كتاب : معجم الأدباء
المؤلف : ياقوت الحموي

ووجدت في كتاب ألفه أبو الحسن، علي بن عبيد الله، ابن المسيب الكاتب، في أخبار ابن الرومي، وكان ابن المسيب هذا، صديقاً لابن الرومي وخليطاً له. قال: كان أحمد بن محمد، بن عبيد الله، بن عمار، " هكذا قال في نسبه، بتقديم محمد على عبيد الله " صديقاً لابن الرومي، كثير الملازمة له، وكان ابن الرومي يعمل له الأشعار، وينحله إياها، يستعطف بها من يصحبه، وكان ابن عمار محدوداً فقيراً، وقاعة في الأحرار، وكان أيام افتقاره، كثير السخط لما تجري به الأقدار، في آناء الليل والنهار، حتى عرف بذلك، فقال له علي بن العباس، بن الرومي يوماً: يا أبا العباس، قد سميتك العزير، قال له: وكيف وقعت لي على هذا الاسم؟ قال: لأن العزير خاصم ربه، بأن أسال من دماء بني إسرائيل على يدي، بختنصر سبعين ألف دم، فأوحى الله: " لئن لم تترك مجادلتي في قضائي، لأمحونك من ديوان النبوة " : وقال فيه: " وفي ابن عمار عزيرية " وذكر البيتين اللذين في كتاب الخطيب وزاد:
لا، بل فتى خاصم في نفسه ... لم لم يفز قدماً وفاز البقر؟
وكل من كان له ناظر ... صاف فلا بد له من نظر
وكتب ابن الرومي إلى أحمد بن محمد، بن بشر المرشدي قصيدة يمدحه فيها، ويهنئه بمولود ولد له، ويحضه على بر ابن عمار والإقبال عليه، يقول فيها:
ولي لديكم صاحب فاضل ... أحب أن يبقى وأن يصحبا
مبارك الطائر ميمونه ... خبرني عن ذاك من جربا
بل عندكم من يمنه شاهد ... قد أفصح القول وقد أعربا
جاء فجاءت معه غرة ... تقبل الناس بها كوكبا
إن أبا العباس مستصحب ... يرضي أبا العباس مستصحبا
لكن في الشيخ عزيرية ... قد تركته شرساً مشغبا
فاشدد أبا العباس كفاً به ... فقد ثقفت المحطب المحوبا
باقعة إن أنت خاطبته ... أعرب أو فاكهته أغربا
أدبه الدهر بتصريفه ... فأحسن التأديب إذ أدبا
وقد غدا ينشر نعماءكم ... في كل ناد موجزاً مطنباً
والقصيدة طويلة. قال: وصار محمد بن داود، بن الجراح يوماً إلى ابن الرومي مسلماً عليه، فصادف عنده أبا العباس أحمد بن محمد بن عمار، وكان من الضيق والإملاق النهاية، وكان علي بن العباس مغموماً به، فقال محمد بن داود لابن الرومي، ولأبي عثمان الناجم: لو صرتما إلي وكثرتما بما عندي، لأنس بعضنا ببعض، فأقبل ابن الرومي، على محمد بن داود فقال: أنا في بقية علة، وأبو عثمان مشغول بخدمة صاحبه، يعني ابن بليل، وهذا أبو العباس بن عمار، له موضع من الرواية والأدب، وهو على غاية الإمتاع والإيناس بمشاهدته، وأنا أحب أن تعرف مثله، وفي العاجل خذه معك، لتقف على صدق القول فيه. فأقبل محمد بن داود، على أحمد بن عمار، وقال له: تفضل بالمصير إلي في هذا اليوم، وقبله قبولاً ضعيفاً، فصار إليه ابن عمار في ذلك اليوم، ورجع إلى ابن الرومي فقال له: إني أقمت عند الرجل وبت، وأريد أن تقصده وتشكره، وتؤكد أمري معه. ومحمد بن داود في هذا الوقت متعطل، ملازم منزله، فصار إليه، وأكد له الأمر معه، وطال اختلافه إليه، إلى أن ولي عبيد الله بن سليمان وزارة المعتضد، واستكتب محمد بن داود بن الجراح، وأشخصه معه، وقد خرج إلى الجبل ورجع، وقد زوجه بعض بنات، وولاه ديوان المشرق، فاستخرج لابن عمار أقساطاً أغناه بها، وأجرى عليه أيضاً من ماله، ولم يزل يختلف إليه أيام حياة محمد بن داود.
وكان السبب في أن نعشه الله بعد العثار، وانتاشه من الإقبار ابن الرومي، فما شكر ذلك له، وجعل يتخلفه، ويقع فيه ويعيبه، وبلغ ابن الرومي ذلك، فهجاه بأهاج كثيرة، منها وهو مصحف:
ألا قل لابن عمار ... ألا تعظم من قدري
بحر أختك وحر والد ... تك لا تعرض لشعري
وتذكر حين تنسى ... حر عمتك وأيرى
وإذ فتىً فرح الرو ... حة منقاد لأمري؟؟
خر خالاتك للج ... يران لكن لست تدري

قال ابن المسيب: ومن عجيب أمر عزير هذا، أنه كان ينتقص ابن الومي في حياته، ويزري على شعره، ويتعرض لهجائه، فلما مات ابن الرومي، عمل كتاباً في تفضيله، ومختار شعره، وجلس يمليه على الناس، وذكره محمد بن إسحاق النديم في كتاب الفهرست، فقال: كان يصحب محمد بن داود، بن الجراح، ويروي عنه، ثم توكل للقاسم بن عبيد الله، بن سليمان وولده.
وله من الكتب كتاب المبيضة، وهو في مقاتل الطالبيين، كتاب الأنواء، كتاب مثالب أبي نواس، كتاب أخبار سليمان بن أبي شيخ، كتاب الزيادة في أخبار الوزراء، لابن الجراح، كتاب أخبار حجر بن عدي، كتاب أخبار أبي نواس، كتاب أخبار ابن الرومي ومختار شعره، كتاب المناقضات، كتاب أخبار أبي العتاهية، كتاب الرسالة في بني أمية، كتاب الرسالة في تفضيل بني هاشم ومواليهم، وذم بني أمية وأتباعهم، كتاب الرسالة في المحدب والمحدث، كتاب أخبار عبد الله بن معاوية الجعدي، كتاب الرسالة في مثال معاوية.
وذكره أبو عبد الله المرزباني في كتاب المعجم فقال: وذكر أنه مات في سنة عشر وثلاثمائة قال: وهو القائل:
وعيرتني النقصان والنقص شامل ... ومن ذا الذي يعطى الكمال فيكما؟
وأقسم أني ناقص غير أنني ... إذا قيس بي قوم كثير تقللوا
تفاضل هذا الخلق بالعلم والحجى ... ففي أيما هذين أنت؟ فتفضل
ولو منح الله الكمال ابن آدم ... لخلده والله ما شاء يفعل
وذكر ابن زنجي أبو القاسم الكاتب قال: كان الوزير أبو الحسن، علي بن محمد، بن الفرات، قد أطلق في وزارته الأخيرة للمحدثين عشرين ألف درهم، فأخذت لأبي العباس أحمد بن عبد الله بن عمار، لأنه كان يجيئني ويقيم عندي: وسمعت منه أخبار المبيضة، ومقتل حجر، وكتاب صفين، وكتاب الجمل، وأخبار المقدمي، وأخبار سليمان بن أبي شيخ، وغير ذلك خمسمائة درهم.

أ؛مد بن عبد الله كلوذاني
بن أحمد، أبو الحسين الكلوذاني، المعروف بابن قرعة، من أهل الأدب والفضل الغزير، كتب بخطه الكثير من المصنفات الطوال، ولازم أبا بكر الصولي، وتضلع عليه من أدبه، وروى عنه، وطلب الأدب طول عمره، ثم عاد إلى بلده كلوذي، فأقام بها طول عمره، وقصده الناس، فكان أيدبها وفاضلها، ولم يزل بها إلى آخر عمره.
أحمد بن عبيد الله بن الحسن بن شقير
أبو العلاء البغدادي، ذكره الحافظ أبو القاسم في تاريخ دمشق، وقال: حدث عن أبي بكر محمد بن هارون بن المحدو، وحامد بن شعيب البلخي، والهيثم ابن خلف، وأبي بكر الباغندي والبغوي، وأبي عمر الزاهد، وأبي بكر بن الأنباري، وابن دريد، وأحمد بن فارس، وأبي بكر أحمد بن عبد الله سيف السجستاني، روى عنه تمام الرازي، ومكي بن محمد بن الغمر، وأبو نصر عبد الوهاب بن عبد الله، بن الحيان، ومحمد بن عبد الله ابن الحسن الدوري.
أحمد بن علي بن يحيى بن أبي منصور
المنجم، أبو عيسى، نذكر كل واحد من آبائه وأعمامه، وأهل بيته في بابه، إن شاء الله تعالى وحده. وأما نسبهم، وولاؤهم، وأوليتهم، فنذكره في باب جده يحيى بن أبي منصور المنجم، إن شاء الله، وكان أحمد هذا، نبيلاً فاضلاً، وذكره محمد بن إسحاق النديم فقال: له كتاب تاريخ سني العالم.
أحمد بن علي، أبو بكر الميموني
البرزندي النحوي، ذكره أبو الفتح، منصور بن المعذر النحوي، الأصفهاني المتكلم، وقد ذكر جماعة من المعتزلة النحويين، فذكر أبا سعيد السيرافي، وأبا علي الفارسي، وعلي ين عيسى الرماني، وغيرهم، ثم قال: وأبو بكر أحمد بن علي النحوي البرزندي، الشافعي النحوي المعتزلي، القائل:
إذا مت فانعيني إلى العلم والنهى ... وما حبرت كفي يما في المحابر
فإني من قوم بهم يصبح الهدى ... إذا أظلمت بالقوم طرق البصائر
أحمد بن علي المعروف بابن خشكنانجه
بن وصيف، المعروف بابن خشكنانجه يكنى أبا الحسين، وكان أبوه علي الملقب بخشكنانجهْ، فاضلاً، وقد ذكر في بابه، مات أحمد ببغداد، وذكره محمد بن إسحاق النديم وقال: كان كاتباً بليغاً، فصيحاً شاعراً، وله من الكتب: كتاب النثر الموصول بالنظم، كتاب صناعة البلاغة، كتاب الفوائد:
أحمد بن علي القاساني اللغوي

أبو العباس، يعرف بلوه، وقيل بابن لوه، لا أعرف من أمره إلا ما قرأته بخط بديع بن عبد الله، فيما كتبه عن أبي الحسين، أحمد بن فارس اللغوي. أنشدني أحمد بن علي بن القاساني اللغوي:
إغسل يديك من الثقات ... وأصرمهم صرم البتات
واصحب أخاك على هوا ... ه وداره بالترهات
ما الود إلا باللسا ... ن فكن لساني الصفات
وقال في موضع آخر منه: سمعت أبا العباس أحمد ابن علي القاساني يقول: سمعت أعرابياً بالبادية يقول:
قل لدنيا أصبحت تلعب بي ... سلط الله عليك الآخرهْ
قلت أنا: هذا البيت معروف للحسين بن الضحاك، مع بيت آخر هو:
إن أكن أبرد من قنينة ... أو من الريش فأمي فاجرهْ
وقال في موضع آخر،: أخبرني أبو العباس، أحمد ابن علي القاساني، يعرف بلوه، وقال في موضع آخر: يعرف بابن لوه بقزوين، قال: كنت بالبصرة، وبها أبو بكر بن دريد، فبينا نحن في مجلسه، ورد علينا رجل من أهل الكوفة، فجعل يسأله عن مسائل، يظهر فيها لنا أنه يتعنته ويتسقطه، فأقبل عليه أبو بكر فقال له: يا هذا: قد عرفت مغزاك، وأحب أن تجمع ما تريد أن تسألني عنه في قرطاس، وتأتيني به وتأخذ من الجواب بديهة إن شئت، أو روية، فمضى الرجل وجاءه بعد ثلاث، وقد جمع له، فما سأله عن مسألة إلا وأبو بكر يبادره بالجواب، والرجل يكتب، ثم إنا سألنا الرجل، فأعطانا المسائل والجواب، فكتبتها، وهي هذه سماعي من أبي بكر لفظاً، القهوسة: مشية بسرعة، القعسرة: الصلابة والشدة، القعسنة: الانتصاب في الجلسة ويقال: الفقعسة أن يرفع الرجل رأسه وصدره، العقوسة: التذلل، الفقعسة: استرخاء وبلادة في الإنسان، البحدلة: القصر، بهدل: طائر، الكهدل: الشابة الناعمة، غطمش، من قولنا: تغطمش علينا: إذا ظلمنا، هجعم من الهجعمة: وهي الجرأة، خضارع من الخضرعة: وهي التسمح بأكثر ما عند الإنسان، التخثعم: الانقباض، الخثعمة: التلطخ بالدم، الشعفر: المرأة الحسناء، الكلحبة: العبوس، ويقال: كلحبت النار إذا مدت لسانها، سنبس من الصلابة واليبس، البلندي: الغليظ الصلب، القرثعة: تقرد الصوف في خروف ونحو هذه.
قال ابن فارس: أنشدني أبو العباس أحمد بن علي القلساني، وكان يعرف بابن لوه، قال: أنشدني أبو عبد الله نفطويه لبعض الأعراب:
إذا واله حنت من الليل حنة ... إلى إلفها جاوبتها بحنين
هنالك لا روادهم يبلغوننا ... ولا خبر يجلو العمى بيقين
وقال: قال أبو العباس: حججت فوقفت على أعرابية فقلت لها: كيف أصبحت؟ فقالت:
بخير على أن النوى مطمئنة ... بليلي وأن العين باد معينها
وإني لباك من تفرق شملهم ... فمن مسعد للعين؟ أم من يعينها؟
قال وأنشدني:
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بواد به الجثجاث والسلم والنضر
قال ابن فارس: وأنشدني أحمد بن علي القاساني:
وأمست أحب الناس قرباً ورؤية ... إلى قلبه سلمى وإن لم نحبب
حبيب إليه كل واد تحله ... سليمى خصيباً كان أو غير مخصب
قال وأنشدني:
وإذا دعا داع بها فديتها ... وعضضت من جزع لفرقتها يدي
لا يبعدن تلك الشمائل والحلي ... منها وإن سكنت محل الأبد

أحمد بن علي بن هارون
ابن علي، بن يحيى، بن أبي منصور المنجم، والمنجم أبو الفتح، أحد من سلك سبيل آبائه في طرق الآداب، واهتدى بهديهم في تلك إلى الفضائل من كل، روى عنه أبو علي التنوخي في نشواره فأكثر، ووصفه بالفضل وما قصر، وأنشد له أشعاراً قال: أنشدني أبو الفتح، أحمد بن علي، بن هارون، بن يحيى المنجم، في الوزير أبي الفرج، محمد بن العباس بن فسانجس في وزارته، وقد عمل على الانحدار إلى الأهواز لنفسه:
قل للوزير سليل المجد والكرم ... ومن له قامت الدنيا على قدم
ومن يداه ماً تجدي ندىً وردىً ... يجريهما عدل حكم السيف والقلم
ومن إذا هم أن يمضي عزائمه ... رأيت ما تفعل الأقدار في الأمم
ومن عوارفه تهمي وعادته ... في رب بدأته تنمى على القدم

لأنت أشهر في رعي الذمام وفي ... حكم التكرم من نار على علم
والعبد عبدك في قرب وفي بعد ... وأنت مولاه إن تظعن وإن تقم
فمره يتبعك أو لا فاعتمده بما ... تجري به عادة الملاك في الخدم
قال وأنشدني لنفسه، وذكر أنه لا يوجد لها قافية رابعة من جنسها في الحلاوة:
سيدي أنت ومن عاداته ... باعتدال وبجود جاريهْ
أنصف المظلوم وارحم عبرة ... بدموع ودماء جاريهْ
ربما أكني بقول سيدي ... عند شكواي الهوى عن جاريهْ
قال: وأنشدني لنفسه، والقافية كلها عود باختلاف المعنى:
العيش عافية والريح والعود ... فكل من حاز هذا فهو مسعود
هذا الذي لكم في مجلس أنق ... شنجاره العنبر الهندي والعود
وقينة وعدها بالخلف مقترن ... بما يؤمله راج وموعود
وفتية كنجوم الليل دأبهم ... إعمال كأس حداها النار والعود
فاغدوا علي بكاس الراح مترعة ... عوداً وبدءاً فإن أحمدتم عودوا

أحمد بن علي، أبو الحسن البتي الكاتب
كان يكتب للقادر بالله عند مقامه بالبطيحة، ولما وصلته البيعة، كتب عنه إلى بهاء الدولة، وكان البتي حافظاً للقرآن تالياً له، مليح المذاكرة بالأخبار والآداب، عجيب النادرة، ظريف المزح والمجون، قال ابن عبد الرحيم: كان البتي في بدء أمره يلبس الطيلسان، ويسمع الحديث، ويقرأ القرآن على شيوخ عصره، وكان يذكر أنه قرأ القرآن على زيد بن أبي بلال، وكان غاية في جمع خلال الأدب، يتعلق بصدور وافرة من فنون العلم، ويكتب خطاً جيداً، ويترسل ترسلاً لا بأس به، وينظم شعراً دون ما كان حظي به من العلم، ثم لبس من بعد الدراعة، وسلك في لبسه مذاهب الكتاب القدماء، وكان يلبس الخفين والمبطنة، ويتعمم العمة الثغرية، وإن لبس لالجة لم تكن الامربدية، وكان لا يتعرض لحلق شعره، جرياً على السنة السالفة، وكتب من بعد في ديوان الخلافة، وكان له حرمة بالقادر بالله رعاها له، ثم غلب على أخلاقه الهزل، وتجافى الجد بالواحدة، وانقطع إلى اللعب، وكان شكله ولفظه، وما يورده من النوادر، يدعو إلى مكاثرته، والرغبة إلى مخالطته، فحضر مجلس بهاء الدولة ف يجملة الندماء، ونفق عنده نفاقاً لا مزيد عليه، ولم يكن لأحد من الرؤساء مسرة تتم، ولا أنس يكمل إلا بحضوره، فكانوا يتداولونه ولا يفارقونه، ونادم الوزراء، حتى انتهى إلى منادمة فخر الملك، وأعجب به غاية الإعجاب، وأحسن إليه غاية الإحسان، ومات في أيامه، وكانت له نوادر مضحكة، وجوابات سريعة، لا يكاد يلحقه فيها أحد، وتعرض لغيبة الناس، تعرضاً قلما أخل به على الوجه المضحك، الذي يكون سبباً إلى تدارك تلك المنقصة، وطريقاً إلى استقالة زلته فيها، بما اعتمده من التطايب، وكان يذهب مذهب المعتزلة، ويميل إلى فقه أبي حنيفة، ويتعصب للطائي تعصباً شديداً، ويفضل البحتري على أبي تمام، ويغلو فيه غاية الغلو.
فمن نوادره الشائعة أنه انحدر مع الرضي والمرتضى، وابن أبي الريان الوزير، وجماعة من الأكابر لاستقبال بعض الملوك، فخرج عليهم اللصوص، ورموهم بالحراقات، وجعلوا يقولون: ادخلوا يا أزواج القحاب، فقال البتي: ما خرج هؤلاء علينا إلا بعين، قالوا: ومن أين علمت؟ قال: وإلا فمن أين علموا أنا أزواج قحاب؟ وكان البتي صاحب الخبر والبريد في الديوان القادري، ومات في شعبان سنة ثلاث وأربعمائة، وله تصانيف منها: كتاب القادري، وكتاب العميدي، كتاب الفخري.
قال الوزير أبو القاسم المغربي: كان أبو الحسن البتي أحد المتفننين في العلوم، لا يكاد يجاري في فن من العلوم فيعجز عنه، وكان مليح المحاضرة، كثير المذاكرة، طيب النادرة: مقبول المشاهدة، رأيته على باب أحد رؤساء العمال وقد حجب عنه، فكتب إليه:
على أي باب أطلب الإذن بعد ما ... حجبت عن الباب الذي أنا صاحبه
فخرج الإذن له في الحال.

وحدث الرئيس أبو الحسن هلال بن المحسن قال: كنت عند فخر الملك أبي غالب بن خلف بالأهواز، فكتب إلى أبي ياسر عماد بن أحمد الصيرفي: احمل إلى أبي الحسن البتي مائتي دينار مع امرأة لا يعرفها، واكتب معها رقعة غير مترجمة، وقل فيها: قد دعاني ما آثرته من مخالطتك، ورغبت فيه من مودتك، إلى استدعاء المواصلة منك، وافتتاح باب الملاطفة بيني وبينك، وقد أنفذت مع الرسول مائتي دينار، فأخذها أبو الحسن، وكتب على ظهر الرقعة: مال لا أعرف مهديه، فأشكر له ما يوليه، إلا أنه صادف إضافة دعت إلى أخذه، والاستعانة في بعض الأمور به، قلت:
ولم أدر من ألقى عليه رداءه ... سوى أنه قد سل عن ماجد محض
وإذا سهل الله لي اتساعاً، رددت العوض موفوراً، وكان المبتدي بالبر مشكوراً.
وكان أبو الحسن قد فطن للقصة، وكتب على بصيرة ولما أنفذ أبو ياسر بالجواب، أقرأنيه فخر الملك. فاستحسنت وقوع هذا البيت موقعه من التمثل. ومن شعر الرضي الموسوي إليه، الأبيات المشهورة:
أبا حسن أتحسب أن شوقي ... يقل على مكاثرة الخطوب
يهش لكم على الفرقان قلبي ... هشاشته إلى الزور القريب
وألفظ غيركم ويسوغ عندي ... ودادكم مع الماء الشروب
ورثاه الموسوي بقوله:
ما للهموم كأنها ... نار على قلبي تشب
والدمع لا يرقا له ... غرب كأن العين غرب
ما كنت أحسب أنني ... جلد على الأرزاء صعب
ما أخطأتك النائبا ... ت إذا أصابت من تحب
ورثاه المرتضى أخو الرضي بقوله:
عرج على الدار مغبراً جوانبها ... فاسأل بها عجلاً عن ساكن الدار
وقل لها أين ما كنا نراه على ... مر المدى بك من نقض وإمرار؟
وأين أوعية الآداب فاهقة ... تجري خلالك جري الجدول الجاري
يا أحمد بن علي والردى عرض ... يزور بالرغم منا كل زوار
علقت منك بحبل غير منتكث ... عند الحفاظ وعود غير خوار
وقد بلوتك في سخط وعند رضىً ... وبين طيٍ لأنباءٍ وإظهار
فلم تفدني إلا ما أضن به ... ولم تزدني إلا طيب أخبار
لا عار فيما شربت اليوم غصته ... من المنون وهل بالموت من عار؟
ولم ينلك سوى ما نال كل فتى ... عالي المكان ولاقى كل جبار
وأمر بهاء الدولة أبا الحسن البتي أن يعمل شعراً يكتب على تكة إبريسم فقال:
لم لا أتيه ومضجعي ... بين الروادف والخصور؟
وإن اتشحت فإنني ... بين الترائب والنحور
ولقد نشأت صغيرة ... إلفاً لربات الخدور
وله يصف كوز لافقاع:
يا رب ثدي مصصته بكراً ... وقد عراني خمار مغبوق
له هدير إذا شربت به ... مثل هدير الفحول في النوق
كأن ترجيعه إذا رشف الرا ... شف فيه صياح مخنوق
وله أيضاً:
ما احمرت العين من دمع أضر بها ... في عرصتي طلل أو إثر مرتحل
لكن رآها الذي يهوى وقد نظرت ... في وجه آخر فاحمرت من الخجل
قال ابن عبد الرحيم: وكان القادر بالله استتر عنده، لما طلبه الطائع قبل انحداره، وأخذ يده أن يستلينه، فلما ولي وقضي الأمر، صرف ابن حاجب النعمان، ورتبه في كتابته، واتفق أن كان ذلك في وقت الأضحى، فخرج إليه خادم على العادة في مثل ذلك، فقال له: رسم أن تحصى أسقاط الأضاحي، فقال لغلامه: خذ الدواة، فإن القوم يريدون كراعياً، ولا يريدون كاتباً، وانصرف بهذا المزح من الخدمة، وكان الهزل قد غلب عليه، وعزب عنه الجد جملة، وكان بينه وبين الرضي مقارضة لكلام جرى بينهما، فاتفق أن اجتاز بقرب دار الرضي، عند مسجد الأنباري، فقال لغلامه: مل بنا عن تلك الدار، فإني أكره المرور بها، فالتفت فوقعت عينه على الرضي، فتمم كلامه من غير أن يقطعه وقال: فإنني لا وجه لي في لقائه، لطول جفائه، فاستحسن هذا من بديهته، ودخل دار الرضي واصطلحا.

ومن نوادره: أنه سمع يوماً أصوات الملاحين، وارتفاع ضجة، فقال: ما هذا؟ فقالوا: هؤلاء أولاد أبي الفضل، بن حاجب النعمان، وأبي سعيد بن أبي الخطاب، وجماعة أولادهم، فقال: ما بيننا وبين هؤلاء إلا موت الآباء؟ ورأى معلماً قبيح الوجه، يعرف بنفاط الجن، وكان وحشاً انكشفت سوأته، فقال له يا هذا: استر عورتك السفلى، فإنك قد أدليت، ولكن بغير حجة، واستقبل أبا عبد الله بن الدراع، في ميدان بستان فخر الدولة، وهو متكئ على يد غلام أسود، فقال أبو عبد الله: هذا الأسود يصلح لخدمة سيدنا، فقال البتي: أي الخدم؟ فقال: خدمة الفراش، فقال: اللهم غفراً، أرمى بالبغاء، وليس في منزلي خنفساء؟ ويعرى منه سيدنا، وفي داره جميع بني حام.
بشر ابن الحواري بمولود، وكان ابن الحواري سمج الخلقة، فقال له البتي: إن كان هذا المولود يشبهك فويه، ثم ويه.
وسقاه الفقاعي في دار فخر الدولة فقاعاً، فلم يستطبه، فرد الكوز مفكراً، فقال له الفقاعي: في أي شيء تفكر؟ فقال: في دقة صنعتك، كيف أمكنك أن تخرى في بهذه الكيزان كلها مع ضيق رأسها؟ وأتاه غلامه في مجلس حفل فقال له: إن ابنك وقع من ثلاث درج، فقال: ويلك من ثلاث بقين؟ أو خلون؟ فلم يفهم عنه، فقال: إن كان خلون فسهل، وإن بقين فيحتاج إلى نائحة.
ودخل الرقي العلوي على فخر الملك، فقال: - أطال الله بقاء مولانا، واسعده بهذا اليوم - ، فقال له وأي يوم هذا؟ فقال أيلون، فقال البتي بالنون، فقال: ما قرأت النحو، فقال البتي: أنت إذاً معذور، فإنك ثلاثة أرباع رقيع، أراد رقي، إذا ألحقت به العين وهو الحرف الرابع، صار رقيع.
قال ابن عبد الرحيم: وكان بين البتي وبين أبي القاسم بن فهد ملاحاة ومنابذة، ثم أصلح فخر الملك بينهما، فعمل فيه أبياتاً يقول فيها:
قلت للبتي لما ... رام صلحي من بعيد
وكان يرمي بالبخر، ويزن بالأبنة أيضاً، وقال فيه أيضاً:
وكل شرط للصلح أقبله ... إن أنت أعفيتني من القبل
وحدث ابن عبد الرحيم قال: وكان البتي مقبولاً، مستملحاً في جميع أحواله، ولم يكن فيه أقل من شعره، فإنه كان في غاية البرد، وعدم الطبع، وكان قد عمل في فخر الملك، وهو يسد فتق النهروان قصيدة، يصف فيها السكر قال فيها:
إذا أتاه الماء من جانب ... عاجله بالسد من جانب
فقال له: هذا والله أيها الأستاذ بارد، وأعاده، فحكى البيت وتأمله، وقال نعم، والله هو بارد، وجعل يعوج على نفسه، ويكرر الإنشاد مستبرداً له، فضحك فخر الملك منه، وقطع الإنشاد ولم يتممه.
قال: ولم يكن يسلم أحد من لسانه، وتعويجه وثلبه له، وإذا اتفق أن يسمعه من يقول ذلك فيه، التفت إليه كالمعتذر، وقال: مولاي ههنا؟ ما علمت بحضوره، ويجعل كونه ما عليم بحضوره اعتذاراً، كأنه مباح له ثلبه بالغيبة.
قال: وكان مع ذكائه وتوقده، وكثرة طنزه وتولعه، أشد الناس غباوة في الأمور الجديات، وأبعدهم من تصورها، وكان له معرفة تامة بالغناء وصنعته، ولا تكاد المغنية تغني بصوت إلا ذكر صنعته، وشاعره وجميع ما قيل في معناه، وله من قصيدة في ابن صالحان:
سل الربع بالخبتين كيف معاهده ... وأنى برجع القول منه هوامده؟؟
عفت حقباً بعد الأنيس رسومه ... فلم يبق إلا نؤيه وخوالده
ديار نزفت الدمع في عرصاتها ... تؤاماً إلى أن أقرح الجفن فارده
أرقت دماً بعد الدموع نزحته ... من القلب حتى غيضته شوارده
سأستعتب الدهر الخئون بسيد ... يرد جماح الدهر إذ هو قائده
سواء عليه طارف المال في الندى ... إذ ما انتحاه السائلون وتالده
وله فيه:
قرم إذا اعتذرت نوافل بره ... لم يلف دافع حقها بمعاذر
من معشر ورثوا المكارم والعلا ... وتقسموها كابراً عن كابر
قوم يقوم حديثهم بقديمهم ... ويسير أولهم بمجد الآخر
وكان أبو إسحاق الصابئ قد عمل لأبي بشر بن طازاد نسخة كتاب أراد إنشاءه، ونحله إياه، فكتب إليه أبو الحسن البتي يعرض بذلك:
زكاة العلوم زكاة الندى ... وعرف المعارف بذل الحجى
ولكن يجر به أهله ... فأجر بنيلك فضل التقى

لئن كنت أوجبته قربة ... لما وقع الموقع المرتضى
وما صدقاتك مقبولة ... إذا ما تنكبت فيها الهدى
قد عرفت - أطال الله بقاء سيدي - العارية والمستعير، وكيف جرى الأمر في ذلك، وما ظننت أن هذا يجري مجرى الماعون الذي لا يحسن منعه، " إذ لا يقع الغرض موقعه، بل ساء لنفرته من لابسه: "

أحمد بن علي بن محمد، أبو عبد الله
الرماني النحوي، المعروف بابن الشرابي، ذكره أبو القاسم فقال: سمع عبد الوهاب بن حسن الكلابي، وأبا الفرج الهيثم بن أحمد الفقيه، وأبا القاسم عبد الرحمن بن الحسين، بن الحسن، بن علي، بن يعقوب، بن أبي العقب، حدث بكتاب إصلاح المنطق، ليعقوب بن السكيت، عن أبي جعفر محمد بن أحمد الجرجاني، عن أبي علي الحسن ابن إبراهيم الآمدي، عن أبي الحسن علي بن سليمان الأخفش، عن ثعلب، عن ابن السكيت، روى عنه أبو نصر بن طلاب الخطيب. قال ابن الأكفاني: حدثنا عبد العزيز بن أحمد الكناني، قال: توفي أبو عبد الله، أحمد بن علي الرماني، الشرابي النحوي، يوم الجمعة ليومين مضيا من ربيع الآخر، سنة خمس عشرة وأربعمائة.
الجزء الرابع
أحمد بن علي بن خيران الكاتب
المصري، أبو محمد الملقب بولي الدولة، صاحب ديوان الإنشاء بمصر بعد أبيه، وكان أبوه أيضاً فاضلاً بليغاً، أعظم قدراً من ابنه، وأكثر علماً، وكان أبو محمد هذا، يتقلد ديوان الإنشاء للظاهر، ثم للمستنصر، وكان رزقه في كل سنة ثلاثة آلاف دينار، وله عن كل ما يكتبه من السجلات، والعهودات، وكتب التقليدات رسوم، يستوفيها من كل شيء بحسبه، وكان شاباً حسن الوجه، جميل المروءة، واسع النعمة، طويل اللسان، جيد العارضة، وسلم إلى أبي منصور بن الشيرازي، رسول ابن النجار إلى مصر من بغداد، جزأين من شعره ورسائله، واستصحبهما إلى بغداد، ليعرضهما على الشريف المرتضي أبي القاسم وغيره، ممن يأنس به من رؤساء البلد، ويستشير في تخليدهما دار العلم، لينفذ بقية الديوان والرسائل، إن علم أن ما أنفذه منها ارتضي واستجيد، وأنه فارقه حياً، ثم ورد الخبر، بأنه مات في شهر رمضان، سنة إحدى وثلاثين وأربعمائة في أيام المستنصر.
قال ابن عبد الرحيم: ووقع إلى الجزء من الشعر فتأملته، فما وجدته طائلاً، وعرفني الرئيس أبو الحسن، هلال بن المحسن: أن الرسائل صالحة سليمة. قال: وقد انتزعت من المنظوم على خلوة، إلا من الوزن والقافية. فمن شعره:
عشق الزمان بنوه جهلاً منهم ... وعلمت سوء صنيعه فشنئته
نظروه نظرة جاهلين فغرهم ... ونظرته نظر الخبير فخفته
ولقد أتاني طائعاً فعصيته ... وأباحني أحلى جناه فعفته
ومن شعره أيضاً:
ولي لسان صارم حده ... يدمي إذا شئت ولا يدمى
ومنطق ينظم سمل العلا ... ويستميل العرب والعجما
ولو دجا الليل على أهله ... فأظلموا كنت لهم نجما
ومن شعره أيضاً:
أخذ المجد يمينني ... لتفيضن يميني
ثم لا أرجئ إحسا ... ناً إلى من يرتجيني
ومن شعره أيضاً:
ولقد سموت على الأنام بخاطر ... ألله أجرى: منه بحراً زاخرا
فإذا نظمت نظمت روضاً حالياً ... وإذا نثرت نثرت دراً فاخرا
وقال على لسان بعض العلويين، يخاطب العباسيين:
وينطقنا فضل البدار إلى الهدى ... ويخرسكم عن ذكر فضل لنا بدر
وما كانت الشورى علينا غضاضة ... ولو كنتم فيها ساتطاركم الكبر
ومن شعره أيضاً:
يا من إذا أبصرت طلعته ... سدت على مطالع الحزم
قد كف لحظي عنك مذ كثرت ... فينا الظنون فكف عن ظلمي
ومن شعره أيضاً:
حيوا الديار التي أقوت مغانيها ... واقضوا حقوق هواها بالبكا فيها
ديار فاترة الألحاظ غانية ... جنت عليك ولجت في تجنيها
ظللت تسح دموعي في معاهدها ... سح السحاب إذا جادت عزاليها
ومن شعره أيضاً:
أيها المغتاب لي حسداً ... مت بداء البغي والحسد
حافظي من كل معتقد ... في سوءاً: حسن معتقدي
ومن شعره أيضاً:

أما ترى الليل قد ولت كواكبه ... والصبح قد لاح وانبثت مواكبه
ومنهل العيش قد طابت موارده ... والدهر وسنان قد أغفت نوائبه
فقم بنا نغتنم صفو الزمان فما ... صفو الزمان لمخلوق يصاحبه
ومن شعره أيضاً:
خلقت يدي للمكرمات ومنطقي ... للمعجزات ومفرقي للتاج
وسموت للعلياء أطلب غاية ... يشقى بها الغاوي وحظى الراجي
ومن شعره:
أنا شيعي لآل المصطفى ... غير أني لا أرى سب السلف
أقصد الإجماع في الدين ومن ... قصد الإجماع لم يخش التلف
لي بنفسي شغل عن كل من ... للهوى قرظ قوماً أو قذف
ومن شعره:
فقام يناوي غرة الشمس نوره ... وتنصف من ظلم الزمان عزائمه
أغر له في العدل شرع يقيمه ... وليس له في الفضل ند يقاومه
وقال على لسان ذلك الملك - ، يخاطب الظاهر لإعزاز دين الله، حين أمر بالختم على جميع ماله - : هذين البيتين، وكانا السبب في الإفراج عما أخذ منه والرضى عنه:
من شيم المولى الشريف العلي ... ألا يرى مطرحاً عبده
وما جزا من جن من حبكم ... أن تسلبوه فضلكم عنده
وكان ابن خيران، قد خرج إلى الجيزة متنزهاً، ومعه من أصحابه، المتقدمين في الأدب، والشعر، والكتابة، وقد احتفوا به يميناً وشمالاً، فأدى بهم السير إلى مخاضة مخوفة، فلما رأى إحجام الجماعة من الفرسان عنها، وظهور جزعهم منها، قنع بغلته، فولجها حتى قطعها، وانثنى قائلاً مرتجلاً:
ومخاضة يلقى الردى من خاضها ... كنت الغداة إلى العدا خواضها
وبذلت نفسي في مهاول خوضها ... حتى تنال من العدا أغراضها
وله أيضاً:
من كان بالسيف يسطو عند قدرته ... على الأعادي ولا يبغي على أحد
فإن سيفي الذي أسطو به أبداً ... فعل الجميل وترك البغي والحسد
وله أيضاً:
قد علم السيف وحد القنا ... أن لساني منهما أقطع
والقلم الأشرف لي شاهد ... بأنني فارسه المصقع
قال ابن عبد الرحيم: وهو كثير الوصف لشعره، والثناء على براعته ولسنه، وجميع ما في الجزء بعد ما ذكرته، لا حظ فيه، وليس فيه مدح إلا في سلطانهم المستنصر، والباقي على نحو ما ذكرته في مراثي أهل البيت عليهم السلام، ولو كان فيه ما يختار، لاخترته.

أحمد بن علي، بن ثابت، بن أحمد، بن مهدي
الخطيب، أبو بكر البغدادي، الفقيه الحافظ، أحد الأئمة المشهورين، المصنفين المكثرين، والحفاظ المبرزين، ومن ختم به ديوان المحدثين، سمع ببغداد شيوخ وقته، وبالبصرة، وبالدينور، وبالكوفة، ورحل إلى نيسابور في سنة خمس عشرة وأربعمائة حاجاً، فسمع بها، ثم قدمها بعد فتنة البساسيري، لاضطراب الأحوال ببغداد، فآذاه الحنابلة بجامع المنصور، سنة إحدى وخمسين، فسكنها مدة، وحدث بها بعامة كتبه ومصنفاته، إلى صفر سنة سبع وخمسين، فقصد صور، فأقام بها، وكان يتردد إلى القدس للزيارة، ثم يعود إلى صور، إلى أن خرج من صور، في سنة اثنتين وستين وأربعمائة، وتوجه إلى طرابلس، وحلب، فأقام في كل واحدة من البلدتين أياماً قلائل، ثم عاد إلى بغداد، في أعقاب سنة اثنتين وستين، وأقام بها سنة، إلى أن توفي، وحينئذ روى تاريخ بغداد، وروى عنه من شيوخه: أبو بكر البرقاني، والأزهري، وغيرهما.

وقال غيث بن علي الصوري: سألت أبا بكر الخطيب عن مولده، فقال: ولدت يوم الخميس لست بقين من جمادى الآخرة، سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة: وكان الخطيب يذكر، أنه لما حج، شرب من ماء زمزم ثلاث شربات، وسأل الله عز وجل ثلاث حاجات، آخذاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ماء زمزم لما شرب له " : فالحاجة الأولى: أن يحدث بتاريخ بغداد، والثانية: أن يملي الحديث بجامع المنصور، والثالثة: أن يدفن إذا مات عند قبر بشر الحافي، فلما عاد إلى بغداد، حدث بالتاريخ بها، ووقع إليه جزء، فيه سماع الخليفة القائم بأمر الله، فحمل الجزء، ومضى إلى باب حجرة الخليفة، وسأل أن يؤذن له في قراءة الجزء، فقال الخليفة: هذا رجل كبير في الحديث، فليس له إلى السماع مني حاجة، ولعل له حاجة، أراد أن يتوصل إليها بذلك، فسلوه ما حاجته؟ فسئل، فقال: حاجتي أن يؤذن لي أن أملي بجامع المنصور، فتقدم الخليفة إلى نقيب النقباء بأن يؤذن له في ذلك، فحضر النقيب، فلما مات أرادوا دفنه عد قبر بشر بوصية منه، قال ابن عساكر: فذكر شيخنا إسماعيل بن أبي سعد الصوفي، وكان الموضع الذي بجنب بشر، قد حفر فيه أبو بكر أحمد بن علي الطرثيثي قبراً لنفسه، وكان يمضي إلى ذلك الموضع، فيختم فيه القرآن ويدعو، ومضى على ذلك عدة سنين، فلما مات الخطيب، سألوه أن يدفنوه فيه، فامتنع، فقال: هذا قبري، قد حفرته، وختمت فيه عدة ختمات، ولا أمكن أحداً من الدفن فيه، وهذا مما لا يتصور، فانتهى الخبر إلى والدي، فقال له: يا شيخ، لو كان بشر في الأحياء، ودخلت أنت والخطيب إليه، أيكما كان يقعد إلى جنبه؟ أنت أو الخطيب؟؟ فقال: لا، بل الخطيب، فقال له: كذا ينبغي أن يكون في حالة الموت، فإنه أحق به منك، فطاب قلبه، ورضي بأن يدفن الخطيب في ذلك الموضع، فدفن فيه.
وقال المؤتمن الساجي: ما أخرجت بغداد بعد الدار قطني، أحفظ من الخطيب، وذكر في المنتظم: أن الخطيب لقي في مكة أبا عبد الله بن سلامة القضاعي، فسمع منه بها، وقرأ صحيح البخاري على كريمة بنت أحمد المروزي في خمسة أيام، ورجع إلى بغداد، فقرب من رئيس الرؤساء، أبي القاسم بن مسلمة، وزير القائم بأمر الله تعالى، وكان قد أظهر بعض اليهود كتاباً، وادعى أنه كتاب رسول الله صلى عليه وسلم بإسقاط الجزية عن أهل خيبر، وفيه شهادات الصحابة، وأنه خط علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ، فعرضه رئيس الرؤساء على أبي بكر الخطيب، فقال: هذا مزور، فقيل له: من أين لك ذلك؟ قال: في الكتاب شهادة معاوية بن أبي سفيان، ومعاوية أسلم يوم الفتح، وخيبر كانت في سنة سبع، وفيه شهادة سعد بن معاذ، وكان قد مات يوم الخندق، في سنة خمس، فاستحسن ذلك منه.
وذكر محمد بن عبد الملك الهمذاني: أن رئيس الرؤساء تقدم إلى القصاص والوعاظ، ألا يورد أحد حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى يعرضه على أبي بكر الخطيب، فما أمرهم بإيراده أوردوه، وما منعهم منه ألغوه.

وفي المنتظم قال: ولما جاءت نوبة البساسيري، استتر الخطيب، وخرج من بغداد إلى الشام، وأقام بدمشق، ثم خرج إلى صور، ثم إلى طرابلس، وإلى حلب، ثم عاد إلى بغداد، في سنة اثنتين وستين، فأقام بها سنة، ثم مات. قال: وله ستة وخمسون مصنفاً، بعيدة المثل، منها: كتاب تاريخ بغداد، كتاب شرف أصحاب الحديث، كتاب الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، كتاب الكفاية في معرفة علم الرواية، كتاب المتفق والمفترق، كتاب السابق واللاحق، كتاب تلخيص المتشابه في الرسم، كتاب في التلخيص، كتاب في الفصل والوصل، كتاب المكمل في بيان المهمل، كتاب الفقيه والمتفقه، كتاب الدلائل والشواهد، على صحة العمل باليمين مع الشاهد، كتاب غنية المقتبس في تمييز الملتبس، كتاب الأسماء المبهمة في الأنباء المحكمة، كتاب الموضح، وهو أوهام الجمع والتفريق، كتاب المؤتنف في كملة المختلف والمؤتلف، كتاب منهج الصواب، في أن التسمية من فاتحة الكتاب، كتاب الجهر بالبسملة، كتاب الخيل، كتاب رافع الارتياب في القلوب من الأسماء والألقاب، كتاب القنوت، كتاب التبيين لأسماء المدلسين، كتاب تمييز المزيد في متصل الأسانيد، كتاب من وافق كنيته اسم أبيه، كتاب من حدث فنسي، كتاب رواية الآباء عن الأبناء، كتاب الرحلة في طلب الحديث، كتاب الرواة عن مالك بن أنس، كتاب الاحتجاج للشافعي فيما أسند إليه، والرد على الجاهلين بطعنهم عليه، كتاب التفصيل لمبهم المراسيل، كتاب اقتضاء العلم العمل، كتاب تقييد العلم، كتاب القول في علم النجوم، كتاب روايات الصحابة عن التابعين، كتاب صلاة التسبيح، كتاب مسند نعيم بن هماز، جزء. كتاب النهي عن صوم يوم الشك، كتاب الإجازة للمعلوم والمجهول، كتاب روايات السنة من التابعين، كتاب البخلاء، كتاب الطفيليين، كتاب الدلائل والشواهد، كتاب التنبيه والتوقيف، على فضائل الخريف.
قال ابن الجوزي: فهذا الذي ظهر لنا من تصانيفه، ومن نظر فيها عرف قدر الرجل، وما هيئ له مما لم يهيأ لمن كان أحفظ منه، كالدار قطني وغيره.
وحدث أبو سعد السمعاني، قرأت بخط والدي: سمعت أبا الحسين بن الطيوري ببغداد يقول: أكثر كتب الخطيب سوى التاريخ، مستفاد من كتب الصوري، كان الصوري بدأ بها ولم يتممها، وكانت للصوري أخت بصور، مات وخلف عندها اثني عشر عدلاً محزوماً من الكتب، فلما خرج الخطيب إلى الشام، حصل من كتبه ما صنف منها كتبه، قال: وكان سبب وفاة الصوري، أنه افتصد، وكان الطبيب الذي فصده، قد أعطي مبضعاً مسموماً ليفصد به غيره، فغلط، ففصده فقتله.
قال ابن الجوزي عند سماع هذه الحكاية: وقد يضع الإنسان طريقاً فيسلكه غيره، وما قصر الخطيب على كل حال، وكان حريصاً على علم الحديث، كان يمشي في الطريق وفي يده جزء يطالعه، وكان حسن القراءة، فصيح اللهجة، عارفاً بالأدب، يقول الشعر الحسن.
قال ابن الجوزي: ونقلت - من خطه - من شعره قوله:
لعمرك ما شجاني رسم دار ... وقفت بها ولا ذكر المغاني
ولا أثر الخيام أراق دمعي ... لأجل تذكري عهد الغواني
ولا ملك الهوى يوماً فؤادي ... ولا عاصيته فثنى عناني
رأيت فعاله بذوي التصابي ... وما يلقون من ذل الهوان
فلم أطمعه في وكم قتيل ... له في الناس لا يحصى وعان؟
طلبت أخاً صحيح الود محضاً ... سليم الغيب مأمون اللسان
فلم أعرف من الإخوان إلا ... نفاقاً في التباعد والتداني
وعالم دهرنا لا خير فيه ... ترى صوراً تروق بلا معاني
ووصف جميعهم هذا فما إن ... أقول سوى فلان أو فلان
ولما لم أجد حراً يواتي ... على ما ناب من صرف الزمان
صبرت تكرماً لقراع دهري ... ولم أجزع لما منه دهاني
ولم أك في الشدائد مستكيناً ... أقول لها ألا كفي كفاني
ولكني صليب العود عود ... ربيط الجأش مجتمع الجنان
أبي النفس لا أختار رزقاً ... يجيء بغير سيفي أو سناني
لعز في لظى باغيه يشوى ... ألذ من المذلة في الجنان
ومن طلب المعالي وابتغاها ... أدار لها رحا الحرب العوان

ومن شعره أيضاً:
لا تغبطن أخا الدنيا بزخرفها ... ولا للذة وقت عجلت فرحاً
فالدهر أسرع شيء في تقلبه ... وفعله بين للخلق قد وضحا
كم شارب عسلاً فيه منيته ... وكم تقلد سيفاً من به ذبحا
قال أبو الفرج: وكان الخطيب قديماً على مذهب أحمد بن حنبل، فمال عنه أصحابنا لما رأوا من ميله إلى المبتدعة وآذوه، فانتقل إلى مذهب الشافعي، وتعصب في تصانيفه عليهم، فرمز إلى ذمهم، فصرح بقدر ما أمكنه، فقال في ترجمة أحمد بن حنبل: سيد المحدثين، وفي ترجمة الشافعي: تاج الفقهاء، فلم يذكر أحمد بالفقه، وقال في ترجمة حسين الكرابيسي، إنه قال عن أحمد: " إيش " تعمل بهذا الصبي. إن قلنا لفظنا بالقرآن مخلوق، قال بدعة، وإن قلنا غير مخلوق، قال بدعة، ثم التفت إلى أصحاب أحمد: فقدح فيهم بما أمكن، وله دسائس في ذمهم عجيبة، وذكر شيئاً مما زعم أبو الفرج أنه قدح في الحنابلة، وتأول له، ثم قال: أنبأنا أبو زرعة، طاهر بن محمد بن طاهر المقدسي عن أبيه، قال: سمعت إسماعيل بن أبي الفضل القومسي، وكان من أهل المعرفة بالحديث يقول: ثلاثة من الحفاظ لا أحبهم، لشدة تعصبهم وقلة إنصافهم، الحاكم أبو عبد الله، وأبو نعيم الأصبهاني، وأبو بكر الخطيب. قال أبو الفرج: وصدق إسماعيل، وكان من أهل المعرفة، فإن الحاكم كان متشيعاً ظاهر التشيع، والآخران كانا يتعصبان للمتكلمين والأشاعرة. قال: وما يليق هذا بأصحاب الحديث، لأن الحديث جاء في ذم الكلام، وقد أكد الشافعي في هذا، حتى قال رأيي في أصحاب الكلام، أن يحملوا على البغال ويطاف بهم قال: وكان للخطيب شيء من المال، فكتب إلى القائم بأمر الله: إني إذا مت، كان مالي لبيت المال، وأنا أستأذن أن أفرقه على من شئت، فأذن له، ففرقه على أصحاب الحديث، وكان مائتي دينار، ووقف كتبه على المسلمين، وسلمها إلى أبي الفضل، بن خيرون، فكان يعزها، ثم صارت إلى ابنه الفضل، فاحترقت في داره، ووصى الخطيب أن يتصدق بجميع ما لعيه من الثياب.
قال ابن طاهر: سألت أبا القاسم هبة الله بن عبد الوارث الشيرازي، قلت: هل كان أبو بكر الخطيب كتصانيفه في الحفظ؟ فقال: لا، كنا إذا سألناه عن شيء أجابنا بعد أيام، وإن ألححنا عليه غضب، وكانت له بادرة وحشة.
وأما تصانيفه فمصنوعة مهذبة، ولم يكن حفظه على قدر تصانيفه.
وذكر أبو سعد السمعاني، في ترجمة عبد الرحمن بن محمد، بن عبد الواحد القزاز، قال: سمع جميع كتاب تاريخ مدينة السلام، من مصنفه أبي بكر الخطيب الحافظ، إلا الجزأين السادس، والثلاثين، فإنه قال: توفيت والدتي، واشتغلت بدفنها والصلاة عليها، ففاتني هذان الجزآن، وما أعيدا لي، لأن الخطيب كان قد شرط في الابتداء، ألا يعاد الفوت لأحد، فبقيا غير مسموعين.
قال السمعاني: لما رجعت إلى خراسان، حصل لي تاريخ الخطيب، بخط شجاع بن فارس، الذهلي الأصل، الذي كتبه بخطه لأبي غالب، محمد بن عبد الواحد القزاز، وعلى وجه كل واحد من الأجزاء مكتوب: سماع لأبي غالب، ولابنه أبي منصور عبد الرحمن، ولأخيه عبد المحسن، إلا هذين الجزأين، السادس، والثلاثين، فإنه كتب على وجهيهما: إجازة لأبي غالب، وابنه أبي منصور. وشجاع أعرف الناس، فيكون قد فاته الجزءان المذكوران، لا جزء واحد. ونقلت من خط أبي سعد السمعاني، ومنتخبه لمعجم شيوخ عبد العزيز، بن محمد النخشبي، قال: ومنهم أبو بكر، أحمد بن علي، بن ثابت الخطيب، يخطب في بعض قرى بغداد، حافظ فهم، ولكنه كان يتهم بشرب الخمر، كنت كلما لقيته بدأني بالسلام، فلقيته في بعض الأيام فلم يسلم علي، ولقيته شبه المتغير، فلما جاز عني لحقني بعض أصحابنا، وقال لي: لقيت أبا بكر الخطيب سكران، فقلت له: قد لقيته متغيراً، واستنكرت حاله، ولم أعلم أنه سكران، ولعله قد تاب، إن شاء الله.

قال السمعاني: ولم يذكر عن الخطيب - رحمه الله - هذا، إلا النخشبي، مع أني لحقت جماعة كثيرة من أصحابه. وقال في المذيل: والخطيب في درجة القدماء من الحفاظ، والأئمة الكبار، كيحيى بن معين، وعلي بن المديني، وأحمد بن أبي خيثمة، وطبقتهم. وكان علامة العصر، اكتسى به هذا الشأن غضارة، وبهجة ونضارة، وكان مهيباً وقوراً، نبيلاً خطيراً، ثقة صدوقاً، متحرياً، حجة فيما يصنفه ويقوله، وينقله ويجمعه، حسن النقل والخط، كثير الشكل والضبط، قارئاً للحديث، فصيحاً. وكان في درجة الكمال، والرتبة العليا، خلقاً وخلقاً، وهيئة ومنظراً، انتهى إليه معرفة علم الحديث وحفظه، وختم به الحفاظ، - رحمه الله - بدأ بسماع الحديث سنة ثلاث وأربعمائة، وقد بلغ إحدى عشرة سنة من عمره. ثم إنه قال: وسمعت بعض ماشيخي يقول: دخل بعض الأكابر جامع دمشق أو صور، ورأى حلقة عظيمة للخطيب، والمجلس غاص، يسمعون منه الحديث، فصعد إلى جانبه، وكأنه استكثر الجمع، فقال له الخطيب: القعود في جامع المنصور مع نفر يسير، أحب إلي من هذا. قال: وسمعت أبا الفتح مسعود بن محمد، بن أحمد أبي نصر، الخطيب بمرو يقول: سمعت عمر النسوي - يعرف بابن أبي ليلى - يقول: كنت في جامع صور عند الخطيب، فدخل عليه بعض العلوية، وفي كمه دنانير، وقال للخطيب: فلان - وذكر بعض المحتشمين من أهل صور - يسلم عليك ويقول: هذا تصرفه في بعض مهماتك، فقال الخطيب: لا حاجة لي فيه، وقطب وجهه، فقال العلوي: فتصرفه إلى بعض أصحابك، قال: قل له يصرفه إلى من يريد، فقال العلوي: كأنك تستقله، ونفض كمه على سجادة الخطيب، وطرح الدنانير عليها، وقال: هذه ثلاثمائة دينار، فقام الخطيب محمر الوجه، وأخذ السجادة، ونفض الدنانير على الأرض، وخرج من المسجد.
قال الفضل بن أبي ليلى: ما أنسى عز خروج الخطيب، وذل ذلك العلوي، وهو قاعد على الأرض، يلتقط الدنانير من شقق الحصر، ويجمعها.
وحدث بإسناد رفعه إلى الخطيب، قال: حدثت ولي عشرون سنة، حين قدمت من البصرة، كتب عني شيخنا أبو القاسم الأزهري، أشياء أدخلها في تصانيفه، وسألني فقرأتها عليه، وذلك في سنة اثنتي عشرة وأربعمائة. وحدث قال: ذكر أبو الفضل ناصر السلامي قال: كان أبو بكر الخطيب من ذوي المروآت حدثني أبو زكريا يحيى بن علي الخطيب اللغوي قال: لما دخلت دمشق في سنة ست وخمسين، كان بها إذ ذاك الإمام أبو بكر الحافظ، وكانت له حلقة كبيرة يجتمعون في بكرة كل يوم، فيقرأ لهم، وكنت أقرأ عليه الكتب الأدبية المسموعة له، فكان إذا مر في كتابه شيء يحتاج إلى إصلاح يصلحه، ويقول: أنت تريد مني الرواية، وأنا أريد منك الدراية، وكنت أسكن منارة الجامع، فصعد إلي يوماً وسط النهار، وقال: أحببت أن أزورك في بيتك، وقعد عندي، وتحدثنا ساعة، ثم أخرج قرطاساً فيه شيء، وقال: الهدية مستحبة، وأسألك أن تشتري به الأقلام، ونهض، ففتحت القرطاس بعد خروجه، فإذا فيه خمسة دنانير صحاح مصرية، ثم إنه مرة ثانية، صعد وحمل إلي ذهباً، وقال لي تشتري به كاغداً، وكان نحواً من الأول أو أكثر، قال: وكان إذا قرأ الحديث في جامع دمشق، يسمع صوته في آخر الجامع، وكان يقرأ مع هذا صحيحاً.
وقال أبو طاهر أحمد بن محمد، بن أحمد، السلفي الحافظ، الأصبهاني، يمدح مؤلفات الخطيب:
تصانيف ابن ثابت الخطيب ... ألذ من الصبا الغصن الرطيب
تراها إذ حواها من رواها ... رياضاً تركها رأس الذنوب
ويأخذ حسن ما قد صاغ منها ... بقلب الحافظ الفطن الأريب
فأية راحة ونعيم عيش ... يوازي كتبه أم أي طيب؟؟
وحدث محمد بن طاهر المقدسي، سمعت أبا القاسم مكي بن عبد السلام الرميلي كان يقول: سبب خروج أبي بكر الخطيب من دمشق إلى صور، أنه كان يختلف إليه صبي صبيح الوجه، وقد سماه مكي، وأنا نكبت عن ذكره، فتكلم الناس في ذلك، وكان أمير البلدة رافضياً متعصباً، فبلغه القصة، فجعل ذلك سبباً للفتك به، فأمر صاحب الشرطة أن يأخذه بالليل ويقتله

وكان صاحب الشرطة من أهل السنة، فقصده صاحب الشرطة تلك الليلة مع جماعة من أصحابه، ولم يمكنه أن يخالف الأمر، فأخذه وقال له: قد أمرت بكذا وكذا، ولا أجد لك حيلة، إلا أني أعبر بك على دار الشريف، بن أبي الحسن العلوي، فإذا حاذيت الباب فادخل الدار، فإني أرجع إلى الأمير، وأخبره بالقصة، ففعل ذلك، ودخل دار الشريف، وذهب صاحب الشرطة إلى الأمير، وأخبره الخبر، فبعث الأمير إلى الشريف أن يبعث به، فقال الشريف: أيها الأمير، أنت تعرف اعتقادي فيه، وفي أمثاله، ولكن ليس في قتله مصلحة، هذا رجل مشهور بالعراق، وإن قتلته، قتل به جماعة من الشيعة بالعراق، وخربت المشاهد، قال: فما ترى؟ قال: أرى أن يخرج من بلدك، فأمر بإخراجه، فخرج إلى صور، وبقي بها مدة، إلى أن رجع إلى بغداد، فأقام بها إلى أن مات.
ومن شعر الخطيب أيضاً:
قد شاب رأسي وقلبي ما يغيره ... كر الدهور عن الإسهاب في الغزل
وكم زماناً طويلاً ظلت أعذله ... فقال قولاً صحيحاً صادق المثل
حكم الهوى يترك الألباب حائرة ... ويورث الصب طول السقم والعلل
وحبك الشيء يعمي عن مقابحه ... ويمنع الأذن أن تصغي إلى العذل
لا أسمع العذل في ترك الصبا أبداً ... جهدي فما ذاك من همي ولا شغلي
من ادعى الحب لم تظهر دلائله ... فحبه كذب قول بلا عمل
وله أيضاً:
تغيب الخلق عن عيني سوى قمر ... حسبي من الخلق طرا ذلك القمر
محله في فؤادي قد تملكه ... وحاز روحي ومالي عنه مصطبر
فالشمس أقرب منه في تناولها ... وغاية الحظ منها للورى النظر
أردت تقبيله يوماً مخالسة ... فصار من خاطري في خده أثر
وكم حليم رآه ظنه ملكاً ... وراجع الفكر فيه أنه بشر
قال عبد الخالق بن يوسف: أنشدني من لفظه الشيخ أبو العز، أحمد بن عبد الله كادش، عن الخطيب، وقال: هي في أبي منصور بن النفور:
الشمس تشبهه والبدر يحكيه ... والدر يضحك والمرجان من فيه!!
ومن سرى وظلام الليل معتكر ... فوجهه عن ضياء البدر يغنيه
روي له الحسن حتى حاز أحسنه ... لنفسه وبقي للخلق باقيه
فالعقل يعجز عن تحديد غايته ... والوحى يقصر عن فحوى معانيه
يدعو القلوب فتأتيه مسارعة ... مطيعة الأمر منه ليس تعصيه
سألته زروة يوماً فأعجزني ... وأظهر الغضب المقرون بالتيه
وقال لي دون ما تبغي وتطلبه ... تناول الفلك الأعلى وما فيه
رضيت يا معشر العشاق منه بأن ... أصبحت أعلم أني من محبيه
وأن يكون فؤادي في يديه لكي ... يميته بالهوى منه ويحييه
وله أيضاً:
بنفسي عاتب في كل حال ... وما لمحبه ذنب جناه
حفظت عهوده ورعيت منه ... ذماماً مثله لي ما رعاه
حرمت وصاله إن كنت يوماً ... جرى لي خاطر بهوى سواه
ولو تلفي رضاه لهان عند ... خروج الروح في طلبي رضاه
وله أيضاً:
خمار الهوى يربي على نشوة الخمر ... وذو الحزم فيه ليس يصحو من السكر
وللحب في الأحشاء حر أقله ... وأبرده يوفي على لهب الجمر
أخبركم يأيها الناس أنني ... عليم بأحوال المحبين ذو خبر
سبيل الهوى سهل يسير سلوكه ... ولكنه يفضي إلى مسلك وعر
وترجع أوصاف الهوى ونعوته ... لحرفين سعد الوصل أو شقوة الهجر
وله أيضاً:
إلى الله أشكو من زماني حوادثاً ... رمت بسهام البين في غرض الوصل
أصابت بها قلبي ولم أقض منيتي ... ولو قتلتني كان أجمل بالفعل
" متى ما تماثل بين " قتل وفرقة ... تجد فرقة الأحباب شراً من القتل

قال أبو بكر الخطيب: كتب معي أبو بكر البرقاني إلى أبي نعيم الأصبهاني الحافظ كتاباً يقول في فصل منه: وقد نفذ إلى ما عندك عمداً متعمداً، أخونا أبو بكر أ؛مد بن علي، بن ثابت، - أيده الله وسلمه - ليقتبس من علومك، ويستفيد من حديثك، وهو بحمد الله، من له في هذا الشأن سابقة حسنة، وقدم ثابة، وفهم حسن وقد رحل فيه وفي طلبه، وحصل له منه ما لم يحصل لكثير من أمثاله الطالبين له، وسيظهر لك منه عند الاجتماع من ذلك مع التورع والتحفظ، وصحة التحصيل، ما يحسن لديك موقعه، ويجمل عندك منزلته، وأنا أرجو إذا صحت منه لديك هذه الصفة، أن تلين له جانبك، وأن تتوفر له، وتحتمل منه ما عساه يورده، من تثقيل في اللاستكثار، أو زيادة في الاصطبار، فقديماً حمل السلف عن الخلف، ما ربما ثقل، وتوفروا على المستحق منهم بالتخصيص، والتقديم والتفضيل، ما لم ينله الكل منهم، وقال الرئيس أبو الخطاب بن الجراح، يمدح الخطيب:
فاق الخطيب الورى صدقاً ومعرفة ... وأعجز الناس في تصنيفه الكتبا
حمى الشريعة من غاو يدنسها ... بوضعه ونفى التدليس والكذبا
جلا محاسن بغداد فأودعها ... تاريخه مخلصاً لله محتسباً
وقال في الناس بالقسطاس منزويا ... عن الهوى، وأزال الشك والريبا
سقى ثراك أبا بكر على ظمأ ... جون ركام يسح الواكف السربا
ونلت فوزاً ورضواناً ومغفرة ... إذا تحقق وعد الله واقتربا
يا أحمد بن علي طبت مضطجعاً ... وباء شانيك بالأوزار محتفبا
وقال أبو القاسم: حدثني أبو محمد الأكفاني، حدثني أبو القاسم، مكي بن عبد السلام المقدسي، قال: مرض الشيخ أبو بكر الخطيب ببغداد، في نصف رمضان، إلى أن اشتد به الحال، في ذي الحجة، وأيسنا منه، وأوصى إلى أبي الفضل بن خيرون، ووقف كتبه على يده، وفرق جميع ماله في وجوه البر، وعلى أهل العلم والحديث، وأخرجت جنازته من حجرة تلي المدرسة النظامية، من نهر المعلى، وتبعه الفقهاء، والخلق العظيم، ومرت الجنازة على الجسر، وحملت إلى جامع المنصور، وكان بين يدي الجنازة جماعة ينادون: هذا الذي كان يذب عن رسول الله، هذا الذي كان يحفظ حديث رسول الله، وعبرت الجنازة بالكرخ، ومعها ذلك الخلق العظيم.

أحمد بن علي، ين قدامة، أبو المعالي
قاضي الأنبار، أحد العلماء بهذا الشأن، المعروفين المشهورين به، وله من الكتب كتاب في علم القوافي، وكتاب في النحو. مات في شوال، سنة ست وثمانين وأربعمائة.
أحمد بن علي، بن عمر، بن سوار المقرئ
أبو طاهر، مات، فيما ذكره السمعاني، في رابع شعبان، سنة ست وتسعين وأربعمائة، ودفن عند قبر معروف الكرخي، قال: وقال ابن ناصر أبو الفضل: أظن أن مولد ابن سوار في سنة ست عشرة وأربعمائة، قال: وسمعت أبا المعمر، المبارك بن أحمد الأنصاري قال: سألت ابن سوار عن مولده، فقال: ولدت سنة اثنتي عشرة وأربعمائة.
قال: وهو والد شيخنا أبي الفوارس هبة الله، بن محمد، وكان ثقة أميناً، مقرئاً فاضلاً، وكان حسن الأخذ للقرآن العظيم، ختم عليه جماعة كتاب الله، وكتب الكثير بخطه من الحديث، وصنف في القرآن كتاب المستنير وغيره، سمع عبد الواحد بن رزمة، صاحب أبي سعيد السيرافي في النحو. وأبا القاسم علي بن المحسن التنوخي، وأبا طالب محمد بن محمد، بن إبراهيم، بن غيلان البزاز، وغيرهم. وروى عنه عبد الوهاب الأنماطي، ومحمد بن ناصر، الحافظان، وغيرهما.
قال: وسألت عنه الأنماطي فقال: ثقة مأمون، فيه خير ودين. وسألت عنه الحافظ بن ناصر، فأحسن الثناء عليه، وقال: شيخ نبيل عالم ثبت، متقن رحمه الله.
وأنشد السمعاني بإسناده إلى ابن سوار، قال: أنشدني أبو الحسن علي بن محجمد السمار: أنشدنا أبو نصر عبد العزيز ابن نباتة السعدي لنفسه:
نعلل بالدواء إذا مرضنا ... وهل يشفي من الموت الدواء؟
ونختار الطبيب، وهل طبيب ... يؤخر ما يقدمه القضاء؟
وما أنفاسنا إلا حساب ... ولا حركاتنا إلا فناء

وذكره أبو علي الحسين بن محمد، بن فيرو الصدفي في شيوخه، يذكر نسبه، ثم قال: البغدادي الضرير المقرئ الأديب، ولعله أضر على كبر، فإن المحب بن النجار، أخبرني أنه رأى خطه تحت الطباق متغيراً.
سمع الصدفي منه كتابه المستنير، وكتابه في المفردات، أفرد ما جمعه في المستنير، وقال: هو شيخ فاضل في الحنفية، سمع كثيراً، وحبس نفسه على القرآن.
وذكره أبو بكر بن العربي في شيوخه، فقال: واقف على اللغة، مذاكر، ثقة، فاضل، قرأ على أبوي علي الشرمقاني والعطار. وأبي الحسن بن فارس الخياط، وأبي الفتح بن المقدر، وأبي الفتح بن شيطا، وغيرهم.

أحمد بن علي، بن مخلد، البيادي الأديب
أبو العباس، ذكره عبد الغافر فقال: أحد وجوه أفاضل النواحي، المشهورين باللهجة الفصيحة في النظم والنثر، سمع الأحاديث، وعني بجمعها.
أحمد بن علي، بن أبي جعفر، محمد
ابن أبي صالح البيهقي، أبو جعفر المقرئ اللغوي، ويعرف ببو جعفرك، ومعنى هذه الكاف المزيدة ففي آخر الاسم الفارسي " التصغير " يقولون في تصغير علي " عليك " وفي تصغير حسن " حسنك " وفي تصغير جعفر " جعفرك " وما أشبهه. مات فيما ذكره أبو سعد السمعاني في مشيخة أبيه، في سلخ شهر رمضان، سنة أربع وأربعين وخمسمائة. أخبرني بذلك الشيخ الإمام أبو المظفر عبد الرحيم ابن سعد السمعاني، عن والده، وأخبرني أيضاً أن مولده في حدود سنة سبعين وأربعمائة.
قال السمعاني: كان إماماً في القراءة والتفسير، والنحو واللغة، صنف التصانيف في ذلك، وانتشرت عنه في البلاد وظهر له أصحاب نجباء، وتخرج به خلق، وكان ملازماً لبيته لا يخرج منه إلا في أوقات الصلاة، إلى مسجد نيسابور، لأنه كان إمامه، وكان لا يزور أحداً، إنما يقصده الناس إلى منزله، للتعلم منه والتبرك به، سمع أبا نصر أحمد بن محمد، بن صاعد القاضي، وأبا الحسن علي بن الحسن، بن العباس، الصندلي الواعظ وغيرهما. وذكر وفاته كما تقدم.
وذكر تاج الدين، محمود بن أبي المعالي الحواري، في مقدمة كتاب ضالة الأديب، قال: أحمد بن علي البيهقي، كان إماماً في القراءات والأدب، حفظ كتاب الصحاح في اللغة عن ظهر قلب، بعد ما قرأه على أبي الفضل أحمد بن محمد الميداني، وكتباً كثيرة، وله مؤلفات، منها: كتاب المحيط بلغات القرآن، كتاب ينابيع اللغة، فيه صحاح اللغة من الشواهد، وضم إليه من تهذيب اللغة والشامل لأبي منصور الجبان، والمقاييس لابن فارس، قدراً صالحاً من الفوائد والفرائد وهو كتاب صالح، كبير الحجم، يقرب حجمه من الصحاح، وله أيضاً: كتاب تاج المصادر، كتاب المحيط بعلم القرآن.
وقال علي بن محمد، بن علي الجويني، يمدح بو جعفرك ويذكر كتابه تاج المصادر، وقد راعى اللزوم:
أبا جعفر يا من جعافر فضله ... موارد منها قد صفت ومصادر
كتابك ذا غيل تأشب نبته ... وأنت به ليث بخفان خادر
لبست صدار الصبر، يا خير مصدر ... مصادر لا تنهى إليها المصادر
فقل لرواة الفضل والأدب: انتهوا ... إليها، ونحو الري منها فبادروا
أحمد بن علي، بن إبراهي، بن الزبير، الغساني
الأسواني المصري، يلقب بالرشيد، وكنيته أبو الحسين. مات في سنة اثنتين وستين وخمسمائة، على ما نذكره، وكان كاتباً شاعراً، فقيها، نحوياً، لغوياً، ناشئاً، عروضياً، مؤرخاً، منطقياً، مهندساً، عارفاً بالطب، والموسيقى، والنجوم، متفنناً.
قال السلفي: أنشدني القاضي أبو الحسن، أحمد بن علي ابن إبراهيم، الغساني الأسواني لنفسه بالثغر:
سمحنا لدنيانا بما بخلت به ... علينا، ولم نحفل بجل أمورها
فيا ليتنا لما حرمنا سرورها ... وقينا أذى آفاتها وشرورها

قال: وكان ابن الزبير هذا، من أفراد الدهر فضلاً في فنون كثيرة من العلوم، وهو من بيت كبير بالصعيد، من الممولين وولي النظر بثغر الإسكندرية والدواوين السلطانية، بغير اختياره، وله تآليف ونظم ونثر، التحق فيها بالأوائل المجيدين، قتل ظلماً وعدواناً في محرم سنة اثنتين وستين وخمسمائة، وله تصانيف معروفة لغير أهل مصر، منها: كتاب منية الألمعي وبلغة المدعي: تشتمل على علوم كثيرة. كتاب المقامات. كتاب جنان الجنان، وروضة الأذهان، في أربع مجلدات، يشتمل على شعر شعراء مصر، ومن طرأ عليهم. كتاب الهدايا والطرف. كتاب شفاء الغلة، في سمت القبلة. كتاب رسائله نحو خمسين ورقة، كتاب ديوان شعره، نحو مائة ورقة.
ومولده بأسوان، وهي بلدة من صعيد مصر، وهاجر منها إلى مصر، فأقام بها، واتصل بملوكها، ومدح وزراءها، وتقدم عندهم، وأنفذ إلى اليمن في رسالة، ثم قلد قضاءها وأحكامها، ولقب بقاضي قضاة اليمن، وداعي دعاة الزمن. ولما استقرت بها داره، سمت نفسه إلى رتبة الخلافة، فسعى فيها، وأجابه قوم، وسلم عليه بها، وضربت له السكة، وكان نقش السكة على الوجه الواحد: " قل هو الله أحد، الله الصمد " وعلى الوجه الآخر: الإمام الأمجد، أبو الحسين أحمد، ثم قبض عليه، وأنفذ مكبلاً إلى قوص، فحكى من حضر دخوله إليها: أنه رأى رجلاً ينادي بين يديه: هذا عدو السلطان، أحمد بن الزبير، وهو مغطى الوجه، حتى وصل إلى دار الإمارة، والأمير بها يومئذ طرخان سليط، وكان بينهما ذحول قديمة، فقال: احبسوه في المطبخ، الذي كان يتولاه قديماً، وكان بان الزبير، قد تولى المطبخ، وفي بذلك يقول الشريف الأخفش، من أبيات يخاطب الصالح بن رزيك:
يولى على الشيء أشكاه ... فيصبح هذا لهذا أخا
أقام على المطبخ ابن الزبير ... فولى على المطبخ المطبخا
فقال بعض الحاضرين لطرخان: ينبغي أن تحسن إلى الرجل، فإن أخاه، - يعني المهذب حسن بن الزبير، - قريب من قلب الصالح، ولا أستبعد أن يستعطفه عليه، فتقع في خجل.
قال: فلم يمض على ذلك غير ليلة أو ليلتين، حتى ورد ساع من الصالح بن رزيك، إلى طرخان بكتاب يأمره فيه بإطلاقه، والإحسان إليه، فأحضره طرخان من سجنه مكرماً.
قال الحاكي: فلقد رأيته، وهو يزاحمه في رتبته ومجلسه.
وكان السبب في تقدمه في الدولة المصرية في أول أمره، ما حدثني به الشريف، أبو عبد الله، محمد بن أبي محمد العزيز الإدريسي، الحسني الصعيدي قال: حدثني زهر الدولة، حدثنا: أن أحمد بن الزبير، دخل إلى مصر بعد مقتل الظافر، وجلوس الفائز، وعليه أطمار رثة، وطيلسان صوف، فحضر المأتم، وقد حضر شعراء الدولة، فأنشدوا مراثيهم على مراتبهم، فقام في آخرهم، وأنشد قصيدته التي أولها:
ما للرياض تميل سكرا ... هل سقيت بالمزن خمرا
إلى أن وصل إلى قوله:
أفكر بلاء بالعرا ... ق، وكربلاء بمصر أخرى؟
فذرفت العيون، وعج القصر بالبكاء والعويل، وانثالت عليه العطايا من كل جانب، وعاد إلى منزله بمال وافر، حصل له من الأمراء والخدم، وحظايا القصر، وحمل إليه من قبل الوزير جملة من المال، وقيل له: لولا أنه العزاء والمأتم، لجاءتك الخلع.
قال: وكان على جلالته وفضله، ومنزلته من العلم والنسب، قبيح المنظر، أسود الجلدة، جهم الوجه، سمج الخلقة، ذا شفة غليظة، وأنف مبسوط، كخلقة الزنوج، قصيراً.

حدثني الشريف المذكور عن أبيه، قال: كنت أنا والرشيد بن الزبير، والفقيه سليمان الديلمي، نجتمع بالقاهرة في منزل واحد، فغاب عنا الرشيد، وطال انتظارنا له، وكان ذلك في عنفوان شبابه، وإبان صباه، وهبوب صباه، فجاءنا، وقد مضى معظم النهار، فقلنا له: ما أبطأ بك عنا؟ فتبسم وقال: لا تسألوا عما جرى عليّ اليوم، فقلنا: لابد من ذلك، فتمنع، وألححنا عليه، فقال: مررت اليوم بالموضع الفلاني، وإذا امرأة شابة، صبيحة الوجه، وضيئة المنظر، حسانة الخلق، ظريفة الشمائل، فلما رأتني، نظرت إلي نظر مطمع لي في نفسه، فتوهمت أنني وقعت منها بموقع، ونسيت نفسي، وأشارت إلي بطرفها، فتبعتها وهي تدخل في سكة وتخرج من أخرى، حتى دخلت داراً، وأشارت إلي، فدخلت، ورفعت النقاب عن وجه كالقمر في ليلة تمامه، ثم صفقت بيديها منادية: يا ست الدار، فنزلت إليها طفلة، كأنها فلقة قمر، وقالت لها: إن رجعت تبولين في الفراش، تركت سيدنا القاضي يأكلك، ثم التفتت وقالت: - لا أعدمني الله إحسانه، بفضل سيدنا القاضي أدام الله عزه - ، فخرجت وأنا خزيان خجلاً، لا أهتدي إلى الطريق.
وحدثني قال: اجتمع ليلة عند الصالح بن رزيك، هو وجماعة من الفضلاء، فألقى عليهم مسألة في اللغة، فلم يجب عنها بالصواب سواه، فأعجب به الصالح، فقال الرشيد: ما سئلت قد عن مسألة إلا وجدتني أتوقد فهماً. فقال ابن قادوس، وكان حاضراً:
إن قلت: من نار خلق ... ت، وفقت كل الناس فهماً
قلنا: صدقت، فما الذي ... أطفاك حتى صرت فحما؟
وأما سبب مقتله: فلميله إلى أسد الدين شيركوه عند دخوله إلى البلاد، ومكاتبته له، واتصل ذلك بشاور وزير العاضد، فطلبه، فاختفى بالإسكندرية، واتفق التجاء الملك صلاح الدين، يوسف بن أيوب إلى الإسكندرية، ومحاصرته بها، فخرج ابن الزبير راكباً متقلداً سيفاً، وقاتل بين يديه، ولم يزل معه مدة مقامه بالإسكندرية، إلى أن خرج منها فتزايد وجد شاور عليه، واشتد طلبه له، واتفق أن ظفر به، على صفة لم تتحقق لنا، فأمر بإشهاره على جمل، وعلى رأسه طرطور، ووراءه جلواز ينال منه.
وأخبرني الشريف الإدريسي، عن الفضل بن أبي الفضل، أنه رآه على تلك الحال الشنيعة، وهو ينشد:
إن كان عندك يا زمان بقية ... مما تهين به الكرام فهاتها
ثم جعل يهمهم شفتيه بالقرآن، وأمر به، بعد إشهاره بمصر والقاهرة، أن يصلب شنقاً، فلما وصل به إلى الشناقة، جعل يقول للمتولي ذلك منه: عجل عجل، فلا رغبة للكريم في الحياة بعد هذه الحال، ثم صلب.
حدثني الشريف المذكور قال: حدثني الثقة حجاج ابن المسبح الأسواني: أن ابن الزبير دفن في موضع صله، فما مضت الأيام والليالي، حتى قتل شاور، وسحب فاتفق أن حفر له ليدفن، فوجد الرشيد بن الزبير في الحفرة مدفوناً، فدفنا معاً في موضع واحد، ثم نقل كل واحد منهما بعد ذلك إلى تربة له بقرافة مصر القاهرة.
ومن شعر الرشيد، قوله يجيب أخاه المهذب عن قصيدته التي أولها:
يا ربع، أين ترى الأحبة يمموا ... رحلوا، فلا خلت المنازل منهم
ويروى: ونأوا فلا سلت الجوانح عنهم
وسروا، وقد كتموا الغداة مسيرهم ... وضياء نور الشمس ما لا يكتم
وتبدلوا أرض العقيق عن الحمى ... روت جفوني أي أرض يمموا
نزلوا العذيب، وإنما في مهجتي ... نزلوا، وفي قلب المتيم خيموا
ما ضرهم، لو ودعوا من أودعوا ... نار الغرام، وسلموا من أسلموا
هم في الحشا إن أعرقوا أو أشأموا ... أو أيمنوا، أو أنجدوا، أو أتهموا،
وهم مجال الفكر من قلبي وإن ... بعد المزار فصفو عيشي معهم
أحبابنا، ما كان أعظم هجركم ... عندي، ولكن التفرق أعظم
غبتم، فلا والله ما طرق الكرى ... جفني، ولكن سح بعدكم الدم
وزعمتم أني صبور بعدكم ... هيهات، لا لقيتم ما قلتم
وإذا سئلت بمن أهيم صبابة ... قلت: الذين هم الذين هم هم
النازلين بمهجتي وبمقلتي ... وسط السويدا، والسواد الأكرم

لا ذنب لي في البعد أعرفه سوى ... أني حفظت العهد، لما خنتم
فأقمت، حين ظعنتم، وعدلت، لم ... ما جرتم، وسهدت، لما نمتم
يا محرقاً قلبي بنار صدورهم ... رفقاً، ففيه نار شوق تضرم
أسعرتم فيه لهيب صبابة ... لا تنطفي إلا بقرب منكم
يا ساكني أرض العذيب سقيتم ... دمعي، إذا ضن الغمام المرزم
بعدت منازلكم وشط مزاركم ... وعهودكم محفوظة، مذ غبتم
لا لوم للأحباب فيما قد جنوا ... حكمتهم في مهجتي فتحكموا
أحباب قلبي أعمروه بذكركم ... فلطالما حفظ الوداد المسلم
واستخبروا ريح الصبا تخبركم ... عن بعض ما يلقى الفؤاد المغرم
كم تظلمونا قادرين، وما لنا ... جرم ولا سبب لمن نتظلم؟
ورحلتم، وبعدتم، وظلمتم ... ونأيتم، وقطعتم، وهجرتم
هيهات لا أسلوكم أبداً، وهل ... يسلو عن البيت الحرام المحرم؟
وأنا الذي واصلت، حين قطعتم ... وحفظت أسباب الهوى، إذ خنتم
جار الزمان علي، لما جرتم ... ظلماً، ومال الدهر، لما ملتم
وغدوت بعد فراقكم، وكأنني هدف يمر بجانبيه الأسهم
ونزلت مقهور الفؤاد ببلدة ... قل الصديق بها وقل الدرهم
في معشر خلقوا شخوص بهائم ... يصدى بها فكر اللبيب ويبهم
إن كورموا لم يكرموا، أو علموا ... لم يعلموا، أو خوطبوا لم يفهموا
لا تنفق الآداب عندهم ولا ال ... إحسان يعرف في كثير منهم
صم عن المعروف حتى يسمعوا ... هجر الكلام فيقدموا ويقدموا
فالله يغني عنهم، ويزيد في ... زهدي لهم، ويفك أسري منهم

أحمد بن علي الصفار، الخوارزمي أبو الفضل
قال محمد بن أرسلان: كان من فضلاء خوارزم، وبلغائهم، وكتابهم، وله أشعار مونقة لطيفة، ورسائل لبقة خفيفة، جمع رسائله أبو حفص، عمر بن الحسن، بن المظفر الأديبي، وجعلها على خمسة عشر باباً، وذكر في أول جمعه: وبعد، فإني رغبت في مطالعة رسائل، تكون إلى التخريج في البراعة وسائل، ثم تقلبت وتطلبت، فلم أر أعذب في السمع، وأعلق بالطبع، وأجرى في ميدان أهل الزمان، من غرر أبي الفضل الصفاري، ثم ذكرت ما كان بينه وبين والدي - رحمه الله - من المحبة المشتبكة اسشتباك الرحم، الجارية في عروقها مجرى الدم، والأخوة الصافية من الكدر، الباقية على الغير، فاقترحت عليه أن يلقي إلي ما حصل لديه، من رقاعه الصادرة إليه، فأجابني إلى ملتمسي، فدونت ما ألقاه إلي من إنشائه، وألحقت به ما وجدته عند غيره من أودائه، وهذا أنموذج من كلامه: كتب عن أبي سعيد، سهل بن أحمد السهلي، إلى عميد الملك أبي نصر الكندري، حين أنهض ولده إلى حضرته:

كتابي - أطال الله بقاء الشيخ السيد - وأنا معترف برق ولائه، متصرف في شكر سوابق آلائه، حامد لله تعالى على تظاهر أسباب عزه وعلائه، ولم أزل منذ حرمت التشرف بخدمته، أنطوي على مبايعته، وأتلظى شوقاً ألى التسعد بخدمة حضرته، التي هي مجمع الوفود، ومطلع الجود، وعصره المحمود، وأتمنى على الله تعالى حالاً تدنيني من جنابه الرحب، ومشرعه العذب، ومتى تذكرت تلك الأيام، التي كانت تسعفني بالتمكن من خدمته، التي هي مادة الجمال، وغاية الآمال، انثنيت بحسرة مرة، وانطويت على غصة مستمرة، وكم كاتبت شريف حضرته، لازالت محسودة مأنوسة، فلم أؤهل لجواب، ولم أشرف بخطاب، فأمسكت عن العادة في المعاودة، جرياً على طريقة الأصاغر، في مراعاة حشمة الأكابر، ولو جريت في مكاتبة حضرته على حكم الاعتقاد، والنية الخالصة في الوداد، لأكثرت، حتى أضجرت، وهو بحمد الله أحسن أخلاقاً، وأوفر في الكرم والمجد خلاقاً، من أن يرى عن قدماء خدمه متجافياً، ولخواص أصاغره جافياً، ولو كان رحيلي ممكناً، لاستعملت في الخدمة قدمي، دون قلمي، وحين عجزت عن ذلك، لما أنا مدفوع إليه من اختلال الحال، وتضاعف الاعتلال، أنهضت ولدي أبا الحسين خادمه، وابن خادمه، نائباً عني في إقامة رسم حضرته، التي من فاز بها، فقد فاز وسعد، وعلا نجمه وصعد، فلا زال مولانا منيع الأركان، رفيع القدر ولا مكان، سابغ القدرة والإسكان، محروس العز والسلطان، تدين المقادير لأحكامه، وتجري السعود تحت راياته وأعلامه، آمين، إن شاء الله.

أحمد بن علي، بن المعمر، بن محمد المعمر بن أحمد، بن محمد
ابن محمد، بن عبيد الله، بن علي، بن عبيد الله، بن الحسين ابن علي، بن الحسين، بن علي، بن أبي طالب، أبو عبد الله، النقيب الطاهر، نقيب نقباء الطالبيين، ابن النقيب الطاهر أبي الغنائم، أديب، فاضل، شاعر منشئ، له رسائل مدونة حسنة، مرغوب فيها، يتناولها الناس في مجلدين، وكان من ذوي الهيئات والمنزلة الخطيرة، التي لا يجحدها أحد، وكان فيه كيس ومحبة لأهل العلم، وبينه وبين محمد بن الحسن، بن حمدون مكاتبات، كتبناها في ترجمته، وكان وقوراً، عاقلاً جداً، تولى النقابة بعد أبيه، في سنة ثلاثين وخمسمائة، ولم يزل على ذلك إلى أن مات، في سنة تسع وستين وخمسمائة تاسع عشر جمادى الآخرة، فيكون: قد تولى النقابة تسعاً وثلاثين سنة، وبداره بالحريم الطاهري كانت وفاته، وصلى عليه جمع كثير، وتقدم في الصلاة عليه شيخ الشيوخ، أبو القاسم عبد الرحيم، بن إسماعيل النيسابوري، بوصية منه بذلك، بعد مشاجرة جرت بينه وبين قثم بن طلحة، نقيب الهاشميين، ودفن بداره المذكورة، ثم نقل بعد ذلك إلى المدائن، فدفن بالجانب الغربي منها، في مشهد أولاد الحسين بن علي، عليه السلام، وكان قد سمع الحديث من أبي الحسين بن المبارك، ابن عبد الجبار الصيرفي، وأبي الحسن علي بن محمد ابن العلاف، وأبي الغنائم محمد بن علي الزينبي، وغيرهم، وحدث عنهم. سمع منه أبو الفضل، أحمد بن صالح، بن شافع، وأبو إسحاق، إبراهيم بن محمود، بن الشعار، والشريف أبو الحسن، علي بن أحمد اليزيدي، وغيرهم. وله كتاب ذيله على منثور المنظوم لابن خلف الثيرماني، وكتاب آخر مثله في إنشائه، وكانت حرمته في الأيام المقتفوية وأمره لم ير أحد من النقباء مثلهما، مقدرة وبسطة. ثم مرض مرضة شارف فيها التلف، فولى ولده الأسن النقابة موضعه، ثم أفاق من مرضه، واستمر ولده على النقابة، حتى عزل عنها، ومات ولده في سنة ثلاث وخمسين، ولم تعد منزلته إلى ما كانت عليه في أيام المستنجد، لأسباب جرت من العلويين.
أحمد بن علوية، الأصبهاني الكرماني
قال حمزة: كان صاحب لغة، يتعاطى التأديب، ويقول الشعر الجيد، وكان من أصحاب أبي علي لغذة، ثم رفض صناعة التأديب، وصار في ندماء أحمد بن عبد العزيز، ودلف بن أبي دلف العجلي، وله رسائل مختارة، فدونها أبو الحسن أحمد بن سعد، في كتابه المصنف في الرسائل، لوه ثمانية كتب في الدعاء من إنشائه، ورسالة في الشيب ولاخضاب، وله شعر جيد كثير، منه في أحمد ابن عبد العزيز العجلي:
يرى مآخير ما يبدو أوائله ... حتى كأن عليه الوحي قد نزلا
ركن من العلم لا يهفو لمحفظة ... ولا يحيد وإن أبرمته جدلا

إذا مضى العزم لم ينكث عزيمته ... ريب ولا خيف منه نقض ما فتلا
بل يخرج الحية الصماء مطرقة ... من جحرها ويحط الأعصم الوعلا
وله فيه:
إذا ما جنى الجاني عليه جناية ... عفا كرماً عن ذنبه لا تكرما
ويوسعه رفقاً يكاد لبسطه ... يود برئ القوم لو كان مذنبا
وله يهجو زامراً اسمه حمدان:
حذار يا قوم من حمدان وانتبهوا ... حذار يا سادتي من زامر زاني
فما يبالي إذا ما دب مغتلما ... بدا بصاحب دار أو بضيفان
يلهى الرجال بمزمار فإن سكروا ... ألهى النساء بمزمار له ثاني
ومن شعره:
حكم الغناء تسمع ومدام ... ما للغناء مع الحديث نظام
لو أنني قاض قضيت قضية ... إن الحديث مع الغناء حرام
قال حمزة: وله وأنشدنيها في سنة عشر وثلاثمائة، وله ثمان وتسعون سنة:
دنيا مغبة من أثرى بها عدم ... ولذة تنقضي من بعدها ندم
وفي المنون لأهل اللب معتبر ... وفي تزودهم منها التقى غنم
والمرء يسعى لفضل الرزق مجتهداً ... وما له غير ما قد خطه القلم
كم خاشع في عيون الناس منظره ... والله يعلم منه غير ما علموا
قال: وقال بعد أن أتت عليه مائة:
حتى الدهر من بعد استقامته ظهري ... وأفضى إلى ضحضاح غايته عمري
ودب البلى في كل عضو ومفصل ... ومن ذا الذي يبقى سليماً على الدهر؟
قال: ولأحمد بن علوية قصيدة، على ألف قافية، شيعية، عرضت على أبي حاتم السجستاني، فأعجب بها، وقال: يأهل البصرة، غلبكم أهل أصبهان، وأول هذه القصيدة:
ودب البلى في كل عضو ومفصل ... ومن ذا الذي يبقى سليماً على الدهر؟
قال: ولأحمد بن علوية قصيدة، على ألف قافية، شيعية، عرضت على أبي حاتم السجستاني، فأعجب بها، وقال: يأهل البصرة، غلبكم أهل أصبهان، وأول هذه القصيدة:
ما بال عينك ثرة الإنسان ... عبرى اللحاظ سقيمة الأجفان
وقال أحمد بن علوية يهجو الموفق، لما أنفذ الأصبغ رسولاً إلى أحمد بن عبد العزيز العجلي، يأمره بإنفاذ قطعة من جيشه:
أدى رسالته وأولص كتبه ... وأتى بأمر لا أبالك معضل
قال اطرح ملك اصبهان وعزها ... وابعث بعسكرك الخميس الجحفل
فعلمت أن جوابه وخطابه ... عض الرسول ببظر أم المرسل

أحمد بن عمر، البصري النحوي
روى عن أبي بشر، عن أبي المفرح الأنصاري، عن ابن السكيت، وروى عنه أبو عبد الله، محمد بن المعلى ابن عبد الله الأزدي.
أحمد بن عمران، بن سلامة الألهاني، أبو عبد الله النحوي
يعرف بالأخفش، قديم، ذكره أبو بكر الصولي، في الكتاب الذي ألفه في شعراء مصر، فقال: كان نحوياً لغوياً، وأصله من الشام، وتأدب بالعراق، فلما قدم مصر، أكرمه إسحاق بن عبد القدوس، وأخرجه إلى طبرية، فأدب ولده، وله أشعار كثيرة في أهل البيت، عليهم السلام، منها:
إن بني فاطمة الميمونة ... الطيبين الأكرمين الطينهْ
ربيعنا في السنة الملعونهْ ... كلهم كالروضة المهتونهْ
قال: وحدثني علي بن سراج قال: حدثني جعفر بن أحمد قال: قال لي أحمد بن عمران، قال الهيثم بن عدي، ممن أنت؟ قلت: أنا من ألهان، أخي همدان، قلت: نعم، هم عرس الجن، يسمع به ولا يرى، ما رأيت ألهانيا قبلك، قال: وكان الألهاني قد نزل على رعل حي من بني سليم فلم يقروه، فقال:
تضيفت بغلتي والأرض معشبة ... رعلاً وكان قراها عندهم علسي
وأكلباً كأسود الغاب ضارية ... وواقفات بأيدي أعبد عبس
والعام أرغد والأيام فاضلة ... وما ترى في سواد الحي من قبس
يستوحشون من الضيف الملم بهم ... ويأنسون إلى ذي السوءة الشرس
وله يمدح جعفر بن جدلة:
إذا استسلم المال عند الهذيل ... فمال الفتى جعفر خاسر
وإن ضن جازره بالمدى ... فإن الحسام له حاضر
أحمد بن فارس، بن زكريا اللغوي

وقال ابن الجوزي: أحمد بن زكريا، بن فارس، ولا يعاج به، مات سنة تسع وستين وثلاثمائة: وقال قبل وفاته بيومين:
يا رب إن ذنوبي قد أحطت بها ... علماً وبي وبإعلاني وإسراري
أنا الموحد لكني المقر بها ... فهب ذنوبي لتوحيدي وإقراري
ووجد بخط الحميدي: أن ابن فارس مات في حدود سنة ستين وثلاثمائة، وكل منهما لا اعتبار به، لأني وجدت خط كفه على كتاب " الفصيح " تصنيفه، وقد كتبه في سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة، وذكره الحافظ السلفي، في شرح مقدمة معالم السنن للخطابي فقال: أصله من قزوين، وقال غيره: أخذ أحمد بن فارس على أبي بكر، أحمد بن الحسن الخطيب، راوية ثعلب، وأبي الحسن، علي بن إبراهيم القطان، وأبي عبد الله، أحمد بن طاهر المنجم، وعلي بن عبد العزيز المكي، وأبي عبيد، وأبي القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، وكان ابن فارس يقول: ما رأيت مثل ابن عبد الله أحمد بن طاهر، ولا رأى هو مثل نفسه.
وكان ابن فارس قد حمل إلى الري بأجرة، ليقرأ عليه مجد الدولة، أبو طالب بن فخر الدولة، علي بن ركن الدولة، بن أبي الحسن بويه الديلمي صاحب الري، فأقام بها قاطناً.
وكان الصاحب ابن عباد يكرمه، ويتتلمذ له، ويقول: شيخنا أبو الحسين، ممن رزق حسن التصنيف وأمن فيه من التصحيف، وكان كريماً جواداً، لا يبقي شيئاً، وربما سئل فوهب ثياب جسمه، وفرش بيته، وكان فقيهاً شافعياً، فصار مالكياً، وقال: دخلتي الحمية لهذا البلد، يعني الري، كيف لا يكون فيه رجل على مذهب هذا الرجل؟ المقبول القول على جميع الألسنة وله من التصانيف: كتاب المجمل، وكتاب متخير الألفاظ، كتاب فقه اللغة، كتاب غريب إعراب القرآن، كتاب تفسير أسماء النبي عليه الصلاة والسلام، كتاب مقدمة كتاب دار العرب، كتاب حلية الفقهاء، كتاب العرق، كتاب مقدمة الفرائض، كتاب ذخائر الكلمات، كتاب شرح رسالة الزهري إلى عبد الملك بن مروان، كتاب الحجر، كتاب سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، كتاب صغير الحجم، كتاب الليل والنهار، كتاب العم والخال، كتاب أصول الفقه، كتاب أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، كتاب الصاحبي، صنفه لخزانة الصاحب، كتاب جامع التأويل في تفسير القرآن، أربع مجلدات، كتاب الثياب والحلي، كتاب خلق الإنسان، كتاب الحماسة المحدثة، كتاب مقاييس اللغة، وهو كتاب جليل لم يصنف مثله، كتاب كفاية المتعلمين في اختلاف النحويين.
وحدث ابن فارس: سمعت أبي يقول: حججت فلقيت ناساً من هذيل، فجاريتهم ذكر شعرائهم، فما عرفوا أحداً منهم، ولكني رأيت أمثل الجماعة رجلاً فصيحاً وأنشدني:
إذا لم نحظ في أرض فدعها ... وحث اليعملات على وجاها
ولا يغررك حظ أخيك فيها ... إذا صفرت يمينك من جداها
ونفسك فز بها إن خفت ضيماً ... وخلالدار تنعى من بكاها
فإنك واجد أرضاً بأرض ... ولست بواجد نفساً سواها
ومن شعر ابن فارس:
وقالوا كيف أنت؟ فقلت خير ... تقضى حاجة ويفوت حاج
إذا ازدحمت هموم القلب قلنا ... عسى يوماً يكون لها انفراج
نديمي هرتي وسرور قلبي ... دفاتر لي ومعشوقي السراج
ومن شعره في همذان:
سقى همذان الغيث لست بقائل ... سوى ذا وفي الأحشاء نار تضرم
وما لي لا أصفي الدعاء لبلدة ... أفدت بها نسيان ما كنت أعلم
نسيت الذي أحسنته غير أنني ... مدين وما في جوف بيتي درهم
وله أيضاً:
إذا كنت في حاجة مرسلاً ... وأنت بها كلف مغرم
فأرسل حكيماً ولا توصه ... وذاك الحكيم هو الدرهم
وله أيضاً:
مرت بنا هيفاء مقدودة ... تركية تنمى لتركي
ترنو بطرف فاتن فاتر ... كأنه حجة نحوي
قال الثعالبي: حدثني ابن عبد الوارث النحوي قال: كان الصاحب منحرفاً عن أبي الحسين بن فارس، لانتسابه إلى خدمة آل العميد، وتعصبه لهم، فأنفد إليه من همذان كتاب الحجر نم تأليفه، فقال الصاحب: رد الحجر من حيث جاءك، ثم لم تطب نفسه بتركه فنظر فيه، وأمر له بصلة: ولابن فارس في اليتيمة:
يا ليت لي ألف دينار موجهة ... وأن حظي منها فلس فلاس

قالوا فما لك منها؟ قلت تخدمني ... لها ومن أجلها الحمقى من الناس
وله أيضاً:
إسمع مقالة ناصح ... جمع النصيحة والمقهْ
إياك واحذر أن تبي ... ت من الثقات على ثقهْ
وله أيضاً:
وصاحب لي أتاني يستشير وقد ... أراد في جنبات الأرض مضطرباً
قلت اطلب أي شيء شئت واسع ورد ... منه الموارد إلا العلم والأديبا
وله أيضاً:
إذا كان يؤذيك حر المصي ... ف وكرب الخريف وبرد الشتا
ويلهيك حسن ازمان الربي ... ع فأخذك للعلم قل لي متى؟
وله أيضاً:
عتبت عليه حين ساء صنيعه ... وآليت لا أمسيت طوع يديه
فلما خبرت الناس خبر مجرب ... ولم أر خيراً منه عدت إليه
وله أيضاً:
تلبس لباس الرضا بالقضا ... وخل الأمور لمن يملك
تقدر أنت وجاري القضا ... ء مما تقدره يضحك
قال يحيى بن مندة الأصبهاني: سمعت عمي عبد الرحمن ابن محمد العبدي يقول: سمعت أبا الحسين أحمد بن زكريا ابن فارس النحوي يقول: دخلت بغداد طالباً للحديث، فحضرت مجلس بعض أصحاب الحديث وليست معي قارورة، فرأيت شاباً عليه سمة جمال، فاستأذنته في كتب الحديث من قارورته، فقال: من انبسط إلى الإخوان بالاستئذان، فقد استحق الحرمان. قال عبد الرحمن بن مندة: وسمعت ابن فارس يقول: سمعت أبا أحمد بن أبي التيار يقول: أبو أحمد العسكري يكذب، على الصولي، مثلما كان الصولي، يكذب على الغلابي، مثلما كان الغلابي، يكذب على سائر الناس. قرأت بخط الشيخ أبي الحسن، علي بن عبد الرحيم السلمي، وجدت بخط ابن فارس على وجه المجمل والأبيات له، ثم قرأتها على سعد الخير الأنصاري، وأخبرني أنه سمعها من ابن شيخه أبي زكريا، عن سليمان بن أيوب، عن ابن فارس:
يا دار سعدى بذات الضال من غضم ... سقاك صوب حياً من واكف العين
العين: سحاب ينشأ من قبل القبلة.
إني لأذكر أياماً بها ولنا ... في كل إصباح يوم قرة العين
العين ههنا: عين الإنسان وغيره.
تدني معشقة منا معتقة ... تشجها عذبة من نابع العين
العين ههنا: ما ينبع منه الماء.
إذا تمززها شيخ به طرق ... سرت بقوتها في الساق والعين
العين ههنا: عين الركبة، والطرق: ضعف الركبتين.
والزق ملآن من ماء السرور فلا ... تخشى توله ما فيه من العين
العين ههنا: ثقب يكون في المزادة، وتوله الماء: أن يتسرب.
وغاب عذالنا عنا فلا كدر ... في عيشنا من رقيب السوء والعين
العين ههنا: لا رقيب.
يقسم الود فيما بيننا قسماً ... ميزان صدق بلا بخس ولا عين
العين ههنا: العين في الميزان.
وفائض المال يغنينا بحاضره ... فنكتفي من ثقيل الدين بالعين
العين ههنا: المال الناض.
والمجلمل المجتبي تغني فوائده ... حفاظه عن كتاب الجيم والعين
قال: وبخطه أيضاً: سمعت أبي يقول: حججت فلقيت بمكة ناساً من هذيل، فجاريتهم ذكر شعرائهم. وجدت على نسخة قديمة بكتاب المجمل، من تصنيف ابن فارس ما صورته: تأليف الشيخ أبي الحسين، أحمد بن فارس، ابن زكريا الزهراوي، الأستاذ خرزي، واختلفوا في وطنه، فقيل: كان من رستاق الزهراء، من القرية المعروفة بكرسفة وجيانا باذ، وقد حضرت القريتين مراراً، ولا خلاف أنه قروي.
حدثني والدي محمد بن أحمد، وكان من جملة حاضري مجالسه، قال: أتاه آت فسأله عن وطنه، فقال: كرسف، قال فتمثل الشيخ:
بلاد بها شدت على تمائمي ... وأول أرض مس جليد ترابها
وكتبه مجمع بن محمد، بن أحمد بخطه، في شهر ربيع الأول، سنة ست وأربعين وأربعمائة، وكان في آخر هذا الكتاب ما صورته أيضاً: قضى الشيخ أبو الحسين، أحمد ابن فارس - رحمه الله - في صفر سنة خمس وتسعين وثلاثمائة بالري، ودفن بها مقابل مشهد قاضي القضاة، أبي الحسن، علي بن عبد العزيز، يعني الجرجاني.
أنشد أبو الريحان البيروني في كتاب الآثار الباقية، عن القرون الخالية، لأحمد بن فارس:
قد قال فيما مضى حكيم ... ما المرء إلا بأصغريه

فقلت قول امرئ لبيب ما المرء إلا بدرهميه
من لم يكن معه درهماه ... لم تلتفت عرسه إليه
وكان من ذله حقيراً ... تبول سنوره عليه
وحدث هلال بن المظفر الريحاني قال: قدم عبد الصمد، ابن بابك الشاعر إلى الري، في أيم الصاحب، فتوقع أبو الحسين، أحمد بن فارس، أن يزوره ابن بابك، ويقضي حق علمه وفضله، وتوقع ابن بابك، أن يزوره ابن فارس، ويقضي حق مقدمه، فلم يفعل أحدهما ما ظن صاحبه، فكتب ابن فارس إلى القاسم بن حسولة:
تعديت في وصلي فعدي عتابك ... وأدنى بديلاً من نواك إيابك
تيقنت أن لم أحظ والشمل جامع ... بأيسر مطلوب فهلا كتابك
ذهبت بقلب عيل بعدك صبره ... غداة أرتنا المرقلات ذهابك
وما استمطرت عيني سحابة ريبة ... لديك ولا مست يميني سخابك
ولا نقبت والصب يصبو لمثلها ... عن الوجنات الغانيات نقابك
ولا قلت يوماً عن قلىً وآمة ... لنفسك: سلى عن ثيابي ثيابك
وأنت التي شيبت قبل أوانه ... شبابي سقى الغر الغوادي شبابك
تجنبت ما أوفى وعاقبت ما كفى ... ألم يأن سعدى أن تكفي عتابك؟
وقد نبحتني من كلابك عصبة ... فهلا وقد حالوا زجرت كلابك
تجافيت عن مستحسن البر جملة ... وجرت على بختي جفاء ابن بابك
فلما وقف أبو القاسم الحسولي على الأبيات، أرسلها إلى ابن بابك، وكان مريضاً، فكتب جوابها بديهاً: وصلت الرقعة - أطال الله بقاء الأستاذ - وفهمتها، وأنا أشكو إليه الشيخ أبا الحسن، فإنه صيرني فصلاً لا وصلاً، وجاً لا نصلاً، ووضعني موضع الحلاوى من الموائد، وتمت من أواخر القصائد، وسحب اسمي منها مسحب الذيل، وأوقعه موقع الذنب المحدوف من الخيل، وجعل مكاني مكان القفل من الباب، وفذلك من اعلحساب، وقد أجبت عن أبياته بأبيات، أعلم أن فيها ضعفاً لعلتين: علتي، وعلتها، وهي:
أيا أثلات الشعب من مرج يابس ... سلام على آثاركن الدوارس
لقد شاقني والليل في شملة الحيا ... إليكن ترجيع النسم المخالس
ولمحة برق مستضئ كأنه ... تردد لحظ بين أجفان ناعس
فبت كأني صعدة يمنية ... تزعزع في نقع من الليل دامس
ألاى حبذا صبح إذا ابيض أفقه ... تصدع عن قرن من الشمس وارس
ركبت من الخلصاء أرقب سيلها ... ورود المطي الظامئات الكوانس
فيا طارق الزوراء قل لغيومها ... أهلي على مغنى من الكرخ آنس
وقل لرياض القفص تهدي نسيمها ... فلست على بعد المزار بآيس
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... لقى بين أقراط المها والمحابس
وهل أرين الري دهليز بابك ... وبابك دهليز إلى أرض فارس
ويصبح ردم السد قفلاً عليهما ... كما صرت قفلاً في قوافي ابن فارس
فعرض أبو القاسم الحسولي المقطوعين على الصاحب، وعرفه الحال، فقال: البادئ أظلم، والقادم يزار، وحسن العهد من الإيمان.

أحمد بن الفضل، بن شبابة الكاتب، أبو الصقر
النحوي الهمذاني، من أهل همذان، ذكره شيرويه كان يلقب بساسي دوير، مات سنة خمسين وثلاثمائة، روى عن إبراهيم بن الحسين ديزيل، وأبي خليفة الفضل ابن الخباب الجمحي، وأبي القاسم عبد الله، بن محمد، بن عبد العزيز البغوي، وأبي سعيد الحسن بن علي، بن زكريا العدوي، وأبي بكر محمد، بن خلف وكيع، وأبي العباس أحمد بن يحيى ثعلب، وأبي العباس، محمد بن يزيد المبرد، وأبي بكر بن دريد النحوي، وأبي الحسن علي بن سعيد العسكري، وعلي بن الفضل الرشيدي وغيرهم. روى عنه أبو بكر أحمد بن علي، بن بلال، وأبو العباس، أحمد ابن إبراهيم، بن تركان، وأبو الحسن، إبراهيم بن عفر الأسدي، وأبو بكر بن خلف، بن محمد الخياط، وأبو عبد الله أحمد بن عمر الكاتب، وابن روزنة، وغيرهم.

حدثنا عبد الملك بن عبد الغفار، الفقيه لفظاً، أخبرنا عبد الله بن عيسى الفقيه، حدثنا محمد بن أحمد قال: سمعت أبا الصقر بن شبابة الكاتب يقول: كنت بالبصرة، فاستأذنت على ابن خليفة، وعنده جماعة من الهاشميين يتغدون، فحبسني البواب، فكتبت في رقعة وناولتها بعض غلمانه، فناولها أبا خليفة:
أبا خليفة تجفو من له أدب ... وتتحف الغر من أولاد عباس
ما كان قدر رغيف لو سمحت به ... شيئاً وتأذن لي في جملة الناس
فلما وصلت إليه الرقعة قال: علي بالهمذاني صاحب الشعر، فأدخلت إليه، فقدم إلي طبقاً من رطب، وأجلسني معه.

أحمد بن الفضل، بن محمد، بن أحمد
ابن محمد، بن جعفر
الباطرقاني المقرئ، مات في الثاني والعشرين من صفر، سنة ستين وأربعمائة بأصبهان.
قال السمعاني: كان مقرئاً فاضلاً، ومتحدثاً مكثراً من الحديث، كتب بنفسه الكثير، وكان حسن الخط دقيقه، قرأ القرآن على جماعة من مشاهير القدماء بالروايات، وصنف التصانيف فيه، منها: كتاب طبقات القراء، كتاب الشواذ، وصلى بالناس إماماً في الجامع الكبير سنين، بعد ابن المظفر بن الشبيب، سمع الحديث من أبي عبد الله، محمد بن إسحاق، بن إبراهيم، ابن عبد الله، بن خرشيدة التاجر وجماعة، وروى لنا عن جماعة كثيرة.
قال ابن مندة: جرى ذكر الباطرقاني عند الإمام عمر، - رحمه الله - ، والشيخ الحافظ أبو محمد، عبد العزيز ابن محمد النخشبي، وجماعة حاضرون، فقال عبد العزيز صنف مسنداً ضمنه ما اشتمل عليه صحيح البخاري، إلا أنه كتب المتن من الأصل، ثم ألحقه الإسناد، وهذا ليس من شرط أصحاب الحديث وأهله، يتكلم في مسائل لا يسع الموضع ذكرها، ولو اقتصر على الإقراء والحديث، لكان خيراً له.
أحمد بن كامل، بن شجرة، بن منصور، بن كعب
ابن يزيد أبوبكر القاضي، قال الخطيب: قال القاضي بن كامل، ولدت في سنة ستين ومائتين. ومات في المحرم سنة خمسين وثلاثمائة، قال الخطيب: فكان ينزل في شارع عبد الصمد، وهو أحد أصحاب محمد بن جرير الطبري، وتقلد قضاء الكوفة، من قبل أبي عمر محمد بن يوسف، فكان من العلماء بالأحكام، وعلوم القرآن، والنحو، والشعر، وأيام الناس، والتاريخ، وأصحاب الحديث، وله مصنفات في أكثر من ذلك، قال النديم. منها: كتاب غريب القرآن، كتاب القراءات، كتاب التقريب في كشف الغريب، كتاب موجز التأويل عن حكم التنزيل، كتاب التنزيل، كتاب الوقوف، كتاب التاريخ، كتاب المختصر في الفقه، كتاب الشروط الكبير، كتاب الشروط الصغير، كتاب البحث والحث، كتاب أمهات المؤمنين، كتاب الشعر، كتاب الزمان، كتاب أخبار القضاة.
وكان قد اختار لنفسه مذهباً، قال الخطيب: وحدث ابن كامل، عن محمد بن سعد العوفي، ومحمد بن الجهم السمري، وأبي قلابة الرقاشي، وأحمد بن أبي خيثمة، وأبي إسماعيل الترمذي. روى عنه الدارقطني، وأبو عبد الله المرزباني، وحدثنا عنه ابن رزقويه وغيره، وقال ابن رزقويه: لم تر عيناي مثله، ولما بلغ الثمانين أنشدنا:
عقد الثمانين عقد ليس يبلغه ... إلا المؤخر للأخبار والغير
قال: وأنشدني القاضي بن كامل لنفسه:
صرف الزمان تنقل الأيام ... والمرء بين محلل وحرام
وإذا تقشعت الأمور تكشفت ... عن فضل أيام وقبح أنام
وسئل الدارقطني عن ابن كامل، فقال: كان متساهلاً، ربما حدث ن حفظه بما ليس عنده في كتابه، وأهلكه العجب، فإنه كان يختار، ولا يضع لأحد من الأئمة أصلاً، قيل: أكان جريري المذهب؟ فقال: بل خالفه، واختار لنفسه، وأملى كتاباً في السير، وتكلم على الأخبار.

أنبأنا الخطيب أبو الفضل، عبيد الله بن أحمد، بن عبد الله المنصوري، قال: حدثنا أبو منصور، موهوب بن الجواليقي، حدثنا ثابت بن بندار، حدثنا أبو علي الحسن ابن أحمد بن شاذان، حدثنا أبو بكر أحمد بن كامل، بن شجرة القاضي، في سنة تسع وأربعين وثلاثمائة، حدثني عبد الله بن أحمد، بن عيسى المقرئ، يعرف بالقسطاطي، قال: حدثنا أحمد بن سهل، أبو عبد الرحمن، قال: قدم علينا سعد بن زنبور، فأتيناه فحدثنا، قال: كنا على باب الفضيل ابن عياض، فاستأذنا عليه، فلم يؤذن لنا، قال: فقيل لنا: إنه لا يخرج إليكم إلا أن يسمع القرآن، قال: وكان معنا رجل مؤذن، وكان صيتاً فقلنا له: اقرأ فقرأ: " ألهاكم التكاثر " ، ورفع بها صوته، قال: فأشرف علينا الفضيل، وقد بكى حتى بل لحيته بالدموع، ومعه خرقة ينشف بها الدمع من عينيه، وأنشأ يقول:
بلغت الثمانين أو جزتها ... فماذا أؤمل أو أنتظر؟
أتاني ثمانون من مولدي ... وبعد الثمانين ما ينتظر؟
علتني السنون فأبلينني.
قال: ثم خنقته العبرة، قال: وكان معنا علي بن خشرم فأتمه له، فقال: فدقت عظامي وكل البصر قال: ثم قال القاضي أحمد بن كامل: ولدت سنة ستين ومائتين، وأنشدنا:
عقد الثمانين عقد ليس يبلغه ... إلا المؤخر للأخبار والغير

أحمدبن كليب النحوي
صاحب أسلم الأندلسي، ذكر أبو الفرج عبد الرحمن ابن الجوزي في المنتظم: أن أحمد بن كليب، مات سنة ست وعشرين وأربعمائة، وذكر قصته التي أذكرها فيما بعد بعينها، ولا أدري من أين له هذه الوفاة؟ فإن الحميدي ذكره في كتابه، ولم يذكر وفاته، قال الحميدي: هو شاعر مشهور الشعر، ولا سيما شعره في أسلم، وكان قد أفرط في حبه، حتى أداه ذلك إلى الموت، وخبره في ذلك ظريف رواه عن محمد بن الحسن المذحجي.
قال: كنت أختلف في النحو إلى أبي عبد الله، محمد ابن خطاب النحوي في جماعة، وكان معنا عنده أبو الحسن، أسلم بن أحمد، بن سعيد، بن قاضي الجماعة، وأسلم بن عبد العزيز، صاحب المزني والربيع، قال محمد بن الحسن: وكان من أجمل من رأته العيون، وكان يجئ معنا إلى محمد بن خطاب، أ؛مد بن كليب، وكان من أهل الأدب البارع، والشعر الرائق، فاشتد كلفه بأسلم، وفارق صبره، وصرف فيه القول متستراً بذلك، إلى أن فشت أشعاره فيه، وجرت على الألسنة، وتنوشدت في المحافل، فلعهدي بعرس، وفيه زامر يزمر في البوق بقول أحمد بن كليب في أسلم:
أسلمني في هوا ... ه أسيلم هذا الرشا
غزال له مقلة ... يصيب بها من يشا
وشى بيننا حاسد ... سيسأل عما وشى
ولو شاء أن يرتشي ... على العمل روحي ارتشى
فلما بلغ هذا المبلغ، انقطع أسلم عن جميع مجالس الطلب، ولزم بيته والجلوس على بابه، فكان أحمد بن كليب، لا شغل له إلا المرور على باب أسلم، سائراً ومقبلاً نهاره كله، فانقطع أسلم عن الجلوس على باب داره نهاراً، فإذا صلى المغرب واختلط الظلام، خرج مستروحاً، وجلس على باب داره، فعيل صبر أحمد بن كليب، فتحيل في بعض الليالي، ولبس جبة من جباب أهل البادية، وأعتم بمثل عمائمهم، وأخذ بإحدى يديه دجاجاً، وبالأخرى قفصاً فيه بيض، وتحين جلوس أسلم عند اختلاط الظلام على بابه، فتقدم إليه وقبل يديه، وقال: يأمر مولاي بأخذ هذا؟ فقال له أسلم: ومن أنت؟ قال: صاحبك في الضيعة الفلانية، وقد كان تعرف أسماء ضياعه وأصحابه فيها، فأمر أسلم بأخذ ذلك منه، ثم جعل أسلم يسأله عن الضيعة، فلما جاوبه أنكر الكلام، وتأمله فعرفه، فقال يا أخي: وهنا بلغت بنفسك؟ وإلى ههنا تبعتي؟ أما كفاك انقطاعي عن مجالس الطلب، وعن الخروج جملة، وعن القعود على باب داري نهاراً؟ حتى قطعت علي جميع مالي فيه راحة، قد صرت في سجنك، والله لا فارقت بعد هذه الليلة قعر منزلي، ولا قعدت ليلاً ولا نهاراً على بابي، ثم قام، وانصرف أحمد بن كليب حزيناً كئيباً.

قال محمد بن الحسن: واتصل ذلك بنا، فقلنا لأحمد ابن كليب: قد خسرت دجاجك وبيضك، فقال هات: كل ليلة قبلة يده، وأخسر أضعاف ذلك. قال: فلما يئس من رؤيته ألبتة، نهكته العلة، وأضجعه المرض، قال: فأخبرني شيخنا محمد بن خطاب قال: فعدته، فوجدته بأسوإ حال، فقلت له: ولم لا تتداوى؟ فقال: دوائي معروف وأما الأطباء، فلا حيلة لهم فيه، ألبتة. فقلت له: وما دواؤك؟ قال: نظرة من أسلم، فلو سعيت في أن يزورني لأعظم الله أجرك، وكان هو والله أيضاً يؤجر، قال: فرحمته، وتقطعت نفسي له، ونهضت إلى اسلم، فتلقاني بما يجب، فقلت له: لي حاجة، قال: وما هي؟ قلت له: قد علمت ما جمعك مع أحمد من ذمام الطلب عندي، فقال: نعم، فقد تعلم أنه أشهر اسمي وآذاني، فقلت له: كل ذلك مغتفر في الحال التي هو فيها، والرجل يموت، فتفضل بعيادته، فقال: والله ما أقدر على ذلك، فلا تكلفني هذا، فقلت له: لا بد، فليس عليك في ذلك شيء، فإنما هي عيادة مريض، قال: ولم أزل به حتى أجاب، فقلت: فقم الآن، فقال لي: لست والله أفعل ذلك، ولكن غداً، فقلت له: ولا خلف؟ فقال: نعم. قال: فانصرفت إلى أحمد بن كليب، وأخبرته بوعده بعد تأبيه، فسر بذلك، وارتاحت نفسه. قال: فلما كان من الغد، بكرت إلى أسلم وقلت له، الوعد، فوجم وقال: والله لقد تحملني على خطة صعبة، وما أدري كيف أطيق ذلك؟ فقلت له: لا بد من أن تفي بوعدك، فأخذ رداءه ونهض معي راجلاً، فلما أتينا منزل أحمد بن كليب، وكان يسكن في آخر درب طويل، فلما توسط الدرب احمر وخجل، وقال لي: الساعة والله أموت، وما أستطيع أن أنقل قدمي، ولا أن أعرض لهذا نفسي. فقلت: لا تفعل، بعد أن بلغت المنزل، أن تنصرف؟ قال لا سبيل والله إلى ذلك، ألبتة، قال: ورجع مسرعاً، فاتبعته وأخذت بردائه، فتمادى وتمزق الرداء، وبقيت قطعة منه في يدي، ومضى فلم أدركه، فرجعت ودخلت إلى أحمد بن كليب، وقد كان غلامه دخل إليه، إذ رآنا من أول الدرب مبشراً، فلما رآني دونه، تغير لونه، وقال: وأين أبو الحسن؟ فأخبرته بالقصة، فاستحال من وقته، واختلط، وجعل يتكلم بكلام لا يعقل منه أكثره من التوجع، فاستبشعت، الحال، وجعلت أرجع وقمت، فثاب إليه ذهنه، وقال لي: يا أبا عبد الله، اسمع، وأنشد:
أسلم يا راحة العليل ... رفقاً على الهائم النحيل
وصلك أشهى إلى فؤادي ... من رحمة الخالق الجليل
فقلت له: اتق الله، ما هذه العظيمة؟ فقال لي: قد كان ما كان، فخرجت عنه، فوالله ما توسطت الدرب حتى سمعت الصراخ عليه، وقد فارق الدنيا، هذا قتيل الحب، لا دية ولا قود.
قال: وهذه قصة مشهورة عندنا، والرواة ثقات، وأسلم هذا، من بيت جليل، وهو صاحب الكتاب المشهور في أغاني زرياب، وكان شاعراً أديباً.
قال الحميدي: وقد رأيت ابنه أبا الجعد قال: وذكرت هذه القصة لمحمد بن سعيد الخولاني الكاتب، فعرفها، وقال لي: أخبرني الثقة قال: لقد رأيت أسلم هذا في يوم شديد المطر، لا يكاد أحد يمشي في طريق، وهو قاعد على قبر أحمد بن كليب زائراً له، وقد تحين غفلة الناس في مثل ذلك الوقت، وكان أحمد بن كليب، قد أهدى إلى أسلم في أول أمره كتاب الفصيح، وكتب عليه:
هذا كتاب الفصيح ... بكل لفظ مليح
وهبته لك طوعاً ... كما وهبتك روحي
وقرأت في كتاب الديارات للخالدي حكاية أعجبني أمر صاحبها، وأحببت أن يكون لها موضع من كتابي هذا، وكأن المثل يذكر بالمثل، ذكرتها عقيب خبر أحمد بن كليب، فإنهما خبران متقاربان.
قال: حدثني أبو الحسين، يحيى بن الحسين الكندي الحراني الشاعر، قال: حدثني أبو بكر أحمد بن محمد الصنوبري، قال: كان بالرها وراق يقال له سعد، وكان في دكانه مجلس كل أديب، وكان حسن الأدب والفهم، يعمل شعراً رقيقاً، وما كنا نفارق دكانه، أنا وأبو بكر المعوج، الشامي الشاعر، وغيرنا من شعراء الشام، وديار مصر، وكان لتاجر بالرها نصراني، من كبار تجارها ابن اسمه عيسى، من أحسن الناس وجهاً، وأحلاهم قداً، وأظرفهم طبعاً ومنطقاً، وكان يجلس إلينا، ويكتب عنا أشعارنا، وجميعنا يحبه، ويميل إليه، وهو حينئذ صبي في الكتاب، فعشقه سعد الوراق عشقاً مبرحاً، ويعمل فيه الأشعار، فمن ذلك وقد جلس عنده في دكانه:

إجعل فؤادي دواة والمداد دمي ... وهاك فابر عظامي موضع القلم
وصير اللوح وجهي وامحه بيد ... فإن ذلك برء لي من السقم
ترى المعلم لا يدري بمن كلفي ... وأنت أشهر في الصبيان من علم
ثم شاع - بعشق الغلام في الرها - خبره، فلما كبر وشارف الائتلاف أحب الرهبنة، وخاطب أباه وأمه في ذلك، وألح عليهما حتى أجاباه، وخرجا به إلى دير زكى بنواحي الرقة، وهو في نهاية حسنه، فابتاعا له قلاية، ودفعا إلى رأس الدير جملة من المال عنها، فأقام الغلام فيها، وضاقت على سعد الوراقالدنيا بما رحبت، وأغلق دكانه، وهجر إخوانه، ولزم الدير مع الغلام، وسعد في خلال ذلك، يعمل فيه الأشعار: فمما عمل فيه وهو في الدير، وكان الغلام قد عمل شماساً:
يا حمة قد علت غصناً من البان ... كأن أطرافها أطراف ريحان
قد قايسوا الشمس بالشماس فاعترفوا ... بأنما الشمس والشماس سيان
فقل لعيسى بعيسى كم هراق دماً ... إنسان عينك من عين لإنسان
ثم إن الرهبان، أنكروا على الغلام كثرة إلمام سعد به، ونهوه عنه، وحرموه أن أدخله، وتوعدوه بإخراجه من الدير إن لم يفعل، فأجابهم إلى ما سألوه من ذلك.
فلما رأى سعد امتناعه منه، شق عليه، وخضع للرهبان، ورفق بهم ولم يجييوه، وقالوا: في هذا علينا إثم وعار، ونخاف السلطان، فكان إذا وافى الدير، أغلقوا الباب في وجهه، ولم يدعوا الغلام يكلمه، فاشتد وجده، وازداد عشقه، حتى صار إلى الجنون، فخرق ثيابه، وانصرف إلى داره، فضرب جميع ما فيها بالنار، ولزم صحراء الدير، وهو عريان يهيم، ويعمل الأشعار ويبكي.
قال أبو بكر الصنوبري: ثم عبرت يوماً أنا والمعوج، من بستان بتنا فيه، فرأيناه جالساً في ظل الدير وهو عريان، وقد طال شعره، وتغيرت خلقته، فسلمنا عليه، وعذلناه وعتبناه. فقال: دعاني من هذا الوسواس، أتريان ذلك الطائر على هيكل؟ وأومأ بيده إلى طائر هناك، فقلنا: نعم، فقال: أنا وحقكما يا أخوي، أناشده منذ الغداة أن يسقط، فأحمله رسالة إلى عيسى، ثم التفت إلي وقال: يا صنوبري، معك ألواحك؟ قلت: نعم. قال اكتب:
بدينك يا حمامة دير زكي ... وبالإنجيل عندك والصليب
قفي وتحملي عني سلاماً ... إلى قمر على غصن رطيب
عليه مسوحه وأضاء فيها ... وكان البدر في حلل المغيب
وقالوا رابنا إلمام سعد ... ولا والله ما أنا بالمريب
وقولي سعدك المسكين يشكو ... لهيب جوىً أحر من اللهيب
فصله بنظرة لك من بعيد ... إذا ما كنت تمنع من قريب
وإن أنا مت فاكتب حول قبري ... محب مات من هجر الحبيب
رقيب واحد تنغيص عيشي ... فكيف بمن له مائتا رقيب؟
ثم تركنا وقام يعدو إلى باب الدير، وهو مغلق دونه، وانصرفنا عنه، ومازال كذلك زماناً، ثم وجد في بعض الأيام ميتاً إلى جانب الدير، وكان أمير البلد يومئذ، العباس بن كيغلغ، فلما اتصل ذلك به وبأهل الرها، خرجوا إلى الدير، وقالوا: ما قتله غير الرهبان، وقال لهم ابن كيغلغ: لابد من ضرب رقبة الغلام، وإحراقه بالنار، ولا بد من تعزير جميع الرهبان بالسياط، وتصعب في ذلك، فافتدى النصارى نفوسهم وديرهم بمائة ألف درهم.
وكان الغلام بعد ذلك، إذا دخل الرها لزيارة أهله، صاح به الصبيان: يا قاتل سعد الوراق، وشدوا عليه بالحجارة يرجمونه، وزاد عليه الأمر في ذلك، حتى امتنع من دخول المدينة، ثم انتقل إلى دير سمعان، وما أدري ما كان منه.

ومثل هذه الحكاية، خبر مدرك بن علي الشيباني، وكان مدرك شاعراً، أديباً فاضلاً، وكان كثيراً ما يلم بدير الروم ببغداد، ويعاشر نصاراه، وكان بدير الروم غلام من أولاد النصارى، يقال له: عمرو بن يوحنا، وكان من أحسن الناس وجهاً، وأملحهم صورة وأكملهم خلقاً، وكان مدرك بن علي يهواه، وكان لمدرك مجلس يجتمع فيه الأحداث لا غير، فإن حضر شيخ أو ذو لحية قال له مدرك: إنه قبيح بك أن تختلط مع الأحداث والصبيان، فقم في حفظ الله، فيقوم، وكان عمرو ممن يحضر مجلسه، فعشقه وهام به، فجاء عمرو يوماً، فكتب مدرك رقعة فطرحها في حجره، فقرأها فإذا فيها:
بمجالس العلم ... التي بك تم حسن جموعها
إلا رثيت لمقلة ... غرقت بفيض دموعها
بيني وبينك حرمة ... الله في تضييعها
فقرأ الأبيات عمرو، ووقف عليها من كان بالمجلس، وقرءوها، فاستحيا عمرو، وانقطع عن الحضور، وغلب الأمر على مدرك، وقال فيه قصيدته المزدوجة المشهورة، التي أولها:
من عاشق ناء هواه داني ... ناطق دمع صامت اللسان
موثق قلب مطلق الجثمان ... معذب بالصد والهجران
وهي طويلة: وكتب إليه لما هجره، وقطع مجلسه:
فيض الدموع وشدة الأنفاس ... شهدا على ما في هواه أقاسي
لبس الملاحة وهو ألبسني الضنا ... شتان بين لباسه ولباسي
يا من يريد وصالنا ويصده ... ما قد يحاذر من كلام الناس
صلني فإن سبقت إليك مقالة ... منهم فعصب ما يقال براسي
ثم خرج مدرك إلى الوسواس، وسل جسمه، وتغير عقله، وترك مجلسه، وانقطع عن الإخوان، ولزم الفراش.
قال حسان بن محمد، بن عيسى، بن شيخ: فحضرته عائداً في جماعة من إخوانه، فقال: ألست صديقكم؟ والقديم العشق لكم؟ فما منكم أحد ليسعدني بالنظر إلى وجه عمرو، قال: فمضينا إلى عمرو فقلنا له: إن كان قتل هذا الرجل ديناً، فإن إحياءه مروءة، قال: وما فعل؟ قلنا قد صار إلى حال لا نحسبك تلحقه قال: فنهض معنا، فلما دخلنا عليه، سلم عليه عمرو، فأخذ بيده وقال: كيف تجدك يا سيدي، فنظر إليه، ثم أغمي عليه، وأفاق، وهو يقول:
أنا في عافية إل ... لا من الشوق إليكا
أيها العائد ما بي ... منك لا يخفى عليكا
لا تعد جسماً وعد قل ... باً رهيناً في يديكا
كيف لا يهلك مرشو ... ق بسهمي مقلتيكا
ثم شهق شهقة فارق الدنيا فيها، فما برحنا حتى دفناه - رحمه الله - .

أحمد المحرر، يعرف بالأحول
قديم، كان في أيام الرشيد والمأمون، وبعد ذلك. قال أبو عبد الله بن عبدوس: ذكر أبو الفضل بن عبد الحميد في كتابه: أن الأحول المحرر شخص مع محمد بن يزداد، بن سعيد وزير المأمون، عند شخوص المأمون إلى دمشق، وأنه شكا يوماً إلى أبي هارون، خليفة محمد بن يزداد، الوحدة والغربة، وقلة ذات اليد، وسأله أن يكلم له محمداً في كلام المأمون في أمره. ليبره بشيء، ففعل أبو هارون ذلك، ورأى محمد بن يزداد من المأمون طيب نفس، فكلمه فيه وعطفه عليه، فقال له المأمون: أنا أعرف الناس به، ولا يزال بخير ما لم يكن معه شيء، فإذا رزق فوق القوت بذره وأفسده، ولكن أعطه لموضع كلامك، أربعة آلاف درهم، فدعا ابن يزداد بالأحول، وعرفه ما جرى، ونهاه عن الفساد، وأمر له بالمال، فلما قبضه ابتاع غلاماً بمائة دينار، واشترى سيفاً ومتاعاً، وأسرف فيما بقي بعد ذلك، حتى لم يبق معه شيء، فلما رأى الغلام ذلك، أخذ كل ما كان في بيته وهرب، فبقي عرياناً، بأسوء حال، وصار إلى أبي هارون، خليفة بن يزداد فأخبره، فأخذ أبو هارون نصف طومار ونشره ووقع في آخره:
فر الغلام فطار قلب الأحول ... وأنا الشفيع وأنت خير معول
ثم ختمه ودفعه إليه، وقال له: امض به إلى محمد ابن يزداد، فأوصله إليه، فلما رآه ابن يزداد، قال له: ما في كتابك؟ قال: لا أدري، فقال: هذا من حمقك، تحمل كتاباً لا تدري ما فيه، ثم فضه فلم ير فيه شيئاً، فجعل ينشره وهو يضحك، حتى أتى على آخره، فوقف على البيت ووقع تحته:
لولا تعنت أحمد لغلامه ... كان الغلام ربيطة بالمنزل

ثم ختمه وناوله، وأمره أن يرده إلى خليفته، فقال له: الله الله في، - جعلت فداك - ، ارحمني من الحال التي صرت إليها، فرق له، ووعده أن يكلم المأمون، فلما وجد بعد ذلك خلوة من المأمون، كلمه فيه، وشرح له ما جرى أجمع، ووصف له ضعف عقل الأحول، ووهي عقدته وسخفه، فأمر المأمون بإحضاره، فلما وقف بين يديه، قال له: يا عدو الله، تأخذ مالي فتشتري به غلاماً حتى يفر منك، فارتاع لذلك، وتلجلج لسانه. فقال: - جعلت فداك - يا أمير المؤمنين. ما فعلت، فقال له: ضع يدك على رأسي، والحف أنك لم تفعل. فجعل ابن يزداد يأخذ بيده لذلك، والمأمون يضحك، ويشير إليه أن ينحيها. ثم أمر له بإجراء رزق واسع في كل شهر، ووصله مرة بعد مرة، حتى أغناه، وكان يعجبه خطه.

أحمد بن محمد، بن حميد، بن سليمان، بن حفص، بن عبد الله
ابن أبي الجهم، بن حذيفة، بن غانم، بن عامر، بن عبد الله، بن عبيد، بن عوتج، بن عدي، بن كعب العدوي الجهمي: أبو عبد الله، من بني عدي بن كعب، القرشي، ينسب إلى جده أبي الجهم، بن حذيفة، حجازي، دخل العراق وبها تأدب ونشأ، وكان أديباً، راوية شاعراً، متقناً، عالماً بالنسب، والمثالب، ويتناول جلة الناس، وله في ذلك كتب، مات.
ذكره المرزباني، ومحمد بن إسحاق النديم، فقالا: وقع بينه وبين قوم من العمريين والعثمانيين شر، فذكر سلفهم بأقبح ذكر، فكلمه بعض الهاشميين في ذلك، فذكر العباس بأمر عظيم، فأنهي خبره إلى المتوكل، فأمر بضربه مائة سوط، وتولى ضربه إياها، إبراهيم ابن إسحاق، بن إبراهيم، فلما فرغ من ضربه، قال فيه:
تبرا الكلوم وينبت الشعر ... ولكل مورد غلة صدر
واللؤم في أثواب منبطح ... لعبيده ما أورق الشجر
قال: وله من الكتب، كتاب قريش وأخبارها، كتاب المعصومين، كتاب المثالب، كتاب الانتصار في الرد على الشعوبية، كتاب فضائل مضر.
أحمد بن أبي عبد الله، بن محمد، بن خالد، بن عبد الرحمن
ابن محمد، بن علي الرقي، أبو جعفر، الكوفي الأصل، وكان يوسف بن عمر الثقفي، والي العراق من قبل هشام ابن عبد الملك، قد حبس جده محمد بن علي بعد قتل زيد ابن علي، ثم قتله، وكان خالد صغير السن، فهرب مع أبيه عبد الرحمن إلى برقة قم، فأقاموا بها.

وكان ثقة في نفسه، غير أنه أكثر الرواية عن الضعفاء، واعتمد المراسيل، وصنف كتباً كثيرة، منها: المحاسن وغيرها، وقد زيد في المحاسن ونقص، فمما وقع إلي منها: كتاب الإبلاغ، كتاب التراحم والتعاطف، كتاب أدب النفس، كتاب المنافع، كتاب أدب المعاشرة، كتاب المعيشة، كتاب المكاسب، كتاب الرفاهية، كتاب المعاريض، كتاب السفر، كتاب الأمثال، كتاب الشواهد من كتاب الله عز وجل، كتاب النجوم، كتاب المرافق، كتاب الدواجن، كتاب المشوم، كتاب الزينة، كتاب الأركان، كتاب الزي، كتاب اختلاف الحديث، كتاب المأكل، كتاب الفهم، كتاب الإخوان، كتاب الثواب، كتاب تفسير الأحاديث وأحكامه، كتاب العلل، كتاب العقل، كتاب التخويف، كتاب التحذير، كتاب التهذيب، كتاب التسلية، كتاب التاريخ، كتاب التبصرة، كتاب غريب كتب المحاسن، كتاب مذام الأخلاق، كتاب النساء، كتاب المآثر والأحساب، كتاب أنساب الأمم، كتاب الزهد والموعظة، كتاب الشعر والشعراء، كتاب العجائب، كتاب الحقائق، كتاب المواهب والحظوظ، كتاب الحياة، وهو كتاب النور والرحمة، كتاب التعيين، كتاب التأويل، كتاب مذام الأفعال، كتاب الفروق، كتاب المعاني والتحريف، كتاب العقاب، كتاب الامتحان، كتاب العقوبات، كتاب العين والخصائص، كتاب النحو، كتاب العيافة والقيافة، كتاب الزجر والفأل، كتاب الطيرة، كتاب المراشد، كتاب الأفانين، كتاب الغرائب، كتاب الخيل، كتاب الصيانة، كتاب الفراسة، كتاب العويص، كتاب النوادر، كتاب مكارم الأخلاق، كتاب ثواب القرآن، كتاب فضل القرآن، كتاب مصابيح الظلم، كتاب المنتخبات، كتاب الدعابة والمزاح، كتاب الترغيب، كتاب الصفوة، كتاب الرؤيا، كتاب المحبوبات والمكروهات، كتاب خلق السموات والأرض، كتاب بدء خلق إبليس والجن، كتاب الدواجن والرواض، كتاب مغازي النبي صلى الله عليه وسلم، كتاب بنات النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه، كتاب الأحناش والحيوان، كتاب التأويل، كتاب طبقات الرجال، كتاب الأوائل، كتاب الطب، كتاب التبيان، كتاب الجمل، كتاب ما خاطب الله به خلقه، كتاب جداول الحكمة، كتاب الأشكال والقرائن، كتاب الرياضة، كتاب ذكر الكعبة، كتاب التهانئ، كتاب التعازي.

أحمد بن محمد، بن يوسف الأصبهاني
قال حمزة في كتاب أصبهان، وذكره في جملة الأدباء الذين كانوا بها، وقال: له كتاب في طبقات البلغاء، وكتاب في طبقات الخطباء، لم يسبق إلى مثلهما، وكتاب أدب الكتاب، وأنشد الأصبهاني في القاضي الوليد.
لعمرك ما حمدنا غب ود ... بذلنا الصفو منه للوليد
رجونا أن يكون لنا ثمالاً ... إذا ما المحل أذوى كل عود
ويحيى أحمد بن أبي دؤاد ... سليل المجد والشرف العتيد
فزرناه فلم نحصل لديه ... على غير التهدد والوعيد
نورد حوضه الآمال منا ... فآبت غير حامدة الورود
يظل عدوه يحظى لديه ... بنيل الحظ من دون الودود
رضينا بالسلامة من جداه ... وأعفيناه من كرم وجود
وقال في مثل للفرس قلبه إلى العربية شعراً:
إني إذا ما رأيت فرخ زنى ... فليس يخفى على جوهره
لو في جدار تخط صورته ... لماج في كف من يصوره
وقال في رجل عدل عن انتحال علم الإسلام، إلى علم الفلسفة:
فارقت علم الشافعي ومالك ... وشرعت في الإسلام رأي رقلس
وأراك في دين الجماعة زاهداً ... ترنو إليه بميل طرف الأشوس
وكتب إلى بعض إخوانه:
نفسي فداؤك من خليل مصقب ... لم يشفني منه اللقاء الشافي
عندي غداً فئة تقوم بمثلها ... لله حجته على الأصناف
مثل النجوم يلذ حسن حديثهم ... ليسوا بأوباش ولا أجناف
أو روضة زهراء معشبة الثرى ... كال الربيع لها بكيل واف
من بين ذي علم يصول بعلمه ... أو شاعر يقضي بحد قواف
منهم أبو الحسن ابن قلس دهره ... وأبو الهذيل وليس بالعلاف
والهرمزاني الذي يسمو به ... شرف أناف به على الأشراف
فاجعل حديثك عندنا يشفي الجوى ... فنفوسنا ولهى إلى الإيلاف

ألن الجواب فليس يعجبني أخ ... في الدين شاب وفاءه بخلاف

أحمد بن محمد، بن أبي محمد اليزيدي
أبو جعفر، ذكره الحافظ أبو القاسم بن عساكر، في تاريخ دمشق، فقال: أحمد بن محمد، بن يحيى المبارك، ابن المغيرة، أبو جعفر العدوي النحوي، المعروف أبوه باليزيدي، كان من ندماء المأمون، وقدم معه دمشق، وتوجه منها غازياً للروم، سمع جده أبا محمد يحيى، وأبا زيد الأنصاري، وكان مقرئاً، روى عنه أخواه، عبيد الله، والفضل ابنا محمد، وابن أخيه محمد بن العباس، ومحمد بن أبي محمد، وعون بن محمد الكندي، ومحمد بن عبد الملك الزيات، مات قبيل سنة ستين ومائتين. قرأت في كتاب أبي الفرج الأصبهاني، حدثنا محمد بن العباس، حدثني أبي، عن أخيه أبي جعفر قال: دخلت يوماً على المأمون بقارا، وهو يريد الغزو، فأنشدته شعراً مدحته به، أوله:
يا قصر ذا النخلات من بارا ... إني حننت إليك من قارا
أبصرت أشجاراً على نهر ... فذكرت أنهاراً وأشجارا
لله ايام نعمت بها ... في القفص أحياناً وفي بارا
إذ لا أزال أزور غانية ... ألهو بها وأزور خمارا
لا أستجيب لمن دعا لهدى ... وأجيب شطاراً ودعارا
أعصى النصيح وكل عاذلة ... وأطيع أوتاراً ومزمارا
قال: فغضب المأمون قوال: أنا في وجه عدو، وأحض الناس على الغزو، وأنت تذكرهم نزهة بغداد، قلت: الشيء بتمامه، ثم قلت:
وصحوت بالمأمون من سكري ... ورأيت خير الأمر ما اختارا
ورأيت طاعته مؤدية ... للفرض إعلاناً وإسرارا
فخلعت ثوب الهزل من عنقي ... ورضيت دار الخلد لي دارا
وظللت معتصماً بطاعته ... وجواره وكفى به جارا
إن حل أرضاً فهي لي وطن ... وأسير عنها حيثما سارا
فقال له يحيى بن أكثم: ما أحسن ما قال يا أمير المؤمنين! أخبر أنه كان في سكر وخسار، فترك ذلك وارعوى، وآثر طاعة خليفته، وعلم أن الرشد فيها، فسكن وأمسك، ولأحمد بن اليزيدي هذا، بيت جمع فيه حروف المعجم كلها وهو:
ولقد شجتني طفلة برزت ضحى ... كالشمس خثماء العظام بذي الغضا
وذكره أبو بكر الزبيدي فقال: هو أمثل أهل بيته في العلم.
أحمد بن محمد، بن عبد الكريم، بن سهل
ويقال ابن أبي سهل الأحول، أبو العباس، ذكره محمد بن إسحاق النديم فقال: هو من متقدمي الكتاب وأفاضلهم، وكان عالماً بصناعة الخراج، متقدماً في ذلك على أهل عصره، مات سنة سبعين ومائتين وله كتاب الخراج.
أحمد بن محمد، بن ثوابة، بن خالد الكاتب
أبو العباس، قال محمد بن إسحاق النديم: هو أحمد ابن محمد، بن ثوابة، بن يونس، أبو العباس الكاتب، أصلهم نصارى، وقيل: إن يونس يعرف بلبابة، وكان حجاماً، وقيل: أمهم لبابة، ومات أبو العباس سنة سبع وسبعين ومائتين، وقال الصولي: مات في سنة ثلاث وسبعين قال: وحدثني أبو سعيد، وهب بن إبراهيم، بن طازاذ قال: كان بين علي بن الحسين، وبين أبي العباس بن ثوابة، منازعة في ضيعة، فاجتمعا في مجلس بعض الرؤساء وأحسبه عبيد الله بن سليمان، فرد علي بن الحسين، مناظرة أبي العباس، إلى أخيه أبي القاسم، بن الحسين، فناظر أبا العباس، فأقبل أبو العباس يهاتره ويطنز به وقال في جملة قوله: من أنتم؟ إنما نفقتم بالبذيذة، قال: فالتفت علي بن الحسين، إلى صبي كان معه، كأنه الدنيا المقبلة، فأخذ بيده، وقام قائماً في موضعه، وكشف عن رأسه، وقال بأعلى صوته: يا معشر الكتاب، قد عرفتموني، وهذا ولدي، من فلانة بنت فلان الفلاني، وهي من طالق طلاق الحرج والسنة، على سائر المذاهب، إن لم يكن هذا الشرط الذي في أخدعي شرط جده فلان المزين، لا يكنى عن جد ابن ثوابة، قال: فاستخذل أبو العباس، ولم يحر جواباً، ولا أجرى بعد ذلك كلاماً في الضيعة، وسلمها من غير منازعة ولا محاورة.

قال: وكان أبو العباس من الثقلاء البغضاء، وله كلام مدون مستهجن مستثقل، منه: علي بماء الورد أغسل فمي من كلام الحاجم. ومنه: لما رأى أمير المؤمنين الناس قد تدارسوا وتدقلموا وترنسعوا وتذورروا تدسقن وله من التصانيف: كتاب رسائله المجموعة، كتاب رسالته في الكتابة والخط، وأخوه جعفر بن محمد، بن ثوابة، تولى ديوان الرسائل في أيام عبيد الله بن سليمان الوزير، وله ابن اسمه محمد بن أحمد، كان أيضاً مترسلاً بليغاً، وله كتاب رسائل. وأبو الحسين محمد بن جعفر، بن ثوابة، وابنه أبو عبد الله، أحمد بن محمد، بن جعفر. وله أيضاً ديوان رسائل، وهو آخر من بقي من فضلائهم.
ومن كلام أبي العباس: من حق المكاتبة، أن يسبقها أنس، وينعقد قبلها ود، ولكن الحاجة أعجلت عن ذلك، فكتبت كتاب من يحسن الظن إلى من يحققه.
ومن فصل له إلى عبيد الله بن سليمان: لم يؤت الوزير من عدم فضيلة، ولم أوت من عدم وسيلة، وغلة الصادي تأبى له انتظار الوارد، وتعجل عن تأمل ما بين الغدير والواد، ولم أزل أترقب أن يخطرني بباله، ترقب الصائم لفطره، وأنتظره انتظار الساري لفجره، إلى أن برح الخفاء، وكشف الغطاء، وشمت الأعداء، وإن في تخلفي وتقدم المقصرين، لآية للمتوسمين والحمد لله رب العالمين.
وقيل لابن ثوابة: قد تقلد إسماعيل بن بلبل الوزارة، فقال: إن هذا عجز قبيح من الأقدار، وكان محمد بن أحمد بن ثوابة، كاتباً لباكباك التركي، فلما أغري المهتدي بالرافضة، قال المهتدي لباكباك: كاتبك والله أيضاً رافضي، فقال باكباك: كذب والله على كاتبي، ما كان يقول هؤلاء، فشهدت الجماعة عليه، فقال باكباك: كذبتم، ليس كاتبي كما تقولون، كاتبي خير فاضل، يصلي ويصوم، وينصحني، ونجاني من الموت، لا أصدق قولكم عليه، فغضب المهتدي، وردد الأيمان على صحة القول في ابن ثوابة، وهو يقول: لا، لا، فلما انصرف القوم من حضرة المهتدي، أسمعهم باكباك وشتمهم، ونسبهم إلى أخذ الرشا والمصانعات وأغلظ لهم وأمر ببعضهم فنيل بمكروه، إلى أن تخلصوا من يده، واستتر ابن ثوابة، وقلد المهتدي كتابة باكباك، سهل بن عبد الكريم الأحول، ونودي على ابن ثوابة، ثم تنصل باكباك إلى المهتدي، واعتذر إليه فقبل عذره، وصفح عنه، فلما قدم موسى بن بغا، سر من رأى من الجبل، تلقاه باكبابك، وسأله النطف في المسألة، في الصفح عن كاتبه ابن ثوابة، فلما جدد المهتدي البيعة في دار أناجور التركي، عاود باكباك المسألة في كاتبه، فوعده بالرضا عنه، وقال: الذي فعلته بابن ثوابة، لم يكن لشيء كان في نفسي عليه يخصني، لكن غضباً لله تعالى وللدين، فإن كان قد نزع عما أنكر منه، وأظهر تورعاً، فإني قد رضيت عنه، ثم رضي عنه الخليفة في يوم الجمعة، النصف من محرم، سنة خمسين ومائتين، وخلع عليه أربع خلع، وقلده سيفاً، ورجع إلى كتابة باكباك ميمون بن هارون.
قال لي الحسن، علي بن محمد، بن الأخضر: كنا يوماً في مجلس أبي العباس ثعلب، إذ جاءه أبو هفان البصري للسلام عليه، فسأله عن أمره، وسبب قدومه من سامراً، واين يريد؟ فقال أريد ابن ثوابة، يعني أحمد بن محمد، ابن ثوابة، بن خالد، وكان بالرقة، وكان ذلك في أيام عيد، فقال أبو العباس: كيف رضاك عن بني ثوابة؟ فقال: إني والله أكره هجاءهم في يوم مثل هذا، ولكني أقمت هجائي لهم مقام الزكاة، وقلت:
ملوك ثناهم كأحسابهم ... وأخلاقهم شبه آدابهم
فطول قرونهم أجمعين ... يزيد على طول أذنابهم

وقال الصولي: كانت بين أبي الصقر إسماعيل بن بلبل الوزير، وبين أبي العباس، أحمد بن محمد، بن ثوابة وحشة شديدة، لأسباب منها: أشياء جرت في مجلس صاعد في آخر أيامه، قد حدثني رشيق الموسوي الخادم - وما رأيت خادماً أعقل منه، ولا أكتب يداً - قال: كنا في مجلس صاعد، فسأل عن رجل، فقال أبو الصقر: قد كان أنفيي، يريد نفي، فقال ابن ثوابة: في الخرء، فسمعها، فقال أبو الصقر: كيف تكلم من حقه أن يشد ويحد؟ فقال ابن ثوابة: من جهلك، إنك لا تعلم أن من يشد لا يحد، ومن يحد لا يشد، ثم ضرب الدهر من ضربه، فرايت ابن ثوابة قد دخل إلى أبي الصقر بواسط، فوقف بين يديه، ثم قال: أيها الوزير، " لقد آثرك الله علينا وإن كنا لخاطئين " . فقال له أبو الصقر: " لا تثريب عليكم " يا أبا العباس، ثم رفع مجلسه، وقلده طساسيج بابل، وسورا، وبربسما، فضاعف وزاد في الدعاء له، فمازال والياً إلى أن توفي في سنة ثلاث وسبعين ومائتين. هكذا ذكر الصولي، والأول منقول من كتاب محمد بن إسحاق، وهذا أولى بالصواب.
قال الصولي: وحدثني الحسين بن علي الكاتب، قال: كان أبو العيناء في جملة أبي الصقر، قال: وكان يعادي ابن ثوابة، لمعاداة أبي الصقر، فاجتمعا في مجلس بعقب ما جرى بين أبي الصقر، وبين ابن ثوابة في مجلس صاعد، فتلاحيا، فقال له ابن ثوابة: أما تعرفني؟ قال: بل أعرفك ضيق العطن، كثير الوسن، قليل الفطن، خاراً على الذقن، قد بلغني تعديك على أبي الصقر. وإنما حلم عنك، لأنه لم ير عزاً فيذله: ولا علواً فيضعه. ولا حجراً فيهدمه، فعاف لحمك أن يأكله. وسهك دمك أن يسفكه، فقال له: اسكت، فما تساب اثنان إلا غلب ألأمهما، قال أبو العيناء: فلهذا غلبت بالأمس أبا الصقر، فأسكته.
ومن كتاب الوزراء لهلال بن المحسن، حدث علي بن سليمان الأخفش قال: ذكر لي المبرد، أنه كان في سوم نوبة له عند أبي العباس، أحمد بن محمد، بن ثوابة، حتى دخل عليه غلامه، وفي يده رقعة البحتري، فقرأها أبو العباس، ووقع فيها توقيعاً خفيفاً، وأمر بإصلاحها، فأصلحت وأعيدت إليه. قال المبرد: فرمى بها إلي، فإذا فيها:
إسلم أبا العباس واب ... ق فلا أزال الله ظلك
وكن الذي يبقى لنا ... ونموت حين نموت قبلك
لي حاجة أرجو لها ... إحسانك الأوفى وفضلك
والمجد مشترط علي ... ك قضاءها والشرط أملك
فلئن كفيت ملمها ... فلمثلها أعددت مثلك
قال: وإذا وقع ابو العباس: مقضية، والله الذي لا إله إلا هو، ولو أتلفت المال، وأذهبت الحال، فقل: - رعاك الله - ما شئت منبسطاً، وثق بما أنا عليه لك مغتبطاً، إن شاء الله تعالى.
وقال أحمد بن علي المادرائي، الكاتب الأعور الكردي، صديق المبرد يهجو ابن ثوابة من قصيدة:
تعست أبا الفضل الكتابهْ ... من أجل مقت بني ثوابهْ
وسألت أهل المهتي ... ن من الخطابة والكتابهْ
عن عادل في حكمه ... فعليك أجمعت العصابهْ
فاسمع فقد ميزتهم ... ولكلهم طرز وبابه
أما الكبير فمن جلا ... لته يقال له لبابهْ
وإذا خلا فممدد ... في البيت قد شالوا كعابهْ
وارفض عنه زهوه ... وتقشعت تلك المهابهْ
نقلت من خط عبد السلام البصري، حدثنا أبو العباس التميمي، حدثنا جحظة في أماليه، قال: حضرت مجلس أبي العباس ثعلب، وعنده جماعة من أصحابه، وحضر أحمد بان علي المادرائي، فسأله عن أبي العباس بن ثوابة، وقال له، متى عهدك به؟ فقال: لا عهد ولا عقد، ولا وفاق ولا ميثاق، فقال له ثعلب: عهدي بك إذا غضبت هجوت، فهل من شيء؟ فأنشد:
بني ثوابة أنتم أثقل الأمم ... جمعتم ثقل الأوزار والتخم
أهاض حين أراكم من بشامتكم ... على القلوب وإن لم أوت من بشم
كم قائل حين غاظته كتابتكم ... لو شئت يا رب ما علمت بالقلم
فقال ثعلب: أحسنت والله في شعرك، وأسأت إلى القوم.

وعن أبي الفرج الأصبهاني، حدثني أبو الفضل العباس بن أحمد، بن محمد، بن ثوابة، قال: قدم البحتري النيل على أحمد بن علي الإسكافي، مادحاً له، فلم يثبه ثواباً يرضاه، بعد أن طالت مدته عنده، فهجاه بقصيدته التي يقول فيها:
ما كسبنا من أحمد بن علي ... ومن النيل غير حمى النيل
وهجاه بقصيدة أخرى أولها: قصة النيل فاسمعوها عجابهْ فجمع إلى هجائه إياه، هجاء بني ثوابة، وبلغ ذلك أبي، فبعث إليه بألف درهم، وثياباً ودابة بسرجها ولجامها، فرده، وقال: قد أسلفتكم إساءة، فلا يجوز معه قبول صلتكم، فكتب إليه أبي: أما الإساءة فمغفورة، والمعذرة مشكورة، والحسنات يذهبن السيئات، وما يأسو جراحك مثل يدك، وقد رددت إليك ما رددته علي، وأضعفته، فإن تلافيت ما فرط منك، أثبنا وشكرنا، وإن لم تفعل، احتملنا وصبرنا، فقبل ما بعث به، وكتب إليه: كلامك والله أحسن من شعري، وقد أسلفتني ما أخجلني، وحملتني ما أثقلني، وسيأتيك ثنائي، ثم غدا عليه بقصيدة أولها: ضلال لها ماذا أرادت من الصد؟ وقال فيه بعد ذلك: برق اضاء العقيثق من ضرمه وقال فيه أيضاً: أن دعاه داعي الهوى فأجابهْ: قلم يزل أبي يصله بعد ذلك، وتتابع بره لديه، حتى افترقا.
وكتب أحمد بن محمد، بن ثوابة، إلى إسماعيل بن بلبل، حين صاهر الناصر لدين الله، الموفق بالله: " بسم الله الرحمن الرحيم " ، بلغني، للوزير - أيده الله - نعمة زاد شكرها على مقادير الشكر، كما أربى مقدارها على مقادير النعمة، فكان مثلها قول إبراهيم بن العباس:
بنوك غدوا آل النبي، ووارثوا ال ... خلافة، والحاوون كسرى وهاشما
وأنا أسأل الله تعالى أن يجعلها موهبة ترتبط ما قبلها، وتنتظم ما بعدها، وتصل جلال الشرف، حتى يكون الوزير - أعزه الله - على سادة الوزراء موفياً، ولجميل العادة مستحقاً، ولمحمود العاقبة مستوجباً، وأن يلبس خدمه، وأولياءه، من هذه الحلل العالية، ما يكون لهم ذكراً باقياً، وشرفاً مخلداً.
وكان يلقب لبابة، وكان عبيد الله بن سليمان، قد صرف أحمد بن محمد، بن ثوابة، عن طساسيج كان يتقلدها، بأبي الحسن بن مخلد.
فقال أحمد بن علي المادرائي الأعور الكردي:
إني وقفت بباب الجسر في نفر ... فوضى يخوضون في غرب من الخبر
قالوا: لبابة أضحت وهي ساخطة ... قد قدت الجيب من غيظ ومن ضجر
فقلت: حقاً وقد قرت بقولهم ... عيني وأعين إخواني بني عمر
لا تعجبوا لقميص قد من قبل ... فإن صاحبه قد قد من دبر
ولأبي سهل فيه، يخاطب عبيد الله بن سليمان:
يا أبا القاسم الذي قسم الل ... ه في الورى الهوى والمهابهْ
كدت تنفي هل الكتابة عنها ... حين أدخلت فيهم ابن ثوابهْ
أنت ألحقته وما كان فيهم ... بهم ظالماً به للكتابهْ
هل رأينا مخنثاً كاتباً أو ... هل يسمى أديب قوم لبابهْ؟؟
وله فيه:
أقصرت عن جدي وعن شغلي ... والمكرمات وعدت في هزلي
لما أراني الدهر من تصريفه ... غيراً يغير مثلها مثلي
بلغ أحمد بن ثوابة بجنونه ... ما ليس يبلغه ذوو عقل
إن كان نقص المرء يجلب حظه ... فالعقل يرفع رزق ذي فضل

قال أبو حيان في كتاب الوزرين: حدثنا أبو بكر الصيمري قال: حدثنا ابن سمكة قال: حدثنا ابن محارب قال: سمعت أحمد بن الطيب يقول: إن صديقاً لابن ثوابة الكاتب أبي العباس، يكنى أبا عبيدة، قال له ذات يوم: إنك بحمد الله ومنه، ذو أدب وفصاحة وبراعة، فلو أكملت فضائلك، بأن تضيف إليها معرفة البرهان القياسي، وعلم الأشكال الهندسية، الدالة على حقائق الأشياء، وقرأت إقليدس وتدبرته، فقال له ابن ثوابة: وما كان إقليدس؟ ومن هو؟ قال: رجل من علماء الروم، يسمى بهذا الإسم، وضع كتاباً فيه أشكال كثيرة مختلفة، تدل على حقائق الأشياء المعلومة والمغيبة، يشحذ الذهن، ويدقق الفهم، ويلطف المعرفة، ويصفي الحاسة، ويثبت الروية، ومنه افتتح الخط، وعرفت مقادير حروف المعجم، قال له أبو العباس بن ثوابة: وكيف ذلك؟ قال: لا تعلم كيف هو؟ حتى تشاهد الأشكال، وتعاين البرهان، قال: فافعل ما بدا لك، فأتاه برجل يقال له قويري مشهور، ولم يعد إليه بعد ذلك، قال أحمد بن الطيب: فاستغربت ذلك، وعجبت منه، فكتبت إلى أبي ثوابة رقعة نسختها:

" بسم الله الرحمن الرحيم " ، اتصل بي، - جعلت فداك - ، أن رجلاً من إخوانك أشار عليك، بتكميل فضائلك وتقويتها، بشيء من معرفة القياس البرهاني، وطمأنينتك إليه، وأنك أصغيت إلى قوله، وأذنت له، فأحضرك رجلاً كان غاية في سوء الأدب، ومعدناً من معادن الكفر، وإماماً من أئمة الشرك، لاستغرارك واستغوائك، يخادعك عن عقلك الرصين، وينازلك في ثقافة فهمك المبين، فأبى الله العزيز، إلا جميل عوائه الحسنة قبلك، ومننه السواب لديك، وفضله الدائم عندك، بأن تأتي على قواعد برهانه من ذروته، وتحط عوالي أركانه، من أقصى معاقد أسه، فأحببت استعلامي ذلك على كنهه من جهتك، ليكون شكري لك، على ما كان منك، حسب لومي لصاحبك، على ما كان منه، ولأتلافي الفارط، في ذلك بتدبر المشيئة، إن شاء الله تعالى، قال: فأجابني ابن ثوابة برقعة نسختها: " بسم الله الرحمن الرحيم " وصلت رقعتك - أعزك الله - وفهمت فحواها، وتدبرت متضمنها، والخبر كما اتصل بك، والأمر كما بلغك، وقد لخصته وبينته، حتى كأنك معنا وشاهدنا، وأول ما أقول: الحمد لله مولي النعم، والمتوحد بالقسم، " إليه يرد علم الساعة " ، " وإليه المصير " ، وأنا أسأله إتراع الشكر على ذلك، وعلى ما منحنا من ودك، وإتمامه بيننا بمنه، ومما أحببت: إعلامك وتعريفك بما تأدى إليك، أن أبا عبيدة " لعنه الله تعالى " بنحسه، ودسه وحدسه، اغتالني ليكلم ديني، من حيث لا أعلم، وينقلني عما أعتقده، وأراه وأضمره، من الإيمان بالله عز وجل، وبرسوله صلى الله عليه وسلم، موطداً إلى الزندقة، بسوء نيته من الهندسة، وأنه يأتيني برجل يفيدني علماً شريفاً، تكمل به فضائلي فيما زعم، فقلت: عسى أفيد به براعة في صناعة، أو كمالاً في مروءة، أو فخاراً عند الأكفاء، فأجبته: بأن هلم، فأتاني بشيخ ديراني شاخص النظر، منتشر عصب البصر، طويل مشذب، محزوم الوسط، متزمل في مسكة فاستعذت بالرحمن، إذ نزغني الشيطان، ومجلسي غاص بالأشراف، من كل الأصناف وكلهم يرمقه، ويتشوف إلى رفعي مجلسه، وإدنائه وتقريبه، ويعظمونه ويحيونه، " والله محيط بالكافرين " ، فأخذ مجلسه، ولوى أشداقه، وفتح أوساقه، فتبينت في مشاهدته النفاق، وفي ألفاظه الشقاق، فقلت: بلغني أن عندك معرفة من الهندسة، وعلماً واصلاً إلى فضل، يفيد الناظر فيه حكمة، وتقدماً في كل صناعة، فهلم أفدنا شيئاً منها، عسى أن يكون عوناً لنا على دين أو دنيا، في مروءة ومفاخرة لدى الأكفاء، ومفيداً زهداً ونسكاً، فذلك هو الفوز العظيم، " فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز " ، " وما ذلك على الله بعزيز " ، قال: فأحضرني دواة وقرطاساً، فأحضرتهما، فأخذ القلم ونكت نكتة، نقط منها نقطة، تخيلها بصري، وتوهمها طرفي، كأصغر من حبة الذرة، فزمزم عليها من وساوسه، وتلا عليها من حكم أسفار أباطيله، ثم أعلن عليها جاهراً بإفكه وأقبل علي وقال: أيها الرجل، إن هذه النقطة شيء لا جزء له، فقلت: أضللتني ورب الكعبة، وما الشيء الذي لا جزء له؟ فقال كالبسيط، فأذهلني وحيرني، وكاد يأتي على عقلي، لولاأن هداني ربي، لأنه أتاني بلغة، ما سمعتها والله من عربي ولا عجمي، وقد أحطت علماً بلغات العرب، وقمت بها وسبرتها جاهداً، واختبرتها عامداً، وصرت فيها إلا ما لا أجد أحداً يتقدمني إلى المعرفة به، ولا يسبقني إلى دقيقة وجليلة، فقلت أنا: وما الشيء البسيط؟ فقال: كالله، وكالنفس، فقلت له: إنك من الملحدين، أتضرب بالله الأمثال؟ والله يقول: " فلا تضربوا لله الأمثال، إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون " لعن الله مرشداً أرشدني إليك، ودالاً دلني عليك، فما ساقك إلي إلا قضاء سوء، ولا كسعك نحوي إلا الحين، وأعوذ بالله من الحين، وأبرأ إليه منكم ومما تلحدون، والله ولي أمير المؤمنين، إني بريء مما تشركون، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. فلما سمع مقالتي كره استعاذتي، فاستخفه الغضب، فأقبل علي مستبسلاً وقال: إني أرى فصاحة لسانك سبباً لعجمة فهمك، وتدرعك بقولك آفة من آفات عقلك، فلولا من حضر والله المجلس، وإصغاؤهم إليه مستصوبين أباطيله، ومستحسنين أكاذيبه، وما رأيت من استهوائه إياهم بخدعه، وما تبينت من توازرهم، لأمرت بسل لسان اللكع الألكن، وأمرت بإخراجه، إلى آخر نار الله وسعيره، وغضبه ولعنته، ونظرت إلى أمارات الغضب في وجوه الحاضرين، فقلت: ما غضبكم لنصراني يشرك بالله

ويتخذ من دونه الأنداد، ويعلن بالإلحاد، ولا مكانكم لنهكته عقوبة، فقال له رجل منهم: إن كان حكيم، فغاظني قوله، فقلت: لعن الله حكمة مشوبة بكفر، فقال لي آخر: إن عندي مسلماً يتقدم أهل هذا العلم، ورجوت بذكره الإسلام خيراً، فقلت: ائتني به، فأتاني برجل قصير دحداح، آدم، مجدور الوجه، أخفش العينين، أجلح أفطس، سيء المنظر، قبيح لازي، فسلم، فرددت عليه السلام، فقلت: ما اسمك؟ فقال أعرف بكنية قد غلبت علي، فقلت: أبو من؟ فقال أبو يحيى، فتفاءلت بملك الموت عليه السلام، وقلت: اللهم إني أعوذ بك من الهندسة، اللهم فاكفني شرها، فإنه لا يصرف السوء إلا أنت، وقرأت " الحمد لله، والمعوذتين، وقل هو الله أحد " ، وقلت: إن صديقاً لي جاءني بنصراني يتخذ الأنداد، ويدعي أن لله الأولاد، ليغويني، فهلم أفدنا شيئاً من هندستك، واقبسنا من ظرائف حكمتك، ما يكون لي سبباً إلى رحمة الله، ووسيلة إلى غفرانه، فإنها أربح تجارة، وأعود بضاعة، فقال: أحضرني دواة وقرطاساً، فقلت: أتدعو بالدواة والقرطاس، وقد بليت منهما ببلية، كلها لم تندمل عن سويداء قلبي، فقال: وكيف كان ذلك؟ فقلت: إن النصراني نقط نقطة كأصغر من سم الخياط، وقال لي، إنها معقولة كربك الأعلى، فوالله ما عدا فرعون وكفره وإفكه، فقال: إني أعفيك من النقطة، - لعن الله - قوبري، وما كان يصنع بالنقطة؟ وهل بلغت أنت أن تعرف النقطة؟ فقلت: استجهلني ورب الكعبة، وقد أخذت بأزمة الكتابة، ونهضت بأعبائها، واستقللت بثقلها، يقول لي: لا تعرف فحوى النقطة، فنازعتني نفسي في معالجته بغليظ العقوبة، ثم استعطفني الحلم إلى الأخذ بالفضل، ودعا بغلامه، وقال: ائتني بالتخت، فوالله ما رأيت مخلوقاً بأسرع إحضاراً له من ذلك الغلام، فأتاه به، فتخيلته هيئة منكرة، ولم أدر ما هو؟ وجعلت أصوب الفكر فيه، وأصعد أخرى، وأجيل الرأي ملياً، وأطرق طويلاً، لأعلم أي شيء هو؟ أصندوق هو؟ فإذا ليس بصندوق، أتخت؟ فغذا ليس بتخت، فتخيلته كتابوت، فقلت: لحد لملحد، يلحد به الناس عن الحق، ثم أخرج من كمه ميلاً عظيماً، فظننته متطبباً، وإنه لمن شر المتطببين، فقلت له: إن أمرك لعجب كله، ولم أر أميال المتطببين كميلك، أتفقأ به العين؟ قال: لست بمتطبب، ولكن أخط به الهندسة على هذا التخت، فقلت له: إنك وإن كنت مبايناً للنصراني في دينه، لموازر له في كفره، أتخط على تخت بميل، لتعدل به عن وضح الفجر إلى غسق الليل؟ وتميل بي إلى الكذب باللوح المحفوظ، وكاتبيه الكرام، إياي تستهوي؟ أم حسبتني كمن يهتز لمكايدكم فقال: لست أذكر لوحاً محفوظاً، ولا مضيعاً، ولا كاتباً كريماً، ولا لئيماً، ولكن أخط فيه الهندسة، وأقيم عليها البرهان بالقياس والفلسفة، قلت له: اخطط، فأخذ يخط، وقلبي مروع يجب وجيباً، وقال لي غير متعظم: إن هذا الخط طول بلا عرض، فتذكرت صراط ربي المستقيم، وقلت له: - قاتلك الله - أتدري ما تقول؟ تعال صراط ربي المستقيم، عن تخطيطك وتشبيهك، وتحريفك وتضليلك، إنه لصراط مستقيم، وإنه لأحد من السيف الباتر، والحسام القاطع، وأدق من الشعر، وأطول مما تمسحون، وأبعد مما تذرعون، ومداه بعيد، وهوله شديد، أتطمع أن تزحزحني عن صراط ربي؟ وحسبتني غراً غبياً، لا أعلم ما في باطن ألفاظك، ومكنون معانيك، والله ما خططت الخط، وأخبرت أنه طول بلا عرض، إلا ضلة بالصراط المستقيم، لتزل قدمي عنه، وأن ترديني في جهنم، - أعوذ بالله وأبرأ إليه من الهندسة، ومما تدل عليه، وترشد إليه - ، إني بريء من الهندسة، ومما تعلنون وتسرون، ولبئسما سولت لك نفسك، أن تكون من خزنتها، بل من وقودها، وإن لك فيها لأنكالاً وسلاسل وأغلالاً، وطعاماً ذا غصة، نفأخذ يتكلم. فقلت: سدوا فاه، مخافة أن يبدر من فيه، مثل ما بدر من المضلل الأول، وأمرت بسحبه، فسحب إلى أليم عذاب، ونار " وقودها الناس والحجارة، عليها ملائكة غلاظ شداد، لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون " ثم أخذت قرطاساً، وكتبت بيدي يميناً، آليت فيها بكل عهد مؤكد، وعقد مردد، ويمين ليست لها كفارة، أني لا أنظر في الهندسة أبداً، ولا أطلبها، ولا أعلمها من أحد لا سراً ولا جهراً، ولا على وجه من الوجوه، ولا على سبب من الأسباب، وأكدت بمثل ذلك على عقبي وعقب أعقابهم، لا تنظروا فيها ولا تتعلموها، مادامت السموات والأرض، إلى أن تقوم الساعة، لميقات

يوم معلوم، وهذا بيان ما سألت - أعزك الله - عنه، فيما دفعت إليه، وامتحنت به، ولتعلم ما كان مني، ولولا وعكة أنا في عقابيلها، لحضرتك مشافهاً، وأخذت بحظ المتمني بك، والاستراحة إليك، تمهد على ذلك عذري، فإنك غير مباين لفكري، والسلام.م، وهذا بيان ما سألت - أعزك الله - عنه، فيما دفعت إليه، وامتحنت به، ولتعلم ما كان مني، ولولا وعكة أنا في عقابيلها، لحضرتك مشافهاً، وأخذت بحظ المتمني بك، والاستراحة إليك، تمهد على ذلك عذري، فإنك غير مباين لفكري، والسلام.
قال عبد الله الفقير إليهن مؤلف هذا الكتاب: لا شك أن أكثر ما في هذه الرسالة، مفتعل مزور، وما أظن برجل مثل ابن ثوابة، وهو بمكانة من العلم، بحيث تلقى إليه مقاليد الخلافة، فيخاطب عنها بلسانه القاصي والداني، ويرتضيه العقلاء والوزراء، بحيث لا يرون له نظيراً في زمانه، في براعة لسانه، تولى كتابة الإنشاء السنين الكثيرة، أن يكون منه هذا كله، ولكن عسى أن يكون منه، ما كان من ابن عباد، وهو الذي ساق أبو حيان، خبر ابن ثوابة لأجله، وهو أن قال: كان ابن عباد يسب أصحاب الهندسة، ويقول: جاءني بعض هؤلاء الحمقى، ورغبني في الهندسة، فابتدأ فأثبت خمسة وعشرين، وخط خطاً، ووضع شكلاً، وطول، وزعم أنه يعمل برهاناً على ذلك، فقلت له: كنت أعرف أن هذا خمسة وعشرون ضرورة، وقد شككت الآن، فأنا مجتهد حتى أعلم بالاستدلال، وهذا هو الخسار، قلت: ومثل هذا لا يبعد أن يقول مثله، من لم يتدرب بهذه الصناعة، فأما ما تقدم من حديث ابن ثوابة، فهو غاية في التجلف، والرجل كان أجل من ذلك، وإنما أتي إما من جهة أحمد بن الطيب، لأنه كان فيلسوفاً، وكان ابن ثوابة متعجرفاً كما ذكرنا، فأخذ يسخر منه، ليضحك المعتضد، فإن أحمد بن الطيب، كان من جلساء المعتضد. وإما أن يكون أبو حيان، جرى على عادته، في وضع ما أكثر من وضعه من مثل ذلك، والله أعلم.

أحمد بن علي، بن المأمون، النحوي اللغوي

القاضي، صاحب الخط المليح، والعقل الصحيح. مات في التاسع عشر من شعبان، سنة ست وثمانين وخمسمائة، ومولده في ذي القعدة، سنة تسع وخمسمائة. سألت ولده أبا محمد، عبد الله بن أحمد عنه، فأعطاني جزءاً بخط والده هذا، وقد ضمنه ذكر نفسه، وذكر ولده، فنقلت منه جميع ما أذكره في هذه الترجمة، إلا ما أبينه، فقال: أنا أحمد بن علي، بن هبة الله، بن علي الزوال، " وأصله الزول، وإنما غيره المتكلمون، وزادوا ألفاً، والزول: الرجل الشجاع، وقد ذكر ذلك في كتاب الألفاظ لابن السكيت " ، بن محمد، بن يعقوب، بن الحسين، ابن عبد الله المأمون بالله، الخليفة، بن هارون الرشيد بالله الخليفة، بن محمد المهدي بالله الخليفة، بن عبد الله المنصور بالله الخليفة، بن محمد الكامل، بن علي السجاد، ابن عبد الله خير الأمة، بن العباس سيد العمومة، ابن عبد المطلب شيبة الحمد، بن هاشم عمرو العلا، ابن عبد مناف، بن قصي، بن كلاب، بن مرة، بن كعب، بن لؤي، بن غالب، بن فهر، بن مالك، بن النضر، هو قريش بن كنانة، بن خزيمة، بن مدركة، ابن إلياس، بن مضر، بن نزار، بن معد، بن عدنان، ابن أد، بن أدد، بن اليسع، بن الهميسع، بن سلامان، ابن ثبت، بن جميل، بن قيدار، بن إسماعيل، بن إبراهيم الخليل، بن آزر، بن تارح، بن ناحور، بن ساروغ، ابن أرغو، بن فالع، بن عابر، بن سالخ، ابن أرفخشذ، ابن سام، بن نوح، بن لمك، بن متوشلخ، بن أخنوخ، وهو إدريس بن ليارد، بن مهلائيل، بن قينان، بن أنوش، بن شيث، بن آدم، أبي البشر، فطرة الله عز وجل، ومولدي في ضحى نهار الثلاثاء، ثالث عشر ذي القعدة سنة تسع وخمسمائة، ولدت بدرب فيروز، في الدار المعروفة الآن، بورثة ابن الثقفي، القاضي عز الدين، قاضي القضاة، - رحمه الله - ، وكان والدي يومئذ، كاتب الزمام في الأيام المستظهرية، وبعد ذلك في الأيام المسترشدية مدة، وكنت مذ نشأت، ختمت القرآن، وقرأته للعشرة، على المرزقي - رحمه الله - ، الأمين أبي بكر، أنا وحجة الإسلام، أبو محمد، إسماعيل بن الجواليقي - وفقه الله - ، وكنا نترافق حين الحداثة في القراءة على الشيوخ، ويتكثر بعضنا ببعض، ونتعاضد في القراءة، وكتبت الخط على أبي سعيد الحسن بن منصور، أبي الحسن الجزري، - رحمه الله - ، وكان صالحاً أديباً، صائم الدهر، عالماً في فنون من العلم، فقيهاً، وكان والدي يؤثرني من دون إخوتي، لما يراه من اشتغالي بالعلم، فإنني منذ انفصلت من المكتب، رجعت بقراءة النحو واللغة، إلى شيخنا أوحد الزمان، أبي منصور بن الجواليقي، - رحمه الله - ، وصحبته إحدى عشرة سنة، وقرأت عليه كتباً كثيرة من حفظي، ويغر حفظي، حتى توليت القضاء، سنة أربع وثلاثين وخمسمائة، وكان الحكم والقضاء على دجيل، إلى والدي المقدم ذكره، مضافاً إلى الخطابة، فحين ولي أمر ديوان الزمام ببغداد، رد القضاء إلى ولده هبة الله، الملقب بتاج العلا، وكان يخاطب من الديوان العزيز - مجده الله - بالأجل الأوحد، زين الإسلام، نجم الكفاءة، تاج العلا، جمال الشرف، مجد القضاة، عين الكفاءة، وكان بعد ذلك أضيف إليه نظر دجيل أجمع، مع المخزنيات، وكان ذا سطوة وشجاعة، وثروة كبيرة، ومماليك من الأتراك، والإماء والعبيد، والقرايا والأملاك، والرياسة التامة، والصيت والذكر الجميل، بين العرب والعجم، وكان له معروف كبير، ودار مضيف بحربي، يجتمع إليها أمراء العرب على طبقاتهم، وغيرهم من الغرباء، وكان له نواب في القضاء بحربي، والحظيرة، وغيرهما، وكانت ولايته من قاضي القضاة الدامغاني، إلى أن درج بالموصل مسموماً مخافة منه، لما شوهد من رياسته، وتبع العرب والتركمان له، وحمل السلاح، والجند الكثير، والاستطالة العظيمة، وأنفذ ميتاً في ستارة حتى دفن بحربي، في أواخر سنة ثلاث وثلاثين وخمسمائة، وانحدر ولده علي بن هبة الله، بن علي، طالباً مكانه ببذل المال الجم، وكان وزير الزمان يومئذ، شرف الدين علي بن طراد الزينبي، في أوائل الأيام المقتفوية، فترك مع بذله، ووليت بعد أن أحضرت، وقيل لي: قد رسم توليك من غير قربة، لتميزك بالعلم، وكان لي من العمر يومئذ، أربع وعشرون سنة، واعتزى ابن أخي بعد ذلك، إلى ديوان السلطنة، وخاطب الديوان العزيز في ذلك فلم يجب، ودخل في النوبة جماعة من الأهل والأكابر من ولاة الأمر، فتوسط الحال على أن يكون لولده مجلس وساطة، وحكم

بحربي في المداينات، وما عداها إلي مع الخطابة، ولذلك نصر يقين، فكتبت رسالة إلى المواقف المقدسة النبوية المقتفوية، - قدسها الله - . في المداينات، وما عداها إلي مع الخطابة، ولذلك نصر يقين، فكتبت رسالة إلى المواقف المقدسة النبوية المقتفوية، - قدسها الله - .
ومنها: ومعاذ الله أن يقارن هذا الفتى بالعبد، ولا يعرف فتيلاً من وثير، ولا يؤلف بين كلمتين في تعبير، لوسيم قراءة الفاتحة أخجلته، أو ريم منه التماس حاجة في التطهر أحفزته، وعد عن أسباب لا يمكن بسطها، ولا يروق خطها، وأما العبد فطرائقه معلومة، ومآخذه مفهومة، ومحل الشيء عنده قابل، والجمهور إليه مائل، وسحاب الاستحقاق لما أهل له في أرضه هاطل، ومعاذ الله أن يتغير من كريم الآراء الشريفة في حقه رأي، أو ينفصم من تلك الوعود فيما أهل له وأي، والوعود كالعهود، ومواقع الكلم الشريفة كالتربق في الجلمود، وهو واثق من الإنعام، بما سار بين الأنام، ليغدو مستحكم الثقة بالإكرام، والأمر أعلى والسلام.
فبرز التوقيع الأشرف المقتفوي، يؤمر فيه بالعمل بسابق التوقيع، وخرجت إلى العمل، وبقيت مدة، فتولي القضاء لمدينة السلام، وفاء بن المرخم، وكان على حالة جليلة من الاختصاص، واستخدام قضاة الأطراف من جانبه، فأبيت ذلك،وخاطبت في الخروج عن يده، وإضافة باقي دجيل، مع ما والاه وقاربه، من لدن تكريت إلى الأنبار، وإلى الجبل وما والاه، من بلد خانقين، وروشن قبادوا، إلى الحربية من الجانب الغربي ببغداد، وكنت أحكم في ذلك أجمع، حتى ولي المستنجد بالله، - رضي الله عنه - ، وقصر القضاة وغيرهم، وأنا في الجملة، وبقيت إحدى عشرة سنة مقصوراً، إلى أن توفي إلى رحمة الله، بعد أن استوعب ما كنت أملكه سائره، فلم أضيع من زماني شيئاً، وكنت في الحبس بمائتي مجلدة، منها، الجمهرة لأبي بكر بن دريد، مجلدتان. وشرح سيويه، ثلاث مجلدات. وإصلاح المنطق، محشي مجلدة واحدة. والغريبان للهروي، مجلدة واحدة. وأشعار الهذليين ثلاث مجلدات. وشعر المتنبي مجلدة. وغريب الحديث لأبي عبيد، مجلدتان. وأشياء يطول شرحها من الكتب الكبار، وحفظت أولادي الختمة، وأيضاً حفظتهم كتباً كثيرة في علم العربية والتفاسير، وغريب القرآن، والخطب والأشعار، وشرحت لهم كتاب الفصيح، وجمعت لهم كتاباً سميته أسرار الحروف، يبين فيه مخارجها ومواقعها من الزوائد، والمنقلب، والمبدل، والمتشابه، والمضاعف، وتصريفها في المعاني الموجودة فيها، والمعاني الداخلة عليها، وذكرت فيه من اشتقاق الأسماء، كل ما تكلمت به علماء البصريين، والكوفيين، وغيرهم من أهل اللغة، وهو مجلدة ضخمة، تحتوي على عشرين كراسة، في كل وجهة عشرون سطراً.
ولما درج الإمام المستنجد بالله، وأتاح الله الخروج من ذلك الضيق، وولي بعده الإمام العادل الرحيم، المستضئ بالله أمير المؤمنين، وشملت رحمته من كان في السجن من الأمة، حتى لم يبق فيه أحداً إلا أفرج عنه، ومن وجد له بخزانته المعمورة من ماله شيئاً عليه اسمه، أعاده عليه، وكل من كان في ولاية، أعاده إليها، ومن وجد من ملكه شيئاً تحت الاعتراض، أفرج عنه، وأعاده إليه، وأنا ممن أنعم في حقه، بإعادة خرقة كان ختمها باقياً عليها، واسمي فيها ثلاثمائة دينار إمامية صحاح، من جملة ما أخذ من مالي، فأعادها علي، وأعاد علي سهاماً في ثلث قراي بالرذان، وقراحاً ببلدة الحظيرة، وما كان فات وبيع لم يرجع، وأنعم في حقي بإعادة ولايتي علي، وتقريبي واستخدامي في مهام عدة، وكان الوسيط في ذلك كله، الوزير عضد الدولة، أبو الفرج بن رئيس الرؤساء، وكان محباً لإسداء العوارف والاصطناع، وجذب الباع، وإدخال المكارم عند الرجال، وكان كريماً رحب الفناء لأرباب الحوائج، بعيداً ما ينفصل من بابه محروم.
هذا آخر ما نقلته من خطه، واجتمعت بولده قوام الدين، أبي محمد عبد الله، بن أحمد، وقد أفردت له ترجمة في هذا الكتاب، فأنشدني لوالده من حفظه:
فراد المشوق كثير العنا ... ومن كتم الوجد أبدى الضنا
وكم مدنف في الهوى بعدهم ... وكانوا الأماني له والمنا
لقد خلفوه أخا لوعة ... موله شوق يعاني العنا
ينادي من الشوق في إثرهم ... إذا آده ما به قد منا

بيا جسداً ناحلاً بالعراق ... مقيماً وقلباً بوادي منى
تحرقه زفرات الحني ... ن ويغدو بهن الشجا ديدنا
وهي طويلة، قالها في زعيم الدين بن جعفر، عند عوده من مكة،

أحمد بن أبي عمر، المقرئ، المعروف بأحمد الزاهد
أبو عبد الله الأندرابي، مات في العشرين من ربيع الأول، سنة سبعين وأربعمائة، ذكره عبد الغافر، وقال: شيخ زاهد عابد، عالم بالقراءات، له التصانيف الحسنة في علم القراءات، سمع الحديث، وأكثر سماعه مع السيد أبي المعالي، جعفر بن حيدر العلوي، الهروي الصوفي، وكان رفيقه، سمعا صحيح مسلم وغيره، وروى عن محمد بن يحيى ابن الحسن الحافظ. روى عنه أبو الحسن الحافظ.
أحمد بن محمد، بن بشر، بن سعد المرثدي، أبو العباس
ذكره الطيب فقال: كنيته أبو علي، ومات في صفر: سنة ست وثمانين ومائتين، وذكر ابن بنت الغرياني أنه مات في سنة أربع وثمانين، وسمع علي ابن الجعد، والهيثم بن خارجة في آخرين، وروى عنه أبو بكر الشافعي وغيره، وكان عبد الرحمن بن يوسف يثني عليه، وقال ابن المنادي: هو أحد الثقات، وذكره محمد بن إسحاق النديم فقال: كنيته أبو العباس الكبير، وهو الذي كان ابن الرومي يكاتبه في السمك كان المرثدي يكتب للموفق في خاصة أمره، وله من الكتب: كتاب الأنواء في نهاية الحسن، كتاب رسائله، كتاب أشعار قريش، وعليه عول أبو بكر الصولي في كتاب الأوراق، وله انتحل، وقد ذكرت ذلك في أخبار الصولي.
أحمد بن محمد، بن عاصم، أبو سهل الحلواني
ذكره محمد بن إسحاق النديم، وقال: بينه وبين أبي سعيد السكري نسب قريب، فروى عن أبي سعيد كتبه، وكان كثيراً ما توجد بخطه، وخطه في نهاية القبح، إلا أنه من العلماء، وله من الكتب: كتاب المجانين الأدباء.
أحمد بن محمد، بن بنت الشافعي
هو صحيح الخط، متقن الضبط، من أهل الأدب، يعتمد على خطه وضبطه، لا أعرف من خطه إلا ما رأيته بخطه، بكتاب تفسير القرآن، لابن جرير الطبري، وقد ذكر عند خاتمته " وكتبه أحمد بن محمد، بن بنت الشافعي، وراق الجهشياري " .
أحمد بن محمد، بن سليمان، بن بشار، الكاتب
ذكره محمد بن إسحاق النديم فقال: هو أستاذ أبي عبد الله الكوفي الوزير، وكان أحد الأفاضل من الكتاب بلاغة، وفصاحة، وصناعة، وله كتاب الخراج نحو ألف ورقة، وكتاب الشراب والمنادمة.
أحمد بن محمد، المهلبي أبو العباس
كذا ذكره محمد بن إسحاق النديم في كتابه، وقال: هو مقيم بمصر ويعرف بالبرجاني وله من الكتب: كتاب شرح علل النحو، كتاب المختصر في النحو، وكان بمصر نحوي يعرف بالمهلبي، اسمه علي بن أحمد، وكان في هذا العصر. فإن كان هذا، فقد وهم النديم في اسمه، وإلا فهو غيره، والله أعلم، وقد كتبنا لذلك ترجمة في بابه.
أحمد بن محمد، بن نصر
الجيهاني أبو عبد الله، وزير نصر بن أحمد، بن نصر الساماني، صاحب خراسان، كان أديباً فاضلاً، ذكره محمد بن إسحاق النديم، وقال: له من الكتب كتاب آئين، كتاب العهود والخلفاء والأمراء، كتاب المسالك والممالك، كتاب الزيادات في كتاب الناشئ من المقالات، ولأحمد بن أبي بكر الكاتب، يهجو أبا عبد الله الجيهاني:
أيا رب فرعون لما طغى ... وتاه وأبطره ما ملك
لطفت وأنت اللطيف الخبير ... فأقحمته اليم حتى هلك
فما بال هذا الذي لا أرا ... ه يسلك إلا الذي قد سلك
مصوناً على نائبات الدهو ... ر يدور بما يشتهيه الفلك
ألست على أخذه قادراً ... فخذه وقد خصل الملك لك
فقد قرب الأمر من أن يقا ... ل ذا الأمر بينهما مشترك
وإلا فلم صار يملي له ... وقد لج في غيه وانهمك
ولن يصفو الملك مادام ه ... ذا شريكاً وهل ثم شك
ذكر هذه الأبيات أبو الحسن، محمد بن سليمان، ابن محمد في كتاب فريد التاريخ، في أخبار خراسان، وقال فيه بعضهم يهجوه، قال: وأظنه اللحام:
لا لسان لا رواء ... لا بيان لا عبارهْ
لا ولا رد سلام ... منك إلا بالإشارهْ
أنا أهواك ولكن ... أين آثار الوزارهْ

قال: ثم مات السديد، منصور بن نوح، وقام مقامه الرضي أبو القاسم، نوح بن منصور، والجيهاني على وزارته، ثم صرفت عنه الوزارة في شهر ربيع الآخر سنة سبع وستين وثلاثمائة، ووليها أبو الحسين عبد الله بن أحمد العتبي.

أحمد بن محمد، بن يزداد، بن رستم
أبو جعفر النحوي الطبري، سكن بغداد، قال الخطيب: وحدث بها عن نصير بن يوسف، وهاشم بن عبد العزيز، صاحبي علي بن حمزة الكسائي، روى بإسناده قال: قال عبد الله بن مسعود: إني قد سمعت القراء، فوجدتهم متقاربين، فاقرءوا كما علمتم، فإنما هو كقول أحدكم هلم، وتعال. قال عمر بن محمد، بن سيف الكاتب: سمعت من ابن رستم، في سنة أربع وثلاثمائة. قال محمد بن إسحاق النديم: وله من الكتب: كتاب غريب القرآن، كتاب المقصور والممدود، كتاب المذكر والمؤنث، كتاب صورة الهمز، كتاب التصريف، كتاب النحو، وقرأت في كتاب الغاية، لأبي بكر بن مهران النيسابوري في القراءات: قرأت على أبي عيسى، بكار بن أحمد المقرئ قال: قرأت على أبي جعفر، أحمد بن محمد، بن رستم الطراني، وكان مؤدباً في دار الوزير بن الفرات، ووصلنا إليه بالحيل والشفعاء، وكان بصيراً بالعربية، حاذقاً في النحو، أخذ القراءات عن نصير بن يوسف، أبي المنذر النحوي، صاحب الكسائي، وأخذ نصير عن الكسائي.
أحمد بن محمد، بن عبد الله، بن صالح
ابن شيخ بن عمير، أبو الحسن، أحد أصحاب أبي العباس ثعلب، ذكره المرزباني في كتاب المقتبس، وقال ابن بشران في تاريخه: في سنة عشرين وثلاثمائة، مات أبو بكر بن أبي شيخ ببغداد، وكان محدثاً أخبارياً، وله مصنفات، ولا أدري أهو هذا، أم غيره؟ فإن الزمان واحد، وكلاهما أخباري، والله أعلم، ولعل ابن بشران غلط في جعله ابن أبي شيخ، أو جعله أبا بكر، والله أعلم.
حدث المرزباني، عن عبد الله بن يحيى العسكري، قال: أنشدني أبو الحسن، أحمد بن محمد، بن صالح، بن شيخ ابن عمير الأسدي لنفسه، وكتب بها إلى بعض إخوانه:
كنت يا سيدي على التطفيل ... أمس لولا مخافة التثقيل
وتذكرت دهشة القارع البا ... ب إذا ما أتى بغير رسول
وتخوفت أن أكون على القو ... م ثقيلاً فقدت كل ثقيل
لو تراني وقد وقفت أروي ... في دخول إليك أو في قفول
لرأيت العذراء حين تحايا ... وهي من شهوة على التعجيل
وحدث عن عمر بن بنان النماطي، عن أبي الحسن الأسدي قال: تركت النبيذ، وأخبرت أبا العباس ثعلباً بتركي إياه، ثم لقيت محمد بن عبد الله، بن طاهر، فسقاني فمررت على ثعلب، وهو جالس على باب منزله عشياً، فلما رآني أتكفأ في مشيتي، علم أني شارب، فقام ليدخل إلى منزله، ثم وقف على بابه، فلما حاذيته وسلمت عليه، أنشأ يقول:
فتكت من بعد ما نسكت وصا ... حبت ابن سهلان صاحب القسط
إن كنت أحدثت زلة غلطاً ... فالله يعفو عن زلة الغلط
قال عمر: فسألت ثعلباً عن ابن سهلان صاحب القسط، فقال: أهل الطائف يسمون الخمار صاحب القسط.
وحدث عن الصولي قال: انشدني أبو الحسن، أحمد بن محمد الأنباري لنفسه، في قصيدته المزدوجة، التي تمم بها قصيدة علي بن الجهم، التي ذكر فيها الخلفاء إلى زمانه:
ثم تولى المستعين بعده ... فحاز بيت ماله وجنده
ثم أتى بغداد في محرم ... إحدى وخمسين برأي مبرم
وذكر قطعة من أخباره، ثم قال:
وثبتت خلافة المعتز ... ولم يشب أمروه بعجز
وذكر طرفاً من أموره، ثم قال:
وقلدوا محمد بن الواثق ... في رجب من غير أمر عائق
وقال أيضاً:
المهتدي بالله دون الناس ... جاء به الرحمن بعد الياس
ثم قال بعد أبيات:
وقام بالأمر الإمام المعتمد ... إمام صدق في صلاح مجتهد
وساق قطعة من سيرته.
أحمد بن محمد، جراب الدولة

هو أحمد بن محمد، بن علويهْ، من أهل سجستان، ويكنى أبا العباس، وكان طنبورياً أحد الظرفاء الطياب، كان في أيام المقتدر، وأدرك دولة بني بويه، فلذلك سمى نفسه بجراب الدولة، لأنهم كانوا يفتخرون بالتسمية في الدولة، وكان يلقب بالريح أيضاً، وله: كتاب ترويح الأرواح ومفتاح السرور والأفراح، لم يصنف في فنه مثله اشتمالاً على فنون الهزل والمضاحك.

أحمد بن محمد، بن إسحاق
،
بن إبراهيم، الهمذاني أبو عبد الله، يعرف بابن الفقيه، أحد أهل الأدب، ذكره محمد بن إسحاق في كتابه، الذي ألفه في سنة سبع وسبعين وثلاثمائة قال: وله كتاب البلدان نحو ألف ورقة، أخذه من كتب الناس، وسلخ كتاب الجيهاني، وكتاب ذكر الشعراء المحدثين، والبلغاء منهم والمفحمين.
وقال شيرويه: محمد بن إسحاق، بن إبراهيم، الفقيه أبو أحمد، والد أبي عبيد الأخباري، روى عن إبراهيم بن حميد البصري وغيره، وروى عنه ابنه أبو عبد الله، وقال شيرويه: أحمد بن أحمد، بن محمد، بن إسحاق، بن إبراهيم الأخباري، أبو عبد الله، يعرف بابن الفقيه، ويلقب بحالان، صاحب كتاب البلدان، روى عن أبيه، وإبراهيم بن الحسين، بن ديزيل، ومحمد بن أيوب الرازي، وأبي عبد الله الحسين، بن أبي السرح الأخباري، وذكر جماعة قال: وروى عنه أبو بكر بن بلال، وأبو بكر بن روزنة، ولم يذكر وفاته.
أحمد بن محمد، بن الوليد
،
بن محمد، يعرف بولاد من أهل بيت علم، ولأبيه وجده ذكر في هذا الكتاب، وتراجم في مواضعها، وكنية أحمد هذا، أبو العباس. مات فيما ذكره الزبيدي في كتابه سنة اثنتين وثلاثمائة، قال: وكان بصيراً بالنحو، ساداً فيه، ورحل إلى بغداد من موطنه مصر، ولقي إبراهيم الزجاج وغيره، وكان الزجاج يفضله، ويقدمه على أبي جعفر النحاس، وكانا جميعاً تلميذيه، وكان الزجاج لايزال يثني عليه عند كل من قدم إلى بغداد من مصر، ويقول لهم: لي عندكم تلميذ من حاله وصفته كذا، فيقال له: أبو جعفر النحاس، فيقول: بل أبو العباس بن ولاد. قال: وجمع بعض ملوك مصر بين ابن ولاد، وابن النحاس، وأمرهما بالمناظرة، فقال ابن النحاس لابن ولاد: كيف تبني مثال أفعلوت من رميت، فقال ابن ولاد: أقول ارمييت، فخطأه أبو جعفر، وقال: ليس في كلام العرب افعلوت، ولا افعليت، فقال أبو العباس: إنما سألتني أن أمثل لك بناء ففعلت، وإنما تعقله أبو جعفر بذلك.
قال الزبيدي: ولقد أحسن في قياسه، حين قلب الواو ياء، وقد كان أبو الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش: يبني من الأمثلة، ما لا مثال له في كلام العرب، وله كتاب المقصور والممدود، وكتاب الانتصار لسيبويه، فيما ذكره المبرد.
أحمد بن محمد، البشتي الخارزنجي
قال السمعاني: خارزنج قرية بنواحي نيسابور، بناحية بشت، والمشهور من هذه القرية: أبو حامد، أحمد بن محمد الخارزنجي، إمام أهل الأدب بخراسان في عصره بلا مدافعة، فإن فضلاء عصره شهدوا له، لما حج بعد الثلاثين وثلاثمائة، وشهد له أبو عمر الزاهد، صاحب ثعلب، ومشايخ العراق بالتقدم، وكتابه المعروف بالتكملة، البرهان في تقدمه وفضله، ولما دخل بغداد، تعجب أهلها من تقدمه في معرفة اللغة، فقيل: هذا الخراساني لم يدخل البادية قط، وهو من آدب الناس، فقال: أنا بين عربين: بشت، وطوس. سمع الحديث من أبي عبد الله محمد بن إبراهيم البوشنجي، وحدث، سمع منه الحاكم أبو عبد الله الحافظ، ومات في رجب سنة ثمان وأربعين وثلاثمائة، وهذا كله نقله السمعاني من كتاب الحاكم أبي عبد الله.

قال الأزهري: وممن ألف وجمع من الخراسانيين في زماننا هذا فصحف، وأكثر فغير، رجلان: أحدهما يسمى أحمد بن محمد البشتي، ويعرف بالخارزنجي، والآخر أبو الأزهر البخاري، فأما الخارزنجي، فإنه ألف كتاباً سماه التكملة، أراد أنه كمل كتاب العين، المنسوب إلى الخليل بن أ؛مد بكتابه، وأما البخاري: فإنه سمى كتابه الحصائل، فأعاره هذا الاسم، لأنه أراد تحصيل ما أغفله الخليل، ونظرت في أول كتاب البشتي، فرأيته أثبت في صدره الكتب المؤلفة، التي استخرج كتابه منها، وعدد كتباً. قال الخارزنجي: استخرجت ما وضعت في كتابي هذا من الكتب المذكورة. قال: ولعل بعض الناس يبتغي العيب بتهجينه والقدح فيه، لأني أسندت ما فيه إلى هؤلاء العلماء من غير سماع، وإنما إخباري عن صحفهم، كإخباري عنهم، ولا يزرى ذلك على من عرف الغث من السمين، وميز بين الصحيح والسقيم، وقد فعل مثل ذلك أبو تراب، صاحب كتاب الاعتقاب، فإنه روى عن الخليل بن أحمد، وأبي عمرو بن العلاء، والكسائي، وبينه وبين هؤلاء فترة، وكذلك العتبي روى عن سيبويه، والأصمعي، وأبي عمرو، وهو لم ير منهم أحداً، قال المؤلف: ورد عليه الأزهري في هذا الفصل، بما يطول على كتبه، وله من الكتب: كتاب التكملة، كتاب التفصلة، كتاب تفسير أبيات أدب الكاتب.

أحمد بن محمد، بن إسحاق، بن أبي خميصة
يعرف بالحرمي بن أبي العلاء، أبو عبد الله، من أهل مكة، سكن بغداد، ذكره الخطيب فقال: مات سنة سبع عشرة وثلاثمائة، وكان كاتب أبي عمر محمد بن يوسف القاضي، وحدث عن الزبير بكتاب النسب وغيره. وحدث عنه أبو حفص بن شاهين، وأبو عمر بن حيوية، وأكثر عنه أبو الفرج، علي بن الحسين الأصبهاني وغيره.
أحمد بن محمد، بن موسى، بن العباس، أبو محمد
ذكره ابن الجوزي في المنتظم، وقال: كان معتنياً بأمر الأخبار، وطلب التواريخ، وولي حسبة سوق الرقيق، وكتب عنه، ومات في محرم سنة أربع وعشرين وثلاثمائة.
أحمد بن محمد، بن عبد الله الزردي
اللغوي، العلامة النيسابوري، أبو عمر الزردي، من قرى إسفرايين، من رساتيق نيسابور، ذكره الحاكم، وقال: مات أبو عمرو الزردي في شعبان، سنة ثمان وثلاثين وثلاثمائة، قال: وكان واحداً في هذه الديار في عصره، بلاغة وبراعة، وتقدماً في معرفة أصول الأدب، وكان رجلاً ضعيف البنية مسقاماً، يركب حماراً ضعيفاً، ثم إذ تكلم، تحير العلماء في براعته، سمع الحديث الكثير من أبي عبد الله محمد ابن المسيب الأرغياني، وأبي عوانة يعقوب بن إسحاق، وأقرانهما.
قال الحاكم: سمعت الأستاذ أبا عمرو الزردي في منزلنا يقول: إن الله إذا فوض سياسة خلقه، إلى واحد يخصه لها منهم، وفقه لسداد السيرة، وأعانه بإلهامه، من حيث رحمته تسع كل شيء، ولمثل ذلك، كان يقول ابن المقفع: تفقدوا كلام ملوككم، إذ هم موفقون للحكمة، ميسرون للإجابة، فإن لم تحظ به عقولكم في الحال، فإن تحت كلامهم حيات فواغر، وبدائع جواهر، وكان بعضهم يقول: ليس لكلام سبيل أولى من قبول ذلك، فإن ألسنتهم ميازيب الحكمة والإصابة. قال: وسمعت أبا عمر الزردي يقول: العلم علمان: علم مسموع، وعلم ممنوح.
أحمد بن محمد، بن عبد ربه

بن حبيب، بن حدير ابن سالم، مولى هشام بن عبد الرحمن، بن معاوية، ابن هشام، بن عبد الملك، بن مروان، كنيته أبو عمر، ذكره الحميدي، وقال: إنه مات في سنة ثمان وعشرين وثلاثمائة، ومولده سنة ست وأربعين ومائتين. عن إحدى وثمانين سنة، وثمانية أشهر، وثمانية أيام، وهو من أهل بلاد الأندلس، قال الحميدي: وأبو عمر من أهل العلم، والأدب، والشعر، وهو صاحب كتاب العقد في الأخبار، مقسم على عدة فنون، وسمى كل باب منه على نظم العقد، كالواسطة، والزبرجدة، والياقوتة، والزمردة، وما أشبه ذلك، وبلغني أن الصاحب بن عباد، سمع بكتاب العقد، فحرص حتى حصل عنده، فلما تأمله، قال: " هذه بضاعتها ردت إلينا " ، ظننت أن هذا الكتاب يشتمل على شيء من أخبار بلادهم، وإنما هو مشتمل على أخبار بلادنا،لا حاجة لنا فيه، فرده. قال الحميدي: وشعره كثير مجموع، رأيت منه نيفاً وعشرين جزءاً، من جملة ما جمع للحكم بن عبد الله الملقب بالناصر الأموي سلطان العرب، وبعضها بخطه. قال: وكانت لأبي عمر بالعلم جلالة، وبالأدب رياسة وشهرة، مع ديانته وصيانته، واتفقت له أيام وولايات للعلم، فيها نفاق، فتسود بعد المول، وأثرى بعد فقر، وأشير بالتفضيل إليه، إلا أنه غلب عليه الشعر، ومن شعره وكان بعض من تألفه قد أزمع لعى الرحيل في غداة عينها، فأتت السماء في تلك الغداة بمطر جود، منعته من الرحيل، فكتب إليه أبو عمر ابن عبد ربه:
هلا ابتكرت لبين أنت مبتكر ... هيهات يأبى عليك الله والقدر
مازلت أبكي حذار البين ملتهفاً ... حتى رثا لي فيك الريح والمطر
يا برده من حيا مزن على كبد ... نيرانها بغليل الشوق تستعر
آليت ألا أرى شمساً ولا قمراً ... حتى أراك فأنت الشمس والقمر
ومن شعره السائر:
الجسم في بلد والروح في بلد ... يا وحشة الروح بل يا غربة الجسد
إن تبك عيناك لي يا من كلفت به ... من رحمة فهما سهمان في كبد
قال: ووقف ابن عبد ربه تحت روشن لبعض الرؤساء، قد رش بماء وكان فيه غناء حسن، ولم يعرف لمن هو؟ فقال:
يا من يضن بصوت الطائر الغرد ... ما كنت أحسب هذا البخل في أحد
لو أن أسماع أهل الأرض قاطبة ... أصغت إلى الصوت لم ينقص ولم يزد
فلا تضن على سمعي تقلده ... صوتاً يجول مجال الروح في الجسد
لو كان زرياب حيا ثم أسمعه ... لذاب من حسد أو مات من كمد
أما النبيذ: فإني لست أشربه ... ولست آتيك إلا كسرتي بيدي
وزرياب عندهم، يجري مجرى إسحاق بن إبراهيم الموصلي في صنعة الغناء ومعرفته، وله أصوات مدونة، ألفت الكتب فيها، وضربت به الأمثال. قال: ولأبي عمر أيضاً أشعار كثيرة، سماها الممحصات، وذلك أنه نقض كل قطعة قالها في الصبا والغزل، بقطعة في المواعظ والزهد، وأرى أن من ذلك قوله:
ألا إنما الدنيا غضارة أيكة ... إذا اخضر منها جانب جف جانب
هي الدار ما الآمال إلا فجائع ... عليها ولا اللذات إلا مصائب
وكم أسخنت بالأمس عيناً قريرة ... وقرت عيون دمعها الآن ساكب
فلا تكتحل عيناك منها بعبرة ... على ذاهب منها فإنك ذاهب
ومن شعره، وهو آخر شعر قاله فيما قيل:
بليت وأبلتني الليالي بكرها ... وصرفان للأيام معتوران
ومالي لا أبكي لسبعين حجة ... وعشر أتت من بعدها سنتان

وقد أجاز لي رواية كتابه الموسوم بالعقد، الحافظ ذو النسبين، بني دحية والحسين، أبو الخطاب عمر بن الحسين، المعروف بابن دحية المغربي السبتي، فإنه رواه عن شيخه أبي محمد عبد الحق، بن عبد الملك، بن ثوبة العبدي، عن شيخه أبي عبد الله، محمد بن معمر، عن شيخه أبي بكر، محمد بن هشام المصحفي عن أبيه، عن زكريا بن بكير، بن الأشبح، عن المصنف. وقسم كتاب العقد على خمسة وعشرين كتاباً، كل كتاب منها جزءان، فذلك خمسون جزءاً في خمسة وعشرين كتاباً، كل كتاب باسم جوهرة من جواهر العقد، فأولها: كتاب اللؤلؤة في السلطان، ثم كتاب الفريدة في الحروب، ثم كتاب الزبرجدة في الأجواد، ثم كتاب الجمانة في الوفود، ثم كتاب المرجانة في مخاطبة الملوك، ثم كتاب الياقوتة في العلم والأدب، ثم كتاب الجوهرة في الأمثال، ثم كتاب الزمردة في المواعظ، ثم كتاب الدرة في التعازي والمراثي، ثم كتاب اليتيمة في الأنساب، ثم كتاب العسجدة في كلام الأعراب، ثم كتاب المجنبة في الأجوبة، ثم كتاب الواسطة في الخطب، ثم كتاب المجنبة الثانية، في التوقيعات، والفصول، والصدور، وأخبار الكتبة، ثم كتاب العسجدة الثانية في الخلفاء وأيامهم، ثم اليتيمة الثانية في أخبار زياد، والحجاج، والطالبيين، والبرامكة، ثم الدرة الثانية في أيام العرب ووقائقعهم، ثم الزمردة الثانية في فضائل الشعر، ومقاطعه ومخارجه، ثم الجوهرة الثانية في أعرايض الشعر، وعلل القوافي، ثم الياقوة الثانية في علم الألحان واختلاف الناس فيه، ثم المرجانة الثانية في النساء وصفاتهن، ثم الجمانة الثانية في المتنبئين زالممرورين، والطفيليين، ثم الزبرجدة الثانية في التحف، والهدايا، والنتف، والفاكهات والملح، ثم الفريدة الثانية في الهيئات والبنائين، والطعام والشراب، ثم اللؤلؤة الثانية في طبائع الإنسان، وسائر الحيوان، وتفاضل البلدان، وهو آخر الكتاب: ومن شعر ابن عبد ربه:
ودعتني بزورة واعتناق ... ثم نادت متى يكوت التلاقي
وبدت لي فأشرق الصبح منها ... بين تلك الجيوب والأطواق
يا سقيم الجفون من غير سقم ... بين عينيك مصرع العشاق
إن يوم الفراق أقطع يوم ... ليتني مت قبل يوم الفراق
ومن شعره أيضاً:
يا ذا الذي خط الجمال بخده ... خطين هاجا لوعة وبلابلا
ما صح عندي أن لحظك صارم ... حتى لبست بعارضيك حمائلا
قال: أخبرني بعض العلية: أن الخطيب أبا الوليد ابن عسال، حج، فلما انصرف، تطلع إلى لقاء المتنبئ واستشرف، ورأى أن لقيته فائدة يكتسبها، وحلة فخر لا يحتسبها، فصار إليه، فوجده في مسجد عمرو بن العاص، ففاوضه قليلاً ثم قال: ألا أنشدني لمليح الأندلس، يعني ابن عبد ربه فأنشده:
يا لؤلؤاً يسبي العقول أنيقا ... ورشاً بتقطيع لاقلوب رفيقا
ما إن رأيت ولا سمعت بمثله ... ورداً يعود من الجناء عقيقا
وإذا نظت إلى محاسن وجهه ... أبصرت وجهك في سناه غريقا
يا من تقطع خصره من ردفه ... ما بال قلبك لا يكون رقيقا
فلما أكمل إنشاده، استعادها منه، ثم صفق بيديه. وقال: يا ابن عبد ربه، لقد يأتيك العراق حبواً. ثم إن ابن عبد ربه، أقلع في آخر عمره عن صبوته، وأخلص لله في توبته، فاعتبر أشعاره التي قالها في الغزل واللهو، وعمل على أعاريضها وقوافيها في الزهد، وسماها الممحصات، فمنها القطعة التي أولها: هلا ابتكرت لبين أنت مبتكر محصها بقوله:
يا قادراً ليس يعفو حين يقتدر ... ماذا الذي بعد شيب الرأس تنتظر؟
عاين بقلبك إن العين غافلة ... عن الحقيقة واعلم أنها سقر
سوداء تزفر من غيظ إذا سعرت ... للظالمين فما تبقي ولا تذر
لو لم يكن لك غير الموت موعظة ... لكان فيه عن اللذات مزدجر
أنت المقول له ما قلت مبتدئاً ... هلا ابتكرت لبين أنت مبتكر

أحمد بن محمد، بن إسماعيل النحاس

أبو جعفر من أهل مصر، رحل إلى بغداد، فأخذ عن المبرد، والأخفش علي بن سليمان، ونفطويه، والزجاج، وغيرهم. ثم عاد إلى مصر فأقام بها إلى أن مات بها، فيما ذكره أبو بكر الزبيدي في كتابه، في سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة.
وأبو جعفر هذا: صاحب الفضل الشائع والعلم المتعارف الذائع، يستغني بشهرته، عن الإطناب في صفته.
قال الزبيدي: ولم يكن له مشاهدة، فإذا خلا بعلمه جود وأحسن، وكان لا ينكر أن يسأل أهل النظر والفقه، ويفاتشهم عما أشكل عليه في تصانيفه. قال الزبيدي: فحدثني قاضي القضاة بالأندلس، وهو المنذر بن سعيد البلوطي قال: أتيت ابن النحاس في مجلسه بمصر، فألفيته يملي في أخبار الشعراء شعر قيس بن معاذ المجنون، حيث يقول:
خليلي هل بالشام عين حزينة ... تبكي على نجد لعلي أعينها؟
قد اسلمها الباكون إلا جمامة ... مطوقة باتت وبات قرينها
تجاوبها أخرى على خيزرانة ... يكاد يدنيها من الأرض لينها
فقلت: يا ابا جعفر، ماذا - أعزك الله - باتا يصنعان؟ فقال لي: وكيف تقوله أنت يا أندلسي؟ فقلت: بانت وبان قرينها، فسكت، ومازال يستثقلني بعد ذلك، حتى منعني كتاب العين، وكنت ذهبت إلى الانتساخ من نسخته، فلما قطع بي، قيل انتسخ من أبي العباس ابن ولاد، فقصدته، فلقيت رجلاً كامل العلم، حسن المروءة، وسألته الكتاب فأخرجه غلي، ثم تندم أبو جعفر لما بلغه إباحة ابن العباس الكتاب لي، وعاد إلى ما كنت أعرفه منه.
قال: وكان أبو جعفر لئيم النفس، شديد التقتير على نفسه، وكان ربما وهبت له العمامة، فقطعها ثلاث عمائم، وكان يأبى شرى حوائجه بنفسه، ويتحامل فيها على أهل معرفته، وصنف كتباً حساناً مفيدة، منها كتاب الأنوار، كتاب الاشتقاق لأسماء الله عز وجل، كتاب معاني القرآن، كتاب اختلاف الكوفيين والبصريين سماه " المقنع " ، كتاب أخبار الشعراء، كتاب أدب الكتاب، كتاب الناسخ والمنسوخ، كتاب الكافي في النحو، كتاب صناعة الكتاب، كتاب إعراب القرآن، كتاب شرح السبع الطوال، كتاب شرح أبيات سيبويه، كتاب الاشتقاق، كتاب معاني الشعر، كتاب التفاحة في النحو، كتاب أدب الملوك.
وسمعت من يحكي: أن تصانيفه تزيد على الخمسين مصنفاً، وقد ذكر أبو عبد الله الحميدي: القاضي المذكور في قصة ابن النحاس، وقال: هو أبو الحكم، المنذر ابن سعيد، يعرف بالبلوطي، ينسب إلى موضع هناك قريب من قرطبة، يقال له فحص البلوط، ولي قضاء الجماعة بقرطبة، في حياة الحكم المستنصر، وذكر له قصة استحسنتها فأثبتها ههنا، إذ لم أجعل له ترجمة، لأنه لم يذكره بالتصنيف في الأدب، فقال: كان الحكم المستنصر مشغوفاً بأبي علي القالي، ييؤهله لكل مهمة في بابه، فلما ورد رسول ملك الروم، أمره عند دخول الرسول إلى الحضرة أن يقوم خطيباً، بما كانت العادة جارية به، فلما كان في ذلك الوقت، وشاهد أبو علي الجمع، وعاين الحفل، جبن ولم تحمله رجلاه، ولا ساعده لسانه، ففطن له أبو الحكم، منذر بن سعيد القاضي، فوثب وقام مقامه، وارتجل خطبة بليغة على غير أهبة، وأنشد لنفسه في آخرها:
هذا المقال الذي ما عابه فند ... لكن صاحبه أزرى به البلد
لو كنت فيهم غريباً كنت مطرفاً ... لكنني منهم فاغتالني النكد
لولا الخلافة أبقى الله بهجتها ... ما كنت أبقى بأرض ما بها أحد
واتفق الجمع على استحسانه، وجمال استدراكه، وصلب العلج وقال: هذا كبش رجال الدولة، ثم ذكر قصته مع ابن النحاس بعينها.

أحمد بن محمد بن حمادة أبو الحسن الكاتب
حسن الأدب، من أفاضل الكتاب، صنف الكتب ولقي الأدباء، وله كتاب امتحان الكتاب، وديوان ذوي الألباب، كتاب شحذ الفطنة، كتاب الرسائل، ذكر ذلك محمد بن إسحاق.
أحمد بن محمد، بن عبد الله، بن هارون
أبو الحسين، أظنه من عسكر مكرم، لأنه اعتنى بشرح مختصر محمد بن علي، بن غسماعيل المبرمان، ثم قرأت في بعض المجموعات:

تقدم رجلان إلى القاضي أبي أحمد بن أبي علان، - رحمه الله - ، فادعى أحدهما على الآخر شيئاً، فقال المدعي عليه: ماله عندي حق، فقال القاضي: من هذا؟ فقالوا: ابن هارون النحوي العسكري، فقال القاضي: فاعطه ما أقررت له به. له شرح كتاب التلقين، رأيته وسماه البارع، وكتاب شرح العيون، وكتاب شرح المجاري، رأيت كتاب شرح التلقين بخطه، وقد كتبه في رجب، سنة تسع وستين وثلاثمائة.

أحمد بن محمد، بن ميمون
بن أحمد، بن نصر، بن ميمون ابن مروان بن الأسلمي، الكفيف النحوي أبو عمرو، قال ابن الفرضي: هو من أهل قرطبة، ويقال له اشكابة. سمع من قاسم بن أصبغ، ومحمد بن محمد الخشني وغيرهما، وكان صالحاً عفيفاً، أدب عند الرؤساء والجلة من الملوك، ومات لإحدى عشرة ليلة خلت من شوال، سنة تسعين وثلاثمائة.
أحمد بن محمد،العروضي
بن أحمد أبو الحسن، العروضي معلم أولاد الراضي بالله، وجدت على كتابه في العروض بخطه، وقد قرئ عليه في سنة ست وثلاثين وثلاثمائة. وكان إماماً في علم العروض، حتى قال ابو علي الفارسي في بعض كتبه، وقد احتاج إلى الاستشهاد ببيت قد تكلم عليه في التقطيع: " وقد كفانا أبو الحسن العروضي الكلام في هذا الباب " ولقي أبو الحسن ثعلباً وأخذ عنه، وروى أبو عبيد الله محمد بن عمران المرزباني: نقلت من كتاب ألفه أبو القاسم عبيد الله بن جرو الأسدي في العروض، وكان الكتاب بخط أبي الحسن السمسماني يقول فيه: وكان أبو الحسن علي بن أحمد العروضي، عمل كتاباً كبيراً، وحشاه بما قد ذكر أكثره، ونقل كلام أبي إسحاق الزجاج، وزاد فيه شيئاً قليلاً، وضم إليه باباً في علم القوافي، وذاك علم مفرد مثل علم العروض، وفيه مسائل لطيفة، واختلاف كثير، يحتاج إلى كشف واستقصاء نظر، ولم أره كبير عمل، ولو نسخ كتاب أبي الحسن الأخفش في القوافي، لكان أعذر عندي، ثم ضم إليه باباً في استخراج المعمي، وهذا لا يتعلق بالعروض، وضم إليه باباً في الإيقاع ونسبه، وغيره به أحذق، وختمه بقصيدة في العروض، ولم يفد بها غير التكرير، وكان ينبغي أن يوفي صناعته حقها، ولا يخل بشيء منها، ثم يتعرض لما قد ضمه إليها.
أحمد بن محمد التاريخي
،
الرعيني بالأندلس الحميدي: عالم بالأخبار، ألف في مآثر المغرب كتباً جمة، منها: كتاب ضخم ذكر فيه مسالك الأندلس ومراسيها، وأمهات مدنها وأجنادها الستة، وخواص كل بلد منها، ذكره ابن جرير وأثنى عليه.
أحمد بن محمد، بن موسى بن، بشير بن، جناد
ابن لقيط، الرازي الأندلسي، أصله من الري، ذكره أبو نصر الحميدي قال: له كتاب في أخبار ملوك الأندلس وكتابهم وخططها، على نحو كتاب أحمد بن أبي طاهر في أخبار بغداد، وكتاب في أنساب مشاهير أهل الأندلس، في خمس مجلدات ضخم، من أحسن كتاب وأوسعه، كتاب تاريخه الأوسط، كتاب تاريخه الأصغر، كتاب مشاهير أهل الأندلس، في خمسة أسفار، من جيد كتبه.
وقال ابن الفرضي: أصله رازي، قدم أبوه على الإمام محمد، وكان أبوه من أهل اللسن والخطابة، وولد أحمد هذا بالأندلس، يوم الاثنين عاشر ذي الحجة، سنة أربع وسبعين ومائتين، ومات لاثنتي عشرة ليلة خلت من رجب، سنة أربع وأربعين وثلاثمائة.
أحمد بن محمد، بن فرج، الجياني الأندلسي
أبو عمرو وقد ينسب إلى جده، فيقال: أحمد بن فرج، وكذلك أخوه، وهو وافر الأدب، كثير الشعر، معدود في العلماء والشعراء، وله الكتاب المعروف بكتاب الحدائق، ألفه للحكم المستنصر، عارض فيه كتاب الزهرة لابن داود الأصبهاني، إلا أن ابن داود، ذكر مائة باب، في كل باب مائة بيت، وأبو عمرو ذكر مائتي باب، في كل باب مائة بيت، ليس منها باب يكرر اسمه لأبي بكر، ولم يورد فيه لغير الأندلسيين شيئاً، وأحسن الاختيار ما شاء.
وله أيضاً كتاب المنتزين والقائمين بالأندلس وأخبارهم، وكان الحكم قد سجنه لأمر نقمه عليه، قال الحميدي: وأظنه مات في سجنه، وله في السجن أشعار كثيرة مشهورة.
أحمد بن محمد، بن سعيد، بن عبيد الله
ابن أحمد، بن سعيد، بن أبي مريم، أبو بكر القرشي الوراق، وراق أبي الحسن، أحمد بن عمير، بن جوصي، الحافظ الدمشقي، ويعرف بابن فطيس.

قال ابن عساكر في تاريخ دمشق: ومات في شوال سنة خمسين وثلاثمائة، ومولده في رمضان، سنة إحدى وسبعين ومائتين، أو اثنتين وسبعين ومائتين، وهو صاحب الخط الحسن المشهور، مولى جويرية بنت أبي سفيان، روى الحديث عن جماعة من أهل الشام، قال ابن عساكر: وقد ذكره عبد العزيز الكناني وقال: كان ثقة مأموناً، يورق للناس بدمشق، له خط حسن.
قال المؤلف: وإنما ذكرناه، لما اشترطنا في أول الكتاب، من ذكر أرباب الخطوط المنسوبة، فذكرناه لما وصفه به ابن عساكر من جودة الخط، وأما أنا، فلم أر من خطه شيئاً.

أحمد بن محمد، بن الفضل
،
بن جعفر، بن محمد ابن الجراح، أبو بكر الخزاز، سمع أبا بكر ابن دريد، وأبا بكر بن السراج، وأبا بكر بن الأنباري، وروى كثيراً من مصنفاتهم، ومات في سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة، وكان ثقة حسن الأدب والخط، والإتقان، والضبط، فاضلاً أديباً، كثير الكتب، حسن الحال، ظاهر الثروة، روى عنه القاضي أبو العلاء الواسطي، والصيمري، والتنوخي، وأبو الحسين هلال بن المحسن، وأولاد الصابئ كلهم كثيراً من كتب الأدب، متصلة الرواية إلى الآن، وقد روى شيخنا تاج الدين أبو اليمن من طريقه عدة كتب أدبية.
قال أبو القاسم التنوخي: سمعت ابن الجراح يقول: كتبي بعشرة آلاف درهم، ووابي بعشرة آلافدرهم. وسلاحي بعشرة آلاف درهم قال التنوخي: وكان أحد الفرسان، يلبس أداته، ويركب فرسه، ويخرج إلى الميدان، ويطارد الفرسان.
أحمد بن محمد، بن أحمد،الأصبهاني المقرئ "
بن الحسين، بن سعيد، " أبو علي الأصبهاني المقرئ " سكن دمشق، وصنف تصانيف في القراءات، وقرأ القرآن على أبي القاسم، زيد بن علي، بن أحمد، بن أبي بلال الكوفي، وأبي بكر النقاش، وأبي العباس بن الحسن ابن سعد الفاسي، وأبي عبد الله، صالح بن مسلم، بن عبيد الله، بن المقرئ، وأبي الفتح، المظفر بن أحمد، بن إبراهيم، بن برهان. وسمع بدمشق أبا محمد عبد الله بن عطية، وعبد الوهاب بن الحسن الكلابي، والحسين بن علي، وأبا القاسم بن الفرات، وأبا نصر بن الجبان. ومات سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة، بدمشق في شهر ربيع الآخر، وكان لجنازته مشهد عظيم.
أحمد بن محمد، بن هاشم
،
بن خلف، ابن عمرو بن سعيد ابن عثمان، بن سلمان، بن سليمان، القيسي القرطبي الأعرج، يكنى أبا عمر، سمع محمد بن عمر بن لبابة، وأسلم بن عبد العزيز، وأحمد بن خالد، ومال إلى النحو وغلب عليه، وأدب به، وكان وقوراً مهيباً، لا يقدم عليه، ولا عنده هزل، وكان يلقب بالقاضي لوقاره. مات سنة خمس وأربعين وثلاثمائة. قال ابن الفرضي: ذكره محمد ابن حسن.
أحمد بن محمد، بن جعفر، بن ثوابة
يكنى أبا عبد الله، أحد البلغاء الفهماء، وأرباب الاتساع في علم البلاغة، ولي ديوان الرسائل بعد أبيه محمد بن جعفر، في سنة اثنتي عشرة وثلاثمائة، في أيام المقتدر، ولم يزل على ديوان الرسائل، إلى أن مات وهو متوليه، في أيام معز الدولة، في سنة تسع وأربعين وثلاثمائة، فولي ديوان الرسائل بعده، أبو إسحاق الصابئ، حدث أبو الحسين، علي بن هشام الكاتب قال: سمعت الوزير أبا الحسن، علي بن عيسى، يقول لأبي عبد الله، أحمد بن محمد، بن محمد، بن جعفر، بن ثوابة، ما قال: " أما بعد " فما أحد، على وجه الأرض أكتب من جدك، وكان أبوك أكتب منه، وأنت أكتب من أبيك، قال أبو علي المحسن التنوخي: وقد رأيت أنا أبا عبد الله هذا في سنة تسع وأربعمائة، وإليه ديوان الرسائل، وكان نهاية في حسن الكلام والكتبة.
أحمد بن محمد، بن الفضل، الأهوازي
يعرف بابن كثير، صاحب بلاغة وفضل، ذكره محمد بن إسحاق النديم وقال: له من الكتب: كتاب مناقب الكتاب.
أحمد بن محمد، الأفريقي المعروف بالمتيم
أبو الحسن، أحد الأدباء، الفضلاء، الشعراء، له من التصانيف: كتاب الشعراء الندماء، كتاب الانتصار المنبئ عن فضل المتنبئ، وغير ذلك، وله ديوان شعر كبير، قال الثعالبي: رأيته ببخارى شيخاً رث الهيئة، تلوح عليه سيماء الحرفة، وكان يتطبب ويتنجم، فأما صناعته التي يعتمد عليها، فالشعر. ومما أنشدني لنفسه:
وفتية أدباء ما علمتهم ... شبهتهم بنجوم الليل إذ نجموا
فروا إلى الراح من خطب يلم بهم ... فما درت نوب الأيام أين هم؟
قال: وأنشدني أيضاً لنفسه:

تلوم على تركي الصلاة حليلتي ... فقلت أعزبي عن ناظري أنت طالق
فوالله لا صليت لله مفلساً ... يصلي له الشيخ الجليل وفائق
لماذا أصلي أين مالي ومنزلي ... وأين خيولي والحلي والمناطق
أصلي ولا فتر من الأرض يحتوي ... عليه يميني إنني لمنافق؟
بلى إن على الله وسع لم أزل ... أصلي له ما لاح في الجو بارق
وله في تركي:
قلبي أسير في يدي مقلة ... تركية ضاق لها صدري
كأنها من ضيقها عروة ... ليس لها زر سوى السحر

أحمد بن محمد، بن إبراهيم، بن الخطاب
الخطابي أبو سليمان، من ولد زيد بن الخطاب، أخي عمر بن الخطاب، كذا ذكر أبو عبيد الهروي، وكان تلميذه، وأبو منصور الثعالبي، وكان صديقه. مات الخطابي فيما ذكره عبد الرحمن بن عبد الجبار، الفامي الهروي، في تاريخ هراة من تصنيفه " وسماه حمداً " في سنة ثمان وثمانين وثلاثمائة، ومولده في رجب، سنة تسع عشرة وثلاثمائة.
نقلت من خط أبي سعد السمعاني، قال: نقلت من خط الشيخ ابن عمر، توفي الإمام أبو سليمان الخطابي ببست في رباط على شاطئ هندمند، يوم السبت السادس عشر من شهر ربيع الآخر، سنة ست وثمانين وثلاثمائة. وذكر أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي في كتاب المنتظم: أنه توفي سنة تسع وأربعين وثلاثمائة، وهذا ليس بشيء. قال السمعاني: كان الخطابي حجة صدوقاً، رحل إلى العراق، والحجاز، وجال في خراسان، وخرج إلى ما وراء النهر، وكان يتجر في ملكه الحلال، وينفق على الصلحاء من إخوانه، وقد ذكره الثعالبي في كتاب يتيمة الدهر، وقال: كان يشبه في زماننا بأبي عبيد القاسم بن سلام. وذكره الحافظ أبو طاهر، أحمد بن محمد، بن أحمد السلفي، في شرح مقدمة كتاب معالم السنن له،فقال: وذكر الجم الغفير، والعدد الكثير، أن اسمه حمد، وهو الصواب، وعليه الاعتماد. قال المؤلف: وإنما ذكرته أنا في هذا الباب، لأن الثعالبي، وأبا عبيد الهروي، وكانا معاصريه وتلميذيه، سمياه أحمد، وقد سماه الحاكم بن البيع في كتاب نيسابور حمداً، وجعله في باب من اسمه حمد، وذكر أبو سعد السمعاني في كتاب مرو: سئل أبو سليمان عن اسمه فقال: اسمي الذي سميت به حمد، لكن الناس كتبوه أحمد، فتركته عليه. قال: ورثاه أبو بكر عبد الله بن إبراهيم الحنبلي ببست في شعر،فسماه حمداً فقال:
وقد كان حمداً كاسمه حمد الورى ... شمائل فيها للثناء ممادح
خلائق ما فيها معاب لعائب ... إذا ذكرت يوماً فهن مدائح
تغمده الله الكريم بعفوه ... ورحمته والله عاف وصافح
لازال ريحان الإله وروحه ... قرى روحه ما حن في الأيك صادح
قال: وأخذ العلم عن كثير من أهله، ورحل في طلب الحديث، وطوف وألف في فنون من العلم وصنف. وأخذ الفقه عن أبي بكر القفال الشاشي، وأبي علي بن أبي هريرة، ونظرائهما من فقهاء أصحاب الشافعي.
ومن تصانيفه: كتاب معالم السنن، في شرح كتاب السنن لأبي داود، كتاب غريب الحديث، ذكر فيه ما لم يذكره أبو عبيد، ولا بان قتيبة في كتابيهما، وهو كتاب ممتع مفيد، رواه عنه أبو الحسين عبد الغافر بن محمد، بن عبد الغافر، الفارسي ثم النيسابوري. كتاب تفسير أسامي الرب عز وجل، شرح الأدعية المأثورة، كتاب شرح البخاري. كتاب العزلة. كتاب إصلاح الغلط. كتاب العروس. كتاب أعلام الحديث. كتاب الغنية عن الكلام. كتاب شرح دعوات لأبي خزيمة. ومن شيوخ الخطابي في الأدب وغيره: إسماعيل الصغر، وأبو عمر الزاهد، وأبو العباس الأصم، وأحمد بن سليمان النجار، وأبو عمرو السماك، ومكرم القاضي، وجعفر الخلدي، كل هؤلاء بغداديون، سوى الأصم، فإنه نيسابوري، وبها كتب عنهم عالي الإسناد جداً، وروى عنه خلق: منهم عبد بن أحمد، ابن غفير الهروي، وأبو مسعود الحسن بن محمد الكرابيسي البستي، روى عنه ببست، وأبو بكر محمد ابن الحسن المقرئ، روى عنه بغزنة، وأبو الحسن علي ابن الحسن، الفقيه السجزي، روى عنه بسجستان، وأبو عبد الله محمد بن علي، بن عبد الله الفسوي، روى عنه بفارس، وآخرون.

وقد روى عنه الإمام الفقيه، أبو حامد الإسفراييني، فقيه العراق، والحاكم أبو عبد الله، محمد بن البيع النيسابوري، روى عنه بخراسان وقد حدث عنه أبو عبيد الهروي في كتاب الغريبين. وأنشد أبو منصور عبد الملك بن محمد الثعالبي، لأبي سليمان الخطابي في اليتيمة أشعاراً منها:
وما غربة الإنسان في شقة النوى ... ولكنها والله في عدم الشكل
وإني غريب بين بست وأهلها ... وإن كان فيها أسرتي وبها أهلي
ولأبي منصور الثعالبي في الخطاب شعر منه:
أبا سليمان سر في الأرض أو أقم ... فأنت عندي دنا مثواك أو شطنا
ما أنت غيري، فأخشى أن تفارقني ... فديت روحك بل روحي، فأنت أنا
نقلت من خط أبي سعد السمعاني: أنبأنا إسماعيل ابن أحمد الحافظ، أنبأنا أبو القاسم سعد بن علي، بن محمد الريحاني أدباً، أنبأنا أبو سعد الخليل، بن محمد الخطيب، قال: كنت مع أبي سليمان الخطابي، فرأى طائراً على شجرة، فوقف ساعة يستمع، ثم أنشأ يقول:
يا ليتني كنت ذاك الطائر الغردا ... من البرية منحازاً ومنفردا
في غصن بان دهته الريح تخفضه ... طوراً وترفعه أفنانه صعدا
خلو الهموم سوى حب تلمسه ... في الترب أو نفية يروى بها كبدا
ما إن يؤرقه فكر لرزق غد ... ولا عليه حساب في المعاد غدا
طوباك من طائر طوباك ويحك طب ... من كان مثلك في الدنيا فقد سعدا
وحدث أبو بكر محمد بن علي، بن الحسن، بن الراغوثي اللغوي، فيما ذكره السلفي قال: أنشدني أبو منصور الثعالبي بنيسابور للخطابي، يقوله في الثعالبي:
قلبي رهين بنيسابور عند أخ ... ما مثله حين تستقري البلاد أخ
له صحائف أخلاق مهذبة ... منها التقى، والنهى، والحلم ينتسخ
قال أبو طاهر السلفي: وقلت أنا فيه في سنة خمسين وخمسمائة، لشغفي بتآليفه، ورغبتي في تحصيل تصانيفه.
ظن هذا الخطاء في الخطابي ... شيخ أهل العلوم والآداب
من على كتبه اعتماد ذوي الفض ... ل ومن قوله كفصل الخطاب
أن يحوز الفردوس إذ أتعب لانف ... س لذي العرش غاية الإتعاب
وتعنى في الأخذ جداً وفي التص ... نيف من بعد رغبة في الثواب
نضر الله وجهه من إمام ... ألمعي أتى بكل صواب
ولعمري قد فاز بالروح والري ... حان من غير شبهة وارتياب
هو قد كان شمس متبعي الشر ... ع على الزائفين سوط عذاب
وللسلفي فيه أشعار غير هذا، في نهاية الضعف والسقط كما ترى. ومن شعره في اليتيمة:
وليس اغترابي عن سجستان أنني ... عدمت بها الإخوان والدار والأهلا
ولكنني مالي بها من مشاكل ... وإن الغريب الفرد من يعدم الشكلا
وله:
شر السباع العوادي دونه وزر ... والناس شرهم ما دونه وزر
كم معشر سلموا لم يؤذهم سبع ... وما ترى بشراً لم يؤذه بشر
ومنه أيضاً:
ما دمت حياً فدار الناس كلهم ... فإنما أنت في دار المداراة
من يدر دارى، ومن لم يدر سوف يرى ... عما قليل نديماً للندامات
ومنه أيضاً:
وقائل ورأى من حجبتي عجباً ... كم ذا التواري وأنت الدهر محجوب؟
فقلت: حلت نجوم الدهر منذ بدا ... نجم المشيب ودين الله مطلوب
فلذت من وجل بالاستتار عن ال ... أبصار إن غريم الموت مرهوب
ومنه أيضاً:
تغنم سكوت الحادثات فإنها ... وإن سكنت عما قليل تحرك
وبادر بأيام السلامة إنها ... رهان وهل للرهن عندك مترك
ومنه أيضاً:
تسامح، ولا تستوف حقك كله ... وأبق ولم يستقص قط كريم
ولا تغل في شيء من الأمر واقتصد ... كلا طرفي قصد الأمور ذميم
وقال أبو القاسم الداوودي الهروي: قال الثعالبي له في مرثية الخطابي - رحمه الله - :

انظروا كيف تخمد الأنوار ... انظروا كيف تسقط الأقمار؟؟
انظروا هكذا تزول الرواسي ... هكذا في الثرى تغيض البحار

أحمد بن محمد،أبو عبيد الهروي
بن عبد الرحمن، أبو عبيد الهروي الباشاني المؤدب، صاحب كتاب غريبي القرآن والحديث، والسابق إلى الجمع بينهما في علمنا، قرأ على جماعة منهم: أبو سليمان الخطابي، وكان اعتماده وشيخه الذي يفتخر به، أبا منصور محمد بن أحمد الأزهري، صاحب كتاب التهذيب في اللغة. مات أبو عبيد هذا، فيما ذكره المليحي، سنة إحدى وأربعمائة في رجبها. روى عنه كتاب الغريبين، أبو عمرو عبد الواحد بن أحمد المليحي، وأبو بكر محمد بن إبراهيم، بن أحمد الأزدستاني، وله من الكتب: كتاب الغريبين. كتاب ولاة هراة.
أحمد بن محمد، بن عبد الله، بن يوسف
ابن محمد، بن مالك السهلي الأديب، أبو الفضل، العروضي الصفار الشافعي، ذكره عبد الغفار في السياق، فقال: مات بعد سنة ست عشرة وأربعمائة، ومولده سنة أربع وثلاثين وثلاثمائة، وهو شيخ أهل الأدب في عصره، حدث عن الأصم، والمكاري. وأبي الفضل المزكي، وأبي منصور الأزهري، وأقرانهم. وتخرج به جماعة من الأئمة، منهم: علي بن أحمد الواحدي، وغيره، وذكره أبو منصور الثعالبي فقال: إمام في الأدب، خنق التسعين في خدمة الكتب، وأنفق عمره على مطالعة العلوم، وتدريس مؤدبي نيسابور، وإحراز الفضائل، والمحاسن، وهو القائل في صباه:
أوفى على الديوان بدر الدجى ... فسل نجوم السعد ما حظه؟
أخده أملح أم خطه ... ولحظه أفتن أم لفظه؟؟
قال: وأنشدني لنفسه:
لعزة الفضة العبرة ... أودعها الله قلب صخرهْ
حتى إذا النار أخرجتها ... بألف كد وألف كرهْ
أودعها الله كف وغد ... أقسى من الصخر ألف مرهْ
أحمد بن محمد،ابن شرام الغساني
بن أحمد، بن سلمة، ابن شرام الغساني أحد النحاة المشهورين بالشام، صحب أبا القاسم الزجاجي وأخد عنه، وكتب تصانيفه، وكان جيد الخط والضبط، صحيح الكتابة، وجدت خطه في كتاب أمالي الزجاجي، وقد فرغ من كتابتها، في سنة ست وأربعين وثلاثمائة. ذكره أبو القاسم فقال: أحمد بن محمد، بن أحمد، بن سلمة، أبو بكر بن أبي العباس، الغساني المعروف بابن شرام النحوي، سمع أبا بكر الخرائطي، وأبا الدحداح أحمد بن محمد، بن إسماعيل التميمي، وأبا الحسن أحمد ابن جعفر، بن محمد الصيدلاني، وعبد الغافر بن سلامة الحمصي، وأبا القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي، وأبا بكر أحمد بن محمد، بن سعيد، بن عبيد الله، بن فطيس، والحسن بن حبيب الحظائري، وأبا الطيب أحمد ابن إبراهيم، بن عبادل الشيباني، وإبراهيم بن محمد، بن أبي ثابت، وأبا علي محمد بن القاسم، بن أبي نصر. روى عنه رشا بن نظيف، وأبو بكر أحمد بن الحسن، بن أحمد ابن الطبال، وأبو الحسن الربعي، وأبو نصر بن الجبان. قال ابن الأكفاني: رأيت في كتاب عتيق: توفي أبو بكر ابن شرام يوم الثلاثاء، لعشر خلون من شعبان، سنة سبع وثمانين وثلاثمائة.
أحمد بن محمد،الخلال، الوراق
بن الحسن، " الخلال، الوراق، الأديب، " صاحب الخط المليح الرائق، والضبط المتقن الفائق، أظنه ابن أبي الغنائم الأديب، وقد ذكرنا في باب علي ابن محمد، " آخر " ، ونراه أخا هذا، والله أعلم. وجدت خطه على كتاب قد كتبه في سنة خمس وستين وثلاثمائة.
الجزء الخامس
أحمد بن محمد،الملقب مسكوية

بن يعقوب، الملقب مسكوية أبو علي الخازن، صاحب التجارب، مات فيما ذكره يحيى بن مندة، في تاسع صفر، سنة إحدى وعشرين وأربعمائة، قال أبو حيان في كتاب الإمتاع: وقد ذكر طائفة من متكلمي زمانه، ثم قال: وأما مسكوية، ففقير بين أغنياء، وغني بين أنبياء، لأنه شاذ، وإنما أعطيته في هذه الأيام، صفو الشرح لإيساغوجي، وقاطيغورياس، من تصنيف صديقنا بالري. قال الوزير ومن هو قلت أبو القاسم الكاتب، غلام أبي الحسن العامري وصححه معي، وهو الآن لائذ بابن الخمار، وربما شاهد أبا سليمان المنطقي، وليس له فراغ، لكنه محب في هذا الوقت، للحسرة التى لحقته مما فاته من قبل. فقال: يا عجباً لرجل صحب ابن العميد، وأبي الفضل، ورأى ما عنده، وهذا حظه، قلت: قد كان هذا ولكنه كان مشغولاً بطلب الكيمياء، مع أبي الطيب الكيميائي الرازي، منهوك الهمة في طلبه، والحرص على إصابته، مفتوناً بكتب أبي زكريا، وجابر ابن حيان، ومع هذا، كان إليه خدمة صاحبه في خزانة كتبه، هذا مع تقطيع الوقت في الحاجات الضرورية والشهوية، والعمر قصير، والساعات طائرة، والحركات دائمة، والفرص بروق تأتلق، والأواطر في عرضها تجتمع وتفترق، والنفوس عن فوائتها تذوب وتحترق، ولقد قطن العامري الري خمس سنين، ودرس وأملى، وصنف وروى، فما أخذ عنه مسكوية كلمة واحدة، ولا وعي مسألة، حتى كأنه كان بينه وبينه سد، ولقد تجرع على هذا التواني الصاب والعلقم، ومضغى لقمة حنظل الندامة في نفسه، وسمع بأذنه، قوارع الملامة من أصدقائه، حينما ينفع ذلك كله، وبعد هذا، فهو ذكى، حسن الشعر، نقي اللفظ، وإن بقي فعساه أن يتوسط هذا الحديث، وما أرى ذلك مع كلفه بالكيمياء، وإنفاق زمانه، وكد بدنه وقلبه في خدمة الساطان، واحتراقه في البخل بالدانق والقيراط، والكسرة والخرقة، نعوذ بالله من مدح الجود باللسان، وإيثار الشح بالفعل، وتمجيد الكرم بالقول، ومفارقته بالعمل. قال أبو منصور الثعالبي: كان في ذروة العليا من الفضل والأدب، والبلاغة والشعر، وكان في ريعان شبابه متصلاً بابن العميد، مختص به، وفيه يقول:
لا يعجبنك حسن القصر تنزله ... فضيلة الشمس ليست في منازلها
لو زيدت الشمس في أبراجها مائة ... ما زاد ذلك شيئاً في فضائلها
ثم تنقلت به أحوال جليلة، في خدمة بني بوية، والاختصاص ببهاء الدولة، وعظم شأنه، وارتفاع مقداره، فترفع عن خدمة الصاحب، ولم يرى نفسه دونه، ولم يخل من نوائب الدهر، حتى قال ما هو متنازع بينه وبين نفر من الفضلاء:
من عذيري من حادثات الزمان ... وجفاء الأخوان والخلان.
قال: وله قصيدة في عميد الملك، تفنن فيها، وهنأه باتفاق الأضحى، والمرجان في يوم، وشكا سوء أثر الهرم، وبلوغه إلى أرذل العمر:
قل للعميد: عميد الملك والأدب ... أسعد بعيديك:عيد الفرس والعرب
هذا يشير بشرب الغمام ضحى ... وذا يشير عشيا بابنة العنب
خلائق خيرت في كل صالحة ... فلو دعاها لغي الخير لم تجب
أعدن شرخ شباب لست أذكره ... بعداً ووردت على العمر من كثب
فطاب لي هرمي والموت يلحظني ... لحظ المريب ولولا أنت لم يطب
فإن تمرس لي خصم تعصب لي ... وإن أساء إلى الدهر أحسن بي ومنها:
وقد بلغت إلى أقصى مدى عمري ... وكل غربي وأستأنست بالنوب
إذا تملأت من غيظ على زمني ... وجدتني نافخاً في جذوة اللهب
ومنها:
وإن تمنيت عيش الدهر أجمعه ... وإن تعاين ماولى من الحقب
فانظر إلى سير القوم الذين مضوا ... و الحظ كتابهم من باطن الكتب
تجد تفاوتهم فى الفضل مختلفاً ... وإن تقاربت الأحوال فى النسب
هذا: كتاج على رأس يعظمه ... وذاك كالبعر الجافي على الذنب

قال المؤلف:وكان مسكوية مجوسياً وأسلم، وكان عارفاً بعلوم الأوائل معرفة جيدة، وكتاب الفوز الأصغر. وصنف كتب تجارب الأمم في التاريخ، إبتداؤه من بعد الطوفان، وانتهاؤه إلى سنة تسع وستين وثلاثمائة. وله: كتاب أنس الفريد، وهو مجموع يتضمن أخباراً وأشعاراً، وحكماً وأمثالاً،غير مبوب، وكتاب ترتيب العادات، وكتاب المستوفي أشعار مختارة، وكتاب الجامع، وكتاب تجاوزان فرد، وكتاب السير أجاده، ذكر فيه ما يسير به الرجل نفسه من أمور دنياه، مزجه بالأثر والآية، والحكمة، والشعر وللبديع الهمذاني إلى أبي سلمى مسكوية، يعتذر من شيء بلغه عنه، بعد مودة كانت بينهما:
ويا عز: إن واشٍ وشى بى عند كم ... فلا تمهليه أن تقولي له: مهلاً
كما لو وشى واشٍ بعزة عندنا ... لقلنا: تزحزح لاقريباً ولاسهلاً
بلغني أطال الله بقاء الشيخ، أن قيضه كلبٍ وافته بأحاديث لم يعرها الحق نوره، ولا الصدق ظهوره، وأن الشيخ أذن لها على حجاب أذنه وفسح لها فناء ظنه، وعاذ الله أن أقولها، وأستجيز معقولها، بلى قد كان بيني وبينه عتاب لاينزع كنفه، ولايجدف أنفه، وحديث لايتعدى إلى النفس وضميرها ولا تعرفه الشفة وسميرها، وعربدة كعربدة أهل الفضل، لاتتجاوز والإدلال، ووحشة يكشفها عتاب لحظة كغناء جحظة، فسبحان من ربى هذا الأمر، حتى صار أمراً، وتأبط شراً، وأوحش حراً، وأوجب عذراً، بل سبحان من جعلني في حير العذر أشيم بارقته وأستقبل صاعقته، وأنا المساء إليه، والمجني عليه، ورمى من الحسدة بما رميت، ووقف من الوجد والوحدة حيث وقفت، واجتمع عليه من المكاره ما وصفت، أعتذر مظلوماً، وأحسن ملوماً، وضحك مشتوماً، ولو علم الشيخ عدد أبناء الحدد، وأولاد العدد، بهذا البلد، ممن ليس له همة إلا في شكاية، أو حكاية، أو سعاية أو نكاية لضن بعشرة غريب إذا بدر، وبعيد إذا حضر، ولصان مجلسه عمن لايصونه عما رقى إليه، فهبني قلت ماحكى له، أليس الشاتم من أسمع أليس الجاني من أبلغ فقد بلغ من كيد هؤلاء القوم، أنهم حين صادفوا من الأستاذ نفساً لاتستفز، وحبلاً لايهز، دسوا إليه حديثه بما حرشوا به نارهم، ورد على مماقالوه، فما لبثت أن قلت:
فإن يك حرب بين قومي وقومها ... فإني لها في كل نائبة سلم
فليعلم الشيخ الفاضل، أن في كبد الأعداء منى جمرة، وأن في أولاد الزنا عندنا كثرة، قصاراهم نار يشبونها، أو عقرب يدببونها، أو مكيدة يطلبونها، ولولا أن العذر إفرار بما قيل، وأكره أن أستقيل، بسطت في الاعتذار شاذرواناً، ودخلت في الاستقالة ميداناً، لكنه أمر لم أضع أوله، فلا أتدارك آخره، وقد أبى الشيخ أبو محمد، إلا أن يوصل هذا النثر الفاتر بنظم مثله، فهاكه يلعن بعضه بعضاً:
مولاي إن عدت ولم ترض لي ... أن أشرب البارد لم أشرب
إمتط خدي وانتعل ناظري ... وصيد بكفي حمة العقرب
بالله ما أنطق عن كاذب ... فيك ولاأبرق عن خلب
فالصفو بعد الكدرالمفترى ... كالصحو بعد المطر الصيب
إن أجتن الغلظة من سيدي ... فالشوك عند الثمر الطيب
أو نفق الزور على ناقد ... فالخمر قد تعضب بالثيب
ولعل الشيخ أبا محمد يقوم من الاعتذار، بما قعد عنه القلم والبيان، فنعم رائد الفضل هو، والسلام. وجاء الجواب من أبي علي:
وإذا الواشي أتى يسعى لها ... نفع الواشي بما جاء يضر
فهمت خطاب الشيخ الفاضل، الأديب البارع، الذي لو قلت: إنه السحر الحلال، والعذب الزلال، لنقصته حظه، ولم أوفه حقه، أما البلاغات التي أومأ إليها، فو الله ما أذنت لها، ولا أذنت فيها، وما أذهبني عن هذه الطريقة، وأبعدني عنها، وقد نزه الله لسانه عن الفحشاء، وسمعي عن الإصغاء، وما يتخذ العدو بينهما مجالاً وأما الأبيات فقد تكلفت الجواب عنها، لامساجلة له، ولكن لأبلغ المجهود في قضاء حقه:
يا بارعاً في الأدب المجتنى ... منه ضروب الثمر الطيب
لوقلت: إن البحر مستغرق ... في بحرك الفياض لم أكذب
إذا تبوأت محلاً فما ... نزلت إلا منزل الكوكب
أحمدتني الشعر وأعتبتني ... فيه ولم أذمم ولم أعتب

والعذر يمحو ذنب فعاله ... فكيف يمحوه ولم يذيب
أنا الذي آتيك مستغفراً ... من زلة لم تك من مذهبي
وأنت لاتمنع مستوهباً ... مالاً فهب ذنباً لمستوهب
قال أبو حيان في كتاب الوزيرين: فإن ابن العميد اتخذه خازناً لكتبه،وأراد أيضاً أن يقدح ابنه به، ولم يكن من الصنائع المقصودة، والمهمات اللازمة وكان يحتمل ذلك لبعض العزازة بظله، والتظاهر بجاهه.

نسخة وصية أبو على المسكاوية
" بسم الله الرحن الرحيم " : هذا ماعاهد عليه أحمد ابن محمد، وهو يومئذ آمن في سربه، معافى في جسمه عند قوت يومه،لا تدعه إلى هذه المعاهدة، ضرورة نفس ولا بدن، ولا يريد بها مراءاة مخلوق، ولا استجلاب منفعة ولا دفع مضرة منهم، عاهد على أن يجاهد نفسه، ويتفقد أمره، فيعف، ويشجع، ويحكم. وعلامة عفته: أن يقتصد في مآرب بدنه، حتى لا يحمله الشره على ما يضر جسمه، أو يهتك مروءته. وعلامة شجاعته: أن يحارب دواعى نفسه الذميمة، حتى لا تقهره شهوة قبيحة، ولا غضب في غير موضعه. وعلامة حكمته: أن يستبصر في اعتقاداته حتى لايفوته بقدر طاقته شيء من العلوم والمعارف الصالحة، ليصلح أولاد نفسه ويهذبها، ويحصل له من هذه المجاهدة ثمراتها، التي هي العدالة، وعلى أن يتمسك لهذه التذكرة، ويجتهد في القيام بها، والعمل بموجبها، وهى خمسة عشرة باباً: إيثار الحق على الباطل في الاعتقادات، والصدق على الكذب في الأقوال، والخير على الشر في الأفعال، وكثرة الجهاد الدائم، لأجل الحرب الدائم، بين المرء ونفسه، والتمسك بالشريعة، ولزوم طائفها، وحفظ المواعيد حتى ينجزها. وأول ذلك، ما بين وبين الله جل وعز. وقلة الثقة بالناس بترك الاسترسال. ومحبة الجميل لأنه جميل لا لغير ذلك. والصمت في أوقات حركات النفس للكلام، حتى يستشار فيه العقل. وحفظ الحال التي تحصل في شيء حتى تصير ملكة، ولا تفسد بالاسترسال. والاقدام على كل ما كان صواباً. والإشفاق على الزمان الذى هو العمر ليستعمل في المهم دون غيره. وترك الخوف من الموت والفقر لعمل ما ينبغي. وترك التواني. وترك الاكتراث لأقوال أهل الشر والحسد، لئلا يشتغل بمقاتلتهم. وترك الانفعال لهم. وحسن احتمال الغنى والفقر، والكرامة والهوان بجهة وجهة. وذكر المرض وقت الصحة، والهم وقت السرور، والرضا عند الغضب، ليقل الطغى والبغى. وقوة الأمل، وحسن الرجاء. والثقة بالله عز وجل، وصرف جميع البال إليه.
أحمد ابن محمد، الصخرى أبو الفضل

قتل في أواخر سنة ست وأربعمائة، هكذا ذكر أبو محمد، محمود ابن أرسلان، في تاريخ خوارزم، وقال:هو أحد مفاخر خوارزم، أديب كامل، وعالم ماهر، وكاتب بارع، وشاعر ساحر. قال أبو منصور الثعالبي في كتابه: له ظرف حجازى، وخط عراقي، وبلاغة جزلة سهلة، ومروءة ظاهرة، ومحاسن متظاهرة، وله شعر كثير، يجمع فيه بين الإسراع والإبداع، ويأخذ بطرفي الإتقان والإحسان، ثم هو في الارتجال، فرد الرجال بسرعة خاطره، وسلامة طبعه، وحصول أعنة القوافى فى يده، وكان في عنفوان شبابه، ألم بحضرة الصاحب إسماعيل بن عباد، فاقتبس من نورها، واغترف من بحرها، وانخرط في سلك أعيان أهل الفضل بها، وتزود من ثمارها، فحسن أثره وطاب خبره ورجع إلى أوطانه، وأقام بحضرة سلطانه، في أجلة الكتاب، ووجوه العمال، وهو الآن من أخص جلساء الأمير، وأقرب ندمائه،وأفضل كتابه، وأجل شعرائه، ولا يكاد يخلو منه مجالس أنسه، ولايتقشع عنه سحائب جوده، وما أكثر ما يقترح عليه الأشعار في المعاني البديعة، ويكمل لها ويفي، ويعلنها فى الوقت والساعة بين يديه، ويعرضها عليه.وعهدى بذلك المجلس العالي، ليلة من الليالى، وقد جرى فيه ذكر أبى الفضل الهمذاني بديع الزمان، وإعجاز لطائفه وخصائصه فى الارتجالات، وسرعة إتيانه وإثباته بالاقتراحات، وأنه كان يكتب الكتاب المقترح عليه، ويبتدئ بآخر سطرٍ،ثم هلم جرا إلى السطر الأول،حتى يخرجه مستوفي الألفاظ والمعاني، كأملح شئ وأحسنه، فانتدب الصخري لهذه النادرة، وضمن الأستقلال بهذه الغريبة الصعبة، فرسم له على لسان الشيخ أبي الحسين السهيلي، أن يكتب في معنى مؤلف الكتاب، كتاباً إلى الدهخداً أبي سعيد، محمد بن منصور الحوالى، يذكر فيه: أن أخبار فلان فى محاسن أدبه، وبديع تأليفاته، لم تزل تأتينا، ثم تشوقنا إلى مشاهدة الفضل، فأخذ القلم و القرطاس، وكان كتب أولاً السطر الذى يقع في آخره - إن شاء الله تعالى - ثم لم يزل يمضى قدماً في الكتاب، ويرتفع عن عجزه إلى صدره، ومن سفله إلى علوه، ويصل أواخره بأوائله، حتى أتم المعنى المقترح عليه، مع جودة الألفاظ وسهولتها، وحسن مطالعها. وفرغ من الكتاب فى زمن قصير المدة، وقد أخذ منه الشراب، وأثرات فيه الكاسات، فوقع ذلك أحسن موقع، وعد من محاسنه. وله كتاب رسائل مدونة، كتاب ديوان شعر مجلد. فمن منثور كلامه:الشيخ: أصدق لهجة، وأبين في الكرم محجة،من أن يخلف برق ضمانه، ولا يمطر سحاب إحسانه، فليت شعرى: ما الذى فعله فى أمر وليه،القاصر عليه أمله؟،وهل بلغ الكتاب أجله؟، وقد استهل الشهر الثامن استهلالاً ولاندى كالأفق، ولنرى لأفق مواعده هلالاً.آخر:طبع كرمه: أغلب من أن يحتاج إلى هز، وحسام فضله، أقطع من أن يهز لحز. آخر:أما إني لاأرضى من كرمه العد، أن تجر أولياؤه على شوك الرد، فبحق مجده المحض، الذى فاق به أهل الأرض، أن يرفع عن حاجتي قناع الخجل، و ولايعتبر أملي فيها قبل حلول الأجل وهذا قسم أرجو أن يصونه عن الحنث، وعهد أظن أنه لا يعرضه للنكث.آخر:لا أدرى: أهنئ الشيخ بعوده إلى مركزه، ومستقر عزه، سالماً في نفسه، التي سلامتها سلامة المعالي والمكارم، وهى أجسم المتاع وأنفس الغنائم؟، أم أهنئ الحضرة به، فقد عاد إليها ماؤها، ورجع برجوعه حسنها وبهاؤها، أم أهنى الملك - ثبت الله أركانه - ؟ كما نضر بمكانه منه زمانه، فقد آب إليه رونقه، وزال عن أمره رنقه، أم أهنئ الفضل، فقد كان ذوى عوده، ثم احضر وأورق، وهوى نجمه، ثم أنار وأشرق، أم أهنئ جماعة الأولياء والخدم، وكافة كتاب الإنشاء فقد عاشوا، وانتعشوا وارتاشوا، وارتفعت نواظرهم بعد الانخفاض، وانشرحت صدورهم غب الانقباض. وأنا أعد نفسي من جملتهم، ولا أنحرف مع طول العهد عن قبلتهم. وله: كتابي وقد عرتني علة منعتني من استغراق المعاني واستيعابها، وإشباع الكلم فى وجوهها وأبوابها، فاختصرت وقصرت، وعلى النبذ اليسيرة اقتصرت، وما أعرف هذه العلة، إلا من عوادي فراقه، ودواعي اشتياقه، وإن كانت النعمة بمكانه خارجة عن القياس، غير خافية من جميع الناس، إلا أنها ازدادات الآن ظهوراً، وإن لم يكن قدرها مستوراً، وقدر النعمة لايعرف إلا بعد الزوال، ولا يتحقق إلا مع الانتقال، - أهلنا الله لعودها - ، لنحسن جوارها، بشكرها وحمدها، وأصحبه السلامة حالاً ومرتحلاً، ومقيماً ومتنقلاً، إنه خير صاحب، يصحب كل غائب.

وله: وصل كتاب الشيخ فيما حلانى به، من صفاته التى هو بها حال، وأنا منها خال وقد كان أعارني منها عارية، وجدت نفسي منها عارية، ولكنه نظر إلى بعين رضاه، وشهد لي بقلب هواه. فلا ينظرن بعين الرضى، فنظرتها ربما تجنح، ولا يشهدن بقلب الهوى، فإنها شهادة تجرح وله: كل من ورد جناب الشيخ من أمثالي، إنما ورد بأمل منفسخ، ثم صدر بصدر منشرح، إذ ما امتدت إليه يد فارتدت عاطلاً ولا توجه تلقاءه رجاء فعاد باطلاً،. وأنا أجله أن يفسخ من بينهم ذريعة رجائي، وينسخ شريعة ولائي، بل أظن إن لم يفضلني عليهم في المراتب، لم ينقصني عنهم فى الواجب، ثم ليس طمعي في ماله، فكفاني ما شملني من أفضاله، بل كفاه ما تكلفه فى هذا الوقت من كلفة المروة، التى تنوء بالعصبة أولى القوة، ولكن طمعي في جاهه، ومن ضن به ملوم. إذ البخل به لؤم. ومن أشعاره يمدح أبا العباس خوارزمشاه:وله: وصل كتاب الشيخ فيما حلانى به، من صفاته التى هو بها حال، وأنا منها خال وقد كان أعارني منها عارية، وجدت نفسي منها عارية، ولكنه نظر إلى بعين رضاه، وشهد لي بقلب هواه. فلا ينظرن بعين الرضى، فنظرتها ربما تجنح، ولا يشهدن بقلب الهوى، فإنها شهادة تجرح وله: كل من ورد جناب الشيخ من أمثالي، إنما ورد بأمل منفسخ، ثم صدر بصدر منشرح، إذ ما امتدت إليه يد فارتدت عاطلاً ولا توجه تلقاءه رجاء فعاد باطلاً،. وأنا أجله أن يفسخ من بينهم ذريعة رجائي، وينسخ شريعة ولائي، بل أظن إن لم يفضلني عليهم في المراتب، لم ينقصني عنهم فى الواجب، ثم ليس طمعي في ماله، فكفاني ما شملني من أفضاله، بل كفاه ما تكلفه فى هذا الوقت من كلفة المروة، التى تنوء بالعصبة أولى القوة، ولكن طمعي في جاهه، ومن ضن به ملوم. إذ البخل به لؤم. ومن أشعاره يمدح أبا العباس خوارزمشاه:
أشبه البدر في السنا والسناء ... وحوى رقة الهوى و الهواء
وأتى الشيب بعدها منفذاً لي ... عن يد الدهر بالبلى و البلاء
وإذا شاء بالندى الملك العا ... دل في المجد والعلى و العلاء
أبدل الشين منه سيناً وأوطا ... ني الثريا من الثرى و الثراء
ومن شعره أيضاً في الهجاء:
أياذا الفضائل و اللام حاء ... وياذا المكارم و الميم هاء
ويا أنجب الناس و الباء سين ... وياذا الصيانة و الصاد خاء
ويا أكتب الناس و التاء ذال ... ويا أعلم الناس و العين ظاء
تجود على الكل و الدال راء ... فأنت السخي ويتلوه فاء
ولقد صرت عيباً لداء البغاء ... ومن قبل كان يعاب البغاء
وله يستهدي ماء الورد:
يا من حكى الورد الطرئ بعرفه ... وبظرفه وبلطفه وبهائه
إن شئت و الإفضال منك سجية ... أهديت لي قارورة من مائه
وله قصيدة في أبى الفتح البستي:
نسب كريم فاضل أنسى به ... من كان معتمداً على أنسابه
قد كنت في نوب الزمان وصرفه ... إذ عضني صرف الزمان بنابه
فاليوم جابنت الحوادث جانبي ... إذا قد نسبت إلى كريم جنابه.
نفسمصدقة جميع عداتها ... يكن مكذبة ظنون عداتها
هماته حكمت على هاماتها ... إذا أصبحت للوحش من أقوالها
ومن قصيدة فى أبى الحسين السهيلي:
نفس مصدقة جميع عداتها ... إذ أصبحت للوحش من أقواتها
يا أحمد بن محمد يا خير من ... ولى الوزارة عند خير ولاتها
مادامت الأيام في الغفلات عن ... عرصات مجدك فاغتنم غفلاتها
وله من قصيدة:
لئن بخلت بإسعادى سعاد ... فإني بالفؤاد لها جواد
وإن نفذ اصطبارى في هواها ... فدمع العين ليس له نفاد
أرى ثلجاً بوجنتها وناراً ... لتلك النار في قلبي اتقاد
فهب من نارها كان احتراقي ... فلم بالثلج ما برد الفؤاد؟
لأجتهدن في طلب المعالي ... بسعي ما عليه مستزاد
فإن أدركت آمالى وإلا ... فليس على إلا الجتهاد
وله فى بعض الصدور:

جمعت إلى العلي شرف الأبوه ... وحزت إلى الندى فضل المروه
أتيتك خادماً فرفعت قدري ... إلى الصداقة والأخوه
فما شبهتني إلى بموسى ... رأى ناراً فشرف بالنبوة.
وله من قصيدة:
أسمعت يامولاى ده ... ري بعد بعدك ماصنع؟
أخني علي بصرفه ... فرأيت هول المطلع

أحمد بن محمدالخوارزمي
أبو الحسين السهلي الخوارزمي. قال محمود بن محمد الإسلامي في تاريخ خوارزم إنه مات بسر من رأى، في سنة ثمان عشرة واربعمائة، على ما يذكره. قال: وهو من أجلة خوارزم، وبيته بيت رياسة ووزارة، وكرم ومروءة، قال الثعالبي: وهو وزير ابن وزير:
ورث الوزارة كابراً عن كابر ... موصولة الاسناد بالاسناد
قال: وكان يجمع بين آلات الرياسة، وأدوات الوزارة،ويضرب فى العلوم والآداب بالسهام الفائزة، ويأخذ من الكرم وحسن الشيم بالحظوظ الوافرة: وله كتاب الروضة السهيلية في الأوصاف والتشبيهات، وبأمره والتماسه، صنف الحسن بن الحارث الحسوفي في المذهب كتاب الهيلى، يذكر فيه المذهبين: مذهب الشافعي، والحنفي وله شعر، فمن ذلك ولم يسبق الى معناه:
ألا سقنا الصهباء صرفاً فإنها ... أعز علينا من عتاق الترحل
وإني لأقلى النقل حباً لطعمها ... لئلا يزول الطعم عند التنقل
وله في النجوم:
فالشهب تلمع فى الظلام كأنها ... شرر تطاير من دخان النار
فكأنها فوق السماء بنادق ... الكافور فوق صلاية العطار
وله فى النجوم أشعار، منها فى شعاع القمر على الماء:
كأنما البدر فوق الماء مطلعاً ... يقدر فمد له جسر من الذهب
كأنما البدر فوق الماء مطلعاً ... ونحن بالشط في لهو وفي طرب
مللت وأنا فأهوى للعبور فلم ... يقدر فمد له جسر من الذهب
خرج السهيل من خوارزم، فى سنة اربع واربعمائة الى بغداد، وتوطنها، وترك وزارة خوارزم شاه، أبي العباس مأمون خوفاً من شره، ولما قدم بغداد، أكرمه فخر الملك أبو غالب، محمد بن خلفٍ، وهو والي العراق يومئذ، وتلقاه بالجميل، فلما مات فخر الملك، خرج من بغداد هارباً ايضاً، حتى لحق بغريب بن مقنٍ، خوفاً على ماله، وكان غريب صاحب البلاد العليا، تكريت،ودجيل، وما لاصقها، فأقام عنده الى ان مات، وخلف عشرين الف دينار، سلمها غريب إلى ورثته.
أحمد بن محمد، بن الحسن المرزوقي

أبو علي، من أهل أصبهان، كان غاية في الذكاء والفطنة، وحسن التصنيف، وإقامة الحجج، وحسن الاختيار وتصانيفه لا مزيد عليها فى الجودة مات فيما ذكره أبو زكريا، يحيى بن مندة في ذي الحجة، سنة إحدى وعشرين واربعمائة، قال: وكتب عنه سعيد البقال، وأخرجه في معجمه وجدت خطة على كتاب شرح الحماسة من تصنيفه، وقد قرئ عليه فى شعبان، سنة سبع عشرة واربعمائة، وكان قد قرأ كتاب سيبويه، على أبي على الفارسى، وتتلمذ له، بعد أن كان رأساً بنفسه وله من الكتب: كتاب شرح الحماسة، أجاد فيه جدا، كتاب شرح المفضليات، كتاب شرح الفصيح، كتاب شرح أشعار هذيل، كتاب الأزمنة، كتاب شرح الموجز، كتاب شرح النحو قال الصاحب بن عباد: فاز بالعلم من أصبهان ثلاثة: حائك، وحلاج، وإسكاف، فالحائك هو المرزوقى والحلاج أبو منصور بن ماشدة، والإسكاف أبو عبد الله الخطيب بالري، صاحب التصانيف في اللغة ووجدت في المجموع بخط بعض فضلاء العجم، نقلت من خط الأبيوردى: أبو على المرزوقي، صاحب شرح الحماسة، والهذليين: قرأ على أبى على، وهو يتفاصح في تصانيفه كابن جني، وكان معلم اولاد بنى بويه بأصبهان، ودخل إليه الصاحب فما قام له فلما أفضت الوزارة إلى الصاحب جفاه أحمد بن محمد، بن ابراهيم، أبو إسحاق الثعلبي المفسر، صاحب الكتاب المشهور بأيدى الناس المعروف بتفسير الثعلبي مات فيما ذكره عبد الغنى بن سعيد، الحافظ المصرى، ونقلته من حاشية كتاب الإكمال لابن ماكولة، فى محرم سنة سبع وعشرين واربعمائة فقال: أبو اسحاق الثعلبي المفسر، جليل خراسانى، وذكره عبد الغافر في السياق فقال: أحمد بن محمد، بن ابراهيم، أبو اسحاق الثعلبى، المقرئ المفسر، الواعظ الأديب، الثقة الحافظ، صاحب التصانيف الجليلة، من التفسير الحاوى أنواع الفرائد، من المعانى والإشارات، وكلمات أرباب الحقائق، ووجوه الإعراب والقراءات، ثم كتاب العرائس والقصص، وغير ذلك، مما لا يحتاج الى ذكره لشهرته، وهو صحيح النقل، موثوق به حدث عن أبي طاهر بن خزيمة، وأبي بكر بن مهران المقرئ، وابي بكر بن هانئ وابي بكر بن الطرازى، والمخلدى، والخفاف، وأبى محمد بن الرومي، وطبقتهم وهو كثير الحديث، كثير الشيوخ، وذكر وفاته كما تقدم قال: وسمع منه الواحدي التفسير، وأخذه عنه، وأثنى عليه وحدث عنه بإسناد رفعه إلى عاصم، قال: الرياسة بالحديث رياسة نذلة، إن أصح الشيخ وحفظ، وصدق فأحمى، قالوا هذا شيخ كيس، وإذا وهم قالوا شيخ كذاب وله كتاب ربيع المذكرين

أحمد بن محمد،بن دلويه
بن أحمد، بن محمود، بن دلويه أبو حامد الاستوائي، مات فيما ذكره الخطيب، فى سنة أربع وثلاثين واربعمائة، وقال: يعرف بالدلوي، واستوى التي نسب إليها: قرية من قرى نيسابور، قدم بغداد، فسمع من الدار قطني، واستوطنها إلى حين وفاته، وولى القضاء بعكبرا، من قبل القاضى أبي بكر بن الطيب الباقلاني، وكان ينتحل في الفقه مذهب الشافعي، وفي الأصول مذهب الأشعري، وله حظ في معرفة الأدب، والعربية، وحدث بشئ يسير قال الخطيب: وكتب عنه، وكان صدوقاً، ولما مات دفن بالشونيزية قال المؤلف: كان الدلوى أديباً، فاضلاً، وكثيراً ما توجد كتب الأدب بخطه، وكان صحيح النقل، جيد الضبط، معتبر الخط فى الغالب.
أحمد بن محمد،المهدوي
بن عمار، بن مهدى، بن ابراهيم المهدوي،ابو القاسم المقرئ، ذكره الحميدي فقال:أصله من المهدية، من بلاد القيروان، ودخل الأندلس فى حدود الثلاثين واربعمائة، او نحوها، وكان عالماً بالقراءات والأدب متقدماً، ذكره لى بعض أهل العلم بالقراءات، وأثنى عليه، وأنشدني له في ظاءات القرآن:
ظنت عظيمة ظلمنا من حظها ... فظلت اوقظها لتكظم غيظها
وظغنت أنظر فى الظلام وظله ... ظمآن أنتظر الظهور لوعظها
ظهرى وظفرى ثم عظمى فى لظى ... لأظاهرن لحظها ولحفظها
لفظي شواظ أو كشمس ظهيرة ... ظفر لدى غلظ القلوب وفظها
أحمد بن محمد، بن برد الأندلسى

ذكره الحميدى وقال: هو مولى أحمد بن عبد الملك، ابن عمر، بن محمد، بن شهيد، أبو حفص الكاتب، مليح الشعر، بليغ الكتابة، من أهل بيت أدب ورياسة، له رسالة فى السيف والقلم، والمفاخرة بينهما، وهو أول من سبق إلى القول في ذلك بالأندلس، وقد رأيته بالمرية، بعد الاربعين واربعمائة غير مرة، وله كتب في علم القرآن، منها كتاب التحصيل فى تفسير القرآن، كتاب التفصيل فى تفسيره ايضاً، وله غير ذلك وكان جده أحمد بن برد وزيرا فى الأيام العامرية، وكاتباً بليغاً ايضا مات سنة ثمان عشرة واربعمائة أعنى الوزير ومن شعر أحمد بن محمد هذا:
تأمل فقد شهق البهار مغلساً ... كماميه عن نواره الخضل الندى
مداهن تبر فى أنامل فضة ... على أذرع مخروطة من زبرجد
ومن شعره ايضاً:
لما بدا في لازور ... دى الحرير وقد بهر
كبرت من فرط الجمال ... وقلت ما هذا بشر
فأجابني لا تنكرن ... ثوب السماء على القمر
ومن شعره أيضاً:
قلبى وقلبك لامحالة واحد ... شهدت بذلك بيننا ألحاظ
فتعال فلنعظ الحسود بوصلنا ... إن الحسود بمثل ذاك يغاظ

أحمد بن محمد، بن هارون النزلي
أبو الفتح النحوي أخذ عن أبي الحسن، علي بن عيسى الربعي، وهو من أقران أبى يعلى بن السراج
أحمد بن محمد العمودي
الهمذاني أبو عبد الله اللغوي ذكره شيرويه بن شهر دار، فقال: روي عن عبد الرحمن بن حمدان الجلاب، وابى الحسين محمد الحريرى، صاحب ابى شعيب الحرانى، وغيرهما روى عنه أبو عبد الله الإمام وغيره
أحمد بن محمد، الأصبهاني
بن أحمد بن شهر دار المعلم الأصبهاني كان أديباً فاضلاً، بارعاً في الأدب، فصيحاً، كثير السماع، حسن الخط صاحب اصول، مات في شوال سنة ست واربعين واربعمائة قال يحيى بن مندة: سمعت من الثقات، منهم أبو غالب بن هارون تلميذه، أنه كان رجلاً فاضلاً، إلا أنه كان لا يصلى الصلوات كما قيل.
أحمد بن محمد، ابن ابراهيم الميداني
أبو الفضل النيسابورى، والميدان محلة من محال نيسابور، كان يسكنها، فنسب اليها، ذكر ذلك عبد الغافر، وهو أديب فاضل، عالم نحوى لغوى مات فيما ذكره عبد الغافر بن اسماعيل الفارسى فى السياق، فى رمضان، سنة ثمان عشرة وخمسمائة، ليلة القدر، ودفن بمقبرة الميدان، قرأ على ابى الحسن، على بن أحمد الواحدى، وعلى يعقوب بن أحمد النيسابورى، وله من التصانيف: كتاب جامع الأمثال، جيد بالغ، كتاب السامي في الأسامي، كتاب النموذج في النحو، كتاب الهادى للشادى، كتاب النحو الميداني، كتاب نزهة الطرف في علم الصرف، كتاب شرح المفضليات، كتاب منية الراضى فى رسائل القاضي، وفي كتاب السامي في الأسامي يقول أسعد بن محمد المرساني
هذا الكتاب الذى سماه بالسامى ... درج من الدر بل كنز من السام
ماصنفت مثله فى فنه أبداً ... خواطر الناس من حام ومن سام
فيه قلائد ياقوت مفصلة ... لكل أوع ماضى العزم بسام
فكعب أحمد مولاي الإمام سما ... فوق السماكين من تصنيفه السامي
وسميت في المفاوضة ممن لا أحصى: أن الميداني لما صنف كتاب الجامع في الأمثال، وقف عليه أبو القاسم الزمخشري، فحسده على جودة تصنيفه، وأخذ القلم وزاد في لفظة الميداني نوناً، فصار النميداني، ومعناه بالفارسية: الذي لا يعرف شيئاً فلما وقف الميداني على ذلك، أخذ بعض تصانيف الزمخشرى، فصير ميم نسبته نوناً فصار الزنخشرى، معناه مشترى زوجته وذكر محمد بن أبى المعالي، بن الحسن الخواري في كتابه ضالة الأديب، من الصحاح والتهذيب، وقد ذكر الميداني فقال: وسمعت غير مرة من كتاب أصحابه يقولون: لو كان للذكاء، والشهامة، والفضل، صورة، لكان الميداني تلك الصورة، ومن تأمل كلامه، واقتفى اثره، علم صدق دعواه. وكان ممن قرأ عليه وتخرج به، الامام أبو جعفر أحمد ابن علي المقرئ البيهق، وابنه سعيد، وكان اماماً بعده. قال عبد الغافر ابن اسماعيل: ومن اشعاره:
تنفس صبح الشيب في ليل عارض ... فقلت عساه يكتفي بعذارى
فلما فشا عاتبته فأجابني ... ألا هل يرى صبح بغير نهار

وذكره أبو الحسن البيهقي في ككتاب وشاح الدمية فقال: الامام استاذنا صدر الأفاضل، أبو الفضل، أحمد ابن محمد ابن أحمد الميدانى، صدر الادباء، وقدوة الفضلاء، قد صاحب الفضل في ايام نفذ زاده. وفني عتاده، وذهبت عدته، وبطلت اهبته، فقوم سناد العلوم، بعد ما غيرتها الايام بصروفها، ووضع انامل الافاضل، على خطوطها وحروفها، ولم يخلق الله تعالى فاضلا في عهده، إلا وهو في مائدة ادابه ضيف، وله بين بابه وداره شتاء وصيف، وما على من عام لجج البحر الخضم، واستنزف الدرر ظلم وحيف، وكان هذا الامام يأكل من كسب يده، وما انشدنى رحمة الله لنفسه:
حننت اليهم والديار قريبة ... فكيف اذا سار المطي مراحلا
وقد كنت قبل البين لا كان بينهم ... اعاين للهجران فيهم دلائلا
وتحت سجوف الرقم اغيد ناعم ... ينيس كخوط الخيزرانة مائلاً
وينض علينا السيف من جفن مقلة ... تريق دم الابفال في الحب باطلاً
وتسكرنا لحظ ولفظ كأنما ... بفيه وعينيه سلافة بابلاً
وله أيضاً:
شفة لماها زاد في الامي ... في رشف ريقها شفاء سقام
قد ضمنا جنح الدجى وللثمنا ... صوت كقطك الرؤوس الأقلام
ثم ذكر البيتين اللذين أولهما:
تنفس صبح الشيب في ليل عارض ... وقد مر ذكرهما انفاً، ثم قال: وله:
ياكاذبا اصبح في كذبه ... اعجوبة اية اعجوبة
وناطق ينطق في لفظة ... واحدة سبعين اكذوبة
شبهك الناس بعرقوبهم ... لما رأوا اخذك اسلوب
فقلت: كلا، انه كاذب ... عرقوب لا يبلغ عرقوبه
ثم ذكر وفاته كما تقدم في رواية عبد الغافري، ثم ذكر ولده سعيد، وقد ذكرنهاه في بابه

أحمد بن محمد الصلحي، أبو الخطاب
كان أديباً، فاضلاً، كاتباً، حسن الخط، وله شعر رفيق سائر، ذكره أبو سعد في المذيل، وأورد له هذين البيتين وهما:
يا راقد العين عيني فيك ساهرة ... وفارغ القلب: قلبي فيك ملآت ما الآن
اني ارى منك عذب الثغر عذبنى ... واسهر الجفن، جفن منك وسنان
أحمد بن محمد، الأخسكيثي
بن القاسم، بن أحمد، بن خديو الأخسكيثي أبو رشاد، الملقب بذى الفضائل. مات ليلة الاحد الثامن من جماد الاولى، سنة ثمان وعشرين وخمسمائة، وأخيكث مدينة من فرغانة، يقال بالثاء والتاء، وكان هو واخوه ذو المناقب محمد، اديبى مرو، غير مدافعين، يقر لهما بذلك كلهم، قدما مرو وسكناه الى ان ماتا. وكان ذو الفضل هذا شاعرا اديبا، مصنفا كاتبا، مترسلا في ديوان السلاطين وله تصانيف، منها: كتاب في التاريخ، كتاب في قولهم كذب عليك كذا، كتاب زوائد في شرح سقط الزند، وغير ذلك. قرأت في ديوان شعره بخطه، انشدت لابي العلاء:
هفت الحنيفة والنصارى ما اهتدت ... وموجس حارت واليهود مظللة
اثنان اهل الارض: ذو عقل بلا ... دينا، واخر دين لا عقل له فقلت له مجيبا له:
الدين اخذه وتاركه ... لم يخف رشدهما وغيهما
رجلان أهل الارض قلت فقل: ... يا شيخ سوء انت ايهما؟
ذكره السمعاني في مشيخته، فقال: كان اديبا، فاضلا، بارعا، له الباع الطويل في معرفة النحو واللغة، واليد الباسطة في النظم والنثر، وله ورود على جماعة من قدماء الفضلاء، ومشاعرات ومنافرات، مع الفحول والكبراء، وكان اكثر فضلاء خرسان، قرأوا الادب عليه، وتتلمذوا له، سمع بأخسيكث: أبي القاسم محمود ابن محمد الصوفي، وبمرو: جدي ابى المضفر السمعاني، سمعت كتاب الاداب والمواعظ، للقاضى أبي سعد الخليل ابن أحمد السجزى، بروايته عن محمود الصيرفي، عن أبي عبيد الكرواني، عن المصنف. كانت ولادته في حدود سنة ست وستين واربعمائة. وتوفى بمرو فجأة ليلة الاثنين، لاربع ليال بقين من جماد الاخرة، سنة ثمان وعشرين وخمسمائة.

أحمد ابن محمد الأبي، أبو العباس
كان من أهل أبة، من ناحية برقة، وسافر إلى اليمن تاجراً، واجتمع بأبي بكر السعدي بعدن وحدثني المولى المفضل، جمال الدين بقصته مع السعدي عنه، انه سمعها منه، ثم قدم الاسكندرية واقام بها، فجرى بينه وبين القاضي شرف الدين عبد الرحمن، ابن قاضى الاسكندرية ما احوجه الى قدومه الى القاهرة، وشكا منه إلى الصاحب صفى الدين شكر، فلم يشكه، فاقام بالقاهرة إلى ان مات، وكان شكواه من قطع رزقه، من مسجد كان يصلى فيه، او نحو ذلك، وكان قدومه إلى القاهرة، سنة ست وستين وخمسمائة ومات بعد ذلك في نحو سنة ثمان وتسعين وصنف كتاباً في النحو، رأيته بخطه، وهي مسائل منثورة حدثني المولى القاضي المفضل، جمال الدين قال: دخلت إلى الصاحب أبي بشر وهو في مجلسه، فجلست إلى جانبه فأنشدني متمثلاً:
إنك لاتشكو إلى مصمت ... فاصبر على الحمل الثقيل أو مت
اشارة الى انه لم يشكه قال أبو زياد الكلابي: ومثل من أمثال العرب: إنك لاتشكو الى مصمت، والتصميت: أن تقول المرآة إذا بكى صبيها الرضيع، وهي مشغولة عنه لبعض صبيانها، أو لزوجها: صمت هذا الصبي، فيأتيه فيحضنه بيده حتى يسكت قال: وحدثني قال: دخلت إلى مجلس الشيخ الموفق أبي الحجاج يوسف، المعروف بابن الخلال، كاتب الإنشاء فى ايام المصريين، وكان الموفق قد عمل معمى في المرآة نثرا، فقال لمن بحضرته: ماتقولون فى قولي: شيء شديد الباس، يغيره ضعيف الانفاس وذكر كلاما بعده، فاستدللت بهذه الفاتحة، على انه المرآة، لأن الشديد البأس، هو الحديد، ويغير صقالها النفس، فقلت له ذلك، فاستحسن حدة خاطري انشدني مولانا القاضي، الإمام جمال الدين، أبو الحجاج يوسف بن القاضي الأكرم، علم الدين، أبى طاهر اسماعيل بن عبد الجبار، بن ابى الحجاج، قال انشدنى أبو العباس، أحمد بن محمد الآبى، ممتدحاً لى، وكتبته أنا من خطه بيده:
ياخير من فاق الافاضل سوددا ... وامتاز خيماً في الفخار ومحتدا
وسما لاعلام المعالي فاحتوى ... فضلا به يهدي وفضلا يجتدا
واذا الرياسة لم تزن بمعارف ... وعوارف يسدى بها كانت سدا
لاتنس من لم ينس ذكرك أحمدا ... وافى جنابكم الكريم فأحمدا
يهدى الى الأسماع من أوصافكم ... ملحاً كزهر الروض باكره الندا
مستحسنات كلما كررتها ... لم تسأم الاسماع منها موردا
والفضل فيه لكم ومنكم إنما ... يعزى المضاعف في الجميل لمن بدا
كالزهر يسقى الزهر صيب أفقها ... فيعود منه نشره متصعدا
جاد الغمام على الكمام بمائه ... عذبا فنصر ما حوته ونضدا
وإذا امرؤ أسدى لحر نعمة ... بدءا تملكه بها واستبعدا
دعى المفضل إذ تسامى فضله ... شرفا على نظرائه واستجمد
أحمد بن محمد، الواسطى
بن مختار الواسطى أبو على النحوي العدل، بن أخي أبى الفتح، محمدابن محمدة، بن جعفر، بن مختار النحوى، الذى يأتى ذكره فيما بعد، إن شاء الله تعالى مات بعد سنة خمسمائة وله عقب بواسط، اخذ النحو عن ابى غالب بن بشران، وكان منزله مألفا لاهل العلم، وكان من الشهود المعدلين، وكان طحانا بمشرعة التنانيرين بواسط حدثنى أبو عبد الله محمد بن سعد، بن الحجاج الدبيثى، قال: حدثنى عبد الوهاب بن غالب، عن الشريف ابى العلاء ابن التقي قال: قدم إلى واسط في بعض الأعوام عسكر الأعاجم، فنبهوا قطعة من البلد، ونبوا دكان الشيخ أبي علي بن مختار، ونزلوا بداره قال الشريف: فدخلت معه إليهم، نستعطفهم أن يردوا عليه بعض ما اخذوا منه، فلم نر لذلك وجها وخرجنا وهو يقول:
تذكرت ما بين المذيب وبارق ... مجر عوالينا ومجرى السوابق
ثم التفت الى فقال: ما العامل في الظرف فى هذا البيت؟ فقلت له يا سيدى: ما اشغلك ما انت فيه عن النحو والنظر فيه! فقال: يا بني، وما يفيدني إذا حزنت؟ وحدث الحافظ أبو طاهر، أحمد بن محمد السلفي قال: أنشدني الشيخ أبو علي أحمد بن محمد، بن مختار المعدل بواسط لنفسه، وأفادنيه خميس بن علي الحافظ:
كم جاهل متواضع ... ستر التواضع جهله

ومميز فى علمه ... هدم التكبر فضله
فدع التكبير ما حييت ... ولا تصاحب أهله
فالكبر عيب للفتى ... أبدا يفبح فعله
وأنشد له:
ما هذه الدنيا بدار مسرة ... وتخونني مكرا لها وخداعا
بيننا الفتى فيها يسر بنفسه ... وبماله يستمتع استمتاعا
حتى سقته من المنية شربة ... وحمته منها بعد ذاك رضاعا
فغدا بما كسبت يداه رهينة ... لايستطيع لما عراه دفاعا
لوكان ينطق قال من تحت الثرى ... فليحسن العمل الفتى ما استطاعا

أحمد بن مروان، المؤدب أبو مسهر
من اهل الرملة، عالم باللغة، كان فى ايام المتوكل وهو القائل:
غيث وليث: فغيث حين تسأله ... عرفا، وليث: لدى الهيجاء ضرغام
يحيا الانام به في الجدب ان قحطوا ... جودا ويشقي به يوم الوغى الهام
حالان ضدان مجموعان فيه فما ... ينفك بينهما بوسى وانعام
كالمزن يجتمع الضدان فيه معا ... ماء ونار وارهام واضرام
أحمد بن مطرف،القاضى
بن إسحاق القاضى أبو الفتح المصرى، كان فى الدولة المصرية فى أيام، الحكم، وله تآليف فى الأدب، منها: كتاب النوائح، كتاب كبير في اللغة، ورسالة فى الضاد و الظاء، كتب بها إلى الشريف أبى الحسن، محمد بن القاسم الحسيني، عامل تنيس
أحمد بن مطرف، أبم الفتح العسقلانى
كان ياى القضاء بدمياط، ومات فى سنة ثلاث عشرة وأربعمائة، ومولده سنة نيف وعشرين وثلاثمائة، وكان أديباً، فاضلاً، وله كتب كثيرة مصنفة في الأدب، وفى اللغة، وغيرهما. وديوان شعره جمعه على نسختين: إحداهما معربة، والأخرى مجردة، يكون دون ألف ورقة، قال ذلك كله أبو عبد الله الصوري الحافظ.وحكى: أنه أنشده قطعة من شعره، وناوله بقيته، وأذن له في روايته عنه، ورواية سائر مصنفاته، قال: ومما أحفظ له من قطعة أنشد نيها لنفسه، أولها:
علمي بعاقبة الأيام يكفيني ... وما قضى الله لي: لا بد يأتيني يقول فيها:
ولاخلاف بأن الناس مذ خلقوا ... فيما يرومون معكوسو القوانين
إذ ينفق العمر فى الدنيا مجازفة ... و المال ينفق فيها بالموازين
أحمد بن موسى، بن أبى عمار الحناط
صاحب أبى عبيد القاسم بن سلام، مات فيما ذكره ابن بنت الغرياني في سنة إحدى وثمانين ومائتين
أحمد بن موسى،بن مجاهد المقرئ
بن العباس، بن مجاهد المقرئ، أبو بكر، قال الخطيب: كان شيخ القراء فى وقته، و المقدام منهم على أهل عصره، مات فيما ذكره الخطيب فى شعبان، سنة أربع وعشرين وثلاثمائة، ودفن فى مقبرة باب البستان، من الجانب الشرقى، في ربيع الآخر، سنة خمس وأربعين ومائتين، قال الخطيب: وحدث عن عبد الله بن أيوب المخزمى، ومحمد بن الجهم السمري،وخلق غيرهما. وحدث عنه الدار قطني، وأبو بكر الجعابي، وأبو بكر بن شاذان، وأبو حفص بن شاهين، وغيرهم.وكان ثقة مأموناً، يسكن بالجانب الغربي، نحو مربعة الخرسي. حدث أبو بكر الخطيب قال: قال ثعلب النحوى:في سنة ست وثمانين ومائتين: ما بقى من عصرنا هذا، أعلم بكتاب الله، من أبى بكر بن مجاهد. وحدث أبو بكر النحوى قال: صليت خلف أبى بكر ابن مجاهد صلاة الغداة، فاستفتح بقراءة الحمد، ثم سكت، ثم استفتح ثانية، ثم سكت، ثم ابتدأ بالقراءة،فقلت أيها الشيخ، رأيت اليوم منك عجيباً. فقال لي: شهدت المكان؟ فقلت: نعم، فقال: أشهدتك الله أن لا حدثت به عنى، إلى أن أوارى تحت أطباق الثرى، ثم قال يابنى: ما هو إلا أن كبرت تكبيرة الإحرام، حتى كأنى بالحجب قد انكشفت ما بينى وبين رب العزة تعالى سرابسر، ثم استفتحت بقراءة الحمد، فاستجمع كل حمد لله في كتابه مابين عيني، فلم أدرى بأى الحمدلة أبتدئ؟. وحدث عيسى بن علي، بن عيسي، الوزير قال: أنشدنى أبو بكر بن مجاهد، وقد جئته عائداً، وأطال عنده قوم، كانوا قد حضروا لعيادته، فقال لى يا ابا القاسم، عيادة ثم ماذا؟ فصرف من حضر، ثم هممت بالانصراف معهم، فامرنى بالرجوع إليه، ثم انشدنى عن على بن الجهم السمرى:

لاتضجرن مريضا جئت عائده ... ان العيادة يوم اثر يومين
بل سله عن حاله وادع الاله له ... واقعد بقدر فواق بين حلبين
من زار غبا اخا دامت مودته ... وكان ذاك صلاحا للنحليلين.
وحدث الحسين بن محمد، بن خلف المقرئ، قال: سمعت ابا الفضل الزهرى يقول: انتبه أبى فى الليلة التى مات فيها أبو بكر بن مجاهد، فقال يابنى: ترى من مات الليلة؟ فانى قد رأيت في منامى، كأن قائلا يقول: قد مات الليلة مقوم وحى الله، منذ خمسين سنة، فلما اصبحنا إذا ابن مجاهد قد مات آخر مانقلناه من تاريخ الخطيب وذكره محمد بن إسحاق في كتابه، فقال: كان ابن مجاهد، مع ماعرف به من الفضل، واشتهر عنه من العلم والنبل، كثير المداعبة، طيب الخلق، وله من الكتب: كتاب القراءات الكبير، كتاب القراءات الصغير، كتاب الياءات، كتاب الهاءات، كتاب قراءة ابى عمرو، كتاب قراءة ابن كثير، كتاب قراءة عاصم، كتاب قراءة نافع كتاب قراءة حمزة كتاب قراءة الكسائى كتاب قراءة ابن عامر، كتاب قراءة النبى صلى الله عليه وسلم، كتاب السبعة كتاب انفرادات القراء السبعة كتاب قراءة على بن ابى طالب رضى الله عنه نقلت من خط أبى سعد السمعاني واختياره لتاريخ يحيى بن مندة سمعت الامام ابا المظفر عبد الله بن شيث المقرئ يقول: سمعت أحمد بن منصور المذكر يقول: سمعت ابا الحسن بن سالم البصري الصوفى يقول: وهو صاحب سهل بن عبد الله التسترى قال: سمعت ابا بكر محمد بن مجاهد المقرئ يقول: رأيت رب العزة في المنام؟ فتختمت عليه ختمتين، فلحنت فى موضعين، فاغتممت،فقال يابن مجاهد: الكمال لى، الكمال لى قرأت فى تاريخ خوارزم فى ترجمة ابى سعيد، أحمد بن محمد، ابن حمديج الحمد يجى قال: كنت اختلف إلى ابى بكر بن مجاهد، المقرئ البغدادى، فكان يكرمى لفقهى،فاشتهيت ات اقرأ عليه، لما رايت من ولوع الناس بالقراءة عليه، فقلت له: اني اريد أن اقرأ عليك القرآن، فقال: نعم، إن كنت تريد القراءة، فاجلس مجلس التلامذة، قال فتحولت من جنبه الى بين يديه، فلما افتتحت القراءة على رسم العامة، وقلت: " بسم الله الرحمن الرحيم " قال: أوكذا تقرأ؟ إذهب الى ذلك الفتى حتى يرشدك، ثم اقرأ علي، فخجلت من ذلك، وترك إكرامي، كما كان يكرمني قبل ذلك، لما عرف بضاعتي في القراءة وقال التنوحي: بلغني عن أبي بكر بن مجاهد أنه قال: الناس أربعة: مليح يتبغض لملاحته فيحتمل، وبغيض يتملح، فذاك الحمى، والداء الذي لا دواء له، وبغيض يبغض، فيعذر لأنه طبعه، ومليح يتملح، فتلك الحياة الطيبة ومن تاريخ ابن بشران: كان ابن مجاهد كثيرا ما ينشد:
إذا عقد القضاء عليك أمرا ... فليس يحله إلا القضاء
قال: وذكر عن ابن مجاهد: انه حضر وجماعة من اهل العلم في بستان، وداعب وقال: وقد لاحظه بعضهم التعاقل في البستان، كالتخالع في المسجد وروى عن ابى طالب الهاشمى صهر ابى بكر بن مجاهد قال: كنت عند ابن مجاهد وقد حضرته الوفاة، فقال لي: اخرج من ههنا من اهلنا، قال: ففعلت ذلك، ثم قال لى: وتباعد انت ايضا، فوقفت عنه بعيدا، فاستقبل القبلة، واقبل يتلو آيات من القرآن، ثم خفت صوته، فلم يزل يتشاهد الى ان طفا قال: وكان له جاه عريض عند السلطان، وسأله بعض اصحابه كتابا الى هلال بن بدر فى حاجة له، فكتب إليه كتابا وختمه، ولم يقف عليه، فلما صار الى هلال وسلم اليه الكتاب، قضى حوائجه، وبلغ له فوق ما اراد، فلما اراد ان ينصرف، قال له: تدرى ما في كتابك؟ قال: فاخرجه وفيه: " بسم الله الرحمن الرحيم " حامل كتابي إليك، حامل كتاب الله عني والسلام وصلى الله على سيدنا محمد وآله اجمعين.

أحمد النهر جوري

أبو أحمد الشاعر العروضي له في العروض تصانيف، وهو به عارف حاذق، يجرى مجرى أبي الحسن العروضي والعمرانى وغيرهما فيه، وهو مع ذلك شاعر متوسط الطبقة، وهو من أهل البصرة حدثني أبو الحسن، عن علي بن محمد بن نصر الكاتب، قال: اجتمعت به بالبصرة فى سنة تسع وتسعين وثلاثمائة، وانا فى جملة ابى الحسن بن ماسرجيس،وسافرنا عنها الى ارجان مع بهاء الدولة، وخرج النهرجورى معنا، واقام فى مصاحبته، إلى ان تقلد أبو الفرج، محمد بن على الخازن البصرة في اواخر سنة اثنتين واربعمائة، فعاد معه اليها، ثم وردتها فى ذى القعدة، سنة ثلاث واربعمائة، متصلا بخدمة " شاهنشاه " الاعظم، جلال الدولة بن بهاء الدولة، وقد مات النهرجورى قبل ذلك بشهور، بعلة طريفة، لحقته من ظهور القمل في جسمه، عند حكه اياه، الى ان مات وكان شيخا قصيرا، شديد الأدمة، سخيف اللبسة، وسخ الجملة، سيء المذهب، متطاير بالالحاد، غير مكاتم له، ولم يتزوج قط، ولا اعقب، وكان اقوى الطبقة في الفلسفة، وعلوم الاوائل، ومتوسطا في علوم العربية وعلمه بها اكثر من شعره، وكان ثلابة للناس هجاء قليل الشكر لمن يحسن إليه، غير مراع لجميل يسدى إليه وانشدني اشياء كثيرة من شعره، ومنه:
من عاذري من رئيس ... يعد كسبي حسبي
لما انقطعت إليه ... وصلت منقطعا بي
فسمع ذلك أبو العباس بن ماسرجيس،فقال: هذا تليس منه، وانا المقصو بالهجو، وانما قال: من عذيرى من وزير، وقد راقبني في تعبيره، فلما توفي النهرجوري، حمل إلى ابى العباس مسوداته، فوجد فيها القطعة منسوبة اليه، فاخرجها ووقفني عليها، وعرفني صحة حدسه فيه ومن شعره في أبي الوفاء بن الصقيل:
ما استخرج المال بمثل العصا ... لطالبيه من أبي الغدر
اليس قد اخرج موسى بها ... لقومه الماء من الصخرة
وله ايضا:
صاح نديمي وشفه الطرب ... ياقومنا ان امرنا عجب
نار إذا الماء مسها زفرت ... كأنها لالتهابها حطب
وله يهجو طبيباً من أهل الابلة، يعرف بأبي غسان وكان قد أغرى بهجائه:
ياطبيبا داوى كساد ذوي الأكفان ... حتى أعادهم في نفاق
إن تكن قد وصلت رزقهم فيها ... فكم قد قطعت من أرزاق؟
وقع الله فى جبينك للأرزاق ... إن ودع وداع الفراق
وله فيه ايضا:
يا بن غسان أنت ناقضت عيسى ... فهو يحيي الموتى وأنت تميت
يشهد القلب أنه يقدم الغاسل ... أو إن دسته تابوت
وقال في أبي إسحاق الصابئ، يمدحه وهو بالبصرة بقصيدة أولها:
لا يذهبن عليك في العواد ... ضعف القوى وتفتت الأكباد
لا تسألي عني سواك فإنما ... ذكراك أنفاسي وحبك زادي
يا سمحة بدمي على تحريمه ... فيما يظن أصادق وأعادي
حاشاك أن ألقاك غير بخيلة ... أو أن أرى ما لا ترين رشادي
وله يهجو امرأة:
تموت من شهوة الضراط ولا ... يسعدها دبرها بتصويت
كأنما إليتاك خابية ... تظل ملقية لتزفيت
وله أيضاً:
لو كان يورث بالتشابه ميت ... لملكت بالأعضاء ما لا يملك
ثعل مخاتله تخبر أنه ... في الناس من نطف الجميع مشبك
قالوا: ولم يكن وسخه وقذارته عن فقر، فإن حاله كانت مستقيمة حسنة، بل كانت لعادة سيئة فيه، وكان الناس يتقون لسانه وكثرة هجائه، قال ابن نصر: ومدح أبو أحمد النهرجوري أبا الفرج منصور بن سهل المجوسي عامل البصرة، فأعطاه صلة حاضرة هنية، والتف به الحواشى، فطالبوه، فكتب رقعة ودفعها إلى بعض الداخلين إليه، وقال تسلم هذه إلى الأستاذ وكان فيها:
أجارني الأستاذ عن مدحتي ... جائرة كانت لأصحابه
ولم يكن حظي منها سوى ... جربذتي يوماً على بابه
فلما وصلت إليه الرقعة،خرج فى الحال من صرف الحواشى عنه، وصار معه حتى دخل منزله:

أحمد بن نصر، بن الحسين البازريار

أبو علي كان نديماً لسيف الدولة بن حمدان، وكان أبوه نصر بن الحسين من ناقلة سامرا، واتصل بالمعتضد وخدمه، وخف على قلبه، وأهله من خرسان،وكان يتعاطى لعب الجوارح فرد إليه المعتضد نوعاً من أنواع جوارحه، ومات أبو على بحلب، في حياة سيف الدولة، وله من الكتب كتاب تهذيب البلاغة ذكر ذلك كله محمد بن إسحاق النديم.قال ثابت بن سنان: مات أبو على أحمد بن نصر، بن البازايار بالشام، فى سنة اثنتين وخمسين وثلاثمائة، وحدث أبو جعفر طلحة بن عبد الله بن قناش، صاحب كتاب القظاة قال: كنا بحضرة سيف الدولة، وقد كان من ندمائه، قال: كان يحضر معنا مجلسه أبو نصر النبض، وكان رجلاً من أهل نيسابور، أقام ببغداد قطعة من أيام المقتدر، وبعدها إلى أيام الراضى، وكان مشهوراً بالطيبة و الخلاعة،وخفة الروح، وحسن المحاضرة، مع العفة و الستر، وتقلد الحكم فى عدة نواح بالشام، فقيل له يوماً بحضرة سيف الدولة: لم لقبت النبض؟ فقال: ما هذا لقب، وإنما هو اشتقاق من كنيتي، كما لو أردنا أن نشتق من أبى على مثل هذا " وأومأ إلى ابن البازيار " لقلنا: البعل. أو اشتققنا من أبى الحسن " وأومأ إلى سيف الدولة " لقلنا:البحس، فضحك سيف الدولة منه،ولم ينكر عليه، وقد استدللت بهذه الحكاية، على عظم قدر ابن البازيار عند سيف الدولة،إذ قرن اسمه باسمه. قال أبو على عبد الرحمن بن عيسي، بن الجراح فى تاريخه: لما ورد ناصر الدولة إلى بغداد، وقد رد إليه تدبير العساكر، وإمرة الأمراء، قلد الوزير أبو إسحاق محمد بن أحمد القراريطى، إبراهيم بن أخى أبى الحسن على بن عيسى، أصل ديوان المشرق، وزمام البر، وزمام المغرب، وزمام المنبع وديوان الفراتية، مدة من الزمان، ثم استشفع إلى الوزير، أحمد بن نصر البازيار، بابن مكرم كاتب ناصر الدولة، فقلده ديوان المشرق، وزمام البر، وزمام المغرب، وعوض أب نصر إبراهيم بن أخي أبى الحسن، مكان ماصرفه عنه، ديوان البر، وديوان ضياع ورثة موسى بن بغا الأصل. نقلت هذا من خط إبراهيم ابن أخي أبي الحسن، علي بن عيسى، صاحب هذه القصة، فإن النسخة بالتاريخ كانت بخطه. وذكر هلال أن أحمد ابن نصر البازيار، كان ابن أخت أبى القاسم، على بن محمد بن الحواري، وكان أبو العباس الصفري، شاعر سيف الدولة، قد حبس لمحاكمة كانت بينه وبين رجل من أهل حلب، فكتب إلى ابن البازيار فى محبسه
كذا الدهر بوس مرة ونعيم ... فلا ذا ولاهذا يكاد يدوم
وذو الصبر محمود على كل حالة ... وكل جزوع فى الأنام ملوم
يقول فيها:
أترضى الطماى قاض بحبسه ... إذا اختصمت يوماً إليه خصوم؟
وإن زماناً فيه يحبس مثله ... لمثلي، زمان ما علمت لثيم
يكاد فؤادي يستطير صبابة ... إذا هب من نحو الأمين نسيم
هل أنت ابن نصر ناصر بمقالة ... لها في دجى الخطب البهيم نجوم؟
ولائم قاض رد توقيع من به ... غدا قاضياً فالأمر فيه عظيم
ومتخذ عندي صنيعة ماجد ... كريم نماه فى الفخار كريم

أحمد بن هبة الله، بن العلاء
،
ابن منصور المخزومي أبو العباس،الأديب النحوى، المعروف بالصدر ابن الزاهد، مات فى الثالث عشر من رجب، سنة إحدى عشرة وستمائة، وقد نيف على الثمانين وكان له اختصاص عظيم بالشيخ أبي محمد بن الخشاب لا يفارقه، فحصل منه علماً جماً،وصارت له يد باسطة في العربية و اللغة، وكان قرأ قبله على أبى الفضل بن الأشتر، وكان كيساً مطبوعاً، خفيف الروح، حسن الفكاهة. وسمع من عبد الوهاب الأنماطي، وابن الماندائي، وغيرهما. أنبأنا أبو عبد الله الدبيثي، قال: أنشدني أبو العباس، أحمد بن هبة الله الأديب لفظاً، قال: أنشدني الأمير أبو الفوارس سعد بن محمد الصيفي لنفسه:
أجنب أهل الأمر و النهى زورتي ... وأغشى امرأ في بيته وهو عاطل
إني لسمح بالسلام لأشعث ... وعند الهمام القيل بالرد باخل
وما ذاك من كبر ولكن سجية ... تعارض تيهاً عندهم وتساجل
ذكره العماد فقال: هو من فقهاء النظامية، ذو الخاطر الوقاد، و القريحة والانقاد وله يد في العربية و النحو، قرأ على شيخنا أبي محمد الخشاب، وأنشدني لنفسه:

ومهفهف يسبيك خط عذاره ... ويريك ضوء البدر فى أزراره
حاكت شمائله الشمول وهجنت ... لطف النسيم يهب في أسحاره
وله قصيدة كتبها إلى الملك الناصر يوسف بن أيوب، منها
إن الأكاسرة الأولى شادوا العلي ... بين الأنام فمضل أو منعم
يشكون أنك قد نسخت فعالهم ... حتى تنوسي ما تقدم منهم
وسننت في شرع الممالك ماعملوا ... عن بعضه وفهمت مالم يفهموا وله أيضاً
ماذا يقول لك الراجي وقد نفذت ... فيك المعاني وبحر القول قد نزفا؟
وما له حيلة إلا الدعاء فإن ... يسمع يظل عليه الدهر معتكفاً

أحمد بن الهيثم، بن فراس
،
بن محمد، ابن عطاء الشامي قال المرزباني: هو أحد الرواة المكثرين، روى عنه الحسن بن عليل العنزي، وأبو بكر وكيع، قلت: وكان أبوه الهيثم بن فراس، شاعراً مكثراً، وكان جده فراس من شيعة بني العباس، وقد أدرك دولة هشام بن عبد الملك، وله في أول الدولة أخبار، فحدث المرزباني بإسناد رفعه إلى الهيثم بن فراس قال: أنشدت عمار بن ثمامة:
ينادي الجار خادمة فتسعى ... مشمرة إذا حضر الطعام
وأدعو حين يحضرني طعامي ... فلا أمة تجيب ولاغلام
وحدث عن محمد، بن العباس عن المبرد قال: قال الهيثم بن فراس في المفضل بن مروان، وزير المعتصم:
تجبرت يافضل بن مروان فاعتبر ... فقبلك كان الفضل، والفضل و الفضل
ثلاثة أملاك مضوا لسبيلهم ... أبادهم الموت المشتت والقتل
يريد الفضل بن يحيى، و الفضل بن الربيع، و الفضل ابن سهل.
فإنك قد أصبحت في الناس ظالماً ... ستودى كما أودى الثلاثة من قبل
أحمد بن يحيى،البلاذري
بن جابر، بن داوود البلاذري أبو الحسن، وقيل أبو بكر، من أهل بغداد ذكره الصولي في ندماء المتوكل على الله، مات في أيام المعتمد على الله إلى أواخرها، وما أبعد أن يكون أدرك أول أيام المعتضد، وكان جده جابر يخدم الخصيب صاحب مصر، وذكره ابن عساكر في تاريخ دمشق، فقال. سمع بدمشق هشام بن عمار، وأبا حفص عمر ابن سعيد، وبحمص محمد بن مصفى، وبأنطاكية محمد ابن عبد الرحمن بن سهم، وأحمد بن مرد الأنطاكي، و بالعراق عفان بن مسلم، وعبد الأعلى بن حماد، وعلى ابن المديني، وعبد الله بن صالح العجلي، ومصعباً الزبيري، وأبا عبيد القاسم بن سلام، وعثمان بن أبى شيبة، وأبا الحسن على بن محمد المدائني، ومحمد بن سعد كاتب الواقدي، وذكر جماعة قال: وروى عنه يحيى بن النديم، وأحمد بن عبد الله بن عمار، وأبو يوسف، يعقوب بن نعيم قرقارة الأرزاني. قال محمد بن إسحاق النديم: كان جده جابر، يكتب للخصيب صاحب مصر، وكان شاعراً، وراويه، ووسوس آخر أيامه فشد بالمارستان، ومات فيه، وكان سبب وسوسته، أنه شرب ثمر البلاذر على غير معرفة، فلحقه مالحقه. وقال الجهشياري في كتاب الوزارء: جابر بن داوود البلاذري، كان يكتب للخطيب بمصر، هكذا ذكر. ولا أدرى أيهما شرب البلاذر؟ أحمد بن يحيى، أو جابر بن داود؟ إلا أن ما ذكره الجهشياري، يدل على أن الذي شرب البلاذر هو جده، لأنه قال: جابر بن داود، ولعل ابن ابنه، لم يكن حينئذ موجوداً، والله أعلم. وكان أحمد بن يحيى بن جابر، عالماً فاضلاً، شاعراً، راوية نسابة، متقناً، وكان مع ذلك، كثير الهجاء، بذيء اللسان، أخذ الأعراض، وتناول وهب بن سليمان، بن وهب، لما ضرط فمزقه، فمن قوله فيه، وكانت الضرطة بحضرة عبد الله بن يحيى، بن خاقان:
أيا ضرطة حسبت رعده ... تنوق في سلها جهده
تقدم وهب بها سابقاً ... وصلى أخو صاعد بعده
لقد هتك الله ستريهما ... كذا كل من يطعم الفهده
وقال أحمد بن يحيى، بن جابر، يهجو عافية بن شيب:
من رآه فقد رأى ... عربياً مدلسا
ليس يدري جليسه ... أفسا أم تنفسا؟

وحدث علي بن هارون، بن النجم في أماليه عن عمه قال: حدثني أبو الحسن أحمد بن يحيى البلاذري قال: لما أمر المتوكل إبراهيم بن العباس الصولي، أن يكتب فيما كان أمر به من تأخير الخراج، حتى يقع في الخامس من حزيران استفتاح الخراج فيه، كتب في ذلك كتابه المعروف، وأحسن فيه غاية الإحسان، فدخل عبيد الله بن يحيى على المتوكل، فعرفه حضور إبراهيم ابن العباس، وإحضاره الكتاب معه، فأمر بالإذن له فدخل، وأمره بقراءة الكتاب، فقرأه، واستحسنه عبيد الله بن يحيى، وكل من حضر، قال البلاذري: فدخلني حسد له، فقلت: فيه خطأ، قال: فقال المتوكل: في هذا الكتاب الذي قرأه على إبراهيم خطأ؟ قال: قلت: نعم، قال: يا عبيد الله وقفت على ذلك؟ قال: لا، و الله يا أمير المؤمنين، ما وقفت فيه على خطأ، قال: فأقبل إبراهيم بن العباس على الكتاب يتدبره، فلم ير فيه شيئاً، فقال يا أمير المؤمنين: الخطأ لا يعرى منه الناس، وتدبرت الكتاب، خوفاً من أكون قد أغفلت شيئاً وقف عليه أحمد بن يحيى، فلم أرما أنكره، فليعرفنا موضع الخطأ،قال: فقال المتوكل: قل لنا ما هو هذا الخطأ الذي وقفت عليه في هذا الكتاب؟ قال: فقلت هو شيء لا يعرفه إلا على بن يحيى المنجم، ومحمد بن موسى، وذلك أنه أرخ الشهر الرومي بالليالي، وأيام الروم قبل لياليها، فهي لا تؤرخ بالليالي، وإنما يؤرخ بالليالي الأشهر العربية، لأن لياليها قبل أيامها بسبب الأهلة، فقال إبراهيم: يا أمير المؤمنين، هذا مالا علم لي به،ولا أدعي فيه ما يدعى، قال: فغير تاريخه. قال الجهشياري: وقال أحمد بن يحيى، البلاذري في عبيد الله بن يحيى وقد صار إلى بابه فحجبه:
قالوا: اصطبارك للحجاب مذلة ... عار عليك به الزمان و عاب
فأجبتهم: ولكل قول صادق أو كاذب عند المقال جواب
إنى لأغتفر الحجاب لماجد ... أمست له منن على رغاب
قد يرفع المرء اللئيم حجابه ... صنعة ودون العرف منه حجاب
وحدث الجهشياري قال: حدثني ابن أبى العلاء الكاتب، قال: حدثني أبو الحسن أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري قال:دخلت إلى أحمد بن صالح بن شيرزاد، فعرضت عليه رقعة لي فيها حاجة، فتشاغل عنى فقلت:
تقدم وهب سابقاً بضراطه ... وصلى الفتى عبدون و الناس حضر
وإني أرى من بعد ذاك وقبله ... بطوناً لناس آخرين تقرقر
فقال ياأبا الحسن: بطن من؟ فقلت: بطن من لم يقض حاجتى، فأخذ الرقعة، ووقع فيها بما أردت. وقال أحمد بن يحيى: يهجو صاعداً وزير المعتمد:
أصاعد قد ملأت الأرض جوراً ... وقد سست الأمور بغير لب
وساميت الرجال وأنت وغد ... لئيم الجد ذوعي وعيب
أضل عن المكارم من دليل ... وأكذب من سليمان بن وهب
وقد خبرت أنك حارثي ... فرد مقالتي أولاد كعب
قلت: أما سليمان بن وهب فمعروف، وأما دليل: فهو دليل بن يعقوب النصراني، أحد وجوه الكتاب، كان يكتب لبغا التركي، ثم توكل للمتوكل على خاصته. وحدث أبو القاسم الشافعي، في تاريخ دمشق بإسناده قال: قال أحمد بن جابر البلاذري: قال لي محمود الوراق: قل من الشعر ما يبقى ذكره، ويزول عنك إثمه، فقلت
إستعدي يانفس للموت واسعي ... لنجاة فالحازم المستعد
قد تثبت أنه ليس للحي ... خلود ولامن الموت بد
إنما أنت مستعيرة ما سوف ... تردين والعواري ترد
أنت تسهين والحوادث لا تسهو، ... وتلهين والمنايا تجد
لاترجى البقاء في معدن الموت ... ودار حقوقها لك وردُ
أي ملك في الأرض أم أي حظ ... لأمرىٍ حظه من الأرض لحدُ
كيف يهوى أمرؤ لذاذة أياماً ... عليه الأنفاس فيها تعد
ومن شعر البلاذري، الذي رواه المرزباني في معجم الشعراء:
يا من روى أدباً ولم يعمل به ... فيكف عادية الهوى بأديب
ولقلما تجدي اصابة صائب ... أعماله أعمال غير مصيب
حتى يكون بما تعلم عاملاً ... من صالح فيكون غير معيب

قال ابن عساكر في كتابه: وبلغني أن البلاذري كان اديباً، راوية، له كتب جياداً، ومدح المأمون بمدائح، وجالس المتوكل، ومات في أيام المعتمد، ووسوس في آخر عمره. قال المؤلف: هذا الذى ذكره ابن عساكر، من كلام المرزباني في معجم الشعراء بعينه. وقال محمد ابن اسحاق النديم: وله من الكتب: كتاب البلدان الصغير، كتاب البلدان الكبير لم يتم، كتاب جمل نسب الأشراف، وهو كتابه المعروف المتهور، كتاب عهد أردشير، ترجمه بشعر. قال: وكان أحد النقلة من الفارسي إلى العربي، كتاب الفتوح وحدث الصولي في كتاب الوزراء: حدثني أحمد ابن محمد الطالقني قال: لي أحمد ابن يحيى البلاذري: كان بيني وبين عبيد الله ابن يحيى، ابن خاقان حرمة، منذ أيام المتوكل،وماكنت أكلفه حاجة لإستغناء عنه، فنالتني في أيام المعتمد على الله إضافة،فدخلت إليه وهو جالس للمظالم، فشكوت تأخر رزقي وثقل ديني، وقلت: إن عيب على الوزير - أعزه الله - حاجة مثلي في أيامه، وغض طرفه عني، فوقع لي ببعض ما أردت، وقال: أين حياؤك المانع لك من الشكوى على الاستبطاء؟ فقلت: غرس البلوى، يثمر ثمر الشكوى، وانصرفت، وكتبت إليه:
لحاني الوزير المرتضى في شكايتي ... زماناً أحلت للجذوب محارمه
وقال: لقد جاهرتني بملامة ... ومن لي بدهر كنت فيه أكاتم
فقلت: حياء المرء ذو الدين والتقى ... يقل إذا قلت لديه دارهم
وحدث الصولى عن محمد ابن علي: أن البلاذري امتدح أبا الصقر، اسماعيل بن بلبل، وكتب إليه كتاباً حسناً، وسأله أن يطلق له شيئاً من ارزاقه ووعده فلم يفعل، فقال:
تجانف إسماعيل عني بوده ... ومل إخائي واللئيم ملول
وأن امرؤ يغشى أبا الصقر راغباً ... إليه ومغترا به لذليل
وقد علمت شيبان أن لست منهم ... فماذا الذي إن أنكروك تقول؟
ولو كانت الدعوى تثبت بالرشى ... لثبت دعواك الذين تنيل
ولكنهم قالوا مقالاً فكذبوا ... وجاؤوا بأمر ماعليه دليل
وله فيما أورده عبيد الله ابن ابى طاهر:
لما رأيتك زاهياً ... ورأيتني أجفى ببابك
عديت رأس مطيتي ... وحجبت نفسي عن حجابك

أحمد ابن يحيى، ابن يسار

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15