كتاب : المحلى
المؤلف : أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري

عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ, فَوَعَيْتُهَا عَلَى وَجْهِهَا, وَهِيَ الَّتِي انْتَسَخَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ وَسَالِمُ ابْنَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَفِيهِ: "فِي الإِبِلِ إذَا كَانَتْ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا ثَلاَثُ بَنَاتِ لَبُونٍ إلَى ثَلاَثِينَ وَمِائَةٍ, فَإِذَا بَلَغَتْهَا بِنْتَا لَبُونٍ وَحِقَّةٌ", وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ. وَهَذَا خَيْرٌ مِمَّا أَتَوْنَا بِهِ, وَهَذَا هُوَ كِتَابُ عُمَرَ حَقًّا; لاَ تِلْكَ الْمَكْذُوبَةُ.
وَحدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا ابْنُ وَضَّاحٍ، حدثنا سَحْنُونٌ، حدثنا ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: نُسْخَةُ كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي كَتَبَ فِي الصَّدَقَةِ, وَهِيَ عِنْدَ آلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ, أَقْرَأَنِيهَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَوَعَيْتُهَا عَلَى وَجْهِهَا وَهِيَ الَّتِي نَسَخَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ سَالِمٍ وَعَبْدُ اللَّهِ ابْنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ حِينَ أُمِّرَ عَلَى الْمَدِينَةِ, وَأَمَرَ عُمَّالَهُ بِالْعَمَلِ بِهَا, ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ هَذَا الْخَبَرِ الَّذِي أَوْرَدْنَا.
وَقَالُوا أَيْضًا: قَدْ جَاءَ فِي أَحَادِيثَ "فِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ".
قلنا: نَعَمْ, وَهِيَ أَحَادِيثُ مُرْسَلَةٌ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ وَغَيْرِهِ, وَقَدْ أَوْرَدْنَا، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "فِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ".
وَكَذَلِكَ صَحَّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ, كَمَا رُوِّينَا بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إلَى أَبِي دَاوُد، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ النُّفَيْلِيُّ، حدثنا عُبَادٍ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كِتَابَ الصَّدَقَةِ, فَلَمْ يُخْرِجْهُ إلَى عُمَّالِهِ حَتَّى قُبِضَ, وَقَرَنَهُ بِسَيْفِهِ, فَعَمِلَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى قُبِضَ, ثُمَّ عَمِلَ بِهِ عُمَرُ حَتَّى قُبِضَ, فَكَانَ فِيهِ: "فِي خَمْسٍ مِنْ الإِبِلِ شَاةٌ" وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. وَفِيهِ: "فَفِيهَا ابْنَتَا لَبُونٍ إلَى تِسْعِينَ, فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا حِقَّتَانِ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ, فَإِنْ كَانَتْ الإِبِلُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ, وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ".
وَهَذَا هُوَ الَّذِي لاَ يَصِحُّ غَيْرُهُ, وَلَوْ صَحَّتْ تِلْكَ الأَخْبَارُ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا إلاَّ فِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ لَكَانَ هَذَانِ الْخَبَرَانِ الصَّحِيحَانِ زَائِدَيْنِ عَلَيْهَا حُكْمًا فِي أَنَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ; فَتِلْكَ غَيْرُ مُخَالِفَةٍ لِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ, وَهَذَانِ الْخَبَرَانِ زَائِدَانِ عَلَى تِلْكَ; فَلاَ يَحِلُّ خِلاَفُهُمَا, وَالْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ أَنَّهُمْ قَالُوا: لِمَا وَجَبَ فِي الْعِشْرِينَ وَمِائَةٍ حِقَّتَانِ, ثُمَّ وَجَدْنَا الزِّيَادَةَ عَلَيْهَا لاَ حُكْمَ لَهَا فِي نَفْسِهَا, إذْ كُلُّ أَرْبَعِينَ قَبْلهَا فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ عَلَى قَوْلِكُمْ; إذْ تَجْعَلُونَ فِيمَا زَادَ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ ثَلاَثُ بَنَاتِ لَبُونٍ: فَإِذَا لاَ حُكْمَ لَهَا فِي نَفْسِهَا فَأَحْرَى أَنْ

لاَ يَكُونَ لَهَا حُكْمٌ فِي غَيْرِهَا, فَكُلُّ زِيَادَةٍ قَبْلَهَا تَنْقُلُ الْفَرْضَ فَلَهَا حِصَّةٌ مِنْ تِلْكَ الزِّيَادَةِ وَهَذِهِ بِخِلاَفِ ذَلِكَ.
قال أبو محمد: هَذَا بِكَلاَمِ الْمَمْرُورِينَ, أَوْ بِكَلاَمِ الْمُسْتَخِفِّينَ بِالدِّينِ أَشْبَهَ مِنْهُ بِكَلاَمِ مَنْ يَعْقِلُ وَيَتَكَلَّمُ فِي الْعِلْمِ لاَِنَّهُ كَلاَمٌ لَمْ يُوجِبْهُ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ, وَلاَ رِوَايَةٌ فَاسِدَةٌ, وَلاَ أَثَرٌ، عَنْ صَاحِبٍ، وَلاَ تَابِعٍ, وَلاَ قِيَاسُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ, وَلاَ رَأْيٌ لَهُ وَجْهُ يُفْهَمُ.
ثُمَّ يُقَالُ: قَدْ كَذَبْتَ فِي وَسْوَاسِك هَذَا أَيْضًا; لإِنَّ كُلَّ أَرْبَعِينَ فِي الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ لاَ تَجِبُ فِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ أَصْلاً, وَلاَ تَجِبُ فِيهَا مُجْتَمِعَةً ثَلاَثُ بَنَاتِ لَبُونٍ, وَإِنَّمَا فِيهَا حِقَّتَانِ فَقَطْ, حَتَّى إذَا زَادَتْ عَلَى الْعِشْرِينَ وَمِائَةٍ وَاحِدَةً فَصَاعِدًا إلَى أَنْ تُتِمَّ ثَلاَثِينَ وَمِائَةً فَحِينَئِذٍ وَجَبَ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ فِي الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ مَعَ الزِّيَادَةِ الَّتِي زَادَتْ ثَلاَثُ بَنَاتِ لَبُونٍ فَتِلْكَ الزِّيَادَةُ غَيَّرَتْ فَرْضَ مَا قَبْلَهَا, وَصَارَ لَهَا أَيْضًا فِي نَفْسِهَا حِصَّةٌ مِنْ تِلْكَ الزِّيَادَةِ الْحَادِثَةِ, وَهَذَا ظَاهِرٌ لاَ خَفَاءَ بِهِ وَقَدْ صَحَّ قَوْلُهُ عليه السلام: "فِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ, وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ", فِيمَا زَادَ عَلَى الْعِشْرِينَ وَمِائَةٍ, فَوَجَبَ فِي الْمِائَةِ حِينَئِذٍ حِقَّتَانِ وَلَمْ يَجُزْ تَعْطِيلُ النَّيِّفِ وَالْعِشْرِينَ الزَّائِدَةِ فَلاَ تُزَكَّى, وَحُكْمُهَا فِي الزَّكَاةِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ, وَمُمْكِنٌ إخْرَاجُهَا فِيهِ, فَوَجَبَتْ الثَّلاَثُ بَنَاتِ لَبُونٍ, وَبَطَلَ مَا مَوَّهُوا بِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فِي التَّخْيِيرِ بَيْنَ إخْرَاجِ حِقَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثِ بَنَاتِ, لَبُونٍ فَخَطَأٌ; لاَِنَّهُ تَضْيِيعٌ لِلنَّيِّفِ وَالْعِشْرِينَ الزَّائِدَةِ عَلَى الْمِائَةِ; فَلاَ تَخْرُجُ زَكَاتُهَا وَهَذَا لاَ يَجُوزُ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَّقَ بَيْنَ حُكْمِ الْعِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَجَعَلَ فِيهَا حِقَّتَيْنِ. بِنَصِّ كَلاَمِهِ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الَّذِي أَوْرَدْنَاهُ فِي أَوَّلِ كَلاَمِنَا فِي زَكَاةِ الإِبِلِ وَبَيْنَ حُكْمِ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ, فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُسَوَّى بَيْنَ حُكْمَيْنِ فَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُمَا، وَلاَ نَعْلَمُ أَحَدًا قَبْلَ مَالِكٍ قَالَ بِهَذَا التَّخْيِيرِ.
وقولنا في هذا هُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ وَآلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ, وَغَيْرِهِمْ, وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَمَا أَوْرَدْنَا قَبْلُ.
وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ: فَإِنَّهُ احْتَجَّ أَصْحَابُهُ لَهُ بِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حدثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، حدثنا

حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ كِتَابًا، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم كَتَبَ لِجَدِّهِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ ذِكْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْ فَرَائِضِ الإِبِلِ: "إذَا كَانَتْ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ فَفِيهَا ابْنَةُ مَخَاضٍ, إلَى أَنْ تَبْلُغَ خَمْسَةً وَثَلاَثِينَ, فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ فَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ, إلَى أَنْ تَبْلُغَ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ, فَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَفِيهَا حِقَّةٌ, إلَى أَنْ تَبْلُغَ سِتِّينَ; فَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْهَا فَفِيهَا جَذَعَةٌ, إلَى أَنْ تَبْلُغَ خَمْسَةً وَسَبْعِينَ, فَإِذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَفِيهَا ابْنَتَا لَبُونٍ إلَى أَنْ تَبْلُغَ تِسْعِينَ; فَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَفِيهَا حِقَّتَانِ, إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ, فَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَعُدَّ فِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ; فَمَا فَضَلَ فَإِنَّهُ يُعَادُ إلَى أَوَّلِ فَرِيضَةِ الإِبِلِ وَمَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ فَفِيهَا فِي كُلِّ خَمْسِ ذَوْدٍ شَاةٌ لَيْسَ فِيهَا ذَكَرٌ، وَلاَ هَرِمَةٌ، وَلاَ ذَاتُ عَوَارٍ مِنْ الْغَنَمِ", ثُمَّ خَرَجَ إلَى ذِكْرِ زَكَاةِ الْغَنَمِ.
وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَتَبَ لَهُمْ كِتَابًا فِيهِ: "وَفِي الإِبِلِ إذَا كَانَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إلَى خَمْسٍ وَثَلاَثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ, فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ ابْنَةُ مَخَاضٍ فِي الإِبِلِ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ" إلَى أَنْ ذَكَرَ التِّسْعِينَ "فَإِذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِيهَا حِقَّتَانِ, فَإِذَا كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَاعْدُدْ فِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةً, وَمَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ فَفِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ".
وَذَكَرُوا مَا حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي الإِبِلِ قَالَ: فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَبِحِسَابِ الأَوَّلِ, وَتُسْتَأْنَفُ لَهَا الْفَرَائِضُ.
قال أبو محمد: وَبِقَوْلِهِمْ يَقُولُ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ, وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ.
قَالُوا: وَحَدِيثُ عَلِيٍّ هَذَا مُسْنَدٌ.
وَاحْتَجُّوا بِمَا حَدَّثَنَا حمام، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا الدَّبَرِيُّ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سُوقَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو يَعْلَى هُوَ مُنْذِرٌ

الثَّوْرِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: جَاءَ نَاسٌ إلَى أَبِي فَشَكَوْا: سُعَاةَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ; فَقَالَ أَبِي: أَيْ بُنَيَّ خُذْ هَذَا الْكِتَابَ فَاذْهَبْ بِهِ إلَى عُثْمَانَ وَقُلْ لَهُ: إنَّ نَاسًا مِنْ النَّاسِ شَكَوْا سُعَاتَك, وَهَذَا أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْفَرَائِضِ: فَأْمُرْهُمْ فَلْيَأْخُذُوا بِهِ قَالَ: فَانْطَلَقْتُ بِالْكِتَابِ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رضي الله عنه فَقُلْت: إنَّ أَبِي أَرْسَلَنِي إلَيْك, وَذَكَرَ أَنَّ نَاسًا مِنْ النَّاسِ شَكَوْا سُعَاتَك, وَهَذَا أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْفَرَائِضِ, فَمُرْهُمْ فَلْيَأْخُذُوا بِهِ فَقَالَ: لاَ حَاجَةَ لَنَا فِي كِتَابِك; فَرَجَعْتُ إلَى أَبِي فَأَخْبَرْته فَقَالَ: أَيْ بُنَيَّ, لاَ عَلَيْك, أُرْدِدْ الْكِتَابَ مِنْ حَيْثُ أَخَذْتَهُ, قَالَ: فَلَوْ كَانَ ذَاكِرًا عُثْمَانَ بِشَيْءٍ لَذَكَرَهُ بِسُوءٍ; وَإِنَّمَا كَانَ فِي الْكِتَابِ مَا كَانَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ.
قَالُوا: فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُظَنَّ بِعَلِيٍّ رضي الله عنه أَنْ يُخْبِرَ النَّاسَ بِغَيْرِ مَا فِي كِتَابِهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وَادَّعَوْا أَنَّهُ قَدْ رُوِيَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ; وَابْنِ عُمَرَ مِثْلُ قَوْلِهِمْ.
قال أبو محمد: هَذَا كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ, مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يُمَوِّهَ بِهِ مَنْ لاَ عِلْمَ لَهُ, أَوْ مَنْ لاَ تَقْوَى لَهُ, وَأَمَّا الْهَذَرُ وَالتَّخْلِيطُ فَلاَ نِهَايَةَ لَهُ فِي الْقُوَّةِ.
قال أبو محمد: وَكُلُّ هَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلاً.
أَمَّا حَدِيثُ مَعْمَرٍ, وَحَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ: فَمُرْسَلاَنِ لاَ تَقُومُ بِهِمَا حُجَّةٌ, ثُمَّ لَوْ صَحَّا لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِمَا مُتَعَلَّقٌ أَصْلاً.
أَمَّا طَرِيقُ مَعْمَرٍ فَإِنَّ الَّذِي فِي آخِرِهِ مِنْ قَوْلِهِ: "وَمَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ فَفِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ" فَإِنَّمَا هُوَ حُكْمُ ابْتِدَاءِ فَرَائِضِ الإِبِلِ.
وَلَمْ يَسْتَحْيِ عَمِيدٌ مِنْ عُمُدِهِمْ مِنْ أَنْ يَكْذِبَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مَرَّتَيْنِ جِهَارًا: إحْدَاهُمَا أَنَّهُ ادَّعَى أَنَّ فِي أَوَّلِهِ ذِكْرُ تَزْكِيَةِ الإِبِلِ بِالْغَنَمِ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ أَنَّهُ كَرَّرَهُ.
قال أبو محمد: وَقَدْ كَذَبَ فِي هَذَا عَلاَنِيَةً وَأَعْمَاهُ الْهَوَى وَأَصَمَّهُ وَلَمْ يَسْتَحِي وَمَا ذَكَرَ مَعْمَرٌ فِي أَوَّلِ كَلاَمِهِ فِي فَرَائِضِ الإِبِلِ إلاَّ كَمَا أَوْرَدْنَاهُ مِنْ حُكْمِ الْخَمْسَةِ وَالْعِشْرِينَ فَصَاعِدًا وَذَكَرَ فِي آخِرِ حَدِيثِهِ حُكْمَ تَزْكِيَتِهَا بِالْغَنَمِ إذْ لَمْ يَذْكُرْهُ أَوَّلاً.
وَالْمَوْضُوعُ الثَّانِي أَنَّهُ جَاهَرَ بِالْكَذِبِ, فَقَالَ: "مَعْمَرٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ" وَهَذَا كَذِبٌ, مَا رَوَاهُ ذَلِكَ مَعْمَرٌ إلاَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ فَقَطْ; ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَهُ هَذَا لَمَا أَخْرُجهُ، عَنِ الإِرْسَالِ; لإِنَّ مُحَمَّدَ

ابْنَ عَمْرٍو لَمْ يُدْرِكْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم.
ثُمَّ عَجَبٌ آخَرُ وَهُوَ احْتِجَاجُهُ بِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ فِيمَا لَيْسَ فِيهِمَا مِنْهُ شَيْءٌ, وَهُوَ يُخَالِفُهُمَا فِيمَا فِيهِمَا مِنْ أَنَّهُ إنْ لَمْ تُوجَدْ بِنْتُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ أَفَلاَ يَعُوقُ الْمَرْءَ مُسَكَةٌ مِنْ الْحَيَاءِ، عَنْ مِثْلِ هَذَا.
وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ زَادُوا كَذِبًا وَجُرْأَةً وَفُحْشًا فَقَالُوا: مَعْنَى قَوْلِهِ عليه السلام: "إنْ لَمْ تُوجَدْ بِنْتُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ", إنَّمَا أَرَادَ بِقِيمَةِ بِنْتِ مَخَاضٍ وَهَذَا كَذِبٌ بَارِدٌ سَمْجٌ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَهُمْ فِي هَذَا وَبَيْنَ مَنْ قَالَ: مَا أَرَادَ إلاَّ ابْنَ لَبُونٍ أَصْهَبَ, أَوْ فِي أَرْضِ نَجْدٍ خَاصَّةً وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُمْتَنِعِ الَّذِي لاَ يُمْكِنُ أَصْلاً أَنْ يُرِيدَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُعَوِّضَ مِمَّا عُدِمَ بِالْقِيمَةِ وَيَقْتَصِرُ عَلَى ذِكْرِ ابْنِ لَبُونٍ ذَكَرٌ أَيْضًا خَاصَّةً.
وَالْعَجَبُ مِنْ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ فِي تَقْوِيلِهِمْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَا لَمْ يَقُلْ وَإِحَالَةِ كَلاَمِهِ إلَى الْهَوَسِ وَالْغَثَاثَةِ وَالتَّلْبِيسِ، وَلاَ يَسْتَجِيزُونَ إحَالَةَ لَفْظَةٍ مِنْ كَلاَمِ أَبِي حَنِيفَةَ، عَنْ مُقْتَضَاهَا وَاَللَّهُ لاَ فَعَلَ هَذَا مَوْثُوقٌ بِعَقْدِهِ وَلَقَدْ صَدَقَ الأَئِمَّةُ الْقَائِلُونَ: إنَّهُمْ يَكِيدُونَ الإِسْلاَمَ.
وَيُقَالُ لَهُمْ: هَلاَّ حَمَلْتُمْ مَا أَخَذْتُمْ بِهِ مِمَّا لاَ يَجُوزُ الأَخْذُ بِهِ مِمَّا رُوِيَ، عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ مِنْ أَنَّ جُعْلَ الآبِقِ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ قِيمَةَ تَعَبِ ذَلِكَ الَّذِي رَدَّ ذَلِكَ الآبِقَ فَقَطْ عَلَى أَنَّ هَذَا كَانَ أَوْلَى وَأَصَحَّ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى إيجَابِ شَرِيعَةٍ لَمْ يُوجِبْهَا اللَّهُ تَعَالَى، وَلاَ رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم.
كَمَا لَمْ يَتَعَدَّوْا قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَنْ تَزَوَّجَ عَلَى بَيْتٍ وَخَادِمٍ أَنَّ الْبَيْتَ خَمْسُونَ دِينَارًا وَالْعَبْدَ أَرْبَعُونَ دِينَارًا; فَتَوَقَّوْا مُخَالَفَةَ خَطَأِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي التَّقْوِيمِ, وَلَمْ يُبَالُوا بِمُخَالَفَةِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْكَذِبِ عَلَيْهِ وَحَمَلَهُمْ حَدُّهُ عَلَى التَّقْوِيمِ!!

وَأَيْضًا فَإِنَّنَا قَدْ أَوْجَدْنَاهُمْ مَا حَدَّثَنَاهُ حُمَامٌ قَالَ: حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ أَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْكَابُلِيُّ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، حدثنا أَبِي، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، وَمُحَمَّدُ ابْنَيْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ أَبِيهِمَا، عَنْ جَدِّهِمَا، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَتَبَ هَذَا الْكِتَابَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حِينَ أَمَّرَهُ الْيَمَنَ, وَفِيهِ الزَّكَاةُ, فَذَكَرُهُ, وَفِيهِ: "فَإِذَا بَلَغَتْ الذَّهَبَ قِيمَةَ مِائَتِي دِرْهَمٍ فَفِي قِيمَةِ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ حِينَ تَبْلُغُ أَرْبَعِينَ دِينَارًا".
فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ تَكُونَ صَحِيفَةُ ابْنِ حَزْمٍ بَعْضُهَا حُجَّةٌ وَبَعْضُهَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ, وَهَذِهِ صِفَةُ الَّذِينَ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: {نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ}.
وَأَمَّا طَرِيقُ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ فَمُرْسَلَةٌ أَيْضًا, وَالْقَوْلُ فِيهَا كَالْقَوْلِ فِي طَرِيقِ مَعْمَرٍ ثُمَّ لَوْ صَحَّا جَمِيعًا لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِمَا حُجَّةٌ, لاَِنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهُمَا مَا قَالُوا بِهِ أَصْلاً, لإِنَّ نَصَّ رِوَايَةِ حَمَّادٍ "إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ; فَإِنْ كَانَتْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَعُدَّ فِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةً, فَمَا فَضَلَ فَإِنَّهُ يُعَادُ إلَى أَوَّلِ فَرِيضَةِ الإِبِلِ" هَذَا عَلَى أَنْ تُعَادَ فِيهِ الزَّكَاةُ بِالْغَنَمِ كَمَا ادَّعَوْا وَيَحْتَمِلُ هَذَا اللَّفْظُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ أَنْ يَرُدَّ الْحُكْمَ إلَى أَوَّلِ فَرِيضَةِ الإِبِلِ فِي أَنَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ, لإِنَّ فِي أَوَّلِ فَرِيضَةِ الإِبِلِ أَنَّ فِي أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي ثَمَانِينَ بِنْتَيْ لَبُونٍ; فَهَذَا أَوْلَى مِنْ تَأْوِيلِهِمْ الْكَاذِبِ الْفَاسِدِ الْمُسْتَحِيلِ.
وَأَمَّا حَمْلُهُمْ مَا رُوِّينَا، عَنْ عَلِيٍّ فِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ مُسْنَدُ احْتِجَاجِهِمْ فِي ذَلِكَ بِوُجُوبِ حُسْنِ الظَّنِّ بِعَلِيٍّ رضي الله عنه وَأَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِهِ أَنَّهُ يُحَدِّثُ بِغَيْرِ مَا عِنْدَهُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فَقَوْلُ لَعَمْرِي صَحِيحٌ إلاَّ أَنَّهُ لَيْسَ عَلِيٌّ بِأَوْلَى بِحُسْنِ الظَّنِّ مِنَّا مِنْ عُثْمَانَ رضي الله عنهما مَعًا, وَالْفَرْضُ عَلَيْنَا حُسْنُ الظَّنِّ بِهِمَا, وَإِلاَّ فَقَدْ سَلَكُوا سَبِيلَ إخْوَانِهِمْ مِنْ الرَّوَافِضِ.
وَنَحْنُ نَقُولُ: كَمَا لاَ يَجُوزُ أَنْ يُسَاءَ الظَّنُّ بِعَلِيٍّ رضي الله عنه فِي أَنْ يُظَنَّ أَنَّهُ يُحَدِّثُ بِغَيْرِ مَا عِنْدَهُ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَوْ يَتَعَمَّدُ خِلاَفَ رِوَايَتِهِ عَنْهُ عليه السلام: فَكَذَلِكَ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُسَاءَ الظَّنُّ بِعُثْمَانَ رضي الله عنه; فَيُظَنُّ بِهِ أَنَّهُ اسْتَخْلَفَ بِكِتَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: لاَ حَاجَةَ لَنَا بِهِ; لَوْلاَ أَنَّ عُثْمَانَ عَلِمَ أَنَّ مَا فِي كِتَابِ عَلِيٍّ مَنْسُوخٌ مَا رَدَّهُ, وَلاَ أَعْرَضَ عَنْهُ, لَكِنْ كَانَ ذَلِكَ الْكِتَابُ عِنْدَ عَلِيٍّ وَلَمْ يَعْلَمْ بِنَسْخِهِ وَكَانَ عِنْدَ عُثْمَانَ نَسْخُهُ.
فَنُحْسِنُ الظَّنَّ بِهِمَا جَمِيعًا كَمَا يَلْزَمُنَا, وَلَيْسَ إحْسَانُ الظَّنِّ بِعَلِيٍّ وَإِسَاءَتُهُ بِعُثْمَانَ بِأَبْعَدَ

مِنْ الضَّلاَلِ مِنْ إحْسَانِ الظَّنِّ بِعُثْمَانَ وَإِسَاءَتِهِ بِعَلِيٍّ. فَنَقُولُ: لَوْ كَانَ ذَلِكَ الْكِتَابُ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا رَدَّهُ عُثْمَانُ, وَلاَ إحْدَى السَّيِّئَتَيْنِ بِأَسْهَلَ مِنْ الآُخْرَى وَأَمَّا نَحْنُ فَنُحْسِنُ الظَّنَّ بِهِمَا رضي الله عنهما, وَلاَ نَسْتَسْهِلُ الْكَذِبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَنْ نَنْسُبَ إلَيْهِ الْقَوْلَ بِالظَّنِّ الْكَاذِبِ فَنَتَبَوَّأَ مَقَاعِدَنَا مِنْ النَّارِ كَمَا تَبَوَّأَهُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ; بَلْ نُقِرُّ قَوْلَ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ مَقَرَّهُمَا; فَلَيْسَا حُجَّةً دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَكِنَّهُمَا إمَامَانِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ, مَغْفُورٌ لَهُمَا, غَيْرُ مُبْعَدِينَ مِنْ الْوَهْمِ, وَنَرْجِعُ إلَى قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنَأْخُذُ بِالثَّابِتِ عَنْهُ وَنَطْرَحُ مَا لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ.
ثم نقول لَهُمْ: هَبْكُمْ أَنَّ كِتَابَ عَلِيٍّ مُسْنَدٌ, وَأَنَّهُ لَمْ يُنْسَخْ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مَا تَقُولُونَ; بَلْ تُمَوِّهُونَ: وَإِنَّمَا فِيهِ: "فِي الإِبِلِ إذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَبِحِسَابِ الأَوَّلِ وَتُسْتَأْنَفُ لَهَا الْفَرَائِضُ" وَلَيْسَ فِي هَذَا بَيَانٌ أَنَّ زَكَاةَ الْغَنَمِ تَعُودُ فِيهَا, وَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ هَذَا أَنْ تَعُودَ إلَى حِسَابِهَا الأَوَّلِ وَتُسْتَأْنَفَ لَهَا الْفَرَائِضُ; فَتَرْجِعَ إلَى أَنْ يَكُونَ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ, كَمَا فِي أَوَّلِهَا: فِي أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ. وَفِي ثَمَانِينَ بِنْتَا لَبُونٍ, فَهَذَا أَوْلَى مِنْ تَأْوِيلِكُمْ الْكَاذِبِ.
ثم نقول: هَبْكُمْ أَنَّهُ مُسْنَدٌ وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، وَأَنَّ فِيهِ نَصَّ مَا قُلْتُمْ وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ فَاسْمَعُوهُ بِكَمَالِهِ.
حدثنا حمام، حدثنا مُفَرِّجٌ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا الدَّبَرِيُّ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: فِي خَمْسٍ مِنْ الإِبِلِ شَاةٌ, وَفِي خَمْسَ عَشَرَةَ ثَلاَثُ شِيَاهٍ, وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ, وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ خَمْسُ شِيَاهٍ, وَفِي سِتٍّ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِنْتُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ, حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسًا وَثَلاَثِينَ, فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ, حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسًا وَأَرْبَعِينَ, فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْفَحْلِ أَوْ قَالَ: الْجَمَلِ حَتَّى تَبْلُغَ سِتِّينَ, فَإِذَا زَادَتْ, وَاحِدَةً فَفِيهَا جَذَعَةٌ, حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسًا وَسَبْعِينَ, فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ, حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعِينَ, فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْفَحْلِ, إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ, فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ, وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي الْوَرِقِ إذَا حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فِي كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ, خَمْسَةُ دَرَاهِمَ. وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ مِائَتَيْنِ شَيْءٌ, فَإِنْ زَادَتْ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ; وَقَدْ عَفَوْت، عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ.

َحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حدثنا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: إذَا أَخَذَ الْمُصَدِّقُ سِنًّا فَوْقَ سِنٍّ رَدَّ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ شَاتَيْنِ.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مَهْدِيٍّ: وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: وَإِذَا زَادَتْ الإِبِلُ عَلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ, فَإِنْ لَمْ تُوجَدْ بِنْتُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ, إذَا أَخَذَ الْمُصَدِّقُ بِنْتَ لَبُونٍ مَكَانَ ابْنِ لَبُونٍ رَدَّ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ شَاتَيْنِ لَيْسَ فِي الْمَالِ الْمُسْتَفَادِ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ, فَإِذَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ فَفِي كُلِّ مِائَتَيْنِ خَمْسَةٌ, فَمَا زَادَ فَبِالْحِسَابِ; فِي أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارٌ, فَمَا نَقَصَ فَبِالْحِسَابِ; فَإِذَا بَلَغَتْ عِشْرِينَ دِينَارًا فَفِيهَا نِصْفُ دِينَارٍ.
َحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نَصْرٍ، حدثنا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا ابْنُ وَضَّاحٍ، حدثنا مُوسَى بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: فِي خَمْسٍ مِنْ الإِبِلِ شَاةٌ, وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ, وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلاَثُ شِيَاهٍ, وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ, وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ خَمْسٌ, فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا ابْنَةُ مَخَاضٍ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ, ابْنَةُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ; إنْ أَخَذَ الْمُصَدِّقُ سِنًّا فَوْقَ سِنٍّ رَدَّ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ شَاتَيْنِ, أَوْ أَخَذَ سِنًّا دُونَ سِنٍّ أَخَذَ شَاتَيْنِ أَوْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ.
قَالَ عَلِيٌّ: فَهَذِهِ هِيَ الرِّوَايَاتُ الثَّابِتَةُ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه: مَعْمَرٌ, وَسُفْيَانُ, وَشُعْبَةُ: مُتَّفِقُونَ كُلُّهُمْ, رَوَاهُ، عَنْ سُفْيَان: وَكِيعٌ, وَرَوَاهُ، عَنْ شُعْبَةَ: عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مَهْدِيٍّ, وَرَوَاهُ، عَنْ مَعْمَرٍ: عَبْدُ الرَّزَّاقِ.
وَاَلَّذِي مَوَّهُوا بِطَرْفٍ, مِمَّا فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سُفْيَانَ خَاصَّةً: لَيْسَ أَيْضًا مُوَافِقًا لِقَوْلِهِمْ كَمَا أَوْرَدْنَا, فَادَّعَوْا فِي خَبَرِ عَلِيٍّ مَا لَيْسَ فِيهِ عَنْهُ أَثَرٌ, وَلاَ جَاءَ قَطُّ عَنْهُ وَخَالَفُوا ذَلِكَ الْخَبَرَ نَفْسَهُ فِي اثْنَيْ عَشَرَ مَوْضِعًا مِمَّا فِيهِ نَصًّا, وَهِيَ.
قَوْلُهُ: "فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الإِبِلِ خَمْسُ شِيَاه"ٍ.
وَقَوْلُهُ: بِتَعْوِيضِ ابْنِ لَبُونٍ مَكَانَ ابْنَةِ مَخَاضٍ فَقَطْ.
وَقَوْلُهُ فِيمَا زَادَ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ: "فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونِ.
وَإِسْقَاطُهُ ذِكْرَ عَوْدَةِ فَرَائِضِ الْغَنَمِ, فَلَمْ يَذْكُرْهُ.
وَقَوْلُهُ فِيمَنْ أَخَذَ سِنًّا فَوْقَ سِنٍّ رَدَّ شَاتَيْنِ أَوْ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَبَيَّنَ ذَلِكَ فِيمَنْ أَخَذَ بِنْتَ لَبُونٍ مَكَانَ ابْنَةِ مَخَاضٍ إنْ لَمْ يُوجَدْ ابْنُ لَبُونٍ.

وَقَوْلُهُ فِيمَنْ أَخَذَ سِنًّا دُونَ سِنٍّ: "أَخَذَ مَعَهَا شَاتَيْنِ أَوْ عَشْرَةَ دَرَاهِمَ".
وَقَوْلُهُ: "لَيْسَ فِي الْمَالِ الْمُسْتَفَادِ زَكَاةٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ", وَلَمْ يَخُصَّ; كَانَ عِنْدَهُ نِصَابٌ مِنْ جِنْسِهَا أَوْ لَمْ يَكُنْ.
وَقَوْلُهُ: "فِي مِائَتَيْنِ مِنْ الْوَرِقِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ, فَمَا زَادَ فَبِالْحِسَابِ" وَلَمْ يَجْعَلْ فِي ذَلِكَ وَقْصًا, كَمَا يَزْعُمُونَ بِرَأْيِهِمْ.
وَقَوْلُهُ: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ مِائَتَيْنِ مِنْ الْوَرِقِ زَكَاةٌ" وَهُمْ يُزَكُّونَ مَا دُونَ الْمِائَتَيْنِ إذَا كَانَ مَعَ مَالِكِهَا ذَهَبٌ إذَا جَمَعَ إلَى الْوَرِقِ سَاوَيَا جَمِيعًا مِائَتِي دِرْهَمٍ أَوْ عِشْرِينَ دِينَارًا. وَمِنْهَا عَفُوُّهُ، عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ.
وَمِنْهَا عَفُوُّهُ، عَنْ صَدَقَةِ الرَّقِيقِ, وَلَمْ يَسْتَثْنِ لِتِجَارَةٍ أَوْ غَيْرِهَا.
وَمِنْهَا قَوْلُهُ: "فِي أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارٌ, فَمَا نَقَصَ فَبِالْحِسَابِ", وَلَمْ يَجْعَلْ فِي ذَلِكَ وَقْصًا أَفَيَكُونُ أَعْجَبَ مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِرِوَايَةٍ، عَنْ عَلِيٍّ لاَ بَيَانَ فِيهَا لِقَوْلِهِمْ, لَكِنْ بِظَنٍّ كَاذِبٍ, وَيَتَحَيَّلُونَ1 فِي أَنَّهَا مُسْنَدَةٌ بِالْقَطْعِ بِالظَّنِّ الْكَاذِبِ الْمُفْتَرَى: وَهُمْ قَدْ خَالَفُوا تِلْكَ الرِّوَايَةَ نَفْسَهَا بِتِلْكَ الطَّرِيقِ, وَمَعَهَا مَا هُوَ أَقْوَى مِنْهَا فِي اثْنَيْ عَشْرَ مَوْضِعًا مِنْهَا, كُلُّهَا نُصُوصٌ فِي غَايَةِ الْبَيَانِ هَذَا أَمْرٌ مَا نَدْرِي فِي أَيِّ دِينٍ أَمْ فِي أَيِّ عَقْلٍ وَجَدُوا مَا يُسَهِّلُهُ عَلَيْهِمْ.
وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِنْ احْتِجَاجِهِمْ بِصَحِيفَةِ مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ, وَبِصَحِيفَةِ حَمَّادٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عَبَّادٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ, وَهُمَا مُرْسَلَتَانِ, وَحَدِيثٍ مَوْقُوفٍ عَلَى عَلِيٍّ وَلَيْسَ فِي كُلِّ ذَلِكَ نَصٌّ بِمِثْلِ قَوْلِهِمْ, وَلاَ دَلِيلَ ظَاهِرٌ: ثُمَّ لاَ يَسْتَحْيُونَ مِنْ أَنْ يَعِيبُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَفْسِهَا بِالإِرْسَالِ الْحَدِيثَيْنِ الصَّحِيحَيْنِ الْمُسْنَدَيْنِ.
مِنْ طَرِيقِ حَمَّادٍ, وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى كِلَيْهِمَا، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى, سَمِعَاهُ مِنْهُ, عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ, سَمِعَهُ مِنْهُ, عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ, سَمِعَهُ مِنْهُ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ سَمِعَهُ مِنْهُ, عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، عَنِ اللَّهِ تَعَالَى هَكَذَا نَصًّا!!
وَمِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ.
حدثنا عبد الله بن ربيع قَالَ: حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حدثنا ابْنُ بَكْرٍ، حدثنا أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ النُّفَيْلِيِّ، حدثنا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كِتَابَ الصَّدَقَةِ, فَلَمْ يُخْرِجْهُ إلَى عُمَّالِهِ حَتَّى قُبِضَ, فَقَرَنَهُ بِسَيْفِهِ, فَعَمِلَ بِهِ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى قُبِضَ, ثُمَّ عَمِلَ بِهِ عُمَرُ حَتَّى قُبِضَ, فَكَانَ فِيهِ: "فِي خَمْسٍ مِنْ الإِبِلِ شَاةٌ, وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلاَثُ شِيَاهٍ, وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ, وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ ابْنَةُ مَخَاضٍ, إلَى خَمْسٍ
ـــــــ
1 هو بالحاء المهملة ومعناه ظاهر.

وَثَلاَثِينَ فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً, فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ: إلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ. فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا حِقَّةٌ, إلَى سِتِّينَ, فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا جَذَعَةٌ, إلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ, فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا ابْنَتَا لَبُونٍ, إلَى تِسْعِينَ: فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا حِقَّتَانِ, إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَإِنْ كَانَتْ الإِبِلُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ", فَقَالُوا: إنَّ أَصْلَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ الإِرْسَالُ, وَكَذَبُوا فِي ذَلِكَ ثُمَّ لاَ يُبَالُونَ بِأَنْ يَحْتَجُّوا بِهَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَيُصَحِّحُونَهُمَا, إذَا وَجَدُوا فِيهِمَا مَا يُوَافِقُ رَأْيَ أَبِي حَنِيفَةَ, فَيُحِلُّونَهُ طَوْرًا وَيُحَرِّمُونَهُ طَوْرًا!
وَاعْتَرَضُوا فِيهِمَا بِأَنَّ ابْنَ مَعِينٍ ضَعَّفَهُمَا.
وَلَيْتَ شِعْرِي مَا قَوْلُ ابْنِ مَعِينٍ فِي صَحِيفَةِ ابْنِ حَزْمٍ, وَحَدِيثِ عَلِيٍّ مَا نَرَاهُ اسْتَجَازَ الْكَلاَمَ بِذِكْرِهِمَا, فَضْلاً، عَنْ أَنْ يَشْتَغِلَ بِتَضْعِيفِهِمَا.
وأعجب مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ بَعْضَ مُقَدِّمِيهِمْ الْمُتَأَخِّرِينَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ: لَوْ كَانَ هَذَا الْحُكْمُ حَقًّا لاََخْرَجَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى عُمَّالِهِ!
قال أبو محمد: هَذَا قَوْلُ الرَّوَافِضِ فِي الطَّعْنِ عَلَى أَبِي بَكْرٍ, وَعُمَرَ, وَسَائِرِ الصَّحَابَةِ فِي الْعَمَلِ بِهِ: نَعَمْ, وَعَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إذْ نُسِبَتْ إلَيْهِ كُتُبُ الْبَاطِلِ وَقَرَنَهُ بِسَيْفِهِ ثُمَّ كَتَمَهُ, وَعَمِلَ بِهِ أَصْحَابُهُ بَعْدَهُ; فَبَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ.
وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ وَقَدْ خَالَفُوا فِي هَذَا الْمَكَانِ النُّصُوصَ وَالْقِيَاسَ.
فَهَلْ وَجَدُوا فَرِيضَةً تَعُودُ بَعْدَ سُقُوطِهَا وَهَلْ وَجَدُوا فِي أَوْقَاصِ الإِبِلِ وَقْصًا مِنْ ثَلاَثَةٍ وَثَلاَثِينَ مِنْ الإِبِلِ إذْ لَمْ يَجْعَلُوا بَعْدَ الإِحْدَى وَالتِّسْعِينَ حُكْمًا زَائِدًا إلَى خَمْسَةٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ. وَهَلْ وَجَدُوا فِي شَيْءٍ مِنْ الإِبِلِ حُكْمَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فِي إبِلٍ وَاحِدَةٍ, بَعْضُهَا يُزَكَّى بِالإِبِلِ وَبَعْضُهَا يُزَكَّى بِالْغَنَمِ.
وَهُمْ يُنْكِرُونَ أَخْذَ زَكَاةٍ عَمَّا أُصِيبَ فِي أَرْضٍ خَرَاجِيَّةٍ, وَحُجَّتُهُمْ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذُوا حِقَّيْنِ لِلَّهِ تَعَالَى فِي مَالٍ وَاحِدٍ وَهُمْ قَدْ جَعَلُوا هَاهُنَا: بِرَأْيِهِمْ الْفَاسِدِ فِي مَالٍ وَاحِدٍ حِقَّيْنِ: أَحَدُهُمَا إبِلٌ،وَالثَّانِي غَنَمٌ.
وَهَلاَّ إذْ رَدُّوا الْغَنَمَ وَبِنْتَ الْمَخَاضِ بَعْدَ إسْقَاطِهِمَا رَدُّوا أَيْضًا فِي سِتٍّ وَثَلاَثِينَ زَائِدَةً عَلَى الْعِشْرِينَ وَالْمِائَةِ بِنْتَ اللَّبُونِ!
فَإِنْ قَالُوا: مَنَعَنَا مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ عليه السلام: "فِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ".

قِيلَ لَهُمْ: فَهَلاَّ مَنَعَكُمْ مِنْ رَدِّ الْغَنَمِ قَوْلُهُ عليه السلام: "وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ" فَظَهَرَ أَنَّهُمْ لَمْ يَتَعَلَّقُوا بِشَيْءٍ, وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الضَّلاَلِ.
وَقَالُوا فِي الْخَبَرِ الَّذِي ذَكَرْنَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ: "لَيْسَ فِيمَا بَعْدَ الْعِشْرِينَ وَالْمِائَةِ شَيْءٌ إلَى ثَلاَثِينَ وَمِائَةٍ", إنَّهُ يُعَارِضُ سَائِرَ الأَخْبَارِ.
قال أبو محمد: إنْ كَانَ هَذَا فَأَوَّلُ مَا يُعَارَضُ فَصَحِيفَةُ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ, وَحَدِيثُ عَلِيٍّ فِيمَا يَظُنُّهُ فِيهِمَا; فَسَقَطَ تَمْوِيهُهُمْ كُلُّهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا دَعْوَاهُمْ أَنَّ قَوْلَهُمْ رُوِيَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ, وَعَلِيٍّ; وَابْنِ مَسْعُودٍ; فَقَدْ كَذَبُوا جِهَارًا.
فأما عَلِيٌّ فَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ الثَّابِتَةَ عَنْهُ, وَأَنَّهُ لَيْسَ فِيمَا تَعَلَّقُوا بِهِ مِنْ قَوْلِهِ دَلِيلٌ، وَلاَ نَصٌّ بِمَا ادَّعَوْهُ عَلَيْهِ بِالتَّمْوِيهِ الْكَاذِبِ.
وَأَمَّا ابْنُ مَسْعُودٍ فَلاَ يَجِدُونَهُ عَنْهُ أَصْلاً, إمَّا ثَابِتٌ فَنَقْطَعُ بِذَلِكَ قَطْعًا; وَأَمَّا رِوَايَةٌ سَاقِطَةٌ فَبَعِيدٌ عَلَيْهِمْ وُجُودُهَا أَيْضًا, وَأَمَّا مَوْضُوعَةٌ مِنْ عَمَلِ الْوَقْتِ فَيَسْهُلُ عَلَيْهِمْ إلاَّ أَنَّهَا لاَ تُنْفَقُ فِي سُوقِ الْعِلْمِ.
وَأَمَّا عُمَرُ رضي الله عنه فَالثَّابِتُ عَنْهُ كَالشَّمْسِ خِلاَفُ قَوْلِهِمْ, وَمُوَافِقٌ لِقَوْلِنَا, وَلاَ سَبِيلَ إلَى وُجُودِ خِلاَفِ ذَلِكَ عَنْهُ, إلاَّ إنْ صَاغُوهُ لِلْوَقْتِ.
حدثنا حمام، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا الدَّبَرِيُّ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ, وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ كِلاَهُمَا، عَنْ نَافِعِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: فِي الإِبِلِ فِي خَمْسٍ شَاةٌ, وَفِي عَشْرٍ شَاتَانِ وَفِي خَمْسَ عَشْرَةَ ثَلاَثُ شِيَاهٍ, وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ, وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ بِنْتُ مَخَاضٍ; فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بِنْتُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ, إلَى خَمْسٍ وَثَلاَثِينَ فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ, إلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْفَحْلِ, إلَى سِتِّينَ, فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا جَذَعَةٌ إلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا ابْنَتَا لَبُونٍ إلَى تِسْعِينَ, فَإِنْ زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْفَحْلِ, إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ; فَإِنْ زَادَتْ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ, وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ.
حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، حدثنا أَبُو دَاوُد، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ هُوَ أَبُو كُرَيْبٍ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ

ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: هَذِهِ نُسْخَةُ كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي كَتَبَهُ فِي الصَّدَقَةِ, وَهِيَ عِنْدَ آلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ, قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: أَقْرَأَنِيهَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ, فَوَعَيْتُهَا عَلَى وَجْهِهَا, وَهِيَ الَّتِي انْتَسَخَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ وَسَالِمُ ابْنَيْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: "إذَا كَانَتْ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا ثَلاَثُ بَنَاتِ لَبُونٍ, حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَمِائَةً, فَإِذَا كَانَتْ ثَلاَثِينَ وَمِائَةً, فَفِيهَا ابْنَتَا لَبُونٍ وَحِقَّةٌ, حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَثَلاَثِينَ وَمِائَةً, فَإِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَابْنَةُ لَبُونٍ, حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةً, فَإِذَا كَانَتْ خَمْسِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا ثَلاَثُ حِقَاقٍ, حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَخَمْسِينَ وَمِائَةً, فَإِذَا كَانَتْ سِتِّينَ وَمِائَةً فَفِيهَا أَرْبَعُ بَنَاتِ لَبُونٍ, حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَسِتِّينَ وَمِائَةٍ, فَإِذَا كَانَتْ سَبْعِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا ثَلاَثُ بَنَاتِ لَبُونٍ وَحِقَّةٌ, حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَسَبْعِينَ وَمِائَةً, فَإِذَا كَانَتْ ثَمَانِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَبِنْتَا لَبُونٍ, حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَثَمَانِينَ وَمِائَةً, فَإِذَا كَانَتْ تِسْعِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا ثَلاَثُ حِقَاقٍ وَبِنْتُ لَبُونٍ, حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَتِسْعِينَ وَمِائَةً, فَإِذَا كَانَتْ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ, أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ; أَيُّ السِّنِينَ وُجِدَتْ أُخِذَتْ وَفِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ" فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ.
قال أبو محمد: فَهَذَا قَوْلُ عُمَرَ, هُوَ قَوْلُنَا نَفْسُهُ, مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ.
وَالْعَجَبُ كُلُّهُ تَعَلُّلُهُمْ فِي هَذَا الْخَبَرِ بِأَنَّهُ انْفَرَدَ بِهِ يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَتِلْكَ شَكَاةٌ ظَاهِرٌ عَنْك عَارُهَا.
ثُمَّ لاَ يَسْتَحْيُونَ مِنْ تَصْحِيحِهِ وَالاِحْتِجَاجِ بِهِ مُوهِمِينَ أَنَّهُ مُوَافِقٌ لِرَأْيِهِمْ فِي أَنْ لاَ زَكَاةَ إلاَّ فِي السَّائِمَةِ.
فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ, وَخِلاَفِهِمْ لِلَّهِ تَعَالَى, وَلِلسُّنَنِ الثَّابِتَةِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلاَِبِي بَكْرٍ, وَعُمَرَ, وَعَلِيٍّ, وَأَنَسٍ, وَابْنِ عُمَرَ, وَسَائِرِ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، دُونَ أَنْ يَتَعَلَّقُوا بِرِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ، عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ بِمِثْلِ قَوْلِهِمْ, إلاَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ وَحْدَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

يعطى المصدق الشاتين أو العشرين درهما مما أخذ من صدقة الغنم أو يبيع من الإبل
675 - مَسْأَلَةٌ: قال أبو محمد: وَيُعْطِي الْمُصَدِّقُ, الشَّاتَيْنِ أَوْ الْعِشْرِينَ دِرْهَمًا مِمَّا أَخَذَ مِنْ صَدَقَةِ الْغَنَمِ, أَوْ يَبِيعَ مِنْ الإِبِلِ,
لاَِنَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ يَأْخُذُ ذَلِكَ; فَمِنْ مَالِهِمْ يُؤَدِّيه.
وَلاَ يَجُوزُ لَهُ التَّقَاصُّ, وَهُوَ: أَنْ يَجِبَ عَلَى الْمُسْلِمِ بِنْتَا لَبُونٍ فَلاَ يَجِدُهُمَا عِنْدَهُ, وَيَجِدُ عِنْدَهُ حِقَّةً وَبِنْتَ مَخَاضٍ, فَإِنَّهُ يَأْخُذُهُمَا وَيُعْطِيه شَاتَيْنِ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا وَيَأْخُذ مِنْهُ شَاتَيْنِ

أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَلاَ بُدَّ, وَجَائِزٌ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ ذَلِكَ ثُمَّ يَرُدَّهُ بِعَيْنِهِ, أَوْ يُعْطِيَهُ ثُمَّ يَرُدَّهُ بِعَيْنِهِ لاَِنَّهُ قَدْ أَوْفَى وَاسْتَوْفَى وَأَمَّا التَّقَاصُّ بِأَنْ يَتْرُكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِصَاحِبِهِ مَا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ تَرْكٌ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى قَدْ وَجَبَ لَمْ يُقْبَضْ, وَهَذَا لاَ يَجُوزُ, وَلاَ يَجُوزُ إبْرَاءُ الْمُصَدِّقِ مِنْ حَقِّ أَهْلِ الصَّدَقَةِ; لاَِنَّهُ مَالُ غَيْرِهِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

الزكاة تتكرر في كل سنة في الإبل و البقر و الغنم و الذهب و الفضة بخلاف البر و الشعير و التمر
676 - مَسْأَلَةٌ: وَالزَّكَاةُ تَتَكَرَّرُ فِي كُلِّ سَنَةٍ, فِي الإِبِلِ, وَالْبَقَرِ, وَالْغَنَمِ, وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ, بِخِلاَفِ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ,
فَإِنَّ هَذِهِ الأَصْنَافَ إذَا زُكِّيَتْ فَلاَ زَكَاةَ فِيهَا بَعْدَ ذَلِكَ أَبَدًا, وَإِنَّمَا تُزَكَّى عِنْدَ تَصْفِيَتِهَا, وَكَيْلِهَا, وَيُبْسِ التَّمْرِ, وَكَيْلِهِ, وَهَذَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ, إلاَّ فِي الْحُلِيِّ وَالْعَوَامِلِ, وَسَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى; وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُخْرِجُ الْمُصَدِّقِينَ كُلَّ سَنَةٍ.

الزكاة واجبة في الإبل و البقر و الغنم بانقضاء الحول و لا حكم في ذلك لمجيء الساعي
677 - مَسْأَلَةٌ: وَالزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ, فِي الإِبِلِ, وَالْبَقَرِ, وَالْغَنَمِ بِانْقِضَاءِ الْحَوْلِ, وَلاَ حُكْمَ فِي ذَلِكَ لِمَجِيءِ السَّاعِي
وَهُوَ الْمُصَدِّقُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ, وَالشَّافِعِيِّ, وَأَصْحَابِنَا.
وقال مالك, وَأَبُو ثَوْرٍ: لاَ تَجِبُ الزَّكَاةُ إلاَّ بِمَجِيءِ الْمُصَدِّقِ.
ثُمَّ تَنَاقَضُوا فَقَالُوا: إنْ أَبْطَأَ الْمُصَدِّقُ عَامًا أَوْ عَامَيْنِ لَمْ تَسْقُطْ الزَّكَاةُ بِذَلِكَ; وَوَجَبَ أَخْذُهَا لِكُلِّ عَامٍ خَلاَ.
وَهَذَا إبْطَالُ قَوْلِهِمْ فِي أَنَّ الزَّكَاةَ لاَ تَجِبُ إلاَّ بِمَجِيءِ السَّاعِي, وَإِنَّمَا السَّاعِي وَكِيلٌ مَأْمُورٌ بِقَبْضِ مَا وَجَبَ; لاَ يَقْبِضُ مَا لَمْ يَجِبْ, وَلاَ بِإِسْقَاطِ مَا وَجَبَ.
وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الآُمَّةِ وَهُمْ فِي الْجُمْلَةِ فِي أَنَّ الْمُصَدِّقَ لَوْ جَاءَ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ لَمَا جَازَ أَنْ يُعْطَى مِنْهَا شَيْئًا, فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ الْحُكْمُ لِمَجِيءِ السَّاعِي.
وَلاَ يَخْلُو السَّاعِي مِنْ أَنْ يَكُونَ بَعَثَهُ الإِمَامُ الْوَاجِبَةُ طَاعَتُهُ, أَوْ أَمِيرُهُ, أَوْ بَعَثَهُ مَنْ لاَ تَجِبُ طَاعَتُهُ, فَإِنْ بَعَثَهُ مَنْ لاَ تَجِبُ طَاعَتُهُ فَلَيْسَ هُوَ الْمَأْمُورُ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ رَسُولِهِ عليه السلام بِقَبْضِ الزَّكَاةِ, فَإِذْ لَيْسَ هُوَ ذَلِكَ فَلاَ يُجْزِئُ مَا قَبَضَ, وَالزَّكَاةُ بَاقِيَةٌ وَعَلَى صَاحِبِ الْمَالِ أَدَاؤُهَا، وَلاَ بُدَّ; لإِنَّ الَّذِي أُخِذَ مِنْهُ مَظْلِمَةٌ لاَ صَدَقَةٌ وَاجِبَةٌ. وَإِنْ كَانَ بَعَثَهُ مَنْ تَجِبُ طَاعَتُهُ, فَلاَ يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ بَاعِثُهُ يَضَعُهَا مَوَاضِعَهَا, أَوْ لاَ يَضَعُهَا مَوَاضِعَهَا, فَإِنْ كَانَ يَضَعُهَا مَوَاضِعَهَا فَلاَ يَحِلُّ لاَِحَدٍ دَفْعُ زَكَاتِهِ إلاَّ إلَيْهِ; لاَِنَّهُ هُوَ الْمَأْمُورُ بِقَبْضِهَا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم فَمَنْ دَفَعَهَا إلَى غَيْرِ الْمَأْمُورِ بِدَفْعِهَا إلَيْهِ فَقَدْ تَعَدَّى, وَالتَّعَدِّي

زكاة السائمة و غير السائمة من الماشية
تزكى السوائم و المعلوفة و المتخذة للركوب و للحرث و غير ذلك من الإبل و البقر و الغنم
زكاة السائمة وغير السائمة من الماشية
678 - مَسْأَلَةٌ: قَالَ مَالِكٌ, وَاللَّيْثُ, وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا: تُزَكَّى السَّوَائِمُ, وَالْمَعْلُوفَةُ, وَالْمُتَّخَذَةُ لِلرُّكُوبِ, وَلِلْحَرْثِ وَغَيْرِ ذَلِكَ, مِنْ الإِبِلِ, وَالْبَقَرِ, وَالْغَنَمِ.
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا: أَمَّا الإِبِلُ فَنَعَمْ, وَأَمَّا الْغَنَمُ وَالْبَقَرُ فَلاَ زَكَاةَ إلاَّ فِي سَائِمَتِهَا.وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْحَسَنِ بْنِ الْمُغَلِّسِ.
وقال بعضهم: أَمَّا الإِبِلُ, وَالْغَنَمُ فَتُزَكَّى سَائِمَتُهَا وَغَيْرُ سَائِمَتِهَا, وَأَمَّا الْبَقَرُ فَلاَ تُزَكَّى إلاَّ سَائِمَتُهَا.وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرِ بْنِ دَاوُد رحمه الله.
وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي أَنَّ سَائِمَةَ الإِبِلِ وَغَيْرَ السَّائِمَةِ مِنْهَا تُزَكَّى سَوَاءٌ سَوَاءٌ. وقال أبو حنيفة, وَالشَّافِعِيُّ: لاَ زَكَاةَ إلاَّ فِي السَّائِمَةِ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ.
وقال بعضهم: تُزَكَّى غَيْرُ السَّائِمَةِ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الدَّهْرِ, ثُمَّ لاَ تَعُودُ الزَّكَاةُ فِيهَا.
فَاحْتَجَّ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ, وَالشَّافِعِيُّ, بِأَنْ قَالُوا: قَوْلُنَا قَوْلُ جُمْهُورِ السَّلَفِ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، وَغَيْرِهِمْ.
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيق سُفْيَان, وَمَعْمَرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ: لَيْسَ عَلَى عَوَامِلِ الْبَقَرِ صَدَقَةٌ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا آنِفًا قَوْلَ عُمَرَ رضي الله عنه: فِي أَرْبَعِينَ مِنْ الْغَنَمِ سَائِمَةُ شَاةٍ إلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ.
وَعَنْ لَيْثٍ، عَنْ طَاوُوس، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: لَيْسَ عَلَى عَوَامِلِ الْبَقَرِ صَدَقَةٌ.
وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ: لاَ صَدَقَةَ فِي الْمُثِيرَةِ.
وَلاَ يُعْرَفُ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، خِلاَفٌ فِي ذَلِكَ.
وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ: لاَ صَدَقَةَ فِي الْحُمُولَةِ, وَالْمُثِيرَةِ.
وَهُوَ قَوْلُ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ, وَعَبْدِ الْكَرِيمِ.
وَالْحُمُولَةُ: هِيَ الإِبِلُ الْحَمَّالَةُ, وَالْمُثِيرَةُ بَقَرُ الْحَرْثِ, قَالَ تعالى: {لاَ ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ}.

وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: لَيْسَ عَلَى ثَوْرٍ عَامِلٍ، وَلاَ عَلَى جَمَلِ ظَعِينَةٍ صَدَقَةٌ.
وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: لَيْسَ فِي عَوَامِلِ الْبَقَرِ صَدَقَةٌ.
وَعَنْ مُجَاهِدٍ: مَنْ لَهُ أَرْبَعُونَ شَاةً فِي مِصْرٍ يَحْلِبُهَا فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهَا, وَلاَ صَدَقَةَ فِي الْبَقَرِ الْعَوَامِلِ.
وَعَنِ الزُّهْرِيِّ: لَيْسَ فِي السَّوَانِي مِنْ الْبَقَرِ, وَبَقَرِ الْحَرْثِ صَدَقَةٌ, وَفِيمَا عَدَاهُمَا مِنْ الْبَقَرِ الصَّدَقَةُ كَصَدَقَةِ الإِبِلِ, وَأَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي عَوَامِلِ الإِبِلِ.
وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: لَيْسَ فِي الإِبِلِ وَالْبَقَرِ الْعَوَامِلِ صَدَقَةٌ.
وَعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: لَيْسَ فِي الْبَقَرِ الْعَوَامِلِ وَالإِبِلِ الْعَوَامِلِ صَدَقَةٌ.
وَعَنْ مُوسَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ: لَيْسَ فِي الْبَقَرِ الْعَوَامِلِ صَدَقَةٌ.
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَيْسَ فِي الْبَقَرِ الْحَرْثِ صَدَقَةٌ.
وَعَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ. لَيْسَ فِي الْبَقَرِ الْعَوَامِلِ صَدَقَةٌ.
وَعَنْ طَاوُوس: لَيْسَ فِي عَوَامِلِ الْبَقَرِ, وَالإِبِلِ صَدَقَةٌ, إلاَّ فِي السَّوَائِمِ خَاصَّةً.
وَعَنِ الشَّعْبِيِّ: لَيْسَ فِي الْبَقَرِ الْعَوَامِلِ صَدَقَةٌ.
وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ وَالضَّحَّاكِ.
وَعَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ: لَيْسَ فِي الإِبِلِ الْعَوَامِلِ صَدَقَةٌ.
وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: لاَ زَكَاةَ فِي الْبَقَرِ الْعَوَامِلِ, وَأَوْجَبَهَا فِي الإِبِلِ الْعَوَامِلِ.
وَقَالَ سُفْيَانُ: لاَ زَكَاةَ فِي غَيْرِ السَّائِمَةِ مِنْ الإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ, وَلاَ زَكَاةَ فِي الْغَنَمِ الْمُتَّخَذَةِ لِلذَّبْحِ وَذُكِرَ لَهُ قَوْلُ مَالِكٍ فِي إيجَابِ الزَّكَاةِ فِي ذَلِكَ, فَعَجِبَ, وَقَالَ: مَا ظَنَنْتُ أَنَّ أَحَدًا يَقُولُ هَذَا.
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ, وَغَيْرِهِ.
وَرُوِّينَا، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ, وَقَتَادَةَ وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ إيجَابَ الزَّكَاةِ فِي الإِبِلِ الْعَوَامِلِ.
وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ الأَنْصَارِيِّ إيجَابُ الزَّكَاةِ فِي كُلِّ غَنَمٍ, وَبَقَرٍ, وَإِبِلٍ, سَائِمَةٍ.
أَوْ غَيْرِ سَائِمَةٍ.
وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "فِي سَائِمَةِ الْغَنَمِ" قَالُوا: وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ عليه السلام كَلاَمًا لاَ فَائِدَة فِيهِ; فَدَلَّ أَنَّ غَيْرَ السَّائِمَةِ بِخِلاَفِ السَّائِمَةِ.
وَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ الآثَارِ: "فِي سَائِمَةِ الإِبِلِ" قَالُوا: فَقِسْنَا سَائِمَةَ الْبَقَرِ عَلَى ذَلِكَ.

وَقَالُوا: إنَّمَا جُعِلَتْ الزَّكَاةُ فِيمَا فِيهِ النَّمَاءُ, وَأَمَّا فِيمَا فِيهِ الْكُلْفَةُ فَلاَ, مَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَيْئًا شَغَبُوا بِهِ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا.
وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا فِي تَخْصِيصِ عَوَامِلِ الْبَقَرِ خَاصَّةً بِأَنَّ الأَخْبَارَ فِي الْبَقَرِ لَمْ تَصِحَّ; فَالْوَاجِبُ أَنْ لاَ تَجِبَ الزَّكَاةُ فِيهَا إلاَّ حَيْثُ اُجْتُمِعَ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا; لَمْ يُجْمَعْ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا فِي غَيْرِ السَّائِمَةِ.
وَاحْتَجَّ مَنْ رَأَى الزَّكَاةَ فِي غَيْرِ السَّائِمَةِ مَرَّةً فِي الدَّهْرِ بِأَنْ قَالَ: قَدْ صَحَّتْ الزَّكَاةُ فِيهَا بِالنَّصِّ الْمُجْمَلِ, وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِأَنْ تُكَرَّرَ الزَّكَاةُ فِيهَا فِي كُلِّ عَامٍ, فَوَجَبَ تَكَرُّرُ الزَّكَاةِ فِي السَّائِمَةِ بِالإِجْمَاعِ الْمُتَيَقَّنِ; وَلَمْ يَجِبْ التَّكْرَارُ فِي غَيْرِ السَّائِمَةِ, لاَ بِنَصٍّ، وَلاَ بِإِجْمَاعٍ.
قال أبو محمد: أَمَّا حُجَّةُ مَنْ احْتَجَّ بِكَثْرَةِ الْقَائِلِينَ بِذَلِكَ; وَبِأَنَّهُ قَوْلُ أَرْبَعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، لاَ يُعْرَفُ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ: فَلاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
ثم نقول لِلْحَنَفِيِّينَ, وَالشَّافِعِيِّينَ فِي احْتِجَاجِهِمْ بِهَذِهِ الْقَضِيَّةِ فَإِنَّ الْحَنَفِيِّينَ نَسُوا أَنْفُسَهُمْ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ, إذْ قَالُوا بِزَكَاةِ خَمْسِينَ بَقَرَةً بِبَقَرَةٍ وَرُبُعٍ, وَلاَ يُعْرَفُ ذَلِكَ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلاَ مِنْ غَيْرِهِمْ إلاَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ, وَتَقْسِيمِهِمْ فِي الْمَيْتَاتِ تَقَعُ فِي الْبِئْرِ فَتَمُوتُ فِيهِ, فَلاَ يُعْرَفُ أَنَّ أَحَدًا قَسَّمَهُ قَبْلَهُمْ, وَتَقْدِيرِهِمْ الْمَسْحَ فِي الرَّأْسِ بِثَلاَثِ أَصَابِعَ مَرَّةً وَبِرُبُعِ الرَّأْسِ مَرَّةَ، وَلاَ يُعْرَفُ هَذَا الْهَوَسُ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمْ, وَلَوَدِدْنَا أَنْ نَعْرِفَ بِأَيِّ الأَصَابِعِ هِيَ أَمْ بِأَيِّ خَيْطٍ يُقَدَّرُ رُبُعُ الرَّأْسِ وَإِجَازَتِهِمْ الاِسْتِنْجَاءَ بِالرَّوْثِ; ، وَلاَ يُعْرَفُ أَنَّ أَحَدًا أَجَازَهُ قَبْلَهُمْ, وَتَقْسِيمِهِمْ فِيمَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ الْجَوْفِ، وَلاَ يُعْرَفُ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمْ, وَقَوْلِهِمْ فِي صِفَةِ صَدَقَةِ الْخَيْلِ, وَلاَ يُعْرَفُ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمْ, وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ جِدًّا; وَخِلاَفِهِمْ لِكُلِّ رِوَايَةٍ جَاءَتْ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي غَسْلِ الإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ, وَلاَ مُخَالِفَ لَهُ يُعْرَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ, وَخِلاَفِهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ, وَأَبُو حَثْمَةَ, وَابْنَهُ سَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ فِي تَرْكِ مَا يَأْكُلُهُ الْمَخْرُوصُ عَلَيْهِ مِنْ التَّمْرِ, وَمَعَهُمْ جَمِيعُ الصَّحَابَةِ بِيَقِينٍ, لاَ مُخَالِفَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ مِنْهُمْ وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ جِدًّا.
وَكَذَلِكَ نَسِيَ الشَّافِعِيُّونَ1 أَنْفُسَهُمْ فِي تَقْسِيمِهِمْ مَا تُؤْخَذُ مِنْهُ الزَّكَاةُ مِمَّا يَخْرُجُ مِنْ الأَرْضِ2، وَلاَ يُعْرَفُ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ الشَّافِعِيِّ, وَتَحْدِيدِهِمْ مَا يَنْجَسُ مِنْ الْمَاءِ مِمَّا لاَ يَنْجَسُ بِخَمْسِمِائَةِ رِطْلٍ بَغْدَادِيَّةٍ وَمَا يُعْرَفُ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمْ, وَخِلاَفُهُمْ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فِيمَا سُقِيَ بِالنَّضْحِ وَبِالْعَيْنِ أَنَّهُ يُزَكَّى عَلَى الأَغْلَبِ, وَلاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ, وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ جِدًّا لَهُمْ.
وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِمَا جَاءَ فِي بَعْضِ الأَخْبَارِ مِنْ ذِكْرِ السَّائِمَةِ, فَنَعَمْ, صَحَّ هَذَا اللَّفْظُ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه فِي الْغَنَمِ خَاصَّةً فَلَوْ لَمْ يَأْتِ غَيْرُ هَذَا الْخَبَرِ لَوَجَبَ
ـــــــ
1 في النسخة رقم "16" "الشافعيين" وهو لحن.
2 في النسخة رقم "16" ومما يخرج من ثمر الأرض.

أَنْ لاَ يُزَكَّى غَيْرُ السَّائِمَةِ; لَكِنْ جَاءَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ كَمَا أَوْرَدْنَا قَبْلَ إيجَابِ الزَّكَاةِ فِي الْغَنَمِ جُمْلَةً, فَكَانَ هَذَا زَائِدًا عَلَى مَا فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ, وَالزِّيَادَةُ لاَ يَجُوزُ تَرْكُهَا.
وَأَمَّا الْخَبَرُ فِي سَائِمَةِ الإِبِلِ فَلاَ يَصِحُّ; لاَِنَّهُ لَمْ يَرِدْ إلاَّ فِي خَبَرِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ فَقَطْ.
ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ مَا فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ عُمَرَ زِيَادَةَ حُكْمٍ عَلَيْهِ وَالزِّيَادَةُ لاَ يَحِلُّ خِلاَفُهَا.
وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ قَوْلِ اللَّهِ تعالى: {قُلْ لاَ أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا} مَعَ قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} فَكَانَ هَذَا زَائِدًا عَلَى مَا فِي تِلْكَ الآيَةِ. قوله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَوْلاَدَكُمْ خَشْيَةَ إمْلاَقٍ} مَعَ قوله تعالى: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلاَدَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} فَكَانَ هَذَا زَائِدًا عَلَى مَا فِي تِلْكَ الآيَةِ.
وَهَلاَّ اسْتَعْمَلَ الْحَنَفِيُّونَ وَالشَّافِعِيُّونَ هَذَا الْعَمَلَ حَيْثُ كَانَ يَلْزَمُهُمْ اسْتِعْمَالُهُ مِنْ قوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ} فَقَالُوا: وَكَذَلِكَ مَنْ قَتَلَهُ مُخْطِئًا وَلَعَمْرِي إنَّ قِيَاسَ غَيْرِ السَّائِمَةِ عَلَى السَّائِمَةِ لاََشْبَهَ مِنْ قِيَاسِ قَاتِلِ الْخَطَأِ عَلَى قَاتِلِ الْعَمْدِ وَحَيْثُ قَالَ اللَّهُ تعالى: {وَرَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} فَقَالُوا: نَعَمْ, وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي حُجُورِنَا.
وَمِثْل هَذَا كَثِيرٌ جِدًّا, لاَ يَتَثَقَّفُونَ فِيهِ إلَى أَصْلٍ فَمَرَّةٌ يَمْنَعُونَ مَنْ تَعَدَّى مَا فِي النَّصِّ حَيْثُ جَاءَ نَصٌّ آخَرُ بِزِيَادَةٍ عَلَيْهِ, وَمَرَّةٌ يَتَعَدَّوْنَ النَّصَّ حَيْثُ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ آخَرُ بِزِيَادَةٍ عَلَيْهِ فَهُمْ أَبَدًا يَعْكِسُونَ الْحَقَائِقَ. وَلَوْ أَنَّهُمْ أَخَذُوا بِجَمِيعِ النُّصُوصِ, وَلَمْ يَتْرُكُوا بَعْضَهَا لِبَعْضِ, وَلَمْ يَتَعَدَّوْهَا إلَى مَا لاَ نَصَّ فِيهِ: لَكَانَ أَسْلَمَ لَهُمْ مِنْ النَّارِ وَالْعَارِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُم: إنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا جُعِلَتْ عَلَى مَا فِيهِ النَّمَاءُ; فَبَاطِلٌ, وَالزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ, وَلاَ تَنْمِي أَصْلاً, وَلَيْسَتْ فِي الْحَمِيرِ, وَهِيَ تَنْمِي, وَلاَ فِي الْخَضَرِ عِنْدَ أَكْثَرِهِمْ, وَهِيَ تَنْمِي.
وَأَيْضًا فَإِنَّ الْعَوَامِلَ مِنْ الْبَقَرِ, وَالإِبِلِ تَنْمِي أَعْمَالُهَا وَكِرَاؤُهَا, وَتَنْمِي بِالْوِلاَدَةِ أَيْضًا.
فَإِنْ قَالُوا: لَهَا مُؤْنَةٌ فِي الْعَلَفِ.
قلنا: وَلِلسَّائِمَةِ مُؤْنَةُ الرَّاعِي وَأَنْتُمْ لاَ تَلْتَفِتُونَ إلَى عَظِيمِ الْمُؤْنَةِ وَالنَّفَقَةِ فِي الْحَرْثِ, وَإِنْ اسْتَوْعَبَتْهُ كُلَّهُ; بَلْ تَرَوْنَ الزَّكَاةَ فِيهِ, وَلاَ تُرَاعُونَ الْخَسَارَةَ فِي التِّجَارَةِ, بَلْ تَرَوْنَ

الزَّكَاةَ فِيهَا فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ جُمْلَةً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا مَنْ خَصَّ مِنْ أَصْحَابِنَا الْبَقَرَ بِأَنْ لاَ تُزَكَّى إلاَّ سَائِمَتُهَا فَقَطْ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: قَدْ صَحَّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم زَكَاةُ الإِبِلِ وَالْغَنَمِ عُمُومًا, وَحَدُّ زَكَاتِهَا, وَمِنْ كَمْ تُؤْخَذْ الزَّكَاةُ مِنْهَا: فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُخَصَّ أَمْرُهُ صلى الله عليه وسلم بِرَأْيٍ، وَلاَ بِقِيَاسٍ. وَأَمَّا الْبَقَرُ فَلَمْ يَصِحَّ فِي صِفَةِ زَكَاتِهَا, فَوَجَبَ أَنْ لاَ تَجِبَ الزَّكَاةُ إلاَّ فِي بَقَرٍ صَحَّ الإِجْمَاعُ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا, وَلاَ إجْمَاعَ إلاَّ فِي السَّائِمَةِ; فَوَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِيهَا, دُونَ غَيْرِهَا الَّتِي لاَ إجْمَاعَ فِيهَا.
قال أبو محمد: وَهَذَا خَطَأٌ; بَلْ قَدْ صَحَّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إيجَابُ الزَّكَاةِ فِي الْبَقَرِ, بِقَوْلِهِ عليه السلام الَّذِي قَدْ أَوْرَدْنَاهُ قَبْلُ بِإِسْنَادِهِ: "مَا مِنْ صَاحِبِ إبِلٍ، وَلاَ بَقَرٍ لاَ يُؤَدِّي زَكَاتَهَا إلاَّ فُعِلَ بِهِ كَذَا." فَصَحَّ بِالنَّصِّ وُجُوبُ الزَّكَاةِ فِي الْبَقَرِ جُمْلَةً; إلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَصُّ فِي الْعَدَدِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْهَا, وَلاَ كَمْ يُؤْخَذُ مِنْهَا, فَفِي هَذَيْنِ الأَمْرَيْنِ يُرَاعَى الإِجْمَاعُ, وَأَمَّا تَخْصِيصُ بَقَرٍ دُونَ بَقَرٍ فَهُوَ تَخْصِيصٌ لِلثَّابِتِ عَنْهُ عليه السلام مِنْ إيجَابِهِ الزَّكَاةَ فِي الْبَقَرِ بِغَيْرِ نَصٍّ وَهَذَا لاَ يَجُوزُ.
وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ مَنْ أَسْقَطَ الزَّكَاةَ، عَنْ غَيْرِ السَّائِمَةِ بِهَذَا الدَّلِيلِ وَبَيْنَ مَنْ أَسْقَطَهَا، عَنِ الذُّكُورِ بِهَذَا الدَّلِيلِ نَفْسِهِ, فَقَدْ صَحَّ الْخِلاَفُ فِي زَكَاتِهَا.
كَمَا حَدَّثَنَا حمام قَالَ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ، حدثنا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا جَرِيرٌ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، هُوَ ابْنُ مِقْسَمٍ الضَّبِّيُّ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ السَّوَائِمِ صَدَقَةٌ إلاَّ إنَاثَ الإِبِلِ, وَإِنَاثَ الْبَقَرِ, وَالْغَنَمِ.
قال أبو محمد: وَلاَ يَقُولُ بِهَذَا أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِنَا, وَلاَ الْحَنَفِيُّونَ, وَلاَ الْمَالِكِيُّونَ, وَلاَ الشَّافِعِيُّونَ, وَلاَ الْحَنْبَلِيُّونَ، وَلاَ يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهِ أَصْلاً; لاَِنَّهُ تَحَكُّمٌ بِلاَ بُرْهَانٍ.
فَوَجَبَتْ بِالنَّصِّ الزَّكَاةُ فِي كُلِّ بَقَرٍ, أَيْ صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ الْبَقَرِ كَانَتْ, سَائِمَةً أَوْ غَيْرَ سَائِمَةٍ, إلاَّ بَقَرًا خَصَّهَا نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ.
وَأَمَّا الْعَدَدُ, وَالْوَقْتُ, وَمَا يُؤْخَذُ مِنْهَا فَلاَ يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهِ إلاَّ بِإِجْمَاعٍ مُتَيَقَّنٍ أَوْ بِنَصٍّ صَحِيحٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ فِي السَّائِمَةِ بِعَوْدَةِ الزَّكَاةِ فِيهَا كُلَّ عَامٍ, وَرَأَى الزَّكَاةَ فِي غَيْرِ السَّائِمَةِ مَرَّةً فِي الدَّهْرِ: فَإِنَّهُ احْتَجَّ بِأَنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِي الْبَقَرِ بِالنَّصِّ الَّذِي أَوْرَدْنَا; وَلَمْ يَأْتِ بِتَكْرَارِ الزَّكَاةِ فِي كُلِّ عَامٍ نَصٌّ; فَلاَ تَجُوزُ عَوْدَةُ الزَّكَاةِ فِي مَالٍ قَدْ زُكِّيَ, إلاَّ بِالإِجْمَاعِ; وَقَدْ صَحَّ الإِجْمَاعُ بِعَوْدَةِ

الزَّكَاةِ فِي الْبَقَرِ, وَالإِبِلِ, وَالْغَنَمِ السَّائِمَةِ1 كُلَّ عَامٍ, فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِذَلِكَ, وَلاَ نَصَّ، وَلاَ إجْمَاعَ فِي عَوْدَتِهَا فِي غَيْرِ السَّائِمَةِ مِنْهَا كُلِّهَا; فَلاَ يَجِبُ الْقَوْلُ بِذَلِكَ.
قال أبو محمد: كَانَ هَذَا قَوْلاً صَحِيحًا لَوْلاَ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَبْعَثُ الْمُصَدِّقِينَ فِي كُلِّ عَامٍ لِزَكَاةِ الإِبِلِ, وَالْبَقَرِ, وَالْغَنَمِ هَذَا أَمْرٌ مَنْقُولٌ نَقْلَ الْكَافَّةِ; وَقَدْ صَحَّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "اُرْضُوَا مُصَدِّقِيكُمْ" فَإِذْ قَدْ صَحَّ هَذَا بِيَقِينٍ; فَخُرُوجُ الْمُصَدِّقِينَ فِي كُلِّ عَامٍ مُوجِبٌ أَخْذَ الزَّكَاةِ فِي كُلِّ عَامٍ بِيَقِينٍ; فَإِذْ لاَ شَكَّ فِي ذَلِكَ, فَتَخْصِيصُ بَعْضِ مَا وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ عَامًا بِأَنْ لاَ يَأْخُذَ مِنْهُ الْمُصَدِّقُ الزَّكَاةَ عَامًا ثَانِيًا تَخْصِيصٌ لِلنَّصِّ. وَقَوْلٌ بِلاَ بُرْهَانٍ; وَإِنَّمَا يُرَاعَى مِثْلُ هَذَا فِيمَا لاَ نَصَّ فِيهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
ـــــــ
1 في النسخى رقم "14" و"السائنة" وزيادة الواو خطأ مفسد المعنى.

فرض على كل ذي إبل و بقر و غنم أن يحلبها يوم وردها على الماء و يتصدق من لبنها بما طابت به نفسه
679 - مَسْأَلَةٌ: وَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ ذِي إبِلٍ, وَبَقَرٍ, وَغَنَمٍ أَنْ يَحْلِبَهَا يَوْمَ وِرْدِهَا عَلَى الْمَاءِ, وَيَتَصَدَّقُ مِنْ لَبَنِهَا بِمَا طَابَتْ بِهِ نَفْسُهُ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ هُوَ أَبُو الْيَمَانِ، حدثنا شُعَيْبٌ، هُوَ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ، حدثنا أَبُو الزِّنَادِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَانِ بْنَ هُرْمُزٍ الأَعْرَجَ حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "تَأْتِي الإِبِلُ عَلَى صَاحِبِهَا عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ, إذَا هُوَ لَمْ يُعْطِ فِيهَا حَقَّهَا, تَطَؤُهُ بِأَخْفَافِهَا, وَتَأْتِي الْغَنَمُ عَلَى صَاحِبِهَا عَلَى خَيْرِ مَا كَانَتْ, إذَا لَمْ يُعْطِ فِيهَا حَقَّهَا, تَطَؤُهُ بِأَظْلاَفِهَا وَتَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا, قَالَ: وَمِنْ حَقِّهَا أَنْ تُحْلَبَ عَلَى الْمَاءِ"1.
قال أبو محمد: وَمَنْ قَالَ: إنَّهُ لاَ حَقَّ فِي الْمَالِ غَيْرُ الزَّكَاةِ فَقَدْ قَالَ: الْبَاطِلَ, وَلاَ بُرْهَانَ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِ, لاَ مِنْ نَصٍّ، وَلاَ إجْمَاعٍ, وَكُلُّ مَا أَوْجَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الأَمْوَالِ فَهُوَ وَاجِبٌ وَنَسْأَلُ مَنْ قَالَ هَذَا: هَلْ تَجِبُ فِي الأَمْوَالِ كَفَّارَةُ الظِّهَارِ وَالأَيْمَانِ وَدُيُونِ النَّاسِ أَمْ لاَ فَمِنْ قَوْلِهِمْ: نَعَمْ, وَهَذَا تَنَاقُضٌ مِنْهُمْ.
وَأَمَّا إعَارَةُ الدَّلْوِ وَإِطْرَاقُ الْفَحْلِ فَدَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِ اللَّهِ تعالى: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ}.
ـــــــ
1 هو في البخاري "ج 2 ص 217".

الأسنان المذكورات في للإبل
680 - مَسْأَلَةٌ: الأَسْنَانُ الْمَذْكُورَاتُ فِي الإِبِلِ.
بِنْتُ الْمَخَاضِ: هِيَ الَّتِي أَتَمَّتْ سَنَةً وَدَخَلَتْ فِي سَنَتَيْنِ, سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لإِنَّ أُمَّهَا مَاخِضٌ; أَيْ قَدْ حَمَلَتْ فَإِذَا أَتَمَّتْ سَنَتَيْنِ وَدَخَلَتْ فِي الثَّالِثَةِ فَهِيَ بِنْتُ لَبُونٍ، وَابْنُ لَبُونٍ, لإِنَّ أُمَّهَا قَدْ وَضَعَتْ فَلَهَا لَبَنٌ, فَإِذَا أَتَمَّتْ ثَلاَثَ سِنِينَ وَدَخَلَتْ فِي الرَّابِعَةِ فَهِيَ حِقَّةٌ, لاَِنَّهَا قَدْ اسْتَحَقَّتْ أَنْ يُحْمَلَ عَلَيْهَا الْفَحْلُ, وَالْحَمْلُ; فَإِذَا أَتَمَّتْ أَرْبَعَ سِنِينَ وَدَخَلَتْ فِي الْخَامِسَةِ فَهِيَ جَذَعَةٌ; فَإِذَا أَتَمَّتْ

الخلطة في الماشية أو غيرها لا تحيل حكم الزكاة
681 - مَسْأَلَةٌ: وَالْخُلْطَةُ فِي الْمَاشِيَةِ أَوْ غَيْرِهَا لاَ تُحِيلُ حُكْمَ الزَّكَاةِ,
وَلِكُلِّ أَحَدٍ حُكْمُهُ فِي مَالِهِ, خَالَطَ أَوْ لَمْ يُخَالِطْ لاَ فَرْقَ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.
حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ فَضَالَةَ أَنَا سُرَيْجٌ بْنُ النُّعْمَانِ ثني حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ كَتَبَ لَهُ: "أَنَّ هَذِهِ فَرَائِضُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمُسْلِمِينَ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم" فَذَكَرَ الْحَدِيثَ, وَفِي آخِرِهِ: "وَلاَ يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ، وَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ, وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ".
قال أبو محمد: فَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَأْوِيلِ هَذَا الْخَبَرِ.
فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إذَا تَخَالَطَ اثْنَانِ فَأَكْثَرَ فِي إبِلٍ, أَوْ فِي بَقَرٍ, أَوْ فِي غَنَمٍ, فَإِنَّهُمْ تُؤْخَذُ مِنْ مَاشِيَتِهِمْ, الزَّكَاةُ كَمَا كَانَتْ تُؤْخَذُ لَوْ كَانَتْ لِوَاحِدٍ, وَالْخُلْطَةُ عِنْدَهُمْ أَنْ تَجْتَمِعَ الْمَاشِيَةُ فِي الرَّاعِي, وَالْمَرَاحِ, وَالْمَسْرَحِ, وَالْمَسْقَى, وَمَوَاضِعِ الْحَلْبِ: عَامًا كَامِلاً مُتَّصِلاً وَإِلاَّ فَلَيْسَتْ خُلْطَةً, وَسَوَاءٌ كَانَتْ مَاشِيَتُهُمْ مُشَاعَةً لاَ تَتَمَيَّزُ, أَوْ مُتَمَيِّزَةً, وَزَادَ بَعْضُهُمْ: الدَّلْوُ, وَالْفَحْلُ.
قال أبو محمد: وَهَذَا الْقَوْلُ مَمْلُوءٌ مِنْ الْخَطَأِ.
أَوَّلَ ذَلِكَ: أَنَّ ذِكْرَهُمْ الرَّاعِي كَانَ يُغْنِي، عَنْ ذِكْرِ الْمَسْرَحِ, وَالْمَسْقَى; لاَِنَّهُ لاَ يُمْكِنُ أَلْبَتَّةَ أَنْ يَكُونَ الرَّاعِي وَاحِدًا وَتَخْتَلِفُ مَسَارِحُهَا وَمَسَاقِيهَا; فَصَارَ ذِكْرُ الْمَسْرَحِ وَالْمَسْقَى فُضُولاً

وَأَيْضًا فَإِنَّ ذِكْرَ الْفَحْلِ خَطَأٌ, لاَِنَّهُ قَدْ يَكُونُ لاِِنْسَانٍ وَاحِدٍ فَحْلاَنِ وَأَكْثَرُ; لِكَثْرَةِ مَاشِيَتِهِ, وَرَاعِيَانِ وَأَكْثَرُ لِكَثْرَةِ مَاشِيَتِهِ; فَيَنْبَغِي عَلَى قَوْلِهِمْ إذَا أَوْجَبَ اخْتِلاَطُهُمَا فِي الرَّاعِي, وَالْعَمَلِ: أَنْ يُزَكِّيَهَا, زَكَاةَ الْمُنْفَرِدِ, وَأَنْ لاَ تُجْمَعُ مَاشِيَةُ إنْسَانٍ وَاحِدٍ إذَا كَانَ لَهُ فِيهَا رَاعِيَانِ فَحْلاَنِ, وَهَذَا لاَ تَخَلُّصَ مِنْهُ.
وَنَسْأَلُهُمْ إذَا اخْتَلَطَا فِي بَعْضِ هَذِهِ الْوُجُوهِ: أَلَهُمَا حُكْمُ الْخُلْطَةِ أَمْ لاَ فَأَيُّ ذَلِكَ قَالُوا فَلاَ سَبِيلَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُمْ إلاَّ تَحَكُّمًا فَاسِدًا بِلاَ بُرْهَانٍ, وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ بِلاَ شَكٍّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
ثُمَّ زَادُوا فِي التَّحَكُّمِ فَرَأَوْا فِي جَمَاعَةٍ لَهُمْ خَمْسَةٌ مِنْ الإِبِلِ, أَوْ أَرْبَعُونَ مِنْ الْغَنَمِ, أَوْ ثَلاَثُونَ مِنْ الْبَقَرِ بَيْنَهُمْ كُلِّهِمْ: أَنَّ الزَّكَاةَ مَأْخُوذَةٌ مِنْهَا, وَأَنَّ ثَلاَثَةً لَوْ مَلَكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَرْبَعِينَ شَاةً وَهُمْ خُلَطَاءُ فِيهَا: فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ إلاَّ شَاةٌ وَاحِدَةٌ فَقَطْ, كَمَا لَوْ كَانَتْ لِوَاحِدٍ, وَقَالُوا: إنَّ خَمْسَةً لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خَمْسَةٌ مِنْ الإِبِلِ تَخَالَطُوا بِهَا عَامًا فَلَيْسَ فِيهَا إلاَّ بِنْتُ مَخَاضٍ وَهَكَذَا فِي جَمِيعِ صَدَقَاتِ الْمَوَاشِي.
وَهَذَا قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ, وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ, وَالشَّافِعِيِّ, وَأَبِي بَكْرِ بْنِ دَاوُد فِيمَنْ وَافَقَهُ مِنْ أَصْحَابِنَا.
حَتَّى أَنَّ الشَّافِعِيَّ رَأَى حُكْمَ الْخُلْطَةِ جَارِيًا كَذَلِكَ فِي الثِّمَارِ, وَالزَّرْعِ, وَالدَّرَاهِمِ, وَالدَّنَانِيرِ فَرَأَى فِي جَمَاعَةٍ بَيْنَهُمْ خَمْسَةُ أَوْسُقٍ فَقَطْ أَنَّ الزَّكَاةَ فِيهَا, وَأَنَّ جَمَاعَةً يَمْلِكُونَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَقَطْ أَوْ عِشْرِينَ دِينَارًا فَقَطْ وَهُمْ خُلَطَاءُ فِيهَا أَنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِي ذَلِكَ, وَلَوْ أَنَّهُمْ أَلْفٌ أَوْ أَكْثَرُ أَوْ أَقَلُّ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنْ كَانَ يَقَعُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْخُلَطَاءِ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ زَكَّوْا حِينَئِذٍ زَكَاةَ الْمُنْفَرِدِ, وَإِنْ كَانَ لاَ يَقَعُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِمْ, وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ يَقَعُ لَهُ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ, وَمَنْ كَانَ غَيْرُهُ مِنْهُمْ لاَ يَقَعُ لَهُ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ. فَرَأْيُ هَؤُلاَءِ فِي اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا يَمْلِكَانِ أَرْبَعِينَ شَاةً, أَوْ سِتِّينَ أَوْ مَا دُونَ الثَّمَانِينَ, أَوْ ثَلاَثِينَ مِنْ الْبَقَرِ أَوْ مَا دُونَ السِّتِّينَ, وَكَذَلِكَ فِي الإِبِلِ: فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِمْ; فَإِنْ كَانَ ثَلاَثَةٌ يَمْلِكُونَ مِائَةً وَعِشْرِينَ شَاةً, لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ ثُلُثُهَا, فَلَيْسَ عَلَيْهِمْ إلاَّ شَاةٌ وَاحِدَةٌ فَقَطْ, وَهَكَذَا فِي سَائِرِ الْمَوَاشِي.
وَلَمْ يَرَ هَؤُلاَءِ حُكْمَ الْخُلْطَةِ إلاَّ فِي الْمَوَاشِي فَقَطْ.
وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ, وَمَالِكٍ, وَأَبِي ثَوْرٍ, وَأَبِي عُبَيْدٍ, وَأَبِي الْحَسَنِ بْنِ الْمُغَلِّسِ مِنْ أَصْحَابِنَا.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لاَ تُحِيلُ الْخُلْطَةُ حُكْمَ الزَّكَاةِ أَصْلاً, لاَ فِي الْمَاشِيَةِ, وَلاَ فِي غَيْرِهَا; وَكُلُّ خَلِيطٍ

لِيُزَكِّيَ مَا مَعَهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ خَلِيطًا, وَلاَ فَرْقَ, فَإِنْ كَانَ ثَلاَثَةُ خُلَطَاءَ لِكُلِّ وَاحِدٍ أَرْبَعُونَ شَاةً فَعَلَيْهِمْ ثَلاَثُ شِيَاهٍ, عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ شَاةٌ, وَإِنْ كَانَ خَمْسَةٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خَمْسٌ مِنْ الإِبِلِ وَهُمْ خُلَطَاءُ فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ شَاةٌ, وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي كُلِّ شَيْءٍ. وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ, وَأَبِي حَنِيفَةَ, وَشَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ, وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ.
قال أبو محمد: لَمْ نَجِدْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ قَوْلَةً لاَِحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ, وَوَجَدْنَا أَقْوَالاً، عَنْ عَطَاءٍ وَطَاوُوسٍ, وَابْنِ هُرْمُزٍ, وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ, وَالزُّهْرِيِّ, فَقَطْ.
رُوِّينَا، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُوس أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إذَا كَانَ الْخَلِيطَانِ يَعْلَمَانِ أَمْوَالَهُمَا فَلاَ تُجْمَعُ أَمْوَالُهُمَا فِي الصَّدَقَةِ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: فَذَكَرْتُ هَذَا لِعَطَاءٍ مِنْ قَوْلِ طَاوُوسٍ فَقَالَ: مَا أَرَاهُ إلاَّ حَقًّا.
َرُوِّينَا، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: إذَا كَانَ رَاعِيهِمَا وَاحِدًا, وَكَانَتْ تَرِدُ جَمِيعًا وَتَرُوحُ جَمِيعًا صُدِّقَتْ جَمِيعًا.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: إنَّ الإِبِلَ إذَا جَمَعَهَا الرَّاعِي وَالْفَحْلُ وَالْحَوْضُ تُصَدَّقُ جَمِيعًا ثُمَّ يَتَحَاصُّ أَصْحَابُهَا عَلَى عِدَّةِ الإِبِلِ فِي قِيمَةِ الْفَرِيضَةِ الَّتِي أُخِذَتْ مِنْ الإِبِلِ, فَإِنْ كَانَ اسْتَوْدَعَهُ إيَّاهَا لاَ يُرِيدُ مُخَالَطَتَهُ، وَلاَ وَضْعَهَا عِنْدَهُ يُرِيدُ نِتَاجَهَا فَإِنَّ تِلْكَ تُصَدَّقُ وَحْدَهَا.
وَعَنِ ابْنِ هُرْمُزَ مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ.
قال أبو محمد: احْتَجَّتْ كُلُّ طَائِفَةٍ لِقَوْلِهَا بِحُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي صَدَّرْنَا بِهِ.
فَقَالَ مَنْ رَأَى أَنَّ الْخُلْطَةَ تُحِيلُ الصَّدَقَةَ وَتَجْعَلُ مَالَ الاِثْنَيْنِ فَصَاعِدًا بِمَنْزِلَةِ كَمَا1 لَوْ أَنَّهُ لِوَاحِدٍ: أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ عليه السلام: "لاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ، وَلاَ يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ" أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ هُوَ أَنْ يَكُونَ لِثَلاَثَةٍ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ شَاةً, لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُلُثُهَا: وَهُمْ خُلَطَاءُ; فَلاَ يَجِبُ عَلَيْهِمْ كُلِّهِمْ إلاَّ شَاةٌ وَاحِدَةٌ, فَنَهَى الْمُصَدِّقَ أَنْ يُفَرِّقَهَا لِيَأْخُذَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ شَاةً فَيَأْخُذُ ثَلاَثَ شِيَاهٍ, وَالرَّجُلاَنِ يَكُونُ لَهُمَا مِائَتَا شَاةٍ وَشَاتَانِ, لِكُلِّ وَاحِدٍ نِصْفُهَا, فَيَجِبُ عَلَيْهِمَا ثَلاَثُ شِيَاهٍ فَيُفَرِّقَانِهَا خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ; فَيَلْزَمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا شَاةً, فَلاَ يَأْخُذُ الْمُصَدِّقُ إلاَّ شَاتَيْنِ.
وَقَالُوا: مَعْنَى قَوْلِهِ عليه السلام: "كُلُّ خَلِيطَيْنِ يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ", هُوَ أَنْ يَعْرِفَا أَخْذَ السَّاعِي فَيَقَعُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ حِصَّتُهُ عَلَى حَسْبِ عَدَدِ مَاشِيَتِهِ كَاثْنَيْنِ لاَِحَدِهِمَا أَرْبَعُونَ شَاةً وَلِلآخِرِ ثَمَانُونَ وَهُمَا خَلِيطَانِ, فَعَلَيْهِمَا شَاةٌ وَاحِدَةٌ, عَلَى صَاحِبِ الثَّمَانِينَ ثُلُثَاهَا وَعَلَى صَاحِبِ الأَرْبَعِينَ ثُلُثُهَا.
ـــــــ
1 كلمة "كما" سقطت من النسخة رقم "14".

وَقَالَ مَنْ رَأَى أَنَّ الْخُلْطَةَ لاَ تُحِيلُ حُكْمَ الصَّدَقَةِ: مَعْنَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ، وَلاَ يُجْمَعُ بَيْنَ مُفْتَرِقٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ" هُوَ أَنْ يَكُونَ لِثَلاَثَةٍ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ شَاةً, لِكُلِّ وَاحِدٍ ثُلُثُهَا, فَيَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ شَاةٌ, فَنُهُوا، عَنْ جَمْعِهَا وَهِيَ مُتَفَرِّقَةٌ فِي مِلْكِهِمْ تَلْبِيسًا عَلَى السَّاعِي أَنَّهَا لِوَاحِدٍ فَلاَ يَأْخُذُ إلاَّ وَاحِدَةً, وَالْمُسْلِمُ يَكُونُ لَهُ مِائَتَا شَاةٍ وَشَاتَانِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ ثَلاَثُ شِيَاهٍ, فَيُفَرِّقُهَا قِسْمَيْنِ وَيُلْبِسُ عَلَى السَّاعِي أَنَّهَا لاِثْنَيْنِ, لِئَلاَّ يُعْطِيَ مِنْهَا إلاَّ شَاتَيْنِ, وَكَذَلِكَ نَهَى الْمُصَدِّقَ أَيْضًا، عَنْ أَنْ يَجْمَعَ عَلَى الاِثْنَيْنِ فَصَاعِدًا مَا لَهُمْ لِيُكْثِرَ مَا يَأْخُذُ, وَعَنْ أَنْ يُفَرِّقَ مَالَ الْوَاحِدِ فِي الصَّدَقَةِ, وَإِنْ وَجَدَهُ فِي مَكَانَيْنِ مُتَبَاعِدَيْنِ لِيُكْثِرَ مَا يَأْخُذُ.
وَقَالُوا: وَمَعْنَى قَوْلِهِ عليه السلام: "كُلُّ خَلِيطَيْنِ يَتَرَادَّانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ", هُوَ أَنَّ الْخَلِيطَيْنِ فِي اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا خَاطَبَنَا عليه السلام هُمَا مَا اخْتَلَطَ مَعَ غَيْرِهِ فَلَمْ يَتَمَيَّزْ; وَلِذَلِكَ سُمِّيَ الْخَلِيطَانِ مِنْ النَّبِيذِ بِهَذَا الاِسْمِ, وَأَمَّا مَا لَمْ يَخْتَلِطْ غَيْرُهُ فَلَيْسَا خَلِيطَيْنِ, هَذَا مَا لاَ شَكَّ فِيهِ, قَالُوا: فَلَيْسَ الْخَلِيطَانِ فِي الْمَالِ إلاَّ الشِّرْكَيْنِ فِيهِ اللَّذَيْنِ لاَ يَتَمَيَّزُ مَالُ أَحَدِهِمَا مِنْ الآخَرِ, فَإِنْ تَمَيَّزَ فَلَيْسَا خَلِيطَيْنِ, قَالُوا: فَإِذَا كَانَ خَلِيطَانِ كَمَا ذَكَرْنَا وَجَاءَ الْمُصَدِّقُ فَفُرِضَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَالِ الزَّكَاةَ الْوَاجِبَةَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي مَالِهِ, وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْتَظِرَ قِسْمَتَهَا لِمَالِهِمَا, وَلَعَلَّهُمَا لاَ يُرِيدَانِ الْقِسْمَةَ, وَإِنْ كَانَا حَاضِرَيْنِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُجْبِرَهُمَا عَلَى الْقِسْمَةِ, فَإِذَا أَخَذَ زَكَاتَيْهِمَا فَإِنَّهُمَا يَتَرَادَّانِ بِالسَّوِيَّةِ; كَائِنَيْنِ لاَِحَدِهِمَا ثَمَانُونَ شَاةً وَلِلآخَرِ أَرْبَعُونَ, وَهُمَا شَرِيكَانِ فِي جَمِيعِهَا, فَيَأْخُذُ الْمُصَدِّقُ شَاتَيْنِ; وَقَدْ كَانَ لاَِحَدِهِمَا ثُلُثَا كُلِّ شَاةٍ مِنْهُمَا وَلِلآخَرِ ثُلُثُهَا, فَيَتَرَادَّانِ بِالسَّوِيَّةِ فَيَبْقَى لِصَاحِبِ الأَرْبَعِينَ تِسْعٌ وَثَلاَثُونَ, وَلِصَاحِبِ الثَّمَانِينَ تِسْعٌ وَسَبْعُونَ.
قال أبو محمد: فَاسْتَوَتْ دَعْوَى الطَّائِفَتَيْنِ فِي ظَاهِرِ الْخَبَرِ, وَلَمْ تَكُنْ لاِِحْدَاهُمَا مَزِيَّةٌ عَلَى الآُخْرَى فِي الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ.
فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا تَأْوِيلَ الطَّائِفَةِ الَّتِي رَأَتْ أَنَّ الْخُلْطَةَ لاَ تُحِيلُ حُكْمَ الزَّكَاةِ أَصَحَّ; لإِنَّ كَثِيرًا مِنْ تَفْسِيرِهِمْ الْمَذْكُورِ مُتَّفَقٌ مِنْ جَمِيعِ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى صِحَّتِهِ, وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ تَفْسِيرِ الطَّائِفَةِ الآُخْرَى مُجْمَعًا عَلَيْهِ; فَبَطَلَ تَأْوِيلُهُمْ لِتَعَرِّيهِ مِنْ الْبُرْهَانِ; وَصَحَّ تَأْوِيلُ الآُخْرَى لاَِنَّهُ لاَ شَكَّ فِي صِحَّةِ مَا اُتُّفِقَ عَلَيْهِ, وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قول لاَ يَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ نَصٌّ، وَلاَ إجْمَاعٌ; فَهَذِهِ حُجَّةٌ صَحِيحَةٌ.
وَوَجَدْنَا أَيْضًا الثَّابِتَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قوله: "وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ" ، وَأَنَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ إلاَّ أَرْبَعٌ مِنْ الإِبِلِ فَلاَ صَدَقَةَ عَلَيْهِ: "وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ أَرْبَعِينَ شَاةً شَيْءٌ".

وَسَائِرُ مَا نَصَّهُ عليه السلام فِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ, وَالإِبِلِ, مِنْ أَنَّ فِي أَرْبَعِينَ شَاةً شَاةً, وَفِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الإِبِلِ بِنْتُ مَخَاضٍ, وَغَيْرُ ذَلِكَ, وَوَجَدْنَا مَنْ لَمْ يُحِلْ بِالْخُلْطَةِ حُكْمَ الزَّكَاةِ قَدْ أَخَذَ بِجَمِيعِ هَذِهِ النُّصُوصِ وَلَمْ يُخَالِفْ شَيْئًا مِنْهَا, وَوَجَدْنَا مَنْ أَحَالَ بِالْخُلْطَةِ حُكْمَ الزَّكَاةِ يَرَى هَذِهِ النُّصُوصَ وَلَمْ يُخَالِفْ شَيْئًا مِنْهَا وَوَجَدْنَا مَنْ أَحَالَ بِالْخُلْطَةِ حُكْمَ الزَّكَاةِ يَرَى فِي خَمْسَةٍ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خَمْسٌ مِنْ الإِبِلِ أَنَّ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خُمُسُ بِنْتِ مَخَاضٍ, وَأَنَّ ثَلاَثَةً لَهُمْ مِائَةٌ وَعِشْرُونَ شَاةً عَلَى السَّوَاءِ بَيْنَهُمْ أَنَّ عَلَى كُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ ثُلُثُ شَاةٍ, وَأَنَّ عَشْرَةَ رِجَالٍ لَهُمْ خَمْسٌ مِنْ الإِبِلِ بَيْنَهُمْ, فَإِنَّ بَعْضَهُمْ يُوجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عُشْرَ شَاةٍ وَهَذِهِ زَكَاةٌ مَا أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ; وَخِلاَفٌ لِحُكْمِهِ تَعَالَى وَحُكْمِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم.
وَسَأَلْنَاهُمْ، عَنْ إنْسَانٍ لَهُ خَمْسٌ مِنْ الإِبِلِ, خَالَطَ بِهَا صَاحِبَ خَمْسٍ مِنْ الإِبِلِ فِي بَلَدٍ, وَلَهُ أَرْبَعٌ مِنْ الإِبِلِ خَالَطَ بِهَا صَاحِبَ أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ فِي بَلَدٍ آخَرَ, وَلَهُ ثَلاَثٌ مِنْ الإِبِلِ, خَالَطَ بِهَا صَاحِبَ خَمْسٍ وَثَلاَثِينَ فِي بَلَدٍ ثَالِثٍ فَمَا عَلِمْنَاهُمْ أَتَوْا فِي ذَلِكَ بِحُكْمٍ يُعْقَلُ أَوْ يُفْهَمُ وَسُؤَالُنَا إيَّاهُمْ فِي هَذَا الْبَابِ يَتَّسِعُ جِدًّا; فَلاَ سَبِيلَ لَهُمْ إلَى جَوَابٍ يَفْهَمُهُ أَحَدٌ أَلْبَتَّةَ, فَنَبَّهْنَا بِهَذَا السُّؤَالِ عَلَى مَا زَادَ عَلَيْهِ.
وَقَالَ تعالى: {وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إلاَّ عَلَيْهَا، وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}.
وَمَنْ رَأَى حُكْمَ الْخُلْطَةِ يُحِيلُ الزَّكَاةَ فَقَدْ جَعَلَ زَيْدًا كَاسِبًا عَلَى عَمْرٍو, وَجَعَلَ لِمَالِ أَحَدِهِمَا حُكْمًا فِي مَالِ الآخَرِ; وَهَذَا بَاطِلٌ وَخِلاَفٌ لِلْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ.
وَمَا عَجَزَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَطُّ وَهُوَ الْمُفْتَرَضُ عَلَيْهِ الْبَيَانُ لَنَا، عَنْ أَنْ يَقُولَ: الْمُخْتَلِطَانِ فِي وَجْهِ كَذَا وَوَجْهِ كَذَا يُزَكِّيَانِ زَكَاةَ الْمُنْفَرِدِ, فَإِذْ لَمْ يَقُلْهُ فَلاَ يَجُوزُ الْقَوْلُ بِهِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ قَوْلَهُمْ بِهَذَا الْحُكْمِ إنَّمَا هُوَ فِيمَا اخْتَلَطَ فِي الدَّلْوِ, وَالرَّاعِي, وَالْمَرَاحِ, وَالْمُحْتَلَبِ: تَحَكُّمٌ بِلاَ دَلِيلٍ أَصْلاً, لاَ مِنْ سُنَّةٍ، وَلاَ مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ, وَلاَ مِنْ وَجْهٍ يُعْقَلُ, وَبَعْضُهُمْ اقْتَصَرَ عَلَى بَعْضِ الْوُجُوهِ بِلاَ دَلِيلٍ وَلَيْتَ شِعْرِي: أَمِنْ قَوْلِهِ عليه السلام مَقْصُورًا عَلَى الْخُلْطَةِ فِي هَذِهِ الْوُجُوهِ دُونَ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْخُلْطَةَ فِي الْمَنْزِلِ, أَوْ فِي الصِّنَاعَةِ, أَوْ فِي الشَّرِكَةِ فِي الْغَنَمِ كَمَا قَالَ طَاوُوس وَعَطَاءٌ وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ.
فَإِنْ ذَكَرُوا مَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنِ رِفَاعَةَ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حدثنا أَبُو عُبَيْدٍ، حدثنا أَبُو الأَسْوَدِ هُوَ النَّضْرُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ مِصْرِيٌّ، حدثنا

ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّهُ كَتَبَ إلَيْهِ أَنَّهُ سَمِعَ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ: إنَّهُ سَمِعَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ يُحَدِّثُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ: "الْخَلِيطَانِ مَا اجْتَمَعَ عَلَى الْفَحْلِ, وَالْمَرْعَى, وَالْحَوْضِ".
قلنا: هَذَا لاَ يَصِحُّ; لاَِنَّهُ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ.
ثُمَّ لَوْ صَحَّ فَمَا خَالَفْنَاكُمْ فِي أَنَّ مَا اجْتَمَعَ عَلَى فَحْلٍ, وَمَرْعًى, وَحَوْضٍ أَنَّهُمَا خَلِيطَانِ فِي ذَلِكَ; وَهَذَا حَقٌّ لاَ شَكَّ فِيهِ; وَلَكِنْ لَيْسَ فِيهِ إحَالَةُ حُكْمِ الزَّكَاةِ الْمُفْتَرَضَةِ بِذَلِكَ وَلَوْ وَجَبَ بِالاِخْتِلاَطِ فِي الْمَرْعَى إحَالَةُ حُكْمِ الزَّكَاةِ لَوَجَبَ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَاشِيَةٍ فِي الأَرْضِ, لإِنَّ الْمَرَاعِيَ مُتَّصِلَةٌ فِي أَكْثَرِ الدُّنْيَا, إلاَّ أَنْ يَقْطَعَ بَيْنَهُمَا بَحْرٌ, أَوْ نَهْرٌ, أَوْ عِمَارَةٌ.
وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ ذِكْرٌ لِتَخَالُطِهِمَا بِالرَّاعِي, وَهُوَ الَّذِي عَوَّلَ عَلَيْهِ مَالِكٌ, وَالشَّافِعِيُّ; وَإِلاَّ فَقَدْ يَخْتَلِطُ فِي الْمَسْقَى, وَالْمَرْعَى, وَالْفَحْلِ: أَهْلُ الْحِلَّةِ كُلُّهُمْ, وَهُمَا لاَ يَرَيَانِ ذَلِكَ خُلْطَةً تُحِيلُ حُكْمَ الصَّدَقَةِ.
وَزَادَ ابْنُ حَنْبَلٍ: وَالْمُحْتَلَبِ.
وقال بعضهم: إنْ اخْتَلَطَا أَكْثَرَ الْحَوْلِ كَانَ لَهُمَا حُكْمُ الْخُلْطَةِ.
وَهَذَا تَحَكُّمٌ بَارِدٌ وَنَسْأَلُهُمْ عَمَّنْ خَالَطَ آخَرَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ فَبِأَيِّ شَيْءٍ أَجَابُوا فَقَدْ زَادُوا فِي التَّحَكُّمِ بِلاَ دَلِيلٍ وَلَمْ يَكُونُوا بِأَحَقَّ بِالدَّعْوَى مِنْ غَيْرِهِمْ!!
وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَظَاهِرُ الْحَوَالَةِ جِدًّا; لاَِنَّهُ خَصَّ بِالْخُلْطَةِ الْمَوَاشِيَ, فَقَطْ, دُونَ الْخُلْطَةِ فِي الثِّمَارِ, وَالزَّرْعِ وَالنَّاضِّ, وَلَيْسَ هَذَا التَّخْصِيصُ مَوْجُودًا فِي الْخَبَرِ.
فَإِنْ قَالَ: إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ بِعَقِبِ ذِكْرِهِ حُكْمَ الْمَاشِيَةِ.
قلنا: فَكَانَ مَاذَا فَإِنْ كَانَ هَذَا حُجَّةً لَكُمْ فَاقْتَصِرُوا بِحُكْمِ الْخُلْطَةِ عَلَى الْغَنَمِ فَقَطْ لاَِنَّهُ عليه السلام لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ إلاَّ بِعَقِبِ ذِكْرِ زَكَاةِ الْغَنَمِ; وَهَذَا مَا لاَ مُخَلِّصَ مِنْهُ.
فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا الإِبِلَ, وَالْبَقَرَ, عَلَى الْغَنَمِ قِيلَ لَهُمْ: فَهَلاَّ قِسْتُمْ الْخُلْطَةَ فِي الزَّرْعِ وَالثَّمَرَةِ عَلَى الْخُلْطَةِ فِي الْغَنَمِ؟!
وَأَيْضًا: فَإِنَّ مَالِكًا اسْتَعْمَلَ إحَالَةَ الزَّكَاةِ بِالْخُلْطَةِ فِي النِّصَابِ فَزَائِدًا وَلَمْ يَسْتَعْمِلْهُ فِي عُمُومِ الْخُلْطَةِ كَمَا فَعَلَ الشَّافِعِيُّ, وَهَذَا تَحَكُّمٌ وَدَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ; وَإِنْ كَانَ فَرَّ، عَنْ إحَالَةِ النَّصِّ فِي

أَنْ لاَ زَكَاةَ فِيمَا دُونَ النِّصَابِ: فَقَدْ وَقَعَ فِيهِ فِيمَا فَوْقَ النِّصَابِ, وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ الإِحَالَتَيْنِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
قال أبو محمد: وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ فَإِنَّهُمْ يُشَنِّعُونَ بِخِلاَفِ الْجُمْهُورِ إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ; وَهُمْ هُنَا قَدْ خَالَفُوا خَمْسَةً مِنْ التَّابِعِينَ, لاَ يُعْلَمُ لَهُمْ مِنْ طَبَقَتِهِمْ، وَلاَ مِمَّنْ قَبْلَهُمْ مُخَالِفٌ وَهَذَا عِنْدَنَا غَيْرُ مُنْكَرٍ; لَكِنْ أَوْرَدْنَاهُ لِنُرِيَهُمْ تَنَاقُضَهُمْ, وَاحْتِجَاجَهُمْ بِشَيْءٍ لاَ يَرَوْنَهُ حُجَّةً إذَا خَالَفَ أَهْوَاءَهُمْ!
مَوَّهُوا أَيْضًا بِمَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ، حدثنا وَهْبُ بْنُ مَسَرَّةَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ حَكِيمٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "فِي كُلِّ إبِلٍ سَائِمَةٍ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ ابْنَةُ لَبُونٍ, لاَ تُفَرَّقُ إبِلٌ، عَنْ حِسَابِهَا, مَنْ أَعْطَاهَا مُؤْتَجِرًا فَلَهُ أَجْرُهَا, عَزْمَةٌ مِنْ عَزَمَاتِ رَبِّنَا; لاَ يَحِلُّ لاِلِ مُحَمَّدٍ مِنْهَا شَيْءٌ, وَمَنْ مَنَعَهَا فَإِنَّا آخِذُوهَا وَشَطْرَ إبِلِهِ".
قَالُوا: فَمَنْ أَخَذَ الْغَنَمَ مِنْ أَرْبَعِينَ نَاقَةً لِثَمَانِيَةِ شُرَكَاءَ; لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ خَمْسٌ, فَقَدْ فَرَّقَهَا، عَنْ حِسَابِهَا, وَلَمْ يَخُصَّ عليه السلام مِلْكَ وَاحِدٍ مِنْ مِلْكِ جَمَاعَةٍ.
قال أبو محمد: فَنَقُولُ لَهُمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ: إنَّ كُلَّ هَذَا الْخَبَرِ عِنْدَكُمْ حُجَّةٌ فَخُذُوا بِمَا فِيهِ, مِنْ أَنَّ مَانِعَ الزَّكَاةِ تُؤْخَذُ مِنْهُ وَشَطْرُ إبِلِهِ زِيَادَةٌ.
فَإِنْ قُلْتُمْ: هَذَا مَنْسُوخٌ.
قلنا لَكُمْ: هَذِهِ دَعْوَى بِلاَ حُجَّةٍ, لاَ يَعْجِزُ، عَنْ مِثْلِهَا خُصُومُكُمْ, فَيَقُولُوا لَكُمْ وَاَلَّذِي تَعَلَّقْتُمْ بِهِ مِنْهُ مَنْسُوخٌ.
وَإِنْ كَانَ الْمِشْغَبُ بِهِ مَالِكِيًّا قلنا لَهُمْ: فَإِنْ كَانَ شَرِيكُهُ مُكَاتِبًا أَوْ نَصْرَانِيًّا.
فَإِنْ قَالُوا: هَذَا قَدْ خَصَّتْهُ أَخْبَارٌ أُخَرُ.
قلنا: وَهَذَا نَصٌّ قَدْ خَصَّتْهُ أَخْبَارٌ أُخَرُ, وَهِيَ أَنْ لاَ زَكَاةَ فِي أَرْبَعٍ مِنْ الإِبِلِ فَأَقَلَّ، وَأَنَّ فِي كُلِّ خَمْسٍ شَاةً إلَى أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ.
ثم نقول; هَذَا خَبَرٌ لاَ يَصِحُّ. لإِنَّ بَهْزَ بْنَ حَكِيمٍ غَيْرُ مَشْهُورِ الْعَدَالَةِ, وَوَالِدُهُ حَكِيمٌ كَذَلِكَ.

فَكَيْفَ وَلَوْ صَحَّ هَذَا الْخَبَرُ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ; لاَِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّ حُكْمَ الْمُخْتَلِطَيْنِ حُكْمُ الْوَاحِدِ; ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُجْمَعَ مَالُ إنْسَانٍ إلَى مَالِ غَيْرِهِ فِي الزَّكَاةِ, وَلاَ أَنْ يُزَكَّى مَالُ زَيْدٍ بِحُكْمِ مَالِ عَمْرٍو; لِقَوْلِ اللَّهِ تعالى: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} فَلَوْ صَحَّ لَكَانَ مَعْنَاهُ بِلاَ شَكٍّ فِيمَا جَاوَزَ الْعِشْرِينَ وَمِائَةً مِنْ الإِبِلِ; لِمُخَالَفَةِ جَمِيعِ الأَخْبَارِ أَوَّلِهَا، عَنْ آخِرِهَا; لِمَا خَالَفَ هَذَا الْعَمَلَ لاِِجْمَاعِهِمْ وَإِجْمَاعِ الأَخْبَارِ عَلَى أَنَّ فِي سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ مِنْ الإِبِلِ حِقَّةً لاَ بِنْتَ لَبُونٍ; وَلِسَائِرِ ذَلِكَ مِنْ الأَحْكَامِ الَّتِي ذَكَرْنَا.
وَأَيْضًا أَنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ إلاَّ الإِبِلُ فَقَطْ; نَقَلَهُمْ حُكْمُ الْخُلْطَةِ إلَى الْغَنَمِ, وَالْبَقَرِ: قِيَاسٌ, وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ; ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنُ الْبَاطِلِ; لاَِنَّهُ لَيْسَ نَقْلُ هَذَا الْحُكْمِ، عَنِ الإِبِلِ إلَى الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ بِأَوْلَى مِنْ نَقْلِهِ إلَى الثِّمَارِ وَالْحُبُوبِ وَالْعَيْنِ. وَكُلُّ ذَلِكَ دَعْوَى فِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَلاَِبِي حَنِيفَةَ هَاهُنَا تَنَاقُضٌ طَرِيفٌ; وَهُوَ، أَنَّهُ قَالَ فِي شَرِيكَيْنِ فِي ثَمَانِينَ شَاةً لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نِصْفُهَا: إنَّ عَلَيْهِمَا شَاتَيْنِ بَيْنَهُمَا; وَأَصَابَ فِي هَذَا. ثُمَّ قَالَ فِي ثَمَانِينَ شَاةً لِرَجُلٍ وَاحِدٍ نِصْفُهَا وَنِصْفُهَا الثَّانِي لاَِرْبَعَيْنِ رَجُلاً: إنَّهُ لاَ زَكَاةَ فِيهَا أَصْلاً, لاَ عَلَى الَّذِي يَمْلِكُ نِصْفَهَا, وَلاَ عَلَى الآخَرِينَ; وَاحْتَجَّ فِي إسْقَاطِهِ الزَّكَاةَ، عَنْ صَاحِبِ الأَرْبَعِينَ بِأَنَّ تِلْكَ الَّتِي بَيْنَ اثْنَيْنِ يُمْكِنُ قِسْمَتُهَا وَهَذِهِ لاَ يُمْكِنُ قِسْمَتُهَا.
فَجَمَعَ كَلاَمُهُ هَذَا: أَرْبَعَةَ أَصْنَافٍ مِنْ فَاحِشِ الْخَطَأِ!
أَحَدُهَا إسْقَاطُهُ الزَّكَاةَ، عَنْ مَالِكِ أَرْبَعِينَ شَاةً هَاهُنَا.
وَالثَّانِي إيجَابُهُ الزَّكَاةَ عَلَى مَالِكِ أَرْبَعِينَ فِي الْمَسْأَلَةِ الآُخْرَى; فَفَرَّقَ بِلاَ دَلِيلٍ.
وَالثَّالِثُ احْتِجَاجُهُ فِي إسْقَاطِهِ الزَّكَاةَ هُنَا بِأَنَّ الْقِسْمَةَ تُمْكِنُ هُنَالِكَ: وَلاَ تُمْكِنُ هَاهُنَا; فَكَانَ هَذَا عَجَبًا وَمَا نَدْرِي لِلْقِسْمَةِ وَإِمْكَانِهَا. أَوْ تَعَذُّرِ إمْكَانِهَا مَدْخَلاً فِي شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِ الزَّكَاةِ؟!!
وَالرَّابِعُ أَنَّهُ قَدْ قَالَ الْبَاطِلَ; بَلْ إنْ كَانَتْ الْقِسْمَةُ هُنَالِكَ مُمْكِنَةً فَهِيَ هَاهُنَا مُمْكِنَةٌ, وَإِنْ كَانَتْ هَاهُنَا مُتَعَذِّرَةً فَهِيَ هُنَالِكَ مُتَعَذِّرَةٌ; فَاعْجَبُوا لِقَوْمٍ هَذَا مِقْدَارُ فَهْمِهِمْ.
قال أبو محمد: فَإِذَا قَالَ قَائِلٌ: فَأَنْتُمْ تُوجِبُونَ الزَّكَاةَ عَلَى الشَّرِيكِ فِي الْمَاشِيَةِ إذَا مَلَكَ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ فِي حِصَّتِهِ, وَتُوجِبُونَهَا عَلَى الشَّرِيكَيْنِ فِي الرَّقِيقِ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ, وَتَقُولُونَ فِيمَنْ لَهُ نِصْفُ عَبْدٍ مَعَ آخَرَ وَنِصْفُ عَبْدٍ آخَرَ مَعَ آخَرَ, فَأَعْتَقَ النِّصْفَيْنِ: إنَّهُ لاَ يُجْزِئَانِهِ، عَنْ

رَقَبَةٍ وَاجِبَةٍ; وَمَنْ لَهُ نِصْفُ شَاةٍ مَعَ إنْسَانٍ, وَنِصْفُ شَاةٍ أُخْرَى مَعَ آخَرَ فَذَبَحَهُمَا: إنَّهُ لاَ يُجْزِئُهُ ذَلِكَ، عَنْ هَدْيٍ وَاجِبٍ فَكَيْفَ هَذَا.
قلنا: نَعَمْ, لإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي فَرَسِهِ وَعَبْدِهِ صَدَقَةٌ إلاَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ فِي الرَّقِيقِ". فَقُلْنَا بِعُمُومِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ. وَقَالَ عليه السلام: "كُلُّ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَادَّانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ". فَقُلْنَا بِذَلِكَ, وَأَوْجَبَ رَقَبَةً وَهَدْيَ شَاةٍ، وَلاَ يُسَمَّى نِصْفَا عَبْدَيْنِ: رَقَبَةً; ، وَلاَ نِصْفَا شَاةٍ: شَاةً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

زكاة الفضة
لا زكاة في الفضة مضروبة كانت أو مصوغة أو نقارا أو غير ذلك حتى تبلغ خمسة أواقي فضة محضة
زَكَاةُ الْفِضَّةِ
682 - مَسْأَلَةٌ: لاَ زَكَاةَ فِي الْفِضَّةِ مَضْرُوبَةً كَانَتْ أَوْ مَصُوغَةً أَوْ نِقَارًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ حَتَّى تَبْلُغَ خَمْسَ أَوَاقِيَ فِضَّةٍ مَحْضَةٍ;
لاَ يُعَدُّ فِي هَذَا الْوَزْنِ شَيْءٌ يُخَالِطُهَا مِنْ غَيْرِهَا فَإِذَا أَتَمَّتْ كَذَلِكَ سَنَةً قَمَرِيَّةً مُتَّصِلَةً فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ بِوَزْنِ مَكَّةَ, وَالْخَمْسُ أَوَاقِي هِيَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ بِوَزْنِ مَكَّةَ الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَا قَبْلَ زَكَاةِ الْبُرِّ وَالتَّمْرِ وَالشَّعِيرِ, فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَأَتَمَّتْ بِزِيَادَتِهَا سَنَةً قَمَرِيَّةً فَفِيمَا زَادَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ رُبْعُ عُشْرِهَا, وَهَكَذَا كُلُّ سَنَةٍ, فَإِنْ نَقَصَ مِنْ وَزْنِ الأَوَاقِي الْمَذْكُورَةِ وَلَوْ فَلْسٌ فَلاَ زَكَاةَ فِيهَا.
وَإِنْ كَانَ فِيهَا خَلْطٌ; فَإِنْ غَيَّرَ الْخَلْطُ شَيْئًا مِنْ لَوْنِ الْفِضَّةِ أَوْ مَحَكِّهَا أَوْ رَزَانَتِهَا أُسْقِطَ ذَلِكَ الْخَلْطُ فَلَمْ يُعَدَّ; فَإِنْ بَقِيَ فِي الْفِضَّةِ الْمَحْضَةِ خَمْسُ أَوَاقِيَ زُكِّيَتْ, وَإِلاَّ فَلاَ, وَإِنْ كَانَ الْخَلْطُ لَمْ يُغَيِّرْ شَيْئًا مِنْ صِفَاتِ الْفِضَّةِ زُكِّيَتْ بِوَزْنِهَا.
وَهَذَا كُلُّهُ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ إلاَّ ثَلاَثَةَ مَوَاضِعَ; نَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَالَ مَالِكٌ: إنْ نَقَصَتْ الْمِائَتَا دِرْهَمٍ نُقْصَانًا تَجُوزُ بِهِ جَوَازَ الْوَزْنَةِ فَفِيهَا الزَّكَاةُ.
وَقَالَ بَعْضُ التَّابِعِينَ: إنْ نَقَصَتْ نِصْفَ دِرْهَمٍ فَفِيهَا الزَّكَاةُ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: إذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ, وَإِنْ نَقَصَ مِنْ الْمِائَتَيْنِ فَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ.
وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ, وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ, وَالشَّعْبِيِّ, وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ, وَأَبِي سُلَيْمَانَ, وَالشَّافِعِيِّ.

وقال أبو حنيفة فِي نُقْصَانِ الْوَزْنِ كَقَوْلِ أَصْحَابِنَا, وَاضْطَرَبَ فِي الْخَلْطِ يَكُونُ فِيهَا.
وقال مالك: إنْ كَانَ فِي الدَّرَاهِمِ خَلْطٌ زُكِّيَتْ بِوَزْنِهَا كُلِّهَا.
وقال الشافعي, وَأَبُو سُلَيْمَانَ, كَمَا قلنا.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا مُسَدَّدُ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، حدثنا مَالِكٌ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ", وَلاَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسٍ مِنْ الإِبِلِ الذَّوْدِ صَدَقَةٌ، وَلاَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ.
وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كَمَا حَدَّثَنَا حمام، حدثنا أَبُو مُحَمَّدٍ الْبَاجِيَّ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ، حدثنا بَقِيٌّ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ شَيْءٌ".
قال أبو محمد: فَمَنَعَ عليه السلام مِنْ أَنْ يَجِبَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ, فَإِذَا نَقَصَتْ مَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسِ أَوَاقٍ. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ لاَ شَيْءَ فِيهَا, وَسَوَاءٌ كَانَ مَعَهَا خَلْطٌ يَبْلُغُ أَزْيَدَ مِنْ خَمْسِ أَوَاقٍ أَوْ لَمْ يَكُنْ, وَسَقَطَ كُلُّ قَوْلٍ مَعَ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ. وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الْمَالِكِيُّونَ صَاحِبًا لاَ يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، مُخَالِفٌ.
وَأَمَّا إذَا لَمْ يُغَيِّرْ الْخَلْطُ شَيْئًا مِنْ حُدُودِ الْفِضَّةِ وَصِفَاتِهَا فَهُوَ فِضَّةٌ, كَالْخَلْطِ يَكُونُ فِي الْمَاءِ لاَ يُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْ صِفَاتِهِ, وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ لَمْ يُغَيِّرْ مَا صَارَ فِيهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْنِ.
فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَاصِمِ الأَحْوَلِ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إلَى أَبِي مُوسَى: فِيمَا زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْنِ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ.
وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ, وَمَكْحُولٍ, وَعَطَاءٍ, وَطَاوُوسٍ, وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ, وَالزُّهْرِيِّ, وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ, وَالأَوْزَاعِيُّ.

وَحدثنا حمام، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا الدَّبَرِيُّ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: فِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ; فَمَا زَادَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ.
وَبِهِ إلَى مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: مَا زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْنِ فَبِالْحِسَابِ.
وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ, وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ, وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ, وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ, وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ, وَوَكِيعٍ. وَأَبِي يُوسُفَ, وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ, وَأَبِي لَيْلَى, وَمَالِكٍ.
قال أبو محمد: احْتَجَّ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِحَدِيثٍ مِنْ طَرِيقِ الْمِنْهَالِ بْنِ الْجَرَّاحِ وَهُوَ كَذَّابٌ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ نَجِيحٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نُسَيٍّ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ حِينَ وَجَّهَهُ إلَى الْيَمَنِ أَنْ لاَ يَأْخُذَ مِنْ الْكُسُورِ شَيْئًا, إذَا بَلَغَ الْوَرِقُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ, وَلاَ يَأْخُذُ مِمَّا زَادَ حَتَّى يَبْلُغَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا".
وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ حَمْزَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد الْجَزَرِيِّ وَهُوَ سَاقِطٌ مُطْرَحٌ بِإِجْمَاعٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "فِي كُلِّ خَمْسِ أَوَاقٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ, فَمَا زَادَ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ".
وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ وَهُوَ سَاقِطٌ مَطْرُوحٌ بِإِجْمَاعٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ لَهُ: "يَا عَلِيُّ, أَمَا عَلِمْتَ أَنِّي عَفَوْتُ، عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ, وَالرَّقِيقِ, فأما الْبَقَرُ وَالإِبِلُ وَالشَّاءُ فَلاَ, وَلَكِنْ هَاتُوا رُبْعَ الْعُشْرِ مِنْ كُلِّ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ, وَمِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِينَارًا نِصْفُ دِينَارٍ; وَلَيْسَ فِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ شَيْءٌ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ, فَإِذَا حَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ, فَمَا زَادَ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ".
وَبِمَا حَدَّثَنَاهُ حُمَامُ قَالَ: حدثنا عَبَّاسٌ، حدثنا ابْنُ أَيْمَنَ أَنَا مُطَّلِبُ بْنُ شُعَيْبٍ الْمِصْرِيُّ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ كَاتِبُ اللَّيْثِ، عَنِ اللَّيْثِ قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ فِي الصَّدَقَةِ نُسْخَةَ كِتَابِ

رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّدَقَةِ, وَهِيَ عِنْدَ آلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ, أَقْرَأَنِيهَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ, فَوَعَيْتُهَا عَلَى وَجْهِهَا فَذَكَرَ صَدَقَةَ الإِبِلِ, فَقَالَ: "فَإِذَا كَانَتْ إحْدَى وَعِشْرِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا ثَلاَثُ بَنَاتِ لَبُونٍ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَعِشْرِينَ وَمِائَةً", ثُمَّ قَالَ: "لَيْسَ فِي الْوَرِقِ صَدَقَةٌ حَتَّى تَبْلُغَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ, فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ, ثُمَّ فِي أَرْبَعِينَ زَادَتْ عَلَى مِائَتَيْ دِرْهَمٍ دِرْهَمٌ".
وَحَدَّثَنَاهُ أَيْضًا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ قَالَ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ قَالَ: حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حدثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ النُّمَيْرِيُّ، حدثنا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ سَمِعْت الزُّهْرِيَّ قَالَ: هَذِهِ نُسْخَةُ كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الصَّدَقَةِ, وَهِيَ عِنْدَ آلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ, أَقْرَأَنِيهَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَوَعَيْتُهَا عَلَى وَجْهِهَا, وَهِيَ الَّتِي نَسَخَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حِينَ أُمِّرَ عَلَى الْمَدِينَةِ, فَأَمَرَ عُمَّالَهُ بِالْعَمَلِ بِهَا, فَذَكَرَ فِيهَا صَدَقَةَ الإِبِلِ, وَفِيهَا: "فَإِذَا كَانَتْ إحْدَى وَتِسْعِينَ فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْفَحْلِ, حَتَّى تَبْلُغَ عِشْرِينَ وَمِائَةً, فَإِذَا كَانَتْ ثَلاَثِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا حِقَّةٌ وَابْنَتَا لَبُونٍ, حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَثَلاَثِينَ وَمِائَةً, فَإِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ وَمِائَةً, فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَابْنَةُ لَبُونٍ, حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةً, فَإِذَا كَانَتْ خَمْسِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا ثَلاَثُ حِقَاقٍ, حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَخَمْسِينَ وَمِائَةً, فَإِذَا بَلَغَتْ سِتِّينَ وَمِائَةً فَفِيهَا أَرْبَعُ بَنَاتِ لَبُونٍ, حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَسِتِّينَ وَمِائَةً, فَإِذَا بَلَغَتْ سَبْعِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا حِقَّةٌ وَثَلاَثُ بَنَاتِ لَبُونٍ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَسَبْعِينَ وَمِائَةً, فَإِذَا بَلَغَتْ ثَمَانِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا حِقَّتَانِ وَابْنَتَا لَبُونٍ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَثَمَانِينَ وَمِائَةً, فَإِذَا كَانَتْ تِسْعِينَ وَمِائَةً فَفِيهَا ثَلاَثُ حِقَاقٍ وَابْنَةُ لَبُونٍ حَتَّى تَبْلُغَ تِسْعًا وَتِسْعِينَ وَمِائَةً; فَإِذَا كَانَتْ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا أَرْبَعُ حِقَاقٍ, أَوْ خَمْسُ بَنَاتِ لَبُونٍ: أَيُّ السِّنِينَ وُجِدَتْ فِيهَا أُخِذَتْ", وَذَكَرَ صَدَقَةَ الْغَنَمِ. قَالَ الزُّهْرِيُّ: "وَلَيْسَ فِي الرِّقَةِ صَدَقَةٌ حَتَّى تَبْلُغَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ, فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ ". ثُمَّ قَالَ: "فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا زَادَ عَلَى الْمِائَتَيْ دِرْهَمٍ دِرْهَمٌ; وَلَيْسَ فِي الذَّهَبِ صَدَقَةٌ حَتَّى يَبْلُغَ صَرْفُهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ; فَإِذَا بَلَغَ صَرْفُهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ, ثُمَّ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْهَا يَبْلُغُ صَرْفُهُ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ, حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ دِينَارًا فَفِيهَا دِينَارٌ, ثُمَّ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الذَّهَبِ فَفِي كُلِّ صَرْفِ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ, وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارٌ".
حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، حدثنا أَبُو دَاوُد، حدثنا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ

أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "قَدْ عَفَوْتُ، عَنِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ, فَهَاتُوا صَدَقَةَ الرِّقَّةِ, مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ, وَلَيْسَ فِي تِسْعِينَ وَمِائَةٍ شَيْءٌ, فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْنِ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ".
هَذَا كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ مِنْ الآثَارِ, قَدْ تَقَصَّيْنَاهُ1 لَهُمْ أَكْثَرَ مِمَّا يَتَقَصَّوْنَهُ لاَِنْفُسِهِمْ وَاحْتَجُّوا بِأَنْ قَالُوا: قَدْ صَحَّتْ الزَّكَاةُ فِي الأَرْبَعِينَ الزَّائِدَةِ عَلَى الْمِائَتَيْنِ بِإِجْمَاعٍ; وَاخْتَلَفُوا فِيمَا بَيْنَ الْمِائَتَيْنِ وَبَيْنَ الأَرْبَعِينَ, فَلاَ تَجِبُ فِيهَا زَكَاةٌ بِاخْتِلاَفٍ.
وَقَالُوا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ: لَمَّا كَانَتْ الدَّرَاهِمُ لَهَا نِصَابٌ لاَ تُؤْخَذُ الزَّكَاةُ مِنْ أَقَلَّ مِنْهُ, وَكَانَتْ الزَّكَاةُ تَتَكَرَّرُ فِيهَا كُلَّ عَامٍ: أَشْبَهَتْ الْمَوَاشِيَ; فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِيهَا أَوْقَاصٌ كَمَا فِي الْمَوَاشِي وَلَمْ يَجُزْ أَنْ تُقَاسَ عَلَى الثِّمَارِ وَالزَّرْعِ; لإِنَّ الزَّكَاةَ هُنَالِكَ مَرَّةٌ فِي الدَّهْرِ لاَ تَتَكَرَّرُ, بِخِلاَفِ الْعَيْنِ وَالْمَاشِيَةِ.
هَذَا كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ مِنْ نَظَرٍ وَقِيَاسٍ.
وَكُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ مِنْ ذَلِكَ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ; بَلْ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ, عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
أَمَّا حَدِيثُ مُعَاذٍ فَسَاقِطٌ مُطْرَحٌ; لاَِنَّهُ، عَنْ كَذَّابٍ وَاضِعٍ لِلأَحَادِيثِ, عَنْ مَجْهُولٍ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرٍو بْنِ حَزْمٍ فَصَحِيفَةٌ مُرْسَلَةٌ; ، وَلاَ حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ; وَأَيْضًا فَإِنَّهَا، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُد الْجَزَرِيِّ, وَهُوَ سَاقِطٌ مُطْرَحٌ.
ثُمَّ لَوْ صَحَّ كَانَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "فِي الرِّقَةِ رُبْعُ الْعُشْرِ" زَائِدًا عَلَى هَذَا الْخَبَرِ, وَالزِّيَادَةُ لاَ يَحِلُّ تَرْكُهَا; لاَِنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ إلاَّ أَنَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمًا فَقَطْ; وَلَيْسَ فِيهِ أَنْ لاَ زَكَاةَ فِيمَا بَيْنَ الْمِائَتَيْنِ وَبَيْنَ الأَرْبَعِينَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ فَسَاقِطٌ, لِلاِتِّفَاقِ عَلَى سُقُوطِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ.
وَلَوْ صَحَّ لَكَانُوا قَدْ خَالَفُوهُ; فَإِنَّهُمْ يَرَوْنَ الزَّكَاةَ فِي الْخَيْلِ السَّائِمَةِ, وَفِي الْخَيْلِ, وَالرَّقِيقِ الْمُتَّخَذِينَ لِلتِّجَارَةِ, وَفِي هَذَا الْخَبَرِ سُقُوطُ الزَّكَاةِ، عَنْ كُلِّ ذَلِكَ جُمْلَةً, فَمَنْ أَقْبَحُ سِيرَةً مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِخَبَرٍ لَيْسَ فِيهِ بَيَانُ مَا يَدَّعِي; وَهُوَ يُخَالِفُهُ فِي نَصِّ مَا فِيهِ؟!
وَلَوْ صَحَّ هَذَا الْخَبَرُ لَكَانَ قَوْلُهُ عليه السلام: "فِي الرِّقَةِ رُبْعُ الْعُشْرِ", زَائِدًا, وَالزِّيَادَةُ لاَ يَجُوزُ تَرْكُهَا.
وَأَمَّا حَدِيثُ الزُّهْرِيِّ فَمُرْسَلٌ أَيْضًا, وَلاَ حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ; وَاَلَّذِي فِيهِ مِنْ حُكْمِ زَكَاةِ الْوَرِقِ, وَالذَّهَبِ2 فَإِنَّمَا هُوَ كَلاَمُ الزُّهْرِيِّ, كَمَا أَوْرَدْنَاهُ آنِفًا مِنْ رِوَايَةِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ
ـــــــ
1 في النسخة رقم "14" تقصيناها.
2 في النسخة رقم "14" "من حكم الزكاة الورق والذهب".

وَالْعَجَبُ كُلَّ الْعَجَبِ تَرْكُهُمْ مَا فِي الصَّحِيفَةِ الَّتِي رَوَاهَا الزُّهْرِيُّ نَصًّا مِنْ صِفَةِ زَكَاةِ الإِبِلِ. وَاحْتِجَاجُهُمْ بِمَا لَيْسَ مِنْهَا وَخَالَفُوا الزُّهْرِيَّ أَيْضًا فِيمَا ذَكَرَ مِنْ زَكَاةِ الذَّهَبِ بِالْقِيمَةِ وَهَذَا تَلاَعُبٌ بِالدِّيَانَةِ وَبِالْحَقَائِقِ وَبِالْعُقُولِ!
وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ الَّذِي خَتَمْنَا بِهِ فَصَحِيحٌ مُسْنَدٌ, وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ, بَلْ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ, لإِنَّ فِيهِ: "قَدْ عَفَوْتُ، عَنِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيقِ", وَهُمْ يَرَوْنَ الزَّكَاةَ فِي الْخَيْلِ السَّائِمَةِ, وَاَلَّتِي لِلتِّجَارَةِ, وَفِي الرَّقِيقِ الَّذِي لِلتِّجَارَةِ. وَمِنْ الشَّنَاعَةِ احْتِجَاجُهُمْ بِحَدِيثٍ هُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ فِي نَصِّ مَا فِيهِ.
وَلاَ دَلِيلَ فِيهِ عَلَى مَا يَقُولُونَ لِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا أَنَّ نَصَّهُ: "هَاتُوا صَدَقَةَ الرِّقَةِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ, وَلَيْسَ فِي تِسْعِينَ وَمِائَةٍ شَيْءٌ فَإِذَا بَلَغَتْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ". وَنَعَمْ, هَكَذَا هُوَ; لإِنَّ فِي الْمِائَتَيْنِ أَرْبَعِينَ مُكَرَّرَةً خَمْسَ مَرَّاتٍ, فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ, وَنَحْنُ لاَ نُنْكِرُ أَنَّ فِي أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا زَائِدًا دِرْهَمٌ, وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ إسْقَاطُ الزَّكَاةِ، عَنْ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ زَائِدَةً عَلَى الْمِائَتَيْنِ فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ.
وَأَيْضًا فَهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ الصَّاحِبَ إذَا رَوَى خَبَرًا ثُمَّ خَالَفَهُ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى ضَعْفِ ذَلِكَ الْخَبَرِ. كَمَا ادَّعَوْا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي غَسْلِ الإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ سَبْعًا وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَلِيٍّ كَمَا ذَكَرْنَا فِي صَدْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ مَا زَادَ عَلَى مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَالزَّكَاةُ فِيهِ بِحِسَابِ الْمِائَتَيْنِ, فَلَوْ كَانَ فِي رِوَايَةِ عَلِيٍّ مَا يَدَّعُونَهُ مِنْ إسْقَاطِ الزَّكَاةِ عَمَّا بَيْنَ الْمِائَتَيْنِ وَالأَرْبَعِينَ الزَّائِدَةِ لَكَانَ قَوْلُ عَلِيٍّ بِإِيجَابِ الزَّكَاةِ فِي ذَلِكَ عَلَى أَصْلِهِمَا مُسْقِطًا لِمَا رَوَى مِنْ ذَلِكَ وَالْقَوْمُ مُتَلاَعِبُونَ!
قال أبو محمد: فَسَقَطَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ مِنْ الآثَارِ, وَعَادَتْ حُجَّةً عَلَيْهِمْ كَمَا أَوْرَدْنَا.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: قَدْ صَحَّتْ الزَّكَاةُ فِي الأَرْبَعِينَ الزَّائِدَةِ عَلَى الْمِائَتَيْنِ بِإِجْمَاعٍ, وَاخْتَلَفُوا فِيمَا دُونَ الأَرْبَعِينَ, فَلاَ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِيهَا بِاخْتِلاَفٍ: فَإِنَّ هَذَا كَانَ يَكُونُ احْتِجَاجًا صَحِيحًا لَوْ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِإِيجَابِ الزَّكَاةِ فِي ذَلِكَ, وَلَكِنَّ هَذَا الاِسْتِدْلاَلَ يَعُودُ عَلَيْهِمْ فِي قَوْلِهِمْ فِي زَكَاةِ الْخَيْلِ وَزَكَاةِ الْبَقَرِ وَمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ مِمَّا أَخْرَجَتْ الأَرْضُ وَالْحُلِيُّ وَغَيْرُ ذَلِكَ, وَيَهْدِمُ عَلَيْهِمْ أَكْثَرَ مَذَاهِبِهِمْ.

وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ زَكَاةَ الْعَيْنِ عَلَى زَكَاةِ الْمَوَاشِي بِعِلَّةِ تَكَرُّرِ الصَّدَقَةِ فِي كُلِّ ذَلِكَ كُلَّ عَامٍ بِخِلاَفِ زَكَاةِ الزَّرْعِ: فَقِيَاسٌ فَاسِدٌ; بَلْ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ قِيَاسُ الْعَيْنِ عَلَى الزَّرْعِ أَوْلَى لإِنَّ الْمَوَاشِيَ حَيَوَانٌ, وَالْعَيْنُ, وَالزَّرْعُ, وَالتَّمْرُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَيَوَانًا, فَقِيَاسُ زَكَاةِ مَا لَيْسَ حَيًّا عَلَى زَكَاةِ مَا لَيْسَ حَيًّا أَوْلَى مِنْ قِيَاسِ مَا لَيْسَ حَيًّا عَلَى حُكْمِ الْحَيِّ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ الزَّرْعَ, وَالتَّمْرَ, وَالْعَيْنَ كُلَّهَا خَارِجٌ مِنْ الأَرْضِ, وَلَيْسَ الْمَاشِيَةُ كَذَلِكَ, فَقِيَاسُ مَا خَرَجَ مِنْ الأَرْضِ عَلَى مَا خَرَجَ مِنْ الأَرْضِ أَوْلَى مِنْ قِيَاسِهِ عَلَى مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الأَرْضِ.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُمْ جَعَلُوا وَقْصَ الْوَرِقِ تِسْعَةً وَثَلاَثِينَ دِرْهَمًا, وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْمَاشِيَةِ وَقْصٌ مِنْ تِسْعَةٍ وَثَلاَثِينَ; فَظَهَرَ فَسَادُ قِيَاسِهِمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ فَسَقَطَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ.
ُثمَّ وَجَدْنَا الرِّوَايَةَ، عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه بِمِثْلِ قَوْلِهِمْ لاَ تَصِحُّ, لاَِنَّهَا، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عُمَرَ, وَالْحَسَنُ لَمْ يُولَدْ إلاَّ لِسَنَتَيْنِ بَاقِيَتَيْنِ مِنْ خِلاَفَةِ عُمَرَ; فَبَقِيَتْ الرِّوَايَةُ، عَنْ عَلِيٍّ, وَابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما بِمِثْلِ قَوْلِنَا, وَلاَ يَصِحُّ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، خِلاَفٌ لِذَلِكَ.
قال أبو محمد: فَإِذْ لَمْ يَبْقَ لاَِهْلِ هَذَا الْقَوْلِ مُتَعَلِّقٌ نَظَرْنَا فِي الْقَوْلِ الثَّانِي.
فَوَجَدْنَا مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى، حدثنا ثُمَامَةُ بْنُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُ: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ كَتَبَ لَهُ هَذَا الْكِتَابَ لَمَّا وَجَّهَهُ إلَى الْبَحْرَيْنِ: "بسم الله الرحمن الرحيم, هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم" فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ: "وَفِي الرِّقَةِ رُبْعُ عُشْرِهَا فَإِنْ لَمْ تَكُنْ إلاَّ تِسْعِينَ وَمِائَةً فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ, إلاَّ أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا".
فَأَوْجَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الصَّدَقَةَ فِي الرَّقَبَةِ, وَهِيَ الْوَرِقُ, رُبْعُ الْعُشْرِ عُمُومًا لَمْ يَخُصَّ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا إلاَّ مَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسِ أَوَاقٍ; فَبَقِيَ مَا زَادَ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهِ; فَلاَ يَجُوزُ تَخْصِيصُ شَيْءٍ مِنْهُ أَصْلاً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

زكاة الذهب
لا زكاة في أقل من أربعين مثقالا من الذهب
زَكَاةُ الذَّهَبِ
683 - مَسْأَلَةٌ: قَالَتْ طَائِفَةٌ: لاَ زَكَاةَ فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ مِثْقَالاً
مِنْ الذَّهَبِ الصِّرْفِ الَّذِي لاَ يُخَالِطُهُ شَيْءٌ بِوَزْنِ مَكَّةَ, سَوَاءٌ: مَسْكُوكُهُ, وَحُلِيُّهُ, وَنِقَارُهُ وَمَصُوغُهُ, فَإِذَا بَلَغَ أَرْبَعِينَ مِثْقَالاً كَمَا ذَكَرْنَا وَأَتَمَّ فِي مِلْكِ الْمُسْلِمِ الْوَاحِدِ عَامًا قَمَرِيًّا مُتَّصِلاً فَفِيهِ رُبْعُ عُشْرِهِ, وَهُوَ مِثْقَالٌ, وَهَكَذَا فِي كُلِّ عَامٍ, وَفِي الزِّيَادَةِ عَلَى ذَلِكَ إذَا أَتَمَّ أَرْبَعِينَ مِثْقَالاً أُخْرَى وَبَقِيَتْ عَامًا كَامِلاً دِينَارٌ آخَرُ, وَهَكَذَا أَبَدًا فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِينَارًا زَائِدَةً دِينَارٌ, وَلَيْسَ فِي الزِّيَادَةِ شَيْءٌ زَائِدٌ حَتَّى تَتِمَّ أَرْبَعِينَ دِينَارًا.
فَإِنْ كَانَ الذَّهَبُ خُلِطَ لَمْ يُغَيَّرْ لَوْنُهُ أَوْ رَزَانَتُهُ أَوْ حَدُّهُ سَقَطَ حُكْمُ الْخَلْطِ; فَإِنْ كَانَ فِيمَا بَقِيَ الْعَدَدُ الْمَذْكُورُ زُكِّيَ. وَإِلاَّ فَلاَ. فَإِنْ نَقَصَ مِنْ الْعَدَدِ الْمَذْكُورِ مَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَلاَ زَكَاةَ فِيهِ, وَفِي كَثِيرٍ مِمَّا ذَكَرْنَا اخْتِلاَفٌ نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَالَ جُمْهُورُ النَّاسِ: بِإِيجَابِ الزَّكَاةِ فِي عِشْرِينَ دِينَارًا لاَ أَقَلَّ.
وَرُوِّينَا، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِمَّا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حدثنا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلاَّمٍ، حدثنا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ زُرَيْقِ بْنِ حَيَّانَ قَالَ: كَتَبَ إلَيَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ: اُنْظُرْ مَنْ مَرَّ بِكَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَخُذْ مِمَّا ظَهَرَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ مِمَّا يُدِيرُونَ فِي التِّجَارَاتِ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارًا, وَمَا نَقَصَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ, حَتَّى تَبْلُغَ عِشْرِينَ دِينَارًا; فَإِنْ نَقَصَتْ ثُلُثَ دِينَارٍ فَدَعْهَا.
قال أبو محمد: فَهَذَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَرَى فِي الذَّهَبِ أَنَّ فِيهَا الزَّكَاةَ وَإِنْ نَقَصَتْ; فَإِنْ نَقَصَتْ ثُلُثَ دِينَارٍ فَلاَ صَدَقَةَ فِيهَا.
وقال مالك: إنْ نَقَصَتْ نُقْصَانًا تَجُوزُ بِهِ جَوَازَ الْمُوَازَنَةِ زُكِّيَتْ, وَإِلاَّ فَلاَ, وَقَالَ: إنْ كَانَ فِي الدَّنَانِيرِ الذَّهَبِ وَحُلِيِّ الذَّهَبِ خَلْطٌ زَكَّى الدَّنَانِيرَ بِوَزْنِهَا

وقال الشافعي: لاَ يُزَكَّى إلاَّ مَا فَضَلَ، عَنِ الْخَلْطِ مِنْ الذَّهَبِ الْمَحْضِ, وَلاَ يُزَكَّى مَا نَقَصَ، عَنْ عِشْرِينَ دِينَارًا; ، وَلاَ بِمَا كَثُرَ.
وقال أبو حنيفة, وَغَيْرُهُ: الزَّكَاةُ فِي عِشْرِينَ دِينَارًا نِصْفُ دِينَارٍ, فَإِنْ زَادَتْ فَلاَ صَدَقَةَ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ الزِّيَادَةُ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ, فَإِذَا زَادَتْ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ فَفِيهَا رُبْعُ عُشْرِهَا, وَهَكَذَا أَبَدًا.
وقال مالك, وَالشَّافِعِيُّ: مَا زَادَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَفِيهِ رُبْعُ عُشْرِهِ.
وَرُوِّينَا، عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ أَنَّهُ لاَ زَكَاةَ فِيمَا زَادَ حَتَّى تَبْلُغَ الزِّيَادَةُ عِشْرِينَ دِينَارًا وَهَكَذَا أَبَدًا.
وَرُوِّينَا، عَنِ الزُّهْرِيِّ وَعَطَاءٍ: أَنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا تَجِبُ فِي الذَّهَبِ بِالْقِيمَةِ, كَمَا حَدَّثَنَا عبد الله بن ربيع، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حدثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ النُّمَيْرِيُّ، حدثنا يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ الأَيْلِيُّ قَالَ: سَمِعْت الزُّهْرِيَّ يَقُولُ: لَيْسَ فِي الذَّهَبِ صَدَقَةٌ حَتَّى يَبْلُغَ صَرْفُهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ, فَإِذَا بَلَغَ صَرْفُهَا مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ, ثُمَّ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْهَا يَبْلُغُ صَرْفُهُ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ, حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ دِينَارًا, فَفِيهَا دِينَارٌ, ثُمَّ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الذَّهَبِ فَفِي صَرْفِ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ, وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارٌ.
حدثنا حمام، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا الدَّبَرِيُّ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ عَطَاءٌ, وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: لاَ يَكُونُ فِي مَالِ زَكَاةٍ حَتَّى يَبْلُغَ عِشْرِينَ دِينَارًا; فَإِذَا بَلَغَ عِشْرِينَ دِينَارًا فَفِيهَا نِصْفُ دِينَارٍ, ثُمَّ فِي كُلِّ أَرْبَعَةِ دَنَانِيرَ يَزِيدُهَا الْمَالُ دِرْهَمٌ, حَتَّى يَبْلُغَ الْمَالُ أَرْبَعِينَ دِينَارًا, فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارٌ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ بِحِينٍ قُلْتُ لِعَطَاءٍ: لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ تِسْعَةَ عَشَرَ دِينَارًا لَيْسَ لَهُ غَيْرُهَا وَالصَّرْفُ اثْنَا عَشَرَ أَوْ ثَلاَثَةَ عَشَرَ بِدِينَارٍ, فِيهَا صَدَقَةٌ. قَالَ: نَعَمْ, إذَا كَانَتْ لَوْ صُرِفَتْ بَلَغَتْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ; إنَّمَا كَانَتْ إذْ ذَلِكَ الْوَرِقَ وَلَمْ يَكُنْ ذَهَبٌ.
وَمِمَّنْ قَالَ: بِأَنْ لاَ زَكَاةَ فِي الذَّهَبِ إلاَّ بِقِيمَةِ مَا يَبْلُغُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا مِنْ الْوَرِقِ: سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ الْوَاشِحِيُّ.
قال أبو محمد: أَمَّا مَنْ قَالَ: لَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ ذَهَبٌ: فَخَطَأٌ, كَيْفَ هَذَا وَاَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: {وَاَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ، وَلاَ يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ}. وَالأَخْبَارُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي كَوْنِ الذَّهَبِ عِنْدَهُمْ كَثِيرَةٌ جِدًّا, كَقَوْلِهِ عليه السلام:

"الذَّهَبُ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي حَلاَلٌ لاِِنَاثِهَا" وَاتِّخَاذُهُ عليه السلام خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ ثُمَّ رَمَى بِهِ, وَغَيْرُ ذَلِكَ كَثِيرٌ.
وَإِيجَابُ الزَّكَاةِ فِي الذَّهَبِ بِقِيمَةِ الْفِضَّةِ قَوْلٌ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ مِنْ نَصٍّ، وَلاَ إجْمَاعٍ، وَلاَ نَظَرٍ; فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
ثُمَّ نَظَرْنَا هَلْ صَحَّ فِي إيجَابِ الزَّكَاةِ فِي الذَّهَبِ شَيْءٌ أَمْ لاَ؟
فَوَجَدْنَا مَا حَدَّثَنَاهُ حُمَامُ قَالَ: حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حدثنا مَعْمَرُ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فَذَكَرَ الْحَدِيثَ; وَفِيهِ: "مَنْ كَانَتْ لَهُ ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ لَمْ يُؤَدِّ مَا فِيهَا جُعِلَتْ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَفَائِحَ مِنْ نَارٍ فَوُضِعَتْ عَلَى جَنْبِهِ وَظَهْرِهِ وَجَبْهَتِهِ, حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ, ثُمَّ يَرَى سَبِيلَهُ".
فَوَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي الذَّهَبِ بِهَذَا الْوَعِيدِ الشَّدِيدِ, فَوَجَبَ طَلَبُ الْوَاجِبِ فِي الذَّهَبِ الَّذِي مَنْ لَمْ يُؤَدِّهِ عُذِّبَ هَذَا الْعَذَابَ الْفَظِيعَ, نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهُ, بَعْدَ الإِجْمَاعِ الْمُتَيَقَّنِ الْمَقْطُوعِ بِهِ عَلَى أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يُرِدْ كُلَّ عَدَدٍ مِنْ الذَّهَبِ, وَلاَ كُلَّ وَقْتٍ مِنْ الزَّمَانِ, وَأَنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا تَجِبُ فِي عَدَدٍ مَعْدُودٍ, وَفِي وَقْتٍ مَحْدُودٍ, فَوَجَبَ فَرْضًا طَلَبُ ذَلِكَ الْعَدَدِ وَذَلِكَ الْوَقْتِ.
فَوَجَدْنَا مَنْ حَدَّ فِي ذَلِكَ عِشْرِينَ دِينَارًا احْتَجَّ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ وَآخَرُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ, وَالْحَارِثِ الأَعْوَرِ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ كَلاَمًا, وَفِيهِ: "وَلَيْسَ عَلَيْكَ شَيْءٌ حَتَّى يَكُونَ- يَعْنِي فِي الذَّهَبِ- لَكَ عِشْرُونَ دِينَارًا فَإِذَا كَانَ لَكَ عِشْرُونَ دِينَارًا وَحَالَ عَلَيْهَا الْحَوْلُ فَفِيهَا نِصْفُ دِينَارٍ, فَمَا زَادَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ". قَالَ: لاَ أَدْرِي, أَعَلِيٌّ يَقُولُ "بِحِسَابِ ذَلِك" أَوْ رَفَعَهُ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "وَمِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِينَارًا نِصْفُ دِينَارٍ".

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ مِثْقَالاً مِنْ الذَّهَبِ، وَلاَ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ صَدَقَةٌ".
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ هُرْمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ الأَنْصَارِيِّ أَنَّ فِي كِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي كِتَابِ عُمَرَ فِي الصَّدَقَةِ: "أَنَّ الذَّهَبَ لاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا شَيْءٌ حَتَّى تَبْلُغَ عِشْرِينَ دِينَارًا, فَإِذَا بَلَغَ عِشْرِينَ دِينَارًا فَفِيهِ نِصْفُ دِينَارٍ".
وَذُكِرَ فِيهِ قَوْمٌ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَاقِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ فِي عِشْرِينَ دِينَارًا الزَّكَاةَ".
قال علي: هذا كُلُّ مَا ذَكَرُوا فِي ذَلِكَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
وَأَمَّا عَمَّنْ دُونَهُ عليه السلام فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: وَلاَّنِي عُمَرُ الصَّدَقَاتِ, فَأَمَرَنِي أَنْ آخُذَ مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِينَارًا نِصْفَ دِينَارٍ, فَمَا زَادَ فَبَلَغَ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ فَفِيهِ دِرْهَمٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ: حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا شَيْءٌ, وَفِي عِشْرِينَ دِينَارًا نِصْفُ دِينَارٍ, وَفِي أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: كَانَ لاِمْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ طَوْقٌ فِيهِ عِشْرُونَ مِثْقَالاً فَأَمَرَهَا أَنْ تُخْرِجَ عَنْهُ خَمْسَةَ دَرَاهِمَ.
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: فِي عِشْرِينَ مِثْقَالاً نِصْفُ مِثْقَالٍ; وَفِي أَرْبَعِينَ مِثْقَالاً مِثْقَالٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، عَنْ أَبِيهِ: حدثنا هُشَيْمٌ, وَالْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ هُشَيْمٌ: أَنَا مَنْصُورٌ, وَمُغِيرَةُ, قَالَ مَنْصُورٌ: عَنِ ابْنِ سِيرِينَ وَقَالَ مُغِيرَةُ: عَنْ إبْرَاهِيمَ وَقَالَ الْمُعْتَمِرُ: عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الْحَسَنِ, ثُمَّ اتَّفَقَ الْحَسَنُ, وَابْنُ سِيرِينَ، وَإِبْرَاهِيمُ; قَالُوا

كُلُّهُمْ: فِي عِشْرِينَ دِينَارًا, وَفِي أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارٌ
وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ.
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ: حدثنا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي غَنِيَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحَكَمِ، هُوَ ابْنُ عُتَيْبَةَ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى فِي عِشْرِينَ دِينَارًا زَكَاةً حَتَّى تَكُونَ عِشْرِينَ مِثْقَالاً, فَيَكُونُ فِيهَا نِصْفُ مِثْقَالٍ.
وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ، عَنْ عَطَاءٍ, وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ, وَذَكَرْنَا رُجُوعَ عَطَاءٍ، عَنْ ذَلِكَ.
قال أبو محمد: مَا نَعْلَمُ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا.
فأما كُلُّ مَا ذَكَرُوا فِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلاَ يَصِحُّ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ صَحَّ لَمَا اسْتَحْلَلْنَا خِلاَفَهُ; وَأَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ.
أَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ الَّذِي صَدَّرْنَا بِهِ فَإِنَّ ابْنَ وَهْبٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَرَنَ فِيهِ بَيْنَ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ وَبَيْنَ الْحَارِثِ الأَعْوَرِ, وَالْحَارِثُ كَذَّابٌ, وَكَثِيرٌ مِنْ الشُّيُوخِ يَجُوزُ عَلَيْهِمْ مِثْلُ هَذَا, وَهُوَ أَنَّ الْحَارِثَ أَسْنَدَهُ وَعَاصِمٌ لَمْ يُسْنِدْهُ, فَجَمَعَهُمَا جَرِيرٌ, وَأَدْخَلَ حَدِيثَ أَحَدِهِمَا فِي الآخَرِ. وَقَدْ رَوَاهُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ عَلِيٍّ: شُعْبَةُ, وَسُفْيَانُ, وَمَعْمَرُ, فَأَوْقَفُوهُ عَلَى عَلِيٍّ, وَهَكَذَا كُلُّ ثِقَةٍ رَوَاهُ، عَنْ عَاصِمٍ.
وَقَدْ رَوَى حَدِيثَ الْحَارِثِ, وَعَاصِمٍ: زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ فَشَكَّ فِيهِ. كَمَا حَدَّثَنَا عبد الله بن ربيع، حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، حدثنا أَبُو دَاوُد، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، حدثنا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ, وَعَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ. قَالَ زُهَيْرٌ: أَحْسَبُهُ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ صَدَقَةَ الْوَرِقِ: "إذَا كَانَتْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ", فَمَا زَادَ فَعَلَى حِسَابِ ذَلِكَ". وَقَالَ فِي الْبَقَرِ: "فِي كُلِّ ثَلاَثِينَ تَبِيعٌ, وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ, وَلَيْسَ عَلَى الْعَوَامِلِ شَيْءٌ". وَقَالَ فِي الإِبِلِ: "فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ خَمْسٌ مِنْ الْغَنَمِ, فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ, فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ". قَالَ زُهَيْرٌ: وَفِي حَدِيثِ عَاصِمٍ: "إذَا لَمْ يَكُنْ فِي الإِبِلِ بِنْتُ مَخَاضٍ، وَلاَ ابْنُ لَبُونٍ فَعَشَرَةُ دَرَاهِمَ أَوْ شَاتَانِ".
قَالَ عَلِيٌّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ حَدِيثُ مَالِكٍ; وَلَوْ أَنَّ جَرِيرًا أَسْنَدَهُ، عَنْ عَاصِمٍ وَحْدَهُ لاََخَذْنَا بِهِ; لَكِنْ لَمْ يُسْنِدْهُ إلاَّ عَنِ الْحَارِثِ مَعَهُ, وَلَمْ يَصِحَّ لَنَا إسْنَادُهُ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمٍ, ثُمَّ لَمَّا شَكَّ

زُهَيْرٌ فِيهِ بَطَلَ إسْنَادُهُ.
ثُمَّ يَلْزَمُ مَنْ صَحَّحَهُ أَنْ يَقُولَ بِكُلِّ مَا ذَكَرْنَا فِيهِ, وَلَيْسَ مِنْ الْمُخَالِفِينَ لَنَا طَائِفَةٌ إلاَّ وَهِيَ تُخَالِفُ مَا فِيهِ, وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ مَا فِي الْخَبَرِ حُجَّةً وَبَعْضُهُ غَيْرَ حُجَّةٍ; فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ.
أَمَّا خَبَرُ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ فَالْحَسَنُ مُطْرَحٌ.
وَأَمَّا حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ فَصَحِيفَةٌ مُرْسَلَةٌ. وَرَوَاهُ أَيْضًا ابْنُ أَبِي لَيْلَى وَهُوَ سَيِّئُ الْحِفْظِ.
فَإِنْ لَجُّوا عَلَى عَادَاتِهِمْ وَصَحَّحُوا حَدِيثَ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ إذَا وَافَقَهُمْ فَلْيَسْتَمِعُوا.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَجُوزُ لاِمْرَأَةٍ أَمْرٌ فِي مَالِهَا إذَا مَلَكَ زَوْجُهَا عِصْمَتَهَا".
وَمِنْ طَرِيقِ حُسَيْنِ1 الْمُعَلِّمِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَجُوزُ لاِمْرَأَةٍ عَطِيَّةٌ إلاَّ بِإِذْنِ زَوْجِهَا".
وَمِنْ طَرِيقِ الْعَلاَءِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ عليه السلام: "أَنَّهُ قَضَى فِي الْعَيْنِ الْقَائِمَةِ السَّادَّةِ لِمَكَانِهَا بِثُلُثِ الدِّيَةِ".
وَعَنْ حُسَيْنِ الْمُعَلِّمِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: "كانَتْ قِيمَةُ الدِّيَةِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَمَانِمِائَةِ دِينَارٍ ثَمَانِيَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ, وَدِيَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الْمُسْلِمِ, وَكَانَتْ كَذَلِكَ حَتَّى اُسْتُحْلِفَ عُمَرُ, فَقَامَ خَطِيبًا فَفَرَضَهَا عَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفَ دِينَارٍ, وَعَلَى أَهْلِ الْوَرِقِ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ دِرْهَمٍ, وَعَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ, وَعَلَى أَهْلِ الشَّاءِ أَلْفَيْ شَاةٍ, وَعَلَى أَهْلِ الْحُلَلِ مِائَتَيْ حُلَّةٍ, وَتَرَكَ دِيَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَمْ يَرْفَعْهَا فِيمَا رَفَعَ مِنْ الدِّيَةِ".
وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى أَنَّ مَنْ قُتِلَ خَطَأً فَدِيَتُهُ مِائَةٌ مِنْ الإِبِلِ, ثَلاَثُونَ بِنْتَ مَخَاضٍ, وَثَلاَثُونَ بِنْتَ لَبُونٍ وَعِشْرُونَ ابْنَ لَبُونٍ ذَكَرٍ, وَعِشْرُونَ حِقَّةً, وَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَهْلِ الْبَقَرِ مِائَتَيْ بَقَرَةٍ يَعْنِي فِي الدِّيَةِ وَمَنْ كَانَتْ دِيَتُهُ فِي الشَّاءِ فَأَلْفَا شَاةٍ".
وَكُلُّ هَذَا فَجَمِيعُ الْحَنَفِيَّةِ, وَالْمَالِكِيَّةِ, وَالشَّافِعِيَّةِ: مُخَالِفُونَ لاَِكْثَرِهِ, وَلَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَزِيدَ مِنْ رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ لاََمْكَنَ ذَلِكَ, وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ.
ـــــــ
1 في النسخة رقم "16" "حسن" وهو خطأ.

وَلاَ أَرَقُّ دِينًا مِمَّنْ يُوَثِّقُ رِوَايَةً إذَا وَافَقَتْ هَوَاهُ, وَيُوهِنُهَا إذَا خَالَفَتْ هَوَاهُ فَمَا يَتَمَسَّكُ فَاعِلُ هَذَا مِنْ الدِّينِ إلاَّ بِالتَّلاَعُبِ وَحَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ مُرْسَلٌ وَعَنْ مَجْهُولٍ أَيْضًا.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَاقِدٍ مَجْهُولٌ.
فَسَقَطَ كُلُّ مَا فِي هَذَا، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَصِحَّ مِنْهُ شَيْءٌ.
وَأَمَّا مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ، عَنِ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، فَلاَ يَصِحُّ، عَنْ عُمَرَ, لإِنَّ رَاوِيَهُ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ, وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَقَدْ رُوِّينَا، عَنْ عُمَرَ مَا هُوَ أَصَحُّ مِنْ هَذَا; وَكُلُّهُمْ يُخَالِفُونَهُ.
كَمَا حَدَّثَنَا حمام، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا الدَّبَرِيُّ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ, وَمَعْمَرٍ قَالَ هِشَامٌ: عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ, وَقَالَ سُفْيَانُ, وَمَعْمَرُ: عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ, ثُمَّ اتَّفَقُوا كُلُّهُمْ، عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: بَعَثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَلَى الأَبِلَةِ فَأَخْرَجَ إلَيَّ كِتَابًا مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ "خُذْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمًا وَمِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمًا وَمِمَّنْ لاَ ذِمَّةَ لَهُ مِنْ كُلِّ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ دِرْهَمًا".
فَهَذَا أَنَسٌ, وَعُمَرُ بِأَصَحِّ إسْنَادٍ يُمْكِنُ; فَإِنْ تَأَوَّلُوا فِيهِ تَأْوِيلاً يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُهُ فَمَا هُمْ بِأَقْوَى عَلَى ذَلِكَ مِنْ غَيْرِهِمْ فِيمَا يَحْتَجُّونَ بِهِ, وَمَا يَعْجِزُ أَحَدٌ، عَنْ أَنْ يَقُولَ: إنَّمَا أَمَرَ عُمَرُ فِي الْعِشْرِينَ دِينَارًا بِنِصْفِ دِينَارٍ كَمَا أَمَرَ فِي الرَّقِيقِ وَالْخَيْلِ بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ مِنْ كُلِّ رَأْسٍ: إذَا طَابَتْ نَفْسُ مَالِكِ كُلِّ ذَلِكَ بِهِ, وَإِلاَّ فَلاَ!!
وَأَمَّا الْخَبَرُ فِي ذَلِكَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَمُرْسَلٌ; ، وَلاَ يَأْخُذُ بِهِ الْمَالِكِيُّونَ, وَلاَ الشَّافِعِيُّونَ, وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ حُجَّةً فِي بَعْضِ حُكْمِهِ ذَلِكَ، وَلاَ يَكُونُ حُجَّةً فِي بَعْضِهِ, وَالْمُسَامَحَةُ فِي الدِّينِ هَلاَكٌ.
وَأَمَّا قَوْلُ عَلِيٍّ فَهُوَ صَحِيحٌ, وَقَدْ رُوِّينَا، عَنْ عَلِيٍّ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ نَفْسِهَا أَشْيَاءَ كَثِيرَةً قَدْ ذَكَرْنَاهَا: مِنْهَا: فِي كُلِّ خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الإِبِلِ خَمْسًا مِنْ الْغَنَمِ, وَكُلُّهُمْ مُخَالِفٌ لِهَذَا. وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ عَلِيٍّ حُجَّةً فِي مَكَان غَيْرَ حُجَّةٍ فِي آخَرَ.
فَبَطَلَ كُلُّ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ مِنْ آثَارِ الصَّحَابَةِ رضي الله تعالى عنهم.

ثُمَّ حَتَّى لَوْ صَحَّتْ هَذِهِ الآثَارُ كُلُّهَا، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَعَنِ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، لَكَانُوا مُخَالِفِينَ لَهَا; لإِنَّ الْحَنَفِيِّينَ, وَالْمَالِكِيِّينَ يَقُولُونَ: إنْ كَانَتْ عَشْرَةَ دَنَانِيرَ وَمِائَةَ دِرْهَمٍ فَفِيهَا الصَّدَقَةُ, وَكُلُّ هَذِهِ الآثَارِ تُبْطِلُ الزَّكَاةَ، عَنْ أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا; وَهُمْ يُوجِبُونَهَا فِي أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا; فَصَارَتْ كُلُّهَا حُجَّةً عَلَيْهِمْ, وَعَادَ مَا صَحَّحُوا مِنْ ذَلِكَ قَاطِعًا بِهِمْ أَقْبَحَ قَطْعٍ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ.
وَالْمَالِكِيُّونَ: يُوجِبُونَهَا فِي عِشْرِينَ دِينَارًا نَاقِصَةً إذَا جَازَتْ جَوَازَ الْمُوَازَنَةِ, وَهَذَا خِلاَفُ مَا فِي هَذِهِ الأَخْبَارِ كُلِّهَا.
وَأَمَّا التَّابِعُونَ فَقَدْ اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا, وَصَحَّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ, وَعَطَاءٍ أَنَّهُ لاَ يُزَكَّى مِنْ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ إلاَّ أَرْبَعِينَ دِينَارًا, لاَ أَقَلَّ; ثُمَّ كَذَلِكَ إذَا زَادَتْ أَرْبَعِينَ دِينَارًا, وَرَأَوْا الزَّكَاةَ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ وَمَا بَيْنَ كُلِّ أَرْبَعِينَ وَأَرْبَعِينَ بَعْدَهَا الْقِيمَةُ; وَكَانَتْ الْقِيمَةُ قَوْلاً لاَ يُوجِبُهُ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ، وَلاَ إجْمَاعٌ، وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ، وَلاَ دَلِيلٌ أَصْلاً; فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ.
وَقَدْ حدثنا حمام، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ، حدثنا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ، عَنْ أَشْعَثَ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْحُمْرَانِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: لَيْسَ فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِينَ دِينَارًا شَيْءٌ.
قال أبو محمد: فَصَحَّتْ الزَّكَاةُ فِي أَرْبَعِينَ مِنْ الذَّهَبِ ثُمَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ زَائِدَةً: بِالإِجْمَاعِ الْمُتَيَقَّنِ الْمَقْطُوعِ بِهِ فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ وَلَمْ يَكُنْ فِي إيجَابِ الزَّكَاةِ فِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ، وَلاَ فِيمَا بَيْنَ النِّصَابَيْنِ: قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ، وَلاَ إجْمَاعٌ, وَلاَ يَجُوزُ أَنْ تُؤْخَذَ الشَّرَائِعُ فِي دِينِ الإِسْلاَمِ إلاَّ بِأَحَدِ هَذِهِ الثَّلاَثَةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
قَالَ عَلِيٌّ: فَلَيْسَ إلاَّ هَذَا الْقَوْلُ, أَوْ قَوْلُ مَنْ قَالَ: قَدْ صَحَّ أَنَّ فِي الذَّهَبِ زَكَاةً بِالنَّصِّ الثَّابِتِ; فَالْوَاجِبُ أَنْ يُزَكَّى كُلُّ ذَهَبٍ, إلاَّ ذَهَبًا صَحَّ الإِجْمَاعُ عَلَى إسْقَاطِ زَكَاتِهَا فَمَنْ قَالَ هَذَا: فَوَاجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ يُزَكِّيَ كُلَّ مَا دُونَ الْعِشْرِينَ بِالْقِيمَةِ, وَأَنْ يُزَكِّيَ حُلِيَّ الذَّهَبِ, وَأَنْ يُزَكِّيَ كُلَّ ذَهَبٍ حِينَ يَمْلِكُهُ مَالِكُهُ فَكُلُّ هَذَا قَدْ قَالَ بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الأَئِمَّةِ الَّذِينَ هُمْ أَجَلُّ مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ, وَمَالِكٍ, وَالشَّافِعِيِّ.
قال أبو محمد: وَلَمْ نَقُلْ بِهَذَا لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ أَنْ يُنْسَبَ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَلاَ إلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم قول إلاَّ بِيَقِينِ نَقْلٍ صَحِيحٍ مِنْ رِوَايَةِ الإِثْبَاتِ أَوْ بِنَقْلِ تَوَاتُرٍ أَوْ مُجْمَعٍ عَلَيْهِ, وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الأَحْوَالِ مَوْجُودًا فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الأَقْوَالِ وَقَدْ قلنا: إنَّ الإِجْمَاعَ قَدْ صَحَّ عَلَى أَنَّهُ عليه السلام لَمْ يُوجِبْ الزَّكَاةَ فِي كُلِّ عَدَدٍ مِنْ الذَّهَبِ, وَلاَ فِي كُلِّ

وَقْتٍ مِنْ الدَّهْرِ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
قال أبو محمد: وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَمَا تَعَلَّقَ بِمَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم،; لإِنَّ الرِّوَايَةَ، عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه بِأَنَّ مَا زَادَ عَلَى عِشْرِينَ دِينَارًا فَإِنَّهُ يُزَكَّى بِالدَّرَاهِمِ. وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: تَزْكِيَةُ الذَّهَبِ بِالدَّرَاهِمِ, وَهَذَا يَخْرُجُ عَلَى قَوْلِ الزُّهْرِيِّ, وَعَطَاءٍ, وَمَا وَجَدْنَا، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلاَ مِنْ التَّابِعِينَ أَنَّ الْوَقْصَ فِي الذَّهَبِ يُزَكَّى بِالذَّهَبِ فَخَرَجَ قَوْلُهُ، عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ سَلَفٌ.
وَنَسْأَلُهُمْ أَيْضًا: مِنْ أَيْنَ جَعَلْتُمْ الْوَقْصَ فِي الذَّهَبِ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ وَلَيْسَ هَذَا فِي شَيْءٍ مِنْ الآثَارِ الَّتِي احْتَجَجْتُمْ بِهَا; بَلْ الأَثَرُ الَّذِي رُوِيَ، عَنْ عَلِيٍّ فِي ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بأن مَا زَادَ عَلَى عِشْرِينَ دِينَارًا فَإِنَّهُ يُزَكَّى بِالْحِسَابِ; وَإِنَّمَا جَاءَ، عَنْ عُمَرَ فِي ذَلِكَ قَوْلٌ لاَ يَصِحُّ وَمَعَ ذَلِكَ فَقَدْ خَالَفْتُمُوهُ, وَرَأَيْتُمْ تَزْكِيَتَهُ بِالذَّهَبِ وَرَآهُ هُوَ بِالْوَرِقِ بِالْقِيمَةِ, وَقَدْ خَالَفَهُ عَلِيٌّ, وَابْنُ عُمَرَ بِرِوَايَةٍ أَصَحَّ مِنْ الرِّوَايَةِ، عَنْ عُمَرَ.
فَلاَ مَلْجَأَ لَهُمْ إلاَّ أَنْ يَقُولُوا: قِسْنَاهُ عَلَى الْفِضَّةِ.
قَوْلُ عَلِيٍّ: وَهَذَا قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ; ثُمَّ لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ قِيَاسًا لِلْخَطَأِ عَلَى الْخَطَأِ وَعَلَى أَصْلٍ غَيْرِ صَحِيحٍ وَلَمْ يَأْتِ بِهِ قَطُّ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ، وَلاَ رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ، وَلاَ إجْمَاعٌ مِنْ أَنَّ كُلَّ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ بِإِزَاءِ دِينَارٍ, وَإِنَّمَا هُوَ شَيْءٌ قَالُوهُ فِي الزَّكَاةِ, وَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ. وَالدِّيَةِ, وَالصَّدَاقِ, وَكُلُّ ذَلِكَ خَطَأٌ مِنْهُمْ, لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُ صَحِيحًا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ وَنُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى; إذْ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ، وَلاَ إجْمَاعٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَبِالدَّلِيلِ الَّذِي ذَكَرْنَا وَجَبَ أَنْ لاَ يُزَكَّى الذَّهَبُ إلاَّ حَتَّى يُتِمَّ عِنْدَ مَالِكِهِ حَوْلاً كَمَا قَدَّمْنَا.
ثُمَّ اسْتَدْرَكْنَا فَرَأَيْنَا أَنَّ حَدِيثَ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ مُسْنَدٌ صَحِيحٌ لاَ يَجُوزُ خِلاَفُهُ، وَأَنَّ الاِعْتِلاَلَ فِيهِ بِأَنَّ عَاصِمَ بْنَ ضَمْرَةَ, أَوْ أَبَا إِسْحَاقَ, أَوْ جَرِيرًا خَلَطَ إسْنَادَ الْحَارِثِ بِإِرْسَالِ عَاصِمٍ: هُوَ الظَّنُّ الْبَاطِلُ الَّذِي لاَ يَجُوزُ, وَمَا عَلَيْنَا مِنْ مُشَارَكَةِ الْحَارِثِ لِعَاصِمٍ, وَلاَ لاِِرْسَالِ مَنْ أَرْسَلَهُ; ، وَلاَ لِشَكِّ زُهَيْرٍ فِيهِ شَيْءٌ وَجَرِيرٌ ثِقَةٌ; فَالأَخْذُ بِمَا أَسْنَدَهُ لاَزِمٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

الزكاة واجبة في حلي الفضة و الذهب إذا بلغ كل واحد منهما المقدار الذي ذكرنا و أتم عند مالكه عاما قمريا
684 - مَسْأَلَةٌ: وَالزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ فِي حُلِيِّ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ إذَا بَلَغَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْمِقْدَارَ الَّذِي ذَكَرْنَا وَأَتَمَّ عِنْدَ مَالِكِهِ عَامًا قَمَرِيًّا.
وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فِي الزَّكَاةِ، وَلاَ أَنْ يَخْرُجَ أَحَدُهُمَا، عَنِ الآخَرِ، وَلاَ قِيمَتُهُمَا فِي عَرْضٍ أَصْلاً, وَسَوَاءٌ كَانَ حُلِيَّ امْرَأَةٍ أَوْ حُلِيَّ رَجُلٍ, وَكَذَلِكَ حِلْيَةُ السَّيْفِ وَالْمُصْحَفِ وَالْخَاتَمِ وَكُلِّ مَصُوغِ مِنْهُمَا حَلَّ اتِّخَاذُهُ أَوْ لَمْ يَحِلَّ.
وقال أبو حنيفة: بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي حُلِيِّ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ.
وقال مالك: إنْ كَانَ الْحُلِيُّ لاِمْرَأَةٍ تَلْبَسُهُ أَوْ تُكْرِيهِ أَوْ كَانَ لِرَجُلٍ يَعُدُّهُ لِنِسَائِهِ فَلاَ زَكَاةَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ, فَإِنْ كَانَ لِرَجُلٍ يَعُدُّهُ لِنَفْسِهِ عِدَّةً فَفِيهِ الزَّكَاةُ، وَلاَ زَكَاةَ عَلَى الرَّجُلِ فِي حِلْيَةِ السَّيْفِ, وَالْمِنْطَقَةِ, الْمُصْحَفِ, وَالْخَاتَمِ.
وقال الشافعي: لاَ زَكَاةَ فِي حُلِيِّ ذَهَبٍ, أَوْ فِضَّةٍ.
وَجَاءَ فِي ذَلِكَ، عَنِ السَّلَفِ مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ إيجَابِهِ الزَّكَاةَ فِي حُلِيِّ امْرَأَتِهِ. وَهُوَ عَنْهُ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِي، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ قَالَتْ امْرَأَةٌ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: لِي حُلِيٌّ فَقَالَ لَهَا: إذَا بَلَغَ مِائَتَيْنِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ.
وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى: مُرْ نِسَاءَ الْمُسْلِمِينَ يُزَكِّينَ حُلِيَّهُنَّ.
وَمِنْ طَرِيقِ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَأْمُرُ بِالزَّكَاةِ فِي حُلِيِّ بَنَاتِهِ وَنِسَائِهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ حُسَيْنِ الْمُعَلِّمِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُهُ بِذَلِكَ كُلَّ عَامٍ.
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: لاَ بَأْسَ بِلُبْسِ الْحُلِيِّ إذَا أُعْطِيت زَكَاتُهُ

وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ, وَعَطَاءٍ, وطَاوُوس, وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ, وَمَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ, وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ, وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ, وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ, وَذَرٍّ الْهَمْدَانِيِّ وَابْنِ سِيرِينَ, وَاسْتَحَبَّهُ الْحَسَنُ.
قَالَ الزُّهْرِيُّ: مَضَتْ السُّنَّةُ أَنَّ فِي الْحُلِيِّ الزَّكَاةَ.
وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شُبْرُمَةَ, وَالأَوْزَاعِيِّ, وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ.
وَقَالَ اللَّيْثُ: مَا كَانَ مِنْ حُلِيٍّ يُلْبَسُ وَيُعَارُ فَلاَ زَكَاةَ فِيهِ, وَمَا كَانَ مِنْ حُلِيٍّ اُتُّخِذَ لِيُحْرَزَ مِنْ الزَّكَاةِ فَفِيهِ الزَّكَاةُ.
وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ, وَابْنُ عُمَرَ: لاَ زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ.
وَهُوَ قَوْلُ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ; وَرُوِيَ أَيْضًا، عَنْ عَائِشَةَ, وَهُوَ عَنْهُمَا صَحِيحٌ, وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ, وَعَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ, وَأَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ; وَرُوِيَ أَيْضًا، عَنْ طَاوُوس, وَالْحَسَنِ, وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ.
وَاخْتَلَفَ فِيهِ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ, فَمَرَّةً رَأَى فِيهِ الزَّكَاةَ, وَمَرَّةً لَمْ يَرَهَا.
قال أبو محمد: وَهُنَا قَوْلُ أَنَسٍ: إنَّ الزَّكَاةَ فِيهِ مَرَّةٌ وَاحِدَةٌ, ثُمَّ لاَ تَعُودُ فِيهِ الزَّكَاةُ.
وَرُوِّينَا، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ وَخَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ: أَنَّ حِلْيَةَ السَّيْفِ مِنْ الْكُنُوزِ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَعَطَاءٍ: لاَ زَكَاةَ فِي قَدَحٍ مُفَضَّضٍ، وَلاَ فِي مِنْطَقَةٍ مُحَلاَّةٍ، وَلاَ فِي سَيْفٍ مُحَلًّى.
قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَتَقْسِيمٌ غَيْرُ صَحِيحٍ, وَمَا عِلْمنَا ذَلِكَ التَّقْسِيمَ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ, وَلاَ تَقُومُ عَلَى صِحَّتِهِ حُجَّةٌ مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ سُنَّةٍ، وَلاَ إجْمَاعٍ, وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلاَ قِيَاسٍ، وَلاَ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ.
وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ احْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِأَنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا سَقَطَتْ، عَنِ الْحُلِيِّ الْمُتَّخَذِ لِلنِّسَاءِ لاَِنَّهُ مُبَاحٌ لَهُنَّ, وَكَذَلِكَ، عَنِ الْمِنْطَقَةِ, وَالسَّيْفِ, وَحِلْيَةِ الْمُصْحَفِ, وَالْخَاتَمِ لِلرِّجَالِ.
قال أبو محمد: فَكَانَ هَذَا الاِحْتِجَاجُ عَجَبًا وَلَقَدْ عَلِمَ كُلُّ مُسْلِمٍ أَنَّ الدَّنَانِيرَ وَالدَّرَاهِمَ وَنِقَارَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ: مُبَاحٌ اتِّخَاذُ كُلِّ ذَلِكَ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ فَيَنْبَغِي عَلَى هَذَا أَنْ تَسْقُطَ الزَّكَاةُ، عَنْ كُلِّ ذَلِكَ, إنْ كَانَتْ هَذِهِ الْعِلَّةُ صَحِيحَةً وَيَلْزَمُ عَلَى هَذِهِ الْعِلَّةِ أَنَّ مَنْ

اتَّخَذَ مَا لاَ زَكَاةَ فِيهِ مِمَّا لَمْ يُبَحْ لَهُ اتِّخَاذُهُ أَنْ تَكُونَ فِيهِ الزَّكَاةُ عُقُوبَةً لَهُ, كَمَا أَسْقَطَ الزَّكَاةَ عَمَّا فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إذَا اُتُّخِذَ مِنْهُ حُلِيٌّ مُبَاحٌ اتِّخَاذُهُ!!
فَإِنْ قَالُوا: إنَّهُ يُشْبِهُ مَتَاعَ الْبَيْتِ الَّذِي لاَ زَكَاةَ فِيهِ مِنْ الثِّيَابِ وَنَحْوِهَا.
قلنا لَهُمْ: فَأَسْقِطُوا بِهَذِهِ الْعِلَّةِ نَفْسِهَا إنْ صَحَّحْتُمُوهَا الزَّكَاةَ، عَنِ الإِبِلِ الْمُتَّخَذَةِ لِلرُّكُوبِ وَالسَّنِيِّ وَالْحَمْلِ وَالطَّحْنِ, وَعَنِ الْبَقَرِ الْمُتَّخَذَةِ لِلْحَرْثِ.
وَقَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ وَبَعْدُ, فَمَعَ فَسَادِ هَذِهِ الْعِلَّةِ وَتَنَاقُضِهَا, مِنْ أَيْنَ قُلْتُمْ بِهَا وَمِنْ أَيْنَ صَحَّ لَكُمْ أَنَّ مَا أُبِيحَ اتِّخَاذُهُ مِنْ الْحُلِيِّ تَسْقُطُ عَنْهُ الزَّكَاةُ وَمَا هُوَ إلاَّ قَوْلُكُمْ جَعَلْتُمُوهُ حُجَّةً لِقَوْلِكُمْ، وَلاَ مَزِيدَ!
ثُمَّ أَيْنَ وَجَدْتُمْ إبَاحَةَ اتِّخَاذِ الْمِنْطَقَةِ الْمُحَلاَّةِ بِالْفِضَّةِ وَالْمُصْحَفِ الْمُحَلَّى بِالْفِضَّةِ لِلرِّجَالِ دُونَ السَّرْجِ وَاللِّجَامِ, وَالْمَهَامِيزِ الْمُحَلاَّةِ بِالْفِضَّةِ.
فَإِنْ ادَّعَوْا فِي ذَلِكَ رِوَايَةً، عَنِ السَّلَفِ ادَّعَوْا مَا لاَ يَجِدُونَهُ.
وَأَوْجَدْنَاهُمْ، عَنِ السَّلَفِ بِأَصَحِّ طَرِيقٍ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ فِي تَارِيخِهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ الْمُسْنَدِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ عَمِّهِ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: رَأَيْتُ عَلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ, وَطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ, وَصُهَيْبٍ خَوَاتِيمَ ذَهَبٍ.
وَصَحَّ أَيْضًا، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ. فَأَسْقِطُوا لِهَذَا الزَّكَاةَ، عَنْ خَوَاتِيمِ الذَّهَبِ لِلرِّجَالِ; أَوْ قِيسُوا حِلْيَةَ السَّرْجِ وَاللِّجَامِ وَالدِّرْعِ وَالْبَيْضَةِ عَلَى الْمِنْطَقَةِ وَالسَّيْفِ; وَإِلاَّ فَلاَ النُّصُوصَ اتَّبَعْتُمْ, وَلاَ الْقِيَاسَ اسْتَعْمَلْتُمْ فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ بِيَقِينٍ.
وَأَمَّا قَوْلُ اللَّيْثِ فَفَاسِدٌ أَيْضًا, لاَِنَّهُ لاَ يَخْلُو حُلِيُّ النِّسَاءِ مِنْ أَنْ تَكُونَ فِيهِ الزَّكَاةُ أَوْ لاَ تَكُونَ فِيهِ الزَّكَاةُ, فَإِنْ كَانَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ فَفِي كُلِّ حَالٍّ فِيهِ الزَّكَاةُ وَإِنْ كَانَ لاَ زَكَاةَ فِيهِ فَمَا عَلِمْنَا عَلَى مَنْ اتَّخَذَ مَا لاَ زَكَاةَ فِيهِ لِيُحْرِزَهُ مِنْ الزَّكَاةِ زَكَاةً وَلَوْ كَانَ هَذَا لَوَجَبَ عَلَى مَنْ اشْتَرَى بِدَرَاهِمِهِ دَارًا أَوْ ضَيْعَةً لِيُحْرِزَهَا مِنْ الزَّكَاةِ أَنْ يُزَكِّيَهَا, وَهُوَ لاَ يَقُولُ بِهَذَا.
وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَإِنَّهُ عَلَّلَ ذَلِكَ بِالنَّمَاءِ. فَأَسْقَطَ الزَّكَاةَ، عَنِ الْحُلِيِّ وَعَنِ الإِبِلِ; وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ غَيْرِ السَّوَائِمِ

قال أبو محمد: وَهَذَا تَعْلِيلٌ فَاسِدٌ; لاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ، وَلاَ إجْمَاعٌ، وَلاَ نَظَرٌ صَحِيحٌ; وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الثِّمَارَ وَالْخُضَرَ تَنْمِي, وَهُوَ لاَ يَرَى الزَّكَاةَ فِيهَا وَكِرَاءُ الإِبِلِ, وَعَمَلُ الْبَقَرِ يَنْمِي, وَهُوَ لاَ يَرَى الزَّكَاةَ فِيهَا وَالدَّرَاهِمُ لاَ تَنْمِي إذَا بَقِيَتْ عِنْدَ مَالِكِهَا, وَهُوَ يَرَى الزَّكَاةَ فِيهَا, وَالْحُلِيُّ يَنْمِي كِرَاؤُهُ وَقِيمَتُهُ, وَهُوَ لاَ يَرَى الزَّكَاةَ فِيهِ.
وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَأَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي الْحُلِيِّ, وَأَسْقَطَ الزَّكَاةَ، عَنِ الْمُسْتَعْمَلَةِ مِنْ الإِبِلِ, وَالْبَقَرِ, وَالْغَنَمِ; وَهَذَا تَنَاقُضٌ.
وَاحْتَجَّ لَهُ بَعْضُ مُقَلِّدِيهِ بِأَنَّ الذَّهَبَ, وَالْفِضَّةَ قَبْلَ أَنْ يُتَّخَذَ حُلِيًّا كَانَتْ فِيهِمَا الزَّكَاةُ, ثُمَّ قَالَتْ طَائِفَةٌ: قَدْ سَقَطَ عَنْهُمَا حَقُّ الزَّكَاةِ. وَقَالَ آخَرُونَ: لَمْ يَسْقُطْ, فَوَجَبَ أَنْ لاَ يَسْقُطَ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ بِاخْتِلاَفٍ.
فَقُلْنَا: هَذِهِ حُجَّةٌ صَحِيحَةٌ; إلاَّ أَنَّهَا لاَزِمَةٌ لَكُمْ فِي غَيْرِ السَّوَائِمِ; لاِتِّفَاقِ الْكُلِّ عَلَى وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِيهَا قَبْلَ أَنْ تُعْلَفَ, فَلَمَّا عُلِفَتْ اخْتَلَفُوا فِي سُقُوطِ الزَّكَاةِ أَوْ تَمَادِيهَا, فَوَجَبَ أَنْ لاَ يَسْقُطَ مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ بِاخْتِلاَفٍ.
وَقَالَ هَذَا الْقَائِلُ: وَجَدْنَا الْمَعْلُوفَةَ نُنْفِقُ عَلَيْهَا وَنَأْخُذُ مِنْهَا, وَوَجَدْنَا السَّوَائِمَ نَأْخُذُ مِنْهَا، وَلاَ نُنْفِقُ عَلَيْهَا; وَالْحُلِيُّ يُؤْخَذُ كِرَاؤُهُ وَيُنْتَفَعُ بِهِ، وَلاَ يُنْفَقُ عَلَيْهِ, فَكَانَ أَشْبَهَ بِالسَّوَائِمِ مِنْهُ بِالْمَعْلُوفَةِ.
فَقِيلَ لَهُ: وَالسَّائِمَةُ أَيْضًا يُنْفَقُ عَلَيْهَا أَجْرُ الرَّاعِي. وَهَذِهِ كُلُّهَا أَهْوَاسٌ وَتَحَكُّمٌ فِي الدِّينِ بِالضَّلاَلِ!!
قال أبو محمد: وَاحْتَجَّ مَنْ رَأَى إيجَابَ الزَّكَاةِ فِي الْحُلِيِّ بِآثَارٍ وَاهِيَةٍ, لاَ وَجْهَ لِلاِشْتِغَالِ بِهَا, إلاَّ أَنَّنَا نُنَبِّهُ عَلَيْهَا تَبْكِيتًا لِلْمَالِكِيِّينَ الْمُحْتَجِّينَ بِمِثْلِهَا وَبِمَا هُوَ دُونَهَا إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ وَهِيَ.
خَبَرٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ خَالِدِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنِ الْحُسَيْنِ الْمُعَلِّمِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ امْرَأَةً دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي يَدِهَا مَسَكَتَانِ غَلِيظَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ لَهَا: "أَتُؤَدِّينَ زَكَاةَ هَذَا؟" قَالَتْ: لاَ, قَالَ: "أَيَسُرُّكِ أَنْ يُسَوِّرَكِ اللَّهُ بِهِمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ؟", فَأَلْقَتْهُمَا, وَقَالَتْ: هُمَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ.

وَالْمَالِكِيُّونَ يَحْتَجُّونَ بِرِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ إذَا وَافَقَ أَهْوَاءَهُمْ, وَلَمْ يَرْوِهِ هَاهُنَا حُجَّةً.
وَخَبَرٌ مِنْ طَرِيقِ عَتَّابٍ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ عَجْلاَنَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ كُنْتُ أَلْبَسُ أَوْضَاحًا لِي مِنْ ذَهَبٍ, فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكَنْزٌ هُوَ قَالَ: "مَا بَلَغَ أَنْ تُؤَدَّى زَكَاتُهُ فَزُكِّيَ فَلَيْسَ بِكَنْزٍ".
وَعَتَّابٌ مَجْهُولٌ, إلاَّ أَنَّ الْمَالِكِيِّينَ يَحْتَجُّونَ بِمِثْلِ حَرَامِ بْنِ عُثْمَانَ, وَسَوَّارِ بْنِ مُصْعَبٍ, وَهَذَا خَيْرٌ مِنْهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ: أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَمْرٍو، هُوَ ابْنُ عَطَاءٍ أَخْبَرَهُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ قَالَ: دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَأَى فِي يَدِي سِخَابًا مِنْ وَرِقٍ فَقَالَ: "أَتُؤَدِّينَ زَكَاتَهُ؟", قُلْت: لاَ, أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى, فَقَالَ: "هُوَ حَسْبُكِ مِنْ النَّارِ".
قال أبو محمد: يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ ضَعِيفٌ, وَالْمَالِكِيُّونَ يَحْتَجُّونَ بِرِوَايَتِهِ, إذَا وَافَقَ أَهْوَاءَهُمْ. وَنَقُولُ لِلْحَنَفِيِّينَ: أَنْتُمْ قَدْ تَرَكْتُمْ رِوَايَةَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي غَسْلِ الإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ سَبْعًا مِنْ أَجْلِ أَنَّكُمْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقٍ لاَ خَيْرَ فِيهَا أَنَّهُ خَالَفَ مَا رُوِيَ مِنْ ذَلِكَ لاَ حُجَّةَ لَكُمْ فِي تَرْكِ ذَلِكَ الْخَبَرِ الثَّابِتِ إلاَّ بِهَذَا, ثُمَّ أَخَذْتُمْ بِرَاوِيَةِ عَائِشَةَ هَذِهِ الَّتِي لاَ تَصِحُّ; وَهِيَ قَدْ خَالَفَتْهُ مِنْ أَصَحِّ طَرِيقٍ, فَمَا هَذَا التَّلاَعُبُ بِالدِّينِ!
فَإِنْ قَالُوا: قَدْ رُوِيَ عَنْهَا الأَخْذُ بِمَا رَوَتْ مِنْ هَذَا.
قلنا لَهُمْ: وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الأَخْذُ بِمَا رَوَى فِي غَسْلِ الإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ.
فَإِنْ قَالُوا: قَدْ رَوَى زَكَاةَ الْحُلِيِّ كَمَا أَوْرَدْتُمْ غَيْرُ عَائِشَةَ, وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو.

قلنا لَهُمْ: وَقَدْ رَوَى غَسْلَ الإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ سَبْعًا غَيْرُ أَبِي هُرَيْرَةَ, وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُغَفَّلٍ; وَهَذَا مَا لاَ انْفِكَاكَ لَهُمْ مِنْهُ.
قال أبو محمد: لَوْ لَمْ يَكُنْ إلاَّ هَذِهِ الآثَارُ لَمَا قلنا1 بِوُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي الْحُلِيِّ; وَلَكِنْ لِمَا صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "فِي الرِّقَةِ رُبْعُ الْعُشْرِ", "وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ2 مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ فَإِذَا بَلَغَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ", وَكَانَ الْحُلِيُّ وَرِقًا وَجَبَ3 فِيهِ حَقُّ الزَّكَاةِ, لِعُمُومِ هَذَيْنِ الأَثَرَيْنِ الصَّحِيحَيْنِ.
وَأَمَّا الذَّهَبُ فَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ لاَ يُؤَدِّي مَا فِيهَا إلاَّ جُعِلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ يُكْوَى بِهَا". فَوَجَبَتْ الزَّكَاةُ فِي كُلِّ ذَهَبٍ بِهَذَا النَّصِّ, وَإِنَّمَا تَسْقُطُ الزَّكَاةُ مِنْ الذَّهَبِ عَمَّنْ لاَ بَيَانَ فِي هَذَا النَّصِّ بِإِيجَابِهَا فِيهِ; وَهُوَ الْعَدَدُ وَالْوَقْتُ, لاِِجْمَاعِ الآُمَّةِ كُلِّهَا بِلاَ خِلاَفٍ مِنْهَا أَصْلاً عَلَى أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يُوجِبْ الزَّكَاةَ فِي كُلِّ عَدَدٍ مِنْ الذَّهَبِ, وَلاَ فِي كُلِّ وَقْتٍ مِنْ الزَّمَانِ, فَلَمَّا صَحَّ ذَلِكَ وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ فِي الْعَدَدِ وَالْوَقْتِ وَجَبَ أَنْ لاَ يُضَافَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلاَّ مَا صَحَّ عَنْهُ بِنَقْلِ آحَادٍ أَوْ بِنَقْلِ إجْمَاعٍ; وَلَمْ يَأْتِ إجْمَاعٌ قَطُّ بِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يُرِدْ إلاَّ بَعْضَ أَحْوَالِ الذَّهَبِ وَصِفَاتِهِ, فَلَمْ يَجُزْ تَخْصِيصُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ نَصٍّ، وَلاَ إجْمَاعٍ.
فإن قيل: فَهَلاَّ أَخَذْتُمْ بِقَوْلِ أَنَسٍ فِي الْحُلِيِّ بِهَذَا الدَّلِيلِ نَفْسِهِ, فَلَمْ تُوجِبُوا فِيهِ الزَّكَاةَ إلاَّ مَرَّةً وَاحِدَةً فِي الدَّهْرِ.
قلنا لَهُمْ: لاَِنَّهُ قَدْ صَحَّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إيجَابُ الزَّكَاةِ فِي الذَّهَبِ عُمُومًا, وَلَمْ يَخُصَّ الْحُلِيَّ مِنْهُ بِسُقُوطِ الزَّكَاةِ فِيهِ, لاَ بِنَصٍّ، وَلاَ بِإِجْمَاعٍ, فَوَجَبَتْ الزَّكَاةُ بِالنَّصِّ فِي كُلِّ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ, وَخَصَّ الإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ بَعْضَ الأَعْدَادِ مِنْهُمَا وَبَعْضَ الأَزْمَانِ, فَلَمْ تَجِبْ الزَّكَاةُ فِيهِمَا إلاَّ فِي عَدَدٍ أَوْجَبَهُ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ وَفِي زَمَانٍ أَوْجَبَهُ نَصٌّ أَوْ إجْمَاعٌ, وَلَمْ يَجُزْ تَخْصِيصُ شَيْءٍ مِنْهُمَا; إذْ قَدْ عَمَّهُمَا النَّصُّ; فَوَجَبَ أَنْ لاَ يُفَرَّقَ بَيْنَ أَحْوَالِ الذَّهَبِ بِغَيْرِ نَصٍّ، وَلاَ إجْمَاعٍ, وَصَحَّ يَقِينًا بِلاَ خِلاَفٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُوجِبُ الزَّكَاةَ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ كُلَّ عَامٍ, وَالْحُلِيِّ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ, فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ "إلاَّ الْحُلِيَّ" بِغَيْرِ نَصٍّ فِي ذَلِكَ، وَلاَ إجْمَاعٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا الْجَمْعُ بَيْنَ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ فِي الزَّكَاةِ فَإِنَّ مَالِكًا, وَأَبَا يُوسُفَ, وَمُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ, قَالُوا: مَنْ كَانَ مَعَهُ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ مَا إذَا حَسِبَهُمَا عَلَى أَنَّ كُلَّ دِينَارٍ بِإِزَاءِ عَشَرَةِ
ـــــــ
1 في النسخة رقم "14" "ما قلنا".
2 في النسخة رقم "14" "أواق".
3 في النسخة رقم "14" "فأوجب".

دَرَاهِمَ فَاجْتَمَعَ مِنْ ذَلِكَ عِشْرُونَ دِينَارًا أَوْ مِائَتَا دِرْهَمٍ زَكَّى الْجَمِيعَ زَكَاةً وَاحِدَةً, مِثْلَ أَنْ يَكُونَ لَهُ دِينَارٌ وَمِائَةٌ وَتِسْعُونَ دِرْهَمًا, أَوْ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَتِسْعَةَ عَشَرَ دِينَارًا أَوْ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ وَمِائَةُ دِرْهَمٍ وَعَلَى هَذَا الْحُكْمِ أَبَدًا. فَإِنْ كَانَ لَهُ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ, وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إلَى غَلاَءِ قِيمَةِ الدَّنَانِيرِ, أَوْ الدَّرَاهِمِ أَوْ رُخْصِهَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ.
الأَوَّلُ ثُمَّ رَجَعَ فَقَالَ: يُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِالْقِيمَةِ, فَإِذَا بَلَغَ قِيمَةُ مَا عِنْدَهُ مِنْهُمَا جَمِيعًا عِشْرِينَ دِينَارًا أَوْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ, وَإِلاَّ فَلاَ, فَيَرَى عَلَى مَنْ عِنْدَهُ دِينَارٌ وَاحِدٌ يُسَاوِي لِغَلاَءِ الذَّهَبِ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ غَيْرَ دِرْهَمٍ وَعِنْدَهُ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ: أَنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ عَلَيْهِ, وَلَمْ يَرَ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ تِسْعَةَ عَشَرَ دِينَارًا وَمِائَتَيْ دِرْهَمٍ غَيْرَ دِرْهَمٍ لاَ تُسَاوِي دِينَارًا زَكَاةً.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى; وَشَرِيكٌ; وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ, وَالشَّافِعِيُّ, وَأَبُو سُلَيْمَانَ: لاَ يُضَمُّ ذَهَبٌ إلَى وَرِقٍ أَصْلاً; لاَ بِقِيمَةٍ، وَلاَ عَلَى الأَجْزَاءِ, فَمَنْ عِنْدَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ غَيْرُ حَبَّةٍ وَعِشْرُونَ دِينَارًا غَيْرُ حَبَّةٍ: فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِمَا, فَإِنْ كَمُلَ أَحَدُهُمَا نِصَابًا زَكَّاهُ وَلَمْ يُزَكِّ الآخَرَ.
قال أبو محمد: وَاحْتَجَّ مَنْ رَأَى الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُمَا أَثْمَانُ الأَشْيَاءِ.
قَالَ عَلِيٌّ: فَيُقَالُ لَهُ: وَالْفُلُوسُ قَدْ تَكُونُ أَثْمَانًا أَيْضًا, فَزَكِّهَا عَلَى هَذَا الرَّأْيِ الْفَاسِدِ. وَالأَشْيَاءُ كُلُّهَا قَدْ يُبَاعُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ, فَتَكُونُ أَثْمَانًا, فَزَكِّ الْعُرُوضَ بِهَذِهِ الْعِلَّةِ.
وَأَيْضًا: فَمَنْ لَكُمْ بِأَنَّهُمَا لَمَّا كَانَا أَثْمَانًا لِلأَشْيَاءِ وَجَبَ ضَمُّهُمَا فِي الزَّكَاةِ فَهَذِهِ عِلَّةٌ لَمْ يُصَحِّحْهَا قُرْآنٌ, وَلاَ سُنَّةٌ, وَلاَ رِوَايَةٌ فَاسِدَةٌ, وَلاَ إجْمَاعٌ, وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ, وَلاَ قِيَاسٌ يُعْقَلُ, وَلاَ رَأْيٌ سَدِيدٌ وَإِنَّمَا هِيَ دَعْوَى فِي غَايَةِ الْفَسَادِ.
وَأَيْضًا: فَإِذْ صَحَّحْتُمُوهَا فَاجْمَعُوا بَيْنَ الإِبِلِ وَالْبَقَرِ فِي الزَّكَاةِ, لاَِنَّهُمَا يُؤْكَلاَنِ وَتُشْرَبُ أَلْبَانُهُمَا, وَيُجْزِئُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، عَنْ سَبْعَةٍ فِي الْهَدْيِ نَعَمْ, وَاجْمَعُوا بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ الْغَنَمِ فِي الزَّكَاةِ, لاَِنَّهَا كُلَّهَا تَجُوزُ فِي الأَضَاحِيّ وَتَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ!
فإن قيل: النَّصُّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا.
قلنا: وَالنَّصُّ فَرَّقَ بَيْنَ الذَّهَبِ, وَالْفِضَّةِ فِي الزَّكَاةِ, لاَ يَخْلُو الذَّهَبُ, وَالْفِضَّةُ مِنْ أَنْ يَكُونَا جِنْسًا وَاحِدًا أَوْ جِنْسَيْنِ, فَإِنْ كَانَا جِنْسًا وَاحِدًا فَحَرَّمُوا بَيْعَ أَحَدِهِمَا بِالآخَرِ

مُتَفَاضِلاً, وَإِنْ كَانَا جِنْسَيْنِ فَالْجَمْعُ بَيْنَ الْجِنْسَيْنِ لاَ يَجُوزُ, إلاَّ بِنَصٍّ وَارِدٍ فِي ذَلِكَ وَيَلْزَمُهُمْ الْجَمْعُ بَيْنَ التَّمْرِ, وَالزَّبِيبِ فِي الزَّكَاةِ, وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ هَذَا, لاَِنَّهُمَا قُوتَانِ حُلْوَانِ فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ بِيَقِينٍ.
وَأَيْضًا: فَيَلْزَمُ مَنْ رَأَى الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا بِالْقِيمَةِ أَنْ يُزَكِّيَ فِي بَعْضِ الأَوْقَاتِ دِينَارًا أَوْ دِرْهَمًا فَقَدْ شَاهَدْنَا الدِّينَارَ يَبْلُغُ بِالأَنْدَلُسِ أَزْيَدَ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ, وَهَذَا بَاطِلٌ شَنِيعٌ جِدًّا!
وَيَلْزَمُ مَنْ رَأَى الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا بِتَكَامُلِ الأَجْزَاءِ أَنَّهُ إنْ كَانَ الذَّهَبُ رَخِيصًا أَوْ غَالِيًا فَإِنَّهُ يُخْرِجُ الذَّهَبَ، عَنِ الذَّهَبِ, وَالْفِضَّةَ بِالْقِيمَةِ. أَوْ تُخْرَجُ الْفِضَّةُ، عَنِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ بِالْقِيمَةِ وَهَذَا ضِدُّ مَا جَمَعَ بِهِ بَيْنَهُمَا, فَمَرَّةً رَاعَى الْقِيمَةَ لاَ الأَجْزَاءَ, وَمَرَّةً رَاعَى الأَجْزَاءَ لاَ الْقِيمَةَ, فِي زَكَاةٍ وَاحِدَةٍ وَهَذَا خَطَأٌ بِيَقِينٍ.
وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ هَذَا الْقَوْلِ وَبَيْنَ مَنْ قَالَ: بَلْ أَجْمَعُ الذَّهَبَ مَعَ الْفِضَّةِ بِالْقِيمَةِ وَأُخْرِجُ عَنْهُمَا أَحَدَهُمَا بِمُرَاعَاةِ الأَجْزَاءِ; وَكِلاَهُمَا تَحَكُّمٌ بِالْبَاطِلِ.
وَأَيْضًا: فَيَلْزَمُهُ إذَا اجْتَمَعَ لَهُ ذَهَبٌ وَفِضَّةٌ تَجِبُ فِيهِمَا عِنْدَهُ الزَّكَاةُ وَكَانَ الدِّينَارُ قِيمَتُهُ أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ فَإِنَّهُ إنْ أَخْرَجَ ذَهَبًا، عَنْ كِلَيْهِمَا فَإِنَّهُ يُخْرِجُ رُبْعَ دِينَارٍ وَأَقَلَّ، عَنْ زَكَاةِ عِشْرِينَ دِينَارًا, وَهَذَا بَاطِلٌ عِنْدَهُمْ, وَإِنْ أَخْرَجَ دَرَاهِمَ، عَنْ كِلَيْهِمَا وَكَانَ الدِّينَارُ لاَ يُسَاوِي إلاَّ أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَجَبَ أَنْ يُخْرِجَ أَكْثَرَ مِنْ عَشْرَةِ دَرَاهِمَ، عَنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ, وَهَذَا بَاطِلٌ بِإِجْمَاعٍ.
فَإِنْ قَالُوا: إنَّكُمْ تَجْمَعُونَ بَيْنَ الضَّأْنِ وَالْمَاعِزِ فِي الزَّكَاةِ, وَهُمَا نَوْعَانِ مُخْتَلِفَانِ.
قلنا نَعَمْ, لإِنَّ الزَّكَاةَ جَاءَتْ فِيهِمَا بِاسْمٍ يَجْمَعُهُمَا, وَهُوَ لَفْظُ "الْغَنَمِ" "وَالشَّاءِ" وَلَمْ تَأْتِ الزَّكَاةُ فِي الذَّهَبِ, وَالْفِضَّةِ بِلَفْظٍ يَجْمَعُهُمَا وَلَوْ لَمْ تَأْتِ الزَّكَاةُ فِي الضَّأْنِ إلاَّ بِاسْمِ "الضَّأْنِ "، وَلاَ فِي الْمَاعِزِ إلاَّ بِاسْمِ "الْمَاعِزِ" لَمَا جَمَعْنَا بَيْنَهُمَا, كَمَا لَمْ نَجْمَعْ بَيْنَ الْبَقَرِ, وَالإِبِلِ وَلَوْ جَاءَتْ الزَّكَاةُ فِي الذَّهَبِ, وَالْفِضَّةِ بِلَفْظٍ وَاسْمٍ جَمَعَ بَيْنَهُمَا لَجَمَعْنَا بَيْنَهُمَا.
قال أبو محمد: وَهُمْ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الذَّهَبَ غَيْرُ الْفِضَّةِ, وَأَنَّهُ يَجُوزُ بَيْعُ دِرْهَمٍ مِنْ أَحَدِهِمَا بِمِائَةٍ مِنْ الآخَرِ, وَأَنَّ أَحَدَهُمَا حَلاَلٌ لِلنِّسَاءِ وَالرِّجَالِ, وَالآخَرَ حَلاَلٌ لِلنِّسَاءِ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ, وَهُمْ مُقِرُّونَ أَنَّ الزَّكَاةَ لاَ تَجِبُ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ, وَلاَ

فِي أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا ثُمَّ يُوجِبُونَهَا فِي عَشْرَةِ دَنَانِيرَ وَمِائَةِ دِرْهَمٍ وَهَذَا تَنَاقُضٌ لاَ خَفَاءَ بِهِ.
قال أبو محمد: وَحُجَّتُنَا فِي أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الزَّكَاةِ هُوَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ" فَكَانَ مَنْ جَمَعَ بَيْنَ الذَّهَبِ, وَالْفِضَّةِ قَدْ أَوْجَبَ الزَّكَاةَ فِي أَقَلَّ مِنْ خَمْسِ أَوَاقٍ وَهَذَا خِلاَفٌ مُجَرَّدٌ لاَِمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَشَرْعٌ لَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ; وَهُمْ يُصَحِّحُونَ الْخَبَرَ فِي إسْقَاطِ الزَّكَاةِ فِي أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ دِينَارًا ثُمَّ يُوجِبُونَهَا فِي أَقَلَّ. وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا! وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَلِيٍّ, وَعُمَرَ, وَابْنِ عُمَرَ: إسْقَاطُ الزَّكَاةِ فِي أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ, وَلاَ مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا إخْرَاجُ الذَّهَبِ، عَنِ الْوَرِقِ, وَالْوَرِقِ، عَنِ الذَّهَبِ, فَإِنَّ مَالِكًا, وَأَبَا حَنِيفَةَ أَجَازَاهُ وَمَنَعَ مِنْهُ الشَّافِعِيُّ, وَأَبُو سُلَيْمَانَ, وَبِهِ نَأْخُذُ; لإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "فِي الرِّقَةِ رُبْعُ الْعُشْرِ, وَفِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ", فَمَنْ أَخْرَجَ غَيْرَ مَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِإِخْرَاجِهِ فَقَدْ تَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ. وَمَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ. وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ. وَلَمْ يَأْتِ بِمَا أُمِرَ, وَمَنْ لَمْ يَأْتِ بِمَا أُمِرَ فَلَمْ يُزَكِّ.
وَأَمَّا الذَّهَبُ فَالآُمَّةُ كُلُّهَا مُجْمِعَةٌ عَلَى أَنَّهُ إنْ أَخْرَجَ فِي زَكَاتِهَا الذَّهَبَ فَقَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ, وَوَافَقَ مَا أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ أَخْرَجَ فِضَّةً، عَنْ ذَهَبٍ, أَوْ عَرْضًا، عَنْ أَحَدِهِمَا, أَوْ غَيْرَ مَا جَاءَ بِهِ النَّصُّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا عَدَاهُمَا فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُنْسَبَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حُكْمًا بِغَيْرِ نَصٍّ، وَلاَ إجْمَاعٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

المال المستفاد
أقوال علماء الصحابة في زكاة المال المستفاد
الْمَالُ الْمُسْتَفَادُ
685 - مَسْأَلَةٌ: قال أبو محمد: صَحَّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إيجَابُ الزَّكَاةِ فِي كُلِّ مَالٍ يُزَكَّى حِينَ يَمْلِكُهُ الْمُسْلِمُ.
وَصَحَّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: لاَ زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يُتِمَّ حَوْلاً.

وقال أبو حنيفة: لاَ يُزَكَّى الْمَالُ الْمُسْتَفَادُ إلاَّ حَتَّى يُتِمَّ حَوْلاً إلاَّ إنْ كَانَ عِنْدَهُ مَالٌ يَجِبُ فِي عَدَدِ مَا عِنْدَهُ مِنْهُ الزَّكَاةُ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ: فَإِنَّهُ إنْ اكْتَسَبَ بَعْدَ ذَلِكَ لَوْ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ بِسَاعَةٍ شَيْئًا قَلَّ أَوْ كَثُرَ مِنْ جِنْسِ مَا عِنْدَهُ: فَإِنَّهُ يُزَكِّي الْمُكْتَسَبَ مَعَ الأَصْلِ, سَوَاءٌ عِنْدَهُ الذَّهَبُ, وَالْفِضَّةُ, وَالْمَاشِيَةُ, وَالأَوْلاَدُ, وَغَيْرُهَا.
وقال مالك: لاَ يُزَكَّى الْمَالُ الْمُسْتَفَادُ إلاَّ حَتَّى يُتِمَّ حَوْلاً, وَسَوَاءٌ كَانَ عِنْدَهُ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ, إلاَّ الْمَاشِيَةَ; فَإِنَّ مَنْ اسْتَفَادَ مِنْهَا شَيْئًا بِغَيْرِ وِلاَدَةٍ مِنْهَا, فَإِنْ كَانَ الَّذِي عِنْدَهُ مِنْهَا نِصَابًا: زَكَّى الْجَمِيعَ عِنْدَ تَمَامِ الْحَوْلِ, وَإِلاَّ فَلاَ, وَإِنْ كَانَتْ مِنْ وِلاَدَةٍ زَكَّى الْجَمِيعَ بِحَوْلِ الآُمَّهَاتِ1 سَوَاءٌ كَانَتْ الآُمَّهَاتُ نِصَابًا أَوْ لَمْ تَكُنْ.
وقال الشافعي: لاَ يُزَكَّى مَالٌ مُسْتَفَادٌ مَعَ نِصَابٍ كَانَ عِنْدَ الَّذِي اسْتَفَادَهُ مِنْ جِنْسِهِ أَلْبَتَّةَ, إلاَّ أَوْلاَدَ الْمَاشِيَةِ مَعَ أُمَّهَاتِهَا فَقَطْ إذَا كَانَتْ الآُمَّهَاتُ نِصَابًا وَإِلاَّ فَلاَ.
قال أبو محمد: وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلَ فَسَادِ هَذِهِ الأَقْوَالِ كُلِّهَا; وَيَكْفِي مِنْ فَسَادِهَا أَنَّهَا كُلَّهَا مُخْتَلِفَةٌ وَكُلُّهَا دَعَاوٍ مُجَرَّدَةٌ, وَتَقَاسِيمُ فَاسِدَةٌ مُتَنَاقِضَةٌ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّةِ شَيْءٍ مِنْهَا. لاَ مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ, وَلاَ مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ, وَلاَ مِنْ إجْمَاعٍ، وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ, وَلاَ مِنْ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ.
وقال أبو حنيفة: مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ فِي أَوَّلِ الْحَوْلِ فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ تَلِفَتْ كُلُّهَا أَوْ أَنْفَقَهَا إلاَّ دِرْهَمًا وَاحِدًا وَاحِدًا فَإِنَّهُ بَقِيَ عِنْدَهُ; فَلَمَّا كَانَ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ بِسَاعَةٍ اكْتَسَبَ مِائَةَ دِرْهَمٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ دِرْهَمًا: فَالزَّكَاةُ عَلَيْهِ فِي الْجَمِيعِ2 لِحَوْلِ الَّتِي تَلِفَتْ, فَلَوْ لَمْ يَبْقَ مِنْهَا، وَلاَ دِرْهَمٌ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيمَا اكْتَسَبَ وَلَوْ أَنَّهَا مِائَةُ أَلْفِ دِرْهَمٍ حَتَّى يَتِمَّ لَهَا حَوْلٌ.
فَيَا لَيْتَ شِعْرِي مَا شَأْنُ هَذَا الدِّرْهَمِ وَمَا قَوْلُهُ لَوْ لَمْ3 يَبْقَ مِنْهَا إلاَّ فَلْسٌ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ نِصَابٌ مِنْ ذَهَبٍ, أَوْ مِنْ بَقَرٍ, أَوْ مِنْ إبِلٍ, أَوْ مِنْ غَنَمٍ; ثُمَّ تَلِفَتْ كُلُّهَا إلاَّ وَاحِدَةً; ثُمَّ اكْتَسَبَ مِنْ جِنْسِهَا قَبْلَ الْحَوْلِ مَا يُتِمُّ بِمَا بَقِيَ عِنْدَهُ النِّصَابَ وَهَذَا قَوْلٌ يُغْنِي ذِكْرُهُ، عَنْ تَكَلُّفِ الرَّدِّ عَلَيْهِ.
وَلَئِنْ كَانَتْ الزَّكَاةُ بَاقِيَةً فِي الدِّرْهَمِ الْبَاقِي فَإِنَّ الزَّكَاةَ وَاجِبَةٌ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكْتَسِبْ غَيْرَهُ; نَعَمْ, وَفِيمَا اكْتَسَبَ إلَيْهِ وَلَوْ أَنَّهُ دِرْهَمٌ آخَرُ وَلَئِنْ كَانَتْ الزَّكَاةُ غَيْرَ بَاقِيَةٍ فِيهِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ اسْتِئْنَافُ الْحَوْلِ بِمَا اكْتَسَبَ مَعَهُ.
وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ مِنْ الْفَائِدَةِ: ابْنُ مَسْعُودٍ, وَمُعَاوِيَةُ, وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ
ـــــــ
1 في النسخة رقم "14" "لحلول الأمهات".
2 في النسخة رقم "14" "للجميع".
3 في النسخة رقم "16" "ولم" وهو هطأ.

وَالْحَسَنُ, وَالزُّهْرِيُّ.
وَمِمَّنْ صَحَّ عَنْهُ: لاَ زَكَاةَ فِي مَالٍ حَتَّى يَتِمَّ لَهُ حَوْلٌ: عَلِيٌّ, وَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ, وَعَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ, وَابْنُ عُمَرَ, وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي بَابٍ ذِكْرِنَا أَوْلاَدَ الْمَاشِيَةِ.
وَأَمَّا تَقْسِيمُ أَبِي حَنِيفَةَ, وَمَالِكٍ, وَالشَّافِعِيِّ فَلاَ يُحْفَظُ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، نَعَمْ, وَلاَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ.
قال أبو محمد: كُلُّ فَائِدَةٍ فَإِنَّمَا تُزَكَّى لِحَوْلِهَا, لاَ لِحَوْلِ مَا عِنْدَهُ مِنْ جِنْسِهَا وَإِنْ اخْتَلَطَتْ عَلَيْهِ الأَحْوَالُ.
تَفْسِيرُ ذَلِكَ: لَوْ أَنَّ امْرَأً مَلَكَ نِصَابًا وَذَلِكَ مِائَتَا دِرْهَمٍ مِنْ الْوَرِقِ أَوْ أَرْبَعِينَ دِينَارًا مِنْ الذَّهَبِ, أَوْ خَمْسًا مِنْ الإِبِلِ, أَوْ خَمْسِينَ مِنْ الْبَقَرِ ثُمَّ مَلَكَ بَعْدَ ذَلِكَ بِمُدَّةٍ قَرِيبَةٍ أَوْ بَعِيدَةٍ, إلاَّ أَنَّهَا قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ مِنْ جِنْسِ مَا عِنْدَهُ أَقَلَّ مِمَّا ذَكَرْنَا, أَوْ مَلَكَ أَرْبَعِينَ شَاةً ثُمَّ مَلَكَ فِي الْحَوْلِ تَمَامَ مِائَةٍ وَعِشْرِينَ: فَإِنْ كَانَ مَا اكْتَسَبَ لاَ يُغَيِّرُ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الزَّكَاةِ فَإِنَّهُ يَضُمُّ الَّتِي مَلَكَ إلَى مَا كَانَ عِنْدَهُ; لاَِنَّهَا لاَ تُغَيِّرُ حُكْمَ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الزَّكَاةِ, فَيُزَكَّى ذَلِكَ لِحَوْلِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَهُ ثُمَّ يَسْتَأْنِفُ الْجَمِيعَ حَوْلاً, فَإِنْ اسْتَفَادَ فِي دَاخِلِ الْحَوْلِ مَا يُغَيِّرُ الْفَرِيضَةَ فِيمَا عِنْدَهُ, إلاَّ أَنَّ تِلْكَ الْفَائِدَةَ لَوْ انْفَرَدَتْ لَمْ تَجِبْ فِيهَا الزَّكَاةُ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلاَّ فِي الْوَرِقِ خَاصَّةً عَلَى كُلِّ حَالٍ, وَفِي سَائِرِ ذَلِكَ فِي بَعْضِ الأَحْوَالِ: فَإِنَّهُ يُزَكِّي الَّذِي عِنْدَهُ وَحْدَهُ لِتَمَامِ حَوْلِهِ, وَضَمَّ حِينَئِذٍ الَّذِي اسْتَفَادَ إلَيْهِ لاَ قَبْلَ ذَلِكَ وَاسْتَأْنَفَ بِالْجَمِيعِ حَوْلاً.
مِثْلُ: مَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِائَةُ شَاةٍ وَعِشْرِينَ شَاةً ثُمَّ اسْتَفَادَ شَاةً فَأَكْثَرَ, أَوْ كَانَ عِنْدَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ بَقَرَةً فَأَفَادَ بَقَرَةً فَأَكْثَرَ, أَوْ كَانَ عِنْدَهُ تِسْعٌ مِنْ الإِبِلِ فَأَفَادَ وَاحِدَةً فَأَكْثَرَ أَوْ تِسْعٌ وَسَبْعُونَ دِينَارًا فَأَفَادَ دِينَارًا فَأَكْثَرَ, لإِنَّ الَّذِي يَبْقَى بَعْدَ الَّذِي زَكَّى لاَ زَكَاةَ فِيهِ, وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُزَكَّى مَالٌ مَرَّتَيْنِ فِي عَامٍ وَاحِدٍ.
فَلَوْ مَلَكَ نِصَابًا كَمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ مَلَكَ فِي دَاخِلِ الْحَوْلِ نِصَابًا أَيْضًا مِنْ الْوَرِقِ أَوْ الذَّهَبِ أَوْ الْمَاشِيَةِ فَإِنَّهُ يُزَكِّي كُلَّ مَالٍ لِحَوْلِهِ; فَإِنْ رَجَعَ الأَوَّلُ مِنْهُمَا إلاَّ مَا لاَ زَكَاةَ فِيهِ فَإِذَا حَالَ حَوْلُ الْفَائِدَةِ زَكَّاهَا ثُمَّ ضَمَّ الأَوَّلَ حِينَئِذٍ إلَى الآخَرِ, لإِنَّ الأَوَّلَ قَدْ صَارَ لاَ زَكَاةَ فِيهِ

وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُزَكِّيَهُ مَعَ مَا قَدْ زَكَّاهُ مِنْ الْمَالِ الثَّانِي, فَيَكُونُ يُزَكِّي الثَّانِي مَرَّتَيْنِ فِي عَامٍ; وَيَسْتَأْنِفُ بِالْجَمِيعِ حَوْلاً.
فَإِنْ رَجَعَ الْمَالُ الثَّانِي إلَى مَا لاَ زَكَاةَ فِيهِ وَبَقِيَ الأَوَّلُ نِصَابًا فَإِنَّهُ يُزَكِّيهِ إذَا حَالَ حَوْلُهُ, ثُمَّ يَضُمُّ الثَّانِي إلَى الأَوَّلِ حِينَئِذٍ لِمَا قَدْ ذَكَرْنَا فَيَسْتَأْنِفُ بِهِمَا حَوْلاً.
فَلَوْ خَلَطَهُمَا فَلَمْ يَتَمَيَّزَا فَإِنَّهُ يُزَكِّي كُلَّ عَدَدٍ مِنْهُمَا لِحَوْلِهِ, وَيَجْعَلُ مَا أَخْرَجَ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ نُقْصَانًا مِنْ الْمَالِ الثَّانِي; لاَِنَّهُ لاَ يُوقِنُ بِالنَّقْصِ إلاَّ بَعْدَ إخْرَاجِ الزَّكَاةِ مِنْ الثَّانِي, وَأَمَّا قَبْلَ ذَلِكَ فَلاَ يَقِينَ عِنْدَهُ بِأَنَّ أَحَدَهُمَا نَقَصَ; فَلاَ يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يَرْجِعَ كِلاَهُمَا إلَى مَا يُوقِنُ أَنَّ أَحَدَهُمَا قَدْ نَقَصَ، وَلاَ بُدَّ عَمَّا فِيهِ الزَّكَاةُ.
وَذَلِكَ مِثْلُ: أَنْ يُرْجِعَ الْغَنَمَانِ إلَى أَقَلَّ مِنْ عِشْرِينَ وَمِائَةٍ; لاَِنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُزَكِّيَ، عَنْ هَذَا الْعَدَدِ بِشَاتَيْنِ, أَوْ أَنَّهُ قَدْ رَجَعَ الْبَقَرَانِ إلَى أَقَلَّ مِنْ مِائَةٍ, وَالذَّهَبَانِ إلَى أَقَلَّ مِنْ ثَمَانِينَ دِينَارًا, وَالإِبِلاَنِ إلَى أَقَلَّ مِنْ عَشْرَةٍ, وَالْفِضَّتَانِ إلَى أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ.
فَإِذَا رَجَعَ الْمَالاَنِ إلَى مَا ذَكَرْنَا فَقَدْ يُمْكِنُ أَنَّ النَّقْصَ دَخَلَ فِي كِلَيْهِمَا, وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ دَخَلَ فِي أَحَدِهِمَا, إلاَّ أَنَّهُ بِلاَ شَكٍّ قَدْ كَانَ عِنْدَهُ مَالٌ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ; فَلاَ تَسْقُطُ عَنْهُ بِالشَّكِّ فَإِذَا كَانَ هَذَا: ضَمَّ الْمَالَ الثَّانِي إلَى الأَوَّلِ فَزُكِّيَ الْجَمِيعُ لِحَوْلِ الأَوَّلِ أَبَدًا, حَتَّى يَرْجِعَ الْكُلُّ إلَى مَا لاَ زَكَاةَ فِيهِ.
فَلَوْ اقْتَنَى خَمْسًا مِنْ الإِبِلِ أَوْ أَكْثَرَ إلاَّ أَنَّهُ عَدَدٌ يُزَكَّى بِالْغَنَمِ ثُمَّ اقْتَنَى فِي دَاخِلِ الْحَوْلِ عَدَدًا يُزَكَّى وَحْدَهُ لَوْ انْفَرَدَ إمَّا بِالْغَنَمِ, وَأَمَّا بِالإِبِلِ فَإِنَّهُ يُزَكِّي مَا كَانَ عِنْدَهُ عِنْدَ تَمَامِ حَوْلِهِ بِالْغَنَمِ; ثُمَّ ضَمَّهُ إثْرَ ذَلِكَ إلَى مَا اسْتَفَادَ; إذْ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ إنْسَانٌ وَاحِدٌ عِنْدَهُ إبِلٌ لَهُ قَدْ تَمَّ لِجَمِيعِهَا حَوْلٌ فَيُزَكِّي بَعْضَهَا بِالْغَنَمِ وَبَعْضَهَا بِالإِبِلِ; لاَِنَّهُ خِلاَفُ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي زَكَاةِ الإِبِلِ.
فَلَوْ مَلَكَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ مِنْ الإِبِلِ ثُمَّ مَلَكَ فِي الْحَوْلِ إحْدَى عَشْرَةَ زَكَّى الأَوَّلَ لِحَوْلِهَا بِنْتَ مَخَاضٍ; ثُمَّ ضَمَّهَا إلَى الْفَائِدَةِ مِنْ حِينَئِذٍ عَلَى كُلِّ حَالٍ فَزُكِّيَ الْجَمِيعُ لِحَوْلٍ مِنْ حِينَئِذٍ مُسْتَأْنَفٍ بِبِنْتِ لَبُونٍ; لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ لاَ تَخْتَلِفُ زَكَاةُ إبِلٍ وَاحِدَةٍ لِمَالِكٍ وَاحِدٍ. وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ.
فإن قيل: فَإِنَّكُمْ تُؤَخِّرُونَ زَكَاةَ بَعْضِهَا، عَنْ بَعْضٍ، عَنْ حَوْلِهِ شُهُورًا.
قلنا: نَعَمْ: لاَِنَّنَا لاَ نَقْدِرُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ, إلاَّ بِإِحْدَاثِ زَكَاتَيْنِ فِي مَالٍ وَاحِدٍ, وَهَذَا خِلاَفُ النَّصِّ; وَتَأْخِيرُ الزَّكَاةِ إذَا لَمْ يُمْكِنْ التَّعْجِيلُ مُبَاحٌ لاَ حَرَجَ فِيهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

من اجتمع في ماله زكاتان فصاعدا و هو حي
686 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ اجْتَمَعَ فِي مَالِهِ زَكَاتَانِ فَصَاعِدًا هُوَ حَيٌّ.
قال أبو محمد: تُؤَدَّى كُلُّهَا لِكُلِّ سَنَةٍ عَلَى عَدَدِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ فِي كُلِّ عَامٍ; وَسَوَاءٌ كُلُّ ذَلِكَ لِهُرُوبِهِ بِمَالِهِ; أَوْ لِتَأْخِيرِ السَّاعِي; أَوْ لِجَهْلِهِ, أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ; وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْعَيْنُ, وَالْحَرْثُ, وَالْمَاشِيَةُ, وَسَوَاءٌ أَتَتْ الزَّكَاةُ عَلَى جَمِيعِ مَالِهِ أَوْ لَمْ تَأْتِ, وَسَوَاءٌ رَجَعَ مَالُهُ بَعْدَ أَخْذِ الزَّكَاةِ مِنْهُ إلَى مَا لاَ زَكَاةَ فِيهِ أَوْ لَمْ يَرْجِعْ, وَلاَ يَأْخُذُ الْغُرَمَاءُ شَيْئًا حَتَّى تَسْتَوْفِيَ الزَّكَاةُ.
وقال مالك: إنْ كَانَ ذَلِكَ عَيْنًا ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً فَإِنَّهُ تُؤْخَذُ مِنْهُ زَكَاةُ كُلِّ سَنَةٍ حَتَّى يَرْجِعَ الْوَزْنُ إلَى مِائَتَيْ دِرْهَمٍ, وَالذَّهَبُ إلَى عِشْرِينَ دِينَارًا, فَتُؤْخَذُ الزَّكَاةُ لِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ, ثُمَّ لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ لِمَا بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ السِّنِينَ.
وَإِنْ كَانَتْ زَكَاةَ زَرْعٍ فَرَّطَ فِيهَا سِنِينَ أُخِذَتْ كُلُّهَا وَإِنْ اصْطَلَمَتْ جَمِيعَ مَالِهِ.
وَإِنْ كَانَتْ مَاشِيَةً. فَإِنْ كَانَ هُوَ هَرَبَ أَمَامَ السَّاعِي فَإِنَّ الزَّكَاةَ تُؤْخَذُ مِنْهُ عَلَى حَسْبِ مَا كَانَ عِنْدَهُ فِي كُلِّ عَامٍ; فَإِذَا رَجَعَ مَالُهُ بِإِخْرَاجِ الزَّكَاةِ إلاَّ مَا لاَ زَكَاةَ فِيهِ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ شَيْءٌ لِسَائِرِ مَا بَقِيَ مِنْ الأَعْوَامِ, وَإِنْ كَانَ السَّاعِي هُوَ الَّذِي تَأَخَّرَ عَنْهُ فَإِنَّهُ تُؤْخَذُ مِنْهُ زَكَاةُ مَا وُجِدَ بِيَدِهِ لِكُلِّ عَامٍ خَلاَ سَوَاءٌ كَانَ بِيَدِهِ فِيمَا خَلاَ أَكْثَرُ أَوْ أَقَلُّ مَا لَمْ يَخْرُجْ إلَى مَا لاَ زَكَاةَ فِيهِ; فَإِذَا رَجَعَ إلَى مَا لاَ زَكَاةَ فِيهِ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُ شَيْءٌ.
وقال أبو حنيفة فِيمَنْ كَانَ لَهُ عَشْرٌ مِنْ الإِبِلِ عَامَيْنِ لَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهَا: إنَّهُ يُزَكِّي لِلْعَامِ الأَوَّلِ شَاتَيْنِ. وَلِلْعَامِ الثَّانِي شَاةً وَاحِدَةً.
وَقَالَ هُوَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِيمَنْ كَانَ عِنْدَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ لاَ مَالَ لَهُ غَيْرَهَا فَلَمْ يُزَكِّهَا سَنَتَيْنِ فَصَاعِدًا: إنَّهُ لاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ; لإِنَّ الزَّكَاةَ صَارَتْ عَلَيْهِ دَيْنًا فِيهَا هَذَا نَصُّ كَلاَمِهِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: عَلَيْهِ زَكَاتُهَا لِعَامٍ وَاحِدٍ فَقَطْ.
وَقَالَ زُفَرُ: عَلَيْهِ زَكَاتُهَا لِكُلِّ عَامٍ أَبَدًا. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو سُلَيْمَانَ, وَأَصْحَابُنَا.
قال أبو محمد: أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَظَاهِرُ التَّنَاقُضِ, وَتَقْسِيمٌ فَاسِدٌ, لاَ بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ; لاَِنَّهُ دَعْوَى بِلاَ دَلِيلٍ. وَمَا الْعَجَبُ إلاَّ مِنْ رِفْقِهِمْ بِالْهَارِبِ أَمَامَ الْمُصَدِّقِ وَتَحَرِّيهِمْ الْعَدْلَ فِيهِ وَشِدَّةِ حَمْلِهِمْ عَلَى مَنْ تَأَخَّرَ عَنْهُ السَّاعِي, فَيُوجِبُونَ عَلَيْهِ زَكَاةً أَلْفَ

نَاقَةٍ لِعَشْرِ سِنِينَ; وَلَمْ يَمْلِكْهَا إلاَّ سَنَةً وَاحِدَةً, وَإِنَّمَا مَلَكَ فِي سَائِرِ الأَعْوَامِ خَمْسًا مِنْ الإِبِلِ فَقَطْ. وَاحْتَجُّوا فِي هَذَا بِأَنَّ هَكَذَا زَكَّى النَّاسُ إذْ أَجْمَعُوا عَلَى مُعَاوِيَةَ.
قال أبو محمد: وَهُمْ قَدْ خَالَفُوا مُعَاوِيَةَ فِي أَخْذِ الزَّكَاةِ مِنْ الأَعْطِيَةِ وَمَعَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ; وَقَلَّدُوا هَاهُنَا سُعَاةَ مَنْ لاَ يُعْتَدُّ بِهِ, كَمَرْوَانَ, وَسَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ, وَمَا هُنَالِكَ وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ تُؤْخَذَ الزَّكَاةُ مِنْ إبِلٍ لَمْ يَمْلِكْهَا الْمُسْلِمُ وَتُعَطَّلَ زَكَاةً قَدْ أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى.
وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ فِي الْعَيْنِ وَغَيْرِهِ فِي الْمَالِ نَفْسِهِ, وَلاَ فِي الذِّمَّةِ, وَهَذَا أَمْرٌ قَدْ بَيَّنَّا فَسَادَهُ قَبْلُ; وَأَوْضَحْنَا أَنَّهَا فِي الذِّمَّةِ لاَ فِي الْعَيْنِ, وَلَوْ كَانَتْ فِي الْعَيْنِ لَمَا أَجْزَأَهُ أَنْ يُعْطِيَ الزَّكَاةَ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ الْمَالِ نَفْسِهِ; وَهَذَا أَمْرٌ مُجْمَعٌ عَلَى خِلاَفِهِ; وَعَلَى أَنَّهُ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهَا مِنْ حَيْثُ شَاءَ; فَإِذَا صَحَّ أَنَّهَا فِي الذِّمَّةِ فَلاَ يُسْقِطُهَا عَنْهُ ذَهَابُ مَالِهِ, وَلاَ رُجُوعُهُ إلَى مَا لاَ زَكَاةَ فِيهِ.
وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ امْرَأً لَوْ بَاعَ مَاشِيَتَهُ بَعْدَ حُلُولِ الزَّكَاةِ فِيهَا أَنَّ لِلسَّاعِي أَخْذَ الزَّكَاةِ مِنْ تِلْكَ الْمَاشِيَةِ الْمَبِيعَةِ.
قال أبو محمد: وَهَذَا بَاطِلٌ; وَمَا لَهُ ذَلِكَ; لاَِنَّهَا قَدْ صَارَتْ مَالاً مِنْ مَالِ الْمُشْتَرِي.
وَلاَ يَحِلُّ أَنْ تُؤْخَذَ زَكَاةٌ مِنْ عُمَرَ وَلَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا وَجَبَتْ عَلَى زَيْدٍ; وَلَكِنْ يَتْبَعُ الْبَائِعُ بِهَا دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

لو مات الذي وجبت عليه الزكاة سنة أو سنتين فإنها من رأس المال
687 - مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ مَاتَ الَّذِي وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ سَنَةً أَوْ سَنَتَيْنِ فَإِنَّهَا مِنْ رَأْسِ مَالِهِ,
أَقَرَّ بِهَا أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ, وَرِثَهُ وَلَدُهُ أَوْ كَلَالَةً, لَا حَقَّ لِلْغُرَمَاءِ وَلَا لِلْوَصِيَّةِ وَلَا لِلْوَرَثَةِ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ كُلُّهَا; سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الْعَيْنُ وَالْمَاشِيَةُ وَالزَّرْعُ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ, وَأَبِي سُلَيْمَانَ, وَأَصْحَابِهِمَا.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَنْ مَاتَ بَعْدَ وُجُوبِ الزَّكَاةِ فِي ذَهَبِهِ وَفِضَّتِهِ فَإِنَّهَا تَسْقُطُ بِمَوْتِهِ, لَا تُؤْخَذُ أَصْلًا, سَوَاءٌ مَاتَ إثْرَ الْحَوْلِ بِيَسِيرٍ أَوْ كَثِيرٍ, أَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ لِسِنِينَ. وَأَمَّا زَكَاةُ الْمَاشِيَةِ فَإِنَّهُ رَوَى عَنْهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ يَأْخُذُهَا الْمُصَدَّقُ مِنْهَا, وَإِنْ وَجَدَهَا بِأَيْدِي وَرَثَتِهِ.
وَرَوَى عَنْهُ أَبُو يُوسُفَ: أَنَّهَا تَسْقُطُ بِمَوْتِهِ,
وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي زَكَاةِ الثِّمَارِ وَالزَّرْعِ: فَرَوَى عَنْهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ أَنَّهَا تَسْقُطُ بِمَوْتِهِ, وَرَوَى عَنْهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّهَا تُؤْخَذُ بَعْدِ مَوْتِهِ,

وَيَرَى أَنَّ قَوْلَهُ الْمَذْكُورَ فِي الْمَاشِيَةِ, وَالزَّرْعِ إنَّمَا هُوَ فِي زَكَاةِ تِلْكَ السَّنَةِ فَقَطْ; فَأَمَّا زَكَاةٌ فَرَّطَ فِيهَا حَتَّى مَاتَ فَإِنَّهُ يَقُولُ: بِأَنَّهَا تَسْقُطُ عَنْهُ.
وَقَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ مَاتَ بَعْدَ حُلُولِ الزَّكَاةِ فِي مَالِهِ أَيِّ مَالٍ كَانَ حَاشَا الْمَوَاشِيَ -: فَإِنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ, فَإِنْ كَانَ فَرَّطَ فِيهَا أَكْثَرَ مِنْ عَامٍ فَلَا تَخْرُجُ عَنْهُ إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِهَا, فَتَكُونُ مِنْ ثُلُثِهِ مُبْدَاةً عَلَى سَائِرِ وَصَايَاهُ كُلِّهَا, حَاشَا التَّدْبِيرِ فِي الصِّحَّةِ, وَهِيَ مُبْدَاةٌ عَلَى التَّدْبِيرِ فِي الْمَرَضِ.
قَالَ: وَأَمَّا الْمَوَاشِي فَإِنَّهُ إنْ حَالَ الْحَوْلُ عَلَيْهَا ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ مَجِيءِ السَّاعِي ثُمَّ جَاءَ السَّاعِي فَلَا سَبِيلَ لِلسَّاعِي عَلَيْهَا, وَقَدْ بَطَلَتْ, إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِهَا, فَتَكُونُ فِي الثُّلُثِ غَيْرُ مُبْدَاةٍ عَلَى سَائِرِ الْوَصَايَا.
وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الأَُوْزَاعِيِّ فِي ذَلِكَ: فَمَرَّةٌ رَآهَا مِنْ الثُّلُثِ, وَمَرَّةً رَآهَا مِنْ رَأْسِ الْمَالِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ, وَمَالِكٍ; فَفِي غَايَةِ الْخَطَأِ; لِأَنَّهُمَا أَسْقَطَا بِمَوْتِ الْمَرْءِ دَيْنًا لِلَّهِ تَعَالَى وَجَبَ عَلَيْهِ فِي حَيَاتِهِ, بِلَا بُرْهَانٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ قَالُوا: لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمَا شَاءَ إنْسَانٌ أَنْ لَا يُوَرِّثَ وَرَثَتَهُ شَيْئًا إلَّا أَمْكَنَهُ.
فَقُلْنَا: فَمَا تَقُولُونَ فِي إنْسَانٍ أَكْثَرَ مِنْ إتْلَافِ أَمْوَالِ النَّاسِ لِيَكُونَ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَيْهِ وَلَا يَرِثُ وَرَثَتُهُ شَيْئًا, وَلَوْ أَنَّهَا دُيُونُ يَهُودِيٍّ, أَوْ نَصْرَانِيٍّ لَا فِي خُمُورٍ أَهْرَقَهَا لَهُمْ؟!
فَمِنْ قَوْلِهِمْ: إنَّهَا كُلَّهَا مِنْ رَأْسِ مَالِهِ, سَوَاءٌ وَرِثَ وَرَثَتُهُ أَوْ لَمْ يَرِثُوا, فَنَقَضُوا عِلَّتَهُمْ بِأَوْحَشِ نَقْضٍ وَأَسْقَطُوا حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى- الَّذِي جَعَلَهُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ, وَالْغَارِمِينَ مِنْهُمْ, وَفِي الرِّقَابِ مِنْهُمْ, وَفِي سَبِيلِهِ تَعَالَى, وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ تَعَالَى-: وَأَوْجَبُوا دُيُونَ الآدَمِيِّينَ وَأَطْعَمُوا الْوَرَثَةَ الْحَرَامَ!
وَالْعَجَبُ أَنَّهُ مِنْ إيجَابِهِمْ الصَّلَاةَ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهَا عَلَى الْعَامِدِ لِتَرْكِهَا, وَإِسْقَاطِهِمْ الزَّكَاةَ وَوَقْتُهَا قَائِمٌ عَنِ الْمُتَعَمِّدِ لِتَرْكِهَا.
ثُمَّ تَقْسِيمُ مَالِكٍ بَيْنَ الْمَوَاشِي وَغَيْرِ الْمَوَاشِي, وَبَيْنَ زَكَاةِ عَامِهِ ذَلِكَ وَسَائِرِ الأَُعْوَامِ, فَرَأَى زَكَاةَ عَامِهِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ, وَإِنْ لَمْ يَبْقَ لِلْوَرَثَةِ شَيْءٌ يَعِيشُونَ مِنْهُ, وَلَمْ يَرَ زَكَاةَ سَائِرِ الأَُعْوَامِ إلَّا سَاقِطَةً!
ثُمَّ تَفْرِيقُهُ بَيْنَ زَكَاةِ النَّاضِّ يُوصِي بِهَا فَتَكُونُ فِي الثُّلُثِ وَتُبَدَّى عَلَى الْوَصَايَا إلَّا عَلَى التَّدْبِيرِ فِي الصِّحَّةِ وَتُبَدَّى عَلَى التَّدْبِيرِ فِي الْمَرَضِ-: وَبَيْنَ زَكَاةِ الْمَاشِيَةِ يُوصِي بِهَا

فَتَكُونُ فِي الثُّلُثِ وَلَا تُبَدَّى الْوَصَايَا, وَهَذِهِ أَشْيَاءُ غَلِطَ فِيهَا مَنْ غَلِطَ وَقَصَدَ الْخَيْرَ, وَإِنَّمَا الْعَجَبُ مِمَّنْ انْشَرَحَ صَدْرُهُ لِتَقْلِيدِ قَائِلِهَا. ثُمَّ اسْتَعْمَلَ نَفْسَهُ فِي إبْطَالِ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ نَصْرًا لَهَا!!
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَبَيْنَ صِحَّةِ قَوْلِنَا وَبُطْلَانِ قَوْلِ الْمُخَالِفِينَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي الْمَوَارِيثِ {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} فَعَمَّ عَزَّ وَجَلَّ الدُّيُونَ كُلَّهَا, وَالزَّكَاةُ دَيْنٌ قَائِمٌ لِلَّهِ تَعَالَى وَلِلْمَسَاكِينِ, وَالْفُقَرَاءِ وَالْغَارِمِينَ وَسَائِرِ مَنْ فَرَضَهَا تَعَالَى لَهُمْ فِي نَصِّ الْقُرْآنِ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْوَكِيعِيُّ وَأَبُو سَعِيدٍ الأَُشَجُّ. قَالَ الْوَكِيعِيُّ:، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ زَائِدَةَ; وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ الأَُحْمَرُ ثُمَّ اتَّفَقَ زَائِدَةُ, وَأَبُو خَالِدٍ الأَُحْمَرُ كِلَاهُمَا عَنِ الأَُعْمَشِ عَنْ مُسْلِمِ الْبُطَيْنِ وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ, وَسَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ, قَالَ مُسْلِمُ الْبُطَيْنُ: عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَقَالَ الْحَكَمُ, وَسَلَمَةُ: سَمِعْنَا مُجَاهِدًا ثُمَّ اتَّفَقَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ, وَمُجَاهِدٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا ؟ فَقَالَ: "لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيهِ عَنْهَا" ؟ قَالَ: نَعَمْ, قَالَ: "فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى". قَالَ أَبُو خَالِدٍ: فِي رِوَايَتِهِ عَنِ الأَُعْمَشِ عَنْ مُسْلِمِ الْبُطَيْنِ, وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ, وَسَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَمُجَاهِدٍ وَعَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ, وَذَكَرَ زَائِدَةُ فِي حَدِيثِهِ أَنَّ الأَُعْمَشَ سَمِعَهُ مِنْ الْحَكَمِ, وَسَلَمَةَ وَمُسْلِمٍ.
وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي وَحْشِيَّةَ قَالَ: سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَهُ, وَفِيهِ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ: "فَاقْضُوا اللَّهَ فَهُوَ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ".
فَهَؤُلَاءِ: عَطَاءٌ, وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرِ, وَمُجَاهِدٌ يَرْوُونَهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ, فَقَالَ: هَؤُلَاءِ بِآرَائِهِمْ, بَلْ دَيْنُ اللَّهِ تَعَالَى سَاقِطٌ وَدَيْنُ النَّاسِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى وَالنَّاسُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَيَسْأَلُونَ عَنِ الزَّكَاةِ أَفِي الذِّمَّةِ هِيَ أَمْ فِي عَيْنِ الْمَالِ؟ وَلَا سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ.
فَإِنْ قَالُوا: فِي عَيْنِ الْمَالِ, فَقَدْ صَحَّ أَنَّ أَهْلَ الصَّدَقَاتِ شُرَكَاءُ فِي ذَلِكَ الْمَالِ, فَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ أَنْ يَبْطُلَ حَقُّهُمْ وَتَبْقَى دَيْنُ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى؟ وَإِنْ قَالُوا: فِي الذِّمَّةِ فَمِنْ أَيْنَ أَسْقَطُوهَا بِمَوْتِهِ ؟ وَلَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ إقْرَارَ الصَّحِيحِ لَازِمٌ فِي رَأْسِ الْمَالِ فَمِنْ

أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ إبْطَالُ إقْرَارِ الْمَرِيضِ؟
فَإِنْ قَالُوا: لِأَنَّهُ وَصِيَّةٌ, كَذَبُوا وَتَنَاقَضُوا لِأَنَّ الإِقْرَارَ إنْ كَانَ وَصِيَّةً فَهُوَ مِنْ الصَّحِيحِ أَيْضًا فِي الثُّلُثِ, وَإِلَّا فَهَاتُوا فَرْقًا بَيْنَ الْمَرِيضِ, وَالصَّحِيحِ!
وَإِنْ قَالُوا: لِأَنَّنَا نَتَّهِمُهُ. قُلْنَا: فَهَلَّا اتَّهَمْتُمْ الصَّحِيحَ فَهُوَ أَحَقُّ بِالتُّهْمَةِ ؟ لَا سِيَّمَا الْمَالِكِيِّينَ الَّذِينَ يُصَدِّقُونَ قَوْلَ الْمَرِيضِ فِي دَعْوَاهُ: إنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ, وَيُبْطِلُونَ إقْرَارَهُ فِي مَالِهِ, وَهَذِهِ أُمُورٌ كَمَا تَرَى وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي الرَّجُلِ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاةَ مَالِهِ: أَنَّهَا تُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ إذَا عَلِمَ بِذَلِكَ. وَقَالَ رَبِيعَةُ: لَا تُؤْخَذُ وَعَلَيْهِ مَا تَحَمَّلَ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ:، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنِ الْحَسَنِ, وطَاوُوس أَنَّهُمَا قَالَا فِي حَجَّةِ الإِسْلَامِ, وَالزَّكَاةِ: هُمَا بِمَنْزِلَةِ الدَّيْن.
قَالَ عَلِيٌّ: وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ: إنَّ كُلَّ ذَلِكَ يَتَحَاصُّ مَعَ دُيُونِ النَّاسِ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خَطَأٌ, لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "دَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى".
قَالَ عَلِيٌّ: هَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ الْقُرْآنَ وَالسُّنَنَ الثَّابِتَةَ الَّتِي لَا مُعَارِضَ لَهَا وَالْقِيَاسَ, وَلَمْ يَتَعَلَّقُوا بِقَوْلِ صَاحِبٍ نَعْلَمُهُ.

لا يجزئ أداء الزكاة إذا أخرجها المسلم عن نفسه أو وكيله بأمره إلا بنية أنها الزكاة المفروضة عليه
688 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يُجْزِئُ أَدَاءُ الزَّكَاةِ إذَا أَخْرَجَهَا الْمُسْلِمُ، عَنْ نَفْسِهِ أَوْ وَكِيلُهُ بِأَمْرِهِ إلاَّ بِنِيَّةِ أَنَّهَا الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ عَلَيْهِ,
فَإِنْ أَخَذَهَا الإِمَامُ, أَوْ سَاعِيهِ, أَوْ أَمِيرُهُ, أَوْ سَاعِيهِ فَبِنِيَّةِ كَذَلِكَ, لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ".
فَلَوْ أَنَّ امْرَءاً أَخْرَجَ زَكَاةَ مَالٍ لَهُ غَائِبٍ فَقَالَ: هَذِهِ زَكَاةُ مَالِي إنْ كَانَ سَالِمًا, وَإِلاَّ فَهِيَ صَدَقَةُ تَطَوُّعٍ: لَمْ يُجْزِهِ ذَلِكَ، عَنْ زَكَاةِ مَالِهِ إنْ كَانَ سَالِمًا, وَلَمْ يَكُنْ تَطَوُّعًا لاَِنَّهُ لَمْ يُخْلِصْ النِّيَّةَ لِلزَّكَاةِ مَحْضَةٍ كَمَا أُمِرَ, وَإِنَّمَا يُجْزِئُهُ إنْ أَخْرَجَهَا عَلَى أَنَّهَا زَكَاةُ مَالِهِ فَقَطْ; فَإِنْ كَانَ الْمَالُ سَالِمًا أَجْزَأَهُ, لاَِنَّهُ أَدَّاهَا كَمَا أُمِرَ مُخْلِصًا لَهَا, وَإِنْ كَانَ الْمَالُ قَدْ تَلِفَ, فَإِنْ قَامَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ مَا أَعْطَى, وَإِنْ فَاتَتْ أَدَّى الإِمَامُ إلَيْهِ ذَلِكَ مِنْ سَهْمِ الْغَارِمِينَ, لأَنَّهُمْ أَخَذُوهَا وَلَيْسَ لَهُمْ أَخْذُهَا, فَهُمْ غَارِمُونَ بِذَلِكَ, وَهَذَا كَمَنْ شَكَّ: عَلَيْهِ

يَوْمٌ مِنْ رَمَضَانَ أَمْ لاَ وَهَلْ عَلَيْهِ صَلاَةُ فَرْضٍ أَمْ لاَ فَصَلَّى عَدَدَ رَكَعَاتِ تِلْكَ الصَّلاَةِ وَقَالَ: إنْ كُنْتَ أُنْسِيتُهَا فَهِيَ هَذِهِ, وَإِلاَّ فَهِيَ تَطَوُّعٌ; وَصَامَ يَوْمًا فَقَالَ: إنْ كَانَ عَلَيَّ يَوْمٌ فَهُوَ هَذَا; وَإِلاَّ فَهُوَ تَطَوُّعٌ; فَإِنَّ هَذَا لاَ يُخْرِجُهُ، عَنْ تِلْكَ الصَّلاَةِ، وَلاَ عَنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ إنْ ذَكَرَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّهُمَا عَلَيْهِ.

من خرج المال عن ملكه في داخل الحول قبل تمامه ثم رجع إليه فإنه يستأنف به الحول من حين رجوعه لا من حين الحول الأول
689 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ خَرَجَ الْمَالُ، عَنْ مِلْكِهِ فِي دَاخِلِ الْحَوْلِ قَبْلَ تَمَامِهِ بِأَيِّ وَجْهٍ خَرَجَ، عَنْ مِلْكِهِ ثُمَّ رَجَعَ إلَيْهِ بِأَيِّ وَجْهٍ رَجَعَ إلَيْهِ, وَلَوْ إثْرَ خُرُوجِهِ بِطَرْفَةِ عَيْنٍ أَوْ أَكْثَرَ: فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ بِهِ الْحَوْلَ مِنْ حِينِ رُجُوعِهِ,
لاَ مِنْ حِينِ الْحَوْلِ الأَوَّلِ, لإِنَّ ذَلِكَ الْحَوْلَ قَدْ بَطَلَ بِبُطْلاَنِ الْمِلْكِ, وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُعَدَّ عَلَيْهِ وَقْتٌ كَانَ فِيهِ الْمَالُ لِغَيْرِهِ.
وَكَذَلِكَ مَنْ بَاعَ إبِلاً بِإِبِلٍ, أَوْ بَقَرًا بِبَقَرٍ, أَوْ غَنَمًا بِغَنَمٍ, أَوْ فِضَّةً بِفِضَّةٍ, أَوْ ذَهَبًا بِذَهَبٍ: فَإِنَّ حَوْلَ الَّذِي خَرَجَ، عَنْ مِلْكِهِ, مِنْ ذَلِكَ قَدْ بَطَلَ, وَيَسْتَأْنِفُ الْحَوْلَ الَّذِي صَارَ فِي مِلْكِهِ مِنْ ذَلِكَ لِمَا ذَكَرْنَا.
وَسَوَاءٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ فَعَلَ ذَلِكَ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ أَوْ لِغَيْرِ فِرَارٍ, فَهُوَ عَاصٍ بِنِيَّتِهِ السُّوءَ فِي فِرَارِهِ مِنْ الزَّكَاةِ.
وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إنْ كَانَ فَعَلَ ذَلِكَ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ, ثُمَّ نَاقَضَ مَنْ قَرَّبَ فَقَالَ: مَنْ اشْتَرَى بِدَرَاهِمِهِ أَوْ بِدَنَانِيرِهِ عَقَارًا أَوْ مَتَاعًا فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيمَا اشْتَرَى.
قال أبو محمد: وَمِنْ الْمُحَالِ الَّذِي لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ أَنْ يُزَكِّيَ الإِنْسَانُ مَالاً هُوَ فِي يَدِ غَيْرِهِ مَا لَمْ يَحُلْ حَوْلُهُ عِنْدَهُ. قَالَ تَعَالَى: {وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةً وِزْرَ أُخْرَى}.
وقولنا في هذا كُلِّهِ هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ, وَأَبِي سُلَيْمَانَ.
وقال مالك: إنْ بَادَلَ إبِلاً بِبَقَرٍ أَوْ بِغَنَمٍ أَوْ بَقَرًا بِغَنَمٍ فَكَذَلِكَ سَوَاءٌ فَعَلَهُ فِرَارًا مِنْ الزَّكَاةِ أَوْ لِغيْرِ فِرَارٍ, وَإِنْ بَادَلَ إبِلاً بِإِبِلٍ, أَوْ بَقَرًا بِبَقَرٍ, أَوْ غَنَمًا بِغَنَمٍ, أَوْ ذَهَبًا بِذَهَبٍ, أَوْ فِضَّةً بِفِضَّةٍ: فَعَلَيْهِ الزَّكَاةُ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْحَوْلِ الَّذِي خَرَجَ، عَنْ يَدِهِ.
قال أبو محمد: وَهَذَا خَطَأٌ ظَاهِرٌ, وَدَعْوَى لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهَا, لاَ مِنْ قُرْآنٍ, وَلاَ سُنَّةٍ

صَحِيحَةٍ، وَلاَ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ, وَلاَ إجْمَاعٍ, وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلاَ قِيَاسٍ, وَلاَ رَأْيٍ يَصِحُّ وَنَسْأَلُ مَنْ قَالَ بِهَذَا: أَهَذِهِ الَّتِي صَارَتْ إلَيْهِ هِيَ الَّتِي خَرَجَتْ عَنْهُ أَمْ هِيَ غَيْرُهَا فَإِنْ قَالَ: هِيَ غَيْرُهَا قِيلَ: فَكَيْفَ يُزَكِّي، عَنْ مَالٍ لاَ يَمْلِكُهُ وَلَعَلَّهَا أَمْوَاتٌ, أَوْ عِنْدَ كَافِرٍ.
وَإِنْ: قَالَ بَلْ هِيَ تِلْكَ, كَابِرُ الْعِيَانِ, وَصَارَ فِي مِسْلاَخِ مَنْ يَسْتَسْهِلُ الْكَذِبَ جِهَارًا.
فَإِنْ قَالَ: لَيْسَتْ هِيَ, وَلَكِنَّهَا مِنْ نَوْعِهَا قلنا نَعَمْ, فَكَانَ مَاذَا وَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ زَكَاةُ غَيْرِ الْمَالِ الَّذِي ابْتَدَأَ الْحَوْلُ فِي مِلْكِهِ إذَا كَانَ مِنْ نَوْعِهِ.
ثُمَّ يُسْأَلُونَ إنْ كَانَتْ الأَعْدَادُ مُخْتَلِفَةً: أَيُّ الْعَدَدَيْنِ يُزَكِّي الْعَدَدَ الَّذِي خَرَجَ، عَنْ مِلْكِهِ أَمْ الْعَدَدُ الَّذِي اكْتَسَبَ وَلَعَلَّ أَحَدُهُمَا لَيْسَ نِصَابًا.
وَهَذَا كُلُّهُ خَطَأٌ لاَ خَفَاءَ بِهِ, وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَيُّ شَيْءٍ قَالُوا فِي ذَلِكَ كَانَ تَحَكُّمًا وَبَاطِلاً بِلاَ بُرْهَانٍ.
فَإِنْ قَالُوا: إنَّهُ لَمْ يَزَلْ مَالِكًا لِمِائَةِ شَاةٍ أَوْ لِعَشْرٍ مِنْ الإِبِلِ أَوْ لِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ حَوْلاً كَامِلاً مُتَّصِلاً.
قلنا: إنَّمَا الزَّكَاةُ تَجِبُ فِي ذِمَّةِ الْمُسْلِمِ، عَنْ مَالِ مِلْكِهِ بِعَيْنِهِ حَوْلاً كَامِلاً مِنْ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا بِلاَ خِلاَفٍ; فَعَلَيْكُمْ الْبُرْهَانُ فِي وُجُوبِ الزَّكَاةِ، عَنْ عَدَدٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ لَكِنْ فِي أَعْيَانٍ مُخْتَلِفَةٍ, وَهَذَا مَا لاَ سَبِيلَ إلَى وُجُودِهِ, إلاَّ بِالدَّعْوَى وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
زَكَاة الْمَغْصُوبِ

من تلف ماله أو غصبه غاصب أو حيل بينه و بينه فلا زكاة عليه فيه
690 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ تَلِفَ مَالُهُ أَوْ غُصِبَهُ أَوْ حِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ
أَيُّ نَوْعٍ كَانَ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَالِ, فَإِنْ رَجَعَ إلَيْهِ يَوْمًا مَا اسْتَأْنَفَ بِهِ حَوْلاً مِنْ حِينَئِذٍ, وَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ لِمَا خَلاَ; فَلَوْ زَكَّاهُ الْغَاصِبُ ضَمِنَهُ كُلَّهُ, وَضَمِنَ مَا أَخْرَجَ مِنْهُ فِي الزَّكَاةِ.
لاَِنَّهُ لاَ خِلاَفَ بَيْنَ الآُمَّةِ كُلِّهَا فِي أَنَّ صَاحِبَ الْمَالِ إنْ أَحَبَّ أَنْ يُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ مِنْ نَفْسِ الْمَالِ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ لاَ مِنْ غَيْرِهِ كَانَ ذَلِكَ لَهُ, وَلَمْ يُكَلَّفْ الزَّكَاةَ مَنْ سِوَاهُ مَا لَمْ يَبِعْهُ هُوَ أَوْ يُخْرِجْهُ، عَنْ مِلْكِهِ بِاخْتِيَارِهِ, فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُكَلَّفُ أَدَاءَ الزَّكَاةِ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ, فَسَقَطَ بِهَذَا الإِجْمَاعِ تَكْلِيفُهُ أَدَاءَ زَكَاةٍ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ; ثُمَّ لَمَّا صَحَّ ذَلِكَ, وَكَانَ غَيْرَ قَادِرٍ عَلَى أَدَاءِ الزَّكَاةِ مِنْ نَفْسِ الْمَالِ الْمَغْصُوبِ, أَوْ الْمُتْلَفِ, أَوْ الْمَمْنُوعِ مِنْهُ.

سَقَطَ عَنْهُ مَا عَجَزَ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ, بِخِلاَفِ مَا هُوَ قَادِرٌ عَلَى إحْضَارِهِ وَاسْتِخْرَاجِهِ مِنْ مَدْفَنِهِ هُوَ أَوْ وَكِيلُهُ, وَمَا سَقَطَ بِبُرْهَانٍ لَمْ يَعُدْ إلاَّ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ.
وَقَدْ كَانَتْ الْكُفَّارُ يُغِيرُونَ عَلَى سَرْحِ الْمُسْلِمِينَ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم; فَمَا كَلَّفَ قَطُّ أَحَدًا زَكَاةَ مَا أَخَذَهُ الْكُفَّارُ مِنْ مَالِهِ.
وَقَدْ يُسْرَقُ الْمَالُ وَيُغْصَبُ فَيُفَرَّقُ، وَلاَ يَدْرِي أَحَدٌ مَكَانَهُ, فَكَانَ تَكْلِيفُ أَدَاءِ الزَّكَاةِ عَنْهُ مِنْ الْحَرَجِ الَّذِي قَدْ أَسْقَطَهُ اللَّهُ تَعَالَى, إذْ يَقُولُ: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}.
وَكَذَلِكَ تَغَلُّبُ الْكُفَّارِ عَلَى بَلَدِ نَخْلٍ فَمِنْ الْمُحَالِ تَكْلِيفُ رَبِّهَا أَدَاءَ زَكَاةِ مَا أَخْرَجَتْ.
وَأَمَّا الْغَاصِبُ فَإِنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ التَّصَرُّفُ فِي مَالِ غَيْرِهِ, يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ" فَإِعْطَاؤُهُ الزَّكَاةَ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ تَعَدٍّ مِنْهُ, فَهُوَ ضَامِنٌ لَمَا تَعَدَّى فِيهِ قَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}.
وقال أبو حنيفة: بِمِثْلِ هَذَا كُلِّهِ, إلاَّ، أَنَّهُ قَالَ: إنْ كَانَ الْمَالُ الْمَدْفُونُ بِتَلَفِ مَكَانِهِ فِي مَنْزِلِهِ أَدَّى زَكَاتَهُ; وَإِنْ كَانَ خَارِجَ مَنْزِلِهِ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ. وَهَذَا تَقْسِيمٌ فَاسِدٌ مَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَهُ.
وقال مالك: لاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ, فَإِنْ رَجَعَ إلَيْهِ زَكَّاهُ لِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ فَقَطْ وَإِنْ غَابَ عَنْهُ سِنِينَ.
وَهَذَا قَوْلٌ ظَاهِرُ الْخَطَأِ, وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً إلاَّ أَنَّهُمْ قَلَّدُوا فِي ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي قَوْلٍ لَهُ رَجَعَ إلَيْهِ, وَكَانَ قَالَ قَبْلَ ذَلِكَ: يَأْخُذُ الزَّكَاةَ مِنْهُ لِكُلِّ سَنَةٍ خَلَتْ.
وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ قَلَّدُوا عُمَرَ هَاهُنَا, وَلَمْ يُقَلِّدُوهُ فِي رُجُوعِهِ إلَى الْقَوْلِ بِالزَّكَاةِ فِي الْعَسَلِ; وَإِنَّمَا قَالَ عُمَرُ بِالْقَوْلِ الَّذِي قَلَّدُوهُ فِيهِ لاَِنَّهُ كَانَ يَرَى الزَّكَاةَ فِي الْمَالِ الْمُسْتَفَادِ حِينَ يُفَادُ فَخَالَفُوهُ هَاهُنَا وَهَذَا كُلُّهُ تَخْلِيطٌ!
وَقَالَ سُفْيَانُ: فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَأَبُو سُلَيْمَانَ: عَلَيْهِ الزَّكَاةُ لِكُلِّ سَنَةٍ خَلَتْ.
وَقَدْ جَاءَ، عَنْ عُثْمَانَ, وَابْنِ عُمَرَ: إيجَابُ الزَّكَاةِ فِي الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ, فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُمَا لاَ يَرَيَانِ الزَّكَاةَ فِي غَيْرِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ, وَلاَ مُخَالِفَ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم.
وقولنا في هذا هُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ, وَاللَّيْثِ وَأَحَدِ قَوْلَيْ سُفْيَانَ,وَرُوِيَ أَيْضًا، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى، حدثنا أَبُو عُثْمَانَ عَامِلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: كَتَبَ إلَيَّ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي مَالٍ رَدَّهُ عَلَى رَجُلٍ كَانَ ظُلِمَهُ: أَنْ خُذْ مِنْهُ الزَّكَاةَ لِمَا أَتَتْ عَلَيْهِ, ثُمَّ صَبَّحَنِي بَرِيدُ عُمَرَ: لاَ تَأْخُذْ مِنْهُ زَكَاةً, فَإِنَّهُ كَانَ ضِمَارًا أَوْ غَوْرًا.

من رهن ماشية أو ذهبا أو فضة أو أرضا فزرعها أو نخلا فأثمرت و حال الحول على الماشية و العين فالزكاة في كل ذلك
691 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ رَهَنَ مَاشِيَةً, أَوْ ذَهَبًا, أَوْ فِضَّةً, أَوْ أَرْضًا فَزَرَعَهَا, أَوْ نَخْلاً فَأَثْمَرَتْ, وَحَال الْحَوْلُ عَلَى الْمَاشِيَةِ, وَالْعَيْنِ: فَالزَّكَاةُ فِي كُلِّ ذَلِكَ،
وَلاَ يُكَلَّفُ الرَّاهِنُ عِوَضًا عَمَّا خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ فِي زَكَاتِهِ,
أَمَّا وُجُوبُ الزَّكَاةِ; فَلاَِنَّهُ مَالٌ مِنْ مَالِهِ, عَلَيْهِ فِيهِ الزَّكَاةُ الْمَفْرُوضَةُ; وَلَمْ يَنْتَقِلْ مِلْكُهُ عَنْهُ, وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ، وَلاَ إجْمَاعٌ بِتَكْلِيفِهِ أَدَاءَ الزَّكَاةِ مِنْ غَيْرِهِ، وَلاَ بُدَّ.
وَأَمَّا الْمَنْعُ مِنْ تَكْلِيفِهِ الْعِوَضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَخْرُجْ مَا أَخْرَجَ مِنْهُ بِبَاطِلٍ وَعِدْوَانٍ, فَيَقْضِي عَلَيْهِ بِرَدِّهِ وَإِنَّمَا أَخْرَجَهُ بِحَقٍّ مُفْتَرَضٍ إخْرَاجُهُ; فَتَكْلِيفُهُ حُكْمًا فِي مَالِهِ بَاطِلٌ, وَلاَ يَجُوزُ إلاَّ بِنَصٍّ, أَوْ إجْمَاعٍ, قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ".

ليس على من وجب عليه الزكاة إيصالها إلى السلطان
692 - مَسْأَلَةٌ: وَلَيْسَ عَلَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ إيصَالُهَا إلَى السُّلْطَانِ
لَكِنْ عَلَيْهِ أَنْ يَجْمَعَ مَالَهُ لِلْمُصَدَّقِ وَيَدْفَعَ إلَيْهِ الْحَقَّ, ثُمَّ مُؤْنَةُ نَقْلِ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِ الزَّكَاةِ وَهَذَا مَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ; وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَكَذَلِكَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَبْعَثُ الْمُصَدِّقِينَ وَهُمْ السُّعَاةُ فَيَقْبِضُونَ الْوَاجِبَ وَيَبْرَأُ أَصْحَابُ الأَمْوَالِ مِنْ ذَلِكَ.
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُصَدِّقٌ فَعَلَى مَنْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ إيصَالُهَا إلَى مَنْ يَحْضُرُهُ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ، وَلاَ مَزِيدَ; لإِنَّ تَكْلِيفَ النَّقْلِ مُؤْنَةٌ وَغَرَامَةٌ لَمْ يَأْتِ بِهَا نَصٌّ، وَلاَ إجْمَاعٌ, وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ; ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ مَنْ كَلَّفَهُ ذَلِكَ مَيْلاً أَوْ مَنْ كَلَّفَهُ إلَى خُرَاسَانَ أَوْ أَبْعَدَ.

لا يجوز تعجيل الزكاة قبل تمام الحول
693 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَجُوزُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ،
وَلاَ بِطَرْفَةِ عَيْنٍ فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يُجْزِهِ, وَعَلَيْهِ إعَادَتُهَا, وَيَرُدُّ إلَيْهِ مَا أَخْرَجَ قَبْلَ وَقْتِهِ; لاَِنَّهُ أَعْطَاهُ بِغَيْرِ حَقٍّ.
وَصَحَّ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ, وَعَطَاءٍ, وَإِبْرَاهِيمَ, وَالضَّحَّاكِ, وَالْحَكَمِ, وَالزُّهْرِيِّ.
وَأَجَازَهُ الْحَسَنُ لِثَلاَثِ سِنِينَ.
وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: فِي تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ: لاَ أَدْرِي مَا هَذَا!!
وقال أبو حنيفة: وَأَصْحَابُهُ بِجَوَازِ تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا.
ثُمَّ لَهُمْ فِي ذَلِكَ تَخْلِيطٌ كَثِيرٌ.
مِثْلُ قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ: لاَ يَجُوزُ ذَلِكَ فِي مَالٍ عِنْدَهُ, وَلاَ فِي زَرْعٍ قَدْ زَرَعَهُ, وَلاَ فِي نَخْلٍ قَدْ أَطْلَعَتْ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَجُوزُ ذَلِكَ كُلُّهُ قَبْلَ اطِّلاَعِ النَّخْلِ وَقَبْلَ زَرْعِ الأَرْضِ, وَلَوْ عَجَّلَ زَكَاةَ ثَلاَثِ سِنِينَ أَجْزَأَهُ.
وَأَكْثَرُ مِنْ هَذَا سَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذِكْرِ تَخَالِيطِ أَقْوَالِهِمْ فِي كِتَابِ "الأَعْرَابِ"و اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: بِتَعْجِيلِ الزَّكَاةِ، عَنْ مَالٍ عِنْدَهُ, لاَ، عَنْ مَالٍ لَمْ يَكْتَسِبْهُ بَعْدُ وَقَالَ: إنْ اسْتَغْنَى الْمِسْكِينُ مِمَّا أَخَذَ مِمَّا عَجَّلَهُ صَاحِبُ الْمَالِ قَبْلَ الْحَوْلِ أَجْزَأَ صَاحِبَ الْمَالِ; فَإِنْ اسْتَغْنَى مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ لَمْ يُجْزِئْ، عَنْ صَاحِبِ الْمَالِ.
وقال مالك: يُجْزِئُ تَعْجِيلُ الزَّكَاةِ بِشَهْرَيْنِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ, لاَ أَكْثَرَ, فِي رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْهُ وَأَمَّا رِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ عَنْهُ فَكَمَا قلنا نَحْنُ.
وَهَذِهِ كُلُّهَا تَقَاسِيمُ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ, لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهَا مِنْ قُرْآنٍ, وَلاَ سُنَّةٍ, وَلاَ إجْمَاعٍ, وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ يَصِحُّ, وَلاَ قِيَاسٍ. وَقَوْلُ اللَّيْثِ, وَأَبِي سُلَيْمَانَ: كَقَوْلِنَا.
وَاحْتَجَّ مَنْ أَجَازَ تَعْجِيلَهَا بِحُجَجٍ.
مِنْهَا: الْخَبَرُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِي زَكَاةِ الْمَوَاشِي, فِي هَلْ تُجْزِئُ قِيمَةٌ أَمْ لاَ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اسْتَسْلَفَ بَكْرًا فَقَضَاهُ مِنْ إبِلِ الصَّدَقَةِ جَمَلاً رَبَاعِيًا.
وَهَذَا لاَ دَلِيلَ فِيهِ عَلَى تَعْجِيلِ الصَّدَقَةِ, لاَِنَّهُ اسْتِسْلاَفٌ كَمَا تَرَى, لاَ اسْتِعْجَالَ صَدَقَةٍ; بَلْ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ تَعْجِيلَهَا لاَ يَجُوزُ, إذْ لَوْ جَازَ لَمَا احْتَاجَ عليه الصلاة والسلام إلَى الاِسْتِقْرَاضِ; بَلْ كَانَ يَسْتَعْجِلُ زَكَاةً لِحَاجَتِهِ إلَى الْبِكْرِ.

وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد: حدثنا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ زَكَرِيَّاءَ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ حُجِّيَّةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: "أَنَّ الْعَبَّاسَ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي تَعْجِيلِ صَدَقَتِهِ قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ فَأَذِنَ لَهُ".
قَالَ أَبُو دَاوُد رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ هُشَيْمٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ زَاذَانَ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ إسْرَائِيلَ، عَنِ الْحَكَمِ: "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ عُمَرَ مُصَدِّقًا وَقَالَ لَهُ، عَنِ الْعَبَّاسِ: إنَّا قَدْ اسْتَسْلَفْنَا زَكَاتَهُ لِعَامِ عَامِ الأَوَّلِ".
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي يَزِيدُ أَبُو خَالِدٍ قَالَ: "قَالَ عُمَرُ لِلْعَبَّاسِ: أَدِّ زَكَاةَ مَالِكَ فَقَالَ الْعَبَّاسُ: قَدْ أَدَّيْتُهَا قَبْلَ ذَلِكَ, فَذَكَرَ عُمَرُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "صَدَقَ".
هَذَا كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ مِنْ الآثَارِ.
وَقَالُوا: حُقُوقُ الأَمْوَالِ كُلُّهَا جَائِزٌ تَعْجِيلُهَا قَبْلَ أَجَلِهَا, قِيَاسًا عَلَى دُيُونِ النَّاسِ الْمُؤَجَّلَةِ وَحُقُوقِهِمْ, كَالنَّفَقَاتِ وَغَيْرِهَا.
وَقَالُوا: إنَّمَا أُخِّرَتْ الزَّكَاةُ إلَى الْحَوْلِ فُسْحَةً عَلَى النَّاسِ فَقَطْ.
وَهَذَا كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ مِنْ النَّظَرِ وَالْقِيَاسِ.
وَهَذَا كُلُّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ.
أَمَّا حَدِيثُ حُجِّيَّةَ: فَحُجِّيَّةُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ بِالْعَدَالَةِ, وَلاَ تَقُومُ الْحُجَّةُ إلاَّ بِرِوَايَةِ الْعُدُولِ الْمَعْرُوفِينَ.
وَأَمَّا حَدِيثُ هُشَيْمٍ فَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو دَاوُد مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ هُشَيْمٍ, وَلَوْ كَانَ فِيهِ لَبَنَّدَ بِهِ

فَصَارَ مُنْقَطِعًا, ثُمَّ لَمْ يَذْكُرْ أَيْضًا لَفْظَ أَنَسٍ، وَلاَ كَيْفَ رَوَاهُ, فَلَمْ يُجِزْ الْقَطْعَ بِهِ عَلَى الْجَهَالَةِ.
وَأَمَّا سَائِرُ الأَخْبَارِ فَمُرْسَلَةٌ.
وَهَذَا مِمَّا تَرَكَ فِيهِ الْمَالِكِيُّونَ الْمُرْسَلَ, وَهُمْ يَقُولُونَ إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ: إنَّهُ كَالْمُسْنَدِ, وَرَدُّوا فِيهِ رِوَايَةَ الْمَجْهُولِ, وَهُمْ يَأْخُذُونَ بِهَا إذَا وَافَقَتْهُمْ فَبَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ مِنْ الآثَارِ.
وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ الزَّكَاةَ عَلَى دُيُونِ النَّاسِ الْمُؤَجَّلَةِ: فَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ; ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ; لإِنَّ تَعْجِيلَ دُيُونِ النَّاسِ الْمُؤَجَّلَةِ قَدْ وَجَبَ بَعْدُ, ثُمَّ اتَّفَقَا عَلَى تَأْجِيلِهَا وَالزَّكَاةُ لَمْ تَجِبْ بَعْدُ, فَقِيَاسُ مَا لَمْ يَجِبْ عَلَى مَا قَدْ وَجَبَ فِي الأَدَاءِ بَاطِلٌ.
وَأَيْضًا: فَتَعْجِيلُ دُيُونِ النَّاسِ الْمُؤَجَّلَةِ لاَ يَجُوزُ إلاَّ بِرِضًا مِنْ الَّذِي لَهُ الدَّيْنُ, وَلَيْسَتْ الزَّكَاةُ كَذَلِكَ; لاَِنَّهَا لَيْسَتْ لاِِنْسَانٍ بِعَيْنِهِ, وَلاَ لِقَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ دُونَ غَيْرِهِمْ, فَيَجُوزُ الرِّضَا مِنْهُمْ بِالتَّعْجِيلِ, وَإِنَّمَا هِيَ لاَِهْلِ صِفَاتٍ تَحْدُثُ فِيمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهَا, وَتَبْطُلُ عَمَّنْ كَانَ مِنْ أَهْلِهَا.
وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ الْقَابِضِينَ لَهَا الآنَ عِنْدَ مَنْ أَجَازَ تَعْجِيلَهَا لَوْ أَبْرَءُوا مِنْهَا دُونَ قَبْضٍ لَمْ يُجِزْ ذَلِكَ, وَلاَ بَرِئَ مِنْهَا مِنْ تَلْزَمُهُ الزَّكَاةُ بِإِبْرَائِهِمْ بِخِلاَفِ إبْرَاءِ مَنْ لَهُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ.
وَكَذَلِكَ إنْ دَفَعَهَا إلَى السَّاعِي, فَقَدْ يَأْتِي وَقْتُ الزَّكَاةِ وَالسَّاعِي مَيِّتٌ أَوْ مَعْزُولٌ, وَاَلَّذِي بَعَثَهُ كَذَلِكَ, فَبَطَلَ قِيَاسُهُمْ ذَلِكَ عَلَى دُيُونِ النَّاسِ.
وَكَذَلِكَ قِيَاسُهُمْ عَلَى النَّفَقَاتِ الْوَاجِبَةِ, وَلَوْ أَنَّ امْرَأً عَجَّلَ نَفَقَةً لاِمْرَأَتِهِ أَوْ مَنْ تَلْزَمُهُ نَفَقَتُهُ, ثُمَّ جَاءَ الْوَقْتُ الْوَاجِبَةُ فِيهِ النَّفَقَةَ, وَاَلَّذِي تَجِبُ لَهُ مُضْطَرٌّ: لَمْ يُجْزِئْهُ تَعْجِيلُ مَا عَجَّلَ, وَأُلْزِمَ الآنَ النَّفَقَةَ, وَأُمِرَ بِاتِّبَاعِهِ بِمَا عَجَّلَ لَهُ دَيْنًا, لاِسْتِهْلاَكِهِ مَا لَمْ يَجِبْ لَهُ بَعْدُ.
بَلْ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ قِيَاسُ تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا عَلَى تَعْجِيلِ الصَّلاَةِ قَبْلَ وَقْتِهَا وَالصَّوْمُ قَبْلَ وَقْتِهِ أَصَحُّ, لاَِنَّهَا كُلَّهَا عِبَادَاتٌ مَحْدُودَةٌ بِأَوْقَاتٍ لاَ يَجُوزُ تَعَدِّيهَا وَهَذَا مِمَّا تَرَكُوا فِيهِ الْقِيَاسَ.
فَإِنْ ادَّعُوا إجْمَاعًا عَلَى الْمَنْعِ مِنْ تَعْجِيلِ الصَّلاَةِ أَكْذَبَهُمْ الأَثَرُ الصَّحِيحُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ, وَهْبَكَ لَوْ صَحَّ لَهُمْ الإِجْمَاعُ لَكَانَ هَذَا حُجَّةً عَلَيْهِمْ, لإِنَّ مِنْ أَصْلِهِمْ أَنَّ

قِيَاسَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ عَلَى مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ هُوَ الْقِيَاسُ الصَّحِيحُ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ الزَّكَاةَ وَجَبَتْ قَبْلُ, ثُمَّ فُسِحَ لِلنَّاسِ فِي تَأْخِيرِهَا: فَكَذِبٌ وَبَاطِلٌ وَدَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ, وَمَا وَجَبَتْ الزَّكَاةُ قَطُّ إلاَّ عِنْدَ انْقِضَاءِ الْحَوْلِ, لاَ قَبْلَ ذَلِكَ, لِصِحَّةِ النَّصِّ بِإِخْرَاجِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُصَدِّقِينَ عِنْدَ الْحَوْلِ, لاَ قَبْلَ ذَلِكَ, وَمَا كَانَ عليه السلام لَيُضَيِّعَ قَبْضَ حَقٍّ قَدْ وَجَبَ وَلاِِجْمَاعِ الآُمَّةِ عَلَى وُجُوبِهَا عِنْدَ الْحَوْلِ وَلَمْ يُجْمِعُوا عَلَى وُجُوبِهَا قَبْلَهُ, وَلاَ تَجِبُ الْفَرَائِضُ إلاَّ بِنَصٍّ أَوْ إجْمَاعٍ.
فَبَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ مِنْ أَثَرٍ وَنَظَرٍ.
ثُمَّ نَسْأَلُهُمْ: أَوَجَبَتْ الزَّكَاةُ قَبْلَ الْحَوْلِ أَمْ لَمْ تَجِبْ فَإِنْ قَالُوا: لَمْ تَجِبْ قلنا: فَكَيْفَ تُجِيزُونَ أَدَاءَ مَا لَمْ يَجِبْ وَمَا لَمْ يَجِبْ فِعْلُهُ تَطَوُّعٌ, وَمَنْ تَطَوَّعَ فَلَمْ يُؤَدِّ الْوَاجِبَ وَإِنْ قَالُوا: قَدْ وَجَبَتْ قلنا: فَالْوَاجِبُ إجْبَارُ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَقٌّ عَلَى أَدَائِهِ, وَهَذَا بُرْهَانٌ لاَ مَحِيدَ عَنْهُ أَصْلاً.
وَنَسْأَلُهُمْ: كَيْفَ الْحَالُ إنْ مَاتَ الَّذِي عَجَّلَ الصَّدَقَةَ قَبْلَ الْحَوْلِ أَوْ تَلِفَ الْمَالُ قَبْلَ الْحَوْلِ أَوْ مَاتَ الَّذِينَ أَعْطُوهَا قَبْلَ الْحَوْلِ أَوْ خَرَجُوا، عَنِ الصِّفَاتِ الَّتِي بِهَا تُسْتَحَقُّ الزَّكَوَاتُ فَصَحَّ أَنَّ تَعْجِيلَهَا بَاطِلٌ, وَإِعْطَاءٌ لِمَنْ لاَ يَسْتَحِقُّهَا, وَمَنْعٌ لِمَنْ يَسْتَحِقُّهَا, وَإِبْطَالُ الزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ; وَكُلُّ هَذَا لاَ يَجُوزُ.
وَالْعَجَبُ مِنْ إجَازَةِ الْحَنَفِيِّينَ تَعْجِيلَ الزَّكَاةِ وَمَنْعُهُمْ مِنْ تَعْجِيلِ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ وَكِلاَهُمَا مَالٌ مُعَجَّلٌ, إلاَّ أَنَّ النَّصَّ قَدْ يَصِحُّ بِتَعْجِيلِ مَا مَنَعُوا تَعْجِيلَهُ, وَلَمْ يَأْتِ بِتَعْجِيلِ مَا أَبَاحُوا تَعْجِيلَهُ, فَتَنَاقَضُوا فِي الْقِيَاسِ, وَصَحَّحُوا الآثَارَ الْفَاسِدَةَ, وَأَبْطَلُوا الأَثَرَ الصَّحِيحَ!
وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ فَإِنَّهُمْ مَعَ مَا تَنَاقَضُوا خَالَفُوا فِي هَذِهِ الْجُمْهُورَ مِنْ الْعُلَمَاءِ, وَهُمَا يُعَظِّمُونَ هَذَا إذَا وَافَقَهُمْ, وَخَالَفَ الشَّافِعِيُّونَ فِيهِ الْقِيَاسَ, وَقَبِلُوا الْمُرْسَلَ الَّذِي يَرُدُّونَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

من عليه دين دراهم أو دنانير أو ماشية تجب الزكاة في مقدار ذلك
694 - مَسْأَلَةٌ:وَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ دَرَاهِمُ أَوْ دَنَانِيرُ أَوْ مَاشِيَةٌ تَجِبُ الزَّكَاةُ فِي مِقْدَارِ ذَلِكَ
لَوْ كَانَ حَاضِرًا فَإِنْ كَانَ حَاضِرًا عِنْدَهُ لَمْ يَتْلَفْ وَأَتَمَّ عِنْدَهُ حَوْلاً مِنْهُ مَا فِي مِقْدَارِهِ الزَّكَاةُ: زَكَّاهُ, وَإِلاَّ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ أَصْلاً, وَلَوْ أَقَامَ عَلَيْهِ سِنِينَ.
وَقَالَ قَوْمٌ: يُزَكِّيهِ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ أَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: إذَا حَلَّتْ يَعْنِي الزَّكَاةَ فَاحْسِبْ دَيْنَكَ وَمَا عِنْدَكَ وَاجْمَعْ ذَلِكَ جَمِيعًا ثُمَّ زَكِّهِ.
وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ هُوَ جَدُّ عَبْدِ الْمَلِكِ أَبُو أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ لِعُمَرَ: يَجِيءُ إبَّانَ صَدَقَتِي فَأُبَادِرُ الصَّدَقَةَ فَأُنْفِقُ عَلَى أَهْلِي وَأَقْضِي, دَيْنِي قَالَ عُمَرُ: لاَ تُبَادِرْ بِهَا, وَاحْسِبْ دَيْنَك وَمَا عَلَيْكَ, وَزَكِّ ذَلِكَ أَجْمَعَ
وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ حَيِّ.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي الدَّيْنِ يَكُونُ لِلرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ فَيَمْطُلُهُ قَالَ: زَكَاتُهُ عَلَى الَّذِي يَأْكُلُ مَهْنَأَةً.
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ عَطَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ نَحْوَهُ.
وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِنَا فِي إسْقَاطِ الزَّكَاةِ، عَنِ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ فِيمَا عَلَيْهِ مِنْهُ: ابْنُ عَمْرٍو وَغَيْرُهُ.
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيِّ, وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ قَالاَ: حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ وُلِّيَ مَالَ يَتِيمٍ فَكَانَ يَسْتَسْلِفُ مِنْهُ, يَرَى أَنَّ ذَلِكَ أُحْرِزَ لَهُ: وَيُؤَدِّي زَكَاتَهُ مِنْ مَالِ الْيَتِيم.
فَهَذَا ابْنُ عُمَرَ عَلَيْهِ الدَّيْنُ لاَ يُزَكِّيهِ، عَنْ نَفْسِهِ.
وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ: إذَا كَانَ لِلرَّجُلِ عَلَى الرَّجُلِ الدَّيْنُ فَالزَّكَاةُ عَلَى الَّذِي لَهُ الدَّيْنُ.
وَعَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ إبْرَاهِيمَ، عَنْ مُجَاهِدٍ: إذَا كَانَ عَلَيْكَ دَيْنٌ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ; إنَّمَا زَكَاتُهُ عَلَى الَّذِي هُوَ لَهُ.

وَعَنْ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ الْفُضَيْلِ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: زَكِّ مَا فِي يَدَيْكَ مِنْ مَالِكَ, وَمَا لَكَ عَلَى الْمَلِيءِ، وَلاَ تُزَكِّ مَا لِلنَّاسِ عَلَيْكَ.
وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ: وَمَالِكٍ, وَأَبِي حَنِيفَةَ, وَأَصْحَابِهِ, وَوَكِيعٍ.
قال أبو محمد: إنَّمَا وَافَقْنَا قَوْلَ هَؤُلاَءِ فِي سُقُوطِ الزَّكَاةِ، عَنِ الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَقَطْ.
وَمِنْ طَرِيقِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ, لَيْسَ فِي الدَّيْنِ زَكَاةٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: لَيْسَ فِي الدَّيْنِ زَكَاةٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ: خَالَفَنِي إبْرَاهِيمُ فِي الدَّيْنِ, كُنْتُ أَقُولُ: لاَ يُزَكِّي, ثُمَّ رَجَعَ إلَى قَوْلِي.
وَرُوِّينَا، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ: حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: لَيْسَ عَلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ الَّذِي هُوَ لَهُ، وَلاَ عَلَى الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ زَكَاةٌ.
وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: لَيْسَ فِي الدَّيْنِ زَكَاةٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: السَّلَفُ يُسْلِفُهُ الرَّجُلُ. قَالَ: لَيْسَ عَلَى سَيِّدِ الْمَالِ، وَلاَ عَلَى الَّذِي اسْتَسْلَفَهُ زَكَاةٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ: لاَ يُزَكِّي الَّذِي عَلَيْهِ الدَّيْنُ الدِّينَ, وَلاَ يُزَكِّيهِ الَّذِي هُوَ لَهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ.
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ, وَأَصْحَابِنَا.
قال أبو محمد: إذَا خَرَجَ الدَّيْنُ، عَنْ مِلْكِ الَّذِي اسْتَقْرَضَهُ فَهُوَ مَعْدُومٌ عِنْدَهُ, وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُتَيَقَّنِ أَنْ يُزَكِّيَ، عَنْ لاَ شَيْءَ, وَعَمَّا لاَ يَمْلِكُ, وَعَنْ شَيْءٍ لَوْ سَرَقَهُ قُطِعَتْ يَدُهُ; لاَِنَّهُ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ.

من عليه دين و عنده مال تجب في مثله الزكاة
695 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ كَمَا ذَكَرْنَا وَعِنْدَهُ مَالٌ تَجِبُ فِي مِثْلِهِ الزَّكَاةُ
سَوَاءٌ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ أَوْ مِثْلَهُ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ, مِنْ جِنْسِهِ كَانَ
أَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ: فَإِنَّهُ يُزَكِّي مَا عِنْدَهُ, وَلاَ يَسْقُطُ مِنْ أَجْلِ الدَّيْنِ الَّذِي عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ زَكَاةِ مَا بِيَدِهِ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَغَيْرِهِمَا.
وقال مالك: يُجْعَلُ الدَّيْنُ فِي الْعُرُوضِ الَّتِي عِنْدَهُ الَّتِي لاَ زَكَاةَ فِيهَا, وَيُزَكِّي مَا عِنْدَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عُرُوضٌ جَعَلَ دَيْنَهُ فِيمَا بِيَدِهِ مِمَّا فِيهِ الزَّكَاةُ, وَأَسْقَطَ بِذَلِكَ الزَّكَاةَ, فَإِنْ فَضَلَ، عَنْ دَيْنِهِ شَيْءٌ يَجِبُ فِي مِقْدَارِهِ الزَّكَاةُ زَكَّاهُ وَإِلاَّ فَلاَ, وَإِنَّمَا هَذَا عِنْدَهُ فِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَقَطْ. وَأَمَّا الْمَوَاشِي وَالزَّرْعُ وَالثِّمَارُ فَلاَ; وَلَكِنْ يُزَكِّي كُلَّ ذَلِكَ, سَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ مِثْلَ مَا مَعَهُ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ.
وَقَالَ آخَرُونَ: يُسْقِطُ الدَّيْنُ زَكَاةَ الْعَيْنِ وَالْمَوَاشِي, وَلاَ يُسْقِطُ زَكَاةَ الزَّرْعِ وَالثِّمَارِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ, وَمُحَمَّدٌ: يُجْعَلُ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ فِي مَالٍ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ, سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ الذَّهَبُ, وَالْفِضَّةُ, وَالْمَوَاشِي, وَالْحَرْثُ, وَالثِّمَارُ, وَعُرُوضُ التِّجَارَةِ, وَيَسْقُطُ بِهِ زَكَاةُ كُلِّ ذَلِكَ. وَلاَ يُجْعَلُ دَيْنُهُ فِي عُرُوضِ الْقِنْيَةِ مَا دَامَ عِنْدَهُ مَالٌ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ, أَوْ مَا دَامَ عِنْدَهُ عُرُوضٌ لِلتِّجَارَةِ; وَهُوَ قَوْل اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ.
وَقَالَ زُفَرُ: لاَ يُجْعَلُ دَيْنُ الزَّرْعِ إلاَّ فِي الزَّرْعِ, وَلاَ يُجْعَلُ دَيْنُ الْمَاشِيَةِ إلاَّ فِي الْمَاشِيَةِ, وَلاَ يُجْعَلُ دَيْنُ الْعَيْنِ إلاَّ فِي الْعَيْنِ, فَيَسْقُطُ بِذَلِكَ مَا عِنْدَهُ مِمَّا عَلَيْهِ دَيْنُ مِثْلِهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ: قُلْتُ لِعَطَاءٍ: حَرْثٌ لِرَجُلٍ دَيْنُهُ أَكْثَرُ مِنْ مَالِهِ, أَيُؤَدِّي حَقَّهُ قَالَ: مَا نَرَى عَلَى رَجُلٍ دَيْنُهُ أَكْثَرُ مِنْ مَالِهِ صَدَقَةً, لاَ فِي مَاشِيَةٍ، وَلاَ فِي أَصْلٍ.
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: سَمِعْتُ أَبَا الزُّبَيْرِ, سَمِعْت طَاوُوسًا يَقُولُ لَيْسَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ.
قال أبو محمد: إسْقَاطُ الدَّيْنِ زَكَاةُ مَا بِيَدِ الْمَدِينِ لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ، وَلاَ سَقِيمَةٌ، وَلاَ إجْمَاعٌ; بَلْ قَدْ جَاءَتْ السُّنَنُ الصِّحَاحُ بِإِيجَابِ الزَّكَاةِ فِي الْمَوَاشِي, وَالْحَبِّ, وَالتَّمْرِ, وَالذَّهَبِ, وَالْفِضَّةِ, بِغَيْرِ تَخْصِيصِ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ مِمَّنْ لاَ دَيْنَ عَلَيْهِ.
وَأَمَّا مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ فَإِنَّ مَا بِيَدِهِ لَهُ أَنْ يُصَدِّقَهُ وَيَبْتَاعَ مِنْهُ جَارِيَةً يَطَؤُهَا وَيَأْكُلَ مِنْهُ وَيُنْفِقَ مِنْهُ; وَلَوْ لَمْ يَكْفِي لَهُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا; فَإِذَا هُوَ لَهُ وَلَمْ يُخْرِجْهُ، عَنْ مِلْكِهِ وَيَدِهِ مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ فَزَكَاةُ مَالِهِ عَلَيْهِ بِلاَ شَكٍّ.
وَأَمَّا تَقْسِيمُ مَالِكٍ: فَفِي غَايَةِ التَّنَاقُضِ, وَمَا نَعْلَمُهُ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ, وَكَذَلِكَ قَوْلُ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ
وَالْمَالِكِيُّونَ: يُنْكِرُونَ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ هَذَا بِعَيْنِهِ فِي إيجَابِهِ لِلزَّكَاةِ فِي زَرْعِ الْيَتِيمِ وَثِمَارِهِ دُونَ مَاشِيَتِهِ وَذَهَبِهِ وَفِضَّتِهِ.
فَإِنْ احْتَجُّوا بِأَنْ قَبْضَ زَكَاةِ الْمَوَاشِي وَالزَّرْعِ إلَى الْمُصَدِّقِ.
قِيلَ: فَكَانَ مَاذَا وَكَذَلِكَ أَيْضًا قَبْضُ زَكَاةِ الْعَيْنِ إلَى السُّلْطَانِ إذَا طَلَبَهَا، وَلاَ فَرْقَ.

من كان له على غيره دين لا زكاة فيه على صاحبه
696 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَى غَيْرِهِ دَيْنٌ فَسَوَاءٌ كَانَ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلاً عِنْدَ مَلِيءٍ مُقِرٍّ يُمْكِنُهُ قَبْضُهُ أَوْ مُنْكِرٍ, أَوْ عِنْدَ عَدِيمٍ مُقِرٍّ أَوْ مُنْكِرٍ كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ, وَلاَ زَكَاةَ فِيهِ عَلَى صَاحِبِهِ,
وَلَوْ أَقَامَ عَنْهُ سِنِينَ حَتَّى يَقْبِضَهُ فَإِذَا قَبَضَهُ اسْتَأْنَفَ حَوْلاً كَسَائِرِ الْفَوَائِدِ، وَلاَ فَرْقَ. فَإِنْ قَبَضَ مِنْهُ مَا لاَ تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ فَلاَ زَكَاةَ فِيهِ, لاَ حِينَئِذٍ، وَلاَ بَعْدَ ذَلِكَ الْمَاشِيَةُ, وَالذَّهَبُ, وَالْفِضَّةُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ.
وَأَمَّا النَّخْلُ, وَالزَّرْعُ فَلاَ زَكَاةَ فِيهِ أَصْلاً; لاَِنَّهُ لَمْ يُخْرِجْ مِنْ زَرْعِهِ، وَلاَ مِنْ ثِمَارِهِ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُزَكِّيهِ.
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ: سُئِلَ عَلِيٌّ، عَنِ الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ الدَّيْنُ عَلَى آخَرَ فَقَالَ: يُزَكِّيهِ صَاحِبُ الْمَالِ, فَإِنْ خَشِيَ أَنْ لاَ يَقْضِيَهُ فَإِنَّهُ يُمْهَلُ, فَإِذَا خَرَجَ الدَّيْنُ زَكَّاهُ لِمَا مَضَى.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: حدثنا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ أَنَا هِشَامُ، هُوَ ابْنُ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيِّ: سُئِلَ عَلِيٌّ، عَنِ الدَّيْنِ الظَّنُونِ: أَيُزَكِّيهِ قَالَ: إنْ كَانَ صَادِقًا فَلْيُزَكِّهِ لِمَا مَضَى وَهَذَا فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ, وَالظَّنُونُ: هُوَ الَّذِي لاَ يُرْجَى.
وَمِنْ طَرِيقِ طَاوُوس: إذَا كَانَتْ لَك دَيْنٌ فَزَكِّهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ أَشْعَثَ، عَنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: يُزَكِّيهِ يَعْنِي: مَالَهُ مِنْ الدَّيْنِ عَلَى غَيْرِهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ احْسَبْ دَيْنَكَ وَمَا عَلَيْكَ وَزَكِّ ذَلِكَ أَجْمَعَ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: كَانَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: إذَا كَانَ الدَّيْنُ عَلَى مَلِيءٍ فَعَلَى صَاحِبِهِ أَدَاءُ زَكَاتِهِ, فَإِنْ كَانَ عَلَى مُعْدِمٍ فَلاَ زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَخْرُجَ; فَيَكُونُ عَلَيْهِ زَكَاةُ السِّنِينَ الَّتِي مَضَتْ.
وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ مِثْلُ قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ.
وَعَنْ مُجَاهِدٍ: إذَا كَانَ لَكَ الدَّيْنُ فَعَلَيْكَ زَكَاتُهُ; وَإِذَا كَانَ عَلَيْكَ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْكَ فِيهِ.

وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ, وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لاَ زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَقْبِضَهُ, فَإِذَا قَبَضَهُ أَوْ قَبَضَ مِنْهُ مِقْدَارَ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ زَكَّاهُ لِسَنَةٍ وَاحِدَةٍ, وَإِنْ بَقِيَ سِنِينَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنْ كَانَ عَلَى ثِقَةٍ زَكَّاهُ; وَإِنْ كَانَ عَلَى غَيْرِ ثِقَةٍ فَلاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ فِيهِ حَتَّى يَقْبِضَهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: زَكُّوا أَمْوَالَكُمْ مِنْ حَوْلٍ إلَى حَوْلٍ, فَمَا كَانَ فِي دَيْنٍ فِي ثِقَةٍ فَاجْعَلُوهُ بِمَنْزِلَةِ مَا كَانَ فِي أَيْدِيكُمْ, وَمَا كَانَ مِنْ دَيْنٍ ظَنُونٍ فَلاَ زَكَاةَ فِيهِ حَتَّى يَقْبِضَهُ صَاحِبُهُ.
وَعَنْ طَاوُوس مِنْ طَرِيقٍ ثَابِتَةٍ: إذَا كَانَ لَك دَيْنٌ تَعْلَمُ أَنَّهُ يَخْرُجُ فَزَكِّهِ.
وَعَنْ إبْرَاهِيمَ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحَةٍ: زَكِّ مَا فِي يَدَيْكَ وَمَالَكَ عَلَى الْمَلِيءِ, وَلاَ تُزَكِّ مَا لِلنَّاسِ عَلَيْكَ. ثُمَّ رَجَعَ، عَنْ هَذَا.
وَعَنْ مَيْمُونَ بْنِ مِهْرَانَ: مَا كَانَ مِنْ دَيْنٍ فِي مَلِيءٍ تَرْجُوهُ فَاحْسُبْهُ, ثُمَّ أَخْرِجْ مَا عَلَيْك وَزَكِّ مَا بَقِيَ.
وَعَنْ مُجَاهِدٍ: إنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ فَزَكِّهِ.
وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ لَيْسَ فِي الدَّيْنِ زَكَاةٌ حَتَّى يَقْبِضَهُ.
وَأَمَّا قَوْلُنَا فَقَدْ رُوِّينَا قَبْلُ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ مِثْلَهُ, وَعَنْ عَطَاءٍ.
وَرُوِّينَا أَيْضًا، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: لَيْسَ فِي الدَّيْنِ زَكَاةٌ.
قال أبو محمد: أَمَّا قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ فَظَاهِرُ الْخَطَأِ; لاَِنَّهُ جَعَلَ زَكَاةَ الدَّيْنِ عَلَى الَّذِي هُوَ لَهُ, وَعَلَى الَّذِي هُوَ عَلَيْهِ. فَأَوْجَبَ زَكَاتَيْنِ فِي مَالٍ وَاحِدٍ فِي عَامٍ وَاحِدٍ, فَحَصَلَ فِي الْعَيْنِ نِصْفُ الْعُشْرِ, وَفِي خَمْسٍ مِنْ الإِبِلِ شَاتَانِ, وَكَذَلِكَ مَا زَادَ.
وَأَمَّا تَقْسِيمُ مَالِكٍ فَمَا نَعْلَمُهُ، عَنْ أَحَدٍ إلاَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ, وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ خِلاَفُ ذَلِكَ وَمِثْلُ قَوْلِنَا.
وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ قَسَّمَ ذَلِكَ تَقَاسِيمَ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ, وَهِيَ أَنَّهُ جَعَلَ كُلَّ دَيْنٍ لَيْسَ، عَنْ بَدَلٍ, أَوْ كَانَ، عَنْ بَدَلِ مَا لاَ يَمْلِكُ, كَالْمِيرَاثِ, وَالْمَهْرِ, وَالْجُعْلِ, وَدِيَةِ الْخَطَأِ, وَالْعَمْدِ إذَا صَالَحَ عَلَيْهَا, وَالْخُلْعِ أَنَّهُ لاَ زَكَاةَ عَلَى مَالِكِهِ أَصْلاً حَتَّى يَقْبِضَهُ, فَإِذَا قَبَضَهُ اسْتَأْنَفَ بِهِ حَوْلاً, وَجَعَلَ كُلَّ دَيْنٍ يَكُونُ، عَنْ بَدَلٍ لَوْ بَقِيَ فِي مِلْكِهِ لَوَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ

كَقَرْضِ الدَّرَاهِمِ وَفِيمَا وَجَبَ فِي ذِمَّةِ الْغَاصِبِ وَالْمُتَعَدِّي, وَثَمَنِ عَبْدِ التِّجَارَةِ: فَإِنَّهُ لاَ زَكَاةَ فِيهِ كَانَ عَلَى ثِقَةٍ أَوْ غَيْرِ ثِقَةٍ حَتَّى يَقْبِضَ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فَإِذَا قَبَضَهَا زَكَّاهَا لِعَامٍ خَالٍ, ثُمَّ يُزَكِّي كُلَّ أَرْبَعِينَ يَقْبِضُ, وَجَعَلَ كُلَّ دَيْنٍ يَكُونُ، عَنْ بَدَلٍ لَوْ بَقِيَ فِي يَدِهِ لَمْ تَجِبْ فِيهِ الزَّكَاةُ كَالْعُرُوضِ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ يَبِيعُهَا: قِسْمًا آخَرَ, فَاضْطَرَبَ فِيهِ قَوْلُهُ, فَمَرَّةً جَعَلَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ فِي الْمِيرَاثِ, وَالْمَهْرِ, وَمَرَّةً قَالَ: لاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ حَتَّى يَقْبِضَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ, فَإِذَا قَبَضَهَا زَكَّاهَا لِعَامٍ خَالٍ, وَسَوَاءٌ عِنْدَهُ مَا كَانَ عِنْدَ عَدِيمٍ أَوْ مَلِيءٍ إذَا كَانَا مُقِرَّيْنِ.
وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَتَخْلِيطٌ لاَ خَفَاءَ بِهِ.
قال أبو محمد: إنَّمَا لِصَاحِبِ الدَّيْنِ عِنْدَ غَرِيمِهِ عَدَدٌ فِي الذِّمَّةِ وَصِفَةٌ فَقَطْ, وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَهُ عَيْنُ مَالٍ أَصْلاً, وَلَعَلَّ الْفِضَّةَ أَوْ الذَّهَبَ اللَّذَيْنِ لَهُ عِنْدَهُ فِي الْمَعْدِنِ بَعْدُ, وَالْفِضَّةُ تُرَابٌ بَعْدُ, وَلَعَلَّ الْمَوَاشِيَ الَّتِي لَهُ عَلَيْهِ لَمْ تُخْلَقْ بَعْدُ, فَكَيْفَ تَلْزَمُهُ زَكَاةُ مَا هَذِهِ صِفَتُهُ فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ زَكَاةَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَاعْلَمْ أَنَّ تَقْسِيمَ أَبِي حَنِيفَةَ, وَمَالِكٍ: لاَ يُعْرَفُ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمَا, لإِنَّ الرِّوَايَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إنَّمَا هِيَ فِي الْغَصْبِ لاَ فِي الدَّيْنِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

المهر و الخلع و الديات بمنزلة ما قلنا ما لم يتعين المهر
697 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا الْمُهُورُ وَالْخُلْعُ, وَالدِّيَاتُ, فَبِمَنْزِلَةِ مَا قلنا; مَا لَمْ يَتَعَيَّنْ الْمَهْرُ;
لإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ دَيْنٌ, فَإِنْ كَانَ الْمَهْرُ فِضَّةً مُعَيَّنَةً دَرَاهِمَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ أَوْ ذَهَبًا بِعَيْنِهِ دَنَانِيرَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ أَوْ مَاشِيَةً بِعَيْنِهَا, أَوْ نَخْلاً بِعَيْنِهَا, أَوْ كَانَ كُلُّ ذَلِكَ مِيرَاثًا: فَالزَّكَاةُ وَاجِبَةٌ عَلَى مَنْ كُلُّ ذَلِكَ لَهُ; لاَِنَّهَا أَمْوَالٌ صَحِيحَةٌ ظَاهِرَةٌ مَوْجُودَةٌ, فَالزَّكَاةُ فِيهَا, وَلاَ مَعْنَى لِلْقَبْضِ فِي ذَلِكَ مَا لَمْ يَمْنَعْ صَاحِبَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ, فَإِنْ مَنَعَ صَارَ مَغْصُوبًا وَسَقَطَتْ الزَّكَاةُ كَمَا قَدَّمْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

من كان له دين على بعض أهل الصدقات فتصدق عليه بدينه قبله و نوى بذلك أنه من زكاته أجزأه
698 - مَسْأَلَةٌ: وَمِنْ كَانَ لَهُ دَيْنٌ عَلَى بَعْضِ أَهْلِ الصَّدَقَاتِ وَكَانَ ذَلِكَ الدَّيْنُ بُرًّا, أَوْ شَعِيرًا, أَوْ ذَهَبًا, أَوْ فِضَّةً, أَوْ مَاشِيَةً فَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِدَيْنِهِ قِبَلَهُ, وَنَوَى بِذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ زَكَاتِهِ أَجْزَأَهُ ذَلِكَ,
وَكَذَلِكَ لَوْ تَصَدَّقَ بِذَلِكَ الدَّيْنِ عَلَى مَنْ يَسْتَحِقُّهُ وَأَحَالَهُ بِهِ عَلَى مَنْ هُوَ لَهُ عِنْدَهُ وَنَوَى بِذَلِكَ الزَّكَاةَ فَإِنَّهُ يُجْزِئُهُ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ, وَبِأَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَى أَهْلِ الصَّدَقَاتِ مِنْ زَكَاتِهِ الْوَاجِبَةِ بِمَا عَلَيْهِ مِنْهَا, فَإِذَا كَانَ إبْرَاؤُهُ مِنْ الدَّيْنِ يُسَمَّى صَدَقَةً فَقَدْ أَجْزَأَهُ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ ابْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حدثنا اللَّيْثُ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ، عَنْ بُكَيْرٍ، هُوَ ابْنُ الأَشَجِّ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: أصِيبَ رَجُلٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي ثِمَارٍ ابْتَاعَهَا فَكَثُرَ دَيْنُهُ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ". وَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَ هُوَ قَوْلُ عَطَاءِ ابْنِ أَبِي رَبَاحٍ وَغَيْرِهِ.

من أعطى زكاة ماله من وجبت له من أهلها ...الخ
699 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَعْطَى زَكَاةَ مَالِهِ مَنْ وَجَبَتْ لَهُ مِنْ أَهْلِهَا, أَوْ دَفَعَهَا إلَى الْمُصَدِّقِ الْمَأْمُورِ بِقَبْضِهَا فَبَاعَهَا مَنْ قَبَضَ حَقَّهُ فِيهَا أَوْ مَنْ لَهُ قَبْضُهَا نَظَرًا لاَِنَّهَا لاَِهْلِهَا:
فَجَائِزٌ لِلَّذِي أَعْطَاهَا أَنْ يَشْتَرِيَهَا, وَكَذَلِكَ لَوْ رَجَعَتْ إلَيْهِ بِهِبَةٍ, أَوْ هَدِيَّةٍ, أَوْ مِيرَاثٍ, أَوْ صَدَاقٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ سَائِرِ الْوُجُوهِ الْمُبَاحَةِ, وَلاَ يَجُوزُ لَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَهَا; لاَِنَّهُ ابْتَاعَ شَيْئًا غَيْرَ مُعَيَّنٍ; وَهَذَا لاَ يَجُوزُ; لاَِنَّهُ لاَ يَدْرِي مَا الَّذِي ابْتَاعَ, وَلَمْ يُعْطِ الزَّكَاةَ الَّتِي افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَهَا إلَى أَهْلِهَا, وَبِهَذَا نَفْسِهِ يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يُعْطِيَ غَيْرَ مَا لَزِمَهُ الْقِيمَةُ, وَأَمَّا بَعْدَ أَنْ يُؤَدِّيَهَا إلَى أَهْلِهَا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} فَهُوَ قَدْ أَدَّى صَدَقَةَ مَالِهِ كَمَا أُمِرَ, وَبَاعَهَا الآخِذُ كَمَا أُبِيحَ لَهُ.
وَلَمْ يُجِزْ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ; وَكَرِهَهُ مَالِكٌ; وَأَجَازَهُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ.
وَاحْتَجَّ مَنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ بِالْحَدِيثِ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ: حَمَلْتُ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ, فَأَضَاعَهُ الَّذِي كَانَ عِنْدَهُ فَأَرَدْتُ أَنْ أَشْتَرِيَهُ, وَظَنَنْتُ أَنَّهُ بَائِعُهُ بِرُخْصٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَشْتَرِهِ, وَلاَ تَعُدْ فِي صَدَقَتِكَ وَإِنْ أَعْطَاكَهُ بِدِرْهَمٍ فَإِنَّ الْعَائِدَ فِي صَدَقَتِهِ كَالْعَائِدِ فِي قَيْئِهِ".
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَاصِمِ الأَحْوَلِ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ "أَنَّ الزُّبَيْرَ حَمَلَ عَلَى فَرَسٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى, فَوَجَدَ فَرَسًا مِنْ ضِئْضِئِهَا يَعْنِي مِنْ نَسْلِهَا فَأَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَهُ, فَنُهِيَ" وَنَحْوَ هَذَا أَيْضًا، عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ, وَلاَ يَصِحُّ.
قال أبو محمد وَكُلُّ هَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ; لإِنَّ فَرَسَ عُمَرَ كَانَ بِنَصِّ الْحَدِيثِ حَمَلَ

عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ, فَصَارَ حَبْسًا فِي هَذَا الْوَجْهِ, فَبَيْعُهُ إخْرَاجٌ لَهُ عَمَّا سُبِّلَ فِيهِ, وَلاَ يَحِلُّ هَذَا أَصْلاً; فَابْتِيَاعُهُ حَرَامٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ.
وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الْخَبَرَيْنِ الآخَرَيْنِ, لَوْ صَحَّا, لاَ سِيَّمَا, وَفِي حَدِيثِ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ أَنَّهُ نَهَى نِتَاجَهَا, وَهَذِهِ صِفَةُ الْحَبْسِ.
وَأَمَّا مَا لَمْ يَحْرُمْ بَيْعُهُ وَكَانَ صَدَقَةً مُطْلَقَةً يَمْلِكُهَا الْمُتَصَدَّقُ بِهَا عَلَيْهِ وَيَبِيعُهَا إنْ شَاءَ فَلَيْسَ ابْتِيَاعُ الْمُتَصَدِّقِ بِهَا عَوْدًا فِي صَدَقَتِهِ, لاَ فِي اللُّغَةِ, وَلاَ فِي الدِّيَانَةِ; لإِنَّ الْعَوْدَ فِي الصَّدَقَةِ هُوَ انْتِزَاعُهَا وَرَدُّهَا إلَى نَفْسِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ, وَإِبْطَالُ صَدَقَتِهِ بِهَا فَقَطْ, وَالْحَاضِرُونَ مِنْ الْمُخَالِفِينَ يُجِيزُونَ أَنْ يَمْلِكَهَا الْمُتَصَدِّقُ بِهَا بِالْمِيرَاثِ, وَقَدْ عَادَتْ إلَى مِلْكِهِ كَمَا عَادَتْ بِالشِّرَاءِ، وَلاَ فَرْقَ; فَصَحَّ أَنَّ الْعَوْدَ هُوَ مَا ذَكَرْنَا فَقَطْ.
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا آدَم، حدثنا الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، رضي الله عنها، قَالَتْ: ُأتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِلَحْمٍ, فَقُلْتُ: هَذَا مِمَّا تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى بَرِيرَةَ. فَقَالَ: "هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا هَدِيَّةٌ".
حدثنا حمام، حدثنا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ، حدثنا الْحُمَيْدِيُّ، حدثنا سُفْيَانُ، حدثنا الزُّهْرِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ اللَّهِ السَّبَّاقَ أَنَّهُ سَمِعَ جُوَيْرِيَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ تَقُولُ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "هَلْ مِنْ طَعَامٍ" فَقُلْتُ: لاَ, إلاَّ عَظْمًا أُعْطِيَتْهُ مَوْلاَةٌ لَنَا مِنْ الصَّدَقَةِ فَقَالَ: "قَرِّبِيهِ فَقَدْ بَلَغَتْ مَحِلَّهَا".
وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ الصَّدَقَةَ حَرَامٌ عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم فَقَدْ اسْتَبَاحَهَا بَعْدَ بُلُوغِهَا مَحِلَّهَا, إذْ رَجَعَتْ إلَيْهِ بِالْهَدِيَّةِ.
حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، حدثنا أَبُو دَاوُد، حدثنا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حدثنا مَعْمَرٌ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إلاَّ لِخَمْسَةٍ لِغَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ, أَوْ لِعَامِلٍ عَلَيْهَا, أَوْ لِغَارِمٍ, أَوْ لِرَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ, أَوْ لِرَجُلٍ كَانَ لَهُ جَارٌ مِسْكِينٌ, فَتُصُدِّقَ عَلَى الْمِسْكِينِ فَأَهْدَاهَا الْمِسْكِينُ لِلْغَنِيِّ".

فَهَذَا نَصٌّ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِجَوَازِ ابْتِيَاعِ الصَّدَقَةِ, وَلَمْ يَخُصَّ الْمُتَصَدِّقَ بِهَا مِنْ غَيْرِهِ.
وَرُوِّينَا، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لاَ تَشْتَرِ الصَّدَقَةَ حَتَّى تَعْقِلَ: يَعْنِي حَتَّى تُؤَدِّيَهَا: وَهَذَا نَصُّ قَوْلِنَا, وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الصَّدَقَةِ قَالَ: إنْ اشْتَرَيْتهَا أَوْ رُدَّتْ عَلَيْك, أَوْ وَرِثْتهَا حَلَّتْ لَك.
وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: مَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَلاَ يَبْتَاعَهَا حَتَّى تَصِيرَ إلَى غَيْرِ الَّذِي تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ.
قال أبو محمد: فَهَذَا عُمَرُ يُجِيزُ لِلْمُتَصَدِّقِ بِالصَّدَقَةِ ابْتِيَاعَهَا إذَا انْتَقَلَتْ، عَنِ الَّذِي تَصَدَّقَ بِهَا عَلَيْهِ إلَى غَيْرِهِ; ، وَلاَ فَرْقَ عِنْدَنَا بَيْنَ الأَمْرَيْنِ.
وَقَوْلُنَا هَذَا هُوَ قَوْلُ عِكْرِمَةَ, وَمَكْحُولٍ. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ, وَالأَوْزَاعِيُّ, وَأَجَازَهُ الشَّافِعِيُّ وَلَمْ يَسْتَحِبَّهُ, وَمَنَعَ مِنْهُ مَالِكٌ, وَأَجَازَ رُجُوعَهَا إلَيْهِ بِالْمِيرَاثِ.
وَرُوِّينَا، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا تَصَدَّقَ بِشَيْءٍ فَرَجَعَ إلَيْهِ بِالْمِيرَاثِ تَصَدَّقَ بِهِ, وَيُفْتِي بِذَلِكَ.
فَخَرَجَ قَوْلُ مَالِكٍ، عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله تعالى عنهم مُوَافِقٌ.

لا شيء في المعادن كلها لا خمس و لا زكاة معجلة إلا إذا كان ذهبا أو فضة
700 - مَسْأَلَةٌ: قال أبو محمد: وَلاَ شَيْءَ فِي الْمَعَادِنِ, وَهِيَ فَائِدَةٌ, لاَ خُمْسَ فِيهَا، وَلاَ زَكَاةً مُعَجَّلَةً,
فَإِنْ بَقِيَ الذَّهَبُ, وَالْفِضَّةُ عِنْدَ مُسْتَخْرِجِهَا حَوْلاً قَمَرِيًّا, وَكَانَ ذَلِكَ مِقْدَارَ مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ: زَكَّاهُ, وَإِلاَّ فَلاَ.
وقال أبو حنيفة: عَلَيْهِ فِي مَعَادِنِ الذَّهَبِ, وَالْفِضَّةِ, وَالنُّحَاسِ, وَالرَّصَاصِ, وَالْقَزْدِيرِ, وَالْحَدِيدِ: الْخُمْسُ, سَوَاءٌ كَانَ فِي أَرْضِ عُشْرٍ أَوْ فِي أَرْضِ خَرَاجٍ, سَوَاءٌ أَصَابَهُ مُسْلِمٌ, أَوْ كَافِرٌ, عَبْدٌ, أَوْ حُرٌّ. قَالَ: فَإِنْ كَانَ فِي دَارِهِ فَلاَ خُمْسَ فِيهِ, وَلاَ زَكَاةَ, وَلاَ شَيْءَ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ الْمَعَادِنِ وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الزِّئْبَقِ, فَمَرَّةً رَأَى فِيهِ الْخُمْسَ, وَمَرَّةً لَمْ يَرَ فِيهِ شَيْئًا.
وقال مالك: فِي مَعَادِنِ الذَّهَبِ, وَالْفِضَّةِ: الزَّكَاةُ مُعَجَّلَةٌ فِي الْوَقْتِ إنْ كَانَ مِقْدَارُ مَا فِيهِ الزَّكَاةُ، وَلاَ شَيْءَ فِي غَيْرِهَا, وَلاَ يُسْقِطُ الزَّكَاةَ فِي ذَلِكَ دَيْنٌ يَكُونُ عَلَيْهِ; فَإِنْ كَانَ الَّذِي أَصَابَ فِي مَعْدِنِ الذَّهَبِ, أَوْ الْفِضَّةِ نُدْرَةً بِغَيْرِ كَبِيرِ عَمَلٍ فَفِي ذَلِكَ الْخُمْسُ.
قال أبو محمد: احْتَجَّ مَنْ رَأَى فِيهِ الْخُمْسَ بِالْحَدِيثِ الثَّابِتِ: "وَفِي الرِّكَازِ الْخُمْسُ"

وَذَكَرُوا حَدِيثًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ، عَنِ الرِّكَازِ. فَقَالَ: "هُوَ الذَّهَبُ الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ فِي الأَرْضِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ".
قال أبو محمد: هَذَا حَدِيثٌ سَاقِطٌ; لإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعِيدٍ مُتَّفَقٌ عَلَى إطْرَاحِ رِوَايَتِهِ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ فِي الذَّهَبِ خَاصَّةً.
فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا سَائِرَ الْمَعَادِنِ الْمَذْكُورَةِ عَلَى الذَّهَبِ.
قلنا لَهُمْ: فَقِيسُوا عَلَيْهِ أَيْضًا مَعَادِنَ الْكِبْرِيتِ, وَالْكُحْلِ, وَالزِّرْنِيخِ, وَغَيْرِ ذَلِكَ.
فَإِنْ قَالُوا: هَذِهِ حِجَارَةٌ.
قلنا: فَكَانَ مَاذَا وَمَعْدِنُ الْفِضَّةِ, وَالنُّحَاسِ أَيْضًا حِجَارَةٌ، وَلاَ فَرْقَ.
وَأَمَّا الرِّكَازُ فَهُوَ دَفْنُ الْجَاهِلِيَّةِ فَقَطْ; لاَ الْمَعَادِنُ, لاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي ذَلِكَ.
وَالْعَجَبُ كُلُّهُ احْتِجَاجُ بَعْضُهُمْ فِي هَذَا بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "فِي اللُّقَطَةِ مَا كَانَ مِنْهَا فِي الْخَرَابِ وَالأَرْضِ الْمِيْتَاءِ فَفِيهِ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمْسُ" وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِهَذَا, وَهَذَا كَمَا تَرَى!!
وَلَوْ كَانَ الْمَعْدِنُ رِكَازًا لَكَانَ الْخُمْسُ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ الْمَعَادِنِ, كَمَا أَنَّ الْخُمْسَ فِي كُلِّ دَفْنٍ لِلْجَاهِلِيَّةِ, أَيُّ شَيْءٍ كَانَ; فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ وَتَنَاقُضُهُمْ.
لاَ سِيَّمَا فِي إسْقَاطِهِمْ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ بِالْخَرَاجِ, وَلَمْ يُسْقِطُوا الْخُمْسَ فِي الْمَعَادِنِ بِالْخَرَاجِ وَأَوْجَبُوا فِيهَا خُمْسًا فِي أَرْضِ الْعُشْرِ, وَعَلَى الْكَافِرِ, وَالْعَبْدِ وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْمَعْدِنِ فِي الدَّارِ وَبَيْنَهُ خَارِجَ الدَّارِ, وَلاَ يُعْرَفُ كُلُّ هَذَا، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمْ وَهُمْ يَقُولُونَ: بِرَدِّ الأَخْبَارِ الصِّحَاحِ إذَا خَالَفَتْ الآُصُولَ وَحُكْمُهُمْ هَاهُنَا مُخَالِفٌ لِلآُصُولِ.

فَإِنْ قَالُوا: قَدْ رُوِيَ، عَنْ عَلِيٍّ: أَنَّ فِيهِ الْخُمْسَ.
قلنا: أَنْتُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذَا الْحُكْمِ إنْ كَانَ حُجَّةً; لإِنَّ الْخَبَرَ إنَّمَا هُوَ فِي رَجُلٍ اسْتَخْرَجَ مَعْدِنًا فَبَاعَهُ بِمِائَةِ شَاةٍ, وَأَخْرَجَ الْمُشْتَرِي مِنْهُ ثَمَنَ أَلْفِ شَاةٍ فَرَأَى عَلِيٌّ الْخُمْسَ عَلَى الْمُشْتَرِي; لاَ عَلَى الْمُسْتَخْرِجِ لَهُ.
وَأَمَّا مَنْ رَأَى فِيهِ الزَّكَاةَ فَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ مَالِكٍ، عَنْ رَبِيعَةَ، عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ عُلَمَائِهِمْ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَطَعَ لِبِلاَلِ بْنِ الْحَارِثِ مَعَادِنَ الْقَبَلِيَّةِ وَهِيَ فِي نَاحِيَةِ الْفُرْعِ". قَالَ: فَتِلْكَ الْمَعَادِنُ لاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا إلاَّ الزَّكَاةَ إلَى الْيَوْمِ.
قال أبو محمد: وَلَيْسَ هَذَا بِشَيْءٍ لاَِنَّهُ مُرْسَلٌ, وَلَيْسَ فِيهِ مَعَ إرْسَالِهِ إلاَّ إقْطَاعُهُ عليه السلام تِلْكَ الْمَعَادِنَ فَقَطْ, وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ عليه السلام أَخَذَ مِنْهَا الزَّكَاةَ.
ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ الْمَالِكِيُّونَ أَوَّلَ مُخَالِفٍ لَهُ; لأَنَّهُمْ رَأَوْا فِي النُّدْرَةِ تُصَابُ فِيهِ بِغَيْرِ كَبِيرِ عَمَلٍ: الْخُمْسَ; وَهَذَا خِلاَفُ مَا فِي هَذَا الْخَبَرِ.
وَيُسْأَلُونَ أَيْضًا، عَنْ مِقْدَارِ ذَلِكَ الْعَمَلِ الْكَبِيرِ وَحَدِّ النُّدْرَةِ، وَلاَ سَبِيلَ إلَيْهِ إلاَّ بِدَعْوَى لاَ يَجُوزُ الاِشْتِغَالُ بِهَا فَظَهَرَ أَيْضًا فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ وَتَنَاقُضُهُ.
وَقَالُوا أَيْضًا: الْمَعْدِنُ كَالزَّرْعِ يَخْرُجُ شَيْءٌ بَعْدَ شَيْءٍ.
قَالَ عَلِيٌّ: قِيَاسُ الْمَعْدِنِ عَلَى الزَّرْعِ كَقِيَاسِهِ عَلَى الزَّكَاةِ, وَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ وَلَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَتَعَارَضَ هَذَانِ الْقِيَاسَانِ; وَكِلاَهُمَا فَاسِدٌ, أَمَّا قِيَاسُهُ عَلَى الرِّكَازِ فَيَلْزَمُهُمْ ذَلِكَ فِي كُلِّ مَعْدِنٍ; وَإِلاَّ فَقَدْ تَنَاقَضُوا, وَأَمَّا قِيَاسُهُ عَلَى الزَّرْعِ فَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يُرَاعُوا فِيهِ خَمْسَةَ أَوْسُقٍ وَإِلاَّ فَقَدْ تَنَاقَضُوا, وَيَلْزَمُهُمْ أَيْضًا أَنْ يَقِيسُوا كُلَّ مَعْدِنٍ مِنْ حَدِيدٍ أَوْ نُحَاسٍ عَلَى الزَّرْعِ.
وَاحْتَجَّ كِلْتَا الطَّائِفَتَيْنِ بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، عَنْ قُتَيْبَةَ; ، حدثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ، حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ أُبَيٍّ نَعَمْ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ يَقُولُ: "بَعَثَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِذُهَيْبَةٍ فِي أَدِيمٍ مَقْرُوظٍ لَمْ تَحْصُلْ مِنْ تُرَابِهَا

فَقَسَّمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ: عُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ, وَالأَقْرَعِ بْنِ حَابِسٍ, وَزَيْدِ الْخَيْرِ, وَذَكَرَ رَابِعًا, وَهُوَ عَلْقَمَةُ بْنُ عُلاَثَةَ". فَقَالَ مَنْ رَأَى فِي الْمَعْدِنِ الزَّكَاةَ: هَؤُلاَءِ مِنْ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ, وَحَقُّهُمْ فِي الزَّكَاةِ لاَ فِي الْخُمْسِ; وَقَالَ الآخَرُونَ: عَلِيٌّ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ, وَلاَ يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ فِي الصَّدَقَةِ, وَإِنَّمَا النَّظَرُ فِي الأَخْمَاسِ.
قَالَ عَلِيٌّ: كِلاَ الْقَوْلَيْنِ دَعْوًى فَاسِدَةٌ, وَلَوْ كَانَتْ تِلْكَ الذَّهَبُ مِنْ خُمْسٍ وَاجِبٍ, أَوْ مِنْ زَكَاةٍ لَمَا جَازَ أَلْبَتَّةَ أَخْذُهَا إلاَّ بِوَزْنٍ وَتَحْقِيقٍ, لاَ يُظْلَمُ مَعَهُ الْمُعْطِي، وَلاَ أَهْلُ الأَرْبَعَةِ الأَخْمَاسِ; فَلَمَّا كَانَتْ لَمْ تَحْصُلْ مِنْ تُرَابِهَا صَحَّ يَقِينًا أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ, وَإِنَّمَا كَانَتْ هَدِيَّةً مِنْ الَّذِي أَصَابَهَا, أَوْ مِنْ وَجْهٍ غَيْرِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ, فَأَعْطَاهَا عليه السلام مَنْ شَاءَ, وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لاَ زَكَاةَ فِي مَالٍ غَيْرِ الزَّرْعِ إلاَّ بَعْدَ الْحَوْلِ, وَالْمَعْدِنِ مِنْ جُمْلَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ; فَلاَ شَيْءَ فِيهَا إلاَّ بَعْدَ الْحَوْلِ.
وَهَذَا قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ, وَأَحَدِ أَقْوَالِ الشَّافِعِيِّ, وَقَوْلِ أَبِي سُلَيْمَانَ.
وَرَأَى مَالِكٌ أَنَّ مَنْ ظَهَرَ فِي أَرْضِهِ مَعْدِنٌ فَإِنَّهُ يَسْقُطُ مِلْكُهُ عَنْهُ, وَيَصِيرُ لِلسُّلْطَانِ, وَهَذَا قَوْلٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ; بِلاَ بُرْهَانٍ مِنْ قُرْآنٍ, وَلاَ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ, وَلاَ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ, وَلاَ إجْمَاعٍ; ، وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ, وَلاَ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ.
وَعَلَى هَذَا إنْ ظَهَرَ فِي مَسْجِدٍ أَنْ يَصِيرَ مِلْكُهُ لِلسُّلْطَانِ وَيَبْطُلُ حُكْمُهُ وَلَوْ أَنَّهُ الْكَعْبَةُ وَهَذَا فِي غَايَةِ الْفَسَادِ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ". فَصَحَّ أَنَّ مَنْ ظَهَرَ فِي أَرْضِهِ مَعْدِنٌ فَهُوَ لَهُ, يُورَثُ عَنْهُ وَيَعْمَلُ فِيهِ مَا شَاءَ.

لا تؤخذ زكاة من كافر
701 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ تُؤْخَذُ زَكَاةٌ مِنْ كَافِرٍ
لاَ مُضَاعَفَةً، وَلاَ غَيْرَ مُضَاعَفَةٍ, لاَ مِنْ بَنِي تَغْلِبٍ، وَلاَ مِنْ غَيْرِهِمْ وَهُوَ قَوْلُ مَالِك.
وقال أبو حنيفة, وَالشَّافِعِيُّ, كَذَلِكَ إلاَّ فِي بَنِي تَغْلِبَ خَاصَّةً; فَإِنَّهُمْ قَالُوا: تُؤْخَذُ مِنْهُمْ الزَّكَاةُ مُضَاعَفَةً.
وَاحْتَجُّوا بِخَبَرٍ وَاهٍ مُضْطَرِبٍ فِي غَايَةِ الاِضْطِرَابِ, رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، عَنِ السَّفَّاحِ بْنِ مَطَرٍ، عَنْ دَاوُد بْنِ كُرْدُوسٍ التَّغْلِبِيِّ قَالَ: صَالَحْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، عَنْ بَنِي تَغْلِبَ بَعْد أَنْ قَطَعُوا الْفُرَاتَ وَأَرَادُوا اللُّحُوقَ بِالرُّومِ عَلَى أَنْ

لاَ يَصْبُغُوا صَبِيًّا، وَلاَ يُكْرَهُوا عَلَى غَيْرِ دِينِهِمْ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِمْ الْعُشْرَ مُضَاعَفًا فِي كُلِّ عِشْرِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ قَالَ دَاوُد بْنُ كُرْدُوسٍ: لَيْسَ لِبَنِي تَغْلِبَ ذِمَّةٌ, قَدْ صَبَغُوا فِي دِينِهِمْ.
وَمِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ، عَنِ السَّفَّاحِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ زُرْعَةَ بْنِ النُّعْمَانِ أَوْ النُّعْمَانِ بْنِ زُرْعَةَ أَنَّهُ كَلَّمَ عُمَرَ فِي بَنِي تَغْلِبَ وَقَالَ لَهُ: إنَّهُمْ عَرَبٌ يَأْنَفُونَ مِنْ الْجِزْيَةِ, فَلاَ تُعِنْ عَدُوَّكَ بِهِمْ; فَصَالَحَهُمْ عُمَرُ عَلَى أَنْ أُضَعِّفَ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةَ, فَاشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ: أَنْ لاَ يَنْصُرُوا أَوْلاَدَهُمْ. قَالَ مُغِيرَةُ فَحُدِّثْتُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: لَئِنْ تَفَرَّغْتُ لِبَنِي تَغْلِبَ لاَُقَتِّلَنَّ مُقَاتِلَتَهُمْ وَلاََسْبِيَنَّ ذَرَارِيَّهُمْ; فَقَدْ نَقَضُوا, وَبَرِئَتْ مِنْهُمْ الذِّمَّةُ حِينَ نَصَرُوا أَوْلاَدَهُمْ.
وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ السَّلاَمِ بْنِ حَرْبٍ فَقَالَ: فِيهِ عَنْ دَاوُد بْنِ كُرْدُوسٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ النُّعْمَانِ, وَذَكَرَ مِثْلَهُ سَوَاءٌ سَوَاءٌ, وَذَكَرَ أَنَّهُمْ لاَ ذِمَّةَ لَهُمْ الْيَوْمَ.
وَرُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ كَاتِبِ اللَّيْثِ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: لاَ نَعْلَمُ فِي مَوَاشِي أَهْلِ الْكِتَابِ صَدَقَةً إلاَّ الْجِزْيَةَ غَيْرَ أَنَّ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ الَّذِينَ جُلُّ أَمْوَالِهِمْ الْمَوَاشِي تُضَعَّفُ عَلَيْهِمْ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَيْ الصَّدَقَةِ.
هَذَا كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ, وَلَوْ كَانَ هَذَا الْخَبَرُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَا حَلَّ الأَخْذُ بِهِ لاِنْقِطَاعِهِ وَضَعْفِ رُوَاتِهِ, فَكَيْفَ وَلَيْسَ هُوَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم!

فَكَيْفَ وَقَدْ خَالَفُوا هَذَا الْخَبَرَ نَفْسَهُ وَهَدَمُوا بِهِ أَكْثَرَ أُصُولِهِمْ لأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: لاَ يُقْبَلُ خَبَرُ الآحَادِ الثِّقَاتِ الَّتِي لَمْ يُجْمَعْ عَلَيْهَا فِيمَا إذَا كَثُرَتْ بِهِ الْبَلْوَى, وَهَذَا أَمْرٌ تَكْثُرُ بِهِ الْبَلْوَى, وَلاَ يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْمَدِينَةِ وَغَيْرُهُمْ, فَقَبِلُوا فِيهِ خَبَرًا لاَ خَيْرَ فِيهِ.
وَهُمْ قَدْ رَدُّوا بِأَقَلَّ مِنْ هَذَا خَبَرَ الْوُضُوءِ مِنْ مَسِّ الذَّكَرِ, وَيَقُولُونَ: لاَ يُقْبَلُ خَبَرُ الآحَادِ الثِّقَاتِ إذَا كَانَ زَائِدًا عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ أَوْ مُخَالِفًا لَهُ, وَرَدُّوا بِهَذَا حَدِيثَ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ, وَكَذَّبُوا مَا هُوَ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْقُرْآنِ.
وَلاَ خِلاَفَ لِلْقُرْآنِ أَكْثَرُ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} فَقَالُوا هُمْ: إلاَّ بَنِي تَغْلِبَ فَلاَ يُؤَدُّونَ الْجِزْيَةَ، وَلاَ صَغَارَ عَلَيْهِمْ; بَلْ يُؤَدُّونَ الصَّدَقَةَ مُضَاعَفَةً; فَخَالَفُوا الْقُرْآنَ, وَالسُّنَنَ الْمَنْقُولَةَ نَقْلَ الْكَافَّةِ بِخَبَرٍ لاَ خَيْرَ فِيهِ!
وَقَالُوا: لاَ يُقْبَلُ خَبَرُ الآحَادِ الثِّقَاتِ إذَا خَالَفَ الآُصُولَ, وَرَدُّوا بِذَلِكَ خَبَرَ الْقُرْعَةِ فِي الأَعْبُدِ السِّتَّةِ, وَخَبَرَ الْمُصَرَّاةِ, وَكَذَّبُوا مَا هُمَا مُخَالِفَيْنِ لِلآُصُولِ بَلْ هُمَا أَصْلاَنِ مِنْ كِبَارِ الآُصُولِ,
وَخَالَفُوا هَاهُنَا جَمِيعَ الآُصُولِ فِي الصَّدَقَاتِ, وَفِي الْجِزْيَةِ بِخَبَرٍ لاَ يُسَاوِي بَعْرَةً, وَتَعَلَّلُوا بِالاِضْطِرَابِ فِي أَخْبَارِ الثِّقَاتِ, وَرَدُّوا خَبَرَ: "لاَ تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ، وَلاَ الرَّضْعَتَانِ", وَخَبَرَ: "لاَ قَطْعَ إلاَّ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا", وَأَخَذُوا هَاهُنَا بِأَسْقَطِ خَبَرٍ وَأَشَدِّهِ اضْطِرَابًا, لاَِنَّهُ يَقُولُ رِوَايَةً مَرَّةً: عَنِ السَّفَّاحِ بْنِ مَطَرٍ, وَمَرَّةً: عَنِ السَّفَّاحِ بْنِ الْمُثَنَّى, وَمَرَّةً، عَنْ دَاوُد بْنِ كُرْدُوسٍ أَنَّهُ صَالَحَ عُمَرَ، عَنْ بَنِي تَغْلِبَ وَمَرَّةً: عَنْ دَاوُد بْنِ كُرْدُوسٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ, أَوْ زُرْعَةَ بْنِ النُّعْمَانِ, أَوْ النُّعْمَانِ بْنِ زُرْعَةَ أَنَّهُ صَالَحَ عُمَرَ.
وَمَعَ شِدَّةِ هَذَا الاِضْطِرَابِ الْمُفْرِطِ فَإِنَّ جَمِيعَ هَؤُلاَءِ لاَ يَدْرِي أَحَدٌ مَنْ هُمْ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى.
وَكَمْ مِنْ قَضِيَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا عُمَرَ, كَكَلاَمِهِ مَعَ عُثْمَانَ فِي الْخُطْبَةِ, وَنَفْيِهِ فِي الزِّنَى وَإِغْرَامِهِ فِي السَّرِقَةِ قَبْلَ الْقَطْعِ, وَغَيْرِ ذَلِكَ.

وَقَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ بِأَصَحِّ طَرِيقٍ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، عَنْ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ قَالَ: أَمَرَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ آخُذَ مِنْ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ الْعُشْرَ, وَمِنْ نَصَارَى أَهْلِ الْكِتَابِ نِصْفَ الْعُشْرِ.
قال أبو محمد: فَكَمَا لَمْ يُسْقِطْ أَخْذُ نِصْفِ الْعُشْرِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ الْجِزْيَةَ عَنْهُمْ فَكَذَلِكَ لاَ يُسْقِطُ أَخْذُ الْعُشْرِ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ أَيْضًا الْجِزْيَةَ عَنْهُمْ, وَهَذَا أَصَحُّ قِيَاسٍ, لَوْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ الْقِيَاسِ صَحِيحًا, فَقَدْ خَالَفُوا الْقِيَاسَ أَيْضًا.
ثُمَّ لَوْ صَحَّ وَثَبَتَ لَكَانُوا قَدْ خَالَفُوهُ; لإِنَّ جَمِيعَ مَنْ رَوَوْهُ عَنْهُ أَوَّلُهُمْ، عَنْ آخِرِهِمْ يَقُولُونَ كُلُّهُمْ: إنَّ بَنِي تَغْلِبَ قَدْ نَقَضُوا تِلْكَ الذِّمَّةَ; فَبَطَلَ ذَلِكَ الْحُكْمُ.
وَرَوَوْا ذَلِكَ أَيْضًا، عَنْ عَلِيٍّ, فَخَالَفُوا: عُمَرَ وَعَلِيًّا, وَالْخَبَرَ الَّذِي بِهِ احْتَجُّوا وَالْقُرْآنَ وَالسُّنَنَ فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ كُلِّ كِتَابِيٍّ فِي أَرْضِ الْعَرَبِ وَغَيْرِهَا, كَهَجَرَ, وَالْيَمَنِ, وَغَيْرِهِمَا وَفِعْلِ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم،, وَالْقِيَاسَ, وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ.

لا يجوز أخذ زكاة و لا تعشير مما يتجر به تجار المسلمين
702 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَجُوزُ أَخْذُ زَكَاةٍ، وَلاَ تَعْشِيرَ مِمَّا يَتَّجِرُ بِهِ تُجَّارُ الْمُسْلِمِينَ,
وَلاَ مِنْ كَافِرٍ أَصْلاً تَجَرَ فِي بِلاَدِهِ أَوْ فِي غَيْرِ بِلاَدِهِ إلاَّ أَنْ يَكُونُوا صُولِحُوا عَلَى ذَلِكَ مَعَ الْجِزْيَةِ فِي أَصْلِ عَقْدِهِمْ, فَتُؤْخَذُ حِينَئِذٍ مِنْهُمْ وَإِلاَّ فَلاَ.
أَمَّا الْمُسْلِمُونَ فَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ أَنَّهُ لاَ زَكَاةَ عَلَيْهِمْ فِي الْعُرُوضِ لِتِجَارَةٍ كَانَتْ أَوْ لِغَيْرِ تِجَارَةٍ وَأَمَّا الْكُفَّارُ فَإِنَّمَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ الْجِزْيَةَ فَقَطْ; فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ صُلْحًا مَعَ الْجِزْيَةِ فَهُوَ حَقٌّ وَعَهْدٌ صَحِيحٌ, وَإِلاَّ فَلاَ يَحِلُّ أَخْذُ شَيْءٍ مِنْ أَمْوَالِهِمْ بَعْدَ صِحَّةِ عَقْدِ الذِّمَّةِ بِالْجِزْيَةِ وَالصِّغَارِ, مَا لَمْ يَنْقُضُوا الْعَهْدَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وقال أبو حنيفة: يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ إذَا سَافَرُوا نِصْفُ الْعُشْرِ فِي الْحَوْلِ مَرَّةً فَقَطْ، وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ مِنْ أَقَلَّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ شَيْءٌ وَكَذَلِكَ يُؤْخَذُ مِنْ الْحَرْبِيِّ الْعُشْرُ إذَا بَلَغَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ, وَإِلاَّ فَلاَ; إلاَّ إنْ كَانُوا لاَ يَأْخُذُونَ مِنْ تُجَّارِنَا شَيْئًا فَلاَ نَأْخُذُ مِنْ تُجَّارِهِمْ شَيْئًا.
قَالَ مَالِكٌ: يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ الْعُشْرُ إذَا تَجَرُوا إلَى غَيْرِ بِلاَدِهِمْ مِمَّا قَلَّ أَوْ كَثُرَ إذَا بَاعُوا, وَيُؤْخَذُ مِنْهُمْ فِي كُلِّ سُفْرَةٍ كَذَلِكَ, وَلَوْ مِرَرًا فِي السَّنَةِ, فَإِنْ تَجَرُوا فِي بِلاَدِهِمْ

لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهُمْ شَيْءٌ, وَيُؤْخَذُ مِنْ الْحَرْبِيِّينَ كَذَلِكَ إلاَّ فِيمَا حَمَلُوا إلَى الْمَدِينَةِ خَاصَّةً مِنْ الْحِنْطَةِ, وَالزَّبِيبِ خَاصَّةً, فَإِنَّهُ لاَ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ إلاَّ نِصْفُ الْعُشْرِ فَقَطْ.
قال أبو محمد: احْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِمَا رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ: كُنْتُ أَعْشُرُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنَ عُتْبَةَ زَمَنَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ, فَكَانَ يَأْخُذُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَنْصَافَ عُشْرِ أَمْوَالِهِمْ فِيمَا تَجَرُوا بِهِ.
وَبِحَدِيثِ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: خُذْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمًا, وَمِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمًا, وَمِمَّنْ لاَ ذِمَّةَ لَهُ مِنْ كُلِّ عَشَرَةِ دَرَاهِمِ دِرْهَمًا.
وَمِنْ طَرِيقِ زِيَادِ بْنِ حُدَيْرٍ: أَمَرَنِي عُمَرُ بِأَنْ آخُذَ مِنْ بَنِي تَغْلِبَ الْعُشْرَ, وَمِنْ نَصَارَى أَهْلِ الْكِتَابِ نِصْفَ الْعُشْرِ.
وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: كُنْتُ غُلاَمًا مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَلَى سُوقِ الْمَدِينَةِ زَمَانَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ, فَكَانَ يَأْخُذُ مِنْ النَّبَطِ الْعُشْرَ.
قال أبو محمد: هَذَا كُلُّهُ لاَ حُجَّةَ فِيهِ, لاَِنَّهُ لَيْسَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
وَأَيْضًا فَرُبَّ قَضِيَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا عُمَرَ قَدْ ذَكَرْنَاهَا آنِفًا, وَلَيْسَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ حُكْمِ عُمَرُ حُجَّةً وَبَعْضُهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ هَذِهِ الآثَارَ مُخْتَلِفَةٌ، عَنْ عُمَرَ, فِي بَعْضِهَا الْعُشْرُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ, وَفِي بَعْضِهَا نِصْفُ الْعُشْرِ, فَمَا الَّذِي جَعَلَ بَعْضَهَا أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ؟!
وَقَدْ خَالَفَ الْمَالِكِيُّونَ هَذِهِ الآثَارَ فِي تَفْرِيقِهِمْ بَيْنَ تِجَارَتِهِمْ فِي أَقْطَارِ بِلاَدِهِمْ أَوْ غَيْرِهَا.
وَخَالَفَهَا الْحَنَفِيُّونَ فِي وَضْعِهِمْ ذَلِكَ مَرَّةً فِي الْعَامِ فَقَطْ, وَذَلِكَ فِي هَذِهِ الآثَارِ, وَذَكَرُوا فِي ذَلِكَ خَبَرًا فَاسِدًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مِهْرَانَ: أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إلَى أَيُّوبَ بْنِ شُرَحْبِيلَ: خُذْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارًا, وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِينَارًا دِينَارًا, إذَا كَانُوا يُدِيرُونَهَا, ثُمَّ لاَ تَأْخُذُ مِنْهُمْ شَيْئًا حَتَّى رَأْسَ الْحَوْلِ, فَإِنِّي سَمِعْتُ ذَلِكَ مِمَّنْ سَمِعَهُ مِمَّنْ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم.
قال أبو محمد: وَهَذَا، عَنْ مَجْهُولِينَ, وَلَيْسَ أَيْضًا فِيهِ بَيَانٌ أَنَّهُ سُمِعَ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم

قال أبو محمد: فَكَيْفَ وَقَدْ رُوِّينَا، عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه بَيَانَ هَذَا كُلِّهِ, كَمَا حَدَّثَنَا أحمد بن محمد بن الجسور، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى، حدثنا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حدثنا أَبُو عُبَيْدٍ، حدثنا الأَنْصَارِيُّ هُوَ الْقَاضِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ: بَعَثَ عُمَرُ: عَمَّارًا, وَابْنَ مَسْعُودٍ, وَعُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ إلَى الْكُوفَةِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ: أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ مَسَحَ الأَرْضَ فَوَضَعَ عَلَيْهَا كَذَا وَكَذَا, وَجَعَلَ فِي أَمْوَالِ أَهْلِ الذِّمَّةِ الَّذِينَ يَخْتَلِفُونَ بِهَا مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمًا وَجَعَلَ عَلَى رُءُوسِهِمْ وَعَطَّلَ مِنْ ذَلِكَ النِّسَاءَ وَالصِّبْيَانَ: أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ ثُمَّ كَتَبَ بِذَلِكَ إلَى عُمَرَ فَأَجَازَهُ.
فَصَحَّ أَنَّ هَذَا كَانَ فِي أَصْلِ الْعَهْدِ وَالْعَقْدِ وَذِمَّتِهِمْ.
وَبِهِ إلَى أَبِي عُبَيْدٍ: حدثنا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ الْعَبْسِيِّ قَالَ: سَأَلْت زِيَادَ بْنَ حُدَيْرٍ: مَنْ كُنْتُمْ تُعْشِرُونَ قَالَ مَا كُنَّا نُعْشِرُ مُسْلِمًا، وَلاَ مُعَاهِدًا, كُنَّا نُعْشِرُ تُجَّارَ أَهْلِ الْحَرْبِ كَمَا يُعَشِّرُونَنَا إذَا أَتَيْنَاهُمْ.
فَصَحَّ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُؤْخَذُ ذَلِكَ مِمَّنْ لَمْ يُعَاقَدْ عَلَى ذَلِكَ.
وَبِهِ إلَى أَبِي عُبَيْدٍ: حدثنا مُعَاوِيَةُ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: وَاَللَّهِ مَا عَمِلْتُ عَمَلاً أَخْوَفُ عِنْدِي أَنْ يُدْخِلُنِي النَّارَ مِنْ عَمَلِكُمْ هَذَا, وَمَا بِي أَنْ أَكُونَ ظَلَمْتُ فِيهِ مُسْلِمًا أَوْ مُعَاهِدًا دِينَارًا، وَلاَ دِرْهَمًا, وَلَكِنْ لاَ أَدْرِي مَا هَذَا الْحَبَلُ الَّذِي لَمْ يَسُنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلاَ أَبُو بَكْرٍ, وَلاَ عُمَرُ قَالُوا: فَمَا حَمَلَكَ عَلَى أَنْ دَخَلْتَ فِيهِ قَالَ: لَمْ يَدَعْنِي زِيَادٌ, وَلاَ شُرَيْحٌ, وَلاَ الشَّيْطَانُ, حَتَّى دَخَلْتُ فِيهِ. قال أبو محمد: فَصَحَّ أَنَّهُ عَمَلٌ مُحْدَثٌ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِعُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ تَعَدَّى مَا كَانَ فِي عَقْدِهِمْ; كَمَا لاَ يُظَنُّ بِهِ فِي أَمْرِهِ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمٌ أَنَّهُ فِيمَا هُوَ أَقَلُّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ليس في شيء مما أصيب من العنبر و الجواهر و الياقوت و الزمرد شيء أصلا
703 - مَسْأَلَةٌ: وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِمَّا أُصِيبَ مِنْ الْعَنْبَرِ وَالْجَوَاهِرِ وَالْيَاقُوتِ وَالزُّمُرُّدِ بِحَرِيِّهِ وَبَرِّيِّهِ: شَيْءٌ أَصْلاً,
وَهُوَ كُلُّهُ لِمَنْ وَجَدَهُ.
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُوس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: أَنَّ فِي الْعَنْبَرِ, وَفِي كُلِّ مَا اُسْتُخْرِجَ مِنْ حِلْيَةِ الْبَحْرِ: الْخُمْسُ. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو يُوسُفَ.
قال أبو محمد: الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ مُطْرَحٌ.
وَقَدْ صَحَّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي الْعَنْبَرِ: إنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ فَفِيهِ الْخُمْسُ, مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ طَاوُوس، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لاَ شَيْءَ فِيهِ.
قال أبو محمد: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ". فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ إغْرَامُ مُسْلِمٍ شَيْئًا بِغَيْرِ نَصٍّ صَحِيحٍ, وَكَانَ بِلاَ خِلاَفٍ كُلُّ مَا لاَ رَبَّ لَهُ فَهُوَ لِمَنْ وَجَدَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29