كتاب :شذرات الذهب في أخبار من ذهب
المؤلف:عبد الحي بن أحمد بن محمد العكري الحنبلي


( فقال أما هذا بتقدير من قضى ** وحكم مضى ما فيه قط تردد )
( فقلت بلى والخير والشر قدرا ** وكل بتقدير المهيمن مرصد )
( فقال فمن هذا الذي ذاك حكمه ** وتقديره صفه لكيما أوحد )
( فقلت إله واحد لا مشارك ** له لم يلد كلا ولا هو والد )
واستطردت من ذلك إلى ذكر الصفات وتنزيه الذات إلى أن قلت
( هو الله من أنشاك للخلق فتنة ** ليسفك من جفنيه سيف مهند )
ومن مصنفاتي المنثورة تاريخ تمرلنك عجائب المقدور في نوائب تيمور ومنها فاكهة الخلفاء ومفاكهة الظرفاء ومنها خطاب الإهاب الناقب وجواب الشهاب الثاقب ومنها الترجمان المترجم بمنتهى الأرب في لغة الترك والعجم والعرب ومن النظم القصيدة المسماة بالعقود النصيحة أولها
( لك الله هل ذنب فيعتذر الجاني ** بلى صدق ما أنهاه أني بكم فإني )
( ومن سوء حظ الصب أن يلعب الهوى ** بأحشائه والحب يومي بولعان )
( ومن شيم الأحباب قتل محبهم ** إذا علموه فيهم صادقا عانى )
ومن ذلك غرة السير في دول الترك والتتر وكان عند كتابة هذه الإجازة لم يتم واقتصر في التذكرة على هذه المصنفات العشرة للوجازه لا للإجازة هذا وأما مولدي فداخل دمشق ليلة الجمعة الخامس والعشرين من ذي القعدة سنة تسعين وسبعمائة ثم ذكر ترجمة طويلة لنفسه قال صاحب المنهل ومن نظمه معمى
( وجهك الزاهي كبدر ** فوق غصن طلعا )
( واسمك الزاكي كمشكاة ** سناها لمعا )
( في بيوت أذن الله ** لها أن ترفعا )
( عكسه صحفه تلقى ** الحسن فيها أجمعا )
وتوفي يوم الإثنين خامس رجب بالقاهرة عن اثنتين وستين سنة وستة أشهر

وعشرين يوما انتهى
وفيها كمال الدين محمد بن صدقة المجذوب الصاحي الولي المكاشفه الدمياطي الأصل ثم المصري الشافعي اشتغل وحفظ التنبيه والألفية وتكسب بالشهادة بمصر ثم حصل له جذب وظهرت عليه الأحوال الباهرة والخوارق الظاهرة وتوالت كراماته وتتابعت آياته واشتهر صيته وعظم أمره وهرع الأكابر لزيارته وانقاد له الأماثل حتى الفقهاء كالكمال إمام الكاملية وغيره ومن كراماته أن رجلا سأله حاجة فأشار بتوقفها على خمسين دينارا فأرسلها إليه فوصل القاصد إليه بها فوجده قاعدا بباب الكاملية فبمجرد وصوله إليه أمره بدفعها لامرأة مارة بالشارع لا تعرف فأعطاها إياها فانكشف بعد ذلك أن ولدها كان في الترسيم على ذلك المبلغ بعينه لا يزيد ولا ينقص عند من لا رحمة عنده بحيث خيف عليه التلف توفي بمصر وصلى عليه في محفل حافل ودفن بالقرافة بجوار قبر الشيخ أبي العباس الخراز قاله المناوي في طبقات الأولياء

سنة خمس وخمسين وثمانمائة

في خامسها بويع بالخلافة القائم بأمر الله حمزة بن المتوكل على الله بعد وفاة أخيه المستكفي بالله سليمان بن المتوكل على الله بويع سليمان هذا بالخلافة يوم موت أخيه المعتضد بالله وذلك في سنة خمس وأربعين وثمانمائة وأقام في الملك عشر سنين وبلغ من العز فوق أخيه وحمل السلطان نعشه
وفيها توفي كمال الدين أبو المناقب أبو بكر بن ناصر الدين محمد بن سابق الدين أبي بكر بن فخر الدين عثمان بن ناصر الدين محمد بن سيف الدين خضر ابن نجم الدين أيوب بن ناصر الدين محمد بن الشيخ العارف بالله همام الدين الهمامي الخضيري السيوطي الشافعي قال ولده في طبقات النحاة ولد

في أوائل القرن بسيوط واشتغل بها ثم قدم القاهرة بعد عشرين وثمانمائة فلازم الشيوخ شيوخ العصر إلى أن برع في الفقه والأصلين والقراآت الحساب والنحو والتصريف والمعاني والبيان والمنطق وغير ذلك ولازم التدريس والافتاء وكان له في الانشاء اليد الطولى وكتب الخط المنسوب وصنف حاشية على شرح الألفيه لابن المصنف حافلة في مجلدين وكتابا في القراآت وحاشية على العضد وتعليقا على الإرشاد لابن المقرى وكتابا في صناعة التوقيع وغير ذلك أخبرني بعض أصحابه أن الظاهر جقمق عينه مرة لقضاء القضاة بالديار المصرية وأرسل يقول للخليفة المستكفى بالله قل لصاحبك يطلع نوليه فأرسل الخليفة قاصدا إلى الوالد يخبره بذلك فامتنع قال الحاكي فكلمته في ذلك فأنشدني
( وألذ من نيل الوزارة أن ترى ** يوما يريك مصارع الوزراء )
ومن نجباء تلامذته الشيخ فخر الدين المقدسي وقاضي مكة برهان الدين بن ظهيرة وقاضيها نور الدين بن أبي اليمن وقاضي المالكية محي الدين بن تقي والعلامة محي الدين بن مصيفح في آخرين مات ليلة الإثنين وقت أذان العشاء خامس صفر ودفن بالقرافة قريبا من الشمس الأصفهاني انتهى
وفيها أمير المدينة أميان بن مانع بن علي بن عطية الحسيني توفي في جمادى الآخرة واستقر بعده زيرى بن قيس
وفيها جمال الدين أبو محمد عبد الله بن الشيخ الإمام العالم محب الدين أبي عبد الله محمد بن هشام الأنصاري المصري الحنبلي القاضي كان من أهل العلم ومن أعيان فقهاء الديار المصرية وقضاتها باشر القضاء نيابة عن قاضي القضاة محب الدين بن نصر الله ثم عن قاضي القضاة بدر الدين البغدادي فوقعت حادثة أوجبت تغير خاطر بدر الدين المذكور عليه فعزله عن القضاء ثم صار يحسن إليه ويبره إلى أن توفي بمصر في المحرم الحرام


وفيها الشيخ عبد الواحد البصير المقرىء الحنبلي الوفاتي توفي بدرب الحجاز الشريف في عوده من الحج بالعلا
وفيها قاضي القضاة شمس الدين محمد بن أحمد بن سعيد المقدسي الحنبلي قاضي مكة المشرفة ولد بكفر لبد من أعمال نابلس في سنة إحدى وسبعين وسبعمائة وسكن مدينة حلب قديما ودمشق وسمع على الأعيان وقرأ على ابن اللحام والتقي بن مفلح والحافظ زين الدين بن رجب وكان عالما خيرا كتب الشروط ووقع على الحكام دهرا طويلا وتفرد بذلك وصنف التصانيف الجيدة منها سفينة الأبرار الحاملة للآثار والأخبار ثلاث مجلدات في الوعظ وكتاب الآداب وكتاب المسائل المهمة في ما يحتاج إليه العاقل في الخطوب المدلهمة وكتاب كشف الغمة في تيسير الخلع لهذه الأمة والمنتخب الشافي من كتاب الوافي اختصر فيه الكافي للموفق وجاور بمكة مرارا وجلس بالحضرة النبوية بالمدينة الشريفة بالروضة واستجازه الأعيان وآخر مجاوراته سنة ثلاث وخمسين فمات قاضي مكة في تلك السنة فجهز إليه الولاية في أوائل سنة أربع وخمسين فاستمر بها قاضيا نحو سنة وتوفي في أوائل هذه السنة وخلف دنيا ولا وارث له رحمه الله تعالى
وفيها القاضي شمس الدين محمد بن محمد بن خالد بن زهر الحمصي الحنبلي قرأ المقنع وشرحه على والده وأصول ابن الحاجب وألفية ابن مالك على غيره وأذن له القاضي علاء الدين بن المغلى بالافتاء وولي القضاء بحمص بعد وفاة والده واستمر قاضيا إلى أن توفي بها في ذي القعدة ودفن بباب تدمر
وفيها بدر الدين أبو الثناء وأبو محمد محمود بن القاضي شهاب الدين أحمد بن القاضي شرف الدين موسى بن أحمد بن حسين بن يوسف بن محمود العينتابي الأصل والمولد والمنشأ المصري الدار والوفاة الحنفي المعروف بالعيني قال تلميذه ابن تغرى بردى هو العلامة فريد عصره ووحيد دهره عمدة المؤرخين

مقصد الطالبين قاضي القضاة ولد سادس عشرى شهر رمضان سنة اثنتين وستين وسبعمائة في درب كيكن ونشأ بعينتاب وحفظ القرآن العظيم وتفقه على والده وغيره وكان أبوه قاضي عينتاب وتوفي بها في سنة أربع وثمانين وسبعمائة ورحل صاحب الترجمة إلى حلب وتفقه بها أيضا وأخذ عن العلامة جمال الدين يوسف بن موسى الملطي الحنفي وغيره ثم قدم القدس فأخذ عن العلاء السيرامي لأنه صادفه زائرا به ثم صحبه معه إلى القاهرة في سنة ثمان وثمانين وسبعمائة وأخذ عنه علوما جمة ولازمه إلى وفاته وأقام بمصر مكبا على الاشتغال والاشغال وولي حسبة القاهرة بعد محن جرت له من الحسدة وعزل عنها غير مرة وأعيد إليها ثم ولي عدة تداريس ووظائف دينية واشتهر اسمه وبعد صيته وأفتى ودرس وأكب على الاشغال والتصنيف إلى أن ولي نظر الاحباس ثم قضاء قضاة الحنفية بالديار المصرية يوم الخميس سابع عشرى ربيع الآخر سنة تسع وعشرين وثمانمائة فباشر ذلك بحرمة وافرة وعظمة زائدة لقربه من الملك الأشرف برسباي واستمر فيه إلى سنة اثنتين وأربعين وكان فصيحا باللغتين العربية والتركية وقرأ وسمع ما لا يحصى من الكتب والتفاسير وبرع في الفقه والتفسير والحديث واللغة والنحو والتصريف والتاريخ ومن مصنفاته شرح البخاري في أكثر من عشرين مجلدا وشرح الهداية وشرح الكنز وشرح مجمع البحرين وشرح تحفة الملوك في الفقه وشرح الكلم الطيب لابن تيمية وشرح قطعة من سنن أبي داود وقطعة كبيرة من سيرة ابن هشام وشرح العوامل المائة وشرح الجاربردى وله كتاب في المواعظ والرقائق في ثمان مجلدات ومعجم مشايخه مجلد ومختصر الفتاوى الظهيرية ومختصر المحيط وشرح التسهيل لابن مالك مطولا ومختصرا وشرح شواهد ألفية ابن مالك شرحا مطولا وآخر مختصرا وهو كتاب نفيس احتاج إليه صديقه وعدوه وانتفع به غالب علماء عصره فمن

بعدهم وشرح معاني الآثار للطحاوي في اثنتي عشرة مجلدة وله كتاب طبقات الشعراء وطبقات الحنفية والتاريخ الكبير على السنين في عشرين مجلدا واختصره في ثلاث مجلدات والتاريخ الصغير في ثمان مجلدات وعدة تواريخ أخر وله حواش على شرح ألفية بن مالك وحواش على شرح السيد عبد الله وشرح عروض ابن الحاجب واختصر تاريخ ابن خلكان وله غير ذلك وكان أحد أوعية العلم وأخذ عنه من لا يحصى ولما أخرج عنه نظر الأحباس في سنة ثلاث وخمسين عظم عليه ذلك لقلة موجوده وصار يبيع من أملاكه وكتبه إلى أن توفي ليلة الثلاثاء رابع ذي الحجة بالقاهرة وصلى عليه بالجامع الأزهر ودفن بمدرسته التي بقرب داره وكثر أسف الناس عليه رحمه الله تعالى

سنة ست وخمسين وثمانمائة

فيها توفي زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن ابن الشيخ تقي الدين أبي الصدق أبي بكر بن الشيخ نجم الدين أبي سليمان داود بن عيسى الحنبلي الدمشقي الصالحي الصوفي القادري البسطامي شيخ الطريقة وعلم الحقيقة العالم الناسك ولد سنة اثنتين وثمانين وسبعمائة وتفقه بجماعة منهم برهان الدين وأكمل الدين ابنا شرف الدين بن مفلح صاحب الفروع وتخرج بجماعة منهم والده ونشأ على طريقة حسنة ملازما للذكر وقراءة القرآن والأوراد التي رتبها والده وكان محببا إلى الناس يتردد إليه النواب والقضاة والفقهاء من كل مذهب اشتغل في فنون كثيرة وكتب بخطه الحسن كثيرا وألف كتبا عديدة منها الكنز الأكبر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو أجلها وكتاب نزهة النفوس والأفكار في خواص النبات والحيوان والأحجار وكتاب الدر المنتقى المرفوع في أوراد اليوم والليلة والأسبوع والمولد الشريف وكان بشوشا

يتعبد بقضاء الحوائج مسموع الكلمة في الدولة الأشرفية والظاهرية وتكلم على مدرسة الشيخ أبي عمر والبيمارستان القيمري فحصل له به النفع من عمارة جهاتهما وعمل مصالحهما ورغب الناس في نفع الفقراء بكل ممكن وتوفي ليلة الجمعة سلخ ربيع الآخر ودفن بالتربة التي أنشأها قبلي زاويته المشرفة على الطريق يمين الداخل أخبرني أخي في الله الشيخ أحمد بن علي بن أبي سالم أنه سلم عليه فرد عليه السلام من قبره رحمه الله تعالى
وفيها القاضي أمين الدين عبد الرحمن بن قاضي القضاة شمس الدين محمد وأخو شيخ الإسلام سعد الدين بن عبد الله بن الديري العبسي المقدسي الحنفي ناظر حرمى القدس والخليل ولد بالقدس في شعبان سنة سبع عشرة وثمانمائة وحفظ القرآن العزيز وبعض مختصرات في مذهبه وتفقه بأخيه سعد الدين وغلب عليه الأدب وقال الشعر الجيد وكان له خفة وزهو ويتزيا بزي الأمراء وله كرم وأفضال على ذويه وربما يتحمل من الديون جملا بسبب ذلك وتوفي على نظر القدس الشريف في أوائل ذي الحجة
وفيها علاء الدين أبو الفتوح علي بن أحمد بن إسمعيل بن محمد بن إسمعيل بن علي القلقشندي الشافعي القرشي ولد بالقاهرة في ذي الحجة سنة ثمان وثمانين وسبعمائة ونشأ بها وحفظ القرآن العظيم وعدة متون في مذهبه وتفقه بعلماء عصره كالسراج البلقيني وولده جلال الدين والعز بن جماعة وسراج الدين بن الملقن وغيرهم وأخذ الحديث عن الزين العراقي والنور الهيثمي وسمع على جماعة منهم البرهان الشامي والعلاء بن أبي المجد والجمال الحلاوي وبرع في الفقه والأصول والعربية والمعاني والبيان والقراآت وشارك في عدة علوم وتصدى للافتاء والتدريس والاشغال وانتفع به الطلبة وتفقه به جماعة من الأعيان وولي تدريس الشافعي وطلب إلى قضاء دمشق فامتنع ورشح لقضاء القضاة بالديار المصرية غير مرة وتصدر للتدريس وسنه دون العشرين

وولي عدة مدارس وتوفي أول يوم من هذه السنة
وفيها القاضي كمال الدين محمد بن محمد بن محمد بن عثمان بن محمد الجهني الأنصاري الحموي ثم القاهري الشافعي أوحد الرؤساء كاتب السر بمصر كان إماما عالما ناظما ناثرا ولد بحماة في ذي الحجة سنة ست وتسعين وسبعمائة ونشأ بها تحت كنف والده وحفظ القرآن العظيم والتمييز في الفقه وقرأه على الحافظ برهان الدين الحلبي المعروف بالقوف ثم قدم الديار المصرية مع والده فتفقه بالولي العراقي والعز بن جماعة وأخذ عنهما العقليات وعن القاضي شمس الدين البساطي المالكي وغيرهم وأخذ النحو عن الشيخ يحيى المغربي العجيسي واجتهد في التحصيل وساعده فرط ذكائه واستقامة ذهنه حتى برع في المنطوق والمفهوم وصارت له اليد الطولى في المنثور والمنظوم ومن شعره ما كتبه به على سيرة ابن ناهض تهكما بعد كتابة والده
( مرت على فهمي وحلو لفظها ** مكرر فما عسى أن أصنعا )
( ووالدي دام بقا سؤدده ** لم يبق فيها للكمال موضعا )
وولي قضاء قضاة دمشق وحج قال في المنهل وكان أعظم من رأينا في هذا العصر وتوفي بالقاهرة يوم الأحد سادس عشرى صفر
وفيها يوسف بن الصفي الكركي ثم القاهري كان فاضلا أديبا ومن شعره
( كل يوم إلى ورا ** بدل البول بالخرا )
( فزمانا تهودا ** وزمانا تنصرا )
( وستصبو إلى المجوس ** أن الشيخ عمرا )
توفي في رجب عن نحو تسعين سنة

سنة سبع وخمسين وثمانمائة

فيها توفي شهاب الدين أحمد بن محمد بن علي بن أبي بكر الناشري الإمام

العالم توفي في حياة أبيه عن بضع وأربعين سنة
وفيها الملك الظاهر أبو سعيد جقمق بن عبد الله العلائي الظاهري سلطان الديار المصرية والبلاد الشامية والأقطار الحجازية الرابع والثلاثون من ملوك الترك والعاشر من الجراكسة جلب من بلاد الجركس إلى الديار المصرية وآل أمره بعد تنقلات وتقلبات إلى أن ولي السلطنة وتوطدت له الدولة خصوصا بعد أن قتل نائب حلب ونائب الشام لما خرجا عن طاعته وصفاله الوقت وغزا في أيامه رودس ولم يفتحها وعمر في أيامه أشياء كثيرة من مساجد وجوامع وقناطر وجسور وغير ذلك مما فعله هو وأرباب دولته وعمر عين حنين وأصلح مجاريها وعمر مسجد الخيف بمنى وجدد في الحرم الشريف مواضع ورم الكعبة وصرف مالا عظيما في جهات الخير وله مآثر حميدة وكان مغرما بحب الأيتام والإحسان إليهم وإلى غيرهم متواضعا محبا للعلماء والفقهاء والأشراف والصالحين يقوم لمن يدخل عليه منهم جوادا برا طاهر الفم والذيل فقيها فاضلا شجاعا عارفا بأنواع الفروسية لم يزن ولم يلط ولم يسكر عفيفا عن المنكرات والفروج لا نعلم أحدا من ملوك مصر في الدولة الأيوبية والتركية على طريقته من العفة والعبادة مرض في أواخر ذي الحجة سنة ست وخمسين وطال به المرض إلى أن خلع نفسه من السلطنة في يوم الخميس الحادي والعشرين من محرم هذه السنة وسلطن ولده الملك المنصور عثمان ثم توفي ليلة الثلاثاء ثالث صفر بعد خلعه باثني عشر يوما عن نيف وثمانين سنة وكانت مدة سلطنته أربع عشرة سنة وعشرة أشهر ثم خلع ولده المنصور بعد أربعين يوما من ولايته وحبس بالأسكندرية وتولى السلطنة الملك الأشرف اينال قلت وجقمق هذا غير باني الجقمقية بقرب دمشق فإن ذاك كان أمير دوادارا ثم ناب في دمشق وتقدم ذكره

في سنة أربع وعشرين وثمانمائة
وفيها أبو القسم محمد بن إبراهيم بن عبد الله بن جعمان الصوفي وبنو جعمان بيت علم وصلاح قل أن يوجد لهم نظير في اليمن قال المناوي في طبقات الأولياء في حق صاحب الترجمة كان إماما عالما عارفا محققا عابدا زاهدا مجتهدا أخذ عن الناشري وغيره وانتهت إليه الرياسة في العلم والصلاح في اليمن وله كرامات منها أنه كان يخاطبه الفقيه أحمد بن موسى عجيل من قبره وإذا قصده أحد في حاجة توجه إلى قبره فيقرأ عنده ما تيسر من القرآن ثم يعلمه فيجيبه انتهى
وفيها أبو القسم محمد بن محمد بن محمد بن علي بن محمد النويري القاهري المالكي اشتغل على علماء عصره ومهر وبرع ونظم ونثر وكان علامة وتوفي بمكة في جمادى الأولى
وفيها أكمل الدين أبو عبد الله محمد بن الشيخ شرف الدين أبي عبد الله بن محمد بن مفلح بن محمد بن مفرج الشيخ الإمام العلامة المفتي الحنبلي اشتغل بعد فتنة تمرلنك ولازم والده ومهر على يديه وكان له فهم صحيح وذهن مستقيم وسمع من والده والشيخ تاج الدين بن بردس وأفتى في حياة والده وبعد وفاته وناب في الحكم عن القاضي محب الدين بن نصر الله بالقاهرة وعين لقضاء دمشق فلم ينبرم ذلك وكان له سلطنة على الأتراك ووعظ ووقع له مناظرات مع جماعة من العلماء والأكابر وحصل له في سنة ثلاث وأربعين داء الفالج وقاسى منه أهوالا ثم عوفي منه ولكن لم يتخلص بالكلية وتوفي بدمشق ليلة السبت سادس عشر شوال ودفن بالروضة على والده إلى جانب جده صاحب الفروع رحمهم الله تعالى
وفيها قاضي القضاة بدر الدين أبو المحاسن محمد بن ناصر الدين محمد بن شرف الدين عبد المنعم بن سليمان بن داود البغدادي الأصل ثم المصري الحنبلي

الإمام العالم ولد بالقاهرة سنة إحدى وثمانمائة ونشأ بها واشتغل بالعلم وناب في القضاء بالديار المصرية وأشغل ودرس وناظر وأفتى ثم استقل بقضاء القضاة يوم الإثنين عشرى جمادى الأولى سنة أربع وأربعين وثمانمائة فباشر على أحسن وجه وكان عفيفا في ولايته لا يقبل رشوى ولا هدية وبهذا ظهر أمره واشتهر اسمه في الآفاق وكان مقصدا وانتهت إليه في آخر عمره رياسة المذهب بل رياسة عصره وكان معظما عند الملك الظاهر جقمق مسموع الكلمة عند أركان الدولة وكانت له معرفة تامة بأمور الدنيا ويقوم مع غير أهل مذهبه ويحسن إليهم ويرتب لهم الأموال ويأخذ لهم الجوائز ويعتني بشأنهم خصوصا أهل الحرمين الشريفين وكان عنده كرم ويميل إلى محبة الفقراء وفتح عليه بسبب ذلك قال البرهان بن مفلح ولقد شاهدته وهو في أبهته وناموسه بمسجد الخيف يقبل يد شخص من الفقراء ويمرها على وجهه توفي يوم الخميس ثامن شهر جمادى الأولى
وكان ولده شرف الدين محمد توفي قبله وكان دينا عفيفا فاضلا له معرفة بالأمور كأبيه وباشر نيابة الحكم عن والده وانقطع نسله ودفن خارج باب النصر في تربة جد والده الشيخ عبد المنعم ووجد عليه والده والناس

سنة ثمان وخمسين وثمانمائة

فيها تقريبا توفي الشيخ عفيف الدين أبو المعالي علي بن عبد المحسن بن الدواليبي البغدادي ثم الشامي الحنبلي الخطيب شيخ مدرسة أبي عمر ولد ببغداد في حادي عشرى المحرم سنة تسع وسبعين وسبعمائة وسمع بها من شمس الدين الكرماني صحيح البخاري في سنة خمس وثمانمائة وقدم دمشق فاستوطنها وولي خطابة الجامع المظفري ومشيخة مدرسة الشيخ أبي عمر وكان إماما عالما ذا سند عال في الحديث وتوفي بصالحية دمشق ودفن بالسفح

سنة تسع وخمسين وثمانمائة

فيها وقع سيل عظيم بمكة ودخل الحرم حتى قارب الحجر الأسود
وفيها توفي أمير مكة الزين أبو زهير بركات بن البدر أبي المعالي حسن ابن عجلان بن رميثة ولم يكمل ستين سنة
وفيها صاحب حصن كيفا حسن بن عثمان بن العادل الأيوبي
وفيها عز الدين عبد السلام بن أحمد بن عبد المنعم بن محمد بن أحمد القيلوي بالقاف ثم تحتانية ساكنة ثم لام مفتوحة وبعد الواو ياء النسب نسبة إلى قرية بأرض بغداد يقال لها قيلويه مثل نفطويه نزيل القاهرة الحنفي الإمام العلامة قال البرهان البقاعي في عنوان الزمان ولد سنة ثمانين وسبعمائة تقريبا بالجانب الشرقي من بغداد وقرأ به القرآن برواية عاصم وحفظ كتبا في الفقه والأصول والنحو والمعاني وغير ذلك فأكثر من المحفوظات جدا ثم سمع البخاري على الشيخ محمد بن الجاردي وأخذ عنه فقه الحنابلة وعن الشيخ عبد الله بن عزيز بالزايين والتثقيل المصغر وعن الشيخ محمود المعروف بكريكر بالتصغير وغيرهم وبحث في فقه الشافعية أيضا ثم تحنف وأخذ الأصول عن الشيخ أحمد الدواليبي والنحو عن الشيخ أحمد بن المقداد وغيره والطب عن الموفق الهمذاني والفرائض عن الشيخ عبد القادر الواسطي وانتفع به في غير ذلك ثم ارتحل إلى العجم لما نجاه الله تعالى من فتنة تمرلنك العظمى فلازم ضياء الدين الهروي الحنفي وأخذ عنه فقه الحنفية بعد أن حفظ مجمع البحرين وقرأ على غيره وقرأ في عدة علوم على من لا يحصى ثم ارتحل إلى أرزنجان من بلاد الروم فأخذ التصوف عن الشيخ يار على السيواسي ثم دخل بلاد الشام وحلب وبيت المقدس فاجتمع بالقدوة العلامة شهاب الدين بن الهايم ثم رحل إلى القاهرة فأخذ الحديث عن الولي العراقي والجمال الحنبلي الجندي

والشمس الشامي وهذه الطبقة فأكثر جدا ودرس في القاهرة بعدة أماكن ولازمه الناس وانتفعوا به جدا وهو رجل خير زاهد مؤثر للانقطاع عن الناس والعفة والتقنع بزراعات يزرعها ولم يحصل له إنصاف من رؤساء الزمان في أمر الدنيا وعنده رياضة زائدة وصبر على أشغال الناس له واحتمال جفاهم ولم يعتن بالتصنيف ومن شعره
( شرابك المختوم في آنيه ** وخمر أعدائك في آنيه )
( فليت أيامك لي آنيه ** قبل انقضاء العمر في آنيه )
انتهى ملخصا أي وتوفي في رمضان بالقاهرة وقد تجاوز الثمانين
وفيها معين الدين عبد اللطيف بن أبي بكر بن سليمان القاضي بن القاضي الحلبي الأصل المصري المولد والمنشأ الشافعي قال في المنهل الصافي ولد بالقاهرة سنة اثنتي عشرة وثمانمائة تخمينا ونشأ بها تحت كنف والده وحفظ القرآن العزيز وصلى بالناس في سنة أربع وعشرين وحفظ عدة مختصرات وتفقه على الشرف السبكي وقرأ المعقول على التقي الشمني وعلى الشمس الرومي وكتب الخط المنسوب وتدرب بوالده وغيره وكتب في التوقيع بديوان الإنشاء بالديار المصرية ثم ولي كتابة سر حلب بعد عزل والده في آخر الدولة الأشرفية فباشرها على أحسن وجه وحظى عند نائبها ثم عزل وعاد إلى توقيع دست القاهرة واستمر على ذلك إلى أن توفي والده سنة أربع وأربعين وثمانمائة فاستقر مكانه في كتابة السر بمصر
وفيها شمس الدين محمد بن حسن بن علي بن عثمان النواجي الشافعي المصري الإمام العلامة الأديب قال في عنوان الزمان ولد بالقاهرة بعد سنة خمس وثمانين وسبعمائة تقريبا وقرأ بها القرآن وتلا ببعض السبع على الشيخ أمير حاج والشمس الزراتيني وعلى شيخنا الشمس الجزري وحفظ العمدة والتنبيه والشاطبية والألفية وعرض بعضها على الشيخ زين الدين العراقي وذكر أنه

أجاز له وغيره ثم أقبل على التفهم فأخذ الفقه عن الشمس البرماوي والبرهان البيجوري وغيرهما والنحو وغيره من المعقول عن الشيخ عز الدين بن جماعة والشمس البساطي والشمس بن هشام العجيمي وحج مرتين ودخل دمياط وأسكندرية وتردد إلى المحلة وأمعن النظر في علوم الأدب وأنعم حتى فاق أهل العصر فما رام بديع معنى إلا أطاعه وأنعم وأطال الاعتناء بالأدب فحوى فيه قصب السبق إلى أعلى الرتب ومن مصنفاته حاشية على التوضيح في مجلدة وبعض حاشية على الجاربردى وكتاب تأهيل الغريب يشتمل على قصائد مطولات كلها غزل والشفافي بديع إلا كتفا وخلع العذار في وصف العذار وصحائف الحسنات وروضة المجالس في بديع المجانسة ومراتع الغزلان في وصف الحسان من الغلمان وحلية الكميت في وصف الخمر وكان سماه أولا الحبور والسرور في وصف الخمور فحصلت له بسببه محنة عظيمة واستفتى عليه فغير تسميته ومن شعره ما ذكره في الشفا
( بعد صباح الوجه عيشى مضى ** فيا رعى الله زمان الصباح )
( وبت أرعى النجم لكنني ** أهفو إذا هب نسيم الصباح )
ومنه
( عسى شربة من ماء ريقك تنطفي ** بها كبدي الحرى وتبرى من الظما )
( فحتام لا أحظى بها وإلى متى ** أقضى زماني في عسى ولعلما )
ومنه
( لقد تزايد همي مذ نأى فرج ** عني وصدري أضحى ضيقا حرجا )
( ورحت أشكو الأسى والحال ينشدني ** يا مشتكي الهم دعه وانتظر فرجا )
ثم ذكر له أشياء حسنة وأخرى بضدها وأظهر تحاملا عليه فلذلك لم أذكر شيئا من ذلك فرحمهما الله تعالى

سنة ستين وثمانمائة

فيها توفي المولى سيد علي العجمي الحنفي قال في الشقائق حصل العلوم في بلاده ويقال أنه قرأ على السيد الشريف ثم أتى بلاد الروم فأتى بلدة قسطموني وواليها إذ ذاك إسمعيل بك فأكرمه غاية الإكرام ثم أتى إلى مدينة أدرنة فأعطاه السلطان مرادخان مدرسة جده السلطان بايزيدخان بمدينة بروسا وعاش إلى زمن السلطان محمد واجتمع عنده مع علماء زمانه وبحث معهم وظهر فضله بينهم وله من التصانيف حواش على حاشية شرح الشمسية للسيد الشريف وحواش على حاشية شرح المطالع للسيد الشريف أيضا وحواش على شرح المواقف للسيد الشريف وكان له خط حسن انتهى
وفيها شمس الدين محمد بن علي بن محمد بن نصير الدمشقي ثم القاهري كان ممن تعانى الأدب ومهر في عمل المواليا وغيره وصار قيما
وفيها منصور بن الحسين بن علي الكازروني الشافعي الإمام العلامة كان إماما عالما مصنفا مفيدا صحيح العقيدة صنف حجة السفرة البررة على المبتدعة الفجرة الكفرة وتوفي بمكة المشرفة
سنة إحدى وستين وثمانمائة

فيها توفي برهان الدين إبراهيم بن محمد بن محمد بن محمد بن سليمان بن علي البعلي الشافعي المعروف بابن المراحلي كان إماما فاضلا نبيلا توفي في ذي الحجة عن أربع وثمانين سنة
وفيها أبو العباس أحمد بن محمد بن عبد الغني السوسي الحنفي العارف بالله تعالى المسلك العالم العامل القطب الغوث قال المناوي في طبقاته كان من أفراد الصلحاء المسلكين بالقاهرة عالي الرتبة جدا حتى يقال أن الشيخ محمد الحنفي إنما نال ما وصل إليه بلحظه وكان تفقه على ذوي المذاهب الأربعة وله كرامات ومكاشفات منها أن الكمال بن الهمام لما دخل مكة سأل العارف

عبد الكريم الحضرمي أن يريه القطب فوعده لوقت معين ثم دخل معه فيه إلى المطاف وقال له ارفع رأسك فرفع فوجد شيخا على كرسي بين السماء والأرض فتأمله فإذا هو صاحب الترجمة فدهش وصار يقول من دهشته بأعلى صوته هذا صاحبنا ولم نعرف مقامه فاختفى عنه ولما رجع الكمال إلى مصر بادر للسلام عليه وقبل قدميه فقال أكتم ما رأيته وتوفى بالقاهرة عن نحو ثمانين سنة ودفن بالقرافة
وفيها القاضي قاسم بن القاضي جلال الدين أبي عمر التلفيتي الشافعي الإمام العالم توفي في شوال عن خمس وستين سنة قاله في ذيل الدول
وفيها كمال الدين محمد بن عبد الواحد بن عبد الحميد بن مسعود السيواسي ثم الأسكندري المعروف بابن الهمام الحنفي الإمام العلامة قال في بغية الوعاة ولد سنة تسعين وسبعمائة وتفقه بالسراج قاري الهداية ولازمه في الأصول وغيرها وانتفع به وبالقاضي محب الدين بن الشحنة لما دخل القاهرة سنة ثلاث عشرة ولازمه ورجع معه إلى حلب وأقام عنده إلى أن مات وأخذ العربية عن الجمال الحميدي والأصول وغيره عن البساطي والحديث عن أبي زرعة ابن العراقي والتصوف عن الخوافي والقراآت عن الزراتيتي وسمع الحديث عن الجمال الحنبلي والشمس الشامي وأجاز له المراغي وابن ظهيرة وتقدم على أقرانه وبرع في العلوم وتصدى لنشر العلم فانتفع به خلق وكان علامة في الفقه والأصول والنحو والتصريف والمعاني والبيان والتصوف والمويسيقى وغيرها محققا جدليا نظارا وكان يقول لا أقلد في المعقولات أحدا وقال البرهان الأبناسي من أقرانه طلبت حجج الدين ما كان في بلدنا من يقوم بها غيره وكان للشيخ نصيب وافر مما لأرباب الأحوال من الكشف

والكرامات وكان تجرد أولا بالكلية فقال له أهل الطريق ارجع فإن للناس حاجة بعلمك وكان يأتيه الوارد كما يأتي الصوفية لكنه يقلع عنه بسرعة لأجل مخالطته بالناس أخبرني بعض الصوفية من أصحابه أنه كان عنده في بيته الذي بمصر فأتاه الوارد فقام مسرعا قال الحاكي وأخذ بيدي يجرني وهو يعدو في مشيه وأنا أجري معه إلى أن وقف علي المراكب فقال ما لكم واقفين ههنا فقالوا أوقفنا الريح وما هو باختيارنا فقال هو الذي يسيركم وهو الذي يوقفكم قالوا نعم قال الحاكي وأقلع عنه الوارد فقال لعلي شققت عليك قال فقلت أي والله وانقطع قلبي من الجري فقال لا تأخذ علي فإني لم أشعر بشيء مما فعلته وكان الشيخ يلازم لبس الطيلسان كما هو السنة ويرخيه كثيرا على وجهه وقت حضور الشيخونية وكان يخفف الحضور جدا ويخفف صلاته كما هو شأن الأبدال فقد نقلوا أن صلاة الأبدال خفيفة وكان الشيخ أفتى برهة من عمره ثم ترك الافتاء جملة وولي من الوظائف تدريس الفقه بالمنصورية وبقبة الصالح وبالأشرفية والشيخونية فباشرها مدة أحسن مباشرة غير ملتفت إلى أحد من الأكابر وأرباب الدولة ثم رغب عنها لما جاور بالحرمين واستقر بعده شيخنا العلامة محي الدين الكافيجي وكان حسن اللقاء والسمت والبشر والبزة طيب النغمة مع الوقار والهيبة والتواضع المفرط والمحاسن الجمة وكان أحد الأوصياء علي وله تصانيف منها شرح الهداية سماه فتح القدير للعاجز الفقير وصل فيه إلى أثناء الوكالة والتحرير في أصول الفقه والمسايرة في أصول الدين وكراسة في اعراب سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم وله مختصر في الفقه سماه زاد الفقير وله نظم نازل مات يوم الجمعة سابع رمضان انتهى

سنة اثنتين وستين وثمانمائة

فيها وقع في بولاق حريق لم يسمع بمثله


وفيها توفي إبراهيم الزيات المجذوب قال المناوي في طبقاته كان معتقدا عند الخاصة والعامة يزوره الأكابر والأصاغر وله خوارق وكرامات كثيرة وقصد للزيارة من الآفاق وكان غالب أكله اللوز مات في القعدة بموضع مقامه بقنطرة قديدار انتهى
وفيها شهاب الدين أحمد بن محمد بن حسين القاهري السيفي يشبك الحنفي الصوفي ويعرف بابن مبارك شاه قال في ذيل الدول كان إماما علامة انتهى
وفيها أو في التي قبلها وبه جزم العلموي في طبقاته تقي الدين أبو الصدق أبو بكر بن إبراهيم بن يوسف بن قندس البعلي الحنبلي الإمام العلامة ذو الفنون ولد على ما كتبه بخطه قرب سنة تسع وثمانمائة وسمع على التاج بن بردس وغيره وتفقه في المذهب وحفظ المقنع وعنى بعلم الحديث كثيرا وقرأ الأصول على ابن العصياتي بحمص وأذن له بالافتاء والتدريس جماعة منهم الشيخ شرف الدين بن مفلح ثم قرأ المعاني والبيان على الشيخ يوسف الرومي والنحو على ابن أبي الجوف وكان مفننا في العلوم ذا ذهن ثاقب ثم بعد وفاة شيخه ابن مفلح طلبه الشيخ عبد الرحمن بن داود وأجلسه في مدرسة شيخ الإسلام أبي عمر فتصدى لأقراء الطلبة ونفعهم ثم ولي نيابة الحكم عن العز البغدادي مدة ثم ترك ذلك وأقبل على الاشتغال في العلم وكسب يده وأخذ عنه العلم جماعة وانتفعوا به منهم شيخ المذهب علاء الدين المرداوي والشيخ تقي الدين الجراعي وغيرهما من الأعلام وكان من عباد الله الصالحين وله حاشية على الفروع وحاشية على المحرر وتوفي يوم عاشوراء ودفن بالروضة قريبا من الشيخ موفق الدين
وفيها تقريبا داود بن محمد بن إبراهيم بن شداد بن المبارك النجدي الأصل الربيعي النسب الحموي المولد الحنبلي المعروف بالبلاعي نسبة إلى بلدة تسمى البلاعة الفقيه الفرضي أخذ العلم عن قاضي القضاة علاء الدين بن المغلى

وكان له يد طولى في الفرائض والحساب ومن تلامذته الأعيان من قضاة طرابلس وغيرها وتوفي بحماة
وفيها القاضي نور الدين علي بن محمد بن اقبرس الشافعي الإمام العلامة قال في العنوان ولد سنة إحدى وثمانمائة بالقاهرة وأخبرني أنه تلا بالسبع على الشمس الزراتيني والشيخ أمير حاج وأنه أخذ الفقه عن الشيخ شمس الدين الأبوصيري والشيخ عز الدين بن جماعة والشمس البرماوي والمنطق وكان رفيقه الكمال بن الهمام عن الجلال الهندي وأثنى على علمه به ولازم الشمس البساطي فانتفع به في النحو والتصريف والمعاني والبيان والأصلين والمنطق وغير ذلك وعنده فضيلة وكلامه أكثر من فضيلته وعنده جراءة وطلاقة لسان وقدرة على الدخول في الناس وعلى صحبة الأتراك صحب جقمق العلائي ولازمه حتى عرف به فلما ولي السلطنة حصل له منه حظ وولاه وظائف منها نظر الأوقاف ووسع في دنياه جدا وناب في القضاء للشمس الهروي وغيره وله نظم وسط ربما وقع فيه الجيد وكذا نثره وسمع شيخنا ابن حجر وغيره وحج وجاور وسافر إلى دمشق وزار القدس ودخل ثغر اسكندرية ودمياط ومن نظمه
( يا رب مالي غير رحمتك التي ** أرجو النجاة بها من التشديد )
( مولاي لا علمي ولا عملي إذا ** حوسبت ما عندي سوى التوحيد )
انتهى ملخصا وتوفي بالقاهرة في صفر وقد جاوز الستين
وفيها نور الدين أبو الحسن علي بن محمد المتبولي الشهير بابن الرزاز الحنبلي الإمام العلامة كان من أعيان فقهاء الديار المصرية وقضاتها باشر نيابة القضاء عن ابن المغلى ومن بعده وكان يكتب على الفتوى عبارة حسنة وتوفي بالقاهرة في حادي عشر ربيع الأول ودفن بتربة الشيخ نصر المنبجي
وفيها زين الدين عبد الرحمن بن محمد بن خالد بن زهر الحنبلي

الحمصي كان من أهل الفضل قرأ المقنع على والده وروى الحديث بسند عال روى عن الشيخ شمس الدين بن اليونانية عن الحجار وكان ملازما للعبادة والخشوع والصلاح

سنة ثلاث وستين وثمانمائة

فيها توفي شهاب الدين أحمد بن محمد بن صالح بن عثمان الأسليمي ثم الحسيني القاهري الشافعي الإمام العلامة
وفيها شهاب الدين أحمد بن محمد بن المجد المخزومي الحنبلي النابلسي الإمام العالم توفي بنابلس
وتوفي فيها أيضا في هذه السنة زين الدين عبد المغيث بن الأمير ناصر الدين محمد بن عبد المغيث الحنبلي
وفيها برهان الدين أبو الخير إبراهيم بن أحمد بن عبد الكافي الطباطبي المقرىء الصوفي الشافعي السيد الشريف قال المناوي كان يطلق بكل صالحة يده ولسانه ويطوي على المعارف اليقينية جنانه ولا يلتفت إلى الدنيا ولا يقبلها ويشتري حاجته من السوق ويحملها أخذ عن المحب الطبري والكمال الكازروني والحافظ ابن حجر وتصدى للأقراء بالحرمين وأخذ عنه الأماثل وله اليد الطولى في التصوف وعنه أخذ جدنا الشرف المناوي التصوف واستمر ملازما طريقته المرضية إلى أن حان أجله وأدركته المنية وتوفي بمكة انتهى
وفيها شمس الدين محمد بن عبد الله بن خليل بن أحمد البلاطنسي ثم الدمشقي الشافعي الإمام العالم توفي في صفر عن أربع وستين سنة
وفيها شمس الدين محمد بن محمد بن علي بن أحمد الحموي ثم الحلبي

الشافعي الصوفي ويعرف بابن الشماع كان إماما عالما عاملا زاهدا علامة توفي بطيبة المشرفة في ذي القعدة عن بضع وسبعين سنة ودفن بالبقيع

سنة أربع وستين وثمانمائة

فيها كان الطاعون العظيم بغزة ثم الشام والقدس ومات فيه من لا يحصى
وفيها توفي برهان الدين إبراهيم بن علي بن محمد بن داود البيضاوي ثم المكي الشافعي ويعرف بالزمزي الإمام العلامة توفي في ربيع الأول عن ست وثمانين سنة
وفيها شهاب الدين أحمد بن علي بن محمد الشحام الحنبلي المؤذن بالجامع الأموي ولد في خامس عشرى المحرم سنة إحدى وثمانين وسبعمائة وسمع من جماعة وروى عنه جماعة من الأعيان وتوفي بالقدس الشريف في نهار الثلاثاء تاسع جمادى الآخرة
وفيها تقريبا قاضي القضاة تقي الدين أبو الصدق أبو بكر بن محمد بن الصدر البعلي الحنبلي ولد سنة سبع وسبعين وسبعمائة وروى عمن روى عن الحجار وسمع على الشيخ شمس الدين بن اليونانية البعلي ببعلبك وولي قضاء طرابلس مدة طويلة وكان حسن السيرة وأجاز الشيخ نور الدين العصياتي وأخذ عنه جماعات
وفيها جلال الدين محمد بن أحمد بن محمد بن إبراهيم المحلى الشافعي تفتازاني العرب الإمام العلامة قال في حسن المحاضرة ولد بمصر سنة إحدى وتسعين وسبعمائة واشتغل وبرع في الفنون فقها وكلاما وأصولا ونحوا ومنطقا وغيرها وأخذ عن البدر محمود الأقصرائي والبرهان البيجوري والشمس البساطي والعلاء البخاري وغيرهم وكان علامة آية في الذكاء والفهم كان بعض أهل عصره يقول فيه أن ذهنه يثقب الماس وكان هو يقول عن نفسه إن فهمي لا يقبل الخطأ ولم يك يقدر على الحفظ وحفظ كراسا من بعض الكتب

فامتلأ بدنه حرارة وكان غرة هذا العصر في سلوك طريق السلف على قدم من الصلاح والورع والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يواجه بذلك أكابر الظلمة والحكام ويأتون إليه فلا يلتفت إليهم ولا يأذن لهم في الدخول عليه وكان عظيم الحدة جدا لا يراعي أحدا في القول يؤسى في عقود المجالس على قضاة القضاة وغيرهم وهم يخضعون له ويهابونه ويرجعون إليه وظهرت له كرامات وعرض عليه القضاء الأكبر فامتنع وولي تدريس الفقه بالمؤيدية والبرقوقية وقرأ عليه جماعة وكان قليل الأقراء يغلب عليه الملل والسآمة وسمع الحديث من الشرف بن الكويك وكان متقشفا في مركوبه وملبوسه ويتكسب بالتجارة وألف كتبا تشد إليها الرحال في غاية الاختصار والتحرير والتنفيح وسلاسة العبارة وحسن المزج والحل وقد أقبل عليها الناس وتلقوها بالقبول وتداولوها منها شرح جمع الجوامع في الأصول وشرح المنهاج في الفقه وشرح بردة المديح ومناسك وكتاب في الجهاد ومنها أشياء لم تكمل كشرح القواعد لابن هشام وشرح التسهيل كتب منه قليلا جدا وحاشية على شرح جامع المختصرات وحاشية على جواهر الأسنوي وشرح الشمسية في المنطق وأجل كتبه التي لم تكمل تفسير القرآن كتب منه من أول الكهف إلى آخر القرآن وهو ممزوج محرر في غاية الحسن وكتب على الفاتحة وآيات يسيرة من البقرة وقد كملته بتكملة على نمطه من أول البقرة إلى آخر الأسراء وتوفي في أول يوم من سنة أربع وستين وثمانمائة انتهى

سنة خمس وستين وثمانمائة

في صفرها كان بمكة سيل عظيم
وفيها توفي الملك الأشرف سيف الدين أبو النصر اينال العلائي تسلطن في صبيحة يوم الإثنين لثمان مضين من شهر ربيع الأول سنة سبع وخمسين وثمانمائة

وهو الثاني عشر من ملوك الجراكسة وأولادهم وهو جركسي جلبه الخواجا علاء الدين إلى مصر فاشتراه الظاهر برقوق وأعتقه الناصر فرج بن برقوق وتنقل في الدولة إلى أن صار في أيام الأشرف برسباي أمير مائة مقدم ألف وولاه الظاهر جقمق الدوادارية الكبرى إلى أن جعله أتابكا واستمر إلى أن تسلطن وتم أمره في الملك وطالت أيامه نحو ثمان سنين وشهرين وأياما وكان طويلا خفيف اللحية بحيث اشتهر باينال الأجرود وكان قليل الظلم قليل سفك الدماء متجاوزا عن الخطا والتقصير إلا أن مماليكه ساءت سيرتهم في الناس واستمر سلطانا إلى أن خلع نفسه من السلطنة وعقدها لولده الملك المؤيد شهاب الدين أبي الفتح أحمد بن إينال العلائي في يوم الأربعاء رابع عشر ليلة خلت من جمادى الأولى وتوفي والده بعد ذاك بيوم واحد ثم خلعه أتابكه خشقدم بعد خمسة أشهر وخمسة أيام وولي السلطنة عوضه الملك الظاهر خشقدم يوم الأحد لإحدى عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان
وفيها القاضي شهاب الدين أحمد بن محمد بن محمد بن عمر البلقيني الإمام العالم توفي في ذي القعدة عن ثلاث وخمسين سنة
وفيها عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم الكناني الحموي المعروف بابن جماعة توفي في ذي القعدة عن خمس وثمانين سنة
وفيها باعلوي عبد الله بن أبي بكر بن عبد الرحمن اليمني الصوفي كان شيخ حضر موت وركنها وصوفيها وزاهدها له أتباع وخدم مع الولاية الظاهرة والأسرار الباهرة وتوفي في رمضان

سنة ست وستين وثمانمائة

فيها توفي السيد حسين بن محمد بن أيوب الحسني الشافعي المعروف بالسيد النسابة كان إماما عالما أخباريا توفي في مستهل صفر وقد قارب المائة


وفيها السلطان خلف الأيوبي صاحب حصن كيفا وهو آخر ملوك الحصن من بني أيوب
وفيها شمس الدين أبو الفتح محمد بن أحمد بن أبي بكر القاهري الشافعي الصوفي الإمام الزاهد توفي في ربيع الأول عن نحو ثمانين سنة

سنة سبع وستين وثمانمائة

في ربيع الآخر وقع بمكة سيل عظيم حتى دخل المسجد الحرام وارتقى الماء إلى نحو قفل باب الكعبة
وفي حدودها توفي برهان الدين أبو إسحق إبراهيم بن التاج عبد الوهاب بن عبد السلام بن عبد القادر البغدادي الحنبلي ولد في ثالث ذي الحجة سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة وقرأ على علماء عصره وجد واجتهد حتى صار إماما عالما محدثا زاهدا يشار إليه بالبنان
وفيها أبو بكر بن محمد بن إسمعيل بن علي القلقشندي المقدسي الشافعي كان إماما عالما عاملا محدثا فقيها توفي ببيت المقدس في جمادى الآخرة عن بضع وثمانين سنة
وفيها أبو السعادات بن محمد بن عبد الله بن سعد النابلسي الأصل المقدسي نزيل القاهرة الحنفي كان إماما علامة شيخ مذهب النعمان في زمنه توفي في ربيع الآخر عن نحو مائة سنة
وفيها تقريبا زين الدين أبو عبد الله بلال بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم القادري الحنبلي الفقيه الإمام العالم
وفي حدودها شمس الدين محمد بن عبد الله المتبولي الحنبلي المشهور بابن الرزاز كان إماما عالما فقيها

سنة ثمان وستين وثمانمائة

فيها توفي قاضي القضاة علم الدين صالح بن شيخ الإسلام سراج الدين عمر البلقيني الشافعي الإمام العلامة قال السيوطي في حسن المحاضرة وهو شيخنا حامل لواء مذهب الشافعي في عصره ولد سنة إحدى وتسعين وسبعمائة وأخذ الفقه عن والده وأخيه والنحو عن الشطنوفي والأصول عن العز بن جماعة وسمع على أبيه جزء الجمعة وختم الدلائل وغير ذلك وعلى الشهاب ابن حجي جزء ابن نجيد وحضر عند الحافظ أبي الفضل العراقي في الاملاء وتولى مشيخة الخشابية والتفسير بالبرقوقية بعد أخيه وتدريس الشريفية بعد القمني وتولى القضاء الأكبر سنة ست وعشرين بعزل الشيخ ولي الدين وتكرر عزله وإعادته وتفرد بالفقه وأخذ عنه الجم الغفير وألحق الأصاغر بالأكابر والأحفاد بالأجداد وألف تفسير القرآن وكمل التدريب لأبيه وغير ذلك قرأت عليه الفقه وأجازني بالتدريس وحضر تصديري وقد أفردت ترجمته بالتأليف ومات يوم الأربعاء خامس رجب انتهى
وفيها جمال الدين عبد الله بن أبي بكر بن خالد بن زهرا الحمصي الحنبلي الإمام العلامة قرأ الفروع على ابن مغلى وله عليه حاشية لطيفة وقرأ تجريد العناية على مؤلفه القاضي علاء الدين بن اللحام والأصول له أيضا وأخذ عن عمه القاضي شمس الدين وعلماء دمشق وكان من أكابر الفضلاء وتوفي في هذه السنة عن أكثر من مائة سنة
وفيها أبو الحسن علي بن سودون البشبغاوي القاهري الحنفي الإمام العلامة أخذ عن علماء عصره وتفنن في العلوم وكان مملقا فأخذ في رواج أمره بالمجون ويقال أنه أول من أحدث خيال الظل وألف كتابا حافلا صدره نظم فائق في مديح المصطفى صلى الله عليه وسلم وغيره وعجزه خرافات

ويقال أن والده كان قاضيا بمصر وأنه سمع بأن ولده تعاطى التمسخر مع الأراذل تحت قلعة دمشق فأتى إلى الشام ووقف على حلقة فيها ولده يتعاطى ذلك فلما رأى والده أنشد
( قد كان يرجو والدي ** بأن أكن قاضي البلد )
( ما تم إلا ما يريد ** فليعتبر من له ولد )
وبالجملة فقد كان من أعاجيب الزمان وتوفي بدمشق في رجب عن ثمان وخمسين سنة
وفيها السيد يحيى بن السيد بهاء الدين الشرواني الحنفي الصوفي الخلوتي قال في الشقائق ولد بمدينة شماخي وهي أم مدائن ولاية شروان وكان أبوه من أهل الثروة وكان هو صاحب جمال وكمال يلعب بالصولجان فبينا هو يلعب فيه إذ مر عليه الشيخ بيرزاده الخلوتي فلما رأى أدبه وجماله دعا له بالفوز بطريق الصوفية فالتجأ المترجم إلى خدمة الشيخ صدر الدين الخلوتي ولازم خدمته فكره والده ذلك لدخوله الخلوة مع الصوفية مع هذا الجمال وأنكر على الشيخ صدر الدين لإذنه له في ذلك ونصح ولده فلم ينفع حتى قيل أنه قصد إهلاك الشيخ صدر الدين واتفق أن السيد يحيى لم يحضر الجماعة في صلاة العشاء لاشتغاله بالتنور وكان الوقت باردا فدخل الشيخ بيته من كوة الدار وأخذ بيده وقال قم يا ولدي فقال له والده لأي شيء دخل شيخك من الكوة ولم يدخل من الباب وأنت تعتقد أنه متشرع فقال خاف من الشوك في الطريق فقال وأي شوك هو قال إنكارك فعند ذلك زال إنكاره ولازم أيضا خدمة الشيخ المذكور ثم أن السيد يحيى انتقل بعد موت شيخه من شماخي إلى بلدة باكو من ولاية شروان وتوطن هناك واجتمع عليه الناس حتى زادت جماعته على عشرة آلاف ونشر الخلفاء إلى أطراف الممالك

وكان هو أول من سن ذلك وكان يقول بجواز إكثار الخلفاء لتعليم الآداب للناس وأما المرشد فلا يكون إلا واحدا وحكى أنه لم يأكل طعاما في آخر عمره مقدار ستة أشهر وتوفي في بلدة باكو انتهى ملخصا
وفيها العزيز يوسف بن الأشرف برسباي توفي بالأسكندرية في المحرم عن أربعين سنة
وتوفي بعده أخوه الشهابي أحمد عن نحو سبع وعشرين سنة في هذه السنة أيضا ولم يكن بينهما ثلاثة أشهر

سنة تسع وستين وثمانمائة

فيها توفي قاضي القضاة شهاب الدين أحمد بن الحسين العباسي السيد الحسيب النسيب الحنبلي الإمام العلامة ولد سنة خمس وتسعين وسبعمائة وأخذ عن ابن المغلى وابن زهرا الحمصي وولي قضاء حماة فباشره فوق ثلاثين سنة بعفة وديانة وكان يروم الخلافة وربما تكلم له فيها لأنه كان من ذرية العباس رضي الله عنه وكان من أهل العلم والفضل وتوفي بحماة في أوائل هذه السنة
وولي قضاء حماة بعده ولد ولده قاضي القضاة محي الدين عبد القادر بن القاضي موفق الدين بن القاضي شهاب الدين واستمر بها نحو عشر سنين إلى أن توفي رحمه الله
وفيها السلطان عبد الحق بن أبي سعيد المريني صاحب فاس توفي في رمضان
سنة سبعين وثمانمائة

فيها توفي برهان الدين إبراهيم بن أحمد بن ناصر بن خليفة المقدسي الشافعي الناصري الباعوني الدمشقي الإمام العالم العلامة توفي في ربيع الأول

عن بضع وتسعين سنة
وتوفي بعده في رمضان هذه السنة أخوه شمس الدين محمد بن أحمد الإمام العالم الناظم الناثر
وفيها شهاب الدين أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن موسى المنوفي الشافعي المعروف بابن أبي السعود كان إماما فاضلا عالما توفي بطيبة في شوال عن ست وخمسين سنة
وفيها شهاب الدين أحمد بن محمد بن أحمد بن أبي بكر بن زيد الحنبلي الإمام العلامة النحوي المفسر المحدث قال العليمي اعتنى بعلم الحديث كثيرا ودأب فيه وكان أستاذا في العربية وله يد طولى في التفسير وانتفع به الناس وكان يقرأ على الشيخ علي بن زكنون ترتيب مسند الإمام أحمد له وكذلك غيره من كتب الحديث وكان أستاذا في الوعظ وله كتاب خطب في غاية الحسن وتوفي في سلخ صفر
وفيها بيرنصع بن جهان شاه بن قرا يوسف بن قرا محمد التركماني صاحب بغداد توفي في ثاني ذي القعدة
وفيها أبو الفضل عبد الرحمن بن علي بن عمر بن علي الأنصاري الأندلسي ثم القاهري الشافعي المعروف بابن الملقن كان إماما علامة توفي في شوال عن ثمانين سنة قاله في ذيل الدول
وفيها القاضي نور الدين أبو الحسن علي بن شهاب الدين أحمد الشيشيني الحنبلي الإمام العلامة قال العليمي كان من أهل العلم فقيها مفتيا باشر نيابة الحكم بالديار المصرية وكان يكتب على الفتوى كتابة جيدة وأفتى في خلع الحيلة إن العمل على صحته ووقوعه ورأيت خطه بذلك وتقدم نظير ذلك في ترجمة ابن نصر الله البغدادي انتهى ملخصا
وفيها ملك صنعاء عامر بن طاهر العدني اليماني


وفيها قاضي القضاة نظام الدين عمر بن إبراهيم بن محمد بن مفلح الراميني المقدسي ثم الصالحي الحنبلي الإمام العلامة الواعظ الأستاذ ولد ظنا سنة ثمانين وسبعمائة فإن له حضورا على الشيخ الصامت سنة أربع وثمانين وسمع من والده وعمه الشيخ شرف الدين وجماعة وحضر عند ابن البلقيني وابن المغلى وغيرهما من الأئمة وكان رجلا دينا يعمل الميعاد يوم السبت بكرة النهار على طريقة والده وقرأ البخاري على الشيخ شمس الدين بن المحب وأجازه وباشر نيابة الحكم بدمشق مدة ثم استقل بالوظيفة بعد عزل ابن الحبال سنة اثنتين وثلاثين واستمرت الوظيفة بينه وبين العز البغدادي دولا إلى أن مات البغدادي وتوفي المترجم بصالحية دمشق ودفن بالروضة قريبا من والده وجده
وفيها شمس الدين محمد بن علي الدمشقي ثم القوصي القاهري الشافعي ويعرف بابن الفالاتي كان إماما عالما توفي في ذي القعدة عن ست وأربعين سنة

سنة إحدى وسبعين وثمانمائة

في حدودها توفي أحمد بن عروش المغربي التونسي قال المناوي في طبقات الأولياء كان من أكابر الأولياء من أهل الجذب بتونس له كرامات ظاهرة وأحوال باهرة منها أنه كانت الطيور الوحشية تنزل عليه وتأكل من يده ومنها أنه كان عنده جمع وافر من الفقراء فكان يمد يديه في الهواء ويحضر لهم ما يكفيهم من القوت وكان مهابا جدا لا يقدر على لقائه كل أحد يقشعر البدن لرؤيته وكان جالسا على سطح فندق بتونس ليلا ونهارا ولم يزل كذلك حتى مات
وفيها شهاب الدين أحمد البيت لبدي الحنبلي الإمام العلامة


وفيها القاضي وجيه الدين أسعد بن علي بن محمد بن المنجا التنوخي الحنبلي قال العليمي كان من أهل الفضل ورواة الحديث الشريف وهو من بيت مشهور بالعلماء وتقدم ذكر أسلافه باشر نيابة الحكم بدمشق عن بني مفلح وكانت سيرته حسنة انتهى
وفيها أبو الحسن علي بن محمد بن إبراهيم بن أحمد الخجندي المدني الحنفي الإمام العالم توفي في صفر ولم يكمل الثلاثين
وفيها قاضي القضاة شرف الدين أبو زكريا يحيى بن محمد بن محمد بن محمد بن أحمد بن مخلوف بن عبد السلام المناوي المصري الشافعي جد الشيخ عبد الرؤف المناوي شارح الجامع الصغير ذكره في طبقاته وأثنى عليه بما لا مزيد عليه وقال السيوطي في حسن المحاضرة هو شيخنا شيخ الإسلام ولد سنة ثمان وتسعين وسبعمائة ولازم الشيخ ولي الدين العراقي وتخرج به في الفقه والأصول وسمع الحديث عليه وعلى الشرف بن الكويك وتصدر للأقراء والأفتاء وتخرج به الأعيان وولي تدريس الشافعي وقضاء الديار المصرية وله تصانيف منها شرح مختصر المزني وتوفي ليلة الإثنين ثاني جمادى الآخرة وهو آخر علماء الشافعية ومحققيهم وقد رثيته بقولي
( قلت لما مات شيخ العصر ** حقا باتفاق )
( حين صار الأمر ما بين ** جهول وفساق )
( أيها الدنيا لك الويل ** إلى يوم التلاق ) انتهى

سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة

قال في ذيل الدول في أواخر ربيعها الأول أمطرت السماء وقت العصر حصى أبيض زنة الحصاة ما بين رطل وأكثر وأقل مع برق ورعد وظلمة ثم وقع في عصر الذي يليه مطر على العادة انتهى


وفيها توفي شهاب الدين أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن خالد بن زهرا الحمصي الحنبلي الإمام العالم قرأ المقنع على عمه القاضي شمس الدين وألفية ابن مالك وبحثها عليه وقرأ الأصول على الشيخ بدر الدين العصياتي وتوفي بحمص
وفيها تقي الدين أبو العباس أحمد بن العلامة كمال الدين محمد بن محمد بن علي بن يحيى بن محمد بن خلف الله الشمني بضم المعجمة والميم وتشديد النون القسطنطيني الحنفي هو المالكي والده وجده قال السيوطي في بغية الوعاة هو شيخنا الإمام العلامة المفسر المحدث الأصولي المتكلم النحوى البياني إمام النحاة في زمانه وشيخ العلماء في أوانه شهد بنشر علومه العاكف والبادي وارتوى من بحار علومه الظمآن والصادي وأما التفسير فبحره المحيط وكشاف دقائقه بلفظه الوجيز الفائق على الوسيط والبسيط وأما الحديث فالرحلة في الرواية والدراية إليه والمعول في حل مشكلاته وفتح مقفلاته عليه وأما الفقه فلو رآه النعمان لأنعم به عينا أو رام أحد مناظرته لأنشد
( وألفى قولها كذبا ومينا ** ) وأما الكلام فلو رآه الأشعري لقربه وقربه وعلم أنه نصير الدين ببراهينه وحججه المهذبة المرتبة وأما الأصول فالبرهان لا يقوم عنده بحجة وصاحب المنهاج لا يهتدي معه إلى محجة وأما النحو فلو أدركه الخليل لاتخذه خليلا أو يونس لآنس به وشفى منه غليلا وأما المعاني فالمصباح لا يظهر له نور عند هذا الصباح وما يفعل المفتاح مع من ألقت إليه المقاليد أبطال الكفاح إلى غير ذلك من علوم معدودة وفضائل مأثورة مشهودة
( هو البحر لا بل دون ما علمه البحر ** هو البدر بل ما دون طلعته البدر )
( هو النجم لا بل دونه النجم رتبة ** هو الدر لا بل دون منطقه الدر )
( هو الكامل الأوصاف في العلم والتقى ** فطاب به في كل ما قطر ذكر )
( محاسنه جلت عن الحصر وازدهى ** بأوصافه نظم القصائد والنثر )
ولد بأسكندرية في رمضان سنة إحدى وثمانمائة وقدم القاهرة مع والده وكان

من علماء المالكية فتلا على الزراتيتي وأخذ عن الشمس الشطنوفي ولازم القاضي شمس الدين البساطي وانتفع به في الأصلين والمعاني والبيان وأخذ عن الشيخ يحيى السيرامي وبه تفقه وعن العلاء البخاري وأخذ الحديث عن الشيخ ولي الدين العراقي وبرع في الفنون واعتنى به والده في صغره وأسمعه الكثير من التقى الزبيري والجمال الحنبلي والشيخ ولي الدين وغيرهم وأجاز له السراج البلقيني والزين العراقي والجمال بن ظهيرة والهيثمي والكمال الدميري والحلاوي والجوهري والمراغي وآخرون وخرج له صاحبنا الشيخ شمس الدين السخاوي مشيخة وحدث بها وبغيرها وخرجت له جزءا فيه الحديث المسلسل بالنحاة وحدث به وهو إمام علامة مفنن منقطع القرين سريع الإدراك قرأ التفسير والحديث والفقه والعربية والمعاني والبيان والأصلين وغيرها وانتفع به الجم الغفير وتزاحموا عليه وافتخروا بالأخذ عنه مع العفة والخير والتواضع والشهامة وحسن الشكل والأبهة والانجماع عن بني الدنيا أقام بالجمالية مدة ثم ولي المشيخة والخطابة بتربة قايتباي الجركسي بقرب الجبل وطلب لقضاء الحنفية بالقاهرة سنة ثمان وستين فامتنع وصنف شرح المغنى لابن هشام وحاشية علي الشفا وشرح مختصر الوقاية في الفقه وشرح نظم النخبة في الحديث ولوالديه وله النظم الحسن ولم يزل الشيخ يودني ويحبني ويعظمني ويثني علي كثيرا وتوفي رحمه الله تعالى قرب العشاء ليلة الأحد سابع عشرى ذي الحجة انتهى
وفيها شهاب الدين أحمد بن أبي بكر بن صالح بن عمر المرعشي الحلبي الإمام العالم العلامة توفي في ذي الحجة
وفيها شهاب الدين أحمد بن أسد بن عبد الواحد الأميوطي الشافعي الإمام العالم توفي في ذي الحجة أيضا بين الحرمين قاله في ذيل الدول
وفيها الملك جهان شاه بن قرا يوسف بن قرا محمد التركماني صاحب العراقين


وفيها السلطان الملك الظاهر سيف الدين أبو سعيد خشقدم الناصري قال في الأعلام ولي السلطنة يوم الأحد لإحدى عشرة ليلة بقيت من شهر رمضان سنة خمس وستين وثمانمائة وهو رومي جلبه الخواجا ناصر الدين وبه عرف واشتراه المؤيد شيخ وأعتقه وصار خاصكيا عنده وتقلب في الدولة إلى أن جعله الأشرف إينال أتابكا لولده فخلعه وتسلطن مكانه وكان محبا للخير وكسا الكعبة الشريفة في أول ولايته على العادة ولكن كانت كسوة الجانب الشرقي والجانب الشامي بيضاء بجامات سود وفي الجامات التي بالجانب الشرقي بعض ذهب وأرسل في سنة ست وستين منبرا وكانت مدة سلطنته ست سنين ونصفا تقريبا ومرض فطال مرضه وتوفي يوم السبت لعشر خلون من ربيع الأول
وتسلطن في ذلك اليوم الملك الظاهر أبو النصر بلباي المؤيدي وهو الرابع عشر من ملوك الجراكسة وأولادهم وكان ضعيفا عن تدبير الملك وتنفيذ الأمور فخلعه الأمراء من السلطنة في يوم السبت لسبع مضين من جمادى الأولى فكانت مدة سلطنته شهرين إلا أربعة أيام
وتسلطن بعد خلعه عوضا عنه الملك الظاهر أبو سعيد تمربغا الظاهري وهو الخامس عشر من ملوك الجراكسة وأولادهم بمصر وكان له فضل وصلاح وتودد للناس وحذق ببعض الصنائع بحيث صار يعمل القسي الفائقة بيده ويعمل السهام عملا فائقا ويرمي بها أحسن رمي مع الفروسية التامة ومع ذلك ماصفا له دهره يوما ورماه عن كبد قوسه أبعد مرمى وما زال به الأمر إلى أن خلعوه ونفوه إلى الأسكندرية
وولي السلطنة الملك الأشرف قايتباي المحمودي في ظهر يوم الإثنين سادس رجب سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة وهو السادس عشر من ملوك الجراكسة وأولادهم بمصر انتهى أي وكانت سلطنة الظاهر تمربغا شهرين إلا يوما واحدا


وفيها عبد الأول بن محمد بن إبراهيم بن أحمد المرشدي المكي الحنفي الإمام العالم توفي في ربيع الأول عن أربع وخمسين سنة
وفيها نور الدين علي بن نردبك الفخري الحنفي الإمام الفاضل أحد الأفراد توفي في رمضان عن ثلاث وثلاثين سنة
وفيها القاضي محب الدين محمد بن أحمد بن محمد بن الجناق القرشي الحنبلي الإمام العلامة اشتغل ودأب وقرأ على الشيخ تقي الدين بن قندس ثم على الشيخ علاء الدين المرداوي وأذن له في الافتاء وولي نيابة الحكم بالديار المصرية فباشره بعفة وكان يلقى الدروس الحافلة ويشتغل عليه الطلبة ولما استخلفه القاضي عز الدين في سنة ست وستين وثمانمائة أنشد لنفسه
( آلهي ظلمت النفس إذ صرت قاضيا ** وأبدلتها بالضيق من سعة الفضا )
( وحملتها مالا تكاد تطيقه ** فأسألك التوفيق واللطف في القضا )
وفيها قاضي القضاة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن بن محمد العمري العليمي نسبة إلى سيدنا علي بن عليل المشهور عند الناس بعلي بن عليم والصحيح أنه عليل باللام وهو من ذرية عمر بن الخطاب رضي الله عنه الحنبلي المقدسي قال ولده في طبقات الحنابلة ولد في سنة سبع وثمانمائة بالرملة ونشأ بها ثم توجه إلى مدينة صفد فأقام بها وقرأ القرآن وحفظه برواية عاصم وأتقنها وأجيز بها من مشايخ القراءة ثم عاد إلى مدينة الرملة واشتغل بالعلم على مذهب الإمام أحمد وحفظ الخرقي وكل أسلافه شافعية لم يكن فيهم حنبلي سواه وهو من بيت كبير ثم اجتهد في تحصيل العلم وسافر إلى الشام ومصر وبيت المقدس وأخذ عن علماء المذهب وأئمة الحديث وفضل في فنون من العلم وتفقه بالشيخ يوسف المرداوي وبرع في المذهب وأفتى وناظر وأخذ الحديث عن جماعة من أعيان العلماء وقرأ البخاري مرارا والشفا كذلك وكتب بخطه الكثير وكان بارعا في العربية خطيبا بليغا وصنف في الخطب وولي قضاء الرملة استقلالا ولم يعلم

أن حنبليا قبله وليها ثم ولي قضاء القدس مدة طويلة ثم أضيف إليه قضاء بلد الخليل عليه السلام ثم ولي قضاء الرملة تسعة وخمسين يوما إلى أن دخل الوباء فتوفي بالطاعون يوم الثلاثاء رابع ذي القعدة انتهى ملخصا

سنة ثلاث وسبعين وثمانمائة

فيها توفي جمال الدين محمد بن أبي بكر الناشري الصامت قال المناوي في طبقاته برع في الفقه وشارك في عدة فنون ثم أقبل على التعبد والتزهد وترك الرياسة وحب الخمول والعزلة واستقل بخويصة نفسه حتى مات ولم يخلف بعده مثله
سنة أربع وسبعين وثمانمائة

فيها توفي جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن الأمير الكبير سيف الدين تغرى بردى الحنفي الإمام العلامة ولد بالقاهرة سنة اثنتي عشرة وثمانمائة ورباه زوج أخته قاضي القضاة ناصر الدين بن العديم الحنفي إلى أن مات فتزوج بأخته جلال الدين البلقيني الشافعي فتولى تربيته وحفظ القرآن العزيز ولما كبر اشتغل بفقه الحنفية وحفظ القدوري وتفقه بشمس الدين محمد الرومي وبالعيني وغيرهما وأخذ النحو عن التقي الشمني ولازمه كثيرا وتفقه به أيضا وأخذ التصريف عن الشيخ علاء الدين الرومي وغيره وقرأ المقامات الحريرية على قوام الدين الحنفي وأخذ عنه العربية أيضا وقطعة جيدة من علم الهيئة وأخذ البديع والأدبيات عن الشهاب بن عربشاه الحنفي وغيره وحضر على ابن حجر العسقلاني وانتفع به وأخذ عن أبي السعادات ابن ظهيرة وابن العليف وغيرهما ثم حبب إليه علم التاريخ فلازم مؤرخي عصره مثل العيني والمقريزي واجتهد في ذلك إلى الغاية وساعدته جودة ذهنه

وحسن تصوره وصحة فهمه ومهر وكتب وحصل وصنف وانتهت إليه رياسة هذا الشأن في عصره وسمع شيئا كثيرا من كتب الحديث وأجازه جماعات لا تحصى مثل ابن حجر والمقريزي والعيني ومن مصنفاته كتاب المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي في ست مجلدات ومختصره المسمى بالذيل الشافي على المنهل الصافي ومختصر سماه مورد اللطافة في ذكر من ولي السلطنة والخلافة والنجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة وذيل على الإشارة للحافظ الذهبي سماه بالبشارة في تكملة الإشارة وكتاب حلية الصفات في الأسماء والصناعات مرتبا على الحروف وغير ذلك ومن شعره
( تجارة الحب غدت ** في حب خود كاسده )
( ورأس مالي هبة ** لفرحتي بفائدة )
ومنه مواليا في عدة ملوك الترك
( أيبك قطن يعقبو بيبرس ذوالا كمال ** بعدو قلاوون بعدو كتبغا المفضال )
( لاجين بيبرس برقوق شيخ ذو الأفضال ** ططر برسباي جقمق ذو العلا اينال )
وتوفي في ذي الحجة
وفيها زين الدين عمر بن محمد بن أحمد بن عجيمة الحنبلي الإمام العالم الفقيه الصالح توفي بمردا في هذه السنة رحمه الله
وفي حدودها زين الدين عبد الرحمن بن إبراهيم بن الحبال الحنبلي الطرابلسي قال العليمي في طبقاته سكن بصالحية دمشق مدة يقرىء بها القرآن والعلم وكان يباشر نيابة الحكم عن قاضي القضاة شهاب الدين بن الحبال ثم تركها وأقبل على الاشتغال بالعلم وأخبرت أنه كان يأكل في كل سنة مشمشة واحدة ومن الخوخ سبعة ولا يأكل طعاما بملح انتهى
وفي حدودها أيضا شمس الدين محمد بن محمد اللولوي الحنبلي ولد سنة أربع وثمانين وسبعمائة وكان من الصالحين وله سند عال في الحديث الشريف قاله العليمي أيضا

سنة خمس وسبعين وثمانمائة

فيها توفي شهاب الدين أبو الطيب أحمد بن محمد بن علي بن حسن بن إبراهيم الأنصاري الخزرجي القاهري الشافعي المعروف بالشهاب الحجازي الشاعر المفلق ولد في شعبان سنة تسعين وسبعمائة وسمع على المجد الحنفي والبرهان الأبناسي وأجاز له العراقي والهيثمي وعنى بالأدب كثيرا حتى صار أوحد أهل زمانه وصنف كتبا أدبية منها روض الآداب والقواعد والمقامات والتذكرة وغير ذلك ونظم ونثر وطارح وكتب الخط الحسن وتميز في فنون لكنه هجر ما عدا الأدب منها وأثنى عليه الأكابر مع المداومة على التلاوة والكتابة وحسن العشرة والمجالسة وحلو الكلام وطرح التكلف والمحاسن الوافرة وتوفي في شهر رمضان
وفيها المولى علاء الدين علي بن محمود بن محمد بن مسعود بن محمود بن محمد بن محمد بن محمد بن عمر الشاهرودي نسبة إلى قرية قريبة من بسطام البسطامي وبسطام بلدة من بلاد خراسان الهروي الرازي العمري البكري الحنفي الشهير بمصنفك لقب بذلك لاشتغاله بالتصنيف في حداثة سنة والكاف للتصغير في لغة العجم وهو من أولاد الإمام فخر الدين الرازي فإن صاحب الترجمة قال في بعض تصانيفه كان للإمام الرازي ولد اسمه محمد وكان الإمام يحبه كثيرا وأكثر مصنفاته صنفه لأجله وقد ذكر اسمه في بعضها ومات محمد في عنفوان شبابه وولد له ولد بعد وفاته وسموه أيضا محمدا وبلغ رتبة أبيه في العلم ثم مات وخلف ولدا اسمه محمود وبلغ أيضا رتبة الكمال ثم عزم على سفر الحجاز فخرج من هراة فلما وصل بسطام أكرمه أهلها لمحبتهم للعلماء سيما

أولاد فخر الدين الرازي فأقام هناك بحرمة وافرة وخلف ولدا اسمه مسعود وسعى في تحصيل العلم لكنه لم يبلغ رتبة آبائه وقنع برتبة الوعظ لأنه لم يهاجر وخلف ولدا اسمه محمد فحصل من العلوم ما يقتدي به أهل تلك البلاد ثم خلف ولدا اسمه مجد الدين محمود فصار هو أيضا مقتدى الناس في العلم وهو والدي انتهى وولد مصنفك في سنة ثلاث وثمانمائة وسافر مع أخيه إلى هراة لتحصيل العلوم في سنة اثنتي عشرة وثمانمائة وقرأ على المولى جلال الدين يوسف الأوبهي تلميذ التفتازاني وعلى قطب الدين الهروي وقرأ فقه الشافعي على الإمام عبد العزيز الأبهري وفقه الحنفية على الإمام فصيح الدين بن محمد ولما أتى بلاد الروم صار مدرسا بقونية ثم عرض له الصمم فأتى قسطنطينية فعين له السلطان محمد كل يوم ثمانين درهما وروى عنه أنه قال لقيت بعض المشايخ من بلاد العجم وجرى بيننا مباحثة وأغلظت القول في أثنائها ولما انقطع البحث قال لي أسأت الأدب عندي وإنك تجازى بالصمم وبأن لا يبقى بعدك عقب وكان إماما عالما علامة صوفيا أجيز له بالإرشاد من بضعض خلفاء زين الدين الخوافي وكان جامعا بين رياستي العلم والعمل ذا شيبة عظيمة نيرة وكان يلبس عباء وعلى رأسه تاج وحضر هو وحسن جلبى الفناري عند محمود باشا الوزير فذكر حسن جلبى تصانيف المولى مصنفك وقال قد رددت عليه في كثير من المواضع ومع ذلك فقد فضلته علي في المنصب وكان حسن جلبي لم ير مصنفك قبل فقال له الوزير هل تعرف مصنفك قال لا فقال هذا هو وأشار إليه فخجل حسن جلبي فقال له الوزير لا تخجل فإن به صمما لا يسمع أصلا وكان سريع الكتابة يكتب كل يوم كراسا من تصنيفه وكان يقرر للطلبة بالكتابة ومن تصانيفه شرح الإرشاد وشرح المصباح في النحو وشرح آداب البحث وشرح اللباب وشرح المطول وشرح شرح المفتاح للتفتازاني وحاشية على التلويح وشرح البزدوي وشرح القصيدة الروحية لابن

سينا وشرح الوقاية وشرح الهداية وحدائق الإيمان لأهل العرفان وشرح المصابيح للبغوي وشرح شرح المفتاح للسيد وحاشية على حاشية شرح المطالع وشرح بعضا من أصول فخر الإسلام البزدوي وشرح الكشاف وصنف باللسان الفارسي أنوار الأحداق وحدائق الإيمان وتحفة السلاطين والتحفة المحمودية والتفسير الفارسي أجاد في ترتيبه واعتذر عن تأليفه بهذا اللسان أنه أمره بذلك السلطان محمد خان والمأمور معذور وله أيضا شرح الشمسية باللسان الفارسي وحاشية على شرح الوقاية لصدر الشريعة وحاشية على شرح العقائد وغير ذلك وتوفي رحمه الله تعالى بالقسطنطينية ودفن قرب مزار أبي أيوب الأنصاري
وفيها القاضي شمس الدين محمد بن محمد بن الإمام النابلسي الحنبلي ولي قضاء نابلس وباشر قضاء الرملة وكان إماما عالما وتوفي بنابلس في جمادى الآخرة وتوفي ولده عبد المؤمن قبله في سنة سبعين

سنة ست وسبعين وثمانمائة

فيها توفي برهان الدين إبراهيم بن محمد بن محمد بن مفلح الحنبلي الكفل حارسي الإمام العالم الخطيب المقرىء توفي يوم الجمعة ثاني عشر ذي الحجة بكفل حارس ودفن بحرم المسجد الكبير عند قبر جده
وفيها قاضي القضاة عز الدين أبو البركات أحمد بن إبراهيم بن نصر الله بن أحمد بن محمد بن أبي الفتح بن هاشم بن نصر الله بن أحمد الكناني العسقلاني الأصل ثم المصري الحنبلي الإمام العالم العامل المفنن الورع الزاهد المحقق المتقن شيخ عصره وقدوته ولد في ذي القعدة سنة ثمانمائة وتوفي والده وهو رضيع فنشأ هو واشتغل بالعلم وبرع ولقي المشايخ وروى الكثير ودأب

في الصغر وحصل أنواعا من العلوم ثم باشر نيابة الحكم بالديار المصرية عن ابن سالم ثم عن ابن المغلى ثم عن المحب بن نصر الله ثم ولي قضاء الديار المصرية وكان ورعا زاهدا باشر بعفة ونزاهة وصيانة وحرمة مع لين جانب وتواضع وعلت كلمته وارتفع أمره عند السلاطين وأركان الدولة والرعية وكتب الكثير في علوم شتى ولكن لم ينتفع بما كتبه لاخماله لذلك ودرس وأفتى وناظر وله من التصانيف مختصر المحرر في الفقه وتصحيحه ونظمه ومنظومات متعددة في علوم عديدة فقها ونحوا وأصولا وتصريفا وبيانا وبديعا وحسابا وغير ذلك وله من غير النظم توضيح الألفية وشرحها وشروح غالب هذه المنظومات وتوضيحاتها إلى غير ذلك من التواريخ والمجاميع واختصر تصحيح الخلاف المطلق في المقنع للشيخ شمس الدين بن عبد القادر النابلسي وكان ينظم الشعر الحسن وكان مرجع الحنابلة في الديار المصرية إليه ولم يزل كذلك إلى أن توفي ليلة السبت حادي عشر جمادى الأولى وصلى عليه السلطان قايتباي والقضاة وأركان الدولة وكانت جنازته حافلة ودفن بالصحراء من القاهرة
وفيها شمس الدين محمد بن أحمد بن عبد الله بن أحمد القلقشندي القاهري الشافعي الإمام العالم توفي في ربيع الأول عن نحو ثمانين سنة
وفيها نجم الدين محمد بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد الزرعي ثم الدمشقي الشافعي الإمام العلامة المفنن المعروف بابن قاضي عجلون أخذ عن علماء عصره وبرع ومهر وأخذ عنه من لا يحصى وتوفي في شوال عن خمس وأربعين سنة
وفي حدودها أم عبد الله نشوان بنت الجمال عبد الله بن علي الكنانية ثم المصرية الحنبلية الرئيسة روت عن العفيف النشاوري وغيره وروى عنها جماعة من الأعيان منهم القاضي كمال الدين الجعفري النابلسي وغيره

وكانت خيرة صالحة وتقدم ذكر والدها جمال الدين المعروف بالجندي وهي من أقارب القاضي عز الدين الكناني وكانت على طريقته في العفة والزهد حتى في قبول الهدية وتوفيت بالقاهرة

سنة سبع وسبعين وثمانمائة

فيها توفي شهاب الدين أحمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن أحمد بن منصور العامري الرملي الشافعي الإمام العالم العلامة توفي ليلة نصف شعبان عن بضع وسبعين سنة
وفيها علي بن أحمد بن عثمان بن محمد بن إسحاق السالمي المناوي الأصل القاهري الإمام العالم توفي يوم الجمعة سلخ ربيع الأول عن أربع وستين سنة
سنة ثمان وسبعين وثمانمائة

فيها توفي إبراهيم بن عبد ربه الصوفي قال المناوي في طبقاته زاهد مشهور بالصلاح معدود من ذوي الفلاح أخذ عن الشيخ محمد الغمري والشيخ مدين وغيرهما وكان مقيما في خلوة بجامع الزاهد وللناس فيه اعتقاد وربما لقن الذكر وسلك بل كان من أرباب الأحوال دخل مرة بيت الشيخ مدين في مولده فأكل طعام المولد كله وأكل مرة لحم بقرة كاملة ثم طوى بعدها سنة ومن كراماته ما حكاه الشيخ أمين الدين إمام جامع الغمري أنه قال له بعدك نسأل في مهماتنا من قال من بينه وبين أخيه ذراع من تراب فاسألني أجيبك فمرضت بنته فالتمسوا لها بطيخة فما وجدت فجاء إلى قبره وقال الوعد ثم رجع بعد العشاء فوجد في سلم بيته بطيخة لم يعلم من أين جاءت ومناقبه كثيرة وتوفي في صفر ودفن بباب جامع الزاهد
وفيها بدر الدين حسن بن أحمد بن عبد الهادي المشهور بابن المبرد

الحنبلي الإمام العالم القاضي باشر نيابة الحكم بدمشق مدة وتوفي بها في رجب
وفيها خطاب بن عمر بن مهنا الغزاوي العجلوني الدمشقي الشافعي الإمام العالم توفي بدمشق في رمضان وقد قارب السبعين
وفيها زين الدين عبد القادر بن عبد الله بن العفيف الحنبلي الشيخ الإمام العالم توفي بنابلس في ذي الحجة
وفيها نور الدين علي بن إبراهيم بن البدرشي المالكي القاهري الأصل القاضي الإمام العالم توفي ببيت المقدس في مستهل جمادى الأولى قاضيا بها

سنة تسع وسبعين وثمانمائة

فيها تقريبا توفي المولى حسن جلبي بن محمد شاه الفناري الحنفي الإمام العلامة قال في الشقائق كان عالما فاضلا قسم أيامه بين العلم والعبادة وكان يلبس الثياب الخشنة ولا يركب دابة للتواضع وكان يحب الفقراء والمساكين ويعاشر الصوفية وكان مدرسا بالمدرسة الحلبية بأدرنة وكان ابن عمه المولى على الفناري قاضيا بالعسكر في أيام السلطان محمد خان فدخل عليه وقال استأذن من السلطان أني أريد أن أذهب إلى مصر لقراءة مغنى اللبيب في النحو على رجل مغربي سمعته بمصر يعرف ذلك الكتاب غاية المعرفة فعرضه على السلطان فأذن له وقال قد اختل دماغ ذلك المرء وكان السلطان محمد لا يحبه لأجل أنه صنف حواشيه على التلويح باسم السلطان بايزيد في حياة والده ثم أنه دخل إلى مصر وكتب كتاب مغنى اللبيب بتمامة وقرأه على ذلك المغربي قراءة تحقيق وإتقان وكتب ذلك المغربي بخطه على ظهر كتابه إجازة له في ذلك الكتاب وقرأ هناك صحيح البخاري على بعض تلامذة ابن حجر وحصل له منه إجازة في ذلك الكتاب وفي رواية الحديث عنه ثم أنه حج وأتى بلاد الروم وأرسل كتاب مغنى اللبيب إلى السلطان محمد فلما نظر فيه

زال عنه تكدر خاطره عليه وأعطاه مدرسة أزنيق ثم إحدى الثمان وكان يذهب بعد الدرس إلى زيارة قاضي زادة وفي الغد يزوره قاضي زاده ثم عين له في كل يوم ثمانين درهما وسكن ببرسا إلى أن مات وله حواش على المطول وحواش على شرح المواقف للسيد الشريف وحواش على التلويح للعلامة التفتازاني وكلها مقبولة متداولة
وفيها المولى خير الدين خليل بن قاسم بن حاجي صفارح الحنفي قال في الشقائق وهو جدي لوالدي كان جده الأعلى أتى من بلاد العجم إلى بلاد الروم هاربا من فتنة جنكزخان وتوطن في نواحي قصطموني وكان صاحب كرامات يستجاب الدعاء عند قبره وولد له ولد اسمه محمود حصل شيئا من الفقه والعربية ولم يترق إلى درجة الفضيلة وولد له ولد اسمه أحمد وهو أيضا كان عارفا بالعربية والفقه ولم يبلغ مبلغ الفضيلة وولد له ولد اسمه حاجي صفا كان فقيها عابدا صالحا ولم تكن له فضيلة زائدة وولد له ولد اسمه قاسم مات وهو شاب في طلب العلم وولد له صاحب الترجمة وقد بلغ مبلغ الفضيلة قرأ في بلاده مباني العلوم ثم سافر إلى مدينة برسا وقرأ هناك على ابن البشير ثم سافر إلى أدرنة وقرأ هناك على أخي مولانا خسرو وقرأ الحديث والتفسير على المولى خير الدين العجمي ثم أتى مدينة برسا وقرأ على المولى يوسف بالي بن المولى شمس الدين الفناري ثم وصل إلى خدمة المولى بكان واشتهر عنده بالفضيلة التامة وأرسله إلى مدرسة مظفر الدين الواقعة في بلدة طاش كبرى من نواحي قصطموني وعين له كل يوم ثلاثون درهما لوظيفة التدريس وخمسون درهما من محصول كرة النحاس وعاش هناك في نعمة وافرة وعزة متكاثرة ثم عزله السلطان محمد لما أخذ تلك البلاد من يد إسمعيل بك فذهب إلى كرة النحاس فكان يعظ الناس هناك في كل جمعة وتوفي هناك انتهى ملخصا


وفيها زين الدين قاسم بن قطلوبغا بن عبد الله الجمال المصري نزيل الأشرفية الحنفي العلامة المفنن قال البرهان البقاعي في عنوان الزمان ولد سنة اثنتين وثمانمائة تقريبا بالقاهرة ونشأ بها وحفظ القرآن العظيم ثم أخذ في الجد حتى شاع ذكره وانتشر صيته وأثنى عليه مشايخه وصنف التصانيف المفيدة فمن تصانيفه شرح درر البحار وتخريج أحاديث الاختيار بيض في جزءين ورجال شرح معاني الآثار للطحاوي بيض في مجلد وتخريج أحاديث البزدوي في الأصول مجلد لطيف وأحاديث الفرائض كذلك وتخريج أحاديث شرح القدوري للأقطع مجلد لطيف وثقات الرجال كمل في أربع مجلدات وتصحيح على مجمع البحرين لابن الساعاتي وشرح فرائض المجمع وحاشية على التلويح وصل فيها إلى أثناء بحث السنة في مجلد وشرح منظومة ابن الجزري في علم الحديث المسماة بالهداية وغير ذلك مما غالبه في المسودات إلى الآن انتهى ملخصا وأخذ عن ابن الهمام وغيره من علماء عصره وأخذ عنه من لا يحصى كثرة وبالجملة فهو من حسنات الدهر رحمه الله تعالى وتوفي في ربيع الآخر عن سبع وسبعين سنة
وفيها الظاهر أبو سعيد تمر بغا الرومي الظاهري الجقمقي ولي السلطنة قليلا ثم خلع مع مزيد عقله وتودده ورياسته وفصاحته توفي بالأسكندرية في ذي الحجة وقد جاوز الستين
وفيها العادل خشقدم خير بك الدوادار خلع المترجم قبله وتسلطن ليلا ولقب بالعادل ثم أمسك وصودر وسجن بالأسكندرية وتوفي في ربيع الثاني ببيت المقدس
وفيها محي الدين أبو عبد الله محمد بن سليمان بن سعد بن مسعود الرومي البرعمي الحنفي المعروف بالكافيجي لقب بذلك لكثرة اشتغاله بكتاب الكافية في النحو قال السيوطي في بغية الوعاة شيخنا العلامة أستاذ الأستاذين ولد سنة

ثمان وثمانين وسبعمائة واشتغل بالعلم أول ما بلغ ورحل إلى بلاد العجم والتتر ولقي العلماء الأجلاء فأخذ عن الشمس الفنري والبرهان حيدرة والشيخ واجد وابن فرشته شارح المجمع وغيرهم ورحل إلى القاهرة أيام الأشرف برسباي فظهرت فضائله وولي المشيخة بتربة الأشرف المذكور وأخذ عنه الفضلاء والأعيان ثم ولي مشيخة الشيخونية لما رغب عنها ابن الهمام وكان الشيخ إماما كبيرا في المعقولات كلها والكلام وأصول الفقه والنحو والتصريف والأعراب والمعاني والبيان والجدل والمنطق والفلسفة والهيئة بحيث لا يشق أحد غباره في شيء من هذه العلوم وله اليد الحسنة في الفقه والتفسير والنظر في علوم الحديث وألف فيه وأما تصانيفه في العلوم العقلية فلا تحصى بحيث أني سألته أن يسمى لي جميعها لأكتبها في ترجمته فقال لا أقدر على ذلك قال ولي مؤلفات كثيرة أنسيتها فلا أعرف الآن أسماءها وأكثر تصانيف الشيخ مختصرات وأجلها وأنفعها على الاطلاق شرح قواعد الاعراب وشرح كلمتي الشهادة وله مختصر في علوم الحديث ومختصر في علوم التفسير يسمى التيسير قدر ثلاث كراريس وكان يقول أنه اخترع هذا العلم ولم يسبق إليه وذلك لأن الشيخ لم يقف على البرهان للزركشي ولا على مواقع العلوم للجلال البلقيني وكان الشيخ رحمه الله تعالى صحيح العقيدة في الديانات حسن الاعتقاد في الصوفية محبا لأهل الحديث كارها لأهل البدع كثير التعبد على كبر سنه كثير الصدقة والبذل لا يبقى على شيء سليم الفطرة صافي القلب كثير الاحتمال لأعدائه صبورا على الأذى واسع العلم جدا لأزمته أربع عشرة سنة فما جئته من مرة إلا وسمعت منه من التحقيقات والعجائب ما لم أسمعه قبل ذلك قال لي يوما ما اعراب زيد قائم فقلت قد صرنا في مقام الصغار ونسأل عن هذا فقال لي في زيد قائم مائة وثلاثة عشر بحثا فقلت لا أقوم من هذا المجلس حتى

أستفيدها فأخرج لي تذكرتها فكتبتها منها وما كنت أعد الشيخ إلا والدا بعد والدي وكان يذكر أنه كان بينه وبين والدي صداقة تامة وأن والدي كان منصفا له بخلاف أكثر أهل مصر توفي الشيخ شهيدا بالاسهال ليلة الجمعة رابع جمادى الأولى انتهى
وفيها شمس الدين محمد بن محمد السيلي الإمام الحنبلي العالم الفرضي قال العليمي قدم من السيلة إلى دمشق في سنة سبع عشرة وثمانمائة فاشتغل وقرأ المقنع وتفقه على الشيخ شمس الدين بن القباقبي وقرأ علم الفرائض والحساب على الشيخ شمس الدين الحواري وصار أمة فيه وله اطلاع على كلام المحدثين والمؤرخين ويستحضر تاريخا كثيرا وله معرفة تامة بوقائع العرب ويحفظ كثيرا من أشعارهم أفتى ودرس مدة ثم انقطع في آخر عمره في بيته توفي يوم السبت سابع عشر شوال ودفن بالروضة انتهى
وفيها شمس الدين محمد بن محمد بن محمد بن الحسن المعروف بابن أمير حاج الحلبي الحنفي عالم الحنفية بحلب وصدرهم كان إماما عالما علامة مصنفا صنف التصانيف الفاخرة الشهيرة وأخذ عنه الأكابر وافتخروا بالانتساب إليه وتوفي بحلب في رجب عن بضع وخمسين سنة
وفيها أمين الدين يحيى بن محمد الأقصرائي الحنفي قال في حسن المحاضرة هو شيخ الحنفية في زمانه أي بالقاهرة ولد سنة نيف وتسعين وسبعمائة وانتهت إليه رياسة الحنفية في زمانه انتهى أي ومات في أواخر ذي الحجة راجعا من الحج
وفيها شمس الدين محمد بن محمد بن محمد بن علي بن محمد المصري الشافعي المعروف بابن القطان الإمام العالم العلامة توفي في ذي القعدة وقد جاوز الستين
وفيها يحيى بن محمد بن أحمد الدمياطي ثم القاهري الشافعي الإمام العالم

توفي ليلة سابع المحرم عن نحو ثمانين سنة

سنة ثمانين وثمانمائة

فيها توفي شهاب الدين أحمد السلفيتي الحنبلي الشيخ الإمام العالم الزاهد الورع
وفيها قاضي القاضي محي الدين عبد القادر بن أبي القسم بن أحمد بن محمد بن عبد المعطي الأنصاري العبادي المالكي النحوي نحوي مكة قال في بغية الوعاة أما التفسير فإنه كشاف خفياته وأما الحديث فإليه الرحلة في رواياته وأما الفقه فإنه مالك زمامه وناصب أعلامه وأما النحو فإنه محي ما درس من رسومه ومبدي ما أبهم من معلومه وإذا ضل طالبوه عن محجته اهتدوا إليه بنجومه ورثه لا عن كلالة ثم قام به أتم قيام فلو رآه سيبويه لأقر له لا محالة وأما آدابه ومحاضراته فحدث عن البحر ولا حرج وأما مجالساته فأبهى من الروض الأنف إذا انفتح زهره وأرج وأما زهده في قضاياه فقد سارت به الركبان وأما غير ذلك من محاسنه فكثير يقصر عن سردها اللسان ولد في ثامن عشر ربيع الآخر سنة أربع عشرة وثمانمائة بمكة ونشأ بها صينا وسمع بها من التقي الفاسي وأبي الحسن بن سلامة وجماعة وأجازت له عائشة بنت عبد الهادي وابن الكويك وعبد القادر الأرموي والبدر الدماميني وتفقه على جماعة وأجاز له البساطي بالافتاء والتدريس وأخذ عنه العربية وبرع فيها وفي الفقه وكتب الخط المنسوب وتصدر بمكة للافتاء وتدريس الفقه والتفسير والعربية وغير ذلك وهو إمام علامة بارع في هذه العلوم الثلاثة بل ليس بعد شيخي الكافيجي والشمني أنحى منه مطلقا ويتكلم في الأصول كلاما حسنا حسن المحاضرة كثير الحفظ للآداب والنوادر والأشعار والأخبار وتراجم الناس وأحوالهم فصيح العبارة طلق

اللسان قادر على التعبير عن مراده بأحسن عبارة وأعذبها وأفصحها لا تمل مجالسته كثير العبادة والصلاة والقراءة والتواضع ومحبة أهل الفضل والرغبة في مجالستهم ولم ينصفني في مكة أحد غيره ولم أتردد لسواه ولم أجالس سواه وكتب لي على شرح الألفية تقريظا بليغا وقد دخل القاهرة واجتمع بفضلائها وولي قضاء المالكية بمكة بعد موت أبي عبد الله النويري في ربيع الأول سنة ثلاث وأربعين فباشره بعفة ونزاهة وعزل وأعيد مرارا ثم أضر بآخره فأشار بأن يولي تلميذه ظهيرة بن أبي حامد بن ظهيرة ثم قدر أن ظهيرة المذكور توفي في آخر سنة ثمان وستين وقدح قاضي القضاة محي الدين فأبصر فأعيد إلى الولاية واستمر وله تصانيف منها هداية السبيل في شرح التسهيل لم يتم وحاشية على التوضيح وحاشية على شرح الألفية للمكودي وقرأت عليه جزء الأماني لابن عفان وأسندت حديثه في الطبقات الكبرى ومات في مستهل شعبان انتهى
وفيها علي بن محمد بن علي بن محمد بن عمر المصري المكي الشافعي ويعرف بابن الفاكهاني الإمام العالم العلامة توفي في رمضان عن بضع وأربعين سنة
وفيها زين الدين عمر بن إسمعيل المؤدب الحنبلي قال العليمي كان رجلا مباركا يحفظ القرآن ويقرىء الأطفال بالمسجد الأقصى بالمجمع المجاور لجامع المغاربة من جهة القبلة والناس سالمون من لسانه ويده توفي بالقدس الشريف في شهر رجب انتهى
وفيها شمس الدين محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد التبريزي الأيجي الشيرازي الشافعي السيد الشريف الحسني الحسيني الإمام العالم توفي بمكة عن خمس وستين سنة
وفيها القاضي يوسف بن أحمد بن ناصر بن خليفة الباعوني المقدسي ثم الصالحي الدمشقي قاضي الشافعية بدمشق توفي في ربيع الثاني عن

أربع وسبعين سنة

سنة إحدى وثمانين وثمانمائة

فيها توفي كما قال في ذيل الدول شيخ فضلاء العصر أبو بكر بن محمد بن شادي الحصني الشافعي الإمام العلامة توفي في ربيع الأول عن خمس وستين سنة
وفيها القاضي شهاب الدين أحمد بن محمد بن محمد بن علي بن محمد النويري الغزي المالكي قاضي المالكية الإمام العالم توفي بغزة في جمادى الآخرة
وفيها تقريبا الشيخ جمال الدين بير جمال الشيرازي العجمي الشافعي الصوفي الإمام القدوة المسلك العارف قال المناوي كان من كبار العابدين المسلكين ومن أهل العلم والدين المتين قدم مكة ثم القاهرة وصحبته نحو أربعين من مريديه ما بين علماء أكابر وصوفية أماثل وأبناء رؤساء منهم الإمام عميد الدين قاضي شيراز ترك الدنيا وتبعه وكان أتباعه على قلب واحد في طاعته والانقياد التام إليه وكلهم على طهر دائما وكان طريقه مداومة الذكر القلبى لا اللساني وإدامة الطهارة ولبس المسوح من وبر الإبل وملازمة كل إنسان حرفته وكانت جماعته على أقسام فالعلماء والطلبة يشغلهم بالكتابة ومن دونهم كل بحرفته ما بين غزل ونسج وخياطة وتجليد كتب وغيرها وكان دائم النصيحة والتسليك موصلا إلى الله تعالى من أراده وله كرامات منها أن السيد علي بن عفيف الشيرازي عارضه وأنكر عليه فأصابه خراج في جنبه فمات فورا وتوفي صاحب الترجمة ببيت المقدس انتهى
وفيها داود بن بدر الحسيني الصوفي قال المناوي كان من الأولياء المشهورين وأكابر العارفين نشأ بشرافات قرية بقرب بيت المقدس وله كرامات منها أن القرية التي كان بها أهلها كلهم نصارى ليس فيهم مسلم إلا الشيخ وأهل بيته

وكانت حرفة أهل القرية عصر العنب وبيعه فشق ذلك عليه فتوجه بسببهم فصار كل شيء عملوه خلا وماء وعجزوا فارتحلوا منها ولم يبق فيها إلا الشيخ وجماعته فشق على مقطعها فاستأجرها منه وبنى بها زاوية لفقرائه ومنها أنه لما عقد القبة التي على القبر الذي أعده ليدفن فيه أتى طائر فأشار إليها فسقطت فأمر الشيخ بإعادتها ففعل كذلك فأمر ببنائها ثالثا وحضر الشيخ فلما انتهت أتى الطائر ليفعل فعله فأشار إليه الشيخ فسقط ميتا فنظروا إليه فإذا هو رجل عليه أبهة وشعر رأسه مسدول طويل فغسله وكفنه وصلى عليه ودفنه وقال بعث لحتفه وهو ابن عمي اسمه أحمد الطير غارت همته من همتنا وأراد طفي الشهرة بهدم القبة ويأبى الله إلا ما أراده فكان أول من دفن فيها وتوفي المترجم في هذه السنة ودفن بالقبة أيضا انتهى
وفيها سيف الدين محمد بن محمد بن عمر بن قطلوبغا البكتمري القاهري الحنفي النحوي قال السيوطي في كتابيه حسن المحاضرة وطبقات النحاة شيخنا الإمام العلامة سيف الدين الحنفي ولد تقريبا على رأس ثمانمائة وأخذ عن السراج قاري الهداية والزين التفهني ولزم العلامة كمال الدين بن الهمام وانتفع به وبرع في الفقه والأصول والنحو وغير ذلك وكان شيخه ابن الهمام يقول عنه هو محقق الديار المصرية مع ما هو عليه من سلوك طريق السلف والعبادة والخير وعدم التردد إلى أبناء الدنيا والانقباض عليهم لازم التدريس ولم يفت واستنابه ابن الهمام في مشيخة الشيخونية لما حج أول مرة وولي مشيخة مدرسة زين الدين الأستادار ثم تركها ودرس التفسير بالمنصورية والفقه بالأشرفية العتيقة وسئل تدريس الحديث في مدرسة العيني لما رتبت فيها الدروس في سنة سبعين فامتنع مع الإلحاح عليه وله حاشية مطولة على توضيح ابن هشام كثيرة الفوائد وتوفي يوم الثلاثاء ثاني عشرى ذي القعدة وهو آخر شيوخي موتا لم يتأخر بعده أحد ممن أخذت عنه العلم الأرجل

قرأت عليه ورقات المنهاج وقلت أرثيه
( مات سيف الدين منفردا ** وغدا في اللحد منغمدا )
( عالم الدنيا وصالحها ** لم تزل أحواله رشدا )
( إنما يبكي على رجل ** قد غدا في الخير معتمدا )
( لم يكن في دينه وهن ** لا ولا للكبر منه ردا )
( عمره أفناه في نصب ** لإله العرش مجتهدا )
( من صلاة أو مطالعة ** أو كتاب الله مقتصدا )
( لا يوافيه لمظلمة ** بشره أو مدع فندا )
( في الذي قد كان من ورع ** لم يخلف بعده أحدا )
( دانت الدنيا لمنصرم ** ورحيل الناس قد أفدا )
( ليت شعري من نؤمله ** بعد هذا الحبر ملتحدا )
( ثلمة في الدين موتته ** ما لها من جابر أبدا )
( قد روينا ذاك في خبر ** وهو موصول لنا سندا )
( فعليه هامعات رضا ** ومن الغفران سحب ندى )
( وبعثنا ضمن زمرته ** مع أهل الصدق والشهدا ) انتهى
وفيها القاضي شمس الدين محمد بن محمود بن خليل الحلبي الحنفي المعروف بابن أجا الإمام العالم توفي بحلب في جمادى الآخرة عن ستين سنة
وفيها محمد بن يعقوب بن المتوكل العباسي أخو أمير المؤمنين توفي في جمادى الثانية عن أربع وستين سنة
وفيها قاضي القضاة بدر الدين أبو عبد الله محمد بن قاضي القضاة شرف الدين عبد القادر بن العلامة المحقق شمس الدين أبي عبد الله محمد الجعفري النابلسي الحنبلي تقدم ذكر والده وجده ولد سنة اثنتين وقيل إحدى وتسعين وسبعمائة

ونشأ على طريقة حسنة وهو من بيت علم ورياسة وسمع من جده وابن العلائي وجماعة وباشر القضاء بنابلس نيابة عن ابن عمه القاضي تاج الدين عبد الوهاب المتقدم ذكره ثم وليها استقلالا بعد الأربعين والثمانمائة عوضا عن القاضي شمس الدين بن الإمام المتقدم ذكره ثم أضيف إليه قضاء القدس مدة ثم عزل من القدس واستمر قاضيا بنابلس وولي أيضا قضاء الرملة ونيابة الحكم بالديار المصرية وكان حسن السيرة عفيفا في مباشرة القضاء له هيبة عند الناس حسن الشكل عليه أبهة ووقار رزق الأولاد وألحق الأحفاد بالأجداد ومتع بدنياه وعزل عن القضاء في أواخر عمره واستمر معزولا إلى أن توفي بنابلس يوم الخميس سادس عشر شهر رمضان وله نحو التسعين سنة

سنة اثنتين وثمانين وثمانمائة

فيها توفي تقي الدين أبو الصدق أبو بكر بن محمد الحمصي المنبجي الحنبلي قال العليمي قرأ العمدة للشيخ الموفق والنظم للصرصري ثم قرأ المقنع وأصول الطوفي وألفية ابن مالك وحفظ القرآن واشتغل بالمنطق والمعاني والبيان وأتقن الفرائض والجبر والمقابلة وتفقه على ابن قندس وأذن له في الافتاء وكان مشتغلا بالعلم ويسافر للتجارة وصحب القاضي عز الدين الكناني بالديار المصرية وتوفي بالقاهرة في رجب عن نحو ثلاث وستين سنة ودفن بالقرب من محب الدين بن نصر الله البغدادي
وفيها حسن بك بن علي بك بن قرابلوك متملك العراقين وأذربيجان وديار بكر توفي في جمادى الآخرة أو رجب
وفيها العلمي شاكر بن عبد الغني بن شاكر بن ماجد بن عبد الوهاب القاهري الشهير بابن الجيعان توفي في ربيع الآخر وقد جاوز التسعين


وفيها عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عمر العقيلي الحنفي المعروف بابن العديم الإمام العالم توفي في ذي الحجة وقد جاوز السبعين
وفيها قاضي القضاة علاء الدين أبو الحسن بن قاضي القضاة صدر الدين أبي بكر بن قاضي القضاة تقي الدين إبراهيم بن محمد بن مفلح الحنبلي الإمام العلامة شيخ الإسلام ولد سنة خمس عشرة وثمانمائة وكان من أهل العلم والرياسة ولي قضاء حلب وباشره مدة طويلة ثم قضاء الشام وأضيف إليه كتابة السر بها ثم أعيد إلى قضاء حلب ثم عزل واستمر معزولا إلى الموت ولم يكن له حظ من الدنيا وكان موصوفا بالسخاء والشهامة وتوفي بحلب في صفر
وفيها علاء الدين علي بن محمد بن عبد الله بن الزكي الغزي الحنبلي الإمام العالم توفي بنابلس في جمادى الآخرة في حياة والده ودفن بمقبرة القلاس
وفيها القاضي علاء الدين علي بن محمد بن محمد بن علي بن أحمد بن عبد العزيز النويري المكي قاضي المالكية بها وابن قاضي الشافعية بها كان إماما عالما توفي في ربيع الأول عن ست وستين سنة
وفيها أبو المواهب محمد بن أحمد بن محمد بن الحاج التونسي ثم القاهري المالكي الصوفي ويعرف بابن زغدان بمعجمتين ونون آخره البرلسي نسبة لقبيلة قال المناوي صوفي حبر كلامه مسموع وحديث قدره مرفوع إمام الورعين كنز العارفين علم الزاهدين ولد سنة عشرين وثمانمائة بتونس فحفظ القرآن وكتبا وأخذ العربية عن أبي عبد الله الرملي وغيره والفقه عن البرزالي وغيره والمنطق عن الموصلي والأصلين والفقه عن إبراهيم الأخضري ثم قدم مصر فأخذ الحديث عن ابن حجر والتصوف عن يحيى بن أبي وفاء وصار آية في فهم كلام الصوفية وكان له اقتدار تام على التقرير وبلاغة في التعبير وكان جميل الصورة والملبس والتعطر وأغلب أوقاته

مستغرق في الله ومع الله وكان له خلوة بسطح جامع الأزهر مكان المنارة التي عملها الغوري وكان يغلب عليه سكر الحال فيتمايل في صحن الجامع فيتكلم الناس فيه بحسب ما في أوعيتهم حسنا وقبحا وله تصانيف منها مراتب الكمال في التصوف وشرح الحكم لم يتم ولا نظير له في شروحها ومواهب المعارف وكتاب فوائد حكم الإشراق إلى صوفية جميع الآفاق قال الشعراوي ولم يؤلف في الطريق مثله وكان داعية إلى ابن عربي شديدا في المناضلة عنه والانتصار له وله مؤلف في حل سماع العود ومن كلامه ما اعترض أحد على أهل الطريق فأفلح ومنه إنما نزلت سورة { ألم نشرح } عقب { وأما بنعمة ربك فحدث } إشارة إلى من حدث بالنعمة فقد شرح الله صدره كأنه قال إذا حدثت بنعمتي ونشرتها شرحت لك صدرك قال فاعقلوه فإنه لا يسمع إلا من رباني وقال حكم الملك القدوس أن لا يدخل حضرته أحدا من أهل النفوس توفي بالقاهرة ودفن بمقبرة الشاذلية مع أصحاب الشيخ أبي الحسن الشاذلي انتهى ملخصا
وفيها الكمالي أبو البركات قاضي جدة محمد بن علي بن محمد بن محمد بن حسين القرشي المكي الشافعي المعروف بابن ظهيرة الإمام العالم الأصيل توفي سلخ ربيع الآخر عن ستين سنة
وفيها جمال الدين يوسف بن محمد المرداوي السعدي الحنبلي المعروف بابن التنبالي الإمام الفقيه العلامة قال العليمي كان من أهل العلم والدين اختصر كتاب الفروع للعلامة شمس الدين بن مفلح وكان يحفظ الفروع وجمع الجوامع وغيرهما ويكتب على الفتوى وتلمذ له جماعات من الأفاضل وتوفي بدمشق انتهى

سنة ثلاث وثمانين وثمانمائة

فيها توفي شهاب الدين أحمد بن إسماعيل بن أبي بكر بن عمر بن خالد

الأبشيطي بكسر الهمزة وسكون الموحدة وكسر المعجمة آخره طاء مهملة الشافعي ثم الحنبلي الصوفي الإمام العلامة البارع المفنن قال العليمي مولده بأبشيط في سنة اثنتين وثمانمائة وكان من أهل العلم والدين والصلاح مقتصدا في مأكله وملبسه وكان يلبس قميصا خشنا ويلبس فوقه في الشتاء فروة كباشية وإذا اتسخ قميصه يغسله في بركة المؤيدية بماء فقط وكان بيده خلوة له بقعة منها فيها برش خوص وتحت رأسه طوبتان وإلى جانبه قطعة خشب عليها بعض كتب له وبقية الخلوة فيها حبال الساقية والعليق بحيث لا يختص من الخلوة إلا بقدر حاجته وكان له كل يوم ثلاثة أرغفة يأكل رغيفا واحدا ويتصدق بالرغيفين وكان معلومه في كل شهر نحو أشرفي يقتات منه في كل شهر بنحو خمسة أنصاف فضة وهي عشرة دراهم شامية أو أقل والباقي من الأشرفي يتصدق به وكان هذا شأنه دائما لا يدخر شيئا يفضل عن كفايته مع الزهد ووقع له مكاشفات وأحوال تدل على أنه من كبار الأولياء وانقطع في آخر عمره بالمدينة الشريفة أكثر من عشرين سنة وتواتر القول بأنه كان يقرىء الجان وتوفي بالمدينة المشرفة في شهر رمضان
وفيها تقي الدين أبو بكر بن زيد الجراعي الحنبلي الإمام العلامة الفقيه القاضي كان من أهل العلم والدين وهو رفيق الشيخ علاء الدين المرداوي في الاشتغال على الشيخ تقي الدين بن قندس وباشر نيابة القضاء بدمشق وتوجه إلى الديار المصرية فاستخلفه القاضي عز الدين الكناني في الحكم وباشر عنه بالمدرسة الصالحية وله غاية المطلب في معرفة المذهب وتصحيح الخلاف المطلق مجلد لطيف والألغاز الفقهية مجلد لطيف وشرح أصول ابن اللحام مجلد وكان يحد السكران بمجرد وجود الرائحة على إحدى الروايتين وسئل عن دير قائم البناء تهدم من حيطانه المحيطة به هدما صارت الحيطان منه قريبة من الأرض فطلع لأهله حرامية لصوص وقتلوا راهبا فهل للرهبان

رفع الحيطان كما كانت تحرزا من اللصوص وهل لهم أن يبنوا على باب الدير فرنا وطاحونا والحالة أن هذا الدير بعيد من المدينة غير مشرف على عمارة أحد من المسلمين فما الحكم في ذلك فأجاب بالجواز في بناء الحائط المتهدم قال وأما بناء الفرن والطاحون فإن كانت الأرض مقرة في أيديهم فلهم البناء لأنهم إنما يمنعون من أحداث المتعبدات لا من غيرها والله أعلم توفي بدمشق
وفيها شهاب الدين أحمد بن أبي بكر بن العماد الحموي الحنبلي رحل في ابتداء أمره إلى القاهرة واشتغل بالعلم على القاضي جمال الدين بن هشام ثم اشتغل بدمشق على الشيخ جمال الدين يوسف المرداوي وتفقه على ابن قندس وأذن له بالافتاء وباشر نيابة الحكم بحلب ثم قدم القاهرة وأقام بها مدة يحترف بالشهادة ثم أتى مدينة حماة فتوفي بها في شعبان
وفيها علاء الدين علي بن محمد بن عبد الرحمن بن عمر البلقيني القاهري الشافعي الإمام العالم توفي في شعبان وقد زاحم الثمانين
وفيها ملك اليمن علي بن طاهر بن تاج الدين توفي في ربيع الثاني عن بضع وسبعين سنة
وفيها قاضي القضاة شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن الزكي الغزي الحنبلي ولي قضاء الحنابلة بغزة في دولة الملك الظاهر جقمق فباشر مباشرة حسنة وكان شكلا حسنا عليه أبهة ووقار واستمر في الولاية إلى أن توفي بغزة في شوال

سنة أربع وثمانين وثمانمائة

فيها توفي أقضى القضاة برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن محمد بن مفلح الحنبلي الشيخ الإمام البحر الهمام العلامة القدوة الرحلة الحافظ المجتهد الأمة شيخ الإسلام سيد العلماء والحكام ذو الدين المتين

والورع واليقين شيخ العصر وبركته اشتغل وحصل ودأب وجمع وسلم إليه القول والفعل من أرباب المذاهب كلها وصار مرجع الفقهاء والناس والمعول عليه في الأمور وباشر قضاء دمشق مرارا مع الدين والورع ونفوذ الكلمة وصنف شرح المقنع في الفقه وطبقات الأصحاب مرتبة على حروف المعجم سماه المقصد الأرشد في ترجمة أصحاب الإمام أحمد وصنف كتابا في الأصول وغير ذلك وتوفي بدمشق في خامس شعبان بمنزله بالصالحية ودفن بالروضة عند أسلافه
وفيها موفق الدين أحمد بن إبراهيم بن محمد بن خليل الطرابلسي الشافعي الإمام العالم توفي في ذي القعدة عن ست وستين سنة
وفيها شرف الدين عبد القادر بن قاضي القضاة بدر الدين محمد بن عبد القادر الجعفري النابلسي الحنبلي الإمام العالم الصوفي كان أكبر أولاد أبيه وشيخ الفقراء الصمادية وكان يحترف بالشهادة بمجلس والده بنابلس وبمجلس أخيه القاضي كمال الدين بالقدس وكان رجلا خيرا على طريقة حسنة توفي بنابلس في شوال
وفيها أمير المؤمنين المستنجد بالله أبو المظفر يوسف بن المتوكل على الله أبي بكر بن سليمان الهاشمي العباسي آخر الأخوة الخمسة المستقرين في الخلافة توفي في المحرم عن ست وثمانين سنة وبويع بالخلافة ولد أخيه العزى عبد العزيز بن الشرفي يعقوب بن المتوكل

سنة خمس وثمانين وثمانمائة

فيها توفي الإمام برهان الدين إبراهيم بن عمر بن حسن الرباط البقاعي الشافعي المحدث المفسر الإمام العلامة المؤرخ ولد سنة تسع وثمانمائة قال هو في ليلة الأحد تاسع شعبان سنة إحدى وعشرين وثمانمائة أوقع ناس من

قريتنا خربة روحا من البقاع يقال لهم بنو مزاحم بأقاربي بني حسن من القرية المذكورة فقتلوا تسعة أنفس منهم أبي عمر بن حسن الرباط بن علي بن أبي بكر وأخواه محمد سويد وعلى أخوهما لأبيهما وضربت أنا بالسيف ثلاث ضربات إحداها في رأسي فجرحتني وكنت إذ ذاك ابن اثنتي عشرة سنة فخرجنا من القرية المذكورة واستمرينا نتنقل في قرى وادي التيم والعرقوب وغيرهما إلى أن أراد الله تعالى بإقيال السعادتين الدنيوية والأخروية فنقلني جدي لأبي علي بن محمد السليمي إلى دمشق فجودت القرآن وجددت حفظه وأفردت القراآت وجمعتها على بعض المشايخ ثم على الشمس بن الجزري لما قدم إلى دمشق سنة سبع وعشرين وثمانمائة واشتغلت بالنحو والفقه وغيرهما من العلوم وكان ما أراد الله تعالى من التنقل في البلاد والفوز بالغزو والحج أدام الله نعمه آمين ومن ثمرات ذلك أيضا الاراحة من الحروب والوقائع التي أعقبتها هذه الواقعة فإنها استمرت أكثر من ثلاثين سنة ولعلها زادت على مائة وقعة كان فيها ما قاربت القتلى فيه ألفا انتهى بحروفه وأخذ المترجم عن أساطين عصره كابن ناصر الدين وابن حجر وبرع وتميز وناظر وانتقد حتى على شيوخه وصنف تصانيف عديدة من أجلها المناسبات القرآنية وعنوان الزمان بتراجم الشيوخ والأقران وتنبيه الغبي بتكفير عمر بن الفارض وابن عربي وانتقد عليه بسبب هذا التأليف وتناولته الألسن وكثر الرد عليه فممن رد عليه العلامة السيوطي بكتابه تنبيه الغبي بتبرئة ابن العربي وبالجملة فقد كان من أعاجيب الدهر وحسناته وتوفي بدمشق في رجب عن ست وسبعين سنة
وفيها علاء الدين أبو الحسن علي بن سليمان بن أحمد بن محمد المرداوي السعدي ثم الصالحي الحنبلي الشيخ الإمام العلامة المحقق المفنن أعجوبة الدهر شيخ المذهب وإمامه ومصححه ومنقحه بل شيخ الإسلام على الإطلاق ومحرر العلوم بالاتفاق ولد سنة سبع عشرة وثمانمائة وخرج من بلده مردا في

حال الشبيبة فأقام بمدينة سيدنا الخليل عليه الصلاة والسلام بزاوية الشيخ عمر المجرد رحمه الله وقرأ بها القرآن ثم قدم إلى دمشق ونزل بمدرسة شيخ الإسلام أبي عمر بالصالحية واشتغل بالعلم فلاحظته العناية الربانية واجتمع بالمشايخ وجد في الاشتغال وتفقه على الشيخ تقي الدين بن قندس البعلي شيخ الحنابلة في وقته فبرع وفضل في فنون من العلوم وانتهت إليه رياسة المذهب وباشر نيابة الحكم دهرا طويلا فحسنت سيرته وعظم أمره ثم فتح عليه في التصنيف فصنف كتبا كثيرة في أنواع العلوم أعظمها الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف أربع مجلدات ضخمة جعله على المقنع وهو من كتب الإسلام فإنه سلك فيه مسلكا لم يسبق إليه بين فيه الصحيح من المذهب وأطال فيه الكلام وذكر في كل مسئلة ما نقل فيها من الكتب وكلام الأصحاب فهو دليل على تبحر مصنفه وسعة علمه وقوة فهمه وكثرة اطلاعه ومنها التنقيح المشبع في تحريم المقنع وهو مختصر الانصاف والتحرير في أصول الفقه ذكر فيه المذاهب الأربعة وغيرها وشرحه وجزء في الأدعية والأوراد سماه الحصون المعدة الواقية من كل شدة وتصحيح كتاب الفروع لابن مفلح وشرح الآداب وغير ذلك وانتفع الناس بمصنفاته وانتشرت في حياته وبعد وفاته وكانت كتابته على الفتوى غاية وخطه حسن وتنزه عن مباشرة القضاء في أواخر عمره وصار قوله حجة في المذهب يعول عليه في الفتوى والأحكام في جميع مملكة الإسلام ومن تلامذته قاضي القضاة بدر الدين السعدي قاضي الديار المصرية وغالب من في المملكة من الفقهاء والعلماء وقضاة الإسلام وما صحبه أحد إلا وحصل له الخير وكان لا يتردد إلى أحد من أهل الدنيا ولا يتكلم فيما لا يعنيه وكان الأكابر والأعيان يقصدونه لزيارته والاستفادة منه وحج وزار بيت المقدس مرارا ومحاسنه أكثر من أن تحصر وأشهر من أن تذكر وتوفي بصالحية دمشق يوم الجمعة سادس جمادى الأولى ودفن بسفح

قاسيون قرب الروضة
وفيها سراج الدين عمر بن حسين بن حسن بن علي العبادي القاهري الشافعي الأزهري الإمام العلامة شيخ الشافعية في عصره توفي في ربيع الأول وقد جاوز الثمانين سنة
وفيها تقريبا المولى عز الدين عبد اللطيف بن الملك الحنفي الشهير بابن فرشته قال في الشقائق كان عالما فاضلا ماهرا في جميع العلوم الشرعية شرح مجمع البحرين شرحا حسنا جامعا للفوائد مقبول في بلادنا وشرح أيضا مشارق الأنوار للإمام الصاغاني شرحا لطيفا وشرح كتاب المنار في الأصول وله رسالة في علم التصوف تدل على أن له حظا عظيما من معارف الصوفية انتهى ملخصا
وفيها نجم الدين عمر بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد الهاشمي المكي الشافعي المعروف بابن فهد الإمام العالم العريق توفي في رمضان عن ثلاث وسبعين سنة
وفيها المولى خسرو محمد بن قراموز الرومي الحنفي الإمام العلامة كان والده روميا من أمراء الفراسخة تشرف بالإسلام وكان له بنت زوجها من أمير آخر مسمى بخسرو فلما مات كان صاحب الترجمة في حجره فاشتهر بخسرو وأخذ العلوم عن برهان الدين حيدر الرومي المفتي في البلاد الرومية ثم صار مدرسا بمدينة أدرنة بمدرسة شاه ملك وكان له أخ مدرس بالمدرسة الحلبية وتقيد المولى خسرو بأدرنة على المولى يوسف بالي بن شمس الدين الفناري مدرس مدرسة السلطان محمد بمدينة برسا وكتب المولى خسرو حواشيه على المطول في المدرسة المذكورة ثم صار مدرسا بمدرسة أخيه بعد وفاته ثم صار قاضيا بالعسكر المنصور ولما جلس السلطان محمد خان على سرير السلطنة ثانيا جعل له كل يوم مائة درهم ولما فتح قسطنطينية جعل المترجم قاضيا بها بعد وفاة المولى خضر بك وضم إليه قضاء غلطة واسكدار وتدريس

أياصوفيا وكان مربوع القامة عظيم اللحية يلبس الثياب الدنية وعلى رأسه عمامة صغيرة وكان السلطان محمد يجله كثيرا ويفتخر به ويقول لوزرائه هذا أبو حنيفة زمانه وكان متخشعا متواضعا صاحب أخلاق حميدة وسكينة ووقار يخدم بنفسه مع ماله من العبيد والخدم الذين لا يحصون كثرة وكان مع اشتغاله بالمناصب والتداريس يكتب كل يوم ورقتين من كتب السلف بخط حسن وآل به الأمر إلى أن صار مفتيا بالتخت السلطاني وعظم أمره وطار ذكره وعمر عدة مساجد بقسطنطينية ومن مصنفاته حواش على المطول وحواشي التلويح وحواش على أول تفسير البيضاوي ومرقاة الوصول في علم الأصول وشرحه والدرر والغرر ورسالة في الولاء ورسالة متعلقة بتفسير سورة الأنعام وغير ذلك وتوفي بقسطنطينية وحمل إلى مدينة برسا فدفن بها في مدرسته رحمه الله تعالى
وفيها المولى محمد بن قطب الدين الأزنيقي الحنفي الإمام العالم العامل قرأ العلوم الشرعية والعقلية على المولى الفناري وتمهر وفاق أقرانه ثم سلك مسلك التصوف فجمع بين الشريعة والطريقة والحقيقة وصنف شرحا لمفتاح الغيب للشيخ صدر الدين القونوي وهو في غاية الحسن وشرح أيضا فصوص الصدر القونوي رحمهما الله تعالى
وفي حدودها المولى سنان الدين يوسف المشهور بقراسنان الحنفي الإمام العلامة قال في الشقائق كانت له مهارة في العلوم العربية الأدبية صنف شرحا لمراح الأرواح في الصرف وشرحا للشافية في الصرف أيضا وله شرح الملخص الجغميني في علم الهيئة وحواش على شرح الوقاية لصدر الشريعة انتهى ملخصا

سنة ست وثمانين وثمانمائة

في رمضانها كانت الصاعقة التي احترق بنارها المسجد الشريف النبوي

سقفه وحواصله وخزائن كتبه وربعاته ولم يبق من قناطره وأساطينه إلا اليسير وكانت آية من آيات الله تعالى وقال بعضهم فيه
( لم يحترق حرم النبي لريبة ** تخشى عليه وما به من عار )
( لكنما أيدي الروافض لامست ** تلك الرسوم فطهرت بالنار )
وفيها في سابع عشر المحرم كانت بمكة زلزلة هائلة لم يسمع بمثلها
وفي حدودها توفي المولى شمس الدين أحمد بن موسى الشهير بالخيالي الحنفي الإمام العلامة قرأ على أبيه وعلى خضر بك وهو مدرس بسلطانية برسا ومهر وبرع وفاق أقرانه وسلك طريق الصوفية وتلقن الذكر وله حواش على شرح العقائد النسفية تمتحن بها الأذكياء لدقتها وحواش على أوائل حاشية التجريد وشرح لنظم العقائد لأستاذه المولى خضر بك أجاد فيه كل الإجادة وغير ذلك من الحواشي والتعاليق رحمه الله تعالى
وفيها علاء الدين علي بن محمد بن عيسى بن عطيف العدني اليمني الشافعي الإمام العالم الفقيه توفي بمكة المشرفة في جمادى الأولى عن بضع وسبعين سنة
وفيها سابع ملوك بنى عثمان السلطان محمد بن السلطان مرادخان ولد سنة خمس وثلاثين وثمانمائة وولي السلطنة سنة ست وخمسين وكانت مدة ولايته إحدى وثلاثين سنة قال في الأعلام كان من أعاظم سلاطين بني عثمان وهو الملك الضليل الفاضل النبيل العظيم الجليل أعظم الملوك جهادا وأقواهم إقداما واجتهادا وأثبتهم جأشا وقوادا وأكثرهم توكلا على الله واعتمادا وهو الذي أسس ملك بني عثمان وقنن لهم قوانين صارت كالأطواق في أجياد الزمان وله مناقب جميلة ومزايا فاضلة جليلة وآثار باقية في صفحات الليالي والأيام ومآثر لا يمحوها تعاقب السنين والأعوام وغزوات كسر بها أصلاب الصلبان والأصنام من أعظمها أنه فتح القسطنطينية الكبرى وساق إليها السفن تجري رخاءا برا وبحرا وهجم عليها بجنوده وأبطاله وأقدم عليها بخيوله

ورجاله وحاصرها خمسين يوما أشد الحصار وضيق على من فيها من الكفار الفجار وسل على أهلها سيف الله المسلول وتدرع بدرع الله الحصين المسبول ودق باب النصر والتأييد ولج ومن قرع بابا ولج ولج وثبت على متن الصبر إلى أن أتاه الله تعالى بالفرج ونزلت عليه ملائكة الله القريب الرقيب بالنصر العزيز من الله تعالى والفتح القريب ففتح اصطنبول في اليوم الحادي والخمسين من أيام محاصرته وهو يوم الأربعاء العشرون من جمادى الآخرة سنة سبع وخمسين وثمانمائة وصلى في أكبر كنائس النصارى صلاة الجمعة وهي أياصوفيا وهي قبة تسامي قبة السماء وتحاكي في الاستحكام قبب الأهرام ولا وهت ولا وهنت كبرا ولا هرما وقد أسس في اصطنبول للعلم أساسا راسخا لا يخشى على شمسه الأفول وبنى بها مدارس كالجفان لها ثمانية أبواب سهلة الدخول وقنن بها قوانين تطابق المعقول والمنقول فجزاه الله خيرا عن الطلاب ومنحه بها أجرا وأكبر ثواب فإنه جعل لهم أيام الطلب ما يسد فاقتهم ويكون به من خمار الفقر إفاقتهم وجعل بعد ذلك مراتب يترقون إليها ويصعدون بالتمكن والاعتبار عليها إلى أن يصلوا إلى سعادة الدنيا ويتوسلون بها أيضا إلى سعادة العقبى وأنه رحمه الله تعالى استجلب العلماء الكبار من أقصى الديار وأنعم إليهم وعطف بإحسانه إليهم كمولانا علي القوشجي والفاضل الطوسي والعالم الكوراني وغيرهم من علماء الإسلام وفضلاء الأنام فصارت اصطنبول بهم أم الدنيا ومعدن الفخار والعليا واجتمع فيها أهل الكمال من كل فن فعلماؤها إلى الآن أعظم علماء الإسلام وأهل حرفها أدق الفطناء في الأنام وأرباب دولتها هم أهل السعادة العظام فللمرحوم المقدس قلادة منن لا تحصى في أعناق المسلمين لا سيما العلماء الأكرمين انتهى ملخصا أي واستقر بعده في المملكة ابنه الأكبر أبو يزيد يلدرم ومعناه البرق

سنة سبع وثمانين وثمانمائة

فيها في أثناء ذي القعدة كان بمكة السيل الهائل الذي لم يسمع بمثله خرب نحو ربع بيوت مكة وجاز في المسجد الحرام حلقتي باب الكعبة ومات من الخلق من لا يحصيهم إلا الله تعالى
وفيها توفي برهان الدين إبرهيم بن علي بن إبراهيم بن يوسف الحسيني العراقي الشافعي المعروف بابن أبي الوفا الإمام العالم توفي في جمادى الأولى عن ست وسبعين سنة
وفيها شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن علي بن محمد السلمي المنصوري الشافعي ثم الحنبلي ويعرف بابن الهايم وبالشهاب المنصوري وبالقائم كان شاعر زمانه ولد سنة تسع وتسعين وسبعمائة واشتغل وفهم شيئا من العلم وبرع في الشعر وفنونه وتفرد في آخر عمره وله ديوان كبير منه
( شجاك بربع العامرية معهد ** به أنكرت عيناك ما كنت تعهد )
( ترحل عنه أهله بأهلة ** بأحداجها غيد من العين خرد )
( كواكب أتراب حسان كأنها ** برود بأغصان النقا تتأود )
وهي طويلة وجميع شعره في غاية الحسن وتوفي في جمادى الآخرة
وفيها الصدر سليمان بن عبد الناصر الأبشيطي ثم القاهري الشافعي الصوفي قال المناوي تعبد قديما وحدث واشتغل بالفقه وغيره ودرس وأفاد وأفتى وخطب ونزل بالشيخونية ثم تصوف وحج قاضي المحمل مرارا وشرح ألفية ابن مالك وغيرها ورام الاشتغال بالمنطق لكثرة معارضة من يبحث معه فيه فأخذ الشمسية في كمه ودخل على الشيخ الحر يفيش مستشيرا له بالحال فبمجرد رؤيته قال من الله تعالى علينا بكتابه العزيز والنحو والأصول فمالنا وللمنطق وكرر ذلك فرجع وعد ذلك من كراماتها ومن كراماتهما أيضا أنه كان

يجيء لحضور الشيخونية فينزل عن بغلته ويرسلها ليس معها أحد فتذهب للرميلة فتقمقم مما تراه هناك ثم ترجع عند فراغ الدرس سواء بلا زيادة ولا نقص توفي رحمه الله تعالى عن نحو ثمانين سنة انتهى
وفيها فقيه اليمن عمر بن محمد بن معيدب اليماني الزبيدي الشافعي الإمام العلامة توفي في صفر عن ست وثمانين سنة

سنة ثمان وثمانين وثمانمائة

فيها توفي شهاب الدين أحمد بن أحمد بن علي بن زكريا الجديدي البدراني الشافعي الإمام العالم توفي في ربيع الآخر عن نحو سبعين سنة
وفيها كريم الدين أبو المكارم عبد الكريم بن علي البويطي الحنبلي العدل قال العليمي كان رجلا خيرا وكان في ابتداء أمره يباشر عند الأمراء بالقاهرة ثم احترف بالشهادة ولما ولي ابن أخته بدر الدين السعدي قضاء الديار المصرية ولاه العقود والفسوخ وكان يجلس لتحمل الشهادة بباب المدرسة الصالحية في حانوت الحكم المنسوب للحنابلة وتوفي بالقاهرة
وفيها نور الدين علي بن محمد المناوي المصري الحنبلي العدل المشهور بباهو الإمام العالم ولاه القاضي بدر الدين البغدادي العقود والفسوخ بالديار المصرية ولم يزل إلى أيام القاضي بدر الدين السعدي وتوفي في أيامه
وفيها شمس الدين محمد بن عثمان الجزيري الحنبلي الإمام العالم اشتغل بالعلم على القاضي محب الدين بن الجناق المتقدم ذكره وعلى القاضي بدر الدين السعدي والعز الكناني وفضل وتميز وكان يحترف بالشهادة وصار من أعيان موقعي الحكم وكان أعجوبة توفي في شوال بالقاهرة
وفيها شمس الدين محمد بن علي بن محمد بن قاسم القاهري الشافعي

المعروف بابن المرخم الإمام العالم توفي في جمادى الأولى عن ثمانين سنة
وفيها كمال الدين محمد بن علي بن الضياء المصري الخانكي الحنبلي الإمام العلامة أصله من الخانكاه السرياقوسية وكان يسكن بالقاهرة وباشر عقود الأنكحة والفسوخ في أيام القاضي عز الدين الكناني ثم لما ولي بدر الدين السعدي استخلفه في الحكم وأجلسه بباب البحر وكان يميل إليه بالمحبة وتوفي في أيامه بالقاهرة

سنة تسع وثمانين وثمانمائة

فيها في جمادى الآخرة كان إجراء عين عرفات
وفيها توفي شهاب الدين أحمد بن يحيى بن شاكر بن عبد الغني بن الجيعان توفي في شعبان عن أربعين سنة
وفيها تقي الدين أبو بكر بن خليل بن عمر بن السلم النابلسي الأصل ثم الصفدي الحنبلي المشهور بابن الحوائج كاش قاضي مدينة صفد وابن قاضيها اشتغل بالعلم ومهر وباشر القضاء بمدينة صفد مدة وعزل وولي مرات وكان في زمن عزله يحترف بالشهادة إلى أن توفي بصفد
وفيها الشمس محمد بن عبد المنعم بن محمد بن محمد الجوجري ثم القاهري الشافعي الإمام العالم سليل العلماء توفي في رجب عن سبع وستين سنة
وفيها قاضي القضاة كمال الدين أبو الفضل محمد بن قاضي القضاة بدر الدين أبي عبد الله محمد بن قاضي القضاة شرف الدين أبي حاتم عبد القادر الجعفري النابلسي الحنبلي المعروف بابن قاضي نابلس ولد سنة نيف وثلاثين وثمانمائة ودأب وحصل وسافر البلاد وأخذ عن المشايخ وأذن له الشيخ علاء الدين المرداوي بالإفتاء وأذن له أيضا الشيخ تقي الدين بن قندس وبرع في المذهب وأفتى وناظر وباشر القضاء بنابلس نيابة عن والده ثم باشره بالديار المصرية عوضا عن العز الكناني ثم باشره ببيت المقدس عوضا عن الشمس

العليمي ثم أضيف إليه قضاء الرملة ونابلس ثم عزل وأعيد مرارا وكان له معرفة ودربة بالأحكام ثم قطن في دمشق ثلاث سنين ثم توجه إلى ثغر دمياط وباشر نيابة الحكم ثم سافر منه فورد خبر موته إلى القاهرة بأسكندرية في هذه السنة
وفيها القاضي جمال الدين أبو المحاسن يوسف بن قاضي القضاة شيخ الإسلام محب الدين أبي الفضل أحمد المتقدم ذكره ابن نصر الله البغدادي الأصل ثم المصري الحنبلي الإمام العلامة تفقه بوالده وغيره وفضل وبرع في حياة والده وشهد له بالفضل ونزل له عن تدريس البرقوقية وباشر نيابة الحكم بالديار المصرية في أيام العز الكناني ثم ترك واستمر خاملا إلى قبيل وفاته بيسير ففوض إليه القاضي بدر الدين السعدي نيابة الحكم فما كان إلا القليل وكان يكتب على الفتاوى كتابة جيدة إلى الغاية إلا أنه لم يكن له حظ من الدنيا وتوفي بالقاهرة في أحد الربيعين

سنة تسعين وثمانمائة

فيها توفي قاضي الشافعية شمس الدين محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن عمر بن رسلان البلقيني القاهري الشافعي الإمام العالم الأصيل توفي بالقاهرة عن نحو سبعين سنة
وفيها قاضي الحنفية بالديار المصرية شمس الدين محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن محمود بن الشهاب غازي الحلبي الحنفي المعروف كسلفه بابن الشحنة الإمام العالم الناظم الناثر سليل العلماء الأجلاء ومن نظمه
( قلت له لما وفى موعدي ** وما بقلبي لسواه نفاق )
( وجاد بالوصل على وجهه ** حتى سما كل حبيب وفاق )
وتوفي في المحرم عن خمس وثمانين سنة


وفيها شمس الدين محمد بن يوسف بن عبد الكريم القاهري الشافعي سبط ابن البارزي الإمام العالم توفي بمكة في شعبان

سنة إحدى وتسعين وثمانمائة

فيها توفي عالم الحجاز برهان الدين إبراهيم بن علي بن محمد بن محمد بن حسين بن علي بن أحمد بن عطية بن ظهيرة المكي القرشي الشافعي الإمام العلامة توفي ليلة الجمعة سادس ذي القعدة عن ست وستين سنة
وفيها تقريبا أبو علي حسين الصوفي المدفون بساحل بولاق قال المناوي في طبقاته هو من أهل التصريف صوفي كامل وشيخ لأنواع اللطف والكمال شامل بهي الصورة كأن عليه مخايل الولاية مقصورة وكان كثير التطور يدخل عليه إنسان فيجده سبعا ثم يدخل عليه آخر فيجده جنديا ثم يدخل عليه آخر فيجده فلاحا أو فيلا وهكذا وقال آخرون كان التطور دأبه ليلا ونهارا حتى في صورة السباع والبهائم ودخل عليه أعداؤه ليقتلوه فقطعوه بالسيوف ليلا ورموه على كوم بعيد فأصبحوا فوجدوه قائما يصلي بزاويته ومكث بخلوة في غيط خارج باب البحر أربعين سنة لا يأكل ولا يشرب وباب الخلوة مسدود ليس له إلا طاق يدخل منه الهواء فقال الناس هو يعمل الكيمياء والسيميا ثم خرج بعدها وأظهر الكرامات والخوارق وكان إذا سأله أحد شيئا قبض من الهواء وأعطاه إياه وكان جماعته يأخذون أولاد النموس ويربونهم فسموا بالنموسية وضرب قايتباي رقاب بعضهم لما شطحوا ونطقوا بما يخالف الشريعة انتهى كلام المناوي
وفيها قاضي القضاة شهاب الدين أحمد بن عبد الكريم بن محمد بن عبادة السعدي الأنصاري الدمشقي الصالحي الحنبلي كان صدرا رئيسا من رؤساء دمشق وهو من بيت علم ورآسة وتقدم ذكر أسلافه ولي قضاء دمشق عن البرهان

ابن مفلح ولم تطل مدته ثم عزل فلم يلتفت إلى المنصب بعد ذلك واستمر في منزله بالصالحية معظما وكان عنده سخاء وحسن لقاء وإكرام لمن يرد عليه وتوفي بمكة المشرفة يوم الخميس ثالث شعبان ودفن بالمعلاة
وفيها القاضي شهاب الدين أحمد بن أبي بكر بن قدامة المقدسي الأصل الدمشقي الصالحي الحنبلي المشهور بابن زريق تقدم ذكر أسلافه وكان من أهل الفضل إماما عالما بارعا في الفرائض أذن له الشيخ تقي الدين بن قندس بالتدريس والإفتاء توفي في ثامن ذي الحجة بدمشق
وفيها المولى سنان الدين يوسف بن خضر بك بن جلال الدين الحنفي قال في الشقائق كان فاضلا كثير الاطلاع على العلوم عقلياتها وشرعياتها وكان ذكيا للغاية يتوقد ذكاءا وفطنة وكان لحدة ذهنه وقوة فطنته غلب على طبعه إيراد الشكوك والشبهات وقلما يلتفت إلى تحقيق المسائل حتى أن والده لامه على ذلك وقال له يوما وهو يأكل معه لحما بلغ بك الشك إلى مرتبة يمكن أن تشك في أن هذا الظرف من نحاس قال يمكن ذلك لأن للحواس أغاليط فغضب والده وضرب بالطبق رأسه ولما مات والده كان مناهزا للعشرين سنة فأعطاه السلطان محمد إحدى المدارس الثمان ثم أعطاه دار الحديث بأدرنة ثم جعله معلما لنفسه ومال إلى صحبته وكان لا يفارقه ولما جاء المولى على القوشجي أخذ عنه العلوم الرياضية ولازمه بإشارة من السلطان محمد وكتب حواش على شرح الجغميني لقاضي زاده ثم جعله السلطان محمد وزيرا في سنة خمس وسبعين ثم وقع بينه وبين السلطان أمر كان سببا لعزله وحبسه فاجتمع علماء البلدة وقالوا لا بد من إطلاقه وإلا نحرق كتبنا في الديوان العالي ونترك مملكتك فأخرج وسلم إليهم ولما سكنوا أعطاه قضاء سفري حصار مع مدرسته وأخرجه في ذلك اليوم من قسطنطينية فلما وصل إلى أزنيق أرسل خلفه طبيبا وقال عالجه فإن عقله قد اختل فكان الطبيب المذكور

يدفع إليه كل يوم شربة ويضربه خمسين عصا فلما سمع المولى ابن حسام الدين بذلك أرسل إلى السلطان كتابا بأن ترفع عنه هذا الظلم أو أخرج من مملكتك فرفع عنه ذلك وذهب إلى سفري حصار وأقام بها بما لا يمكن شرحه من الكآبة والحزن ومات السلطان محمد وهو فيها فلما جلس السلطان بايزيد خان على سرير الملك أعطاه مدرسة دار الحديث بأدرنة وعين له كل يوم مائة درهم فكتب هناك حواش على مباحث الجواهر من شرح المواقف وأورد أسئلة كثيرة على السيد الشريف وله كتاب بالتركية في مناجاة الحق سبحانه وكتاب في مناقب الأولياء بالتركية أيضا وتوفي بأدرنة ولم يوجد في بيته حطب يسخن به الماء وذلك لفرط سخائه انتهى ملخصا
وفيها تقريبا المولى يعقوب باشا بن المولى خضر بك بن جلال الدين الحنفي أخو المترجم قبله كان إماما عالما صالحا محققا صاحب أخلاق حميدة وكان مدرسا بسلطانية مدرسا ثم صار مدرسا بإحدى الثمان ثم ولي قضاء برسة ومات وهو قاض بها وله حواش على شرح الوقاية لصدر الشريعة أورد فيها دقائق وأسئلة مع الإيجاز والتحرير وله غير ذلك رحمه الله تعالى

سنة اثنتين وتسعين وثمانمائة

فيها كان الغلاء المفرط
وفيها توفي القاضي شهاب الدين أحمد بن محمد بن علي بن موسى الأبشيهي المحلي الشافعي الإمام العالم توفي بالرحبة في ذي القعدة
وفيها فخر الدين عثمان بن علي التليلي الحنبلي الإمام العلامة الخطيب أخذ الحديث عن الحافظ ابن حجر والفقه عن الشيخ عبد الرحمن أبي شعر وولي الإمامة والخطابة بجامع الحنابلة بصالحية دمشق مدة تزيد على ستين سنة وكان صالحا معتقدا توفي يوم الجمعة سابع عشرى شعبان ودفن بالروضة

وله سبع وتسعون سنة وكان لجنازته يوم مشهود
وفيها الشيخ مدين خليفة الأشموني الزاهد قال المناوي أصله من ذرية الشيخ أبي مدين فرحل من المغرب جده الأدنى وهو مغربي فقير فأقام بطبلاي بالمنوفية فولد له بها علي ودفن بطبلية ثم انتقل إلى أشمون فولد له بها مدين هذا فاشتغل بالعلم حتى صار يفتي ثم تحرك لطلب الطريق فخرج يطلب شيخا بمصر فوافق خروجه خروج الشيخ محمد الغمري يطلب مطلوبه فلقيهما رجل من أرباب الأحوال فقال اذهبا إلى أحمد الزاهد ففتحكما على يديه ولا تطلبا الأبواب الكبار يعني الشيخ محمد الحنفي فدخلا على الزاهد فلقيهما وأخلاهما ففتح على مدين في ثلاثة أيام وعلى الغمري بعد خمس عشرة سنة وكان صاحب الترجمة صاحب همة وله عز في الطريق وعزمه وكان له في التصوف يد طولي وإذا تكلم في الطريق بلغ المريد مراما وسؤلا انتفع به خلق كثير من العلماء والصلحاء والفقراء والفقهاء والأجناد وغيرهم وكانت له كرامات منها أنها مالت منارة زاويته فقيل له لا بد من هدمها فصعد مع المهندس وقال أرني محل الميل فأراه ذلك فألصق ظهره إليه فاستقام ومنها أن الحر يفيش جاءه بعد موت شيخه الغمري فوجده يتوضأ وعبد حبشي يصب عليه وآخر واقف بالمنشفة فسأله عن نفسه لكونه لم ير عليه ملابس الفقراء بل الأكابر فقال أنا مدين قال فقلت في نفسي من غير لفظ لاذا بذاك ولا عتب على الزمن بفتح التاء فقال عتب بسكون التاء قال فقلت في سرى الله أكبر على نفسك الخبيثة أتيت لتزن على الفقراء أحوالهم بميزانك الخاسرة قال فتبت وعلمت أنه من الأولياء ومنها أنه لما ضاقت النفقة على السلطان جقمق أرسل يأخذ خاطره فأرسل له نصف عمود من معدن يثاقل به الفضة فجعل ثمنه في بيت المال واتسع الحال فقال السلطان الملوك حقيقة هؤلاء ومنها أنه أتاه رجل طعن في السن فقال أريد حفظ القرآن قال ادخل الخلوة واشتغل

بذكر الله تحفظه فدخل فأصبح يحفظه وكان لا يخرج من بيته إلا لصلاة أو بعد عصر كل يوم ولم يزل دأبه ذلك إلى أن حومت عليه المنية وعظمت على المسلمين الرذية فتوفي يوم الأربعاء تاسع ربيع الأول ودفن بزاويته انتهى ملخصا
وفيها جمال الدين يوسف بن محمد الكفرسبي الحنبلي الفقيه الصالح كان من أهل الفضل ومن أخصاء الشيخ علاء الدين المرداوي وقد أسند وصيته إليه عند موته وتوفي بدمشق رحمه الله تعالى

سنة ثلاث وتسعين وثمانمائة

فيها توفي الملك المؤيد الشهاب أبو الفتح أحمد بن الملك الأشرف أبي النصر اينال العلائي الظاهري ثم الناصري وهو من ذرية الظاهر بيبرس ولي السلطنة بعهد من أبيه يوم الأربعاء رابع عشر جمادى الاولى سنة خمس وستين وثمانمائة وتوفي والده بعد ذاك بيوم واحد ثم خلعه أتابكه خشقدم بعد خمسة أشهر وخمسة أيام واستمر خاملا إلى أن توفي في صفر عن سبع وخمسين سنة
وفيها المتوكل على الله أبو عمرو عثمان بن الأمير محمد بن عبد العزيز أحمد الهنتاتي صاحب المغرب توفي ليلة السابع والعشرين من شهر رمضان وقد جاوز السبعين
وفيها المولى مصلح الدين مصطفى بن يوسف بن صالح البرساوي الحنفي المعروف بخواجه زاده كان والده من التجار صاحب ثروة عظيمة وكان أولاده في غاية الرفاهية وعين للمترجم في شبابه كل يوم درهما واحدا وكان ذلك لاشتغاله بالعلم وتركه طريقة والده فإنه سخط عليه لذلك ثم دأب المترجم في الطلب واتصل بخدمة المولى ابن قاضي اياثلوغ فقرأ عنده الأصلين والمعاني

والبيان ثم وصل إلى خدمة خضر بك بن جلال وقرأ عليه علوما كثيرة وكان يكرمه إكراما عظيما وكان يقول إذا أشكلت عليه مسألة لتعرض على العقل السليم يريد به خواجه زاده ثم تنقل في المدارس مع الفقر الشديد وحفظ شرح المواقف ثم جعله السلطان محمد معلما لنفسه وقرأ عليه تصريف العزي للزنجاني في الصرف فكتب عليه حاشية نفيسة وتقرب عند السلطان غاية القرب إلى أن صار قاضيا للعسكر وكان والده وقتئذ في الحيف والاحتياج فسار إلى ولده من برسا إلى أدرنة وخرج ولده للقائه ومعه علماء البلد وأشرافه ونزل خواجه زاده له عن فرسه وعانقه وعمل له ولإخوته ضيافة عظيمة وجمع فيها العلماء والأكابر وجلس هو في صدر المجلس ووالده عنده وسائر الأكابر جلوس على قدر مراتبهم فلم يمكن إخوته الجلوس لازدحام الأكابر فقاموا مع الخدم بعد ما كانوا فيه من الرفاهية وما هو فيه من الفقر والاحتياج فسبحان المانح لا مانع لما أعطى ثم أن السلطان محمد أعطاه تدريس سلطانية برسا وعين له كل يوم خمسين درهما وهو إذ ذاك ابن ثلاث وثلاثين سنة ثم أعطاه مدرسته بقسطنطينية وصنف هناك كتاب التهافت بأمر السلطان ثم استقضى بمدينة أدرنة ثم استفتى بمدينة قسطنطينية ثم أعطى بكرم من الوزير قضاء ازنيق وتدريسها فذهب إليها وترك القضاء وبقي على التدريس إلى أن مات السلطان محمد فأتى إلى قسطنطينية ثم أعطاه السلطان بايزيد سلطانية برسا وعين له كل يوم مائة درهم ثم أعطاه فتيا برسا وقد اختلت رجلاه ويده اليمنى فكان يكتب باليد اليسرى وكتب حاشية على شرح المواقف بأمر السلطان بايزيد إلى أثناء مباحث الوجود ثم توفاه الله تعالى وله أيضا حواش على شرح هداية الحكمة لمولانا زاده وشرح على الطوالع وحواش على التلويح وغير ذلك
وكان له ابنان اسم الكبير منهما شيخ محمد كان فاضلا عالما مدرسا باشر التداريس والقضاء وترك الكل ورغب في التصوف ثم ذهب مع بعض

العجم إلى بلاد العجم وتوفي هناك سنة اثنتين أو ثلاث وتسعمائة وكان محققا مدققا
واسم الأصغر منهما عبد الله كان صاحب ذكاء وفطنة ومشاركة حسنة وتوفي وهو شاب رحمهم الله تعالى

سنة أربع وتسعين وثمانمائة

فيها توفي الشريف أبو سعد بن بركات بن حسن بن عجلان صاحب الحجاز توفي في ربيع الثاني
وفيها الشيخ عبد الله المشهور بحاجي خليفة أصله من ولاية قصطموني واشتغل بالعلوم الظاهرة أولا فأتقنها ثم اتصل بخدمة الشيخ تاج الدين بن بخشى وحصل عنده طريقة الصوفية حتى أجازه بالإرشاد وأقامه مقامه بعد وفاته وكان جامعا للعلوم والمعارف متواضعا متخشعا صاحب أخلاق حميدة وآثار سعيدة مظهرا للخيرات والبركات صاحب كرامات مرجعا للعلماء والفضلاء مربيا للفقراء والصلحاء آية في الكرم والفتوة كثير البشرجميل الخلق والخلق وتوفي في سلخ جمادى الآخرة رحمه الله تعالى
وفيها المنصور عبد الوهاب بن داود صاحب اليمن توفي في جمادى الأولى
وفيها شمس الدين محمد بن شهاب الدين أحمد بن عز الدين عبد العزيز المرداوي الحنبلي الأصيل العريق سليل الأعلام كان من فضلاء الحنابلة بارعا في الفرائض مستحضرا في الفقه وأصوله والحديث والنحو حافظا لكتاب الله تعالى أذن له الشيخ تقي الدين بن قندس والشيخ علاء الدين المرداوي والبرهان بن مفلح بالافتاء والتدريس وولي القضاء ببلده مردامدة وتوفي بصالحية دمشق يوم الخميس ثالث عشر ذي القعدة ودفن بالروضة إلى جانب القاضي علاء الدين المرداوي من جهة القبلة
وفيها القاضي محب الدين أبو اليسر محمد بن الشيخ فتح الدين محمد بن الجليس

المصري الحنبلي ولد في حدود العشرين والثمانمائة ظنا وكان والده من أعيان الحنابلة بالقاهرة وكان هو من أخصاء القاضي بدر الدين البغدادي وكان في ابتداء أمره يتجر ثم احترف بالشهادة وجلس في خدمة نور الدين الشيشيني المتقدم ذكره وحفظ مختصر الخرقي وقرأ على العز الكناني وغيره وأذن له القاضي عز الدين المذكور في العقود والفسوخ ثم استخلفه في الحكم واستمر على ذلك إلى أن توفي في أحد الربيعين
وفيها المتوكل على الله يحيى بن محمد بن مسعود بن عثمان بن محمد صاحب المغرب توفي في رجب

سنة خمس وتسعين وثمانمائة

فيها توفي السيد أحمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن محمد الحسيني الشيرازي الأيجي الإمام العالم توفي في جمادى الأولى عن إحدى وسبعين سنة
وفيها عبيد الله بن محمد المدعو حافظ عبيد الأبيوردي الإمام العلامة
وفيها قاضي القضاة عبد الرحمن بن الكازروني الحنبلي الإمام العلامة المقرىء المحدث كان من أهل العلم ومشايخ القراءة وله سند عال في الحديث الشريف ولي قضاء حماة مدة طويلة ووقع له العزل والولاية وكانت سيرته حسنة وللناس فيه اعتقاد توفي بحماة وقد جاوز الثمانين
وفيها أمين الدين أبو اليمن محمد بن محب الدين أبي اليسر محمد المنصوري المصري الحنبلي اشتغل في ابتداء أمره على الشيخ جمال الدين بن هشام واحترف بالشهادة وأذن له البدر البغدادي في العقود والفسوخ وكذا العز الكناني ثم فوض إليه نيابة الحكم فباشر في أيامه مدة طويلة ثم استمر على ما هو عليه

في أيام البدر السعدي وكان يباشر على أوقاف الحنابلة وعنده استحضار في الفقه وخطه حسن وله معرفة تامة بمصطلح القضاء والشهادة وكان يلازم مجالس الأمراء بالديار المصرية لفصل الحكومات وتوفي بالقاهرة في أواخر السنة

سنة ست وتسعين وثمانمائة

فيها توفي القاضي برهان الدين إبراهيم بن محمد بن محمد بن عمر بن يوسف اللقاني المالكي الإمام العالم توفي في المحرم
وفيها العارف بالله تعالى الشيخ عبد الله الإلهي الصوفي الحنفي قال في الشقائق ولد بقصبة سماو من ولاية أناضولي واشتغل أول أمره بالعلوم وسكن مدة بقسطنطينية بمدرسة زيرك ولما ارتحل المولى على الطوسي إلى بلاد العجم ارتحل هو أيضا فلقيه بمدينة كرمان واشتغل عليه بالعلوم الظاهرة ثم غلبت عليه داعية الترك فقصد حرق كتبه أو إغراقها ولما كان في هذا التردد دخل عليه فقير وقال له بع الكتب وتصدق بثمنها إلا هذا الكتاب فإنه يهمك فإذا هو كتاب فيه رسائل المشايخ ففعل ذلك وذهب إلى سمرقند وخدم العارف بالله خواجه عبد الله السمرقندي وتلقن منه الذكر ثم ذهب بإشارة منه إلى بخارى واعتكف هناك عند قبر خواجه بهاء الدين النقشبندي وتربى بروحانيته ثم عاد إلى سمرقند وصحب خواجه عبيد ثم ذهب بإشارته إلى بلاد الروم فمر ببلاد هراة وصحب المولى عبد الرحمن الجامي وغيره من مشايخ خراسان ثم أتى إلى وطنه واشتهر حاله في الآفاق واجتمعت عليه العلماء والطلاب ووصلوا إلى مآربهم وبلغ صيته إلى قسطنطينية وطلبه علماؤها وأكابرها فلم يلتفت إليهم إلى زمن السلطان محمد فظهرت الفتن في

وطنه فأتى قسطنطينية وسكن بجامع زيرك واجتمع عليه الأكابر والأعيان ثم لما تزاحم عليه الناس تشوش من ذلك وارتحل إلى ولاية رملي فتوفي هناك رحمه الله تعالى
وفيها المولى مصلح الدين مصطفى الشهير بابن وفاء الحنفي العارف بالله تعالى وكان يكتب على ظهر كتبه الفقير مصطفى بن أحمد الصدري القونوي المدعو بوفاء أخذ التصوف أولا عن الشيخ مصلح الدين المشتهر بإمام الدباغين ثم اتصل بأمر منه إلى خدمة الشيخ عبد اللطيف القدسي وأكمل عنده الطريق وأجازه بالإرشاد وكان صاحب الترجمة إماما عالما محققا جامعا بين علمي الظاهر والباطن له شأن عظيم من التصرفات الفائقة عارفا بعلم الوفق بليغا في الشعر والإنشاء خطيبا مصقعا منقطعا عن الناس لا يخرج إلا في أوقات معينة وإذا خرج ازدحم الأكابر وغيرهم عليه للتبرك لا يلتفت إلى أرباب الدنيا ويؤثر صحبة الفقراء عليهم قصد السلطان محمد وبعده السلطان أبو يزيد الاجتماع به فلم يرض بذلك توطن القسطنطينية وله بها زاوية وجامع ولما توفي حضر السلطان أبو يزيد في جنازته وأمر بكشف وجهه لينظر إليه اشتياقا إليه وتبركا به رحمهما الله تعالى
وفيها يعقوب بك بن حسن بك سلطان العراقين

سنة سبع وتسعين وثمانمائة

فيها كان الطاعون العام العجيب الذي لم يسمع بمثله حتى قيل أن ربع أهل الأرض ماتوا به
وفيها توفي صدر الدين عبد المنعم بن القاضي علاء الدين علي بن أبي بكر بن مفلح الحنبلي الإمام العلامة تقدم ذكر أسلافه وأخذ هو العلم عن والده وغيره وكان من أهل العلم والدين أفتى ودرس وأفاد بحلب وغيرها وكان

خيرا متواضعا لكنه لم يكن له حظ من الدنيا كوالده وتوفي بحلب في ربيع الآخر

سنة ثمان وتسعين وثمانمائة

فيها وقعت صاعقة بالمسجد النبوي قبيل ظهر يوم الأربعاء ثامن عشرى صفر أصابت المنارة الرئيسية بحيث تفطرت خودة هلالها وسقط جانب دورها السفلى
وكان فيها الطاعون العجيب ببرسا واحترق نحو نصفها أيضا
وفيها توفي برهان الدين إبراهيم بن أبي بكر الشنويهي ثم المصري الحنبلي العدل كان إماما عالما حفظ القرآن العظيم ومختصر الخرقي والعمدة للموفق وكان من أخصاء القاضي بدر الدين البغدادي وإمامه وله رواية في الحديث وأخذ عنه العلامة غرس الدين الجعبري شيخ حرم سيدنا الخليل وذكره في أول معجم شيوخه واحترف بالشهادة أكثر من ستين سنة لم يضبط عليه ما يشينه وتوفي بالقاهرة يوم الثلاثاء تاسع عشر شعبان وقد جاوز الثمانين
وفيها برهان الدين إبراهيم بن عبد الرحمن بن حسين بن حسن المدني الشافعي المعروف بابن القطان الإمام العالم توفي في ذي القعدة عن تسع وسبعين سنة
وفيها الإمام العارف بالله تعالى عبد الرحمن بن أحمد الجامي ولد بجام من قصبات خراسان واشتغل بالعلوم العقلية والشرعية فأتقنها ثم صحب مشايخ الصوفية وتلقن الذكر من الشيخ سعد الدين كاشغري وصحب خواجه عبيد الله السمرقندي وانتسب إليه أتم الانتساب وكان يذكر في كثير من

تصانيفه أوصاف خواجه عبيد الله ويذكر محبته له وكان مشتهرا بالفضائل وبلغ صيت فضله الآفاق وسارت بعلومه الركبان حتى دعاه السلطان بايزيد خان إلى مملكته وأرسل إليه جوائز سنية فكان يحكي من أوصلها أنه تجهز للسفر وسافر من خراسان إلى همذان ثم قال للذي أوصل الجائزة أني امتثلت أمره الشريف حتى وصلت إلى همذان والآن أتشبث بذيل الاعتذار وأرجو العفو منه أني لا أقدر على الدخول إلى بلاد الروم لما أسمع فيها من الطاعون وكان رحمه الله تعالى أعجوبة دهره علما وعملا وأدبا وشعرا وله مؤلفات جمة منها شرح فصوص الحكم لابن عربي وشرح الكافية لابن الحاجب وهو أحسن شروحها وكتب على أوائل القرآن العظيم تفسيرا أبرز فيه بعضا من بطون القرآن العظيم وغوامضه وله كتاب شواهد النبوة بالفارسية وكتاب نفحات الأنس بالفارسية أيضا وكتاب سلسلة الذهب حط فيه على الرافضة وكتاب الدرة الفاخرة وتسميه أهل اليمن حط رحلك إشارة إلى أنه كتاب تحط الرحال عنده ورسالة في المعمى والعروض والقافية وله غير ذلك وكل تصانيفه مقبولة وتوفي بهراة وجاء تاريخ وفاته { ومن دخله كان آمنا } ولما توجهت الطائفة الطاغية الأردبيلية إلى خراسان أخذ ابنه ميتته من قبره ودفنه في ولاية أخرى فأتت الطائفة المذكورة إلى قبره وفتشوه فلم يجدوا جسده فأحرقوا ما فيه من الأخشاب
وفيها قاضي القضاة محي الدين أبو صالح عبد القادر بن قاضي القضاة سراج الدين أبي المكارم عبد اللطيف بن محمد الحسيني الفاسي الأصل المكي الحنبلي الشريف الحسيب النسيب الإمام العالم العلامة المقرىء المحدث ولد غروب شمس يوم الثلاثاء سادس عشرى شهر رمضان سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة بمكة المشرفة وحفظ بها القرآن العظيم وصلى به بمقام الحنابلة التراويح وحفظ قطعة من محرر ابن عبد الهادي والشاطبية ومختصر ابن

الحاجب الأصلي وكافيته وتلخيص المفتاح وتلا بالروايات السبع على الشيخ عمر الحموي البخاري نزيل مكة وأخذ الفقه عن العز الكناني والعلاء المرداوي وأذن له في الافتاء والتدريس والأصول عن الأمين الأقصراني الحنفي والتقي الحصني وأذنا له وأخذ عن الأخير المعاني والبيان والعربية وأصول الدين وسمع الحديث على أبي الفتح المراغي والتقي بن فهد والشهاب الزفتاري وأجاز له والده وعمته أم الهدى وقريبه عبد اللطيف بن أبي السرور وزينب ابنة اليافعي وأبو المعالي الصالحي المكيون ومن أهل المدينة الشريفة المحب الطبري وعبد الله بن فرحون والشهاب المحلى ومن القاهرة ابن حجر والمحب بن نصر الله والتقى المقريزي والزين الزركشي والعز بن الفرات وسارة بنت عمر بن جماعة والعلاء بن بردس وأبو جعفر ابن العجمي في آخرين ورحل في الطلب وجد واجتهد ثم أقام بمكة للاشغال وولي قضاء الحنابلة بها سنة ثلاث وستين ثم أضيف إليه قضاء المدينة سنة خمس وستين ودرس بالمسجد الحرام وغيره وحدث وأفتى ونظم وأنشأ وكان له ذكاء مفرط وكثرة عبادة وصوم وحسن قراءة وطيب نغمة فيها وكان يزور النبي صلى الله عليه وسلم في كل عام وزار بيت المقدس والخليل وباشر القضاء أحسن مباشرة بعفة وصيانة ونزاهة وورع مع التواضع ولين الجانب وتوجه إلى المدينة الشريفة للزيارة على عادته فأدركته المنية بها في يوم الجمعة النصف من شعبان وصلى عليه بمسجد النبي صلى الله عليه وسلم ودفن بالبقيع
وفيها شمس الدين محمد بن أحمد بن علي بن أحمد بن محمد بن سليمان بن حمزة بن أحمد بن عمر بن الشيخ أبي عمر محمد بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي الصالحي الحنبلي الشيخ الصالح الخطيب المسند المعمر الأصل ولد بصالحية دمشق عشية عيد الفطر سنة خمس وثمانمائة واشتغل بالعلم وفضل وتميز وأفتى ودرس وحدث وباشر نيابة الحكم بالديار المصرية وبالمملكة

الشامية وكان له وجاهة عند الناس وتوفي بالقاهرة في يوم الأربعاء خامس عشرى ذي القعدة وله أربع وتسعون سنة
وفيها المولى سنان الدين يوسف المعروف بقول سنان الحنفي قال في الشقائق كان من عبيد بعض وزراء السلطان مراد وقرأ في صغره مباني العلوم واشتغل على علماء عصره ثم وصل إلى خدمة المولى على القوشجي ثم تنقل في المدارس حتى صار مدرسا بإحدى الثمان وعين له كل يوم ثمانون درهما وكان كثير الاشتغال بالعلم نشرا وإفادة وتصنيفا وصنف شرحا للرسالة الفتحية في الهيئة لأستاذه على القوشجي وهو شرح نافع للغاية وعلق حواشي على مشكلات البيضاوي من أوله إلى آخره وحشى غيره من الكتب رحمه الله تعالى

سنة تسع وتسعين وثمانمائة

فيها تقريبا توفي إسماعيل بن محمد بن عيسى البرلسي المغربي الفاسي المالكي المعروف بزروق الإمام العلامة الصوفي قال المناوي في طبقاته عابد من بحر العبر يغترف وعالم بالولاية متصف تحلى بعقود القناعة والعفاف وبرع في معرفة الفقه والتصوف والأصول والخلاف خطبته الدنيا فخاطب سواها وعرضت عليه المناصب فردها وأباها ولد سنة ست وأربعين وثمانمائة ومات أبوه قبل تمام أسبوعه فنشأ يتيما وحفظ القرآن العظيم وعدة كتب وأخذ التصوف عن القوري وغيره وارتحل إلى مصر فحج وجاور بالمدينة وأقام بالقاهرة نحو سنة واشتغل بها في العربية والأصول على الجوجري وغيره وأخذ الحديث عن السخاوي ثم غلب عليه التصوف فكتب على الحكم نيفا وثلاثين شرحا وعلى القرطبية في شرح المالكية وعلى رسالة ابن أبي زيد القيرواني عدة شروح كلها مفيدة نافعة وعمل فصل السالمي

أرجوزة وشرح كتاب صدور الترتيب لشيخه الحضرمي بن عقبة وشرح حزب البحر للشاذلي وشرح الأسماء الحسني جمع فيه بين طريقة علماء الظاهر والباطن وكتاب قواعد الصوفية وأجاده جدا ومن كلامه المؤمن يلتمس المعاذير والمنافق يتتبع المعايب والمعاثير والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه وقال مقام النبوة معصوم من الجهل بمولاه في كل حال من أول شئونه إلى أبد الآبدين وقال ما اتفق اثنان قط في شيء واحد من جميع الوجوه وإن اتفقا في أصل الأمر أو فروعه أو بعض جهاته ولذلك قالوا الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق وقال كل علم بلا عمل وسيلة بلا غاية وعمل بلا علم جهالة انتهى ملخصا
وفيها القاضي تقي الدين أبو بكر بن شمس الدين محمد العجلوني الحنبلي المشهور بابن البيدق كان من أهل الفضل وأعيان الحنابلة بدمشق أخذ العلم عن ابن قندس والعلاء المرداوي والبرهان بن مفلح وناب في الحكم بدمشق وأفتى وكانت سيرته حسنة وتوفي يوم الجمعة ثالث ذي الحجة
وفيها المولى قاسم الشهير بقاضي زاده الحنفي الإمام العالم كان أبوه قاضيا بقسطموني ونشأ ولده نشأة حسنة واشتغل بالعلم والعبادة واتصل إلى خدمة خضر بك بن جلال الدين وحصل عنده علوما كثيرة وتنقل في المدارس إلى أن صار قاضيا ببرسا فحمدت سيرته ثم أعيد إلى إحدى المدارس الثمان ثم ولي برسا ثانيا وتوفي قاضيا بها وكان مشتغلا بالعلم ذكي الطبع جيد القريحة متصفا بالأخلاق الحميدة صحيح العقيدة سليم النفس له يد طولى في العلوم الرياضية رحمه الله تعالى
وفيها المولى محي الدين الشهير بأخوين الحنفي الإمام العالم قرأ على علماء عصره وتنقل في المدارس حتى صار مدرسا بإحدى الثمان وكان من أعيان العلماء له حاشية على شرح التجريد للشريف الجرجاني ورسالة في أحكام

الزنديق ورسالة في شرح الربع المجيب رحمه الله تعالى
وفيها تقريبا المولى يوسف بن حسين الكرماستي الحنفي الإمام العلامة قرأ على خواجه زاده وبرع في العلوم العربية والشرعية وتنقل في المدارس وصار قاضيا بمدينة برسا ثم بمدينة قسطنطينية وكان في قضائه مرضى السيرة محمود الطريقة سيفا من سيوف الله لا يخاف في الله لومة لائم ومن مصنفاته خاشية على المطول وشرح الوقاية والوجيز في أصول الفقه وكتاب في علم المعاني توفي بمدينة القسطنطينية ودفن بجانب مكتبه الذي بناه عند جامع السلطان محمد

سنة تسعمائة

فيها توفي برهان الدين الناجي إبراهيم بن محمد بن محمود بن بدر الحلبي القبيباتي الشافعي الإمام العالم توفي بدمشق عن أزيد من تسعين سنة
وفيها عبد الرحمن بن حسن بن محمد الدميري الشافعي الإمام العالم توفي في ربيع الثاني عن خمس وسبعين سنة
وفيها قاضي القضاة علاء الدين أبو الحسن علي بن شمس الدين محمد بن العطار الشيبي الحموي الحنبلي المشهور بابن ادريس كان إماما علامة له سند عال في الحديث ناب في القضاء بحماة مدة ثم ولي قضاء طرابلس نيفا وعشرين سنة وكانت له معرفة بطرق الأحكام ومصطلح الزمان وتوفي بطرابلس وقد جاوز الثمانين
وفيها علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد بن البهاء البغدادي الحنبلي الإمام العلامة الفقيه المحدث ولد سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة تقريبا في جهة العراق

وقدم من بلاده إلى مدرسة شيخ الإسلام أبي عمر بصالحية دمشق في سنة سبع وثلاثين وأخذ الحديث عن الأمين الكركي والشمس بن الطحان وابن ناظر الصاحبة وأخذ العلم عن الشيخ تقي الدين بن قندس والنظام والبرهان ابني مفلح وصار من أعيان الحنابلة أفتى ودرس وصنف كتاب فتح الملك العزيز بشرح الوجيز في خمس مجلدات وتوجه إلى القاهرة فاجتمع عليه حنابلتها وقرأوا عليه وأجاز بعضهم بالافتاء والتدريس وزار بيت المقدس والخليل عليه السلام وباشر نيابة القضاء بدمشق وكان معتقدا عند أهلها وأكابرها ورعا متواضعا على طريقة السلف وتوفي بها يوم السبت ثالث عشرى جمادى الآخرة ودفن بسفح قاسيون
وفيها القاضي ناصر الدين أبو البقاء محمد بن القاضي عماد الدين أبي بكر بن زين الدين عبد الرحمن المعروف بابن زريق الصالحي الحنبلي الإمام العالم المحدث تقدم ذكر أسلافه ولد بصالحية دمشق في شوال سنة اثنتي عشرة وثمانمائة وهو من ذرية شيخ الإسلام أبي عمر قرأ على علماء عصره وبرع ومهر وأفاد وعلم وروى عنه خلق من الأعيان وكان منور الشيبة شكلا حسنا على طريقة السلف الصالح وولي النظر على مدرسة جده أبي عمر مدة طويلة وناب في الحكم ثم تنزه عن ذلك وتوفي بالصالحية عشية يوم السبت تاسع جمادى الآخرة
وفيها القاضي شمس الدين محمد بن عمر الدورسي الحنبلي الإمام العالم كان من أصحاب البرهان بن مفلح وباشر عنده نيابة الحكم مدة ولايته وكانت نيفا وثلاثين سنة ثم باشر عند ولده نجم الدين ثم فوض إليه الحكم في آخر عمره واستمر إلى أن توفي
وفيها بدر الدين أبو المعالي قاضي القضاة محمد بن ناصر الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن خالد بن إبراهيم السعدي المصري الحنبلي شيخ الإسلام

الإمام العلامة الرحلة ولد بالقاهرة سنة خمس أو ست وثلاثين وثمانمائة وسمع على الحافظ ابن حجر وغيره واشتغل في الفقه على عالم الحنابلة جمال الدين ابن هشام ولازمه ثم لازم العز الكناني وجد واجتهد وقرأ كثيرا من العلوم وحققها وحصل أنواعا من الفنون وأتقنها وبرع في المذهب وصار من أعيانه وأخذ عن علماء الديار المصرية وغيرهم ممن ورد إلى القاهرة وأتقن العربية وغيرها من العلوم الشرعية والعقلية وتميز وفاق أقرانه ولزم خدمة شيخه القاضي عز الدين وفضل عليه فاستخلفه في الأحكام الشرعية وهو شاب ابن خمس وعشرين سنة أو نحوها وأذن له في الافتاء والتدريس وشهد بأهليته وندبه للوقائع المهمة والأمور المشكلة فساد على أبناء جنسه وعظم أمره وعلا شأنه واشتهر صيته وأفتى ودرس وحج إلى بيت الله الحرام وقرأ على القاضي علاء الدين المرداوي لما توجه إلى القاهرة كتابه الانصاف وغيره ولازمه فشهد بفضله وأذن له بالافتاء والتدريس أيضا ولم يزل أمره في ازدياد وعلمه في اجتهاد وباشر نيابة الحكم أكثر من خمس عشرة سنة وصار مفتي دار العدل وكانت مباشرته بعفة ونزاهة ثم ولي قضاء القضاة بالديار المصرية بعد موت شيخه العز الكناني فحصل بتوليته الجمال لممالك الإسلام وسلك أحسن الطرق من النزاهة والعفة حتى في قبول الهدية وصنف مناسك الحج على الصحيح من المذهب وهو كتاب في غاية الحسن وبالجملة فقد كان آية باهرة من حسنات الدهر ذكره تلميذه العليمي في طبقاته وهو آخر من ذكرهم فيها إلا أنه قال توفي فجأة ليلة الثلاثاء ثالث ذي القعدة والله أعلم
تم بحمد الله تعالى وحسن توفيقه الجزء السابع من شذرات الذهب ويليه الجزء الثامن وهو الأخير وأوله

سنة إحدى وتسعمائة

8

بسم الله الرحمن الرحيم
سنة إحدى وتسعمائة
فيها قدم إلى مدينة زبيد بكتاب فتح الباري شرح البخاري للحافظ ابن حجر من البلد الحرام وهو أول دخوله اليمن كان سلطان اليمن عامر أرسل لاشترائه فاشترى له بمال جزيل وفيها توفي شهاب الدين أحمد بن شيخ الإسلام برهان الدين إبراهيم بن عبد الرحيم الأنصاري المحاملي المقدسي الشافعي ولد في سنة ست وأربعين وثمانمائة واشتغل في العلم على والده والكمال ابن أبي شريف وغيرهما وباشر نيابة الحكم بالقدس في حياة والده وكان خيرا متواضعا توفي في حدود هذه السنة بالقدس
وفي حدودها أيضا شهاب الدين أحمد بن عثمان الشهير بمنلا زادة السمرقندي الخطابي نسبة إلى الخطاب جد الشافعي كان إماما علامة فقيها مقرئا عالي السند في القراءات بينه وبين الشاطبي أربعة رجال ودخل بلاد العرب وحلب ودمشق وأخذ عنه أهلها وله مؤلفات عديدة منها كتاب جمع فيه من الهداية والمحرر وشرح هداية الحكمة قال النجم الغزي في الكواكب السائرة بأعيان المائة العاشرة أخذ عنه شيخ الإسلام الجد وقرأ عليه المتوسط وشرح الشمسية وغيرهما وأخذ عنه السيوفي مفتي حلب تفسير البيضاوي وأثنى عليه وكان يخبر عنه أنه كان يقول عجبت لمن يحفظ شيئا كيف ينساه انتهى وفيها شهاب الدين أبو المكارم أحمد بن محمد بن أحمد بن عبد الله الشهير بالشارعي المالكي المصري نزيل دمشق القاضي ولد في ثاني عشر ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين وثمانمائة بالشارع الأعظم قرب باب زويلة وتوفي

بدمشق ليلة الخميس ثاني عشر ربيع الأول وفي حدودها أحمد بن يوسف المقري المالكي المغربي الشيخ العارف بالله تعالى أحد رجال المغرب وأوليائها من أصحابه سيدي أحمد البيطار وفيها إسمعيل بن عبد الله الصالحي الشيخ الصالح الموله جف دماغه بسبب كثرة التلاوة للقرآن في مدرسة الشيخ أبي عمر فزال عقله وقيل عشق فعف وكان في جذبه كثير التلاوة ويتكلم بكلمات حسنة وللناس جميعا فيه اعتقاد زائد وكان يلازم الجامع الجديد وجامع الأفرم بالصالحية قال ابن طولون أنشدني
( إذا المرء عوفي في جسمه ** وملكه الله قلبا قنوعا )
( وألقى المطامع عن نفسه ** فذاك الغنى وإن مات جوعا )
توفي تاسع عشر رمضان وفيها عماد الدين إسمعيل بن محمد بن علي العلامة الشافعي السيوفي الشهير بخطيب جامع السقيفة بباب توما بدمشق ولد في مستهل ربيع الأول سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة وحفظ التنبيه ومنهاج البيضاوي والشاطبية وعرض على التقي الحريري والبرهان الباعوني والعلاء البخاري وسمع على الخردفوشي وابن بردس وابن الطحان وغيرهم وجلس في أول أمره بمركز الشهود وخطب بجامع السقيفة
وهو والد العلامة شمس الدين الشهير بابن خطيب السقيفة بينه وبينه في السن إحدى عشرة سنة لا تزيد ولا تنقص وتوفي ولده قبله سنة سبع وتسعين وثمانمائة وتوفي المترجم بدمشق يوم الخميس ثاني عشرى ربيع الأول ودفن عند ولده جوار الشيخ أرسلان
وفي حدودها المولى حسام العالم الرومي الحنفي المعروف بابن الدلال كان خطيبا بجامع السلطان محمد خان بقسطنطينية وكان ماهرا في العربية والقراآت حسن الصوت حسن التلاوة وفيها بدر الدين حسن بن أحمد الكبيسي ثم الحلبي الشيخ الصالح سمع ثلاثة أحاديث بقراءة الشيخ أبي بكر الحبشي

على الشيخ محمد بن مقبل الحلبي وأجاز لهما وكان معتقدا شديد الحرص على مجالس العلم والذكر قال الزين بن الشماع لم تر عيني مثله في ضبطه للسانه وتمسكه بالشريعة وقال ابن الحنبلي لم يضبط عنه أنه حلف يوما على نفي ولا اثبات وفيها المولى حسن بن عبد الصمد الساموني قال في الشقائق كان عالما فاضلا محبا للفقراء والمساكين ومريد المشايخ المتصوفة قرأ على علماء الروم ثم وصل إلى خدمة المولى خسرو وحصل جميع العلوم أصليها وفرعيها وعقليها وشرعيها ثم صار مدرسا ببعض المدارس ثم انتقل إلى إحدى المدارس الثمان ثم صار معلما للسلطان محمد خان ثم جعله قاضيا بالعسكر المنصور ثم قاضيا بمدينة قسطنطينية وكان مرضي السيرة محمود الطريقة في قضائه سليم الطبع قوي الإسلام متشرعا متورعا كتب بخطه كثيرا وله حواش على المقدمات الأربع وحواش على شرح المختصر انتهى
وفي حدودها المولى حسن جلبي بن محمد شاه الفناري كان عالما فاضلا قسم أيامه بين العلم والعبادة يلبس الثياب الخشنة ولا يركب دابة متواضعا رحل إلى مصر فقرأ هناك صحيح البخاري على بعض تلامذة ابن حجر وأجازه وقرأ مغنى اللبيب قراءة بحث وإتقان وحج وأتى بلاد الروم وباشر إحدى المدارس الثمان ومن مصنفاته حواشيه على التلويح وحاشية المطول وحواش على شرح المواقف للسيد الشريف كلها مقبولة متداولة رحمه الله تعالى
وفيها تقريبا أبو الوفاء خليل بن أبي الصفا إبراهيم بن عبد الله الصالحي الحنفي المحدث ولد سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة وأخذ عن الحافظ ابن حجر والسعد الديري والعيني والقاياتي والعلم البلقيني وغيرهم وأجاز لابن طولون والكفرسوسي وابن شكم وغيرهم ثم أجاز لمن أدرك حياته رحمه الله تعالى
وفيها أبو زيد عبد الرحمن بن علي بن صالح المكودي نسبا الفاسي المكي شارح الألفية والأجرومية وفي حدودها المولى عبد الكريم بن

عبد الله الرومي الحنفي العالم الفاضل المشهور كان من الأرقاء ثم من الله عليه بالعتق وجد في طلب العلم وحصل فنونا عدة وفضائل جمة وقرأ على المولى الطوسي والمولى سنان العجمي تلميذ المولى محمد شاه الفناري ثم صار مدرسا ببعض المدارس الثمان التي بناها محمد خان عند فتح قسطنطينية ثم ولي قضاء العسكر ثم صار مفتيا زمن السلطان محمد المذكور واستمر بها إلى أن مات وله حواش على أوائل التلويح رحمه الله تعالى
وفيها قاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب بن العلامة شهاب الدين أحمد ابن محمد بن عرب شاه الحنفي ولد سنة ثلاث عشرة وثمانمائة وكان في ابتداء أمره شاهدا وبلغ في صناعة الشهادة غاية الدهاء وكان فقيرا فحصلت له ثروة وجاه ونظم في مذهب الحنفية كتابا كبيرا ثم ولي قضاء قضاة دمشق في رجب سنة اربع وثمانين ثم عزل في شوال سنة خمس ثم سافر إلى مصر فولي مشيخة الصرغتمشية بها إلى أن توفي في خامس عشر رجب بها
وفيها المولى علاء الدين علي العربي العالم الفاضل كان أصله من نواحي حلب وقرأ على علماء حلب ثم قدم إلى بلاد الروم وقرأ على المولى الكوراني قال في الشقائق حكى الوالد رحمه الله تعالى أنه قال له المولى الكوراني يوما أنت عندي بمنزلة السيد الشريف عند مبارك شاه المنطقي وقص عليهما قصتهما ثم اتصل العربي بخدمة المولى خضر بك بن جلال الدين وحصل عنده علوما كثيرة ثم صار معيدا بمدرسة دار الحديث بأدرنة وصنف هناك حواشي شرح العقائد ثم تنقل في المدارس إلى أن تولى مدرسة ببلده مغنيسا فاشتغل هناك بالعلم غاية الاشتغال واشتغل أيضا بطريقة التصوف فجمع بين رياستي العلم والعمل ويحكى عنه أنه سكن فوق جبل هناك في أيام الصيف فزاره يوما رجل من أئمة بعض القرى فقال المترجم أني أجد منك رائحة النجاسة ففتش الإمام ثيابه فلم يجد شيئا فلما أراد أن يجلس سقط من

حضنه رسالة هي واردات الشيخ بدر الدين بن قاضي سماوة فنظر فيها المولى المذكور فوجد فيها ما يخالف الاجماع فقال كان الريح المذكور لهذه الرسالة وأمر بإحراقها وكان يختلي خلوات أربعينيات ثم صار مفتيا بقسطنطينية إلى أن مات بها وكان رجلا عالما علامة سيما بالتفسير طويلا عظيم اللحية قوي المزاج جدا حتى كان يجلس للدرس في أيام الشتاء مكشوف الرأس وكان له ذكر قلبي يسمع من بعد وربما يغلب صوت قلبه على صوته وله حواش على المقدمات الأربع وهو أول من حشى عليها انتهى ملخصا
وفيها علاء الدين علي بن علي بن يوسف بن خليل النووي ثم الدمشقي الشافعي الإمام العلامة ولد في حادي عشر شوال سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة واشتغل في العلم فبرع ودرس وأفتى وكان يتكسب بالشهادة في مركز باب الشامية البرانية خارج دمشق وتوفي ليلة الخميس عاشر صفر ودفن بمقبرة النخلة غربي سوق صاروجا وفيها المولى قاسم البغدادي الكرماني ثم القسطنطيني العالم الفاضل الحنفي ابن أخت المولى شيخي الشاعر الحنفي أحد موالى الروم اشتغل في العلم واتصل بخدمة الولي عبد الكريم ثم صار مدرسا ببلدة أماسية ثم بمدرسة أبي أيوب الأنصاري ثم بإحدى المدارس الثمان وكان ذكيا سليم القلب وافر العقل يدرس كل يوم سطرين أو ثلاثة ويتكلم عليها بجميع ما يمكن إيراده من نحو وصرف ومعان وبيان ومنطق وأصول مع رفع جميع ما أشكل على الطلبة على أحسن الوجوه وألطفها وله حواش على شرح المواقف وأجوبة عن السبع الشداد التي علقها المولى لطفي واستعار لطيفة تركية وفارسية رحمه الله
وفيها السلطان أبو النصر قايتباي الملك الأشرف الجركسي الظاهري نسبة إلى ظاهر جقمق الحادي والأربعون من ملوك الترك والسادس عشر من الجراكسة ولد سنة ست وعشرين وثمانمائة ثم اتصل بالملك الظاهر فأعتقه

ولم يزل عنده يترقى من مرتبة إلى مرتبة إلى أن آل أمره إلى أن بويع له بالسلطنة يوم الإثنين سادس رجب سنة اثنتين وسبعين وثمانمائة ولم يكن له في زمنه منازع ولا مدافع وسار في الناس السيرة الحميدة واجتهد في بناء المشاعر العظام وكان له في الشيخ عبد القادر الدشطوتي غاية الاعتقاد وكان يتولى تربيته وارشاده كلما مر عليه ويمتثل هو أمره وربما نزل إليه فقبل يديه وقال له الشيخ يوما والذباب منعكف عليه يا قايتباي قل لهذا الذباب يذهب عني فحار وقال له يا سيدي كيف يسمع الذباب مني فقال كيف تكون سلطانا ولا يسمع الذباب منك ثم قال الشيخ يا ذباب اذهب عني فلم تبق عليه ذبابة وكان قايتباي محتاطا في الوظائف الدينية كالقضاء والمشيخة والتدريس لا يولي شيئا من ذلك إلا الأصلح بعد التروي والتفحص قال ابن العيدروس في كتابه النور السافر عن أعيان القرن العاشر وقع له في بناء المشاعر العظام ما لم يقع لغيره من الملوك كعمارة مسجد الخيف بمنى وحفر بمنمرة صهريجا ذرعه عشرون ذراعا وعمر بركة خليص وأجرى العين الطيبة إليها وأصلح المسجد الذي هناك وأجرى عين عرفة بعد انقطاعها أزيد من قرن وعمر سقاية سيدنا العباس وأصلح بئر زمزم والمقام وجهز في سنة تسع وسبعين للمسجد منبرا عظيما وكان يرسل للكعبة الشريفة كسوة فائقة جدا في كل سنة وأنشأ بجانب المسجد الحرام مدرسة عظيمة وبجانبها رباطا مع إجراء الخيرات لأهلها كل يوم وسبيلا عظيما للخاص والعام ومكتبا للأيتام وكذا أنشأ بالمدينة النبوية مدرسة بديعة بل بنى المسجد الشريف بعد الحريق وعمل ببيت المقدس مدرسة كبيرة وقال النجم الغزي في كتابه الكواكب السائرة بمناقب أعيان المائة العاشرة كان بين السلطان قايتباي وبين الجد رحمه الله غاية الاتحاد ولكل منهما في الآخر مزيد الاعتقاد وكان الجد يقطع له بالولاية وكتب ديوانا لطيفا من نظمه وإنشائه في مناقبه ومآثره سماه بالدرة المضية في المآثر الأشرفية وذكر فيه أن بعض

أولياء الله تعالى أظهره على مقام الملك الأشرف قايتباي في الولاية اجتمع الجد بالولي المذكور في حجر إسمعيل وقت السحر فعرفه بمقامه وأمره باعتقاده ونظم في مآثره وعمايره قصيدة رائية ضمنها الديوان المذكور فمنها أنه عمر حصنا بالأسكندرية ومدرسة بالقرب منه وحصن ثغر دمياط وحصونا برشيد ورم الجامع الأموي بدمشق وعمر بغزة مدرسة وجامعا بالصالحية المعزية وجامع الروضة وجامع الكبش وتربة بصحراء مصر وقبة الإمام في مآثر أخرى ولم ينتقد عليه أحد عظيم أمر سوى ما كان من أمره بإعادة كنيسة اليهود بالقدس الشريف بعد هدمها وعقوبته لعالم القدس البرهان الأنصاري وقاضيها الشهاب بن عبية وغيرهم بسبب هدم الكنيسة حتى حملوا إليه وضرب بعضهم بين يديه وقد شنع ابن عبية عليه في ذلك وبالغ في حقه وهو تحامل منه بسبب تعزيره له وقال السخاوي وبالجملة فلم يجتمع لملك ممن أدركناه ما اجتمع له ولا حوى من الحذق والذكاء والمحاسن مجمل ما اشتمل عليه ولا مفصله وربما مدحه الشعراء ولا يلتفت إلى ذلك ويقول لو اشتغل بالمديح النبوي كان أعظم وترجمته تحتمل مجلدات قال وله تهجد وتعبد وأوراد وأذكار وتعفف وبكاء من خشية الله تعالى وميل لذوي الهيئات الحسنة ومطالعة في كتب العلم والرقائق وسير الخلفاء والملوك والاعتقاد فيمن يثبت عنده صلاحه من العلماء والصلحاء وتكرر توجهه لبيت المقدس والخليل وثغور دمياط والأسكندرية ورشيد وأزال كثيرا من الظلامات الحادثات وحج في طائفة قليلة سنة أربع وثمانين ووهب وتصدق وأظهر من التواضع والخشوع في الطواف والعبادة ما عد من حسناته وأنفق أموالا عظيمة في غزو الكفار ورباط الثغور وحفظ الأمصار رحمه الله انتهى وقال الشيخ مرعي في كتابه نزهة الناظرين وأخبار الماضين كان ملكا جليلا وسلطانا نبيلا وله اليد الطولى في الخيرات والطول الكامل في إسداء المبرات وكانت

أيامه كالطراز المذهب وهو عقد ملوك الجراكسة وأطولهم مدة وأقام في السلطنة تسعا وعشرين سنة وأربعة أشهر وعشرين يوما وتوفي آخر نهار الأحد سابع عشر ذي القعدة ودفن يوم الإثنين بقبة بناها بتربة الصحراء شرقي القاهرة وقبره ظاهر يزار وتولى ولده الناصر محمد أبو السعادات قبل موته بيوم وهو في سن البلوغ فأقام ستة أشهر ويومين ثم خلع في ثامن عشرى جمادى الأولى بعد هبوت عجزه عن السلطنة
وفيها المولى محي الدين محمد بن إبراهيم بن حسن النكشاري الرومي الحنفي الإمام العالم كان عالما بالعربية والعلوم الشرعية والعقلية ماهرا في علوم الرياضة أخذ عن المولى فتح الله الشرواني وقرأ على الحسام التوقاتي والمولى يوسف بالي بن محمد الفناري والمولى يكان وكان حافظا للقرآن العظيم عارفا بالقراآت ماهرا في التفسير يذكر الناس كل جمعة تارة بأياصوفيا وتارة بجامع السلطان محمد وكان حسن الأخلاق قنوعا راضيا بالقليل من العيش مشتغلا بإصلاح نفسه منقطعا إلى الله تعالى صنف تفسير سورة الدخان وكتب حواش على تفسير القاضي البيضاوي وحاشية على شرح الوقاية لصدر الشريعة ولما آن أوان القضاء مدته ختم التفسير في أياصوفيا ثم قال أيها الناس إني سألت الله تعالى أن يمهلني إلى ختم القرآن العظيم فلعل الله تعالى يختم لي بالخير والإيمان ودعا فأمن الناس على دعائه ثم أتى بيته بالقسطنطينية فمرض وتوفي
وفيها المولى محي الدين محمد بن إبراهيم الرومي الحنفي الشهير بابن الخطيب العالم العلامة كان من مشاهير موالي الروم قرأ على والده المولى تاج الدين وعلى العلامة على الطوسي والمولى خضر بك وتولى المناصب وترقى فيها حتى جعله السلطان محمد بن عثمان معلما لنفسه وألف حواش على شرح التجريد للسيد الشريف وحواش على حاشية الكشاف للسيد أيضا وغير ذلك
وفيها قاضي القضاة شيخ الإسلام نجم الدين أبو البقاء محمد بن برهان

الدين إبراهيم بن جمال الدين عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن إبراهيم بن سعد الله بن علي بن جماعة الكناني المقدسي الشافعي ولد في أواخر صفر سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة بالقدس الشريف ونشأ به واشتغل في صغره بالعلم على جده وغيره وأذن له تقي الدين بن قاضي شهبة بالافتاء والتدريس مشافهة حين قدم إلى القدس وتعين في حياة والده وجده وولي تدريس الصلاحية عن جده فباشره أحسن مباشرة وحضره الأعيان وجمع له في صفر سنة اثنتين وسبعين بين قضاء القضاة وتدريس الصلاحية وخطابة الأقصى ولم يلتمس على القضاء ولا الدرهم الفرد حتى تنزه عن معاليم الانتظار مما يستحقه شرعا ثم صرف عن القضاء والتدريس بالعز الكناني فانقطع في منزله بالمسجد الأقصى يفتي ويدرس وله من المؤلفات شرح على جمع الجوامع سماه بالنجم اللامع وتعليق على الروضة إلى أثناء الحيض في مجلدات وتعليق على المنهاج في مجلدات والدر النظيم في أخبار موسى الكليم وغير ذلك وتوفي بالقدس في حدود هذه السنة وفيها أبو المواهب محمد بن أحمد الشيخ الإمام المدقق التونسي الشاذلي نزيل مصر وهو الذي كان متصدرا في قبالة رواق المغاربة بالجامع الأزهر وكان صاحب أوراد وأحوال
وفيها تقريبا شمس الدين محمد بن إبراهيم بن محمد الحنفي المقرىء عرف بابن أبي عامر أخذ عن الشهاب الحجازي المحدث وأخبره أنه يروي ألفية الحديث والقاموس عن مؤلفيها وتلخيص المفتاح عن إبراهيم الشامي عن المؤلف وفيها محمد بن داود النسيمي المنزلاوي الشيخ الصالح أحد لمتمسكين بالسنة المحمدية في أقوالهم وأفعالهم ألف رسالة سماها طريقة الفقر المحمدي ضبط فيها أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وأحواله التي ظهرت لأمته وكان يقول ليس لنا شيخ إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يقري الضيوف ويخدم الفقراء والمنقطعين عنده وينظف ما تحتهم من بول

أو عائط ولا يتخصص عنهم بشيء وكان ربما طرقه الضيف ليلا ولم يكن عنده ما يقريه فيرفع القدر على النار ويضع فيه الماء ويوقد عليه فتارة يرونه أرزا ولبنا وتارة أرزا وحلواء وتارة لحما ومرقا وربما وجدوا فيه لحم الدجاج ومناقبه كثيرة توفي ببلدة النسيمية ودفن بجوار زاويته وقبره بها ظاهر يزار
وفيها تقريبا شمس الدين محمد بن عبد الرحمن بن علي الإمام العالم العلامة إمام الكاملية بين القصرين لبس الخرقة من الشيخ الإمام العلامة شمس الدين بن الجزري المقرىء صاحب النشر في تسع وعشرين وثمانمائة وتوفي في أول هذا القرن
وفيها القاضي شمس الدين محمد بن عمر الدورسي الدمشقي الحنبلي ولد سنة ست عشرة وثمانمائة وكان نقيبا لقاضي القضاة برهان الدين بن أكمل الدين بن شرف الدين بن مفلح ثم فوض إليه ولده قاضي القضاة نجم الدين بن مفلح نيابة القضاء قال النعيمي لقلة النواب فدخل في القضاء مدخلا لا يليق وتوفي يوم الجمعة عشرى جمادى الأولى وفيها مصلح الدين مصطفى القسطلاني الرومي الحنفي أحد موالي الروم العالم العامل قرأ على موالي الروم وخدم المولى خضر بك ودرس في بعض المدارس ثم لما بنى السلطان محمد خان ابن عثمان المدارس الثمان بقسطنطينية أعطاه واحدة منها وكان لا يفتر عن الاشتغال والدرس وكان يدعى أنه لو أعطى المدارس الثمان كلها لقدر أن يدرس في كل واحدة منها كل يوم ثلاثة دروس ثم ولي قضاء بروسا ثلاث مرات ثم قضاء أدرنة كذلك ثم القسطنطينية كذلك ثم ولاه السلطان محمد قضاء العسكر وكان لا يداري الناس ويتكلم بالحق على كل حال فضاق الأمر على الوزير محمد باشا القرماني فقال للسلطان أن الوزراء أربعة فلو كان للعسكر قاضيان أحدهما في ولاية روم أيلي والآخر في ولاية أناضولي كان أسهل في اتمام مصالح المسلمين ويكون زينة لديوانك فمال إلى ذلك وعين المولى

المعروف بالحاجي حسن لقضاء أناضولي فأبى القسطلاني ذلك فلما مات السلطان محمد وتولى بعده ولده السلطان أبو يزيد خان عزل القسطلاني وعين له كل يوم مائة درهم ثم صار قضاء العسكر ولايتين بعد ذلك قال في الكواكب السائرة وكان القسطلاني يداوم أكل الحشيش والكيف وكان مع ذلك ذكيا في أكثر العلوم حسن المحاضرة وأخبر عن نفسه أنه طالع الشفا لابن سينا سبع مرات وكان المولى خواجه زاده صاحب كتاب التهافت إذا ذكر القسطلاني يصرح بلفظ المولى ولا يصرح بذلك لأحد سواه من أقرانه وكان يقول أنه قادر على حل المشكلات وإحاطة العلوم الكثيرة في مدة يسيرة ولم يهتم بأمر التصنيف لاشتغاله بالدرس والقضاء لكنه كتب حواشي على شرح العقائد ورسالة ذكر فيها سبع إشكالات وشرحها وحواش على المقدمات الأربع التي أبدعها صدر الشريعة ورد فيها على حواشي المولى على العربي وتوفي في هذه السنة بقسطنطينية ودفن بجوار أبي أيوب الأنصاري
وفيها شرف الدين موسى بن علي الشيخ العالم الصالح الشهير بالحوراني الشافعي كان يحفظ القرآن العظيم والمنهاج ويدرس فيه وفي القراءات بمدرسة شيخ الإسلام أبي عمر وتفقه على النجم بن قاضي عجلون وسمع على البرهان الباعوني وغيره وولي نظر الشبلية والإمامة بها وكان يقرىء بها سيرة ابن هشام كل يوم بعد العصر ودرس بمدرسة أبي عمر سنين وانتفع الناس به قال ابن طولون وحضرت عنده مرار وتوفي بمنزله بمحلة الشبلية في أحد الجمادين ودفن بالصالحية رحمه الله تعالى

سنة اثنتين وتسعمائة

فيها أمر السلطان عامر بن عبد الوهاب بتقييد رئيس الإسمعيلية وعالمها سليمان بن حسن بمدينة تعز وأودعه دار الأدب لأنه كان يتكلم بما لا يعنيه

من المغيبات وأمر بإتلاف كتبه فأتلفت ولله الحمد
وفيها توفي برهان الدين إبراهيم بن القاضي شمس الدين محمد بن إبراهيم ابن محمد بن علي بن محمد بن إبراهيم بن يعقوب بن المعتمد القرشي الدمشقي الصالحي الشافعي ولد في ثالث عشر ذي القعدة سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة وحفظ المنهاج وعرضه على جماعة من الأفاضل وكتب له الشيخ بدر الدين ابن قاضي شهبة في الشامية أربعين مسئلة كتب عليها في سنة ثمان وستين وفوض إليه القضاء في سنة سبعين ثم درس في المجاهدية والشامية الجوانية والأتابكية وتصدر بالجامع وله حاشية على العجالة في مجلدين وحج وجاور في سنة اثنتين وثمانين ولازم النجم بن فهد وسمع عليه وعلى غيره بمكة وكان حسن المحاضرة جميل الذكر يحفظ نوادر كثيرة من التاريخ وذيل على طبقات ابن السبكي وأكثر فيه من شعر البرهان القيراطي وقرأ عليه القاضي برهان الدين الأخنائي والشيخ تقي الدين القاري وغيرهما وتوفي عشية يوم الأحد ثالث عشر شعبان بدمشق ودفن بالروضة وخلف دنيا عريضة
وفيها أحمد ولي الدين العالم الفاضل المولى ابن المولى الحسيني الرومي الشهير بأحمد باشا قرأ على علماء عصره وفضل وتنقل في المناصب حتى صار قاضي عسكر وجعله السلطان محمد خان معلما لنفسه واشتد ميله إليه حتى استوزره ثم عزله عن الوزارة لأمر وجعله أميرا على أنقرة وبروسا وكان رفيع القدر عالي الهمة كريم الطبع سخي النفس ولم يتزوج لعنة كانت به وكان له نظم بالعربية والتركية وتوفي أميرا ببروسا ودفن بها بمدرسة وعلى قبره قبة كتب على بابها محمد بن أفلاطون تاريخ وفاته وهو
( هذه أنوار مشكاة لمن ** عده الرحمن من ممدوحه )
( فر من أدناس تلك الناس إذ ** كان مشتاقا إلى سبوحه )
( قال روح القدس في تاريخه ** إن في الجنات مأوى روحه )


وفيها أم الخير أمة الخالق الشيخة الأصيلة المعمرة ولدت سنة إحدى عشرة وثمانمائة وحضرت على الجمال الحنبلي وأجاز لها الشرف بن الكويك وغيره وهي آخر من يروي البخاري عن أصحاب الحجاز نزل أهل الأرض درجة في رواية البخاري بموتها رحمها الله تعالى
وفيها حبيب القرماني العمري من جهة الأب البكري من جهة الأم العارف بالله تعالى أحد شيوخ الروم اشتغل في أول عمره بالعلم وقرأ في شرح العقائد ثم ارتحل إلى خدمة السيد يحيى بن السيد بهاء الدين الشيرازي فلقي في طريقه جماعة من مريديه فقال لهم هل يقدر شيخكم أن يريني الرب في يوم واحد فلطمه أحدهم لطمة خر مغشيا عليه فعلم السيد يحيى بهذه القصة فدعا الشيخ حبيب وقال له لا بأس عليك أن الصوفية تغلب الغيرة عليهم وأن الأمر كما ظننت وأمره بالجلوس في موضع معين وأن يقص عليه ما يراه ثم قال لمريديه أنه من العلماء فحكى عنه أنه قال لما دخلت هذا الموضع جاءتني تجليات الحق مرة بعد أخرى وفنيت عن كل مرة ثم داوم خدمة السيد يحيى اثنتي عشرة سنة ثم استأذنه وعاد إلى بلاد الروم وصحب الأكابر من سادات الروم وكان له أشراف على الخواطر ولم يره أحد راقدا ولا مستندا إلا في مرض موته توفي بأماسية ودفن بعمارة محمد باشا وفيها شمس الدين أبو الجود محمد بن شيخ الإسلام برهان الدين إبراهيم بن عبد الرحيم الأنصاري الخليلي الشافعي الإمام العلامة ولد بمدينة الخليل عليه الصلاة والسلام في شعبان سنة خمس وأربعين وثمانمائة وحفظ القرآن والمنهاج وألفية بن مالك والجزرية وبعض الشاطبية واشتغل على والده ثم أخذ العلم عن جماعة من علماء مصر أجلهم الشرف المناوي والكمال بن إمام الكاملية الشافعيان وأخذ العلوم عن التقي الشمني الحنفي وفضل وتميز وأجيز بالافتاء والتدريس وله تصانيف منها شرح الجرومية وشرح الجزرية وشرح مقدمة الهداية في علم

الراوية لابن الجزري ومعونة الطالبين في معرفة إصلاح المعربين وقطعة من شرح تنقيح اللباب للولي العراقي وغير ذلك رحمه الله
وفيها الحافظ شمس الدين أبو الخير محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن عثمان بن محمد السخاوي الأصل القاهري المولد الشافعي المذهب نزيل الحرمين الشريفين ولد في ربيع الأول سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة وحفظ القرآن العظيم وهو صغير وصلى به في شهر رمضان وحفظ عمدة الأحكام والتنبيه والمنهاج وألفية ابن مالك وألفية العراقي وغالب الشاطبية والنخبة لابن حجر وغير ذلك وكلما حفظ كتابا عرضه على مشايخه وبرع في الفقه والعربية والقراءات والحديث والتاريخ وشارك في الفرائض والحساب والتفسير وأصول الفقه ولميقات وغيرها وأما مقروآته ومسموعاته فكثيرة جدا لا تكاد تنحصر وأخذ عن جماعة لا يحصون يزيدون على أربعمائة نفس وأذن له غير واحد بالافتاء والتدريس والاملاء وسمع الكثير على شيخه الحافظ ابن حجر العسقلاني ولازمه أشد الملازمة وحمل عنه ما لم يشاركه فيه غيره وأخذ عنه أكثر تصانيفه وقال عنه هو أمثل جماعتي وأذن له وكان يروي صحيح البخاري عن أزيد من مائة وعشرين نفسا ورحل إلى الآفاق وجاب البلاد ودخل حلب ودمشق وبيت المقدس وغيرها واجتمع له من المرويات بالسماع والقراءة ما يفوق الوصف وكان بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم عشرة أنفس وحج بعد وفاة شيخه ابن حجر مع والديه ولقي جماعة من العلماء وأخذ عنهم كالبرهان الزمزمي والتقى بن فهد وأبي السعادات بن ظهيرة وخلائق ثم رجع إلى القاهرة ولازم الاشتغال والاشغال والتأليف لم يفتر أبدا ثم حج سنة سبعين وجاور وحدث هناك بأشياء من تصانيفه وغيرها ثم حج في سنة خمس وثمانين وجاور سنة ست وسبع وأقام منهما ثلاثة أشهر

بالمدينة النبوية ثم حج سنة اثنتين وتسعين وجاور سنة ثلاث وأربع ثم حج سنة ست وتسعين وجاور إلى أثناء سنة ثمان فتوجه إلى المدينة فأقام بها أشهرا وصام رمضان بها ثم عاد في شوالها إلى مكة وأقام بها مدة ثم رجع إلى المدينة وجاور بها إلى أن مات وحمل الناس من أهلهما والقادمين عليهما عنه الكثير جدا وأخذ عنه من لا يحصى كثرة وألف كتبا إليها النهاية لمزيد علوه وفصاحته من مصنفاته الجواهر والدرر في ترجمة الشيخ ابن حجر وفتح المغيث بشرح ألفية الحديث لا يعلم أجمع منه ولا أكثر تحقيقا لمن تدبره والضوء اللامع لأهل القرن التاسع في ست مجلدات ذكر فيه لنفسه ترجمة على عادة المحدثين والمقاصد الحسنة في الأحاديث الجارية على الألسنة وهو أجمع وأتقن من كتاب السيوطي المسمى بالجواهر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة وفي كل واحد منهما ما ليس في الآخر والقول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع وعمدة المحتج في حكم الشطرنج والإعلان بالتوبيخ على من ذم علم التوريخ وهو نفيس جدا والتاريخ المحيط على حروف المعجم وتلخيص تاريخ اليمن والأصل الأصيل في تحريم النقل من التوراة والانجيل وتحرير الميزان وعمدة القارىء والسامع في ختم الصحيح الجامع وغنية المحتاج في ختم صحيح مسلم بن الحجاج وغير ذلك وانتهى إليه علم الجرح والتعديل حتى قيل لم يكن بعد الذهبي أحد سلك مسلكه وكان بينه وبين البرهان البقاعي والجلال السيوطي ما بين الأقران حتى قال السيوطي فيه
( قل للسخاوي إن تعروك نائبة ** علمي كبحر من الأمواج ملتطم )


( والحافظ الديمي غيث السحاب فخذ ** غرفا من البحر أو رشفا من الديم )
وتوفي بالمدينة المنورة على ساكنها الصلاة والسلام يوم الأحد الثامن والعشرين من شعبان وصلى عليه بعد صلاة صبح يوم الإثنين ووقف بنعشه تجاه الحجرة الشريفة ودفن بالبقيع بجوار مشهد الإمام مالك ولم يخلف بعده مثله
وفيها العلامة محمد بن مصطفى بن يوسف بن صالح البرسوي الحنفي الصوفي المشهور بخواجه زاده صاحب كتاب التهافت والده ولي القضاء والتدريس ببعض مدارس بروسا ثم تركها في حياة والده ورغب في طريق التصوف واتصل بخدمة العارف بالله الحاجي خليفة ثم ذهب مع بعض ملوك العجم إلى بلاده وتوفي هناك

سنة ثلاث وتسعمائة

فيها توفي شهاب الدين أحمد الشهير بابن شكم العالم العلامة الشافعي الصالح الناصح الدمشقي الصالحي اشتغل على البدر بن قاضي شهبة والنجم ابن قاضي عجلون وغيرهما وكان على طريقة حميدة ساكنا في أموره مطرحا للتكليف نحيف البدن على وجهه أثر العبادة وانتفع به جماعة من أهل الصالحية وغيرهم لاسيما في علوم العربية وتوفي يوم الأربعاء ثامن عشر رمضان وفيها جمال الدين جمال بن خليفة القرماني الحنفي العالم العارف بالله كان مشتغلا بالعلم فاضلا في فنونه قرأ على قاضي زاده وخدم المولى مصلح الدين القسطلاني وكان خطه حسنا استكتبه السلطان محمد خان كافية ابن الحاجب وأجازه بمال حج به ثم رجع إلى قسطنطينية وصحب الشيخ حبيب القرماني ولزم خدمته واشتغل بالرياضات والمجاهدات حتى أجازه بالإرشاد وأقام مدة في بلاد قرمان ثم دخل القسطنطينية وبنى له الوزير بيري باشا بها زاوية فأقام بها حتى مات وكان يتكلم في التفسير ويعظ الناس

ويذكرهم ويلحقه عند ذلك وجد وحال وربما غلب عليه الحال فألقى نفسه من على المنبر ولا يسمعه أحد إلا ويحصل له حال وتاب على يديه جماعة وأسلم كافر وكان عابدا زاهدا ورعا متضرعا يستوي عنده الغني والفقير يغسل أثوابه بنفسه مع ماله من ضعف المزاج ويقول أن مبنى الطريقة على رعاية الأحكام الشرعية رحمه الله تعالى وفيها عز الدين عبد العزيز ابن ناصر الدين محمد الجرباوي البغدادي نزيل دمشق الشيخ الصالح كان من أولياء الله تعالى وسمع على محدثي بغداد وقطن دمشق وبها مات ليلة الخميس خامس عشرى جمادى الأولى وفيها زين الدين عبد القادر بن محمد ابن منصور بن جماعة الصفدي ثم الدمشقي الشافعي الفرضي الحيسوب المعروف في صفد بابن المصري وفي دمشق ببواب الشامية البرانية لأنه نزلها حين دخل دمشق وكان بوابها سنين ثم سكن السميساطية ولد بصفد سنة أربع وثلاثين وثمانمائة وأخذ عن الشمس بن حامد الصفدي والشمس البلاطنسي والبدر بن قاضي شهبة وزين الدين خطاب والنجم بن قاضي عجلون والشمس الشرواني وغيرهم وكان له يد طولى في الحساب والفرائض وقلم الغبار لم يكن له نظير بدمشق وكان نحيف البدن ضعيف البصر شرس الأخلاق انتفع به جماعة ولما توفي شيخه ابن حامد أخذ عنه نظر المدرسة الصارمية داخل باب الجابية وتدريسها وسكن بها وانقطع عن الناس وبها توفي سادس عشر ذي الحجة ودفن بباب الفراديس وفيها علاء الدين علي بن يوسف بن أحمد الرومي الحنفي سبط المولى شمس الدين الفناري رحل في صباه إلى بلاد العجم فدخل هراة وقرأ على علمائها ثم سمرقند وبخارى وقرأ على علمائها أيضا وبرع في العلوم حتى جعلوه مدرسا ثم غلب عليه حب الوطن فعاد إلى بلاد الروم في أوائل سلطنة محمد خان بن عثمان وكان المولى الكوراني يقول له لا تتم سلطنتك إلا أن يكون عندك واحد من أولاد

الفناري فلما دخل المترجم بلاد الروم أعطاه السلطان محمد مدرسة بمدينة بروسا بخمسين درهما ثم مدرسة والده مراد خان بها بستين ثم ولاه قضاءها ثم قضاء العسكر ومكث فيه عشر سنين وارتفع قدر العلماء في زمن ولايته إلى أوج الشرف وكانت أيامه تواريخ ثم لما تولى أبو يزيد جعله قاضيا بالعسكر في ولاية روم ايلي ومكث فيه ثمان سنين وكان شديد الاهتمام بالعلم لا ينام على فراش وإذا غلبه النوم استند والكتب بين يديه فإذا استيقظ نظر فيها وشرح الكافية وكتابا في الحساب وكان ماهرا في سائر العلوم ثم خدم العارف بالله حاج خليفة ودخل الخلوة عنده وحصل له في علم التصوف ذوق لكنه كان مغري بصحبة السلاطين بحيث كان يغلب عليه الصمت إلا إذا ذكر له صحبة سلطان يورد الحكايات اللطيفة والنوادر وحكى عنه تلميذه الخيالي أنه قال ما بقي من حوائجي إلا ثلاث الأولى أن يكون أول من يموت في داري والثانية أن لا يمتد بي مرض والثالثة أن يختم لي بالإيمان قال الخيالي فكان أول من مات في داره وتوضأ بها للظهر ثم حم ومات مع أذان العصر فاستجيب له
وفيها جمال الدين محمد بن أحمد بن عبد الله بن محمد الشهير بابن علي بأفضل السعدي نسبة إلى سعد العشيرة الحضرمي ثم العدني قال في النور السافر المتفق على جلالة قدره علما وعملا وورعا ولد بحضرموت بتريم سنة أربعين وثمانمائة ثم ارتحل إلى عدن وأخذ عن الإمامين محمد بن مسعود باشكيل ومحمد بن أحمد باحميش وجد في الطلب ودأب حتى برع في العلوم وانتصب للتدريس والفتوى وكان من أعلام الدين والتقوى إماما كبيرا عالما عاملا محققا ورعا زاهدا مقبلا على شأنه تاركا لما لا يعنيه ذا مقامات وأحوال وكرامات حسن التعليم لين الجانب متواضعا صبورا مثابرا على السنة معظما لأهل العلم وكان هو وصاحبه عفيف الدين بامخرمة عمدة الفتوى بعدن وكان بينهما من

التودد والتناصف ما هو مشهور حتى كأنهما روحان في جسد وأفرد المترجم بالترجمة وله تصانيف نافعة منها مختصر الأنوار المسمى نور الأبصار وشرح تراجم البخاري واختصر قواعد الزركشي وشرحه وكتاب العدة والسلاح لمتولى عقود النكاح وشرح المدخل وشرح البرماوية وغير ذلك ومن شعره
( إن العيادة يوم بعد يومين ** واجلس قليلا كلحظ العين بالعين )
( لا تبر من مريضا في مساءلة ** يكفيك من ذاك تسآل بحرفين )
وتوفي يوم السبت خامس عشر شوال بعدن وفيها بدر الدين الحسين ابن الصديق بن الحسين بن عبد الرحمن الأهدل اليمني الشافعي ولد في ربيع الثاني سنة خمس وثمانمائة بأبيات حسين من اليمن ونشأ بنواحيها واشتغل بها في الفقه على الفقيهين أبي بكر بن قصيص وأبي القسم بن مطير وغيرهما وفي النحو على أولهما وغيره ثم دخل زبيد فاشتغل بها ثم حج سنة اثنتين وسبعين وجاور التي تليها وأخذ عن علمائها وزار النبي صلى الله عليه وسلم وسمع بالمدينة من أبي الفرج المراغي ثم رجع إلى بلاده وكان إماما فقيها حافظا محدثا بارعا في أشتات العلوم ومن شعره
( أما لهذا الهم من منتهى ** أما لهذا الحزن من آخر )
( أما لهذا الضيق من فارج ** أما لناب الخطب من كاسر )
( أما لهذا العسر من دافع ** باليسر عن هذا الشجي العاثر )
( بلى بلى مهلا فكن واثقا ** بالواحد الفرد العلي القادر )
توفي ببندر عدن ليلة الإثنين سلخ ذي القعدة
وفيها عبد الرحمن بن أحمد بن علي بن أحمد بن إبراهيم بامخرمة الحميري الشيباني الهجراني الحضرمي العدني الشافعي ولد ليلة الأربعاء ثامن عشر رجب سنة ثلاث وثلاثين وثمانمائة بالهجرين وحفظ القرآن بها ثم ارتحل إلى عدن وتفقه بالإمامين محمد باشكيل ومحمد بأحميس ودأب واجتهد وأكب

على الاشتغال ليلا ونهارا وكان فقيرا لا يملك شيئا وقاسى في أيام طلبه من الجوع والمكابدة ما هو مشهور عنه وبرع في سائر العلوم وحقق الفنون وساد الأقران وسارت بفضله الركبان ووقع على تقدمه الاجماع وابتهجت بذكره النواظر والاسماع وصار عمدة يرجع إلى قوله وفتواه في زمن مشايخه وقرت به عيونهم وزوجه شيخه أبو شكيل بابنته ورزق منها أولادا فضلاء نجباء وكان مهابا جدا تخضع له الملوك آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر لا يراعى أحدا في دين الله تعالى ولا يخاف في الله لومة لائم وكلفه علي بن طاهر قضاء عدن فدام قريب أربعة أشهر ثم ترك وتوجه لنفع الطلبة خاصة وعمل على جامع المختصرات نكتا في مجلدة وكذا على ألفية النحو وشرح الملحة شرحا حسنا ولخص شرح ابن الهائم على هائميته إلى غير ذلك من الرسائل في علم الهندسة وغيرها قاله السخاوي وممن تخرج به عفيف الدين ابن الحاج ومحمد باقضام والعلامة محمد بحرق وغيرهم وله نظم كثير جدا منه
( اعط المعية حقها ** واحفظ له حسن الأدب )
( واعلم بأنك عبده ** في كل حال وهو رب )
وتوفي بعدن يوم السبت حادي عشرى المحرم وفيها جمال الدين محمد بن إبراهيم المكدش بفتح الميم وسكون الكاف وكسر الدال المهملة آخره شين معجمة فقيه اللامية ومفتيها ببلده سامر وكان له بها مشهد عظيم وبنو المكدش هؤلاء أخيار صالحون اشتهر منهم جماعة بالولاية التامة وظهور الكرامات وقريتهم يقال لها الأنفة بفتح الهمزة وفتح النون والفاء آخره تاء تأنيث جهة بوادي سهام وهي محلة مقصودة للزيارة والتبرك ونسبهم في الغنميين وهم قبيلة مشهورة من قبائل عك بن عدنان ومسكنهم فيما بين وادي سهام ووادي سردد قاله في النور السافر وفيها جمال الدين محمد ابن حسين بن محمد بن حسين القماط الزبيدي الشافعي ولد بزبيد في صفر

سنة ثمان وعشرين وثمانمائة ونشأ بها واشتغل بالعلم ولازم القاضي الناشري صاحب الإيضاح وغيره وبرع في الفقه وأفتى ودرس وكان لا يمل الاشتغال والاشغال إماما عالما توفي بزبيد في سحر ليلة الأربعاء سادس عشر جمادى الأولى وفيها جمال الدين محمد النور بن عمر الجبرتي الفقيه الصالح المعمر من بقية أصحاب الشيخ إسمعيل الجبرتي توفي يوم الإثنين ثاني ربيع الآخر عن خمس وثمانين سنة ودفن قريبا من ضريح شيخه
وفيها رضى الدين الصديق بن محمد الحكم الشهير بالوزيغي كان فقيها علامة متقنا متفننا توفي بزبيد ليلة الجمعة ثالث جمادى الأولى ودفن بتربة القضاة الناشريين

سنة أربع وتسعمائة

فيها توفي غرس الدين أبو القسم خليل بن خليل الفراديسي الصالحي الحنبلي قال ابن طولون حفظ القرآن ثم قرأ المحرر للمجد بن تيمية وأخذ عن النظام بن مفلح والشهاب بن زيد والشيخ صفي الدين ولازم شيخنا القاضي ناصر الدين بن زريق وأكثر من الأخذ عنه ثم أقبل على الشهادة والمباشرة لأوقاف مدرسة أبي عمر وغيرها وأجاز لنا وكتبنا عنه وتوفي في حبس كرتباي الأحمر ملك الأمراء بدمشق وفيها زين الدين شعبان الصورتاني الحنبلي أحد عدول دمشق سكن الصالحية وولي قضاء صفد وأخذ عن النظام بن مفلح وابن زيد وأكثر عن أبي البقاء بن أبي عمر وكان لا بأس به وتوفي في شوال وفيها الملك الناصر أبو السعادات محمد ابن قايتباي بويع بالسلطنة بعد موت أبيه بيوم واحد وهو في سن البلوغ

فأقام ستة أشهر ويومين ثم خلع وتولى الملك الأشرف قانصوه مملوك قايتباي فأقام نحو أحد عشر يوما وتحرك عليه العسكر فهرب إلى غزة ثم فقد في وقعة خان يونس ولم يعرف موته ولا حياته ثم عاد الملك الناصر بعد ثبوت رشده فأقام سنة وستة أشهر ونصف شهر ثم شرع في اللهو واللعب والشعبذة ومخالطة الأوباش وارتكاب الفواحش وأمور لا يليق ذكرها فقتل شر قتلة قبل غروب شمس يوم الأربعاء خامس عشرى ربيع الأول قال القطبي في تاريخ مكة يحكي عنه أمور قبيحة منها أنه كان إذا سمع بامرأة حسناء هجم عليها وقطع دائر فرجها ونظمه في خيط أعده لنظم فروج النساء ومنها أن والدته وكانت من أعقل النساء وأجملهن هيئة هيأت له جارية جميلة جدا وجمعتها به في بيت مزين أعدته لهما فدخل بها وقفل الباب على نفسه وعليها وربطها وشرع يسلخ جلدها عنها كالجلادين وهي حية فلما سمعوا صوت بكائها أرادوا الهجوم عليه فما أمكنهم لأنه قفل الباب من داخل فاستمر كذلك إلى أن سلخها وحشا جلدها بالثياب وخرج يظهر لهم استاذيته في السلخ وأن الجلادين يعجزون عن كماله في صنعه انتهى
وفيها المولى لطف الله الشهير بمولانا لطفي التوقاني الرومي الحنفي العالم الفاضل قال في الكواكب تخرج بالمولى سنان وقرأ على القوشنجي العلوم الرياضية بإشارة المولى سنان ولما كان المولى سنان وزيرا عند السلطان محمد خان جعله السلطان أمينا على خزانة الكتب فاطلع على الغرائب منها ثم لما ولي السلطان أبو يزيد أعطاه مدرسة السلطان مراد بمدينة بروسا ثم أعطاه إحدى الثمان ثم ولاه مدرسة مراد خان ثانيا وأقام ببرسا وكان ذكيا عالما خاشعا قرىء عليه صحيح البخاري إلى آخره وكان حال الاقراء يبكي حتى تسقط دموعه غير أنه كان يطيل لسانه على أقرانه حتى أبغضه علماء الروم

ونسبوه إلى الإلحاد والزندقة وفتش عليه واستحكم في قتله المولى أفضل الدين فلم يحكم فحكم المولى خطيب زاده بإباحة دمه فقتلوه وكان يكرر كلمتي الشهادة وينزه عقيدته عما نسبوه إليه من الإلحاد حتى قيل أنه تكلم بالشهادة بعدما سقط رأسه على الأرض وقيل في تاريخه ولقد مات شهيدا وله من المؤلفات شرح المطالع وحواشي على شرح المفتاح للسيد الشريف ورسالة سماها بالسبع الشداد مشتملة على سبعة أسئلة على السيد الشريف في بحث الموضوع ولو لم يؤلف إلا هذه الرسالة لكفته فضلا ورسالة ذكر فيها أقسام العلوم الشرعية والعربية بلغ فيها مقدار مائة علم أورد فيها غرائب وعجائب رحمه الله تعالى
وفيها قاضي القضاة نور الدين أبو الفضل محمد بن محمد بن يوسف الخزرجي الدمشقي الحنفي الصالحي المعروف بابن منعة ولد بصالحية دمشق رابع شعبان سنة ست وثلاثين وثمانمائة وحفظ القرآن العظيم ودرر البحار للقونوي والمنار للنسفي وسمع بعض مسانيد أبي حنيفة على قاضي القضاة حميد الدين وتصحيح القدوري على الشيخ قاسم قطلوبغا وتفقه بالشيخ عيسى القلوجي وولي تدريس الجمالية وكانت سكنه وبها ميلاده والجوهرية والشبلية الجوانية والمرشدية وأفتى ودرس وناب في الحكم زمانا وكانت سيرته فيه حسنة يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر أمينا صابرا وحصل كتبا وانفرد في آخره برياسة مذهب أبي حنيفة بدمشق وولي في أواخر عمره قضاء قضاة الحنفية بعد أن أكره عليه واعتقل بقلعة دمشق ثم أطلق وتوفي مطعونا بقرية الفيجة في مستهل الحجة وفيها الإخوان قوام الدين أبو الخير محمد وشهاب الدين أبو المكارم أحمد ابنا القاضي رضى الدين الغزي قال حفيده في الكواكب السائرة الشابان الفاضلان توفيا شهيدين بالطاعون في دمشق ثانيها وهو الأصغر قيل أولها وهو الأكبر وكان بينهما اثنان وعشرون يوما وكان والدهما

إذ ذاك بمصر ولم يبق له بعدها ولد فبشره القطب كما قيل بأن يعوضه الله تعالى بولد صالح فعوضه الوالد الشيخ بدر الدين ولد في هذه السنة
وفيها كمال الدين موسى بن عبد المنعم الضجاعي اليمني الفقيه العلامة الخطيب مرض طويلا ودفن إلى جنب قبر جده الفقيه الصالح علي بن قاسم الحكمي
وفيها كمال الدين موسى بن أحمد اليمني الدوالي المعروف بالمكشكش قال في النور السافر كان إماما علامة توفي قرب مدينة تعز ليلة الأربعاء سلخ ربيع الأول ودفن بمقبرة زبيد

سنة خمس وتسعمائة

فيها طلع من مشرق نجد نجم ذو ذؤابة وكان طلوعه من برج الحمل وذؤابته في اليمن وسيره في الشام فسبحان القادر على ما يشاء
وفيها القاضي شهاب الدين أحمد بن محمد بن محمد بن محمد بن أبي بكر بن عبية المقدسي الأثري الشافعي الشهير بابن عبية نزيل دمشق ولد في ثاني عشر ربيع الأول سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة واشتغل بالقدس الشريف وحصل وولي قضاء بيت المقدس وامتحن بسبب القمامة ثم رحل إلى دمشق وقطن بها ووعظ وذكر الناس وكان إماما عالما ومن شعره
( وناعورة أنت فقلت لها اقصري ** أنينك هذا زاد للقلب في الحزن )
( فقالت أنيني إذ ظننتك عاشقا ** ترق لحال الصب قلت لها أني )
توفي بدمشق ليلة السبت ثالث جمادى الأولى ودفن بباب الصغير شمالي ضريح الشيخ حماد رحمه الله تعالى وفيها أبو العباس أحمد بن محمد الغمري الصوفي كان رضي الله عنه جبلا راسيا وطودا راسخا في العلوم والمعارف وكان يحب بناء المساجد والجوامع حتى قيل أنه بنى خمسين جامعا منها جامعه المعروف به بمصر المدفون فيه وكان معانا على نقل العمد والرقام

وغيرها من الكيمان والبلاد الكفرية حتى أن عمد جامعيه بمصر والمحلة يعجز عن نقلها سلطان ذكر عنه إمام جامعه بمصر الشيخ أمين الدين بن النجار أنه أقام صف العمد التي على محراب الجامع المذكور كلها في ليلة واحدة والناس نائمون وذكر المناوي أنه عمر هذا الجامع من عثماني وضعه تحت سجادته وصار يأخذ منه ويصرف وكراماته رضي الله عنه كثيرة مستفيضة وأطنب الشعراوي في ذكره وتوفي بالقاهرة في رابع عشر صفر ودفن في جامعه وفيها سراج الدين أبو بكر بن علي بن عمران اليمني كان إماما علامة وولي قضاء قضاة تعز وتوفي بزبيد يوم الإثنين الثاني عشر من جمادى الأولى وفيها بركات بن حسين الفيجي المقرىء أخذ عن والده وغيره وأجازه البدري حسن بن الشويخ وتوفي في هذه السنة ظنا
وفيها زين الدين خالد بن عبد الله بن أبي بكر المصري الأزهري الوقاد به النحوي اشتغل بالعلم على كبر قيل كان عمره ستا وثلاثين سنة فسقطت منه يوما فتيلة على كراس أحد الطلبة فشتمه وعيره بالجهل فترك الوقادة وأكب على الطلب وبرع وأشغل الناس وصنف شرحا حافلا على التوضيح ما صنف مثله وإعراب ألفية ابن مالك وشرحا على الجرومية نافعا وآخر على قواعد الأعراب لابن هشام وآخر على الجزرية في التجويد وآخر على البردة والمقدمة الأزهرية وشرحها وكثر النفع بتصانيفه لإخلاصه ووضوحها توفي ببركة الحاج خارج القاهرة راجعا من الحج
وفيها زين الدين خطاب بن محمد بن عبد الله الكوكبي ثم الصالحي الحنبلي حفظ القرآن في مدرسة الشيخ أبي عمر وأخذ عن الشيخ صفر والنظام بن مفلح والشهاب بن زيد وغيرهم واشتغل في العربية على الشهاب بن شكم وحل عليه ألفية العراقي في علم الحديث واعتنى بهذا الشأن وأنشد له ابن طولون


( بطشت يا موت في دمشق ** وفي بنيها أشد بطش )
( وكم بنات بها بدورا ** كانت فصارت بنات نعش )
وقال عرض له ضعف في بعض الأحيان وكان عند الناس أنه فقير فأوصى بملبغ من الذهب له كمية جيدة ثم برأ من ذلك الضعف فشنق نفسه بخلوته بالضيائية في سابع عشر جمادى وفيها الملك العادل سيف الدين طومان باي كان من أعيان مماليك قايتباي بويع بالسلطنة بعد خلع جان بلاط الآتي ذكره في السنة التي بعد هذه في الشام وجلس على السرير بعد ظهر يوم السبت ثامن عشرى جمادى الآخرة من هذه السنة وكانت مدته من حين تغلبه بالشام أربعة أشهر وخمسة عشر يوما ومن حين بويع بقلعة الجبل ثلاثة أشهر وثلاثة وعشرون يوما وبنى مدرسة العادلية وتربته خارج باب النصر ثم هجم عليه العسكر وقتلوه قاله في نزهة الناظرين
وفيها علاء الدين علي بن يوسف بن أحمد الدمشقي العاتكي الشافعي الشهير بالبصروي الإمام العلامة ولد سنة اثنتين أو ثلاث وأربعين وثمانمائة واشتغل في العلم على الشيخ رضي الدين الغزى ولازمه وأخذ عن غيره وبرع في الفقه وغيره وهو والد الخطيب جلال الدين البصروي وتوفي في نهار الأربعاء سادس عشر شهر رمضان وفيها شمس الدين محمد بن عثمان بن إسماعيل البابي المعروف بابن الدغيم قاضي قضاة حلب وكاتب سرها وناظر جيوشها كان ذكيا فقيها متمولا قاله النجم الغزي
وفيها نور الدين محمود بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن أيوب بن محمد الحمصي ثم الدمشقي الشافعي الشهير بابن العصباتي الإمام العلامة ولد في ذي الحجة سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة وأخذ عن والده والتقي بن الصدر الطرابلسي وقدم دمشق سنة تسعمائة فاستوطنها ووعظ بالجامع وغيره وتوفي راجعا من الحج بمنزلة رابع يوم الجمعة مستهل المحرم

سنة ست وتسعمائة

فيها توفي الملك الأشرف جان بلاط بن عبد الله أبو النصر سلطان مصر اشتراه بشتك الدوادار وقدمه للأشرف قايتباي بعد طلبه له فجعله خاصكيا وقربه إليه وعلمه القرآن والحساب والرمي وصار رئيسا محتشما ثم رقاه حتى أعطاه تقدمة ألف ثم ولي الدوادارية الكبرى في زمن ولده الناصر ثم أنعم عليه بنيابة حلب فأقام بها سنة ثم نقله إلى نيابة الشام فأقام بها سبعة أشهر ثم قدم القاهرة في زمن الظاهر فولاه الإمرة الكبرى وزوجه بأخته وصار العادل طومان باي يرمي الفتنة بينه وبين الظاهر إلى أن تنافرا وقدر جان بلاط على الظاهر فخرج من قلعة مصر وتركها له فتسلطن في ضحوة يوم الإثنين ثاني القعدة سنة خمس وتسعمائة فأقام نصف سنة وستة عشر يوما وبنى المدرسة الجنبلاطية خارج باب النصر وخلع ونفى إلى الأسكندرية وقتل بها خنقا ودفن فيها نحو شهر ثم نقل إلى القاهرة ودفن بتربة استاذه قايتهاي ثم رد إلى تربته التي أعدها لنفسه خارج باب النصر فنقل إليها ولم تتغير جثته ثم تولى الملك الأشرف أبو النصر قانصوه الغوري يوم الإثنين عيد الفطر من هذه السنة
وفيها زين الدين حامد بن عبد الله العجمي الحنفي العلامة قال ابن طولون هو شيخنا اشتغل ببلاده وحصل وبرع وقدم دمشق فدرس بها وكان فقيها بارعا توفي يوم السبت سابع عشر ذي الحجة ودفن بباب الصغير
وفيها تقريبا بدر الدين حسن بن محمد العلامة المقرىء الصوفي المقدسي الشافعي المعروف بابن الشويخ أخذ القراآت ولبس خرقة التصوف من الشمس إمام الكاملية بحق لباسه لها من ابن الجزري المقرىء ولبسها أيضا من

الشيخ محمد البسطامي وأخذ عليه العهد ولقنه الذكر بمكة في السنة التي قبلها وأخذ الحديث عن الحافظ الديمي وكان إماما عالما صالحا رحمه الله تعالى
وفيها غرس الدين أبو سعيد خليل بن عبد القادر بن عمر الجعبري الأصل الخليلي الشافعي سبط الشهاب القلقشندي ولد في محرم سنة تسع وستين وثمانمائة بالقدس الشريف واشتغل في العلم على جماعة منهم الكمال بن أبي شريف والشيخ برهان الدين الخليلي الأنصاري وغيرهما وجمع معجما لا سماء شيوخه وولى حصة من مشيخة حرم الخليل عن والده المتوفى في محرم سنة سبع وتسعين وثمانمائة وكان رجلا خيرا إماما عالما متواضعا توفي في أحد الربيعين وفيها علاء الدين علي بن أبي عمرو عبد الله الخطيب الحنبلي المؤذن بجامع بني أمية بدمشق الشهير بعليق بضم العين المهملة وتشديد اللام المفتوحة وبعد المثناة التحتية قاف ولد سنة إحدى وثلاثين وثمانمائة قال النعيمي وهو آخر من سمع صحيح مسلم كاملا على الحافظ شمس الدين بن ناصر الدين في سنة ست وثلاثين وتوفي في هذه السنة
وفيها كمال الدين أبو المعالي محمد بن الأمير ناصر الدين محمد بن أبي بكر ابن علي بن أبي شريف المقدسي الشافعي المري سبط الشهاب العميري المالكي الشهير بابن عوجان الشيخ الإمام شيخ الإسلام ملك العلماء الأعلام ولد ليلة السبت خامس ذي الحجة سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة بالقدس الشريف ونشأ بها وحفظ القرآن العظيم والشاطبية والمنهاج الفقهي وعرضهما على ابن حجر العسقلاني والمحب بن نصر الله الحنبلي والسعد الديري والعز المقدسي في سنة تسع وثلاثين وثمانمائة ثم حفظ ألفية ابن مالك وألفية الحديث وقرأ القرآن بالروايات على أبي القسم النويري وسمع عليه وقرأ عليه في العربية والأصول والمنطق والعروض واصطلاح أهل الحديث

وأذن له بالتدريس فيها وتفقه على العلامة زين الدين ماهر والعماد بن شرف وحضر عند الشهاب بن أرسلان والعز القدسي ورحل إلى القاهرة سنة أربع وأربعين وأخذ عن علمائها منهم ابن حجر وكتب له إجازة وصفه فيها بالفاضل البارع الأوحد والشمس القاياني والعز البغدادي وغيرهم وسمع الحديث على ابن حجر والزين الزركشي الحنبلي والعز بن الفرات الحنفي وغيرهم وحج فسمع بالمدينة المنورة على المحب الطبري وغيره وبمكة على أبي الفتح المراغي وغيره ودرس وأفتى وأشير إليه ثم توجه في سنة إحدى وثمانين إلى القاهرة واستوطنها وانتفع به أهلها وارتفعت كلمته وعظمت هيبته ثم عاد إلى بيت المقدس وتولى بها عدة مدارس وقد استوفى ترجمته تلميذه صاحب الانس الجليل فيه ومن مصنفاته الاسعاد بشرح الارشاد لابن المقرىء والدرر اللومع بتحرير جمع الجوامع في الأصول والفرائد في حل شرح العقائد والمسامرة بشرح المسايرة وقطعة على تفسير البيضاوي وقطعة على المنهاج وقطعة على صفوة الزبد لشيخه ابن أرسلان وغير ذلك ومن شعره ما أنشده في بيت المقدس
( أحيى بقاع القدس ما هبت الصبا ** فتلك رباع الأنس من معهد الصبا )
( وما زلت من شوقي إليها مواصلا ** سلامي على تلك المعاهد والربى )
وتوفي يوم الخميس خامس عشرى جمادى الآخرة عن أخويه شيخ الإسلام البرهاني وكان حينئذ بمصر والعلامة جلال الدين وكان عنده بالقدس وخلف دنيا طائلة وفيها شمس الدين أبو الفتح محمد بن محمد بن علي بن صالح العوفي يتصل نسبه بعبد الرحمن بن عوف أحد العشرة رضي الله عنهم الأسكندري المولد الأفاقي المنشأ العاتكي المزي الشافعي الصوفي المحدث الفقيه اللغوي المرشد ولد بالأسكندرية في أول محرم سنة ثمان عشرة وثمانمائة ولما حملت به والدته دخل والده الشيخ بدر الدين العوفي

على الشيخ الإمام العارف بالله الشيخ عبد الرحمن الشبريسي وسأله لها الدعاء فقال له أن زوجتك آمنة معها ولدان أحدهما يموت بعد سبعة أيام والآخر يعيش زمنا طويلا وسمه بأبي الفتح وسيكون له فتح من الله تعالى وتوكل على الله وسيره إلى الله يعيش سعيدا ويموت شهيدا يخرج من الدنيا كيوم ولدته أمه يضع قدمه على جبل قاف المحيط يسوح زمانا وينال من الله أمانا فاستوص به خيرا واصبر عليه وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا فلما وضعته أمه كان الأمر كما قال الشيخ عبد الرحمن فصنع والده وليمة بعد تمام أربعين يوما من ولادته ودعا الشيخ عبد الرحمن وجماعة من الفقراء والصالحين وأضافهم فلما رفعوا السماط حمله أبوه ووضعه بين أيديهم فأخذه الشيخ عبد الرحمن وحنكه بتمرة مضغها وعصرها في فيه ثم طلب شيئا من العسل فأحضر له فلعق الشيخ ثلاث لعقات ثم ألعق المولود ثلاثا ثم وضعه بين يدي الفقراء وأمرهم فلعقوا منه ثم قرأ الفاتحة سبع مرات ثم قال لوالده ارفع هذا لأمه لا يشاركها فيه أحد ولا تخش على الولد المبارك فوالله إني لأرى روحه تجول حول العرش ثم خرج من ساعته وكان والد الشيخ أبي الفتح يقول ما بات الا بشبريس ذكر ذلك صاحب الترجمة في كتابه المسمى بالحجة الراجحة قال ثم أني رأيته يعني الشيخ عبد الرحمن بعد مدة فلما أقبلت عليه قبل بين عيني ونظر بعين لطفه إلي ثم لقنني الذكر وأخذ علي العهد ثم قال عش في أمان الله مؤيدا بالله هائما بالله فانيا عما سواه باقيا به أنت إمام زمانك وفريد أوانك مقدما على أقرانك مباركا على أحوالك رعاك الله حفظ الله أواك الله { فرحين بما آتاهم الله من فضله } الآية قال ثم ألبسني الخرقة الشريفة ثم قال أيامنا انقضت وساعاتنا انقرضت قال فلما تم لي سبع سنين لبستها من يد الشيخ الإمام الورع العارف أبي الحسن الدمنهوري الصوفي ومن يد الشيخ أبي إسحق إبراهيم الأتكاوي بلباسهما من الشبريسي ثم نشأ الشيخ أبو الفتح وطلب العلم والحديث وتفقه

بجماعة أولهم جده لأبيه القاضي نور الدين أبو الحسن علي وسمع الحديث علي ابن حجر والتقى الرسام وعائشة بنت عبد الهادي ومريم بنت أحمد الأذرعي والعز بن الفرات الحنفي وغيرهم وقرأ على الحافظ شمس الدين أبي الخير المقدسي الحموي صحيحي البخاري ومسلم وعوارف المعارف للسهروردي وكتاب ارتقاء الرتبة في اللباس والصحبة للقطب القسطلاني والسيرة لابن هشام وسنن ابن ماجه وجامع الترمذي ومسند الرافعي ومجالس من مسند ابن حيان ومن الموطأ وسنن أبي داود وغير ذلك وأجازه بجميع ما تجوز له روايته وألبسه خرقة التصوف أيضا ولبسها من جماعة متعددة قال في الكواكب السائرة وممن أخذ عن الشيخ أبي الفتح شيخ الإسلام الجد واستجازه لشيخ الإسلام الوالد وأحضره إليه وهو دون السنتين فلقنه الذكر وألبسه الخرقة وأجازه بكل ما تجوز له روايته والشيخ أبو المفاخر النعيمي وتلميذه الشيخ شمس الدين بن طولون والشيخ شمس الدين الوفائي وغيرهم وألف كتابا حافلا في اللغة وآخر سماه بالحجة الراجحة في سلوك المحجة الواضحة وآخر في آداب اللباس والصحبة وغير ذلك ومن شعره
( يا ناظرا منعما فيما جمعت وقد ** أضحى يردد في أثنائه النظرا )
( سألتك الله إن عاينت من خطأ ** فاستر علي فخير الناس من سترا )
ومنه
( لم أنس مذ قالوا فلان لقد ** أضحى كبير النفس ما أجهله )
( فقلت لا أصل لهذا وقال ** الناس لم يكبر سوى المزبله )
ومنه
( من كان حقا مع الرحمن كان معه ** نعم ومن ضر فيه نفسه نفعه )
( ومن تذلل للمولى فيرفعه ** ومن يفرق فيه شمله جمعه )
وأخبرت عن شيخ الإسلام الوالد أنه كان يحكي عن شيخه الشيخ أبي

الفتح المزي أنه ذكر عن بعض شيوخه بدمشق أنه قال له يوما تعال إلى عند صلاة العشاء فجاء إليه فصلى معه العشاء ثم خرج الشيخ المذكور وخرج معه أبو الفتح حتى كانا بالربوة خرج به من المكان المعروف بالمنشار وتعلقا بسفح قاسيون فلما أشرفا على الجبل قال الشيخ للشيخ أبي الفتح أنظر إلى هذه المشاعل وعدها واحفظ عددها ثم سار به على السفح حتى وصلا إلى مقام إبراهيم الخليل عليه السلام ببرزة فلما كانا هناك قال الشيخ لأبي الفتح كم عددت مشعلا قال ثمانمائة قال تلك أرواح الأنبياء المدفونين بهدا السفح المبارك عليهم الصلاة والسلام وتوفي الشيخ أبو الفتح ليلة الأحد ثامن عشر ذي الحجة بمحلة قصر الجنيد قرب الشويكة ودفن بالجانب الغربي في الأرض التي جعلت مقبرة وأضيفت لمقبرة الحمرية رحمه الله تعالى انتهى ملخصا وفيها القاضي جمال الدين محمد بن عبد السلام الناشري اليمنى الشافعي كان إماما عالما عاملا عابدا من عباد الله الصالحين وهو خاتم القضاة الناشريين بزبيد وتوفي بها ليلة الإثنين ثامن عشرى المحرم

سنة سبع وتسعمائة

فيها توفي أبو بكر بن عبد الله المعروف بفغيس اليمنى العلامة الفقيه الشافعي توفي بزبيد يوم الخميس تاسع عشر شوال ودفن بتربة المرجاني
وفيها القاضي شهاب الدين أبو العباس أحمد بن حجي الحسباني الدمشقي الأطروش الشافعي ولد ليلة الأربعاء خامس ذي الحجة سنة ثمان عشرة وثمانمائة وسمع قبل طرشه على الحافظ ابن حجر والمسند علاء الدين بن بردس البعلي وغيرهما وأذن للنعيمي في الرواية عنه وأجازه بكل ما تجوز له روايته وتوفي يوم الأربعاء سابع رمضان ودفن بمقبرة باب الفراديس
وفيها شهاب الدين أحمد بن عبد الرحمن بن عبد الكريم النابلسي ثم

الدمشقي الشهير بابن مكية الشافعي ولد سنة أربع وأربعين وثمانمائة واشتغل على الشمس بن حامد الصفدي وكان أول دخوله إلى دمشق سنة ست وتسعين فوعظ بها في جامع دمشق على كرسي ابن عبية وكان حاضرا إذ ذاك فتكلم المترجم على البسملة وأسماء الفاتحة ونقل كلام العلماء في ذلك فأحسن وصار من مشاهير الوعاظ بالجامع الأموي وتوفي بدمشق في آخر أيام التشريق ودفن عند قبر الشيخ إبراهيم الناجي غربي سيدنا معاوية رضي الله تعالى عنه بمقبرة باب الصغير
وفيها شهاب الدين أحمد بن نور الدين علي بن شهاب الدين الشعراوي الشافعي والد الشيخ عبد الوهاب اشتغل في العلم على والده ووالده حمل العلم عن الحافظ ابن حجر والعلم صالح البلقيني والشرف يحيى المناوي وكان المترجم عالما صالحا فقيها نحويا مقرئا وله صوت شجي في قراءة القرآن يخشع القلب عند سماع تلاوته بحيث صلى خلفه القاضي كمال الدين الطويل فكاد أن يخر إلى الأرض من فرط الخشوع وقال له أنت لا يناسبك إلا إمامة جامع الأزهر وكان ماهرا في علم الفرائض وعلم الفلك وكان يعمل الدواير ويشد المناكيب وكان له شعر وقوة في الإنشاء وربما أنشأ الخطبة حال صعود المنبر وكان مع ذلك لا يخل بأمر معاشه من حرث وحصاد وغير ذلك وكان له توجه صادق في قضاء حوائج الناس ويشهد بينهم ويحسب ويكتب محتسبا في ذلك وكان يقوم كل ليلة بثلث القرآن أو بأكثر قال ولده الشيخ عبد الوهاب وقد كنت أقرأ عليه يوما في سورة الصافات فلما بلغت قوله تعالى { فاطلع فرآه في سواء الجحيم قال تالله إن كدت لتردين } بكى حتى أغمي عليه وصار يتمرغ في الأرض كالطير المذبوح قال وصنف عدة مؤلفات في علم الحديث والنحو والأصول والمعاني والبيان فنهبت مؤلفاته كلها فلم يتغير وقال لقد ألفناها لله فلا علينا أن ينسبها الناس إلينا أم لا توفي في هذه

السنة ودفن في بلدته بناحية ساقية أبي شعرة بزاويتهم إلى جانب قبر والده
وفيها القاضي شهاب الدين أحمد ابن العلامة الولي المقرب جمال الدين محمد الطاهر بن أحمد جعمان قاضي مدينة حيس الشافعي كان إماما مفتيا مفننا صالحا توفي سحر ليلة الثلاثاء سلخ السنة ودفن ببيت الفقيه عند قبر أبيه وجده بوصية منه ولم يخلف بعده مثله في بني جعمان علما ومعرفة
وفيها عماد الدين إسمعيل النحاس الشهير بالشويكي الشافعي ولد سنة ست وعشرين وثمانمائة وكانت وفاته في عشرى رمضان
وفيها الشيخ الصالح حسن الحلبي الشافعي الشهير بالشيخ حسن الطحينة قرأ في الفقه على الشيخ عبد القادر الأبار الحلبي ثم صار من مريدي الشيخ موسى الأريحاوي وانقطع بالجامع الكبير بحلب بالرواق المعروف يومئذ بمصطبة الطحينة نحو أربعين سنة بحيث لا يتغير من مكانه صيفا ولا شتاء وحكيت عنه مكاشفات وهرع الناس إليه بالأموال وغيرها فيصرفها في وجوه الخير من عمل بعض الركايا واصلاح كثير من الطرقات وإزالة ما فيها وكان يخلط المآكل المنوعة إذا وضعت له فإذا قيل له في ذلك قال الكل يجري في مجرى واحد رحمه الله تعالى وفيها عفيف الدين عبد العليم بن أبي القسم بن إقبال القربتي نسبة إلى باب قربت باليمن أو إلى أبي قربتة جد الحنفي ولد سنة اثنتين وعشرين وثمانمائة وكان إماما فقيها نبيها توفي بزبيد يوم الجمعة خامس ذي الحجة وفيها جمال الدين محمد بن بدير بن بدير المقرىء قال في النور السافر كانت إليه النهاية في القراءات السبع وتوفي ليلة الثلاثاء الثالث والعشرين من رجب عن تسعين سنة ممتعا بسمعه وبصره وعقله انتهى وفيهاجمال الدين محمد بن علي الطيب اليمني الحنفي إمام الحنفية بجامع زبيد كان إماما علامة فقيها توفي ليلة الأربعاء ثامن عشر شوال ودفن إلى جنب أبيه وأخيه بمقبرة باب سهام


وفيها محب الدين محمد بن محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن هشام النحوي المصري الحنفي نزيل دمشق ولد في جمادى الأولى سنة إحدى وأربعين وثمانمائة وتفقه بالعلامة قاسم بن قطلوبغا والتقي الشمني وغيرهما وأخذ النحو عنهما والحديث عن ابن حجر وغيره وكان إماما علامة توفي بدمشق يوم السبت رابع القعدة ودفن بباب الصغير جوار مزار سيدي بلال الحبشي رضي الله تعالى عنه

سنة ثمان وتسعمائة

فيها حصل بمدينة عدن زلازل عظيمة تواترت ليلا ونهارا ووقع بها حريق عظيم احترقت فيه دور كثيرة بلغ عدتها تسعمائة بيت وذهب من الأموال والأنفس ما لا يعلمه إلا الله تعالى
وفيها توفي الإمام أبو السعود قاضي مكة المشرفة قتله الشريف بركات
وفيها برهان الدين أبو الطيب إبراهيم بن محمود بن أحمد بن حسن الأقصرائي الأصل القاهري الشافعي الحنفي المواهبي نسبة لتلميذه أبي المواهب التونسي قرأ طرفا من العلم على شيوخ عصره كالسخاوي وغيره وصحب الشيخ الكامل أبا الفتوح محمد الشهير بابن المغربي وأخذ عند التصوف ثم أخذ بإذنه عن الولي الكبير أبي المواهب محمد التونسي فعادت عليه بركات عوارفه وانهلت على قلبه أمطار ذوارفه وفتح الله له على يديه قال جار الله بن فهد أقول وقد جاور صاحب الترجمة بمكة سنة أربع وتسعمائة وأقام بها ثلاث سنين وألف بها شرحا على الحكم لابن عطاء الله سماه أحكام الحكم لشرح الحكم وشرح رسالته المسماة أصول مقدمات الوصول وشرح كلمات علي بن محمد وفا المعروف يا مولانا يا واحد يا أحد سماء شرح التمويل في بيان مشاهد يا مولانا يا واحد يا أحد وشرح الرسالة السنوسية في أصول الدين وله ديوان

نظم وعدة رسائل وسبعة أحزاب ومؤلفات في الزيارات النبوية وغير ذلك وأخذ الناس عنه التصوف رحمه الله انتهى وتوفي ليلة الخميس ثامن عشرى جمادى الثانية وفيها شهاب الدين أحمد بن يوسف بن حميد الصفدي ثم الدمشقي الحنفي الشيخ المفيد الزاهد قال ابن طولون اشتغل وحصل بعد أن حفظ القرآن وكان له يد في القراآت والرسم وكتب عدة مصاحف والكشف الكبير المسمى بكشف الأسرار وهو شرح على كتاب أصول الفقه المنسوب إلى أبي الحسن علي بن محمد البزوري تصنيف الإمام عبد العزيز بن أحمد البخاري والكشف الصغير وهو شرح على المنار في أصول فقهنا كلاهما للزاهد حافظ الدين عبد الله بن أحمد النسفي قرأت عليه المختار والمنار والخلاصة الألفية وتلخيص المفتاح حفظا واستفدت منه أشياء وقطن بالسميساطية المعدة للعزبان إلى أن توفي في سادس رمضان ودفن بباب الصغير انتهى وفيها رضي الدين أبو بكر بن عمر البليما كان فقيها لغويا نحويا توفي ليلة الأربعاء الثالث من شوال بزبيد ودفن عند أخواله بني الناشري
وفيها قاضي القضاة عماد الدين إسمعيل بن إبراهيم بن علي الناصري أخو محي الدين كبش العجم قال ابن طولون اشتغل على القاضي حميد الدين النعماني وغيره وتعانى الشهادة ثم ولي نيابة الحكم لابن قاضي عجلون ثم ولي قضاء دمشق مرات وفي آخرها أهين بالقاهرة ثم عاد إلى دمشق واستمر معزولا إلى أن مات بالمدرسة المعينية داخل دمشق وكانت سكنه يوم الخميس سابع عشرى ربيع الأول ودفن قرب قبر سيدي بلال الحبشي بمقبرة باب الصغير انتهى
وفيها القاضي بدر الدين حسن بن علي المنوفي المصري ثم الدمشقي المالكي الشهير بابن مشعل قال ابن طولون حدث بدمشق عن جماعة منهم الحافظ شمس الدين السخاوي وقرأت عليه في دار الحديث وغيرها قطعا من كتب وأربعينيات وأجزاء ومنه وصلت المسلسل بالمالكية سنة سبع وتسعمائة

رحمه الله انتهى وفيها حميد الدين حمد الله بن أفضل الدين الحسيني الحنفي العالم العلامة قرأ على والده وكان والده عالما صالحا زاهدا قانعا صبورا وقرأ على غيره ثم خدم المولى يكان ثم ولي تدريس مدرسة السلطان مرادخان ببروسا وعزل عنها في أوائل دولة السلطان محمد خان فأتى القسطنطينة فبينما هو مار في طرقاتها لقي السلطان محمد وهو ماش مع عدة من غلمانه وكان ذلك عادته قال فعرفته ونزلت عن فرسي ووقفت فسلم علي وقال أنت ابن أفضل الدين قلت نعم قال احضر الديوان غدا قال فحضرت فلما دخل الوزراء عليه قال جاء ابن أفضل الدين قالوا نعم قال أعطيته مدرسة والدي السلطان مرادخان ببروسا وعينت له كل يوم خمسين درهما وطعاما يكفيه من مطبخ عمارته قال فلما دخلت عليه وقبلت يده أوصاني بالاشتغال بالعلم وقال أنا لا أغفل عنك ثم أعطاه السلطان محمد إحدى المدارس الثمانية ثم جعله قاضيا بالقسطنطينية ثم صار مفتيا بها في أيام السلطان أبي يزيد خان واستمر حتى مات وكان عالما كبيرا ذكر تلميذه المولى محي الدين الفناري أنه لم يجد مسألة شرعية أو عقلية إلا وهو يحفظها وهذه مبالغة وكان حليما صبورا لا يكاد يغضب حتى تحاكم إليه وهو قاض رجل وامرأة فحكم للرجل فاستطالت عليه المرأة وأساءت القول في حقه فلم يزدها على أن قال لا تتعبي نفسك حكم الله لا يغير وإن شئت أن أغضب عليك فلا تطمعي وله حواش مقبولة متداولة على شرح الطوالع للأصبهاني وحواش مقبولة أيضا على شرح المختصر للسيد الشريف وتوفي في هذه السنة
وفيها خليل بن نور الله المعروف بمنلا خليل الشافعي نزيل حلب تلميذ منلا على القوشجي قطن حلب وأكب على القراءة عليه بها جماعة منهم الشمس السفيري وكتب على الفتوى وكان يختمها بخاتم له على طريقة الأعجام وكانت له مواعيد حسنة بالجامع الكبير وكان علامة ألف رسالة في المحبة ورسالة

الفتوح في بيان ماهية النفس والروح ورسالة في بيان نكتة التثنية في قوله تعالى { رب المشرقين ورب المغربين } مع الافراد في قوله { رب المشرق والمغرب } والجمع في قوله { برب المشارق والمغارب } وتوفي بحلب وحمل سريره برسباي الجركسي كافل حلب ودفن خارج باب المقام وفيها سراج الدين عبد اللطيف بن محمد بن يحيى الجهمي صاحب قرية المصباح من أصاب كان معتمد أهل أصاب ومرجعهم وعالمهم وحاكمهم قرأ على الفقيه أبي بكر البليما والقاضي جمال الدين القماط وغيرهما وكان فقيها علامة صالحا توفي ليلة الأربعاء التاسع عشر من رجب ببلده قرية المصباح قاله في النور السافر
وفيها القاضي فخر الدين عثمان بن يوسف الحموي ثم الدمشقي الشافعي ولد سنة أربع وأربعين وثمانمائة واشتغل بحل الحاوي الصغير على العلامة مفلح الحبشي وكان يحوكه ثم صار بوابا بالبدرائية ثم تعانى صنعة الشهادة بخدمة شرف الدين بن عيد الحنفي ثم فوض إليه نيابة الحكم القاضي شهاب الدين بن الفرفور وتوفي بدمشق يوم الإثنين ثامن عشر القعدة ودفن بمقبرة باب الفراديس

سنة تسع وتسعمائة

فيها توفي الشيخ الصالح العارف بالله تعالى أبو بكر بن عبد الله الشاذلي المعروف بالعبدوس مبتكر القهوة المتخذة من البن المجلوب من اليمن وكان أصل اتخاذه لها أنه مر في سياحته بشجر البن فاقتات من ثمره حين رآه متروكا مع كثرته فوجد فيه تجفيفا للدماغ واجتلابا للسهر وتنشيطا للعبادة فاتخذه قوتا وطعاما وشرابا وأرشد أتباعه إلى ذلك ثم انتشرت في اليمن ثم في بلاد الحجاز ثم في الشام ومصر ثم سائر البلاد واختلف العلماء في أوائل

القرن العاشر في القهوة حتى ذهب إلى تحريمها جماعة منهم الشيخ شهاب الدين العيثاوي الشافعي والقطب بن سلطان الحنفي والشيخ أحمد بن عبد الحق السنباطي تبعا لأبيه والأكثرون ذهبوا إلى أنها مباحة قال النجم الغزي في الكواكب السائرة وقد انعقد الاجماع بعد من ذكرناه على ذلك وأما ما ينضم إليها من المحرمات فلا شبهة في تحريمه ولا يتعدى تحريمه إلى تحريمها حيث هي مباحة في نفسها قلت وقد ذكر أخوه العلامة الشيخ أبو الطيب الغزي في مؤلف له بخصوص القهوة أن ابتداء ظهورها كان في زمن سليمان بن داود عليهما الصلاة والسلام قال ما ملخصه كان سليمان صلى الله عليه وسلم إذا أراد سيرا إلى مكان ركب البساط هو ومن أحب من جماعته وظلتهم الطير وحملتهم الريح فإذا نزل مدينة خرج إليه أهلها طاعة له وتبركا به فنزل يوما مدينة فلم يخرج إليه أحد من أهلها فأرسل وزيره على الجن الدمرياط فرأى أهل المدينة يبكون قال ما يبكيكم قالوا نزل بنا نبي الله وملك الأرض ولم نخرج إلى لقائه قال ما منعكم من ذلك قالوا لأن بنا جميعا الداء الكبير وهو داء من شأنه أن يتطير منه وتنفر منه الطباع خوف العدوى فرجع وأخبر سليمان بذلك فدعا ابن خالته آصف بن برخيا الله تعالى باسمه الأعظم أن يعلم سليمان ما يكون سببا لبرئهم من ذلك فنزل جبريل على سليمان وأمره أن يأمر الجن أن تأتيه بثمر البن من بلاد اليمن وأن يحرقه ويطبخه بالماء ويسقيهم ففعل ذلك فشفاهم الله تعالى جميعا ثم تناسى أمرها إلى أن ظهرت في أوائل القرن العاشر انتهى ملخصا ثم قال النجم الغزي وأما مبتكرها صاحب الترجمة فإنه في حد ذاته من سادات الأولياء وأئمة العارفين وقد ألف كتابا في علم القوم سماه الجزء اللطيف في علم التحكيم الشريف وذكر فيه أنه لبس الخرقة الشاذلية من الشيخ الفقيه الصوفي العارف بالله تعالى جمال الدين محمد بن أحمد الدهماني المغربي القيراوني الطرابلسي المالكي في المحرم سنة أربع وتسعمائة

كما لبسها من الشيخ إبراهيم بن محمود المواهبي بمكة في صفر سنة ثلاث وتسعمائة كما لبسها من شيخه الكامل محمد أبي الفتوح الشهير بابن المغربي كما لبسها من الشيخ أبي عبد الله محمد بن حسين بن علي التيمي الحنفي كما أخذ من الشيخ ناصر الدين بن الميلق الأسكندري الأصولي عن الشيخ تاج الدين بن عطاء الله الأسكندري عن الشيخ أبي العباس المرسي عن الشيخ أبي الحسن الشاذلي رضي الله تعالى عنهم انتهى بحروفه
وفيها أبو الخير الكليباتي قال النجم الغزي الشيخ الصالح الولي المكاشف الغوث المجذوب كان رجلا قصيرا يعرج بإحدى رجليه وله عصا فيها جلق وخشاخيش وكان لا يفارق الكلاب في أي مجلس كان فيه حتى في الجامع والحمام وأنكر عليه شخص ذلك فقال رح وإلا جرسوك على ثور دائر مصر فشهد ذلك النهار زورا فجرسوه على ثور دائر مصر وأنكر عليه بعض القضاة ذلك فقال هم أولى بالجلوس في المسجد منك فإنهم لا يأكلون حراما ولا يشهدون زورا ولا يستغيبون أحدا ولا يدخرون عندهم شيئا من الدنيا ويأكلون الرمم التي تضر رائحتها الناس وكان كل من جاءه في ملمة يقول له اشتر لهذا الكلب رطل لحم شواء وهو يقضي حاجتك فيفعل فيذهب ذلك الكلب ويقضي تلك الحاجة قال الشعراوي أخبرني سيدي على الخواص أنهم لم يكونوا كلابا حقيقة وإنما كانوا جنا سخرهم الله تعالى له يقضون حوائج الناس وقال الحمصي بعد ترجمته بالقطب الغوث كان صالحا مكاشفا وظهرت له كرامات دلت على ولايته وكان يصحو تارة ويغيب أخرى وكان يسعى له الأمراء والأكابر فلا يلتفت إليهم وتوفي في ثالث جمادى الآخرة وحمل جنازته القضاة والأمراء ودفن بالقرب من جامع الحاكم بالقاهرة وبنى عليه عمارة وقبة وفيها شهاب الدين أحمد ابن شقير المغربي التونسي المالكي النحوي الإمام العلامة المحقق المتقن الفهامة

المعروف بابن شقير وربما عرف بشقير نزيل القاهرة قال النجم الغزي عده شيخ الإسلام الجد ممن اصطحب بهم من أولياء الله تعالى من العلماء وهو من مشاهير المحققين من علماء القاهرة أخذ عنه السيد عبد الرحيم العباسي وغيره وتوفي يوم الإثنين سادس القعدة بمصر
وفيها شهاب الدين أحمد بن محمد العالم الزاهد المعروف بإمام الكاملية توفي بالقدس الشريف في هذه السنة
وفيها المولى أمر الله بن محمد بن حمزة الشيخ العارف بالله تعالى المعروف باق شمس الدين الدمشقي الأصل الرومي المولد والمنشأ الحنفي قرأ على علماء عصره ثم اتصل بخدمة الخيالي ولما توفي والده أخذت أوقافه من يده فجاء شاكيا إلى السلطان محمد خان فعوضه الوزير محمد باشا القرماني عن أوقاف والده بتولية أوقاف الأمير البخاري بمدينة بروسا وصار متوليا على أوقاف السلطان مراد خان بها أيضا ثم ابتلي بمرض النقرس واختلت منه رجلاه وإحدى يديه وأقعد سنين كثيرة حتى مات وأعطى تقاعدا وكان يبكي ويقول ما أصابتني البلية إلا بترك وصية والدي فإنه كان يوصي أولاده أن لا يقبلوا منصب القضاء والتولية وفيها غرس الدين خليل القاضي الأوسي الرملي الشافعي العالم قاضي الرملة المعروف بابن المدققة توفي بالقاهرة يوم الجمعة خامس شوال وفيها زين الدين المقدسي الأصل الدمشقي عبد الرزاق بن أحمد بن أحمد بن محمود بن موسى المعروف جده أحمد بالعجيمي وجده الأعلى موسى بالتركماني كان إماما فاضلا مقرئا مجودا شافعيا ولد في سادس عشر جمادى الآخرة سنة اثنتين وأربعين وثمانمائة وأخذ القراآت وغيرها عن والده وغيره وتوفي بدمشق ودفن بمقبرة المزرعة المعروفة الآن بالجورة عند ميدان الحصى عند أخيه الشيخ إبراهيم القدسي رحمه الله
وفيها عفيف الدين عبد المجيد بن عبد العليم إقبال المعروف بالقربتي الحنفي

قال في النور السافر كان إماما فقيها علامة صالحا رأس المفتين بمدينة زبيد توفي بها يوم الإثنين الرابع والعشرين من شهر رمضان انتهى وفيها علاء الدين علي البكاي الرومي الحنفي قرأ على علماء عصره وصار مدرسا ببعض مدارس الروم ثم درس في سلطانية بروسا ثم بإحدى الثمان ثم نصب مفتيا ببروسا وكان عالما سليم الطبع شديد الذكاء انتفع به كثيرون وتوفي في هذه السنة وقيل في تاريخه وحيد مات مرحوما سعيدا
وفيها الشيخ الإمام العلامة يس الشافعي شيخ المدرسة البيبرسية توفي في سادس عشرى ذي الحجة واستقر عوضه في المشيخة العلامة كمال الدين الطويل
وفيها جمال الدين يوسف بن حسن بن أحمد بن عبد الهادي الشهير بابن المبرد الصالحي الحنبلي ولد سنة أربعين وثمانمائة وقرأ على الشيخ أحمد المصري الحنبلي والشيخ محمد والشيخ عمر العسكريين وصلى بالقرآن ثلاث مرات وقرأ المقنع على الشيخ تقي الدين الجراعي والشيخ تقي الدين بن قندس والقاضي علاء الدين المرداوي وحضر دروس خلائق منهم القاضي برهان الدين بن مفلح والبرهان الزرعي وأخذ الحديث عن خلائق من أصحاب ابن حجر وابن العراقي وابن البالسي والجمال بن الحرستاني والصلاح بن أبي عمر وابن ناصر الدين وغيرهم وكان إماما علامة يغلب عليه علم الحديث والفقه ويشارك في النحو والتصريف والتصوف والتفسير وله مؤلفات كثيرة وغالبها أجزاء ودرس وأفتى وألف تلميذه شمس الدين بن طولون في ترجمته مؤلفا ضخما وتوفي يوم الإثنين سادس عشر المحرم ودفن بسفح قاسيون
وفيها شمس الدين محمد بن عبد الكافي المصري الخطيب بجامع القلعة الشهير بالدمياطي قال الشعراوي كان يقضي خارج باب القوس والناس يقرأون عليه العلم وكان لا يأخذ على القضاء أجرا وكان طويلا سمينا جدا ومع ذلك يتوضأ لكل صلاة من الخمس قال وما سمعته مدة قراءتي عليه يذكر

أحدا من أقرانه الذين يرون نفوسهم عليه إلا بخير وكان كثير الصمت كثير الصيام طالبا للهزال فيزيد سمنه حلو المنطق حلو المعاشرة كريم النفس انتهى توفي بالقاهرة في ثاني عشر جمادى الآخرة ودفن بالقرافة
وفيها قاضي القضاة محب الدين أبو الفضل محمد بن علي بن أحمد بن جلال بن عثمان بن عبد الرحمن المعروف بابن القصيف الدمشقي الحنفي ولد سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة بمنزلة ذات حج من درب الحجاز وحفظ القرآن العظيم والمختار وعدة كتب واشتغل وبرع وأفتى ودرس بالمدرسة القصاعية عدة سنين وسمع الحديث على أبي الفتح المدني والتقي بن فهد وغيرهما وصنف كتاب دليل المحتار إلى مشكلات المختار ولم يتم وولي قضاء الشام مرات قال ابن طولون وظلم نفسه بأمور سامحه الله فيها وتوفي يوم الخميس سادس ربيع الأول وفيها شمس الدين محمد بن شرف الدين موسى بن عيسى العجلوني الدمشقي الصالحي الشافعي ولد بالصالحية سنة ثمان وأربعين وثمانمائة وكان عالما صالحا توفي يوم الخميس ثاني ربيع الأول ودفن بمسكنه بزاوية محمد الخوام الشهير بالقادري بالصالحية
وفيها ولي الدين محمد بن محمد الشيخ الفاضل ابن الشيخ العالم محب الدين المحرقي المباشر بالبيمارستان المنصوري بالقاهرة توفي بها في هذه السنة ختام ربيع الأول وفيها أقضى القضاة ولي الدين محمد بن فتح الدين محمد النحريري المصري المالكي الإمام العلامة توفي سابع ربيع الأول بالقاهرة ودفن بالصحراء

سنة عشر وتسعمائة

فيها حصل بمدينة زبيد ومدينة زيلغ زلزلة عظيمة شديدة هائلة وقع منها دور وخرج أهل زيلع إلى الصحراء خوفا وفيها انقض كوكب

عظيم وقت العشاء من اليمن في الشام وتشظى منه شظايا عظيمة ثم حصل بعده هدة عظيمة وفيها وجد بمدينة عدن كنز ذهب وبقرية هقدة بين مدينتي عدن وموزع كنز آخر من ذهب أعظم من الأول كان بها مسجد قد خرب فأراد رجل عمارته فوجد الحفارون في الأساس الكنز شخوصا من ذهب مضروبة بسكة لا تشبه سكة الإسلام وزن كل شخص ربع وقية
وفيها توفي العلامة شهاب الدين أحمد بن يحيى بن أحمد بن محمد بن أحمد بن محمد بن عمر بن حسين الشهير بابن المهندس الشيرازي الأصل الدمشقي العاتكي الشافعي ولد سنة أربع وثلاثين وثمانمائة قال النعيمي رافقناه على جماعة من العلماء ثم انتهى إليه الأتقان في كتابه الوثائق والتواقيع حتى صار أكبر من يشار إليه في ذلك وكان عالما مورقا متقنا توفي ليلة الخميس سادس عشرى رجب
وفيها قاضي القضاة عفيف الدين أبو الطيب حسين بن محمد بن محمد القاضي ابن القاضي ابن القاضي ابن الشحنة الحنفي وقيل الشافعي ولد سنة ثمان وخمسين وثمانمائة وحصل بالقاهرة طرفا من العلم وأخذ البخاري عن الشهاب الشاوي المصري الحنفي الصوفي وهو خاتمة من يروي عن ابن أبي المجد الخطيب الدمشقي وقرأ شرح جمع الجوامع للمحلى بحلب على العلامة المنلا درويش الخوارزمي قراءة تحقيق وتدقيق وولي قضاء حلب وكتابة السر بها وتوفي بالقاهرة مطعونا يوم الثلاثاء حادي عشرى شوال
وفيها السلطان العادل عبد الله بن جعفر الكثيري سلطان الشحر من بلاد اليمن كان عادلا مشهورا بأفعال الخير وإقامة الشرع سيرته من أحمد السير وأحسنها توفي بالشحر يوم الأحد سلخ المحرم وفيها شمس الدين عبد الله بن محمد السبتي المالكي قاضي المالكية بصفد وابن قاضيها ولد سنة إحدى وأربعين وثمانمائة وكان إماما علامة وتوفي بصفد يوم الأربعاء ثامن عشر رجب وفيها الحافظ تقي الدين عبد الرحيم بن الشيخ محب الدين

محمد الأوجاقي المصري الشافعي قرأ القرآن على والده وسمع منه وأخذ عنه العلوم الشرعية وغيرها وقرأ على خلائق منهم العلامة ابن حجر والولي بن العراقي والشمس القاياتي وصالح البلقيني ولازم الشرف المناوي في المنهاج والتنبيه والبهجة وغيرها قال وهو آخر شيخ قرأت عليه العلوم الشرعية وسمع من مسندي عصره وروى صحيح البخاري عن جمع كثير يزيد عددهم على مائة وعشرين نفسا ما بين قراءة وسماع ومناولة لجميعه مقرونة بالإجازة ولبس الخرقة القادرية من جماعة وكان إماما علامة مسندا رحلة حافظا حجة ناقدا ومن شعره
( تقول نفسي أتخشى ** من هول ذنب عظيم )
( لا تختشى من عقاب ** وأنت عبد الرحيم )
ومنه
( يا راحمي ورحيمى ** ومانحي كل نعمه )
( ابن الوقاجي عبد ** مراده منك رحمة )
ومنه
( إذا كنت الرحيم فلست أخشى ** وإن قالوا عذاب النار يحمى )
( وكم عبد كثير الذنب مثلي ** بفضلك من عذاب النار يحمي )
وقال في مرضه الذي مات فيه
( لما مرضت من الذنوب وثقلها ** وأيست من طب الطبيب النافع )
( علقت أطماعي برحمة سيدي ** وأتيته متوسلا بالشافعي )
وتوفي بالقاهرة يوم الإثنين ثاني أو ثالث جمادى الآخرة
وفيها تقي الدين عبد السلام بن القاضي محمد بن عبد السلام الناشري الشافعي الفقيه الصالح توفي بمدينة زبيد ضحى يوم الخميس العشرين من ذي القعدة وفيها محي الدين عبد القادر بن محمد بن عمر ابن عيسى بن سابق بن هلال بن يونس بن يوسف بن جابر بن إبراهيم

ابن مساعد المزي ثم الصالحي الحنبلي المعروف بابن الرجيحي وجده الأعلى الشيخ يونس هو العارف بالله تعالى شيخ الطائفة اليونسية ولد صاحب الترجمة في ثاني عشر ربيع الأول سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة وحفظ القرآن العظيم والخرقي واشتغل في العلم ثم تصوف ولبس الخرقة من جماعة منهم والده والعلامة أبو العزم المقدسي نزيل القاهرة والشيخ أبو الفتح الأسكندري ولازمه كثيرا وانتفع به وأخذ عنه الحديث وقرأ عليه الترغيب والترهيب للمنذري كاملا وقرأ عليه غير ذلك وسمع منه وعليه أشياء كثيرة وناب في الحكم عن النجم بن مفلح وكانت سيرته حسنة وسكن آخرا بالسهم الأعلى من الصالحية وبنى به زاوية وحماما وسكنا وكان من كبار العارفين بالله تعالى وتوفي ليلة الخميس رابع عشر المحرم ودفن بسفح قاسيون عند صفة الدعاء وفيها علاء الدين علي بن السيد ناصر الدين أبي بكر الشهير بابن نقيب الأشراف بدمشق الحنفي الدمشقي ولد في نصف شوال سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة وهو اليوم الذي ولد فيه قاضي القضاة شهاب الدين بن الفرفور وكان إماما علامة توفي ليلة الإثنين رابع عشر ذي الحجة ودفن بتربتهم لصيق مسجد الذبان بدمشق
ومات في أوائل هذه السنة شهاب الدين بن الفرفور المذكور
وفيها علاء الدين علي بن أحمد بن عربشاه الإمام العالم أخو قاضي القضاة بدمشق تاج الدين عبد الوهاب بن عربشاه وأخو بدر الدين حسن أحد الشهود المعتبرين بدمشق ولد سنة ثمان وأربعين وثمانمائة وتوفي يوم الثلاثاء حادي عشر شوال ودفن بالروضة بسفح قاسيون
وفيها زين الدين عمر الشيخ العلامة الأبشيمي الشافعي قاضي قلعة الجبل بالقاهرة كان له فضيلة تامة وتوفي يوم السبت ثاني عشر شعبان قاله النجم

الغزي وفيها أقضى القضاة زين الدين محمد بن عبد الغني الشيخ العلامة الشهير بابن تقي المالكي المصري قال الحمصي كان شابا عالما صالحا توفي في حادي عشري المحرم ودفن بالقرافة وفيها قاضي القضاة بهاء الدين محمد بن محمد بن قدامة المقدسي الصالحي ثم المصري الحنبلي ولد في ربيع الأول سنة ثلاثين وثمانمائة واشتغل في العلم وحصل وبرع وأفتى ودرس ثم ولي قضاء الحنابلة بالشام فلم تحمد سيرته لكن كان عنده حشمة وتوفي يوم الجمعة عاشر ربيع الآخر وصلى عليه بجامع الحنابلة بسفح قاسيون ودفن بالروضة
وفيها بهاء الدين محمد بن قاضي القضاة جمال الدين يوسف بن أحمد الباعوني الشافعي ولد سنة سبع أو تسع وخمسين وثمانمائة بصالحية دمشق وقرأ القرآن العظيم وحفظ المنهاج وأخذ عن البرهان الباعوني والبرهان بن مفلح والبرهان المقدسي الأنصاري والبرهان الأذرعي وولده شهاب الدين وغيرهم وغلب عليه الأدب وجمع عدة دواوين وكان قليل الفقه وتوفي ليلة السبت حادي عشر شهر رمضان المعظم قاله النجم الغزي
وفيها إمام الزيدية محمد بن علي إمام أهل البدعة ورئيسهم قال في النور السافر أسر في جمع عظيم أمره السلطان عامر بن عبد الوهاب في وقعة عظيمة على باب صنعاء اليمن وتوفي أسيرا في يوم الجمعة رابع عشر ذي الحجة بمدينة صنعاء

سنة إحدى عشرة وتسعمائة

فيها كما قال في النور السافر حصل بمدينة زبيد وسائر جهاتها ريح شديدة اقتلعت أشجارا كثيرة وكسرتها وهدمت بعض البيوت وفيها توفي بامخرمة أحمد بن عبد الله بن أحمد اليمني ولد بعدن بعد وقت طلوع فجر يوم

الأربعاء أول يوم من صفر سنة ست وستين وثمانمائة وأخذ عن والده وبرع في الفقه وغيره من العلوم لا سيما الفرائض والحساب فإنه لم يكن له فيهما نظير حتى أن والده مع تمكنه من هذين الفنين كان يقول هو أمهر مني فيهما وكان يحفظ جامع المختصرات في الفقه وممن أخذ عنه من الأئمة الأعيان الفقيه العلامة محمد بن عمر باقضام وانتفع به كثيرا توفي عشية الجمعة عاشر جمادى الآخرة وفيها قاضي القضاة شهاب الدين أبو العباس أحمد بن محمود بن عبد الله بن محمود الشهير بابن الفرفور الدمشقي الشافعي ولد في نصف شوال سنة اثنتين وخمسين وثمانمائة وأخذ عن البرهان الباعوني وأبي الفرج بن الشيخ خليل والنجم بن قاضي عجلون والشمس محمد بن محمد السعدي وأبي المحاسن بن شاهين وغيرهم وبرع وتميز على أقرانه وكان جامعا بين العلم والرياسة والكرم وحسن العشرة بحيث أن الحمصي قال أنه ختام رؤساء الدنيا على الإطلاق وسلطان الفقهاء والرؤساء ولي قضاء قضاة الشافعية بدمشق ثم جمع له بينه وبين قضاء مصر يوم الخميس رابع ربيع الأول سنة عشر وتسعمائة وأبيح له أن يستنيب في قضاء دمشق من يختار فعين ولده القاضي ولي الدين واستمرت عليه هاتان الوظيفتان إلى أن مات وكان له شعر متوسط منه قصيدته التي مدح بها سلطان مصر الأشرف قانصوه الغوري التي مطلعها
( لك الملك بالفتح المبين مخلد ** لأنك بالنصر العزيز مؤيد )
( وأنت العزيز الظاهر الكامل الذي ** هو الأشرف الغوري وهو المسدد )
( تملكته والسيف كاللحظ هاجع ** بأجفانه والرمح هاد ممدد )
وهي طويلة فلما وقف عليها لسلطان الغوري ابتهج بها وقرأها بنفسه على من حضر وكافأه عنها بقصيدة من نظمه وجهزها إليه مطلعها
( أجاد لنا القاضي ابن فرفور أحمد ** مديحا به أثنى عليه وأحمد )


ومنها
( وقاضي قضاة الشام جاء يزورنا ** ويثبت دعوى حبنا ويؤكد )
وهي طويلة أيضا وأقرب إلى الحسن من الأولى ومدح المترجم علاء الدين ابن مليك وغيره وتوفي بالقاهرة في سابع جمادى الآخرة قال الحمصي شرع في وضوء صلاة الصبح فتوفي وهو يتوضأ وكان مستسقيا وحمل تابوته الأمراء وكانت جنازته حافلة ودفن بالقرافة بالقرب من الإمام الشافعي رضي الله عنه وفيها أم الهنا بنت محمد الشيخة المباركة الصالحة بنت القاضي ناصر الدين البدراني المصرية قال الحمصي كانت فاضلة ولها رواية في الحديث وتوفيت بالقاهرة في ثامن جمادى الأولى وفيها نور الدين أبو الحسن علي بن القاضي عفيف الدين عبد الله بن أحمد بن علي بن عيسى بن محمد بن عيسى بن محمد بن عيسى بن جلال الدين أبي العلياء بن أبي الفضل جعفر بن علي بن أبي الطاهر بن الحسن بن أحمد بن محمد بن الحسن بن محمد بن حسن بن محمد بن إسحق بن محمد بن سليمان بن داود بن الحسن المثنى ابن الحسن الأكبر بن علي بن أبي طالب الحسني ويعرف بالسمهودي نزيل المدينة المنورة وعالمها ومفتيها ومدرسها ومؤرخها الشافعي الإمام القدوة الحجة المفنن ولد في صفر سنة أربع وأربعين وثمانمائة بسمهود ونشأ بها وحفظ القرآن والمنهاج الفرعي وكتبا ولازم والده حتى قرأه عليه بحثا مع شرحه للمحلى وشرح البهجة وجمع الجوامع وغالب ألفية ابن مالك وسمع عليه بعض كتب الحديث وقدم القاهرة معه غير مرة ولازم الشمس الجوجري في الفقه وأصوله والعربية وقرأ على الجلال المحلى بعض شرحيه على المنهاج وجمع الجوامع ولازم الشرف المناوي وقرأ عليه الكثير وألبسه خرقة التصوف وقرأ على النجم بن قاضي عجلون تصحيحه للمنهاج وعلى الشمس البامي تقاسيم المنهاج وغيره وعلى الشيخ زكريا في الفقه والفرائض وعلى السعد الديري وأذن له

في التدريس هو واليامي والجوجري وقرأ على من لا يحصى ما لا يحصى قال السخاوي وسمع مني مصنفي الابتهاج وغيره وكان على خير كثير وقطن بالمدينة المنورة من سنة ثلاث وسبعين ولازم فيها الشهاب الأبشيطي وقرأ عليه تصانيفه وغيرها وأذن له في التدريس وأكثر من السماع هناك على أبي الفرج المراغي وسمع بمكة من كمالية بنت النجم المرجاني وشقيقها الكمال والنجم عمر بن فهد في آخرين وانتفع به جماعة الطلبة في الحرمين وألف عدة تآليف منها جواهر العقدين في فضل الشرفين واقتفاء الوفا بأخبار دار المصطفى احترق قبل تمامه ومختصر الوفا ومختصر خلاصة الوفا لما يجب لحضرة المصطفى وحاشية على الإيضاح في مناسك الحج للإمام النووي سماها الإفصاح وكذا على الروضة وسماها أمنية المعتنين بروضة الطالبين وصل فيها إلى باب الربا وجمع فتاويه في مجلد وهي مفيدة جدا وحصل كتبا نفيسة احترقت كلها وهو بمكة في سنة ست وثمانين وزار بيت المقدس وعاد إلى المدينة مستوطنا وتزوج بها عدة زوجات ثم اقتصر على السراري وملك الدور وعمرها قال السخاوي قل أن يكون أحد من أهلها لم يقرأ عليه وبالجملة فهو إمام مفنن متميز في الأصلين والفقه مديم العلم والجمع والتأليف متوجه للعبادة والمباحثة والمناظرة قوي الجلادة طلق العبارة مع قوة يقين وعلى كل حال فهو فريد في مجموعه انتهى وتوفي بالمدينة النبوية يوم الخميس ثامن عشر ذي القعدة وفيها الحافظ جلال الدين أبو الفضل عبد الرحمن ابن أبي بكر بن محمد بن ساق الدين أبي بكر بن عثمان بن محمد بن خضر بن أيوب ابن محمد بن الشيخ همام الدين الخضيري السيوطي الشافعي المسند المحقق المدقق صاحب المؤلفات الفائقة النافعة ولد بعد مغرب ليلة الأحد مستهل رجب سنة تسع وأربعين وثمانمائة وعرض محافيظه على العز الكناني الحنبلي فقال له ما كنيتك فقال لا كنية لي فقال أبو الفضل وكتبه بخطه وتوفي والده وله

من العمر خمس سنوات وسبعة أشهر وقد وصل في القرآن إذ ذاك إلى سورة التحريم وأسند وصايته إلى جماعة منهم الكمال بن الهمام فقرره في وظيفة الشيخونية ولحظه بنظره وختم القرآن العظيم وله من العمر دون ثمان سنين ثم حفظ عمدة الأحكام ومنهاج النووي وألفية ابن مالك ومنهاج البيضاوي وعرض ذلك على علماء عصره وأجازوه وأخذ عن الجلال المحلى والزين العقبي وأحضره والده مجلس الحافظ ابن حجر وشرع في الاشتغال بالعلم من ابتداء ربيع الأول سنة أربع وستين وثمانمائة فقرأ على الشمس السيرامي صحيح مسلم إلا قليلا منه والشفا وألفية ابن مالك فما أتمها إلا وقد صنف وأجازه بالعربية وقرأ عليه قطعة من التسهيل وسمع عليه الكثير من ابن المصنف والتوضيح وشرح الشذور والمغنى في أصول فقه الحنفية وشرح العقائد للتفتازاني وقرأ على الشمس المرزباني الحنفي الكافية وشرحها للمصنف ومقدمة ايساغوجي وشرحها للكاتي وسمع عليه من المتوسط والشافية وشرحها للجاربردي ومن ألفية العراقي ولزمه حتى مات سنة سبع وستين وقرأ في الفرائض والحساب على علامة زمانه الشهاب الشارمساحي ثم دروس العلم البلقيني من شوال سنة خمس وستين فقرأ عليه ما لا يحصى كثرة ولزم أيضا الشرف المناوي إلى أن مات وقرأ عليه ما لا يحصى ولزم دروس محقق الديار المصرية سيف الدين محمد بن محمد الحنفي ودروس العلامة التقي الشمني ودروس الكافيجي وقرأ على العز الكناني وفي الميقات على مجد الدين ابن السباع والعز بن محمد الميقاتي وفي الطب على محمد بن إبراهيم الدواني لما قدم القاهرة من الروم وقرأ على التقي الحصكفي والشمس البابي وغيرهم وأجيز بالافتاء والتدريس وقد ذكر تلميذه الداودي في ترجمته أسماء شيوخه

إجازة وقراءة وسماعا مرتبين على حروف المعجم فبلغت عدتهم أحدا وخمسين نفسا واستقصى أيضا مؤلفاته الحافلة الكثيرة الكاملة الجامعة النافعة المتقنة المحررة المعتمدة المعتبرة فنافت عدتها على خمسمائة مؤلف وشهرتها تغني عن ذكرها وقد اشتهر أكثر مصنفاته في حياته في أقطار الأرض شرقا وغربا وكان آية كبرى في سرعة التأليف حتى قال تلميذه الداودي عاينت الشيخ وقد كتب في يوم واحد ثلاثة كراريس تأليفا وتحريرا وكان مع ذلك يملي الحديث ويجيب عن المتعارض منه بأجوبة حسنة وكان أعلم أهل زمانه بعلم الحديث وفنونه رجالا وغريبا ومتنا وسندا واستنباطا للأحكام منه وأخبر عن نفسه أنه يحفظ مائتي ألف حديث قال ولو وجدت أكثر لحفظته قال ولعله لا يوجد على وجه الأرض الآن أكثر من ذلك ولما بلغ أربعين سنة أخذ في التجرد للعبادة والانقطاع إلى الله تعالى والاشتغال به صرفا والاعراض عن الدنيا وأهلها كأنه لم يعرف أحدا منهم وشرع في تحرير مؤلفاته وترك الافتاء والتدريس واعتذر عن ذلك في مؤلف سماه بالتنفيس وأقام في روضة المقياس فلم يتحول منها إلى أن مات ولم يفتح طاقات بيته التي على النيل من سكناه وكان الأمراء والأغنياء يأتون إلى زيارته ويعرضون عليه الأموال النفيسة فيردها وأهدى إليه الغوري خصيا وألف دينار فرد الألف وأخذ الخصى فأعتقه وجعله خادما في الحجرة النبوية وقال لقاصد السلطان لا تعد تأتينا بهدية قط فإن الله تعالى أغنانا عن مثل ذلك وطلبه السلطان مرارا فلم يحضر إليه ورؤى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام والشيخ السيوطي يسأله عن بعض الأحاديث والنبي صلى الله عليه وسلم يقول له هات يا شيخ السنة ورأى هو بنفسه هذه الرؤيا والنبي صلى الله عليه وسلم يقول له هات يا شيخ الحديث وذكر الشيخ عبد القادر الشاذلي في كتاب ترجمته أنه كان يقول رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقظة فقال لي يا شيخ الحديث فقلت له يا رسول الله أمن أهل الجنة أنا

قال نعم فقلت من غير عذاب يسبق فقال لك ذلك وقال الشيخ عبد القادر قلت له كم رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقظة فقال بضعا وسبعين مرة وذكر خادم الشيخ السيوطي محمد بن علي الحباك أن الشيخ قال له يوما وقت القيلولة وهو عند زاوية الشيخ عبد الله الجيوشي بمصر بالقرافة أتريد أن تصلي العصر بمكة بشرط أن تكتم ذلك على حتى أموت قال فقلت نعم قال فأخذ بيدي وقال غمض عينيك فغمضتهما فرحل بي نحو سبع وعشرين خطوة ثم قال لي افتح عينيك فإذا نحن بباب المعلاة فزرنا أمنا خديجة والفضيل بن عياض وسفين ابن عيينة وغيرهم ودخلت الحرم فطفنا وشربنا من ماء زمزم وجلسنا خلف المقام حتى صلينا العصر وطفنا وشربنا من زمزم ثم قال لي يا فلان ليس العجب من طي الأرض لنا وإنما العجب من كون أحد من أهل مصر المجاورين لم يعرفنا ثم قال لي إن شئت تمضي معي وإن شئت تقيم حتى يأتي الحاج قال فقلت اذهب مع سيدي فمشينا إلى باب المعلاة وقال لي غمض عينيك فغمضتهما فهرول بي سبع خطوات ثم قال لي افتح عينيك فإذا نحن بالقرب من الجيوشي فنزلنا إلى سيدي عمر بن الفارض وذكر الشعراوي عن الشيخ أمين الدين النجار إمام جامع الغمري أن الشيخ أخبره بدخول ابن عثمان مصر قبل أن يموت وأنه يدخلها في افتتاح سنة ثلاث وعشرين وتسعمائة وأخبره أيضا بأمور أخرى فكان الأمر كما قال ومناقبه لا تحصر كثرة ولو لم يكن له من الكرامات إلا كثرة المؤلفات مع تحريرها وتدقيقها لكفى ذلك شاهدا لمن يؤمن بالقدرة وله شعر كثير جيده كثير ومتوسطه أكثر وغالبه في الفوائد العلمية والأحكام الشرعية فمنه وأجاد فيه
( فوض أحاديث الصفات ** ولا تشبه أو تعطل )
( الا رمت إلا الخوض في ** تحقيق معضله فأول )
( إن المفوض سالم ** مما تكلفه المؤول )


وقال
( حدثنا شيخنا الكناني ** عن أبه صاحب الخطابه )
( أسرع أخا العلم في ثلاث ** الأكل والمشي والكتابة )
وقال
( عاب الاملاء للحديث رجال ** قد سعوا في الضلال سعيا حثيثا )
( إنما ينكر الأمالي قوم ** لا يكادون يفقهون حديثا )
وقال
( لم لا نرجى العفو من ربنا ** وكيف لا نطمع في حلمه )
( وفي الصحيحين أتى أنه ** بعبده أرحم من أمه )
وتوفي في سحر ليلة الجمعة تاسع عشر جمادى الأولى في منزله بروضة المقياس بعد أن تمرض سبعة أيام بورم شديد في ذراعه الأيسر عن إحدى وستين سنة وعشرة أشهر وثمانية عشر يوما ودفن في حوش قوصون خارج باب القرافة وفيها علاء الدين علي بن أحمد الإمام العلامة الحنفي نقيب أشراف دمشق كان عالما مفننا ذكيا بارعا في العلوم العقلية والنقلية توفي يوم الإثنين سادس عشرى ذي القعدة وفيها الشيخ العارف بالله تعالى الصوفي محمد بن سلامة الهمذاني الشافعي قال الحمصي ضرب بالمقارع إلى أن مات بسبب أنه تزوج بامرأة خنثى واضح ودخل بها وأزال بكارتها وكان لها ابن عم مغربي أراد أن يتزوجها فلم تقبل عليه فذهب إلى رأس نوبة الأمير طرباي واشتكى عليهما فأحضرهما وضربهما بالمقارع وجرسهما على ثورين وأشهرهما في القاهرة فما وصل إلى باب المقشرة حتى مات ولم يسأل عنه ولا حول ولا قوة إلا بالله قال وتأسف الناس عليه كثيرا وكان موته في حادي عشر شهر رمضان رحمه الله تعالى وفيها شمس الدين محمد بن محمد بن أبي بكر الشيخ العلامة الموقت التيزيني الدمشقي الحنفي ولد في رجب

سنة ثمان وعشرين وثمانمائة وكان عنده عقل وتؤدة وحسن تصرف وكان رئيس الموقتين بالجامع الأموي وتوفي يوم السبت ثالث صفر
وفيها شمس الدين محمد بن مصطفى بن الحاج حسن المولى الفاضل الرومي الحنفي قرأ على علماء عصره واتصل بخدمة المولى يكان وولي التدريس والولايات وتنقلت به الأحوال إلى أن ولاه السلطان محمد بن عثمان قضاء العسكر الأناضولية ولما تولى السلطان أبو يزيد أقره في منصبه ثم جعله قاضيا بالعساكر الروميلية وبقي فيه حتى توفي قال في الشقائق وكان رجلا طويلا عظيم اللحية طلق الوجه محبا للمشايخ بحرا في العلوم محبا للعلم والعلماء ألف حاشية على سورة الأنعام من تفسير القاضي البيضاوي وحاشية على المقدمات الأربع في التوضيح وكتابا في الصرف سماه ميزان التصريف وكتابا في اللغة جمع فيه غرائب اللغات ولم يتم وبنى مدرسة بالقسطنطينية ومسجدا ودارا للتعليم وبها دفن وقد جاوز التسعين
وفيها جمال الدين يوسف الحمامي المصري المالكي القاضي الإمام العلامة قال الحمصي كان صالحا مباركا وباشر نيابة الحكم العزيز بمصر القاهرة وتوفي بها سابع عشر شعبان وفيها يوسف الحميدي المشهور بشيخ بستان الرومي الحنفي العالم الفاضل اشتغل بالعلم أشد الاشتغال ولم يكن ذكيا لكن كان طبعه خالصا من الأوهام وصار معيدا عند قاضي زاده ثم وصل إلى خدمة خواجه زاده ثم صار مدرسا ببعض المدارس وولي مدرسة أحمد باشا ابن ولي الدين ببروسا وكان ساكنا ببروسا في بعض رباطاتها متجردا عن العلائق راضيا بالقليل من العيش ولم يتزوج وله حواش على شرح المفتاح للسيد مقبولة وتوفي ببروسا

سنة اثنتي عشرة وتسعمائة

وفيها توفي شهاب الدين أحمد بن عبد الرحيم بن حسن التلعفري الدمشقي

القبيباتي الشافعي العلامة الشهير بابن المحوجب ولد في ربيع الأول سنة إحدى أو اثنتين وأربعين وثمانمائة وطلب العلم وكان له خط حسن كتب به كثيرا وكان مهابا عند الملوك والأمراء وله كرم وافر وسماطه من أفخر الأطعمة يأكل منه الخاص والعام حتى نائب دمشق وقاضيها وكانت له كلمة نافذة يأوي إليه كل مظلوم وكان قد جزأ الليل ثلاثة أثلاث ثلثا للسمر والكتابة وثلثا للنوم وثلثا للتهجد والتلاوة وكان يتردد إليه أكابر الناس العلماء والأمراء وغيرهم خصوصا شيخ الإسلام زين الدين خطاب وبالجملة فقد انتهت إليه الرياسة والسيادة بالشام وتردد إلى مصر كثيرا ووجه إليه السلطان قايتباي خطابة القدس وهو بمصر فقبلها ثم نزل عنها لبعض المقادسة لما رأى من شدة عنايتهم بطلبها وكان كث اللحية والحاجبين أشعر الأذنين واسع الصدر توفي بدمشق يوم السبت ثالث عشرى ربيع الأول ودفن قبلي قبر الشيخ تقي الدين الحصني وفيها شهاب الدين أحمد بن العسكري الصالحي الدمشقي الحنبلي مفتي الحنابلة بها كان صالحا دينا زاهدا مباركا يكتب على الفتاوى كتابة عظيمة ولم يكن له في زمنه نظير في العلم والتواضع والتقشف على طريقة السلف منقطعا عن الناس قليل المخالطة لهم ألف كتابا في الفقه جمع فيه بين المقنع والتنقيح مات قبل تمامه في ذي الحجة ودفن بالصالحية وفيها حسين بن أحمد بن حسين الموصلي الأصل العزازي الحلبي الشافعي المعروف بابن الأطعاني قال ابن الحنبلي كان صالحا فاضلا حسن الخط له اشتغال على البدر السيوفي في العربية والمنطق توفي في هذه السنة بمكة قال بعض السقائين طلبوا له مني ماء من سبيل الجوخي لقلة الماء بمكة إذ ذاك فذكرت أني الآن فارقته خاليا من الماء فصمموا على في الذهاب إليه فذهبت لآتي بالماء من غيره فمررت به فإذا هو ممتلىء فملأت قربتي وعدت وعد ذلك من كراماته رحمه الله تعالى


وفيها نور الدين حمزة المولى العالم الرومي الحنفي الشهير بليس جلبي قرأ على علماء عصره وخدم المولى خواجه زاده ثم صار حافظا لدفتر بيت المال والديوان في زمن السلطان محمد خان ثم صار مدرسا بمدرسة السلطان مراد خان ببروسا ثم صار حافظا لدفتر بيت المال أيضا في زمن السلطان أبي يزيد خان ثم عزل وبقي متوطنا ببروسا وبنى بها زاوية للفقراء ومات بها ودفن بزاويته المذكورة وفيها علم الدين سليمان البحيري المصري المالكي العلامة شيخ المالكية ومفتيهم بمصر توفي في ثامن شعبان ودفن بالصحراء بالقاهرة وفيها الشرف بن وهيب الإمام العالم العلامة مفتي مدينة تعز باليمن توفي عشية الثلاثاء عشرى شوال
وفيها عبد الله بن عمر بن سليمان بن عمر بن نصر الكناوي الصفدي الشافعي جد موسى الكناوي لأمه كان عالما عاملا مؤثرا للصمت والعزلة عن الناس لا يحضر مجالسهم إلا لحضور الصلوات والجنائز والتدريس وقراءة صحيح البخاري على كرسي بصوت حسن ونغمة طيبة وترتيل وتأن وحضور قلب وسكون جوارح وكان يقرر معاني الأحاديث لمن يحضر مجلسه وكان إماما بالمسجد الذي يجري إليه الماء خارج كفركنا وكان يفتي أهل تلك البلاد ويقرىء الطلبة في الحديث والفقه والفرائض والنحو ومكث على ذلك نحو خمسين سنة وكان صوته في القرآن لطيفا ومع ذلك كان يسمعه من يتسمع لقراءته وهو يتهجد في هدوء الليل من نحو ميل وانتفع كثيرا بابن أرسلان ولازمه بالقدس الشريف مدة وتوفي ببلده كفركنا في غرة شوال وهو في عشر التسعين وفيها شمس الدين أبو عبد الله محمد بن حسن الشاوي الشافعي الشيخ الإمام شيخ الإسلام توفي يوم الجمعة سابع عشر شعبان وفيها محب الدين أبو الفضل محمد بن عرب المصري الشافعي الإمام العلامة أقضى القضاة خليفة الحكم العزيز

بالديار المصرية قال الحمصي كان عالما فاضلا مفننا ذكيا فقيها كثير الأدب توفي بالقاهرة ثامن عشرى المحرم وفيها أقضى القضاة شمس الدين محمد بن عيسى الدمشقي الحنفي الإمام العلامة قاضي دمشق ومفتيها قال الحمصي كان عالما فاضلا مفننا يعرف صناعة التوريق والشهادة معرفة تامة ذكيا متضلعا من العلوم محجاجا لا يجارى في بحثه توفي بدمشق في رجب ودفن بالصالحية وتأسف الناس عليه وفيها أقضى القضاة بدر الدين محمد بن الشيخ العلامة شمس الدين محمد القرافي المالكي خليفة الحكم بالديار المصرية كان إماما علامة توفي بالقاهرة يوم الثلاثاء ثالث عشر ذي القعدة ودفن بالصحراء وكانت جنازته حافلة
وفيها أمين الدين محمد بن شيخ الإسلام شمس الدين محمد الجوجري المصري الشافعي شارح الإرشاد والده كان هو شابا عالما فاضلا بارعا مفننا توفي بالقاهرة مستهل صفر وفيها شمس الدين محمد بن أبي عبيد المقرىء الشافعي الإمام العالم العلامة خليفة الحكم العزيز بالقاهرة قال الحمصي كان فاضلا ذكيا مفننا توفي بالقاهرة يوم الجمعة ثالث عشرى شهر رمضان وكانت جنازته حافلة وفيها تقريبا بدر الدين محمود بن محمد الرومي الحنفي العالم الفاضل كان إماما للسلطان أبي يزيد خان ثم ولاه قضاء العسكر بولاية أناضولي سنة إحدى عشرة بعد أن ولاه قضاء بروسا أكثر من عشر سنين ثم عزل عن قضاء العسكر وأعطى تقاعدا عنه كل يوم مائة عثماني ومات بعد زمن يسير قال في الشقائق كان كريم النفس حميد الأخلاق محبا للعلماء والصلحاء رحمه الله تعالى
وفيها شرف الدين موسى بن عبد الغفار المالكي خليفة الحكم العزيز بالقاهرة وكاتب مستندات السلطان الغوري كان إماما علامة توفي يوم الجمعة خامس عشرى رجب

سنة ثلاث عشرة وتسعمائة

فيها غلب الفرنج على مدينة هرموز وأخذوها
وفيها توفي السيد الشريف برهان الدين إبراهيم بن محمد الحسني نقيب الأشراف بدمشق ولد سنة ثمان وأربعين وثمانمائة قال الحمصي وكان رجلا شجاعا مقداما على الملوك ووقع له مع السلطان الأشرف قايتباي وقائع يطول شرحها ومات بالقاهرة وهو يومئذ نقيب الأشراف بدمشق في يوم الخميس خامس المحرم وأسند الوصايا على أولاده لكاتب الأسرار المحب بن أجا قال ابن طولون وتقلد أمورا في حياته وبعد موته رحمه الله تعالى وفيها برهان الدين إبراهيم الدميري المالكي قاضي قضاة المالكية بالقاهرة كان إماما علامة توفي ببيته بالقرب من الصالحية بين القصرين من القاهرة في يوم الأربعاء ثالث عشرى رمضان وكان سبب موته خطبته بين يدي السلطان الغوري لما أراد أن يسمع الخطباء
وفيها شهاب الدين أبو العباس أحمد بن أحمد بن محمد بن محمد بن خليل الحاضري الأصل ثم الحلبي الحنفي عرف بابن خليل أخذ عن الحافظ برهان الدين الحلبي سبط ابن العجمي وكان إماما علامة يفتي بحلب ويعظ بجامعها وكان وعظه نافعا يكاد يغيب فيه لفرط خشوعه وكان دينا خيرا تلمذ له شيخ الشيوخ بحلب الموفق بن أبي ذر المحدث قال ابن الحنبلي وأخبرني أنه كان يتمثل بقول القائل
( وكان فؤادي خاليا قبل حبكم ** وكان بذكر الخلق يلهو ويمرح )
( فلما دعا قلبي هواك أجبته ** فلست أرى قلبي لغيرك يصلح )
وتوفي بحلب وتأسف الناس عليه وفيها شهاب الدين أحمد ابن علي المقرىء القاهري شيخ القراء بها كان إماما عالما توفي يوم الأحد

عاشر القعدة وفيها شهاب الدين أحمد الأعزازي الدمشقي الصالحي كان صالحا مباركا دينا ناب في القضاء بدمشق وتوفي بها في نهار الجمعة ثالث عشر ربيع الأول وصلى عليه بالأموي بعد صلاة الجمعة ودفن بمقبرة باب الصغير وفيها شهاب الدين أحمد الخشاب الدمشقي العلامة الشافعي كان خطيبا بجامع القصب وتوفي في ذي الحجة وفيها شهاب الدين أحمد بن محمد بن محمد الزهيري الصالحي ثم الدمشقي الشاب الفاضل قال ابن طولون اشتغل معنا على الشيخ محمد بن رمضان وغيره وبحث وتوفي يوم الأربعاء سابع عشر ربيع الأول ودفن بمقابر باب الصغير انتهى
وفيها نجم الدين طلحة بن محمد بن يحيى الجهمي صاحب المصباح كان أماما فقيها جليلا توفي باليمن ببلدة من أصاب ودفن هناك بجوار جده يحيى بن أحمد الجهمي وكثر عليه الأسف وفيها زين الدين عبد الغفار المصري الضرير الشافعي الإمام العلامة المفنن قال الحمصي مات قتلا ببلدة يقال لها مطبوس بالقرب من الأسكندرية قال وسبب ذلك أن هذه كانت جارية في أقطاع الأمير طرباي رأس نوبة النوب وبها رجل متدارك لمالها اسمه ابن عمرو فوقع بينه وبين أهل البلدة لفسقه وظلمه فشكوا حالهم للأمير طرباي فأرسل أخاه للبلد يحرر ذلك فلما حضر شكا أهل البلدة إليه ظلم ابن عمرو فضرب أخو طرباي واحدا من أهل البلدة بالدبوس فرجمه أهل البلدة فأمر بضرب السيف فيهم فقتل منهم ما يزيد على ثلاثين نفرا فقال الشيخ عبد الغفار هذا ما يحل فضربت عنقه وألقى في البحر فساقه البحر إلى قرية تسمى كوم الأفراح بها جمع من الأولياء فدفن بها وكانت له جنازة لم يشهد مثلها وكان قتله رحمه الله تعالى يوم الجمعة سادس المحرم

سنة أربع عشرة وتسعمائة

فيها كان حريق عظيم بمدينة عدن احترق به من الآدميين نحو ثلاثين

نفسا وتلف من الأموال والبيوت ما لا يحصى وفيها توفي الشيخ العارف بالله تعالى إبراهيم الشاذلي المصري كان ينفق نفقة الملوك ويلبس ملابسهم وذلك من غيب الله تعالى لا يدري أحد له جهة معينة تأتيه منها الدنيا ولم يطلب الطريق حتى لحقه المشيب فجاء إلى سيدي محمد المغربي الشاذلي وطلب منه التربية فقال له يا إبراهيم تريد تربية بيتية والأسوقية فقال له ما معنى ذلك قال التربية السوقية هي أن أعلمك كلمات في الفناء والبقاء ونحوهما وأجلسك على السجادة وأقول لك خذ كلاما وأعط كلاما من غير ذوق ولا انتفاع والتربية البيتية بأن تفنى اختيارك في اختياري وتشارك أهل البلاء وتسمع في حقك ما تسمع فلا تتحرك لك شعرة اكتفاء بعلم الله تعالى فقال أطلب التربية البيتية قال نعم لكن لا يكون فطامك إلا بعدي على يد الشيخ أبي المواهب وكان الأمر كذلك ولذلك لم يشتهر إلا بالمواهبي ثم قال له الشيخ محمد قف غلاما اخدم البيت والبغلة وحس الفرس وافرش تحتها الزبل وكب التراب فقال سمعا وطاعة فلم يزل يخدم عنده حتى مات فاجتمع على سيدي أبي المواهب ولم يزل عنده يخدم كذلك ولم يجتمع مع الفقراء في قراءة حزب ولا غيره حتى حضرت سيدي أبا المواهب الوفاة فتطاول جماعة من فقرائه إلى الاذن فقال الشيخ هاتوا إبراهيم فجاءه فقال افرشوا له السجادة فجلس عليها وقال له تكلم على إخوانك في الطريق فأبدى الغرائب والعجائب فأذعن له الجماعة كلهم وكان له ديوان شعر وموشحات وشرح حكم ابن عطاء الله شرحا حسنا وتوفي في هذه السنة ودفن بزوايته بالقرب من قنطرة سنقر وقبره بها ظاهر يزار وفيها القطب الرباني شمس الشموس أبو بكر بن عبد الله باعلوي قال في النور السافر ولد بتريم وتريم بتاء مثناة فوقية ثم راء مكسورة ثم تحتية ثم ميم على وزن عظيم بلدة من حضرموت اعدل أرض الله هواء وأصحها تربة وأعذبها ماء وهي قديمة معشش الأولياء

ومعدنهم ومنشأ العلماء وموطنهم وهي مسكن الأشراف آل باعلوي روى أن الفقيه محمد بن أبي بكر عباد رحمه الله تعالى كان يقول إذا كان يوم القيامة أخذ أبو بكر الصديق رضي الله عنه آل تريم كلهم قبضة في يده ورمى بهم في الجنة قال في النور ولما كانت خير بلاد الله بعد الحرمين وبيت المقدس أكرمها الله تعالى بخير عباده وأكرمهم عليه الذين زينهم باتباع السنة الغراء مع صحة نسبهم المتصل بالسيدة الزهراء ويذكر أنها تنبت الصالحين كما تنبت الأرض البقل واجتمع بها في عصر واحد من العلماء الذين بلغوا رتبة الافتاء ثلثمائة رجل وأن بتربتها ممن شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم من الصحابة سبعين نفرا انتهى ملخصا ثم قال في النور ولد المترجم بتريم سنة إحدى وخمسين وثمانمائة وأخذ عن عمه الشيخ علي والفقيه محمد بن أحمد بافضل وقرأ الكثير وأجازه علماء الآفاق كالسخاوي والشيخ يحيى العامري اليمني وغيرهما وعده جار الله بن فهد في معجمه من شيوخه في الحديث وقد ذكر العلامة محمد بن عمر بحرق في كتابه مواهب القدوس في مناقب ابن العيدروس من مناقبه جملة كافية شافية تنشرح بمطالعتها الصدور ثم قال في النور وكان من أكابر الأولياء بل هو قطب زمانه كما شهد به العارفون بالله تعالى شرقا وغربا ولم يمتر في ذلك ذو بصيرة من أهل الطريق وكان في الجود آية من آيات الله تعالى يذبح لسماطه في رمضان كل يوم ثلاثين كبشا ولذلك بلغت ديونه مائتي ألف دينار فقضاها الأمير الموفق ناصر الدين باحلوان في حياته فإنه كان يقول إن الله وعدني أن لا أخرج من الدنيا إلا وأدى عني ديني وحكى من مجاهداته أنه هجر النوم بالليل أكثر من ثلاثين سنة ومن كراماته أنه لما رجع من الحج دخل زليع وكان الحاكم بها يومئذ محمد بن عتيق فاتفق أنه ماتت أم ولد للحاكم المذكور وكان مشغوفا بها فكاد عقله يذهب لموتها فدخل عليه سيدي لما بلغه عنه من شدة الجزع ليعزيه

ويأمره بالصبر وهي مسجاة بين يديه بثوب فعزاه وصبره فلم يفد فيه ذلك وأكب على قدمي الشيخ يقبلهما وقال يا سيدي إن لم يحي الله هذه مت أنا أيضا ولم تبق لي عقيدة في أحد فكشف سيدي عن وجهها وناداها باسمها فأجابته لبيك ورد الله روحها وخرج الحاضرون ولم يخرج سيدي الشيخ حتى أكلت مع سيدها الهريسة وعاشت مدة طويلة قال وقد صنف في مناقبه غير واحد من العلماء الأعلام وله مؤلفات منها ثلاثة أوراد بسيط ووسيط ووجيز وديوان شعر منه
( أنا الجواد ابن عبد الله إن عرضت ** للجود مكرمة أني لها الشاري )
( وأني العيدروس ابن البتول إذا ** حر تسلسل من أصلاب أطهار )
( أما ترى أنني قضيت دين أبي ** وكان ذاك ثلاثون ألف دينار )
( مجدي قديم أخير لا يسايره ** مجد لما حزت من صبر وإيثار )
توفي ليلة الثلاثاء رابع عشر شوال بعدن وقبره بها أشهر من الشمس الضاحية يقصد للزيارة والتبرك من الأماكن البعيدة انتهى ملخصا قلت ولعله هو مبتكر القهوة المتقدم ذكره في سنة تسع وتسعمائة فليحرر والله سبحانه وتعالى أعلم وفيها شهاب الدين أحمد بن كرك الصالحي الحنفي العدل قال ابن طولون اشتغل على شيخنا الزيني بن العيني وغيره وذهب إلى مصر صحبة التاج نائب ديوان القلعة فمرض في بيت أمير مجلس سودون العجمي فتوفي يوم السبت تاسع عشر شوال وأوقف وقفا على ذريته وعتقائه وقراءة بخارى انتهى وبخط القاضي أكمل بن مفلح هذا جد والدتي أبو أمها وهو حلبي الأصل يعرف بابن شموا معلم دار الضرب بها ولابن شموا وقف بحلب وفي آخره كتبه أكمل بن ستيته بنت آمنة بنت أحمد بن كرك انتهى
وفيها شهاب الدين أحمد بن عيد الحنفي ولي نيابة القضاء بالقاهرة وسافر إلى دمشق وولي بها نيابة القضاء عن ابن يوسف وتزوج بدمشق زوجة

القاضي إسماعيل الحنفي وطلع هو وهي إلى البستان بالمزاز فنزل عليه السراق ليلا فقتلوه وقتلوا غلامه فأصبح نائب الشام سيباي رسم على زوجته بسببه وكان ذلك يوم الخميس ثاني عشرى ذي الحجة قاله في الكواكب
وفيها محي الدين عبد القادر بن محمد بن عثمان بن علي المارديني الأصل الحلبي المولد والمنشأ والدار والوفاة الشافعي الشهير بالأبار هو وأبوه لأنه كان يصنع الابر بحانوت له ثم اشتغل بالعلم ورحل في طلبه وأخذ الحديث عن السخاوي وكتب له إجازة حافلة وسمع منه المسلسل بالأولية وغيره وأخذ الفقه وغيره عن الشمس الجوجري وغيره وأجازه وأذن له بالافتاء وأثنى عليه ومدحه وأنشده لنفسه ملمحا ومضمنا
( كانت مساءلة الركبان تخبرنا ** عن علمكم ثم عنكم أحسن الخبر )
( ثم التقينا وشاهدت العجائب من ** غزير علم حمته دقة النظر )
( فقلت حينئذ والله ما سمعت ** أذناي أحسن مما قد رأى بصري )
وبالجملة فقد بزع وساد وأكب واجتهد حتى صار فقيه حلب ومفتيها وأخذ عنه فضلاؤها كالبرهان العمادي والزين بن الشماع وكان مع البراعة حسن العبارة شديد التحري في الطهارة طارح التكلف ظاهر التقشف حسن المحادثة حلو المذاكرة اتفق على محبته الخاص والعام وكانت علامة القبول والصدق ظاهرة في أقواله وأفعاله قال ابن الحنبلي وكان يقول نحن من بيت بماردين مشهور ببيت رسول وجدنا الشيخ أرسلان الدمشقي غير أني لا أحب بيان ذلك خوفا من أن أنسب إلى تحميل نسبي على الغير وأن يقدح في بذلك وتوفي في يوم الثلاثاء خامس عشر ذي القعدة
وفيها بدر الدين محمد بن جمعة الفيومي الحنفي أحد أعيان علما مصر ومشاهيرهم دخل إلى الروم مرتين ودخل فيهما دمشق قال النجم الغزي وكتب بدمشق عند جوازه بها قاصدا للملك أبي يزيد بن عثمان في نصف

صفر سنة ست وتسعين وثمانمائة لغزا صورته
( يا من له أدب وفضل لا يحد ** ومحاسن فوق الحساب فلا تعد )
( ويحل أن نفث البليغ معانيا ** في مبهمات اللفظ فهي لها عقد )
( ما اسم تركب من حروف مثلما ** قد قامت الأركان منا بالجسد )
( فاعجب لها من أربع قد ركبت ** فردين مع زوجين في اللفظ انعقد )
( فرد وزوج أولان اتصلا ** كأن ذا وذاك روح وجسد )
( وآخران انفصلا بعدهما ** كعاشق معشوقه عنه انفرد )
( فبين فردين أتى زوج كذا ** ما بين زوجين لنا فرد ورد )
( والأول النصف لثان عده ** والثالث النصف لرابع العدد )
( والثالث الثلث لأول كما ** رابعه ثلث لثانيه يعد )
( وعد حرف منه ساوى عدد الباقي ** لمن قابل ذا بذا وعد )
( حرف له نصف وحرف ثلث ** وحرف السدس حسابا لن يرد )
( ذاك ثلاثة وهذا اثنان ** والآخران تطلبه واحد أحد )
( يلقى الذي يلقاه أو لم يلقه ** جوى بقلب واجب طول الأبد )
( قد بان ما قد بان من لغز يرى ** طردا وعكسا في نظام اطرد )
( فهاك لغزي إن ترد جوابه ** تجده دونه بدا ياذا الرشد )
( فأت به مبينا مفصلا ** وحل ما في النظم حل وانعقد )
فأجابه شيخ الإسلام الجد بقوله
( يا سيدا حاز الفضائل وانفرد ** بمعارف قد جد فيها واجتهد )
( مازلت تبدي كل حين تحفة ** بعجائب من بحر عرفان ثمد )
( أرسلت لي لغزا بديعا وصفه ** عقدته بنوادر لا تنتقد )
( في اسم تركب من حروف أربع ** معلومة مثل الطبائع في العدد )
( فردين مع زوجين فيها ركبا ** من أول مع آخر أيضا ورد )


( مع ما ذكرت به من الألغاز في ** نظم ببحر كامل منه استمد )
( وطلبت فيه جواب ما ألغزته ** مني بتفصيل يحلل مع انعقد )
( وجواب لغزك بين أوضحته ** بصريح لفظ فيه بالمعنى اتحد )
( النصف منه الربع أو إن شئت قل ** نصف وربع نصفه من غير رد )
( والربع نصف ربعه أو ضعفه ** من طرده أو عكسه حيث اطرد )
( والربع نصف سدسه أو سدسه ** هندسة ما ثم من لها جحد )
( والقلب واجبا إذا انتدبته ** لذا وليس خافيا على أحد )
( وهو الصوابان حذفت أولا ** عوضته بسورة بلا فند )
( وهو الجوي بحذف آخر وان ** يبدل بدال فجواد ذو مدد )
( وأنه المسئول عنه ظاهرا ** فدم بجنة الرضا إلى الأبد )
توفي الشيخ بدر الدين بن جمعة صاحب الترجمة في يوم الخميس ثاني جمادى الآخرة انتهى
وفيها محمد بن زرعة المصري أحد أتباع الشيخ إبراهيم المتبولي قال المناوي في طبقاته كان مشمولا بالبركة مقبولا في السكون والحركة أعلام ولايته مشهورة وألوية مصارفه منشورة وكان زمنا أقعده الفقراء بقنطرة قد يدار ولم يزل قاعدا بالشباك الذي دفن فيه وكان يتكلم ثلاثة أيام ويسكت ثلاثة أيام ويتكلم على الخواطر انتهى توفي في هذه السنة ودفن في الشباك الذي كان يجلس فيه وفيها شمس الدين محمد بن محمد بن إسمعيل الشيخ الإمام العالم العلامة الصالح الشهير بالقيراطي الدمشقي الشافعي ولد في سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة قال الحمصي وكان فاضلا مفننا حفظ المنهاج للنووي والتصحيح الكبير عليه للشيخ نجم الدين بن قاضي عجلون وتوفي ليلة الثلاثاء ثاني عشر رمضان وفيها أقضى القضاة محي الدين يحيى بن شهاب الدين أحمد بن حسن بن عثمان الزرعي الشهير بالأخنائي

الشافعي خليفة الحكم العزيز بدمشق ولد في خامس عشر رمضان سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة وخطب مرة بالجامع الأموي عن قريبه قاضي القضاة نجم الدين بن شيخ الإسلام تقي الدين بن قاضي عجلون لضعف حصل للخطيب سراج الدين الصيرفي فحصل له ارتعاد في الخطبة وكان ذلك تاسع شوال هذه السنة ثم توفي يوم الإثنين سابع القعدة ودفن بباب الصغير عند أبيه وأخيه غربي القلندرية

سنة خمس عشرة وتسعمائة

فيها كما قال في النور ظهر في السماء في آخر الليل من مطلع العقرب على هيئة قوس قزح أبيض له شعاع وهو أزج له رأس مائل نحو مطلع سهيل واستدام يطلع كل ليلة في الوقت المذكور نحو ثلاث عشرة ليلة ثم اضمحل
وفيها توفي برهان الدين إبرهيم بن حسن الشيخ العلامة النبيسي الشيشري ونبيس قرية في حلب والشيشر من بلاد العجم قاله النجم وقال كان من فضلاء عصره وله مصنفات في الصرف وقصيدة تائية في النحو لا نظير لها في السلاسة وله تفسير من أول القرآن إلى سورة يوسف ومصنفات في التصوف وقتل في أرزنجان قتله جماعة من الخوارج انتهى
وفيها شهاب الدين أحمد بن محمد بن أحمد بن أحمد بن أحمد الإمام العالم المحدث الدمشقي الشافعي الشهير بابن طوق ولد في ربيع الأول سنة أربع وثلاثين وثمانمائة وتوفي يوم الأحد ثالث أو رابع رمضان بدمشق
وفيها شهاب الدين أحمد بن محمد بن عثمان الشيخ الإمام الفرضي الشهير بابن أمير غفلة الحلبي الحنفي قال ابن الحنبلي كان عالما عاملا منور الشيبة حسن السمت فقيها فرضيا حيسوبا تلمذ للعلامة الفرضي الحيسوب جمال الدين يوسف الأسعردي ثم الحلبي وعلق على نزهة الحساب تعليقا حمله على وضعه

شيخنا العلامة الموصلي كما نبه على ذلك في ديباجته ولم يزل على ديانته يتعاطى صنعة التجارة إلى أن مات وكان الناس مضطرين إلى الغيث فأنزله الله في أول ليلة مكث في قبره رحمه الله تعالى انتهى وفيها فقيه بيت الفقيه باليمن عبد الله بن الخطيب بن أحمد بن حشيبر اليمني قال في النور توفي ببلده يوم الإثنين خامس عشر ربيع الآخر وكان فقيه بلده وعالمها
وفيها زين الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن إبراهيم الشيخ الإمام القدوة الزاهد الرباني الدمشقي الصالحي الحنبلي حفظ القرآن العظيم ثم قرأ المقنع وغيره واشتغل وحصل وأخذ الحديث عن ابن زيد وابن عبادة وغيرهما وكان يقرىء الأطفال في مكتب مسجد ناصر الدين غربي مدرسة أبي عمر وكان يقرأ البخاري في البيوت والمساجد وجامع الحنابلة بسفح قاسيون وكان إذا ختم البخاري في الجامع المذكور يحضر عنده خلائق فإنه كان فصيحا وله في الوعظ مسلك حسن ثم انجمع في آخر عمره عن الناس وقطن بزاوية المحيوي الرجيحي بالسهم الأعلى إماما لها وقارئا للبخاري وتوفي في هذه السنة ودفن بالروضة وفيها العارف بالله تعالى عبد القادر ابن محمد بن عمر بن حبيب الصفدي الشافعي صاحب التائية المشهورة قال في الكواكب أخذ العلم والطريق عن الشيخ العلامة الصالح شهاب الدين بن أرسلان الرملي صاحب الصفوة وعن غيره وكان خامل الذكر بمدينة صفد مجهول القدر عند أهلها لا يعرفون محله من العلم والمعرفة وكان يقرىء الأطفال ويباشر وظيفة الأذان حتى لقيه سيدي علي بن ميمون فسمع شيئا من كلامه فشهد له بالذوق وأنه من أكابر العارفين وأعيان المحبين فهنالك نشر ذكره وعرف الناس قدره كما ذكر ذلك الشيخ علوان الحموي في أول شرح تائية ابن حبيب قال النجم وحدثني بعض الصالحين الثقات أن السيد علي ابن ميمون كان سبب رحلته من المغرب طلب لقى جماعة أمره بعض رجال المغرب

بلقيهم منهم ابن حبيب وأنه لا يزال يتطلع ويتنشق ويتصفح البلاد والناس حتى دخل صفد فتنشق أنفاس ابن حبيب فدخل عليه المكتب فأضافه الشيخ عبد القادر وأكرمه ثم لما أطلق الأولاد قال لابن ميمون يا رجل أني أريد أن أغلق باب المكتب فنظر إليه سيدي علي وقال أعبد القادر أما كفاك ما أتعبتني حتى تطردني الآن فقال له يا أخي استرني قال بل والله لأفضحنك وأشهرنك فما زال به حتى أشهره انتهى ملخصا وقال الشيخ علوان هذا وهو متسبب بأسباب الخمول متلبس بأمور لا تسلمها علماء النقول ولا تسعها منهم العقول إذ كان ممن أقيم في السماع وكشف القناع والضرب ببعض الآلات والبسط والخلاعات ثم اعتذر عن ضربه بالآلات بما هو مذكور في شرح التائية وبالجملة فكان ابن حبيب رضي الله عنه متسترا بالخلاعة والنفخ في المواصيل والضرب على الدف على الإيقاع حيثما كان في الأسواق والمحافل كل ذلك لأجل التستر ويأبى الله إلا أن يتم نوره ويظهر أمره حتى رسخ في النفوس أنه من أكمل العارفين وكان حيثما سمع الأذان وقف وأذن وكان ربما مشى بدبوس أمام نائب صفد وكان لا يمكن أحدا من تقبيل يده وإنما يبادىء بالمصافحة ويطوف على أهل السوق فيصافحهم في حوانيتهم واحدا واحدا وكان يداعب الناس ويباسطهم وكان يقول يأتون فيقولون سلكنا وغزلهم معرقل وكان يقول لو جاءني صادق لطبخته في يومين وكان في ابتدائه يثور به الغرام وتسري فيه المحبة والشوق حتى يفيض على رأسه الماء في إناء كبير فلا يصل إلى سرته من شدة الحرارة الكائنة في بدنه وكان ينفرد الأيام والليالي في البراري والصحاري حتى فجأته العناية ووافقته الهداية وجاءته الفيوض العرفانية والمواهب الربانية وكان لا يتكلم في رمضان إلا بالإشارة خوفا من النطق بما لا يعني وكان لا يقبل هدايا الأمراء وإذا جاءته رسالة من إخوانه لا يأخذها إلا وهو متوضىء وقال مرة لبعض أصحابه تقدم فامش

أمامي ثم أخبره عن سبب ذلك أنه كان معه كتاب فيه بسم الله الرحمن الرحيم ففعل ذلك تعظيما وكان مبتلى بأمراض وعلل خطيرة حتى عمت سائر جسده وربما طرحته في الفراش وهو على وظائفه ومجاهداته وكان يعاقب نفسه إذا اشتهت شيئا بإحضار الشهوة ومنعها إياها أياما وكان يعتقد ابن عربي اعتقادا زائدا ويؤول كلامه تأويلا حسنا ومن شعره الدال على علو همته وسمو رتبته التائية التي ذيل بها على أبيات الشافعي رضي الله تعالى عنه التي أولها
( لما عفوت ولم أحقد على أحد ** أرحت نفسي من حمل المشقات )
وقد تلقاها الناس بالقبول وأداروا أبياتها فيما بينهم إدارة الشمول وخدمت بالشروح وهي جديرة بذلك وقد اتفق لناظمها أنه رأى روحانية النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقظان وعرضها عليه وأصلح له بعض أبيات وكان إذا ذكر فيها وصفا حسنا قال له بلغك الله ذلك يا عبد القادر وإذا نفر من وصف قبيح قال له أعاذك الله من ذلك يا عبد القادر ومن شعره أيضا
( أنا الضيغم الضرغام صمصام عزمها ** على كل صعب في الغرام مصمم )
( وما سدت حتى ذقت ما الموت دونه ** كذا حسن عشقي في الأنام يترجم )
وتوفي بصفد يوم الأحد عاشر جمادى الأولى
وفيها تقريبا زين الدين عبد القادر المنهاجي الإمام العلامة المقرىء الشافعي المعروف بالمنهاجي نزيل مكة المشرفة قرأ على البرهان العمادي أحاديث من الكتب الستة وأجازه برباط العباس
وفيها عبد الودود الصواف الشيخ الصالح العابد الزاهد المقيم بنواحي قلعة الجبل بالقاهرة وكان ينسج الصوف ويتقوت منه وكانت عمامته قطعة من الصوف الأحمر وكان سيدي محمد بن عنان يقصده بالزيارة وكانت له مكاشفات وعليه أنس عظيم وفيها علاء الدين علي بن ناصر المكي الإمام العلامة الشافعي أخذ صحيح البخاري عن المسند زين الدين عبد الرحيم

المكي الأسيوطي وعن غيره وتفقه بالشرف المناوي عن الولي بن العراقي عن أبيه عن ابن النعماني عن النووي ومن مؤلفاته مختصر المنهاج وشرحه وتأليف في الحديث والتفسير والأصول وأجاز البرهان العمادي
وفيها شرف الدين موسى بن أحمد النحلاوي الأصل الحلبي الدار الأردبيلي الخرقة الشافعي المذهب الشهير بالشيخ موسى الأريحاوي لسكناه بأريحا قديما وكان إماما عالما زاهدا صوفيا فتح الله تعالى عليه من غير تعب بل من فضل الله تعالى وتوفي في أواخر ذي الحجة بحلب ودفن بتربة الخشابين داخل باب قنسرين وفيها تقريبا شمس الدين محمد بن علي الصمودي المالكي القاضي كان فقيها فاضلا ناب عن العفيف بن حنبل قاضي المالكية بحلب وكتب بها على الفتوى وفيها محي الدين يحيى بن كمال الدين محمد ابن سلطان الحنفي كان عالما فاضلا توفي بمكة المشرفة رابع عشر ذي الحجة
وفيها جمال الدين محمد الطيب بن إسماعيل مبارز اليمني قال في النور كان فقيها إماما عالما عاملا علامة فهامة مدققا توفي عشية يوم الإثنين خامس شهر ربيع الآخر انتهى والله تعالى أعلم

سنة ست عشرة وتسعمائة

فيها كما قال في النور انقض كوكب عظيم من نصف الليل آخذا في الشام وأضاءت الدنيا لذلك إضاءة عظيمة حتى لو أن الإنسان حاول رؤية الذر لم يمتنع عليه ثم غاب في الجهة الشامية وبقي أثره في السماء ساعة طويلة
وفيها زلزت مدينة زبيد زلزالا شديدا ثم زلزلت مرة أخرى ثم ثالثة وانقض في عصر ذلك اليوم كوكب عظيم من جهة المشرق آخذا في جهة الشام ورئى نهارا وحصل عقبه رجفة عظيمة كالرعد الشديد وزلزت مدينة موزع ونواحيها زلزالا عظيما ما سمع بمثله واستمرت تتردد ليلا ونهارا

زلازل صغار وزلازل كبار وقد أضرت بأهل الجهة إضرارا عظيما حتى تصدعت البيوت ولم يسلم بيت من تشعث وتشققت الأرض المعدة للزراعة وتهدمت القبور واختلطت الآبار انتهى
وفيها توفي برهان الدين إبراهيم بن محمد بن سليمان بن عون بن مسلم بن مكي بن رضوان الهلالي الدمشقي الحنفي المعروف بابن عون مفتي الحنفية بدمشق ولد سنة خمس وخمسين وثمانمائة وأخذ الحديث عن جماعة منهم الحافظان السخاوي والديمي وترجمه الثاني في إجازته بالشيخ الإمام الأوحد المقرىء المجود العالم المفيد وتفقه بجماعة منهم ابن قطلوبغا وأخذ عنه ابن طولون وتوفي ليلة الأحد سادس عشر شوال بدمشق ودفن بباب الصغير قبلي جامع جراح وفيها شهاب الدين أحمد بن شعبان بن علي بن شعبان الإمام العلامة العمدة قال في الكواكب أخذ العلم والحديث عن الشهاب الحجازي والشرف المناوي والجلال أبي هريرة وعبد الرحمن القمصي والمسند الشمس الملتوني الوفائي وتلقن الذكر من العارف بالله زين الدين الحافي الشبريسي والجمال بن نظام الشيرازي بجامع الأزهر وغيرهما ولبس الخرقة القادرية والهروردية والأحمدية من جماعات وتوفي بغزة
وفيها السلطان العادل المجاهد أبو الفتح أحمد بن محمد صاحب كجرات من بلاد الهند قال السخاوي في الضوء ولد سنة ثمان وأربعين وثمانمائة تقريبا أسلم جده مظفر على يد محمد شاه صاحب دلى وكان عاملا له على فتن من كجرات فلما وقعت الفتن في مملكة دلى وتقسمت البلاد كان الذي خص مظفرا كجرات ثم وثب عليه ابنه وسجنه ولم يلبث أن استفحل أمر الأب بحيث قتل ولده ثم بعد سنين انتصر أحمد لأبيه وقتل جده واستقر في كجرات وخلفه ابنه غياث الدين ثم ابنه قطب الدين ثم أخوه داود فلم يلبث سوى أيام وخلع واستقر أخوهم أحمد شاه صاحب الترجمة وذلك في سنة ثلاث

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21