كتاب :شذرات الذهب في أخبار من ذهب
المؤلف:عبد الحي بن أحمد بن محمد العكري الحنبلي


وتوفي في ذي القعدة عن تسع وثمانين سنة وشهرين
وفيها أبو الفضل الدقاق عبد الله بن علي بن أحمد بن محمد بن زكري البغدادي الكاتب روى عن الحسين بن بشران وغيره وكان صالحا ثقة
وفيها الشيخ أبو الفرج الشيرازي الحنبلي عبد الواحد بن محمد بن علي بن أحمد الشيرازي ثم المقدسي ثم الدمشقي الفقيه الزاهد الأنصاري السعدي العبادي الخزرجي شيخ الشام في وقته الواعظ الفقيه القدوة سمع بدمشق من أبي الحسن بن السمسار وأبي عثمان الصابوني وتفقه ببغداد زمانا على القاضي أبي يعلي ونشر بالشام مذهب أحمد وتخرج به الأصحاب وكان اماما عارفا بالفقه والأصول صاحب حال وعبادة وتأله وكان تتش صاحب الشام يعظمه لأنه كاشفه مرة وذلك أنه دعاه أخو السلطان وهو ببغداد فرعب وسأل أبا الفرج الدعاء له فقال لا تراه ولا تجتمع به فقال له تتش هو مقيم ببغداد ولا بد من المصير إليه فقال له لا تراه فعجب من ذلك وبلغ هيت فجاءه الخبر بوفاة السلطان ببغداد فعاد إلى دمشق وزادت حشمة أبي الفرج عنده ومنزلته لديه قال ابن رجب وكان أبو الفرج ناصرا لاعتقادنا متجردا في نشره مبطلا لتأويلات أخبار الصفات وله تصنيف في الفقه والوعظ والأصول ومات في مجلس وعظه شخص لوقع وعظه في القلوب ولاخلاصه وقال أبو يعلي بن القلانسي في تاريخه كان وافر العلم متين الدين حسن المواعظ محمود السمت توفي يوم الأحد ثامن عشرى ذي الحجة بدمشق ودفن بمقبرة الباب الصغير وقبره مشهور يزار وله ذرية فيهم كثير من العلماء يعرفون ببيت ابن الحنبلي وفيها أبو القسم عبد الواحد بن علي بن محمد بن فهد العلاف البغدادي الرجل الصالح روى عن أبي الفتح بن أبي الفوارس وأبي الفرج الغوري وبه ختم حديثهما وكان ثقة مأمونا خيرا وفيها شيخ الإسلام الهكاري أبو الحسن علي بن احمد بن يوسف الأموي


من ذرية عتبة بن أبي سفيان بن حرب وكان زاهدا عابدا ربانيا ذا وقار وهيبة واتباع ومريدين رحل في الحديث وسمع ابن نظيف الفرا وأبا القسم بن بشران قال ابن ناصر توفي في أول السنة وقال ابن عساكر لم يكن موثقا في روايته وقال الذهبي ولد سنة تسع وأربعمائة
وفيها أبو الحسن الانباري علي بن محمد بن محمد بن الأخضر الخطيب في شوال عن أربع وتسعين سنه وكان آخر من حدث عن أبي احمد الفرضي وسمع أيضا من أبي عمر بن مهدي وطائفة وتفقه لأبي حنيفة وكان ثقة نبيلا عالي الإسناد
وفيها أبو المظفر موسى بن عمران الأنصاري النيسابوري مسند خراسان في ربيع الأول وله ثمان وتسعون سنة روى عن أبي الحسن العلوي والحاكم وكان من كبار الصوفية
وفيها أبو الفتح نصر بن الحسن السكشي بكسر السين المهملة والكاف ومعجمة نسبة إلى سكة سكش بنيسابور الشاشي نزيل سمرقند وله ثمانون سنة روى صحيح مسلم عن عبد الغافر وسمع بمصر من الطفال وجماعة ودخل الأندلس للتجارة فحدث بها وكان ثقة . وفيها هبة الله بن عبد الوارث الشيرازي أبو القسم الحافظ محدث جوال سمع بخراسان والعراق وفارس واليمن ومصر والشام وحدث عن احمد بن عبد الباقي بن طوق وأبي جعفر بن المسلمة وطبقتهما ومات كهلا وكان صوفيا صالحا متقشفا

سنة سبع وثمانين وأربعمائة

فيها توفي أبو بكر بن خلف الشيرازي ثم النيسابوري مسند خراسان أحمد ابن علي بن عبد الله بن عمر بن خلف روى عن الحاكم وعبد الله بن يوسف


وطائفة قال عبد الغافر هو شيخنا الأديب المحدث المتقن الصحيح السماع ما رأينا شيخا أروع منه ولا أشد اتقانا توفي في ربيع الأول وقد نيف على التسعين
وفيه أقسنقر قسيم الدولة أبو الفتح مولى ملكشاه السلطان وقيل هو لصيق به وقيل اسم أبيه آل ترعان لما افتتح ملكشاه حلب استناب عليها اق سنقر في سنة ثمانين وأربعمائة فأحسن السياسة وضبط الأمور وتتبع المفسدين حتى صار دخله كل يوم الفا وخمسمائة دينار رأس في المصاف ثم قتل ذبحه تتش صبرا ودفن هناك ثم نقله ولده الاتابك زنكي فدفنه بالمدرسة الزجاجية داخل حلب
وفيها أبو نصر الحسن بن أسد الفارقي الأديب صاحب النظم والنثر وله الكتاب المعروف في الالغاز توثب بميافارقين على الأمرة ونزل بقصر الامارة وحكم أياما ثم ضعف وهرب ثم قبض عليه وشنق
وفيها المقتدى بالله أبو القسم عبد الله بن الأمير ذخيرة الدين محمد بن القائم بأمر الله عبد الله بن القادر بالله احمد بن الأمير اسحق بن المقتدر العباسي بويع بالخلافة بعد جده في ثالث عشر شعبان سنة سبع وستين وله تسع عشرة سنة وثلاثة اشهر قال السيوطي في تاريخ الخلفاء مات أبوه في حياة القائم وهو حمل فولد بعد وفاة أبيه بستة اشهر وأمه أم ولد اسمها ارجوان وبويع له بالخلافة عند موت جده وكانت البيعة بحضرة الشيخ أبي اسحق الشيرازي وابن الصباغ والدامغاني وظهر في أيامه خيرات كثيرة وآثار حسنة في البلدان وكانت قواعد الخلافة في أيامه باهرة وافرة الحرمة بخلاف من تقدمه ومن محاسنه انه نفى المغنيات والحواظي ببغداد وأمر أن لا يدخل أحد الحمام إلا بمئزر وخرب ابراج الحمام صيانة لحرم الناس وكان دينا خيرا قوى النفس عالي الهمة من نحباء بني العباس انتهى
ومات فجأة في ثامن عشر المحرم عن تسع وثلاثين سنة وبويع بعده ابنه المستظهر بالله احمد وقيل أن جاريته سمته وقال ابن الجوزي


في الشذور توفي المقتدي وكان أصح ما كان بينما هو جالس قال لقهر مانته من هؤلاء الأشخاص الذين قد دخلوا علينا بلا إذن فالتفتت فلم تر أحدا فسقط إلى الأرض ميتا
وفيها الحسن بن عبد الملك بن الحسين بن علي بن موسى بن عمران بن اسرافيل النسفي الحافظ حصل العالي من الإسناد قاله ابن ناصر الدين
وفيها أبو القسم بن أبي العلاء المصيصي علي بن محمد بن علي بن أحمد قال الاسنوي كان فقيها فرضيا تفقه على القاضي أبي الطيب وروى الحديث عن جماعة بمصر والشام والعراق واستوطن دمشق ومات بها وروى عنه جماعة وأصله من المصيصة وولد بمصر في رجب سنة أربع وأربعمائة ومات في جمادى الآخرة ودفن بمقابر باب الفراديس قال الذهبي كان فقيها ثقة
وفيها ابن ماكولا الحافظ الكبير الأمام أبو نصر علي بن هبة الله بن علي ابن جعفر بن علي بن محمد بن دلف بن الأمير الجواد أبي دلف القسم بن عيسى العجلي الأمير سعد الملك أبو نصر بن ماكولا أصله من جرباذقان من نواحي أصبهان فهو الجرباذقاني ثم البغدادي النسابة صاحب التصانيف ولم يكن ببغداد بعد الخطيب احفظ منه ولد بعكبرا سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة وزر أبوه للقائم بأمر الله وتولي عمه عبد الله قضاء القضاة وسمع هو من أبي طالب بن غيلان وطبقته قال الحميدي ما راجعت الخطيب في شيء إلا وأحالني على الكتاب وقال حتى أكشفه وما راجعت ابن ماكولا إلا وأجابني حفظا كأنه يقرأ من كتاب وقال ابن سعد السمعاني كأن لبيبا عارفا ونحويا مجودا وشاعرا مبرزا وقال الذهبي اختلف في وفاته على أقوال وقال ابن خلكان للامير أبي نصر المذكور كتاب الاكمال وهو في غاية الافادة في رفع الالتباس والضبط والتقييد وعليه اعتماد المحدثين وأرباب هذا الشأن فأنه لم يوضع مثله أي في المؤتلف والمختلف ومشتبه النسب وهو في غاية الإحسان


وما يحتاج الأمير المذكور مع هذا الكتاب إلى فضيلة أخرى ففيه دلالة على كثرة إطلاعه وضبطه واتقانه ومن الشعر المنسوب إليه
( قوض خيامك عن أرض تهان بها ** وجانب الذل أن الذل يجتنب )
( وأرحل إذا كان في الأوطان منقصة ** فالمندل الرطب في أوطانه حطب )
وكانت ولادته في عكبرا في خامس شعبان سنة إحدى وعشرين وأربعمائة وقتله غلمانه بجرجان وقيل بخوزستان وقيل بالأهواز قال الحميدي خرج إلى خراسان ومعه غلمان له ترك فقتلوه بجرجان وأخذوا ماله وهربوا وطاح دمه هدرا رحمه الله
وفيها أبو عامر الازدي القاضي محمود بن القاسم بن القاضي أبي منصور محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد المهلبي الهروي الفقيه الشافعي راوي جامع الترمذي عن الجراحي قال أبو نصر الفامي هو عديم النظير زهدا وصلاحا وعفة ولد سنة أربعمائة وتوفي في جمادى الآخرة
وفيها المستنصر بالله أبو تميم معد بن الظاهر علي بن الحاكم بأمر الله منصور ابن العزيز بن المعز العبيدي الرافضي صاحب مصر وكانت أيامه ستين سنة وأربعة أشهر وقد خطب له ببغداد في سنة إحدى وخمسين ومات في ذي الحجة عن ثمان وستين سنة وبويع بعده ابنه المستعلى قاله في العبر
وقال ابن خلكان اتفق للمستنصر هذا أمور لم تتفق لغيره وسردها منها انه أقام في الأمر سنين سنة وهذا شيء لم يبلغه أحد من أهل بيته ولا من بني العباس ومنها انه ولى وهوابن سبع سنين ومنها انه حدث في أيامه الغلاء العظيم الذي ما عهد مثله منذ زمان يوسف عليه السلام وأقام سبع سنين وأكل الناس بعضهم بعضا وكانت ولادته صبيحة يوم الثلاثاء سابع عشر جمادى الآخرة سنة عشرين وأربعمائة وتوفي في ليلة الخميس ثامن عشر ذي الحجة وهذه الليلة تسمى عيد الغدير أعني غدير خم بضم الخاء المعجمة وتشديد الميم اسم مكان


بين مكة والمدينة فيه غدير ماء يقال انه غيض هناك فلما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من حجة الوداع ووصل إلى هذا المكان وآخى علي بن أبي طالب رضي الله عنه وقال صلى الله عليه وسلم ( على منى كهرون من موسى اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله ) وللشيعة فيه تعلق كبير وهذا المكان موصوف بكثرة الوخامة وشدة الحمى
انتهى ملخصا ويقال انه صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة توخمت على أصحابه فإنها كانت من أكثر بلاد الله تعالى حمى فأمر صلى الله عليه وسلم الحمى أن تخرج من المدينة إلى خم وحتى يقال أن أكثر اهل خم لم يتجاوزوا الحلم لكثرة الحمى بها وحتى انه قل م يمر بها ولا يحم

سنة ثمان وثمانين وأربعمائة

فيها قدن الأمام الغزالي دمشق متزهدا وصنف الأحياء واسمعه بدمشق وأقام بها سنتين ثم حج ورد إلى وطنه
وفيها توفي أبو الفضل أحمد بن الحسن بن خيرون البغدادي الحافظ في رجب عن اثنتين وثمانين سنة وشهر روى عن أبي علي بن شاذان والبرقاني وطبقهما وكتب مالا يوصف وكان ثقة ثبتا صاحب حديث قال أبو منصور ابن خيرون كتب عمي عن أبي علي بن شاذان ألف جزء وقال السلفي كان يحيى ابن معين وقته رحمه الله
وفيها أمير الجيوش بدر الأرمني ولي أمرة دمشق في سنة خمس وخمسين وأربعمائة وانفصل بعد عام ثم وليها والشام كله في سنة ثمان وخمسين ثم سار إلى الديار المصرية والمستنصر في غاية الضعف فشيد دولته وتصرف في الممالك وولى وزارة السيف والقلم وامتدت أيامه ولما أيس منه ولى الأمر بعده ابنه الأفضل وتوفي في ذي القعدة


وفيها تتش السلطان تاج الدولة أبو سعيد بن السلطان ألب أرسلان بن داود بن ميكائيل ابن سلجوق التركي السلجوقي كان شهما شجاعا مقداما فاتكا واسع الممالك كاد أن يستولي على ممالك أخيه ملكشاه قتل بنواحي الري وتملك بعده ابناه بحلب ودمشق
وفيها رزق الله بن عبد الوهاب بن عبد العزيز بن الحرث الأمام أبو محمد التميمي البغدادي الفقيه الواعظ شيخ الحنابلة قرأ القرآن على أبي الحسن الحمامي وتقدم في الفقه والأصول والتفسير والعربية واللغة وحدث عن أبي الحسين ابن المتيم وأبي عمر بن مهدي والكبار وتوفي في نصف جمادى الأولى عن ثمان وثمانين سنة قال أبو علي بن سكرة قرأت عليه ختمة لقالون وكان كبير بغداد وجليلها وكان يقول كل الطوائف تدعيني قاله في العبر وقال ابن عقيل في فنونه ومن كبار مشايخى أبو محمد التميمي شيخ زمانه كان حسنه العالم وما شطة بغداد وقال كان سيد الجماعة من أصحاب أحمد بيتا ورياسة وحشمة أبو محمد التميمي وكان احلى الناس عبارة في النظر وأجراهم قلما في الفتيا وأحسنهم وعظا
وفيها يعقوب بن إبراهيم بن أحمد بن سطور العكبري البرزبيني بفتح الباء الموحدة أوله والزاي ثالثة ثم باء موحدة مكسورة وتحتية نسبة إلى برزبين قرية ببغداد القاضي أبو علي قاضي باب الأزج قدم بغداد بعد الثلاثين والأربعمائة وسمع الحديث من أبي اسحق البرمكي وتفقه على القاضي أبي يعلى حتى برع في الفقه ودرس في حياته وشهد عند الدامغاني هو والشريف أبو جعفر في يوم واحد سنة ثلاث وخمسين وزكاهما شيخهما القاضي وتولى يعقوب القضاء بباب الأزج والشهادة سنة اثنتين وسبعين ثم عزل نفسه عنهما ثم عاد إليهما سنة ثمان وسبعين واستمرا الى موته وكان ذا معرفة تامة بأحكام القضاء وانفاذ السجلات متعففا في القضاء متشددا في السنة وقال ابن عقيل كان أعرف قضاة الوقت بأحكام


القضاء والشروط وله المقامات المشهودة بالديوان حتى يقال انه كعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة من الصحابة في معرفة الرأي وذكره ابن السمعاني فقال كانت له يد قوية في القرآن والحديث والمحاضرة قرأ عليه عامة الحنابلة ببغداد وانتفعوا به وكان حسن السيرة جميل الطريقة
وفيها أبو يوسف القزويني عبد السلام بن محمد بن يوسف بن بندار شيخ المعتزلة وصاحب التفسير الكبير الذي هو أزيد من ثلثمائة مجلد درس الكلام علي القاضي عبد الجبار بالري وسمع منه ومن أبي عمر بن مهدي الفارسي وتنقل في البلاد ودخل مصر وكان صاحب كتب كثيرة وذكاء مفرط وتبحر في المعارف وإطلاع كثير إلا انه كان داعية إلى الاعتزال مات في ذي القعدة وله خمس وتسعون سنة وأشهر
وفيها أبو الحسن الحصري المقرئ الشاعر نزيل سبتة علي بن عبد الغني الفهري وكان مقرئا محققا وشاعرا مفلقا مدح ملوكا ووزراء وكان ضريرا قال ابن بسام في حقه كان بحر براعة ورأس صناعة وزعيم جماعه طرأ على جزيرة الأندلس منتصف المائة الخامسة من الهجرة بعد خراب وطنه من القيروان والأدب يومئذ بأفقنا نافق السوق معمور الطريق فتهادته ملوك طوائفها تهادى الرياض بالنسيم وتنافسوا فيه تنافس الديار في الأنس المقيم على إنه كان فيما بلغني ضيق العطن مشهور اللسن يتلفت إلى الهجاء تلفت الظمآن إلى الماء ولكنه طوى على غره واحتمل بين زمانيه وبعد قطره ولما خلع ملوك الطوائف بأفقنا اشتملت عليه مدينة طنجة وقد ضاقت ذرعه وتراجع طبعه وقال ابن خلكان وهذا أبو الحسن أي صاحب الترجمة ابن خالة أبي اسحق الحصري صاحب زهر الآداب وذكر ابن بشكوال في كتاب الصلة والحميدي أيضا وقال كان عالما بالقراءات وطرقها وأقرأ الناس

القرآن الكريم بسبته وغيرها وله قصيدة نظمها في قراءة نافع عدد ابياتها مائتان وتسعة وله
ديوان شعر فمن قصائده السائرة القصيدة التي أولها
( ياليل الصب متى غده ** أقيام الساعة موعده )
( رقد السمار فأرقه ** أسف للبين يردده )
وله أيضا
( أقول له وقد حيا بكاس ** لها من مسك ريقته ختام )
( أمن خديك تعصر قال كلا ** متى عصرت من الورد المدام )
ولما كان بمدينة طنجة أرسل غلامه إلى المعتمد بن عباد صاحب إشبيلية وأسمها في بلادهم حمص فأبطأ عنه وبلغه أن المعتمد ما احتفل به فقال
( نبه الركب الهجوعا ** ولم الدهر الفجوعا )
( حمص الجنة قالت ** لغلامي لا رجوعا )
( رحم الله غلامي ** مات في الجنة جوعا )
وقد التزم في هذه الأبيات لزوم مالا يلزم رحمه الله تعالى
وفيها المعتمد على الله أبو القسم محمد ب المعتضد عباد بن القاضي محمد بن اسمعيل اللخمي الاندلسي صاحب الأندلس كان ملكا جليلا وعالما ذكيا وشاعرا محسنا وبطلا شجاعا وجوادا ممدحا كان بابه محط الرحال وكعبة الآمال وشعره في الذروة العليا ملك من الأندلس من المدائن والحصون والمعاقل مائه وثلاثين سورا وبقى في المملكة نيفا وعشرين سنة وقبض عليه أمير المسلمين ابن تاشفين لما قهره وغلب على ممالكه وسجنه بأغمات حتى مات في شوال بعد أربع وستين سنة وخلع من ملكه عن ثمانمائة سرية ومائة وسبعين ولدا وكان راتبه في اليوم ثمانمائة رطل لحم قاله جميعه في العبر وقال ابن خلكان جعل خواص الأمير يوسف بن تاشفين يعظمون عنده بلاد الأندلس لأنهم كانوا بمراكش وهي


بلاد بربر وأجلاف العربان فجعلوا يحسنون له أخذ الأندلس ويوغرون قلبه على المعتمد بأشياء نقلوها عنه فتغير عليه وقصده فلما انتهى إلى سبتة جهز إليه العساكر وقدم عليها سيرين بن أبي بكر الاندلسي فوصل إلى إشبيلية وبها المعتمد فحاصره أشد محاصرة وظهر من مصابرة المعتمد وشدة بأشه وتراميه على الموت بنفسه ما لم يسمع بمثله والناس بالبلد قد استولى عليهم الفزع وخامرهم الجزع يقطعون سبلها سياحه ويخوضون نهرها سباحه ويترامون من شرفات الأسوار فلما كان يوم الأحد عشرى رجب سنة أربع وثمانين هجم عسكر الأمير يوسف البلد وشنوا فيه الغارات ولم يتركوا لأحد شيئا وخرج الناس من منازلهم يسترون عوراتهم بأيديهم وقبض على المعتمد وأهله وكان قد قتل له ولدان قبل ذلك أحدهما المأمون كان ينوب عن والده في قرطبة فحصروه بها إلى أن أخذوه وقتلوه والثاني الراضي كان أيضا نائبا عن أبيه في رندة وهي من الحصون الممتنعه فنازلوها وأخذوها وقتلوا الراضي ولأبيهما المعتمد فيهما مراث كثيرة وبعد ذلك جرى بإشبيلية على المعتمد ما ذكرناه ولما أخذ المعتمد قيدوه من ساعته وجعل مع أهله في سفينة قال ابن خاقان في قلائد العقيان ثم جمع هو وأهله وحملتهم الجواري المنشآت وضمتهم كأنهم أموات بعد ما ضاق عنهم القصر وراق منهم العصر والناس قد حشروا بضفتي الوادي وبكوا بدموع الغوادي فساروا والنوح يحدهم والبوح باللوعة لا يحدوهم وفي ذلك يقول ابن اللبانة
( تبكي السماء بدمع رائح غاد ** على البهاليل من أبناء عباد )
( يا ضيف أقفر بيت المكرمات فخذ ** في ضم رحلك واجمع فضلة الزاد )
وقال في هذه الحال وصفتها ابن حمد يس الصقلي
( ولما رحلتم بالندى في أكفكم ** وقلقل رضوى منكم وثبير )
( رفعت لساني بالقيامة قد دنت ** فهذي الجبال الراسيات تسير )


وهي أبيات كثيرة وتألم المعتمد يوما من قيده وضيقه وثقله فأنشد
( تبدلت من ظل عز البنود ** بذل الحديد وثقل القيود )
( وكان حديدي سنانا ذليقا ** وعضبا رقيقا صقيل الحديد )
( وقد صاز ذاك وذا أدهما ** يعضض ساقي عض الأسود )
ثم انهم حملوه إلى الأمير يوسف بمراكش فأمر بإرسال المعتمد إلى مدينة اغمات واعتقله بها فلم يخرج إلى الممات قال ابن خاقان ولما أجلى عن بلاده وأعرى من طارفه وتلاده وحمل في السفين وأحل في العدوة محل الدفين تندبه منابره وأعواده ولا تدنو منه زواره لا عواده بقي آسفا تتصعد زفراته وتذكر منازله فشاقته وتصور بهجتها وتخيل استيحاش أوطانه واجهاش قصره إلى قطانه وتطرد إطراد المذاب عبراته لا يخلو بمؤانس ولا يرى إلا غريبا بدلا عن تلك المكانس ولما لم يجد سلوا ولم يؤمل دنوا ولم يروجه مسرة مجلوا تذكر منازله ورأى اظلام جوه من أقماره وخلوه من حراسه وسماره وفي اعتقاله يقول أبو بكر الداني قصيدته المشورة التي أولها
( لكل شيء من الاشياء ميقات ** وللمنى من مناياهن غايات )
( والدهر في صبغة الحرباء منغمس ** ألوان حالاته فيها استحالات )
( ونحن من لعب الشطرنج في يده وربما قمرت بالبيدق الشات )
انفض يديك من الدنيا وساكنها ** فالأرض قد اقفرت والناس قد ماتوا )
( وقل لعالمها الأرضي قد كتمت ** سريرة العالم العلوي أغمات )
وهي طويلة ودخل عليه يوما بناته السجن وكان يوم عيد وكن يغزلن للناس بالأجرة في أغمات حتى أن أحداهن غزلت لبيت صاحب الشرطة الذي كان في خدمة أبيها وهو في سلطانه فرآهن في إطماررثة وحالة سيئة فصدعن قلبه وأنشد
( فيما مضى كنت بالأعياد مسرورا ** فساءك العيد في أغمات مأسورا )


( ترى بناتك في الاطمار جائعة ** يغزلن للناس لا يملكن قمطيرا )
( برزن نحوك للتسليم خاشعة ** أبصارهن حسيرات مكاسيرا )
( يطأن في الطين والأقدام حافية ** كأنها تطأ مسكا وكافورا )
ومنها
( قد كان دهرك أن تأمره ممتثلا ** فردك الدهر منهيا ومأمورا )
( من بات بعدك في دهر يسر به ** فإنما بات بالأحلام مغرورا )
وله
( قالت لقد هنا هنا ** مولاي أين جاهنا )
( قلت لها إلى هنا ** صيرنا آلهنا )
ودخل عليه وهو في تلك الحال ولده أبو هاشم والقيود قد عضت بساقيه عض الأسود والتوت عليه التواء الاساور السود وهو لا يطيق أعمال قدم ولا يريق دمعا إلا ممتزجا بدم بعد ما عهد نفسه فوق منبر وسرير ووسط جنة وحرير تخفق عليه الألوية وتشرق منه الانديه فلما رآه بكى وأنشد
( قيدي أما تعلمني مسلما ** أبيت أن تشفق أو ترحما )
( دمي شراب لك واللحم قد ** أكلته لا تهشم الأعظما )
( يبصرني فيك أبو هاشم ** فينثني والقلب قد هشما )
( أرحم طفيلا طائشا لبه ** لم يخش أن يأتيك مسترحما )
( وأرحم أخيات له مثله ** جرعتهن السم والعلقما )
( منهن من يفهم شيئا فقد ** خفنا عليه للبكاء العمى ) ( والغير لا يفهم شيئا فما ** يفتح إلا للرضاع الفما )
وكان قد اجتمع عنده جماعة من الشعراء وألحوا عليه في السؤال وهو على تلك الحال فأنشد
( سألوا اليسير من الأسير وإنه ** بسؤالهم لأحق منهم فاعجب )


( لولا الحياء وعزة لخمية ** طي الحشا لحكاهم في المطلب )
وأشعار المعتمد وأشعار الناس فيه كثيرة وكانت ولادته في ربيع الأول سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة بمدينة باجة من بلاد الأندلس وملك بعد وفاة أبيه هناك وتوفي في السجن باغمات حادي عشر شوال وقيل في الحجة رحمه الله ومن النادر الغريب انه نودى في جنازته بالصلاة على الغريب بعد عظم سلطانه وجلالة وشأنه فتبارك من له البقاء والعزة والكبرياء واجتمع عند قبره جماعة من الشعراء الذين كانوا يقصدونه بالمدائح ويجزل لهم المنائح فرثوه بقصائد مطولات وأنشدوها عند قبره وبكوا عليه فمنهم أبو بحر عبد الصمد شاعره المختص به رثاه بقصيدة طويلة أجاد فيها و أولها
( ملك الملوك أسامع فأنادي ** أم قد عدتك من السماع عواد )
( لما نقلت عن القصور ولم تكن ** فيها كما قد كنت بالأعياد )
( قبلت في هذا الثرى لك خاضعا ** وجعلت قبرك موضع الإنشاد )
ولما فرغ من إنشادها قبل الثرى ومرغ جسمه وعفر خده فأبكى كل من حضر ورأى أبو بكر الداني حفيد المعتمد وهو غلام وسيم قد اتخذ الصياغة صناعة وكان يلقب في أيام دولتهم فخر الدولة وهو من الألقاب السلطانية عندهم فنظر إليه وهو ينفخ في الفحم بقصبة الصائغ فقال من جملة قصيدة
( شكاتنا فيك يا فخر العلى عظمت ** والرزء يعظم فيمن قدره عظما )
( طوقت من نائبات الدهر مخنقة ** ضاقت عليك وكم طوقتنا نعما )
( وعاد طوقك في دكان فارغة ** من بعدما كنت في قصر حكى أرما )
( صرفت في آلة الصياغ أنملة ** لم تدر إلا الندى والسيف والقلما )
( يد عهدتك للتقبيل تبسطها ** فتستقل الثريا أن تكون فما )
( يا صائغا كانت العليا تصاغ له ** حليا وكان عليه الحلي منتظما )
( للنفخ في الصور هول ما حكاه سوى ** أني رايتك فيه تنفخ الفحما )


( وددت أن نظرت عيني إليك به ** لو أن عيني تشكو قبل ذاك عمى )
( ما حطك الدهر لما حط عن شرف ** ولا تحيف من أخلاقك الكرما )
( لح في العلا كوكبا أن لم تلح قمرا ** وقم بها ربوة أن لم تقم علما )
( والله لو أنصفتك الشهب لانكسفت ** ولو وفى لك دمع العين لانسجما )
( أبكي حديثك حتى الدهر حين غدا ** يحكيك رهطا وألفاظا ومبتسما )
ويكفي هذا المقدار ولولا خوف الإطالة لبيضت الليالي بلآلىء نظامه ولسودت سطور الطروس بمصابه ونكبة أيامه فرحمة الله عليه وعوضه بنعيم الفردوس لديه
وفيها محمد بن علي بن أبي صالح البغوي الدباس آخر من روى الترمذي عن الجراحي توفي ببشفور في ذي القعدة وكان من الفقهاء
وفيها قاضي القضاة المشامي أبو بكر محمد بن المظفر بن بكران الحموي الشافعي كان من أزهد القضاة وأروعهم وأتقاهم لله وأعرفهم بالمذهب ولده بحماة سنة أربعمائة وسمع ببغداد من عثمان بن دوست وطائفة وولي بعد أبي عبد الله الدامغاني وكان من أصحاب القاضي أبي الطيب الطبري لم يأخذ على القضاء رزقا ولا غير ملبسه ولي القضاء سنة ثمان وسبعين بعدما امتنع فألحوا عليه فاشترط عليهم أن لا يأخذ عليه معلوما وان لا يقبل من أحد شفاعة ولا يغير ملبسه فأجابوه فأجابهم إلى ذلك وكان يقول ما دخلت في القضاء حتى وجب علي وقيل انه لم يتسبم قط وكان له أجور من أملاكه تبلغ في الشهر دينارا ونصفا ينتفع بذلك قال أبو علي بن سكرة أما العلم فكان يقال لو رفع المذهب أمكنه أن يمليه من صدره وقال السمعاني هو أحد المتقنين لمذهب الشافعي وله إطلاع على أسرار الفقه وكان ورعا زاهدا جرت أحكامه على السداد وقال ابن النجار صنف كتاب البيان في أصول الدين وكان على طريقة السلف وقال غيره لم يقبل من سلطان عطية ولا من صديقه هدية وكان يعاب بالحدة وسوء الخلق توفي عاشر شعبان


ودفن قرب ابن سريج
وفيها أبو عبد الله الحميدي محمد بن نصر بن فتوح بن عبد الله بن فتوح بن حميد بن بطل الميورقي بفتح الميم وضم التحتية وسكون الراء وقاف نسبة إلى ميورقة جزيرة قرب الأندلسي الحافظ الحجة العلامة مؤلف الجمع بين الصحيحين توفي في ذي الحجة عن نحو سبعين سنة وكان أحد أوعية العلم وكان ظاهري المذهب أكثر عن ابن حزم وابن عبد البر وحدث عن خلق ورحل في حدود الخمسين فسمع بالقيروان والحجاز ومصر والشام والعراق وكتب عن خلق كثير وكان دؤبا على الطلب للعلم كثير الاطلاع ذكيا فطنا صينا ورعا أخباريا متقنا كثير التصانيف حجة ثقة رحمه الله تعالى
وفيها محبب بن ميمون أبو سهل الواسطي ثم الهروي روى عن أبي علي الخالدي وجماعة وعاش بضعا وتسعين سنة
وفيها هبة الله بن علي بن محمد بن أحمد بن علي بن عمر أبو نصر البغدادي الحافظ سمع وألف وجمع وصنف ومات كهلا عن ست وأربعين سنة

سنة تسع وثمانين وأربعمائة

فيها توفي أبو طاهر أحمد بن الحسن بن أحمد الباقلاني الكرخي ثم البغدادي توفي في ربيع الآخر وله ثلاث وسبعون سنة تفرد بسنن سعيد بن منصور علي أبي علي بن شاذان وكان صالحا زاهدا منقضبا عن الناس ثقة حسن السيرة
وفيها أبو منصور الشيحي عبد المحسن بن محمد بن علي البغدادي المحدث التاجر السفار روى عن ابن غيلان والعتيقي وطبقتهما ولد سنة إحدى وعشر وسمع بدمشق ومصر والرحبة وكتب وحصل الأصول
وفيها عبد الملك بن سراج أبو مروان الأموي مولاهم القرطبي لغوي الأندلس بلا مدافعة توفي في ذي الحجة عن تسعين منه روى عن يونس بن


مغيث ومكي بن أبي طالب وطائفة وكان أحد أوعية العلم
وفيها أبو عبد الله الثقفي القسم بن الفضل بن أحمد رئيس أصبهان ومسندها عن اثنتين وتسعين سنة روى عن محمد بن إبراهيم الجرجاني وابن محمش وطبقتهما بأصبهان ونيسابور وبغداد والحجاز
وفيها أبو بكر بن الخاضبة محمد بن أحمد بن عبد الباقي البغدادي الحافظ مفيد بغداد روى عن أبي بكر الخطيب وابن المسلمة وطبقتهما ورحل إلى الشام وسمع طائفة وكان كبير القدر نقادا علامة محببا إلى الناس كلهم لدينه وتواضعه ومروءته ومسارعته في قضاء حوائج الناس مع الصدق والورع والصيانة التامة وطيب القراءة قال ابن طاهر ما كان في الدنيا أحد أحسن قراءة للحديث منه وقال أبو الحسن الفصيحي ما رأيت في المحدثين أقوم باللغة من ابن الخاضبة توفي في ربيع الأول
وفيها أبو أحمد القسم بن مظفر الشهرزورى ولي قضاء أر بل ثم سيحان وله أولاد وحفدة انجبوا ومن شعره
( همتي دونها السها والزبانا ** قد علت جهدها فما تتوانى )
وقيل انه لولده قاضي الخافقين وقيل له قاضي الخافقين لسعة ما تولى وشهرزور من أعمال اربل مات بها الاسكندر ذو القرنين وقيل مات بمدائن كسرى وحمل إلى الإسكندرية فدفن عند أمه والله أعلم
وفيها الأمام العلامة أبو المظفر السمعاني منصور بن محمد التميمي المروزي الحنفي ثم الشافعي تفقه على والده وغيره وكان إمام وقته وفي مذهب أبي حنيفة فلما حج ظهر له بالحجاز ما اقتضى انتقاله إلى مذهب الشافعي ولما عاد إلى مرو لقي أذى عظيما بسبب انتقاله وصنف في مذهب الشافعي كتبا كثيرة وصنف في الرد على المخالفين وله الطبقات أجاد فيه وأحسن وله تفسير جيد حسن وجمع في الحديث ألف جزء عن مائة شيخ وسمعان بطن من تميم ويجوز


كسر السين
وفيها أبو عبد الله العميري مكبرا نسبة إلى عميرة بطن من ربيعة محمد بن علي بن محمد الهروي العبد الصالح توفي في المحرم وله إحدى وتسعون سنة وأول سماعه سنة سبع وأربعمائة وقد رحل إلى نيسابور وبغداد وروى عن أبي بكر الحيري وطبقته وكان من أولياء الله تعالى قال الدقاق ليس له نظير بهراة وقال أبو النضر الفامي توحد عن إقرانه بالعلم والزهد في الدنيا والاتقان في الرواية والتجرد من الدنيا

سنة تسعين وأربعمائة

فيها قيل أرسلان ارغون بن السلطان ألب أرسلان السلجوقي صاحب مرو وبلخ ونيسابور وترمذ وكان جبارا عنيدا قتله غلام له وكان بركياورق قد جهز الجيش مع أخيه سنجر لقتال عمه ارغون فبلغهم قتله بالدامغان فلحقهم بركيا روق فتسلم نيسابوروغيرها بلا قتال ثم تسلح بلخ وخطبوا له بسمرقند ودانت له الممالك واستخلف سنجر على خراسان وكان حدثا فرتب في خدمته من يسوس المملكة واستعمل على خوارزم محمد بن اتستكين مولى الأمير ميكائيل السلجوقي ولقبه خوارزم شاه وكان عادلا محبا للعلماء وولي بعده ابنه اسر
وفيها توفي أبو يعلى العبدي أحمد بن محمد بن ذرية الحسن البصري ويعرف بابن الصواف شيخ مالكية العراق وله تسعون سنة تفقه على القاضي علي بن هرون وحدث عن البرقاني وطائفة وكان علامة زاهدا مجتهدا في العبادة عارفا بالحديث قال بعضهم كان إماما في عشرة أنواع من العلوم توفي في رمضان بالبصرة
وفيها الحسن بن أحمد بن محمد بن القاسم بن جعفر القاسمي أبو محمد السمرقندي


قوام السنة كان إماما حافظا جليلا رحالا ثقة نبيلا ومن مصنفاته بحر الاسانيد في صحاح المسانيد يشتمل على مائة ألف من الأخبار وهو في ثمانمائة جزء كبار قاله ابن ناصر الدين
وفيها أبو نضر السمسار عبد الرحمن بن محمد الاصبهاني توفي في المحرم وهو آخر من حدث عن محمد بن إبراهيم الجرجاني
وفيها أبو الفتح عبدوس بن عبيد الله بن محمد بن عبدوس رئيس همذان ومحدثها أجاز له أبو بكر بن لال وسمع من محمد بن أحمد بن حمدويه الطوسي والحسين بن فتحويه مات في جمادى الآخرة عن خمس وتسعين سنة وروى عنه أبو زرعة
وفيها الفقيه نصر بن إبراهيم بن نصر بن إبراهيم بن داود أبو الفتح المقدسي النابلسي الزاهد شيخ الشافعية بالشام وصاحب التصانيف كان إماما علامة مفتيا محدثا حافظا زاهدا متبتلا ورعا كبير القدر عديم النظير سمع بدمشق من عبد الرحمن بن الطبير وأبي الحسن السمسار وطائفة وبغزة من أبي جعفر الميماشي وبآمد وصور والقدس وأملى وصنف وكان يقتات من غلة تحمل إليه من ارض له بنابلس وهو بدمشق فتخبز له كل ليلة قرص في جانب الكانون وعاش أكثر من ثمانين سنة وتوفي يوم عاشوراء قاله في العبر وقال ابن شهبة تفقه على سليم بن أيوب الرازي وصحبه بصور أربع سنين وعلق عنه تعليقة قال الذهبي في ثلثمائة جزء وسمع الحديث الكثير وأملى وحدث أقام بالقدس مدة طويلة ثم قدم دمشق سنة ثمانين فسكنها وعظم شأنه مع العبادة والزهد الصادق والورع والعلم والعمل قال الحافظ ابن عساكر لم يقبل من أحد صلة بدمشق قال وخكى بعض أهل العلم قال صحبت أمام الحرمين ثم صحبت الشيخ أبا اسحق فرأيت طريقته أحسن طريقة ثم صحبت الشيخ نصر فرأيت طريقته أحسن منهما ولما قدم الغزالي دمشق اجتمع به واستفاد منه وتفقه به جماعة


من دمشق وغيرها ودفن بباب الصغير وقبره ظاهر يزار قال النووي سمعنا الشيوخ يقولون الدعاء عند قبره يوم السبت مستجاب ومن تصانيفه التهذيب والتقريب وكتاب المقصود له وهو أحكام مجردة و كتاب الكافي وله شرح متوسط على كتاب الإشارة لشيخه سليم وله كتاب الحجة على تارك المحجة وغير ذلك رحمه الله
وفيها أبو القاسم يحيى بن أحمد السبتي القصري المقرئ ببغداد وله مائة وسنتان قرأ القرآن على أبي الحسن الحمامي وسمع أبا الحسن بن الصلت وأبا الحسين بن بشران وجماعة وختم عليه خلق وكان خيرا ثقة توفي في ربيع الآخر وكان يمشي ويتصرف في مصالحه في هذا السن

سنة إحدى وتسعين وأربعمائة

فيها خرج الفرنج في ألف ألف وحاصروا إنطاكية سبعة أشهر وأخذوا عنوة وخرج إليهم المسلمون وانكسروا وتبعهم الفرنج إلى المعرة وقتلوا وفتكوا وأقاموا بها وقتلوا فيها مائة ألف مسلم وبعد أربعين يوما ساروا إلى حمص فصالحهم أهلها ثم توجهوا إلى القدس
وفيها توفي أبو العباس أحمد بن عبد الغفار بن اشته الاصبهاني روى عن علي ابن ميلة وأبي سعيد النقاش وطائفة وعاش اثنتين وثمانين سنة
وفيها سهل بن بشر أبو الفرج الاسفراييني ثم الدمشقي الصوفي المحدث سمع بدمشق من ابن سلوان وطائفة وبمصر من الطفال وطبقته ولد ببسطام في سنة تسع وأربعمائة ومات بدمشق في ربيع الأول
وفيها أبو الفوارس طراد بن محمد بن علي النقيب الكامل الهاشمي العباسي الزينبي البغدادي نقيب النقباء ومسند العراق روى عن هلال الحفار وابن رزقويه وأبي نصر النرسي وجماعة وأملى مجالس كثيرة وازدحموا عليه ورحلوا


إليه وكان أعلى الناس منزلة عند الخليفة توفي في شوال وله ثلاث وتسعون سنة
وفيها أبو الحسن الكرخي مكي بن منصور بن محمد بن علان الرئيس بباب الكرخ ومعتمدها توفي بأصبهان في جمادي الأولى عن بضع وتسعين سنة رحل وسمع من الحيري والصيرفي وأبي الحسين بن بشران وجماعة وكان محمود السيرة وافر الحرمة
وفيها هبة الله بن عبد الرازق أبو الحسن الأنصاري البغدادي رئيس جليل خير توفي في ربيع الآخر عن تسع وثمانين سنة روى عن هلال وجماعة وهو آخر من حدث عن أبي الفضل عبد الواحد التميمي
وفيها محمد بن الحسين بن محمد الجرمي أبو سعد المكي نزيل هراة كان إماما حافظا من العلماء قدوة معدودا من الأولياء قال ابن ناصر الدين في بديعته
( محمد فتى الحسين الجرمي ** تم صلاح أمره الأشم )

سنة اثنتين وتسعين وأربعمائة

فيها انتشرت دعوة الباطنية بأصبهان وأعمالها وقويت شوكتهم وأخذت الفرنج بيت المقدس بكرة الجمعة لسبع بقين من شعبان بعد حصار شهر ونصف قال ابن الأثير قتلت الفرنج بالمسجد الأقصى ما يزيد على سبعين آلفا وقال ابن الجوزى في الشذور أخذوا من عند الصخرة نيفا وأربعين قنديلا فضة كل قنديل وزنه ثلاثة آلاف وستمائة درهم وأخذوا تنور فضة وزنه أربعون رطلا وأخذوا نيفا وعشرين قنديلا وعشرين قنديلا من ذهب
وفيها توفي أبو الحسين أحمد بن عبد القادر بن محمد بن ويوسف البغدادي اليوسفي ثقة جليل القدر روى عن ابن شاذان وطبقته وتوفي في شعبان وله إحدى وثمانون سنة
وفيها أبو القسم الخليلي أحمد بن محمد لدهقان عن مائة سنة وسنة حدث


ببلخ بمسند الهيثم بن كليب عن أبي القسم الخزاعي عنه وتوفي في صفر
( وفيها أبو تراب المراغي عبد الباقي بن يوسف نزيل نيسابور قال السمعاني عديم النظير في فنه بهي النظر سليم النفس عامل بعلمه نفاع للخلق فقيه النفس قوى الحفظ تفقه ببغداد على أبي علي الطبري وسمع أبا علي بن شاذان وكان شافعيا وتوفي في ذي القعدة وله إحدى وتسعون سنة
وفيها القاضي الخلعي أبو الحسن علي بن الحسن المصري الفقيه الشافعي وله ثمان وثمانون سنة سمع عبد الرحمن بن عمر النحاس وأبا سعيد الماليني وطائفة وانتهى إليه علو الإسناد بمصر قال ابن سكرة فقيه له تصانيف ولي القضاء وحكم يوما واستعفى وانزوى بالقرافة توفي في ذي الحجة وكان يوصف بدين وعبادة وقال ابن قاضي شهبة ذكروا له كرامات وفضائل وأنه كان لا يبالي بالحر ولا بالبرد بسبب منام رآه قال ابن الانماطي قبره بالقرافة يعرف بإجابة الدعاء عنده وخرج له أبو نصر الشيرازي عشرين جزءا وسماها الخلعيات ومن تصانيفه المغني في الفقه في أربعة أجزاء وهو حسن
وفيها أوفى التي قبلها وجزم به ابن رجب عبد الوهاب بن رزق الله بن عبد الوهاب أبو الفضل التميمي ذكره ابن السمعاني فقال كان حنبليا فاضلا متقنا واعظا جمل المحيا سمع أبا طالب بن غيلان وذكر أبو الحسين في الطبقات انه كان يحضر بين يدي أبيه في مجالس وعظه بمقبرة الأمام احمد وينهض بعد كلامه قائما على قدميه ويورد فصولا مسجوعة
وفيها أبو الحسن علي بن الحسين بن علي بن أيوب البزار ببغداد في يوم عرفة عن اثنتين وثمانين سنة روى عن أبي علي بن شاذان والحرقي
وفيها مكي بن عبد السلام أبو القسم بن الرميلي المقدسي الحافظ أحد من استشهد بالقدس رحل وجمع وعنى بهذا الشأن وكان ثقة متحريا روى عن محمد ابن يحيى بن سلوان المازني وأبي عثمان بن ورقا وعبد الصمد بن المأمون


وطبقتهم وعاش ستين سنة

سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة

فيها توفي العباداني أبو طاهر جعفر بن محمد القرشي البصري روى عن أبي عمر الهاشمي أجزاء ومجالس وكان شيخا صالحا أميا معمرا
وفيها النعالي أبو عبد الله الحسين بن أحمد بن محمد بن طلحة البغدادي الحمامي رجل عامي من أولاد المحدثين عمر دهرا وانفرد بأشياء وروى عن أبي عمر بن مهدي وأبي سعد الماليني وطائفة وتوفي في صفر
وفيها زياد بن هرون أبو القسم الجيلي الفقيه نزيل بغداد سمع بها من أبي مسلم الليثي البخاري وحدث عنه بكتاب الوجيز لابن خزيمة سمعه منه أبو الحسن بن الزاغوني وأبو الحسين بن الأبنوسي وتوفي زياد هذا في طاعون
وفيها سليمان بن عبد الله بن الفتى أبو عبد الله النهرواني النحوي اللغوي صاحب التصانيف من ذلك كتاب القانون في اللغة عشر مجلدات وكتاب في التفسير تخرج به أهل أصبهان وروى عن أبي طالب بن غيلان وغيره وهو والد الحسن مدرس النظامية
وفيها عبد الله بن جابر بن يس أبو محمد الحنائي الحنبلي تفقه على القاضي أبي يعلى وروى عن أبي علي بن شاذان وكان ثقة نبيلا قاله في العبر
وفيها عبد الباقي بن حمزة بن الحسين الحداد الحنبلي الفرضي أبو الفضل ولد سنة خمس وعشرين وأربعمائة قال ابن السمعاني شيخ صالح خير كان قد قرأ الفقه وكانت له يد في الفرائض والحساب سمع أبا محمد الجوهري وغيره وقال ابن ناصر هو ثقة خير وروى عنه سعيد بن الرزاز الفقيه وسبط الخياط وغيرهم وتوفي يوم السبت رابع عشر شعبان وله كتاب الإيضاح في الفرائض صنفه على مذهب أحمد وحرر فيه نقل المذهب تحريرا جيدا ومما ذكر فيه في


باب توريث ذوي الأرحام في ثلاث عمات مفترقات المال بينهن على خمسة قال وهذا هو المنصوص عن أحمد
وفيها عبد القاهر بن عبد السلام أبو الفضل العباسي النقيب المكي المقرئ اخذ القراءات عن أبي عبد الله الكارزيني وتصدر للاقراء ببغداد
وفيها أبو الفضل عبد الكريم بن المؤمل السلمي الكفر طابي ثم الدمشقي البزار روى جزءا عن عبد الرحمن بن أبي نصر
وفيها عميد الدولة أبو منصور محمد بن فخر الدولة محمد بن محمد بن جهير الوزير ابن الوزير وزر للمقتدي بالله سنة اثنتين وسبعين ثم عزل بعد خمس سنين بالوزير أبي شجاع ثم وزر سنة أربع وثمانين إلى أن مات وكان رئيسا كافيا شجاعا مهيبا فصيحا مفوها أحمق صودر قبل موته وحبس ثم قتل سرا قاله في العبر وقد تقدم ذكره عند ذكر أبيه

سنة أربع وتسعين وأربعمائة

فيها كثرت الباطنية بالعراق والجبل وزعيمهم الحسن بن صباح فملكوا القلاع وقطعوا السبيل وأهم الناس شأنهم واستفحل أمرهم لاشتغال أولاد ملكشاه بنفوسهم
وفيها حاصر كند فرى الذي أخذ القدس عكا فأصابه سهم فقتله
وفيها توفي ابو الفضل أحمد بن علي بن الفضل بن طاهر بن الفرات الدمشقي روى عن عبد الرحمن بن أبي نصر وجماعة ولكنه رافضى معتزلي وله كتب موقوفه بجامع دمشق قاله في العبر
وفيها أبو الفرج الزاز بالزاي المكررة عبد الرحمن بن أحمد بن محمد بن زاز ابن حميد الأستاذ السرخسي ثم المروزي فقيه مرو وتلميذ القاضي حسين مولده سنة إحدى أو اثنتين وثلاثين وأربعمائة وتفقه على القاضي حسين قال ابن


السمعاني في الذيل كان أحد أئمة الإسلام وممن يضرب به المثل في الآفاق في حفظ مذهب الشافعي رحلت إليه الأئمة من كل جانب وكان دينا ورعا محتاطا في المأكول والملبوس قال وكان لا يأكل الأرز لأنه يحتاج إلى ماء كثير وصاحبه قل أن لا يظلم غيره ومن تصانيفه كتاب الأمالي قال الأسنوي في المهمات أن غالب نقل الرافعي من ستة تصانيف غير كلام الغزالي المشروح والتهذيب والنهاية والتتمة والشامل وتجريد ابن كج وأمالي أبي الفرج السرخسي يعني صاحب الترجمة
وفيها أبو سعيد عبد الواحد بن الأستاذ أبي القسم القشيري كان صالحا عالما كثير الفضل روى عن علي بن محمد الطرازي وجماعة وسماعه حضور في الرابعة من الطرازي توفي في جمادى الآخرة
وفيها أبو الحسن المديني علي بن أحمد بن الأحزم النيسابوري المؤذن الزاهد أملى مجالس عن أبي زكريا المزكي وأبي عبد الرحمن السلمي وأبي بكر الحيري وتوفي في المحرم
وفيها أبو المعالي عزيزي بن عبد الملك بن منصور الجيلي القاضي المعروف بشيذله الفقيه الشافعي الواعظ كان فقيها فاضلا واعظا ماهرا فصيح اللسان حلو العبارة كثير المحفوظات صنف في الفقه وأصول الدين والواعظ وجمع كثيرا من أشعار العرب وتولى القضاء بمدينة بغداد بباب الأزج وكانت في أخلاقه حدة وسمع الحديث الكثير من جماعة كثيرة وكان يناظر بمذهب الأشعري ومن كلامه إنما قيل لموسى عليه السلام لن تراني لانه لما قيل له انظر إلى الجبل نظر إليه فقيل له يا طالب النظر إلينا لم تنظر إلى سوانا
( يا مدعي بمقاله ** صدق المحبة والإخاء )
( لو كنت تصدق في المقال ** لما نظرت إلى سوائي )
( فسلكت سبل محبتي ** واخترت غيري في الصفاء )


( هيهات أن يهوي الفؤاد ** محبتين على استواء )
وقال أنشدني والدي عند خروجه من بغداد إلى الحج
( مددت إلى التوريع كفا ضعيفة ** وأخرى على الرمضاء فوق فؤادي )
( فلا كان هذا العهد آخر عهدنا ** ولا كان ذا التوديع آخر زادي )
وتوفي يوم الجمعة سابع عشر صفر قاله ابن خلكان
وفيها أبو الخطاب نصر بن أحمد بن عبد الله بن النظر البزاز مسند بغداد روى عن أبي محمد بن البيع وابن رزقويه وطائفة وتوفي في ربيع الأول عن ست وتسعين سنة وكان صحيح السماع انفرد برواية عن جماعة

سنة خمس وتسعين وأربعمائة

فيها توفي المستعلي بالله أبو القاسم أحمد بن المنتصر صاحب مصر ولي الأمر بعد أبيه ثمان ستين ومات في صفر وله تسع وعشرون سنة وفي أيامه انقطعت دولته من الشام واستولى عليها الأتراك والفرنج و لم يكن له مع الأفضل حل ولا ربط بل كان الأفضل أمير الجيوش هو الكل وفي أيامه هرب أخوه نزار الذي تنسب إليه الدعوة النزارية بقلعة الا لموت فدخل الإسكندرية وبايعه أهلها وساعده قاضيها ابن عمار ومتوليها افتكين فنازلهم الأفضل فبرز لحربه افتكين وهزمه ثم نازلهم ثانيا وظفر بهم ورجع إلى القاهرة بافتكين ونزار فذبح أفتكين وبنى على نزار حائط فهلك
وفيها أبو العلاء صاعد بن سيار الكتاني قاضي هراة روى عن أبي سعيد الصيرفي والطرازي وطائفة
وفيها سعيد بن هبة الله أبو الحسن شيخ الأطباء بالعراق وكان صاحب تصانيف في الفلسفة والطب والمنطق وله عدة أصحاب
وفيها عبد الواحد بن عبد الرحمن الزبيري الوركي الفقيه قال السمعاني عمر


مائة وثلاثين سنة وكتب إملاءا عن أبي ذر عمار بن محمد صاحب يحيى بن محمد ابن صاعد وقال زرت قبره بوركة على فرسخين من بخارا وقال الذهبي ما كان في الدنيا له نظير في علو الإسناد ولم يضعفه أحد انتهى
وفيها أبو عبد الله الكامخي محمد بن أحمد بن محمد روى عن أبي بكر الحيري وهبة الله اللالكائي وطائفة وتوفي بها ظنا قاله في العبر
وفيها أبو ياسر الحناط محمد بن عبد العزيز البغدادي رجل خير روى عن أبي علي بن شاذان وجماعة وتوفي في جمادى الآخرة
وفيها أبو الحجاج يوسف بن سليمان الاعلم النحوي رحل إلى قرطبة واخذ عن جماعة ورحل إليه الناس من كل وجه وممن أخذ عنه أبو علي الحسين بن محمد الغساني الجياني وشرح جمل الزجاجي وشرح شعره شرحا مفردا وكف بصره في آخر عمره وسمي الاعلم لكونه مشقوق الشفة العليا ويقال لمشقوق السلفى أفلح وكان عنترة العبسي المشهور يلقب بالفلحاء لفلحة كانت به وإنما أنثوا لأنهم أرادوا الشفة وكان سهيل بن عمرو وأعلم ولذلك قال عمر يا رسول الله دعني أنزع ثنيته فلا يقوم عليك خطيبا بعده لأنه كان مشقوق الشفة العليا وإذا نزعت ثنيته تعذر كلامه مع الفصاحة قاله ابن الأهدل

سنة ست وتسعين وأربعمائة

فيها توفي ابن سوار مقرئ العراق أبو طاهر أحمد بن علي بن عبيد الله بن عمر ابن سوار مصنف المستنير في القراءات كان ثقة مجودا أقرأ خلقا وسمع الكثير وحدث عن ابن غيلان وطبقته
وفيها أبو داود سليمان بن نجاح الاندلسي مولى المؤيد بالله الأموي مقرئ الأندلس وصاحب أبي عمرو الداني وهو أنبل أصحابه وأعلمهم وأكثرهم


تصانيف توفي في رمضان عن ثلاث وثمانين سنة
وفيها أبو الحسن بن الروش علي بن عبد الرحمن الشاطبي المقرىءقرأ القراءات علي أبي عمرو الداني وسمع من ابن عبد البر وتوفي في شعبان
وفيها أبو الحسين بن البيار يحيى بن إبراهيم بن أبي زيد المرسي قرأ على أبي عمرو الداني ومكي قال ابن بشكوال لقي بمصر القاضي عبد الوهاب واخذ عنه كتابه التلقين وأقرا الناس وعمر وأسن وسمعت بعضهم ينسبه إلى الكذب توفي في المحرم وقد اختلط في آخر عمره وعاش تسعين سنة
وفيها أبو العلاء محمد بن عبد الجبار الفرساني الاصبهاني روى عن أبي بكر بن أبي علي المعدل وجماعة
وفيها الفانيدي أبو سعد الحسين بن الحسين البغدادي روى عن أبي علي بن شاذان وتوفي في شوال
وفيها أبو ياسر محمد بن عبيد الله بن كادش الحنبلي المحدث كتب الكثير وتعب وكان قارئ أهل بغداد بعد ابن الخاضبة روى عن أبي محمد الجوهري وخلق
وفيها أبو البركات محمد بن المنذر بن طبيان الكرخي كنيته ابن ناصر وقد روى عن عبد الملك بن بشران ومات في صفر قاله في العبر

سنة سبع وتسعين وأربعمائة

فيها أخذت الفرنج جبل صلحا ونكثوا وأخذوا عكا بالسيف وهرب متوليها زهر الدولة بن الجيوشي وهرب في البحر ونزلت الفرنج حران فالتقاهم سقمان ومعه عشرة آلاف فانهزموا وتبعهم الفرنج فرسخين ثم نزل النصر وكبر المسلمون فقتلوهم كيف شاءوا وكان فتحا عظيما
وفيها توفي أبو ياسر أحمد بن بندار البقال أخو ثاتب روى عن بشرى الفاتني


وطائقة ومات في رجب قاله في العبر
وفيها أبو بكر الطريثيثي بضم المهملة أوله وفتح الراء وسكون التحتية ومثلثتين بينهما تحتية نسبة إلى طريثيث ناحية بنيسابور أحمد بن علي بن حسين بن زكريا ويعرف بابن زهر الصوفي البغدادي من اعيان الصوفية ومشاهيرهم روى عن أبي الفضل القطان واللالكائي وطائفة وهو ضعيف عاش ستا وثمانين سنة
وفيها أبو علي الجاجرمي بفتح الجيمين وسكون الراء نسبة إلى جاجرم بلد بين نيسابور وجرجان اسمعيل بن علي النيسابوري الزاهد القدوة الواعظ وله إحدى وتسعون سنة روى عن عبد الله بن باكوية وعدة قال السخاوي حضر درس زين الإسلام القشيري وخدمه مدة ثم اشتغل بالعزلة وكان يجلس في الاسبوع يوما للتذكير قال اسمعيل كان والدي دعا بمكة اللهم ارزقني ولدا لا يكون وصيا ولا صاحب وقف ولا قاضيا ولا خطيبا قال فقلت له يا ابت وما للخطيب قال يا بني أليس يدعو للظلمة وتوفي إسمعيل في عصر يوم الخميس ثامن عشر المحرم وصلى عليه يوم الجمعة العصر تاسع عشرة ودفن في مشهد الأمام محمد بن خزيمة
وفيها دقاق شمس الملوك أبو نصر بن تاج الدولة تتش بن السلطان ألب أرسلان السلجوقي صاحب دمشق ولي دمشق بعد أبيه عشر سنين ومرض مدة ومات في رمضان وقيل سموه في عنب ودفن بخانكاه الطواويس
وفيها أبو عبد الله بن البسري الحسين بن علي بن أحمد بن محمد البندار توفي في جمادى الآخرة وله ثمان وثمانون سنة قال السلفي لم يرو لنا عن عبد الله بن يحيى السكري سواه
وفيها أبو ياسر الطباخ ظاهر بن أسد الشيرازي ثم البغدادي المواقيتي روى عن عبد الملك بن بشران وغيره وتوفي في رجب
وفيها احمد بن بشرويه الأصبهاني كان صالحا من الأعيان قال ابن ناصر


الدين في بديعته ( وأحمد بن بشرويه صالح ** ذا الأصبهاني زانه تصافح )
وفيها أبو مسلم السمناني عبد الرحمن بن عمر شيخ بغدادي روى عن أبي علي بن شاذان ومات في المحرم
وفيها أبو الخطاب بن الجراح علي بن عبد الرحمن بن هرون البغدادي الشافعي المقرئ الكاتب الرئيس روى عن عبد الملك بن بشران وكان لغوي زمانه له منظومة في القراءات توفي في ذي الحجة وقد قارب التسعين
وفيها أبو مكتوم عيسى بن الحافظ أبي ذر عبد الرحمن بن أحمد الهروي ثم السروي الحجازي ولد سنة خمس عشرة بسراة بني شبابة وروى عن أبيه صحيح البخاري وعن أبي عبد الله الصنعاني جملة من تآليف عبد الرازق
وفيها أبو منصور الخياط محمد بن أحمد بن عبد الرزاق الشيرازي الأصل البغدادي الصفار الحنبلي المقرئ الزاهد ولد سنة إحدى وأربعمائة في شوال اوفي ذي القعدة وقرأ القراءات علي ابي نصر أحمد بن عبد الوهاب بن مسرور وغيره وسمع الحديث في كثرة من أبي القسم بن بشران وأبي منصور بن السواق وغيرهما وتفقه على القاضي أبن يعلى وصنف كتاب المهذب في القراءات وروى الحديث الكثير وروى عنه سبطه أبو محمد عبد الله بن علي المقرئ واخوه أبو عبد الله بن الحسين وابن الانماطي وابن ناصر السلفي وغيرهم وكان إماما بمسجد ابن حرده ببغداد بحريم دار الخلافة اعتكف فيه مدة طويلة يعلم العميان القرآن لوجه الله تعالى ويسأل لهم وينفق عليهم فختم عليه القرآن خلق كثير حتى بلغ عدد من أقرأهم القرآن من العميان سبعين آلفا قال ابن النجار هكذا رايته بخط أبي نصر اليونارتي الحافظ وقد زعم بعض الناس أن هذا كلام مستحيل وانه من سبق القلم وإنما أراد سبعين نفسا وهذا كلام ساقط فان أبا منصور قد تواتر عنه اقرأء الخلق الكثير في


السنين الطويلة قال ابن الجوزي أقرأ الخلق السنين الطويلة وختم عليه القرآن ألوف من الناس وقال القاضي أبو الحسين أقرأ بضعا وستين سنة ولقن أمما وهذا موافق لما قاله أبو نصر وهذا أمر مشهور عن أبي منصور قال ابن الجوزى كان أبو منصور من كبار الصالحين الزاهدين المتعبدين كان له ورد بين العشاءين يقرأ فيه سبعا من القرآن قائما وقاعدا حتى طعن في السن وقال ابن ناصر عنه كان شيخا صالحا زاهذا صائما أكثر وقته ذا كرامات ظهرت له بعد موته قال عبد الوهاب الانماطي توفي الشيخ الزاهد أبو منصور في يوم الأربعاء وقت الظهر السادس عشر من المحرم قال ابن الجوزى مات وسنه سبع وتسعون سنة ممتعا بسمعه وبصره وعقله وحضر جنازته مالا يعد من الناس قال السلفي وختم في ثاني جمعة من وفاة الشيخ على قبره مائتان واحدى وعشرون ختمة وحكى السلفي أيضا أن يهوديا استقبل جنازة الشيخ فرأى كثرة الزحام والخلق فقال أشهد أن هذا الدين هو الحق وأسلم وذكر ابن السمعاني أن الشيخ أبا منصور الخياط رؤي في النوم فقيل له ما فعل الله بك قال غفر لي بتعليم الصبيان فاتحة الكتاب والصحيح انه توفي سنة تسع وتسعين وأربعمائة قاله جميعه ابن رجب
وفيها ابو مطيع محمد بن عبد الواحد المدينى المصرى الأصل الصحاف الناسخ وانتهى اليه علو الاسناد باصبهان روى عن ابى بكر مردوية والنقاش وابن عقيل البارودى وطائفة وعاش بضعا وتسعين سنة
وفيها ابو عبد الله بن الطلاع محمد بن فرج مولى محمد بن يحيى الطلاع القرطبي المالكي مفتي الأندلس ومسندها وله ثلاث وتسعون سنة روى عن يونس بن مغيث ومكي القيسي وخلق وكان رأسا في العلم والعمل قوالا بالحق رحل الناس إليه من الاقطار لسماع الموطأ والمدونة

سنة ثمان وتسعين وأربعمائة

فيها توفي بركياروق الملقب ركن الدين بن السلطان ملكشاه بن ألب أرسلان


ابن داود ميكاثيل بن سلجوق أحد الملوك السلجوقية ولي المملكة بعد موت أبيه وكان أبوه قد ملك ما لم يملكه غيره وكان بركياورق مسعودا عالي الهمة لم يكن فيه عيب سوى ملازمته للشراب والادمان عليه ومولده سنة أربع وسبعين وأربعمائة وتوفي في ثاني عشر ربيع الآخر وقيل الأول ببردوجود واقام في السلطنة اثنتي عشرة سنة قاله ابن خلكان
وفيها الحافظ أبو علي البرداني بفتحات ودال مهملة نسبة إلى بردان قرية ببغداد أحمد بن محمد بن أحمد البغدادي الثقة المصنف الحنبلي مات عن اثنتين وسبعين سنة في شوال روى عن ابن غيلان وأبي الحسن القزويني وطبقتهما وكان بصيرا بالحديث محققا حجة
وفيها أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن موسى بن مردويه الاصبهاني روى عن أبي بكر بن أبي علي وطائفة وكان ثقة نبيلا حدث قديما
وفيها ثابت بن بندار أبو المعالي البقال المقرئ ببغداد روى عن أبي علي ابن شاذان وطبقته وهو ثقة فاضل توفي في جمادى الآخرة
وفيها أبو عبد الله الطبري الحسين بن علي بن الحسين الفقيه الشافعي محدث مكة ونزيلها توفي في شعبان وله ثمانون سنة روى صحيح البخاري عن عبد الغافر بن محمد وكان فقيها مفتيا تفقه على ناصر بن الحسين العمري وجرت له فتن وخطوب مع هياج ابن عبيد وأهل السنة بمكة وكان عارفا بمذهب ألاشعري قاله في العبر وقال ابن قاضي شهبه تفقه على ناصر العمري بخراسان وعلى القاضي أبي الطيب الطبري ببغداد ثم لازم الشيخ أبا اسحق الشيرازي حتى برع في المذهب والخلاف وصار من عظماء أصحابه ودرس بنظامية بغداد قبل الغزالي وكان يدعى إمام الحرمين لأنه جاور بمكة نحوا من ثلاثين سنة يدرس ويفتي ويسمع وتوفي بها في شعبان وكتابه العدة خمسة أجزاء ضخمة
وفيها أبو علي الغساني الحسين بن محمد الجياني بالفتح والتشديد ونون


نسبة إلى جيان بدل بالأندلس أحد اركان الحديث بقرطبة روى عن حكم الجذامي وحاتم بن محمد وابن عبد البر وطبقتهم وكان كامل الادوات في الحديث علامة في اللغة والشعر والنسب حسن التصنيف نقادا توفي في شعبان عن اثنتين وسبعين سنة وأصابته في الآخر زمانة
وفيها سقمان بن أرتق بن أكسب التركماني صاحب ماردين وجد ملوكها كان أميرا جليلا فارسا موصوفا حضر عدة حروب وتوفي بالشام
وفيها محمد بن أحمد بن محمد بن منداس أبو طاهر التوثي بضم الفوقية وآخره مثلثة نسبة إلى توث قرية بمرو الخطاب أبا علي بن شاذان والحرقي وأجاز له أبو الحسين بن بشران وتوفي في المحرم
وفيها محمد بن عبد السلام الشريف أبو الفضل الأنصاري البزاز بغدادي جليل صالح روى عن البرقاني وابن شاذان وتوفي في ربيع الآخر
وفيها نصر الله بن أحمد بن عثمان الخشنامي النيسابوري ثقة صالح عالي الإسناد روى عن أبي عبد الرحمن السلمي والحيري وطائفة

سنة تسع وتسعين وأربعمائة

فيها ظهر بنهاوند رجل ادعى النبوة وكان ساحرا صاحب مخاريق فتبعه خلق وكثرت عليهم الأموال وكان لا يدخر شيئا فأخذ وقتل ولله الحمد
وفيها ظفر طغتكين بالفرنج مرتين فأسر وقتل وزينت دمشق
وفيها أخذت الفرنج فامية وأما طرابلس ففتحت الحصار وجعل المسلمون يخرجون منها وينالون من الفرنج ومرض ملك الفرنج صخيل ومات وحمل ودفن بالقدس وأقامت الفرنج غيره
وفيها مات أبو القسم عبد الله بن علي بن اسحق الطوسي أخو نظام الملك سمع أبا حسان المزكي وأبا حفص بن مسرور وعاش خمسا وثمانين سنة


وفيها أبو البركات بن الوكيل محمد بن عبد الله بن يحيى الخباز الدباس الكرخي الشافعي قرأ بالروايات عن ابي علي الواسطي والحسن بن الصقر وجماعة وتفقه علي ابي الطيب الطبري وسمع من عبد الملك بن بشران وكان يتهم بالاعتزال ثم تاب وأناب وتوفي في ربيع الأول عن ثلاث وتسعين سنة قاله في العبر
وفيها أبو البقاء الجبال المعمر بن محمد بن علي الكوفي الخراز روى عن جناح ابن نذير المحاربي وجماعة وتوفي في جمادى الآخرة بالكوفة

سنة خمسمائة

فيها غزا السلطان محمد بن ملكشاه الباطنية وأخذ قلعتهم بأصبهان وقتل صاحبها أحمد بن عبد الملك بن عطاش وكان قد تملكها اثنتي عشرة سنة وهي من بناء ملكشاه بناها على رأس جبل وغرم عليها ألفي ألف دينار
وفيها غرق قلج أرسلان بن سليمان بن قتلمش صاحب قونية ووجد قد انتفخ
وفيها توفي أبو الفتح الحداد أحمد بن محمد بن أحمد بن سعيد الاصبهاني الشافعي التاجر الخوافي وخواف قرية من أعمال نيسابور كان ورعا دينا كثير الصدقات توفي في ذي القعدة عن اثنتين وتسعين سنة روى عن أبي مظفر الشافعي وكان من ملازمي الأمام وبه تفقه وحظي عنده وكان إمام الحرمين معجبا بفصاحته وحسن كلامه ثم درس في حياة الأمام وولي قضاء طوس ثم صرف وكما رزق الغزالي السعادة في حسن التصنيف رزق هذا السعادة في المناظرة والعبارة الحسنة المهذبة والتصنيف على الخصم قال الذهبي وكان اعلم أهل طوس مع الغزالي وكان من انظر أهل زمانه
وفيها أو بعدها الفقيه الأمام الفرضي اسحق بن يوسف بن يعقوب الصروفي نسبة إلى صروف بلد باليمن صنف كتاب الكافي في الفرائض وهو كتاب لم يسبق إلى تدريجه للمبتدئ وهو من الكتب المباركة النافعية قيل اشتري


مرة بوزنه واستغنى به عن كتب الفن جميعها وأصل الشيخ من المعافر وسكن صروف وكان له ابنتان زوج إحداهما واسمها ملكة الفقيه زيد بن عبد الله اليفاعي فأولدها هندة أم محمد بن سالم الأمام بجامع ذي اشرق ولذلك صارت كتب زيد اليفاعي بأيديهم لأنه لم يرثه غير أمهم هذه وتزوج الأخرى إمام مسجد الجند حسان بن محمد فأولدها ولدا فصار إليه بعض كتب جده اسحق قاله ابن الأهدل
وفيها جعفر بن أحمد بن حسين أبو محمد البغدادي الحنبلي السراج المعروف بالقاري كان حافظ عصره وعلامة زمانه وله التصانيف العجيبة منها كتاب مصارع العشاق وغيره وحدث عن أبي علي بن شاذان وأبي القاسم بن شاهين والخلال والبرمكي وغيرهم واخذ عنه خلق كثير وروى عنه الحافظ أبو طاهر السلفي وكان يفتخر بروايته عنه مع انه لقي أعيان ذلك الزمان وأخذ عنهم وله شعر حسن فمنه
( بان الخليط فأدمعي ** وجدا عليهم تستهل )
( وحدا بهم حادي الفراق ** عن المنازل فاستقلوا )
( قل للذين ترحلوا ** عن ناظري والقلب حلوا )
( ودمي بلا جرم أتيت ** غداة بينهم استحلوا )
( ما ضرهم لو أنهلوا ** من ماء وصلهم وعلوا )
ومن شعهر أيضا
( وعدت بأن تزوري كل شعره ** فزوري قد تقضي الشهرزوري )
( وشقة بيننا نهر المعلى ** إلى البلد المسمى شهرزور )
( واشهر هجرك المحتوم صدق ** ولكن شهر وصلك شهرزور )
وأورد له العماد الكاتب
( ومدع شرخ شباب وقد ** عممه الشيب على وفرته )
( يخضب بالوثمة عثنونه ** يكفيه أن يكذب في لحيته )


وكان مولده ببغداد سنة ست عشرة وأربعمائة وتوفي ليلة الأحد الحادي والعشرين من صفر قاله ابن خلكان
وفيها أبو غالب الباقلاني محمد بن الحسن بن أحمد بن الحسن البغداي الفامي الرجل الصالح روى عن ابن شاذان والبرقاني وطائفة وتوفي في ربيع الآخر عن ثمانين سنة
وفيها أبو الحسين الطيوري المبارك بن عبد الجبار بن أحمد بن قاسم الصيرفي البغدادي المحدث سمع أبا علي بن شاذان فمن بعده قال ابن السمعاني كان مكثرا صالحا أمينا صدوقا صحيح الأصول دينا صينا وقورا كثير الكتابة وقال غيره توفي في ذي القعدة عن تسع وثمانين سنة وكان عنده ألف جزء بخط الدارقطني قاله في العبر
وفيها المبارك بن فاخر أبو الكرم الدباس الأديب من كبار أئمة اللغة والنحو ببغداد وله مصنفات روى عن القاضي أبي الطيب الطبري واخذ اللغة عن عبد الواحد بن برهان ورماه ابن ناصر بالكذب في الرواية وتوفي في ذي القعدة عن سبعين سنة
وفيها يوسف بن تاشفين أبو يعقوب أمير المسلمين وملك الملثمين وهو الذي اختط مدينة مراكش وكان عظيم الشأن كبير السلطان معتدل القامة أسمر اللون نحيف الجسم خفيف العارضين دقيق الصوت وكان يخطب لبني العباس وهو أول من تسمى بأمير المسلمين ولم يزل على حاله وعزة سلطانه إلى أن توفي يوم الاثنين ثالث محرم هذه السنة وعاش تسعين سنة ملك منها خمسين سنة قال ابن الأثير في تاريخه كان حسن السيرة خيرا عادلا يميل إلى أهل العلم والدين ويكرمهم ويحكمهم في بلاده ويصدر عن رأيهم وكان يحب العفو والصفح عن الذنوب العظام فمن ذلك أن ثلاثة نفر اجتمعوا فتمنى أحدهم ألف دينار يتجر بها وتمنى الآخر زوجته وكانت من أحسن النساء ولها الحكم


في بلاده وتمنى الآخر عملا فبلغه الخبر فأحضرهم وأعطى متمنى المال ألف دينار واستعمل الآخر وقال للذي تمنى زوجته با جاهل ما حملك على هذا الذي لا تصل إليه ثم أرسله إليها فتركته في خيمة ثلاثة أيام يحمل إليه في كلها طعام واحد ثم أحضرته وقالت له ما أكلت في هذه الثلاثة أيام فقال طعاما واحد فقالت كل النساء شيء واحد وأمرت له بمال وكسوة وأطلقته وقال ابن الأهدل يوسف بن تاشفين أبو يعقوب البربري الملثم كان أعظم ملوك الدنيا في عصره وكان عديم الرفاهية تملك الأندلس واختط مراكش وجعلها دار الإمارة وفي آخر أيامه بعث إليه الخليفة من بغداد الخلع والتقليد واللواء فأقيمت الخطبة العباسية بمملكته وكان أولا مقدم أبي بكر بن عمر الصنهاجي وكان الصنهاجي مقدم الملثمين من ملوك حمير المغرب واختلف لم سموا بذلك وفيهم يقول الشاعر
( قوم لهم درك العلافي حمير ** وإن انتموا صنهاجه فهم هم )
( لما علوا أحرار كل قبيلة ** غلب الحياء عليهم فتلثموا )
وعهده ابن تاشفين بالأمر إلى ولده أتومرت انتهى
وفيها عبد الوهاب بن محمد بن عبد الوهاب بن محمد الفارسي الفامي أبو محمد الفقيه الشافعي المفتي ولد سنة أربع عشرة واشتغل في العلوم وصنف سبعين مصنفا وله تفسير ضمنه مائة ألف بيت شعر وكان بارعا في معرفة المذهب قدم بغداد سنة ثمان وثمانين وأربعمائة وقد أملى بجامع القصر وحفظت عليه غلطات في الحديث وإسقاط رجال وتصحيف فاحش أورد منه ابن السمعاني أشياء كثيرة وقال يحيى بن منده هو أحفظ من رأيناه لمذهب الشافعي صنف كتاب تاريخ الفقهاء ومات بشيراز في رمضان قاله ابن قاضي شهبه

4


بسم الله الرحمن الرحيم

سنة إحدى وخمسمائة

فيها كانت وقعة كبيرة بالعراق بين سيف الدولة صدقة بن منصور بن دبيس أمير العرب وبين السلطان محمد فالتقيا فقتل صدقة يوم الجمعة سلخ جمادى الآخرة وقتل معه ثلاثة آلاف فارس وأسر ابنه دبيس وصاحب جيشه سعيد بن حميد وكان صدقة شيعيا له محاسن ومكارم وحلم وجود ملك العرب بعد أبيه اثنتين وعشرين سنة وهو الذي اختط الحلة السيفية سنة خمس وتسعين وأربعمائة ومات جده دبيس سنة ثلاث وسبعين وأربعمائة
وفيها توفي تميم بن المعز بن باديس السلطان أبو يحيى الحميري صاحب القيروان ملك بعد أبيه وكان حسن السيرة محبا للعلماء مقصدا للشعراء كامل الشجاعة وافر الهيبة عاش تسعا وسبعين سنة وامتدت أيامه وكانت دولته ستا وخمسين سنة وخلف أكثر من مائة ولد وتملك بعده ابنه يحيى قاله في العبر وساق العماد الكاتب في الخريدة نسبه إلى نوح عليه السلام وقال ابن خلكان ملك إفريقية وما والاها بعد أبيه المعز وكان حسن السيرة محمود الآثار ومن شعره
( إن نظرت مقلتي لمقلتها ** تعلم مما أريد نجواه )
( كأنها في الفؤاد ناظرة ** تكشف أسراره وفحواه )
وله أيضا
( سل المطر العام الذي عم أرضكم ** أجاء بمقدار الذي فاض من دمعي )


( إذا كنت مطبوعا على الصد والجفا ** فمن أين لي صبر فاجعله طبعي )
وله
( فكرت في نار الجحيم وحرها ** يا ويلتاه ولات حين مناص )
( فدعوت ربي أن خير وسيلتي ** يوم المعاد شهادة الإخلاص )
وأشعاره وفضائله كثيرة وكان يجيز الجوائز السنية ويعطي العطاء الجزل وكانت ولادته بالمنصورية التي تسمى صبرة من بلاد إفريقية يوم الاثنين ثالث عشر رجب سنة اثنتين وعشرين وأربعمائة وفوض إليه أبوه ولاية المهدية في صفر سنة خمس وأربعين ولم يزل بها إلى أن توفي والده في شعبان سنة خمس وأربعين فاستبد بالملك ولم يزل إلى أن توفي ليلة السبت منتصف رجب وخلف من البنين أكثر من مائة ومن البنات ستين على ما ذكره حفيده عبد العزيز بن شداد في كتاب أخبار القيروان
وفيها أبو علي التككي الحسن بن محمد بن عبد العزيز البغدادي في رمضان روى عن أبي علي بن شاذان
وفيها أبو محمد الدوني بضم المهملة نسبة إلى دون قرية بهمذان عبد الرحمن بن محمد الصوفي الرجل الصالح راوي السنن عن أبي نصر الكسار كان زاهدا عابدا سفياني المذهب توفي في رجب
وفيها أبو سعد الأسدي محمد بن عبد الملك بن عبد القاهر بن أسد البغدادي المؤدب روى عن أبي علي بن شاذان وضعفه ابن ناصر
وفيها أبو الفرج القزويني محمد ابن العلامة أبي حاتم محمود بن حسن الأنصاري فقيه صالح استملى عليه السلفي مجلسا مشهورا وتوفي في المحرم

سنة اثنتين وخمسمائة

فيها قتلت الباطنية بهمذان قاضي قضاة أصبهان عبيد الله بن علي الخطيبي
وقتلت بأصبهان يوم عيد الفطر أبا العلاء صاعد بن محمد البخاري وقيل النيسابوري الحنفي المفتي أحد الأئمة عن خمس وخمسين سنة
وقتلت بجامع آمل يوم الجمعة في المحرم فخر الإسلام القاضي أبا المحاسن عبد الواحد بن إسماعيل الروياني شيخ الشافعية وصاحب التصانيف وشافعي الوقت أملى مجالس عن أبي غانم الكراعي وأبي حفص بن مسرور وطبقتهما وعاش سبعا وثمانين سنة قال ابن قاضي شهبة كانت له الوجاهة والرياسة والقبول التام عند الملوك فمن دونها أخذ عن والده وجده وبميافارقين عن محمد بن بيان وبرع في المذهب حتى كان يقول لو احترقت كتب الشافعي لأمليتها من حفظي ولهذا كان يقال له شافعي زمانه ولى قضاء طبرستان وبنى مدرسة بآمل وكان فيه إيثار للقاصدين إليه ولد في ذي الحجة سنة خمس عشرة وأربعمائة واستشهد بجامع آمل عند ارتفاع النهار بعد فراغه من الإملاء يوم الجمعة حادي عشر المحرم ومن تصانيفه البحر وهو بحركاسمه والكافي والحلية مجلد متوسط فيه اختيارات كثيرة وكثير منها موافق مذهب مالك وكتاب المبتدي بكسر الدال وكتاب القولين والوجهين مجلدان
انتهى ملخصا
وعظم الخطب بهؤلاء الملاعين وخافهم كل أمير وعالم لهجومهم على الناس
وفيها أبو القاسم الريفي علي بن الحسين الفقيه الشافعي المعتزلي ببغداد روى عن أبي الحسن بن مخلد وابن بشران وتوفي في رجب عن ثمان وثمانين سنة


وفيها محمد بن عبد الكريم بن حشيش أبو سعد البغدادي في ذي القعدة عن تسع وثمانين سنة روى عن ابن شاذان
وفيها أبو زكريا التبريزي الخطيب صاحب اللغة يحيى بن علي بن محمد الشيباني صاحب التصانيف أخذ اللغة عن أبي العلاء المعري وسمع من سليم بن أيوب بصور وكان شيخ بغداد في الأدب توفي في جمادى الآخرة عن إحدى وثمانين سنة وقال ابن خلكان سمع الحديث من سليم الرازي وغيره من الأعيان وروى عنه الخطيب الحافظ البغدادي صاحب تاريخ بغداد والحافظ ابن ناصر وغيرهما من الأعيان وتخرج عليه خلق كثير وتلمذوا له ذكره الحافظ أبو سعد السمعاني في كتاب الذيل وكتاب الأنساب وعدد فضائله ثم قال سمعت أبا منصور محمد بن عبد الملك بن الحسن بن خيرون المقري يقول أبو زكريا يحيى بن علي التبريزي ما كان بمرضى الطريقة وذكر عنه أشياء ثم قال وتذاكرت أنا مع أبي الفضل محمد بن ناصر الحافظ بما ذكره ابن خيرون المقري فسكت وكأنه ما أنكر ما قال ثم قال ولكن كان ثقة في اللغة وما كان ينقله وصنف في الأدب كتبا مفيدة منها شرح الحماسة وشرح ديوان المتنبي وشرح سقط الزند وشرح اللمع لابن جني وشرح مقصورة ابن دريد وشرح المعلقات السبع وله تهذيب غريب الحديث وتهذيب الإصلاح والملخص في إعراب القرآن في أربع مجلدات وغير ذلك من الكتب الحسنة المفيدة وكان قد دخل مصر في عنفوان شبابه فقرأ عليه بها ابن بابشاذ النحوي شيئا من اللغة ثم عاد إلى بغداد واستوطنها إلى الممات وكان يروي عن أبي الحسن محمد بن المظفر بن محيريز


البغدادي جملة من شعره فمن ذلك قوله وهي من أشهر أشعاره
( خليلي ما أحلى صبوحي بدجلة ** وأطيب منه بالصراة غبوقي )
( شربت على الماءين من ماءكرمة ** فكانا كدر ذائب وعقيق )
( على قمري أفق وأرض تقابلا ** فمن شائق حلو الهوى ومشوق )
( فما زلت أسقيه واشرب ريقه ** وما زال يسقيني ويشرب ريقي )
( وقلت لبدر التم تعرف ذا الفتى ** فقال نعم هذا أخي وشقيقي )
وهذه الأبيات من أملح الشعر وأظرفه وكانت ولادة يحيى هذا سنة إحدى وعشرين وأربعمائة وتوفي فجاءة يوم الثلاثاء ثامن عشرى جمادى الآخرة ببغداد

سنة ثلاث وخمسمائة

فيها أخذت الفرنج طرابلس بعد حصار سبع سنين
وفيها توفي أحمد بن علي بن أحمد العلبي أبو بكر الزاهد الحنبلي قال ابن الجوزي في طبقاته هو أحد المشهورين بالزهد والصلاح سمع الحديث على القاضي أبي يعلى وقرأ عليه شيئا من المذهب وكان يعمل بيده تجصيص الحيطان ثم ترك ذلك ولازم المسجد يقرئ القرآن ويؤم الناس وكان عفيفا لا يقبل من أحد شيئا ولا يسأل أحدا حاجة لنفسه من أمر الدنيا مقبلا على شأنه ونفسه مشتغلا بعبادة ربه كثير الصوم والصلاة مسارعا إلى قضاء حوائج المسلمين مكرما عند الناس أجمعين وكان يذهب بنفسه كل ليلة إلى دجلة فيأخذ في كوز له ماءا يفطر عليه وكان يمشي بنفسه في حوائجه ولا يستعين بأحد وكان إذا حج يزور القبور بمكة ويجيء إلى قبر الفضيل بن عياض ويخط بعصاه ويقول يا رب ههنا يا رب ههنا فاتفق انه خرج في سنة ثلاث وخمسمائة إلى الحج وكان قد وقع من الجمل في الطريق دفعتين فشهد عرفة محرما ومعه


بقية من ألم الوقوع وتوفي عشية ذلك اليوم يوم الأربعاء يوم عرفة في أرض عرفات فحمل إلى مكة فطيف به البيت ودفن يوم النحر إلى جنب قبر الفضيل بن عياض رضي الله عنهما وممن روى عنه ابن ناصر والسلفي قاله ابن رجب
وفيها أبو بكر أحمد بن المظفر بن سوسن التمار ببغداد روى عن الحرقي وابن شاذان وضعفه شجاع الذهلي وتوفي في صفر عن اثنتين وتسعين سنة
وفيها أبو الفتيان عمر بن عبد الكريم الدهستاني بكسر الدال المهملة والهاء وسكون المهملة وفوقية نسبة إلى دهستان مدينة عند مازندران الحافظ الرواسي طوف خراسان والعراق والشام ومصر وكتب ما لا يوصف وروى عن أبي عثمان الصابوني وطبقته وتوفي بسرخس قال ابن ناصر الدين كان ثقة في نقله لكنه حدث بطوس بصحيح مسلم من غير أصله
وفيها أبو سعد المطرز محمد بن محمد بن محمد الأصبهاني في شوال عن نيف وتسعين سنة سمع الحسين بن إبراهيم الحمال وأبا علي غلام محسن وابن عبد كويه وهو أكبر شيخ للحافظ أبي موسى المديني سمع منه حضورا

سنة أربع وخمسمائة

فيها أخذت الفرنج بيروت بالسيف ثم أخذوا صيداء بالأمان
وفيها توفي إسماعيل بن أبي الحسين عبد الغافر بن محمد الفارسي ثم النيسابوري أبو عبد الله روى عن أبي حيان المزكي وعبد الرحمن بن حمدان النصروي


وطبقتهما ورحل فأدرك أبا محمد الجوهري ببغداد توفي في ذي القعدة عن إحدى وثمانين سنة
وفيها أبو يعلى حمزة بن محمد بن علي البغدادي أخو طراد الزينبي توفي في رجب وله سبع وتسعون سنة والعجب كيف لم يسمع من هلال الحفار روى عن أبي العلاء محمد بن علي الواسطي وجماعة قاله في العبر
وفيها أبو الحسن الكيا الهراسي والكيا بهمزة مكسورة ولام ساكنة ثم كاف مكسورة بعدها ياء مثناة من تحت معناه الكبير بلغة الفرس والهراسي براء مشددة وسين مهملة لا تعلم نسبته لأي شيء علي بن محمد بن علي الطبرستاني الشافعي عماد الدين شيخ الشافعية ببغداد تفقه على إمام الحرمين وكان فصيحا مليحا مهيبا نبيلا قدم بغداد ودرس بالنظامية وتخرج به الأصحاب وعاش أربعا وخمسين سنة قال ابن خلكان ذكره الحافظ عبد الغافر في تاريخ نيسابور فقال كان من رؤس معيدي إمام الحرمين في الدرس وكان ثاني أبي حامد الغزالي بل أفضل وأصلح وأطيب في الصوت والنظر ثم اتصل بخدمة محمد الملك بركياروق بن ملكشاه السلجوقي وحظي عنده بالمال والجاه وارتفع شأنه وتولى القضاء بتلك الدولة وكان محدثا يستعمل الأحاديث في مناظراته ومجالسته ومن كلامه إذا جالت فرسان الأحاديث في ميادين الكفاح طارت رءوس المقاييس في مهاب الرياح وحدث الحافظ أبو طاهر السلفي استفتيت شيخنا الكيا الهراسي ما يقول الإمام وفقه الله تعالى في رجل أوصى بثلث ماله للعلماء والفقهاء أتدخل كتبة الحديث تحت هذه الوصية أم لا فكتب الشيخ تحت السؤال نعم كيف لا وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم من حفظ على أمتي أربعين حديثا من أمر دينها بعثه الله يوم القيامة فقيها عالما وسئل ألكيا أيضا عن يزيد بن معاوية فقال أنه لم يكن من الصحابة لأنه ولد في أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأما قول السلف ففيه لأحمد


قولان تلويح وتصريح ولمالك فيه قولان تلويح وتصريح ولأبي حنيفة قولان تلويح وتصريح ولنا قول واحد تصريح دون التلويح وكيف لا يكون كذلك وهو اللاعب بالنرد والمتصيد بالفهود ومدمن الخمر وشعره في الخمر معلوم ومنه قوله
( أقول لصحب ضمت الكأس شملهم ** وداعي صبابات الهوى يترنم )
( خذوا بنصيب من نعيم ولذة ** وكل وإن طال المدى يتصرم )
وكتب فصلا طويلا ثم قلب الورقة وكتب لو مددت ببياض لمددت العنان في مخازي هذا الرجل وقد أفتى الإمام أبو حامد الغزالي في مثل هذه المسألة بخلاف ذلك قال ابن الأهدل أفتى الغزالي بخلاف جواب الكيا وتضمن جوابه أنه وإن غلب الظن بقرائن حاله أنه رضي قتل الحسين أو أمر به فلا يجوز لعنه ويجعل كمن فعل كبيرة وأفتى ابن الصلاح بنحوه وأقرهما اليافعي قلت الحاصل من ذلك أن يزيد إن صح عنه ما جرى منه على الحسين وآله من المثلة وتقليب الرأس الكريم بين يديه وإنشاده الشعر في ذلك مفتخرا فذلك دليل الزندقة والانحلال من الدين فإن مثل هذا لا يصدر من قلب سليم وقد كفره بعض المحدثين وذلك موقوف على استحلاله لذلك والله أعلم وقال الإمام التفتازاني أما رضا يزيد بقتل الحسين وإهانته أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فمما يقطع به وإن كان تفصيله آحادا فلا يتوقف في كفره لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه
انتهى كلام ابن الأهدل
وقال ابن خلكان كانت ولادة الكيا في ذي القعدة سنة خمسين وأربعمائة وتوفي يوم الخميس وقت العصر مستهل المحرم سنة أربع وخمسمائة ببغداد ودفن في تربة الشيخ أبي إسحق الشيرازي وحضر دفنه الشريف أبو طالب الزيني وقاضي القضاة أبو الحسن بن الدامغاني وكانا مقدمي الطائفة الحنفية وكان بينه وبينهما في حال الحياة منافسة فوقف أحدهما


عند رأسه والآخر عند رجليه فقال ابن الدامغاني متمثلا
( وما تغني النوادب والبواكي ** وقد أصبحت مثل حديث أمس )
وأنشد الزينبي متمثلا
( عقم النساء فلم يلدن شبيهه ** إن النساء بمثله عقم )
انتهى ملخصا وقال السبكي له كتاب شفاء المسترشدين ونقض مفردات أحمد وكتب في أصول الفقه
وفيها أبو الحسين الخشاب يحيى بن علي بن الفرج المصري شيخ قرأ بالروايات على ابن نفيس وأبي الطاهر إسماعيل بن خلف وأبي الحسين الشيرازي وتصدر للإقراء

سنة خمس وخمسمائة

فيها توفي أبو محمد بن الأبنوسي عبد الله بن علي البغدادي الوكيل المحدث أخو الفقيه أحمد بن علي سمع من أبي القاسم التنوخي والجوهري وتوفي في جمادى الأولى
وفيها أبو الحسن العلاف علي بن محمد بن علي بن محمد البغدادي الحاجب مسند العراق وآخر من روى عن الحمامي وكان يقول ولدت في المحرم سنة ست وأربعمائة وسمعت من أبي الحسين بن بشران وتوفي في المحرم عن مائة إلا سنة وكان أبوه واعظا مشهورا
وفيها الإمام زين الدين حجة الإسلام أبو حامد محمد بن محمد بن محمد بن أحمد الطوسي الشافعي أحد الأعلام تلمذ لإمام الحرمين ثم ولاه نظام الملك تدريس مدرسته ببغداد وخرج له أصحاب وصنف التصانيف مع التصون والذكاء المفرط والاستبحار في العلم وبالجملة ما رأى الرجل مثل نفسه توفي في رابع عشر جمادى الآخرة بالطابران قصبة بلاد طوس وله خمس وخمسون

سنة
والغزالي هو الغزال وكذا العطاري والخبازي على لغة أهل خراسان قاله في العبر وقال الأسنوي في طبقاته الغزالي إمام باسمه تنشرح الصدور وتحيا النفوس وبرسمه تفتخر المحابر وتهتز الطروس وبسماعه تخشع الأصوات وتخضع الرؤس ولد بطوس سنة خمسين وأربعمائة وكان والده يغزل الصوف ويبيعه في حانوته فلما احتضر أوصى به وبأخيه أحمد إلى صديق له صوفي صالح فعلمهما الخط وأدبهما ثم نفد منه ما خلفه أبوهما وتعذر عليه القوت فقال لكما أن تلجآ إلى المدرسة قال الغزالي فصرنا إلى المدرسة نطلب الفقه لتحصيل القوت فاشتغل بها مدة ثم ارتحل إلى أبي نصر الإسماعيلي بجرجان ثم إلى إمام الحرمين بنيسابور فاشتغل عليه ولازمه حتى صار أنظر أهل زمانه وجلس للإقراء في حياة إمامه وصنف وكان الإمام في الظاهر يظهر التبجح به وفي الباطن عنده منه شيء لما يصدر منه من سرعة العبارة وقوة الطبع وينسب إليه تصنيفان ليساله بل وضعا عليه وهما السر المكتوم والمضنون به على غير أهله وينسب إليه شعر فمن ذلك ما نسبه إليه ابن السمعاني في الذيل والعماد الأصبهاني في الخريدة
( حلت عقارب صدغه في خده ** قمرا فجل به عن التشبيه )
( ولقد عهدناه يحل ببرجها ** فمن العجائب كيف حلت فيه )
وأنشد العماد له أيضا
( هبني صبوت كما ترون بزعمكم ** وحظيت منه بلثم ثغر أزهر )
( إني اعتزلت فلا تلوموا أنه ** أضحى يقابلني بوجه أشعري )
فلما مات إمامه خرج إلى العسكر وحضر مجلس نظام الملك وكان مجلسه محط رحال العلماء ومقصد الأئمة والفصحاء فوقع للغزالي أمور تقتضي علو شأنه من ملاقاة الأئمة ومجاراة الخصوم اللد ومناظرة الفحول ومناطحة الكبار فأقبل عليه نظام الملك وحل منه محلا عظيما فعظمت

منزلته وطار اسمه في الآفاق وندب للتدريس بنظامية بغداد سنة أربع وثمانين فقدمها في تجمل كبير وتلقاه الناس ونفذت كلمته وعظمت حشمته حتى غلبت على حشمة الأمراء والوزراء وضرب به المثل وشدت إليه الرحال إلى أن شرفت نفسه عن رذائل الدنيا فرفضها وأطرحها وأقبل على العبادة والسياحة فخرج إلى الحجاز في سنة ثمان وثمانين فحج ورجع إلى دمشق واستوطنها عشر سنين بمنارة الجامع وصنف فيها كتبا يقال أن الإحياء منها ثم صار إلى القدس والإسكندرية ثم عاد إلى وطنه بطوس مقبلا على التصنيف والعبادة وملازمة التلاوة ونشر العلم وعدم مخالطة الناس ثم أن الوزير فخر الدين بن نظام الملك حضر إليه وخطبه إلى نظامية نيسابور وألح عليه كل الإلحاح فأجاب إلى ذلك وأقام عليه مدة ثم تركه وعاد إلى وطنه على ما كان عليه وابتنى إلى جواره خانقاه للصوفية ومدرسة للمشتغلين ولزم الانقطاع ووظف أوقاته على وظائف الخير بحيث لا يمضي لحظة منها إلا في طاعة من التلاوة والتدريس والنظر في الأحاديث خصوصا البخاري وإدامة الصيام والتهجد ومجالسة أهل القلوب إلى أن انتقل إلى رحمة الله تعالى وهو قطب الوجود والبركة الشاملة لكل موجود وروح خلاصة أهل الإيمان والطريق الموصلة إلى رضا الرحمن يتقرب إلى الله تعالى به كل صديق ولا يبغضه إلا ملحد أو زنديق قد انفرد في ذلك العصر عن أعلام الزمان كما انفرد في هذا الفصل فلم يترجم فيه معه في الأصل لإنسان
انتهى كلام الأسنوي وقال ابن قاضي شهبة ومن تصانيفه ( ) البسيط وهو كالمختصر للنهاية والوسيط ملخص منه وزاد فيه أمورا من الإبانة للفوراني ومنها أخذ هذا الترتيب الحسن الواقع في كتبه وتعليق القاضي حسين والمهذب واستمداده منه كثير كما نبه عليه في المطلب ومن تصانيفه أيضا الوجيز والخلاصة مجلد دون التنبيه وكتاب الفتاوى له مشتمل

على مائة وتسعين مسئلة وهي غير مرتبة وله فتاوى أخرى غير مشهورة أقل من تلك وصنف في الخلاف المآخذ جمع مأخذ ثم صنف كتابا آخر في الخلاف سماه تحصيل المأخذ وصنف في المسئلة السريجية مصنفين اختار في أحدهما عدم وقوع الطلاق وفي الآخر الوقوع وكتاب الإحياء وهو الأعجوبة العظيم الشأن وبداية الهداية في التصوف والمستصفى في أصول الفقه والجام العوام عن علم الكلام والرد على الباطنية ومقاصد الفلاسفة وتهافت الفلاسفة وجواهر القرآن وشرح الأسماء الحسنى ومشكاة الأنوار والمنقذ من الضلال وغير ذلك انتهى وذكر الشيخ علاء الدين علي بن الصيرفي في كتابه زاد السالكين أن القاضي أبا بكر بن العربي قال رأيت الإمام الغزالي في البرية وبيده عكازة وعليه مرقعة وعلى عاتقه ركوة وقد كنت رأيته ببغداد يحضر مجلس درسه نحو أربعمائة عمامة من أكابر الناس وأفاضلهم يأخذون عنه العلم قال فدنوت منه وسلمت عليه وقلت له يا إمام أليس تدريس العلم ببغداد خير من هذا قال فنظر إلي شزرا وقال لما طلع بدر السعادة في فلك الإرادة أو قال سماء الإرادة وجنحت شمس الوصول في مغارب الأصول
( تركت هوى ليلى وسعدى بمعزل ** وعدت إلى تصحيح أول منزل )
( ونادت بي الأشواق مهلا فهذه ** منازل من تهوى رويدك فانزل )
( غزلت لهم غزلا دقيقا فلم أجد ** لغزلي نساجا فكسرت مغزلي )
انتهى

سنة ست وخمسمائة

فيها توفي أبو غالب أحمد بن محمد بن أحمد الهمداني العدل روى عن أبي

سعيد عبد الرحمن بن شبابة وجماعة أو توفي في العام الآتي
قاله في العبر
وفيها أبو القاسم إسماعيل بن الحسن السنجبستي بفتح السين المهملة والجيم والموحدة وسكون النون والمهملة الثانية وفوقية نسبة إلى سنجبست منزل بين نيسابور وسرخس الفرائضي توفي في صفر بسنجبست روى عن أبي بكر الحيري وأبي سعيد الصيرفي وعاش خمسا وتسعين سنة
وفيها الفضل بن محمد بن عبيد القشيري النيسابوري الصوفي العدل روى عن أبي حسان المزكي وعبد الرحمن بن النصروي وطائفة وعاش خمسا وثمانين سنة وهو أخو عبيد القشيري
وفيها أبو سعد المعمر بن علي بن المعمر بن أبي عمارة البقال البغدادي الحنبلي الفقيه الواعظ ريحانة البغداديين ولد سنة تسع وعشرين وأربعمائة وسمع من ابن غيلان والخلال والجوهري والأزجي وغيرهم وكان فقيها مفتيا واعظا بليغا فصيحا له قبول تام وجواب سريع وخاطر حاد وذهن بغدادي وكان يضرب به المثل في حدة الخاطر وسرعة الجواب بالمجون وطيب الخلق وله كلمات في الوعظ حسنة ورسائل مستحسنة وجمهور وعظه حكايات السلف وكان يحصل بوعظه نفع كبير وكان في زمن أبي علي بن الوليد شيخ المعتزلة يجلس في مجلسه ويلعن المعتزلة وخرج مرة فلقي مغنية قد خرجت من عند تركي فقبض على عودها وقطع أوتاره فعادت إلى التركي فأخبرته فبعث من كبس دار أبي سعد وأفلت هو فاجتمع بسبب ذلك الحنابلة وطلبوا من الخليفة إزالة المنكرات كلها فأذن لهم في ذلك وكان أبو سعد يعظ بحضرة الخليفة والملوك ووعظ يوما نظام الملك الوزير بجامع المهدي فقال من جملة ما قال لما تقلدت أمور البلاد وملكت أزمة العباد اتخذت الأبواب والبواب والحجاب والحجاب ليصدوا عنك القاصد ويردوا عنك الوافد فاعمر قبرك كما عمرت قصرك وانتهز الفرصة

ما دام الدهر يقبل عذرك وهذا ملك الهند وهو عابد صنم ذهب سمعه فقال ما حسرتي لذهاب هذه الجارحة من بدني ولكن تأسفي لصوت المظلوم لا أسمعه فأعينه ثم قال إن كان ذهب سمعي فما ذهب بصري فليؤمر كل ذي ظلامة أن يلبس الأحمر حتى إذا رأيته عرفته فأنصفه وهذا أنوشروان قال له رسول الروم لقد أقدرت عدوك عليك بتسهيل الوصول إليك فقال إنما أجلس هذا المجلس لأكشف ظلامة وأقضي حاجة وأنت يا صدر الإسلام أحق بهذه المأثرة وأولى بهذه وأحرى فأعد جوابا لتلك المسئلة فإن السائل الله تعالى الذي تكاد السموات يتفطرن منه في موقف ما فيه إلا خاشع أو خاضع أو مقنع فينخلع فيه القلب ويحكم فيه الرب ويعظم فيه الكرب ويشيب فيه الصغير ويعذل فيه الملك والوزير يوم يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا وقد استجلبت لك الدعاء وخلدت لك الثناء مع براءتي من التهمة فليس لي بحمد الله تعالى في أرض الله ضبعة ولا قرية ولا بيني وبين أحد خصومة ولا بي بحمد الله فقر ولا فاقة فلما سمع نظام الملك هذه الموعظة بكى بكاء شديدا وأمر له بمائة دينار فأبى أن يأخذها فقال فصلها إلى الفقراء فقال هم على بابك أكثر منهم على بابي ولم يأخذ شيئا
وتوفي أبو سعد يوم الاثنين ثامن عشرى ربيع الأول ودفن من الغد بمقبرة باب حرب رحمه الله تعالى
وفيها جعفر بن الحسن الدرزيجاني بفتح الدال المهملة وسكون الراء وكسر الزاي وتحتية ساكنة وجيم نسبة إلى درزيجان قرية ببغداد المقرئ الفقيه الزاهد ذكره القاضي أبو الحسين فيمن تفقه على أبيه وسمع الحديث وقال ابن شافع هو الأمار بالمعروف والنهاء عن المنكر ذو المقامات المشهودة في ذلك والمهيب بنور الأيمان واليقين لدى الملوك والمتصرفين صحب القاضي

أبا يعلى وتفقه عليه ثم تميم على صاحبه الشريف أبي جعفر وختم عليه القرآن خلق لا يحصون كثرة وكان من عباد الله الصالحين لا تأخذه في الله لومة لائم مهيبا وقورا له حرمة عند الملوك والسلاطين ولا يتجاسر أحد أن يقدم عليه إذا أنكر منكرا وله المقامات المشهودة في ذلك مداوما للصيام والتهجد والقيام وله ختمات كثيرة جدا كل ختمة منها في ركعة واحدة وسمع الحديث من أبي علي بن البناء وتوفي في الصلاة ساجدا في شهر ربيع الآخر بدرزيجان رحمه الله تعالى

سنة سبع وخمسمائة

فيها توفي أبو بكر الحلواني أحمد بن علي بن بدران ويعرف بحالوية ثقة زاهد متعبد روى عن القاضي أبي الطيب الطبري وطائفة
وفيها رضوان صاحب حلب بن تاج الدولة تتش بن الب أرسلان السلجوقي ومنه أخذت الفرنج أنطاكية وملك بعده ابنه الب أرسلان الأخرس
وفيها الحافظ بن شجاع بن فارس أبو غالب الذهلي السهرودي بضم السين المهملة وسكون الهاء وفتح الراء والواو وسكون الراء ومهملة نسبة إلى سهرورد بلد عند زنجان ثم البغدادي وله تسع وسبعون سنة نسخ ما لا يدخل تحت الحصر من التفسير والحديث والفقه لنفسه وللناس حتى أنه كتب شعر ابن الحجاج سبع مرات وروى عن ابن غيلان وعبد العزيز الأزجي وخلق وتوفي في جمادى الأولى قال ابن ناصر الدين هو حافظ عمدة إمام
وفيها عبد الله بن مرزوق أبو الخير الأصم الهروي مولى شيخ الإسلام أبي إسماعيل الأنصاري كان من الحفاظ الزهاد المتقنين
قاله ابن ناصر الدين
وفيها الشاشي المعروف بالمستظهري فخر الإسلام أبو بكر محمد بن أحمد بن الحسين شيخ الشافعية ولد بميافارقين سنة تسع وعشرين وتفقه على

محمد بن بيان الكازروني ثم لزم ببغداد الشيخ أبا إسحق وابن الصباغ وصنف وأفتى وولى تدريس النظامية وتوفي في شوال ودفن عند الشيخ أبي إسحق وقيل معه في قبر واحد ومن تصانيفه حلية العلماء وسماه المستظهري وغيره وانتهت إليه رياسة الشافعية بعد انقراض مشايخه فكان ينشد
( خلت الديار فسدت غير مسود ** ومن العناء تفردي بالسؤدد )
ذكره في بعض دروسه ووضع المنديل على عينيه وبكى بكاء شديدا قال ابن شهبة كان مهيبا وقورا متواضعا ورعا وكان يلقب بين الطلبة في حداثته بالجنيد لشدة ورعه وله شعر حسن وقع بينه وبين الدامغاني فأنشأ فيه الشاشي
( حجاب وإعجاب وفرط تصلف ** ومد يد نحو العلا بتكلف )
( ولو كان هذا من وراء كفاية ** لهان ولكن من وراء تخلف )
ومن تصانيفه الشافي في شرح الشامل في عشرين مجلدا ومات وقد بقي منه نحو الخمس وكتاب الحلية في مجلدين وذكر فيه خلافا كثيرا للعلماء صنفه للخليفة المستظهر بالله ولذلك يلقب بالمستظهري وتصنيف لطيف في السريجية واختار فيه عدم الوقوع
انتهى ملخصا
وفيها أبو منصور علي بن محمد بن علي بن إسماعيل الأنباري القاضي الفقيه الحنبلي الواعظ ولد يوم الخميس خامس عشرى ذي الحجة سنة خمس وعشرين وأربعمائة وقرأ القرآن على ابن الشرمقاني وسمع الحديث من أبي طالب بن غيلان والجوهري وأبي إسحق البرمكي وأبي بكر بن بشران وغيرهم وسمع من القاضي أبي يعلى وتفقه عليه حتى برع في الفقه وأفتى ووعظ وكان مظهرا للسنة في مجالسه وشهد عند ابن الدامغاني وأبي بكر السامي وغيرهما وولى القضاء بباب الطاق وحدث وانتشرت الرواية عنه روى عنه عبد الوهاب الأنماطي والسلفي وغيرهما وتوفي يوم السبت رابع عشرى جمادى الآخرة ودفن من الغد بمقبرة باب حرب وتبعه من الخلق ما لا يحصى كثرة

ولا يعدهم إلا أسرع الحاسبين
قاله ابن رجب
وفيها أبو الفضل محمد بن طاهر بن علي بن أحمد الشيباني المقدسي الحافظ القيسراني ذو الرحلة الواسعة والتصانيف والتعاليق عاش ستين سنة وسمع بالقدس أولا من ابن ورقاء وببغداد من أبي محمد الصريفيني وبنيسابور من الفضل بن المحب وبهراة من بيبي وبأصبهان وشيراز والري ودمشق ومصر من هذه الطبقة وكان من أسرع الناس كتابة وأذكاهم وأعرفهم بالحديث والله يرحمه ويسامحه
قاله الذهبي وقال إسماعيل محمد بن الفضل الحافظ أحفظ من رأيت محمد بن طاهر وقال السلفي سمعت ابن طاهر يقول كتبت البخاري ومسلم وأبا داود وابن ماجه سبع مرات بالوراقة وقال الحافظ ابن ناصر الدين كان حافظا مكثرا جوالا في البلاد كثير الكتابة جيد المعرفة ثقة في نفسه حسن الانتقاد ولولا ما ذهب إليه من إباحة السماع لانعقد على ثقته الإجماع
وفيها أبو المظفر الأبيوردي بفتح الهمزة وكسر الباء الموحدة وسكون الياء التحتية وفتح الواو وسكون الراء وبعدها دال مهملة نسبة إلى أبيورد ويقال لها أبا ورد وباورد وهي بلدة بخراسان محمد بن أبي العباس أحمد بن إسحق الأموي المعاوي اللغوي الشاعر الأخباري النسابة صاحب التصانيف والبلاغة والفصاحة وكان رئيسا عالي الهمة ذا بأو وتيه وصلف وتوفي بأصبهان مسموما
قاله في العبر وقال ابن خلكان كان من الأدباء المشاهير راوية نسابة شاعرا ظريفا قسم ديوانه إلى أقسام منها العراقيات ومنها

الوجديات ومنها النجديات وغير ذلك وكان من أخبر الناس بعلم الأنساب نقل عنه الحفاظ الأثبات الثقات وقد روى عنه أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي في غير موضع من كتابه الذي وضعه في الأنساب وقال في حقه في ترجمة المعاوي أنه كان أوحد أهل زمانه في علوم عدة وقد أوردنا عنه في غير موضع من هذا الكتاب أشياء وكان يكتب في نسبه المعاوي وأليق ما وصف به بيت أبي العلاء المعري
( وإني وإن كنت الأخير زمانه ** لآت بما لم تستطعه الأوائل )
انتهى كلام المقدسي وذكره أبو زكريا بن مندة في تاريخ أصبهان فقال فخر الرؤساء أفضل الدولة حسن الاعتقاد جميل الطريقة يتصرف في فنون جمة من العلوم عارف بأنساب العرب فصيح الكلام حاذق في تصنيف الكتب وافر العقل كامل الفضل فريد دهره ووحيد عصره وكان فيه تيه وكبر وعزة نفس وكان إذا صلى يقول اللهم ملكني مشارق الأرض ومغاربها
وذكر عنه ابن السمعاني أنه كتب رقعة إلى أمير المؤمنين المستظهر بالله وعلى رأسها الخادم المعاوي فكره الخليفة النسبة إلى معاوية فحك الميم ورد الرقعة إليه فصار العاوي
ومن محاسن شعره
( ملكنا أقاليم البلاد فأذعنت ** لنا رغبة أو رهبة عظماؤها )
( فلما انتهت أيامنا علقت بنا ** شدائد أيام قليل رجاؤها )
( وكان إلينا في السرور ابتسامها ** فصار علينا في الهموم بكاؤها )
( وصرنا نلاقي النائبات بأوجه ** رقاق الحواشي كاد يقطر ماؤها )
( إذا ما هممنا أن نبوح بما جنت ** علينا الليالي لم يدعنا حياؤها )
وقوله أيضا
( تنكر بي دهري ولم يدر أنني ** أعز وأحداث الزمان تهون )
( فبات يريني الخطب كيف اعتداؤه ** وبت أريه الصبر كيف يكون )


ومن شعره
( وهيفاء لا أصغي إلى من يلومني ** عليها ويغريني بها أن أعيبها )
( أميل بإحدى مقلتي إذا بدت ** إليها وبالأخرى أراعي رقيبها )
( وقد غفل الواشي فلم يدر أنني ** أخذت لعيني من سليمى نصيبها )
ومن معانيه البديعة قوله من جملة أبيات في وصف الخمرة
( ولها من ذاتها طرب ** فلهذا يرقص الحبب )
وله من قصيدة
( فسد الزمان فكل من صاحبته ** داج ينافق أو مداج خاشي )
( وإذا اختبرتهم ظفرت بباطن ** متهجم وبظاهر هشاش )
وله تصانيف كثيرة منها تاريخ ابيورد ونسا والمختلف والمؤتلف في أنساب العرب وله في اللغة مصنفات لم يسبق إلى مثلها وكان حسن السيرة جميل الأمر وكانت وفاته يوم الخميس بين الظهر والعصر عشرى ربيع الأول مسموما بأصبهان
انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا
وفيها ابن الليابة أبو بكر محمد بن عيسى اللخمي الأندلسي الأديب من جملة الأدباء وفحول الشعراء له تصانيف عديدة في الآداب وكان من شعراء دولة المعتمد بن عباد
قاله في العبر
وفيها المؤتمن بن أحمد بن علي بن نصر الربعي البغدادي الحافظ ويعرف بالساجي حافظ محقق واسع الرحلة كثير الكتابة متين الورع والديانة روى عن أبي الحسين بن النقور وأبي بكر الخطيب وطبقتهما بالشام والعراق وأصبهان وخراسان وتفقه وكتب الشامل عن مؤلفه ابن الصباغ وتوفي في صفر عن اثنتين وستين سنة وكان قانعا متعففا
وفيها كما قال السيوطي في تاريخ الخلفاء جاء صاحب الأندلس مودود

بعسكر ليقاتل ملك الفرنج الذي بالقدس فوقع بينهم معركة هائلة ثم رجع مودود إلى دمشق فصلى الجمعة يوما في الجامع وإذا بباطني وثب عليه فجرحه فمات من يومه فكتب ملك الفرنج إلى صاحب دمشق كتابا فيه وإن أمة قتلت عميدها في يوم عيدها في بيت معبودها لحقيق على الله أن يبيدها
انتهى كلام السيوطي ومودود هذا غير مودود الأعرج صاحب الموصل أيضا فإن ذاك توفي سنة خمس وستين وخمسمائة كما يأتي إن شاء الله تعالى

سنة ثمان وخمسمائة

فيها كما قال في الشذور ورد كتاب أنه حدث زلزلة فوقع من سور الرها ثلاثة عشر برجا وبعض سور حران وخسف بسميساط وتساقط في بالس نحو مائة دار وقلب نصف القلعة
وفيها هلك بغدوين صاحب القدس من جراحة أصابته يوم مصاف طبرية
وفيها مات أحمد بك صاحب مراغة وكان شجاعا جوادا وعسكره خمسة آلاف فتكت به الباطنية
وفيها أحمد بن محمد بن غلبون أبو عبد الله الخولاني القرطبي ثم الإشبيلي وله تسعون سنة سمعه أبوه معه من عثمان بن أحمد القيشاطي وطائفة وأجاز له

يونس بن عبد الله بن مغيث وأبو عمر الطلمنكي وأبو ذر الهروي والآبار وكان صالحا خيرا عالي الإسناد منفردا وفيها أبو حازم إسماعيل بن المبرك بن أحمد بن محمد بن وصيف البغدادي الفقيه الحنبلي ولد سنة خمس وثلاثين وأربعمائة وقرأ الفقه على القاضي أبي يعلى وسمع من أبي العشارى والجوهري وروى عنه ابن المعمري الأنصاري وبالإجازة ابن كليب وتوفي في رجب
وفيها أبو العباس المخلطي بالضم وفتح الخاء واللام المشددة نسبة إلى بيع المخلط وهو الفاكهة اليابسة أحمد بن الحسن بن أحمد البغدادي الفقيه الحنبلي صحب القاضي أبا يعلى وتفقه عليه ولازمه وسمع منه الحديث وكتب الخلاف وغيره من تصانيفه وسمع أيضا من أبي الحسين بن المهتدي وابن المسلمة وغيرهم وحدث عنهم قال ابن ناصر الحافظ وسمعت منه قال وكان رجلا صالحا من أهل القرآن والستر والصيانة ثقة مأمونا توفي ليلة الأربعاء ثاني عشر جمادى الأولى ودفن من الغد بمقبرة باب حرب رحمه الله تعالى
وفيها أبو علي إسماعيل بن محمد بن الحسن بن داود الأصبهاني الخياط الفقيه الحنبلي دخل بغداد سنة سبع وخمسمائة وحدث بها عن والده وعن أبي بكر محمد بن أحمد بن الحسن بن ماجه وأبي مطيع المصري وغيرهم سمع منه أبو منصور محمد بن ناصر البردني وقال كان من الأئمة الكبار وهو أخو أبي سعد محمد بن أحمد بن داود قال ابن النجار قرأت بخط أخيه أبي سعيد توفي أخي أبو علي إسماعيل في العشر الآخر من جمادى الآخرة سنة ثمان وخمسمائة رحمه الله تعالى
وفيها ألب أرسلان صاحب حلب وابن صاحبها رضوان بن تتش السلجوقي التركي تملك وله ست عشرة سنة فقتل أخويه بتدبير البابا لولو وقتل جماعة من الباطنية وكانوا قد كثروا في دولة أبيه ثم قدم دمشق ونزل

بقلعتها ثم رجع وفي خدمته طغتكين وكان سيئ السيرة فاسقا فقتله البابا وأقام أخا له طفلا له ست سنين ثم قتل البابا سنة عشر
وفيها أبو الوحش سبيع بن المسلم الدمشقي المقرئ الضرير ويعرف بابن قيراط قرأ لابن عامر علي الأهوازي ورشأ وروى الحديث عنهما وعن عبد الوهاب بن برهان وكان يقرئ من السحر إلى الظهر توفي في شعبان عن تسع وثمانين سنة
وفيها النسيب أبو القاسم علي بن إبراهيم بن العباس الحسيني الدمشقي الخطيب الرئيس المحدث صاحب الأجزاء العشرين التي خرجها له الخطيب توفي في ربيع الآخر عن أربع وثمانين سنة قرأ على الأهوازي وروى عنه وعن سليم ورشأ وخلق وكان ثقة نبيلا محتشما مهيبا سديدا شريفا صاحب حديث وسنة
وفيها السلطان علاء الدولة مسعود صاحب الهند وغزنة ولد السلطان إبراهيم بن السلطان مسعود بن السلطان الكبير محمود بن سبكتكين مات في شوال وتملك بعده ولده أرسلان شاه

سنة تسع وخمسمائة

فيها توفي ابن مسلمة أبو عثمان إسماعيل بن محمد الأصبهاني الواعظ المحتسب صاحب تلك المجالس قال ابن ناصر وضع حديثا وكان يخلط وقال الذهبي وروى عن ابن ريذة وجماعة
وفيها أبو شجاع الديلمي شيرويه بن شهردار بن شيرويه بن فناخسرو بفاء ونون وخاء معجمة وسين وراء مهملتين بعدهما واو الهمذاني الحافظ صاحب

كتاب الفردوس وتاريخ همذان وغير ذلك توفي في رجب عن أربع وسبعين سنة وغيره أتقن منه سمع الكثير من يوسف بن محمد المستملى وطبقته وقال ابن شهبة في طبقات الشافعية هو من ولد الضحاك بن فيروز الصحابي ذكره ابن الصلاح فقال كان محدثا واسع الرحلة حسن الخلق والخلق ذكيا صلبا في السنة قليل الكلام صنف تصانيف اشتهرت عنه منها كتاب الفردوس وكتاب في حكايات المنامات وكتاب في تاريخ همذان ولد سنة خمس وأربعين وأربعمائة وتوفي في رجب سنة تسع وخمسمائة
انتهى
وفيها غيث بن علي أبو الفرج الصوري الأرمنازي خطيب صور ومحدثها روى عن أبي بكر الخطيب ورحل إلى دمشق ومصر وعاش ستا وستين سنة
وفيها الشريف أبو يعلى بن الهبارية بفتح الهاء وتشديد الباء الموحدة وبعد الألف راء نسبة إلى هبار جد أبي يعلى المذكور محمد بن محمد بن صالح الهاشمي الشاعر المشهور الهجاء الملقب نظام الدين البغدادي كان شاعرا مجيدا حسن المقاصد لكنه خبيث اللسان كثير الهجاء والوقوع في الناس لا يكاد يسلم من لسانه أحد ذكره العماد الكاتب في الخريدة فقال من شعراء نظام الملك غلب على شعره الهجاء والهزل والسخف وسبك في قالب ابن حجاج
وسلك أسلوبه وفاقه في الخلاعة والتلطف في شعره وشعره في غاية الحسن انتهى كلام العماد وكان ملازما لخدمة نظام الملك وولده ملكشاه
ومن معاني شعره الغريبة قوله
( قالوا أقمت وما رزقت وإنما ** بالسير يكتسب اللبيب ويرزق )
( فأجبتهم ما كل سير نافعا ** الحظ ينفع لا الرحيل المقلق )
( كم سفرة نفعت وأخرى مثلها ** خسرت ويكتسب الحريص ويخفق )
( كالبدر يكتسب الكمال بسيره ** وبه إذا حرم السعادة يمحق )
وله أيضا


( خذ جملة البلوى ودع تفصيلها ** ما في البرية كلها إنسان )
( وإذا البيادق في الدسوت تفرزنت ** فالرأي أن يتبيدق الفرزان )
وله على سبيل الخلاعة والمجون
( يقول أبو سعيد إذ رآني ** عفيفا منذ عام ما شربت )
( على يد أي شيخ تبت قل لي ** فقلت على يد الأفلاس تبت )
وله في المعنى أيضا
( رأيت في الليل وهي ممسكة ** ذقني وفي يدها شيء من الأدم )
( معوج الشكل مسود به نقط ** لكن أسفله في هيئة القدم )
( حتى تنبهت محمر القذال ولو ** طال المنام على الشيخ الأديب عمى )
وله كتاب تاريخ الفطنة في نظم كليلة ودمنة وديوان شعره يدخل في أربع مجلدات ومن غرائب نظمه كتاب الصادح والباغم نظمه على أسلوب كليلة ودمنة وهو أراجيز وعدد بيوته ألفا بيت نظمها في عشر سنين ولقد أجاد فيه كل الإجادة وسير الكتاب على يد ولده إلى الأمير أبي الحسن صدقة ابن منصور الأسدي صاحب الحلة وختمه بهذه الأبيات
( هذا كتاب حسن ** تحار فيه الفطن )
( أنفقت فيه مده ** عشر سنين عده )
( منذ سمعت باسمكا ** وضعته برسمكا )
( بيوته ألفان ** جميعها معان )
( لفضل كل شاعر ** وناظم وناثر )
( كعمر نوح التالد ** في نظم بيت واحد )
( من مثله لما قدر ** ما كل من قال شعر )
( أنفذته مع ولدي ** بل مهجتي وكبدي )
( وأنت عند ظني ** أهل لكل من )


( وقد طوى إليكا ** توكلا عليكا )
( مشقة شديده ** وشقة بعيده )
( ولو تركت جئت ** سعيا وما ونيت )
( إن الفخار والعلى ** أرتك من دون الورى )
فأجزل صلته وأسنى جائزته وتوفي ابن الهبارية بكرمان
وفيها أبو البركات بن السقطي هبة الله بن المبارك البغدادي الحنبلي اتهمه بالوضع ابن حجر في كتابه تبيين العجب بما ورد في شهر رجب وقال عن السقطي هذا آفة يعني في وضع الأحاديث قال في العبر أحد المحدثين الضعفاء له معجم في مجلد كذبه ابن ناصر
وفيها أبو البركات العسال محمد بن سعد بن سعيد المقرئ الحنبلي ابن الحنبلي ولد في ربيع الآخر سنة ستين وأربعمائة وقرأ بالروايات على رزق الله التميمي وغيره وسمع من أبي نصر الزينبي وأبي الغنائم وغيرهما وعلق الفقه على ابن عقيل وكان من القراء المجودين الموصوفين بحسن الأداء وطيب النغمة يقصد في رمضان لسماع قراءته في صلاة التراويح من الأماكن البعيدة وكان دينا صالحا صدوقا وسمع منه ابن ناصر والسلفي وقال كتب الحديث الكثير معنا وقبلنا وهو حنبلي المذهب علق الفقه على ابن عقيل وتوفي يوم الثلاثاء سابع رمضان
وفيها يحيى بن تميم بن المعز بن باديس السلطان أبو طاهر الحميري صاحب إفريقية نشر العدل وافتتح عدة حصون لم يتهيأ لأبيه فتحها وكان جوادا ممدحا عالما كثير المطالعة توفي فجاءة يوم الأضحى وخلف ثلاثين ابنا فتملك بعده ابنه علي ستة أعوام ومات فملكوا بعده ابنه الحسن بن علي وهو مراهق فامتدت دولته إلى أن أخذت الفرنج طرابلس الغرب بالسيف سنة إحدى وأربعين وخمسمائة فخاف وفر من المهدية والتجأ الى عبد المؤمن
قاله في العبر

سنة عشر وخمسمائة

فيها توفي أبو الكرم خميس بن علي الواسطي الحوزي نسبة إلى الحوز قرية قرب واسط الحافظ محدث واسط رحل وسمع ببغداد من أبي القاسم بن البسري وكان عالما فاضلا ثقة شاعرا
وفيها أبو بكر الشيروي بالكسر والضم نسبة إلى شيرويه جد عبد الغافر بن محمد بن حسين بن علي بن شيرويه النيسابوري التاجر مسند خراسان وآخر من حدث عن الحيري والصيرفي صاحبي الأصم توفي في ذي الحجة عن ست وتسعين سنة قال السمعاني كان صالحا عابدا رحل إليه من البلاد
وفيها أبو القاسم الرزاز علي بن أحمد بن محمد بن بيان مسند العراق وآخر من حدث عن أبي مخلد البزار وطلحة الكتاني والحرقي توفي في شعبان عن سبع وتسعين سنة
وفيها الغسال أبو الخير المبارك بن الحسين البغدادي المقرئ الأديب شيخ الإقراء ببغداد قرأ على أبي بكر محمد بن علي الخياط وجماعة وبواسط على غلام الهراس وحدث عن أبي محمد الخلال وجماعة ومات في جمادى الأولى عن بضع وثمانين سنة
وفيها أبو الخطاب محفوظ بن أحمد بن الحسن بن أحمد الكلواذي بفتح أوله والواو ومعجمة وسكون اللام نسبة إلى كلواذى قرية ببغداد ثم الأزجي شيخ الحنابلة صاحب التصانيف كان إماما علامة ورعا صالحا وافر العقل غزير العلم حسن المحاضرة جيد النظم تفقه على القاضي أبي يعلى وحدث عن الجوهري وتخرج به أئمة روى عنه ابن ناصر وأبو المعمر الأنصاري

وغيرهم وقرأ عليه الفقه جماعة من أئمة المذهب منهم عبد الوهاب بن حمزة وأبو بكر الدينوري والشيخ عبد القادر الجيلي الزاهد صاحب الغنية وغيرهم قال أبو بكر بن النقور كان الكيا الهراسي إذا رأى الشيخ أبا الخطاب مقبلا قال قد جاء الفقه وقال السلفي أبو الخطاب من أئمة أصحاب أحمد يفتي في مذهبه ويناظر وكان عدلا رضا ثقة وذكر ابن السمعاني أن أبا الخطاب جاءته فتوى في بيتي شعر وهما
( قل للإمام أبي الخطاب مسئلة ** جاءت إليك وما يرجى سواك لها )
) ماذا على رجل رام الصلاة فمذ ** لاحت لناظره ذات الجمال لها )
فكتب عليها أبو الخطاب
( قل للأديب الذي وافى بمسئلة ** سرت فؤادي لما أن أصخت لها )
( أن التي فتنته عن عبادته ** خريدة ذات حسن فانثني ولها )
( أن تاب ثم قضى عنه عبادته ** فرحمة الله تغشى من عصى ولها )
توفي رحمه الله تعالى في آخر يوم الأربعاء عشرى جمادى الآخرة وترك يوم الخميس وصلى عليه يوم الجمعة في جامع القصر ودفن إلى جانب قبر الإمام أحمد قال ابن رجب قرأت بخط أبي العباس بن تيمية في تعاليقه القديمة رؤى الإمام أبو الخطاب في المنام فقيل له ما فعل الله بك فأنشد
( أتيت ربي بمثل هذا ** فقال ذا المذهب الرشيد )
( محفوظ نم في الجنان حتى ** ينقلك السائق الشهيد )
وفيها أبو نصر محمد بن الحسن بن أحمد بن عبد الله بن البناء البغدادي الواعظ ولد في حادي عشرى صفر سنة أربع وثلاثين وأربعمائة وسمع من الجوهري وأبي بكر بن بشران والعشارى ووالده وغيرهم وتفقه على أبيه وروى عنه أبو المعمر الأنصاري وابن ناصر وأثنى عليه ووثقه وكان من أهل الدين والصدق والعلم والمعرفة وخلف أباه في حلقتيه بجامع القصر

وجامع المنصور وتوفي ليلة الأربعاء خامس عشر ربيع الأول ودفن بباب حرب
وفيها أبو طاهر الحناني محمد بن الحسين بن محمد الدمشقي من بيت الحديث والعدالة سمع أباه أبا القاسم ومحمد وأحمد ابني عبد الرحمن بن أبي نصر وابن سعدان وطائفة وتوفي في جمادى الآخرة عن سبع وسبعين سنة
وفيها أبي النرسي أبو الغنايم محمد بن علي بن ميمون الكوفي الحافظ القارئ لقب أبيا لجودة قراءته وكان ثقة مكثرا ذا إتقان روى عن محمد ابن علي بن عبد الرحمن العلوي وطبقته بالكوفة وعن أبي إسحق البرمكي وطبقته ببغداد وناب في خطابة الكوفة وكان يقول ما بالكوفة من أهل السنة والحديث إلا أنا وقال ابن ناصر كان حافظا متقنا ما رأينا مثله كان يتهجد ويقوم الليل وكان أبو عامر الغندري يثني عليه ويقول ختم به هذا الشأن توفي في شعبان عن ست وثمانين سنة وكان ينسخ ويتعفف
وفيها أبو بكر السمعاني تاج الإسلام محمد بن العلامة أبي المظفر منصور بن محمد التميمي المروزي الحافظ والد الحافظ أبي سعد كان بارعا في الحديث ومعرفته والفقه ودقائقه وكان شافعيا والأدب وفنونه والتاريخ والنسب والوعظ روى عن محمد بن أبي عمران الصفار ورحل فسمع ببغداد من ثابت بن بندار وطبقته وبنيسابور من نصر الله الخشنامي وطبقته وبأصبهان والكوفة والحجاز وأملى الكثير وتقدم على أقرانه وعاش ثلاثا وأربعين سنة قال عبد الغافر في الذيل هو الإمام ابن الإمام ابن الإمام ووالد الإمام شاب نشأ في عبادة الله تعالى وفي التحصيل من صباه حتى أرضى أباه حظي من الأدب والعربية وتميز فيهما نظما ونثرا بأعلى المراتب ثم برع في الفقه مستدرا خلافه من أبيه بالغا في المذهب والخلاف أقصى مراميه وزاد على أقرانه وأهل عصره بالتبحر في علم الحديث ومعرفة الرجال والأسانيد وحفظ المتون وجمعت فيه الخلال الجميلة من الإنصاف والتواضع والتودد وأطال في وصفه

كثيرا وذكره ولده في الذيل وقال من جملة كلام طويل صنف في الأحاديث تصانيف كثيرة ولد سنة ست وستين وأربعمائة وتوفي بمرو في صفر سنة عشر وخمسمائة وله شعر كثير قيل أنه غسله قبل موته وأن الذي ينسب إليه ما كان محفوظا عنه

سنة إحدى عشرة وخمسمائة

فيها كما قال في الشذور زلزلت بغداد يوم عرفة فكانت الحيطان تذهب وتجيء وكان عقيبها موت المستظهر
انتهى
وفيها كما قال في الدول جاء سيل عظيم عرم على سنجار هدم أسوارها وغرق خلق وحمل باب البلد مسيرة نصف يوم وطمره السيل سنوات وحمل السيل سريرا فيه طفل فعلق بزيتونة وعاش الطفل وكبر
وفيها مات بغدوين الذي افتتح القدس وكان جبارا خبيثا شجاعا هم بأخذ مصر وسار في جموعه حتى وصل بلبيس ثم رجع عليلا فمات بصنجة بردويل فشقوه وصبروه ورموا حشوته هناك فهي ترجم إلى اليوم ودفن بقمامة وتملك القدس بعده القمص صاحب الرها وكان قدم القدس زائرا فوصى بغدوين له بالملك بعده
انتهى كلام صاحب الدول
وفيها كما قال في العبر ترحلت العساكر عن حصار الباطنية بالألموت لما بلغهم موت السلطان محمد بن ملكشاه بن ألب أرسلان بن جعفر بيك بن ميكائيل بن سلجوق التركي غياث الدين أبو شجاع كان فارسا شجاعا فحلا ذا بر ومعروف استقل بالملك بعد موت أخيه بر كياروق وقد تمت لهما حروب عديدة وخلف محمد أربعة قد ولوا السلطنة محمود وسعود وطغرلبك وسليمان ودفن في ذي الحجة بأصبهان في مدرسة عظيمة للحنفية وقام بعده ابنه محمود ابن أربع عشرة سنة ففرق الأموال وقد خلف محمد أحد عشر ألف ألف دينار سوى ما يناسبها

من الحواصل وعاش ثمانيا وثمانين سنة سامحه الله تعالى
انتهى
وفيها توفي حمد بن نصر بن أحمد بن محمد بن عمر بن علي بن معروف الهمذاني الأعمش أبو العلاء كان ثقة عمدة حافظا
قاله ابن ناصر الدين
وفيها أبو نصر الكاساني بمهملة نسبة إلى كاسان بلد وراء الشاش أحمد بن إسماعيل بن نصر بن أبي سعيد أخذ عن جماعة من الأعيان بالعراق والحجاز وسمرقند وخراسان
وفيها أبو طاهر عبد الرحمن بن أحمد بن عبد القادر بن محمد بن يوسف اليوسفي البغدادي راوي سنن الدارقطني عن أبي بكر بن بشران عنه وكان رئيسا وافر الجلالة توفي في شوال عن ست وسبعين سنة
وفيها أبو القاسم غانم بن محمد بن عبيد الله البرجي وبرج من قرى أصبهان سمع أبا نعيم الحافظ وأجاز له ابن شاذان والحسين الحمال وكان صدوقا فاضلا توفي في ذي القعدة عن أربع وتسعين سنة
وفيها أبو علي بن نبهان الكاتب محمد بن سعيد بن إبراهيم الكرخي مسند العراق روى عن ابن شاذان وبشرى الفاتني وابن دوما وهو آخر أصحابهم قال ابن ناصر فيه تشيع وسماعه صحيح بقي قبل موته سنة ملقى على ظهره لا يعقل ولا يفهم وذلك من أول سنة إحدى عشرة وتوفي في شوال وله مائة سنة كاملة وله شعر وأدب
وفيها أبو الفضل محمد بن علي بن محمد بن زببيا الحرقي البزار الفقيه الحنبلي ولد في العشر الأخير من المحرم سنة ست وثلاثين وأربعمائة وسمع من القاضي أبي يعلى والجوهري وابن المذهب وغيرهم وحدث وروى عنه

السلفي وجماعة كثيرة منهم ابن ناصر وذكر عنه أنه كان يعتقد عقيدة الفلاسفة تقليدا عن غير معرفة نسأل الله العافية وقال ابن الجوزي قال شيخنا بن ناصر لم يكن بحجة كان على غير السمت المستقيم توفي ليلة السبت تاسع شوال سامحه الله ورحمه
وفيها أبو زكريا يحيى بن عبد الوهاب بن الحافظ محمد بن إسحق بن مندة العبدي الأصبهاني الحافظ الحنبلي صاحب التاريخ روى الكثير عن جماعة منهم أبوه وعماه وابن ريذة وسمع منه المعجم الكبير للطبراني وخلق وسمع منه الكبار منهم الحافظ أبو القاسم إسماعيل التيمي ومحمد بن عبد الواحد الدقاق وخلق لا يحصون وقدم بغداد حاجا في الشيخوخة فأملى وحدث بها وأسمع بها أبا منصور الخياط وأبا الحسين بن الطيوري وهما أسن منه وأقدم إسنادا وسمع منه بها أيضا ابن ناصر وعبد الوهاب الأنماطي والشيخ عبد القادر الجيلي وابن الخشاب والحافظ السلفي وقال فيه يمدحه
( أن يحيى فديته من إمام ** حافظ متقن تقي حليم )
( جمع النبل والأصالة والعقل ** وفي العلم فوق كل عليم )
وقال عبد الغافر في تاريخ نيسابور هو رجل فاضل من بيت العلم والحديث المشهور في الدنيا سمع من مشايخ أصبهان وسافر ودخل نيسابور وأدرك المشايخ وسمع منهم وجمع وصنف على الصحيحين وعاد إلى بلده وقال ابن السمعاني في حقه جليل القدر وافر الفضل واسع الرواية ثقة حافظ فاضل مكثر صدوق كثير التصانيف حسن السيرة بعيد التكلف أوحد بيته في عصره صنف تاريخ أصبهان وغيره من المجموع قال ابن رجب صنف مناقب العباس في أجزاء كثيرة ومناقب أحمد رضي الله عنه في مجلد كبير وتوفي في ذي الحجة وله أربع وسبعون سنة وآخر أصحابه الطرسوسي

سنة اثنتي عشرة وخمسمائة

في الثالث والعشرين من شهر ربيع الآخر توفي الإمام المستظهر بالله أبو العباس أحمد بن المقتدي بالله عبد الله بن الأمير محمد بن القاسم العباسي وله اثنتان وأربعون سنة وكانت خلافته خمسا وعشرين سنة وثلاثة أشهر وكان قوي الكتابة جيد الأدب والفضيلة كريم الأخلاق مسارعا في أعمال البر توفي الخوانيق وغسله ابن عقيل شيخ الحنابلة وصلى عليه ابنه المسترشد بالله وخلف جماعة أولاد وتوفيت جدته أرجوان بعده بيسير وهي سرية محمد الذخيرة
قاله في العبر وقال السيوطي في تاريخ الخلفاء ولد في شوال سنة سبعين وأربعمائة وبويع له عند موت أبيه وله ست عشرة سنة قال ابن الأثير كان لين الجانب كريم الأخلاق يسارع في أعمال البر حسن الخط جيد التوقيعات لا يقاربه فيها أحد يدل على فضل غزير وعلم واسع سمحا جوادا محبا للعلماء والصلحاء ولم تصف له الخلافة بل كانت أيامه مضطربة كثيرة الحروب ومن شعره
( أذاب حر الهوى في القلب ما جمدا ** يوما مددت إلى رسم الوداع يدا )
( وكيف أسلك نهج الاصطبار وقد ** أرى طرائق من يهوى الهوى قددا )
( إن كنت انقض عهد الحب يا سكنى ** من بعد حبي فلا عاينتكم أبدا )
انتهى كلام السيوطي ملخصا
وفيها شمس الأئمة أبو الفضل بكر بن محمد بن علي الأنصاري الجابري الزرنجري بفتح الزاي والراء والجيم وسكون النون نسبة إلى زرنجري قرية ببخارى الفقيه شيخ الحنفية بما وراء النهر وعالم تلك الديار ومن كان يضرب به المثل في حفظ مذهب أبي حنيفة ولد سنة سبع وعشرين وأربعمائة وتفقه على شمس الأئمة محمد بن أبي سهل السرخسي وشمس الأئمة عبد العزيز بن أحمد

الحلواني وسمع من أبيه ومن أبي مسعود البجلي وطائفة وروى البخاري عن أبي سهل الأبيوردي عن ابن حاجب الكشاني
وفيها نور الهدى أبو طالب الحسين بن محمد الزينبي أخو طراد توفي في صفر وله اثنتان وتسعون سنة وكان شيخ الحنفية ورئيسهم بالعراق روى عن ابن غيلان وطبقته وحدث بالصحيح غير مرة عن كريمة المروزية وكان صدرا نبيلا علامة
وفيها أبو القاسم الأنصاري العلامة سلمان بن ناصر بن عمران النيسابوري الشافعي المتكلم تلميذ إمام الحرمين وصاحب التصانيف وكان صوفيا زاهدا من أصحاب القشيري روى الحديث عن أبي الحسين عبد الغافر الفارسي وجماعة وتوفي في جمادى الآخرة
قال ابن شهبة كان فقيها إماما في علم الكلام والتفسير زاهدا ورعا يكتسب من خطه ولا يخالط أحدا وشرح الإرشاد للإمام وله كتاب الغنية أصابه في آخر عمره ضعف في بصره ويسير وقر في أذنه
انتهى ملخصا
وفيها أبو البركات العاقولي طلحة بن أحمد بن طلحة بن أحمد بن الحسين بن سليمان الفقيه الحنبلي القاضي ولد يوم الجمعة بعد صلاتها ثالث عشرى شعبان سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة بدير العاقول وهي على خمسة عشر فرسخا من بغداد ودخل بغداد سنة ثمان وأربعين وأربعمائة واشتغل بالعلم سنة اثنتين وخمسين وسمع من أبي محمد الجوهري سنة ثلاث وخمسين ومن القاضي أبي يعلى وأبي الحسين بن حسنون وغيرهم قال ابن الجوزي قرأ الفقه على القاضي يعقوب وهو من متقدمي أصحابه وكان عارفا بالمذهب حسن المناظرة وقال ابن شافع سماعه صحيح وكان ثقة أمينا ومضى على السلامة والستر وقال ابن رجب روى عنه ابن ناصر والشيخ عبد القادر بالإجازة وتوفي طلحة العاقولي ليلة الثلاثاء ثاني

أو ثالث شعبان
وفيها عبيد بن محمد بن عبيد أبو العلاء القشيري التاجر مسند نيسابور روى عن أبي حسان المزكي وعبد الرحمن النصروي وطائفة ودخل المغرب للتجارة وحدث هناك توفي في شعبان وله خمس وتسعون سنة
وفيها أبو القاسم بن الشواء يحيى بن عثمان بن الحسين بن عثمان بن عبد الله البيع الأزجي الفقيه الحنبلي
ولد في شوال سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة وقرأ القرآن بالروايات وسمع من ابن المهتدي وابن المسلمة والجوهري والقاضي أبي يعلى وغيرهم وتفقه على القاضي أبي يعلى ثم على القاضي يعقوب وكان فقيها حسنا صحيح السماع وحدث بشيء يسير وروى عنه ابن المعمر الأنصاري في معجمه وتوفي ليلة الثلاثاء تاسع عشر جمادى الآخرة ودفن بمقبرة باب حرب رحمه الله تعالى

سنة ثلاث عشرة وخمسمائة

قال في العبر فيها ظهر قبر إبراهيم خليل الله عليه الصلاة والسلام وإسحق ويعقوب ورآهم جماعة لم تبل أجسادهم وعندهم في تلك المغارة قناديل من ذهب وفضة
قاله حمزة بن القلانسي في تاريخه
انتهى
وفيها توفي أبو الوفاء علي بن عقيل بن محمد بن عقيل البغدادي الطفري شيخ الحنابلة وصاحب التصانيف ومؤلف كتاب الفنون الذي يزيد على أربعمائة مجلد وكان إماما مبرزا كثير العلوم خارق الذكاء مكبا على الاشتغال والتصنيف عديم النظير روى عن أبي محمد الجوهرى وتفقه على القاضى ابى يعلى وغيره وأخذ علم الكلام عن ابى على بن الوليد وأبي القاسم بن التبان قال السلفي ما رأيت مثله وما كان أحد يقدر أن يتكلم معه لغوارة علمه وبلاغة كلامه وقوة حجته توفي في جمادى الأولى وله ثلاث وثمانون سنة
قاله جميعه

في العبر وقال ابن رجب في طبقاته ولد سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة في جمادى الآخرة كذا نقله ابن ناصر والسلفي وحفظ القرآن وقرأ بالقراءات والروايات على أبي الفتح بن شيطا وفي الزهد أبو بكر الدينوري وأبو بكر بن زيدان وأبو الحسين القزويني وذكر جماعة غيرهم من الرجال والنساء وفي أدب التصوف أبو منصور صاحب الزيادة العطار وأثنى عليه وفي الحديث ابن النوري وأبو بكر بن بشران والعشاري والجوهري وغيرهم وفي الشعر والترسل ابن شبل وابن الفضل وفي الفرائض أبو الفضل الهمذاني وفي الوعظ أبو طاهر بن العلاف صاحب ابن سمعون وفي الأصول أبو الوليد وأبو القاسم بن التبان وفي الفقه القاضي أبو يعلى المملوء عقلا وزهدا وورعا قرأت عليه سنة سبع وأربعين ولم أخل بمجالسه وخلواته التي تتسع لحضوري والمشي معه ماشيا وفي ركابه إلى أن توفي وحظيت من قربه بما لم يحظ به أحد من أصحابه مع حداثة سني والشيخ أبو إسحق الشيرازي إمام الدنيا وزاهدها وفارس المناظرة وواحدها كان يعلمني المناظرة وانتفعت بمصنفاته ومن مشايخي أبو محمد التميمي كان حسنة العالم وماشطة بغداد ومنهم أبو بكر الخطيب كان حافظ وقته كان أصحابنا الحنابلة يريدون مني هجران جماعة من العلماء وكان ذلك يحرمني علما نافعا ثم قال وعانيت من الفقر والنسخ بالأجرة مع عفة وتقى ولا أزاحم فقيها في حلقة ولا تطلب نفسي رتبة من رتب أهل العلم القاطعة لي عن الفائدة وتقلبت على الدول فما أخذتني دولة سلطان ولا عامة عما اعتقد أنه ألحق فأوذيت من أصحابي حتى طلب الدم وأوذيت في دولة النظام بالطلب والحبس فيا من خفت الكل لأجله لا تخيب ظني فيك وعصمني الله تعالى في عنفوان شبابي بأنواع العصمة وقصر محبتي على العلم وأهله فما خالطت لعابا قط ولا عاشرت من أمثالي في طلبة العلم
والأذية

التي ذكرها من أصحابه له وطلبهم منه هجران جماعة من العلماء نذكر بعض شرحها وذلك أن أصحابنا كانوا ينقمون على ابن عقيل تردده إلى ابن الوليد وابن التباني شيخي المعتزلة وكان يقرأ عليهما في السر علم الكلام ويظهر منه في بعض الأحيان نوع انحراف عن السنة وتأول لبعض الصفات ولم يزل فيه بعض ذلك إلى أن مات رحمه الله ففي سنة إحدى وستين اطلعوا له على كتب فيها شيء من تعظيم المعتزلة والترحم على الحلاج وغير ذلك ووقف على ذلك الشريف أبو جعفر وغيره فاشتد ذلك عليهم وطلبوا أذاه فاختفى ثم التجأ إلى دار السلطان ولم يزل أمره في تخبيط إلى سنة خمس وستين فحضر في أولها إلى الديوان ومعه جماعة من الأصحاب واصطلحوا ولم يحضر الشريف أبو جعفر فمضى ابن عقيل إلى بيته وصالحه وكتب خطه بالتبري من موالاة أهل البدع والترحم على أمواتهم وعلى الحلاج وأمثاله وأشهد عليه جماعة كثيرة من الشهود والعلماء
قال ابن الجوزي وأفتى ابن عقيل ودرس وناظر الفحول واستفتى في الديوان في زمن القائم في زمرة من الكبار وجمع علم الفروع والأصول وصنف فيها الكتب الكبار وكان دائم التشاغل بالعلم حتى أني رأيت بخطه أني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة ومناظرة وبصري عن مطالعة أعملت فكري في حال راحتي وأنا منطرح فلا أنهض إلا وقد خطر لي ما أسطره وقال ابن الجوزي أيضا وكان ابن عقيل قوي الدين حافظا للحدود وكان كريما ينفق ما يجد فلم يخلف سوى كتبه وثياب بدنه وكانت بمقدار كفنه وأداء دينه
انتهى
وكان رحمه الله تعالى بارعا في الفقه وأصوله له في ذلك استنباطات عظيمة حسنة وتحريرات كثيرة مستحسنة وله تصانيف كثيرة في أنواع العلم وأكبر تصانيفه كتاب الفنون وهو كبير جدا فيه فوائد كثيرة جليلة في الوعظ والتفسير والفقه والأصلين والنحو واللغة

والشعر والتاريخ والحكايات وفيه مناظراته ومجالسه التي وقعت له وخواطره ونتائج فكره قيدها فيه قال ابن الجوزي وهذا الكتاب مائتا مجلد وقال عبد الرزاق الرسغي ( ) في تفسيره قال لي أبو البقاء اللغوي سمعت الشيخ أبا حكيم النهرواني يقول وقفت على السفر الرابع بعد الثلثمائة من كتاب الفنون وقال الحافظ الذهبي في تاريخه لم يصنف في الدنيا أكبر من هذا الكتاب حدثني من رأى منه المجلد الفلاني بعد الأربعمائة وقال بعضهم هو ثمانمائة مجلد وله في الفقه كتاب الفصول ويسمى كفاية المفتي في عشر مجلدات وله كتب كثيرة غير ذلك قال السلفي ما رأت عيناي مثل الشيخ أبي الوفاء بن عقيل ما كان أحد يقدر أن يتكلم معه لغزارة علمه وحسن إيراده وبلاغة كلامه وقوة حججه ولقد تكلم يوما مع شيخنا أبي الحسن الكيا الهراسي في مسألة فقال له شيخنا ليس هذا بمذهبك فقال أنا لي اجتهاد متى طالبني خصمي بحجة كان عندي ما أدفع به عن نفسي وأقول له بحجتي
انتهى
وكان ابن عقيل كثير التعظيم للإمام أحمد وأصحابه والرد على مخالفيهم وله مسائل كثيرة ينفرد بها منها أن الربا لا يجرى إلا في الأعيان الستة المنصوص عليها ومنها أن المشروع في عطية الأولاد التسوية بين الذكور والإناث ومنها أنه يجوز استئجار الشجر المثمر تبعا للأرض لمشقة التفريق بينهما ومنها أن الزرع والثمار التي تسقى بماء نجس طاهرة مباحة وإن لم تسق بعده بماء طاهر ومنها أنه لا يجوز وطء المكاتبة وإن اشترط وطئها في عقد الكتابة ومنها أنه لا زكاة في حلى المواشط المعد للكرا إلى غير ذلك وتوفي أبو الوفاء رحمه الله تعالى بكرة الجمعة ثاني عشر جمادى الأولى وصلى عليه في جامعي القصر والمنصور وكان الجمع يفوت الإحصاء قال ابن ناصر حزرتهم بثلاثمائة ( ) ألف ودفن في دكة قبر الإمام أحمد رضي الله عنه وقبره ظاهر رضي الله عنه وقال ابن الجوزي حدثني بعض الأشياخ أنه لما احتضر ابن عقيل بكى النساء فقال قد وقعت عنه خمسين سنة

فدعوني أتهنأ بلقائه
انتهى ما أورد ابن رجب ملخصا كثيرا
ثم قال وكان لابن عقيل ولدان ماتا في حياته أحدهما أبو الحسن عقيل كان في غاية الحسن وكان شابا فهما ذا حظ حسن قال ابن القطيعي حكى والده أنه ولد ليلة حادي عشرى رمضان سنة إحدى وثمانين وأربعمائة وحكى غيره أنه سمع من هبة الله بن عبد الرزاق الأنصاري وعلي بن حسين بن أيوب وغيرهما وتفقه على أبيه وناظر في الأصول والفروع وسمع الحديث الكثير وشهد عند قاضي القضاة أبي الحسن بن الدامغاني فقبل قوله وكان فقيها فاضلا يقول الشعر وكان يشهد مجلس الحكم ويحضر الموكب وتوفي رحمه الله يوم الثلاثاء منتصف محرم سنة عشر وقيل سنة ثلاث عشرة قبل والده بشهر واحد وكان له من العمر سبع وعشرون سنة ودفن في داره فلما مات أبوه نقل معه إلى دكة الإمام أحمد قال والده مات ولدي عقيل وكان قد تفقه وناظر وجمع أدبا حسنا فتعزيت بقصة عمرو ابن عبد ود الذي قتله علي رضي الله عنه فقالت أمه ترثيه
( لو كان قاتل عمرو غير قاتله ** ما زلت أبكي عليه دائم الأبد )
( لكن قاتله من لا يقاد به ** من كان يدعى أبوه بيضة البلد )
فأسلاها وعزاها جلالة القاتل وفخرها بأن ابنها مقتوله فنظرت إلى قاتل ولدي الحكيم المالك فهان علي القتل والمقتول لجلالة القاتل واكب عليه وقبله وهو في أكفانه وقال يا بني أستودعتك الله الذي لا تضيع ودائعه الرب خير لك مني ثم مضى وصلى عليه ومن شعر عقيل هذا
( شاقه والشوق من غيره ** طلل عاف سوى أثره )
( مقفر إلا معالمه ** وأكف بالودق من مطره )
( فانثنى والدمع منهمل ** كانسلال السلك عن درره )


( طاويا كشحا على نوب ** سيحات لسن من وطره )
( رحلة الأحباب عن وطن ** وحلول الشيب في شعره )
( شيم للدهر سالفة ** مستبينات لمختبره )
( وقبول الدر مبسمها ** أبلج يفتر عن خصره )
( هز عطفيها الشباب كما ** ماس غصن البان في شجره )
( ذات فرع فوق ملتمع ** كدجى أبدى سنى قمره )
( خصرها يشكو روادفها ** كاشتكاء الصب من سهره )
( نصبت قلبي لها غرضا ** فهو مصمى بمعتوره )
والآخر أبو منصور هبة الله ولد في ذي الحجة سنة أربع وسبعين وأربعمائة وحفظ القرآن وتفقه وظهر منه أشياء تدل على عقل غزير ودين عظيم ثم مرض وطال مرضه وأنفق عليه أبوه مالا في المرض وبالغ قال أبو الوفاء قال لي ابني لما تقارب أجله يا سيدي قد أنفقت وبالغت في الأدوية والطب والأدعية ولله تعالى في اختيار فدعني مع اختياره قال فوالله ما أنطق الله سبحانه ولدي بهذه المقالة التي تشاكل قول إسحق لإبراهيم افعل ما تؤمر إلا وقد اختاره للحظوة توفي رحمه الله تعالى سنة ثمان وثمانين وأربعمائة وله نحو أربع عشرة سنة وحمل أبو الوفاء رحمه الله تعالى في نفسه من شدة الألم أمرا عظيما ولكنه تصبر ولم يظهر جزعا وكان يقول لولا أن القلوب توقن باجتماع ثان لانفطرت المرائر لفراق المحبوبين
انتهى ملخصا أيضا
وفيها قاضي القضاة أبو الحسن الدامغاني علي بن قاضي القضاة أبي عبد الله الحنفي ولى القضاء بضعا وعشرين سنة وكان ذا حزم ورأي وسؤدد وهيبة وافرة وديانة ظاهرة روى عن أبي محمد الصريفيني وجماعة وتفقه على والده وتوفي في المحرم عن أربع وستين سنة
وفيها أبو سعد المخرمي المبارك بن علي بن الحسن بن بندار البغدادي

الفقيه الحنبلي روى عن القاضي أبي يعلى وابن المهتدي وابن المسلمة والصريفيني وابن النقور وغيرهم وسمع من القاضي أبي يعلى شيئا من الفقه ثم تفقه على صاحبه الشريف أبي جعفر ثم القاضي يعقوب ثم القاضي البرزبيني وأفتى ودرس وجمع كتبا كثيرة لم يسبق إلى جمع مثلها وكان حسن السيرة جميل الطريقة سديد الأقضية وتوفي عشر المحرم ودفن إلى جانب أبي بكر الخلال عند رجلي الإمام أحمد رضي الله عنه
وفيها أبو الفضل بن الموازيني محمد بن الحسن بن الحسين السلمي الدمشقي العابد أخي أبي الحسن روى عن أبي عبد الله بن سلوان وجماعة
وفيها أبو بكر محمد بن طرخان بن بلتكين بن مبارز التركي ثم البغدادي الشافعي المحدث النحوي أحد الفضلاء روى عن أبي جعفر بن المسلمة وطبقته وتفقه على الشيخ أبي إسحق وكان ينسخ بالأجرة وفيه زهد وورع تام
وفيها خوروست أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن الحسين الأصبهاني المجلد روى عن أبي الحسين بن فادشاه وابن ريذة وتوفي في جمادى الأولى
وفيها محمد بن عبد الباقي أبو عبد الله الدوري السمسار الصالح روى عن الجوهري وأبي طالب العشاري ومات في صفر عن تسع وسبعين سنة

سنة أربع عشرة وخمسمائة

فيها توفي أبو علي بن بليمة الحسن بن خلف القيرواني المقرئ مؤلف تلخيص العبارات في القراءات توفي في رجب في الإسكندرية وهو في عشر التسعين قرأ على جماعة منهم أبو العباس أحمد بن نفيس
وفيها الطغرائي الوزير مؤيد الدين أبو إسماعيل الحسين بن علي الأصبهاني

صاحب ديوان الإنشاء للسلطان محمد بن ملكشاه واتصل بابنه مسعود ثم أخذ الطغرائي أسيرا وذبح بين يدي الملك محمود في ربيع الأول وقد نيف على الستين وكان من أفراد الدهر وحامل لواء النظم والنثر وهو صاحب لامية العجم
قاله في العبر وقال ابن خلكان ذكره ابن السمعاني وأثنى عليه وأورد له قطعة من شعره في صفة الشمعة وللطغرائي المذكور ديوان شعر جيد ومن محاسن شعره قصيدته المعروفة بلامية العجم وكان عملها ببغداد في سنة خمس وخمسمائة يصف حاله ويشكو زمانه وهي التي أولها
( أصالة الرأي صانتني عن الخطل ** وحلية الفضل زانتني لدى العطل )
ومن رقيق شعره قوله
( يا قلب مالك والهوى من بعدما ** طاب السلو وأقصر العشاق )
( أو ما بدا لك في الأفاقة والأولى ** نازعتهم كاس الغرام أفاقوا )
( مرض النسيم فصح والداء الذي ** تشكوه لا يرجى له أفراق )
( وهدى خفوق البرق والقلب الذي ** تطوي عليه أضالعي خفاق )
وله
( أجما البكا يا مقلتي فإننا ** على موعد للبين لا شك واقع )
( إذا جمع العشاق موعدهم غدا ** فواخجلتا إن لم تعني المدامع )
وذكر العماد الكاتب في كتاب نصرة الفترة وعصرة القطرة أن الطغرائي المذكور كان ينعت بالأستاذ وكان وزير السلطان مسعود بن محمد السلجوقي بالموصل وأنه لما جرى بينه وبين أخيه السلطان محمود المصاف بالقرب من همذان وكانت الظفرة لمحمود فأول من أخذ الأستاذ أبو إسماعيل وزير مسعود فأخبر به وزير محمود وهو الكمال نظام الدين أبو طالب بن أحمد بن حرب السميري فقال الشهاب أسعد وكان طغرائيا في ذلك الوقت نيابة عن النصير الكاتب هذا الرجل ملحد يعني الأستاذ فقال وزير محمود من يكن ملحدا يقتل فقتل ظلما وقد كانوا خافوا منه وقتل سنة أربع عشرة وقيل

ثمان عشرة وقد جاوز ستين سنة وفي شعره ما يدل على أنه بلغ سبعا وخمسين سنة لأنه قال وقد جاءه مولود
( هذا الصغير الذي وافى على كبر ** أقر عيني ولكن زاد في فكري )
( سبع وخمسون لو مرت على حجر ** لبان تأثيرها في ذلك الحجر )
والله تعالى أعلم بما عاش بعد ذلك وقتل الكمال السميري الوزير المذكور يوم الثلاثاء سلخ صفر سنة ست عشرة وخمسمائة في السوق ببغداد عند المدرسة النظامية قيل قتله عبد أسود كان للطغرائي المذكور لأنه قتل أستاذه
والطغرائي بضم الطاء المهملة وسكون الغين المعجمة نسبة إلى من يكتب الطغراء وهي الطرة التي تكتب فوق البسملة في أعلى الكتب بالقلم الغليظ ومضمونها نعوت الملك الذي صدر الكتاب عنه وهي لفظة أعجمية
انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا
وفيها أبو علي بن سكرة الحافظ الكبير حسين بن محمود بن فيره بن حيون الصدفي السرقسطي الأندلسي سمع من أبي العباس بن دلهاث وطائفة وحج سنة إحدى وثمانين فدخل على الحبال وسمع ببغداد من مالك البانياسي وطبقته وأخذ التعليقة الكبرى عن أبي علي الشاشي المستظهري وأخذ بدمشق عن الفقيه نصر المقدسي ورد الى بلاده بعلم جم وبرع في الحديث وفنونه وصنف التصانيف وقد أكره على القضاء فوليه ثم اختفى حتى أعفى واستشهد في مصاف قتندة في ربيع الأول وهو من أبناء الستين وأصيب المسلمون يومئذ قال ابن ناصر الدين هو حافظ متقن كبير ثقة مأمون
وفيها توفي بالجند كما قال ابن الأهدل الفقيه الإمام زيد بن عبد الله بن جعفر اليفاعي اليمني

نسبة إلى يفاعة مكان باليمن تفقه على الشيخ الإمام أبي بكر بن جعفر المخائي والمخامن سواحل اليمن وكانت وفاة المخائي سنة خمسمائة وقد تخرج به جماعة وكان يحفظ المجموع للمحاملي والجامع في الخلاف لأبي جعفر وتفقه زيد اليفاعي بأبي إسحق الصردفي وزوجه الصردفي ابنته كما تقدم ثم ارتحل زيد إلى مكة المرة الأولى فقرأ على تلميذ الشيخ أبي إسحق الشيرازي الحسين بن علي الشاشي مصنف العدة وغيره ثم رجع إلى الجند واجتمع عليه الموافق والمخالف من أهل اليمن وقرأ عليه الإمام يحيى صاحب البيان نكت الشيخ أبي إسحق في الخلاف وعدة كتب وقرأ عليه أيضا عبد الله الهمذاني وعبد الله بن يحيى الصعبي وذلك في دولة أسعد بن أبي الفتوح الحميري الذي قتله أصحابه بحصن تعز ودفنوه فيه ونبشه سيف الإسلام أبو أيوب ودفنه في مقابر المسلمين وكان زيد صغير الجسم وله مهابة عظيمة وسئل زيد عن الفقيه إبراهيم بن علي بن الإمام الحسين بن علي الطبري صاحب العدة كيف حاله في العلم فقال هو مجود لولا أنه اشتغل بالعبادة مع الصوفية فقيل له هذه طريقة غير ملومة فقال كان جده الحسين الطبري يكره ذلك ويقول اشتغال العالم بالعبادة فرار من العلم وقد نص الشافعي رحمه الله تعالى أن طلب العلم أفضل من صلاة النفل وحديث لأن يهدي الله بك رجلا واحدا دليل على ذلك وعلم الباطن هو نتيجة العلم الظاهر لأن الأنبياء قادة الخلق إلى الله والعلماء ورثتهم ولم يرثوا غير العلم الظاهر فمن استعمل رسوم الشريعة الظاهرة كما جاءت عن الأنبياء فقد اهتدى وهدى وهم المشار إليهم بقوله تعالى { وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا } ولا شك أن العالم بأحكام الله إذا استبطن التقوى واستشعر العمل أورثه ذلك العلم بالله الذي هو أجل العلوم والمراد بالعلم بالله علم التوحيد الذي هو إثبات وحدانيته بنفي الشريك والأضداد إيمانا جازما وآيات الصفات

والملائكة والأنبياء والكتب المنزلات وأفضل العلوم بعده علم الفقه الذي يستفاد من الكتاب والسنة اللذين ضمن الله العصمة في جانبهما ولم يضمنها في جانب الكشف والإلهام والمشاهد
كذا نقله صاحب الأصل عن غير واحد من المحققين منهم الشيخ القطب أبو الحسن الشاذلي نفع الله به
انتهى كلام ابن الأهدل بحروفه
وفيها أبو نصر عبد الرحيم بن الإمام عبد الكريم أبي القاسم بن هوازن القشيري وكان إماما مناظرا مفسرا أديبا علامة متكلما وهو الذي أصل الفتنة ببغداد بين الأشاعرة والحنابلة ثم فتر أمره وقد روى عن أبي حفص بن مسرور وطبقته وآخر من روى عنه سبطه أبو سعيد بن الصفار توفي في جمادى الآخرة وهو في عشر الثمانين وأصابه فالج في آخر عمره قاله في العبر وقال ابن الأهدل ولما توفي دفن بمشهدهم المعروف بهم وفيه يقول إمام الحرمين
( يميس بغصن إذا ما بدا ** ويبدو كشمس ويرنو كريم )
( معاني النجابة مجموعة ** لعبد الرحيم بن عبد الكريم )
وحكايته عنه في النهاية من أعظم الاتصاف ومنه قوله في ولده فضل الله
( كم حسرة لي في الحشا ** من ولدي حين نشا )
( كنا نشا فلاحه ** فما نشا كما نشا )
انتهى
وفيها أبو القاسم علي بن جعفر البغدادي الصقلي بن القطاع المصري الدار والوفاة اللغوي كان أحد أئمة الأدب خصوصا اللغة وله تصانيف نافعة منها كتاب الأفعال أحسن فيه كل الإحسان وهو أجدى من الأفعال لابن القوطية وكان ذلك قد سبقه إليه وله كتاب أبنية الأسماء جمع فيه فأوعى وفيه دلالة على كثرة اطلاعه وله عروض حسن جيد وله كتاب الدرة الخطيرة في المختار من شعراء الجزيرة وكتاب لمح الملح جمع فيه خلقا كثيرا من شعراء الأندلس وكانت ولادته في عاشر صفر سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة

بصقلية وقرأ الأدب على فضلائها كابن عبد البر وأمثاله وأجاد النحو غاية الإجادة ورحل عن صقلية لما أشرف على تملكها الفرنج ووصل إلى مصر في حدود سنة خمسين وبالغ أهل مصر في إكرامه وكان ينسب إلى التساهل في الرواية ونظم الشعر في سنة ست وأربعين ومن شعره في ألثغ
( وشادن في لسانه عقد ** حلت عقودي وأوهنت جلدي )
( عابوه جهلا بها فقلت لهم ** أما سمعتم بالنفث في العقد )
وله في غلام اسمه حمزة
( يا من رمى النار في فؤادي ** وأمطر العين بالبكاء )
( اسمك تصحيفه بقلبي ** وفي ثناياك برء دائي )
) اردد سلامي فإن نفسي ** لم يبق منها سوى الدماء )
( وارفق بصب أتى ذليلا ** قد مزج اليأس بالرجاء )
( أنحله في الهوى التجني ** فصار في رقة الهواء )
وكانت ولادته في سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة
هكذا ذكره في كتابه الدرة الخطيرة في شعراء الجزيرة عند ذكر ترجمة نفسه رحمه الله تعالى في أواخر الكتاب المذكور وتوفي بمصر
قاله ابن خلكان
وفيها أبو الحسن عبد العزيز بن عبد الملك بن شفيع الأندلسي المريي المقرئ تلميذ عبد الله بن سهل تصدر للإقراء مدة وحدث عن ابن عبد البر وجماعة وفي روايته عن ابن عبد البر كلام توفي في عشر التسعين
وفيها أبو الحسن بن الموازيني علي بن الحسن السلمي أخو محمد روى عن ابن سعدان وابني عبد الرحمن بن أبي نصر وطائفة وعاش أربعا وثمانين سنة
وفيها محمود بن إسماعيل أبو منصور الأصبهاني الصيرفي الأشقر راوي المعجم الكبير عن ابن فاد شاه عن مؤلفه الطبراني وله ثلاث وتسعون سنة توفي في ذي القعدة قال السلفي كان صالحا

سنة خمس عشرة وخمسمائة

فيها احترقت دار السلطنة ببغداد وذهب ما قيمته ألف ألف دينار
وفيها توفي أبو علي الحداد الحسن ابن احمد بن الحسن الأصبهاني المقرئ المجود مسند الوقت توفي في ذي الحجة عن ست وتسعين سنة وكان مع علو إسناده أوسع أهل وقته رواية حمل عن أبي نعيم وكان خيرا صالحا ثقة
وفيها الأفضل أمير الجيوش شاه شاه أبو القاسم بن أمير الجيوش بدر الجمالي الأرمني كان في الحقيقة هو صاحب الديار المصرية ولى بعد أبيه وامتدت أيامه وكان شهما مهيبا بعيد الغور فحل الرأي ولى وزارة السيف والقلم للمستعلى ثم للآمر وكانا معه صورة بلا معنى وكان قد أذن للناس في إظهار عقائدهم وأمات شعار دعوة الباطنية فمقتوه لذلك وكان مولده بعكا سنة ثمان وخمسين وأربعمائة وخلف من الأموال ما يستحيا من ذكره وثب عليه ثلاثة من الباطنية فضربوه بالسكاكين فقتلوه وحمل بآخر رمق وقيل الآمر دسهم عليه بتدبير أبي عبد الله البطايحي الذي وزر بعده ولقب بالمأمون
قاله في العبر
وفيها أبو سعد عبد الوهاب بن حمزة بن عمر البغدادي الفقيه الحنبلي المعدل ولد في أحد الربيعين سنة سبع وخمسين وأربعمائة وسمع من ابن النقور والصريفيني وابن البسرى والحميدي وتفقه على أبي الخطاب وأفتى وبرع في الفقه وشهد عند قاضي القضاة أبي الحسن بن الدامغاني وكان مرضى الطريقة جميل السيرة من أهل السنة وهو من أهل السنة وهو شيخ أبي حكيم النهرواني الذي تفقه عليه وروى عنه حكاية ولم يحدث إلا باليسير توفي ليلة الثلاثاء ثالث شعبان ودفن بمقبرة الإمام أحمد
قاله ابن رجب
وفيها أبو بكر بن الدنف محمد بن علي بن عبيد بن الدنف البغدادي المقرئ الزاهد أبو بكر ولد في صفر سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة وسمع الحديث من ابن

المسلمة وابن المهتدي والصريفيني وابن النقور وطبقتهم وتفقه على الشريف أبي جعفر وحدث بشيء يسير سمع منه ابن ناصر وروى عنه المبارك بن خضير وابن كامل وابن بوش وغيرهم وكان من الزهاد الأخيار ومن أهل السنة انتفع به خلق كثير ذكره ابن الجوزي وتوفي يوم الاثنين سابع شوال ودفن بمقبرة الإمام أحمد والدنف بفتح الدال المهملة وكسر النون وآخره فاء قاله ابن رجب
وفيها أبو علي بن المهدي محمد بن محمد بن عبد العزيز الخطيب روى عن ابن غيلان والعتيقي وجماعة وكان صدوقا نبيلا ظريفا توفي في شوال عن ثلاث وثمانين سنة
وفيها هزاراست بن عوض أبو الخير الهروي الحافظ توفي في ربيع الأول وكان عالما صاحب حديث وإفادة بليغة وحرص على الطلب سمع من طراد ومن بعده ومات قبل أوان الرواية

سنة ست عشرة وخمسمائة

فيها توفي إيل غازي بن رائق بن اكسب نجم الدين التركماني صاحب ماردين وليها بعد أخيه سقمان وكانا من أمراء تتش صاحب الشام وكان إيلغازي قد استولى على حلب بعد موت أولاد تتش واستولى على ميافارقين وكان فارسا شجاعا كثير الغزو كثير العطاء ولى بعده بماروين ابنه حسام الدين تمرتاش
وفيها الباقرحي بفتح القاف وسكون الراء ثم مهملة نسبة إلى باقرحا من قرى بغداد أبو علي الحسن بن محمد بن إسحق روى عن أبي الحسن القزويني والبرمكي وخلق وتوفي في رجب
وفيها البغوي محي السنة أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء ويعرف تارة بالفرا الشافعي المحدث المفسر صاحب التصانيف وعالم أهل خراسان

روى عن أبي عمر المليحي وأبي الحسن الداودي وطبقتهما وكان سيدا زاهدا قانعا يأكل الخبز وحده فليم في ذلك فصار يأكله بالزيت وكان أبوه يصنع الفراء وتوفي ركن الدين محي السنة بمرو الروذ في شوال ودفن عند شيخه القاضي حسين
قاله في العبر وقال ابن الأهدل هو صاحب الفنون الجامعة والمصنفات النافعة مع الزهد والورع والقناعة وتفقه بالقاضي حسين ولازمه وسمع الحديث على جماعة ثم برع فصنف التصانيف النافعة منها معالم التنزيل والجمع بين الصحيحين والمصابيح وغيرها وصنف في الفقه التهذيب وشرح السنة وكان لا يلقي الدرس إلا على طهارة ونسبته إلى بغ قرية بقرب هراة
انتهى
وقال السبكي في تكملة شرح المهذب قل إن رأيناه يختار شيئا إلا وإذا بحث عنه وجد أقوى من غيره هذا مع اختصار كلامه وهو يدل على نبل كثير وهو حري بذلك فإنه جامع لعلوم القرآن والسنة والفقه
انتهى
قال الذهبي ولم يحج وأظنه جاوز الثمانين رحمه الله تعالى
وفيها أبو محمد السمرقندي الحافظ عبد الله بن أحمد بن عمر بن أبي الأشعث أخو إسماعيل ولد بدمشق وسمع بها من أبي بكر الخطيب وابن طلاب وجماعة وببغداد من أبي الحسين بن النقور ودخل إلى نيسابور وأصبهان وعنى بالحديث وخرج لنفسه معجما في مجلد وعاش اثنتين وسبعين سنة قال ابن ناصر الدين كان من الثقات النقاد
وفيها أبو القاسم بن الفحام الصقلي عبد الرحمن بن أبي بكر عتيق بن خلف مصنف التجريد في القراءات كان أسند من بقى بالديار المصرية في القراءات قرأ على ابن نفيس وطبقته ونيف على التسعين وتوفي في ذي القعدة
وفيها أبو طالب اليوسفي عبد القادر بن محمد بن عبد القادر البغدادي في ذي الحجة وهو في عشر التسعين روى الكتب الكبار عن ابن المذهب والبرمكي وكان ثقة عدلا رضيا عابدا
قاله في العبر


وفيها أبو طالب السمناني علي بن أحمد الوزير وزر ببغداد للسلطان محمود وظلم وفسق وتجبر ومرق حتى قتل على يدي الباطنية
قاله في العبر أيضا
وفيها أبو محمد الحريري صاحب المقامات القاسم بن علي بن محمد بن عثمان البصري الأديب حامل لواء البلاغة وفارس النظم والنثر وكان من رؤساء بلده روى الحديث عن أبي تمام محمد بن الحسين وغيره وعاش سبعين سنة وتوفي في رجب وخلف ولدين النجم عبد الله وضياء الإسلام عبيد الله قاضي البصرة قاله في العبر
وقال ابن خلكان كان أحد أئمة عصره ورزق الحظوة التامة في عمل المقامات واشتملت على شيء كثير من كلام العرب من لغاتها وأمثالها ورموز أسرار كلامها ومن عرفها حق معرفتها استدل بها على فضل هذا الرجل وكثرة اطلاعه وغزارة مادته وكان سبب وضعها ما حكاه ولده أبو القاسم عبد الله قال كان أبي جالسا في مسجد بني حرام فدخل شيخ ذو طمرين عليه أهبة السفر رث الحال فصيح الكلام حسن العبارة فسألته الجماعة من أين الشيخ فقال من سروج فاستخبروه عن كنيته فقال أبو زيد فعمل أبي المقامة المعروفة بالحرامية وهي الثامنة والأربعون وعزاها إلى أبي زيد المذكور واشتهرت فبلغ خبرها الوزير شرف الدين أنو شروان بن خالد بن محمد القاشاني وزير الإمام المسترشد بالله فلما وقف عليها أعجبته فأشار إلى والدي أن يضم إليها غيرها فأتمها خمسين وإلى الوزير المذكور أشار الحريري في خطبة المقامات بقوله فأشار من إشارته حكم وطاعته غنم إلى أن أنشئ مقامات أتلو فيها تلو البديع وإن لم يدرك الظالع شأو الضليع
فهذا كان مستنده في نسبها إلى أبي زيد السروجي وذكر القاضي جمال الدين بن الحسن بن علي الشيباني القفطي وزير حلب في كتابه المسمى أنباه الرواه على ألباب النحاه أن أبا زيد المذكور اسمه المطهر بن سلام


كان بصيرا نحويا لغويا صحب الحريري المذكور واشتغل عليه بالبصرة وتخرج به وروى عنه القاضي أبو الفتح محمد بن أحمد بن المندالي الواسطي ملحة الإعراب وذكر أنه سمعها منه عن الحريري وقال قدم علينا واسط سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة فسمعنا منه وتوجه منها مصعدا إلى بغداد فوصلها وأقام بها مدة يسيرة وتوفي بها وكذا ذكره السمعاني في الذيل والعماد في الخريدة وأما تسميته الراوي بالحارث بن همام فإنما عنى به نفسه وهو مأخوذ من قوله صلى الله عليه وسلم كلكم حارث وكلكم همام فالحارث الكاسب والهمام الكثير الاهتمام وما من شخص إلا وهو حارث وهمام لأن كل أحد كاسب ومهتم بأموره وقد اعتنى بشرحها خلق كثير فمنهم من طول ومنهم من اختصر ورأيت في بعض المجاميع أن الحريري لما عمل المقامات عملها أربعين مقامة وحملها من البصرة إلى بغداد وادعاها فلم يصدقه جماعة من أدباء بغداد وقالوا أنها ليست من تعليقه بل هي لرجل مغربي من أهل البلاغة مات بالبصرة ووقعت أوراقه إليه فادعاها فاستدعاه الوزير إلى الديوان وسأله عن صناعته فقال أنا رجل منشئ فاقترح عليه إنشاء رسالة في واقعة عينها فانفرد في ناحية من الديوان وأخذ الدواه والورقة ومكث زمانا فلم يفتح الله عليه بشيء من ذلك فقام وهو خجلان وكان في جملة من أنكر دعوا في عملها أبو القاسم علي بن أفلح الشاعر فلما لم يعمل الحريري الرسالة التي اقترحها الوزير أنشد ابن أفلح
( شيخ لنا من ربيعة الفرس ** ينتف عثنونه من الهوس )
( أنطقه الله بالمشان كما ** رماه وسط الديوان بالخرس )
وكان الحريري يزعم أنه من ربيعة الفرس وكان مولعا بنتف لحيته عند

الفكرة وكان يسكن في مشان البصرة فلما رجع إلى بلده عمل عشر مقامات أخر وسيرها واعتذر من عيه وحصره بالديوان مما لحقه من المهابة
وللحريري تآليف حسان منها درة الغواص في أوهام الخواص ومنها ملحة الإعراب وشرحها وله ديوان رسائل وشعر كثير غير شعره الذي في المقامات فمن ذلك قوله وهو معنى حسن
( قال العواذل ما هذا الغرام به ** أما ترى الشعر في خديه قد نبتا )
( فقلت والله لو أن المفند لي ** تأمل الرشد في عينيه ما ثبتا )
( ومن أقام بأرض وهي مجدبة ** فكيف يرحل عنها والربيع أتى )
وذكر له العماد الكاتب في الخريدة
( كم ظباء بحاجر ** فتنت بالمحاجر )
( ونفوس نفائس ** خدرت بالمخادر )
( وتثن لخاطر ** هاج وجدا لخاطر )
( وعذار لأجله ** عاذلي فيه عاذري )
( وشجون تظافرت ** عند كشف الضفائر )
ويحكى أنه كان ذميما قبيح المنظر فجاءه شخص غريب يزوره ويأخذ عنه شيئا فلما رآه استزرى مشكلة ففهم الحريري ذلك منه فلما التمس منه أن يملي عليه قال له اكتب
( ما أنت أول سار غره قمر ** ورائد أعجبته خضرة الدمن )
( فانظر لنفسك غيري إنني رجل ** مثل المعيدي فاسمع بي ولا ترني )
فخجل الرجل منه وانصرف عنه وكانت ولادة الحريري في سنة ست وأربعين وأربعمائة وتوفي بالبصرة في سكة بني حرام وخلف ولدين قال أبو منصور الجواليقي أجازني المقامات نجم الدين عبد الله وقاضي قضاة البصرة ضياء الإسلام عبيد الله عن ابيهما منشئها
والمشان بليدة فوق البصرة كثيرة

النخل موصوفة بشدة الرخم وكان أهل الحريري منها ويقال أنه كان له بها ثمانية عشر ألف نخلة وأنه كان من ذوي اليسار
انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا
ويحكى أن الحريري جاءه رجل يقرأ عليه مقاماته فلما وصل إلى قوله
( يا أهل ذا المغنى وقيتم شرا ** ولا لقيتم ما بقيتم ضرا )
( قد دفع الليل الذي اكفهرا ** إلى حماكم شعثا مغبرا )
فصحفها سغبا معترا فقال له الحريري الرواية شعثا مغبرا ولكن والله لولا إني كتبت خطى على أكثر من خمسمائة نسخة وطارت في الآفاق لأصلحت البيت وجعلته كما أنشدته أنت فإن الطارق ليلا المناسب له أن يكون سغبا معترا لا شعثا مغبرا وعكسه الآتي نهارا
وبالجملة فالشيخ رحمه الله تعالى كان أعجوبة الدهر ونادرة الزمان فرحمه الله تعالى وأجزل له الغفران آمين
وفيها الدقاق أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد الأصبهاني الحافظ الرحال عن ثمانين سنة روى عن عبد الله بن شبيب الخطيب والباطرقاني وعبد الرحمن بن أحمد المراري وعنى بهذا الفن وكتب عمن دب ودرج وكان محدثا أثريا فقيرا متقللا توفي في شوال

سنة سبع عشرة وخمسمائة

في أولها التقى الخليفة المسترشد بالله ودبيس الأسدي وكان دبيس قد طغى وتمرد ووعد عسكره بنهب بغداد فجرد المسترشد يومئذ سيفه ووقف على تل فانهزم جمع دبيس وقتل خلق منهم وقتل من جيش الخليفة نحو العشرين وعاد مؤيدا منصورا وذهب دبيس فعاث ونهب وقتل بنواحي البصرة
وفيها توفي ابن الطيوري أبو سعد أحمد بن عبد الجبار الصيرفي ببغداد في رجب عن ثلاث وثمانين سنة وكان صالحا أكثر بإفادة أخيه المبارك

وروى عن ابن غيلان والخلال وأجاز له الصوري وأبو علي الأهوازي
وفيها ابن الخياط الشاعر المشهور أبو عبد الله أحمد بن محمد بن علي بن يحيى بن صدقة الثعلبي الدمشقي الكاتب كان من الشعراء المجيدين طاف البلاد وامتدح الناس ودخل بلاد العجم وامتدح بها ولما اجتمع بأبي الفتيان بن حيوس الشاعر بحلب وعرض عليه شعره قال قد نعاني هذا الشاب إلى نفسي فقلما نشأ ذو صناعة مهر فيها إلا وكان دليلا على موت الشيخ من أبناء جنسه وشعره في الذروة العليا ولو لم يكن له إلا قصيدته البائية لكفاه فكيف وأكثر قصائده غرر وهي
( خذا من صبا نجد أمانا لقلبه ** فقد كاد رياها يطير بلبه )
( وإياكما ذاك النسيم فإنه ** متى هب كان الوجد أيسر خطبه )
( خليلي لو أحببتما لعلمتما ** محل الهوى من مغرم القلب صبه )
( تذكر والذكرى تشوق وذو الهوى ** يتوق ومن يعلق به الحب يصبه )
( غرام على يأس الهوى ورجائه ** وشوق على بعد المزار وقربه )
( وفي الركب مطوى الضلوع على جوى ** متى يدعه داعي الغرام يلبه )
( إذا خطرت من جانب الرمل نفحة ** تضمن منها داءه دون صحبه )
( ومحتجب بين الأسنة معرض ** وفي القلب من إعراضه مثل حجبه )
( أغار إذا آنست في الحي أنه ** حذارا وخوفا أن تكون لحبه )
وهي طويلة وله بيتان من قصيدة
( وبالجزع حي كلما عن ذكرهم ** أمات الهوى مني فؤادا وأحياه )
( تمنيهم بالرقمتين ودارهم ** بوادي الغضا يا بعد ما أتمناه )
قال صاحب العبر يعرف ابن الخياط بابن سناء الدولة الطرابلسي عاش سبعا وستين سنة وكتب أولا لبعض الأمراء ثم مدح الملوك والكبار وبلغ في النظم الذروة العليا أخذ يحدث عن أبي الفتيان محمد بن حيوس وأخذ عنه ابن

القيسراني قال السلفي كان شاعر الشام في زمانه قد اخترت من شعره مجلدة لطيفة فسمعتها منه قال ابن القيسراني وقع الوزير هبة الله بن بديع لابن الخياط مرة بألف دينار توفي في رمضان بدمشق
وفيها حمزة بن العباس العلوي أبو محمد الأصبهاني الصوفي روى عن أبي الطاهر بن عبد الرحيم وتوفي في جمادى الأولى
وفيها ظريف بن محمد بن عبد العزيز أبو الحسن الحيري النيسابوري روى عن أبي حفص بن مسرور وطائفة وكان ثقة من أولاد المحدثين توفي في ذي القعدة وله ثمان وثمانون سنة
وفيها أبو محمد الشنتريني بفتح المعجمة أوله والفوقية وسكون النون وكسر الراء نسبة إلى شنترين مدينة من عمل باجة
قاله السيوطي وقال ابن خلكان هي بلدة في غرب جزيرة الأندلس عبد الله بن محمد بن سارة البكري الشاعر المفلق اللغوي وله ديوان معروف قال ابن خلكان كان شاعرا ماهرا ناظما ناثرا إلا أنه كان قليل الحظ إلا من الحرمان لم يسعه مكان ولا اشتمل عليه سلطان ذكره صاحب قلائد العقيان وأثنى عليه ابن بسام في الذخيرة وقال أنه تتبع المحقرات وبعد جهد ارتقى إلى كتابة بعض الولاة فلما كان من خلع الملوك ما كان آوى إلى إشبيلية أوحش حالا من الليل وأعثر انفرادا من سهيل وتبلغ بالوراقة وله منها جانب وبها بصر ثاقب فانتحلها على كساد سوقها وخلق طريقها وفيها يقول
( أما الوارقة فهي أنكد حرفة ** أوراقها وثمارها الحرمان )
( شبهت صاحبها بصاحب إبرة ** تكسو العراة وجسمها عريان )
وله أيضا
( ومعذر راقت حواشي حسنه ** فقلوبنا وجدا عليه رفاق )
( لم يكس عارضه السواد وإنما ** نفضت عليه سوادها الأحداق )


وله في غلام أزرق العينين
( ومهفهف أبصرت في أطرافه ** قمرا بأطراف المحاسن يشرق )
( تقضي على المهجات منه صعدة ** متألق فيها سنان أزرق )
وأورد له صاحب الحديقة
( أسنى ليالي الدهر عندي ليلة ** لم أخل فيها الكاس من أعمالي )
( فرقت فيها بين جفني والكرى ** وجمعت بين القرط والخلخال )
وله في الزهد
( يا من يصيخ إلى داعي السقاة وقد ** نادى به الناعيان الشيب والكبر )
( إن كنت لا تسمع الذكرى ففيم ثوى ** في رأسك الواعيان السمع والبصر )
( ليس الأصم ولا الأعمى سوى رجل ** لم يهده الهاديان العين والأثر )
( لا الدهر يبقى ولا الدنيا ولا الفلك الأعلى ** ولا النيران الشمس والقمر )
( ليرحلن عن الدنيا وإن كرها ** فراقها الثاويان البدو والحضر )
وله ديوان شعر أكثره جيد وكانت وفاته بمدينة المرية من جزيرة الأندلس
وفيها أبو نعيم عبيد الله بن أبي علي الحسن بن أحمد الحداد الأصبهاني الحافظ مؤلف أطراف الصحيحين كان عجبا في الإحسان إلى الرحالة وأفادتهم مع الزهد والعبادة والفضيلة التامة روى عن عبد الوهاب بن مندة ولقى بنيسابور أبا المظفر موسى بن عمران وطبقته وبهراة العميري وببغداد المتعالي توفي في جمادى الأولى عن أربع وخمسين سنة
وفيها أبو سعد محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن بن محمد بن الحسن بن داود الأصبهاني ويعرف بالخياط الحنبلي من أهل أصبهان قدم بغداد واستوطنها مدة طويلة وسمع من مشايخها وانتخب وعلق وكتب بخطه كثيرا وحصل الأصول والنسخ وجمع كثيرا جدا من الحديث والفقه وأنفذه إلى أصبهان

وأدركه أجله ببغداد حدث عن أبي القاسم بن مندة إجازة وعن غيره سماعا وكتب عنه ابن عامر الغندري وابن ناصر قال ابن النجار كان من أهل السنة المحققين المبالغين المشددين ظاهر الصلاح قليل المخالطة للناس كان حنبليا متعصبا لمذهبه مشددا في ذلك توفي يوم الخميس سادس عشرى ذي الحجة ودفن بباب حرب ولم يخلف وارثا ولم يتزوج قط
وفيها أبو الغنائم بن المهتدي بالله محمد بن محمد بن أحمد الهاشمي الخطيب روى عن أبي الحسن القزويني والبرمكي وطائفة وتوفي في ربيع الأول
وفيها أبو الحسن الزعفراني محمد بن مرزوق البغدادي الحافظ التاجر أكثر عن ابن المسلمة وأبي بكر الخطيب وسمع بدمشق ومصر وأصبهان وتوفي في صفر عن خمس وسبعين سنة وكان متقنا ضابطا يفهم ويذاكر
وفيها أبو صادق مرشد بن يحيى بن القاسم المديني ثم المصري روى عن ابن خمصة وأبي الحسن الطفال وعلي بن محمد الفارسي وعدة وكان أسند من بقي بمصر مع الثقة والخير توفي في ذي القعدة عن سن عالية

سنة ثمان عشرة وخمسمائة

فيها أخذت الفرنج صور بالأمان وبقيت في أيديهم إلى سنة تسعين وستمائة
وفيها توفي أبو الفضل أحمد بن محمد بن الفضل بن عبد الخالق المعروف بابن الخازن الكاتب الشاعر الدينوري الأصل البغدادي المولد والوفاة كان فاضلا نادر الخط أوحد وقته فيه وهو والد أبي الفتح نصر الله الكاتب المشهور ومن شعر أحمد صاحب الترجمة قوله
( من يستقم يحرم مناه ومن يزغ ** يختص بالإسعاف والتمكين )
( أنظر إلى الألف استقام ففاته ** عجم وفاز به اعوجاج النون )
قال ابن خلكان وجل شعره مشتمل على معان حسان وكانت وفاته في

صفر سنة ثمان عشرة وخمسمائة وكان ولده أبو الفتح نصر الله المذكور حيا في سنة خمس وسبعين وخمسمائة ولم أقف على تاريخ وفاته
انتهى
وفيها أبو الفضل أحمد بن محمد الميداني النيسابوري الأديب اللغوي اختص بصحبة الواحدي المفسر وقرأ عليه وله في اللغة تصانيف مفيدة منها كتاب الأمثال لم يعمل مثله وكتاب السامي في الأسامي وسمع الحديث وكان ينشد
( تنفس صبح الشيب في ليل عارضي ** فقلت عساه يكتفي بعذارى )
( فلما فشا عاتبته فأجابني ** أيا هل ترى صبحا بغير نهار )
قاله ابن الأهدل وقال ابن خلكان توفي يوم الأربعاء خامس عشرى شهر رمضان سنة ثمان عشرة وخمسمائة رحمه الله بنيسابور ودفن على باب ميدان زياد والميداني بفتح الميم وسكون المثناة من تحتها وفتح المهملة وبعد الألف نون هذه النسبة إلى ميدان زياد وهي محلة في نيسابور
وابنه أبو سعد سعيد بن أحمد كان أيضا فاضلا دينا وله كتاب الأسمى في الأسما وتوفي سنة تسع وثلاثين وخمسمائة رحمه الله
انتهى
وفيها داود ملك الكرج الذي أخذ تفليس من قريب وكان عادلا في الرعية يحضر الجمعة ويسمع الخطبة ويحترم المسلمين
وفيها الحسن بن صباح صاحب الألموت وزعيم الإسماعيلية وكان داهية ماكرا زنديقا من شياطين الإنس
وفيها أبو الفتح سلطان بن إبراهيم بن المسلم المقدسي الشافعي الفقيه قال السلفي كان من أفقه الفقهاء بمصر عليه تفقه أكثرهم وقال الذهبي أخذ عن نصر المقدسي وسمع من أبي بكر الخطيب وجماعة وعاش ستا وسبعين سنة توفي في هذه السنة أوفى التي تليها وقال ابن شهبة تفقه على نصر المقدسي قال الأسنوي وعلى سلامة المقدسي وبرع في المذهب ودخل مصر بعد

السبعين وسمع بها وكان من أفقه الفقهاء بمصر وعليه قرأ أكثرهم
وروى عن السلفي وغيره وصنف كتابا في أحكام التقاء الختانين قال ابن نقطة توفي سنة خمس وثلاثين
انتهى
وفيها أبو بكر غالب بن عبد الرحمن بن غالب بن تمام بن عطية المحاربي الغرناطي الحافظ توفي في جمادى الآخرة بغرناطة عن سبع وسبعين سنة روى عن الأندلسي ورحل سنة تسع وستين وسمع الصحيحين بمكة قال ابن بشكوال كان حافظا للحديث وطرقه وعلله عارفا برجاله ذاكرا لمتونه ومعانيه قرأت بخط بعض أصحابي أنه كرر البخاري سبعمائة مرة وكان أديبا شاعرا دينا لغويا
قاله في العبر

سنة تسع عشرة وخمسمائة

فيها توفي الإمام الحافظ ألب أرسلان أبو علي الحسن بن الحسين الزركراني كان إماما حافظا مؤتمنا وعاش مائة سنة وتسعا وثلاثين سنة قاله ابن ناصر الدين
وفيها أبو الحسن بن الفراء الموصلي ثم المصري علي بن الحسين بن عمر راوي المجالسة عن عبد العزيز بن الضراب وقد روى عن كريمة وطائفة وانتخب عليه السلفي مائة جزء مولده سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة
وفيها ابن عبدون الهذلي التونسي أبو الحسن علي بن عبد الجبار لغوي المغرب


وفيها أبو عبد الله بن البطائحي محمد بن المأمون وزير الديار المصرية للآمر كان أبوه جاسوسا للمصريين فمات وربى محمد هذا يتيما فصار يحمل في السوق فدخل مع الحمالين إلى دار أمير الجيوش فرآه شابا ظريفا فأعجبه فاستخدمه مع الفراشين ثم تقدم عنده ثم آل أمره إلى أن ولى الأمر بعده ثم إنه أخر عامل على قتل الآمر فأحس الآمر بذلك فأخذه وصلبه وكانت أيامه ثلاث سنين
وفيها أبو البركات بن البخاري يعني المبخر البغدادي المعدل هبة الله بن محمد بن علي توفي في رجب عن خمس وثمانين سنة روى عن ابن غيلان وابن المذهب والتنوخي

سنة عشرين وخمسمائة

فيها توفي أبو الفتوح الغزالي أحمد بن محمد الطوسي الواعظ شيخ مشهور فصيح مفوه صاحب قبول تام لبلاغته وحسن إيراده وعذوبة لسانه وهو أخو الشيخ أبي حامد وعظ مرة عند السلطان محمود فأعطاه ألف دينار ولكنه كان رقيق الديانة متكلما في عقيدته حضر يوسف الهمداني عنده فسئل عنه فقال مدد كلامه شيطاني لا رباني ذهب دينه والدنيا لا تبقى له
قاله في العبر وقال ابن قاضي شهبة كان فقيها غلب عليه الوعظ والميل إلى الانقطاع والعزلة وكان صاحب عبارات وإشارات حسن النظر درس بالنظامية ببغداد لما تركها أخوه زهدا فيها واختصر الأحياء في مجلد سماه لباب الأحياء وله مصنف آخر سماه الذخيرة في علم البصيرة توفي بقزوين سنة عشرين وخمسمائة وقد تكلم فيه غير واحد وجرحوه
انتهى بحروفه وذكره ابن النجار في تاريخ بغداد فقال كان قد قرأ القارئ بحضرته { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم } الآية فقال شرفهم بياء الإضافة إلى نفسه بقوله يا عبادي ثم أنشد
( وهان على اللوم في جنب حبها ** وقول الأعادي إنه لخليع )

( أصم إذا نوديت باسمي وإنني ** إذا قيل لي يا عبدها السميع )
انتهى
وفيها اقسنقر البرسفي قسيم الدولة ولى إمرة الموصل والرحبة للسلطان محمود ثم ولى بغداد ثم سار إلى الموصل ثم كاتبه الحلبيون فملك حلب ودفع عنها الفرنج قتلته الإسماعيلية وكانوا عشرة وثبوا عليه يوم جمعة بالجامع في ذي القعدة وكان دينا عادلا عالي الهمة قتل خلقا من الإسماعيلية
وفيها أبو بحر الأسدي سفيان بن العاص الأندلسي محدث قرطبة روى عن ابن عبد البروابي العباس العذري وأبي الوليد الباجي وكان من جلة العلماء عاش ثمانين سنة
وفيها صاعد بن سيار أبو العلاء الإسحاقي نسبة إلى إسحق جد الهروي الدهان قرأ عليه ابن ناصر ببغداد جامع الترمذي عن أبي عامر الأزدي قال السمعاني كان حافظا متقنا كتب الكثير وجمع الأبواب وعرف الرجال وقال ابن ناصر الدين كان حافظا متقنا مكثرا حسن الحال
وفيها أبو محمد بن عتاب عبد الرحمن بن محمد بن عتاب القرطبي مسند الأندلس أكثر عن أبيه وعن حاتم الطرابلسي وأجاز له مكي بن أبي طالب والكبار وكان عارفا بالقراءات واقفا على كثير من التفسير واللغة والعربية والفقه مع الحلم والتواضع والزهد وكانت الرحلة إليه توفي في جمادى الأولى عن سبع وثمانين سنة
وفيها أبو الفتح أحمد بن علي بن برهان بفتح الباء الشافعي ولد ببغداد في شوال سنة تسع وسبعين وأربعمائة وتفقه على الغزالي والشاشي والكيا الهراسي وبرع في المذهب وفي الأصول وكان هو الغالب عليه وله فيه التصانيف المشهورة منها البسيط والوسيط والوجيز وغيرها درس بالنظامية شهرا واحدا وكان ذكيا يضرب به المثل في حل الإشكال قال المبارك بن كامل كان خارق الذكاء لا يكاد يسمع شيئا إلا حفظه ولم يزل يبالغ في الطلب

والتحقيق وحل المشكلات حتى صار يضرب به المثل في تبحره في الأصول والفروع وصار علما من أعلام الدين قصده الطلاب من البلاد حتى صار جميع نهاره وقطعه من ليله يستوعب في الأشغال وإلقاء الدروس توفي سنة عشرين وخمسمائة
كذا قاله ابن خلكان والمعروف أنه توفي سنة ثمان عشرة قيل في ربيع الأول وقيل في جمادى الأولى نقل عنه في الروضة في كتاب القضاء أن العامي لا يلزمه التقليد لمذهب معين ورجحه الإمام
قاله جميعه ابن قاضي شهبة
وفيها أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد المالكي قاضي الجماعة بقرطبة ومفتيها روى عن أبي علي الغساني وأبي مروان بن سراج وخلق وكان من أوعية العلم له تصانيف مشهورة عاش سبعين سنة
قاله في العبر
وفيها أبو عبد الله محمد بن بركات بن هلال الصعيدي المصري النحوي اللغوي البحر الحبر وله مائة سنة وثلاثة أشهر توفي في ربيع الآخر روى عن عبد العزيز الضراب والقضاعي وسمع البخاري من كريمة بمكة
قاله في العبر
وفيها أبو بكر الطرطوشي وطرطوشة من نواحي الأندلس محمد بن الوليد القرشي الفهري الأندلسي المالكي المعروف بابن أبي زيد نزيل الإسكندرية وأحد الأئمة الكبار أخذ عن أبي الوليد الباجي ورحل فأخذ السنن عن أبي علي التستري وسمع ببغداد من رزق الله التميمي وطبقته وتفقه على أبي بكر الشاشي قال ابن بشكوال كان إماما عالما زاهدا ورعا متقشفا متقللا راضيا باليسير وقال ابن خلكان كان يقول إذا عرض لك أمران أمر دنيا وأمر أخرى فبادر بأمر الأخرى يحصل لك أمر الدنيا والأخرى وسكن الشام مدة ودرس بها وكان كثيرا ما ينشد
( إن لله عبادا فطنا ** طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا )
( فكروا فيها فلما علموا ** أنها ليست لحي وطنا )


( جعلوها لجة واتخذوا ** صالح الأعمال فيها سفنا )
ولما دخل على الأفضل شاهان شاه بن أمير الجيوش بسط مئزرا كان معه تحته وجلس عليه وكان إلى جانب الأفضل رجل نصراني فوعظ الأفضل حتى بكى وأنشده
( يا ذا الذي طاعته قربة ** وحقه مفترض واجب )
( إن الذي شرفت من أجله ** يزعم هذا أنه كاذب )
وأشار إلى النصراني فأقامه الأفضل من موضعه وكان الأفضل قد أنزل الشيخ في مسجد شقيق الملك بالقرب من الرصد وكان يكرهه فلما طال مقامه ضجر وقال لخادمه إلى متى نصبر اجمع لي المباح فجمع له فأكله ثلاثة أيام فلما كان عند صلاة المغرب قال لخادمه رميته الساعة فلما كان من الغد ركب الأفضل فقتل وولى بعده المأمون ابن البطائحي فأكرم الشيخ إكراما كثيرا وصنف له كتاب سراج الملوك وهو حسن في بابه وله غيره وله طريقة في الخلاف ومن المنسوب إليه
( إذا كنت في حاجة مرسلا ** وأنت بإنجازها مغرم )
( فأرسل بأكمه خلابة ** به صمم أفطس أبكم )
( ودع عنك كل رسول سوى ** رسول يقال له الدرهم )
وقال الطرطوشي كنت ليلة نائما في بيت المقدس فبينما أنا في جنح الليل إذ سمعت صوت حزين ينشد
( أخوف ونوم إن ذا لعجيب ** ثكلتك من قلب فأنت كذوب )
( أما وجلال الله لو كنت صادقا ** لما كان للأغماض منك نصيب )
قال فأيقظ النوام وأبكى العيون وكانت ولادة الطرطوشي المذكور سنة إحدى وخمسين وأربعمائة تقريبا وتوفي ثلث الليل الآخر سادس عشرى


جمادى الأولى سنة عشرين وخمسمائة بثغر الإسكندرية وصلى عليه ولده محمد
انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا

سنة إحدى وعشرين وخمسمائة

فيها توفي أبو السعادات أحمد بن أحمد بن عبد الواحد الهاشمي العباسي المتوكلي شريف صالح خير روى عن الخطيب وابن المسلمة وعاش ثمانين سنة ختم التراويح ليلة سبع وعشرين في رمضان ورجع إلى منزله فسقط من السطح فمات رحمه الله تعالى
وفيها أبو الحسن الدينوري علي بن عبد الواحد روى عن القزويني وأبي محمد الخلال وجماعة وهو أقدم شيخ لابن الجوزي توفي في جمادى الآخرة
وفيها أبو الحسن بن الفاعوس علي بن المبارك بن علي البغدادي الحنبلي الاسكاف الزاهد كان يقص يوم الجمعة وللناس فيه عقيدة لصلاحه وتقشفه وإخلاصه روى عن القاضي أبي يعلى وغيره وسمع منه أبو المعمر الأنصاري وكان يأتي ساقي الماء في مجلس إملائه فيتناول منه ليوهم الحاضرين أنه مفطر وأنه يشرب ويكون صائما غالبا
توفي ابن الفاعوس ليلة السبت تاسع عشر شوال وصلى عليه من الغد بجامع القصر وكان يوما مشهودا ودفن قريبا من قبر الإمام أحمد رضي الله عنه وغلقت في ذلك اليوم أسواق بغداد وكان أهل بغداد يصيحون في جنازته هذا يوم سني حنبلي رحمه الله تعالى
وفيها أبو العز القلانسي محمد بن الحسين بن بندار الواسطي مقرئ العراق وصاحب التصانيف في القراءات أخذ عن أبي يعلى غلام الهراس وسمع من أبي جعفر بن المسلمة وفيه ضعف وكلام توفي في شوال عن خمس وثمانين سنة
وفيها أبو محمد عبد الله بن محمد البطليوسي بفتحتين وسكون اللام نسبة إلى بطليوس مدينة بالأندلس النحوي كان عالما بالآداب واللغات


متبحرا فيها متبحرا في معرفتها وإتقانها سكن مدينة بلنسية وكان الناس يجتمعون إليه ويقرءون عليه ويقتبسون منه وكان حسن التعليم جيد التفهيم ثقة ضابطا ألف كتبا نافعة ممتعة منها كتاب المثلث في مجلدين أتى فيه بالعجائب ودل على اطلاع عظيم فإن مثلثة قطرب في كراسة واحدة واستعمل فيها الضرورة وما لا يجوز وغلط في بعضها وله كتاب الاقتضاب في شرح أدب الكتاب وشرح سقط الزندلابى العلاء المعرى شرحا استوفى فيه المقاصد وهو أحسن من شرح أبي العلاء صاحب الديوان وله كتاب في الحروف الخمسة وهي السين والصاد والضاد والظاء والدال جمع فيه كل غريب له كتاب الحلل في شرح أبيات الجمل والخلل في أغاليط الجمل أيضا وكتاب التنبيه على الأسباب الموجبة لاختلاف الأمة وكتاب شرح الموطأ وغير ذلك وقيل أنه لم يخرج من المغرب وبالجملة فكل شيء تكلم فيه ففي غاية الجودة وله نظم حسن فمن ذلك قوله
( أخو العلم حي خالد بعد موته ** وأوصاله تحت التراب رميم )
( وذو الجهل ميت وهو ماش على الثرى ** يظن من الأحياء وهو عديم )
وله في طول الليل
( أرى ليلنا شابت نواصيه كرة ** كما شبت أم في الجو روض بهار )
( كأن الليالي السبع في الجو جمعت ** ولا فصل فيما بينها لنهار )
ومولده سنة أربع وأربعين وأربعمائة بمدينة بطليوس وتوفي في منتصف رجب بمدينة بلنسية

سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة

فيها توفي طغتكين أتابك ظهير الدين وكان من أمراء تتش السلجوقي بدمشق فزوجه بأم ولده دقاق ثم أنه صار أتابك دقاق ثم تملك دمشق وكان

6 شهما شجاعا مهيبا مدبرا سائسا له مواقف مشهورة مع الفرنج توفي في صفر ودفن بتربته قبل المصلى وملك بعده ابنه تاج الملوك بورى فعدل ثم ظلم
قاله في العبر
وفيها أبو محمد الشنتريني الإشبيلي الحافظ عبد الله بن أحمد روى الصحيح عن ابن منصور عن أبي ذر وسمع من حاتم بن محمد وجماعة قال ابن بشكوال كان حافظا للحديث وعلله عارفا برجاله وبالجرح والتعديل ثقة كتب الكثير واختص بأبي علي الغساني وله تصانيف في الرجال توفي في صفر عن ثمان وسبعين سنة
وفيها الوزير أبو علي الحسن بن علي بن صدقة جلال الدين وزير المسترشد كان ذا حزم وعقل ودهاء ورأي وأدب وفضل
وفيها أبو القاسم النشاوري موسى بن أحمد بن محمد النشادري الفقيه الحنبلي كان يذكر أنه من أولاد أبي ذر الغفاري رضي الله عنه سمع الحديث الكثير وقرأ بالروايات وتفقه على أبي الحسن بن الزاغوني وناظر قال ابن الجوزي رأيته يتكلم كلاما حسنا توفي رابع رجب ودفن بمقبرة الإمام أحمد

سنة ثلاث وعشرين وخمسمائة

فيها قتل بدمشق نحو ستة آلاف ممن كان يرمي بعقيدة الإسماعيلية وكان قد دخل الشام بهرام الأسد أباذي وأضل خلقا ثم أن طغتكين ولاه بانياس فكان سيئة من سيئات طغتكين وأقام بهرام له داعيا بدمشق فكثر أتباعه بدمشق وملك هو عدة حصون بالشام منها القدموس وسلم بهرام بانياس للفرنج
وفيها توفي جعفر بن عبد الواحد أبو الفضل الثقفي الأصبهاني الرئيس روى عن ابن ريذة وطائفة وعاش تسعا وثمانين سنة
وفيها المردغاني الوزير كمال الدين طاهر بن سعد وزير تاج الملوك بورى

ابن طغتكين قتله وعلق رأسه على القلعة
وفيها أبو سعد النسفي عبد الله بن أبي المظفر بن أبي نعيم بن أبي تمام بن الحرث القاضي الحافظ أحد حفاظ سمرقند وما والاه
قاله ابن ناصر الدين
وفيها أبو الحسن عبيد الله بن محمد بن الإمام أبي بكر البيهقي سمع الكتب من جده ومن أبي يعلى الصابوني وجماعة وحدث ببغداد وكان قليل الفضيلة توفي في جمادى الأولى وله أربع وسبعون سنة
وفيها يوسف بن عبد العزيز أبو الحجاج المنورقي الفقيه العلامة نزيل الإسكندرية وأحد الأئمة الكبار تفقه ببغداد على الكيا الهراسي وأحكم الأصول والفروع وروى البخاري عن واحد عن أبي ذر ومسلما عن أبي عبد الله الطبري وله تعليقة في الخلاف توفي في آخر السنة قال السلفي حدث بالترمذي وخلط في إسناده

سنة أربع وعشرين وخمسمائة

فيها كما قال في العبر ظهرت ببغداد عقارب طيارة قتلت جماعة أطفال
وفيها أبو إسحق الغزي إبراهيم بن عثمان شاعر العصر وحامل لواء القريض وشعره كثير سائر متنقل في بلد الجبال وخراسان
وتوفي بناحية بلخ وله ثلاث وثمانون سنة قاله في العبر
وقال ابن النجار في تاريخ بغداد هو إبراهيم بن عثمان بن عياش بن محمد بن عمر بن عبد الله الأشهبي الغزي الكلي الشاعر المشهور شاعر محسن وذكره الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق فقال دخل دمشق وسمع بها من الفقيه نصر المقدسي سنة إحدى وثمانين وأربعمائة ورحل إلى بغداد وأقام بالمدرسة النظامية سنين كثيرة ومدح ورثى غير واحد من المدرسين بها وغيرهم ثم رحل إلى خراسان وامتدح بها جماعة من رؤسائها وانتشر شعره هناك وذكر له عدة مقاطيع من


الشعر وأثنى عليه
انتهى
وله ديوان شعر اختاره بنفسه وذكر في خطبته أنه ألف بيت وقال العماد الكاتب جاب البلاد وأكثر النقل والحركات وتغلغل في أقطار خراسان وكرمان ولقي الناس ومدح ناصر الدين مكرم بن العلاء وزير كرمان بقصيدته البائية التي يقول فيها ولقد أبدع
( حملنا من الأيام ما لا نطيقه ** كما حمل العظم الكسير العصائبا )
ومنها في قصر الليل وهو معنى لطيف
( وليل رجونا أن يدب عذاره ** فما اختط حتى صار بالفجر شائبا )
ومن جيد شعره المشهور قوله
( قالوا هجرت الشعر قلت ضرورة ** باب الدواعي والبواعث مغلق )
( خلت الديار فلا كريم يرتجي ** منه النوال ولا مليح يعشق )
( ومن العجائب أنه لا يشتري ** ويخان فيه مع الكساد ويسرق )
ومن شعره وفيه صناعة حسنة
( وخز الأسنة والخضوع لناقص ** أمران في ذوق النهى مران )
( والرأي أن يختار فيما دونه ** المران وخز أسنة المران )
وله
( وجف الناس حتى لو بكينا ** تعذر ما تبل به الجفون )
( فما يندي لممدوح بنان ** ولا يندى لمهجو جبين )
ولد الغزي هذا بغزة هاشم سنة إحدى وأربعين وأربعمائة وتوفي ما بين مرو وبلخ من بلاد خراسان ونقل إلى بلخ ودفن بها ونقل عنه أنه كان يقول لما حضرته الوفاة أرجو أن يغفر لي ربي لثلاثة أشياء كوني من بلد الإمام الشافعي وأني شيخ كبير وأني غريب رحمه الله تعالى وحقق رجاءه
وفيها الإخشيد إسماعيل بن الفضل الأصبهاني السراج التاجر قرأ القرآن على جماعة وروى الكثير عن ابن عبد الرحيم وأبي القاسم بن أبي بكر


الذكواني وطائفة وعمر ثمانيا وثمانين سنة
وفيها البارع وهو أبو عبد الله الحسين بن محمد بن عبد الوهاب البغدادي الدباس المقرئ الأديب الشاعر وهو من ذرية أبي القاسم بن عبيد الله وزير المعتضد قرأ القرآن على أبي بكر محمد بن علي الخياط وغيره وروى عن أبي جعفر بن المسلمة وله مصنفات وشعر فائق قال ابن خلكان كان نحويا لغويا مقرئا حسن المعرفة بصنوف من الآداب وأفاد خلقا كثيرا خصوصا بإقراء القرآن الكريم وهو من بيت الوزارة فإن جده القاسم كان وزير المعتضد والمكتفي بعده وهو الذي سم ابن الرومي الشاعر وعبيد الله كان وزير المعتضد أيضا قبل ابنه القاسم وسليمان بن وهب الوزير تغني شهرته عن ذكره والبارع المذكور من أرباب الفضائل وله مؤلفات حسان وتآليف غريبة وديوان شعر جيد وكان بينه وبين ابن الهبارية مداعبات لطيفة فإنهما كانا رفيقين ومتحدين في الصحبة ومن شعر البارع
( أفنيت ماء الوجه من طول ما ** أسأل من لا ماء في وجهه )
( أنهي إليه شرح حالي الذي ** يا ليتني مت ولم أنهه )
( فلم ينلني كرما رفده ** ولم أكد أسلم من جبهه )
( والموت من دهر نحاريره ** ممتدة الأيدي إلى بلهه )
وكانت ولادته في عاشر صفر سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة ببغداد وتوفي يوم الثلاثاء سابع جمادى الآخرة وقيل الأولى وكان قد عمى في آخر عمره رحمه الله
وفيها ابن الغزال أبو محمد عبد الله بن محمد بن إسماعيل بن الغزال المصري المجاور شيخ صالح مقرئ قد سمع السلفي في سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة من إسماعيل الحافظ عنه سمع القضاعي وكريمة وعمر دهرا
وفيها فاطمة الجوزدانية أم إبراهيم بنت عبد الله بن أحمد بن القاسم بن


عقيل الأصبهانية سمعت من ابن ريذة معجمي الطبراني سنة خمس وثلاثين وعاشت تسعا وتسعين سنة وتوفيت في شعبان
وفيها أبو الأعز قراتكين بن الأسعد الأزجي روى عن الجوهري وجماعة وكان عاميا توفي في رجب ببغداد
وفيها أبو عامر العبدوي محمد بن سعدون بن مرجا الميورقي الحافظ الفقيه الظاهري نزيل بغداد أدرك أبا عبد الله البانياسي والحميدي وهذه الطبقة قال ابن عساكر كان فقيها على مذهب داود وكان أحفظ شيخ لقيته
وقال القاضي أبو بكر بن العربي هو أنبل من لقيته وقال ابن ناصر كان فهما عالما متعففا مع فقره وقال السلفي كان من أعيان علماء الإسلام متصرفا في فنون من العلوم وقال ابن عساكر بلغني أنه قال أهل البدع يحتجون بقوله { ليس كمثله شيء } أي في الآلهية فأما في الصورة فمثلنا ثم يحتج بقوله { لستن كأحد من النساء إن اتقيتن } أي في الحرمة وقال ابن ناصر الدين كان من أعيان الحفاظ لكن تكلم في مذهبه في القرآن ابن ناصر وحط عليه بما لا يثبت عنه ابن عساكر
وفيها محمد بن عبد الله بن تومرت المصمودي البربري المدعي أنه علوي حسني وأنه المهدي رحل إلى المشرق ولقي الغزالي وطائفة وحصل فنونا من العلم والأصول والكلام وكان رجلا ورعا ساكنا ناسكا في الجملة زاهدا متقشفا شجاعا جلدا عاقلا عميق الفكر بعيد الغور فصيحا مهيبا لذته في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد ولكن جره أقدامه وجرأته على حب الرياسة والظهور وارتكاب المحظور ودعوى الكذب والزور من أنه حسني وهو هرغي بربري وأنه معصوم وهو بالإجماع مخصوم فبدأ أولا في الإنكار بمكة فآذوه فقدم مصر وأنكر فطردوه فأقام بالثغر مدة فنفوه وركب البحر فشرع ينكر على أهل المركب


ويأمر وينهي ويلزمهم بالصلاة وكان مهيبا وقورا بزيق الفقر فنزل بالمهدية في غرفة فكان لا يرى منكرا أو لهوا إلا غيره بيده ولسانه فاشتهر وصار له زبون وشباب يقرءون عليه في الأصول فطلبه أمير البلد يحيى بن باديس وجلس له فلما رأى حسن سمته وسمع كلامه احترمه وسأله الدعاء فتحول إلى بجاية وأنكر بها فأخرجوه فلقي بقرية ملالة عبد المؤمن بن علي شابا مختطا مليحا فربطه عليه وأفضى إليه بسره وأفاده جملة من العلم وصار معه نحو خمس أنفس فدخل مراكش وأنكر كعادته فأشار مالك بن وهيب الفقيه على علي بن يوسف بن تاشفين بالقبض عليهم سدا للذريعة وخوفا من الغائلة وكانوا بمسجد داثر بظاهر مراكش فأحضرهم وعقد لهم مجلسا حافلا فواجهه ابن تومرت بالحق المحض ولم يحابه ووبخه ببيع الخمر جهارا وبمشي الخنازير التي للفرنج بين أظهر المسلمين وبنحو ذلك من الذنوب وخاطبه بكيفية ووعظ فذرفت عينا الملك وأطرق فقويت التهمة عند ابن وهيب وأشباهه من العقلاء وفهموا مرام ابن تومرت فقيل للملك إن لم تسجنهم وتنفق عليهم كل يوم دينارا وإلا أنفقت عليهم خزائنك فهون الوزير أمرهم ليقضي الله أمرا كان مفعولا فصرفه الملك وطلب منه الدعاء واشتهر اسمه وتطلعت النفوس إليه وسار إلى أغمات وانقطع بحبل تينمل وتسارع إليه أهل الجبل يتبركون به فأخذ يستميل الشباب الاغتام والجهلة الشجعان ويلقى إليهم ما في نفسه وطالت مدته وأصحابه يكثرون وهو يأخذهم بالديانة والتقوى ويحضهم على الجهاد وبذل النفوس في الحق وورد أنه كان حاذقا في ضرب الرمل قد وقع بجفر فيما قيل واتفق لعبد المؤمن أنه كان قد رأى أنه يأكل في صحفة مع ابن تاشفين ثم اختطف الصحفة منه فقال له المعبر هذه الرؤيا لا ينبغي أن تكون لك بل هي لرجل يخرج على ابن تاشفين ثم يغلب على الأمر وكانت تهمة ابن تومرت في إظهار العقيدة والدعاء إليها وكان أهل المغرب على طريقة


السلف ينافرون الكلام و أهله ولما كثرت أصحابه أخذ يذكر المهدي ويشوق إليه ويروي الأحاديث التي وردت فيه فتلهفوا على لقائه ثم روى ظمأهم وقال أنا هو وساق لهم نسبا ادعاه وصرح بالعصمة وكان على طريقة مثلى لا تنكر معها العصمة فبادروا إلى متابعته وصنف لهم مصنفات مختصرات وقوى أمره في سنة خمس عشرة وخمسمائة فلما كان في سبع عشرة جهز عسكرا من المصامدة أكثرهم من أهل تينمل والسوس وقال اقصدوا هؤلاء المارقين المرابطين فادعوهم إلى إزالة البدع والإقرار بالإمام المعصوم فإن أجابوكم وألا فقاتلوهم وقدم عليهم عبد المؤمن فالتقاهم الزبير ولد أمير المسلمين فانهزمت المصادمة ونجا عبد المؤمن ثم التقوهم مرة أخرى فنصرت المصامدة واستفحل أمرهم وأخذوا في شن الإغارات على بلاد ابن تاشفين وكثر الداخلون في دعوتهم وانضم إليهم كل مفسد ومريب واتسعت عليهم الدنيا وابن تومرت في ذلك كله لون واحد من الزهد والتقلل والعبادة وإقامة السنن والشعائر لولا ما أفسد القضية بالقول بنفي الصفات كالمعتزلة وبأنه المهدي وبتسرعه في الدماء وكان ربما كاشف أصحابه ووعدهم بأمور فتوافق فيفتنون به وكان كهلا أسمر عظيم الهامة ربعة حديد النظر مهيبا طويل الصمت حسن الخشوع والسمت وقبره مشهور معظم ولم يملك شيئا من المدائن إنما مهد الأمور وقرر القواعد فبغته الموت وكانت الفتوحات والممالك لعبد المؤمن
قاله في العبر
وفيها الآمر بأحكام الله أبو علي منصور بن المستعلى بالله أحمد بن المستنصر بالله معد بن الظاهر بن الحاكم العبيدي الرافضي صاحب مصر كان فاسقا مشتهرا ظالما امتدت دولته ولما كبر وتمكن قتل وزيره الأفضل وأقام في الوزارة البطائحي المأمون ثم صادره وقتله ولى الخلافة سنة خمس وتسعين وهو ابن خمس سنين فانظر إلى هذه الخلافة الباطلة من وجوه أحدها السن الثاني عدم النسب فإن جدهم دعى في بني فاطمة بلا خلاف الثالث أنهم خوارج

على الإمام الرابع خبث المعتقد الدائر بين الرفض والزندقة الخامس تظاهره بالفسق وكانت أيامه ثلاثين سنة خرج في ذي القعدة إلى الجيزة فكمن له قوم بالسلاح فلما مر على الجسر نزلوا عليه بالسيوف ولم يعقب وبايعوا بعده ابن عمه الحافظ عبد المجيد بن الأمير محمد بن المستنصر فبقى إلى عام أربعة وأربعين وكان الآمر ربعة شديد الأدمة جاحظ العينين عاقلا ماكرا مليح الخط ولقد ابتهج الناس بقتله لفسقه وجوره وسفكه الدماء وإدمان الفواحش
وفيها أبو محمد بن الأكفاني هبة الله بن أحمد بن محمد الأنصاري الدمشقي الحافظ وله ثمانون سنة سمع أباه وأبا القاسم الحنائي وأبا بكر الخطيب وطبقتهم ولزم أبا محمد الكتاني مدة وكان ثقة فهما شديد العناية بالحديث والتاريخ كتب الكثير وكان من كبار العدول توفي في سادس المحرم
وفيها أبو سعد المهراني هبة الله بن القاسم بن عطاء النيسابوري روى عن عبد الغافر الفارسي وأبي عثمان الصابوني وطائفة وعاش ثلاثا وتسعين سنة وكان ثقة جليلا خيرا توفي في جمادى الأولى

سنة خمس وعشرين وخمسمائة

فيها توفي أبو السعود بن المجلي أحمد بن علي البغدادي البزاز شيخ مبارك عامي روى عن القاضي أبي يعلى وابن المسلمة وطبقتهما
وفيها أبو المواهب بن ملوك الوراق أحمد بن محمد بن عبد القاهر الفقيه نزيل الموصل تفقه على الشيخ أبي إسحق وسمع من عبد الصمد بن المأمون وطائفة
وفيها أبو نصر الطوسي أحمد بن محمد بن عبد القاهر الفقيه نزيل الموصل تفقه على الشيخ أبي إسحق وسمع من عبد الصمد بن المأمون وطائفة
وفيها الشيخ حماد بن مسلم بن ددوة الدباس أبو عبد الله الرحبي الزاهد شيخ الشيخ عبد القادر الكيلاني نشأ ببغداد وكان له معمل للدبس وكان أميا

لا يكتب له أصحاب واتباع وأحوال وكرامات دونوا كلامه في مجلدات وكان شيخ العارفين في زمانه وكان ابن عقيل يحط عليه ويؤذيه
قاله في العبر
وقال السخاوي كان قد سافر وتغرب ولقي المشايخ وجاهد نفسه بأنواع المجاهدات وزاول أكثر المهن والصنائع في طلب الحلال والتورع في الكسب والتحري ثم فتح له بعد ذلك خير كثير وأملى في الآداب والأعمال والعلوم المتعلقة بالمعرفة وتصحيح المعاملات شيئا كثيرا وكان كأنه مسلوب الاختيار مكاشفا بأكثر الأحوال ومن كلامه انظر إلى صنعه تستدل عليه ولا تنظر إلى صنع غيره فتعمى عنه اللسان ترجمان القلب والنظر فإذا زال ما في القلب والنظر من الهوى كان نطقه حكمة والحساب على أخذك من ماله وهو الحلال والعقاب على أخذك من مالهم وهو الحرام وقال رضي الله عنه من هرب من البلاء لا يصل إلى باب الولاء وقال رضي الله عنه ما لأحد في مأكول على منة فإني بالغت في طلب الرزق الحلال بكد يميني وعملت في كل شيء إلا أني ما كنت غلاما لقصاب ولا لوقاد ولا لكناس فإن هذه الحرف تؤدي إلى إسقاط المروءة وكان الشيخ يأكل من النذر كان يقول بعضهم إن سلم مالي أو ولدي أو قرابتي فلله على أن أعطى حمادا كذا ثم ترك ذلك لأنه بلغه حديث النبي صلى الله عليه وسلم النذر لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل فكره أكل مال البخيل وصار يأكل بالمنامات كان الإنسان يرى في النوم أن قائلا يقول له أعط حمادا كذا فيصبح ويحمل الذي قيل له إلى الشيخ توفي رحمه الله تعالى ليلة السبت الخامس من شهر رمضان ودفن في الشوينزية وكان مسلوب الاختيار تارة زيه زي الأغنياء وتارة زي الفقراء متلون كيف أدير دار أي شيء كان في يده جاد به وكانت المشايخ بين يديه كالميت بين يدي الغاسل
انتهى كلام السخاوي ملخصا
وفيها أبو العلاء زهر بن عبد الملك بن محمد بن مروان زهر الإيادي الإشبيلي

طبيب الأندلس وصاحب التصانيف أخذ عن أبيه وحدث عن أبي علي الغساني وجماعة ونال دنيا عريضة ورياسة كبيرة وله شعر رائق نكب في الآخر من الدولة قال ابن الأهدل له شعر رائق ورياسة عظيمة وأموال عميمة وهو أحد شيوخ أبي الخطاب بن دحية وكان يحفظ شعر ذي الرمة وهو ثلث اللغة مع معرفة الطب التامة وأهل بيته كلهم وزراء علماء
انتهى
وفيها عين القضاة الهمذاني أبو المعالي عبد الله بن محمد الميانجي بالفتح وفتح النون نسبة إلى ميانة بلد بأذربيجان الفقيه العلامة الأديب وأحد من كان يضرب به المثل في الذكاء دخل في التصوف ودقائقه ومعاني إشارات القوم حتى ارتبط عليه الخلق ثم صلب بهمذان على تلك الألفاظ الكفرية نسأل الله العفو
قاله في العبر
وفيها أبو عبد الله الرازي صاحب السداسيات والمشيخة محمد بن أحمد بن إبراهيم الشاهد المعروف بابن الحطاب مسند الديار المصرية وأحد عدول الإسكندرية توفي في جمادى الأولى عن إحدى وتسعين سنة سمعه أبوه الكثير من مشيخة مصر ابن حمصة والطفال وأبي القاسم الفارسي وطبقتهم
وفيها أبو غالب الماوردي محمد بن الحسن بن علي البصري في رمضان ببغداد وله خمس وسبعون سنة روى عن أبي علي التستري وأبي الحسن بن النقور وطبقتهما وكان ناسخا فاضلا صالحا رحل إلى أصبهان والكوفة وكتب الكثير وخرج المشيخة
وفيها الشيخ الفقيه محمد بن عبدوية المدفون بجزيرة كمران من اليمن ببحر القلزم تفقه بالشيخ أبي إسحق ببغداد وقرأ عليه كتابه المهذب ونكته

في الأصول والجدل وهو أول من دخل بالمهذب اليمن وكان سكن عدن ثم انتقل إلى زبيد في دولة الحبشة فلما دخل مفضل بن أبي البركات بعسكر من العرب انتهب مالا لابن عبدويه كان يتجر فيه في جملة من انتهب ثم خرج إلى كمران وأقام بها إلى أن توفي وقبره هناك مشهور مزور وكان زاهدا ورعا لا يأكل إلا رزا يأتي من بلاد الهند وكان عبيده يسافرون إلى الحبشة والهند ومكة وعدن للتجارة فأخلفه الله مالا عن ماله المنهوب وكان ينفق على طلبة العلم وكانت طريقته سنية سنية وله تصنيف في أصول الفقه يسمى الإرشاد وكان له ولد عالم في الأصول والفقه يسمى عبد الله تفقه بأبيه ومات قبله وله ذرية بمشهده أخيار أبرار وابتلى بذهاب بصره فأتى بقراح فأنشد
( وقالوا قد دهى عينيك سوء ** فلو عالجته بالقدح زالا )
( فقلت الرب مختبري بهذا ** فإن أصبر أنل منه النوالا )
( وإن أجزع حرمت الأجر منه ** وكان خصيصتي منه الوبالا )
( وإني صابر راض شكور ** ولست مغيرا ما قد أنالا )
( صنيع مليكنا حسن جميل ** وليس لصنعه شيء مثالا )
( وربي غير متصف بحيف ** تعالى ربنا عن ذا تعالى )
روى أنه لما قال هذه الأبيات أعاد الله عليه بصره
قاله ابن الأهدل
وفيها السلطان محمود بن السلطان محمد بن ملكشاه بن ألب أرسلان السلجوقي الملقب مغيث الدين ولى بعد أبيه سنة اثنتي عشرة وخطب له ببغداد وغيرها ولعمه سنجر معا وكان له معرفة بالشعر والنحو والتاريخ وكان متوقدا ذكاء قوي المعرفة بالعربية حافظا للأشعار والأمثال عارفا بالتواريخ والسير شديد الميل إلى أهل العلم والخير وكان حيص بيص الشاعر قد قصده من العراق ومدحه بقصيدته الدالية المشهورة التي أولها


( ألق الحدائج تلق الضمر القود ** طال السرى وتشكت وخدك البيد )
( يا ساري الليل لا جدب ولا فرق ** فالنبت أغيد والسلطان محمود )
( قيل تألفت الأضداد خيفته ** فالمورد الضنك فيه الشاء والسيد )
وهي طويلة من غرر القصائد وأجازه عليها جائزة سنية وكانت السلطنة في آخر أيامه قد ضعفت وقلت أموالها حتى عجزوا عن إقامة وظيفة الفقاعي فدفعوا له يوما بعض صناديق الخزانة حتى باعها وصرف ثمنها في حاجته وكان في آخر مدته قد دخل بغداد ثم خرج عنها فمرض في الطريق واشتد به المرض وتوفي يوم الخميس منتصف شوال بباب أصبهان ودفن بها
وفيها أبو القاسم بن الحصين هبة الله بن محمد بن عبد الواحد بن أحمد بن العباس بن الحسين الشيباني البغدادي الكاتب الأزرق مسند العراق ولد في ربيع الأول سنة اثنتين وثلاثين وسمع ابن غيلان وابن المذهب والحسن بن المقتدر والتنوخي وهو آخر من حدث عنهم وكان دينا صحيح السماع توفي في رابع عشر شوال
وفيها يحيى بن المسرف بن علي أبو جعفر المصري التمار روى عن أبي العباس بن نفيس وكان صالحا من أولاد المحدثين توفي في رمضان

سنة ست وعشرين وخمسمائة

فيها كانت الوقعة بناحية الدينور بين السلطان سنجر وبين ابن أخيه سلجوق ومسعود قال ابن الجوزي كان مع سنجر مائة وسبعون ألفا ومع مسعود ثلاثون ألفا وبلغت القتلى أربعين ألفا وقتلوا قتلة جاهلية على الملك لا على الدين وقتل ثرجا أتابك سلجوق وجاء مسعود لما رأى الغلبة إلى بين يدي سنجر فعفا عنه وأعاده إلى كنجه وقرر سلطنة بغداد لطغر بك ورجع إلى خراسان


وفيها توفي الملك الأكمل أحمد بن الأفضل أمير الجيوش شاه شاه بن أمير الجيوش بدر الجمالي المصري سجن بعد قتل أبيه مدة إلى أن قتل الآمر وأقيم الحافظ فأخرجوا الأكمل وولى وزارة السيف والقلم وكان شهما مهيبا عالي الهمة كأبيه وجده فحجر على الحافظ ومنعه من الظهور وأخذ أكثر ما في القصر وأهمل ناموس الخلافة العبيدية لأنه كان سنيا كأبيه لكنه أظهر التمسك بالإمام المنتصر وأبطل من الأذان حي على خير العمل وأبطل قواعد القوم فأبغضه الدعاة والقواد وعملوا عليه فركب للعب الكرة في المحرم فوثبوا عليه وطعنه مملوك الحافظ وأخرجوا الحافظ ونزل إلى دار الأكمل واستولى على خزائنه واستوزر يانس مولاه فهلك بعد عام
وفيها أبو العز بن كاوش أحمد بن عبيد الله بن محمد السلمي العكبري في جمادى الأولى عن تسعين سنة وهو آخر من روى عن القاضي أبي الحسن الماوردي وروى عن الجوهري والعشاري والقاضي أبي الطيب وكان قد طلب الحديث بنفسه وله فهم قال عبد الوهاب الأنماطي كان مخلطا
وفيها تاج الملوك بورى صاحب دمشق وابن صاحبها طغتكين مملوك تاج الدولة تتش السلجوقي وكانت دولته أربع سنين قفز عليه الباطنية فجرح وتعلل أشهرا ومات في رجب وولى بعده ابنه شمس الملوك إسماعيل وكان شجاعا مجاهدا جوادا كريما سد مسد أبيه وعاش ستا وأربعين سنة
وفيها عبد الله بن أبي جعفر المرسي العلامة أبو محمد المالكي انتهت إليه رياسة المالكية وتوفي في رمضان وقد روى عن أبي حاتم بن محمد وابن عبد البر والكبار وسمع بمكة صحيح مسلم من أبي عبد الله الطبري
وفيها عبد الكريم بن حمزة أبو محمد السلمي الدمشقي الحداد مسند الشام روى عن أبي القاسم الحناني والخطيب وأبي الحسين بن مكي وكان ثقة توفي في ذي القعدة


وفيها القاضي أبو الحسين بن الفراء محمد بن القاضي أبي يعلى محمد بن الحسين البغدادي الحنبلي وله أربع وسبعون سنة سمع أباه وعبد الصمد بن المأمون وطبقتهما وكان مفتيا مناظرا عارفا بالمذهب ودقائقه صلبا في السنة كثير الحط على الأشاعرة استشهد ليلة عاشوراء وأخذ ماله وقتل قاتله وألف طبقات الحنابلة
قاله في العبر وقال ابن رجب كان عارفا بالمذهب متشددا في السنة وله تصانيف كثيرة في الفروع والأصول وغير ذلك منها المجموع في الفروع
رءوس المسائل
المفردات في الفقه
التمام لكتاب الروايتين والوجهين الذي لأبيه
المفردات في أصول الفقه
طبقات الأصحاب
إيضاح الأدلة في الرد على الفرق الضالة المضلة
الرد على زائغي الاعتقادات في منعهم من سماع الآيات
المفتاح في الفقه وغير ذلك وقرأ عليه جماعة كثيرة منهم عبد المغيث الحربي وغيره وحدث عنه وسمع منه خلق كثير من الأصحاب وغيرهم منهم ابن ناصر ومعمر بن الفاخر وابن الخشاب وأبو الحسين البراندسي الفقيه وابن المرحب البطائحي وابن عساكر الحافظ وغيرهم وبالإجازة أبو موسى المديني وابن كليب وكان للقاضي أبي الحسين بيت في داره بباب المراتب يبيت فيه وحده فعلم بعض من كان يخدمه ويتردد إليه بأن له مالا فدخلوا عليه ليلا وأخذوا المال وقتلوه ليلة الجمعة عاشوراء ودفن عند أبيه بمقبرة باب حرب وكان يوما مشهودا وقدر الله سبحانه وتعالى ظهور قاتليه فقتلوا كلهم
وفيها علي بن الحسن الدواحي أبو الحسن الواعظ تفقه على أبي الخطاب الكلوذاني وسمع منه الحديث وتوفي ليلة الجمعة خامس شوال ودفن بباب حرب

سنة سبع وعشرين وخمسمائة

فيها توفي أبو غالب بن البناء أحمد بن علي بن أحمد بن عبد الله البغدادي الحنبلي مسند العراق وله اثنتان وثمانون سنة توفي في صفر سمع الجوهري

وأبا يعلى بن الفراء وطائفة وله مشيخة مروية
وفيها أبو العباس بن الرطبي أحمد بن سلامة بن عبد الله بن مخلد الكرخي برع في مذهب الشافعي وغوامضه على الشيخين أبي إسحق وابن الصباغ حتى صار يضرب به المثل في الخلاف والمناظرة ثم علم أولاد الخليفة
قاله في العبر
وفيها العلامة مجد الدين أبو الفتح وأبو سعيد أسعد بن أبي النصر بن الفضل الميهنتي بكسر الميم وقيل بفتحها ثم مثناة ثم هاء مفتوحة ثم نون مفتوحة وفي آخره تاء التأنيث نسبة إلى ميهنة قرية بقرب طوس بين سرخس وأبيورد صاحب التعليقة تفقه بمرو وشاع فضله وبعد صيته وولى نظامية بغداد مرتين وخرج له عدة تلامذة وكان يتوقد ذكاء تفقه على أبي المظفر السمعاني والموفق الهروي وكان يرجع إلى دين وخوف ولد بميهنة سنة إحدى وستين وأربعمائة ورحل إلى غزنة بغين معجمة من نواحي الهند واشتهر بتلك النواحي وشاع فضله ثم ورد إلى بغداد وانتفع الناس به وبطريقته الخلافية ثم توجه من بغداد رسولا إلى همذان فتوفي بها
وفيها الحافظ أبو نصر اليونارتي بضم التحتية ونون مفتوحة وسكون الراء وفوقية نسبة إلى يونارت قرية بأصبهان الحسن بن محمد بن إبراهيم الحافظ فسمع أبا بكر بن ماجه وأبا بكر بن خلف الشيرازي وطبقتهما ورحل إلى هراة وبلخ وبغداد وعنى بهذا الشأن وكان جيد المعرفة متقنا توفي في شوال وقد جاوز الستين
وفيها ابن الزاغوني أبو الحسن علي بن عبيد الله بن نصر بن السري كذا نسبه إبن شافع وابن الجوزي الفقيه الحنبلي شيخ الحنابلة وواعظهم وأحد أعيانهم ولد في جمادى الأولى سنة خمس وخمسين وأربعمائة وقرأ القرآن بالروايات وطلب الحديث بنفسه وقرأ وكتب بخطه وسمع من أبي الغنائم بن المأمون وأبي جعفر بن المسلمة وابن النقور وغيرهم وقرأ الفقه على القاضي


يعقوب البرنشي وقرأ الكثير من كتب الفقه والنحو والفرائض وكان متقنا في علوم شتى من الأصول والفروع والوعظ والحديث وصنف في ذلك كله قال ابن الجوزي كان له في كل فن من العلم حظ وافر ووعظ مدة طويلة قال وصحبته زمانا فسمعت منه الحديث وعلقت عنه من الفقه والوعظ وكانت له حلقة بجامع المنصور يناظر فيها يوم الجمعة قبل الصلاة ثم يعظ فيها بعد الصلاة ويجلس يوم السبت أيضا وذكر ابن ناصر أنه كان فقيه الوقت وكان مشهورا بالصلاح والديانة والورع والصيانة وقال ابن السمعاني ذكر بعض الناس ممن يوثق بهم أنه رأى في المنام ثلاثة يقول واحد منهم اخسف وواحد يقول أغرق وواحد يقول أطبق يعني البلد فأجاب بعضهم لا لأن بالقرب منا ثلاثة أبو الحسن بن الزاغوني والثاني أحمد بن الطلاية والثالث محمد بن فلان من الحربية ولابن الزاغوني ( ) تصانيف كثيرة منها في الفقه الإقناع والواضح والخلاف الكبير والمفردات في مجلدين وهي مائة مسئلة وله التخليص في الفرائض ومصنف في الدور والوصايا وله الإيضاح في أصول الدين مجلد وغرر البيان في أصول الفقه مجلدات عدة وله ديوان خطب ومجالس في الوعظ وله تاريخ على السنين ومناسك الحج وفتاوي ومسائل في القرآن وغير ذلك قال الحافظ ابن رجب كان ثقة صحيح السماع صدوقا حدث بالكثير وروى عنه ابن ناصر وابن عساكر وابن الجوزي وابن طبرزد وغيرهم وتفقه عليه جماعة منهم صدقة بن الحسين وابن الجوزي وتوفي يوم الأحد سادس عشر المحرم ودفن بمقبرة الإمام أحمد وكان له جمع عظيم يفوت الإحصاء انتهى ملخصا
وفيها محمد بن الحسين بن علي بن إبراهيم بن عبيد الله الشيباني المزرقي المقرئ الفرضي أبو بكر ولد في سلخ سنة تسع وثلاثين وأربعمائة وقرأ القرآن بالروايات على جماعة من أصحاب الحمامي منهم أبو بكر بن موسى الخياط وسمع من ابن المسلمة وخلائق ذكر ابن ناصر أنه كان مقرئ زمانه قرأ القراءات عليه جماعة منهم

أبو موسى المديني الحافظ وعلي بن عساكر وغيرهما وحدث عنه ابن ناصر وابن عساكر وابن الجوزي وغيرهم قال ابن الجوزي كان ثقة عالما ثبتا حسن العقيدة حنبليا توفي يوم السبت مستهل السنة فجأة وقيل انه توفي في سجوده ودفن بباب حرب والمزرقي نسبة إلى المزرقة بين بغداد وعكبرا وهي بتقديم الزاي على الراء وبالقاف ولم يكن منها إنما نقل أبوه إليها أيام الفتنة فأقام بها مدة
وفيها محمد بن محمد بن الحسين بن محمد بن أحمد بن خلف بن الفراء الفقيه الحنبلي الزاهد أبو خازم ابن القاضي الإمام أبي يعلى وأخو القاضي أبي الحسين ولد في صفر سنة سبع وخمسين وأربعمائة وسمع الحديث من ابن المسلمة وابن المأمون وغيرهما وذكر ابن نقطة أنه حدث عن أبيه وما أظنه إلا بالإجازة فإنه ولد قبل موت والده بسنة وذكر أخوه أن والده أجاز له ولأخيه وقرأ محمد هذا الفقه على القاضي يعقوب ولازمه وعلق عنه وبرع في معرفة المذهب والخلاف والأصول وصنف تصانيف مفيدة وله كتاب التبصرة في الخلاف وكتاب رءوس المسائل وشرح مختصر الخرقي وغير ذلك وكان من الفقهاء الزاهدين والأخيار الصالحين وحدث وسمع منه جماعة منهم ابناه وأبو المعمر الأنصاري ويحيى بن يونس وتوفي يوم الاثنين تاسع عشرى صفر ودفن بداره بباب الأزج ونقل في سنة أربع وثلاثين إلى مقبرة الإمام أحمد فدفن عند أبيه وأبو خازم بالخاء والزاي المعجمتين
وفيها محمد بن أحمد بن صاعد أبو سعيد النيسابوري الصاعدي وله ثلاث وثمانون سنة وكان رئيس نيسابور وقاضيها وعالمها وصدرها روى عن أبي الحسين بن عبد الغافر وابن مسرور

سنة ثمان وعشرين وخمسمائة

فيها توفي أبو الوفاء أحمد بن علي الشيرازي الزاهد الكبير صاحب الرباط

والأصحاب والمريدين ببغداد وكان يحضر السماع
وفيها أبو الصلت أمية بن عبد العزيز بن أبي الصلت الداني الأندلسي صاحب الفلسفة وكان ماهرا في علوم الأوائل الطبيعي والرياضي والإلهي كثير التصانيف بديع النظم عاش ثمانيا وستين سنة وكان رأسا في معرفة الهيئة والنجوم والموسيقى تنقل في البلاد ومات غريبا وذكره العماد الكاتب في الخريدة وأثنى عليه وذكر شيئا من نظمه ومن جملة ما ذكر قوله
( وقائلة ما بال مثلك خاملا ** أأنت ضعيف الرأي أم أنت عاجز )
( فقلت لها ذنبي إلى القوم أنني ** لما لم يحوزوه من المجد حائز )
( وما فاتني شيء سوى الحظ وحده ** وأما المعالي فهي عندي غرائز )
وله أيضا
( جد بقلبي وعبث ** ثم مضى وما أكترث )
( واحربا من شادن ** في عقد الصبر نفث )
( يقتل من شاء بعينيه ** ومن شاء بعث )
( فأي ود لم يخن ** وأي عهد ما نكث )
وله أيضا
( دب العذار بخده ثم انثنى ** عن لثم مبسمه البرود الأشنب )
( لا غرو إن خشي الردى في لثمه ** فالريق سم قاتل للعقرب )
ومن شعره أيضا
( ومهفهف تركت محاسن وجهه ** ما مجه في الكأس من إبريقه )
( ففعالها من مقلتيه ولونها ** من وجنتيه وطعمها من ريقه )
وأورد له أيضا في كتاب الخريدة
( عجبت من طرفك في ضعفه ** كيف يصيد البطل إلا صيدا )
( يفعل فينا وهو في غمده ** ما يفعل السيف إذا جردا )


وشعره كثير وجيد وآخر شعر قاله أبيات أوصى أن تكتب على قبره وهي
( سكنتك يا دار الفناء مصدقا ** بأني إلى دار البقاء أصير )
( وأعظم ما في الأمر أني صائر ** إلى عادل في الحكم ليس يجور )
( فيا ليت شعري كيف ألقاه عندها ** وزادي قليل والذنوب كثير )
( فإن أك مجزيا بذنبي فإنني ** شر عقاب المذنبين جدير )
( وإن يك عفو منه عني ورحمة ** فثم نعيم دائم وسرور )
ولما اشتد مرض موته قال لولده عبد العزيز
( عبد العزيز خليفتي ** رب السماء عليك بعدي )
( أنا قد عهدت إليك ما ** تدريه فاحفظ فيه عهدي )
( فلان عملت به فإنك ** لا تزال حليف رشد )
( ولئن نكثت لقد ضللت ** وقد نصحتك حسب جهدي )
وقال ابن خلكان وجدت في مجموع لبعض المغاربة أن أبا الصلت المذكور مولده في دانية مدينة من بلاد الأندلس في قران سنة ستين وأربعمائة وأخذ العلم عن جماعة من أهل الأندلس كأبي الوليد الوقشي قاضي دانية وغيره وقدم الإسكندرية مع أمه في يوم عيد الأضحى من سنة تسع وثمانين وأربعمائة ونفاه الأفضل شاهان شاه من مصر سنة خمس وخمسمائة وتردد بالإسكندرية إلى أن سافر سنة ست وخمسمائة فحل بالمهدية ونزل من صاحبها علي بن يحيى بن تميم بن المعز بن باديس منزلة جليلة وولد له بها ولد سماه عبد العزيز وكان شاعرا ماهرا له في الشطرنج يد بيضاء وتوفي هذا الولد ببجاية في سنة ست وأربعين وخمسمائة وصنف أمية وهو في اعتقال الأفضل بمصر رسالة العمل بالأسطرلاب وكتاب الوجيز في علم البيئة ( ) وكتاب الأدوية المفردة وكتابا في المنطق سماه تقويم الأذهان وغير ذلك وبها صنف الوجيز للأفضل عرضه على منجمه أبي عبد الله الحلبي فلما وقف

عليه قال له هذا الكتاب لا ينتفع به المبتدي ويستغني عنه المنتهى وله من أبيات
( كيف لا تبلى علائله ** وهو بدر وهي كتان )
انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا
وفيها أبو علي الفارقي الحسن بن إبراهيم بن علي بن برهون شيخ الشافعية ولد بميافارقين سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة وتفقه على محمد بن بيان الكازروني ثم ارتحل إلى الشيخ أبي إسحق وحفظ عليه المهذب وتفقه على ابن الصباغ وحفظ عليه الشامل وكان ورعا زاهدا صاحب حق مجودا لحفظ الكتابين يكرر عليهما وقد سمع من أبي جعفر بن المسلمة وجماعة وولى قضاء واسط مدة وبها توفي في المحرم عن خمس وتسعين سنة وعليه تفقه القاضي أبو سعد بن أبي عصرون
وفيها عبد الله بن المبارك ويعرف بعسكر بن الحسن العكبري المقرئ الفقيه أبو محمد ويعرف بابن نبال الحنبلي سمع من أبي نصر الزينبي وأبي الحسين العاصمي وغيرهما وتفقه على أبي الوفاء بن عقيل وأبي سعد البرداني وكان يصحب شافعا الجيلي فأشار عليه بشراء كتب ابن عقيل فباع ملكا له واشترى بثمنه كتاب الفنون وكتاب الفصول ووقفهما على المسلمين وكان خيرا من أهل السنة وحدث وتوفي ليلة الثلاثاء ثاني عشرى جمادى الأولى عن نيف وسبعين سنة ودفن بمقبرة الإمام أحمد
وفيها عبد الواحد بن شنيف بن محمد بن عبد الواحد الديلمي البغدادي الفقيه الحنبلي أبو الفرج أحد أكابر الفقهاء تفقه على أبي علي البرداني وبرع وكان مناظرا مجودا وأمينا من قبل القضاة ويباشر بعض الولايات وله دينا واسعة وكان ذا فطنة وشجاعة وقوة قلب وعفة ونزاهة وأمانة قال ابن النجار كان مشهورا بالديانة وحسن الطريقة ولم تكن له رواية في الحديث توفي رحمه الله تعالى ليلة السبت حادي عشرى شعبان وصلى عليه الشيخ عبد القادر ودفن بمقبرة الإمام

أحمد رضي الله عنه
وفيها أبو الحسن علي بن أبي القاسم بن أبي زرعة الطبري المقرئ المحدث الفقيه الحنبلي الزاهد من أهل آمل طبرستان ذكره ابن السمعاني فقال شيخ صالح خير دين كثير العبادة والذكر مستعمل السنن مبالغ فيها جهده وكان مشهورا بالزهد والديانة رحل بنفسه في طلب الحديث إلى أصبهان وسمع بها جماعة من أصحاب أبي نعيم الحافظ كأبي سعد المطرب وأبي علي الحداد وغيرهما وسمع ببلده آمل من أبي المحاسن الروياني الفقيه وأبي بكر بن الخطاب وتوفي بالعسيلة بعد فراغه من الحج والعمرة والزيارة في المحرم ودفن بها انتهى
وفيها أبو القاسم هبة الله بن أحمد الواسطي الشروطي روى عن الخطيب وابن المسلمة وتوفي في ذي الحجة

سنة تسع وعشرين وخمسمائة

فيها هجم على سرادق المسترشد بالله أبي منصور الفضل بن المستظهر بالله أحمد بن المقتدي بالله عبد الله بن محمد بن القائم الهاشمي العباسي سبعة عشر من الباطنية فقتلوه وقتلوا بظاهر مراغة وكانت ولادته في ربيع الأول سنة خمس وثمانين وأربعمائة وبويع له بالخلافة عند موت أبيه في ربيع الآخر سنة اثنتي عشرة وخمسمائة وكان ذا همة عالية وشهامة زائدة وإقدام ورأي وهيبة شديدة ضبط الأمور أي أمور الخلافة ورتبها أحسن ترتيب وأحيا رميمها ونشر عظامها وشيد أركان الشريعة وطرز أكمامها وباشر الحروب بنفسه وخرج عدة نوب إلى الحلة والموصل وطريق خراسان إلى أن خرج النوبة الأخيرة وكسر جيشه بقرب همذان وأخذ أسيرا إلى أذربيجان في هذه السنة وكان قد سمع الحديث من أبي القاسم بن بيان وعبد الوهاب بن هبة الله السبتي وروى عنه محمد بن عمر بن مكي الأهوازي ووزيره علي بن طراد وإسماعيل بن طاهر الموصلي

وذكره ابن الصلاح في طبقات الشافعية وناهيك بذلك فإنه قال هو الذي صنف له أبو بكر الشاشي كتابه العمدة في الفقه وبلقبه اشتهر الكتاب فإنه كان حينئذ يلقب عمدة الدنيا والدين وذكره ابن السبكي في طبقات الشافعية فقال كان في أول أمره تنسك ولبس الصوف وانفرد في بيت للعبادة وكان مولده يوم الأربعاء ثامن عشر شعبان سنة ست وثمانين وأربعمائة وخطب له أبوه بولاية العهد ونقش اسمه على السكة في شهر ربيع الأول سنة ثمان وثمانين وكان مليح الخط ما كتب أحد من الخلفاء قبله مثله يستدرك على كتابه ويصلح أغاليط في كتبهم وأما شهامته وهيبته وشجاعته وإقدامه فأمر أشهر من الشمس ولم تزل أيامه مكدرة بكثرة التشويش والمخالفين وكان يخرج بنفسه لدفع ذلك إلى أن خرج الخرجة الأخيرة إلى العراق فكسر وأخذ ورزق الشهادة
وقال الذهبي مات السلطان محمود بن محمد بن ملكشاه سنة خمس وعشرين فأقيم ابنه داود مكانه فخرج عليه عمه مسعود بن محمد فاقتتلا ثم اصطلحا على الاشتراك بينهما ولكل مملكة وخطب لمسعود بالسلطنة ببغداد ومن بعده لداود وخلع عليهما ثم وقعت بين الخليفة ومسعود وحشة فخرج لقتاله فالتقى الجمعان وغدر بالخليفة أكثر عسكره فظفر به مسعود وأسر الخليفة وخواصه فحبسهم بقلعة بقرب همذان فبلغ أهل بغداد ذلك فحثوا في الأسواق على رءوسهم التراب وبكوا وضجوا وخرج النساء حاسرات يندبن الخليفة ومنعوا الصلاة والخطبة قال ابن الجوزي وزلزلت بغداد مرارا كثيرة ودامت كل يوم خمس مرات أو ست مرات والناس يستغيثون فأرسل السلطان سنجر إلى ابن أخيه مسعود يقول ساعة وقوف الولد غياث الدنيا والدين على هذا المكتوب يدخل على أمير المؤمنين ويقبل الأرض بين يديه ويسأله العفو والصفح ويتنصل غاية التنصل فقد ظهر عندنا من الآيات السماوية والأرضية ما لا طاقة لنا بسماع مثلها فضلا عن المشاهدة من العواصف والبروق والزلازل ودوام ذلك عشرين يوما وتشويش العساكر وانقلاب البلدان ولقد خفت على نفسي من جانب الله وظهور

آياته وامتناع الناس من الصلوات في الجوامع ومنع الخطباء ما لا طاقة لي بحمله فالله الله بتلافي أمرك وتعيد أمير المؤمنين إلى مقر عزه وتحمل الفاشية بين يديه كما جرت عادتنا وعادة آبائنا ففعل مسعود جميع ما أمر به وقبل الأرض بين يدي الخليفة ووقف يسأل العفو ثم أرسل سنجر رسولا آخر ومعه عسكر يستحث مسعود على إعادة الخليفة إلى مقر عزه فجاء في العسكر سبعة عشر من الباطنية فذكر أن مسعودا ما علم بهم وقيل بل هو الذي دسهم فهجموا على الخليفة في مخيمه ففتكوا به وقتلوا معه جماعة من أصحابه فما شعر بهم العسكر إلا وقد فرغوا من شغلهم فأخذوهم وقتلوهم إلى لعنة الله وجلس السلطان للعزاء وأظهر المساءة بذلك ووقع النحيب والبكاء وجاء الخبر إلى بغداد فاشتد ذلك على الناس وخرجوا حفاة مخرقين الثياب والنساء ناشرات الشعور يلطمن ويقلن المراثي لأن المسترشد كان محببا فيهم بمرة شافية من الشجاعة والعدل والرفق بهم وقتل المسترشد بمراغة يوم الخميس سادس عشر ذي القعدة وقال الذهبي وقد خطب المسترشد بالناس يوم عيد أضحى فقال الله أكبر ما سحت الأنواء وأشرق الضياء وطلعت ذكاء وعلت على الأرض السماء الله أكبر ما هع سحاب ولمع سراب وأنجح طلاب وسر قادما إياب وذكر خطبة بليغة ثم جلس ثم قام فخطب وقال اللهم أصلحني في ذريتي وأعني على ما وليتني وأوزعني شكر نعمتك ووفقني وانصرني فلما فرغ منها وتهيأ للنزول بدره أبو المظفر الهاشمي فأنشده
( عليك سلام اله يا خير من علا ** على منبر قد حف أعلامه النصر )
( وأفضل من أم الأنام وعمهم ** بسيرته الحسنى وكان له الأمر )
وهي طويلة وبالجملة فإنه كان من حسنات الخلفاء رحمه الله تعالى
وفيها أو في التي قبلها الحسن بن أحمد بن حكينا الشاعر المشهور قال العماد الكاتب أجمع أهل بغداد على أنه لم يرزق أحد من الشعراء لطافة طبعه وكان يلقب


بالبرغوث ومن شعره
( افتضاحي في عوارضه ** سبب والناس لوام )
( كيف يخفى ما أكابده ** والذي أهواه نمام )
وله أيضا
( لما بدا خط العذار ** يزين عارضه بمشق )
( وظننت أن سواده ** فوق البياض كتاب عتق )
( فإذا به من سوء حظي ** عهدة كتبت برقي )
وفيها أو في التي قبلها علي بن عطية اللخمي البلنسي الشاعر المشهور عرف بابن الزقاق كان شاعرا مفلقا حسن السبك رشيق العبارة ومن شعره قوله في غلام أصابته جراحة في وجنته
( وما شق وجنته عابثا ** ولكنها آية للبشر )
( جلاها لنا الله كيما نرى ** بها كيف كان انشقاق القمر )
وفيها أو في التي قبلها وبه جزم ابن خلكان وابن شهبة محمد بن عبد الله بن أحمد أبو نصر الأرغياني بالفتح فالسكون فكسر المعجمة وفتح التحتية نسبة إلى أرغيان من نواحي نيسابور الشافعي صاحب الفتاوي المعروفة وهي في مجلدين ضخمين يعبر عنها تارة بفتاوي الأرغياني وتارة بفتاوي إمام الحرمين لأنها أحكام مجردة أخذها مصنفها من النهاية قرأ على إمام الحرمين وسمع من أبي الحسن الواحدي المفسر وروى عنه في تفسير قوله تعالى { إني لأجد ريح يوسف } فقال أن ريح الصبا استأذنت ربها أن تأتي يعقوب عليه السلام بريح يوسف عليه السلام قبل أن يأتيه البشير بالقميص فأذن لها فأتته بذلك فلذلك يتروح كل محزون بريح الصبا وهي من ناحية المشرق إذا هبت على الأبدان نعمتها ولينتها وهيجت الأشواق إلى الأوطان والأحباب
انتهى
قال ابن السمعاني ولد المذكور بأرغيان سنة أربع

وخمسين وأربعمائة وقدم نيسابور وتفقه على إمام الحرمين وبرع في الفقه وكان إماما متنسكا كثير العبادة حسن السيرة مشتغلا بنفسه توفي في ذي القعدة بنيسابور وله شعر
وفيها طراد السلمي السنبسي البلنسي عرف بزربول الأدب وفيه يقول بعضهم وقد أرسل معه كتاب جراب الدولة لصديق له يداعبه
( وما يهدي مع الزربول يوما ** إلى خل بأظرف من جراب )
ومن شعره هو
( بادروا بالفرار من مقلتيه ** قبل أن تخسروا النفوس عليه )
( واعلموا أن للغرام ديونا ** ما لها الدهر منقذا من يديه )
وفيها شمس الملوك أبو الفتح إسماعيل بن تاج الملوك بورى بن طغتكين ولى دمشق بعد أبيه وكان وافر الحرمة موصوفا بالشجاعة كثير الإغارة على الفرنج أخذ منهم عدة حصون وحاصر أخاه ببعلبك مدة لكنه كان ظالما مصادرا جبارا رتبت أمه زمردخاتون من وثب عليه من قلعة دمشق في ربيع الأول وكانت دولته نحو ثلاث سنين وترتب بعده في الملك أخوه محمود وصار أتابكه معين الدين انزا الطغتكيني فبقي أربع سنين وقتله غلمانه قاله في العبر
وفيها الحسن بن الحافظ لدين الله عبد المجيد العبيدي المصري ولى عهد أبيه ووزيره ولى ثلاثة أعوام فظلم وغشم وفتك حتى أنه قتل في ليلة أربعين أميرا فخافه أبوه وجهز لحربه جماعة فالتقاهم واختبطت مصر ثم دس عليه أبوه من سقاه سما فهلك
وفيها دبيس بن صدقة ملك العرب نور الدولة أبو الأعز ولد الأمير سيف الدولة الأسدي صاحب الحلة كان فارسا شجاعا مقداما جوادا ممدحا أديبا كثير الحروب والفتن خرج على المسترشد بالله غير مرة ودخل خراسان والشام والجزيرة واستولى على كثير من العراق وكان مسعر حرب وجمرة وبلاء فتله السلطان


مسعود بمراغة في ذي الحجة وأظهر أنه قتله أخذا بثأر المسترشد فلله الحمد على قتله وله نظم حسن منه
( تمتع بأيام السرور فإنما ** عذار الأماني بالهموم يشيب )
ونسب العماد الكاتب في الخريدة إليه الأبيات اللامية التي من جملتها
( أسلمه حب سليمانكم ** إلى هوى أيسره القتل )
وفيها ظافر بن القاسم بن منصور بن عبد الله بن خلف بن عبد الغني أبو المنصور الجذامي الإسكندري المعروف بالحداد الشاعر المشهور كان من الشعراء المجيدين وله ديوان شعر أكثره جيد ومدح جماعة من المصريين وروى عنه الحافظ أبو طاهر السلفي وغيره من الأعيان ومن مشهور شعره قوله
( لو كان بالصبر الجميل ملاذه ** ماسح وابل دمعه ورذاذه )
( ما زال جيش الحب يغزو قلبه ** حتى وهي وتقطعت أفلاذه )
( لم يبق فيه مع الغرام بقية ** إلا رسيس يحتويه جذاذه )
( من كان يرغب في السلامة فليكن ** أبدا من الحدق المراض عياذه )
( لا تخدعنك بالفتور فإنه ** نظر يضر بقلبك استلذاذه )
( يا أيها الرشأ الذي من طرفه ** سهم إلى حب القلوب نفاذه )
( در يلوح بفيك من نظامه ** خمر يجول عليه من نباذه )
( وقناة ذاك القد كيف تقومت ** وسنان ذاك اللحظ ما فولاذه )
( رفقا بجسمك لا يذوب فإنني ** أخشى بأن يجفو عليه لاذه )
( هاروت يعجز عن مواقع سحره ** وهو الإمام فمن ترى أستاذه )
( تالله ما علقت محاسنك امرأ ** إلا وعز على الورى استنقاذه )
( أغريت حبك بالقلوب فأذعنت ** طوعا وقد أودى بها استحواذه )
( مالي أتيت الحظ من أبوابه ** جهدي فدام نفوره ولواذه )
( إياك من طمع المنى فعزيزه ** كذليله وغنيه شحاذه )


( ذالية بن دريد استهوى بها ** قوم غداة نبت به بغداذه )
( دانت لزخرف قوله فتفرقت ** طمعا بهم صرعا أو جذاذه )
( من قدر الرزق السني لك إنما ** قد كان ليس يضره إنفاذه )
وهذه القصيدة من غرر القصائد ومن شعره
( رحلوا فلولا أنني ** أرجو الإياب قضيت نحبي )
( والله ما فارقتهم ** لكنني فارقت قلبي )
وذكره علي بن ظافر بن أبي المنصور في كتابه بدائع البداية وأثنى عليه وأورد فيه عن القاضي أبي عبد الله محمد بن الحسين الآمدي النائب كان في الحكم بثغر الإسكندرية قال دخلت على الأمير السعيد بن ظفر أيام ولايته الثغر فوجدته يقطر دهنا على خنصره فسألته عن سببه فذكر ضيق خاتمه عليه وأنه ورم بسببه فقلت له الرأي قطع حلقته قبل أن يتفاقم الأمر به فقال اختر من يصلح لذلك فاستدعيت أبا المنصور ظافر الحداد فقطع الحلقة وأنشد بديها
( قصر عن أوصافك العالم ** وأكثر الناثر والناظم )
( من يكن البحر له راحة ** يضيق عن خنصره الخاتم )
فاستحسنه الأمير ووهب له الحلقة وكانت من ذهب وكان بين يدي الأمير غزال مستأنس وقد ربض وجعل رأسه في حجره فقال ظافر بديها
( عجبت لجرأة هذا الغزال ** وأمره تخطى له واعتمد )
( وأعجب به إذا بدا جاثما ** وكيف اطمأن وأنت الأسد )
فزاد الأمير والحاضرون في الاستحسان وتأمل ظافر شيئا على باب المجلس يمنع الطير من دخولها فقال
( رأيت ببابك هذا المنيف ** شباكا فأدركني بعض شك )
( وفكرت فيما رأى خاطري ** فقلت البحار مكان الشبك )
ثم انصرف وتركنا متعجبين من حسن بديهته رحمه الله تعالى وكانت وفاته

بمصر في المحرم قاله ابن خلكان
وفيها ثابت بن منصور بن المبارك الكيلي المقرئ المحدث الحنبلي أبو العز سمع من أبي محمد التميمي وأبي الغنائم بن أبي عثمان وغيرهما وعنى بالحديث وسمع الكثير وكتب الكثير وخرج تخاريج لنفسه عن شيوخه في فنون وحدث وسمع منه جماعة وروى عنه السلفي والمبارك بن أحمد وابن الجوزي وغيرهم وقال أبو الفرج كان دينا ثقة صحيح الإسناد ووقف كتبه قبل موته وقال السلفي عنه فقيه مذهب أحمد كتب كثيرا وسمع معنا وقبلنا على شيوخ وكان ثقة وعر الأخلاق وتوفي يوم الاثنين سابع عشر ذي الحجة قال ابن رجب قيل توفي سنة ثمان وعشرين ورأيت جماعة من المحدثين وغيرهم نعتوه في طباق السماع بالإمام الحافظ رحمه الله وهو منسوب إلى كيل قرية على شاطئ دجلة على مسيرة يوم من بغداد مما يلي طريق واسط ويقال لها جيل أيضا
انتهى ومنها الشيخ عبد القادر
وفيها أبو الحسن عبد الغافر بن إسماعيل بن عبد الغافر بن محمد الفارسي الحافظ الأديب صاحب تاريخ نيسابور ومصنف مجمع الغرائب ومصنف المفهم في شرح مسلم كان إماما في الحديث واللغة والأدب والبلاغة فقيها شافعيا أكثر الأسفار وحدث عن جده لأمه أبي القاسم القشيري وطبقته وأجاز له أبو محمد الجوهري وآخرون وتفقه بإمام الحرمين لازمه أربع سنين وأخذ عنه الخلاف والفقه ورحل فأكثر الأسفار ولقى العلماء ثم رجع إلى نيسابور وولى خطابتها وأخذ التفسير والأصول عن خاليه أبي سعيد عبد الله وأبي سعيد عبد الواحد ابني أبي القاسم القشيري ومات بنيسابور عن ثمان وسبعين سنة
وفيها قاضي الجماعة أبو عبد الله بن الحاج التجيبي القرطبي المالكي محمد بن أحمد بن خلف روى عن أبي علي الغساني وطائفة وكان من جلة العلماء وكبارهم متبحرا في العلوم والآداب ولم يكن أحد في زمانه أطلب للعلم منه مع الدين والخشوع قتل


ظلما بجامع قرطبة في صلاة الجمعة عن إحدى وسبعين سنة

سنة ثلاثين وخمسمائة

فيها كبس عسكر حلب بلاد الفرنج بالساحل فأسروا وسبوا وغنموا وشرع أمر الفرنج يتضعضع
وفيها حصل بين السلطان مسعود وبين الخليفة الراشد بالله خلف وجمعت العساكر من الفريقين وذهب الخليفة إلى الموصل ودخل السلطان مسعود بغداد واحتوى على دار الخلافة واستدعى الفقهاء وأخرج خط والد الخليفة المسترشد أنه من خرج من بغداد لقتال السلطان فقد خلع نفسه من الخلافة فأفتى من أفتى من الفقهاء بخلعه فخلعه في يوم الاثنين سادس عشر ذي القعدة بحكم الحاكم وفتيا الفقهاء واستدعى بعمه المقتفى بن المستظهر بالله فبويع له بالخلافة
قال ابن الجوزي في الشذور وقد ذكر الصولي شيئا فتأملته فإذا هو عجيب قال الناس أن كل سادس يقوم بأمر الناس منذ أول الإسلام لا بد أن يخلع فاعتبرت أنا هذا فوجدته كذلك انعقد الأمر لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ثم قام أبو بكر وعمر وعثمان وعلي والحسن وخلع ثم معاوية ويزيد بن معاوية ومعاوية بن يزيد ومروان وعبد الملك وابن الزبير فخلع وقتل ثم لم ينتظم لبني أمية أمر فولى السفاح والمنصور والمهدي والهادي والرشيد والأمين فخلع وقتل ثم المأمون والمعتصم والواثق والمتوكل والمنتصر والمستعين فخلع وقتل ثم المعتز ثم المقتدي ثم المعتمد ثم المعتضد ثم المكتفي ثم المقتدر فخلع ثم رد ثم قتل ثم القاهر والراضي والمتقي والمستكفي والمطيع والطائع فخلع ثم القادر والقائم والمقتدي والمستظهر والمسترشد والراشد فخلع ثم ولى المقتفى
وفيها توفي أبو منصور البآر كالقفال نسبة إلى عمل البئر إبراهيم بن الفضل الأصبهاني الحافظ روى عن أبي الحسين بن النقور وخلق قال ابن السمعاني رحل

وسمع وما أظن أحدا بعد ابن طاهر المقدسي رحل وطوف مثله أو جمع الأبواب كجمعه إلا أن البآر لحقه الأدبار في آخر الأمر فكان يقف في سوق أصبهان ويروى من حفظه بسنده وسمعت أنه يضع في الحال وقال لي إسماعيل بن محمد الحافظ أشكر الله كيف ما لحقته وأما ابن طاهر المقدسي فجرب عليه الكذب مرات قاله في العبر
وفيها سلطان بن يحيى بن علي بن عبد العزيز زين القضاة أبو المكارم القرشي الدمشقي روى عن أبي القاسم بن أبي العلاء وجماعة وناب في القضاء عن أبيه ووعظ وأفتى
وفيها علي بن أحمد بن منصور بن قيس الغساني أبو الحسن المالكي النحوي الزاهد شيخ دمشق ومحدثها روى عن أبي القاسم السميساطي وأبي بكر الخطيب وعدة قال السلفي لم يكن في وقته مثله بدمشق كان زاهدا عابدا ثقة وقال ابن عساكر كان متحرزا متيقظا منقطعا في بيته بدرب النقاسة أو بيته الذي في المنارة الشرقية بالجامع مفتيا يقرئ الفرائض والنحو
وفيها أبو سهل محمد بن إبراهيم بن سعدويه الأصبهاني المزكي راوي مسند البرقاني عن أبي الفضل الرازي توفي في ذي القعدة
وفيها أبو عبد الله محمد بن حموية الجويني الزاهد شيخ الصوفية بخراسان له مصنف في التصوف وكان زاهدا عارفا قدوة بعيد الصيت روى عن موسى بن عمران الأنصاري وجماعة وعاش اثنتين وثمانين سنة وهو جد بني حمويه قال السخاوي دفن في داره ببحيراباذا إحدى قرى جوين وقرأ الفقه والأصول على إمام الحرمين ثم انجذب إلى الزهد وحج مرات وكان مستجاب الدعاء وصنف كتاب لطائف الأذهان في تفسير القرآن وسلوة الطالبين في سيرة سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم وكتابا في علم الصوفية وغير ذلك ولد سنة تسع وأربعين وأربعمائة وأخذ طريقة التصوف عن أبي الفضل علي بن محمد الفارمذي عن أبي القاسم

الطوسي عن أبي عثمان سعيد بن سلام المغربي عن الزجاجي عن الجنيد انتهى
وفيها أبو بكر محمد بن علي بن شاذان الصالحاني مسند أصبهان في زمانه وآخر من حدث عن أبي طاهر بن عبد الرحيم الكاتب كان صالحا صحيح السماع توفي في جمادى الآخرة عن اثنتين وتسعين سنة وآخر أصحابه عين الشمس قاله في العبر
وفيها أبو عبد الله الفراوي بضم الفاء نسبة إلى فراوة بلد قرب خوارزم محمد بن الفضل بن أحمد الصاعدي النيسابوري راوي صحيح مسلم عن الفارسي ومسند خراسان وفقيه الحرم كان شافعيا مفتيا مناظرا صحب إمام الحرمين مدة وعاش تسعين سنة قال ابن شهبة يعرف بفقيه الحرم لأنه أقام بالحرمين مدة طويلة ينشر العلم ويسمع الحديث ويعظ الناس ويذكرهم أخذ الأصول والتفسير عن أبي القاسم القشيري وتفقه بإمام الحرمين وسمع من خلق كثير وتفرد بصحيح مسلم وقال ابن السمعاني هو إمام مفت مناظر واعظ حسن الأخلاق والمعاشرة جواد مكرم للغرباء ما رأيت في شيوخنا مثله ثم حكى عن بعضهم أنه قال الفراوي ألف راوي قال الذهبي وقد أملى أكثر من ألف مجلس توفي في شوال ودفن إلى جانب ابن خزيمة
وفيها كافور النبوي من خدام النبي صلى الله عليه وسلم كان أسود خصيا طويلا لا لحية له ومن شعره
( حتام همك في حل وترحال ** تبغي العلا والمعالي مهرها غال )
( يا طالب المجددون المجد ملحمة ** في طيها تلف للنفس والمال )
( ولليالي صروف قلما انجذبت ** إلى مراد امرئ يسعى لآمال )

سنة إحدى وثلاثين وخمسمائة

فيها توفي أبو البركات أحمد بن علي بن عبد الله بن الإيرادي البغدادي

الفقيه الحنبلي الزاهد سمع من أبي الغنائم بن أبي عثمان وأبي الحسن بن الأخضر الأنباري وخلق وقرأ الفقه على ابن عقيل وصحب الفاعوس وغيره من الصالحين وتعبد ووقف دارا بالبدرية شرقي بغداد على أصحاب أحمد وسمع منه جماعة منهم أبو المعمر الأنصاري وأبو القاسم بن عساكر ورويا عنه وتوفي ليلة الخميس ثاني عشر رمضان ودفن بباب ابرز
وفيها إسماعيل بن أبي القاسم الغازي أبو محمد النيسابوري روى عن أبي الحسين عبد الغافر وأبي حفص بن مسرور وكان صوفيا صالحا ممن خدم أبا القاسم القشيري ومات في رمضان وله اثنتان وتسعون سنة وقد روى صحيح مسلم كله
وفيها تميم بن أبي سعيد أبو القاسم الجرجاني روى عن أبي حفص بن مسرور وأبي سعد الكنجرودي والكبار وكان مسند هراة في زمانه توفي في هذه السنة أو قبلها قاله في العبر
وفيها طاهر بن سهل بن بشر أبو محمد الاسفرائيني الدمشقي الصائغ عن إحدى وثمانين سنة سمع أباه وأبا بكر الخطيب وأبا القاسم الحنائي وطائفة وكان ضعيفا قال ابن عساكر حك اسم أخيه وكتب بدله اسمه
وفيها الحسن بن يحيى بن روبيل الدمشقي الأبار كان يبيع الابر وكان صالحا ناسكا مغرى بهجاء زوجته لأنها أشارت عليه أن يمدح كبيرا فما نفع فهجاه فصفع فقال لولا زوجتي لما صفعت ولولا تعذيرها في لما وقعت
وفيها أبو جعفر الهمذاني محمد بن أبي علي الحسن بن محمد الحافظ الصدوق رحل وروى عن ابن النقور وأبي صالح المؤذن والفضل بن المحب وطبقتهم بخراسان والعراق والحجاز والنواحي قال ابن السمعاني ما أعرف أن أحدا في عصره سمع أكثر منه توفي في ذي القعدة وقال ابن ناصر الدين كان حافظا من المكثرين
وفيها أبو القاسم بن الطبر هبة الله بن أحمد بن عمر الحريري البغدادي المقرئ

قرأ بالروايات على أبي بكر محمد بن موسى الحناط وهو آخر أصحابه وسمع من أبي إسحق البرمكي وجماعة وكان ثقة صالحا ممتعا بحواسه توفي في جمادى الآخرة عن ست وتسعين سنة
وفيها أبو عبد الله يحيى بن الحسن بن أحمد بن البناء البغدادي الحنبلي روى عن أبي الحسين بن الأبنوسي وعبد الصمد بن المأمون وكان ذا علم وصلاح وهو أخو أبي نصر المتقدم ذكره قال ابن رجب ولد يوم الجمعة رابع عشرى ذي القعدة سنة ثلاث وخمسين وأربعمائة وبكر به أبوه في السماع فسمع من أبي الحسين بن المهتدي وابن الأبنوسي وابن النقور ووالده أبي علي بن البنا وغيرهم وحدث وروى عنه جماعة من الحفاظ منهم ابن عساكر وابن الجوزي وابن بوش وروى عنه ابن السمعاني إجازة وقال كان شيخا صالحا حسن السيرة واسع الرواية حسن الأخلاق متوددا متواضعا برا لطيفا بالطلبة مشفقا عليهم وتوفي ليلة الجمعة ثامن شهر ربيع الأول

سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة

فيها توفي أبو نصر الغازي أحمد بن عمر بن محمد الأصبهاني الحافظ قال ابن السمعاني ثقة حافظ ما رأيت في شيوخي أكثر رحلة منه سمع أبا القاسم ابن مندة وأبا الحسين بن النقور والفضل بن المحب وطبقتهم وكان جماعة من أصحابنا يفضلونه على إسماعيل التيمي الحافظ توفي في رمضان وقال الذهبي عاش ثلاثا وثمانين سنة
وفيها أحمد بن محمد بن أحمد بن مخلد بن عبد الرحمن بن أحمد بن الحافظ بقى ابن مخلد أبو القاسم القرطبي المالكي أحد الأئمة روى عن أبيه وابن الطلاع وأجاز له أبو العباس بن دلهاث وتوفي في سلخ العام عن سبع وثمانين سنة
وفيها الفقيه الحنبلي أبو بكر الدينوري أحمد بن أبي الفتح محمد بن أحمد من

أئمة الحنابلة ببغداد تفقه على أبي الخطاب وبرع في الفقه وتقدم في المناظرة على أبناء جنسه حتى كان أسعد الميهني شيخ الشافعية يقول ما اعترض أبو بكر الدينوري على دليل أحد إلا ثلم فيه ثلمة وله تصانيف في المذهب منها كتاب التحقيق في مسائل التعليق وتخرج به أئمة منهم أبو الفتح بن المنى والوزير ابن هبيرة قال ابن الجوزي حضرت درسه بعد موت شيخنا ابن الزاغوني نحوا من أربع سنين قال وأنشدني أي لنفسه
( تمنيت أن أمسي فقيها مناظرا ** بغير عناء والجنون فنون )
( وليس اكتساب المال دون مشقة ** تلقيتها فالعلم كيف يكون )
وقال ابن الجوزي كان يرق عند ذكر الصالحين ويبكي ويقول للعلماء عند الله قدر فلعل الله أن يجعلني منهم توفي يوم السبت غرة جمادى الأولى ودفن عند رجلي أبي منصور الخياط قريبا من قبر الإمام أحمد رضي الله عنه
وفيها إسماعيل بن أبي صالح أحمد بن عبد الملك المؤذن الفقيه أبو سعد النيسابوري الشافعي روى عن أبيه وأبي حامد الأزهري وطائفة وتفقه على إمام الحرمين وبرع في الفقه ونال جاها ورياسة عند سلطان كرمان وتوفي ليلة الفطر وله نيف وثمانون سنة
وفيها سعيد بن أبي الرجاء محمد بن أبي بكر أبو الفرج الأصبهاني الصيرفي الخلال السمسار توفي في صفر عن سن عالية فإنه سمع سنة ست وأربعين من أحمد بن محمد بن النعمان القصاص وروى مسند أحمد بن منيع ومسند الغربي ومسند أبي يعلى وأشياء كثيرة وكان صالحا ثقة
وفيها عبد المنعم بن أبي القاسم عبد الكريم بن هوازن أبو المظفر القشيري النيسابوري آخر أولاد الشيخ وفاة عاش سبعا وثمانين سنة وحدث عن سعيد البحيري والبيهقي والكبار وأدرك ببغداد أبا الحسين بن النقور وجماعة
وفيها أبو الحسن الجذامي علي بن عبد الله بن محمد بن سعيد بن موهوب الأندلسي


أحد الأئمة أجاز له أبو عمر بن عبد البر وأكثر عن أبي العباس بن دلهاث العذري وصنف تفسيرا وكتابا في الأصول وعمر إحدى وتسعين سنة
وفيها علي بن علي بن عبيد الله أبو منصور الأمين والد عبد الوهاب بن سكينة روى الجعديات عن الصريفيني وكان خيرا زاهدا يصوم صوم داود وكان أمينا على أموال الأيتام ببغداد عاش أربعا وثمانين سنة
وفيها فاطمة بنت علي بن المظفر بن دعبل أم الخير البغدادية الأصل النيسابورية المقرية روت صحيح مسلم وغريب الخطابي عن أبي الحسين الفارسي وعاشت سبعا وتسعين سنة وكانت تلقن النساء وقيل توفيت في العام المقبل قاله في العبر
وفيها أبو الحسن الكرجي محمد بن عبد الملك بن محمد بن عمر الفقيه الشافعي شيخ الكرج وعالمها ومفتيها قال ابن السمعاني إمام ورع فقيه مفت محدث أديب أفنى عمره في طلب العلم ونشره وروى عن مكي السلار وجماعة وله القصيدة المشهورة في السنة نحو مائتي بيت شرح فيها عقيدة السلف وله تصانيف في المذهب والتفسير وقال ابن كثير في طبقاته له كتاب الفضول في اعتقاد الأئمة الفحول حكى فيه عن أئمة عشرة من السلف الأئمة الأربعة وسفيان الثوري والأوزاعي وابن المبارك والليث وإسحق بن راهويه أقوالهم في أصول العقائد انتهى كذا قال ولم يذكر العاشر وله مختصر في الفقه يقال له الذرائع في علم الشرائع وله تفسير وكان لا يقنت في الفجر ويقول لم يصح في ذلك حديث وقد قال الشافعي إذا صح الحديث فاضربوا بقولي الحائط وقال ابن شهبة ولد سنة ثمان وخمسين وأربعمائة وتوفي في شعبان والكرجي بكاف وراء مفتوحتين وبالجيم انتهى
وفيها الراشد بالله أبو جعفر منصور بن المسترشد بالله الفضل بن المستظهر بالله أحمد بن المقتدي بالله الهاشمي العباسي خطب له بولاية العهد أكثر أيام والده

وبويع بعده وكان شابا أبيض مليح الوجه تام الشكل شديد البطش شجاع النفس حسن السيرة جوادا كريما شاعرا فصيحا لم تطل دولته خرج من بغداد إلى الجزيرة وأذربيجان فخلعوه لذنوب ملفقة فدخل مراغة وعسكر منها وسار إلى أصبهان ومعه السلطان داود بن محمود فحاصرها وتمرض هناك فوثبت عليه جماعة من الباطنية فقتلوه وقتلوا وقيل قتلوه صائما يوم سادس عشرى رمضان وله ثلاثون سنة وخلف نيفا وعشرين ابنا وقد غزا أهل همذان وعبرها في أيام عزله وظلم وعصف ( ) وقتل كغيره قاله في العبر
وفيها أنو شروان بن خالد الوزير أبو نصر الغاساني وزر للمسترشد والسلطان محمود وكان من عقلاء الرجال ودهاتهم وفيه دين وحلم وجود مع تشيع قليل وكان محبا للعلماء موصوفا بالجود والكرم أرسل إليه القاضي الأرجاني يطلب منه خيمة فلم يكن عنده فجهز له خمسمائة دينار وقال اشتر بهذه خيمة فقال
( لله در ابن خالد رجلا ** أحيا لنا الجود بعد ما ذهبا )
( سألته خيمة ألوذ بها ** فجاد لي ملء خيمة ذهبا )
وكان هو السبب في عمل مقامات الحريري وإياه عنى الحريري في أول مقاماته بقوله فأشار على من أشارته حكم وطاعته غنم
وفيها القاضي الأعز محمد بن هبة الله بن خلف التميمي ولى بانياس وكان ذا كرم ومروءة ومات بدمشق وهو الذي يكثر هجوه ابن منير الشاعر من ذلك قوله من قصيدة
( هو قاض كما يقول ولكن ** ما عليه من القضاء علامه )
( عمة تملأ الفضاء عليه ** فوق وجه كعشر عشر القلامه )
( وعليها من التصاوير ما لم ** يجمع القدس مثله والقمامه )
وفيها أبو الحسن يونس بن محمد بن مغيث بن محمد بن يونس بن عبد الله بن مغيث القرطبي العلامة أحد الأئمة بالأندلس كان رأسا في الفقه واللغة

والأنساب والأخبار وعلو الإسناد روى عن أبي عمر بن الحذاء وحاتم بن محمد والكبار وتوفي في جمادى الآخرة عن خمس وثمانين سنة

سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة

فيها كما قال في الشذور كانت زلزلة بخبزه أتت على مائتي ألف وثلاثين ألفا فأهلكتهم وكانت الزلزلة عشرة فراسخ
وفيها توفي الشيخ أبو العباس أحمد بن عبد الملك بن أبي جمرة المرسي روى عن جماعة وانفرد بالإجازة من أبي عمرو الداني
وفيها زاهر بن طاهر أبو القسم الشحامي النيسابوري المحدث المستملى الشروطي مسند خراسان روى عن أبي سعد الكنجرودي والبيهقي وطبقتهما ورحل في الحديث أولا وآخرا وخرج التاريخ وأملى نحوا من ألف مجلس ولكنه كان يخل بالصلوات فتركه جماعة لذلك توفي في ربيع الآخر قاله في العبر
وفيها جمال الإسلام أبو الحسن علي بن المسلم بن محمد بن علي السلمي الدمشقي الفقيه الشافعي الفرضي مدرس الغزالية والأمينية ومفتي الشام في عصره وهو أول من درس بالأمينية المنسوبة لأمين الدولة سنة أربع عشرة وخمسمائة وصنف في الفقه والتفسير وتصدر للاشتغال والرواية فحدث عن أبي نصر بن طلاب وعبد العزيز الكتاني وطائفة وتفقه على ابن عبد الجبار المروزي ثم على نصر المقدسي ولزم الغزالي مدة مقامه بدمشق ودرس في حلقة الغزالي مدة قال الحافظ ابن عساكر بلغني أن الغزالي قال خلفت بالشام شابا إن عاش كان له شأن قال فكان كما تفرس فيه سمعنا منه الكثير وكان ثقة ثبتا عالما بالمذهب والفرائض وكان حسن الخط موفقا في الفتاوى وكان على فتاويه عمدة أهل الشام وكان يكثر من عيادة المرضى وشهود الجنائز ملازما للتدريس والإفادة حسن الأخلاق ولم يخلف بعده مثله انتهى


وفيها أبو جعفر الكلواذي بفتح أوله والواو والمعجمة وسكون اللام نسبة إلى كلواذي قرية ببغداد محمد بن محفوظ بن محمد بن الحسن بن أحمد وهو ابن الإمام أبي الخطاب الحنبلي المتقدم ذكره ولد سنة خمسمائة وتفقه على أبيه وبرع في الفقه وصنف كتابا سماه الفريد قاله ابن القطيعي
وفيها أبو بكر محمد بن باجه السرقسطي عرف بابن الصائغ الفيلسوف الشاعر ذكره صاحب كتاب فرائد العقيان فقال هو رمد جفن العين وكمد نفوس المهتدين اشتهر سخفا وجنونا وهجا مفروضا ومسنونا فما يتشرع ولا يأخذ في غير الأباطيل ولا يشرع إلى غير ذلك من كلام كثير
وفيها محمود بن بوري بن طغتكين الملك شهاب الدين صاحب دمشق ولى بعد قتل أخيه شمس الملوك إسماعيل وكانت أمه زمرد هي الكل فلما تزوج بها الأتابك زنكي وسارت إلى حلب قام بتدبير المملكة معين الدين أنزا الطغتكيني ووثب على محمود هذا جماعة من المماليك فقتلوه في شوال وأحضروا أخاه محمدا من مدينة بعلبك فملكوه
وفيها هبة الله بن سهل السيدي أبو محمد البسطامي ثم النيسابوري فقيه صالح متعبد عالي الإسناد روى عن أبي حفص بن مسرور وأبي يعلى الصابوني والكبار وتوفي في صفر
وفيها هبة الله بن الحسن بن يوسف وقيل أحمد المنعوت بالبديع الاسطرلابي نسبة إلى الاسطرلاب بفتح الهمزة وسكون السين وضم الطاء كلمة يونانية معناها ميزان الشمس وقال بعضهم اللاب اسم الشمس بلسان اليونان فكأنه قيل أسطر الشمس إشارة إلى الخطوط التي فيه قيل أن أول من وضعه بطليموس صاحب المجسطي كان صاحب الترجمة شاعرا مشهورا أحد الأدباء الفضلاء وكان وحيد زمانه في عمل الآلات الفلكية متقنا لهذه الصناعة وحصل له من جهة عملها مال جزيل في خلافة المسترشد وذكره العماد في الخريدة وأثنى عليه وأورد له

مقاطيع من شعره فمن ذلك قوله
( أهدي لمجلسه الكريم وإنما ** أهدي له ما حزت من نعمائه )
( كالبحر يمطره السحاب وما له ** من عليه لأنه من مائه )
وقوله أيضا
( أذاقني حمرة المنايا ** لما اكتسى خضرة العذار )
( وقد تبدي السواد فيه ** كارتي ( ) بعد في العيار )
وقوله أيضا
( قال قوم عشقته أمر الخد ** وقد قيل أنه نكريش )
( قلت فرخ الطاووس أحسن ما كان ** إذا ما علا عليه الريش )
قوله نكريش لفظة أعجمية والأصل فيها نيك ريش معناه لحية جيدة فنيك جيد وريش لحية وله أيضا
( ولما بدا خط بخد معذبي ** كظلمة ليل في ضياء نهار )
( خلعت عذاري في هواه فلم أزل ** خليع عذار في جديد عذار )
قال ابن خلكان وكان كثير الخلاعة يستعمل المجون في أشعاره حتى يفضي به إلى الفاحش في اللفظ وكان ظريفا في جميع حركاته توفي بعلة الفالج ودفن بمقبرة الوردية من بغداد انتهى ملخصا

سنة أربع وثلاثين وخمسمائة

فيها كما قال في الشذور خسف بخبزه وصار مكان البلد ماء أسود وقدم التجار من أهلها فلزموا المقابر يبكون على أهلهم
وفيها توفي محمد بن أحمد بن علي ويعرف بزفره ويقال ابن زفره كان إماما جليلا حافظا عمدة قال ابن ناصر الدين في بديعته
( محمد بن أحمد بن زفره ** در له ثناؤه المسره )


وفيها عبد الجبار بن محمد الخواري بالضم والتخفيف وراء نسبة إلى خوار بلد بالري كان إماما جليلا سمع الواحدي وغيره
وفيها أبو الفضل محمد بن إسماعيل الفضيلي الهروي العدل روى عن أبي عمر المليحي ومحلم الضبي وتوفي في صفر
وفيها محمد بن بوري بن طغتكين جمال الدين كان ظالما سيئ السيرة ولى دمشق عشر أشهر ومات في شعبان وأقيم بعده ابنه آبق صبي مراهق
وفيها يحيى بن علي بن عبد العزيز القاضي المنتجب أبو الفضل القرشي زكي الدين قاضي دمشق وأبو قاضيها المعروف بابن الصائغ الدمشقي الشافعي قال الأسنوي كان فاضلا رحل إلى بغداد فتفقه على الشاشي وقرأ العربية على أبي علي الفارسي وتولى القضاء بدمشق وكان محمود السيرة ولد سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة انتهى وتوفي في ربيع الأول
وكان له ولد يقال له منتجب الدين محمد خال الحافظ ابن عساكر ووالده القاضي الزكي تفقه على الشيخ نصر المقدسي وناب عن والده لما حج سنة عشر وخمسمائة ثم اشتغل بالحكم لما كبر والده وبعد موته أيضا وكان نزها عفيفا صلبا في الأحكام وقورا متوددا شفوقا حسن النظر ولد سنة سبع وستين وأربعمائة وتوفي في ربيع الأول سنة تسع وثلاثين وخمسمائة ذكره ابن عساكر في تاريخه
وفيها يحيى بن بطريق الطرسوسي الدمشقي روى عن أبي بكر الخطيب وأبي الحسين محمد بن مكي وتوفي في رمضان

سنة خمس وثلاثين وخمسمائة

فيها توفي إسماعيل بن محمد بن الفضل الحافظ الكبير قوام السنة أبو القسم التيمي الطلحي الأصبهاني الشافعي روى عن أبي عمرو بن مندة وطبقته بأصبهان وأبي نصر الزينبي ببغداد ومحمد بن سهل السراج بنيسابور ذكره أبو موسى المديني

فقال أبو القسم إمام أئمة وقته وأستاذ علماء عصره وقدوة أهل السنة في زمانه أصمت في صفر سنة أربع وثلاثين ثم فلج بعد مدة وتوفي بكرة يوم عيد الأضحى وكان مولده سنة سبع وخمسين وأربعمائة وقال ابن السمعاني هو أستاذي في الحديث وعنه أحدث هذا القدر وهو إمام في التفسير والحديث واللغة والأدب عارف بالمتون والأسانيد أملى بجامع أصبهان قريبا من ثلاثة آلاف مجلس وقال أبو عامر الغندري ما رأيت شابا ولا شيخا قط مثل إسماعيل التيمي ذاكرته فرأيته حافظا للحديث عارفا بكل علم متفننا وقال أبو موسى صنف شيخنا إسماعيل التفسير في ثلاثين مجلدة كبار وسماه الجامع وله الإيضاح في التفسير أربع مجلدات والموضح في التفسير ثلاث مجلدات وله المعتمد في التفسير عشر مجلدات وتفسير بالعجمي عدة مجلدات رحمه الله تعالى وقال ابن شهبة له كتاب الترغيب والترهيب وشرح صحيح البخاري وصحيح مسلم وكان ابنه شرح فيهما فمات في حياته فأتمها وله كتاب دلائل النبوة وكتاب التذكرة نحو ثلاثين جزءا وغير ذلك وقال ابن مندة في الطبقات ليس في وقتنا مثله وكان أئمة بغداد يقولون ما رحل إلى بغداد بعد أحمد بن حنبل أفضل ولا أحفظ منه ولم ينكر أحد شيئا من فتاويه قط
وأما ولده فهو أبو عبد الله محمد ولد في حدود سنة خمسمائة ونشأ في طلب العلم فصار إماما مع الفصاحة والذكاء وصنف تصانيف كثيرة مع صغر سنه اخترمته المنية بهمذان سنة ست وعشرين وخمسمائة
وفيها رزين بن معاوية أبو الحسن العبدري الأندلسي السرقسطي مصنف تجريد الصحاح روى كتاب البخاري عن أبي مكتوم بن أبي ذر وكتاب مسلم عن الحسين الطري وجاور بمكة دهرا وتوفي في المحرم
وفيها أبو منصور القزاز عبد الرحمن بن محمد بن عبد الواحد الشيباني البغدادي ويعرف بابن زريق روى عن الخطيب وأبي جعفر بن المسلمة والكبار وكان صالحا كثير الرواية توفي في شوال عن بضع وثمانين سنة


وفيها عبد الوهاب بن شاه أبو الفتوح الشاذياخي النيسابوري التاجر سمع من القشيري رسالته ومن أبي سهل الحفصي صحيح البخاري ومن طائفة وتوفي في شوال
وفيها أبو نصر الفتح بن محمد بن خاقان القيسي الإشبيلي صاحب كتاب قلائد العقيان له عدة تصانيف منها الكتاب المذكور وقد جمع فيه من شعراء الغرب طائفة كثيرة وتكلم على ترجمة كل واحد منهم بأحسن عبارة وألطف إشارة وله أيضا كتاب مطمح الأنفس ومسرح التأنس في ملح أهل الأندلس وهو ثلاث نسخ كبرى ووسطى وصغرى وهو كتاب كثير الفائدة لكنه قليل الوجود وكلامه في هذه الكتب يدل على فضله وغزارة مادته وكان كثير الأسفار سريع التنقلات وتوفي قتيلا بمدينة مراكش في الفندق قاله ابن خلكان وقال غيره مات بمراكش قتيلا ذبح بمسكنه في فندق من فنادقها وكان يتكلم على الشعراء في كتابه قلائد العقيان بألفاظ كالسحر الحلال والماء الزلال يقال أنه أراد أن يفضح الشعراء الذين ذكرهم بنشره وكان يكتب إلى المغاربة ورؤسائها يعرف كلا على انفراده أنه عزم على كتاب القلائد وأن يبعث إليه بشيء من شعره ليضعه في كتابه وكانوا يخافونه ويبعثون إليه الذي طلب ويرسلون له الذهب والدنانير فكل من أرضاه أثنى عليه وكل من قصر هجاه وثلبه وممن تصدى له وأرسل إليه ابن باجة وزير صاحب المرية وهو أحد الأعيان في العلم والبيان يشبهونه في المغرب بابن سينا في المشرق فلما وصلته رسالة ابن خاقان تهاون بها ولم يعرها طرفه فذكره ابن خاقان بسوء ورماه بداهية
وفيها أبو الحسن بن توبة محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الجبار بن توبة الأسدي الطبري الشافعي المقرئ روى عن أبي جعفر بن المسلمة وأبي بكر الخطيب وطائفة وتوفي في صفر
وتوفي أخوه عبد الجبار بعده بثلاثة أشهر وروى عن أبي محمد الصريفيني وجماعة وكان الأصغر قاله في العبر


وفيها أبو بكر محمد بن عبد الباقي بن محمد يتصل نسبة بكعب بن مالك الأنصاري أحد الثلاثة الذين خلفوا ثم تاب الله عليهم القاضي أبو بكر الأنصاري البغدادي الحنبلي البزاز مسند العراق ويعرف بقاضي المارستان حضر أبا إسحق البرمكي وسمع من علي بن عيسى الباقلاني وأبي محمد الجوهري وأبي الطيب الطبري وطائفة وتفقه على القاضي أبي يعلى وبرع في الحساب والهندسة وشارك في علوم كثيرة وانتهى إليه علو الإسناد في زمانه توفي في رجب وله ثلاث وتسعون سنة وخمسة أشهر قال ابن السمعاني ما رأيت أجمع للفنون منه نظر في كل علم وسمعته يقول تبت من كل علم تعلمته إلا الحديث وعلمه قاله في العبر ومن شعره قوله
( احفظ لسانك لا تبح بثلاثة ** سن ومال ما استطعت ومذهب )
( فعلى الثلاثة تبتلي بثلاثة ** بمكفر وبحاسد ومكذب )
وكان يقول من خدم المحابر خدمته المنابر وقال ابن رجب في طبقاته ولد يوم الثلاثاء عاشر صفر سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة وحفظ القرآن وهو ابن سبع سنين وسمع على خلائق وتفقه على القاضي أبي يعلى وقرأ الفرائض والحساب والجبر والمقابلة والهندسة وبرع في ذلك وله فيه تصانيف وشهد عند الدامغاني وتفنن في علوم كثيرة قال ابن السمعاني كان حسن الكلام حلو المنطق مليح المحاورة ما رأيت أجمع للفنون منه نظر في كل علم وكان سريع النسخ حسن القراءة للحديث سمعته يقول ما ضيعت ساعة من عمري في لهو أو لعب قال وسمعته يقول أسرتني الروم وبقيت في الأسر سنة ونصفا وكان خمسة أشهر الغل في عنقي والسلاسل على يدي ورجلي وكانوا يقولون لي قل المسيح ابن الله حتى نفعل ونصنع في حقك فامتنعت وما قلت ووقت أن حبست كان ثم معلم يعلم الصبيان الخط بالرومية فتعلمت في الحبس الخط الرومي وسمعته يقول حفظت القرآن ولى سبع سنين وما من علم في عالم الله إلا وقد نظرت فيه وحصلت منه كله أو بعضه

ورحل إليه المحدثون من البلاد وقال ابن الجوزي ذكر لنا أن منجمين حضرا حين ولد أبو بكر بن عبد الباقي فأجمعا أن عمره اثنتان وخمسون سنة قال وها أنا قد تجاوزت التسعين قال ورأيته بعد ثلاث وتسعين صحيح الحواس لم يتغير منها شيء ثابت العقل يقرأ الخط الدقيق من بعد ودخلنا عليه قبل موته بمديدة فقال قد نزلت في أذني مادة فقرأ علينا من حديثه وبقي على هذا نحوا من شهرين ثم زال ذلك وعاد إلى الصحة ثم مرض فأوصى أن يعمق قبره زيادة على العادة وأن يكتب عليه { قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون } وبقي ثلاثة أيام قبل موته لا يفتر من قراءة القرآن إلى أن توفي يوم الأربعاء ثاني رجب ودفن بباب حرب إلى جانب أبيه قريبا من بشر الحافي رحمه الله وقال ابن الخشاب كان مع تفرده بعلم الحساب والفرائض وافتنانه في علوم عديدة صدوقا ثبتا في الرواية متحريا فيها وقال ابن ناصر لم يخلف بعده من يقوم مقامه في علمه وقال ابن شافع ما رأيت ابن الخشاب يعظم أحدا من مشايخه تعظيمه له وقال ابن أبي الفوارس سمعت القاضي أبا بكر بن عبد الباقي يقول كنت مجاورا له بمكة حرسها الله تعالى فأصابني يوما جوع شديد لم أجد شيئا أدفع به عني الجوع فوجدت كيسا من إبريسم مشدودا بشرابة إبريسم أيضا فأخذته وجئت إلى بيتي فحللته فوجدت فيه عقدا من لؤلؤ لم أر مثله فخرجت فإذا شيخ ينادي عليه ومعه خرقة فيها خمسمائة دينار وهو يقول هذا لمن يرد علينا الكيس الذي فيه اللؤلؤ فقلت أنا محتاج وأنا جائع فآخذ هذا الذهب فانتفع به وأرد عليه الكيس فقلت له تعال وجئت به إلى بيتي فأعطاني علامة الكيس وعلامة الشرابة وعلامة اللؤلؤ وعدده والخيط الذي هو مشدود به فأخرجته ودفعته إليه فسلم إلي خمسمائة دينار فما أخذتها وقلت يجب أن أعيده إليك ولا آخذ له جزاء فقال لي لا بد أن تأخذ وألح على كثيرا فلم أقبل فتركني ومضى وخرجت من مكة وركبت البحر فانكسر المركب وغرق الناس وهلكت أموالهم وسلمت أنا على قطعة من المركب فبقيت مدة في البحر لا أدري

أين أذهب فوصلت إلى جزيرة فيها قوم فقعدت في بعض المساجد فسمعوني أقرأ فلم يبق أحد إلا جاءني وقال علمني القرآن فحصل لي منهم شيء كثير من المال ثم رأيت أوراقا من مصحف فأخذتها فقالوا تحسن تكتب فقلت نعم فقالوا علمنا الخط وجاءوا بأولادهم من الصبيان والشباب وكنت أعلمهم فحصل لي أيضا من ذلك شيء كثير فقالوا لي بعد ذلك عندنا صبية يتيمة ولها شيء من الدنيا نريد أن تتزوج بها فامتنعت فقالوا لا بد وألزموني فأجبتهم فلما زفوها مددت عيني أنظر إليها فوجدت ذلك العقد بعينه معلقا في عنقها فما كان لي حينئذ شغل إلا النظر إليه فقالوا يا شيخ كسرت قلب هذه اليتيمة من نظرك إلى هذا العقد ولم تنظر إليها فقصصت عليهم قصة العقد فصاحوا بالتهليل والتكبير حتى بلغ إلى جميع أهل الجزيرة فقلت ما بكم فقالوا ذلك الشيخ الذي أخذ منك العقد أبو هذه الصبية وكان يقول ما وجدت في الدنيا مسلما كهذا الذي رد على هذا العقد وكان يدعو ويقول اللهم اجمع بيني وبينه حتى أزوجه بابنتي والآن قد حصلت فبقيت معها مدة ورزقت منها ولدين ثم إنها ماتت فورثت العقد أنا وولدي ثم مات الولدان فحصل العقد لي فبعته بمائة ألف دينار وهذا المال الذي ترون معي من بقايا ذلك المال
وقد تضمنت هذه القصة أنه لا يجوز قبول الهدية على رد الأمانات لأنه يجب عليه ردها بغير عوض وهذا إذا كان لم يلتقطها بنية أخذ الجعل المشروط وقد نص أحمد رضي الله عنه على مثل ذلك في الوديعة وأنه لا يجوز لمن ردها إلى صاحبها قبول هديته إلا بنية المكافأة انتهى ما أورده ابن رجب ملخصا
وفيها أبو يعقوب يوسف بن أيوب الهمذاني الزاهد شيخ الصوفية بمرو وبقية مشايخ الطريق العاملين تفقه على الشيخ أبي إسحق فأحكم مذهب الشافعي وبرع في المناظرة ثم ترك ذلك وأقبل على شأنه وروى عن الخطيب وابن المسلمة والكبار وسمع بأصبهان وبخارى وسمرقند ووعظ وخوف وانتفع به الخلق وكان صاحب أحوال وكرامات توفي في ربيع الأول عن أربع وتسعين سنة قاله في العبر


وقال السخاوي في طبقاته وابن الأهدل أبو يعقوب الهمذاني الفقيه الزاهد العالم العامل الرباني صاحب المقامات والكرامات قدم بغداد في صباه بعد ستين وأربعمائة ولازم الشيخ أبا إسحق الشيرازي وتفقه عليه حتى برع في الأصول والمذهب والخلاف ثم زهد في ذلك واشتغل بالزهد والعبادة والرياضة والمجاهدة حتى صار علما من أعلام الدين يهتدي به الخلق إلى الله ثم قدم بغداد في سنة خمس وخمسمائة وعقد بها مجلس الوعظ بالمدرسة النظامية وصادف بها قبولا عظيما من الناس وكان قطب وقته في فنه وذكر ابن النجار في تاريخه أن فقيها يقال له ابن السقا سأله عن مسألة وأساء معه الأدب فقال له الإمام يوسف اجلس فإني أجد ويروى أشم من كلامك رائحة الكفر وكان أحد القراء حفظة القرآن فاتفق أنه تنصر ومات عليها نعوذ بالله من سوء الخاتمة وذلك أنه خرج إلى بلد الروم رسولا من الخليفة فافتتن بابنة الملك فطلب زواجها فامتنعوا إلا أن يتنصر فتنصر ورؤي في القسطنطينية مريضا وبيده خلق مروحة يذب بها الذباب عن وجهه فسئل عن القرآن فذكر أنه نسيه إلا آية واحدة وهي { ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين } وذكرت حكاية ابن السقا في البهجة المصنفة في مناقب الشيخ عبد القادر وان ابتلأه كان سبب إساءته إلى بعض الأولياء يقال له الغوث فالله أعلم

سنة ست وثلاثين وخمسمائة

فيها كانت ملحمة عظيمة بين السلطان سنجر وبين الترك الكفرة بما وراء النهر أصيب فيها المسلمون وأفلت سنجر في نفر يسير بحيث أنه وصل بلخ في ستة أنفس وأسرت زوجته وبنته وقتل من جيشه مائة ألف أو أكثر وكانت الترك في ثلاثمائة ألف فارس


وفيها توفي أبو سعد الزوزني بفتح الزايين وسكون الواو نسبة إلى زوزن بلد بين هراة ونيسابور أحمد بن محمد بن الشيخ أبي الحسن علي بن محمود بن ماخره الصوفي روى عن القاضي أبي يعلى وأبي جعفر بن المسلمة والكبار وتوفي في شعبان عن سبع وثمانين سنة قال ابن ناصر كان متسمحا فرأيته في النوم فقلت ما فعل الله بك قال غفر لي وأنا في الجنة
وفيها أبو العباس بن العريف أحمد بن محمد بن موسى الصنهاجي الأندلسي الصوفي الزاهد قال ابن بشكوال كان مشاركا في أشياء ذا عناية في القراءات وجمع الروايات والطرق وحملتها وكان متناهيا في الفضل والدين وكان الزهاد والعباد يقصدونه وقال الذهبي لما أكثر أتباعه توهم السلطان وخاف أن يخرج عليه فطلبه فأحضر إلى مراكش فتوفي في الطريق قبل أن يصل وقيل توفي بمراكش وله ثمان وسبعون سنة وكان من أهل المرية
وفيها أبو القسم إسماعيل بن أحمد بن عمر بن أبي الأشعث أبو القسم بن السمرقندي الحافظ ولد بدمشق سنة أربع وخمسين وسمع بها من الخطيب وعبد الدائم الهلالي وابن طلاب والكبار وببغداد من الصريفيني فمن بعده قال أبو العلاء الهمذاني ما أعدل به أحدا من شيوخ العراق وهو من شيوخ ابن الجوزي توفي في ذي القعدة
وفيها أبو سعد إسماعيل بن عبد الواحد بن إسماعيل بن محمد الإمام أبو سعد البوسنجي نزيل هراة ولد سنة إحدى وستين وأربعمائة وكان شافعيا عالما بالمذهب درس وأفتى وصنف قال ابن السمعاني كان فاضلا غزير الفضل حسن المعرفة بالمذهب جميل السيرة مرضي الطريقة كثير العبادة ملازما للذكر قانعا باليسير خشن العيش راغبا في نشر العلم لازما للسنة غير ملتفت إلى الأمراء وأبناء الدنيا وقال عبد الغافر شاب نشأ في عبادة الله مرضي السيرة على منوال أبيه وهو فقيه مناظر مدرس زاهد وقال الرافعي في كتاب الجامع هو إمام غواص متأخر

لقيه من لقيناه توفي بهراة وله كتاب أسماه المستدرك وقف عليه الرافعي ونقل عنه في مواضع
قاله ابن قاضي شهبة
وفيها عبد الجبار بن محمد بن أحمد أبو محمد الخواري بضم الخاء والتخفيف نسبة إلى خوار بلد بالرى الشافعى المفتى إمام جامع نيسابور تفقه على إمام الحرمين وسمع البيهقي والقشيري وجماعة وتوفي في شعبان عن إحدى وتسعين سنة
وفيها ابن برجان أبو الحكم عبد السلام بن عبد الرحمن بن أبي الرجال اللخمي الإفريقي ثم الإشبيلي العارف شيخ الصوفية مؤلف شرح الأسماء الحسنى توفي غريبا بمراكش قال الأبار كان من أهل المعرفة بالقراءات والحديث والتحقيق بعلم الكلام والتصوف مع الزهد والاجتهاد في العبادة وقبره بإزاء قبر ابن العريف
وفيها شرف الإسلام عبد الوهاب بن الشيخ أبي الفرج الحنبلي عبد الواحد بن محمد الأنصاري الشيرازي ثم الدمشقي الفقيه الواعظ شيخ الحنابلة بالشام بعد والده ورئيسهم وهو باني مدرسة الحنابلة داخل باب الفراديس سكنها الشيخ محمد الاسطواني من سنة خمس وأربعين وتسعمائة إلى نيف وسبعين وتسعمائة كذا رأيته على هامش طبقات ابن رجب
وقال ابن رجب في الطبقات توفي والد عبد الوهاب وهو صغير فاشتغل بنفسه وتفقه وبرع وناظر وأفتى ودرس الفقه والتفسير ووعظ واشتغل عليه خلق كثير وكان فقيها بارعا وواعظا فصيحا وصدرا معظما ذا حرمة وحشمة وسؤدد ورياسة ووجاهة وهيبة وجلالة كان ينشد على الكرسي بجامع دمشق إذا طاب وقته قوله
( سيدي علل الفؤاد العليلا ** واحيني قبل أن تراني قتيلا )
( أن تكن عازما على قبض روحي ** فترفق بها قليلا قليلا ) ولشرف الإسلام تصانيف في الفقه والأصول منها المنتخب في الفقه في مجلدين والمفردات والبرهان في أصول الدين وغير ذلك وحدث عن أبيه وغيره وسمع منه

ببغداد ابن كامل توفي رحمه الله في ليلة الأحد سابع عشر صفر سنة ست ودفن عند والده بمقابر الشهداء من مقابر الباب الصغير
وفيها أبو عبد الله المازري محمد بن علي بن عمر المالكي المحدث مصنف المعلم في شرح مسلم كان من كبار أئمة زمانه قال ابن الأهدل نسبة إلى مازر بفتح الزاي وكسرها بلدة بجزيرة صقلية وكان ذا فنون من أئمة المالكية وله المعلم بفوائد مسلم ومنه أخذ القاضي عياض شرحه الأكمال توفي بالمهدية عن ثلاث وثمانين سنة
وفيها هبة الله بن أحمد بن عبد الله بن طاووس أبو محمد البغدادي إمام جامع دمشق ثقة مقرئ محقق ختم عليه خلق وله اعتناء بالحديث روى عن أبي العباس بن قيس وأبي عبد الله بن أبي الحديد وببغداد من البانياسي وطائفة وبأصبهان من ابن سكرويه وطائفة وآخر أصحابه ابن أبي لقمة
وفيها يحيى بن علي أبو محمد بن الطراح المدير روى عن عبد الصمد بن المأمون وأقرانه وكان صالحا ساكنا توفي في رمضان

سنة سبع وثلاثين وخمسمائة

فيها توفي أحمد بن محمد بن أبي المختار الشريف العلوي النوبندجاني شاعر مفلق ومن شعره
( اخضر بالزغب المنمنم خده ** فالخد ورد بالبنفسج معلم )
( يا عاشقيه تمتعوا بعذاره ** من قبل أن يأتي السواد الأعظم )
وفيها توفي صاحب ملطية محمد بن الدانشمد واستولى على مملكة مسعود بن قلج أرسلان صاحب قونية
وفيها الحسين بن علي سبط الخياط البغدادي المقرئ أبو عبد الله قال ابن السمعاني شيخ صالح دين حسن الإقراء يأكل من كد يده سمع الصريفيني وابن

المأمون والكبار
وفيها أبو الفتح بن البيضاوي القاضي عبد الله بن محمد بن محمد بن محمد أخو قاضي القضاة أبي القسم الزينبي لامه سمع أبا جعفر بن المسلمة وعبد الصمد بن المأمون وكان متحريا في أحكامه توفي في جمادى الأولى ببغداد
وفيها علي بن يوسف بن تاشفين أمير المسلمين صاحب المغرب كان يرجع إلى عدل ودين وتعبد وحسن طوية وشدة إيثار لأهل العلم وتعظيم لهم وذم للكلام وأهله ولما وصلت إليه كتب أبي حامد أمر بإحراقها وشدد في ذلك ولكنه كان مستضعفا مع رءوس أمرائه فلذلك ظهرت مناكير وخمور في دولته فتغافل وعكف على العبادة وتوثب عليه ابن تومرت ثم صاحبه عبد المؤمن توفي في رجب عن إحدى وستين سنة وتملك بعده ابنه تاشفين قاله في العبر وقال ابن الأهدل كان من أئمة الهدى علما وعملا
وفيها عمر بن محمد بن أحمد بن إسماعيل بن محمد بن لقمان النسفي السمرقندي الحنفي الحافظ ذو الفنون يقال له مائة مصنف روى عن إسماعيل بن محمد النوحي فمن بعده وله أوهام كثيرة قاله في العبر وقال غيره كان فاضلا مفسرا أديبا صنف كتبا في التفسير والفقه ونظم الجامع الصغير لمحمد بن الحسن وقدم بغداد وحدث بكتاب تطويل الأسفار لتحصيل الأخبار من جمعه وروى عنه عامة مشايخه
وفيها كوخان خال سلطان الترك والخطا الذي هزم المسلمين وفعل الأفاعيل في السنة الماضية واستولى على سمرقند وغيرها هلك في رجب ولم يمهله الله وكان ذا عدل على كفره وكان مليح الشكل حسن الصورة كامل الشجاعة لا يمكن أميرا من إقطاع بل يعطيهم من خزانته ويقول إن أخذوا الإقطاعات ظلموا الناس وكان يعاقب على السكر ولا ينكر الزنا ولا يستقبحه وتملكت ابنته بعده ولم تطل مدتها وتملكت أمه بعدها فحكمت على الخطا وما وراء النهر


وفيها محمد بن يحيى بن علي بن عبد العزيز القاضي المنتخب أبو المعالي القرشي الدمشقي الشافعي قاضي دمشق وابن قاضيها القاضي الزكي سمع أبا القسم بن أبي العلاء وطائفة وسمع بمصر من الخلعي وتفقه على نصر المقدسي وغيره وتوفي في ربيع الأول عن سبعين سنة
وفيها مفلح بن أحمد أبو الفتح الرومي ثم البغدادي الوراق سمع من أبي بكر الخطيب والصريفيني وجماعة وتوفي في المحرم

سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة

فيها توفي أبو المعالي عبد الخالق بن عبد الصمد بن البدن البغدادي الصفار المقرئ روى عن ابن المسلمة وعبد الصمد بن المأمون
وفيها أبو البركات عبد الوهاب بن المبارك بن أحمد الأنماطي الحافظ الحنبلي مفيد بغداد سمع الصريفيني ومن بعده قال أبو سعد حافظ متقن كثير السماع وقال ابن رجب ولد في رجب سنة اثنتين وستين وأربعمائة وسمع الكثير من خلق كثير وكتب بخطه الكثير وسمع العالي والنازل حتى أنه قرأ على ابن الطيوري جميع ما عنده قال ابن ناصر عنه كان بقية الشيوخ وكان ثقة ولم يتزوج قط وقال الحافظ أبو موسى المديني في معجمه هو حافظ عصره ببغداد وذكره ابن السمعاني فقال حافظ ثقة متقن واسع الرواية دائم البشر سريع الدمعة عند الذكر حسن المعاشرة جمع الفوائد وخرج التخاريج لعله ما بقي جزء مروي إلا وقد قرأة وكان متفرغا للتحديث أما أن يقرأ عليه أو ينسخ وذكره تلميذه ابن الجوزي في عدة مواضع من كتبه كمشيخته وطبقات الأصحاب المختصرة والتاريخ وصفة الصفوة وصيد الخاطر وأثنى عليه كثيرا وقال كان ثقة ثبتا ذا دين وورع وكنت أقرأ عليه الحديث وهو يبكي فاستفدت ببكائه أكثر من استفادتي بروايته وكان على طريقة السلف وانتفعت به ما لم أنتفع بغيره ودخلت عليه في مرضه وقد بلى وذهب لحمه فقال أن الله عز وجل لا يتهم في قضائه

وما رأينا في مشايخ الحديث أكثر سماعا منه ولا أكثر كتابة للحديث منه مع المعرفة به ولا أصبر على الإقراء ولا أكثر دمعة وبكاء مع دوام البشر وحسن اللقاء وكان لا يغتاب أحدا ولا يغتاب عنده أحد وكان سهلا في إعارة الأجزاء لا يتوقف توفي رحمه الله يوم الخميس حادي عشر المحرم ودفن من الغد بالشونيزية وهي مقبرة أبي القسم الجنيد غربي بغداد
وفيها علي بن طراد الوزير الكبير أبو القسم الزينبي العباسي وزير المسترشد والمقتفى سمع من عمه أبي نصر الزينبي وأبي القسم بن البسرى وكان صدرا مهيبا نبيلا كامل السؤدد بعيد الغور دقيق النظر ذا رأي ودهاء وإقدام نهض بأعباء بيعة المقتفى وخلع الراشد في نهار واحد وكان الناس يتعجبون من ذلك ولما تغير عليه المقتفى وهم بالقبض عليه احتمى منه بدار السلطان مسعود ثم خلص ولزم داره واشتغل بالعبادة والخير إلى أن مات في رمضان وكان يضرب المثل بحسنه في صباه
وفيها محمد بن الخضر بن أبي المهزول المعروف بالسابق من أهل المعرة كان شاعرا مجودا دخل بغداد وجالس ابن ماقيا والابيوردي وأبا زكريا التبريزي وأنشدهم ولقى ابن الهبارية وعمل رسالة لقبها تحية الندمان ومن شعره في مليح حلقوا رأسه
( وجهك المستنير قد كان بدرا ** فهو شمس لنفي صدغك عنه )
( ثبتت آية النهار عليه ** إذ محا القوم آية الليل منه )
وفيها أبو البركات محمد بن علي بن صدقة بن جلب الصائغ الحنبلي أمين الحكم بباب الأزج سمع من أبي محمد التميمي وقرأ الفقه على القاضي أبي حازم وذكر ابن القطيعي عن أبي الحسين بن أبي البركات الصائغ قال سمعت أبي قال جاءت فتوى إلى القاضي أبي حازم وفيها مكتوب
( ما يقول الإمام أصلحه الله ** تعالى وللسبيل هداه )


( في محب أتى إليه حبيب ** في ليالي صيامه فأتاه )
( افتنا هل صباح ليلته ** أفطر أم لا وقل لنا ما تراه )
قال فقال لي القاضي أبو خازم أجب يا أبا البركات فكتبت الجواب وبالله التوفيق
( أيها السائلي عن الوطء في ليلة ** الصيام الذي إليه دعاه )
( وجده بالذي أحب وقد أحرق ** نار الغرام منه حشاه )
( كيف يعصى ولو تفكر في قدرة ** ربي مفكرا ما عصاه )
( أأمنت الذي دحى الأرض أن يطبق ** دون الورى عليك سماه )
( ليس فيما أتيت ما يبطل الصوم ** جوابي فاعلم هداك الله )
توفي ليلة الثلاثاء سابع عشر رجب ودفن بباب حرب وسبب موته أن زوجته سمته في طعام قدمته له وأكل معه منه رجلان فمات أحدهما من ليلته والآخر من غده وبقي أبو البركات مريضا مديدة ثم مات رحمه الله تعالى
وفيها أبو الفتوح الاسفرايني محمد بن الفضل بن محمد ويعرف أيضا بابن المعتمد الواعظ المتكلم روى عن أبي الحسن بن الأخرم المديني ووعظ ببغداد وجعل شعاره إظهار مذهب الأشعري وبالغ في ذلك حتى هاجت فتنة كبيرة بين الحنابلة والأشعرية فأخرج من بغداد فغاب مدة ثم قدم وأخذ يثير الفتنة ويبث اعتقاده ويذم الحنابلة فاخرج من بغداد وألزم بالإقامة ببلده فأدركه الموت ببسطام في ذي الحجة وكان رأسا في الوعظ أوحد في مذهب الأشعري له تصانيف في الأصول والتصوف قال ابن عساكر أجرأ من رأيته لسانا وجنانا وأسرعهم جوابا وأسلسهم خطابا لازمت حضور مجلسه فما رأيت مثله واعظا ولا مذكرا قاله في العبر
وفيها أبو القسم الزمخشري محمود بن عمر بن محمد الخوارزمي النحوي اللغوي المفسر المعتزلى صاحب الكشاف والمفصل عاش احدى وسبعين سنة وسمع ببغداد من ابن الطبر وصنف عدة تصانيف وسقطت رجله فكان يمشي في حاون خشب وكان

داعية إلى الاعتزال كثير الفضائل قاله في العبر وقال ابن خلكان الإمام الكبير في التفسير والحديث والنحو واللغة وعلم البيان كان إمام عصره من غير مدافع تشد إليه الرحال في فنونه أخذ النحو عن أبي مضر منصور وصنف التصانيف البديعة منها الكشاف في تفسير القرآن العظيم لم يصنف قبله مثله والفائق في الحديث وأساس البلاغة في اللغة وربيع الأبرار وفصوص الأخبار ومتشابه أسامي الرواة والنصائح الكبار والنصائح الصغار وضالة الناشد والرائض في علم الفرائض والمفصل في النحو وقد اعتنى بشرحه خلق كثير والأنموذج في النحو والمفر والمؤلف في النحو ورءوس المسائل في الفقه وشرح أبيات سيبويه والمستقصي في أمثال العرب وصميم العربية وسوائر الأمثال وديوان التمثل وشقائق النعمان وشافي العيي من كلام الشافعي والقسطاس في العروض ومعجم الحدود والمنهاج في الأصول ومقدمة من الآداب وديوان الرسائل وديوان الشعر والرسالة الناصحة والأمالي في كل فن وغير ذلك وكان قد سافر إلى مكة حرسها الله تعالى وجاور بها زمانا فصار يقال له جار الله لذلك فكان هذا الاسم علما عليه وسمعت من بعض المشايخ أن إحدى رجليه كانت سقطت وكان يمشي في جاون خشب وكان سبب سقوطها أنه في بعض أسفاره في بلاد خوارزم أصابه ثلج كثير وبرد شديد في الطريق فسقطت منه رجله وأنه كان بيده محضر فيه شهادة خلق كثير ممن اطلعوا على حقيقة ذلك خوفا من أن يظن من يعلم الحال أنها قطعت لريبة ورأيت في تاريخ المتأخرين أن الزمخشري لما دخل بغداد واجتمع بالفقيه الحنفي الدامغاني سأله عن قطع رجله فقال دعاء الوالدة وذلك أنني في صباي أمسكت عصفورا وربطته بخيط في رجله وأفلت من يدي فأدركته وقد دخل خرق فجذبته فانقطعت رجله في الخيط فقالت والدتي قطع الله رجل الأبعد كما قطعت رجله فلما وصلت إلى سن الطلب دخلت إلى بخارى لطلب العلم فسقطت عن الدار فانكسرت رجلي وعملت على عمل أوجب قطعها وكان الزمخشري المذكور

معتزلي الاعتقاد متظاهرا به حتى نقل عنه أنه كان إذا قصد صاحبا له واستأذن عليه في الدخول يقول لمن يأخذ له الإذن قل له أبو القسم المعتزلي بالباب وأول ما صنف كتاب الكشاف استفتح الخطبة بقوله الحمد لله الذي خلق القرآن فيقال أنه قيل متى تركته على هذه الهيئة هجره الناس ولا يرغب أحد فيه فغيره بقوله الحمد لله الذي جعل القرآن وجعل عندهم بمعنى خلق ورأيت في كثير من النسخ الحمد لله الذي أنزل القرآن وهذا إصلاح الناس لا إصلاح المصنف وكان الحافظ أبو الطاهر السلفي كتب إليه من الإسكندرية وهو يومئذ مجاور بمكة يستجيزه في مسموعاته ومصنفاته فرد جوابه بما لا يشفي الغليل فلما كان في العام الثاني كتب إليه أيضا مع بعض الحجاج استجازة أخرى ثم قال في آخرها ولا يحوج أدام الله توفيقه إلى المراجعة فالمسافة بعيدة وقد كاتبه في السنة الماضية فلم يجبه بما يشفي الغليل وفي ذلك الأجر الجزيل فكتب الزمخشري جوابه بأفصح عبارة وأبلغها ولم يصرح له بمقصوده ومن شعره السائر قوله
( ألا قل لسعدي ما لنا فيه من وطر ** وما بطنين النحل من أعين البقر )
( فإنا اقتصرنا بالذين تضايقت ** عيونهم والله يجزي من اقتصر )
( مليح ولكن عنده كل جفوة ** ولم أر في الدنيا صفاء بلا كدر )
( ولم أنس إذ غازلته قرب روضة ** إلى جنب حوض فيه للماء منحصر )
( فقلت له جئني بورد وإنما ** أردت به ورد الخدود وما شعر )
( فقال انتظرني رجع طرفي أجيء به ** فقلت له هيهات ما لي منتظر )
( فقال ولا ورد سوى الخد حاضر ** فقلت له إني قنعت بما حضر )
ومن شعره يرثي شيخه أبا مضر منصور
( وقائلة ما هذه الدرر التي ** تساقط من عينيك سمطين سمطين )
( فقلت لها الدر الذي كان قد حشى ** أبو مضر أذني تساقط من عيني )
ومن شعره


( أقول لظبي مر بي وهو راتع ** أأنت أخو ليلى فقال يقال )
( فقلت وفي حكم الصبابة والهوى ** يقال أخو ليلى فقال يقال )
( فقلت وفي ظل الأراكة والحمى ** يقال ويستسقى فقال يقال )
ومما أنشد لغيره في كتاب الكشاف في سورة البقرة عند قوله تعالى { إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها } فإنه قال أنشدت لبعضهم
( يا من يرى مد البعوض جناحها ** في ظلمة الليل البهيم الأليل )
( ويرى مناط عروقها في نحرها ** والمخ في تلك العظام النحل )
( اغفر لعبد تاب عن فرطاته ** ما كان منه في الزمان الأول )
وكانت ولادة الزمخشري يوم الأربعاء سابع عشرى رجب سنة سبع وستين وأربعمائة بزمخشر وتوفي ليلة عرفة بجرجانية خوارزم بعد رجوعه من مكة انتهى ما أورده ابن خلكان ملخصا وقال ابن الأهدل كان من أئمة الحنفية معتزلي العقيدة عظم صيته في علوم الأدب وسلم مناظروه له انتهى ملخصا أيضا

سنة تسع وثلاثين وخمسمائة

فيها توفى أبو البدر الكرخي إبراهيم بن محمد بن منصور ثقة ذو مال حدث عن ابن سمعون وعن خديجة الساهجانية وسمع أيضا من الخطيب وطائفة وتوفي في ربيع الأول
وفيها تاشفين صاحب المغرب أمير المسلمين ولد علي بن يوسف بن تاشفين المصمودي البربري الملثم ولى بعد أبيه سنتين وأشهرا وكانت دولته في ضعف وانتقال وزوال مع وجود عبد المؤمن فتحصن بمدينة وهران فصعد ليلة في رمضان إلى مزار بظاهر وهران فبيته أصحاب عبد المؤمن فلما أيقن بالهلكة ركض فرسه فتردى به إلى البحر فتحطم وتلف ولم يبق لعبد المؤمن منازع فأخذ تلمسان
وفيها ولى جقر بالموصل رجلا ظالما يقال له القزويني فسار سيرة قبيحة وشكا

الناس إليه فولي مكانه عمر بن شكله فأساء السيرة أيضا فقال الحسن بن أحمد الموصلي
( يا نصير الدين يا جقر ** ألف قزويني ولا عمر )
( لو رماه الله في سقر ** لاشتكت من ظلمه سقر )
وفيها توفي أبو منصور بن الرزاز سعيد بن محمد بن عمر البغدادي شيخ الشافعية ومدرس النظامية تفقه على الغزالي وأسعد الميهني والكيا الهراسي وأبي بكر الشاشي وأبي سعد المتولي وروى عن رزق الله التميمي وبرع وساد وصار إليه رياسة المذهب وكان ذا سمت ووقار وجلالة كان مولده سنة اثنتين وستين وأربعمائة وتوفي في ذي الحجة ودفن بتربة الشيخ أبي إسحق الشيرازي
وفيها أبو الحسن شريح بن محمد بن شريح الرعيني الإشبيلي خطيب إشبيلية ومقرئها ومسندها روى عن أبيه وأبي عبد الله بن منظور وأجاز له ابن حزم وقرأ القراءات على أبيه وبرع فيها ورحل الناس إليه من الأقطار للحديث والقراءات ومات في شهر جمادى الأولى عن تسع وثمانين سنة
وفيها أو في التي قبلها كما جزم به ابن ناصر الدين أبو المعالي عبد الله بن أحمد بن أحمد بن محمد المروزي الحلواني بفتح الحاء نسبة إلى الحلوى البزاز كان حافظا فقيها عالما نبيها قاله ابن ناصر الدين
وفيها علي بن هبة الله بن عبد السلام أبو الحسن الكاتب البغدادي سمع الكثير بنفسه وكتب وجمع وحدث عن الصريفيني وابن النقور وتوفي في رجب عن ثمان وثمانين سنة
وفيها أبو البركات عمر بن إبراهيم بن محمد الزيدي الكوفي النحوي الحنفي أجاز له محمد بن علي بن عبد الرحمن العلوي وسمع من أبي بكر الخطيب وخلق وسكن الشام مدة وله مصنفات في العربية وكان يقول أفتى برأي أبي حنيفة ظاهرا وبمذهب جدي زيد بن على تدينا وقال أبي النرسي كان جاروديا لا يرى الغسل

من الجنابة وقال في العبر قلت وقد اتهم بالرفض والقدر والتجهم توفي في شعبان وله سبع وتسعون سنة وشيعه نحو ثلاثين ألفا وكان مسند الكوفة انتهى
وفيها فاطمة بنت محمد بن أبي سعد البغدادية أم البهاء الواعظة مسندة أصبهان روت عن أبي الفضل المرازي وسبط نحرويه وأحمد بن محمود الثقفي وسمعت صحيح البخاري من سعيد العيار وتوفيت في رمضان ولها أربع وتسعون سنة
وفيها لاقسم بن المظفر علي بن القسم الشهرزوري والد قاضي الخافقين أبي بكر محمد والمرتضى أبي محمد عبد الله وأبي منصور المظفر وهو جد بيت الشهرزوري قضاة الشام والموصل والجزيرة وكلهم إليه ينتسبون كان حاكما بمدينة اربل مدة وبمدينة سنجار مدة وكان من أولاده وحفدته أولاد علماء نجباء كرماء نالوا المراتب العلية وتقدموا عند الملوك وتحكموا وقضوا ونفقت أسواقهم خصوصا حفيده القاضي كمال الدين محمد ومحيي الدين بن كمال الدين وقدم بغداد غير مرة وذكره جماعة وأثنوا عليه منهم أبو البركات المستوفي في تاريخ اربل وأورد له شعرا فمن ذلك قوله
( همتي دونها السها والزبانا ** قد علت جهدها فما تتدانى )
( فأنا متعب معنى إلى أن ** تتفانى الأيام أو نتفانى )
هكذا وجدت هذه الترجمة في تاريخ الإسلام لابن شهبة
والصحيح أن البيتين لولده أبي بكر محمد قاضي الخافقين فإنه المتوفى في هذا التاريخ
وأما والده القاسم فذكر ابن خلكان أن وفاته سنة تسع وثمانين وأربعمائة وهذا غاية البعد والوهم وكانت ولادة قاضي الخافقين باربل سنة ثلاث أو أربع وخمسين وأربعمائة وتوفي في جمادى الآخرة ببغداد ودفن بباب ابرز وإنما قيل له قاضي الخافقين لكثرة البلاد التي وليها وممن سمع منه السمعاني وقال في حقه أنه اشتغل بالعلم على الشيخ أبي إسحق الشيرازي وولى القضاء بعدة بلاد ورحل إلى العراق وخراسان والجبال وسمع الحديث الكثير


وأما أخو قاضي الخافقين المرتضى فهو أبو محمد عبد الله بن القسم بن المظفر والد القاضي كمال الدين كان أبو محمد المذكور مشهورا بالفضل والدين مليح الوعظ مع الرشاقة والتجنيس أقام ببغداد مدة يشتغل بالحديث والفقه ثم رحل إلى الموصل وتولى بها القضاء وروى الحديث وله شعر رائق فمن ذلك قصيدته التي على طريقة الصوفية ولقد أحسن فيها ومنها
( لمعت نارهم وقد عسعس الليل ** ومل الحادي وحار الدليل )
( فتأملتها وفكري من البين ** عليل ولحظ عيني كليل )
( وفؤادي ذاك الفؤاد المعنى ** وغرامي ذاك الغرام الدخيل )
( ثم قابلتها وقلت لصحبي ** هذه النار نار ليلى فميلوا )
( فرموا نحوها لحاظا صحيحات ** وعادت خواسئا وهي حول )
( ثم مالوا إلى الملام وقالوا ** خلب ما رأيت أم تخييل )
( فتنحيتهم وملت إليها ** والهوى مركبي وشوقي الزميل )
وهي طويلة ومن شعره قوله
( يا ليل ما جئتكم زائرا ** إلا وجدت الأرض تطوي لي )
( ولا ثنيت العزم عن بابكم ** إلا تعثرت بأذيالي )
وكانت ولادته في شعبان سنة خمس وستين وأربعمائة وتوفي في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة وخمسمائة بالموصل ودفن بالتربة المعروفة بهم
وأما أخوه المظفر فإن السمعاني ذكره في الذيل فقال ولد باربل ونشأ بالموصل وورد بغداد وتفقه بها على الشيخ أبي إسحق الشيرازي ورجع إلى الموصل وولى قضاء سنجار على كبر سنه وسكنها وكان قد أضر ثم قال سألته عن مولده فقال ولدت في جمادى الآخرة أو رجب سنة سبع وخمسين وأربعمائة باربل ولم يذكر وفاته والله أعلم
وفيها أبو المعالي محمد بن إسماعيل الفارسي ثم النيسابوري راوي السنن

الكبير عن البيهقي وراوي البخاري عن العيار توفي في جمادى الآخرة وله إحدى وتسعون سنة
وفيها محمد بن عبد العزيز السوسي الشاعر كان ظريفا له منظر حسن ورث من أبيه مالا جزيلا فأنفقه في اللهو وافتقر فعمل قصيدته الظريفة المعروفة بالسوسية التي أولها
( الحمد لله ليس بخت ** ولا ثياب يضمها تخت )
وفيها أبو المنصور محمد بن عبد الملك بن الحسن بن محمد بن خيرون البغدادي المقرئ الدباس مصنف المفتاح والموضح في القراءات أدرك أصحاب أبي الحسن الحمامي وسمع الحديث من أبي جعفر بن المسلمة والخطيب والكبار وتفرد بإجازة أبي محمد الجوهري توفي في رجب وله خمس وثمانون سنة
وفيها أبو المكارم المبارك بن علي السمذي بكسرتين وتشديد الميم نسبة إلى السمذ وهو الخبز الأبيض يعمل للخواص البغدادي سمع الصريفيني وطائفته ومات يوم عاشوراء

سنة أربعين وخمسمائة

فيها توفي أبو سعد البغدادي الحافظ أحمد بن محمد بن سعد أحمد بن الحسن الأصبهاني ولد سنة ثلاث وستين وأربعمائة وسمع من عبد الرحمن وعبد الوهاب ابني مندة وطبقتهما وببغداد من عاصم بن الحسن قال سعد بن السمعاني حافظ دين خير يحفظ صحيح مسلم وكان يملي من حفظه وقال الذهبي حج مرات ومات في ربيع الآخر بنهاوند ونقل إلى أصبهان وقال ابن ناصر الدين كان ثقة متقنا دينا خيرا واعظا وصحيح مسلم من بعض حفظه
وفيها أبو بكر عبد الرحمن بن عبد الله بن عبد الرحمن البحيري روى عن

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21