كتاب : معجم الأدباء
المؤلف : ياقوت الحموي

قال سلمة: سمعت الفراء يقول لرجل: لو حمل إلى أبو عبيدة لضربته عشر بن في كتاب المجاز. وقال التوزي: بلغ أبا عبيدة أن الأصمعي يعيب عليه تأليف كتاب المجاز في القرآن وأنه قال: يفسر ذلك برأيه، فسأل عن مجلس الأصمعي في أي يوم هو؟ فركب حماره في ذلك اليوم ومر بحلقة الأصمعي، فنزل عن حماره وسلم عليه وجلس عنده وحادثه ثم قال له: يا أبا سعيد، ما تقول في الخبز؟: قال هو الذي تخبزه وتأكله. فقال له أبو عبيدة: فسرت كتاب الله برأيك. قال تعالى: (إني أراني أحمل فوق رأسي خبزاً. قال الأصمعي: هذا شيء بان لي فقلته ولم أفسره برأيي. فقال له أبو عبيدة: وهذا الذي تعيبه علينا كله شيء بان لنا، فقلناه ولم نفسره برأينا، ثم قام فركب حماره وانصرف. وقال أبو عثمان المازني: سمعت أبا عبيدة يقول: أدخلت على الرشيد فقال لي يا معمر: بلغني أن عندك كتاباً حسناً في صفة الخيل احب أن أسمعه منك. فقال الأصمعي: وما تصنع بالكتاب؟ يحضر فرس ونضع أيدينا على عضو عضو ونسميه ونذكر ما فيه. فقال الرشيد: يا غلام أحضر فرسي، فقام الأصمعي فوضع يده على عضوعضو وجعل يقول: هذا كذا، قال الشاعر فيه كذا حتى انقضى قوله. فقال لي الرشيد: ما تقول فيما قال؟ فقلت قد أصاب بعض وأخطأ في بعض، والذي أصاب فيه شيء نعلمه، والذي أخطأ فيه لا أدري من أين أتى به، وكان الأصمعي إذا أراد الدخول إلى المسجد قال: انظروا لا يكون فيه ذاك يعني أبا عبيدة خوفاً من لسانه، وكانت ولادة أبي عبيدة في رجب سنة عشر ومائة. وقال أبو موسى محمد بن المثنى: توفي أبو عبيدة سنة ثمان ومائتين. وقال الصولي سنة سبع، وقال المظفر بن يحيى: سنة تسع، وقيل سنة إحدى عشرة، وقيل ثلاث عشرة وله ثمان وتسعون سنة، ولم يحضر جنازته أحد لأنه لم يكن يسلم من لسانه أحد لا شريف ولا غيره. ولأبي عبيدة من التصانيف: كتاب غريب القران، كتاب مجاز القرآن كتاب غريب الحديث، كتاب فضائل العرش، كتاب الحدود، كتاب التاج، كتاب الديباج، كتاب الإنسان، كتاب الزرع، كتاب الجمع والتثنية، كتاب الفرس كتاب اللجام، كتاب السرج، كتاب الإبل، كتاب الرحل، كتاب البازي، كتاب الحمام، كتاب الحيات، كتاب العقار، كتاب الخيل، كتاب السيف، كتاب حضر الخيل، كتاب الخف، كتاب اللغات، كتاب الأضداد، كتاب الفرق، كتاب ما تلحن فيه العامة كتاب الأبدال، كتاب القرائن، كتاب أشعار القبائل، كتاب أسماء الخيل، كتاب الأمثال السائرة، كتاب الدلو، كتاب البكرة، كتاب نقائص جرير والفرزدق، كتاب المعاتبات، كتاب الملاومات، كتاب من شكر من العمال وحمد، كتاب محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن بن علي بن أبي طالب، كتاب العفة، كتاب فعل وأفعل، كتاب الشوارد كتاب أدعية العرب، كتاب بيوتات العرب، كتاب أيام بني مازن أخبارهم، كتاب القبائل، كتاب إياد الأزد، كتاب الضيفان، كتاب مقاتل الفرسان، كتاب مقاتل الأشراف، طبقات الفرسان، كتاب الغارات، كتاب المنافرات، كتاب مناقب باهلة، كتاب مآثر العرب، كتاب مثالب العرب، كتاب مآثر غطفان، كتاب النوائح، كتاب النواشز، كتاب لصوص العرب، كتاب الأيام الكبير، كتاب الأيام الصغير، كتاب الحمس من قريش، كتاب خبر البراض، كتاب قصة الكعبة، كتاب الأوس والخزرج، كتاب الموالي، كتاب الاحتلام، كتاب خلق الإنسان، كتاب البله، فتوح الأهواز، كتاب خوارج البحرين واليمامة، كتاب السواد وفتحة، كتاب خراسان، كتاب مقتل عثمان، أخبار الحجاج، كتاب مرج رهط كتاب الأعيان، كتاب الجمل وصفين، كتاب مكة والحرم، كتاب فضائل الفرس، كتاب قضاة البصرة وغير ذلك، فقد قيل أن تصانيفه تقارب المائتين.

المفضل بن سلمة بن عاصم
أبو طالب اللغوي النحوي، كان لغوياً نحوياً كوفي المذهب، أخذ عن أبيه وعن أبي عبد الله بن الأعرابي وأبي العباس ثعلب وابن السكيت وغيرهم، وخالف طريقة أبيه.

قال أبو الطيب اللغوي: ورد أشياء من كتاب العين للخليل أكثرها غير مردود، واختار في اللغة والنحو اختيارات غيرها المختار، وكان منقطعاً إلى الفتح بن خاقان، وله كتب كثيرة منها: كتاب الخط والقلم، كتاب الاشتقاق، البارع في اللغة، كتاب المقصور والممدود، ضياء القلوب في معاني القرآن نيف وعشرون جزءاً، المدخل إلى علم النحو، الفاخر فيما يلحن فيه العامة، كتاب خلق الإنسان، كتاب جماهير القبائل، كتاب الرد على الخليل وإصلاح ما في كتاب العين من الغلط والمحال، جلاء الشبهة، كتاب آلة الكاتب، كتاب الزرع والنبات والنخل وأنواع الشجر، كتاب المطيب، كتاب العود والملاهي، كتاب الطيف، كتاب الأنواء والبوارح.

المفضل بن محمد بن مسعر بن محمد
أبو المحاسن التنوخي، كان فقيهاً نحوياً أديباً، وكان معتزلياً شيعياً مبتدعاً أصله من المعرة، وقدم بغداد فأخذ عن علي بن عيسى الربعي، وعلي بن عبد الله الدقيقي، ومحمد بن اشرس النحوي، وسمع أبا عمر بن مهدي، وأخذ الفقه عن أبي الحسين القدوري الحنفي والصيمري، وحدث بدمشق وناب في القضاء بها، وولى قضاء بعلبك، وحدث عنه الشريف النسابة، وصنف تاريخ النحاة، وكتاب الرد على الشافعي وكان يضع منه، مات سنة اثنتين وقيل ثلاث وأربعين وأربعمائة.
المفضل بن محمد بن يعلى
أبو عبد الرحمن الضبي، الراوية الأديب النحوي اللغوي، كان من أكابر علماء الكوفة، عالماً بالأخبار والشعر والعربية. أخذ عنه أبو عبد الله بن الأعرابي، وأبو زيد الأنصاري، وخلف الأحمر وغيرهم وكان ثقة ثبتا. قال ابن الأعرابي: سمعت المفضل الضبي يقول: قد سلط على الشعر من حماد الراوية ما أفسده فلا يصلح أبداً، فقيل له وكيف ذلك؟ أيخطئ في روايته أو يلحن؟ قال: ليته كان كذلك، فإن أهل العلم يردون من أخطأ إلى الصواب، ولكنه رجل عالم بلغات العرب وأشعارها ومذاهب الشعراء ومعانيهم، فلا يزال يقول الشعر يشبه به مذهب رجل ويدخله في شعره، ويحمل ذلك عنه في الآفاق فتختلط أشعار القدماء ولا يتميز الصحيح منها إلا عند عالم ناقد، وأين ذلك؟. وعن إبراهيم ابن المهدي قال: حدثني السعيدي الراوية وأبو إياد المؤدب قالا: كنا في دار أمير المؤمنين المهدي بعيسا باذ، وقد اجتمع فيها عدة من الرواة والعلماء بأيام العرب وآدابها وأشعارها ولغاتها إذ خرج بعض أصحاب الحاجب فدعا المفضل الضبي الراوية، فدخل فمكث مليا ثم خرج إلينا ومعه حماد والمفضل جميعاً، وقد بان في وجه حماد الانكسار والغم، وفي وجه المفضل السرور والنشاط، ثم خرج حسين الخادم فقال: يا معشر من حضر من أهل العلم، إن أمير المؤمنين يعلمكم أنه قد وصل حماد الشاعر بعشرين ألف درهم لجودة شعره، وأبطل روايته لزيادته في أشعار الناس ما ليس منها، ووصل المفضل بخمسين ألفاً لصدقه وصحة روايته، فمن أراد أن يسمع شعراً جيداً محدثاً فليسمع من حماد، ومن أراد رواية صحيحة فليأخذها عن المفضل. فسألنا عن السبب فأخبرنا أن المهدي قال للمفضل لما دعا به وحده: إني رأيت زهير أبي سلمى افتتح قصيدته بان قال:
دع ذا وعد القول في هرم
ولم يتقدم له قبل ذلك قول، فما أمر نفسه بتركه؟ فقال له المفضل: ما سمعت يا أمير المؤمنين في هذا شيئاً إلا أني توهمته، كان يفكر في قول يقوله أو يروى في أن يقول شعراً، فعدل عنه إلى مدح هرم وقال: دع ذا، أو كان مفكراً في شيء من شأنه فتركه وقال: دع ذا فأمسك المهدي عنه، ثم دعا بحماد فسأل ه عن مثل ما سأل عنه المفضل فقال: ليس هكذا قال زهير ياأميرالمؤمنين، قال فكيف قال؟ فأنشد:
لمن الديار بقنة الحجر ... أقوين مذ حجج ومذ دهر
قفر بمندفع النجائب من ... ضفوى أولات الضال والسدر
دع ذا وعد القول في هرم ... خير البداة وسيد الحضر
قال فاطرق المهدي ساعة ثم أقبل على حماد فقال له:

قد بلغ أمير المؤمنين عنك خبر لابد من استحلافك عليه، ثم استحلفه بأيمان البيعة وكل يمين محرجة ليصدقن عن كل ما يسأله عنه، فحلف له بما توثق منه، فقال له: أصدقني عن حال هذه الأبيات ومن أضافها إلى زهير؟ فأقر له حينئذ أنه قائلها، فأمر له وللمفضل بما أمر به من صلة وشهرة أمرهما وكشفه. وللمفضل من التصانيف: كتاب الاختيارات، كتاب معاني الشعر، كتاب الأمثال، كتاب الألفاظ، كتاب العروض، المفضليات وهي أشعار مختارة جمعها للمهدي وفي بعض نسخها زيادة ونقص، وأصحها التي رواها عنه أبو عبد الله بن الأعرابي.

مكي بن أبي طالب
واسم أبي طالب محمد، ويقال: حموش بن محمد بن مختار أبو محمد القيسي القيرواني الأصل، القرطي مسكناً، النحوي اللغوي المقرئ، كان إماماً عالماً بوجوه القراءات، متبحراً في علوم القرآن والعربية فقيها أديباً متفننا، غلبت عليه علوم القرآن فكان من الراسخين فيها. ولد بالقيروان لسبع بقين من شعبان سنة أربع وخمسين وثلاثمائة ونشأ بها، ورحل إلى مصر سنة سبع وستين وهو ابن ثلاث عشرة سنة، فاختلف بها إلى ابن غلبون المقرئ وغيره من المؤدبين والعلماء ثم رجع إلى القيروان سنة تسع وسبعين وقد حفظ القرآن واستظهر القراءات وغيرها من الأداب. ثم رجع إلى مصر ليتلقي ما بقي عليه من القراءات سنة اثنتين وثمانين، ثم رجع إلى القيروان سنة ثلاث وثمانين وأقام بها يقرأ إلى سنة سبع وثمانين، فأخذ عن محمد بن أبي زيد وأبي الحسن القابس وغيرهما، ثم خرج إلى مكة سنة سبع وثمانين وأقام بها إلى آخر سنة تسعين فحج أربع حجج متوالية، وسمع بمكة من آكابر علمائها، ثم رجع من مكة فوصل إلى مصر سنة إحدى وتسعين، ثم عاد إلى بلده القيروان سنة اثنتين وتسعين، وفي سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة رحل إلى الأندلس فدخل قرطبة في رجب من السنة في أيام المظفر ابن أبي زيد، ونزل في مسجد النخيلة بالرواقين عند باب العطارين. ثم نقله ابن ذكوان القاضي إلى المسجد الجامع فجلس فيه للإقراء ونشر علمه، فعلا ذكره ورحل إليه، فلما انصرمت دولة آل عامر نقله محمد بن هشام المهدي إلى المسجد الخارج بقرطبة فأقرأ عليه، وقلده الحسن ابن جوهر الصلاة والخطبة بالمسجد الجامع، فأقام على ذلك إلى أن مات. وروى عنه جماعة من الائمة كأبي عبد الله بن عتاب وأبي الوليد الباجي وغيرهما، توفي بقرطبة يوم السبت لليلتين خلتا من المحرم سنة سبع وثلاثين وأربعمائة وقد أناف على الثمانين، وصلى عليه ولده أبو طالب محمد، ودفن ضحوة يوم الأحد بالربض، وله تصانيف كثيرة أشهرها: الهداية إلى بلوغ النهاية في التفسير. وله الهداية في الفقه، والبيان عن وجوه القراءات السبع ألفه في أواخر عمره سنة أربع وعشرين وأربعمائة، ومنتخب الحجة في القراءات لأبي علي الفارس ثلاثون جزءا، وكتاب الإختلاف في عدد الإعشار، والرسالة إلى أصحاب الإنطاكي في تصحيح المد لورش ثلاثة أجزاء، تفسير القرآن خمسة عشر مجلداً. اختصار أحكام القرآن أربعة أجزاء: التبصرة في القراءات خمسة أجزاء الإيجاز في ناسخ القرآن ومنسوخة، والإيضاح في الناسخ والمنسوخ أيضاً ثلاثة أجزاء التذكرة في اختلاف القراء الإبانة عن معاني القراءات الموجز في القراءات جزءان.

الرعاية في تجويد القرآن وتحقيق لفظ التلاوة أربعة أجزاء، التنبيه في أصول قراءة نافع وذكر الاختلاف عنه جزءان، الانتصاف في الرد على أبي بكر الأدفوي فيما زعم من تغليطه في كتاب الإمالة ثلاثة أجزاء، كتاب الإمالة ثالثة أجزاء إعراب القرآن الزاهي في اللمع الدالة على مشتملات الإعراب أربعة أجزاء، كتاب الوقف على كلا وبلى جزءان، كتاب الياءات المشدودة في القران، كتاب الحروف المدغمة جزءان، كتاب هجاء المصاحف جزءان، الهداية في الوقف على كلا، كتاب الإدغام الكبير، مشكل غيربالقرآن ثلاثة أجزاء، كتاب تسمية الأحزاب كتاب المأثور عن مالك في أحكام القرآن وتفسيره، مشكل معاني القران، كتاب شرح التمام والوقف أربعة أجزاء، كتاب دخول حروف الجر بعضها مكان بعض، كتاب فرض الحج على من استطاع إليه سبيلا، كتاب إيجاب الجزاء على قاتل الصيد في الحرم خطأ في مذهب مالك والحجة على ذلك، كتاب بيان العمل في الحج أول الإحرام مناسك الحج، كتاب بيان الصغائر والكبائر، كتاب الاختلاف في الذبيح من هو؟ كتاب تنزيه الملائكة من الذنوب وفضلهم على بني آدم، كتاب اختلاف العلماء في النفس والروح، منتخب كتاب الإخوان لابن وكيع جزآن المنتقي في الأخبار أربعة أجزاء. الرياض مجموع في خمسة أجزاء. وغير ذلك.

مكي بن زيان بن شبة بن صالح
أبو الحرم الماكسيني الضرير النحوي اللغوي الأديب، كان عالماً فاضلاً متفنناً والغالب عليه النحو والقراءات، قدم بغداد وقرأ على أبي محمد بن الخشاب النحوي وعلى أبي الحسن ابن العطار وأبي البركات عبد الرحمن بن الأنباري، وقرأ بالموصل على أبي بكر يحيى بن سعدون القرطبي وغيره. وقام عليه أهل الموصل وتخرج به أعيان أهلها، ورحل إلى الشام ثم عاد إلى الموصل، رأيته وكان شيخاً طوالاً على وجهه أثر الجدري إلا أنني ما قرأت عليه شيئاً وكان حراً كريماً صالحاً صبوراً على المشتغلين يجلس لهم من السحر إلى أن يصلي العشاء الآخرة، وكان من أحفظ الناس للقران ناقلاً للسبع، نصب نفسه للإقراء فلم يتفرغ للتأليف، وكان يقرأ عليه الجماعة القرآن معاً كل واحد منهم بحرف وهو يسمع عليهم كلهم ويرد على كل واحد منهم، وكان قد أخذ من كل علم طرفاً وسمع الحديث فأكثر، ومن شعره:
إذا احتاج النوال إلى شفيع ... فلا تقبله تضح قرير عين
إذا عيف النوال لفرد من ... فأولى أن يعاف لمنتين
وقال أيضاً:
على الباب عبد يطلب الإذن قاصداً ... به أدباً لا أن نعماك تحجب
فإن كان إذن فهو كالخير داخل ... عليك وإلا فهو كالشر ذاهب
وقال أيضاً:
حيائي حافظ لي ماء وجهي ... ورفقي في مطالبتي رفيقي
ولو أني سمحت ببذل وجهي ... لكان إلى الغنى سهلاً طريقي
وكان يتعصب لأبي العلاء المعري، ويطرب إذا قرئ عليه شعره للجامع بينهما: الأدب والعمى، لأنه أضر بالجدري صغيرا، وكان يعرف ماكسين بمكيك تصغير مكي، فلما ارتحل عن ماكسين واشتغل وتميز، اشتاق إلى وطنه فعاد إليه، وتسامع به الناس ممن كان يعرفه من قبل فزاروه وفرحوا بفضله فبات تلك الليلة، فلما كان من الغد خرج إلى الحمام سحرا فسمع امرأة تقول من غرفتها لأخرى: أتدرين من جاء؟ قالت لا، قالت جاء مكيك بن فلانة فقال: والله لا أقمت في بلد أدعى فيه بمكيك، وسافر من يومه إلى الموصل بعدما كان نوى الإقامة في وطنه، وتوفي بها يوم السبت سادس شوال سنة ثلاث وستمائة.
ميمونة أبو ربيعة الاصبهاني
النحوي كان متقدما في علم النحو بارعا فيه، صنف فيه كتبا كثيرة منها: الجماهير. وله الشعر الجيد، وخرج في صغره إلى الكرخ فتوطنها ومن شعره:
كن ابن من شئت واكتسب أدباً ... يغنيك تشريفه عن النسب
لاشيء في الخافقين تكسبه ... أحمد عند الأنام من أدب
وله:
وأخ لي تكدرت ... بعد صفو مشاربه
صاحبي حين لايرى ... في الورى من يصاحبه
وإذا ما حظي به ... صد وازور جانبه
منداد بن عبد الحميد

أبو عمر الكرخي المعروف بابن لزة، كان لغوياً أديباً، صنف كتاب معاني الشعر، وجامع اللغة، وشرح معاني الشعر للباهلي الأنصاري، وكتاب الوحوش، وماعرفت من أمره غير هذا.

منذر بن سعيد أبو الحكم
البلوطي الأندلسي، كان نحوياً فاضلاً وخطيباً مصقعاً وشاعراً بليغاً، ولد سنة خمس وستين ومائتين. ورحل فلقي جماعة من العلماء والأدباء، وجلب في رحلته كتاب الأشراف في اختلاف العلماء رواية عن مؤلفه ابن المنذر النيسابوري، وكتاب العين للخليل رواية أبي العباس بن ولاد، واتصل بعبد الرحمن الناصر فحظي عنده ثم عند ابنه الحكم من بعده، وكان سبب اتصاله بالناصر ما ظهر من بلاغته يوم الاحتفال بدخول رسول قسطنطين بن ليون صاحب قسطنطينية على الناصر موفداً إليه مع وفود سائر ملوك الافرنجة، وذلك أن الناصر جلس للقاء الوفود بقصر قرطبة، فلما تكامل المجلس ودخل عليه الوفود ورحب بهم، أحب أن يقوم الخطباء والشعراء بين يديه للتنويه بفخامة الخليفة، وماتهيأ من توطيد الخلافة في أيامه، وتقدم إلى ولي عهده الحكم بإعداد من يقوم بذلك من الخطباء، فقدم الحكم أبا علي القالي البغدادي وكان إذ ذاك ضيف الناصر، فقام أبو علي وحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم فارتج عليه وانقطع وبهر، فلما رأى ذلك منذر بن سعيد وكان حاضراً قام من ذاته ووصل افتتاح أبي علي بكلام بهر العقول، فخرج الناس يتحدثون ببلاغته وحسن بيانه وثبات جنانه، وكان الناصر أشدهم تعجباً وإعجاباً به، فسأل عنه ابنه الحكم ولم يكن يعرفه فقال له: هذا منذر بن سعيد البلوطي فقال: والله لقد أحسن ما شاء، ثم قربه وولاه الصلاة والخطابة في المسجد الجامع بالزهراء، ثم ولاه قضاء الجماعة بقرطبة.
ولما توفي في الناصر وولى ابنه الحكم أقره على القضاء واستعفى غير مرة فما أعفاه، وكان وقوراً صلباً في الحكم مقدماً على إقامة العدل والحق، وإزهاق الجور والباطل، آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، له كتب في السنة والورع، والرد على أهل الأهواء والبدع. ومن مصنفاته المتداولة: أحكام القرآن، وكتاب الناسخ والمنسوخ، وله رسائل وخطب مجموعة، وأشعار متفرقة مطبوعة، ومن خطبه الخطبة التي ألقاها بحضرة الناصر في الاحتفال الذي تقدم ذكره ونصها:

أما بعد حمد الله والثناء عليه، والتعداد لأسمائه والشكر لنعمائه، والصلاة والسلام على محمد صفيه وخاتم أنبيائه، فان لكل حادثة مقاماً، ولكل مقام مقالاً، وليس بعد الحق إلا الضلال، وإني قد قمت في مقام كريم بين يدي ملك عظيم، فأصغوا إلى معشر الملاء بأسماعكم، وافقهوا عني بافئدتكم، وإن من الحق أن يقال للمحق صدقت وللمبطل كذبت، وإن الجليل - تعالى في سمائه، وتقدس بصفاته وأسمائه - أمر كليمه موسى صلى الله على نبينا وعليه وعلى جميع أنبيائه، أن يذكر قومه بأيام الله جل وعز عندهم، وفيه وفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، وإني أذكركم بأيام الله عندكم، وتلافيه لكم بخلافة أمير المؤمنين التي لمت شعثكم، وأمنت سربكم ورفعت قوتكم، كنتم قليلا فكثركم، ومستضعفين فقواكم، ومستذلين فنصركم، ولاه الله رعايتكم، وأسند إليه إمامتكم أيام ضربت الفتنة سرادقها على الآفاق، وأحاطت بكم شعل النفاق، حتى صرتم في مثل حدقة البعير من ضيق الحال ونكد العيش، فاستبدلتم بخلافته من الشدة بالرخاء، وانتقلتم بيمن سياسته إلى تمهيد كنف العافية بعد استيطان البلاء، أنشدكم الله معاشر الملاء: ألم تكن الدماء مسفوكة فحقنها؟ والسبل مخوفة فآمنها؟ والآموال منتهبة فأحرزها وحصنها؟ ألم تكن البلاد خراباً فعمرها، وثغور المسلمين مهتضمة فحماها ونصرها؟ فاذكرو آلاء الله عليكم بخلافته، وتلافيه جمع كلمتكم بعد افتراقها بإمامته، حتى أذهب الله عنكم غيظكم وشفى صدوركم، وصرتم يدا على عدوكم بعد أن كان بأسكم بينكم، فأنشدكم الله: ألم تكن خلافته قفل الفتنة بعد انطلاقها من عقالها؟ ألم يتلافى صلاح الأمور بنفسه بعد اضطراب أحوالها ولم يكل ذلك إلى القواد والأجناد؟ حتى باشره بالقوة والمهجة والأولاد، واعتزل النسوان وهجر الأوطان، ورفض الدعة وهي محبوبة، وترك الركون إلى الراحة وهي مطلوبة، بطوية صحيحة، وعزيمة صريحة، وبصيرة نافذة ثاقبة، وريح هابة عالية، ونصرة من الله واقعة واجبة، وسلطان قاهر، وجد ظاهر، وسيف منصور تحت عدل مشهور، متحملاً للنصب، مستقلاً لما ناله في جانب الله من التعب، حتى لانت الأحوال بعد شدتها، وانكسرت شوكة الفتنة بعد حدتها، فلم يبق لها غارب إلا جبه، ولا ظهر لأهلها قرن إلا جده فأصبحتم بنعمة الله إخوانا، وبلم أمير المؤمنين لشعثكم على أعدائه أعوانا، حتى تواترت لديكم الفتوحات، وفتح الله عليكم بخلافته أبواب الخيرات والبركات، وصارت وفود الروم وافدة عليه وعليكم، وآمال الأقصين والأدنين متجهة إليه وإليكم، يأتون من كل فج عميق وبلد سحيق للأخذ بحبل بينكم وبينه جملة وتفصيلا، ليقضي الله أمراً كان مفعولا، ولن يخلف الله وعده، ولهذا الأمر ما بعده، وتلك أسباب ظاهرة بادية، تدل على أمور باطنة خافية، دليلها قائم، وجفنها غير نائم (وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم). وليس في تصديق ما وعد الله ارتياب، ولكل نبأ مستقر، ولكل أجل كتاب، فاحمدوا الله أيها الناس على الائه، واسألوا المزيد من نعمائه، فقد أصبحتم بين خلافة أميرالمؤمنين - أيده الله بالسداد، والهمه التوفيق إلى سبيل الرشاد - أحسن الناس حالا، وأنعمهم بالا، وأعزهم قرارا، وأمنعهم دارا، وأوثفهم جمعا، وأجملهم صنعا، لاتهاجمون ولاتذادون وأنتم بحمد الله على أعدائكم ظاهرون، فاستعينوا على صلاح احوالكم بالمناصحة لإمامكم، والتزام الطاعة لخليفتكم وابن عم نبيكم صلى الله عليه وسلم، فإن من نزع يداً من الطاعة، وسعى في تفريق الجماعة، ومرق من الدين فقد خسر الدنيا والآخرة، ذلك هو الخسران المبين، وقد علمتم أن في التعلق بعصمتها والتمسك بعروتها حفظ الأموال وحقن الدماء، وصلاح الخاصة والدهماء، وأن بقيام الطاعة تقام الحدود وتوفي العهود، وبها وصلت الارحام، ووضحت الاحكام، وبها سدد الله الخلل، وأمن السبل، ووطأ الأكناف، ورفع الاختلاف، وبها طاب لكم القرار، واطمأنت بكم الدار، فاعتصموا بما أمركم الله بالاعتصام به، فإنه تبارك وتعالى يقول: (أطيعو الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم). وقد علمتم ما أحاط بكم في جزيرتكم هذه من ضروب المشركين وصنوف الملحدين، الساعين في شق عصاكم وتفريق ملئكم، الآخذين في مخاذلة دينكم وهتك حريمكم وتوهين دعوة نبيكم صلوات الله وسلامه عليه

وعلى جميع النبيين والمرسلين، أقول قولي هذا واختم بالحمد الله رب العالمين، مستغفراً الله الغفور الرحيم فهو خير الغافرين.على جميع النبيين والمرسلين، أقول قولي هذا واختم بالحمد الله رب العالمين، مستغفراً الله الغفور الرحيم فهو خير الغافرين.
وكان منذر بن سعيد شديداً في دينه لاتأخذه في الله لومة لائم، وكانت له مقامات بين يدي الخليفة الناصر يتناوله فيها بالعظات والزواجر غير هياب ولا محتشم، من ذلك أن الناصر كان كلفاً بعمارة الارض، وتخليد الآثار الدالة على قوة الملك وعزة السلطان وعلو الهمة، فأفضى به الافراط في ذلك إلى أن ابتنى الزهراء البناء الشائع ذكره، واستفرغ جهده في إتقان قصورها وزخرفة دورها، حتى ترك شهود الجمعة بالمسجد الجامع ثلاث جمع متواليات، فأراد القاضي منذر تنبيهه بما يتناوله به من الموعظة، وتذكيره بالانابة والرجوع، فابتدأ خطبته في الجمعة الرابعة بقوله تعالى: (أتبنون بكل ريع آية تعبثون)، ثم وصله بقوله تعالى: (قل متاع الدنيا قليل، والآخرة خير لمن اتقى)، وهي دار القار ومكان الجزاء، ومضى في ذم تشييد البناء وزخرفته، والاسراف في الإنفاق عليه بكل كلام جزل، ثم أتى بما يناسب المقام من التخويف بالموت، والدعاء إلى الزهد في الدنيا، والإقصار عن اللذات والشهوات وإتباع الهوى، وأورد أحاديث وآثارا تشاكل ذلك، حتى خشى الناس وبكوا وأعلنوا بالتوبة والاستغفار، وأخذ الناصر من ذلك بأوفر حظ، وقد علم أنه المقصود بالموعظة فبكى وندم على ما أفرط وفرط، إلا أنه وجد على منذر لما قرعه به، فشكا ذلك لولده الحكم بعد أنصراف منذر فقال: والله لقد تعمدني منذر بخطبته وما عني بها غيري، فأسرف وافرط في تقريعي، قم اقسم ألا يصلي خلفه إلا الجمعة خاصة، فكان يصلي بقرطبة وراء أحمد بن مطرف صاحب الصلاة، وترك الصلاة بالزهراء فقال له الحكم: ما الذي يمنعك من عزل منذر عن الصلاة بك والاستبدال به إذا كرهته؟ فزجره وانتهره وقال له: أمثل منذر ابن سعيد في فضله وخيره وعلمه - لا أم لك - يعزل؟ لارضاء نفس ناكبة عن الرشد، سالكة غير القصد، هذا مايكون، وإني لاستحي من الله ألا أجعل بيني وبينه في صلاة الجمعة شفيعا مثل منذر في ورعه وصدقه، ولكنه أحرجني فاقسمت، ولوددت أني أجد سبيلاً إلى كفارة يميني بملكي، بل يصلي بالناس حياته وحياتنا إن شاء الله تعالى، فما أظننا نعتاض منه أبداً. وكان منذر على متانته وصلابته حسن الخلق كثير الدعابة، فربما ساء ظن من لايعرفه به لدعابته، فإذا رأى ما يخل بالدين قدر شعرة ثار ثورة الأسد الضاري وتبدلت بشاشته عبوساً، ومر في رحلته بمصر فحضر يوماً مجلس أبي جعفر النحاس وهو يملي أخبار الشعراء، فأملى شعر القيس مجنون بني عامر وهو قوله:
خليلي هل بالشام عين حزينة ... تبكي على نجد لعلي أعينها
قد أسلمها الباكون إلاحمامةً ... مطوقةً باتت وبات قرينها
تجاوبها أخرى على خيزرانة ... يكاد يدنيها من الأرض لينها
فقال له منذر: يا أباجعفر، ماذا باتا يصنعان؟ فقال له: وكيف تقول أنت ياأندلسي؟ فقلت له: بانت وبان قرينها، فسكت. قال منذر: ومازال يستثقلني بعد ذلك حتى منعني كتاب العين، وكنت ذهبت للاستنساخ من نسخته، فلما يئست منه قيل لي: أين أنت من أبي العباس بن ولاد؟ فقصدته فلقيت رجلاً كامل العلم حسن المرؤة، فسألته الكتاب فأخرجه إلي، ثم ندم أبو جعفر حين بلغه إباحة أبي العباس الكتاب لي وعاد إلى ماكنت أعرفه منه.
ومن شعر منذر بن سعيد ماكتب به إلى أبي علي القالي يستعير كتاباً من الغريب:
بحق رئم مهفهف ... وصدغه المتعطف
ابعث إلي بجزء ... من الغريب المصنف
فأرسل إليه الكتاب وأجابه بقوله:
وحق در مؤلف ... بفيك أي تألف
لأبعثن بما قد ... حوى الغريب المصنف
ولو بعثت بنفسي ... إليك ماكنت أسرف
وقال أيضاً:
مقالي كحد السيف وسط المحافل ... أميز به مابين حق وباطل
بقلب ذكي قد توقد نوره ... كبرق مضئ عند تسكاب وابل
فما زلقت رجلي ولا زل مقولي ... ولا طاش عقلي عند تلك الزلازل

وقد حدقت حولي عيون إخالها ... كمثل سهام أثبتت في المقاتل
أخير إمام كان أوهو كائن ... بمقتل أوفي العصور الاوائل؟
وفود ملوك الروم حول فنائه ... مخافة بأس أو رجاء لنائل
فعش سالماً أقصى حياة مؤملاً ... فأنت رجاء الكل حاف وناعل
ستملكها مابين شرق ومغرب ... إلى أرض قسطنطين أو أرض بابل
توفي منذر بن سعيد سنة خمس وخمسين وثلاثمائة.

منصور بن اسماعيل بن عمر
أبو الحسن التميمي المصري الضرير، كان إماماً في فقه مذهبه، أديباً شاعراً مجيداً متفنناً، له حظ من كل علم، أصله من رأس العين المشهورة بالجزيرة، وقدم مصر وبها توفي، ولم يكن في زمانه مثله فيها، وكانت له منزلة جليلة عند أبي عبيد القاضي، وكان من خواصه الذين يخلو بهم للمذاكرة والمحادثة، وكان بينهما مناظرات في الفروع أدت إلى الخصام، فتعصب الأمير ذلك وجماعة من الجند لمنصور، وتعصب للقاضي أبي عبيد جماعة منهم ابن الربيع الجيري، ثم شهد ابن الربيع علي منصور بكلام زعم أنه سمعه منه فقال القاضي: إن شهد عليه آخر بمثل ماشهد به عليه ابن الربيع ضربت عنقه، فخاف على نفسه ومات. وكانت وفاته في جمادى الأولى سنة ست وثلاثمائة، وله مصنفات في الفقه منها: كتاب الواجب، وكتاب المستعمل، وزاد المسافر وغير ذلك. ومن شعره:
من كان يخشى زحلاً ... أو كان يرجو المشتري
فإنني منه و إن ... كان أبي منه بري
وقال:
الناس بحر عميق ... والبعد عنهم سفينة
وقد نصحتك فانظر ... لنفسك السكينه
وقال:
لي حيلة فيمن ينم ... م وليس في الكذاب حيلة
من كان يخلق مايقو ... ل فحيلتي فيه قليلة
وقال:
إذا كنت تزعم أن النجوم ... تضر وتنفع من تحتها
فلا تنكرن على من يقول ... بأنك بالله أشركتها
وقال يمدح يموت بن المزرع بن أخت الجاحظ:
أنت يحيى والذي يك ... ره أن تحيا يموت
أنت صون النفس بل أن ... ت لروح النفس قوت
أنت للحكمة بيت ... لاخلت منك البيوت
وقال:
ألكلب أحسن عشره ... وهو النهاية في الخساسه
ممن ينازع في الريا ... سة قبل أوقات الرياسه
وقال:
لولا بناتي وسيئاتي ... لطرت شوقاً إلى الممات
لأنني في جوار قوم ... بغضني قربهم حياتي
وقال:
ليس للنجم إلى ض ... ر ولا نفع سبيل
إنما النجم على الأو ... قات والسمت دليل
وقال:
سررت بهجرك لما علمت ... بأن لقلبك فيه سرورا
ولولا سرورك ماسرني ... وما كنت يوماً عليه صبورا
لأني أرى كل ماساءني ... إذا كان يرضيك سهلاً يسيرا
وقال:
لولا صدود الصديق عني ... مانال واش مناه مني
ولا أدمت البكاء حتى ... قرح فيض الدموع جفني
وما جفاء الصديق إلا ... هجوم خوف عقيب آمن
وقال:
إذا رأيت أمراً في حال عشرته ... بادي الصداقة ما في وده دغل
فلا تمن له حالاً يسر له ... فإنه بانتقال الحال ينتقل
وقال:
ليس هذا زمان قولك ما الحك ... م على من يقول أنت حرام
والحقي بائناً بأهلك أو أن ... ت عتيق محرر ياغلام
أو متى تنكح المصابة في العد ... دة عن شبهة وكيف الكلام؟
في حرام أصاب سن غزال ... فتولى وللغزال بغام
إنما ذا زمان كدح إلى المو ... ت وقوت مبلغ والسلام
وقال:
قد قلت إذ مدحوا الحياة فاكثروا ... للموت ألف فضيلة لاتعرف
منها أمان بقائه بلقائه ... وفراق كل معاشر لاينصف
وقال:
كل مذكور من النا ... س إذا ما فقدوه
صار في حكم حديث ... حفظوه فنسوه
وقال:

إذا تخلفت عن صديق ... ولم يعاتبك في التخلف
فلا تعد بعدها إليه ... فإنما وده تكلف
وقال:
من كفاه من مساعي ... ه رغيف يغتذيه
وله بيت يواري ... ه وثوب يكتسيه
فعلام يبذل الوج ... ه الذي كبر وتيه؟
وعلام يبذل العر ... ض لمخلوق سفيه؟
وقال:
قد قلت لما أن شكت ... تركي زيارتها خلوب
إن التباعد لايضر ... ر إذا تقاربت القلوب
وقال:
منذ ثلاث لم نرك ... فقل لنا ماأخرك
أعلة فنعذرك ... أم دهر سوء غيرك؟
وقال في مرضه معرضا بأبي عبيد القاضي:
ياشامتاً بي إذا هلكت ... لكل حي مدىً ووقت
وأنت في غفلة المنايا ... تخاف منها الذي آمنت
والكأس ملأى وعن قليل ... تشرب منها كما شربت
وأنشد عند موته معرضاً به أيضاً:
قضيت نحبي فسرقوم ... حمقى بهم غفلة ونوم
كأن يومي علي حتم ... وليس للشامتين يوم

منصور بن محمد
بن عبد الله بن المقدر التميمي أبو الفتح الأصبهاني، كان نحوياً أديباً متكلماً كثير الوراية حريصاً على العلم، قدم بغداد واستوطنها وقرأ بها العربية وصحب الصاحب بن عباد، وكان معتزلياً متظاهراً بالاعتزال، وصنف كتاب ذم الاشاعرة، مات يوم السبت ثامن عشرة جمادى الأولى سنة اثنتين وأربعين وأربعمائة.
منصور بن القاضي أبي منصور
محمد هو أبو أحمد الأزدي الهروي قاضي هراة، كان فقيهاً شاعراً مجيداً كثير الفضائل حسن الشمائل، تفقه على أبي حامد الأسفرايني ببغداد، وسمع أبا الفضل بن حمدويه، والعباس بن الفضل النضروي وغيرهما، وامتدح القادر بالله.
مات سنة أربعين وأربعمائة، ومن شعره قوله:
قم يا غلام فهاتها حمراء ... كالنار يورث شربها السراء
فاليوم قد نشر الهواء بأرضنا ... من ثلجه ديباجة بيضاء
وقال:
معتقة أرق من التصابي ... ومن وصل أتى بعد التنائي
يطوف بها قضيب من كثيب ... ويطلع فوقه بدر السماء
لواحظه تبث السحر فينا ... وفي شفتيه أسباب الشفاء
وقال:
خشف من الترك مثل البدر طلعته ... يحوز ضدين من ليل وإصباح
كأن عينيه والتفتير كحلهما ... أثار ظفر بدت في صحن تفاح
وقال:
أدر المدامة ياغلام فإننا ... في مجلس بيد الربيع منضد
والورد أصفره يلوح كأنه ... أقداح تبر كفتت بزبرجد
وقال:
قرن الربيع إلى البنفسج نرجساً ... متبرجاً في حلة الإعجاب
كخدود عشاق قد اصفرت وقد ... نظرت إليها أعين الأحباب
وقال:
طلع البنفسج زائراً أهلاً به ... من وافد سر القلوب وزائر
فكأنما النقاش صور وسطه ... في أزرق الديباج صورة طائر
وقال:
روضة غضة عليها ضباب ... قد تجلت خلالها الأنوار
فهي تحكي مجامراً مذ كيات ... قد علاها من البخور بخار
وقال:
يا أيها العاذل المردود حجته ... أقصر فعذري قد أبدته طلعته
ماذا بقلبي من بدر بليت به ... لليث أخلاقه والخشف خلقته
وقال:
وشادن في الحسن فوق المثل ... أبصر مني بوجوه العمل
قبلت كفيه فقال انتقل ... إلى فمي فهو محل القبل
وقال:
ألله جار عصابة رحلوا ... عني وقلب الصب عندهم
ما الشأن ويحك في رحيلهم ... ألشأن أني عشت بعدهم
وقال:
أباعبد الإله العلم روح ... وأنك دون كل الناس شخصه
لذلك كل أهل الفضل أضحوا ... كحلقة خاتم وغدوت فصه
وقال:
بقيت مدى الزمان أباعلي ... رفيع الشان ذا جد علي
فأنت من المكارم والمعالي ... بمنزلة الوصي من النبي
منصور بن المسلم

بن علي بن أبي الخرجين أبو الحسن الحلبي، المؤدب المعروف بابن أبي الدميك، كان أديباً فاضلاً نحوياً شاعراً له تصانيف وردود على ابن جني منها: تتمة ماقصر فيه ابن جني في شرح أبيات الحماسة، وديوان شعر وقفت عليه بخطه الرائق فوجدته مشحوناً بالفوائد النحوية، وقد شرح ألفاظه اللغوية، وأعتنى بإعرابه فدل على تبحره في علم العربية. ومن شعره:
أأحبابنا إن خلف البين بعدكم ... قلوباً ففيها للتفرق نيران
رحلتم على أن القلوب دياركم ... وأنكم فيها على البعد سكان
عسى مورد من سفح جوشن ناقع ... فإني إلى تلك الموارد ظمآن
وما كل ظن ظنه المرء كان ... يقوم عليه للحقيقة برهان
وعيش الفتى طعمان: قند وعلقم ... كما حاله قسمان: رزق وحرمان
وقال:
إن كتمت الهوى تزايد سقمي ... وأخاف العيون حين أبوح
لأبوحن بالذي في ضميري ... من هواه لعلني استريح
وقال:
وإن اغتراب المرء من غير فاقة ... ولاحاجة يسمو لها لعجيب
فحسب الفتى بخساً وإن أدرك الغنى ... ونال ثراء أن يقال غريب
وقال:
أخي ما بال قلبك ليس ينقى ... كأنك لاتظن الموت حقا
ألا يابن الذين مضوا وبادوا ... أما والله ماذهبوا لتبقى
ومالك غير تقوى الله زاد ... إذا جعلت إلى اللهوات ترقى
وقال:
وقائل كيف تهاجرتما؟ ... فقلت قولا فيه إنصاف
لم يك من شكلي فتاركته ... والناس أشكال وآلاف

منوجهر بن محمد بن تركان شاه
ابن محمد بن الفرج، أبو الفضل بن أبي الوفاء البغدادي الكاتب، كان كاتباً فاضلاً أديباً حاذقاً حسن الطريقة، سمع أباه وأبا بكر الحلواني، وسمع المقامات من مؤلفها الحريري ورواها عنه، وروى عنه أبو الفتوح بن الخضري وابن الأخضر وغيرهما. مات سنة خمس وسبعبن وخمسمائة.
مؤرج بن عمرو بن الحارث بن منيع
ابن ثور بن سعد بن حرملة بن علقمة بن عمرو بن سدوس السدوسي البصري النحوي الأخباري، هو من أعيان أصحاب الخليل، عالم بالعربية والحديث والأنساب.أخذ عن أبي زيد الأنصاري وصحب الخليل بن أحمد، وسمع الحديث من شعبة بن الحجاج وأبي عمرو بن العلاء وغيرهما. وأخذ عنه أحمد بن محمد بن أبي محمد اليزيدي وغيره. وكان قد رحل مع المأمون إلى خراسان فسكن مدينة مرو، وقدم نيسابور وأقام بها وكتب عنه مشايخها. ويقال أن الأصمعي كان يحفظ ثلث اللغة، وكان الخليل يحفظ ثلث اللغة، وكان مؤرج يحفظ الثلثين، وكان أبو مالك يحفظ اللغة كلها.
وقال أبو عبد الله محمد بن العباس اليزيدي: أخبرني عمي قال: أخبرني مؤرج أنه قدم من البادية ولا معرفة له بالقياس في العربية قال: فأول ما تعلمت القياس في حلقة أبي زيد الأنصاري بالبصرة. وقال محمد بن العباس أيضاً: أهدي أبو فيد مؤرج السدوس إلى جدي محمد بن أبي محمد كساء فقال جدي فيه:
سأشكر ما أولى ابن عمرو مؤرج ... وامنحه حسن الثناء مع الود
أغر سدوسى نماه إلى العلا ... أب كان صبا بالمكارم والمجد
أتينا أبا فيد نؤمل سيبه ... ونقدح زنداً غير كاب ولاصلد
فأصدرنا بالفضل والبذل والغنى ... ومازال محمود المصادر والورد
كساني ولم استكسه متبرعاً ... وذلك أهنأ مايكون من الرفد
كساء جمال إن أردت جمالةً ... وثوب شتاء إن خشيت من البرد
كسانيه فضفاضاً إذا مالبسته ... ترنحت مختالاً وجرت عن القصد
ترى حبكاً فيه كأن اطرادها ... فرند حسام نصله سل من عمد
سأشكر ما عشت السدوسي بره ... وأوصي بشكر للسدوسي من بعدي
وصنف مؤرج عريب القران، كتاب الانواء، كتاب المعاني، كتاب جماهير القبائل. حذق نسب قريش وغير ذلك.
موسى بن بشار

ابو محمد مولى تيم بن مرة، وقيل مولى بن سهم القرشي بالولاء الملقب بشهوات، لقب بذلك لأنه كان سئولا ملحفاً إذا رأى شيئاً أعجبه من متاع أو ثياب تباكى، فإذا قيل له مالك؟ قال: اشتهى هذا فلقب شهوات. وقيل بل كان يجلب القند والسكر إلى البلد فقالت أمرأة من أهله: مايزال موسى يجيئنا بالشهوات فغلب ذلك عليه، وكان شاعراً مجيدا من شعراء الامويين يستجدي خلفاهم وأمراءهم، وكان يدخل على سليمان ابن عبد الملك وينشده، ومن مشهور شعره قوله في الأميرسعيد بن خالد العثماني:
أبا خالد أعني سعيد بن خالد ... أخا العرف لا أعني ابن بنت سعيد
ولكنني أعني ابن عائشة الذي ... أبو أبويه خالد بن أسيد
عقيد الندى ماعاش يرضى به الندى ... فإن مات لم يرضى الندى بعقيد
دعوه دعوه إنكم قد رقدتم ... وماهو عن أحسابكم برقود
فدى للكريم العبشمي ابن خالد ... بنى وما لي طارفي وتليدي
على وجهه تلقى الأيامن واسمه ... وكان جواري طيره بسعود
أنال وما استغنى عن الثدي خيره ... أنال به في المهد قبل قعود
ترى الجند والحجاب يغشون بابه ... بحاجاتهم من سيد ومسود
فيعطي ولايعطى ويغشى ويجتدي ... وما بابه للمجتدي بسديد
قتلت أناساً هكذا في جلودهم ... من الغيظ لم تقتلهم بحديد
يعيشون ماعاشوا بغيظ وإن تحن ... مناياهم يوما تحن بحقود
فقل لبغاة العرف مات خالد ... ومات الندى إلافضول سعيد

المؤمل بن اميل بن اسيد
المحاربي من محارب بن خصفة بن قيس بن عيلان، كوفي من مخضرمي شعراء الدولتين الاموية والعباسية، وكان في دولة بني العباس اشهر لانه كان من الجند المرتزقة معهم ومن اوليائهم وخواصهم، وانقطع إلى المهدي قبل خلافته وبعدها، وكان شاعراً مجيدا ودون طبقة الفحول.
قال ابن قدامة: حدثني المؤمل بن اميق لقال: قدمت على المهدي وهو بالري وهو اذ ذاك ولى عهد فامتدحته بابيات فامر لي بعشرين الف درهم، فكتب بذلك صاحب البريد إلى أبي جعفر المنصور وهو بمدينة السلام يخبره ان الأميرالمهدي امرلشاعربعشرين الف درهم، فكتب المنصور إلى ابنه المهدي يعذله ويلومه، وكتب إلى كاتب المهدي ان يوجه اليه بي فطلبني ولم يظفر بي، فكتب إلى المنصور انه توجه إلى مدينة السلام، فاجلس قائدا من قواده على جسر التهروان وامره ان يتصفح الناس حتى إذا علق بي حملني اليه، فما مرت به القافلة التي انا فيها تصفحها فوقع بصره علي فسألني من أنت؟ قلت: أنا المؤمل بن ايمل بن المحاربي الشاعر احد زوار المهدي فقال: اياك طلبت، فكاد قلبي ان يتصدع خوفا من الخليفة، فقبض علي واسلمني إلى الربع فادخلني إلى المنصور فسلمت تسليم مروع فرد السلام وقال: ليس لك هاهنا الاخير، انت الؤمل بن اميل؟ قلت نعم اصلح الله أميرالمؤمنين. قال: اتيت غلاما غرا فخدعته حتى اعطاك من مال الله عشرين الف درهم؟ قلت نعم اصلح الله الامير، اتيت غلاما غرا كريما فخدعته فانخدع. قال المؤمل: فكان كلامي اعجبه فقال: انشدني ما قلت فيه، فانشدته:
هو المهدي إلا أن فيه ... مشابه صورة القمر المنير
تشابه ذا وذا فهما إذا ما ... أنارا مشكلان على البصير
فهذا في الظلام سراج ليل ... وهذا في النهار ضياء نور
ولكن فضل الرحمن هذا ... على ذا بالمنابر والسرير
وبالملك العزيز فذا أمير ... وما ذا بالأميرولا الوزير
ونصف الشهر ينقص ذا وهذا ... منبر عند نقصان الشهور
فيا بن خليفة الله المصفى ... به تعلو مفاخرة الفخور
لئن فت الملوك وقد توافوا ... إليك من السهولة والوعر
لقد سبق الملوك أبوك حتى ... غدوا مابين كاب اوحسير
وجئت مصلياً تجري حثيثاً ... ومابك حين تجري من فتور
فقال الناس ماهذان إلا ... كمابين الخليق إلى الجدير

لئن سبق الكبير فأهل سبق ... له فضل الكبير على الصغير
وإن بلغ الصغير مدى كبير ... فقد خلق الصغير من الكبير
فقال المنصور: والله لقد أحسنت، ولكن هذا لايساوي عشرين ألف درهم فأين المال؟ قلت هو هذا. فقال ياربيع: امضى معه فاعطه اربعة الاف درهم وخذ الباقي. قال المؤمل: فوزن لي الربيع من المال اربعة الاف درهم واخذ الباقي. فلما ولى المهدي الخلافة رفعت اليه رقعة فلما قراها ضحك وامر برد العشرين الف درهم إلى فردت فاخذتها وانصرفت. وانشد نفطويه لابن اميل:
لاتغضبن على قوم تحبهم ... فليس منك عليهم ينفع الغضب
ولا تخاصمهم يوما وإن ظلموا ... إن الولاة إذا ماخوصموا غلبوا
ياجائرين علينا في حكومتهم ... والجور أقبح مايؤتى ويرتكب
لسنا إلى غيركم منكم نفرإذا ... جرتم ولكن إليكم منكم الهرب
وقال:
وكم من لئيم ود أني شتمته ... وإن كان شتمي فيه صاب وعلقم
وللكف عن شتم اللئيم تكرماً ... أضر له من شتمه حين يشتم
مات المؤمل بن اميل في حدود سنة تسعين ومائة.

موهوب بن أحمد بن الحسن
بن الخضر الجواليقي البغدادي، كان من كبارأهل اللغة، اماما في فنون الأدب ثقة صدوقا،أخذالادب عن أبي زكريا يحيى الخطيب التبريزي ولازمه، وسمع الحديث من أبيالقاسم ابن اليسري وأبي طاهر بن أبي الصقر، وروى عنه الكنديوابو الفرج بن الجوزي، واخذ عنه أبو البركات عبد الرحمن ابن محمد الانباري، ودرس الأدب في النظامية بعد شيخه التبريزي، واختص بامامة المقتفي لامر الله، وكان منأهل السنة طويل الصمت لايقول شيئا الا بعد التحقين، ويكثر من قول لا أدري، وكان مليح الخط يتنافس الناس في تحصيله والمغالاة به، وكان في بعض مسائل النحو مذاهب غريبة.
قال ابن الانباري: كان يذهب إلى ان الاسم بعد لولا يرتفع بها على مايذهب اليه الكوفيون، والى ان الالف واللام في نعم الرجل للعهد، خلاف ماذهب اليه الجماعة من انها للجنس. قال: وحضرت حلقته يوما وهو يرا عليه كتاب الجمهرة لابن دريد، وقد حكى عن بعض النحويين انه قال: اصل ليس لاأيس. فقلت: هذا الكلام كانه من كلام الصوفية، فكان الشيخ انكر على ذلك ولم يقل في تلك الحال شيئا، فلما كان بعد ايام وقد حضرنا الدرس على العادة قال: اين ذلك الذي أنكر ان يكون أصل ليس لا أيس؟ أليس لا تكون بمعنى ليس؟ فقلت ولم إذا كانت لا بمعنى ليس يكون أصل ليس لا أيس؟ فلم يذكر شيئا وسكت. قال: وكان الشيخ - رحمه الله - في اللغة أمثل منه في النحو. وحكى ولد الجواليقي أبو محمد اسماعيل قال: كنت في حلقة والدي يوم الجمعة بعد الصلاة بجامع القصر والناس وقوف يقرءون عليه فوقف عليه شاب وقال: يا سيدي، قد سمعت بيتين من الشعر ولم أفهم معناهما وأريد أن تسمعهما مني وتعرفني معناها، فقال قل فأنشد:
وصل الحبيب جنان الخلد أسكنها ... وهجره النار يصليني به النارا
فالشمس بالقوس أمست وهي نازلة ... إن لم يزرني وبالجوزاء إن زار
قال اسماعيل: فلما سمعها والي قال: يابني هذا معنى من علم النجوم وسيرها لا من صنعة أهل الادب، فانصرف الشاب من غير فائدة واستحي والدي من ان يسأل عنشيء ليس عنده منه علم، فالى على نفسه الايجلس في حلقته حتى ينظر في علم النجوم ويعرف تسيير الشمس والقمر، فنظر في ذلك ثم جلس للناس. ومعنى البيت: ان الشمس إذا كانت في القوس كان الليل طويلا فجعل ليالي الهجر فيها، وذ كانت في الجوزاء كان الليل قصيرا فجعل ليالي الوصل فيها. وللجواليقي من التصانيف: شرح ادب الكاتب، كتاب العروض، التكملة فيما يلحن فيه العامة اكمل به درة الغواص للحريري، المعرب من الكلام الاعجمي وغير ذلك. وكانت ولادته سنة ست وستين واربعمائة، توفى يوم الاحد خامس عشر المحرم سنة تسع وثلاثين وخمسمائة.
المؤيد بن عطاف

بن محمد بن علي بن محمد أبو سعيد الالوسي الشاعر الأديب، ولد بالوس سنة اربع وتسعين واربعمائة، ونشا بدجيل واتصل بخدمة ملكشاه مسعود بن محمد السلجوقي فعلا ذكره وتقدموا ثري، ودخل بغداد في ايام المسترشد فصار جاويشا، ولما صارت الخلافة إلى المقتفي تكلم فيه وفي اسحابه بما لايليق، فقبض عليه وسجن فلبث في السجن عشر سنين واخرج منه في خلافة المستنجد، ومن شعره:
رحلوا فأفنيت الدموع لبعدهم ... من بعدهم وعجبت إذ أنا باق
وعلمت أن العود يقطر ماؤه ... عند الوقود لفرقة الأوراق
وأبيت ماسورا وفرحة ذكركم ... عندي تعادل فرحة الإطلاق
لاتنكر البلوى سواد مفارقي ... فالحرق يحكم صنعة الحراق
وقال في صفة القلم:
ومثقف يغني ويفنى دائماً ... في طوري الميعاد والإيعاد
قلم يفل الجيش وهو عرمرم ... والبيض ماسلت من الأغماد
وهبت به الآجام حين نشابها ... كرم السيول وهيبة الآساد
توفي أبو سعيد بالموصل يوم الخميس الرابع والعشرين من رمضان سنة سبع وخمسين وخمسمائة عن ثلاث وستين سنة.

ميمون الاقرن
هو الامام المقدم في العربية بعد أبيالاسود الدؤلي،أخذعن أبيالاسود، واخذ عنه عنبسة بن معدان الفيل في اصح الروايتين.
حدث اسحاق بن ابراهيم الموصلي عن المدائني قال: امر زياد ابا الأسود الدؤلي ان ينقط المصاحف فنقطها ورسم من النحو رسوما، ثم جاء بعده ميمون الاقرن فزاد عليه في حدود العربية، ثم زاد فيها بعده عنبسة بن معدان المهري، وكان ميمون احد ائمة العربية الخمسة الذين يرجع اليهم في المشكلات.
حدث أبو عبيدة ان يونس النحوي سئل عن جرير والفرزدق والاخطل: ايهم اشعر؟ فقال: اجمعت العلماء على الاخطل. قال أبو عبيدة: فقلت لرجل إلى جنبه: سله: من هؤلاء العلماء؟ فسأله فقال: هم ميمون الاقرن، وعنبسة الفيل، وابن أبي إسحاق الحضرمي، وابو عمر وبن العلاء، وعيسى بن عمر الثقفي، هؤلاء طرقوا الكلام وماثوه موثا لاكمن تحكون عنهم لاهم بدويون ولا نحويون.. وقال أبو عبيدة: اول من وضع العربية أبو الاسود الدؤلي، ثم ميمون الاقرن، ثم عنبسة الفيل، ثم عبد الله بن أبي اسحاق الحضرمي، ثم عمر الثقفي.
ميمون بن جعفر
ابو توبة النحوي، كان لغوياً نحوياً أديباً أخذعن أبي الحسن الكسائي، وكان يؤدب عمرو بن سعيد بن سلم، فلما قدم الأصمعي من البصرة نزل على سعيد فحضر يوما واخذ سعيد يسأل ه، فجعل أبو توبة إذا مر الأصمعي بشيء من الغريب بادر اليه فاتى بكل مافي الباب او اكثره، فشق ذلك على الأصمعي فعدل بابي توبة إلى المعاني فقال سعيد: يا باتوبة، لاتتبعه في هذا الفن يعني المعاني فانه صناعته، فقال أبو توبة: وماذا على في ذلك؟ ان سألني عما احسنه اجبته، ومالا احسنة تعلمته منه واستفدته.
باب النون
ناصر بن أحمد بن بكر
ابو القاسم الخوي النحوي الأديب، ولد في المحرم سنة ست وستين واربعمائة، قرأ النحو على أبي طاهر الشيرازى، والفقه على أبي اسحاق الشيرازي، وسمع ابا القاسم علي بن أحمد بن السري، وابا الحسين عاصم بن الحسين المعروف بابن النقور العاصمي، وابا زيد نظام الملك، وكان شيخ الأدب في اذربيجان غير مدافع، وولى القضاء بها مدة ورحل اليه الناس من الاطراف، وصنف شرح اللمع لابن جني، وتوفي في ربيع الاخر سنة سبع وخمسمائة، ومن شعره:
عليك بإغباب الزيارة إنها ... تكون إذا دامت إلى الهجر مسلكا
فاني رأيت الغيث يسأم دائماً ... ويسأل بالأيدي إذا هو أمسكا
وقال:
نصير تراباً كأن لم نكن ... وعاة العلوم رعاة الأمم
فتباً لعيش قصير الدوام ... ووجدان حظ قريب العدم
ناصر بن عبد السيدين علي

ابو الفتح المطرزي الخوارزمي النحوي الأديب، ولد بخوارزم في رجب سنة ثمان وثلاثين وخمسمائة في السنة والبلدة التي مات فيها الزمخشري، ولذلك قيل له خليفة الزمخشري، لاسيما وقد كان على طريقته رأساً في الاعتزال داعيا اليه، وكان ينتحل في الفروع مذهب أبي حنيفة، وكان فقيها فاضلا بارعا في النحو واللغة وفنون الادب، وله شعر حسن يتعمد فيه استعمال الجناس، قرأ ببلده على ابيه أبي المكارم عبد السيد، وعلى أبي المؤيد الموفق بن أحمد ابن اسحاق المعروف باخطب خوارزم وغيرهما، وسمع من أبيعبد الله محمد بن علي بن أبيسعيد التاجر وغيره، ودخل بغداد متوجها إلى الحج سنة احدى وستمائة، وجرى له فيها مباحث مع جماعة من الفقهاء والادباء واخذأهل الأدب عنه، وصنف شرح المقامات للحريري، والمغرب في غريب الفاظ الفقهاء، والمعرب في شرح المغرب، والاقناع في اللغة، والمقدمة المطرزية في النحو، والمصباح في النحو اضا مختصر، ومختصر اصلاح المنطق لابن السكيت وغير ذلك، مات بخوارزم يوم الثلاثاء الحادي والعشرين من جمادى الاولى سنة عشر وستمائة، ومن شعره:
وزند ندى فواضله ورى ... ورند ربى خواضله نضير
ودر خلاله أبداً ثمين ... ودر نواله أبداً غزير
وقال:
تعامى زماني عن حقوقي وإنه ... قبيح على الزرقاء تبدي تعاميا
فإن تنكروا فضلي فإن رغاءه ... كفى لذوي الأسماع منكم مناديا
وقال:
يا وحشةً لجيرة منذ نأوا ... علو قدري في الهوى انحطا
حكت دموعي البحر من بعدهم ... لما رأت منزلهم شطا

نبا بن محمد بن محفوظ
أبو البيان القرشي الدمشقي المعروف بابن الحوراني شيخ الطريق البيانية بدمشق، كانت له معرفة تامة باللغة والادب والفقه، وكان شاعراً فاضلاً زاهداً عابداً، سمع أبا الحسن علي بن الموازيني، وأبا الحسن علي بن أحمد بن قبيس المالكي، وسمع منه يوسف بن عبد الواحد بن وفاء السلمي، والقاضي أسعد بن المنجا، والفقيه أحمد العراقي، وعبد الرحمن ابن الحسين بن عبدان وغيرهم، وصحب الشيخ ارسلان الدمشقي الصوفي ولزمه وكان ينفرد به، وله تصاميف مفيدة ومجاميع لطيفة وشعر كثير. ومن مصنفاته: منظومة في الصاد والضاد، ومنظومة في تعزيز بيتي الحريري اللذين أولهما:
سم سمةً تحمد آثارها
قال فيها:
بل سمه بالهجر عندي لمح ... مود يوالي سمه بلسمه
توفي بدمشق يوم الثلاثاء غرة ربيع الاول سنة احدى وخمسين وخمسمائة.
نجم بن سراج العقيلي
البغدادي الاصل، الملقب بشمس الملك، رحل مع اهله إلى مصر صغيرا، وتوطن باسنا من بلاد الصعيد فنشا بها، وهو احد شعراء العصر المجيدين وابائه المبرزين، شائع الصيت سائر الذكر، تصرف بفنون الأدب وتميز بالشعر فمدح الاكابر والاعيان، وكان منقطعا إلى الرئيس جعفر ابن حسان بن علي الاسنائي احد اكابر العصر وادبائه، وله فيه مدائح كثيرة، وكان بينه وبين مجد الملك جعفر ابن شمس الخلافة الأديب الشاعر صحبة ومودة ومطارحات، توفي سنة احدى وستمائة، ومن شعره في مدح الرئيس بن حسان المذكور قوله:
قف الركب واسأل قبل حث الركائب ... لعل فؤادي بين تلك الحقائب
وماذا عسى يجدي السؤال وإنما ... أعلل قلباً ذاهباً في المذاهب
فوالله لولا الشعر سنة من خلا ... ونحلة قوم في العصور الذواهب
لنزهت نفسي عن سؤال معاشر ... يرون طلاب البر أسني المكاسب
وهبت لمن يأبى مديحي عرضه ... وإن كان للمعروف ليس بواهب
وأقسمت لاأرجو سوى رفد جعفر ... حليف الندى رب العلا والمناقب
أحق فتى يطري ويرجى ويتقى ... كما تتقى خوفاً شفار القواضب
إذا نحن قدرنا تقاعس مجده ... وجدناه بالتقصير فوق الكواكب
وإن نحن رمنا وصف جدوى يمينه ... رأينا نداه فوق سح السحائب
أخو همم لم يسله اللوم همه ... وما همه غير اتصال المواهب
جواد تراه الدهر في البر دائباً ... كان عليه الجود ضربة لازب

رقيت بإحسان ابن حسان منبرا ... فكنت به في الفضل أحسن خاطب
وصلت على الأيام حتى لقد غدت ... من الرعب من بعد الجفاء صواحبي
ومن هذا رجع إلى الغزل وختم القصيدة به فقال بعده:
على أنني من وقع عادية النوى ... دريئة رام للأسي والنوائب
وما الحب شيء يجهل المرء قدره ... وما فيه لايخفى على ذي التجارب
خليلي كفا واتركاني وخليا ... ملامي فذهني حاضر غير غائب
إذا كان ذنبي الحب والوجد والهوى ... فتلك ذنوب لست منها بتائب
والقصيدة طويلة تركت باقيا للاختصار.

نشوان بن سعيد بن نشوان
أبو سعيد الحيري اليمني الأميرالعلامة، كان فقيها فاضلا عارفا باللغة والنحو والتاريخ وسائر فنون الادب، فصيحاً بليغاً شاعراً مجيداً، استولى على قلاع وحصون وقدمه أهل جبل صبر حتى صار ملكاً، وله تصانيف أجلها شمس العلوم، وشفاء كلام العرب من الكلوم في اللغة، وله القصيدة المشهورة التي أولها:
الأمر جد وهو غير مزاح ... فاعمل لنفسك صالحاً ياصاح
مات في ذي الحجة سنة ثلاث وسبعين وخمسمائة.
نصر بن ابراهيم بن
أبي نصر بن الحسين الدينوري ثم البغدادي الحمامي المؤدب. ولد سنة خمسين ومائتين، وكان حسن المعرفة بالنحو فاضلاً أديباً، سمع ابا الحسن بن عبد السلام وابا محمد بن الطراح وغيرهما، ولا اعرف من امره غير هذا
نصر بن أحمد بن نصر
بن المأمون أبو القاسم البصري المعروف بالخبزأرزي شاعر أمي مجيد كان لا يتهجى ولا يكتب، وكان خبازاً يخبز خبز الأرزبد كان له في مربد البصرة، فكان يخبز وهو ينشد ما يقوله من الشعر فيجتمع الناس حوله ويزدحمون عليه لإسماع شعره وملحه، ويتعجبون من اجادته في مثل حاله وحرفته، وكان ممن يفضل الذكور على الاناث، فكان أحداث البصرة يلتفون حوله ويتنافسون بميله إليهم، ويحفظون شعره لسهولته ورقته، وكان شاعر البصرة ابن لنكك مع علو قدره يجلس إليه ويتردد على دكانه، وعني بجمع ديوان شعره. ذكر الخطيب في تاريخ مدينة السلام: ان أبامحمد عبد الله بن محمد الأكفاني قال: خرجت مع عمي أبي عبد الله الأكفاني الشاعر وأبي الحسين بن لنكك وأبي عبد الله المفجع وأبي الحسن السماك في بطالة العيد وانا يومئذ صبي اصحبهم، فانتهوا إلى نصر الخبزأرزي وهو يخبز على طابقه فجلسوا يهنونه بالعيد وهو يوقد السعف تحت الطابق فزاد في الوقود فدخنها فنهضوا حين تزايد الدخان فقال نصر لابن لنكك: متى اراك يا با الحسين؟ فقال له: إذا اتسخت ثيابي، ثم مضينا في سكة بني سمرة حتى انتهينا إلى دار أبياحمد بن المثنى فجلس ابن لنكك وقال: ان نصر الايخليالمجلس الذي مضى لنا معه منشئ يقوله فيه، ويجب ان نبداه قبل ان يبدانا فاستدعى بدواة وكتب اليه:
لنصر في فؤادي فرط حب ... أنيف به على كل الصحاب
أتيناه فبخرنا بخوراً ... من السعف المدخن بالتهاب
فقمت مبادراً وحسبت نصراً ... أراد بذاك طردي أو ذهابي
فقال متى أراك أبا حسين ... فقلت له إذا اتسخت ثيابي
فلما وصلت الرقعة إلى نصر أملى على من كتب له بظهرها الجواب، فلما وصل الينا قراناه فاذا هو فيه:
منحت أبا الحسين صميم ودي ... فداعبني بألفاظ عذاب
أتى وثيابه كالشيب بيض ... فعدن له كريعان الشباب
وبغضي للمشيب أعد عندي ... سواداً لونه لون الخضاب
ظننت جلوسه عندي لعرس ... فجدت له بتمسيك الثياب
وقلت متى أراك أباحسين ... فجاوبني إذا اتسخت ثيابي
ولوكان التقزز فيه خير ... لما كنى الوصي أبا تراب
ومن شعره أيضاً:
رأيت الهلال ووجه الحبيب ... فكانا هلالين عند النظر
فلم أدر من حيرتي فيهما ... هلال السما من هلال البشر
ولولا التورد في الوجنتين ... وماراعني من سواد الشعر
لكنت أظن الهلال الحبيب ... وكنت أظن الحبيب القمر
وقال:
شاقني الأهل لم يشقني الديار ... والهوى صائر إلى حيث صاروا

جيرة فرقتهم غربة البي ... ن وبين القلوب ذاك الجوار
كم أناس رعوا لنا حين غابوا ... وأناس خانوا وهم حضار
عرضوا ثم أعرضوا واستمالوا ... ثم مالوا وأنصفوا ثم جاروا
لاتلمهم على التجني فلو لم ... يتجنوا لم يحسن الاعتذار
وقال:
فلا تمن بتنميق تكلفة ... لصورة حسنها الاصلي يكفيها
إن الدنانير لاتجلى وإن عتقت ... ولاتزاد على الحسن الذي فيها
وقال:
إذا ما لسان المرء أكثر هذره ... فذاك لسان بالبلاء موكل
إذا شئت أن تحيا عزيزاً مسلماً ... فدبر وميز ما تقول وتفعل
توفي نصر بن أحمد الخبز ارزي سنة سبع وعشرين وثلاثمائة.

نصر بن الحسن بن جوشن
بن منصور ابن حميد بن أثال، أبو المرهف العيلاني النميري، كان قارئاً أديباً شاعراً مجيداً، أضر بالجدري صغيراً فحفظ القرآن المجيد، وقرا الأدب على أبي منصور الجواليقي وسمع من القاضى أبي بكر محمد بن عبد الباقي الانصاري وأبي البركات عبد الوهاب بن المبارك الانماطي وأبي الفضل ابن ناصر، وبرع في الشعر فمدح الخلفاء والوزراء وكان منقطعا إلى الوزير ابن هبيرة، وقد ادركته صغيرا ولم ألقه توفي يوم الثلاثاء الثامن والعشرين من ربيع الاخر سنة ثمان وثمانين وخمسمائة، ومن شعره:
شمس الضحى يعشى العيون ضياؤها ... إلا إذا رمقت بعين واحده
ولذاك تاه العور واحتقروا الورى ... فاعرف فضيلتهم وخذها فائده
نقصان جارحة أعانت أختها ... فكأنما قويت بعين زائده
وله:
لها من الليل البهيم طرة ... على جبين واضح نهاره
ومعصم يكاد يجري رقةً ... وإنما يعصمه سواره
وقال:
ترى يتألف الشمل الصديع ... وآمن من زماني مايروع
وتؤنس بعد وحشتها بنجد ... منازلها القديمة والربوع
ذكرت بأيمن العلمين عيشاً ... مضى والشمل ملتئم جميع
فلم أملك لدمعي رد غرب ... وعند الشوق تعصيك الدموع
ينازعني إلى لمياء قلبي ... ودون لقائها بلد شسوع
وأخوف ما أخاف على فؤادي ... اذا ما انجد البرق اللموع
فقد حملت من طول التنائي ... عن الأحباب مالا أستطيع
وقال:
مافي قبائل عامر ... من معلم الطرفين غيري
خالي زعيم عبادة ... وأبي زعيم بني عمير
نصر بن عام الليثي
النحوي، كان فقيها عالما بالعربية من فقهاء التابعين، وكان يسند إلى أبي الأسود الدؤلي في القرآن والنحو، وله كتاب في العربية، وقيل أخذ النحو عن يحيى بن يعمر العدواني، واخذ عنه أبو عمرو بن العلاء وكان يرى راي الخوارج ثم ترك ذلك وقال في تركه ابياتا وهى:
فارقت نجدة والذين تزرقوا ... وابن الزبير وشيعة الكرابى
وهوي النجاريين قد فارقته ... وعطية المتجبر المرتاب
مات بالبصرة سنة تسع وثمانين وقيل ستة تسعين.
نصر بن علي بن محمد
ابو عبد الله الشيرازي الفارس الفسوي، يعرف بابن أبي مريم النحوي، خطيب شيراز وعالمها واديبها والمرجوع اله في الامور الشرعية والمشكلات الادبية،أخذعن محمود بن حمزة الكرماني، وصنف تفسير القران، وشرح الايضاح للفارس، قريء عليه سنة خمس وستين وخمسمائة وتوفي بعدها.
نصر بن مزاحم
ابو الفضل المنقري الكوفي، كان عارفا بالتاريخ والاخبار وهوشيعي من الغلاة جلد في ذلك، روى عنه أبو سعيد الاشج ونوح بن حبيب وغيرهما. وروى هو عن شعبة بن الحجاج، واتهمه جماعة من المحدثين بالكذب وضعفه اخرون، وصنف كتاب الغارات، وكتاب الجمل، وكتاب صفين، وكتاب مقتل حجر بن عدي، وكتاب مقتل الحسين بن علي رضي الله عنهما وغير ذلك، مات سنة اثنتي عشرة ومائتين.
نصر بن يوسف
صاحب أبي الحسن الكسائي، كان نحوياً لغوياً له من الكتب: كتاب خلق الانسان، كتاب الابل، ذكره
نصر الله بن ابراهيم

بن أبي نصر بن الحسين الدينوري ثم البغدادي الحمامي المؤدب، ولد سنة عشرين وخمسمائة، وكان حسن المعرفة بالنحو فاضلاً أديباً، سمع ابا الحسن بن عبد السلام وابا محمد بن الطراح وغيرهما، ولا اعرف من امره غير هذا.

نصر الله بن عبد مخلوف
ابن علي بن عبد القوي بن فلاقس الاسكندري، كان أديباً فاضلاً وشاعراً مجيداً، ولد بالاسكندرية في ربيع الاخر سنة اثنتين وثلاثين وخمسمائة، ونشأ بها وقرأ على أبي طاهر السلفي وسمع منه ومن غيره. ورحل إلى اليمن ودخل عدن سنة ثلاث وستين وخمسمائة، وامتدح بها الوزير ابا الفرج ياسر بن بلال، وسافر إلى صقلية ودخلها سنة خمس وستين وخمسمائة، وامتدح بها القائد ابا القاسم بن الحجر فاكرم نزله واحسن اليه، فصنف باسمه كتابا سماه الزهر الباسم في اوصاف أبيالقاسم، ثم فارق صقلية راجعا إلى مصر، فتوفي بعيذاب سنة سبع وستين وخمسمائة، ومن شعره:
إشرب معتقة الطلا صرفاً على ... رقص الغصون بروضة غناء
من كف وطفاء الجفون كأنما ... تسعى بنار أضرمت في ماء
فيسحر مقلتها وخمرة ريقها ... شرك العول وآفة الأعضاء
وقال:
سددوها من القدود رماحاً ... وانتضوها من الجفون صفاحا
يالها حلة من السقم حالت ... واستحالت ولاكفاها كفاحا
صح إذ أذرت العيون دماء ... أنهم أثخنوا القلوب جراحا
وقال:
قرنت بواو الصدغ صاد المقبل ... وأبديت لاماً في عذار مسلسل
فإن لم يكن وصل لديك لعاشق ... فماذا الذي أبديت للمتأمل؟
وقال من قصيدة:
عقدوا الشعور معاقد التيجان ... وتقلدوا بصوارم الأجفان
ومشوا وقد هزوا رماح قدودهم ... هز الكماة عوالي المران
وتدرعوا زرداً فخلت أراقماً ... خلعت ملابسها على الغزلان
نصيب بن رباح
مولى عبد العزيز بن مروان شاعر من فحول الشعراء الإسلاميين، كان عبدا لرجل من كنانة من أهل ودان، وكان فصيحاً مقدماً في النسيب والمديح مترفعا عن الهجاء كبير النفس عفيفا، قيل لم ينسب قط إلا بامرأته، وكان مقدماً عند الملوك يجيد مديحهم ومراثيهم، وفي سبب اتصاله بعبد العزيز بن مروان وفك رقبته من الرق روايات شتى منها: انه لما قال الشعر وهوشاب جعل ياتي مشيخة القبيلة وينشدهم فاجتمعوا إلى ملاه وقالوا: إن عبدك هذا قد نبغ بقول الشعر ونحن منه بين شرتين، إما أن يهجونا فيهتك أعراضنا، او يمدحنا فيشبب بنسائنا، وليس لنا في شيء من الخلتين خيرة. فقال له ملاه: يانصيب، انا بائعك لامحالة فاختر لنفسك، فسار إلى عبد العزيز بن مروان بمصر فدخل عليه وانشده:
لعبد العزيز على قومه ... وغيرهم منن غامره
فبابك أسهل أبوابهم ... ودارك مأهولة عامره
وكلبك أرأف بالزائرين ... من الأم بابنتها الزائره
وكفك حين ترى المعتفين ... أندى من الليلة الماطره
فمنك العطاء ومنا الثناء ... بكل محبرة سائره
فقال عبد العزيز: اعطوه اعطوه فقال: - أصلحك الله - إني عبد ومثلي لايأخذ الجوائز، قال فما شأنك؟ فاخبره بحاله فدعا الحاجب فقال: اخرج به إلى باب الجامع فابلغ في قيمته فدعا المقومين فنادوا عليه، من يعطي لعبد اسو جلد؟ قال رجل هو علي بمائة دينار، فقال تصيب قولوا على اني ابري القس واريش السهام واحتجن الاوتار، فقال الرجل: هو على بمائتي دينار. قال: قولوا على اني ارعى الابل وامريها واقضقضها واصدرها واوردها وارعاها وارعيها. قال رجل هو على بخمسمائة دينار. قال نصيب قولوا على اني شاعر عربي لايوطيء ولا يقوي ولا يساند. قال رجل هو على بالف دينار، فسار به الحاجب إلى عبد العزيز فاخبره بما تم فقال: افعوا اليه الف دينار فقبضها وافتك بها رقبته، ولم يزل في جملة عبد العزيز حتى احتضر، فاوصى به سليمان بن عبد الملك خيرا فصيره في جملة سماره.
حكى ان نصيبا دخل على سليمان بن عبد الملك وعنده الفرزدق فقال سليمان للفرزدق يا أبافراس: أنشدني وإنما أراد أن ينشده مديحاً فيه فأنشده قوله يفتخر:

وركب كأن الريح تطلب عندهم ... لها ترة من جذبها بالعصائب
سروا يركبون الريح وهي تلفهم ... إلى شعب الأكوار ذات الحقائب
إذا أبصروا ناراً يقولون ليتها ... وقد خصرت أيديهم نارغالب
فتمعر سليمان واربد لما ذكر الفرزدق غالبا وقال لنصيب: قم وانشد مولاك ويحك، فقام نصيب وانشده:
أقول لركب صادرين لقيتهم ... قفاذات أوشال ومولاك قارب
قفوا خبروني عن سليمان إنني ... لمعروفه من أهل ودان طالب
فعاجوا وأثنوا بالذي أنت أهله ... ولوسكتوا أثنت عليك الحقائب
وقالوا عهدناه وكل عشية ... بأبوابه من طالبي العرف راكب
هو البدر والناس الكوكب حوله ... ولاتشبه البدر المضيء الكواكب
فقال سليمان للفرزدق: كيف ترى شعره؟ فقال هو اشعرأهل جلدته. قال سليمان: واهل جلدتك، ياغلام اعط نصيبا خمسمائة دينار وللفرزدق نار ابيه، فخرج الفرزدق وهويقول:
وخير الشعر أشرفه رجالاً ... وشر الشعر ما قال العبيد
وقال:
ليس السواد بناقصى مادام لي ... هذا اللسان إلى فؤاد ثابت
من كان ترفعه منابت أصله ... فبيوت أشعاري جعلن منابتي
كم بين أسود ناطق بيانه ... ماضي الجنان وبين أبيض صامت؟
إني ليحسدني الرفيع بناؤه ... من فضل ذاك وليس بي من شامت
وقال:
كأن القلب قيل يغدي ... بليلى العامرية أو يراح
قطاة غرها شرك فباتت ... تجاذبه وقد علق الجناح
لها فرحان قد تركا بو كر ... فعشهما تصفقه الرياح
إذا سمعا هبوب الريح نضا ... وقد أودى بها القدر المتاح
فلا في الليل نالت ماترجى ... ولا في الصبح كان لها براح
وقال:
فان أك حالكاً فالمسك أحوى ... وما لسواد جسمي من دواء
ولى كرم عن الفحشاء ناء ... كبعد الارض من جو السماء
ومثلي في رجالكم قليل ... ومثلك ليس يعدم في النساء
فإن ترضى فردي قول راض ... وإن تأبى فنحن على السواء
وقال:
ألا ليت شعري ما الذي تجدين بي ... غداً غربة النأي المفرق والبعد
لدي أم بكر حين تغترب النوى ... بنا ثم يخلو الكاشحون بها بعدي
أتصرمني عند الذين هم العدا ... فتشمتهم بي أم تدوم على العهد
وقال:
ألام على ليلى ولو أستطيعها ... وحرمة مابين البيئة والحجر
لملت على ليلى بنفسي ميلةً ... ولو كان في يوم المحلق والنحر

نصيب مولى المهدي
أصله عبد من بادية اليمامة عرض على المهدي وهو إذ ذاك ولي عهد فاستنشده فانشده فقال: والله ماهو بدون نصيب مولى بني مروان فاشتراه، ولما ولي الخلافة ارسله إلى اليمن في شراء ابل مهرية وكتب إلى عامل اليمن ان يجعل له عشرين الف دينار لذلك، فاخذ نصيب ينفق من المال والاكل والشرب واللهو وشراء الجواري، فكتب بذلك إلى المهدي فامر بحمله اليه موثقا بالحديد بعد ان حبس مدة باليمن، فلما ادخل على المهديانشده قصيدة طويلة يستعطفه بها اولها:
تأوبني ثقل من القيد موجع ... فأرق عيني والخليون هجع
هموم توالت لو ألم يسيرها ... بسلمى لظلت صمةً تتصدع
ومنها:
إليك أميرالمؤمنين ولم أجد ... سواك مجيراً منك ينجى ويمنع
تلمست هل من شافع لي فلم أجد ... سوى رحمة أعطاكها الله تشفع؟
لئن لم تسعني يابن عم محمد ... فما عجزت عني وسائل أربع
طبعت عليها صبغة ثم لم تزل ... على صالح الأخلاق والدين تطبع
تغاضيك عن ذي الذنب ترجو صلاحه ... وأنت ترى ما كان يأتي ويصنع
وعفوك عني لو تكون جزيته ... لطارت به في الجو نكباء زعزع
وإنك لاتنفك تنعش عاثراً ... ولم تعترضه حين يكبو ويخنع

وحلمك عن ذي الجهل من بعدما جرى ... به عنق من طائش الجهل أشنع
وقال يمدح الفضل بن يحيى:
طرقتك مية والمزار شطيب ... ونأتك بالهجران وهي قريب
لله مية خلةً لوأنها ... تجزى الوداد بودها وتثيب
ومنها:
إذ للشباب عليك من ورق الصبا ... ظل وإذ غصن الشباب رطيب
طرب الفؤاد ولات حين تطرب ... إن الموكل بالصبا لطروب
وتقول مية ما لمثلك والصبا ... واللون أسود حالك غربيب
شاب الغراب وما أراك تشيب ... وطلابك البيض الحسان عجيب
ومنها في المديح:
والبرمكي وإن تقارب سنه ... أو باعدته السن فهو نجيب
خرق العطاء إذا استهل عطاؤه ... لامتبع منا ولا محسوب
ياآل برمك مارأينا مثلكم ... مامنكم إلا أغر وهوب
وإذا بد الفضل بن يحيى هبته ... لجلاله إن الجلال مهيب
ومنها:
شمنا لديك مخيلةً لاخلياً ... في الشيم اذ بعض البروق خلوب
إنا على ثقة وظن صادق ... مما نؤمله فليس نخيب

النضر بن أبي النضر
أبو مالك التميمي، أعرابي من أهل البادية لغوي شاعر، وفد على الرشيد ومدحه وخدمه، وانقطع إلى الفضل امتدح الخلفاء والامراء وتقرب منهم، ومن شعره يرثى يزيد حوراء المدني المغني:
لم يمتع من الشباب يزيد ... صار في الترب وهو غض جديد
خانه دهره وقاله من ... ه نحوس واستدبرته السعود
حين زفت إليه دنياه تجلى ... وتدانى منها إليه البعيد
فكأن لم يكن يزيد ولم يش ... ج نديماً يهزه التغريد
النضر بن شميل بن خرشة
بن يزيد بن كلثوم التميمي المازني النحوي اللغوي الأديب، ولد بمرو ونشأ بالبصرة وأخذ عن الخليل بن أحمد، وأقام بالبادية زمناً طويلاً فأخذ عن فصحاء العرب كأبي خيرة الاعرابي وأبي الدقيش وغيرهما. وسمع من هشام بن عروة وحميد الطويل واسماعيل بن أبي خالد وعبد الله بن عون وهشام ابن حسان وغيرهم من صغار التابعين.
وروى عنه يحيى بن معين وابن المديني، وهوثقة حجة احتجوا به في الصحاح ولما ضاقت عليه الأسباب في البصرة عزم على الخروج إلى خراسان فشعه من أهل البصرة نحو ثلاثة آلاف من المحدثين والفقهاء واللغويين والنحاة والادباء فجلس لوداعهم بالمربد وقال: ياأهل البصرة، يعز علي والله فراقكم، ولو وجدت عندكم كل يوم كيلجة من الباقلاء ما فارقتكم، فلم يكن يهم واحد يتكلف له ذلك، فسار إلى مرو واقام بها فاثرى وافاديها مالا عظيما، ذكر ذلك أبو عبيدة في كتاب المثالب، وكان النضر منأهل السنة وهو اول من اظهرها بخراسان ومرو، وولى القضاء بمرو فاقام العدل وحمدت سيرته، وكان متقللا متقشفا.
قال الزبير بن بكار: حد ثني النضر بن شميل قال: دخلت على أميرالمؤمنين المامون بمرو وعلى اطمار متر عبلة فقال: يانضر، تدخل على أميرالمؤمنين في مثل هذه الثياب؟ فقلت: ان حر مرو شديد لايدفع الا بمثل هذه الاخلاق.
قال: بل أنت رجل متقشف، ثم تجارينا الحديث فاجرى ذكر النساء وقال: حدثني هشيم بن بشير عن مجالد عن الشعبي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا تزوج الرجل المرأة لدينها وجمالها كان فيه سداد من عوز)، ففتح السين من سداد، فقلت صدقوك يا أميرالمؤمنين، وحدثني عوف بن أبي جميلة الاعرابي عن الحسن عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا تزوج الرجل المراة لدينها وجمالها كان فيه سداد من عوز)، وكسرت السين قال: وكان المامون متكئاً فاستوى جالساً وقال: السداد لحن عندك يا نضر؟ قلت نعم ههنا يا أمير المؤمنين. قال: أوتلحنني؟ قلت: إنما لحن هشيم وكان لحاناً فتبع أمير المؤمنين لفظه فقال: ما الفرق بينهما؟ قلت: السداد: القصد في الدين والطريقة والأمر، والسداد: أبلغه وكل ما سددت به شيئاً فهو سداد، وقد قال العرجي:
أضاعوني وأي فتى أضاعوا ... ليوم كريهة وسداد ثغر

قال: فأطرق المأمون ملياً ثم قال: قبح الله ما لا أدب له ثم قال: أنشدني يا نضر أخلب بيت للعرب، قلت قول حمزة بن بيض:
تقول لي والعيون هاجعة ... أقم علينا يوماً ولم أقم
أي الوجوه اتنجعت قلت لها ... لأي وجه إلا إلى الحكم
متى يقل حاجبنا سرادقه ... هذا ابن بيض بالباب يبتسم
قد كنت أسلمت فيك مقتبلا ... هاك اوحل ذاك وأعطني سلمي
فقال المأمون لله درك، كأنما شق لك عن قلبي، فأنشدني أنصف بيت للعرب، قلت: قول أبي عروة المدني:
إني وإن كان ابن عمي غائباً ... لمزاحم من خلفه وورائه
ومفيده نصري وان كان أمراً ... متزعزعاً في أرضه وسمائه
وأكون والي سره وأصونه ... حتى يجييء علي وقت أدائه
وإذا رعا باسمي ليركب مركباً ... صعباً قعدت له على سيسائه
وإذا ارتدى ثوباً جميلاً لم أقل ... ياليت كان على حسن ردائه
فقال احسنت يانضر، انشدني اقنع بيت قالته العرب، قلت: قول ابن عبد الاسدي:
إني امرؤ لم أزل وذاك من ال ... له قديماً أعلم الأدبا
أقيم بالدار ما أطمأنت بي الد ... دار وإن كنت نازحاً طرباً
لاأحتوي خلة الصديق ولا ... أتبع نفسي شيئاً إذا ذهبا
أطلب ما يطلب الكريم من الر ... رزق بنفسي وأجمل الطلبا
إني رأيت الفتى الكريم إذا ... رغبته في صنيعة رغبا
والعبد لا يطلب العلاءولا ... يعطيك شيئاً إلا إذا رهبا
مثل الحمار السوء المخاتل لا ... يحمل شيئاً إلا إذا ضربا
قد يرزق الخافض المقيم ولا ... شد لعيس رحلاً ولا قتبا
ويحرم الرزق ذو المطية والر ... رحل ومن لايزال مغتربا
فقال أحسنت يانضر، ثم أخذالقرطاس وأنا لا أدري ما يكتب ثم قال: كيف تقول إذا أمرت من يترب الكتاب؟ قلت اتربه، قال فهو ماذا؟ قلت فهو مترب، قال فمن الطين؟ قلت طنه، قال فهو ماذا؟ قلت فهو مطين، قال: هذه احسن من الاولى، ثم قال ياغلام، ارتبه وطنه وابلغ معه إلى الفضل ابن سهل. قال: فلما قرأ الكتاب الفضل قال يانضر: ان أميرالمؤمنين امر لك بخمسين الف درهم، فما كان السبب؟ فاخبرته الخبر فقال: لحنت أميرالمؤمنين، قلت كلا، انما لحن هشيم بن بشير وكان لحانا فتبع أميرالمؤمنين لفظه، فامر لي الفضل بثلاثين الف درهم، فاخذت ثمانين الفا درهم بحرف استفيد مني. توفي النضر بن شميل في ذي الحجة سنة اربع ومائتين. وله من التصانيف: كتاب الصفات في اللغة خمسة اجزاء، والمدخل إلى كتاب العين، وكتاب غريب الحديث، وكتاب المعاني، وكتاب السلاح، وكتاب المصادر، وكتاب الانواء، وكتاب خلق الفرس، وكتاب الجيم، وكتاب الشمس والقمر وغير ذلك.

نهشل بن يزيد
ابو خيرة الاعرابي البصري، بدوي من بني عدي، دخل الحضرة وصنف كتاب الحشرات ذكره في الفهرست.
باب الواو
واصل بن عطاء
ابو حذيفة الغزال مولي بني ضبة، كان متكلما بليغااديبا متفننا خطيبا، ولقب بالغزال لكثرة جلوسه في سوق الغزالين إلى أبي عبد الله مولى قطن الهلالي، وكان بشار بن برد قبل ان يدين بالرجعة ويكفر جميع الامة كثير المديح لواصل بن عطاء، وفضله في الخطابة على خالد بن صفوانوشبيب بن شبة والفضل بن عيسى يوم خطبوا عند عبد الله ابن عمر بن عبد العزيز والى العراق فقال في ذلك
أبا حذيفة قد أوتيت معجزة ... من خطبة بدهت من غير تقدر
وإن قولاً يروق الخافقين معاً ... لمسكت مخرس عن كل تحبير
وقال في ذلك أيضاً:
تكلفوا القول والاقوام قد حفلوا ... وحبروا خطباً ناهيك من خطب
فقام مرتجلاً تغلى بداهته ... كمرجل القين لما حف باللهب
وجانب الراء لم يشعر به أحد ... قبل التصفح والإغراق في الطلب

قوله وجانب الراء اشارة إلى لثغة واصل، وكان واصل الثغ قبيح اللثغة في الراء، فكان يخلص كلامه من الراء ولا يفطن لذلك السامع لاقتداره على الكلام وسهولة الفاظه، وفي ذلك يقول أبو الطروق الضبي:
عليم بإبدال الحروف وقامع ... لكل خطيب يغلب الحق باطله
ولما قال بشار بالرجعة وتتابع على واصل مايشهد بالحداه قال واصل: اما لهذا الاعمى الملحد، امالهذا المشنف المكنى بابي معاذ من يقتله، اما والله لولا ان الغيلة سجية من سجايا الغالية لدسست اليه من يبعج بطنه في جوف منزله او في حفله، ثم لايتولى ذلك الا عقيلي او سدوسي، فقال أبو معاذ ولمي يقل بشار، وقال: المشنف ولم يقل المرعث وكان بشار ينبز بالمرعث. وقال: من سجايا الغالية ولم يقل الرافضة. وقال: في منزله ولم يقل في داره. وقال: يبعج ولم يقل يبقر كل ذلك تخلصا من الراء، ولما بلغ بشارا انكار واصل عليه وانه يهتف به قال يهجوه:
مالي أشايع غزالاً له عنق ... كنقنق الدو إن ولي وإن مثلا
عنق الزرافة مابالي وبالكم ... أتكفرون رجالاً أكفروا رجلا؟
وكان واصل في اول امره يجلس إلى الحسن البصري، فلما ظهر الاختلاف وقالت الخوارج بتكفير مرتكبي الكبائر، وقال الجماعة بايمانهم خرج واصل عن الفريقين، وقال بمنزلة بين المنزلتين، فطرده الحسن عن مجلسه فاعزل عنه وتبعه عمرو بن عبيد، ومن ثم سموا وجماعتهم المعتزلة، ومما قيل في لثغته بالراء قول بعضهم:
ويجعل البر قمحاً في تصرفه ... وخالف الراء حتى احتال للشعر
ولم يطق مطراً في القول يجهله ... فعاذ بالغيث إشفاقاً من المطر
وقال قطرب: سألت عثمان البري كيف كان يصنع واصل بالعدد بعشرة وعشرين وأربعين، وبالقمر وبالبدر ويوم الأربعاء والمحرم وصفر، وربيع الأول والآخر وجمادى الآخرة: مالي فيه إلا قول صفوان بن ادريس:
ملقن ملهم فيما يحاوله ... جم خواطره جواب آفاق
ولواصل بن عطاء خطب وحكم من الكلام ومناظرات ورسائل واخبار يطول ذكرها، وله شعر اجاد فيه ومنه:
تحامق مع الحمقى إذا مالقيتهم ... ولا تلقهم بالعقل إن كنت ذا عقل
فإن الفتى ذا العقل يشقى بعقله ... كما كان قبل اليوم يشقى ذوو الجهل
وله من التصانيف: معاني القران، وكتاب التوبة، وكتاب الخطب في الوحيد، وكتاب المنزلة بين المنزلتين، وكتاب السبيل إلى معرفة الحق، وكتاب ماجرى بينه وبين عمر وبن عبيد، وكتاب اصناف المرجئة، وكتاب خطبة التي اخرج منها الراء، وطبقاتأهل العلم والجهل وغير ذلك. ولد واصل بالمدينة سنة ثمانين، وتوفي سنة احدى وثلاثين ومائة.

وثيمة بن موسى الفرات
ابو زيد الفارس الفسوي الوشاء، المحدث الأديب الاخباري، كان يتجر في الوشي وهو نوع من الثياب المنسوجة من الابريسم، حدث عن سلمة بن فضل عن ابن سمعان عن الزهري باحاديث موضوعة، وله عن مالك حديث منكر، وسمع منه أحمد بن ابراهيم بن ملحان، وحدث عنه ابنه أبو رفاعة عمارة بن وثيمة، وسافر وثيمة في اول امره من بلده إلى البصرة، ثم إلى مصر ومنها إلى الاندلس، ثم عاد إلى مصر وبها مات يوم الاثنين لعشر خلون من جمادى الاولى سنة سبع وثلاثين ومائتين، وصنف كتاب اخبار الردة ذكر فيه القابائل التي ارتدت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وسرايا أبي بكر التي سيرها لقتالهم وماجرى بينهم ومن رجع منهم إلى الاسلام، واخبار خالد ابن الوليد مع مالك بن نويرة وقتله له، ومراثي متمم بن نويرة في اخيه وغير ذلك.
الوليد بن عبيد الله بن يحيى بن عبيد
ابن شملال بن جابر بن مسلمة بن مسهر بن الحارث بن جشم بن أبي حارثة بن جدي بن بدولبن بحتر، أبو عبادة وابو الحسن والاول اشهر، البحتري الطائي الشاعر المشهور، كان فاضلا أديباً فصيحا بليغا شاعراً مجيدا، وكان بعض أهل عصره يقدمونه على أبي تمام بادئ الراي ويختمون به الشعراء، وروى عنه شعره أبو العباس المبرد وابن المرزبانمحمد بن خلف وابو بكر الصولي والمحاملي أبو عبد الله.

ولد بمنبج من اعمال حلب وبها نشا وتنبل وقال الشعر، ثم صار إلى أبي تمام وهو بحمص فعرض عليه شعره وكان يجلس للشعراء فيعرضون عليه اشعارهم، فلما سمع أبو تمام شعره اقبل عليه وقال له: انت اشعر من انشدني. وللبحتري تصرف حسن في ضروب الشعر سوى الهجاء فانه لم يحسنه، واجود شعره ماكان في الاوصاف، وكان يتشبه بابي تمام في شعره ويحذو حذوه، وينحو نحوه في البديع الذيكان أبو تمام يستعمله ويراه اماما ويقدمه على نفسه ويقول في الفرق بينهما قول منصف: ان جيد أبيتمام خير من جيدي، ورديئي خير من رديئه.
وقال له الحسين بن اسحاق يوما: ان الناس يزعمون أنك أشعرمن أبي تمام فقال: والله ما ينفعني هذا أقول ولا يضر أبا تمام، والله ما أكلت الخبز إلا به، ولوددت أن الأمر كما قالوا، ولكن والله تابع له لائذ به، نسيمي يركد عند هوائه، وأرضي تنخفض عند سمائه.
وحدث محمد بن علي الأنباري قال: سمعت البحتري يقول: أنشدني أبو تمام يوما لنفسه:
وسابح هطل بالشعر هتان ... على الجراء أمين غير خوان
فلو تراه مشيحاً والحصى زيم ... بين السنابك من مثنى ووحدان
أيقنت أن تتثبت أن حافره ... من صخر تدمر أو من وجه عثمان
ثم قال لي: ماهذا الشعر؟ قلت لاادري، قال هو الاستطراد قلت وما معنى ذلك؟ قال: يريك انه يريد وصف الفرس وهو يريد هجاء عثمان.
قال المؤلف الفقير: وهذا هو الذيذكره علماء البديع في تعريف الاستطراد، وقد نحا البحتري نحو أبي تمام فوصف فرسا واستطرد إلى هجو حمدويه الأحول فقال:
ما إن يعاف قذى ولو أوردته ... يوماً خلائق حمدويه الأحول
وهو من قصيدة امتدح بها محمد بن علي القمي، وكان حمدويه عدواً له فهجاه في عرض مدحه لمحمد القمي، وكانت ولادة البحتري سنة ست ومائتين، وتوفي بمنبج بمرض السكتة سنة أربع وثمانين ومائتين، وله كتاب الحماسة على مثال حماسة ابن تمام، وكتاب معاني الشعر، وديوان مجلدين جمعة أبو بكر الصولي ورتبه على الحروف، وجمهه أيضاً على بن حمرة الأصبهاني الأخباري ورتبه على الأنواع كما صنع بشعر أبي تمام. ومن غير شعره في المديح قصيدته الرائية التي مدح بها المتوكل على الله يهنئه بعيد الفطر ويذكر خروجه في للصلاة قال:
ألله مكن للخليفة جعفر ... ملكاً يجمله الخليفة جعفر
نعمى من الله اصطفاه بفضلها ... والله يرزق من يشاء ويقدر
ومنها:
بالبرصمت وأنت أفضل صائم ... وبسنة الله الرضية تفطر
فانعم بيوم الفطر عيناً إنه ... يوم أغر من الزمان مشهر
أظهرت عز الملك فيه بجحفل ... لجب يحاط الدين فيه وينصر
خلنا الجبال تسير فيه وقد غدت ... عدداً يسير به العديد الاكثر
والخيل تصهل والفوارس تدعى ... والبيض تلمع والأسنة نرهر
ومنها:
حتى طلعت بضوء وجهك فانجلى ... ذاك الدجى وانجاب ذاك العثير
وافتن فيك الناظرون فأصبع ... يوماً إليك بها وعين تنظر
يجدون رؤيتك التي فازوا بها ... من أنعم الله التي لاتكفر
ذكروا بطلعتك النبي فهللوا ... لما طلعت من الصفوف وكبروا
حتى انتهيت إلى المصلى لابساً ... نور الهدى يبدوعليك ويظهر
ومشيت مشية خاشع متواضع ... لله لايزهو ولا يتكبر
فلو أن مشتاقاً تكلف فوق ما ... في وسعه لسعى إليك المنبر
وله من قصيدة يمدح بها علي بن مر:
لم يبق من جل هذا الناس باقية ... ينالها الفهم إلا هذه الصور
جهل وبخل وحسب المرء واحدة ... من تين حتى يعفي خلفه الاثر
إذا محاسني اللاتي أدل بها ... كانت ذنوبي فقل لي كيف اعتذر؟
أهز بالشعر أقواماً ذوي وسن ... في الجهل لو ضربوا بالسيف ماشعروا
علي نحت القوافي من مقاطعها ... وما علي إذا لم تفهم البقر
ومنها في المديح:
لولا علي بن مر لاستمر بنا ... خلف من العيش فيه الصاب والصبر

عذنا بأروع أقصى نيله كثب ... على العفاة وأدنى سعيه سفر
ألح جودا ولم تضرر سحائبه ... وربما ضر في إلحاحه المطر
مواهب ما تجشمنا السؤال لها ... إن الغمام قليب ليس يحتفر
ومن غرر شعره في الاوصاف قوله يصف ايوان كسرى:
حضرت رحلي الهموم فوجه ... ت إلى أبيض المدائن عنسي
أتسلى عن الخطوب وأسى ... لمحل من آل ساسان درس
ذكرتنيهم الخطوب التوالي ... ولقد تذكر الخطوب وتنسى
وهم خافضون في ظل عال ... مشرف يحسر العيون ويخسى
مغلق بابه على جبل القب ... ق إلى دارتي خلاط ومكس
نقل الدهر عهدهن عن الجد ... دة حتى غدون أنضاء لبس
فكأن الجرماز من عدم الأن ... س وإخلاله بنية رمس
لوتراه علمت أن الليالي ... جعلت فيه مأتماً بعد عرس
وهو ينبيك عن عجائب قوم ... لايشاب البيان فيه بلبس
فإذا ما رأيت صورة انطا ... كية ارتعت بين روم وفرس
والمنايا مواثل وأنوشر ... وان يزجى الصفوف تحت الدرفس
في اخضرار من اللباس على أص ... فر يختال في صبيغة ورس
وعراك الرجال بين يديه ... في خفوت منهم وإغماض جرس
من مشيح يهوى بعامل رمح ... ومليح من السنان بترس
تصف العين أنهم جد أحيا ... ء لهم بينهم إشارة خرس
يغتلي فيهم ارتيابي حتى ... تتقراهم يداي بلمس
قد سقاني ولم يصرد أبو الغو ... ث على العسكرين شربة خلس
من مدام تخالها ضوء نجم ... نور الليل أو مجاجة شمس
وتراها إذا أجدت سروراً ... وارتياحاً للشارب المتحسي
أفرغت في الزجاج من كل قلب ... فهي محبوبة إلى كل نفس
حلم مطبق على الشك عيني؟ ... أم أمان غير ظني وحدسي؟
وكأن الإيوان من عجب الصن ... عة جون في جنب أرعن جلس
يتظنى من الكآبة أن يب ... دو لعيني مصبح أو ممس
مزعجاً بالفراق عن أنس إلف ... عز أو مرهقاً بتطليق عرس
عكست حظه الليالي وبات ال ... مشتري فيه وهو كوب نحس
فهو يبدي تجلداً وعليه ... كلكل من كلاكل الدهر مرسي
لم يعبه أن بز من بسط الدي ... باج واستل من ستور الدمقس
مشمخر تعلو له شرفات ... رفعت في رء وس رضوى وقدس
لابسات من البياض فما تب ... صر منها إلا غلائل برس
ليس يدري أصنع أنس لجن ... صنعوه أم صنع جن لأنس؟
غير أني أراه يشهد أن لم ... يك بانيه في الملوك بنكس
وكأني أرى المواكب والقو ... م إذا مابلغت آخر حسى
وكأن الوفود ضاحين حسري ... من وقوف خلف الزحام وخنس
وكأن القيان وسط المقاصي ... ر يرجعن بين حور ولعس
وكأن اللقاء أول من أم ... س ووشك الفراق أول أمس
وكان الذي يريد اتباعاً ... طامع في لقائهم بعد خمس
عمرت للسرور دهراً فصارت ... للتعزي ربوعهم والتأسي
فلها أن أعينها بدموع ... موقفات على الصبابة حبس
ذاك عندي وليست الدار داري ... باقترابي منها ولا الجنس جنسي
غير نعمي لأهلها عند أهلي ... غرسوا أعلى رباطها خير غرس
أيدوا ملكنا وشدوا قواه ... بكماة تحت الستور وحمس
وأعانوا على كتائب أربا ... ط بطعن على النحور ودعس
وأراني من بعد أكلف بالأشرا ... ف طراً من كل سنخ وأس

وهب بن منبه

أبو عبد الله اليماني الأخباري صاحب القصص، كان من خيار التابعين ثقة صدوقا، كثير النقل من الكتب القديمة المعروفة بالاسرائيليات. قال ابن قتيبة: كان وهب بن منبه يقول: قرأت من كتب الله تعالى اثنتين وسبعين كتاباً. صنف كتاب القدر ثم ندم على تصينيفه.
حدث سفيان بن عيينه عن عمرو بن دينار قال: دخلت علي وهب بن منبه داره بصنعاء فأطعمني من جوزة في داره فقلت له: وددت أنك لم تكن كتبت في القدر كتباً فقال: وانا والله وددت ذلك.
وروى حماد بن سلمة عن أبي سنان قال: سمعت وهب بن منبه يقول: كنت أقول بالقدر حتى قرأت بضعة وسبعين كتابا كانت كتب الانبياء في كلها من جعل لنفسه شيئاً من المشيئة فقد كفر فتركت قولي. ولوهب أيضاً: كتاب الملوك المتوجة من حمير وأخبارهم وغير ذلك. ومن كلامه: العلم خليل المؤمن والحلم وزيره، والعقل دليله والصبر جنوده، والرفق أبوه واللين أخوه. مات وهب وهو على قضاء صنعاء سنة أربع عشرة ومائة، وقيل سنة عشر والأول أصح.

وهب بن وهب بن كثير
ابن عبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزي بن قصي بن كلاب القاضي أبو البختري القرشي الأسدي المدني، كان فقيهاً أخبارياً نساباً لكنه متهم في الحديث، وكان جواداً ممدحاً يحب المدح ويثيب عليه، روى عن هشام بن عروة وجعفر بن محمد وعبيد الله بن عمر.
وروى عنه الربع بن ثعلب والمسيب بن واضح ورجاء ابن سهل وجماعة، وسكن بغداد وولي قضاء عسكر المهدي ثم ولى حربها وصلاتها، توفي في بغداد سنة مائتين، وله من الكتب: كتاب صفة النبي صلى الله عليه وسلم، وكتاب فضائل الانصار، وكتاب الفضائل الكبير، وكتاب نسب ولد اسماعيل، وكتاب طسم وجديس،
باب الهاء
هارون بن الحائك
النحوي الضرير من أعيان أصحاب ثعلب وكان معدوداً من طبقته، أصله يهودي من الحيرة، وكان الوزير عبيد الله ابن سليمان أرسل إلى ثعلب ليختلف إلى ولده القاسم فأبى واعتذر بالشيخوخة والضعف فقال له: أنفذ إلى من ترتضيه من أصحابك، فانفذ إليه هارون الضرير، فاستحضر الوزير عبيد الله أبا إسحاق الزجاج وجمع بينه وبين هارون فسأله الزجاج: كيف تقول ضربت زيدا ضربا، فقال: ضربت زيدا ضربا، فقال: كيف تكنى عن زيد والضرب فافحم ولم يجب، وحار في يده وانقطع انقطاعا قبيحا، فصرفه الوزير واختار الزجاج لتاديب ولده، فكان ذلك سبب منية هارون، وما كان هارون ممن يذهب عليه هذا، فان جواب المسألة ضربته اياه، ذكر ذلك أبو بكر الزبيدي في الطبقات، ولهارون من التصانيف: كتاب العلل في النحو، كتاب الغريب الهاشمي، وقيل الغريب الهاشمي لثعلب.
هارون بن زكريا الهجري
أبو علي النحوي صاحب كتاب النوادر المفيدة، روي عنه ثابت بن حزم السرقسطي وغيره، ولا أعلم من أمره غير هذا.
هارون بن علي بن يحيى
بن أبي منصور المنجم البغدادي أبو عبد الله، كان أديباً شاعراً رواية نديماً ظريفاً، وهو أحد بني المنجم المشهورين بالأدب والفضل المنقطعين إلى الخلفاء لمنادمتهم والمقيمين عندهم، وكان هارون هذا من أكملهم أدباً. وصنف كتاب أخبار النساء، وكتاب أخبار الشعراء المولدين أورد فيه ما اختاره من شعرهم وسماه بالبارع، قال في مقدمته: عملت كتابي هذا في أخبار الشعراء المولدين ذكرت فيه ما اخترته من اشعارهم، وتحريت في ذلك الاختيار أقصى ما بلغته معرفتي وانتهى إليه علمي، والعلماء يقولون: يدل على العاقل اختياره، وقالوا: اختيار الرجل من وفود عقله ثم ذكر أنه اختصره من كتاب مطول ألفه قبله، ذكر في هذا الكتاب نيفاً ومائة وستين شاعراً، وافتتحه بذكر بشار بن برد، وختمه بمحمد بن عبد الملك بن صالح. توفي هارون بن علي سنة ثمان وثمانين ومائتين.
هارون بن موسى بن شريك

القارئ النحوي الدمشقي أبو عبد الله، يعرف بالأخفش وهو آخر الأخافشة، ولد سنة إحدى ومائتين، وقرأ بقراءات كثيرة وروايات غريبة، وكان قيماً بالقراءات السبع، عارفاً بالتفسير والنحو والمعاني والغريب والشعر حسن الصوت والأداء، وعنه أخذت قراءة أهل الشام وبضبطه اشتهرت، قرأ علي عبد الله بن ذكوان وغيره. وعليه أبو الحسن بن الأخرم. وحدث عن أبي مسهر الغساني، وعنه أبو بكر بن فطيس. وكان فاضلاً أديباً صنف كتباً في القراءات والعربية. مات سنة إحدى وتسعين ومائتين وقيل في السنة التي بعدها.

هارون بن أحمد بن عبد الواحد
بن هاشم ابن محمد بن هاشم بن على بن هاشم الحلبي الأسدي الخطيب، أصل آله من الرقة وانتقلوا إلى حلب، وكان حسن القراءة والعبادة والزهد، صنف كتاب اللحن الخفي، وكتاب افراد أبي عمرو بن العلاء وغير ذلك. وولى خطابة حلب، ولما خطب اعتنقه أبو عبد الله بن القيسراني الشاعر وقال له:
شرح المنبر صدرا ... لتلقيك رحيبا
اترى ضم خطيبا ... منك أم ضمخ طيبا؟
ولد سنة ست وستين واربعمائة ومات في جمادى الاخرة سنة سبع وثلاثين وخمسمائة.
هبة الله بن حامد بن أحمد
ابن أيوب بن علي بن أيوب أبو منصور، يعرف بعميد الرؤساء، أديب فاضل نحوي لغوي شاعر، شيخ وقته ومتصدر بلده،أخذ عنه أهل تلك البلاد الأدب، واخذ هو عن أبي الحسن علي بن عبد الرحيم الرقي المعروف بابن العصار وغيره. وله نظم ونثر وكان يلقب بوجه الدويبة، وسمع المقامات من ابن النقور وروى عنه. مات سنة عشرة وستمائة.
هبة الله القاضي السعيد
ابن القاضي الرشيد جعفر بن سنا الملك محمد بن هبة الله ابن محمد السعدي المصري المعروف بابن سنا الملك، أحد أبناء العصر وشعرائه المجيدين، ذاع صيته وسار ذكره.أخذ عن الحافظ أبي الطاهر أحمد بن سلفة واتصل بالقاضي الفاضل عبد الرحيم البيساني فكانت له منزلة عنده، وكان في خدمته بدمشق سنة إحدى وسبعين وخمسمائة. ثم عاد إلى القاهرة وكان بينه وبين الفاضل ترسل ومدحه بعدة قصائد وصنف كتاب روح الحيوان لخص فيه كتاب الحيوان للجاحظ، وله ديوان موشحات سماه دار الطراز، وديوان شعر، وديوان رسائل. مات يوم الأربعاء رابع شهر رمضان سنة ثمان وستمائة بالقاهرة، ومن شعره قوله يمدح الملك المعظم توران شاه واجاد ماشاء:
تقنعت لكن بالحبيب المعمم ... وفارقت لكن كل عيش مذمم
وباتت يدي في طاعة الحب والهوى ... وشاحاً لخصر أوسواراً لمعصم
وأثريت من دينار خد ملكته ... فأحسن وجه بعده مثل درهم
يزيد احمراراً كلما زد ت صفرةً ... كأن به ما كان بي زمن الدم
توقد ذاك الخد واخضر نضرةً ... فابصرت منه جنةً في جهنم
ومنها:
سعدت ببدر برجه برج عقرب ... فكذب عندي قول كل منجم
وأقسم ماوجه الصباح إذا بدا ... بأوضح مني حجة عند لومي
ولا سيما لما مررت بمنزل ... كفضلة صبر في فؤاد متيم
وما بان لي إلابعود أراكة ... تعلق في أطرافه ضوء مبسم
ولاعجباً إن مت فيه صبابةً ... فما النفس إلا بعض مغرم مغرم
بنفسي من قبلته ورشفته ... فقال الهوى فز بالحطيم وزمزم
فجردت قلبي من مخيط همومه ... وطاف به والقلب في زي محرم
ومنها:
ولم ير طرفي قط شملاً مبدداً ... فقابله إلا بدمع منظم
تبسم ذاك الطرف عن ثغر دمعه ... ورب قطوب كامن في التبسم
ولم يسل قلبي او فمي عن غزالة ... وعن غزل الا بمدح المعظم
هذا والله السحر الحلال، والسهل الممتنع الذي لاينال، ومن شعره أيضاً قوله يمدح القاضي الفاضل عبد الرحيم:
عادني من هوى الأحبة عيد ... فلباسي فيه غرام جديد
ونحرت الجفون من بعد أن أش ... عرت قلبي بأن صبري بعيد
كلف عاد بعد شيبي وليداً ... وكذا البدر بعد شيب وليد
فغرامي بالبدر كالبدر لكن ... ينقص البدر والغرام يزيد

بأبي من أبى مرادي لمثل الد ... دهر عندي يريد مالا أريد
صد عطفاً وصاد طرفاً فما ين ... فك هذا يصد أو ذا يصيد
كيف خلدت في جهنم ذا الص ... صد وديني في حبك التوحيد
ومنها في المديح:
لي من راحتيه جنة مأوى ... وله بالثناء مني خلود
أنا عبد وخدمتي مدح مول ... نجح القصد عنده والقصيد
هو قاض لابل أمير إذا شئ ... ت لديه من المعالي جنود
وفقيه النوال يلقى على الخل ... ق عطاياه والغمام معيد
اوسعوا جوده ملاماً وتقني ... داً فضاع الملام والتفنيد
رددوا عذلهم فرد عليهم ... كل شيء مردد مردود
ومن شعره الذي سارت به الركبان قصيدته الحماسية الغزلية وهي:
سواي يخاف الدهر أو يرهب الردى ... وغيري يهوى أن يكون مخلدا
ولكنني لاارهب الدهر إن سطا ... ولاأحذر الموت الزؤام إذا عدا
ولومد نحوي حادث الدهر طرفه ... لحد ثت نفسي أن أمد له يدا
توقد عزم يترك الماء جمرةً ... وحلية حلم تترك السيف مبردا
وفرط احتقار للأنام فإنني ... أرى كل عار من حلي سوددي سدى
وأظمأ إن أبدى لي الماء منة ... ولو كان لي نهر المجرة موردا
ولو كان إدراك الهدى بتذ لل ... رأيت الهدى أن لا أميل إلا إلى الهدى
وقدماً بغيري أصبح الدهر أشيبا ... وبي بل بفضلي أصبح الدهر أمردا
وإنك عبدي يا زمان وإنني ... على الكره من أن أرى لك سيدا
وما أنا راض أنني واطيء الثرى ... ولي همة لا ترتضي الأفق مقعدا
ولو علمت زهر النجوم مكانتي ... لخرت جميعاً نحو وجهي سجدا
ولي قلم في أنملي لو هززته ... فما ضرني ألا أهز المهندا
إذا جال فوق الطرس وقع صريره ... فإن صليل المشرفي له صدا
ومنها في التخلص إلى الغزل:
ومن كل شيء قد صحوت سوى هوىً ... أقام عذولي بالملام وأقعدا
إذا وصل أهواه لم يك مسعدي ... فليت عذولي كان بالصمت مسعدا
يحب حبيبي من يكون مفنداً ... فيا ليتني كنت العذول المفندا
وقال لقد آنست ناراً بخده ... فقلت: وإني ما وجدت بها هدى
والقصيدة طويلة كل بيت منها فريدة في عقد، وشعره كثير وأكثره جيد.

هبة الله بن الحسن
ابو الحسن المعروف بالحاجب ذكره الكمال بن الأنباري في طبقات النحويين، وكان من أفضلأهل الأدب شاعر مليح الشعر، فمن شعره:
يا ليلة سلك الزما ... ن بطيبها في كل مسلك
إذ أرتقى درج المسر ... رة مدركاً ماليس يدرك
والبدر قد فضح الظلا ... م فستره عنه مهتك
وكأنما زهر النجو ... م بلمعها شعل تحرك
والغيم أحياناً يمو ... ج كأنه ثوب ممسك
وكأن نشر المسك ين ... فح في النسيم إذا تحرك
والنور يبسم في الريا ... ض فإن نظرت إليه سرك
شارطت نفسي أن أقو ... م بحقها والشرط أملك
حتى تولى الليل من ... هزماً وجاء الصبح يضحك
ويح الفتى لو أنه ... في ظل طيب العيش يترك
والمرء يحسب عمره ... فإذا أتاه الشيب فذلك
مات هبة الله الحاجب فجأة في آخر شهر رمضان سنة ثمان وعشرين وأربعمائة في بغداد في خلافة القائم بأمر الله ابن القادر بالله.
هبة الله بن الحسين
ابو بكر بن العلاف الشيرازي، كان من أفراد الزمان في عصره في أنواع العلوم، نحويا إماما شاعراً فاضلا بارعا، ورد خراسان وما وراء النهر، وسمع حماد بن مدرك وغيره، وسمع منه الحافظ أبو عبد الله بن الحاكم وذكره في ذلك:
إلام و فيم يظلمني شبابي ... ويلبس لمتي حلك الغراب؟

و آمل شعرة بيضاء تبدو ... بدو البدر في خلل السحاب
و أدعى الشيخ ممتلئا شبابا ... كذي ظما يعلل بالسراب
فيا مللي هنالك من مشيبي ... ويا خجلي هنالك من شبابي

هبة الله بن الحسين بن أحمد البغدادي
عرف بالبديع الإسطرلابي، كان أديباً فاضلاً شاعراً بارعاً حكيماً عارفاً بالطب والرياضة والهيئة والنجوم والرصد والزيج، متقناً علم الآلات الفلكية ولاسيما الإسطرلاب فنسب إليه، وحصل له مال جزيل من عمله ولم يخلفه في صناعته مثله، وقد أقام على صحة ما يعمله من الآلات الحجج الهندسية، وبرهن عليها بالقوانين الإقليد يسية، وأتى فيها باختراعات أغفلها المتقدمون، فزاد في الكرة ذات المرسي وكمل نقصها الذي مرت عليه الأعوام، وأكمل نقص الآلات الشاملة التي وضعها الخجندي وجعلها لعرض واحد وأقام الدليل على أنه لايمكن أن تكون لعروض متعددة، فلما وصلت إلى البديع تأملها واهتدى إلى طريق لعملها لعروض متعددة، واختبر مازاد فيها بالقواعد الهندسية فصح عمله، وحمل ما صنع منها إلى الأكابر والأجلاء منأهل هذا الفن فتلقوها بالقبول، وله في عمل الإسطرلاب والركار والمساطر وغيرها من الآلات اليد الطولى، وقد صار ما صنعه من ذلك من الذخائر التي يتغالى بها أهلها وعانى عمل الطلاسم ورصد لها ما يوافقها من الأوقات السعيدة، وحملها إلى الملوك والأمراء والوزراء فجربوها فصحت، وحصل له منها ومن سائر صنائعه أموال جمة، وصنف رسالة في الآلات الشاملة التي كملها، ورسالة في الكرة ذات الكرسي، واختار ديوان ابن الحجاج وسماه درة التاج من شعر ابن الحجاج، رتبه على واحد وأربعين ومائة باب جعل كل باب في فن من فنون شعره، وله ديوان شعر دونه وجمعه بنفسه، مات ببغداد بعلة الفالج سنة أربع وثلاثين ومائة، ومن شعره الرائق الفائق قوله:
وذو هيئة يزهو بخال مهندس ... أموت به في كل وقت وأبعث
محيط بأوصاف الملاحة وجهه ... كأن به إليدسا يتحدث
فعارضه خط استواء وخاله ... به نقطة والخد شكل مثلث
وقال:
أذاقني حمرة المنايا ... لما اكتسى خضرة العذار
وقد تبدى السواد فيه ... وكارتى بعد في العيار
وقال:
قام إلى الشمس بآلاته ... لينظر السعد من النحس
فقلت أين الشمس قال الفتى ... في الثور قلت الثور في الشمس
وقال:
يا صدور الزمان ليس بوفر ... مارأيناه في نواحي العراق
إنما عم ظلمكم سائر الأر ... ض فشابت ذوائب الآفاق
الوفر: الثلج بلغة أهل العراق، قال ذلك في عام نزل فيه ببغداد ثلج كثير وقال:
أهدي لمجلسك الشريف وإنما ... أهدي له ماحزت من نعمائه
كالبحر يمطره السحاب وماله ... فضل عليه لأنه من مائه
هبة الله بن سلامة بن نصر
بن علي ابو القاسم الضرير المقريء المفسر النحوي البغدادي، كان من أحفظ الناس لتفسير القرآن والنحو والعربية، وكانت له حلقة في جامع المنصور ببغداد، سمع من أبيبكر بن مالك القطيعي وغيره. وقرأ عليه أبو الحسن علي بن القابس الطابثي، وصنف كتاب الناسخ والمنسوخ، والمسائل المنثورة في النحو والتفسير. وأبو محمد رزق الله ابن عبد الوهاب التميمي المحدث هو ابن بنت هذا. مات هبة الله في رجب سنة عشر وأربعمائة.
- هبة الله بن صاعد

بن هبة الله بن ابراهيم بن علي موفق الملك أمين الدولة، أبو الحسن بن أبي العلاء المعروف بابن التلميذ البغدادي الطبيب الحكيم الأديب، كان واحد عصره في صناعة الطب متفننا في علوم كثيرة، حكيماً أديباً شاعراً مجيداً، وكان يكتب خطا منسوباً في نهاية الحسن، وكان عارفاً بالفارسية واليونانية والسريانية متضلعاً بالعربية، وله النظم الرائق والنثرالفائق، ونثره أجود من شعره، وكان ساعور البيمارستان العضدي تولاه إلى أن توفى، وكان حاذقاً في المباشرة والمعالجة موفقاً في صناعته، خدم الخلفاء من بني العباس وتقدم عندهم وعلت مكانته لديهم وعمر طويلا، نبيه الذكر جليل القدر معروف المكانة. وكان مقدم الناصري في بغداد ورأسهم ورئيسهم وقسيسهم، وكان حسن العشرة كريم الأخلاق ذا مروءة وسخاء، حلو الشمائل كثير النادرة، وكان يميل إلى صناعة الموسيقى ويقرب أهلها، وكانت دار القوارير ببغداد من اقطاعاته، فلما ولى يحيى بن هبيرة الوزارة حلها وأخذها منه فحضر ابن التلميذ يوما عند الخليفة المقتفي على عادته، فلما أراد الانصراف عجز عن القيام وكان قد ضعف من الكبر، فقال المقتفي: كبرت يا حكيم. قال نعم كبرت وتكسرت قواريري، وهذا مثل يتماجن به أهل بغداد. فقال الخليفة: رجل عمر في خدمتنا وما تماجن قط بحضرتنا فلهذا التماجن سر، ثم فكر ساعة وسأل عن دار القوارير فقيل له: قد حلها الوزير وأخذها منه، فأنكر عليه المقتفي أخذها إنكاراً شديداً، وردها على ابن التلميذ وزاده إقطاعاً آخر، وكان ابن التلميذ هو أوحد الزمان أبو البركات هبة الله المعروف بابن ملكا في خدمة المستضيء بأمر الله، كان بينهما شنآن وعداوة، فأراد أوحد الزمان أن بوقع ابن التلميذ في تهلكة فكتب رقعة يذكر فيها عن ابن التلميذ عظائم لاتصدر عن مثله، ووهب لبعض خدم القصر مالا ورغب إليه أن يلقي الرقعة في مجلس من مجالس الخليفة ففعل. فلماأخذالخليفة الرقعة وقرأها هم أن يوقع بأمين الدولة، فأشير عليه أن يتبصر ويستقصي عن ذلك فأخذ يقرر من يتهمه من الخدم عن الرقعة، فظهر الأمر وعلم أن ذلك تدبير أوحد الزمان لإهلاك ابن التلميذ، فغضب وأباح أمين الدولة ابن التلميذ دم أوحد الزمان وماله وكتبه، فكان من كرم أخلاق أمين الدولة أنه لم يتعرض له بسوء وصفح عنه غير أنه قال:
لنا صديق يهودي حماقته ... إذا تكلم تبدو فيه من فيه
يتيه والكلب أعلى منه منزلةً ... كأنه بعد لم يخرج من التيه
وصنف ابن التلميذ حاشية على القانن لابن سينا، حاشية على المنهاج لابن جزلة، حاشية على كتاب المائة للمسيحي، شرح مسائل حنين بن إسحاق، شرح أحاديث نبوية تشتمل على مسائل طبية، مختصر الحاوي لأبي بكر الرازي، تتمة جوامع الإسكندرانيين لكتاب حيلة البرء، مختصر تفسيرتقدمة المعرفة لأبقراط، تفسير جالينوس، مختصر تفسير فصول أبقراط الجالينوس، مختصر كتاب الأشربة لمسكويه، مختار كتاب أبدال الأدوية لجالينوس، مختار كتاب المائة للمسيحي، الكناش في الطب، المقالة الأمينية في الأدوية البمارستانية، مقالة في الفصد، الأقراباذين الكبير، الأقراباذين الصغير، ديوان رسائل مجلد ضخم، ديوان شعر مجلد صغير وغير ذلك.
مات في اليوم الثامن والعشرين من ربيع الأول سنة ستين وخمسمائة وله أربع وتسعون سنة، وخلف مالاً عظيماً ومتاعاً حسناً كثيراً وكتباً كثيرة لانظير لها، ومن نثر أمين الدولة ماكتبه إلى ولده رضي الدولة أبينصر من رسالة قال: الفت ذهنك عن الترهات إلى تحصيل مفهوم تتميز به، و خذ نفسك من الطريقة بما كررت تنبيهك عليه وإرشادك إليه، و اغتنم الإمكان واعرف قيمته، و اشتغل بشكر الله تعالى عليه، وفز بحظ نفيس من العلم تثق من نفسك بأنك عقلته و ملكته لا قرأته و رويته، فإن بقية الحظوظ تتبع هذا الحظ و تلزم صاحبه، و من طلبها بدونه فإما ألا يجدها، و إما ألا يعتمد عليها إذا وجدها و لا يثق بدوامها، و أعوذ بالله أن ترضى لنفسك إلا بما يليق بمثلك أن يتسامى إليه بعلو همته، و شدة أنفته و غيرته على نفسه، و مما قد كررت عليك الوصاية به: أن تحرص على ألا تقول شيئاً لا يكون مهذباً في لفظه و معناه و يتعين عليك إيراده، و أن تتصرف معظم حرصك إلى أن تسمع ما يفيدك لا ما يلهيك مما يلذ للأغمار وأهل الجهالة

- رفعك الله - عن طبقتهم، فإن الأمر كما قال أفلاطون: الفضائل مرة الورد حلوة الصدر، و الرذائل حلوة الورد مرة الصدر، و قد زاد أرسطاطاليس في هذا المعنى فقال: إن الرذائل لاتكون حلوة الورود عند ذي فطرة سليمة بل يؤذيه تصور قبحها إذا يفسد عليه مايستلذ من غيرها بها، وكذلك يكون صاحب الطبع السليم قادرا على معرفة ما يتوخى وما يتجنب، كالتام الصحة يكفي حسه تعريفه النافع والضار، فلا ترضى لنفسك - حفظك الله - إلا بما تعلم أنه يناسب طبقة أمثالك، واغلب خطرات الهوى بعزائم الرجال الراشدين، وامح بنفسك إلى المعالي بإطاعة عقلك فإنك تسر بنفسك، وتراها في كل يوم مع الاعتماد على ذلك في رتبة علية، ومرقاة من سمو في السعادة إن شاء الله تعالى. ومن شعر أمين الدولة قوله:
لو كان يحسن غصن البان مشيتها ... تأوداً لحكاها غير محتشم
في صدرها كوكباً نور أقلهما ... ركنان مالمسا من كف مستلم
صانتهما في حرير من غلائلها ... فتلك في الحل والركنان في الحرم
وقال:
أبصره عاذلي عليه ... ولم يكن قبل ذا رآه
فقال لو عشقت هذا ... مالامك الناس في هواه
قل لي إلى من عدلت عنه ... وليس أهل الهوى سواه
فظل من حيث ليس يدري ... يأمر بالعشق من نهاه
وقال:
لاتعجبوا من حنين قلبي ... إليهم واعذروا غرامي
فالقوس مع كونها جماداً ... تئن من فرقة السهام
وقال:
لولا حجاب أمام النفس يمنعها ... عن الحقيقة عما كان في الأزل
لأدركت كل شيء عز مطلبه ... حتى الحقيقة في المعلول والعلل
وقال:
ألعلم للرجل اللبيب زيادة ... ونقيصة للأحمق الطياش
مثل النهار يزيد أبصار الورى ... نوراً ويعمى مقلة الخفاش

هبة الله بن علي بن محمد
بن علي بن محمد بن علي بن عبد الله ابن أبي الحسن بن عبد الله الأمين بن عبد الله بن الحسن ابن جعفر بن الحسن بن علي بن أبي طالب، أبو السعادات المعروف بابن الشجري البغدادي، نسب إلى بيت الشجري من قبل أمه، كان أوحد زمانه وفرد أوانه في علم العربية ومعرفة اللغة وأشعار العرب وأيامها وأحوالها، متضلعا من الأدب كامل الفضل، قرأ على ابن فضال المجاشعي والخطيب أبي زكريا التبريزي وسعيد بن علي السلالي وأبي معمر ابن طبا طبا العلوي، وسمع الحديث من أبي الحسن المبارك بن عبد الجبار بن أحمد بن القاسم الصيرفي، وأبي علي محمد بن سعيد الكاتب وغيرهما. وأقرأ النحو سبعين سنة، وأخذ عنه تاج الدين الكندي وخلق. وكان نقيب الطالبيين بالكرخ نيابة عن الطاهر، وكان ذا سمت حسن وقور لايكاد يتكلم في مجلسه بكلمة إلا تتضمن أدب نفس أو أدب درس، وصنف الأمالي وهو أكبر تصانيفه وأمتعها، أملاه في أربعة وثمانين مجلساً، والانتصار على ابن الخشاب رد فيه عليه ما انتقده من الأمالي، وكتاب الحماسة ضاهى به حماسة أبي تمام، وشرح التصريف الملوكي، وشرح اللمع لابن جني النحوي، وكتاب ما اتفق لفظه واختلف معناه وغير ذلك.
توفي يوم الخميس السادس والعشرين من شهر رمضان سنة اثنتين وأربعين وخمسمائة. ومن شعره:
لاتمزحن فإن مزحت فلا يكن ... مزحاً تضاف به إلى سوء الأدب
واحذر ممازحةً تعود عداوةً ... إن المزاح على مقدمة الغضب
وقال:
هل الوجد خاف والدموع شهود ... وهل مكذب قول الوشاة جحود؟
وحتى متى تفنى شئونك بالبكا ... وقد حد حدا للبكاء لبيد
وإني وإن لانت قناتي لضعفها ... لذو مرة في النائبات شديد
وقال:
وتجنب الظلم الذي هلكت به ... أمم تود لو أنها لم تظلم
إياك والدنيا الدنية إنها ... دار إذا سالمتها لم تسلم
هبة الله بن علي بن عرام
أبو محمد الربعي الأسواني، كان أديباً فاضلاً وشاعراً مجيداً، وكان من خواص الوزير رضوان وجلسائه، ومدحه بعدة قصائد، وله ديوان شعر جمعه بنفسه ونقحه وهذبه ورتبه علي الحروف وهو في مجلد لطيف، مات سنة خمسين وخمسمائة ومن شعره:

لاعز لمرء إلا في مواطنه ... والذل غاية ما يلقى من اغتربا
فاقنع بما كان من رزق تعيش به ... بحيث أنت وكن للبين مجتنبا
واعلم يقيناً بأن الرزق يطلب من ... لم يطلب الرزق إيماناً كم طلبا
وقال:
نميل مع الأميل وهي غرور ... ونصغي لدعواها وذلك زور
وتخدعنا الدنيا القليل متاعها ... وللموت فينا واعظ ونذير
ونزداد فيها كل يوم تنافساً ... وحرصاً عليها والمتاع خقير
ويطمع كل أن يؤخر يومه ... وللموت منا أول وأخير

هشام بن إبراهيم الكرنباني الأنصاري
أبو علي، جالس الأصمعي وأضرابه، وكان عالماً باللغة وأيام العرب وأشعارها، روي عنه الفضل بن الحباب، وصنف كتاب الحشرات، وكتاب الوحوش، وكتاب النبات، وكتاب خلق الخيل، وكان عبد الصمد بن المعذل الشاعر، مولعاً بهجره، وفيه يقول من أبيات:
ولم تر أبلغ من ناطق ... أتته البلاغة من كرنبا
هشام بن أحمد بن خالد بن سعيد
أبو الوليد الكناني المعروف بابن الوقش الكاتب من أهل طليطلة، كان من أعلم الناس بالعربية واللغة والشعر والخطابة والحديث والفقه والأحكام والكلام، وكان أديباً كاتباً شاعراً متوسعاً في ضروب المعارف، متحققاً بالمنطق والهندسة، ولا يفضله عالم بالأنساب والأخبار والسير، ولد سنة ثمان وأربعمائة، وأخذ عن أبي عمر الطلمنكي وأبي عمر بن الحداد وغيرهما، وولي قضاء طلبيرة من أعمال طليطلة قاعدة الأميرالمأمون بن يحيى بن الظافر بن ذي النون.
وصنف كتاب نكت الكامل للمبرد وغيره، مات بدانية في جمادى الاخرة سنة تسع وثمانين وأربعمائة، ومن شعره:
قد أثبتت فيه الطبيعة أنها ... بدقيق أعمال المهندس ماهره
عنيت بعارضه فخطت فوقه ... بالمسك خطا من محيط الدائره
وقال:
برح بي أن علوم الورى ... إثنان ما إن لهما من مزيد
حقيقة يعجز تحصيلها ... وباطل تحصيله لايفيد
هشام بن محمد بن السائب
بن بشر ابن عمر الكلبي، أبو المنذر الأخباري النسابة العلامة، كان عالماً بالنسب وأخبار العرب وأيامها ووقائعها ومثالبها، أخذعن أبيه أبي النضر محمد المفسر وعن مجاهد وعن محمد أبي السري البغدادي ومحمد بن سعد كاتب الواقدي وأبي الأشعث أحمد بن المقدام وغيرهم، وحدث عنه جماعة.
قال أحمد بن حنبل: كان صاحب سير ونسب ماظننت أن أحداً يحدث عنه. قال البلاذري في تاريخه: حدث هشام ابن الكلبي عن أبيه عن أي صالح عن ابن عباس في قوله تعالى: (وإذا أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثاً)، قال أسر إلى حفصة: أن أبا بكر ولي الأمر من بعده، وأن عمر وليه من بعد أبي بكر فأخبرت عائشة. قال الدار قطني: هشام متروك. وقال غيره: ليس بثقة. وذكر الخطيب في تاريخ مدينة السلام: إن هشاماً كان يقول: حفظت مالم يحفظه أحد، ونسيت مالم ينسه أحد، كان لي عم يعاتبني على حفظ القران، فدخلت بيتاً وحلفت لا أخرج منه حتى أحفظ القرآن فحفظته في ثلاثة أيام، ودخلت يوما أنظر في المرآة فقبضت على لحيتي لآخذ مادون القبضة فأخذت ما فوق القبضة. وقال إسحاق بن إبراهيم الموصلي: رأيت ثلاثة كانوا إذا رأو ثلاثة يذوبون: علويه إذا رأى مخارقاً وأبا نواس إذا رأى أبا العتاهية، والزهري إذا رأى هشاماً. مات هشام سنة أربع ومائتين وقيل سنة ست وتصانيفه تزيد على مائة وخمسين مصنفاً، ذكر منها ابن النديم نقلاً عن أبي الحسن بن الكوفي ما يأتي:

كتاب حلف عبد المطلب وخزاعة، كتاب حلف الفضول، كتاب حلف كلب وتميم، كتاب حلف أسلم وقريش، كتاب فضائل قيس عيلان، كتاب بيوتات ربيعة، كتاب أخبار العباس بن عبد المطلب، كتاب الموءودات، كتاب خطبة على رضى الله عنه، كتاب شرف قصي بن كلاب وولده في الجاهلية والإسلام، كتاب ألقاب قريش، كتاب ألقاب ربيعة، كتاب ألقاب قيس عيلان، كتاب ألقاب اليمن، كتاب ألقاب بنى طانجة، كتاب المثالب، كتاب النواقل، فيه نواقل قريش وكنانة وأسد وتميم وقيس وإياد وربيعة، كتاب تسمية من نقل من عاد ونمود والعماليق وجرهم وبني إسرائيل من العرب، كتاب نواقل قضاعة، كتاب نواقل اليمن، كتاب ادعاء معاوية زياداً، كتاب المناقلات، كتاب أخبار زياد ابن أبيه، كتاب صنائع قريش، كتاب المعاتبات، كتاب المشاغبات، كتاب ملوك الطوائف، كتاب ملوك كندة، كتاب ملوك اليمن من التبابعة، كتاب بيوتات اليمن، كتاب افتراق ولد نزار، كتاب تفرق الأزد، كتاب طسم وجديس، كتاب حديث آدم وولده، كتاب من قال بيتاً من الشعر فنسب إليه، كتاب المعرفات من النساء في قريش، كتاب عاد الأولى والآخرة، كتاب تفرق عاد، كتاب أصحاب الكهف، كتاب الأوائل، كتاب رفع عيسى عليه السلام، كتاب أمثال حمير، كتاب المسوخ من بني إسرائيل، كتاب حي الضحاك، كتاب منطق الطير، كتاب غزية، كتاب لغات القران، كتاب المعمرين، كتاب الأصنام، كتاب القداح، كتاب أسنان الجزور، كتاب أديان العرب، كتاب حكام العرب، كتاب وصايا العرب، كتاب السيوف، كتاب الخيل، كتاب الدفائن، كتاب أسماء فحول العرب، كتاب الفداء، كتاب الكهان، كتاب الجن، كتاب أخذ كسرى رهن العرب، كتاب ماكانت الجاهلية تفعله ويوافق حكم الإسلام، كتاب أبي عتاب إلى ربيع حين سأله عن العويص، كتاب عدي بن زيد العبادي، كتاب الدوس، كتاب حديث بيهس وإخوته، كتاب مروان القرظ، كتاب اليمن وأمر سيف بن ذي يزن، كتاب مناكح أزواج العرب، كتاب الوفود، كتاب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، كتاب زيد بن حارثة، كتاب تسمية من قال بيتا أو قيل فيه، الديباج في أخبار الشعراء، كتاب من فخر بأخواله من قريش، كتاب من هاجر وأبوه، أخبار الحريين وأشعارهم، كتاب دخول جرير على الحجاج، أخبار عمر وبن معد يكرب، تاريخ أخبار الخلفاء، كتاب صفات الخلفاء، كتاب المصلين، كتاب البلدان الكبير، كتاب البلدان الصغير، كتاب تسمية من بالحجاز من أحياء العرب، كتاب قسمة الأرضين، كتاب الأنهار، كتاب الحيرة، كتاب منار اليمن، كتاب العجائب الأربعة، كتاب أسواق العرب، كتاب الأقاليم، كتاب الحيرة وتسمية البيع والديارات، كتاب تسمية ما في شعر امرئ القيس من أسماء الرجال والنساء والحجبال والمياه، كتاب داحس والغبراء، أخبار المنذر ملك العرب، كتاب أيام فزارة ووقائع بني شيبان، كتاب وقائع ضباب وفزارة، كتاب يوم سنيق، كتاب يوم السنابس، كتاب أيام بني حنيف، كتاب أيام قيس ابن ثعلبة، أخبار مسيلمة الكذاب، كتاب الفتيان الأربعة، كتاب الأحاديث، كتاب المقطعات، كتاب حبيب العطار، عجائب البحر، المنزل وهو كتاب النسب الكبير، كتاب أولاد الخلفاء، كتاب أمهات النبي صلى الله عليه وسلم، كتاب أمهات الخلفاء، كتاب العواقل، كتاب تسمية ولد عبد المطلب، كتاب كنى آباء الرسول صلى الله عليه وسلم، جمهرة الأنساب، رواها عنه ابن سعد كاتب الواقدي، هذا ما ذكره ابن النديم من تصانيفه. ولهشام أيضاً: الفريد في الأنساب صنفه للمأمون، والملوكي في الأنساب أيضاً صنفه لجعفر بن يحيى البرمكي، والموجز في النسب أيضاً وغير ذلك.

هشام بن معاوية
أبو عبد الله الضرير الكوفي النحوي صاحب أبي الحسن الكسائي، كان مشهورا بصحبته وعنه أخذالنحو، وله من التصانيف: مقالة في النحو تعزى إليه، وكتاب الحدود في العربية، وكتاب المختصر في النحو، وكتاب القياس فيه أيضاً وغير ذلك. كان إسحاق بن إبراهيم بن مصعب قد كلم المأمون يوما فلحن في كلامه، فنظر إليه المأمون ففطن لما أراد وخرج من عنده وجاء إلى هشام بن معاوية وقرأ النحو عليه. مات هشام سنة تسع ومائتين.
هشام بن نهيس
بن مسعود بن حارثة بن عمر ابن ربيعة بن ملكان بن عدي العدوي، أخو ذي الرمة الشاعر المشهور كان هشام هذا شاعراً مجيداً، وكان بينه وبين أخيه ذي الرمة ملاحاة فقال له:

أغيلان إن ترجع قوى الود بيننا ... فكل الذي ولي من العيش راجع
فكن مثل أقصى الناس عندي فإنني ... بطول التنائي من أخي السوء قانع
وغيلان اسم ذي الرمة، فقال ذو الرمة له:
أغر هشاماً من أخيه ابن أمه ... قوادم ضأن أقبلت وربيع؟
وهل تخلف الضأن الغزار أخا الندى ... إذا حل أمر في الصدور مريع؟
فأجابه هشام فقال:
إذا بان مالي من سوامك لم يكن ... إليك ورب العالمين رجوع
فأنت الفتى ما اهتز في الزهر الندى ... وأنت إذا اشتد الزمان منوع
وله:
مايفعل المرء فهو أهله ... كل امرئ يشبهه فعله
ولا ترى أعجز من عاجز ... أسكتنا عن ذمه بذله

هلال بن العلاء
أبو همرو الرقي، كان من أهل العلم واللغة بالرقة، مات سنة ثمانين ومائتين. ولا أعلم من أمره غير هذا.
هلال بن المحسن بن إبراهيم
بن هلال ابن إبراهيم بن زهرون بن حيون الصابئ الحراني أبو الحسن، وهو حفيد أبي إسحاق الصابئ الكاتب المشهور، كان هلال هذا أديباً كاتباً فاضلاً له معرفة بالعربية واللغة،أخذعن أبي على الفارسي وأبي عيسى الرماني وأبي بكر أحمد بن الجراح الخراز، وكان صابئاً ثم أسلم في آخر عمره وحسن إسلامه، وكتب عنه الخطيب البغدادي وقال: كان ثقةً صدوقاً، وصنف كتاب الأماثل والأعيان ومنتدى العواطف والإحسان، جمع فيه أخباراً وحكايات مستطرفة مما حكى عن الأعيان والأكابر وهو كتاب ممتع، ومما يستحسن من تلك الأخبار قال: حدث القاضي أبو الحسين عبيد الله بن عياش: أن رجلاً اتصلت عطلته وانقطعت مدته، فزور كتابا عن الوزير أبيالحسن بن الفرات إلى أبي زنبور المادرائي عامل مصر يتضمن الوصاية به، والتأكيد في الإقبال عليه والإحسان إليه، وخرج إلى مصر فلقيه به، فارتاب أبو زنبور في أمره لتغير الخطاب على ما جرت به العادة، وكون الدعاء أكثر مما يقتضية محله، فراعاه مراعاة قريبة ووصله بصلة قليلة، واحتبسه عنده على وعد وعده به، وكتب إلى أبي الحسن بن الفرات يذكر الكتاب الوارد عليه وأنفذه بعينه إليه واستثبته فيه، فوقف ابن الفرات على الكتاب المزور فوجد فيه ذكر الرجل وأنه من ذوي الحرمات والحقوق الواجبة عليه، وما يقال في ذلك مما قد استوفى الخطاب فيه، فعرض ابن الفرات الكتاب على كتابه وعرفهم الصورة فيه، وعجب إليهم منها ومما أقدم عليه الرجل وقال لهم: ما الرأي في أمر هذا الرجل عندكم؟ فقال بعضهم: تأديبه أو حبسه. وقا ل آخر: قطع إبهامه لئلا يعاود مثل هذا. ولئلا يقتدي به غيره فيما هو أكثر م، هذا. وقال أحسنهم محضرا: يكشف لأبي زنبور قصته ويرسم له طرده وحرمانه. فقال ابن الفرات: ما أبعدكم عن الحرية والخيرية! وأنفر طباعكم عنها، رجل توسل بنا وتحمل المشقة إلى مصر في تأميل الصلاح بجباهنا واستمداد صنع الله عز وجل بالانتساب إلينا، ويكون أحسن أحواله عند أحسنكم محضرا تكذيب ظنه وتخيب سعيه، والله لاكان هذا أبدا، ثم إنهأخذالقالم من دواته ووقع على الكتاب المزور: هذا كتابي ولست أعلم لم أنكرت أمره؟ واعترضتك شبهة فيه، وليس كل من خدمنا وأوجب حقاً علينا تعرفه، وهذا رجل خدمني في أيام نكبتي، وما أعتقده في قضاء حقه أكثر مما كلفتك في أمره من القيام به، فأحسن نفقده، ووفر رفده، وصرفه فيما يعود عليه نفعه، ويصل إلينا بما يتحقق به ظنه ويتبين موقعه، ورد الكتاب إلى أبي زنبور عامل مصر من يومه، فلما مضت على ذلك مدة طويلة دخل يوما على الوزير أبي الحسن بن الفرات رجل ذو هيئة مقبولة وبزة جميلة وأقبل يدعو له ويثني عليه ويبكي ويقبل الأرض فقال ابن الفرات: من أنت؟ بارك الله فيك - وكانت هذه كلمته - فقال أنا صاحب الكتاب المزور إلى أبي زنبور عامل مصر، الذي صححه كرم الوزير ونفضله فعل الله به وصنع، فضحك ابن الفرات وقال: كم وصل إليك منه؟ قال: وصل إلى من ماله وتقسيط قسطه على عماله ومعامليه، وعمل صرفن فيه عشرون ألف دينار. فقال ابن الفرات: الحمد لله، الزمنا فإنا نعرضك لما يزداد به صلاح حالك، ثم اختبره فوجده كاتبا سديدا، فاستخدمه وأكسبه مالا جزيلا. انتهى.

مات هلال بن المحسن ليلة الخميس سابع عشر رمضان سنة ثمان وأربعين وأربعمائة، وكانت ولادته في شوال سنة تسع وخمسين وثلاثمائة.

همام بن غالب بن صعصعة
بن ناجية ابن عقال بن محمد بن سفيان بن مجاشع بن دارم بن عوف ابن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم بن مر التميمي، أبو فراس المعروف بالفرزدق الشاعر المشهور، كان جده صعصعة عظيم القدر في الجاهلية، وكان افتدى ثلاثمائة موءودة إلى أن جاء الله عزوجل بالإسلام: وكان أبوه غالب من سراة قومه ورئيسهم، وكان الفرزدق كثير التعظيم لقبر أبيه فما جاءه أحد واستجار به إلانهض معه، وساعده على بلوغ غرضه.
حدث أبو عبد الله محمد بن سلام الجنحي قال: سمعت يونس بن حبيب يقول: ماشهدت مشهدا قط ذكر فيه جرير والفرزدق وأجمع أهل المجلس على أحدهما، وكان يونس يقدم الفرزدق ويقول: ما كان بالبصرة مولد مثله، ولما هرب الفرزدق من زياد ابن أبيه حين هجا بني نهشل فاستعدوا زيادعليه قدم المدينة واستجار بسعيد بن العاص فأجاره، وكان الحطيئة وكعب بن جعيل عند سعيد لما دخل الفرزدق عليه، فأنشده الفرزدق:
ترى الغر الجحاجح من قريش ... إذا ما الأمر في الحدثان غالا
بني عم النبي ورهط عمرو ... وعثمان الألى غلبوا فعالا
قياما ينظرون إلى سعيد ... كأنهم يرون به هلالا
فقال الحطيئة هذا والله الشعر أيها الأميرلاما تعلل به منذ اليوم. فقال كعب بن جعيل: فضله على نفسك ولا تفضله على غيرك. فقال: بلى، والله أفضله على نفسى وعلى غيرى، أدركت من قبلك وسبقت من بعدك. ثم قال له الحطيئة: يا غلام، لئن بقيت لتبرزن علينا. وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: كان الشعراء في الجاهلية من قيس، وليس في الإسلام مثل حظ تميم في الشعر، وأشعر تميم جرير والفرزدق والأخطل، وكان المفضل الضبى يفضل الفرزدق، قيل له: الفرزدق أشعر أم جرير؟ قال: الفرزدق. فقيل له ولم؟ قال لأنه قال بيتا هجافيه قبيلتين فقال:
عجبت لعجل إذ تهاجى عبيدها ... كما آل يربوع هجوا آل دارم
فقيل له قد قال جرير:
إن الفرزدق والبعيث وأمه ... رأبا البعيث لشر ما إستار
فقال: وأي شيء أهون من أن يقول إنسان: فلان وفلان وفلان والناس كلهم بنو الفاعلة.
وحدث أبو حاتم السجستاني عن أبي عبيدة قال: سمعت يونس يقول: لولا شعر الفرزدق لذهب ثلث لغة العرب. وقال آخر: الفرزدق مقدم على الشعراء الإسلاميين هو وجرير والأخطل، ومحله في الشعر أكبر من أن ينبه عليه بقول أو يدل على مكانه بوصف، لأن الخاص والعام يعرفانه بالاسم، ويعلمان تقدمه بالخبر الشائع علما يستغني به عن الإطالة في الوصف، وقد تكلم الناس في هذا قديما وحديثا وتعصبوا واحتجوا بما لامزيد فيه، وبعد إجماعهم على تقديم هؤلاء الثلاثة اختلفوا في أيهم أحق بالتقديم على الآخرين؟ فأما قدماءأهل العلم والرواة فلم يسووا بينهما وبين الأخطل، لأنه لم يلحق شأوهما في الشعر، ولاله مثل مالهما من فنونه، ولاتصرف كتصرفهما في سائره. وقالوا: إن ربيعه أفرطت في الأخطل حين ألحقته بهما، وهم في الفرزدق وجرير قسمان: فمن كان يميل إلى جزالة الشعر وفخامته وشدة أسره فيقدم الفرزدق. ومن كان يميل إلى الشعر المطبوع وإلى الكلام السمح السهل الغزل فيقدم جريرا. وقال ابن سلام: كان الفرزدق أكثرهم بيتا مقلدا.
والمقلد: البيت المستغني بنفسه المشهور الذي يضرب به المثل، فمن ذلك قوله:
فيا عجباً حتى كليب تسبني ... كأن أباها نهشل ومجاشع
وقوله:
ليس الكرام بما نحيك أباهم ... حتى ترد إلى عطية تعتل
وقوله:
وكنا إذا الجبار صعر خده ... ضربناه حتى تستقيم الأخادع
وقوله:
وكنت كذئب السوء لما رأى دماً ... بصاحبه يوماً أحال على الدم
وقوله:
وإن تنج مني تنج من ذي عظيمة ... وإلا فإني لا إخالك ناجيا
وقوله:
ترى كل مظلوم إلينا فراره ... ويهرب منا جهده كل ظالم
وقوله:
أحلامنا تزن الجبال رزانة ... وتخالنا جنا إذا مانجهل
ومقلداته في شعره كثيرة، وفيما أوردناه منها كفاية، وبشهرته عني عن إيراد طرف من شعره.

قال أبو اليقظان: أسن الفرزدق حتى قارب المائة، فأصابته الدبيلة وهو بالبادية فقدم به إلى البصرة وأتى برجل متطبب من بني قيس فأشار بأن يكوي ويسقي النفط الأبيض فقال: أتعجلون لي طعامأهل النار في الدنيا؟ وجعل يقول:
أروني من يقوم لكم مقامي ... إذا ما الأمر جل عن الخطاب؟
ومات في مرضه ذلك سنة عشر ومائة، ومات جرير بعده بستة أشهر، ومات في هذه السنة الحسن البصري وابن سيرين فقالت امرأة منأهل البصرة: كيف يفلح بلد مات فقيهاه وشاعراه في سنة؟ ولما نعى إلى جريربكى ثم أنشأ يقول:
فجعنا بجمال الديات ابن غالب ... وحامي تميم كلها والبراجم
يكيناك حثان الفراق وإنما ... بكيناك شجوا للأمور العظائم
فلا حملت بعد ابن ليلى مهيرة ... ولاشد أنساع المطى الرواسم
ورثاه أبو ليلى المجاشعي بأبيات منها:
لعمري لقد أشجى تميما وهدها ... على نكبات الدهر موت الفرزدق
لقد غيبوا في اللحد من كان ينتمي ... إلى كل بدر في السماء محلق
لتبك النساء المعولات ابن غالب ... لجان وعان في السلاسل موثق

الهيثم بن عدي بن عبد الرحمن
ابن زيد بن سيد بن جابر بن عدي، أبو عبد الرحمن الطائي الكوفي، أصله من منبج، وامه من سبى منبج، ولد بالكوفة قبل سنة ثلاثين ومائة، وكان أخبارياً علامة راوية، نقل من أخبار العرب وأشعارها ولغاتها شيئا كثيرا، وروى عن شام بن عروة وعبد الله بن عياش المنتوف ومجالد.
قال البخاري ويحيى بن معين: ليس بثقة كان يكذب وقال أبو داود مثل ذلك. وقال النسائي متروك، وقال الحافظ: ابن عدي حديثه في المسند قليل إنما هو صاحب أخبار. وكانت جارية الهيثم بن عدي تقول: كان مولاي يقوم عامة الليل يصلي، فإذا أصبح جلس يكذب وقال الجاحظ: قال أبو يعقوب الخزيمي: مارايت كثلاثة رجال، كانوا يأكلون الناس أكلا حتى إذا رأوا ثلاثة رجال ذابوا كما يذوب الرصاص على النار، كان هشام بن الكلبي علامة نسابة رواية للمثالب عيابة، فإذا رأى الهيثم بن عدي ذاب كما يذوب الرصاص، وكان علي بن الهيثم حريفا مفقعا صاحب تقعر يستولي على كل كلام لايحفل بخطيب ولا شاعر، فاذا رأى موسى الضبي ذاب كما يذوب الرصاص، وكان علويه واحد الناس في الغناء رواية وحكاية ودراية وصننعة وجودة ضرب وأضراب وحسن خلق، فإذا رأى مخارقا ذاب كما يذوب الرصاص على النار. وكان الهيثم بن عدي قد تزوج في بني الحارث بن كعب فلم يرتضوه، فأذاعوا عنه أنه ذكر العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه بشيء فحبس لذلك، ثم ركب محمد بن زياد بن عبد الله بن عبد المدان الحارثي ومعه جماعة من الحارثيين إلى هارون الرشيد فسأل وه أن يفرق بين الهثم وبين التي تزوجها من بني الحارث. فقال الرشيد: أليس هو الذييقول فيه الشاعر؟:
إذا نسبت عديا في بني ثعل ... فقدم الدال قبل العين في النسب
قالوا بلي يا أميرالمؤمنين. قال فهذا الشعر من قاله؟ قالوا هو لرجل منأهل الكوفة من بني شيبان يقال له ذهل بت ثعلبة، فأمر الرشيد داود بن يزيد أن يفرق بينهما، فأخذوا الهيثم وأدخاوه دارا وضربوه بالعصي حتى طلقها وقد ورد هذا البيت المنسوب إلى ذهل بن ثعلبة في أبيات لأبي نواس يهجو بها الهيثم فما أدري أفي نسبته إلى ذهل وهم أم هوله؟ وورد في شعر أبي نواس على سبيل التضمين والاستشهاد، وكان سبب هجو أبي نواس للهيثم: أن أبا نواس حضر مجلس الهيثم في حداثته والهيثم لايعرفه فلم يستدنه ولا قربه فقام مغضبا، فسأل الهيثم عنه فعرفوه به فقال: إنا لله، هذه والله بلية لم أجنها على نفسي، فقوموا بنا إليه لنعتذر، فساروا إليه ودق الهيثم عليه الباب وتسمى له فقال: ادخل فدخل فإذا هو قاعد يصفي نبيذا له، وقد أصلح بيته بما يصلح به مثله، فقال الهيثم: المعذرة إلى الله تعالى ثم إليك، فما عرفتك وما الذنب إلا لك حيث لم تعرفنا نفسك فنقضي حقك، ونبلغ الواجب من برك، فأظهر له قبول المعذرة. فقال الهيثم: أستعهدك من قول سبق منك في فقال: ما قد مضى فلا حيلة فيه، ولك الأمان مما أستأنف. فقال: ما الذي مضى؟ جعلت فداك، قال بيت مر وأنا فيما رأيت من الغضب، قال فأنشد نيه فدافعه فألح عليه فأنشده:

يا هيثم بن عدي لست للعرب ... ولست من طييء إلا على شغب
إذا نسبت عديا في بني ثعل ... فقدم الدال قبل العين في النسب
فقام الهيثم من عنده ثم بلغه بعد ذلك بقية الأبيات وهي:
لهيثم بن عدي في تلونه ... في كل يوم له رحل على خشب
فما يزال أخا حل ومرتحل ... إلى الموالي وأحيانا إلى العرب
له لسان يزجيه بجوهره ... كأنه لم يزل يغدو على قتب
كأنني بك فوق الجسر منتصبا ... على جواد قريب منك في الحسب
حتى نراك وقد درعته قمصا ... من الصيد مكان الليف والكرب
لله أنت فما قربى تهم بها ... إلا اجتلبت لها الأنساب من كثب
فعاد الهيثم إليه وقال: ياسبحان الله، قد أمنتني وجعلت لي عهداً ألا تهجوني فقال: (إنهم يقولون ما لا يفعلون)، وكان الهيثم مكروها لأنه كان يتعرض لأحوال الناس وأخبارهم فيرويها على وجهها ويشيع ماكتموا، فكرهوه ووشوا به إلى الولاة وأغروا الشعراء بهجوه.
حدث على بن جبلة الشاعر المشهور المعروف بالعكوك قال: جاءني أبو يعقوب الخريمي فقال: إن لي إليك حاجة، قلت وماهي؟ قال: تهجو لي الهيثم بن عدي. فقلت فما جاءني شيء كما أريد. فقلت له: كيف أهجو رجلا لم يتقدم إلى منه إساءة ولا له إلى جرم يحفظني؟ فقال: تقرضني فإني مليء بالوفاء والقضاء؟ قلت نعم، فأمهلني اليوم فمضى وغدوت عليه فأنشدته:
للهيثم بن عدي نسبة جمعت ... آ باه فأراحتنا من العدد
أعدد عديا فلو مد البقاء له ... ماعمر الناس لم ينقص ولم يزد
نفسي فداء بي عبد المدان وقد ... تلوه للوجه واستعلوه بالعمدا
حتى أزالوه كرها عن كريمتهم ... وعرفوه بذل أبن أصل عدي
يابن الخبيثة من أهجو فأفضحه ... إذا هجوت وما تنمي إلى أحد
قوله: نفسي فداء بي عبد المدان والبيت الذيبعده إشارة إلى الخبر الذي تقدم من قدوم محمد بن زياد بن عبد المدان على الرشيد واستظهاره به على تطليق فتاتهم الحارثية من الهيثم وقد تقدمت القصة. مات الهيثم بفم الصلح سنة تسع ومائتين، وقيل سنة سبع وله ثلاث وتسعون سنة. وله من المصنفات: كتاب هبوط آدم وافتراق العرب، كتاب نزول العرب بخراسان والسواد، كتاب بيوتات العرب، كتاب بيوتات قريش، كتاب المثالب الكبير، كتاب المعمرين، كتاب نسب طئ، أخبار طيء، أخبار طيء ونزولها الجبلين وحلف دهبل وثعل، كتاب حلف كلب وتميم ودهبل وطيء وأسد، كتاب المثالب الصغير، كتاب مثالب ربيعة، كتاب النواقل، كتاب من تروح من الموالي في العرب، أسماء بغايا قريش في الجاهلية وأسماء من ولدن، كتاب الدولة، تاريخ العجم وبني أمية، تاريخ الأشراف الكبير، تاريخ الأشراف الصغير، كتاب مديحأهل الشام، كتاب مداعي أهل الشام، أخبار زياد بن أبيه، كتاب الجامع، كتاب الوفود، كتاب النشاب، كتاب ولاة الكوفة، كتاب خطط الكوفة، كتاب النكد، كتاب النساء، كتاب فخرأهل الكوفة على أهل البصرة، كتاب قضاة الكوفة والبصرة، طبقات من روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة، طبقات الفقهاء والمحدثين، كتاب تسمية الفقهاء والمحدثين، كتاب شرط الخلفاء، كتاب خواتيم الخلفاء، كتاب عمال الشرط لأمراء العراق، أخبار الحسن عليه السلام، التاريخ مرتب على السنين، كتاب خطب المضرس بمكة والمدنية، كتاب مقتل خالد بن عبد الله القسري والوليد ابن يزيد، كتاب الصوائف، كتاب الخوارج، كتاب المواسم، كتاب النوادر، مقطعات الأعراب، أخبار الفرس، المحبر، منحل الجواهر، كتاب كنى الأشراف.

باب الياء
ياقوت بن عبد الله مهذب الدين
أبو الدر الرومي، أحد أدباء العصر وشعرائه المجيدين، نشأ ببغداد وحفظ القرآن، وعني بالتحصيل في المدرسة النظامية، فقرأ فيها العلوم العربية والأدبية على جماعة وغلب عليه الشعر، وكان حسن الخط والضبط، وله ديوان شعر لطيف، بلغتنا وفاته في ربيع الآخر سنة اثنين وعشرين وستمائة، ومن شعره قوله:
لك منزل في القلب ليس يحله ... إلا هواك وعن سواك أجله
يامن إذا جليت محاسن وجهه ... علم العذول بأن ظلما عذله

الوجه بدر دجى عذارك ليلة ... والقد غصن نقا وشعرك ظله
هذي جفونك أعربت عن سحرها ... وعذار خدك كاد ينطق نمله
عار لمثلي أن يرى متسليا ... وجمال وجهك ليس يوجد مثله
هل في الورى حسن أهيم بحبه ... هبهات أضحى الحسن عندل كله؟
وله من قصيدة:
جسدي لبعدك يامثير بلابلى ... دنف نحبك ما أبل بلى بلى
يامن إذا مالام فيه لوائمي ... أوضحت عذري بالعذار السائل
أ أجيز قتلي في الوجيز لقاتلي ... أم في التهذيب أم في الشامل؟
أم في المهذب أن يعذب عاشق ... ذو مقلة عبري ودمع هامل؟

ياقوت بن عبد الله
الرومي الأصل نزيل الموصل، الكاتب الأديب النحوي،أخذالنحو والأدب عن ابن الدهان أبيمحمد سعيد بن المبارك ولازمه، وكان واحد عصره في جودة الخط وإتقانه على طريقة ابن البواب، فقصده الناس من ابلاد وكتب عليه خلق لايحصون كثرة، اجتمعت به في الموصل سنة ثلاُ عشرة وستمائة فرأيته على جانب عظيم من الأدب والفضل والنباهة والوقار، وقد أسن وبلغ من الكبر الغاية، ورأيت كتبا كثيرة بخطه يتداولها الناس ويتغالون بأثمانها، بينها عدة نسخ من الصحاح للجوهري، والمقامات الحريرية، وتوفي في السنة التي عدت فيها من خوارزم إلى الموصل سنة ثمان عشرة وستمائة عن سن عالية.
يحيى بن أحمد
أبو زكريا الفارابي، أحد الأئمة المتبعين في اللغة، تخرج به جماعة منأهل فاراب وما وراء النهر، روي الحديث عن أبي عبد الرحمن عبد الله بن عبيد الله بن شريح البخاري، وعن الحسن بن منصور، وصنف كتاب المصادر في اللغة ومات سنة ...
يحيى بن أحمد
أبو بكر المعروف بابن الخياط الأندلسي، كا، أديباً شاعراً متقنا للحساب والهندسة بارعا في علم النحو،أخذعن أبي القاسم مسلمة بن أحمد المجريطي، وخدم بصناعة إحكام النجوم سليمان بن الحكم بن الناصر لدين الله أميرالمؤمنين وغيره من الأمراء. وكانت له معرفة بصناعة الطب وحسن المعالجة، حسن السيرة والمذهب. توفي بطليلطلة سنة سبع وأربعين وأربعمائة، ومن شعره:
لم يخل من نوب الزمان أديب ... كلا فشأن النائبات عجيب
وغضارة الأيام تأبى أن يرى ... فيها لأبناء الذكاء نصيب
وكذاك من صحب الليالي طالبا ... جدا وفهما فاته المطلوب
وقال في بخيل:
لا تكونن مبرما وعسوفا ... سله أدما وخل عنك الرغيفا
أكرم الخبز بالصيانة حتى ... جعل الكعك للبنات شنوفا
يحيى بن حبش

شهاب الدين أبو الفتوح السهروردي، كان فقيها شافعي المذهب أصوليا أديباً شاعراً حكيما، متفننا نظارا لم يناظره مناظر إلا خصمه وأفحمه، قرأ بالمراغة على الشيخ الإمام مجد الدين الجيلي الفقيه الأصولي المتكلم ولازمه مدة، ثم تنقل في البلاد على قدم التجرد، ولقي بماردين الشيخ فخر الدين المارديني وصحبه، وكان يثني عليه كثيرا ويقول: لم أر في زماني أحدا مثله ولكني أخشى عليه من شدة حدته وقلة تحفظه، ثم رحل أبو الفتوح إلى حلب فدخلها في زمن الظاهر غازي بن أيوب سنة تسع وسبعينوخمسمائة ونزل في المدرسة الحلاوية، وحضر درس شيخها الشريف افتخار الدين وبحث مع الفقهاء من تلاميذه وغيرهم، وناظرهم في عدة مسائل فلم يجاره أحد منهم وظهر عليهم وظهر فضله للشيخ افتخار الدين فقرب مجلسه وأدناه وعرف مكانه في الناس، ومن ذلك الحين تألب عليه الفقهاء وكثر تشنيعهم عليه، فاستحضره الملك الظاهر وقد له مجلسا من الفقهاء والمتكلمين فباحثوه وناظروه، فظهر عليهم بحججه وبراهينه وأدلته، وظهر فضله للملك الظاهر فقربه وأقبل عليه وتخصص به، فازداد تغيظ المناظرين عليه ورموه بالإلحاد والزندقة، وكتبو بذلك إلى الملك الناصر صلاح الدين وحذروه من فساد عقيدة ابنه الظاهر بصحبته للشهاب السهروردي وفساد عقائد الناس إذا أبقى عليه، فكتب صلاح الدين إلى ابنه الظاهر يأمره لقتله وشدد عليه بذلك وأكد، وأفتى فقهاء حلب بقتله فبلغ ذلك الشهاب فطلب الظاهر أن يحبس في مكان ويمنع من الأكل والشرب إلى أن يموت ففعل به ذلك، وقيل بل أمر الظاهر بخنقه في السجن فخنق سنة سبع وثمانين وخمسمائة وقد قارب الأربعين.
ويروى أن الظاهر ندم على مافعل بعد مدة ونقم على من أفتو بقتله، فقبض عليهم واعتقلهم ونكبهم، وصادر جماعة منهم بأموال عظيمة. ومن تصانيفه: التلويحات في الحكمة، والتنقيحات في أصول الفقه، وكمة الإشراق، والغربة الغربية في الحكمة، وهياكل النور في الحكمة أيضاً. والألواح العمادية، والمعارج، واللمحة، والمطارحات، والمقامات وغير ذلك. وله شعر كثير أشهره وأجوده قصيدته الحائية وهي:
ابدا تحن إليكم الأرواح ... ووصالكم ريحانها والراح
وقلوبأهل ودادكم تشتاقكم ... وإلى لذيذ لقائكم ترتاح
وارحمنا للعاشقين نكلفوا ... ستر المحبة والهوى فضاح
بالسر إن باحوا تباح دماؤهم ... وكذا دماء البائحين تباح
وإذا هم كتموا تحدث عنهم ... عند الوشاة المدمع السحاح
وبدت شواهد للسقام عليهم ... فيها لمشكل أمرهم أيضاً ح
خفض الجناح لكم وليس عليكم ... للصب في خفض الجناح جناح
فإلى لقاكم نفسه مشتاقة ... وإلى رضاكم طرفه طماح
عودوا بنور الوصل في غسق الجفا ... فالهجر ليل والوصال صباح
صافاهم فصفوا له فقلوبهم ... في نورها المشكاة والمصباح
فتمتعوا والوقت طاب بقربهم ... راق الشراب ورقت الأقداح
يا صاح ليس على المحب ملامة ... إن لاح في أفق الوصال صباح
لاذنب للعشاق إن غلب الهوى ... كتمانهم فنما الغرام فباحوا
سمحوا بأنفسهم وما بخلوا بها ... لما دروا أن السماح رباح
دعاهم داعي الحقائق دعوة ... فغدوا بها مسأنسين وراحوا
ركبوا على سنن الوفا ودموعهم ... بحر وحادي شوقهم ملاح
والله ماطلبوا الوقوف ببابه ... حتى دعوا وأتاهم المفتاح
لايطربون لغير ذكر حبيبهم ... أبدا فكل زمانهم أفراح
حضروا فعغابوا عن شهود ذواتهم ... وتهتكوا لما رأوه وصاحوا
أفناهم عنهم وقد كشفت لهم ... حجب البقا فتلاشت الأرواح
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم ... إن التشبه بالكرام فلاح
قم يا نديم إلى المدام وهاتها ... فبحانها قد دارت الأقداح
من كرم إكرام بدن ديانة ... لاخمرة قد دلها الفلاح
وقال:

أقول لجارتي والدمع جاري ... ولي عزم الرحيل عن الديار
ذريني أن أسير ولا تنوحي ... فإن الشهب اشرفها السواري
وإني في الظلام رأيت ضوءا ... كأن الليل بدل بالنهار
إلي كم أجعل الحيات صحبي ... إلى كم أجعل التنين جاري
وأرضى بالإقامة في فلاة ... وفي ظلم العناصر أيم داري؟
ويبدولي من الزوراء برق ... يذكرني بها قرب المزار
إذا أبصرت ذاك النور أفنى ... فما أدرى يميني من يساري
ومن كلامه: اعلم أنك ستعارض بأعمالك وأقوالك وأفكارك، وسيظهر عليك من كل حركة فعلية أو قولية أو غكرية صور جانبية. فإن كانت تلك الحركة عقلية صارت تلك الصورة مادة لملك تلتذ بمنادمته في دنياك، وتهتدي بنوره في أخراك. وإن كانت تلك الحركة شهوية أو عصبية صارت تلك الصورة مادة لشيطان يؤذيك في حال حياتك، وبحبك عن ملاقاة النور بعد مماتك.

الجزء العشرون
يحيى بن خالد بن برمك
ابو الفضل البرمكي الوزير السري الجواد، كان سيد بني برمك وأفضلهم جودا وحلما ورأيا، وكان من أكملأهل زمانه أدبا وفصاحة وبلاغة، وأخباره في الكرم وشرف الخلال مشهورة. وإنما دخل في شرط كتابنا من جهة بلاغته وتقدمة على أكثرأهل عصره في الإنشاء والكتابة، وما صدرعنه من الحكم ولأقوال التي تداولها الواة وملئت بها الدفاتر فأنا أورد منها جملة صالحة، وأما أخباره فما يتسع لها كتابنا وليست من شرطه، فمما ورى عنه أنه قال: مارأت رجلا إلا هبته حتى يتكلم، فإن كان فصيحا عظم في عيني وصدري وإن قصر سقط من عيني. وحدث محمد بن صالح الواقدي قال: دخلت على يحيى ابن خالد البرمكي فقلت: إن ههنا قوما جاءوا يشكرون لك معروفا، فقال يامحمد: هولاء جاءوا يشكرون معروفنا فكيف لنا شكر شكرهم.
وقال: مسأل ة الملوك عن حالها من سجية النوكي، فاذا أردت أن تقول: كيف أصبح الأميرفقل: صبح الله الأميربالنعمة والكرامة، وإذا كان عليلا فأردت أن تسأل ه عن حاله فقل: أنزل الله على الأميرالشفاء والرحمة فإن الملوك لاتسأل ولا تشمت ولاتكيف وأنشد:
إن الملوك لايخاطبونا ... ولا إذا ملوا يعاتبونا
وفي المقال لاينازعونا ... وفي العطاس لايشمتونا
وفي الخطاب لايكيفونا ... يثني عليهم وبجلونا
وافهم وصاتي لاتكن مجنونا وقيل له: أي الأشياء أقل؟ قال: قناعة ذي الهمة البعيدة بالعيش الدون، وصديق كثير الآفات قليل الإمتاع، وسكون النفس إلى المدح. وقيل له ما الكرم؟ فقال ملك في زي مسكين. قيل له فما اللؤم؟ قال: مسكين في بطش عفريت. قيل فما الجود؟ قال عفو بعد قدرة. وقال: من ولي ولاية فتاه فيها فقدره دونها وقال: إذا فتحت بينك وبين المعروف فاحذر أن تغلقه ولو بالكلمة الجميلة، إذا أردت أن تنظر مروءة المرء فانظر الي، كانت حسنة فاحكم له بالشرف، وإن رأيت فما وراءها خير. وقال: أحسن جبلة الولاة إصابة السياسة، ورأس إصابة السياسة العمل لطاعة الله وفتح بابين للرعية، أحدهما رأفة ورحمة وبدل وتحنن، والآخر غلظة ومباعدة وإمساك ومنع. وقال: العذر الصادق مع النية الحسنة يقومان مقام النجح. وقال: ما سقط غبار موكبي على أحد إلا وجب علي حقه. وقال الفضل له:

يا أبت، مالنا نسدي إلى الناس المعروف فلا يتبين فيهم كتبينه ببر غيرنا؟ قال آ مال الناس فينا أعظم من آ مالهم في غيرنا، وإنما يسر الإنسان ما بلغه أمله. وقال: أنا مخير في الإحسان إلي أحسن إليه، ومرتهن بالإحسان إلى من أحسنت إليه، لأنى إن وصلته فقد أتمته، وإن قطعته فقد أهدرته. وقال: الخط صورة روحها البيان، ويدها السرعة، وقدمها التسوية، وجوارحها معرفة الفصول. وركب يوما مع الرشيد فرأى الرشيد في طريقه أحمالا فسأل عنها فقيل له: هذه هدايا خراسان بعث بها علي بن عيسى بن ماهان، وكان ابن ماهان وليها بعد الفضل بن يحيى، فقال الرشيد ليحيى: أين كانت هذه الأحمال في ولاية ابنك؟ فقال يحيى كانت في بيوت أصحابها فأفحم الرشيد وسكت ولما كان الفضل بن يحيى واليا على خراسان كتب صاحب البريد إلى الرشيد كتابا يذكر فيه: أن الفضل تشاغل بالصيد واللذات عن النظر في أمور الرعية، فلما قرأه الرشيد رمى به ليحيى وقال له: يا ابت اقرأ هذا الكتاب واكتب إلى الفضل كتابا يردعه عن مثل هذا. فمد يحيى يده إلى دواة الرشيد وكتب إلى ابنه على ظهر الكتاب الذيورد من صاحب البريد: حفظك الله يا بني وأمتع بك، قد انتهى إلى أمير المؤمنين ما أنت عليه من التشاغل بالصيد ومداومة اللذات عن النظر في أمور ارعية ما أنكره، فعاود ماهو أزين بك، فإنه من عاد إلى ما يزينه لم يعرفهأهل زمانه إلا به والسلام. وكتب تحته هذه الأبيات:
إنصب نهارا في طلاب العلا ... واصبر على فقد لقاء الحبيب
حتى إذا الليل بدا مقبلا ... وغاب فيه عنك وجه الرقيب
فبادر الليل بما تشتهي ... فإنما الليل نهار الأريب
كم من فتى تحسبه ناسكا ... يستقبل الليل بأمنر عجيب
ألقى عليه الليل أستاره ... فبات في لهو وعيش خصيب
ولذة الأحمق مكشوفة ... يسعى بها كل عدو مريب
وكان يقول لولده: اكتبوا أحسن ما تسمعون، واحفظوا أحسن ما تكتبون، وتحدثوا بأحسن ما تحفظون. وقال: أنفق من الدنيا وهي مقبلة، فإن الإتفاق لاينقص منها شيئا، وأنفق منها وهي مدبرة، فإن الإمساك لا يبقى منها شيئا. وقال: الدنيا دول، والمال عارية، ولنا فيمن قبلنا أسوة، ونحن لمن بعدنا عبرة. قال القاضي يحيى بن أكثم: سمعت المأمون يقول: لم يكن كيحيى بن خالد وكولده أحد في البلاغة والكفاية، والجود والشجاعة، وكان يحيى يجري على سفيان الثوري رضي الله عنه ألف درهم في كل شهر، فكان إذا صلى سفيان يقول في سجوده: اللهم إن يحيى كفاني أمر دنياي فاكفه أمر آخرته. فلما مات يحيى رؤى في المنام فقيل له: مافعل الله بك؟ قال: غفر لي بدعاء سفيان. مات يحيى في سجن الرشيد في الرافقة في أوائل المحرم سنة تسعين ومائة.

يحيى بن زياد بن عبد الله
ابن منظور بن مروان الأسلمي الديامي الكوفي مولى بني أسد المعروف بالفراء أبو زكريا،أخذعن أبي الحسن الكسائي، وروى عن قيس بن الربيع ومندل بن علي. وأخذ عنه سلمة بن عاصم ومحمد بن الجهم النمري وغيرهما. كان هو والأحمر أشهر أصحاب الكسائي، وكانا أعلم الكوفيين بالنحو من بعده. وأخذ أيضاً عن يونس بن حبيب البصري فاستكثر منه، والبصريون ينكرون ذلك.
حكى محمد بن الجهم قال: حدثنا الفراء قال: أنشدني يونس النحوي:
رب حلم أضاعه عدم الما ... ل وجهل غطى عليه النعيم
وعن الفراء أيضاً قال يونس: الآل من عذوة إلى ارتفاع النهار. ثم هو سراب سائر النهار، وإذا زالت الشمس فهو فيء، وفي غدوة ظل.
وأنشد لأبي ذويب:
لعمري لأنت البيت أكرم أهله ... وأقعد في أفيائه بالأصائل
وله روايات كثيرة عن يونس لانطيل بذكرها، وكانأبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب يقول: لولا الفراء ما كانت اللغة لأنه حصلها وضبطها، ولولاه لسقطت العربية لأنها كانت تتنازع ويدعيها كل من أراد، ويتكلم الناس على مقادير عقولهم وقرائحهم فنذهب.
وكان الفراء فقيها عالما بالخلاف وبأيام العرب وأخبارها وأشعارها، عارفا بالطب والنجوم متكلما يميل إلى الاعتزال، وكان يتفلسف في تصانيفه ويستعمل فيها ألفاظ الفلاسفة.

وحكى أبو العباس ثعلب عن ابن نجدة قال: لما تصدى أبوزكريا يحيى بن زياد الفراء للاتصال بالمأمون كان يتردد إلى الباب، فلما كان ذات يوم بالباب جاء ثمامة بن الأشرس المتكلم المشهور قال: فرأيت صورة أديب وأبهة أدب فجلست إليه وفاتشته عن اللغة فوجدته بحرا، وعن النحو فشاهدته نسيج وحده، وعن الفقه فوجدته فقيها عارفا باختلاف القوم، وفي النجوم ماهرا، وبالطب خبيرا، وبأيام العرب وأخبارها وأشعارها حاذقا فقلت له: من تكون؟ وما أظنك إلا الفراء، فقال: أنا هو، قال فدخلت فأعلمت أميرالمؤمنين بمكانته فاستحضره وكان سبب اتصاله به.
وقال أبو بريدة الوضاحي: أمر أميرالمؤمنين المأمون الفراء أن يؤلف ما يجمع به أصول النحو وما سمع من العرب، فأمر أن تفرد له حجرة من حجر الدار، ووكل بها جواري وخدنا للقيام بما يحتاج إليه حتى لايتعلق قلبه ولا تتشوف نفسه إلى شيء، حتى إنهم كانوا يؤذنونه بأوقات الصلاة، وصير له الوراقين وألزمه الأمناء والمنفقين، فكان الوراقون يكتبون حتى صنف كتاب الحدود، وامر المأمون بكتبه في الخزائن، وبعد أن فرغ من ذلك خرج إلى الناس وابتدأ يملي كتاب المعاني، وكان وراقيه سلمة بن عاصم وأبو نصر بن الجهم.
قال أبو بريدة: فأردنا أن نعد الناس الذين اجتمعوا الإملاء كتاب المعاني فلم نضبط عددهم، ولما فرغ من إملائه خزنه الوراقون عن الناس ليتكسبوا به وقالوا: لانخرجه لأحد إلا لمن أراد أن ننسخه له على أن يكون عن كل خمسة أوراق درهم، فشكا الناس إلى الفراء فدعا الوراقين وكلمهم في ذلك وقال: قاربو الناس تنفعوا وتنتفعوا فأبوا عليه فقال: سأريكم وقال للناس: إني أريد أن أملي كتاب معان أتم شرحا وأبسط قولا من الذيأمليت قبلا، وجلس يملي فأملي في الحمد مائة ورقة، فجاء الوراقون إليه وقالوا: نحن نبلغ الناس ما يحبون، فنسخوا كل عشرة أوراق بدرهم.
قال أبو بكر بن الأنباري: لو لم يكن لأهل بغداد والكوفة من علماء العربية إلا الكسائي والفراء لكان لهم بهما الافتخار على جميع الناس إذ انتهت العلوم إليهما وكان يقال: الفراء أميرالمؤمنين في النحو، توفي أبو زكريا الفراء في طريق مكة سنة سبع ومائتين، وقد بلغ ثلاثا وستين سنة.
ومن تصانيفه: كتاب اختلافأهل الكوفة والبصرة والشام في المصاحف، معاني القرآن أربعة أجزاء ألفه لعمر ابن بكير، البهي ألفه للأميرعبد الله بن طاهر، كتاب المصادر في القران، كتاب اللغات، كتاب الوقف والابتداء، كتاب الجمع والتثنية في القرآن، آاة الكتاب الفاخر، كتاب النوادر، كتاب المذكر والمؤنث، كتاب يافع ويافعة، كتاب ملازم، كتاب الحدود ألفه بأمر المأمون كتاب مشكل اللغة الكبير، كتاب المشكل الصغير كتاب الوار وغير ذلك.

يحيى بن سعدون بن تمام
أبو بكر الأزدي القرطبى الملقب سابق الدين، شيخ فاضل عارف بالنحو ووجوه القراءات، قرأ على أبي القاسم خلف بن إبراهيم الحصار بقرطبة، وسمع من أبيمحمد بن عتاب. وقدم العراق فقرأ ببغداد على الشيخ المقريء أبي محمد عبد الله بن على سبط أبي منصور الخياط وسمع عليه كتباً كثيرة، وسمع بها الحديث من أبي القاسم بن الحصين وأبي بكر محمد بن عبد الباقي البزاز المعروف بقاضي المارستان، وأبي عبد الله البارع وأبي العز بن كارش وغيرهم. وسمع بمصر من أبيصادق مرشد بن يحيى بن القاسم المدني المصري، وبالإسكندرية من أبيالطاهر أحمد بن محمد السلفي الأصبهاني وأبي عبد الله محمد بن أحمد بن إبراهيم الرازي. وسكن دمشق مدة وأقرأ بها القرآن والنحو، وانتفع به خلق كثير لحسن خلقه وتواضعه. ثم رحل إلى أصبهان وعاد منها إلى الموصل فسكنها وأخذ عنه شيوخها، منهم القاضي بهاء الدين أبو المحاسن يوسف بن رافع المعروف بابن شداد وغيره.
وكان ثقة صدوقا ثبتا دينا كثير الخير، ولد بقرطبة سنة ست وثمانين وأربعمائة وقيل سنة سبع. ومات بالموصل يوعيد الفطر سنة سبع وستين وخمسمائة.
يحيى بن سعيد بن المبارك
بن علي ابن عبد الله بن سعيد بن محمد بن نصر بن عصام المعروف بابن الدهان البغدادي الأنصاري أبو زكريا بن أبيمحمد، النحوي بن النحوي الأديب الشاعر، ولد بالموصل في أوائل السنة التي مات أبوه في أواخرها سنة تسع وستين وخمسمائة فلما بشر به والده قال وصدق في حدسه:
قيل لي جاءك نسل ... ولد شهم وسيم

قلت عزوه بفقدي ... ولد الشيخ يتيم
ثم توفي والده وله بضعة أشهر.أخذأبو زكريا النحوي عن مكي بن زيان وانقطع إليه وتخرج به فبرع في النحو واللغة والأدب، وهو أحد نحاة العصر وأدبائه المشاهير. توفي قريبا سنة ست عشرة وستمائة بالموصل ودفن عن أبيه بمقبرة المعافي بن عمران بباب الميدان. اجتمعت به لما كنت بالموصل سنة ثلاث عشرة وستمائة، ومن شعره:
إن بهت الخمول نبهت أقوا ... ما نياما فسا بقوني إليه
هو قد دلني على لذة العي ... ش فمالي أدل غيري عليه
وله:
وعهدي بالصبا زمنا وقدي ... حكى ألف ابن مقلة في انتصاب
وصرت الآن منحنيا كأني ... أفتش في التراب علي شبابي

يحيى بن سعيد بن هبة الله
ابن علي بن زيادة الشيباني الواسطي ثم البغدادي، كان كاتبا أديباً شاعراً مشاركا في الفقه والكلام والرياضة،أخذالأدب عن أبي منصور الجواليقي وغيره، وولى النظر في ديوان البصرة ثم بواسط والحالة، ثم قلد النظر في المظالم ورتب حاجبا بباب المتولي، ولما قتل الأستادار هبة الله بن الصاحب ولى الأستادارية مكانه ثم عزل وقلد ديوان الإنشاء والنظر في ديوان المقاطعات فبقي على ذلك حتى مات، وكانت وفاته في ذي الحجة سن أربع وتسعين وخمسمائة، ومولده سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة. ومن شعره.
إني لتعجبني الفتاة إذا رأت ... أن المروءة في الهوى سلطان
لاكالتي وصلت وأكبر همها ... في خدرها النقصان والرجحان
وكذاك شمس الأفق برج علوها ... حمل وبرج هبزوطها الميزان
وقال:
إن كنت تسعى للسعادة فاستقم ... تنل المراد وتغد أول من سما
ألف الكتابة وهوبعض حروفها ... لما استقام على الجميع تقدما
وقال:
لا أقول الله يظلمني ... كيف أشكو غير متهم
قنعت نفسي بما أتيت ... وتمطت في العلا هممي
ولبست الصبر سابغة ... فهي من فرقي إلى قدمي
وقال:
باضطراب الزمان ترتفع الأن ... ذال فيه حتى يعم البلاء
وكذا الماء ساكنا فإذا حر ... رك ثارت من قعره الأقذاء
يحيى بن سلامة بن الحسين
المعروف بالخطيب الحصكفي، كان فقيهاً نحوياً كاتباً شاعراً، نشأ بحصن كيفا وقدم بغداد فأخذ بها الأدب عن الخطيب أبي زكريا التبريزي وغيره. وبرع في النظم والنثر وإنشاء الخطب، ثم رحل إلى ميافارقين فسكنها وولى بها الخطابة ولإفتاء. وله ديوان شعر وديوان رسائل، ولد سنة تسع وخمسين وأربعمائة، وتوفي سنة إحدى وخمسين وخمسمائة. ومن شعره:
وإنسية زارت مع النوم مضجعي ... فعانقت غصن البان منها إلى الفجر
أسائلها أين الوشاح وقد سرت ... معطلة منه معطرة النشر
فقالت واومت للسوار نقلته ... إلى معصمي لما تقلقل في خصري
وقال:
وخليع بت أعذله ... ويرى عذلي من العبث
قلت إن الخمر مخبثة قال حاشاها من الخبث
قلت فلأرفاث تتبعها ... قال طبيب العيش في الرفث
قلت ثم القى قال أجل ... شرفت عن مخرج الحدث
وسأجفوها فقلت متى ... قال عند الكون في الجدث
وقال:
لم يضحك الورد إلا حين أعجبه ... زهر الربيع وصوت الطائر الغرد
بدا فأبدى لنا البستان بهجته ... وراحت الراح في أثوابها الجدد
يحيى بن صاعد بن يحيى
معتمد الملك أبو الفرج ابن التلميذ، كان حكيماً عالماً فاضلاً حاذقاً في صناعة الطب أديباً شاعراً، وكان مقيماً بأصبهان مقرباً عند الأمراء والأعيان. وقصده الشريف ابن الهبارية الأديب الشاعر فأكرمه وحباه، وحصل له بواسطته من الأمراء والأكابر مال عظيم فمدحه بعدة قصائد، توفي معتمد الملك ابن التلميذ سنة تسعٍ وخمسين وخمسمائةٍ.
ومن شعره:
علق الفؤاد على خلو حبها ... علق الذبالة في حشا المصباح
لايستطيع الدهر فرقة بينهم ... إلا لحين تفرق من الأشباح
وقال:

ما هذه الدنيا لطالبها ... إلا بلاء وهو لايدري
إن أقبلت فسدت أمانته ... أو أدبرت شغلته بالفكر
وقال:
فراقك عندي فراق الحياة ... فلا تجهزن على مدنف
علقتك كالنار في شمعها ... فما إن تفارقه أو تنطفى

يحيى بن الطيب
اليمني النحوي، كان أديباً شاعراً، له مصنف في النحو مختصر وكان لايطيل في شعره، فإذا مدح أو هجا لايزيدعلى بيتين.
ومن شعره:
إن اللئيم إذا رأى ... ليناً تزايد في حرانه
لاتخدعن فصلاح من ... جهل الكرامة في هوانه
يحيى بن عبد الرحمن بن بقى
الأندلسي القطبي، كان آية في النثر والنظم بارعاً في نظم الموشحات مجيداً فيها كل الإجادة الإجادة إلا أنه كان حرب زمانه، حسبت حرفة الأدب عليه براعته من رزقه فحكمت بإقلاله وحرمانه فامتطى غارب الاغتراب ووقف في البلاد على كل باب، فلم يستقر به النوى حتى اتصل من الأمير يحيى بن علي بن القاسم بسبب، فتفيأ ظلاله، وحط في رحابه رحاله. توفي ابن بقى سنة أربعين وخمسمائة.
ومن شعره: قوله في قصيدة:
هو الشعر أجرى في ميادين سبقه ... وأفرج من أبوابه كل مبهم
فسل أهله عني هل امترت منهم ... بطبعي وهل غادرت من متردم؟
سلكت أسأليب البديع فأصبحت ... بأقوالي الركبان في البيد ترتمي
وربتما غنى به كل ساجع ... يردده في شجوه والترنم
وضيعني قومي لأني لسانهم ... إذا أفحم الأقوام عند التكلم
وطالبني دهري لأني زنته ... وأني فيه غرة فوق أدهم
وله:
ولي همم ستقذف بي بلاداً ... نأت إما العراق أو الشآما
وألحق بالأعاريب اعتلاء ... بهم وأجيد مدحهم اهتماما
لكيما تحمل الركبان شعري ... بوادي الطلح أو وادي الخزامى
وكيما يعلم الفصحاء أني ... خطيب علم السجع الحماما
وقد أطلعتهن بكل أرض ... بدوراً لا يفارقن التماما
فلم أعدم وإياها حسوداً ... كما لاتعدم الحسناء ذاما
وقال:
بأبي غزال غازلته مقلتي ... بين العذيب وبين شطي بارق
وسألت منه زيارةً تشفي الجوى ... فأجابني فيها بوعد صادق
بتنا ونحن من الدجى في لجة ... ومن النجوم الزهر تحت سرادق
عاطيته والليل يسحب ذيله ... صهباء كالمسك الفتيق الناشق
وضممته ضم الكمى لسيفه ... وذؤابتاه حمائل في عاتقي
حتى إذا مالت به سنة الكرى ... زحزحته عني وكان معانقي
أبعدته عن أضلع تشتاقه ... كي لا ينام على وساد خافق
لما رأيت الليل آخر عمره ... قد شاب في لمم له ومفارق
ودعت من أهوى وقلت مشيعاً ... أعزز على بأن أراك مفارقي
ومن موشحاته قوله:
عبث الشوق بقلبي فاشتكى ... ألم الوجد فلبت أدمعي
أيها الناس فؤادي شغف
وهو من بغي الهوى لاينصف
كم أداريه ودمعي يكف
أيها الشادن من علمكا ... بسهام اللحظ قتل السبع؟
بدر تم تحت ليل أغطش
طالع في غصن بان منتشى
أهيف القد بخد أرقش
ساحر الطرف وكم قد فتكا ... بقلوب درعن بالأضلع؟
وانثنى يهتز من سكر االصبا
أي رئم رمته فاجتنبا؟
كقضيب هزه ريح الصبا
قلت هب لي ياحبيبي وصلكا ... واطرح أسباب هجري ودع
قال خذي زهره مذ فوفا
جرد الطرف حساماً مرهفا
حذراً منه بألا يقطفا
إن من رام جناه هلكا ... فأزل عنك أماني الطمع
ذاب قلبي في هوى ظبي غرير
وجهه في الدجن صبح مستنير
وفؤادي بين كفيه أسير
لم أجد للصبر عنه مسلكا ... فانتصاري بانسكاب الأدمع
يحيى بن علي بن محمد

ابن الحسن بن محمد بن موسى بن بسطام الشيباني أبو زكريا ابن الخطيب التبريزي، وربما يقال له الخطيب وهو وهم، كان أحد الأئمة في النحو واللغة والأدب حجة صدوقاً ثبتاً، رحل إلى أبي العلاء المعري وأخذ عنه وعن عبيد الله بن علي الرقي والحسن بن رجاء بن الدهان اللغوي وابن برهان والمفضل القصباني وعبد القاهر الجرجاني وغيرهم من الأئمة، وسمع الحديث وكتبه على خلق منهم القاضي أبو الطيب الطبري وأبو القاسم التنوخي والخطيب البغدادي وسمع بمدينة صور من الفقيه أبي الفتح سليم بن أيوب الرازي ومن أبي القاسم عبد الكريم بن محمد بن عبد الله ابن يوسف الدلال الساوي البغدادي وأبي القاسم عبد الله ابن علي، وأخذ عنه أبو منصور موهوب بن أحمد الجواليقي وأبو الحسن سعد الخير بن محمد بن سهل الأنصاري وأبو الفضل ابن ناصر وغيرهم. ودخل مصر في عنفوان شبابه فقرأ عليه بها أبو الحسن طاهر بن بابشاذ النحوي وغيره اللغة ثم رجع إلى بغداد فأقام بها إلى أن مات. ويحكى أن سبب رحلته إلى أبي العلاء المعري: أنه حصلت له نسخة من كتاب التهذيب في اللغة تأليف أبيمنصور الأ زهري المعري فجعل الكتاب في مخلاة وحملها على كتفه من تبريز إلى المعرة ولم يكن له مايستأجر به مركوبا فنفذ العرق من ظهره إليها فأثر فيها البلل. وهذه النسخة في بعض المكاتب الموقوفة ببغداد إذا ر آها من لايعرف خبرها ظن أنها غريقة وليس بها سوى عرق الخطيب، وذكر السمعاني في الذيل سمعت أبا منصور محمد بن عبد الملك بن الحسن بن خيبرون المقرئ يقول: أبو زكريا يحيى بن علي التبريزي ما كان بمرضي الطريقة، كان يدمن شرب الخمر ويلبس الحرير والعمامة المذهبة، وكان الناس يقرءون عليه تصانيفه وهو سكران، فذاكرت أبا الفضل محمد بن ناصر الحافظ بما ذكره ابن خيرون فسكت وكأنه لم ينكر ذلك ثم قال: ولكن كان ثقة في اللغة وما كان يرويه وينقله، وولي ابن الخطيب تدريس الأدب بالنظامية وخزانة الكتب بها، وانتهت إليه الرياسة في اللغة والأدب، وسار ذكره في الآفاق ورحل الناس إليه. توفي فجأة يوم الثلاثاء لليلتين بقيتا من جمادى الأولى سنة اثنتين وخمسمائة، وكانت ولادته سنة إحدى وعشرين وأربعمائة، وصنف شرح القصائد العشر ملكته بخطه. وتفسير القرآن، وإعراب القرآن، وشرح اللمع لابن جني، والكافي في العروض والقوافي، وثلاثة شروح على الحماسة لأبي تمام، وشرح شعر المتنبي، وشرح المقصورة الدريدية، وشرح سقط الزند، وشرح المفضليات، وتهذيب إصلاح المنطق لابن السكيت، ومقدمة في النحو، وكتاب مقاتل الفرسان، وشرح السبع الطوال وغير ذلك ومن شعره:
فمن يسأم من الأسفار يوماً ... فإني قد سئمت من المقام
أقمنا بالعراق إلى رجال ... لئام ينتمون إلى لئام

يحيى بن على بن أبي منصور
المعروف بابن المنجم، النديم. قال المرزباني في معجم الشعراء: أبو أحمد بن المنجم أديب شارع مطبوع، أشعرأهل زمانه وأحسنهم أدبا وأكثرهم افتنانا في علوم العرب والعجم، ونادم المعتضد والمكتفي من بعده، وهو من أشجار الأدب الناضرة، وأنجمه الزاهرة، ولد سنة إحدى وأربعين ومائتين، وتوفي سنة ثلاثمائة، ومن شعره
رب يوم عاشرته فتقضى ... بعد حمد عن آخر مذموم
يا لقومي لضعفه ولكيد ... مثل كيد النساء منه عظيم
وقال في الطاوس:
سبحان من من خلقه الطاوس ... طير على أشكاله رئيس
كأنه في نفسه عروس ... إذ أنه يحلو به التعريس
ديباجة تنشر أو سدوس ... في ريشه قد ركبت فلوس
تشرف من داراتها شموس ... في الرأس منه شجر مغروس
كأنه بنفسج يميس ... أو زهر في روضة ينوس
ولأبي أحمد شعر كثير وتصانيف منها: الباهر في أخبار شعراء مخضرمي الدولتين، وكتاب الإجماع على مذهب أبي جعفر الطبرى، والدخل إلى مذهب الطبري ونصرة مذهبه، وكتاب الأوقات وغير ذلك.
يحيى بن القاسم

ابن مفرج بن روع بن الخضر بن الحسن بن حامد أبو زكريا الثعلبي التكريتي، إمام من أئمة المسلمين وحبر من أحبارهم، كامل فاضل فقيه قاريء مفسر نحوي لغوي عروضي شاعر، تفقه على والده وصحب ببغداد أبا النجيب السهوردي وغيره، وقرأ الأدب على ابن الخشاب وبرع في الفقه والأدب، وسمع من أبي زرعة المقدسي وابن البطي ودرس بالنظامية، مات في رمضان سنة ست عشرة وستمائة، وكانت ولادته سنة إحدى وعشرين وخمسمائة ومن نظمه في ألف الأمر:
لألف الأمر ضروب تنحصر ... في الفتح والضم وأخرى تنكسر
فالفتح فيما كان من رباعي ... نحو أجب يا زيد صوت الداعي
والضم فيما ضم بعد الثاني ... من فعله المستقبل الزمان
والكسر فيما منهما تخلى ... إن زاد عن أربعة أو قلا

يحيى بن المبارك بن المغيرة
أبو محمد مولى بني عدي بن عبد مناف، قيل له اليزيدي لأنه صحب يزيد بن منصور خال المهدي مؤدبا لولده فنسب إليه، ثم اتصل بالرشيد فجعله مؤدباً للمأمون،أخذالعربية عن أبي عمرو بن العلاء وابن أبي إسحاق الحضرمي، وأخذ اللغة والعروض عن الخليل بن أحمد، إلا أنه كان يعتمد في اللغة على أبي عمرو بن العلاء لسعة علمه بها، وكان أبو عمرو يميل إليه ويدنيه لذكائه، وأخذ عن أبي محمد اليزيدي جماعة منهم ابنه محمد وأبو عبيد القاسم بن سلام وإسحاق بن إبراهيم الموصلي وأبو عمرو الدوري القاريء وأبو شعيب السوسي المقريء وعامر بن عمر الموصلي وأبو خلاد سليمان بن خلاد وأبو حمدون بن إسماعيل الطبيب وغيرهم، وخالف في القراءة أبا عمرو في حروف اختارها، وكان صحيح الرواية ثقة صدوقا، وكان أحد أكابر القراء وهو الذي خلف أباعمرو بن العلاء فيها، وكان في أيام الرشيد مع الكسائي ببغداد يقرئان الناس في مسجد واحد، وكان مع ذلك أديباً شاعراً مجيداً، وله مجموع أدب فيه شيء من شعره، وكان يتهم بالميل إلى الاعتزال.
مات بخراسان سنة اثنتين ومائتين عن أربع وستين سنة، وصنف كتاب الوقف والابتداء، وكتاب النوادر في اللغة على مثال نوادر الأصمعي الذيعمله لجعفر بن يحيى، والمختصر في النحو ألفه لبعض ولد المأمون، وكتاب النقط والشكل، وكتاب المقصور والممدود وغير ذلك. ومن شعره قوله في الكسائي وأصحابه:
كنا نقيس النحو فيما مضى ... على لسان العرب الأول
فجاء أقوام يقيسونه ... على لغي أشياخ قطربل
فكلهم يعمل في نقض ما ... به يصاب الحق لا يأتلي
إن الكسائي وأصحابه ... يرقون في النحو إلى أسفل
وله:
إذا نكبات الدهر لم تعظ الفتى ... وأفزع منها لم تعظه عواذله
ومن لم يؤدبه أبوه وأمه ... تؤدبه روعات الردى وزلازله
فدع عنك مالا تستطيع ولا تطع ... هواك ولا يغلب بحقك باطله
وله في الأصمعي:
أبن لي دعى بني أصمع ... متى كنت في الأسرة الفاضله؟
ومن أنت هل أنت إلا امرؤ ... إذا صح أصلك من باهله؟
يحيى بن محمد
الشريف أبو المعمر بن طباطبا العلوي، كان نحوياً أديباً فاضلاً يتكلم مع ابن برهان في هذا العلم،أخذعن علي بن عيسى الربعي وأبي القاسم الثمانيني، وعنه أبو السعادات هبة الله بن الشجري وكان يفتخر به. مات في رمضان سنة ثمان وسبعين وأربعمائة.
ومن شعره:
لي صاحب لاغاب عني شخصه ... أبداً وظلت ممتعاً بوجوده
فطن بما يوحى إليه كأنما ... قد نيط هاجس فكرتي بفؤاده
وقال:
حسود مريض القلب يخفي أنينه ... ويضحي كئيب القلب عندي حزينه
يلوم على أن رحت في العلم راغباً ... أحصل من عند الرواة فنونه
فأعرف أبكار الكلام وعونه ... وأحفظ مما أستفيد عيونه
ويزعم أن العلم لايجلب الغنى ... ويحسن بالجهل الذميم ظنونه
فيا لائمي دعني أغالي بقيمتي ... فقيمة كل الناس ما يحسنونه
يحيى بن محمد بن عبد الله العنبري

ابن عطاء بن صالح بن محمد بن عبد الله بن شعيان أبو زكريا العنبري، مولى بني حرب السلمي من أهل نيسابور، كان عالما بالتفسير لغوياً أديباً فاضلاً، قال القاضي عبد الحميد ابن عبد الرحمن النيسابوري: ذهبت الفوائد من مجلسنا بعد أبي زكريا، وذلك أن أبا زكريا اعتزل الناس وقعد عن حضور المحافل بضع عشرة سنة، سمع أبا الحسن الحرسي وأحمد بن سلمة وغيرهما، وروى عنه أبو بكر بن عبدوس المفسر، وأبو علي الحسين بن علي الحافظ والمشايخ من طبقته. مات في شوال سنة أربع وأربعين وأربعمائة عن ست وسبعين سنة.

يحيى بن محمد
ابو محمد الأرزني، إمام في العربية مليح الخط سريع الكتابة، كان يخرج في وقت العصر إلى سوق الكتب ببغداد فلا يقوم من مجلسه حتى يكتب الفصيح لثعلب ويبيعه بنصف دينار ويشتري نبيذاً ولحماً وفاكهةً ولايبيت حتى ينفق ما معه منه، وله تأليف في النحو مختصر. مات سنة خمس عشرة وأربعمائة.
ومن شعره:
إن من أحوجك الدهر إليه ... وتعلقت به هنت عليه
ليس يصفو ود من واخيته ... إن تعرضت لشيء في يديه
يحيى بن معطي بن عبد النور
زين الدين المغربي الزواوي، فاضل معاصر إمام في العربية أديب شاعر، مولده بالمغرب سنة أربع وستين وخمسمائة، وقدم دمشق فأقام بها زماناً طويلاً ثم رحل إلى مصر فتوطن بها، وتصدر بأمر الملك الكامل لإقراء النحو والأدب بالجامع العتيق وهو مقيم بالقاهرة لهذا العهد. ومن تصانيفه: الفصول الخمسون في النحو، وألفية في النحو أيضاً، وحواش على أصول ابن السراج، ونظم الصحاح للجوهري لم يكلمه، ونظم الجوهرة لابن دريد، والمثلث في اللغة، وقصيدة في العروض، وقصيدة في القراءات السبع، وديوان شعر، وديوان خطب وغير ذلك. ومن شعره في مشارك في اللقب.
قالوا تلقب زين الدين فهو له ... نعت جميل به أضحى اسمه حسنا
فقلت لاتغبطوه إن ذا لقب ... وقف على كل نحس والدليل أنا
وله:
وإذا طلبت العلم فاعلم أنه ... عبء لتنظر أي عبء تحمل
وإذا علمت بأنه متفاضل ... فاشغل فؤادك بالذي هو أفضل
يحيى بن نزار بن سعيد
أبو الفضل المنبجي، مولده بمنبج في المحرم سنة ست وثمانين وأربعمائة، قدم دمشق واتصل بالملك العادل نور الدين ابن محمود بن زنكي ومدحه بقصائد أجاد فيها، ثم رحل إلى بغداد فتوطنها وأقام بها إلى أن توفي في ليلة الجمعة سادس ذي الحجة سنة أربع وخمسين وخمسمائة، وكان سبب موته أنه وجد في أذنه ثقلاً فاستدعى طبيباً من الطرقية فامتص أذنه ليخرج ما فيها من أذى فخرج شيء من مخه فمات لوقته.
ومن شعره:
لو صد عني دلالاً أو معاتبةً ... لكنت أرجو تلافيه وأعتذر
لكن ملالاً فما أرجو تعطفه ... جبر الزجاج عسير حين ينكسر
وله:
وليلة وصل خالست غفلة الدهر ... فجاءت ببدر وهي مشرقة البدر
سميري بها غصن من البان مائد ... يرنحه سكر الشبيبة لا الخمر
أشاهد فيها طلعة القمر الذي ... تبسم عن طلع وإن شئت عن در
أمنت بها إتيان واش وحاسد ... فما من رقيب غير أنجمها الزهر
ضممت إلى صدري الحبيب معانقاً ... وهل لك ياقلبي محل سوى صدري؟
فيا ليلةً أحيت فؤادي بقربه ... فأحييتها سكراً إلى مطلع الفجر
ولما رأيت الروح فيها مسامري ... تيقنت حقاً أنها ليلة القدر
وله:
وأبيض غض زاد خط عذاره ... لعشاقه في وجدهم والبلابل
تموج بحار الحسن في وجناته ... فتقذف منها عنبراً في السواحل
وتجري بخديه الشبيبة ماءها ... فتنبت ريحاناً بجنب الجداول
يحيى بن واقد بن محمد
بن عدي بن حذيم الطائي، أبو صالح البغدادي النحوي،أخذ عن الأصمعي وغيره، وسمع في حداثته من الحافظ هشيم بن بشير السلمي الواسطي، ومن الإمام الحافظ أبي بشر إسماعيل بن إبراهيم ابن علية الأسدي البصري، ومن ابن أبي زائدة وغيرهم. ولد ببغداد سنة خمس وستين ومائة، ثم انتقل إلى البصرة فتوطنها وبها مات، وكان ثقة صدوقا إماما في العربية،أخذعنه الشيوخ وتخرج به خلق كثير.

يحيى بن هذيل بن الحكم
بن عبد الملك ابن إسماعيل التميمي القرطبي المعروف بالكفيف، كان أديباً شاعراً، قدم إلى المشرق في أواسط المائة الرابعة وأخذ عنه الرمادي الشاعر وغيره. مات سنة تسع وثمانين وثلاثمائة وقد جاوز التسعين.
ومن شعره:
أرى أهل الثراء إذا توفوا ... بنوا تلك المراصد بالصخور
أبوا إلا مباهاةً وفخراً ... على الفقراء حتى في القبور
فإن يكن التسامح في ذارها ... فإن العدل فيها في القعور
عجبت لمن تأنق في بناء ... أميناً من تصاريف الدهور
ألم يبصر بما قد خربته الد ... دهور من المدائن والقصور؟
وأقوام مضوا قوماً فقوماً ... وصار صغيرهم إثر الكبير
لعمر أبهم لو أبصروهم ... لما عرفوا الغني من الفقير
ولا عرفوا العبيد من الموالي ... ولا عرفوا الإناث من الذكور
ولا من كان يلبس ثوب صوف ... من البدن المباشر للحرير
إذا أكل الثرى هذا وهذا ... فما فضل الجليل على الحقير؟
وله:
لاتلمني على الوقوف بدار ... أهلها صيروا السقام ضجيعي
جعلوا لي إلى هواهم سبيلا ... ثم سدوا علي باب الرجوع
يحيى بن يحيى
المعروف بابن السخية القرطبي، قدم المشرق ودخل بغداد والقاهرة قم انصرف إلى بلده، وكان بارعا في النحو واللغة والأخبار وعلوم الأدب والسعر والعروض، عالما بالحديث والفقه والجدل، عارفا بالطب والرياضة والنجوم وكان يميل إلى الاعتزال مات بعد انصرافه من المشرق سنة خمس عشرة وثلاثمائة.
يحيى بن يحيى بن سعيد
المعروف بابن ماري المسيحي من أهل البصرة، كان كاتباً أديباً شاعراً عارفاً بالطب عالماً بالنحو واللغة متفنناً وكان يتكسب بالكتابة والطب ويمتدح الأكابر والأعيان، روى عنه جماعة من الأفضل منهم: أبو حامد المعروف بالعماد الكاتب الأصبهاني وغيره، وصنف المقامات الستين أحسن فيها وأجاد، وكانت وفاته بالبصرة في شهر رمضان سنة تسع وثمانين وخمسمائة.
ومن شعره:
نعم المعين على المروء للفتى ... مال يصون عن التبذل نفسه
لاشيء أنفع للفتى من ماله ... يقضي حوائجه ويجلب أنسه
وإذا رمته يد الزمان بسهمه ... غدت الدراهم دون ذلك ترسه
وله أيضاً:
لاموا على صب الدموع كأنهم ... لايعرفون صبابتي وولوعي
كفوا فقد وعد الحبيب بزورة ... ولذا غسلت طريقه بدموعي
وله:
نفرت هند من طلائع شيي ... واعترتها سآمة من وجومي
هكذا عادة الشياطين ينفر ... ن إذا مابدت نجوم الرجوم
يحيى بن يعمر
أبو سليمان العدواني من عدوان بن قيس بن عيلان، الوشقي البصري تابعي، لقى عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر، روى عنه قتادة السدوسي وإسحاق بن سويد وجماعة، ووثقه النسائي وأبو حاتم وغيرهما، ورماه عثمان بن دحية بالقدر، وكان عالماً بالقراءة والحديث والفقه والعربية ولغات العرب. أخذ عنه أبو الأسود الدؤلي، وكان فصيحاً بليغاً يستعمل الغريب في كلامه، روى أن يزيد بن المهلب كتب إلى الحجاج: لقينا العدو ففعلنا وفعلنا، واضطررناه إلى عرعرة الجبل. فقال الحجاج: مالا بن المهلب وهذا الكلام؟ فقيل له إن يحيى بن يعمر عنده، فقال ذاك إذن، وحكى أن الحجاج قال له: أتجدني ألحن؟ فقال: الأميرأفصح من ذلك. فقال عزمت عليك، أتجدني ألحن؟ فقال يحيى نعم. فقال له في أي شيء؟ فقال في كتاب الله تعالى، فقال ذلك أسوأ، ففي أي حرف من كتاب الله؟ قال: قرأت: (قل إن كان آباؤكم وأبنائكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم)، فرفعت أحب وهو منصوب. فغضب الحجاج وقال: لاتساكنني ببلد أنا فيه، ونفاه إلى خراسان فولاه يزيد بن المهلب القضاء بها، ثم عزله على شربه النبيذ وإدمانه له، وكان يحيى يتشيع ويقول بتفضيل أهل البيت من غير تنقيص لغيرهم، وأخباره كثيرة. توفي سنة تسع وعشرين ومائة.
يزيد بن زياد بن ربيعة

المعروف بابن مفرغ، أبو عثمان الحميري، وإنما لقب جده ربيعة مفرغاً، لأنه راهن على أن يشرب عسا من لبن فشربه حتى فرغ فلقب بذلك وقد طعن النسابون في انتسابه إلى حمير، وهو الذي وضع سيرة تبع وأشعاره، وكان يصحب عباد بن زياد فجرت بينهما وحشة فحبسه عباد فكان يهجوه وهو في السجن، فزاد ذلك في غيظ عباد فترك هجوه وأخذ يتلطف له فكان يقول للناس إذا سألوه عن سبب حبسه: رجل أدبه أميره ليقيم من أوده، فبلغ ذلك عباداً فرق له وخلي سبيله، فخرج هارباً إلى البصرة ومنها إلى الشام وجعل يتنقل في مدنها ويهجو زياداً وولده، فطلبه عبيد الله أخو عباد طلباً شديداً وكاد يؤخذ، فجعل يتنقل في قرى الشام ويغلغل في نواحيها، ويهجو بني زياد فترد أشعاره إلى البصرة فتبلغهم، فكتب عبيد الله بن زياد إلى يزيد معاوية: إن ابن مفرغ نال من زياد وبنيه بما هتكه وفضحهم فضيحة الأبد، وتعدى في ذلك إلى أبي سفيان فقذفه بالزنا، وهرب من خراسان إلى البصرة، فطلبته فلفظته الأرض إلى الشام، فهو يتنقل في قراها يمضغ لحومنا بها، فأمر يزيد بطلبه فجعل يتنقل من بلد إلى بلد إلى أن أتى البصرة واستجار بالأحنف بن قيس فأبى أن يجيره على السلطان، فأتى خالد بن أسيد فلم يجره، ثم لاذ بابن معمر وطلحة الطلحات فوعداه ولم يفعلا، فلاذ بالمنذر بن الجارود العبدي وكانت ابنته تحت عبيد الله بن زياد فأجاره، فلم يرع عبيد الله جوار المنذر وأخذ ابن مفرغ وسجنه، وكتب إلى يزيد يستأذنه في قتله فحذره يزيد من الإيقاع به، وأشار إليه بحبسه وتنكيله بما يؤدبه فأمر عبيد الله أن يسقي نبيذاً خلط بشبرم حتى سلح على ثيابه، فأمر أن يطاف به في أسواق البصرة تزفه الصبيان ثم رد إلى السجن، وبقي فيه مدة طويلة إلى أن أطلق بشفاعة قومه اليمنين عند يزيد.
ومات سنة تسع وستين، وأخباره مع بني زياد طويلة ومن أشعاره التي هجاهم بها قوله في عبيد الله وأخيه عباد من قصيدة طويلة:
ومالاقيت من أيام بؤس ... ولا أمر يضيق به ذراعي
ولم تك شيمي عجزاً ولؤماً ... ولم أك بالمضلل في المتاع
سوى يوم الهجين ومن يصاحب ... لئام الناس يغض على القذاع
ومنها في عبيد الله:
فأير في است أمك من أمير ... كذاك يقال للحمق اليراع
ولا بلت سماؤك من أمير ... فبئس معرس الركب الجياع
ومنها:
إذا أودى معاوية بن حرب ... فبشر شعب قعبك بانصداع
فأشهد أن أمك لم تباشر ... أبا سفيان واضعة القناع
ولكن كان أمر فيه لبس ... على عجل شديد وارتياع

يزيد بن سلمة بن سمرة
ابن سلمة الخير بن قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة أبو مكشوح المعروف بابن الطثرية، وطثرة اللبن زبدته، وكان يلقب مورقاً لحسن وجهه وشعره وحلاوة حديثه، وكان يعشق جارية من جرم يقال لها وحشية وله فيها أشعار حسنة، وكان جواداً متلافاً يغشاه الدين، فإذا أخذ قضاه عنه أخوه ثور بن سلمة، وكان صاحب غزل، زير نساء يجلسن إليه فيحادثهن، وكان ظريفاً عفيفاً وقتل في الوقعة التي قتل فها الوليد بن يزيد بن عبد الملك سنة سبع وعشرين ومائة. ومن شعره:
عقيلية أما ملاث إزارها ... فدعص وأما خصرها فبتيل
تقيظ أكناف الحمى ويظلها ... بنعمان من وادي الأراك مقيل
أليس قليلا نظرة إن نظرتها ... إليك وكلا ليس منك قليل
فياخلة النفس التي ليس دونها ... لنا من أخلاء الصفاء خليل
ويا من كتمنا حبها لم يطع به ... عدو ولم يؤمن عليه دخيل
أما من مقام أشتكي غربة النوى ... وخوف العدى فيه إليه سبيل
فديتك أعدائي كثير وشقتي ... بعيد وأشياعي لديك قليل
وكنت إذا ما جئت جئت بعلة ... فأفنيت علاتي فكيف أقول؟
فما كل يوم لي بأرضك حاجة ... ولا كل يوم لي إليك رسول
صحائف عندي للعتاب طويتها ... ستنشر يوما والعتاب طويا
فلا تحملي ذنبي وأنت ضعيفة ... فحمل دمي يوم الحساب ثقيل

وقال في وحشية الجرمية:
لو أنك شاهدت الصبا يابن بوزل ... بجزع الغضا إذ راجعتني غياطله
بأسفل حل الملح إذ دين ذي الهوى ... مؤدى وإذ خير الوصال أوائله
لشاهدت لهواً بعد شحط من النوى ... على سخط الأعداء حلواً شمائله
بنفسي من لو مر برد بنانه ... على كبدي كانت شفاء أنامله
ومن هابني في كل شيء وهبته ... فلا هو يعطيني ولا أنا سائله
ألا حبذا عيناك يا أم شنبل ... إذ الكحل في جفنيهما جال جائله
فداك من الخلان كل ممازق ... تكون لأدنى من يلاقي وسائله
فرحنا بيوم سرنا بام شنبل ... ضحاه وأبكتنا عليه أصائله
وكنت كأني حين كان سلامها ... وداعاً وقلبي موثق الوجد حامله
رهين بنفس لم تفك كبولها ... عن الساق حتى جرد السيف قاتله
وقال:
ألا رب راج حاجةً لاينالها ... وآخر قد تقضي له وهو جالس
يروح لها هذا وتقضي لغيره ... فتأتي الذي تقضي له وهو آئس

يعقوب بن إسحاق
أبو يوسف بن السكيت، والسكيت لقب أبيه، وكان أبوه من أصحاب الكسائي عالماً بالعربية واللغة والشعر، وكان يعقوب يؤدب الصبيان مع أبيه في درب القنطرة بمدينة السلام حتى احتاج إلى الكسب، فأقبل على تعلم النحو من البصريين والكوفيين، فأخذ عن أبي عمر والشيباني والفراء وابن الأعرابي والأثرم، وروى عن الأصمعي وأبي عبيدة، وأخذ عنه أبو سعيد السكري وأبو عكرمة الضبي ومحمد ابن الفرج المقريء ومحمد بن عجلان الأخباري وميمون بن هارون الكاتب وغيرهم.
وكان علاماً بالقرآن ونحو الكوفيين، ومن أعلم الناس باللغة والشعر رواية ثقة، ولم يكن بعد ابن الأعرابي مثله، وكان قد خرج إلى سر من رأى فصيره عبد الله بن يحيى ابن الخاقان إلى المتوكل فضم إليه ولده يؤدبهم وأسنى له الرزق، ثم دعاه إلى منادمته فنهاه عبد الله بن عبد العزيز عن ذلك، فظن أنه حسده وأجاب إلى مادعي إليه، فبينما هو مع المتوكل يوما جاء المعتز والمؤيد فقال له المتوكل: يا يعقوب، أيما أحب إليك، ابناي هذان أم الحسن والحسين؟ فذكر الحسن والحسين رضي الله عنهما بما هما أهله وسكت عن أبنيه، وقيل قال له: إن قنبرا خادم على أحب إلي من أبنيك.
وكان يعقوب يتشيع، فأمرالمتوكل الأتراك فسلوا لسانه، وداسوا بطنه، وحمل إلى بيته، فعاش يوما وبعض آخر، ومات يوم الاثنين لخمس خلون من رجب سنة ثلاث وأربعين ومائتين، وقيل سنة أربع وأربعين، وقيل سنة ست وأربعين.
ووجه المتوكل من الغد عشرة آلاف درهم ديته إلى أهله، ولما بلغ عبد الله بن عبد العزيز الذي نهاه عن المنادمة خبر قتله أنشد:
نهيتك يا يعقوب عن قرب شادن ... إذا ماسطا أربى على كل ضيغم
فذق وأحس إني لا أقول الغداة إذ ... عثرت لعاً بل لليدين وللفم
وصنف ابن السكيت كتاب إصلاح المنطق، وكتاب القلب والإبدال، وكتاب النوادر، وكتاب الألفاظ، وكتاب فعل وأفعل، وكتاب الأضداد، وكتاب الأجناس الكبير، وكتاب الفرق، وكتاب الأمثال، وكتاب البحث، وكتاب الزبرج، وكتاب الإبل، وكتاب السرج واللجام، وكتاب الوحوش، وكتاب الحشرات، وكتاب النبات والشجر، وكتاب الأيام والليالي، وكتاب سرقات الشعراء وماتواردوا عليه، وكتاب معاني الشعر الكبير، وكتاب معاني الشعر الصغير وغير ذلك.
يعقوب بن إسحاق بن زيد
بن عبد الله الحضرمي بالولاء، البصري أبو يوسف وأبو محمد القاريء ثامن القراء العشرة، الإمام في القراءات والعربية ولغة العرب والفقه.أخذالقراءة عن ابن ميمون والعطاردي، وروى عن خمرة والكسائي، وأخذ عنه سلام الطويل عرضا، وأخذ عنه الزعفراني وأبو حاتم السجستاني وروح ابن عبد المؤمن وجماعة. وكان من أعلمأهل زمانه بمذاهب النحاة في القرآن الكريم ووجوه الاختلاف فيه، وكان زاهدا ورعا ناسكا.
حكى أنه سرق رداؤه وهو في الصلاة ورد إليه ولم يشعر، وفيه يقول بعضهم:
أبوه من القراء كان وجده ... ويعقوب في القراء كالكوكب الدري
تفرده محصن الصواب وجمعه ... فمن مثله في وقته وإلى الحشر؟

وصنف يعقوب كتاب الجامع، ذكر فيه اختلاف وجوه القراءات ونسب كل حرف إلى من قرأ به، وكتاب وقف التمام وغير ذلك، مات في جمادى الأولى سنة خمس ومائتين عن ثمانين سنة.

يعقوب بن الربيع
أخو الفضل بن الربيع حاجب أبيجعفر المنصور، كان أديباً شاعراً ماجنا خليعا، وكان يصحب آدم بن عبد العزيز الأموي، وكان آدم هذا ماجنا أيضاً منهمكا في الشراب ثم نسك، وليعقوب معه أخبار وملح، فمن ذلك ما حدث به فليح بن سليمان قال: لما ترك آدم بن عبد العزيز الشراب استأذن يوما على يعقوب بن الربيع وأنا عنده فقال يعقوب: ارفعوا الشراب فإن هذا قد تاب وأحسبه يكره أن يحضره، فرفع وأذن له فلما دخل قال: إني لأجد ريح يوسف، قال يعقوب: هو الذيوجدت، ولكنا ظننا أن يثقل عليك لتركك له قال: إي والله إنه ليثقل علي ذاك. قال: فهل قلت في ذلك شيئا منذ تركته؟ قال نعم وأنشد:
ألا هل فتى عن شربها اليوم صابر ... ليجزيه عن صبره الغد قادر؟
شربت فلما قيل ليس بنازع ... نزعت وثوبي من أذى اللوم طاهر
وكان يعقوب بن الربيع يعشق جارية فطلبها سبع سنين وبذل فيها جاهه وماله حتى ملكها وأعطى فيها مائة ألف دينار فلم يبعها، فمكثت عنده ستة أشهر وماتت فرثاها بشعر كثير فمن ذلك قوله:
لئن كان قربك لي نافعا ... فبعدك أصبح لي أنفعا
لأنني أمنت رزايا الدهور ... وإن حل خطب فلن أجزعا
وله:
راحوا يصيدون الظباء وإنني ... لأرى تصيدها على حراما
أشبهن منك لواحظا وسوالفا ... فحوت بذلك حرمة وذماما
أعزز على بأن أروع شبهها ... أو أن يذوق علي يدي حماما
يعقوب بن علي بن محمد بن جعفر
أبو يوسف البلخي ثم الجندلي، أحد الأئمة في النحو والأدب،أخذعن أبي القاسم الزمخشري ولزمه، ولا أعرف عنه غير هذا.
اليمان بن أبياليمان
أبو بشر البند نيجي، أصله من الأعاجم من الدهاقين ولد أكمة في سنة مائتين ببندنيج بلده. وحفظ أدبا كبيرا وأشعارا كثيرة، وكان بها أبو الحسن علي بن المغيرة امعروف بالأثرم صاحب أبي عبيدة يروي كتبه كلها وكتب الأصمعي، فلزم أبو بشر ذلك النمط، وحفظ من كتب الأثرم علما كثيرا قال: حفظت في مجلس واحد مائة وخمسين بيتا من الشعر بغريبه، وخرج إلى بغداد وسر من رأى ولقى العلماء وقرأ على محمد بن زياد الأعرابي، ولقي أبا نصر صاحب الأصمعي وهو ابن أخته، وحفظ كتاب الأجناس الأكبر للأصمعي، وكان لأبي بشر ضياع كثيرة وبساتين خلفها له أبوه فباعها وأنفقها في طلب العلم وعلى العلماء، ولقى أبا يوسف يعقوب بن السكيت والزيادي والرياش بالبصرة وقرأ عليهم من حفظه كتبا كثيرة، وصنف كتاب معاني الشعر، وكتاب العروض وكتاب التقفية، مات سنة أربع وثمانين ومائتين.
ومن شعره:
أنا اليمان بن أبياليمان ... أسعد من أبصرت في العميان
إن تلقني تلق عظيم الشان ... تجدني أبلغ من سحبان
في العلم والحكمة والبيان، وله:
فديوان الضياع بفتح ضاد ... وديوان الخراج بغير جيم
إذا ولى ابن عيسى وابن موسى ... فما أمر الأنام بمستقيم
يموت بن المزرع
بن موسى بن سيار العبدي من عبد قيس، أبو عبد الله وأبو بكر البصري ابن أخت أبي عثمان الجاحظ نحوي أديب راوية ذكره الزبيدي في نحاة مصر،أخذعن أبي عثمان المازني وأبي حاتم السجستاني وعبد الرحمن ابن أخي الأصمعي ونصر بن علي الجهضمي، وكان من مشايخ العلم والشعر أخباريا حسن الآداب، دخل بغداد ومات بطبرية وقيل بدمشق سنة ثلاث وثلاثمائة، وقيل سنة أربع. وكان له ولد يقال له مهلهل بن يموت، وكان شاعراً مجيدا وله يقول أبوه بيموت ابن المزرع:
مهلهل قد شربت شطور دهري ... وكافحني به الزمن العنوت
وجاريت الرجال بكل ربع ... فأذعن لي الحثالة والرتوت
فأوجع ما أجن عليه قلبي ... كريم عضه زمن بغوت
كفى حزنا بضيعة ذي قديم ... وأبناء الطريف لها التخوت
وقد أسهرت عيني بعد غمض ... مخافة أن تضيع إذا فنيت

وفي لطف المهيمن لي عزاء ... بمثلك إن فنيت وإن بقيت
وأن يشتد عظمك بعد موتي ... فلا تقطعك جائحة سوت
فجب في الأرض وابغ بها علوما ... ولا تلفتك عن هذا الدسوت
وإن بخل العليم عليك يوما ... فذل له وديدنك السكوت
وقل بالعلم كان أبيجوادا ... يقال فمن أبوك فقل يموت؟
تقر لك الأباعد والأداني ... بعلم ليس يجحده البهوت

يوسف بن أبي بكر بن محمد
أبر يعقوب السكاكي من أهل خوارزم، علامة إمام في العربية والمعاني والبيان والأدب والعروض والشعر، متكلم فقيه متفنن في علوم شتى، وهو أحد أفاضل العصر الذين سارت بذكرهم الركبان، ولد سنة أربع وخمسين وخمسمائة، وصنف مفتاح العلوم في اثني عشر علما أحسن فيه كل الإحسان وله غير ذلك، وهو اليوم حي ببلده خوارزم
يوسف بن الحجاج بن يوسف
عرف بابن الصيقل، مولده ومنشؤه بالكوفة وكان يلقب بلقوة، صحب أبا نواس وأخذ عنه وروى شعره. وكان كاتبا شاعراً ظريفا صاحب نوادر متهتكا بالمرد، مات في خلال خلافة المأمون.
ومن شعره:
أبعد المواثيق لي ... وبعد السؤال الحفي؟
وبعد اليمين التي ... حلفت على المصحف؟
تركت الهوى بيننا ... كضوء سراج طفى
فليتك إذ لم تفي ... بوعدك لم تحلفي
وقال في مدح الرشيد:
أغيثا تحمل الناق ... ة أم تحمل هارونا؟
أم الشمس أم البدر ... أم الدنيا أم الدينا؟
ألا كل الذيعدد ... ت قد أصبح مقرونا
مفرق هارونا ... فداه الآدميونا
يوسف بن الحسن بن عبد الله
أبو محمد السيرافي، كان رأسا في العربية واللغة، له مشاركة في غيرها من العلوم،أخذعن والده الإمام وخلفه في جميع علومه، وتمم كتبا كان شرع فيها أبوه منها: الإقناع، وصنف شرح أبيات سبويه، وشرح أبيات إصلاح المنطق، وشرح أبيات الغريب المصنف لأبي عبيد، مات في ربيع الأول سنة خمس وثمانين وثلاثمائة عن خمس وخمسين سنة.
يوسف بن سليمان بن عيسى
أبو الحجاج الشنتمري المعروف بالأعلم النحوي، كان عالما بالعربية واللغة واسه الحفظ للأشعار ومعانيها، جيد الضبط كثير العناية بهذا الشأن فكانت الرحلة إليه في وقته، رحل إلى قرطبة فأخذ عن أبي القاسم إبراهيم الأفليلي وساعده في شرح ديوان المتنبي، وأخذ أيضاً عن أبي سهل الحراني ومسلم بن أحمد الأديب، وأخذ عنه أبو علي الغساني وجماعة كثيرة وأضر بآخره، وكان مشقوق الشفة العليا شقا واسعا ولذا لقب بالأعلم. وصنف شرح الجمل في النحو لأبي القاسم الزجاج، وشرح الحماسة شرحا مطولا ورتبها على حروف المعجم. ولد سنة عشر وأربعمائة، وتوفي بإشبيلية سنة ست وسبعين وأربعمائة.
يوسف بن عبد الله
أبو القاسم الزجاجي، أحدأهل البلاغة والبراعة والدراية في النحو واللغة والأدب، أصله من همذان وسكن جرجان وتصدر بها، صنف شرح الفصيح، وعمدة الكتاب، وكتاب خلق الإنسان، وكتاب خلق الفرس، وكتاب اشتقاق الأسماء وكتاب الرياحين وغير ذلك.
يوسف بن علي بن جبارة
بن محمد بن عقيل أبو القاسم الهذلي المغربي البسكري نسبة إلى بسكره من إقليم الزاب الصغير، الضرير المقرئ النحوي، كان عالما بالقراءات والعربية، قرأ على المشايخ بأصبهان وطوف البلاد في طلب القراءات، وقدم بغداد فقرأ بها على القاضي أبي العلاء محمد بن علي بن يعقوب الواسطي وغيره، وورد نيسابور فحضر دروس أبي القاسم القشيري في النحو، وسمع بأصبهان من الحافظ أبينعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني، وبنيسابور من أبيبكر أحمد بن منصور ابن خلف، وقرره نظام الملك في مدرسته بنيسابور مقرئا سنة ثمان وخمسين وأربعمائة فاستمر بها إلى أن توفي. ومن تصانيفه: الكامل في القراءات وغيره. وكانت ولادته سنة ثلاث وأربعمائة، ومات سنة خمس وستين وأربعمائة عن ثلاث وستين سنة.
يوسف بن هارون

أبو بكر الكندي المعروف بالرمادي القرطي شاعر مفلق، كان معاصرا لأبي الطبيب المتنبي فكان يقال: فتح الشعر بكندة وختم بكتدة، يعنون امرأ القيس والمتنبي والرمادي هذا، وكان مقلا ضيق العيش، ونسب إليه بعضهم أشعارا في دولة الخلافة أو غرت صدر الخليفة عليه فسجنه زمانا طويلا، ونظم في السجن عدة قصائد استعطف بها الخليفة فلم يعطف عليه، وكان كلفا بفتى من أبناء النصارى يقال له نصير وله فيه أشعار حسنة، ولما دخل أبو علي القالي الأندلس لزمه الرمادي وامتدحه بقصيدة وروى عنه كتاب النوادر من تآليفه، وروى الحافظ بن عبد البرطرفا من شعر الرمادي وأوردها في بعض مصنفاته. مات أبو عمر المادي سنة ثلاث وأربعمائة، ومن شعره قوله لنصير النصراني الذيتقدم ذكره:
أدر الكأس يانصير وهات ... إن هذا النهار من حسناتي
بأبي غرة ترى الشخص فيها ... في صفاء أصفى من المرآة
تبصر الناس حولها في ازدحام ... كازدحام الحجيج في عرفات
هاتها يا نصير إنا اجتمعنا ... بقلوب في الدين مختلفات
إنما نحن في مجالس لهو ... نشرب الراح ثم أنت مواتى
فإذا ما انقضت دياثة ذا الله ... و اعتمدنا مواضع الصلوات
لو مضى الوقت دون راح وقصف ... لعددنا هذا من السيئات
وله:
بدر بدا يحمل شمسا بدت ... وحدها في الحسن من حده
تغرب في فيه ولكنها ... من بعد ذا تطلع في خده

يونس بن حبيب
أو عبد الرحمن الضبي وقيل الليثي بالولاء، إمام نحاة البصرة في عصره ومرجع الأدباء والنحويين في المشكلات، كانت حلقته مجمع فصحاء الأعراب وأهل العلم والأدب، سمع من العرب كما سمع من قبله وأخذ الأدب عن أبيعمرو ابن العلاء، وأخذ عنه سيبوية وروى عنه في كتابه وأخذ عنه أيضاً أبو الحسن الكسائي وأبو زكريا الفراء وأبو عبيدة معمر بن المثني وخلف الأحمر وأبو زيد الأنصاري وغيرهم من الأئمة، وكان له في العربية مذاهب وأقيسبة يتفرد بها.
قال أبو عبيدة: اختلفت إلى يونس أربعين سنة أملأ كل يوم ألواحي من حفظه. وقال أبو زيد الأنصاري: جلست إلى يونس بن حبيب عشر سنين وجلس إليه قبلي خلف الأحمر عشرين سنة، وكان يونس عالما بالشعر نافذ البصر في تمييز جيده من رديئه، عارفا بطبقات شعراء العرب حافظا لأشعارهم يرجع إليه في ذلك كله.
حدث محمد بن سلام قال: سأل ت يونس النحوي عن أشعر الناس فقال: لا أومي إلى رجل بعينه ولكني أقول: امرؤ القيس إذا ركب، والنابغة إذا رهب، وزهير إذا رغب، والأعشى إذا طرب. وكان يونس يفضل الأخطل على جرير والفرزدق وقد انفرد بذلك.
قال أبو عبيدة: سئل يونس النحوي عن جرير والفرزدق والأخطل: أيهم أشعر؟ فقال: أجمعت العلماء على الأخطل. قال أبو عبيدة: فقلت لرجل إلى جنبه: سله ومن هؤلاء العلماء؟ قسأل ه فقال من شئت: ابن أبيإسحاق، وأبو عمرو ابن العلاء، وعيسى بن عمر الثقفي، وعنبسة الفيل، وميمون الأقرن، هؤلاء طرقوا الكلام وماثوه لاكمن تحكون عنه لا بدويين ولا نحويين. فقلت للرجل سله: فبأي شيء فضل عليهم؟ قال: بأنه كان أكثرهم عدد قصائد طوال جياد ليس فيها فحش ولا سقط. ومن نقد يونس للشعر: ما حكاه الأصمعي قال: جاء مروان بن أبي حفصة الشاعر إلى حلقة يونس فسلم ثم قال: أيكم يونس؟ فأومأنا إليه فقال له: أصلحك الله إني أرى قوما يقولون الشعر لأن يكشف أحدهم سوءته ثم يمشي كذلك في الطريق أحسن له من أن يظهر مثل ذلك الشعر، وقد قلت شعرا أعرضه عليك، فإن كان جيدا أظهرته، وإن كان رديئا سترته، فأنشده قوله: طرقتك زائرة فحي خيالها فقال له يونس يا هذا: اذهب فأظهر هذا الشعر، فأنت والله فيه أشعر من الأعشى في قوله: رحلت سمية غدوة أجمالها فقال له مروان: سررتني وسؤتني، سررتني بارتضائك شعري، وساءني تقديمك إياي على الأعشى وأنت تعرف محله فقال له يونس: إنما قدمتك عليه في تلك القصيدة لأفي شعره كله، لأنه قال فيها: فأصاب حبة قلبها وطحالها

والطحال لا يدخل في شيء إلا أفسده، وقصيدتك سليمة من هذا وشبهه، وليونس أخبار كثيرة يطول ذكرها ومن تصانيفه: كتاب معاني القرآن الكبير، كتاب معاني القرآن الصغير، كتاب اللغات، كتاب النوادر، كتاب الأمثال. وكان مولده سنة ثمانين، ومات سنة اثنتين وثمانين ومائة عن مائة عن مائة سنة واثنتين.

يونس بن سألم الخياط
القرشي وقيل الهذلي بالولاء، من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية. كان شاعراً مجيداً ظريفاً ماجناً خبيث الهجاء، وكان منقطعا إلى آل الزبير بن العوام، وقدم على المهدي مع عبد الله بن مصعب الزبير فأوصله إليه وتوسل له إلى أن سمع المهدي شعره ووصله. وكان يونس عاقا لأبيه، وكان أبوه شاعراً فقال فيه:
يونس قلبي عليك يلتهف ... والعين عبري دموعها تكف
تلحفني كسوة العقوق فلا ... برحت منها ما عشت تلتحف
أمرت بالخفض للجناح وبال ... رفق فأمسى يعوقك الأنف
وتلك والله من زبانية ... إذا سطوا في عذابهم عنفوا
فأجابه يونس:
أصبح شيخي يزري به الخرف ... ما إن له فطنة ولا نصف
صفاتنا في العقوق واحدة ... ماخلقنا في العقوق يختلف
ألحفته سأل ما أباك وقد ... أصبحت مني بذاك تلتحف
وأنشد يوما بحضرة أبيه وكان عنده أصحابه ليغيظه:
ياسائلي من أنا أومن يناسبني ... أنا الذي ماله أصل ولا نسب
الكلب يختال فخرا حين يبصرني ... فالكلب أكرم مني حين ينتسب
لو قال لي الناس طرا أنت ألامنا ... لم يشطط الناس في هذا ولا كذبوا
يونس إبراهيم الوفراوندي
ذكره ابن النديم في الفهرست، صنف الشافي في علوم القرآن، الوافي في العروض والقوافي.

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15