كتاب : معجم الأدباء
المؤلف : ياقوت الحموي

ابن عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن عبد المؤمن بن طيفور أبو سهلٍ النيلي. كان أديباً شاعراً نحوياً فقيهاً طبيباً عالماً بصناعة الطب. وله من التصانيف: اختصار كتاب المسائل لحنينٍ، وتلخيص شرح فصول بقراط لجالينوس مع نكتٍ من شرح أبي بكر الرازي وغير ذلك. مات سنة عشرين وأربعمائةٍ ومن شعره:
يا مفدي العذار والجد والقد ... بنفسي وما أراها كثيرا
ومعيري من سقم عينيه سقماً ... دمت مضنيً به ودمت معيرا
اسقني الراح تشف لوعة قلبٍ ... بات مذ بنت للهموم سميرا
هي في الكأس خمرة فإذا ما ... أفرغت في الحشا استحالت سرورا

سعيد بن الفرج
أبو عثمان الرشاشي مولى بني أمية، كان أديباً فاضلاً عالماً باللغة والشعر، وكان يحفظ أربعة آلاف أرجوزة للعرب، ويضرب المثل بفصاحته، إلا أنه كان كثير التقعر في كلامه، رحل إلى المشرق ودخل بغداد ومصر فأقام بها مدةً. توفي سنة اثنتين وسبعين ومائتين.
سعيد بن المبارك
ابن علي بن عبد الله بن سعيد بن محمد بن نصر ابن عاصم بن عباد بن عاصمٍ، وينتهي نسبه إلى كعب ابن عمروٍ الأنصاري أبو محمدٍ المعروف بابن الدهان النحوي، كان من أعيان النحاة وأفاضل اللغويين، أخذ عن الرماني اللغة والعربية، وسمع الحديث من أبي غالبٍ أحمد بن البناء، وأبي القاسم هبة الله بن محمد بن الحصين وغيرهما، وأخذ عنه الخطيب التبريزي وجماعته، ولد سنة أربعٍ وتسعين وأربعمائةٍ، بنهر طابقٍ، وتوفي بالموصل ليلة عيد الفطر سنة تسعٍ وستين وخمسمائةٍ، وله تصانيف منها: تفسير القرآن أربع مجلداتٍ، وشرح الإيضاح لأبي علي الفارسي في أربعين مجلدةً، وشرح اللمع في العربية لابن جني سماه الغرة، وكتاب الأضداد وإزالة المراء في الغين والراء، وكتاب الدروس في النحو، وكتاب الدروس في العروض، وكتاب الرياضة، وكتاب الضاد والظاء وسماه الغنية، وكتاب المعقود في المقصور والممدود، وتفسير الفاتحة، وتفسير سورة الإخلاص، والفصول في النحو، والمختصر في القوافي، وشرح بيتٍ من شعر الملك الصالح بن رزيك في عشرين كراسةٍ، والنكت والإشارات على ألسنة الحيوانات، وديوان شعرٍ، وديوان رسائل.
وكان مع سعة علمه سقيم الحظ كبير الغلط، وهذا عجيب منه، وخرج من بغداد إلى دمشق فاجتازعلى الموصل وبها وزيرها الجواد المشهور فارتبطه وصدره وغرقت كتبه في بغداد وهو غائب فحملت إليه فبخرها باللادن ليقطع الرائحة الرديئة عنها إلى أن بخرها بنحو ثلاثين رطلاً، فطلع ذلك إلى رأسه وعينه فأحدث له العمى. ومن شعره:
لا تحسبن أن بالكت ... ب مثلنا ستصير
فللدجاجة ريش ... لكنها لا تطير
وقال:
وأخٍ رخصت عليه حتى ملني ... والشيء مملول إذا ما يرخص
ما في زمانك من يعز وجوده ... إن رمته إلا صديق مخلص
سعيد بن محمد بن جريج
ٍ
أبو عقالٍ القيرواني الكاتب الأديب. كاتب القاضي سليمان بن عمران قاضي إفريقية. مات سنة تسعٍ وسبعين ومائتين، ومن شعره أبيات رثي بها القاضي سليمان المذكور قال:
عجباً لموضع لحده في قبره ... للعلم والعرفان كيف توسعا؟
رجع الخصوم وخلفوا علم الهدى ... في باب سلمٍ لا يزال ممنعا
أتت المنية من تلبب قاضياً ... خمسين عاماً واثنتين وأربعا
سعيد بن مسعدة

أبو الحسن المعروف بالأخفش الأوسط البصري مولى بني مجاشع ابن دارمٍ بطن من تميمٍ. أحد أئمة النحاة من البصريين، أخذ عن سيبويه وهو أعلم من أخذ عنه وكان أخذ عمن أخذ عن سيبويه لأنه أسن منه، ثم أخذ عن سيبويه أيضاً وهو الطريق إلى كتاب سيبوية، فإنه لم يقرأ الكتاب على سيبويه أحد ولم يقرأه سيبويه على أحدٍ، وإنما قرئ على الأخفش بعد موت سيبويه. وكان ممن قرأه عليه أبو عمر الجرمي وأبو عثمان المازني، وكان الأخفش يستحسن كتاب سيبويه كل الاستحسان، فتوهم الجرمي والمازني أن الأخفش قد هم أن يدعي الكتاب لنفسه، فتشاوروا في منع الأخفش من ادعائه فقالا نقرؤه عليه، فإذ قرأناه عليه أظهرناه وأشعنا أنه لسيبويه فلا يمكنه أن يدعيه، فأرغبا الأخفش، وبذلا له شيئاً من المال على أن يقرأاه عليه فأجاب وشرعا في القراءة، وأخذا الكتاب عنه وأظهراه للناس. وكان الأخفش يقول: ما وضع سيبويه في كتابه شيئاً إلا وعرضه علي، وكان يرى أنه أعلم به مني وأنا اليوم أعلم به منه. وحكى ثعلب أن الفراء دخل على سعيد بن سالم فقال: قد جاءكم سيد أهل اللغة وسيد أهل العربية، فقال الفراء: أما ما دام الأخفش يعيش فلا. وحكى الأخفش قال: لما ناظر سيبويه الكسائي ورجع وجه إلى فعرف خبره معه ومضى إلى الأهواز، فوردت بغداد فرأيت مسجد الكسائي فصليت خلفه الغداة، فلما انفتل من صلاته وقعد وبين يديه الفراء والأحمر وابن سعدان، سلمت وسألته عن مائة مسألة فأجاب بجوابات خطأته في جميعها، فأراد أصحابه الوثوب علي فمنعهم ولم يقطعني ما رأيتهم عليه عما كنت فيه، فلما فرغت قال لي: بالله أما أنت أبو الحسن سعيد بن مسعدة؟ قلت نعم، فقام إلي وعانقني وأجلسني إلى جنبه ثم قال: لي أولاد أحب أن يتأدبوا بك، ويتخرجوا عليك، وتكون معي غير مفارقٍ لي فأجبته إلى ذلك، فلما اتصلت الأيام بالاجتماع سألني أن أؤلف له كتاباً في معاني القرآن فألفته، فجعله إمامه وعمل عليه كتاباً في المعاني. وقرأ علي كتاب سيبويه سراً ووهب لي سبعين ديناراً. وكان أبو العباس ثعلب يفضل الأخفش ويقول: هو أوسع الناس علماً.
وقال المبرد: احفظ من أخذ عن سيبويه الأخفش ثم الناشئ ثم قطرب، كان الأخفش أعلم الناس بالكلام وأحذقهم بالجدل. توفي سنة خمس عشرة ومائتين، وقيل سنة إحدى وعشرين. وله من التصانيف: كتاب الأربعة، كتاب الاشتقاق، كتاب الأصوات، كتاب الأوسط في النحو، كتاب تفسير معاني القرآن، كتاب صفات الغنم وألوانها وعلاجها وأسبابها، كتاب العروض، كتاب القوافي، كتاب المسائل الكبير، كتاب المسائل الصغير، كتاب معنى الشعر، كتاب المقاييس، كتاب الملوك، كتاب وقف التمام.

سعيد بن هارن
أبو عثمان الاشنانداني، كان نحوياً لغوياً من أئمة اللغة، أخذ عن أبي محمدٍ التوزي، وأخذ عنه أبو بكر ابن دريد.
قال ابن دريدٍ: سألت أبا حاتم السجستاني عن اشتقاق ثادقٍ اسم فرسٍ، فقال لا أدري: وسألت الرياشي فقال: يا معشر الصبيان إنكم تتعمقون بالعلم وقال: سألت أبا عثمان الأشنانداني فقال: هو من ثدق المطر بالسحاب: إذا خرج خروجاً سريعاً نحو الودق.
وحكى ابن دريدٍ أيضاً قال: سألت أبا حاتمٍ السجستاني عن قول الشاعر:
وجفر الفحل فأضحى قد هجف ... واصفر ما اخضر من البقل وجف
فقلت ما هجف؟ فقال لا أدرى، فسألت الاشنانداني فقال: هجف: إذا التحقت خاصرتاه من التعب وغيره. وله من التصانيف: كتاب معاني الشعر يرويه عنه ابن دريدٍ. وكتاب الأبيات وغير ذلك. مات سنة ثمانٍ وثمانين ومائتين. والأشنانداني نسبة إلى أشنان محلة ببغداد وزادوا الدال فيها كما زادوا الهاء في الأشنهي نسبةً إلى أشنا.
سلامة بن عبد الباقي بن سلامة
أبو الخير الأنباري المقرئ النحوي الضرير، كان عالماً بالقراءات والعربية وفنون الأدب. قرأ علي ابن طاوسٍ المقرئ، وحدث عنه بجزء هلال الحفار عن طرادٍ الزينبي عن هلالٍ. ثم رحل إلى مصر وسكن بها وتصدر بجامع عمرو بن العاص يقرأ القرآن والنحو، وله مصنفات منها: شرح علي مقامات الحريري. ولد سنة ثلاث وخمسمائةٍ، ومات بمصر في ذي الحجة سنة تسعين وخمسمائة.
سلامة بن غياض بن أحمد

أبو الخير الكفرطابي النحوي، ذكره صاحبنا ابن النجار في تاريخه فقال: قدم بغداد سنة ستٍ وعشرين وخمسمائةٍ، وكتب عنه أبو محمد بن الخشاب، وقرأ الأدب بمصر على أبي القاسم علي بن جعفر بن القطاع السعدي. وله مصنفات في النحو منها: التذكرة عشر مجلداتٍ، وكتاب ما تلحن فيه العامة في زمانه، ورسالة في الحض على تعليم العربية، مات سنة ثلاثٍ وثلاثين وخمسمائةٍ، ومن شعره:
إقنع لنفسك فالقناعة ملبس ... لا يطمع الأشرار في تخريقه
فلرب مغرورٍ غدا تغريقه ... في حرصه سبباً إلى تغريقه

سلمان بن عبد الله بن محمد
ٍ
أبو عبد الله بن أبي طالبٍ الحلواني النهرواني، قال صاحبنا ابن النجار: قدم بغداد وقرأ بها النحو على الثمانيني واللغة على ابن الدهان وغيره، وبرع في النحو وكان إماماً فيه وفي اللغة، وسمع الحديث من القاضي أبي الطيب الطبري وغيره، وجال في العراق ونشر بها النحو واستوطن أصبهان، وروى عنه السلفي وصنف تفسير القرآن، وكتاباً في القراءات، والقانون في اللغة عشر مجلدات لم يصنف مثله، وشرح الإيضاح لأبي عليٍ الفارسي، وشرح ديوان المتنبي، والآمالي وغير ذلك. مات في ثاني عشر من صفرٍ سنة ثلاثٍ وتسعين وأربعمائةٍ. وقيل سنة أربعٍ وتسعين وأربعمائةٍ. ومن شعره:
إن خانك الدهر فكن عائداً ... بالبيض والإدلاج والعيس
ولا تكن عبد المنى إنها ... رؤوس أموال المفاليس
وقال:
تقول بنيتي أبتي تقنع ... ولا تطمح إلى الأطماع تعتد
ورض باليأس نفسك فهو أحرى ... وأزين في الورى وعليك أعود
فلو كنت الخليل وسيبويه ... أو الفراء أو كنت المبرد
لما ساويت في حيٍ رغيفاً ... ولا تبتاع بالماء المبرد
سلم بن عمرو بن حماد
ٍ
مولى بني تيم بن مرة، شاعر مطبوع من شعراء الدولة العباسية، كان منقطعاً إلى البرامكة وكان يلقب بالخاسر، لأن أباه خلف له مالاً فأنفقه على الأدب فقال: له بعض أهله: إنك الخاسر الصفقة فلقب بذلك. ثم مدح الرشيد فأمر له بمائة ألف درهمٍ وقال له: كذب بهذا المال من لقبك بالخاسر، فجاءهم بها وقال: هذا ما أنفقته على الأدب ثم ربحت الأدب، فأنا سلم الرابح لا سلم الخاسر. وقيل في تلقيبه بهذا غير ما ذكر. وكان سلم تلميذاً لبشار بن بردٍ وصديقاً لأبي العتاهية، فلما قال بشار قصيدته التي يقول فيها:
من راقب الناس لم يظفر بحاجته ... وفاز بالطييبات الفاتك اللهج
قال سلم أبياتاً أدخل فيها معنى هذا البيت:
من راقب الناس مات غماً ... وفاز باللذة الجسور
فبلغ بيته بشاراً فغضب وقال: سار والله بيت سلمٍ وخمل بيتنا، وكان الأمر كذلك. لهج الناس ببيت سلمٍ ولم ينشد بيت بشارٍ أحد فكان لذلك سبباً للنفور بينهما، فكان سلم بعد ذلك يقدم أبا العتاهية ويقول: هو أشعر الجن والإنس إلى أن قال أبو العتاهية يخاطب سلماً:
تعالى الله يا سلم بن عمروٍ ... أذل الحرص أعناق الرجال
هب الدنيا تصير إليك عفواً ... أليس مصير ذلك للزوال؟
فلما بلغ ذلك سلماً غضب على أبي العتاهية وقال: ويلي على الجرار ابن الفاعلة الزنديق، زعم أني حريص وقد كنز البدر وهو لا يزال يطلب وأنا في ثوبي هذين لا أملك غيرهما ثم كتب إليه:
ما أقبح التزهيد من واعظٍ ... يزهد الناس ولا يزهد
لو كان في تزهيده صادقاً ... أضحى وأمسى بيته المسجد
ورفض الدنيا ولم يلقها ... ولم يكن يسعى ويسترفد
فخاف أن تنفد أرزاقه ... والرزق عند الله لا ينفد
الرزق مقسوم على من ترى ... يناله الأبيض والأسود
كل يوفي رزقه كاملاً ... من كف عن جهدٍ ومن يجهد
وذكر من اقتدار سلمٍ الخاسر على الشعر أنه اخترع شعراً على حرفٍ واحدٍ ولم يسبق إلى مثل ذلك، لأن أقل شعر العرب على حرفين نحو قول دريد بن الصمة:
يا ليتني فيها جذع ... أخب فيها وأقع
فقال سلم الخاسر لأمير المؤمنين موسى الهادي شعراً على ضربٍ واحدٍ منه:

موسى المطر غيث بكر ... ثم انهمر لما اغتفر
ثم غفر لما قدر ... ثم اقتصر عدل السير
باقي الأثر خير البشر ... قرع مضر بدر بدر
لمن نظر هو الوزر ... لمن حضر والمفتخر
ولما بويع الهادي بالخلافة وهو بجرحان دخل عليه سلم الخاسر وأنشده:
لما أتت خير بني هاشمٍ ... خلافة الله بجرجان
شمر للحزم سرابيله ... برأي لا غمرٍ ولا وان
لم يدخل الشورى على رأيه ... والحزم لا يمضيه رأيان
وقال لهارون الرشيد حين ولي الخلافة:
ياهارون قر الملك في مستقره ... وأشرقت الدنيا وأينع نورها
وليس لأيام المكارم غاية ... تتم بها إلا وأنت أميرها
وقال في يحيى بن خالد بن برمك:
وفتىً خلا من ماله ... ومن المروءة غير خال
وإذا وأى لك موعداً ... كان الفعال مع المقال
لله درك من فتىً ... كافيك من كرم الخلال
أعطاك قبل سؤاله ... فكفاك مكروه السؤال

سلمة بن عاصم
ٍ
أبو محمدٍ النحوي، أخذ عن أبي زكريا يحيى الفراء وروى عنه كتبه، وأخذ عن خلفٍ الأحمر وسمع منه كتاب العدد، وأخذ عن سلمة أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب وكان يقول: كان سلمة حافظاً لتأدية ما في الكتب والطوال حاذقاً بالعربية، وابن قادمٍ حسن النظر في العلل. ولسلمة من التصانيف: كتاب معاني القرآن، وكتاب المسلوك في العربية، وكتاب غريب الحديث وغير ذلك.
سليمان بن أيوب بن محمد
ٍ
أبو أيوب المديني. من أهل المدينة المنورة، كان أديباً أخبارياً فاضلاً ذكره ابن النديم وقال: له من المصنفات. أخبار عزة الميلاء، طبقات المغنين، كتاب النغم والإيقاع، كتاب المنادمين، كتاب الاتفاق، كتاب قيان الحجاز، كتاب قيان مكة، أخبار ظرفاء المدينة، أخبار بن عائشة، أخبار حنينٍ الحيرى.
سليمان بن بنين
ابن خلف بن عوضٍ، تقي الدين الدقيقي المصري النحوي الأديب الفرضي العروضي العلامة، اجتمعت به في عدة مجالس بحضرة القاضي الأكرم وأجازني برواية مصنفاته، وهي: الأحكام الشوافي في أحكام القوافي، أخلاق الكرام وأخلاق اللئام، أعذب العمل في شرح أبيات الجمل، الأفلاك السوائر في انفكاك الدوائر، الأقوال العربية في الأمثال النبوية، آلات الجهاد وأدوات الصافنات الجياد، تحبير الأفكار في تحرير الأشعار، الإعجاز والإيجاز في المعاني والألغاز، البسط في أحكام الخط، بذل الاستطاعة في الكرم والشجاعة، أنوار الأزهار في معاني الأشعار، استنجاز المحامد في إنجاز المواعد، اتفاق المباني وافتراق المعاني، التنبيه على الفرق والتشبيه، الحل الكافي في خلل القوافي، الدرة الأدبية في نصرة العربية، الديم الوابلية في الشيم العادلية، الدرر الفردية في الغرر الطردية، دلائل الأفكار في فضائل الأشعار، الروض الأريض في أوزان القريض، سلوان الجلد عند فقدان الولد، الشامل في فضائل الكامل، فرائد الآداب وقواعد الإعراب، فضائل البذل مع العشر ورذائل البخل مع اليسر، عنوان السلوان، كمال المزية في احتمال الرزية، الكواكب الدرية في المناقب الصدرية، لباب الألباب في شرح الكتاب " كتاب سيبويه " ، منتهى الأدب في منتهى كلام العرب، محض النصائح وفحص القرائح، معادن التبر في محاسن الشعر، مكارم الأخلاق وطيب الأعراق، الوافي في علم القوافي، الوضاح في شرح أبيات الإيضاح.
توفي تقي الدين الدقيقي بالقاهرة سنة ثلاث عشرة وستمائة:
سليمان بن خلف

ابن سعد بن أيوب بن وارث القاضي، أبو الوليد الباجي الفقيه المتكلم المحدث المفسر الأدب الشاعر، أصل آبائه من بطليوس انتقلوا إلى باجة الأندلس. وثم باجة أخرى بإفريقية وأرى بأصبهان، ولد أبو الوليد سنة ثلاثٍ وأربعمائةٍ، وأخذ بالأندلس عن أبي الأصبغ ومحمد بن إسماعيل وأبي محمدٍ مكي بن حموش وأبي شاكر وغيرهم. ورحل سنة ستٍ وعشرين وأربعمائة إلى المشرق فأقام في الحجاز مجاوراً ثلاثة أعوامٍ ملازماً للحافظ أبي ذرٍ المحدث يخدمه ويسمع منه، وحج أربع حججٍ، وسمع هناك من ابن سحنويه وابن محرزٍ والمطوعي، ورحل إلى بغداد فأخذ فيها عن أبي الطب الطبري وأبي إسحاق الشيرازي والدامغاني وابن عمروسٍ، وأخذ عن الخطيب البغدادي، وأخذ الخطيب عنه، ورحل إلى الشام فأخذ فيها عن السمسار ودخل الموصل فأخذ بها علم الكلام عن السمناني ثم رجع إلى الأندلس فخاز الرياسة فيها وسمع منه خلق كثير منهم الحافظان الصدفي والجياني والمعافري والسبتي والمرسي وغيرهم، وولى القضاء بمواضع من الأندلس، وله مصنفات منها: الاستيفاء شرح الموطإ، والمنتقي مختصر الاستيفاء، والإيماء مختصر المنتقى، والسراج في ترتيب الحجاج، والتعديل والتجريح لمن خرج عنه البخاري في الصحيح، وإحكام الفصول في أحكام الأصول، والتسديد إلى معرفة التوحيد، والمعاني في شرح الموطإ عشرون مجلداً، وكتاب اختلاف الموطآتِ، وتفسير القرآن، والمقتبس في علم مالك بن أنسٍ، والمهذب في اختصار المدونة، وكتاب مسائل الخلاف، والحدود في الأصول، والإشارة في الأصول، وكتاب فرق الفقهاء، وكتاب الناسخ والمنسوخ، وكتاب السنن في الدقائق والزهد، وكتاب النصيحة لولده وغير ذلك. مات بالمرية سنة أربعٍ وتسعين وأربعمائة. ومن شعره:
ما طال عهدي بالديار وإنما ... أنسى معاهدها أسىً وتبلد
لو كنت أنبأت الديار صبابتي ... رق الصفا بفنائها والجلمد
وله في المعتضد بالله عبادٍ:
عباد استعبد البرايا ... بأنعم فاقت النعائم
مديحه ضمن كل قلب ... حتى تغنت به الحمائم
وقال:
إذا كنت أعلم علم اليقين ... بأن جميع حياتي كساعة
فلم لا أكن ضنيناً بها ... فأجعلها في صلاحٍ وطاعة؟
وقال:
ليس عندي شخص النوى لا بعظيم ... فيه غم وفيه كشف غموم
إن فيه اعتناقةً لوداعٍ ... وانتظار اعتناقهٍ لقدوم
وقال رثى ولديه وقد ماتا مقبربين:
رعى الله قبرين استكانا ببلدةٍ ... هما أسكناها في السواد من القلب
لئن غيبا عن ناظري وتبوءا ... فؤادي لقد زاد التباعد في القرب
يقر بعيني أن أزور ثراهما ... وألصق مكنون الترائب بالترب
وأبكى وأبكى ساكنيها لعلني ... سأنجد من صحبٍ وأسعد من سحب
ولا استعذبت عيناي بعدهما كرى ... ولا ظمئت نفسي إلى البارد العذب
أحن ويثني اليأس نفسي عن الأسى ... كما اضطر محمول على المركب الصعب

سليمان بن عبد الله
أبو عبيد الله بن الفتى، النحوي اللغوي الأديب، نشأ بالري، وحصل ونبغ في المدرسة النظامية ببغداد حين دخلها سنة ثلاثٍ وأربعمائةٍ، فأخذ بها العلوم الأدبية والعربية عن الثمانيني وغيره، ثم رحل إلى أصبهان فاستوطن بها إلى أن مات سنة خمسٍ وسبعين وأربعمائة: ومن شعره:
تذلل لمن إن تذلل له ... رأى ذاك للفضل لا للبله
وجانب صداقة من لم يزل ... على الأصدقاء يرى الفضل له
وقال:
لم أقل للشباب في دعة الل ... ه ولا حفظه غداة استقلا
زائر زارنا أقام قليلاً ... سود الصحف بالذنوب وولى
سليمان بن محمد بن أحمد

أبو موسى المعروف بالحامض البغدادي أحد أئمة النحاة الكوفيين، أخذ عن أبي العباس ثعلبٍ وخلفه في مقامه وتصدر بعده، وروى عنه أبو عمر الزاهد المعروف بغلام ثعلبٍ، وأبو جعفرٍ الأصبهاني برزويه، وقرأ عليه أبو عليٍ النقار كتاب الإدغام للفراء، فقال له أبو عليٍ: أراك يا أبا موسى تلخص البيان تلخيصاً لا أجده في الكتب، فقال: هذا ثمرة صحبة أبي العباس ثعلبٍ أربعين سنةً. وقال أبو الحسن بن هارون: أبو موسى أوحد الناس في البيان والمعرفة بالعربية واللغة والشعر وكان جامعاً بين المذهبين: الكوفي والبصري، وكان يتعصب للكوفيين، وكان شرس الأخلاق ولذا قيل له الحامض، مات في خلافة المقتدر لسبعٍ وقيل لستٍ بقين من ذي الحجة سنة خمسٍ وثلاثمائةٍ، وله من التصانيف: كتاب خلق الإنسان، كتاب السبق والنضال، كتاب المختصر في النحو، كتاب النبات، كتاب الوحوش وغير ذلك.

سليمان بن مسلم بن الوليد
الشاعر الضرير، وهو ابن مسلم بن الوليد المعروف بصريع الغواني الشاعر المشهور، كان كأبيه شاعراً مجيداً وكان ملازماً لبشار بن بردٍ يأخذ عنه، ولذا كان متهماً دينه: مات سنة تسعٍ وسبعين ومائةٍ، ومن شعره:
إن في ذا الجسم معتبراً ... لمريد العلم ملتمسه
هيكل للروح ينطقه ... عرقه والصوت من نفسه
رب مغروسٍ يعاش به ... عدمته كف مغترسه
وكذاك الدهر مأتمه ... أقرب الأشياء من عرسه
وقال:
جلدي عميرة فيه العار والحوب ... والعجز مطرح والفحش مسبوب
وبالعراق نساء كالمها خطف ... بأرخص السوم جذلات مناجيب
وما عميرة من ثدياء حالبةٍ؟ ... كالعاج صفرها الأكتان والطيب
وله:
تبارك الله ما أسخى بنو مطرٍ ... هم كما قيل في بعض الأقاويل
بيض المطابخ لا تشكو ولائدهم ... غسل القدور ولا غسل المنادل
وله شعر غير هذا اكتفينا بهذا المقدار منه.
سليمان بن معبد
ٍ
أبو داود السنجي المروى المحدث الحافظ النحوي، دخل بغداد فأخذ عن الأصمعي والنضر بن شميلٍ وغيرهما، ورحل إلى مصر والحجاز واليمن. وخرج له مسلم بن الحجاج في صحيحه، وكان ثقة ثبتاً، له معرفة تامة بالعربية واللغة مات في ذي الحجة سنة سبع وخمسين ومائتين: وقيل ثمانٍ وخمسين ومائتين.
سليمان بن موسى
برهان الدين أبو الفضل بن شرف الدين المعروف بالشريف الكحال، المصري، كان أديباً فاضلاً بارعاً في العربية وفنون الأدب، عارفاً بصناعة الكحل، خدم بها الملك الناصر صلاح الدين بن أيوب، وتقدم عنده وحظي لديه ونال عنده منزلةً عاليةً وقبولاً تاماً. وكان بينه وبين القاضي الفاضل عبد الرحيم بن عليٍ البيساني وبين شرف الدين محمد بن نصرٍ المعروف بابن عنين الشاعر المشهور صحبة ومودة ومزاح ومداعبة، فأهدى الشريف الكحال إلى ابن عنين خروفاً وكان مهزولاً، فكتب إليه ابن عنين يداعبه:
أبو الفضل وابن الفضل أنت وأهله ... فغير عجيب أن يكون لك الفضل
آتتني أياديك التي لا أعدها ... لكثرتها لا كفر نعمى ولا جهل
ولكنني أنبيك عنها بطرفةٍ ... تروقك ما وافى لها قبلها مثل
أتاني خروف ما شككت بأنه ... حليف هوىً قد شفه الهجر والعذل
إذا قام في شمس الظهيرة خلته ... خيالاً سرى في ظلمةٍ ما له ظل
فناشدته ما تشتهى؟ قال فتة ... وقاسمته ما شفه؟ قال لي الأكل
فأحضرتها خضراء مجاجة الثرى ... مسلمةً ما حص أوراقها الفتل
فظل يراعيها بعينٍ ضعيفةٍ ... وينشدها والدمع في العين منهل
أنت وحياض الموت بيني وبينها ... وجادت بوصلٍ حين لا ينفع الوصل
وكتب إليه القاضي الفاضل يداعبه وكان قد كحله:
رجل توكل بي وكحلنى ... فدهيت في عيني وفي عيني
وخشيت تنقل نقط كحلته ... عيني من عينٍ إلى غين
ومن شعر الشريف الكحال:
ومذ رمدت أجفانه لا منى العدا ... على حبه يا ليت عيني لها رقداً

فقلت لهم كفوا فإن لحاظه ... سيوف وشرط السيف أن يحمل الصدا
وقال:
كأن لحظ حبيبي في تناعسه ... وقد رماني بسقمٍ في الهوى وكمد
من المجوس تراه كلما قدحت ... نيران وجنته أومي لها وسجد
توفي الشريف الكحال سنة تسعين وخمسمائةٍ.

سنان بن ثابت بن قرة
أبو سعيدٍ، كان أديباً فاضلاً مؤرخاً عارفاً بعلم الهيئة ماهراً بصناعة الطب، كان في خدمة المقتدر ثم القاهر والراضي. قال ابن النديم: إن القاهر بالله أراد سنان ابن ثابت بن قرة على الإسلام فهرب ثم أسلم وخاف القاهر فمضى إلى خراسان ثم عاد، وتوفي ببغداد مسلماً صبيحة يوم الجمعة مستهل ذي القعدة سنة إحدى وثلاثين وثلاثمائة، وله من التصانيف: التاجي في أخبار آل بويه ومفاخر الديلم وأنسابهم ألفه لعضد الدولة بن بويه، رسالة في أخبار آبائه وأجداده وسلفه، إصلاح كتاب إقليدس في الأصول الهندسية. وكتاب تاريخ ملوك الريان، الرسائل السلطانيات والإخوانيات، رسالة في شرح مذهب الصابئة، رسالة في الأشكال ذوات الخطوط المستقيمة التي تقع في الدائرة صنفها لعضد الدولة، إصلاح كتب أبي سهل القوهي، رسالة في الفرق بين المترسل والشاعر، رسالة في الاستواء، رسالة في النجوم رسالة في سهيلٍ، رسالة في قسمة أيام الجمعة على الكواكب السبعة ألفها لأبي إسحاق الصابي وغير ذلك.
سهل بن محمد بن عثمان بن القاسم
أبو حاتم السجستاني البصري، كان إماماً في غريب القرآن واللغة والشعر، أخذ عن أبي زيدٍ الأنصاري الأصمعي وأبي عبيدة وعمر بن كركرة وروح بن عبادة، وقرأ كتاب سيبويه مرتين على الأخفش أبي الحسن سعيد بن مسعدة، وأخذ عنه المبرد وابن دريدٍ وغيرهما. وتوفي على ما حققه ابن دريدٍ سنة خمسٍ وخمسين ومائتين. وله من المصنفات: إعراب القرآن، وكتاب الإدغام، وكتاب القراءات، وكتاب ما تلحن فيه العامة، وكتاب الفصاحة، وكتاب خلق الإنسان، وكتاب الطير، وكتاب الوحوش، وكتاب الهجاء، وكتاب النخلة، وكتاب المقصور والممدود وغير ذلك.
سهل بن هارون بن راهبون
أبو محمدٍ الفارسي الأصل الدستميساني، دخل البصرة واتصل بالمأمون فولاه خزانة الحكمة. وكان أديباً كاتباً شاعراً حكيماً شعوبياً، يتعصب للعجم على العرب شديداً في ذلك، وكان مشهوراً بالبخل، وله في ذلك أخبار كثيرة، وله رسالة في مدح البخل أرسلها إلى بني عمه من آل راهبون، وأرسل نسخةً منها إلى الوزير الحسن بن سهلٍ فوقع عليها الوزير: لقد مدحت ما لام الله وحسنت ما قبح، وما يقوم صلاح لفظك بفساد معناك، وقد جعلنا ثواب عملك سماع قولك، فما نعطيك شيئاً. وقد أورد هذه الرسالة الجاحظ في كتاب البخلاء، وقد تجنبنا الإطالة بذكرها.
توفي سهل بن هارون سنة خمس عشرة ومائتين، وله من التصانيف: كتاب ثعلة وعفراء، كتاب الهبلية والمخزومي، كتاب النمر والثعلب، كتاب الوامق والعذار، كتاب ندودٍ وودودٍ ولدودٍ، كتاب الضربين، كتاب أسباسيوس في اتحاد الإخوان، كتاب الغزالين، كتاب أدب أسل بن أسلٍ وغير ذلك.
سهم بن إبراهيم الوراق
من شعراء القرن الثاني ومن أدباء القيروان، قال في حصار أبي يزيد مخلدٍ الخارجي لسوسة:
إن الخوارج صدها عن سوسةٍ ... منا طعان السمر والإقدام
وجلاد أسيافٍ تطاير دونها ... في النقع دون المحصنات الهام
باب الشين
شبيب بن شبة
الأخباري الأديب الشاعر صاحب خالد بن صفوان الذي تقدمت ترجمته في حرف الخاء، ولهما أخبار ومواقف مشهورة عند الخلفاء والأمراء، وكان بين شبيبٍ وأبي نخيلة الراجز الشاعر صحبة ومودة. حدث الأصمعي قال: رأى أبو نخيلة على شبيبٍ حلةً فأعجبته فسأله إياها فوعده فقال فيه:
يا قوم لا تسودوا شبيباً ... ألخائن ابن الخائن الكذوبا
هل تلد الذئبة إلا ذيبا؟
فلما بلغ ذلك شبيباً بعث إليه بالحلة وكتب إليه:
إذا غدت سعد على شبيبها ... على فتاها وعلى خطيبها
من مطلع الشمس إلى مغيبها ... عجبت من كثرتها وطيبها
مات شبيب بعد المائتين.
شبيب بن يزيد

ابن جمرة بن عوف بن أبي حارثة المعروف بابن البرصاء المرى، والبرصاء أمه واسمها قرصافة بنت الحارث وهو ابن خالة عقيل بن علفة الآتية ترجمته في حرف العين، وهو شاعر مجيد من شعراء الدولة الأموية، وكان بينه وبين أبن خالته عقيلٍ منافرة ومهاجاة، وكان من سادات قومه وأشرافهم، وله أخبار وأشعار كثيرة ذكرها أبو الفرج في كتابه منها:
وإني لسهل الوجه يعرف مجلسي ... إذا أحزن القاذورة المتعيس
يضيء سناجودي لمن يبتغي القرى ... وقد حال دون النار ظلماء حندس
ألين لذي القربي مراراً وتلتوي ... بأعناق أعدائي حبال فتمرس

شداد بن إبراهيم بن حسن
ٍ
أبو النحيب الملقب بالطاهر الجزري، شاعر من شعراء عضد الدولة بن بويه، ومدح الوزير المهلبي. كان دقيق الشعر لطيف الأسلوب، مات سنة إحدى وأربعمائة ومن شعره:
إذا المرء لم يرض ما أمكنه ... ولم يأت من أمره أحسنه
فدعه فقد ساء تدبيره ... سيضحك يوماً ويبكي سنة
ومنه:
أيا جيل التصوف شر جيل ... لقد جئتم بأمرٍ مستحيل
أفي القرآن قال لكم إلهي ... كلوا مثل البهائم وارقصوا لي
وقال:
قلت للقلب ما دهاك أبن لي ... قال لي بائع الفراني فراني
ناظراه فيما جنت ناظراه ... أودعاني أمت بما أودعاني
وقال:
بلاد الله واسعة فضاها ... ورزق الله في الدنيا فسيح
فقل للقاعدين على هوانٍ ... إذا ضاقت بكم أرض فسيحوا
وقال:
أفسدتم نظري علي فما أرى ... مذ غبتم حسناً إلى أن تقدموا
فدعوا غرامي ليس يمكن أن ترى ... عين الرضا والسخط أحسن منك
شفهفيروز بن شعيب بن عبد السيد
أبو الهيجاء الأصبهاني، كان أديباً فاضلاً شاعراً مجيداً في النظم والنثر، له مقامات أنشأها سنة تسعين وأربعمائةٍ، وأخذ عن أبي جعفرٍ محمد بن أحمد بن مسلمة وغيره، مات سنة ثلاثين وخمسمائة. ومن شعره:
لا أستلذ العيش لم أدأب له ... طلباً وسعياً في الهواجر والغلس
وأرى حراماً أن يواتيني الغنى ... حتى يحاول بالعناء ويلتمس
فاحبس نوالك عن أخيك موفراً ... فالليث ليس يسيغ إلا ما افترس
وقال:
وسارق بت أشرب من يديه ... مشعشعة بلونٍ كالنجيع
فحمرتها وحمرة وجنتيه ... ونور الكأس في نور الشموع
ضياء حارت الأبصار فيه ... بديع في بديعٍ في بديع
شمر بن حدويه
أبو عمرٍ الهروي، كان عالماً فاضلاً ثقة نحوياً لغوياً راويةً للأخبار والأشعار، رحل في شبيبته إلى العراق وأخذ عن ابن الأعرابي والأصمعي وسلمة بن عاصم والفراء وأبي حات السجستاني وأبي زيدٍ الأنصاري وأبي عبيدة والرياشي وغيرهم، ثم رجع إلى خراسان وأخذ عن أصحاب النضر بن شميلٍ والليث، وصنف كتاباً كبيراً رتبه على العجم ابتدأ فيه بحرف الجيم لم يسبق إلى مثله، أودعه تفسير القرآن وغريب الحديث، وكان ضنيناً به فلم ينسخه أحد وخزنه بعد وفاته بعض أقاربه فلم ينتفع به. وقيل: اتصل أبو عمروٍ بيعقوب ابن الليث الأمير فخرج معه إلى نواحي فارس وحمل معه كتاب الجيم فطغى الماء من النهروان على معسكر يعقوب فما غرق من المتاع، ولأبي عمروٍ من التصانيف غير كتاب الجيم: كتاب غريب الحديث كبير جداً، وكتاب السلاح وكتاب الجبال والأودية وغير ذلك. مات سنة خمسٍ وخمسين ومائتين:
شبيان بن عبد الرحمن

أبو معاوية التيميي مولى بني تميمٍ، كان من أكابر القراء والمحدثين والنحاة، كان مقيماً بالكوفة فانتقل عنها إلى بغداد، وأخذ عن الحسن البصري وحدث عنه وعن ابن أبي كثير وحدث عن شبيان الحافظ الثقة عبد الرحمن بن مهديٍ وغيره. سئل ابن عين عن شبيان فوثقه وقال ثقة في كل شئٍ، وسئل عنه أحمد بن حنبلٍ وعن الدستوائي وحرب بن شداد فقال: شيبان أرفع عندي شيبان صاحب كتاب صحيح، وقال ابن عمارٍ: أبو معاوية شيبان النحوي ثقة ثبت. توفي شيبان ببغداد سنة أربعٍ وستين ومائةٍ، وقيل سنة سبعين ومائة، ودفن في مقابر قريشٍ بباب التنين قاله ابن سعدٍ كاتب الواقدي في طبقاته.

شيث بن إبراهيم بن محمد
ابن حيدرة ضياء الدين المعروف بابن الحاج القناوي القفطي النحوي اللغوي العروضي أبو الحسن، أحد أكابر الأدباء المعاصرين، برع في العربية واللغة وفنون الأدب وتقدم فيها وسمع من الحافظ أبي طاهر السلفي وغيره، وحدث ودرس وكان ذا هيبةٍ ووقارٍ، وله مقامات معروفة ومواقف بين يدي السلاطين والأمراء، وكانوا يحترمونه ويوقرونه، ومن تصانيفه: كتاب الإشارة في تسهيل العبارة، والمعتصر من المختصر، وتهذيب ذهن الواعي في إصلاح الرعية والراعي صنفه للملك الناصر صلاح الدين يوسف، وحز الغلاصم وإفحام المخاصيم، وتعاليق في الفقه على مذهب الإمام مالكٍ، واللؤلؤة المكنونة واليتيمة المصونة وهي قصيدة في الأسماء المذكرة، أبياتها سبعون بيتاً منها:
وصغت الشعر من يفهم ... يخبرني بما يعلم
يخبرني بألفاظ ... من الإعراب ما الدهثم
وما الإقليد والتقلي ... د والتهنيد والأهثم
وما النهاد والأهدا ... م والأسمال والعيهم
وما الألغاد والإخرا ... د والأقراد والأكدم
وما الدقراس والمردا ... س والفداس والأعلم
وما الأوخاص والأدرا ... ص والقراص والأثرم
وما اليعضيد واليعق ... يد والتدمين والأرقم
وما الأنكار والأنكا ... ث والأعلا والقضم
وما الأوغال والأوغا ... د والأوغاب والأقضم
ومضى على هذا النمط إلى أن قال:
ألا فاسمع لألفاظ ... جرت علماً لمن يعلم
فقد أنبأت في شعري ... بألفاظي لمن يفحم
وعارضت السجس ... تاني في قولي ولم أعلم
فضعفت قوافيه ... على المثل الذي نظم
فهذا الشعر لا يدر ... يه إلا عالم همهم
توفي أبو الحسن بن الحاج سنة ثمانٍ وتسعين وخمسمائةٍ وقيل سنة تسع وتسعين وخمسمائةٍ، ومن شعره:
إجهد لنفسك إن الحرص متعبة ... للقلب والجسم والإيمان يمنعه
فإن رزقك مقسوم سترزقه ... وكل خلقٍ تراه ليس يدفعه
فإن شككت بأن الله يقسمه ... فإن ذلك باب الكفر تقرعه
باب الصاد
صاعد بن الحسن بن عيسى
الربعي، الموصلي الأصل البغدادي اللغوي الأديب أبو العلاء، أخذ عن السيرافي وأبي علي الفارسي والخطابي وغيرهم، وكان عارفاً باللغة وفنون الأدب والأخبار، سريع الجواب حسن الشعر طيب المعاشرة ممتع المجالسة، دخل الأندلس واتصل بالمنصور بن أبي عامر فأكرمه وأفرط في الإحسان إليه والإقبال عليه، ثم استوزره وألف للمنصور كتباً منها: كتاب سماه الفصوص على نحو كتاب النوادر لأبي عليٍ القالي. واتفق لهذا الكتاب حادثة غريبة وهي: أن أبا العلاء لما أتمه دفعه لغلامٍ له يحمله بين يديه وعبر نهر قرطبة فزلت قدم الغلام فسقط في النهر هو والكتاب، فقال في ذلك ابن العريف وكان بينه وبين أبي العلاء شحناء ومناظراتك:
قد غاص في البحر كتاب الفصوص ... وهكذا كل ثقيلٍ يغوص
فضحك المنصور والحاضرون فلم يرع ذلك صاعداً وقال على البديهة مجيباً لابن العريف:
عاد إلى معدنه إنما ... توجد في قعر البحار الفصوص

وصنف له أيضاً كتاب الجواس بن قعطل المذحجي مع ابنة عمه عفراء، وهو كتاب لطيف ممتع جداً، انخرم في الفتن التي كانت بالأندلس فسقطت منه أوراق لم توجد بعد، وكان المنصور كثير الشغف بهذا الكتاب حتى رتب له من يقرؤه بحضرته كل ليلةٍ، وصنف له أيضاً كتاب الهجفجف بن غيدفان بن يثربيٍ مع الخنوت بنت محرمة بن أنيفٍ وهو على طراز كتاب أبي السري سهل ابن أبي غالب الخزرجى، ولم يحضر صاعد بعد موت المنصور مجلس أحدٍ ممن ولي الأمر بعده، وإلى ذلك يشير في قصيدته التي قالها للمظفر بن المنصور الذي ولي بعد أبيه وأولها:
إليك حدت ناجية الركاب ... محملةً أماني كالهضاب
وبعث ملوك أهل الشرق طرا ... بواحدها وسيدها اللباب
ومنها يشير إلى مرض لحق بساقه فمنعه من حضور جالسه، وهو وجع ادعاه فقال:
إلى الله الشكية من شكاةٍ ... رمت ساقي فجل بها مصابي
وأقصتني عن الملك المرجى ... وكنت أرم حالي باقترابي
ومنها:
حسبت المنعمين على البرايا ... فألفيت اسمه صدر الحساب
وما قدمته إلا كأني ... أقدم تالياً أم الكتاب
وأنشد هذه القصيدة بين يدي المظفر في عيد الفطر سنة ستٍ وتسعين وثلاثمائة، ولصاعدٍ مع المنصور أخبار ولطائف يطول ذكرها، توفي بصقلية سنة سبع عشرة وأربعمائةٍ.

الجزء الثاني عشر
صالح بن إسحاق
أبو عمر الجرمي، فهو مولى لجرم بن زبان، وجرم من قبائل اليمن وقيل هو مولىً لبجيلة بن أنمارٍ، كان عالماً بالعربية واللغة، فقيهاً ورعاً وهو بصري قدم بغداد فأخذ عن يونس بن حبيب العربية، وعن أبي الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش، وقرأ عليه كتاب سيبويه وأخذ اللغة عن أبي زيد الأنصاري وأبي عبيدة والأصمعي ومن في طبقتهم، وكان رقيقاً لأبي عثمان المازني، وأخذ منه المبرد والمازني وغيرهما، وناظر الفراء، وانتهى إليه علم العربية في وقته، وصنف كتباً كثيرةً منها: مختصره في النحو، كان كما صنف منه باباً صلى ركعتين بالمقام ودعا بأن ينتفع به. وله كتاب التنبيه، وكتاب السير، وكتاب الأبنية، وكتاب العروض وغير ذلك: توفي سنة خمسٍ وعشرين ومائتين في خلافة المعتصم.
صالح بن عبد القدوس
ابن عبد الله، كان حكيماً أديباً فاضلاً شاعراً مجيداً كان يجلس للوعظ في مسجد البصرة ويقص عليهم، وله أخبار يطول ذكرها، اتهم بالزندقة فقتله المهدي بيده، ضربه بالسيف فشطره شطرين، وعلق بضعة أيام للناس ثم دفن، وأشهر شعره قصيدته البائية التي مطلعها:
صرمت حبالك بعد وصلك زينب ... والدهر فيه تصرم وتقلب
وكذاك ذكر الغانيات فإنه ... آل ببلقعةٍ وبرق خلب
فدع الصبا فلقد عداك زمانه ... واجهد فعمرك مر منه الأطيب
ومنها:
واحذر معاشرة الدنى فإنها ... تعدي كما يعدي الصحيح الأجرب
يلقاك يحلف إنه بك واثق ... وإذا توارى عنك فهو العقرب
ومن شعره أيضاً:
ليس من مات فاستراح بميتٍ ... إنما الميت ميت الأحياء
إنما الميت من يعيش كئيباً ... كاسفاً باله قليل الرجاء
وقال:
إذا قلت قدر أن قولك عرضة ... لبادرةٍ أو حجة لمخاصم
وإن امرء لم يخش قبل كلامه ال ... جواب فينهي نفسه غير حازم
وقال:
لا أخون الخليل في السر حتى ... ينقل البحر في الغرابيل نقلا
أو تمور الجبال مور سحابٍ ... مثقلاتٍ وعت من الماء حملا
صفوان بن إدريس
ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عيسى النجيبي أبو بحرٍ، كان أديباً كاتباً شاعراً سريع الخاطر، أخذ عن أبيه والقاضي ابن إدريس وابن غليون وأبي الوليد، وهو أحد أفاضل الأدباء المعاصرين بالأندلس. وله سنة ستين وخمسمائةٍ، وتوفي بمرسية سنة ثمانٍ وتسعين وخمسمائةٍ ولم يبلغ الأربعين وله تصانيف منها: كتاب زاد المسافر وراحلته، وكتاب العجالة مجلدان يتضمنان طرفاً من نثره ونظمه، وديوان شعرٍ، ومن شعره:
قد كان لي قلباً فلما فارقوا ... سوى جناحاً للغرام وطارا
وجرت سحاب للدموع فأوقدت ... بين الجوانح لوعةً وأوارا

ومن العجائب أن فيض مدامعي ... ماء يمر وفي ضلوعي نارا
وقال في مدح النبي صلى الله عليه وسلم:
تحية الله وطيب السلام ... على رسول الله خير الأنام
على الذي فتح باب الهدى ... وقال للناس ادخلوها بسلام
بدر الهدى سحب الندى والجدا ... وما عسى أن يتنامى الكلام
تحية تهزأ أنفاسها ... بالمسك لا أرضى بمسك الختام
تخصه منى ولا تنثني ... عن آله الصيد السراة الكرام
وقدرهم أرفع لكنني ... لم ألف أعلى لفظةً من كرام
وقال:
أحمي الهوى قلبه وأوقد ... فهو على أن يموت أوقد
وقال عنه العذول سالٍ ... قلده الله ما تقلد
وباللوى شادن عليه ... جيد غزال ووجه فرقد
أسكره ريقه بخمرٍ ... حتى انثني قده وعربد
لا تعجبوا لانهزام صبري ... فجيش أجفانه مؤيد
أنا له كالذي تمنى ... عبد نعم عبده وأزيد
له على امتثال أمرٍ ... ولي عليه الجفاء والصد
إن سلمت عينه لقتلي ... صلى فؤادي على محمد
وقال:
يا قمراً مطلعه أضلعي ... له سواد القلب فيها غسق
وربما استوقد نار الهوى ... فناب فيها لونها عن شفق
ملكتني بدولةٍ من صباً ... وصدتني بشركٍ من حدق
عندي من حبك ما لو سرت ... في البحر منه شعلة لاحترق
وقال:
يقولون لي لما ركبت بطالتي ... ركوب فتى جم الغواية معتدي
أعندك ما ترجو الخلاص به غداً ... فقلت نعم عندي شفاعة أحمد؟

باب الضاد
الضحاك بن سليمان
ابن سالم بن دهاية أبو الأزهر المرئي الأوسي منسوب إلى امرئ القيس بن مالكٍ، نزل بغداد وله معرفة بالنحو واللغة، وله شعر جيد. مات سنة سبعٍ وأربعين وخمسمائةٍ. ومن شعره.
ما أنعم الله على عبده ... بنعمةٍ أوفى من المافيه
وكل من عوفي في جسمه ... فإنه في عيشةٍ راضيه
والمال حلو حسن جيد ... على الفتى لكنه عاريه
وأسعد العالم بالمال من ... أعطاه للآخرة الباقية
ما أحسن الدنيا ولكنها ... مع حسنها غدارة فانيه
الضحاك بن مخلد
ابن مسلم أبو عاصمٍ النبيل لشيباني البصري الحافظ الثبت النحوي اللغوي، كان إماماً في الحديث، سمع من جعفرٍ الصادق وابن جريجٍ والأوزاعي وابن أبي عروبةً. وأخرج له البخاري في صحيحه وأجمعوا على توثيقه. قيل له يحيى بن سعيد يتكلم فيك، فقال: لست بحيٍ ولا ميتٍ إذا لم أذكر، مات أبو عاصم سنة اثنتي عشرة ومائتين.
الضحاك بن مزاحم
ٍ
أبو القاسم البلخي المفسر المحدث النحوي. كان يؤدب الأطفال فيقال: كان في مكتبه ثلاثة آلاف صبيٍ وكان يطوف عليهم على حمارٍ. لقى الضحاك ابن عباس وأبا هريرة، وأخذ عن سعيد بن جبيرٍ التفسير، وكان عبد الملك بن ميسرة يقول: لم يلق الضحاك ابن عباس وإنما لقي سعيد بن جبيرٍ بالري فأخذ عنه التفسير. وقال شعبة: قلت لمشاشٍ هل سمع الضحاك من ابن عباس؟ قال: ما رآه قط. ووثقه أحمد بن حنبلٍ وابن معينٍ وأبو زرعة، وضعفه يحيى بن سعيدٍ، مات الضحاك سنة خمسٍ ومائةٍ وقيل ستٍ ومائةٍ.
باب الطاء
طالب بن عثمان بن محمد
ابو أحمد بن أبي غالب الأزدي النحوي البصري. أخذ عن أبي بكر بن الأنباري، وكان بارعاً في العربية عارفاً باللغة وكف بصره في آخر عمره، ولد سنة تسع عشرة وثلاثمائةٍ. توفي في خلافة القادر بالله سنة ستٍ وتسعين وثلاثمائةٍ.
طالب بن محمد بن قشيط
أبو أحمد المعروف بابن السراج النحوي. كان عارفاً بالعربية قيماً بها، أخذ عن أبي بكر بن الأنباري. وله مختصر في النحو وكتاب عيون الأخبار وفنون الأشعار. مات سنة إحدى وأربعمائةٍ.
طاهر بن أحمد

ابن بابشاذ بن داود بن سليمان بن إبراهيم أبو الحسن المصري المعروف بابن بابشاذ النحوي اللغوي. ولى متاملاً في ديوان الانشاء بالقاهرة، يتأمل ما يصدر منه من السجلات والرسائل فيصلح ما فيها من خطأ. تزهد في آخر عمره ولزم منارة الجامع بمصر، فخرج في بعض الليالي والنوم في عينيه فسقط من المنارة إلى سطح الجامع فمات، وذلك صبيحة اليوم الرابع من رجبٍ، سنة تسعٍ وستين وأربعمائةٍ، وله من التصانيف، شرح الجمل للزجاجي، وشح النخبة، والتعليق في النحو خمسة عشر مجلداً سماه تلامذته من بعده تعلق الغرفة، والمحتسب في النحو وغير ذلك.

طراد بن علي بن عبد العزيز
أبو فراس السلمي الدمشقي المعروف بالبديع. كان نحوياً كاتباً أديباً بارعاً في النظم والنثر. ومن شعره:
قيل لي لم جلست في آخر القو ... م وأنت البديع رب القوافي؟
قلت آثرته لأن المنادي ... ل يرى طرزها على الأطراف
وقال:
يا صاح آنسني دهري وأوحشني ... منهم وأضحكني دهري وأبكاني
قد قلت: أرض بأرضٍ بعد فرقتهم ... فلا تقل لي: جبران بجبرانٍ
وقال:
يا نسيماً هب مسكاً عبقاً ... هذه أنفاس ريا جلقا
كف عني والهوى ما زادني ... برد أنفاسك إلا حرفا
ليت شعري نقضوا أحبابنا ... يا حبيب النفس ذاك الموئقا
يا رياح الشوق سوقي نحوهم ... عارضاً من سحب دمعي غدقا
وانثري عقد دموع طالما ... كان منظوماً بأيام اللقا
وقال:
هكذا في حبكم أستوجب؟ ... كبداً حرى وقلباً يجب
وجزا من سهرت أجفانه ... حجة تمضي وأخرى تعقب؟
زفرات في الحشا محرقة ... وجفون دمعها ينسكب
قاتل الله عذولي مادرى ... أن في الأعين أسداً تثب
لا أرى لي عن حبيبي سلوةً ... فدعوني وغرامي واذهبوا
وقال:
لئن كنت عني في العيان مغيباً ... فما أنت عن سمعي وقلبي بغائب
إذا اشتاقت العينان منك بنظرةٍ ... تمثلت لي في القلب من كل جانب
مات البديع الدمشقي سنة أربع وعشرين وخمسمائةٍ.
طريح بن إسماعيل
ابن عبيد بن أسيد بن علاج بن أبي سلمة بن عبد العزي النقفي، وأمه خزاعية بنت عبد الله بن سباعٍ أبو الصلت الشاعر المشهور، نشأ في دولة بني أمية واستنفذ شعره في الوليد بن يزيد، وأدرك دولة بني العباس، ومات في أيام المهدي سنة خمسٍ وستين ومائةٍ، ومن مختار شعره قوله:
ألم تر المرء نصباً للحوادث ما ... تنفك فيه سهام الدهر تنتضل
إن يعجل الموت يحمله على وضحٍ ... لجبٍ موارده مسلوكة ذلل
وإن تمادت به الأيام في عمرٍ ... يخلق كما رث بعد الجدة الحلل
ويستمر إلى أن يستقل به ... ريب المنون ولو طالت به الطيل
والدهر ليس بناجٍ من داوئره ... حي جبان ولا مستاسد بطل
ولا دفين غيابا تٍ له نفق ... تحت التراب ولا حوت ولا وعل
بل كل شئٍ سيبلي الدهر جدته ... حتى يبيد ويبقى الله والعمل
وقال:
وترى المشيب بدا وأقبل زائراً ... بعد الشباب فنازل ومودع
والشيب للحكماء من سفه الصبا ... بدل تنال به الفضيلة مقنع
والشيب زين بني المروءة والحجا ... فيه لهم شرف ومجد يرفع
والبر تصحبه المروءة والتقى ... تبدو بأشيب جسمه متضعضع
أشهى إلي من الشباب مع المنى ... والغي يتبعه القوي المهرع
إن الشباب عمىً لأكثر أهله ... وتعرض لمهالكٍ تتوقع
وقال:
حل المشيب ففرق الرأس مشتعل ... وبان بالكره منا اللهو والغزل
فحل هذا مقيماً لا يريد لنا ... تركاً وهذا الذي نهواه مرتحل
هذا له عندنا نور ورائحة ... كنشر روضٍ سقاه عارض هطل
وجدة وقبول لا يزال له ... من كل خلقٍ هوى أو خلةٍ نفل

والشيب يطوي الفتى حتى معارفه ... نكر ومن كان يهواه به ملل
يبلي بلي البرد فيه بعد قوته ... وهن وبعد تناهى خطوه رمل

طلحة بن محمد
ٍ
وقل أحمد بن طلحة أبو محمد النعماني، كان فاضلاً عارفاً باللغة والأدب والشعر، ورد بغداد وخراسان وكاتبه الحرير يصاحب المقامات، وكان كثير الحفظ جيد الشعر سريع البديهة. مات سنة عشرين وخمسمائةٍ، ومن شعره:
إذا نالك الدهر بالحادثات ... فكن رابط الجأش صعب الشكيمه
ولا تهن النفس عند الخطوب ... إذا كان عندك للنفس قيمه
فوالله ما لقى الشامتون ... بأحسن من صبر نفسٍ كريمه
باب الظاء
ظافر بن القاسم
ابن منصور بن عبد الله بن خلفٍ الجذامي الإسكندري المعروف بالحداد الشاعر الأديب، روى عنه الحافظ السلفي وطائفة من الأعيان، وتوفي بمصر في المحرم سنة تسعٍ وعشرين وخمسمائة ومن شعره:
حكم العيون على القلوب يجوز ... ودواؤها من دائهن عزيز
كم نظرةٍ نالت بطرفٍ ذابلٍ ... ما لا ينال الذابل المهزوز
فحذار من تلك اللواحظ غيرةً ... فالسحر بين جفونها مكنوز
وكتب إلى أبي الصلت أمية بن عبد العزيز الأندلسي بعد أن توجه من مصر إلى المهدية يتشوق إليه:
ألا هل لدائي من فراقك إفراق ... هم السم لكن لي لقاؤك درياق
فيا شمس فضلٍ غربت ولضوئها ... على كل قطرٍ بالمشارق إشراق
سقى العهد منك عمر عهده ... بقلبي عهداً لا يضيع وميثاق
يجدده ذكر يطيب كما شدت ... وريقاء كنتها من الأيك أوراق
لك الخلق الجذل الرفيع طرازه ... وأكثر أخلاق الخليقة أخلاق
لقد ضاءلتني يا أبا الصلت مذ نأت ... ديارك عن داري هموم وأشواق
إذا عزني إطفاؤها بمدامعي ... جرت ولها ما بين جفني إحراق
سحائب يحدوها زفير جره ... خلال التراقي والترائب تشهاق
وقد كان لي كنز من الصبر واسع ... ولي منه في صعب النوائب إنفاق
وسيف إذا جردت بعض غراره ... لجيش خطوبٍ صدها منه إرهاق
إلى أن أبان البين أن غراره ... غرور وأن الكنز فقر وإملاق
أخي سيدي مولاي دعوة من صفا ... وليس له من رق ودك إعناق
لئن بعدت ما بيننا شقة النوى ... ومطرد طامي الغوارب خفاق
وبيد إذا كلفتها العيس قصرت ... طلائح أنضاها زميل وإعناق
فعندي لك الود الملازم مثل ما ... يلازم أعناق الحمائم أطواق
وهي طويلة نحو ثلاثين بيتاً، ومن لطائفه وغرر قصائده أيضاً قوله:
لو كان بالصبر الجميل ملاذه ... ماسح وابل دمعه ورذاذه
ما زال جيش الحب يغزو قلبه ... حتى وهى وتقطعت أفلاذه
لم بق فيه مع الغرام بقية ... إلا رسيس يحتويه جذاذه
من كان يرغب في السلامة فليكن ... أبداً من الحدق المراض عياذه
لا تخدعنك بالفتور فإنه ... نظر يضر بقلبك استلذاذه
يأيها الرشأ الذي من طرفه ... سهم إلى حب القلوب نفاذه
در يلوح بفيك من نظامه ... خمر به قد جال، من نباذه؟؟
وقناة ذاك القد، كيف تقومت ... وسنان ذاك اللحظ، ما فولاذه؟
هاروت يعجز عن مواقع سحره ... وهو الإمام فمن ترى أستاذه؟
تالله ما علقت محاسنك امرأ ... إلا وعز على الورى استنفاذه
أغريت حبك بالقلوب فأذعنت ... طوعاً وقد أودى به استحواذه
وهي نحو عشرين بيتاً كلها غرر، ومن مقطعاته قوله في الأقحوان:
أنظر فقد أبدى الأقاحي مبسماً ... يفتر ضحكاً فوق قدٍ أملد
كفصوص درٍ لطفت أجرامه ... وتنظمت من حول شمسة عسجد

وقال في كرسي النسخ و يكتب عليه.
أنظر بعينك في بديع صنائعي ... وعجيب تراكيبي وحكمة صانعي
فكأني كفا محبٍ شبكت ... يوم الفراق أصابعاً بأصابعي

ظالم بن عمرو
ابن سفيان بن جندل بن يعمر بن حلس بن نفاثةً ابن عدي بن الدئل بن بكر بن كنانة الدؤلي أبو الأسود، وفي اسمه ونسبه خلاف، أحد سادات التابعين والمحدثين والفقهاء والشعراء والفرسان والأمراء والأشراف والدهاة والحاضري الجواب والصلع الأشراف والبخر الأشراف، ومن مشاهير البخلاء. والأكثر على أنه أول من وضع العربية ونقط المصحف، روى عن عر وعليٍ وأبي ذرٍ وابن عباس وغيرهم. وعنه أمية ويحيى بن يعمر، وصحبه علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - وشهد معه صفين، ومات بالطاعون الجارف سنة سبعٍ وستين على الأصح. روى عاصم قال: جاء أبو الأسود الدؤلي إلى زياد بن أبيه وكان يعلم أولاده وقال: إني أرى العرب قد خالطت هذه الأعاجم وفسدت ألسنتها، أفتأذن لي أن أضع للعرب ما يعرفون به كلامهم؟ فقال له زياد: لا تفعل. قال: فجاء رجل إلى زيادٍ فقال: أصلح الله الأمير، توفي أبانا وترك بنون، فقال زياد: توفي أبانا وترك بنون! ادعوا لي أبا الأسود، فلما جاءه قال له: ضع للعناس ما كنت نهيتك عنه ففعل. وروى في وضع العربية غير ذلك، ولأبي الأسود أخبار كثيرة مع الخلفاء والأمراء، ولطائف في البخل والإمساك، وقد استقصى أخباره أبو الفرج في كتابه، ومن شعره يعاتب ابنه أبا حربٍ وقد انقطع عن العمل وطلب الرزق:
وما طلب المعيشة بالتمنى ... ولكن ألق دلوك في الدلاء
تجئك بملئها يوماً يوماً ... تجئ بحمأةٍ وقليل ماء
ولا تقعد على كسل التمني ... تحيل على المقادر والقضاء
فإن مقادر الرحمن تجري ... بأرزاق الرجال من السماء
مقدرةً بقبضٍ أو ببسطٍ ... وعجز المرء أسباب البلاء
وقال:
ألعلم زين وتشريف لصاحبهفاطلب هديت فنون العلم والأدبا
كم سيدٍ بطلٍ آباؤه نجب ... كانوا رؤوساً فأضحى بعدهم ذنبا
ومقرف خامل الآباء ذي أدبٍ ... نال المعالي بالآداب والرتبا
ألعل ذخر وكنز لا نفاد له ... نعم القرين ونعم الخدن إن صحبا
قد يجمع المال شخص ثم يحرمه ... عما قليلٍ فيلقى الذل والحربا
وجامع العلم مغبوط به أبداً ... فلا يحاذر فيه الفوت والسلبا
يا جامع العلم نعم الذخر تجمعه ... لا تعدلن به دراً ولا ذهبا
وقال:
فلا تشعرن النفس يأساً فإنما ... يعيش بجدٍ حازم وبليد
ولا تطمعن في مال جارٍ لقربه ... فكل قريبٍ لا ينال بعيد
وقال:
تعودت مس الضر حتى ألفته ... وأسلمني طول البلاء إلى الصبر
ووسع صدري للأذى كثرة الأذى ... وكان قديماً قد يضيق به صدري
إذا أنا لم أقبل من الدهر كل ما ... ألاقيه منه طال عتبي على الدهر
وقال:
ذهب الرجال المقتدى بفعالهم ... والمنكرون لكل أمرٍ منكر
وبقيت في خلفٍ يزكى بعضهم ... بعضاً ليدفع معور عن معود
فطنٍ لكل مصيبةٍ في ماله ... وإذا أصيب بعرضه لم يشعر
باب العين
عالي بن عثمان بن جنى
ٍ
أبو سعدٍ البغدادي. كان نحوياً أديباً حسن الخط، أخذ عن أبي الفتح بن جنيٍ والوزير عيسى بن علي، وأخذ عنه الأمير أبو نصر بن ماكولا وغيره. مات سنة سبعٍ أو ثمانٍ وخمسين وأربعمائةٍ.
عامر بن عمران بن زياد
ٍ
أبو عكرمة الضبي السرمدي من أهل سر من رأى، كان نحوياً لغوياً أخبارياً، أخذ عن ابن الأعرابي، وعنه القاسم بن محمد بن بشارٍ الأنباري، وكان أعلم الناس بأشعار العرب وأرواهم لها، وكان في أخلاقه شراسة، وصنف كتاب الخيل، وكتاب الإبل والغنم، مات سنة خمسين ومائتين.
العباس بن الأحنف

ابن الأسود بن طلح، أبو الفضل الحنفي اليمامي، شاعر مجيد رقيق الشعر من شعراء الدولة العباسية، إلا أن كل شعره غزل لا مديح فيه ولا هجاء ولا شيئاً من ضروب الشعر. توفي سنة اثنتين وتسعين ومائةٍ ببغداد، ومن شعره:
لابد للعاشق من وقفةٍ ... تكون بين الصد والصرم
حتى إذا الهجر تمادى به ... راجع من يهوى على رغمٍ
وقال:
قلبي إلى ما ضرني داعي ... يكثر أشجاني وأوجاعي
كيف احتراسي من عدوي إذا ... كان عدوي بين أضلاعي
وقال:
وإني ليرضيني قليل نوالكم ... وإن كنت لا أرضى لكم بقليل
بحرمة ما قد كان بيني وبينكم ... من الود إلا عدتم بجميل
وقال:
يا فوز يا منية عباس ... قلبي يفدى قلبك القاسي
أسأت إذ أحسنت ظني بكم ... والحزم سوء الظن بالناس
يقلقني الشوق فآتيكم ... والقلب مملوء من الياس
وقال:
أبكى الذين أذاقوني مودتهم ... حتى إذا أيقظوني في الهوى رقدوا
واستنهضوا فلما قمت منتصباً ... بنقل ما حملوني منهم فعدوا
وشعره كله غاية في الجودة والانسجام والرقة، وله ديوان لطيف يتداوله الناس وفي بعض نسخه اختلاف.

العباس بن الفرج
أبو الفضل الرياشي مولى محمد بن سليمان الهاشمي وإنما قيل له الرياشي: لأن أباه كان عند رجلٍ يقال له رياش فبقي عليه نسبه. وكان من كبار النحاة وأهل اللغة، راويةً للشعر أخذ عن الأصمعي، وكان يحفظ كتبه وكتب أبي زيدٍ. وقرأ عليه المازني النحو، وقرأ عليه المازني اللغة. قال المبرد: سمعت المازني يقول: قرأ الرياشي علي كتاب سيبويه فاستفدت منه أكثر مما استفاد منى، يعني أنه أفادني لغته وشعره وأفاده هو النحو. وأخذ عنه أبو العباس المبرد وأبو بكرٍ محمد بن دريدٍ. وكان الرياشي ثقةً فيما يرويه. وله تصانيف منها: كتاب الخيل، وكتاب الإبل، وكتاب ما اختلفت أسماؤه من كلام العرب وغير ذلك. مات مقتولاً في واقعةٍ الزنج بالبصرة في خلافة المعتمد سنة سبعٍ وخمسين ومائتين.
عبد الله بن إبراهيم
ابن عبد الله بن حكيمٍ أبو حكيمٍ الحبري، بفتح المعجمة وسكون الموحدة. قال القاضي الأكرم - أبقى الله مهجته - في أخبار النحاة: كان متمكناً من علمٍ العربية، ويكتب الخط الحسن. نفقه على الشيخ أبي إسحاق الشيرازي وبرع في الفرائض والحساب، وصنف فيهما، وشرح الحاسمة وديوان الحماسة وديوان البحتري وعدةً دواوين، وسمع الحديث من أبي محمدٍ الجوهري وجماعةٍ، وحدث باليسير. وكان مرضى الطريقة ديناً صدوقاً، روى عنه سبطه أبو الفضل بن ناصرٍ أنه كان يكتب يوماً وهو مستند فوضع القلم من يده وقال: إن هذا موت مهنا طيب ثم مات. وكان ذلك يوم الثلاثاء ثاني عشرين ذي الحجة سنة ست وسبعين وأربعمائة.
عبد الله بن أحمد
ابن أحمد بن أحمد بن عبد الله بن نصر أبو محمد ابن الخشاب. قال القاضي الأكرم أيضاً: كان أعلم أهل زمانه بالنحو، حتى يقال: إنه كان في درجة أبي عليٍ الفارسي. وكانت له معرفة بالحديث والتفسير واللغة والنطق والفلسفة والحساب والهندسة، وما من علم من العلوم إلا وكانت له فيه يد حسنة. وقرأ الأدب على أبي منصورٍ موهوبٍ الجواليقي وغيره، والحساب والهندسة على أبي بكر بن عبد الباقي الأنصاري، والفرائض على أبي بكرٍ المرزوقي، وسمع الحديث من أبي الغنائم النرسي وأبي القاسم بن الحصين وأبي العز ابن كادش وجماعةٍ، ولم يزل يقرأ حتى علا على أقرانه، وقرأ العالي والنازل، وكان يكتب خطاً مليحاً، وجمع كتباً كثيرة جداً، وقرأ عليه الناس وانتفعوا به وتخرج به جماعة، وروى كثيراً من الحديث.

سمع منه الحافظ أبو سعد السمعاني وأبو أحمد بن سكينة وأبو محمد بن الأخضر وكان ثقة في الحديث صدوقاً نبيلاً حجة إلا أنه لم يكن في دينه بذاك، وكان بخيلاً متبذلاً في ملبسه وعيشه قليل المبالاة يحفظ ناموس العلم، يلعب بالشطرنج مع العوام على قارعة الطريق، ويقف في الشوارع على حلق المشعبذين واللاعبين بالقرود والدباب، كثير المزاح واللعب طيب الأخلاق، سأله شخص وعنده جماعة من الحنابلة: أعندك كتاب الجبال؟ فقال له: يا أبله أما تراهم حولي، وسأله آخر عن القفا يمد أو يقصر؟ فقال له: يمد ثم يقصر. وقرأ عليه بعض المعلمين قول العجاج:
أطرباً وأنت قنسرى ... وإنا يأتي الصبا الصبي
فقال: وإنما يأتي الصبي الصبي، فقال له ابن الخشاب هذا عندك في المكتب، وأما عندنا فلا، فخجل المعلم وقام. وكان يتعمم بالعمامة فتبقى مدةً على حالها حتى تسود مما يلي رأسه وتتقطع من الوسخ. وترمى عليها الطيور ذرقها. ولم يتزوج قط ولا تسرى، وكان إذا حضر سوق الكتب وأراد شراء كتاب غافل الناس وقطع منه ورقةً وقال: إنه مقطوع ليأخذه بثمن بخسٍ، وإذا استعار من أحدٍ كتاباً وطالبه به قال: دخل بين الكتب فلا أقدر عليه. وصنف شرح الجمل للزجاجي. وشرح اللمع لابن جنيٍ لم يتم. والرد على ابن بابشاذ في شرح الجمل، والرد على الخطيب التبريزي في تهذيب إصلاح المنطق: وشرح مقدمة الوزير ابن هبيرة في النحو. يقال: إنه وصله عليها بألف دينارٍ، والرد على الحريري في مقاماته: توفي عشية يوم الجمعة ثالث رمضان سنة سبعٍ وستين وخمسمائة، ووقف كتبه على أهل العلم. ورأى بعد موته بمدة في النوم على هيئةٍ حسنةٍ فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: غفر لي، قيل: ودخلت الجنة؟ قال: نعم إلا أن الله أعرض عنى. قيل: أعرض عنك؟ قال: نعم وعن كثير من العلاء ممن لا يعمل بعلمه. ومن شعره:
لذ خمولي وحلا مره ... إذ ضانني عن كل مخلوق
نفسي معشوقي ولى غيرة ... تمتعني من بذل معشوقي
وقال ملغزاً في كتابٍ:
وذي أوجهٍ لكنه غير بائحٍ ... بسرٍ وذو الوجهين للسر مظهر
تناجيك بالأسرار أسرار وجهه ... فتفهمها ما دمت بالعين تنظر
وله في شمعةٍ:
صفراء لا من سقم مسها ... كيف وكانت أمها الشافيه
عريانة باطنها مكتس ... فاعجب لها كاسيةً عاريه
وقال:
إذا عن أمر فاستشر فيه صاحباً ... وإن كنت ذا رأىٍ يشير على الصحب
فإني رأيت العين تجهل نفسها ... وتدرك ما قد حل في موضع الشهب

عبد الله بن أحمد
ابن حرب بن خالد أبو هفان المهزني اللغوي الشاعر، أخذ عن الأصمعي وروى عنه يموت بن المزرع، وكان متهتكاً مقتراً ضيق الحال شراباً للنبيذ، وله كتاب أخبار الشعراء، وكتاب صناعة الشعر. مات سنة خمسٍ وتسعين ومائةٍ، ومن شعره في وصف سيفٍ:
فإذا ما سللته بهر الشم ... س ضياء فلم تكد تستبين
وكأن الفرند والرونق السا ... ثل في صفحتيه ماء معين
ما يبالي من انتضاه لحربٍ ... أشمال سطت به أم يمين؟؟
وقال:
أيا رب قد ركب الأرذلو ... ن ورجلي من رحلتي داميه
فإن كنت حاملنا مثلهم ... وإلا فأرحلني الثانيه
عبد الله بن بري بن عبد الجبار
أبو محمد المصري، عرف بابن بريٍ النحوي اللغوي الأديب. قال القاضي الأكرم في أخبار النحاة: شاع ذكره واشتهر ولم يكن في الديار المصرية مثله، قرأ كتاب سيبويه على محمد بن عبد الملك الشنتريني، وتصدر للإقراء بجامع عمرو بن العاص، وكان مع علمه وغزارة فهفمه ذا غفلةٍ، يحكي عنه حكايات عجيبة منها: أنه جعل في كمه عنباً فجعل يعبث به ويحدث شخصاً معه حتى نقط على رجليه فقال:
عبيد الله بن محمد بن أبي بردة
أبو محمد القصري، من قصر الزيت بالبصرة، قاضي فارس، نحوي لغوي معتزلي، ذكره أبو الفتح منصور ابن المقدر النحوي المعتزلي، محتجاً به وبأمثاله على أبي بكر الباقلاني لأنه قال: إن الكلابية تقول: إن النظر إذا قرن بإلى لم يحتمل إلا الرؤية، وإن المعتزلة تبطل ذلك بقول الشاعر:
إني إليك لما وعدت لناظر ... نظر الفقير إلى الغني الموسر

قال: هذا اعتراض باطل، لأن الشاعر قال إليك، والله قال إلى ربها، وأحدهما غير الآخر، لأن أحدهما بالياء والآخر بالألف، قال: من يخاصم المعتزلة الذين هم ذوو اللسن والفصاحة بهذا الكلام لا يكون غبياً بل أنقص حالة من الأغبياء، وقد كان يحضر منهم في زمن أمراء المؤمنين المطيع والطائع والقادر نحو من مائةٍ المجالس، كل منهم أو جمهورهم قد قرأ كتاب سيبويه وإليه انتهى، كعلي ابن عيسى الرماني وأبي سعيد السيرافي، وذكر جماعةً ثم قال: وأبو محمد عبد الله ابن محمد بن أبي بردة القصري من قصر الزيت بالبصرة قاضي فارس، وله الانتصار لسيبويه على أبي العباس في كتاب الغلط، وله مسائل سألها الشيخ أبا عبد الله البصري في إعجاز القرى، وغير ذلك.

عبيد الله بن محم بن أبي محم اليزيدي
واسم أبي محمد بن المبارك بن المغيرة، وكنية عبيد الله أبو القاسم، يعرف بابن اليزيدي، ذكره الخطيب فقال: مات في سنة أربعٍ وثمانين ومائتين، قال: وسمع محمد بن منصورٍ الطوسي وعبد الرحمن بن أخي الأصمعي، روى عن عمه إبراهيم بن يحيى وأخيه أحمد بن محمد عن جده أبي محمد اليزيدي عن أبي عمرو ابن العلاء حروفه في القرآن. حدث عنه ابن أخيه محمد بن العباس وأحد بن عثمان الآدمي، وكان ثقةً. حدث عبيد الله عن عمه إبراهيم قال: حدثني أبي قال: كنت مع أبي عمرو بن العلاء في مجلس إبراهيم بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، فسأل عن رجلٍ من أصحابه فقده، فقال لبعض من حضره: اذهب فسل عنه، فرجع فقال: تركته يريد أن يموت، قال: فضحك منه بعض القوم وقال: في الدنيا إنسان يريد أن يموت؟ فقال إبراهيم: لقد ضحكتم منها عربيةً، إن يريد في معنى يكاد، قال الله تعالى: (جداراً يريد أن ينقض)، أي يكاد، قال: فقال أبو عمروٍ: ولا نزال بخيرٍ ما كان فينا مثلك. قال أبو القاسم الزجاجي: أنشدني أبو عبد الله اليزيدي لعمه عبيد الله بن محمدٍ:
قد ضقت ذرعاً بك مستصلحاً ... وأنت مزور عن الواجب
من لي بأن تعقل؟ حتى ترى ... كم لك في العالم من عائب؟
عبيد الله بن محمدالأزدي
بن جعفرابن محمد بن عبد الله الأزدي أبو القاسم النحوي. ذكره الخطيب فقال: مات في سنة ثمانٍ وأربعين وثلاثمائةٍ في أيام المطيع قال: وحدث عن محمد بن الجهم السمري بكتاب المعاني للفراء عن مسلم بن عيسى الصفار وأبي بكر بن أبي الدنيا، وابن قتيبة. روى عنه المعافي بن زكرياء الحريري، وأبو إسحاق إبراهيم بن أحمد الطبري وغيرهما. حدثنا عنه ابن رزقويه قال: وسألت أبا يعلى محمد بن الحسن السراج المقرئ عن الأزدي فقال: ضعيف، وقال غير الخطيب: له كتاب الاختلاف، وكتاب النطق.
عبيد الله بن محمد بن جروٍ الأسدي
أبو القاسم النحوي العروضي المعتزلي. ذكره ابن المقدر في المعتزلة من أهل الموصل. قدم بغداد وقرأ على شيوخها، فأخذ علم الأدب عن أبي عليٍ الفارسي وأبي سعيد السيرافي وغيرهما، وكان ذكياً حاذقاً جيد الخط صحيح الضبط صنف كتباً ومات فيما ذكره هلال بن المحسن في يوم الثلاثاء لأربعٍ بقين من رجبٍ سنة سبعٍ وثمانين وثلاثمائةٍ، وكان يقول الشعر فوجدت له في بعض الكتب:
قطعت من السنين مدىً طويلاً ... ولم تعرف عدوك من صديقك
فسرت على الغرور ولست تدرى ... أماء أم سراب في طريقك؟
قرأت في كتاب الموضح في العروض من تصنيف ابن جروٍ أخباراً أوردها عن نفسه فيه ومناظراتٍ جرت له مع الشيوخ في العروض منها: قرأت على شيخنا أبي سعيدٍ - رحمه الله - كتاب الوقف والابتداء عن القراء روايته عن أبي بكر بن مجاهد عن ابن الجهم عنه، فمضى فيه بيت أنشده القراء:
بأبي امرؤ والشام بيني وبينه ... أتتني ببشرى برده ورسائله
فقلت: هذا البيت لا يستقيم، فقال أبو سعيد: كذا أنشده ابن مجاهدٍ عن القراء وهو كما قال: أنشدناه غيره من شيوخنا عن أبي بكر وعن ابن بكيرٍ عن ابن الجه و عن ابن الأنباري عن أحمد بن يحيى عن سلمة عن القراء هكذا.

فقال أبو سعيد: ما عندك فيه؟ فقلت: رأيت هذا البيت بخط أبي سهلٍ النحوي في هذا الكتاب بأبوي امرؤ وقال: رد الأب إلى أصله، لأنه في الأصل عند الكوفيين أبوعلي فعلٍ مثل نحوٍ وغزوٍ، فقال له أبو سعيد: لا ينبغي أن تلتفت إلى هذا، لأن الرواة والنافلين أجمعوا على أنه مكتوب بأبي، وكذلك لفظوا به، ولكن إصلاحه أن يكون بأبي امرؤ، فيكون بأبي، فعولن وسكن كسرة الباء من أبي لأنه قدره تقدير فخذ، وهذا لعمري تشبيه حسن لأنهم قد أجروا هذا في المنفصل مجرى المتصل فقالوا: اشتر لنا. جعل ترل بمنزلة فخذٍ، وأشد من هذا قراءة حمزة ومكر السيء ولاً جعل سيئاً بمنزلة فخذٍ ثم اسكن كما يقال: فخذ والحركة في السيء حركة إعرابٍ، ففي هذا ضربان من التجوز: جعله المنفصل بمنزلة المتصل، وتشبيهه حركة الإعراب بحركة البناء. وله من التصانيف: كتاب الموضح في العروض: جود في تصنيفه، وكتاب المفصح في القوافي، وكتاب الأمد في علوم القرآن لا أدري هل تم أم لا؟ لأنه قال في كتاب الموضح في العروض: وقد شرعنا في كتاب الأمد في علوم القرآن ثم وجدت في فوائد نقلت عن أبي القاسم المغربي أن كتابه في تفسير القرآن لم يتم، وأنه ذكر في " بسم الله الرحمن الرحيم " مائةً وعشرين وجهاً. قال: ومات قبل الأربعمائة. ذكر الشيخ أبو محمد بن الخشاب في بعض كتبه في معرض كلامٍ: وحكى بعض الأشياخ من أهل صناعة النحو أن عضد الدولة الديلمي التمس من أبي عليٍ الفارسي إماماً صلى به واقترح عليه أن يكون جامعاً إلى العلم بالقراءة العلم بالعربية، فقال: ما أعرف من قد اجتمعت فيه مطلوبات الملك إلا ابن جرو أحد أصحاب أبي عليٍ، وهو أبو القاسم عبيد الله بن جروٍ الأسدي، فقال: ابعثه إلينا، فجاء به وصلى بعضد الدولة. فلما كان الغد وأتى أبو عليٍ وسألك الملك عنه فقال: هو كما وصفت إلا أنه لا يقيم الراء أي يجعلها غيناً كعادة.
البغداديين في الأغلب، فقال البغداديين في الأغلب، فقال أبو علي لابن جروٍ ورآه كما قال عضد الدولة: لم لا تقيم الراء؟ فقال: هي عادة للساني لا أستطيع تغييرها، فقال له أبو عليٍ: ضع ذبابة القلم تحت لسانك لترفعه به وأكثر مع ذلك ترديد اللفظ بالراء، ففعل واستقام له إخراج الراء من مخرجها.
قال: هذا معنى الحكاية التي حكيت لي في هذا. فقلت للشيخ الحاكي لي - رحمه الله - وأنا إذ ذاك حدث: ما أحسن ما تلطف أبو عليٍ في طبه هذا، فما الذي دله على هذه المعالجة؟ ومن أين استنبط هذه المداواة؟ وكيف احتال لهذا البرء؟ فقال: هذا الذي حكى لنا فما عندك فيه، فأجبت بما استحسنه الشيخ وحاضروه فقلت: لا شبهة بأن الغين حرف حلقي لا عمل للسان فيه، والراء حرف من حروف اللسان وله فيه عملن فمن نطق بالغين مكان الراء لم يكن للسان فيه عمل بل هو قار في فجوته، والحرف الحلقي منطوق به مع سكون اللسان واستقراره، فإذا رفعه بطرف القلم أو غيره مما يقوم مقامه في رفعه ولفظ بالحرف جعل له عملاً في الحرف، فبطل أن يكون حلقياً أي غيناً، لأن حروف الحلق لا عمل للسان فيها، وإذا بطل أن يكون غيناً كان راءً وهو الحرف الذي تلفظ بالغين بدلاً منه، فافهمه وداوبه ما جرى هذا المجرى من الحروف، فلو كان واصل بن عطاء الغزال حاذقاً حذق أبي عليٍ - رحمه الله - فداوى رأرأته ولتغته بهذا الدواء لأراحه من تكلفه إخراج الراء من كلامه حتى شاع عنه من إبدال بعض الكلم ما شاع. قال: وقد حكى أن الزجاج أبا إسحاق كان بهذه الصفة أعنى رأراء وذلك فيما قرأته بخط ابن برهانٍ النحوي.

عبيد الله أبو بكر الخياط الأصبهاني
ذكره حمزة فقال. هو واحد زمانه في علم النحو ورواية الشعر، أتقن كتاب سيبويه صغيراً، ثم كتاب مسائل الأخفش، ثم كتاب حدود الفراء، وهو في الأخبار والأيام وسائر الآداب متقدم على كل من تفرد بفن منها، وله كتابان في النحو أحدهما بسيط والآخر لطيف لم يصنف مثلهما في الزمان، ولما مات أبو بكرٍ الخياط وثته الشعراء، فمن ذلك قول أبي مسلم بن حجا الكوفاني:
سآتي باكياً شط الفرات ... لعيني أستمد مدى حياتي
فأبكي ثم أبكي ثم أبكي ... على من قد توسد جندلات
على قمر الزمان وزين علمٍ ... عبيد الله كنز الفائدات
وله يرثيه:

ودعت بعد أبي بكرٍ ودنياه ... ديوان شعرٍ ونحواً ملك يمناه
طوى الثرى معه كل العلوم فلا ... نشر يرجى له من بعد مثواه
من لي بمثل عبيد الله يوم ثوى ... رهن الحمام وهل في الناس شرواه
ومن كتاب الوزراء لهلال بن المحسن: حدثني أبو سريٍ الأصبهاني ابن أخت أبي بكر الخياط الأصبهاني قال: كان أبو بكر خالي يحفظ دواوين العرب، ويقوم عليها قياماً تاماً، ويتصرف في كتاب سيبويه ومسائل الأخفش تصرفاً قوياً، فحدثني أن أبا الفضل بن العميد كان يقرأ عليه كتاب الطبائع لأبي عثمان الجاحظ، فانفق أن كان في بعض الأيام عنده وقد نزع نعله فأخذه كلب زئنى في الدار وأبعده عن موضعه وأراد أبو بكرٍ الطهارة، فقام ولم يره، وطلبه فلم يجده، فتقدم أبو الفضل أن يقدم إليه نعل نفسه فاستسرف ذلك من فعله استسرافاً بلغه فقال: ألام على تعظيم رجل ما قرأت عليه شيئاً من الطبائع إلا عرف ديوان قائله وقرأ القصيدة من أولها حتى ينتهي إليه؟ ولقد كنت وغيري نتهم أبا عثمان الجاحظ فيما يستشهد به من غريب الشعر حتى دلنا على مواضعه، وأنشد القصيدة حتى انتزع منها فمن حفظه، أفما يستحق من هذه الصفة صفته هذه الكرامة اليسيرة في جنب هذه الفضيلة الكبيرة؟ وذكر ابن العميد يوماً أبا بكر الخياط النحوي فقال: أفادني في نقد الشعر ما لم يكن عندي، وذاك أنه جاءني يوماً باختياراتٍ له فكنت أرى المقطوعة بعد المقطوعة لا ندخل في مرتضى الشعر، فأعجب من إيراده لها واختياره إياها، فسألته عنها فقال: لم يقل في معناها غيرها فاخترتها لانفرادها في بابها.

عبيد الله بن محمد بن علي بن شاهمردان
أبو محمد، لا أعرف من حاله شيئاً إلا أنني وجدت له كتاباً في اللغة في مجلد سماه حدائق الآداب.
عبيد بن سرية،ابن سارية

ويقال ابن سارية، ويقال ابن شرية الجرهمي ذكره ابن عساكر في تاريخ دمشق وقال: وفد على معاوية وقيل: إنه لم يفد عليه، وأنه لقيه بالحيرة لما توجه معاوية إلى العراق، ثم حدث بإسناد رفعه إلى أبي حاتمٍ السجستاني قال: وعاش عبيد بن سارية الجرهمي ثلاثمائة سنةٍ، وقال بعضهم: مائتين وعشرين سنة إلا أننا نظن أنه عاشها في الجاهلية وأدرك الإسلام فأسلم، وقدم على معاوية بن أبي سفيان فبلغنا أن معاوية قال له: كم أتى عليك؟ قال: مائتان وعشرون سنة، قال: ومن أين علمت ذاك؟ قال: من كتاب الله، قال ومن أي كتاب الله؟ قال: من قول سبحانه: (وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرةً لتبتغوا فضلاً من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب). فقال له معاوية: وما أدركت؟ قال أدركت يوماً في إثر يومٍ، وليلةً في إثر ليلةٍ متشابهاً كتشابه الحذف يحدوان بقوم في ديار قومٍ، يكدحون فيما يبيد عنهم، ولا يعتبرون بما بمضى منهم، حيهم يتلف ومولودهم يخلف، في دهرٍ يصرف، أيامه تقلب بأهلها كتقلبها بدهرها، بينا أخوها في الرخاء إذ صار في البلاء، وبينا هو في الزيادة إذ أدركه النقصان وبينا هو حر إذ أصبح قناً لا يدوم على حالٍ، بين مسرورٍ بمولودٍ، ومحزونٍ بمفقودٍ، فلولا أن الحي يتلف لم يسعهم بلد، ولولا أن المولود يخلف لم يبق أحد. قال معاوية: أخبرني عن المال أيه أحسن في عينيك؟ قال: أحسن المال في عيني وأنفعه غناء وأقله عناء، وأجداده على العامة عين خرارة في أرضٍ خوارةٍ إذا استودعت أدت، وإذا استحليتها درت وأفعمت، تعول ولا تعال. قال معاوية: ثم ماذا؟ قال: فرس في بطنها فرس تتبعها فرس، قد ارتبطت منها فرساً: قال معاوية: وأي النعم أحب إليك؟ قال: النعم لغيرك يا أمير المؤمنين. قال لمن؟ قال: لمن فلاها بيده وباشرها بنفسه، قال معاوية: حدثني عن الذهب والفضة، قال: حجران إن أخرجتها نفدا، وإن خزنهما لم يزيدا. قال معاوية: فأخبرني عن قيامك وقعودك، وأكلك وشربك، ونومك وشهوتك للباه. قال: أما قيامي: فإن قمت فالسماء تبعد، وإن قعدت فالأرض تقرب، وأما أكلي وشربي: فإن جعت كلبت، وإن شبعت بهرت، وأما نومي: فإن حضرت مجلساً حالفني، وإن خلوت أطلبه فارقني، وأنا الباه: فإن بذل لي عجزت، وإن منعته غضبت، قال معاوية: فأخبرني عن أعجب شيء رأيته. قال: إني نزلت بحيٍ من قضاعة، فخرجوا بجنازة رجلٍ من عذرة يقال له حريث بن جبلة، فخرجت معهم حتى إذا واروه انتبذت جانباً عن القوم وعيناي تدمعان، ثم تمثلت بأبيات شعر كنت رويتها قبل ذلك:
يا قلب إنك من أسماء مغرور ... فاذكر وهل ينفعنك اليوم تذكير؟
قد بحت بالحب ما نخفيه من أحدٍ ... حتى جرت بك أطلاقاً محاضير
تبغي أموراً فما تدري أعالجها ... خير لنفسك أم ما فيه تأخير؟؟
فاستقدر الله خيراً وارضين به ... فبينما العسر إذ دارت مياسير
وبينما المرء في الأخياء مغتبطاً ... إذ صار في الرمس تعفوه الأعاصير
حتى كان لم يكن إلا تدكره ... والدهر أيتما حالٍ دهارير
يبكي الغريب عليه ليس يعرفه ... وذو قرابته في الحي مسرور
وذاك آخر عهدٍ من أخيك إذا ... ما المرء ضمنه اللحد الخناشير

الواحد خنشير، والجمع الخناشير، ويقال: الخناشرة وهم الذين يتبعون الجنازة. فقال رجل إلى جانبي يسمع ما أقول: يا عبد الله من قائل هذه الأبيات؟ قلت: والذي أحلف به ما أدرى، إلا أني قد رويتها منذ زمان. قال: قائلها الذي دفناه آنفاً، وإن هذا ذا قرابته أسر الناس بموته، وإنك للغريب الذي وصف تبكي عليه. قال: فعجبت لما ذكر في شعره، والذي صار إليه من قوله كأنه كان ينظر إلى موضع قبره. فقلت: إن البلاء موكل بالمنطق. قال المؤلف: وذكر محمد بن إسحاق النديم في كتاب الفهرست فقال: عبيد بن شرية الجرهمي أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه شيئاً، ووفد على معاوية بن أبي سفيان فسأله عن الأخبار المتقدمة وملوك العرب والعجم، وسبب تبلبل الألسنة، وأمر افتراق الناس في البلاد، وكان استحضره من صنعاء اليمن، فأجابه بما أمر به معاوية أن يدون وينسب إلى عبيد بن شرية، ثم عاش عبيد إلى أيام عبد الملك ابن مروان. وله من الكتب: كتاب الأمثال، كتاب الملوك وأخبار الماضين. وقال غير النديم: كان عبيد بن شرية يروى عن الكيس النمري وابنه يزيد بن الكيس، وعن الكسير الجرهي وعبد ودٍ الجرهمي.

عبيد بن مسعدة
يعرف بابن أبي الجليد. قال المرزباني: أبو الجليد الفزاري المنظوري الذي اسمه مسعدة، وابنه ابن أبي الجليد نحوي أهل المدينة اسمه عبيد بن مسعدة، وكان أبو الجليد أعرابياً بدوياً علامةً، وكان الضحاك بن عثمان يروى عنه. وأبو الجليد هو القائل ورأى جاريةً سوداء غليظة الجسم:
إن لم يصبني أجلي فاخترم ... أشتر من مالي صناعاً كالصنم
عريضة المعطس خشناء القدم ... تكون أم ولدٍ وتختدم
إذا أبنها جاء بشرٍ لم يلم ... يقتل الناس ولا يوفى الذمم
عناب بن ورقاء لشيباني
نقلت من خط أبي سعدٍ السمعاني: أنبأنا إبراهيم بن نبهان الغنوي: حدثنا أبو عبد الله الحميدي: عن أبي العباس أحمد بن عمر العذري بالمغرب، عن أبي البركات محمد بن عبد الواحد الزبيري بالأندلس، عن أبي سعيدٍ السيرافي عن أبي إسحاق الزجاج بالأندلس، عن أبي سعيدٍ السيرافي عن أبي إسحاق الزجاج عن المبرد قال: لما وصل المأمون إلى بغداد وقر بها قال ليحيى بن أكثم: وددت لو أني وجدت رجلاً مثل الأصمعي ممن عرف أخبار العرب وأيامها وأشعارها فيصحبني كما صحب الأصمعي الرشيد. فقال له يحيى: ههنا شيخ يعرف هذه الأخبار يقال له عتاب بن ورقاء من بني شيبان. قال: فابعث لنا فيه مخضر فقال له يحيى: إن أمير المؤمنين يرغب في حضورك مجلسه وفي محادثته. فقال: أنا شيخ كبير ولا طاقة لي، لأنه ذهب مني الأطيبان. فقال له المأمون: لابد من ذلك. فقال الشيخ: فاسمع ما حضرني، فقال اقتضاباً
أبعد ستين أصبو ... والشيب للمرء حرب
شيب وسن وإثم ... أمر لعمرك صعب
يا بن الإمام فهلا ... أيام عودي رطب
وإذ مشيبي قليل ... ومنهل العيش عذب
فالآن لما رأى بي ... عواذلي ما أحبوا
آليت أشرب راحاً ... ما حج لله ركب
فقال المأمون: ينبغي أن تكتب بالذهب وأعفى لشيخ وأمر له بجائزةٍ.
عثمان بن جنيٍ أبو الفتح النحوي
وكان جني أبوه مملوكاً رومياً لسليمان بن فهد الأزدي الموصلي، من أحذق أهل الأدب وأعلمهم بالنحو والتصريف، وصنف في ذلك كتباً أبر بها على المتقدمين، وأعجز المتأخرين، ولم يكن في شيءٍ من علومه أكمل منه في التصريف، ولم يتكلم أحد في التصريف أدق كلاماً منه، ومات لليلتين بقيتا من صفرٍ سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة في خلافة القادر، ومولده قبل الثلاثين وثلاثمائةٍ وهو القائل:
فإن أصبح بلا نسب ... فعلمي في الورى نسبي
على أني أقول إلى ... قرومٍ سادةٍ نجب
قياصرة إذا نطقوا ... ارم الدهر في الخطب
أولاك دعا النبي لهم ... كفى شرفاً دعاء نبي

وحدث غرس النعمة أبو الحسن محمد بن هلال بن المحسن قال: حدثني أبي قال: كان من كتاب الإنشاء في أيام عضد الدولة وبعدها في أيام صمصام الدولة ابنه كاتب يعرف بأبي الحسين القمي قال: وشاهدته في ديوان الإنشاء يكتب بين يديي جدي أبي إسحاق لما ولاه صمصام الدولة، فاتفق أنه حضر يوماً عند جدي أبي إسحاق أبو الفتح عثمان بن جنيٍ النحوي في الديوان وجلس يتحدث مع جدي تارةً ومعي إذا اشتغل جدي أخرى، وكانت له عادة في حديثه بأن يميل بشفته ويشير بيده، فبقي أبو الحسين القمي شاخصاً ببصره تعجب منه، فقال له ابن جنىٍ: ما بك يا أبا الحسين تحدق إلى النظر، وتكثر من التعجب؟ قال: شيء ظريف، قال: ما هو؟ قال: شبهت مولاي الشيخ وهو يتحدث ويقول ببوزه كذا وبيده كذا بقرد رأيته اليوم عند صعودي إلى دار المملكة وهو على شاطئ دجلة يفعل مثل ما يفعل مولاي الشيخ، فامتعض أبو الفتح وقال: ما هذا القول يا أبا الحسين - فأعزك الله - ومتى رأيتني أمزح فتمزح معي أو أمجن فنمجن بي، فلما رآه أبو الحسين قد حرد واستشاط وغضب قال: المعذرة أيها الشيخ وإلى الله تعالى عن أن أشبهك بالقرد، وإنما شبهت القرد بك، فضحك أبو الفتح وقال: ما أحسن ما اعتذرت، وعلم أبو الفتح أنها نادرة تشيع، فكان يتحدث بها هو دائماً.
قال: واجتاز أبو الفتح يوماً وأبو الحسين في الديوان وبين يديه كانون فيه نار والبرد شديد. فقال له أبو الحسين: تعال أيها الشيخ إلى النير، فقال: أعوذ بالله، النير: هو صماد البقر.
وذكره أبو الحسن علي بن الحسن الباخرزي في دمية القصر فقال: ليس لأحد من أئمة الأدب في فتح المقفلات وشرح المشكلات ماله، فقد وقع عليها من ثمرات الإعراب ولاسيما في علم الإعراب، ومن تأمل مصنفاته وقف على بعض صفاته، فوربي إنه كشف الغطاء عن شعره وما كنت أعلم أنه ينظم القريض أو يسيغ ذلك الجريض حتى قرأت مرثيةً في المتنبي أولها:
غاض القريض وأذوت نضرة الأدب ... وصوحت بعد رىٍ دوحة الكتب
سلبت ثوب بهاء كنت تلبسه ... كما تخطف بالخطية السلب
ما زلت تصحب في الجلي إذا انشعبت ... قلباً جميعاً وعزماً غير منشعب
وقد حلبت لعمري الدهر أشطره ... تمطو بهمة لاوانٍ ولا نصب
من للهواجل يحيي ميت أرسمها ... بكل جائلة التصدير والحقب
قباء خوصاء محمودٍ علالتها ... تنبو عريكتها بالحلس والقتب
أم من البيض الظبا توكافهن دم ... أم من لسمر القنا والزغف واليلب
أم للجحافل يذكى جمر جاحمها ... حتى يقربها من جاحم اللهب
أم للمحافل إذ تبدو لتعمرها ... بالنظم والنثر والأمثال والخطب
أم للصواهل محمرا سرابلها ... من بعد ما غربت معروفة الشهب
أم للمناهل والظلماء عاطفة ... يواصل السكر بين الورد والقرب
أم للقساطل تعتم الحزون بها ... أم من لضغم الهزبر الضيغم الحرب
أم للملوك يحليها ويلبسها ... حتى تمايس في أبرارها القشب
باتت وسادى أطراب تؤرقني ... لما غدوت لقى في قبضة الثوب
عمرت خدن المساعي غير مضطهدٍ ... كالنصل لم يدنس يوماً ولم يعب
فاذهب عليك سلام المجد ما قلقت ... خوص الركائب بالأكوار والشعب
وحدث أبو الحسن الطرائفي قال: كان أبو الفتح عثمان بن جنيٍ يحضر بحلب عند المتنبي كثيراً ويناظره في شيء من النحو من غير أن يقرأ عليه شيئاً من شعره أنفةً وإكباراً لنفسه. وكان المتنبي يقول في أبي الفتح: هذا رجل لا يعرف قدره كثير من الناس، وسئل المتنبي بشيراز عن قوله:
وكان ابنا عدوٍ كاثراه ... له ياءي حروف أنيسيان
فقال: لو كان صديقنا أبو الفتح حاضراً لفسره. وحدث أبو إسحاق إبراهيم بن عليٍ الحصري في كتاب النورين: وقال بعض أهل العصر، وهو أبو الفتح عثمان ابن جنيٍ النحوي:
غزال غير وحشىٍ ... حكى الوحشى مقلته
رآه الورد يجني الور ... د فاستكساه حلته

وشم بأنفه الريحا ... ن فاستهداه زهرته
وذاقت ريحه الصهبا ... ء فاختلسته نكهته
وكان أبو الفتح بن جنيٍ ممتعاً بإحدى عينيه، فلذلك يقول في صديقٍ له:
صدودك عني ولا ذنب لي ... دليل على نيةٍ فاسده
فقد وحياتك مما بكيت ... خشيت على عيني الواحده
ولولا مخافة ألا أراك ... لما كان في تركها فائده
وحدثت أنه صحب أبا عليٍ الفارسي أربعين سنة وكان السبب في صحبته له: أنا أبا عليٍ اجتاز بالموصل فمر بالجامع وأبو الفتح في حلقةٍ يقرئ النحو وهو شاب فسأله أبو علي عن مسألةٍ في التصريف فقصر فيها، فقال له أبو علي: زببت وأنت حصرم، فسأل عنه فقيل له: هذا أبو عليٍ الفارسي فلزمه من يومئذٍ واعتنى بالتصريف فما أحد أعلم منه به ولا أقوم بأصوله وفروعه، ولا أحسن أحد إحسانه في تصنيفه. فلما مات أبو عليٍ تصدر أبو الفتح في مجلسه ببغداد بأخذ عنه الثمانيني وعبد السلام البصري وأبو الحسن السمسمي. وكان لابن جني من الولد على وعالٍ وعلاء وكلهم أدباء فضلاء قد خرجهم والدهم وحسن خطوطهم، فهم معدودون في الصحيحي الضبط، وحسني الخط. ومن كتاب سر السرور لأبي الفتح بن جنىٍ:
رأيت محاسن ضحك الربيع ... أطال عليها بكاء السحاب
وقد ضحك الشيب في لمتى ... فلم لا أبكي ربيع الشباب؟
أأشرب في الكأس كلا وحاشا ... لأبصره في صفاء الشراب؟
وأنشد له:
تحبب أو تذرع أو تأبى ... فلا والله لا أزداد حبا
أخذت ببعض حبك كل قلبي ... فإن رمت المزيد فهات قلبا
قرأت بخط أبي علي بن إبراهيم الصابئ: ولأبي نصر بشر بن هارون في ابن جنيٍ النحوي وقد جرى بينه وبينه في معنى شيطان يقال: إنه يظهر بالراية اسمه العدار، وإذا لقى إنساناً وطأه، فقال له ابن جنيٍ: بودك لو لقيك فإنه كان لأمنتيك، فقال أبو نصرٍ:
زعمت أن العدار خدني ... وليس خدناً لي العدار
عفر من الجن أنت أولى ... به وفيه لك افتخار
فالجن جن ونحن إنس ... شتان هذان يا حمار
ونحن من طينةٍ خلقنا ... ما خلق الجن منه نار
العر والعار فيك تما ... والعور التام والعوار

ونقل عن خط أبي الفتح بن جنيٍ خطبة نكاحٍ من أنشأته: الحمد لله فاطر السماء والأرض، ومالك الإبرام والنقض، ذي العزة والعلاء، والعظمة الكبرياء، مبتدع الخلق على غير مثالٍ، والمشهود بحقيقته في كل حالٍ، الذي ملأت حكمته القلوب نوراً، فاستودع علم الأشياء كتاباً مسطوراً، وأشرق في غياهب الشبه خصائص نعوته، واغترقت أرجاء الفكر بسطببة ملكوته، أحمده حمد معترف بجزيل نعمه وأحاظيه، ملتبساً بسني قسمه وأعاطيه. وأؤمن به في السر والعلن، وأستدفع بقدرته ملمات الزمن، وأستعينه على نوازل الأمور، وأدرئه في نحر كل محذور، وأشهد شهادةً تخضع لعلوها السموات وما أظلت، وتعجز عن حملها الأرضون وما أقلت، أنه مالك يوم البعث والمعاد والقائم على كل نفسٍ بالمرصاد، وأن لا معبود سواه، ولا إله إلا هو، وأن محمداً صلى الله عليه وسلم، - وبحل وكرم - ، عبده المنتخب، وحجته على العجم والعرب، ابتعته بالحق إلى أوليائه ضياءً لامعاً، وعلى المراق من أعدائه شهاباً ساطعاً، فابتذل في ذات الله نفسه وجهدها، وانتحى مناهج الرشد وقصدها، مستسهلاً ما يراه الأنام صعباً، ومستخصباً ما يرعونه بينهم جدباً، يغامس أهل الكفر والنفاق، ويمارس البغاة وأولى الشقاق، بقلبٍ غير مذهولٍ، وعزمٍ غير مفلول يستنجز الله صادق وعده، ويسعى في خلود الحق من بعده، إلى أن وطد بوانى الدين وأرساها، وشاد شرف الإسلام وأسماها، فصرم مدته التي أوتيها في طاعة الله موفقاً حميداً، ثم انكفأ إلى خالقه مطمئنا به فقيداً، صلى الله عليه وسلم ما ومض في الظلام برق، أو نبض في الأنام عرق، وعلى الخرة المصطفين من آله، والمقتدين بشرف فعاله، وإن مما أفرط الله تعالى به سابق حكمه، وأجرى بكونه قلم علمه، ليضم بوقوعه متباين الشمل، ويزم به شارد الفرع إلى الأصل، أن فلان بن فلان وهو كما يعلم من حضر من ذوي الستر وصدق المختبر، مشجوح الخليقة، مأمون الطريقة، متمسك بعصام الدين، آخذ بسنة المسلمين، خطب للأمر المحموم، والقدر المحتوم. من فلان بن فلان الظاهر العدالة والإنصاف، أهل البر وحسن الكفالة والكفاف، عقيلته فلانة بنت فلانٍ خيرة نسائها وصفوة آبائها في زكاء منصبها وطيب مركبها، وقد بذل لها من الصداق كذا وكذا، فليشهد على ذلك أهل مجلسنا، (وكفى بالله شهيداً) ثم يقرهما ثم يقال: لاءم الله على التقوى كلمتيكما، وأدام بالحسنى بينكما، وخار لكما فيما قضى. ولا أبتر كما صالح ما كسا وهو حسبنا وكفى.
قرأت بخط الشيخ أبي منصور موهوب بن الخضر، الجواليقي - رحمه الله - أنشدنا الشيخ الإمام أبو زكرياء يحيى بن علي التبريزي قال: أنشدنا عالي بن عثمان بن جنيٍ قال: أنشدنا أبي لنفسه:
وحلو شمائل الأدب ... منيف مراتب الحسب
أخي فخر مفاخره ... عقائل عقلة الأدب
له كلف بما كلفت ... به العلماء م العرب
ببيت يفاتش الأنقا ... ب عن أسرارها الغيب
فمن جددٍ إلى جلدٍ ... إلى صعدٍ إلى صبب
ويسرب في معانيها ... بضيض رواشح الثغب
ويفرع فكره الأبكا ... ر منها من حمى الحجب
فيبردها وكان بها ... وإن خفيت سنا لهب
يغازل من تأملها ... غزال الخرد العرب
يجد بها وتحسبه ... للطف الفكر في لعب
بساطة مذهب سبكت ... عليه ماءة الذهب
ورقة مأخذٍ شهدت ... بغلظة كل منتخب
وطرداً للفروع على ... أصولٍ وطدٍ رتب
إذا ما انحط غائرها ... سما فرعاً على الرتب
قياساً مثل ما وقدت ... بليلٍ برزة الشهب
وألفاظاً مهذبة الحوا ... شي ثرةً السحب
فطوراً من ذرى علمٍ ... وطوراً من ذرى طنب
إذا حازت لنا سلباً ... فعد عن القنا السلب
تركت مساجلي أدبي ... طوال الدهر في تعب
إذا أجروا إلى أمدٍ ... فقل في هافةٍ لغب
وإن راموا مبادهتي ... سبقت وأوطئوا عقبى
وكيف يروم منزلتى ... نزيل خبائث الترب؟

وهل يسمو لقارعتي ... خفيض الخد ذو حدب
وهل ينتاط بي سبباً ... ضعيف مقاعد السبب
أغرة وجه سابقها ... تقاس بشعله الذنب؟
شكرت الله نعمته ... وما أولاه من أرب
زكت عندي صنائعه ... فوفقني وأحسن بي
تخولني وخولني ... ونولني ونوه بي
وأخر من يقادمني ... وأعلاني وأرغم بي
فيا بأبي منائحه ... وقل لهن يا بأبي
ضفون على عطف علاً ... برفلٍ جد منشعب
فإن أصبح بلا نسبٍ ... فعلى في الورى نسبي
على أني أؤول إلى ... قرومٍ سادةٍ نجب
قياصرة إذا نطقوا ... أرم الدهر ذو الخطب
أولاك دعا النبي لهم ... كفى شرفاً دعاء نبي
وإما فاتني نشب ... كفاني ذاك من نشبي
وإن أركب مطا سفرٍ ... مجد الورد والقرب
فإني مخدل خلفاً ... يضاحي الشمس من كثب
إذا لم يبق لي عقب ... أقامت خير ما عقب
موشحةً مرشحةً ... لنل الغاي من كثب
يصم صدى الحسود لها ... ويخرق أطرق الركب
إذا اهتزت كتائبها ... هفت خفاقة العذب
أزول وذكرها باقٍ ... على الأيام والحقب
تناقلها الرواة لها ... على الأجفان من حدب
فيرتع في أزاهرها ... ملوك العجم والعرب
فمن مغن إلى مدنٍ ... إلى مثنٍ إلى طرب
كفاها أن يقول لها ... بها الدولة اقتربي
إلى الله المصير غداً ... وعند الله مطلبي
له ظهري وعتملي ... ومتجهي ومنقلبي
فقل للغامطي نعى ... وما راعيت من قربي
وتثميري وتنشئتى ... ومحتالي ومضطربي
ونهضي عنك أطعن في ... نحور أوابد النوب
ورفعي من رذائلك ال ... لواتي بعضها سببي
ولولا أنت كان أدي ... م مأثرتي بلا ندب
ألها أشرت وأن ... نزت بك بطنة الكلب
وأكرمك الأكابر لي ... وخالطت الأماثل بي
ورفعت الذلاذل عن ... معاطف تائهٍ حرب
وأنسيت الأوائل بال ... أواخر نزقة العجب
وقلت أنا وأين أنا ... ومن مثلي وحسبك بي؟
وقال لي الوزير هنا ... وأدناني ورحب بي
وقدمني ولقبني ... ووسطني وصدر بي
أسأت جوار عارفتي ... فتق بطوارق العقب
وحسبي أن ألم بكب ... ر مثلك جارحاً حسب
ولكن الدواء على ... كراهته شفا الوصب
حدث أبو الحسن الطرائفي ببغداد قال: كان أبو الفتح عثمان بن جنيٍ في حلب يحضر عند المتنبي الكثير، ويناظره في شيء من النحو من غير أن يقرأ عليه ديوان شعره إكباراً لنفسه عن ذلك وكان المتنبي يعجب بأبي الفتح وذكائه وحذقه، ويقول: هذا رجل لا يعرف قدره كثير من الناس، وسئل أبو الطيب بشيراز عن قوله:
وكان ابنا عدوٍ كاثراه ... له يأئي حروف أنيسيان
فقال: لو كان صديقنا أبو الفتح بن جنيٍ حاضراً فسره. قلت: وتفسيره أن لفظة إنسانٍ خمسة أحرفٍ إذا كانت مكبرةً، فإذا صغر قيل أنيسيان فزاد عدد حروفه وصغر معناه، فيقول للممدوح: إن عدوك الذي له إبنان فيكاثرك بهما كانا زائدين في عدده ناقصين من فضله وفخره، لأنهما ساقطان خسيسان كيائي أنيسيان تزيدان في عدد الحروف وتنقصان من معناه.

قرأت بخط الشيخ أبي منصور بن الجواليقي قال لنا أبو زكرياء: رأيت بخط ابن جنىٍ: أنبأنا أبو إسحاق إبراهيم بن أحمد القرميسيني عن أبي بكر محمد بن هارون اروياني عن أبي حاتم سهل بن محمد السجستاني قال: قرأ على أعراب (طيبي لهم وحسن مآبٍ)، فقلت: طوبى، فقال: طيبى، فقلت ثانياً: طوبى، فقال: طيبى، فلما طال علي قلت: طوطو، فقال الأعرابي: طى طى أما ترى إلى هذه النحيزة ما أبقاها وأشد محافظة هذا البدوي عليها، حتى إنه استسكره علي تركها فأبى إلا إخلاداً إليها. ونحو ذلك قال عمرو الكلبي: وقد أنشد بعض أهل الأدب:
بانت نعيمة والدنيا مفرقة ... وحال من دونها غيران مزعوج
فقيل له: لا يقال مزعوج، إنما يقال مزعج فجفا ذلك عليه، وقال يهجو النحويين:
ماذا لقينا من المستعربين ومن ... قياس نحوهم هذا الذي ابتدعوا
إن قلت قافيةً بكراً يكون بها ... بيت خلاف الذي قاسوه أو ذرعوا
قالوا لحنت وهذا ليس متصباً ... وذاك خفض وهذا ليس يرتفع
وخرصوا بين عبد الله من حمقٍ ... وبين زيدٍ فطال الضرب والوجع
كم بين قومٍ قد احتالوا لمنطقهم ... وبين قومٍ على إعرابهم طبعوا
ما كل قولي مشروحاً لكن فخذوا ... ما تعرفون وما لم تعرفوا فدعوا
لأن أرضي أرض لا تشب بها ... نار المجوس ولا تبني بها البيع
قال ابن جني: وعلى نحو ذلك، فخضرني قديماً بالموصل أعرابي عقيلي جوني تميمي، يقال له محمد بن العساف الشجري، وقلما رأيت بدوياً أفصح منه، فقلت له يوماً شغفاً بفصاحته، والتذاذاً بمطاولته، وجرياً على العادة معه في إيقاظ طبعه واقتداح زند فطنته: كيف تقول أكرم أخوك أباك، فقال: كذاك، فقلت له: أفتقول أكرم أخوك أبوك؟ فقال: لا أقول أبوك أبداً. فقلت: فكيف تقول أكرمني أبوك؟ فقال: كذاك، قلت: ألست تزعم أنك لا تقول أبوك أبداً؟ فقال: إيش هذا اختلفت جهتا الكلام، فهل قوله اختلفت جهتا الكلام إلا كقولنا نحن هو الآن فاعل، وكان في الأول مفعولاً، فانظر إلى قيام معاني هذا الأمر في أنفسهم وإن لم تقطع به عبارتهم.
أخبرني أبو عليٍ عن أبي بكرٍ عن أبي العباس قال: سمعت عمارة بن عقيل بن بلال بن جرير يقرأ (ولا الليل سابق النهار)، فقلت لك ما أردت؟ قال: أردت سابق النهار، فقلت له: فهلا قلته، فقال: لو قلته لكان أوزن أي أقوى وأفصح، ففي هذه الحكاية من فقه العربية ثلاثة أشياء: أحدها أنهم قد يراعون من معانيهم ما ننسبه إليهم ونحمله عليهم. والثاني أنهم قد ينطقون بالشيء وفي أنفسهم غيره، ألا ترى أنه لما نص أبو العباس عليه واستوضح ما عنده قال: أردت كذا، وهو خلاف ما لفظ به. والثالث أنهم قد ينطقون بالشيء وغيره أقوى منه استلانةً وتخفيفاً، ألا تراه كيف قال: لو قلته لكان أوزن أي أقوى وأعرب.
قال ابن جنىٍ: وسألت الشجري صاحبنا هذا الذي قد مضى ذكره قلت له: كيف يا أبا عبد الله تقول: اليوم كان زيد قائماً، فقال: كذلك، فقلت: فكيف تقول اليوم إن زيداً قائم، فإياها ألبتة، وذلك أن ما بعد إن لا يعمل فيما قبلها، لأنها إنما تأتي أبداً مستقبلة قاطعةً لما قبلها عما بعدها، وما بعدها عما قبلها. قلت له يوماً ولابن عمٍ له يقال له غصن، وكان أصغر منه سناً وألين لساناً، كيف تحقران حمراء؟ فقالا: حميراء قلت: فصفراء، قالا: صفيراء، قلت: فسوداء، قالا: سويداء، واستمررت بها في نحو هذا فلما استويا عليه دسست بين ذلك علباء فقلت: فعلباء فأسرع ابن عمه على طريقته فقال: عليباء، وكان الشجري يقولها معه، فلما هم بفتح الباء استرجع مستنكراً فقال: أه عليبي، وأشم الفتحة دائماً للحركة في الوقف وتلك عادة.

قال ابن جني: فسألته يوماً يا أيا عبد الله، كيف تجمع محرنجماً، وكان غرضي من ذلك أن أعلم ما يقوله، أيكسر فيقول حراجم، أم يصحح فيقول محرنجمات؟؟ فذهب هو مذهباً غير ذين فقال: وإيش فرقه حتى أجمعه وصدق، وذلك أن المحرنجم هو المجتمع يقولها مارا على شكيمته غير محسٍ لما أريده منه، والجماعة معي على غاية الاستغراب لفصاحته، قلت له: فدع هذا، إذا أنت مررت بإبلٍ محر نجمةٍ و أخرى محرنجمة وأخرى محرنجمةٍ تقول مررت بإبل ماذا؟ فقال وقد أحس الموضع: يا هذا هكذا أقول: مررت بإبل محرنجاتٍ وأقام على التصحيح ألبتة استيحاشاً من تكسير ذوات الأربعة لمصاقبها ذوات الخمسة التي لا سبيل إلى تكسيرها، لاسيما إذا كان فيها زيادة، والزيادة قد تعتد في كثير من المواضع اعتداد الأصول، حتى أنها لتلزم لزومها نحو كوكبٍ وحوشبٍ وضيون وهز نيران ودودرى وقرنفل، وهذا وضع يحتاج إلى إصغاء إليه وإرعاء عليه والوقت لتلاحمه وتقارب أجزائه مانع منه، ويعين الله فيما يليه على المعتقد المنوي فيه بقدرته. وسألته يوماً كيف تجع سرحاناً؟ فقال: سراحين، قلت: فدكانا، قال: دكاكين: قلت: فقرطاناً قال: قراطين، قلت: فعثمان قال: عثمانون، قلت: هلا قلت عثامين كما قلت سراحين وقراطين، فأباها البتة وقال: إيش ذا؟ أرأيت إنساناً يتكلم بما ليس من لغته؟ والله لا أقولها أبداً. استوحش من تكسير العلم إكثاراً له لاسيما وفيه الألف والنون اللتان بابهما فعلان الذي لا يجوز و فيه فعالين نحو سكران وغضبان.
فهرست كتب ابن جنىٍ، كتب ابن جنيٍ إجازة بما صورته: " بسم الله الرحمن الرحيم " : قد أجزت للشيخ أبي عبد الله الحسين بن أحمد بن نصرٍ - أدام الله عزه - أن يروي عني مصنفاتي وكتبي مما صححه وضبطه عليه أبو أحد عبد السلام بن الحسين البصري - أيد الله عزه - : عنده منها كتابي الموسوم بالخصائص وحجمه ألف ورقةٍ، وكتابي التام في تفسير أشعار هذيل مما أغفله أبو سعيد الحسن ابن الحسين السكري - رحمه الله - وحجمه خمسمائة ورقة بل يزيد على ذلك، وكتابي في سر الصناعة وهو ستمائة ورقةٍ، وكتابي في تفسير تصريف أبي عثمان بكر بن محمد ابن بقية المازني وحجمه خمسمائة ورقةٍ، وكتابي في شرح المقصور والممدود عن يعقوب بن إسحاق السكيت وحجمه أربعمائة ورقةٍ، وكتابي في تعاقب العربية وأطراف به وحجمه مائتا ورقةٍ، وكتابي في تفسير ديوان المتنبي الكبير وهو ألف ورقةٍ ونيف، وكتابي في تفسير معاني هذا الديوان وحجمه مائة ورقةٍ وخمسمون ورقةً، وكتابي اللمع في العربية وإن كان لطيفاً، وكذلك كتابي مختصر التصريف على إجماعه، وكتابي مختصر العروض والقوافي، وكتاب الألفاظ المهموزة، وكتابي في اسم المفعول المعتل العين من الثلاثي على إعرابه في معناه وهو المتقضب، وما بدأت بعمله من كتاب تفسير المذكر والمؤنث ليعقوب أيضاً - أعانه الله - على إتمامه، وكتاب ما خرج عني من تأييد المذكرة عن الشيخ أبي عليٍ - أدام الله عزه - وكتابي في المحاسن في العربية وإن كان ما جرى أزال يدي عنه حتى شذ عنها ومقداره ستمائة ورقةٍ، وكتابي النوادر الممتعة في العربية وحجمه ألف ورقةٍ وقد شذ أيضاً أصله عنى، فإن وقعا كلاهما أو شئ منهما فهو لاحق بما أجزت روايته هنا، وكتاب ما أحضرنيه الخاطر من المسائل المنثورة مما أمللته أو حصل في آخر تعاليقي عن نفسي وغير ذلك مما هذه حاله وصورته، فليرو - أدام الله عزه - ذلك عني أجمع إذا أصبح عنده وأنس بتثقيفه وتسديده، وما صح عنده - أيده الله - من جميع رواياتي مما سمعته من شيوخي - رحمهم الله - وقرأته عليهم بالعراق والموصل والشام وغير هذه البلاد التي أتيتها وأقمت بها مباركاً له فيه منفوعاً به بإذن الله، وكتب عثمان بن جنيٍ بيده حامداً سبحانه في آخر جمادى الآخرة من سنة أربعٍ وثمانين وثلاثمائةٍ: والحمد لله حق حمده عوداً على بدء. ومن كتبه ما لم تتضمنه هذه الإجازة: كتاب المحتسب في شرح الشواذ، وكتاب تفسير أرجوزة أبي نواس، وكتاب تفسير العلويات وهي أربع قصائد للشريف الرضى كل واحدةٍ في مجلدٍ، وهي قصيدة رثى بها أبا طاهر إبراهيم ابن نصر الدولة أولها.
ألق الرماح ربيعة بن نزار ... أودى الردى بقريعك المغوار
ومنها قصيدته التي رثى بها الصاحب بن عبادٍ وأولها:

أكذا المنون تقطر الأبطالا ... أكذا الزان يضعضع الأجيالا
وقصيدته التي رثى بها الصابئ أولها:
أعلمت من حملوا على الأعواد ... أرأيت كيف خبا زناد النادي
وكتاب البشرى والظفر صنعه لعضد الدولة ومقداره خمسون ورقةً في تفسير بيتٍ من شعر عضد الدولة.
أهلاً وسهلاً بذي البشرى ونوبتها ... وباشمال سرايانا على الظفر
وكتاب رسالةٍ في مد الأصوات ومقادير المدات كتبها إلى أبي إسحاق إبراهيم بن أحمد الطبري مقدارها ست عشرة ورقةً بخط ولده عالٍ: كتاب المذكر والمؤنث، كتاب المنتصف، كتاب مقدسات أبواب التصريف، وكتاب النقض على ابن وكيعٍ في شعر المتنبي وتخطئته، كتاب المغرب في شرح القوافي، كتاب الفصل بين الكلام الخاص والكلام العام، كتاب الوقف والابتداء كتاب الفرق، كتاب المعاني المجردة، كتاب الفائق، كتاب الخطيب، كتاب الأراجيز، كتاب ذي القد في النحو، وكتاب شرح الفصيح، وكتاب شرح الكافي في القوافي وجد على ظهر نسخةٍ ذكر ناسخها أنه وجده بخط أبي الفتح عثمان بن جنيٍ - رحمه الله - على ظهر نسخة كتاب المحتسب في علل شواذ القراءات.
أخبرني بعض من يعتادني للقراءة علي والأخد قال: رأيتك في منامي جالساً في مجلس لك على حال كذا وبصورة كذا، وذكر من الجلسة والشارة جميلاً، وإذا رجل له رواء ومنظر وظاهر نبلٍ وقدرٍ قد أتاك، فحين رأيته أعظمت مورده وأسرعت القيام له فجلس في مجلسك وقال لك: اجلس، فجلست فقال: كذا شيئاً ذكره، ثم قال لك: أتمم كتاب الشواذ الذي عملته فإنه كتاب يصل إلينا ثم نهض، فلما ولى سألت بعض من كان معه عنه فقال: علي ابن أبي طالب عليه السلام، ذكر هذا الرائي لهذه الرؤيا لي، وقد بقيت من نواحي هذا الكتاب أميكنة تحتاج إلى معاودة نظرٍ وأنا على الفراغ منها. وبعده ملحق في الحاشية بخطه أيضاً، ثم عاودتها فصحت بلطف الله ومشيئته، تمت الحكاية. وقرأت بخط الشيخ أبي الحسن على بن عبد الرحي السلمي: أنشدني الرئيس أبو منصور ابن دلال قال: أنشدنا أبو زكرياء يحيى بن علي التبريزي قال: أنشدني أبو العباس محمد بن الفضل بن محمد القصباني النحوي البصري بها لابن الزملدم الموصلي يهجو أبا الفتح ابن جنىٍ:
يا أبا الفتح قد أتيناك للتد ... ريس والعلم في فنائك رحب
فوجدنا فتاة بينك أنحى ... منك والنحو مؤثر مستحب
قدماها مرفوعة وهي خفض ... قلم الأير فاعل وهو نصب
مذهب خالفت شيوخك فيه ... فهي تصبى به الحليم وتصبو

عثمان بن ربيعة الأندلسي
ذكره الحميدي فقال: هو مؤلف كتاب طبقات الشعراء بالأندلس، مات قريباً من سنة عشر وثلاثمائةٍ.
عثمان بن سعيد بن عدي بن غزوان
ابن داود بن سابق المصري القفطي المعروف بورشٍ المقرئ، وقيل: هو عثمان بن سعيد بن عبد الله بن عمرو ابن سليمان بن إبراهيم القرشي مولىً لآل الزبير بن العوام وقفط بلد بصعيد مصر وأصله من القيروان، وقيل من ناحية إفريقية والأول أشهر، وأما كنيته فقيل: أبو سعيد، وقيل: أبو القاسم، وقيل: أبو عمرٍ، وأشهرها أبو سعيدٍ، وقيل: أبو القاسم، وقيل: أبو عمروٍ، وأشهرا أبو سعيد، مات فيما نقلناه من كتاب الحافظ أبي العلاء الهمذاني عن أبي سعيد عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الأعلى الصدفي المصري وأبي علي الحسن بن علي الأهوازي في سنة سبع وتسعين ومائةٍ في أيام المأمون الأهوازي خاصةً ومولده بمصر سنة عشرةٍ ومائةٍ في أيام هشام ابن عبد الملك، وقرأ على نافعٍ في سنة خمسٍ وخمسين ومائة في أيام المنصور، ومات وعمره سبع وثمانون سنة، وأما تلقيبه بورشٍ فقيل: إنما لقب به لأنه كان في حداثة سنة رآساً ثم إنه اشتغل بقراءة القرآن وتعلم العربية، ورحل إلى المدينة فقرأ بها على نافعٍ القرآن، وكان أزرق أبيض اللون قصيراً ذا كدنةٍ، وكان نافع يلقبه بالورشان وهو طائر معروف، لأنه كان على قصره يلبس ثياباً قصاراً فكان إذ مشى بدت رجلاه مع اختلاف ألوانه، وكان نافع يقول له: اقرأ يا ورشان وابن الورشان، ثم خفف فقيل: ورش، ولزمه ذلك حتى صار لا يعرف إلا به، وقيل: إن الورش شيء يصنع من اللبن لقب به لبياضه:

وحدث الحافظ بإسناده ورفعه إلى محمد بن سلمة العثماني قال: قلت لأبي سلمة، أكان بينك وبين ورش مودة؟ قال: نعم؟ قلت: كيف كان يقرأ ورش على نافعٍ؟ قال: قال لي ورش خرجت من مصر إلى المدينة لأقرأ على نافع فإذا هو لا يطاق القراءة عليه من كثرة أبناء المهاجرين والأنصار، وإنما يقرأ ثلاثين آية، فجلست خلف الحلقة فقلت لإنسان: من أكبر الناس عند نافع؟ فقال: كبير الجعفريين قال: قلت فكيف لي به؟ وقال: أنا أجيء معك إلى منزله، فقام الرجل معي حتى جاء إلى منزل الجعفري فدق الباب، فخرج إلينا شيخ تام من الرجال، قال: فقلت - أعزك الله - أنا رجل من مصر جئت لأقرأ على نافع فلم أصل إليه، وأخبرت أنك من أصدق الناس له، وأنا أريد أن تكون الوسيلة إليه، فقال: نعم وكرامةً، وأخذ طيلسانه ومضى معنا إلى منزل نافعٍ، وكان نافع له كنيتان، كان يكنى بأبي رويم وأبي عبد الله، فبأيتهما نودي أجاب، فقال له الجعفري: إن هذا وسلني إليك، جاءك من مصر ليقرأ عليك، ليس معه تجارة ولا جاء لحجٍ إنما جاء للقراءة خاصةً، فقال لصديقه الجعفري: أفلا ترى ما ألقى من ولد المهاجرين والأنصار؟ قال: فقال له صديقه تحتال له، فقال لي نافع: يمكنك أن تبيت في المسجد؟ قال: قلت: نعم، إنما أنا إنسان غريب، قال: فبت في المسجد، فلما كان الفجر تقاطر الناس ثم قالوا: قد جاء نافع، فلما أن قعد قال: ما فعل الغريب؟ قال: قلت هاأنا - رحمك الله - قال: أبت في المسجد؟ قلت: نعم، قال: فأنت أولى بالقراءة، قال: وكنت مع ذلك حسن الصوت مداداً به، قال: فاستفتحت فملأ صوتي مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرأت ثلاثين آية فأشار لي بيده أن اسكت، فقام إليه شاب من الحلقة فقال: يا معلم - أعزك الله - نحن معك وهذا رجل غريب، وإنما رحل للقراءة عليك، وأنت تقرئ ثلاثين آيةً وأنا أحب - أعزك الله - أن نجعل لي فيه نصيباً، فقد وهبت له عشراً وأقتصر أنا على عشرين، وكان ذلك ابن كبير المهاجرين فقال له: نعم وكرامة ثم قال: اقرأ فقرأت عشراً، ثم أومأ إلي بيده بالسكوت فسكت، فقام إليه فتى آخر فقال: يا معلم - أعزك الله - إني أحب أن أهب لهذا الرجل الغريب عشراً وأقتصر على عشرين، فقد تفضل عليه ابن كبير المهاجرين وأنت تعلم أني ابن كبير الأنصار، فأحببت أن يكون له أيضاً مثل ماله من الثواب، قال لي: اقرأ، فلما أن قرأت خمسين آيةً، قعدت حتى لم يبق أحد ممن له قراءة إلا قال لي اقرا، فأقرأ في خمسين، فما زلت أقرأ عليه خمسين في خمسين حتى قرأت عليه ختمات قيل أن أخرج من المدينة.

عثمان بن سعيد بن عثمان الأندلسي
أبو عمرو المقرئ، يعرف بابن الصيرفي، ذكره الحميدي فقال: محدث مكثر، ومقرئ مقدم. سمع بالأندلس محمد بن عبد الله بن أبي زمنينٍ الإلبيري وغيره. ورحل إلى المشرق قبل الأربعمائة فسمع خلفاً، وطلب علم القراءات، وقرأ وسمع الكثير، وعاد إلى الأندلس فتصدر للقراءات، وألف بها تواليف معروفةً، ونظمها في أرجوزةٍ مشهورةٍ، ومات في شوالٍ سنة أربعٍ وأربعين وأربعمائةٍ بدانية من بلاد الأندلس، ومن مذكور شعره:
قد قلت إذ ذكروا حال الزمان وما ... جرى على كل من يعزي إلى الأدب
لاشيء أبلغ من ذلٍ يجرعه ... أهل الخساسة أهل الدين والحسب
القائمين بما جاء الرسول به ... والمبغضين لأهل الزيغ والريب
وله كتب منها: كتاب التيسير في القراءات السبع، وكتاب الاقتصاد في القراءات السبع.
عثمان بن سعيد بن عثمان

أبو عمروٍ الداني المقرئ. قرأت في فوائد أحمد بن سلفة المنقولة من الداني بالإسكندرية من خطه ما صورته: قرأت على أبي عبد الله محمد بن الحسن بن سعيدٍ المقرئ الداني بالإسكندرية، عن أبي داود سليمان بن نجاح المقرئ المؤيدي قال: كتبت من خط أستاذي أبي عمروٍ عثمان بن سعيد بن عثمان المقرئ بعد سؤالي عن مولده يقول: عثمان بن سعيد بن عثمان بن سعيد بن عمر الأموي القرطبي الصيرفي: أخبرني أبي أني ولدت في سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائةً، وابتدأت في طلب العلم سنة ستٍ وثمانين، وتوفي أبي في سنة ثلاثٍ وتسعين في جمادى الأولى، فرحلت إلى المشرق في اليوم الثاني من المحرم يوم الأحد في سنة سبعٍ وتسعين ومكثت بالقيروان أربعة أشهرٍ، ولقيت جماعةً وكتبت عنهم، ثم توجهت إلى مصر ودخلتها اليوم الثاني من الفطر من العام المؤرخ، ومكثت بها باقي العام والعام الثاني، وهو عام ثمانية إلى حين خروج الناس إلى مكة، وقرأت بها القرآن، وكتبت الحديث والفقه والقراءات وغير ذلك عن جماعةٍ من المصريين والبغداديين والشاميين وغيرهم، ثم توجهت إلى مكة وحججت وكتبت بها عن أبي العباس أحمد البخاري، وعن أبي الحسن بن فراسٍ ثم انصرفت إلى مصر ومكثت بها شهراً، ثم انصرفت إلى المغرب ومكثت بالقيروان أشهراً، ووصلت إلى الأندلس أول الفتنة بعد قيام البرابر على ابن عبد الجبار بستة أيامٍ في ذي القعدة سنة إحدى وتسعين، ومكثت بقرطبة إلى سنة ثلاث وأربعمائة، وخرجت منها إلى الثغر فسكنت سرقسطة سبعة أعوام، ثم خرجت منها إلى الوطة، ودخلت دانية سنة تسع وأربعمائة، ومضيت منها إلى ميورقة في تلك السنة نفسها فسكنتها ثمانية أعوامٍ، ثم انصرفت إلى دانية سنة سبعة عشر وأربعمائة، وقال أبو داود: وتوفي - رضي الله عنه - يوم الاثنين للنصف من شوالٍ سنة أربع وأربعين وأربعمائة، ودفن بالمقبرة عند باب إندارة وقد بلغ اثنتين وسبعين سنةً.

عثمان بن عبد الله بن إبراهيم بن محمد
أبو عمرو الطرسوسي الكاتب القاضي، كان من الأدباء الفضلاء، رأيت بخطه الكثير من كتب الأدب والشعر وجمع شعر جماعة من أهل عصره، منهم أبو العباس الصقري وأبو العباس الناشئ وغيرهما من شعراء سيف الدولة وابنه شريفٍ، وصنف كتباً منها: كتاب في أخبار الحجاب وكان متقن الخط سريع الكتابة، وولي القضاء بمعرة النعمان، وسمع الحديث الكثير ورواه، فسمع بدمشق أبا عليٍ محمد بن أحمد بن آدم الفزاري وأبا هاشم عبد الجبار ابن عبد الصمد السلمي، وبطرابلس خشيمة بن سليمان وبطرسوس أبا عبد الله محمد بن عيسى التميمي البغدادي المعروف بابن العلاف، وأبا بكر بن محمد بن سعيد ابن الشفق، وأبا الحسن أحمد بن محمد بن سلام الطرسوسي، والقاضيين أبا عران موسى بن القاسم الأشيب، وأبا العباس أحمد بن أبي بكر الطبري المعروف بالقاص، وأبا الفرج ابن أحمد بن القاسم البغدادي الخشاب الحافظ، وجماعة غير هؤلاء كثيرةً. وسمع منه أبو حصين عبد الله بن محسن ابن عبد الله بن حسن بن عمروٍ المعرى، وعبد الرحمن بن محمد بن الحسين الكفرطابي، وأبو علي الأهوازي والقاضي أبو الفضل بن السعدي.
قال أبو القاسم الدمشقي: قرأت على أبي القاسم نصر ابن أحمد بن مقاتل عن سهل بن بشر قال: سمعت القاضي أبا الفضل محمد بن أحمد بن عيسي السعدي يقول: توفي شيخنا أبو الحسين بن جميعٍ في رجبٍ سنة اثنتين وأربعمائة، وتوفي شيخنا عثمان الطرسوسي القاضي بكفر طاب قبله بسنة أو نحوها.
عثمان بن علي بن عمر السرقوسي
النحوي الصقلي أبو عمروٍ. قال السلفي: كان من العلم بمكانٍ، نحوٍ أو لغةٍ، وقرأ القرآن على ابن الفحام وابن بليمة وغيرها. وله تواليف في القراءات والنحو والعروض، وصارت له في جامع مصر حلقة للإقراء وانتفع به، ولا زمني مدة مقامي بمصر، وقرأ علي كثيراً وعلى من كنت أقرا عليه كأبي صادق وابن بركاتٍ والفراء الموصلي وأنشد لنفسه:
إن المشيب من الخطوب خطيب ... ألا هوى بعد الشباب يطيب
أبيات غير جيدةٍ. قال أحمد بن سلفة: كتبت إلى المقرئ أبي عمروٍ عثمان بن علي بن عمر الصقلي الأنصاري بالإسكندرية كتاباً يشتمل على نظم ونثر من جملته:
ما وقعت عيني على مثله ... في فضله الوافي وفي نبله
وليس بدعاً مثل أخلاقه ... منه وممن كان في شكله

فإنه من عنصرٍ طيبٍ ... ويرجع الفرع إلى أصله
فأجاب بهذه الورقة: وقفت على ما تفضلت به حضرته وانتهت إليه من الآداب همته، فمن نثر رأيت العلم مضمونه، والدر مكنونه، والحكمة قرينه. ومن نظم كانت الفصاحة يمينه، وفصل الخطاب عرنينه. وود فصيح الكلام أن يكونه، وأحيا القلوب وكشف لها المحجوب، من كل حكمةٍ لم تكن لتصل إليه لولاه، وسحر بلاغةٍ له منحه إياها الله. فقلت والخاطر لسفري خاطر، وماء مزني بعد شآبيبه قاطر:
توجني مولاي من قوله ... تاجاً علا التيجان من قبله
لأنها تبلى وهذا إذا ... مرت به الأيام لم تبله
فنثره الإكليل في فرعه ... ونظمه الجوهر من أصله
وهو فقيه حافظ في الورى ... مهذب يجري على رسله
كلا وأما إن جرى فالورى ... عذارهم ما كان من سيله
فعلمه يشتق من لفظه ... ولفظه يشتق من فضله
تكاملت أوصافه كلها ... ومثله من كان من مثله
وما أنا إلا كمهدٍ إلى ... بغداد والبصرة من نخله
وأما ما ذكرت - حرسها الله تعالى - من كتاب الهدى لأولي النهى في المشهور من القراءات وما تضمن من الروايات:
فلو تفرغت إلى نقله ... أو كان عندي الأم من شكله
عذري إلى مولاي أني امرؤ ... مسافر والشغل من فعله
لكل من بعضه شاغل ... وبعضه المشغول من كله
وأما ما يتعلق ببيت الأحوص من كلامٍ، وما قلت فيه من نثر ونظامٍ، فأنا آتي إليها، وأتلوه لديها، والله يديم النعمة عليها.

عثمان بن علي بن عمر الخزرجي الصقلي
أبو عمروٍ النحوي، روى عنه الحافظ، أبو طاهر أحمد ابن محمد بن أحمد السلفي، وأبو محمد بن بريٍ النحوي، وأبو البقى صالح بن عادىٍ العذري الأنماطي المصري نزيل فقط وقال: أنشدني أبو عمروٍ عثمان بن علي الصقلي لنفسه:
هين علها أن ترى الصبا ... يتجرع الأوصاب والكربا
من لم يصد بتكلفٍ قنصاً ... وتعمدٍ للصيد لم يعبا
لا تعتني يا هذه بفتىً ... أخذت جفونك قلبه غصبا
أو ما علمت بأنه رجل ... لما دعاه هواكم لبا؟
وقال في مختصر العمدة وقد ذكر قول الشماخ:
إذا بلغتني وحملت رحلى
وما ناقضه به أبو نواسٍ من قوله:
أقول لناقتي إذ بلغتني ... لقد أصبحت مني باليمين
فلم أجعلك للغربان نحلاً ... ولا قلت أشرقي بدم الوتين
وذكر غير ذلك من هذا الباب ثم قال: ولي قصيدة أولها:
رحلت فعلمت الفؤاد رحيلا ... وبكت فصيرت الأسيل مسيلا
وحدا بها حادٍ حدا بي للنوى ... لكن منا قاتلاً وقتيلا
وإذا الحبيب أراد قتل محبه ... جعل الفراق إلى الممات سبيلا
أذكر فيها خطابي الناقة، واحترست مما يؤخذ على الشماخ بأخذٍ من مذهب أبي نواسٍ:
وإذا بلغت المرتضى فتسيبى ... إذ ليس يحوجني أسوم رحيلا
والمرتضى يحيى بن تميم بن المعز بن باديس، وله كتاب مختصر في القوافي، رواه عنه السلفي في سنة سبع عشرة وخمسمائةٍ، وله كتاب مخارج الحروف مختصر أيضاً، وكتاب مختصر العمدة لابن رشيقٍ، وكتاب شرح الإيضاح. وقال عثمان الصقلي في مختصره للعمدة وقد ذكر السرقات فقال لي من قصيدةٍ أولها: نقلتها من خطه، وقد أعلم عليه، وهي علامة لنفسه:
دمع رأى برق الحمى فتحدرا ... وجوى ذكرت له الحمى فتسعرا
لو لم يكن هجر لما عذب الهوى ... أنا أشتهي من هاجري أن يهجرا
بيني وبين الحب نسبة عنصر ... فمتى وصلت وصلت ذاك العنصرا
قال: ثم وجدت للموصلي:
إذا لم يكن في الحب سخط ولا رضاً ... فأين حلاوات الرسائل والكتب
قال: والله در القائل:
بنى الحب على الجوز فلو ... أنصف المحبوب فيه لمسج
ليس يستحسن في دين الهوى ... عاشق يحسن تلفيق الحجج

ومما ذكره الصقلي لنفسسه في هذا الكتاب أيضاً وقد ذكر المواردة قال: وهو ما ادعى في شعر امرئ القيس وطرفة من كونهما لم يفرق بين بيتيهما إلا بالقافية قال امرؤ القيس تجمل، وقال طرفة تجلد. قال الصقلي: وأعجب من ذلك أني صنعت قصيدةً أولها:
يهون عليها أن أبيت متيما ... وأصبح مخزوناً وأضحى مغرما
ومنها:
صلى مدنفاً أو واعديه وأخلفي ... فقد يترجى الآل من شفه الظما
ضمان على عينيك قتلي وإنما ... ضمان على عيني أن تبكيا دما
ليفدك ما أسأرت مني فإنها ... حشاشة صب أزمعت أن تصرما
قال: ثم قرأت بعد ديوان البحتري فوجدت معظم هذه الألفاظ مبددةً فيه قال: فإذا كانت أكثر المعاني يشترك فيها الناس حتى قطع ابن قتيبة أن قوله تعالى: (يريد أن ينقض)، لا يعبر عنه إلا بهذه العبارة ونحوها فغير مستنكرٍ أن يشتركوا وتتفق ألفاظهم في العبارة عنها، ولكن أبى المولدون إلا أنها سرقة. قلت: لو قال في موضع أضحى من البيت الأول أمسى كان أجود ليقابل به أصبح ولو قال في البيت الثاني وقد يشتفي بالآل من شفه الظما كان أحسن في الصنعة وأجود.

عثمان بن عيسى البلطي
بن منصور، ابن محمد البلطي أبو الفتح النحوي هكذا ينسبونه، وهو من بلط التي تقارب الموصل، ذكره العماد في كتاب الخريدة فقال: انتقل إلى الشام وأقام بدمشق برهةً تردد إلى الزبداني للتعليم، فلما فتحت مصر انتقل إليها فحظي بها، ورتب له صلاح الدين يوسف بن أيوب على جامع مصر جارياً يقرئ به النحو والقرآن حتى مات بها لعشرٍ بقين من صفرٍ سنة تسعٍ وتسعين وخمسمائةٍ، وهي آخر سني الغلا الشديد بمصر، لأن أولها كان في أواخر سنة ستٍ وأشدها في سنة سبعٍ وأخفها سنة تسعٍ، وبقي البلطي في بيته ميتاً ثلاثة أيام لا يعلم به أحد لاشتغالهم بأنفسهم عنه وعن غيره، وكان يحب الانفراد والوحدة، ولم يكن له من يخبر بوفاته، وكان قد أخذ النحو عن أبي نزارٍ وأبي محمد سعيد بن المبارك بن الدهان.
وقال المؤلف: لم يذكر العماد وفاته، وإنما أخبرني بوفاته وما بعده الشريف أبو جعفرٍ محمد بن عبد العزيز بن أبي القاسم بن عمر بن سليمان بن الحسن ابن ادريس بن يحيى العالي بن علي المعتلي - وهو الخارج بالمغرب، والمستولي على بلاد الأندلس - ابن حمود بن سيمون بن أحمد بن عمر بن إدريس بن إدريس بن عبد الله ابن الحسن بن علي بن أبي طالبٍ عليه السلام.
وأخبرني الشريف المذكور وكان من تلامذته قال: كان البلطي رجلاً طوالاً جسيماً طويل اللحية واسع الجبهة أحمر اللون، يعتم بعمةٍ كبيرةٍ جداً ويتطلس بطيلسان لا على زي المصريين، بل يلقيه على عمامته ويرسله من غير أن يديره على رقبته، وكان يلبس في الصيف المبطنة والثياب الكثيرة، حتى يرى كأنه عدل عظيم، وكان إذا دخل فصل الشتاء اختفى حتى لا يكاد يظهر، وكان يقال له: أنت في الشتاء من حشرات الأرض، وكان إذا دخل الحمام يدخل إلى داخله وعلى رأسه مزدوجة مبطنة بقطنٍ، فإذا حصل عند الحوض الذي فيه الماء الحار كشف رأسه بيده الواحدة وصب على رأسه الماء الحار الشديد الحرارة بيده الأخرى، ثم يغطيه إلى أن يملأ السطل ثم يكشفه ويصب عليه ثم يغطيه يفعل ذلك مراراً، فإذا قيل له في ذلك قال: أخاف من الهواء. قال الإدريسي: هذه كانت حاله في هيئته وسمته، فأما علمه: فكان عالماً إماماً نحوياً لغوياً أخبارياً مؤرخاً شاعراً عروضياً، قلما سئل عن شئ من العلوم الأدبية إلا وأحسن القيام بها، وكان يخلط المذهبين في النحو، وحسن القيام بأصولهما وفروعهما، وكان مع ذلك خليعاً ماجناً شريباً للخمر منهمكاً في اللذات.
قال الشريف الإدريسي: فحدثني الفقيه ابن أبي المالك قال: خرجت إلى بعض المتنزهات بضواحي مصر، فلقيت البلطي مع جماعة من أهل الخلاعة، ومطرب يغنيهم ببعض الملاهي، وهو ثمل يتمايل سكراً، فتقدمت إليه وكانت بيني وبينه مباسطة، تقضي ذلك، فقلت له: يا شيخ، أما آن لك أن ترعوى، وتقلع عن هذه الرذائل مع تقدمك في العلم وفضلك، فنظر إلى شزراً ولم يكترث بقولي، وأنشدني بعد ما نثر يده من يدي شعر أبي نواسٍ:
كفيت الصبي من لا يهش إلى الصبي ... وجمعت منه ما أضاع مضيع
لعمرك ما فرطت في جنب لذةٍ ... ولا قلت للخمار كيف تبيع؟

وحدثني الإدريسي. قال: ومن نوادره ما أخبرني به صاحبنا الفقيه أبو الجود ندى بن عبد الغني الحنفي الأنصاري قال: حضر يوماً عند البلطي بعض المطربين المحسنين فغناه صوتاً أطربه به، فبكى البلطي فبكى المطرب، فقال له البلطي: أما أنا فأبكى من استفزاز الطرب، وأنت ما أبكاك؟ فقال له: تذكرت والدي فإن كان إذا سمع هذا الصوت بكى؟ فقال له البلطي: فأنت والله إذا ابن أخي، وخرج فاشهد على نفسه جماعةً من عدول مصر بأنه ابن أخيه ولا وارث له سواه، ولم يزل يعرف بابن أخي البلطي إلى أن فرق الدهر بينهما، وللبلطي من التصانيف: كتاب العروض الكبير في نحو ثلاثمائة ورقةٍ، كتاب العروض الصغير، كتاب العظات الموقظات، كتاب النير في العربية، كتاب أخبار المتنبيء، كتاب المستزاد على المستجاد من فعلات الأجواد، كتاب علم أشكال الخط، كتاب التصحيف والتحريف، كتاب تعليل المبادات. قال العماد في كتاب الخريدة: وللبلطي موشحة عملها في القاضي الفاضل بديعة مليحة، سلك فيها طريق المغاربة وحافظ فيها على أحرف الغين والضاد والذال والظاء، وصرع التوشيح وهى:
ويلاه من رواغ ... بجوره يقضي
ظبي بني يزداد ... منه الجفا حظي
قد زاد وسواسي ... مذ زاد في التيه
لم يلق في الناس ... ما أنا لاقيه
من قيم قاسي؟ ... بالهجر يغريه
أروم إيناسي ... به ويثنيه
إذا وصال ساغ ... بقربه يرضى
أبعده الأستاذ ... لا حيط بالحفظ
وكل ذا الوجد ... بطول إبراقه
مضرج الخد ... من دم عشاقه
مصارع الأسد ... فى لحظ أحداقه
لو كان ذا ودٍ ... رق لعشاقه
شيطانه الناغ ... علمه بغضي
واستحوذ استحواذ ... بقلبه القظ
دع ذكره واذكر ... خلاصة المجد
الفاضل الأشهر ... بالعلم والزهد
والطاهر المنرر ... والصادق الوعد
وكيثف لا أشكر ... مولى له عندي
نعمى لها إسباغ ... صائنةً عرضي
من كف كاسٍ غاذ ... والدهر ذو عظ
منة مستبقى ... ضاق به ذرعي
قد أفحمت نطقى ... واستنفدت وسعى
وملكت رقى ... مكمل الصنع
دافع عن رزقي ... في موطن الدفع
لما سعى إيتاغ ... دهري في دحضي
أنقذني إنقاذ ... من همه حفظي
ذو المنطق الصائب ... في حومة الفصل
ذكاؤه التاقب ... يجل عن مثل
فهو الفتى الغالب ... كان ذوي النبل
من عمرو والصاحب ... ومن أبو الفضل؟
لا يستوي الأفراغ ... بواحد الأرض
أين من الأزاذ ... نفاية المظ
يا أيها الصدر ... فت الورى وصفا
قد مسني الضر ... والحال ما تخفى
وعبدك الدهر ... يسومني الخسفا
وليس لي عذر ... ما دمت لي كهفا
من صرف دهر طاغ ... أني له أغضى؟
من بك أمسى عاذ ... لم يخشى من بهظ
قد كنت ذا إنفاق ... أيام ميسوري
فعيل لما ضاق ... رزقي تدبيري
والعسر بي حاق ... عقيب تبذيري
يا قاسم الأرزاق ... فارث لتقتيري
لا زلت كهف الباغ ... ودمت في حفظ
أمرك للإنفاذ ... والسعد في لظ
ومن جيد شعر البلطي:
دعوه على ضعفي يجور ويشنط ... فما بيدي حل لذاك ولا ربط
ولا تعتبوه فالعتاب يزيده ... ملالاً وأنى لي اصطبار إذا يسطو
فما الوعظ فيه والعتاب بنافعٍ ... وإن يشرط الإنسان لا ينفع الشرط

ولما تولى معرضاً بجنابة ... وبان لنا منه الإساءة والسخط
بكيت دماً لو كان ينفعني البكا ... ومزقت ثوب الصبر لو نفع العط
تنازعت الآرام والدر والمها ... لها شبهاً والغصن والبدر والسقط
فللرئم منه اللحظ واللون والظلى ... وللدر منه اللفظ والثغر والخط
وللغصن منه القد والبدر وجهه ... وعين المها عين بها أبداً يسطو
وللسقط منه ردفه فإذا مشى ... بدا خلقه كالموج يعلو وينحط
قال العماد الكاتب: وأنشدني البلطي لنفسه:
حكمته ظالماً في مهجتي فسطا ... وكان ذلك جهلاً شبته بخطا
هلا تجنبته والظلم شيمته ... ولا أ سأم به خسفاً ولا شططا
ومن أضل هدى ممن رأى لهباً ... فخاض فيه وألقى نفسه وسطاً؟
ويلاه من تائه أفعاله صلف ... ملون كلما أرضيته سخطا
أبثه ولهاً صدقاً ويكذبني ... وعداً وأقسط عدلاً كلما قسطا
وله في القاضي الفاضل وكان قد أسدى إليه معروفاً من قصيدةٍ:
لله عبد رحيم ... يدعى بعبد الرحيم
على سراطٍ سوي ... من الهدى المستقيم
نسك ابن مريم عيسى ... وهدى موسى الكليم
رأى التهجد أنسا ... في جنح ليلٍ بهيم
مسهد الطرف يتلو ... آي القرآن العظيم
ومن أطبع ما قاله في طبيبٍ وكان ابن عمه:
لي ابن عمٍ حوى الجهالة لل ... حكمة أضحى يطب في البلد
قد اقتفى مذ نشا به ملك ال ... موت فما إن يبقى على أحد
يجس نبض المريض منه يد ... أسلم منها براثن الأسد
يقول لي الناس خله عضداً ... يا ليتني أبقى بلا عضد
ومن شعره في غلامٍ أعرج:
أنا يا مشتكي القزل ... منك في قلبي الشعل
أصبح الجسم ناحلاً ... بك والقلب مشتغل
دلني قد عدمت صب ... ري وضاقت بي الحيل
آن أن تجفو الجفا ... ء وأن تملل الملل
وقال عثمان بن عيسى بن منصورٍ البلطي وسئل أن يعمل على وزن بيتي الحريري اللذين وصفهما فقال:
أسكتا كل نافثٍ، ... وأمنا أن يعززا بثالثٍ
وهو:
سم سمةً نحمد آثارها ... واشكر لمن أعطى ولو سمسمه
فقال:
محلمة العاقل عن ذي الخنا ... توقظه إن كان في محلمه
مكلمةً الخائض في جهله ... لقلب من يردعه مكلمة
مهدمة العمر لحرٍ إذا ... أصبح بين الناس ذا مهدمة
محرمة الملحف أولى به ... إياك أن ترعى له محرمه
مسلمة يمنعها غاصب ... حقا فأمسى جوره مسلمه
مظلمة يفعلها صامداً ... تلقيه يوم الحشر في مظلمه
أعلمه الحسن فيا ليت من ... أغراه بي أعلمه
من دمه أهدره الحب لا ... غرو إذا حلت به مندمه
أسلمه الحب إلى هلكه ... فإن نجا منه فما أسلمه
أشأمه البين وقد أعرقوا ... أفٍ لهذا البين ما أشأمه
مكتمة الأحزان في أدمعي ... يبدو نضول الشيب من مكتمه
محرمة الدهر أفيقي ففي ... ذرا جمال الدين لي محرمه
مقسمة الأرزاق في كفه ... أبلج زانت وجهه مقسمه
وهي خمسون بيتاً هذا نموذجها، وقال على أمثال أبيات الحريري التي أولها:
آس أرملاً إذا عرا ... وارع إذا المرء أسا
فقال:
إسع لإبقاء سنا ... أنسأ قباً لعسا
النساء: الشرف وقصره ضرورةً. أنسأ: أخر. القب: الضوامر البطون. واللعس: العذبات الأرياق. أي أخر عن محبة هذا الشرف هذه النسوة الموصوفات.
أسخ بمولىً عرد ... درعاه لؤم بخسا
المولى ابن العم
أسدٍ ندى عفٍ فما ... من يعود ندسا
أسد: أعط، والندس: الجميل الأخلاق.

إسمح بصد ناعمٍ ... معاندٍ صبح ما
يقول: إذا كان لك حبيب ناعم حسن وكان كثير الخلاف فلتسمح نفسك به وبالبعد عنه.
أسمر تيمك ايئس ... إياس ميتٍ رمسا
يقول: بلغ من حالك أن تترك الأسمر إذ لو كان غير الأسمر كنت معذوراً كأنه يستقبح السمر، أي ايئس منه إياساً وعده ميتاً في رمسه وسكن تيمك ضرورةً كقوله:
شكونا إليه خراب القرى ... فحرم علينا لحوم البقر
وله أبيات يحسن في قوافيها الرفع والنصب والخفض:
إني امرؤ لايصطبي ... ني الشادن الحسن القوام ما
رفع القوام بالحسن لأنه صفة مشبهة باسم الفاعل والتقدير الحسن قوامه، كما يقول: مررت بالرجل الحسن وجهه ونصبه على الشبه بالمفعول به، وخفضه بالإضافة:
فارقت شرة عيشتي ... أن فارقتني والعرام ما
رفع العرام لأنه عطف على الضمير في فارقتني، ونصبه عطفاً على شرة، وخفضه عطفاً على عيشتي:
لا أستلذ بقينةٍ ... تشدو لدي ولا غلام ما
رفعة عطفاً على الضمير في تشدو، ونصبه بلاد، وخفضه عطفاً على قينةٍ
ذو الحزن ليس يسره ... طيب الأغاني والمدام ما
رفعه عطفاً على طيب، ونصبه بأن نجعل الواو بمعنى مع، وخفضه عطفاً على الأغاني:
أمسى بدمعٍ سافحٍ ... في الخد منسكبٍ سجام ما
رفع بإضمار هو، ونصبه بإضمار فعلٍ، وجره نعتاً للدمع:
ثم أرى في بثه ... ذلاً وملء لجام ما
ملء فمي لجام مبتدأ وخبر، ونصبه بإضمار أرى، دلت عليه أرى الأولى، وجره بالإضافة:
قدر علي محتم ... من فوق يأتي أو أمام ما
مبني علي الضم، ونصبه بجعله نكرةً ويكون ظرفاً، وجره بالإضافة:
لا يستفيق القلب من ... كمد لاقى أو غرام ما
غرام خبر مبتدأ محذوف، والنصب جعله مفعولا، ليلافي، وخفضه عطفاً على كمدٍ:
كم حاسدين معاندي ... ن عدوا على وكم لئام ما
كم تنصب وتخفض، ورفع كأنه قال: مر وعدا على لئام:
إني أرى العيش الخمو ... ل، وصحبة الأشرار ذام ما
صحبة الأشرار ذام مبتدأ وخبر، ويجوز نصبها عطفاً على ما تقدم:
في غفلةٍ أيقاظهم ... عن سؤددٍ بله النيام ما
بله لفظة معناها دع، ويكون بمعنى كيف، ويرتفع ما بعدها ويكون كالمصدر فيخفض بها، والنصب لأنها بمعنى دع:
رب امرئ عاينته ... لهجاً بسبي مستهام ما
مستهام منصور بعاينته، ورفعه على موضع رب، لأن رب وما يدخل عليه في موضع رفعٍ، وخفضه تبعاً لامرئ:
عين العدو غدوت مض ... سطراً بصحبته أسام ما
أسامي: أفاعل من المساماة، وأسام: أتكلف من قوله: سمته الخسف، وأسام أفاعل من المساماة أيضاً
مالي وللحمق الأتي ... م الجاهل الفدم ألعبان ما
رفعه بإضمار مبدأ، ونصبه بإضمار أعنى:
إن المموه عند قد ... م الناس يعلو والطغاة ما
رفعه عطفاً على موضع إن، ونصبه عطفاً على المملوء، وخفضه عطفاً على قدم:
وأعيش فيهم إذ بلو ... تهم وقد جهلوا الأنام ما
الرفع على البدل من الواو في جهلوا، ويكون فاعلاً في لغة من قال أكلوني البراغيث، ونصبه على البدل من الضمير في بلوتهم، وجره بدلاً من الهاء في فيهم:
حتى متى شكوى أخي الل ... يث الكثيب المستضام ما
رفعه بتقدير أن يشكو المستضام لأن شكوى مصدر وأخي البث في موضع رفع المستضام، ورفع أخي البث على الموضع، ونصبه على أن يكون مشكواً، وخفضه نعتاً للكئيب:
ما من جوىً إلا تض ... منه فؤادي أو سقام ما
رفعه عطفاً على موضع من جوى، وجره على لفظة جوى، ونصبه عطفاً على الضمير في تضمنه:
ليس الحياة شهيةً ... لي في الشقاء ولا مرام ما
رفعه بلا، ونصبه بلا أيضاً، وجره بالعطف على شهيةً بتقدير الباء، كأنه قال بشهيةٍ كما أنشد سيبويه:
مشائم ليسوا مصلحين عشيرةً ... ولا ناعبٍ إلا ببينٍ غرابها
وكرهت في الدنيا البقا ... ء، وقد تنكد والمقام ما
رفع على الضمير في تنكد، ونصه عطفاً على البقاء، وجره بالقسم:

ما في الورى من مكرم ... لذوي العلوم ولا كرام ما
جره على لفظ مكرمٍ:
إني وددت وقد سئم ... ت العيش لو يدنو حمام ما
رفعه بالفاعل، ونصبه بوددت، وجره بالإضافة. وقال أيضاً أبياتاً حصر فيها قوافيها ومنه أن يزاد فيها:
بأبي من تهتكي فيه صون ... رب وافٍ لغادرٍ فيه خون
بين ذل المحب في طاعة الحب ... ب وعز الحبيب يا قوم بون
أين مضنىً يحكى البهارة لوناً ... من غريرٍ له من الورد لون؟
لي حبيب ساجي اللواحظ أحوى ... مترف زانه جمال وصون
يلبس الوشي والقباطي جون ... فوق جونٍ ولون حالي جون
إن رماني دهري فإن جمال ال ... دين ركني وجوده لي عون
عنده للمسيء صفح وللأس ... رار مستودع وللمال هون
زانه نائل وحلم وعدل ... ووفاء جم ورفق وأون
أنا في ربعه الخصيب مقيم ... لي من جوده لباس وصون
لا أزال الإله عنه نعيماً ... وسروراً ما دام للخق كون

عرب بن محمد بن مصرف
ابن عريب القرطبي أبو مروان، له سماع بالمشرق على أبي الحسن بن جهضم بمكة، وكان من أهل الأدب والشعر وحسن الإبراد للأخبار، وقتل خطأ على باب داره في ربيعٍ الآخر سنة تسعٍ وأربعمائةٍ، ذكر وفاته ابن حيان.
عزير بن الفضل بن فضالة بن مخراق
ابن عبد الرحمن بن عبيد الله بن مخراقٍ الهذلي يعرف بابن الأشعث، أخباري راوية لغوي نحوي ذكره محمد بن إسحاق النديم ولم يذكر تاريخ وفاته، وله من الكتب كتاب صفات الجبال والأودية وأسمائها بمكة وما والاها، قال الأزهري في مقدمة كتابه: وله كتاب لغات هذيلٍ.
عسل بن ذكوان العسكري
من أهل عسكر مكرم، ويكنى أبا عليٍ، روى عن المازني والرياشي ودماءٍ، ذكره محمد بن إسحاق النديم وقال: كان في أيام المبرد، ولم يذكر تاريخ وفاته، وله من الكتب: كتاب الجواب المسكت، وكتاب أقسام العربية.
عطاء بن مصعب، الملط
قرأت بخط أبي منصور الأزهري في كتاب نظم الجمان، حدثنا أبو جعفر بن محمد بن الفرج الغساني قال: حدثنا أحمد بن عيسى مؤدب ولد إسحاق بن إبراهيم قال: كان أستاذ الأصمعي وأبي عبيدة عطاء الملط رجل من أهل البصرة، وكانوا يعقدون إليه ويتعلمون منه، فبلغه أن الأصمعي اتخذ حلقةً واجتمعت إليه جماعة فغاظة ذلك، فلما انصرف من حلقته استتبع أصحابه فقال: مروا بنا إلى ظاهر البصرة، فخرجنا حتى مررنا بشيخٍ معه أعنز يرعاهن وعليه جبة صوف فقال له: يا قريب، فقال: لبيك قال: ما فعل الأصمعي ابنك؟ فقال: هو عندكم بالبصرة، فقال: هذا أبو الأصمعي لئلا يقول غداً إنه من بني هاشمٍ.
عطاء بن يعقوب بن ناكل
ٍ

أحد أعيان فضلاء غزنة، وهو من أولاد الثناء، وكان ابن عمه الكوثوال، وهو مستحفظ القلعة، تلقب بهذا وهو بالهندية وإليه مصادر الأمور ومواردها عند غيبة سلطان البلاد. قال صاحب سر السرور: إذا اجتمع الأفاضل في مضمار التفاضل، واتزنوا بمعيار التساجل، كان هذا الشيخ هو الأبعد إحضاراً، والأرجح مقداراً. أقر له بالتقدم رجالات الآفاق، وأذعن له بالترجيح فضلاء خراسان والعراق. حتى أشرق شمساً وهم بين كوكبٍ وشهابٍ، وأعذب بحراً وهم ما بين نهرٍ وسرابٍ، يجلو عليه الفضل نفسه في معرض الإحسان، ويناغيه أهل الفضل بلسان القصور والإذعان، وتشرئب إلى قلائده أجياد الأنام، وتتباهى برسائله مواقع الأقلام. ولم يزل منذ شب إلى أن اشتعل الشيب برأسه، ورسب قذى العمر في آخر كأسه. بين اقتباس يصطاد به وجوش الشوارد، وإقباسٍ ينثر منه لآلئ القلائد، وإبداع صنعةٍ في الشعر ما جمش الأديب بأطرف من بدائعها، واختراع نادرة ما أتحف الفضل بأطرف من روائعها، واختراع نادرة ما أتحف الفضل بأطرف روائعها، وقد سافر كلامه من غزنة إلى العراق، ومن ثم إلى سائر الآفاق. حتى إني حدثت أن ديوان شعره بمصر يشتري بمائتين من الحمر الراقصات على الظفر والمشهور أن ديوان شعره العربي والفارسي يشتري بخراسان بأوفر الأثمان. وكيف لا، ما من سمةٍ من كلماته إلا وحقها أن تملك بالأنفس وتقتنى، وتباع بالأنفس وتشترى. وهذا نموذج من نثره مردف بما وقع عليه الاختيار من شعره: صدر كتاب صدر منه إلى بعض الصدور أطال الله بقاء الشيخ في عزٍ مرفوعٍ كلسم كان وأخواتها إلى فلك الأفلاك، منصوبٍ كلسمٍ إن وذواتها إلى سمك السماك، موصوفٍ بصفة التماء، موصول بصلة البقا، مقصورٍ على قضية المراد، ممدودٍ إلى يوم التناد، معرفٍ به، مضافٍ إليه، مفعولٍ له، موقوفٍ عليه، صحيحٍ سالمٍ من حروف العلة، غير معتلٍ ولا مهموز همز الذلة، يثني ويجمع دائماً جمع السلامة والكثرة، لا جمع التكسير والقلة، ساكن لا تغيره يد الحركة مبنيٍ على اليمن والبركة، مضاعفٍ مكرر على تناوب الأحوال، زائد غير ناقص على تعاقب الأحوال، مبتدأ به خبره الزيادة، فاعلٍ مفعوله الكرامة، مستقبله خير من ماضيه حالاً، وغده أكثر من يومه وأمسه جلالاً، له الإسم المتمكن من إعراب الأماني، والفعل المضارع للسيف اليماني، لازم لربعه لا يتعدى، ولا ينصرف عنه إلى المدى، ولا يدخله الكسر والتنوين أبداً، يقرأ باب التعجب من يراه منصوباً على الحال إلى أعلى ذراه، متحركاً بالدولة، والتمكين، منصرفاً إلى ربوةٍ ذات قرارٍ ومعينٍ.
وهذا دعاء دعوت له على لسان النحو، وأنا داعٍ له بكل لسان على هذا النحو، ولولا الاحتراز العظيم من أن يمل الأستاذ الكريم لسردت أفراده سرداً، وجعلت أوراده ورداً، وجمعت أعداده عقداً، ونظمت أبداده عقداً ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب، وأن الله لا يهدي كيد الخائنين.

فصل من كتابٍ: منذ توردت هذه الناحية لم يرد على سحاحة أروي بها كبدي الصادية وأجلو حالي الصادية وأستظهر بها على دهرٍ يقصدني حيثما قصدت، ويضربني أينما ضربت ولم أخلص بعد من ألسنة أبنائه في ذلك الحي حتى ابتليت بأسنة بناته في هذا الفي، وطلت علينا عارضة داجية الجو باكية النوء، وأمطرتنا مطر السوء، بوفاة العينة المسكينة، فتضاعف سقم برح بي فلا يبرح، وترادف ألم ألح علي فلا لحلح وما حال أفق أقل نهاره، وروض ذبلت أهاره، وقلب زال قراره، وخلب زاد أواره، وكثير فارق عزته ثم فقد عزته، والمصيبة في الغربة أقطع، ونك القرح بالقرح أوجع، وأكثر ما جر علي هذه الفادحة تطيري بفلانٍ، فإنه بكر على يوم النوروز متأبطاً طوماراً أطول من يوم الحشر قد أربى ذراعاً على العشر، يضيق عن نطاق النشر، ملأه نظماً ونثراً في مرثية جاريةٍ له قد ماتت منذ خمسين سنةً ذكر فيه غرتها ونعرتها وطرتها ودرتها وعمرتها وخمرتها وسرتها وصرتها فتشفعت إله، وتضرعت بين يديه، وقلت له: أنشدك الله إلا طويته وأدرجته، وأدخلته من حيث أخرجته، فأبى إلا جماحاً في المسجد، وسل مقولاً كالمعول، وجعل يكيل من تلك الأهواس، إذا قرأ سطراً أعاد إلى الراس، وحكى أساطير الأولين، ورفع العويل والأنين، وأرسل المخاط والذنين، كلما قال لفظة سعل، وأخرج من قعر حلقه جعل، وأنا أنزوي كما تنزوي الجلدة في النار، وألتوي كما تلتوي الحية على الأوار، لا يمكنني أن أقرأ، ولا تركني حتى أقرأ، إلى نصف النهار، ولم ينصف بعد الطومار، وقمنا إلى المفروض. ولما انفصلت من ذلك المكان وصل كتاب التحول إلى الموتان، وحمت المسكينة في الحال، ووقعنا في الأوجال، والله نصيري على الزمان والإخوان وحسبي، وقد قل منه ومنهم حظي ونصيبي.
فصل من كتاب: الصحبة نسبة في شرع الكرم والمعرفة عند أهل النهى أوفى الذمم، والأخوة لحمة دانية، والمصافاة قرابة ثانية، ولو كان ما بين ذات البين ما بين القطبين لوجب أن يقطعا عرض السما كالمجرة مواصلةً، ويتصلا اتصال الكواكب مراسلةً، ولكن الأقوام في العقوق سواسية، والقلوب في رعاية الحقوق قاسية، ومن شعره:
أأحلب من دناي جداء ما بها ... على كثرة الإبساس در ولا جدى
وأسبح في بحر السراب ضلالةً ... وأترك صداء وبي حرق الصدى
وله:
قريض تجلى مثل ما ابتسمت أروى ... ترشفت من فيه الرضاب فما أروى
تجلى كأروى في حجال سطوره ... وأنزل من شم الجبال لنا أروى
كغصن الشباب الغض غاض بهاؤه ... وعهد اللوى ألوى به زمن ألوى
إذ الدهر غض ناضر العود ناظر ... إلينا بما يهوى ولم يلق في المهوى
قريض به زادت لقلبي غلة ... وغيري به يروي الغليل إذا يروى
وله:
يا ظبيةً سلت ظبىً من جفنها ... تفرى بها أعناق آساد الورى
ما كنت أدري قبل جفنك أن أج ... فان الظباء تكون أجفان الظبى
وله:
إذا ما نبا حد الأسنة والظبي ... فما نابه في الحادثات بناب
قصف رمح الخط وسط كتائبٍ ... إذا هز رمح الخط وسط كتاب
وله:
وكم حل عقداً للحوادث عقده ... وكم فل ناباً للنوائب نابه
كمخلب ليث الغاب حداً وحدةً ... ومخلب ليث الفضل والعلم غابه
إذا صاد ليث العنكبوت ذبابةً ... فهذا حسام صاد ليثاً ذبابه
وله أيضاً مما أورده ابن عبد الرحيم عن العميد أبي سعدٍ عبد الغفار بن فاخرٍ البستي:
أيامن إن رآه البد ... ر ظل لوجهه يسجد
ويا من غيم نائله ... يجود لنا ولا يرعد
ويا من فضله يدنو ... ولكن وصفه يبعد
أتذكرني إذا أخلو ... ومالي لا أرى الهدهد
وله:
الله حار عصابةٍ ودعتهم ... والدمع يهمى والفؤاد يهيم
قد كان دهري جنةً في ظلهم ... ساروا فأضحى الدهر وهو جحيم
كانوا غيوث سماحةٍ وتكرمٍ ... فاليوم بعدهم الجفون غيوم
رحلوا على رغمي ولكن حبهم ... بين الفؤاد المستهام مقيم

قد خانهم صرف الزمان لأنهم ... كانوا كراماً والزمان لئيم
طلقت لذاتي ثلاثاً بعدهم ... حتى يعود العقد وهو نظيم
الله حيث تحملوا جار لهموالأمن دار والسرور نديم
والعيش غض والمناهل عذبة ... والجو طلق والرياح نسيم

عكرمة مولى ابن عباس
يكى أبا عبد الله. سمع عبدالله بن عباسٍ وعائشة وأبا هريرة وعبد الله بن عمر. وروى عنه جماعة من التابعين، منهم الشعبي وإبراهيم النخعي ومحمد بن سيرين وجابر بن زيدٍ. ومات فيما قرأت بخط الصولي من كتاب البلاذري سنة خمسٍ ومائةٍ، وقيل ستٍ ومائةٍ، وهو ابن ثمانين سنةً قال: وكان موته وموت كثير عزةً في يومٍ واحدٍ فوضعاً جميعاً وصلى عليهما، وكان كثير شيعياً، وعكرمة يرى رأي الخوارج، ذكره الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن البيع في تاريخ نيسابور، وقال بإسناده: كان جوالاً وفاداً على الملوك، أتى خراسان فنزل مرو زماناً، وأتى اليمن ومات بالمدينة، وورد خراسان مع يزيد بن المهلب.
وحدث بإسنادٍ رفعه إلى عبد الله بن أبي روادٍ قال: رأيت عكرمة بنيسابور فقلت له: تركت الحرمين وجئت إلى خراسان؟ قال: جئت أسعى إلى بنياتي.
وحدث بإسناد رفعه إلى أبي خالد بعد المؤمن بن خالدٍ الحنفي قال: رأيت عكرمة يخرج من البيت وقد جاء الثلج فعال: اللهم أرحني من بلدةٍ رزقها في عذابها.
قال الحاكم: وقد حدث عكرمة بالحرمين ومصر واليمن والشام والعراق وخراسان، وحدث بإسناد رفعه إلى يزيد النحوي عن عكرمة قال: قال لي ابن عباسٍ أنطاق فأفت الناس فأنا لك عون. قال: قلت لو أن هذا الناس مثلهم بين لأفتيتهم. قال: انطلق فأفت الناس فمن جاءك يسألك عما يعنيه فأفته، ومن سألك عما يعنيه فلا تفته، فإنك تطرح عنك ثلثي مئونة الناس.
وذكر القاضي أبو بكرٍ محمد بن عمر الجعابي في كتاب الموالي عن ابن الكلبي قال: وعكرمة هلك بالمغرب وكان قد دخل في رأي الحرورية الخوارج فخرج يدعو بالمغرب إلى الحرورية.
حدث أبو عليٍ الأهوازي قال: لما توفي عبد الله بن عباسٍ كان عكرمة عبداً مملوكاً فباعه علي بن عبد الله ابن عباسٍ من خالد بن يزيد بن معاوية بأربعة آلاف دينار، فأتى عكرمة علياً فقال له: ما خير لك؟ أتبيع علم أبيك؟ فاستقال خالداً فأقاله وأعتقه، وكان يرى رأي الخوارج، ويميل إلى استماع الغناء، وقيل عنه: إنه كان يكذب على مولاه والله أعلم.
وقال عبدا لله بن الحارث، دخلت على علي بن عبد الله بن عباسٍ - وعكرمة موثق على باب الكثنيف - فقلت: أتفعلون هذا بمولاكم؟ فقال: إن هذا يكذب على أبي وقد قال ابن المسيب لمولاه: لا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباسٍ.
وقال يزيد بن هارون: قدم عكرمة مولى ابن عباسٍ البصرة فأتاه أيوب السختياني وسليمان التميمي ويونس ابن عبيد فبينا هو يحدثهم إذ سمع غناء فقال عكرمة: اسكتوا فنسمع ثم قال: قاتله الله فلقد أجاد، أو قال: ما أجود ما قال: فأما سليمان ويونس فلم يعودا إليه وعاد إليه أيوب، فقال يزيد بن هارون: لقد أحسن أيوب. الرياشي عن الأصمعي عن نافعٍ المدني قال: مات كثير الشاعر وعكرمة في يوم واحدٍ.
قال الرياشي: فحدثنا ابن سلامٍ: أن أكثر الناس كانوا في جنازة كثيرٍ لأن عكرمة كان يرى رأي الخوراج، وتطلبه بعض الولاة فتغيب عند داود بن الحصين حتى مات عنده سنة سبع ومائة في أيام هشام ابن عبد الملك، وهو يومئذ ابن ثمانين سنةً.
وعن أبي عبد الله المقدمي: كان عكرمة مولى بن عباسٍ يكنى أبا عبد الله، وكان لحصين بن أبي الحر العنبري جد عبيد الله بن الحسين العنبري قاضى البصرة فوهبه لابن عباسٍ حين جاء والياً على البصرة بعلي بن أبي طالب عليه السلام.
وقال أبو أحمد الحافظ: عكرمة، ولى ابن عباسٍ أصله بربري من أهل المغرب احتج بحديثه عامة الأئمة القدماء، لكن بعض المتأخرين أخرج حديثه من حيز الصحاح، وعن عكرمة قال: طلبت العلم أربعين سنة وكنت أفتى بالباب وابن عباسٍ في الدار.
وعن إسماعيل بن أبي خالد: سمعت الشعبي يقول: ما بقي أحد أعلم بكتاب الله من عكرمة.

وعن زيد بن الحباب: سمعت سفيان النوري يقول بالكوفة: خذوا التفسير عن أربعة: سعيد بن جبير وعكرمة ومجاهد والضحاك، قال علي بن المدائني: لم يكن في موالي ابن عباسٍ أغزر من عكرمة، كان عكرمة من أهل العلم.
وعن هشام بن عبد الله بن عكرمة المخزومي: سمعت ابن أبي ذئبٍ يقول: كان عكرمة مولى ابن عباسٍ ثقةً. وقال المروزي: قلت لأحمد بن حنبلٍ: تحتج بحديث عكرمة؟ فقال: نعم نحتج به. عثمان بن سعيد الدارمي: قلت ليحيى بن معينٍ: فعكرمة أحب إليك عن ابن عباسٍ أو عبيد الله عن عبد الله؟ فقال: كلاهما ولم يختر فقلت: وعكرمة أو سعيد بن جبيرٍ، فقال: ثقة وثقة ولم يختر، قال عثمان بن سعيد: عبيد الله أجل من عكرمة. قال: وسألته عن عكرمة بن خالدٍ فقال: ثقة. قلت: هو أصح حديثاً أو عكرمة مولى ابن عباس؟ فقال: كلاهما ثقتان، وقال يحيى بن معينٍ: إذا رأيت إنساناً يقع في عكرمة وفي حماد بن سلمة فاتهمه على الإسلام. حماد بن زائدٍ: حدثنا عثمان بن مرة: قلت للقاسم إن عكرمة مولى ابن عباسٍ قال: حدثنا ابن عباسٍ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المزفت والمقير والدباء والحنثم والحرار فقال: يا بن أخي إن عكرمة كذاب يحدث غدوةً حديثاً يخالفه عشياً. يحيى بن البكاء: سمعت ابن عمر يقول لنافعٍ: اتق الله ويحك يا نافع، ولا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباسٍ، كما أحل الصرف وأسلم ابنه صيرفياً. يزيد بن زنادٍ قال: دخلت على علي بن عبد الله ابن مسعودٍ وعكرمة مقيد على باب الحش، قلت: ما لهذا كذا، قال: إنه يكذب.
علاقة بن كرسمٍ الكلابي
أحد بني عامر بن كلابٍ، ذكره محمد بن إسحاق النديم وقال: كان في أيام يزيد بن معاوية وله علم بالأنساب والأخبار وأحاديث العرب القديمة، وقد أخذ عنه من ذلك شئ كثير، وكان يزيد بن معاوية قد أدخله في سماره. مات ولم يعلم تاريخ وفاته. وله كتاب الأمثال في نحو خمسين ورقةً، قال محمد بن إسحاق: رأيت هذا الكتاب.

علان الوراق الشعوبي
أخلي موضع اسم أبيه، ذكره محمد بن إسحاق فقال: أصله من الفرس وكان علامة بالأنساب والمثالب والمنافرات، منقطعاً إلى البرامكة، وينسخ في بيت الحكمة للرشيد والمأمون والبرامكة مات. قال: وعمل كتاب الميدان في المثالب الذي هتك فيه العرب وأظهر مثالبها، وكان قد عمل كتاباً لم يتمه سماه الحلية انقرض أثره، قال: كذا قال ابن شاهين الأخباري، وله من الكتب: كتاب الميدان في المثالب يحتوي على جميع مثالب العرب ابتدأ ببني هاشم قبيلة بعد قبيلة على الترتيب إلى آخر قبائل اليمن على ترتيب كتاب ابن الكلبي، وله أيضاً كتاب فضائل كنانة كتاب النمر بن قاسطٍ، كتاب نسب تغلب بن وائل، كتاب فضائل ربيعة، كتاب المنافرة، وذكر محمد بن أبي الأزهر: كان في جوارنا بباب الشام فتىً يعرف بالفيرزان وكان يورق في دكان علان الشعوبي وأورد خبراً دل به على أن علاناً كان وراقاً له دكان يبيع فيه الكتب وينسخ، وحدث أبو عبد الله محمد بن عبدوسٍ الجهشياري في كتاب الوزراء والكتاب من تصنيفه قال: كان بعض أصحاب أحمد بن أبي خالد الأحول قد وصف له علاناً الشعوبي الوراق فأمر بإحضاره وبأن يستكتب له، فأقام في داره فدخلها أحمد بن أبي خالد يوماً فقام إليه جميع من فيها غير علان الوراق فإنه لم يقم له؟ فقال أحمد: ما أسوأ أدب هذا الوراق فإنه لم يقم له. فقال أحمد: ما أسوأ أدب هذا الوراق وسمعه علان فقال: كيف أنسب أنا إلى سوء الأدب ومني تتعلم الآداب وأنا معدنها، ولماذا أردت مني القيام لك، ولم آتك مستميحاً لك، ولا راغباً إليك، ولا طالباً منك وإنما رغبت إلي في أن آتيك فأكتب عندك فجئتك لحاجتي إلى ما آخذه من الأجرة، وقد كنت بغير هذا منك أولى، ثم حلف أيماناً مؤكدةً ألا يكتب عد يومه حرفاً في منزل أحدٍ من خلق الله تعالى، وجدت في بعض الكتب قال علان - وكان قبيحاً - : مررت بمخنث يغزل على حائط فقال لي: من أين؟ قلت: من البصرة قال لا إله إلا الله، تيغر كل شئ حتى هذا، كانت القرود تجلب من كمة واليمن والآن تجئ من العراق.

قال المؤلف: هكذا وجدت هذا الخبر قال فيه علان ولم يقل الشعوبي. قال: فإن كان هو فهو المراد، وإن كان غيره فقد مرت بك حكاية ممتعة فاله بها، وإن تحقق عندك أن هو هو فأصلحه مأجوراً مثباً. وذكره المرزباني في المعجم فقال: علان الوراق المعروف بعلانٍ الشعوبي وكان شعوبياً، وله في المثالب كتاب سوء وهو مأموني لما قال عبد الله بن طاهر قصيدته التي أولها:
مدمن الإغضاء موصول ... ومديم العتب مملول
وفخر فيها بقتل أبيه طاهرٍ محمداً الأمين، فأجابه محمد بن يزيد الحصني بقصيدته التي أولها:
لا يرعك القال والقيل ... كل ما بلغت تحميل
ورد عليه فيها وهجاء هجاءً قبيحاً. قال علان الشعوبي قصيدةً رد فيها على المسلمي وهجاه ومدح عبد الله بن طاهر وفضل العجم على العرب يقول فيها:
أيها اللاطي بحفرته ... في قرار الأرض مجعول
قد تجاللت على دخلٍ ... واستخفتك التهاويل
وأبو العباس غادية ... لعزاليه الأهاليل
تمطر العقيان راحته ... وله بالجود تهطيل
رستمي في ذري شرفٍ ... زانه تاج وإكليل
وعليه من جلالته ... كرم عد وتبجيل
وله لي فخراً مباءته ... في قرار النجم مأهول
ورجالاً شربهم غدق ... هم لما حازوا مباذيل
كسرويات أبوتنا ... غرر زهر مقاويل

العلاء بن الحسن بن وهب بن الموصلايا
أبو سعدٍ من أهل الكرخ، أحد الكتاب المعروفين ومن يضرب به المثل في الفصاحة وحسن العبارة، وكان نصرانياً فأسلم في زمان الوزير أبي شجاع وحسن إسلامه. قال الهمذاني: في رابع عشر صفرٍ سنة أربعٍ وثمانين وأربعمائةٍ، خرج توقيع الخليفة بإلزام أهل الذمة بلبس الغيار والتزام ما شرطه عليهم عمر بن الخطاب، فهربوا كل مهربٍ وأسلم بعضهم وأسلم أبو غالب بن الأصباغي، وفي ثاني هذا اليوم أسلم الرئيسان أبو سعدٍ العلاء بن الحسن بن وهب بن الموصلايا صاحب ديوان الإنشاء وابن أخته أبو نصر صاحب الخبر على يدي الخليفة بحيث يريانه ويسمعان كلامه، وكان يتولى ديوان الرسائل منذ أيام القائم بأمر الله، وناب في الوزارة وأضر في آخر عمره، وكان ابتداء خدمته لدار الخلافة القائمية في سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائةٍ، فخدمها خمساً وستين سنة يزداد في كل يوم من أيامها جاهاً وحظوةً، وناب عن الوزارة عدة نوب مع ذهاب بصره، وكان أبو نصر هبة الله بن الحسن بن أخته يكتب الإنهاءات عنه إذا حضر، وكان كثير الصدقة والخير. ورسائله وأشعاره مدونة يتداول بها ويرغب فيها، أخذ عنه الشيخ أبو منصور موهوب بن الخضر الجواليقي وأنشده عنه:
أحن إلى روض التصابي وأرتاح ... وأمتح من حوض التصافي وأمتاح
واشتاق رئماً كلما رمت صيده ... تصد يدي عنه سيوف وأرماح
غزال إذا ما لاح أو فاح نشره ... تعذب أرواح وتعذب أرواح
بنفسي وإن عزت وأهلي أهلة ... لها غرر في الحسن تبدو وأوضاح
نجوم أعاروا النور للبدر عندما ... أغاروا على سرب الملاحة واجتاحوا
فتنضح الأعذار فيهم إذا بدوا ... ويفتضح اللاحون فيهم إذا لاحوا
وكرخية عذراء يعذر حبها ... ومن زندها في الدهر تقدح أقداح
إذا جليت في الكأس والليل ما انجلى ... تقابل إصباح لديك ومصباح
يطوف بها ساقٍ لسوق جماله ... نفاق لإفساد الهوى فيه إصلاح
به عجمة في اللفظ تغرى بوصله ... وإن كان منه بالقطيعة إفصاح
وغرته صبح وطرته دجىً ... ومبسمة در وريقته راح
أباح دمي مذ بحت في الحب باسمه ... وبالشجو من قبلي المحبون قد باحو
وأوعدني بالسوء ظلماً ولم يكن ... لإشكال ما يفضي إلى الضيم إيضاح
وكيف أخاف الضيم أو أحذر الردى ... وعوني على الأيام أبلج وضاح

وظل نظام الملك للكسر جابر ... وللضر مناع وللنفع مناح
ومن شعره:
يا خليلي خلياني ووجدي ... فملام المحب ما ليس يجدي
ودعاني فقد دعاني إلى الحك ... م غريم الغرام للدين عندي
فعساه يرق إذ ملك ال ... رق بنقدٍ من عدله أو بوعد
ثم من ذا يجير منه إذا جا ... ر ومن لي على تعديه يعدى
ومات العلاء في الثاني والعشرين من جمادى الأولى سنة سبع وتسعين وأربعمائةٍ، ومولده سنة اثنتي عشرة وأربعمائة، ودفن في تربة الطائع.
قال أبو الفرج في المنظم: نال أبو سعد بن الموصلايا من الرفعة في الدنيا ما لم ينله أبناء جنسه، فإنه ابتدأ في خدمة دار الخلافة في أيام القائم سنة اثنتين وثلاثين وأربعمائة، فخدمها خمساً وستين سنةً، وأسلم في سنة أربع وثمانين، وناب عن الوزارة في أيام المقتدي وأيام المستظهر نوباً كثيرةً، وكان كثير الصدفة كريم الفعال حسن الفصاحة، ويدل على فصاحته وغزارة علمه ما كان ينشئه من كتابات الديوان والعهود. وحكى بعض أصحابه قال: شتمت يوماً غلاماً لي فوبخني وقال: أنت قادرعلى تأديب الغلام أو صرفه، فأما الخنا والقذف فإياك والمعاودة له، فإن الطبع يسرق والصاحب يستدل به على المصحوب، وكانت وفاته فجأة. وقال محمد بن عبد الملك الهمذاني: لما عزل المقتدي الوزير أبا شجاع خلع علي الأجل أبي سعد بن الموصلايا وكانت الخلعة دراعةً وعمامة وحمل على فرس بمركب ذهب ووسم بنيابة الوزارة، وخلع على ابن أخته تاج الرؤساء أبي نصرٍ هبة الله صاحب الخبر بن الحسن بن علي جبة وعمامة وحمل على فرسٍ.
ومدح الأديب أبو المظفر الأبيوردي الأجل أبا سعدٍ وقد لقبه الخليفة بأمينا لدولة بقصيدة منها:
وزعزع الصبح سلك النجم فانتثرت ... منه كماً تستطير النار بالشعل
قال: ومن علم السير علم أن الخليفة والملوك لم ينقوا بأحدٍ ثقتهم بأمين الدولة، ولا نصحهم أحد نصحه، وتولى ديوان الإنشاء بعد سنة ثلاثين وأربعمائة، والناظر إذ ذاك عميد الرؤساء أبو طالب بن أيوب، وناب عن الوزارة المقتدرية والمستظهرية، ومن شعره:
يا هند رقي لفتىً مدنف ... يحسن فيه طلب الأجر
يرعى نجوم الليل حتى يرى ... حل عراها بيد الفجر
ضاق نطاق الصبر عن قلبه ... عند اتساع الخرق في الهجر
قال العماد - وقد ذكر هذه الأبيات الثلاثة - قد أرقى هذه الأبيات برقها وحلاوة الاستعارة في معناها مع دفتها وقد ساعده التوفيق في هذا التطبيق، وما كل شاعرٍ يتخلص من هذا المضيق، وهكذا شعر الكتاب يجمع إلى اللطافة ظرافةً، وإلى الحلاوة طلاوةً: وله:
وكأس كساها الحسن ثوب ملاحةٍ ... فحارت ضياء يشبه الحسن والشمسا
أضاءت له كف المدبر وما درى ... وقد دجت الظلماء أصبح أو أمسى
وله:
أقول للائمي في حب ليلى ... وقد ساوى نهار منه ليلا
أقل فما أقلت قط أرض ... محباً جر في الهجران ذيلا
ولو ممن أحب ملأت عينا ... لكنت إلى هواه أشد ميلا

أبو علقمة النحوي النميري
وأراه من أهل واسط، حدث أحمد بن الحارث الخزاز عن المدائني قال: أتى أبو علقمة الأعرابي أبا زلازل الحذاء فقال: يا حذاء أحذأ لي هذا النعل، قال: وكيف تريد أن أحذوها؟ فقال: خصر نطقها، وغضف معقبها، وأقب مقدمها وعرج ونية الذؤابة بحزمٍ دون بلوغ الرصاف، وأنحل مخازم خزامها وأوشك في العمل. فقام أبو زلازل فتأبط متاعه، فقال أبو علقمة: إلى أين؟ قال: إلى ابن القية ليفسر لي ما خفي علي من كلامك.

وقال أبو أحمد بن خليفة الجمحي قال: سمعت أبي يحدث عن أبيه قال: قال أبو علقمة لغلام له: خذ من غريمنا هذا كفيلاً، ومن الكفيل أميناً، ومن الأمين زعيماً، ومن الزعيم عزيماً، فقال الغلام للغريم: مولاي كثير الكلام فمعك شيء؟ فأرضاه وخلاه فلما انصرف قال يا غلام: ما فعل غريمنا؟ قال: سقع قال ويلك ما بقع؟ قال بقع. قال ويلك وما يقع؟ قال استقلع: قال ويلك ما استقلع؟ قال انقلع، قال ويلك لم طولت علي؟ قال منك تعلمت. الهيثم بن عدي. ركب أبو علقمة النميري بغلاً فوقف على أبي عبد الرحمن القرشي فقال: يا أبا علقمة إن لبغلك هذا منظراً، فهل مع حسن هذا المنظر من خيرٍ؟ قال سبحان الله أو ما بلغك خيره؟ قال لا، قال: خرجت عليه مرةً من مصر فقفز بي قفزةً إلى فلسطين. والثانية إلى الأردن. والثالثة إلى دمشق. فقال له أبو عبد الرحمن: تقدم إلى أهلك يدفنوه معك في قبرك، فلعله يقفز بك الصراط.
ذكر أبو بكرٍ محمد بن خلف بن المرزبان في كتاب الثقلاء من تصنيفه: أخبرنا إسحاق بن محمد ابن أبان الكوفي، حدثني بشر بن حجرٍ قال: انقطع إلى أبي علقمة النحوي غلام يخدمه، فأراد أبو علقمة الدخول في بعض حوائجه فقال له: يا غلام أصقعت العتاريف؟ فقال له الغلام: زقفيلم، قال أبو علقمة: وما زقفيلم؟ قال له وما معنى صقعت العتاريف؟ قال: قلت لك أصاحت الديوك؟ قال: وأنا قلت لك لم يصح منها شئ.
قال محمد بن خلفٍ: حدثنا أبو بكرٍ القرشى، حدثني جعفر بن نصيرٍ قال: بينما أبو علقمة النحوي في طريقٍ من طرق البصرة إذ ثار به مرار. وظن من رآه أنه مجنون، واقبل رجل يعض أصل أذنه ويؤذن فيها، فأفاق فنظر إلى الجماعة حوله فقال: ما لكم تكأكأتم على كما تتكأكئون على ذي جنة، افرنقعوا عني. قال: فقال بعضهم لبعض: دعوه فإن شيطانه يتكلم بالهندية.
قال ابن المرزبان: حدثني عبد الله بن مسلم: دخل أبو علقمة النحوي على أعين الطبيب فقال له: أمتع الله بك، إني أكلت من لحوم هذه الجوازل فطسأة طسأةً، فأصابني وجع بين الوابلة إلى دأية العنق فلم يزل ينمي حتى خالط الخلب وألمت له الشراسيف فهل عندك دواء؟ قال أعين: خذ حرقفاً وسلقفاً وشرقفاً مزهزقه ورقرقه واغسله بماء روثٍ واشربه بماء الماء. فقال له أعين: لعن الله أقلنا إفهاماً لصاحبه، ويحك، وهل فهمت عنك شيئاً مما قلت؟ قرأت في كتاب النوادر الممتعة جمع ابن جنيٍ عن محمد ابن المرزبان قال: حدثني عبد الله بن أحمد بن عبد الصمد قال: حدثني محمد بن معاذٍ البصري قال: بينا أبو علقمة النحوي يسير على بغلةٍ إذ نظر إلى عبدين أحدهما حبشي والآخر صقلي، فإذا الحبشي قد ضرب بالصقلي الأرض وأدخل ركبتيه في بطنه، وأصابعه في عينيه، وعض أذنيه، وضربه بعصاً كانت معه فشجه وأسال دمه، فجعل الصقلي يستغيث فلا يغاث، فقال لأبي علقمة: اشهد لي فقال: قدمه إلى الأمير حتى أشهد لك، فمضيا إلى الأمير فقال الصقلي: إذن هذا ضربني وشجني واعتدى علي فجحد الحبشي. فقال الصقلي: هذا يشهد لي، فنزل أبو علقمة عن بغلته وجلس بين يدي الأمير فقال له الأمير: بم تشهد يا أبا علقمة؟ فقال: أصلح الله الأمير، بينا أنا أسير على كودني هذا إذ مررت بهذين العبدين، فرأيت هذا الاسحم قد مال علي هذا الأبقع فمطأه على فدفدٍ، ثم ضغطه برضفتيه في أحشائه حتى ظننت أنه تدمج جوفه، وجعل يلج بشناتره في جحمتيه يكاد يفقأهما، وقبض على صنارتيه بمبرمه، وكان يجذهما جذاً ثم علاه بمنسأةٍ كانت معه فعفجه بها، وهذا أثر الجريال عليه بيننا وأنت أمير عادل، فقال الأمير: والله ما أفهم مما قلت شيئاً، فقال أبو علقمة قد فهمناك إن فهمت، وعلمناك إن علمت، وأديت إليك ما علمت، وما أقدر أن أتكلم بالفارسية، فجعل الأمير يجهد أن يكشف الكلام فلا يفعل حتى ضاق صدره، فقال للصقلي: أعطني خنجراً فأعطاه وهو يظن أنه يريد أن يستفيد له من الحبشي، فكشف الأمير رأسه وقال للصقلي: شجني خمساً وأعفني من شهادة هذا. الصنارتان: الأذنان بلغة سميرٍ. الكودن: الغليظ من الدواب، مطأه: صرعه، والفدفد: الغليظ من الأرض، ورضفتاه: ركبتاه، وشناتره، أصابعه، والجحمتان: العينان لغة يمانية، والمنسأة: العصا، عجفه أي ضربه بها، والجريال الأحمر: فاستعارة للدم.

قال ابن جنىٍ: وأخبرنا عثمان بن محمدٍ، حدثنا محمد ابن القاسم قال: حدثني محمد بن المرزبان وأبو الحسين علي بن محمدٍ المقرئ قال: تبيغ بأبي علقمة الدم وهو في بعض القرى فقال لابنه: جئني بحجامٍ فأتاه به فقال له: لا تعجل حتى أصف لك، ولا تكن كامرئ خالف ما أمر به ومال إلى غيره. اشدد قصب المحاجم، وأرهف ظبة المشارط، وأسرع الوضع، وعجل النزع، وليكن شرطك زخزاً، ورصك نهزاً، لا تردن أتياً، ولا تكرهن أبياً. فوضع الحجام محاجمه في قفته وقال: كلامك يقطع الدم، وقام وانصرف.
وفي رواية علي بن إبراهيم قال: فلما سمع الحجام الكلام قال يا قوم: هذا رجل قد ثار به المرار ولا ينبغي أن يخرج دمه في هذا الوقت وانصرف.
قال أبو بكر: العصب: الموضع الذي يجتمع فيه الدم، وتبيغ: هاج، وهو من البغي، أصله تبغي فقدمت الياء وأخرت الغين، كان أبو علقمة النحوي لا يدع الإغراب في كلامه، فقال للطبيب: أجد رسيساً في أسناخي، وأحس وجعاً فيما بين الوابلة إلى الأطرة من دأيات العنق، فقال له الطبيب: خذ خزاناً وسلقفاً وشرقفاً، فزهزقه ورقرقه، واغسله بماء روث واشربه، فقال له أبو علقمة: أعد فإني لم أفهم فقال: أخزى الله أقلنا إفهماماً لصاحبه، وجمش امرأة كان يهواها فقال: يا خريدة قد كنت إخالك عروباً فإذا أنت ثوار مالي أمقك فتسنتيني فقالت يا رقيع ما رأيت أحداً يحب أحداً فيشتمه سواك، وقال لحجامٍ حجمه اشدد قصب الملازم، وأرهف ظبات المشارط، وأمر المسح، واستنجل الرشح، وخفف الوطء، وعجل النزع، ولا تكرهن أبياً، ولا تمنعن أتياً، ورأى رجل أبا علقمة على بغلٍ مصريٍ حسنٍ فقال له: إن كان مخبر هذا البغل كمن ظهره فقد كمل، فقال أبو علقمة: والله لقد خرجت عليه من مصر فتنكبت الطريق مخافة السراق وجور السلطان، فبينا أنا أسر في ليلةٍ ظلماء فتماء طخياء مدلهمةٍ حندسٍ داجيةٍ في ضحضحٍ أملس، وإذا جلس نبأةٍ من صوت قعرٍ، أو طيروان صوعٍ، أو نفض سيدٍ، فحاص عن الطريق متنكباً بعزة نفسه وفضل قوته، فبعثته باللجام فعسل، وحركته بالركاب فنسل، وانتعل الطريق يغتاله معتزماً، والتحف الليل لا يهابه مظلماً، فو الله ما شبهته إلا بظبيةٍ نافرةٍ تحفزها فنخاء شاغبة فقال الرجل، يا هذا، ادع الله واسأله أن يحشر هذا البغل معك يوم القيامة، قال ولم؟ قال: ليجيزك الصراط يطفر.

علي بن إبراهيم بن هاشم القمي
ذكره ابن النديم، وذكره أبو جعفر في مصنفي الإمامية وقال: له كتب منها: كتاب التفسير، وكتاب الناسخ والمنسوخ، وكتاب المغازي، وكتاب الشرائع، وكتاب الإسناد، وكتاب المناقب، وكتاب أخبار القرآن ورواياته.
علي بن إبراهيم بن محمد بن إسحاق
الكاتب، كان من أهل المعرفة، وله كتاب في نسب بني عقيلٍ جوده، صنفه للأمير أبي حسان المقلد بن المسيب بن رافعٍ العبادي في شهر رمضان سنة أربعٍ وثمانين وثلاثمائةٍ.
علي بن إبراهيم بن محمد ادهكي
هكذا وجدته بخط عبد السلام مكسور الدال، والمحدثون يفتحونها، وهي نسبة إلى قرية من قرى الري يقال لها دهك. ويكنى أبا القاسم، أحد رواة الأخبار وجماعي الأشعار. وجدت بخط عبد السلام البصري كتاب أشعار بني ربيعة الجوع، وقد قرأه عليه، وكان الدهكي قد قرأ علي أبي الفرج علي بن الحسين الأصبهاني كتاب الأغاني، وقعت لنا إجازة متصلة إليه عنه، وهي ما أخبرنا الشيخ ذو النسبتين بين دحية والحسين عليه السلام، أبو الخطاب عمر بن الحسن المعروف بابن دهية المغربي السبتي بمصر سنة اثنتي عشرة وستمائة إجازة قال: أخبرنا شيخي أبو عبد الله محمد بن أبي القاسم بن عميرة المرزوي قال: أخبرنا أبو الحسن يونس بن محمد بن مغيث ويعرف بابن الصفار، عن الشيخ أبي عبد الله محمد بن محمد بن بشيرٍ، عن أبي الوليد هشام بن عبد الرحمن الصابوني، عن أبي القاسم علي بن إبراهيم الدهكي، عن أبي الفرج الأصبهاني، وقد وقعت لنا بهذا الكتاب إجازة أحسن من هذه. وقد كان أبوه أبو الفرج إبراهيم من أعيان الكتا ب من أهل شيراز، وكان صهراً لأبي الفضل العباس بن الحسين الشيرازي وزير بختبار.

قال إبراهيم بن هلال الصابيْ: خلع علي أبي الفرج محمد ابن العباس، للوزارة لثلاثٍ خلون من جمادى الأولى سنة تسع وخمسين وثلاثمائةٍ، وسلم إليه أبو الفضل وجميع أصحابه وأسبابه، فاستصفى أموالهم وجد في مطالبة كتابه وأسبابه على ضروبٍ من رفقٍ وعسفٍ حين حصلوا في يده، وتوفي منهم صهر كان لأبي الفضل من أهل شيراز يقال له أبو الفرج إبراهيم بن محمد الدهسكي، وكان أبو الفضل يدعي عليه أنه اعتمد قتله.

علي بن إبراهيم بن سلمة بن بحر
ٍ
القطان القزويني أبو الحسن، أديب فاضل ومحث حافظ، لقى المبرد وثعلباً وابن أبي الدنيا. وهو شيخ أي الحسين أحمد بن فارس القزويني وكتبه محشوة بالرواية عنه، وكان يصفه بالدراية. وذكره أبو يعلى الخليل بن أحمد الخليلي في كتاب الإرشاد في طبقات البلاد فقال: أبو الحسن علي بن إبراهيم بن سلمة بن بحر الفقيه. عالم بجميع العلوم والتفسير والنحو واللغة والفقه القديم، لم يكن له نظير ديناً وديانةً وعبادةً، سمع أبا حاتم الرازي، ارتحل إليه ثلاث سنين، ومحمد بن الفرج الأزرق، والحارث بن أبي أسامة، والقاسم بن محمد الدلال، وذكر جماعةً ثم قال: وخلقاً من القزوينيين والرازيين والبغداديين والكوفة ومكة وصنعاء اليمن وهمذان وحلوان ونهاوند.
سمع منه من القدماء أبو الحسين النحوي، والزبير بن عبد الواحد الحافظ، ثم عمر حتى أدركه الأحداث، ولد سنة أربعٍ وخمسين ومائتين، ومات سنة خمسٍ وأربعين وثلاثمائةٍ. سمعت جماعةً من شيوخ قزوين يقولون: لم ير ألو الحسين مثله في القضاء والزهد، أدام الصيام ثلاثين سنة، وكان يفطر على الخبز والملح، وفضائله أكثر من أن تعد، وكان له بنون ثلاثة: محمد أبو إبراهيم، والحسن والحسين، سمعوا أبا علي الطوسي والقدماء، وماتوا ولم يبلغوا الرواية، ولأبي إبراهيم ابنان سمعا جدهما ولم يسمع منهما، وبقي له أسباط ليسوا من أهل العلم، وأما الحسن والحسين فقد انقطع نسلهما، وقرأت في أمالي أين فارسٍ: قال: سمعت أبا الحسن القطان بعد ما علت سنه وضعف يقول: كنت حين خرجت إلى الرحلة أحفظ مائة ألف حديثٍ، وأنا اليوم لا أقوم على حفظ مائة حديثٍ. قال: وسمعته يقول: أصبت ببصري وأظن أني عوفيت بكثرة بكاء أمي أيام فراقي لها في طلب الحديث والعلم.
قال ابن فارس: حدثني أبو الحسن علي بن إبراهيم بن سلمة القطان رحمه الله بقزوين في مسجدهم يوم الأحد منتصف رجب سنة اثنتين وثلاثين وثلاثمائةٍ. وذكر تمام الإسناد.
علي بن إبراهيم الحوفي
بن سعيد بن الحوفي، يوسف الحوفي أصله من قرية تسمى شبرا النخلة من حوف بلبيس من الديار المصرية، أخذ عن أبي بكر محمد بن علي الإدفوي صاحب النحاس، وكان نحوياً قارئاً، مات في مستهل ذي الحجة سنة ثلاثين وأربعمائةٍ، وله من التصانيف: كتاب الموضح في النحو وهو كتاب كبير حسن، وكتاب البرهان في تفسير القرآن، بلغني أنه في ثلاثين مجلداً بخط دقيق:
علي بن أحمد العقيقي العلوي
ذكره أبو جعفرٍ الطوسي في مصنفي الإمامية وقال: له من الكتب: كتاب المدينة، كتاب بين المسجدين، كتاب المسجد، كتاب النسب.
علي بن أحمد بن أبي دجانة المصري
أبو الحسن الكاتب الوراق جيد الخط كثير الضبط إلا أنه مع ذلك لا يخلو خلطه من السقط وإن قل، وهو من أهل مصر ومقامه ببغداد وبها كتب ونسخ الكثير وجدت بخطه زحر سور الذنب، وقد كتبه ببغداد سنة أربعٍ وثمانين وثلاثمائةٍ.
علي بن أحمد الدريدي
يكى أبا الحسن، ذكره الزبيدي فقال: أصله من فارس، وكان رواق بن دريدٍ وإليه صارت كتب ابن دريدٍ بعد موته. مات - أخلي موضع وفاته - .
علي بن أحمد المهلبي اللغوي
أبو الحسن، كان إماماً في النحو واللغة ورواية الأخبار وتفسير الأشعار، أخذ عن أبي إسحاق إبراهيم النجيرمي، وأخذ عنه أبو يعقوب يوسف بن يعقوب النجيرمي وابنه بهزاد وخلق كثير. ومات بمصر في سنة خمس وثمانين وثلاثمائةٍ.

وذكر علي بن حمزة البصري النحوي في كتاب الرد على ابن ولادٍ في المقصور والممدود: أن أبا الحسين المهلبي كان لقيطاً، وكان له اختصاص بالمتلقب بالمعز والعزيز المستوليين على الديار المصرية ومن جلساتهما الخواص، وأدرك دولة كافورٍ الإخشيدى، وله مع أبي الطيب أحمد بن الحسين المتنبيء قصة حدث بها أبو جعفر الجرجاني قال: قال أبو الحسن المهلبي النحوي: وقع بيني وبين المتنبيء في قول العدواني،
يا عمرو إلا تدع شتمي ومنقصتي ... أضربك حتى تقول الهامة استقوني
وذلك أن المتنبيء قال: إن الناس يغلطون في هذا البيت، والصواب: أشقوني من شقأت رأسه بالمشقاة وهو المشط، قال المهلبي فقلت له: أخطأت في وجوه: أحدها أنه لم يرو كذلك، والآخر أنه يقال: شقأه بالهمزة، وأيضاً فإني أظنك لا تعرف الخبر فيه، وما كانت العرب تقوله في الهامة: إنها إذا لم يثأر بصاحبها لا تزال تقول اسقونى، فإذا تأثروا به سكن كأنه شرب ذلك الدم، قال: وكان المهلبي من جلساء العزيز وخواصه.
علي بن أحمد بن سلكٍ الفالي
بالفاء، وليس بأبي علي القالي بالقاف، ذلك آخر اسمه إسماعيل له ترجمة في بابه، وكنية هذا أبو الحسن يعرف بالمؤدب من أهل بلدة قالة موضع قريب من أيدج، انتقل إلى البصرة فأقام بها مدةً وسمع بها من عمر ابن عبد الواحد الهاشمي وغيره، وقدم بغداد فاستوطنها، وكان ثقةً له معرفة بالأدب والشعر، ومات فيما ذكره الخطيب في ذي القعدة سنة ثمانٍ وأربعين وأربعمائة ودفن بمقبرةٍ جامع المنصور، وكان يقول الشعر ومنه:
تصدر للتدريس كل مهوسٍ ... بليدٍ يسمى بالفقيه المدرس
فحق لأهل العلم أن يتمثلوا ... ببيتٍ قديمٍ شاع في كل مجلسٍ
لقد هزلت حتى بدا من هزالها ... كلاهما وحتى سامها كل مفلس
وكتب عنه الخطيب، قال أبو زكرياء يحيى بن علي الخطيب التبريزي أنشدنا أبو الحسن الفالي لنفسه:
لما تبدلت المنازل أوجهاً ... غير الذين عهدت من علمائها
ورأيتها محفوفةً بسوى الألى ... كانوا ولاة صدورها وفنائها
أنشدت بيتاً سائراً متقدماً ... والعين قد شرقت بجاري مائها
أما الخيام فإنها كخيامهم ... وأرى نساء الحي غير نسائها
وحدث أبو زكرياء التبريزي قال: رأيت نسخة لكتاب الجمهرة لابن دريدٍ باعها أبو الحسن الفالي بخمسة دنانير من القاضي أبي بكر بن بديلٍ التبريزي وحملها إلى تبريز، فنسخت أنا منها نسخةً فوجدت في بعض المجلدات رقعةً بخط الفالي فيها:
أنست بها عشرين حولاً وبعتها ... فقد طال شوقي بعدها وحنيني
وما كان ظني أنني سأبيعها ... ولو خلدتني في السجون ديوني
ولكن لضعفٍ وافتفارٍ وصبيةٍ ... صغار عليهم تستهل شئوني
فقلت ولم أملك سوابق عبرةٍ ... مقالة مشوي الفؤاد حزين
وقد تخرج الحاجات يا أم مالك ... كرائم من دربس بهن صنين
فأريت القاضي أبا بكر الرقعة والأبيات فتوجع وقال: لو رأيتها قبل هذا لرددتها عليه، وكان الفالي قد مات.
قال المؤلف: والبيت الأخير من هذه الأبيات تضمين قاله أعرابي فيما ذكره الزبير بن بكارٍ عن يوسف بن عياشٍ قال: ابتاع حمزة بن عبد الله بن الزبير جملاً من أعرابي بخمسين ديناراً ثم نقده ثمنه، فجعل الأعرابي ينظر إلى الجمل ويقول:
وقد تخرج الحاجات يا أم مالكٍ ... كرائم من ربٍ بهن ضنين
فقال له حمزة: خذ جملك والدنانير لك، فانصرف بجمله وبالدنانير، وله أرجوزة في عدد آي القرآن أولها:
قال علي مذ أتى من قاله ... قصيدةً واضحة المقاله
وأنشد السمعاني في المذيل بإسناد له لأبي الحسن الفالي:
فرجت صبياني ببستانكم ... فأكثروا التصفيق والرقصا
فقلت يا صبيان لا تفرحوا ... فبسرهم في نخلهم يحصى
لو قدم الليث على نخلهم ... لكان من ساعته يحصا
لو أن لي من نخلهم بسرةً ... جعلتها في خاتمي فصا
وأنشد أبو القاسم الدمشقي الحافظ بإسناد له لأبي الحسن الفالي:
رمى رمضان شملنا بالتفرق ... فيا ليته عنا تقضي لنلتقي

لئن سر أهل الأرض طراً قدومه ... فإن سروري بانسلاخ الذي بقى

علي بن أحمد بن سيدة اللغوي الأندلسي
أبو الحسن الضرير، وكان أبوه أيضاً ضريراً من أهل الأندلس، هكذا قال الحميدي علي بن أحمد وفي كتاب ابن بشكوال علي ابن إسماعيل وفي كتاب القاضي صاعد الجياني علي بن محمدٍ في نسخة، وفي نسخةٍ علي بن إسماعيل فاعتمدنا على ما ذكره الحميدي لأن كتابه أشهر، مات ابن سيدة بالأندلس سنة ثمانٍ وخمسين وأربعمائة عن ستين سنة أو نحوها.
قال القاضي الجياني: كان مع إتقانه لعلم الأدب والعربية متوفراً على علوم الحكمة وألف فيها تأليفاتٍ كثيرة ولم يكن في زمنه أعلم منه بالنحو واللغة والأشعار وأيام العرب وما يتعلق بعلومها وكان حافظاً، وله في اللغة مصنفات: منها كتاب المحكم والمحيط الأعظم رتبه على حروف المعجم اثنا عشر مجلداً، وكتاب المخصص مرتب على الأبواب كغريب المصنف، وكتاب شرح إصلاح المنطق، وكتاب الأنيق في شرح الحماسة عشرة أسفارٍ، وكتاب العلام في اللغة على الأجناس في غاية الإيعاب نحو مائة سفرٍ بدأ بالفلك وختم بالذرة، وكتاب العالم والمتعلم على المسألة والواب، وكتاب الوافي في علم أحكام القوافي، وكتاب شاذ اللغة في خمس مجلداتٍ، وكتاب العويص في شرح إصلاح المنطق، وكتاب شرح كتاب الأخفش وعبر ذلك؟ قال الحميدي وابن بشكوال: روى ابن سيدة عن أبيه وعن صاعد بن الحسن البغدادي. قال الطلمنكي: دخلت مرسية فتشبت بي أهلها ليسمعوا عني غريب المصنف فقلت لهم: انظروا من يقأ لكمن وأمسك كتابي، فأتوني برجلٍ أعمى يعرف بابن سيدة، فقرأه علي من أوله إلى آخره من حفظه فعجبت منه.
وقال الحميدى: كان ابن سيدة منقطعاً إلى الأمير أبي الجيش مجاهد بن عبد الله العامري، ثم حدثت له نبوة بعد وفاته في أيام إقبال الدولة بن الموفق فهرب منه ثم قال يستعطفه:
ألا هل إلى تقبيل راحتك اليمني ... سبيل فإن الأمن في ذاك واليمنا
ضحيت فهل في برد ظلك نومة ... لذي كيدٍ حرى وذي مقلةٍ وسنا
ونضو زمانٍ طلحته ظباته ... فلا غارباً أبقين منه ولا متنا
غريب نأى أهلوه عنه وشفه ... هواهم فأمسى لا يقر ولا يهنا
فيا ملك الأملاك إني محلاء ... عن الورد لا عنه أذاد ولا أدنى
تحيفني دهري فأقبلت شاكياً ... أما دون شكواي لغيرك من بعنا؟
فإن تتأكد في دمي لك نية ... بصدقٍ فإني لا أحب له حقنا
إذا ما غدا من حر سيفك بارداً ... فقدماً غداً من برد نعمائكم سخنا
وهل هي إلا ساعة ثم بعدها ... ستقرع ما عمرت من ندمٍ سنا
ومالي من دهري حياة ألذها ... فتعتدها نعمى علي وتمتنا
إذا ميتة أرضتك منا فهاتها ... حبيب إلينا ما رضيت به عنا
وهي طويلة وقع عنه الرضا مع وصولها إليه فرجع.
علي بن أحمد بن سعيد بن حزن بن غالب

ابن صالح بن خلف بن سفيان بن يزيد الفارسي مولى يزيد بن أبي سفيان بن حرب بن أمية بن عبد شمسٍ القرشي الأندلسي الامام العلامة لكني أبا محمدٍ، مات فيما ذكره صاعد بن أحمد الجياني في كتاب أخبار الحكماء في سلخ شعبان سنة ستٍ وخمسين وأربعمائةٍ، قال: وكتب إلي بخط يده: إنه ولد بعد صلاة الصبح من آخر يوم في شهر رمضان سنة ثلاثٍ وثمانين وثلاثمائة، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة إلا شهراً، قال: وأصل آبائه من قرية منت ليشم من إقليم الزاوية من عمل أونبة من كورة ليلة من غرب الأندلس، وسكن هو وآباؤه قرطبة ونالوا فهيا جاهاً عريضاً، وكان أبو عمروٍ أحمد بن سعيد بن حزم أحد العلماء من وزراء المنصور محمد بن أبي عامرٍ ووزراء ابن المظفر بعده والمدبرين لدولتيهما، وكان ابنه الفقيه أبو محمد وزيراً لعبد الرحمن المستظهر بالله، ابن هشام بن عبد الجبار بن عبد الرحمن الناصر لدين الله ثم لهشام المعتد بالله بن محمد بن عبد الملك بن عبد الرحمن الناصر، ثم نبذ هذه الطريقة وأقبل على قراءة العلوم وتقييد الآثار والسنن، فعنى بعلم المنطق وألف فيه كتاباً سماه كتاب التقريب لحدود المنطق بسط فيه القول على تبيين طرق المعارف، واستعمل فيه مثلاً فقيهةً وجوامع شرعيةً، وخالف أرسطاليس واضع هذا العلم في بعض أصوله مخالفة من لم يفهم غرضه ولا ارتاض في كتبه، فكتابه من أجل هذا كثير الغلط بين السقط، وأوغل بعد هذا في الاستكثار من علوم الشريعة حتى نال منها ما لم ينله أحد قط بالأندلس قبله، وصنف فيها مصنفاتٍ كثيرة العدد شرعية المقصد، معظمها في أصول الفقه وفروعه على مذهبه الذي ينتحله، وطريقه الذي يسلكه، وهو مذهب داود بن علي بن خلفٍ الأصبهاني ومن قال بقوله من أهل الطاهر ونفاة القياس والتعليل.
قال: ولقد أخبرني ابنه الفضل المكنى أبا رافع: أن مبلغ تواليفه في الفقه والحديث والأصول والنحل والملل وغير ذلك من التاريخ والنسب وكتب الأدب والرد على المعارض نحو أربعمائة مجلد تشتمل على قريب من ثمانين ألف ورقةٍ، وهذا شئ ما علمناه لأحد ممن كان في دولة الإسلام قبله، إلا لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري، فإنه أكثر أهل الإسلام تصنيفاً، فذكر ما ذكرناه في ترجمة ابن جرير من أن أيام حياته حسبت وحسبت تصانيفه، وكان لكل يوم أربع عشرة ورقةً ثم قال: ولأبي محمد بن حزمٍ بعد هذا نصيب وافر من علم النحو واللغة، وقسم صالح من قرض الشعر وصناعة الخطابة.
ذكر أن ابن حزم اجتمع يوماً مع الفقيه أبي الوليد سليمان بن خلف بن سعيد بن أيوب الباجي صاحب كتابي المنتقي والاستغناء وغيرهما من التواليف، وجرت بينهما مناظرة فلما انقضت قال الفقيه أبو الوليد: تعذرني فإن أكثر مطالعتي كان على سرج الحراس. قال ابن حزمٍ: وتعذرني أيضاً فإن أكثر مطالعتي كانت على منابر الذهب والفضة، أراد أن الغني أضيع لطلب العلم من الفقر.
قرأت بخط أبي بكر محمد بن طرخان بن يلتكين ابن يحكم قال الشيخ الإمام أبو محمد عبد الله بن محمد ابن العربي الأندلسي: توفي الشيخ الإمام أبو محمدٍ علي ابن أحمد بن سعيد بن حزمٍ بقريته وهي من غرب الأندلس على خليج البحر الأعظم في شهر جمادى الأولى من سنة سبعٍ وخمسين وأربعمائةٍ، والقرية التي له على بعد نصف فرسخ من أونبة يقال لها متلجتم وهي ملكه ومل سلفن من قبله قال: وقال لي أبو محمد بن العربي: إن أبا محمد بن حزم ولد بقرطبة، وجده سعيد ولد بأونبة ثم انتقل إلى قرطبة وولى فيها الوزارة ثم ابنه على الإمام أقام في الوزارة من وقت بلوغه إلى انتهاء سنه ستاً وعشرين سنة وقال: إني بلغت إلى هذا السن وأنا لا أدري كيف أجبر صلاة من الصلوات قال:

قال لي الوزير أبو محمد بن العربي: أخرني الشيخ الإمام أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم أن سبب تعلمه الفقه أنه شهد جنازة لرجل كبير من إخوان أبيه، فدخل المسجد قبل صلاة العصر والخلق فيه فجلس ولم يركع، فقال له أستاذه يعني الذي رباه بإشارةٍ أن قم فصل تحية المسجد فلم يفهم، فقال له بعض المجاورين له: أبلغت هذه ولا تعلم أن تحية المسجد واجبة؟ وكان قد بلغ حينئذٍ ستة وعشرين عاماً قال: فقمت وركعت وفهمت إذاً إشارة الأستاذ إلى بذلك. قال: فلما انصرفنا من الصلاة على الجنازة إلى المسجد مشاركةً للأحباء من أقرباء الميت، دخلت المسجد فبادرت بالركوع فقيل لي: اجلس اجلس، ليس هذا وقت صلاةٍ، فانصرفت عن الميت وقد خزيت ولحقني ما هانت علي به نفسي وقلت للأستاذ: دلني على دار الشيخ الفقيه المشاور أبي عبد الله بن دحون، فدلني فقصدته من ذلك المشهد وأعلمته بما جرى فيه، وسألت الابتداء بقراءة العلم واسترشدته، فدلني على كتاب الموطإ لمالك بن أنس - رضي الله عنه - فبدأت به عليه قراءةً من اليوم التالي لذلك اليوم، ثم تتابعت قراءتي عليه وعلى غيره نحو ثلاثة أعوامٍ، وبدأت بالمناظرة قال: وقال لي الوزير الإمام أبو محمد بن العربي: صحبت الشيخ الإمام أبا محمدٍ على بن حزمٍ سبعة أعوامٍ، وسمعت منه جميع مصنفاته حاشا المجلد الأخير من كتاب الفصل وهو يشتمل على ست مجلداتٍ من الأصل الذي قرأنا منه، فيكون الفائت نحوا لسدس، وقرأنا من كتاب الإيصال أربع مجلداتٍ من كتاب الإمام أبي محمد بن حزمٍ في سنة ستٍ وخمسين وأربعمائةٍ، ولم يفتني من تأليفاته شيء سوى مذكراته من الناقص وما لم أقرأه من كتاب الإيصال. وكان عند الإمام أبي محمد بن حزمٍ كتاب الإيصال في أربع وعشرين مجلداً بخط يده، وكان في غاية الإدماج قال: وقال لي الوزير أبو محمد بن العربي: وربما كان للإمام أبي محمد بن حزمٍ شيء من تواليفه ألفه في غير بلده في المدة التي تجول فيها بشرق الأندلس فلم أسمعه، ولي بجميع مصنفاته ومسموعاته إجازة منه مراتٍ عدةً كثيرةً. آخر ما كان بخط اليجمكي - رحمه الله - وأورد له صاحب المطمح أشعاراً منها:
وذي عدلٍ فيمن سباني حسنه ... يطيل ملامي في الهوى ويقول
أمن حسن وجه لاح لم تر غيره ... ولم تدر كيف الجسم أنت قتيل؟؟
فقلت له أسرفت في اللوم فاتئد ... فعندي رد لو أشاء طويل
ألم ترى أني ظاهري وأنني ... على ما بدا حتى يقوم دليل
وأنشد له:
هل الدهر إلا ما عرفنا وأدركنا ... فجائعه تبقى ولذاته تفنى
إذا أمكنت فيه مسرة ساعةٍ ... تولت كمر الطرف واستخلفت حزنا
إلى تبعاتٍ في المعاد وموقفٍ ... نود لديه أننا لم نكن كنا
حصلنا على هم وإثمٍ وحسرةٍ ... وفات الذي كنا نلذ به سنا
حنين لما ولى وشغل بما أنى ... وغم لما يرجى بعيشك لأنها
كأن الذي كنا نسر بكونه ... إذا حققته النفس لفظ بلا معنى
وله:
ولى نحو أكناف العراق صبابة ... ولا غرو أن يستوحش الكلف الصب
فإن ينزل الرحمن رحلي بينهم ... فحينئذٍ يبدو التأسف والكرب
هنالك تدرى أن للبعد قصةً ... وأن كساد العلم آفته القرب
وله:
لا تشمتن حاسدي إن نكبة عرضت ... فالدهر ليس على حالٍ بمترك
ذو الفضل كالتبر طوراً تحت ميفعةٍ ... وتارةً قد يرى تاجاً على ملك
وله:
لئن أصبحت مرتحلاً بشخصي ... فروحي عندكم دوماً مقيم
ولكن للعيان لطيف معنىً ... له سأل المعاينة الكليم
ومن شعر أبي محمد بن حزمٍ:
أنا العلق الذي لا عيب فيه ... سوى بلدي وأني غير طارى
تقر لي العراق ومن يليها ... وأهل الأرض إلا أهل داري
طووا حسداً على أدب وفهمٍ ... وعلمٍ ما يشق له غباري
فمهما طار في الآفاق ذكري ... فما سطع الدخان بغير نار

قال أبو مروان بن حيان: كان أبو محمدٍ حامل فنونٍ من حديثٍ وفقهٍ وجدلٍ ونسبٍ وما يتعلق بأذيال الأدب مع المشاركة في كثير من أنواع التعاليم القديمة من المنطق والفلسفة، وله في بعض تلك الفنون كتب كثيرة غير أنه لم يخل فيها من غلطٍ وسقط لجراءته على التسور على الفنون ولا سيما المنطق، فإنهم زعموا أنه زل هنالك وضل في شكول المسالك، وخالف أرسطاطا ليس واضعه مخالفة من لم يفهم غرضه ولا ارتاض، ومال أولاً النظر به في الفقه إلى رأي محمد بن إدريس الشافعي - رحمه الله - وناضل عن مذهبه، وانحرف عن مذهب سواه حتى وسم به ونسب إليه، فاستهدف بذلك لكثير من الفقهاء وعيب بالشذوذ، ثم عدل في الآخر إلى قول أصحاب الظاهر مذهب داود بن علي ومن اتبعه من فقهاء الأمصار، فنقحه ونهجه وجادل عنه، ووضع الكتب في بسطه وثبت عليه إلى أن مضى لسبيله - رحمه الله - وكان يحمل علمه هذا ويجادل من خالفه فيه على استرسال في طباعه، وبذلٍ بأسراره، واستنادٍ على العهد الذي أخذه الله على العلماء من عباده: (لتبيننه للناس ولا تكتمونه) فلم يك يلطف صدعه بما عنده بتعريضٍ ولا برقه بتدريجٍ، بل يصك معارضه صك الجندل، وينشقه متلقمه إنشاق الخردل، فنفر عنه القلوب، وتوقع به الندوب، حتى استهدف إلى فقهاء وقته، فمالوا على بغضه ورد أقواله، فأجمعوا على تضليله، وشنعوا عليه وحذروا سلاطينهم من فتنته، ونهوا عوامهم عنا الدنو إليه والأخذ عنه، وطفق الملوك يقصونه عن قربهم، ويسيرونه عن بلادهم، إلى أن انتهوا به منطقع أثره بتربة بلده من بادية ليلة، وبها توفي - رحمه الله - سنة ستٍ وخمسين وأربعمائةٍ، وهو في ذلك غير مرتدعٍ: ولا راجعٍ إلى ما أرادوا به، يبث علمه فيمن ينتابه من بادية بلده من عامة المقتبسين منهم من أصاغر الطلبة الذين لا يخشون فيه الملامة، يحدثهم ويفقههم ويدرسهم، ولا يدع المثابرة على العلم والمواظبة على التأليف، والإكثار من التصنيف، حتى كمل من مصنفاته في فنون من العلم وقر بعيرٍ، لم تعد أكثرها عتبة باديته لتزهيد الفقهاء طلاب العلم فيها، حتى لأحرق بعضها بإشبيلية ومزقت علانيةً لا يزيد مؤلفها في ذلك إلا بصيرةً في نشرها، وجدالاً للمعاندة فيها، إلى أن مضى لسبيله، وأكثر معايبه - زعموا - عند المنصف له جهله بسياسة العلم التي هي أوص من إتقانه، ومخلفه عن ذلك على قوة شيخه عمارة، وعلى ذلك كله فلم يكن بالسلم من اضطراب رايه، ومغيب شاهد علمه عنه عند لقائه، إلى أن يحرك بالسؤال: فيتفجر منه بحر علمٍ لا تكدره الدلاء، ولا يقصر عنه الرشاء، له على كل ما ذكرنا دلائل مائلة، وأخبار مأثورة، وكان مما يزيد في شنآنه تشيعه لأمراء بني أمية ماضيهم وباقيهم بالشرق والأندلس، واعتقاده لصحة إمامتهم وانحرافه عن سواهم من قريش حتى نسب إلى التعصب لغيهم. وقد كان من غرائبه انتماؤه في فارس واتباع أهل بيته له في ذلك بعد حقبةٍ من الدهر تولى فيها أبوه الوزير المعقل في زمانه، الراجح في ميزانه، أحمد بن سعيد بن حزم لبني أمية أولياء نعمه، لا عن صحة ولايةٍ لهم عليه، فقد عهده الناس حامل الأبوة. مولد الأرومة من عجم ليلة، جده الأدنى حديث الإسلام، ولم يتقدم لسلفه نباهة، فأبوه أحمد - على الحقيقة - هو الذي بنى بيت نفسه في آخر الدهر براس رابيةٍ، وعمده بالخلال الفاضلة من الرجاحة والمعرفة والدهاء والرجولة والرأي، فاغتدى جرثومة سلفٍ لمن نماهم أغنتهم عن الرسوخ في أول السابقة، فما من شرف إلا مسوق عن خارجيةٍ، ولم يكن غلا كلا ولا حي تخطى على هذا رابيةً ليلة، فارتقى قلعةً إصطخر من أرض فارس، فالله أعلم كيف ترقاها، إذ لم يكن يؤتى من خطل ولا جهالةٍ، بل وصله بها وسع علمٍ وشجته رحم معقومة، بلها بمستأخر الصلة رحمه الله، فتناهت حاله مع فقهاء عصره إلى ما وصفته، وحسابه وحسابهم على الله الذي لا يظلم الناس مثقال ذرة عز وجهه. ولهذا الشيخ أبي محمدٍ مع يهود لعنهم الله ومع غيرهم من أولى المذاهب المرفوضة من أهل الإسلام مجالس محفوظة، وأخبار مكتوبة، وله مصنفات في ذلك معروفة، من أشهرا في علم الجدل كتابه المسمى كتاب الفصل بين أهل الآراء والنحل، كتاب الصادع والرد على من كفر أهل التأويل من فرق المسلمين والرد على من قال بالتقليد، وله كتاب في شرح حديث الموطاٍ والكلام على مسائله، وله كتاب لجامع في صحيح

الحديث باختصار الأسانيد والاقتصار على أصحها واجتلاب أكمل ألفاظها وأصح معانيها، وكتاب التلخيص والتخليص في المسائل النظرية وفروعها التي لا نص عليها في الكتاب ولا الحديث، وكتاب منتقى الإجماع وبيانه من جملة ما لا يعرف فيه اختلاف، وكتاب الإمامة والسياسة في قسم سير الخلفاء ومراتبها والندب والواجب منها، وكتاب أخلاق النفس، وكتابه الكبير المعروف بالإيصال إلى فهم كتاب الخصال، وكتاب كشف الإلباس ما بين أصحاب الظاهر وأصحاب القياس، إلى تواليف غيرها ورسائل في معانٍ شتى كثيرٍ عددها. باختصار الأسانيد والاقتصار على أصحها واجتلاب أكمل ألفاظها وأصح معانيها، وكتاب التلخيص والتخليص في المسائل النظرية وفروعها التي لا نص عليها في الكتاب ولا الحديث، وكتاب منتقى الإجماع وبيانه من جملة ما لا يعرف فيه اختلاف، وكتاب الإمامة والسياسة في قسم سير الخلفاء ومراتبها والندب والواجب منها، وكتاب أخلاق النفس، وكتابه الكبير المعروف بالإيصال إلى فهم كتاب الخصال، وكتاب كشف الإلباس ما بين أصحاب الظاهر وأصحاب القياس، إلى تواليف غيرها ورسائل في معانٍ شتى كثيرٍ عددها.
ومن شعره يصف ما أحرق له من كتبه ابن عباد قوله:
وإن تحرقوا القرطاس لا تحرقوا الذي ... تضمنه القرطاس بل هو في صدري
يسير معي حيث استقلت ركائبي ... وينزل إن أنزل ويدفن في قبري
دعوني من إحراق رقٍ وكاغدٍ ... وقولوا بعلمٍ كي يرى الناس من يدري
وإلا فعودوا في المكاتب بدأةً ... فكم دون ما تبغون لله من ستر
وله:
كأنك بالزوار لي قد تبادروا ... وقيل لهم أودى على بن أحمد
فيا رب محزونٍ هناك وضاحكٍ ... وكم أدمعٍ تذرى وخدٍ مخدد
عفا الله عني يوم أرحل ظاعناً ... عن الأهل محمولاً إلى ضيق ملحد
وأترك ما قد كنت معتبطاً به ... والقى الذي آنست منه بمرصد
فوارا حتى إن كان زادي مقدماً ... ويا نصبي إن كنت لم أتزود
وبالبدائع، هذا الخبر على وعورة ما أوضحنا على كثرة الدافنين لها والطامسين لمحاسنها، وعلى ذلك فليس ببدعٍ فيما أضيع منه، فأزهد الناس في عالمٍ أهله وقبله رزئ العلماء بتزهدهم على من يقصر عنهم، والحسد داء ولا دواء له - آخر كلام ابن حيان - ولأبى محمدٍ قصيدة يخاطب بها قاضي الجماعة بقرطبة عبد الرحمن بن بشيرٍ يفخر فيها بالعلم، ويذكر أصناف ما علم يقول فيها:
أنا الشمس في جو السماء منيرةً ... ولكن عيبي أن مطلعي الغرب
ولو أنني من جانب الشرق طالع ... لجد على ما ضاع من ذكرى النهب
ولى نحو أكناف العراق صبابة ... ولا غرو أن يستوحش الكلف الصب
فإن نزل الرحمن رحلي فيهم ... فحينئذٍ يبدو التأسف والكرب
فكم قائلٍ أغفلته وهو حاضر ... فأطلب ما عنه يجيء به الكتب
هنالك تدرى أن للعبد غصةً ... وأن كساد العلم آفته القرب
فواعجبا من غاب عنهم تشوقوا ... له ودنو المرء من دارهم ذنب
وإن مكاناً ضاق عنى لضيق ... على أنه فيح مذاهبه سهب
وإن رجالاً ضيعوني لضيع ... وإن زماناً لم أنل خصبه جدب.
ولكن لي في يوسفٍ خير أسوةٍ ... وليس على من بالنبي ائتسي ذنب
يقول مقال الحق والصدق إننى ... حفيظ عليم ما على صادقٍ عتب
وله مثله:
يقول أخي: شجاك رحيل جسمٍ ... وروحك ماله عنا رحيل
فقلت له: المعاين مطمئن ... لذا طلب المعاينة الخليل
قال الحميدي وأنشدته قول لأبي نواسٍ:
عرضن للذي تحب بحبٍ ... ثم دعه بروضة إبليس
فقال: أنت في طريق التحقيق فقال:
أبن قول وجه الحق في نفس سامعٍ ... ودعه فنور الحق يسرى ويشرق
سيؤنسه رفقاً وينسى نفاره ... كما نسى القيد الموثق مطلق

علي بن أحمد بن محمد الواحدي

أبو الحسن، أصلهم من ساوة، وهم أولاد التجار، وكانا أخوين على هذا وعبد الرحمن، وكل قد روى العلم وحدث. ذكرهما عبد الغافر بن إسماعيل في السياق قال: مات أبو الحسن على الواحدي سنة ثمانٍ وستين وأربعمائةٍ، ومات أخوه عبد الرحمن سنة سبعٍ وثمانين وأربعمائةٍ، كلاهما بنيسابور.
قال عبد الغافر، فأما أبو الحسن فهو الإمام المصنف المفسر النحوي، أستاذ عصره وواحد دهره، أنفق صباه وأيام شبابه في التحصيل، فأتقن الأصول على الأئمة، وطاق على أعلام الأمة، وتتلمذ لأبي الفضل العروضي الأديب، وقرأ النحو على أبي الحسن الضرير القهندزي، وسافر في طلب الفوائد، ولازم مجالس الثعالبي في تحصيل التفسير، وأدرك الرمادي وأكثر عن أصحاب الأصم وأخذ في التصنيف، فجمع كتاب الوجيز، وكتاب الوسيط، وكتاب البسيط، كل في تفسير القرآن المجيد، وأحسن كل الإحسان في البحث والتنقير، وله كتاب أسباب النزول، وكتاب الدعوات والمحصول، وكتاب المغازي، وكتاب شرح المتنبي، وكتاب الإغراب في الإعراب في النحو، وكتاب تفسير النبي صلى الله عليه وسلم، وكتاب نفي التحريف عن القرآن الشريف. وقعد للإفادة والتدريس سنين، وتخرج به طائفة من الأئمة سمعوا منه وقرءوا عليه وبلغوا محل الإفادة، وعاش سنين ملحوظاً من النظام وأخيه بعين الإعزاز والإكرام، وكان حقيقياً بكل احترامٍ وإعظام، لولا ما كان فيه من غمزه وإزرائه على الأئمة المتقدمين، وبسطه اللسان فيهم بغير ما يليق بماضيهم، عفا الله عنا وعنه.
قال عبد الغافر: وأجاز لي جميع مسموعاته ذكره الحسن بن المظفر النيسابوري فقال: أبو الحسن علي بن أحمد الواحدي النيسابوري هو الذي قيل فيه:
قد جمع العالم في واحد ... عالمنا المعروف بالواحدي
قال: ومن غرر شعره
أيا قادماً من طوس أهلاً ومرحباً ... بقيت على الأيام ما هبت الصبا
لعمري لئن أحيا قدومك مدنفاً ... بحبك صبا في هواك معذبا
يظل أسير الوجد نهب صبابةٍ ... ويمسي على جمر الغضا متقلبا
فكم زفرةٍ قد هجتها لو زفرتها ... على سد ذي القرنين أمسى مذوبا
وكم لوعة قاسيت يوم تركتني ... ألاحظ منك البدر حين تغيبا
وعاد النهار الطلق أسود مظلماً ... وعاد سنا الإصباح بعدك غيهبا
وأصبح حسن الصبر عنى ظاعناً ... وحدد نحوي البين ناباً ومخلبا
فأقسم لو أبصرت طرفي باكياً ... لشاهدت دمعاً بالدماء مخضبا
مسالك لهوٍ سدها الوجد والجوى ... وروض سرورٍ عاد بعدك مجدبا
فداؤك روحي يا بن أكرم والدٍ ... ويا من فؤادي غير حببه قد أبي
وأنشد له:
تشوهت الدنيا وأبدت عوارها ... وضاقت علي الأرض بالرحب والسعه
وأظلم في عيني ضياء نهارها ... لتوديع من قد بان عنى بأربعة
فؤادي وعيشي والمسرة والكرى ... فإن عاد عاد الكل والأنس والدعه

وقال أبو الحسن الواحدي في مقدمة البسيط: وأظنني لم آل جهداً في إحكام أصول هذا العلم حسب ما يليق بزمننا هذا وتسعة سنو عمري على قلة أعدادها فقد وفق الله وله الحمد، حتى اقتبست كل ما احتجت إليه في هذا الباب من مظانه وأخذته من معادنه، أما اللغة فقد درستها على الشيخ أبي الفضل أحمد بن بن محمد بن عبد الله بن يوسف العروضي رحمه الله، وكان قد حنق التسعين في خدمة الأدب، وأدرك المشايخ الكبار وقرأ عليهم وروي عنهم كأبي منصورٍ الأزهري، روي عنه كتاب التهذيب وغيره من الكتب، وأدرك أبا العباس العامري، وأبا القاسم الأسدي، وأبا نصرٍ ظاهر بن محمدٍ الوزيري، وأبا الحسن الرخجي، وهؤلاء كانوا فرسان البلاغة وأئمة اللغة، وسمع أبا العباس الاسم وروي عنه، واستخلفه الأستاذ أبو بكرٍ الخوارزمي على درسه عند غيبته، وله المنصفات الكبار والاستدراكات على الفحول من العلماء باللغة والنحو، وكنت قد لازمته سنين أدخل عليه عند طلوع الشمس وأخرج لغروبها، أسمع وأقرأ وأعلق وأحفظ وأبحث وأذاكر أصحابه ما بين طرفي النهار، وقرأت عليه الكثير من الدواوين واللغة حتى عابني شيخي - رحمه الله - يوماً وقال: إنك لم تبق ديواناً من الشعر إلا قضيت حقه، أما آن لك أن تتفرغ لتفسير كتاب الله العزيز تقرؤه على هذا الرجل الذي تأتيه البعداء من أقصى البلاد وتتركه أنت على قرب ما بيننا من الجوار، يعني الأستاذ الإمام أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي، فقلت: يا أبت إنما أتدرج بهذا إلى ذلك الذي تريد، وإذا لم أحكم الأدب بجد وتعبٍ لم أرم في غرض التفسير من كتب، ثم لم أغب زيارته في يومٍ من الأيام حتى حال بيننا قدر الحمام.
وأما النحو فإني لما كنت في ميمة صباي وشرخ شبيبتي وقعت إلى الشيخ أبي الحسن علي بن محمد بن إبراهيم الضرير، وكان من أبرع أهل زمانه في لطائف النحو وغوامضه، وأعلمهم بمضايق طرق العربية وحقائقها، ولعله تفرس في وتوسم الخير لدي، تجرد لتخريجي وصرف وكده إلى تأديبي ولم يدخر عنى شيئاً من مكنون ما عنده حتى استأثرني بأفلاذه، وسعدت به أفضل ما سعد تلميذ بأستاذه، وقرأت عليه جوامع النحو والتصريف والمعاني، وعلقت عنه قريباً من مائة جزء في المسائل المشكلة، وسمعت منه أكثر مصنفاته في النحو والعروض والعلل، وخضني بكتابه الكبير في علل القراءة المرتبة في كتاب الغاية لابن مهران، ثم ورد علينا الشيخ أبو عمران المغربي المالكي وكان واحد دهره وباقعة عصره في علم النحو، لم يلحق أحد ممن سمعناه شأوه في معرفة الإعراب، ولقد صحبته مدةً في مقامه عندنا حتى استنزفت غرر ما عنده، وأما القرآن وقراءات أهل الأمصار واختيارات الأئمة فإني اختلفت إلى الأستاذ أبي القاسم علي بن أحمد البستي رحمه الله وقرأت عليه القرآن ختماتٍ كثيرةً لا تحصى، حتى قرأت عليه أكثر طريقة الأستاذ أبي بكر أحمد بن الحسين بن مهران، ثم ذهبت إلى الإمامين أبي عثمان سعيد بن محمد الحيري وأبي الحسن علي بن محمد الفارسي، وكانا قد انتهت إليهما الرياسة في هذا العلم، وأشير إليهما بالأصابع في علو السن ورؤية المشايخ وكثرة التلامذة وغزارة العلوم وارتفاع الأسانيد والوثوق بها، فقرأت عليهما وأخذت من كل واحدٍ منهما حظاً وافراً بعون الله وحسن توفيقه، وقرأت على الأستاذ سعيدٍ مصنفات ابن مهران، وروى لنا كتب أبي علي، الفسوي عنه، وقرأت عليه لفظي كتاب الزجاج بحق روايته عن ابن مقسمٍ عنه، وسمع بقراءتي الخلق الكثير، ثم فرغت للأستاذ أبي إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي رحمه الله، وكان خير العلماء بل بحرهم، ونجم الفضلاء بل يدرهم، وزين الأئمة بل فخرهم، وأوحد الأمة بل صدرهم، وله التفسير الملقب بالكشف والبيان عن تفسير القرآن، الذي رفعت به المطايا في السهل والأوعار، وسارت به الفلك في البحار، وهبت هبوب الريح في الأقطار:
فسار مسير الشمس في كل بلدةٍ ... وهب هبوب الريح في البر والبحر

وأصفقت عليه كافة الأمة على اختلاف نحلهم، وأقروا له بالفضيلة في تصنيفه ما لم يسبق إلى مثله، فمن أدركه وصحبه علم أن منقطع القرين، ومن لم يدركه فلينظر في مصنفاته ليستدل بها على أنه كان بحراً لا ينزف، وغمراً لا يسبر، وقرأت عليه من مصنفاته أكثر من خمسمائة جزءٍ، منها تفسيره الكبير وكتابه المعنون بالكامل في علم القرآن وغيرهما، ولو أثبت المشايخ الذين أدركتهم واقتبست عنهم هذا العلم من مشايخ نيسابور وسائر البلاد التي وطأتها طال الخطب ومل الناظر، وقد استخرت الله العظيم في جمع كتا بٍ أرجو أن يمدني الله فيه بتوفيقه مشتملٍ على ما نقمت على غيري إهماله، ونعيت عليه إغفاله، لا يدع لمن تأمله حارةً في صدره حتى يخرجه من ظلمة الريب والتخمين، إلى نور العلم واليقين، هذا بعد أن يكون المتأمل مرتاضاً في صنعة الأدب والنحو، مهتدياً بطرق الحجاج قارحاً في سلوك المنهاج، فأما الجذع المرخى من المتقبسين، والريض الكز من المبتدئين، فإنه مع هذا الكتاب كمزاولٍ غلقاً ضاع عنه المفتاح، ومتخبطٍ في ظلماء ليلٍ خانه المصباح:
يحاول فتق غيمٍ وهو يأبى ... كعنينٍ يريد نكاح بكر
ثم قال بعد كلامٍ: إن هذا الكتاب عجالة الوقت، وقبسة العجلان، وتذكرة يستصحبها الرجل حيث حل وارتحل، وإن أنسئ الأجل وأرخى الطول، وأنظرني الليل والنهار، حتى يتلفع بالمشيب العذار، أردفته بكتاب أنضجه بنار الروية، وأردده على رواق الفكرة، وأضمنه عجائب ما كتبته، ولطائف ما جمعته، وعلى الله المعول في تيسير ما رمت، وله الحمد كلما قعدت أو قمت.

علي بن أحمد الفنجكردي
وفنجكرد قرية من قرى نيسابور على حد الدرب، كان أديباً فاضلاً، ذكره الميداني في خطبة كتاب السامي وأثني عليه، ومات سنة اثنتي عشرة وخمسمائةٍ عن ثمانين سنةً، وذكره البيهقي في الوشاح فقال: الإمام علي بن أحمد الفنجكردي الملقب بشيخ الأفاضل أعجوبة زمانه، وآية أقرانه، وشيخ الصناعة، والممتطي غوارب البراعة. وذكره عبد الغفار الفارسي فقال: علي بن أحمد الفنجكردي الأديب البارع صاحب النظم والنثر الجاريين في سلك السلاسة، قرأ اللغة على يعقوب ابن أحمد الأديب وغيره، وأحكمها وتخرج فيها، وأصابته علة لزمته في آخر عمره، ومات بنيسابور في ثالث عشر رمضان سنة ثلاث عشرة وخمسمائةٍ. قال البيهقي: وأنشدني لنفسه:
زماننا ذا. زمان سوء ... لا خير فيه ولا صلاحا
هل يبصر المبلسون فيه ... لليل أحزانهم صباحا
وكلهم منه في عناءٍ ... طوبى لمن مات فاستراحا
وله:
ولى الشباب بحسنه وبهائه ... وأتى المشيب بنوره وضيائه
الشيب نور للفتى لكنه ... نور مهيب مؤذن بفنائه
فالهج يذكر الله وارض بحكمه ... لا روح للفقراء دون لقائه
وله:
الحكم لله ما للعبد منقلب ... إلا إليه ولا عن حكمه هرب
والمرء ماعاش في الدنيا أخو محن ... تصيبه الحادثات السود والنوب
فإن يساعده في أثنائها فرج ... تسارعت نحوه في إثره كرب
حتى إذا مل من دنياه فاجأه ... في أرضه كان أو في غيرها المطب
علي بن أحمدالنيسابوري
بن محمد بن الغزال النيسابوري أبو الحسن، ذكره عيد الفافر في السياق فقال: مات في شعبان سنة ست عشرة وخمسمائةٍ، ووصفه فقال: الإمام المقرئ الزاهد العامل، من وجوه أئمة القراءة المشهورون بخراسان والعراق، العارف بوجوه القراءات واختلاف الروايات، الإمام في النحو وما يتعلق به من العلل، وإليه الفتوى فيه، عهدناه شاباً كثير الإجتهاد مقبلاً على التحصيل، ملازماً لأستاذه أبي نصرٍ الرامشي المقرئ حتى تخرج به، فزاد عليه في الفقه والورع وقصر اليد عن الدنيا، ولزم طريق العبادة وطريق التصوف والزهد، حتى كان يقصد من البلاد ويستفاد منه، وقلما كان يخرج من بيته إلا في الجنائز، ثم اختل بصره في آخر عمره، ثم أصابه مرض طويل فبقي فيه مدة إلى أن سقطت قوته وضعف، وأدركه قضاء الله عديم النظير فمات. وله تصانيف مفيدة في النحو والقراءات، سمع الحفصي وأحمد بن منصور بن خلفٍ المغربي.
علي بن أحمد بن بكري

وقيل علي بن عمر بن عبد الباقي بن بكريٍ، أبو الحسن خازن دار الكتب بالنظامية، مات في ثامن عشرة من شهر رمضان سنة خمسٍ وسبعين وخمسمائة ودفن في الوردية ولم يعقب، وكان من أهل باب الأزج، له معرفة جيدة بالأدب، قرأ النحو على أبي منصور الجواليقي وغيره، وكان فاضلاً عارفاً حسن الأمر مليح الخط جيد الضبط، قد كتب من كتب الأدب الكثير الذي يفوق الحصر.

علي بن بريد
أبو دعامة القيسي أبو الحسن، أحد الكبراء من الأدباء الرواة النبلاء، مات - أخلي موضعه - ، ذكره الأمير أبو نصرٍ فقال: وعلي بن بريدٍ أبو دعامة القيسي صاحب أدبٍ وهو بكنيته مشهور، وله أخبار كثيرة، روى عن أبي نواسٍ وأبي العتاهية، روى عنه ابن أبي طاهرٍ وعون بن محمدٍ الكندي وغيرهما.
علي بن بسام
أبو الحسن من أهل الأندلس، له كتاب الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة - يعني جزيرة الأندلس - في سبعة أسفار.
علي بن ثروان بن الحسن الكندي
أبو الحسن، وهو ابن عم تاج الدين أبي اليمن زيد ابن الحسن الكندي شيخنا، ذكره العماد في الخربدة قال: واصله من الخابور قال: ورأيته بدمشق مشهوداً لفضله بالوفور، مشهوراً بالمعرفة بين الجمهور، موثوقاً بقوله، مصبوحاً مغبوقاً من نور الدين بطوله، وكان أديباً فاضلاً أديباً كاملاً، قد أتقن اللغة وقرأ الأدب على أبي منصورٍ الجواليقي وغيره من معاصريه، وله شعر كثير قال: ولم يقع إلى ما أشد يد الانتقاد عليه، ومات بدمشق بعد سنة خمسٍ وستين وخمسمائةٍ. وكتب على بابه هذين البيتين:
حضر الكندي مغناكم فلم ... يركم من بعد كدٍ وتعب
لو رآكم لتجلى همه ... ونثني عنكم بحسن المنقلب
وله من قصيدة:
هنك الدمع بصوب الهتن ... كل ما أضمرت من سرٍ خفي
يا أخلائي على الخيف أما ... تتقون الله في حث المطي
علي بن جعفرٍ الكاتب
أبو الحسن الفارسي الكاتب النحوي الشاعر، قال الحاكم في كتاب نيسابور: وكان من أعيان الأدباء ومن أهل العلم، علقت عنه من كلامه ولم أعرفه بالرؤية سكن نيسابور. قال الحاكم: سمعت أبا الحسن الفارسي يقول: إن الليم إذا لم يصطنع تجنى، كما أنشدونا لعلي بن الجهم:
وخافوا أن يقال لهم خذلتم ... أخاكم فادعوا قدم الجفاء
قال: سمعت أبا الحسن الكاتب يقول: كتب حميد ابن مهران إلى أبي أيوب الهاشمي يستزيره:
أقيك الردى يا قريع الورى ... ومن حل من هاشمٍ في الذرى
ويفديك من وده في المغيب ... إذا امتحن الود واهي القوى
وصالك يعدل صدق الرجاء ... وصفو المدام وطعم الكرى
فقد تاقت النفس من وامقٍ ... إلى أن يراك فماذا ترى؟
علي بن جعفر بن علي السعدي
يعرف بابن القطاع الصقلي، وكان مقيماً بالقاهرة من مصر، يعلم ولد الأفضل بن أمير الجيوش بدرٍ الجمالي وزير الملقب بالآمر بالله الذي كان بمصر متغلباً، ومات ابن القطاع سنة أربع عشرة وخمسمائةٍ بمصر، ومولده سنة ثلاثٍ وثلاثين وأربعمائةٍ، وكان إمام وقته ببلده وبمصر في علم العربية وفنون الأدب. قرأ على أبي بكرٍ محمد بن البر الصقلي.
وكان مما روي عنه كتاب الصحاح لإسماعيل بن حمادٍ الجوهري، ومن طريقة اشتهرت رواية هذا الكتاب في جميع الآفاق، ولابن القطاع عدة تصانيف منها: كتاب الجوهرة الخطيرة في شعراء الجزيرة - يعني جزيرة صقلية - اشتملت على مائة وسبعين شاعراً وعشرين ألف بيتٍ شعر، وكتاب الأسماء في اللغة جمع فيه أبنية الأسماء كلها، وكتاب الأفعال هذب فيه أفعال ابن القوطية وأفعال ابن طريفٍ وغيرهما في ثلاث مجلداتٍ، وله حواشٍ على كتاب الصحاح نفيسة وعليها اعتمد أبو محمد بن بري النحوي المصري فيما تكلم عليه من حواشي الصحاح، وكتاب فرائد الشذور وقلائد النحور في الأشعار، وكتاب العروض والقوافي، وكتاب ذكر تاريخ صقلية، وكتاب أبنية الأسماء والأفعال. ولابن القطاع أشعار ليست على قدر علمه ومن أجودها قوله:
إياك أن تدنو من روضةٍ ... بوجنتيه تنبت الوردا
واحذر على نفسك من قربها ... فإن فيها أسداً وردا
ومنه:
ألا إن قلبي قد تضعضع للهجر ... وقلبي من طول الصدود عل الجمر

تصارمت الأجفان منذ صرمتني ... فما تلتقي إلا على دمعةٍ تجري
ومنه:
يا رب قافيةٍ بكرٍ نظمت بها ... في الجيد عقداً بدر المجد قد رصفا
يود سامعها لو كان يسمعها ... بكل أعضائه من حسنها شغفا

الجزء الثالث عشر
علي بن الحسن الأحمر صاحب الكسائي
قال الجعابي: قال محمد بن يحيى الصولي: الأحمر أبو الحسن على بن الحسن مؤدب الأمين لم يصر إلى أحد قط من التأديب ما صار إليه. وقال محمد بن داوود: الأحمر اسمه على بن المبارك، ومات الأحمر فيما ذكره الصولي عن أحمد بن فرج قال: سمعت أبا سعيد الطوال يقول: مات الأحمر قبل الفراء بمدة، قال: أحسبه سنة أربع وتسعين ومائة، ومات الفراء سنة مائتين وأربع.
وحدث المرزباني قال: روى عبد الله بن جعفر عن علي بن مهدي الكسروي، عن ابن قادم صاحب الكسائي قال: كان الأحمر صاحب الكسائي رجلا من الجند من رجال النوبة على باب الرشيد، وكان يحب علم العربية ولا يقدر على مجالس الكسائي إلا في أيام غير نوبته، وكان يرصد مصير الكسائي إلى الرشيد ويعرض له في طريقه كل يوم، فإذا أقبل تلقاه وأخذ بركابه ثم أخذ بيده ومائاه إلى أن يبلغ الستر، وساءله في طريقه عن المسألة بعد المسألة، فإذا دخل الكسائي رجع إلى مكانه، فإذا خرج الكسائي من الدار تلقاه من الستر وأخذ بيده وماشاه يسائله حتى يركب ويجاوز المضارب ثم ينصرف إلى الباب، فلم يزل كذلك يتعلم المسألة بعد المسألة حتى قوى وتمكن وكان فطناً حريصاً، فلما أصاب الكسائي الوضح في وجهه وبدنه كره الرشيد ملازمته أولاده، فأمر إن يرتاد لهم من ينوب عنه ممن يرتضى به، وقال: إنك كبرت ونحن نحب إن نودعك ولسنا نقطع عنك جاريك، فجعل يدافع بذلك ويتوقى إن يأتيهم برجل فيغلب على موضعه، إلى إن ضيق عليه الأمر وشدد وقيل له: إن لم تأتنا أنت من أصحابك برجل ارتدنا نحن لهم من يصلح، وكان قد بلغه إن سيبوبه يريد الشخوص إلى بغداد والأخفش، فقلق لذلك ثم عزم على إن يدخل إلى أولاد الرشيد من لا يخشى ناحيته ومن ليس ممن اشتد من أصحابه، فقال للأحمر: هل فيك خير؟ قال: نعم، قال: قد عزمت إن أستخلفك على أولاد الرشيد، فقال الأحمر: لعلي لا أفي بما يحتاجون إليه، فقال الكسائي: إنما يحتاجون في كل يوم إلى مسألتين في النحو واثنتين من معاني الشعر وأحرف من اللغة، وأنا ألقنك في كل يوم قبل إن تأتيهم ذلك فتحفظه وتعلمهم، فقال: نعم.
فلما ألحوا عليه قال: قد وجدت من أرضاه، وإنما أخرت ذلك حتى وجدته وأسماه لهم. فقالوا: إنما اخترت لنا رجلاً من رجال النوبة ولم تأت بأحد متقدم في العلم، فقال: ما أعرف أحداً في أصحابي مثله في الفهم والصيانة، ولست أرضى لكم غيره، فأدخل الأحمر إلى الدار وفرش له البيت الذي فيه بفرشٍ حسنٍ، وكان الخلفاء إذا أدخلوا مؤدباً إلى أولادهم فجلس أول يوم أمروا بعد قيامه بحمل كل ما في المجلس إلى منزله مع ما يوصل به ويوهب له.
فلما أراد الأحمر الانصراف إلى منزله دعى له بحمالين فحمل معه ذلك كله مع بز كثير، فقال الأحمر: والله ما يسع بيتي هذا، ومالنا إلا غرفة ضيقة في بعض الخانات ليس فيها من تحفظه غيري، وإنما يصلح مثل هذا لمن له دار وأهل. وكل شيء وما يشاكله، فأمر بشراء دار له وجارية وحمل على دابة ووهب له غلام وأقيم له جار ولمن عنده، فجعل يختلف إلى الكسائي كل عشية ويتلقن ما يحتاج إليه أولاد الرشيد ويغدو عليهم فيلقنهم، وكان الكسائي يأتيهم في الشهر مرة أو مرتين فيعرضون عليه بحضرة الرشيد ما علمهم الأحمر ويرضاه، فلم يزل الأحمر كذلك حتى صار نحويا وجلت حاله، وعرف بالأدب حتى قدم على سائر أصحاب الكسائي، ولم يكن قبل ذلك له ذكر ولا يعرف.
وحدث محمد بن الجهم السمري قال: كنا إذا أتينا الأحمر تلقانا الخدم فندخل قصراً من قصور الملوك فيه من فرش الشتاء في وقته ما لم يكن مثله إلا دار أمير المؤمنين، ويدفع إلينا دفاتر الكاغد والجلود قد صقلت، والمحابر المخروطة والأقلام والسكاكين ويخرج إلينا وعليه ثياب الملوك ينفخ منها رائحة المسك والبخور فيلقانا بوجه منطلق وبشر حسن حتى ننصرف. ونصير إلى الفراء فيخرج إلينا معبساً قد اشتمل بكسائه فيجلس لنا على بابه ونجلس في التراب بين يديه فيكون أحلى في قلوبنا من الأحمر وجميل فعله.

وحدث سلمة قال: كان الأحمر قد أملى على الناس شواهد النحو، فأراد الفراء إن يتممها فلم يجتمع له أصحاب الكسائي كما اجتمعوا للأحمر، فقطع ولم يعرض له. قال عبد الله بن جعفر: أخبرنا غير واحد عن سلمة ابن عاصم صاحب الفراء قال: كان بين الفراء والأحمر تباعد وجفاء، فحج الأحمر فمات في طريق مكة فقيل للفراء: إن الأحمر قد نعى إلى أهله فاسترجع وتوجع وترحم عليه وجعل يقول: أما والله لقد علمته صدوقاً سخياً ذكياً عالماً ذا مروءة ومودة - رضي الله عنه - فقيل له: أين هذا مما كنت تقول فيه بالأمس؟ قال: والله ما يمنعني ما كان بيني وبينه إن أقول فيه الحق، وما تعديت فيه قط في قول، ولا تحريت فيه إلا الصدق قبل والآن.
وأنشد إسحاق الموصلي قال: أنشدني الأحمر غلام الكسائي لنفسه:
وفتيان صدق عوا للندى ... وفاض السرور بأرض الطرب
وهي أربعة أبيات قال: وقرأت له أيضاً أبياتاً يسيرة ضعيفة.
وقال أبو محمد اليزيدي يهجو الكسائي والأحمر:
أفسد النحو الكسائ ... ي وثنى ابن غزاله
وأرى الأحمر تيساً ... فاعلفوا التيس النخالة
قال ثعلب: كان الأحمر يحفظ الأربعين ألف بيت شاهد في النحو سوى ما كان يحفظ من القصائد، وكان مقدما على الفراء في حياة الكسائي، وله من التصانيف: كتاب التصريف، كتاب تفنن البلغاء.

على بن الحسن الهنائي
المعروف بكراع النمل. منسوب إلى هناءة بن مالك ابن فهم بن غنم بن دوس بن عدنان بن عبد الله بن زهران بن كعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله بن مالك بن نصر بن الأزد أبو الحسن اللغوي مات - أخلى موضعه - . وجدت خطه على المنضد من تصنيفه، وقد كتبه في سنة سبع وثلاثمائة. متقدم العصر في أيام ابن در يد، ذكره محمد ابن إسحاق النديم فقال: هو من أهل مصر وكان كوفيا وأخذ عن البصريين ويعرف بالرواسي قبيلة من الأزد، وكتبه مصر موجودة مرغوب فيها. وقال غيره: له من التصانيف: كتاب المنضد أورد فيه لغةً كثيرةً مستعملةً وحوشيةً، ورتبه على حروف ألف ياء تاء ثاء إلى آخر الحروف، ثم اختصره في كتاب المجرد، ثم اختصره في كتاب المنجد. وله كتاب أمثلة الغريب على أوزان الأفعال فيه غريب اللغة، وكتاب المصحف، وكتاب المنظم.
على بن الحسن بن فضيل بن مروان
فارسي الأصل، ذكره محمد بن اسحاق النديم وقال: له من الكتب: كتاب الأصنام وما كانت العرب والعجم تعبد من دون الله عز وجل.
على بن الحسن بن عبد الرحمن المقرئ
ذكره محمد بن جعفر التميمي المعروف بابن النجار في تاريخ الكوفة فقال: وانتهى تاريخ قراءة عاصم إلى الطبقة الثامنة، وهو على بن الحسن بن عبد الرحمن المقرئ، وكان شيخاً مباركاً تلقن عليه خلق عظيم، وحدثني أبو الحسن بن سعيد قال: كان يحضر مجلسه فوق ألف نفسٍ في كل يومٍ، وكان السبق من العصر يبيت الناس للدرس، وحفظ خلقاً عظيماً القران، وآخر من شاهدنا منهم أبو العباس محمد بن الحسن بن يونس الهذلي، وكان عجيب المنى لفاظاً بالقران متمكناً من اللسان، وقد قرأ بالسبعة من عدة وجوهٍ، وقرأ بالشواذ أبو الحسين بن أبي بلال البندار، وهو ألف قراءة على بن حسن أحسن تأليفٍ وصنفها أتقن تصنيفٍ. ومن رجال على بن الحسن أبو العباس المعروف بابن المزرفي المخزومي الخراز وكان أحد الأبدال الزهاد، وختم عليه خلق عظيم منهم أبو الحسن السمسماني المعدل.
على بن الحسن يلقب بابن الماشطة
الكاتب، يكنى أبا الحسن، ذكره محمد بن إسحاق وقال: يلقب بابن الماشطة ظلماً، كان في أيام المقتدر، وله صناعة في الخراج وتقدم في الحساب، وله من التصانيف: كتاب جواب المعنت، كتاب الخراج لطيف كتاب تعليم نقض المؤامرات.
قال المرزباني: أبوالحسن على بن الحسن بن الماشطة الكاتب، أحد الكتاب المتصرفين في أعمال السلطان العالمين بأمور الكتبة والخراج، ورأيته شيخاً كبيراً بعد العشر والثلاثمائة، وجاوز التسعين وقال:
إذا عمر الإنسان تسعين حجةً ... فأبلغ به عمراً وأجدر به شكرا
لأن رسول الله قد قال معلنا: ... إلا أن ربي واعد مثله غفرا
وقال: وكان قد عزل عن عمل كان إليه وحبس:
قالوا حبست فقلت: الحبس لاعجب ... حبس الكرامة لاحبس الجنايات

حبس العمالة بعد العزل عادتنا ... ريث التتبع أو رفع الجماعات
وله:
إذا ضاق صدري بالحديث أفضته ... إلى الأخ والإخوان كي أجد الرشدا
فإن كتموه كان حزماً مؤيداً ... وإن أظهروه لم أخن لهم عهدا
وقلت اشتركنا في الخطايا بذكره ... فألزمته نفسي لأن لها المبدا
قال أبو علي التنوخى: حدثني أبو الحسن على بن هشام: سمعت على بن الحسن الكاتب المعروف بابن الماشطة، وهو صاحب الكتاب المعروف بجواب المعنت في الكتابة، وعاش حتى بلغ مائة سنةٍ، وكان قد تقلد مكان أبي في أيام حامدٍ لما غلب على بن عيسى على الأمور قال: سمعت الفضل بن مروان وزير المنتصر بالله بن المتوكل وذكر خبراً وقال في موضع آخر: حدثني أبو الحسن الكاتب المعروف بابن الماشطة وكان يتقلد قديماً العمالات ثم صار من شيوخ الكتاب، وتقلد في أيام حامد بن عباس ديوان بيت المال.

على بن الحسن بن محمد بن يحيى
يعرف بعلأن المصري، ذكره أبو بكر الزبيدي في كتابه فقال: كان نحوياً من ذوي النظر والتدقيق في المعاني، وكان قليل الحفظ لأصول النحو، فإذا حفظ الأصل تكلم عليه فأحسن وجود في التعليل ودقق القول ماشاء، مات في شوال سنة سبع وثلاثين وثلاثمائة.
على بن الحسن بن حبيب اللغوي
أبو الحسن الصقلي. ذكره ابن القطاع فقال: أحد رجال اللغة المعدودين والعلماء بها المبرزين وممن تناول الرمى البعيد بقرب فهمٍ، وأوضح المبهمات بنور علمٍ، وكان مضطلعاً بنقد الشعر ومعانيه، ناهضاً بأعباء الغريب ومبانيه، فمن شعره قوله:
أهاب الكأس أشربها وإنى ... لأجرأ من أسامة في النزال
أراوغها مراوغة كأني ... ألاقي عند ذاك شبا العوالي
على بن الحسن بن حسول
ٍ
أبو القاسم، من كلام ابن حسول رقعة كتبها إلى الصاحب بن عباد يسترضيه في شيءٍ وجده عليه: مولانا الصاحب الأجل كافي الكفاة كالبحر يتدفق، والعارض يتألق، فلا عتب على من لايرويه سيب غواديه إن يستشرف للرائحات الرواعد من طوله، فيشيم بوارقها ويستمطر سحابها، والله تعالى يديم احياء الخلق بصوب حيائه، وديم إنوائه المنهلة من فتوق سمائه. وكان غاية مارجاه خادمه وتمناه إن يسلم على بلايا أحدقت به، ومنايا حدقت إليه، وأجل نازل أمله، وسيفٍ صقيلٍ تلمظ له، وحين كفاه مولانا من ذلك ماكفاه آخذاً بيديه، وباسطا جناح رحمته عليه، طالبته نفسه بتوقيعه العالي، ليتوقى به وقائع الليالي. فتصدق أدام الله تمكينه عليه بتوقيعين في مدة أسبوعين أنقذاه مغموراً، وأنشراه مقبوراً، وقد أبطرته الآن النعمة، ونزت به البطنة، وأطمعته في توقيعٍ ثالثٍ، فطمع وأصدر كتابه هذا وأنتظر، فإن رآى مولاى إن يحقق رجاءه ويستغنم دعاءه ودعاء من وراءه فعل إن شاء الله عز وجل، فوقع الصاحب على ظهرها: سيدي أبو القاسم - أيده الله - ، قدم حرمةً، وأتبع عثرةً، وأظهر أنابةً، فاستحق إقالةً، فعاد حقه طرياً كان لم يخلق، وظنه قوياً كان لم يخفق، ولو حضر لأظهرت مبسم الرضا عليه، بما أصرفه من مزيد البسطة إليه، وإذا قد غبت فأنت لي يد حق ولسان صدق، فنب في ذلك مناباً يمحو آثار السخط كان لم تشهد، ويرخص أخبار العتب كان لم تعهد، هذا وأحسب توقيعي كافياً فيما أمله، ومغنياً فيما أناله أمله إن شاء الله عز وجل.
على بن الحسن القهستاني

أبو بكر العميد، أحد من أشرق بنور الآداب شمسه، وتقدم وإن تأخر زمانه بالفضل يومه وأمسه، وسما بفضل أدبه كل أفاضل جنسه، مشهور في أهل خراسان، مذكور معروف بينهم لايجهل قدره، ولايطمس بدره. وكان قد اتصل في أيام السلطان محمود ابن سيكتكين بولده محمد بن محمود في أيام أبيه لما قلده الخوزستان، وكان يميل إلى علوم الأوائل، ويدمن النظر في الفلسفة، فقدح في دينه ومقت لذلك. وكان كريماً جواداً ممدحاً، ولى الولايات الجليلة. وله أشعار فائقة ورسائل رائقة، وكان كثير المزاح، راغبا في اللهو والمراح، له في ذلك خاطر وقاد، وحكايات متداولة. وقد دونت رسائله، وشاعت فضائله، وكان يدمن المزاح حتى في مجلس نظره، وكان يعاتب على ذلك فلا يدعه لغلبة طبعه عليه. وكان قد تولى العرض فجرى يوما بين يديه في مجلس العرض ذكر المعمى فقال: قد كان عندي البارحة جماعة - سماهم - من أهل الأدب، فألقيت عليهم مثالاً يصعب استخراج مثله، فوقفوا فيه وهو:
مليحة القد والأعطاف قد جعلت ... في الحجر طفلا له رأسان في جسد
قد ضيقت منه أنفاس الخناق بلا ... جرمٍ وتضربه ضرباً بلا حرد
فتسمع الصوت منه حين تضربه ... كأنه خارج من ماضغ الأسد
ثم قال: لقد ساءني والله فلان - لرجل أسماه - إذ لم يفهم هذا القدر. فقال له غلام أمرد من أولاد الكتاب كان يتعلم في ديوانه: قد عرفت - أطال الله - بقاء الشيخ العميد هذا المعمى وهو الطبل: فقال له مبادراً كأنه كان قد أعد له ذلك: عهدي بك تستدخل الأعور، فكيف صرت تستخرج الأعمى؟ فخجل الغلام وضحك الحاضرون.
قال ابن عبد الرحيم: وحدثني أبو الفضل قال: بلغني إن القهستاني أنشد مرة بحضرة السلطان محمد بن محمود بيتاً من المعمى فلم يعرفه هو ولاندماؤه وهو:
دقيقة الساق لاعروق لها ... تدوس رزق الورى بهامتها
فقال له محمد: مانفهم هذا ولانعرف شيئاً يشبهه ففسره. قال: هو مغرفة الباقلأني يغرف بها الماء ويهشم برأسها الخبز والثريد وهو رزق الورى، فاستبرده وثقل عليه عدم فهمه له، وهو لعمري مستبرد حقيقةً. قال: وحدثني إن هذا الرجل كان يتميز على أهل خراسان بحسن الأخلاق والسخاء وكثرة المعروف والعطاء، وكان الشعراء يقصدونه دائماً لما اشتهر من سماحته وفائض مروءته، فأنشده بعض الشعراء قصيدةً باردةً غير مرضيةٍ فغفل عنه وأخر صلته، فكتب بيتين في رقعةٍ وسأل الدواتى إن يتركها في دواته، ففعل وكان البيتان:
أبا بكر هجوتك لالطبعي ... فطبعي عن هجاء الناس ناب
ولكني بلوت الطبع فيه ... فإن السيف يبلى في الكلاب

فوقعت بيد العميد بعد أيام، فلما وقف عليها استحسنها وسأل الدواتي عن الرجل فعرفه إياه فأمر بطلبه، فقيل له إنه سافر، فأرسل خلفه من استعاده من عدة فراسخ، فلما دخل إليه قام له وأكرمه وتلقاه بالإجلال وقال: لوكان مديحك كهجائك لقاسمتك نعمتي، فإني ما سمعت بأحسن من هذين البيتين، ووصله وأحسن جائزته، فاستجرأ الناس عليه وقالوا: إنه لايثيب إلا على الهجاء. قال: وكان أبو بكر القهستاني لهجاً بالغلمان شديد الميل إليهم، وكان لمحمد بن محمود سبعمائة غلامٍ في خيله فعلق العميد أحدهم وأحبه حباً مفرطاً ولم يستجرئ أن يبدى ذلك لما فيه من سوء العاقبة، فاتفق أن عاد الغلمان يوماً من بعض التصيدات فلقيهم العميد في صحن الدار فسلموا عليه وقرب ذلك الغلام منه وكان قد عرف ميله إليه فقرص فخذه، وكان محمد مشرفاً عليهم ينظر إلى ذلك، فنزل واستدعى الخدم وأمرهم بضربه فضربوه ضرباً مسرفاً ثم انفذه إلى العميد وقال له: قد وهبناه منك وصفحنا عن ذنبك، فلو لم يساعدك هذا ألفاً جر على ذلك لما أمكنك فعله، ولكن لاتعد إلى مثل هذا، فاستحيا العميد وقال: هذا أعظم من الضرب والأدب وتأخر عن داره حياءً فانفذ محمد واستدعاه وبسطه حتى زال إنقباضه، وكان محمد لا رأى له في الغلمان ولاميل عنده إليهم، وكان لمعرفته بمحبة العميد لهم لا يزال يهب منه واحداً بعد واحدٍ، وشكا الخدم إلى محمدٍ إن بعض الغلمان الدارية يمكن باقي الغلمان من وطئه ولايمتنع عليهم من الغشيان فقال: أيفعل هذا طبعاً أم يستجعل عليه؟ فقالوا: بل يستجعل عليه، فتقدم بإخراجه وإنفاذه إلى العميد وقال: قولوا له هذا بك أشبه لابنا، فخذه مباركاً لك فيه، وقال أبو بكر العميد في الميمندي وزير محمود:
ولقد سئمت من الوزي ... ر ومن ذويه زائدة
وغسلت من معروفهم ... كلتا يدي بواحدة
وضربتهم عرض الجدا ... ر فليس فيهم فائدة
ومن مشهور قوله:
ومعقرب الأصداغ في ... خديه ورد ينتثر
لاعبته بالكعبتي ... ن مسامحاً حتى قمر
فازداد حسناً وجهه ... لما رأى حسن الظفر
فنعرت نعرة عاشق ... قمر القمر قمر القمر
وله:
ومقرطق في صحن غرة وجهه ... متصرف صرف الجمال وتحته
عاقرته أسكرته قبلته ... جدلته فقحته سرحته
وله من أبيات كان يغني بها في حضرة الأمير محمد بن محمود:
قم يا خليلي فاسقني ... كشعاع خدك من شراب
فلقد يمر العيش من ... قرضاً ولامر السحاب
فانعم بعيشك مااستطع ... ت ولاتضع شرخ الشباب
فلكم أضعت من الشبا ... ب ومااستفدى سوى اكتئاب
قال ابن عبد الرحيم: ثم ورد العميد إلى بغداد في أوائل سني نيفٍ وعشرين وأربعمائةٍ، ومدح أمير المؤمنين القادر بالله والأجل عميد الرؤساء أبا طالب بن أيوب كاتبه، ثم خرج من بغداد، وبلغني الآن في سنة إحدى وثلاثين إنه اتصل بالملوك السلجوقية الغز المتملكين على خراسان وخوارزم والجبل، وإنهم عرضوا عليه الخدم الجليلة فاختار منها ما يظن معه سلامة العاقبة والخلاص من التبعة، ومن قصيدته في القادر:
ولم يرني ذو منةٍ غير خالقي ... وغير أمير المؤمنين ببابه
غنينا بلا دنيا عن الخلق كلهم ... وإن ما الغنى إلا عن الشيء لابه
ومما بلغني من شعره:
رأيت عماراً وليتى لم أره ... حاز لتلك الطلعة المنكرة
لاأحمد الله على خلقه ... فلو أراد الحمد ما صوره
وله يهجو ابن كثير العارض:
فلسنا نرجى الخير من ابن واحدٍ ... فكيف نرجيه من ابن كثير
وله فيه:
وطول بلا طولٍ ... وعرض بلا عرض
وهجاه بأبيات تصحف:
مالي وهذا العارض بن كثيرٍ ... شيخ العميد وماله يشناني
وهو الفؤاد بروحه وأحبه ... ويتيه أين رأيته وراني
ويغض من قدري ويخمل جاهداً ... ذكري ويخفي في الجنان جناني
يريد في الخنان خناني.

على بن الحسن بن الوحشي

النحوي الموصلي أبو الفتح. قال السلفي: أنشدني أبو الفرج هبة الله ابن محمد بن المظفر بن الحداد الكاتب بثغر آمد قال: أنشدني ابن الوحشي النحوي لنفسه:
أبكي على الربع قد أقوى كأني من ... سكانه أو كان مازلت أعمره
لاتلحني في بكائيه فساكنه ... لم ألفه هاجري يوماً فأهجره

على بن الحسن السنخي
بن علي بن أبي الطيب، الباخرزي السنخي أبو الحسن، - وقال: أبو الحسن البيهقي كنية الباخرزي أبو القاسم وهو الصحيح - . وباخرز من نواحي نيسابور، ذكره العماد الكاتب في الخريدة فقال: وهو الذي صنف كتاب دمية القصر في شعراء العصر، قال: وطالعت هذا الكتاب بأصفهان في دار الكتاب التي لتاج الملك بجامعها، وبعثني ذلك على تأليف كتابي هذا، - يعني كتابه الذي نقلت هذا منه، وسماه خريدة القصر في شعراء العصر - . قال: ومات في سنة سبع وستين وأربعمائة. قال: قتل في مجلس إنس بباخرز وذهب دمه هدراً قال: وكان واحد دهره في فنه، وساحر زمانه في قريحته وذهنه، صاحب الشعر البديع، والمعنى الرفيع، وأثنى عليه قال: ولقد رأيت أبناء العصر بأصفهان مشغوفين بشعره، متيمين بسحره، وورد إلى بغداد مع الوزير الكندري، وأقام بالبصرة برهة ثم شرع في الكتابة معه مدة، واختلف إلى ديوان الرسائل وتنقلت به الأحوال في المراتب والمنازل، وله ديوان كبير ومما أورده في دمية القصر لنفسه:
ولقد جذبت إلى عقرب صدغها ... فوجدتها جرارة مجرورة
وكشفت ليلة جلوة عن ساقها ... فرأيتها ممكارةً ممكورةً
قال: ومما أنشدت من شعره قوله:
زكاة رؤس الناس في عيد فطرهم ... يقول رسول الله صاع من البر
ورأسك أغلى قيمةً فتصدقي ... بفيك علينا فهو صاع من الدر
وقال في عذار غلام يكتب خطاً مليحاً:
وقد قلت لما فاق خط عذاره ... في الحسن خط يمينه المستملحا
من يكتب الخط المليح لغيره ... فلنفسه لاشك يكتب أملحا
وله:
قالوا التحى ومحا الإله حماله ... وكساه ثوب مذلةً ومحاق
كتب الزمان على محاسن خده ... هذا جزاء معذب العشاق
وله:
ما أنت بالسبب الضعيف وإنما ... نجح الأمور بقوة الأسباب
فاليوم حاجتنا إليك وإنما ... يدعى الطبيب لكثرة الأوصاب
وله:
يروقك بشراً وهو جذلان مثلما ... تخاف شباه وهو غضبان محنق
كذا السيف في أطرافه الموت كامن ... وفي متنه ضوء يروق ورونق
وله:
قالت وقد ساءلت عنها كل من ... لاقيته من حاضرٍ أو بادي
أنا في فؤادك فارم طرفك نحوه ... ترني فقلت لها وأين فؤادي
وقال يصف الشتاء والبرد:
لبس الشتاء من الجليد جلودا ... فالبس فقد برد الزمان برودا
كم مؤمن قرصته أظفار الشتا ... فغدا لأصحاب الجحيم حسودا
وترى طيور الماء في أرجائها ... تختار حر النار والسفودا
فإذا رميت بسؤر كأسك في الهوا ... عادت عليك من العقيق عقودا
يا صاحب العودين لا تهملهما ... حرق لنا عوداً وحرك عوداً
ومن غير كتاب الخريدة مما روى له:
إنسان عيني قط ما يرتوى ... من ماء وجه ملحت عينه
كذلك الإنسان مايرتوى ... من شرب ماء ملحت عينه
قال السمعاني: ولما ورد إلى بغداد مدح القائم بأمر الله بقصيدته التي صدرها ديوانه وهي:
عشنا إلى إن رأينا في الهوى عجبا ... كل الشهور وفي الأمثال عش رجبا
أليس من عجبٍ إنى ضحى ارتحلوا ... أوقدت من ماء دمعي في الحشا لهبا
وإن أجفان عيني أمطرت ورقاً ... وإن ساحة خدى أنبتت ذهبا
وإن تلهب برق من جوانبهم ... توقد الشوق في جنبي والتهبا
قال: فاستهجن البغداديون شعره وقالوا: فيه برودة العجم، فأنتقل إلى الكرخ وسكنها وخالط فضلاءها وسوقتها مدةً وتخلق بأخلاقهم، واقتبس من اصطلاحاتهم ثم أنشأ قصيدته التي أولها:

هبت على صباً تكاد تقول ... إني إليك من الحبيب رسول
سكرى تجشمت الربى لتزورني ... من علتي وهبوبها تعليل
فاستحسنوها وقالوا: تغير شعره ورق طبعه، ومن شعره:
حمل العصا للمبتلى ... بالشيب عنوان البلى
وصف المسافر إنه ... ألقى العصا كي ينزلا
فعلى القياس سبيل من ... حمل العصا إن يرحلا
وذكر أبو الحسن بن أبي القاسم زيد البيهقي في كتاب مشارب التجارب، وأخبار الوزير أبي نصر الكندري - وكندر قرية من أعمال طريثيث - قال: كان الشيخ على بن الحسن الباخرزي شريكه في مجلس الإفادة من الإمام الموفق النيسابوري في سنة أربع وثلاثين وأربعمائة، فجاءه الشيخ على بن الحسن فقال مداعباً:
أقبل من كندر مسيخرة ... للنحس في وجهه علامات
يحضر دور الأمير وهو فتىً ... موضع أمثاله الخرابات
فهو جحيم ودبره سعةً ... كجنة عرضها السموات
قال: وكان أول عمل الكندري حجبة الباب ثم تمكن في أيام السلطان طغرلبك وصار وزيرا محكماً تمكن أيام السلطان طغرلبك وصار وزيراً محكماً فورد عليه الشيخ على بن الحسن وهو ببغداد في صدر الوزارة في ديوان السلطان، فلما رآه الوزير قال له: أنت صاحب أقبل؟ فقال له: نعم، فقال الوزير: مرحباً وأهلاً فإني قد تفاءلت بقولك أقبل، ثم خلع عليه قبل إنشاده وقال له: عد غداً وأنشد، فعاد في اليوم الثاني وأنشد هذه القصيدة:
أقوت معاهدهم بشط الوادى ... فبقيت مقتولاً وشط الوادى
وسكرت من خمر الفراق ورقصت ... عيني الدموع على غناء الحادي
ومنها:
في ليلة من هجره شتوية ... ممدودةٍ مخضوبةٍ بمداد
عقمت بميلاد الصباح وإنها ... في الامتداد كليلة الميلاد
ومنها:
غر الأعادي منه رونق بشره ... وأفادهم برداً على الأكباد
هيهات لايخدعهم إيماضه ... فالغيظ تحت تبسم الأساد
فالبهو منه بالبهاء موشح ... والسرح منه مورق الأعواد
وإذا شياطين الضلال تمردوا ... خلاهم قرناء في الأصفاد
فلما فرغ من إنشاد هذه القصيدة قال عميد الملك لأمراء العرب: لنا مثله في العجم، فهل لكم مثله في العرب؟ ثم أمر له بألف دينار مغربية قال: وكان السلطان طغرلبك قد بعث وزيره الكندري وكيلا في العقد على بنت خوارزمشاه فوقع إرجاف ورفع إلى السلطان إن عميد الملك زوجها من نفسه وخان، وكان من أمرهما ماكان، فتغير رأس السلطان عليه فحلق عميد الملك لحيته وجب مذاكيره حتى سلم من سياسة السلطان، فمدحه الشيخ على بن الحسن بهذا النقصان وما سبقه بهذا المعنى أحد حيث قال:
قالوا محا السلطان عنه بعدكم ... سمة الفحول وكان قرماً صائلا
قلت اسكتوا فالآن زاد فحولةً ... لما اغتدى عن إنثييه عاطلا
فالفحل يأنف إن يسمى بعضه ... إنثى لذلك جذه مستأصلا
ولما قتل السلطان البرسلان الوزير أبا نصر الكندري قال الباخرزي يخاطب السلطان:
وعمك أدناه وأعلى محله ... وبوأه من ملكه كنفاً رحبا
قضى كل مولى منكم حق عبده ... فخوله الدنيا وخولته العقبى
قال المؤلف: وهذا المعنى لطيف ومقصد ظريف، فلله در الشعراء وقرائحهم والأدباء ومنائحهم قال البيهقي: ومن العجائب إن الآت تناسل الكندري مدفونة بخوارزم، ودمه مصبوب بمرو الروذ، وجسده مقبور بقرية كندر من طريثيث، وجمجمته ودماغه مدفونان بنيسابور، وشواته محشوة بالتبن وقد نقلت إلى كرمان فدفنت هناك. وقال على بن الحسن الباخرزي في ذلك:
مفترقاً في الأرض أجزاؤه ... بين قرىً شتى وبلدان
جب خوارزم مذاكيره ... طغرلبك ذاك الملك الفاني
ومص مرو الروذ من جيده ... معصفراً يخضبها قاني
فالشخص في كندر مستبطن ... وراء أرما سٍ وأكفان
ورأسه طار ولهفى على ... مجثمه في خير جثمان
خلوا بنيسابور مضمونه ... وقحفه الخالي بكرمان

والحكم للجبار فيما مضى ... وكل يوم هو في شان
وقال في قصيدة له فائقة يمدح فقيها الشريف ذا المجدين أبا القاسم على بن موسى بن إسحاق بن الحسين بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ابن على ابن أبي طالب عليهم السلام، نقيب الطالبيين بمرو - وفيها ما يدل على إن كنية الباخرزي أبو القاسم - أولها:
حيالك من تحت ذيل الحبى ... شعاع كحاشية المشرفى
ويقول فيها:
وسقت الركائب حتى أنخن ... بسبط الأنامل سبط النبي
على بن موسى مواسى العفاة ... أبي القاسم السيد الموسوى
ومنها:
نماه الفخار إلى جده ... علىٍ فطار بجدٍ على
ولايتأشب عيص السرى ... إذا هو لم يكن ابن السرى
أبا القاسم ياقسيم السخاء ... إذا جف ضرع الغمام الحبى
وفدت إليك مع الوافدين ... وفود البشارة غب النعي
وزارك منى سمي كي ... فراع حقوق السمي الكني
فهذي القصيدة بكر تصل ... على نحرها حصيات الحلي
جعلت هواك جهازاً لها ... فجاءتك مائسةً كالهدى
سحرت بها ألسن السامرين ... ولم أترك السحر للسامري
ولما نشرت أفاويقها ... طوى الناس ديباجة البحتري
وقرأت بخط أبي سعد لأبي القاسم الباخرزي وكناه أبا الحسن:
يا فالق الصبح من لألأ غرته ... وجاعل الليل من أصداغه سكنا
لاغرو إن أحرقت نار الهوى كبدى ... فالنار حق على من يعبد الوثنا
وأنشد له وكناه أبا القاسم:
كتبت وخطى حاش وجهك شاهد ... بان بناني من أذى السقم مرتعش
ونفسي إن تأمر تعش في سلامة ... فأهد لها منك السلام ومرتعش

على بن الحسن بن علي بن صدقة
الوزير ابن الوزير أبو الحسن، لم يستقل بالوزراة إنما ناب عن أبيه، وكان أبوه وزير المسترشد، وكان في أبيه كفاية وشهامة، وهو أول من تولى الوزارة من بين صدقة، وكان أبوه يلقب جلال الدولة، وهو يلقب شرف الدولة، ولما مات جلال الدولة دخل الأقفاصى الشاعر الموصلي إلى قبره وقال وهو يبكى:
نزورك في ثوبي خشوعٍ وذلةٍ ... كانك ترجى في الضريح وترهب
ونلثم ترباً من رفيعٍ محجبٍ ... كما يلثم البيت الرفيع المحجب
وترثى بما قد كنت ممتدحاً به ... فيحزننا منك الذي كان يطرب
ومات جلال الدولة في جمادى الآخرة سنة ثلاث و ثلاثين وخمسمائة. وأما شرف الدولة فقال السمعاني في تاريخه: هو غزير الفضل وافر العقل، له معرفة باللغة، حسن الخط مليحه، دين خير مشغول بالعبادة والعزلة، سمع بقراءتي بمكة والمدينة وبغداد على المشايخ، وسمع أبا القاسم الربعي، كتبت عنه وسألته عن مولده فقال: في محرم سنة تسع وتسعين وأربعمائة. قلت أنا وهو الذي بنى الرباط المعروف برباط الدرجة على دجلة بالجانب الغربي، واعتزل فيه مع جماعة من الفقراء وترك الولايات إلى إن مات، وهو صاحب الخط المليح المنسوب على طريقة على بن هلال بن البواب، ومات في سابع صفرٍ سنة أربعٍ وخمسين وخمسمائةٍ.
على بن الحسن بن عنتر بن ثابت
المعروف بشميمٍ الحلى، أبو الحسن النحوي اللغوي الشاعر، مات في ربيع الأخر سنة إحدى وستمائة. أخبرني به العماد بن الحدوس العدل، وبمنزله مات بالموصل عن سن عالية، وهو من أهل الحلة المزيدية. قدم بغداد وبها تأدب، ثم توجه تلقاء الموصل والشام وديار بكر، وأظنه قرأ على أبي نزار ملك النحاة.

قال مؤلف الكتاب: وكنت قد وردت إلى آمد في شهور سنة أربع وأربعين وخمسمائة، فرأيت أهلها مطبقين على وصف هذا الشيخ، فقصدت إلى مسجد الخضر ودخلت عليه فوجدته شيخا كبيراً قضيف الجسم في حجرة من المسجد، وبين يديه جامدان مملوء كتباً من تصانيفه فحسب، فسلمت عليه وجلست بين يديه، فأقبل على وقال: من أين أنت؟ قلت من بغداد: فهش بي وأقبل يسائلني عنها وأخبره، ثم قلت له: إنما جئت لأقتبس من علوم المولى شيئاً، فقال لي: وأي علم تحب؟ قلت له: أحب علوم الأدب. فقال إن تصانيفي في الأدب كثيرة وذلك إن الأوائل جمعوا أقوال غيرهم وأشعارهم وبوبوها، وأما أنا فكل ماعندي من نتائج أفكاري، وكنت كلما رأيت الناس مجمعين على استحسان كتاب في نوع من الآداب استعملت فكري وأنشأت من جنسه ما أدحض به المتقدم. فمن ذلك إن أبا تمام جمع أشعار العرب في حماسته، وأما أنا فعملت حماسةً من أشعاري وبنات أفكاري، - ثم شنع أبا تمام وشتمه - ، ثم رأيت الناس مجمعين على تفضيل أبي نواس في وصف الخمر، فعملت كتاب الخمريات من شعري، لو عاش أبو نواس لاستحيا إن يذكر شعر نفسه لو سمعها، ورأيت الناس مجمعين على تفضيل خطب ابن نباتة فصنفت كتاب الخطب فليس للناس اليوم اشتغال إلا بخطبي، وجعل يزري على المتقدمين ويصف ويجهل الأوائل ويخاطبهم بالكلب، فعجبت منه وقلت له: فأنشدني شيئاً مما قلت، فابتدأ وقرأ على خطبة كتاب الخمريات فعلق بخاطري من الخطبة قوله: ولما رأيت الحكمي قد أبدع ولم يدع لأحد من أتباعه مطمعاً، وسلك في إفشاء سر الخمرة ماسلك، آثرت إن أجعل لها نصيباً من عنايتي مع ما إنني على علم الله لم ألمم لها بلثم ثغر إثمٍ مذ رضعت ثدي أمٍ. أو كما قال. ثم أنشدني من هذا الكتاب:
امزج بمسبوك اللجين ... ذهباً حكته دموع عيني
لما نعى ناعى الفرا ... ق ببين من أهوى وبيني
كانت ولم يقدر لشي ... ء قبلها إيجاب كون
وأحالها التحريم لم ... ا شبهت بدم الحسين
خفقت لنا شمسان من ... لآلائها في الخافقين
وبدت لنا في كأسها ... من لونها في حلتين
فاعجب هداك الله من ... كون اتفاق الضرتين
في ليلة بدأ السرو ... ر بها يطالبنا بدين
ومضى طليق الراح من ... قد كان مغلول اليدين
ذي زينة الأحياء في الد ... نيا وزينة كل زين
فاستحسنت ذلك، فغضب وقال لي: ويلك ماعندك غير الاستحسان؟ قلت له: فما أصنع يا مولانا، فقال لي: تصنع هكذا؟ ثم قام يرقص ويصفق إلى إن تعب ثم جلس وهو يقول: ما أصنع وقد ابتليت ببهائم لا يفرقون بين الدر و البعر، والياقوت والحجر، فاعتذرت إليه وسألته إن ينشدني شيئاً آخر، فقال لي: قد صنفت كتاباً في التجنيس، سميته أنيس الجليس في التجنيس، في مدح صلاح الدين لما رأيت استحسان الناس لقول البستي فأنا أنشدك منه، ثم أنشدني لنفسه:
ليت من طول بالش ... ام نواه وثوى به
جعل العود إلى الزو ... راء من بعض ثوابه
أترى يوطئني الدهر ... ثرى مسك ترابه
وأرى أي نور عيني ... موطئا لي وترى به
ثم أنشدني لنفسه في وصف ساقٍ:
قل لي فدتك النفس قل لي ... مإذا تريد إذاً بقتلي؟
أأدرت خمراً في كؤو ... سك هذه أم سم صل؟
وأنشدني غير ذلك مما ضاع من أصله، ثم سألته عمن تقدم من العلماء، فلم يحسن الثناء على أحد منهم، فلما ذكرت له المعرى نهرني وقال لي: ويلك كم تسيء الأدب بين يدي، من ذلك الكلب الأعمى حتى يذكر بين يدي في مجلسي؟ فقلت: يا مولانا ما أراك ترضى عن أحد ممن تقدم.

فقال: كيف أرضى عنهم وليس لهم ما يرضيني؟ قلت: فما فيهم قط أحد بما يرضيك؟ فقال: لا أعلمه إلا أن يكون المتنبي في مديحه خاصة، وابن نباتة في خطبه، وابن الحريري في مقاما ته فهؤلاء لم يقصروا. قلت له: يا مولانا قد عجبت إذ لم تصنف مقامات تدحض بها مقامات الحريري، فقال لي: يابني اعلم إن الرجوع إلى الحق خير من التمادي على الباطل. عملت مقاماتٍ مرتين فلم ترضى فغسلتها، وما أعلم إن الله خلقني إلا لأظهر فضل ابن الحريري، ثم سطح في الكلام وقال: ليس في الوجود إلا خالقان: فأحد في السماء وأحد في الأرض، فالذي في السماء هو الله، والذي في الأرض أنا، ثم التفت إلي وقال: هذا كلام لا يحتمله العامة لكونهم لا يفهمونه، أنا لا أقدر على خلق شيء إلا خلق الكلام فأنا أخلقه، ثم ذكر اشتقاق هذه اللفظة، فقلت له: أيا مولانا؟ أنا رجل محدث وإن لم تكن في المحدث جراءة مات بغصته، وأحب أن أسأل مولانا عن شيءٍ إن أذن، فتبسم وقال: ما أراك تسأل إلا عن معضلة هات ما عندك. قلت: لم سميت بالشميمم؟ فشتمني ثم ضحك وقال: اعلم إنني بقيت مدة من عمري - ذكرها هو ونستيها أنا - لا آكل في تلك المدة إلا الطيب فحسب قصداً لتنشيف الرطوبة وحدة الحفظ، وكنت أبقى أياما لايجيئني الغائط، فإذا جاء كان شبه البندقة من الطين وكنت آخذه وأقول لمن انبسط إليه شمه فإنه لا رائحة له، فكثر ذلك حتى لقبت به، أرضيت يا بن الفاعلة.
هذا آخر ما جرى بيني وبينه، ثم أنشدت له من حماسته:
لا تسرحن الطرف في بقر المها ... فمصارع الآجال في الآجال
كم نظرةٍ أردت وما أخذت يد ال ... مصمى لمن قتلت أداة قتال
سنحت وما سمحت بتسليم واق ... لال التحية فعلة المغتال
أضللت قلبي عندهن ورحت إن ... شده بذات الضال ضل ضلالي
ألوى بألوية العقيق على الطلو ... ل مسائلا من لا يجيب سؤالي
تربت يدي في مقصدي من لايدي ... قودي وأولى لي بها أولى لي
يا قاتل الله الدمى كم من دم ... أجرين حلا كان غير حلال
أشلين ذل اليتم في الأشبال ... وفتكن بالأجساد في الأغيال
ونفرن حين نكرن إقبالي ولو ... إني نفرت لكان من إقبالي
لكن أبي رعى ذمام الحب إن ... أولى الوفاء قطيعةً من قالى
وأنشدني تقي الدين أبو عبد الله محمد بن علي بن أبي محمد المعروف بابن الحجاج، وأبو محمد هو الحجاج من شرقي واسط قال: أنشدني أبو الحسن على بن عنتر ابن ثابت الحلوى المعروف بشميم وقد قلت: لا أراك تذم أحداً من أهل العصر فقال لي: ليس لأحدٍ منهم عندي قيمة، فإنه لا يصلح للذم إلا من يصلح للمدح، أما سمعت قولي في الحماسة:
أصخ إنما مدح الفتى وهجاؤه ... لدى الطبن النقريس ذا توءم لذا
فحيث أنتوى ملقى المديح عصا الثوى ... تراح بها من أينها قلص الهجا
ومن ليس أهلاً للمديح ولا الهجا ... فعيناه في عين الرضا ظلمة العمى
ويزرى بضرغام الغريف زئيره ... على ذبخ عنوٍ هر أو أغضفٍ عوى
وأنشدني أيضا له:
قالوا نراك بكل فنٍ عالماً ... فعلام حظك من دناك خسيس؟
فأجبتهم لاتعجبوا وتفهموا ... كم ذاد نهزة ليث خيسٍ خيس
حدثني ابن الحجاج تقي الدين قال: اجتمع جماعة من التجار الواسطيين بالموصل على زيارة شميم وتوافقوا على ألا يتكلموا بين يديه خوفاً من زلل يكون منهم، فلما حصلوا بين يديه قال أحدهم: أدام الله أيامك فالتفت إلي وقال: إيش هؤلاء؟ فإني أرى عمائم كباراً ظننتها على آدميين فسكتوا، فلما قاموا قال له آخر منهم: يا سيدي ادع لنا بشمل الجميع، فغضب وقال: إيش هؤلاء وكيف خلقهم الله؟ ثم حلف بخالقه وقال: لو قدرت على خلقه مثل هؤلاء إنفث من خلق مثلهم. قال المؤلف:

حدثني محمد بن حامد بن محمد بن جبريل بن محمد بن منعة بن مالك الموصلي الفقيه فخر الدين بمرو في سنة خمس عشرة وستمائة، في ربيع الأول منها قال: لما ورد شميم الحلي إلى الموصل بلغني فضله فقصدته لأقتبس من علومه، فدخلت عليه فجرى أمري على ماهو معروف به من قلة الاحتفال بكل أحدٍ، وجرت خطوب ومذاكرات إلى إن قال: ومن العجائب استحسان الناس قول عمرو بن كلثوم:
مشعشعة كان الحص فيها ... إذا ما الماء خالطها خرينا
- كذا قال تهكماً - إلا قال كما قلت:
وسالت نطاف الراح في الراح فاغتدى الس ... سماح إلى راحاتنا فسخينا
ثم أخرج رقعة من تحت مصلاه وقال لي: ما معنى قولي: قلب شطر أعاديك حظ من كفر أياديك؟ فقلت: أكتبها وأفسرها؟ فقال: اكتب، فكتبتها وقلت نعم: شطر أعاديك: ديك وقلبه: كيد، أردت إن الكيد حظ من كفر أياديك، فقال: أحسنت، وكان ذلك سبب إقباله على بعد ما تقدم من إهماله إياي، وأنشدني أبو حامد المذكور قال: أنشدني أبو الحسن على بن الحسن بن عنتر الحلي لنفسه:
أقيلي عثرة الشاكي أقيلي ... فسولى في سماع نثا رسولى
وإن لم تأذني بفكاك أسري ... فدليني على صبر جميل
حدثني الأمدي الفقيه قال: بلغني إنه لما قدم الحلي إلى الموصل إنثال إليه الناس يزورونه، وأراد نقيب الموصل - وهو ذو الجلالة المشهورة بحيث لا يخفى أمره على أحد - زيارته فقيل له: إنه لا يعبأ بأحد ولا يقوم من مجلسه لزائر أبداً، فجاءه رجل وعرفه ما يجب من احترام النقيب لحسبه ونسبه وعلو منزلته من الملوك، فلم يرد جواباً، وجاءه النقيب ودخل وجرى على عادته من ترك الاحتفال له ولم يقم عن مجلسه، فجلس النقيب ساعةً ثم انصرف مغضباً، فعاتبه ذلك الرجل الذي كان أشار عليه بإكرامه، فلم يرد عليه جواباً، فلما كان من الغد جاءه وفي يد الحلي كسرة خبزٍ يابسةٍ وهو يعض من جنبها ويأكل، فلما دخل الرجل عليه قال له: بسم الله، فقال له: وأي شيء هاهنا حتى آكل؟ فقال له: يا رقيع من يقنع من الدنيا بهذه الكسرة اليابسة لأي معنىً يذل للناس مع غناه عنهم واحتياجهم إليه.
حدثني الفقيه قال: بلغني إن الحلي قدم إلى أسعرت فتسامع به أهلها فقصدوه من كل فجٍ، وكان فيهم رجل شاعر فأنشده الرجل شعراً استجاده الحلي فقال لقائله: إني أرفع هذا الشعر عن طبقتك، فإن كنت في دعواك صادقاً فقل في معناه الآن شيئاً آخر، ففكر ساعة فقال:
وماكل وقت فيه يسمح خاطري ... بنظم قريض يقتضي لفظه معنى
ولم يبح الشرع المبين تيمماً ... بترب وبحر الأرض في ساحةٍ معنا
فقال له الحلي: ويحك اسجد، ويلك اسجد، فإن هذا موضع من مواضع سجدات الشعر، وأنا أعرف الناس بها. ومما سمعته من قلق فيه وهو من إنشاء خطبة له وهي:

الحمد لله فالق قمم حب الحصيد بحسام السحب، صابغ خد الأرض بقاني رشيق يانع العشب، نافخ روح الحياة في صور تصاويرها بسائح القراح العذب، يحي ميت الأرض بإماتة كالح الجدب، لابتسام ثغر نسيم إنفاح الخصب، محيل جسم طبيعة الماء المبارك في أشكال الحب والعنب والزيتون والقضب، جاعلة للأنام والأنعام، ذات الحمل والحلب، محلى جيد الآفلاك بقلائد دراري النجوم الشهب، ومجلى جند الأملاك عن مباشرة التصرف والكسب، وللقيام بالواجب وأصل التسبيح والتقديس للرب، قابل التوبة من المذنب المنيب وغافر الذنب، الواحد المنفرد بوحدانيته عن ملاءمة قسمة أعداد الحساب والضرب، المستغنى بصمديته عن مسيس الحاجى إلى دواعي الأكل والشرب، الشاهد على خلقه بما يفيضون فيه لألا تصاف بعد ولاقرب، المهيمن على سر اجتراح كل جارحة وخاطر خاطر وتقلب قلبٍ، أحمده على مامنح من موضح بيان بما ألب في سويداء لبٍ، وأشكره على ماجلا من مظلم ظلم جهل، وكشف من كثيف ركام كرب، وأشهد إن لاإله الأ الله وحده لاشريك له شهادةً سالمةً من شوائب النفاق والخب، مؤمنةً قائلها يوم الفزع الأكبر من إيحاش الرهب والرعب، وأشهد إن محمدا عبده المحبو بعقد حبا، خاتم الأنبياء من جميع أصحاب الصحف والكتب، وصفية المنتخب لنصر الدين وإقامة دعوى الإسلام بالبيض القضب والجرد القب والأسد الغلب. صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ما سنحت الغزالة بأفق شرقٍ وحجبت بغارب غربٍ، صلاة بفتى تكرارعديدها صم الحصا الصلب، ويبيد أربد الترب. عباد الله: من اختلف عليه الأباد باد، ومن تمكنت يد المنون من عنقه إنقاد، ومن تزود التقوى استفاد خير الزاد، ومن بدأ ببره وعاد للمعاد فاز بالأحماد، (يوم تجد كل نفس ماعملت من خيرٍ محضراً، وما عملت من سوء تود لو إن بينها وبينه أمداً بعيداً، ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد). اللهم نول آمالنا مناها، وكفل أعمالنا تقاها، وخول أطماعنا رضاها، ولاتشرب قلوبنا هوى دنياها، فإن المعاطب في حبها، وشين المعايب مزرٍ بها، فلا تجعل اللهم مهامنا فيها المنى، وآمنا بأمننا من كيد أمنا الدنا، برحمتك يا أرحم الراحمين، استغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين ولوالدي ولمن علمني

أسماء تصانيف الشيخ علي بن الحسن الشميم الحلي
كتاب النكت المعجمات في شرح المقامات، وكتاب أرى المشتارفي القريض المختار، وكتاب الحماسة من نظمه مجلد، وكتاب مناح المنى في إيضاح الكنى أربع كراريس، وكتاب درة التأميل في عيون المجالس والفصول مجلدان، وكتاب نتائج الإخلاص في الخطب مجلد، وكتاب إنس الجليس في التجليس مجلد، وكتاب أنواع الرقاع في الأسجاع، وكتاب التعازي في المزاري مجلد، وكتاب خطبٍ نسق حروف المعجم كراسان، وكتاب الأماني في التهاني مجلد، وكتاب المفاتيح في الوعظ كراسان، وكتاب معاياة العقل في معاناة النقل مجلد، وكتاب الإشارات المعرية مجلد، وكتاب المرتجلات في المسجلات أربع كراريس، وكتاب المخترع في شرح اللمع مجلد، وكتاب المحتسب في شرح الخطب مجلد، وكتاب المهتصر في شرح المختصر مجلد، وكتاب التحميض في التغميض كراسان، وكتاب بداية الفكر في بدائع النظمم والنثر مجلدان، وكتاب خلق الآدمي كراسان، وكتاب رسائل لزوم مالا يلزم كراسان، وكتاب اللزوم مجلدان، وكتاب لهنة الضيف المصحر في الليل المسحر كراسان، وكتاب متنزه القلوب في التصحيف كراس، وكتاب المنائح في المدائح مجلدان، وكتاب نزهة الراح في صفات الأفراح كراسان، كتاب الخطب المستضيئة، كتاب حرز النافث من عيث العائث، كتاب الخطب الناصرية، كتاب الركوبات مجلدان، كتاب شعر الصبي مجلد، كتاب إلقام الألحام في تفسير الأحلام، كتاب سمط الملك المفضل في مدح المليك الأفضل، كتاب مناقب الحكم في مثالب الأمم مجلدان، كتاب اللماسة في شرح الحماسة، كتاب الفصول الموكبية يشتمل على أربعين فصلاً، وكتاب مجتنى ريحانة الهم في استئناف المدح والذم، كتاب المناجاة.
علي بن الحسن بن عساكر
،
الحافظ الدمشقي نقلت من جزء عمله ولده أبو محمد القاسم بن علي في أخبار والده فقال:

هو أبو القاسم على بن الحسن بن هبة الله بن عبد الله ابن الحسين، أبو القاسم بن أبي محمد بن أبي الحسن بن أبي محمد بن أبي على الشافعي الحافظ، أحد أئمة الحديث المشهورين والعلماء المذكورين، ولد في المحرم سنة تسع وتسعين وأربعمائة، ومات في الحادي عشر من رجب سنة إحدى وسبعين وخمسمائة، وقد بلغ من السن اثنتين وسبعين سنةً وستة أشهرٍ وعشرة أيامٍ، وحضر جنازته بالميدان والصلاة عليه الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب - رحمه الله - .
قال العماد: وكان الغيث قد احتبس في هذه السنة فدر وسح عند ارتفاع نعشه، فكان السماء بكت عليه بدمع وبله وطشة. وسمعه أخوه سنة خمس وخمسمائة، وسمع هو بنفسه من والداه وأبي محمد الأكفاني وذكر خلقاً من شيوخ دمشق، ورحل إلى العراق في سنة عشرين وخمسمائة، وأقام بها خمس سنين، وسمع ببغداد من أبي القاسم بن الحصين وغيره، وحج في سنة إحدى وعشرين، وسمع بمكة ومنىً والمدينة وبالكوفة وأصبهان القديمة واليهودية ومرو الشاهجان ونيسابور وهراة وسرخس وأبيورد وبطان والري وزنجان، وذكر بلاداً كثيرةً يطول على ذكرها من العراق وخراسان والجزيرة والشام والحجاز. قال: وعدة شيوخه ألف وثلاثمائة شيخٍ، ومن النساء بضع وثمانون امرأةً، وحدث ببغداد ومكة ونيسابور وأصبهان وسمع منه جماعة من الحفاظ ممن هو أسن منه.
وروى عنه أبو سعد بن السمعاني فأكثر، وروى هو عنه.

ولما دخل بغداد سمع الدرس بالنظامية مدة مقامه بها، وعلق مسائل الخلاف على الشيخ أبي سعد اسماعيل بن أبي صالح الكرماني، وأنتفع بصحبة جده أبي الفضل في النحو والعربية، وجمع وصنف، فمن ذلك: كتاب تاريخ مدينة دمشق وأخبارها وأخبار من حلها، أوردها في خمسمائة وسبعين جزءا كم تجزئة الأصل، والنسخة الجديدة ثمانمائة جزءٍ، كتاب الموافقات على شيوخ الأئمة الثقات اثنان وسبعون جزءاً، كتاب الأشراف على معرفة الأطراف ثمانية وأربعون جزءا، كتاب تهذيب المتلمس من عوالي مالك ابن إنس أحد وثلاثون جزءاً، كتاب التالي لحديث مالك العالي تسعة عشر جزءاً، كتاب مجموع الرغائب مما وقع من أحاديث مالك الغرائب عشرة أجزاءٍ، كتاب المعجم لمن سمع منه أو أجاز له اثنا عشر جزءاً، كتاب من سمع منه من النسوان جزء واحد، كتاب معجم أسماء القرى والأمصار التي سمع بها جزء واحد، كتاب مناقب الشبان خمسة عشر جزءاً، كتاب فضل أصحاب الحديث أحد عشر جزءاً، كتاب تبيين كذب المفتري على الأشعري عشرة أجزاء، كتاب المسلسلات عشرة أجزاءٍ، كتاب تشريف يوم الجمعة سبعة أجزاءٍ، كتاب المستفيد في الأحاديث السباعية الأسانيد أربعة أجزاءٍ، كتاب السداسيات جزء واحد، كتاب الأحاديث الخماسيات وأخبار أبي الدنيا جزء واحد، كتاب تقوية المنة على إنشاء دار السنة ثلاثة أجزاءٍ، كتاب الأحاديث المتخيرة في فضائل العشرة، كتاب من وافقت كنيته كنية زوجته أربعة أجزاءٍ، كتاب الأربعين الطوال ثلاثة أجزاءٍ، كتاب أربعين حديثاً عن أربعين شيخا من أربعين مدينةً جزءان، كتاب الأربعين في الجهاد جزء واحد، كتاب الجواهر واللإلئ في الأبدال العوالي ثلاثة أجزاء: كتاب فضل عاشوراء والمحرم ثلاثة أجزاء، كتاب الاعتزاز بالهجرة جزء واحد، كتاب المقالة الفاضحة للرسالة الواضحة جزء واحد، كتاب رفع التخليط عن حديث الأطيط جزء واحد، كتاب الجواب المبسوط لمن ذكر حديث الهبوط جزء واحد، كتاب القول في جملة الأسانيد في حديث المؤيد ثلاثة أجزاء، كتاب طرق حديث عبد الله بن عمر جزء، كتاب من لا يكون مؤتمناً لا يكون مؤذناً جزء واحد، كتاب ذكر البيان عن فضل كتابة القران جزء واحد، كتاب دفع التثريب على من فسر معنى التثويب جزء، كتاب فضل الكرم على أهل الحرم جزء واحد، كتاب الإقتداء بالصادق في حفر الخندق جزء واحد، كتاب الإنذار بحدوث الزلازل ثلاثة أجزاء، كتاب ثواب الصبر على المصاب بالولد جزان، كتاب معنى قول عثمان: ما تعنيت ولا تمنيت جزء، كتاب مسلسل العيدين جزء واحد، كتاب حلول المحنة بحصول الابنة جزء واحد، كتاب ترتيب الصحابة في مسند أحمد جزء واحد، كتاب ترتيب الصحابة في مسند أبي يعلى جزء، كتاب معجم الشيوخ النبلاء جزء واحد، كتاب أخبار أبي عمر الأوزاعي وفضائله جزء، كتاب ما وقع للأوزاعي من العوالي جزء، كتاب أخبار أبي محمد سعد بن عبد العزيز وعواليه جزء، كتاب عوالي حديث سفيان الثوري وخبره أربعة أجزاء، كتاب إجابة السؤال في أحاديث شعبة جزء واحد، كتاب روايات ساكني داريا ستة أجزاءٍ، كتاب من نزل المزه وحدث بها جزء واحد، كتاب أحاديث جماعة من كفر سوسيه جزء واحد، كتاب أحاديث صنعاء الشام جزءان، كتاب أحاديث أبي الأشعث الصنعاني ثلاثة أجزاء، كتاب أحاديث حنش والمطعم وحفص الصنعانيين جزء، وكتاب فضل الربوة والنيرب ومن حدث بها جزء، كتاب حديث أهل قرية الحمريين وقبيبات جزء واحد، كتاب حديث أهل فذايا وبيت أرانس وبيت قوفا جزء، كتاب حديث أهل قرية البلاط جزء، كتاب حديث سلمة أبن على الحسني البلاطي جزءان ومن حديث يسرة بن صفوان وابنه وابن ابنه جزء واحد، ومن حديث سعد ابن عبادة جزء، ومن حديث أهل رندين وجبرين جزء واحد. ومن حديث أهل بيت سواى جزء، ومن حديث رومة ومسرابا والقصر جزء، ومن حديث جماعة من أهل حرستا جزء، ومن حديث أهل كفر بطنا جزء، ومن حديث أهل دقانية وجخراء وعين توما وجديا وطرميس جزء واحد، ومن حديث جماعة من أهل جوبر جزء واحد، ومن حديث جماعة من أهل بيت لهيا جزء واحد، ومن حديث يحيى بن حمزة البتلهى وعواليه جزء، ومجموع من حديث محمد بن يحيى بن حمزة الحضرمي البتهلي جزءان، وفضائل مقام إبراهيم، ومن حديث أهل برزة جزء، ومن حديث أبي بكر بن محمد بن رزق الله المنيني المقرئ جزء، ومجموع من أحاديث جماعة أهل بعلبك جزءان. قال:

وأملي رحمه الله أربعمائة مجلس وثمانية مجالس في فن واحد، وخرج لشيخه أبي غالب بن البنائي أحد عشر مشيخةً، ومشيخةً لشيخه أبي المعالي عبد الله بن أحمد الحلواني الأصولي جزأين، وخرج أربعين حديثاً مساواة الإمام أبي عبد الله القراوي في جزءٍ، ومصافحةً لأبي سعدٍ السمعاني وأربعين حديثاً في جزءٍ، وخرج لشيخه الإمام أبي الحسن السلمي سبعة مجالس وتكلم عليها، وآخر ماصنعه جزء في تكميل الأنصاف والعدل بتعجيل الإسعاف بالعزل، وكتاب فيه ذكر ما وجدت في سماعٍ مما يلتحق بالجزء الرباعي. ووجدت في أصوله علاماتٍ له على مصنفاتٍ عدةٍ منها: كتاب الإبدال ولو تم كان مقداره مائتي جزءٍ أو أكثر، وكتاب فضل الجهاد، ومسند مكحول وأبي حنيفة. وكتاب فضل مكة. وكتاب فضل المدينة. وكتاب فضل البيت المقدس. وكتاب فضل قريشٍ وأهل البيت والأنصار والأشعريين وذم الرافضة. وكتاب كبير في الصفات وأشياء غير ذلك تبلغ عدتها أربعين مصنفاً. ولما أملى رحمه الله في فضائل الصديق رضي الله عنه سبعة مجالس ثم قطعها بإملاء مجالس في ذم اليهود وتخليدهم في النار، جاء إليه صديقنا أبو علي بن رواحة وقال له: رأيت الصديق في النوم وهو راكب على راحلة فقلت: يا خليفة رسول الله قد أملى علينا الحافظ أبو القاسم سبعة مجالس في فضائلك، فأشار إلي بأصابعه الأربع، فقال له والدي: قد بقي عندي مما خرجت ولم أمله أربعة مجالس فأملاها، ثم أملى في كل واحدٍ من الخلفاء أحد عشر مجلساً، وكان رحمه الله مواظباً على صلاة الجمعة ملازماً لقراءة القران، وكان يختم في رمضان والعشر كل يوم ختمة، ولم ير الأ في الاشتغال بعلمٍ وعبادةٍ يحاسب نفسه على كل لحظة، وكنت أسمع والدي يحكي إن أباه رأى في منامه رؤيا ووالدي حمل إنه يولد لك مولود يحيى الله به السنة، ولما قدم إلى بغداد أعجب به البغداديون وقالوا: قدم علينا من دمشق ثلاثة ما رأينا مثلهم: الشيخ يوسف الدمشقي، والصائن أبو الحسين هبة الله بن الحسن، وأخوه أبو القاسم. وحدثني أبي رحمة الله قال: كنت يوما أقرأ على شيخنا أبي الفتح المختار بن عبد الحميد وهو يتحدث مع جماعة بالعجمية فقال: قدم علينا الوزير أبو علي فقلنا: ما رأينا مثله، ثم قدم علينا أبو سعد بن السمعاني فقلنا: ما رأينا مثله، حتى قدم علينا هذا فلم نر مثله، وقال لنا صاحبه الحافظ أبو المواهب الحسن بن هبة الله بن صصري قال: الحافظ أبو العلاء الحسن بن أحمد المقري الأديب اللغوي إمام همذان وتلك الديار غير مدافعٍ، أنا أعلم إنه لايساجل الحافظ أبا القاسم في شانه أحد، فلو خالط الناس وما زجهم كما أصنع إذاً لاجتمع عليه المخالف والمؤالف، وقال لي يوماً آخر: أي شيءٍ فتح له؟ وكيف بر الناس له؟ فقلت: هو بعيد من هذا كله، لم يشتغل منذ أربعين سنةً إلا بالجمع والتصنيف والمطالعة والتسميع حتى في نزهه وخلواته. فقال: الحمد لله، هذا ثمرة العلم، إلا أنا قد فتح لنا مما حصلنا به الدار والكتب وبناء المسجد ما يقرب من اثني عشر ألف دينار، وهذا يدل على قلة حظوظ العلماء في بلادكم. ثم قال لي: ما كنا نسمي الشيخ أبا القاسم ببغداد الأ شعلة نار من توقده وذكائه وحسن إدراكه. قال: وقال لي والدي لم أر بدمشق أفهم للحديث من أبي محمد بن الأكفاني، ولا ببغداد مثل أبي الفضل محمد بن ناصر وأبي عامر العبدري، وكان العبدري أحفظهما، ولم أر بخراسان مثل أبي القاسم الشحامى، ولابأصفهان مثل أبي القاسم التيمى الحافظ، وأبي نصر البوياري فقلت له: ما أخالك إلا أفضل منهما، فسكت، هذا آخر ما نقلت من هذا الجزء الذي ألفه ابنه وتركت منه ما اختصرته. وكان الحافظ أبو القاسم بن عساكر يقول شعراً ليس بالقوى، وسمعه تاج الدين أبو اليمن زيد بن الحسن الكندي النحوي اللغوي فقال. هذا شعر أضاع فيه صاحبه شيطانه ، فقال السعماني في المذيل: وأنشدني الحافظ أبو القاسم بالمزة من أرض دمشق:
أيا نفس ويحك جاء المشيب ... فماذا التصابي وماذا الغزل
تولى شبابي كان لم يكن ... وجاء مشيبي كان لم يزل
فيا ليت شعري فيمن أكون ... وماقدرالله لي في الأزل
قال السمعاني وأنشدني لنفسه ببغداد:
وصاحب خان ما استودعته وأتى ... مالا يليق بأرباب الديانات

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15