحسن إليهم

وحصلت له محنة مع السالمي وأخرى مع الملك الظاهر وتوفي في ثامن أو تاسع عشر ربيع الآخر
وفيها أحمد بن سليمان بن محمد بن سليمان بن مروان الشيباني البعلبكي ثم الصالحي أحد رواة الصحيح عن الحجار وسمع أيضا منه غيره وله إجازة من أبي بكر بن محمد بن عنتر السلمي وغيره وحدث ومات في ذي الحجة
وفيها القاضي برهان الدين أحمد بن عبد الله السيواسي الحنفي قاضي سيواس قدم حلب واشتغل بها ودخل القاهرة ورجع إلى سيواس فصاهر صاحبها ثم عمل عليه حتى قتله وصار حاكما بها وقد قتل في المعركة لما نازله التتار الذين كانوا بأذربيجان وكان جوادا فاضلا وله نظم
وفيها القاضي عماد الدين أبو عيسى أحمد بن عيسى بن موسى بن جميل المعيري بكسر الميم وسكون العين المهملة وفتح التحتية وآخره راء نسبة إلى معير بطن من بني أسد الكركي العامري الأزرقي الشافعي ولد في شعبان سنة إحدى وأربعين وسبعمائة وحفظ المنهاج واشتغل بالفقه وغيره وسمع الحديث من التباني وغيره وسمع بالقاهرة من أبي نعيم بن الحافظ تقي الدين عبيد الأسعردي وغيره وحدث ببلده قديما سنة ثمان وثمانين ولما قدم القاهرة قاضيا خرج له الحافظ أبو زرعة مشيخة سمعها عليه الحافظ ابن حجر وكان أبوه قاضي الكرك فلما مات استقر مكانه وقدم القاهرة سنة اثنتين وسبعين ثم قدمها سنة اثنتين وثمانين وكان كبير القدر في بلده محببا إلى أهلها بحيث لا يصدرون إلا عن رأيه فاتفق أن الظاهر لما سجن في الكرك قام هو وأخوه علاء الدين علي في خدمته فحفظ لهما ذلك فلما تمكن أحضرهما إلى القاهرة وولي عماد الدين قضاء الشافعية وعلاء الدين كتابة السر وذلك في رجب سنة اثنتين وسبعين فباشر بحرمة ونزاهة واستكثر من النواب وشدد في رد رسائل الكبار وتصلب في الأحكام فتمالؤا عليه فعزل في أواخر سنة أربع وتسعين واستمرت عليه

وظائف كثيرة ثم شغرت خطابة الأقصى وتدريس الصلاحية سنة تسع وتسعين فقررهما عليه السلطان وباشرهما بالقدس وانجمع عن الناس وأقبل على العبادة والتلاوة إلى أن مرض فنزل عن خطابة القدس لولده شرف الدين عيسى ثم مات في سابع عشرى ربيع الأول
وفيها شهاب الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن السلار الصالحي ابن أخي الشيخ ناصر الدين إبراهيم ولد سنة اثنتين وعشرين وسبعمائة وأحضر على أبي العباس بن الشحنة وأجاز له أيوب بن نعمة الكحال والشرف بن الحافظ وعبد الله بن أبي التايب وآخرون وحدث فسمع منه الحافظ غرس الدين والمعازفي وتوفي في أواخر ذي الحجة
وفيها تاج الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الرحمن البلبيسي الشافعي الخطيب ولد سنة ثمان وعشرين وسبعمائة واشتغل وتفقه ولم يحصل له من سماع الحديث ما يناسب سنه لكنه لما جاور بمكة سمع من الكمال بن حبيب عدة كتب حدث عنه بها كمعجم ابن قانع وأسباب النزول وجزء ابن ماجه وولي أمانة الحكم بالقاهرة ودرس بالجامع الخطيري وخطب به وناب في الحكم ببولاق ومات في ربيع الأول
وفيها ناصر الدين أحمد بن جمال الدين محمد بن شمس الدين محمد بن رشيد الدين محمد بن عوض الأسكندراني الزبيري نسبة إلى الزبير بن العوام المالكي قال ابن حجر بهر وفاق الأقران في العربية وولي قضاء بلده ثم قدم القاهرة وظهرت فضائله وولي قضاء المالكية بها فباشره بعفة ونزاهة وناب عنه البدر الدماميني وقال فيه من أبيات
( وأجاد فكرك في بحار علومه ** سبحا لانك من بني العوام )
وكان عاقلا متوددا موسعا عليه في المال سليم الصدر طاهر الذيل قليل الكلام لم يؤذ أحدا بقول ولا فعل وعاشر الناس بجميل فأحبوه شرح

التسهيل ومختصر ابن الحاجب وتوفي في أول شهر رمضان
وفيها الملك الظاهر برقوق بن أنس بن عبد الله الجركسي العثماني ذكر الخواجا عثمان الذي أحضره من بلاد الجركس أنه اشتراه منه يلبغا الكبير واسمه حينئذ الطنبغا فسماه برقوقا لنتوء في عينيه فكان في خدمة يلبغا من جملة المماليك الكتابية ثم كان فيمن نفى إلى الكرك بعد قتل يلبغا ثم اتصل بخدمة منجك نائب الشام ثم حضر معه إلى مصر ثم اتصل بخدمة الأشرف شعبان فلما قتل الأشرف ترقى برقوق إلى أن أعطي إمرة أربعين وكان هو وجماعة من إخوته في خدمة اينبك شم لما قام طلعتمر على اينبك وقبض عليه ركب بركة وبرقوق ومن تابعهما على المذكور وأقاما طشتمر العلائي مدبرا للملكة لمملكة اتابكا واشتهروا في خدمته إلى أن قام عليه مماليكه في أواخر سنة تسع وسبعين فآل الأمر إلى استقلال بركة وبرقوق في تدبير المملكة بعض القبض على طشتمر فلم تطل الأيام حتى اختلفا وتباينت أغراضهما وقد سكن برقوق في الاصطبل السلطاني وأول شيء صنعه أن قبض على ثلاثة من أكابر الأمراء كانوا من أتباع بركة فبلغه ذلك فركب على برقوق ودام الحرب بينهما أياما إلى أن قبض على بركة وسجنه بالأسكندرية وانفرد برقوق بتدبير المملكة إلى أن دخل شهر رمضان سنة أربع وثمانين تم له الأمر استقلالا بالملك فجلس على تخت الملك ولقب الملك الظاهر وبايعه الخليفة وهو المتوكل محمد بن المعتضد والقضاة والأمراء ومن تبعهم وخلعوا الصالح حاجي بن الأشرف وأدخل به إلى دور أهله بالقلعة واستمر في الملك إلى وفاته وجرت عليه أتعاب وكان شهما شجاعا ذكيا خبيرا بالأمور عارفا بالفروسية خصوصا اللعب بالرمح يحب الفقراء ويتواضع لهم ويتصدق كثيرا ولا سيما إذا مرض وأبطل في ولايته كثيرا من المكوس وضخم ملكه حتى خطب له على منابر توريز وضربت الدنانير والدراهم فيها باسمه وعلى منابر ماردين والموصل وسنجار وغير ذلك وكان جهوري

الصوت كبير اللحية واسع العينين محبا لجمع المال طماعا جدا ومن آثاره المدرسة القائمة بين القصرين بالقاهرة لم يتقدم بناء مثلها وعمل جسر الشريعة وانتفع به المسافرون كثيرا وفي ذلك يقول شمس الدين محمد المزين
( بنى سلطاننا للناس جسرا ** بأمر والوجوه له مطيعه )
( مجازا في الحقيقة للبرايا ** وأمرا بالسلوك على الشريعة )
وبالجملة فإنه كان أعظم ملوك الجراكسة بلا مدافعة بل المتعصب يقول أنه أعظم ملوك الترك قاطبة وتوفي على فراشه ليلة نصف شوال بالقاهرة عن نحو ستين سنة وترك من الذهب العين ألفي ألف ألف دينار وأربعمائة ألف دينار ومن الأثاث وغيره ما قيمته ألف ألف دينار وأربعمائة ألف دينار قاله المقريزي وعهد بالسلطنة إلى ابنه فرج وله يومئذ عشر سنين
وفيها الشيخ الصالح عبد الله بن سعد بن عبد الكافي المصري ثم المكي المعروف بالحرفوش صاحب كتاب الحريفيش في الوعظ كان رجلا عالما زاهدا صوفيا واعظا مشهورا بالخير وللناس فيه اعتقاد زائد ويخبر بأشياء فتقع كما يقول وجاور بمكة أكثر من ثلاثين سنة ومات في أول هذه السنة
وفيها ست القضاة بنت عبد الوهاب بن عمر بن كثير ابنة أخي الحافظ عماد الدين حدثت بالإجازة عن القسم بن عساكر وغيره من شيوخ الشام وعن علي الواني وغيره من شيوخ مصر وخرج لها صلاح الدين أربعين حديثا عن شيوخها وتوفيت في جمادى الآخرة وقد جاوزت الثمانين
وفيها صفية بنت القاضي عماد الدين إسمعيل بن محمد بن العز الصالحية ولي أبوها القضاء وحدثت هي بالإجازة عن الحجار وأيوب الكحال وغيرهما وسمعت من عبد القادر الأيوبي وماتت في المحرم
وفيها جمال الدين عبد الله بن شهاب الدين أحمد بن صالح بن أحمد بن خطاب الزهري الشافعي ولد في جمادى الآخرة سنة تسع وستين وحفظ التمييز وأذن

له أبوه في الافتاء ودرس بالقليجية وغيرها وناب في الحكم وكان عالي الهمة توفي في المحرم
وفيها جمال الدين عبد الله بن أبي عبد الله السكوني بفتح السين المهملة وضم الكاف وفي آخره نون نسبة إلى سكون بطن من كندة المالكي أحد المدرسين في مذهبه كان بارعا في العلم مع الدين والخير ودرس بالأشرفية وتوفي في ربيع الآخر
وفيها عبد الرحمن بن أحمد بن الموفق إسمعيل بن أحمد الصالحي المعروف بابن الذهبي الحنبلي ناظر المدرسة الصلاحية بالصالحية حدث عن ابن أبي التايب ومحمد بن أيوب بن حازم وزينب بنت الكمال وأجاز له الحجار وأجاز هو للشهاب بن حجر وقال بلغني أنه تغير بآخره ولم يحدث في حال تغيره وتوفي في جمادى الأولى وقد جاوز السبعين
وفيها صدر الدين عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن داود الكفري الشافعي عنى بالفقه وناب في الحكم في دمشق ومات بها في المحرم عن أربعين سنة وكانت له همة في طلب الرياسة قاله ابن حجر
وفيها عبد الرحمن بن موسى بن راشد بن طرخان الملكاوي ابن أخي الشيخ شهاب الدين الشافعي اشتغل بالفقه وحفظ المنهاج ونظر في الفرائض واعترته في آخر أمره غفلة وكان مع ذلك حافظا لأمره وتوفي في المحرم ولم يكمل الخمسين
وفيها علي بن أحمد بن الأمير بيبرس الحاجب المعروف بأمير علي بن الحاجب المقرىء تلا بالسبع وكان حسن الأداء مشهورا بالمهارة في العلاج يقال عالج بمائة وعشرة أرطال مات في ربيع الآخر وقد شاخ قاله ابن حجر
وفيها علي بن أيبك بن عبد الله الدمشقي الشاعر اشتهر بالنظم وكان له إلمام بالتاريخ وعلق تاريخا لحوادث زمانه ومن شعره
( كأن الراح لما راح يسعى ** بها في الراح مياس القوام )


( سنا المريخ في كف الثريا ** يحيينا به بدر التمام )
ومنه
( مليح قام يجذب غصن بان ** فمال الغصن منعطفا عليه )
( وميل الغصن نحو أخيه طبع ** وشبه الشيء منجذب إليه )
وأجاز ابن حجر العسقلاني وتوفي في ثاني عشر ربيع الأول عن اثنتين وسبعين سنة
وفيها عمر بن سراج الدين عبد اللطيف بن أحمد المصري الفيومي الشافعي نزيل حلب تفقه بالقاهرة على السراج البلقيني وغيره ثم رحل إلى حلب فولي بها قضاء العسكر ثم عزل وكان فقيها بارعا في الفرائض مشاركا في بقية العلوم وله نثر ونظم وخمس البردة ومن شعره
( دع منطقا فيه الفلاسفة الأولى ** ضلت عقولهم ببحر مغرق )
( واجنح إلى نحو البلاغة واعتبر ** أن البلاء موكل بالمنطق )
ومنه فيما يحيض من الحيوان الناطق وغيره
( المرأة والخفاش ثم الأرنب ** والضبع الرابع ثم المراب )
وفي كتاب الحيوان يذكر للجاحظ أنقل عنه ما لا ينكر قتل في أواخر المحرم في خان غباغب خارج دمشق وهو قاصد للديار المصرية
وفيها قنبر بن عبد الله العجمي الشرواني الأزهري الشافعي اشتغل في بلده وقدم الديار المصرية فأقام بالجامع الأزهر وكان معرضا عن الدنيا قانعا باليسير يلبس صيفا وشتاءا قميصا ولبادا وعلى رأسه كوفية لبد لا غير وكان لا يتردد إلى أحد ولا يسأل من أحد شيئا وإذا فتح عليه بشيء ما أنفقه على من حضر وكان يحب السماع والرقص ويتنزه في أماكن النزهة على هيئته ومهر في الفنون العقلية وتصدر بالجامع الأزهر واشتغل وكان حسن التقرير جيد التعليم قال ابن حجر اجتمعت به مرارا وسمعت درسه وكان يذكر بالتشيع وشوهد مرارا

يمسح على رجليه من غير خف وتوفي في شعبان
وفيها شمس الدين محمد بن أحمد بن أبي العز بن أحمد بن أبي العز بن صالح بن وهب الأذرعي الأصل الدمشقي الحنفي المعروف بابن النشو ولد سنة إحدى وعشرين وأسمع من الحجار وإسحق الآمدي وعبد القادر بن الملوك وغيرهم وحدث وكان أحد العدول بدمشق وتوفي في صفر
وفيها شرف الدين أبو بكر محمد بن عمر العجلوني نزيل حلب المعروف بابن خطيب سرمين أصله من عجلون ثم سكن أبوه عزاز وولي خطابة سرمين وقرأ المترجم بحلب على الباريني وسمع من ابن العجمي وغيره ووعظ على الكرسي بحلب وحج وجاور بمكة مرارا وسمع منه في مجاورته في هذه السنة ابن حجر وكتب هو عن أبي عبد الله بن جابر الأعمى المغربي قصيدته البديعة وحدث بها عنه وسمعها منه ابن حجر وتوفي بمكة في سادس عشر صفر
وفيها بدر الدين محمد بن أحمد بن موسى الدمشقي الرشادي الفقيه الشافعي اشتغل كثيرا ونسخ بخطه الكثير ودرس بالعصرونية وكان منجما قليل الشر أفتى ودرس وتوفي في ربيع الأول وقد جاوز الأربعين
وفيها الملك المنصور محمد بن الملك المظفر حاجي بن الناصر محمد بن قلاوون الصالحي ولد سنة ثمان وأربعين وسبعمائة وولي السلطنة بعد عمه الناصر حسن في جمادى الأولى سنة اثنتين وستين ودبر دولته يلبغا وسافر معه إلى الشام وكان عمره إذ ذاك نحو خمس عشرة سنة فترعرع بعد أن رجع من السفر وكثر أمره ونهيه فخشي يلبغا منه فأشاع أنه مجنون وخلعه من السلطنة في شعبان سنة أربع وستين فكانت مدة سلطنته ثلاث سنين وشهرين وخمسة أيام واعتقل بالحوش في المكان الذي به ذرية الملك الناصر إلى أن مات في تاسع محرم هذه السنة وخلف عشرة أولاد وقرر لهم الملك الظاهر مرتبا
وفيها نسيم الدين أبو عبد الله محمد بن سعيد بن مسعود بن محمد بن علي النيسابوري

ثم الكازروني الفقيه الشافعي نشأ بكازرون وكان يذكر أنه من ذرية أبي علي الدقاق وأنه ولد سنة خمس وثلاثين وسبعمائة وأن المزي أجاز له واشتغل بكازرون على أبيه وبرع في العربية وشارك في الفقه وغيره مشاركة حسنة مع عبادة ونسك وخلق رضي وحج وأقام بمكة مدة طويلة ثم حج سنة اثنتين وثمانين وجاور بمكة أيضا نحو ست عشرة سنة وكان حسن التعليم غاية في الورع وانتفع به أهل مكة وغيرهم قال السيوطي وروى لنا عنه جماعة من شيوخنا المكيين وتوفي ببلده في هذه السنة
وفيها أمين الدين محمد بن علي بن عطا الدمشقي كان فاضلا فارعا في التصوف والعقليات درس بالأسدية وكان يسجل على القضاة وإليه النظر على وقف جده الصاحب شهاب الدين بن تقي الدين مات في ذي الحجة
وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن علي بن محمد بن علي بن ضرغام بن عبد الكافي البكري بن سكر بضم المهملة وتشديد الكاف الحنفي المصري نزيل مكة ولد سنة ثمان عشرة وسبعمائة وطلب الحديث والقراءات وسمع ما لا يحصى ممن لا يحصى وجمع شيئا كثيرا بحيث كان لا يذكر له جزء حديثي إلا ويخرج سنده من ثبته عاليا أو نازلا وذكر أن سبب كثرة مروياته وشيوخه أنه كان إذا قدم الركب مكة طاف على الناس في رحالهم ومنازلهم يسأل من له رواية أو حظ من علم فيأخذ عنه مهما استطاع وكتب بخطه ما لا يحصى من كتب الحديث والفقه والأصول والنحو وغيرها وخطه رديء وفهمه بطيء وأوهامه كثيرة قال ابن حجر سمعت منه بمكة وقد أقرأ القراءات بها وتغير بآخره تغيرا يسيرا وكان ضابطا للوفيات محبا للمذاكرة مات في صفر انتهى
وفيها شمس الدين محمد بن علي بن يعقوب الشافعي النابلسي الأصل نزيل حلب ولد سنة بضع وخمسين وسبعمائة وكان فقيها مشاركا في العربية والميقات وحفظ أكثر المنهاج والتمييز للمازري وأكثر الحاوي والعمدة والشاطبية

والتسهيل ومختصر ابن الحاجب ومنهاج البيضاوي وغيرها وكان يكرر عليها قال البرهان المحدث بحلب كان سريع الإدراك محافظا على الطهارة سليم اللسان صحيح العقيدة لا أعلم بحلب أحدا من الفقهاء على طريقته مات في تاسع عشر ربيع الآخر
وفيها بدر الدين محمد بن جمال الدين محمد بن أحمد بن طوق الطواويسي الكاتب سمع بعناية زوج أخته الحافظ شمس الدين الحسيني من أصحاب الفخر وغيرهم وحدث عن زينب بنت الخباز وغيرها وأجاز له جماعة وباشر ديوان الإنشاء مع الشهرة بالأمانة وتوفي في آخر ذي الحجة وقد قارب التسعين
وفيها بدر الدين محمود بن عبد الله الكلستاني نسبة إلى الكلستان لأنه كان في مبدأ أمره يقرأ كتاب سعد العجمي المعروف بالكلستاني السرائي نسبة إلى مدينة من مدن الدشت الحنفي كاتب السر بالديار المصرية اشتغل ببلاده ثم ببغداد وقدم دمشق خاملا ثم قدم مصر فحصل له نوع يسر وظهور لقربه عند الجوباني فلما ولي نيابة الشام قدم معه وولي تدريس الظاهرية ثم ولي مشيخة الأسدية بعد الياسوفي وأعطى تصدير الجامع الأموي ثم رجع إلى مصر فأعطاه الظاهر وظائف كانت لجمال الدين محمود القشيري فلما رضي عن جمال الدين استعاده بعضها منها تدريس الشيخونية ثم لما سار السلطان إلى حلب احتاج إلى من يقرأ له كتابا بالتركي ورد عليه من اللنك فلم يجد من يقرؤه فاستدعى به وكان قد صحبهم في الطريق فقرأه وكتب الجواب فأجاد فأمره السلطان أن يكون صحبته إلى أن ولاه كتابة السر وباشرها بحشمة ورياسة وكان يحكي عن نفسه أنه أصبح ذلك اليوم لا يملك الدرهم الفرد فما أمسى ذلك اليوم إلا وعنده من الخيل والبغال والجمال والمال والمماليك والملبوس والآلات ما لا يوصف كثرة وكان حسن الخط جدا مشاركا في النظم والنثر والفنون مع طيش وخفة وتوفي في خامس جمادى الأولى وخلف أموالا جمة يقال أنها

وجدت بعده مدفونة في كراسي المستراح قاله ابن حجر

سنة اثنتين وثمانمائة

في آخر شوال وقع بالحرم المكي حريق عظيم أتى على نحو ثلثه واحترق من العمد الرخام مائة وثلاثون عمودا صارت كلسا والذي احترق من باب العمرة إلى باب حزورة
وفيها توفي إبراهيم بن عبد الرحمن بن سليمان السرائي الشافعي قدم القاهرة وولي مشيخة الرباط بالبيرسية وكان يعرف بإبراهيم شيخ واعتنى بالحديث كثيرا ولازم الشيخ زين الدين العراقي وحصل النسخ الحسنة واعتنى بضبطها وتحسينها وكان يحفظ الحاوي ويدرس غالبه مع الخير والدين ومن لطائف قوله كان أول خروج تمرلنك في سنة عذاب يشير أن ظهوره سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة وكان يحسن عمل صنائع عديدة مع الدين والصيانة وتوفي في ربيع الأول
وفيها إبراهيم بن محمد بن عثمان بن إسحق الدجوي بضم الدال المهملة وسكون الجيم وبالواو نسبة إلى دجوة قرية على شط النيل الشرقي على بحر رشيد ثم المصري النحوي قال ابن حجر أخذ عن الشهاب بن المرحل والجمال ابن هشام وغيرهما ومهر في العربية وأشغل الناس فيها وكان جل ما عنده حل الألفية وفيه دعابة مات في ربيع الأول وقد بلغ الثمانين
وفيها برهان الدين أبو محمد إبراهيم بن موسى بن أيوب الأبناسي الشافعي نزيل القاهرة ولد سنة خمس وعشرين وسبعمائة وسمع من الوادي آشي وأبي الفتح الميدومي ومغلطاي وبه تخرج وغيرهم واشتغل في الفقه والحديث والأصول والعربية وتفقه بالأسنوي والمنفلوطي وغيرهما ودرس بعدة أماكن واتخذ بظاهر القاهرة مدرسة فأقام بها يحسن إلى الطلبة ويجمعهم على الفقه ورتب

لهم ما يأكلون وسعى لهم في الأرزاق حتى صار كبار الطلبة بالقاهرة من تلامذته وممن أخذ عنه الفقه ابن حجر العسقلاني وكان متقشفا عابدا طارحا للتكلف وعين للقضاء فتوارى وتفاءل بالمصحف فخرج له { قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه } الآية ولم يزل على طريقته الحسنة إلى أن حج فتوفي راجعا في المحرم ودفن بعيون القصب ورثاه الزين العراقي بأبيات دالية
وفيها القاضي برهان الدين أبو إسحق إبراهيم بن قاضي القضاة نصر الله ناصر الدين أبي الفتح بن أحمد بن محمد بن أبي الفتح بن هاشم بن نصر الله بن أحمد العسقلاني الأصل ثم المصري الكناني الحنبلي الإمام العالم ولد في رجب سنة ثمان وستين وسبعمائة وأخذ العلم عن أبيه وغيره ونشأ على طريقة حسنة وناب عن والده ثم استقل بالقضاء في الديار المصرية بعد وفاة والده في شعبان سنة خمس وتسعين وسلك مسلك والده في العقل والمهابة والحرمة وكان الظاهر برقوق يعظمه قال ابن حجر كان خيرا صينا وضيء الوجه ولم يزل على ولايته إلى أن توفي يوم السبت تاسع ربيع الأول ودفن عند والده بتربة القاضي موفق الدين وهو والد قاضي القضاة عز الدين الكناني
وفيها جلال الدين أحمد بن نظام الدين إسحق بن مجد الدين محمد بن أسعد الدين عاصم الأصبهاني الحنفي المعروف بالشيخ اصلم ولد في حدود الستين وسبعمائة ونشأ بالقاهرة وتفقه بوالده وغيره وولي مشيخة سرياقوس وسار فيها سيرة جيدة إلى الغاية وكان جميلا فصيحا مهابا بهيا وله فضل وافضال ومكارم وكان له خصوصية عند الملك الظاهر برقوق أولا ثم تنكر له وعزله عن مشيخة سرياقوس ثم أعيد إليها بعد موته إلى أن مات قال العيني كان ينسب إلى معرفة علم الحرف وليس بصحيح وكان يجمع من أموال الخانقاه ويطعم

الناس من غير استحقاق وكان يجمع في مجلسه ناسا أراذل وأصحاب ملاهي انتهى وتوفي بالخانقاه المذكورة خامس عشرى ربيع الآخر
وفيها أبو الخير أحمد بن خليل بن كيكلدي العلائي المقدسي قال ابن حجر سمع بإفادة أبيه من الكبار كالحجار وغيره من المسندين والمزي وغيره من الحفاظ بدمشق ورحل به إلى القاهرة فأسمعه من أبي حيان ومن عدة من أصحاب النجيب وسكن بيت المقدس إلى أن صار من أعيانه وكانت الرحلة في سماع الحديث بالقدس إليه فحدث بالكثير وظهر له في أواخر عمره سماع ابن ماجه على الحجار رحلت إليه من القاهرة بسببها في هذه السنة فبلغني وفاته وأنا بالرملة فعرجت عن القدس إلى الشام وكان موته في ربيع الأول وله ست وسبعون سنة وقد أجاز لي غير مرة انتهى
وفيها أحمد بن عبد الخالق بن محمد بن خلف الله المجاصي بفتح الميم والجيم مخففا إحدى قرى العرب وكان شاعرا ماهرا طاف البلاد وتكسب بالشعر وله مدايح وأهاجي كثيرة مات بالقاهرة في ربيع الآخر وقد ناهز الثمانين
وفيها جمال الدين أحمد بن علي بن محمد بن علي بن يوسف الدمشقي الحنفي المعروف بابن عبد الحق ويعرف قديما بابن قاضي الحصن وعبد الحق هو جده لأمه وهو ابن خلف الحنبلي سمع الكثير بإفادة جده لأمه من محمد بن أبي النايب وعائشة بنت المسلم الحرانية والمزي وخلق كثير من أصحاب ابن عبد الدايم قال ابن حجر سمعت عليه كثيرا وكان قد تفرد بكثير من الروايات وكان عسرا في التحديث مات في ثاني ذي الحجة وقد جاوز السبعين
وفيها شهاب الدين أحمد بن محمد بن أحمد بن سليمان بن حمزة المقدسي الحنبلي قال ابن حجر سمع من العز محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر وغيره ولي منه إجازة وتوفي في المحرم وله إحدى وستون سنة


وفيها أبو طاهر أحمد بن محمد الأخوي الخجندي الحنفي نزيل المدينة الإمام العلامة حدث بجزء عن عز الدين بن جماعة وأشغل الناس بالمدينة أربعين سنة وانتفع به لدينه وعلمه وتوفي وقد جاوز الثمانين
وفيها القاضي مجد الدين إسماعيل بن إبراهيم بن محمد بن علي بن موسى قاضي القضاة الكناني البلبيسي الحنفي قاضي مصر ولد ليلة السابع من شعبان سنة تسع وعشرين وسبعمائة وسمع من عبد الرحمن بن عبد الهادي وعبد الرحمن بن الحافظ المزي وصدر الدين الميدومي وخلائق وتفقه فبرع في الفقه والأصلين والفرائض والحساب والأدب وشارك في عدة علوم كالحديث والنحو والقراءات وباشر في مبدأ أمره توقيع الحكم مدة طويلة ثم ولي نيابة الحكم بالقاهرة مرارا ثم استقل بقضاء قضاة الحنفية بها وكان إماما بارعا متفننا فكه المحاضرة بهج الزي له يد في النظم والنثر وله ديوان شعر في مجلد منه
( إن كنت يوما كاتبا رقعة ** تبغي بها نجح وصول الطلب )
( إياك أن تغرب ألفاظها ** فتكتسي حرفة أهل الأدب )
ومنه
( لا تحسبن الشعر فضلا بارعا ** ما الشعر إلا محنة وخبال )
( فالهجو قذف والرثاء نياحة ** والعتب ضغن والمديح سؤال )
قال المقريزي وشعره كثير وأدبه غزير وفضله جم غير يسير ولقد صحبته مدة أعوام وأخذت عنه فوائد وكان لي به أنس وللناس بوجوده جمال إلا أنه امتحن بالقضاء في دنياه كما امتحن به ابن ميلق في دينه وكان في ولايتهما كما قال الآخر
( تولاها وليس له عدو ** وفارقها وليس له صدوق )
انتهى وتوفي في أول ربيع الأول
وفيها بركة بنت سليمان بن جعفر الأسنائي زوج القاضي تقي الدين

الأسنائي سمعت علي عبد الرحمن بن عبد الهادي وحدثت وماتت في سلخ المحرم
وفيها خديجة بنت العماد أبي بكر بن يوسف بن عبد القادر الجينية ثم الصالحية قاله ابن حجر روت عن عبد الله بن قيم الضيائية وماتت في أواخر السنة ولي منها إجازة
وفيها سليمان بن أحمد بن عبد العزيز الهلالي المغربي ثم المدني المعروف بالسقا قال ابن حجر سمع من محمد بن علي الجزري وفاطمة بنت العز إبراهيم وابن الخباز وغيرهم وحدث سمعت منه بالمدينة الشريفة وكان باشر أوقاف الصدقات بالمدينة وسيرته مشكورة ثم أضر بآخره ومات في أواخر هذه السنة وقد ناهز الثمانين انتهى
وفيها سراج الدين عبد اللطيف بن أحمد الفوي الشافعي نزيل حلب ولد سنة أربعين وسبعمائة تقريبا وقدم القاهرة واشتغل بالفقه على الأسنوي وغيره وأخذ الفرائض عن صلاح الدين العلائي فمهر فيها ثم دخل حلب فولي قضاء العسكر ثم عزل ثم ولي تدريس الظاهرية ثم نوزع في نصفها وكان يقرىء في محراب الجامع الكبير ويذكر الميعاد بعد صلاة الصبح في محراب الحنابلة وكان ماهرا في علم الفرائض مشاركا في غيرها وله نظم ونثر ومجاميع طارح الشيخ زاده لما قدم عليهم بنظم ونثر فأجابه ولم يزل مقيما بحلب إلى أن خرج منها طالبا القاهرة فلما وصل خان غباغب أصبح مقتولا وذهب دمه هدرا
وفيها عبد اللطيف بن أبي بكر بن أحمد بن عمر الشرجي بفتح المعجمة وسكون الراء بعدها جيم نزيل زبيد كان عارفا بالعربية مشاركا في الفقه ونظم مقدمة ابن بابشاذ في ألف بيت وشرح ملحة الأعراب وله تصنيف في النجوم قال ابن حجر كان حنفي المذهب اجتمعت به بزبيد وسمع علي شيئا من الحديث وكان السلطان الأشرف يشتغل عليه وأنجب ولده أحمد انتهى
وفيها عبد المنعم بن عبد الله المصري الحنفي اشتغل بالقاهرة ثم قدم حلب

فقطنها وعمل المواعيد وكان يحفظ ما يلقيه في الميعاد دائما من مرة أو مرتين شهد له بذلك البرهان المحدث قال وكان يجلس مع الشهود ثم دخل إلى بغداد فأقام بها ثم عاد إلى حلب فمات بها في ثالث صفر
وفيها علاء الدين علي بن محمود بن أبي بكر بن إسحق بن أبي بكر بن سعد الدين بن جماعة الكناني الحموي بن القباني اشتغل بحماة قدم دمشق في حدود الثمانين وسبعمائة وولي إعادة البادرائية ثم تدريسها عوضا عن شرف الدين الشريشي وكان ربما أم وخطب بالجامع الأموي وكان يفتي ويدرس ويحسن المعاشرة وكان طويلا بعيد ما بين المنكبين حج مرارا وجاور وتوفي في ذي القعدة وقد شارك علاء الدين بن مقلى قاضي حماة في اسمه واسم أبيه وجده ونسبه حمويا وليس هو ابن مغلى فليعلم
وفيها شمس الدين محمد بن أحمد بن أبي الفتح بن إدريس الدمشقي بن الساج أخو المحدث عماد الدين سمع من الحجار الصحيح ومن محمد بن حازم والمزي والبرزالي والجزري وغيرهم وتوفي في رجب وقد قارب الثمانين
وفيها شمس الدين محمد بن أحمد بن محمد المعري ويعرف بابن شيخ السنيين الحنفي برع في المذهب ودرس وأفتى وناب في الحكم وأحسن في إيراد مواعيده بجامع الحاكم وكتب الخط الحسن وخرج الأربعين النووية وجمع مجاميع مفيدة وتوفي في سلخ صفر في الأربعين وتأسف الناس عليه
وفيها أبو السعود محمد بن حسين بن علي بن أحمد بن عطية بن ظهيرة المخزومي المكي الشافعي ولد سنة خمس وأربعين وسبعمائة واشتغل بالفقه والفرائض ومهر فيها وناب في الحكم عن صهره القاضي شهاب الدين وهو والد أبي البركات وتوفي في صفر
وفيها محمد بن عبد الله بن نشابة لحرضى بفتح المهملتين ومعجمة ثم العريشي بعين مهملة وراء وشين معجمة نسبة إلى قرية يقال لها عريش من عمل حرض

وحرض آخر بلاد اليمن من جهة الحجاز بينها وبين جلا مفازة كان محمد المذكور فقيها شافعيا ذكره ابن الأهدل في ذيل تاريخ الحميدي
وقال خلفه ولده عبد الرحمن وكان مولده سنة أربع وسبعين وتفقه بأبيه وبأحمد مفتي مور وذكر أنه اجتمع به بعد الثلاثين وثمانمائة بأبيات حسين وهو مفتي بلده ومدرسها وينوب في الحكم انتهى ملخصا
وفيها بدر الدين محمد بن عسال الدمشقي الشافعي ولد قبل الخمسين وسبعمائة وتفقه بالسراج البلقيني وأجازه بالإفتاء وشهد عند الحكام وولي قضاء بعلبك عن البرهان بن جماعة ثم ولي قضاء حمص وتوفي في ربيع الأول
وفيها شمس الدين محمد بن جمال الدين عمر بن إبراهيم بن العجمي الحلبي الشافعي ولد سنة أربع وثلاثين وسبعمائة واشتغل في شبيبته وحفظ الحاوي ونزل في المدارس وجلس مع الشهود ثم ولي بعض المدارس بعد والده ونازعه الأذرعي ثم الفوي ثم استقر ذلك بيده وكان سمع المسلسل بالأولية من الشيخ تقي الدين السبكي ومن محمد بن يحيى بن سعد وحدث به عنهما وله إجازة حصلها له أبوه فيها المزي وتلك الطبقة ولكنه لم يحدث بشيء منها وكان سليم الفطرة نظيف اللسان خيرا لا يغتاب أحدا رحمه الله
وفيها شمس الدين محمد بن محمد بن علي بن عبد الرزاق الغماري ثم المصري المالكي قال ابن حجر أخذ العربية عن أبي حيان وغيره وسمع الكثير من مشايخ مكة كاليافعي والفقيه خليل وسمع بالأسكندرية من النويري وابن طرخان وحدث بالكثير وكان عارفا باللغة والعربية كثير المحفوظ للشعر لا سيما الشواهد قوى المشاركة في فنون الأدب تخرج به الفضلاء وقد حدثنا بسماعه من أبي حيان عن ناظمها وأجاز لي غير مرة وقال السيوطي في طبقات النحاة تفرد على رأس الثمانمائة خمسة علماء بخمسة علوم البلقيني بالفقه والعراقي بالحديث والغماري هذا بالنحو والشيرازي صاحب القاموس باللغة ولا استحضر الخامس

انتهى وتوفي في شعبان عن اثنتين وثمانين سنة
وفيها نجم الدين محمد بن محمد بن عبد الدايم الباهي نسبة إلى باهة بالموحدة التحتية قرية من قرى مصر من الوجه القبلي المصري الحنبلي قال ابن حجر اشتغل كثيرا وسمع من شيوخنا ونحوهم وعنى بالتحصيل ودرس وأفتى وكان له نظر في كلام ابن عربي فيما قيل انتهى وقال ابن حجي كان أفضل الحنابلة بالديار المصرية وأحقهم بولاية القضاء توفي في شعبان عن ستين سنة
وفيها محمد بن محمد بن محمد بن عثمان الغلفي بضم المعجمة وسكون اللام ثم فاء بن شيخ المعظمية قال ابن حجر سمع الحجار وحضر على إسحق الآمدي وأجاز له أيوب الكحال وغيره وأجاز لي غير مرة وتوفي في جمادى الآخرة
وفيها محمد بن محمد الجريدي القيرواني تفقه ثم تزهد وانقطع وظهرت له كرامات وكان يقضي حوائج الناس وكان ورعه مشهورا وحج سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة فجاور بمكة إلى أن مات
وفيها مقبل بن عبد الله الرومي الشافعي عتيق الناصر حسن طلب العلم واشتغل في الفقه وتعمق في مقالة الصوفية الاتحادية وكتب الخط المنسوب إلى الغاية وأتقن الحساب وغيره ومات في أوائل السنة وقد جاوز الستين قاله ابن حجر
وفيها ملكة بنت الشريف عبد الله بن العز إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر المقدسي الصالحي قال ابن حجر أحضرت على الحجار وعلى محمد بن الفخر البخاري وعلى أبي بكر بن الرضي وزينب بنت الكمال وغيرهم وأجاز لها ابن الشيرازي وابن عساكر وابن سعد وإسحق الآمدي وغيرهم وحدثت بالكثير وأجازت لي وتوفيت في تاسع عشر جمادى الأولى وقد جاوزت الثمانين
وفيها عز الدين يوسف بن الحسن بن الحسن بن محمود السراي ثم التبريزي الحلاوي الحنفي ظنا ويعرف بالحلوائي أيضا قال في تاريخ حلب قال ولده بدر

الدين لما قدم علينا ولد أي صاحب الترجمة سنة ثلاثين وسبعمائة وأخذ عن العضد وغيره ورحل إلى بغداد فقرأ على الكرماني ثم رجع إلى تبريز فأقام بها ينشر العلم ويصنف إلى أن بلغه أن ملك الدعدع قصد تبريز لكون صاحبها أساء السيرة مع رسول أرسله إليه في أمر طلبه منه وكان الرسول جميل الصورة إلى الغاية فتولع به صاحب تبريز فلما رجع إلى صاحبه أعلمه بما صنع معه وأنه اغتصبه نفسه أياما وهو لا يستطيع الفلت منه فغضب أستاذه وجمع عسكره وأوقع بأهل تبريز فأخربها وكان أول ما نازلها سأل عن علمائها فجمعوا له فآواهم في مكان وأكرمهم فسلم معهم ناس كثير ممن اتبعهم ثم لما نزح عنهم تحول عز الدين إلى ماردين فأكرمه صاحبها وعقد له مجلسا حضره فيه علماؤها مثل شريح والهمام والصدر فأقروا له بالفضل ثم لما ولي إمرة تبريز أمير زاده بن اللنك طلب عز الدين المذكور وبالغ في إكرامه وأمره بالاستقرار عنده فأخبره بما كان شرع في تصنيفه واستعفاه ثم انتقل بآخره إلى الجزيرة فقطنها إلى أن مات بها في هذه السنة ومن سيرته أنه لم تقع منه كبيرة ولما لمس بيده دينارا ولا درهما وكان لا يرى إلا مشغولا بالعلم أو التصنيف وشرح منهاج البيضاوي وعمل حواشي على الكشاف وشرح الأسماء الحسنى قاله ابن حجر
وفيها يوسف بن عثمان بن عمر بن مسلم بن عمر الكتاني بالمثناة الفوقية الثقيلة الصالحي سمع من الحجار حضورا ومن الشرف بن الحافظ وأحمد بن عبد الرحمن الصرخدي وعائشة بنت مسلم الحرانية وغيرهم وأجاز له الرضى الطبري وهو خاتمة أصحابه وأجاز له أيضا ابن سعد وابن عساكر وآخرون وحدث بالكثير وكان خيرا وأجاز لابن حجر وغيره وتوفي في نصف صفر عن ثلاث وثمانين سنة

سنة ثلاث وثمانمائة

دخلت والناس في أمر مزيج من اضطراب البلاد الشمالية بطروق تمرلنك وفيها كائنته بدمشق وما والاها وسيأتي ذلك مفصلا في ترجمته في سنة سبع وثمانمائة إن شاء الله تعالى
وفيها توفي برهان الدين إبراهيم بن الشيخ عماد الدين إسمعيل النقيب بن إبراهيم المقدسي النابلسي الحنبلي أقضى القضاة تفقه على جماعة منهم ابن مفلح وكان فقيها جيدا متقنا للفرائض وناب عن قاضي القضاة شمس الدين النابلسي فباشر مباشرة حسنة وله تعليقة على المقنع توفي بالصالحية في خامس رمضان وقد ناهز الستين ودفن بالروضة
وفيها برهان الدين أبو سالم إبراهيم بن محمد بن علي التادلي بالمثناة الفوقية وفتح المهملة نسبة إلى تادلة من جبال البربر بالمغرب المالكي قاضي المالكية بدمشق ولد سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة وكان قوي العين مصمما في الأمور ملازما لتلاوة القرآن والأسباع شجاعا جريئا ولي قضاء الشام سنة ثمان وسبعين إلى هذه المدة عشر مرار يتعاقب هو والقفصي وغيره وولي أيضا قضاء حلب وتوفي في جمادى الأولى من جراحات جرحها لما حضر وقعة اللنكية
وفيها برهان الدين وتقي الدين أبو إسحق إبراهيم بن محمد بن مفلح بن مفرج الراميني الأصل ثم الدمشقي الحنبلي الحافظ شيخ الحنابلة ورئيسهم وقاضي قضاتهم ولد سنة تسع وأربعين وسبعمائة وحفظ كتبا عديدة وأخذ عن جماعة منهم والده وجده قاضي القضاة جمال الدين المرداوي وقرأ على البهاء السبكي واشتغل وأشغل وأفتى ودرس وناظر وصنف وشاع اسمه واشتهر ذكره وبعد صيته ودرس بدار الحديث الأشرفية بالصالحية والصاحبية وغيرهما وأخذ عنه جماعات منهم ابن حجر العسقلاني ومن تصانيفه كتاب

فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وكتاب الملائكة وشرح المقنع ومختصر ابن الحاجب وطبقات أصحاب الإمام أحمد وتلف غالبها في فتنة تيمور وناب في الحكم لابن المنجا وغيره وانتهت إليه مشيخة الحنابلة وكان له ميعاد في الجامع الأموي بمحراب الحنابلة بكرة نهار السبت يسرد فيه نحو مجلد ويحضر مجلسه الفقهاء من كل مذهب ثم ولي القضاء بدمشق ولما وقعت فتنة التتار كان ممن تأخر بدمشق ثم خرج إلى تيمور ومعه جماعة ووقع بينه وبين عبد الجبار المعتزلي امام تيمور مناظرات والزامات بحضرة تمرلنك فأعجبه ومال إليه فتكلم معه في الصلح فأجاب إلى ذلك ثم غدر فتألم صاحب الترجمة إلى أن توفي في يوم الثلاثاء سابع عشرى شعبان ودفن عند رجل والده بالروضة
وفيها عز الدين أبو جعفر أحمد بن أحمد بن محمد بن أحمد بن علي بن محمد بن علي بن محمد بن عبد الله بن جعفر بن إبراهيم بن محمد بن أحمد بن محمد بن الحسين بن إسحق بن جعفر الصادق بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الحسيني الإسحاقي الحلبي الشافعي الرئيس الجليل نقيب الأشراف ولد سنة إحدى وأربعين وسبعمائة وسمع من جده لأمه الجمال إبراهيم بن الشهاب محمود والقاضي ناصر الدين بن العديم وغيرهما وأجاز له بمصر أبو حيان والوادي آشي والميدومي وآخرون من دمشق وغيرها واشتغل كثيرا واعتنى بالأدب ونظم الشعر فأجاد قال القاضي علاء الدين كان من حسنات الدهر زهدا وورعا ووقارا ومهابة وسخاء لا يشك من رآه أنه من السلالة النبوية حتى انفرد في زمانه برياسة حلب وتردد إليه القضاة فمن دونهم وحدث بالإجازة من الوادي آشي وأجاز لابن حجر وغيره ومن شعره
( يا رسول الله كن لي ** شافعا يوم عرضي )
( فأولو الأرحام نصا ** بعضهم أولى ببعض )

وكان تحول في كائنة تيمور إلى تبريز من أعمال حلب بينهما مرحلتان من جهة الفرات فمات بها في رجب ونقل إلى حلب فدفن عند أهله
وفيها أحمد بن آقبرس بن يلغان بن كنجك الخوارزمي ثم الصالحي قال ابن حجر سمع من إسحق بن يحيى الآمدي ومحمد بن عبد الله بن المحب وزينب بنت الكمال أخذت عنه بالصالحية كثيرا وكان خيرا مات في الفتنة انتهى
وفيها شهاب الدين أبو العباس أحمد بن راشد بن طرخان المكاوي الدمشقي الشافعي أقضى القضاة كان أحد العلماء الأئمة المعتبرين اشتغل في الفقه والحديث والنحو والأصول قال الزهري ما في البلد من أخذ العلوم على وجهها غيره وكان ملازما للاشتغال وتخرج به جماعة وناب في القضاء ودرس في الدماغية وناب في الشامية الجوانية وقصد بالفتاوى من سائر الأقطار وكان يكتب عليها كتابة حسنة وخطه جيد كان في ذهنه وقفة وعبارته ليست كقلمه وكان يميل إلى ابن تيمية كثيرا ويعتقد رجحان كثير من مسائله وفي أخلاقه حدة وعنده نفرة من الناس انفصل من الوقعة وهو متألم مع ضعف بدنه السابق وحصل له جوع فمات في رمضان وهو في عشر السبعين ظنا ودفن بمقبرة باب الفراديس بطرفها الشمالي من جهة الغرب قاله ابن قاضي شهبة
وفيها أحمد بن ربيعة المقرىء أحد المجودين للقراءة والعارفين بالعلل أخذ عن ابن اللبان وغيره وانتهت إليه رياسة هذا الفن بدمشق ومع ذلك كان عاملا لمعاناة ضرب المندل واستحضار الجن توفي في شعبان وقد جاوز السبعين
وفيها القاضي شهاب الدين أحمد بن عبد الله النحريري المالكي قدم القاهرة وهو فقير جدا فاشتغل وأقرأ الناس في العربية ثم ولي قضاء طرابلس فسار إليها ونالته محنة من منطاش ضربه فيها وسجنه بدمشق فلما فر منطاش رجع

إلى القاهرة وقد تمول فسعى إلى أن ولي قضاء المالكية في محرم سنة أربع وتسعين فلم تحمد سيرته فصرف في ذي القعدة منها واستمر إلى أن مات معزولا في رجب
وفيها سعد الدين أحمد بن عبد الوهاب بن داود بن علي المحمدي القوصي ولد بقوص وتفقه ثم دخل القاهرة واشتغل ثم دخل الشام فأقام بها ثم دخل العراق فأقام بتبريز وأصبهان ويزد وشيراز ثم استمر مقيما بشيراز بالمدرسة البهائية إلى أن مات في ربيع الآخر
وفيها أحمد بن علي بن يحيى بن تميم الحسيني الدمشقي وكيل بيت المال بها سمع الكثير من الحجار وابن تيمية والمزي وغيرهم وولي نظر المارستان النوري قديما ووكالة بيت المال ونظر الأوصياء وكان مشكورا في مباشراته ثم ترك ذلك وانقطع في بيته يسمع الحديث إلى أن مات قال ابن حجر قرأت عليه كثيرا فكان ناصر الدين بن عدنان يطعن في نسبه مات في ربيع الآخر وله سبع وثمانون سنة واستراح من رعب الكائنة العظمى
وفيها شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عمر الأيلي الفارسي نزيل بيت المقدس ثم الرملة يلقب زغلش بزاي أوله ومعجمتين بينهما لام الحنبلي ويعرف بابن العجمي وبابن المهندس سمع من ابن الميدومي فمن بعده بالقدس والشام ثم طلب بنفسه وحصل كثيرا من الأجزاء والكتب وتمهر ثم افتقر قال ابن حجر سمعت منه بالرملة فوجدته حسن المذاكرة لكنه عانى الكدية واستطابها وصار زري الملبس والهيئة سمعت منه في ثاني عشر رمضان سنة اثنتين وثمانمائة وقد سمع أبوه من الفخر علي وحدث ومات شهاب الدين هذا في وسط السنة وتمزقت كتبه مع كثرتها انتهى
وفيها موفق الدين أبو العباس أحمد بن نصر الله بن أحمد بن محمد بن أبي الفتح بن هاشم بن نصر الله بن أحمد الكناني الحنبلي العسقلاني قاضي الحنابلة

بالديار المصرية استقر فيها بعد موت أخيه برهان الدين في يوم الإثنين ثامن عشر ربيع الأول سنة اثنتين وثمانمائة وتفقه على والده وعلى الشيخ مجد الدين سالم وقرأ العربية على البرهان الواحدي وسمع الحديث من والده وابن الفصيح وأجاز له ابن أميلة وغيره ولم يحدث وكان حسن الذات جميل الصفات كثير الحياء حسن السيرة وتوفي بمصر في حادي عشر رمضان عن أربع وثلاثين سنة
وفيها جلال الدين أسعد بن محمد بن محمود الشيرازي الحنفي قدم بغداد صغيرا فاشتغل على الشيخ شمس الدين السمرقندي والشمس الكرماني وقرأ عليه صحيح البخاري أكثر من عشرين مرة وجاور معه بمكة سنة خمس وسبعين وكان يقرىء ولديه ويشغلهما ويشغل في النحو والصرف وغيرهما ودرس وأعاد وحدث وأفاد وكانت عنده سلامة باطن ودين وتعفف وتواضع ويكتب خطا حسنا كتب البخاري في مجلد وأخرى في مجلدين وكتب الكشاف والبيضاوي وغير ذلك وولي آخر إمامة السميساطية بدمشق ومات بها في جمادى الآخرة وقد جاوز الثمانين
وفيها الملك الأشرف إسماعيل بن الأفضل عباس بن المجاهد علي بن المؤيد داود بن المظفر عمر بن المنصور علي بن رسول اليمني ممهد الدين قال ابن حجر التركماني الأصل ولي السلطنة بعد أبيه فأقام بها خمسا وعشرين سنة وكان في ابتداء أمره طائشا ثم توقر وأقبل على العلم والعلماء وأحب جمع الكتب وكان يكرم الغرباء ويبالغ في الإحسان إليهم امتدحته لما قدمت بلده فأثابني أحسن الله جزاءه توفي في ربيع الأول بمدينة تعز ودفن بمدرسته التي أنشأها بها ولم يكمل الستين انتهى
وفيها إسماعيل بن عبد الله المغربي المالكي نزيل دمشق كان بارعا في مذهبه وناب في الحكم وأفتى وتفقه به الشاميون ومات في شعبان عن نحو سبعين

سنة وقد ضعف بصره
وفيها عماد الدين أبو بكر إبراهيم بن العز محمد بن العز إبراهيم بن عبد الله بن أبي عمر المقدسي ثم الصالحي الحنبلي المعروف بالفرائضي سمع الكثير على الحجار وابن الزراد وغيرهما وأجاز له أبو نصر بن الشيرازي والقسم بن عساكر
وآخرون قال ابن حجر أكثرت عليه وكان قبل ذلك عسرا في التحديث فسهل الله تعالى له خلقه مات عام الحصار عن نحو ثمانين سنة انتهى
وفيها شرف الدين أبو بكر بن عبد العزيز بن محمد بن إبراهيم بن سعد الله بن جماعة الحموي الأصل ثم المصري الشافعي سمع الكثير من جده والميدومي ويحيى بن فضل الله وغيرهم وأجاز له مشايخ مصر والشام إذ ذاك بعناية أبيه واشتغل مدة وناب عن أبيه في الحكم والتدريس ثم ترك وخمل لاشتغاله بما لا يليق بأهل العلم قال ابن حجر وكان يدري أشياء عجيبة رأيته يجعل الكتاب في كمه ويقرأ ما فيه من غير أن يكون شاهده مات في رابع عشر جمادى الأولى بمصر عن خمس وسبعين سنة
وفيها عز الدين الحسن بن محمد بن علي العراقي المعروف بأبي أحمد الشاعر المشهور نزيل حلب قال ابن خطيب الناصرية كان من أهل الأدب وله النظم الجيد وكان خاملا وينسب إلى التشيع وقلة الدين وكان يجلس مع العدول للشهادة بمكتب داخل باب النيرب ومن نظمه
( ولما اعتنقنا للوداع عشية ** وفي كل قلب من تفرقنا جمر )
( بكيت فأبكيت المطي توجعا ** ورق لنا من حادث السفر السفر )
( جرى در دمع أبيض من جفونهم ** وسالت دموع كالعقيق لنا حمر )
( فراحوا وفي أعناقهم من دموعنا ** عقيق وفي أعناقنا منهم در )
وله مؤلف سماه الدر النفيس من أجناس التجنيس يشتمل على سبع قصائد وله عدة قصائد في مدح النبي صلى الله عليه وسلم مرتبة على حروف المعجم

وتوفي بحلب في سابع عشر المحرم
وفيها خديجة بنت أبي بكر بن علي بن أبي بكر بن عبد الملك الصالحية المعروفة ببنت الكوري قال ابن حجر حدثتنا عن زينب بنت الكمال وماتت في حصار دمشق
وفيها بهاء الدين أبو الفتح رسلان بن أبي بكر بن رسلان بن نصير بن صالح البلقيني الشافعي ابن أخي سراج الدين اشتغل بالفقه كثيرا ومهر وشارك في غيره وناب في الحكم وتصدى للافتاء والتدريس وانتفع به في جميع ذلك وكان كثير المنازعة لعمه في اعتراضاته على الرافعي قال ابن حجي كان من أكابر العلماء وحمدت سيرته في القضاء وتوفي في آخر جمادى الاولى وله سبع وأربعون سنة وكثر تأسف الناس عليه
وفيها زينب بنت العماد أبي بكر بن أحمد بن محمد بن أبي بكر بن عباس بن جعوان قال ابن حجر سمعت من الحجار وعبد القادر بن الملوك وغيرهما وماتت في شوال وسمعت عليها أيضا
وفيها ست الكل بنت أحمد بن محمد بن الزين القسطلانية ثم المكية حدثت بالإجازة عن يحيى بن فضل الله ويحيى بن البصري وابن الرضى وغيرهم من الشاميين والمصريين وسمع منها ابن حجر بمكة
وفيها شرف الدين شعبان بن علي بن إبراهيم المصري الحنفي سمع من أصحاب الفخر وكان بصيرا بمذهبه ودرس في العربية وحصل له خلل في عقله ومع ذلك يدرس ويتكلم في العلم وتوفي في شوال
وفيها شمس الملوك بنت ناصر الدين محمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن يعقوب ابن الملك العادل الدمشقية قال ابن حجر روت عن زينب بنت الكمال وماتت في شعبان ولي منها إجازة انتهى
وفيها تقي الدين عبد الله بن محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد بن أحمد بن

عبيد الله القدسي ثم الصالحي سمع من الحجار وغيره وقال ابن حجر قرأت عليه الكثير بالصالحية مات بعد الوقعة
وفيها تقي الدين أبو الفتح عبد الله بن يوسف بن أحمد بن الحسين بن سلمان بن فزارة بن بدر بن محمد بن يوسف قاضي القضاة الكفري الدمشقي الحنفي ولد بدمشق سنة ست وأربعين وسبعمائة وسمع على أصحاب ابن عبد الدايم وغيرهم وتفقه بوالده وغيره وبرع في الفقه والأصول والعربية وغير ذلك وتولى قضاء قضاة الحنفية بدمشق هو وأخوه زين الدين عبد الرحمن وأبوه وجده وكان مشكور السيرة محمود الطريقة وتوفي في عشرى ذي القعدة في أسر الطاغية تيمور
وفيها تقي الدين عبد الله بن أحمد بن عبيد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة الحنبلي المعروف بابن عبيد الله كان إماما علامة رحلة سمع على الحجار ومن ابن الرضى وبنت الكمال والجزري وغيرهم وسمع من ابن حجر سمع من لفظه المسلسل بالأولية وسمع عليه غير ذلك وتوفي بالصالحية بعد كائنة تيمور
وفيها عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن الفخر عبد الرحمن البعلي الدمشقي الحنبلي قال ابن حجر حدثنا عن المزي وغيره مات في رجب
وفيها زين الدين عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم بن لاجين الرشيدي الشافعي ولد سنة إحدى وأربعين وسبعمائة وأسمع على جماعة وسمع بدمشق من جماعة وحدث وكان عنده علم بالميقات وولي رياسة المؤذنين قال الحافظ ابن حجي كان بارعا في الحساب والفرائض والميقات شرح الجعبرية والأشنهية والياسمينية وله مجاميع حسنة انتهى وأخذ عنه ابن حجر وتوفي في مستهل جمادى الأولى
وفيها عز الدين عبد العزيز بن محمد بن محمد بن الخضر بن الخضري الطيبي بتشديد التحتانية بعدها موحدة ولد قبل ثلاثين وسبعمائة وأسمع على يحيى بن

فضل الله وصالح بن مختار وآخرين ووقع في الحكم عند أبي البقاء فمن بعده وباشر نظر الأوقاف قال ابن حجر سمعت عليه شيئا وخرجت له جزءا ومات في ثالث عشر المحرم
وفيها عبد القادر بن محمد بن علي بن عمر بن نصر الله الدمشقي الفراء المعروف بابن القمرسبط الحافظ الذهبي سمع بإفادة جده منه ومن زينب بنت الكمال وأحمد بن علي الجزري في آخرين قال ابن حجر حدثنا في حانوته وكان نعم الرجل مات في الكائنة
وفيها كريم الدين أبو الفضائل عبد الكريم بن عبد الرزاق بن إبراهيم ابن مكانس ولي الوزارة وغيرها مرارا وكان مهابا مقداما متهورا وقبض عليه بسبب تهوره وصودر ثم ضرب بالمقارع ولم يكن فيه ما في أخيه فخر الدين من الانسانية والأدب إلا أنه كان مفضالا كثير الجود لأصحابه قال في المنهل كان من أعاجيب الزمان في الخفة والطيش وقلة العقل وسرعة الحركة يقال أنه لما أعيد إلى الوزارة بعد أن ضرب بالمقارع قال لمن معه وهو في موكبه بالحلقة والناس بين يديه يا فلان ما هذه الركبة غالية بعلقة مقارع وتوفي يوم الثلاثاء رابع عشرى جمادى الآخرة
وفيها فخر الدين عثمان بن محمد بن عثمان بن محمد بن موسى بن جعفر الأنصاري السعدي العبادي بالضم والتخفيف الكركي ثم الدمشقي الشافعي الكاتب المجود ولد بالكرك سنة سبع وعشرين وسبعماية وقدم دمشق سنة إحدى وأربعين فسمع بها من أحمد بن علي الجزري والسلاوي ثم عاد إلى بلده ثم استوطن دمشق من سنة خمس وأربعين واشتغل في الفقه وسمع أيضا من زينب ومحمد ابني إسمعيل بن الخباز وفاطمة بنت العز ثم دخل مصر فأقام بها مدة وتزوج بنت العلامة جمال الدين بن هشام ثم جاو بمكة ثم عاد إلى دمشق وحدث سمع منه المياسوفي وغيره ومات في شعبان


وفيها علاء الدين علي بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن محمود المرداوي ثم الصالحي الحنبلي سبط أبي العباس بن المحب ولد سنة ثلاثين وسبعمائة وكان أقدم من بقي من شهود الحكم بدمشق فإنه شهد عند قاضي القضاة جمال الدين المرداوي وكان رجلا خيرا سمع من ابن الرضى وزينب بنت الكمال وعائشة بنت المسلم وقرأ عليه الشهاب بن حجر وغيره وتوفي في رمضان
وفيها علي بن أيوب الماحوزي النساج الزاهد كان يسكن بقرية قبر عاتكة وينسج بيده ويباع ما ينسجه بأغلى ثمن ويتقوت منه هو وعائلته ولا يزور أحدا وكانت له مشاركة في العلم قال ابن حجي هو عندي خير من يشار إليه بالصلاح في وقتنا وكان طلق الوجه حسن العشرة له كرامات ومكاشفات توفي في عاشر ربيع الآخر
وفيها علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عباس بن شيبان البعلي ثم الدمشقي الحنبلي المعروف بابن اللحام شيخ الحنابلة في وقته اشتغل على الشيخ زين الدين بن رجب قال البرهان بن مفلح في طبقاته وبلغني أنه أذن له في الافتاء وأخذ الأصول عن الشهاب الزهري ودرس وناظر واجتمع عليه الطلبة وانتفعوا به وصنف في الفقه والأصول فمن مصنفاته القواعد الأصولية والاخبار العلمية في اختيارات الشيخ تقي الدين بن تيمية وتجريد العناية في تحرير أحكام النهاية وناب في الحكم عن قاضي القضاة علاء الدين بن المنجا رفيقا للشيخ برهان الدين بن مفلح ثم ترك النيابة وتوجه إلى مصر وعين له وظيفة القضاء بها فلم ينبرم ذلك واستقر مدرس المنصورية إلى أن توفي يوم عيد الفطر وقيل الأضحى وقد جاوز الخمسين
وفيها علاء الدين علي بن محمد بن يحيى الصرخدي الشافعي نزيل حلب تفقه بالموضعين وسمع من المزي وغيره وجالس الأزرعي وكان يبحث معه ولا يرجع إليه وكان يلازم بيته غالبا ولا يكتب على الفتاوى الانادرا ثم

درس بجامع تغرى بردى قال القاضي علاء الدين قاضي حلب في تاريخه قرأت عليه وانتفعت به كثيرا وناب في الحكم عن ابن أبي الرضا وغيره وكان البلقيني لما قدم حلب وجالسه يثني عليه وتوفي بأيدي اللنكية
وفيها نور الدين علي بن يوسف بن مكي بن عبد الله الدميري ثم الغزي ابن الجلال المالكي أصله من حلب وكان جده مكي يعرف بابن نصر ثم قدم مصر وسكن دميرة فولد له بها يوسف فاشتغل بفقه المالكية وسكن القاهرة وناب عن البرهان الأخنائي وعرف بجلال الدميري وولد له هذا فاشتغل حتى برع في مذهب مالك ولم يكن يدري من العلوم شيئا سوى الفقه وكان كثير النقل لغرايب مذهبه شديد المخالفة لأصحابه إلى أن اشتهر صيته في ذلك وناب في الحكم مدة ثم ولي القضاء استقلالا في أول هذه السنة وعيب بذلك لأنه اقترض مالا بفائدة حتى بذله للولاية وكان منحرف المزاج مع المعرفة التامة بالأحكام وسافر مع العسكر إلى قتال اللنك فمات قبل أن يصل في جمادى الآخرة ودفن باللجون
وفيها زين الدين عمر بن محمد بن أحمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد المقدسي الحنبلي الشيخ المسند المعمر أحضر على زينب بنت الكمال وأسمع على أحمد بن علي الجزري وعبد الرحيم بن أبي اليسر وهو ابن أخت الشيخة فاطمة بنت محمد بن عبد الهادي الآتي ذكرها توفي في شعبان في فتنة التيمور
وفيها زين الدين عمر بن براق الدمشقي الحنبلي كان سريع الحفظ قوي الفهم على طريقة ابن تيمية وكان له طلبة وأتباع وكان ممن أوذي في الفتنة وأخذ ماله وأصيب في أهله وولده فصبر واحتسب ثم مات في عاشر شوال
وفيها زين الدين عمر بن جمال الدين عبد الله بن داود الكفري الفقيه الشافعي قال ابن حجر اشتغل كثيرا حتى قيل أنه كان يستحضر الروضة وعرض عليه الحكم فامتنع وأفتى بدمشق ودرس وتصدر بالجامع وكان قوي النفس

يرجع إلى دين ومروءة قتل في الفتنة التمرية
وفيها زين الدين عمر بن محمد بن أحمد بن سلمان البالسي ثم الصالحي الملقن أسمعه أبوه الكثير من المزي والذهبي والبرزالي وزينب بنت الكمال وخلق كثير وكان مكثرا جدا كثير البر للطلبة شديد العناية بأمرهم يقوم بأحوالهم ويؤدبهم وكان لا يضجر من التسميع قال ابن حجر قرأت عليه الكثير وسمعت عليه ومعه مات في شعبان وقد جاوز السبعين
وفيها عائشة بنت أبي بكر بن الشيخ أبي عبد الله محمد بن عمر بن قوام البالسية ثم الصالحية قال ابن حجر روت لنا عن أبي بكر بن أحمد بن أبي بكر المغار وماتت في ثالث عشر شعبان
وفيها عمران بن ادريس بن معمر بالتشديد الجلجلولي ثم الدمشقي الشافعي ولد سنة أربع وثلاثين وسبعمائة وعنى بالقراءات فقرأت على ابن اللبان وغيره ولازم القاضي تاج الدين السبكي وقرأ وحصل وكان في لسانه ثقل فكان لا يفصح بالكلام إلا إذا قرأ وكان يحج على قضاء الركب الشامي وسمع من بعض أصحاب الفخر قال ابن حجي لم يكن مشكورا في ولايته ولا شهاداته وكان يلبس دلقا ويرخي عذبة عن يساره وكان فقير النفس لا يزال يظهر الفاقة وإذا حصلت له وظيفة نزل عنها وكان كثير الأكل جدا وكان يقرأ حسنا مات بعد الكائنة العظمى
وفيها فاطمة بنت محمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي المقدسية ثم الصالحية الحنبلية أم يوسف كان أبوها محتسب الصالحية وهو عم الحافظ شمس الدين أسمعت الكثير على الحجار وغيره وأجاز لها أبو نصر بن الشيرازي وآخرون من الشام وحسين الكردي وعبد الرحيم المنشاوي وآخرون من مصر قال ابن حجر قرأت عليها الكثير من الكتب والأجزاء بالصالحية ونعم الشيخة كانت ماتت في شعبان وقد جاوزت الثمانين


وفيها قاضي القضاة صدر الدين أبو المعالي محمد بن إبراهيم بن إسحق بن إبراهيم بن عبد الرحمن السلمي المناوي ثم القاهري الشافعي ولد في رمضان سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة وأبوه حينئذ ينوب في القضاء عن عز الدين بن جماعة وأمه بنت قاضي القضاة زين الدين عمر البسطامي فنشأ في حجر السعادة وحفظ التنبيه وأسمع من الميدومي وابن عبد الهادي وغيرهما تجمعهم مشيخته التي خرجها له أبو زرعة في خمسة أجزاء وناب في الحكم وهو شاب ودرس وأفتى وولي إفتاء دار العدل وتدريس الشيخونية والمنصورية وخرج أحاديث المصابيح قال ابن حجر سمعت منه وكتب على جامع المختصرات ثم ولي القضاء استقلالا وكان كثير التودد إلى الناس معظما عند الخاص والعام محببا إليهم وكان له عناية بتحصيل الكتب النفيسة على طريق ابن جماعة فحصل منها شيئا كثيرا وسافر مع العسكر فأسرع مع اللنكية فلم يحسن المداراة مع عدوه فأهانه وبالغ في إهانته حتى مات وهو معهم في القيد غريقا غرق في نهر الفرات في شوال بعد أن قاسى أهوالا عسى الله أن يكون كفر بها عنه ما جباه عليه القضاء انتهى
وفيها شمس الدين محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي الجزري ثم الدمشقي بن الظهير سمع من ابن الخباز وغيره وأكثر عن أصحاب الفخر بطلبه وكان خيرا يتغالى في مقالات ابن تيمية توفي في تاسع عشر شوال عن ستين سنة
وفيها شمس الدين محمد بن أحمد بن علي بن سليمان المعري ثم الحلبي بن الركن الشافعي كان ينسب إلى أبي الهيثم التنوخي عم أبي العلاء المعري ولد سنة تسع وثلاثين وسبعماية تفقه وأخذ عن الزين الباريني والتاج بن الدريهم وبدمشق عن التاج السبكي وكتب كثيرا وخطب بجامع حلب مدة وكان حاد الخلق مع كثرة البر والصدقة وله ديوان خطب ونظم وسط وأخذ عنه القاضي علاء الدين وابن الرسام وتوفي في الكائنة العظمى
وفيها شمس الدين محمد بن إسمعيل بن الحسن بن صهيب بن خميس البابي ثم

الحلبي ولد بالباب ثم قدم حلب وكان يسمى سالما فتسمى محمدا وقرأ على عمه العلامة علاء الدين علي البابي والزين الباريني وبرع في الفرائض والنحو وشارك في الفنون وأشغل الطلبة وأفتى ودرس وكان دينا عفيفا وولاه القاضي شرف الدين الأنصاري قضاء ملطية فلما حاصرها ابن عثمان عاد إلى حلب إلى أن عدم في الكائنة التيمورية
وفيها بدر الدين محمد بن الحافظ عماد الدين إسمعيل بن عمر بن كثير البصروي ثم الدمشقي الشافعي ولد سنة تسع وخمسين وسبعمائة واشتغل وتميز وطلب وسمع الكثير من بقية أصحاب الفخر ومن بعدهم قال ابن حجر وسمع معي بدمشق ثم رحل إلى القاهرة فسمع من بعض شيوخنا وتمهر في هذا الشأن قليلا وتخرج بابن النجيب وشارك في الفضائل مع خط حسن ودرس في مشيخة الحديث بعد أبيه بتربة أم الصالح مات في ربيع الآخر فارا عن دمشق بالرملة وكان قد علق تاريخا للحوادث التي في زمنه انتهى وقال ابن حجي لم يكن محمود السيرة
وفيها محمد بن حسن بن عبد الرحيم الصالحي الدقاق قال ابن حجر حدثنا عن الحجار سمعت منه أجزاء انتهى
وفيها شمس الدين أبو عبيد الله محمد بن خليل بن محمد بن طوغان الدمشقي الحريري الحنبلي المعروف بابن المنصفي ولد سنة ست وأربعين وسبعمائة واشتغل في الفقه وشارك في العربية والأصول وسمع الكثير من أصحاب ابن البخاري وسمع بمصر أيضا وحصلت له محنة بسبب مسألة الطلاق المنسوبة إلى ابن تيمية ولم يرجع عن اعتقاده وكان خيرا دينا قاله ابن حجر وقال سمعت منه شيئا ومات في شعبان بعد أن عوقب واستمر متألما انتهى وقال ابن حجي كان فقيها محدثا حافظا قرأ الكثير وضبط وحرر وأتقن وألف وجمع مع المعرفة التامة تخرج بابن المحب وابن رجب وكان يفتي ويتقشف مع الانجماع ولم تكن الحنابلة ينصفونه وأقام بالضيائية ثم بالجوزية انتهى


وفيها شمس الدين محمد بن سليم بن كامل الحوراني ثم الدمشقي الشافعي تفقه ومهر واعتنى بالأصول والعربية وكان من عدول دمشق وقرأ الروضة على علاء الدين حجي وكتب عليها حواشي مفيدة وأذن له في الافتاء ودرس وأجاد وتصدر وأفاد وكان أكثر أقرانه استحضارا للفقه وكان أسمر شديد السمرة وكان يكتب المحكم وكتب من مصنفات التاج السبكي له كثيرا وتوفي في رجب بعد أن عوقب بأيدي اللنكية وقد قارب الستين
وفيها شمس الدين محمد بن عبد الله بن عثمان بن شكر البعلي الحنبلي الشيخ الإمام سمع الحديث من جماعة وروى وألف وجمع وكانت كتابته حسنة وعباراته جيدة في التصنيف حدث بمعجم ابن جميع وتوفي بغزة
وفيها الحافظ ناصر الدين محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن سليمان بن حمزة بن أحمد بن عمر بن أبي عمر الحنبلي المعروف بابن زريق الشيخ الإمام تفقه وطلب الحديث فسمعه من صلاح الدين بن أبي عمر وتخرج بابن المحب وتمهر في فنون الحديث وسمع العالي والنازل وخرج ورتب المعجم الأوسط على الأبواب وصحيح ابن حبان قال ابن حجر استفدت منه كثيرا وسمع معي على الشيوخ بالصالحية وغيرها ولم أر في دمشق من يستحق اسم الحافظ غيره وتوفي في ذي القعدة أسفا على ولده أحمد ولم يكمل الخمسين وكان اللنكية قد أسروه وله نحو عشر سنين انتهى
وفيها شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن الحافظ أبي عبد الله الذهبي الكفر بطناوي سمع بإفادة جده منه ومن زينب بنت الكمال وغيرهما قال ابن حجر سمعت منه وكان من شيوخ الرواية قتل بالعقوبة في حادي عشرى جمادى الأولى وقيل بل ضرب عنقه صبرا وكان ببلده كفر بطنا فأخذه العسكر التمري وقتلوه
وفيها شمس الدين محمد بن عثمان بن عبد الله بن شكر بضم المعجمة وسكون

الكاف البعلي ثم الدمشقي الحنبلي النبحالي بفتح النون وسكون الموحدة بعدها مهملة سمع من ابن الخباز وغيره وأجاز له الميدومي وغيره وكان خيرا صالحا دينا متواضعا أفاد وحدث وجمع مجاميع حسنة منها كتاب في الجهاد وكان خطه حسنا ومباشرته محمودة وجمع وألف بعبارة جيدة توفي بغزة في رمضان عن ثمان وسبعين سنة
وفيها بدر الدين محمد بن محمد بن مقلد المقدسي الحنفي قاضي قضاة دمشق وليه فحسنت سيرته وكان فقيها بارعا ذكيا أفتى ودرس وأقرأ وتوفي بغزة فارا من تيمور في ربيع الأول
وفيها شمس الدين محمد بن محمد بن محمد بن إسماعيل بن مكين المالكي العلامة مدرس ظاهرية برقوق كان إماما فقيها بارعا أفتى ودرس وأشغل عدة سنين وانتهت إليه رياسة المالكية في زمنه وتوفي بالقاهرة في عشرى ربيع الآخر
وفيها شرف الدين محمد بن معين الدين محمد بن أبي بكر بن عبد الله بن محمد المخزومي الدماميني ثم الأسكندراني الشافعي تفقه واشتغل بالعربية والمعقول وكان دينا يعاني الكتابة وباشر في أعمال الدولة بالأسكندرية ثم سكن القاهرة وكان حديد الذهن وبرع في الفقه والأصول وولي حسبة القاهرة مرارا ووكالة بيت المال مع الكسوة ثم نظر الجيش وسعى في القضاء فلم يتم له ودفع في كتابة السر قنطارا من الذهب وهو عشرة آلاف دينار فلم يتفق له وقبض عليه ثم أفرج عنه وولي قضاء الأسكندرية فلم يلبث أن مات بها مسموما في المحرم
وفيها بدر الدين محمد بن محمد بن عبد البر بن يحيى بن علي بن تمام السبكي الخزرجي الشافعي أسمع في صغره من ابن أبي اليسر ونفيسة بنت الخباز وعلي ابن العز غمر وغيرهم واشتغل بالفقه والأصول وولي القضاء مرارا وفرض

له قضاء الشام لكن عزل قبل أن يتوجه إليه وولي خطابة الجامع بعد ابن جماعة ودرس بالأتابكية بدمشق وكان لين الجانب قليل الحرمة في مباشرته وكان بخيلا بالوظائف وغيرها مع حسن خلق وفكاهة كثير الانصاف وإذا وقع عليه البحث لا يغضب بخلاف والده واستقر في يده تدريس الشافعي إلى أن مات في ربيع الآخر وقد جاوز السبعين
وفيها أبو عبد الله محمد بن محمد بن محمد بن عرفة الورغمي التونسي المالكي شيخ الإسلام بالمغرب سمع من ابن عبد السلام الهواري والوادي آشي وابن سلمة وغيرهم واشتغل بالفنون قال ابن ظهيرة في معجمه إمام علامة ولد بتونس سنة ست عشرة وسبعمائة وقرأ بالروايات على ابن سلمة وغيره وبرع في الأصول والفروع والعربية والمعاني والبيان والفرائض والحساب وسمع من الوادي آشي الصحيحين وكان رأسا في العبادة والزهد والورع ملازما للشغل بالعلم رحل إليه الناس وانتفعوا به ولم يكن بالعربية من يجري مجراه في التحقيق ولا من اجتمع له في العلوم ما اجتمع له وكانت الفتوى تأتي إليه من مسافة شهر وله مؤلفات مفيدة منها المبسوط في المذهب في سبعة أسفار ومختصر الحوفي في الفرائض وقال ابن حجر أجاز لي وكتب لي خطه لما حج وعلق عنه بعض أصحابه كلاما في التفسير كثير الفوائد في مجلدين وتوفي ليلة الخميس الرابع والعشرين من جمادى الآخرة ولم يخلف بعده مثله
وفيها بدر الدين محمد بن محمد بن محمد بن عمر بن الفقيه أبي بكر بن قوام الصالحي قال ابن حجر كان دينا خيرا به طرش كثير سمع الكثير من الحجار وإسحق الآمدي وغيرهما فقرأنا عليه شبيها بالأذان وكنا نتحقق أنه يسمع ما نقرؤه بامتحانه تارة وبصلاته على النبي صلى الله عليه وسلم أخرى وبالرضا عن الصحابة كذلك مات في شعبان محترقا بدمشق وقد جاوز الثمانين انتهى
وفيها محب الدين محمد بن محمد بن محمد بن منيع الصالحي الموقت المعروف

بالوراق قال في أنباء الغمر سمع من ابن أبي التائب وابن الرضا وغيرهما سمعت منه الكثير ومات في رمضان بدمشق
وفيها بدر الدين محمد بن محمد بن مقلد المقدسي ثم الدمشقي الحنفي ولد سنة أربع وأربعين وسبعمائة وبرع في الفقه والعربية والمعقول ودرس وأفتى وناب في الحكم ثم ولي القضاء استقلالا نحو سنة ثم عزل ولم تحمد مباشرته ثم سار إلى القاهرة فسعى في العود فأعيد فوصل إلى الرملة فمات بها في ربيع الآخر
وفيها محمد بن محمد البصروي ثم الدمشقي الضرير قرأ بالروايات واشتغل في الفقه ومات في رجب
وفيها محمد بن محمود بن أحمد بن رميثة بن أبي نمي الحسيني المكي من بيت الملك وقد ناب في إمرة مكة وكان خاله علي بن عجلان لا يقطع أمرا دونه وكانت لديه فضيلة وينظم الشعر مع كرم وعقل مات في شوال وقد جاوز الأربعين
وفيها القاضي شرف الدين موسى بن محمد بن محمد بن أبي بكر بن جمعة الأنصاري الشافعي قاضي حلب ولد سنة ثمان وأربعين وسبعمائة ونشأ في حجر عمه شهاب الدين خطيب حلب قال في المنهل تفقه على شمس الدين محمد العراقي شارح الحاوي وعلى الشيخ شهاب الدين الأذرعي وقدم القاهرة فأخذ عن الجمال الأسنوي والولي الملوي وسمع من الحافظ مغلطاي وغيره وبدمشق من ابن المهندس وأحمد الأيكي المعروف بابن زغلش ثم عاد إلى حلب وقد برع في فنون وتولى خطابة الجامع ثم استقر قاضي قضاة حلب وفي أيامه قدم تيمور إلى البلاد الشامية وحضر مجلس تيمور ورسم عليه ثم أفرج عنه وكان عالما كبيرا مشكور السيرة وله شرح الغاية القصوى للبيضاوي وتوفي بحلب

في شهر رمضان
وفيها يوسف بن إبراهيم بن عبد الله الأذرعي نزيل حلب اشتغل كثيرا في الفقه وغيره بدمشق ثم قدم حلب فقرر في قضاء الباب ثم قضاء سرمين وكان فاضلا في الفقه مقتصرا عليه مات في الكائنة العظمى قاله القاضي علاء الدين في تاريخ حلب
وفيها جمال الدين يوسف بن موسى بن محمد بن أحمد بن أبي بكر بن عبد الله الملطي ثم الحلبي الحنفي أصله من خرت برت وولد سنة ست وعشرين وسبعمائة ونشأ بملطية واشتغل بحلب حتى مهر ثم رحل إلى الديار المصرية وهو كبير فأخذ عن علمائها وسمع من العز بن جماعة ومغلطاي وحدث عنه بالسيرة النبوية وذكر انه سمعها منه سنة ستين واشتغل وحصل وأفتى ودرس وكان يستحضر الكشاف والفقه على مذهبهم فاستدعاه برقوق لما مات شمس الدين الطرابلسي فحضر من حلب سنة ثمانمائة واستقر في قضاء الحنفية مدة قدرها مائة وعشرة أيام فباشر مباشرة عجيبة فإنه قرب الفساق واستكثر من استبدال الأوقاف وقتل مسلما بنصراني ثم لما مات الكسلتاني استقر بعده في تدريس الصرغتمشية واشتهر أنه كان يفتي بأكل الحشيش وبوجوه من الحيل في أكل الربا وأنه كان يقول من نظر في كتاب البخاري تزندق قاله ابن حجر وقد أثنى ابن حجي على علمه وقال العيني كان عنده بعض شح وطمع وتغفل وكان قد حصل بحلب مالا كثيرا فنهب في الفتنة وكان ظريفا ربع القامة قال وهو أحد مشايخي قرأت عليه بحلب سنة ثمانين انتهى وقال القاضي علاء الدين الحلبي في تاريخه لما هجم اللنكية البلاد عقد مجلس بالقضاة والعلماء لمشاطرة الناس في أموالهم فقال الملطي إن كنتم تعملون بالشكوة فالأمر لكم وأما نحن فلا نفتي بهذا ولا يحل أن يعمل فوقفت الحال وكانت من حسناته ولما طلب إلى مصر على رأس القرن قال لي أنا الآن ابن خمس وسبعين ومات

بالقاهرة في ربيع الآخر انتهى
وقال في التاريخ المذكور مات في هذه السنة من الفقهاء الشافعية في الكائنة وبعدها علاء الدين الصرخدي وشرف الدين الداديخي وشهاب الدين بن الضعيف وشمس الدين البابي وبهاء الدين داود الكردي وشمس الدين بن الزكي الجعبري انتهى

سنة أربع وثمانمائة

فيها توفي برهان الدين إبراهيم بن محمد بن راشد الملكاوي الشافعي اشتغل بدمشق وحصل ومهر في القراءات وكان يشغل بالفرائض بالجامع بين العشاءين وتوفي في جمادى الآخرة
وفيها شهاب الدين أحمد بن الحسن بن محمد بن زكريا بن يحيى المقدسي ثم المصري السويدائي نسبة إلى السويداء قرية من أعمال حوران الشافعي اعتنى به أبوه فأسمعه الكثير من يحيى بن المصري وجماعة من أصحاب ابن عبد الدايم والنجيب وغيرهم وأكثر له من الشيوخ والمسموع واشتغل في الفقه وبحث في الروضة وكان يتعانى الشهادات ثم أضر بآخره وانقطع بزاوية الست زينب خارج باب النصر قال ابن حجر قرأت عليه الكثير ونعم الشيخ كان وتفرد بروايات كثيرة وكان الشيخ جمال الدين الحلاوي يشاركه في أكثر مسموعاته مات في تاسع عشر ربيع الآخر وقد قارب الثمانين أو أكملها
وفيها شهاب الدين أحمد بن عبد الخالق بن علي بن حسن بن عبد العزيز بن محمد بن الفرات المالكي اشتغل بالفقه والعربية والأصول والطب والأدب ومهر في الفنون ونظم الشعر الحسن ومنه
( إذا شئت أن تحيا حياة سعيدة ** ويستحسن الأقوام منك التقبحا )
( تزيا بزي النرك واحفظ لسانهم ** وإلا فجانبهم وكن متصولحا )
وفيها نور الدين أحمد بن علي بن أبي الفتح الدمشقي نزيل حلب المعروف

بالمحدث سمع الكثير من أصحاب الفخر وغيرهم بدمشق وحلب واشتغل في علم الحديث وأقرأ فيه مدة بحلب ودمشق وأخذ الأدب عن الصلاح الصفدي وكان حسن المحاضرة
وفيها القاضي تقي الدين أحمد بن محمد بن محمد بن المنجا بن عثمان بن أسعد بن محمد ابن المنجا الحنبلي الشيخ الإمام حصل ودأب وكان له شهامة ومعرفة وذهن مستقيم وناب لأخيه القاضي علاء الدين ثم اشتغل بقضاء قضاة دمشق بعد فتنة تيمور مدة أشهر وذكر عنه الشيخ شرف الدين بن مفلح أنه ابتدأ عليه قراءة الفروع لوالده فلما انتهى في القراءة إلى الجنائز حضره أجله ومات معزولا في ذي الحجة ولم يكمل الخمسين سنة
فيها شهاب الدين أحمد بن محمد بن محمد المصري نزيل القرافة ابن الناصح قال ابن حجر سمع من الميدومي وذكر أنه سمع من ابن عبد الهادي وحدث عنه بمكة بصحيح مسلم وحدث عن الميدومي بسنن أبي داود وجامع الترمذي سماعا أخذت عنه قليلا وكان للناس فيه اعتقاد ونعم الشيخ كان سمتا وعبادة ومروءة مات في أواخر رمضان وتقدم في الصلاة عليه الخليفة انتهى
وفيها شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن المهندس المقدسي الحنبلي المتقن الضابط ولد سنة أربع وأربعين وسبعمائة ورحل وكتب وسمع على الحفاظ وروى عنه جماعة من الأعيان منهم القاضي سعد الدين الديري الحنفي وتوفي بالقدس الشريف في شهر رمضان
وفيها تقي الدين أبو بكر بن عثمان بن خليل الجوراني المقدسي الحنفي سمع من الميدومي وحدث عنه وناب في الحكم وتوفي في أواخر السنة ببيت المقدس
وفيها عماد الدين أبو بكر بن أبي المجد بن ماجد بن أبي المجد بن بدر بن سالم السعدي الدمشقي ثم المصري الحنبلي ولد سنة ثلاثين وسبعمائة وسمع من المزي

والذهبي وغيرهما وأحب الحديث فحصل طرفا صالحا منه وسكن مصر قبل الستين فقرر في طلب الشيخونية فلم يزل بها حتى مات وجمع الأوامر والنواهي من الكتب الستة واختصر تهذيب الكمال قال ابن حجر اجتمعت به وأعجبني سمته وانجماعه وملازمته للعبادة وحدث عن الذهبي ومات في أواخر جمادى الأولى
وفيها بركة السيد الشريف المعتقد المعروف بالشريف بركة قال في المنهل الصافي كان لتيمور فيه اعتقاد كثير إلى الغاية وله معه ماجريات من ذلك أن تيمور لما أخذ السلطان حسين صاحب بلخ سنة إحدى وسبعين وسبعمائة ثم سار لحرب القان تقتمش ملك التتار وتلاقيا على أطراف تركستان واشتد الحرب بينهما حتى قتل أكثر أصحاب تيمور وهم تيمور بالفرار وظهرت الهزيمة على عسكره ووقف في حيرة وإذا بالسيد هذا قد أقبل على فرس فقال له تيمور يا سيدي انظر حالي فقال له لا تخف ثم نزل عن فرسه ووقف على رجليه يدعو ويتضرع ثم أخذ من الأرض ملء كفه من الحصباء ورمى بها في وجوه عسكر تغتمش خان وصرخ بأعلى صوته باغي قجتي ومعناه باللغة التركية العدو هرب فصرخ بها مع تيمور وعسكره وحمل بهم على القوم فانهزموا أقبح هزيمة وظفر تيمور بعساكر تقتمش وقتل وأسر على عادته القبيحة وله معه أشياء من هذا النمط ولهذا كانت منزلته عند تيمور إلى الغاية ودام معه إلى أن قدم دمشق سنة ثلاث وثمانمائة وقد اختلف في أصل هذا الشريف فقيل أنه كان مغربيا حجاما بالقاهرة ثم سافر إلى سمرقند وادعى أنه شريف علوي وقيل أنه من أهل المدينة النبوية وقيل من أهل مكة وعلى كل حال فأنا لا أعتقد عليه لمصاحبته وإعانته لتيمور على أغراضه الكفرية فأمره إلى الله تعالى انتهى باختصار
وفيها صالح بن خليل بن سالم بن عبد الناصر بن محمد بن سالم الغزي الشافعي سمع من الميدومي وحدث عنه وناب في الحكم وتوفي في ذي القعدة

ببيت المقدس
وفيها زين الدين عبد اللطيف بن تقي الدين محمد بن الحافظ قطب الدين عبد الكريم بن عبد النور بن منير الحلبي ثم المصري قال ابن حجر أحضر على ابن عبد الهادي وسمع من الميدومي وسمعت منه وكان وقورا خيرا مات في وسط صفر
وفيها عبد المؤمن العينتابي المعروف بمؤمن الحنفي قال العيني في تاريخه كان فاضلا في عدة علوم منها الفقه وكان حسن الوجه مليح الشكل درس بعينتاب ثم تحول إلى حلب فأقام بها إلى أن مات
وفيها فخر الدين عثمان بن عبد الرحمن المخزومي البلبيسي ثم المصري الشافعي المقرىء الضرير إمام الجامع الأزهر تصدى للاشتغال بالقراءة فأتقن السيع وصار أمة وحده قال ابن حجر وأخبرني أنه لما كان ببلبيس كان الجن يقرؤن عليه قرأ عليه خلق كثير وكان صالحا خيرا أقام بالجامع الأزهر يؤم فيه مدة طويلة وقد حدث عنه خلق كثير في حياته انتفع به ما لا يحصى عددهم في القراءة وانتهت إليه الرياسة في هذا الفن وعاش ثمانين سنة وتوفي في ثاني ذي القعدة
وفيها سراج الدين أبو حفص عمر بن أبي الحسن علي بن أحمد بن محمد بن عبد الله الأنصاري الأندلسي الوادي آشي ثم المصري المعروف بابن الملقن قال في المنهل رحل أبوه نور الدين من الأندلس إلى بلاد الترك وأقرأ أهلها هناك القرآن الكريم فنال منهم مالا جزيلا فقدم به إلى القاهرة واستوطنها فولد له بها سراج الدين هذا في يوم السبت رابع عشرى ربيع الأول سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة وتوفي والده وله من العمر سنة واحدة وأوصى إلى الشيخ شرف الدين عيسى المغربي الملقن لكتاب الله بالجامع الطولوني وكان صالحا فتزوج أم الشيخ سراج الدين ورباه فعرف بابن الملقن نسبة إليه وقرأه القرآن ثم العمدة ثم أراد أن يشغله على مذهب الإمام مالك فقال له بعض أولاد

ابن جماعة أقرئه المنهاج فأقرأه وأسمعه على الحافظين ابن سيد الناس وقطب الدين الحلبي وأجاز له الحافظ المزي وغيره من دمشق ومصر وحلب وطلب الحديث بنفسه وعنى به وسمع الكثير من حفاظ عصره كابن عبد الدايم وغيره وتخرج بابن رجب ومغلطاي ورحل إلى دمشق في سنة سبع وسبعين فسمع بها من متأخري أصحاب الفخر بن البخاري وبرع وأفتى ودرس وأثنى عليه الأئمة ووصف بالحافظ ونوه بذكره القاضي تاج الدين السبكي وكتب له تقريظا على شرحه للمنهاج وتصدى للافتاء والتدريس دهرا طويلا وناب في الحكم ثم طلب للاستقلال بوظيفة القضاء فامتحن بسبب ذلك في سنة ثمانين ولزم داره وأكب على الاشغال والتصنيف حتى صار أكثر أهل زمانه تصنيفا وبلغت مصنفاته نحو ثلاثمائة مصنف وكان جماعة للكتب جدا ثم احترق غالبها قبل موته وكان ذهنه مستقيما قبل أن تحترق كتبه ثم تغير حاله بعد ذلك وهو ممن كان تصنيفه أحسن من تقريره وبالغ بعضهم فقال انه أحضر إليه بعض تصانيفه فعجز عن تقرير ما تضمنه وقام من المجلس ولم يتكلم وأخذ عنه جماعات من الحفاظ وغيرهم منهم حافظ دمشق ابن ناصر الدين ووصفه بالحفظ والاتقان وقال ابن حجر كان موسعا عليه في الدنيا مديد القامة حسن الصورة يحب المزاح والمداعبة مع ملازمة الاشتغال والكتابة حسن المحاضرة جميل الأخلاق كثير الانصاف شديد القيام مع أصحابه وربما اشتهر بابن النحوي وربما كتب بخطه كذلك ولذلك اشتهر بها ببلاد اليمن وتغير حاله بآخره فحجبه ولده نور الدين إلى أن مات في سادس شهر ربيع الأول بالقاهرة ودفن على والده بحوش الصوفية خارج باب النصر
وفيها نجم الدين محمد بن نور الدين علي بن العلامة نجم الدين محمد بن عقيل بن محمد بن الحسن بن علي البالسي ثم المصري الشافعي قال ابن حجر تفقه كثيرا ثم تعانى الخدم عند الأمراء ثم ترك ولزم بيته ودرس بالطيبرسية إلى أن مات

وأضر قبل موته بيسير ونعم الشيخ كان خيرا واعتقادا ومروءة وفكاهة لازمته مدة وحدثني عن ابن عبد الهادي ونور الدين الهمداني وغيرهما مات في عاشر المحرم وله أربع وسبعون سنة انتهى
وفيها أبو جعفر محمد بن محمد بن عنقه بنون وقاف وفتحات البسكري بفتح الموحدة وبعدها مهملة نسبة إلى بسكرة بلد بالمغرب ثم المدني كان يسكن المدينة ويطوف البلاد وقد سمع من جمال الدين بن نباتة قديما ثم طلب بنفسه فسمع الكثير من بقية أصحاب الفخر بدمشق وحمل عن ابن رافع وابن كثير وحصل الأجزاء وتعب كثيرا ولم ينجب قال ابن حجر سمعت منه يسيرا وكان متوددا رجع من أسكندرية إلى مصر فمات بالساحل غريبا رحمه الله تعالى
وفيها عز الدين يوسف بن الحسن بن محمود السرائي الأصل التبريزي الشهير بالحلوائي بفتح أوله وسكون اللام مهموز الفقيه الشافعي ولد سنة ثلاثين وسبعمائة وتفقه ببلاده وقرأ على القاضي عضد الدين وغيره وأخذ ببغداد عن شمس الدين الكرماني الحديث وشرحه للبخاري ومهر في أنواع العلوم وأقبل على التدريس وشغل الطلبة وعمل على البيضاوي شرحا وتحول من تبريز لما خربه الدعادعة وهم أصحاب طغتمش خان إلى ماردين فأقام بها مدة ثم أرسله مرزا ابن اللنك وقدم عليه تبريز فبالغ في إكرامه فأقام بها وكتب على الكشاف حواشي وشرح الأربعين النواوية وكان زاهدا عابدا معرضا عن أمور الدنيا مقبلا على العلم حج وزار المدينة وجاور بها سنة وكان لا يرى مهموما قط ورجع إلى الجزيرة لما كثر الظلم في تبريز فقطنها إلى أن توفي بها وخلف ولدين بدر الدين محمد وجمال الدين محمد
وفيها يوسف بن حسين الكردي الشافعي نزيل دمشق كان عالما صالحا معتقدا تفقه وحصل قال الشيخ شهاب الدين الملكاوي قدمت من حلب سنة أربع وستين وسبعمائة وهو كبير يشار إليه وكان يميل إلى السنة وينكر على

الأكراد في عقائدهم وبدعتهم وكان له اختيارات منها المسح على الجوربين مطلقا وكان يفعله وله فيه مؤلف لطيف جمع فيه أحاديث وآثارا ومنها تزويج الصغيرة التي لا أب لها ولا جد وقال ابن حجي كان يميل إلى ابن تيمية ويعتقد صواب ما يقول في الفروع والأصول وكان من يحب ابن تيمية يجتمع إليه وكان قد ولي مشيخة الخانقاه الصالحية وأعاد بالظاهرية وقد وقع بينه وبين ولده الشيخ زين الدين عبد الرحمن الواعظ بسبب العقيدة وتهاجرا مدة إلى أن وقعت فتنة اللنك فتصالحا ثم جلس مع الشهود وأحسن إليه ولده في فاقته ولم يلبث أن مات في شوال

سنة خمس وثمانمائة

فيها استولى تمرلنك على أبي يزيد بن عثمان وأسر ولده موسى ثم مات أبو يزيد في الأسر إما من القهر أو من غيره وكان أبو يزيد من خيار ملوك الأرض ولم يكن يلقب ولا أحد من أبنائه وذريته ولا دعى بسلطان ولا ملك وإنما يقال الأمير تارة وخوند خان تارة أخرى وكان مهابا يحب العلم والعلماء ويكرم أهل القرآن وكان يجلس بكرة النهار في مراح من الأرض متسع ويقف الناس بالبعد منه بحيث يراهم فمن كانت له ظلامة رفعها إليه فأزالها في الحال وكان الأمن في بلاده فاشيا للغاية وكان يشرط على كل من يخدمه أن لا يكذب ولا يخون إلى غير ذلك من الأوصاف الحسنة وترك لما مات سلمان ومحمدا وموسى وعيسى فاستقل بالملك سلمان وسيأتي شيء من ذكره في ترجمة تيمور
وفيها استولى تيمور على غالب البلاد الرومية ورجع إلى بلاده في شعبان من هذه السنة
وفيها استشهد سعد الدين أبو البركات محمد بن أحمد بن علي بن صبر الدين ملك الحبشة استقر في مملكة الحبش بعد أخيه حق الدين فسار سيرته في جهاد

الكفر وكانت عنده سياسة وكسرت عساكره وتعددت غاراته واتسعت مملكته حتى وقع له مرة أن بيع الأسرى الذين أسرهم من الحبشة كل عبدين بتفصيلة وبلغ سهمه من بعض الغنايم أربعين ألف بقرة لم تبت عنده بقرة واحدة بل فرقها وله في مدة ولايته وقايع وأخبار يطول ذكرها فلما كان في هذه السنة جمع الحطى صاحب الحبشة جمعا عظيما وجهز عليه أميرا يقال له باروا فالتقى الجمعان فاستشهد من المسلمين جمع كثير منهم أربعمائة شيخ من الصلحاء أصحاب العكاكيز وتحت يد كل واحد منهم عدة فقرأ واستبحر القتل في المسلمين حتى هلك أكثرهم وانهزم من بقي ولجأ سعد الدين إلى جزيرة زيلع في وسط البحر فحصروه فيها إلى أن وصوا إليه فأصيب في جبهته بعد وقوعه في الماء ثلاثة أيام فطعنوه فمات وكانت مدة ملكه ثلاثين سنة واستولى الكفار على بلاد المسلمين وخربوا المساجد وبنوا بدلها الكنايس وأسروا وسبوا ونهبوا وفر أولاد سعد الدين وهم صبر الدين علي ومعه تسعة من إخوته إلى البر الآخر فدخلوا مدينة زبيد فأكرمهم الناصر أحمد بن الأشرف وأنزلهم وأعطاهم خيولا ومالا فتوجهوا إلى مكان يقال له سيارة فلحق بهم بعض عساكرهم واستمر صبر الدين على طريقة أبيه وكسر عدة من جيوش الحطى وحرق عدة من الكنايس وغنم عدة غنايم قاله ابن حجر
وفيها توفي شهاب الدين أحمد بن عبد الله بن الحسن البوصيري الشافعي تفقه ولازم الشيخ ولي الدين الملوي وبرع في الفنون ودرس مدة وأفاد وتعانى التصوف وتكلم على مصطلح المتأخرين فيه وكان ذكيا وسمع منه ابن حجر ومات في جمادى الأولى
وفيها شهاب الدين أحمد بن عبد الله الحلبي ثم الدمشقي قاضي كرك نوح قال ابن حجي كان من خيار الفقهاء وقد ولي قضاء القدس وولي الخطابة والقضاء بكرك نوح ثم القدس وناب في الخطابة بالجامع الأموي وفي تدريس البادرائية

وتوفي في ذي الحجة
وفيها أحمد بن محمد بن عثمان بن عمر بن عبد الله الحنبلي نزيل غزة سمع من الميدومي ومحمد بن إبراهيم بن أسد وأكثر عن العلائي وغيرهم وكان صالحا دينا خيرا بصيرا ببعض المسائل سكن غزة واتخذ بها جامعا وكان للناس فيه اعتقاد ونعم الشيخ كان وقرأ عليه ابن حجر عدة أجزاء ومات في صفر وله اثنتان وسبعون سنة
وفيها أحمد بن محمد بن عيسى بن الحسن الياسوفي ثم الدمشقي المعروف بالثوم بمثلثة مضمومة قال ابن حجر روى عن أحمد بن علي بن الجزري وغيره وكان له مال وثروة ثم افتقر بعد الكائنة وتوفي في جمادى الآخرة عن ست وستين سنة
وفيها شهاب الدين أحمد بن يحيى بن أحمد بن مالك العثماني الصرميني من معرة صرمين الشافعي اشتغل ومهر وكان قاضي بلده مدة ثم ولي قضاء حلب بعد الفتنة العظمى دون الشهر فاغتيل بعد صلاة الصبح ضرب في خاصرته فمات ثالث عشر شوال وكانت سيرته حسنة وفيه سكون
وفيها تاج الدين بهرام بن عبد الله بن عبد العزيز قاضي القضاة ابن الديري المالكي كان إماما في الفقه والعربية وغيرهما وتصدر للافتاء والتدريس عدة سنين وانتفع به الطلبة ثم ولي قضاء قضاة المالكية بالديار المصرية فحمدت سيرته ولم يزل ملازما للاشتغال والاشغال وقد انتهت إليه رياسة السادة المالكية في زمنه وتوفي يوم الإثنين سابع جمادى الآخرة
وفيها سعد الدين سعد بن يوسف بن إسماعيل بن يوسف بن يعقوب بن سرور بن نصر بن محمد النووي ثم الخليلي الشافعي ولد سنة تسع وعشرين وسبعمائة وقدم دمشق بعد الأربعين فاشتغل بها ومهر وأخذ عن الذهبي وشمس الدين ابن نباتة وغيرهما وحمل عن التاج المراكشي وابن كثير وقرأ عليه مختصره في علم الحديث وأذن له وحدث وأفتى ودرس قال ابن حجي كان ذا ثروة جيدة

فاحترقت داره في الفتنة وأخذ ماله فافتقر فاحتاج أن يجلس مع الشهود ثم ولي قضاء بعض القرى وقضاء بلد الخليل عليه السلام فمات هناك في جمادى الأولى
وفيها سارة بنت علي بن عبد الكافي السبكي قال ابن حجر أسمعت من أحمد بن علي الجزري وزينب بنت الكمال وسمعت على أبيها أيضا وتزوجها أبو البقاء فلما مات تحولت إلى القاهرة ثم رجعت إلى دمشق في أيام سرى الدين وكان صاهرها ثم رجعت إلى القدس ثم إلى القاهرة فسمعنا منها قديما ثم في سنة موتها ماتت بالقاهرة في ذي الحجة وقد جاوزت السبعين
وفيها عبد الله بن خليل بن الحسن بن طاهر بن محمد بن خليل بن عبد الرحمن الحرستاني ثم الصالحي المؤذن سمع من الشرف بن الحافظ وغيره وأجاز له الحجار وسمع منه ابن حجر
وفيها عبد الجبار بن عبد الله المعتزلي الحنفي الخوارزمي عالم الدشت صاحب تيمورلنك وإمامه وعالمه ولد في حدود سنة سبعين وسبعمائة وكان إماما عالما بارعا متقنا للفقه والأصلين والمعاني والبيان والعربية واللغة انتهت إليه الرياسة في أصحاب تيمور وكان هو عظيم دولته ولما قدم تيمور البلاد الحلبية والشامية كان عبد الجبار هذا معه وباحث وناظر علماء البلدين وكان فصيحا باللغات الثلاثة العربية والعجمية والتركية وكانت له ثروة ووجاهة وعظمة وحرمة زائدة إلى الغاية وكان ينفع المسلمين في غالب الأحيان عند تيمور وكان يتبرم من صحبة تيمور ولا يسعه إلا موافقته ولم يزل عنده حتى مات في ذي القعدة
وفيها أبو الفضل عبد الرحمن بن أبي الخير محمد بن أبي عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن الحسيني الفاسي ثم المكي المالكي سمع من تاج الدين ابن بنت أبي سعد وشهاب الدين الهكاري وغيرهما وعنى بالفقه فمهر فيه إلى

الغاية وشارك في غيره ودرس وأفتى أكثر من أربعين سنة وتوفي بمكة في نصف ذي القعدة عن خمس وستين سنة
وفيها تاج الدين عبد الوهاب بن الشيخ عفيف الدين عبد الله بن أسعد بن علي اليافعي المكي الشافعي اشتغل بالفقه وأذن له الأبناسي وسمع من أبيه وجماعة بمكة ورحل إلى دمشق فسمع من ابن أميلة وغيره وتفقه بالأميوطي وغيره وكان خيرا عابدا ورعا قليل الكلام فيما لا يعنيه وسمع منه ابن حجر وتوفي في رجب عن خمس وخمسين سنة
وفيها الحافظ سراج الدين عمر بن رسلان بن نصير بن صالح وصالح هذا أول من سكن بلقينة ابن شهاب الدين بن عبد الخالق بن مسافر بن محمد البلقيني الكناني الشافعي شيخ الإسلام ولد ليلة الجمعة ثاني عشر شعبان سنة أربع وعشرين وسبعمائة وحفظ القرآن العظيم وهو ابن سبع سنين وحفظ المحرر في الفقه والكافية لابن مالك في النحو ومختصر ابن الحاجب في الأصول والشاطبية في القراءات وأقدمه أبوه إلى القاهرة وله اثنتا عشرة سنة فطلب العلم واشتغل على علماء عصره وأذن له في الفتيا وهو ابن خمس عشرة سنة وسمع من الميدومي وغيره وقرأ الأصول على شمس الدين الأصفهاني والنحو على أبي حيان وأجاز له من دمشق الحافظان المزي والذهبي وغيرهما وفاق الأقران واجتمعت فيه شروط الاجتهاد على وجهها فقيل أنه مجدد القرن التاسع وما رأى مثل نفسه وأثنى عليه العلماء وهو شاب وانفرد في آخره برياسة العلم وولي إفتاء دار العدل وقضاء دمشق سنة تسع وستين وسبعمائة فباشره مدة يسيرة ثم عاد إلى القاهرة وسافر إلى حلب سنة ثلاث وتسعين صحبة الظاهر برقوق واشتغل بها ثم عاد صحبة السلطان وعظم وصار يجلس في مجلس السلطان فوق قضاة القضاة وأكب على الاشغال والتصنيف وانتفع به عامة الطلبة وأتته الفتاوى من الأقطار ومن تصانيفه شرحان على الترمذي تصحيح المنهاج لكنه لم يكمل وكان أعجوبة زمانه حفظا واستحضارا

قال برهان الدين المحدث رأيته فريد دهره فلم تر عيني أحفظ للفقه ولأحاديث الأحكام منه ولقد حضرت دروسه وهو يقرىء مختصر مسلم للقرطبي يتكلم على الحديث الواحد من بكرة إلى قريب الظهر وربما أذن الظهر ولم يفرغ من الحديث الواحد واعترفت له علماء جميع الأقطار بالحفظ وكثرة الاستحضار انتهى وتزوج بنت ابن عقيل ولازمته في شبيبته وممن أخذ عنه حافظ دمشق ابن ناصر الدين وأثنى عليه بالحفظ وغيره والحافظ ابن حجر وقال خرجت له أربعين حديثا عن أربعين شيخا حدث بها مرارا وقرأت عليه دلائل النبوة للبيهقي فشهد لي بالحفظ في المجلس العام وقرأت عليه دروسا من الروضة وأذن لي وكتب خطه بذلك انتهى وتوفي بالقاهرة نهار الجمعة حادي عشر ذي القعدة وصلى عليه ولده جلال الدين عبد الرحمن ودفن بمدرسته التي أنشأها
وفيها عميد بن عبد الله الخراساني الحنفي قاضي تمرلنك مات بعد رجوعه من الروم في هذه السنة قاله ابن حجر
وفيها أم عمر كليم بنت الحافظ تقي الدين محمد بن رافع السلامي الدمشقية سمعت من عبد الرحيم بن أبي اليسر حضورا وغيره وأجازت لابن حجر وتوفيت في ربيع الأول
وفيها شمس الدين محمد بن محمد بن أحمد بن محمود النابلسي الحنبلي الشيخ الإمام العلامة تفقه على الشيخ شمس الدين بن عبد القادر وقرأ عليه العربية وأحكمها ثم قدم دمشق بعد السبعين فاستمر في طلب العلم في حلقة بهاء الدين السبكي ثم جلس يشهد واشتهر أمره وعلا صيته وقصد في الاشغال ولم يزل يترقى حتى ولي قضاء قضاة الحنابلة بدمشق وعزل وتولى مرارا وكانت له حلقة لإقراء العربية يحضرها الفضلاء ودرس بعدة مدارس وكان ذا عظمة وبهجة زائده لكن باع من الأوقاف كثيرا بأوجه واهية سامحه الله وتوفي بمنزله

بالصالحية ليلة السبت ثاني عشر المحرم
وفيها جمال الدين محمد بن أحمد البهنسي ثم الدمشقي الشافعي اشتغل بالقاهرة وحفظ المنهاج واتصل بالقاضي برهان الدين بن جماعة ولما ولي قضاء الشام استنابه واعتمد عليه في أمور كثيرة وكان حسن المباشرة مواظبا عليها وعنده ظرف ونوادر وكان مقلا مع العفة ولما وقعت الكائنة العظمى بدمشق فر إلى القاهرة فاستنابه القاضي جلال الدين ومات في ذي القعدة
وفيها علم الدين محمد بن ناصر الدين محمد بن محمد الدمشقي القفصي المالكي كان أبوه جنديا ثم ألبس ولده كذلك ثم شغله بالعلم وهو كبير ودار في الدروس واشتغل كثيرا لكن مع قصور فهم وقلة عقل وعناية بالعلم ولي قضاء دمشق إحدى عشرة مرة في مدة خمس وعشرين سنة أولها سنة تسع وسبعين وولي قضاء حلب وحماة مرارا وكان عفيفا قال القاضي علاء الدين في ذيل تاريخ حلب أصيب في الوقعة الكبرى بماله وأسرت له ابنة وسكن عقب الفتنة بقرية من قرى سمعان إلى أن نزح التتر عن البلاد رجع إلى حلب على ولايته قال وكان بيننا صحبة وكان يكرمني وولاني عدة وظايف علمية ثم توجه إلى دمشق فقطنها وولي قضاءها ومات بها في المحرم ولم يكمل الستين وهو قاضي دمشق انتهى
وفيها محمد بن يوسف الأسكندراني المالكي قال ابن حجر كان فقيه أهل الثغر درس وأفتى وانتهت إليه الرياسة في العلم وكان عارفا بالفقه مشاركا في غيره مع الدين والصلاح انتهى
وفيها محمود بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن عبد المجيد بن هلال الدولة عمر بن منير الحارثي الدمشقي موقع الدست بدمشق كان كاتبا مجودا ناظما ناثرا مشهورا بالخفة والرقاعة والضنانة بنفسه أخذ عن صلاح الدين الصفدي وغيره وسمع من إبراهيم بن الشهاب محمود وأجازت له زينب بنت الكمال ومن عيون

شعره ما قاله في فرجية خضراء أعطاه إياها بعض الرؤساء
( مدحت إمام العصر صدقا بحقه ** وما جئت فيما قلت بدعا ولا وزرا )
( تبعت أبي ذر بمصداق لهجتي ** فمن أجل هذا قد أظلتني الخضرا )
وتوفي بالقاهرة فجأة وله فوق الستين
وفيها بدر الدين محمود بن محمد بن عبد الله العينتابي الحنفي العابد الواعظ أخذ في بلاد الروم عن الشيخ موفق الدين وجمال الدين الأقصرائي ثم قدم عينتاب فنزل بجامع مؤمن مدة يذكر الناس وكان يحصل للناس في مجلسه دقة وخشوع وبكاء وتاب على يده جماعة ثم توجه إلى القدس زائرا فأقام مدة ثم رجع إلى حلب فوعظ الناس في الجامع العتيق قال البدر العينتابي أخذت عنه في سنة ثمانين تصريف العزى والفرائض السراجية وغير ذلك وذكرته في هذه السنة تبركا انتهى
وفيها أم عيسى مريم بنت أحمد بن أحمد بن قاضي القضاة شمس الدين محمد بن إبراهيم الأذرعي قال ابن حجر سمعت الكثير من علي بن عمر الواني وأبي أيوب الدبوسي والحافظ قطب الدين الحلبي وناصر الدين بن سمعون وغيرهم وأجاز لها التقي الصائغ وغيره من المسندين بمصر والحجاز وغيره من الأئمة بدمشق خرجت لها معجما في مجلدة وقرأت عليها الكثير من مسموعاتها وأشياء كثيرة بالإجازة وهي أخت شمس الدين المتقدم ذكره في هذه السنة عاشت أربعا وثمانين سنة ونعمت الشيخة كانت ديانة وصيانة ومحبة في العلم وهي آخر من حدثت عن أكثر مشايخها المذكورين وقد سمع أبو العلاء الفرضي مني يوسف الدبوسي وسمعت هي منه وبينهما في الوفاة مائة وبضع سنين انتهى

سنة ست وثمانمائة

وفيها توفي إبراهيم بن محمد بن صديق بن إبراهيم بن يوسف المؤذن المعروف

بالرسام كان أبوه بواب الظاهرية مسند الدنيا من الرجال سمع صاحب الترجمة الكثير من الحجار وإسحق الآمدي والشيخ تقي الدين بن تيمية وطائفة وتفرد بالرواية عنهم ومتع بسمعه وعقله قال ابن حجر سمعت منه بمكة وحدث بها بسائر مسموعاته وقد رحل في السنة الماضية إلى حلب ومعه ثبت مسموعاته فأكثروا عنه وانتفعوا به وألحق جماعة من الأصاغر بالأكابر ورجع إلى دمشق ولم يتزوج فمات في شوال وله خمس وثمانون سنة وأشهر انتهى
وفيها أحمد بن إبراهيم بن علي العسلقي نسبة إلى عسالق عرب قال ابن الأهدل في تاريخ اليمن كان فقيها نحويا لغويا مفسرا محدثا وله معرفة تامة بالرجال والتواريخ ويد قوية في أصول الدين تفقه بأبيه وغيره ولم يكن يخاف في الله لومة لائم في إنكار ما أنكره الشرع لازم التدريس وإسماع الحديث والعكوف على العلم وعليه نور وهيبة وأضر بآخره قاله السيوطي في طبقات النحاة
وفيها أحمد بن علي بن محمد بن علي البكري العطاردي المؤذن بالمعروف بابن سكر سمع بإفادة أخيه شمس الدين من يحيى بن يوسف بن المصري وغيره وحدث بالقاهرة فسمع منه ابن حجر وغيره وتوفي في رجب وقد جاوز السبعين
وفيها عبد الله بن عبد الله الأكاري المغربي المالكي نزيل المدينة أقرأ بها ودرس وأفاد وناب في الحكم عن بعض القضاة وكان يتجرأ على العلماء سامحه الله قاله ابن حجر
وفيها الحافظ زين الدين عبد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن إبراهيم المهراني المولد العراقي الأصل الكردي العراقي الشافعي حافظ العصر قال في أنباء الغمر ولد في جمادى الأولى سنة خمس وعشرين وسبعمائة وحفظ التنبيه واشتغل بالقراءات ولازم المشايخ في الرواية وسمع في غضون ذلك من عبد الرحيم بن شاهد الجيش وابن عبد الهادي وعلاء الدين التركماني وقرأ بنفسه على الشيخ شهاب الدين بن البابا وتشاغل بالتخريج ثم تنبه للطلب

بعد أن فاته السماع من مثل يحيى المصري آخر من روى حديث السلفي عاليا بالإجازة ومن الكثير من أصحاب ابن عبد الدايم والنجيب بن علاق وأدرك أبا الفتح الميدومي فأكثر عنه وهو من أعلى مشايخه إسنادا وسمع أيضا من ابن الملوك وغيره ثم رحل إلى دمشق فسمع من ابن الخباز ومن أبي عباس المرداوي ونحوهما وعنى بهذا الشأن ورحل فيه مرات إلى دمشق وحلب والحجاز وأراد الدخول إلى العراق ففترت همته من خوف الطريق ورحل إلى الأسكندرية ثم عزم على التوجه إلى تونس فلم يقدر له ذلك وصنف تخريج أحاديث الأحياء واختصره في مجلد وبيضه وكتبت منه النسخ الكثيرة وشرع في إكمال شرح الترمذي لابن سيد الناس ونظم علوم الحديث لابن الصلاح وشرحها وعمل عليه نكتا وصنف أشياء أخر كبارا وصغارا وصار المنظور إليه في هذا الفن من زمن الشيخ جمال الدين الأسنائي وهلم جرا ولم نر في هذا الفن أتقن منه وعليه تخرج غالب أهل عصره ومن أخصهم به نور الدين الهيتمي وهو الذي دربه وعلمه كيفية التخريج والتصنيف وهو الذي يعمل له خطب كتبه ويسميها له وصار الهيتمي لشدة ممارسته أكثر استحضارا للمتون من شيخه حتى يظن من لا خبرة له أنه أحفظ منه وليس كذلك لأن الحفظ المعرفة وولي شيخنا العراقي قضاء المدينة سنة ثمان وثمانين فأقام بها نحو ثلاث سنين ثم سكن القاهرة وأنجب ولده قاضي القضاة ولي الدين لازمت شيخنا عشر سنين تخلل في أثنائها رحلاتي إلى الشام وغيرها وقرأت عليه كثيرا من المسانيد والأجزاء وبحثت عليه شرحه على منظومته وغير ذلك وشهد لي بالحفظ في كثير من المواطن وكتب لي خطه بذلك مرارا وسئل عند موته من بقي بعده من الحفاظ فبدأ بي وثنى بولده وثلث بالشيخ نور الدين وتوفي عقب خروجه من الحمام في ثاني شعبان وله إحدى وثمانون سنة وربع سنة نظير عمر شيخنا شيخ الإسلام سراج الدين وفي ذلك أقول في المرثية


( لا ينقض عجبي من وفق عمرهما ** العام كالعام حتى الشهر كالشهر )
( عاشا ثمانين عاما بعدها سنة ** وربع عام سوى نقص لمعتبر )
انتهى باختصار
وفيها القاضي بل السلطان برهان الدين أبو العباس أحمد صاحب سيواس وقاضيها وسلطانها ولد بها وبها نشأ ثم قدم حلب وقرأ بها مدة قليلة وقدم القاهرة وأقام بها مدة ثم عاد إلى سيواس قال المقريزي أحمد حاكم قيصرية وتوقات وسيواس اعلم أن ممالك الروم كانت أخيرا لبني قلج أرسلان الذين أقاموا بها دين الإسلام لما انتزعوها من يد ملك القسطنطينية وكان كرسيهم قونية وأعمالهم كثيرة جدا إلى أن اتخذت سيواس كرسي ملكهم ثم إن صاحب الترجمة قدم القاهرة وأخذ بها عن شيوخ زمانه فعرف بالذكاء حتى حصل على طرف من العلم فبشره بعض الفقراء بأنه يتملك بلاد الروم وأشار إليه بعوده إليها فمضى إلى سيواس ودرس بها وصنف ونظم الشعر وهو يتزيا بزي الاجناد وسلك طريقة الأمراء فيركب بالجوارح والكلاب إلى الصيد ويلازم الخدم السلطانية إلى أن مات ابن ارثنا صاحب سيواس عن ولد صغير اسمه محمد فأقيم بعده وقام الأمراء بأمره وأكبرهم الذي يرجعون إليه في الرأي قاضي سيواس والد البرهان هذا فدبر الأمر المذكورون مدة حياة القاضي فلما مات ولي ابنه برهان الدين هذا مكانه فسد مسده وأربى عليه بكثرة علمه وحسن سياسته وجودة تدبيره وأخذ في أحكام أمره فأول ما بدأ به بعد تمهيد قواعده أن فرق أعمال ولايته على الأمراء وبقي من الأمراء اثنان فريدون وغضنفر فثقلا عليه فتمارض ليقعا في قبضته فدخلا عليه يعودانه فلما استقر بهما الجلوس خرج عليهما من رجاله جماعة أقعدهم في مخدع فقبضوا عليهما وخرج من فوره فملك الأمر من غير منازع ولقب بالسلطان ثم خرج فاستولى على مملكة قرمان وقاتل من عصى عليه ونزع توقات واستمال إليه تتار الروم وهم جمع كبير لهم بأس ونجدة وشجاعة وانضاف إليه الأمير عثمان

قرانبك بتراكمينه فعز جانبه ثم إن قرانبك خالف عليه ومنع تقادمه التي كان يحملها إليه فلم يكترث به القاضي برهان الدين احتقارا له فصار قرانبك يتردد إلى أماسية وأرزن جان إلى أن قصد ذات يوم مصيفا بالقرب من سيواس ومر بظاهر المدينة فشق على القاضي برهان الدين كونه لم يعبأ به وركب عجلا بغير أهبة ولا كثرة جماعة وساق في أثره ليوقع به فكر عليه قرانبك بجماعته فأخذه قبضا باليد وتفرقت عسكره شذر مذر وكان قرانبك عزم أن يعيده إلى مملكته فنزل عليه شيخ نجيب فما زال به حتى قتله وكان رحمه الله فقيها فاضلا كريما جوادا قريبا من الناس شديد البأس أديبا شاعرا ظريفا لبيبا مقداما يحب العلم والعلماء ويدني إليه أهل الخير والفقراء وكان دائما يتخذ يوم الإثنين والخميس والجمعة لأهل العلم خاصة لا يدخل عليه سواهم وأقلع قبل موته وتاب ورجع إلى الله تعالى ومن مصنفاته كتاب الترجيح على التلويح وكان للأدب وأهله عنده سوق نافق وقتل في ذي القعدة انتهى كلام المقريزي باختصار
وفيها الشيخ الكبير الولي الشهير العارف بالله تعالى الشيخ أبو بكر بن داود الصالحي الحنبلي المسلك المخلص الفقيه المتين قال الشهاب بن حجي كان معدودا في الصالحين وهو على طريقة السنة وله زاوية حسنة بسفح قاسيون فوق جامع الحنابلة وله إلمام بالعلم ومات في سابع عشرى رمضان انتهى أي ودفن بحوش تربته من جهة الشمال قريبا من الطريق قال الشيخ إبراهيم بن الأحدب في ثبته والدعاء عند قبره مستجاب وقال فيه أيضا له التصانيف النافعة منها قاعدة السفر ومنها الوصية الناصحة لم يسبق إلى مثلها ومنها النصيحة الخالصة وغير ذلك من التصانيف النافعة الدالة على فقهه وعلمه وبركته له مغارة في زاويته انقطع عن الخلق فيها انتهى
وفيها عبد الصادق بن محمد الحنبلي الدمشقي كان من أصحاب ابن المنجا ثم ولي قضاء طرابلس وشكرت سيرته وقدم دمشق فتزوج بنت السلاوي زوجة مخدومه تقي الدين بن المنجا وسعى في قضاء دمشق وتوفي في المحرم سقط عليه سقف

بيته فهلك تحت الردم
وفيها نور الدين أبو الحسن علي بن خليل بن علي بن أحمد بن عبد الله الحكري المصري الفقيه الحنبلي العالم الواعظ قاضي القضاة ولد سنة تسع وعشرين وسبعمائة واشتغل في الحديث والفقه وولي القضاء بالديار المصرية بعد عزل القاضي موفق الدين في جمادى الآخرة سنة اثنتين وثمانمائة وقدم مع السلطان الناصر الفرج إلى دمشق وكان يجلس بمحراب الحنابلة يعظ الناس وكانت مدة ولايته للقضاء خمسة أشهر واستمر معزولا إلى ان مات في تاسع المحرم
وفيها علاء الدين أبو الحسن علي بن عمر بن سلمان الخوارزمي وكان أبوه من الأجناد فنشأ هو على أجمل طريق وأحسن سيرة وأكب على الاشتغال بالعلم ثم طالع في كتب ابن حزم فهوى كلامه واشتهر في محبته والقول بمقالته وتظاهر بالظاهر وكان حسن العبادة كثير الاقبال على التضرع والدعاء والابتهال ونزل عن اقطاعه سنة بضع وثمانين وأقام بالشام ثم عاد إلى مصر وباشر عند بعض الأمراء وتوفي في تاسع صفر
وفيها نور الدين علي بن عبد الوارث بن جمال الدين محمد بن زين الدين عبد الوارث بن عبد العظيم بن عبد المنعم بن يحيى بن حسن بن موسى بن يحيى ابن يعقوب بن محمد بن عيسى بن شعبان بن عيسى بن داود بن محمد بن نوح ابن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق القرشي البكري التيمي الشافعي ظنا اشتغل بالعلم ومهر في الفقه خاصة وكان كثير الاستحضار قائما بالأمر بالمعروف شديدا على من يطلع منه على أمر منكر فجره الاكثار من ذلك إلى أن حسن له بعض أصحابه أن يتولى الحسبة فولي حسبة مصر مرارا وامتحن بذلك حتى أضر ذلك به ومات في ذي القعدة مفصولا وله ثلاث وستون سنة
وفيها زين الدين عمر بن إبراهيم بن سليمان الرهاوي الأصل ثم الحلبي كاتب الانشاء بحلب قرأ على الشيخ شمس الدين الموصلي وأبي المعالي بن عشاير وتعانى

الأدب وبرع في النظم وصناعه الانشاء وحسن الخط وولي كتابة السر بحلب ثم ولي خطابة جامع الأموي بعد وفاة أبي البركات الأنصاري وكان فاضلا ذا عصبية ومروءة وهو القائل
( يا غائبين وفي سرى محلهم ** دم الفؤاد بسهم البين مسفوك )
( أشتاقهم ودموع العين جارية ** والقلب في ربقة الأشواق مملوك )
ومن شعره
( وحائك يحكيه بدر الدجى ** وجها ويحكيه القناقدا )
( ينسج أكفانا لعشاقه ** من غزل جفنيه وقد سدا )
توفي في ثاني ربيع الآخر
وفيها أبو حيان محمد بن فريد الدين حيان بن العلامة أثير الدين أبي حيان محمد بن يوسف الغرناطي ثم المصري ولد سنة أربع وثلاثين وسبعمائة وسمع من جده ومن ابن عبد الهادي وغيرهما وكان حسن الشكل منور الشيبة بهي المنظر حسن المحاضرة أضر بآخره وسمع منه ابن حجر وغيره وتوفي في ثالث رجب
وفيها شمس الدين محمد بن سعد بن محمد بن علي بن عثمان بن إسمعيل الطائي الشافعي ابن خطيب الناصرية ولد سنة ثلاث وأربعين وحفظ التنبيه وتفقه على أبي الحسن البابي والكمال بن العجمي والجمال بن الشريشي وسمع من بدر الدين بن حبيب وغيره وولي خطابة الناصرية واشتهر بها أيضا وكان كثير التلاوة والعبادة سليم الصدر وهو والد قاضي قضاة حلب وتوفي في جمادى الأولى
وفيها شمس الدين محمد بن سليمان بن عبد الله بن الحراني الشافعي الحموي نزيل حلب أصله من الشرق وأقدمه أبوه طفلا فسكن حماة وعلمه صناعة الحرف ثم ترك وأقبل على الاشتغال وأخذ عن شرف الدين يعقوب خطيب القلعة

والجمال يوسف بن خطيب المنصورية وصاهره ثم رحل إلى دمشق وأخذ عن بدر الدين القرشي ورأس وحصل وشارك في الفنون ثم قدم حلب في ثلاث وسبعين وناب في الحكم ثم قضاء الرها ثم قضاء بزاعة ثم ناب في الحكم بحلب أيضا وولي عدة تداريس وكان فاضلا تقيا مشكورا في أحكامه وتوفي في سابع ربيع الأول بالفالج
وفيها محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن حسن المصري القمني الصوفي سمع من شمس الدين بن القماح صحيح مسلم بفوت وسمع من غيره وحدث فسمع منه ابن حجر وغيره وتوفي عن سبع وسبعين سنة
وفيها أبو بكر يحيى بن عبد الله بن عبد الله بن محمد بن محمد بن زكريا الغرناطي كان إماما في الفرائض والحساب وشارك في الفنون وصنف في الفرائض كتاب المفتاح وولي القضاء ببلده وتوفي في ربيع الأول

سنة سبع وثمانمائة

فيها توفي محي الدين أبو اليسر أحمد بن تقي الدين عبد الرحمن بن نور الدين محمد بن محمد بن محمد بن الصائغ الأنصاري نزيل الصالحية ولد سنة تسع وثلاثين وسبعمائة وسمع من الوادي آشي وأحمد بن علي الجزري وزينب بنت الكمال بعناية أبيه فأكثر وسمع من زين الدين بن الوردي وعنى بالآداب وطلب بنفسه وكتب الطباق وتخرج بابن سعد وتفرد بأشياء سمعها وسمع منه ابن حجر وغيره بدمشق وكان عسرا في الرواية توفي في شهر رمضان
وفيها شهاب الدين أحمد بن كندغدي بضم الكاف وسكون النون ودال مضمومة وغين معجمة ساكنة ودال مهملة مكسورة لفظ تركي معناه بالعربية

ولد النهار الإمام العلامة الفقيه الحنفي ولد بالقاهرة وكان أبوه علاء الدين استادار للأمير اقتمر وكان شهاب الدين هذا يتزيا بزي الجند وطلب العلم واشتغل على علماء عصره وبرع في الفقه والأصول والعربية وغير ذلك وتفقه به جماعة وصحب الأمير شيخ الصفوي ثم اختص عند الملك الظاهر برقوق وعظم في الدولة بذلك قال المقريزي وكان يتهم بأنه هو الذي رخص للسلطان في شرب النبيذ على قاعدة مذهبه فأفضى ذلك إلى أن تعاطى ما أجمع على تحريمه وقد شافهته بذلك فلم ينكره مني فلما كانت أيام الناصر فرج بعثه رسولا إلى تيمور بعد أن عينت أنا فمات بحلب في شهر ربيع الأول وقد قارب الخمسين أو بلغها وكان من أذكياء الناس وفضلائهم انتهى
وفيها تاج الدين تاج بن محمود الأصفهندي العجمي الشافعي نزيل حلب قدم من بلاد العجم حاجا ثم رجع فسكن في حلب بالمدرسة الرواحية وأقرأ بها النحو ثم أقبلت عليه الطلبة فلم يكن يتفرغ بغير الاشتغال بل يقرىء من بعد صلاة الصبح إلى الظهر بالجامع ومن الظهر إلى العصر بجامع منكلي بغا ويجلس من العصر إلى المغرب بالرواحية وكان عفيفا ولم يكن له حظ ولا يطلع على أمر من أمور الدنيا وأسر مع اللنكية فاستنقذه الشيخ إبراهيم صاحب شماخي وأحضره إلى بلده مكرما فاستمر عنده إلى أن مات في ربيع الأول وأخذ عنه غالب أهل حلب وانتفعوا به وشرح المحرر في الفقه وتوفي عن ثمان وسبعين سنة
وفيها تمر وقيل تيمور كلاهما يجوز ابن ايتمش قنلغ بن زنكي بن سيبا بن طارم طر بن طغربك بن قليج بن سنقور بن كنجك بن طغر سبوقا الطاغية تيمور كوركان ومعناه باللغة العجمية صهر الملوك ولد سنة ثمان وعشرين وسبعمائة بقرية تسمى خواجا ابغار من عمل كش أحد مداين ما وراء النهر وبعد هذه البلدة عن سمرقند يوم واحد يقال أنه رؤي ليلة ولد كأن

شيئا يشبه الخودة اءى طائرا في جو السماء ثم وقع إلى الأرض في فضاء فتطاير منه شرر حتى ملأ الأرض وقيل أنه لما خرج من بطن أمه وجدت كفاه مملوءتين دما فزجروا أنه تسفك على يديه الدماء وقيل أن والده كان اسكافا وقيل بل كان أميرا عند السلطان حسين صاحب مدينة بلخ وكان أحد أركان دولته وأن أمه من ذرية جينكز خان وقيل إن أول ما عرف من حاله أنه كان يتحرم فسرق في بعض الليالي غنمة وحملها ليمر بها فانتبه الراعي ورماه بسهم فأصاب كتفه ثم ردفه بآخر فلم يصبه ثم بآخر فأصاب فخذه وعمل عليه الجرح الثاني حتى عرج منه ولهذا يسمى تمرلنك فإن لنك باللغة العجمية أعرج ثم أخذ في التحرم وقطع الطريق وصحبه في تحرمه جماعة عدتهم أربعون رجلا وكان تيمور يقول لهم في تلك الأيام لا بد أن أملك الأرض وأقتل ملوك الدنيا فيسخر منه بعضهم ويصدقه البعض لما يروه من شدة حزمه وشجاعته قال ابن حجر كان من أتباع طقتمش خان آخر الملوك من ذرية جنكز خان فلما مات وقرر في السلطنة ولده محمود استقر تيمور أتابك وكان أعرج وهو اللنك بلغتهم فعرف بتمر اللنك ثم خفف وقيل تمرلنك وتزوج أم محمود وصار هو المتكلم في المملكة وكانت همته عالية ويتطلع إلى الملك فأول ما جمع عسكرا ونازل صاحب بخارى فانتزعها من يد أميرها حسن المغلى ثم نازل خوارزم فاتفق وفاة أميرها حسن المغلى واستقر أخوه يوسف وانتزعها اللنك أيضا ولم يزل إلى أن انتظم له ملك ما وراء النهر ثم سار إلى سمرقند وتملكها ثم زحف إلى خراسان وملكها ثم ملك هراة ثم ملك طبرستان وجرجان بعد حروب طويلة سنة أربع وثمانين فلجأ صاحبها شاه وتعلق بأحمد بن أويس صاحب العراق فتوجه اللنك إليهم فنازلهم بتبريز وأذربيجان فهلك شاه في الحصار وملكها اللنك ثم ملك أصبهان وفي غضون ذلك خالف عليه أمير من جماعته يقال له قمر الدين وأعانه طقتمش خان صاحب صراي فرجع إليهم

ولم يزل يحاربهم إلى أن أبادهم واستقل بمملكة المغل وعاد إلى أصبهان سنة أربع وتسعين فملكها ثم تحول إلى فارس وفيها أعيان بني المظفر اليزدي فملكها ثم رجع إلى بغداد سنة خمس وتسعين فنازلها إلى أن غلب عليها وفر أحمد بن أويس صاحبها إلى الشام واتصلت مملكة اللنك بعد بغداد بالجزيرة وديار بكر فبلغته إخباره الظاهر برقوق فاستعد له وخرج بالعساكر إلى حلب فرجع إلى أذربيجان فنزل بقراباغ فبلغه رجوع طقتمش إلى صراي فسار خلفه ونازله إلى أن غلبه على ملكه في سنة سبع وتسعين ففر إلى بلغار وانضم عسكر المغل إلى اللنك فاجتمع معه فرسان التتار والمغل وغيرهم ثم رجع إلى بغداد وكان أحمد فر منها ثم عاد إليها فنازلها إلى أن ملكها وهرب أحمد ثانيا وسار إلى أن وصل سيواس فملكها ثم حاصر بهنسامدة وبلغ ذلك أهل حلب ومن حولها فانجفلوا ونازل حلب في ربيع الأول فملكها وفعل فيها الأفاعيل الشنيعة ثم تحول إلى دمشق في ربيع الآخر أي سنة ثلاث وثمانمائة وسار حتى أناخ على ظاهر دمشق من داريا إلى قطنا والحوله وما يلي تلك البلاد ثم احتاط بالمدينة وانتشرت عساكره في ظواهرها تتخطف الهاربين وقال صاحب المنهل الصافي وصار تيمور يلقي من ظفر به تحت أرجل الفيلة حتى خرج إليه أعيان المدينة بعد أن أعياه أمرهم يطلبون منه الأمان فأوقفهم ساعة ثم أجلسهم وقدم إليهم طعاما وأخلع عليهم وأكرمهم ونادى في المدينة بالأمان والاطمئنان وأن لا يعتدي أحد على أحد فاتفق أن بعض عسكره نهب شيئا من السوق فشنقه وصلبه برأس سوق البزوريين فمشى ذلك على الشاميين وفتحوا أبواب المدينة فوزعت الأموال التي كان فرضها عليهم لأجل الأمان على الحارات وجعلوا دار الذهب هي المستخرج ونزل تيمور بالقصر الأبلق من الميدان ثم تحول منه إلى دار وهدمه وحرقه وعبر المدينة من باب الصغير حتى صلى الجمعة بجامع بني أمية وقدم القاضي الحنفي محمود بن الكشك

للخطبة والصلاة ثم جرت مناظرة بين إمامه عبد الجبار وفقهاء دمشق وهو يترجم عن تيمور بأشياء منها وقائع علي بن أبي طالب رضي الله عنه مع معاوية وما وقع ليزيد بن معاوية مع الحسين وأن ذلك كله كان بمعاونة أهل دمشق له فإن كانوا استحلوه فهم كفار وإلا فهم عصاة بغاة وأثم هؤلاء على أولئك فأجابوه بأجوبة قبل بعضها ورد البعض ثم قام من الجامع وجد في حصار القلعة حتى أعياه أمرها ولم يكن بها يومئذ إلا نفر يسير جدا ونصب عليها عدة مناجيق وعمر تجاهها قلعة عظيمة من خشب فرمى من بالقلعة على القلعة التي عمرها بسهم فيه نار فاحترقت عن آخرها فأنشأ قلعة أخرى ثم سلموها له بعد أربعين يوما بالأمان ولما أخذ تيمور قلعة دمشق أباح لمن معه النهب والسلب والقتل والإحراق فهجموا المدينة ولم يدعوا بها شيئا قدروا عليه وطرحوا على أهلها أنواع العذاب وسبوا النساء والأولاد وفجروا بالنساء جهارا ولا زالوا على ذلك أياما وألقوا النار في المباني حتى احترقت بأسرها ورحل عنها يوم السبت ثالث شعبان سنة ثلاث وثمانمائة ثم اجتاز بحلب وفعل بأهلها ما قدر عليه ثم على الرها وماردين ثم على بغداد وحصرها أيضا حتى أخذها عنوة في يوم عيد النحر من السنة ووضع السيف في أهلها وألزم جميع من معه أن يأتي كل واحد منهم برأسين من رؤس أهلها فوقع القتل حتى سالت الدماء أنهارا وقد أتوه بما التزموه فبنى من هذه الرؤس مائة وعشرين مأذنة ثم جمع أموالها وأمتعتها وسار إلى قرى باغ فجعلها خرابا بلقعا ثم قال ابن حجر فلما كان سنة أربع وثمانمائة قصد بلاد الروم فغلب عليها وأسر صاحبها أي أبا يزيد بن عثمان ومات معه في الاعتقال ودخل الهند فنازل مملكة المسلمين حتى غلب عليها وكان مغرى بقتل المسلمين وغزوهم وترك الكفار وكان شيخا طوالا شكلا مهولا طويل اللحية حسن الوجه بطلا شجاعا جبارا ظلوما غشوما سفاكا للدماء مقداما على ذلك وكان أعرج سلت رجله في أوائل أمره وكان يصلي عن قيام وكان جهوري

الصوت يسلك الجد مع القريب والبعيد ولا يحب المزاح ويحب الشطرنج وله فيها يد طولى وزاد فيها جملا وبغلا وجعل رقعته عشرة في أحد عشر وكان ماهرا فيه لا يلاعبه فيه إلا الأفراد وكان يقرب العلماء والصلحاء والشجعان والأشراف وينزلهم منازلهم ولكن من خالف أمره أدنى مخالفة استباح دمه وكانت هيبته لا تدانى بهذا السببب وما أخرب البلاد إلا بذلك وكان من أطاعه في أول وهلة أمن ومن خالفه أدنى مخالفة وهن وكان له فكر صائب ومكايد في الحرب وفراسة قل أن تخطىء وكان عارفا بالتواريخ لإدمانه على سماعها لا يخلو مجلسه عن قراءة شيء منها سفرا ولا حضرا وكان مغرى بمن له صناعة ما إذا كان حاذقا فيها وكان أميالا يحسن الكتابة وكان حاذقا باللغة الفارسية والتركية والمغلية خاصة وكان يقدم قواعد جنكز خان ويجعلها أصلا ولذلك أفنى جمع جم بكفره مع أن شعائر الإسلام في بلاده ظاهرة وكان له جواسيس في جميع البلاد التي ملكها والتي لم يملكها وكانوا ينهون إليه الحوادث الكائنة على جليتها ويكاتبونه بجميع ما يروم فلا يتوجه إلى جهة إلا وهو على بصيرة من أمرها وبلغ من دهائه أنه كان إذا قصد جهة جمع أكابر الدولة وتشاوروا إلى أن يقع الرأي على التوجه في الوقت الفلاني إلى الجهة الفلانية فيكاتب جواسيس تلك الجهات فيأخذ أهل تلك الجهة المذكورة حذرها ويأنس غيرها فإذا ضرب بالنفير وأصبحوا سائرين ذات الشمال عرج بهم ذات اليمين فلا يصل الخبر الثاني إلا ودهم الجهة التي يريد وأهلها غافلون وكان أنشأ بظاهر سمرقند بساتين وقصورا عجيبة وكانت من أعظم النزه وبنى عدة قصاب سماها بأسماء البلاد الكبار كحمص ودمشق وبغداد وشيراز انتهى وقال في المنهل وكان يستعمل المركبات والمعاجين ليستعين بها على افتضاض الأبكار وخرج من سمرقند في شهر رجب أي من هذه السنة قاصدا بلاد الصين والخطا وقد اشتد البرد حتى نزل على سيحون وهو جامد فعبره ومر سائرا واشتد عليه وعلى من

معه الرياح والثلج وهلكت دوابهم وتساقط الناس هلكى ومع ذلك فلا يرق لأحد ولا يبالي بما نزل بالناس بل يجد في السير فلما وصل إلى مدينة انزار أمر أن يستقطر له الخمر حتى يستعمله بأدوية حارة وأفاوية لدفع البرد وتقوية الحرارة وشرع يتناوله ولا يسأل عن أخبار عسكره وما هم فيه إلى أن أثرت حرارة ذلك في كبده وأمعائه فالتهب مزاجه حتى ضعف بدنه وهو يتجلد ويسير السير السريع وأطباؤه يعالجونه بتدبير مزاجه إلى أن صاروا يضعون الثلج على بطنه لعظم ما به من التلهب وهو مطروح مدة ثلاثة أيام فتلفت كبده وصار يضطرب ولونه يحمر إلى أن هلك في يوم الأربعاء تاسع عشر شعبان وهو نازل بضواحي انزار ولم يكن معه من أولاده سوى حفيده خليل بن أميران شاه بن تيمور فملك خزائن جده وتسلطن وعاد إلى سمرقند برمة جده إلى أن دفنه على حفيده محمد سلطان بمدرسته وعلق بقبته قناديل الذهب من جملتها قنديل زنته عشرة أرطال دمشقية وتقصد تربته بالنذور للتبرك من البلاد البعيدة لا تقبل الله ممن يفعل ذلك وإذا مر على هذه المدرسة أمير أو جليل خضع ونزل عن فرسه إجلالا لقبره لما له في صدورهم من الهيبة وتوفي عن نيف وثمانين سنة وخلف من الأولاد أميران شاه والقان معين الدين شاه رخ صاحب هراة وبنتا يقال لها سلطان بخت وعدة أحفاد انتهى باختصار
وفيها جمال الدين أبو المعالي عبد الله بن عمر بن علي بن مبارك الهندي السعودي الأزهري المعروف بالحلاوي بمهملة ولام خفيفة ولد سنة ثمان وعشرين وسبعمائة وسمع الكثير من يحيى المصري وأحمد بن علي المستولي وإبراهيم الخيمي وجمع جم من أصحاب النجيب وابن علان وابن عبد الدايم فأكثر قال ابن حجر كان ساكتا خيرا صبورا على الاسماع قل أن يعتريه نعاس قرأت عليه مسند أحمد في مدة يسيرة في مجالس طوال وكان لا يضجر وفي الجملة لم يكن في شيوخ الرواية من شيوخنا أحسن أداء منه ولا أصغى للحديث وتوفي في صفر وقد قارب الثمانين


وفيها جمال الدين عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن إدريس بن نصر النحريري المالكي ولد سنة أربعين وسبعمائة واشتغل بالعلم بدمشق وبمصر وسمع من الظهير ابن العجمي وغيره ثم ناب في الحكم بحلب ثم ولي قضاء حلب سنة سبع وستين ثم أراد الظاهر إمساكه لما قام عليه فأحس بذلك فهرب إلى بغداد فأقام بها على صورة فقير فلم يزل هناك إلى أن وقعت الفتنة اللنكية ففر إلى تبريز ثم إلى حصن كيفا فأكرمه صاحبها فأقام عنده وكان صاحب الترجمة يحب الفقهاء الشافعية وتعجبه مذاكرتهم ثم رجع إلى حلب ثم توجه إلى دمشق سنة ست فحج ورجع قاصدا الحصن وكان إماما فاضلا فقيها يستحضر كثيرا من التاريخ ويحب العلم وأهله وكان من أعيان الحلبيين وتوفي بسرمين راجعا من الحج بكرة يوم الجمعة ثاني عشر ربيع الأول
وفيها عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن لاجين الرشيدي قال ابن حجر سمع الميدومي وابن الملوك وغيرهما وكان يلازم قراءة صحيح البخاري وسمعت لقراءته وكان حسن الأداء وسمعت منه من المعجم الكبير أجزاء مات في رجب وقد جاوز السبعين بأشهر انتهى
وفيها أبو بكر عبد الرحمن بن عبد العزيز بن أحمد بن عثمان بن أبي الرجال ابن أبي الأزهر الدمشقي المعروف بابن السعلوس سمع من زينب بنت الخباز وحدث عنها وأجاز لابن حجر
وفيها شرف الدين عبد المنعم بن سليمان بن داود البغدادي ثم المصري الحنبلي ولد ببغداد قدم إلى القاهرة وهو كبير فحج وصحب القاضي تاج الدين السبكي وأخاه الشيخ بهاء الدين وتفقه على قاضي القضاة موفق الدين وغيره وعين لقضاء الحنابلة بالقاهرة فلم يتم ذلك ودرس بمدرسة أم الأشرف شعبان وبالمنصورية وولي افتاء دار العدل ولازم الفتوى وانتهت إليه رياسة الحنابلة بها وانقطع نحو عشر سنين بالجامع الأزهر يدرس ويفتي ولا يخرج منه إلا في النادر وأخذ عنه جماعات وأنشد قبل موته من نظمه


( قرب الرحيل إلى ديار الآخرة ** فاجعل بفضلك خير عمري آخره )
( وارحم مقيلي في القبور ووحدتي ** وارحم عظامي حين تبقى ناخره )
( فأنا المسيكين الذي أيامه ** ولت بأوزار غدت متواترة )
( لا تطردن فمن يكن لي راحما ** وبحار جودك يا إلهي ذاخره )
( يا مالكي يا خالقي يا رازقي ** يا راحم الشيخ الكبير وناصره )
( مالي سوى قصدي لبابك سيدي ** فاجعل بفضلك خير عمري آخره )
وتوفي بالقاهرة في ثامن عشر شوال
وفيها جلال الدين عبد الله بن عبد الله الأردبيلي الحنفي لقي جماعة من الكبار بالبلاد العراقية وغيرها وقدم القاهرة فولي قضاء العسكر ودرس بمدرسة الأشرف بالتبانة وغير ذلك وتوفي في أواخر شهر رمضان
وفيها علاء الدين علي بن إبراهيم بن علي القضاعي الحموي الحنفي تفقه بالقاضي صدر الدين بن منصور وأخذ النحو عن سرى الدين المالكي وبرع في الأدب وكتب في الحكم عن البارزي ثم ولي القضاء بحماة وكان من أهل العلم والفضل والذكاء مع الدين والخير والرياسة وسمع منه ابن حجر لما قدم القاهرة في آخر سنة ثلاث وثمانمائة ومن شعره
( عين على المحبوب قد قال لي ** راح إلى غيرك يبغي اللجين )
( فجئته بالتبر مستدركا ** وقلت ما جئتك إلا بعين )
وتوفي ثامن عشر ربيع الأول
وفيها نور الدين علي بن سراج الدين عمر بن الملقن الشافعي ولد في سابع شوال سنة ثمان وستين وسبعمائة وتفقه قليلا وسمع من أبيه وبعض المشايخ بالقاهرة ورحل مع أبيه إلى دمشق وحماة وأسمعه هناك وناب في الحكم ودرس بمدارس أبيه بعده وكان عنده سكون وحياء وتمول في الآخر وكثرت معاملاته وتوفي في شعبان


وفيها نور الدين أبو الحسن علي بن أبي بكر بن سليمان بن أبي بكر الهيثم الشافعي الحافظ ولد في رجب سنة خمس وثلاثين وسبعمائة وصحب الشيخ زين الدين العراقي وهو صغير فسمع معه من ابتداء طلبه على أبي الفتح الميدومي وابن الملوك وابن القطرواني وغيرهم من المصريين ومن ابن الخبار وابن الحموي وابن قيم الضيائية وغيرهم من الشاميين ثم رحل جميع رحلاته معه أي مع العراقي وحج معه حجاته ولم يكن يفارقه حضرا ولا سفرا وتزوج بنته وتخرج به في الحديث وقرأ عليه أكثر تصانيفه فكتب عنه جميع مجالس املائه وسمع بنفسه وعنى بهذا الشأن وكتب وجمع وصنف فمن تصانيفه مجمع الزوائد ومنبع الفوائد جمع فيه زوائد المعاجم الثلاثة الطبراني ومسند الإمام أحمد بن حنبل ومسند البزار ومسند أبي يعلى وحذف أسانيدها وجمع ثقات ابن حبان ورتبها على حروف المعجم وكذا ثقات العجلي ورتب الحلية على الأبواب وصار كثير الاستحضار للمتون جدا لكثرة الممارسة وكان هينا لينا خيرا محبا لأهل الخير لا يسأم ولا يضجر من خدمة الشيخ وكتابة الحديث كثير الخير سليم الفطرة قال ابن حجر قرأت عليه الكثير قرأنا للشيخ ومما قرأت عليه بانفراده نحو النصف من مجمع الزوائد له وغير ذلك وكان يشهد لي بالتقدم في الفن جزاه الله عني خيرا وكنت قد تتبعت أوهامه في كتابه مجمع الزوائد فبلغني أن ذلك شق عليه فتركته رعاية له انتهى وتوفي بالقاهرة ليلة الثلاثاء تاسع عشر شهر رمضان ودفن خارج باب البرقوقية
وفيها أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن وفا قال في المنهل الصافي الشيخ الواعظ المعتقد الصالح الأديب الأستاذ المعروف بسيد علي بن وفا الأسكندري الأصل المالكي الشاذلي صاحب النظم الفائق والألحان المحزنة الحسنة والحزب

المعروف عند بني وفا ولد بالقاهرة سنة تسع وخمسين وسبعمائة ومات أبوه وتركه صغيرا ونشأ هو وأخوه أحمد تحت كنف وصيهما العبد الصالح شمس الدين محمد الزيلعي فأدبهما وفقههما فنشآ على أحسن حال وأجمل طريقة ولما صار عمر سيدي على هذا سبع عشرة سنة جلس موضع أبيه وعمل الميعاد وأجاد وأفاد وشاع ذكره وبعد صيته واشتهر أعظم من شهرة أبيه قال المقريزي وتعددت أتباعه وأصحابه ودانوا بحبه واعتقدوا رؤيته عبادة وتبعوه في أقواله وأفعاله وبالغوا في ذلك مبالغة زائدة وسمعوا ميعاده المشهد وبذلوا رغائب أموالهم هذا مع تحجبه وتحجب أخيه والتحجب الكثير إلا عند عمل الميعاد والبروز لقبر أبيهما أو تنقلهما في الأماكن فنالا من الحظ ما لا ناله من هو في طريقتهما وكان أي صاحب الترجمة جميل الطريقة مهابا معظما صاحب كلام بديع ونظم جيد انتهى ثم قال في المنهل وكان فقيها عارفا بفنون من العلوم بارعا في التصوف مستحضرا لتفسير القرآن الكريم وله تآليف منها كتاب الباحث على الخلاص في أحوال الخواص وتفسير القرآن العزيز وكتاب الكوثر المترع في الأبحر الأربع في الفقه وديوان شعر معروف منه
( ترفق فسهم الوجد في مهجتي رشق ** ملكت فأحسن فالتجلد قد ابق )
( وطال على الهجر واتصل الضني ** وقصر عني الصبر وانعدم الرمق )
وهي طويلة انتهى ملخصا وقال ابن حجر في أنباء الغمر كان له نظم كثير واقتدار على جلب الخلق مع خفة ظاهرة اجتمعت به مرة في دعوة فأنكرت على أصحابه إيمائهم إلى جهته بالسجود فتلا هو وهو في وسط السماع يدور فأينما تولوا فثم وجه الله فنادى من كان حاضرا من الطلبة كفرت كفرت فترك المجلس وخرج هو وأصحابه وكان أبوه معجبا به وأذن له في الكلام على الناس وكان أكثر إقامته بالروضة قريب المشتهى وشعره ينعق بالاتحاد المفضي إلى الالحاد وكذا نظم والده ونصب في أواخر أمره منبرا في داره

وصار يصلي الجمعة هو ومن يصاحبه مع أنه مالكي المذهب يرى أن الجمعة لا تصح في البلد وإن كبر إلا في المسجد العتيق من البلد انتهى باختصار وتوفي بالروضة يوم الثلاثاء ثاني عشرى ذي الحجة ودفن عند أبيه في القرافة
وفيها شمس الدين محمد بن عبد الرحيم بن علي بن الحسن بن محمد بن عبد العزيز بن محمد الحنفي المعروف بابن الفرات المصري سمع من أبي بكر بن الصباح راوي دلائل النبوة وتفرد بالسماع منه وسمع الشفاء للقاضي عياض من الدلاصي وأجاز له أبو الحسن البندنيجي وتفرد إجازته في آخرين وكان لهجا بالتاريخ فكتب تاريخا كبيرا جدا بيض بعضه فأكمل منه المائة الثامنة ثم السابعة ثم السادسة في نحو عشرين مجلدا ثم شرع في تبييض الخامسة والرابعة فأدركه أجله وكتب شيئا يسيرا منه أول القرن التاسع وتاريخه هذا كثير الفائدة إلا أنه بعبارة عامية جدا وكان يتولى عقود الأنكحة ويشهد في الحوانيت ظاهر القاهرة مع الخير والدين والسلامة مات ليلة عيد الفطر وله اثنتان وسبعون سنة
وفيها أبو الطيب محمد بن عمر بن علي السحولي بضم المهملتين اليمني ثم المكي المؤذن ولد سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة في رمضان وسمع الشفاء على الزبير بن علي الأسواني وهو آخر من حدث عنه وسمع على الجمال المطري وغيره وأجاز له عيسى الحجي وآخرون وسمع منه ابن حجر في آخرين وتوفي يوم التروية وقد أضر بآخره وكان حسن الخط جيد الشعر
وفيها شمس الدين محمد بن قرموز الزرعي تفقه قليلا وحصل ومهد ونظم الشعر الحسن وولي قضاء القدس وغيره ثم توجه إلى قضاء الكرك فضعف فرجع إلى دمشق فمات بها في رجب وقد بلغ السبعين
وفيها سراج الدين أبو الطيب محمد بن محمد بن عبد اللطيف بن أحمد بن محمود

الربعي المعروف بابن الكويك قال ابن حجر سمع من الميدومي وغيره وهو أخو شيخنا شرف الدين أبو الطيب الأصغر توفي في وسط السنة
وفيها شرف الدين عيسى بن حجاج السعدي المصري الحنبلي الأديب الفاضل المعروف بعويس العالية كان فاضلا في النحو واللغة وله النظم الرايق وله بديعية في مدح النبي صلى الله عليه وسلم مطلعها
( سل ما حوى القلب في سلمى من العبر ** فكلما خطرت أمسى على خطر )
وله أشياء كثيرة وسمى عويس العالية لأنه كان عالية في لعب الشطرنج وكان يلعب به استدبارا وتوفي في أوائل المحرم ذكره العليمي في طبقاته

سنة ثمان وثمانمائة

فيها توفي شهاب الدين أحمد بن عماد بن محمد بن يوسف الأقفهسي بفتح الهمزة وسكون القاف وفتح الفاء وسكون الهاء المعروف بابن العماد أحد أئمة الفقهاء الشافعية ولد قبل الخمسين وسبعمائة واشتغل في الفقه والعربية وغير ذلك وأخذ عن الجمال الأسنوي وغيره وصنف التصانيف المفيدة نظما ونثرا ومتنا وشرحا منها أحكام المساجد وأحكام النكاح وحوادث الهجرة وكتاب التبيان فيما يحل ويحرم من الحيوان ورفع الألباس عن دهم الوسواس وشرح حوادث الهجرة له والقول التام في أحكام المأموم والإمام وغير ذلك وسمع منه ابن حجر وكتب عنه برهان الدين محدث حلب
وفيها أبو هشام أحمد بن محمد بن إسماعيل بن عبد الرحيم بن يوسف بن شمير ابن حازم المصري المعروف بابن البرهان الظاهري التيمي ولد بين القاهرة ومصر في ربيع الأول سنة أربع وخمسين وسبعمائة وهو أحد من قام على الظاهر برقوق وكان أبوه من العدول ونشأ أحمد بالقاهرة واشتغل بالفقه على

مذهب الشافعي ثم صحب شخصا ظاهري المذهب فجلبه إلى النظر في كلام أبي محمد بن حزم فأحبه ثم نظر في كلام ابن تيمية فغلب عليه حتى صار لا يعتقد أن أحدا أعلم منه وكانت له نفس أبية ومروءة وعصبية ونظر كثيرا في أخبار الناس فكانت نفسه تطمح إلى المشاركة في الملك وليس له قدم فيه لا من عشيرة ولا من وظيفة ولا من مال ثم رحل إلى الشام والعراق يدعو إلى طاعة رجل من قريش فاستقرأ جميع الممالك فلم يلغ قصدا ثم رجع إلى الشام فاستغوى كثيرا من أهلها ومن أهل خراسان وآخر الأمر قبض عليه وعلى جماعة من أصحابه بحمص وحمل الجميع في القيود إلى الديار المصرية فأوقفه الظاهر برقوق بين يديه ووبخه على فعله وضرب أصحابه بالمقارع ثم حبسه مدة طويلة ثم أطلقه في سنة إحدى وتسعين وطال خموله إلى أن توفي وأطنب المقريزي في الثناء عليه وأمعن وزاد لكونه كان ظاهريا وذكر أنه كان فقيرا عادما للقوت وتوفي يوم الخميس السادس والعشرين من جمادى الأولى
وفيها شيخ زاده العجمي الحنفي قدم من بلاده إلى حلب سنة أربع وتسعين وسبعمائة وهو شيخ ساكن يتكلم في العلم بسكون ويتعانى حل المشكلات فنزل في جوار القاضي محب الدين بن الشحنة فشغل الناس قال ابن حجر وكان عالما بالعربية والمنطق والكشاف وله اقتدار على حل المشكلات من هذه العلوم ولقد طارحه سراج الدين الفوي بأسئلة من العربية وغيرها نظم ونثر منها في قول الكشاف أن الاستثناء في قوله تعالى { إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين إلا آل لوط } متصل او منقطع فأجابه جوابا حسنا بأنه إن كان يتعلق بقوم يكون منقطعا لأن القوم صفتهم الإجرام أو عن الضمير في صفتهم فيكون متصلا واستشكل أن الضمير هو الموصوف المقيد بالصفة فلو قلت مررت بقوم مجرمين إلا رجلا صالحا كان الاستثناء منقطعا فينبغي أن يكون الاستثناء منقطعا في الصورتين فأجاب بأنه لا إشكال قال وغاية ما يمكن أن يقال أن الضمير المستكن في المجرمين

وإن كان عائدا إلى القوم بالإجرام إلا أن إسناد الإجرام إليه يقتضي تجرده عن اعتبار اتصافه بالإجرام فيكون إثباتا للنائب إلى آخر كلامه ثم دخل القاهرة وولي بعد ذلك تدريس الشيخونية ومشيختها فأقام مدة طويلة إلى أن كان في أواخر هذه السنة فإنه طال ضعفه فسعى عليه القاضي كمال الدين بن العديم أنه خرف ورتب على الوظيفة فاستقر فيها بالجاه فتألم لذلك هو وولده ومقت أهل الخير ابن العديم بسبب هذا الصنيع ومات الشيخ زاده عن قرب ودفن بالشيخونية
وفيها أمين الدين سالم بن سعيد بن علوي الحساني الشافعي قدم القدس وهو ابن عشرين سنة فتفقه بها ثم قدم دمشق في حياة السبكي واشتغل وداوم على ذلك وتفقه بعلاء الدين حجي وغيره وأخذ النحو عن السكسكي وغيره وقدم القاهرة فقرأ في النحو على ابن عقيل وفي الفقه على البلقيني وقدم معه دمشق ولما ولي قضاءها ولاه قضاء بصري ثم لم يزل ينتقل في النيابة بالبلاد إلى أن مات في جمادى الأولى وقد جاوز السبعين
وفيها زين الدين أبو العز طاهر بن الحسن بن عمر بن الحسن بن حبيب بن شريح الحلبي الحنفي ولد بعد الأربعين وسبعمائة بقليل واشتغل بالعلم وتعانى الأدب ولازم الشيخين أبا جعفر الغرناطي وابن حازم وسمع من إبراهيم بن الشهاب محمود وغيره وأجاز له أبو العباس المرداوي خاتمة أصحاب ابن عبد الدايم وجماعة وحصل وبرع في الأدب وغيره وصنف وكتب في ديوان الانشاء بحلب ثم رحل إلى دمشق وأقام بها مدة ثم توجه إلى القاهرة وكتب بها في ديوان الإنشاء وولي عدة وظائف وكان يكتب الخط المنسوب وله نظم ونثر نظم تلخيص المفتاح في المعاني والبيان وشرح البردة للبوصيري وخمسها وذيل على تاريخ والده ومن شعره
( قلت له إذ ماس في أخضر ** وطرفه ألبابنا يسحر )


( لحظك ذا أو أبيض مرهف ** فقال هذا موتك الأحمر )
وتوفي في القاهرة يوم الجمعة سابع عشر ذي الحجة
وفيها زين الدين عبد الرحمن بن علي بن خلف الفارسكوري الشافعي العلامة ولد سنة خمس وخمسين وسبعمائة وقدم القاهرة ولازم الاشتغال وتفقه على الشيخ جمال الدين والشيخ سراج الدين وغيرهما وسمع الحديث فأكثر وكتب بخطه المليح كثيرا ثم تقدم وصنف وعمل شرحا على شرح العمدة لابن دقيق العيد وجمع فيه أشياء حسنة وكان له حظ من العبادة والمروءة والسعي في قضاء حوائج الغرباء لا سيما أهل الحجاز وقد ولي قضاء المدينة ولم تتم له مباشرة ذلك واستقر في سنة ثلاث وثمانمائة في تدريس المنصورية ونظر الظاهرية ودرسها فعمرها أحسن عمارة وجد في مباشرته وقد جاور بمكة وصنف بها شيئا يتعلق بالأحكام قال ابن حجر وكان يودني وأوده وسمع بقراءتي وسمعت بقراءته وأسفت عليه جدا وقد سئل في مرض موته أن ينزل عن بعض وظائفه لبعض من يحبه من رفقته فقال لا أتقيد بها حيا وميتا وتوفي في رجب وله ثلاث وخمسون سنة
وفيها ولي الدين أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن محمد بن محمد بن الحسن بن محمد بن جابر بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن عبد الرحيم الحضرمي الأشبيلي المالكي المعروف بابن خلدون ولد يوم الأربعاء أول شهر رمضان سنة اثنتين وثلاثين وسبعمائة بمدينة تونس ونشأ بها وطلب العلم وسمع من الوادي آشي وغيره وقرأ القرآن على عبد الله بن سعد بن نزال أفرادا وجمعا وأخذ العربية عن أبيه وأبي عبد الله السايري وغيرهما وأخذ الفقه عن قاضي الجماعة ابن عبد السلام وغيره وأخذ عن عبد المهيمن الحضرمي ومحمد بن إبراهيم الأربلي شيخ المعقول بالمغرب وبرع في العلوم وتقدم في الفنون ومهر في الأدب والكتابة وولي كتابة السر بمدينة فاس لأبي عنان ولأخيه أبي سالم ورحل إلى غرناطة

في الرسيلة سنة تسع وستين وكان ولي بتونس كتابة العلامة ثم ولي الكتابة بفاس ثم اعتقل سنة ثمان وخمسين نحو عامين ودخل بجاية فراسله صاحبها فدبر أموره ثم رحل بعد أن مات إلى تلمسان باستدعاء صاحبها فلم يقم بها ثم استدعاه عبد العزيز بفاس فمات قبل قدومه فقبض عليه ثم خلص فسار إلى مراكش وتنقلت به الأحوال إلى أن رجع إلى تونس سنة ثمانين فأكرمه سلطانها فسعوا به عند السلطان إلى أن وجد غفلة ففر إلى الشرق وذلك في شعبان سنة أربع وثمانين ثم ولي قضاء المالكية بالقاهرة ثم عزل وولي مشيخة البيبرسية ثم عزل عنها ثم ولي القضاء مرارا آخرها في رمضان من هذه السنة فباشره ثمانية أيام فأدركه أجله وكان ممن رافق العسكر إلى تمرلنك وهو مفصول عن القضاء واجتمع بتمرلنك وأعجبه كلامه وبلاغته وحسن ترسله إلى أن خلصه الله من يده وصنف التاريخ الكبير في سبع مجلدات ضخمة أظهرت فيه فضائله وأبان فيه عن براعته وكان لا يتزيا بزي القضاء بل هو مستمر على طريقته في بلاده قال لسان الدين بن الخطيب في تاريخ غرناطة رجل فاضل جم الفضائل رفيع القدر أسيل المجد وقور المجلس عالي الهمة قوي الجأش متقدم في فنون عقلية ونقلية كثير الحفظ صحيح التصور بارع الحظ حسن العشرة فخر من مفاخر الغرب قال هذا كله في ترجمته والمترجم في حد الكهولة وتوفي وهو قاض فجأة يوم الأربعاء لأربع بقين من شهر رمضان ودفن بمقابر الصوفية خارج باب النصر وله ست وسبعون سنة وخمسة وعشرون يوما
وفيها قوام الدين قوام بن عبد الله الرومي الحنفي قال ابن حجر قدم الشام وهو فاضل في عدة فنون فأشغل وأفاد وصاهر بدر الدين بن مكتوم وولي تصديرا بالجامع وصحب النواب وكان سليم الباطن كثير المروءة والمساعدة للناس مات في ربيع الآخر بدمشق


وفيها شمس الدين محمد بن أبي بكر بن إبراهيم الجعبري الحنبلي العابر كان يتعاطى صناعة القبان وتنزل في دروس الحنابلة وتنزل في سعيد السعداء وفاق في تعبير الرؤيا ومات في جمادى الآخرة
وفيها أمير المؤمنين المتوكل على الله أبو عبد الله محمد بن المعتضد أبي بكر ابن المستكفي سليمان بن الحاكم أحمد العباسي ولد سنة ست وأربعين وسبعمائة أو نحوها وتولى الخلافة في سنة ثلاث وستين بعهد من أبيه إليه واستمر في ذلك إلى أن مات في شعبان من هذه السنة سوى ما تخلل من السنين التي غضب عليه فيها الظاهر برقوق واستقر بعده في الخلافة ولده أبو الفضل العباسي ولقب المستعين بالله بعهد من أبيه
وفيها شمس الدين محمد بن شرف الدين أبي بكر بن محمد بن الشهاب محمود بن سلمان بن فهد الحلبي الأصل الدمشقي ولد في شعبان سنة أربع وثلاثين وسبعمائة وحضر على البرزالي وأبي بكر بن قوام وشمس الدين بن السراج والعلم سليمان المنشد بطريق الحجاز في سنة تسع وثلاثين وسمع في سنة ثلاث وأربعين من عبد الرحيم بن أبي اليسر ويعقوب بن يعقوب الجزري وغيرهما وحدث وكان شكلا حسنا كامل الثغر مفرط السمن ثم ضعف بعد الكائنة العظمى وتضعضع حاله بعد ما كان مثريا وكان يكثر الانجماع عن الناس مكبا على الاشغال بالعلم ودرس بالبادرائية نيابة وكان كثير من الناس يعتمد عليه لأمانته ونقله توفي في خامس عشرى جمادى الأولى وكان أبوه موقع الدست بدمشق وكان قد ولي قبل ذلك كتابة السر
وفيها شمس الدين محمد بن الحسن بن الأسيوطي كان عالما بالعربية حسن التعليم لها انتفع به جماعة وكان يعلم بالأجرة وله في ذلك وقائع عجيبة تنبىء عن دناءة شديدة وشح مفرط وكان منقطعا إلى القاضي شمس الدين بن الصاحب الموقع

ونبغ له ولده شمس الدين محمد لكن مات شابا قبله رحمهما الله تعالى قاله ابن حجر
وفيها محمد بن عبد الرحمن بن عبد الخالق بن سنان البرشسي بفتح الموحدة التحتية وسكون الراء وفتح المعجمة بعدها سين مهملة الشافعي اشتغل قديما وسمع من القلانسي ونحوه وحدث وأفاد ودرس مع الدين والخير وله منظومة في علم الحديث وشرحها وشرح أسماء رجال الشافعي وله كتاب في فضل الذكر وغير ذلك وسمع عليه ابن حجر وتوفي عن سبعين سنة
وفيها شمس الدين محمد بن محمد بن محمد بن الخضري الزبيدي العيزري الغزي الشافعي ولد في ربيع الآخر سنة أربع وعشرين وسبعمائة وتفقه بالقاهرة على ابن عدلان وأحمد بن محمد العطار ومحي الدين ولد مجد الدين الزنكلوني وقرأ على البرهان الحكري ورجع إلى غزة سنة أربع وأربعين وسبعمائة فاستقر بها ودخل دمشق وأخذ عن البهاء المصري والتقي والتاج السبكيين وغيرهم وأذن له البدر محمود بن علي بن هلال في الافتاء وأخذ عن القطب التحتاني وصنف تصانيف في عدة فنون وكتب على أسئلة من عدة علوم وله مناقشة على جمع الجوامع وذكر أنه شرحه واختصر القوت للأذرعي وله تعليق على الشرح الكبير للرافعي ونظم في العربية أرجوزة سماها قضم الضرب في نظم كلام العرب وتوفي في نصف ذي الحجة
وفيها كمال الدين أبو البقاء محمد بن موسى بن عيسى بن علي الدميري بالفتح والكسر نسبة إلى دميرة قرية بمصر الشافعي العلامة ولد في أوائل سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة وتفقه على الشيخ بهاء الدين أحمد السبكي والشيخ جمال الدين الأسنوي والقاضي كمال الدين النويري المالكي وأجازه بالفتوى والتدريس وأخذ الأدب عن الشيخ برهان الدين القيراطي وبرع في الفقه والحديث والتفسير والعربية وسمع جامع الترمذي على المظفر العطار المصري وعلى علي بن أحمد الفرضي الدمشقي مسند أحمد بن حنبل بفوت يسير وسمع بالقاهرة

من محمد بن علي الحراوي وغيره ودرس في عدة أماكن وكان ذا حظ من العبادة تلاوة وصياما ومجاورة بالحرمين ويذكر عنه كرامات كان يخفيها وربما أظهرها وأحالها على غيره وصنف شرح المنهاج في أربع مجلدات ونظم في الفقه أرجوزة طويلة وله كتاب حياة الحيوان كبرى وصغرى ووسطي أبان فيها عن طول باعه وكثرة اطلاعه وشرع في شرح ابن ماجه فكتب مسودة وبيض بعضه ودرس بالأزهر وبمكة المشرفة وتزوج بها في بعض مجاوراته ورزق فيها أولادا وتوفي بالقاهرة في ثالث جمادى الأولى
وفيها شمس الدين محمد الحنبلي المعروف بابن المصري قال ابن حجر كان من نبهاء الحنابلة يحفظ المقنع وهو آخر طلبة القاضي موفق الدين موتا وكان قد ترك وصار يتكسب في حانوت بالصاغة
وفيها محي الدين محمود بن نجم الدين أحمد بن عماد الدين إسماعيل بن العز الحنفي ابن الكشك اشتغل قليلا وناب عن أبيه واستقل بالقضاء وقتا ولما كانت فتنة تيمور دخل معهم في المنكرات وولي القضاء من قبلهم ولقب قاضي المملكة واستخلف بقية القضاة من تحت يده وخطب بالجامع ودخل في المظالم وبالغ في ذلك فكرهه الناس ومقتوه ثم اطلع تمر على أنه خانه فصادره وعاقبه وأسره إلى أن وصل تبريز فهرب ودخل القاهرة فكتب توقيعا بقضاء الشام فلم يمضه نائب الشام شيخ واستمر خاملا وتفرق أخوه وأولاده وظائفه ثم صالحوه على بعضها وتوفي في ذي الحجة قاله ابن حجر وهو والد رئيس الشام شهاب الدين

سنة تسع وثمانمائة

فيها قويت فتن جكم وشيخ ونوروز حتى بويع جكم بالسلطنة بالشام ولقب بالعادل ثم قتل في أثناء ذلك كبابه فرسه فمات
وفيها توفي صارم الدين إبراهيم بن محمد بن ايدمر بن دقماق الحنفي ولد بمصر في حدود خمسين وسبعمائة وتزيا بزي الجند وطلب العلم وتفقه يسيرا ومال

إلى الأدب ثم حبب إليه التاريخ فمال إليه بكليته وكتب الكثير وصنف قال الشيخ تقي الدين المقريزي مال إلى فن التاريخ فأكب عليه حتى كتب نحو مائتي سفر من تأليفه وغيره وكتب تاريخا كبيرا على السنين وآخر على الحروف وإخبار الدولة التركية في مجلدين وأفرد سيرة الملك الظاهر برقوق وكتب طبقات الحنفية وامتحن بسببها وكان عارفا بأمور الدولة التركية ومذاكرا بجملة إخبارها مستحضرا لتراجم أمرائها ويشارك في إخبار غيرها مشاركة جيدة وكان جميل العشرة فكه المحاضرة كثير التودد حافظا للسانه من الوقيعة في الناس لا تراه يذم أحدا من معارفه بل يتجاوز عن ذكر ما هو مشهور عنهم مما يرمي به أحدهم ويعتذر عنهم بكل طريق صحبته مدة وجاورني سنين انتهى كلام المقريزي قال ابن حجر ولي في آخر الأمر إمرة دمياط فلم تطل مدته فيها ورجع إلى القاهرة وكان مع اشتغاله بالأدب عريا عن العربية عامي العبارة مات بالقاهرة في أواخر ذي الحجة وقد جاوز الستين
وفيها شهاب الدين أحمد بن خاص التركي الحنفي أحد الفضلاء المتميزين من الحنفية أخذ عن بدر الدين العيني المحتسب وكان يطريه وتوفي بالقاهرة قاله ابن حجر
وفيها شهاب الدين أحمد بن عبد الله العجمي الحنبلي أحد الفضلاء الأذكياء قال ابن حجر أخذ عن كثير من شيوخنا ومهر في العربية والأصول وقرأ في علوم الحديث ولازم الاشغال في الفنون مات عن ثلاثين سنة بالطاعون في شهر رمضان بالقاهرة انتهى
وفيها شهاب الدين أحمد بن عمر بن علي بن عبد الصمد البغدادي الجوهري ولد سنة خمس وعشرين وسبعمائة وقدم من بغداد قديما مع أخيه عبد الصمد فسمعا من المزي والذهبي وداود بن العطار وغيرهم وسمع بالقاهرة من شرف الدين بن عسكر وكان يحب التواجد في السماع مع المروؤة التامة

والخبر والمعرفة بصنف الجوهر قال ابن حجر قرأت عليه سنن ابن ماجه بجامع عمرو بن العاص وقرأت عليه قطعة كبيرة من طبقات الحفاظ للذهبي وقطعة كبيرة من تاريخ بغداد للخطيب مات في ربيع الأول وقد جاوز الثمانين وتغير ذهنه قليلا
وفيها أحمد بن محمد بن عبد الغالب الماكسيني ولد في سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة وسمع من جماعة وحدث وهو من بيت رواية وكان يكتب القصص ثم جلس مع الشهود بالعادلية وكان يكتب خطا حسنا وتوفي في صفر
وفيها شهاب الدين أحمد بن محمد بن قماقم وقماقم لقب أبيه الدمشقي الفقاعي الشافعي كان أبوه فقاعيا واشتغل هو بالعلم وأخذ هو عن علاء الدين ابن حجي وقرأ بالروايات على ابن السلار قدم القاهرة في سنة الكائنة العظمى فأقام بها مدة ورجع إلى دمشق وسمع على البلقيني في الفقه والحديث قال ابن حجي كان يستحضر البويطي سمعت البلقيني يسميه البويطي الكبير في استحضاره له ودرس بالأمجدية وتوفي بدمشق في جمادى الآخرة
وفيها شهاب الدين أحمد بن محمد بن نشوان بن محمد بن نشوان بن محمد بن أحمد الشافعي قال ابن قاضي شهبة الإمام العالم أبو العباس الحواري الدمشقي مولده سنة سبع وخمسين وسبعمائة قدم دمشق وقرأ القرآن ثم أقرأ ولدي الشيخ شهاب الدين الزهري واشتغل في العلم معهما وبسببهما على الشيخ شهاب الدين ولازمه كثيرا وحضر عند مشايخ العصر إلى أن تنبه وفضل وانتهى في الشامية البرانية سنة خمس وثمانين وظهر فضله وأذن له الشيخ شهاب الدين الزهري بالإفتاء ثم نزل له الشيخ شهاب الدين بن حجي عن إعادة الشامية البرانية بعوض وجلس للاشغال بالجامع ولما كان بعد الفتنة ناب في القضاء ولازم الجامع للاشغال وانتفع به الطلبة وقصد بالفتاوى وكان يكتب عليها

كتابة حسنة ودرس في آخر عمره بالعذراوية وكان عاقلا ذكيا يتكلم في العلم بتؤدة وسكون عند انصاف وله محاضرة حسنة ونظم وكان في يده جهات كثيرة ومات ولم يحج مرض بالاستسقاء وطال مرضه حتى رأى العبر في نفسه وتوفي بالبيمارستان النوري في جمادى الأولى ودفن بمقابر الصوفية عند شيخه انتهى باختصار
وفيها بدر الدين أحمد بن محمد بن عمر بن محمد الطنبذي بضم الطاء والموحدة بينهما نون ساكنة آخره معجمة نسبة إلى طنبذا قرية بمصر الشافعي العالم الأوحد قال ابن قاضي شهبة أحد مشاهير الشافعية الأعلام بالقاهرة اشتغل كثيرا ولازم أبا البقاء والأسنوي والبلقيني وغيرهم وأفتى ودرس ووعظ ومهر في العربية والتفسير والأصول والفقه وسمع الحديث من جماعة وكان ذكيا فصيحا يلقى على الطلبة دروسا حافلة وتخرج به جماعة كثيرة لكنه لم يكن مرضى الديانة سامحه الله توفي في ربيع الأول
وفيها شهاب الدين أحمد بن محمد البالسي الأصل ثم الدمشقي الحنفي الحواشي اشتغل في صباه وصاهر أبا البقاء على ابنته وأفتى ودرس وناب في الحكم وولي نظر الأوصياء ووظائف كثيرة بدمشق وكان حسن السيرة ثم ناب في الحكم وسعى في القضاء استقلالا فباشر قليلا جدا ثم عزل ثم سعى فلم يتم له ذلك وتوفي في جمادى الآخرة
وفيها بدر الدين حسن بن علي بن عمر الأسعردي قال ابن حجر صاحبنا كان من بيت نعمة وثروة فأحب سماع الحديث فسمع الكثير وكتب الطباق وحصل الأجزاء وسمع من أصحاب التقي سليمان وغيرهم وأحب هذا الشأن وذهبت اجزاؤه في قصة تمرلنك وقد رافقني في السماع وأعطاني أجزاء بخطه وبلغني أنه حدث في هذه السنة بدمشق ببعض مسموعاته ومات بدمشق في ربيع الأول


وفيها خير الدين خليل بن عبد الله الفايزي الحنفي كان فاضلا في مذهبه محبا للحديث وأهله مذاكرا بالعربية كثيرا المروءة وقد عين لقضاء الحنفية مرة فلم يتم ذلك وولي قضاء القدس
وفيها شهاب الدين رسول بن عبد الله القيصري ثم الغزي الحنفي قدم دمشق في حدود السبعين وسبعمائة وهو فاضل وسمع من ابن أميلة وابن حبيب ثم ولي نيابة الحكم بدمشق في أول دولة الظاهر ثم ولي قضاء غزة في أيام ابن جماعة وحصل مالا كثيرا بعد فقر شديد ثم مات بدمشق في جمادى الأولى وقد شاخ
وفيها شرف الدين صديق بن علي بن صديق الأنطاكي ولد سنة بضع وأربعين وقدم من بلاده بعد الستين فاشتغل بالعلم وتنزل في المدارس ورافق الصدر الياسوفي في السماع فأكثر عن ابن رافع وسمع من بقية أصحاب الفخر وغيرهم وكان على دين وصيانة ولم يتزوج ثم سكن القاهرة وصار أحد الصوفية بالبيبرسية وأجاز لابن حجر وكان يتردد إلى دمشق توفي بمصر بالطاعون في رمضان
وفيها جمال الدين عبد الله بن خليل بن يوسف المارداني الحاسب أبو أم سبط المارديني وانتهت إليه الرياسة في علم الميقات في زمانه وكان عارفا بالهيئة مع الدين المتين وله أوضاع وتأليف وانتفع به أهل زمانه وكان أبوه من الطبالين ونشأ هو مع قراء الجوق وكان له صوت مطرب ثم مهر في الحساب وكان شيخ الخاصكي قد قدمه ونوه به ومات في جمادى الآخرة
وفيها زين الدين عبد الرحمن بن يوسف بن الكفري الحنفي قال ابن حجر ولد سنة إحدى وخمسين وتفقه على ابن الخباز وأسمعه أبوه من جماعة سمعت منه في الرحلة وولي القضاء غير مرة بعد الفتنة ولم يكن محمود السيرة وكان متحريا لكتبه ويعرف أسماءها مع وفور جهل بالفقه وغيره ومات في يوم

الأحد ثالث ربيع الآخر
وفيها قطب الدين عبد الكريم بن محمد بن عبد الكريم بن عبد النور بن منير الحلبي ثم المصري سمع من الحسن الأربلي وأحمد بن علي المستولي وغيرهما وتصرف بأبواب القضاة وسمع منه ابن حجر وتوفي في نصف السنة عن ثلاث وسبعين سنة
وفيها علاء الدين علي بن إبراهيم القضاعي الحموي الحنفي أحد الفضلاء أخذ العربية عن سرى الدين أبو هاني المالكي والفقه عن أثير الدين بن وهبان وتمهر وبهرت فضائله وولي قضاء بلده وقدم القاهرة سنة الكائنة العظمى فاشتهرت فضائله وعرفت فنونه وحدث وأفاد فسمع منه ابن حجر وغيره وتوفي في ربيع الآخر
وفيها علي بن أحمد اليمني الملقب بالأزرق قال ابن حجر من أهل أبيات حسين كان كثير العناية بالفقه فجمع فيه كتابا كبيرا انتهى
وفيها سراج الدين عمر بن منصور بن سليمان القرمي الحنفي المعروف بالعجمي قال في المنهل كان فقيها بارعا فاضلا قدم إلى الديار المصرية فنوه قاضي القضاة جمال الدين محمود القيصري العجمي بذكره فولي حسبة مصر وعدة وظائف ودرس التفسير بالقبة المنصورية وغيرها وتصدر للإقراء والتدريس وكان مشكور السيرة في دينه ودنياه وله عبادة وأوراد وصلاة وقراءة وصدقات وكان يغلب عليه الخير وسلامة الباطن وكانت العامة تسميه فلق فإنه كان إذا أراد تأديب أحد يقول هات فلق يعني الفلقة وكان جميل الصورة مليح الشكل عنده بشاشة وطلاقة وتوفي يوم الإثنين خامس عشر جمادى الأولى انتهى
وفيها أبو اليمن محمد بن أحمد بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن أبي بكر الطبري المكي الشافعي إمام المقام ولد في شعبان سنة ثلاثين وسبعمائة وسمع من عيسى الحجي والزين أحمد بن محمد بن المحب الطبري وابن عم أبيه

عثمان بن الصفي الطبري وقطب الدين بن مكرم وعثمان بن شجاع بن عيسى الدمياطي وعيسى بن الملك المعظم وأجاز له يحيى بن فضل الله وأبو بكر ابن الرضى وزينب بنت الكمال ونحوهم وولي إمامة المقام نيابة ثم استقلالا وسمع منه ابن حجر وغيره وكان خيرا سليم الباطن معتقدا وهو آخر من حدث عن عيسى ومن ذكر بعده بالسماع وعن يحيى بالإجازة وتوفي في صفر وقد ناهز الثمانين
وفيها شمس الدين محمد بن تقي الدين إسماعيل بن علي القلقشندي المصري ثم القدسي الشافعي ولد سنة خمس وخمسين وسبعمائة وسمع من الميدومي وغيره وأخذ عن الشيخ صلاح الدين وعن والده تقي الدين ومهر وبهر وساد حتى صار شيخ بيت المقدس في الفقه وعليه مدار الفتوى وتوفي بها في رجب
وفيها ناصر الدين محمد بن أنس الحنفي الطنبذاوي نزيل القاهرة كان عارفا بالفرائض وأقرأ بالجمع وانتفعوا به وكان حسن السمت كثير الديانة محبا للحديث قال ابن حجر كتبت عنه الكثير وسمع من ناصر الدين الجرداوي وغيره ومات وله دون الأربعين
وفيها محمد بن أبي بكر بن أحمد النحريري المالكي أخو خلف ناب في الحكم وتنبه في الفقه ودرس ومات في صفر
وفيها تقي الدين أبو بكر محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن حيدرة الشافعي الدجوي بضم الدال المهملة وسكون الجيم نسبة إلى دجوة قرية على شط النيل الشرقي على بحر رشيد ولد سنة سبع وثلاثين وسبعمائة وسمع من ابن عبد الهادي والميدومي وغيرهما وتفقه واشتغل وتقدم ومهر وكان ذاكرا للعربية واللغة والغريب والتاريخ مشاركا في الفقه وغيره وكان بيده عمالة المودع الحكمي فشانته هذه الوظيفة كان كثير الاستحضار سمع منه

ابن حجر وغيره ونوه السالمي بذكره وقرره مستمعا عند كثير من الأمراء وحدث مرارا بصحيح مسلم وقرأ عليه طاهر بن حبيب وغيره توفي ليلة الأحد ثامن عشر جمادى الأولى
وفيها محمد بن معالي بن عمر بن عبد العزيز الحلبي نزيل القاهرة ومكة جاور كثيرا وسكن القاهرة زمانا وحدث عن أحمد بن محمد الجوخي ومحمود بن خليفة وابن أبي عمر وغيرهم وسمع منه ابن حجر وتوفي بمكة
وفيها يحيى بن محمد التلمساني الأصبحي المالكي النحوي قال السيوطي في طبقات النحاة ولد سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة تقريبا وكان ماهرا في العربية والشعر وسمع صحيح مسلم من أبي عبد الله بن مرزوق والموطأ من أبي القسم العنبري وأجاز له الوادياشي وأبو القسم بن يربوع واشتغل في عدة فنون وأجاز لابن حجر قدم حاجا سنة تسع وثمانمائة ومات راجعا من الحج في ذي الحجة من السنة
وفيها جمال الدين يوسف بن الحسن بن محمد بن الحسن بن مسعود بن عبد الله بن خطيب المنصورية الحموي الشافعي القاضي ولد في ذي الحجة سنة سبع وثلاثين وسبعمائة واشتغل بحماة فأخذ عن بهاء الدين الأخميمي المصري وبدمشق على صدر الدين الخابوري وتاج الدين السبكي وجمال الدين الشريشي وجد ودأب وحصل إلى أن تميز ومهر وفاق أقرانه في العربية وغيرها من العلوم وشرح الاهتمام مختصر الالمام في ست مجلدات وألفية ابن مالك وفرائض المنهاج وغير ذلك وله نظم حسن وشهرة ببلده وغيرها وانتهت إليه مشيخة العلم بالبلاد الشمالية ورحل الناس إليه وفاق الأقران وكان ساكنا خيرا وتوفي بحماة في تاسع شوال

سنة عشر وثمانمائة

فيها توفي أحمد بن محمد المغربي المالكي نزيل مكة جاور بها مدة وكان خيرا فاضلا عارفا بالفقه تذكر له كرامات وتوفي في رمضان
وفيها سيف الدين سيف وقيل يوسف وبه سماه المقريزي ابن عيسى السيرافي الحنفي نزيل القاهرة قال ابن حجر كان منشأه بتبريز ثم قدم حلب لما حرقها تمرلنك ثم استدعاه الظاهر من حلب فقرره في المشيخة بمدرسته عوضا عن علاء الدين السيرامي سنة تسعين ثم ولاه مشيخة الشيخونية بعد وفاة عز الدين الرازي مضافة إلى الظاهرية وأذن له أن يستنيب في الظاهرية ولده الكبير وهو محمود فباشر مدة ثم ترك الشيخونية واختصر على الظاهرية وكان دينا خيرا كثير العبادة وكان شيخنا عز الدين بن جماعة يثني على فضائله وتوفي في ربيع الأول وولي المشيخة بعده ولده يحيى
وفيها أبو المعالي عبد الله بن المحدث شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد بن قاسم العرياني الشافعي ولد سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة وأحضره أبوه على الميدومي وأسمعه على القلانسي والفرضي وغيرهما وطلب بنفسه فسمع الكثير وحصل الأجزاء ثم ناب في الحكم وفتر علن الاشتغال وتوفي في عاشر رمضان
وفيها عبد الله بن أبي يحيى الدويري اليماني الشافعي أحد الفضلاء من أهل تعز أفتى ودرس بالمظفرية وكان مشكور السيرة
وفيها عبد الله بن محمد الهمداني الحنفي مدرس الجوهرية بدمشق كان يدري القراءات ويقرىء وكان خيرا عارفا بمذهبه توفي في جمادى الأولى وقد بلغ السبعين
وفيها جلال الدين أبو المعالي محمد بن أحمد بن سليمان بن يعقوب الأنصاري

النيسابوري الأصل ثم الدمشقي المعروف بابن خطيب داريا قال ابن حجر ولد سنة خمس وأربعين وسبعمائة وعنى بالأدب ومهر في اللغة وفنون الأدب وقال الشعر في صباه ومدح جماعات من الأمراء والعلماء وتقدم في الإجادة إلى أن صار شاعر عصره من غير مدافع وقد طلب الحديث بنفسه كثيرا وسمع من القلانسي ومن بعده ولازم الشيخ مجد الدين الشيرازي صاحب اللغة وصاهره وسمعت من شعره ومن حديثه وطارحني وطارحته ومدحني وكان بعد الفتنة أقام بالقاهرة مدة في كنف ابن غراب ثم رجع إلى بيسان من الغور الشامي فسكنها وكان له بها وقف وتوفي بها في ربيع الأول
وفيها موسى بن عطية المالكي الفقيه قال ابن حجر سمع من إبراهيم الزيتاوي سنن ابن ماجه وقرأ عليه الكلوتاتي بعضا وهو والد شمس الدين محمد صاحبنا

سنة إحدى عشرة وثمانمائة

في عاشر شعبانها جاءت زلزلة عظيمة في نواحي بلاد حلب وطرابلس فخرب من اللاذقية وجبلة وبلاطنس أماكن عديدة وسقطت قلعة بلاطنس فمات تحت الردم خمسة عشر نفسا وخربت شغر كاس كلها وقلعتها ومات جميع أهلها إلا خمسين نفسا وانتقلت بلد قدر ميل بأشجارها وأبنيتها وأهلها لم يشعروا بذلك وخرب من قبرص أماكن كثيرة وشوهد بلح على رأس الجبل الأقرع وقد نزل البحر وطلع وبينه وبين البحر عشرة فراسخ وذكر أهل البحر أن المراكب في البحر المالح وصلت إلى الأرض لما انحسر البحر ثم عاد الماء كما كان قاله ابن حجر
وفيها توفي شهاب الدين أحمد بن عبد الله بن الحسن بن طوغان ابن عبد الله الأوحدي المقرىء الأديب ولد في المحرم سنة إحدى وستين

وقرأ بالسبع على التقي البغدادي ولازم الشيخ فخر الدين البلبيسي قال ابن حجر وسمع معي من بعض مشايخي وكان لهجا بالتاريخ وكتب مسودة كبيرة لخطط مصر والقاهرة وبيض بعضه وأفاد فيه وأجاد وله نظم كثير منه
( أني إذا ما نابني ** أمر نفى تلذذي )
( واشتد مني جزعي ** وجهت وجهي للذي )
وتوفي في تاسع عشر جمادى الآخرة
وفيها تاج الدين أحمد بن علي بن إسماعيل بن إبراهيم بن موسى البلبيسي الأصل المقري المالكي المعروف بابن الظريف سمع من ناصر الدين بن التونسي وغيره وطلب العلم فأتقن الشروط ومهر في الفرائض وانتهى إليه التمييز في فنه مع حظ كبير من الأدب ومعرفة حل المترجم وفك الألغاز مع الذكاء البالغ وقد وقع للحكام وناب في الحكم وقد نقم عليه بعض شهاداته وحكمه ثم نزل عن وظائفه بآخره وتوجه إلى مكة فمات بها في شهر رجب
وفيها أحمد بن محمد بن ناصر بن علي الكناني المكي الحنبلي ولد قبل الخمسين وسبعمائة ورحل إلى الشام فسمع من ابن قوالح وابن أميلة بدمشق ومن بعض أصحاب ابن مزهر بحماة وتفقه وكان خيرا فاضلا جاور بمكة فحصل له مرض العقدة فعجز عن المشي حتى مات
وفيها تقي الدين أبو بكر بن محمد بن أحمد بن عبد العزيز الدمشقي الحنفي ابن شيخ الربوة اشتغل في الفقه ومهر في المذهب ودرس بالمقدمية وأفتى وكان اشتغل على الشيخ صدر الدين بن منصور وغيره وتوفي في ربيع الأول

عن ستين سنة
وفيها أبو بكر بن محمد بن صالح الجبلي بكسر الجيم وسكون الموحدة وباللام نسبة إلى جبلة مدينة باليمن اليمني الشافعي نشأ بتعز وتفقه بجماعة من أئمة بلده ومهر في الفقه ودرس بالأشرفية وغيرها من مدارس تعز وتخرج به جماعة وكان يقرر من الرافعي وغيره بلفظ الأصل ويشارك في غير الفقه وله أجوبة كثيرة على مسائل شتى وولي القضاء مكرها مدة يسيرة ثم استعفى وتوفي في شهر رمضان
وفيها الجنيد بن محمد البلباني الأصل نزيل شيراز قال ابن حجر سمع مع أبيه بمكة من ابن عبد المعطي والشهاب بن ظهيرة وأبي الفضل النويري وجماعة وبالمدينة وبلاده وأجاز له القاضي عز الدين بن جماعة ومن دمشق عمر بن أميلة وحسن بن هبل والصلاح ابن أبي عمر في آخرين خرج له عنهم الشيخ شمس الدين الجزري مشيخة وحدث بها وصار عالم شيراز ومحدثها وفاضلها وتوفي بها
وفيها صدر الدين سليمان بن عبد الناصر بن إبراهيم الأبشيطي الشافعي ولد قبل الثلاثين وسبعمائة واشتغل قديما وسمع من الميدومي وغيره وبرع في الفقه وغيره وناب في الحكم بالقاهرة وغيرها وكانت فيه سلامة وكان الصدر المناوي يعظمه وعجز بآخره وتغير قليلا مع استحضاره للعلم جيدا جاوز الثمانين قاله ابن حجر
وفيها زين الدين أبو هريرة عبد الرحمن بن يوسف بن أحمد بن الحسن بن سليمان بن فزارة بن محمد بن يوسف الكفري الحنفي قاضي القضاة قال في المنهل الصافي ولد سنة خمسين وسبعمائة تقريبا وأحضر على محمد بن إسماعيل بن الخباز وسمع على بشر بن إبراهيم بن محمود البعلي وتفقه بعلماء عصره حتى برع في الفقه والأصلين والعربية وشارك في عدة فنون وأفتى ودرس وتولي

قضاء القضاة بدمشق هو وأبوه وأخوه وجده وهم بيت علم وفضل ورياسة ثم قدم القاهرة بعد سنة ثلاث وثمانمائة وولي قضاءها مدة وحمدت سيرته وأفتى ودرس بها ولازم الاشتغال والاشغال إلى أن توفي ثالث ربيع الآخر انتهى
وفيها جمال الدين أبو حفص عمر بن إبراهيم بن محمد بن عمر بن عبد العزيز ابن أبي جرادة قاضي القضاة ابن العديم الحنفي العقيلي الحلبي ولد بحلب سنة ستين أو إحدى وستين وسبعمائة ونشأ بها وتفقه وبرع وتولى قضاء العسكر بها ثم استقل بقضائها سنة أربع وتسعين وأفتى ودرس وشارك في العربية والأصول والحديث وسمع من ابن حبيب وابنه وباشر القضاء بحرمة وافرة وكان رئيسا محترما من بيت علم وفضل ورياسة قال ابن حجر قدم القاهرة غير مرة وفي الآخر استوطنها لما طرق التتار البلاد الشامية وأسر مع من أسر ثم خلص بعد رجوع اللنك فقدم القاهرة في شوال أي سنة ثلاث وثمانمائة ثم سعى وولي قضاء القضاة بها في سادس عشرى رجب سنة خمس وثمانمائة ودرس بالشيخونية والمنصورية ثم نزل عنهما لولده محمد وباشرهما في حياته وكان عمر هذا من رجال الدنيا دهاء ومكرا ماهرا في الحكم ذكيا خبيرا بالسعي في أموره يقظا غير متوان في حاجته كثير العصبية لمن يقصده لا يتحاشى من جمع المال من أي وجه كان انتهى ملخصا وقال صاحب المنهل وحط عليه المقريزي وذكر له مساوىء وقوله فيه غير مقبول لأمور جرت بينهما وتوفي قاضيا بمصر ليلة السبت ثاني عشر جمادى الآخرة
وفيها أبو القسم قاسم بن علي بن محمد بن علي الفاسي المالكي سمع من أبي جعفر الطحالي الخطيب والقاضي أبي القسم بن سلمون والحسين بن محمد بن أحمد التلمساني في آخرين وتلا بالسبع على جماعة وقرأ الأدب وتعانى النظم وجاور بمكة فخرج له غرس الدين خليل الأقفهسي مشيخة وحدث بها وكان يذكر انها سرقت منه بعد رجوعه من الحج ويكثر التأسف عليها ومن شعره


( معاني عياض اطلعت فجر فخره ** لما قد شفى من مؤلم الجهل بالشفا )
( مغاني رياض من إفادة ذكره ** شذا زهرها يحيى من أشفى على شفى )
توفي بالبيمارستان المنصوري
وفيها شمس الدين محمد بن إبراهيم بن عبد الله الكردي القدسي نزيل القاهرة الشافعي ولد سنة سبع وأربعين وسبعمائة وصحب الصالحين ولازم الشيخ محمد القرمي ببيت المقدس وتلمذ له ثم قدم القاهرة فقطنها وكان لا يضع جنبه إلى الأرض بل يصلي في الليل ويتلو فإذا نعس أغفى إغفاءة وهو محتبي ثم يعود وكان يواصل الأسبوع كاملا وذكر أن السبب فيه أنه تعشى مع أبويه قديما فأصبح لا يشتهي أكلا فتمادى على ذلك ثلاثة أيام فلما رأى أنه له قدرة على الطي تمادى فيه فبلغ أربعينا ثم اقتصر على سبع وكان فقيها وكان يكثر في الليل من قول سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا وكان يذكر انه يقيم أربعة أيام لا يحتاج إلى تجديد وضوء ومن شعره
( لم يزل الطامع في ذلة ** قد شبهت عندي بذل الكلاب )
( وليس يمتاز عليهم سوى ** بوجهه الكالح ثم الثياب )
توفي بمكة في ذي القعدة
وفيها شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الله القزويني ثم المصري قال ابن حجر سمع من مظفر الدين بن العطار وغيره وكان على طريقة الشيخ يوسف الكوراني المعروف بالعجمي لكنه حسن المعتقد كثير الإنكار على مبتدعه الصوفية اجتمع بي مرارا وسمعت منه أحاديث وكان كثير الحج والمجاورة بالحرمين ومات في شعبان بمكة
وفيها رضي الدين أبو حامد محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد بن خلف الخزرجي المدني الشافعي ابن الطبري ولد سنة ست وأربعين وسبعمائة وسمع من العز بن جماعة وأجاز له يوسف القاضي والميدومي وغيرهما من مصر وابن

الخباز وجماعة من دمشق وكان نبيها في الفقه له حظ من حسن خط ونظم ودرس وكان مؤذن الحرم النبوي وبيده نظر مكة قال ابن حجر ثم نازع صهره شيخنا زين الدين بن الحسين في قضاء المدينة فوليه في أول سنة إحدى عشرة فوصلت إليه الولاية وهو بالطائف فرجع إلى مكة وسار إلى المدينة فباشره بقية السنة وحج فتمرض فمات في خامس عشر ذي الحجة عن اثنتين وستين سنة
وفيها شمس الدين محمد بن علي بن محمد بن محمود بن يحيى بن عبد الله بن منصور السلمي الدمشقي الحنفي المعروف بابن خطيب زرع كان جد والده خطيب زرع فاستمرت بأيديهم وولد هذا في ذي الحجة سنة أربع وسبعين وسبعمائة وكان حنفيا فتحول شافعيا وناب في قضاء بلده ثم تعلق على فن الأدب ونظام الشعر وباشر التوقيع عند الأمراء ثم اتصل بابن غراب وامتدحه وقدم معه إلى القاهرة وكان عريض الدعوى جدا واستخدمه ابن غراب في ديوان الإنشاء وصحب بعض الأمراء وحصل وظائف ثم رقت حاله بعد موت ابن غراب ومن شعره
( وأشقر في وجهه غرة ** كأنها في نورها فجر )
( بل زهرة الأفق لأني أرى ** من فوقها قد طلع البدر )
وله فيما يقرأ مدحا فإذا صحف كان هجوا
( التاج بالحق فوق الرأس يرفعه ** إذ كان فردا حوى وصفا مجالسه )
( فضلا وبذلا وصنعا فاخرا وسخا ** واسأل الله يبقيه ويحرسه )
وتصحيفه هجو كما قال
( الباخ بالخف فوق الرأس يرقعه ** إذ كان قردا حوى وضعا مخالسه )
( فصلا ونذلا وضيعا فاجرا وسخا ** فأسأل الله ينفيه ويخرسه )
وفيها نجم الدين محمد بن محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن فهد القرشي

الهاشمي المكي الشافعي ولد بمكة سنة ستين وسبعمائة تقريبا وسمع من العز بن جماعة ما لا يحصى ومن ابن حبيب سنن ابن ماجه بفوت ومقامات الحريري وغير ذلك وأجاز له عدة مشايخ من الشام ومصر والأسكندرية وحدث وكان رحل إلى القاهرة وسكن بالصعيد ببلدة يقال لها أصفون لأن جده لأمه الشيخ نجم الدين الأصفوني كان له بها رزق ودور موقوفة على ذريته فأقام بها مدة ثم عاد إلى مكة وتوفي بها يوم الإثنين ثاني عشر ربيع الأول
وفيها جلال الدين محمد بن بدر الدين محمد بن أبي البقاء محمد بن عبد الله بن يحيى بن علي بن تمام السبكي الشافعي المصري ولد سنة سبعين وسبعمائة واشتغل في صباه قليلا وكان جميل الصورة قال ابن حجر لكنه صار قبيح السيرة كثير المجاهرة بما أذرى بأبيه في حياته وبعد موته بل لولا وجوده لما ذم أبوه وقد ولي تدريس الشافعي بعد أبيه بجاه ابن غراب بعد أن بذل في ذلك دارا تساوي ألف دينار وولي تدريس الشيخونية بعد صدر الدين المناوي بعد أن بذل النوروز مالا جزيلا وكان ناظرها مات في جمادى الأولى انتهى
وفيها يلبغا بن عبد الله السالمي الظاهري قال ابن حجر كان من مماليك الظاهر ثم صيره خاصكيا وكان ممن قام له بعد القبض عليه في أخذ صفد فحمد له ذلك ثم ولاه النظر على خانقاه سعيد السعداء سنة سبع وتسعين وتنقلت به الأحوال فعمل الأستدارية الكبرى والإشارة وغير ذلك وكان طول عمره يلازم الاشتغال بالعلم ولم يفتح عليه بشيء سوى أنه يصوم يوما بعد يوم ويكثر التلاوة وقيام الليل والذكر والصدقة وكان يحب العلماء والفضلاء ويجمعهم وقد لازم سماع الحديث معنا مدة وكتب بخطه الطباق وأقدم علاء الدين بن أبي المجد من دمشق حتى سمع الناس عليه صحيح البخاري مرارا وكان يبالغ في حب

ابن العربي وغيره من أهل طريقته ولا يؤذي من ينكر عليه مات مخنوقا وهو صائم في رمضان بعد صلاة عصر يوم الجمعة انتهى ملخصا والله أعلم

سنة اثنتي عشرة وثمانمائة

في ثالث عشر شعبانها قتل بالقاهرة شريف لأنه ادعى عليه أنه عوتب في شيء فعله فعزر بسببه فقال قد ابتلى الأنبياء فزجر عن ذلك فقال قد جرى على رسول الله صلى اليه عليه وسلم في حارة اليهود أكثر من هذا فاستفتى في حقه فأفتوا بكفره فضربت عنقه بين القصرين بحكم القاضي المالكي شمس الدين المدني قاله ابن حجر
وفيها قتل محمد بن أميرزا شيخ ابن عم تمرلنك صاحب فارس قام عليه أخوه اسكندر شاه فغلبه وكان محمد كثير العدل والإحسان فيما يقال فتمالأ عليه بعض خواصه فقتله تقربا إلى خاطر أخيه اسكندر واستولى اسكندر على ممالك أخيه فاتسعت مملكته
وفيها شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد اللطيف بن أبي بكر بن عمر الشرجي بفتح الشين المعجمة وسكون الراء وبالجيم نسبة إلى شرجة موضع بنواحي مكة ثم الزبيدي قال السيوطي النحوي ابن النحوي اشتغل كثيرا ومهر في العربية ودرس بصلاحية زبيد وقال ابن حجر اجتمعت به وسمع على شيئا من الحديث وسمعت من فوائده مات بحرض عن أربعين سنة انتهى
وفيها شهاب الدين أحمد بن محمد بن محمد بن محمد قال في المنهل الشيخ الزاهد الصالح المعروف بابن وفاء الشاذلي المالكي ولد بظاهر مدينة مصر سنة ست وخمسين وسبعمائة ونشأ على قدم جد ولزم الخلوة وقام أخوه سيدي على بعمل الميعاد وتربية الفقراء كل ذلك وسيدي أحمد هذا ملازم للخلوة قليل الاجتماع

بالناس إلى أن توفي يوم الأربعاء ثاني عشر شوال ودفن بالقرافة عند أبيه وأخيه وترك أولادا عدة كبيرهم سيدي أبو الفضل عبد الرحمن غرق في النيل سنة ثلاث عشرة وثمانمائة وله شعر جيد إلى الغاية وسيدي أبو الفتح محمد وهو عالمهم ورئيسهم رحمه الله وسيدي أبو المكارم إبراهيم ومات سنة ثلاث وثلاثين عن خمس وثلاثين سنة وسيدي أبو الجود حسن ومات سنة ثمان وثمانمائة عن تسع عشرة سنة وسيدي أبو السيادات يحيى وهو باق إلى الآن ومولده سنة ثمان وتسعين وسبعمائة انتهى
وفيها أبو بكر بن عبد الله بن ظهيرة المخزومي الشافعي أخو الشيخ جمال الدين اشتغل قليلا وسمع من عز الدين بن جماعة وغيره وتوفي بمكة في جمادى الأولى
وفيها أبو بكر بن عبد الله بن قطلوبك المنجم الشاعر تعانى التنجيم والآداب وكان بارعا في النظم والمجون وله مطارحات مع أدباء عصره أولهم شمس الدين المزين ثم خطيب زرع ثم على البهائي واشتهر بخفة الروح والنوادر المطربة وهو القائل
( حنفي مدرس حاز خدا ** كرياض الشقيق في التنميق )
( لو رآه النعمان في مجلس الدرس ** لقال النعمان هذا شقيقي )
وتوفي في صفر
وفيها عبد الله بن أحمد اللخمي التونسي الفرياني بضم الفاء وتشديد الراء بعدها تحتانية خفيفة وبعد الألف نون نسبة إلى فريانة قرية قرب سفاقس المالكي كان فاضلا مشاركا في الفقه والعربية والفرائض مع الدين والخير توفي راجعا من مكة إلى مصر ودفن بعد عقبة أيلة
وفيها موفق الدين أبو الحسن علي بن الحسين بن أبي بكر بن الحسن بن علي بن وهاس الخزرجي الزبيدي مؤرخ اليمن اشتغل بالأدب ولهج بالتاريخ فمهر فيه وجمع لبلده تاريخا كبيرا على السنين وآخر على الأسماء وآخر على الدول

وكان ناظما ناثرا وعلي بن وهاس جد جده هو الذي يقول فيه الزمخشري صاحب الكشاف
( ولولا ابن وهاس وسابق فضله ** رعيت هشيما واستقيت مصردا )
وتوفي المترجم في أواخر هذه السنة وقد جاوز السبعين
وفيها موفق الدين علي بن محمد بن إسماعيل بن أبي بكر بن عبد الله بن عمر بن عبد الرحمن الناشري الزبيدي الشاعر المشهور اشتغل بالأدب ففاق أقرانه ومدح الأفضل ثم الأشرف ثم الناصر وكانوا يقترحون عليه الأشعار في المهمات فيأتي بها على أحسن وجه وكانت طريقة شعره الانسجام والسهولة دون تعانى المعاني التي لهج بها المتأخرون حج في سنة إحدى عشرة ورجع فمات بنواحي حرض في المحرم أو في الذي بعده وقد جاوز الستين
وفيها شمس الدين محمد بن عبد الله بن أبي بكر القليوبي الشافعي العالم الكبير تلمذ للشيخ ولي الدين الملوي قال ابن حجر رأيت سماعه على العرضى ومظفر الدين بن العطار في جامع الترمذي وما أظنه حدث عنهما واشتهر بالدين والخير وكان متقللا جدا إلى أن قرر في مشيخة الخانقاه الناصرية بسرياقوس فباشرها إلى أن مات في جمادى الأولى وكان متواضعا لينا انتهى
وفيها ناصر الدين محمد بن عبد الرحمن بن يوسف الحلبي المعروف بابن سحلول كان عمه عبد الله وزيرا بحلب وسمع محمد المسلسل بالأولية من عبد الكريم وسمع عليه الأربعين المخرجة من صحيح مسلم بسماعه من زينب الكندية عن المؤيد وسمع من ابن الحبال جزء المناديلي وولي مشيخة خانقاه والده ثم في مشيخة الشيوخ بعد موت الشيخ عز الدين الهاشمي وكان أهل حلب يترددون إليه لرياسته وحشمته وسؤدده ومكارم أخلاقه وكان مواظبا على إطعام من يرد عليه ثم عظم جاهه لما استقر جمال الدين الأستادار في التكلم في المملكة فإنه كان قريبه من قبل الأم وسافر من حلب إلى القاهرة فبالغ جمال الدين في إكرامه وجهزه إلى الحجاز في أبهة زائدة وأحمد ولد جمال الدين يومئذ أمير

الركب فحج وعاد فمات بعقبة أيلة في شهر الله المحرم وسلم مما آل إليه أمر قريبه جمال الدين وآله
وفيها ناصر الدين محمد بن عمر بن إبراهيم بن القاضي العلامة شرف الدين هبة الله البارزي الشافعي الحموي قاضي حماة هو وأسلافه كان موصوفا بالخير والمعرفة فاضلا عفيفا مشكورا في الحكم باشر القضاء مدة ومات بحماة
وفيها جلال الدين أبو الفتح نصر الله بن أحمد بن محمد بن عمر التستري الأصل ثم البغدادي الحنبلي نزيل القاهرة ولد في حدود الثلاثين وسبعمائة ومات أبوه وهو صغير فرباه الشيخ الصالح أحمد السقا وأقرأه القرآن واشتغل بالفقه فمهر وسمع الحديث من جمال الدين الحضري وكمال الدين الأنباري وآخرين وقرأ الأصول على بدر الدين الأربلي وأخذ عن الكرماني شارح البخاري شرح العضد على ابن الحاجب وباشر عدة مدارس ببغداد وصنف في الفقه وأصوله ونظم الوجيز في الفقه في ستة آلاف بيت وذكر صاحب الانصاف أنه من جملة الكتب التي نقل منها في أنصافه ونظم أرجوزة في الفرائض مائة بيت جيدة في بابها واختصر ابن الحاجب وله غير ذلك وذكر ببغداد وانتفع الناس به وخرج منها لما قصدها اللنك فوصل إلى دمشق فبالغوا في إكرامه ثم قدم القاهرة وتقرر في تدريس الحنابلة بمدرسة الظاهر برقوق وحدث بالقاهرة بجامع المسانيد لابن الجوزي وتوفي في عشرى صفر
وفيها جمال الدين يوسف بن أحمد بن محمد بن أحمد بن جعفر بن قاسم البيري ثم الحلبي نزيل القاهرة ولد سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة وكان أبوه خطيب البيرة فصاهر الوزير شمس الدين عبد الله بن سحلول فنشأ جمال الدين في كنف خاله وكان أولا بزي الفقهاء وحفظ القرآن وكتبا في الفقه والعربية وسمع من ابن جابر الأندلسي قصيدته البديعية وعرض عليه ألفية ابن معطي وأخذ عنه

شرحها له بحلب ثم قدم مصر بعد سنة سبعين وهو بزي الجند فتنقلت به الأحوال بها إلى أن باشر الوزارة مع عدة وظائف كبار وصار هو مرجع الإقليمين المصري والشامي لا يتم أمر من أمورهما وإن قل إلا بمعرفته وإرادته ولم يبق فوق منصبه إلا الملك مع أنه كان ربما مدح باسم السلطنة فلا يغير ذلك ولا ينكره ثم آل أمره إلى أن قتل في جمادى الآخرة قال ابن حجر ولقد رأيت له مناما صالحا بعد قتله حاصله أني ذكرت وأنا في النوم ما كان فيه وما صار إليه وما ارتكب من الموبقات فقال لي قائل أن السيف محاء للخطايا فلما استيقظت اتفق أني نظرت هذا اللفظ بعينه في صحيح ابن حبان في أثناء حديث فرجوت له بذلك الخير

سنة ثلاث عشرة وثمانمائة

في ليلة الحادي والعشرين من محرمها اجتمع رجلان من العوام بدمشق فشربا الخمر فأصبحا محروقين ولم يوجد بينهما نار ولا أثر حريق في غير بدنهما وبعض ثيابهما وقد مات أحدهما وفي الآخر رمق فأقبل الناس أفواجا إلى رؤيتهما والاعتبار بحالهما
وفيها كانت الحادثة العظيمة بفاس من بلاد المغرب حتى خربت
وفيها توفي شهاب الدين أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عمر بن رضوان الحريري الدمشقي المعروف بالسلاوي الشافعي ولد سنة ثمان وثلاثين وسبعمائة أو نحوها وسمع من ابن رافع وابن كثير وتفقه على علاء الدين ابن حجي والتقي الفارقي وسمع الحديث بنفسه فأخذه عن جده محمد بن عمر السلاوي وتقي الدين بن رافع وابن كثير ثم أخذ في قراءة المواعيد وقرأ الصحيح مرارا على عدة مشايخ وعلى العامة وكان صوته حسنا وقراءته جيدة وولي قضاء بعلبك سنة ثمانين ودرس وأفتى ثم ولي قضاء المدينة ثم تنقل في

ولاية القضاء بصفد وغزة والقدس وغيرها وكان كثير العيال وتوفي في صفر
وفيها غياث الدين أحمد بن أويس بن الشيخ حسن بن حسين بن أقبغا ابن إيلكان سلطان بغداد وتبريز وغيرهما من بلاد العراق قال في المنهل الصافي ملك بعد موت أخيه الشيخ حسين بن أويس سنة أربع وثمانين وسبعمائة وكان سلطانا فاتكا له سطوة على الرعية مقداما شجاعا مهابا سفاكا للدماء وعنده جور وظلم على أمرائه وجنده وكانت له مشاركة في عدة علوم ومعرفة تامة بعلم النجامة ويد في معرفة المويسقى وفي تأديته يجيد ذلك إلى الغاية منهمكا في اللذات التي تهواها الأنفس فأكرمه برقوق غاية الإكرام وأنعم عليه أجل الإنعام وأعطاه تقليد نيابة السلطنة ببغداد فأهوى ابن أويس لتقبيل الأرض فلم يمكنه الظاهر من ذلك إجلالا له ثم سار إلى بغداد فدخلها بعد ذهاب التتار منها بعد وفاة تيمور واستمر بها حاكما على عادته إلى أن تغلب قرايوسف على التتار وأخذ منهم تبريز وما والاها فوقع الخلف بينه وبين ابن أويس فتقابلا للقتال فكانت الكرة على ابن أويس وأخذ أسيرا ثم قتل يوم الأحد آخر شهر ربيع الآخر
وفيها تقي الدين عبد الرحمن بن محمد بن عبد الناصر بن تاج الرياسة المحلي الزبيري الشافعي ولد سنة أربع وثلاثين وسبعمائة واشتغل قديما ووقع على القضاة وصاهر القاضي موفق الدين الحنبلي على ابنته وكان قد سمع من الميدومي وحدث عنه ثم ناب في الحكم مدة طويلة وكانت معه عدة جهات من الضواحي ينوب فيها وقرره الملك الظاهر في القضاء سنة تسع وتسعين في جمادى الأولى فباشره إلى أثناء رجب سنة إحدى وثمانمائة واستمر بطالا خاملا إلى أن مات وكان عارفا بالشروط والوثائق مطرحا للتكلف وفوض له تدريس الناصرية والصالحية فباشرهما مباشرة حسنة ولم يذم في مدة قضائه وكتب قطعة على التنبيه وعمل تاريخا حسنا نقل منه ابن حجر كثيرا وتوفي في أول شهر رمضان


وفيها علاء الدين أبو الحسن علي بن إبراهيم ابن المؤرخ شمس الدين محمد بن أبي بكر بن إبراهيم بن عبد العزيز الجزري ثم الدمشقي الشافعي المعروف بابن الجزري ولد سنة ثمان وأربعين وسبعمائة ومات أبوه وله سنة فرباه عمه نصير الدين وأسمعه من جماعة من أصحاب الفخر وحضر على المرداوي صاحب عمر الكرماني وقرأ وأعاد بالتقوية وحدث وباشر نظر الأيتام مع خفض جناح وطهارة لسان ولين عريكة وحج غير مرة وجاور وعلق وفيات وأصيب بماله في فتنة اللنك ولم يكن ما يعاب به إلا مباشرته مع قضاة السوء وبرع في مذهبه وعمل الميعاد وأقرأ الحديث بجامع بني أمية وتوفي بدمشق في ذي الحجة
وفيها علي بن أحمد بن أبي بكر بن عبد الله الأدمي الشافعي سمع من الطيالسي وحدث عنه ولازم الشيخ ولي الدين المنفلوطي ونحوه واشتغل كثيرا وتنبه وأشغل وأفاد ودرس وأعاد وأفتى وشارك في العلوم وانتفع به أهل مصر كثيرا مع الدين المتين والسكون والتقشف والانجماع وكان يتكلم على الناس بجامع عمرو وتحول إلى القاهرة وسكن جوار جامع الأزهر ومات رابع شعبان عن سبعين سنة
وفيها أبو زيد علي بن زيد بن علوان بن صبرط بن مهدي بن حريز الردماوي الزبيدي تسمى بآخره عبد الرحمن ولد بردما وهو مشارق اليمن دون الأحقاف في جمادى سنة إحدى وأربعين وسبعمائة ونشأ بها وجال في البلاد ثم حج وجاور مدة وسكن الشام ودخل العراق ومصر وسمع من اليافعي والشيخ خليل وابن كثير وابن خطيب يبرود وبرع في فنون من حديث وفقه ونحو وتاريخ وأدب وكان يستحضر من الحديث كثيرا ومن الرجال ويذاكر من كتاب سيبويه ويميل إلى مذهب ابن حزم وتحول إلى البادية فأقام بها نحو عشرين سنة يدعو إلى الكتاب والسنة ثم قدم القاهرة وقد ضعف بصره وكان شهما قوي النفس له معرفة بأحوال الناس على اختلاف طبقاتهم


ومن شعره
( ما العلم إلا كتاب الله والأثر ** وما سوى ذاك لا عين ولا أثر )
( إلا هوى وخصومات ملفقة ** فلا يغرنك من أربابها هدر )
توفي بالقاهرة في أول ذي القعدة قاله المقريزي
وفيها نور الدين علي بن عبد الرحمن بن محمد بن أحمد الربعي الرشيدي نزيل القاهرة الشافعي قدم القاهرة فاشتغل بالعلم ولازم البلقيني ثم الدميري ودرس بعده في الحديث بقبة بيبرس وكان قد فاق في استحضار الفقه فصار كبير النقل كثير البحث وكان يقظا نبيها كثير العصبية توفي في رجب وقد جاوز الخمسين ودرس بعده بالقبة المذكورة ابن حجر
وفيها نور الدين علي بن عبد الرحمن الصريحي قال ابن حجر سمع صحيح مسلم على ابن عبد الهادي وسنن أبي داود علي عبد القادر بن أبي الدر سمعت منه قديما وحديثا وحدث في العام الماضي مع الشيخ نور الدين الأنباري بالسنن في البيبرسية وكان صوفيا بها مات في شعبان انتهى
وفيها علاء الدين علي بن محمد بن علي الدمشقي الجزيري الحنفي ولد سنة تسع وثلاثين وسبعمائة وتفقه وتعانى حفظ السير والمغازي فكان يستحضر شيئا كثيرا منها وكان كثير اليسار فتزوج الشيخ شهاب الدين الغزي ابنته فماتت بعد أمها بقليل قاله ابن حجر
وفيها أبو الحسن علي بن مسعود بن علي بن عبد المعطي المالكي المكي الخزرجي ولد سنة أربعين وسبعمائة وسمع من عثمان بن الصفي الطبري سنن أبي داود ومن إبراهيم بن محمد بن نصر الله الدمشقي مشيخته وحدث بمكة وكان مشاركا في الفقه مع الديانة والمروءة وتوفي في تاسع المحرم
وفيها أم الحسن فاطمة بنت أحمد بن محمد علي بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن زيد الحسنية الحلبية أخت نقيب الأشراف ولدت

سنة اثنتين أو ثلاث وثلاثين وسبعمائة وسمعت على جدها لأمها جمال الدين إبراهيم بن الشهاب محمود وأجاز لها المزي وجماعة وحدثت بحلب وتوفيت في العشر الأول من المحرم وقد جاوزت الثمانين سنة
وفيها بدر الدين محمد بن خاص بك السبكي الحنفي كان ينسب إلى الظاهر بيبرس من جهة النساء اشتغل في مذهب الحنفية فبرع وأخذ عن أكمل الدين وغيره وكان يجيد البحث مع الديانة والمروءة والعصبية لمذهبه وأهله وتوفي في خامس رجب وقد جاوز الخمسين
وفيها شمس الدين محمد بن علي بن محمد بن عمر بن عيسى المصري الشافعي المعروف بابن القطان كان أبوه قطانا وأخوه كذلك واشتغل هذا بالعلم ومهر ولازم الشيخ بهاء الدين بن عقيل وصاهره على بنت له من جارية وسكن مصر ودرس وأفتى وصنف قال ابن حجر قرأت عليه وأجاز لي ولم يحصل له سماع في الحديث على قدر سنه وقد حدث بصحيح مسلم بإسناد نازل وسمع معنا على بعض شيوخنا كثيرا وبقراءتي وكان ماهرا في القراءات والعربية والحساب وناب في الحكم بآخره فتهالك على ذلك إلى أن مات انتهى أي وتوفي في أواخر شوال عن نيف وثمانين سنة
وفيها شمس الدين محمد بن سعد الدين بن محمد بن نجم الدين محمد البغدادي نزيل القاهرة الزركشي مهر في القراءات وشارك في الفنون وتعانى النظم وله قصيدة حسنة في العروض وشرحها ونظم العواطل الحوالي ست عشرة قصيدة على ستة عشر بحرا ليس فيها نقطة وسمع منه ابن حجر وسمع هو أيضا من ابن حجر ورافقه في السماع وجرت له في آخر عمره محنة وتوفي في ذي الحجة
وفيها شمس الدين محمد بن محمد الشوبكي الحنبلي قدم دمشق وتفقه بها وتولى وظائف وخطابة وتوفي في المحرم
وفيها شمس الدين محمد بن محمود بن نون الخوارزمي الحنفي المعروف

بالمعيد نزيل مكة وإمام مقام الحنفية بها جاور بمكة زيادة على أربعين سنة وسمع الحديث وتفقه وبرع وأفتى ودرس واستقر معيدا بدرس الحنفية للأتابك يلبغا العمري بمكة فعرف بالمعيد وكان بارعا في الفقه والأصول والعربية وتصدر للأقراء بالمسجد الحرام عدة سنين وانتفع الناس به مع الديانة والصيانة وحدث عن الوادي آشي وغيره ومن شعره
( أفنى بكل وجودي في محبته ** وأنثني ببقاء الحب ما بقيا )
( لا خير في الحب إن لم يغن صاحبه ** وكيف يوجد صب بعد ما لقيا )
وتوفي بمكة المشرفة في آخر جمادى الأولى وقد جاوز الثمانين

سنة أربع عشرة وثمانمائة

في رجبها رجم رجل تركماني بدمشق تحت قلعتها اعترف بالزنا وهو محصن فأقعد في حفرة ورجم حتى مات
وفيها توفي إبراهيم بن محمد بن حسين الموصلي ثم المصري نزيل مكة المشرفة المالكي قام بمكة ثلاثين سنة وكان يتكسب بالنسخ بالأجرة مع العبادة والورع والدين المتين وكان يحج ماشيا من مكة وأثنى عليه المقريزي وتوفي بمكة
وفيها محي الدين أحمد بن إبراهيم بن أحمد الشيخ الإمام العلامة القدوة ابن النحاس الدمشقي الشافعي صنف في الجهاد كتابا حافلا سماه مصارع العشاق استجاب الله فيه دعاءه فإنه قال في أول سجعة فيه أحمدك اللهم وأسألك أعلى رتب الشهادة واختصره هو بنفسه وله تنبيه الغافلين عن أعمال الجاهلين في الحوادث والبدع نفيس في بابه قتل بدمياط لما دهمها الفرنج فخرج هو وجماعة من أهلها وجرت وقعة كبيرة فقتل في المعركة مقبلا غير مدبر


وفيها شهاب الدين أحمد بن محمد بن مفلح بن مفرج الراميني ثم الدمشقي الصالحي الحنبلي أخو الشيخ تقي الدين ولد سنة أربع وخمسين وسبعمائة واشتغل على أخيه الشيخ برهان الدين وغيره وحصل ودأب وأجاز له جده قاضي القضاة جمال الدين المرداوي وقاضي القضاة شرف الدين بن قاضي الجبل وناب في الحكم بدمشق مدة ثم ترك ذلك وأقبل على الله تعالى وكان فقيها صالحا متعبدا توفي بالصالحية وصلى عليه بالجامع المظفري ودفن بالروضة عند رجل والديه
وفيها بدر الدين حسين بن علي بن محمد بن عبد الرحمن الأذرعي ثم الصالحي الشافعي المعروف بابن قاضي أذرعات تفقه في صباه على الشرف ابن الشريشي والنجم بن الجابي وتعانى الأدب وفاق الأقران ومهر في الفنون ودرس وأفتى وناظر وناب في الحكم ثم تركه تورعا وولي عدة إعادات وأذن له البلقيني بالإفتاء لما قدم الشام سنة ثلاث وتسعين وكان يثني عليه كثيرا ودخل القاهرة بعد الكائنة العظمى واجتمع بابن حجر فسمع كل منهما من الآخر وتوفي بدمشق بالطاعون في المحرم أو صفر ودفن بمقبرة الشيخ رسلان
وفيها أبو الفضل عبد الرحمن بن شهاب الدين أحمد بن محمد بن أبي الوفا الشاذلي المالكي المصري اشتغل في صباه قليلا وتعانى النظم فقال الشعر الفائق وكان ذكيا حسن الأخلاق لطيف الطباع ومن نظمه في مرثية محبوب له
( مضت قامة كانت أليفة مضجعي ** فلله ألحاظ لها ومراشف )
( ولله أصداغ حكين عقاربا ** فهن على الحكم المعني سوالف )
( وما كنت أخشى أمس الأمن الجفا ** وإني على ذاك الجفا اليوم آسف )
( رعى الله أياما وناسا عهدتهم ** جيادا ولكن الليالي صيارف )
غرق في بحر النيل هو ومحمد بن عبيد البشكالسي وعبد الله بن أحمد التنسي

جمال الدين قاضي المالكية وابن قاضيهم
وفيها علي بن سند بن علي بن سليمان اللواتي الأصل الأبياري النحوي الشافعي المصري نزيل دمشق ولد سنة بضع وخمسين وسبعمائة بالقاهرة ونشأ بغزة يتيما فقيرا فحفظ التنبيه ثم دخل دمشق فعرضه على تاج الدين السبكي فقرره في بعض المدارس واستمر في دمشق وأخذ عن العنابي وغيره ومهر في العربية وأشغل الناس وأدب أولاد ابن الشهيد وقرأ عليه التيسير وسمع الكمال بن حبيب وابن أميلة وغيرهما وكان خازن كتب السميساطية وحصل كثيرا من الكتب والوظائف وفاق في حفظ اللغة وعنى بالأصول فقرأ مختصر ابن الحاجب دروسا على المشايخ وأكثر مطالعة كتب الأدب ولم يتزوج قط ونهب ما حصله في فتنة اللنك ودخل القاهرة بعد الكائنة العظمى فأقام بها وحصل كتبا ثم قدم دمشق ثم رجع ففوضت له مشيخة البيبرسية ثم قرر في تدريس الشافعي وحدث بالبيبرسية بسنن أبي داود وجامع الترمذي عن ابن أميلة وبغير ذلك وسمع منه ابن حجر قال وكان فقير النفس شديد الشكوى وكلما حصل له شيء اشترى به كتبا ثم تحول بما جمعه إلى دمشق في هذه السنة وجمع جزءا في الرد على تعقبات أبي حيان لابن مالك وتوفي بدمشق في ذي الحجة وتفرقت كتبه شذر مذر
وفيها شمس الدين محمد بن خليل بن محمد العرضي الغزي الشافعي ولد قبل الستين وسبعمائة واشتغل بالفقه فمهر فيه إلى أن فاق الأقران وصار يستحضر أكثر المذهب مع المعرفة بالطب وغيره توفي في جمادى الأولى
وفيها فتح الدين محمد بن محمد بن الشيخ شمس الدين محمد بن محمد بن محمد بن يوسف بن الجزري الدمشقي الشافعي نزيل بلاد الروم ثم دمشق باشر الأتابكية بدمشق إلى أن مات قال ابن حجي كان ذكيا جيد الذهن يستحضر التنبيه ويقرأ بالروايات أخذ ذلك عن أبيه وعن الشيخ صدقة

وغيرهما وعاش والده بعده دهرا وباشر تدريس الأتابكية بدمشق ونظرها إلى أن توفي في صفر مطعونا
وفيها محمد الشبراوي قال ابن حجر اشتغل كثيرا وكان مقتدرا على الدرس فدرس كتاب الشفا وعرضه ثم درس مختصر مسلم للمنذري ولم يكن بالماهر مات في سلخ السنة انتهى
وفيها يحيى بن محمد بن حسن بن مرزوق المرزوقي الجبلي بكسر الجيم وسكون الباء الموحدة اليماني الشافعي تفقه على رضى الدين بن أبي داود وسمع من علي بن شداد واشتغل كثيرا وكان عابدا خيرا دينا يتعانى السماعات على طريق الصوفية ويجتمع الناس عنده لذلك توفي في جمادى الآخرة وقد بلغ ثمانين سنة

سنة خمس عشرة وثمانمائة

فيها تسلطن شيخ المحمودي ولقب بالمؤيد وكني بأبي نصر وذلك بعد خلع الناصر وسلطنة المستعين الخليفة وخلعه وقتل الناصر فرج
وفيها توفي إبراهيم بن أحمد بن حسين الموصلي المالكي تفقه واحترف بتأديب الأطفال بالقاهرة ثم حج وجاور وسلك طريق الورع والنسك وصار يتكسب بالنسخ ويحج ماشيا وكان غاية في الورع والتحري مات في عشر التسعين
وفيها شهاب الدين أبو العباس أحمد بن إسماعيل بن خليفة بن عبد العال قاضي القضاة الدمشقي الشافعي المعروف بابن الحسباني ولد سنة ثمان وأربعين وسبعماية قال المقريزي وتفقه بأبيه وغيره وسمع من أصحاب الفخر وطلب بنفسه فأكثر جدا بدمشق والقاهرة ولم يزل يسمع حتى سمع من هو دون شيوخه مع ذكاء وتفنن وكتب تفسيرا أجاد فيه لو كمل وعلق على الحاوي في الفقه شرحا وخرج أحاديث الرافعي وشرح الفية ابن مالك

في النحو وناب في الحكم بدمشق مدة ثم ولي قضاء القضاة بها غير مرة فلم تحمد سيرته وكان لا يزال يخرج على السلطان ويترامى على الشر ويلج في مضايق الفتن حبا في الرياسة انتهى كلام المقريزي وعده ابن ناصر الدين في الحفاظ وأثنى عليه وتوفي بدمشق في يوم الأربعاء عشر ربيع الآخر عن خمس وستين سنة وسبعة أشهر وأيام
وفيها شهاب الدين أحمد بن رضي الدين أبي بكر بن موفق الدين علي بن محمد الناشري الزبيدي اليمني الشافعي قال ابن حجر في أنباء الغمر عنى بالعلم وبرع في الفقه وشارك في غيره وتخرج به أهل بلده مدة طويلة وولي قضاء زبيد فراعى الحق في أحكامه فتعصبوا عليه فعزل وانتهت إليه رياسة الفتوى ببلده وكان شديد الحط على صوفية زبيد المنتمين إلى كلام ابن العربي وكان يستكثر من كلام من يرد عليه فجمع من ذلك شيئا كثيرا في فساد مذهبه ووهاء عقيدته اجتمعت به بزبيد ونعم الشيخ كان مات في خامس عشرى المحرم وقد جاوز السبعين انتهى
وفيها شهاب الدين أحمد بن محمد بن عماد بن علي المصري ثم المقدسي الشافعي الفرضي الحاسب ابن الهايم ولد سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة واشتغل بالقاهرة وحصل طرفا صالحا من الفقه وعنى بالفرائض والحساب حتى فاق الأقران ورحل إليه الناس من الآفاق وصنف التصانيف النافعة في ذلك ودرس بالقدس في أماكن وناب عن القمني في تدريس الصلاحية مدة فلما قدم نوروز القدس في هذه السنة لملاقاة زوجته بنت الظاهر قرر الهروي في الصلاحية ثم قسمها بينه وبين ابن الهائم لقيام أهل البلد معه وسمع منه ابن حجر وتوفي في بيت المقدس في جمادى الآخرة
وفيها تغرى بردى بن عبد الله ومعنى تغرى بردى بلغة التتار ألله أعطى الظاهري نائب الشام قال ولده في المنهل الصافي كان والدي رومي الجنس اشتراه

الملك الظاهر برقوق في أوائل سلطنته تقريبا وأعتقه وجعله في يوم عتقه خازكيا ثم صار ساقيا وأنعم عليه فجعله رأس نوبة الجمدارية وتنقلت به الأحوال إلى أن ولي نيابة دمشق غير مرة وقال ابن حجر ولي نيابة حلب فسار فيها سيرة حسنة وأنشأ بها جامعا ثم ولي نيابة دمشق قال القاضي علاء الدين في تاريخه كان عنده عقل وحياء وسكون حليما عاقلا مشارا إليه بالتعظيم في الدول وكان جميلا حسن الصورة جدا وكان يلهو لكن في سترة وحشمة وأفضال والله يسمح له انتهى وقال ولده استقر في نيابة دمشق ثالث مرة على كره منه وذلك سنة ثلاث عشرة وثمانمائة وتوفي واليا بها يوم الخميس سادس عشر المحرم وصلى عليه الملك الناصر فرج لأنه كان يومئذ في دمشق وشهد دفنه يوم الجمعة بتربة الأمير تنم نائب الشام بميدان الحصا ثم قتل الناصر بعد أيام في صفر من السنة المذكورة وخلف والدي عشرة أولاد ستة ذكور وأربع إناث وخلف أموالا كثيرة استولى عليها الملك الناصر فرج منها ألف مملوك إلا ثلاثين مملوكا
وفيها جار الله بن صالح بن أحمد بن عبد الكريم الشيباني المكي سمع على تاج الدين ابن بنت أبي سعد ونور الدين الهمداني وعز الدين بن جماعة وشهاب الدين الهكاري وحدث عنهم قال ابن حجر قرأت عليه أحاديث من جامع الترمذي بمدينة ينبع وكان خيرا عاقلا مات في هذه السنة وهو الذي قال فيه صدر الدين بن الآدمي البيتين المشهورين وسنذكرهما في ترجمته انتهى
وفيها رقية بنت العفيف عبد السلام بن محمد بن مزروع المدنية حدثت بالإجازة عن شيوخ مصر والشام كالختنى وابن المصري وابن سيد الناس من المصريين والمزى وغيره من الشاميين وتوفيت عن سبع وثمانين سنة
وفيها طنبغا الشريفي عتيق الشريف شهاب الدين نقيب الأشراف بحلب

قال القاضي علاء الدين في تاريخه سمع من أولاد مولاه من الجمال بن الشهاب محمود وتعلم الخط معهم ففاق في الخط الحسن وكتب الناس عليه واستقر في وظيفة تعليم الخط بالجامع الكبير وتسمى عبد الله وأجلسه الكمال بن العديم مع الشهود العدول وفر في الكائنة العظمى إلى القاهرة فأقام بها مدة وحدث بها وعلم الخط كتبت عليه بحلب وقرأت عليه الحديث بالقاهرة في سنة ثمان وثمانمائة وتوفي في آخر هذه السنة انتهى
وفيها عائشة بنت علي بن محمد بن عبد الغني بن منصور الدمشقية سمعت مع زوجها الحافظ شمس الدين الحسني من ابن الخباز والمرداوي ومن بعدهما وحدثت وتوفيت في رمضان عن بضع وستين سنة
وفيها جمال الدين عبد الله بن محمد بن طيمان بفتح الطاء المهملة وسكون الياء التحتانية المصري الطيماني الشافعي نزيل دمشق ولد قبل السبعين وسبعمائة بيسير وحفظ الحاوي الصغير ولازم البلقيني وعز الدين بن جماعة واشتغل بالقاهرة ونبغ في الفقه وشارك في الفنون ثم نزل دمشق وأفتى ودرس وكان يلبس قريبا من زي الترك وكان ذكيا ماهرا لا يتكلم إلا معربا ويتعانى طريق الصوفية وكان يتردد إلى دمشق بسبب وقف له وحضر عند شيوخها وشهدوا له بالتقدم في الفقه وأقام بدمشق يفتي ويشغل ويصنف ويدرس وشرع في جمع أشياء لم تكمل واختصر شرح الشيخ شرف الدين الغزي على المنهاج ولخص من كلام الأذرعي وغيره أشياء على المنهاج لم تشتهر لغلاقة لفظه واختصاره وأثنى عليه ابن حجي وأخبر أنه أخذ عنه وقتل بمنزله بالتعديل في الفتنة التي بين الناصر وغرمائه في صفر عن نحو سبع وأربعين سنة ودفن بمقابر الحموية بالقرب من قبر عاتكة إلى جانب الشيخ الزاهد علي بن أيوب رحمهما الله تعالى
وفيها سراج الدين عمر بن عبد الله الهندي المعروف بألفافا قال ابن

حجر كان عارفا بالفقه والأصول والعربية أقام بمكة أزيد من أربعين سنة فأفاد الناس في هذه العلوم ومات في ذي الحجة عن سبعين سنة
وفيها الملك الناصر فرج بن برقوق بن أنس ولد سنة إحدى وتسعين وسبعمائة وسماه أبوه بلغاق ثم سماه فرجا وأجلس على التخت يوم الجمعة نصف شوال سنة إحدى وثمانمائة بعهد من أبيه وعمره عشر سنين وستة أشهر وقتل بمصر سلطانا ليلة السبت سادس عشر صفر
وفيها زين الدين أبو الخير محمد بن زين الدين أبي الطاهر أحمد بن جمال الدين محمد بن الحافظ محب الدين عبد الله الطبري سمع من الفخر القونوي وابن بنت سعد وابن جماعة والعلائي وأجاز له أحمد بن علي الجزري وابن القماح وابن عالي والمستوري وغيرهم وتفرد بإجازة الجزري بمكة وحدث بأشياء كثيرة بالإجازة عن جماعة من المصريين والشاميين وبرع في العلم وعرف بالمروءة وتوفي في رمضان
وفيها بهاء الدين أبو حامد محمد بن أبي الطيب أحمد بن بهاء الدين محمد بن علي بن سعيد بن إمام المشهد الشافعي ظنا ولد سنة سبع وستين وسبعمائة وأحضره أبوه وأسمعه على أصحاب الفخر وابن القواس ونحوهم وتوفي أبوه وهو صغير فأدبه رجل أعمى وبرع من صباه وكان صحيح الفهم دينا عاقلا نشأ نشأة حسنة وأفتى ودرس وعرض عليه حموه شهاب الدين الحسباني النيابة في الحكم فامتنع وتوفي في ذي القعدة بعلة الاستسقاء
وفيها جمال الدين محمد بن الحسن بن عيسى بن محمد بن أحمد بن مسلم المكي الحلوي بفتح المهملة وسكون اللام نسبة إلى حلى كظبي مدينة باليمن المعروف بابن العليف بمهملة ولام وفاء مصغر ولد بحلى سنة اثنتين وأربعين وسبعمائة ونزل بمكة وسمع من العز بن جماعة وكان غاليا في التشيع وتعانى النظم فمهر فيه وفاق أقرانه إلا أنه كان عريض الدعوى

ومدح ملوك اليمن وأمراء مكة وينبع وانقطع إلى حسن ابن عجلان بمكة ومن مدائحه في الناصر لدين الله صلاح الدين بن علي بن محمد صاحب صنعا
( جادك الغيث من طلول بوالي ** كبروج من النجوم خوالي )
( فقدت بيض انسها فتساوى ** بيض أيامها وسود الليالي )
( قاسمتني وجدي بها فتساوى ** حالها بعد من أحب وحالي )
وهي طويلة وله فيه من أخرى
( يا وجه آل محمد في وقته ** لم يبق بعدك منهم إلا قفا )
( لو كانت الأشراف آل محمد ** كتب العلوم لكنت فيها المصحفا )
( أو كانت الأسباط آل محمد ** يابن النبي لكنت فيها يوسفا )
وتوفي في سابع رجب
وفيها جمال الدين محمد بن محمد بن محمد بن علي بن أحمد البعلبكي المعروف بابن اليونانية ولد أول سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة وسمع الحديث وقرأ ودرس وأفتى وشارك في الفضائل وكان عارفا بأخبار أهل بلده
وفيها محب الدين أبو الوليد محمد بن محمد بن محمد بن محمود بن غازي بن أيوب بن الشحنة محمود والشحنة جده الأعلى محمود الشهير بابن الشحنة التركي الأصل الحلبي الحنفي ولد سنة تسع وأربعين وسبعمائة وحفظ القرآن العظيم وعدة متون وتفقه وبرع في الفقه والأصول والنحو والأدب وأفتى ودرس وتولى قضاء قضاة الحنفية بحلب ثم دمشق إلى أن قبض عليه الظاهر برقوق في سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة وقدم به إلى القاهرة ثم أفرج عنه ورجع إلى حلب فأقام بها إلى أن قبض عليه الملك الناصر فرج سنة ثلاث عشرة وثمانمائة لقيامه مع جماعة على الناصر ثم أفرج عنه فقدم القاهرة ثم عاد إلى دمشق صحبة الملك الناصر المذكور سنة أربع عشرة وثمانمائة فلما انكسر الناصر وحوصر بدمشق ولاه قضاء الحنفية بالقاهرة

فلم يتم لأنه لما أزيلت دولة الناصر أعيد ابن العديم لقضاء الديار المصرية واستقر ابن الشحنة في قضاء حلب وأعطى تداريس بدمشق قال ابن حجر كان كثير الدعوى والاستحضار عالي الهمة وعمل تريخا لطيفا فيه أوهام عديدة وله نظم فائق وخط رائق ومن نظمه
( ساق المدام دع المدام فكل ما ** في الناس من وصف المدامة فيكا )
( فعل المدام ولونها ومذاقها ** في مقلتيك ووجنتيك وفيكا )
وله
( أسير بالجرعى أسيرا ومن ** همي لا أعرف كيف الطريق )
( في منحنى الأضلع وأدى الغضا ** وفوق سفح الخد وادي العقيق )
انتهى وقال القاضي علاء الدين في ذيل تاريخ حلب وله ألفية رجز تشتمل على عشرة علوم وألفية اختصر فيها منظومة النسفي وضم إليها مذهب أحمد وله تآليف أخرى في الفقه والأصول والتفسير انتهى وتوفي بحلب يوم الجمعة ثاني عشر ربيع الآخر
وفيها شرف الدين مسعود بن عمر بن محمود بن أنمار الأنطاكي النحوي نزيل دمشق قدم إلى حلب وقد حصل طرفا صالحا من العربية ثم قدم دمشق فأخذ عن الصفدي وابن كثير وغيرهما وتقدم في العربية وفاق في حسن التعليم حتى كان يشارط عليه إلى أمد معلوم بمبلغ معلوم وكان يكتب حسنا وينظم جيدا وكان يتعانى الشهادة ولو لم يكن بالمحمود فيها وكان مزاحا قليل التضون مات في تاسع شعبان وهو في عشر الثمانين قاله ابن حجر

سنة ست عشرة وثمانمائة

في ربيعها الأول ظهر الخارجي الذي ادعى أنه السفياني وهو رجل عجلوني يسمى عثمان بن ثقالة اشتغل بالفقه قليلا بدمشق ثم قدم عجلون فنزل بقرية الجيدور ودعا إلى نفسه فأجابه بعض الناس فأقطع الإقطاعات ونادى أن مغل هذه السنة مسامحة ولا يؤخذ من أهل الزراعة بعد هذه السنة التي سومح بها سوى العشر فاجتمع عليه خلق كثير من عرب وعشير وترك وعمل له ألوية خضراء وسار إلى وادي الياس وبث كتبه إلى النواحي ترجمتها بعد البسملة السفياني إلى حضرة فلان أن يجمع فرسان هذه الدولة السلطانية الملكية الإمامية الأعظمية الربانية المحمدية السفيانية ويحضر بخيله ورجاله مهاجرا إلى الله ورسوله ومقاتلا في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا فسار عليه في أوائل ربيع الآخر غانم الغزاوي وجهز إليه طائفة وطرقوه وهو بجامع عجلون فقاتلهم فقبضوا عليه وعلى ثلاثة من أصحابه فاعتقل الأربعة وكتب إلى المؤيد بخبره فأرسلهم إلى قلعة صرخد
وفيها توفي إبراهيم بن أحمد بن خضر الصالحي الحنفي ولد في رمضان سنة أربع وأربعين وسبعمائة واشتغل على أبيه وناب في القضاء بمصر ودرس وأفتى وولي إفتاء دار العدل وكان جريئا مقداما ثم ترك الاشتغال بآخره وافتقر وتوفي في ربيع الأول وكانت وفاة أبيه سنة خمس وثمانين وسبعمائة
وفيها برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن بهادر بن أحمد الشافعي الغزي القرشي النوفلي الشهير بابن زقاعة بضم الزاي وفتح القاف المشددة وألف وعين مهملة وهاء قال في المنهل كان إماما بارعا مفننا في علوم كثيرة

لا سيما معرفة الأعشاب والرياضة وعلم التصوف مولده سنة أربع وعشرين وسبعمائة على الصحيح قال المقريزي عانى صناعة الخياطة وأخذ القراءات عن الشيخ شمس الدين الحكري والفقه عن بدر الدين القونوي والتصوف عن الشيخ عمر حفيد الشيخ عبد القادر وسمع الحديث من نور الدين علي الفوي وقال الشعر ونظر في النجوم وعلم الحرف وبرع في معرفة الأعشاب وساح في الأرض وتجرد وتزهد فاشتهر ببلاد غزة وعرف بالصلاح انتهى اختصارا قلت بالجملة كانت رياسته في علوم كثيرة وله حظ وافر عند ملوك مصر ونال من الحرمة والوجاهة ما لم ينله غيره من أبناء جنسه فإنه كان يجلس فوق قضاة القضاة ومن شعره اللطيف
( ومن عجبي أن النسيم إذا سرى ** سحيرا بعرف البان والرند والآس )
( يعيد على سمعي حديث احبتى ** فيخطر لي أن الأحبة جلاسي )
ومنه أيضا
( ووردى خد نرجسي لواحظ ** مشايخ علم السحر عن لحظه رووا )
( وواوات صدغيه حكين عقاربا ** من المسك فوق الجلنار قد التووا )
( ووجنته الحمرا تلوح كجمرة ** عليها قلوب العاشقين قد انكووا )
( وودى له باق ولست بسامع ** لقول حسود والعواذل أن عووا )
( ووالله لا أسلو ولو صرت رمة ** وكيف وأحشائي على حبه انطووا )
وتوفي بالقاهرة في ثامن عشر ذي الحجة ودفن خارج باب النصر انتهى ما قاله صاحب المنهل باختصار
وفيها شهاب الدين أبو العباس أحمد بن علاء الدين حجي بن موسى بن أحمد بن سعد بن غشم بن غزوان بن علي بن مسرور بن تركي الحسباني الدمشقي الشافعي الحافظ مؤرخ الإسلام قال ابن قاضي شهبة في طبقاته ولد في المحرم سنة إحدى وخمسين وسبعمائة وحفظ التنبيه وغيره وسمع

الحديث من خلائق وأجاز له خلق من بلاد شتى وقرأ بنفسه الكثير وكتب الكثير وقد كتب أسماء مشايخه مجردا في بعض مجاميعه على حروف المعجم وأخذ الفقه عن والده والشيخ شمس الدين بن قاضي شهبة وقاضي القضاة بهاء الدين أبي البقاء وغيرهم واستفاد من مشايخ العصر منهم الأذرعي والحسباني وابن قاضي الزبداني وابن خطيب يبرود والغزي والقاضي تاج الدين السبكي وشمس الدين الموصلي وتخرج في علوم الحديث بالحافظين ابن كثير وابن رافع وأخذ النحو عن أبي العباس العناني وغيره ودرس وأفتى وأعاد وناب في الحكم وصنف وكتب بخطه الحسن ما لا يحصى كثرة فمن ذلك شرح على المحرر لابن عبد الهادي كتب منه قطعة ورد على مواضع من المهمات للأسنوي وعلى مواضع من الألغاز له بين غلطه فيها وجمع فوائد في علوم متعددة في كراريس كثيرة سماها جمع المفترق وكتابا سماه الدارس من أخبار المدارس يذكر فيه ترجمة الواقف وما شرطه وتراجم من درس بالمدرسة إلى آخر وقت وهو كتاب نفيس يدل على اطلاع كثير وقد وقفت على كراريس منه وكتب ذيلا على تاريخ ابن كثير وغيره بدأ فيه من سنة إحدى وأربعين يذكر فيه حوادث الشهر ثم من توفي فيه وهو مفيد جدا كتب منه ست سنين ثم بدأ من سنة تسع وستين فكتب إلى قبيل وفاته بيسير وكان قد أوصاني بتكميل الخرم المذكور فأكملته وأخذت التاريخ المذكور وزدت عليه حوادث من تواريخ المصريين وغيرهم بقدر ما ذكره الشيخ وتراجم أكثر من التراجم التي ذكرها بكثير وبسطت الكلام في ذلك وجاء إلى آخر سنة أربعين وثمانمائة في سبع مجلدات كبار ثم اختصرته في نحو نصفه وقد ولي الشيخ في آخر عمره الخطابة ومشيخة الشيوخ شريكا لغيره وانتهت المشيخة في البلاد الشامية إليه وكان يكتب على الفتاوى كتابة حسنة وخطه مليح وكان يضرب المثل بجودة ذهنه وحسن أبحاثه وكان حسن الشكل دينا خيرا له أوراد

من صلاة وصيام وعنده أدب كثير وحشمة وحسن معاشرة وعنه أخذت هذا الفن واستفدت منه كثيرا توفي في المحرم ودفن عند والده على جادة الطريق انتهى كلام ابن قاضي شهبة
وفيها أحمد بن علي بن النقيب المقدسي الحنفي قال ابن حجر ولد سنة إحدى وخمسين وسبعمائة وتقدم في فقه الحنفية وشارك في فنون وكان يؤم بالمسجد الأقصى
وفيها شهاب الدين أبو العباس أحمد بن ناصر بن خليفة بن فرج بن عبد الله بن يحيى بن عبد الرحمن الناصري الباعوني الشافعي قال ابن قاضي شهبة فيه الشيخ الإمام العالم المفنن قاضي القضاة خطيب الخطابة إمام البلغاء ناصر الشرع ولد بقرية الناصرة من البلاد الصفدية سنة اثنتين وخمسين وسبعمائة وحفظ القرآن وله عشر سنين وحفظ المنهاج في مدة يسيرة ثم المنهاج للبيضاوي والألفية وغير ذلك وقدم دمشق وعرض كتبه على جماعة من العلماء منهم القاضي تاج الدين السبكي والمشايخ ابن خطيب يبرود وابن قاضي الزبداني وابن قاضي شهبة وابن الشريشي والزهري وغيرهم وأخذ عنهم وسمع الحديث من جماعة من المسندين وقرأ النحو على الشيخ أبي عبد الله المالكي وغيره ومهر في ذلك وكتب الخط الحسن ثم رجع إلى صفد وقد أجيز وأخذ من طلب العلم أربه فاشتغل بالعلم وأفتى وفاق في النظم والنثر وصحب الفقراء والصالحين ثم توجه إلى الديار المصرية واجتمع بالملك الظاهر فولاه خطابة بالجامع الأموي فقدم في ذي القعدة سنة اثنتين وتسعين ثم لما قدم السلطان في سنة ثلاث وتسعين ولاه القضاء في ذي الحجة فباشر بعفة ومهابة زائدة وتصميم في الأمور مع نفوذ لحكمه وكان يكاتب السلطان بما يريد فيرجع الجواب بما يختاره وانضبطت الاوقاف في أيامه وحصل للفقهاء معاليم كثيرة ودرس الفقه والتفسير في مدارس

كثيرة وولي مشيخة الشيوخ ثم وقعت له أمور أوجبت تغير خاطر السلطان عليه منها أنه طلب أن يقرضه من مال الأيتام شيئا فامتنع فعزله بعد ما باشر سنتين ونصفا وكشف عليه وعقدت له مجالس وحصل في حقه تعصب ولفقت عليه قضايا باطلة أظهر الله براءته منها ولم يسمع عنه مع كثرة أعدائه أنه ارتشى في حكم من الأحكام ولا أخذ شيئا من قضاة البر كما فعله من بعده من القضاة ثم ولي خطابة القدس مدة طويلة ثم خطابة دمشق ومشيخة الشيوخ ثم ولاه الناصر القضاء في صفر سنه اثنتي عشرة وثمانمائة ولم يمكنه إجراء الأمور على ما كان أولا لتغير الأحوال واختلاف الدول ثم صرفه الأمير شيخ عند استيلائه على دمشق في جمادى الآخرة من السنة وفي فتنة الناصر ولي قضاء الديار المصرية مدة الحصار ثم انتقض وكان خطيبا بليغا له اليد الطولى في النظم والنثر مع السرعة في ذلك وكان من أعظم أنصار الحق وأعوانه أعز الله تعالى به الدين وكف به أكف المفسدين وكان ظاهر الديانة كثير البكاء وكتب الكثير بخطه وجمع أشياء انتهى باختصار وقال ابن حجر اجتمعت به ببيت المقدس والقاهرة وأنشدني من نظمه وسمعت عليه وهو القائل
( ولما رأت شيب رأسي بكت ** وقالت عسى غير هذا عسى )
( فقلت البياض لباس الملوك ** وإن السواد لباس الأسى )
( فقالت صدقت ولكنه ** قليل النفاق بسوق النسا )
وله في العقيدة قصيدة أولها
( أثبت صفات العلى وأنف الشبيه فقد ** أخطا الذين على ما قد بدا جمدوا )
( وضل قوم على التأويل قد عكفوا ** فعطلوا وطريق الحق مقتصد )
انتهى وتوفي في أوائل المحرم ودفن بسفح قاسيون بحوش زاوية الشيخ أبي بكر بن داود


وفيها زين الدين هو زين الدين أبو بكر بن حسين بن عمر بن محمد بن يونس العثماني المراغي ثم المصري الشافعي نزيل المدينة ولد سنة ثمان وعشرين وسبعمائة وأجاز له أبو العباس بن الشحنة فكان آخر من حدث عنه في الدنيا بالإجازة وأجاز له أيضا المزي والبرزالي والحجار وآخرون من دمشق وحماة وحلب وغيرها وتفرد بالرواية عن أكثرهم وسمع بالقاهرة من جماعة وخرج له الحافظ ابن حجر أربعين حديثا عن أربعين شيخا وقرأ على الشيخ تقي الدين السبكي شيئا من محفوظاته عرضا قبل أن يلي القضاء ولازم الشيخ جمال الدين الأسنوي وولي قضاء المدينة وخطابتها سنة تسع وثمانمائة وأخذ عن مغلطاي وغيره من المحدثين وشرح المنهاج الفقهي واختصر تاريخ المدينة وحصل للمدينة جهات تقوم بحاله ولازم الاشغال والتحديث بالروضة الشريفة إلى أن صار شيخها المشار إليه ثم عزل عن قضائها فتألم لذلك وتوفي بالمدينة المنورة في ذي الحجة
وفيها رضي الدين أبو بكر بن يوسف بن أبي الفتح العدني بن المستأذن قال ابن حجر حج كثيرا وقدم القاهرة وتعانى النظر في الأدب ومهر في القراءات وتكلم على الناس بجامع عدن وخطب ولم ينجب سمعت من نظمه وسمع مني كثيرا مات وقد جاوز السبعين انتهى
وفيها حسام الدين حسن بن علي بن محمد الأبيوردي بفتح الهمزة والواو وسكون التحتية وكسر الباء وسكون الراء نسبة إلى باورد بلدة بخراسان الشافعي الخطيب نزيل مكة أخذ عن السعد التفتازاني وغيره وبرع في المعقولات ودخل اليمن واجتمع بالناصر ففوض إليه تدريس بعض المدارس بتعز فعاجلته المنية بها وصنف ربيع الجنان في المعاني والبيان وغير ذلك
وفيها عائشة بنت محمد بن عبد الهادي بن عبد الحميد بن عبد الهادي بن

يوسف بن محمد بن قدامة المقدسي الأصل أبوها الصالحية الحنبلية المذهب المحدثة محدثة دمشق ولدت سنة ثلاث وعشرين وسبعمائة وحضرت في أوائل الرابعة من عمرها جميع صحيح البخاري على مسند الآفاق الحجار وروت عن خلق وروى عنها الحافظ ابن حجر وقرأ عليها كتبا عديدة وكانت في آخر عمرها أسند أهل زمانها مكثرة سماعا وشيوخا قاله العلموي في طبقات الحنابلة وتوفيت في أحد الربيعين ودفنت بالصالحية قال ابن حجر تفردت بالسماع من الحجار ومن جماعة وسمع منها الرحالة فأكثروا وكانت سهلة في الأسماع سهلة الجانب ومن العجائب أن ست الوزراء كانت آخر من حدثت عن ابن الزبيدي بالسماع ثم كانت عائشة آخر من حدثت عن صاحبه الحجار بالسماع وبين وفاتيهما مائة سنة
وفيها عبد القوي بن محمد بن عبد القوي المالكي البجائي المغربي الأصل والمولد والمنشأ نزيل مكة قال ولده قطب الدين أبو الخير ولد والدي سنة ثلاث وأربعين وسبعمائة ببجاية من بلاد الغرب ورحل من بلده وعمره ثمان عشرة سنة وقدم القاهرة وحج سنة أربع وستين ثم عاد إلى القاهرة ثم حج في سنة سبعين وقطن بمكة إلى أن مات وقال الشيخ تقي الدين الفاسي قدم ديار مصر في شبيبته فأخذ بها عن الشيخ موسى المراكشي وغيره وسمع بها من المناوي وسعد الدين الأسفراييني وغيرهما ودرس بالحرم الشريف وأفتى باللفظ تورعا وكان ذا معرفة بالفقه قال ابن حجر تفقه وأفاد ودرس وأعاد وأفتى وتوفي بمكة في شوال ودفن بالمعلاة
وفيها فخر الدين عثمان بن إبراهيم بن أحمد الشيخ الإمام البرماوي الشافعي شيخ قراء مدرسة الظاهر برقوق قال في المنهل كان إماما بارعا في

معرفة القراءات عالما بالفقه والحديث والعربية تصدر للأقراء عدة سنين إلى أن توفي فجأة بعد خروجه من الحمام يوم الإثنين تاسع عشر شعبان والبرماوي نسبة إلى برمة بلدة بالغربية من أعمال القاهرة بالوجه البحري وإليها ينسب جماعة كثيرة من الفقهاء وغيرهم انتهى
وفيها فتح الدين فتح الله بن معتصم بن نفيس الداودي التبريزي الحنفي الطبيب ولد سنة تسع وخمسين وسبعمائة وقدم مع أبيه إلى القاهرة فمات أبوه وهو صغير فكفله عمه بديع بن نفيس فتميز في الطب وقرأ المختار في الفقه وتردد إلى مجالس العلم وتعلم الخط وباشر العلاج وكان بارع الجمال فانتزعه برقوق وصار من أخص المماليك عنده واشتهر وشاع ذكره واستقر في رياسة الطب بعد موت عمه بديع ثم عالج برقوق فأعجبه وكان يدري كثيرا من الألسن ومن الأخبار فراج عند برقوق وباشر رياسة الطب بعفة ونزاهة قال البقاعي كان ذا باع طويل في الطب حتى أنه مر يوما في سوق الكتبيين فرأى شخصا ينسخ في كتاب وليس به مرض فتأمله وقال هذا يموت اليوم فكان كذلك وقال المقريزي كان له فضائل جمة غطاها شحه حتى اختلق عليه أعداؤه معايب برأه الله منها فأنى صحبته مدة طويلة تزيد على العشرين ورافقته سفرا وحضرا فما علمت عليه إلا خيرا بل كان من خير أهل زمانه عقلا وديانة وحسن عبادة وتأله ونسك ومحبة للسنة وأهلها وانقياد إلى الحق وصبر على الأذى وجودة للحافظة وكان يعاب بالشح بماله فإنه كان يخذل صديقه أحوج ما يكون إليه وقد جوزي بذلك فإنه لما نكب في هذه السنة تخلى عنه كل أحد عن الزيارة فلم يجد مغنيا ولا معينا فلا قوة إلا بالله
وفيها شمس الدين محمد بن أحمد بن خليل المصري الغراقي بفتح المهملة وتشديد الراء وبعد الألف قاف نسبة إلى بعض قرى الديار المصرية الشافعي

اشتغل كثيرا وتمهر في الفرائض وأشغل الناس فيها بالجامع الأزهر وكثرت طلبته وأم بالجامع المذكور نيابة مع الدين والخير وحسن السمت والتواضع والصبر على الطلبة وكان يقسم التنبيه والمنهاج فيقرن بينهما جميعا في مدة لطيفة وقد سمع من العز بن جماعة بمكة وحدث وجاور كثيرا وكان يعتمر في كل يوم أربع عمر ويختم كل يوم ختمة وتوفي في خامس شعبان
وفيها محمد بن عبد الله الحجبي الحنفي الملقب بالقطعة قال ابن حجر كان من أكثر الحنفية معرفة باستحضار الفروع مع جمود ذهنه وكان خطه رديئا إلى الغاية وكان رث الثياب والهيئة خاملا مات في رمضان انتهى
وفيها جمال الدين محمد بن عمر العواري بفتح المهملة وتخفيف الواو التعزي الشافعي اشتغل ببلده وأشغل الناس كثيرا واشتهر وأفتى ودرس ونفع الناس وكثرت تلامذته وولي القضاءة ببلده فباشر بشهامة وترك مراعاة لأهل الدولة فتعصبوا عليه حتى عزل وقد أراق في مباشرته الخمور وأزال المنكرات والزم اليهود بتغيير عمائمهم ثم بعد عزله أقبل على الاشتغال والنفع للناس إلى أن مات
وفيها شهاب الدين موسى بن أحمد بن موسى الرمثاوي ثم الدمشقي الشافعي ولد تقريبا سنة ستين وسبعمائة واشتغل على الشيخ شرف الدين الغزي ولازمه وأذن له في الافتاء وأخذ الفرائض عن محب الدين المالكي وفضل فيها وأخذ بمكة عن ابن ظهيرة وأخذ طرفا من الطب عن الرئيس جمال الدين وكتب بخطه ومهر وتعانى الزراعة ثم تزوج بنت شيخه فماتت معه فورث منها مالا ثم بذل ما لا حتى ناب في الحكم واستمر ثم ولي قضاء الكرك قال ابن قاضي شهبة في تاريخه كان سيء السيرة وفتح أبوابا من الأحكام الباطلة فاستمرت

بعد وكان عنده دهاء وصاهر الأخنائي وقد امتحن ومات بدمشق في ربيع الأول وقيل إنه سم والله أعلم

سنة سبع عشرة وثمانمائة

في سابع شعبانها دخل الفرنج مدينة سبتة من بلاد المغرب وخربوها وأخذوا ما كان بها من الأموال والذخائر حتى الكتب العلمية وتركوها قاعا خرابا ومع ذلك فهي بأيديهم فلا قوة إلا بالله وكان أهلها وهم محاصرون أرسلوا قصيدة طنانة يستنجدون فيها أهل الإسلام من أهل مصر وغيرها مطلعها
( حماة الهدى سبقا وإن بعد المدى ** فقد سألتكم نصرها ملة الهدى )
فلم تفدهم شيئا غير أن أجيبوا بقصيدة من نظم لابن حجة ويا ليتها مثلها
وفيها توفي تقي الدين أبو بكر بن علي بن سالم بن أحمد الكناني العامري نسبة إلى قرية كفر عامر من قرى الزبداني ابن قاضي الزبداني الشافعي ولد في ذي الحجة سنة خمسين وسبعمائة واشتغل بدمشق فبرع في الحساب وشارك في الفقه وقرأ في الأصول وولي قضاء بعلبك وبيروت وقدم القاهرة بعد الفتنة الكبرى وكان قد أسر مع التمرية ثم تخلص وأخبر عن بعض من أسره أنه قال له علامة وقوع الفتنة كثرة نباح الكلاب وصياح الديكة في أول الليل قال وكان ذلك قد كثر بدمشق قبل مجيء تمرلنك وكان يقرأ في المحراب جيدا وولي قضاء كفر طاب وتقدم في معرفة الفرائض والحساب وكان دينا خيرا يتعانى المتجر توفي بدمشق في ذي الحجة
وفيها سعد الدين سعد بن علي بن إسماعيل الهمذاني الحنفي ثم العيني نزيل حلب كان فاضلا عاقلا دينا له مروءة ومكارم أخلاق وله وقع في النفوس لخيره ونفعه للطلبة وإحسانه إليهم بعلمه وجاهه مات في أول شعبان

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21