كتاب : المحلى
المؤلف : أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري

وشهادة ولد الزنا جائزة في الزنا وغيره
1802 - مَسْأَلَةٌ: وَشَهَادَةُ وَلَدِ الزِّنَى جَائِزَةٌ فِي الزِّنَى وَغَيْرِهِ، وَيَلِي الْقَضَاءَ، وَهُوَ كَغَيْرِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَلاَ يَخْلُو أَنْ يَكُونَ عَدْلاً فَيُقْبَلَ، فَيَكُونَ كَسَائِرِ الْعُدُولِ، أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ فَلاَ يُقْبَلَ فِي شَيْءٍ أَصْلاً. وَلاَ نَصَّ فِي التَّفْرِيقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَالشَّعْبِيِّ، وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَالزُّهْرِيِّ وَرُوِيَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَرُوِيَ، عَنْ نَافِعٍ: لاَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ، وقال مالك، وَاللَّيْثُ: يُقْبَلُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلاَّ فِي الزِّنَى وَهَذَا فَرْقٌ لاَ نَعْرِفُهُ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ} وَإِذَا كَانُوا إخْوَانَنَا فِي الدِّينِ فَلَهُمْ مَا لَنَا وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَيْنَا. فإن قيل: قَدْ جَاءَ "وَلَدُ الزِّنَا شَرُّ الثَّلاَثَةِ" ..فَقُلْنَا: هَذَا عَلَيْكُمْ لأََنَّكُمْ تَقْبَلُونَهُ فِيمَا عَدَا الزِّنَى، وَمَعْنَى هَذَا الْخَبَرِ عِنْدَنَا أَنَّهُ فِي إنْسَانٍ بِعَيْنِهِ لِلآيَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا، وَلأََنَّهُ قَدْ كَانَ فِيمَنْ لاَ يُعْرَفُ أَبُوهُ، وَمَنْ لاَ يَعْدِلُهُ جَمِيعُ أَهْلِ

ومن حد في زنا او قذف أو خمر أو سرقة وصلحت حاله فشهادته جائزة
1807 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ حُدَّ فِي زِنًى، أَوْ قَذْفٍ، أَوْ خَمْرٍ، أَوْ سَرِقَةٍ، ثُمَّ تَابَ وَصَلَحَتْ حَالُهُ، فَشَهَادَتُهُ جَائِزَةٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَفِي مِثْلِ مَا حُدَّ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ لاَ يَخْلُو هَذَا مِنْ أَنْ يَكُونَ عَدْلاً، فَلاَ يَجُوزُ رَدُّ شَهَادَتِهِ لِغَيْرِهِ، وَفِي كُلِّ شَيْءٍ إِلاَّ حَيْثُ جَاءَ النَّصُّ، وَلاَ نَعْلَمُهُ إِلاَّ فِي الْبَدَوِيِّ عَلَى صَاحِبِ الْقَرْيَةِ فَقَطْ، أَوْ لاَ يَكُونُ عَدْلاً فَلاَ يُقْبَلُ فِي شَيْءٍ، وَمَا عَدَا هَذَا فَبَاطِلٌ وَتَحَكُّمٌ بِالظَّنِّ الْكَاذِبِ بِلاَ قُرْآنٍ، وَلاَ سُنَّةٍ، وَلاَ مَعْقُولٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ فِي الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ خَاصَّةً: لاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَبَدًا وَإِنْ تَابَ فِي شَيْءٍ أَصْلاً. وَقَالَ آخَرُونَ: لاَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ حُدَّ فِي خَمْرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ أَصْلاً. فَهَذَا الْقَوْلُ قَدْ جَاءَ، عَنْ عُمَرَ فِي تِلْكَ الرِّسَالَةِ الْمَكْذُوبَةِ " الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاَّ مَجْلُودًا حَدًّا أَوْ مُجَرَّبًا عَلَيْهِ شَهَادَةُ زُورٍ أَوْ ظَنِينًا فِي وَلاَءٍ أَوْ قَرَابَةٍ " وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ. وَقَدْ قلنا: لاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلاَ نَصَّ فِي رَدِّ شَهَادَةِ مَنْ ذَكَرْنَا. فأما الْقَوْلُ الثَّانِي: فِي تَخْصِيصِ مَنْ حُدَّ فِي الْقَذْفِ، فَإِنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: شَهَادَةُ الْقَاذِفِ لاَ تَجُوزُ وَإِنْ تَابَ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هُوَ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا قَيْسٌ، عَنْ سَالِمٍ هُوَ الأَفْطَسُ، عَنْ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ: كَانَ أَبُو بَكْرَةَ إذَا أَتَاهُ رَجُلٌ يُشْهِدُهُ قَالَ لَهُ: أَشْهِدْ غَيْرِي فَإِنَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ فَسَّقُونِي. وَصَحَّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَالنَّخَعِيِّ، وَابْنِ الْمُسَيِّبِ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَمُجَاهِدٍ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَمَسْرُوقٍ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَعِكْرِمَةَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: أَنَّ الْقَاذِفَ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ أَبَدًا وَإِنْ تَابَ. وَعَنْ شُرَيْحٍ: الْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ لاَ تُقْبَلُ لَهُ شَهَادَةٌ أَبَدًا. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِ، وَسُفْيَانَ. وَقَالَ آخَرُونَ: إنْ تَابَ الْمَحْدُودُ فِي الْقَذْفِ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ: رُوِّينَا ذَلِكَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ اسْتَتَابَهُمْ يَعْنِي أَبَا بَكْرَةَ وَاَلَّذِينَ شَهِدُوا مَعَهُ فَتَابَ اثْنَانِ وَأَبَى أَبُو بَكْرَةَ أَنْ يَتُوبَ، وَكَانَتْ شَهَادَتُهُمَا تُقْبَلُ وَكَانَ أَبُو بَكْرَةَ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَلَدَ أَبَا بَكْرَةَ، وَشِبْلَ بْنَ مَعْبَدٍ، وَنَافِعًا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، عَلَى قَذْفِهِمْ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ، وَقَالَ لَهُمْ: مَنْ تَابَ مِنْكُمْ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: شَهِدَ عَلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ َلاَثَةٌ بِالزِّنَى فَجَلَدَهُمْ عُمَرُ وَقَالَ لَهُمْ: تُوبُوا تُقْبَلُ شَهَادَتُكُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: الْقَاذِفُ إذَا تَابَ فَشَهَادَتُهُ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ تُقْبَلُ. وَصَحَّ

أَيْضًا: عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، وَعَطَاءٍ، وطَاوُوس، وَمُجَاهِدٍ، وَابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالزُّهْرِيِّ، وَحَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الأَنْصَارِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعِكْرِمَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ: وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَسُلَيْمَانِ بْنِ يَسَارٍ، وَابْنِ قُسَيْطٍ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَرَبِيعَةَ، وَشُرَيْحٍ. وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ. وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا، إِلاَّ أَنَّ مَالِكًا قَالَ: لاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ فِي مِثْلِ مَا حُدَّ فِيهِ، وَلاَ نَعْلَمُ هَذَا الْفَرْقَ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَلاَ نَعْلَمُ لَهُ سَلَفًا فِي قَوْلٍ إِلاَّ شُرَيْحًا وَحْدَهُ، وَخَالَفَ سَائِرَ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ، لأََنَّهُمْ لَمْ يَخُصُّوا مَحْدُودًا مِنْ غَيْرِ مَحْدُودٍ، فَقَدْ خَالَفَ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ فِي ذَلِكَ.
قال أبو محمد: احْتَجَّ مَنْ مَنَعَ مِنْ قَبُولِ شَهَادَةِ الْقَاذِفِ وَإِنْ تَابَ: بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ، فِيهِ أَنَّ هِلاَلَ بْنَ أُمَيَّةَ إذْ قَذَفَ امْرَأَتَهُ، قَالَتْ الأَنْصَارُ: الآنَ يَضْرِبُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هِلاَلَ بْنَ أُمَيَّةَ، وَيُبْطِلُ شَهَادَتَهُ فِي الْمُسْلِمِينَ. وَهَذَا خَبَرٌ لاَ يَصِحُّ، لأََنَّهُ انْفَرَدَ بِهِ عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَقَدْ شَهِدَ عَلَيْهِ يَحْيَى الْقَطَّانُ: بِأَنَّهُ كَانَ لاَ يَحْفَظُ وَلَمْ يَرْضَهُ وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِذَلِكَ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ مُتَعَلِّقٌ، لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ إنْ تَابَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ، وَنَحْنُ لاَ نُخَالِفُهُمْ فِي أَنَّ الْقَاذِفَ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ. وَأَيْضًا: فَلَيْسَ مِنْ كَلاَمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلاَ حُجَّةَ إِلاَّ فِي كَلاَمِهِ عليه الصلاة والسلام. وَأَيْضًا فَإِنَّ ذَلِكَ الْقَوْلَ مِنْهُمْ ظَنٌّ لَمْ يَصِحَّ، فَمَا ضُرِبَ هِلاَلٌ، وَلاَ سَقَطَتْ شَهَادَتُهُ وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ. وَذَكَرُوا خَبَرًا فَاسِدًا: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاَّ مَحْدُودًا فِي قَذْفٍ" .
قال أبو محمد: هَذِهِ صَحِيفَةٌ وَحَجَّاجٌ هَالِكٌ ثُمَّ هُمْ أَوَّلُ مُخَالِفِينَ لَهُ، لأََنَّهُمْ لاَ يَقْبَلُونَ الأَبَوَيْنِ لأَبْنَيْهِمَا، وَلاَ الأَبْنَ لأََبَوَيْهِ، وَلاَ أَحَدَ الزَّوْجَيْنِ لِلآخَرِ، وَلاَ الْعَبْدَ وَهَذَا خِلاَفٌ مُجَرَّدٌ لِهَذَا الْخَبَرِ. وَأَيْضًا فَقَدْ يُضَافُ إلَى هَذَا الْخَبَرِ " إِلاَّ إنْ تَابَ " بِنُصُوصٍ أُخَرَ. وَذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى وَلاَ تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا قَالُوا: فَإِنَّمَا اسْتَثْنَى تَعَالَى بِالتَّوْبَةِ مِنْ الْفِسْقِ فَقَطْ.
قال أبو محمد: هَذَا تَخْصِيصٌ لِلآيَةِ بِلاَ دَلِيلٍ بَلْ الأَسْتِثْنَاءُ رَاجِعٌ إلَى الْمَنْعِ مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ مِنْ أَجْلِ فِسْقِهِمْ، وَإِلَى الْفِسْقِ، وَهَذَا لاَ يَجُوزُ تَعَدِّيهِ بِغَيْرِ نَصٍّ.

قَالَ عَلِيٌّ: كُلُّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ أَنْ لاَ تُقْبَلَ شَهَادَتُهُ وَإِنْ تَابَ فَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ قَبُولُهَا، إِلاَّ الْحَسَنُ، وَالنَّخَعِيُّ فَقَطْ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَضَعِيفَةٌ، وَالأَظْهَرُ عَنْهُ خِلاَفُ ذَلِكَ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ " إنَّ الْمُسْلِمِينَ فَسَّقُونِي " فَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَصِحَّ، مَا سَمِعْنَا أَنَّ مُسْلِمًا فَسَّقَ أَبَا بَكْرَةَ، وَلاَ امْتَنَعَ مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي أَحْكَامِ الدِّينِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وشهادة الأعمى مقبولة كالصحيح
1814 - مَسْأَلَةٌ: وَشَهَادَةُ الأَعْمَى مَقْبُولَةٌ كَالصَّحِيحِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ كَمَا قلنا وَرُوِيَ ذَلِكَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَصَحَّ ذَلِكَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَعَطَاءٍ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَشُرَيْحٍ، وَابْنِ سِيرِينَ، وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَرَبِيعَةَ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، وَأَحَدِ قَوْلَيْ الْحَسَنِ، وَأَحَدِ قَوْلَيْ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَأَحَدِ قَوْلَيْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِيمَا عَرَفَ قَبْلَ الْعَمَى، وَلاَ تَجُوزُ فِيمَا عَرَفَ بَعْدَ الْعَمَى وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِهِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: تَجُوزُ شَهَادَتُهُ فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ: رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، قَالَ: كَانُوا يُجِيزُونَ شَهَادَةَ الأَعْمَى فِي الشَّيْءِ الْخَفِيفِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لاَ تُقْبَلُ فِي شَيْءٍ أَصْلاً، إِلاَّ فِي الأَنْسَابِ وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ، رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَلاَ يَعْرِفُ أَصْحَابُهُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لاَ تُقْبَلُ جُمْلَةً رُوِّينَا ذَلِكَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَعَنْ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَعَنِ الْحَسَنِ، وَالنَّخَعِيِّ أَنَّهُمَا كَرِهَا شَهَادَةَ الأَعْمَى. وقال أبو حنيفة: لاَ تُقْبَلُ فِي شَيْءٍ أَصْلاً، لاَ فِيمَا عَرَفَ قَبْلَ الْعَمَى، وَلاَ فِيمَا عَرَفَ بَعْدَهُ.
قال أبو محمد: أَمَّا مَنْ أَجَازَهُ فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ دُونَ الْكَثِيرِ، فَقَوْلٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، لأََنَّهُ لاَ برهان عَلَى صِحَّتِهِ، وَمَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْكَثِيرِ إِلاَّ مَا حَرَّمَ مِنْ الْقَلِيلِ. وَقَدْ صَحَّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ اقْتَطَعَ بِيَمِينِهِ مَالَ مُسْلِمٍ وَلَوْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ" . وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْعَالَمِ كَثِيرٌ إِلاَّ بِالإِضَافَةِ إلَى مَا هُوَ أَقَلُّ مِنْهُ، وَهُوَ قَلِيلٌ بِالإِضَافَةِ إلَى مَا هُوَ أَكْثَرُ مِنْهُ فَهُوَ قَوْلٌ لاَ يُعْقَلُ فَسَقَطَ. وَأَمَّا مَنْ قَبِلَهُ فِي الأَنْسَابِ فَقَطْ فَقِسْمَةٌ فَاسِدَةٌ، فَإِنَّهُ لاَ يَعْرِفُ الأَنْسَابَ إِلاَّ مِنْ حَيْثُ يَعْرِفُ الْمُخَبِّرِينَ بِغَيْرِ ذَلِكَ وَالْمُشْهِدِينَ لَهُ مِنْهُمْ فَقَطْ فَبَطَلَ هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا. وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَقْبَلْهُ لاَ فِيمَا عَرَفَ قَبْلَ الْعَمَى، وَلاَ بَعْدَهُ، فَقَوْلٌ فَاسِدٌ لاَ برهان عَلَى صِحَّتِهِ أَصْلاً، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ مَا عَرَفَهُ فِي حَالِ صِحَّتِهِ، وَبَيْنَ مَا عَرَفَهُ الصَّحِيحُ وَتَمَادَتْ صِحَّتُهُ وَبَصَرُهُ. فإن قيل: هُوَ قَوْلٌ رُوِيَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. قلنا: هَذَا كَذِبٌ، مَا جَاءَ قَطُّ، عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّهُ قَالَ: لاَ يُقْبَلُ

فِيمَا عَرَفَ قَبْلَ الْعَمَى وَمَا عُرِفَ هَذَا، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لاَ يَصِحُّ، عَنْ عَلِيٍّ، لأََنَّهُ مِنْ طَرِيقِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ قَوْمِهِ أَوْ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَقَدْ رُوِيَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ خِلاَفُ ذَلِكَ فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ. وَأَمَّا مَنْ أَجَازَهُ فِيمَا عَلِمَ قَبْلَ الْعَمَى، وَلَمْ يُجِزْهُ فِيمَا عَلِمَ بَعْدَ الْعَمَى، فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِمَا رُوِيَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ سُئِلَ، عَنِ الشَّهَادَةِ فَقَالَ: "أَلاَ تَرَى الشَّمْسَ عَلَى مِثْلِهَا فَاشْهَدْ أَوْ دَعْ" .
قال أبو محمد: وَهَذَا خَبَرٌ لاَ يَصِحُّ سَنَدُهُ، لأََنَّهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ بْنِ مَسْمُولٍ وَهُوَ هَالِكٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ وَهْرَامَ وَهُوَ ضَعِيفٌ لَكِنَّ مَعْنَاهُ صَحِيحٌ، وَقَالُوا: الأَصْوَاتُ قَدْ تَشْتَبِهُ، وَالأَعْمَى كَمَنْ أُشْهِدَ فِي ظُلْمَةٍ أَوْ خَلْفَ حَائِطٍ مَا نَعْلَمُ لَهُمْ غَيْرَ هَذَا.
قال أبو محمد: إنْ كَانَتْ الأَصْوَاتُ تَشْتَبِهُ فَالصُّوَرُ أَيْضًا قَدْ تَشْتَبِهُ، وَمَا يَجُوزُ لِمُبْصِرٍ، وَلاَ أَعْمَى أَنْ يَشْهَدَ إِلاَّ بِمَا يُوقِنُ، وَلاَ يَشُكُّ فِيهِ. وَمَنْ أُشْهِدَ خَلْفَ حَائِطٍ أَوْ فِي ظُلْمَةٍ فَأَيْقَنَ بِلاَ شَكٍّ بِمَنْ أَشْهَدَهُ فَشَهَادَتُهُ مَقْبُولَةٌ فِي ذَلِكَ. وَلَوْ لَمْ يَقْطَعْ الأَعْمَى بِصِحَّةِ الْيَقِينِ عَلَى مَنْ يُكَلِّمُهُ لَمَا حَلَّ لَهُ أَنْ يَطَأَ امْرَأَتَهُ، إذْ لَعَلَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ، وَلاَ يُعْطِيَ أَحَدًا دَيْنًا عَلَيْهِ، إذْ لَعَلَّهُ غَيْرُهُ، وَلاَ أَنْ يَبِيعَ مِنْ أَحَدٍ، وَلاَ أَنْ يَشْتَرِيَ. وَقَدْ قَبِلَ النَّاسُ كَلاَمَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ خَلْفِ الْحِجَابِ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا حَلَّ لَهُ وَطْءُ امْرَأَتِهِ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ، كَمَا يَحِلُّ لَهُ ذَلِكَ فِي دُخُولِهَا عَلَيْهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلَعَلَّهَا غَيْرُهَا. قلنا: هَذَا بَاطِلٌ، وَلاَ يَجُوزُ لَهُ وَطْؤُهَا حَتَّى يُوقِنَ أَنَّهَا الَّتِي تَزَوَّجَ. وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِقَبُولِ الْبَيِّنَةِ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ أَعْمَى مِنْ مُبْصِرٍ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا. وَمَا نَعْلَمُ فِي الضَّلاَلَةِ بَعْدَ الشِّرْكِ وَالْكَبَائِرِ أَكْبَرَ مِمَّنْ دَانَ اللَّهَ بِرَدِّ شَهَادَةِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنِ أُمِّ كُلْثُومٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ. وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ.

وكل من سمع انسانا يخبر بحق لزيد عليه اخبارا صحيحا
1815 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَنْ سَمِعَ إنْسَانًا يُخْبِرُ بِحَقٍّ لِزَيْدٍ عَلَيْهِ إخْبَارًا صَحِيحًا تَامًّا لَمْ يَصِلْهُ بِمَا يُبْطِلُهُ، أَوْ بِأَنَّهُ قَدْ وَهَبَ أَمْرًا كَذَا لِفُلاَنٍ، أَوْ أَنَّهُ أَنْكَحَ زَيْدًا، أَوْ أَيَّ شَيْءٍ كَانَ، فَسَوَاءٌ قَالَ لَهُ: اشْهَدْ بِهَذَا عَلَيَّ أَوْ أَنَا أُشْهِدُك أَوْ لَمْ يَقُلْ لَهُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، أَوْ لَمْ يُخَاطِبْهُ أَصْلاً، لَكِنْ خَاطَبَ غَيْرَهُ، أَوْ قَالَ لَهُ: لاَ تَشْهَدْ عَلَيَّ فَلَسْت أُشْهِدُك كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ وَفُرِضَ عَلَيْهِ أَنْ يَشْهَدَ بِكُلِّ ذَلِكَ. وَفُرِضَ عَلَى الْحَاكِمِ قَبُولُ تِلْكَ الشَّهَادَةِ وَالْحُكْمُ بِهَا، لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ، وَلاَ قَوْلُ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، وَلاَ قِيَاسٌ بِالْفَرْقِ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وقال أبو حنيفة لاَ يَشْهَدُ حَتَّى يُقَالَ لَهُ: اشْهَدْ عَلَيْنَا.
قال أبو محمد: وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ الشَّاهِدُ لِلْقَاضِي: أَنَا أُخْبِرُك، أَوْ أَنَا أَقُولُ لَك، أَوْ أَنَا أُعْلِمُك، أَوْ لَمْ يَقُلْ: أَنَا أَشْهَدُ فَكُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ وَكُلُّ ذَلِكَ شَهَادَةٌ تَامَّةٌ فُرِضَ عَلَى الْحَاكِمِ الْحُكْمُ بِهَا،

لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ، وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ، وَلاَ قِيَاسٌ، وَلاَ مَعْقُولٌ: بِالْفَرْقِ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فإن قيل: إنَّ الْقُرْآنَ، وَالسُّنَّةَ وَرَدَا بِتَسْمِيَةِ ذَلِكَ شَهَادَةً. قلنا: نَعَمْ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ لاَ يُقْبَلُ حَتَّى يَقُولَ: أَنَا أَشْهَدُ فَقَدْ جَعَلْنَا مُعْتَمَدَنَا وَجَعَلْتُمْ مُعْتَمَدَكُمْ فِي رَدِّ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} . فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ شَهَادَةٍ نَبَأٌ، وَكُلَّ نَبَأٍ شَهَادَةٌ وَكِلاَهُمَا خَبَرٌ، وَكِلاَهَا قَوْلٌ، وَكُلُّ ذَلِكَ حِكَايَةٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

والحكم بالقافة في لحاق الولد واجب في الحرائر والاماء
1806 - مَسْأَلَةٌ: وَالْحُكْمُ بِالْقَافَةِ فِي لِحَاقِ الْوَلَدِ وَاجِبٌ فِي الْحَرَائِرِ وَالإِمَاءِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وقال مالك: يُحْكَمُ بِشَهَادَتِهِمْ فِي وَلَدِ الأَمَةِ، وَلاَ يُحْكَمُ بِهِ فِي وَلَدِ الْحُرَّةِ وَهَذَا تَقْسِيمٌ بِلاَ برهان. وقال أبو حنيفة: لاَ يُحْكَمُ بِهِمْ فِي شَيْءٍ. برهان صِحَّةِ قَوْلِنَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُرَّ بِقَوْلِ مُجَزِّزٍ الْمُدْلِجِيِّ إذْ رَأَى أَقْدَامَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، وَابْنَهُ أُسَامَةَ فَقَالَ: إنَّ هَذِهِ الأَقْدَامَ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَهُوَ عليه الصلاة والسلام لاَ يُسَرُّ بِبَاطِلٍ، وَلاَ يُسَرُّ إِلاَّ بِحَقٍّ مَقْطُوعٍ بِهِ. فَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يُخَالِفُ حُكْمَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الثَّابِتَ عَنْهُ وَيُنْكِرُ عِلْمًا صَحِيحًا مَعْرُوفَ الْوَجْهِ، ثُمَّ يَرَى أَنْ يُلْحِقَ الْوَلَدَ بِأَبَوَيْنِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَبُوهُ، وَبِامْرَأَتَيْنِ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أُمُّهُ فَيَأْتِي مِنْ ذَلِكَ بِمَا لاَ يُعْقَلُ، وَلاَ جَاءَ بِهِ قَطُّ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ. وَالْعَجَبُ مِنْ مَالِكٍ إذْ يَحْتَجُّ بِخَبَرِ مُجَزِّزٍ الْمَذْكُورِ، ثُمَّ يُخَالِفُهُ، لأََنَّ مُجَزِّزًا إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ فِي ابْنِ حُرَّةٍ لاَ فِي ابْنِ أَمَةٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ولا يجوز الاممن ولاه الامام القرشي الواجبة
1807 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَجُوزُ الْحُكْمُ إِلاَّ مِمَّنْ وَلَّاهُ الإِمَامُ الْقُرَشِيُّ الْوَاجِبَةُ طَاعَتُهُ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ فَكُلُّ مَنْ أَنْفَذَ حَقًّا فَهُوَ نَافِذٌ، وَمَنْ أَنْفَذَ بَاطِلاً فَهُوَ مَرْدُودٌ. برهان ذَلِكَ: مَا ذَكَرْنَا مِنْ وُجُوبِ طَاعَةِ الإِمَامِ قَبْلُ فَإِذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَلِكَ فَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} وَقَالَ تَعَالَى: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} وَهَذَا عُمُومٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ. وَقَدْ وَافَقَنَا الْمُخَالِفُونَ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ مَنْ حَكَمَ فَهُوَ نَافِذٌ حُكْمُهُ، فَوَجَبَ عَلَيْهِمْ أَنْ لاَ يُنْفِذُوا حُكْمَ أَحَدٍ إِلاَّ مَنْ أَوْجَبَ الْقُرْآنُ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَفَاذَ حُكْمِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

والارتزاق على القضاء جائز
1808 - مَسْأَلَةٌ: وَالأَرْتِزَاقُ عَلَى الْقَضَاءِ جَائِزٌ لِلثَّابِتِ مِنْ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: "مَنْ أَتَاهُ مَالٌ فِي غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أَوْ إشْرَافِ نَفْسٍ فَلْيَأْخُذْهُ" وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وجائز للامام أن يعزل القاضي متى شاء
1809 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ لِلإِمَامِ أَنْ يَعْزِلَ الْقَاضِيَ مَتَى شَاءَ، عَنْ غَيْرِ خَرِبَةٍ، قَدْ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيًّا إلَى الْيَمَنِ قَاضِيًا، ثُمَّ صَرَفَهُ حِينَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَلَمْ يَرْجِعْ

ومن قال له قاض : قد ثنت على هذا الصلب أو القتل أو القطع أو الجلد ....
1810 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ قَالَ لَهُ قَاضٍ: قَدْ ثَبَتَ عَلَى هَذَا: الصَّلْبُ، أَوْ الْقَتْلُ، أَوْ الْقَطْعُ، أَوْ الْجَلْدُ، أَوْ أَخْذُ مَالٍ مِقْدَارُهُ كَذَا مِنْهُ، فَأَنْفِذْ ذَلِكَ عَلَيْهِ: فَإِنْ كَانَ الْمَأْمُورُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ إنْفَاذُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إنْ كَانَ الآمِرُ لَهُ جَاهِلاً، أَوْ غَيْرَ عَدْلٍ إِلاَّ حَتَّى يُوقِنَ أَنَّهُ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ مَا ذَكَرَ لَهُ فَيَلْزَمُهُ إنْفَاذُهُ حِينَئِذٍ وَإِلَّا فَلاَ. وَإِنْ كَانَ الآمِرُ لَهُ عَالِمًا فَاضِلاً لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَيْضًا إنْفَاذُ أَمْرِهِ إِلاَّ حَتَّى يَسْأَلَهُ مِنْ أَيِّ وَجْهٍ وَجَبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَإِذَا أَخْبَرَهُ، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُوجِبًا عَلَيْهِ مَا ذَكَرَ لَزِمَهُ إنْفَاذُ ذَلِكَ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَكْتَفِيَ بِخَبَرِ الْحَاكِمِ الْعَدْلِ فِي ذَلِكَ، وَلاَ يَجُوزُ لَهُ تَقْلِيدُهُ فِيمَا رَأَى أَنَّهُ فِيهِ مُخْطِئٌ. وَأَمَّا الْجَاهِلُ فَلاَ يَحِلُّ لَهُ إنْفَاذُ أَمْرِ مَنْ لَيْسَ عَالِمًا فَاضِلاً. فَإِنْ كَانَ الآمِرُ لَهُ عَالِمًا فَاضِلاً سَأَلَهُ: أَوْجَبَ ذَلِكَ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ. فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ لَزِمَهُ إنْفَاذُ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَلاَ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ"، وَلاَ يَحِلُّ أَخْذُ قَوْلِ أَحَدٍ بِلاَ برهان. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ومن ادعى شيئا في يد غيره فان أقام فيه البينة أو أقام كلاهما البينة
1811 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ ادَّعَى شَيْئًا فِي يَدِ غَيْرِهِ فَإِنْ أَقَامَ فِيهِ الْبَيِّنَةَ، أَوْ أَقَامَ كِلاَهُمَا الْبَيِّنَةَ قُضِيَ بِهِ لِلَّذِي لَيْسَ الشَّيْءُ فِي يَدِهِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ فِي بَيِّنَةٍ مَنْ الشَّيْءُ فِي يَدِهِ بَيَانٌ زَائِدٌ بِانْتِقَالِ ذَلِكَ الشَّيْءِ إلَيْهِ، أَوْ يُلَوِّحُ بِتَكْذِيبِ بَيِّنَةِ الآخَرِ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وقال مالك، وَالشَّافِعِيُّ: يُقْضَى بِهِ لِلَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ، وَحُجَّتُهُمْ أَنَّهُ قَدْ تَكَاذَبَتْ الْبَيِّنَتَانِ، فَوَجَبَ سُقُوطُهُمَا.
قال أبو محمد: وَلَيْسَ كَمَا قَالُوا، بَلْ بَيِّنَةٌ مَنْ الشَّيْءُ فِي يَدِهِ غَيْرُ مَسْمُوعَةٍ، لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُكَلِّفْهُمْ بِبَيِّنَةٍ، إنَّمَا حَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ عليه الصلاة والسلام بِأَنَّ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. قَالَ عليه الصلاة والسلام: بَيِّنَتُكَ أَوْ يَمِينُهُ لَيْسَ لَكَ غَيْرُ ذَلِكَ. فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ يُلْتَفَتُ إلَى بَيِّنَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وليس كما قالوا بل بينة من الشيء في يده غير مسموعة
1812 - مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ لَمْ يَكُنْ الشَّيْءُ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَأَقَامَ كِلاَهُمَا الْبَيِّنَةَ قُضِيَ بِهِ بَيْنَهُمَا، فَلَوْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا مَعًا، فَأَقَامَا فِيهِ بَيِّنَةً أَوْ لَمْ يُقِيمَا قُضِيَ بِهِ بَيْنَهُمَا. أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ فِي أَيْدِيهِمَا فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَّتَتْ الْبَيِّنَتَانِ أَنَّهُ لَهُمَا فَهُوَ لَهُمَا. وَأَمَّا إذَا كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا فَإِنْ لَمْ تَقُمْ لَهُمَا بَيِّنَةٌ فَهُوَ لَهُمَا، لأََنَّهُ بِأَيْدِيهِمَا مَعَ أَيْمَانِهِمَا. وَأَمَّا إذَا أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً فَإِنَّ بَيِّنَتَهُ لاَ تُسْمَعُ فِيمَا فِي يَدِهِ كَمَا قَدَّمْنَا وَقَدْ شَهِدَتْ لَهُ بَيِّنَتُهُ بِمَا فِي يَدِ الآخَرِ فَيُقْضَى لَهُ بِذَلِكَ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

فان تداعياه وليس في أيدهما فان كل واحد منهما بينة فان بينته لا تسمع فيما في يده كما قدمنا
1813 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ تَدَاعَيَاهُ، وَلَيْسَ فِي أَيْدِيهِمَا، وَلاَ بَيِّنَةَ لَهُمَا: أُقْرِعَ بَيْنَهُمَا عَلَى الْيَمِينِ، فَأَيُّهُمَا خَرَجَ سَهْمُهُ حَلَفَ وَقُضِيَ لَهُ بِهِ وَهَكَذَا كُلُّ مَا تَدَاعَيَا فِيهِ مِمَّا يُوقِنُ بِلاَ شَكٍّ

وتقبل الشهادة على الشهادة في كل شيء ويقبل في ذلك واحد على واحد
1814 - مَسْأَلَةٌ: [ وَتُقْبَلُ ] الشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَيُقْبَلُ فِي ذَلِكَ وَاحِدٌ عَلَى وَاحِدٍ. وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا: فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ عَلَى شَهَادَةِ الْحَاضِرِ فِي الْمِصْرِ، وَإِنْ كَانَ صَحِيحًا. وقال مالك: لاَ تُقْبَلُ عَلَى شَهَادَةِ الْحَاضِرِ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَرِيضًا، وَلَمْ يَحُدَّ عَنْهُ مِقْدَارَ الْمَسَافَةِ الَّتِي إذَا كَانَ الشَّاهِدُ بَعِيدًا عَلَى قَدْرِهَا

قُبِلَتْ الشَّهَادَةُ عَلَى شَهَادَتِهِ. وقال أبو حنيفة، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: لاَ تُقْبَلُ شَهَادَةٌ عَلَى شَهَادَةٍ إِلاَّ إذَا كَانَ عَلَى مِقْدَارٍ تُقْصَرُ إلَيْهِ الصَّلاَةُ. قَالَ عَلِيٌّ: لَمْ نَجِدْ لِمَنْ مَنَعَ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ عَلَى شَهَادَةِ الْحَاضِرِ: حُجَّةً أَصْلاً، لاَ مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ، وَلاَ قَوْلِ أَحَدٍ سَلَفَ، وَلاَ قِيَاسٍ، وَلاَ مَعْقُولٍ، لاَ سِيَّمَا هَذِهِ الْحُدُودُ الْفَاسِدَةُ. وَقَدْ أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى، بِقَبُولِ شَهَادَةِ الْعُدُولِ، وَالشَّهَادَةُ عَلَى الشَّهَادَةِ شَهَادَةُ عُدُولٍ، فَقَبُولُهَا وَاجِبٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَعُدَتْ جِدًّا، وَلاَ فَرْقَ. وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي كَمْ تُقْبَلُ عَلَى شَهَادَةِ الْعُدُولِ فَرُوِّينَا، عَنْ عَلِيٍّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ ضُمَيْرَةَ وَهُوَ مُطَّرِحٌ أَنَّهُ لاَ يُقْبَلُ عَلَى شَهَادَةِ وَاحِدٍ إِلاَّ اثْنَانِ، وَعَنْ رَبِيعَةَ مِثْلُهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، إِلاَّ أَنَّهُمَا أَجَازَا شَهَادَةَ ذَيْنِكَ الاِثْنَيْنِ أَيْضًا عَلَى شَهَادَةِ الْعَدْلِ الآخَرِ. وقال الشافعي: لاَ بُدَّ مِنْ أُخْرَى عَلَى شَهَادَةِ الآخَرِ، فَلاَ يُقْبَلُ عَلَى شَهَادَةِ اثْنَيْنِ إِلاَّ أَرْبَعَةٌ، وَلاَ يُقْبَلُ عَلَى شَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ فِي الزِّنَى إِلاَّ سِتَّةَ عَشَرَ عَدْلاً. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِثْلَ قَوْلِنَا: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ رُزَيْقٍ قَالَ قَرَأْت فِي كِتَابِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى أَبِي: أَنْ أَجِزْ شَهَادَةَ رَجُلٍ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلٍ آخَرَ وَذَلِكَ فِي كَسْرِ سِنٍّ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ، وَمَعْمَرٍ، قَالَ سُفْيَانُ: عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: إنَّهُ كَانَ يُجِيزُ شَهَادَةَ رَجُلٍ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلٍ وَقَالَ مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ شُرَيْحٍ: إنَّهُ كَانَ يُجِيزُ شَهَادَةَ رَجُلٍ عَلَى شَهَادَةِ رَجُلٍ، وَيَقُولُ لَهُ: أَشْهِدْنِي ذَوَيْ عَدْلٍ. وَرُوِّينَاهُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَالْقُضَاةِ قَبْلَهُ، وَيَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ.
قال أبو محمد: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "بَيِّنَتُكَ أَوْ يَمِينُهُ" ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ وَاحِدٍ وَبَيْنَ اثْنَيْنِ فِي تَبْيِينِ الْحَقِّ بِذَلِكَ، كِلاَهُمَا يَجُوزُ عَلَيْهِ مَا يَجُوزُ عَلَى الْوَاحِدِ، فَكُلَّمَا قَالَ قَائِلٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ: إنَّهُ بَيِّنَةٌ فَهُوَ بَيِّنَةٌ، إِلاَّ أَنْ يَمْنَعَ مِنْ ذَلِكَ نَصٌّ وَإِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ، وَالْخَبَرُ يُؤْخَذُ مِنْ الْوَاحِدِ الثِّقَةِ. وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِيمَا يُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ شَاهِدٍ عَلَى شَهَادَةِ شَاهِدٍ. فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا الْحَارِثُ بْنُ نَبْهَانَ وَهُوَ هَالِكٌ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ وَهُوَ تَالِفٌ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ غَيْرَ نَعْيِهِ النُّعْمَانُ، قَالَ: لاَ تَجُوزُ شَهَادَةٌ عَلَى شَهَادَةٍ فِي حَدٍّ، وَلاَ فِي دَمٍ، وَلاَ فِي طَلاَقٍ، وَلاَ نِكَاحٍ، وَلاَ عِتْقٍ، إِلاَّ فِي الْمَالِ وَحْدَهُ. وَرُوِّينَا ذَلِكَ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ. وَصَحَّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَالنَّخَعِيِّ: لاَ تَجُوزُ شَهَادَةٌ عَلَى شَهَادَةٍ فِي حَدٍّ وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا، عَنْ شُرَيْحٍ، وَمَسْرُوقٍ، وَالْحَسَنِ، وَابْنِ سِيرِينَ. وقال أبو حنيفة: تَجُوزُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلاَّ الْحُدُودَ وَالْقِصَاصَ. وقال مالك، وَاللَّيْثُ، وَالشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ فِي كُلِّ شَيْءٍ الْحُدُودِ وَغَيْرِهَا.

قال أبو محمد: تَخْصِيصُ حَدٍّ أَوْ غَيْرِهِ لاَ يَجُوزُ إِلاَّ بِنَصٍّ، وَلاَ نَصَّ فِي ذَلِكَ هَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ الرِّوَايَةَ، عَنْ عُمَرَ لاَ يُعْرَفُ لَهُ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ مَالِكٌ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

كتاب النكاح
وفرض على كل قادر على الوطء ان وجد من أين يتزوج
بسم الله الرحمن الرحيم
وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمً
كِتَابُ النِّكَاحِ
1815 - مَسْأَلَةٌ: وَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ قَادِرٍ عَلَى الْوَطْءِ إنْ وَجَدَ مِنْ أَيْنَ يَتَزَوَّجُ أَوْ يَتَسَرَّى أَنْ يَفْعَلَ أَحَدَهُمَا، وَلاَ بُدَّ، فَإِنْ عَجَزَ، عَنْ ذَلِكَ فَلْيُكْثِرْ مِنْ الصَّوْمِ. برهان ذَلِكَ: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، عَنْ عَلْقَمَةَ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: لَقَدْ قَالَ لَنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ" . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا حُجَيْنٌ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ، عَنْ عُقَيْلٍ، هُوَ ابْنُ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ سَمِعَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ يَقُولُ: أَرَادَ عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ أَنْ يَتَبَتَّلَ فَنَهَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَلْخِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، حَدَّثَنَا حُصَيْنُ بْنُ نَافِعٍ الْمَازِنِيُّ قَالَ: ني الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ هِشَامِ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ سَأَلَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ رضي الله عنها، عَنِ التَّبَتُّلِ فَقَالَتْ: لاَ تَفْعَلْ أَمَا سَمِعْت قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً فَلاَ تَتَبَتَّلْ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ، كِلاَهُمَا، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُوس، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ: لِتَتَزَوَّجَنَّ أَوْ لاََقُولَنَّ لَك مَا قَالَ عُمَرُ لأََبِي الزَّوَائِدِ: مَا يَمْنَعُك مِنْ النِّكَاحِ إِلاَّ عَجْزٌ أَوْ فُجُورٌ. وَقَدْ احْتَجَّ قَوْمٌ فِي الْخِلاَفِ هَذَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا}
قال أبو محمد: وَهَذَا لاَ حُجَّةَ فِيهِ، لأََنَّنَا لَمْ نَأْمُرْ الْحَصُورَ بِاتِّخَاذِ النِّسَاءِ، إنَّمَا أَمَرْنَا بِذَلِكَ مَنْ لَهُ قُوَّةٌ عَلَى الْجِمَاعِ. وَمَوَّهُوا أَيْضًا بِخَبَرَيْنِ: أَحَدُهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "خَيْرُكُمْ فِي الْمِائَتَيْنِ الْخَفِيفُ الْحَاذِ الَّذِي لاَ أَهْلَ لَهُ، وَلاَ وَلَدَ" . وَالآخَرُ: مِنْ طَرِيقِ حُذَيْفَةَ، أَنَّهُ قَالَ:" إذَا كَانَ سَنَةَ خَمْسٍ وَمِائَةٍ فَلاََنْ يُرَبِّيَ أَحَدُكُمْ جَرْوَ كَلْبٍ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُرَبِّيَ وَلَدًا"

قال أبو محمد: وَهَذَانِ خَبَرَانِ مَوْضُوعَانِ، لأََنَّهُمَا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي عِصَامٍ رَوَّادِ بْنِ الْجَرَّاحِ الْعَسْقَلاَنِيِّ وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ لاَ يُحْتَجُّ بِهِ. وَبَيَانُ وَضْعِهِمَا أَنَّهُ لَوْ اسْتَعْمَلَ النَّاسُ مَا فِيهِمَا مِنْ تَرْكِ النَّسْلِ لَبَطَلَ الإِسْلاَمُ، وَالْجِهَادُ، وَالدِّينُ، وَغَلَبَ أَهْلُ الْكُفْرِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ إبَاحَةِ تَرْبِيَةِ الْكِلاَبِ، فَظَهَرَ فَسَادُ كَذِبِ رَوَّادٍ بِلاَ شَكٍّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ قَالَ عَلِيٌّ: وَلَيْسَ ذَلِكَ فَرْضًا عَلَى النِّسَاءِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:عَزَّ وَجَلَّ: وَالْقَوَاعِدُ مِنْ النِّسَاءِ اللَّاتِي لاَ يَرْجُونَ نِكَاحًا. وَلِلْخَبَرِ الثَّابِتِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَابِرِ بْنِ عَتِيكٍ، عَنْ عَتِيكِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَتِيكٍ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَتِيكٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الشَّهَادَةُ سَبْعٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَذَكَرَ عليه الصلاة والسلام فِيهَا: وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيدَةٌ.
قال أبو محمد: وَهِيَ الَّتِي تَمُوتُ فِي نِفَاسِهَا، وَاَلَّتِي تَمُوتُ بِكْرًا لَمْ تُطْمَث.

ولا يحل لأحد أن يتزوج أكثر من أربع نسوة
1816 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ نِسْوَةٍ إمَاءٍ أَوْ حَرَائِرَ، أَوْ بَعْضُهُنَّ حَرَائِرُ وَبَعْضُهُنَّ إمَاءٌ. وَيَتَسَرَّى الْعَبْدُ وَالْحُرُّ مَا أَمْكَنَهُمَا، الْحُرُّ وَالْعَبْدُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ، بِضَرُورَةٍ وَبِغَيْرِ ضَرُورَةٍ. وَالصَّبْرُ، عَنْ تَزَوُّجِ الأَمَةِ لِلْحُرِّ أَفْضَلُ. برهان ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ} . حَدَّثَنَا حُمَامٌ، حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ، حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ غَيْلاَنَ بْنَ سَلَمَةَ أَسْلَمَ وَعِنْدَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "اخْتَرْ مِنْهُنَّ أَرْبَعًا" . فإن قيل: فَإِنَّ مَعْمَرًا أَخْطَأَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ [ خَطَأً فَاسِدًا ] فَأَسْنَدَهُ قلنا: مَعْمَرٌ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ، فَمَنْ ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ أَخْطَأَ فَعَلَيْهِ الْبُرْهَانُ بِذَلِكَ، وَلاَ سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ. وَأَيْضًا: فَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ زَوَاجُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ، وَخَالَفَ فِي ذَلِكَ قَوْمٌ مِنْ الرَّوَافِضِ لاَ يَصِحُّ لَهُمْ عَقْدُ الإِسْلاَمِ. وَبَقِيَ مِنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: نِكَاحُ الْحُرِّ الأَمَةَ، وَكَمْ يَنْكِحُ الْعَبْدُ، وَهَلْ يَتَسَرَّى الْعَبْدُ. فأما نِكَاحُ الْحُرِّ الأَمَةَ فَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ: فَرُوِّينَا، عَنْ عَلِيٍّ وَلَمْ يَصِحَّ: لاَ يَنْبَغِي لِحُرٍّ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَمَةً وَهُوَ يَجِدُ طَوْلاً يَتَزَوَّجُ بِهِ حُرَّةً، فَإِنْ فَعَلَ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مَنْ مَلَكَ ثَلاَثَمِائَةِ دِرْهَمٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَجُّ، وَحَرُمَ عَلَيْهِ نِكَاحُ الأَمَةِ. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُمَا: مَا إنْ يَخَفْ نِكَاحَ الأَمَةِ عَلَى الزِّنَا إِلاَّ قَلِيلاً. وَصَحَّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: مَنْ وَجَدَ صَدَاقَ حُرَّةٍ فَلاَ يَنْكِحُ أَمَةً، وَلاَ تُنْكَحُ الأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ، وَتُنْكَحُ الْحُرَّةُ عَلَى الأَمَةِ. وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ كَتَبَ إلَيْهِ يَعْلَى بْنُ مُنَبِّهٍ فِي رَجُلٍ تَحْتَهُ امْرَأَتَانِ حُرَّتَانِ، وَأَمَتَانِ مَمْلُوكَتَانِ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ: فَرِّقْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الأَمَتَيْنِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ

أَنَّهُمَا كَرِهَا أَنْ تُنْكَحَ أَمَةٌ عَلَى حُرَّةٍ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا. وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: لاَ تُنْكَحُ الأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ إِلاَّ الْمَمْلُوكُ. وَصَحَّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: تَزْوِيجُ الْحُرَّةِ عَلَى الأَمَةِ الْمَمْلُوكَةِ طَلاَقُ الْمَمْلُوكَةِ. وَبِهِ يَقُولُ الشَّعْبِيُّ. وَرُوِّينَا، عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّهُ قَالَ: مِمَّا وَسَّعَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَلَى هَذِهِ الأُُمَّةِ نِكَاحُ الأَمَةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا. وَرُوِّينَا، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ قَالَ: سَأَلْت سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ، عَنْ نِكَاحِ الأَمَةِ فَقَالَ: لَمْ يَرَ عَلِيٌّ بِهِ بَأْسًا.
قال أبو محمد: وَهُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ. وقال أبو حنيفة: جَائِزٌ لِلْحُرِّ الْمُسْلِمِ وَاجِدِ الطَّوْلِ وَلِلْعَبْدِ أَنْ يَنْكِحَا الأَمَةَ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ عِنْدَهُ حُرَّةٌ، قَالَ: فَإِنْ كَانَتْ فِي عِصْمَتِهِ حُرَّةٌ مُسْلِمَةٌ أَوْ كِتَابِيَّةٌ لَمْ يَجُزْ لَهُ نِكَاحُ الأَمَةِ أَلْبَتَّةَ لاَ بِإِذْنِ الْحُرَّةِ، وَلاَ بِغَيْرِ إذْنِهَا فَإِنْ فَعَلَ فُسِخَ نِكَاحُ الأَمَةِ وَكَذَلِكَ لَوْ تَزَوَّجَ أَمَةً وَقَدْ طَلَّقَ زَوْجَتَهُ الْحُرَّةَ ثَلاَثًا، أَوْ أَقَلَّ مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِهَا. وَجَائِزٌ عِنْدَهُ نِكَاحُ الْحُرَّةِ عَلَى الأَمَةِ مَا لَمْ يَتَجَاوَزْ بِالْجَمِيعِ أَرْبَعًا. وقال مالك: لاَ يَجُوزُ لِلْحُرِّ نِكَاحُ أَمَةٍ إِلاَّ بِاجْتِمَاعِ الشَّرْطَيْنِ: أَنْ لاَ يَجِدَ صَدَاقَ حُرَّةٍ، وَأَنْ يَخْشَى الْعَنَتَ، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى حُرَّةٍ فُسِخَ نِكَاحُ الأَمَةِ. ثُمَّ رَجَعَ، عَنْ ذَلِكَ فَأَبَاحَ نِكَاحَ الأَمَةِ الْمُؤْمِنَةِ خَاصَّةً لِلْفَقِيرِ وَلِلْمُوسِرِ الْحُرِّ وَالْعَبْدِ. قَالَ: فَإِنْ كَانَتْ عِنْدَهُ حُرَّةٌ فَتَزَوَّجَ أَمَةً عَلَيْهَا: خُيِّرَتْ الْحُرَّةُ، فَإِنْ شَاءَتْ أَقَامَتْ عِنْدَهُ، وَإِنْ شَاءَتْ فَارَقَتْهُ. قَالَ: فَإِنْ رَضِيَتْ بِذَلِكَ فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا تَمَامَ أَرْبَعٍ مِنْ الإِمَاءِ إنْ شَاءَ، وَلاَ خِيَارَ لِلْحُرَّةِ بَعْدُ. قَالَ: وَيَتَزَوَّجُ الْعَبْدُ الأَمَةَ عَلَى الْحُرَّةِ. قَالَ الشَّافِعِيُّ: لاَ يَجُوزُ نِكَاحُ الْحُرِّ الْوَاجِدِ صَدَاقَ حُرَّةٍ مُؤْمِنَةٍ، أَوْ كِتَابِيَّةٍ لأََمَةٍ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ طَوْلاً لِحُرَّةٍ وَخَشِيَ مَعَ ذَلِكَ الْعَنَتَ فَلَهُ نِكَاحُ أَمَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَاحِدَةٍ، لاَ أَكْثَرَ. وَقَالَ مَرَّةً: إنْ لَمْ يَجِدْ صَدَاقَ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ وَوَجَدَ صَدَاقَ حُرَّةٍ كِتَابِيَّةٍ، فَلَهُ نِكَاحُ الأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ.
قال أبو محمد: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَهُوَ عَارٍ مِنْ الأَدِلَّةِ جُمْلَةً، وَإِنْ كَانَ قَدْ وَافَقَ فِي بَعْضِهِ بَعْضَ السَّلَفِ فَقَدْ خَالَفَ قَوْلَ سَائِرِهِمْ، وَلَيْسَ قَوْلُ أَحَدٍ بِأَوْلَى مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِ إِلاَّ بِبَيَانِ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ الأَوَّلُ، وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ الآخَرُ، فَقَدْ يُظَنُّ أَنَّهُمَا تَعَلَّقَا بِالْقُرْآنِ، وَأَمَّا قَوْلاَهُمَا الْمَشْهُورَانِ عَنْهُمَا، فَخِلاَفٌ لِلْقُرْآنِ، لأََنَّ قَوْلَ مَالِكٍ فِي مَنْعِ الْحُرِّ نِكَاحَ الأَمَةِ بِأَنْ تَكُونَ عِنْدَهُ حُرَّةٌ، وَإِبَاحَتُهُ لَهُ نِكَاحَ الأَمَةِ إذَا لَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ حُرَّةٌ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَطِيعًا لِطَوْلٍ يَنْكِحُ بِهِ الْحُرَّةَ الْمُسْلِمَةَ لَيْسَ تَقْتَضِيهِ الآيَةُ أَصْلاً، وَلاَ جَاءَتْ بِهِ سُنَّةٌ قَطُّ، إِلاَّ أَنْ يَتَعَلَّقَ هُوَ وَأَبُو حَنِيفَةَ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عَمَّنْ سَمِعَ الْحَسَنَ يَقُولُ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُنْكَحَ الأَمَةُ عَلَى الْحُرَّةِ فَهَذَا مُنْقَطِعٌ فِي مَوْضِعَيْنِ هَالِكٌ. وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِيهِ تَخْيِيرُ الْحُرَّةِ كَمَا ذَكَرَ مَالِكٌ.

وَأَمَّا تَخْيِيرُهُ الْحُرَّةَ فِي الْبَقَاءِ تَحْتَ زَوْجِهَا الْحُرِّ، أَوْ فِرَاقِهِ إذَا تَزَوَّجَ عَلَيْهَا أَمَةً فَقَوْلٌ فَاسِدٌ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ، وَلاَ نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ بِهِ قَبْلَهُ. وَأَمَّا مَنْعُ الشَّافِعِيِّ مَنْ وَجَدَ طَوْلاً لِنِكَاحِ حُرَّةٍ كِتَابِيَّةٍ مِنْ نِكَاحِ الأَمَةِ، فَقَوْلٌ لاَ تَقْتَضِيهِ الآيَةُ فَسَقَطَتْ هَذِهِ الأَقْوَالُ كُلُّهَا، إذْ لَيْسَتْ مُوَافِقَةً لِلْقُرْآنِ، وَلاَ لِشَيْءٍ مِنْ السُّنَنِ.
قال أبو محمد: فَالْمَرْجُوعُ إلَيْهِ إذَا اخْتَلَفَ السَّلَفُ، رضي الله عنهم، هُوَ الْقُرْآنُ، قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ، وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ} . فَنَظَرْنَا فِي مُقْتَضَى هَذِهِ الآيَةِ، فَوَجَدْنَا فِيهَا حُكْمَ مَنْ لَمْ يَجِدْ الطَّوْلَ وَخَشِيَ الْعَنَتَ، فَأَبَاحَ نِكَاحَ الأَمَةِ الْمُؤْمِنَةِ لَهُ، وَأَنَّ الصَّبْرَ خَيْرٌ لَنَا، فَقُلْنَا بِذَلِكَ كُلِّهِ فَنَظَرْنَا فِي حُكْمِ مَنْ يَجِدْ الطَّوْلَ وَلَمْ يَخْشَ الْعَنَتَ، وَفِي نِكَاحِ الْمُسْلِمِ الأَمَةَ الْكِتَابِيَّةَ فَلَمْ نَجِدْهُ فِيهِ أَصْلاً، لاَ بِإِبَاحَةٍ، وَلاَ بِمَنْعٍ، وَلاَ بِكَرَاهَةٍ، بَلْ هُوَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ فِيهَا جُمْلَةً، فَلَمْ يَجُزْ لَنَا أَنْ نَحْكُمَ لَهُ مِنْهَا بِحُكْمِ مَنْ لَمْ يَجِدْ الطَّوْلَ وَخَشِيَ الْعَنَتَ، وَبِحُكْمِ الأَمَةِ الْمُؤْمِنَةِ، لأََنَّهُ قِيَاسٌ عَلَى مَا فِي الآيَةِ، وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ، وَلَمْ يَجُزْ لَنَا أَنْ نَحْكُمَ لَهُ مِنْهَا بِحُكْمٍ مُخَالِفٍ لِحُكْمِ مَنْ لاَ يَجِدُ الطَّوْلَ وَيَخْشَى الْعَنَتَ، وَبِحُكْمِ الأَمَةِ الْمُؤْمِنَةِ، لأََنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ فِي الآيَةِ، وَكِلاَهُمَا تَعَدٍّ لِمَا فِي الآيَةِ وَإِقْحَامٌ فِيهَا لِمَا لَيْسَ فِيهَا، فَوَجَبَ أَنْ نَطْلُبَ حُكْمَ مَنْ يَجِدُ الطَّوْلَ، وَلاَ يَخْشَى الْعَنَتَ: فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} . وَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} . فَكَانَ فِي هَذِهِ الآيَةِ بَيَانٌ جَلِيٌّ فِي إبَاحَةِ نِكَاحِ الْكِتَابِيَّاتِ جُمْلَةً لَمْ يَخُصَّ تَعَالَى حُرَّةً مِنْ أَمَةٍ. وَفِي الآيَةِ الأُُخْرَى إبَاحَةُ نِكَاحِ الْعَبِيدِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ عُمُومًا، لَمْ يَخُصَّ تَعَالَى حُرَّةً مِنْ أَمَةٍ، وَإِبَاحَةُ إنْكَاحِ الإِمَاءِ الْمُسْلِمَاتِ لَمْ يَخُصَّ حُرًّا مِنْ عَبْدٍ. فَكَانَ فِي هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ بَيَانُ نِكَاحِ الْمُسْلِمِ الْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ، وَالْعَبْدِ وَالْحُرِّ عُمُومًا، بِكُلِّ حَالٍ لِلْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ وَلِلْكِتَابِيَّةِ، وَلِلأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ وَالْكِتَابِيَّةِ، وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ فِي سُنَّةٍ، وَلاَ فِي قُرْآنٍ تَحْرِيمُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلاَ كَرَاهَةٌ: فَصَحَّ وَلَنَا بِيَقِينٍ لاَ إشْكَالَ فِيهِ. وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا إبَاحَةُ مَالِكٍ نِكَاحَ الْحُرِّ وَاجِدِ الطَّوْلِ غَيْرِ خَائِفِ الْعَنَتِ نِكَاحَ الأَمَةِ الْمُسْلِمَةِ، وَمَنْعُهُ إيَّاهُ نِكَاحَ الأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ، وَهَذَا تَحَكُّمٌ فِي التَّعَلُّقِ بِالآيَةِ لاَ يَجُوزُ

وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَكَذَلِكَ إبَاحَتُهُ نِكَاحَ الأَمَةِ عَلَى الْحُرَّةِ لِلْعَبْدِ، وَمَنْعُهُ الْحُرَّ مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا وَإِنْ كَانَ قَدْ رُوِيَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُ فَقَدْ أَتَى، عَنْ غَيْرِهِمَا مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، وَالتَّابِعِينَ خِلاَفُ ذَلِكَ، وَتَرَكَ الْفَرْقَ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا كَمْ يَنْكِحُ الْعَبْدُ: فَرُوِّينَا، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَوْلَى آلِ طَلْحَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: يَنْكِحُ الْعَبْدُ اثْنَيْنِ. وَعَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: أُخْبِرْت أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ سَأَلَ فِي النَّاسِ كَمْ يَنْكِحُ الْعَبْدُ فَاتَّفَقُوا عَلَى أَنْ لاَ يَزِيدَ عَلَى اثْنَيْنِ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَابْنِ جُرَيْجٍ قَالاَ: ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: يَنْكِحُ الْعَبْدُ اثْنَتَيْنِ. َحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْبَصِيرِ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ عَطَاءٍ، قَالَ: أَجْمَعَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الْعَبْدَ لاَ يَجْمَعُ مِنْ النِّسَاءِ فَوْقَ اثْنَتَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَصَحَّ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَالزُّهْرِيِّ أَنَّهُ يَتَزَوَّجُ أَرْبَعًا. وَرُوِيَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ وَلَمْ يَصِحُّ عَنْهُ وَعَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ تَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ وَبِهَذَا يَقُولُ مَالِكٌ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ.
قال أبو محمد: وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الْمَالِكِيُّونَ صَحَابَةً لاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ وَهَذَا مِمَّا يُعَظِّمُونَهُ إذَا وَافَقَ أَهْوَاءَهُمْ قَالَ عَلِيٌّ: لاَ حُجَّةَ فِي كَلاَمِ أَحَدٍ دُونَ كَلاَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ} فَلَمْ يَخُصَّ عَبْدًا مِنْ حُرٍّ، فَهُمَا سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا تَسَرِّي الْعَبْدِ: فَإِنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا، فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَمَعْمَرٍ، كِلاَهُمَا، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَرَى مَمَالِيكَهُ يَتَسَرَّوْنَ، وَلاَ يَنْهَاهُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدٍ لَهُ فِي جَارِيَةٍ لَهُ: اسْتَحِلَّهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ. وَلاَ يُعْرَفُ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلاَفٌ لِهَذَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَعَطَاءٍ وَصَحَّ ذَلِكَ عَنْهُمْ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَمَا نَعْلَمُ خِلاَفًا فِي ذَلِكَ مِنْ تَابِعٍ، إِلاَّ رِوَايَةً غَيْرَ مَشْهُورَةٍ، عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَرِوَايَةً صَحِيحَةً، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُمْ كَرِهُوا لِلْعَبْدِ أَنْ يَتَسَرَّى كَرَاهِيَةً، لاَ مَنْعًا وَلَمْ يُجِزْ ذَلِكَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَلاَ الشَّافِعِيُّ.
قال أبو محمد: وَهُمْ يُعَظِّمُونَ خِلاَفَ الصَّاحِبِ الَّذِي لاَ يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ،

وَقَدْ خَالَفُوا هَاهُنَا ابْنَ عَبَّاسٍ، وَابْنَ عُمَرَ، وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، مُخَالِفٌ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ فَوَجَدْنَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: {وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} فَلَمْ يَخُصَّ تَعَالَى حُرًّا مِنْ عَبْدٍ، وَقَدْ تَكَلَّمْنَا فِيمَا خَلاَ مِنْ كِتَابِنَا عَلَى صِحَّةِ مِلْكِ الْعَبْدِ لِمَالِهِ فَأَغْنَى، عَنْ تَرْدَادِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وجائز للمسلم نكاح الكتابية
1817 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ لِلْمُسْلِمِ نِكَاحُ الْكِتَابِيَّةِ، وَهِيَ الْيَهُودِيَّةُ، وَالنَّصْرَانِيَّةُ، وَالْمَجُوسِيَّةُ، بِالزَّوَاجِ. وَلاَ يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ أَمَةٍ غَيْرِ مُسْلِمَةٍ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَلاَ نِكَاحُ كَافِرَةٍ غَيْرِ كِتَابِيَّةٍ أَصْلاً. قَالَ عَلِيٌّ: رُوِّينَا، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: تَحْرِيمَ نِكَاحِ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ جُمْلَةً. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ سُئِلَ، عَنْ نِكَاحِ الْيَهُودِيَّةِ، وَالنَّصْرَانِيَّةِ فَقَالَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ الْمُشْرِكَاتِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَلاَ أَعْلَمُ مِنْ الإِشْرَاكِ شَيْئًا أَكْثَرَ مِنْ أَنْ تَقُولَ الْمَرْأَةُ " رَبُّهَا عِيسَى " وَهُوَ عَبْدٌ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَأَبَاحَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ: نِكَاحَ الْيَهُودِيَّةِ، وَالنَّصْرَانِيَّةِ، وَوَطْءَ الأَمَةِ الْيَهُودِيَّةِ، وَالنَّصْرَانِيَّةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ. وَحَرَّمُوا نِكَاحَ الْمَجُوسِيَّةِ جُمْلَةً، وَوَطْأَهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ، إِلاَّ أَنَّ مَالِكًا حَرَّمَ زَوَاجَ الأَمَةِ الْيَهُودِيَّةِ، وَالنَّصْرَانِيَّةِ. وَأَبَاحَ نِكَاحَ الْمَجُوسِيَّةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وَأَبَاحَ إجْبَارَهَا عَلَى الإِسْلاَمِ.
قال أبو محمد: فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى الْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ، وَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: وَلاَ تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ فَلَوْ لَمْ تَأْتِ إِلاَّ هَذِهِ الآيَةُ لَكَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ، لَكِنْ وَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} فَكَانَ الْوَاجِبُ الطَّاعَةَ لِكِلْتَا الآيَتَيْنِ، وَأَنْ لاَ تُتْرَكَ إحْدَاهُمَا لِلأُُخْرَى. وَوَجَدْنَا مَنْ أَخَذَ بِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ قَدْ خَالَفَ هَذِهِ الآيَةَ، وَهَذَا لاَ يَجُوزُ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى الطَّاعَةِ لَهُمَا إِلاَّ بِأَنْ يُسْتَثْنَى الأَقَلُّ مِنْ الأَكْثَرِ، فَوَجَبَ اسْتِثْنَاءُ إبَاحَةِ الْمُحْصَنَاتِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالزَّوَاجِ مِنْ جُمْلَةِ تَحْرِيمِ الْمُشْرِكَاتِ، وَيَبْقَى سَائِرُ ذَلِكَ عَلَى التَّحْرِيمِ بِالآيَةِ الأُُخْرَى: لاَ يَجُوزُ غَيْرُ هَذَا. وَوَجَدْنَا تَحْرِيمَ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، نِكَاحَ الأَمَةِ الْكِتَابِيَّةَ بِالزَّوَاجِ لِلآيَةِ، لأََنَّهَا مِنْ جُمْلَةِ الْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لأََنَّ الإِحْصَانَ: الْحُرِّيَّةُ، وَالإِحْصَانَ: الْعِفَّةُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} أَيْ عَفَّتْ فَرْجَهَا. وَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ أَنْ يَخُصَّ بِقَوْلِهِ

تَعَالَى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} الْحَرَائِرَ دُونَ الْعَفَائِفِ مِنْ الإِمَاءِ، لأََنَّهُ يَكُونُ قَائِلاً عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَشَارِعًا فِي الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى وَمُدَّعِيًا بِلاَ برهان، وَهَذَا لاَ يَحِلُّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} . وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} . فَمَنْ لاَ برهان لَهُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِ فَلاَ صِحَّةَ لِقَوْلِهِ. وَقَدْ قَدَّمْنَا: أَنَّ تَعَلُّقَهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ} إنَّمَا فِيهِ إبَاحَةُ نِكَاحِ الْفَتَيَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَقَطْ، وَلَيْسَ فِيهِ مَنْعٌ مِنْ نِكَاحِ الْفَتَاةِ الْكِتَابِيَّةِ، وَلاَ إبَاحَةٌ لَهَا، فَوَجَبَ طَلَبُهُ مِنْ غَيْرِ تِلْكَ الآيَةِ، وَلاَ بُدَّ. وَوَجَدْنَا إبَاحَتَهُمْ وَطْءَ الأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ إقْحَامًا فِي الآيَةِ مَا لَيْسَ فِيهَا بِآرَائِهِمْ، لأََنَّهُ إنَّمَا اسْتَثْنَى تَعَالَى فِي الآيَةِ إبَاحَةَ الْكِتَابِيَّاتِ بِالزَّوَاجِ خَاصَّةً بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} وَأَبْقَى مَا عَدَا ذَلِكَ عَلَى التَّحْرِيمِ بِنَهْيِهِ تَعَالَى، عَنْ نِكَاحِ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ، وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِإِبَاحَةِ كِتَابِيَّةٍ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، فَهُمْ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ مُخْرِجُونَ مِنْ هَذِهِ الآيَةِ مَا فِيهَا مِنْ إبَاحَةِ زَوَاجِ الْعَفَائِفِ مِنْ الْكِتَابِيَّاتِ جُمْلَةً لَمْ يَخُصَّ حُرَّةً مِنْ أَمَةٍ وَيُقْحِمُونَ فِيهَا مَا لَيْسَ فِيهَا، وَلاَ فِي غَيْرِهَا مِنْ إبَاحَةِ وَطْءِ الأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ. وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِنَا فِي ذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ: مِنْهُمْ ابْنُ عُمَرَ، كَمَا رُوِّينَا قَبْلُ عَنْهُ مِنْ تَحْرِيمِ الْكَوَافِرِ وَغَيْرِهِنَّ جُمْلَةً، فَخَرَجَ مِنْ قَوْلِ مَا أَبَاحَهُ الْقُرْآنُ بِالزَّوَاجِ، وَبَقِيَ سَائِرُ قَوْلِهِ عَلَى الصِّحَّةِ. وَفِيهِ تَحْرِيمُ الأَمَةِ بِلاَ شَكٍّ بِمِلْكِ الْيَمِينِ.َحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَنْ بَكْرِ بْنِ مَاعِزٍ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خَيْثَمَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَطَأَ الرَّجُلُ الْمُشْرِكَةَ حَتَّى تُسْلِمَ.َحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ بِنْدَارٌ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ قَالَ: سَأَلْت سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ، وَمُرَّةَ الْهَمْدَانِيَّ هُوَ مُرَّةُ الطَّبِيبُ صَاحِبُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ: أَصَبْت الأَمَةَ مِنْ السَّبْيِ فَقَالاَ جَمِيعًا: لاَ تَغْشَهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ. َحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ، حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ قَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: اثْنَتَا عَشْرَةَ مَمْلُوكَةً أَكْرَهُ غَشَيَانَهُنَّ: أَمَتُك وَأُمُّهَا، وَأَمَتُك وَأُخْتُهَا، وَأَمَتُك وَطِئَهَا أَبُوك، وَأَمَتُك وَطِئَهَا ابْنُك، وَأَمَتُك عَمَّتُك مِنْ الرَّضَاعَةِ، وَأَمَةٌ خَالَتُك

مِنْ الرَّضَاعَةِ، وَأَمَتُك وَقَدْ زَنَتْ، وَأَمَتُك وَهِيَ مُشْرِكَةٌ، وَأَمَتُك وَهِيَ حُبْلَى مِنْ غَيْرِك. حَدَّثَنَا حُمَامٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حَدَّثَنَا الدَّبَرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيِّ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ يَقُولُ: كُنَّا نَغْزُو مَعَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا أَصَابَ الْجَارِيَةَ أَحَدُهُمْ مِنْ الْفَيْءِ فَأَرَادَ أَنْ يُصِيبَهَا أَمَرَهَا فَغَسَلَتْ ثِيَابَهَا، ثُمَّ عَلَّمَهَا الإِسْلاَمَ، وَأَمَرَهَا بِالصَّلاَةِ، وَاسْتَبْرَأَهَا بِحَيْضَةٍ، ثُمَّ أَصَابَهَا. وبه إلى عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: لاَ يَحِلُّ لِرَجُلٍ اشْتَرَى جَارِيَةً مُشْرِكَةً أَنْ يَطَأَهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ وَتُصَلِّيَ وَتَحِيضَ عِنْدَهُ حَيْضَةً. فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ صَالِحٍ أَبِي الْخَلِيلَ غَيْرِ أَبِي عَلْقَمَةَ الْهَاشِمِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ حُنَيْنٍ بَعَثَ جَيْشًا إلَى أَوْطَاسٍ فَلَقِيَ عَدُوًّا فَقَاتَلُوهُمْ، فَظَهَرُوا عَلَيْهِمْ وَأَصَابُوا لَهُمْ سَبَايَا، فَكَانَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَحَرَّجُوا مِنْ غَشَيَانِهِنَّ مِنْ أَجْلِ أَزْوَاجِهِنَّ الْمُشْرِكِينَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنْ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} أَيْ فَهُنَّ لَكُمْ حَلاَلٌ إذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ. فَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِوَجْهَيْنِ: أَقْطَعُهُمَا أَنَّ سَبْيَ أَوْطَاسٍ كَانُوا وَثَنِيِّينَ لاَ كِتَابِيِّينَ، لاَ يَخْتَلِفُ فِي ذَلِكَ اثْنَانِ، وَهُمْ لاَ يُخَالِفُونَنَا أَنَّ وَطْءَ الْوَثَنِيَّةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ لاَ يَحِلُّ حَتَّى تُسْلِمَ فَإِنَّمَا فِي هَذَا الْخَبَرِ لَوْ صَحَّ إعْلاَمُهُمْ أَنَّ عِصْمَتَهُنَّ مِنْ أَزْوَاجِهِنَّ قَدْ انْقَطَعَتْ إذَا أَسْلَمْنَ وَإِنْ كَانَ لَمْ يُذْكَرْ هَاهُنَا الإِسْلاَمُ لَكِنْ ذَكَرَهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ: وَلاَ تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَوَاجِبٌ أَنْ يُضَمَّ كَلاَمُ اللَّهِ تَعَالَى بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّنَا رُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَيْضًا، فَقَالَ: ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَابْنُ بَشَّارٍ، قَالُوا: أَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنْ سَعِيدٍ، هُوَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ: أَنْ أَبَا عَلْقَمَةَ الْهَاشِمِيَّ حَدَّثَ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ حَدَّثَهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ يَوْمَ حُنَيْنٍ سَرِيَّةً بِمَعْنَى الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ. فَصَحَّ أَنَّ أَبَا الْخَلِيلِ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ أَبِي عَلْقَمَةَ فَهُوَ مُنْقَطِعٌ. وَقَالُوا: لَمْ نَجِدْ فِي النِّسَاءِ مَنْ يَحِلُّ نِكَاحُهَا، وَلاَ يَحِلُّ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ.فَقُلْنَا: هَبْكَ كَانَ كَمَا تَزْعُمُونَ فَكَانَ مَاذَا، وَلاَ وَجَدْنَا فِي الْفَرَائِضِ فِي الصَّلاَةِ ثَلاَثَ رَكَعَاتٍ غَيْرَ الْمَغْرِبِ،، وَلاَ وَجَدْنَا فِي الأَمْوَالِ شَيْئًا يُزَكَّى مِنْ غَيْرِهِ إِلاَّ الإِبِلَ فَلاَ أَبْرَدَ مِنْ هَذَا الأَحْتِجَاجِ السَّخِيفِ الْمُعْتَرَضِ بِهِ عَلَى الْقُرْآنِ، وَالصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، فَكَيْفَ وَالْحَرَائِرُ كُلُّهُنَّ مِنْ الْمُسْلِمَاتِ يَحِلُّ وَطْؤُهُنَّ بِالزَّوَاجِ، وَلاَ يَحِلُّ وَطْؤُهُنَّ بِمِلْكِ الْيَمِينِ وقال بعضهم: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} فَعَمَّ تَعَالَى وَلَمْ يَخُصَّ، فَدَخَلَتْ فِي ذَلِكَ الْكِتَابِيَّةُ. فَقُلْنَا: فَأَدْخَلُوا بِهَذَا الْعُمُومِ فِي الإِبَاحَةِ بِمِلْكِ

الْيَمِينِ وَطْءَ الْحَائِضِ وَالأُُخْتِ مِنْ الرَّضَاعِ، وَالأُُمِّ مِنْ الرَّضَاعِ، وَأُمِّ الزَّوْجَةِ، وَاَلَّتِي وَطِئَهَا الأَبُ، وَالأُُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ خَصَّ ذَلِكَ آيَاتٌ أُخَرُ قلنا: وَقَدْ خَصَّ الْكِتَابِيَّةَ آيَةٌ أُخْرَى. فَإِنْ ادَّعَوْا إجْمَاعًا أَكْذَبَهُمْ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، فَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي الأُُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ بِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. أَمَّا نِكَاحُ الْكَافِرَةِ غَيْرِ الْكِتَابِيَّةِ: فَلاَ يُخَالِفُنَا الْحَاضِرُونَ فِي أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ وَطْؤُهُنَّ بِزَوَاجٍ، وَلاَ بِمِلْكِ يَمِينٍ. وَأَمَّا الْمَجُوسِيَّةُ فَقَدْ ذَكَرْنَا فِي "كِتَابِ الْجِهَادِ" وَ "كِتَابِ التَّذْكِيَةِ" مِنْ كِتَابِنَا هَذَا أَنَّ الْمَجُوسَ أَهْلُ كِتَابٍ، وَإِذَا كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ فَنِكَاحُ نِسَائِهِمْ بِالزَّوَاجِ حَلاَلٌ. وَالْحُجَّةُ فِي أَنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ} فَلَمْ يُبِحْ لَنَا تَرْكَ قَتْلِهِمْ إِلاَّ بِأَنْ يُسْلِمُوا فَقَطْ.
وَقَالَ تَعَالَى قَاتِلُوا {الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ، وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ، وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ، عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} فَاسْتَثْنَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَهْلَ الْكِتَابِ خَاصَّةً بِإِعْفَائِهِمْ مِنْ الْقَتْلِ بِغُرْمِ الْجِزْيَةِ مَعَ الصِّغَارِ مِنْ جُمْلَةِ سَائِرِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لاَ يَحِلُّ إعْفَاؤُهُمْ إِلاَّ أَنْ يُسْلِمُوا. وَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ . وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُمْتَنِعِ أَنْ يُخَالِفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمْرَ رَبِّهِ إِلاَّ لَوْ بَيَّنَ لَنَا أَنَّهُمْ غَيْرُ أَهْلِ كِتَابٍ، فَكُنَّا نَدْرِي حِينَئِذٍ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ بِوَحْيٍ. فَإِنْ احْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلَمٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى مَجُوسِ هَجَرَ يَعْرِضُ عَلَيْهِمْ الإِسْلاَمَ فَمَنْ أَسْلَمَ قُبِلَ وَمَنْ أَبَى ضُرِبَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ عَلَى أَنْ لاَ تُؤْكَلَ لَهُمْ ذَبِيحَةٌ، وَلاَ تُنْكَحَ لَهُمْ امْرَأَةٌ . فَهَذَا مُرْسَلٌ، وَلاَ حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ. وَثَانِيَةٌ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ: أَنَّ قَوْلَهُ لاَ تُؤْكَلَ لَهُمْ ذَبِيحَةٌ، وَلاَ تُنْكَحَ لَهُمْ امْرَأَةٌ هُوَ مِنْ كَلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَمِمَّنْ قَالَ: إنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ: حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ الْعُذُرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ أَحْمَدَ الأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمَّوَيْهِ السَّرَخْسِيُّ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ خُرَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبْزَى قَالَ: لَمَّا هَزَمَ اللَّهُ تَعَالَى أَهْلَ الأَسْفِيذَارَ انْصَرَفُوا فَجَاءَهُمْ يَعْنِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فَأَجْمَعُوا فَقَالُوا: بِأَيِّ شَيْءٍ تُجْرِي فِي الْمَجُوسِ مِنْ الأَحْكَامِ فَإِنَّهُمْ لَيْسُوا بِأَهْلِ كِتَابٍ، وَلَيْسُوا بِمُشْرِكِينَ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ فَتُجْرِي فِيهِمْ

الأَحْكَامَ الَّتِي أَجْرَيْت فِي أَهْلِ الْكِتَابِ أَوْ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: بَلْ هُمْ أَهْلُ كِتَابٍ وَذَكَرَ الْخَبَرَ بِطُولِهِ. َحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ، حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ قَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الدَّانَاجِ قَالَ: سَمِعْت مَعْبَدًا الْجُهَنِيَّ يُحَدِّثُ الْحَسَنَ أَنَّ امْرَأَةَ حُذَيْفَةَ كَانَتْ مَجُوسِيَّةً، فَجَعَلَ الْحَسَنُ يَقُولُ: مَهْلاً، فَقَالَ: أَنَا وَاَللَّهِ دَخَلْت عَلَيْهَا حَتَّى كَلَّمْتهَا، فَقَالَ لَهَا: شابر دخت، قَالَ: فَحَدَّثَ بِهِ الْحَسَنُ بَعْدَ ذَلِكَ جَدَّهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَبِيعٍ التَّمِيمِيَّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ الأَسَدِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ثنا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الدَّانَاجِ، وَأَبِي حَرَّةَ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ الدَّانَاجِ، عَنْ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ، وَقَالَ أَبُو حُرَّةَ: عَنِ الْحَسَنِ، قَالاَ جَمِيعًا: كَانَتْ امْرَأَةُ حُذَيْفَةَ مَجُوسِيَّةً. حَدَّثَنَا حُمَامٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حَدَّثَنَا الدَّبَرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُوس، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: يُعْرَضُ عَلَيْهَا الإِسْلاَمُ، فَإِنْ أَبَتْ، فَلْيُصِبْهَا إنْ شَاءَ وَإِنْ كَانَتْ مَجُوسِيَّةً وَلَكِنْ يُكْرِهُهَا عَلَى الْغُسْلِ مِنْ الْجَنَابَةِ. وبه إلى عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: لاَ بَأْسَ أَنْ يَطَأَ الرَّجُلُ جَارِيَتَهُ الْمَجُوسِيَّةَ.
قال أبو محمد: وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي " كِتَابِ التَّذْكِيَةِ " إبَاحَةَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَكْلَ مَا ذَبَحَهُ الْمَجُوسِيُّ وَنَحْنُ وَإِنْ كُنَّا نُخَالِفُ سَعِيدًا، وطَاوُوسًا فِي وَطْءِ الأَمَةِ الْمَجُوسِيَّةِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ: فَإِنَّمَا أَتَيْنَا بِهِمَا لأَِبَاحَتِهِمَا نِكَاحَ الْمَجُوسِيَّاتِ. وَمِمَّنْ أَبَاحَ نِكَاحَ الْمَجُوسِيَّةِ أَبُو ثَوْرٍ.
قال أبو محمد: وَمِنْ أَبْيَنِ الْخَطَأِ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى أَمَرَ أَنْ لاَ تُقْبَلَ جِزْيَةٌ مِنْ مُشْرِكٍ إِلاَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَلاَ أَنْ تُنْكَحَ مُشْرِكَةٌ إِلاَّ الْكِتَابِيَّةُ وَأَنْ لاَ تُؤْكَلَ ذَبِيحَةُ مُشْرِكٍ إِلاَّ كِتَابِيٌّ، ثُمَّ يُفَرَّقُ بَيْنَ الأَحْكَامِ الْمَذْكُورَةِ، فَيُمْنَعُ مِنْ بَعْضِهَا وَيُبِيحُ بَعْضَهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ولا يحل لمسلمة بكاح غير مسلم أصلا
1818 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمَةٍ نِكَاحُ غَيْرِ مُسْلِمٍ أَصْلاً، وَلاَ يَحِلُّ لِكَافِرٍ أَنْ يَمْلِكَ عَبْدًا مُسْلِمًا، وَلاَ مُسْلِمَةً أَمَةً أَصْلاً. برهان ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلاَ تَنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا}. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} .
قال أبو محمد: وَالرِّقُّ أَعْظَمُ السَّبِيلِ وَقَدْ قَطَعَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ جُمْلَةً عَلَى الْعُمُومِ، وَمَنْ خَالَفَنَا فِي هَذَا بِبَيْعِهِمَا إذَا أَسْلَمَا فِي مِلْكِ الْكَافِرِ، فَنَقُولُ لَهُمْ: أَرَأَيْتُمْ طُولَ مُدَّةِ تَعْرِيضِكُمْ الأَمَةَ وَالْعَبْدَ لِلْبَيْعِ إذَا أَسْلَمَا عِنْدَ الْكَافِرِ، وَقَدْ تَكُونُ تِلْكَ الْمُدَّةُ سَاعَةً، وَتَكُونُ سَنَةً، أَفِي مِلْكِ الْكَافِرِ هُمَا أَمْ لَيْسَ فِي مِلْكِهِ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ: فَإِنْ كَانَا فِي مِلْكِهِ، فَلِمَ تَمْنَعُونَهُ مِنْ اتِّصَالِ مِلْكِهِ عَلَيْهِمَا وَقَدْ أَبَحْتُمُوهُ مُدَّةً مَا وَمَا بُرْهَانُكُمْ عَلَى هَذَا الْفَرْقِ الْفَاسِدِ؟ وَإِنْ

قُلْتُمْ: لَيْسَا فِي ذَلِكَ، وَلاَ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ قلنا: هَذِهِ صِفَةُ الْحُرِّيَّةِ، وَمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ فَلاَ يَحِلُّ بَيْعُهُ، وَلاَ إحْدَاثُ مِلْكٍ عَلَيْهِ. فَإِنْ قَالُوا: فَإِنَّا نَسْأَلُكُمْ، عَنِ الَّذِي تَبِيعُونَهُ لِضَرَرٍ أَضَرَّ بِهِ، أَوْ فِي حَقِّ مَالٍ وَجَبَ عَلَيْهِ قلنا: هُوَ فِي مِلْكِ الَّذِي يُبَاعُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ مِلْكُهُ لَهُ حَرَامًا لأََنَّهُ لَوْ قُطِعَ ضَرَرُهُ عَنْهُ لَمْ يُبَعْ عَلَيْهِ، وَلَوْ وُجِدَ لَهُ مَالٌ غَيْرُ الْعَبْدِ أَوْ الأَمَةِ لَمْ يُبَاعَا عَلَيْهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْكَافِرُ، لأََنَّهُ مَمْنُوعٌ عِنْدَكُمْ مِنْ تَمَلُّكِ الْمُسْلِمِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ أَعْتَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ خَرَجَ إلَيْهِ مُسْلِمًا مِنْ عَبِيدِ أَهْلِ الْكُفْرِ فَتَخْصِيصُكُمْ بِذَلِكَ مَنْ خَرَجَ إلَيْنَا مِنْهُمْ تَحَكُّمٌ بِلاَ دَلِيلٍ، لأََنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَقُلْ: إنَّمَا أُعْتِقُكُمْ لِخُرُوجِكُمْ، فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ عليه الصلاة والسلام مَا لَمْ يَقُلْ. فإن قيل: قَدْ اشْتَرَى أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه بِلاَلاً رضي الله عنه مِنْ كَافِرٍ بَعْدَ إسْلاَمِهِ قلنا: كَانَ ذَلِكَ بِمَكَّةَ فِي أَوَّلِ الإِسْلاَمِ قَبْلَ نُزُولِ الآيَةِ الْمَذْكُورَةِ كَمَا أَنْكَحَ عليه الصلاة والسلام بِنْتَهُ رضي الله عنها مِنْ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ وَهُوَ كَافِرٌ وَمِنْ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي لَهَبٍ قَبْلَ نُزُولِ تَحْرِيمِ ذَلِكَ. فَصَحَّ أَنَّ الْعَبْدَ، وَالأَمَةَ إذَا أَسْلَمَا وَهُمَا فِي مِلْكِ كَافِرٍ فَإِنَّهُمَا حُرَّانِ فِي حِينِ تَمَامِ إسْلاَمِهِمَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ

وفرض على كل من تزوج ان يولم بما فل او اكثر
1819 - مَسْأَلَةٌ: وَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ مَنْ تَزَوَّجَ أَنْ يُولِمَ بِمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ. برهان ذَلِكَ: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَحْيَى، وَقُتَيْبَةَ، وَأَبِي الرَّبِيعِ الْعَتَكِيِّ، كُلُّهُمْ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَثَرَ صُفْرَةٍ، فَقَالَ: مَا هَذَا فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً عَلَى وَزْنِ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَذَكَرَ نِكَاحَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَفِيَّةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ أَنَسٌ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلِيمَتَهَا التَّمْرَ وَالأَقِطَ وَالسَّمْنَ . وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ صَفِيَّةَ، عَنْ أَمَةِ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ قَالَتْ: أَوْلَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ بِمُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا.

وفرض على كل من دعى الى وليمة أو طعام أن يجيب الا لعذر
1820 - مَسْأَلَةٌ: وَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ مَنْ دُعِيَ إلَى وَلِيمَةٍ أَوْ طَعَامٍ أَنْ يُجِيبَ إِلاَّ مِنْ عُذْرٍ فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَأْكُلَ، فَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيَدْعُ اللَّهَ لَهُمْ، فَإِنْ كَانَ هُنَالِكَ حَرِيرٌ مَبْسُوط، أَوْ كَانَتْ الدَّارُ مَغْصُوبَةً، أَوْ كَانَ الطَّعَامُ مَغْصُوبًا، أَوْ كَانَ هُنَاكَ خَمْرٌ ظَاهِرٌ: فَلْيَرْجِعْ، وَلاَ يَجْلِسْ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَجِيبُوا الدَّعْوَةَ إذَا دُعِيتُمْ لَهَا" . وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ

ولا يحل للمرأة نكاح ثيبا كانت أو بكرا إلا وليها
1821 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ نِكَاحٌ ثَيِّبًا كَانَتْ أَوْ بِكْرًا إِلاَّ بِإِذْنِ وَلِيِّهَا الأَبِ، أَوْ الإِخْوَةِ، أَوْ الْجَدِّ، أَوْ الأَعْمَامِ، أَوْ بَنِي الأَعْمَامِ وَإِنْ بَعُدُوا وَالأَقْرَبُ فَالأَقْرَبُ أَوْلَى. وَلَيْسَ وَلَدُ الْمَرْأَةِ وَلِيًّا لَهَا إِلاَّ إنْ كَانَ ابْنَ عَمِّهَا، لاَ يَكُونُ فِي الْقَوْمِ أَقْرَبُ إلَيْهَا مِنْهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ: أَنْ يَأْذَنَ لَهَا فِي الزَّوَاجِ، فَإِنْ أَبَى أَوْلِيَاؤُهَا مِنْ الإِذْنِ لَهَا: زَوَّجَهَا السُّلْطَانُ. برهان ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ جَلَّ: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} وَقَوْله تَعَالَى {وَلاَ تَنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا} وَهَذَا خِطَابٌ لِلأَوْلِيَاءِ لاَ لِلنِّسَاءِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ بِغَيْرِ وَلِيِّهَا فَإِنْ نُكِحَتْ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَإِنْ أَصَابَهَا فَلَهَا مَهْرُهَا بِمَا

أَصَابَ مِنْهَا، فَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لاَ وَلِيَّ لَهُ". وَمَا حَدَّثَنَا بِهِ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الصَّمُوتُ الرَّقِّيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْخَالِقِ الْبَزَّارُ، حَدَّثَنَا أَبُو كَامِلٍ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ نِكَاحَ إِلاَّ بِوَلِيٍّ" .
وبه إلى الْبَزَّازِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى الْحَرَشِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ هُوَ أَبُو مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "لاَ نِكَاحَ إِلاَّ بِوَلِيٍّ" . فَاعْتَرَضَ قَوْمٌ عَلَى حَدِيثِ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ هَذَا بِأَنَّ ابْنَ عُلَيَّةَ رَوَى، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ سَأَلَ الزُّهْرِيَّ، عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَلَمْ يَعْرِفْهُ قَالُوا: وَأُمُّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْهَا وَقَدْ صَحَّ عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ أَنْكَحَتْ بِنْتَ أَخِيهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَهِيَ بِكْرٌ وَهُوَ مُسَافِرٌ بِالشَّامِ قَرِيبُ الأَوْبَةِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، فَلَمْ يُمْضِهِ، بَلْ أَنْكَرَ ذَلِكَ إذْ بَلَغَهُ، فَلَمْ تَرَ عَائِشَةُ ذَلِكَ مُبْطِلاً لِذَلِكَ النِّكَاحِ، بَلْ قَالَتْ لِلَّذِي زَوَّجَتْهَا مِنْهُ وَهُوَ الْمُنْذِرُ بْنُ الزُّبَيْرِ: اجْعَلْ أَمْرَهَا إلَيْهِ، فَفَعَلَ، فَأَنْفَذَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ. قَالُوا: وَالزُّهْرِيُّ هُوَ الَّذِي رُوِيَ عَنْهُ هَذَا الْخَبَرُ. قَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، أَنَّهُ قَالَ لَهُ: سَأَلْت الزُّهْرِيَّ، عَنِ الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ بِغَيْرِ وَلِيٍّ فَقَالَ: إنْ كَانَ كُفُؤًا لَهَا لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا. قَالُوا: فَلَوْ صَحَّ هَذَا الْخَبَرُ لَدَلَّ خِلاَفُ عَائِشَةَ الَّتِي رَوَتْهُ، وَالزُّهْرِيُّ الَّذِي رَوَاهُ لِمَا فِيهِ دَلِيلاً عَلَى نَسْخِهِ.فَقُلْنَا: أَمَّا قَوْلُكُمْ: إنَّ الزُّهْرِيَّ سَأَلَهُ عَنْهُ ابْنُ جُرَيْحٍ فَلَمْ يَعْرِفْهُ فَإِنَّ أَبَا سُلَيْمَانَ دَاوُد بْنَ بَابْشَاذَ بْنِ دَاوُد بْنِ سُلَيْمَانَ كَتَبَ إلَيَّ: ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ الأَزْدِيُّ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُرَّةَ الرُّعَيْنِيُّ، قَالَ: ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيَّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي دَاوُد عِمْرَانُ، قَالَ: ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، عَنِ ابْنِ عُلَيَّةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ سَأَلَ الزُّهْرِيَّ، عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَلَمْ يَعْرِفْهُ.
قال أبو محمد: وَهَذَا لاَ شَيْءَ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا مَا حَدَثْنَاهُ الْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ حُمَامُ بْنُ أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ، حَدَّثَنَا غَيْلاَنُ، حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ: حَدِيثُ ابْنِ جَرِيرٍ هَذَا قَالَ عَبَّاسٌ: فَقُلْت لَهُ: إنَّ ابْنَ عُلَيَّةَ يَقُولُ: قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ لِسُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى فَقَالَ: نَسِيت بَعْدَهُ، فَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ يَقُولُ هَذَا إِلاَّ ابْنُ عُلَيَّةَ، وَابْنُ عُلَيَّةَ عَرَضَ كُتُبَ ابْنُ جَرِيرٍ عَلَى عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ فَأَصْلَحَهَا لَهُ قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لاَ يَصِحُّ فِي هَذَا إِلاَّ حَدِيثُ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى.
قال أبو محمد: فَصَحَّ أَنَّ سَمَاعَ ابْنِ عُلَيَّةَ مِنْ ابْنِ جُرَيْجٍ مَدْخُولٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ أَنَّ الزُّهْرِيَّ أَنْكَرَهُ، وَأَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ مُوسَى نَسِيَهُ: فَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ قَالَ: قَالَ لِي عَبْدَةُ، وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها قَالَتْ:

كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَسْمَعُ قِرَاءَةَ رَجُلٍ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ: "رحمه الله لَقَدْ أَذْكَرَنِي آيَةً كُنْتُ أُنْسِيتُهَا" . حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ نَا وَهْبُ بْنُ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَضَّاحٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ ذَرِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَرْهَبِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الْفَجْرَ فَأَغْفَلَ آيَةً، فَلَمَّا صَلَّى قَالَ: أَفِي الْقَوْمِ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ فَقَالَ لَهُ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغْفَلْتَ آيَةَ كَذَا، أَوَنُسِخَتْ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام: "بَلْ أُنْسِيتُهَا" .
قال أبو محمد: فَإِذَا صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَسِيَ آيَةً مِنْ الْقُرْآنِ، فَمَنْ الزُّهْرِيُّ، وَمَنْ سُلَيْمَانُ، وَمَنْ يَحْيَى حَتَّى لاَ يَنْسَى وَقَدْ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ} . لَكِنْ ابْنُ جُرَيْجٍ ثِقَةٌ، فَإِذَا رَوَى لَنَا، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى وَهُوَ ثِقَةٌ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ بِخَبَرٍ مُسْنَدٍ، فَقَدْ قَامَتْ الْحُجَّة بِهِ، سَوَاءٌ نَسَوْهُ بَعْدَ أَنْ بَلَّغُوهُ وَحَدَّثُوا بِهِ، أَوْ لَمْ يَنْسَوْهُ. وَقَدْ نَسِيَ أَبُو هُرَيْرَةَ حَدِيثَ لاَ عَدْوَى. وَنَسِيَ الْحَسَنُ حَدِيثَ مَنْ قَتَلَ عَبْدَهُ. وَنَسِيَ أَبُو مُحَمَّدٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثَ التَّكْبِيرِ بَعْدَ الصَّلاَةِ بَعْدَ أَنْ حَدَّثُوا بِهَا، فَكَانَ مَاذَا لاَ يَعْتَرِضُ بِهَذَا إِلاَّ جَاهِلٌ، أَوْ مُدَافِعٌ لِلْحَقِّ بِالْبَاطِلِ، وَلاَ نَدْرِي فِي أَيِّ الْقُرْآنِ، أَمْ فِي أَيِّ السُّنَنِ، أَمْ فِي أَيِّ حُكْمِ الْعُقُولِ وَجَدُوا أَنَّ مَنْ حَدَّثَ بِحَدِيثٍ ثُمَّ نَسِيَهُ: أَنَّ حُكْمَ ذَلِكَ الْخَبَرِ يَبْطُلُ، مَا هُمْ إِلاَّ فِي دَعْوَى كَاذِبَةٍ بِلاَ برهان. وَأَمَّا اعْتِرَاضُهُمْ بِأَنَّهُ صَحَّ عَنْ عَائِشَةَ، وَعَنِ الزُّهْرِيِّ رضي الله عنهما أَنَّهُمَا خَالَفَا مَا رَوَيَا مِنْ ذَلِكَ، فَكَانَ مَاذَا إنَّمَا أَمَرَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَامَتْ حُجَّةُ الْعَقْلِ بِوُجُوبِ قَبُولِ مَا صَحَّ عِنْدَنَا، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَبِسُقُوطِ اتِّبَاعِ قَوْلٍ مِنْ دُونِهِ عليه الصلاة والسلام. وَلاَ نَدْرِي أَيْنَ وَجَدُوا: أَنَّ مَنْ خَالَفَ بِاجْتِهَادِهِ مُخْطِئًا مُتَأَوِّلاً مَا رَوَاهُ أَنَّهُ يَسْقُطُ بِذَلِكَ مَا رَوَاهُ، ثُمَّ نَعْكِسُ عَلَيْهِمْ أَصْلَهُمْ هَذَا الْفَاسِدَ، فَنَقُولُ: إذَا صَحَّ أَنَّ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها وَالزُّهْرِيَّ رحمه الله رَوَيَا هَذَا الْخَبَرَ، وَرُوِيَ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا خَالَفَاهُ، فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى سُقُوطِ الرِّوَايَةِ بِأَنَّهُمَا خَالَفَاهُ، بَلْ بَلْ الظَّنُّ بِهِمَا أَنَّهُمَا لاَ يُخَالِفَانِ مَا رَوَيَاهُ، وَهَذَا أَوْلَى، لأََنَّ تَرْكَنَا مَا لاَ يَلْزَمُنَا مِنْ قَوْلِهِمَا لِمَا يَلْزَمُنَا مِنْ رِوَايَتِهِمَا هُوَ الْوَاجِبُ، لاَ تَرْكَ مَا يَلْزَمُنَا مِمَّا رَوَيَاهُ لِمَا لاَ يَلْزَمُنَا مِنْ رَأْيِهِمَا. فَكَيْفَ وَقَدْ كَتَبَ إلَيَّ دَاوُد بْنُ بَابْشَاذَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُرَّةَ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيَّ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ غُلَيْبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ الْجُعْفِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ الأَوْدِيُّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا أَنْكَحَتْ رَجُلاً مِنْ بَنِي أَخِيهَا جَارِيَةً مِنْ بَنِي أَخِيهَا، فَضَرَبَتْ بَيْنَهُمْ سِتْرًا، ثُمَّ تَكَلَّمَتْ

حَتَّى إذَا لَمْ يَبْقَ إِلاَّ النِّكَاحُ أَمَرَتْ رَجُلاً فَأَنْكَحَ، ثُمَّ قَالَتْ: لَيْسَ إلَى النِّسَاءِ النِّكَاحُ فَصَحَّ يَقِينًا بِهَذَا رُجُوعُهَا، عَنِ الْعَمَلِ الأَوَّلِ إلَى مَا نَبَّهَتْ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّ نِكَاحَ النِّسَاءِ لاَ يَجُوزُ. وَاعْتَرَضُوا فِي رِوَايَةِ أَبِي مُوسَى: أَنَّ قَوْمًا أَرْسَلُوهُ.فَقُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا، إذَا صَحَّ الْخَبَرُ مُسْنَدًا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَدْ قَامَتْ الْحُجَّةُ بِهِ، وَلَزِمَنَا قَبُولُهُ فَرْضًا، وَلاَ مَعْنَى لِمَنْ أَرْسَلَهُ، أَوْ لِمَنْ لَمْ يَرْوِهِ أَصْلاً، أَوْ لِمَنْ رَوَاهُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى ضَعِيفَةٍ كُلُّ هَذَا كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
قال أبو محمد: وَمِمَّنْ قَالَ بِمِثْلِ قَوْلِنَا جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ: كَمَا رُوِّينَا: مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ الأَشَجِّ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لاَ تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ إِلاَّ بِإِذْنِ وَلِيِّهَا، أَوْ ذَوِي الرَّأْيِ مِنْ أَهْلِهَا، أَوْ السُّلْطَانِ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْبَدٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَدَّ نِكَاحَ امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ شَيْبَةَ أَنَّ عِكْرِمَةَ بْنَ خَالِدٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ الطَّرِيقَ جَمَعَ رَكْبًا، فَجَعَلَتْ امْرَأَةٌ ثَيِّبٌ أَمْرَهَا إلَى رَجُلٍ مِنْ الْقَوْمِ غَيْرِ وَلِيٍّ فَأَنْكَحَهَا رَجُلاً، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَجَلَدَ النَّاكِحَ وَالْمُنْكِحَ وَرَدَّ نِكَاحَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: "لَيْسَ لِلنِّسَاءِ مِنْ الْعَقْدِ شَيْءٌ، لاَ نِكَاحَ إِلاَّ بِوَلِيٍّ، لاَ تُنْكِحُ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا، فَإِنَّ الزَّانِيَةَ تُنْكِحُ نَفْسَهَا" . وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ: الْبَغَايَا اللَّاتِي يَنْكِحْنَ أَنْفُسَهُنَّ بِغَيْرِ الأَوْلِيَاءِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: وَلَّى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ابْنَتَهُ حَفْصَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ مَالَهُ وَبَنَاتَهُ وَنِكَاحَهُنَّ فَكَانَتْ حَفْصَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها إذَا أَرَادَتْ أَنْ تُزَوِّجَ امْرَأَةً أَمَرَتْ أَخَاهَا عَبْدَ اللَّهِ فَيُزَوِّجُ. وَرُوِّينَا نَحْوَ هَذَا أَيْضًا، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها وَابْنِ عُمَرَ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ. وَرُوِّينَا: عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نَا أَبُو هِلاَلٍ، قَالَ: سَأَلْت الْحَسَنَ فَقُلْت: سَأَلْت أَبَا سَعِيدٍ، عَنْ امْرَأَةٍ خَطَبَهَا رَجُلٌ وَوَلِيُّهَا غَائِبٌ بِسِجِسْتَانَ، وَلِوَلِيِّهَا هَاهُنَا وَلِيٌّ، أَيُزَوِّجُهَا وَلِيُّ وَلِيِّهَا قَالَ: لاَ، وَلَكِنْ اُكْتُبُوا إلَيْهِ، قُلْت لَهُ: إنَّ الْخَاطِبَ لاَ يَصْبِرُ قَالَ: فَلْيَصْبِرْ، قَالَ لَهُ رَجُلٌ: إلَى مَتَى يَصْبِرُ قَالَ الْحَسَنُ: يَصْبِرُ كَمَا صَبَرَ أَهْلُ الْكَهْفِ. وَهُوَ قَوْلُ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَمَكْحُولٍ. وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ شُبْرُمَةَ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَابْنِ الْمُبَارَكِ. وَفِي ذَلِكَ خِلاَفٌ قَدِيمٌ، وَحَدِيثٌ: كَمَا َحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ بِنْدَارٌ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ،

قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: كَانَتْ فِينَا امْرَأَةٌ يُقَالُ لَهَا: بَحْرِيَّةُ، زَوَّجَتْهَا أُمُّهَا، وَكَانَ أَبُوهَا غَائِبًا، فَلَمَّا قَدِمَ أَبُوهَا أَنْكَرَ ذَلِكَ، فَرَفَعَ ذَلِكَ إلَى عَلِيٍّ فَأَجَازَ ذَلِكَ. قَالَ شُعْبَةُ: وَأَخْبَرَنِي سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا قَيْسٍ يُحَدِّثُ، عَنْ هُذَيْلِ بْنِ شُرَحْبِيلَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بِمِثْلِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ نَا شُعْبَةُ بْنُ الْحَجَّاجِ قَالَ: أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْت الْقَعْقَاعَ، قَالَ: إنَّهُ تَزَوَّجَ رَجُلٌ امْرَأَةً مِنَّا يُقَالُ لَهَا: بَحْرِيَّةُ، زَوَّجَتْهَا إيَّاهُ أُمُّهَا، فَجَاءَ أَبُوهَا فَأَنْكَرَ ذَلِكَ، فَاخْتَصَمَا إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَأَجَازَهُ. وَالْخَبَرُ الْمَشْهُورُ: عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّهَا زَوَّجَتْ بِنْتَ أَخِيهَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنْ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ غَائِبٌ بِالشَّامِ، فَلَمَّا قَدِمَ أَنْكَرَ ذَلِكَ، فَجَعَلَ الْمُنْذِرُ أَمْرَهَا إلَيْهِ فَأَجَازَهُ. وَرُوِّينَا أَنَّ أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أَبِي الرَّبِيعِ، وَأُمَّهَا زَيْنَبَ بِنْتَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَهَا مُعَاوِيَةُ بَعْدَ قَتْلِ عَلِيٍّ رضي الله عنه وَكَانَتْ تَحْتَ عَلِيٍّ، فَدَعَتْ بِالْمُغِيرَةِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَجَعَلَتْ أَمْرَهَا إلَيْهِ فَأَنْكَحَهَا نَفْسَهُ، فَغَضِبَ مَرْوَانُ، وَكَتَبَ ذَلِكَ إلَى مُعَاوِيَةَ، فَكَتَبَ إلَيْهِ مُعَاوِيَةُ: دَعْهُ وَإِيَّاهَا. وَصَحَّ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ فِي امْرَأَةٍ لاَ وَلِيَّ لَهَا، فَوَلَّتْ رَجُلاً أَمْرَهَا، فَزَوَّجَهَا، قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: لاَ بَأْسَ بِذَلِكَ، الْمُؤْمِنُونَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَطَاءً، عَنْ امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وُلاَتِهَا وَهُمْ حَاضِرُونَ، فَقَالَ أَمَّا امْرَأَةٌ مَالِكَةٌ أَمْرَ نَفْسِهَا إذَا كَانَ بِشُهَدَاءَ، فَإِنَّهُ جَائِزٌ بِغَيْرِ أَمْرِ الْوُلاَةِ. وَعَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ فِي امْرَأَةٍ زَوَّجَتْ ابْنَتَهَا بِغَيْرِ إذْنِ أَوْلِيَائِهَا، قَالَ: إنْ أَجَازَ الْوُلاَةُ ذَلِكَ إذَا عَلِمُوا، فَهَذَا جَائِزٌ وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا، عَنِ الْحَسَنِ أَيْضًا. قَالَ الأَوْزَاعِيُّ إنْ كَانَ الزَّوْجُ كُفُؤًا وَلَهَا مِنْ أَمْرِهَا نَصِيبٌ، وَدَخَلَ بِهَا، لَمْ يَكُنْ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: لاَ يَجُوزُ أَنْ تُزَوِّجَ الْمَرْأَةُ نَفْسَهَا، وَلاَ أَنْ تُزَوِّجَهَا امْرَأَةٌ وَلَكِنْ إنْ زَوَّجَهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ جَازَ، الْمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ. قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: أَمَّا الْبِكْرُ فَلاَ يُزَوِّجُهَا إِلاَّ وَلِيُّهَا، وَأَمَّا الثَّيِّبُ فَتُوَلِّي أَمْرَهَا مَنْ شَاءَتْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَيُزَوِّجُهَا، وَلَيْسَ لِلْوَلِيِّ فِي ذَلِكَ اعْتِرَاضٌ. وقال مالك: أَمَّا الدَّنِيئَةُ، كَالسَّوْدَاءِ، أَوْ الَّتِي أَسْلَمْت، أَوْ الْفَقِيرَةُ، أَوْ النَّبَطِيَّةُ، أَوْ الْمُوَلَّاةُ، فَإِنْ زَوَّجَهَا الْجَارُ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ لَيْسَ هُوَ لَهَا بِوَلِيٍّ فَهُوَ جَائِزٌ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ الَّتِي لَهَا الْمَوْضِعُ، فَإِنْ زَوَّجَهَا غَيْرُ وَلِيِّهَا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا فَإِنْ أَجَازَ ذَلِكَ الْوَلِيُّ، أَوْ السُّلْطَانُ: جَازَ، فَإِنْ تَقَادَمَ أَمْرُهَا وَلَمْ يُفْسَخْ، وَوَلَدَتْ لَهُ الأَوْلاَدَ: لَمْ نَفْسَخْ. وقال أبو حنيفة، وَزُفَرُ، جَائِزٌ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُزَوِّجَ نَفْسَهَا كُفُؤًا، وَلاَ اعْتِرَاضَ لِوَلِيِّهَا فِي ذَلِكَ، فَإِنْ زَوَّجَتْ نَفْسَهَا غَيْرَ كُفْءٍ، فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ، وَلِلأَوْلِيَاءِ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَهُمَا، وَكَذَلِكَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يُخَاصِمَ فِيمَا حَطَّتْ مِنْ صَدَاقِ مِثْلِهَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: لاَ نِكَاحَ إِلاَّ بِوَلِيٍّ، ثُمَّ اخْتَلَفَا، فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ وَلِيٍّ فَأَجَازَهُ الْوَلِيُّ جَازَ، فَإِنْ

أَبَى أَنْ يُجِيزَ وَالزَّوْجُ كُفُؤٌ أَجَازَهُ الْقَاضِي، وَلاَ يَكُونُ جَائِزًا إِلاَّ حَتَّى يُجِيزَهُ الْقَاضِي. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: إنْ لَمْ يُجِزْهُ الْوَلِيُّ اسْتَأْنَفَ الْقَاضِي فِيهِ عَقْدًا جَدِيدًا.
قال أبو محمد: أَمَّا قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، وَأَبِي يُوسُفَ: فَظَاهِرُ التَّنَاقُضِ وَالْفَسَادِ، لأََنَّهُمَا نَقَضَا قَوْلِهِمَا " لاَ نِكَاحَ إِلاَّ بِوَلِيٍّ " إذْ أَجَازَا لِلْوَلِيِّ إجَازَةَ مَا أَخْبَرَا أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ. وَكَذَلِكَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، لأََنَّهُ أَجَازَ لِلْمَرْأَةِ إنْكَاحَ نَفْسِهَا مِنْ غَيْرِ كُفْءٍ ثُمَّ أَجَازَ لِلْوَلِيِّ فَسْخَ الْعَقْدِ الْجَائِزِ، فَهِيَ أَقْوَالٌ لاَ مُتَعَلِّقَ لَهَا بِقُرْآنٍ، وَلاَ بِسُنَّةٍ لاَ صَحِيحَةٍ، وَلاَ سَقِيمَةٍ، وَلاَ بِقَوْلِ صَاحِبٍ، وَلاَ بِمَعْقُولٍ، وَلاَ قِيَاسٍ، وَلاَ رَأْيٍ سَدِيدٍ وَهَذَا لاَ يُقْبَلُ إِلاَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي لاَ يَنْطِقُ، عَنِ الْهَوَى، إِلاَّ، عَنِ الْوَحْيِ مِنْ الْخَالِقِ، الَّذِي لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَأَمَّا مِنْ غَيْرِهِ عليه الصلاة والسلام فَهُوَ دِينٌ جَدِيدٌ، يُعَذِّبُ اللَّهُ بِهِ فِي الْحَشْرِ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ: فَظَاهِرُ الْفَسَادِ، لأََنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ الدَّنِيَّةِ وَغَيْرِ الدَّنِيَّةِ، وَمَا عَلِمْنَا الدَّنَاءَةَ إِلاَّ مَعَاصِيَ اللَّهِ تَعَالَى. وَأَمَّا السَّوْدَاءُ، وَالْمَوْلاَةُ: فَقَدْ كَانَتْ أُمُّ أَيْمَنَ رضي الله عنها سَوْدَاءَ وَمَوْلاَةً، وَوَاللَّهِ مَا بَعْدَ أَزْوَاجِهِ عليه الصلاة والسلام فِي هَذِهِ الأُُمَّةِ امْرَأَةٌ أَعْلَى قَدْرًا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَعِنْدَ أَهْلِ الإِسْلاَمِ كُلِّهِمْ مِنْهَا. وَأَمَّا الْفَقِيرَةُ: فَمَا الْفَقْرُ دَنَاءَةٌ، فَقَدْ كَانَ فِي الأَنْبِيَاءِ عليهم الصلاة والسلام الْفَقِيرُ الَّذِي أَهْلَكَهُ الْفَقْرُ وَهُمْ أَهْلُ الشَّرَفِ وَالرِّفْعَةِ حَقًّا وَقَدْ كَانَ قَارُونُ، وَفِرْعَوْنُ، وَهَامَانُ: مِنْ الْغِنَى بِحَيْثُ عُرِفَ وَهُمْ أَهْلُ الدَّنَاءَةِ وَالرَّذَالَةِ حَقًّا. وَأَمَّا النَّبَطِيَّةُ: فَرُبَّ نَبَطِيَّةٍ لاَ يَطْمَعُ فِيهَا كَثِيرٌ مِنْ قُرَيْشٍ لِيَسَارِهَا، وَعُلُوِّ حَالِهَا فِي الدُّنْيَا، وَرُبَّ بِنْتِ خَلِيفَةٍ هَلَكَتْ فَاقَةً وَجَهْدًا وَضَيَاعًا. ثُمَّ قَوْلُهُ " يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا فَإِنْ طَالَ الأَمْرُ وَوَلَدَتْ مِنْهُ الأَوْلاَدَ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا " فَهَذَا عَيْنُ الْخَطَأِ، إنَّمَا هُوَ حَقٌّ أَوْ بَاطِلٌ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى ثَالِثٍ، فَإِنْ كَانَ حَقًّا فَلَيْسَ لأََحَدٍ نَقْضُ الْحَقِّ إثْرَ عَقْدِهِ، وَلاَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنْ كَانَ بَاطِلاً فَالْبَاطِلُ مَرْدُودٌ أَبَدًا، إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَ نَصٌّ مِنْ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيُوقَفُ عِنْدَهُ. وَمَا نَعْلَمُ قَوْلَ مَالِكٍ هَذَا قَالَهُ أَحَدٌ قَبْلَهُ، وَلاَ غَيْرُهُ، إِلاَّ مَنْ قَلَّدَهُ، وَلاَ مُتَعَلِّقَ لَهُ بِقُرْآنٍ، وَلاَ بِسُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، وَلاَ بِأَثَرٍ سَاقِطٍ، وَلاَ بِقَوْلِ صَاحِبٍ، وَلاَ تَابِعٍ، وَلاَ مَعْقُولٍ، وَلاَ قِيَاسٍ، وَلاَ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ يُعْرَفُ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ: فَإِنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "فَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لاَ وَلِيَّ لَهُ مَانِعٌ مِنْ أَنْ يَكُونَ وَلِيُّ الْمَرْأَةِ كُلَّ مُسْلِمٍ"، لأََنَّ مُرَاعَاةَ اشْتِجَارِ جَمِيعِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ النَّاسِ مُحَالٌ، وَحَاشَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَنْ يَأْمُرَ بِمُرَاعَاةِ مُحَالٍ لاَ يُمْكِنُ فَصَحَّ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام عَنَى قَوْمًا خَاصَّةً يُمْكِنُ أَنْ يَشْتَجِرُوا فِي نِكَاحِ الْمَرْأَةِ، لاَ حَقَّ لِغَيْرِهِمْ فِي ذَلِكَ. قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام: "فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لاَ وَلِيَّ لَهُ" بَيَانٌ جَلِيٌّ بِمَا قلنا

إذْ لَوْ أَرَادَ عليه الصلاة والسلام كُلَّ مُسْلِمٍ لَكَانَ قَوْلُهُ: مَنْ لاَ وَلِيَّ لَهُ مُحَالاً بَاطِلاً، وَحَاشَ لَهُ مِنْ فِعْلِ ذَلِكَ.فَصَحَّ أَنَّهُمْ الْعَصَبَةُ الَّذِينَ يُوجَدُونَ لِبَعْضِ النِّسَاءِ، وَلاَ يُوجَدُونَ لِبَعْضِهِنَّ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ فَإِنَّمَا عُوِّلَ عَلَى الْخَبَرِ الثَّابِتِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِ: "الْبِكْرُ يَسْتَأْذِنُهَا أَبُوهَا وَالثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا" .
قال أبو محمد: وَهَذَا لَوْ لَمْ يَأْتِ غَيْرُهُ لَكَانَ كَمَا قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ، لَكِنَّ قَوْلَهُ عليه الصلاة والسلام أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ عُمُومٌ لِكُلِّ امْرَأَةٍ ثَيِّبٍ أَوْ بِكْرٍ. وَبَيَانُ هَذَا الْقَوْلِ: أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام وَالثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا أَنَّهُ لاَ يَنْفُذُ فِيهَا أَمْرُهُ بِغَيْرِ إذْنِهَا، وَلاَ تَنْكِحُ إِلاَّ مَنْ شَاءَتْ، فَإِذَا أَرَادَتْ النِّكَاحَ لَمْ يَجُزْ لَهَا إِلاَّ بِإِذْنِ وَلِيِّهِمَا، فَإِنْ أَبَى أَنْكَحَهُمَا السُّلْطَانُ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ الْوَلِيِّ الآبِيِّ.
وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَرَ لِلْوَلِيِّ مَعْنًى فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} وَبِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ} . وَقَدْ قلنا: إنَّ قوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} بَيَانٌ فِي أَنَّ نِكَاحَهُنَّ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ. وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها زَوَّجَهَا النَّجَاشِيُّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} فَهَذَا خَارِجٌ مِنْ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ . وَوَجْهٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ الزَّائِدُ عَلَى مَعْهُودِ الأَصْلِ، لأََنَّ الأَصْلَ بِلاَ شَكٍّ أَنْ تَنْكِحَ الْمَرْأَةُ مَنْ شَاءَتْ بِغَيْرِ وَلِيٍّ، فَالشَّرْعُ الزَّائِدُ هُوَ الَّذِي لاَ يَجُوزُ تَرْكُهُ، لأََنَّهُ شَرِيعَةٌ وَارِدَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، كَالصَّلاَةِ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ، وَالزَّكَاةِ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ وَسَائِرِ الشَّرَائِعِ، وَلاَ فَرْقَ. وَاحْتَجُّوا بِخَبَرٍ فِيهِ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ هُوَ زَوَّجَ أُمَّ سَلَمَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَهَذَا خَبَرٌ إنَّمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَهُوَ مَجْهُولٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ الْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي حَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ سَوَاءً سَوَاءً، مَعَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ كَانَ يَوْمَئِذٍ صَغِيرًا لَمْ يَبْلُغْ، هَذَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالأَخْبَارِ، فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَعْتَمِدَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى عَقْدِ مَنْ لاَ يَجُوزُ عَقْدُهُ. وَيَكْفِي فِي رَدِّ هَذَا كُلِّهِ مَا حَدَّثَنَاهُ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دُحَيْمِ بْنِ خَلِيلٍ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَارِمٌ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ فِي زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} قَالَ: فَكَانَتْ تَفْخَرُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَقُولُ: زَوَّجَكُنَّ أَهْلُوكُنَّ

وَزَوَّجَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَوَاتٍ. فَهَذَا إسْنَادٌ صَحِيحٌ مُبَيِّنٌ أَنَّ جَمِيعَ نِسَائِهِ عليه السلام إنَّمَا زَوَّجَهُنَّ أَوْلِيَاؤُهُنَّ حَاشَ زَيْنَبَ رضي الله تعالى عنها فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى زَوَّجَهَا مِنْهُ عليه الصلاة والسلام. وَصَحَّ بِهَذَا مَعْنَى قَوْلِ أُمِّ حَبِيبَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّجَاشِيَّ زَوَّجَهَا أَيْ تَوَلَّى أَمْرَهَا وَمَا تَحْتَاجُ إلَيْهِ وَكَانَ الْعَقْدُ بِحَضْرَتِهِ، قَدْ كَانَ هُنَالِكَ أَقْرَبُ النَّاسِ إلَيْهَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَعَمْرٌو، وَخَالِدٌ، ابْنَا سَعْدِ بْنِ الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ، فَكَيْفَ يُزَوِّجُهَا النَّجَاشِيُّ بِمَعْنَى يَتَوَلَّى عَقْدَ نِكَاحِهَا وَهَؤُلاَءِ حُضُورٌ رَاضُونَ مَسْرُورُونَ آذِنُونَ فِي ذَلِكَ بِيَقِينٍ لاَ شَكَّ فِيهِ. وَأَمَّا تَزْوِيجُهُ عليه الصلاة والسلام الْمَرْأَةَ بِتَعْلِيمِ سُورَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ فَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ أَنَّهُ كَانَ لَهَا وَلِيٌّ أَصْلاً فَلاَ يُعْتَرَضُ عَلَى الْيَقِينِ بِالشُّكُوكِ. وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي كُلِّ حَدِيثٍ ذَكَرُوهُ، كَخَبَرِ نِكَاحِ مَيْمُونَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَإِنَّمَا جَعَلَتْ أَمْرَهَا إلَى الْعَبَّاسِ فَزَوَّجَهَا مِنْهُ عليه الصلاة والسلام. وَنِكَاحِ أَبِي طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ رضي الله عنها عَلَى الإِسْلاَمِ فَقَطْ، أَنْكَحَهَا إيَّاهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَهُوَ صَغِيرٌ دُونَ عَشْرِ سِنِينَ. فَهَذَا كُلُّهُ مَنْسُوخٌ بِإِبْطَالِهِ عليه الصلاة والسلام النِّكَاحَ بِغَيْرِ وَلِيٍّ، وَسَائِرُ الأَحَادِيثِ الَّتِي فِيهَا أَنَّ نِسَاءً أُنْكِحْنَ بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهِنَّ، فَرَدَّ عليه الصلاة والسلام نِكَاحَهُنَّ وَجَعَلَ إلَيْهِنَّ إجَازَةَ ذَلِكَ إنْ شِئْنَ فَكُلُّهَا أَخْبَارٌ لاَ تَصِحُّ إمَّا مُرْسَلَةٌ، وَأَمَّا مِنْ رِوَايَةِ عَلِيِّ بْنِ غُرَابٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ فَظَهَرَ صِحَّةُ قَوْلِنَا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنَّهُ لاَ يَجُوزُ إنْكَاحُ الأَبْعَدِ مِنْ الأَوْلِيَاءِ مَعَ وُجُودِ الأَقْرَبِ، فَلأََنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ يَلْتَقُونَ فِي أَبٍ بَعْدَ أَبٍ إلَى آدَمَ عليه السلام بِلاَ شَكٍّ، فَلَوْ جَازَ إنْكَاحُ الأَبْعَدِ مَعَ وُجُودِ الأَقْرَبِ لَجَازَ إنْكَاحُ كُلِّ مَنْ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ لأََنَّهُ يَلْقَاهَا بِلاَ شَكٍّ فِي بَعْضِ آبَائِهَا، فَإِنْ حَدُّوا فِي ذَلِكَ حَدًّا كُلِّفُوا الْبُرْهَانَ عَلَيْهِ، وَلاَ سَبِيلَ إلَيْهِ فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ لاَ حَقَّ مَعَ الأَقْرَبِ لِلأَبْعَدِ، ثُمَّ إنْ عُدِمَ فَمَنْ فَوْقَهُ بَابٌ هَكَذَا أَبَدًا مَا دَامَ يُعْلَمُ لَهَا وَلِيٌّ عَاصِبٌ، كَالْمِيرَاثِ، وَلاَ فَرْقَ. وَأَمَّا إنْ كَانَ الْوَلِيُّ غَائِبًا فَلاَ بُدَّ مِنْ انْتِظَارِهِ، فَإِنْ قَالُوا: إنَّ ذَلِكَ يَضُرُّ بِهَا قلنا: الضَّرُورَةُ لاَ تُبِيحُ الْفُرُوجَ وَقَدْ وَافَقَنَا الْمَالِكِيُّونَ عَلَى أَنَّهُ إنْ كَانَ لِلزَّوْجِ الْغَائِبِ مَالٌ يُنْفَقُ مِنْهُ عَلَى الْمَرْأَةِ لَمْ تَطْلُقْ عَلَيْهِ وَإِنْ أَضَرَّتْ غَيْبَتُهُ بِهَا فِي فَقْدِ الْجِمَاعِ وَضَيَاعِ كَثِيرٍ مِنْ أُمُورِهَا وَوَافَقَنَا الْحَنَفِيُّونَ فِي أَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ فَإِنَّهَا لاَ تَطْلُقُ عَلَيْهِ، وَلاَ ضَرَرَ أَضَرَّ مِنْ عَدَمِ النَّفَقَةِ. ثُمَّ نَسْأَلُهُمْ فِي حَدِّ الْغَيْبَةِ الَّتِي يَنْتَظِرُونَ الْوَلِيَّ فِيهَا مِنْ الْغَيْبَةِ الَّتِي لاَ يَنْتَظِرُونَهُ فِيهَا، فَإِنَّهُمْ لاَ يَأْتُونَ إِلاَّ بِفَضِيحَةٍ، وَبِقَوْلٍ لاَ يُعْقَلُ وَجْهُهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ.

وللاب أن يزوج ابنته الصغيرة البكر مالم تبلغ
1822 - مَسْأَلَةٌ: وَلِلأَبِ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ الْبِكْرَ مَا لَمْ تَبْلُغْ بِغَيْرِ إذْنِهَا، وَلاَ خِيَارَ لَهَا إذَا بَلَغَتْ فَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا مِنْ زَوْجٍ مَاتَ عَنْهَا أَوْ طَلَّقَهَا لَمْ يَجُزْ لِلأَبِ، وَلاَ لِغَيْرِهِ

أَنْ يُزَوِّجَهَا حَتَّى تَبْلُغَ، وَلاَ إذْنَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ تَبْلُغَ. وَإِذَا بَلَغَتْ الْبِكْرُ وَالثَّيِّبُ لَمْ يَجُزْ لِلأَبِ، وَلاَ لِغَيْرِهِ أَنْ يُزَوِّجَهَا إِلاَّ بِإِذْنِهَا، فَإِنْ وَقَعَ فَهُوَ مَفْسُوخٌ أَبَدًا. فأما الثَّيِّبُ فَتَنْكِحُ مَنْ شَاءَتْ، وَإِنْ كَرِهَ الأَبُ. وَأَمَّا الْبِكْرُ فَلاَ يَجُوزُ لَهَا نِكَاحٌ إِلاَّ بِاجْتِمَاعِ إذْنِهَا وَإِذْنِ أَبِيهَا. وَأَمَّا الصَّغِيرَةُ الَّتِي لاَ أَبَ لَهَا فَلَيْسَ لأََحَدٍ أَنْ يُنْكِحَهَا لاَ مِنْ ضَرُورَةٍ، وَلاَ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ حَتَّى تَبْلُغَ، وَلاَ لأََحَدٍ أَنْ يُنْكِحَ مَجْنُونَةً حَتَّى تُفِيقَ وَتَأْذَنَ، إِلاَّ الأَبَ فِي الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ وَهِيَ مَجْنُونَةٌ فَقَطْ. وَفِي بَعْضِ مَا ذَكَرْنَا خِلاَفٌ: قَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: لاَ يَجُوزُ إنْكَاحُ الأَبِ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ إِلاَّ حَتَّى تَبْلُغَ وَتَأْذَنَ، وَرَأَى أَمْرَ عَائِشَةَ رضي الله عنها خُصُوصًا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، كَالْمَوْهُوبَةِ، وَنِكَاحُ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ. وَقَالَ الْحَسَنُ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: إنْكَاحُ الأَبِ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ وَالْكَبِيرَةَ الثَّيِّبَ، وَالْبِكْرَ وَإِنْ كَرِهَتَا جَائِزٌ عَلَيْهِمَا. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ، وَعُبَيْدَةُ، قَالَ مَنْصُورٌ: عَنِ الْحَسَنِ، وَقَالَ عُبَيْدَةُ: عَنْ إبْرَاهِيمَ، قَالاَ جَمِيعًا: إنَّ نِكَاحَ الأَبِ ابْنَتَهُ بِكْرًا أَوْ ثَيِّبًا جَائِزٌ. وَرُوِّينَا، عَنْ إبْرَاهِيمَ قَوْلاً آخَرَ: كَمَا َحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: الْبِكْرُ لاَ يَسْتَأْمِرُهَا أَبُوهَا وَالثَّيِّبُ إنْ كَانَتْ فِي عِيَالٍ اسْتَأْمَرَهَا. وقال مالك: أَمَّا الْبِكْرُ فَلاَ يَسْتَأْمِرُهَا أَبُوهَا بَلَغَتْ أَوْ لَمْ تَبْلُغْ، عَنَسَتْ أَوْ لَمْ تَعْنِسْ وَيَنْفُذُ إنْكَاحُهُ لَهَا وَإِنْ كَرِهَتْ، وَكَذَلِكَ إنْ دَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَطَأْهَا، فَإِنْ بَقِيَتْ مَعَهُ سَنَةً وَشَهِدَتْ الْمَشَاهِدَ لَمْ تَجُزْ لِلأَبِ أَنْ يُنْكِحَهَا بَعْدَ ذَلِكَ إِلاَّ بِإِذْنِهَا وَإِنْ كَانَ زَوْجُهَا لَمْ يَطَأْهَا. قَالَ: وَأَمَّا الثَّيِّبُ فَلاَ يَجُوزُ إنْكَاحُ الأَبِ، وَلاَ غَيْرِهِ عَلَيْهَا إِلاَّ بِإِذْنِهَا. قَالَ: وَالْجَدُّ بِخِلاَفِ الأَبِ فِيمَا ذَكَرْنَا، لاَ يُزَوِّجْ الْبِكْرَ، وَلاَ غَيْرَهَا إِلاَّ بِإِذْنِهَا كَسَائِرِ الأَوْلِيَاءِ. وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الْبِكْرِ الصَّغِيرَةِ الَّتِي لاَ أَبَ لَهَا فَأَجَازَ إنْكَاحَ الأَخِ لَهَا إذَا كَانَ نَظَرًا لَهَا فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ، وَمَنْ مَنَعَهُ رِوَايَةُ ابْنِ الْقَاسِمِ. وقال أبو حنيفة، وَأَبُو سُلَيْمَانَ يُنْكِحُ الأَبُ الصَّغِيرَةَ مَا لَمْ تَبْلُغْ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا فَإِذَا بَلَغَتْ نَكَحَتْ مَنْ شَاءَتْ، وَلاَ إذْنَ لِلأَبِ فِي ذَلِكَ كَسَائِرِ الأَوْلِيَاءِ، وَلاَ يَجُوزُ إنْكَاحُهُ لَهَا إِلاَّ بِإِذْنِهَا بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا. وقال أبو حنيفة: وَالْجَدُّ كَالأَبِ فِي كُلِّ ذَلِكَ. وقال الشافعي: يُزَوِّجُ الأَبُ وَالْجَدُّ لِلأَبِ إنْ كَانَ الأَبُ قَدْ مَاتَ: الْبِكْرَ الصَّغِيرَةَ، وَلاَ إذْنَ لَهَا إذَا بَلَغَتْ، وَكَذَلِكَ الْبِكْرُ الْكَبِيرَةُ. وَلاَ يُزَوِّجُ الثَّيِّبَ الصَّغِيرَةَ أَحَدٌ حَتَّى تَبْلُغَ، سَوَاءٌ بِإِكْرَاهٍ ذَهَبَتْ عُذْرَتُهَا أَوْ بِرِضًا، بِحَرَامٍ أَوْ حَلاَلٍ. وَأَمَّا الثَّيِّبُ الْكَبِيرَةُ فَلاَ يُزَوِّجُهَا الأَبُ، وَلاَ الْجَدُّ، وَلاَ غَيْرُهُمَا إِلاَّ بِإِذْنِهَا، وَلَهَا أَنْ تَنْكِحَ مَنْ شَاءَتْ إذَا كَانَتْ بَالِغًا.

قال أبو محمد: الْحُجَّةُ فِي إجَازَةِ إنْكَاحِ الأَبِ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ الْبِكْرَ إنْكَاحُ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنه النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مِنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها وَهِيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ، وَهَذَا أَمْرٌ مَشْهُورٌ غَنِيٌّ، عَنْ إيرَادِ الإِسْنَادِ فِيهِ، فَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ خُصُوصٌ لَمْ يُلْتَفَتْ لِقَوْلِهِ، لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ} فَكُلُّ مَا فَعَلَهُ عليه الصلاة والسلام فَلَنَا أَنْ نَتَأَسَّى بِهِ فِيهِ، إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَ نَصٌّ بِأَنَّهُ لَهُ خُصُوصٌ. فإن قال قائل: فَإِنَّ هَذَا فِعْلٌ مِنْهُ عليه الصلاة والسلام وَلَيْسَ قَوْلاً، فَمِنْ أَيْنَ خَصَّصْتُمْ الْبِكْرَ دُونَ الثَّيِّبِ، وَالصَّغِيرَةَ دُونَ الْكَبِيرَةِ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ أُصُولِكُمْ قلنا: نَعَمْ، إنَّمَا اقْتَصَرْنَا عَلَى الصَّغِيرَةِ الْبِكْرِ لِلْخَبَرِ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ سَمِعَ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ يُخْبِرُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ يَسْتَأْذِنُهَا أَبُوهَا فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا" . فَخَرَجَتْ الثَّيِّبُ صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً بِعُمُومِ هَذَا الْخَبَرِ، وَخَرَجَتْ الْبِكْرُ الْبَالِغُ بِهِ أَيْضًا، لأََنَّ الأَسْتِئْذَانَ لاَ يَكُونُ إِلاَّ لِلْبَالِغِ الْعَاقِلِ لِلأَثَرِ الثَّابِتِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: رُفِعَ الْقَلَمُ، عَنْ ثَلاَثٍ فَذَكَرَ فِيهِمْ الصَّغِيرِ حَتَّى يَبْلُغَ فَخَرَجَ الْبِكْرُ الَّتِي لاَ أَبَ لَهَا بِالنَّصِّ الْمَذْكُورِ أَيْضًا، فَلَمْ تَبْقَ إِلاَّ الصَّغِيرَةُ الْبِكْرُ ذَاتُ الأَبِ فَقَطْ. فإن قيل: فَلِمَ لَمْ تُجِيزُوا إنْكَاحَ الْجَدِّ لَهَا كَالأَبِ قلنا: لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا} فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ هَذَا الْعُمُومِ إِلاَّ مَا جَاءَ بِهِ الْخَبَرُ فَقَطْ، وَهُوَ الأَبُ الأَدْنَى، وَبِالْخَبَرِ الْمَذْكُورِ يَبْطُلُ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي ذَكَرْنَا آنِفًا. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فِي الَّتِي بَقِيَتْ مَعَ زَوْجِهَا أَقَلَّ مِنْ سَنَةٍ وَلَمْ يَطَأْهَا أَنَّ أَبَاهَا يُزَوِّجَهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا، فَإِنْ أَتَمَّتْ مَعَ زَوْجِهَا سَنَةً وَشَهِدَتْ الْمَشَاهِدَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا إِلاَّ بِإِذْنِهَا. فَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ، لأََنَّهُ تَحَكُّمٌ لاَ يَعْضُدُهُ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ، وَلاَ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ، وَلاَ قَوْلُ أَحَدٍ قَبْلَهُ جُمْلَةً، وَلاَ قِيَاسٌ، وَلاَ رَأْيٌ لَهُ وَجْهٌ. وَأَمَّا إلْحَاقُ الشَّافِعِيِّ الصَّغِيرَةَ الْمَوْطُوءَةَ بِحَرَامٍ بِالثَّيِّبِ، فَخَطَأٌ ظَاهِرٌ، لأََنَّنَا نَسْأَلُهُمْ إنْ بَلَغَتْ فَزَنَتْ: أَبِكْرٌ هِيَ فِي الْحَدِّ أَمْ ثَيِّبٌ فَمِنْ قَوْلِهِمْ: إنَّهَا بِكْرٌ، فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ، وَصَحَّ أَنَّهَا فِي حُكْمِ الْبِكْرِ. وَأَمَّا مَنْ جَعَلَ لِلثَّيِّبِ وَالْبِكْرِ إذَا بَلَغَتْ أَنْ تَنْكِحَ مَنْ شَاءَتْ وَإِنْ كَرِهَ أَبُوهَا وَمَنْ جَعَلَ لِلأَبِ أَنْ يُنْكِحَهَا وَإِنْ كَرِهَتْ فَكِلاَهُمَا خَطَأٌ بَيِّنٌ، لِلأَثَرِ الثَّابِتِ الَّذِي ذَكَرْنَا آنِفًا مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الثَّيِّبُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ يَسْتَأْذِنُهَا أَبُوهَا" . فَفَرَّقَ عليه الصلاة والسلام بَيْنَ الثَّيِّبِ وَالْبِكْرِ فَجَعَلَ لِلثَّيِّبِ أَنَّهَا أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا، فَوَجَبَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لاَ أَمْرَ لِلأَبِ فِي إنْكَاحِهَا، وَأَنَّهَا أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْهُ وَمِنْ

غَيْرِهِ، وَجَعَلَ الْبِكْرَ بِخِلاَفِ ذَلِكَ، وَأَوْجَبَ عَلَى الأَبِ أَنْ يَسْتَأْمِرَهَا.فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ بُدَّ مِنْ اجْتِمَاعِ الأَمْرَيْنِ: إذْنُهَا، وَاسْتِئْذَانُ أَبِيهَا، وَلاَ يَصِحُّ لَهَا نِكَاحٌ، وَلاَ عَلَيْهَا إِلاَّ بِهِمَا جَمِيعًا. وَقَوْله تَعَالَى {وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا} مُوجِبٌ أَنْ لاَ يَجُوزَ عَلَى الْبَالِغَةِ الْبِكْرِ إنْكَاحُ أَبِيهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا، وَقَدْ جَاءَتْ بِهَذَا آثَارٌ صِحَاحٌ: ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ رَجُلاً زَوَّجَ ابْنَتَهُ وَهِيَ بِكْرٌ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهَا، فَأَتَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا.
قال أبو محمد: مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ هَذَا هُوَ الأَشْعَرِيُّ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ لَيْسَ هُوَ الأَنْدَلُسِيَّ الْحَضْرَمِيَّ، ذَلِكَ ضَعِيفٌ، وَهُوَ قَدِيمٌ. وبه إلى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُد الْمِصِّيصِيُّ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ جَارِيَةً بِكْرًا أَتَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: إنَّ أَبِي زَوَّجَنِي وَهِيَ كَارِهَةٌ فَرَدَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نِكَاحَهَا . حَدَّثَنَا أَبُو عُمَرَ أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ قَالَ: حَدَّثَنِي جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عِمْرَانُ، حَدَّثَنَا دُحَيْمٌ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: إنَّ رَجُلاً زَوَّجَ ابْنَتَهُ بِكْرًا فَكَرِهَتْ فَأَتَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَرَدَّ نِكَاحَهَا . حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ الْبَلْخِيُّ، حَدَّثَنَا الْفَرَبْرِيُّ، حَدَّثَنَا الْبُخَارِيُّ، حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ نَا هِشَامٌ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ: "لاَ تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلاَ تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَيْفَ إذْنُهَا قَالَ: أَنْ تَسْكُتَ".
قال أبو محمد: الآثَارُ هَاهُنَا كَثِيرَةٌ، وَفِيهِ ذَكَرْنَا كِفَايَةً، وَقَدْ جَاءَ فِي رَدِّ نِكَاحِ الأَبِ ابْنَتَهُ الثَّيِّبَ بِغَيْرِ إذْنِهَا حَدِيثُ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِدَامٍ. قَالَ عَلِيٌّ: وقال بعضهم: زَوَّجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَنَاتِهِ وَلَمْ يَسْتَأْذِنْهُنَّ.فَقُلْنَا: هَذَا لاَ يُعْرَفُ فِي شَيْءٍ مِنْ الآثَارِ أَصْلاً، وَإِنَّمَا هِيَ دَعْوَى كَاذِبَةٌ، بَلْ قَدْ جَاءَتْ آثَارٌ مُرْسَلَةٌ بِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ يَسْتَأْمِرُهُنَّ. وَقَدْ تَقَصَّيْنَا فِي "كِتَابِ الإِيصَالِ" مَا اعْتَرَضَ بِهِ مَنْ لاَ يُبَالِي مِمَّا أَطْلَقَ بِهِ لِسَانَهُ فِي الآثَارِ الَّتِي أَوْرَدْنَا، بِمَا لاَ مَعْنَى لَهُ مِنْ رِوَايَةِ بَعْضِ النَّاسِ لَهَا بِلَفْظٍ مُخَالِفٍ لِلَّفْظِ الَّذِي رُوِّينَا، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَكُلُّ ذَلِكَ لاَ مَعْنَى لَهُ، لأََنَّ اخْتِلاَفَ الأَلْفَاظِ لَيْسَ عِلَّةً فِي الْحَدِيثِ، بَلْ إنْ كَانَ رَوَى جَمِيعَهَا الثِّقَاتُ وَجَبَ أَنْ تُسْتَعْمَلَ كُلُّهَا، وَيُحْكَمَ بِمَا اقْتَضَاهُ كُلُّ لَفْظٍ مِنْهَا، وَلاَ يَجُوزُ تَرْكُ بَعْضِهَا لِبَعْضٍ، لأََنَّ الْحُجَّةَ قَائِمَةٌ بِجَمِيعِهَا وَطَاعَةَ كُلِّ مَا صَحَّ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام فَرْضٌ عَلَى الْجَمِيعِ، وَمُخَالَفَةَ شَيْءٍ مِنْهُ مَعْصِيَةٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنْ كَانَ رَوَى بَعْضَهَا ضَعِيفٌ فَالأَحْتِجَاجُ بِهِ عَلَى

مَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ ضَلاَلٌ. وَقَدْ جَاءَ مِثْلُ قَوْلِنَا، عَنِ السَّلَفِ: ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ، عَنْ عِكْرِمَةَ: أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُنْكِحَ إحْدَى بَنَاتِهِ قَعَدَ إلَى خِدْرِهَا فَأَخْبَرَهَا أَنَّ فُلاَنًا يَخْطُبُهَا. حَدَّثَنَا حُمَامُ بْنُ أَحْمَدَ نَا ابْنُ مُفَرِّجٍ نَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حَدَّثَنَا الدَّبَرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَسْتَأْمِرُ بَنَاتِهِ فِي نِكَاحِهِنَّ. وبه إلى عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُوس، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: تُسْتَأْمَرُ النِّسَاءُ فِي أَبْضَاعِهِنَّ. قَالَ ابْنُ طَاوُوس: الرِّجَالُ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الْبَنَاتِ لاَ يُكْرَهُونَ وَأَشَدُّ شَأْنًا. وبه إلى عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: يَسْتَأْمِرُ الأَبُ الْبِكْرَ وَالثَّيِّبَ. وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ أَجَازَ عَلَى الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ إنْكَاحَ أَبِيهَا لَهَا بِغَيْرِ إذْنِهَا مُتَعَلِّقًا أَصْلاً، إِلاَّ أَنْ قَالُوا: قَدْ ثَبَتَ جَوَازُ إنْكَاحِهِ لَهَا وَهِيَ صَغِيرَةٌ فَهِيَ عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ الْكِبَرِ.
قال أبو محمد: وَهَذَا لاَ شَيْءَ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ النَّصَّ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ بِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: "رُفِعَ الْقَلَمُ، عَنْ ثَلاَثَةٍ فَذَكَرَ: الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبَرَ" . وَالثَّانِي أَنَّ هَذَا قِيَاسٌ، وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ فَاسِدٌ، وَإِذْ صَحَّحُوا قِيَاسَ الْبَالِغَةِ عَلَى غَيْرِ الْبَالِغَةِ فَلْيَلْزَمْهُمْ أَنْ يَقِيسُوا الْجَدَّ فِي ذَلِكَ عَلَى الأَبِ، وَسَائِرَ الأَوْلِيَاءِ عَلَى الأَبِ أَيْضًا، وَإِلَّا فَقَدْ تَنَاقَضُوا فِي قِيَاسِهِمْ، وَيَكْفِي مِنْ ذَلِكَ النُّصُوصُ الَّتِي أَوْرَدْنَا فِي رَدِّ إنْكَاحِ الْبِكْرِ بِغَيْرِ إذْنِهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
قال أبو محمد: وَإِذَا بَلَغَتْ الْمَجْنُونَةُ وَهِيَ ذَاهِبَةُ الْعَقْلِ فَلاَ إذْنَ لَهَا، وَلاَ أَمْرَ، فَهِيَ عَلَى ذَلِكَ لاَ يُنْكِحُهَا الأَبُ، وَلاَ غَيْرُهُ حَتَّى يُمْكِنَ اسْتِئْذَانُهَا الَّذِي أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

ولا يجوز للاب ولا لغيره النكاح الضغير الذكر حتى يبلغ
1823 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَجُوزُ لِلأَبِ، وَلاَ لِغَيْرِهِ إنْكَاحُ الصَّغِيرِ الذَّكَرِ حَتَّى يَبْلُغَ فَإِنْ فَعَلَ فَهُوَ مَفْسُوخٌ أَبَدًا، وَأَجَازَهُ قَوْمٌ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ إِلاَّ قِيَاسُهُ عَلَى الصَّغِيرَةِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، وَلَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ قَدْ عَارَضَ هَذَا الْقِيَاسَ قِيَاسٌ آخَرُ مِثْلُهُ، وَهُوَ أَنَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الذَّكَرَ إذَا بَلَغَ لاَ مَدْخَلَ لأََبِيهِ، وَلاَ لِغَيْرِهِ فِي إنْكَاحِهِ أَصْلاً، وَأَنَّهُ فِي ذَلِكَ بِخِلاَفِ الأُُنْثَى الَّتِي لَهُ فِيهَا مَدْخَلٌ إمَّا بِإِذْنٍ، وَأَمَّا بِإِنْكَاحٍ، وَأَمَّا بِمُرَاعَاةِ الْكُفْءِ فَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُمَا مُخْتَلِفَيْنِ قَبْلَ الْبُلُوغِ.
قال أبو محمد : قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا} مَانِعٌ مِنْ جَوَازِ عَقْدِ أَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ إِلاَّ أَنْ يُوجِبَ إنْفَاذَ ذَلِكَ نَصُّ قُرْآنٍ، أَوْ سُنَّةٍ، وَلاَ نَصَّ، وَلاَ

سُنَّةَ فِي جَوَازِ إنْكَاحِ الأَبِ لأَبْنِهِ الصَّغِيرِ وَقَدْ قَالَ بِهَذَا طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُوس، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: إذَا أَنْكَحَ الصَّغِيرَيْنِ أَبَوَاهُمَا فَهُمَا بِالْخِيَارِ إذَا كَبَرَا، وَلاَ يَتَوَارَثَانِ إنْ مَاتَا قَبْلَ ذَلِكَ. وبه إلى مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: إذَا أَنْكَحَ الصَّبِيَّيْنِ أَبَوَاهُمَا فَمَاتَا قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَا فَلاَ مِيرَاثَ بَيْنَهُمَا، قَالَ مَعْمَرٌ: سَوَاءٌ أَنْكَحَهُمَا أَبَوَاهُمَا أَوْ غَيْرُهُمَا وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

واذا أسلمت البكر ولم يسلم ابوها أو كان مجنونا فهي في حكم التي لا أب لها
1824 - مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا أَسْلَمَتْ الْبِكْرُ وَلَمْ يُسْلِمْ أَبُوهَا، أَوْ كَانَ مَجْنُونًا فَهِيَ فِي حُكْمِ الَّتِي لاَ أَبَ لَهَا، لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَطَعَ الْوِلاَيَةَ بَيْنَ الْكُفَّارِ وَالْمُؤْمِنِينَ قَالَ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} . وَقَالَ تَعَالَى {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} . وَصَحَّ فِي الْمَجْنُونِ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "رُفِعَ الْقَلَمُ، عَنْ ثَلاَثَةٍ" فَذَكَرَ مِنْهُمْ "الْمَجْنُونِ حَتَّى يُفِيقَ" . وَقَدْ صَحَّ أَنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِاسْتِئْمَارِهَا، وَلاَ بِإِنْكَاحِهَا، وَإِنَّمَا خَاطَبَ عَزَّ وَجَلَّ أُولِي الأَلْبَابِ، فَلَهَا أَنْ تَنْكِحَ مَنْ شَاءَتْ بِإِذْنِ غَيْرِهِ مِنْ أَوْلِيَائِهَا أَوْ السُّلْطَانِ. وَكَذَلِكَ الَّتِي أَسْلَمَ أَبُوهَا وَلَمْ تُسْلِمْ هِيَ، فَإِنْ أَسْلَمَ أَوْ أَسْلَمَتْ أَوْ عَقَلَ: رَجَعَتْ إلَى حُكْمِ ذَاتِ الأَبِ لِدُخُولِهِ فِي الأَمْرِ بِإِنْكَاحِهَا وَاسْتِئْذَانِهَا. وَالأَمَةُ الصَّغِيرَةُ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا لَيْسَ لَهَا أَبٌ فَلاَ يَجُوزُ لِسَيِّدِهَا إنْكَاحُهَا، لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ ذَلِكَ إِلاَّ فِي الأَبِ فَقَطْ، وَلَيْسَ لأََبِيهَا وَإِنْ كَانَ حُرًّا إنْكَاحُهَا إِلاَّ بِإِذْنِ سَيِّدِهَا، لأََنَّهُ بِذَلِكَ كَاسِبٌ عَلَى سَيِّدِهَا، إذْ هِيَ مَالٌ مِنْ مَالِهِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا. وَالْبُرْهَانُ عَلَى مَا قلنا مِنْ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ إنْكَاحُ أَمَتِهِ الَّتِي لَمْ تَبْلُغْ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ وَالصَّغِيرُ لاَ يُوصَفُ بِصَلاَحٍ فِي دِينِهِ، وَلاَ يَدْخُلُ فِي الصَّالِحِينَ، وَكُلُّ مُسْلِمٍ فَهُوَ مِنْ الصَّالِحِينَ بِقَوْلِ: لاَ إلَه إِلاَّ اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

ولا أذن للوصى في النكاح أصلا لا للرجل ولا للمرأة
1825 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ إذْنَ لِلْوَصِيِّ فِي إنْكَاحٍ أَصْلاً، لاَ لِرَجُلٍ، وَلاَ لأَمْرَأَةٍ: صَغِيرَيْنِ كَانَا، أَوْ كَبِيرَيْنِ، لأََنَّ الصَّغِيرَيْنِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الذَّكَرَ مِنْهُمَا لاَ يَجُوزُ أَنْ يُنْكِحَهُ أَبٌ، وَلاَ غَيْرُهُ، وَأَنَّ الأُُنْثَى مِنْهُمَا لاَ يَجُوزُ أَنْ يُنْكِحَهَا إِلاَّ الأَبُ وَحْدَهُ، وَأَمَّا الْكَبِيرَانِ فَلاَ يَخْلُوَانِ مِنْ أَنْ يَكُونَا مَجْنُونَيْنِ أَوْ عَاقِلَيْنِ. فَإِنْ كَانَا مَجْنُونَيْنِ فَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّهُ لاَ يُنْكِحُهَا أَحَدٌ، لاَ أَبٌ، وَلاَ غَيْرُهُ. وَأَمَّا الْعَاقِلاَنِ الْبَالِغَانِ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِمَا وَصِيٌّ عَلَى مَا بَيَّنَّا فِي " كِتَابِ الْحَجْرِ " فَأَغْنَى، عَنْ إعَادَتِهِ. وَمِمَّنْ قَالَ: لاَ مَدْخَلَ لِلْوَصِيِّ فِي الإِنْكَاحِ: أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمْ فَإِنْ مَوَّهَ مُمَوِّهٌ بِالْخَبَرِ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَبِيبَةَ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ

ومن أوصى اذا مات ان تزوج ابنته البكر الصغيرة أو البالغ فهي وصية فاسدة
1826 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَوْصَى إذَا مَاتَ أَنْ تُزَوَّجَ ابْنَتُهُ الْبِكْرُ الصَّغِيرَةُ أَوْ الْبَالِغُ فَهِيَ وَصِيَّةٌ فَاسِدَةٌ لاَ يَجُوزُ إنْفَاذُهَا. برهان ذَلِكَ: أَنَّ الصَّغِيرَةَ إذَا مَاتَ أَبُوهَا صَارَتْ يَتِيمَةً وَقَدْ جَاءَ النَّصُّ بِأَنْ لاَ تُنْكَحَ الْيَتِيمَةُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، وَأَمَّا الْكَبِيرَةُ فَلَيْسَ لأََبِيهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا فِي حَيَاتِهِ بِغَيْرِ إذْنِهَا فَكَيْفَ بَعْدَ مَوْتِهِ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إذَا مَاتَ أَحَدُكُمْ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثٍ وَلَيْسَ مِنْ تِلْكَ الثَّلاَثِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ.

ولا يجوز النكاح الا باسم الزواج أو النكاح
1827- مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَجُوزُ النِّكَاحُ إِلاَّ بِاسْمِ الزَّوَاجِ أَوْ النِّكَاحِ، أَوْ التَّمْلِيكِ، أَوْ الإِمْكَانِ. وَلاَ يَجُوزُ بِلَفْظِ الْهِبَةِ، وَبِلَفْظٍ غَيْرِهَا لِمَا ذَكَرْنَا، أَوْ بِلَفْظِ الأَعْجَمِيَّةِ يُعَبَّرُ بِهِ، عَنِ الأَلْفَاظِ الَّتِي ذَكَرْنَا لِمَنْ يَتَكَلَّمُ بِتِلْكَ اللُّغَةِ وَيُحْسِنُهَا. برهان ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ} . وَقَوْله تَعَالَى {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ} . وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} . وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ الْمَدَنِيُّ حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّ امْرَأَةً عَرَضَتْ نَفْسَهَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَالرَّجُلَ الَّذِي خَطَبَهَا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : "وَقَدْ أَنْكَحْنَاكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ" . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَكِلاَهُمَا، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلرَّجُلِ: "قَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ" . وَرُوِّينَا أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ فَقَالَ فِيهِ: "فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ" .
قال أبو محمد: فإن قيل: فَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلٍ فَقَالَ فِيهِ قَدْ أَنْكَحْتُكَهَا. وَرَوَاهُ: زَائِدَةُ، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ، كُلُّهُمْ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلٍ، فَقَالُوا فِيهِ فَقَدْ زَوَّجْتُكَهَا فَعَلِّمْهَا مِنْ الْقُرْآنِ وَهُوَ مَوْطِنٌ وَاحِدٌ، وَرَجُلٌ وَاحِدٌ، وَامْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ قَالَ: نَعَمْ، كُلُّ ذَلِكَ صَحِيحٌ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، هُوَ ابْنُ سُلَيْمَانَ الصَّفَّارُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى نَا ثُمَامَةُ بْنُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ

ولا يتم النكاح الا باشهاد عدلين فصاعدا
1828 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَتِمُّ النِّكَاحُ إِلاَّ بِإِشْهَادِ عَدْلَيْنِ فَصَاعِدًا، أَوْ بِإِعْلاَنٍ عَامٍّ، فَإِنْ اسْتَكْتَمَ الشَّاهِدَانِ لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ شَيْئًا.حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْعُذْرِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى قَالاَ: ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الرَّازِيّ الْمُطَّوِّعِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمُ النَّيْسَابُورِيُّ قَالَ: سَمِعْت أَبَا بَكْرِ بْنَ إِسْحَاقَ الإِمَامَ يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَبُو عَلِيٍّ الْحَافِظُ قَالَ الْحَاكِمُ: ثُمَّ سَأَلْت أَبَا عَلِيٍّ فَحَدَّثَنِي قَالَ: ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِسْحَاقَ الرَّقِّيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَجَّاجَ الرَّقِّيُّ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، وَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا الْمَهْرُ، وَإِنْ اشْتَجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لاَ وَلِيَّ لَهُ.
قال أبو محمد: لاَ يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ، غَيْرُ هَذَا السَّنَدِ يَعْنِي ذِكْرَ شَاهِدَيْ عَدْلٍ وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ لِصِحَّتِهِ.
فإن قيل: فَمِنْ أَيْنَ أَجَزْتُمْ النِّكَاحَ بِالإِعْلاَنِ الْفَاشِي، وَبِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ عُدُولٍ، وَبِشَهَادَةِ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ عُدُولٍ قلنا: أَمَّا الإِعْلاَنُ: فَلأََنَّ كُلَّ مَنْ صَدَقَ فِي خَبَرٍ فَهُوَ فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ عَدْلٌ صَادِقٌ بِلاَ شَكٍّ، فَإِذَا أُعْلِنَ النِّكَاحُ، فَالْمُعْلِنَانِ لَهُ بِهِ بِلاَ شَكٍّ صَادِقَانِ عَدْلاَنِ فِيهِ فَصَاعِدًا، وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَتَانِ فِيهِمَا شَاهِدَا عَدْلٍ بِلاَ شَكٍّ، لأََنَّ الرَّجُلَ وَالْمَرْأَةَ إذَا أُخْبِرَ عَنْهُمَا غَلَبَ التَّذْكِيرُ. وَأَمَّا الأَرْبَعُ النِّسْوَةِ فَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ بِنِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ [ بِإِسْنَادِهِ ] فِي "كِتَابِ الشَّهَادَاتِ". وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.وَقَالَ قَوْمٌ: إذَا اُسْتُكْتِمَ الشَّاهِدَانِ فَهُوَ

نِكَاحُ سِرٍّ، وَهُوَ بَاطِلٌ.
قال أبو محمد: وَهَذَا خَطَأٌ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ قَطُّ نَهْيٌ، عَنْ نِكَاحِ السِّرِّ إذَا شَهِدَ عَلَيْهِ عَدْلاَنِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ لَيْسَ سِرًّا مَا عَلِمَهُ خَمْسَةٌ: النَّاكِحُ، وَالْمُنْكِحُ، وَالْمُنْكَحَةُ، وَالشَّاهِدَانِ قَالَ الشَّاعِرُ:
أَلاَ كُلُّ سِرٍّ جَاوَزَ اثْنَيْنِ شَائِعٌ
وَقَالَ غَيْرُهُ:
السِّرُّ يَكْتُمُهُ الأَثْنَانِ بَيْنَهُمَا ... وَكُلُّ سِرٍّ عَدَا الاِثْنَيْنِ مُنْتَشِرُ
وَمَنْ أَبَاحَ النِّكَاحَ الَّذِي يُسْتَكْتَمُ فِيهِ الشَّاهِدَانِ: أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمْ.

والنكاح جائز بغير ذكر صداق
1829 - مَسْأَلَةٌ: وَالنِّكَاحُ جَائِزٌ بِغَيْرِ ذِكْرِ صَدَاقٍ، لَكِنْ بِأَنْ يَسْكُتَ جُمْلَةً فَإِنْ اشْتَرَطَ فِيهِ أَنْ لاَ صَدَاقَ عَلَيْهِ فَهُوَ نِكَاحٌ مَفْسُوخٌ أَبَدًا. برهان ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً} . فَصَحَّحَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ النِّكَاحَ الَّذِي لَمْ يُفْرَضْ فِيهِ لِلْمَرْأَةِ شَيْءٌ، إذْ صَحَّحَ فِيهِ الطَّلاَقَ، وَالطَّلاَقُ لاَ يَصِحُّ إِلاَّ بَعْدَ صِحَّةِ النِّكَاحِ. وَأَمَّا لَوْ اشْتَرَطَ فِيهِ أَنْ لاَ صَدَاقَ فَهُوَ مَفْسُوخٌ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ بَاطِلٌ وَهَذَا شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ بَاطِلٌ. بَلْ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إبْطَالُهُ، قَالَ تَعَالَى وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِذْ هُوَ بَاطِلٌ فَالنِّكَاحُ الْمَذْكُورُ لَمْ تَنْعَقِدْ صِحَّتُهُ إِلاَّ عَلَى تَصْحِيحِ مَا لاَ يَصِحُّ، فَهُوَ نِكَاحٌ لاَ صِحَّةَ لَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

فاذا طلبت المنكحة التي لم يقرض لها صداق قضي لها به
1830 - مَسْأَلَةٌ: فَإِذَا طَلَبَتْ الْمُنْكَحَةُ الَّتِي لَمْ يُفْرَضْ لَهَا صَدَاقٌ قُضِيَ لَهَا بِهِ، فَإِنْ تَرَاضَتْ هِيَ وَزَوْجُهَا بِشَيْءٍ يَجُوزُ تَمَلُّكُهُ، فَهُوَ صَدَاقٌ، لاَ صَدَاقَ لَهَا غَيْرُهُ، فَإِنْ اُخْتُلِفَ قُضِيَ لَهَا بِصَدَاقِ مِثْلِهَا أَحَبَّ هُوَ أَوْ هِيَ، أَوْ كَرِهَتْ هِيَ أَوْ هُوَ. برهان ذَلِكَ أَنَّهُ لاَ خِلاَفَ فِي صِحَّةِ مَا يَتَرَاضَيَانِ بِهِ مِمَّا يَجُوزُ تَمَلُّكُهُ، وَإِنَّمَا خَالَفَ قَوْمٌ فِي بَعْضِ الأَعْدَادِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَوْلُهُمْ سَاقِطٌ نُبَيِّنُهُ بَعْدُ، بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُوَّتِهِ. وَأَمَّا الْقَضَاءُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهَا بِمَهْرِ مِثْلِهَا، فَإِنَّهُ قَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهَا الصَّدَاقَ، وَلاَ بُدَّ مِنْ أَنْ يُقْضَى لَهَا بِهِ إذَا طَلَبَتْهُ. وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَلْزَمَ مَا طَلَبَتْهُ هِيَ، إذْ قَدْ تَطْلُبُ مِنْهُ مَا لَيْسَ فِي وُسْعِهِ. وَكَذَلِكَ لاَ يَجُوزُ أَنْ تُلْزَمَ هِيَ مَا أَعْطَاهَا، إذْ قَدْ يُعْطِيهَا فَلْسًا، وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِإِلْزَامِهَا ذَلِكَ، وَلاَ بِإِلْزَامِهِ مَا طَلَبَتْ، فَإِذْ قَدْ بَطَلَ هَذَانِ الْوَجْهَانِ فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ صَدَاقُ مِثْلِهَا، فَهُوَ الَّذِي يُقْضَى لَهَا بِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ولا يجوز للاب أن يزوج ابنته الصغيرة باقل من مهر مثلها
1831 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَجُوزُ لِلأَبِ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ الصَّغِيرَةَ بِأَقَلَّ مِنْ مَهْرِ مِثْلِهَا، وَلاَ يَلْزَمُهَا حُكْمُ أَبِيهَا فِي ذَلِكَ وَتَبْلُغُ إلَى مَهْرِ مِثْلِهَا، وَلاَ بُدَّ. برهان ذَلِكَ أَنَّهُ حَقٌّ لَهَا بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ:

ولا يحل للعبد لا للامة أن ينكحها الا باذن سيدها
1832 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ لِلْعَبْدِ، وَلاَ لِلأَمَةِ أَنْ يَنْكِحَا إِلاَّ بِإِذْنِ سَيِّدِهِمَا، فَأَيُّهُمَا نَكَحَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ عَالِمًا بِالنَّهْيِ الْوَارِدِ فِي ذَلِكَ فَعَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا، وَهُوَ زَانٍ، وَهِيَ زَانِيَةٌ، وَلاَ يُلْحَقُ الْوَلَدُ فِي ذَلِكَ. برهان ذَلِكَ: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، وَاللَّفْظُ لَهُ كِلاَهُمَا، عَنْ وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَيُّمَا عَبْدٍ تَزَوَّجَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلاَهُ فَهُوَ عَاهِرٌ" . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ قَالَ: سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ " قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَيُّمَا عَبْدٍ نَكَحَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَهُوَ عَاهِرٌ . وَاسْمُ " الْعَبْدِ " وَاقِعٌ عَلَى الْجِنْسِ، فَالذُّكُورُ وَالإِنَاثُ مِنْ الرَّقِيقِ دَاخِلُونَ تَحْتَ هَذَا الأَسْمِ. وَأَيْضًا: فَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ: "إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ" وَالأَمَةُ مَالٌ لِسَيِّدِهَا فَهِيَ حَرَامٌ عَلَيْهِ إِلاَّ بِإِنْكَاحِهَا إيَّاهُ بِنَصِّ كَلاَمِهِ عليه الصلاة والسلام وَهُوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ: رُوِّينَا، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: إذَا نَكَحَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ مَوَالِيهِ فَنِكَاحُهُ حَرَامٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَرَى إنْكَاحَ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ زِنًى، وَيَرَى عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَعَلَى الَّتِي نَكَحَ إذَا أَصَابَهَا إذَا عَلِمَتْ أَنَّهُ عَبْدٌ، وَيُعَاقَبُ الَّذِينَ أَنْكَحُوهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَخَذَ عَبْدًا لَهُ نَكَحَ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَأَبْطَلَ صَدَاقَهُ، وَضَرَبَهُ حَدًّا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ جُلِدَ الْحَدَّ، وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَرُدَّ الْمَهْرُ إلَى مَوْلاَهُ وَعُزِّرَ الشُّهُودُ الَّذِينَ زَوَّجُوهُ وَهَذَا مُسْنَدٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ نَا مُغِيرَةُ، وَعُبَيْدَةُ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، قَالَ الْمُغِيرَةُ فِي رِوَايَتِهِ عَنْهُ: إذَا فَرَّقَ الْمَوْلَى بَيْنَهُمَا

فَمَا وَجَدَ عِنْدَهَا مِنْ عَيْنِ مَالِ غُلاَمِهِ فَهُوَ لَهُ، وَمَا اسْتَهْلَكَهُ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهَا، وَقَالَ عُبَيْدَةُ فِي رِوَايَتِهِ عَنْهُ، وَمَا اسْتَهْلَكَتْ فَهُوَ دَيْنٌ عَلَيْهَا، قَالَ هُشَيْمٌ: وَهُوَ الْقَوْلُ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ أَنَّهُمَا قَالاَ فِي الْعَبْدِ يَتَزَوَّجُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَيُنْتَزَعُ الصَّدَاقُ مِنْهَا، وَمَا اسْتَهْلَكَتْهُ كَانَ دَيْنًا عَلَيْهَا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ فِي الَّتِي يَتَزَوَّجُهَا الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ قَالَ: يُؤْخَذُ مِنْهَا مَا لَمْ تَسْتَهْلِكْهُ وَمَا اسْتَهْلَكَتْ فَلاَ شَيْءَ. وَمِمَّنْ قَالَ: لاَ يَجُوزُ، وَلاَ إجَازَةَ فِيهِ لِلسَّيِّدِ لَوْ أَجَازَهُ الأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ. وقال أبو حنيفة، وَمَالِكٌ: إنَّ نِكَاحَ الْعَبْدِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ لَيْسَ زِنًى، بَلْ إنْ أَجَازَهُ السَّيِّدُ جَازَ بِغَيْرِ تَجْدِيدِ عَقْدٍ. وَمَوَّهُوا فِي ذَلِكَ بِأَنْ قَالُوا: إنَّ الْخَبَرَ الَّذِي احْتَجَجْتُمْ بِهِ أَنَّهُ عَاهِرٌ لَيْسَ فِيهِ: إذَا وَطِئَهَا، وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: إذَا لَمْ يَطَأْهَا فَلَيْسَ عَاهِرًا قلنا: قَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَذَا الْخَبَرُ بِلَفْظِ "إذَا نَكَحَ " كَمَا أَوْرَدْنَاهُ آنِفًا وَنَكَحَ فِي اللُّغَةِ الَّتِي خَاطَبَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهَا وَخَاطَبَنَا بِهَا عليه الصلاة والسلام " يَقَعُ عَلَى الْعَقْدِ وَيَقَعُ عَلَى الْوَطْءِ " فَلاَ يَجُوزُ تَخْصِيصُ أَحَدِ الْمَعْنَيَيْنِ دُونَ الآخَرِ فَصَحَّ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام إنَّمَا جَعَلَهُ زَانِيًا إذَا تَزَوَّجَ وَنَكَحَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ جَعَلُوا تَفْرِيقَ السَّيِّدِ إنْ فَرَّقَ طَلاَقًا، وَهَذَا خَطَأٌ فَاحِشٌ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ لاَ يَخْلُو عَقْدُ الْعَبْدِ عَلَى نَفْسِهِ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ ضَرُورَةً مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ لاَ ثَالِثَ لَهُمَا إمَّا أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا، وَأَمَّا أَنْ يَكُونَ بَاطِلاً. فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا فَلاَ خِيَارَ لِلسَّيِّدِ فِي إبْطَالِ عَقْدٍ صَحِيحٍ. وَإِنْ كَانَ بَاطِلاً فَلاَ يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ تَصْحِيحُ الْبَاطِلِ. وَمَا عَدَا هَذَا فَتَخْلِيطٌ، إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ نَصٌّ فَيُوقَفَ عِنْدَهُ. وَيَكْفِي مِنْ هَذَا أَنَّهُ قَوْلٌ لَمْ يُوجِبْ صِحَّتَهُ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ، وَلاَ قِيَاسٌ، وَلاَ رَأْيٌ لَهُ وَجْهٌ يُعْقَلُ، وَلاَ تَصِحُّ فِي هَذَا رِوَايَةٌ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ غَيْرُ الَّتِي رُوِّينَا، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَجَاءَتْ رِوَايَةٌ لاَ تَصِحُّ، عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ قَدْ خَالَفُوهَا أَيْضًا وَتَعَلَّقُوا بِرِوَايَةٍ وَاهِيَةٍ نُنَبِّهُ عَلَيْهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِئَلَّا يُمَوِّهُ بِهَا مُمَوِّهٌ، وَهِيَ: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنِ الْعُمَرِيِّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: إذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ فَالطَّلاَقُ بِيَدِ السَّيِّدِ، وَإِذَا نَكَحَ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فَالطَّلاَقُ بِيَدِ الْعَبْدِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالْحَجَّاجُ، هُوَ ابْنُ أَرْطَاةَ وَالْمُغِيرَةُ، هُوَ ابْنُ مِقْسَمٍ وَيُونُسُ، هُوَ ابْنُ عُبَيْدٍ وَالْحُصَيْنُ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالْحَجَّاجُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَقَالَ الْحَجَّاجُ أَيْضًا: عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، عَنْ شُرَيْحٍ، وَقَالَ الْمُغِيرَةُ: عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَقَالَ يُونُسُ: عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَقَالَ الْحُصَيْنُ، وَإِسْمَاعِيلُ: عَنِ الشَّعْبِيِّ، ثُمَّ اتَّفَقَ ابْنُ عُمَرَ، وَشُرَيْحٌ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَالْحَسَنُ، وَالشَّعْبِيُّ، قَالُوا كُلُّهُمْ: إذَا

تَزَوَّجَ بِأَمْرِ مَوْلاَهُ فَالطَّلاَقُ بِيَدِهِ، وَإِذَا تَزَوَّجَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَالأَمْرُ إلَى السَّيِّدِ إنْ شَاءَ جَمَعَ وَإِنْ شَاءَ فَرَّقَ.
قال أبو محمد: الْعُمَرِيُّ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ حَفْصٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَابْنُ أَبِي لَيْلَى سَيِّئُ الْحِفْظِ ضَعِيفٌ وَالْحَجَّاجُ هَالِكٌ. وَمِنْ السُّقُوطِ وَالْبَاطِلِ أَنْ تُعَارَضَ بِرِوَايَةِ هَؤُلاَءِ، عَنْ نَافِعٍ رِوَايَةُ مِثْلِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَمُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، وَيُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ نَافِعٍ. وَالرِّوَايَةُ، عَنْ شُرَيْحٍ سَاقِطَةٌ، لأََنَّهَا، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ. وَأَمَّا إبْرَاهِيمُ، وَالشَّعْبِيُّ، فَالرِّوَايَةُ عَنْهُمَا صَحِيحَةٌ، إِلاَّ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَمَالِكًا خَالَفَاهُمَا فِي قَوْلِهِمَا فِي الْمَهْرِ، فَمَا نَعْلَمُهُمْ تَعَلَّقُوا إِلاَّ بِالْحَسَنِ وَحْدَهُ.

ولا تكون المرأة وليا في النكاح
1833 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ تَكُونُ الْمَرْأَةُ وَلِيًّا فِي النِّكَاحِ، فَإِنْ أَرَادَتْ إنْكَاحَ أَمَتِهَا أَوْ عَبْدِهَا أَمَرَتْ أَقْرَبَ الرِّجَالِ إلَيْهَا مِنْ عَصَبَتِهَا أَنْ يَأْذَنَ لَهَا فِي النِّكَاحِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا عَاصِبٌ فَالسُّلْطَانُ يَأْذَنُ لَهَا فِي النِّكَاحِ. برهان ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُم} ْ. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ الْمَأْمُورِينَ بِإِنْكَاحِ الْعَبِيدِ وَالإِمَاءِ هُمْ الْمَأْمُورُونَ بِإِنْكَاحِ الأَيَامَى، لأََنَّ الْخِطَابَ وَاحِدٌ، وَنَصَّ الآيَةِ يُوجِبُ أَنَّ الْمَأْمُورِينَ بِذَلِكَ الرِّجَالُ فِي إنْكَاحِ الأَيَامَى وَالْعَبِيدِ وَالإِمَاءِ. فَصَحَّ بِهَذَا أَنَّ الْمَرْأَةَ لاَ تَكُونُ وَلِيًّا فِي إنْكَاحِ أَحَدٍ أَصْلاً، لَكِنْ لاَ بُدَّ مِنْ إذْنِهَا فِي ذَلِكَ وَإِلَّا فَلاَ يَجُوزُ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ.

ولا يحل للسيد اجبار أمته أو عبده على النكاح
1834 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ لِلسَّيِّدِ إجْبَارُ أَمَتِهِ أَوْ عَبْدِهِ عَلَى النِّكَاحِ، لاَ مِنْ أَجْنَبِيٍّ، وَلاَ مِنْ أَجْنَبِيَّةٍ، وَلاَ أَحَدِهِمَا مِنْ الآخَرِ فَإِنْ فَعَلَ فَلَيْسَ نِكَاحًا. برهان ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا} . وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ لاَ تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ، وَلاَ تُنْكَحُ الثَّيِّبُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وقال أبو حنيفة فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: لاَ يُزَوِّجْ السَّيِّدُ عَبْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ، وَلَهُ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَتَهُ بِغَيْرِ إذْنِهَا وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ. وَرُوِيَ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ يُزَوِّجُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِهَا. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: لَهُ أَنْ يُزَوِّجَ أَمَتَهُ مِنْ عَبْدِهِ وَإِنْ كَرِهَا جَمِيعًا وَرُوِيَ هَذَا أَيْضًا، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. وقال مالك: يُكْرِهُ الرَّجُلُ أَمَتَهُ وَعَبْدَهُ عَلَى النِّكَاحِ، وَلاَ يُنْكِحْ أَمَتَهُ إِلاَّ بِمَهْرٍ يَدْفَعُهُ إلَيْهَا فَيَسْتَحِلُّ بِهِ فَرْجَهَا، وَلاَ يُزَوِّجْ أَمَتَهُ الْفَارِهَةَ مِنْ عَبْدِهِ الأَسْوَدِ لاَ مَنْظَرَ لَهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى وَجْهِ النَّظَرِ وَالصَّلاَحِ يُرِيدُ بِهِ عِفَّةَ الْغُلاَمِ،

وكل ثيب فاذنها في نكاحها لا يكون الا بكلامها بما يعرف
1835 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ ثَيِّبٍ فَإِذْنُهَا فِي نِكَاحِهَا لاَ يَكُونُ إِلاَّ بِكَلاَمِهَا بِمَا يُعْرَفُ بِهِ رِضَاهَا، وَكُلُّ بِكْرٍ فَلاَ يَكُونُ إذْنُهَا فِي نِكَاحِهَا إِلاَّ بِسُكُوتِهَا، فَإِنْ سَكَتَتْ فَقَدْ أَذِنَتْ وَلَزِمَهَا النِّكَاحُ، فَإِنْ تَكَلَّمَتْ بِالرِّضَا أَوْ بِالْمَنْعِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَلاَ يَنْعَقِدُ بِهَذَا نِكَاحٌ عَلَيْهَا. برهان ذَلِكَ: مَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْبِكْرِ إذْنُهَا صُمَاتُهَا، وَمَا رُوِّينَاهُ، عَنْ مُسْلِمٍ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ الْقَوَارِيرِيُّ نَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ نَا أَبُو سَلَمَةَ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ تُنْكَحُ الأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ، وَلاَ تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ إذْنُهَا قَالَ: أَنْ تَسْكُتَ" .
قال أبو محمد: فَذَهَبَ قَوْمٌ مِنْ الْخَوَالِفِ إلَى أَنَّ الْبِكْرَ إنْ تَكَلَّمَتْ بِالرِّضَا فَإِنَّ النِّكَاحَ يَصِحُّ بِذَلِكَ خِلاَفًا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم،، فَسُبْحَانَ الَّذِي أَوْهَمَهُمْ أَنَّهُمْ أَصَحُّ أَذْهَانًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَوْقَعَ فِي نُفُوسِهِمْ أَنَّهُمْ وَقَفُوا عَلَى فَهْمٍ وَبَيَانٍ غَابَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَعُوذُ بِاَللَّهِ، عَنْ مِثْلِ هَذَا. فأما رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ أَبْطَلَ النِّكَاحَ كَمَا تَسْمَعُونَ، عَنِ الْبِكْرِ مَا لَمْ تُسْتَأْذَنْ فَتَسْكُتَ، وَأَجَازَهُ إذَا اُسْتُأْذِنَتْ فَسَكَتَتْ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: "لاَ تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا". وَأَمَّا الصَّحَابَةُ فَإِنَّهُمْ كَمَا أَوْرَدْنَا فِي الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ آنِفًا لَمْ يَعْرِفُوا مَا إذْنُ الْبِكْرِ حَتَّى سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْهُ، وَإِلَّا فَكَانَ سُؤَالُهُمْ عِنْدَ هَؤُلاَءِ فُضُولاً، وَحَاشَ لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ، فَتَنَبَّهَ هَؤُلاَءِ لِمَا لَمْ يَتَنَبَّهْ لَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلاَ نَبَّهَ عَنْهُ عليه السلام، وَهَذَا كَمَا تَرَوْنَ. وَمَا عَلِمْنَا أَحَدًا مِنْ السَّلَفِ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّ كَلاَمَ الْبِكْرِ يَكُونُ رِضًا، وَقَدْ رُوِّينَا، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَلِيٍّ، وَغَيْرِهِمَا: أَنَّ إذْنَهَا هُوَ السُّكُوتُ. وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا قَوْلُ مَالِكٍ: إنَّ الْعَانِسَ الْبِكْرَ لاَ يَكُونُ إذْنُهَا إِلاَّ بِالْكَلاَمِ وَهَذَا مَعَ مُخَالَفَتِهِ لِنَصِّ كَلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ لأََنَّهُ أَوْجَبَ فَرْضًا عَلَى الْعَانِسِ مَا أَسْقَطَهُ، عَنْ غَيْرِهَا فَلَوَدِدْنَا أَنْ يُعَرِّفُونَا الْحَدَّ الَّذِي إذَا بَلَغَتْهُ الْمَرْأَةُ انْتَقَلَ فَرْضُهَا إلَى مَا ذُكِرَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

والصداق والنفقة والكسوة مقضي بها للمرأة على زوجها
1836- مَسْأَلَةٌ: وَالصَّدَاقُ، وَالنَّفَقَةُ، وَالْكِسْوَةُ مَقْضِيٌّ بِهَا لِلْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا الْمَمْلُوكِ كَمَا يُقْضَى بِهَا عَلَى الْحُرِّ، وَلاَ فَرْقَ سَوَاءٌ كَانَتْ حُرَّةً أَوْ أَمَةً وَالصَّدَاقُ لِلأَمَةِ إِلاَّ أَنَّ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَنْتَزِعَهُ كَسَائِرِ مَالِهَا. برهان ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} . وَقَوْله تَعَالَى فِي الأَيَامَى: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} . فَخَاطَبَ تَعَالَى الأَزْوَاجَ عُمُومًا، لَمْ يَخُصَّ حُرًّا مِنْ عَبْدٍ، وَأَوْجَبَ بِنَصِّ كَلاَمِهِ الَّذِي لاَ يُعَارِضُهُ إِلاَّ مَخْذُولٌ إيتَاءَ الصَّدَاقِ لِلأَمَةِ لاَ لِغَيْرِهَا. وَكَذَلِكَ أَوْجَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ النَّفَقَةَ، وَالْكِسْوَةَ، وَالإِسْكَانَ عَلَى الأَزْوَاجِ لِلزَّوْجَاتِ، فَإِنْ عَجَزَ الْعَبْدُ أَوْ الْحُرُّ، عَنِ الصَّدَاقِ أَوْ بَعْضِهِ، وَعَنِ النَّفَقَةِ، وَالْكِسْوَةِ أَوْ بَعْضِهَا، فَالصَّدَاقُ دَيْنٌ عَلَيْهِ فِي ذِمَّتِهِ، وَالنَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ سَاقِطَةٌ عَنْهُ، وَيُؤْخَذُ كُلٌّ مِنْ خَرَاجِ الْعَبْدِ وَمِنْ سَائِرِ كَسْبِهِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: يَبْدَأُ الْعَبْدُ بِنَفَقَتِهِ عَلَى أَهْلِهِ قَبْلَ الَّذِي عَلَيْهِ لِمَوَالِيهِ يَعْنِي نَفَقَةَ امْرَأَتِهِ. وقال أبو حنيفة، وَأَصْحَابُهُ: إذَا تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِإِذْنِ مَوْلاَهُ فَالْمَهْرُ عَلَيْهِ فَإِنْ دَخَلَ بِهَا وَجَبَ بَيْعُهُ فِي الصَّدَاقِ وَفِي النَّفَقَةِ، فَإِنْ فَدَاهُ السَّيِّدُ فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ أَسْلَمَهُ لِلْمَرْأَةِ وَجَبَتْ رَقَبَتُهُ لِلْمَرْأَةِ مِلْكًا وَانْفَسَخَ النِّكَاحُ. قَالُوا: فَلَوْ أَنْكَحَ عَبْدَهُ أَمَتَهُ فَلاَ يَحْتَاجُ فِي ذَلِكَ إلَى صَدَاقٍ أَصْلاً لاَ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَلاَ بَعْدَهُ. وقال مالك: الْمَهْرُ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ وَيُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ إنْ وُهِبَ لَهُ، وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْ خَرَاجِهِ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ مَالٌ وُهِبَ لَهُ، فَهُوَ دَيْنٌ فِي ذِمَّتِهِ إذَا أُعْتِقَ. وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: الْمَهْرُ فِي ذِمَّةِ الزَّوْجِ إذَا أُعْتِقَ. وَقَالَ اللَّيْثُ: السَّيِّدُ ضَامِنٌ لِنَفَقَةِ الْمَرْأَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ مَالٌ، فَإِنْ كَانَ لِلْعَبْدِ فَضْلُ مَالٍ أُخِذَتْ نَفَقَةُ امْرَأَتِهِ مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَضْلُ مَالٍ، عَنْ خَرَاجِهِ فُرِّقَ بَيْنَهُمَا. وقال الشافعي: الصَّدَاقُ فِي ذِمَّةِ الْعَبْدِ وَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ مَأْذُونًا لَهُ فِي التِّجَارَةِ.
قال أبو محمد رضي الله عنه: تَخْصِيصُ الشَّافِعِيِّ الْمَأْذُونَ لَهُ فِي التِّجَارَةِ لاَ وَجْهَ لَهُ، وَقَدْ يَكْسِبُ الْمَالَ مِنْ غَيْرِ التِّجَارَةِ، لَكِنْ بِعَمَلٍ أَوْ مِنْ صَنِيعَةٍ. وَأَمَّا قَوْلُ اللَّيْثِ: إنْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَبْدِ، عَنْ خَرَاجِهِ فَضْلٌ فُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ فَخَطَأٌ، لأََنَّهُ لاَ يَخْفَى مِنْ الْعَبِيدِ مَنْ لَهُ فَضْلٌ، عَنْ خَرَاجِهِ مِمَّنْ لاَ فَضْلَ لَهُ عَنْهُ، لأََنَّهُ إذَا جَعَلَ الْخَرَاجَ لِلسَّيِّدِ لاَ يُخْرِجُ مِنْهُ نَفَقَةَ الزَّوْجَةِ فَقَدْ صَارَ النِّكَاحُ لَغْوًا إذَا تَيَقَّنَ أَنَّ الْفَسْخَ يَتْلُوهُ. وَأَمَّا تَخْصِيصُ مَالِكٍ أَنْ تُؤْخَذَ النَّفَقَةُ وَالصَّدَاقُ مِنْ غَيْرِ خَرَاجِهِ، فَقَوْلٌ بِلاَ برهان، لأََنَّ الْخَرَاجَ كَسَائِرِ كَسْبِ الْعَبْدِ لاَ يَكُونُ

ِللسَّيِّدِ فِيهِ حَقٌّ أَصْلاً، إِلاَّ حَتَّى يَصِحَّ مِلْكُ الْعَبْدِ لَهُ بِإِجَازَتِهِ أَوْ بِبَيْعِهِ فِيهِ، فَإِذَا صَحَّ مِلْكُ الْعَبْدِ لَهُ كَانَ لِلسَّيِّدِ حِينَئِذٍ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ، وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّ السَّيِّدَ لَمْ يَمْلِكْ قَطُّ مِنْ خَرَاجِ الْعَبْدِ فَلْسًا قَبْلَ أَنْ يَجِبَ لِلْعَبْدِ بِعِلْمِهِ أَوْ بِبَيْعِهِ فِيهِ، فَإِذَا صَارَ لِلْعَبْدِ فَلَيْسَ السَّيِّدُ أَوْلَى بِهِ مِنْ سَائِرِ مَنْ لَهُ عِنْدَ الْعَبْدِ حَقٌّ، كَالزَّوْجَةِ وَالْغُرَمَاءِ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَفِي غَايَةِ الْفَسَادِ، لأََنَّهُ أَجَازَ نِكَاحًا بِلاَ صَدَاقٍ وَهَذَا خِلاَفُ الْقُرْآنِ كَمَا أَوْرَدْنَا ثُمَّ جَعَلَ نِكَاحَهُ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بِرِضَا سَيِّدِهِ وَوَطْأَهُ لأَمْرَأَتِهِ الَّتِي أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى وَطْأَهُ لَهَا وَيَأْجُرُهُ عَلَيْهِ جِنَايَةً وَدَيْنًا يُبَاعُ فِيهِ أَوْ تُسَلَّمُ رَقَبَتُهُ، وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّ رَقَبَةَ الْعَبْدِ مِلْكٌ لِلسَّيِّدِ، فَبِأَيِّ شَيْءٍ أَبَاحَ لَهَا مَالَ السَّيِّدِ الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا وَهَذَا كَلاَمٌ يُغْنِي سَمَاعُهُ، عَنْ تَكَلُّفِ الرَّدِّ عَلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ قَوْلٌ لاَ يُعْلَمُ أَحَدٌ قَالَهُ قَبْلَهُمْ. وَقَدْ ذَكَرَ بَعْضَهُمْ فِي ذَلِكَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لاَ بَأْسَ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ أَمَتَهُ عَبْدَهُ بِغَيْرِ مَهْرٍ.
قال أبو محمد: وَهَذَا تَمْوِيهٌ مِنْ الَّذِي أَوْرَدَ هَذَا الْخَبَرَ، لأََنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ إنَّمَا عَنَى بِغَيْرِ ذِكْرِ مَهْرٍ، وَهَذَا جَائِزٌ لِكُلِّ أَحَدٍ حَتَّى إذَا طَلَبَتْهُ أَوْ طَلَبَهُ وَرَثَتُهَا قُضِيَ لَهَا أَوْ لَهُمْ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ.

ولا يكون الكافر وليا للمسلمة ولا المسلم وليا للكافرة
1837 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَكُونُ الْكَافِرُ وَلِيًّا لِلْمُسْلِمَةِ، وَلاَ الْمُسْلِمُ وَلِيًّا لِلْكَافِرَةِ، الأَبُ وَغَيْرُهُ سَوَاءٌ، وَالْكَافِرُ وَلِيٌّ لِلْكَافِرَةِ الَّتِي هِيَ وَلِيَّتُهُ يُنْكِحُهَا مِنْ الْمُسْلِمِ وَالْكَافِرِ. برهان ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} . وَهُوَ قَوْلُ مَنْ حَفِظْنَا قَوْلَهُ، إِلاَّ ابْنَ وَهْبٍ صَاحِبَ مَالِكٍ قَالَ: إنَّ الْمُسْلِمَ يَكُونُ وَلِيًّا لأَبْنَتِهِ الْكَافِرَةِ فِي إنْكَاحِهَا مِنْ الْمُسْلِمِ أَوْ مِنْ الْكَافِرِ وَهَذَا خَطَأٌ لِمَا ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وجائز لولى المرأة أن ينكحها من نفسه
1838 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ لِوَلِيِّ الْمَرْأَةِ أَنْ يُنْكِحَهَا مِنْ نَفْسِهِ إذَا رَضِيَتْ بِهِ زَوْجًا وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَقْرَبَ إلَيْهَا مِنْهُ، وَإِلَّا فَلاَ، وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ إلَى أَنْ لاَ يُنْكِحَهَا هُوَ مِنْ نَفْسِهِ. وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ النِّكَاحَ يَحْتَاجُ إلَى نَاكِحٍ وَمُنْكِحٍ، فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ النَّاكِحُ هُوَ الْمُنْكِحُ. وَقَالَ أَصْحَابُ الْقِيَاسِ مِنْهُمْ: كَمَا لاَ يَبِيعُ مِنْ نَفْسِهِ كَذَلِكَ لاَ يُنْكِحُ مِنْ نَفْسِهِ. قَالَ عَلِيٌّ: وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَالِمٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ خَطَبَ بِنْتَ عَمِّهِ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ فَأَرْسَلَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عَقِيلٍ فَقَالَ: زَوِّجْنِيهَا فَقَالَ: مَا كُنْت لأََفْعَلَ، أَنْتَ أَمِيرُ الْبَلَدِ، وَابْنُ عَمِّهَا فَأَرْسَلَ الْمُغِيرَةُ إلَى عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ فَزَوَّجَهَا مِنْهُ.

ولا يحل للزانية أن تنكح أحدا لا زانيا ولا عفيفا حتى تتوب
1839- مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ لِلزَّانِيَةِ أَنْ تَنْكِحَ أَحَدًا، لاَ زَانِيًا، وَلاَ عَفِيفًا حَتَّى تَتُوبَ، فَإِذَا تَابَتْ حَلَّ لَهَا الزَّوَاجُ مِنْ عَفِيفٍ حِينَئِذٍ. وَلاَ يَحِلُّ لِلزَّانِي الْمُسْلِمِ أَنْ يَتَزَوَّجَ مُسْلِمَةً لاَ زَانِيَةً، وَلاَ عَفِيفَةً حَتَّى يَتُوبَ، فَإِذَا تَابَ حَلَّ لَهُ نِكَاحُ الْعَفِيفَةِ الْمُسْلِمَةِ حِينَئِذٍ. وَلِلزَّانِي الْمُسْلِمِ أَنْ يَنْكِحَ كِتَابِيَّةً عَفِيفَةً وَإِنْ لَمْ يَتُبْ، فَإِنْ وَقَعَ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا فَهُوَ مَفْسُوخٌ أَبَدًا، فَإِنْ نَكَحَ

عَفِيفٌ عَفِيفَةً ثُمَّ زَنَى أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا لَمْ يُفْسَخْ النِّكَاحُ بِذَلِكَ. وَقَدْ قَالَ بِهَذَا طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا وَكِيعٌ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَرْوَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الصُّدَائِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: أَنَّ رَجُلاً أَتَى إلَيْهِ فَقَالَ: إنَّ لِي ابْنَةَ عَمٍّ أَهْوَاهَا، وَقَدْ كُنْت نِلْت مِنْهَا فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: إنْ كَانَ شَيْئًا بَاطِنًا يَعْنِي الْجِمَاعَ فَلاَ، وَإِنْ كَانَ شَيْئًا ظَاهِرًا يَعْنِي الْقُبْلَةَ فَلاَ بَأْسَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ الأَوْدِيُّ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنِ ابْنِ سَابِطٍ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أُتِيَ بِمَحْدُودٍ تَزَوَّجَ غَيْرَ مَحْدُودَةٍ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ، كِلاَهُمَا، عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي الَّذِي يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ بَعْدَ أَنْ زَنَى بِهَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: لاَ يَزَالاَنِ زَانِيَيْنِ. وبه إلى عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَعَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، ثُمَّ اتَّفَقَ سُفْيَانُ، وَمَعْمَرٌ، قَالاَ جَمِيعًا: ، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ أَبَانَ أَنَّهُ سَأَلَ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ الرَّجُلِ يَزْنِي بِالْمَرْأَةِ ثُمَّ يَنْكِحُهَا فَقَالَ سَالِمٌ: سُئِلَ، عَنْ ذَلِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَقَالَ: {وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ} ، عَنْ عِبَادِهِ الآيَةَ.
قال أبو محمد: الْقَوْلاَنِ مِنْهُ مُتَّفِقَانِ، لأََنَّهُ إنَّمَا أَبَاحَ نِكَاحَهَا بَعْدَ التَّوْبَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها: لاَ يَزَالاَنِ زَانِيَيْنِ مَا اصْطَحَبَا يَعْنِي: الرَّجُلَ يَتَزَوَّجُ امْرَأَةً زَنَى بِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ أَبِي الْجَهْمِ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ فِي الرَّجُلِ يَفْجُرُ بِالْمَرْأَةِ ثُمَّ يُرِيدُ نِكَاحَهَا قَالَ: لاَ يَزَالاَنِ زَانِيَيْنِ أَبَدًا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: إذَا تَابَا وَأَصْلَحَا فَلاَ بَأْسَ يَعْنِي الرَّجُلَ يَزْنِي بِالْمَرْأَةِ ثُمَّ يُرِيدُ نِكَاحَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ السَّائِبِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سُئِلَ، عَنْ رَجُلٍ فَجَرَ بِامْرَأَةٍ أَيَتَزَوَّجُهَا قَالَ: إنْ تَابَا وَأَصْلَحَا. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالاَ جَمِيعًا: ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ حَبِيبٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لاَ يَنْكِحُ الْمَجْلُودُ إِلاَّ مَجْلُودَةً. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ نَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو هِلاَلٍ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَقَدْ هَمَمْت أَنْ لاَ أَدَعَ أَحَدًا أَصَابَ فَاحِشَةً فِي الإِسْلاَمِ يَتَزَوَّجُ مُحْصَنَةً، فَقَالَ لَهُ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ: الشِّرْكُ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، فَقَدْ يُقْبَلُ مِنْهُ إذَا تَابَ.

وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ نَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ: قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي يَزِيدَ: سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: {الزَّانِي لاَ يَنْكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً} قَالَ: هُوَ حُكْمٌ بَيْنَهُمَا. وَصَحَّ مِثْلُ هَذَا، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَصِلَةَ بْنِ أَشْيَمَ وَعَطَاءٍ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَمَكْحُولٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَابْنِ قُسَيْطٍ، وَقَتَادَةَ، وَغَيْرِهِمْ وَقَدْ جَاءَ إبَاحَةُ نِكَاحِهِمَا، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ.
قال أبو محمد: وَالْحُجَّةُ لِقَوْلِنَا هُوَ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {الزَّانِي لاَ يَنْكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنْكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} . فَقَالَ قَوْمٌ: رُوِيَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّهُ قَالَ: يَزْعُمُونَ أَنَّهَا نُسِخَتْ بِالآيَةِ الَّتِي بَعْدَهَا وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ.
قال أبو محمد: وَهَذِهِ دَعْوَى بِلاَ برهان، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي قُرْآنٍ، أَوْ سُنَّةٍ: هَذَا مَنْسُوخٌ إِلاَّ بِيَقِينٍ يَقْطَعُ بِهِ، لاَ بِظَنٍّ لاَ يَصِحُّ وَإِنَّمَا الْفَرْضُ اسْتِعْمَالُ النُّصُوصِ كُلِّهَا. فَمَعْنَى قوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} . وَقَوْله تَعَالَى {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ مَثْنَى} إِلاَّ مَا حُرِّمَ عَلَيْكُمْ مِنْ الأَقَارِبِ وَغَيْرِهِنَّ، هَذَا مَا لاَ شَكَّ فِيهِ، وَنِكَاحُ الزَّانِيَةِ وَنِكَاحُ الزَّانِي لِمُؤْمِنَةٍ مِمَّا حُرِّمَ عَلَيْنَا، فَهُوَ مُسْتَثْنًى مِنْ ذَلِكَ الْعُمُومِ بِلاَ شَكٍّ كَاسْتِثْنَاءِ سَائِرِ مَا حُرِّمَ عَلَيْنَا مِنْ النِّسَاءِ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى يَنْكِحُ هَهُنَا: يَطَأُ، لَيْسَ مَعْنَاهُ: يَتَزَوَّجُ.
قال أبو محمد وَهَذِهِ دَعْوَى أُخْرَى بِلاَ برهان، وَتَخْصِيصٌ لِلآيَةِ بِالظَّنِّ الْكَاذِبِ، وَلَوْ كَانَ مَا قَالُوهُ لَحُرِّمَ عَلَى الزَّوْجِ وَطْءُ زَوْجَتِهِ إذَا زَنَتْ وَهَذَا لاَ يَقُولُونَهُ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا حُرِّمَ وَطْؤُهَا بِالزِّنَا فَقَطْ قلنا: وَهَذِهِ زِيَادَةٌ فِي التَّخْصِيصِ بِلاَ برهان، وَدَعْوَى كَاذِبَةٌ بِيَقِينٍ، إذْ لاَ دَلِيلَ عَلَيْهَا، وَهَذَا لاَ يَحِلُّ فِي دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَعَ أَنَّهُ تَفْسِيرٌ كَاذِبٌ بِيَقِينِ، لأََنَّنَا قَدْ نَجِدُ الزَّانِيَ يَسْتَكْرِهُ الْعَفِيفَةَ الْمُسْلِمَةَ فَيَكُونُ زَانِيًا بِغَيْرِ زَانِيَةٍ وَحَاشَ لِلَّهِ مِنْ أَنْ نَقُولَ مَا يَدْفَعُهُ الْعِيَانُ. وَإِنَّمَا الرِّوَايَةُ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ رضي الله عنهما بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ، فَكَمَا حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَسْعُودٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دُحَيْمٍ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، هُوَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: بَيْنَمَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فِي الْمَسْجِدِ إذْ جَاءَ رَجُلٌ فَلاَثَ عَلَيْهِ لَوْثًا مِنْ كَلاَمٍ وَهُوَ دَهِشٌ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَرَ: قُمْ فَانْظُرْ فِي شَأْنِهِ، فَإِنَّ لَهُ شَأْنًا. فَقَامَ إلَيْهِ عُمَرُ، فَقَالَ لَهُ: إنَّ ضَيْفًا ضَافَنِي فَزَنَى بِابْنَتِهِ فَضَرَبَ عُمَرُ فِي صَدْرَهُ، وَقَالَ لَهُ: قَبَّحَك اللَّهُ، أَلاَ سَتَرْت عَلَى ابْنَتِك، فَأَمَرَ بِهِمَا أَبُو بَكْرٍ فَضُرِبَا الْحَدَّ، ثُمَّ زَوَّجَ أَحَدَهُمَا الآخَرَ، ثُمَّ أَمَرَ بِهِمَا أَنْ يُغَرَّبَا حَوْلاً.

قال أبو محمد: هَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لأََنَّ الأَظْهَرَ أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ تَوْبَتِهِمَا وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ، لأََنَّ فِيهِ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ غَرَّبَهُمَا حَوْلاً، وَالْحَنَفِيُّونَ لاَ يَرَوْنَ تَغْرِيبًا فِي الزِّنَا جُمْلَةً. وَالْمَالِكِيُّونَ لاَ يَرَوْنَ تَغْرِيبَ الْمَرْأَةِ فِي الزِّنَا. فَهَذَا فِعْلُ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، بِخِلاَفِهِمْ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ نَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا حَبِيبٌ هُوَ الْمُعَلِّمُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ إلَى عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، فَقَالَ لَهُ: أَلاَ تَعْجَبُ مِنْ الْحَسَنِ يَزْعُمُ أَنَّ الْمَجْلُودَ الزَّانِيَ لاَ يَنْكِحُ إِلاَّ مِثْلَهُ، يَتَأَوَّلُ بِذَلِكَ هَذِهِ الآيَةَ الزَّانِي لاَ يَنْكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ: وَمَا تَعْجَبُ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لاَ يَنْكِحُ الزَّانِي الْمَجْلُودُ إِلاَّ مِثْلَهُ . وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو يُنَادِي بِهِ نِدَاءً: ، حَدَّثَنَا حُمَامٌ، حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ، حَدَّثَنَا بَكْرٌ، هُوَ ابْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ، هُوَ ابْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ قَالَ: سَمِعْت أَبِي يَقُولُ: حَدَّثَنِي الْحَضْرَمِيُّ بْنُ لاَحِقٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اسْتَأْذَنَهُ رَجُلٌ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ فِي امْرَأَةٍ يُقَالُ لَهَا: أُمُّ مَهْزُولٍ أَوْ ذَكَرَ لَهُ أَمْرَهَا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الزَّانِي لاَ يَنْكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً، فَأُنْزِلَتْ {وَالزَّانِيَةُ لاَ يَنْكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ} . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبَانُ، هُوَ ابْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ، عَنْ يَحْيَى، هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَارِظٍ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي حَدِيثٍ: وَمَهْرُ الْبَغِيِّ خَبِيثٌ.
قال أبو محمد: لاَ يُسَمَّى فِي الدَّيَّانَةِ، وَلاَ فِي اللُّغَةِ أُجْرَةُ الزِّنَا مَهْرًا، إنَّمَا الْمَهْرُ فِي الزَّوَاجِ، فَإِذَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَهْرَهَا فَقَدْ حَرَّمَ زَوَاجَهَا، إذْ لاَ بُدَّ فِي الزَّوَاجِ مِنْ مَهْرٍ ضَرُورَةً، هَذَا لاَ إشْكَالَ فِيهِ، فَإِذَا تَابَتْ فَلَيْسَ مَهْرُهَا مَهْرَ بَغِيٍّ فَهُوَ حَلاَلٌ، وَمَنْ ادَّعَى غَيْرَ هَذَا، فَقَدْ ادَّعَى مَا لاَ برهان لَهُ بِهِ، فَهُوَ بَاطِلٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا الَّتِي تَزَوَّجَهَا عَفِيفٌ وَهِيَ عَفِيفَةٌ ثُمَّ زَنَى أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا، فَإِنَّمَا قلنا: إنَّهُ لاَ يُفْسَخُ نِكَاحُهُمَا لِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ نَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ نَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ رِئَابٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّ تَحْتِي امْرَأَةً جَمِيلَةً لاَ تَرُدُّ يَدَ لاَمِسٍ قَالَ طَلِّقْهَا، قَالَ: إنِّي لاَ أَصْبِرُ عَنْهَا قَالَ: فَأَمْسِكْهَا. وَقَدْ أَقَرَّ مَاعِزٌ بِالزِّنَا وَهُوَ مُحْصَنٌ فَسَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْهُ أَبِكْرٌ أَمْ ثَيِّبٌ فَقِيلَ لَهُ: بَلْ ثَيِّبٌ، فَأَمَرَ بِرَجْمِهِ وَلَمْ يَفْسَخْ نِكَاحَهُ. وَقَدْ جَاءَ فِي هَذَا خِلاَفٌ قَدِيمٌ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ

الْمِنْهَالِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ فِي الْبِكْرِ إذَا زَنَى قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِأَهْلِهِ: جَلْدُ الْحَدِّ، فَيُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَهْلِهِ، وَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ، فَإِنْ زَنَتْ هِيَ جُلِدَتْ وَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا، وَلاَ صَدَاقَ لَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ إدْرِيسَ الأَوْدِيُّ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: الْبِكْرُ إذَا زَنَتْ جُلِدَتْ وَفُرِّقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا وَلَيْسَ لَهَا شَيْءٌ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إذَا رَأَى أَحَدُكُمْ امْرَأَتَهُ عَلَى فَاحِشَةٍ أَوْ أُمَّ وَلَدِهِ فَلاَ يَقْرَبَنَّهَا وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وطَاوُوس، وَالنَّخَعِيِّ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمْ وَلَكِنْ لاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَهَاهُنَا خَبَرٌ لَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ بَصْرَةَ بْنِ أَكْثَمَ أَنَّ امْرَأَةً زَنَتْ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَدَهَا عَبْدًا لِزَوْجِهَا، وَلاَ نَعْلَمُ لِسَعِيدٍ سَمَاعًا مِنْ بَصْرَةَ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ: نَضْرَةَ.

ولا يحل أن يخطب امراة معتدة من طلاق أو وفاة
1840 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ أَنْ يَخْطُبَ امْرَأَةً مُعْتَدَّةً مِنْ طَلاَقٍ أَوْ وَفَاةٍ، فَإِنْ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ تَمَامِ الْعِدَّةِ فُسِخَ أَبَدًا دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ، طَالَتْ مَدَّتُهُ مَعَهَا أَوْ لَمْ تَطُلْ، وَلاَ تَوَارُثَ بَيْنَهُمَا، وَلاَ نَفَقَةَ لَهَا عَلَيْهِ، وَلاَ صَدَاقَ، وَلاَ مَهْرَ لَهَا. فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا عَالِمًا فَعَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا مِنْ الرَّجْمِ وَالْجَلْدِ، وَكَذَلِكَ إنْ عَلِمَا جَمِيعًا، وَلاَ يُلْحَقُ الْوَلَدُ بِهِ إنْ كَانَ عَالِمًا. وَإِنْ كَانَا جَاهِلَيْنِ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِمَا، فَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا جَاهِلاً، فَلاَ حَدَّ عَلَى الْجَاهِلِ، فَإِنْ كَانَ هُوَ الْجَاهِلَ فَالْوَلَدُ بِهِ لاَحِقٌ، فَإِذَا فُسِخَ النِّكَاحُ وَتَمَّتْ عِدَّتُهَا فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا إنْ أَرَادَتْ ذَلِكَ كَسَائِرِ النَّاسِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَلَهُ أَنْ يَرْتَجِعَهَا فِي عِدَّتِهَا مِنْهُ مَا لَمْ يَكُنْ طَلاَقَ ثَلاَثٍ. وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ تَكُونُ تَحْتَهُ الأَمَةُ وَيَدْخُلُ بِهَا فَتَعْتِقُ فَتُخَيَّرُ فَتَخْتَارُ فِرَاقَهُ وَيُفْسَخُ نِكَاحُهُ فَتَعْتَدُّ بِحَمْلٍ أَوْ بِالأَطْهَارِ أَوْ بِالشُّهُورِ، فَلَهُ وَحْدَهُ دُونَ سَائِرِ النَّاسِ أَنْ يَخْطُبَهَا فِي عِدَّتِهَا مِنْهُ فَإِنْ رَضِيَتْ بِهِ فَلَهُ نِكَاحُهَا وَوَطْؤُهَا. برهان مَا قلنا: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لاَ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلاً مَعْرُوفًا، وَلاَ تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} . وَأَمَّا قَوْلُنَا: لاَ تَوَارُثَ، وَلاَ نَفَقَةَ، وَلاَ كِسْوَةَ، وَلاَ صَدَاقَ بِكُلِّ حَالٍ جَهْلاً أَوْ عِلْمًا، فَلأََنَّهُ لَيْسَ نِكَاحَهَا، لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَلَّ النِّكَاحَ وَلَمْ يُحِلَّ هَذَا الْعَقْدَ بِلاَ خِلاَفٍ مِنْ أَحَدٍ، فَإِذْ لَيْسَ نِكَاحًا فَلاَ تَوَارُثَ، وَلاَ كِسْوَةَ، وَلاَ نَفَقَةَ، إِلاَّ فِي نِكَاحٍ. وَأَمَّا إلْحَاقُ الْوَلَدِ بِالرَّجُلِ الْجَاهِلِ فَلاَ خِلاَفَ فِيهِ. وَأَمَّا وُجُوبُ الْحَدِّ عَلَى الْعَالِمِ فَلأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ:

{وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ} . وَهَذِهِ لَيْسَتْ زَوْجًا، وَلاَ مِلْكَ يَمِينٍ فَهُوَ عَاهِرٌ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ" . فَلَمْ يَجْعَلْ عليه الصلاة والسلام إِلاَّ فِرَاشًا أَوْ عِهْرًا، وَهَذِهِ لَيْسَتْ فِرَاشًا فَهُوَ عِهْرٌ، وَالْعِهْرُ الزِّنَا، وَعَلَى الزَّانِي الْحَدُّ: وَلاَ حَدَّ عَلَى الْجَاهِلِ الْمُخْطِئِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ. وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى لأَُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ وَهَذَا لَمْ يَبْلُغْهُ، فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ. وَأَمَّا الْمُعْتَقَةُ تُخَيَّرُ: فَلأََنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا لَوْ رَاجَعْتِيهِ وَسَنَذْكُرُهُ فِي بَابِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنَّ النَّاكِحَ فِي الْعِدَّةِ الْوَاطِئَ فِيهَا جَاهِلاً كَانَ أَوْ عَالِمًا فَحُدَّ وَكَانَ غَيْرَ مُحْصَنٍ وَلَمْ تُحَدَّ هِيَ لِجَهْلِهَا أَوْ لَمْ تُرْجَمْ، لأََنَّهَا كَانَتْ بِكْرًا مُعْتَدَّةً مِنْ وَفَاةٍ فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بَعْدَ تَمَامِ عِدَّتِهَا الَّتِي تَزَوَّجَهَا فِيهَا، فَلأََنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ذَكَرَ لَنَا كُلَّ مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا مِنْ النِّسَاءِ فِي قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ الآيَةَ إلَى قوله تعالى: وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ فَلَمْ يَذْكُرْ لَنَا الْمَنْكُوحَةَ فِي الْعِدَّةِ الْمَدْخُولَ بِهَا فِيهَا فِي جُمْلَةِ مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ فِيهَا بَعْدَ تَمَامِ عِدَّتِهَا، فَإِذْ لَمْ يَذْكُرْهَا تَعَالَى، لاَ فِي هَذِهِ الآيَةِ، وَلاَ فِي غَيْرِهَا، وَلاَ عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ أَحَلَّهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ نَصًّا بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} وَقَوْلُنَا هَذَا هُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَرَبِيعَةُ، وَمَالِكٌ، وَاللَّيْثُ، وَالأَوْزَاعِيُّ، لاَ تَحِلُّ لَهُ أَبَدًا. وقال مالك، وَاللَّيْثُ: وَلاَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَمَا لِمَنْ قَالَ هَذَا حُجَّةٌ أَصْلاً إِلاَّ شَغْبَتَانِ: إحْدَاهُمَا أَنَّهُمْ قَالُوا: تَعَجَّلَ شَيْئًا قَبْلَ وَقْتِهِ فَوَاجِبٌ أَنْ يُحَرَّمَ عَلَيْهِ فِي الأَبَدِ كَالْقَاتِلِ الْعَامِدِ يُمْنَعُ الْمِيرَاثَ.
قال أبو محمد: وَهَذَا مِنْ أَسْخَفِ قَوْلٍ يُسْمَعُ، قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ: مِنْ أَيْنَ وَضَحَ لَهُمْ تَحْرِيمُ الْمِيرَاثِ عَلَى الْقَاتِلِ، وَلاَ نَصَّ يَصِحُّ فِيهِ، وَلاَ إجْمَاعَ قَدْ أَوْجَبَ الْمِيرَاثَ لِقَاتِلِ الْعَمْدِ: الزُّهْرِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَغَيْرُهُمَا. ثُمَّ مِنْ أَيْنَ لَهُمْ أَنَّ مَنْ تَعَجَّلَ شَيْئًا قَبْلَ وَقْتِهِ وَجَبَ أَنْ يُحَرَّمَ عَلَيْهِ أَبَدًا وَأَيُّ نَصٍّ جَاءَ بِهَذَا أَوْ أَيُّ عَقْلٍ دَلَّ عَلَيْهِ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَهُمْ أَنَّ الْقَاتِلَ يُمْنَعُ مِنْ الْمِيرَاثِ فَمِنْ أَيْنَ لَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ لِتَعَجُّلِهِ إيَّاهُ قَبْلَ وَقْتِهِ وَكُلُّ هَذَا كَذِبٌ وَظَنٌّ فَاسِدٌ وَتَخَرُّصٌ بِالْبَاطِلِ، وَيَلْزَمُهُمْ إنْ طَرَدُوا هَذَا الدَّلِيلَ السَّخِيفَ أَنْ يَقُولُوا فِيمَنْ غَصَبَ مَالَ مُوَرِّثِهِ: أَنْ يُحَرَّمَ عَلَيْهِ فِي الأَبَدِ، لأََنَّهُ اسْتَعْجَلَهُ قَبْلَ وَقْتِهِ. وَأَنْ يَقُولُوا فِي امْرَأَةٍ

سَافَرَتْ فِي عِدَّتِهَا: أَنْ يُحَرَّمَ عَلَيْهَا السَّفَرُ أَبَدًا. وَمَنْ تَطَيَّبَ فِي إحْرَامِهِ: أَنْ يُحَرَّمَ عَلَيْهِ الطِّيبُ أَبَدًا. وَأَنْ يَقُولُوا فِيمَنْ اشْتَهَى شَيْئًا وَهُوَ صَائِمٌ فِي رَمَضَانَ فَأَكَلَهُ، أَوْ وَطِئَ جَارِيَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ وَهُوَ صَائِمٌ فِي رَمَضَانَ أَوْ وَهِيَ حَائِضٌ: أَنْ يُحَرَّمَ عَلَيْهِ ذَلِكَ الطَّعَامُ فِي الأَبَدِ، وَتُحَرَّمَ تِلْكَ الأَمَةُ أَوْ امْرَأَتُهُ فِي الأَبَدِ، لأََنَّهُ تَعَجَّلَ كُلَّ ذَلِكَ قَبْلَ وَقْتِهِ، وَاَلَّذِي يَلْزَمُهُمْ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا. وَالثَّانِيَةُ رِوَايَةٌ، عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه مُنْقَطِعَةٌ: مِنْهَا: مَا حَدَّثَنَاهُ يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: قُلْت لِلشَّعْبِيِّ: رَجُلٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ تَطْلِيقَةً فَجَاءَ آخَرُ فَتَزَوَّجَهَا فِي عِدَّتِهَا فَقَالَ الشَّعْبِيُّ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: يُفَرَّقُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا، وَتُكْمِلُ عِدَّتَهَا الأُُولَى، وَتَأْتَنِفُ مِنْ هَذِهِ عِدَّةً جَدِيدَةً، وَيُجْعَلُ صَدَاقُهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَلاَ يَتَزَوَّجُهَا أَبَدًا وَيَصِيرُ الأَوَّلُ خَاطِبًا. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَتُكْمِلُ عِدَّتَهَا الأُُولَى، وَتَسْتَقْبِلُ مِنْ هَذَا عِدَّةً جَدِيدَةً وَلَهَا الصَّدَاقُ بِمَا اسْتَحَلَّ مِنْ فَرْجِهَا، وَيَصِيرُ كِلاَهُمَا خَاطِبَيْنِ قَدْ أَخْبَرْتُكَ بِقَوْلِ هَذَيْنِ، فَإِنْ أَخْبَرْتُكَ بِرَأْيٍ فَبُلْ عَلَيْهِ. وَجَاءَ هَذَا، عَنْ عُمَرَ مِنْ طُرُقٍ لَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ يَتَّصِلُ، وَرُوِيَ خِلاَفُهَا كَمَا ذَكَرْنَا، عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ. قال أبو محمد: لاَ عَجَبَ أَعْجَبُ مِنْ تَعَلُّقِ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ بِرِوَايَاتٍ مُنْقَطِعَةٍ، عَنْ عُمَرَ قَدْ خَالَفَهُ عَلِيٌّ فِيهَا، فَمَنْ جَعَلَ قَوْلَ أَحَدِهِمَا أَوْلَى مِنْ الآخَرِ بِلاَ برهان وَثَانِيَةٌ أَنَّهُمْ قَدْ خَالَفُوا عُمَرَ فِيمَا صَحَّ عَنْهُ يَقِينًا مِنْ هَذِهِ الْقَضِيَّةِ إذْ جَعَلَ مَهْرَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، كِلاَهُمَا، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّ امْرَأَةً نُكِحَتْ فِي عِدَّتِهَا فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا عُمَرُ، وَجَعَلَ مَهْرَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَقَالَ: نِكَاحُهَا حَرَامٌ، وَمَهْرُهَا حَرَامٌ. حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا أُبَيٌّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، أَوْ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ نَضْلَةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ شَكَّ دَاوُد فِي أَحَدِهِمَا وَقَالَ: رُفِعَ إلَى عُمَرَ امْرَأَةٌ نُكِحَتْ فِي عِدَّتِهَا، فَقَالَ: لَوْ أَنَّكُمَا عَلِمْتُمَا لَرَجَمْتُكُمَا، فَضَرَبَهُمَا أَسْوَاطًا، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَجَعَلَ الْمَهْرَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَالَ: لاَ أُجِيزُ مَهْرًا لاَ أُجِيزُ نِكَاحَهُ.
قال أبو محمد: عُبَيْدُ بْنُ نَضْلَةَ إمَامٌ ثِقَةٌ. وَمَسْرُوقٌ كَذَلِكَ، فَلاَ نُبَالِي، عَنْ أَيِّهِمَا رَوَاهُ وَقَدْ ثَبَتَ دَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ عَلَى أَنَّهُ، عَنْ أَحَدِهِمَا بِلاَ شَكٍّ. قَالَ عَلِيٌّ: فَخَالَفُوهُ فِي جَعْلِ مَهْرِهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَهُوَ الثَّابِتُ، عَنْ عُمَرَ، فَهَانَ عَلَيْهِمْ خِلاَفُهُ فِي الْحَقِّ، وَاتَّبَعُوهُ فِيمَا لاَ برهان عَلَى صِحَّتِهِ فِيمَا قَدْ خَالَفَهُ فِيهِ غَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ كَمَا أَوْرَدْنَا. وَثَالِثَةٌ وَهِيَ أَنَّهُ قَدْ صَحَّ رُجُوعُ

عُمَرَ، عَنْ ذَلِكَ: كَمَا رُوِّينَا، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عُمَرَ قَالَ: مَهْرُهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَلاَ يَجْتَمِعَانِ يَعْنِي الَّتِي نُكِحَتْ فِي الْعِدَّةِ وَدَخَلَ بِهَا الَّذِي نَكَحَهَا. وَقَالَ سُفْيَانُ: فَأَخْبَرَنِي أَشْعَثُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّ عُمَرَ رَجَعَ، عَنْ ذَلِكَ، وَجَعَلَ لَهَا مَهْرَهَا، وَجَعَلَهُمَا يَجْتَمِعَانِ. فَأَيُّ شَيْءٍ أَعْجَبُ مِنْ تَمَادِيهِمَا عَلَى خِلاَفِ عُمَرَ فِي الثَّابِتِ عَنْهُ مِنْ أَنْ يَجْعَلَ مَهْرَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَعَلَى قَوْلِهِ قَدْ رَجَعَ عُمَرُ عَنْهَا وَكَفَى بِهِمَا خَطَأً. وَرَابِعَةٌ أَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ مَا حَدَّثَنَاهُ حُمَامٌ نَا ابْنُ مُفَرِّجٍ نَا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حَدَّثَنَا الدَّبَرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ بِالْجَابِيَةِ نَكَحَتْ عَبْدَهَا فَانْتَهَرَهَا عُمَرُ وَهَمَّ أَنْ يَرْجُمَهَا وَقَالَ لَهَا: لاَ يَحِلُّ لَك مُسْلِمٌ بَعْدَهُ. فَهَذَا أَصَحُّ سَنَدٍ، عَنْ عُمَرَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ، وَلَمْ يَلْتَفِتُوا إلَيْهِ وَلَجُّوا فِي الْخَطَأِ تَقْلِيدًا لِخَطَأِ مَالِكٍ بَعْدَ رُجُوعِ عُمَرَ عَنْهُ وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ.
وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا قَوْلُهُمْ: مَنْ اشْتَرَى أَمَةً فَوَجَدَهَا حَامِلاً مِنْ زَوْجٍ كَانَ لَهَا فَمَاتَ بَعْدَ أَنْ وَطِئَهَا، فَإِنَّهُ لاَ تَحِلُّ لَهُ أَبَدًا، وَلاَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ. وَقَالُوا: مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لاَ زَوْجَ لَهَا فَدَخَلَ بِهَا فَوَطِئَهَا، ثُمَّ ظَهَرَ بِهَا حَمْلٌ مِنْ زِنًى أَوْ مِنْ غَصْبٍ كَانَ بِهَا قَبْلَ نِكَاحِهِ، فَإِنَّهَا لاَ تَحِلُّ لَهُ أَبَدًا، مَا نَدْرِي لِمَاذَا وَقَالُوا: مَنْ تَزَوَّجَ أَمَةً أُعْتِقَتْ قَبْلَ أَنْ تُتِمَّ حَيْضَةً بَعْدَ عِتْقِهَا فَدَخَلَ بِهَا حُرِّمَتْ عَلَيْهِ فِي الأَبَدِ فَلَجُّوا هَذَا اللَّجَاجَ الْفَاسِدَ. ثُمَّ لَمْ يَلْبَثُوا أَنْ قَالُوا: مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لَهَا زَوْجٌ قَائِمٌ حَيٌّ حَاضِرٌ أَوْ غَائِبٌ يَظُنَّانِ أَنَّهُ قَدْ مَاتَ أَوْ يُوقِنَانِ بِحَيَاتِهِ، فَدَخَلَ بِهَا فَوَطِئَهَا: أَنَّهَا لاَ تُحَرَّمُ عَلَيْهِ فِي الأَبَدِ، بَلْ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا إنْ طَلَّقَهَا الزَّوْجُ أَوْ مَاتَ. وَهَذَا هُوَ الْمُسْتَعْجِلُ قَبْلَ الْوَقْتِ بِلاَ شَكٍّ. وَقَالُوا: مَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ لَمْ تُحَرَّمْ عَلَيْهِ فِي الأَبَدِ، فَرَأَوْا الزِّنَا أَخَفَّ مِنْ زَوَاجِ الْجَاهِلِ فِي الْعِدَّةِ وَرَأَوْا مَا لاَ حَدَّ فِيهِ، وَلاَ إثْمَ لِلْجَهَالَةِ أَغْلَظَ مِنْ الْحَرَامِ الْمُتَيَقَّنِ فَهَلْ فِي الْعَجَبِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ.

ومن انفسخ نكاحه بعد صحته بما يوجب فسخه فلها المهر المسمى
1841 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ انْفَسَخَ نِكَاحُهُ بَعْدَ صِحَّتِهِ بِمَا يُوجِبُ فَسْخَهُ فَلَهَا الْمَهْرُ الْمُسَمَّى كُلُّهُ، فَإِنْ لَمْ يُسَمِّ لَهَا صَدَاقًا فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ. برهان ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً } فَالصَّدَاقُ وَاجِبٌ لَهَا بِصِحَّةِ الْعَقْدِ وَدَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ فَإِذَا انْفَسَخَ فَحَقُّهَا فِي الصَّدَاقِ بَاقٍ، كَمَا لَوْ مَاتَ، وَلاَ فَرْقَ. وَمَنْ ادَّعَى أَنَّهُ لَيْسَ لَهَا فِي الْفَسْخِ قَبْلَ الدُّخُولِ إِلاَّ نِصْفُ الصَّدَاقِ فَإِنَّمَا قَالَهُ قِيَاسًا عَلَى الطَّلاَقِ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، وَلَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ بَاطِلاً، لأََنَّ الطَّلاَقَ فِعْلُ الْمُطَلِّقِ، وَالْفَسْخَ لَيْسَ فِعْلَهُ، فَلاَ تَشَابُهَ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالطَّلاَقِ، بَلْ الْفَسْخُ بِالْمَوْتِ أَشْبَهُ، لأََنَّهُمَا يَقَعَانِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِ الزَّوْجِ، وَلاَ يَقَعُ الطَّلاَقُ إِلاَّ بِاخْتِيَارِهِ. وَكَذَلِكَ مَنْ أَسْقَطَ جَمِيعَ الصَّدَاقِ فِي بَعْضِ وُجُوهِ الْفَسْخِ

إذَا جَاءَ الْفَسْخُ مِنْ قِبَلِهَا فَقَوْلُهُ بَاطِلٌ، لأََنَّهُ إسْقَاطٌ لِمَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِلاَ برهان وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ومن طلق قبل أن يدخل بها فلها نصف الصداق الذى سمى لها
1842 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ طَلَّقَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ الَّذِي سُمِّيَ لَهَا وَكَذَلِكَ لَوْ دَخَلَ بِهَا وَلَمْ يَطَأْهَا طَالَ مُقَامُهُ مَعَهَا أَوْ لَمْ يَطُلْ هَذَا فِي كُلِّ مَهْرٍ كَانَ بِصِفَةٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ، كَعَدَدٍ، أَوْ وَزْنٍ، أَوْ كَيْلٍ، أَوْ شَيْءٍ مَوْصُوفٍ، أَوْ فِي مَكَان بِعَيْنِهِ إنْ وُجِدَ صَحِيحًا، وَسَوَاءٌ كَانَ تَزَوَّجَهَا بِصَدَاقٍ مُسَمًّى فِي نَفْسِ الْعَقْدِ أَوْ تَرَاضَيَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يَتَرَاضَيَا، فَقُضِيَ لَهَا بِمَهْرِ مِثْلِهَا. برهان ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} الآيَةَ. وَفِيمَا ذَكَرْنَا اخْتِلاَفٌ قَدِيمٌ وَحَدِيثٌ فِي دُخُولِهِ بِهَا وَلَمْ يَطَأْهَا، وَفِي ضَيَاعِ الْمَهْرِ، وَفِي الْفَرْقِ بَيْنَ كَوْنِ الصَّدَاقِ مَفْرُوضًا فِي الْعَقْدِ وَبَيْنَ تَرَاضِيهِمَا عَلَيْهِ بَعْدَ الْعَقْدِ، أَوْ الْحُكْمِ لَهَا بِهِ عَلَيْهِ وَالتَّسْوِيَةِ بَيْنَ ذَلِكَ كُلِّهِ. فأما الأَخْتِلاَفُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ كَوْنِ الصَّدَاقِ مَفْرُوضًا فِي الْعَقْدِ، وَبَيْنَ تَرَاضِيهِمَا بَعْدَ الْعَقْدِ، أَوْ الْحُكْمِ لَهَا بِهِ عَلَيْهِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ وَأَصْحَابَهُ قَالُوا: إنَّمَا يُقْضَى لَهَا بِنِصْفِ الصَّدَاقِ إذَا كَانَ الصَّدَاقُ مَفْرُوضًا لَهَا فِي نَفْسِ الْعَقْدِ وَأَمَّا إنْ تَرَاضَيَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ، أَوْ اخْتَلَفَا فِيهِ فَحُكِمَ عَلَيْهِ بِمَهْرِ مِثْلِهَا فَهَاهُنَا إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلاَ شَيْءَ لَهَا إِلاَّ الْمُتْعَةُ. وقال مالك وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمْ: لَهَا النِّصْفُ فِي كُلِّ ذَلِكَ.
قال أبو محمد: وَبِهَذَا نَأْخُذُ، لأََنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى { فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ} عُمُومٌ لِكُلِّ صَدَاقٍ فِي نِكَاحٍ صَحِيحٍ فَرَضَهُ النَّاكِحُ فِي الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ، وَلَمْ يَقُلْ عَزَّ وَجَلَّ: فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ وَالزَّائِدُ لِهَذَا الْحُكْمِ مُخْطِئٌ مُبْطِلٌ مُتَعَدٍّ لِحُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى. وَأَمَّا الَّذِي فَرَضَ عَلَيْهِ الْحَاكِمُ صَدَاقَ مِثْلِهَا، فَإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَبَى مِنْ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ فَحُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ الصَّادِقِ: { وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} مُوجِبٌ عَلَيْهِ أَنْ يَفْرِضَ لَهَا أَحَدَ وَجْهَيْنِ، لاَ بُدَّ لَهُ مِنْ أَحَدِهِمَا ضَرُورَةً إمَّا مَا رَضِيَتْ، وَأَمَّا مَهْرُ مِثْلِهَا، فَأَيُّهُمَا لَزِمَهُ بِرِضَاهُ أَوْ بِحُكْمِ حَقٍّ فَقَدْ فَرَضَهُ لَهَا، إذْ عَقَدَ نِكَاحَهَا يَقِينًا فِي عِلْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَدْ وَجَبَ لَهَا فِي مَالِهِ وَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ خَالَفَ هَذَا حُجَّةً أَصْلاً. وَنَحْنُ نَشْهَدُ بِشَهَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ خَاصَّةً لَبَيَّنَهُ لَنَا وَلَمْ يُهْمِلْهُ حَتَّى يُبَيِّنَهُ لَنَا أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَا هُنَالِكَ. فَإِذًا لاَ شَكَّ فِي هَذَا فَقَدْ أَيْقَنَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ بِكُلِّ حَالٍ. وَأَمَّا مَنْ دَخَلَ بِزَوْجَتِهِ وَلَمْ يَطَأْهَا طَالَ مُقَامُهُ مَعَهَا أَوْ لَمْ يَطُلْ فَإِنَّ النَّاسَ قَدْ اخْتَلَفُوا فِيهِ: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، عَنْ عَوْفِ بْنِ أَبِي جَمِيلَةَ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى قَالَ: قَضَى

الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ الْمَهْدِيُّونَ أَنَّهُ إذَا أَغْلَقَ الْبَابَ، وَأَرْخَى السِّتْرَ: فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُونَ: إذَا أَرْخَى السِّتْرَ، أَوْ أَغْلَقَ الْبَابَ: فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إذَا أَرْخَيْت السِّتْرَ وَغَلَّقْت الأَبْوَابَ فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ وَهَذَا صَحِيحٌ، عَنْ عُمَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نَا يَزِيدُ، هُوَ ابْنُ هَارُونَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنهما قَالاَ جَمِيعًا: إذَا أُرْخِيَتْ السُّتُورُ: فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْجُمَحِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إذَا أُغْلِقَ الْبَابُ وَأُرْخِيَ السِّتْرُ: فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ الْحَكَمِ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَقَالَ عِنْدَهَا، ثُمَّ رَاحَ وَفَارَقَهَا، فَأَرْسَلَ مَرْوَانُ إلَى زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ فَقَصَّ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ فَقَالَ زَيْدٌ: لَهَا الصَّدَاقُ، فَقَالَ مَرْوَانُ: إنَّهُ مِمَّنْ لاَ يُتَّهَمُ، فَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: أَرَأَيْت لَوْ حَمَلَتْ أَكُنْت تَرْجُمُهَا قَالَ: لاَ، فَقَالَ زَيْدٌ: بَلَى. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو النَّضْرِ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَشَجِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ مِثْلَهُ وَفِي آخِرِهِ: فَلِذَلِكَ تُصَدَّقُ الْمَرْأَةُ فِي مِثْلِ هَذَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِثْلُ قَوْلِ عَلِيٍّ، وَعُمَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، عَنِ الرُّكَيْنِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ حَنْظَلَةَ: أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ قَضَى فِي امْرَأَةِ عِنِّينٍ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِجَمِيعِ الصَّدَاقِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ وَعَنْ رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ فِي الَّتِي دَخَلَ بِهَا زَوْجُهَا وَلَمْ يَطَأْهَا: إنَّ الصَّدَاقَ لَهَا وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ، وَلاَ رَجْعَةَ لَهُ عَلَيْهَا. وَهُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، وَرُوِيَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. وَصَحَّ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَضَى بِهِ فِي عِنِّينٍ. وَعَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ وَزَادَ: وَإِنْ كَانَتْ حَائِضًا. وَعَنْ عَطَاءٍ مِثْلُ قَوْلِ عَبْدِ الْكَرِيمِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، إِلاَّ أَنْ تَكُونَ " رَتْقَاءَ " فَلاَ يَجِبُ لَهَا إِلاَّ نِصْفُ الصَّدَاقِ. وَصَحَّ أَيْضًا، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ. وَرُوِّينَا، عَنْ عُمَرَ قَوْلاً آخَرَ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَضَى فِي

رَجُلٍ اخْتَلَى بِامْرَأَةٍ وَلَمْ يُخَالِطْهَا بِالصَّدَاقِ كَامِلاً، يَقُولُ: إذَا خَلاَ بِهَا وَلَمْ يُغْلِقْ بَابًا، وَلاَ أَرْخَى سِتْرًا. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنِ الْمُغِيرَةِ قَالَ: قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: كَانَ يُقَالُ: إذَا رَأَى مِنْهَا مَا يَحْرُمُ عَلَى غَيْرِهِ فَلَهَا الصَّدَاقُ. وقال أبو حنيفة: إذَا خَلاَ بِهَا فِي بَيْتِهَا وَطِئَ أَوْ لَمْ يَطَأْ فَالْمَهْرُ كُلُّهُ لَهَا إِلاَّ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُحْرِمًا، أَوْ أَحَدُهُمَا مَرِيضًا، أَوْ كَانَتْ هِيَ حَائِضًا، أَوْ صَائِمَةً فِي رَمَضَانَ، فَلَيْسَ لَهَا فِي كُلِّ ذَلِكَ إِلاَّ نِصْفُ الْمَهْرِ فَلَوْ خَلاَ بِهَا وَهُوَ صَائِمٌ صِيَامَ فَرْضٍ فِي ظِهَارٍ، أَوْ نَذْرٍ، أَوْ قَضَاءِ رَمَضَانَ، فَعَلَيْهِ الصَّدَاقُ كُلُّهُ، وَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ، فَلَوْ خَلاَ بِهَا فِي صَحْرَاءَ، أَوْ فِي مَسْجِدٍ، أَوْ فِي سَطْحٍ لاَ حُجْرَةَ عَلَيْهِ، فَلَيْسَ لَهَا إِلاَّ نِصْفُ الصَّدَاقِ.
قال أبو محمد: هَذِهِ أَقْوَالٌ لَمْ تَأْتِ قَطُّ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ، وَلاَ جَاءَ بِهَا قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ، وَلاَ قِيَاسٌ، وَلاَ رَأْيٌ سَدِيدٌ. وقال مالك: إذَا خَلاَ بِهَا فَقَبَّلَهَا أَوْ كَشَفَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا وَاتَّفَقَا عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَطَأْهَا، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَرِيبًا فَلَيْسَ لَهَا إِلاَّ نِصْفُ الصَّدَاقِ، فَإِنْ تَطَاوَلَ ذَلِكَ حَتَّى أَخْلَقَ ثِيَابَهَا، فَلَهَا الْمَهْرُ كُلُّهُ.
قال أبو محمد: وَهَذَا قَوْلٌ لاَ يُحْفَظُ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَلَيْتَ شِعْرِي كَمْ حَدُّ هَذَا التَّطَاوُلِ النَّاقِلِ، عَنْ حُكْمِ الْقُرْآنِ، وَمَا حَدُّ الإِخْلاَقِ لِهَذِهِ الثِّيَابِ. وَهَاهُنَا قَوْلٌ آخَرُ كَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: لَهَا النِّصْفُ وَإِنْ جَلَسَ بَيْنَ رِجْلَيْهَا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ ثنا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، هُوَ ابْنُ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ طَاوُوس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي رَجُلٍ دَخَلَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ ثُمَّ طَلَّقَهَا، فَزَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَمَسَّهَا: عَلَيْهِ نِصْفُ الصَّدَاقِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي لَيْثٌ، عَنْ طَاوُوس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لاَ يَجِبُ الصَّدَاقُ وَافِيًا حَتَّى يُجَامِعَهَا وَلَهَا نِصْفُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ نَا هُشَيْمٌ أَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ مِقْسَمٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ذَكَرَ فِي كِتَابِهِ بَابًا، وَلاَ سِتْرًا إذَا زَعَمَ أَنْ لَمْ يَمَسَّهَا فَلَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ عَمْرَو بْنَ نَافِعٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَكَانَتْ قَدْ أُدْخِلَتْ عَلَيْهِ، فَزَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يَقْرَبْهَا، وَزَعَمَتْ أَنَّهُ قَرِبَهَا، فَخَاصَمَتْهُ إلَى شُرَيْحٍ، فَقَضَى شُرَيْحٌ بِيَمِينِ عَمْرٍو " بِاَللَّهِ الَّذِي لاَ إلَهَ إِلاَّ هُوَ مَا قَرِبْتُهَا " وَقَضَى عَلَيْهِ لَهَا بِنِصْفِ الصَّدَاقِ.
قال أبو محمد: كَانَتْ هَذِهِ الْمُطَلَّقَةُ بِنْتَ يَحْيَى بْنِ الْجَزَّارِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا مُعَاذٌ هُوَ مُعَاذٌ الْعَنْبَرِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى إغْلاَقَ الْبَابِ، وَلاَ إرْخَاءَ السِّتْرِ شَيْئًا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ زَكَرِيَّا، هُوَ ابْنُ أَبِي

زَائِدَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: لَهَا نِصْفُ الصَّدَاقِ يَعْنِي الَّتِي دَخَلَ بِهَا وَلَمْ يَقُلْ أَنَّهُ مَسَّهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُوس، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لاَ يَجِبُ الصَّدَاقُ وَافِيًا حَتَّى يُجَامِعَهَا، إنْ أَغْلَقَ عَلَيْهَا الْبَابَ، قُلْت لَهُ: فَإِذَا وَجَبَ الصَّدَاقُ وَجَبَتْ الْعِدَّةُ، قَالَ: أَوَ يَقُولُ أَحَدٌ غَيْرَ ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: لاَ يَجِبُ الصَّدَاقُ وَالْعِدَّةُ إِلاَّ بِالْمُلاَمَسَةِ الْبَيِّنَةِ: تَزَوَّجَ رَجُلٌ جَارِيَةً فَأَرَادَ سَفَرًا فَأَتَاهَا فِي بَيْتِهَا مُخْلِيَةً لَيْسَ عِنْدَهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ، فَأَخَذَهَا فَعَالَجَهَا، فَمَنَعَتْ نَفْسَهَا، فَصَبَّ الْمَاءَ وَلَمْ يَفْتَرِعْهَا، فَسَاغَ الْمَاءُ فِيهَا، فَاسْتَمَرَّ بِهَا الْحَمْلُ، فَثَقُلَتْ بِغُلاَمٍ، فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَبَعَثَ إلَى زَوْجِهَا فَسَأَلَهُ فَصَدَّقَهَا، فَعِنْدَ ذَلِكَ قَالَ عُمَرُ: مَنْ أَغْلَقَ الْبَابَ أَوْ أَرْخَى السِّتْرَ فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ، وَكَمُلَتْ الْعِدَّةُ.
قال أبو محمد: وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ.
قال أبو محمد: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ: فَمُخَالِفَانِ لِكُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلاَ نَعْلَمُ لَهُمَا حُجَّةً أَصْلاً، وَلاَ سَلَفًا فِي قَوْلِهِمَا، فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنْ أَغْلَقَ بَابًا، أَوْ أَرْخَى سِتْرًا فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ فَوَجَدْنَا مَنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا الْقَوْلِ يَحْتَجُّونَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً. قَالُوا: فَالصَّدَاقُ كُلُّهُ وَاجِبٌ لَهَا إِلاَّ أَنْ يَمْنَعَ مِنْهُ إجْمَاعٌ. وَ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ، هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ لَهُ: فَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَخَوَيْ بَنِي الْعَجْلاَنِ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، قَالَ أَيُّوبُ: فَقَالَ لِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ: إنَّ فِي الْحَدِيثِ شَيْئًا لاَ أَرَاك تُحَدِّثُهُ قَالَ: قَالَ الرَّجُلُ: مَالِي قَالَ: قِيلَ: لاَ مَالَ لَك إنْ كُنْت صَادِقًا فَقَدْ دَخَلْت بِهَا.
قال أبو محمد: لاَ حُجَّةَ فِي هَذَا لأََنَّ عَمْرَو بْنَ دِينَارٍ لَمْ يَذْكُرْ مَنْ أَخْبَرَهُ بِهَذَا، فَحَصَلَ مُرْسَلاً، وَلاَ حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّمَا فِيهِ قَالَ: قِيلَ: وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ ذَلِكَ فَسَقَطَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَقَدْ أَسْنَدَهُ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ هَذَا اللَّفْظَ لَكِنْ كَمَا، حَدَّثَنَا حُمَامُ بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ، حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ يَقُولُ: سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لِلْمُتَلاَعِنَيْنِ حِسَابُكُمَا عَلَى اللَّهِ، أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَالِي مَالِي، قَالَ: "لاَ مَالَ لَكَ، إنْ كُنْت صَادِقًا عَلَيْهَا فَهُوَ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا" وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. قَالُوا:

فَالدُّخُولُ بِهَا اسْتِحْلاَلٌ لِفَرْجِهَا.
قال أبو محمد: هَذَا تَمْوِيهٌ، بَلْ حِينَ الْعَقْدِ لِلنِّكَاحِ يَصِحُّ اسْتِحْلاَلُهُ لِفَرْجِهَا فَلَوْلاَ نَصُّ الْقُرْآنِ بِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَمَسَّهَا حَتَّى طَلَّقَهَا فَنِصْفُ الصَّدَاقِ فَقَطْ لَكَانَ الْكُلُّ لَهَا، كَمَا هُوَ لَهَا إنْ مَاتَ أَوْ مَاتَتْ، فَوَجَبَ الْوُقُوفُ عِنْدَ ذَلِكَ. وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي قوله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ الأُُخْرَى خَصَّتْهَا، فَلَمْ يُوجِبْ الطَّلاَقُ قَبْلَ الْمَسِّ إِلاَّ نِصْفَ الصَّدَاقِ. وَشَغَبُوا أَيْضًا بِخَبَرٍ سَاقِطٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَالْقَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ يَزِيدَ الطَّائِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ كَعْبٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: تَزَوَّجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم امْرَأَةً مِنْ بَنِي غِفَارٍ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا رَأَى بِكَشْحِهَا بَيَاضًا فَقَالَ: الْبَسِي عَلَيْكِ ثِيَابَكَ وَالْحَقِي بِأَهْلِكِ . زَادَ الْقَاسِمُ بْنُ مَالِكٍ فِي رِوَايَتِهِ: وَأَمَرَ لَهَا بِالصَّدَاقِ كَامِلاً.
قال أبو محمد: جَمِيلُ بْنُ زَيْدٍ سَاقِطٌ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ غَيْرُ ثِقَةٍ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، لأََنَّهُ لَمْ يَقُلْ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ لَهَا وَاجِبٌ، بَلْ هُوَ تَفَضُّلٌ مِنْهُ، كَمَا قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} كَمَا لَوْ تَفَضَّلَتْ هِيَ فَأَسْقَطَتْ عَنْهُ جَمِيعَ حَقِّهَا لاََحْسَنَتْ. وَمَوَّهُوا أَيْضًا بِخَبَرٍ آخَرَ سَاقِطٍ: رُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، وَعَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ دَاوُد، قَالَ سَعِيدٌ: عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ وَقَالَ عَبْدُ الْغَفَّارِ: عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، ثُمَّ اتَّفَقَ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، وَابْنُ لَهِيعَةَ، كِلاَهُمَا، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَشَفَ امْرَأَةً فَنَظَرَ إلَى عَوْرَتِهَا فَقَدْ وَجَبَ الصَّدَاقُ" . وَهَذَا لاَ حُجَّةَ فِيهِ لِوُجُوهٍ: أَوَّلُهَا أَنَّهُ مُرْسَلٌ، وَلاَ حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ.
وَالثَّانِي أَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، وَابْنِ لَهِيعَةَ وَهُمَا ضَعِيفَانِ. وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ لِلدُّخُولِ ذِكْرٌ، وَلاَ أَثَرٌ، وَإِنَّمَا فِيهِ كَشْفُهَا وَالنَّظَرُ إلَى عَوْرَتِهَا، وَقَدْ يَفْعَلُ هَذَا بِغَيْرِ مَدْخُولٍ بِهَا، وَقَدْ لاَ يَفْعَلُهُ فِي مَدْخُولٍ بِهَا فَهُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ جَمِيعِهِمْ. ثُمَّ لَيْسَ فِيهِ أَيْضًا: بَيَانُ أَنَّهُ فِي الْمُتَزَوِّجَةِ فَقَطْ، بَلْ ظَاهِرُهُ عُمُومٌ فِي كُلِّ زَوْجَةٍ وَغَيْرِهَا، فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ مُتَعَلِّقٌ جُمْلَةً.
وَأَمَّا مَنْ تَعَلَّقَ بِأَنَّهَا لَوْ حَمَلَتْ لُحِقَ الْوَلَدُ وَلَمْ تُحَدَّ فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَا، لأََنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا أَصْلاً، وَلاَ عُرِفَ أَنَّهُ خَلاَ بِهَا، لَكِنْ كَانَ اجْتِمَاعُهُ بِهَا سِرًّا مُمْكِنًا، فَحَمَلَتْ، فَالْوَلَدُ لاَحِقٌ، وَلاَ حَدَّ فِي ذَلِكَ أَصْلاً لأََنَّهَا فِرَاشٌ لَهُ حَلاَلاً مُذْ يَقَعُ الْعَقْدُ، لاَ مَعْنَى لِلدُّخُولِ فِي ذَلِكَ أَصْلاً، وَقَدْ تَحْمِلُ مِنْ غَيْرِ إيلاَجٍ، لَكِنْ بِتَشْفِيرٍ بَيْنَ الشَّفْرَيْنِ فَقَطْ وَكُلُّ هَذَا لاَ يُسَمَّى مَسًّا. فَإِنْ تَعَلَّقُوا بِمَنْ جَاءَ ذَلِكَ عَنْهُ مِنْ الصَّحَابَةِ،

رضي الله عنهم، فَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَقَدْ اخْتَلَفُوا كَمَا ذَكَرْنَا فَوَجَبَ الرَّدُّ عِنْدَ التَّنَازُعِ إلَى الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، فَوَجَدْنَا الْقُرْآنَ لَمْ يُوجِبْ لَهَا بِعَدَمِ الْوَطْءِ إِلاَّ نِصْفَ الصَّدَاقِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

فان عدم الصداق بعد قبضها له بأي وجه كان تلف أو نفقته
1843 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ عُدِمَ الصَّدَاقُ بَعْدَ قَبْضِهَا لَهُ بِأَيِّ وَجْهٍ كَأَنْ تَلِفَ، أَوْ أَنْفَقَتْهُ: لَمْ يَرْجِعْ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهَا فِي ذَلِكَ مَعَ يَمِينِهَا، فَإِنْ وَطِئَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ أَوْ بَعْدَهُ: فَلَهَا الْمَهْرُ كُلُّهُ. قَالَ عَلِيٌّ: إنْ كَانَ الْمَهْرُ شَيْئًا بِعَيْنِهِ فَتَلِفَ فِي يَدِ الزَّوْجِ، فَإِنْ كَانَتْ قَدْ طَلَبَتْهُ مِنْهُ فَمَنَعَهَا فَهُوَ غَاصِبٌ وَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ كُلُّهُ لَهَا، أَوْ ضَمَانُ نِصْفِهِ إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، فَإِنْ كَانَ لَمْ يَمْنَعْهَا إيَّاهُ فَهُوَ تَالِفٌ مِنْ مَالِ الْمَرْأَةِ، وَلاَ ضَمَانَ عَلَى الزَّوْجِ فِيهِ، وَلاَ فِي نِصْفِهِ، وَطِئَهَا أَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ. وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَصِفُهُ فَهُوَ ضَامِنٌ لَهُ بِكُلِّ حَالٍ، أَوْ لِنِصْفِهِ إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ قَدْ قَبَضَتْهُ، فَسَوَاءٌ كَانَ بِعَيْنِهِ أَوْ بِصِفَةٍ، فَإِنْ تَلِفَ عِنْدَهَا فَهُوَ مِنْ مُصِيبَةِ الزَّوْجِ إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ، لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ. فَإِنَّمَا أَوْجَبَ لَهُ الرُّجُوعَ إنْ كَانَ قَدْ دَفَعَهُ إلَيْهَا بِنِصْفِ مَا دَفَعَ، لاَ بِنِصْفِ شَيْءٍ غَيْرِهِ، وَاَلَّذِي دَفَعَ إلَيْهَا هُوَ الَّذِي فَرَضَ لَهَا، سَوَاءٌ كَانَ شَيْئًا بِعَيْنِهِ أَوْ شَيْئًا بِصِفَةٍ. وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الَّذِي دَفَعَ إلَيْهَا هُوَ الَّذِي فَرَضَ لَهَا لَكَانَ لاَ يَبْرَأُ أَبَدًا مِمَّا عَلَيْهِ فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ إذَا دَفَعَ إلَيْهَا غَيْرَ مَا فَرَضَ لَهَا، أَوْ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي عَقَدَ مَعَهَا فَقَدْ دَفَعَ إلَيْهَا مَا فَرَضَ لَهَا بِلاَ شَكٍّ. وَإِذَا دَفَعَ إلَيْهَا مَا فَرَضَ لَهَا فَقَدْ قَبَضَتْ حَقَّهَا، فَإِنْ تَلِفَ فَلَمْ تَتَعَدَّ، وَلاَ ظَلَمَتْ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهَا فَإِنْ أَكَلَتْهُ أَوْ بَاعَتْهُ أَوْ وَهَبَتْهُ أَوْ لَبِسَتْهُ فَأَفْنَتْ أَوْ أَعْتَقَتْهُ إنْ كَانَ مَمْلُوكًا، فَلَمْ تَتَعَدَّ فِي كُلِّ ذَلِكَ بَلْ أَحْسَنَتْ. وَقَالَ تَعَالَى {ومَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهَا، لأََنَّهَا حَكَمَتْ فِي مَالِهَا وَحَقِّهَا، وَإِنَّمَا الضَّمَانُ عَلَى مَنْ أَكَلَ بِالْبَاطِلِ.
قال أبو محمد: فَإِنْ بَقِيَ عِنْدَهَا النِّصْفُ فَهُوَ لَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ بَقِيَ بِيَدِهِ النِّصْفُ فَهُوَ لَهَا، فَلَوْ تَعَدَّتْ أَوْ تَعَدَّى عَلَيْهِ ضَمِنَ أَوْ ضَمِنَتْ. وقال أبو حنيفة: وَالشَّافِعِيُّ، فِي كُلِّ مَا هَلَكَ بِيَدِهَا مِنْ الصَّدَاقِ بِفِعْلِهَا أَوْ بِغَيْرِ فِعْلِهَا فَهِيَ ضَامِنَةٌ لَهُ قِيمَةَ نِصْفِهِ إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْوَطْءِ وَهَذَا قَوْلٌ فَاسِدٌ، لِمَا وَصَفْنَا مِنْ أَنَّهُ يُقْضَى لَهَا بِنِصْفِ غَيْرِ الَّذِي فَرَضَ لَهَا، وَهَذَا خِلاَفُ الْقُرْآنِ، وَقَدْ قلنا: إنَّهَا لَمْ تَعْتَدَّ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهَا. وقال مالك: مَا تَلِفَ بِيَدِهَا مِنْ غَيْرِ فِعْلِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلاَ شَيْءَ لَهُ عَلَيْهَا. قَالَ: فَلَوْ أَكَلَتْهُ أَوْ وَهَبَتْهُ، أَوْ كَانَ مَمْلُوكًا فَأَعْتَقَتْهُ أَوْ بَاعَتْهُ، ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ: ضَمِنَتْ لَهُ نِصْفَ مَا أَخَذَتْ إنْ كَانَ لَهُ مِثْلٌ، أَوْ نِصْفَ قِيمَتِهِ إنْ كَانَ مِمَّا لاَ مِثْلَ لَهُ، فَإِنْ كَانَتْ ابْتَاعَتْ بِذَلِكَ شُورَةً فَلَيْسَ لَهُ إِلاَّ نِصْفُ

الشَّيْءِ الَّذِي اشْتَرَتْ.
قال أبو محمد: وَهَذِهِ مُنَاقَضَاتٌ ظَاهِرَةٌ، لأََنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ مَا أَكَلَتْ وَوَهَبَتْ وَأَعْتَقَتْ، وَبَيْنَ مَا تَلِفَ بِغَيْرِ فِعْلِهَا، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، لأََنَّهَا فِي كُلِّ ذَلِكَ غَيْرُ مُتَعَدِّيَةٍ، وَلاَ ظَالِمَةٍ، فَلاَ شَيْءَ لَهُ عَلَيْهَا. ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَ مَا أَعْتَقَتْ وَأَكَلَتْ وَوَهَبَتْ، وَبَيْنَ مَا اشْتَرَتْ بِهِ شُورَةً وَهَذَا قَوْلٌ لاَ يُعَضِّدُهُ برهان مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، وَلاَ مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلاَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ. وَادَّعَوْا فِي ذَلِكَ عَمَلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وَهَذَا احْتِجَاجٌ فَاسِدٌ، لأََنَّهُ إنْ كَانَ ذَلِكَ عَمَلَ الأَئِمَّةِ الَّذِينَ كَانُوا بِالْمَدِينَةِ، رضي الله عنهم، فَيُعِيذُهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ أَنْ لاَ يَأْمُرُوا بِالْحَقِّ عُمَّالَهُمْ بِالْعِرَاقِ وَالشَّامِ وَسَائِرِ الْبِلاَدِ وَهَذَا بَاطِلٌ مَقْطُوعٌ بِهِ مِمَّنْ ادَّعَاهُ عَلَيْهِمْ. فَإِنْ ادَّعَوْا أَنَّهُمْ فَعَلُوا فَبَدَّلَ ذَلِكَ أَهْلُ الأَمْصَارِ كَانَتْ دَعْوَى فَاسِدَةً، وَلَمْ يَكُنْ فُقَهَاءُ الأَمْصَارِ أَوْلَى بِالتَّبْدِيلِ مِنْ تَابِعِي الْمَدِينَةِ. وَكُلُّ هَذَا بَاطِلٌ قَدْ أَعَاذَ اللَّهُ جَمِيعَهُمْ مِنْ ذَلِكَ فَصَحَّ أَنَّهُ اجْتِهَادٌ مِنْ كُلِّ طَائِفَةٍ قَصَدَتْ بِهِ الْخَيْرَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ومن تزوج فسمى صداقا أو لم يسم فله الدخول
1844 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ تَزَوَّجَ فَسَمَّى صَدَاقًا أَوْ لَمْ يُسَمِّ: فَلَهُ الدُّخُولُ بِهَا أَحَبَّتْ أَمْ كَرِهَتْ وَيُقْضَى لَهَا بِمَا سَمَّى لَهَا أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ، وَلاَ يُمْنَعْ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مِنْ الدُّخُولِ بِهَا، لَكِنْ يُقْضَى لَهُ عَاجِلاً بِالدُّخُولِ، وَيُقْضَى لَهَا عَلَيْهِ حَسْبَمَا يُوجَدُ عِنْدَهُ بِالصَّدَاقِ. فَإِنْ كَانَ لَمْ يُسَمِّ لَهَا شَيْئًا قُضِيَ عَلَيْهِ بِمَهْرِ مِثْلِهَا، إِلاَّ أَنْ يَتَرَاضَيَا بِأَكْثَرَ أَوْ بِأَقَلَّ وَهَذَا مَكَانٌ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِيهِ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ يَقُولُ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إذَا نَكَحَ الْمَرْأَةَ وَسَمَّى لَهَا صَدَاقًا فَأَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهَا فَلِيُلْقِ إلَيْهَا رِدَاءَهُ، أَوْ خَاتَمًا إنْ كَانَ مَعَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ الأَيْلِيُّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لاَ يَصْلُحُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْمَرْأَةِ زَوْجِهِ حَتَّى يُقَدِّمَ إلَيْهَا شَيْئًا مِنْ مَالِهَا مَا رَضِيَتْ بِهِ مِنْ كِسْوَةٍ أَوْ عَطَاءٍ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَقَالَ عَطَاءٌ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعَمْرٌو هُوَ بْنُ دِينَارٍ لاَ يَمَسَّهَا حَتَّى يُرْسِلَ إلَيْهَا بِصَدَاقٍ أَوْ فَرِيضَةٍ. قَالَ عَطَاءٌ، وَعَمْرٌو: إنْ أَرْسَلَ إلَيْهَا بِكَرَامَةٍ لَهَا لَيْسَتْ مِنْ الصَّدَاقِ أَوْ إلَى أَهْلِهَا فَحَسْبُهُ هُوَ يُحِلُّهَا لَهُ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: أَعْطِهَا وَلَوْ خِمَارًا. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: بَلَغَنَا فِي السُّنَّةِ أَنْ لاَ يَدْخُلَ بِامْرَأَةٍ حَتَّى يُقَدِّمَ نَفَقَةً أَوْ يَكْسُوَ كِسْوَةً، ذَلِكَ مِمَّا عَمِلَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ. وقال مالك: لاَ يَدْخُلْ عَلَيْهَا حَتَّى يُعْطِيَهَا مَهْرَهَا الْحَالَّ، فَإِنْ وَهَبَتْهُ لَهُ أُجْبِرَ عَلَى أَنْ يَفْرِضَ لَهَا شَيْئًا

آخَرَ، وَلاَ بُدَّ. وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى إبَاحَةِ دُخُولِهِ عَلَيْهَا وَإِنْ لَمْ يُعْطِهَا شَيْئًا.
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنُ فَارِسٍ الذُّهْلِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ يَحْيَى الْحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحِيمِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ مَرْثَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيِّ هُوَ أَبُو الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم زَوَّجَ رَجُلاً امْرَأَةً بِرِضَاهُمَا فَدَخَلَ بِهَا الرَّجُلُ وَلَمْ يَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا، وَلَمْ يُعْطِهَا شَيْئًا، وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ، وَكَانَ مَنْ شَهِدَهَا لَهُ سَهْمٌ بِخَيْبَرَ، فَحَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ فَقَالَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَوَّجَنِي فُلاَنَةَ وَلَمْ أَفْرِضْ لَهَا صَدَاقًا، وَلَمْ أُعْطِهَا شَيْئًا، وَلَكِنِّي أُشْهِدُكُمْ أَنِّي أَعْطَيْتُهَا مِنْ صَدَاقِهَا سَهْمِي بِخَيْبَرَ، قَالَ: فَأَخَذَتْهُ فَبَاعَتْهُ بِمِائَةِ أَلْفٍ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: اخْتَلَفَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ فِي ذَلِكَ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَهُ وَلَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا، وَمِنْهُمْ مَنْ كَرِهَهُ، قَالَ سَعِيدٌ: وَأَيُّ ذَلِكَ فَعَلَ فَلاَ بَأْسَ بِهِ يَعْنِي دُخُولَ الرَّجُلِ بِالْمَرْأَةِ الَّتِي تَزَوَّجَ وَلَمْ يُعْطِهَا شَيْئًا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، وَيُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ مَنْصُورٌ: عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَقَالَ يُونُسُ: عَنِ الْحَسَنِ، ثُمَّ اتَّفَقَا جَمِيعًا عَلَى أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِأَنْ يَدْخُلَ الرَّجُلُ بِامْرَأَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهَا شَيْئًا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ وَيُسَمِّي لَهَا صَدَاقًا هَلْ يَدْخُلُ عَلَيْهَا وَلَمْ يُعْطِهَا شَيْئًا فَقَالَ الزُّهْرِيُّ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ} فَإِذَا فَرَضَ الصَّدَاقَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ فِي الدُّخُولِ عَلَيْهَا، وَقَدْ مَضَتْ السُّنَّةُ أَنْ يُقَدَّمَ لَهَا شَيْءٌ مِنْ كِسْوَةٍ أَوْ نَفَقَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ثنا حَجَّاجٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ أَنَّ كُرَيْبَ بْنَ أَبِي مُسْلِمٍ وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى أَرْبَعَةِ آلاَفِ دِرْهَمٍ وَدَخَلَ بِهَا قَبْلَ أَنْ يُعْطِيَهَا مِنْ صَدَاقِهَا شَيْئًا وَبِهَذَا يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمْ. وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: كَانُوا يَسْتَحْسِنُونَ أَنْ لاَ يَدْخُلَ بِهَا حَتَّى يُقَدِّمَ لَهَا شَيْئًا. وَقَالَ اللَّيْثُ: إنْ سَمَّى لَهَا مَهْرًا فَأَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُقَدِّمَ لَهَا شَيْئًا، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا. وقال أبو حنيفة: إنْ كَانَ مَهْرُهَا مُؤَجَّلاً فَلَهُ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا أَحَبَّتْ أَمْ كَرِهَتْ حَلَّ الأَجَلُ أَوْ لَمْ يَحِلَّ فَإِنْ كَانَ الصَّدَاقُ نَقْدًا لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا حَتَّى يُؤَدِّيَهُ إلَيْهَا، فَلَوْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا أَنْ تَمْنَعَ نَفْسَهَا مِنْهُ حَتَّى يُوَفِّيَهَا جَمِيعَ صَدَاقِهَا.
قال أبو محمد: أَمَّا تَقْسِيمُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، فَدَعْوَى بِلاَ برهان: لاَ مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَمَنِ سُنَّةٍ، وَلاَ قِيَاسٍ، وَلاَ قَوْلِ مُتَقَدِّمٍ، وَلاَ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ قَوْلُ مَنْ أَبَاحَ دُخُولَهُ عَلَيْهَا وَإِنْ لَمْ يُعْطِهَا شَيْئًا أَوْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ. فَنَظَرْنَا فِي حُجَّةِ مَنْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ فَوَجَدْنَاهُمْ يَحْتَجُّونَ بِحَدِيثٍ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَلِيًّا أَنْ يَدْخُلَ بِفَاطِمَةَ رضي الله عنهما

حَتَّى يُعْطِيَهَا شَيْئًا.
قال أبو محمد: وَهَذَا خَبَرٌ لاَ يَصِحُّ، لأََنَّهُ إنَّمَا جَاءَ مِنْ طَرِيقٍ مُرْسَلَةٍ، أَوْ فِيهَا مَجْهُولٌ، أَوْ ضَعِيفٌ وَقَدْ تَقَصَّيْنَا طُرُقَهَا وَعِلَلَهَا فِي " كِتَابِ الإِيصَالِ " إِلاَّ أَنَّ صِفَتَهَا كُلَّهَا مَا ذَكَرْنَا هَاهُنَا، لاَ يَصِحُّ شَيْءٌ إِلاَّ خَبَرٌ: مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: تَزَوَّجْتُ فَاطِمَةَ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنِ لِي فَقَالَ: "أَعْطِهَا شَيْئًا" : فَقُلْتُ: مَا عِنْدِي شَيْءٌ، قَالَ: فَأَيْنَ دِرْعُكَ الْحُطَمِيَّةُ قُلْتُ: هُوَ عِنْدِي، قَالَ: "فَأَعْطِهَا إيَّاهُ" .
قال أبو محمد: إنَّمَا كَانَ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ صَدَاقُهَا، لاَ عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ الدُّخُولُ إِلاَّ حَتَّى يُعْطِيَهَا شَيْئًا، وَقَدْ جَاءَ هَذَا مُبَيَّنًا: كَمَا، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ قَالَ: ، حَدَّثَنَا أَبِي قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ قَالَ: حَدَّثَنِي جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ حَمَّادٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ الأَسْلَمِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَلِمْتَ قِدَمِي فِي الإِسْلاَمِ وَمُنَاصَحَتِي وَإِنِّي وَإِنِّي قَالَ: "وَمَا ذَاكَ يَا عَلِيٌّ" قَالَ: تُزَوِّجُنِي فَاطِمَةَ قَالَ: مَا عِنْدَكَ قُلْتُ: عِنْدِي فَرَسِي وَدِرْعِي، قَالَ: "أَمَّا فَرَسُكَ فَلاَ بُدَّ لَكَ مِنْهَا، وَأَمَّا دِرْعُكَ فَبِعْهَا" ، قَالَ: فَبِعْتُهَا بِأَرْبَعِمِائَةٍ وَثَمَانِينَ فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَوَضَعْتُهَا فِي حِجْرِهِ، ثُمَّ قَبَضَ مِنْهَا قَبْضَةً وَقَالَ: يَا بِلاَلُ أَبْغِنَا بِهَا طِيبًا وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ فَهَذَا بَيَانٌ أَنَّ الدِّرْعَ إنَّمَا ذُكِرَتْ فِي الصَّدَاقِ لاَ مِنْ أَجْلِ الدُّخُولِ، لأََنَّهَا قِصَّةٌ وَاحِدَةٌ بِلاَ شَكٍّ.
قال أبو محمد: وَقَدْ جَاءَ فِي هَذَا أَثَرٌ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ نَا مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ خَيْثَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَنَّ رَجُلاً تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَجَهَّزَهَا إلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَ شَيْئًا. قَالَ عَلِيٌّ: خَيْثَمَةُ مِنْ أَكَابِرِ أَصْحَابِ ابْنِ مَسْعُودٍ وَصَحِبَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، رضي الله عنهم.قَالَ عَلِيٌّ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} .وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي أَنَّهُ مِنْ حِينِ يُعْقَدُ الزَّوَاجُ فَإِنَّهَا زَوْجَةٌ لَهُ " فَهُوَ حَلاَلٌ لَهَا وَهِيَ حَلاَلٌ لَهُ، فَمَنْ مَنَعَهَا مِنْهُ حَتَّى يُعْطِيَهَا الصَّدَاقَ أَوْ غَيْرَهُ فَقَدْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ بِلاَ نَصٍّ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، وَلاَ مِنْ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم لَكِنَّ الْحَقَّ مَا قلنا أَنْ لاَ يُمْنَعَ حَقَّهُ مِنْهَا، وَلاَ تُمْنَعَ هِيَ حَقَّهَا مِنْ صَدَاقِهَا، لَكِنْ يُطْلَقُ عَلَى الدُّخُولِ عَلَيْهَا أَحَبَّتْ أَمْ كَرِهَتْ وَيُؤْخَذُ مِمَّا يُوجَدُ لَهُ صَدَاقُهَا أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ. وَصَحَّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَصْوِيبُ قَوْلِ الْقَائِلِ: "أَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ" وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وكل نكاح عقد على صداق فاسد أو على شرط فاسد
1845 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ نِكَاحٍ عُقِدَ عَلَى صَدَاقٍ فَاسِدٍ، أَوْ عَلَى شَرْطٍ فَاسِدٍ، مِثْلُ أَنْ يُؤَجَّلَ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى أَوْ غَيْرِ مُسَمًّى، أَوْ بَعْضُهُ إلَى أَجَلٍ كَذَلِكَ، أَوْ عَلَى خَمْرٍ، أَوْ عَلَى خِنْزِيرٍ، أَوْ عَلَى مَا يَحِلُّ مِلْكُهُ، أَوْ عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، أَوْ عَلَى أَنْ لاَ يَنْكِحَ عَلَيْهَا، أَوْ أَنْ لاَ يَتَسَرَّى عَلَيْهَا، أَوْ أَنْ لاَ يُرَحِّلَهَا، عَنْ بَلَدِهَا، أَوْ، عَنْ دَارِهَا، أَوْ أَنْ لاَ يَغِيبَ مُدَّةً أَكْثَرَ مِنْ كَذَا، أَوْ عَلَى أَنْ يُعْتِقَ أُمَّ وَلَدِهِ فُلاَنَةَ، أَوْ عَلَى أَنْ يُنْفِقَ عَلَى وَلَدِهَا، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَهُوَ نِكَاحٌ فَاسِدٌ مَفْسُوخٌ أَبَدًا وَإِنْ وَلَدَتْ لَهُ الأَوْلاَدَ، وَلاَ يَتَوَارَثَانِ، وَلاَ يَجِبُ فِيهِ نَفَقَةٌ، وَلاَ صَدَاقٌ، وَلاَ عِدَّةٌ. وَهَكَذَا كُلُّ نِكَاحٍ فَاسِدٍ، حَاشَا الَّتِي تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا جَاهِلَةً فَوَطِئَهَا، فَإِنْ كَانَ سَمَّى لَهَا مَهْرًا فَلَهَا الَّذِي سُمِّيَ لَهَا، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُسَمِّ لَهَا مَهْرًا فَلَهَا عَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَطِئَهَا فَلاَ شَيْءَ لَهَا. فَإِنْ كَانَ الصَّدَاقُ الْفَاسِدُ، وَالشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ إنَّمَا تَعَاقَدَاهَا بَعْدَ صِحَّةِ عَقْدِ النِّكَاحِ خَالِيًا مِنْ كُلِّ ذَلِكَ فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ تَامٌّ، وَيُفْسَخُ الصَّدَاقُ، وَيُقْضَى لَهَا بِمَهْرِ مِثْلِهَا، إِلاَّ أَنْ يَتَرَاضَيَا بِأَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ، فَذَلِكَ جَائِزٌ، وَتَبْطُلُ الشُّرُوطُ كُلُّهَا.
برهان ذَلِكَ: قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَهَذِهِ كُلُّهَا شُرُوطٌ لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهِيَ بَاطِلَةٌ. وَكَذَلِكَ تَأْجِيلُ الصَّدَاقِ أَوْ بَعْضِهِ، لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} فَمَنْ شَرَطَ أَنْ لاَ يُؤْتِيَهَا صَدَاقَهَا أَوْ بَعْضَهُ مُدَّةً مَا فَقَدْ اشْتَرَطَ خِلاَفَ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي الْقُرْآنِ. وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدّ"ٌ . وَالْخَبَرَانِ صَحِيحَانِ مَشْهُورَانِ
وَقَدْ ذَكَرْنَاهُمَا بِأَسَانِيدِهِمَا فِيمَا سَلَفَ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ بِنَصِّ كَلاَمِهِ عليه الصلاة والسلام وَبِضَرُورَةِ الْعَقْلِ، يَدْرِي كُلُّ ذِي عَقْلٍ أَنَّ كُلَّ مَا عُقِدَتْ صِحَّتُهُ بِصِحَّةِ مَا لاَ يَصِحُّ، فَإِنَّهُ لاَ يَصِحُّ، فَكُلُّ نِكَاحٍ عُقِدَ عَلَى أَنْ لاَ صِحَّةَ لَهُ إِلاَّ بِصِحَّةِ الشُّرُوطِ الْمَذْكُورَةِ فَلاَ صِحَّةَ لَهُ فَإِذْ لاَ صِحَّةَ لَهُ فَلَيْسَتْ زَوْجَةً، وَإِذْ لَيْسَتْ زَوْجَةً: فَإِنْ كَانَ عَالِمًا فَعَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا، وَلاَ يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ لأََنَّ النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام قَالَ: "الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ" فَلَيْسَ إِلاَّ فِرَاشٌ أَوْ عِهْرٌ، فَإِذْ لَيْسَتْ فِرَاشًا فَهُوَ عِهْرٌ، وَالْعِهْرُ لاَ يُلْحَقُ فِيهِ وَلَدٌ، وَالْحَدُّ فِيهِ وَاجِبٌ. فَإِنْ كَانَ جَاهِلاً فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ وَالْوَلَدُ لاَحِقٌ بِهِ، لأََنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَتَى بِالْحَقِّ، وَلَمْ تَزَلْ النَّاسُ يُسْلِمُونَ وَفِي نِكَاحِهِمْ الصَّحِيحُ وَالْفَاسِدُ، كَالْجَمْعِ بَيْنَ الأُُخْتَيْنِ، وَنِكَاحِ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعٍ، وَامْرَأَةِ الأَبِ، فَفَسَخَ عليه الصلاة والسلام كُلَّ ذَلِكَ وَأُلْحِقَ فِيهِ الأَوْلاَدُ، فَالْوَلَدُ لاَحِقٌ بِالْجَاهِلِ لِمَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا اسْتِثْنَاؤُنَا الَّتِي نُكِحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ، فَلِلْخَبَرِ

الثَّابِتِ الَّذِي ذَكَرْنَا قَبْلُ بِإِسْنَادِهِ مِنْ قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: " أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ" إلَى قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: "فَالْمَهْرُ لَهَا بِمَا أَصَابَ مِنْهَا" وَصَحَّ أَيْضًا فَلَهَا مَهْرُهَا بِمَا أَصَابَ مِنْهَا. فَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام: "فَالْمَهْرُ لَهَا" تَعْرِيفٌ بِالأَلِفِ وَاللاَّمِ. وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام: "فَلَهَا مَهْرُهَا" إضَافَةُ الْمَهْرِ إلَيْهَا، فَهَذَانِ اللَّفْظَانِ يُوجِبَانِ لَهَا الْمَهْرَ الْمَعْهُودَ الْمُسَمَّى وَمَهْرًا يَكُونُ لَهَا إنْ لَمْ يَكُنْ هُنَالِكَ مَهْرٌ مُسَمًّى وَهُوَ مَهْرُ مِثْلِهَا، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَحْكُمَ بِهَذَا لِكُلِّ نِكَاحٍ فَاسِدٍ، لأََنَّهُ قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ. وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام: إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ فَصَحَّ يَقِينًا: أَنَّ مَالَهُ حَرَامٌ عَلَيْهَا إِلاَّ بِنَصِّ قُرْآنٍ، أَوْ سُنَّةٍ، وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا. وَنَحْنُ نَشْهَدُ بِشَهَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ أَرَادَ أَنْ يَجْعَلَ فِي الْوَطْءِ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ مَهْرًا لَبَيَّنَهُ فِي كِتَابِهِ، أَوْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ فِي الَّتِي نُكِحَتْ بِغَيْرِ إذْنِ وَلِيِّهَا، وَلَمَا اقْتَصَرَ عَلَى هَذِهِ وَحْدِهَا دُونَ غَيْرِهَا تَلَبُّسًا عَلَى عِبَادِهِ، وَحَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا. فَإِنْ قَالُوا: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} وَالْوَطْءُ فِي النِّكَاحِ الْفَاسِدِ اعْتِدَاءٌ وَحُرْمَةٌ مُنْتَهَكَةٌ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يُعْتَدَىَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ بِمِثْلِ ذَلِكَ، وَأَنْ يَقْتَصَّ بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي مَالِهِ قلنا: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَقٌّ، وَإِنْتَاجُكُمْ مِنْهُ عَيْنُ الْبَاطِلِ، لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ أَنْ يُعْتَدَى عَلَى الْمُعْتَدِي، وَيُقَصَّ مِنْهُ حُرْمَتُهُ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْهِ فِي حُرْمَتِهِ، وَلَيْسَ الْمَالُ مِثْلاً لِلْفَرْجِ، إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ نَصٌّ فَيُوقَفُ عِنْدَهُ وَلَوْ كَانَ هَذَا لَوَجَبَ عَلَى مَنْ ضَرَبَ آخَرَ أَوْ شَتَمَهُ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْ مَالِهِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَأَنْ يُعْتَدَىَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ، وَلَوَجَبَ أَيْضًا عَلَى مَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ أَوْ لاَطَ بِغُلاَمٍ مَهْرُ مِثْلِهَا أَوْ غَرَامَةٌ مَا، وَهَذِهِ أَحْكَامُ الشَّيْطَانِ، وَطُغَاةِ الْعُمَّالِ، وَفُسَّاقِ الشُّرَطِ، لَيْسَ أَحْكَامَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلاَ أَحْكَامَ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى وَحُكْمُ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ لاَ تُتَعَدَّى حُدُودُهُ، فَإِذَا حَكَمَ بِغَرَامَةِ مَالٍ حَكَمْنَا بِهَا، وَإِذَا لَمْ يَحْكُمْ بِهَا لَمْ نَحْكُمْ بِهَا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه الَّذِي حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّصْرِيُّ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِي، حَدَّثَنَا جَدِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ " إنْ كَانَ النِّكَاحُ حَرَامًا فَالصَّدَاقُ حَرَامٌ ". وَذَكَرْنَا فِعْلَ ابْنِ عُمَرَ فِي إبْطَالِهِ صَدَاقَ الَّتِي تَزَوَّجَهَا عَبْدُهُ

بِغَيْرِ إذْنِهِ. كَمَا نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ مَطَرٍ الْوَرَّاقِ، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ إذَا تَزَوَّجَ عَبْدُهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ جَلَدَهُ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ: أَبَحْت فَرْجَك وَلَمْ يَجْعَلْ لَهَا صَدَاقًا. وبه إلى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ قَالَ سَمِعْت الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ يَقُولُ فِي الْحُرَّةِ الَّتِي تَتَزَوَّجُ الْعَبْدَ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ: أَبَاحَتْ فَرْجَهَا، لاَ شَيْءَ لَهَا. وبه إلى مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كُلُّ فَرْجٍ لاَ يُحَلُّ فَلاَ مَهْرَ لَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنْ فُقَهَائِهِمْ فِي الَّتِي يَنْكِحُهَا الْعَبْدُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ قَالَ: يَأْخُذُ السَّيِّدُ مِنْهَا مَا أَصْدَقَهَا غُلاَمُهُ عَجَّلَتْ قَبْلَ أَنْ تَعْلَمَ. وبه إلى عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّهُ قَالَ: فِي الَّتِي تَنْكِحُ فِي عِدَّتِهَا: مَهْرُهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ شُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ قَالَ: سَأَلْت الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ، وَحَمَّادَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنِ الْعَبْدِ يَتَزَوَّجُ الْحُرَّةَ بِغَيْرِ إذْنِ مَوْلاَهُ فَقَالاَ جَمِيعًا: يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا، وَلاَ صَدَاقَ لَهَا، وَيُؤْخَذُ مِنْهَا مَا أَخَذَتْ. وَنَحْوُ هَذَا، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا. وَأَمَّا مَالِكٌ: فَإِنَّهُ فَرَّقَ هَاهُنَا فُرُوقًا لاَ تُفْهَمُ: فَمِنْهَا: نِكَاحَاتٌ هِيَ عِنْدَهُ فَاسِدَةٌ تُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَتَصِحُّ بَعْدَ الدُّخُولِ. وَمِنْهَا: مَا يَفْسَخُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَ الدُّخُولِ أَيْضًا مَا كَانَ مِنْ قُرْبٍ فَإِذَا طَالَ بَقَاؤُهُ مَعَهَا لَمْ يَفْسَخْهُ. وَمِنْهَا: مَا يَفْسَخُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَ الدُّخُولِ، وَإِنْ طَالَ بَقَاؤُهُ مَعَهَا مَا لَمْ تَلِدْ لَهُ أَوْلاَدًا، فَإِنْ وَلَدَتْ لَهُ أَوْلاَدًا لَمْ يَفْسَخْهُ. وَمِنْهَا: مَا يَفْسَخُهُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَبَعْدَهُ، وَإِنْ طَالَ بَقَاؤُهُ مَعَهَا وَوَلَدَتْ لَهُ الأَوْلاَدَ. وَهَذِهِ عَجَائِبُ لاَ يَدْرِي أَحَدٌ مِنْ أَيْنَ قَالَهَا، وَلاَ نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهَا قَبْلَهُ، وَلاَ مَعَهُ إِلاَّ مِنْ قَلَّدَهُ مَنْ الْمُنْتَمِينَ إلَيْهِ، وَلاَ يَخْلُو كُلُّ نِكَاحٍ فِي الْعَالَمِ مِنْ أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا أَوْ غَيْرَ صَحِيحٍ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ، فَالصَّحِيحُ صَحِيحٌ أَبَدًا إِلاَّ أَنْ يُوجِبَ فَسْخَهُ قُرْآنٌ أَوْ سُنَّةٌ، فَيُفْسَخُ بَعْدَ صِحَّتِهِ مَتَى وَقَعَتْ الْحَالُ الَّتِي جَاءَ النَّصُّ بِفَسْخِهِ مَعَهَا. وَأَمَّا الَّذِي لَيْسَ صَحِيحًا فَلاَ يَصِحُّ أَبَدًا، لأََنَّ الْفَرْجَ الْحَرَامَ لاَ يُحِلُّهُ الدُّخُولُ بِهِ وَطْؤُهُ، وَلاَ طُولُ الْبَقَاءِ عَلَى اسْتِحْلاَلِهِ بِالْبَاطِلِ، وَلاَ وِلاَدَةُ الأَوْلاَدِ مِنْهُ، بَلْ هُوَ حَرَامٌ أَبَدًا. فَإِنْ قَالُوا: لَيْسَ بِحَرَامٍ قلنا: فَلِمَ فَسَخْتُمْ الْعَقْدَ عَلَيْهِ قَبْلَ الدُّخُولِ إذًا وَهُوَ صَحِيحٌ غَيْرُ حَرَامٍ وَهَذِهِ أُمُورٌ لاَ نَدْرِي كَيْفَ يَنْشَرِحُ قَلْبُ مَنْ نَصَحَ نَفْسَهُ لأَعْتِقَادِهَا، أَوْ كَيْفَ يَنْطَلِقُ لِسَانُهُ بِنَصْرِهَا وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ.

وَأَمَّا كُلُّ عَقْدٍ صَحَّ ثُمَّ لَمَّا صَحَّ تَعَاقَدَا شُرُوطًا فَاسِدَةً فَإِنَّ الْعَقْدَ صَحِيحٌ لاَزِمٌ، وَإِذْ هُوَ صَحِيحٌ لاَزِمٌ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُبْطَلَ بِغَيْرِ قُرْآنٍ، أَوْ سُنَّةٍ وَمُحَرِّمُ الْحَلاَلِ كَمُحَلِّلِ الْحَرَامِ، وَلاَ فَرْقَ، لَكِنْ تَبْطُلُ تِلْكَ الشُّرُوطُ الْفَاسِدَةُ أَبَدًا وَيُفْسَخُ حُكْمُ مَنْ حَكَمَ بِإِمْضَائِهَا، وَالْحَقُّ حَقٌّ، وَالْبَاطِلُ بَاطِلٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :{لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} وَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى { وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِه} ِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وكل ما جاز أن يمتلك بالهبة أو بالميراث فجائز أن يكون صداقا
1846 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَا جَازَ أَنْ يُتَمَلَّكَ بِالْهِبَةِ أَوْ بِالْمِيرَاثِ فَجَائِزٌ أَنْ يَكُون صَدَاقًا وَأَنْ يُخَالَعَ بِهِ وَأَنْ يُؤَاجَرَ بِهِ سَوَاءٌ حَلَّ بَيْعُهُ أَوْ لَمْ يَحِلَّ كَالْمَاءِ، وَالْكَلْبِ، وَالسِّنَّوْرِ، وَالثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ يَبْدُ صَلاَحُهَا وَالسُّنْبُلِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَدَّ، لأََنَّ النِّكَاحَ لَيْسَ بَيْعًا، هَذَا مَا لاَ يَشُكُّ فِيهِ ذُو حِسٍّ سَلِيمٍ. وَقَالَ بَعْضُ الْغَافِلِينَ: لاَ يَحِلُّ الصَّدَاقُ بِمَا لاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ وَهَذَا حُكْمٌ فَاسِدٌ بِلاَ برهان، لاَ مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ سُنَّةٍ، وَلاَ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلاَ قِيَاسٍ، وَلاَ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ يُعْقَلُ، وَلَيْتَ شِعْرِي مَاذَا بَاعَ أَوْ مَاذَا اشْتَرَى أَرَقَبَتَهَا فَبَيْعُ الْحُرِّ لاَ يَجُوزُ أَمْ فَرْجَهَا فَهَذَا أَبْيَنُ فِي الْحَرَامِ وَهُوَ قَدْ اسْتَحَلَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَرْجَهَا الَّذِي كَانَ حَرَامًا عَلَيْهِ قَبْلَ النِّكَاحِ كَمَا اسْتَحَلَّتْ بِكَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَرْجَهُ الَّذِي كَانَ حَرَامًا عَلَيْهَا قَبْلَ النِّكَاحِ فَفَرْجٌ بِفَرْجٍ وَبَشَرَةٌ بِبَشَرَةٍ، وَأَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَحْدَهُ الصَّدَاقَ لَهَا زِيَادَةً عَلَى اسْتِحْلاَلِهَا فَرْجَهُ، وَلَيْسَ الْبَيْعُ هَكَذَا إنَّمَا هُوَ جِسْمٌ يُبَادَلُ بِجِسْمٍ، أَحَدُهُمَا ثَمَنٌ وَالآخَرُ مَبِيعٌ مَثْمُونٌ لاَ زِيَادَةَ هَاهُنَا لأََحَدِهِمَا عَلَى الآخَرِ، فَوَضَحَ لِكُلِّ ذِي عَقْلٍ سَلِيمٍ فَسَادُ قَوْلِ مَنْ شَبَّهَ النِّكَاحَ بِالْبَيْعِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْبَيْعَ بِغَيْرِ ذِكْرِ ثَمَنٍ لاَ يَحِلُّ وَالنِّكَاحُ بِغَيْرِ ذِكْرِ صَدَاقٍ حَلاَلٌ صَحِيحٌ، وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ يَمْنَعُونَ النِّكَاحَ بِصَدَاقِ ثَمَرَةٍ لَمْ يَبْدُ صَلاَحُهَا قِيَاسًا عَلَى الْبَيْعِ ثُمَّ أَجَازُوا النِّكَاحَ بِوَصِيفٍ وَبَيْتٍ وَخَادِمٍ، وَهَكَذَا غَيْرُ مَوْصُوفٍ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلاَ يَحِلُّ عِنْدَهُمْ بَيْعُ وَصَيْفٍ، وَلاَ بَيْعُ بَيْتٍ، وَلاَ بَيْعُ خَادِمٍ غَيْرِ مُعَيَّنٍ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلاَ مَوْصُوفٍ وَهَذَا كَمَا تَرَى وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ التَّهَوُّكِ فِي الْخَطَأِ فِي الدِّينِ.

وجائز أن يكون صداقا كل ما له نصف قل أو كثر ولو أنه حبة بر
1847 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا كُلُّ مَا لَهُ نِصْفٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَلَوْ أَنَّهُ حَبَّةُ بُرٍّ أَوْ حَبَّةُ شَعِيرٍ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ كُلُّ عَمَلٍ حَلاَلٍ مَوْصُوفٍ، كَتَعْلِيمِ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ مِنْ الْعِلْمِ أَوْ الْبِنَاءِ أَوْ الْخِيَاطَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ إذَا تَرَاضَيَا بِذَلِكَ وَوَرَدَ فِي هَذَا اخْتِلاَفٌ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ دَاوُد بْنِ يَزِيدَ الأَوْدِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: لاَ يَكُونُ صَدَاقٌ أَقَلَّ مِنْ عَشْرَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ حَسَنٍ صَاحِبٍ لَهُ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ دَاوُد بْنِ يَزِيدَ الأَوْدِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ

ومن أعتق أمته على أن يتزوجها
1848 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ عَلَى أَنْ يَتَزَوَّجَهَا وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا لاَ صَدَاقَ لَهَا غَيْرُهُ: فَهُوَ صَدَاقٌ صَحِيحٌ، وَنِكَاحٌ صَحِيحٌ، وَسُنَّةٌ فَاضِلَةٌ. فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَهِيَ حُرَّةٌ، وَلاَ يَرْجِعُ عَلَيْهَا بِشَيْءٍ، فَلَوْ أَبَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ بَطَلَ عِتْقُهَا وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ كَمَا كَانَتْ. وَفِي هَذَا خِلاَفٌ مُتَأَخِّرٌ: قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، وَزُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ، وَمَالِكٌ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَاللَّيْثُ: لاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عِتْقُ الأَمَةِ صَدَاقَهَا. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَزُفَرُ، وَمُحَمَّدٌ، وَمَالِكٌ: إنْ فَعَلَ فَلَهَا عَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا وَهِيَ حُرَّةٌ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا إنْ أَبَتْ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ: فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمُحَمَّدٌ: تَسْعَى لَهُ فِي قِيمَتِهَا. وقال مالك، وَزُفَرُ: لاَ شَيْءَ لَهُ عَلَيْهَا. قَالَ عَلِيٌّ: الْبُرْهَانُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا وَبُطْلاَنُ قَوْلِ هَؤُلاَءِ: الْخَبَرُ الْمَشْهُورُ الثَّابِتُ الَّذِي

رُوِّينَاهُ مِنْ طُرُقٍ شَتَّى كَثِيرَةٍ: مِنْهَا: مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: ثنا قُتَيْبَةُ ثنا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ، ثُمَّ اتَّفَقَ ثَابِتٌ، وَقَتَادَةُ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ كُلُّهُمْ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَعْتَقَ صَفِيَّةَ وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا" قَالَ قَتَادَةُ فِي رِوَايَتِهِ: ثُمَّ جَعَلَ.
قال أبو محمد: فَاعْتَرَضَ مَنْ خَالَفَ الْحَقَّ عَلَى هَذَا الْخَبَرِ بِأَنْ قَالَ: لاَ يَخْلُو أَنْ يَكُونَ تَزَوَّجَهَا وَهِيَ مَمْلُوكَةٌ، فَهَذَا لاَ يَجُوزُ بِلاَ خِلاَفٍ، أَوْ يَكُونَ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ أَنْ أَعْتَقَهَا فَهَذَا نِكَاحٌ بِلاَ صَدَاقٍ. قال علي: هذا أَحْمَقُ كَلاَمٍ سُمِعَ لِوُجُوهٍ:
أَوَّلُهَا أَنَّهُ اعْتِرَاضٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهَذَا انْسِلاَخٌ مِنْ الإِسْلاَمِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ اعْتِرَاضٌ مُمَوَّهٌ سَاقِطٌ، لأََنَّنَا نَقُولُ لَهُمْ: مَا تَزَوَّجَهَا إِلاَّ وَهِيَ حُرَّةٌ بَعْدَ صِحَّةِ الْعِتْقِ لَهَا، وَذَلِكَ الْعِتْقُ الَّذِي صَحَّ لَهَا بِشَرْطِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا بِهِ وَهُوَ صَدَاقُهَا، قَدْ أَتَاهَا إيَّاهُ، وَاسْتَوْفَتْهُ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَنْ أَعْطَى امْرَأَةً دَرَاهِمَ ثُمَّ خَطَبَهَا فَتَزَوَّجَهَا عَلَى تِلْكَ الدَّرَاهِمِ الَّتِي لَهُ عِنْدَهَا، وَهُمْ لاَ يُنْكِرُونَ هَذَا. وَالثَّالِثُ أَنَّهُمْ لَوْ سَأَلُوا أَنْفُسَهُمْ هَذَا السُّؤَالَ فِي أَقْوَالِهِمْ الْفَاسِدَةِ لاََصَابُوا مِثْلُ تَوْرِيثِهِمْ الْمُطَلَّقَةَ ثَلاَثًا فِي الْمَرَضِ فَنَقُولُ لَهُمْ: لاَ يَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونُوا وَرَّثْتُمُوهَا وَهِيَ زَوْجَةٌ لَهُ، أَوْ وَهِيَ لَيْسَتْ بِزَوْجَةٍ لَهُ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى قَسَمٍ ثَالِثٍ: فَإِنْ كَانَتْ زَوْجَتَهُ فَقَدْ كَانَ تَلَذُّذُهُ بِمُبَاشَرَتِهَا، وَنَظَرُهُ إلَى فَرْجِهَا حَلاَلٌ لَهُ مَا دَامَ يَجْرِي فِيهِ الرُّوحُ، وَأَنْتُمْ تُحَرِّمُونَ عَلَيْهِ ذَلِكَ بَتْلاً قَطْعًا. وَإِنْ كَانَتْ لَيْسَتْ زَوْجًا لَهُ، وَلاَ أُمًّا لَهُ، وَلاَ بِنْتًا لَهُ، وَلاَ جَدَّةً لَهُ، وَلاَ بِنْتَ ابْنٍ لَهُ، وَلاَ أُخْتًا، وَلاَ مُعْتَقَةً، وَلاَ ذَاتَ رَحِمٍ، فَهَذَا عَيْنُ الظُّلْمِ، وَإِعْطَاءُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ. فَإِنْ ادَّعَوْا اتِّبَاعَ الصَّحَابَةِ قلنا: نَحْنُ أَوْلَى بِالصَّوَابِ، وَبِوُضُوحِ الْعُذْرِ، وَبِتَرْكِ الأَعْتِرَاضِ عَلَيْنَا، إذْ إنَّمَا اتَّبَعْنَا هَاهُنَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَالصَّحَابَةَ أَيْضًا، وَالتَّابِعِينَ زِيَادَةً، فَكَيْفَ وَقَدْ كَذَبْتُمْ فِي دَعَوَاكُمْ اتِّبَاعَ الصَّحَابَةِ فِي تَوْرِيثِ الْمُطَلَّقَةِ ثَلاَثًا فِي الْمَرَضِ، عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِهِ وَأَقْرَبُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ، عَنْ عُمَرَ، وَالْمَشْهُورُ، عَنْ عُثْمَانَ أَنَّهُ لَمْ يُعِدَّهُ طَلاَقًا، وَفِي قَوْلِهِمْ فِي وَلَدِ الْمُسْتَحَقَّةِ: إنَّهُمْ أَحْرَارٌ وَعَلَى أَبِيهِمْ قِيمَتُهُمْ فَنَقُولُ لَهُمْ: لاَ يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونُوا أَحْرَارًا أَوْ عَبِيدًا، فَإِنْ كَانُوا أَحْرَارًا فَثَمَنُ الْحُرِّ حَرَامٌ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ، وَإِنْ كَانُوا عَبِيدًا فَبَيْعُ الْعَبِيدِ مِنْ غَيْرِ رِضَا سَيِّدِهِمْ حَرَامٌ إِلاَّ بِنَصٍّ وَمِثْلُ هَذَا لَهُمْ كَثِيرٌ جِدًّا وقال بعضهم: الْعِتْقُ لَيْسَ مَالاً، فَهُوَ كَالطَّلاَقِ فِي أَنَّ الْعِتْقَ يَبْطُلُ بِهِ الرِّقُّ فَقَطْ، وَالطَّلاَقُ يَبْطُلُ بِهِ النِّكَاحُ فَقَطْ، فَلَوْ أَنَّهُ طَلَّقَهَا عَلَى أَنْ يَكُونَ

طَلاَقُهَا مَهْرًا لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ الْعِتْقُ.
قال أبو محمد: وَهَذَا قَوْلٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَالسَّخَافَةِ، لأََنَّهُ قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ، لأََنَّ قِيَاسَ أَصْلٍ عَلَى أَصْلٍ آخَرَ لاَ يَجُوزُ عِنْدَهُمْ، وَلاَ شَبَهَ بَيْنَ الطَّلاَقِ وَالْعِتْقِ، لأََنَّ الْعِتْقَ يُبْطِلُ الرِّقَّ كَمَا قَالُوا، وَأَمَّا الطَّلاَقُ فَقَدْ كَذَبُوا فِي قَوْلِهِمْ إنَّهُ يُبْطِلُ النِّكَاحَ، بَلْ لِلْمُطَلِّقِ الَّذِي وَطِئَهَا دُونَ الثَّلاَثِ أَنْ يَرْتَجِعَهَا فَصَحَّ أَنَّهُ لَمْ يَبْطُلْ نِكَاحُهُ، بِخِلاَفِ الْعِتْقِ الَّذِي لاَ يَجُوزُ لَهُ ارْتِجَاعُهُ فِي الرِّقِّ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْعِتْقَ إخْرَاجٌ، عَنْ مِلْكِهِ، وَلَيْسَ الطَّلاَقُ كَذَلِكَ فَبَطَلَ تَمْوِيهُهُمْ الْبَارِدُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وقال بعضهم: هَذَا خَاصٌّ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
قال أبو محمد: هَذَا كَذِبٌ، وَمُخَالَفَةٌ لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} فَكُلُّ فِعْلٍ فَعَلَهُ عليه الصلاة والسلام لَنَا الْفَضْلُ فِي الأَئْتِسَاءِ بِهِ عليه الصلاة والسلام مَا لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِأَنَّهُ خُصُوصٌ فَنَقِفُ عِنْدَهُ، وَلَوْ قَالُوا هَذَا لأََنْفُسِهِمْ فِي إجَازَتِهِمْ الْمَوْهُوبَةَ الَّتِي لاَ تَحِلُّ لِغَيْرِهِ عليه الصلاة والسلام لَوَفَّقُوا.
وقال بعضهم: قَدْ رَوَيْتُمْ فِي ذَلِكَ مَا كَتَبَ بِهِ إلَيْكُمْ دَاوُد بْنُ بَابْشَاذَ قَالَ: ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُرَّةَ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيَّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُد، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَ، هُوَ ابْنُ كَاسِبٍ قَالَ: نَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ قَالَ: كَتَبَ إلَيَّ نَافِعٌ: "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ جُوَيْرِيَةَ فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَأَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا" أَخْبَرَنِي بِذَلِكَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ كَانَ فِي ذَلِكَ الْجَيْشِ قَالُوا: وَابْنُ عُمَرَ لاَ يَرَى ذَلِكَ، فَمُحَالٌ أَنْ يَتْرُكَ مَا رَوَى إِلاَّ لِفَضْلِ عِلْمٍ عِنْدَهُ، بِخِلاَفِ ذَلِكَ
قال أبو محمد: لَوْ صَحَّ مَا ذَكَرُوهُ: مِنْ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ لَمْ يَرَ ذَلِكَ لَمَا كَانَتْ فِيهِ حُجَّةٌ، لأََنَّ الْحُجَّةَ الَّتِي أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهَا وَبِاتِّبَاعِهَا، إنَّمَا هِيَ مَا رَوَوْهُ لَنَا، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ مَا رَوَاهُ مَنْ رَآهُ مِنْهُمْ بِرَأْيٍ اجْتَهَدَ فِيهِ وَأَصَابَ: إنْ وَافَقَ النَّصَّ فَلَهُ أَجْرَانِ، أَوْ أَخْطَأَ إنْ خَالَفَ النَّصَّ غَيْرَ قَاصِدٍ إلَى خِلاَفِهِ فَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ. وَقَدْ أَفْرَدْنَا فِي كِتَابِنَا الْمَوْسُومِ بِ " الإِعْرَابُ فِي كَشْفِ الأَلْتِبَاسِ " بَابًا ضَخْمًا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ فِيمَا تَنَاقَضُوا فِيهِ فِي هَذَا الْمَكَانِ، فَأَخَذُوا بِرِوَايَةِ الصَّاحِبِ وَخَالَفُوا رَأْيَهُ الَّذِي خَالَفَ بِهِ مَا رَوَى. وَاَلَّذِي نَعْرِفُهُ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فَهُوَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، وَجَرِيرٌ كِلاَهُمَا، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: " إنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ فِي الرَّجُلِ يُعْتِقُ الْجَارِيَةَ ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا كَالرَّاكِبِ بَدَنَتَهُ " قَالَ إبْرَاهِيمُ: وَكَانَ أَعْجَبُ ذَلِكَ إلَى أَصْحَابِنَا أَنْ يَجْعَلُوا عِتْقَهَا صَدَاقَهَا

فَإِنَّمَا كَرِهَ ابْنُ عُمَرَ زَوَاجَ الْمَرْءِ مَنْ أَعْتَقَهَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَطْ. فَبَطَلَ كَيْدُهُمْ الضَّعِيفُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
قال أبو محمد: وَالْخَبَرُ الْمَذْكُورُ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ كَتَبَ بِهِ إلَى دَاوُد بْنِ بَابْشَاذَ قَالَ: نَا عَبْدُ الْغَنِيِّ بْنُ سَعِيدٍ ثَنَا هِشَامُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قُرَّةَ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيَّ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ الَّذِي ذَكَرْنَا آنِفًا. ثُمَّ قَالَ: فَقَدْ رَوَى هَذَا ابْنُ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا ذَكَرْنَا. ثُمَّ قَالَ: هُوَ مِنْ بَعْدِهِ عليه الصلاة والسلام فِي مِثْلِ هَذَا: إنَّهُ يُجَدِّدُ لَهَا صَدَاقًا: ، حَدَّثَنَا بِذَلِكَ سُلَيْمَانُ بْنُ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا الْخَصِيبُ، هُوَ ابْنُ نَاصِحٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِثْلَ ذَلِكَ.
قال أبو محمد: هَذَا نَصُّ كَلاَمِ الطَّحَاوِيَّ، وَلَمْ يَذْكُرْ كَلاَمَ ابْنِ عُمَرَ كَيْفَ كَانَ، وَلَعَلَّهُ لَوْ أَوْرَدَهُ لَكَانَ خِلاَفًا لِظَنِّ الطَّحَاوِيَّ، وَهَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ مِمَّا رَوَاهُ أَصْحَابُ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ الثِّقَاتُ عَنْهُ، وَالْخَصِيبُ لاَ يُدْرِي حَالُهُ وَلَيْسَ بِالْمَشْهُورِ فِي أَصْحَابِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، فَهُوَ أَمْرٌ ضَعِيفٌ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ. وَالْخَبَرُ الأَوَّلُ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ لاَ مِنْ جُوَيْرِيَةَ هُوَ مِنْ رِوَايَةِ يَعْقُوبَ بْنِ حُمَيْدٍ بْنِ كَاسِبٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَذَكَرُوا أَيْضًا: الْخَبَرَ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ جُوَيْرِيَةَ قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّهَا وَقَعَتْ فِي سَهْمِ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الشَّمَّاسِ أَوْ ابْنِ عَمٍّ لَهُ، وَإِنَّهَا كَاتَبَتْهُ وَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَسْتَعِينُهُ فِي كِتَابَتِهَا، وَإِنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ لَهَا: أَوْ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ، أَقْضِي عَنْكِ كِتَابَتَكِ وَأَتَزَوَّجُكِ قَالُوا: وَلَيْسَ هَذَا لأََحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُؤَدِّيَ كِتَابَةَ مُكَاتَبَةٍ لِغَيْرِهِ وَيَتَزَوَّجَهَا بِذَلِكَ.
قال أبو محمد: قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ فَإِنَّ هَذَا خَبَرٌ لاَ تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ، إنَّمَا رُوِّينَاهُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ مِنْ طَرِيقَيْنِ ضَعِيفَيْنِ: أَحَدُهُمَا مِنْ طَرِيقِ زِيَادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكَّائِيِّ. وَالآخَرُ مِنْ طَرِيقِ أَسَدِ بْنِ مُوسَى، وَكِلاَهُمَا ضَعِيفٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ لاَ يَخْلُو أَنَّ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ وَهَبَهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذْ عَرَفَ رَغْبَتَهُ عليه الصلاة والسلام فِيهَا، وَلَمْ تَكُنْ أَدَّتْ مِنْ كِتَابَتِهَا بَعْدُ شَيْئًا، فَبَطَلَتْ الْكِتَابَةُ وَصَارَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذْ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِثَابِتٍ أَوْ بِصَاحِبٍ غَيْرِ هَذَا أَصْلاً. وَأَيْضًا فَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ وَتَمَادَتْ عَلَى كِتَابَتِهَا حَتَّى عَتَقَتْ بِأَدَائِهَا أَوْ بِأَدَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إيَّاهَا عَنْهَا لَكَانَتْ مَوْلاَةَ ثَابِتٍ، وَهَذَا لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ قَطْعًا، وَلاَ اخْتَلَفَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مَوْلاَةَ ثَابِتٍ أَصْلاً فَوَضَحَ سُقُوطُ مَا رَوَاهُ أَسَدٌ، وَزِيَادٌ، وَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذِهِ الْمُلَفَّقَاتِ الَّتِي لاَ تُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا. وَمَوَّهُوا أَيْضًا: بِمَا حَدَّثَنَا حمام بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ

ابْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَيُّمَا امْرِئٍ أَعْتَقَ أَمَتَهُ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا بِمَهْرٍ جَدِيدٍ فَلَهُ أَجْرَانِ. فَهَذَا لَفْظُ سُوءٍ انْفَرَدَ بِهِ يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَالْخَبَرُ مَشْهُورٌ مِنْ رِوَايَةِ الثِّقَاتِ لَيْسَ فِيهِ بِمَهْرٍ جَدِيدٍ أَصْلاً. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ تَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ أَصْلاً، لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُهَا إِلاَّ بِمَهْرٍ جَدِيدٍ، وَنَحْنُ لاَ نَمْنَعُ مِنْ أَنْ يَجْعَلَ لَهَا مَهْرًا آخَرَ، بَلْ كُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ وهذا الخبر رُوِّينَاهُ مِنْ طُرُقٍ: مِنْهَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ صَالِحِ بْنِ حَيَّانَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ فَأَحْسَنَ أَدَبَهَا وَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا فَلَهُ أَجْرَانِ اثْنَانِ" . وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ، هُوَ ابْنُ طَرِيفٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ أَبِي بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ: أ"َنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي الَّذِي يُعْتِقُ أَمَتَهُ ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا فَلَهُ أَجْرَانِ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مَهْرٌ جَدِيد ٌ". أَخْبَرَنَا أَبُو عُمَرَ بِالسَّنَدِ الْمُتَقَدِّمِ إلَى مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ صَالِحِ بْنِ صَالِحٍ الْهَمْدَانِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: رَأَيْت رَجُلاً مِنْ خُرَاسَانَ يَسْأَلُ الشَّعْبِيَّ فَقَالَ: يَا أَبَا عَمْرٍو إنَّ مَنْ قَبْلَنَا مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ يَقُولُونَ فِي الرَّجُلِ إذَا أَعْتَقَ أَمَتَهُ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا: فَهُوَ كَالرَّاكِبِ بَدَنَتَهُ فَقَالَ الشَّعْبِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ هُوَ عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ هُوَ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ أ"َنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: ثَلاَثَةٌ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ وَأَدْرَكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَآمَنَ بِهِ وَاتَّبَعَهُ وَصَدَّقَ بِهِ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَعَبْدٌ مَمْلُوكٌ أَدَّى حَقَّ اللَّهِ عَلَيْهِ وَحَقَّ سَيِّدِهِ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَرَجُلٌ كَانَتْ لَهُ أَمَةٌ فَغَذَّاهَا فَأَحْسَنَ غِذَاءَهَا ثُمَّ أَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ أَدَبَهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا فَلَهُ أَجْرَانِ" ثُمَّ قَالَ الشَّعْبِيُّ لِلْخُرَاسَانِيِّ: خُذْ هَذَا الْخَبَرَ بِغَيْرِ شَيْءٍ فَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يَرْحَلُ فِيمَا دُونَ هَذَا إلَى الْمَدِينَةِ قَالَ مُسْلِمٌ: وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانُ، وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عُمَرَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، كُلُّهُمْ، عَنْ صَالِحِ بْنِ صَالِحٍ بِهَذَا الإِسْنَادِ نَحْوَهُ.
قال أبو محمد: هَذَا كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ، إنَّمَا هُوَ أَبَاطِيلُ، وَمِمَّنْ قَالَ بِقَوْلِنَا مِنْ السَّلَفِ طَائِفَةٌ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، أَنَّهُ قَالَ فِيمَنْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا

قَالَ: "لَهُ أَجْرَانِ" وَقَدْ رُوِيَ أَيْضًا، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَنَسٍ. وَمِنْ طَرِيق سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ الأَنْصَارِيِّ، وَالْمُغِيرَةُ وَيُونُسُ، هُوَ ابْنُ عُبَيْدٍ وَجَابِرٌ، قَالَ يَحْيَى: عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَقَالَ الْمُغِيرَةُ: عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَقَالَ يُونُسُ: عَنِ الْحَسَنِ، وَقَالَ جَابِرٌ: عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالُوا كُلُّهُمْ: لاَ بَأْسَ بِأَنْ يَجْعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا، قَالَ هُشَيْمٌ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ " إذَا قَالَ الرَّجُلُ لأََمَتِهِ قَدْ أَعْتَقْتُك وَتَزَوَّجْتُك فَهِيَ امْرَأَتُهُ، وَإِنْ قَالَ: أَعْتَقْتُك وَأَتَزَوَّجُك فَأَعْتَقَهَا: إنْ شَاءَتْ تَزَوَّجَتْهُ، وَإِنْ شَاءَتْ لَمْ تَتَزَوَّجْهُ ". وَكَانَ الْحَسَنُ يَكْرَهُ غَيْرَ هَذَا: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يُعْتِقَ الرَّجُلُ أَمَتَهُ لِوَجْهِ اللَّهِ ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا.
قال أبو محمد: وَرُوِيَ مِثْلُهُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَإِبْرَاهِيمَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يُعْتِقَ أَمَتَهُ ثُمَّ يَتَزَوَّجُهَا، وَلاَ يَرَوْنَ بَأْسًا أَنْ يَجْعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُوس قَالَ يَحْيَى: عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَقَالَ ابْنُ طَاوُوس: عَنْ أَبِيهِ، قَالاَ جَمِيعًا: لاَ بَأْسَ أَنْ يَجْعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا، قَالَ طَاوُوس: ذَلِكَ حَسَنٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ قَالَ: لاَ بَأْسَ أَنْ يُعْتِقَ الرَّجُلُ أَمَتَهُ فَيَتَزَوَّجُهَا وَيَجْعَلُ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا. وبه إلى مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: إذَا أَعْتَقَ الرَّجُلُ أَمَتَهُ وَجَعَلَ عِتْقَهَا مَهْرَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَلاَ شَيْءَ لَهَا، وَابْنُ جُرَيْجٍ يَقُولُ: إنْ طَلَّقَهَا سَعَتْ لَهُ فِي نِصْفِ قِيمَتِهَا وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ.
قال أبو محمد: فَهَؤُلاَءِ: عَلِيٌّ، وَأَنَسٌ، وَابْنُ مَسْعُودٍ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَمَنْ لَقِيَهُ إبْرَاهِيمُ مِنْ شُيُوخِهِ، وَالشَّعْبِيُّ، وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ، وطَاوُوس، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَقَتَادَةُ، وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَأَبِي يُوسُفَ الْقَاضِي خَالَفَ فِي ذَلِكَ أَصْحَابَهُ وَوَفَّقَ وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا، وَمَا نَعْلَمْ لِلْمُخَالِفِينَ، سَلَفًا إِلاَّ تِلْكَ الرِّوَايَةُ السَّاقِطَةُ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ الَّتِي لَمْ يُبَيِّنْ فِيهَا كَيْفَ كَانَ لَفْظُهُ، وَلاَ كَيْفَ كَانَ لَفْظُ نَافِعٍ الَّذِي ذَكَرَ ذَلِكَ عَنْهُ، وَشَيْئًا رُبَّمَا ذَكَرُوهُ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ قَالَ: ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ يُحِبُّ أَنْ يَجْعَلَ مَعَ عِتْقِهَا شَيْئًا مَا كَانَ.
قال أبو محمد: إنَّمَا هَذَا اسْتِحْبَابٌ مِنْ ابْنِ سِيرِينَ، وَإِلَّا فَهَذَا الْقَوْلُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ

يُجِيزُ أَنْ يَجْعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا فَقَطْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَلاَ شَيْءَ لَهُ عَلَيْهَا، لأََنَّ الَّذِي فَرَضَ لَهَا هُوَ عِتْقُهَا وَهُوَ شَيْءٌ قَدْ تَمَّ فَلاَ يُسْتَدْرَكُ وَتَكْلِيفُ الْغَرَامَةِ هُوَ إيجَابُ غَيْرِ نِصْفِ مَا فَرَضَ لَهَا فَلاَ يَجُوزُ. وَأَمَّا إنْ لَمْ تَتَزَوَّجْهُ فَإِنْ عَتَقَ لَمْ يَتِمَّ، إنَّمَا هُوَ عِتْقٌ بِشَرْطِ أَنْ تَتَزَوَّجَهُ فَيَكُونُ صَدَاقُهَا، فَإِذَا لَمْ تَتَزَوَّجْهُ فَلاَ صَدَاقَ لِنِكَاحٍ لَمْ يَتِمَّ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَأَمَّا إنْ تَزَوَّجَتْهُ فَقَدْ تَمَّ النِّكَاحُ، وَصَحَّ الْعِتْقُ لِصِحَّةِ النِّكَاحِ الَّذِي عَلَّقَ بِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ولا تجوز أن تجبر المراة على أن تتجهز اليه بشيء أصلا
1849 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَجُوزُ أَنْ تُجْبَرَ الْمَرْأَةُ عَلَى أَنْ تَتَجَهَّزَ إلَيْهِ بِشَيْءٍ أَصْلاً، لاَ مِنْ صَدَاقِهَا الَّذِي أَصْدَقَهَا، وَلاَ مِنْ غَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ مَالِهَا، وَالصَّدَاقُ كُلُّهُ لَهَا تَفْعَلُ فِيهِ كُلِّهِ مَا شَاءَتْ، لاَ إذْنَ لِلزَّوْجِ فِي ذَلِكَ، وَلاَ اعْتِرَاضَ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمْ. وقال مالك: إنْ أَصْدَقَهَا دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أُجْبِرَتْ عَلَى أَنْ تَبْتَاعَ بِكُلِّ ذَلِكَ شُورَةً مِنْ ثِيَابٍ وَوِطَاءٍ وَحُلِيٍّ تَتَجَمَّلُ بِهِ لَهُ، وَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ تَقْضِيَ مِنْهَا دَيْنًا عَلَيْهَا إِلاَّ ثَلاَثَةَ دَنَانِيرَ فَأَقَلَّ، فَإِنْ أَصْدَقَهَا نِقَارَ ذَهَبٍ أَوْ نِقَارَ فِضَّةٍ فَهُوَ لَهَا، وَلاَ تُجْبَرُ عَلَى أَنْ تَبْتَاعَ بِهَا شُورَةً أَصْلاً. فَإِنْ أَصْدَقَهَا حُلِيًّا أُجْبِرَتْ أَنْ تَتَحَلَّى بِهِ لَهُ، فَإِنْ أَصْدَقَهَا ثِيَابًا وَوِطَاءً أُجْبِرَتْ عَلَى أَنْ تَلْبَسَهَا بِحَضْرَتِهِ، وَلَمْ تَجِبْ لَهَا عَلَيْهِ كِسْوَةٌ حَتَّى تَمْضِيَ مُدَّةٌ تَخْلَقُ فِيهَا تِلْكَ الثِّيَابُ. فَإِنْ أَصْدَقَهَا خَادِمًا أُنْثَى أُجْبِرَتْ عَلَى أَنْ تَخْدُمَهَا وَلَمْ يَكُنْ لَهَا بَيْعُهَا. وَإِنْ أَصْدَقَهَا عَبْدًا فَلَهَا أَنْ تَفْعَلَ فِيهِ مَا شَاءَتْ مِنْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ. فَلَوْ أَصْدَقَهَا دَابَّةً، أَوْ مَاشِيَةً، أَوْ ضَيْعَةً، أَوْ دَارًا، أَوْ طَعَامًا لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ فِي كُلِّ ذَلِكَ رَأْيٌ، وَهُوَ لَهَا تَفْعَلُ فِيهِ مَا شَاءَتْ مِنْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ وَلَيْسَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلاَ أَنْ يَنْظُرَ فِيهِ إِلاَّ بِإِذْنِهَا إنْ شَاءَتْ.
قال أبو محمد: قَوْلُ مَالِكٍ هَذَا يَكْفِي مِنْ فَسَادِهِ عَظِيمُ تَنَاقُضِهِ، وَفَرَّقَهُ بَيْنَ مَا فَرَّقَ مِنْ ذَلِكَ بِلاَ برهان مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ سُنَّةٍ، وَلاَ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلاَ قَوْلِ أَحَدٍ نَعْلَمُهُ قَبْلَهُ، وَلاَ قِيَاسٍ، وَلاَ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ. وَأَطْرَفُ شَيْءٍ إبَاحَتُهُ لَهَا قَضَاءَ الثَّلاَثَةِ دَنَانِيرَ وَالدِّينَارَيْنِ فِي دَيْنِهَا فَقَطْ، لاَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، فَلَيْتَ شِعْرِي إنْ كَانَ صَدَاقُهَا أَلْفَيْ دِينَارٍ، أَوْ كَانَ صَدَاقُهَا دِينَارًا وَاحِدًا كَيْفَ الْعَمَلُ فِي ذَلِكَ إنَّ هَذَا الْعَجَبُ.
قال أبو محمد: وبرهان صِحَّةِ قَوْلِنَا: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ، عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} فَافْتَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى الرِّجَالِ أَنْ يُعْطُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً، وَلَمْ يُبِحْ لِلرِّجَالِ مِنْهَا شَيْئًا إِلاَّ بِطِيبِ أَنْفُسِ النِّسَاءِ، فَأَيُّ بَيَانٍ بَعْدَ هَذَا نَرْغَبُ أَمْ كَيْفَ تَطِيبُ نَفْسُ مُسْلِمٍ عَلَى مُخَالَفَةِ هَذَا الْكَلاَمِ لِرَأْيٍ فَاسِدٍ مُتَخَاذِلٍ مُتَنَافِرٍ لاَ يُعْرَفُ لِقَائِلِهِ فِيهِ سَلَفٌ. وَوَجَدْنَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ أَوْجَبَ لِلْمَرْأَةِ حُقُوقًا فِي مَالِ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29