كتاب : المحلى
المؤلف : أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري

زَوْجِهَا أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ وَهِيَ الصَّدَاقُ، وَالنَّفَقَةُ، وَالْكِسْوَةُ، وَالإِسْكَانُ، مَا دَامَتْ فِي عِصْمَتِهِ وَالْمُتْعَةُ إنْ طَلَّقَهَا وَلَمْ يَجْعَلْ لِلزَّوْجِ فِي مَالِهَا حَقًّا أَصْلاً، لاَ مَا قَلَّ، وَلاَ مَا كَثُرَ.، وَلاَ شَيْءَ أَطْرَفُ مِنْ إسْقَاطِهِمْ، عَنِ الزَّوْجِ الْكِسْوَةَ مَا دَامَ يُمْكِنُهَا أَنْ تَكْتَسِيَ مِنْ صَدَاقِهَا وَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ النَّفَقَةُ مَا دَامَ يُمْكِنُهَا أَنْ تُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهَا مِنْ صَدَاقِهَا فَهَلْ سُمِعَ بِأَسْقَطَ مِنْ هَذَا الْفَرْقِ الْفَاسِدِ وَشَغَبَ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ.
فَقُلْنَا: صَدَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَلاَ يَحِلُّ تَحْرِيفُ الْكَلِمِ، عَنْ مَوَاضِعِهِ، وَلاَ أَنْ نَقُولَ عَلَيْهِ عَزَّ وَجَلَّ مَا لَمْ يَقُلْ، فَهَذَا مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ. وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الآيَةِ ذِكْرٌ لِقِيَامِهِ عَلَى شَيْءٍ مِنْ مَالِهَا، وَلاَ لِلْحُكْمِ بِرَأْيِهِ، وَلاَ لِلتَّصَرُّفِ فِيهِ. وَإِنَّمَا فِيهَا أَنَّهُ قَائِمٌ عَلَيْهَا يُسْكِنُهَا حَيْثُ يَسْكُنُ وَيَمْنَعُهَا مِنْ الْخُرُوجِ إلَى غَيْرِ الْوَاجِبِ، وَيُرَحِّلُهَا حَيْثُ يَرْحَلُ. ثُمَّ لَوْ كَانَ فِي الآيَةِ لِمَا ادَّعَيْتُمْ لَكُنْتُمْ أَوَّلَ مُخَالِفِينَ لَهَا، لأََنَّكُمْ خَصَّصْتُمْ بَعْضَ الصَّدَقَاتِ دُونَ بَعْضٍ، وَدُونَ سَائِرِ مَالِهَا، كُلُّ ذَلِكَ تَحَكُّمٌ بِالْبَاطِلِ بِلاَ برهان. وَشَغَبُوا أَيْضًا بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأََرْبَعٍ: لِحُسْنِهَا، وَمَالِهَا، وَجَمَالِهَا، وَدِينِهَا فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ. وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا لاَ نَظِيرَ لَهُ: أَوَّلُ ذَلِكَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَأْمُرْ أَنْ تُنْكَحَ لِمَالِهَا، وَلاَ نَدَبَ إلَى ذَلِكَ، وَلاَ صَوَّبَهُ، بَلْ إنَّمَا أَوْرَدَ ذَلِكَ إخْبَارًا، عَنْ فِعْلِ النَّاسِ فَقَطْ، وَهَذِهِ أَفْعَالُ الطَّمَّاعِينَ الْمَذْمُومِ فِعْلُهُمْ فِي ذَلِكَ بَلْ فِي الْخَبَرِ نَفْسِهِ الإِنْكَارُ لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام: " فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ" فَلَمْ يَأْمُرْ بِأَنْ تُنْكَحَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إِلاَّ لِلدِّينِ خَاصَّةً، لَكِنَّ الْوَاجِبَ أَنْ تَنْكِحَ الْمَرْأَةُ الزَّوْجَ لِمَالِهِ، لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ لَهَا الصَّدَاقَ عَلَيْهِ وَالنَّفَقَةَ وَالْكِسْوَةَ. وَقَدْ جَاءَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيَانُ النَّهْيِ، عَنْ أَنْ تُنْكَحَ الْمَرْأَةُ لِمَالِهَا: كَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ نَا ابْنُ مُفَرِّجٍ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبَ الرَّقِّيِّ، حَدَّثَنَا الْبَزَّارُ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَنْكِحُوا النِّسَاءَ لِحُسْنِهِنَّ فَلَعَلَّ حُسْنَهُنَّ يُرْدِيهِنَّ، وَلاَ تَنْكِحُوهُنَّ لأََمْوَالِهِنَّ فَلَعَلَّ أَمْوَالَهُنَّ يُطْغِيهِنَّ، وَأَنْكِحُوهُنَّ لِلدِّينِ، وَلاََمَةٌ سَوْدَاءُ خَرْمَاءُ ذَاتُ دِينٍ أَفْضَلُ" . ثُمَّ إنَّهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفِينَ لِمَا مَوَّهُوا بِهِ، لأََنَّهُ لَيْسَ فِي نِكَاحِ الْمَرْأَةِ لِمَالِهَا لَوْ أُبِيحَ ذَلِكَ أَوْ نُدِبَ إلَيْهِ شَيْءٌ مِمَّا أَتَوْا بِهِ مِنْ التَّخْلِيطِ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ صَدَاقِ فِضَّةٍ مَضْرُوبَةٍ، وَذَهَبٍ مَضْرُوبٍ، وَبَيْنَ سَبَائِكِ فِضَّةٍ وَذَهَبٍ غَيْرِ مَضْرُوبَةٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ إصْدَاقِ ثِيَابٍ، وَوِطَاءٍ، وَجَوْهَرٍ، وَخَادِمٍ، وَبَيْنَ إصْدَاقِ حَرِيرٍ، وَقُطْنٍ، وَكَتَّانٍ، وَصُوفٍ، وَدَابَّةٍ، وَمَاشِيَةٍ، وَعَبْدٍ، وَطَعَامٍ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ قَضَاءِ ثَلاَثَةِ دَنَانِيرَ مِنْ دَيْنِهَا فَأَقَلَّ، وَبَيْنَ قَضَائِهَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَوَضَحَ عَظِيمُ فَسَادِ تَخْلِيطِ هَذِهِ الأَقْوَالِ وَبِاَللَّهِ

تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَرُبَّمَا يُمَوِّهُونَ بِمَا نَذْكُرُهُ مِمَّا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ جَلاَلِ بْنِ أَبِي الْجَلاَلِ الْعَتَكِيِّ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلاً خَطَبَ إلَى رَجُلٍ ابْنَتَهُ مِنْ امْرَأَةٍ عَرَبِيَّةٍ فَأَنْكَحَهَا إيَّاهُ فَبَعَثَ إلَيْهِ بِابْنَةٍ لَهُ أُخْرَى أُمُّهَا أَعْجَمِيَّةٌ، فَلَمَّا دَخَلَ بِهَا عَلِمَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأَتَى مُعَاوِيَةَ فَقَصَّ عَلَيْهِ فَقَالَ: مُعْضِلَةٌ، وَلاَ أَبَا حَسَنٍ وَكَانَ عَلِيٌّ حَرْبًا لِمُعَاوِيَةَ فَقَالَ الرَّجُلُ لِمُعَاوِيَةَ فَأْذَنْ لِي أَنْ آتِيَهُ فَأَذِنَ لَهُ مُعَاوِيَةُ، فَأَتَى الرَّجُلُ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْك يَا عَلِيٌّ، فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلاَمَ، فَقَصَّ عَلَيْهِ الْقِصَّةَ فَقَضَى عَلِيٌّ عَلَى أَبِي الْجَارِيَةِ بِأَنْ يُجَهِّزَ ابْنَتَهُ الَّتِي أَنْكَحَهَا إيَّاهُ بِمِثْلِ الصَّدَاقِ الَّذِي سَاقَ مِنْهَا لأَُخْتِهَا بِمَا أَصَابَ مِنْ فَرْجِهَا، وَأَمَرَهُ أَنْ لاَ يَمَسَّ امْرَأَتَهُ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ أُخْتِهَا. قَالَ الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ: وَأَخْبَرَنِي هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْمُغِيرَةُ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّ رَجُلاً تَزَوَّجَ جَارِيَةً فَأُدْخِلَ عَلَيْهِ غَيْرُهَا فَقَالَ إبْرَاهِيمُ: لِلَّتِي دَخَلَ بِهَا الصَّدَاقُ الَّذِي سَاقَ، وَعَلَى الَّذِي غَرَّهُ أَنْ يَزِفَّ إلَيْهِ امْرَأَتَهُ بِمِثْلِ صَدَاقِهَا.
قال أبو محمد: هَذَا كُلُّهُ عَلَيْهِمْ لاَ لَهُمْ، لأََنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ أَنَّ لِلزَّوْجِ فِي ذَلِكَ حَقًّا، وَلاَ أَرَبًا، إنَّمَا فِيهِمَا أَنْ يَضْمَنَ لِلَّتِي زُوِّجَتْ مِنْهُ وَزُفَّ إلَيْهِ غَيْرُهَا صَدَاقَهَا الَّذِي اسْتَهْلَكَ لَهَا وَأُعْطِيَ لِغَيْرِهَا بِغَيْرِ حَقٍّ وَهَكَذَا نَقُولُ. ثُمَّ هُمْ يُخَالِفُونَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ، عَنْ عَلِيٍّ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ جَعَلَ لِلَّتِي زُفَّتْ إلَيْهِ الصَّدَاقَ الَّذِي سُمِّيَ لأَُخْتِهَا، وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِهَذَا، بَلْ إنَّمَا يَقْضُونَ لَهَا بِصَدَاقِ مِثْلِهَا. وَالْمَوْضُوعُ الثَّانِي أَمْرُ عَلِيٍّ لَهُ أَنْ لاَ يَطَأَ الَّتِي صَحَّ نِكَاحُهُ مَعَهَا إِلاَّ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الأُُخْرَى الَّتِي زُفَّتْ إلَيْهِ، وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِهَذَا. فَمِنْ الْمَقْتِ وَالْعَارِ وَالإِثْمِ تَمْوِيهُ مَنْ يُوهِمُ أَنَّهُ يَحْتَجُّ بِأَثَرٍ هُوَ أَوَّلُ مَنْ يُخَالِفُهُ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ هَذَا مَعَ أَنَّ الْجَلاَلَ بْنَ أَبِي الْجَلاَلِ غَيْرُ مَشْهُورٍ. وَبِمَا أَخْبَرَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ، حَدَّثَنَا أَبِي قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ، حَدَّثَنَا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ حَمَّادٍ نَا يَحْيَى بْنُ يَعْلَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَنَسٍ فَذَكَرَ خِطْبَةَ عَلِيٍّ فَاطِمَةَ رضي الله عنهما، وَأَنَّ عَلِيًّا بَاعَ دِرْعَهُ بِأَرْبَعِمِائَةٍ وَثَمَانِينَ قَالَ: فَأَتَيْتُ بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَوَضَعْتُهَا فِي حِجْرِهِ فَقَبَضَ مِنْهَا قَبْضَةً فَقَالَ: يَا بِلاَلٌ أَبْغِنَا بِهَا طِيبًا ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُجَهِّزُوهَا قَالَ: فَجُعِلَ لَنَا سَرِيرٌ مَشْرُوطٌ بِالشَّرْطِ وَوِسَادَةٌ مِنْ أُدْمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ وَمِلْءُ الْبَيْتِ كَثِيبًا.
قال أبو محمد: وَهَذَا حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ، لأََنَّهُ لاَ تَبْلُغُ قَبْضَةٌ فِي طِيبٍ، وَسَرِيرٌ مَشْرُوطٌ بِالشَّرِيطِ، وَوِسَادَةٌ مِنْ أُدْمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ: عُشْرَ أَرْبَعِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَثَمَانِينَ دِرْهَمًا فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وعلى الزوج كسوة الزوجة مذ أن يعقد بها
1850 - مَسْأَلَةٌ: وَعَلَى الزَّوْجِ كِسْوَةُ الزَّوْجَةِ مُذْ يَعْقِدُ النِّكَاحَ وَنَفَقَتُهَا، وَمَا تَتَوَطَّاهُ وَتَتَغَطَّاهُ وَتَفْتَرِشُهُ، وَإِسْكَانُهَا كَذَلِكَ أَيْضًا صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً ذَاتَ أَبٍ أَوْ يَتِيمَةً غَنِيَّةً أَوْ فَقِيرَةً دُعِيَ إلَى الْبِنَاءِ أَوْ لَمْ يُدْعَ نَشَزَتْ أَوْ لَمْ تَنْشِزْ حُرَّةً كَانَتْ أَوْ أَمَةً بُوِّئَتْ مَعَهُ بَيْتًا أَوْ لَمْ تُبَوَّأْ. برهان ذَلِكَ: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو قَزَعَةَ الْبَاهِلِيُّ "، عَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ قَالَ: أَنْ تُطْعِمَهَا إذَا طَعِمْتُ وَتَكْسُوَهَا إذَا اكْتَسَيْتُ، وَلاَ تَضْرِبْ الْوَجْهَ، وَلاَ تُقَبِّحْ، وَلاَ تَهْجُرْ إِلاَّ فِي الْبَيْتِ.
قال أبو محمد: أَبُو قَزَعَةَ هَذَا هُوَ سُوَيْدُ بْنُ حُجَيْرٍ ثِقَةٌ، رَوَى عَنْهُ شُعْبَةُ، وَابْنُ جُرَيْجٍ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَابْنُهُ قَزَعَةُ، وَغَيْرُهُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ، عَنْ حَاتِمِ بْنِ إسْمَاعِيلَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي خُطْبَتِهِ فِي عَرَفَةَ يَوْمَ عَرَفَةَ: "فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لاَ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ" . فَعَمَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كُلَّ النِّسَاءِ وَلَمْ يَخُصَّ نَاشِزًا مِنْ غَيْرِهَا، وَلاَ صَغِيرَةً، وَلاَ كَبِيرَةً، وَلاَ أَمَةً مُبَوَّأَةً بَيْتًا مِنْ غَيْرِهَا وَمَا يَنْطِقُ، عَنِ الْهَوَى إنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا. حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إلَى أُمَرَاءِ الأَجْنَادِ: أَنْ اُنْظُرُوا إلَى مَنْ طَالَتْ غَيْبَتُهُ أَنْ يَبْعَثُوا بِنَفَقَةٍ أَوْ يَرْجِعُوا وَذَكَرَ بَاقِي الْخَبَرِ، فَلَمْ يَسْتَثْنِ عُمَرُ امْرَأَةً مِنْ امْرَأَةٍ.نَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَوْنِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَأَلْت الْحَكَمَ بْنَ عُتَيْبَةَ، عَنْ امْرَأَةٍ خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا غَاضِبَةً هَلْ لَهَا نَفَقَةٌ قَالَ: نَعَمْ.
قال أبو محمد: وَرُوِّينَا، عَنْ نَحْوِ خَمْسَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ: لاَ نَفَقَةَ لِنَاشِزٍ وَهَذَا قَوْلٌ خَطَأٌ مَا نَعْلَمُ لِقَائِلِهِ حُجَّةً. فإن قيل: إنَّ النَّفَقَةَ بِإِزَاءِ الْجِمَاعِ، وَالطَّاعَةِ قلنا: لاَ، بَلْ هَذَا الْقَوْلُ كَذِبٌ، وَأَوَّلُ مَنْ يُبْطِلُهُ أَنْتُمْ، أَمَّا الْحَنَفِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ فَيُوجِبُونَ النَّفَقَةَ

عَلَى الزَّوْجِ الصَّغِيرِ عَلَى الْكَبِيرَةِ، وَلاَ جِمَاعَ هُنَالِكَ، وَلاَ طَاعَةَ. وَالْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ: يُوجِبُونَ النَّفَقَةَ عَلَى "الْمَجْبُوبِ وَالْعِنِّينِ". وَلاَ خِلاَفَ فِي وُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَى الْمَرِيضَةِ الَّتِي لاَ يُمْكِنُ جِمَاعُهَا، وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَا عَلَى النَّاشِزِ فَقَالَ: {وَاَللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً} . فَأَخْبَرَ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى النَّاشِزِ إِلاَّ الْهَجْرُ وَالضَّرْبُ، وَلَمْ يُسْقِطْ عَزَّ وَجَلَّ نَفَقَتَهَا، وَلاَ كِسْوَتَهَا فَعَاقَبْتُمُوهُنَّ أَنْتُمْ بِمَنْعِهَا حَقَّهَا، وَهَذَا شَرْعٌ فِي الدِّينِ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ، فَهُوَ بَاطِلٌ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّهَا ظَالِمَةٌ بِنُشُوزِهَا قلنا: نَعَمْ، وَلَيْسَ كُلُّ ظَالِمٍ يَحِلُّ مَنْعُهُ مِنْ مَالِهِ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ نَصٌّ، وَإِلاَّ فَلَيْسَ هُوَ حُكْمُ اللَّهِ، هَذَا حُكْمُ الشَّيْطَانِ، وَظُلْمَةُ الْعُمَّالِ وَالشَّرْطِ. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ أَنَّهُمْ لاَ يُسْقِطُونَ قَرْضًا أَقْرَضَتْهُ إيَّاهُ مِنْ أَجْلِ نُشُوزِهَا فَمَا ذَنْبُ نَفَقَتِهَا تَسْقُطُ دُونَ سَائِرِ حُقُوقِهَا إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ عَجِيبٌ وَقَالَ بِوُجُوبِ النَّفَقَةِ عَلَى الصَّغِيرَةِ: سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُنَا. وَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ أَسْقَطَهَا حُجَّةً أَصْلاً، فَهُوَ بَاطِلٌ بِلاَ شَكٍّ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} فَصَحَّ أَنَّ مَنْ لاَ برهان لَهُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِهِ فَقَوْلُهُ بَاطِلٌ. وقال مالك: لاَ نَفَقَةَ عَلَى الزَّوْجِ إِلاَّ حَتَّى يُدْعَى إلَى الْبِنَاءِ.
قال أبو محمد: هَذَا الْحُكْمُ دَعْوَى مُجَرَّدَةٌ لاَ برهان عَلَى صِحَّتِهَا، لاَ مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ، وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلاَ قِيَاسٍ، وَلاَ رَأْيٍ صَحِيحٍ. وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ السُّنَّةَ الثَّابِتَةَ جَاءَتْ بِخِلاَفِهِ فَهُوَ سَاقِطٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ولا يحل لأب البكر صغيرة مانت أة كبيرة أو الثيب ولا لغيره من سائر القرابة .....
1851 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ لأََبِ الْبِكْرِ صَغِيرَةً كَانَتْ أَوْ كَبِيرَةً أَوْ الثَّيِّبِ، وَلاَ لِغَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ الْقَرَابَةِ أَوْ غَيْرِهِمْ: حُكْمٌ فِي شَيْءٍ مِنْ صَدَاقِ الأَبْنَةِ، أَوْ الْقَرِيبَةِ، وَلاَ لأََحَدٍ مِمَّنْ ذَكَرْنَا أَنْ يَهَبَهُ، وَلاَ شَيْئًا مِنْهُ، لاَ لِلزَّوْجِ طَلَّقَ أَوْ أَمْسَكَ، وَلاَ لِغَيْرِهِ، فَإِنْ فَعَلُوا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ مَفْسُوخٌ بَاطِلٌ مَرْدُودٌ أَبَدًا. وَلَهَا أَنْ تَهَبَ صَدَاقَهَا أَوْ بَعْضَهُ لِمَنْ شَاءَتْ، وَلاَ اعْتِرَاضَ لأََبٍ، وَلاَ لِزَوْجٍ فِي ذَلِكَ هَذَا إذْ كَانَتْ بَالِغَةً عَاقِلَةً بَقِيَ لَهَا بَعْدَهُ غِنًى وَإِلَّا فَلاَ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ} إنَّمَا هُوَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا قَبْلَ أَنْ يَطَأَهَا وَقَدْ كَانَ سَمَّى لَهَا صَدَاقًا رَضِيَتْهُ فَلَهَا نِصْفُ صَدَاقِهَا الَّذِي سُمِّيَ لَهَا، إِلاَّ أَنْ تَعْفُوَ هِيَ فَلاَ تَأْخُذُ مِنْ زَوْجِهَا شَيْئًا مِنْهُ وَتَهَبُ لَهُ النِّصْفَ الْوَاجِبَ لَهَا، أَوْ يَعْفُوَ الزَّوْجُ فَيُعْطِيهَا الْجَمِيعَ، فَأَيُّهُمَا فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى. وَهَذَا مَكَانٌ اخْتَلَفَ فِيهِ السَّلَفُ: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ هُوَ الزَّوْجُ كَمَا قلنا: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ سَمِعْت عِيسَى بْنَ عَاصِمٍ يَقُولُ: سَمِعْت شُرَيْحًا يَقُولُ: سَأَلَنِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، عَنِ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ؟

فَقُلْت: هُوَ الْوَلِيُّ، فَقَالَ عَلِيٌّ: بَلْ هُوَ الزَّوْجُ. مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: هُوَ الزَّوْجُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ: أَنَّ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَبْنِيَ بِهَا فَأَكْمَلَ لَهَا الصَّدَاقَ وَتَأَوَّلَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ يَعْنِي الزَّوْجَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ: هُوَ الزَّوْجُ. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ الْعُذْرِيُّ، حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ عَيْسُونَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رُزَيْقٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَابِرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَمَّادٍ الطَّهْرَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ قَتَادَةَ، وَابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، قَالَ قَتَادَةُ: عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ: عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالاَ جَمِيعًا: سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَمُجَاهِدٌ: الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ هُوَ الزَّوْجُ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ، وطَاوُوس، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ: هُوَ الْوَلِيُّ، قَالَ: فَأَخْبَرْتهمْ بِقَوْلِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَرَجَعُوا، عَنْ قَوْلِهِمْ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ نَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ الزَّوْجُ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ هُوَ جَعْفَرُ بْنُ إيَاسِ بْنِ أَبِي وَحْشِيَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ هُوَ الزَّوْجُ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ عُمَيْرٍ مَوْلَى غَفْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ كَعْبٍ الْقُرَظِيَّ يَقُولُ: الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ هُوَ الزَّوْجُ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ هُوَ الزَّوْجُ. وَمِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ هُوَ الزَّوْجُ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ نَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ قَالَ: هُوَ الزَّوْجُ وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ الْوَلِيُّ [ جُمْلَةً ] صَحَّ ذَلِكَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ إنْ عَفَا وَلِيُّهَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَضَنَّتْ جَازَ، وَإِنْ أَبَتْ. وَصَحَّ أَيْضًا، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ كَانَ يَقُولُ: أَوْ يَعْفُوَ أَبُوهَا أَوْ أَخُوهَا إنْ كَانَ وُصُولاً وَإِنْ كَرِهَتْ الْمَرْأَةُ. وَصَحَّ أَيْضًا، عَنْ عَطَاءٍ، وَعَلْقَمَةَ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَأَبِي الزِّنَادِ، وَعِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ. وَرُوِّينَا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلاً لَمْ

يَصِحَّ عَنْهُ لأََنَّهُ مِنْ طَرِيقِ الْكَلْبِيِّ أَنَّهُ وَلِيُّ الْبِكْرِ جُمْلَةً وَصَحَّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَوْلٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّهُ الأَبُ جُمْلَةً. وَقَوْلٌ خَامِسٌ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنْ رَبِيعَةَ، وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهُ السَّيِّدُ يَعْفُو، عَنْ صَدَاقِ أَمَتِهِ، وَالأَبُ خَاصَّةً فِي ابْنَتِهِ الْبِكْرِ خَاصَّةً: يَجُوزُ عَقْدُهُ، عَنْ صَدَاقِهَا وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.
قال أبو محمد: فَنَظَرْنَا فِي هَذِهِ الأَقْوَالِ: فَوَجَدْنَا قَوْلَ رَبِيعَةَ، وَزَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَمَالِكٍ أَظْهَرَهَا فَسَادًا وَأَبْعَدَهَا، عَنْ مُقْتَضَى الآيَةِ جُمْلَةً وَنَحْنُ نَشْهَدُ بِشَهَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ سَيِّدَ الأَمَةِ وَوَالِدَ الْبِكْرِ خَاصَّةً لَمَا سَتَرَهُ، وَلاَ كَتَمَهُ فَلَمْ يُبَيِّنْهُ فِي كِتَابِهِ، وَلاَ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم. فإن قيل: هَذَانِ لاَ يَصِحُّ نِكَاحُ الأَمَةِ وَالْبِكْرِ إِلاَّ بِعَقْدِهِمَا قلنا: نَعَمْ، وَلاَ يَصِحُّ أَيْضًا إِلاَّ بِرِضَا الزَّوْجِ وَإِلَّا فَلاَ، فَلَهُ فِي ذَلِكَ كَاَلَّذِي لِلسَّيِّدِ، وَلِلأَبِ سَوَاءً سَوَاءً، فَمَنْ جَعَلَهُمَا أَوْلَى بِأَنْ يَكُونَ بِأَيْدِيهِمَا عُقْدَةُ النِّكَاحِ مِنْ الزَّوْجِ مَعَ تَخْصِيصِ الآيَةِ بِلاَ برهان مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، وَلاَ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ،، وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلاَ قِيَاسٍ، وَلاَ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ جُمْلَةً وَسَقَطَ بِسُقُوطِهِ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ: إنَّهُ الأَبُ أَيْضًا جُمْلَةً وَكَذَلِكَ سَقَطَ أَيْضًا الْقَوْلُ الَّذِي صَحَّ عَنْهُ أَنَّهُ وَلِيُّ الْبِكْرِ جُمْلَةً. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ: إنَّهُ الْوَلِيُّ: فَوَجَدْنَا الأَوْلِيَاءَ قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مَنْ ذَكَرْنَا مِنْ أَبِ الْبِكْرِ، وَسَيِّدِ الأَمَةِ، فَكَانَ حَظُّ هَذَيْنِ فِي كَوْنِ عُقْدَةِ النِّكَاحِ بِأَيْدِيهِمَا كَحَظِّ الزَّوْجِ فِي كَوْنِ عُقْدَةِ النِّكَاحِ بِيَدِهِ سَوَاءً سَوَاءً، وَقَدْ يَسْقُطُ حُكْمُ الأَبِ فِي الْبِكْرِ بِأَنْ يَكُونَ كَافِرًا وَهِيَ مُؤْمِنَةٌ أَوْ هُوَ مُؤْمِنٌ وَهِيَ كَافِرَةٌ أَوْ بِأَنْ يَكُونَ مَجْنُونًا وَيَسْقُطُ أَيْضًا حُكْمُ السَّيِّدِ فِي أَمَتِهِ بِأَنْ يَكُونَ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا. وَالْقِسْمُ الثَّانِي: سَائِرُ الأَوْلِيَاءِ الَّذِينَ لاَ يُلْتَفَتُ إلَيْهِمْ، لَكِنْ إنْ أَبَوْا أُخْرِجَ الأَمْرُ، عَنْ أَيْدِيهِمْ وَعَقَدَ السُّلْطَانُ نِكَاحَهَا، فَهَؤُلاَءِ حَظُّ الزَّوْجِ فِي كَوْنِ عُقْدَةِ النِّكَاحِ بِيَدِهِ أَكْمَلُ مِنْ حَظِّ الأَوْلِيَاءِ الْمَذْكُورِينَ. فَوَجَدْنَا أَمَدَ الأَوْلِيَاءِ مُضْطَرِبًا كَمَا تَرَى، ثُمَّ إنَّمَا هُوَ الْعَقْدُ فَقَطْ، ثُمَّ لاَ شَيْءَ بِأَيْدِيهِمْ جُمْلَةً مِنْ عُقْدَةِ النِّكَاحِ، بَلْ هِيَ إلَى الزَّوْجِ إنْ شَاءَ أَمْضَاهَا وَإِنْ شَاءَ حَلَّهَا بِالطَّلاَقِ. وَوَجَدْنَا أَمَرَ الزَّوْجِ ثَابِتًا فِي أَنَّ عُقْدَةَ كُلِّ نِكَاحٍ بِيَدِهِ، وَلاَ تَصِحُّ إِلاَّ بِإِرَادَتِهِ بِكُلِّ حَالٍ، وَلاَ تَحِلُّ إِلاَّ بِإِرَادَتِهِ، فَكَانَ أَحَقَّ بِإِطْلاَقِ هَذِهِ الصِّفَةِ عَلَيْهِ بِلاَ شَكٍّ. ثُمَّ الْبُرْهَانُ الْقَاطِعُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا} . وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ" فَكَانَ عَفْوُ الْوَلِيِّ، عَنْ مَالِ وَلِيِّهِ كَسْبًا عَلَى غَيْرِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَحُكْمًا فِي مَالِ غَيْرِهِ فَهُوَ حَرَامٌ فَصَحَّ أَنَّهُ الزَّوْجُ الَّذِي يَفْعَلُ فِي مَالِ نَفْسِهِ مَا أَحَبَّ مِنْ عَفْوٍ أَوْ يَقْضِي بِحَقِّهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ولا يحل نكاح الشغار
1852 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ نِكَاحُ الشِّغَارِ: وَهُوَ أَنْ يَتَزَوَّجَ هَذَا وَلِيَّةَ هَذَا عَلَى

أَنْ يُزَوِّجَهُ الآخَرُ وَلِيَّتَهُ أَيْضًا، سَوَاءٌ ذَكَرَا فِي كُلِّ ذَلِكَ صَدَاقًا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَوْ لأَِحْدَاهُمَا دُونَ الأُُخْرَى، أَوْ لَمْ يَذْكُرَا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ صَدَاقًا، كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ يُفْسَخُ أَبَدًا، وَلاَ نَفَقَةَ فِيهِ،، وَلاَ مِيرَاثَ، وَلاَ صَدَاقَ، وَلاَ شَيْءَ مِنْ أَحْكَامِ الزَّوْجِيَّةِ، وَلاَ عِدَّةَ. فَإِنْ كَانَ عَالِمًا فَعَلَيْهِ الْحَدُّ كَامِلاً، وَلاَ يَلْحَقُ بِهِ الْوَلَدُ، وَإِنْ كَانَ جَاهِلاً فَلاَ حَدَّ عَلَيْهِ، وَالْوَلَدُ لَهُ لاَحِقٌ، وَإِنْ كَانَتْ هِيَ عَالِمَةً بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ فَعَلَيْهَا الْحَدُّ، وَإِنْ كَانَتْ جَاهِلَةً فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهَا.
قال أبو محمد: وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا: فَقَالَ مَالِكٌ: لاَ يَجُوزُ هَذَا النِّكَاحُ وَيُفْسَخُ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: أُزَوِّجُك ابْنَتِي عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي ابْنَتَك بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَلاَ خَيْرَ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لاَ يُفْسَخُ، هَذَا إنْ دَخَلَ بِهَا. وقال الشافعي: يُفْسَخُ هَذَا النِّكَاحُ إذَا لَمْ يُسَمَّ فِي ذَلِكَ مَهْرٌ، فَإِنْ سَمَّيَا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَهْرًا، أَوْ لأَِحْدَاهُمَا دُونَ الأُُخْرَى ثَبَتَ النِّكَاحَانِ مَعًا، وَبَطَلَ الْمَهْرُ الَّذِي سَمَّيَا، وَكَانَ لِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَهْرُ مِثْلِهَا إنْ مَاتَ، أَوْ وَطِئَهَا، أَوْ نِصْفُ مَهْرِ مِثْلِهَا إنْ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ. وَقَالَ اللَّيْثُ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ: هُوَ نِكَاحٌ صَحِيحٌ ذَكَرَا لِكُلِّ وَاحِدَةٍ صَدَاقًا، أَوْ لأَِحْدَاهُمَا دُونَ الأُُخْرَى، أَوْ لَمْ يَذْكُرَا صَدَاقًا أَصْلاً، أَوْ اشْتِرَاطًا وَبَيَّنَّا أَنَّهُ لاَ صَدَاقَ فِي ذَلِكَ، قَالُوا: وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ فِي هَذَا مَهْرُ مِثْلِهَا. وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِمْ أَنَّهُمَا إنْ سَمَّيَا صَدَاقًا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا إِلاَّ الْمُسَمَّى.
قال أبو محمد: وَاَلَّذِي قلنا بِهِ هُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا، فَوَجَبَ النَّظَرُ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَوَجَدْنَا فِي ذَلِكَ: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الشِّغَارِ" ، وَالشِّغَارُ: أَنْ يَقُولَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ: زَوِّجْنِي ابْنَتَكَ وَأُزَوِّجُكَ ابْنَتِي، أَوْ زَوِّجْنِي أُخْتَكَ وَأُزَوِّجُكَ أُخْتِي وَقَدْ رُوِّينَاهُ أَيْضًا مُسْنَدًا صَحِيحًا مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَنَسٍ، وَغَيْرِهِمْ، فَكَانَ هَذَا تَحْرِيمًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَبَطَلَ قَوْلُ مَنْ سِوَاهُ.
فَنَظَرْنَا فِي أَقْوَالِ مَنْ خَالَفَ: فأما قَوْلُ ابْنِ الْقَاسِمِ إنَّهُ يَصِحُّ بَعْدَ الدُّخُولِ، فَقَوْلٌ قَدْ تَقَدَّمَ تَبْيِينُنَا لِفَسَادِهِ وَتَعَرِّيهِ مِنْ الْبُرْهَانِ جُمْلَةً. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابُهُمَا، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إنَّمَا فَسَدَ هَذَا النِّكَاحُ لِفَسَادِ صَدَاقِهِ فَقَطْ ثُمَّ اخْتَلَفُوا: فَقَالَ الشَّافِعِيُّ: وَالصَّدَاقُ الْفَاسِدُ يَفْسَخُ، فَكَانَ نِكَاحُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا صَدَاقًا لِلأُُخْرَى، فَهُمَا مَفْسُوخَانِ قَالَ: فَإِنْ سَمَّيَا لأَِحْدَاهُمَا صَدَاقًا صَحَّ ذَلِكَ النِّكَاحُ، وَصَحَّ نِكَاحُ الأُُخْرَى لِصِحَّةِ صَدَاقِهِ.
قال أبو محمد: فَكَانَ هَذَا قَوْلاً فَاسِدًا، لأََنَّهُ إنْ كَانَ هَذَا الْعَقْدُ الَّذِي سُمِّيَ فِيهِ الصَّدَاقُ صَحِيحًا فَهُوَ صَدَاقٌ صَحِيحٌ، فَلاَ مَعْنَى لِفَسْخِهِ وَإِصْلاَحِهِ بِصَدَاقٍ آخَرَ إذًا. فإن قال قائل: بَلْ هُوَ فَاسِدٌ قلنا: فَقُلْ بِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الَّذِي يُجِيزُ كُلَّ ذَلِكَ وَيُصْلِحُ الصَّدَاقَ، وَإِلَّا فَهِيَ

مُنَاقَضَةٌ ظَاهِرَةٌ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَوَجَدْنَاهُ ظَاهِرَ الْفَسَادِ لِمُخَالَفَةِ حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جِهَارًا.
قال أبو محمد: وَدَعْوَى الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ إنَّمَا نَهَى، عَنِ الشِّغَارِ لِفَسَادِ الصَّدَاقِ فِي كِلَيْهِمَا دَعْوَى كَاذِبَةٌ، لأََنَّهَا تَقْوِيلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا لَمْ يَقُلْ وَهَذَا لاَ يَجُوزُ. فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: "إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى، عَنِ الشِّغَارِ" وَالشِّغَارُ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ ابْنَتَهُ عَلَى أَنْ يُزَوِّجَهُ ابْنَتَهُ لَيْسَ بَيْنَهُمَا صَدَاقٌ. وَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ وَآخَرَ مَعَهُ هُوَ يَزِيدُ الرَّقَاشِيُّ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ شِغَارَ فِي الإِسْلاَمِ" وَالشِّغَارُ أَنْ يُبَدِّلَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ أُخْتَهُ بِأُخْتِهِ بِغَيْرِ ذِكْرِ صَدَاقٍ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ. قلنا: أَمَّا هَذَانِ الْخَبَرَانِ فَهُمَا خِلاَفُ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِ، كَاَلَّذِي قَدَّمْنَا، وَلاَ فَرْقَ. وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَلاَ حُجَّةَ لَهُ فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ وَإِنْ ذُكِرَ فِيهِمَا صَدَاقٌ أَوْ لأَِحْدَاهُمَا فَإِنَّهُ يُبْطِلُ ذَلِكَ الصَّدَاقَ جُمْلَةً بِكُلِّ حَالٍ، وَلَيْسَ هَذَا فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ فَقَدْ خَالَفَ مَا فِيهِمَا. وَالْوَجْهُ الآخَرُ وَهُوَ الَّذِي نَعْتَمِدُ عَلَيْهِ وَهُوَ أَنَّ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ إنَّمَا فِيهِمَا تَحْرِيمُ الشِّغَارِ الَّذِي لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا الصَّدَاقُ فَقَطْ، وَلَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ الشِّغَارِ الَّذِي ذُكِرَ فِيهِ الصَّدَاقُ لاَ بِتَحْرِيمٍ، وَلاَ بِإِجَازَةٍ وَمَنْ ادَّعَى ذَلِكَ فَقَدْ ادَّعَى الْكَذِبَ وَقَوَّلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا لَمْ يَقُلْهُ قَطُّ، فَوَجَبَ أَنْ نَطْلُبَ حُكْمَ الشِّغَارِ الَّذِي ذُكِرَ فِيهِ الصَّدَاقُ فِي غَيْرِ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ: فَوَجَدْنَا خَبَرَ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَجَابِرٍ قَدْ وَرَدَا بِعُمُومِ الشِّغَارِ، وَبَيَانِ أَنَّهُ الزَّوَاجُ بِالزَّوَاجِ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ عليه الصلاة والسلام فِيهِمَا ذِكْرُ صَدَاقٍ، وَلاَ السُّكُوتُ عَنْهُ، فَكَانَ خَبَرُ أَبِي هُرَيْرَةَ زَائِدًا عَلَى خَبَرِ ابْنِ عُمَرَ، وَخَبَرُ أَنَسٍ زِيَادَةُ عُمُومٍ لاَ يَحِلُّ تَرْكُهَا.
قال أبو محمد: وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِل ٌ". وَوَجَدْنَا الشِّغَارَ ذُكِرَ فِيهِ صَدَاقٌ أَوْ لَمْ يُذْكَرْ قَدْ اشْتَرَطَا فِيهِ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ بَاطِلٌ بِكُلِّ حَالٍ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فَارِسٍ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هُرْمُزَ الأَعْرَجُ قَالَ: إنَّ الْعَبَّاسَ بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنْكَحَ ابْنَتَهُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَكَمِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ، وَأَنْكَحَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنَتَهُ: وَكَانَا جَعَلاَ صَدَاقًا، فَكَتَبَ مُعَاوِيَةُ إلَى مَرْوَانَ يَأْمُرُهُ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا، وَقَالَ مُعَاوِيَةُ فِي كِتَابِهِ: هَذَا الشِّغَارُ الَّذِي نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

قال أبو محمد: فَهَذَا مُعَاوِيَةُ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ لاَ يُعْرَفُ لَهُ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ يَفْسَخُ هَذَا النِّكَاحَ وَإِنْ ذَكَرَا فِيهِ الصَّدَاقَ وَيَقُولُ: إنَّهُ الَّذِي نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَارْتَفَعَ الإِشْكَالُ جُمْلَةً وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِنْ تَشْنِيعِ الْحَنَفِيِّينَ بِخِلاَفِ الصَّاحِبِ الَّذِي يَدَّعُونَ أَنَّهُ لاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، كَدَعْوَاهُمْ ذَلِكَ فِي نَزْحِ زَمْزَمَ مِنْ زِنْجِيٍّ مَاتَ فِيهَا فَنَزَحَهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ. ثُمَّ لَمْ يَلْتَفِتُوا هَاهُنَا إلَى مَا عَظَّمُوهُ وَحَرَّمُوهُ هُنَالِكَ. وَهَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ، لأََنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ هُرْمُزَ مِمَّنْ أَدْرَكَ أَيَّامَ مُعَاوِيَةَ وَرَوَى، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ، وَشَاهَدَ هَذَا الْحُكْمَ بِالْمَدِينَةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. لاَ سِيَّمَا فِي مِثْلِ هَذِهِ الْقِصَّةِ الْمَشْهُورَةِ بَيْنَ رَجُلَيْنِ عَظِيمَيْنِ مِنْ عُظَمَاءِ بَنِي هَاشِمٍ، وَبَنِي أُمَيَّةَ يَأْتِي بِهِ الْبَرِيدُ مِنْ الشَّامِ إلَى الْمَدِينَةِ، هَذَا مَا لاَ يَخْفَى عَلَى أَحَدٍ مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِهَا وَالصَّحَابَةُ يَوْمَئِذٍ بِالشَّامِ وَالْمَدِينَةِ أَكْثَرُ عَدَدًا مِنْ الَّذِينَ كَانُوا أَحْيَاءً أَيَّامَ ابْنِ الزُّبَيْرِ بِلاَ شَكٍّ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: سُئِلَ عَطَاءٌ، عَنْ رَجُلَيْنِ أَنْكَحَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أُخْتَهُ بِأَنْ يُجَهِّزَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِجِهَازٍ يَسِيرٍ لَوْ شَاءَ أَخَذَ لَهَا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ: لاَ، نُهِيَ، عَنِ الشِّغَارِ: فَقُلْت لَهُ: إنَّهُ قَدْ أَصْدَقَهَا كِلاَهُمَا قَالَ: لاَ، قَدْ أَرْخَصَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ مِنْ أَجْلِ نَفْسِهِ فَقُلْت لِعَطَاءٍ: يُنْكِحُ هَذَا ابْنَتَهُ بِكَذَا وَهَذَا ابْنَتَهُ بِكَذَا بِصَدَاقٍ كِلاَهُمَا يُسَمِّي صَدَاقَهُ، وَكِلاَهُمَا أَرْخَصَ عَلَى أَخِيهِ مِنْ أَجْلِ نَفْسِهِ قَالَ: إذَا سَمَّيَا صَدَاقًا فَلاَ بَأْسَ، فَإِنْ قَالَ: جَهِّزْ وَأُجَهِّزُ فَلاَ ذَلِكَ الشِّغَارُ، قُلْت: فَإِنْ فَرَضَ هَذَا وَفَرَضَ هَذَا قَالَ: لاَ.
قال أبو محمد: فَفَرَّقَ عَطَاءٌ بَيْنَ النِّكَاحَيْنِ يُعْقَدُ أَحَدُهُمَا بِالآخَرِ ذَكَرَا صَدَاقًا أَوْ لَمْ يَذْكُرَا فَأَبْطَلَهُ، وَبَيْنَ النِّكَاحَيْنِ لاَ يَعْقِدُ أَحَدُهُمَا بِالآخَرِ، فَأَجَازَهُ، وَهَذَا قَوْلُنَا، وَمَا نَعْلَمُ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ خِلاَفًا لِمَا ذَكَرْنَا.
قال أبو محمد: فَإِنْ خَطَبَ أَحَدُهُمَا إلَى الآخَرِ فَزَوَّجَهُ، ثُمَّ خَطَبَ الآخَرُ إلَيْهِ فَزَوَّجَهُ، فَذَلِكَ جَائِزٌ مَا لَمْ يُشْتَرَطْ أَنْ يُزَوِّجَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ فَهَذَا هُوَ الْحَرَامُ الْبَاطِلُ. وَالْعَجَبُ أَنَّ بَعْضَهُمْ احْتَجَّ بِأَنْ قَالَ: إنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ النِّكَاحِ يُعْقَدُ عَلَى أَنْ يَكُونَ صَدَاقُهُ خَمْرًا أَوْ خِنْزِيرًا. فَقُلْنَا: نَعَمْ، وَكُلُّ مَفْسُوخٍ بَاطِلٌ أَبَدًا، لأََنَّهُ عَقَدَ عَلَى أَنْ لاَ صِحَّةَ لِذَلِكَ الْعَقْدِ إِلاَّ بِذَلِكَ الْمَهْرِ، وَذَلِكَ الْمَهْرُ بَاطِلٌ، فَاَلَّذِي لاَ يَصِحُّ إِلاَّ بِصِحَّةِ بَاطِلٍ بَاطِلٌ، بِلاَ شَكٍّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ولا يصح نكاح على شرط أصلا
1853 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَصِحُّ نِكَاحٌ عَلَى شَرْطٍ أَصْلاً، حَاشَا الصَّدَاقَ الْمَوْصُوفَ فِي الذِّمَّةِ أَوْ الْمَدْفُوعَ، أَوْ الْمُعَيَّنَ، وَعَلَى أَنْ لاَ يَضُرَّ بِهَا فِي نَفْسِهَا وَمَالِهَا: إمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ. وَأَمَّا بِشَرْطِ هِبَةٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ أَنْ لاَ يَتَسَرَّى عَلَيْهَا، أَوْ أَنْ لاَ يُرَحِّلَهَا، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ كُلِّهِ، فَإِنْ

اشْتَرَطَ ذَلِكَ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ فَهُوَ عَقْدٌ مَفْسُوخٌ، وَإِنْ اشْتَرَطَ ذَلِكَ بَعْدَ الْعَقْدِ فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ وَالشُّرُوطُ كُلُّهَا بَاطِلٌ، سَوَاءٌ عَقَدَهَا بِعِتْقٍ أَوْ بِطَلاَقٍ أَوْ بِأَنْ أَمَرَهَا بِيَدِهَا، أَوْ أَنَّهَا بِالْخِيَارِ كُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ. وَكَذَلِكَ إنْ تَزَوَّجَهَا عَلَى حُكْمِهِ، أَوْ عَلَى حُكْمِهَا، أَوْ عَلَى حُكْمِ فُلاَنٍ، فَكُلُّ ذَلِكَ عَقْدٌ فَاسِدٌ وَقَدْ أَجَازَ بَعْضَ ذَلِكَ قَوْمٌ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: أَنَّ الأَشْعَثَ تَزَوَّجَ امْرَأَةً عَلَى حُكْمِهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى صَدَاقٍ، فَجَعَلَ لَهَا عُمَرُ صَدَاقَ امْرَأَةٍ مِنْ نِسَائِهَا وَهَذَا مُنْقَطِعٌ، عَنْ عُمَرَ، لأََنَّ ابْنَ سِيرِينَ لَمْ يُولَدْ إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ رضي الله عنه. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، أَنَّهُ قَالَ: فَمَنْ تَزَوَّجَ عَلَى حُكْمِهِ: إنَّهُ لَيْسَ لَهَا إِلاَّ مَا حَكَمَ بِهِ الزَّوْجُ. وقال أبو حنيفة وَمَالِكٌ، وَالأَوْزَاعِيُّ: إنْ اتَّفَقَا عَلَى شَيْءٍ إذَا تَزَوَّجَهَا عَلَى حُكْمِهَا أَوْ حُكْمِهِ جَازَ، فَإِنْ لَمْ يَتَّفِقَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالأَوْزَاعِيُّ: فَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا. وقال مالك: يُفْسَخُ قَبْلَ الدُّخُولِ وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا بَعْدَ الدُّخُولِ.
قال أبو محمد: هَذَا شَرْطٌ فَاسِدٌ، لأََنَّهُ مَجْهُولٌ، قَدْ يُمْكِنُ أَنْ تَحْتَكِمَ هِيَ بِجَمِيعِ مَا فِي الْعَالَمِ، وَقَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَحْتَكِمَ هُوَ بِلاَ شَيْءٍ، فَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَالنِّكَاحُ عَلَيْهِ بَاطِلٌ مَفْسُوخٌ. فأما إنْ اشْتَرَطَا ذَلِكَ بَعْدَ عَقْدِ النِّكَاحِ فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ، وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا، إِلاَّ أَنْ يَتَرَاضَيَا بِأَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ. وَقَوْلُ مَالِكٍ يُفْسَخُ النِّكَاحُ إنْ لَمْ يَتَّفِقَا: خَطَأٌ، لأََنَّهُ فَسْخُ نِكَاحٍ صَحِيحٍ بِغَيْرِ أَمْرٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ، وَلاَ مِنْ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ زَكَرِيَّا، هُوَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لاَ يَحِلُّ لأَمْرَأَةٍ تَسْأَلُ طَلاَقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا فَمَنْ اشْتَرَطَ مَا نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ شَرْطٌ بَاطِلٌ، وَإِنْ عُقِدَ عَلَيْهِ نِكَاحٌ فَالنِّكَاحُ بَاطِلٌ. وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ لاَ يَشْتَرِطَ لَهَا أَنْ لاَ يُرَحِّلَهَا فَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْمُهَاجِرِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَنْمٍ أَنَّهُ شَهِدَ عِنْدَ عُمَرَ رَجُلٌ أَتَاهُ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَشَرَطَ لَهَا دَارَهَا فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَهَا شَرْطُهَا، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ عِنْدَهُ: هَلَكَتْ الرِّجَالُ إذْ لاَ تَشَاءُ امْرَأَةٌ تُطَلِّقُ زَوْجَهَا إِلاَّ طَلَّقَتْهُ فَقَالَ عُمَرُ: الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ عِنْدَ مَقَاطِعِ حُقُوقِهِمْ. وبه إلى سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ نَا عَبْدُ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيُّ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ: أَنَّ مُعَاوِيَةَ أُتِيَ فِي ذَلِكَ فَاسْتَشَارَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ فَقَالَ: لَهَا شَرْطُهَا

وَهُوَ قَوْلُ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَرُوِيَ، عَنْ شُرَيْحٍ. وَقَالَ آخَرُونَ بِإِبْطَالِ ذَلِكَ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ فَرْقَدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ أَنَّ رَجُلاً تَزَوَّجَ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَشَرَطَ لَهَا أَنْ لاَ يُخْرِجَهَا، فَوَضَعَ عُمَرُ عَنْهُ الشَّرْطَ وَقَالَ: الْمَرْأَةُ مَعَ زَوْجِهَا. وبه إلى سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ عَبَّادٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي الرَّجُلِ يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ يَشْتَرِطُ لَهَا دَارَهَا فَقَالَ: شَرْطُ اللَّهِ قَبْلَ شَرْطِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ، وَيُونُسُ، قَالَ مُغِيرَةُ: عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَقَالَ يُونُسُ: عَنِ الْحَسَنِ، قَالاَ جَمِيعًا: يَجُوزُ النِّكَاحُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: يَبْطُلُ الشَّرْطُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مُعَلَّقًا بِطَلاَقٍ أَوْ بِعَتَاقٍ، أَوْ بِأَنْ يَكُونَ أَمْرُهَا بِيَدِهَا أَوْ بِتَخْيِيرِهَا. قال علي: هذا قَوْلٌ لَمْ يَأْتِ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، فَهُوَ خِلاَفٌ لِكُلِّ مَا رُوِيَ عَنْهُمْ فِي ذَلِكَ.
قال أبو محمد: احْتَجَّ مَنْ قَالَ بِإِلْزَامِ هَذِهِ الشُّرُوطِ: بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ حَمَّادٍ زُغْبَةُ، أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إنَّ أَحَقَّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ" .
قال أبو محمد: هَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ، وَلاَ مُتَعَلَّقَ لَهُمْ بِهِ، لأََنَّهُمْ لاَ يَخْتَلِفُونَ مَعَنَا، وَلاَ مُسْلِمَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ: فِي أَنَّهُ إنْ شَرَطَ لَهَا أَنْ تَشْرَبَ الْخَمْرَ، أَوْ أَنْ تَأْكُلَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ، أَوْ أَنْ تَدَعَ الصَّلاَةَ، أَوْ أَنْ تَدَعَ صَوْمَ رَمَضَانَ، أَوْ أَنْ يُغَنِّيَ لَهَا، أَوْ أَنْ يَزْفِنَ لَهَا، وَنَحْوَ ذَلِكَ: أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ كُلِّهِ بَاطِلٌ لاَ يَلْزَمُهُ. فَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُرِدْ قَطُّ فِي هَذَا الْخَبَرِ شَرْطًا فِيهِ تَحْرِيمُ حَلاَلٍ، أَوْ تَحْلِيلُ حَرَامٍ، أَوْ إسْقَاطُ فَرْضٍ، أَوْ إيجَابُ غَيْرِ فَرْضٍ، لأََنَّ كُلَّ ذَلِكَ خِلاَفٌ لأََوَامِرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلأََوَامِرِهِ عليه الصلاة والسلام. وَاشْتِرَاطُ الْمَرْأَةِ أَنْ لاَ يَتَزَوَّجَ، أَوْ أَنْ لاَ يَتَسَرَّى، أَوْ أَنْ لاَ يَغِيبَ عَنْهَا أَوْ أَنْ لاَ يُرَحِّلَهَا، عَنْ دَارِهَا كُلُّ ذَلِكَ تَحْرِيمُ حَلاَلٍ، وَهُوَ وَتَحْلِيلُ الْخِنْزِيرِ وَالْمَيْتَةِ سَوَاءٌ، فِي أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ خِلاَفٌ لِحُكْمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. فَصَحَّ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام إنَّمَا أَرَادَ شَرْطَ الصَّدَاقِ الْجَائِزِ الَّذِي أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَهُوَ الَّذِي اسْتَحَلَّ بِهِ الْفَرْجَ لاَ مَا سِوَاهُ. وَأَمَّا تَعْلِيقُ ذَلِكَ كُلِّهِ بِطَلاَقٍ، أَوْ بِعَتَاقٍ، أَوْ تَخْيِيرِهَا، أَوْ تَمْلِيكِهَا أَمْرَهَا فَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ.لِمَا ذَكَرْنَا فِي "كِتَابِ الأَيْمَانِ" مِنْ كِتَابِنَا هَذَا مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلاَ يَحْلِفْ إِلاَّ بِاَللَّه" ِ. فَصَحَّ أَنَّ مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَيْسَ حَالِفًا، وَلاَ هِيَ يَمِينًا، وَهُوَ بَاطِلٌ لَيْسَ فِيهِ إِلاَّ اسْتِغْفَارُ اللَّهِ تَعَالَى وَالتَّوْبَةُ فَقَطْ، وَلِمَا نَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ

أَنَّ تَخْيِيرَ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ، أَوْ تَمْلِيكَهُ إيَّاهَا أَمْرَهَا: كُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ، لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ قَطُّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَلاَ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم. وَصَحَّ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام، أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ عَمَلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ" فَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ، وَلاَ يَكُونُ لِلْمَرْأَةِ خِيَارٌ فِي فِرَاقِ زَوْجِهَا أَوْ الْبَقَاءِ مَعَهُ إِلاَّ حَيْثُ جَعَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمُعْتَقَةِ، وَلاَ تَمْلِكُ الْمَرْأَةُ أَمْرَ نَفْسِهَا أَبَدًا فَسَقَطَ كُلُّ مَا ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلاَ يَجُوزُ النِّكَاحُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الصَّدَاقُ وَصَيْفًا غَيْرَ مَوْصُوفٍ، أَوْ خَادِمًا غَيْرَ مَوْصُوفَةٍ، أَوْ بَيْتًا غَيْرَ مَوْصُوفٍ، وَلاَ مَحْدُودٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ يُبْطِلُ النِّكَاحَ إنْ عَقَدَ عَلَيْهِ، لأََنَّهُ مَجْهُولٌ لاَ يَعْرِفُ مَا هُوَ، فَلَمْ يَتَّفِقَا عَلَى صَدَاقٍ مَعْرُوفٍ، بَلْ عَلَى مَالِهَا أَنْ تَقُولَ: قِيمَةُ كُلِّ ذَلِكَ أَلْفُ دِينَارٍ، وَيَقُولَ هُوَ: بَلْ عَشَرَةُ دَنَانِيرَ، وَإِنْ تَعَاقَدَا ذَلِكَ بَعْدَ صِحَّةِ النِّكَاحِ، فَالنِّكَاحُ صَحِيحٌ، وَالصَّدَاقُ فَاسِدٌ، وَيَقْضِي لَهَا بِمَهْرِ مِثْلِهَا إنْ لَمْ يَتَرَاضَيَا عَلَى أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ: رُوِّينَا إجَازَةَ ذَلِكَ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ. وَصَحَّ، عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ، أَنَّهُ قَالَ: مَنْ تَزَوَّجَ عَلَى وَصَيْفٍ فَإِنَّهُ يَقُومُ عَرَبِيٌّ وَهِنْدِيٌّ، وَحَبَشِيٌّ، وَتُجْمَعُ الْقِيَمُ وَيَقْضِي لَهَا بِمِثْلِهَا. قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَهَا فِي الْوَصِيفِ الأَبْيَضِ خَمْسُونَ مِثْقَالاً، فَإِنْ أَعْطَاهَا وَصَيْفًا يُسَاوِي خَمْسِينَ دِينَارًا مِنْ ذَهَبٍ لَمْ يَكُنْ لَهَا غَيْرُهُ، وَإِلَّا فَيَقْضِي عَلَيْهِ بِتَمَامِ خَمْسِينَ دِينَارًا مِنْ ذَهَبٍ، وَيَقْضِي لَهَا فِي الْبَيْتِ بِأَرْبَعِينَ دِينَارًا مِنْ ذَهَبٍ وَفِي الْخَادِمِ بِأَرْبَعِينَ دِينَارًا مِنْ ذَهَبٍ.
قال أبو محمد: فِي هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ عَجَبٌ يُغْنِي إيرَادُهُ، عَنْ تَكَلُّفِ الرَّدِّ عَلَيْهِ، لِمَا فِيهِمَا مِنْ التَّحَكُّمِ الْبَارِدِ بِالرَّأْيِ الْفَاسِدِ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى. وقال مالك، وَالشَّافِعِيُّ: لَهَا الْوَسَطُ مِنْ ذَلِكَ. قال علي: وهذا عَجَبٌ آخَرُ، وَلَيْتَ شِعْرِي كَمْ هَذَا الْوَسَطُ وَمِنْ الْوُصَفَاءِ مَا يُسَاوِي خَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ لاَ يُسَاوِي عِشْرِينَ دِينَارًا، فَظَهَرَ فَسَادُ هَذِهِ الآرَاءِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

ولا يجوز نكاح المتعة
1854 - مَسْأَلَةٌ: قال أبو محمد: وَلاَ يَجُوزُ نِكَاحُ الْمُتْعَةِ، وَهُوَ النِّكَاحُ إلَى أَجَلٍ، وَكَانَ حَلاَلاً عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ نَسَخَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم نَسْخًا بَاتًّا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَقَدْ ثَبَتَ عَلَى تَحْلِيلِهَا بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ، رضي الله عنهم، مِنْهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنُ مَسْعُودٍ. وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، وَعَمْرُو بْنُ حُرَيْثٍ، وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَسَلَمَةُ، وَمَعْبَدٌ ابْنَا أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ وَرَوَاهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ مُدَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمُدَّةَ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ إلَى قُرْبِ آخَرِ خِلاَفَةِ عُمَرَ. وَاخْتُلِفَ

فِي إبَاحَتِهَا، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَعَنْ عَلِيٍّ فِيهَا تَوَقُّفٌ. وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ إنَّمَا أَنْكَرَهَا إذَا لَمْ يُشْهِدْ عَلَيْهَا عَدْلاَنِ فَقَطْ، وَأَبَاحَهَا بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ. وَمِنْ التَّابِعِينَ: طَاوُوس، وَعَطَاءٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَسَائِرُ فُقَهَاءِ مَكَّةَ أَعَزَّهَا اللَّهُ. وَقَدْ تَقَصَّيْنَا الآثَارَ الْمَذْكُورَةَ فِي كِتَابِنَا الْمَوْسُومِ بِ " الإِيصَالُ " وَصَحَّ تَحْرِيمُهَا، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَنِ ابْنِ أَبِي عَمْرَةَ الأَنْصَارِيِّ. وَاخْتُلِفَ فِيهَا: عَنْ عَلِيٍّ، وَعُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ. وَمِمَّنْ قَالَ بِتَحْرِيمِهَا وَفَسْخِ عَقْدِهَا مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ: أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ. وَقَالَ زُفَرُ: يَصِحُّ الْعَقْدُ وَيَبْطُلُ الشَّرْطُ.
قال أبو محمد: لَقَدْ صَحَّ تَحْرِيمُ الشِّغَارِ، وَالْمَوْهُوبَةِ، فَأَبَاحُوهَا، وَهِيَ فِي التَّحْرِيمِ أَبْيَنُ مِنْ الْمُتْعَةِ وَلَكِنَّهُمْ لاَ يُبَالُونَ بِالتَّنَاقُضِ. وَنَقْتَصِرُ مِنْ الْحُجَّةِ فِي تَحْرِيمِهَا عَلَى خَبَرِ ثَابِتٍ وَهُوَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ سَبْرَةَ الْجُهَنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: " خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَقَالَ " سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ وَيَقُولُ: "مَنْ كَانَ تَزَوَّجَ امْرَأَةً إلَى أَجَلٍ فَلْيُعْطِهَا مَا سَمَّى لَهَا، وَلاَ يَسْتَرْجِعْ مِمَّا أَعْطَاهَا شَيْئًا، وَيُفَارِقْهَا، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَهَا عَلَيْكُمْ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" .
قال أبو محمد: مَا حَرَّمَ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَقَدْ أَمِنَّا نَسْخَهُ. وَأَمَّا قَوْلُ زُفَرَ فَفَاسِدٌ، لأََنَّ الْعَقْدَ لَمْ يَقَعْ إِلاَّ عَلَى أَجَلٍ مُسَمًّى. فَمَنْ أَبْطَلَ هَذَا الشَّرْطَ وَأَجَازَ الْعَقْدَ، فَإِنَّهُ أَلْزَمَهُمَا عَقْدًا لَمْ يَتَعَاقَدَاهُ قَطُّ، وَلاَ الْتَزَمَاهُ قَطُّ، لأََنَّ كُلَّ ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ يَدْرِي بِلاَ شَكٍّ أَنَّ الْعَقْدَ الْمَعْقُودَ إلَى أَجَلٍ هُوَ غَيْرُ الْعَقْدِ الَّذِي هُوَ إلَى غَيْرِ أَجَلٍ [ بِلاَ شَكٍّ ]. فَمِنْ الْبَاطِلِ إبْطَالُ عَقْدٍ تَعَاقَدَاهُ وَإِلْزَامُهُمَا عَقْدًا لَمْ يَتَعَاقَدَاهُ، وَهَذَا لاَ يَحِلُّ أَلْبَتَّةَ إِلاَّ أَنْ يَأْمُرَنَا بِهِ الَّذِي أَمَرَنَا بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ، لاَ أَحَدَ دُونَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ولا يحل نكاح الأم ولا الجدة من فبل الاب ....
1855 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ نِكَاحُ الأُُمِّ، وَلاَ الْجَدَّةِ مِنْ قِبَلِ الأَبِ، أَوْ مِنْ قِبَلِ الأُُمِّ، وَإِنْ بَعُدَتَا. وَلاَ الْبِنْتِ، وَلاَ بِنْتٍ مِنْ قِبَلِ الْبِنْتِ، أَوْ مِنْ قِبَلِ الأَبْنِ وَإِنْ سَفُلَتَا. وَلاَ نِكَاحُ الأُُخْتِ كَيْفَ كَانَتْ، وَلاَ نِكَاحُ بِنْتِ أَخٍ، أَوْ بِنْتِ أُخْتٍ، وَإِنْ سَفُلَتَا. وَلاَ نِكَاحُ الْعَمَّةِ وَالْخَالَةِ وَإِنْ بَعُدَتَا. وَلاَ نِكَاحُ أُمِّ الزَّوْجِ، وَلاَ جَدَّتِهَا، وَإِنْ بَعُدَتْ. وَلاَ أُمِّ الأَمَةِ الَّتِي حَلَّ لَهُ وَطْؤُهَا، وَلاَ نِكَاحُ جَدَّتِهَا وَإِنْ بَعُدَتْ.
قال أبو محمد: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُُخْتِ} إلَى قوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} .

قَالَ عَلِيٌّ: وَالْجَدَّةُ كَيْفَ كَانَتْ أُمَّ أَبٍ، أَوْ أُمَّ جَدٍّ، أَوْ أُمَّ جَدِّ جَدٍّ، أَوْ أُمَّ أُمِّ جَدٍّ، أَوْ جَدَّةَ أُمٍّ، أَوْ أُمَّ أُمٍّ. كُلُّ هَؤُلاَءِ " أُمٌّ " قَالَ تَعَالَى: {كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ} وَالأُُخْتُ تَكُونُ شَقِيقَةً، وَتَكُونُ لأََبٍ، وَتَكُونُ لأَُمٍّ. وَبِنْتُ الْبِنْتِ، وَبِنْتُ الأَبْنِ، وَبِنْتُ ابْنِ الْبِنْتِ، وَبِنْتُ بِنْتِ الأَبْنِ. وَهَكَذَا كَيْفَ كَانَتْ، كُلُّ هَؤُلاَءِ " بِنْتٌ " قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا بَنِي آدَمَ} وَقَالَ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَيْضِ "هَذَا شَيْءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَم َ". وَبِنْتُ بِنْتِ الأَخِ، وَبِنْتُ ابْنِ الأَخِ، كُلُّهُنَّ بَنَاتُ أَخٍ. وَبِنْتُ بِنْتِ الأُُخْتِ، وَبِنْتُ ابْنِ الأُُخْتِ، كُلُّ هَؤُلاَءِ بِنْتُ أُخْتٍ. وَأُخْتُ الْجَدِّ مِنْ الأَبِ، وَأُخْتُ جَدِّ الْجَدِّ مِنْ الأَبِ، كُلُّهُنَّ عَمَّةٌ. وَأُخْتُ الْجَدِّ مِنْ الأُُمِّ، وَأُخْتُ الْجَدَّةِ مِنْ قِبَلِ الأَبِ وَالأُُمِّ، كُلُّهُنَّ خَالَةٌ. وَالزَّوْجَةُ، وَالأَمَةُ الَّتِي حَلَّ وَطْؤُهَا لِلرَّجُلِ، كُلُّهُنَّ مِنْ نِسَائِهِ. وَكُلُّ هَذَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، إِلاَّ الأَمَةَ وَابْنَتَهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ فَإِنَّ قَوْمًا أَحَلُّوهُمَا.

وكل ما حرم من الانساب
1856 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَا حَرُمَ مِنْ الأَنْسَابِ، وَالْحُرُمُ الَّتِي ذَكَرْنَا فَإِنَّهُ يَحْرُمُ بِالرَّضَاعِ، كَالْمَرْأَةِ الَّتِي تُرْضِعُ الرَّجُلَ فَهِيَ أُمُّهُ، وَأُمُّهَا جَدَّتُهُ، وَجَدَّاتُهَا مِنْ قِبَلِ أَبِيهَا وَأُمِّهَا كُلُّهُنَّ أُمٌّ لَهُ. وَكُلُّ مَنْ أَرْضَعَتْهُ فَهُنَّ أَخَوَاتُهُ وَإِخْوَتُهُ. وَمَنْ تَنَاسَلَ مِنْهُمْ فَهُنَّ بَنَاتُ إخْوَتِهِ وَبَنَاتُ أَخَوَاتِهِ. وَعَمَّاتُ الَّتِي أَرْضَعَتْهُ وَخَالاَتُهَا خَالاَتُهُ كَمَا ذَكَرْنَا. وَعَمَّاتُ أَبِيهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ عَمَّاتُهُ وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَا حَرَّمَتْهُ الْوِلاَدَةُ حَرَّمَهُ الرَّضَاعُ.

ولا يحل الجمع في استباحة الوطء بين الأختين من ولادة
1857- مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ الْجَمْعُ فِي اسْتِبَاحَةِ الْوَطْءِ بَيْنَ الأُُخْتَيْنِ مِنْ وِلاَدَةٍ أَوْ مِنْ رَضَاعٍ كَمَا ذَكَرْنَا لاَ بِزَوَاجٍ، وَلاَ بِمِلْكِ يَمِينٍ، وَلاَ إحْدَاهُمَا بِزَوَاجٍ، وَالأُُخْرَى بِمِلْكِ يَمِينٍ، وَلاَ بَيْنَ الْعَمَّةِ وَبِنْتِ أَخِيهَا، وَلاَ بَيْنَ الْخَالَةِ وَبِنْتِ أُخْتِهَا، كَمَا قلنا فِي الأُُخْتَيْنِ سَوَاءً سَوَاءً. فَمَنْ اجْتَمَعَ فِي مِلْكِهِ أُخْتَانِ، أَوْ عَمَّةٌ وَبِنْتُ أَخِيهَا، أَوْ خَالَةٌ وَبِنْتُ أُخْتِهَا، فَهُمَا جَمِيعًا عَلَيْهِ حَرَامٌ، حَتَّى يُخْرِجَ إحْدَاهُمَا، عَنْ مِلْكِهِ بِمَوْتٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْوُجُوهِ، أَوْ حَتَّى تَزَوَّجَ إحْدَاهُمَا بِأَيِّ هَذِهِ الْوُجُوهِ كَانَ: حَلَّ لَهُ وَطْءُ الْبَاقِيَةِ. فَإِنْ رَجَعَتْ إلَى مِلْكِهِ الأُُخْرَى رَجَعَتْ حَرَامًا كَمَا كَانَتْ، وَبَقِيَتْ الأُُولَى حَلاَلاً كَمَا كَانَتْ، فَإِنْ أَخْرَجَهَا، عَنْ مِلْكِهِ أَوْ زَوَّجَهَا أَوْ مَاتَتْ: حَلَّتْ لَهُ الَّتِي كَانَتْ حَرَامًا عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ إنْ مَاتَتْ الزَّوْجَةُ أَوْ طَلَّقَهَا ثَلاَثًا، أَوْ قَبْلَ الدُّخُولِ: حَلَّ لَهُ زَوَاجُ الأُُخْرَى. وَكَذَلِكَ إنْ طَلَّقَهَا طَلاَقًا رَجْعِيًّا فَتَمَّتْ عِدَّتُهَا مِنْهُ. برهان ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَنْ تَجْمَعُوا

وجائز للاخ أن يتزوج امراة أخيه
1858 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ لِلأَخِ أَنْ يَتَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَخِيهِ الَّتِي مَاتَ أَخُوهُ عَنْهَا، أَوْ طَلَّقَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا، أَوْ إثْرَ طَلاَقِ الأَخِ لَهَا إنْ لَمْ يَكُنْ وَطِئَهَا. وَكَذَلِكَ لِلْعَمِّ وَلِلْخَالِ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَيَّهُمَا كَانَ: امْرَأَةً مَاتَ عَنْهَا ابْنُ الأَخِ أَوْ ابْنُ الأُُخْتِ، أَوْ طَلَّقَاهُمَا بَعْدَ تَمَامِ الْعِدَّةِ، أَوْ إثْرَ طَلاَقٍ لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ وَطْءٌ. وَكَذَلِكَ لأَبْنِ الأَخِ، وَلأَبْنِ الأُُخْتِ أَنْ يَتَزَوَّجَا امْرَأَةَ الْعَمِّ، أَوْ الْخَالِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا أَوْ طَلاَقِهِمَا بَعْدَ الْعِدَّةِ، أَوْ إثْرَ طَلاَقٍ لَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ وَطْءٌ. هَذَا لاَ نَصَّ فِي تَحْرِيمِهِ، وَكُلُّ مَا لَمْ يُفَصَّلْ لَنَا تَحْرِيمُهُ فَهُوَ حَلاَلٌ. قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَحَلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} بَعْدَ ذِكْرِهِ تَعَالَى مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا مِنْ النِّسَاءِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ولا يجوز للولد زواج للولد امراة أبيه
1859 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَجُوزُ لِلْوَلَدِ زَوَاجُ امْرَأَةِ أَبِيهِ، وَلاَ مَنْ وَطِئَهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ أَبُوهُ وَحَلَّتْ لَهُ، وَلاَ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا، أَوْ التَّلَذُّذُ مِنْهَا بِزَوَاجٍ أَوْ بِمِلْكِ يَمِينٍ، وَلَهُ تَمَلُّكُهَا، إِلاَّ أَنَّهَا لاَ تَحِلُّ لَهُ أَصْلاً. وَكَذَلِكَ لاَ يَحِلُّ لِلرَّجُلِ زَوَاجُ امْرَأَةٍ، وَلاَ وَطْؤُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ إذَا كَانَتْ الْمَرْأَةُ مِمَّنْ حَلَّ لِوَلَدِهِ وَطْؤُهَا أَوْ التَّلَذُّذُ مِنْهَا بِزَوَاجٍ أَوْ بِمِلْكِ يَمِينٍ أَصْلاً. وَالْجَدُّ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا وَإِنْ عَلاَ مِنْ قِبَلِ الأَبِ أَوْ الأُُمِّ كَالأَبِ، وَلاَ فَرْقَ. وَابْنُ الأَبْنِ، وَابْنُ الأَبْنَةِ وَإِنْ سَفُلاَ كَالأَبْنِ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا، وَلاَ فَرْقَ.
قال أبو محمد: أَمَّا مَنْ عَقَدَ فِيهَا الرَّجُلُ زَوَاجًا فَلاَ خِلاَفَ فِي تَحْرِيمِهَا فِي الأَبَدِ عَلَى أَبِيهِ وَأَجْدَادِهِ، وَعَلَى بَنِيهِ وَعَلَى مَنْ تَنَاسَلَ مِنْ بَنِيهِ وَبَنَاتِهِ أَبَدًا. وَأَمَّا مَنْ حَلَّتْ لِلرَّجُلِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، فَإِنْ وَطِئَهَا فَلاَ نَعْلَمُ خِلاَفًا فِي تَحْرِيمِهِ عَلَى مَنْ وَلَدَ، وَعَلَى مَنْ وَلَدَهُ وَفِيمَا لَمْ يَطَأْهَا خِلاَفٌ نَذْكُرُ مِنْهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَا تَيَسَّرَ لَنَا ذِكْرُهُ مِنْ ذَلِكَ: ذَكَرَتْ طَائِفَةٌ أَنَّهَا تَحْرُمُ عَلَى وَلَدِهِ وَآبَائِهِ بِتَجْرِيدِهِ لَهَا فَقَطْ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: جَرَّدَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ جَارِيَةً فَنَظَرَ إلَيْهَا ثُمَّ نَهَى بَعْضَ وَلَدِهِ أَنْ يَقْرَبَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ، عَنْ مَكْحُولٍ: أَنَّ عُمَرَ اشْتَرَى جَارِيَةً فَجَرَّدَهَا وَنَظَرَ إلَيْهَا فَقَالَ لَهُ ابْنُهُ: أَعْطِنِيهَا، فَقَالَ: إنَّهَا لاَ تَحِلُّ لَك، إنَّمَا يُحَرِّمُهَا عَلَيْك النَّظَرُ وَالتَّجْرِيدُ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا فُضَيْلٍ، عَنْ هِشَامٍ، هُوَ ابْنُ حَسَّانَ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: إنْ جَرَّدَهَا الأَبُ حَرَّمَهَا عَلَى الأَبْنِ، وَإِنْ جَرَّدَهَا الأَبْنُ حَرَّمَهَا عَلَى الأَبِ.
قال أبو محمد: هَذَا صَحِيحٌ، عَنِ الْحَسَنِ، وَلاَ يَصِحُّ، عَنْ عُمَرَ، لأََنَّهُ مِنْ طَرِيقِ مَكْحُولٍ وَهُوَ

واما من تزوج امراة ولها ابنة أو ملكها
1860 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَلَهَا ابْنَةٌ أَوْ مَلَكَهَا وَلَهَا ابْنَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ الأَبْنَةُ فِي حِجْرِهِ وَدَخَلَ بِالأُُمِّ مَعَ ذَلِكَ وَطِئَ أَوْ لَمْ يَطَأْ، لَكِنْ خَلاَ بِهَا بِالتَّلَذُّذِ: لَمْ تَحِلَّ لَهُ ابْنَتُهَا أَبَدًا، فَإِنْ دَخَلَ بِالأُُمِّ وَلَمْ تَكُنِ الأَبْنَةُ فِي حِجْرِهِ، أَوْ كَانَتْ الأَبْنَةُ فِي حِجْرِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ بِالأُُمِّ، فَزَوَاجُ الأَبْنَةِ لَهُ حَلاَلٌ.
وَأَمَّا مَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً لَهَا أُمٌّ أَوْ مَلَكَ أَمَةً تَحِلُّ لَهُ وَلَهَا أُمٌّ فَالأُُمُّ حَرَامٌ عَلَيْهِ بِذَلِكَ أَبَدَ الأَبَدِ وَطِئَ فِي كُلِّ ذَلِكَ الأَبْنَةَ أَوْ لَمْ يَطَأْهَا.
برهان ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَرَبَائِبُكُمْ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} فَلَمْ يُحَرِّمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الرَّبِيبَةَ بِنْتَ الزَّوْجَةِ أَوْ الأَمَةِ إِلاَّ بِالدُّخُولِ بِهَا، وَأَنْ تَكُونَ هِيَ فِي حِجْرِهِ، فَلاَ تَحْرُمُ إِلاَّ بِالأَمْرَيْنِ مَعًا، لقوله تعالى بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ مَا حَرَّمَ مِنْ النِّسَاءِ: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}. وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا. وَكَوْنُهَا فِي حِجْرِهِ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا: سُكْنَاهَا مَعَهُ فِي مَنْزِلِهِ، وَكَوْنُهُ

كَافِلاً لَهَا. وَالثَّانِي: نَظَرُهُ إلَى أُمُورِهَا نَحْوَ الْوِلاَيَةِ لاَ بِمَعْنَى الْوَكَالَةِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ يَقَعُ بِهِ عَلَيْهَا كَوْنُهَا فِي حِجْرِهِ. وَأَمَّا أُمُّهَا فَيُحَرِّمُهَا عَلَيْهِ بِالْعَقْدِ جُمْلَةً: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} فَأَجْمَلَهَا عَزَّ وَجَلَّ فَلاَ يَجُوزُ تَخْصِيصُهَا. وَفِي كُلِّ ذَلِكَ اخْتِلاَفٌ قَدِيمٌ وَحَدِيثٌ: ذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إلَى أَنَّ الأُُمَّ لاَ تَحْرُمُ إِلاَّ بِالدُّخُولِ بِالأَبْنَةِ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ خِلاَسٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ سُئِلَ فِي رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا أَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّهَا فَقَالَ عَلِيٌّ: هُمَا بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ يَجْرِيَانِ مَجْرًى وَاحِدًا إنْ طَلَّقَ الأَبْنَةَ قَبْلَ الدُّخُولِ بِهَا تَزَوَّجَ أُمَّهَا، وَإِنْ تَزَوَّجَ أُمَّهَا طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا: تَزَوَّجَ ابْنَتَهَا، وَهَذَا صَحِيحٌ، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه. حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ الْعُذُرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَمَوَيْهِ السَّرَخْسِيُّ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ خُرَيْمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ هُوَ قَاضِي صَنْعَاءَ قَالَ: قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: الرَّبِيبَةُ، وَالأُُمُّ سَوَاءٌ لاَ بَأْسَ بِهِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِالْمَرْأَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ حَفْصٍ، هُوَ ابْنُ عُمَرَ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ عُوَيْمِرٌ مِنْ بَنِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ مِنْ كِنَانَةَ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ أَنْكَحَهُ أَبُوهُ امْرَأَةً بِالطَّائِفِ، قَالَ فَلَمْ أَمَسَّهَا حَتَّى تُوُفِّيَ عَمِّي، عَنْ أُمِّهَا وَأُمُّهَا ذَاتُ مَالٍ كَثِيرٍ فَقَالَ لِي أَبِي: هَلْ لَك فِي أُمِّهَا قَالَ: فَسَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ، وَأَخْبَرْته الْخَبَرَ فَقَالَ: انْكِحْ أُمَّهَا وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الْمَوَالِي، عَنْ عَبْدِ الْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ أَنَّ رَجُلاً مِنْ بَنِي لَيْثٍ يُقَالُ لَهُ: ابْنُ الأَجْدَعِ تَزَوَّجَ جَارِيَةً شَابَّةً فَهَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، فَخَطَبَ أُمَّهَا فَقَالَتْ لَهُ: نَعَمْ، إنْ كُنْتُ أَحِلُّ لَك، فَجَاءَ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْخَصَ لَهُ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي فَرْوَةَ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ رَجُلاً مِنْ بَنِي شَمْخِ بْنِ فَزَارَةَ تَزَوَّجَ امْرَأَةً ثُمَّ رَأَى أُمَّهَا فَأَعْجَبَتْهُ فَاسْتَفْتَى ابْنَ مَسْعُودٍ فَأَفْتَاهُ أَنْ يُفَارِقَهَا ثُمَّ يَتَزَوَّجَ أُمَّهَا فَتَزَوَّجَهَا وَوَلَدَتْ لَهُ أَوْلاَدًا وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ عَلَى مَا نُورِدُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَبِهِ يَقُولُ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ. وَطَائِفَةٌ قَالَتْ بِإِبَاحَةِ نِكَاحِ أُمِّ الزَّوْجَةِ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا إذَا طَلَّقَ الأَبْنَةَ وَلَمْ يُبِحْهُ إنْ مَاتَتْ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ فِي رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَأَرَادَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّهَا قَالَ: إنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا تَزَوَّجَ أُمَّهَا، وَإِنْ مَاتَتْ لَمْ يَتَزَوَّجْ أُمَّهَا.

وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ: إنْ طَلَّقَ الأَبْنَةَ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا تَزَوَّجَ أُمَّهَا، وَإِنْ مَاتَتْ لَمْ يَتَزَوَّجْ أُمَّهَا. وَطَائِفَةٌ فَرَّقَتْ بَيْنَ الأُُمِّ وَالأَبْنَةِ. رُوِّينَا ذَلِكَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَابْنِ عُمَرَ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَطَائِفَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ. وَطَائِفَةٌ تَوَقَّفَتْ فِي كُلِّ ذَلِكَ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الْمَوَالِي، عَنْ عَبْدِ الْحَكَمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي فَرْوَةَ: أَنَّ رَجُلاً مِنْ بَنِي لَيْثٍ يُقَالُ لَهُ: ابْنُ الأَجْدَعِ تَزَوَّجَ جَارِيَةً فَهَلَكَتْ وَلَمْ يَدْخُلْ بِهَا، فَخَطَبَ أُمَّهَا فَقَالَتْ: نَعَمْ، إنْ كُنْتُ أَحِلُّ لَك فَسَأَلَ نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْخَصَ لَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ نَهَاهُ وَقَالَ: إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ عَزَمَ فِي الأُُمِّ وَأَرْخَصَ فِي الرَّبِيبَةِ، فَلَمَّا اخْتَلَفُوا عَلَيْهِ كَتَبَ إلَى مُعَاوِيَةَ فَأَخْبَرَهُ إرْخَاصَ مَنْ أَرْخَصَ لَهُ وَنَهْيَ مَنْ نَهَاهُ فَكَتَبَ إلَيْهِ مُعَاوِيَةُ: قَدْ جَاءَنِي كِتَابُك وَفَهِمْت الَّذِي فِيهِ، وَإِنِّي لاَ أُحِلُّ لَك مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْك، وَلاَ أُحَرِّمُ عَلَيْك مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَك، وَلَعَمْرِي إنَّ النِّسَاءَ كَثِيرٌ وَلَمْ يَزِدْهُ عَلَى ذَلِكَ فَجَاءَ بِكِتَابِ مُعَاوِيَةَ فَقَرَأَهُ الَّذِي سَأَلَهُمْ فَكُلُّهُمْ قَالَ: صَدَقَ مُعَاوِيَةُ، قَالَ: فَانْصَرَفَ، عَنِ الْمَرْأَةِ وَلَمْ يَتَزَوَّجْهَا.
قال أبو محمد: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَرَبَائِبُكُمْ} مَعْطُوفٌ عَلَى مَا حَرَّمَ، هَذَا مَا لاَ شَكَّ فِيهِ وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ} نَعْتٌ لِلرَّبَائِبِ لاَ يُمْكِنُ غَيْرُ ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ. وَقَوْله تَعَالَى مِنْ نِسَائِكُمْ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ مِنْ صِلَةِ الرَّبَائِبِ لاَ يَجُوزُ غَيْرُ ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ، إذْ لَوْ كَانَ رَاجِعًا إلَى قوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} لَكَانَ مَوْضِعُهُ أُمَّهَاتِ نِسَائِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ وَهَذَا مُحَالٌ فِي الْكَلاَمِ. فَصَحَّ أَنَّ الأَسْتِثْنَاءَ فِي " الرَّبَائِبِ " خَاصَّةً، وَامْتَنَعَ أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا إلَى " أُمَّهَاتِ النِّسَاءِ " وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي " الرَّبِيبَةِ " فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إذَا دَخَلَ بِأُمِّهَا فَقَدْ حَرُمَتْ الْبِنْتُ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَتْ فِي حِجْرِهِ أَوْ لَمْ تَكُنْ: رُوِّينَا، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ إنْ مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا نَكَحَ ابْنَتَهَا إنْ شَاءَ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ سُئِلَ، عَنْ رَجُلٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةً فَطَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا فَقَالَ عِمْرَانُ: لاَ تَحِلُّ لَهُ أُمُّهَا دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَإِنْ طَلَّقَ الأُُمَّ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا تَزَوَّجَ ابْنَتَهَا.وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ بِمِثْلِ قَوْلِنَا: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ رِفَاعَةَ أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ النَّصْرِيُّ قَالَ: كَانَ عِنْدِي امْرَأَةٌ قَدْ وَلَدَتْ لِي فَتُوُفِّيَتْ، فَوَجَدْت عَلَيْهَا، فَلَقِيت عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ

لِي: مَالَك قُلْت: تُوُفِّيَتْ الْمَرْأَةُ، قَالَ: أَلَهَا ابْنَةٌ قُلْت: نَعَمْ، قَالَ: كَانَتْ فِي حِجْرِك قُلْت: لاَ، هِيَ فِي الطَّائِفِ، قَالَ: فَانْكِحْهَا قُلْت: وَأَيْنَ قوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمْ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ} قَالَ: إنَّهَا لَمْ تَكُنْ فِي حِجْرِك وَإِنَّمَا ذَلِكَ إذَا كَانَتْ فِي حِجْرِك. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ مَيْسَرَةَ: أَنَّ رَجُلاً مِنْ بَنِي سَوْأَةَ يُقَالُ لَهُ: عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مَعْبَدٍ أَثْنَى عَلَيْهِ خَيْرًا أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ أَوْجَدَهُ نَكَحَ امْرَأَةً ذَاتَ وَلَدٍ مِنْ غَيْرِهِ، فَاصْطَحَبَا مَا شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ نَكَحَ امْرَأَةً شَابَّةً، فَقَالَ لَهُ أَحَدُ بَنِيِّ الأُُولَى: قَدْ نَكَحْت عَلَى أُمِّنَا وَكَبُرَتْ فَاسْتَغْنَيْتُ عَنْهَا بِامْرَأَةٍ شَابَّةٍ فَطَلِّقْهَا قَالَ: لاَ وَاَللَّهِ إِلاَّ أَنْ تُنْكِحَنِي ابْنَتَك قَالَ: فَطَلَّقَهَا وَأَنْكَحَهُ ابْنَتَهُ، وَلَمْ تَكُنْ فِي حِجْرِهِ، وَلاَ أَبُوهَا ابْنَ الْعَجُوزِ الْمُطَلَّقَةِ، قَالَ: فَجِئْت سُفْيَانَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فَقُلْت لَهُ: اسْتَفْتِ لِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: لِتَجِيءَ مَعِي فَأَدْخَلَنِي عَلَى عُمَرَ، فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ الْخَبَرَ فَقَالَ عُمَرُ: لاَ بَأْسَ بِذَلِكَ وَاذْهَبْ فَسَلْ فُلاَنًا ثُمَّ تَعَالَ فَأَخْبِرْنِي قَالَ: وَلاَ أَرَاهُ إِلاَّ عَلِيًّا قَالَ: فَسَأَلْته فَقَالَ: لاَ بَأْسَ بِذَلِكَ.
قال أبو محمد: لاَ يَجُوزُ تَخْصِيصُ شَرْطِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِغَيْرِ نَصٍّ.
قال أبو محمد: وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: قوله تعالى: اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ إنَّمَا عَنَى الْجِمَاعَ صَحَّ ذَلِكَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وطَاوُوس، وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَعَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ. وَرُوِيَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ الْقُبْلَةَ لِلأُُمِّ الَّتِي تَتَزَوَّجُ تُحَرِّمُ ابْنَتَهَا.
وَرُوِيَ، عَنْ عَطَاءٍ وَصَحَّ عَنْهُ أَنَّ الدُّخُولَ: هُوَ أَنْ يَكْشِفَ، وَيُفَتِّشَ، وَيَجْلِسَ بَيْنَ رِجْلَيْهَا، فِي بَيْتِهِ أَوْ فِي بَيْتِ أَهْلِهَا قَالَ: فَلَوْ غَمَزَ وَلَمْ يَكْشِفْ لَمْ تُحَرَّمْ ابْنَتُهَا عَلَيْهِ بِذَلِكَ. وَرُوِيَ، عَنْ عَطَاءٍ أَيْضًا أَنَّهُ الدُّخُولُ فَقَطْ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا.
قال أبو محمد: وَشَغَبَ الْمُخَالِفُونَ الَّذِينَ لاَ يُرَاعُونَ كَوْنَ الرَّبِيبَةِ فِي حِجْرِ زَوْجِ أُمِّهَا مَعَ دُخُولٍ بِهَا بِآثَارٍ فَاسِدَةٍ. مِنْهَا: خَبَرٌ مُنْقَطِعٌ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنِ الْمُثَنَّى بْنِ الصَّبَّاحِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَيُّمَا رَجُلٍ نَكَحَ امْرَأَةً فَدَخَلَ بِهَا فَلاَ يَحِلُّ لَهُ نِكَاحُ ابْنَتِهَا فَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلْيَنْكِحْهَا. وَهَذَا هَالِكٌ مُنْقَطِعٌ، وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، وَالْمُثَنَّى: ضَعِيفَانِ. وَبِخَبَرٍ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ: أَنَّ فِي التَّوْرَاةِ مَكْتُوبًا " مَنْ كَشَفَ، عَنْ فَرْجِ امْرَأَةٍ وَابْنَتِهَا فَهُوَ مَلْعُونٌ " وَهَذَا طَرِيفٌ جِدًّا. وَبِخَبَرٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ: أَخْبَرْت، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أُمِّ الْحَكَمِ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زَنَيْت بِامْرَأَةٍ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَفَأَنْكِحُ ابْنَتَهَا قَالَ: "لاَ أَرَى ذَلِكَ، وَلاَ يَصْلُحُ لَك أَنْ تَنْكِحَ امْرَأَةً تَطَّلِعُ مِنْ ابْنَتِهَا عَلَى مَا تَطَّلِعُ عَلَيْهِ مِنْهَا" وَهَذَا مُنْقَطِعٌ فِي مَوْضِعَيْنِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فِي الَّذِي يَتَزَوَّجُ الْمَرْأَةَ فَيَغْمِزُهَا

لاَ يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ: أَنْ لاَ يَتَزَوَّجَ ابْنَتَهَا" وَهَذَا أَشَدُّ انْقِطَاعًا. وَبِالْخَبَرِ الثَّابِتِ مِنْ طَرِيقِ أُمِّ حَبِيبَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: بَلَغَنِي أَنَّكَ تَخْطُبُ دُرَّةَ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ فَقَالَ لَهَا عليه الصلاة والسلام: "وَاَللَّهِ لَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي مَا حَلَّتْ لِي، إنَّهَا لاَبْنَةُ أَخِي فِي الرَّضَاعَةِ. قَالُوا: فَلَمْ يَذْكُرْ كَوْنَهَا فِي حِجْرِهِ. فَقُلْنَا: وَلاَ ذَكَرَ دُخُولَهُ بِهَا أَيْضًا، إنَّمَا فِي هَذَا الْخَبَرِ كَوْنُهَا رَبِيبَةً لَهُ فَقَطْ وَبِعَقْدِ النِّكَاحِ تَكُونُ رَبِيبَتَهُ، وَلاَ يَخْتَلِفُونَ أَنَّ ذَلِكَ لاَ يُحَرِّمُهَا عَلَيْهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، فَكَيْفَ وَهَذَا خَبَرٌ هَكَذَا رَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَغَيْرُهُ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ. وَرَوَاهُ مَنْ لَيْسَ دُونَ هِشَامٍ فَزَادَ بَيَانًا: كَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ النُّفَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ لَقَدْ أُخْبِرْتُ أَنَّكَ تَخْطُبُ بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: بِنْتَ أَبِي سَلَمَةَ قُلْت: نَعَمْ، قَالَ: أَمَا وَاَللَّهِ لَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حِجْرِي مَا حَلَّتْ لِي، إنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنْ الرَّضَاعَةِ. وَهَكَذَا رَوَاهُ أَبُو أُسَامَةَ، وَيَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ. كُلُّهُمْ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، فَأَثْبَتُوا فِيهِ ذِكْرَهُ عليه الصلاة والسلام كَوْنَهَا فِي حِجْرِهِ. وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ أَخْبَرَنَا شُعَيْبُ، هُوَ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ أَخْبَرَتْهُ: أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ أَخْبَرَتْهَا، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِهَذَا الْخَبَرِ، وَفِيهِ لَوْ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حِجْرِي، وَلاَ شَكَّ، وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ فِي مَوْطِنٍ وَاحِدٍ، عَنْ قِصَّةٍ وَاحِدَةٍ أَسْقَطَ بَعْضُ الرُّوَاةِ لَفْظَةً أَثْبَتَهَا غَيْرُهُ مِمَّنْ هُوَ مِثْلُهُ وَفَوْقَهُ فِي الْحِفْظِ، فَلاَ يَحِلُّ الأَحْتِجَاجُ بِالأَنْقَصِ عَلَى خِلاَفِ مَا فِي الْقُرْآنِ. وَمَوَّهُوا بِحَمَاقَاتٍ: مِثْلُ أَنْ قَالُوا: أَرَادَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِقَوْلِهِ: {فِي حُجُورِكُمْ} عَلَى الأَغْلَبِ.
قال أبو محمد: هَذَا كَذِبٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَإِخْبَارٌ عَنْهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالْبَاطِلِ وَمِثْلُ قَوْلِهِمْ هَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُحَرَّمٍ عَلَيْهِ اللَّاتِي لَمْ يُؤْتِهِنَّ أُجُورَهُنَّ} . فَقُلْنَا: لَوْ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ آخَرُ بِإِحْلاَلِ الْمَوْهُوبَةِ وَاَلَّتِي لَمْ يُفْرَضْ لَهَا فَرِيضَةٌ لَمَا حَلَّتْ إِلاَّ اللَّاتِي يُؤْتِيهِنَّ أُجُورَهُنَّ، وَأَنْتُمْ لاَ نَصَّ فِي أَيْدِيكُمْ يُحَرِّمُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ فِي حِجْرِهِ مِنْ الرَّبَائِبِ. وَمِثْلُ قَوْلِهِمْ: كُلُّ تَحْرِيمٍ لَهُ سَبَبَانِ، فَإِنَّ أَحَدَهُمَا إذَا انْفَرَدَ كَانَ لَهُ تَأْثِيرٌ. قال علي: وهذا كَذِبٌ مُجَرَّدٌ، بَلْ لاَ تَأْثِيرَ لَهُ دُونَ اجْتِمَاعِهِ فِي السَّبَبِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ مَعَهُ. وَادَّعَوْا أَنَّ إبْرَاهِيمَ بْنَ عُبَيْدٍ الَّذِي رَوَى، عَنْ عَلِيٍّ إبَاحَةَ ذَلِكَ مَجْهُولٌ. قَالَ عَلِيٌّ: بَلْ كَذَبُوا، هُوَ مَشْهُورٌ ثِقَةٌ، رَوَى مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ. فَوَضَحَ

فَسَادُ قَوْلِهِمْ بِيَقِينٍ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وجائز للرجل ان يجمع بين امراة وزوجة ابيها
1861 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ لِلرَّجُلِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ امْرَأَةٍ وَزَوْجَةِ أَبِيهَا، وَزَوْجَةِ ابْنِهَا وَابْنَةِ عَمِّهَا لَحًّا، لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِتَحْرِيمِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَكَذَلِكَ تَحِلُّ لَهُ امْرَأَةُ زَوْجِ أُمِّهِ، وَفِي هَذَا خِلاَفٌ قَدِيمٌ لاَ نَعْلَمُ أَحَدًا يَقُولُ بِهِ الآنَ. وَكَذَلِكَ يَجُوزُ نِكَاحُ: الْخَصِيِّ، وَالْعَقِيمِ، وَالْعَاقِرِ، لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِنَهْيٍ، عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ولا يحرم وطء حرام نكاحا حلالا الا في موضع
1862 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يُحَرَّمُ وَطْءُ حَرَامٍ نِكَاحًا حَلاَلاً إِلاَّ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ: وَهُوَ أَنْ يَزْنِيَ الرَّجُلُ بِامْرَأَةٍ، فَلاَ يَحِلُّ نِكَاحُهَا لأََحَدٍ مِمَّنْ تَنَاسَلَ مِنْهُ أَبَدًا. وَأَمَّا لَوْ زَنَى الأَبْنُ بِهَا ثُمَّ تَابَتْ لَمْ يَحْرُمْ بِذَلِكَ نِكَاحُهَا عَلَى أَبِيهِ وَجَدِّهِ. وَمَنْ زَنَى بِامْرَأَةٍ لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْهِ إذَا تَابَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّهَا، أَوْ ابْنَتَهَا وَالنِّكَاحُ الْفَاسِدُ وَالزِّنَا فِي هَذَا كُلِّهِ سَوَاءٌ. برهان ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلاَ تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ}.
قال أبو محمد: النِّكَاحُ فِي اللُّغَةِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ يَقَعُ عَلَى شَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا الْوَطْءُ، كَيْفَ كَانَ بِحَرَامٍ أَوْ بِحَلاَلٍ. وَالآخَرُ الْعَقْدُ، فَلاَ يَجُوزُ تَخْصِيصُ الآيَةِ بِدَعْوَى بِغَيْرِ نَصٍّ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ مِنْ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم فَأَيُّ نِكَاحٍ نَكَحَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ حُرَّةً أَوْ أَمَةً بِحَلاَلٍ أَوْ بِحَرَامٍ فَهِيَ حَرَامٌ عَلَى وَلَدِهِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ. وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ وَلَدَ الْوَلَدِ وَلَدٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا بَنِي آدَمَ} . وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَجَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ. وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِتَحْرِيمِ نِكَاحٍ حَلاَلٍ مِنْ أَجْلِ وَطْءٍ حَرَامٍ، فَالْقَوْلُ بِهِ لاَ يَحِلُّ، لأََنَّهُ شَرْعٌ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ. وَمِمَّنْ رُوِّينَا عَنْهُ أَنَّ وَطْءَ الْحَرَامِ يُحَرِّمُ الْحَلاَلَ. رُوِّينَا ذَلِكَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَتِهِ بَعْدَ أَنْ وَلَدَتْ لَهُ سَبْعَةَ رِجَالٍ كُلُّهُمْ صَارَ رَجُلاً يَحْمِلُ السِّلاَحَ، لأََنَّهُ كَانَ أَصَابَ مِنْ أُمِّهَا مَا لاَ يَحِلُّ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ: لاَ يَصْلُحُ لِرَجُلٍ فَجَرَ بِامْرَأَةٍ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّهَا. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ: قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ: إذَا كَانَ الْحَلاَلُ يُحَرِّمُ الْحَرَامَ فَالْحَرَامُ أَشَدُّ تَحْرِيمًا. وَعَنْ ابْنُ مَعْقِلٍ: هِيَ لاَ تَحِلُّ فِي الْحَلاَلِ فَكَيْفَ تَحِلُّ لَهُ فِي الْحَرَامِ وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيع، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: إذَا قَبَّلَهَا أَوْ لاَمَسَهَا أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا مِنْ شَهْوَةٍ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ أُمُّهَا وَابْنَتُهَا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسِيحٍ قَالَ: سَأَلْتُ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، عَنْ رَجُلٍ فَجَرَ بِامْرَأَةٍ فَأَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ أُمَّهَا أَوْ يَتَزَوَّجَهَا فَكَرِهَ ذَلِكَ. وَعَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ سَأَلَ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَجُلٍ فَجَرَ بِامْرَأَةٍ أَيَصْلُحُ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ جَارِيَةً أَرْضَعَتْهَا هِيَ بَعْدَ ذَلِكَ قَالَ: لاَ. وَعَنِ الشَّعْبِيِّ مَا كَانَ فِي الْحَلاَلِ حَرَامًا فَهُوَ فِي الْحَرَامِ حَرَامٌ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ

المجلد العاشر
كتاب الرضاع

من كانت له امرأتان أو أمتان أو زوجة ,أمة فأرضعت أحداهما بلبن حدث لها من حمل منه
1863 - مَسْأَلَةٌ : وَمَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ , أَوْ أَمَتَانِ , أَوْ زَوْجَةٌ وَأَمَةٌ :
فَأَرْضَعَتْ إحْدَاهُمَا بِلَبَنٍ حَدَثَ لَهَا مِنْ حَمْلٍ مِنْهُ رَجُلاً رَضَاعًا مُحَرَّمًا , وَأَرْضَعَتْ الأُُخْرَى بِلَبَنٍ حَدَثَ لَهَا مِنْ حَمْلٍ مِنْهُ امْرَأَةً كَذَلِكَ : لَمْ يَحِلَّ لأََحَدِهِمَا نِكَاحُ الآخَرِ أَصْلاً. وَكُلُّ مَنْ أَرْضَعَتْ الرَّجُلَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِ ; لأََنَّهَا أُمُّهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ. وَحَرُمَ عَلَيْهِ بَنَاتُهَا ; لأََنَّهُنَّ أَخَوَاتُهُ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ مَنْ وُلِدَتْ قَبْلَهُ , أَوْ مَنْ وُلِدَتْ بَعْدَهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ. وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ أَخَوَاتُهَا , لأََنَّهُنَّ خَالاَتُهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ. وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ أُمَّهَاتُهَا ; لأََنَّهُنَّ جَدَّاتُهُ. وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ أَخَوَاتُ زَوْجِ الَّتِي أَرْضَعَتْهُ بِلَبَنِهَا مِنْ حَمْلٍ مِنْهُ ; لأََنَّهُنَّ عَمَّاتُهُ مِنْ الرَّضَاعَةِ. وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِ أُمَّهَاتُهُ لأََنَّهُنَّ جَدَّاتُهُ. وَحُرِّمَ عَلَيْهِ مَنْ أَرْضَعَتْ امْرَأَتَهُ بِلَبَنٍ حَدَثَ لَهَا مِنْ حَمْلٍ مِنْهُ ; لأََنَّهَا مِنْ بَنَاتِهِ.
وَكَذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَى الرَّجُلِ الَّذِي أَرْضَعَتْ امْرَأَتَهُ. وَحُكْمُ الَّتِي تُرْضِعُ امْرَأَتَهُ كَحُكْمِ ابْنَتِهَا الَّتِي وَلَدَتْهَا , وَلاَ يَجْمَعُ بَيْنَ الأُُخْتَيْنِ مِنْ الرَّضَاعَةِ.
برهان ذَلِكَ : قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَا حَرَّمَ مِنْ النِّسَاءِ : {وَأُمَّهَاتُكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ} . وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ الْوِلاَدَةِ) فَدَخَلَ فِي هَذَا كُلُّ مَا ذَكَرْنَا وَمَا لَمْ نَذْكُرْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ، وَكُلُّ هَذَا فَلاَ خِلاَفَ فِيهِ إِلاَّ فِي خَمْسَةِ مَوَاضِعَ : وَهِيَ : لَبَنُ الْفَحْلِ , وَصِفَةُ الرَّضَاعِ الْمُحَرِّمِ , وَعَدَدُ الرَّضَاعِ الْمُحَرِّمِ , وَرَضَاعُ الْكَبِيرِ , وَالرَّضَاعُ مِنْ مَيِّتَةٍ.

لبن الفحل يحرم
1864 - مَسْأَلَةٌ : لَبَنُ الْفَحْلِ يُحَرِّمُ:
وَهُوَ مَا ذَكَرْنَا آنِفًا: مِنْ أَنْ تُرْضِعَ امْرَأَةُ رَجُلٍ ذَكَرًا , وَتُرْضِعَ امْرَأَتُهُ الأُُخْرَى أُنْثَى: فَتَحْرُمُ إحْدَاهُمَا عَلَى الأُُخْرَى. وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ مِنْ السَّلَفِ هَذَا لاَ يُحَرِّمُ شَيْئًا: كَمَا صَحَّ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيق أَبِي عُبَيْدٍ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّهَا كَانَتْ تَأْذَنُ لِمَنْ أَرْضَعَتْهُ أَخَوَاتُهَا, وَبَنَاتُ أَخِيهَا

وَلاَ تَأْذَنُ لِمَنْ أَرْضَعَتْهُ نِسَاءُ إخْوَتِهَا وَبَنِي إخْوَتِهَا وَمِثْلُهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الْقَاسِمِ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ بِذَلِكَ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ.
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ قَالَ: أَخْبَرَنِي رَبِيعَةُ, وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ, وَعَمْرُو بْنُ عَبْدِ اللَّهِ, وَأَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ, كُلُّهُمْ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ: كَانَ يَدْخُلُ عَلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها مَنْ أَرْضَعَتْهُ بَنَاتُ أَبِي بَكْرٍ, وَلاَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا مَنْ أَرْضَعَتْهُ نِسَاءُ أَبِي بَكْرٍ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: لاَ بَأْسَ بِلَبَنِ الْفَحْلِ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ بْنِ الأَسْوَدِ: أَنَّ أُمَّهُ زَيْنَبَ بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَرْضَعَتْهَا أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ امْرَأَةُ الزُّبَيْرِ قَالَتْ زَيْنَبُ: فَأَرْسَلَ إلَيَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ يَخْطُبُ ابْنَتِي أُمَّ كُلْثُومٍ عَلَى أَخِيهِ حَمْزَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَكَانَ حَمْزَةَ ابْنَ الْكَلْبِيَّةِ , فَقُلْت لِرَسُولِهِ: وَهَلْ تَحِلُّ لَهُ إنَّمَا هِيَ بِنْتُ أَخِيهِ, فَأَرْسَلَ إلَيَّ ابْنُ الزُّبَيْرِ إنَّمَا تُرِيدِينَ الْمَنْعَ أَنَا وَمَا وَلَدَتْ أَسْمَاءُ إخْوَتُك, وَمَا كَانَ مِنْ وَلَدِ الزُّبَيْرِ مِنْ غَيْرِ أَسْمَاءَ فَلَيْسُوا لَكِ بِإِخْوَةٍ فَأَرْسِلِي فَاسْأَلِي، عَنْ هَذَا فَأَرْسَلَتْ فَسَأَلَتْ, وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مُتَوَافِرُونَ وَأُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالُوا: إنَّ الرَّضَاعَةَ مِنْ قِبَلِ الرِّجَالِ لاَ تُحَرِّمُ شَيْئًا فَأَنْكَحَتْهَا إيَّاهُ, فَلَمْ تَزَلْ عِنْدَهُ حَتَّى هَلَكَتْ.
وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ أَنَّ حَمْزَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ تَزَوَّجَ ابْنَةَ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ وَقَدْ أَرْضَعَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ زَيْنَبَ بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ بِلَبَنِ الزُّبَيْرِ , قَالَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: وَكَانَتْ امْرَأَةُ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَدْ أَرْضَعَتْ حَمْزَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَوُلِدَ لِسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ امْرَأَةٍ أُخْرَى غُلاَمٌ اسْمُهُ عُمَرُ فَتَزَوَّجَ بِنْتَ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ.
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ حُسَيْنٍ مَوْلَى قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ: أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ زَوَّجَ ابْنًا لَهُ أُخْتًا لَهُ مِنْ أَبِيهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ, وَوَكِيعٍ, قَالَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ: عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنِ الأَعْمَشِ, وَقَالَ: وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ, قَالاَ جَمِيعًا: عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: لاَ بَأْسَ بِلَبَنِ الْفَحْلِ.
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ أَنَّهُ سَأَلَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ, وَعَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ, وَسُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ; وَأَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ, قَالُوا كُلُّهُمْ: إنَّمَا يَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعَةِ مَا كَانَ مِنْ قِبَلِ النِّسَاءِ, وَلاَ يَحْرُمُ مَا كَانَ مِنْ قِبَلِ الرِّجَالِ.
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ الضَّرِيرُ، عَنْ

مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قُسَيْطٍ فَذَكَرَهُ عَنْهُمْ, وَزَادَ فِيهِمْ أَبَا بَكْرِ بْنَ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ
وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ مَكْحُولٍ, وَالشَّعْبِيِّ.
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْوَاسِطِيُّ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَرَى بِلَبَنِ الْفَحْلِ بَأْسًا.
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنِي أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ, قَالَ: قُلْت لِلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ: إنَّ فُلاَنًا مِنْ آلِ أَبِي فَرْوَةَ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَ غُلاَمًا أُخْتَهُ مِنْ أَبِيهِ مِنْ الرَّضَاعَةِ فَقَالَ الْقَاسِمُ: لاَ بَأْسَ بِذَلِكَ. وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى التَّحْرِيمِ بِهِ:
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ. أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ أَنَّ أُمَّهُ زَيْنَبَ بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَرْضَعَتْهَا أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ امْرَأَةُ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ قَالَتْ زَيْنَبُ: فَكَانَ الزُّبَيْرُ يَدْخُلُ عَلَيَّ وَأَنَا أَمْتَشِطُ فَيَأْخُذُ بِقَرْنٍ مِنْ قُرُونِ رَأْسِي يَقُولُ: أَقْبِلِي عَلَيَّ فَحَدِّثِينِي أَرَى أَنَّهُ أَبِي وَمَا وَلَدَ فَهُمْ إخْوَتِي.
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مَهْدِيٍّ ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عَمْرُو بْنُ الشَّرِيدِ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ ، عَنْ رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ أَرْضَعَتْ إحْدَاهُمَا جَارِيَةً , وَالأُُخْرَى غُلاَمًا , أَيَحِلُّ أَنْ يَتَنَاكَحَا فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : لاَ , اللِّقَاحُ وَاحِدٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ أَنَا عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ : سَأَلْت الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ , وطَاوُوسًا , وَعَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ , وَالْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ , فَقُلْت : امْرَأَةُ أَبِي أَرْضَعَتْ بِلِبَانِ إخْوَتِي جَارِيَةً مِنْ عُرْضِ النَّاسِ أَلِيَ أَنْ أَتَزَوَّجَهَا فَقَالَ الْقَاسِمُ : لاَ , أَبُوك أَبُوهَا وَقَالَ عَطَاءٌ , وطَاوُوس , وَالْحَسَنُ : هِيَ أُخْتُك.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ ، عَنْ مُجَاهِدٍ , أَنَّهُ كَرِهَ لَبَنَ الْفَحْلِ.
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ , وَأَبِي عُبَيْدٍ , قَالاَ : أَنَا هُشَيْمٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَبْرَةَ الْهَمْدَانِيَّ إنَّهُ سَمِعَ الشَّعْبِيَّ : يُكْرَهُ لَبَنَ الْفَحْلِ.
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ أَبِيهِ فِي رَجُلٍ أَرْضَعَتْ امْرَأَةُ أَبِيهِ امْرَأَةً وَلَيْسَتْ أُمَّهُ : أَتَحِلُّ لَهُ قَالَ عُرْوَةُ : لاَ تَحِلُّ لَهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ : الرَّضَاعَةُ مِنْ قِبَلِ الأُُمِّ تُحَرِّمُ.
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ الأَوْدِيُّ ، عَنِ الأَعْمَشِ قَالَ : كَانَ عُمَارَةُ ، وَإِبْرَاهِيمُ وَأَصْحَابُنَا : لاَ يَرَوْنَ بِلَبَنِ الْفَحْلِ بَأْسًا , حَتَّى أَتَاهُمْ الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ بِخَبَرِ أَبِي الْقُعَيْسِ.
قال أبو محمد : هَكَذَا يَفْعَلُ أَهْلُ الْعِلْمِ , لاَ كَمَنْ يَقُولُ : أَيْنَ كَانَ فُلاَنٌ وَفُلاَنٌ ، عَنْ هَذَا الْخَبَرِ؟.
وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ , وَالأَوْزَاعِيِّ , وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ , وَأَبِي حَنِيفَةَ , وَمَالِكٍ , وَالشَّافِعِيِّ , وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِهِمْ. وَتَوَقَّفَ فِيهِ آخَرُونَ :
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ ، هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ أَنَا عَبَّادُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ :

سَأَلْت مُجَاهِدًا ، عَنْ جَارِيَةٍ مِنْ عُرْضِ النَّاسِ أَرْضَعَتْهَا امْرَأَةُ أَبِي , أَتَرَى لِي أَنْ أَتَزَوَّجَهَا؟ فَقَالَ : اخْتَلَفَ فِيهَا الْفُقَهَاءُ , فَلَسْت أَقُولُ شَيْئًا وَسَأَلْت ابْنَ سِيرِينَ فَقَالَ : مِثْلَ قَوْلِ مُجَاهِدٍ.
قال أبو محمد : فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ أَنَا حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى التُّجِيبِيُّ أَنَا ابْنَ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ أَنَّهُ جَاءَ أَفْلَحُ أَخُو أَبِي الْقُعَيْسِ يَسْتَأْذِنُ عَلَيْهَا بَعْدَ الْحِجَابِ , وَكَانَ أَبُو الْقُعَيْسِ أَبَا عَائِشَةَ مِنْ الرَّضَاعَةِ قَالَتْ عَائِشَةُ : فَقُلْت : وَاَللَّهِ لاَ آذَنُ لأََفْلَحَ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ رَسُولَ اللَّه ِصلى الله عليه وسلم فَإِنَّ أَبَا الْقُعَيْسِ لَيْسَ هُوَ الَّذِي أَرْضَعَنِي , وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَتُهُ , فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ جَاءَ يَسْتَأْذِنُ عَلَيَّ فَكَرِهْتُ أَنْ آذَنَ حَتَّى أَسْتَأْذِنَكَ قَالَتْ : فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (ائْذَنِي لَهُ) . وَحَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّصْرِيُّ أَنَا عِيسَى بْنُ حَبِيبٍ الْقَاضِي أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِي حَدَّثَنِي جَدِّي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنِ الزُّهْرِيِّ وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ كِلاَهُمَا ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ قَالَتْ جَاءَ عَمِّي بَعْدَ مَا ضُرِبَ الْحِجَابُ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيَّ فَلَمْ آذَنْ لَهُ , فَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : ( ائْذَنِي لَهُ فَإِنَّهُ عَمُّكِ ) , فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّمَا أَرْضَعَتْنِي الْمَرْأَةُ وَلَمْ يُرْضِعْنِي الرَّجُلُ قَالَ : (تَرِبَتْ يَمِينُكِ ائْذَنِي لَهُ فَإِنَّهُ عَمُّكِ) .
وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ أَنَا أَبِي أَنَا شُعْبَةُ ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ ، عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ ، عَنْ عُرْوَةَ ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ : اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ أَفْلَحُ بْنُ قُعَيْسٍ , فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ فَأَرْسَلَ إلَيَّ : إنِّي عَمُّكِ أَرْضَعَتْكِ امْرَأَةُ أَخِي , فَأَبَيْتُ أَنْ آذَنَ لَهُ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ : ( لِيَدْخُلْ عَلَيْك فَإِنَّهُ عَمُّكِ) . فَكَانَ هَذَا خَبَرًا لاَ تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ وَهُوَ زَائِدٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ.
وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ , وَالْمَالِكِيُّونَ , فَتَنَاقَضُوا هَاهُنَا أَقْبَحَ تَنَاقُضٍ ; لأََنَّ كِلْتَا الطَّائِفَتَيْنِ تَقُولُ : إذَا رَوَى الصَّاحِبُ خَبَرًا ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرُوِيَ ، عَنْ ذَلِكَ الصَّاحِبِ خِلاَفُ مَا رَوَى , فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى نَسْخِ ذَلِكَ الْخَبَرِ , قَالُوا ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ : مِنْهَا مَا رُوِيَ ، عَنْ جَابِرٍ فِي وَلَدِ الْمُدَبَّرَةِ أَنَّهُ يُعْتَقُ فِي عِتْقِهَا وَيُرَقُّ فِي رِقِّهَا فَادَّعُوا أَنَّ هَذَا خِلاَفٌ لِمَا رُوِيَ ، عَنْ جَابِرٍ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَاعَ مُدَبَّرًا. وَالْعَجَبُ أَنَّهُ لَيْسَ خِلاَفًا لِمَا رُوِيَ , بَلْ هُوَ مُوَافِقٌ لِبَيْعِ الْمُدَبَّرِ ; لأََنَّ فِيهِ يُرَقُّ بِرِقِّهَا.
قال أبو محمد : وَهَذَا خَبَرٌ لَمْ يَرْوِهِ ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَّا عَائِشَةُ وَحْدَهَا , وَقَدْ

صَحَّ عَنْهَا خِلاَفُهُ , فَأَخَذُوا بِرِوَايَتِهَا وَتَرَكُوا رَأْيَهَا , وَلَمْ يَقُولُوا : لَمْ تُخَالِفْهُ إِلاَّ لِفَضْلِ عِلْمٍ عِنْدَهُنَّ , وَقَالُوا : لاَ نَدْرِي لأََيِّ مَعْنًى لَمْ يَدْخُلْ عَلَيْهَا مَنْ أَرْضَعَتْهُ نِسَاءُ إخْوَتِهَا.
قال أبو محمد : فَكَانَ هَذَا عَجَبًا جِدًّا يَثْبُتُ عَنْهَا , كَمَا أَرَدْنَا أَنَّهُ كَانَ لاَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا مَنْ أَرْضَعَتْهُ نِسَاءُ أَبِي بَكْرٍ , وَنِسَاءُ إخْوَتِهَا , وَنِسَاءُ بَنِي إخْوَتِهَا بِأَصَحِّ إسْنَادٍ , وَأَنَّهُ كَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا مَنْ أَرْضَعَتْهُ أَخَوَاتُهَا , وَبَنَاتُ أَخَوَاتِهَا , فَهَلْ هَاهُنَا شَيْءٌ يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ هَذَا عَلَيْهِ إِلاَّ أَنَّ الَّذِينَ أَذِنَتْ لَهُمْ رَأَتْهُمْ ذَوِي مَحْرَمٍ مِنْهَا , وَأَنَّ الَّذِينَ لَمْ تَأْذَنْ لَهُمْ لَمْ تَرَهُمْ ذَوِي مَحْرَمٍ مِنْهَا وَلَكِنَّهُمْ لاَ يَسْتَحْيُونَ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ بِالْبَاطِلِ , وَمُدَافَعَةِ الْحَقِّ بِكُلِّ مَا جَرَى عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ مِنْ غَثٍّ وَرَثٍّ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الضَّلاَلِ.
وقال بعضهم : لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَحْتَجِبَ مِمَّنْ شَاءَتْ مِنْ ذَوِي مَحَارِمِهَا .
فَقُلْنَا : إنَّ ذَلِكَ لَهَا إِلاَّ أَنَّ تَخْصِيصَهَا رضي الله عنها بِالأَحْتِجَابِ عَنْهُمْ مَنْ أَرْضَعَتْهُ نِسَاءُ أَبِيهَا , وَنِسَاءُ إخْوَتِهَا , وَنِسَاءُ بَنِي أَخَوَاتِهَا , دُونَ مَنْ أَرْضَعَتْهُ أَخَوَاتُهَا , وَبَنَاتُ أَخَوَاتِهَا , لاَ يُمْكِنُ إِلاَّ لِلْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا , لاَ سِيَّمَا مَعَ تَصْرِيحِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَهُوَ أَخَصُّ النَّاسِ بِهَا بِأَنَّ لَبَنَ الْفَحْلِ لاَ يُحَرِّمُ , وَأَفْتَى الْقَاسِمُ بِذَلِكَ , فَظَهَرَ تَنَاقُضُ أَقْوَالِهِمْ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَعَهْدُنَا بِالطَّائِفَتَيْنِ تَعْتَرِضُ كِلْتَاهُمَا ، عَنِ الْخَبَرِ الثَّابِتِ بِالْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ وَعَلَى رَضَاعِ سَالِمٍ بِأَنَّهَا زِيَادَةٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ , وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّ التَّحْرِيمَ بِلَبَنِ الْفَحْلِ زِيَادَةٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ , وَلَمْ يَجِئْ مَجِيءَ التَّوَاتُرِ فَظَهَرَ أَيْضًا تَنَاقُضُهُمْ هَاهُنَا. وَعَهْدُنَا بِالطَّائِفَتَيْنِ تَقُولاَنِ : إنَّ مَا كَثُرَ بِهِ الْبَلْوَى لَمْ يُقْبَلْ فِيهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ , وَرَامُوا بِذَلِكَ الأَعْتِرَاضِ عَلَى الْخَبَرِ الثَّابِتِ : مِنْ أَنَّ الْبَيِّعَيْنِ لاَ بَيْعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا وَلَبَنُ الْفَحْلِ مِمَّا تَكْثُرُ بِهِ الْبَلْوَى , وَقَدْ خَالَفَتْهُ الصَّحَابَةُ , وَأُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ هَكَذَا جُمْلَةً , وَابْنُ الزُّبَيْرِ , وَزَيْنَبُ بِنْتُ أُمِّ سَلَمَةَ , وَالْقَاسِمُ , وَسَالِمٌ , وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ , وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ , وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ , وَأَبُو بَكْرِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ , وَأَبُو قِلاَبَةَ , وَمَكْحُولٌ , وَغَيْرُهُمْ , فَهَلاَّ قَالُوا هَاهُنَا : لَوْ كَانَ صَحِيحًا مَا خَفِيَ عَلَى هَؤُلاَءِ , وَهُوَ مِمَّا تَكْثُرُ بِهِ الْبَلْوَى , كَمَا قَالُوا فِي خَبَرِ التَّفَرُّقِ فِي الْبَيْعِ , وَمَا نَعْلَمُهُ خَفِيَ ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ , وَالتَّابِعِينَ , إِلاَّ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَحْدَهُ فَظَهَرَ بِهَذَا فَسَادُ أُصُولِهِمْ الْفَاسِدَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا , وَأَنَّهَا لاَ مَعْنَى لَهَا , وَإِنَّمَا هِيَ اعْتِرَاضٌ عَلَى الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ.

لو أن رجلا تزوج امرأتين
1865 - مَسْأَلَةٌ : وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً تَزَوَّجَ امْرَأَتَيْنِ فَأَرْضَعَتْهُمَا امْرَأَةٌ رَضَاعًا مُحَرِّمًا حُرِّمَتَا جَمِيعًا وَانْفَسَخَ نِكَاحُهُمَا , إذْ صَارَتَا بِذَلِكَ الرَّضَاعِ أُخْتَيْنِ , أَوْ عَمَّةً وَبِنْتَ أَخٍ , أَوْ خَالَةً وَبِنْتَ أُخْتٍ , أَوْ حَرِيمَةَ امْرَأَةٍ لَهُ ; لأََنَّهُمَا مَعًا حَدَثَ لَهُمَا التَّحْرِيمُ , فَلَمْ تَكُنْ إحْدَاهُمَا أَوْلَى

بِالْفَسْخِ مِنْ الأُُخْرَى.
وَكَذَلِكَ لَوْ دَخَلَ بِهِمَا فَأَرْضَعَتْ إحْدَاهُمَا الأُُخْرَى رَضَاعًا مُحَرِّمًا ، وَلاَ فَرْقَ , فَلَوْ لَمْ يَدْخُلْ بِهِمَا فَأَرْضَعَتْ إحْدَاهُمَا الأُُخْرَى رَضَاعًا مُحَرِّمًا انْفَسَخَ نِكَاحُ الَّتِي صَارَتْ أُمًّا لِلأُُخْرَى وَبَقِيَ نِكَاحُ الَّتِي صَارَتْ لَهَا ابْنَةً صَحِيحًا ; لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : {وَرَبَائِبُكُمْ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} فَصَارَتْ بِنْتَ امْرَأَتِهِ الَّتِي لَمْ يَدْخُلْ بِهَا , وَلاَ هِيَ فِي حِجْرِهِ , فَثَبَتَ نِكَاحُهَا , وَصَارَتْ الأُُخْرَى مِنْ أُمَّهَاتِ نِسَائِهِ , فَحُرِّمَتْ جُمْلَةً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ.

بيان صفة الرضاع المحرم
1866 - مَسْأَلَةٌ : وَأَمَّا صِفَةُ الرَّضَاعِ الْمُحَرِّمِ , فَإِنَّمَا هُوَ : مَا امْتَصَّهُ الرَّاضِعُ مِنْ ثَدْيِ الْمُرْضِعَةِ بِفِيهِ فَقَطْ.
فأما مَنْ سُقِيَ لَبَنَ امْرَأَةٍ فَشَرِبَهُ مِنْ إنَاءٍ , أَوْ حُلِبَ فِي فِيهِ فَبَلَعَهُ ; أَوْ أُطْعِمَهُ بِخُبْزِ , أَوْ فِي طَعَامٍ , أَوْ صُبَّ فِي فَمِهِ , أَوْ فِي أَنْفِهِ , أَوْ فِي أُذُنِهِ , أَوْ حُقِنَ بِهِ : فَكُلُّ ذَلِكَ لاَ يُحَرِّمُ شَيْئًا ,
وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ غِذَاءَهُ دَهْرَهُ كُلَّهُ.
برهان ذَلِكَ : قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : {وَأُمَّهَاتُكُمْ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ} ,
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( وَيَحْرُمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يَحْرُمُ مِنْ النَّسَبِ) . فَلَمْ يُحَرِّمْ اللَّهُ تَعَالَى ، وَلاَ رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْمَعْنَى نِكَاحًا , إِلاَّ بِالإِرْضَاعِ وَالرَّضَاعَةِ وَالرَّضَاعِ فَقَطْ ، وَلاَ يُسَمَّى إرْضَاعًا إِلاَّ مَا وَضَعَتْهُ الْمَرْأَةُ الْمُرْضِعَةُ مِنْ ثَدْيِهَا فِي فَمِ الرَّضِيعِ يُقَالُ أَرْضَعَتْهُ تُرْضِعُهُ إرْضَاعًا. وَلاَ يُسَمَّى رَضَاعَةً , وَلاَ إرْضَاعًا إِلاَّ أَخْذُ الْمُرْضَعِ , أَوْ الرَّضِيعِ بِفِيهِ الثَّدْيَ وَامْتِصَاصُهُ إيَّاهُ تَقُولُ : رَضِعَ يَرْضَعُ رَضَاعًا وَرَضَاعَةً.
وَأَمَّا كُلُّ مَا عَدَا ذَلِكَ مِمَّا ذَكَرْنَا فَلاَ يُسَمَّى شَيْءٌ مِنْهُ إرْضَاعًا , وَلاَ رَضَاعَةً ، وَلاَ رَضَاعًا , إنَّمَا هُوَ حَلْبٌ وَطَعَامٌ وَسِقَاءٌ , وَشُرْبٌ وَأَكْلٌ وَبَلْعٌ , وَحُقْنَةٌ وَسَعُوطٌ وَتَقْطِيرٌ , وَلَمْ يُحَرِّمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَذَا شَيْئًا.
فَإِنْ قَالُوا : قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى الرَّضَاعِ وَالإِرْضَاعِ.
قلنا : الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ , وَلَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ , وَبِالضَّرُورَةِ يَدْرِي كُلُّ ذِي فَهْمٍ أَنَّ الرَّضَاعَ مِنْ شَاةٍ أَشْبَهَ بِالرَّضَاعِ مِنْ امْرَأَةٍ ; لأََنَّهُمَا جَمِيعًا رَضَاعٌ مِنْ الْحُقْنَةِ بِالرَّضَاعِ , وَمِنْ السَّعُوطِ بِالرَّضَاعِ , وَهُمْ لاَ يُحَرِّمُونَ بِغَيْرِ النِّسَاءِ فَلاَحَ تَنَاقُضُهُمْ فِي قِيَاسِهِمْ الْفَاسِدِ , وَشَرْعُهُمْ بِذَلِكَ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ.
قال أبو محمد : وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا : فَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ : لاَ يُحَرِّمُ السَّعُوطُ بِلَبَنِ الْمَرْأَةِ ، وَلاَ يُحَرِّمُ أَنْ يُسْقَى الصَّبِيُّ لَبَنَ الْمَرْأَةِ فِي الدَّوَاءِ ; لأََنَّهُ لَيْسَ بِرَضَاعٍ , إنَّمَا الرَّضَاعُ مَا مُصَّ مِنْ الثَّدْيِ. هَذَا نَصُّ قَوْلِ اللَّيْثِ , وَهَذَا قَوْلُنَا ,
وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ , وَأَصْحَابِنَا.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ : أَرْسَلْت إلَى عَطَاءٍ أَسْأَلُهُ ، عَنْ سَعُوطِ اللَّبَنِ لِلصَّغِيرِ وَكُحْلِهِ بِهِ أَيُحَرِّمُ قَالَ : مَا سَمِعْت أَنَّهُ يُحَرِّمُ.
وقال أبو حنيفة , وَأَصْحَابُهُ :

لاَ يُحَرِّمُ الْكُحْلُ لِلصَّبِيِّ بِاللَّبَنِ , وَلاَ صَبُّهُ فِي الْعَيْنِ أَوْ الأُُذُنِ , وَلاَ الْحُقْنَةُ بِهِ , وَلاَ مُدَاوَاةُ الْجَائِفَةِ بِهِ , وَلاَ الْمَأْمُومَةِ بِهِ , وَلاَ تَقْطِيرُهُ فِي الإِحْلِيلِ قَالُوا : فَلَوْ طُبِخَ طَعَامٌ بِلَبَنِ امْرَأَةٍ حَتَّى صَارَ مَرَقَةً نَضِجَةً , وَكَانَ اللَّبَنُ ظَاهِرًا فِيهَا غَالِبًا عَلَيْهَا بِلَوْنِهِ وَطَعْمِهِ , فَأَطْعَمَهُ صَغِيرًا لَمْ يُحَرِّمْ ذَلِكَ عَلَيْهِ نِكَاحَ الَّتِي اللَّبَنُ مِنْهَا , وَلاَ نِكَاحَ بَنَاتِهَا.
وَكَذَلِكَ لَوْ ثُرِدَ لَهُ خُبْزٌ فِي لَبَنِ امْرَأَةٍ فَأَكَلَهُ كُلَّهُ لَمْ يَقَعْ بِذَلِكَ تَحْرِيمٌ أَصْلاً فَلَوْ شَرِبَهُ كَانَ مُحَرَّمًا كَالرَّضَاعِ.
وَأَمَّا الْخِلاَفُ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ , وَمَالِكٌ , وَالشَّافِعِيُّ : السَّعُوطُ وَالْوَجُورُ يُحَرِّمَانِ كَتَحْرِيمِ الرَّضَاعِ. وَقَدْ تَنَاقَضُوا فِي هَذَا عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَرُوِّينَا ، عَنِ الشَّعْبِيِّ : أَنَّ السَّعُوطَ وَالْوَجُورَ يُحَرِّمَانِ.
قال أبو محمد : احْتَجَّ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِأَنْ قَالُوا : صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، أَنَّهُ قَالَ : ( إنَّمَا الرَّضَاعَةُ مِنْ الْمَجَاعَةِ) . قَالُوا : فَلَمَّا جَعَلَ عليه الصلاة والسلام الرَّضَاعَةَ الْمُحَرِّمَةَ مَا اُسْتُعْمِلَ لِطَرْدِ الْجُوعِ كَانَ ذَلِكَ مَوْجُودًا فِي السَّقْيِ وَالأَكْلِ .
فَقُلْنَا : هَذَا لاَ حُجَّةَ لَكُمْ فِيهِ لِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْتُمْ لاَ يُوجَدُ فِي السَّعُوطِ ; لأََنَّهُ لاَ يُرْفَعُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الْجُوعِ , فَإِنْ لَجُّوا وَقَالُوا : بَلْ يُدْفَعُ.
قلنا : لأََصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ : إنْ حَظَّ السَّعُوطِ مِنْ ذَلِكَ كَحَظِّ الْكُحْلِ وَالتَّقْطِيرِ فِي الْعَيْنِ بِاللَّبَنِ سَوَاءٌ بِسَوَاءٍ ; لأََنَّ كُلَّ ذَلِكَ وَاصِلٌ إلَى الْحَلْقِ إلَى الْجَوْفِ , فَلِمَ فَرَّقْتُمْ بَيْنَ الْكُحْلِ بِهِ وَبَيْنَ السَّعُوطِ بِهِ هَذَا وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ : إنَّ مَنْ قَطَّرَ شَيْئًا مِنْ الأَدْهَانِ فِي أُذُنِهِ وَهُوَ صَائِمٌ فَإِنَّهُ يُفْطِرُ ,
وَكَذَلِكَ إنْ احْتَقَنَ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يَصِلُ إلَى الْجَوْفِ فَلَمْ يُحَرِّمُوا بِهِ فِي اللَّبَنِ يُحْقَنُ بِهَا أَوْ يُكْتَحَلُ بِهِ وَإِنْ كَانَ لاَ يَصِلُ إلَى الْجَوْفِ فَلِمَ فَطَّرْتُمْ بِهِ الصَّائِمَ وَهَذَا تَلاَعُبٌ لاَ خَفَاءَ بِهِ.
وقال مالك : إنْ جُعِلَ لَبَنُ الْمَرْأَةِ فِي طَعَامٍ وَطُبِخَ وَغَابَ اللَّبَنُ أَوْ صُبَّ فِي مَاءٍ فَكَانَ الْمَاءُ هُوَ الْغَالِبَ فَسُقِيَ الصَّغِيرُ ذَلِكَ الْمَاءَ أَوْ أُطْعِمَ ذَلِكَ الطَّعَامَ لَمْ يَقَعْ بِهِ التَّحْرِيمُ.
وَأَيْضًا فَإِنَّهُمْ يُحَرِّمُونَ بِالنُّقْطَةِ تَصِلُ إلَى جَوْفِهِ وَهِيَ لاَ تَدْفَعُ عِنْدَهُمْ شَيْئًا مِنْ الْمَجَاعَةِ فَظَهَرَ خِلاَفُهُمْ لِلْخَبَرِ الَّذِي مَوَّهُوا بِأَنَّهُمْ يَحْتَجُّونَ بِهِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ حُجَّةٌ لَنَا ; لأََنَّهُ عليه الصلاة والسلام إنَّمَا حَرَّمَ بِالرَّضَاعَةِ الَّتِي تُقَابَلُ بِهَا الْمَجَاعَةُ وَلَمْ يُحَرِّمْ بِغَيْرِهَا شَيْئًا فَلاَ يَقَعُ تَحْرِيمٌ بِمَا قُوبِلَتْ بِهِ الْمَجَاعَةُ مِنْ أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ وَجُورٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ , إِلاَّ أَنْ يَكُونَ رَضَاعَةً كَمَا قَالَ الله تعالى : {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ} . فَإِنْ مَوَّهُوا بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَا عَبْدُ الْكَرِيمِ أَنَّ سَالِمَ بْنَ أَبِي الْجَعْدِ مَوْلَى الأَشْجَعِيِّ حَدَّثَهُ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَأَلَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ : إنِّي أَرَدْت أَنْ أَتَزَوَّجَ امْرَأَةً وَقَدْ سَقَتْنِي مِنْ لَبَنِهَا وَأَنَا كَبِيرٌ تَدَاوَيْت بِهِ

فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ : لاَ تَنْكِحُهَا وَنَهَاهُ عَنْهَا. وَكَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ : إنْ سَقَتْهُ امْرَأَتُهُ مِنْ لَبَنِ سُرِّيَّتِهِ , أَوْ سَقَتْهُ سُرِّيَّتُهُ مِنْ لَبَنِ امْرَأَتِهِ لِتُحَرِّمَهَا عَلَيْهِ فَلاَ يُحَرِّمُهَا ذَلِكَ.
قال أبو محمد : هَذَا عَلَيْهِمْ لاَ لَهُمْ ; لأََنَّ فِيهِ رَضَاعَ الْكَبِيرِ وَالتَّحْرِيمَ بِهِ وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِذَلِكَ , وَفِيهِ أَنَّ رَضَاعَ الضَّرَائِرِ لاَ يُحَرِّمُ عِنْدَ عَلِيٍّ وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِهَذَا.

إن ارتضع صغير أو كبير من لبن ميته أو مجنونة
1867 - مَسْأَلَةٌ : قال أبو محمد : وَإِنْ ارْتَضَعَ صَغِيرٌ أَوْ كَبِيرٌ لَبَنَ مَيِّتَةٍ أَوْ مَجْنُونَةٍ أَوْ سَكْرَى خَمْسَ رَضَعَاتٍ فَإِنَّ التَّحْرِيمَ يَقَعُ بِهِ ; لأََنَّهُ رَضَاعٌ صَحِيحٌ.
وقال الشافعي : لاَ يَقَعُ بِلَبَنِ الْمَيِّتَةِ رَضَاعٌ ; لأََنَّهُ نَجِسٌ
قال علي : هذا عَجَبٌ جِدًّا أَنْ يَقُولَ فِي لَبَنِ مُؤْمِنَةٍ : إنَّهُ نَجِسٌ وَقَدْ صَحَّ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، أَنَّهُ قَالَ: ( الْمُؤْمِنُ لاَ يَنْجَسُ) وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الْمُؤْمِنَ فِي حَالِ مَوْتِهِ وَحَيَاتِهِ سَوَاءٌ , هُوَ طَاهِرٌ فِي كِلْتَا الْحَالَتَيْنِ , وَلَبَنُ الْمَرْأَةِ بَعْضُهَا , وَبَعْضُ الطَّاهِرِ طَاهِرٌ , إِلاَّ أَنْ يُخْرِجَهُ ، عَنِ الطَّهَارَةِ نَصٌّ فَيُوقَفُ عِنْدَهُ ثُمَّ يَرَى لَبَنَ الْكَافِرَةِ طَاهِرًا يُحَرِّمُ , وَهُوَ بَعْضُهَا , وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ : {إنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} وَبَعْضُ النَّجِسِ نَجِسٌ بِلاَ شَكٍّ.
فإن قيل : فَأَنْتُمْ تَقُولُونَ : إنَّ لَبَنَ الْكَافِرَةِ نَجِسٌ بِلاَ شَكٍّ وَأَنْتُمْ تُجِيزُونَ مَعَ ذَلِكَ اسْتِرْضَاعَ الْكَافِرَةِ
قلنا : لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ لَنَا نِكَاحَ الْكِتَابِيَّةِ , وَأَوْجَبَ عَلَى الأُُمِّ رَضَاعَ وَلَدِهَا , وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ سَيَكُونُ لَنَا أَوْلاَدٌ مِنْهُنَّ : {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا }. إِلاَّ أَنَّنَا نَقُولُ : إنَّ غَيْرَ الْكِتَابِيَّةِ لاَ يَحِلُّ لَنَا اسْتِرْضَاعُهَا ; لأََنَّهَا لَيْسَتْ مِمَّا أُبِيحَ لَنَا اتِّخَاذُهُنَّ أَزْوَاجًا وَطَلَبُ الْوَلَدِ مِنْهُنَّ فَبَقِيَ لَبَنُهَا عَلَى النَّجَاسَةِ جُمْلَةً , وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
ثم نقول : لَوْ خَالَطَ لَبَنُ الْمُرْضِعَةِ دَمٌ ظَاهِرٌ مِنْ فَمِ الْمُرْضَعِ , أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْمُحَرَّمَاتِ كَمَا يُحَرِّمُ الَّذِي لَمْ يُخَالِطْهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ; لأََنَّنَا قَدْ بَيَّنَّا فِي " كِتَابِ الطَّهَارَةِ " مِنْ كِتَابِنَا هَذَا وَغَيْرِهِ أَنَّ النَّجِسَ , وَالْحَرَامَ إذَا خَالَطَهُمَا الطَّاهِرُ الْحَلاَلُ فَإِنَّ الطَّاهِرَ طَاهِرٌ , وَالنَّجِسَ نَجِسٌ , وَالْحَلاَلَ حَلاَلٌ , وَالْحَرَامَ حَرَامٌ , فَالْمُحَرَّمُ هُوَ اللَّبَنُ لاَ مَا خَالَطَهُ مِنْ حَرَامٍ أَوْ نَجِسٍ وَلِكُلِّ شَيْءٍ حُكْمُهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلَبَنُ الْمُشْرِكَةِ إنَّمَا يَنْجَسُ هُوَ وَهِيَ بِذَلِكَ ; لِدِينِهَا النَّجِسِ , فَلَوْ أَسْلَمَتْ لَطَهُرَتْ كُلُّهَا , فَلأَِرْضَاعِهَا حُكْمُ الإِرْضَاعِ فِي التَّحْرِيمِ ; لِمَا ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

لايحرم من الرضاع إلا خمس رضعات
1868 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يُحَرِّمُ مِنْ الرَّضَاعِ إِلاَّ خَمْسُ رَضَعَاتٍ , تُقْطَعُ كُلُّ رَضْعَةٍ مِنْ الأُُخْرَى أَوْ خَمْسُ مَصَّاتٍ مُفْتَرِقَاتٍ كَذَلِكَ أَوْ خَمْسٌ مَا بَيْنَ مَصَّةٍ وَرَضْعَةٍ , تُقْطَعُ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْ الأُُخْرَى هَذَا إذَا كَانَتْ الْمَصَّةُ تُغْنِي شَيْئًا مِنْ دَفْعِ الْجُوعِ , وَإِلَّا فَلَيْسَتْ شَيْئًا ، وَلاَ تُحَرِّمُ شَيْئًا. وَهَذَا مَكَانٌ اخْتَلَفَ فِيهِ السَّلَفُ : فَرُوِيَ ، عَنْ طَائِفَةٍ أَنَّهُ لاَ يُحَرِّمُ إِلاَّ عَشْرُ رَضَعَاتٍ لاَ أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ.
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَرْسَلَتْ بِهِ إلَى أُمِّ كُلْثُومٍ أُخْتِهَا بِنْتِ أَبِي بَكْرِ الصِّدِّيقِ

المجلد الحادي عشر
تابع كتاب الدماء والقصاص والديات

تابع احكام الجراح واقسامها
من أغضب احمق بما يغضب منه
2107 - مسألة: قال أبو محمد:من أغضب أحمق بما يغضب منه
فقذف بالحجارة فقتل المغضب له أو غيره , أو أعطى أحمق سيفا فقتل به قوما , فلا شيء في كل ذلك , لأنه لم يباشر شيئا من الجناية , ولا يسمى في اللغة قاتلا . فلو أنه أمر الأحمق بقتل إنسان بعينه فقتله , فإن كان الأحمق فعل ذلك طاعة له , وكان ذلك معروفا فهو آمر , فالآمر عليه القود , وإن كان لم يفعل طائعا له فلا شيء في ذلك , لأنه لم يكن , لا عن أمره ولا عن فعله . فلو رمى حجرا فأصاب ذلك الحجر حجرا فقلعه , فتدهده ذلك الحجر فقتل وأفسد : فلا شيء في ذلك , لأنه إنما تولد عن رميه انقلاع الحجر فقط , فهو ضامن لرده إن كان موضوعا لمعنى ما فقط , وإنما يضمن المرء ما تولد عن فعله , ولا يضمن ما تولد عما تولد عن فعله . ولا يختلف اثنان من الأمة في أن من رمى سهما يريد صيدا فأصاب إنسانا أو مالا فأتلفه فإنه يضمن , ولو أنه صادف حمار وحش يجري فقتل إنسانا أو سقط الحمار - إذ أصابه السهم فقتل إنسانا فإنه لا يضمن شيئا . ولو أن إنسانا يعمل في بئر وآخر يستقي فانقطع الحبل فوقعت الدلو فقتلت الذي في البئر , فإن كان ذلك لضعف الحبل فهو قاتل خطأ والدية على العاقلة , وعليه الكفارة , لأنه مباشر لقتله , فلو غلب فلم يقدر على إمساكه الدلو ففتح يديه فلا شيء عليه في ذلك , لأنه لم يباشر قتله ولا عمل شيئا . حدثنا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب أخبرني ابن لهيعة عن عبد الله بن هبيرة السبائي أن رجلا رمى حدأة فخرت الحدأة على صبي فقتلته ؟ قال : هو على الذي رمى , وكل شيء يكون من فعل رجل فهو عليه - قال : وبلغني عن يحيى بن سعيد أنه قال في رجل مر برجل وهو يحمل على ظهره حجرا فسقط منه فأصاب رجلا فقتله ؟ فعليه دية المقتول - قال سحنون : هذه مسألة سوء ؟ قال ابن وهب : وسمعت مالكا يقول في الرجل يمسك الحبل للرجل يتعلق به

في البئر ؟ قال : إن انقطع الحبل فلا شيء عليه , وإن انفلت من يد الممسك فسقط المتعلق فمات فهو ضامن له . قال علي : لسنا نقول بشيء من هذا كله : أما الحدأة تقع , فإن الرامي بها لم يباشر إلقاءها كما ذكرنا . وأما الذي سقط الحجر عن ظهره دون أن يكون هو ألقاه لكن ضعف أو عثر فلا شيء في ذلك - ولو أنه هو تعمد إلقاءه فمات به إنسان , فإن كان عمدا - وهو يدري - فقاتل عمد , وعليه القود , وإن كان لم يعرف أن هنالك إنسانا فهو قاتل خطأ وعليه الكفارة , وعلى عاقلته الدية , لأنه مباشر قتله بلا شك . وأما تعلق الرجل بحبل يمسك عليه آخر فلا شيء في ذلك , لا في انقطاع الحبل , ولا في ضعف الممسك عن إمساكه , لأنه في انقطاع الحبل جان على نفسه بجبذ الحبل , فإنما انقطع من فعله لا من فعل الواقف على البئر فأما انفلات الحبل فلم يتول الواقف على رأس البئر إبقاءه , لكن غلب عليه فلم يباشر فيه شيئا أصلا : روينا من طريق ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب أخبرني يزيد بن عياض , وابن لهيعة عن ابن أبي جعفر عن بكير بن الأشج أن عبد الله بن عمرو وقال يزيد بن عياض : عن عبد الملك بن عبيد عن مجاهد عن ابن عباس , ثم اتفقا : أن من سل سيفا على امرأة , أو صبي , ليفزعهما به , فماتا منه ففيه دية الخطأ . قال علي : وهذا باطل لا يصح - وابن لهيعة في غاية الضعف , ويزيد بن عياض مذكور بالكذب - وهذا العمل لا يختلفون في أن من فعله غير قاصد إلى إفزاعهما ففزعا فماتا فلا شيء عليه - ولا خلاف في أن النية , والمعرفة لا يراعى شيء منهما في الخطأ , بل هما مطرحان فيه , ولا خلاف في أن القاتل إذا قصد به ونوى فإنه عمد . والذي سل سيفا على امرأة أو صبي يريد بذلك إفزاعهما فماتا , فبيقين يدري كل ذي عقل سليم أنه عامد قاصد إليهما بهذا الفعل , فإذ لا خلاف في أنه ليس عليه قود , ولا له حكم العمد الذي هو أقرب الصفات إلى فعله فمن المحال الممتنع أن يكون عليه حكم الخطأ الذي ليس لفعله فيه مدخل أصلا - وهذا في غاية البيان - وبالله تعالى التوفيق - وليس فيه إلا الأدب فقط .

من ادخل انسانا دارا فاصابه شيء
2108 - مسألة : من أدخل إنسانا دارا فأصابه شيء ؟
قال علي : روينا من طريق ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا محمد بن قيس عن الشعبي , قال : إذا أدخل الرجل الرجل داره فهو ضامن حتى يخرجه كما أدخله . وروينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في رجل دخل بيت رجل , وفي البيت سكين فوطئ عليها فقتلته , قال : ليس على صاحب البيت شيء ؟ قال علي : وبقول الزهري نقول , لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:

"إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام" فلا يحل إلزام أحد غرامة مال بغير نص , أو إجماع وما لم يتيقن أن هذا الإنسان جناه بعمد , أو بخطأ , فلا شيء عليه , لأن دمه وماله حرام , فإن وجد في داره مقتولا فله حكم القسامة . وإن ادعى - وهو حي - على صاحب الدار فعليه حكم التداعي , وإن لم يخرج إلا ميتا لا أثر فيه , فالموت يغدو ويروح , ولا شيء به إلا التداعي , إذ قد يمكن أن يغم فلا يظهر فيه أثر , فإذا أمكن فهو من باب التداعي - ولو أيقنا أنه مات حتف أنفه لم يكن هنالك شيء أصلا وبالله تعالى التوفيق .

حكم جنايات الحيوان والراكب والسائس والقائد
2109 - مسألة - جنايات الحيوان , والراكب , والسائس , والقائد.
قال علي: قد ذكرنا الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله: "العجماء جرحها جبار". روينا من طريق ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال : قال رجل لشريح إن شاة هذا قطعت غزلي ؟ فقال : ليلا أو نهارا , فإن كان نهارا فقد برئ , وإن كان ليلا فقد ضمن , ثم قرأ: {إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ} قال : إنما كان النفش بالليل . قال علي : قال مالك , والشافعي : ما أفسدت المواشي ليلا فهو مضمون على أهلها , وما أفسدت نهارا فلا ضمان فيه . وروي عن سفيان الثوري مثل قول أبي حنيفة . وقال أبو حنيفة : وأبو سليمان , وأصحابهما : لا ضمان على أرباب الماشية فيما أفسدت ليلا أو نهارا . ولا يضمنون أكثر من قيمة الماشية - وروي عنه أنهم يضمنون ما أصابت نهارا . وقال الليث : يضمن أهل الماشية ما أصابت ليلا , ولا يضمنون أكثر من قيمة الماشية . قال علي : احتج المضمنون ما جنت ليلا : بما روينا من طريق أبي بكر بن أبي شيبة نا معاوية بن هشام نا سفيان عن عبد الله بن عيسى عن الزهري عن حرام بن محيصة عن البراء بن عازب أن ناقة لأهل البراء أفسدت شيئا فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن حفظ الثمار على أهلها بالنهار , وضمن أهل الماشية ما أفسدت ماشيتهم بالليل وروينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن حرام بن محيصة عن أبيه أن ناقة للبراء بن عازب دخلت حائطا فأفسدت فيه , فقضى النبي صلى الله عليه وسلم على أهل الأموال بحفظها بالنهار وعلى أهل المواشي حفظها بالليل. ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال : قال ابن شهاب حدثني أبو أمامة بن سهل: "أن ناقة دخلت في حائط قوم فأفسدته فذهب أصحاب الحائط إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "على أهل الأموال حفظ أموالهم بالنهار , وعلى أهل الماشية حفظ مواشيهم بالليل وعليهم ما أفسدته". وذكر بعض الناس : أن الوليد بن مسلم روى هذا الحديث عن الزهري عن حرام بن محيصة : أن البراء أخبره . قال علي : هذا خبر مرسل , أحسن طرقه : ما رواه مالك , ومعمر عن سفيان

عن الزهري عن سعيد بن المسيب : أن ناقة للبراء . وما رواه ابن جريج عن الزهري عن أبي أمامة بن سهل : أن ناقة دخلت . فلم يسند أحد قط من هاتين الطريقتين اللتين لو أسند منهما , أو من إحداهما لكان حجة يجب الأخذ بها , وإنما استند من طريق حرام بن سعد بن محيصة مرة عن أبيه - ولا صحبة لأبيه - ومرة عن البراء فقط , وحرام بن سعد بن محيصة - مجهول - لم يرو عنه أحد إلا الزهري , وما نعلم للزهري عنه غير هذا الحديث , ولم يوثقه الزهري - وهو قد يروي عمن لا يوثق , كروايته عن سليمان بن قرم , ونبهان مولى أم سلمة , وغيرهما من المجاهيل , والهلكى . ولا يحل أن يقطع على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدين إلا بمن تعرف عدالته - فسقط التعلق بهذا الخبر ؟ قال علي : روينا من طريق أبي بكر بن أبي شيبة نا عبد الله بن إدريس الأودي عن حصين بن عبد الرحمن بن عامر الشعبي , قال : اختصم إلى علي بن أبي طالب في ثور نطح حمارا فقتله , فقال علي بن أبي طالب : إن كان الثور دخل على الحمار فقتله فقد ضمن - وإن كان الحمار دخل على الثور فقتله فلا ضمان عليه . قال علي : فهذا حكم من علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - والقول عندنا في هذا كله هو ما حكم به رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت عنه من أن "العجماء جرحها جبار وعملها جبار" فلا ضمان فيما أفسده الحيوان من دم أو مال لا ليلا ولا نهارا - وبالله تعالى التوفيق . فإن أتى بها وحملها على شيء , وأطلقها فيه : ضمن حينئذ , لأنه فعله ليلا كان أو نهارا . وأما الحيوان الضارية فقد جاءت فيها آثار : كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني عبد الكريم أن عمر بن الخطاب كان يقول برد البعير , أو البقرة , أو الحمار , أو الضواري , إلى أهلهن ثلاثا إذا حظر الحائط , ثم يعقرن . قال ابن جريج : وأخبرني من نظر في كتاب عمر بن عبد العزيز في خلافته إلى الحجاج بن ذؤيب أن يحصن الحائط حتى يكون إلى نحو البعير . قال ابن جريج : وسمعت عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الله بن عمر : أن عمر بن الخطاب كان يأمر بالحائط أن تحظر ويسد الحظر من الضاري المدل , ثم يرد إلى أهله ثلاث مرات , ثم يعقر . قال ابن جريج : وقلت لعطاء : الحظر يسد , ويحصن على الحائط , ثم لا يمتنع من الضاري المدل , أبلغك فيه شيء ؟ قال : لا .
قال أبو محمد: فهذا حكم عمر بن الخطاب : يرد الضاري ثلاث مرات إلى صاحبه دون تضمين , ولم يخص ليلا ولا نهارا ثم يعقر . فخالفوا كلا الحكمين من حكم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وهم يعظمون أقل من هذا إذا وافق تقليدهم . ومن طريق عبد الرزاق عن معمر , قال : أخبرني إسماعيل بن أبي سعيد الصنعاني : أنه سمع عكرمة مولى ابن عباس

يحدث قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أهون أهل النار عذابا رجل يطأ جمرة يغلي منها دماغه, قال أبو بكر : وما كان ذنبه يا رسول الله ؟ قال : كانت له ماشية يعيث بها الزرع ويؤذيه , وحرم الله الزرع وما حوله غلاة سهم , فاحذروا أن لا يسحب الرجل ماله في الدنيا ويهلك نفسه في الآخرة , فلا تسحبوا أموالكم في الدنيا وتهلكوا أنفسكم في الآخرة".
قال علي : وهذا مرسل ولا حجة في مرسل , والقول عندنا في هذا أن الحيوان - أي حيوان كان - إذا أضر في إفساد الزرع أو الثمار , فإن صاحبه يؤدب بالسوط ويسجن , إن أهمله , فإن ثقفه فقد أدى ما عليه , وإن عاد إلى إهماله بيع عليه ولا بد , أو ذبح وبيع لحمه , أي ذلك كان أعود عليه أنفذ عليه ذلك . برهان ذلك : قول الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} , ومن البر والتقوى : المنع من أذى الناس في زرعهم وثمارهم . ومن الإثم والعدوان : إهمال ذلك . فينظر في ذلك بما فيه حماية أموال المسلمين - مما لا ضرر فيه على صاحب الحيوان بما لا يقدر على أصلح من ذلك - كما أمر الله تعالى . وأما من زرع في الشعواء , أو حيث المسرح , أو غرس هنالك غرسا فإنه يكلف أن يحظر على زرعه وغرسه بما يدفع عن ذلك من بناء أو غيره إذ لا ضرر عليه في ذلك , بل الحائط له , ودفع الإضاعة عن ماله . ولا يجوز أن يمنع الناس عن إرعاء مواشيهم هنالك , كما لا يجوز أن يمنع هو من إحياء ما قدر على إحيائه من ذلك الموات , وليس في طاقة أحد منع المواشي عن زرع , أو ثمر في وسط المسرح , فإذ ذلك ممتنع - ليس في الوسع - فقد بطل أن يكلفوا ضبطها , أو منعها : بقول الله تعالى: {لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا} , وهكذا القول فيما تعذر على أهل الماشية منع ماشيتهم منه في مرورها في طريقها إلى المسرح بين زرع الناس وثمارهم , فإن أهل الزرع والثمار يكلفون هاهنا بحظير ما ولي الطريق من زروعهم وثمارهم . وأما الثمار المتصلة من الزرع والغرس التي لا مسرح فيها فليس عليهم تكليف الحظر , فإن أطلق مواشيه هنالك عامدا , أو مهملا : أدب الأدب الموجع , وبيعت عليه مواشيه إن عاد , وضمن ما باشر إطلاقها عليه . وبالله تعالى التوفيق . ولا يعقر الحيوان الضاري ألبتة , لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ذبح الحيوان إلا لمأكله , ونهى عن إضاعة المال , والعقر إضاعة فيما يؤكل لحمه , وفيما لا يؤكل لحمه - وبالله التوفيق . وأما القائد , والراكب , والسائق - فإن يحيى بن عبد الرحمن بن مسعود قال : نا أحمد بن دحيم نا إبراهيم بن حماد نا إسماعيل بن إسحاق نا إبراهيم الهروي نا هشيم نا أشعث عن محمد بن سيرين عن شريح : أنه كان يضمن الفارس ما أوطأت دابته بيد أو رجل , ويبرئه من

النفحة . قال هشيم : ونا يونس , والمغيرة , قال يونس عن الحسن البصري , وقال المغيرة عن إبراهيم أنهما كانا يضمنان ما أوطأت الدابة بيد أو رجل , ولا يضمنان من النفحة . وعن إبراهيم , وشريح أنهما قالا : إذا نفحت الدابة برجلها فإن صاحبها لا يضمن . وقال الحكم والشعبي : يضمن ولا يطل دم المسلم . وعن محمد بن سيرين أن رجلا شرد له بعيران فأخذهما رجل فقرنهما في حبل فأخنق أحدهما فمات ؟ فقال شريح : إنما أراد الإحسان , لا يضمن إلا قائد أو راكب . وقال محمد بن سيرين في الدابة أفزعت فوطئت يضمن صاحبها , وإذا نفحت برجلها من غير أن تفزع لم يضمن . وعن الشعبي أنه سئل عن رجل أوثق على الطريق فرسا عضوضا فعقر ؟ فقال الشعبي : يضمن , ليس له أن يربط كلبا عضوضا على طريق المسلمين . وعن إبراهيم النخعي , وشريح قالا جميعا : يضمن الراكب , والسائق , والقائد . وعن أبي عون الثقفي أن رجلين كانا ينشران ثوبا فمر رجل فدفعه آخر فوقع على الثوب فخرقه , فارتفعوا إلى شريح فضمن الدافع , وأبرأ المدفوع , بمنزلة الحجر . وعن الشعبي قال : هما شريكان - يعني الراكب والرديف . وعن الشعبي أيضا قال : من أوقف دابته في طريق المسلمين أو وضع شيئا فهو ضامن بجنايته . وعن إبراهيم النخعي , والشعبي , قالا جميعا : من ربط دابته في طريق فهو ضامن - وعن إبراهيم في رجل استعار من رجل فرسا فركضه حتى قتله , قال : ليس عليه ضمان , لأن الرجل يركض فرسه . وعن عطاء قال : يغرم القائد , والراكب , عن يدها ما لا يغرمان عن رجلها , قلت : كانت الدابة عادية فضربت بيدها إنسانا وهي تقاد ؟ قال : نعم , ويغرم القائد , قلت : السائق يغرم عن اليد والرجل , قال : زعموا , فراددته ؟ قال : يقول : الطريق الطريق . وعن قتادة قال : يغرم القائد ما أوطأت بيد أو رجل , فإذا نفحت لم يغرم , والراكب كذلك , إلا أن تكون بالعنان فتنفح فيغرم . وعن الشعبي قال : يضمن الرديف مع صاحبه . وعن شريح قال : يضمن القائد , والسائق , والراكب , ولا يضمن الدابة إذا عاقبت , قلت : وما عاقبت ؟ قال : إذا ضربها رجل فأصابته . وعن مجاهد قال : ركبت جارية جارية فنخستها أخرى فوقعت فماتت ؟ فضمن علي بن أبي طالب الناخسة والمنخوسة . وقال مالك , والشافعي : يضمن السائق , والقائد , والراكب ما أصابت الدابة , إلا أن ترمح من غير فعلهم , فلا ضمان عليهم . وقال مالك , وأبو حنيفة : يضمن الرديف مع الراكب . وقال إسحاق بن راهويه لا يضمن الرديف . وقال أحمد : أرجو أن لا شيء عليه إذا كان أمامه من يمسك العنان.

قال أبو محمد: فالواجب علينا عند تنازعهم ما افترض الله تعالى علينا , إذ يقول تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} , فنظرنا في الراكب فوجدناه مصرفا لدابته حاملا لها فما أصابت مما حملها عليه , فإن عمد فعليه القصاص في النفس فما دونها , لأنه متعد مباشر للجناية - وإن كان مما لا يضمنه , فإن كان ذلك - وهو لا يعلم بما بين يديه - فهو إصابة خطأ يضمن المال , وعلى عاقلته الدية في النفس وعليه الكفارة , لأنه قاتل خطأ , وما أصابت برأسها , أو بعضتها , أو بذنبها , أو بنفحتها بالرجل , أو ضربت بيدها في غير المشي : فليس من فعله فلا ضمان عليه فيه , لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "العجماء جرحها جبار". وأما القائد : فإن كان يمسك الرسن أو الخطام فهو حامل للدابة على ما مشت عليه , فإن عمد فالقود - كما قلنا - والضمان في المال , وإن لم يعمد فهو قاتل خطأ , فالدية على العاقلة , والكفارة عليه في ماله , ويضمن المال , فإن كانت الدواب مقصورة بعضها إلى بعض كذلك , فكذلك أيضا ولا فرق . وسواء كان على الدابة المقودة راكب أو لم يكن : لا ضمان على الراكب , إلا إن حملها أو أعان , فهو والقائد شريكان , وإلا فلا , فإن كان القائد لا رسن بيده , ولا عقال , فلا ضمان عليه ألبتة ; لأنه لم يتول شيئا , ولا باشر فيما أتلف من دم , أو مال شيئا أصلا - وقد قال عليه الصلاة والسلام: "والعجماء جرحها جبار". وأما الرديف - فإن كان يمسك العنان هو وحده ولا يمسكه المتقدم : فحابس العنان هو الضامن وحده , وعليه في العمد القود , وفي الخطأ الكفارة , والدية على العاقلة , ولا ضمان , ولا شيء على المتقدم , إلا أن يعين في ذلك . وأما السائق - فإن حملها بضرب , أو نخس , أو زجر على شيء ما , فإن عمد فالقود والضمان , وإن لم يعمد فهو قاتل خطأ كما قلنا , فإن لم يحملها على شيء فلا ضمان عليه , لأنه لم يباشر - وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "جرح العجماء جبار". ومن أوثق دابته على طريق المسلمين فلا ضمان عليه , وكذلك لو أرسلها وهو يمشي , وليس كل مسيء ضامنا . وقد علمنا وعلم كل مسلم : أن عامل السلاح , وبائعها في الفتن : فمخالف ظالم , ومسيء , ومعين بذلك على قتل الناس , ولا خلاف في أنه لا ضمان عليه . فإن قيل : إن غيره هو المتولي ؟ قيل لهم : والدابة هي المتولية أيضا , وجرحها جبار , وكذلك من حل دابة , أو طائرا عن رباطها : فلا ضمان عليه فيما أصابت , لأنه لم يعمد , ولا باشر , ولا تولى . وأما من ركب دابته ولها فلو يتبعها فأصاب الفلو إنسانا , أو مالا : فهو الحامل له على ذلك , فإن عمد فالقود , وإن لم يعمد فهو قاتل خطأ . برهان ذلك : أنه في إزالته أمه عند مستدع له إلى المشي وراءها , فهو مباشر لاستجلابه , فلو ترك الفلو اتباع أمه , وأخذ يلعب , أو خرج عن اتباعها , فلا ضمان على راكب أمه أصلا . وكذلك من استدعى بهيمة بشيء تأكله وهو يدري أن في طريقها متاعا تتلفه , أو إنسانا راقدا

فأتته , فأتلفت في طريقها شيئا , فالقود في العمد , وهو قاتل خطأ إن لم يعمد . وكذلك من أشلى أسدا على إنسان أو حنشا - وليس كذلك من أطلقهما دون أن يقصد بهما إنسانا . لأنه في إطلاقهما على الإنسان مباشر لإتلافه , قاصد لذلك - وليس في إطلاقهما جانيا على أحد شيئا أصلا . وأما ما قاله شريح في قارن البعيرين فصحيح ولا ضمان على من فعل ما أبيح له فعله , إلا أن يوجب ذلك نص أو إجماع . وأما ما جاء عن علي - رضي الله عنه - في تضمين الناخسة فصحيح , لأنها هي الملقية للأخرى في الأرض - وبالله تعالى التوفيق .

حكم جناية الكلب وغيره ونفار الدابة
2110 - مسألة : من جناية الكلب وغيره , ونفار الدابة وغير ذلك
من الباب الذي قبل هذا ؟ قال علي : روينا من طريق ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب أخبرني الحارث بن نبهان عن محمد بن عبيد الله العرزمي عن أنس بن سيرين أن رجلا كان يسري بأمه فجاء رجل على فرس يركض فنفر الحمار من وقع حافر الفرس فوثب فوقعت المرأة فماتت ؟ فاستأذن عمر بن الخطاب ؟ فقال عمر رضي الله عنه : ضرب الحمار ؟ فقال : لا , فقال : أصاب الحمار من الفرس شيء ؟ قال : لا , قال : أمك أتت على أجلها فاحتسبها . قال ابن وهب : وأخبرني يونس أنه سأل أبا الزناد عن عقل الكلب , أو الفهد , أو السبع الداجن , أو الكبش النطاح , أو نطح الثور , أو البعير , أو الفرس الذي يعض , فيعقر مسكينا , أو زامرا , أو عابدا ؟ فقال أبو الزناد : إن قتل واحد من هذه الدواب , أو أصاب كسر يد , أو رجل , أو فقأ عينا , أو أي أمر جرح من ذلك بأحد من الناس فهو هدر قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن: "العجماء جرحها جبار" إلا أن يكون قد استعدى في شيء من ذلك , فأمره السلطان بإيثاق ذلك فلم يفعل , فإن عليه أن يغرم ما حرج بالناس - فأما ما أصيب به الدابة أو بشيء منها , فلم يكن السلطان يتقدم إلى صاحبه , فإن على من أصابها غرم ما أصابها به . وقال مالك : فيمن اقتنى كلبا في دار البادية فعقر ذلك الكلب إنسانا : إنه إن اقتناه - وهو يدري أنه يفترس الناس فعقرهم - فهو ضامن لما فرس الكلب . قال أبو محمد:أما الرواية عن عمر - فهي وإن لم تصح - من طريق النقل فمعناها صحيح - وبه نأخذ , لأن من لم يباشر ولا أمر : فلا ضمان عليه , والدابة إذا نفرت فليس للذي نفرت منه ذنب ؟ إلا أن يكون نفرها عامدا : فإن عليه القود فيما قتلت إذا قصد بذلك أن تطأ الذي أصابت , فإن لم يكن قصد ذلك فهو قاتل خطأ , والدية على العاقلة , والكفارة عليه , ويضمن المال في كلتا الحالتين , إذا تعمد تنفيرها , لأنه المحرك لها . وأما قول أبي الزناد - فصحيح كله , لأن جرح العجماء جبار بحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو لم يتعمد إشلاء شيء من ذلك . وأما قوله إلا أن يتقدم إليه

السلطان في ذلك فليس بشيء , وتقدم السلطان لا يوجب غرامة لم يوجبها الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم وإنما السلطان منفذ للواجب على من امتنع فقط , وليس شارعا شريعة . وأما قول مالك فخطأ أيضا , لأنه ليس علم المقتني للكلب بأنه يفترس الناس بموجب عليه غرامة لم يوجبها القرآن ولا السنة , وهو وإن كان متعديا باقتنائه فإنه لم يباشر شيئا في الذي أتلفه الكلب . وهكذا من آوى رجلا قتالا محاربا فجنى جناية , فهو وإن كان متعديا بإيوائه إياه فليس مباشرا عدوانا في المصاب . وكل هذا باب واحد , وليس قياسا , ولكن خصومنا يقولون بقوله ويخالفونه في ذلك العمل نفسه , فإذا جمعنا لهم القولين لاح لهم تناقضهم فيها - فعلى هذا نورد مثل هذه المسائل لا على أنها حجة قائمة بنفسها , وإنما الحجة في هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "جرح العجماء جبار". وبالله تعالى التوفيق . روينا من طريق أبي بكر بن أبي شيبة نا عباد بن العوام عن حجاج عن قتادة عن كعب بن سوار : أن رجلا كان على حمار فاستقبله رجل على بعير في زقاق فنفر الحمار فصرع الرجل فأصابه شيء ؟ فلم يضمن كعب بن سوار صاحب البعير شيئا ؟ قال أبو محمد: وهذا كما قلنا - وعن سفيان الثوري عن طارق قال : كنت عند شريح فأتاه سائل فقال : إني دخلت دار قوم فعقرني كلبهم وخرق جرابي ؟ فقال : إن كنت دخلت بإذنهم فهم ضامنون , وإن كنت دخلت بغير إذنهم فليس عليهم شيء . وعن الشعبي قال : إذا كان الكلب في الدار فأذن أهل الدار للرجل فعقره الكلب ضمنوا , وإن دخل بغير إذن فعقره فلا ضمان عليهم - وأيما قوم غشوا غنما في مرابضها فعقرتهم الكلاب فلا ضمان على أصحاب الغنم , وإن عرضت لهم الكلاب في الطريق فعقرتهم الكلاب في الطريق ضمنوا . وأما المتأخرون - فإن أبا حنيفة , وسفيان الثوري , والحسن بن حي , والشافعي , وأبا سليمان , قالوا : من كان في داره كلب فدخل إنسان بإذنه أو بغير إذنه فقتله الكلب فلا ضمان في ذلك - وكذلك قال ابن أبي ذئب . وقد روى الواقدي نحو هذا عن مالك - وروى عنه ابن وهب : أنه قال : إن اتخذ الكلب وهو يدري أنه يعقر الناس ضمن - وأنه إن لم يعلم ذلك لم يضمن - إلا أن يتقدم إليه السلطان ؟
قال أبو محمد: اشتراط تقدم السلطان , أو علمه بأنه عقور لا معنى له , لأنه لم يوجب هذا نص قرآن ولا سنة ولا إجماع . فإن قيل : إنه باتخاذه الكلب

العقور متعد - وكذلك هو باتخاذه حيث لم يبح له اتخاذه متعد أيضا ؟ قلنا : هو متعد في اتخاذه - في كلتا الحالتين - ظالم إلا أنه ليس متعديا في إتلاف ما أتلف الكلب , ولا أوجب الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم قط على ظالم غرامة مطلقة . وقد قلنا : إن التعدي الموجب للضمان , أو للقود , أو للدية , هو ما سمي به المرء " قاتلا , أو مفسدا " وليس كذلك , إلا بالمباشرة , أو بالأمر , وهي في اتخاذه الكلب , كمن عمل سيفا وأعطاه لظالم , أو اقتنى خمرا في خابية فجلس إنسان إليها فانكسرت فقتلت الإنسان ؟ فكل هذا ليس يسمي هذا الظالم " قاتلا , ولا متلفا " فلا ضمان في شيء من ذلك . وعن إبراهيم النخعي أنه قال في رجل جمح به فرسه فقتل رجلا , قال : يضمن , هو بمنزلة الذي رمى بسهمه طائرا فأصاب رجلا فقتله . قال أبو محمد:إذا جمح به فرسه , فإن كان هو المحرك له , المغالب له , فإنه يضمن كل ما جنى بتحريكه إياه , في القصد القود وفيما لم يقصده ضمان الخطأ - وأما إذا غلبته دابته فلم يحملها على شيء فلا شيء عليه أصلا في كل ما أصابت . ولو أن امرأ اتبع حيوانا ليأخذه ؟ فكل ما أفسد الحيوان في هروبه ذلك , مما هو حامله عليه , مما يوقن أن ذلك الحيوان إنما يراه ويهرب عنه : فهو ضامن له ما عمد وقصد بالقود , وما لم يقصد : فالدية على العاقلة والكفارة عليه - وأما ما أتلف ذلك الحيوان في جريه - وهو لا يراه - فلا ضمان على متبعه - وبالله تعالى التوفيق .

حكم لو أن انساناً هيج كلبا أو أطلق أسداً أو أعطى أحمق سيفاً فقتل رجلاً
...
2111 - مسألة : ولو أن إنسانا هيج كلبا , أو أطلق أسدا , أو أعطى أحمق سيفا فقتل رجلا :
كل من ذكرنا فلا ضمان على المهيج , ولا على المطلق , ولا على المعطي السيف ; لأنهم لم يباشروا الجناية , ولا أمروا بها من يطيعهم . فلو أنه أشلى الكلب على إنسان , أو حيوان فقتله : ضمن المال وعليه القود مثل ذلك , ويطلق عليه كلب مثله حتى يفعل به مثل ما فعل الكلب بإطلاقه , لأنه هاهنا هو الجاني القاصد إلى إتلاف ما أتلف الكلب بإغرائه . ولو أن امرأ حفر حفرة وغطاها , وأمر إنسانا أن يمشي عليها , فمشى عليها ذلك الإنسان مختارا للمشي - عالما , أو غير عالم - : فلا ضمان على آمره بالمشي , ولا على الحافر , ولا على المعطي , لأنهم لم يمشوه , ولا باشروا إتلافه , وإنما هو باشر شيئا باختياره - ولا فرق بين هذا بين من غر إنسانا فقال له : طريق كذا أمن هو ؟ فقال له : نعم , هو في غاية الأمن - وهو يدري أن في الطريق المذكور أسدا هائجا , أو جملا هائجا , أو كلابا عقارة , أو قوما قطاعين للطريق , يقتلون الناس - فنهض السائل مغترا بخبر هذا الغار له , فقتل وذهب ماله . وكذلك : من رأى أسدا فأراد الهروب

عنه ؟ فقال له إنسان من غر به : لا تخف , فإنه مقيد ؟ فاغتر بقوله ومشى , فقتله الأسد - فهذا كله لا قود على الغار , ولا ضمان أصلا في دم ولا مال , لأنه لم يباشر شيئا , ولا أكره ؟ فلو أنه أكرهه على المشي على الحفرة فهلك فيها , أو طرحه إلى الأسد أو إلى الكلب ؟ فعليه القود . فلو طرحه إلى أهل الحرب , أو البغاة فقتلوه : فهم القتلة لا الطارح - بخلاف طرحه إلى من لا يعقل , لأن من لا يعقل آلة للطارح . وكذلك - لو أمسكه لأسد فقتله , أو لمجنون فقتله , فالممسك هاهنا هو القاتل - بخلاف إمساكه إياه لقتل من يعقل - وبالله تعالى التوفيق .

في رجل طلب دابة فنادى رجلاً أحبسها علي فصدمته فقتلته أو رماها فقتلها
...
2112 - مسألة : في رجل طلب دابة فنادى رجلا : احبسها علي , فصدمته فقتلته , أو رماها فقتلها
روينا من طريق ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب أنه قال في رجل طلب دابة فنادى رجلا : احبسها علي , فصدمته فقتلته , أو رماها فقتلها ؟ فقال ابن شهاب : كلاهما يغرم . وبه - إلى ابن وهب أخبرني الليث بن سعد وابن لهيعة : أن هشاما كتب في رجل ضم جارية إليه من دابة فضربتها في حجره : أن على الرجل ديتها - قال ابن لهيعة : والرجل مولى لنا ؟ كتب توبة بن نمر - قاضي أهل مصر - إلى هشام في ذلك ؟ فكتب بهذا , فجعل الدية علينا قال ابن وهب : وأخبرني الليث بن سعد : أن هشاما كتب في رجل حمل صبيا فخر في مهواة , فمات الصبي : أن ضمانه على الحامل , قال الليث : وعلى هذه الفتيا الناس - قال ابن وهب : وبلغني عن ربيعة أنه قال مثل ذلك قال : فإن هلكا جميعا فلا عقل لهما .
قال أبو محمد: لا حجة في قول مخلوق دون رسول الله صلى الله عليه وسلم . فأما الذي قال للرجل : احبس لي الدابة فصدمته فقتلته : فلا ضمان على الذي أمره بحبسها , لأنه لم يتعد عليه , ولا باشر فيه إتلافه . فلو أن المأمور بحبس الدابة رماها فقتلها , أو جنى عليها فهو ضامن على كل حال , لأنه فعل من إتلافها , ومن الجناية عليها ما لم يبح الله تعالى له فعله , فهو متلف بغير حق وجان بغير حق , ومباشر لذلك , قال الله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} , وكذلك - لو أمره بقتلها , أو الجناية عليها ففعل لضمن , لأنه أمره بما لا يحل , وبما ليس له أن يأمره به , فهو متعد بالأمر , والمأمور أيضا متعد بالائتمار , فهو ضامن لمباشرته الجناية . وأما من ضم صبية من دابة فرمحتها الدابة فقتلتها : فلا ضمان عليه , لأنه لم يباشر إتلافها , و " جرح العجماء جبار " . وأما الذي حمل صبيا فسقط في مهواة فمات الصبي , فإن كان موته من وقوع حامله عليه فهو ضامن , والضمان على العاقلة , وعليه الكفارة , لأنه قاتل خطأ - وإن كان مات من الوقعة لا من وقوع حامله عليه , فلا ضمان في ذلك . فلو مات الحامل حين وقوعه على الصبي , أو قبل وقوعه عليه : فلا ضمان على عاقلته , لأنه لا جناية على ميت - وبالله تعالى التوفيق.

حكم اللص يدخل على الانسان هل له قصد قتله
2113 - مسألة : اللص يدخل على الإنسان هل له قصد قتله ؟
قال علي: روينا من طريق أبي بكر بن أبي شيبة نا عبد الله بن إدريس الأودي عن عبيد الله بن عمر عن نافع قال : أصلت ابن عمر على لص بالسيف , فلو تركناه لقتله . ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة أيضا نا ابن علية عن أيوب السختياني عن حميد بن هلال عن حجير بن الربيع قال : قلت لعمران بن الحصين أرأيت إن دخل علي داخل يريد نفسي ومالي ؟ قال عمران : لو دخل علي داخل يريد نفسي ومالي لرأيت أن قد حل لي قتله . ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة نا عباد بن عوف - هو ابن أبي جميلة - عن الحسن البصري قال : اقتل اللص , والحروري , والمستعرض . وعن محمد بن سيرين أنه قال : ما علمت أن أحدا من المسلمين ترك قتال رجل يقطع عليه الطريق أو يطرقه في بيته تأثما من ذلك . وعن إبراهيم النخعي قال : إذا دخل اللص دار الرجل فقتله فلا ضرار عليه . وعن الشعبي قال : الرجل محارب لله ورسوله فاقتله , فما أصابك من شيء فعلي . وعن ابن سيرين أنه قال : قلت لعبيدة : أرأيت إن دخل علي رجل يريد بيتي ؟ قال : إن الذي يدخل عليك بيتك لا يحل له منك ما حرم الله تعالى عليه , ولكن يحل لك نفسه . وعن منصور أنه سأل إبراهيم عن الرجل يعرض للرجل يريد ماله أيقاتله ؟ فقال إبراهيم : لو تركه لقتله ؟ قال أبو محمد:روينا من طريق مسلم بن الحجاج نا أبو كريب محمد بن العلاء نا خالد - يعني ابن مخلد - نا محمد بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال: "جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله : أرأيت إن جاء رجل يريد أن يأخذ مالي ؟ قال : فلا تعطه مالك , قال : أرأيت إن قاتلني ؟ قال : قاتله . قال : أرأيت إن قتلني , قال : فأنت شهيد , قال : أرأيت إن قتلته ؟ قال : هو في النار". قال علي : فمن أراد أخذ مال إنسان ظلما من لص , أو غيره , فإن تيسر له طرده منه ومنعه : فلا يحل له قتله , فإن قتله حينئذ : فعليه القود - وإن توقع - أقل توقع - أن يعاجله اللص : فليقتله ولا شيء عليه , لأنه مدافع عن نفسه . فإن قيل : اللص محارب فعليه ما على المحارب ؟ قلنا : فإن كابر وغلب فهو محارب , واختيار القتل في المحارب إلى الإمام لا إلى غيره , أو إلى من قام بالحق إن لم يكن هنالك إمام , وإن لم يكابر ولا غلب , لكن تلصص : فليس محاربا , ولا يحل قتله أصلا . وبالله تعالى التوفيق .
صاحب المعبر يعبر بدواب فغرقت
قال علي: نا حمام نا عبد الله بن محمد بن علي نا عبد الله بن يونس نا بقي بن مخلد

نا أبو بكر بن أبي شيبة نا حميد بن عبد الرحمن عن حسن عن جابر عن عامر , قال لي : صاحب المعبر يعبر بدواب فغرقت ؟ قال : فلا ضمان عليه . قال علي : وهو كما قال إلا أن يباشر تعطيب المعبر , أو تعطيب السفينة , فيضمن - وبالله تعالى التوفيق .

حكم من استعان صغيراً حراً أو عبداً بغير أذن أهله فتلف
...
2114 - مسألة : من استعان صبيا أو عبدا بغير إذن أهله فتلف ؟ حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا إسرائيل عن جابر عن الشعبي أنه قال في رجل أعطى صبيا فرسا فقتله ؟ قال : يضمن الرجل . وبه - إلى وكيع نا سفيان عن أشعث عن الحكم عن إبراهيم قال : من استعان عبدا بغير إذن أهله فعنت فهو ضامن . وعن الشعبي في عبد رجل أكرهه رجل فحمله على دابة فأوطأ رجلا فقتله ؟ قال : يغرم الذي حمل العبد . قال أبو محمد:من استعان صغيرا حرا أو عبدا فعنت , فهو ضامن . ومن استعان كبيرا حرا أو عبدا فعنت فهو غير ضامن : روينا من طريق أبي بكر بن أبي شيبة نا وكيع نا إسرائيل عن جابر عن الشعبي أنه قال في رجل أعطى رجلا فرسا فقتله : أنه لا يضمن , إلا أن يكون عبدا أو صبيا . وعن عوف بن أبي جميلة , قال : كان عمر بن حيان الحماني يصنع الخيل , وأنه حمل ابنه على فرس فخر , فتقطر من الفرس فمات , فجعلت ديته على عاقلته زمان زياد بالبصرة . وعن بكير بن الأشج أن ابن عمر قال : من حمل غلاما لم يبلغ الحلم بغير إذن أهله فسقط فمات , فقد غرم . وعن مجاهد عن ابن عباس مثل قول ابن عمر هذا ؟ وقال : يغرم ديته لو جرحه . وعن ربيعة , وأبي الزناد أنهما قالا جميعا : من استعان غلاما لم يبلغ الحلم فهو لما أصابه ضامن - وقالا في الحر يملك نفسه : ليس على أحد استعانة شيء إذا أتى ذلك طائعا ؟ قال ربيعة : إلا أن يستغفل , أو يستجهل . قال ابن وهب : وسمعت الليث يقول مثل قول أبي الزناد . وعن قتادة عن خلاس بن عمرو أن علي بن أبي طالب قال في الغلام يستعينه رجل - ولم يبلغ خمسة أشبار - : فهو ضامن حتى يرجع - , وإن استعانه بإذن أهله فلا ضمان عليه . وعن إبراهيم النخعي قال : من استعان مملوكا بغير إذن مواليه ضمن . قال أبو محمد:فحصل من هذه الأقوال عن علي بن أبي طالب أنه من استعان غلاما - لم يبلغ خمسة أشبار - بغير إذن أهله فهو له ضامن , فإن بلغ خمسة أشبار فلا ضمان عليه - , وإن استعانه بإذن أهله - , وهذا صحيح عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه . وعن ابن عباس , وابن عمر - رضي الله عنهما - من حمل غلاما بغير إذن أهله فسقط فمات فقد غرم , إلا أنه لا يصح عنهما . أما عن ابن عمر فرواه ابن لهيعة - وليس بشيء , وأما ابن عباس فرواه

عنه يزيد بن عياض - وهو مذكور بالكذب . وحصل عن الشعبي : من أعطى صبيا فرسا فقتله , فالمعطي ضامن وعن ربيعة , وأبي الزناد , نحو ذلك . وعن حماد بن أبي سليمان , نحو ذلك . فلم يفرق هؤلاء بين إذن أهله , ولا بين غير إذنهم . وحصل من قول الشعبي : من استعان عبدا بالغا بغير إذن سيده , فلا ضمان عليه إن تلف - وعن الزهري , وعطاء , نحوه . وأما المتأخرون - فإن أبا حنيفة , وأبا يوسف , ومحمد بن الحسن , قالوا : من غصب صبيا حرا فمات عنده بحمى أو فجأة فلا شيء عليه - فإن أصابته صاعقة , أو نهشته حية : فديته على عاقلة الغاصب , وكان زفر يقول : لا يضمن في شيء من ذلك . وقال سفيان الثوري : إذا أرسل صبيا في حاجة فجنى الصبي جناية , قال : فليس على الذي أرسله شيء من جنايته , قال : فإذا أرسل مملوكا في حاجة فجنى , فإن الجناية على الذي أرسله , قال : فإن استعمل أجيرا صغيرا في حاجة فأكله الذئب فلا شيء عليه . وقال الحسن بن حي : من أمر صغيرا , أو مملوكا لغيره بأن يسقيه ماء , أو يناوله وضوءا فلا بأس بذلك , قال : فإن عنتا في ذلك فعليه ضمانهما . وقال مالك : الأمر الذي عليه الفقهاء منهم : أن الرجل إذا استعان صغيرا , أو عبدا مملوكا في شيء له بال , فإنه ضامن لما أصابهما - إذا كان ذلك بغير إذن - وإذا أمر الرجل الصبي الحر أن ينزل في بئر , أو يرقى في نخلة , فهلك في ذلك : أن الذي أمره ضامن لما أصابه - فإن استعان كبيرا حرا فأعانه , فلا شيء عليه إلا أن يستغفل أو يستجهل . قال أبو محمد:وقد روينا عن مالك : أن من غصب حرا فباعه فطلب ؟ فلم يوجد : أنه يضمن ديته - وأما الشافعي - فلا نعلم له في هذا قولا . وقد روي عن أم سلمة أم المؤمنين - رضي الله عنها - أنها بعثت إلى معلم الكتاب , ابعث لي غلمانا ينفشون صوفا ولا تبعث إلي حرا ؟ قال أبو محمد:فلما اختلفوا - كما ذكرنا - وجب أن ننظر في ذلك ليلوح الحق من ذلك فنتبعه - بعون الله تعالى ومنه - فابتدأنا بما روي في ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم : فأما الرواية - عن أم سلمة رضي الله عنها في طلبها غلمانا ينفشون لها الصوف , واشترطت : أن لا يكون فيهم حر ؟ فليس فيه من حكم التضمين قليل ولا كثير , فلا مدخل له في هذا الباب - والله أعلم بمرادها - ولعل نفش الصوف كان بحضرتها فكرهت أن يراها حر من الصبيان - ولعله قد قارب البلوغ فلا يحل له ذلك - ورؤية العبيد لها مباح , ونفش الصوف لا يطيقه إلا من له قوة من الغلمان - والله أعلم - ولا نقطع بهذا أيضا إلا أننا نقطع أنه ليس خبرها هذا من حكم التضمين ؟ . قال أبو محمد:ثم نظرنا في قول علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - الذي لم

يصح عن صاحب في هذا الباب شيء غيره , فوجدناه حد مقدار الصبي في ذلك بخمسة أشبار - وقد خالفه الحنفيون , والمالكيون , والشافعيون في ذلك , ومن الباطل أن يحتجوا على خصومهم بقول قد خالفوه هم . قال أبو محمد:وبقيت الأقوال غيرها , وهي تنقسم ثلاثة أقسام : أحدها - تضمين من استعان عبدا أو صغيرا بغير إذن أهلهما وترك تضمينه , إن استعناهما بإذن أهلهما . والثاني - تضمينه كيفما استعانهما بإذن أهلهما , أو بغير إذنهما . والثالث - قول الشعبي : أن العبد الكبير لا يضمن من استعانه , لكن من استعان الصغير ضمن . ثم نظرنا في قول أبي حنيفة , وأصحابه , فوجدناه في غاية الفساد ; لأنه فرق في الصغير يغصب بين أن يموت حتف أنفه , أو بحمى , أو فجأة , فلا يضمن غاصبه شيئا , وبين أن يموت بصاعقة تحرقه , أو حية تنهشه فيضمن ديته - وهذا عجب لا نظير له . وهذا قول لا يعضده قرآن , ولا سنة صحيحة ولا مستقيمة , ولا إجماع , ولا قول صاحب , ولا قياس , ولا رأي سديد , ولا معقول , ولا احتياط - وما نعلم أحدا قال هذا القول قبله , وهذا مما انفرد به - فسقط هذا القول بلا مرية . ثم نظرنا في قول مالك فوجدناه أيضا خطأ ; لأنه فرق بين استعانة الصغير والعبد في الأمر ذي البال فيضمن , ومن استعانهما في الأمر غير ذي البال فلا يضمن - وهذا أيضا تقسيم لا يؤيده قرآن , ولا سنة صحيحة , ولا سقيمة , ولا إجماع , ولا قول صاحب , ولا قياس , ولا رأي سديد ولا معقول - ولا يخلو مستعين الصغير من أن يكون متعديا بذلك , أو لا يكون متعديا . - : فإن كان متعديا فحكم العدوان في القليل والكثير سواء - وإن كان ليس متعديا , فالقليل والكثير مما ليس عدوانا سواء - , وكذلك إيجاب الدية على من باع حرا فلم يوجد الحر ؟ فهذا لا وجه له ; لأنه لم يقتله . وأما قول الحسن بن حي فخطأ أيضا ; لأنه لم ير بأسا أن يستسقي المرء الصبي , وعبد غيره الماء , أو يكلفهما أن يحملا له وضوءا - ثم رأى عليه ضمانهما إن تلفا في ذلك , فكيف يجعل الضمان فيما حدث من فعل قد أباحه لفاعله مما لم يباشر هو تلك الجناية هذا ظلم ظاهر . وأما قول سفيان فخطأ أيضا من وجوه : أولها - أنه فرق بين الرجل يرسل الصغير والعبد لغيره في حاجته بغير إذن أهلهما فجنى كل واحد منهما جناية فيضمن المرسل جناية العبد الكبير , ولا يضمن جناية الحر الصغير - وهو قول لا يعضده شيء من الدلائل . والقول الثاني - من أرسل

صغيرا في حاجته فأكله الذئب فلا شيء عليه . فإن استأجر أجيرا صغيرا في عمل شاق فتلف فيه ضمن - وإن كان الأجير كبيرا لم يضمن - فهذه فروق لم يأت بها نص ولا إجماع ؟ قال أبو محمد:فنظرنا , هل نجد في شيء من هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فوجدنا - من طريق البخاري نا عمرو بن زرارة نا إسماعيل بن إبراهيم عن عبد العزيز عن أنس قال : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أخذ أبو طلحة بيدي فانطلق بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن أنسا غلام كيس فليخدمك , فخدمته في السفر والحضر , فوالله ما قال لي لشيء صنعته : لم صنعته هكذا ؟ ولا لشيء لم أصنعه : لم لم تصنع هذا هكذا فوجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استخدم أنس بن مالك وهو يتيم ابن عشر سنين في الأسفار البعيدة , والقريبة , والغزوات المخيفة , وفي الحضر . فإن قال قائل : إن ذلك كان بإذن أمه وزوجها وأهله ؟ قلنا له - وبالله تعالى التوفيق - : نعم , قد كان هذا , ولم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إني إنما استخدمته لإذن أهله لي في ذلك , فإذا لم يقل ذلك - عليه الصلاة والسلام فإذنهم وترك إذنهم على السواء وإنما المراعى في ذلك حسن النظر للغلام , فإن كان ما استعانه في عمله للأجنبي نظرا له فهو فعل خير - أذن أهله ووليه أم لم يأذنوا - وإن كان ليس له نظر له فهو ظلم - : أذن أهله في ذلك أم لم يأذنوا . برهان ذلك : قول الله تعالى: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ}. وقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} ولم يأت بمراعاة إذن أهل الغلام : لا قرآن , ولا سنة صحيحة , ولا إجماع - فبطل مراعاة إذنهم بيقين , ولم يبق إلا أن يكون المستعين بالغلام ناظرا للغلام في تلك الاستعانة أو غير ناظر له - : فإن كان ناظرا له فهو محسن , وإذا هو محسن فلا ضمان عليه فيما أصابه مما لم يجنه هو , لقوله تعالى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ}. وإن كان غير ناظر له في ذلك فهو ظالم له , ولكن ليس كل ظالم يضمن دية المظلوم . ألا تراهم لا يختلفون فيمن ظلم إنسانا حرا يسخره إلى مكان بعيد فتلف هنالك ؟ فإنه لا يضمنه الظالم له , ولا فرق هاهنا بين ظلم صغير أو كبير . وقد قلنا : إنه لا دية إلا على قاتل , والمستعين الظالم لم يتلف المستعان في ذلك العمل , فإن المستعين له لا يسمى قاتلا له , ولا مباشر قتله , فلا ضمان عليه أصلا - صغيرا كان أو كبيرا - إلا أن يباشر , أو يأمر بإكراهه وإدخاله البئر , أو تطليعه في مهواة فيطلع كرها لا اختيار له في ذلك - فهذا قاتل عمد عليه القود , فظهر أمر الصغير - وبالله تعالى التوفيق . وأما العبد - يسخره غير سيده , فإن كان لم يكرهه لكن استعانه برغبة فأعانه فتلف , فإنه أيضا لم يباشر إتلافه,

ولا ضمه بغصب , فلا غرامة فيه أصلا , ولكن عليه إجارة مثله ; لأنه انتفع به في ذلك العمل - وهو مال غيره - فلا يحل له الانتفاع بمال غيره إلا بإذن رب المال . قال الله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام". فإن غصب العبد فاستعمله , أو أكرهه بالتهديد , فقد غصب أيضا , وقد ضمن مغتصبه كل ما أصابه عنده من أي شيء كان , وإن مات حتف أنفه من غير ما سخره فيه , أو مما سخره فيه , وعليه مع ذلك أجرة مثله ; لأنه مال تعدى عليه هذا المكره , فلزمه رده إلى صاحبه ولا بد , أو مثله إن فات , لأنه متعد - والله تعالى يقول: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} , وإن كان بإذن أهله فلا شيء في ذلك ; لأنه لم يعتد , بخلاف الصغير الذي لا إذن لهم فيه , إلا فيما هو حظ للصبي فقط , وإلا في غيره سواء , وبالله تعالى التوفيق.

في تفسير قول الله تعالى: {ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا}
2115 - مسألة : في قول الله تعالى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً} ؟ روينا من طريق أبي بكر بن أبي شيبة نا وكيع نا سفيان الثوري عن خصيف عن مجاهد عن ابن عباس في قول الله تعالى: {مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً} قال : من أوبقها {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً} قال : من كف عن قتلها . وبه - إلى سفيان عن منصور عن مجاهد {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً} قال : من أنجاها من غرق أو حرق فقد أحياها . وبه - إلى وكيع نا العلاء بن عبد الكريم قال : سمعت مجاهدا يقول {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً} قال : من كف عن قتلها فقد أحياها . قال علي هذا ليس في تفسيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيء فيسلم له , والرواية عن ابن عباس فيها خصيف , وليس بالقوي . قال أبو محمد:وهذا حكم إنما كتبه الله تعالى على بني إسرائيل ولم يكتبه علينا , قال الله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ} . قال علي : فهذا أمر قد كفيناه - ولله الحمد - إذ لو كتبه الله تعالى علينا لأعلمنا بذلك , فله الحمد كثيرا , وهذا - والله أعلم - إذ كتبه الله على بني إسرائيل فهو من الإصر الذي حمله على من قبلنا . وأمرنا تعالى أن ندعوه في أن لا يحمله علينا إذ يقول تعالى: {وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} فإذ لم يكتبه الله تعالى علينا فلم نكلف معرفة كيفيته , إلا أن الذي كتب الله تعالى علينا : هو تحريم القتل

والوعيد الشديد فيه , ففرض علينا اجتنابه , واعتقاد أنه من أكبر الكبائر بعد الشرك , وهو مع ترك الصلاة أو بعده . ومما كتبه الله تعالى أيضا علينا استنقاذ كل متورط من الموت إما بيد ظالم كافر , أو مؤمن متعد , أو حية أو سبع , أو نار أو سيل , أو هدم أو حيوان , أو من علة صعبة نقدر على معاناته منها , أو من أي وجه كان , فوعدنا على ذلك الأجر الجزيل الذي لا يضيعه ربنا تعالى , الحافظ علينا صالح أعمالنا وسيئه . ففرض علينا أن نأتي من كل ذلك ما افترضه الله تعالى علينا , وأن نعلم أنه قد أحصى أجرنا على ذلك من يجازي على مثقال الذرة من الخير والشر . نسأل الله تعالى التوفيق لما يرضيه بمنه آمين , وبالله تعالى نعتصم.

حكم من شق نهراً فغرق ناساً أو طرح ناراً أو هدم بناء فقتل
...
2116 - مسألة : من شق نهرا فغرق ناسا , أو طرح نارا , أو هدم بناء فقتل ؟
قال علي: من شق نهرا فغرق قوما , فإن كان فعل ذلك عامدا ليغرقهم فعليه القود والديات من قتل جماعة , وإن كان شقه لمنفعة أو لغير منفعة - وهو لا يدري أنه لا يصيب به أحدا - فما هلك به فهو قاتل خطأ , والديات على عاقلته , والكفارة عليه ; لكل نفس كفارة , ويضمن في كل ذلك ما أتلف من المال وهكذا القول فيمن ألقى نارا أو هدم بناء ولا فرق . وإن عمد إحراق قوم أو قتلهم بالهدم فعليه القود , وإن لم يعمد ذلك فهو قاتل خطأ . ولو ساق ماء فمر على حائط فهدم الماء الحائط فقتل : فكما قلنا أيضا سواء سواء ولا فرق ; لأن كل من ذكرنا مباشر لإتلاف ما تلف , فإن مات أحد بذلك بعد موت الجاني , أو تلف به مال بعد موته , فلا ضمان في ذلك لأن الجناية حدثت بعده , ولا جناية على ميت . ولو أن إنسانا رمى حجرا أو سهما ثم مات إثر خروج السهم أو الحجر فأصاب الحجر أو السهم إنسانا - عمده أو لم يعمده - فلا ضمان عليه , ولا على عاقلته ; لأن الجناية لم تكن إلا وهو ممن لا فعل له , بخلاف ما خرج خطأ ثم مات ; لأن الجناية قد وقعت وهو حي , فلو جن إثر رمي السهم أو الحجر فكموته ولا فرق , وكذلك لو أغمي عليه . وأما النائم فبخلاف المغمى عليه , والمجنون , لأنه مخاطب , وهما غير مخاطبين , إلا أنه لا عمد له , فلو أن نائما انقلب في نومه على إنسان فقتله فالدية على عاقلته , والكفارة عليه في ماله ; لأنه مخاطب - وبالله تعالى التوفيق .

حكم من أوقد ناراً ليصطلي فاشتعلت فأتلفت
...
2117 - مسألة: حمكم من أوقد ناراً ليصطلي أو ليطبخ شيئا ثم نام فاشتعلت فاتلفت
قال علي : وأما من أوقد نارا ليصطلي , أو ليطبخ شيئا , أو أوقد سراجا ثم نام , فاشتعلت تلك النار فأتلفت أمتعة وناسا , فلا شيء عليه في ذلك أصلا . وقد جاءت في هذا آثار : كما روينا من طريق أبي بكر بن أبي شيبة نا وكيع عن شعبة قال : سألت الحكم بن عتيبة , وحماد بن أبي سليمان عن رجل رمى نارا في دار قوم فاحترقوا ,

حكم الرجل
2118- مسألة حكم الرجل
؟ قال علي : جاء في الرجل أثر نذكره , ونذكر ما قيل فيه إن شاء الله تعالى : نا أحمد بن محمد بن عبد الله الطلمنكي نا ابن مفرج نا محمد بن أيوب الصموت نا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار نا عبد الله بن أسد الباهلي نا عباد بن العوام عن سفيان بن حسين الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الرجل جبار". نا عبد الله بن ربيع نا عمر بن عبد الملك نا محمد بن بكر نا أبو داود نا عثمان بن أبي شيبة نا محمد بن يزيد نا سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الرجل جبار" . قال أبو محمد:وجاء هذا أيضا عن بعض السلف , كما نا محمد بن سعيد بن نبات نا إسماعيل بن إسحاق النصري نا عيسى بن حبيب نا عبد الرحمن بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن يزيد المقري نا جدي محمد بن عبد الله بن يزيد نا سفيان بن عيينة نا أبو فروة - هو عروة بن الحارث - عن الشعبي قال : الرجل جبار . قال علي : فقال قوم : سفيان بن حسين ضعيف في الزهري . قال علي وما ندري وجه هذا ؟

وسفيان بن حسين ثقة , فمن ادعى عليه خطأ فليبينه ؟ وإلا فروايته حجة , وهذا إسناد مستقيم لاتصال الثقات فيه . قال أبو محمد:فاختلف الناس في هذا الخبر : فقالت طائفة : معنى "الرجل جبار" : إنما هو ما أصابت الدابة برجلها . وقال آخرون : هو ما أصيب بالرجل عن غير قصد في الطواف وغيره . قال علي : وكلا التفسيرين حق ; لأنهما موافقان للفظ النبي صلى الله عليه وسلم ولا يجوز أن يخص أحدهما دون الآخر ; لأنه تخصيص بلا برهان [ ودعوى ] بلا دليل . فصح أن كل ما جني برجل من إنسان , أو حيوان , فهو هدر لا غرامة فيه , ولا قود , ولا كفارة , إلا ما صح الإجماع به بأنه محكوم فيه بالقود , كالتعمد لذلك - وبالله تعالى التوفيق .

حكم الجاني يستقاد منه فيموت أحدهما
2119 - مسألة : الجاني يستقاد منه فيموت أحدهما ؟
قال علي : اختلف الناس في هذا - فقالت طائفة : إذا مات المستقيد , فكما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قلت لعطاء : رجل استقاد من رجل قبل أن يبرأ ثم مات المستقيد من الذي أصابه , قال أرى : أن يودى ؟ قلت : فمات المستقاد منه , قال : أرى أن يودى , قال ابن جريج : قال عمرو بن دينار : أظن أنه سيودى . وعن عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال : لو أن رجلا استقاد من آخر ثم مات المستقاد منه غرم ديته . ومن طريق عبد الرزاق عن معمر , وابن جريج عن ابن شهاب قال : السنة أن يودى - يعني المستقاد منه . وبه - إلى معمر عن الزهري في رجل أشل أصبع رجل ؟ قال يستقيد منه , فإن شلت أصبعه , وإلا غرم له الدية . وعن عبد الرزاق عن هشيم عن أبي إسحاق الشيباني أو غيره - شك عبد الرزاق في ذلك - الشعبي في رجل جرح رجلا فاقتص منه ثم هلك المستقاد ؟ قال : عقله على المستقاد منه ويطرح عنه دية جرحه من ذلك فما فضل فهو عليه . ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن ابن شبرمة عن الحارث العقيلي في الذي يستقاد منه ثم يموت , قال : يغرم ديته ; لأن النفس خطأ . وعن إبراهيم النخعي عن علقمة : أنه قال في المقتص منه : أيهما مات ودي . ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة نا وكيع عن شعبة عن الحكم بن عتيبة قال : استأذنت زياد بن جرير في الحج فسألني عن رجل شج رجلا فاقتص له منه فمات المقتص منه فقلت : عليه الدية ويرفع عنه بقدر الشجة , ثم نسيت ذلك , فجاء إبراهيم فسألته فقال : عليه الدية , قال شعبة فسألت الحكم وحمادا عن ذلك ؟ فقالا جميعا : عليه الدية . وقال حماد : ويرفع عنه بقدر الشجة . وقال أبو حنيفة , وسفيان الثوري , وابن أبي ليلى : إذا اقتص من يد , أو شجة , فمات المقتص منه فديته على عاقلة المقتص له . وقد روي ذلك عن

ابن مسعود , وعن إبراهيم النخعي عن ابن مسعود . قال أبو محمد:الذي يقتص منه ديته على المقتص له غير أنه يطرح عنه دية جرحه . وقال آخرون : لا شيء في هلاك المقتص منه . كما حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن ابن المسيب قال : قال عمر بن الخطاب في الرجل يموت في القصاص : قتله كتاب الله تعالى , أو حق , لا دية له . ومن طريق الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة نا قتادة عن خلاس بن عمرو عن علي بن أبي طالب , وعمر بن الخطاب , قالا جميعا : من مات في قصاص أو حد , فلا دية له . وبه - إلى قتادة عن الحسن من مات في قصاص أو حد , فلا دية له . ومن طريق ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا مسعر بن كدام وسفيان عن أبي حصين عن عمير بن سعد قال : قال علي بن أبي طالب : ما كنت لأقيم على رجل حدا فيموت فأجد في نفسي منه شيئا إلا صاحب الخمر , لو مات وديته . وعن الحسن البصري عن الأحنف بن قيس عن عمر بن الخطاب , وعلي بن أبي طالب , قالا جميعا في المقتص منه يموت ؟ قالا جميعا : قتله الحق ولا دية له . وعن سعيد بن المسيب مثل ذلك : قتله الحق , لا دية له . وعن أبي سعيد أن أبا بكر , وعمر , قالا : من قتله حد فلا عقل له . قال ابن وهب : وأخبرني الليث بن سعد عن يحيى بن سعيد الأنصاري أنه قال : من استقيد منه بمثل ما دخل على الناس منه فقتله القود , فليس له عقل - ولو أن كل من استقيد منه حق قبله للناس فمات منه غرمه المستقيد : رفض الناس حقوقهم . قال ابن وهب : قال يونس : قال ربيعة : إن مات الأول - وهو المقتص - قتل به الجارح المقتص منه - وإن مات الآخر - وهو المقتص منه - فبحق أخذ منه كان منه التلف . وبه - يقول مالك , وعبد العزيز بن أبي سلمة , والشافعي , وأبو يوسف ومحمد بن الحسن , وأبو سليمان . قال أبو محمد:فهذه ثلاثة أقوال . أحدها - أنه إن مات المقتص ودي , وإن مات المقتص منه ودي , ورفع عنه قدر جنايته . وهو قول روي عن ابن مسعود , كما أوردنا عن إبراهيم النخعي , والشعبي وحماد بن أبي سليمان - وبه يقول عثمان البتي , وابن أبي ليلى . وقول آخر : أنه يودى , ولا يرفع عنه لجنايته شيء - وهو قول عطاء , وطاوس - وروي أيضا عن الحكم بن عتيبة - وهو قول الزهري , وعن عمرو بن دينار , وأبي حنيفة , وسفيان الثوري . وقول ثالث - : أنه لا دية للمقتص منه - وروي عن أبي بكر , وعمر - رضي الله عنهما - وصح عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه . وهو قول الحسن ,

وابن سيرين , والقاسم , وسالم , وسعيد بن المسيب , ويحيى بن سعيد الأنصاري , وربيعة . وهو قول مالك , والشافعي , وأبي يوسف , ومحمد بن الحسن , وأبي سليمان ؟ قال أبو محمد:فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك ليلوح الحق فنتبعه بعون الله تعالى فوجدنا من قال : أنه يودى جملة , فإما يرفع عنه بقدر جنايته , وإما لا يرفع عنه بقدر جنايته . يقولون : إن الله تعالى إنما أوجب على القاطع , والجارح , والكاسر , والفاقئ , والضارب : القود مما فعلوا فقط , ولم يوجب عليهم قتلا , فدماؤهم محرمة , ولا خلاف في أن المقتص من شيء من هذا لو تعمد القتل فلزمه القود , فإذ هو كذلك فمات المقتص منه مما فعل به بحق , فقد أصيب دمه خطأ , ففيه الدية . وقالوا أيضا : إن من أدب امرأته فماتت فيها الدية , وهو إنما فعل مباحا , فهذا المقتص منه , وإن مات من مباح ففيه الدية ؟ قال علي : ما نعلم لهم حجة غير هاتين ؟ فنظرنا في قول من أسقط الدية في ذلك , فكان من حجتهم أن قالوا : إن القصاص مأمور به , ومن فعل ما أمر به فقد أحسن , وإذ أحسن فقد قال الله تعالى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} وإذ لا سبيل عليه فلا غرامة تلحقه , ولا على عاقلته من أهله . وأما قياس المقتص على موت امرأته فالقياس باطل , ثم لو صح لكان هذا منه عين الباطل ; لوجهين : أحدهما - أنه قياس مموه وذلك من أدب امرأته فلا يخلو من أن يكون متعديا - وضع الأدب في غير موضعه - أو غير متعد . فإن كان متعديا ففيه القود , وإن كان وضع الأدب موضعه , فلا سبيل إلى أن يموت من ذلك الأدب الذي أبيح له , إذ لم يبح له قط أن يؤدبها أدبا يمات مع مثله , ومن أدب هذا النوع من الأدب فهو ظالم متعد , والقود عليه في النفس فما دونها ; لأنه لا يجوز لأحد أن يجلد في غير حد أكثر من عشر جلدات - على ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم . كما روينا - من طريق البخاري نا عبد الله بن يوسف نا الليث بن سعد حدثني يزيد بن أبي حبيب عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن سليمان بن يسار عن عبد الرحمن بن جابر عن عبد الله عن أبي بردة قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في حد من حدود الله تعالى". قالوا : فلم يبح له في العدد أكثر من عشر جلدات , ولا أبيح له جلدها بما يكسر عظما , ويجرح جلدا , أو يعفن لحما ; لأن كل هذا هو غير الجلد , ولم يبح له إلا الجلد وحده . وبيقين يدري كل ذي حس سليم أن عشر جلدات لامرأة صحيحة غير مريضة , ولا ضعيفة , ولا صغيرة : لا تجرح , ولا تكسر , وأنه لا يموت منها أحد . فإن وافقت منية في خلال ذلك أو بعده : فبأجلها ماتت , ولا دية في ذلك , ولا قود , لأننا على يقين من

أنها لم تمت من فعله أصلا . وإن تعدى في العدد أو ضرب بما يكسر , أو يجرح , أو يعفن فعفن , أو جرح أو كسر , فالقود في كل ذلك في العمد , في النفس فما دونها , أو الدية فيما لم يعمده - وبالله تعالى التوفيق . قال أبو محمد:وأما قولهم : إن المقتص منه إنما أبيح عضوه , أو بشرته ولم يبح دمه - فصح أنه إن مات من ذلك , فإنه مقتول خطأ , ففيه الدية - فإن هذا قول غير صحيح ; لأن القصاص الذي أمر الله تعالى بأخذه لا يخلو من أحد وجهين : إما أن يكون مما يمات من مثله , كقطع اليد , أو شق الرأس , أو كسر الفخذ , أو غير ذلك . أو يكون مما لا يمات من مثله , كاللطمة , وضربة السوط , ونحو ذلك . فإن كان مما يمات من مثله فذلك الذي قصد فيه ; لأنه قد تعدى بما قد يمات من مثله , فوجب أن يتعدى عليه بما قد يمات من مثله , فإن مات فعلى ذلك بنى فيه , وعلى ذلك بنى هو فيما تعدى فيه . والوجه الذي مات منه أمرنا الله تعالى أن نتعمده فيه , فإذ ذلك كذلك فليس عدوانا , وإذ ليس عدوانا عليه فلا قود , ولا دية ; لأنه لم يقتل خطأ , فإن مات من عمد أمرنا الله تعالى أن نتعمده فيه , ولم يكلفنا أن لا يموت من ذلك - ولو أن الله تعالى أراد ذلك لما أهمله , ولا أغفله , ولا ضيعه , فإذ لم يبين لنا تعالى ذلك فبيقين ندري أنه تعالى لم يرده قط . وإن كان الذي اقتص به منه مما لا يمات منه أصلا فوافق منيته فإنما مات بأجله , ولم يمت مما عمل به , لا قود , ولا دية . فإن تعمد المقتص فتعدى على المقتص منه ما لم يبح له , فهو متعد , وعليه القود في النفس فما دونها , وإن أخطأ فأتى بما لم يبح له عمله : فهو خطأ الدية على عاقلته , وعليه الكفارة في النفس - وبالله تعالى التوفيق .

من أفزعه السلطان فتلف
2120 - مسألة : من أفزعه السلطان فتلف ؟
قال علي : روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن مطر الوراق وغيره عن الحسن قال : أرسل عمر إلى امرأة مغنية كان يدخل عليها , فأنكر ذلك , فقيل لها : أجيبي عمر ؟ فقالت : يا ويلها مالها ولعمر ؟ قال : فبينما هي في الطريق فزعت , فضمها الطلق , فدخلت دارا فألقت ولدها فصاح الصبي صيحتين فمات ؟ فاستشار عمر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأشار عليه بعضهم : أن ليس عليك شيء , إنما أنت وال , ومؤدب , قال : وصمت علي فأقبل عليه عمر فقال : ما تقول ؟ فقال : إن كانوا قالوا برأيهم فقد أخطأ رأيهم , وإن كانوا قالوا في هواك ؟ فلم ينصحوا لك , أرى أن ديته عليك لأنك أنت أفزعتها , وألقت ولدها في سبيلك , فأمر عليا أن يقسم عقله على قريش - يعني : يأخذ عقله من قريش ; لأنه أخطأ.

قال أبو محمد: فالصحابة رضي الله عنهم قد اختلفوا , فالواجب الرجوع إلى ما أمر الله تعالى به بالرجوع إليه عند التنازع إذ يقول تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} . فوجدنا الله تعالى يقول: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ} , {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ}. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكرا فليغيره بيده إن استطاع فإن لم يستطع فبلسانه" . فصح أن فرضا على كل مسلم قدر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر . ومن المحال أن يفترض الله تعالى على الأئمة أو غيرهم أمرا إن لم يعملوه عصوا الله تعالى ثم يؤاخذهم في ذلك ؟ ووجدنا هذه المبعوث فيها : بعث فيها بحق , ولم يباشر الباعث فيها شيئا أصلا فلا شيء عليه , وإنما كان يكون عليه دية ولدها لو باشر ضربها أو نطحها - وأما إذا لم يباشر فلم يجن شيئا أصلا . ولا فرق بين هذا , وبين من رمى حجرا إلى العدو ففزع من هويه إنسان فمات , فهذا لا شيء عليه - وكذلك من بنى حائطا فانهدم , ففزع إنسان فمات وبالله تعالى التوفيق .

من سم طعاما لا نسان ثم دعاه الى أكله فأكله فمات
2121 - مسألة : من سم طعاما لإنسان , ثم دعاه إلى أكله , فأكله , فمات ؟
قال علي : ذهب قوم إلى أن من سم طعاما وقدمه إلى إنسان وقال له : كل فأكل فمات , فإن عليه القود - وهو قول مالك . وقال آخرون : ليس عليه القود , لكن على عاقلته الدية . قال آخرون : لا قود فيه ولا دية ولا كفارة , وإنما عليه ضمان الطعام الذي أفسد - إن كان لغيره - والأدب , إلا أن يؤجره إياه : فعليه القود - وهو قول أصحابنا ولم يختلف قول الشافعي في إيجاره إياه - وهو يدري - أنه يقتل : أن فيه القود - وله في إذا لم يؤجره إياه قولان : أحدهما : كقول مالك , والآخر : كقول أصحابنا . قال علي : فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك [ لعل ] في ذلك سنة جرت ؟ فوجدنا . ما ناه عبد الله بن ربيع نا محمد بن إسحاق نا ابن الأعرابي نا أبو داود نا مخلد بن خالد نا عبد الرزاق نا معمر عن الزهري " عن ابن كعب بن مالك عن أبيه أن أم مبشر قالت للنبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه : ما نتهم بك يا رسول الله , فإني لا أتهم بابني إلا الشاة المسمومة التي أكل معك بخيبر ؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وأنا لا أتهم بنفسي إلا ذلك فهذا أوان قطع أبهري". قال أبو داود : وربما حدث عبد الرزاق بهذا الحديث مرسلا عن معمر عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وسلم وربما حدث به عن الزهري عن عبد الرحمن

ابن كعب - وذكر عبد الرزاق : أن معمرا كان يحدثهم بالحديث مرة مرسلا فيكتبونه , ويحدثهم مرة فيسنده فيكتبونه , فلما قدم عليه ابن المبارك أسند له معمر أحاديث كان يوقفها . وبه - إلى أبي داود نا أحمد بن حنبل أنا إبراهيم بن خالد نا رباح عن معمر عن الزهري عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أمه أم مبشر قال : دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم فذكر معنى حديث مخلد بن خالد , قال ابن الأعرابي : هكذا قال عن أمه , وإنما الصواب عن أبيه . وبه إلى أبي داود نا سليمان بن داود المهري نا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب قال : كان جابر بن عبد الله يحدث أن يهودية من أهل خيبر سمت شاة , ثم ساق القصة بطولها - وفيها : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: "أسممت هذه الشاة ؟" قالت : نعم , فعفا عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعاقبها , وتوفي بعض أصحابه الذين أكلوا من الشاة. وبه - إلى أبي داود نا هارون بن عبد الله نا سعيد بن سليمان نا عباد بن العوام عن سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد بن المسيب , وأبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة أن امرأة من اليهود أهدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شاة مسمومة. وبه - إلى أبي داود نا يحيى بن حبيب بن عدي نا خالد بن الحارث نا شعبة نا هشام بن زيد عن أنس بن مالك أن امرأة يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاة مسمومة فأكل منها , فجيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألها عن ذلك ؟ فقالت : أردت لأقتلك ؟ قال : "ما كان الله ليسلطك على ذلك , أو قال علي" , فقالوا : ألا تقتلها ؟ قال : "لا" . قال أنس : فما زلت أعرفها في لهواة رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أبو محمد:فجاءت هذه الآثار الصحاح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمت له اليهودية - لعنها الله - شاة وأهدتها له مريدة بذلك قتله , فأكل منها عليه السلام وقوم من أصحابه فماتوا من ذلك , وقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تقتلها ؟ قال : "لا" فكانت هذه حجة قاطعة , وأن لا قود على من سم طعاما لأحد مريدا قتله فأطعمه إياه [ فمات منه ] ولا دية عليه , ولا على عاقلته , ولا شيء - وما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليبطل دم رجل من أصحابه قد وجب فيه قود ودية فنظرنا : هل للطائفة الأخرى اعتراض أم لا ؟ فوجدنا : ما حدثنا عبد الله بن ربيع نا عمر بن عبد الملك نا محمد بن بكر نا أبو داود نا وهب بن بقية عن خالد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ولا يأكل الصدقة. قال أبو داود : ونا وهب بن بقية في موضع آخر عن خالد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة , ولم يذكر أبا هريرة قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة زاد فأهدت له يهودية بخيبر شاة مصلية سمتها فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم منها , وأكل القوم , فقال: "ارفعوا أيديكم , فإنها

أخبرتني : أنها مسمومة - فمات بشر بن البراء بن معرور الأنصاري, فأرسل إلى اليهودية: "ما حملك على الذي صنعت؟" قالت : إن كنت نبيا لم يضرك , وإن كنت ملكا أرحت الناس معك ؟ فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقتلت , ثم قال في وجعه الذي مات منه : فما زلت أجد من الأكلة التي أكلت بخيبر , فهذا أوان قطع أبهري". وما حدثناه أحمد بن قاسم نا أبي قاسم بن محمد بن قاسم نا جدي قاسم بن أصبغ نا محمد بن إبراهيم بن نعمان - لقيته بقيروان إفريقية ثنا إبراهيم بن موسى البزاز أو البزار - شك قاسم بن أصبغ - نا أبو همام نا عباد بن العوام عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قتلها يعني : التي سمته .
قال أبو محمد:فنظرنا في الرواية فوجدناها معلولة : أما رواية وهب بن بقية , فإنها مرسلة , ولم يسند منها وهب في المرة التي أسند إلا أنه صلى الله عليه وسلم كان يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة , فقط . وأما سائر الخبر , فإنه أرسله ولا مزيد - هكذا في نص الخبر الذي أوردنا لما انتهى إلى آخر لفظه ولا يأكل الصدقة. قال : وزاد فأتى بخبر الشاة مرسلا فقط , ولا حجة في مرسل . وأما رواية قاسم , فإنها عن رجال مجهولين : ابن نعمان القيرواني لا نعرفه - وإبراهيم بن موسى البزاز كذلك - وأبو همام كثير لا ندري أيهم هو - وسعيد بن سليمان يروي من طريق عباد بن العوام مسندا إلى أبي هريرة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعرض لليهودية التي سمته - وهذا القيرواني يروي من طريق عباد بن العوام أنه عليه الصلاة والسلام قتلها , فسقطت هذه الرواية جملة ; لجهالة ناقليها . ثم لو صحت لما كان فيها حجة ; لأنها عن أبي هريرة كما أوردنا , وقد صح عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلم لم يعرض لها , وكانت الرواية لو صحت - وهي لا تصح - مضطربة عن أبي هريرة : مرة أنه قتلها , ومرة أنه لم يعرض لها - فلو صحت الرواية عن أبي هريرة في أنه عليه الصلاة والسلام قتلها , كما قد صح عن أبي هريرة : أنه عليه الصلاة والسلام لم يعرض لها , لكان الكلام في ذلك لا يخلو من أحد ثلاثة أوجه لا رابع لها : إما أن تترك الروايتان معا لتعارضهما ; ولأن إحداهما وهم , بلا شك ; لأنها قصة واحدة , في امرأة واحدة , في سبب واحد , ويرجع إلى رواية من لم يضطرب عنه , وهما : جابر وأنس , اللذان اتفقا على أنه عليه الصلاة والسلام لم يقتلها - فهذا وجه . والوجه الثاني : وهو أن تصح الروايتان معا فيكون عليه الصلاة والسلام لم يقتلها إذ سمته من أجل أنها سمته , فتصح هذه عن أبي هريرة , وتكون موافقة لرواية جابر , وأنس بن مالك , ويكون عليه الصلاة والسلام قتلها لأمر آخر , والله أعلم به . أو يكون الحكم على وجه ثالث - وهو أصح الوجوه - وهو أن قول أبي هريرة رضي الله عنه : قتلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقوله : لم يعرض لها رسول

الله صلى الله عليه وسلم أنهما جميعا لفظ أبي هريرة , لا يبعد الوهم عن الصاحب . وحديث أنس هو لفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه , ولا من خلفه , ولا يقره ربه تعالى على الوهم , ولا على الخطأ في الدين أصلا وهذا أن إنسانا ذكر أنه قيل له : يا رسول الله ألا تقتلها ؟ فقال : "لا" , فهذا هو المغلب المحكوم به الذي لا يحل خلافه - فصح أن من أطعم آخر سما فمات منه : أنه لا قود عليه , ولا دية عليه , ولا على عاقلته ; لأنه لم يباشر فيه شيئا أصلا , بل الميت هو المباشر في نفسه , ولا فرق بين هذا وبين من غر آخر يوري له طريقا أو دعاه إلى مكان فيه أسد فقتله . وقد صح الخبر : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوجب على التي سمته وأصحابه فمات من ذلك السم بعضهم : قودا ولا دية - فبطل النظر مع هذا النص . ووجه آخر وهو أنه لا يطلق على من سم طعاما لآخر , فأكله ذلك المقصود فمات أنه قتله , إلا مجازا لا حقيقة , ولا يعرف في لغة العرب أنه " قاتل " وإنما يستعمل هذا العوام , وليس الحجة إلا في اللغة , وفي الشريعة , وبالله تعالى التوفيق . وأما إذا أكرهه وأوجره السم , أو أمر من يوجره : فهو قاتل بلا شك , ومباشر لقتله , ويسمى " قاتلا " في اللغة , وفي الأثر : كما نا حمام حدثنا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا بكر بن حماد نا مسدد نا أبو عوانة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا فيها مخلدا أبدا , ومن شرب سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا فيها , مخلدا فيها أبدا , ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالدا فيها مخلدا أبدا". قال علي : فقد سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم من شرب السم ليموت به "قاتلا لنفسه" : فوجب أن يكون عليه القود , وظهر خطأ من أسقط هاهنا القود - وبالله تعالى التوفيق .

أحكام الجنين
2122 مسألة : أحكام الجنين ؟
قال علي : في الجنين أحكام , وهي : ما في الجنين من الغرامة . وما في صفة الجنين . وحكمه قبل نفخ الروح فيه , أو بعد نفخه فيه . والمرأة تولد على نفسها الإسقاط . وإن كان الجنين أكثر من واحد . وإن خرج حيا ثم مات . والمجني عليها تلقي الجنين بعد موتها . وامرأة داوت بطن حامل فألقت جنينا . وهل في الجنين كفارة أم لا ؟ وجنين الأمة . وجنين الكتابية . خرج بعض الجنين ولم يخرج كله . وجنين الدابة . ونحن - إن شاء الله تعالى - ذاكرون كل ذلك بابا بابا - وبالله تعالى التوفيق .

الحامل تقتل
2123 - مسألة - الحامل تقتل ؟
قال علي : إن قتلت حامل بينة الحمل , فسواء طرحت

هل في الجنين كفارة أم لا
2124 - مسألة - هل في الجنين كفارة أم لا ؟
قال علي: نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الأعرابي أنا الدبري نا عبد الرزاق عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : ما على من قتل من لم يستهل ؟ قال : أرى أن يعتق أو يصوم . وبه - إلى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري في رجل ضرب امرأته فأسقطت ؟ قال : يغرم غرة , وعليه عتق رقبة , ولا يرث من تلك الغرة شيئا , هي لوارث الصبي غيره . وبه : إلى عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن المغيرة عن إبراهيم النخعي قال في المرأة تشرب الدواء أو تستدخل الشيء فيسقط ولدها ؟ قال : تكفر وعليها غرة . قال أبو محمد:فطلبنا : هل هذا القول حجة أم لا ؟ فوجدناهم يذكرون : ما روينا بالسند المذكور إلى عبد الرزاق عن عمر بن ذر قال : سمعت مجاهدا يقول : مسحت امرأة بطن امرأة حامل فأسقطت جنينا ؟ فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب فأمرها أن تكفر بعتق رقبة - يعني : التي مسحت . قال علي : هذه رواية عن عمر - رضي الله عنه - ولا يعرف له في هذا مخالف من الصحابة رضي الله عنهم , وعهدنا بالحنفيين , والمالكين , والشافعيين يعظمون خلاف الصاحب إذا وافق تقليدهم , وهذا حكم إمام - وهو عمر بن الخطاب رضي الله عنه - بحضرة الصحابة , لا يعرف أنه أنكره أحد منهم - وهم إذا وجدوا مثل هذا طاروا به , وشنعوا على خصومهم مخالفته . وهم كما ترى قد استسهلوا خلافه هاهنا , وقد جعلوا حكما مأثورا عن عمر في تنجيم الدية في ثلاث سنين لا يصح عنه أصلا : حجة ينكرون خلافها , وجعلوا حكمه بالعاقلة على الدواوين : حجة ينكرون خلافها , ولم يجعلوا إيجابه هاهنا كفارة على التي مسحت بطن حامل فألقت جنينا ميتا بعتق رقبة : حجة هاهنا يقولون بها , وهذا تحكم في الدين لا يستحله ذو ورع , وبالله تعالى التوفيق . قال أبو محمد:أما نحن فلا حجة عندنا في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن لم يأت بإيجاب الكفارة في ذلك نص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم على العموم , فلا

يجوز أن يطلق - على العموم - القول بها , لكنا نقول - وبالله تعالى التوفيق : إن الله تعالى يقول: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ}. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه تعالى: "خلقت عبادي كلهم حنفاء". وقال تعالى: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على هذه الملة". وقد ذكرناه قبل بإسناده , فكل مولود فهو على الفطرة , وعلى ملة الإسلام . فصح أن من ضرب حاملا فأسقطت جنينا , فإن كان قبل الأربعة الأشهر قبل تمامها فلا كفارة في ذلك , لكن الغرة واجبة فقط ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم بذلك , ولم يقتل أحدا , لكن أسقطها جنينا فقط . وإذ لم يقتل أحدا - لا خطأ ولا عمدا - فلا كفارة في ذلك , إذ لا كفارة إلا في قتل الخطأ , ولا يقتل إلا ذو روح , وهذا لم ينفخ فيه الروح بعد . وإن كان بعد تمام الأربعة الأشهر , وتيقنت حركته بلا شك , وشهد بذلك أربع قوابل عدول , فإن فيه : غرة عبد أو أمة فقط ; لأنه جنين قتل , فهذه هي ديته , والكفارة واجبة بعتق رقبة {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} ; لأنه قتل مؤمنا خطأ . وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الروح ينفخ فيه بعد مائة ليلة وعشرين ليلة - وقد ذكرناه قبل وهذا نص القرآن , وقد وافقنا عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه . فإن قال قائل : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوجب هاهنا كفارة ؟ قلنا : لم يأت لها ذكر في حديث الجنين , وليست السنن كلها مأخوذة من آية واحدة , ولا من سورة واحدة , ولا من حديث واحد , وإذ أوجب الله تعالى في قتل المؤمن خطأ كفارة , وأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تعالى خلق عباده حنفاء كلهم فهو إذ خلق الله فيه الروح فهو مؤمن حنيف بنص القرآن , ففيه الكفارة . وهذه الآية زائدة شرع على ما في حديث الجنين , وأوامر الله تعالى مقبولة كلها , لا يحل رد شيء لشيء منها أصلا - ومن خالف هذا فقد عصى الله تعالى فيما أمر به . فإن قيل : فأوجبوا فيه حينئذ مائة من الإبل , إذ هي الدية عندكم ؟ . قلنا وبالله تعالى التوفيق - لا يجوز هذا ; لأن الله تعالى إنما قال: {فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} ولم يبين لنا تعالى في القرآن مقدار تلك الدية , لكن وكل تعالى ذلك إلى بيان رسوله صلى الله عليه وسلم ففعل - عليه الصلاة والسلام - فبين لنا صلى الله عليه وسلم أن دية من خرج إلى الدنيا فقتل , مائة من الإبل في الخبر الثابت إذ ودى بذلك عبد الله بن سهل رضي الله عنه . وبين لنا - عليه الصلاة والسلام - أن دية الجنين بنص لفظه عليه الصلاة والسلام " غرة " من العبيد أو الإماء , وسماه " دية " . كما أوردنا آنفا من طريق أبي هريرة رضي الله عنه بأصح إسناد يكون فكانت الدية مختلفة لبيان رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك

لنا وكانت الكفارة واحدة ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفرق بين أحكام الكفارة في ذلك ؟ فلو أراد الله تعالى أن يكون حكم الكفارات في ذلك مختلفا لبين لنا ذلك على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا لم يفعل ذلك فما أراد الله تعالى قط أن يختلف حكم شيء من ذلك ؟ وهذه أمور ضرورية لا يسع أحدا مخالفتها , وإنما احتجنا إلى شهادة القوابل ليثبت عندنا أنها قد تجاوزت أربعة أشهر مائة وعشرين ليلة تامة - وإلا فلو علمنا أنها قد تجاوزتها - بما قل أو كثر - لما احتجنا إلى شهادة أحد بالحركة ; لأن أوثق الشهود , وأصدق الناس , وأثبت العدول : شهد عندنا أن الروح ينفخ فيه بعد المائة وعشرين ليلة , فما يحتاج بعد شهادته عليه الصلاة والسلام إلى شهادة أحد - والحمد لله رب العالمين . فإن قال قائل : فما تقولون فيمن تعمدت قتل جنينها وقد تجاوزت مائة ليلة وعشرين ليلة بيقين : فقتلته , أو تعمد أجنبي قتله في بطنها فقتله ؟ فمن قولنا : أن القود واجب في ذلك ولا بد , ولا غرة في ذلك حينئذ , إلا أن يعفي عنه فتجب الغرة فقط , لأنها دية , ولا كفارة في ذلك , لأنه عمد , وإنما وجب القود ; لأنه قاتل نفس مؤمنة عمدا , فهو نفس بنفس , وأهله بين خيرتين : إما القود , وإما الدية , أو المفاداة , كما حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن قتل مؤمنا - وبالله تعالى التوفيق .

المرأة تتعمد اسقاط ولدها
2125 - مسألة : المرأة تتعمد إسقاط ولدها ؟
قال علي : نا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا أحمد بن خالد نا علي بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة عن الحجاج عن عبدة الضبي أن امرأة كانت حبلى فذهبت تستدخل فألقت ولدها ؟ فقال إبراهيم النخعي : عليها عتق رقبة لزوجها عليها غرة : عبد , أو أمة . نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد العزيز بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا سفيان الثوري عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي أنه قال في امرأة شربت دواء فأسقطت ؟ قال : تعتق رقبة , وتعطي أباه غرة . قال أبو محمد:هذا أثر في غاية الصحة . قال علي : إن كان لم ينفخ فيه الروح فالغرة عليها , وإن كان قد نفخ فيه الروح : فإن كانت لم تعمد قتله . فالغرة أيضا على عاقلتها , والكفارة عليها . وإن كانت عمدت قتله فالقود عليها , أو المفاداة في مالها . فإن ماتت هي في كل ذلك قبل إلقاء الجنين ثم ألقته : فالغرة واجبة في كل ذلك , في الخطأ على عاقلة الجاني - هي كانت أو غيرها - وكذلك في العمد قبل أن ينفخ فيه الروح . وأما إن كان قد نفخ فيه الروح فالقود على الجاني إن كان غيرها . وأما إن كانت هي فلا قود , ولا غرة , ولا شيء ; لأنه لا حكم على ميت , وماله قد صار لغيره - وبالله تعالى التوفيق .

فيمن ألقت جنينين فصاعداً
...
2126 - مسألة :

فيمن ألقت جنينين فصاعدا
؟
قال علي : حدثنا حمام نا عبد الله بن محمد بن علي الباجي نا عبد الله بن يونس نا بقي بن مخلد نا أبو بكر بن أبي شيبة نا معن بن عيسى عن ابن أبي ذئب عن الزهري في امرأة ضربت فأسقطت ثلاثة أسقاط ؟ قال : أرى أن في كل واحد منهم غرة , كما أن في كل واحد منهم الدية . ومن طريق ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب عن يونس بن يزيد أن ربيعة قال في امرأة ضربت فألقت جنينين : أنه يدي كل واحد منهما بغرة : أو أمة . وقال الزهري : إن أسقطت ثلاثة ففي كل واحد منهم غرة - تبين خلقه أو لم يتبين : أنه حمل . وبه : إلى ابن وهب أخبرني الليث بن سعد الأنصاري أنه قال في الجنين إذا طرح ميتا غرة : عبد أو وليدة - فإن كان اثنين ففيهما غرتان . قال علي : وبهذا نقول ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "دية جنينها عبد , أو أمة" وكل جنين - ولو أنهم عشرة - فهو جنين لها , ففي كل جنين غرة : عبد أو أمة , فلو قتلوا بعد الحياة ففي كل واحد دية , وكفارة , وبالله تعالى التوفيق .

من يرث الغرة
2127 مسألة : من يرث الغرة ؟
قال علي: اختلف الناس فيمن تجب له الغرة الواجبة في الجنين : حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا سفيان الثوري عن المغيرة عن إبراهيم النخعي في امرأة شربت دواء فأسقطت ؟ قال : تعتق رقبة وتعطي أباه غرة . نا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب أخبرني يونس بن يزيد عن ابن شهاب أنه سئل في رجل ضرب امرأته فأسقطت لمن دية السقط ؟ قال : بلغنا في السنة أن القاتل لا يرث من الدية شيئا , فدية على فرائض الله تعالى , ليس للذي قتله في ذلك شيء - وهو قول عبد العزيز بن أبي سلمة , وأبي حنيفة , ومالك , والشافعي . وقال آخرون - غير ذلك : كما نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا محمد بن قيس عن الشعبي أنه قال في رجل ضرب امرأته حتى أسقطت , قال الشعبي : عليه غرة يرثها , ويديه - وبهذا القول يقول أبو سليمان , وجميع أصحابنا . قال علي : فلما اختلفوا - كما ذكرنا - وجب أن ننظر في ذلك لنعلم الحق من ذلك فنتبعه : فنظرنا في قول من رأى أن الغرة موروثة , كمال تركه الميت ؟ فوجدناهم يقولون : إن الغرة دية , فهي كحكم الدية , والدية قد صح أنها موروثة على فرائض المواريث , فالغرة كذلك . وقالوا : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد ما يجب في الجنين عما يجب في أمه : فجعل في الأم دية , وجعل في الجنين غرة - فصح أن حكم الغرة كحكم دية النفس , لا كحكم دية الأعضاء . وقالوا : قد صح الاتفاق على أن امرأ لو جني عليه ما يوجب دية فمات ؟ فإنه

موروثه عنه , فكذلك الجنين فيما وجب في الجناية له . وقالوا : لو كان واجبا أن تكون للأم لوجب إذا جني عليها فماتت , ثم ألقت جنينا : أن لا يجب فيه شيء ; لأن الميت لا يستحق شيئا بعد موته ؟ قال أبو محمد:هذا كل ما احتجوا به , لا نعلم لهم حجة غير هذا , وكل هذا ليس لهم فيه حجة , لما نذكره إن شاء الله تعالى : أما قولهم : إن الغرة دية فهي كحكم الدية , وقد صح أن الدية موروثة على فرائض المواريث , فالغرة كذلك - فإن هذا قياس , والقياس كله فاسد , ثم لو صح القياس يوما ما لكان هذا منه باطلا ; لأن حكم القياس عند القائلين به إنما يرونه فيما عدم فيه النص , لا فيما فيه النص . وأما النص - فإنما جاء في الدية الموروثة فيمن قتل عمدا أو خطأ , لا فيمن لم يقتل أحدا , والجنين الذي لم ينفخ فيه الروح لم يقتل قط , فقياس دية من لم يقتل , على دية من قتل : باطل - لو كان القياس حقا ; لأنه قياس الشيء على ضده - فبطل هذا القياس - وبالله تعالى التوفيق . قال أبو محمد:وأما نحن فإن القول عندنا - وبالله تعالى نتأيد - هو أن الجنين إن تيقنا أنه قد تجاوز الحمل به مائة وعشرين ليلة , فإن الغرة موروثة لورثته الذين كانوا يرثونه لو خرج حيا فمات , على حكم المواريث , وإن لم يوقن أنه تجاوز الحمل به مائة ليلة وعشرين ليلة فالغرة لأمه فقط . برهاننا على ذلك : أن الله تعالى قال: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قتل له بعد مقالتي هذه قتيل فأهله بين خيرتين" فذكر عليه الصلاة والسلام القود , أو الدية , أو المفاداة - على ما ذكرنا قبل - فصح بالقرآن , والسنة : أن دية القتيل في الخطأ والعمد مسلمة لأهل القتيل , والقتيل لا يكون إلا في حي : نقله القتل عن الحياة إلى الموت , بلا خلاف من أهل اللغة التي بها نزل القرآن , وبها خاطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم . والجنين بعد مائة ليلة وعشرين ليلة : حي بنص خبر الرسول الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم وإذ هو حي , فهو قتيل قد قتل بلا شك , وإذ هو قتيل بلا شك , فالغرة التي هي ديته واجبة أن تسلم إلى أهله بنص القرآن , وقد اتفقت الأمة على أن الورثة الذين يسلم لهم الدية أنهم يقتسمونها على سنة المواريث بلا خلاف . وأما إذا لم يوقن أنه تجاوز مائة ليلة وعشرين ليلة , فنحن على يقين من أنه لم يحيا قط , فإذا لم يحيا قط , ولا كان له روح بعد , ولا قتل , وإنما هو ماء , أو علقة من دم , أو مضغة من عضل , أو عظام , ولحم : فهو في كل ذلك بعض أمه , فإذ ليس حيا بلا شك , فلم يقتل , لأنه لا يقتل موات , ولا ميت , وإذ لم يقتل , فليس قتيلا , فليس لديته حكم دية القتيل ; لأن هذا قياس والقياس كله باطل , ولو كان حقا لكان هذا

منه عين الباطل , وإنما يقاس عند أهل القياس الشيء على نظيره , لا على ضده - ومن ليس قتيلا فهو غير مشبه للقتيل , فلا يجوز القياس هاهنا على أصول أصحاب القياس , وإذ ليس قتيلا , فهو بعض من أبعاضها , ودم من دمها , ولحم من لحمها , وبعض حشوتها بلا شك , فهي المجني عليها , فالغرة لها بلا شك , فإن ماتت ثم طرحت الجنين - ولم يوقن أنه أتم عشرين ومائة ليلة - فالجنين لورثة الأم ; لأنه بنفس الجناية وجب لها , فهي موروثة عنها . قال أبو محمد:وإن العجب ليكثر ممن يراعي في المولود الاستهلال , فإن لم يستهل لم يقد به , ولا ورث منه , ثم يورث منه الغرة - وهو لم يحيا قط , فكيف أن يستهل ؟ ونسألهم - عن مولود ولد فرضع وتحرك ولم يستهل , ثم قتل عمدا أو خطأ ماذا ترون فيه ؟ أغرة أم دية ؟ فإن قالوا : غرة , أتوا بطريقة له لم يقلها أحد قبلهم - وإن قالوا : بل دية أمه , نقضوا أصولهم , إذ جعلوا في قتل ميت دية كاملة أو قودا . فإن قالوا : ليس ميتا ؟ قلنا لهم : قوي العجب أن لا تورثوا حيا وكل هذه أقوال ينقض بعضها بعضا - وبالله تعالى التوفيق . : روينا من طريق مسلم نا أبو بكر بن أبي شيبة , ومحمد بن عبد الله بن نمير قال كل واحد منهما : نا وكيع , وأبو معاوية , قالا جميعا : نا الأعمش عن زيد بن وهب عن عبد الله بن مسعود قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق , قال: "يجمع أحدكم خلقه في بطن أمه أربعين يوما , ثم يكون علقة مثل ذلك , ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك , ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات : رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد" وذكر باقي الحديث . قال علي : وما لم يوقن تمام المائة والعشرين ليلة بجميع أيامها فهو على ما تيقناه من مواتيته , ولا يجوز أن نقطع له بانتقاله إلى الحياة عن المواتية المتيقنة إلا بيقين , وأما بالظنون فلا - وبالله تعالى التوفيق .

جنين الأمة في سيدها
2128 - مسألة : جنين الأمة من سيدها ؟
قال علي : لا خلاف في أن جنين الأمة من سيدها الحر مثل جنين الحرة , ولا فرق . ثم اختلفوا في جنين الأمة من غير سيدها الحر : فقالت طائفة : فيه عشر قيمة أمه - كما حدثنا محمد بن سعيد بن نبات نا أحمد بن عبد البصير نا قاسم بن أصبغ نا محمد بن عبد السلام الخشني أنا محمد بن المثنى أنا عبد الرحمن بن مهدي أنا محمد بن سلمة عن يونس بن عبيد عن الحسن البصري , قال في جنين الأمة عشر ثمن أمه - وبه يقول مالك , والشافعي , وأبو ثور , وأصحابهم , وأحمد , وأصحابه , وإسحاق بن راهويه . وقالت طائفة : فيه من ثمن أمه كقدر ما في جنين الحرة من دية أمه - كما حدثنا حمام نا ابن مفرج نا ابن الأعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري , قال : جنين

الأمة في ثمن أمه بقدر جنين الحرة في دية أمه , قال : فلو أعتق رجل جنين وليدته ثم قتلت الوليدة ؟ قال : يعقل الوليدة ويعقل جنينها عبدا , أيما كان تمام عتقه أن يولد ويستهل صارخا . وقالت طائفة : فيه نصف عشر ثمن أمه , كما نا محمد بن سعيد بن نبات , نا أحمد بن عبد البصير , نا قاسم أصبغ , نا محمد بن المثنى نا عبد الرحمن بن مهدي , ويحيى بن سعيد القطان , كلاهما عن سفيان الثوري عن المغيرة بن مقسم عن إبراهيم النخعي , قال في جنين الأمة : نصف عشر ثمن أمه - وهو قول ابن أبي ليلى , والحجاج بن أرطاة - وهو أيضا قول قتادة . وقالت طائفة : فيه نصف عشر قيمته إن خرج ميتا , فإن خرج حيا فثمنه كله - وهو قول سفيان الثوري , رويناه من طريق عبد الرزاق - وهو قول الحسن بن حي . وقال أبو حنيفة , ومحمد بن الحسن , وزفر بن الهذيل : إن كان جنين الأمة ذكرا ففيه نصف عشر قيمته لو كان حيا - وإن كان أنثى ففيها عشر قيمتها لو كانت حية - قال زفر : وعليه مع ذلك ما نقص أمه - وقال أبو يوسف : لا شيء في جنين الأمة إلا أن يكون نقص أمه , ففيه ما نقصها . وقالت طائفة : فيه عشرة دنانير : كما نا حمام نا ابن مفرج نا ابن الأعرابي نا الدبري نا عبد الرزاق عن معمر , وابن جريج , قال معمر عن الزهري , وقال ابن جريج عن إسماعيل بن أمية - ثم اتفق الزهري , وإسماعيل , كلاهما عن سعيد بن المسيب , قال : في جنين الأمة عشرة دنانير . وقالت طائفة : فيه حكومة - كما حدثنا عبد الله بن ربيع نا عبد الله بن محمد بن عثمان نا أحمد بن خالد نا علي بن عبد العزيز نا الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان قال : ينظر ما بلغ ثمن جنين الحرة من جميع ثمنها , فإن كانت عشرا أعطيت الأمة عشرة , وإن كانت خمسا , وإن كانت سبعا , وإن كانت ثمنها - يعني : فكذلك . وقالت طائفة : في جنين الأمة غرة عبد أو أمة , كما في جنين الحرة ولا فرق - : كما روينا قبل عن ابن سيرين , وعروة , ومجاهد , وطاوس , وشريح , والشعبي , فإنهم ذكروا الجنين وما فيه , ولم يخصوا جنين حرة من أمة , ولو كان عندهم في ذلك فرق لبينوه ؟ ومن ادعى أنهم أرادوا الحرة خاصة فقد كذب عليهم , وحكى عنهم ما لم يقولوا , ولا أخبروا به عن أنفسهم , ومن حمل قولهم على ما قالوه فبحق واجب يدخل فيه جنين الأمة , وغيره , ولا فرق , إذ هو مقتضى قولهم : ليس فيه إلا ما ينقصها فقط . قال أبو محمد:فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر في ذلك لنعلم الحق من ذلك فنتبعه - بعون الله تعالى ومنه . فنظرنا في قول من رأى فيه عشر قيمة أمه - فلم نجد لهم حجة إلا أنهم قالوا : وجدنا الغرة المحكوم بها في جنين الهذلية وقوم بخمسين دينارا - وهو عشر دية أمه فوجب أن يكون في جنين الأمة عشر قيمة دية أمه أيضا لأن دية الأمة قيمتها , حتى أن

مالكا حمله هذا القياس على أن جعل في جنين الدابة عشر قيمتها - وفي بيضة النعامة على المحرم عشر البدنة . قال علي : فكان هذا الاحتجاج ساقطا ; لأن تقويم الغرة بخمسين دينارا أو بالدراهم خطأ لا يجوز , لأنه لم يوجبه قرآن , ولا سنة , ولا إجماع - ولا صح عن صاحب . ثم نظرنا في قول إبراهيم النخعي , وقتادة : أن في جنين الأمة نصف عشر ثمن أمه , لم نجد لهم متعلقا - فسقط هذا القول لتعريه عن الأدلة . ثم نظرنا في قول سفيان والحسن بن حي فوجدناه أيضا لا حجة لهم أصلا - فسقط أيضا . ثم نظرنا في قول أبي حنيفة , وزفر , ومحمد بن الحسن ؟ فوجدناهم يقولون : لما كانت الغرة في جنين الحرة مقدرة بخمسين دينارا كان ذلك نصف عشر ديته لو خرج حيا - وكان ذكرا - أو عشر ديتها - لو كانت أنثى - وخرجت حية , فوجب في جنين الأمة مثل ذلك أيضا ; لأنه لو حيا فقتل لكانت فيه القيمة ؟.
قال أبو محمد: هذا كل ما موهوا به , وهذا كله باطل على ما نذكر - إن شاء الله تعالى . فنقول - وبالله تعالى التوفيق - : إن قولهم : لما كان ثمن الغرة في جنين الحرة خمسين دينارا وهو نصف عشر ديته , لو خرج حيا - وكان ذكرا - وعشر ديتها , لو خرجت حية - وكانت أنثى - فوجب أن يكون ما في جنين الأمة كذلك , فباطل من وجوه : أولها - أنه قياس والقياس كله باطل . الثاني - أنه لو صح القياس لكان هذا منه عين الباطل ; لأن تقويم الغرة بخمسين دينارا باطل , لم يصح قط في قرآن , ولا سنة , ولا عن أحد من الصحابة - رضي الله عنهم - فصار قياسهم هذا قياسا للخطأ على الخطأ . والثالث - أنه لو صح لهم تقويم الغرة بخمسين دينارا فمن أين لهم أن المقصود في ذلك هو أن يكون نسبته من ديته , أو من دية أمه ؟ ويقال لهم : من أين لكم هذا ؟ وهلا قلتم : إنها قيمة نافذة مؤقتة : كالغرة ولا فرق ؟ ولكن أبوا إلا الترديد من الدعاوى الفاسدة بلا برهان . والرابع - أن يعارض قياسهم بمثله , فيقال لهم : ما الفرق بينكم وبين ما روي عن مالك , والحسن : من أن الخمسين دينارا التي قومت بها الغرة في جنين الحرة إنما اعتبر بها من دية أمه , لا من دية نفسه ؟ فقالوا : إن كان جنين الأمة - ذكرا أو أنثى - ففيه عشر قيمة أمه , كما في جنين الحرة - ذكرا كان أو أنثى - عشر دية أمه , فهل هاهنا إلا دعوى مقابلة بمثلها ؟ وتحكم بلا دليل ؟ ثم نظرنا في قول حماد بن أبي سليمان أن فيه حكما , فوجدناه أيضا قولا عاريا من الأدلة , فوجب تركه , إذ ما لا دليل على صحته , فهي دعوى ساقطة . ثم نظرنا في قول سعيد بن المسيب , فوجدناه أيضا لا دليل على صحته , فلم يجز القول به ; لأن الله تعالى يقول: {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ

إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} فمن لا برهان له فلا يجوز الأخذ بقوله . ثم نظرنا في قول أبي يوسف , وبعض أصحابنا : أنه لا شيء في جنين الأمة إلا ما نقصها , فوجدناه أيضا قولا لا دليل على صحته , وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في الجنين ما قد ذكرناه .
قال أبو محمد رحمه الله: فلما سقطت هذه الأقوال [ كلها ] وجب أن ننظر عند اختلاف القائلين بها ما افترض الله تعالى علينا إذ يقول تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} ففعلنا . فوجدنا - ما رويناه من طريق مسلم بن الحجاج نا أبو بكر بن أبي شيبة وأبو كريب قالا : أنا وكيع عن هشام بن عروة عن أبيه عن المسور بن مخرمة قال : استشار عمر بن الخطاب في إملاص المرأة فقال المغيرة بن شعبة : شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى فيه بغرة عبد أو أمة , فقال له عمر : ائتني بمن يشهد معك ؟ فشهد له محمد بن مسلمة . وما ناه أحمد بن محمد عبد الله الطلمنكي نا ابن مفرج نا محمد بن أيوب الصموت الرقي نا أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار نا محمد بن معمر البحراني نا عثمان بن عمر نا يونس بن يزيد نا الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : اقتتلت امرأتان من هذيل , فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها , فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عليه السلام : "دية جنينها عبد أو أمة" وقضى بالدية على عاقلتها وورثها ولدها.
قال أبو محمد: فحديث المغيرة , ومحمد بن مسلمة عموم إملاص كل امرأة - وكذلك نص كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة بأن دية جنينها عبد أو وليدة - ولم يقل صلى الله عليه وسلم إن هذا إنما هو في جنين الحرة , فلا يحل لأحد أن يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم علم ما لم يقل , ولا أن يخبر عنه بما لم يخبر به عن نفسه , ومن فعل هذا فقد قال عليه ما لم يقل , وهذا يوجب النار . فإن قيل : إنما حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك في جنين حرة ؟ قيل لهم : إنما حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك في جنين هذلية لحيانية تسمى مليكة قتلتها ضرتها أم عفيف , الفرق بينكم في دعواكم بذلك لأنه جنين حرة , وبين من قال : بل لأنه جنين هذلية ؟ أو لأنه جنين امرأة تسمى مليكة , أو لأن ضرتها قتلتها , أو لأن القاتلة اسمها أم عفيف - هذا كله باطل وتخليط - وبالله تعالى التوفيق .

جنين الذمية
2129 مسألة : جنين الذمية؟
قال أبو محمد رضي الله عنه : قال قائلون في جنين الذمية عشر ديتها - وهذا قول إنما قاسوه على قولهم في تقويم الغرة بخمسين دينارا - وهو قول ظاهر الخطأ . والقول عندنا أن في جنين الذمية أيضا غرة عبد أو أمة يقضى على عاقلة الضارب به , فيطلبون غلاما أو أمة - كافرين - فيدفعانه , أو يدفعانها إلى من تجب له ,

فإن لم يوجدا فبقيمة أحدهما - لو وجد - والقيمة في هذا - وفي الغرة جملة إذا عدمت أقل ما يمكن , إذ لا يجوز أن يلزم أحد غرامة , إلا بنص أو إجماع ; لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام". فأقل ما كانت تساوي الغرة - لو وجدت - واجب على العاقلة بالنص , وما زاد على ذلك غير واجب , لا بنص ولا إجماع - فهو ساقط لا يجوز الحكم به . ولو أن ذميا ضرب امرأة مسلمة خطأ فأسقطت جنينا : يكلف أن تبتاع عاقلته عبدا كافرا أو أمة كافرة ولا بد - ولا يجوز أن يبتاع عبدا مسلما ولا أمة مسلمة - والرقبة الكافرة تجزي في الغرة المذكورة - سواء كان الجاني وعاقلته : مسلمين , أو كانوا كفارا - وإنما الواجب عبد أو أمة فقط , كما حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً} . فلو أراد الله تعالى أن تكون الغرة مؤمنة لما أغفل رسول الله صلى الله عليه وسلم علم بيان ذلك - كما لم يغفل , أو بين أنه يجزي في ذلك ذكر أو أنثى , وبالله تعالى التوفيق .
قال أبو محمد رحمه الله: وأما ما نقص الأمة إلقاء الجنين , فهو الواجب على الجاني في ماله ولا بد , زيادة على الغرة ; لأنه مال أفسده فعليه ضمانه على ما قد ذكرنا - وبالله تعالى التوفيق .

جنين البهيمة
2130 – مسألة ـ جنين البهيمة ؟
قال أبو محمد رحمه الله: نا عبد الله بن ربيع نا ابن مفرج نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا سحنون نا ابن وهب , أخبرني يونس بن يزيد عن أبي الزناد , والزهري , وربيعة , قال أبو الزناد في جنين البهيمة : نرى أن تقام البهيمة في بطنها ولدها , ثم تقام بعد أن تطرح جنينها , فيكون فضل ما بين ذلك على الذي أصابها حتى طرحت جنينها - وقال الزهري : نرى جنين البهيمة إلى الحكم بقيمة إنما البهيمة سلعة من السلع - وقال ربيعة : لا أرى في جنين البهيمة شيئا أوسع من اجتهاد الإمام ؟ قال أبو محمد:القول في هذا عندنا هو قول أبي الزناد ; لأنها جناية على مال فقيمة مثله . وأما قول الزهري , وربيعة : إن في ذلك اجتهاد الإمام , أو الحاكم : فقول لا يصح ; لأنه لا دليل يوجبه , ولم يجعل الله تعالى , ولا رسوله - عليه الصلاة والسلام - لأحد من الأئمة اجتهادا في أخذ مال من إنسان وإعطائه آخر , بل قد حرم الله تعالى ذلك على لسان رسوله عليه السلام , فليس لأحد أن يأخذ من أحد ما يعطيه لآخر , إلا بنص , أو إجماع - وبالله تعالى التوفيق . وقد روي عن مالك , والحسن بن حي : أن في جنين الفرس عشر قيمة أمه , وقال مالك في جنين البهيمة عشر قيمة أمها , وهذا كله ليس بشيء ; لأنه قياس

والقياس كله باطل.

لو أن كافرا ذميا قتل ذميا ثم أسلم القاتل
2131 - مسألة: حكم لو أن كافرا ذميا قتل ذميا ثم أسلم القاتل
قال أبو محمد - رحمه الله - : ولو أن كافرا ذميا قتل ذميا ثم أسلم القاتل بعد قتله المقتول , أو قبل موت المقتول : فلا قود على القاتل أصلا ; لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقتل مؤمن بكافر". قالوا : ودية المقتول - إن اختاروا الدية قبل إسلام قاتل وليهم , أو فادوه ثم أسلم : بقيت الغرامة لهم عليه ; لأنه مال استحقوه عنده , والأموال تجب للكافر على المؤمن , وللمؤمن على الكافر - وقد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي في ثلاثين صاعا من شعير أخذها صلى الله عليه وسلم لقوت أهله وقد ذكرناه بإسناده قبل هذا . فلو أن المجروح أسلم أيضا ثم مات - وهو مسلم - فالقود له واجب ; لأنه مؤمن بمؤمن , وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمنون تتكافأ دماؤهم".
قال أبو محمد رحمه الله: فلو أن مسلما جرح ذميا عمدا ظالما فأسلم الذمي ثم مات من ذلك الجرح فالقود في ذلك بالسيف خاصة , ولا قود في الجرح لأن الجرح حصل , ولا قود فيه للكافر: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} فلما أسلم ثم مات مسلما من جناية ظلم يمات من مثلها : حصل مقتولا عمدا - وهو مسلم - ففيه ما جعل الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم على من قتل مؤمنا - وبالله تعالى التوفيق . فلو أن صبيا , أو مجنونا جرحا إنسانا , ثم عقل المجنون وبلغ الصبي , ثم مات المجروح , فلا شيء في ذلك , لا دية , ولا قود , لأنه مات من جناية هدر لا حكم لها . فإن قيل : قد قلتم في الذي يرمي حربيا ثم يسلم , ثم يموت : إن فيه الدية على العاقلة , فكيف تجعلون الدية فيمن مات من جناية مأمور بها , ولا تجعلون الدية فيمن مات من جناية هذا ؟ فقد قلنا - وبالله تعالى التوفيق - : هكذا قلنا ; لأن الجاني المأمور بتلك الجناية مخاطب مكلف ملزم في قتل الخطأ كفارة أو كفارة ودية على عاقلته , وليس المجنون والصبي مخاطبين أصلا , ولا مكلفين شريعة في قتل عمد , ولا في قتل خطأ : فسقط حكم كل ما عملا , ولم يكن له في الشرع دخول , ولم يسقط ما فعله المخاطب المكلف المأمور المنهي . ولو أن عاقلا قتل أو جرح ثم جن فمات المجروح من تلك الجناية : فالقود على المجنون , أو الدية في ماله , ولا مفاداة هنالك ؟ ; وذلك لأن القود قد وجب عليه حين جنى , وحكم تلك الجناية لازم له , وقد يسقط عنه بذهاب عقله , إذ لم يوجب ذلك نص قرآن , ولا سنة , ولا إجماع - وكذلك يقام عليه في جنونه حد لزمه في حال عقله , ولا يقام عليه في حال عقله كل حد كان منه في حال جنونه , بلا خلاف من الأمة , والسكران مجنون ؟ .

حكم كسر عظم الميت
2132 ـ مسألة ـ كسر عظم الميت
قال أبو محمد: رضي الله عنه نا عبدالله

حكم الوكالة في القود
2132 - مسألة : الوكالة في القود ؟
قال أبو محمد رحمه الله: أمر الولي بأن يؤخذ له القود جائز لبراهين : أولها : قول الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} والقود : بر وتقوى , فالتعاون فيه واجب . وثانيها : ما قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمره بالقود من اليهودي الذي رضخ رأس الجارية بالحجر , فكان أمره - عليه السلام - عموما لكل من حضر . وثالثها : إجماع الأمة أن السلطان إذا أوجب له ما لولي من القتل فإنه يأمر من يقتل , والسلطان ولي من الأولياء , فلا يجوز تخصيصه بذلك دون سائر الأولياء . قال أبو محمد رحمه الله: فإذا كان ذلك كذلك , فجائز , إذا أمر المولى من يأخذ له القود أن يغيب فيستقيد المأمور , وهو غائب , إذ قد وجب القود بيقين أمر الله تعالى , وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ولم يشترط الولي في ذلك من مغيب: {وما كان ربك نسيا} . فإن غاب الولي ثم عفا , فليس عفوه بشيء , ولا شيء على القاتل - ولا يصح عفو الولي إلا بأن يبلغ ذلك المأمور بالقود ويصح عنده . برهان ذلك : أن الله تعالى قد أباح للمأمور بأخذ القود , وأن يأتمر للآمر له بذلك , وأباح له دم المستقاد منه , وأعضاءه بيقين لا شك به , فإذا عفا الولي في غير علم المأمور بالقود فهو مضار , والمضار متعد , والمتعدي ظالم , وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس لعرق ظالم حق" فلا حق لذلك العفو الذي هو مضارة محضة , وهو غير العفو الذي حض الله تعالى عليه ورسوله عليه السلام ; لأن العفو الذي حض الله تعالى عليه ورسوله صلى الله عليه وسلم فهو طاعة , وعفو المضارة معصية , والمعصية غير الطاعة , وهذا العفو بعد الأمر : هو عفو بخلاف العفو الذي أمر الله تعالى به نادبا إليه , وإذ هو غيره , فهو باطل ; لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد" فهو غير لازم لذلك العافي , وهو باق على قوده . فلو بعث رسولا إلى المأمور بالقود فلا حكم له

إلا حتى يبلغ إليه , فحينئذ يصح ويلزم العافي , فإن قتله المأمور بالقود بعد صحة الخبر عنده بعفو الولي فهو قاتل عمد , أو خائن عهد , وعليه القود , وكذلك لو جن الآمر ولا فرق , فالأخذ بالقود واجب , كما أمر به - وبالله تعالى التوفيق .

حكم من قطع ذكر خنثى مشكل
2134- مسألة : من قطع ذكر خنثى مشكل وأنثييه ؟
فسواء قال : أنا امرأة , أو قال : أنا ذكر : القود واجب ; لأنه عضو يسمى ذكرا وأنثيين - وكذلك لو قطعت امرأة شفريه ولا فرق . ومن كانت له سن زائدة أو إصبع زائدة فقطعها قاطع اقتص له منه , من أقرب سن إلى تلك السن , وأقرب إصبع إلى تلك الإصبع ; لأنها سن وأصبع ولا فرق بين أن يبقى المقتص منه ليس له إلا أربع أصابع , ويبقى لمقتص له خمس أصابع , وبين أن يقطع من ليست له إلا السبابة وحدها - سبابة سالم الأصابع ؟ لا خلاف في أن القصاص في ذلك , ويبقى المقتص ذا أربع أصابع ويبقى المقتص منه لا أصبع له , وهكذا القول في الأسنان ولا فرق , وبالله تعالى التوفيق.

إذا تشاح الاولياء في تولي قتل قاتل وليهم
2135 - مسألة : إذا تشاح الأولياء في تولي قتل قاتل وليهم ؟
قال أبو محمد رحمه الله: وإذا تشاح الأولياء في تولي قتل قاتل وليهم ؟ قيل لهم : إن اتفقتم على أحدكم أو على أجنبي , فذلك لكم وإلا أقرعنا بينكم , فأيكم خرجت قرعته تولى القصاص - وهذا قول الشافعي رحمه الله ؟ قال أبو محمد رحمه الله: برهان هذا : أنه ليس بعضهم أولى من بعض , ولا يمكن أن يتولى القود اثنان معا , فإذ لا بد من أحدهما , أو من غيرهما بأمرهما - ولا سبيل إلى ثالث , فأمر غيرهما بالقود إسقاط لحقهما معا في تولي ذلك الحكم , والحكم هاهنا بالقرعة إسقاط لحق أحدهما , وإبقاء لحق الآخر - ولا يجوز إسقاط حق ذي حق إلا لضرورة مانعة لا سبيل معها إلى توفية الحق , فإذا كان ذلك سقط الحق ; لقول الله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} . ونحن محرم علينا منعهما من حقهما , ونحن مضطرون إلى إسقاط حق أحدهما , إذ لا سبيل إلى غير ذلك , ولسنا مضطرين إلى إسقاط حقهما جميعا فلا يجوز لنا ما لم نضطر إليه فقد بطل أن نأمر غيرهما بغير رضاهما , ولا يجوز أن نقصد إلى أحدهما فنسقط حقه هكذا مطارفة فيكون جورا ومحاباة , فوجبت القرعة ولا بد ; لأن الضرورة دفعت إليها ولا يحل إيقاف الأمر حتى يتفقا ; لأن في ذلك منعهما جميعا من حقهما , وهذا لا يجوز , بالله تعالى التوفيق.

حكم من أخاف انساناً فقطع ساقه ومنكبه وأنفه وقتله
...
2136 - مسألة : من أخاف إنسانا فقطع ساقه ومنكبه وأنفه وقتله
من أخاف إنسانا فقطع ساقه ومنكبه وأنفه وقتله فلولي المقتول أن يفعل به كل ذلك , ويقتله - وله أن يقتله دون أن يفعل به شيئا من ذلك , وله أن يفعل به كل ذلك أو بعضه , ولا يقتله , لكن يعفو عنه ؟
قال أبو محمد رحمه الله: برهان ذلك : أن كل هذه الأفعال قد وجب له أن

حكم من قطع أصبع آخر عمداً فسأل القود
...
2137 - مسألة: من قطع أصبع آخر عمدا فسأل القود ؟
قال أبو محمد رضي الله عنه : من قطع أصبع آخر عمدا فسأل القود ؟ أقدنا له من حينه على ما ذكرنا قبل فإن تآكلت اليد فذهبت وبرئ , فله القود من اليد ; لأنها تلفت بعدوان وظلم . وكذلك لو جرحه موضحة عمدا فذهبت منها عيناه اقتص له من الموضحة ومن العينين معا وهكذا في كل شيء - فلو مات منها قتل به ; لأن كل ذلك تولد من جناية عدوان . وقال الشافعي : أما تعجيل القصاص من الأصبع والموضحة ؟ فنعم , فإن مات بعد ذلك فالقود في النفس واجب أيضا . وأما ذهاب العينين واليد فقط فإنما في ذلك الدية فقط . قال أبو محمد رحمه الله: وهذا خطأ ومناقضة ظاهرة , ولا فرق بين ما تولد عن جنايته من ذهاب نفس , أو ذهاب عضو ؟ إذ لم يفرق بين شيء من ذلك نص قرآن , ولا سنة , ولا إجماع , ولا نظر , ولا قياس , ولا قول صاحب . فلو أن المجني عليه قطع كف نفسه , خوف سراية الأكلة فلا ضمان على الجاني ; لأن ذهاب اليد كان باختيار قاطعها , لا من فعله , ولعلها لو تركها تبرأ - فلو قطع إنسان أنملة لها طرفان , فإن قطع كل طرف في أصله قطع من يده أنملتان كذلك , فلو قطع في الأصبع قبل افتراق الأنملتين : قطع له من ذلك الموضع فقط , ولا مزيد , ولا أرش له في الأنملة الثانية ; لأن الله تعالى يقول: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} . فالواجب أن يوضع منه الحديد حيث وضع , ويذاق من الألم ما أذاق ولا مزيد , قال الله تعالى: {وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} وقال الشافعي : له في الأصبع القود , وله في الأصبع الزائدة حكومة ؟ قال أبو محمد رحمه الله: الحكومة

غرامة مال والأموال محرمة إلا بنص أو إجماع.

حكم من هدم بيتاً على انسان أو ضربه بسيف وهو راقد فقطع رأسه
...
2138 - مسألة - من هدم بيتا على إنسان أو ضربه بسيف - وهو راقد - فقطع رأسه
قال أبو محمد رحمه الله: من هدم بيتا على إنسان أو ضربه بسيف - وهو راقد - فقطع رأسه , أو قال : هدمت البيت ؟ وهو قد كان مات بعد , أو قال : ضربته بالسيف وهو ميت : لم يلتفت له , ولا يمين على أوليائه في ذلك , ووجب القود عليه بمثل ما فعل ; لأن الميت قد صحت حياته بيقين , فهو على الحياة حتى يصح موته , ومدعي موته مدعي باطل , وانتقال حال , والدعوى لا يلتفت إليها إلا ببينة - وبالله تعالى التوفيق .

حكم من جرح جرحاً يموت من مثله فتداوى بسم فمات فالقود على القاتل
...
2139 - مسألة : ومن جرح جرحا يموت من مثله فتداوى بسم فمات؟
فالقود على القاتل ; لأنه وإن مات من فعل نفسه , وفعل غيره : فكلاهما قاتل , وعلى القاتل القود - وإن طرحه غيره ؟ فإن اختاروا الدية , فالدية كلها أيضا لازمة له على ما ذكرنا قبل , وبالله تعالى التوفيق , وهو حسبنا .

كتاب العواقل والقسامة وقتل أهل البغى
ما ورد في العواقل
*
كتاب العواقل , والقسامة , وقتل أهل البغي
العواقل ؟ قال الفقيه أبو محمد - رحمه الله : نا عبد الله بن يوسف نا أحمد بن فتح نا عبد الوهاب بن عيسى نا أحمد بن محمد نا أحمد بن علي نا مسلم بن الحجاج نا محمد بن رافع نا عبد الرزاق نا ابن جريح أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : كتب النبي صلى الله عليه وسلم على كل بطن عقوله , ثم كتب الله : أنه لا يحل أن يتوالى مولى رجل بغير إذنه . وبه : إلى مسلم نا قتيبة نا الليث عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أنه قال : قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنين امرأة من بني لحيان سقط ميتا بغرة عبد أو أمة , ثم إن التي قضى عليها بالغرة توفيت فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ميراثها لبنيها وزوجها , وأن العقل على عصبتها . وبه : إلى مسلم نا إسحاق بن إبراهيم الحنظلي نا جرير بن عبد الحميد عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي عن عبيد بن نضلة عن المغيرة بن شعبة قال ضربت امرأة ضرتها بعمود فسطاط - وهي حبلى - فقتلتها وإحداهما لحيانية , فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم دية المقتولة على عصبة القاتلة , وغرة لما في بطنها , فقال رجل من عصبة القاتلة : أنغرم دية من لا أكل ولا نطق ولا استهل , فمثل ذلك يطل ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أسجع كسجع الأعراب" ؟ قال : وجعل عليهم الدية.
قال أبو محمد رحمه الله: فصح أن الدية في قتل الخطأ وفي الغرة الواجب في الجنين على عاقلة القاتل , والجاني , بحكم رسول الله , وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين من هم العاقلة الغارمة لدية الخطأ , ولغرة الجنين , وأنهم أولياء الجاني الذين هم عصبته ومنتهاهم البطن الذي هو منهم - على ما أوردنا آنفا - من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب على كل بطن عقوله ؟

هل تحمل العاقلة الصلح في العمد أو الاعتراف بقتل الخطأ أو العبد المقتول في الخطأ؟
2140 - مسألة : هل تحمل العاقلة الصلح في العمد , أو الاعتراف بقتل الخطأ ؟ أو العبد المقتول في الخطأ ؟ قال أبو محمد رحمه الله: اختلف الناس في هذا : كما نا

نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح : نا موسى بن معاوية , نا وكيع , نا عبد الملك بن حسين أبو مالك : عن عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي عن عمر بن الخطاب , قال : العمد , والعبد , والصلح , والاعتراف في مال الجاني لا تحمله العاقلة . وعن الشعبي - قال : اصطلح المسلمون على أن لا يعقلوا عمدا ولا عبدا , ولا صلحا , ولا اعترافا . وعن إبراهيم النخعي قال : لا تحمل العاقلة عمدا ولا عبدا , ولا صلحا ولا اعترافا - وعن عمر بن عبد العزيز : إلا أن يشاءوا . وعن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم النخعي قال : لا تعقل العاقلة العمد ولا الصلح , ولا الاعتراف , ولا العبد . وعن ابن شهاب قال : مضت السنة أن العاقلة لا تحمل شيئا من العمد إلا أن تعينه عن طيب نفس - قال مالك : وحدثني يحيى بن سعيد مثل ذلك . وعن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه قال : ليس على العاقلة عقل من قبل العمد إلا أن يشاءوا ذلك , إنما عليهم عقل الخطأ . وقال أبو حنيفة , والشافعي , وابن شبرمة , وسفيان الثوري , والأوزاعي ومالك , وأبو سليمان , وأصحابهم : لا تحمل العاقلة شيئا من هذا كله . وقالت طائفة : لا تحمل العاقلة شيئا من هذا كله ولكن تعينه ; لما روي أن عمر بن الخطاب قال : ليس لهم أن يخذلوه عن شيء أصابه في الصلح - وعن الزهري : وعليهم أن يعينوه . وقالت طائفة غير هذا لما روي عن شعبة قال : سألت الحكم بن عتيبة وحماد بن أبي سليمان عن رجل حر استقبل مملوكا فتصادفا فماتا جميعا ؟ فقالا جميعا : دية العبد على عاقلة الحر وليس على العبد شيء . وروي عن عطاء قال : إن قتل رجل عبدا خطأ فهو على عاقلته , وإن قتل دابة خطأ فهو على عاقلته . وعن ابن جريج أخبرني محمد بن نصر , والصلت : أن رجلا بالبصرة رمى إنسانا ظن أنه كلب فقتله , فإذا هو إنسان ؟ فلم يدر الناس من قاتله , فجاء عدي بن أرطاة فأخبره : أنه قتله فسجنه , وكتب فيه إلى عمر بن عبد العزيز فكتب إليه : إنك بئس ما صنعت إذ سجنته وقد جاء من قبل نفسه , فخل سبيله واجعل ديته على العشيرة . وزعم الصلت : أنه من الأزد - القاتل والمقتول - وأن القاتل كان عاسا يعس . وقال الزهري : العبد تحمل قيمته العاقلة .
قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا كما ذكرنا وجب أن ننظر فيما احتجت به كل طائفة لنعلم الحق فنتبعه : فنظرنا فيما احتج به من قال : لا تحمل العاقلة عمدا , ولا عبدا , ولا صلحا , ولا اعترافا ؟ فوجدناهم يقولون : إن هذا قول روي عن عمر , وابن عباس - رضي الله عنهما

ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة - وهذا لا حجة لهم فيه , إذ لا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم نظرنا فيما احتج به أهل القول الثاني : فوجدناهم يذكرون ما روي عن الزهري , قال : بلغني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الكتاب الذي كتبه بين قريش والأنصار : "لا تتركوا مفرجا أن تعينوه في فكاك أو عقل" والمفرج : كل ما لا تحمله العاقلة - وهذا مرسل يوجب أن تعين العاقلة فيما لم تحمل جميعه - وقد روي أيضا من عمر كما ذكرنا . وأما نحن فلا حجة عندنا في مرسل , فلما لم يكن فيما احتجوا به حجة وجب أن ننظر فيما اختلفوا فيه من ذلك , فبدأنا بالعمد ما ألزم فيه دية , أو صولح فيه , فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام" فلم يجز أن نكلف عاقلة غرامة حيث لم يوجبها الله تعالى ولا رسوله عليه السلام , ولم يوجبها قط نص ثابت في العمد , فوجب أن لا تحمل العاقلة العمد , ولا الصلح في العمد . ثم نظرنا في الاعتراف بقتل الخطأ , فوجدنا الله تعالى يقول: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} . ووجدنا المقر بقتل الخطأ ليس مقرا على نفسه ; لأن الدية فيما أقر به على العاقلة , لا عليه , فإذ ليس مقرا على نفسه فواجب أن لا يصدق عليهم , إلا أننا نقول : إنه إن كان عدلا حلف أولياء القتيل معه واستحقوا الدية على العاقلة , فإن نكلوا فلا شيء لهم . فلو أقر اثنان عدلان بقتل خطأ وجبت الدية على عواقلهما بلا يمين , لأنهما شاهدا عدل على العاقلة . وقد اختلف [ الناس ] في هذا : فقال أبو حنيفة : والشافعي , والأوزاعي , والثوري : الدية على المقر في ماله . وقال مالك : لا شيء عليه , قال : وإن لم يتهم بمن أقر له أقسم أولياء المقتول , ووجبت الدية على العاقلة . ثم نظرنا في العبد يقتل خطأ , هل تحمل قيمته العاقلة أم لا ؟ فوجدنا من لم تحمله العاقلة لا حجة لهم إلا ما ذكرنا من أنه روي ذلك عن عمر . وعن ابن عباس - وهو قول لم يصح عن عمر كما ذكرنا , لأنه عن الشعبي عن عمر ولم يولد الشعبي إلا بعد موت عمر رضي الله عنه بسنين ولا نعلمه أيضا يصح عن ابن عباس وقد ذكرنا قضايا عظيمة عن جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم - خالفوها , قد ذكرناها في غير موضع , فالواجب الرجوع إلى ما أوجب الله تعالى عند التنازع , إذ يقول تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} الآية , ففعلنا . فوجدنا ما ناه عبد الله بن ربيع نا محمد بن معاوية نا أحمد بن شعيب نا القاسم بن زكريا نا سعيد بن عمرو نا حماد بن زيد عن أيوب السختياني عن عكرمة عن ابن عباس : "أن مكاتبا قتل على عهد رسول

الله صلى الله عليه وسلم فأمر عليه السلام أن يودى ما أدى دية الحر , وما لا دية المملوك وقد روي عن يحيى بن أبي كثير قال : إن علي بن أبي طالب , ومروان كانا يقولان في المكاتب أنه يودى منه دية الحر بقدر ما أدى , وما رق منه دية العبد . فوجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الحجة في الدين سمى ما يودى في قتل العبد " دية " وسماه أيضا علي بن أبي طالب - وهو حجة - في اللغة " دية " . وقد صح عن النبي عليه السلام أن الدية في النفس في الخطأ على العاقلة - وصح الإجماع على أن في قتل العبد المؤمن خطأ : كفارة بعتق رقبة , أو صيام شهرين متتابعين لمن لم يجد رقبة - فصح بالنص , والإجماع : أن ما يودى في العبد دية , والدية على العاقلة - وبهذا نقول . وأما الدية وسائر الأموال فلا ; لأنه لا يسمى شيء من ذلك " دية " والأموال محظورة إلا بنص , أو إجماع - وبالله تعالى التوفيق .

مقدار ما تحمله العاقلة
2141 - مسألة : مقدار ما تحمله العاقلة ؟
قال أبو محمد رحمه الله: قالت طائفة : لا تحمل العاقلة من جنايات الخطأ إلا ما كان أكثر من ثلث الدية فصاعدا , فإن كان أقل من الثلث أو كان الثلث , فهو في مال الجاني . وقالت طائفة : لا تحمل العاقلة إلا ما كان ثلث الدية فصاعدا , فما كان أقل من ثلث الدية فهو في مال الجاني . وقالت طائفة : الثلث فصاعدا على العاقلة , وما كان أقل من الثلث فعلى قومه خاصة . وقالت طائفة : لا تحمل العاقلة إلا ما كان نصف عشر الدية فصاعدا , وما كان أقل فهو في مال الجاني . وقالت طائفة : إن جنت امرأة على رجل أو امرأة , فبلغت ثلث ديتها كان على عاقلته , وإن بلغ أقل ففي ماله . وقالت طائفة : المراعى في ذلك المجني عليه , فإن كان امرأة فبلغ نصف عشر ديتها حملته عاقلة الجاني - رجلا كان أو امرأة - وإن كان المجني عليه رجلا فبلغ نصف عشر ديته فإنه على عاقلة الجاني - رجلا كان أو امرأة - وما كان دون ذلك ففي مال الجاني . وقالت طائفة : تحمل العاقلة ما قل أو كثر . وقالت طائفة : الحكم في ذلك على ما اتفقوا عليه , فإن كان تآلفوا على الكثير فقط حملوا الكثير فقط - ولم تحد للقليل ولا للكثير حدا - . قال أبو محمد:فالقول الأول كما روي عن الزهري , قال : الثلث فما دونه في خاصة ماله وما زاد فهو على العاقلة . والقول الثاني - كما روي عن ابن وهب , قال : أخبرني ابن سمعان قال : سمعت رجالا من علمائنا يقولون : قضى عمر بن الخطاب في الدية أن لا يحمل منها شيء على العاقلة حتى تبلغ ثلث الدية فإنها على العاقلة - عقل المأمومة والجائفة - فإذا بلغت ذلك فصاعدا حملت على العاقلة . وعن سعيد بن المسيب , وسليمان بن يسار مثله - وعن الزهري مثله . وقال عروة بن الزبير : ما كان من خطأ فليس على العاقلة منه شيء حتى يبلغ

ثلث الدية - على ذلك أمر السنة - . وعن الليث بن سعد أنه سمع يحيى بن سعيد يقول : إن من الأمر - القديم عندنا - أن لا يكون على العاقلة عقل حتى يبلغ الجرح ثلث الدية . وعن ربيعة لا تحمل العاقلة ما دون الثلث إلا أن يصطلحوا على شيء . وعن ابن جريج , ومعمر عن عبيد الله بن عمر قال : نحن مجتمعون أو قد كدنا أن نجتمع : أن ما دون الثلث في ماله خاصة . وعن يحيى بن سعيد أن عمر بن عبد العزيز قضى في مولى جرح , فكان دون الثلث من الدية ولم يكن له شيء أن يكون دينا يتبع به - وبهذا يقول عبد العزيز بن أبي سلمة . والقول الثالث - قال مالك : ما بلغ ثلث الدية من الرجل من جناية الرجل جرح رجلا أو امرأة فعلى العاقلة فإن كان أقل من ذلك ففي ماله , وما بلغ ثلث دية المرأة فعلى العاقلة فما كان أقل ففي ماله سواء جرحت رجلا أو امرأة . والقول الرابع - كما روي عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم قال : لا تعقل العاقلة ما دون الموضحة . قال وكيع : وسمعت سفيان الثوري يقول : لا تعقل العاقلة موضحة المرأة إلا في قول من رآها كموضحة الرجل - وهو قول ابن شبرمة . وأما القول الخامس - فإن أبا حنيفة وأصحابه قالوا به فراعوا المجني عليه , قالوا : فإن كان المجني عليه امرأة فبلغت الجناية نصف عشر ديتها فصاعدا فهي على العاقلة , فإن بلغت أقل فهي في مال الجاني - رجلا كان أو امرأة - فإن كان المجني عليه رجلا فبلغت الجناية نصف عشر ديته فصاعدا فهي على العاقلة , فإن بلغت أقل ففي مال الجاني - رجلا كان أو امرأة . والقول السادس - كما روى عبد الرزاق عن ابن جريح عن عطاء , قال : إذا بلغ الثلث فهو على العاقلة , وقال لي ذلك ابن أيمن , ولا أشك أنه قال : فما لم يبلغ الثلث فعلى قوم الرجل خاصة . والقول السابع - كما روي عن ابن وهب أخبرني يونس عن أبي الزناد قال : كل شيء من جراح أو دم كان خطأ , فإن عقل ما ائتلفت عليه القبيلة من الخطأ على ما ائتلفوا عليه إن كانت إلفتهم على الكثير , وليست على القليل , فإن عقل ما ائتلفوا عليه على العاقلة وعقل ما لم يأتلفوا عليه على الجارح في ماله - وليس بشيء من ذلك - اصطلحت عليه القبيلة - بأس . وقد كان عمر بن عبد العزيز ألف معقلة قريش , إذ كان أميرا على المدينة : على أنهم يعقلون ثلث الدية فما فوقها , وأن ما دون ذلك يكون على الجارح في ماله . والقول الثامن - قاله عثمان البتي , والشافعي : أن العاقلة تحمل ما قل أو كثر - كما ذكرنا في الباب الذي قبل هذا قول عطاء وغيره : أن العاقلة تحمل ثمن العبد - ولم يخص قليلا من كثير - وهو قول الحكم بن عتيبة وحماد بن أبي سليمان , وغيرهم .
قال أبو محمد رحمه الله: فنظرنا في قول من قال : إن الثلث فما دونه في مال الجاني , وإن ما زاد على العاقلة ؟ فوجدناه لا حجة لهم نعلمها أصلا - فسقط هذا القول , إذ كل قول

لا حجة له , فهو ساقط لا يجوز القول به . ثم نظرنا في القول الثاني - فوجدناهم يذكرون : ما رواه يونس بن يزيد عن ربيعة أنه قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألف بين الناس في معاقلهم فكانت بنو ساعدة فرادى على معقلة يتعاقلون ثلث الدية فصاعدا , ويكون ما دون ذلك على من اكتسب وجنى . وقال ابن وهب : وحدثني عبد الجبار بن عمر عن ربيعة أنه قال : عاقل رسول الله صلى الله عليه وسلم بين قريش والأنصار : فجعل العقل بينهم إلى ثلث الدية . وما ناه حمام نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا الحارث بن أبي أسامة نا محمد بن عمر الواقدي نا موسى بن شيبة عن خارجة بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه عن جده قال : كنا في جاهليتنا وإنما نحمل من العقل ما بلغ ثلث الدية , ونؤخذ به حالا , فإن لم يوجد عندنا كان بمنزلة الذي يتجازى , فلما جاء الله تعالى بالإسلام كنا فيمن سن رسول الله صلى الله عليه وسلم من المعاقل بين قريش والأنصار : ثلث الدية - روي عن عمر - ولا يعرف له في ذلك مخالف من الصحابة - رضي الله عنهم .
قال أبو محمد رحمه الله: فنظرنا في هذا الاحتجاج , فوجدناه لا تقوم به حجة ; لأن الخبرين عن ربيعة مرسلان . أما المسند - فهالك ألبتة ; لأنه عن الحارث بن أبي أسامة وهو منكر الحديث , ترك بأخرة - وهو أيضا عن الواقدي , وهو مذكور بالكذب . ثم عن خارجة بن عبد الله بن كعب بن مالك - وهو مجهول . ورب مرسل أصح من هذا قد تركوه , كالمرسل في : أن في العين العوراء : ثلث ديتها وغير ذلك - فسقط هذا القول . وأما كونه عن عمر - رضي الله عنه - فهو مرسل عن ابن سمعان وابن سمعان مذكور بالكذب - ثم لو صح لما كان في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة . وقد جاء عن عمر بما هو أصح من حكمه : في عين الدابة ربع ثمنها , وكتابه بذلك إلى القضاة في البلاد , ومن خطبته على الصحابة - رضي الله عنهم - أن في الضلع جملا , وفي الترقوة جملا . ومن الباطل أن يكون قول عمر قد صح عنه ليس حجة , ويكون قول مكذوب لم يصح عنه حجة - فسقط كل ما احتجوا به . ثم نظرنا في قول من قال : لا تحمل العاقلة ما دون نصف العشر من الدية فلم نجد لهم حجة إلا أن قالوا : إن الأموال لا تحملها العاقلة ; لأنه ليس فيها أرش مؤقت لا يتعدى - ووجدنا ثلث الدية تحملها العاقلة ; لأن فيها أرشا معلوما لا يتعدى , فوجب أن يكون كذلك كل ما له أرش محدود فتحمله العاقلة , وما لا أرش له محدودا فلا تحمله العاقلة ؟ .
قال أبو محمد رحمه الله: وهذا ليس بشيء , وقول كاذب , وباطل موضوع , ولا ندري أين وجدوا هذا إلا بظنون ؟ قال الله تعالى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ

الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً} . ثم نظرنا في تقسيم أبي حنيفة , ومالك , ومراعاة مالك ثلث دية المرأة إذا كانت هي الجانية , أو ثلث دية الرجل إذا كان هو الجاني , ومراعاة أبي حنيفة نصف عشر الدية في المجني عليه خاصة - رجلا كان أو امرأة - فوجدناهما تقسيمين لم يسبق أبا حنيفة إلى تقسيمه في ذلك أحد نعلمه , ولا سبق مالكا في تقسيمه هذا أحد نعلمه , ولئن جاز لأبي حنيفة , ومالك أن يقولا قولا برأيهما لا يعرف له قائل قبلهما , فما حظر الله تعالى قط ذلك على غيرهما , ولا أباح لهما من ذلك ما لم يبحه لكل مسلم دونهما , لا سيما من قال بما أوجبه القرآن , وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن من صوب لمالك , ولأبي حنيفة قولا بالرأي لم يعرف أن أحدا قال به قبلهما ثم أنكر على من قال متبعا لكلام الله تعالى , وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم قولا لم يأت عن أحد قبله أنه قال به , ولا صح إجماع بخلافه - فما ترك للباطل شغبا ؟ ثم نظرنا في قول من قال : ما كان ثلث الدية فصاعدا فعلى العاقلة , وما كان أقل من ثلث الدية فعلى قوم الجاني خاصة - فوجدناه لا حجة له فيه - فسقط . ثم نظرنا فيما حكاه أبو الزناد من أن الحكم في ذلك إنما هو على ما ائتلفت عليه القبائل وتراضت به فقط , فوجدناه مخبرا عن حقيقة الحكم في هذه المسألة . وصح بإخبار أبي الزناد أن هذا أمر لا سنة فيه , وإنما هو تراض فقط فهذا لا يجوز الحكم به قطعا في دين الله تعالى . ثم نظرنا في قول من قال : إن العاقلة تحمل القليل والكثير فوجدنا حجتهم أن قالوا : لما حملت الدية بالنص والإجماع كان حملها لبعض الدية وللقليل أولى , إذ من حمل الكثير وجب أن يحمل القليل - وهذا قياس , والقياس كله باطل . قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا وصح أنها آراء مجردة لا سنة في شيء من ذلك ولا إجماع وجب الرجوع إلى ما افترض الله تعالى عند التنازع فوجدنا الله تعالى يقول: {وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا} الآية . وقال تعالى {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام". فوجب أن لا تلزم العاقلة غرامة أصلا إلا حيث أوجبها النص والإجماع وقد صح النص بإيجاب دية النفس في الخطأ عليها وصح النص بإيجاب الغرة الواجبة في الجنين على العاقلة أيضا، لم يأت نص ولا إجماع بأن تلزم غرامة في غير ما ذكرنا فوجب أن لا يجب عليها غرامة لم يوجبها الله تعالى ولا رسوله عليه السلام - ولا يصح فيها كلمة عن صاحب أصلا , وإنما فيها آثار عن اثني عشر من التابعين مختلفين غير متفقين - فصح أنها

أقوال عذر قائلها بالاجتهاد وقصد الخير - وبالله تعالى التوفيق .

هل يغرم الجاني مع العاقلة أم لا
2141 - مسألة : هل يغرم الجاني مع العاقلة أم لا ؟
قال أبو محمد رحمه الله: اختلف الناس في هذا : فقال أبو حنيفة , ومالك , والليث , وابن شبرمة : يغرم القاتل خطأ مع عاقلته . وقال الأوزاعي , والحسن , وأبو سليمان , وأصحابنا : لا يدخل معهم في الغرامة . وقال الشافعي : هي على العاقلة , فما عجزت عنه العاقلة فهو في ماله . قال أبو محمد رحمه الله: فلما اختلفوا وجب أن ننظر فيما احتجت به كل طائفة لقولها - : فوجدنا الموجبين على القاتل خطأ أن يغرم مع عاقلته يقولون : إن سعد بن طارق روى عن نعيم بن أبي هند عن سلمة بن نعيم أنه قال : قتلت يوم اليمامة رجلا ظننته كافرا , فقال : اللهم إني مسلم بريء مما جاء به مسيلمة , قال : فأخبرت بذلك عمر بن الخطاب , فقال : الدية عليك وعلى قومك . قالوا : وروي هذا عن عمر بن عبد العزيز , ولا يعرف لهما من السلف مخالف . وقالوا : إنما الغرم على العاقلة تغرم عنه على وجه النصرة له , فهو أولى بذلك في نفسه - ما نعلم لهم حجة غير هذا , ولا حجة في قول أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم نظرنا في قول الشافعي , فوجدناه لا حجة له أصلا , لا من قرآن , ولا من سنة , ولا من قول صاحب , ولا تابع , ولا قياس , ولا وجدناه لأحد قبله - فسقط - وبالله تعالى التوفيق . ثم نظرنا في قول الأوزاعي , والحسن بن حي , وأبي سليمان , فوجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد حكم بالدية على عصبة العاقلة : كما رويناه عن مسلم بن الحجاج نا قتيبة - هو ابن سعيد - نا الليث بن سعد عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أنه قال : "قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنين امرأة من بني لحيان سقط ميتا بغرة عبد أو أمة , ثم إن التي قضى عليها بالغرة توفيت , فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن ميراثها لبنيها وزوجها وأن العقل على عصبتها". ومن طريق مسلم نا إسحاق بن إبراهيم نا جرير بن عبد الحميد عن منصور بن المعتمر عن إبراهيم النخعي عن عبيد بن نضلة عن المغيرة بن شعبة قال : "ضربت امرأة ضرتها بعمود فسطاط فقتلتها وإحداهما لحيانية , فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم دية المقتولة على عصبة القاتلة , وغرة لما في بطنها , فقال رجل من عصبة القاتلة : أنغرم دية من لا أكل ولا نطق ولا استهل , فمثل ذلك يطل ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أسجع كسجع الأعراب وجعل عليهم الدية". فهذا نص حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ببراءة الجانية من الدية جملة , وأن ميراثها لزوجها وبنيها , لا مدخل للغرامة فيه , والدية على عصبتها , وهي ليست عصبة لنفسها , لا في شريعة , ولا في لغة . فصح يقينا أنه لا يغرم الجاني

خطأ من دية النفس , ولا من الغرة شيئا.
قال أبو محمد رحمه الله: فإن عجزت العاقلة : فالدية , والغرة على جميع المسلمين في سهم الغارمين من الزكاة ; لأنهم غارمون , فحقهم في سهم الغارمين بنص القرآن ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم بالدية على أوليائها . وبرهان آخر : وهو أن الأموال محرمة إلا بنص أو إجماع , وقد صح النص وإجماع أهل الحق على أن العاقلة تغرم الدية , ولم يأت نص ولا إجماع بأن القاتل يغرم معهم شيئا , فلم يحل أن يخرج من ماله شيء , وبالله تعالى التوفيق . قال أبو محمد رحمه الله والعجب من احتجاجهم بعمر - رضي الله عنه - وهم قد خالفوه في هذا المكان نفسه , وفي غيره , فمما حضرنا ذكره من ذلك : ما رويناه عن معمر عن قتادة : أن رجلا فقأ عين نفسه خطأ , فقضى له عمر بن الخطاب بالدية فيها على العاقلة - وهم لا يقولون بهذا ؟.

كم يغرم كل رجل من العاقلة
2142 - مسألة : كم يغرم كل رجل من العاقلة ؟
قال أبو محمد رحمه الله: قد قلنا : من العاقلة . ثم وجب النظر : أيدخل فيها : الصبيان , والمجانين , والنساء , والفقراء أم لا ؟ فنظرنا في ذلك بعون الله تعالى فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم إنما قضى بالدية على العصبة , وليس النساء عصبة أصلا , ولا يقع عليهن هذا الاسم , والأموال محرمة إلا بنص , أو إجماع , ولا نص ولا إجماع في إيجاب الغرم على نساء القوم في الدية التي تغرمها العاقلة . ثم نظرنا في الفقراء , فوجدنا الله تعالى يقول: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا}. و {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} إلى قوله : {إلا ما آتاها}. فهذا عموم في كل نفقة في بر , يكلفها المرء , لا يجوز أن يخص بهذا الحكم نفقة - دون نفقة - لأنها قضية قائمة بنفسها , فلا يحل القطع لأحد : بأن الله تعالى إنما أراد بذلك ما قبلها خاصة فصح يقينا أن الفقراء خارجون مما تكلفه العاقلة . ثم نظرنا في الصبيان والمجانين , فوجدنا اسم " عصبة " يقع عليهم , ولم نجد نصا ولا إجماعا على إخراجهم عن هذه الكلفة , بل قد وجدنا أحكام غرامات الأموال تلزمهم , كالزكاة التي قد صح النص بإيجابها عليهم , وأجمع الحاضرون من المخالفين معنا على أن زكاة ما أخرجت الأرض , والثمار عليهم , وأن زكاة الفطر عليهم , وأن النفقات على الأولياء والأمهات عليهم . ولم نحتج بهذا لأنفسنا , لكن على المخالفين لنا , لأنهم يزعمون أنهم أصحاب قياس , وقد أجمعوا على وجوب كل ما ذكرناه في أموال الصبيان , والمجانين , فما الفرق بين لزوم النفقات والزكوات لهم , وبين لزوم الدية مع سائر العصبة لهم ؟ لا سيما وهم يرون الدية في مال الصبي والمجنون , إذا قتل , ويرون

أروش الجراحات عليهم أيضا - وهذا تناقض لا خفاء به ؟ فإن قالوا : فأنتم لا ترون الدية عليهم ولا عنهم فيما جنوه , ثم ترونها عليهم فيما جناه غيرهم ؟ قلنا نعم ; لأننا لا نقول بالمقاييس في الدين , ولا أن الشريعة موضوعة على ما توجبه الآراء , بل نكفر بهذا القول , ونبرأ إلى الله تعالى منه . وقد وجدنا القاتل يقتل عددا من المسلمين ظلما فيعفو عنه أولياؤهم , فيحرم دمه , ويمضي سالما لا شيء عليه , ثم يسرق دينارا , أو يزني بأمة سوداء فيعفو عنه رب الدينار , وسيد السوداء , فلا يسقط عنه القطع , ولا القتل بالحجارة - إن كان محصنا - وأين هذا والدينار من قتل النفس المحرمة ؟ ووجدناكم تقولون : إن زكاة الفطر على المرأة , ولا تؤديها عن نفسها , بل يؤديها عنها غيرها - وهو زوجها . ويقول الحنفيون : الأضحية فرض على المرأة فلا تؤديها هي , لكن يؤديها عنها زوجها , فإذا قلتم هذا حيث لم يوجبه الله سبحانه وتعالى ولا رسوله عليه السلام , وأنتم أهل آراء وقياس في الدين ؟ فنحن أولى بأن نقول ما أوجبه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم والحمد لله رب العالمين . فإن قيل : فإن احتجاجكم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رفع القلم عن ثلاثة - فذكر - الصبي حتى يبلغ , والمجنون حتى يفيق". قلنا : نحن - ولله الحمد - قائلون به , ومسقطون عن الصبي والمجنون كل حكم ورد بخطاب أهل ذلك الحكم ; لأنهما غير مخاطبين بيقين لا شك فيه , فهما خارجان عمن خوطب بذلك الحكم , ونحن نلزمهما كل غرامة في مال جاء الحكم في ذلك المال بغير خطاب لأهله , والحكم هاهنا جاء بأن النبي صلى الله عليه وسلم حكم بأن الدية والغرة على عصبة القاتلة ولم يخاطب العصبة , ولا التفت عليه السلام إلى اعتراض من اعترض منهم , بل أنفذ الحكم عليهم , فنحن ننفذ الحكم بإيجاب الدية في مال العصبة ولا نبالي صبيانا كانوا أو مجانين أو غيبا أو حاضرين , ولم نوجب ذلك فيما جناه صبي أو مجنون ; لأن الدية إنما وجبت بنص القرآن فيما قتله مخاطب الكفارة , وليس هذا من صفات الصبيان والمجانين - والحمد لله رب العالمين.
قال أبو محمد رحمه الله: ثم نظرنا في مقدار ما يؤخذ من كل إنسان من العصبة ؟ فوجدنا قوما قالوا : لا يؤخذ من كل واحد إلا أربعة دراهم أو ثلاثة . وقوما قالوا : يؤخذ من الغني نصف دينار , ومن المقل ربع دينار - فكانت هذه حدودا لم يأت بها حكم من الله تعالى ولا من رسوله صلى الله عليه وسلم فوجب أن لا يلتفت إليها ووجب أن ننظر ما الواجب في ذلك ؟ فوجدنا الله تعالى يقول {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا} . وقال تعالى: {َمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} . وقال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} . وحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدية , وبالغرة

على العاقلة , فوجب أن يحملوا من ذلك ما يطيقون , وما لا حرج عليهم فيه , وما لا يبقون بعده في عسر , فإن الله تعالى لم يرد ذلك - أعني العسر بنا - قط , فيؤخذ من مال المرء ما لا يبقى بعده معسرا , أو يعدل بينهم في ذلك , فمن احتمل ماله أبعرة كثيرة , ولم يجحف ذلك به كلف ذلك - ومن لم يحتمل إلا جزءا من بعير كذلك : أشرك بين الجماعة منهم في البعير , هكذا حتى تتم الدية - وهكذا في حكم الغرة , وبالله تعالى التوفيق . إنما ينظر إلى مال المرء منهم وعياله , فتفرض الدية , والغرة على الفضلات من أموالهم - التي يبقون بعدها - لو ذهبت - أغنياء - فيعدل بينهم في ذلك , كما قال تعالى: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}. والعدل : هو الأخذ بالسنة , لا بأن يساوى بين ذي الفضلة القليلة , والفضلة الكثيرة - فيؤخذ منهم سواء - لكن يؤخذ من الكثير كثير , ومن القليل قليل - وهذا قول أصحابنا وهو الحق - وبالله تعالى التوفيق .

هل يعقل عن الحليف وعن المولى من أسفل أو من فوق وعن العبد أم لا وهل يعقل عمن أسلم على يديه أم لا وهل ينتقل الولاء بالعقل أم لا
2143 - مسألة : هل يعقل عن الحليف ؟ وعن المولى من أسفل ؟ أو من فوق ؟ وعن العبد أم لا ؟ وهل يعقل عمن أسلم عن يديه أم لا ؟ وهل ينتقل الولاء بالعقل أم لا ؟
قال أبو محمد رحمه الله: قال قوم : يعقل عن المولى المعتق مواليه من فوق : كما نا محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح نا موسى بن معاوية نا وكيع نا سفيان الثوري عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم , قال : اختصم علي , والزبير , في موال لصفية ؟ فقضى عمر بن الخطاب بأن الميراث للزبير , والعقل على علي . وعن إبراهيم النخعي في رجل أعتقه قوم , وأعتق أباه آخرون ؟ قال : يتوارثون بالأرحام , والعقل على الموالي . وعن أبي موسى أنه كتب إلى عمر بن الخطاب أن رجلا يموت قبلنا , وليس له رحم ولا ولي ؟ فكتب إليه عمر : إن ترك ذا رحم , فالرحم , وإلا فالولاء , وإلا فبيت المال يرثونه ويعقلون عنه . وعن مجاهد قال : إن رجلا أتى عمر بن الخطاب فقال : إن رجلا أسلم على يدي فمات وترك ألف درهم , فتحرجت منها فرفعتها إليك ؟ فقال : أرأيت لو جنى جناية على من كانت تكون ؟ قال علي ؟ قال : فميراثه لك . وعن معمر عن الزهري , قال : قال عمر بن الخطاب : إذا والى الرجل رجلا فله ميراثه , وعلى عاقلته عقله . ومن طريق عبد الرزاق عن ابن جريج قال : قلت لعطاء : أبى القوم أن يعقلوا عن مولاهم , أيكون مولى من عقل عنه ؟ فقال : قال معاوية : إما أن يعقلوا عنه , وإما أن نعقل عنه , وهو مولانا , قال عطاء فإن أبى أهله أن يعقلوا عنه , وأبى الناس , فهو مولى المصاب . وعن عبد الرزاق عن سفيان الثوري , قال : إذا أبت العاقلة أن يعقلوا عن مولاهم أجبروا على ذلك . وعن إبراهيم النخعي : إذا أسلم

الرجل على يدي الرجل فله ميراثه ويعقل عنه وعن الحكم بن عتيبة في رجل تولى قوما قال : إذا عقل عنهم فهو منهم ؟
قال أبو محمد رحمه الله: وقالت طائفة : غير هذا - كما روينا من طريق الحجاج بن المنهال نا حماد بن سلمة عن حميد أن مولى لبني جشم قتل رجلا خطأ فسأل عدي بن أرطاة الحسن البصري عن ذلك ؟ فقال : لا تعقل العرب عن الموالي . وقال أبو حنيفة , ومالك : تعقل العاقلة عن المولى والحليف وقال أبو حنيفة : من والى غير من أعتقه لكن من أسلم على أيديهم فله أن ينتقل عنهم ويوالي غيرهم ما لم يعقلوا عنه , فإذا عقلوا عنه فلا يمكنه الانتقال عنهم بولاية أبدا . وقال أبو سليمان وأصحابنا : لا تعقل العاقلة عن الموالي من أسفل , ولا عن المولى من فوق , ولا عن الحليف , ولا عن العبد . فلما اختلفوا وجب أن نخلص أقوالهم ثم نذكر كل ما احتجت به كل طائفة لقولها ; ليظهر الحق من ذلك فنتبعه بعون الله تعالى ومنه : فكان الحاصل - من قول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن الموالي من فوق يعقلون عن الموالي الذين أعتقوه , أو أعتقه من هو منهم , وأن ذوي الرحم أولى بالميراث من الموالي الذين أعتقوه , ثم المعتقون , ثم المسلمون . وظاهر هذا : أن كل من ذكرنا يعقل عنه , وأن من أسلم على يد إنسان فولاؤه له يرثه ويعقل عنه . وصح من قول معاوية أن الموالي من فوق يعقلون عمن أعتقوه , فإن أبوا عقل عنهم الإمام وزال ولاؤه عن الذين أعتقوه إلى الذي عقل عنه - وهذا صحيح عن معاوية ثابت ; لأن عطاء بن أبي رباح أدركه . وصح عن إبراهيم النخعي : أن المعتقين يعقلون عن مولاهم الذي أعتقوه , وعمن أسلم على يدي رجل منهم - وصح عن الحسن : أنه لا يعقل المعتقون عمن أعتقوا ؟
قال أبو محمد رحمه الله: فوجب أن ننظر في طلب البرهان فيما اختلفوا فيه من ذلك مما أوجب الله تعالى علينا - وهو القرآن والسنة - فوجدنا من يقول : إن المعتقين يعقلون عمن أعتقوه يقولون : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مولى القوم منهم". وقال عليه السلام: "كل حلف كان في الجاهلية فلم يزده الإسلام إلا شدة". كما روينا من طريق مسلم نا أبو بكر بن أبي شيبة نا عبد الله بن نمير , وأبو أسامة عن زكريا عن سعد بن إبراهيم عن أبيه عن جبير بن مطعم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا حلف في الإسلام وأيما حلف كان في الجاهلية فلم يزده الإسلام إلا شدة. ومن طريق مسلم ني زهير بن حرب نا إسماعيل بن إبراهيم - هو ابن علية - نا أيوب السختياني عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن الحصين قال : كانت ثقيف حلفاء لبني عقيل فأسرت ثقيف رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من

من بني عقيل وأصابوا معه العضباء , فأتى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الوثاق فقال : يا محمد ؟ فأتاه فقال : "ما شأنك" ؟ فقال : بم أخذتني وأخذت سابقة الحاج ؟ قال : "إعظاما لذلك أخذتك بجريرة حلفائك ثقيف" ثم انصرف , فناداه : يا محمد , يا محمد - وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رفيقا - فرجع إليه فقال : "ما شأنك"؟ فقال : إني مسلم , قال : "لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح" وذكر باقي الحديث - قالوا : فإذا كان المولى من القوم , والحليف من القوم - وهم مأخوذون بجريرته - فالعقل عليه . قال أبو محمد رحمه الله: وهذه الأخبار في غاية الصحة , إلا أنهم لا حجة لهم في شيء منها : أما قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مولى القوم منهم" فحق لا شك فيه , وليس كونه منهم موجبا أن يعقلوا عنه ; لأنه صلى الله عليه وسلم قد قال أيضا: "ابن أخت القوم منهم" ولم يكن ذلك موجبا عندهم أن يعقلوا عنه : كما روينا من طريق مسلم نا محمد بن المثنى نا محمد بن جعفر - هو غندر - نا شعبة قال : سمعت قتادة يحدث عن أنس بن مالك قال : "جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار وقال : أفيكم أحد من غيركم ؟ قالوا : لا , إلا ابن أخت لنا , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ابن أخت القوم منهم" وذكر الحديث . فبطل أن يكون قوله صلى الله عليه وسلم: "مولى القوم منهم" أن يكون موجبا لأن يعقل عنهم , أو يعقلوا عنه إذ لا يقتضي قوله عليه السلام: "مولى القوم منهم" أن يعقلوا عنه . وأما حديث عمران بن الحصين - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للعقيلي: "أخذتك بجريرة حلفائك من ثقيف" فلا حجة لهم فيه أصلا لوجوه - : أحدها - أنه صلى الله عليه وسلم لم يأخذ منه - إذ أخذه مسلما حرام أخذه - لولا جريرة حلفائه , بل أخذ كافرا حلالا أخذه , ودمه , وماله على كل حال , إلا أنه تأكد أمره من أجل جريرة حلفائه فقط - ولسنا في هذه المسألة - إنما نحن في مسلمين حرام دماؤهم وأموالهم , هل يؤخذون بجريرة حلفائهم أم لا ؟ . وثانيها : أن مثل تلك الجريرة لا يختلف اثنان من أهل الإسلام في أنه لا يحل أن يؤخذ بها مسلم عن مسلم ولو أن حلفاء الإنسان أو إخوانه أو أباه أو ولده : يأسر رجلا من المسلمين , أو يقطع الطريق : لم يحل لأحد أن يأخذ حليفه , ولا أخاه , ولا ابنه , ولا أباه عنه . وثالثها : أن هذا قياس والقياس كله باطل ; لأنه قياس الشيء على ضده , وقياس مؤمن على كافر , وجناية قتل خطأ على أسر كفار لمؤمن - وهذا تخليط ممن موه بهذا الخبر فحرفه عن موضعه . وأما حديث - جبير بن مطعم : "لا حلف في الإسلام , وكل حلف كان في الجاهلية فلم يزده الإسلام إلا شدة" فلا متعلق لهم به ; لأننا لم نخالفهم في بقاء حلف الجاهلية وإبطال الحلف في الإسلام فيحتجوا علينا بهذا الخبر , وإنما الكلام

هل يعقل الحلفاء بعضهم عن بعض أم لا ؟ وليس في هذا الخبر شيء من هذا المعنى وما معنى بقاء الحلف إذا قلنا : معناه ظاهر , وهو أن يكونوا معهم كأنهم منهم , فإذا غزوا غزوا معهم , وإذا كانت لهم حاجة تكلموا فيها كما يتكلم الأهل , وما أشبه ذلك - وأما إيجاب غرامة فلا . وقد روينا من طريق مسلم نا أبو جعفر بن محمد بن الصباح نا حفص بن غياث نا عاصم الأحول قال : قيل لأنس بن مالك : بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حالف بين قريش والأنصار في داره . وفي حديث آخر لمسلم عن أنس : في داره بالمدينة ؟ قال علي رحمه الله : فهذا أعظم حجة في إبطال أن يعقل الحليف عن حليفه ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حالف بين قريش والأنصار, ولا حلف أقوى وأشد من حلف عقده رسول الله صلى الله عليه وسلم فلو عقل الحلفاء عن الحليف لوجب أن تعقل قريش عن الأنصار , والأنصار عن قريش - وهذا ما لا يقولونه
قال أبو محمد رحمه الله: فواجب أن نطلب معرفة الوقت الذي قطع فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم الحلف في الإسلام - : فذكر عن عمر بن الخطاب من طريق عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف , قال : إن كل حلف كان قبل الحديبية فهو مشدود , وكل حلف كان بعد الحديبية فهو منقوض ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين وادع قريشا يوم الحديبية كتب - عليه السلام - حينئذ بينه وبينهم : "أنه من أحب أن يدخل في عهد قريش وعقدها دخل , ومن أحب أن يدخل في عهد محمد صلى الله عليه وسلم وعقده دخل". وقضى عثمان : أن كل حلف كان قبل الهجرة فهو جاهلي ثابت , وكل حلف كان بعد الهجرة فهو في الإسلام , وهو مفسوخ , قضى بذلك في قوم من بني بهز من بني سليم . وقضى علي بن أبي طالب : أن كل حلف كان قبل نزول: {لإيلاف قريش} فهو جاهلي ثابت وكل حلف كان بعد نزولها فهو إسلامي مفسوخ ; لأن من حالف ليدخل في قريش بعد نزول: {لإيلاف قريش} ممن لم يكن منهم لم يكن بذلك داخلا فيهم , قضى في ذلك في حلف ربيعة العقيلي , في جعفي , وهو جد إسحاق بن مسلم العقيلي ; وقال ابن عباس : كل حلف كان قبل نزول: {وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ} إلى قوله: {فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} فهو مشدود , وكل حلف كان بعد نزولها فهو مفسوخ , فوجب أن ننظر في الصحيح من ذلك - : فأما قول عثمان - رضي الله عنه - إن حد انقطاع الحلف إنما هو أول وقت الهجرة , فلا يصح ; لأن أنسا روى - كما ذكرنا - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حالف بين قريش والأنصار بالمدينة, ولا يشك أحد في أن هذا الحلف كان بعد الهجرة . وأما قول عمر - رضي الله عنه - في تحديده انقطاع الحلف بيوم الحديبية فهذا

أيضا متوقف ; لأن حلف النبي صلى الله عليه وسلم بين قريش والأنصار كان بعد الهجرة , ولا ندري أقبل الحديبية أم بعدها . فأما نزول: {لإيلاف قريش} والآية الأخرى فما ندري متى نزلتا ؟ لأن جبير بن مطعم - راوي "كل حلف كان في الجاهلية فلم يزده الإسلام إلا شدة" لم يسلم إلا يوم الفتح , فلا يحمل هذا الخبر إلا على يوم الفتح , والله أعلم - فبطل تعلقهم بهذه الأخبار جملة . قال أبو محمد رحمه الله: فوجب علينا أن نطلب حكم هذه المسائل من غير هذه الأخبار , فوجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قضى بالدية على العصبة - هكذا جاء النص - في خبر دية القاتلة , فوجب أن تكون الدية على العصبة , ومن هم العصبة ؟ فوجدنا النبي صلى الله عليه وسلم قد حكم بميراث القاتلة لبنيها وزوجها وحكم بالدية على عصبتها - فبطل أن تكون الورثة هم العصبة ؟ بخلاف ما قال الشعبي , قال : العقل على من له الميراث , فإذ ذلك كذلك فلعل محتجا يحتج بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألحقوا الفرائض بأهلها فما أبقت الفرائض فلأولى رجل ذكر". فيقول : إن هذا حكم المولى من فوق ؟ فيقال له : نعم , هذا صحيح , وهذا حكم المواريث لا حكم العاقلة ; لأنه قد ترث بالولاء المرأة إذا أعتقت مولى لها وليست المرأة من العصبة ؟ .

تعاقل أهل الذمة
2145 - مسألة : تعاقل أهل الذمة:
روينا من طريق أبي بكر بن أبي شيبة نا حفص بن غياث نا عمرو - هو ابن عبيد - أن الحسن كان يقول في المعاهد يقتل , قال : إن كانوا يتعاقلون فعلى العواقل , وإن كان لا , فدين عليه في ماله وذمته . ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة أيضا نا حفص بن غياث عن أشعث عن الشعبي في المعاهد يقتل , قال : ديته للمسلمين , وعقله عليهم . ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة أيضا نا محمد بن بشر عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في رجل من أهل الذمة فقأ عين رجل مسلم قال : ديته على أهل طسوجه . فهذه أقوال منها - : أن أهل إقليمه يعقلون عنه - وهو ليس بشيء ; لأن أهل طسوجه لا يسمون عصبة له بلا خلاف . وقول آخر - أن عقله على المسلمين , وهذا كذلك إذا لم تكن له عصبة فإن كان له عصبة فعقل من قتل خطأ والغرة تجب عليه وعلى عصبته كما حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يخص بذلك عربا من عجم بل جعل على كل بطن عقوله فعم: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً}.

حكم ما جنى العبد في ذلك أن قتل العبد أوالمدبر أو أم الولد أو المكاتب مسلما خطأ أو جنوا على حامل فاضيب جنينها
2146 - مسألة : حكم ما جنى العبد في ذلك:
إن قتل العبد أو المدبر أو أم الولد , أو المكاتب مسلما خطأ , أو جنوا على حامل فأصيب جنينها , فقد بينا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في ذلك - وهو الذي قضاؤه من قضاء الله تعالى أن الدية والغرة على

من لا عاقلة له
2147 مسألة : من لا عاقلة له:
اختلف الناس في هذا , فقالت طائفة : على المسلمين - : كما روينا أن أبا موسى الأشعري كتب إلى عمر بن الخطاب أن الرجل يموت بيننا ليس له رحم ولا مولى ولا عصبة ؟ فكتب إليه عمر : إن ترك رحما فرحم , وإلا فالمولى , وإلا فلبيت مال المسلمين : يرثونه , ويعقلون عنه . وقالت طائفة : عقله على عصبة أمه - : كما روينا أن علي بن أبي طالب لما رجم المرأة قال لأوليائها : هذا ابنكم ترثونه ويرثكم , وإن جنى جناية فعليكم . وعن إبراهيم قال : إذا لاعن الرجل امرأته : فرق بينهما ولا يجتمعان أبدا , وألحق الولد بعصبة أمه , وترثه , ويعقلون عنه . وعن إبراهيم أيضا - وهو النخعي - في ولد الملاعنة قال : ميراثه كله لأمه , ويعقل عنه عصبتها , كذلك ولد الزنى , وولد النصراني وأمه مسلمة . وقالت طائفة : على من كان مثله - : كما روينا عن ميمون بن مهران أن رجلا من أهل الجزيرة أسلم وليس له موال , فقتل رجلا خطأ ؟ فكتب عمر بن عبد العزيز : أن اجعلوها دية على نحوه ممن أسلم . وقالت طائفة : على من كان مثله . وقالت طائفة : لا شيء في ذلك : كما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج , قال : زعم عطاء أن سائبة من سيب مكة أصابت إنسانا فجاء إلى عمر بن الخطاب , فقال له عمر : ليس لك شيء , أرأيت لو شججته ؟ قال : آخذ له منك حقه , ولا تأخذ لي منه ؟ قال : لا , قال : هو إذا الأرقم أن يتركني ألقم وأن يقتلوني أنقم , قال عمر : فهو الأرقم . قال أبو محمد رحمه الله: فنظرنا في هذا ؟ فوجدنا الله سبحانه وتعالى يقول: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً} الآية . ووجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد

قضى مجملا في الجنين بغرة عبد أو أمة, فكان هذان النصان عامين لكل من له عاقلة , ولكل من لا عاقلة له ولا عصبة ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قضى بالدية والغرة على العصبة لم يقل : إنه لا يجب من ذلك شيء على من لا عصبة له - فإذ لم يقل , وقضى بالغرة جملة , وقضى الله تعالى بدية مسلمة إلى أهل المقتول خطأ عموما : كان ذلك واجبا فيمن قتله خطأ من له عصبة , ومن لا عصبة له , وكذلك الغرة - فوجب أن لا تسقط الدية , ولا الغرة هاهنا أيضا , إذ لم يسقطها نص من الله تعالى , ولا من رسوله عليه السلام . فنظرنا في هذه الأقوال فوجدنا من جعلها في مال الجاني , أو على عصبة أمه , أو على مثله ممن أسلم : قد خص بالغرامة قوما دون سائر الناس - وهذا لا يجوز ; لأنه صلى الله عليه وسلم قال: "إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام" فلم يجز أن يغرم أحد غرامة لم يأت بإيجابها نص ولا إجماع , ولم يقل الله تعالى , ولا رسوله - عليه السلام - إن الدية يغرمها الأخوال , ولا الجاني , ولا من أسلم مع الجاني - فلا يجوز تخصيصهم ; لأنهم وغيرهم سواء في تحريم أموالهم ؟
قال أبو محمد رحمه الله: فلم يبق إلا قول من قال : إن الدية والغرة في سهم الغارمين من الصدقات , أو بيت مال المسلمين في كل مال موقوف لجميع مصالحهم - فوجب القول بهذا ; لأن الله تعالى أوجب الدية في كل مؤمن قتل خطأ , وأوجب الغرة في كل جنين أصيب عموما , إلا ولد الزنى وحده , ومن لا يلحق بمن حملت به أمه منه فقط ; لأن الولادات متصلة من آدم عليه السلام إلينا , وإلى انقراض الدنيا - أبا بعد أب - فكل من على ظهر الأرض من ولد آدم فله عصبة يعلمها الله تعالى - وإن بعدوا عنه ولا بد - إلا من ذكرنا . فإن كانت العصبة مجهولة , أو كانوا فقراء , فبيقين ندري أن الله تعالى إذ أوجب عليهم الدية , والغرة - وخفي أمرهم - فهم عند الله تعالى من الغارمين , فحقهم في سهم الغارمين من الصدقات واجب , فتؤدى عنهم من ذلك . وأما من لم يكن له أب - كولد الزنى , وابن الملاعنة , ومن زفت إليه غير امرأته , وولد المرأة من المجنون يغتصبها , ونحو ذلك , فهذا لا عصبة له بيقين أصلا , لكن الله تعالى قد أوجب في قتل الخطأ الدية , وفي الجنين الغرة , على جميع أهل الإسلام عاما , لا بعضهم دون بعض , فلا يجوز أن يخص بعضهم دون بعض . وهكذا وجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل , إذ ودى عبد الله بن سهل - رضي الله عنه - من الصدقات مائة من الإبل, وقد ذكرناه بإسناده في " كتاب القسامة " إذ لم يعرف من قتله - وبالله تعالى التوفيق.

القسامة
اختلاف الناس في القسامة
2148 – مسألة ـ القسامة :
قال أبو محمد رحمه الله: اختلف الناس في القسامة

على أقوال نذكر منها - ما يسر الله تعالى منها إن شاء الله تعالى على حسب ما وردت عمن جاء عنه في ذلك أثر عن الصحابة - رضي الله عنهم - ثم عن التابعين - رحمهم الله ثم عمن بعدهم إن شاء الله تعالى . ثم نذكر حجة كل طائفة لقولها - بعون الله تعالى ومنه ; ليلوح من ذلك الحق : كما روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن عبد الله بن عمر قال : لم يقد أبو بكر , ولا عمر بالقسامة . روينا من طريق أبي بكر بن أبي شيبة نا عبد السلام بن حرب عن عمرو - هو ابن عبيد - عن الحسن البصري أن أبا بكر والجماعة الأولى لم يكونوا يقيدون بالقسامة . ومن طريق أبي بكر بن أبي شيبة نا وكيع نا المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود قال : انطلق رجلان من أهل الكوفة إلى عمر بن الخطاب فوجداه قد صدر عن البيت عامدا إلى منى فطاف بالبيت ثم أدركاه فقصا عليه قصتهما , فقالا : يا أمير المؤمنين إن ابن عم لنا قتل , نحن إليه شرع سواء في الدم - وهو ساكت لا يرجع إليهما شيئا - حتى ناشداه الله , فحمل عليهما , ثم ذكراه الله ؟ فكف عنهما , ثم قال عمر بن الخطاب : ويل لنا إذا لم نذكر بالله , وويل لنا إذا لم نذكر الله : فيكم شاهدان ذوا عدل , يجيئان به على من قتله فنقيدكم منه , وإلا حلف من يدرؤكم : بالله ما قتلنا ولا علمنا قاتلا ؟ فإن نكلوا حلف منكم خمسون , ثم كانت لكم الدية , إن القسامة تستحق بها الدية ولا يقاد بها . روينا من طريق عبد الرزاق عن معمر عن أبي الزناد عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب استحلف امرأة خمسين يمينا ; ثم جعلها دية . ومن طريق عبد الرزاق عن أبي بكر بن عبد الله عن أبي الزناد عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب قال في القتيل يوجد في الحي يقسم خمسون من الحي الذي وجد فيه : بالله إن دمنا فيكم ثم يغرمون الدية . روينا من طريق البخاري نا قتيبة نا أبو بشر إسماعيل بن إبراهيم الأسدي نا حجاج بن أبي عثمان ني أبو رجاء من آل أبي قلابة حدثني أبو قلابة أنه قال لعمر بن عبد العزيز : كانت هذيل خلعوا حليفا لهم في الجاهلية , وطرق أهل بيت من اليمن بالبطحاء فانتبه له رجل منهم فحذفه بالسيف فقتله ؟ فجاءت هذيل فأخذوا اليماني فرفعوه إلى عمر بن الخطاب بالموسم , وقالوا : قتل صاحبنا , قال : إنهم خلعوه , قال : يقسم خمسون من هذيل ما خلعوا ؟ فأقسم منهم تسعة وأربعون رجلا , وقدم رجل من الشام فسألوه أن يقسم ؟ فافتدى يمينه منهم بألف درهم , فأدخلوا مكانه آخر , فدفعه عمر إلى أخي المقتول , فقرنت يده بيده فانطلقا - وذكر الخبر . وعن الضحاك عن محمد بن المنتشر

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29