كتاب : المحلى
المؤلف : أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري

وَالأَدِّخَارِ مَا حُلَّ لَنَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ, فَخَرَجَ هَذَانِ، عَنِ الْحَظْرِ بِالنَّصِّ وَبَقِيَ مَا عَدَا ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَى الْحَظْرِ. وَهُمْ يَقُولُونَ وَنَحْنُ فِي أُمِّ الْوَلَدِ كَذَلِكَ أَنَّ لَهُ اسْتِخْدَامَهَا وَوَطْأَهَا وَعِتْقَهَا، وَلاَ يَحِلُّ لَهُ بَيْعُهَا, وَلاَ إصْدَاقُهَا, وَلاَ الإِجَارَةُ بِهَا, وَلاَ تَمْلِيكُهَا غَيْرَهُ, وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَا وَقَعَ مِمَّا لاَ يَجُوزُ فَيُفْسَخُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ" وَأَمَّا مَنْ تَمَلَّكَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا بِمِيرَاثٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ صَدَقَةٍ فَهُوَ مَالٌ مِنْ مَالِهِ لَمْ يُخْرِجْهُ، عَنْ يَدِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بَعْدُ فَلَهُ فِيهِ مَا لَهُ فِي سَائِرِ مَالِهِ، وَلاَ فَرْقَ.

ومن وجد بالأُضحية عيبا بعد أن ضحى بها
...
987- مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ وَجَدَ بِالأُُضْحِيَّةِ عَيْبًا بَعْدَ أَنْ ضَحَّى بِهَا وَلَمْ يَكُنْ اشْتَرَطَ السَّلاَمَةَ فَلَهُ الرُّجُوعُ بِمَا بَيْنَ قِيمَتِهَا حَيَّةً صَحِيحَةً وَبَيْنَ قِيمَتِهَا مَعِيبَةً, وَذَلِكَ لأََنَّهُ كَانَ لَهُ الرَّدُّ أَوْ الإِمْسَاكُ, فَلَمَّا بَطَلَ الرَّدُّ بِخُرُوجِهَا بِالتَّضْحِيَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يَجُزْ لِلْبَائِعِ أَكْلُ مَالِ أَخِيهِ بِالْخَدِيعَةِ وَالْبَاطِلِ فَعَلَيْهِ رَدُّ مَا اسْتَزَادَ عَلَى حَقِّهَا الَّذِي يُسَاوِيهِ, لأََنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقٍّ, إِلاَّ أَنْ يُحَلَّ لَهُ ذَلِكَ الْمُبْتَاعُ فَلَهُ ذَلِكَ, لأََنَّهُ حَقُّهُ تَرَكَهُ لِلَّهِ تَعَالَى وَهَذَا مُتَقَصًّى فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ تَعَالَى: {وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} . وَقَالَ تَعَالَى: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ} فَالْخَدِيعَةِ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ.

فإن كان اشتراط السلامة فهي ميتة ويضمن مثلها للبائع ويسترد الثمن
988- مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ كَانَ اشْتِرَاطَ السَّلاَمَةَ فَهِيَ مَيْتَةٌ وَيَضْمَنُ مِثْلَهَا لِلْبَائِعِ وَيَسْتَرِدُّ الثَّمَنَ، وَلاَ تُؤْكَلُ لأََنَّ السَّالِمَةَ بِيَقِينٍ لاَ شَكَّ فِيهِ هِيَ غَيْرُ الْمَعِيبَةِ. فَمَنْ اشْتَرَى سَالِمَةً وَأَعْطَى مَعِيبَةً فَإِنَّمَا أَعْطَى غَيْرَ مَا اشْتَرَى, وَإِذَا أَعْطَى غَيْرَ مَا اشْتَرَى فَقَدْ أَخَذَ مَا لَيْسَ لَهُ, وَمَنْ أَخَذَ مَا لَيْسَ لَهُ فَهُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِ قَالَ تَعَالَى: {وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً، عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} . وَالتَّرَاضِي لاَ يَكُونُ إِلاَّ بِالْمَعْرِفَةِ بِقَدْرِ مَا يَتَرَاضَيَانِ بِهِ لاَ بِالْجَهْلِ بِهِ, فَمَنْ لَمْ يَعْرِفْ الْعَيْبَ فَلَمْ يَرْضَ بِهِ, وَالرِّضَا لاَ يَكُونُ إِلاَّ فِي عَقْدِ الصَّفْقَةِ لاَ بَعْدَهُ. وَمَنْ ذَبَحَ مَالَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِ مَالِكِهِ فَقَدْ تَعَدَّى, وَالتَّعَدِّي مَعْصِيَةٌ لِلَّهِ وَظُلْمٌ, وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالذَّكَاةِ فَهِيَ طَاعَةٌ لَهُ تَعَالَى, وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّ طَاعَةَ اللَّهِ تَعَالَى غَيْرُ مَعْصِيَةٍ, فَالذَّبْحُ الَّذِي هُوَ طَاعَةٌ وَذَكَاةٌ, هُوَ غَيْرُ الذَّبْحِ الَّذِي هُوَ مَعْصِيَةٌ وَعُدْوَانٌ, وَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْ الْحَيَوَانِ إِلاَّ بِالذَّكَاةِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا, لاَ مِمَّا نَهَى عَنْهُ مِنْ الْعُدْوَانِ; فَلَيْسَتْ ذَكِيَّةً فَهِيَ مَيْتَةٌ, وَمَنْ تَعَدَّى بِإِتْلاَفِ مَالِ أَخِيهِ فَهُوَ ضَامِنٌ, وَالصَّفْقَةُ فَاسِدَةٌ فَالثَّمَنُ مَرْدُودٌ. وَمَنْ خَالَفَنَا فِي هَذَا فَقَدْ تَنَاقَضَ, إذْ حَرَّمَ أَكْلَ مَا ذُبِحَ مِنْ صَيْد

ومن أخطأ فذبح أضحية غيره بغير أمره فهي ميتة لا تؤكل وعليه ضمانها لما ذكرنا
989- مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَخْطَأَ فَذَبَحَ أُضْحِيَّةَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَهِيَ مَيْتَةٌ لاَ تُؤْكَلُ, وَعَلَيْهِ ضَمَانُهَا لِمَا ذَكَرْنَا. وَلِلْغَائِبِ أَنْ يَأْمُرَ بِأَنْ يُضَحَّى عَنْهُ وَهُوَ حَسَنٌ, لأََنَّهُ أَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ, فَإِنْ ضُحِّيَ عَنْهُ مِنْ مَالِهِ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَهِيَ مَيْتَةٌ لِمَا ذَكَرْنَا, فَلَوْ ضَحَّى، عَنِ الصَّغِيرِ أَوْ الْمَجْنُونِ وَلِيُّهُمَا مِنْ مَالِهِمَا فَهُوَ حَسَنٌ, وَلَيْسَتْ مَيْتَةً, لأََنَّهُ النَّاظِرُ لَهُمَا وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَالِكُ أَمْرِ نَفْسِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

كتاب ما يحل أكله وما يحرم أكله
باب ما يحل أكله وما يحرم أكله
لا يحل أكل شئ من الخنزير
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب مَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَمَا يَحْرُمُ أَكْلُهُ
قال أبو محمد: لاَ يَحِلُّ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْ الْخِنْزِيرِ, لاَ لَحْمِهِ, وَلاَ شَحْمِهِ, وَلاَ جِلْدِهِ, وَلاَ عَصَبِهِ, وَلاَ غُضْرُوفِهِ, وَلاَ حَشْوَتِهِ, وَلاَ مُخِّهِ, وَلاَ عَظْمِهِ, وَلاَ رَأْسِهِ, وَلاَ أَطْرَافِهِ, وَلاَ لَبَنِهِ, وَلاَ شَعْرِهِ الذَّكَرُ وَالأُُنْثَى وَالصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ سَوَاءٌ، وَلاَ يَحِلُّ الأَنْتِفَاعُ بِشَعْرِهِ لاَ فِي خَرَزٍ, وَلاَ فِي غَيْرِهِ. وَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْ الدَّمِ، وَلاَ اسْتِعْمَالُهُ مَسْفُوحًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَسْفُوحٍ إِلاَّ الْمِسْكُ وَحْدَهُ, وَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ شَيْءٍ مِمَّا مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ مِنْ حَيَوَانِ الْبَرِّ، وَلاَ مَا قُتِلَ مِنْهُ بِغَيْرِ الذَّكَاةِ الْمَأْمُورِ بِهَا, إِلاَّ الْجَرَادُ وَحْدَهُ, فَإِنْ خُنِقَ شَيْءٌ مِنْ حَيَوَانِ الْبَرِّ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ ضُرِبَ بِشَيْءٍ حَتَّى يَمُوتَ, أَوْ سَقَطَ مِنْ عُلْوٍ فَمَاتَ, أَوْ نَطَحَهُ حَيَوَانٌ آخَرُ فَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ فَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْهُ, وَلاَ مَا قَتَلَهُ السَّبُعُ أَوْ حَيَوَانٌ آخَرُ حَاشَا الصَّيْدِ عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ أُدْرِكَ كُلُّ مَا ذَكَرْنَا حَيًّا فَذُكِّيَ فَهُوَ حَلاَلٌ أَكْلُهُ إنْ كَانَ مِمَّا لَمْ يَحْرُمْ أَكْلُهُ. وَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ حَيَوَانٍ ذُبِحَ أَوْ نُحِرَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى, قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ

وأما ما يسكن جوف الماء ولا يعيش إلا فيه فهو حلال كله كيفما وجد
989- مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا مَا يَسْكُنُ جَوْفَ الْمَاءِ، وَلاَ يَعِيشُ إِلاَّ فِيهِ فَهُوَ حَلاَلٌ كُلُّهُ كَيْفَمَا وُجِدَ, سَوَاءٌ أُخِذَ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ أَوْ مَاتَ فِي الْمَاءِ, طَفَا أَوْ لَمْ يَطْفُ, أَوْ قَتَلَهُ حَيَوَانٌ بَحْرِيٌّ أَوْ بَرِّيٌّ هُوَ كُلُّهُ حَلاَلٌ أَكْلُهُ. وَسَوَاءٌ خِنْزِيرُ الْمَاءِ, أَوْ إنْسَانُ الْمَاءِ, أَوْ كَلْبُ الْمَاءِ وَغَيْرُ ذَلِكَ كُلُّ ذَلِكَ حَلاَلٌ أَكْلُهُ: قَتَلَ كُلَّ ذَلِكَ وَثَنِيٌّ أَوْ مُسْلِمٌ أَوْ كِتَابِيٌّ أَوْ لَمْ يَقْتُلْهُ أَحَدٌ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا يَسْتَوِي الْبَحْرَانِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَقَالَ تَعَالَى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} فَعَمَّ تَعَالَى وَلَمْ يَخُصَّ شَيْئًا مِنْ شَيْءٍ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} فَخَالَفَ أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ هَذَا كُلَّهُ وَقَالُوا: يَحِلُّ أَكْلُ مَا مَاتَ مِنْ السَّمَكِ وَمَا جَزَرَ عَنْهُ الْمَاءُ مَا لَمْ يَطْفُ عَلَى الْمَاءِ مِمَّا مَاتَ فِي الْمَاءِ حَتْفَ أَنْفِهِ خَاصَّةً, وَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ مَا طَفَا مِنْهُ عَلَى الْمَاءِ, وَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ شَيْءٍ مِمَّا فِي الْمَاءِ إِلاَّ السَّمَكُ وَحْدَهُ, وَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ خِنْزِيرِ الْمَاءِ، وَلاَ إنْسَانِ الْمَاءِ, وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِأَنْ قَالُوا: قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ أَكْلَ الْخِنْزِيرِ جُمْلَةً وَالإِنْسَانِ وَهَذَا خِنْزِيرٌ وَإِنْسَانٌ, قَالُوا: فَإِنْ ضَرَبَهُ حُوتٌ فَقَتَلَهُ أَوْ ضَرَبَهُ طَائِرٌ فَقَتَلَهُ أَوْ ضَرَبَتْهُ صَخْرَةٌ فَقَتَلَتْهُ أَوْ صَادَهُ وَثَنِيٌّ فَقَتَلَهُ فَطَفَا بَعْدَ كُلِّ هَذَا فَهُوَ حَلاَلٌ أَكْلُهُ, وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي سَمَكَةٍ مَيِّتَةٍ بَعْضُهَا فِي الْبَرِّ وَبَعْضُهَا فِي الْمَاءِ: إنْ كَانَ الرَّأْسُ وَحْدَهُ خَارِجَ الْمَاءِ أُكِلَتْ وَإِنْ كَانَ الرَّأْسُ فِي الْمَاءِ نُظِرَ فَإِنْ كَانَ الَّذِي فِي الْبَرِّ مِنْ مُؤَخَّرِهَا النِّصْفَ فَأَقَلَّ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهَا وَإِنْ كَانَ الَّذِي فِي الْبَرِّ مِنْ مُؤَخَّرِهَا أَكْثَرَ مِنْ النِّصْفِ حَلَّ أَكْلُهَا.
قال أبو محمد: هَذِهِ أَقْوَالٌ لاَ تُعْلَمُ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ قَبْلَهُمْ وَهِيَ مُخَالِفَةٌ لِلْقُرْآنِ وَلِلسُّنَنِ وَلأََقْوَالِ الْعُلَمَاءِ وَلِلْقِيَاسِ وَلِلْمَعْقُولِ لأََنَّهَا تَكْلِيفٌ مَا لاَ يُطَاقُ مِمَّا لاَ سَبِيلَ إلَى عِلْمِهِ هَلْ مَاتَتْ وَهِيَ طَافِيَةٌ فِيهِ أَوْ مَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَطْفُوَ أَوْ مَاتَتْ مِنْ ضَرْبَةِ حُوتٍ أَوْ مِنْ صَخْرَةٍ مُنْهَدِمَةٍ أَوْ حَتْفَ أَنْفِهَا، وَلاَ يَعْلَمُ هَذَا إِلاَّ اللَّهُ أَوْ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ بِذَلِكَ الْحُوتِ, وَمَا نَدْرِي لَعَلَّ الْجِنَّ لاَ سَبِيلَ لَهَا إلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ أَمْ يُمْكِنُهَا عِلْمُ ذَلِكَ لأََنَّ فِيهِمْ غَوَّاصِينَ بِلاَ شَكٍّ قَالَ تَعَالَى: {وَمِنْ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ} ثُمَّ لاَ بُدَّ لِلسَّمَكَةِ الَّتِي شَرَّعَ فِيهَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ هَذِهِ الشَّرِيعَةَ السَّخِيفَةَ مِنْ مُذَرِّعٍ يُذَرِّعُ مَا مِنْهَا خَارِجَ الْمَاءِ وَمَا مِنْهَا دَاخِلَ الْمَاءِ ثُمَّ مَا يُدْرِيهِ الْبَائِسُ لَعَلَّهُ كَانَ أَكْثَرُهَا فِي الْمَاءِ, ثُمَّ أَدَارَتْهَا الأَمْوَاجُ فَيَا لِلَّهِ وَيَا لِلْمُسْلِمِينَ

لِهَذِهِ الْحَمَاقَاتِ الَّتِي لاَ تُشْبِهُ إِلاَّ مَا يَتَطَايَبُ بِهِ الْمُجَّانُ لأَِضْحَاكِ سُخَفَاءِ الْمُلُوكِ, وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِنْ قَوْلِهِمْ فِي الأَخْبَارِ الثَّابِتَةِ فِي أَنَّهُ لاَ تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ، وَلاَ الرَّضْعَتَانِ: هَذَا زِيَادَةٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ فَلاَ نَأْخُذُ بِهَا إِلاَّ مِنْ طَرِيقِ التَّوَاتُرِ, ثُمَّ لاَ يَسْتَحْيُونَ أَنْ يَزِيدُوا بِمِثْلِ هَذِهِ الْعُقُولِ مِثْلَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ. نَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى السَّلاَمَةِ فِي الدِّينِ وَالْعَقْلِ كَثِيرًا.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهُ قَدْ حَرَّمَ الْخِنْزِيرَ وَالإِنْسَانَ وَهَذَا خِنْزِيرٌ وَإِنْسَانٌ, وَقَدْ قَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ بِهَذَا أَيْضًا خَاصَّةً: فَلَيْسَ خِنْزِيرًا، وَلاَ إنْسَانًا لأََنَّهَا إنَّمَا هِيَ تَسْمِيَةُ مَنْ لَيْسَ حُجَّةً فِي اللُّغَةِ وَلَيْسَتْ التَّسْمِيَةُ إِلاَّ لِلَّهِ تَعَالَى, وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ إلَى النَّاسِ لَكَانَ مَنْ شَاءَ أَنْ يُحِلَّ الْحَرَامَ أَحَلَّهُ بِأَنْ يُسَمِّيَهُ بِاسْمِ شَيْءٍ حَلاَلٍ وَمَنْ شَاءَ أَنْ يُحَرِّمَ الْحَلاَلَ حَرَّمَهُ بِأَنْ يُسَمِّيَهُ بِاسْمِ شَيْءٍ حَرَامٍ, فَسَقَطَ قَوْلُ هَذِهِ الطَّائِفَةِ سُقُوطًا لاَ مِرْيَةَ فِيهِ وَبَقِيَ قَوْلٌ لِبَعْضِ السَّلَفِ فِي تَحْرِيمِ الطَّافِي مِنْ السَّمَكِ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى نَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مَهْدِيٍّ نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: مَا طَفَا فَلاَ تَأْكُلُوهُ وَمَا كَانَ عَلَى حَافَتَيْهِ أَوْ حَسِرَ عَنْهُ فَكُلُوهُ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا إبْرَاهِيمُ، هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ نَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: مَا حَسِرَ الْمَاءُ، عَنْ ضِفَّتَيْ الْبَحْرِ فَكُلْ وَمَا مَاتَ فِيهِ طَافِيًا فَلاَ تَأْكُلْ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ فُضَيْلٍ أَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ مَيْسَرَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: مَا طَفَا مِنْ صَيْدِ الْبَحْرِ فَلاَ تَأْكُلُوهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنِ الأَجْلَحِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الْهُذَيْلِ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ وَقَدْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: إنِّي أَجِدُ الْبَحْرَ وَقَدْ جَعَلَ سَمَكًا قَالَ: لاَ تَأْكُلْ مِنْهُ طَافِيًا. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّهُ قَالَ: مَا طَفَا مِنْ السَّمَكِ فَلاَ تَأْكُلْهُ. وَصَحَّ، عَنِ الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُمْ كَرِهُوا الطَّافِيَ مِنْ السَّمَكِ, وَبِتَحْرِيمِهِ يَقُولُ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ, وَرُوِيَ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ فِيمَا فِي الْبَحْرِ مِمَّا عَدَا السَّمَكِ قَوْلاَنِ, أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُؤْكَلُ, وَالآخَرُ لاَ يُؤْكَلُ حَتَّى يُذْبَحَ, وَهَهُنَا قَوْلٌ آخَرُ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ قَالَ: نَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ كَرِهَ صَيْدَ الْمَجُوسِ لِلسَّمَكِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ حَفْصٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: ذَكَاةُ الْحُوتِ فَكُّ لَحْيَيْهِ.

قال أبو محمد: أَمَّا هَذَا الْقَوْلُ وَتَقْسِيمُ أَحَدِ قَوْلَيْ الثَّوْرِيِّ فَيُبْطِلُهَا كُلَّهَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى نَا أَبُو خَيْثَمَةَ هُوَ زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ حَدَّثَنِي جَابِرٌ قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمَّرَ عَلَيْنَا أَبَا عُبَيْدَةَ نَتَلَقَّى عِيرًا لِقُرَيْشٍ وَزَوَّدَنَا جِرَابًا مِنْ تَمْرٍ لَمْ يَجِدْ لَنَا غَيْرَهُ فَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ يُعْطِينَا تَمْرَةً تَمْرَةً, قَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ: فَقُلْت لِجَابِرٍ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ بِهَا قَالَ: نَمُصُّهَا كَمَا يَمُصُّ الصَّبِيُّ ثُمَّ نَشْرَبُ عَلَيْهَا مِنْ الْمَاءِ فَتَكْفِينَا يَوْمَنَا إلَى اللَّيْلِ وَكُنَّا نَضْرِبُ بِعِصِيِّنَا الْخَبَطَ فَنَبُلُّهُ بِالْمَاءِ فَنَأْكُلُهُ قَالَ: وَانْطَلَقْنَا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ فَرُفِعَ لَنَا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ كَهَيْئَةِ الْكَثِيبِ الضَّخْمِ فَأَتَيْنَاهُ فَإِذَا هُوَ دَابَّةٌ تُدْعَى الْعَنْبَرَ قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: مَيْتَةٌ, ثُمَّ قَالَ: لاَ بَلْ نَحْنُ رُسُلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْ اُضْطُرِرْتُمْ فَكُلُوا فَأَقَمْنَا عَلَيْهِ شَهْرًا وَنَحْنُ ثَلاَثُمِائَةٍ حَتَّى سَمِنَّا وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا نَغْتَرِفُ مِنْ وَقْبِ عَيْنَيْهِ بِالْقِلاَلِ الدُّهْنَ وَنَقْتَطِعُ مِنْهُ الْفِدَرَ كَالثَّوْرِ أَوْ كَقَدْرِ الثَّوْرِ وَلَقَدْ أَخَذَ مِنَّا أَبُو عُبَيْدَةَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ رَجُلاً فَأَقْعَدَهُمْ فِي وَقْبِ عَيْنِهِ وَأَخَذَ ضِلْعًا مِنْ أَضْلاَعِهِ فَأَقَامَهَا, ثُمَّ رَحَلَ أَعْظَمَ بَعِيرٍ مَعَنَا فَمَرَّ مِنْ تَحْتِهَا وَتَزَوَّدْنَا مِنْ لَحْمِهِ وَشَائِقَ, فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ هُوَ رِزْقٌ أَخْرَجَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَكُمْ فَهَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ فَتُطْعِمُونَا فَأَرْسَلْنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهُ فَأَكَلَهُ.
قال أبو محمد: فَهَذَا لَيْسَ مِنْ السَّمَكِ بَلْ هُوَ مِمَّا حَرَّمَهُ مَنْ ذَكَرْنَا وَلَيْسَ مِمَّا فُكَّتْ لَحْيَاه بَلْ هُوَ مَيْتَةٌ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، عَنْ جَابِرٍ لِسَمَاعِ أَبِي الزُّبَيْرِ إيَّاهُ مِنْهُ, وَهَذَا بَيِّنٌ فِيهِ لِقَوْلِهِ لِجَابِرٍ فِي التَّمْرَةِ كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ بِهَا وَإِذْ مَيْتَةُ الْبَحْرِ حَلاَلٌ فَصَيْدُ الْوَثَنِيِّ وَغَيْرِهِ لَهُ سَوَاءٌ لأََنَّهُ لاَ يَحْتَاجُ إلَى ذَكَاةٍ إنَّمَا ذَكَاتُهُ مَوْتُهُ فَقَطْ, وَأَمَّا مَنْ حَرَّمَ الطَّافِيَ جُمْلَةً فَالرِّوَايَةُ فِي ذَلِكَ، عَنْ جَابِرٍ لاَ تَصِحُّ لأََنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ سَمَاعًا مِنْ جَابِرٍ وَهُوَ مَا لَمْ يَذْكُرْ ذَلِكَ فَمُدَلَّسٌ عَنْهُ كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى, وَهِيَ، عَنْ عَلِيٍّ لاَ تَصِحُّ لأََنَّ ابْنَ

فُضَيْلٍ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ إِلاَّ بَعْدَ اخْتِلاَطِهِ, وَهِيَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ طَرِيقِ أَجْلَحَ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ لَكِنَّهُ صَحِيحٌ، عَنِ الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ. وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدَةَ نَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ الطَّائِفِيُّ نَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا أَلْقَى الْبَحْرُ أَوْ جَزَرَ عَنْهُ فَكُلُوهُ وَمَا مَاتَ فِيهِ فَطَفَا فَلاَ تَأْكُلُوهُ" وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ وَنُعَيْمِ بْنِ الْمُجْمِرِ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "كُلُوا مَا حَسِرَ عَنْهُ الْبَحْرُ وَمَا أَلْقَى وَمَا وَجَدْتُمُوهُ طَافِيًا مِنْ السَّمَكِ فَلاَ تَأْكُلُوهُ".
قال أبو محمد: مَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَذَا وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ لأََنَّهُ لاَ يَصِحُّ وَلَوْ صَحَّ لَمَا تَرَدَّدْنَا طَرْفَةَ عَيْنٍ فِي الْقَوْلِ بِهِ إِلاَّ أَنَّ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ فَهُوَ لَوْ صَحَّ حُجَّةٌ عَلَى أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ لأََنَّهُمْ مُخَالِفُونَ لِمَا فِيهِ وَلِكُلِّ مَا رُوِّينَا فِي ذَلِكَ، عَنْ صَاحِبٍ أَوْ تَابِعٍ لأََنَّهُمْ يُبِيحُونَ بَعْضَ الطَّافِي إذَا مَاتَ مِنْ عَارِضٍ عَرَضَ لَهُ لاَ حَتْفَ أَنْفِهِ وَيُحَرِّمُونَ كَثِيرًا مِمَّا أَلْقَى الْبَحْرُ أَوْ حَسِرَ عَنْهُ فَخَالَفُوا الْخَبَرَ فِي مَوْضِعَيْنِ, وَكَذَلِكَ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ فِي هَذَا شَيْءٌ, وَأَمَّا ضَعْفُ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ, فَأَحَدُهُمَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ, وَالآخَرُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ سَمَاعًا. نَا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْبَرِّ النَّمَرِيُّ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ الأَزْدِيُّ الْقَاضِي نَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّخِيلُ نَا أَبُو جَعْفَرٍ الْعُقَيْلِيُّ نا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ وَزَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْحُلْوَانِيُّ قَالَ زَكَرِيَّا: نَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ, وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ: نَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ, ثُمَّ اتَّفَقَ أَحْمَدُ وَالْحَسَنُ قَالاَ جَمِيعًا: نَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ نَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: جِئْت أَبَا الزُّبَيْرِ فَدَفَعَ إلَيَّ كِتَابَيْنِ فَقُلْت لَهُ: هَذَا كُلُّهُ سَمِعْته مِنْ جَابِرٍ فَقَالَ: مِنْهُ مَا سَمِعْت مِنْهُ, وَمِنْهُ مَا حَدَّثْت عَنْهُ فَقُلْت: أَعْلِمْ لِي عَلَى مَا سَمِعْت فَأَعْلَمَ لِي عَلَى هَذَا الَّذِي عِنْدِي.
قال أبو محمد: فَمَا لَمْ يَكُنْ مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، وَلاَ قَالَ فِيهِ أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ بِهِ جَابِرٌ فَلَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ جَابِرٍ بِإِقْرَارِهِ، وَلاَ نَدْرِي عَمَّنْ أَخَذَهُ فَلاَ يَجُوزُ الأَحْتِجَاجُ

بِهِ, وَهَذَا مِنْ ذَلِكَ الْخَبَرِ فَسَقَطَ وَنَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى بَيَانِهِ لَنَا. وَقَدْ رُوِيَ مِثْلُ قَوْلنَا، عَنْ طَائِفَةٍ مِنْ السَّلَفِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَشِيرٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، أَنَّهُ قَالَ: السَّمَكَةُ الطَّافِيَةُ حَلاَلٌ لِمَنْ أَرَادَ أَكْلَهَا. نَا حُمَامُ نَا الْبَاجِيَّ نَا ابْنُ أَيْمَنَ نَا أَحْمَدُ بْنُ مُسْلِمٍ نَا أَبُو ثَوْرٍ نَا مُعَلَّى نَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قَالَ: السَّمَكُ كُلُّهُ ذَكِيٌّ وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا سُفْيَانُ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: طَعَامُ الْبَحْرِ كُلْ مَا فِيهِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ نَا هَمَّامٌ، هُوَ ابْنُ يَحْيَى، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: الْحِيتَانُ وَالْجَرَادُ ذَكِيٌّ.
قال أبو محمد: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌْ} فَسَمَّى مَا يَلْتَقِمُ الإِنْسَانَ فِي بَلْعَةٍ وَاحِدَةٍ حُوتًا. وَلَيْسَ هَذَا مِنْ الصِّفَةِ الَّتِي أَحَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ, وَقَدْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ بِإِبَاحَتِهِ، وَلاَ يُعْلَمُ لَهُمَا فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا صَالِحُ بْنُ مُوسَى الطَّلْحِيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ سَأَلَ، عَنِ الْحِيتَانِ وَالْجَرَادِ فَقَالَ: الْحِيتَانُ وَالْجَرَادُ ذَكِيٌّ ذَكَاتُهُمَا صَيْدُهُمَا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا هُشَيْمٌ أَنَا مَنْصُورٌ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ أَكَلَ سَمَكَةً طَافِيَةً. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي ثَوْرٍ نَا مُعَلَّى نَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنِ سَعِيدٍ التَّنُّورِيُّ نَا أَبُو التَّيَّاحِ، عَنْ ثُمَامَةَ بْنِ أَنْسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ الأَنْصَارِيَّ سَأَلَ، عَنْ سَمَكَةٍ طَافِيَةٍ فَقَالَ: كُلْ وَأَطْعِمْنِي. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ الْكَلاَعِيِّ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: أَدْرَكْت سَبْعِينَ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْكُلُونَ صَيْدَ الْمَجُوسِ مِنْ الْحِيتَانِ لاَ يَخْتَلِجُ مِنْهُ شَيْءٌ فِي صُدُورِهِمْ وَلَمْ يَكُونُوا يَرَوْنَ صَيْدَهُ ذَكَاتَهُ, وَبِأَكْلِ الطَّافِي مِنْ السَّمَكِ يَقُولُ ابْنُ أَبِي

لَيْلَى وَالأَوْزَاعِيُّ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَمَالِكٌ وَاللَّيْثُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو سُلَيْمَانَ.
قَالَ عَلِيٌّ: لاَ يَطْفُو الْحُوتُ أَصْلاً إِلاَّ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ يُقَارِبَ الْمَوْتَ فَإِذَا مَاتَ طَفَا ضَرُورَةً، وَلاَ بُدَّ, فَتَخْصِيصُهُمْ الطَّافِيَ بِالْمَنْعِ وَإِبَاحَتُهُمْ مَا مَاتَ فِي الْمَاءِ تَنَاقُضٌ.

وأما ما يعيش في الماء وفي البر فلا يحل أكله
990- مسألة: وأما ما يعيش في الماء وفي البر فلا يحل أكله الا بذكاة كالسلحفاة والباليمرين وكلب الماء والسمور ونحو ذلك لانه من صيد البر ودوابه وان قتله المحرم جزاه وأما الضفدع فلا يحل أكله اصلا لما ذكرنا في كتاب الحج من نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذبحها فأغنى عن إعادته.

ولا يحل أكل حيوان مما يحل أكله ما دام حيا
991- مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ حَيَوَانٍ مِمَّا يَحِلُّ أَكْلُهُ مَا دَامَ حَيًّا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ فَحَرَّمَ عَلَيْنَا أَكْلَ مَا لَمْ نُذَكِّ, وَالْحَيُّ لَمْ يُذَكَّ بَعْدُ. وَكَذَلِكَ لَوْ ذُبِحَ حَيَوَانٌ أَوْ نُحِرَ فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْهُ حَتَّى يَمُوتَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جَنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا} . وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ حُكْمَ الْبَدَنِ وَغَيْرِهَا فِي هَذَا سَوَاءٌ, فَلاَ يَحِلُّ بَلْعُ جَرَادَةٍ حَيَّةٍ, وَلاَ بَلْعُ سَمَكَةٍ حَيَّةٍ, مَعَ أَنَّهُ تَعْذِيبٌ, وَقَدْ نُهِيَ، عَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ نَا مَعْمَرٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ الْفُرَافِصَةِ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: إنَّ الذَّكَاةَ: الْحَلْقُ وَاللَّبَّةُ لِمَنْ قَدَرَ, وَذَرُوا الأَنْفُسَ حَتَّى تُزْهَقَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ولا يحل أكل شيء من حيوان البر
992- مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْ حَيَوَانِ الْبَرِّ بِفَتْلِ عُنُقٍ, وَلاَ بِشَدْخٍ, وَلاَ بِغَمٍّ; لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَلَيْسَ هَذَا ذَكَاةً.

ولا يحل أكل العذرة ولا الرجيعِ ولا شيء من أبوال الخيول
...
993- مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ الْعَذِرَةِ, وَلاَ الرَّجِيعِ, وَلاَ شَيْءٍ مِنْ أَبْوَالِ الْخُيُولِ, وَلاَ الْقَيْءِ, وَلاَ لُحُومِ النَّاسِ وَلَوْ ذُبِحُوا، وَلاَ أَكْلُ شَيْءٍ يُؤْخَذُ مِنْ الإِنْسَانِ إِلاَّ اللَّبَنَ وَحْدَهُ, وَلاَ شَيْءٍ مِنْ السِّبَاعِ ذَوَاتِ الأَنْيَابِ, وَلاَ أَكْلُ الْكَلْبِ, وَالْهِرِّ الإِنْسِيُّ وَالْبَرِّيُّ سَوَاءٌ، وَلاَ الثَّعْلَبِ, حَاشَا الضَّبُعِ وَحْدَهَا, فَهِيَ حَلاَلٌ أَكْلُهَا, وَلَوْ أَمْكَنَتْ ذَكَاةُ الْفِيلِ لَحَلَّ أَكْلُهُ أَمَّا الْعَذِرَةُ وَالْبَوْلُ فَ. لِمَا ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الصَّلاَةِ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي النَّهْيِ، عَنِ الصَّلاَةِ وَهُوَ يُدَافِعُ الأَخْبَثَيْنِ الْبَوْلَ وَالْغَائِطَ, وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ} . وَذَكَرْنَا هُنَالِكَ قَوْلَهُ عليه السلام: "َأكْثَرُ عَذَابِ الْقَبْرِ

ولا يحل أكل شيء من الحيات ولا أكل شيء من ذوات المخالب من الطير وهي التي تصيد الصيد بمخالبها ولا العقارِب
...
994- مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْ الْحَيَّاتِ، وَلاَ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْ ذَوَاتِ الْمَخَالِبِ مِنْ الطَّيْرِ وَهِيَ الَّتِي تَصِيدُ الصَّيْدَ بِمَخَالِبِهَا, وَلاَ الْعَقَارِبِ, وَلاَ الْفِئْرَانِ، وَلاَ الْحِدَاءِ, وَلاَ الْغُرَابِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخَ نَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ حَدَّثَتْنِي إحْدَى نِسْوَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ عليه السلام يَأْمُرُ بِقَتْلِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ, وَالْفَأْرَةِ, وَالْعَقْرَبِ, وَالْحُدَيَّا, وَالْغُرَابِ, وَالْحَيَّةِ, قَالَ: وَفِي الصَّلاَةِ أَيْضًا. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ جَهْضَمٍ نَا إسْمَاعِيلُ وَهُوَ عِنْدَنَا ابْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَوْمًا عِنْدَ هَدْمٍ لَهُ رَأَى وَبِيصَ جَانٍّ فَقَالَ: اُقْتُلُوا فَقَالَ أَبُو لُبَابَةَ الأَنْصَارِيُّ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى، عَنْ قَتْلِ الْجِنَّانِ الَّتِي تَكُونُ فِي الْبُيُوتِ إِلاَّ الأَبْتَرَ وَذَا الطُّفْيَتَيْنِ فَإِنَّهُمَا اللَّذَانِ يَخْطِفَانِ الْبَصَرَ وَيَتْبَعَانِ مَا فِي بُطُونِ النِّسَاءِ. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنْ صَيْفِي، هُوَ ابْنُ أَفْلَحَ أَخْبَرَنِي أَبُو السَّائِبِ مَوْلَى هِشَامِ بْنِ زُهْرَةَ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إنَّ بِالْمَدِينَةِ جِنًّا قَدْ أَسْلَمُوا فَإِذَا رَأَيْتُمْ مِنْهَا شَيْئًا فَآذِنُوهُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ, فَإِنْ بَدَا لَكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَاقْتُلُوهُ" . فَكُلُّ مَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِهِ فَلاَ ذَكَاةَ لَهُ, لأََنَّهُ عليه السلام نَهَى، عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ, وَلاَ يَحِلُّ قَتْلُ شَيْءٍ يُؤْكَلُ, وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الْحَجِّ قَوْلَهُ عليه السلام: خَمْسٌ فَوَاسِقُ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ فَذَكَرَ الْعَقْرَبَ, وَالْفَأْرَةَ, وَالْحِدَأَةَ, وَالْغُرَابَ, وَالْكَلْبَ الْعَقُورَ. فَصَحَّ أَنَّ فِيهَا فِسْقًا, وَالْفِسْقُ مُحَرَّمٌ قَالَ تَعَالَى: {قُلْ لاَ أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ}. فَلَوْ ذُبِحَ مَا فِيهِ فِسْقٌ لَكَانَ مِمَّا أُهِّلَ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ; لأََنَّ ذَبْحَ مَا لاَ يَحِلُّ أَكْلُهُ

مَعْصِيَةٌ, وَالْمَعْصِيَةُ قَصْدٌ إلَى غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ: رُوِّينَا، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: اُقْتُلُوا الْحَيَّاتِ كُلَّهَا.
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: مَنْ قَتَلَ حَيَّةً أَوْ عَقْرَبًا قَتَلَ كَافِرًا. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي خَيْثَمَةَ نَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ نَا أَبِي نَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: إنِّي لاََعْجَبُ مِمَّنْ يَأْكُلُ الْغُرَابَ, وَقَدْ أَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي قَتْلِهِ وَسَمَّاهُ فَاسِقًا, وَاَللَّهِ مَا هُوَ مِنْ الطَّيِّبَاتِ.
وَمِنْ طَرِيقِ شَرِيكٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: مَنْ يَأْكُلُ الْغُرَابَ وَقَدْ سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاسِقًا, وَاَللَّهِ مَا هُوَ مِنْ الطَّيِّبَاتِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَنْ يَأْكُلُ الْغُرَابَ وَقَدْ سَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاسِقًا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: كَرِهَ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَكْلَ الْحِدَاءِ وَالْغُرَابِ حَيْثُ سَمَّاهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ فَوَاسِقِ الدَّوَابِّ الَّتِي تُقْتَلُ فِي الْحَرَمِ. فإن قيل: قَدْ رُوِيَ وَتَرْمِي الْغُرَابَ، وَلاَ تَقْتُلْهُ قلنا: رَوَاهُ مَنْ لاَ يَجُوزُ الأَخْذُ بِرِوَايَتِهِ يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ وَقَدْ ذَكَرْنَا تَضْعِيفَهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَقَوْلُنَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ, وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَحَرَّمَ أَبُو حَنِيفَةَ الْغُرَابَ الأَبْقَعَ, وَلَمْ يُحَرِّمْ الأَسْوَدَ; وَاحْتَجَّ بِأَنَّ فِي بَعْضِ الأَخْبَارِ ذَكَرَ الْغُرَابَ الأَبْقَعَ.
قال أبو محمد: الأَخْبَارُ الَّتِي فِيهَا عُمُومُ ذِكْرِ الْغُرَابِ هُوَ الزَّائِدُ حُكْمًا لَيْسَ فِي الَّذِي فِيهِ تَخْصِيصُ الأَبْقَعِ, وَمَنْ قَالَ: إنَّمَا عَنَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ: "الْغُرَابُ" الْغُرَابَ الأَبْقَعَ خَاصَّةً; لأََنَّهُ قَدْ ذَكَرَ الْغُرَابَ الأَبْقَعَ فِي خَبَرٍ آخَرَ: فَقَدْ كَذَبَ, إذْ قَفَا مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ, وَنَحْنُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ قَدْ أَمَرَ عليه السلام بِقَتْلِ الأَبْقَعِ فِي خَبَرٍ, وَبِقَتْلِ الْغُرَابِ جُمْلَةً فِي خَبَرٍ آخَرَ, وَكِلاَهُمَا حَقٌّ لاَ يَحِلُّ خِلاَفُهُ. وَتَرَدَّدَ الْمَالِكِيُّونَ فِي هَذِهِ الدَّوَابِّ الَّتِي ذَكَرْنَا. وَأَمَّا الْعَقَارِبُ وَالْحَيَّاتُ فَمَا يَمْتَرِي ذُو فَهْمٍ فِي أَنَّهُنَّ مِنْ أَخْبَثِ الْخَبَائِثِ وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ} . وَأَمَّا الْفِئْرَانُ فَمَا زَالَ جَمِيعُ أَهْلِ الإِسْلاَمِ يَتَّخِذُونَ لَهَا الْقِطَاطَ, وَالْمَصَائِدَ الْقَتَّالَةَ, وَيَرْمُونَهَا مَقْتُولَةً عَلَى الْمَزَابِلِ, فَلَوْ كَانَ أَكْلُهَا حَلاَلاً لَكَانَ ذَلِكَ مِنْ الْمَعَاصِي, وَمِنْ إضَاعَةِ الْمَالِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَبَاحُوا أَكْلَ الْحَيَّاتِ الْمُذَكَّاةِ, وَهُمْ يُحَرِّمُونَ أَكْلَ مَا ذُكِّيَ مِنْ قَفَاهُ, وَلاَ سَبِيلَ إلَى تَذْكِيَةِ الْحَيَّاتِ إِلاَّ مِنْ أَقْفَائِهَا.
قال أبو محمد: وَهِيَ وَالْخَمْرُ تَقَعُ فِي التِّرْيَاقِ فَلاَ يَحِلُّ أَكْلُهُ إِلاَّ عِنْدَ الضَّرُورَةِ عَلَى سَبِيلِ التَّدَاوِي, لأََنَّ الْمُتَدَاوِيَ مُضْطَرٌّ, وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إِلاَّ مَا اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ}.
وَأَمَّا ذَوَاتُ الْمَخَالِبِ مِنْ الطَّيْرِ: فَلِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نَا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ, وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ أَحْمَدُ: نَا هُشَيْمٌ أَنَّ أَبَا بِشْرٍ جَعْفَرَ بْنَ أَبِي وَحْشِيَّةَ أَخْبَرَهُ, وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: نَا أَبِي نَا شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ, ثُمَّ اتَّفَقَ الْحَكَمُ, وَأَبُو بِشْرٍ, كِلاَهُمَا، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ

صلى الله عليه وسلم نَهَى، عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَعَنْ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَنْهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ حَلاَلٍ: وَبِهَذَا يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ, وَأَحْمَدُ, وَأَبُو سُلَيْمَانَ. وَأَبَاحَ الْمَالِكِيُّونَ أَكْلَ سِبَاعِ الطَّيْرِ, وَاحْتَجَّ بَعْضُ مَنْ ابْتَلاَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِتَقْلِيدِهِ بِأَنَّ هَذَا الْخَبَرَ لَمْ يَسْمَعْهُ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, وَأَشَارَ إلَى خَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبَ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ مَسْعُودٍ الْجَحْدَرِيُّ، عَنْ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ، عَنْ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ وَعَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ.
قال أبو محمد: أَرَادَ هَذَا النَّاقِضُ أَنْ يَحْتَجَّ لِنَفْسِهِ فَدَفَنَهَا, وَأَرَادَ أَنْ يُوهِنَ الْخَبَرَ فَزَادَهُ قُوَّةً, لأََنَّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ هُوَ النَّجْمُ الطَّالِعُ ثِقَةً وَإِمَامَةً وَأَمَانَةً, فَكَيْفَ وَشُعْبَةُ, وَهُشَيْمٌ, وَالْحَكَمُ, وَأَبُو بِشْرٍ, كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لاَ يَعْدِلُ بِهِ عَلِيُّ بْنُ الْحَكَمِ وَأَسْلَمُ الْوُجُوهِ لِعَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ أَنْ لَمْ يُوصَفْ بِأَنَّهُ أَخْطَأَ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَنْ يُقَالَ: إنَّ مَيْمُونَ بْنَ مِهْرَانَ سَمِعَهُ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ, وَسَمِعَهُ أَيْضًا مِنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
قَالَ عَلِيٌّ: لاَ يُسَمَّى ذَا مِخْلَبٍ عِنْدَ الْعَرَبِ إِلاَّ الصَّائِدَ بِمِخْلَبِهِ وَحْدَهُ. وَأَمَّا الدِّيكُ, وَالْعَصَافِيرُ, وَالزُّرْزُورُ, وَالْحَمَامُ, وَمَا لَمْ يَصِدْ, فَلاَ يُسَمَّى شَيْءٌ مِنْهَا ذَا مِخْلَبٍ فِي اللُّغَةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ولا يحل أكل الحلزون البري ولا شيء من الحشرات كلها
995- مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ الْحَلَزُونِ الْبَرِّيِّ, وَلاَ شَيْءٍ مِنْ الْحَشَرَاتِ كُلِّهَا كَالْوَزَغِ وَالْخَنَافِسِ, وَالنَّمْلِ, وَالنَّحْلِ, وَالذُّبَابِ, وَالدُّبْرِ, وَالدُّودِ كُلِّهِ طَيَّارَةٍ وَغَيْرِ طَيَّارَةٍ وَالْقَمْلِ, وَالْبَرَاغِيثِ, وَالْبَقِّ, وَالْبَعُوضِ وَكُلِّ مَا كَانَ مِنْ أَنْوَاعِهَا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ} . وَقَوْله تَعَالَى: {إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ} . وَقَدْ صَحَّ الْبُرْهَانُ عَلَى أَنَّ الذَّكَاةَ فِي الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ لاَ تَكُونُ إِلاَّ فِي الْحَلْقِ أَوْ الصَّدْرِ, فَمَا لَمْ يُقْدَرْ فِيهِ عَلَى ذَكَاةٍ فَلاَ سَبِيلَ إلَى أَكْلِهِ: فَهُوَ حَرَامٌ, لأَمْتِنَاعِ أَكْلِهِ إِلاَّ مَيْتَةً غَيْرَ مُذَكًّى.
وَبُرْهَانٌ آخَرُ: فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُمَا قِسْمَانِ: قِسْمٌ مُبَاحٌ قَتْلُهُ: كَالْوَزَغِ, وَالْخَنَافِسِ, وَالْبَرَاغِيثِ, وَالْبَقِّ, وَالدُّبْرِ; وَقِسْمٌ مُحَرَّمٌ قَتْلُهُ: كَالنَّمْلِ, وَالنَّحْلِ, فَالْمُبَاحُ قَتْلُهُ لاَ ذَكَاةَ فِيهِ, لأََنَّ قَتْلَ مَا تَجُوزُ فِيهِ الذَّكَاةُ إضَاعَةٌ لِلْمَالِ, وَمَا لاَ يَحِلُّ قَتْلُهُ لاَ تَجُوزُ فِيهِ الذَّكَاةُ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ: كُلُّ مَا لَيْسَ لَهُ دَمٌ سَائِلٌ فَلاَ ذَكَاةَ فِيهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم: أَمَرَ بِقَتْلِ الْوَزَغِ وَسَمَّاهُ فُوَيْسِقًا مَعَ أَنَّهُ مِنْ أَخْبَثِ الْخَبَائِثِ عِنْدَ كُلِّ ذِي نَفْسٍ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا قُتَيْبَةُ نَا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ نَا عُتْبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ مَوْلَى بَنِي تَمِيمٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنِ مَوْلَى بَنِي

زُرَيْقٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إذَا وَقَعَ الذُّبَابُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيَغْمِسْهُ ثُمَّ لِيَطْرَحْهُ" وَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَأَمَرَ عليه السلام بِطَرْحِهِ وَلَوْ كَانَ حَلاَلاً أَكْلُهُ مَا أَمَرَ بِطَرْحِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى، عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنْ الدَّوَابِّ: النَّحْلَةُ, وَالنَّمْلَةُ, وَالْهُدْهُدُ, وَالصُّرَدُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عُثْمَانَ أَنَّ طَبِيبًا سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ ضِفْدَعٍ يَجْعَلُهَا فِي دَوَاءٍ فَنَهَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَتْلِهَا.
قال أبو محمد: هَذَا يَقْضِي عَلَى حَدِيثِ النَّبِيِّ الَّذِي كَانَ قَدِيمًا فَأَحْرَقَ قَرْيَةَ النَّمْلِ لأََنَّ شَرِيعَةَ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم نَاسِخَةٌ لِكُلِّ دِينٍ سَلَفَ, وَقَدْ ذَكَرْنَا قَتْلَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم لِلْقِرْدَانِ وَهُمْ مُحْرِمُونَ. وَصَحَّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, وَابْنِ عُمَرَ, وَعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَتْلُ الأَوْزَاغِ.
وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ نَهَى، عَنْ قَتْلِ الضِّفْدَعِ وَأَمَرَ بِقَتْلِ الْوَزَغِ. وَعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَخِيفُوا الْهَوَامَّ قَبْلَ أَنْ تُخِيفَكُمْ. فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ حَدِيثَ غَالِبِ بْنِ حُجْرَةَ، عَنِ الْمِلْقَامِ بْنِ التَّلِبِ، عَنْ أَبِيهِ صَحِبْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَلَمْ أَسْمَعْ لِلْحَشَرَاتِ تَحْرِيمًا فَغَالِبُ بْنُ حُجْرَةَ, وَالْمِلْقَامُ مَجْهُولاَنِ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِيهِ حُجَّةٌ, لأََنَّهُ لَيْسَ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ حُجَّةً عَلَى مَا قَامَ بِهِ بُرْهَانُ النَّصِّ.

ولا يحل أكل شيء من الحمرِ الإنسية توحشت أو لم تتوحش
...
996- مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْ الْحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ تَوَحَّشَتْ أَوْ لَمْ تَتَوَحَّشْ, وَحَلاَلٌ أَكْلُ حُمُرِ الْوَحْشِ تَأَنَّسَتْ أَوْ لَمْ تَتَأَنَّسْ, وَحَلاَلٌ أَكْلُ الْخَيْلِ وَالْبِغَالِ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَّامٍ نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنِ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ أَنَا أَيُّوبُ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ، عَنْ مُحَمَّدٍ، هُوَ ابْنُ سِيرِينَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى إنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ، عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ فَإِنَّهَا رِجْسٌ, فَأُكْفِئَتْ الْقُدُورُ وَإِنَّهَا لَتَفُورُ بِاللَّحْمِ. فَصَحَّ أَنَّهَا كُلَّهَا رِجْسٌ, وَإِهْرَاقُ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم الْقُدُورَ بِهَا بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَيَانُ أَنَّ وَدَكَهَا وَشَحْمَهَا وَعَظْمَهَا وَكُلَّ شَيْءٍ مِنْهَا حَرَامٌ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ،

عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ نا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: أَكَلْنَا زَمَنَ خَيْبَرَ الْخَيْلَ وَحُمُرَ الْوَحْشِ فَنَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْحِمَارِ الأَهْلِيِّ. وَرُوِّينَا تَحْرِيمَ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ طَرِيقِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ, وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى, وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ, وَأَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ, وَالْحَكَمِ بْنِ عَمْرٍو الْغِفَارِيِّ: وَسَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ, وَابْنِ عُمَرَ بِأَسَانِيدَ كَالشَّمْسِ. وَعَنْ أَنَسٍ وَجَابِرٍ كَمَا ذَكَرْنَا, فَهُوَ نَقْلُ تَوَاتُرٍ لاَ يَسَعُ أَحَدًا خِلاَفُهُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ يَنْهَى، عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ وَيَأْمُرُ بِلُحُومِ الْخَيْلِ. وَقَدْ رُوِّينَا النَّهْيَ عَنْهَا، عَنْ مَجْزَأَةَ بْنِ زَاهِرٍ أَحَدِ الْمُبَايِعِينَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ, وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي لُحُومِ الْحُمُرِ قَالَ: هِيَ حَرَامٌ أَلْبَتَّةَ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ, وَالشَّافِعِيِّ, وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَنَحَا نَحْوَهُ مَالِكٌ, فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَبَاحَهَا قلنا: لاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَكَيْفَ، وَابْنُ عَبَّاسٍ قَدْ أَخْبَرَ بِأَنَّهُ مُتَوَقِّفٌ فِيهَا كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْحُسَيْنِ نَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ نَا أُبَيٌّ نَا عَاصِمُ بْنُ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ عَامِرِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: لاَ أَدْرِي أَنَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ كَانَ حَمُولَةَ النَّاسِ فَكَرِهَ أَنْ تَذْهَبَ حَمُولَتُهُمْ, أَوْ حَرَّمَهُ فِي يَوْمِ خَيْبَرَ لَحْمَ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ فَهَذَا ظَنٌّ مِنْهُ, وَوَهْلَةٌ لأََنَّهُ لَوْ لَمْ يُحَرِّمْهَا عليه السلام جُمْلَةً لَبَيَّنَ وَجْهَ نَهْيِهِ عَنْهَا, وَلَمْ يَدَعْ النَّاسَ إلَى الْحِيرَةِ; فَكَيْفَ وَقَوْلُهُ عليه السلام فَإِنَّهَا رِجْسٌ وَيَبْطُلُ كُلُّ ظَنٍّ وَلَقَدْ كَانُوا إلَى الْخَيْلِ بِلاَ شَكٍّ أَحْوَجَ مِنْهُمْ إلَى الْحُمُرِ, فَمَا حَمَلَهُ ذَلِكَ عَلَى نَهْيٍ عَنْهَا; بَلْ أَبَاحَ أَكْلَهَا وَذَكَاتَهَا, إذْ كَانَتْ حَلاَلاً, وَبِذَلِكَ أَيْضًا يَبْطُلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّمَا نَهَى عَنْهَا لأََنَّهَا لَمْ تُخَمَّسْ. وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إنَّمَا حُرِّمَتْ لأََنَّهَا كَانَتْ تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ فَظَنٌّ كَاذِبٌ أَيْضًا بِلاَ بُرْهَانٍ, وَالدَّجَاجُ آكَلُ مِنْهَا لِلْعَذِرَةِ وَهِيَ حَلاَلٌ. فَإِنْ ذَكَرُوا: أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ احْتَجَّتْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لاَ أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إلَيَّ مُحَرَّمًا} الآيَةَ قلنا: لَمْ يَبْلُغْهَا التَّحْرِيمُ وَلَوْ بَلَغَهَا لَقَالَتْ بِهِ, كَمَا فَعَلَتْ فِي الْغُرَابِ, وَلَيْسَ مَذْكُورًا فِي هَذِهِ الآيَةِ. فَإِنْ ذَكَرُوا: مَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِهِ عليه السلام فِي لُحُومِ الْحُمُرِ أَطْعِمْ أَهْلَكَ مِنْ سَمِينِ مَالِكَ, فَإِنَّمَا كَرِهْتُ لَكُمْ جَوَّالَ الْقَرْيَةِ, أَلَيْسَ تَأْكُلُ الشَّجَرَ وَتَرْعَى الْفَلاَةَ فَأَصِدْ مِنْهَا. فَهَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ, لأََنَّهَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ بِشْرٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ, وَالآخَرُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَمْرِو بْنِ لُوَيْمٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ أَوْ مِنْ طَرِيقِ شَرِيكٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ. ثُمَّ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ، وَلاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ، عَنْ غَالِبِ

ابْنِ ديج، وَلاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ وَمِنْ طَرِيقِ سَلْمَى بِنْتِ النَّضْرِ الْخِضْرِيَّةِ، وَلاَ يُدْرَى مَنْ هِيَ. وَأَمَّا حُمُرُ الْوَحْشِ: فَكَمَا ذَكَرْنَا، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَحْلِيلَهَا. وقال مالك: إنْ دَجَنَ لَمْ يُؤْكَلْ وَهَذَا خَطَأٌ لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ; فَهُوَ قَوْلٌ بِلاَ بُرْهَانٍ, وَلاَ يَصِيرُ الْوَحْشِيُّ مِنْ جِنْسِ الأَهْلِيِّ حَرَامًا بِالدُّجُونِ, وَلاَ يَصِيرُ الأَهْلِيُّ مِنْ جِنْسِ الْوَحْشِيِّ حَلاَلاً بِالتَّوَحُّشِ.
وَأَمَّا الْبِغَالُ, وَالْخَيْلُ: فَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ صَالِحِ بْنِ يَحْيَى بْنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ كَرِبَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى، عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْخَيْلِ, وَالْبِغَالِ, وَالْحَمِيرِ, وَكُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ, وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ. وَمِنْ طَرِيقِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَكُلِّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ وَحَرَّمَ الْمُجَثَّمَةَ. وَخَبَرٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ وَلَمْ يَنْهَنَا، عَنِ الْخَيْلِ. وَذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ} . وَقَالَ تَعَالَى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً}. قَالُوا: فَذَكَرَ فِي الأَنْعَامِ الأَكْلَ, وَلَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْخَيْلِ, وَالْبِغَالِ, وَالْحَمِيرِ. وَقَالُوا: الْبَغْلُ وَلَدُ الْحِمَارِ فَهُوَ مُتَوَلِّدٌ مِنْهُ وَالْمُتَوَلِّدُ مِنْ الْحَرَامِ حَرَامٌ.
قال أبو محمد: هَذَا كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ فأما الأَخْبَارُ فَلاَ يُحْتَجُّ بِشَيْءٍ مِنْهَا: أَمَّا حَدِيثُ صَالِحِ بْنِ يَحْيَى بْنِ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ فَهَالِكٌ لأََنَّهُمْ مَجْهُولُونَ كُلُّهُمْ, ثُمَّ فِيهِ دَلِيلُ الْوَضْعِ, لأََنَّ فِيهِ عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ قَالَ: غَزَوْت مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَيْبَرَ وَهَذَا بَاطِلٌ; لأََنَّهُ لَمْ يُسْلِمْ خَالِدٌ إِلاَّ بَعْدَ خَيْبَرَ بِلاَ خِلاَفٍ. وَأَمَّا حَدِيثُ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ, فَعِكْرِمَةَ ضَعِيفٌ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِهِ خَبَرًا مَوْضُوعًا لَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ يُتَّهَمُ غَيْرَهُ: فأما أُدْخِلَ عَلَيْهِ فَلَمْ يَأْبَهُ لَهُ, وَأَمَّا الْبَلِيَّةُ مِنْ قَبَلِهِ; وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ مُبَيَّنًا فِي كِتَابِ الإِيصَالِ. وَأَمَّا حَدِيثُ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ فَإِنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ أَبُو الزُّبَيْرِ سَمَاعًا مِنْ جَابِرٍ; وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلَ الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ مَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ مِنْ حَدِيثِهِ، عَنْ جَابِرٍ, وَلاَ ذَكَرَ فِيهِ سَمَاعًا مِنْ جَابِرٍ فَلَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ جَابِرٍ فَصَحَّ مُنْقَطِعًا. وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ جَابِرٍ فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ الْبِغَالَ وَقَدْ صَحَّ قَبْلُ، عَنْ جَابِرٍ إبَاحَةُ الْخَيْلِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَأَمَّا الآيَةُ: فَلاَ ذِكْرَ فِيهَا لِلأَكْلِ لاَ بِإِبَاحَةٍ، وَلاَ بِتَحْرِيمٍ, فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهَا, وَلاَ ذَكَرَ فِيهَا أَيْضًا الْبَيْعَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحَرِّمُوهُ لأََنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي الآيَةِ, وَإِبَاحَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَهَا حَاكِمٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. وَقَدْ صَحَّ مِنْ طَرِيقِ أَسْمَاءَ بِنْتِ

أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ نَحَرْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَسًا فَأَكَلْنَاهُ. رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، عَنِ الْحُمَيْدِيِّ، عَنْ سُفْيَانِ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَسْمَاءَ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ, وَحَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ, وَسُفْيَانِ الثَّوْرِيِّ, وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ, وَمَعْمَرٍ, وَأَبِي مُعَاوِيَةَ, وَأَبِي أُسَامَةَ, كُلُّهُمْ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ سَعِيدِ الْقَطَّانِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ سَأَلْتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ لَحْمِ الْفَرَسِ فَقَالَ: لَمْ يَزَلْ سَلَفُك يَأْكُلُونَهُ قُلْتُ: أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: نَعَمْ. وَقَدْ أَدْرَكَ عَطَاءٌ جُمْهُورَ الصَّحَابَةِ مِنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَمَنْ دُونَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ, وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: ذَبَحَ أَصْحَابُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَرَسًا, قَالَ ابْنُ مَهْدِيٍّ: فَاقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ; وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقُ: فَأَكَلُوهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا هُشَيْمٌ أَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: أُهْدِيَ لِلأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ لَحْمُ فَرَسٍ فَأَكَلَ مِنْهُ وبه إلى هُشَيْمٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ أَبِي أَيُّوبَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: مَا أَكَلْتُ لَحْمًا أَطْيَبَ مِنْ مَعْرَفَةِ بِرْذَوْنٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ شِهَابٍ، عَنْ لَحْمِ الْفَرَسِ, وَالْبَغْلِ, وَالْبِرْذَوْنِ فَقَالَ: لاَ أَعْلَمُهُ حَرَامًا، وَلاَ يُفْتِي أَحَدٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ بِأَكْلِهِ.
قال أبو محمد: لَمْ يُحَرِّمْ الزُّهْرِيُّ الْبَغْلَ, وَأَمَّا فُتْيَا الْعُلَمَاءِ بِأَكْلِ الْفَرَسِ فَتَكَادُ أَنْ تَكُونَ إجْمَاعًا عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ وَمَا نَعْلَمُ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ كَرَاهَةَ أَكْلِ لُحُومِ الْخَيْلِ إِلاَّ رِوَايَةً، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لاَ تَصِحُّ; لأََنَّهُ، عَنْ مَوْلَى نَافِعِ بْنِ عَلْقَمَةَ وَهُوَ مَجْهُولٌ لَمْ يُذْكَرْ اسْمُهُ فَلاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ. وَلَوْ صَحَّ عِنْدَنَا فِي الْبَغْلِ نَهْيٌ لَقُلْنَا بِهِ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ الْبَغْلَ وَلَدُ الْحِمَارِ, وَمُتَوَلِّدٌ مِنْهُ, فَإِنَّ الْبَغْلَ مُذْ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ فَهُوَ غَيْرُ الْحِمَارِ, وَلاَ يُسَمَّى حِمَارًا, فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُحْكَمَ لَهُ بِحُكْمِ الْحِمَارِ, لأََنَّ النَّصَّ إنَّمَا جَاءَ بِتَحْرِيمِ الْحِمَارِ, وَالْبَغْلُ لَيْسَ حِمَارًا، وَلاَ جُزْءًا مِنْ الْحِمَارِ. وَقَالَ بَعْضُ الْجُهَّالِ: الْحِمَارُ حَرَامٌ بِالنَّصِّ, وَالْفَرَسُ, وَالْبَغْلُ مِثْلُهُ, لأََنَّهُمَا ذَوَا حَافِرٍ مِثْلُهُ فَكَانَ هَذَا مِنْ أَسْخَفِ قِيَاسٍ فِي الأَرْضِ, لأََنَّهُ يُقَالُ لَهُ: مَا الْفَرْقُ بَيْنَك وَبَيْنَ مَنْ عَارَضَك فَقَالَ: قَدْ صَحَّ تَحْلِيلُ الْفَرَسِ بِالنَّصِّ الثَّابِتِ, وَالْبَغْلُ وَالْحِمَارُ ذَوَا حَافِرٍ مِثْلُهُ, فَهُمَا حَلاَلٌ; فَهَلْ أَنْتُمَا فِي مُخَالَفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَّا فَرَسَا رِهَانٍ أَوْ مَنْ قَالَ لَك: حِمَارٌ وَحْشٌ حَلاَلٌ بِإِجْمَاعٍ وَهُوَ ذُو حَافِرٍ, فَالْفَرَسُ, وَالْبَغْلُ مِثْلُهُ وَهَذَا كُلُّهُ تَخْلِيطٌ, بَلْ حِمَارُ الْوَحْشِ, وَالْفَرَسِ مَنْصُوصٌ عَلَى تَحْلِيلِهِمَا, وَالْحِمَارُ الأَهْلِيُّ مَنْصُوصٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ, فَلاَ يَجُوزُ مُخَالَفَةُ النُّصُوصِ.
وَأَمَّا الْبَغْلُ فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسِ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّبًا} . وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ} . فَالْبَغْلُ حَلاَلٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ لأََنَّهُ لَمْ يُفَصَّلْ

تَحْرِيمُهُ، وَلاَ يَحِلُّ مِنْ الْحِمَارِ إِلاَّ مَا أَحَلَّهُ النَّصُّ مِنْ مِلْكِهِ, وَبَيْعِهِ, وَابْتِيَاعِهِ, وَرُكُوبِهِ, فَقَطْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ.

وكل ما حرم أكل لحمه فحرام بيعه ولبنه
997- مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَا حَرُمَ أَكْلُ لَحْمِهِ فَحَرَامٌ بَيْعُهُ وَلَبَنُهُ, لأََنَّهُ بَعْضُهُ وَمَنْسُوبٌ إلَيْهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: إِلاَّ أَلْبَانَ النِّسَاءِ فَهِيَ حَلاَلٌ كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَيُقَالُ: لَبَنُ الأَتَانِ, وَلَبَنُ الْخِنْزِيرِ, وَبَيْضُ الْغُرَابِ, وَبَيْضُ الْحَيَّةِ, وَبَيْضُ الْحِدَأَةِ كَمَا يُقَالُ يَدُ الْخِنْزِيرِ, وَرَأْسُ الْحِمَارِ, وَجَنَاحُ الْغُرَابِ, وَزِمِكَّى الْحِدَأَةِ، وَلاَ فَرْقَ.

ولا يحل أكل الهدهد ولا الصرد ولا الضفدع
ِ
...
998- مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ الْهُدْهُدِ, وَلاَ الصُّرَدِ, وَلاَ الضِّفْدَعِ, لِنَهْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ قَتْلِهَا, كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ.

والسلحفاة البرية والبحرية حلال أكلها وأكل بيضِها
...
999- مَسْأَلَةٌ: وَالسُّلَحْفَاةُ الْبَرِّيَّةُ وَالْبَحْرِيَّةُ حَلاَلٌ أَكْلُهَا, وَأَكْلُ بَيْضِهَا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّبًا مَعَ قوله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} وَلَمْ يُفَصِّلْ لَنَا تَحْرِيمَ السُّلَحْفَاةِ, فَهِيَ حَلاَلٌ كُلُّهَا وَمَا تَوَلَّدَ مِنْهَا. وَكَذَلِكَ النُّسُورُ, وَالرَّخَمُ, والبلزج, وَالْقَنَافِذُ, وَالْيَرْبُوعُ, وَأُمُّ حَبِينٍ وَالْوَبْرُ, وَالسَّرَطَانُ, وَالْجَرَاذِينُ, وَالْوَرَلُ, وَالطَّيْرُ كُلُّهُ, وَكُلُّ مَا أَمْكَنَ أَنْ يُذَكَّى مِمَّا لَمْ يُفَصَّلْ تَحْرِيمُهُ. وَكَذَلِكَ الْخُفَّاشُ, وَالْوَطْوَاطُ, وَالْخَطَّافُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. رُوِّينَا، عَنْ عَطَاءٍ إبَاحَةَ أَكْلِ السُّلَحْفَاةِ, وَالسَّرَطَانِ. وَعَنْ طَاوُوس, وَالْحَسَنِ, وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ, وَفُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ: إبَاحَةُ أَكْلِ السُّلَحْفَاةِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ نَهَى الْمُحْرِمَ، عَنْ قَتْلِ الرَّخَمَةِ وَجَعَلَ فِيهَا الْجَزَاءَ, فَإِنْ ذُكِرَ الْخَبَرُ الَّذِي فِيهِ: الْقُنْفُذُ خَبِيثٌ مِنْ الْخَبَائِثِ فَهُوَ، عَنْ شَيْخٍ مَجْهُولٍ لَمْ يُسَمَّ وَلَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ, وَمَا خَالَفْنَاهُ.

ولا يحل أكل لحوم الجلالة ولا شرب ألبانها ولا ما تصرف منها
1000- مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ لُحُومِ الْجَلَّالَةِ, وَلاَ شُرْبُ أَلْبَانِهَا, وَلاَ مَا تَصَرُّفُ مِنْهَا; لأََنَّهُ مِنْهَا وَبَعْضُهَا, وَلاَ يَحِلُّ رُكُوبُهَا, وَهِيَ الَّتِي تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ مِنْ الإِبِلِ وَغَيْرِ الإِبِلِ مِنْ ذَوَاتِ الأَرْبَعِ خَاصَّةً. وَلاَ يُسَمَّى الدَّجَاجُ, وَلاَ الطَّيْرُ: جَلَّالَةً, وَإِنْ كَانَتْ تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ فَإِذَا قُطِعَ عَنْهَا أَكَلَهَا فَانْقَطَعَ عَنْهَا الأَسْمُ حَلَّ أَكْلُهَا, وَأَلْبَانُهَا, وَرُكُوبُهَا. لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ نَا عَبْدَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

ولا يحل أكل ما ذبح أو نحر لغير اللّه تعالى ولا ما سمي عليه غير اللّه تعالى
...
1001- مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ مَا ذُبِحَ أَوْ نُحِرَ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى, وَلاَ مَا سُمِّيَ عَلَيْهِ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى مُتَقَرِّبًا بِتِلْكَ الذَّكَاةِ إلَيْهِ سَوَاءٌ ذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى مَعَهُ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ وَكَذَلِكَ مَا ذُكِّيَ مِنْ الصَّيْدِ لِغَيْرِهِ تَعَالَى فَلَوْ قَالَ: بِاسْمِ اللَّهِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى الْمَسِيحِ, أَوْ قَالَ عَلَى مُحَمَّدٍ, أَوْ ذَكَرَ سَائِرَ الأَنْبِيَاءِ, فَهُوَ حَلاَلٌ; لأََنَّهُ لَمْ يُهِلَّ بِهِ لَهُمْ, قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} فَسَوَاءٌ ذُكِرَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ, أَوْ لَمْ يُذْكَرْ هُوَ مِمَّا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ فَهُوَ حَرَامٌ سَوَاءٌ ذَبَحَهُ مُسْلِمٌ أَوْ كِتَابِيٌّ. وَقَالَ بَعْضُ الْقَائِلِينَ: قَدْ أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لَنَا أَكْلَ ذَبَائِحِهِمْ وَهُوَ يَعْلَمُ مَا يَقُولُونَ: وَهَذَا لَيْسَ حُجَّةً فِي إبَاحَةِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى, لأََنَّ الَّذِي أَبَاحَ لَنَا ذَبَائِحَهُمْ; وَعَلِمَ مَا يَقُولُونَ هُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْمُحَرِّمُ عَلَيْنَا مَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ, فَلاَ يَحِلُّ تَرْكُ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِهِ تَعَالَى لأََمْرٍ آخَرَ, وَلاَ بُدَّ مِنْ اسْتِعْمَالِهِمَا جَمِيعًا, وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلاَّ بِاسْتِثْنَاءِ الأَقَلِّ مِنْ الأَعَمِّ.
وَرُوِيَتْ فِي هَذَا رِوَايَاتٌ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ, وَأَبِي الدَّرْدَاءِ, وَالْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ, وَعَلِيٍّ, وَابْنِ عَبَّاسٍ, وَأَبِي أُمَامَةَ, كُلُّهَا، عَنْ مَجَاهِيلَ, أَوْ، عَنْ كَذَّابٍ, أَوْ، عَنْ ضَعِيفٍ; وَلَكِنَّهُ صَحِيحٌ، عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ. وَرُوِّينَا، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْهَا عَمَّا ذُبِحَ لِعِيدِ النَّصَارَى فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَمَّا مَا ذُبِحَ لِذَلِكَ الْيَوْمِ فَلاَ تَأْكُلُوا مِنْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ مَا ذُبِحَ لِلْكَنِيسَةِ فَلاَ تَأْكُلْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ زَاذَانَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: إذَا سَمِعْت النَّصْرَانِيَّ يَقُولُ: بِاسْمِ الْمَسِيحِ, فَلاَ تَأْكُلْ, وَإِذَا لَمْ تَسْمَعْ فَكُلْ. وَصَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي ذَبِيحَةِ

النَّصْرَانِيِّ إذَا تَوَارَى عَنْك فَكُلْ. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ فِي ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ, قَالَ: كُلُّ مَا لَمْ تَسْمَعْهُ أَهَلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى. وَعَنِ الْحَسَنِ, وطَاوُوس, وَمُجَاهِدٍ أَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا ذُبِحَ لِلآلِهَةِ. وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ وَكَّلَ بِهِمْ مَنْ يَمْنَعُهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا عَلَى ذَبَائِحِهِمْ, وَيَأْمُرُهُمْ أَنْ يُسَمُّوا اللَّهَ تَعَالَى. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: إذَا سَمِعْتَ فِي الذَّبِيحَةِ غَيْرَ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى, فَلاَ تَأْكُلْ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: إذَا سَمِعْته يُهِلُّ بِالْمَسِيحِ, فَلاَ تَأْكُلْ. وَهُوَ قَوْلُ الْحَارِثِ الْعُكْلِيِّ, وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَيُقَالُ لِمَنْ خَالَفَ هَذَا: قَدْ أَحَلَّ اللَّهُ تَعَالَى ذَبَائِحَهُمْ, وَهُوَ تَعَالَى يَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَذْبَحُونَ الْخِنْزِيرَ, أَفَيَأْكُلُهُ فَمِنْ قَوْلِهِمْ: لاَ, لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ الْخِنْزِيرَ فَيُقَالُ لَهُمْ: وَاَللَّهُ تَعَالَى حَرَّمَ مَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِهِ كَمَا حَرَّمَ الْخِنْزِيرَ سَوَاءً سَوَاءً, وَلاَ فَرْقَ.

ولا يحل أكل ما يصيده المحرم فقتله حيث كان من البلاد أو يصيده المحل في حرم مكة أو المدينة فقط
1002- مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ مَا يَصِيدُهُ الْمُحْرِمُ فَقَتَلَهُ حَيْثُ كَانَ مِنْ الْبِلاَدِ, أَوْ يَصِيدُهُ الْمُحِلُّ فِي حَرَمِ مَكَّةَ, أَوْ الْمَدِينَةِ فَقَطْ, فَقَتَلَهُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} فَكُلُّ قَتْلٍ نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ فَحَرَامٌ أَكْلُ مَا أُمِيتَ بِهِ, لأََنَّهُ غَيْرُ الذَّكَاةِ الْمَأْمُورِ بِهَا. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: أَكْلُهُ حَلاَلٌ, كَذَبِيحَةِ الْغَاصِبِ, وَالسَّارِقِ, وَلاَ فَرْقَ.

ولا يحل أكل ما لم يسم الله تعالى عليه بعمد أو نسيان
1003- مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ مَا لَمْ يُسَمَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ بِعَمْدٍ أَوْ نِسْيَانٍ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلاَ تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} فَعَمَّ تَعَالَى وَلَمْ يَخُصَّ. وقال أبو حنيفة, وَمَالِكٌ: إنْ تَرَكَ عَمْدًا لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ, وَإِنْ تَرَكَ نِسْيَانًا حَلَّ أَكْلُهُ. وقال الشافعي: هُوَ حَلاَلٌ تَرَكَ عَمْدًا, أَوْ نِسْيَانًا. رُوِّينَا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا ابْنُ لَهِيعَةَ، أَنَّهُ قَالَ: إذَا خَرَجْتَ قَانِصًا لاَ تُرِيدُ إِلاَّ ذَلِكَ, فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ حِينَ تَخْرُجُ, فَإِنَّ ذَلِكَ يَكْفِيك. وَصَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فِيمَنْ ذَبَحَ وَهُوَ مُغْضَبٌ فَلَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ تَعَالَى أَنَّهُ يُؤْكَلُ وَلْيُسَمِّ اللَّهَ تَعَالَى إذَا أَكَلَ. وَعَنْ عَطَاءٍ إذَا قَالَ الْمُسْلِمُ: بِاسْمِ الشَّيْطَانِ فَكُلْ. وَرُوِّينَا، عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ إبَاحَةَ أَكْلِ مَا نُسِيَ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ, وَلَمْ يُذْكَرْ عَنْهُمْ تَحْرِيمُهُ فِي تَعَمُّدِ تَرْكِ الذِّكْرِ.
قال أبو محمد: احْتَجَّ أَهْلُ الإِبَاحَةِ لِذَلِكَ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عِمْرَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ أَخِي سُفْيَانَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَتْ الْيَهُودُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: أَنَأْكُلُ مِمَّا قَتَلْنَا, وَلاَ نَأْكُلُ مِمَّا قَتَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلاَ تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} إلَى آخِرِ الآيَةِ.
قال علي: هذا مِنْ التَّمْوِيهِ الْقَبِيحِ, وَلَيْتَ شِعْرِي أَيُّ ذِكْرٍ فِي هَذَا الْخَبَرِ لأَِبَاحَةِ أَكْلِ مَا لَمْ يُسَمَّ اللَّهُ

ومن سمى بالعجمية فقد سمى كما أمر
1004- مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ سَمَّى بِالْعَجَمِيَّةِ فَقَدْ سَمَّى كَمَا أُمِرَ; لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَشْتَرِطْ لُغَةً مِنْ لُغَةٍ، وَلاَ تَسْمِيَةً مِنْ تَسْمِيَةٍ, فَكَيْفَمَا سَمَّى فَقَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

و من ذبح مال غيره بأمره فنسى أن يسمى الله تعالى
1005- مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ ذَبَحَ مَالَ غَيْرِهِ بِأَمْرِهِ فَنَسِيَ أَنْ يُسَمِّيَ اللَّهَ تَعَالَى, أَوْ تَعَمَّدَ فَهُوَ ضَامِنٌ مِثْلَ الْحَيَوَانِ الَّذِي أَفْسَدَ, لأََنَّهُ مَيْتَةٌ كَمَا قَدَّمْنَا فَقَدْ أَفْسَدَ مَالَ أَخِيهِ, وَأَمْوَالُ النَّاسِ تُضْمَنُ بِالْعَمْدِ وَالنِّسْيَانِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

و لا يحل أكل ما نحره أو ذبحه إنسان من مال غيره
1006- مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ مَا نَحَرَهُ أَوْ ذَبَحَهُ إنْسَانٌ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ بِغَيْرِ أَمْرِ مَالِكِهِ بِغَصْبٍ أَوْ سَرِقَةٍ أَوْ تَعَدٍّ بِغَيْرِ حَقٍّ وَهُوَ مَيْتَةٌ لاَ يَحِلُّ لِصَاحِبِهِ، وَلاَ لِغَيْرِهِ وَيَضْمَنُهُ قَاتِلُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ نَظَرًا صَحِيحًا كَخَوْفِ أَنْ يَمُوتَ فَبَادَرَ بِذَكَاتِهِ, أَوْ نَظَرًا لِصَغِيرٍ أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ غَائِبٍ, أَوْ فِي حَقٍّ وَاجِبٍ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ}. وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ" . وَقَالَ تَعَالَى: {وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ}. فَنَسْأَلُ مَنْ خَالَفَ قَوْلَنَا أَبِحَقٍّ ذَبَحَ هَذَا الْحَيَوَانَ أَوْ نَحَرَ, أَمْ بِبَاطِلٍ, وَلاَ بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَلاَ يَقُولُ مُسْلِمٌ: إنَّهُ ذَبَحَ بِحَقٍّ, فَإِذْ لاَ شَكَّ فِي أَنَّهُ نَحَرَ وَذَبَحَ بِبَاطِلٍ فَهُوَ مُحَرَّمٌ أَكْلُهُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْحَيَوَانَ حَرَامٌ أَكْلُهُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْنَا, فَالذَّكَاةُ حَقٌّ مَأْمُورٌ بِهِ طَاعَةً لِلَّهِ تَعَالَى لاَ يَحِلُّ أَكْلُ مَا حُرِّمَ مِنْ الْحَيَوَانِ إِلاَّ بِهِ, وَذَبْحُ الْمُعْتَدِي بَاطِلٌ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ مَعْصِيَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى بِلاَ خِلاَفٍ وَبِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ. وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُتَيَقَّنِ أَنْ تَنُوبَ الْمَعْصِيَةُ، عَنِ الطَّاعَةِ وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ مَعَنَا عَلَى أَنَّ الْفُرُوجَ الْمُحَرَّمَةَ لاَ تَحِلُّ إِلاَّ بِالْعَقْدِ الْمَأْمُورِ بِهِ لاَ بِالْعَقْدِ الْمُحَرَّمِ: فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ أَنْ يُبِيحُوا الْحَيَوَانَ الْمُحَرَّمَ بِالْفِعْلِ الْمُحَرَّمِ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ تَصَيُّدِ الْمُحْرِمِ لِلصَّيْدِ الْمُحَرَّمِ عَلَيْهِ, وَبَيْنَ ذَبْحِ الْمُتَعَدِّي لِمَا حُرِّمَ عَلَيْهِ ذَبْحُهُ وَبِهَذَا جَاءَتْ السُّنَنُ الثَّابِتَةُ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ نَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ نَا وَكِيعٌ نَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِع بْنِ خَدِيجٍ، عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِذِي الْحُلَيْفَةِ مِنْ تِهَامَةَ فَأَصَبْنَا غَنَمًا وَإِبِلاً فَعَجَّلَ الْقَوْمُ فَأَغْلَوْا بِهَا الْقُدُورَ فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأُكْفِئَتْ, ثُمَّ عَدَلَ عَشْرًا مِنْ الْغَنَمِ بِجَزُورٍ. فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَمَرَ بِهَرْقِ الْقُدُورِ الَّتِي فِيهَا اللَّحْمُ الْمَذْبُوحُ مِنْ الْغَنِيمَةِ قَبْلَ الْقِسْمَةِ, وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ حَلاَلاً أَكْلُهُ مَا أَمَرَ بِهَرْقِهِ, لأََنَّهُ عليه السلام نَهَى، عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ حَرَامٌ مَحْضٌ, وَأَنَّ ذَبْحَهُ وَنَحْرَهُ تَعَدٍّ يُوجِبُ الضَّمَانَ، وَلاَ يُبِيحُ الأَكْلَ. وَمَا نَعْلَمُ لِلْمُخَالِفِ حُجَّةً أَصْلاً لاَ مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ، وَلاَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ, إِلاَّ أَنَّ بَعْضَهُمْ مَوَّهَ بِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي جِنَازَةٍ, فَاسْتَقْبَلَهُ دَاعِي امْرَأَةٍ فَجَاءَ وَجِيءَ بِالطَّعَامِ فَوَضَعَ يَدَهُ ثُمَّ وَضَعَ الْقَوْمُ أَيْدِيَهُمْ فَأَكَلُوا وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَلُوكُ لُقْمَةً فِي فِيهِ ثُمَّ قَالَ: أَجِدُ لَحْمَ شَاةٍ أُخِذَتْ بِغَيْرِ إذْنِ أَهْلِهَا, فَأَرْسَلَتْ الْمَرْأَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أَرْسَلْتُ إلَى الْبَقِيعِ

مَنْ يَشْتَرِي لِي شَاةً فَلَمْ أَجِدْ فَأَرْسَلْتُ إلَى جَارٍ لِي قَدْ اشْتَرَى شَاةً أَنْ أَرْسِلْ بِهَا إلَيَّ بِثَمَنِهَا, فَلَمْ يُوجَدْ فَأَرْسَلْتُ إلَى امْرَأَتِهِ, فَأَرْسَلَتْ إلَيَّ بِهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَطْعِمِيهِ الأُُسَارَى.
قال أبو محمد: وَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ, بَلْ هُوَ لَوْ صَحَّ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ: أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُ، عَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمَّ، وَلاَ يُدْرَى أَصَحَّتْ صُحْبَتُهُ أَمْ لاَ وَالثَّانِي أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً لَنَا لأََنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَسْتَحِلَّ أَكْلَهُ، وَلاَ أَبَاحَ لأََحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَكْلَ شَيْءٍ مِنْهُ, بَلْ أَمَرَ بِأَنْ يُطْعِمَ الْكُفَّارَ الْمُسْتَحِلِّينَ لِلْمَيْتَةِ, وَلَعَلَّ أُولَئِكَ الأُُسَارَى كَانُوا مَرْضَى يَحِلُّ لَهُمْ التَّدَاوِي بِالْمَيْتَةِ, مَعَ أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ غَصْبًا، وَلاَ مَسْرُوقَةً, وَإِنَّمَا أَخَذَتْهَا بِشِرَاءٍ صَحِيحٍ عِنْدَ نَفْسِهَا, لَكِنْ لَمَّا لَمْ يَكُنْ بِإِذْنِ مَالِكِهَا لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهَا لِمُسْلِمٍ, فَبَطَلَ تَمْوِيهُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ. وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّ تِلْكَ الشَّاةَ مَضْمُونَةٌ عَلَى الْمَرْأَةِ, وَذَلِكَ مَنْصُوصٌ فِي الْخَبَرِ مِنْ قَوْلِ الْمَرْأَةِ "ابْعَثْهَا إلَيَّ بِثَمَنِهَا" وَنَحْنُ نَأْتِيهِمْ مِنْ هَذِهِ الطَّرِيقِ بِعَيْنِهَا بِمَا هُوَ حُجَّةٌ مُبَيَّنَةٌ عَلَيْهِمْ لَنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ نَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ نا أَبُو الأَحْوَصِ هُوَ سَلَّامُ بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَأَصَابَ النَّاسَ حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ وَجَهْدٌ, فَأَصَابُوا غَنَمًا فَانْتَهَبُوهَا, فَإِنَّ قُدُورَنَا لَتَغْلِي, إذْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْشِي عَلَى قَوْسِهِ فَأَكْفَأَ قُدُورَنَا بِقَوْسِهِ ثُمَّ جَعَلَ يُرَمِّلُ اللَّحْمَ بِالتُّرَابِ ثُمَّ قَالَ: إنَّ النُّهْبَةَ لَيْسَتْ بِأَحَلَّ مِنْ الْمَيْتَةِ, أَوْ إنَّ الْمَيْتَةَ لَيْسَتْ بِأَحَلَّ مِنْ النُّهْبَةِ; شَكَّ أَبُو الأَحْوَصِ فِي أَيَّتِهِمَا قَالَ عليه السلام. فَهَذَا ذَلِكَ الإِسْنَادُ نَفْسُهُ بِبَيَانٍ لاَ إشْكَالَ فِيهِ مِنْ إفْسَادِهِ صلى الله عليه وسلم اللَّحْمَ الْمَذْبُوحَ مُنْتَهَبًا غَيْرَ مَقْسُومٍ وَخَلَطَهُ بِالتُّرَابِ. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ حَرَامٌ بَحْتٌ لاَ يَحِلُّ أَصْلاً, إذْ لَوْ حَلَّ لَمَا أَفْسَدَهُ عليه السلام; فَمِنْ الْعَجَائِبِ أَنْ تَكُونَ طَرِيقٌ وَاحِدَةٌ حُجَّةً فِيمَا لاَ بَيَانَ فِيهَا مِنْهُ, وَلاَ تَكُونُ حُجَّةً فِيمَا فِيهَا الْبَيَانُ الْجَلِيُّ مِنْهُ.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ طَاوُوس, وَعِكْرِمَةَ النَّهْيَ، عَنْ أَكْلِ ذَبِيحَةِ السَّارِقِ وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ ابْنِ رَاهْوَيْهِ, وَأَبِي سُلَيْمَانَ, وَأَصْحَابِهِ, وَلاَ نَعْلَمُ خِلاَفَ قَوْلِنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلاَ عَنْ تَابِعٍ إِلاَّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ, وَرَبِيعَةَ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ, فَقَطْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

و لا يحل أكل ما ذبح أو نحر فخراً أو مباهاة
...
1007- مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ مَا ذُبِحَ أَوْ نُحِرَ فَخْرًا أَوْ مُبَاهَاةً لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} وَهَذَا مِمَّا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا قُتَيْبَةُ

نَا يَحْيَى، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ،- عَنْ مَنْصُورِ بْنِ حَيَّانَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ وَاثِلَةَ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: "لَعَنَ اللَّهُ مَنْ لَعَنَ وَالِدَهُ, وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ, وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا, وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ غَيَّرَ مَنَارَ الأَرْضِ". وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا رِبْعِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْجَارُودِ قَالَ: سَمِعْت الْجَارُودَ بْنَ أَبِي سَبْرَةَ يَقُولُ: كَانَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي رِيَاحٍ يُقَالُ لَهُ: ابْنُ وَثِيلٍ هُوَ سُحَيْمٌ قَالَ: وَكَانَ شَاعِرًا نَافِرًا غَالِبًا أَبَا الْفَرَزْدَقِ الشَّاعِرُ بِمَاءٍ بِظَهْرِ الْكُوفَةِ عَلَى أَنْ يَعْقِرَ هَذَا مِائَةً مِنْ إبِلِهِ وَهَذَا مِائَةً مِنْ إبِلِهِ إذَا وَرَدَتْ, فَلَمَّا وَرَدَتْ الإِبِلُ الْمَاءَ قَامَا إلَيْهَا بِالسُّيُوفِ فَجَعَلاَ يَكْسَعَانِ عَرَاقِيبَهَا, فَخَرَجَ النَّاسُ عَلَى الْحُمُرَاتِ يُرِيدُونَ اللَّحْمَ وَعَلِيٌّ بِالْكُوفَةِ فَخَرَجَ عَلَى بَغْلَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُنَادِي: أَيُّهَا النَّاسُ لاَ تَأْكُلُوا مِنْ لُحُومِهَا فَإِنَّهَا مِمَّا أُهِلَّ بِهَا لِغَيْرِ اللَّهِ. وَعَنْ عِكْرِمَةَ لاَ تُؤْكَلُ ذَبِيحَةٌ ذَبَحَهَا الشُّعَرَاءُ فَخْرًا وَرِيَاءً, وَلاَ مَا ذَبَحَهُ الأَعْرَابُ عَلَى قُبُورِهِمْ, وَلاَ يُعْلَمُ لِعَلِيٍّ رضي الله عنه فِي هَذَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم. وَكُلُّ مَا فِي هَذَا الْبَابِ فَهُوَ بُرْهَانٌ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ مِنْ تَحْرِيمِ ذَبِيحَةِ السَّارِقِ, وَالْغَاصِبِ, وَالْمُتَعَدِّي لأََنَّ هَؤُلاَءِ بِلاَ شَكٍّ مِمَّنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ, وَذَبَائِحُهُمْ وَنَحَائِرُهُمْ مِمَّنْ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ بِيَقِينٍ, إذْ لاَ يَجُوزُ أَلْبَتَّةَ أَنْ يَعْصِيَ أَحَدٌ يُرِيدُ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ تَعَالَى وَهَؤُلاَءِ عُصَاةٌ لِلَّهِ تَعَالَى بِلاَ شَكٍّ, مُخَالِفُونَ لأََمْرِهِ فِي ذَلِكَ الذَّبْحِ نَفْسِهِ, وَفِي ذَلِكَ الْعَقْرِ نَفْسِهِ.

وأما جواز ما كان من ذلك نظراً ومصلحة
...
1008- مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا جَوَازُ مَا كَانَ مِنْ ذَلِكَ نَظَرًا وَمَصْلَحَةً فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ; فَحِفْظُ مَالِ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ وَاجِبٌ وَبِرٌّ وَتَقْوَى, وَإِضَاعَتُهُ إثْمٌ وَعُدْوَانٌ وَحَرَامٌ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ هُوَ الْمُقَدَّمِيُّ نَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ يُخْبِرُ ابْنَ عُمَرَ بِأَنَّ أَبَاهُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ جَارِيَةً لَهُمْ كَانَتْ تَرْعَى غَنَمًا بِسَلْعٍ فَأَبْصَرَتْ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهَا مَوْتًا فَكَسَرَتْ حَجَرًا فَذَبَحَتْهَا فَقَالَ لأََهْلِهِ: لاَ تَأْكُلُوا حَتَّى آتِيَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَسْأَلَهُ أَوْ أُرْسِلَ إلَيْهِ مَنْ يَسْأَلُهُ فَسَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِأَكْلِهَا.

فلو خرجت بيضة من دجاجة ميتة أو طائر ميت مما يؤكل لحمه
1009- مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ خَرَجَتْ بَيْضَةٌ مِنْ دَجَاجَةٍ مَيِّتَةٍ أَوْ طَائِرٍ مَيِّتٍ مِمَّا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ

ولو طبخ بيض فوجد في جملتها بيضة فاسدة قد صارت دما
ً
...
1010- مَسْأَلَةٌ: وَلَوْ طُبِخَ بَيْضٌ فَوُجِدَ فِي جُمْلَتِهَا بَيْضَةٌ فَاسِدَةٌ قَدْ صَارَتْ دَمًا أَوْ فِيهَا فَرْخٌ رُمِيَتْ الْفَاسِدَةُ وَأُكِلَ سَائِرُ الْبَيْضِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} فَالْحَلاَلُ حَلاَلٌ لاَ يُفْسِدُهُ مُجَاوَرَةُ الْحَرَامِ لَهُ, وَالْحَرَامُ حَرَامٌ لاَ يُصْلِحُهُ مُجَاوَرَةُ الْحَلاَلِ لَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وكل خبز أو طعام أو لحم أو غير ذلك طبخ أو شوى بعذرة أو بميتة فهو حلال
1011- مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ خُبْزٍ أَوْ طَعَامٍ أَوْ لَحْمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ طُبِخَ أَوْ شُوِيَ بِعَذِرَةٍ أَوْ بِمَيْتَةٍ فَهُوَ حَلاَلٌ كُلُّهُ, لأََنَّهُ لَيْسَ مَيْتَةً، وَلاَ عَذِرَةً, وَالْعَذِرَةُ وَالْمَيْتَةُ حَرَامٌ, وَمَا أُحِلَّ فَهُوَ حَلاَلٌ فَإِذَا لَمْ يَظْهَرْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ عَيْنُ الْعَذِرَةِ أَوْ الْمَيْتَةِ فَهُوَ حَلاَلٌ. وَكَذَلِكَ لَوْ وَقَعَ طَعَامٌ فِي خَمْرٍ, أَوْ فِي عَذِرَةٍ فَغُسِلَ حَتَّى لاَ يَكُونَ لِلْحَرَامِ فِيهِ عَيْنٌ فَهُوَ حَلاَلٌ, إذْ لَمْ يُوجِبْ تَحْرِيمَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قُرْآنٌ, وَلاَ سُنَّةٌ.

فلو مات حيوان مما يحل أكله
1012- مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ مَاتَ حَيَوَانٌ مِمَّا يَحِلُّ أَكْلُهُ لَوْ ذُكِّيَ فَحُلِبَ مِنْهُ لَبَنٌ فَاللَّبَنُ حَلاَلٌ, لأََنَّ اللَّبَنَ حَلاَلٌ بِالنَّصِّ, فَلاَ يُحَرِّمُهُ كَوْنُهُ فِي ضَرْعِ مَيْتَةٍ, لأََنَّهُ قَدْ بَايَنَهَا بَعْدُ, وَهُوَ وَمَا حُلِبَ مِنْهَا فِي حَيَاتِهَا ثُمَّ مَاتَتْ سَوَاءٌ, وَإِنَّمَا هُوَ لَبَنٌ حَلاَلٌ فِي وِعَاءٍ حَرَامٍ فَقَطْ, فَهُوَ وَاَلَّذِي فِي وِعَاءِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ سَوَاءٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ولا يحل أكل السم القاتل ببطء أو تعجيل
1013- مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ السُّمِّ الْقَاتِلِ بِبُطْءٍ أَوْ تَعْجِيلٍ، وَلاَ مَا يُؤْذِي مِنْ الأَطْعِمَةِ, وَلاَ الإِكْثَارُ مِنْ طَعَامٍ يُمْرِضُ الإِكْثَارُ مِنْهُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ}.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانِ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عِلاَقَةَ قَالَ: سَمِعْت أُسَامَةَ بْنَ شَرِيكٍ قَالَ شَهِدْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "تَدَاوَوْا عِبَادَ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُنْزِلْ دَاءً إِلاَّ أَنْزَلَ بِهِ دَوَاءً إِلاَّ الْهَرَمَ" .
قَالَ عَلِيٌّ: زِيَادٌ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ رَوَى عَنْهُ شُعْبَةُ, وَسُفْيَانُ, وَسُفْيَانُ وَمِسْعَرٌ, وَأَبُو عَوَانَةَ وَأَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيُّ, وَغَيْرُهُمْ. وَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ الثَّابِتِ هُمْ الَّذِينَ لاَ يَكْتَوُونَ، وَلاَ يَسْتَرْقُونَ، وَلاَ يَتَطَيَّرُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ حُمِدَ لِتَرْكِ الدَّوَاءِ أَصْلاً, وَلاَ ذِكْرَ لِلْمَنْعِ مِنْهُ, وَأَمْرُهُ عليه السلام بِالتَّدَاوِي: نَهْيٌ، عَنْ تَرْكِهِ, وَأَكْلُ الْمُضِرِّ: تَرْكٌ لِلتَّدَاوِي, فَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وكل حيوان ذكي فوجد في بطنه جنين ميت
1014- مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ حَيَوَانٍ ذَكِيٍّ فَوُجِدَ فِي بَطْنِهِ جَنِينٌ مَيِّتٌ, وَقَدْ كَانَ نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ بَعْدُ فَهُوَ مَيِّتَةٌ لاَ يَحِلُّ أَكْلُهُ, فَلَوْ أُدْرِكَ حَيًّا فَذُكِّيَ حَلَّ أَكْلُهُ, فَلَوْ كَانَ لَمْ يُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ بَعْدُ فَهُوَ حَلاَلٌ إِلاَّ إنْ كَانَ بَعْدُ دَمًا لاَ لَحْمَ فِيهِ, وَلاَ مَعْنَى لأَِشْعَارِهِ، وَلاَ لِعَدَمِ إشْعَارِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ} . وَقَالَ تَعَالَى: {إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ} . وَبِالْعِيَانِ نَدْرِي أَنَّ ذَكَاةَ الأُُمِّ لَيْسَتْ ذَكَاةً لِلْجَنِينِ الْحَيِّ, لأََنَّهُ غَيْرُهَا وَقَدْ يَكُونُ ذَكَرًا وَهِيَ أُنْثَى, فأما إذَا كَانَ لَحْمًا لَمْ يُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ بَعْدُ فَهُوَ بَعْضُهَا وَلَمْ يَكُنْ قَطُّ حَيًّا فَيَحْتَاجُ إلَى ذَكَاةٍ. وَقَدْ احْتَجَّ الْمُخَالِفُونَ بِأَخْبَارٍ وَاهِيَةٍ: مِنْهَا: مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ" ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى سَيِّئُ الْحِفْظِ وَعَطِيَّةُ هَالِكٌ. وَمِنْ طَرِيق إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ الْمَكِّيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ إسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ ضَعِيفٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْجَنِينِ كُلُوهُ إنْ شِئْتُمْ, مُجَالِدٌ ضَعِيفٌ, وَأَبُو الْوَدَّاكِ ضَعِيفٌ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ" حَدِيثُ أَبِي الزُّبَيْرِ مَا لَمْ يَكُنْ عِنْدَ اللَّيْثِ عَنْهُ, أَوْ لَمْ يَقُلْ فِيهِ أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ جَابِرٍ; فَلَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ جَابِرٍ وَهَذَا مِنْ هَذَا النَّمَطِ لاَ يُدْرَى مِمَّنْ أَخَذَهُ، عَنْ جَابِرٍ فَهُوَ، عَنْ مَجْهُولٍ عَلَى مَا أَوْرَدْنَا قَبْلُ. ثُمَّ لَمْ يَأْتِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ إِلاَّ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ شُعَيْبٍ, وَالْحَسَنِ بْنِ بِشْرٍ, وَعَتَّابِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ الْقَدَّاحِ وَكُلُّهُمْ ضُعَفَاءُ.
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي حُذَيْفَةَ، نا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيُّ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى قَالَ: ذُكِرَ لِي، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْجَنِينِ إذَا أَشْعَرَ فَذَكَاتُهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ أَبُو حُذَيْفَةَ ضَعِيفٌ, وَمُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ أَسْقَطُ مِنْهُ ثُمَّ هُوَ مُنْقَطِعٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَخِيهِ عِيسَى، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ" إذَا أَشْعَرَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى سَيِّئُ الْحِفْظِ, ثُمَّ هُوَ مُنْقَطِعٌ. وَقَالُوا: هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُونَ ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، نا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ فِي جَنِينِ النَّاقَةِ إذَا تَمَّ وَأَشْعَرَ: فَذَكَاتُهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ وَيُنْحَرُ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ إذَا أَشْعَرَ جَنِينُ النَّاقَةِ فَكُلْهُ, فَإِنَّ ذَكَاتَهُ ذَكَاةُ أُمِّهِ وَعَنْ قَابُوسَ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَشَارَ إلَى جَنِينِ نَاقَةٍ وَأَخَذَ بِذَنَبِهِ

وَقَالَ: هَذَا مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ وَعَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ نَحْرُ جَنِينِ النَّاقَةِ نَحْرُ أُمِّهِ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ ذَكَاةُ الْجَنِينِ ذَكَاةُ أُمِّهِ وَهُوَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ, وَالشَّعْبِيِّ, وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ, وطَاوُوس, وَأَبِي ظَبْيَانَ, وَأَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ, وَالْحَسَنِ, وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَنَافِعٍ, وَعِكْرِمَةَ, وَمُجَاهِدٍ, وَعَطَاءٍ, وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ, وَعَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي لَيْلَى, وَالزُّهْرِيِّ, وَمَالِكٍ, وَالأَوْزَاعِيِّ, وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ, وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ, وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ, وَأَبِي يُوسُفَ, وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ, وَالشَّافِعِيِّ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، نا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ فِي جَنِينِ الْمَذْبُوحَةِ قَالَ: لاَ تَكُونُ ذَكَاةُ نَفْسٍ، عَنْ نَفْسَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ, وَزُفَرَ, نا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ، نا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى غُنْدَرٌ، نا خَلَفُ بْنُ الْقَاسِمِ، نا أَبُو الْمَيْمُونِ، نا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ رَاشِدٍ الْبَجَلِيُّ، نا أَبُو زُرْعَةَ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَن بْنُ عُمَرَ النَّصْرِيُّ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَيَّانَ قُلْت لِمَالِكِ بْنِ أَنَسٍ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ النَّاقَةُ تُذْبَحُ وَفِي بَطْنِهَا جَنِينٌ يَرْتَكِضُ فَيُشَقُّ بَطْنُهَا فَيَخْرُجُ جَنِينُهَا أَيُؤْكَلُ قَالَ: نَعَمْ, قُلْت: إنَّ الأَوْزَاعِيَّ قَالَ: لاَ يُؤْكَلُ, قَالَ: أَصَابَ الأَوْزَاعِيُّ فَهَذَا قَوْلٌ لِمَالِكٍ أَيْضًا.
وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ فِي إبَاحَةِ أَكْلِهِ: فَرُوِّينَا، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ. قَالَ: إذَا عَلِمَ أَنَّ مَوْتَ الْجَنِينِ قَبْلَ مَوْتِ أُمِّهِ أُكِلَ وَإِلَّا لَمْ يُؤْكَلْ, قِيلَ لَهُ: مِنْ أَيْنَ يَعْلَمُ ذَلِكَ قَالَ: إذَا خَرَجَ لَمْ يَنْتَفِخْ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ فَهُوَ مَوْتُهَا. وقال بعضهم: لاَ يُؤْكَلُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَشْعَرَ وَتَمَّ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ, وَعَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي لَيْلَى, وَالزُّهْرِيِّ, وَالشَّعْبِيُّ, وَنَافِعٍ, وَعِكْرِمَةَ, وَمُجَاهِدٍ, وَعَطَاءٍ, وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ, قَالَ يَحْيَى: فَإِنْ خَرَجَ حَيًّا لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ إِلاَّ أَنْ يُذَكَّى وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ, إِلاَّ، أَنَّهُ قَالَ: إنْ خَرَجَ حَيًّا كُرِهَ أَكْلُهُ, وَلَيْسَ حَرَامًا. وَقَالَ آخَرُونَ: أَشْعَرَ أَوْ لَمْ يُشْعِرْ هُوَ حَلاَلٌ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ, وَإِبْرَاهِيمَ, وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ, وَالأَوْزَاعِيِّ, وَاللَّيْثِ, وَسُفْيَانَ, وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ, وَأَبِي يُوسُفَ, وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ, وَالشَّافِعِيِّ.
قال أبو محمد: لَوْ صَحَّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَقُلْنَا بِهِ مُسَارِعِينَ وَإِذَا لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ فَلاَ يَحِلُّ تَرْكُ الْقُرْآنِ لِقَوْلِ قَائِلٍ أَوْ قَائِلِينَ: فأما أَبُو حَنِيفَةَ, فَإِنَّهُ يُشَنِّعُ, بِخِلاَفِ الصَّاحِبِ لاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ, وَخِلاَفِ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ, وَيَرَى ذَلِكَ خِلاَفًا لِلإِجْمَاعِ, هَذَا مَكَانٌ خَالَفَ فِيهِ الصَّحَابَةَ وَجُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ مِنْ التَّابِعِينَ وَالآثَارُ الَّتِي يَحْتَجُّ هُوَ بِأَسْقَطَ مِنْهَا وَهَذَا تَنَاقُضٌ فَاحِشٌ. وَأَمَّا مَالِكٌ, فَإِنَّهُ لَمْ يُحَرِّمْ الْجَنِينَ إذَا خَرَجَ بَعْدَ ذَبْحِ أُمِّهِ حَيًّا, وَمَا نَعْلَمُ هَذَا، عَنْ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى قَبْلَهُ. وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا أَنَّهُ إنْ

كَانَ عِنْدَهُ ذَكِيًّا بِذَكَاةِ أُمِّهِ أَنَّهُ إنْ عَاشَ وَكَبُرَ وَأَلْقَحَ وَنَتَجَ أَنَّهُ حَلاَلٌ أَكْلُهُ مَتَى مَاتَ, لأََنَّهُ ذُكِّيَ بَعْدُ بِذَكَاةِ أُمِّهِ وَحَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا, فَكِلاَهُمَا خَالَفَ الإِجْمَاعَ, أَوْ مَا يَرَاهُ إجْمَاعًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ولا يحل الأكل ولا الشرب في نية الذهب أو الفضة لا لرجل ولا لأمرأة
1015- مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ الأَكْلُ، وَلاَ الشُّرْبُ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ أَوْ الْفِضَّةِ لاَ لِرَجُلٍ، وَلاَ لأَمْرَأَةٍ, فَإِنْ كَانَ مُضَبَّبًا بِالْفِضَّةِ جَازَ الأَكْلُ وَالشُّرْبُ فِيهِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ, لأََنَّهُ لَيْسَ إنَاءَ فِضَّةٍ, فَإِنْ كَانَ مُضَبَّبًا بِالذَّهَبِ, أَوْ مُزَيَّنًا بِهِ حَرُمَ عَلَى الرِّجَالِ, لأََنَّ فِيهِ اسْتِعْمَالَ ذَهَبٍ وَحَلَّ لِلنِّسَاءِ لأََنَّهُ لَيْسَ إنَاءُ ذَهَبٍ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ هُوَ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الَّذِي يَأْكُلُ أَوْ يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ" فَهَذَا عُمُومٌ يَدْخُلُ فِيهِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ. وَصَحَّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "أَنَّ الذَّهَبَ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِهِ حِلٌّ لأَِنَاثِهَا". وَرُوِّينَا، عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ أُتِيَ بفالوذج فِي إنَاءِ فِضَّةٍ فَأَخْرَجَهُ وَجَعَلَهُ عَلَى رَغِيفٍ وَأَكَلَهُ إِلاَّ أَنْ يَصِحَّ مَا نا بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْعُذْرِيُّ قَاضِي سَرَقُسْطَةَ، نا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُطَّوِّعِيُّ، نا الْحَاكِمُ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّيْسَابُورِيُّ أَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْحَسَنِ الطُّوسِيُّ بِنَيْسَابُورَ, وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخُزَاعِيُّ بِمَكَّةَ, قَالاَ جَمِيعًا، نا أَبُو يَحْيَى بْنُ أَبِي مَيْسَرَةَ، نا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَارِي، نا زَكَرِيَّا بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطِيعٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ شَرِبَ فِي إنَاءِ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ إنَاءٍ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ, فَإِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ". فَإِنْ صَحَّ هَذَا الْخَبَرُ قلنا بِهِ عَلَى نَصِّهِ, وَلَمْ يَحِلَّ الشُّرْبُ فِي إنَاءٍ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ لِرَجُلٍ، وَلاَ لأَمْرَأَةٍ, وَإِنَّمَا تَوَقَّفْنَا عَنْهُ لأََنَّ زَكَرِيَّا بْنَ إبْرَاهِيمَ لاَ نَعْرِفُهُ بِعَدْلٍ، وَلاَ جِرَاحَةٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْعَلاَءِ، عَنْ يَعْلَى بْنِ النُّعْمَانِ قَالَ: قَالَ عَمْرٌو: مَنْ شَرِبَ فِي قَدَحٍ مُفَضَّضٍ سَقَاهُ اللَّهُ جَمْرًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَصَحَّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَشْرَبُ بِقَدَحٍ فِيهِ ضَبَّةُ فِضَّةٍ، وَلاَ حَلَقَةُ فِضَّةٍ: وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِثْلُ هَذَا وَعَنْ آخَرِينَ إبَاحَتُهُ.

ولا يحل القران في الأكل إِلا بِإذن المؤاكل
...
1016- مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ الْقِرَانُ فِي الأَكْلِ إِلاَّ بِإِذْنِ الْمُؤَاكَلِ, وَهُوَ أَنْ تَأْخُذَ أَنْتَ شَيْئَيْنِ شَيْئَيْنِ وَيَأْخُذَ هُوَ وَاحِدًا وَاحِدًا كَتَمْرَتَيْنِ وَتَمْرَةٍ, أَوْ تِينَتَيْنِ وَتِينَةٍ, وَنَحْوِ ذَلِكَ, إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ كُلُّهُ لَك فَافْعَلْ فِيهِ مَا شِئْت. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، نا آدَم، نا شُعْبَةُ، نا جَبَلَةُ بْنُ سُحَيْمٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ وَهُوَ يَمُرُّ بِهِمْ وَهُمْ يَأْكُلُونَ لاَ تُقَارِنُوا فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى، عَنِ الْقِرَانِ إِلاَّ أَنْ يَسْتَأْذِنَ الرَّجُلُ أَخَاهُ قَالَ شُعْبَةُ: الإِذْنُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ.
قال علي: هذا أَعَمُّ مِمَّا رَوَاهُ سُفْيَانُ، عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ, فَإِذَا أَذِنَ الْمُؤَاكِلُ فَهُوَ حَقُّهُ تَرَكَهُ.

ولا يحل أكل ما عجن بالخمر أو بما لا يحل أكله أو شربه ولا قدر طبخت بشيء من ذلك
1017- مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ أَكْلُ مَا عُجِنَ بِالْخَمْرِ. أَوْ بِمَا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ أَوْ شُرْبُهُ. وَلَا قِدْرٌ طُبِخَتْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. إلَّا أَنْ يَكُونَ مِمَّا عُجِنَ بِهِ الدَّقِيقُ وَطُبِخَ بِهِ الطَّعَامُ شَيْئًا حَلَالًا وَكَانَ مَا رَمَى فِيهِ مِنْ الْحَرَامِ قَلِيلًا لَا رِيحَ لَهُ فِيهِ وَلَا طَعْمَ وَلَا لَوْنَ. وَلَا يَظْهَرُ لِلْحَرَامِ فِي ذَلِكَ أَثَرٌ أَصْلًا فَهُوَ حَلَالٌ حِينَئِذٍ. وَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى مَنْ رَمَى فِيهِ شَيْئًا مِنْهُ. لِأَنَّ الْحَرَام إذَا بَطَلَتْ صِفَاتُهُ الَّتِي بِهَا سُمِّيَ بِذَلِكَ الِاسْمِ الَّذِي بِهِ نَصٌّ عَلَى تَحْرِيمِهِ فَقَدْ بَطَلَ ذَلِكَ الِاسْمُ عَنْهُ وَإِذَا بَطَلَ ذَلِكَ الِاسْمُ سَقَطَ التَّحْرِيمُ. لِأَنَّهُ إنَّمَا حَرَّمَ مَا يُسَمَّى بِذَلِكَ الِاسْمِ كَالْخَمْرِ. وَالدَّمِ. وَالْمَيْتَةِ. فَإِذَا اسْتَحَالَ الدَّمُ لَحْمًا. أَوْ الْخَمْرُ خَلًّا. أَوْ الْمَيْتَةُ بِالتَّغَذِّي أَجْزَأَ فِي الْحَيَوَانِ الْأَكْلُ لَهَا مِنْ الدَّجَاجِ. وَغَيْرِهِ فَقَدْ سَقَطَ التَّحْرِيمُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَنْ خَالَفَ هَذَا لَزِمَهُ أَنْ يُحَرِّمَ اللَّبَنَ. لِأَنَّهُ دَمٌ اسْتَحَالَ لَبَنًا. وَأَنْ يُحَرِّمَ التَّمْرَ وَالزَّرْعَ الْمَسْقِيَّ بِالْعَذِرَةِ وَالْبَوْلِ. وَلَزِمَهُ أَنْ يُبِيحَ الْعَذِرَةَ وَالْبَوْلَ. لِأَنَّهُمَا طَعَامٌ. وَمَاءٌ حَلَالَانِ اسْتَحَالَا إلَى اسْمٍ مَنْصُوصٍ عَلَى تَحْرِيمِ الْمُسَمَّى بِهِ. وَأَمَّا تَحْرِيمُ مَا عُجِنَ أَوْ طُبِخَ بِهِ. فَلِظُهُورِ أَثَرِهِ فِي جَمِيعِ الشَّيْءِ الْمَعْجُونِ وَالْمَطْبُوخِ. وَأَمَّا إذَا كَانَ الْأَثَرُ لِشَيْءٍ حَلَالٍ. وَكَانَ الْحَرَامُ لَا أَثَرَ لَهُ. فَقَدْ قُلْنَا الْآنَ مَا يَكْفِي.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ دَاوُد بْنِ عَمْرٍو عَنْ مَكْحُولٍ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ: فِي الْمُرِّيِّ يُجْعَلُ فِيهِ الْخَمْرُ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ. ذَبَحَتْهُ النَّارُ وَالْمِلْحُ.

ولا يحل أكل جبن عقد بإنفحة ميتة
1018- مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ جُبْنٍ عُقِدَ بِإِنْفَحَة مَيْتَةٍ لأََنَّ أَثَرَهَا ظَاهِرٌ فِيهِ وَهُوَ عَقْدُهَا لَهُ لِمَا ذَكَرَ آنِفًا وَهَكَذَا كُلُّ مَا مُزِجَ بِحَرَامٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ولا يحل أكل ما ولغ فيه الكلب
1019- مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ مَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ, لأََمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِهَرْقِهِ, فَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ وَلَمْ يَلَغْ فِيهِ فَهُوَ كُلُّهُ حَلاَلٌ وَقَدْ تَقَصَّيْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ فَأَغْنَى، عَنْ إعَادَتِهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ولا يحل الأكل من وسط الطعام
1020- مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ الأَكْلُ مِنْ وَسَطِ الطَّعَامِ، وَلاَ أَنْ تَأْكُلَ مِمَّا لاَ يَلِيَك سَوَاءٌ كَانَ

ومن أكل وحده فلا يأكل إلا مما يليه
1021- مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَكَلَ وَحْدَهُ فَلاَ يَأْكُلُ إِلاَّ مِمَّا يَلِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا فَإِنْ أَدَارَ الصَّحْفَةَ فَلَهُ ذَلِكَ, لأََنَّهُ لَمْ يُنْهَ، عَنْ ذَلِكَ, فَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ لِغَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُدِيرَ الصَّحْفَةَ لأََنَّ وَاضِعَهَا أَمْلَكُ بِوَضْعِهَا, وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ إدَارَتَهَا إنَّمَا جَعَلَ لَهُ الأَكْلَ مِمَّا يَلِيهِ فَقَطْ, فَإِنْ كَانَتْ الْقَصْعَةُ وَالطَّعَامُ لَهُ فَلَهُ أَنْ يُدِيرَهَا كَمَا يَشَاءُ, وَأَنْ يَرْفَعَهَا إذَا شَاءَ; لأََنَّهُ مَالُهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ إِلاَّ مِمَّا يَلِيهِ, لأََنَّ أَمْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ عُمُومٌ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ}. وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ، وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ}.

وتسمية اللّه تعالى فرض على كل كل عند ابتداء أكله ولا يحل لأَحد أن يأكل بشماله
...
1022- مَسْأَلَةٌ: وَتَسْمِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى فَرْضٌ عَلَى كُلِّ آكِلٍ عِنْدَ ابْتِدَاءِ أَكْلِهِ، وَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ أَنْ يَأْكُلَ بِشِمَالِهِ إِلاَّ أَنْ لاَ يَقْدِرَ فَيَأْكُلَ بِشِمَالِهِ لأََمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ الَّذِي ذَكَرْنَا آنِفًا بِالتَّسْمِيَةِ وَالأَكْلِ بِالْيَمِينِ. وَمِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "لاَ تَأْكُلُوا بِالشِّمَالِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِالشِّمَالِ" وَهَذَا عُمُومٌ فِي النَّهْيِ، عَنْ شِمَالِهِ وَشِمَالِ غَيْرِهِ فَإِنْ عَجَزَ فَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} . وَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ". وَمَنْ تَحَكَّمَ فَجَعَلَ بَعْضَ الأَوَامِرِ فَرْضًا وَبَعْضَهَا نَدْبًا فَقَدْ قَالَ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ, وَقَالَ تَعَالَى: {وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ}.

ولا يحل الأكل في آنية أهل الكتاب حتى تغسل بالماء
1023- مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ الأَكْلُ فِي آنِيَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ حَتَّى تُغْسَلَ بِالْمَاءِ إذَا لَمْ يَجِدْ

ولا يحل أكل السيكران لتحريم النبي صلى الله عليه وسلم كل مسكر
1024- مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ السَّيْكَرَانِ لِتَحْرِيمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم كُلَّ مُسْكِرٍ, وَالسَّيْكَرَانُ مُسْكِرٌ فَإِنْ مَوَّهَ قَوْمٌ بِاللَّبَنِ وَالزُّوَانِ فَلَيْسَ كَمَا ظَنُّوا لأََنَّ اللَّبَنَ وَالزُّوَانَ مُخَدِّرَانِ مُبْطِلاَنِ لِلْحَرَكَةِ لاَ يُسْكِرَانِ, وَالسَّيْكَرَانُ وَالْخَمْرُ مُسْكِرَانِ لاَ يُخَدِّرَانِ، وَلاَ يُبْطِلاَنِ الْحَرَكَةَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وكل ما حرم اللّه عز وجل من المآكل والمشارب من خنزير أو صيد حرام
...
1025- مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ الْمَآكِلِ وَالْمَشَارِبِ مِنْ خِنْزِيرٍ أَوْ صَيْدٍ حَرَامٍ, أَوْ مَيْتَةٍ, أَوْ دَمٍ; أَوْ لَحْمِ سَبُعٍ أَوْ طَائِرٍ, أَوْ ذِي أَرْبَعٍ; أَوْ حَشَرَةٍ, أَوْ خَمْرٍ, أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ: فَهُوَ كُلُّهُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ حَلاَلٌ حَاشَا لُحُومِ بَنِي آدَمَ وَمَا يُقْتَلُ مَنْ تَنَاوَلَهُ: فَلاَ يَحِلُّ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ أَصْلاً لاَ بِضَرُورَةٍ، وَلاَ بِغَيْرِهَا. فَمَنْ اُضْطُرَّ إلَى شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا قَبْلُ وَلَمْ يَجِدْ مَالَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ: فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ حَتَّى يَشْبَعَ, وَيَتَزَوَّدَ حَتَّى يَجِدَ حَلاَلاً; فَإِذَا وَجَدَهُ عَادَ الْحَلاَلُ مِنْ ذَلِكَ حَرَامًا كَمَا كَانَ عِنْدَ ارْتِفَاعِ الضَّرُورَةِ. وَحَدُّ الضَّرُورَةِ أَنْ يَبْقَى يَوْمًا وَلَيْلَةً لاَ يَجِدُ فِيهَا مَا يَأْكُلُ أَوْ يَشْرَبُ, فَإِنْ خَشِيَ الضَّعْفَ الْمُؤْذِيَ الَّذِي إنْ تَمَادَى أَدَّى إلَى الْمَوْتِ, أَوْ قَطَعَ بِهِ، عَنْ طَرِيقِهِ وَشُغْلِهِ حَلَّ لَهُ الأَكْلُ وَالشُّرْبُ فِيمَا يَدْفَعُ بِهِ، عَنْ نَفْسِهِ الْمَوْتَ بِالْجُوعِ أَوْ الْعَطَشِ. وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا سَوَاءٌ لاَ فَضْلَ لِبَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ إنْ وَجَدَ مِنْهَا نَوْعَيْنِ, أَوْ أَنْوَاعًا فَيَأْكُلُ مَا شَاءَ مِنْهَا لِلتَّذْكِيَةِ فِيهَا.
أَمَّا تَحْلِيلُ كُلِّ ذَلِكَ لِلضَّرُورَةِ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ} فَأَسْقَطَ تَعَالَى تَحْرِيمَ مَا فَصَّلَ تَحْرِيمَهُ عِنْدَ الضَّرُورَةِ, فَعَمَّ وَلَمْ يَخُصَّ, فَلاَ يَجُوزُ تَخْصِيصُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُنَا إذَا لَمْ يَجِدْ مَالَ مُسْلِمٍ فَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُوسَى: أَطْعِمُوا الْجَائِعَ فَهُوَ إذَا وَجَدَ مَالَ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ فَقَدْ وَجَدَ مَالاً قَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِإِطْعَامِهِ مِنْهُ, فَحَقُّهُ فِيهِ, فَهُوَ غَيْرُ مُضْطَرٍّ إلَى الْمَيْتَةِ وَسَائِرِ الْمُحَرَّمَاتِ, فَإِنْ مُنِعَ ذَلِكَ ظُلْمًا فَهُوَ مُضْطَرٌّ حِينَئِذٍ. وَخَصَّصَ قَوْمٌ الْخَمْرَ بِالْمَنْعِ وَهَذَا خَطَأٌ لأََنَّهُ تَخْصِيصٌ لِلْقُرْآنِ بِلاَ بُرْهَانٍ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ; وَخَالَفَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَغَيْرُهُ, وَاحْتَجَّ الْمَالِكِيُّونَ بِأَنَّهَا لاَ تُرْوَى وَهَذَا خَطَأٌ مُدْرَكٌ بِالْعِيَانِ, وَقَدْ صَحَّ عِنْدَنَا أَنَّ كَثِيرًا مِنْ الْمُدْمِنِينَ عَلَيْهَا مِنْ الْكُفَّارِ وَالْخِلاَعِ لاَ يَشْرَبُونَ الْمَاءَ أَصْلاً مَعَ شُرْبِهِمْ الْخَمْرَ. وَقَدْ اضْطَرَبُوا: فَرُوِيَ، عَنْ مَالِكٍ: الأَسْتِغَاثَةَ بِالْخَمْرِ لِمَنْ اخْتَنَقَ بِلُقْمَةٍ وَأَمَرَهُ بِذَلِكَ, وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ

ولا يحل شيء مما ذكرنا لمن كان في طريق بغي على المسلمين أو ممتنعًا من حق
...
1026- مَسْأَلَةٌ: وَلَا يَحِلُّ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا لِمَنْ كَانَ فِي طَرِيقِ بَغْيٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَوْ مُمْتَنِعًا مِنْ حَقٍّ, بَلْ كُلُّ ذَلِكَ حَرَامٌ عَلَيْهِ, فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَا يَأْكُلُ فَلْيَتُبْ مِمَّا هُوَ فِيهِ وَلْيُمْسِكْ عَنِ الْبَغْيِ وَلْيَأْكُلْ حِينَئِذٍ وَلْيَشْرَبْ مِمَّا اُضْطُرَّ إلَيْهِ حَلَالًا لَهُ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى فَاسِقٌ, آكِلُ حَرَام.
بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَمَنْ اُضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} وَقَوْلُهُ: {فَمَنْ اُضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ} فَإِنَّمَا أَبَاحَ تَعَالَى مَا حَرَّمَهُ بِالضَّرُورَةِ مَنْ لَمْ يَتَجَانَفْ لِإِثْمٍ, وَمَنْ لَمْ يَكُنْ بَاغِيًا وَلَا عَادِيًا: وَهَذَا قَوْلُ كُلِّ مَنْ نَعْلَمُهُ مِنْ الْعُلَمَاءِ إلَّا الْمَالِكِيِّينَ, فَإِنَّهُمْ قَالُوا فِيمَنْ قَطَعَ الطَّرِيقَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ, وَانْتَظَرَ رِفَاقَهُمْ مِنْ الْمُحَارِبِينَ, وَحَاصَرَ قُرَاهُمْ وَمَدَنَهُمْ مِنْ الْبَاغِينَ لِسَفْكِ دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ, وَيَسْتَبِيحُ أَمْوَالَهُمْ وَفُرُوجَ الْمُسْلِمَاتِ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا, فَلَمْ يَجِدْ

مَأْكَلًا إلَّا الْخَنَازِيرَ وَالْمَيْتَاتِ أَنَّهُ مُبَاحٌ لَهُ أَكْلُهُ, فَأَعَانُوهُ عَلَى أَعْظَمِ الظُّلْمِ, وَأَشَدِّ الْبَغْيِ وَالْعُدْوَانِ وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ مَوَّهُوا هَهُنَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} .
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا مِنْ أَقْبَحِ مَا يَكُونُ مِنْ الإِبْهَامِ وَمَا أَمَرْنَاهُ بِقَتْلِ نَفْسِهِ بَلْ بِمَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنْ التَّوْبَةِ, فَلْيَنْوِهَا بِقَلْبِهِ, وَلْيُمْسِكْ عَنِ الْبَغْيِ وَالِامْتِنَاعِ مِنْ الْحَقِّ بِيَدَيْهِ, ثُمَّ يَأْكُلُ مَا اُضْطُرَّ إلَيْهِ حَلَالًا لَهُ, وَمَا سَمِعْنَا بِقَوْلٍ أَقْبَحَ مِنْ قَوْلِهِمْ هَذَا أَنْ لَا يَأْمُرُوهُ بِالتَّوْبَةِ مِنْ الْبَغْيِ, وَيُبِيحُوا لَهُ التَّقَوِّي عَلَى الإِفْسَادِ فِي الأَُرْضِ بِأَكْلِ الْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ نَبْرَأُ إلَى اللَّهِ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ: رُوِّينَا عَنْ مُجَاهِدٍ {غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ} غَيْرَ بَاغٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ, وَلَا عَادٍ عَلَيْهِمْ - قَالَ مُجَاهِدٌ: وَمَنْ يَخْرُجُ لِقَطْعِ الطَّرِيقِ, أَوْ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى, فَاضْطُرَّ إلَى الْمَيْتَةِ لَمْ تَحِلَّ لَهُ, إنَّمَا تَحِلُّ لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى, فَإِنْ اُضْطُرَّ إلَيْهَا فَلْيَأْكُلْ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ {فَمَنْ اُضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ} قَالَ: إذَا خَرَجَ فِي سَبِيلٍ مِنْ سُبُلِ اللَّهِ تَعَالَى فَاضْطُرَّ إلَى الْمَيْتَةِ أَكَلَ, وَإِنْ خَرَجَ إلَى قَطْعِ الطَّرِيقِ فَلَا رُخْصَةَ لَهُ. وَمَوَّهُوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَلَمَةَ بْنِ سَابُورٍ عَنْ عَطِيَّةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ مَعْنَى الْبَاغِي, وَالْعَادِي, إنَّمَا هُوَ فِي الأَُكْلِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَهَذَا لَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِوُجُوهٍ ثَلَاثَةٍ: أَوَّلُهَا أَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ فِي تَخْصِيصِ الْقُرْآنِ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ إسْنَادٌ فَاسِدٌ لَا يَصِحُّ, لِأَنَّ سَلَمَةَ بْنَ سَابُورٍ ضَعِيفٌ, وَعَطِيَّةَ مَجْهُولٌ. وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَكَانَ مُوَافِقًا لِقَوْلِنَا لَا لِقَوْلِهِمْ, لِأَنَّ الْبَاغِيَ فِي الأَُكْلِ, وَالْعَادِيَ فِيهِ: هُوَ مِنْ أَكْلِهِ فِيمَا لَمْ يُبَحْ لَهُ, وَآكِلُهُ فِي الْبَغْيِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بَاغٍ فِي الأَُكْلِ وَعَادٍ فِيهِ, وَهَكَذَا نَقُولُ. وَمَا قَالَ قَطُّ أَحَدٌ نَعْلَمُهُ قَبْلَهُمْ: أَنَّ مَنْ خَرَجَ مُفْسِدًا فِي الأَُرْضِ فَاضْطُرَّ إلَى الْمَيْتَةِ فَلَهُ أَكْلُهَا مُصِرًّا عَلَى إفْسَادِهِ مُتَقَوِّيًا عَلَى ظُلْمِ الْمُسْلِمِينَ, وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلَانِ. وَقَالَ قَائِلُونَ: لَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ ذَلِكَ إلَّا مَا يُمْسِكُ رَمَقَهُ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذَا خَطَأٌ; لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى اسْتَثْنَى الْمُضْطَرَّ مِنْ التَّحْرِيمِ, فَهُوَ بِلَا شَكٍّ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي التَّحْرِيمِ, وَإِذْ هُوَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِيهِ فَكُلُّ ذَلِكَ مُبَاحٌ لَهُ جُمْلَةً.

والسرف حرام وهو النفقة فيما حرم اللّه تعالى
...
1027- مَسْأَلَةٌ: وَالسَّرَفُ حَرَامٌ, وَهُوَ النَّفَقَةُ فِيمَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ, وَلَوْ أَنَّهَا جُزْءٌ مِنْ قَدْرِ جَنَاحِ بَعُوضَةٍ أَوْ التَّبْذِيرُ فِيمَا لاَ يَحْتَاجُ إلَيْهِ ضَرُورَةً مِمَّا لاَ يَبْقَى لِلْمُنْفِقِ بَعْدَهُ غِنًى أَوْ إضَاعَةُ الْمَالِ وَإِنْ قَلَّ بِرَمْيِهِ عَبَثًا; فَمَا عَدَا هَذِهِ الْوُجُوهِ فَلَيْسَ سَرَفًا وَهُوَ حَلاَلٌ وَإِنْ كَثُرَتْ النَّفَقَةُ فِيهِ. وَقَوْلُنَا هَذَا رُوِّينَاهُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَغَيْرِهِ, قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلاَ تُسْرِفُوا إنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} . وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَا يُونُسُ، هُوَ ابْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَقُلْتُ:

يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي صَدَقَةً إلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ". وَصَحَّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَنَّهُ قَالَ: "خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ، عَنْ ظَهْرِ غِنًى وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ". رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي مَالِكٍ الأَشْجَعِيِّ، عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ". فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ نَفَقَةُ شَيْءٍ مِنْ الْمَعْرُوفِ, وَلاَ الْمُبَاحِ, إِلاَّ مَا أَبْقَى غِنًى, إِلاَّ مَنْ اُضْطُرَّ إلَى قُوتِ نَفْسِهِ وَمَنْ مَعَهُ, فَلاَ يَحِلُّ لَهُ قَتْلُ نَفْسِهِ، وَلاَ تَضْيِيعُ مَنْ مَعَهُ, ثُمَّ اللَّهُ تَعَالَى هُوَ الرَّزَّاقُ, وَأَمَّا مَا دُونَ هَذَا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ} . وَقَالَ تَعَالَى: {لاَ تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ، وَلاَ تَعْتَدُوا}. وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنْ الرِّزْقِ} {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ}. فَمَنْ حَرَّمَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ نَصٍّ فَقَدْ قَالَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى الْبَاطِلَ.
فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمْ الدُّنْيَا فَإِنَّمَا هَذِهِ الآيَةُ فِي الْكُفَّارِ خَاصَّةً بِنَصِّ الآيَةِ قَالَ تَعَالَى: {وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمْ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ}.
قال أبو محمد: التَّمْوِيهُ بِإِيرَادِ بَعْضِ آيَةٍ وَالسُّكُوتِ، عَنْ أَوَّلِهِمَا أَوْ آخِرِهَا عَادَةُ سُوءٍ لِمَنْ أَرَادَ اللَّهَ تَعَالَى خِزْيُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ, لأََنَّهُ تَحْرِيفٌ لِلْكَلِمِ، عَنْ مَوَاضِعِهِ وَكَذِبٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى.

وكل ما تغذى من الحيوان المباح أكله بالمحرمات فهو حلال
1028- مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَا تَغَذَّى مِنْ الْحَيَوَانِ الْمُبَاحِ أَكْلُهُ بِالْمُحَرَّمَاتِ فَهُوَ حَلاَلٌ: كَالدَّجَاجِ الْمُطْلَقِ, وَالْبَطِّ, وَالنَّسْرِ, وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَلَوْ أَنَّ جَدْيًا أُرْضِعَ لَبَنَ خِنْزِيرَةٍ لَكَانَ أَكْلُهُ حَلاَلاً حَاشَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْجَلَّالَةِ لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} . فَلَمْ يُفَصِّلْ لَنَا تَحْرِيمَ شَيْءٍ مِنْ أَجْلِ مَا يَأْكُلُ إِلاَّ الْجَلَّالَةَ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} . وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي مُوسَى تَحْلِيلُ الدَّجَاجِ وَإِنْ كَانَ يَأْكُلُ الْقَذِرَ. وَرُوِّينَا، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا أَرَادَ أَكْلَهَا حَبَسَهَا ثَلاَثًا حَتَّى يَطِيبَ بَطْنُهَا.
قال أبو محمد: هَذَا لاَ يَلْزَمُ لأََنَّهُ إنْ كَانَ حَبَسَهَا مِنْ أَجْلِ مَا فِي قَانِصَتِهَا مِمَّا أَكَلَتْ فَاَلَّذِي فِي الْقَانِصَةِ لاَ يَحِلُّ أَكْلُهُ جُمْلَةً, لأََنَّهُ رَجِيعٌ, وَإِنْ كَانَ مِنْ أَجْلِ اسْتِحَالَةِ الْمُحَرَّمَاتِ الَّتِي أُكِلَتْ فَلاَ يَسْتَحِيلُ لَحْمُهَا فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ, وَلاَ فِي ثَلاَثَةِ أَشْهُرٍ بَلْ قَدْ صَارَ مَا تَغَذَّتْ بِهِ مِنْ ذَلِكَ لَحْمًا مِنْ لَحْمِهَا, وَلَوْ حَرُمَ مِنْ ذَلِكَ لَحَرُمَ مِنْ الثِّمَارِ وَالزَّرْعِ مَا يَنْبُتُ عَلَى الزِّبْلِ وَهَذَا خَطَأٌ. وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْحَرَامَ إذَا اسْتَحَالَتْ صِفَاتُهُ وَاسْمُهُ بَطَلَ حُكْمُهُ الَّذِي عُلِّقَ عَلَى ذَلِكَ الأَسْمِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

والقرد حرام أكله
1029- مَسْأَلَةٌ: وَالْقِرْدُ حَرَامٌ أَكْلُهُ لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَسَخَ نَاسًا عُصَاةً عُقُوبَةً لَهُمْ

وأكل الطين لمن لا يستضر به حلال
1030- مَسْأَلَةٌ: وَأَكْلُ الطِّينِ لِمَنْ لاَ يَسْتَضِرُّ بِهِ حَلاَلٌ, وَأَمَّا أَكْلُ مَا يَسْتَضِرُّ بِهِ مِنْ طِينٍ أَوْ إكْثَارٍ مِنْ الْمَاءِ أَوْ الْخُبْزِ: فَحَرَامٌ; لأََنَّهُ لَيْسَ مِمَّا فَصَّلَ تَحْرِيمَهُ لَنَا فَهُوَ حَلاَلٌ, وَأَمَّا كُلُّ مَا أَضَرَّ فَهُوَ حَرَامٌ, لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ" . رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ, وَسُفْيَانَ, وَهُشَيْمٍ, وَمَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ, وَابْنِ عُلَيَّةَ, وَعَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عَبْدِ الْمَجِيدِ, كُلُّهُمْ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَبِي الأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ، عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ أَنَّهُ حَفِظَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ: "إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ" وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ, فَمَنْ أَضَرَّ بِنَفْسِهِ أَوْ بِغَيْرِهِ فَلَمْ يُحْسِنْ, وَمَنْ لَمْ يُحْسِنْ فَقَدْ خَالَفَ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. وَقَدْ رُوِيَ فِي تَحْرِيمِ الطِّينِ آثَارٌ كَاذِبَةٌ: مِنْهَا: مِنْ طَرِيقِ سُوَيْد بْنِ سَعِيدٍ الْحَدَثَانِيِّ وَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ, وَمُرْسَلاَتٌ وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنْ الأَرْضِ}.
قَالَ: وَالطِّينُ لَيْسَ مِمَّا أَخْرَجَ لَنَا مِنْ الأَرْضِ. قال أبو محمد: وَهَذَا مِنْ التَّمْوِيهِ الَّذِي جَرَوْا عَلَى عَادَتِهِمْ فِيهِ فِي إيهَامِهِمْ أَنَّهُمْ يَحْتَجُّونَ, وَإِنَّمَا يَأْتُونَ بِمَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ, وَهَذِهِ الآيَةُ حَقٌّ وَلَكِنْ لَيْسَ فِيهَا تَحْرِيمُ أَكْلِ مَا لَمْ يُخْرِجْ لَنَا مِنْ الأَرْضِ وَإِنَّمَا فِيهَا إبَاحَةُ مَا أَخْرَجَ لَنَا مِنْ الأَرْضِ وَلَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ مَا عَدَا ذَلِكَ لاَ بِتَحْلِيلٍ، وَلاَ بِتَحْرِيمٍ; فَحُكْمُ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الأَرْضِ مَطْلُوبٌ مِنْ غَيْرِهَا. وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الآيَةُ مَانِعَةً مِنْ أَكْلِ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْ الأَرْضِ لَحَرُمَ أَكْلُ الْحَيَوَانِ كُلِّهِ بَرِّيِّهِ وَبَحْرِيِّهِ, وَلَحَرُمَ أَكْلُ الْعَسَلِ, والطرنجبين, وَالْبَرَدِ, وَالثَّلْجِ, لأََنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مِمَّا أَخْرَجَ اللَّهُ تَعَالَى لَنَا مِنْ الأَرْضِ; فَالطِّينُ وَاحِدٌ مِنْ هَذِهِ فَكَيْفَ وَهُوَ مِمَّا فِي الأَرْضِ وَمِمَّا أَخْرَجَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الأَرْضِ لأََنَّهُ مَعَادِنُ فِي الأَرْضِ مُسْتَخْرَجَةً مِنْ الأَرْضِ, وَلَقَدْ كَانَ يَنْبَغِي لِمَنْ لَهُ دِينٌ أَنْ لاَ يَحْتَجَّ بِمِثْلِ هَذَا

مِمَّا يَفْتَضِحُ فِيهِ مِنْ قُرْبٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ الْقَلِيلَ مِنْ الْفِطَرِ وَالْكَمْأَةِ, وَلَحْمِ التَّيْسِ الْهَرِمِ أَضَرُّ مِنْ قَلِيلِ الطِّينِ, وَأَتَى بَعْضُهُمْ بِطَرِيفَةٍ فَقَالَ: خُلِقْنَا مِنْ التُّرَابِ فَمَنْ أَكَلَ التُّرَابَ فَقَدْ أَكَلَ مَا خُلِقَ مِنْهُ. فَقُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا وَعَلَى هَذَا الأَسْتِدْلاَلِ السَّخِيفِ يَحْرُمُ شُرْبُ الْمَاءِ لأََنَّنَا مِنْ الْمَاءِ خُلِقْنَا بِنَصِّ الْقُرْآنِ.

والضب حلال ولم ير أبو حنيفة أكله
1031- مَسْأَلَةٌ: وَالضَّبُّ حَلَالٌ, وَلَمْ يَرَ أَبُو حَنِيفَةَ أَكْلَهُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ كَرِهَ الضَّبَّ. وَعَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ: سَأَلْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الضَّبِّ فَقَالَ: لَا تَطْعَمُوهُ. وَاحْتَجَّ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِأَحَادِيثَ: مِنْهَا صَحِيحٌ: كَاَلَّذِي رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ, وَأَبِي مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرِ عَنِ الأَُعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَنَةَ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزَاةٍ فَأَصَابَتْنَا مَجَاعَةٌ فَوَجَدْنَا ضِبَابًا فَبَيْنَمَا الْقُدُورُ تَغْلِي بِالضِّبَابِ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "إنَّ أُمَّةً مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ فُقِدَتْ, وَإِنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ هِيَ فَأَكْفِئُوهَا, فَأَلْقَيْنَا بِهَا" .هَذَا لَفْظُ أَبِي مُعَاوِيَةَ, وَلَفْظُ يَحْيَى نَحْوُهُ. وَمِنْهَا غَيْرُ صَحِيحٍ: مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ ضَمْضَمِ بْنِ زُرْعَةَ عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ أَبِي رَاشِدٍ الْحُبْرَانِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِبْلٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ أَكْلِ لَحْمِ الضَّبِّ. وَجَاءَتْ أَخْبَارٌ فِيهَا التَّوَقُّفُ فِيهِ كَاَلَّذِي رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ دَاوُد عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الضَّبِّ؟ فَقَالَ عليه السلام: "إنَّ أُمَّةً مِنْ بَنِي إسْرَائِيلَ مُسِخَتْ" فَلَمْ يَأْمُرْ وَلَمْ يَنْهَ وَمِثْلُ هَذَا أَيْضًا بِمَعْنَاهُ صَحِيحٌ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وَمِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنْ ثَابِتِ بْنِ يَزِيدَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ عَنْ ثَابِتِ ابْنِ وَدِيعَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي الضَّبِّ: "لَا آمُرُ بِهِ, وَلَا أَنْهَى عَنْهُ". وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنِ الأَُسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِضَبٍّ فَلَمْ يَأْكُلْهُ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نُطْعِمُهُ الْمَسَاكِينَ؟ قَالَ: لَا تُطْعِمُوهُمْ مَا لَمْ تَأْكُلُوا.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: أَمَّا هَذِهِ فَلَا حُجَّةَ فِيهَا. وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِبْلٍ فَفِيهِ ضُعَفَاءُ وَمَجْهُولُونَ

فَسَقَطَ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَنَةَ فَهُوَ حُجَّةٌ إلَّا أَنَّهُ مَنْسُوخٌ بِلَا شَكٍّ, لِأَنَّ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم. إنَّمَا أَمَرَ بِإِكْفَاءِ الْقُدُورِ بِالضَّبَابِ خَوْفَ أَنْ تَكُونَ مِنْ بَقَايَا مَسْخِ الأُُمَّةِ السَّالِفَةِ, هَذَا نَصُّ الْحَدِيثِ, فَإِنْ وَجَدْنَا عَنْهُ عليه السلام مَا يُؤَمِّنُ مِنْ هَذَا الظَّنِّ بِيَقِينٍ فَقَدْ ارْتَفَعَتْ الْكَرَاهَةُ أَوْ الْمَنْعُ فِي الضَّبِّ, فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ: فَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ نا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ - هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ وَاللَّفْظُ لَهُ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَشْكُرِيِّ عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْقِرَدَةُ وَالْخَنَازِيرُ هِيَ مِمَّا مُسِخَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يُهْلِكْ قَوْمًا أَوْ يُعَذِّبْ قَوْمًا فَيَجْعَلَ لَهُمْ نَسْلًا, وَإِنَّ الْقِرَدَةَ, وَالْخَنَازِيرَ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ وَكِيعٍ عَنْ مِسْعَرِ بْنِ كِدَامٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ مَرْثَدٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْيَشْكُرِيِّ عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْد عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ الْقِرَدَةَ ذُكِرَتْ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ عليه السلام: "إنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ لِمَسْخٍ نَسْلًا وَلَا عَقِبًا وَقَدْ كَانَتْ الْقِرَدَةُ وَالْخَنَازِيرُ قَبْلَ ذَلِكَ". فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ تِلْكَ الْمَخَافَةَ مِنْهُ عليه السلام فِي الضِّبَابِ أَنْ تَكُونَ مِمَّا مُسِخَ قَدْ ارْتَفَعَتْ, وَصَحَّ أَنَّ الضِّبَابَ لَيْسَتْ مِمَّا مُسِخَ, وَلَا مِمَّا مُسِخَ شَيْءٌ فِي صُوَرِهَا: فَحَلَّتْ. ثُمَّ وَجَدْنَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَخَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْتَ مَيْمُونَةَ: فَأُتِيَ بِضَبٍّ مَحْنُوذٍ فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ, فَقُلْتُ: أَحَرَامٌ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لَا, وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ, قَالَ خَالِدٌ: فَاجْتَرَرْتُهُ فَأَكَلْتُهُ وَرَسُولُ صلى الله عليه وسلم يَنْظُرُ. فَهَذَا نَصٌّ جَلِيٌّ عَلَى تَحْلِيلِهِ, وَهَذَا هُوَ الآخَرُ النَّاسِخُ, لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ بِلَا شَكٍّ لَمْ يَجْتَمِعْ قَطُّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ إلَّا بَعْدَ انْقِضَاءِ غَزْوَةِ الْفَتْحِ, وَحُنَيْنٍ, وَالطَّائِفِ, وَلَمْ يَغْزُ عليه السلام بَعْدَهَا إلَّا تَبُوكَ, وَلَمْ تُصِبْهُمْ فِي تَبُوكَ مَجَاعَةٌ أَصْلًا. وَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ خَبَرَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَسَنَةَ كَانَ قَبْلَ هَذَا الْخَبَرِ بِلَا مِرْيَةٍ فَارْتَفَعَ الإِشْكَالُ جُمْلَةً وَصَحَّتْ إبَاحَتُهُ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَغَيْرِهِ: وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

والأرنب حلال لإنه لم يفصل لنا تحريمها
1033- مَسْأَلَةٌ: وَالأَرْنَبُ حَلاَلٌ, لأََنَّهُ لَمْ يُفَصِّلْ لَنَا تَحْرِيمَهَا, وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِيهَا;

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ عُمَرَ أَوْ ابْنُ عُمَرَ أَنَّهُ كَرِهَ الأَرْنَبَ. وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَيْضًا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَأَبَاهُ كَرِهَا الأَرْنَبَ وَأَكَلَهَا سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّهُ كَرِهَ الأَرْنَبَ. وَاحْتَجَّ مَنْ كَرِهَهَا بِخَبَرٍ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، نا أَبُو مَكِينٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِأَرْنَبٍ فَقِيلَ لَهُ: إنَّهَا تَحِيضُ فَكَرِهَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ أَبِي أُمَيَّةَ قَالَ: سَأَلَ جَرِيرُ بْنُ أَنَسٍ الأَسْلَمِيُّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ الأَرْنَبِ فَقَالَ: لاَ آكُلُهَا أُنْبِئْتُ أَنَّهَا تَحِيضُ.
قال أبو محمد: عَبْدُ الْكَرِيمِ أَبُو أُمَيَّةَ هَالِكٌ وَحَدِيثُ عِكْرِمَةَ مُرْسَلٌ, وَقَدْ صَحَّ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ صَادَ أَرْنَبًا فَأَتَى بِهَا أَبَا طَلْحَةَ فَذَبَحَهَا وَبَعَثَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِوَرِكِهَا وَفَخْذَيْهَا فَأَتَيْتُ بِهَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَبِلَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِأَرْنَبٍ مَشْوِيَّةٍ فَلَمْ يَأْكُلْ عليه السلام مِنْهَا وَأَمَرَ عليه السلام الْقَوْمَ فَأَكَلُوا فَهَذَا نَصٌّ صَحِيحٌ فِي تَحْلِيلِهَا وَقَدْ يَكْرَهُهَا عليه السلام خِلْقَةً, لاَ لأَِثْمٍ فِيهَا, وَنَحْنُ لَعَمْرُ اللَّهِ نَكْرَهُهَا جُمْلَةً، وَلاَ نَقْدِرُ عَلَى أَكْلِهَا أَصْلاً, وَلَيْسَ هَذَا مِنْ التَّحْرِيمِ فِي شَيْءٍ.

والخل المستحيل عن الخمر حلال تعمد تخليلها أو لم يتعمد
1034- مَسْأَلَةٌ: وَالْخَلُّ الْمُسْتَحِيلُ، عَنِ الْخَمْرِ حَلاَلٌ تَعَمَّدَ تَخْلِيلَهَا أَوْ لَمْ يَتَعَمَّدْ إِلاَّ أَنَّ الْمُمْسِكَ لِلْخَمْرِ لاَ يُرِيقُهَا حَتَّى يُخَلِّلَهَا أَوْ تَتَخَلَّلَ مِنْ ذَاتِهَا: عَاصٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مُجَرَّحُ الشَّهَادَةِ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّ الْخَمْرَ مُفَصَّلٌ تَحْرِيمُهَا, وَالْخَلُّ حَلاَلٌ لَمْ يُحَرَّمْ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، نا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الدَّارِمِيُّ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ، نا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "نِعْمَ الإِدَامُ الْخَلُّ فَإِذًا الْخَلُّ حَلاَلٌ" , فَهُوَ بِيَقِينٍ غَيْرُ الْخَمْرِ الْمُحَرَّمَةِ, وَإِذَا سَقَطَتْ، عَنِ الْعَصِيرِ الْحَلاَلِ صِفَاتُ الْعَصِيرِ وَحَلَّتْ فِيهِ صِفَاتُ الْخَمْرِ فَلَيْسَتْ تِلْكَ الْعَيْنُ عَصِيرًا حَلاَلاً, بَلْ هِيَ خَمْرٌ مُحَرَّمَةٌ, وَإِذَا سَقَطَتْ، عَنْ تِلْكَ الْعَيْنِ صِفَاتُ الْخَمْرِ الْمُحَرَّمَةِ وَحَلَّتْ فِيهَا صِفَاتُ الْخَلِّ الْحَلاَلِ, فَلَيْسَتْ خَمْرًا مُحَرَّمَةً, بَلْ هِيَ خَلٌّ حَلاَلٌ. وَهَكَذَا كُلُّ مَا فِي الْعَالَمِ إنَّمَا الأَحْكَامُ عَلَى الأَسْمَاءِ فَإِذَا بَطَلَتْ تِلْكَ الأَسْمَاءُ بَطَلَتْ تِلْكَ الأَحْكَامُ الْمَنْصُوصَةُ عَلَيْهَا وَحَدَثَتْ لَهَا أَحْكَامُ الأَسْمَاءِ الَّتِي انْتَقَلَتْ إلَيْهَا فَلِلصَّغِيرِ حُكْمُهُ, وَلِلْبَالِغِ حُكْمُهُ, وَلِلْمَيِّتِ حُكْمُهُ, وَلِلدَّمِ حُكْمُهُ, وَلِلْغِذَاءِ الَّذِي اسْتَحَالَ مِنْهُ حُكْمُهُ, وَلِلَّبَنِ, وَاللَّحْمِ الْمُسْتَحِيلَيْنِ، عَنِ الدَّمِ حُكْمُهُمَا; وَهَكَذَا كُلُّ شَيْءٍ. وَلاَ مَعْنَى لِتَعَمُّدِ تَخْلِيلِهَا, أَوْ لِتَخْلِيلِهَا مِنْ ذَاتِهَا لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ

شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قُرْآنٌ, وَلاَ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ, وَلاَ رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ, وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ, وَلاَ قِيَاسٌ, وَإِنَّمَا الْحَرَامُ إمْسَاكُ الْخَمْرِ فَقَطْ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ تَخْلِيلِهَا أَوْ تَرْكِ تَخْلِيلِهَا, بَلْ الْمُرِيدُ لِبَقَائِهَا خَمْرًا أَعْظَمُ إثْمًا وَأَكْثَرُ جُرْمًا مِنْ الْمُتَعَمِّدِ لأَِفْسَادِهَا وَالْقَاصِدِ لِتَغْيِيرِهَا وَقَوْلُنَا هَذَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ, وَمَالِكٍ. وقال الشافعي, وَأَبُو سُلَيْمَانَ: إذَا تَخَلَّلَتْ حَلَّتْ, وَإِنْ خُلِّلَتْ لَمْ تَحِلَّ وَهَذَا قَوْلٌ فَاسِدٌ وَرُوِّينَا، عَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيِّينَ: أَنَّ كُلَّ خَلٍّ تَوَلَّدَ مِنْ خَمْرٍ بِقَصْدٍ أَوْ بِغَيْرِ قَصْدٍ فَهُوَ حَرَامٌ وَهَذَا خَطَأٌ لِمَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا عِصْيَانُ مُمْسِكِ الْخَمْرِ: فَلِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي خَلَفٍ قَالَ:، نا زَكَرِيَّا، هُوَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، نا عُبَيْدُ اللَّهِ، هُوَ ابْنُ عَمْرٍو، عَنْ زَيْدٍ، هُوَ ابْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ يَحْيَى النَّخَعِيِّ قَالَ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيذِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ, وَفِيهِ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِسِقَاءٍ فَجُعِلَ فِيهِ زَبِيبٌ وَمَاءٌ جُعِلَ مِنْ اللَّيْلِ فَأَصْبَحَ فَشَرِبَ مِنْهُ يَوْمَهُ وَاللَّيْلَةَ الْمُسْتَقْبَلَةَ وَمِنْ الْغَدِ حَتَّى أَمْسَى فَشَرِبَ وَسَقَى فَلَمَّا أَصْبَحَ أَمَرَ بِمَا بَقِيَ مِنْهُ فَأُهْرِقَ. فَلاَ يَحِلُّ إمْسَاكُ الْخَمْرِ أَصْلاً. فإن قيل: فَكَيْفَ السَّبِيلُ إلَى خَلٍّ لاَ يَأْثَمُ مُعَانِيهِ قلنا: نَعَمْ, بِأَنْ يَكُونَ الْعِنَبُ كَمَا هُوَ يُلْقَى فِي الظَّرْفِ صَحِيحًا فَإِذَا كَانَ فِي اسْتِقْبَالِ الصَّيْفِ الَّذِي يَأْتِي عُصِرَ فَإِنَّهُ لاَ يَنْعَصِرُ إِلاَّ الْخَلُّ الصِّرْفُ. وَلاَ يُسَمَّى خَمْرًا مَا لَمْ يَبْرُزْ مِنْ الْعِنَبِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ مَنْ عَصَرَ الْعِنَبَ, أَوْ نَبَذَ الزَّبِيبَ أَوْ التَّمْرَ ثُمَّ صَبَّ عَلَى الْعَصِيرِ الْحُلْوِ أَوْ النَّبِيذِ الْحُلْوِ قَبْلَ أَنْ يَبْدَأَ بِهِمَا الْغَلَيَانُ مِثْلَ كِلَيْهِمَا خَلًّا حَاذِقًا, فَإِنَّهُ يَتَخَلَّلُ, وَلاَ يَصِيرُ خَمْرًا أَصْلاً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

والسمن الذائب يقع فيه الفأر مات فيه أو لم يمت فهو حرام لا يحل إمساكه أصلا
ً
...
1034 - مَسْأَلَةٌ: وَالسَّمْنُ الذَّائِبُ يَقَعُ فِيهِ الْفَأْرُ مَاتَ فِيهِ أَوْ لَمْ يَمُتْ: فَهُوَ حَرَامٌ, لاَ يَحِلُّ إمْسَاكُهُ أَصْلاً, بَلْ يُهْرَاقُ, فَإِنْ كَانَ جَامِدًا أُخِذَ مَا حَوْلَ الْفَأْرِ فَرُمِيَ, وَكَانَ الْبَاقِي حَلاَلاً كَمَا كَانَ. وَأَمَّا كُلُّ مَا عَدَا السَّمْنِ يَقَعُ فِيهِ الْفَأْرُ أَوْ غَيْرُ الْفَأْرِ فَيَمُوتُ أَوْ لاَ يَمُوتُ فَهُوَ كُلُّهُ حَلاَلٌ كَمَا كَانَ, مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ لَوْنُهُ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ, فَإِنْ ظَهَرَ فِيهِ الْحَرَامُ فَهُوَ حَرَامٌ. وَكَذَلِكَ السَّمْنُ يَقَعُ فِيهِ غَيْرُ الْفَأْرِ فَيَمُوتُ أَوْ لاَ يَمُوتُ فَهُوَ حَلاَلٌ كُلُّهُ مَا لَمْ يَظْهَرْ فِيهِ تَغْيِيرُ الْحَرَامِ لَهُ كَمَا قَدَّمْنَا, وَقَدْ بَيَّنَّا هَذِهِ الْقِصَّةَ كُلَّهَا فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا فَأَغْنَى، عَنْ إعَادَتِهَا وَعُمْدَتُهُ أَنَّ النَّهْيَ إنَّمَا جَاءَ فِي السَّمْنِ الذَّائِبِ فِيهِ الْفَأْرُ وَلَمْ يَنُصَّ عَلَى مَا عَدَاهُ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وما سقط من الطعام ففرض أكله ولعق الأصابع بعد تمام الأكل فرض
1035 - مَسْأَلَةٌ: وَمَا سَقَطَ مِنْ الطَّعَامِ فَفَرْضٌ أَكْلُهُ, وَلَعْقُ الأَصَابِعِ بَعْدَ تَمَامِ

ويكره الأكل متكئًا ولا نكرهه منبطِحًا على بطنه وليس شيء من ذلك حرامًا
...
1036 مَسْأَلَةٌ: وَيُكْرَهُ الْأَكْلُ مُتَّكِئًا وَلَا نَكْرَهُهُ مُنْبَطِحًا عَلَى بَطْنِهِ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَرَامًا, لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَهْيٌ عَنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ, وَمَا لَمْ يُفَصِّلْ لَنَا تَحْرِيمَهُ فَهُوَ حَلَالٌ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا أَبُو نُعَيْمٍ نا مِسْعَرٌ هُوَ ابْنُ كِدَامٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْأَقْمَرِ قَالَ: سَمِعْت أَبَا جُحَيْفَةَ يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "إنِّي لَا آكُلُ مُتَّكِئًا" فَلَيْسَ هَذَا نَهْيًا أَصْلًا لَكِنَّهُ آثَرَ الْأَفْضَلَ فَقَطْ. فَإِنْ ذَكَرُوا: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ كَثِيرِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَنَّهُ نَهَى عَنْ أَنْ يَأْكُلَ الرَّجُلُ مُنْبَطِحًا عَلَى بَطْنِهِ. قُلْنَا: هَذَا خَبَرٌ لَمْ يَسْمَعْهُ جَعْفَرٌ مِنْ الزُّهْرِيِّ, قَالَ أَبُو دَاوُد: نا هَارُونُ بْنُ زَيْدِ بْنِ أَبِي الزَّرْقَاءِ نا أَبِي نا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ الزُّهْرِيِّ هَذَا الْحَدِيثُ نَفْسُهُ, فَسَقَطَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وغسل اليد قبل الطعام وبعده حسن
1037 - مَسْأَلَةٌ: وَغَسْلُ الْيَدِ قَبْلَ الطَّعَامِ وَبَعْدَهُ حَسَنٌ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، نا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، نا زُهَيْرٌ، هُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ، نا سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ نَامَ وَفِي يَدِهِ غَمَرٌ وَلَمْ يَغْسِلْهُ فَأَصَابَهُ شَيْءٌ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ".
قال أبو محمد: فَهَذَا نَدْبٌ لاَ أَمْرٌ, وَالْجُرَذُ رُبَّمَا عَضَّ أَصَابِعَ الْمَرْءِ إذَا شَمَّ فِيهَا رَائِحَةَ الطَّعَامِ وَلَمْ يَأْتِ نَهْيٌ، عَنْ غَسْلِ الْيَدِ قَبْلَ الطَّعَامِ, وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: هُوَ مِنْ فِعْلِ الأَعَاجِمِ, وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا وَإِنَّ أَكْلَ الْخُبْزِ لَمِنْ فِعْلِ الأَعَاجِمِ, وَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى تَحْرِيمَهُ أَوْ كَرَاهِيَتَهُ لَنَا لَبَيَّنَهُ فإن قيل: فَقَدْ صَحَّ الْخَبَرُ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قُرِّبَ إلَيْهِ الطَّعَامُ فَقِيلَ لَهُ: أَلاَ تَتَوَضَّأ؟

وحمد الله تعالى عند الفراغ من الأكل حسن
1038- مَسْأَلَةٌ: وَحَمْدُ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الأَكْلِ حَسَنٌ وَلَوْ بَعْدَ كُلِّ لُقْمَةٍ لأََنَّهُ فِعْلُ خَيْرٍ وَبِرٍّ, وَفِي كُلِّ حَالٍ.

وقطع اللحم بالسكين للأكل حسن
1039- مَسْأَلَةٌ: وَقَطْعُ اللَّحْمِ بِالسِّكِّينِ لِلأَكْلِ حَسَنٌ, وَلاَ نَكْرَهُ قَطْعَ الْخُبْزِ بِالسِّكِّينِ لِلأَكْلِ أَيْضًا وَتُسْتَحَبُّ الْمَضْمَضَةُ مِنْ الطَّعَامِ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نا سُفْيَانُ سَمِعْت يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيَّ يَقُولُ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ سُوَيْد بْنِ النُّعْمَانِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَكَلَ سَوِيقًا ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَتَمَضْمَضَ. وَمِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ، عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم شَرِبَ لَبَنًا ثُمَّ تَمَضْمَضَ بِالْمَاءِ وَقَالَ: إنَّ لَهُ دَسَمًا. وَصَحَّ أَنَّهُ عليه السلام شَرِبَ لَبَنًا وَلَمْ يَتَمَضْمَضْ فَلَمْ يَأْتِ بِهَا أَمْرٌ، وَلاَ نَهْيٌ فَهِيَ فِعْلٌ حَسَنٌ وَمُبَاحٌ: وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، نا أَبُو الْيَمَانِ أَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي جَعْفَرُ بْنُ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ: أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ فَدُعِيَ إلَى الصَّلاَةِ فَأَلْقَاهَا وَالسِّكِّينَ الَّتِي يَحْتَزُّ بِهَا ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. وَلَمْ يَأْتِ نَهْيٌ، عَنْ قَطْعِ الْخُبْزِ وَغَيْرِهِ بِالسِّكِّينِ فَهُوَ مُبَاحٌ. وَجَاءَ خَبَرٌ فِيهِ: "لاَ تَقْطَعُوا اللَّحْمَ بِالسِّكِّينِ, فَإِنَّهُ مِنْ فِعْلِ الأَعَاجِمِ", وَهُوَ لاَ يَصِحُّ لأََنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مَعْشَرٍ لِلْمَدِينِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

والأكل في إناء مفضض بالجواهر والياقوت
1040- مَسْأَلَةٌ: وَالأَكْلُ فِي إنَاءٍ مُفَضَّضٍ بِالْجَوْهَرِ, وَالْيَاقُوتِ, وَفِي الْبَلُّورِ, وَالْجَزِعِ مُبَاحٌ وَلَيْسَ مِنْ السَّرَفِ لأََنَّهُ لَوْ كَانَ حَرَامًا لَفَصَّلَ تَحْرِيمَهُ, وَمَا لَمْ يُفَصَّلْ تَحْرِيمُهُ فَهُوَ حَلاَلٌ, وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى آنِيَةَ الذَّهَبِ, وَالْفِضَّةِ فَهِيَ حَرَامٌ وَأَمْسَكَ عَمَّا عَدَا ذَلِكَ كُلِّهِ فَهُوَ حَلاَلٌ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ، نا أَحْمَدُ بْنُ الْهَيْثَمِ، نا مُحَمَّدُ بْنُ شَرِيكٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَأْكُلُونَ أَشْيَاءَ وَيَتْرُكُونَ أَشْيَاءَ تَقَذُّرًا فَبَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم وَأَنْزَلَ كِتَابَهُ وَأَحَلَّ حَلاَلَهُ وَحَرَّمَ حَرَامَهُ فَمَا أَحَلَّ فَهُوَ حَلاَلٌ, وَمَا حَرَّمَ فَهُوَ حَرَامٌ, وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ عَفْوٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ: أَحَلَّ اللَّهُ حَلاَلَهُ وَحَرَّمَ حَرَامَهُ, فَمَا أَحَلَّ

والثوم والبصل والكراث حلال
1041- مَسْأَلَةٌ: وَالثُّومُ, وَالْبَصَلُ, وَالْكُرَّاثُ حَلاَلٌ إِلاَّ أَنَّ مَنْ أَكَلَ مِنْهَا شَيْئًا فَحَرَامٌ عَلَيْهِ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ حَتَّى تَذْهَبَ الرَّائِحَةُ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الصَّلاَةِ فَأَغْنَى، عَنْ إعَادَتِهِ وَلَهُ الْجُلُوسُ فِي الأَسْوَاقِ, وَالْجَمَاعَاتِ وَالأَعْرَاسِ وَحَيْثُ شَاءَ إِلاَّ الْمَسَاجِدَ لأََنَّ النَّصَّ لَمْ يَأْتِ إِلاَّ فِيهَا.

والجراد حلال إذا أخذ ميتاً أو حياً
...
1042- مَسْأَلَةٌ: وَالْجَرَادُ حَلَالٌ إذَا أُخِذَ مَيِّتًا أَوْ حَيًّا سَوَاءٌ بَعْدَ ذَلِكَ مَاتَ فِي الظُّرُوفِ أَوْ لَمْ يَمُتْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ نا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ [قَالَ] سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَبْعَ غَزَوَاتٍ أَوْ سِتًّا نَأْكُلُ مَعَهُ الْجَرَادَ وَرُوِّينَا عَنْ عُمَرَ لَا بَأْسَ بِالْجَرَادِ, وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ الْجَرَادُ ذَكَاةٌ كُلُّهُ, وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْجَرَادِ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ وَهُوَ قَوْلُ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَغَيْرِهِ, فَلَمْ يَسْتَثْنُوا فِيهِ حَالًا مِنْ حَالٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ, وَالشَّافِعِيِّ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا يَحِلُّ وَإِنْ أُخِذَ حَيًّا إلَّا حَتَّى يُقْتَلَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَلَا نَعْلَمُ لَهُ حُجَّةً لِأَنَّ الذَّكَاةَ لَا تَمْكُنُ فِيهِ, وَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ إنْ وُجِدَ مَيِّتًا فَإِنْ أُخِذَ حَيًّا حَلَّ كَيْفَ مَاتَ بَعْدَ ذَلِكَ, رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ سَلْمَانَ أَنَّهُ سَمِعَ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ فِي الْجَرَادِ: مَا أُخِذَ وَهُوَ حَيٌّ ثُمَّ مَاتَ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ أَخْذُ الْجَرَادِ ذَكَاتُهُ وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: احْتَجَّ هَؤُلَاءِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ} . فَمَا وُجِدَ مَيِّتًا فَهُوَ حَرَامٌ, وَقَالَ تَعَالَى: {لَيَبْلُوَنَّكُمْ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} . وَصَحَّ أَكْلُ الْجَرَادِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَصَحَّ بِالْحِسِّ أَنَّ الذَّكَاةَ لَا تُمْكِنُ فِيهِ فَسَقَطَتْ, فَصَحَّ أَنَّ أَخْذَهُ ذَكَاتُهُ لِأَنَّهُ صَيْدٌ نَالَتْهُ أَيْدِينَا.
قَالَ عَلِيٌّ: وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذِهِ الآيَةِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إبَاحَةُ مَا نَالَتْهُ أَيْدِينَا حَيًّا دُونَ مَا نَالَتْهُ مَيِّتًا, وَصَحَّ فِي كُلِّ مَقْدُورٍ عَلَى تَذْكِيَتِهِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ إلَّا بِالذَّكَاةِ وَالذَّكَاةُ الشَّقُّ وَهِيَ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهَا فِي الْجَرَادِ فَارْتَفَعَ حُكْمُهَا عَنْهُ رحمه الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا} وَقَدْ صَحَّ

واكثار المرق حسن وتعاهد الجيران منه لو مرة فرض
1043- مَسْأَلَةٌ: وَإِكْثَارُ الْمَرَقِ حَسَنٌ, وَتَعَاهُدُ الْجِيرَانِ مِنْهُ وَلَوْ مَرَّةً فَرْضٌ; وَذَمُّ مَا قُدِّمَ إلَى الْمَرْءِ مِنْ الطَّعَامِ مَكْرُوهٌ, لَكِنْ إنْ اشْتَهَاهُ فَلْيَأْكُلْهُ وَإِنْ كَرِهَهُ فَلْيَدَعْهُ وَلْيَسْكُتْ. وَالأَُكْلُ مُعْتَمِدًا عَلَى يُسْرَاهُ مُبَاحٌ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ الْجَوْنِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إذَا طَبَخْتُمْ اللَّحْمَ فَأَكْثِرُوا الْمَرَقَ وَأَطْعِمُوا الْجِيرَانَ" . وَقَدْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "فَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ مَشْفُوهًا فَلْيُنَاوِلْهُ مِنْهُ أُكْلَةً أَوْ أُكْلَتَيْنِ" يَعْنِي صَانِعَهُ, فَصَحَّ أَنَّ التَّعْلِيلَ مِنْ الْمَرَقِ مُبَاحٌ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ نا سُفْيَانُ عَنِ الأَُعْمَشِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ - هُوَ الأَُشْجَعِيُّ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: مَا عَابَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَعَامًا قَطُّ إنْ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ وَإِنْ كَرِهَهُ تَرَكَهُ. وَلَمْ يَصِحَّ فِي النَّهْيِ عَنِ الِاعْتِمَادِ عَلَى الْيَسَارِ شَيْءٌ - وَرُوِيَ فِيهِ أَثَرٌ مُرْسَلٌ لَا يَصِحُّ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ "زَجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَعْتَمِدَ الرَّجُلُ عَلَى يَدِهِ الْيُسْرَى عِنْدَ الأَُكْلِ" وَلَا حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

كتاب التذكية
باب التذكية
لا يحل أكل شئ مما يحل أكله من حيوان البر طائره ودارجه
كِتَابُ التَّذْكِيَةِ
1044- مَسْأَلَةٌ: لاَ يَحِلُّ أَكْلُ شَيْءٍ مِمَّا يَحِلُّ أَكْلُهُ مِنْ حَيَوَانِ الْبَرِّ طَائِرُهُ وَدَارِجُهُ إِلاَّ بِذَكَاةٍ كَمَا قَدَّمْنَا حَاشَا الْجَرَادِ وَقَدْ بَيَّنَّا أَمْرَهُ وَالتَّذْكِيَةُ قِسْمَانِ, قِسْمٌ فِي مَقْدُورٍ عَلَيْهِ مُتَمَكِّنٌ مِنْهُ, وَقِسْمٌ فِي غَيْرِ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ أَوْ غَيْرِ مُتَمَكِّنٍ مِنْهُ; وَهَذَا مَعْلُومٌ بِالْمُشَاهَدَةِ; فَتَذْكِيَةُ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ الْمُتَمَكِّنِ مِنْهُ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ لاَ ثَالِثَ لَهُمَا إمَّا شَقٌّ فِي الْحَلْقِ وَقَطْعٌ يَكُونُ الْمَوْتُ فِي أَثَرِهِ. وَأَمَّا نَحْرٌ فِي الصَّدْرِ يَكُونُ الْمَوْتُ فِي أَثَرِهِ. وَسَوَاءٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِنْ الصَّيْدِ الشَّارِدِ أَوْ مِنْ غَيْرِ الصَّيْدِ, وَهَذَا حُكْمٌ وَرَدَ بِهِ النَّصُّ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ} وَالذَّكَاةُ فِي اللُّغَةِ الشَّقُّ وَهُوَ أَيْضًا أَمْرٌ مُتَّفَقٌ عَلَى جُمْلَتِهِ إِلاَّ أَنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِي تَقْسِيمِهِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

وأكمال الذبح هو أن يقطع الودجان والحلقوم والمرئ
1045 - مَسْأَلَةٌ: وَإِكْمَالُ الذَّبْحِ هُوَ أَنْ يُقْطَعَ الْوَدَجَانِ وَالْحُلْقُومُ, وَالْمَرِيءُ وَهَذَا مَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ.

فان قطع البعض من هذه الآراب المذكورة
1046 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ قَطَعَ الْبَعْضَ مِنْ هَذِهِ الآرَابِ الْمَذْكُورَةِ فَأَسْرَعَ الْمَوْتُ كَمَا

وكل ما جاز ذبحه جاز نحره وكل ما جاز نحره جاز ذبحه
1047- مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَا جَازَ ذَبْحُهُ جَازَ نَحْرُهُ, وَكُلُّ مَا جَازَ نَحْرُهُ جَازَ ذَبْحُهُ: الإِبِلُ, وَالْبَقَرُ, وَالْغَنَمُ, وَالْخَيْلُ, وَالدَّجَاجُ, وَالْعَصَافِيرُ, وَالْحَمَامُ, وَسَائِرُ كُلِّ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ; فَإِنْ شِئْت فَاذْبَحْ, وَإِنْ شِئْت فَانْحَرْ: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ, وَالشَّافِعِيِّ, وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ, وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ, وَأَبِي ثَوْرٍ, وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ, وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَبَعْضُ أَصْحَابِنَا. وقال مالك: الْغَنَمُ, وَالطَّيْرُ, تُذْبَحُ، وَلاَ تُنْحَرُ, فَإِنْ نُحِرَ شَيْءٌ مِنْهَا لَمْ يُؤْكَلْ وَأَمَّا الإِبِلُ فَتُنْحَرُ, فَإِنْ ذُبِحَ مِنْهَا شَيْءٌ لَمْ يُؤْكَلْ, وَأَمَّا الْبَقَرُ فَتُذْبَحُ وَتُنْحَرُ، وَلاَ نَعْلَمُ لَهُ فِي هَذَا الْقَوْلِ سَلَفًا مِنْ الْعُلَمَاءِ أَصْلاً, إِلاَّ رِوَايَةً، عَنْ عَطَاءٍ فِي الْبَعِيرِ خَاصَّةً قَدْ رُوِيَ عَنْهُ خِلاَفُهَا, وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ بِأَنَّ ذَبْحَ الْجَمَلِ تَعْذِيبٌ لَهُ لِطُولِ عُنُقِهِ, وَغِلَظِ جِلْدِهِ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَهَذِهِ مُكَابَرَةٌ لِلْعِيَانِ, وَمَا تَعْذِيبُهُ بِالذَّبْحِ إِلاَّ كَتَعْذِيبِهِ بِالنَّحْرِ، وَلاَ فَرْقَ, وَمَا جِلْدُهُ بِأَغْلَظَ مِنْ جِلْدِ الثَّوْرِ, وَمَا عُنُقُهُ بِأَطْوَلَ مِنْ عُنُقِ الإِبِلِ وَهُوَ يَرَى الذَّبْحَ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَمَا تَعْذِيبُ الْعُصْفُورِ, وَالْحَمَامَةِ, وَالدَّجَاجَةِ بِالنَّحْرِ إِلاَّ كَتَعْذِيبِهَا بِالذَّبْحِ، وَلاَ فَرْقَ. وَأَطْرَفُ شَيْءٍ احْتِجَاجُهُمْ فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} وَهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِذَلِكَ فَيُجِيزُونَ فِيهَا النَّحْرَ وَأَمَّا نَحْنُ فَلاَ يَلْزَمُنَا مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ بَنِي إسْرَائِيلَ. فَإِنْ احْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَحَرَ الإِبِلَ بِمِنًى, وَذَبَحَ الْكَبْشَيْنِ إذْ ضَحَّى بِهِمَا قلنا: نَعَمْ, وَهَذَا فِعْلٌ لاَ أَمْرٌ, وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمَانِعٍ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْفِعْلِ, وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ عليه السلام مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ قَوْلِهِ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ وَهَذَا هُوَ الْفُتْيَا الْمُبِينَةُ الَّتِي لاَ يَحِلُّ تَعَدِّيهَا, لاَ الْعَمَلُ الَّذِي لَمْ يُنْهَ عَمَّا سِوَاهُ. وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ, وَابْنِ عَبَّاسٍ الذَّكَاةَ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ, وَلَمْ يَخُصَّا بِإِحْدَاهُمَا حَيَوَانًا مِنْ حَيَوَانٍ بَلْ هَتَفَ عُمَرُ بِذَلِكَ مُجْمَلاً، وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ أَصْلاً. بَلْ قَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ، عَنْ عَلِيٍّ فِي إبَاحَةِ أَكْلِ بَعِيرٍ ضُرِبَ عُنُقُهُ بِالسَّيْفِ وَرَأَى ذَلِكَ ذَكَاةً وَحَيَّةً. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، نا وَهْبُ بْنُ نَافِعٍ أَنَّهُ سَمِعَ

عِكْرِمَةَ يُحَدِّثُ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَمَرَهُ أَنْ يَذْبَحَ جَزُورًا وَهُوَ مُحْرِمٌ, وَالْجَزُورُ الْبَعِيرُ بِلاَ خِلاَفٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الذَّبْحَ فِي الْقُرْآنِ, فَإِنْ ذَبَحْت شَيْئًا يُنْحَرُ أَجْزَى عَنْك. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، نا مُؤَمَّلُ بْنُ إسْمَاعِيلَ، نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: الذَّبْحُ مِنْ النَّحْرِ, وَالنَّحْرُ مِنْ الذَّبْحِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ, وَقَتَادَةَ, قَالاَ جَمِيعًا: الإِبِلُ, وَالْبَقَرُ إنْ شِئْت ذَبَحْت وَإِنْ شِئْت نَحَرْت. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: كَانَ الذَّبْحُ فِيهِمْ, وَالنَّحْرُ فِيكُمْ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ, فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ.
قال أبو محمد: قَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ} وَقَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلُوا" وَلَمْ يَخُصَّ اللَّهُ تَعَالَى ذَبْحًا مِنْ نَحْرٍ, وَلاَ نَحْرًا مِنْ ذَبْحٍ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، نا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَنَا أَبُو خَيْثَمَةَ هُوَ زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ حَدَّثَنِي جُنْدُبُ بْنُ سُفْيَانَ قَالَ شَهِدْتُ الأَضْحَى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "مَنْ كَانَ ذَبَحَ أُضْحِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ أَوْ نُصَلِّيَ فَلْيَذْبَحْ مَكَانَهَا أُخْرَى, وَمَنْ لَمْ يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللَّهِ" . وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، عَنْ زُبَيْدٍ اليامي، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ, فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا وَمِنْ ذَبَحَ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لأََهْلِهِ وَذَكَرَ الْخَبَرَ". وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، نا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، نا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّحْرِ بِالْمَدِينَةِ فَتَقَدَّمَ رِجَالٌ فَنَحَرُوا وَظَنُّوا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ نَحَرَ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَنْ كَانَ نَحَرَ قَبْلَهُ أَنْ يُعِيدَ بِنَحْرٍ آخَرَ، وَلاَ يَنْحَرُوا حَتَّى يَنْحَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَصَحَّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ كَمَا أَوْرَدْنَا فِي كِتَابِ الأَضَاحِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَذْبَحُ وَيَنْحَرُ بِالْمُصَلَّى فَأَطْلَقَ عليه السلام فِي الأَضَاحِيِّ الذَّبْحَ وَالنَّحْرَ عُمُومًا وَفِيهَا الإِبِلُ, وَالْبَقَرُ, وَالْغَنَمُ, وَلَمْ يَخُصَّ عليه السلام شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِنَحْرٍ دُونَ ذَبْحٍ، وَلاَ بِذَبْحٍ دُونَ نَحْرٍ, وَلَوْ كَانَ أَحَدُ الأَمْرَيْنِ لاَ يَجُوزُ أَوْ يُكْرَهُ لَبَيَّنَهُ عليه السلام: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ نَحَرْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَسًا وَرُوِّينَا عَنْهَا أَيْضًا ذَبَحْنَا فَرَسًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وأما غير المتمكن منه فذكاته أن يمات بذبح أو بنحر حيث أمكن منه من خاصرة
1049- مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا غَيْرُ الْمُتَمَكَّنِ مِنْهُ فَذَكَاتُهُ أَنْ يُمَاتَ بِذَبْحٍ أَوْ بِنَحْرٍ حَيْثُ

أَمْكَنَ مِنْهُ مِنْ خَاصِرَةٍ, أَوْ مِنْ عَجُزٍ, أَوْ فَخِذٍ, أَوْ ظَهْرٍ, أَوْ بَطْنٍ, أَوْ رَأْسٍ, كَبَعِيرٍ, أَوْ شَاةٍ, أَوْ بَقَرَةٍ, أَوْ دَجَاجَةٍ, أَوْ طَائِرٍ, أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ: سَقَطَ فِي غَوْرٍ فَلَمْ يُتَمَكَّنْ مِنْ حَلْقِهِ, وَلاَ مِنْ لِبَتِهِ, فَإِنَّهُ يَطْعَنُ حَيْثُ أَمْكَنَ بِمَا يُعَجِّلُ بِهِ مَوْتَهُ, ثُمَّ هُوَ حَلاَلٌ أَكْلُهُ. وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا اسْتَعْصَى مِنْ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَخْذِهِ; فَإِنَّ ذَكَاتَهُ كَذَكَاةِ الصَّيْدِ, ثُمَّ يُؤْكَلُ عَلَى مَا نَذْكُرُ فِي كِتَابِ الصَّيْدِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ, وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ, وَالشَّافِعِيِّ, وَأَبِي ثَوْرٍ, وَأَحْمَدَ, وَإِسْحَاقَ, وَأَصْحَابِهِمْ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُفْيَانَ وَأَصْحَابِنَا. وقال مالك: لاَ يَجُوزُ أَنْ يُذَكَّى أَصْلاً إِلاَّ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ.
قال أبو محمد: وَقَوْلُنَا هُوَ قَوْلُ السَّلَفِ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، عَنْ زِيَادِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ أَنَّ حِمَارًا وَحْشِيًّا اسْتَعْصَى عَلَى أَهْلِهِ فَضَرَبُوا عُنُقَهُ فَسَأَلَ ابْنَ مَسْعُودٍ فَقَالَ: تِلْكَ أَسْرَعُ الذَّكَاةِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ، نا سُفْيَانُ, وَشُعْبَةُ كِلاَهُمَا، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّ بَعِيرًا تَرَدَّى فِي بِئْرٍ فَذُكِّيَ مِنْ قِبَلِ شَاكِلَتِهِ, فَأَخَذَ ابْنُ عُمَرَ مِنْهُ عَشِيرًا بِدِرْهَمَيْنِ. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ حَدَّثَنِي أَبُو حَيَّانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ التَّيْمِيُّ حَدَّثَنِي عَبَايَةُ بْنُ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: تَرَدَّى بَعِيرٌ فِي بِئْرٍ, فَكَانَ أَعْلاَهُ أَسْفَلَهُ فَنَزَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَنْحَرَهُ, فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَجِزْ عَلَيْهِ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ, فَأَجَازَ عَلَيْهِ مِنْ شَاكِلَتِهِ فَأُخْرِجَ قِطَعًا قِطَعًا فَأَخَذَ مِنْهُ ابْنُ عُمَرَ عَشِيرًا بِدِرْهَمَيْنِ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ سِيَاهٍ سَمِعَ أَبَا رَاشِدٍ السَّلْمَانِيَّ قَالَ: كُنْت فِي مَنَائِحَ لأََهْلِي بِظَهْرِ الْكُوفَةِ أَرْعَاهَا فَتَرَدَّى بَعِيرٌ مِنْهَا فَنَحَرْتُهُ مِنْ قِبَلِ شَاكِلَتِهِ, فَأَتَيْت عَلِيًّا فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: اهْدِ لِي عَجُزَهُ: الشَّاكِلَةَ: الْخَاصِرَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ سِيَاهٍ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّ بَعِيرًا تَرَدَّى فِي بِئْرٍ فَصَارَ أَسْفَلُهُ أَعْلاَهُ, قَالَ: فَسَأَلْنَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: قَطِّعُوهُ أَعْضَاءً وَكُلُوهُ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، نا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, قَالَ: مَا أَعْجَزَك مِنْ الْبَهَائِمِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الصَّيْدِ.
وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ, وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم مُخَالِفٌ: ابْنُ مَسْعُودٍ, وَعَلِيُّ, وَابْنُ عَبَّاسٍ, وَابْنُ عُمَرَ, وَأُمُّ الْمُؤْمِنِينَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ، نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ سَأَلَ، عَنْ قَالِحٍ تَرَدَّى فِي بِئْرٍ فَذُكِّيَ مِنْ قِبَلِ خَاصِرَتِهِ, فَقَالَ مَسْرُوقٌ: كُلُوهُ.

وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، نا حُرَيْثٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: إذَا خَشِيت أَنْ يَفُوتَك ذَكَاتُهَا فَاضْرِبْ حَيْثُ أَدْرَكْت مِنْهَا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، نا هِشَامٌ الدَّسْتُوَائِيُّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي الْبَعِيرِ يَتَرَدَّى فِي الْبِئْرِ قَالَ: يُطْعَنُ حَيْثُ قَدَرُوا ذِكْرَ اسْمَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، نا جَرِيرٌ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ، عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: تَرَدَّى بَعِيرٌ فِي بِئْرٍ فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ مَقْتَلاً فَسُئِلَ الأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ، عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: ذَكُّوهُ مِنْ أَدْنَى مَقْتَلِهِ; فَفَعَلُوا فَأَخَذَ الأَسْوَدُ مِنْهُ بِدِرْهَمَيْنِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، نا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: سَمِعْت الضَّحَّاكِ يَقُولُ فِي بَقَرَةٍ شَرَدَتْ: هِيَ بِمَنْزِلَةِ الصَّيْدِ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ, وطَاوُوس, وَالْحَسَنِ, وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ, وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ, وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ. وَلاَ نَعْلَمُ لِمَالِكٍ فِي هَذَا سَلَفًا إِلاَّ قَوْلاً، عَنْ رَبِيعَةَ.
قال أبو محمد: وَقَالَ قَائِلُهُمْ: إنْ كَانَتْ بِمَنْزِلَةِ الصَّيْدِ فَأَبِيحُوا قَتْلَهَا بِالْكِلاَبِ وَالْجَوَارِحِ.فَقُلْنَا: نَعَمْ, إذَا لَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهَا بِذَلِكَ فَهِيَ فِي ذَلِكَ كَالصَّيْدِ، وَلاَ فَرْقَ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَهُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الصَّيْدَ إذَا قُدِرَ عَلَيْهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ النَّعَمِ وَالإِنْسِيَّاتِ فِي الذَّكَاةِ, فَهَلاَّ قَالُوا: إنَّ النِّعَمَ وَالإِنْسِيَّاتِ إذَا لَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهَا فَمَنْزِلَتُهَا كَمَنْزِلَةِ الصَّيْدِ وَلَوْ صَحَّ قِيَاسٌ يَوْمًا مَا لَكَانَ هَذَا أَصَحَّ قِيَاسٍ فِي الْعَالَمِ. وَالْعَجَبُ مِنْ قَوْلِ مَالِكٍ: إنِّي لأََرَاهُ عَظِيمًا أَنْ يُعْمَدَ إلَى رِزْقٍ مِنْ رِزْقِ اللَّهِ فَيُهْرَقَ مِنْ أَجْلِ كَلْبٍ وَلَغَ فِيهِ وَلَمْ يَقُلْ هَهُنَا: إنِّي لأََرَاهُ عَظِيمًا أَنْ يُعْمَدَ إلَى رِزْقٍ مِنْ رِزْقِ اللَّهِ فَيُضَيَّعَ وَيُفْسَدَ لأََجْلِ أَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى لَبَّتِهِ, وَلاَ عَلَى حَلْقِهِ; فَلَوْ عُكِسَ كَلاَمُهُ لاََصَابَ; بَلْ الْعَظِيمُ كُلُّ الْعَظِيمِ هُوَ أَنْ يَقُولَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إذَا وَلَغَ الْكَلْبُ فِي إنَاءِ أَحَدِكُمْ فَلْيُرِقْهُ" فَيَقُولُ قَائِلٌ بِرَأْيِهِ: لاَ يُرَاقُ, وَأَنْ يَنْهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ فَيُضَيَّعُ الْبَعِيرُ, وَالْبَقَرَةُ, وَالشَّاةُ, وَالدَّجَاجَةُ, وَنَحْنُ قَادِرُونَ عَلَى تَذْكِيَتِهَا مِنْ أَجْلِ عَجْزِنَا، عَنْ أَنْ تَكُونَ التَّذْكِيَةُ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ; فَهَذَا هُوَ الْعَظِيمُ حَقًّا.
قال أبو محمد: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ}. وَقَالَ تَعَالَى: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} فَصَحَّ أَنَّ التَّذْكِيَةَ كَيْفَمَا قَدَرْنَا لاَ نُكَلَّفُ مِنْهَا مَا لَيْسَ فِي وُسْعِنَا: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، نا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ، نا عَوَانَةُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ الْخَبَرَ وَفِيهِ فَنَدَّ بَعِيرٌ وَكَانَ فِي الْقَوْمِ خَيْلٌ يَسِيرَةٌ فَطَلَبُوهُ فَأَعْيَاهُمْ, فَأَهْوَى إلَيْهِ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ

فَمَا نَدَّ عَلَيْكُمْ مِنْهَا فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، نا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنَدَّ عَلَيْنَا بَعِيرٌ فَرَمَيْنَاهُ بِالنَّبْلِ حَتَّى وَهَصْنَاهُ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
قَالَ عَلِيٌّ: الْوَهْصُ الْكَسْرُ وَالإِسْقَاطُ إلَى الأَرْضِ، وَلاَ يَبْلُغُ الْبَعِيرُ هَذَا الأَمْرَ إِلاَّ وَهُوَ مَنْفَذُ الْمُقَاتِلِ, وَقَدْ أُذِنَ عليه السلام فِي رَمْيِهِ بِالنَّبْلِ, وَالْمَعْهُودُ مِنْهَا الْمَوْتُ بِإِصَابَتِهَا وَهَذَا إذْنٌ مِنْهُ عليه السلام فِي ذَكَاتِهَا بِالرَّمْيِ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَهَهُنَا خَبَرٌ لَوْ ظَفِرُوا بِمِثْلِهِ لَطَغَوْا: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي الْعَشْرَاءِ، عَنْ أَبِيهِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَا تَكُونُ الذَّكَاةُ إِلاَّ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ قَالَ: "لَوْ طُعِنَتْ فِي فَخْذِهَا لاََجْزَأَكَ".
قال أبو محمد: أَبُو الْعَشْرَاءِ قِيلَ: اسْمُهُ أُسَامَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ قَهْطَمٍ, وَقِيلَ: عُطَارِدُ بْنُ بَرْزٍ وَفِي الصَّحِيحِ الَّذِي قَدَّمْنَا كِفَايَةٌ. وَهَذَا مِمَّا تَرَكُوا فِيهِ ظَاهِرَ الْقُرْآنِ, وَالسُّنَنِ, وَالصَّحَابَةِ, وَجُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ, وَالْقِيَاسَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وما قطع من البهيمة وهي حية
1049- مَسْأَلَةٌ: وَمَا قُطِعَ مِنْ الْبَهِيمَةِ وَهِيَ حَيَّةٌ أَوْ قَبْلَ تَمَامِ تَذْكِيَتِهَا فَبَانَ عَنْهَا فَهُوَ مَيْتَةٌ لاَ يَحِلُّ أَكْلُهُ, فَإِنْ تَمَّتْ الذَّكَاةُ بَعْدَ قَطْعِ ذَلِكَ الشَّيْءِ أُكِلَتْ الْبَهِيمَةُ وَلَمْ تُؤْكَلْ تِلْكَ الْقِطْعَةُ وَهَذَا مَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ لأََنَّهَا زَايَلَتْ الْبَهِيمَةَ وَهِيَ حَرَامٌ أَكْلُهَا فَلاَ تَقَعُ عَلَيْهَا ذَكَاةٌ كَانَتْ بَعْدَ مُفَارَقَتِهَا لَمَّا قُطِعَتْ مِنْهُ.

وما قطع منها بعد تمام التذكية وقبل موتها لم يحل أكله
1050- مَسْأَلَةٌ: وَمَا قُطِعَ مِنْهَا بَعْدَ تَمَامِ التَّذْكِيَةِ وَقَبْلَ مَوْتِهَا لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ مَا دَامَتْ الْبَهِيمَةُ حَيَّةً فَإِذَا مَاتَتْ حَلَّتْ هِيَ وَحَلَّتْ الْقِطْعَةُ أَيْضًا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا} فَلَمْ يُبِحْ اللَّهُ تَعَالَى أَكْلَ شَيْءٍ مِنْهَا إِلاَّ بَعْدَ وُجُوبِ الْجَنْبِ وَهُوَ فِي اللُّغَةِ الْمَوْتُ فَإِذَا مَاتَتْ فَالذَّكَاةُ وَاقِعَةٌ عَلَى جَمِيعِهَا إذْ ذُكِّيَتْ, فَاَلَّذِي قُطِعَ مِنْهَا مُذَكًّى فَإِذَا حَلَّتْ هِيَ حَلَّتْ أَجْزَاؤُهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ فِي أَنَّ حُكْمَ الْبَدَنِ فِي ذَلِكَ حُكْمُ سَائِرِ مَا يُذَكَّى, وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ عُمَرَ: أَقِرُّوا الأَنْفُسَ حَتَّى تَزْهَقَ, وَلاَ مُخَالِفَ لَهُ فِي ذَلِكَ مِنْ الصَّحَابَةِ.

والتذكية من الذبح والنحر والطعن والضرب جائزة بكل شئ
1051- مَسْأَلَةٌ: وَالتَّذْكِيَةُ مِنْ الذَّبْحِ, وَالنَّحْرِ, وَالطَّعْنِ, وَالضَّرْبِ جَائِزَةٌ بِكُلِّ شَيْءٍ إذَا قَطَعَ قِطْعَةَ السِّكِّينِ أَوْ نَفَذَ نَفَاذَ الرُّمْحِ سَوَاءٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ: الْعُودُ الْمُحَدَّدُ, وَالْحَجَرُ الْحَادُّ, وَالْقَصَبُ الْحَادُّ وَكُلُّ شَيْءٍ حَاشَا آلَةٍ أُخِذَتْ بِغَيْرِ حَقٍّ, وَحَاشَا السِّنِّ, وَالظُّفْرِ, وَمَا عُمِلَ مِنْ سِنٍّ, أَوْ مِنْ ظُفْرٍ مَنْزُوعَيْنِ وَإِلَّا عَظْمُ خِنْزِيرٍ, أَوْ عَظْمُ حِمَارٍ أَهْلِيٍّ, أَوْ عَظْمُ سَبُعٍ مِنْ ذَوَاتِ الأَرْبَعِ أَوْ الطَّيْرِ حَاشَا الضِّبَاعَ أَوْ عَظْمِ إنْسَانٍ فَلاَ يَكُونُ حَلاَلاً مَا ذُبِحَ أَوْ نُحِرَ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا بَلْ هُوَ مَيْتَةٌ حَرَامٌ.
وَالتَّذْكِيَةُ جَائِزَةٌ بِعَظْمِ الْمَيِّتَةِ وَبِكُلِّ عَظْمٍ حَاشَا مَا ذَكَرْنَا, وَهِيَ جَائِزَةٌ بِمُدَى الْحَبَشَةِ وَمَا ذَكَّاهُ الزِّنْجِيُّ, وَالْحَبَشِيُّ, وَكُلُّ مُسْلِمٍ فَهُوَ حَلاَلٌ. فَلَوْ عُمِلَ مِنْ ضِرْسِ الْفِيلِ سَهْمٌ, أَوْ رُمْحٌ, أَوْ سِكِّينٌ: لَمْ يَحِلَّ أَكْلُ مَا ذُبِحَ أَوْ نُحِرَ بِهِ, لأََنَّهُ سِنٌّ. فَلَوْ عُمِلَتْ مِنْ سَائِرِ عِظَامِهِ هَذِهِ الآلاَتُ حَلَّ الذَّبْحُ, وَالنَّحْرُ, وَالرَّمْيُ بِهَا. وقال أبو حنيفة, وَمَالِكٌ: التَّذْكِيَةُ بِكُلِّ ذَلِكَ حَلاَلٌ حَاشَا السِّنَّ قَبْلَ أَنْ يُنْزَعَ مِنْ الْفَمِ, وَحَاشَا الظُّفْرَ قَبْلَ أَنْ يُنْزَعَ مِنْ الْيَدِ, فَإِنَّهُ لاَ يُؤْكَلُ مَا ذُبِحَ بِهِمَا لأََنَّهُ خَنْقٌ لاَ ذَبْحٌ. وقال الشافعي: كُلُّ مَا ذُكِّيَ بِكُلِّ مَا ذَكَرْنَا فَحَلاَلٌ أَكْلُهُ حَاشَا مَا ذُكِّيَ بِشَيْءٍ مِنْ الأَظْفَارِ كُلِّهَا, وَالْعِظَامِ كُلِّهَا, مَنْزُوعِ كُلِّ ذَلِكَ أَوْ غَيْرِ مَنْزُوعٍ, فَلاَ يُؤْكَلُ وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: كَقَوْلِ الشَّافِعِيِّ سَوَاءً سَوَاءً إِلاَّ، أَنَّهُ قَالَ: لاَ يُؤْكَلُ مَا ذُبِحَ أَوْ نُحِرَ أَوْ رُمِيَ بِآلَةٍ مَأْخُوذَةٍ بِغَيْرِ حَقٍّ فأما قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ, وَمَالِكٍ فَلاَ نَعْلَمُهُ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُمَا، وَلاَ نَعْلَمُ لَهُمَا فِيهِ سَلَفًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ, وَلاَ حُجَّةَ أَصْلاً لاَ مِنْ قُرْآنٍ, وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ, وَلاَ مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ, وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ; بَلْ هُوَ خِلاَفُ السُّنَّةِ عَلَى مَا نُورِدُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ جُمْلَةً, وَبَقِيَ قَوْلُنَا, وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ, وَاللَّيْثِ, وَأَبِي سُلَيْمَانَ.
فَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا لاَقُو الْعَدُوِّ غَدًا وَلَيْسَ مَعَنَا مُدًى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا أَنْهَرَ الدَّمَ, وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ, وَسَأُحَدِّثُكَ, أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ, وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ. وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي أَوَّلِ كَلاَمِنَا فِي التَّذْكِيَةِ بِإِسْنَادِهِ. فأما نَحْنُ فَتَعَلَّقْنَا بِنَهْيِهِ عليه السلام وَلَمْ نَتَعَدَّهُ وَلَمْ نُحَرِّمْ إِلاَّ مَا ذُبِحَ أَوْ رُمِيَ بِسِنٍّ أَوْ ظُفْرٍ فَقَطْ, وَلَمْ نَجْعَلْ الْعَظِيمَةَ سَبَبًا لِلْمَنْعِ مِنْ الذَّكَاةِ إِلاَّ حَيْثُ جَعَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَبَبًا لِذَلِكَ, وَهُوَ السِّنُّ, وَالظُّفْرُ فَقَطْ. وَإِنَّمَا مَنَعْنَا مِنْ التَّذْكِيَةِ بِعِظَامِ الْخِنْزِيرِ, وَالْحِمَارِ الأَهْلِيِّ, أَوْ سِبَاعِ ذَوَاتِ الأَرْبَعِ, أَوْ الطَّيْرِ لقوله تعالى فِي الْخِنْزِيرِ: {فَإِنَّهُ رِجْسٌ} وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ فَإِنَّهَا رِجْسٌ فَهِيَ كُلُّهَا رِجْسٌ, وَالرِّجْسُ وَاجِبٌ اجْتِنَابُهُ, وَلاَ يَحِلُّ إمْسَاكُهَا إِلاَّ حَيْثُ أَبَاحَهَا نَصٌّ, وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلاَّ مِلْكُهَا وَرُكُوبُهَا

وَاسْتِخْدَامُهَا وَبَيْعُهَا وَابْتِيَاعُهَا يَعْنِي الْحُمُرَ فَقَطْ. وَمَنَعْنَا مِنْ التَّذْكِيَةِ بِعِظَامِ سِبَاعِ ذَوَاتِ الأَرْبَعِ, وَالطَّيْرِ لِنَهْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْهَا جُمْلَةً عَلَى مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ فَلَمْ نُحِلَّ مِنْهَا إِلاَّ مَا أَحَلَّهُ النَّصُّ مِنْ تَمَلُّكِهَا لِلصَّيْدِ بِهَا وَابْتِيَاعِهَا لِذَلِكَ فَقَطْ وَإِلَّا فَهِيَ حَرَامٌ وَبَعْضُ الْحَرَامِ حَرَامٌ.
وَأَمَّا عَظْمُ الإِنْسَانِ فَلأََنَّ مُوَارَاتَهُ فَرْضٌ كَافِرًا كَانَ أَوْ مُؤْمِنًا. وَأَبَحْنَا التَّذْكِيَةَ بِعِظَامِ الْمَيِّتَةِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إنَّمَا حُرِّمَ مِنْ الْمَيْتَةِ أَكْلُهَا وَحُرِّمَ عليه السلام بَيْعُهَا وَالدُّهْنُ بِشَحْمِهَا, فَلاَ يَحْرُمُ مِنْ الْمَيِّتَةِ شَيْءٌ إِلاَّ ذَلِكَ، وَلاَ مَزِيدَ.
وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ عَظْمٌ فَجَعَلَ الْعَظْمِيَّةَ عِلَّةٌ لِلْمَنْعِ مِنْ التَّذْكِيَةِ حَيْثُ كَانَ الْعَظْمُ أَوْ أَيُّ عَظْمٍ كَانَ.
قال أبو محمد: وَهَذَا خَطَأٌ لأََنَّهُ تَعَدٍّ لِحُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُدُودِ رَسُولِهِ عليه السلام لأََنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَوْ أَرَادَ ذَلِكَ لَمَا عَجَزَ، عَنْ أَنْ يَقُولَ: لَيْسَ الْعَظْمُ وَالظُّفْرُ, وَهُوَ عليه السلام قَدْ أُوتِيَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَأُمِرَ عليه السلام بِالْبَيَانِ. فَلَوْ أَنَّهُ عليه السلام أَرَادَ تَحْرِيمَ الذَّكَاةِ بِالْعَظْمِ لَمَا تَرَكَ أَنْ يَقُولَهُ، وَلاَ اسْتَعْمَلَ التَّحْلِيقَ وَالإِكْثَارَ بِلاَ مَعْنَى فِي الأَقْتِصَارِ عَلَى ذِكْرِ السِّنِّ, فَهَذَا هُوَ التَّلْبِيسُ وَالإِشْكَالُ لاَ الْبَيَانُ, وَنَحْنُ وَهُمْ عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ عليه السلام حَكَمَ بِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْ التَّذْكِيَةِ بِالسِّنِّ إنَّمَا هُوَ مِنْ أَجْلِ كَوْنِهِ عَظْمًا, وَنَحْنُ مُوقِنُونَ بِأَنَّهُ عليه السلام لَوْ أَرَادَ كُلَّ عَظْمٍ لَمَا سَكَتَ، عَنْ ذَلِكَ فَقَدْ زَادُوا فِي حُكْمِهِ عليه السلام مَا لَمْ يَحْكُمْ بِهِ. وَأَيْضًا فَقَدْ تَنَاقَضُوا فِي هَذَا الْخَبَرِ نَفْسِهِ, لأََنَّهُ عليه السلام جَعَلَ السَّبَبَ فِي مَنْعِ التَّذْكِيَةِ بِالظُّفْرِ إنَّمَا هُوَ كَوْنُهُ مُدَى الْحَبَشَةِ فَيَلْزَمُهُمْ أَنْ يَطْرُدُوا أَصْلَهُمْ فَيَمْنَعُوا التَّذْكِيَةَ بِمُدَى الْحَبَشَةِ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَتْ وَإِلَّا فَقَدْ تَنَاقَضُوا فَإِنْ ادَّعَوْا هَهُنَا إجْمَاعًا كَانُوا كَاذِبِينَ قَائِلِينَ مَا لاَ عِلْمَ لَهُمْ بِهِ.
وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، نا عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُوس، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَرِهَ ذَبِيحَةَ الزِّنْجِيِّ. وَأَمَّا نَحْنُ فَلاَ نَجْعَلُ كَوْنَ مَا يُذَكَّى بِهِ مِنْ مُدَى الْحَبَشَةِ سَبَبًا لِتَحْرِيمِ أَكْلِهِ إِلاَّ فِي الظُّفْرِ وَحْدَهُ, حَيْثُ جَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلاَ نَجْعَلُ الْعَظْمِيَّةَ سَبَبًا لِتَحْرِيمِ أَكْلِ مَا ذُكِّيَ بِمَا هِيَ فِيهِ إِلاَّ فِي السِّنِّ وَحْدَهُ, حَيْثُ جَعَلَهُ رَسُولُ اللَّهِ عليه السلام, وَهَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَالْوُضُوحِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ رُوِيَ نَحْوُ قَوْلِهِمْ، عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: يُذْبَحُ بِكُلِّ شَيْءٍ غَيْرِ أَرْبَعَةٍ السِّنِّ, وَالظُّفْرِ, وَالْعَظْمِ, وَالْقَرْنِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: كُلُّ مَا فَرَى الأَوْدَاجَ وَأَهْرَاقَ الدَّمَ, إِلاَّ الظُّفْرَ, وَالنَّابَ, وَالْعَظْمَ.
وَرُوِيَ نَحْوُ قَوْلِنَا، عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ أَيْضًا: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، نا أَبُو مُعَاوِيَةَ، نا الأَعْمَشُ، عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: مَا فَرَى الأَوْدَاجَ فَكُلٌّ إِلاَّ السِّنَّ, وَالظُّفْرَ. وَمِنْ طَرِيقِ

سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، نا خَدِيجُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ قَالَ: كَانَ يُكْرَهُ النَّابُ وَالظُّفْرُ.
قال أبو محمد: وَخَالَفَ الْحَنَفِيُّونَ, وَالْمَالِكِيُّونَ هَذِهِ السُّنَّةَ بِآرَائِهِمْ, وَلَيْسَ فِي الْعَجَبِ أَعْجَبُ مِنْ إخْرَاجِهِمْ الْعِلَلَ الْكَاذِبَةَ الْفَاسِدَةَ الْمُفْتَرَاةَ: مِنْ مِثْلِ تَعْلِيلِ الرِّبَا بِالأَدِّخَارِ وَالأَكْلِ, وَتَعْلِيلِ مِقْدَارِ الصَّدَاقِ بِأَنَّهُ عِوَضُ مَا يُسْتَبَاحُ بِهِ الْعُضْوُ, وَسَائِرُ تِلْكَ الْعِلَلِ السَّخِيفَةِ الْبَارِدَةِ الْمَكْذُوبَةِ, ثُمَّ يَأْتُونَ إلَى مَا جَعَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم سَبَبًا لِتَحْرِيمِ أَكْلِ مَا ذُكِّيَ بِهِ بِقَوْلِهِ فَإِنَّهُ عَظْمٌ وَإِنَّهُ مُدَى الْحَبَشَةِ، وَلاَ يُعَلِّلُونَ بِهِمَا بَلْ يَجْعَلُونَهُ لَغْوًا مِنْ الْكَلاَمِ وَيُخْرِجُونَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ عِلَّةً كَاذِبَةً سَخِيفَةً وَهِيَ الْخَنْقُ. وَنَسْأَلُهُمْ عَمَّنْ أَطَالَ ظُفْرَهُ جِدًّا وَشَحَذَهُ وَرَقَّقَهُ حَتَّى ذَبَحَ بِهِ عُصْفُورًا صَغِيرًا فَبُرِيَ كَمَا تُبْرَى السِّكِّينُ أَيُؤْكَلُ أَمْ لاَ فَإِنْ قَالُوا: لاَ, تَرَكُوا عِلَّتَهُمْ فِي الْخَنْقِ. وَإِنْ قَالُوا: يُؤْكَلُ, تَرَكُوا قَوْلَهُمْ فِي الظُّفْرِ الْمَنْزُوعِ. فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ مُرَيِّ بْنِ قَطَرِيٍّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أَنْهِرْ الدَّمَ بِمَا شِئْتَ وَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ" . قلنا: هَذَا خَبَرٌ سَاقِطٌ, لأََنَّهُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ وَهُوَ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ، عَنْ مُرَيِّ بْنِ قَطَرِيٍّ وَهُوَ مَجْهُولٌ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ خَبَرُ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ زَائِدًا عَلَيْهِ تَخْصِيصًا يَلْزَمُ إضَافَتُهُ إلَيْهِ، وَلاَ بُدَّ لِيَسْتَعْمِلَ الْخَبَرَيْنِ مَعًا. فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ، عَنْ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيِّ قَالَ: سَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ، عَنْ أَرْنَبٍ ذَبَحْتُهَا بِظُفْرِي فَقَالَ: لاَ تَأْكُلْهَا فَإِنَّهَا الْمُنْخَنِقَةُ, وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ إنَّمَا قَتَلْتهَا خَنْقًا, فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ لاَ حُجَّةَ فِيمَنْ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَالثَّانِي أَنَّهُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ وَخِلاَفُ قَوْلِهِمْ; لأََنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يَشْتَرِطْهُ مَنْزُوعًا مِنْ غَيْرِ مَنْزُوعٍ.
وَأَمَّا مَنْعُنَا مِنْ أَكْلِ مَا ذُبِحَ أَوْ نُحِرَ أَوْ رُمِيَ بِآلَةٍ مَأْخُوذَةٍ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} وَقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ" . وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّ مَا ذُبِحَ أَوْ نُحِرَ بِآلَةٍ مَأْخُوذَةٍ بِغَيْرِ حَقٍّ, فَبِالْبَاطِلِ تَوَلَّى ذَلِكَ مِنْهُ, وَإِذَا هُوَ كَذَلِكَ بِيَقِينٍ فَبِالْبَاطِلِ يُؤْكَلُ, وَهَذَا حَرَامٌ بِالنَّصِّ. وَأَيْضًا فَإِنَّ الذَّكَاةَ فِعْلٌ مُفْتَرَضٌ مَأْمُورٌ بِهِ طَاعَةً لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ, وَاسْتِعْمَالُ الْمَأْخُوذَةِ بِغَيْرِ حَقٍّ فِي الذَّبْحِ, وَالنَّحْرِ, وَالرَّمْيِ: فِعْلٌ مُحَرَّمٌ مَعْصِيَةً لِلَّهِ تَعَالَى. هَذَانِ قَوْلاَنِ مُتَيَقَّنَانِ بِلاَ خِلاَفٍ, فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَمِنْ الْبَاطِلِ الْبَحْتِ, وَالْكَذِبِ الظَّاهِرِ أَنْ تَنُوبَ الْمَعْصِيَةُ، عَنِ الطَّاعَةِ وَأَنْ يَكُونَ مَنْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى وَلَمْ يَفْعَلْ مَا أَمَرَ بِهِ مُؤَدِّيًا لِمَا أُمِرَ بِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وما ثرد وخزق ولم ينفذ نفاذ السكين والسهم لم يحل أكل ما قتل به
1052- مَسْأَلَةٌ: وَمَا ثَرَدَ وَخَزَقَ وَلَمْ يَنْفُذْ نَفَاذَ السِّكِّينِ, وَالسَّهْمِ: لَمْ يَحِلَّ أَكْلُ

مَا قُتِلَ بِهِ, وَكَذَلِكَ مَا ذُبِحَ بِمِنْشَارٍ, أَوْ بِمِنْجَلٍ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ, وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ, وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ" . فَالْمُثْرِدُ وَالذَّابِحُ بِشَيْءٍ مُضْرِسٍ لَمْ يَذْبَحْ كَمَا أُمِرَ، وَلاَ ذَكَّى كَمَا أُمِرَ, فَهِيَ مَيْتَةٌ وَالْعَجَبُ مِنْ مَنْعِهِمْ الأَكْلَ هَهُنَا, لأََنَّهُ لَمْ يُذَكِّ كَمَا أُمِرَ وَلَمْ يَذْبَحْ بَلْ بِآلَةِ نُهِيَ عَنْهَا, ثُمَّ يُجِيزُونَ أَكْلَ مَا نُحِرَ أَوْ ذُبِحَ بِآلَةٍ مَنْهِيٍّ عَنْهَا مَأْخُوذَةٍ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ أَصْلاً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

و لا يجوز التذكية بآلة ذهب أو مذهبة أصلاً للرجال
...
1053- مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَجُوزُ التَّذْكِيَةُ بِآلَةٍ ذَهَبٍ أَوْ مُذَهَّبَةٍ أَصْلاً لِلرِّجَالِ, فَإِنْ فَعَلَ الرَّجُلُ فَهُوَ حَرَامٌ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ. فَإِنْ ذَكَّتْ بِهَا امْرَأَةٌ فَهُوَ حَلاَلٌ لِلرِّجَالِ وَلِلنِّسَاءِ, لِتَحْرِيمِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الذَّهَبَ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِهِ وَإِبَاحَتِهِ إيَّاهُ لأَِنَاثِهَا. فَمَنْ ذَكَّى مِنْ الرِّجَالِ بِآلَةِ ذَهَبٍ أَوْ مُذَهَّبَةٍ فَقَدْ اسْتَعْمَلَ آلَةً مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِ اسْتِعْمَالُهَا فَلَمْ يُذَكِّ كَمَا أُمِرَ وَالْمَرْأَةُ بِخِلاَفِ ذَلِكَ.

التذكية بآلة فضة حلال
1054- مَسْأَلَةٌ: التَّذْكِيَةُ بِآلَةِ فِضَّةٍ حَلاَلٌ, لأََنَّهُ لَمْ يُنْهَ إِلاَّ، عَنْ آنِيَتِهَا فَقَطْ, وَلَيْسَ السِّكِّينُ, وَالرُّمْحُ وَالسَّهْمُ, وَلاَ السَّيْفُ: آنِيَةٌ.

فمن لم يجد سناً أو ظفراً أو عظم سبع أو طائر
...
1055- مَسْأَلَةٌ: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ إِلاَّ سِنًّا, أَوْ ظُفْرًا, أَوْ عَظْمَ سَبُعٍ, أَوْ طَائِرٍ, أَوْ ذِي أَرْبَعٍ أَوْ خِنْزِيرٍ, أَوْ حِمَارٍ, أَوْ إنْسَانٍ, أَوْ ذَهَبٍ, وَخَشِيَ مَوْتَ الْحَيَوَانِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مَا ذُكِّيَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ, لأََنَّهُ لاَ يَكُونُ ذَكَاةٌ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَصْلاً, فَهُوَ عَادِمُ مَا يُذْكِي بِهِ, وَلَيْسَ مُضَيِّعًا لَهُ, لأََنَّهُ لَمْ يَجِدْ مَا يَجُوزُ أَنْ يُذَكِّيَهُ بِهِ, فَذَلِكَ الْحَيَوَانُ غَيْرُ مُذَكًّى أَصْلاً.

فمن لم يجد إلا آلة مغصوبة أو مأخوذة بغير حق وخشى الموت
1056- مَسْأَلَةٌ: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ إِلاَّ آلَةً مَغْصُوبَةً, أَوْ مَأْخُوذَةً بِغَيْرِ حَقٍّ وَخَشِيَ الْمَوْتَ عَلَى حَيَوَانِهِ ذَكَّاهُ بِهَا وَحَلَّ لَهُ أَكْلُهُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ فَحَرَامٌ عَلَى صَاحِبِ الآلَةِ مَنْعُهُ مِنْهَا إذَا خَشِيَ ضَيَاعَ مَالِهِ بِمَوْتِهِ جِيفَةً, فَإِذْ هُوَ حَرَامٌ عَلَى صَاحِبِهَا مَنْعُهُ مِنْهَا, فَفُرِضَ عَلَى صَاحِبِ الْحَيَوَانِ أَخْذُهَا وَالتَّذْكِيَةُ بِهَا فَهُوَ مُطِيعٌ بِذَلِكَ أَحَبَّ صَاحِبُ الآلَةِ أَوْ كَرِهَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وتذكية المرأة الحائض وغير الحائض
1057- مَسْأَلَةٌ: وَتَذْكِيَةُ الْمَرْأَةِ الْحَائِضِ وَغَيْرِ الْحَائِضِ, وَالزِّنْجِيِّ, وَالأَقْلَفِ, وَالأَخْرَسِ, وَالْفَاسِقِ, وَالْجُنُبِ, وَالآبِقِ, وَمَا ذُبِحَ أَوْ نُحِرَ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ عَمْدًا, أَوْ غَيْرِ عَمْدٍ: جَائِزٌ أَكْلُهَا إذَا ذَكَّوْا وَسَمَّوْا عَلَى حَسْبِ طَاقَتِهِمْ, بِالإِشَارَةِ مِنْ الأَخْرَسِ, وَيُسَمَّى الأَعْجَمِيُّ بِلُغَتِهِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ} فَخَاطَبَ كُلَّ مُسْلِمٍ وَمُسْلِمَةٍ, وَقَالَ تَعَالَى: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ

وكل ماذبحه أو نحره يهودي أو نصراني أو مجوسي نساؤهم أو رجالهم فهو حلال لنا
1058- مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَا ذَبَحَهُ, أَوْ نَحَرَهُ يَهُودِيٌّ, أَوْ نَصْرَانِيٌّ, أَوْ مَجُوسِيٌّ نِسَاؤُهُمْ, أَوْ رِجَالُهُمْ: فَهُوَ حَلاَلٌ لَنَا, وَشُحُومُهَا حَلاَلٌ لَنَا إذَا ذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ. وَلَوْ نَحَرَ الْيَهُودِيُّ بَعِيرًا أَوْ أَرْنَبًا حَلَّ أَكْلُهُ, وَلاَ نُبَالِي مَا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَا لَمْ يُحَرَّمْ. وقال مالك: لاَ يَحِلُّ أَكْلُ شُحُومِ مَا ذَبَحَهُ الْيَهُودِيُّ, وَلاَ مَا ذَبَحُوهُ مِمَّا لاَ يَسْتَحِلُّونَهُ وَهَذَا قَوْلٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ, لأََنَّهُ خِلاَفُ الْقُرْآنِ, وَالسُّنَنِ, وَالْمَعْقُولِ. أَمَّا الْقُرْآنُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} . وَقَدْ اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ مَا ذَكَّوْهُ, لاَ مَا أَكَلُوهُ, لأََنَّهُمْ يَأْكُلُونَ الْخِنْزِيرَ, وَالْمَيْتَةَ, وَالدَّمَ, وَلاَ يَحِلُّ لَنَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِإِجْمَاعٍ مِنْهُمْ وَمِنَّا, فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَلَمْ يَشْتَرِطْ اللَّهُ تَعَالَى مَا أَكَلُوهُ مِمَّا لَمْ يَأْكُلُوهُ {وَمَا كَانَ

رَبُّكَ نَسِيًّا}. وَأَمَّا الْقُرْآنُ, وَالإِجْمَاعُ: فَقَدْ جَاءَ الْقُرْآنُ, وَصَحَّ الإِجْمَاعُ بِأَنَّ دِينَ الإِسْلاَمِ نَسَخَ كُلَّ دِينٍ كَانَ قَبْلَهُ, وَأَنَّ مَنْ الْتَزَمَ مَا جَاءَتْ بِهِ التَّوْرَاةُ أَوْ الإِنْجِيلُ, وَلَمْ يَتَّبِعْ الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ كَافِرٌ مُشْرِكٌ, غَيْرُ مَقْبُولٍ مِنْهُ, فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَقَدْ أَبْطَلَ اللَّهُ تَعَالَى كُلَّ شَرِيعَةٍ كَانَتْ فِي التَّوْرَاةِ, وَالإِنْجِيلِ, وَسَائِرِ الْمِلَلِ, وَافْتَرَضَ عَلَى الْجِنِّ, وَالإِنْسِ: شَرَائِعَ الإِسْلاَمِ, فَلاَ حَرَامَ إِلاَّ مَا حُرِّمَ فِيهِ, وَلاَ حَلاَلَ إِلاَّ مَا حُلِّلَ فِيهِ, وَلاَ فَرْضَ إِلاَّ مَا فُرِضَ فِيهِ وَمَنْ قَالَ فِي شَيْءٍ مِنْ الدِّينِ خِلاَفَ هَذَا فَهُوَ كَافِرٌ بِلاَ خِلاَفٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الأَئِمَّةِ. وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الْجِهَادِ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا مِنْ حَدِيثِ جِرَابِ الشَّحْمِ الْمَأْخُوذِ فِي خَيْبَرَ فَلَمْ يَمْنَعْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَكْلِهِ, بَلْ أَبْقَاهُ لِمَنْ وَقَعَ لَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ، نا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ هِلاَلٍ الْعَدَوِيِّ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ يَقُولُ دُلِّيَ جِرَابٌ مِنْ شَحْمٍ يَوْمَ خَيْبَرَ فَأَخَذْتُهُ وَالْتَزَمْتُهُ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ لَكَ. وَالْخَبَرُ الْمَشْهُورُ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ يَهُودِيَّةً أَهْدَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَاةً مَسْمُومَةً فَأَكَلَ مِنْهَا وَلَمْ يُحَرِّمْ عليه السلام مِنْهَا لاَ شَحْمَ بَطْنِهَا، وَلاَ غَيْرَهُ. وَأَمَّا الْمَعْقُولُ: فَمِنْ الْمُحَالِ الْبَاطِلِ أَنْ تَقَعَ الذَّكَاةُ عَلَى بَعْضِ شَحْمِ الشَّاةِ دُونَ بَعْضٍ, وَمَا نَعْلَمُ لِقَوْلِهِمْ هَهُنَا حُجَّةً أَصْلاً, لاَ مِنْ قُرْآنٍ, وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ, وَلاَ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ, وَلاَ قِيَاسٍ. وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ يَسْمَعُونَ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} وَمِنْ طَعَامِنَا الشَّحْمُ, وَالْجَمَلُ, وَسَائِرُ مَا يُحَرِّمُونَهُ أَوْ حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ عَلَى لِسَانِ مُوسَى, ثُمَّ نَسَخَهُ وَأَبْطَلَهُ وَأَحَلَّهُ عَلَى لِسَانِ عِيسَى وَمُحَمَّدٍ عليهما السلام بِقَوْلِهِ تَعَالَى، عَنْ عِيسَى وَلأَُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ. وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى، عَنْ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم: {النَّبِيَّ الأُُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ، عَنِ الْمُنْكَرِ وَيَحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ} . وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} ثُمَّ يُصِرُّونَ عَلَى تَحْرِيمِ مَا يُحَرِّمُونَهُ مِمَّا هُمْ مُقِرُّونَ بِأَنَّهُ حَلاَلٌ لَهُمْ وَيَسْأَلُونَ، عَنِ الشَّحْمِ وَالْجَمَلِ أَحَلاَلٌ هُمَا الْيَوْمَ لِلْيَهُودِ أَمْ هُمَا حَرَامٌ عَلَيْهِمْ إلَى الْيَوْمِ فَإِنْ قَالُوا: بَلْ هُوَ حَرَامٌ عَلَيْهِمْ إلَى الْيَوْمِ كَفَرُوا, بِلاَ مِرْيَةٍ; إذْ قَالُوا: إنَّ ذَلِكَ لَمْ يَنْسَخْهُ اللَّهُ تَعَالَى. وَإِنْ قَالُوا: بَلْ هُمَا حَلاَلٌ صُدِّقُوا وَلَزِمَهُمْ تَرْكُ قَوْلِهِمْ الْفَاسِدِ فِي ذَلِكَ. وَنَسْأَلُهُمْ، عَنْ يَهُودِيٍّ مُسْتَخْفٍ بِدِينِهِ يَأْكُلُ الشَّحْمَ فَذَبَحَ شَاةً. أَيَحِلُّ لَنَا أَكْلُ شَحْمِهَا لأَسْتِحْلاَلِ ذَابِحِهَا لَهُ أَمْ يَحْرُمُ عَلَيْنَا تَحْقِيقًا فِي اتِّبَاعِ دِينِ الْيَهُودِ دِينِ الْكُفْرِ وَدِينِ الضَّلاَلِ، وَلاَ بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا, وَكِلاَهُمَا خُطَّةُ خَسْفٍ. وَيَلْزَمُهُمْ أَنْ لاَ يَسْتَحِلُّوا أَكْلَ مَا ذَبَحَهُ يَهُودِيٌّ يَوْمَ سَبْتٍ، وَلاَ أَكْلَ حِيتَانٍ صَادَهَا يَهُودِيٌّ يَوْمَ سَبْتٍ, وَهَذَا مِمَّا تَنَاقَضُوا فِيهِ. وَقَدْ رُوِّينَا، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ, وَعَلِيٍّ, وَابْنِ مَسْعُودٍ, وَعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ, وَأَبِي الدَّرْدَاءِ, وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ, وَابْنِ عَبَّاسٍ, وَالْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ: وَأَبِي أُمَامَةَ, وَعُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ, وَابْنِ

عُمَرَ: إبَاحَةَ مَا ذَبَحَهُ أَهْلُ الْكِتَابِ دُونَ اشْتِرَاطٍ لِمَا يَسْتَحِلُّونَهُ مِمَّا لاَ يَسْتَحِلُّونَهُ. وَكَذَلِكَ، عَنْ جُمْهُورِ التَّابِعِينَ كَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ, وَجُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ, وَأَبِي مُسْلِمٍ الْخَوْلاَنِيِّ, وَضَمْرَةَ بْنِ حَبِيبٍ, وَالْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ, وَمَكْحُولٍ, وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ, وَمُجَاهِدٍ, وَعَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي لَيْلَى, وَالْحَسَنِ, وَابْنِ سِيرِينَ, وَالْحَارِثِ الْعُكْلِيِّ, وَعَطَاءٍ, وَالشَّعْبِيِّ, وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ, وطَاوُوس, وَعَمْرِو بْنِ الأَسْوَدِ, وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ, وَغَيْرِهِمْ, لَمْ نَجِدْ، عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ هَذَا الْقَوْلَ إِلاَّ، عَنْ قَتَادَةَ ثُمَّ، عَنْ مَالِكٍ, وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ. وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ طَائِفَةً مِنْ الصَّحَابَةِ لاَ مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْهُمْ وَخَالَفُوا فِيهِ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ. وَقَوْلُنَا هُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ, وَالأَوْزَاعِيِّ, وَاللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ, وَأَبِي حَنِيفَةَ, وَالشَّافِعِيِّ, وَأَبِي سُلَيْمَانَ, وَأَحْمَدَ, وَإِسْحَاقَ, وَأَصْحَابِهِمْ.
وَأَمَّا الْمَجُوسُ: فَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كِتَابِ الْجِهَادِ أَنَّهُمْ أَهْلُ كِتَابٍ فَحُكْمُهُمْ كَحُكْمِ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي كُلِّ ذَلِكَ: فَإِنْ ذَكَرُوا: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ الْجَدَلِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ كَتَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى مَجُوسٍ مِنْ أَهْلِ هَجَرَ يَدْعُوهُمْ إلَى الإِسْلاَمِ فَمَنْ أَسْلَمَ قُبِلَ مِنْهُ وَمَنْ لَمْ يُسْلِمْ ضُرِبَتْ عَلَيْهِ الْجِزْيَةُ، وَلاَ تُؤْكَلُ لَهُمْ ذَبِيحَةٌ، وَلاَ تُنْكَحُ مِنْهُمْ امْرَأَةٌ فَهَذَا مُرْسَلٌ، وَلاَ حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ. نا حُمَامٌ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَاجِيَّ، نا أَحْمَدُ بْنُ مُسْلِمٍ، نا أَبُو ثَوْرٍ إبْرَاهِيمُ بْنُ خَالِدٍ نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ سُئِلَ، عَنْ رَجُلٍ مَرِيضٍ أَمَرَ مَجُوسِيًّا أَنْ يَذْبَحَ وَيُسَمِّيَ, فَفَعَلَ ذَلِكَ فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: لاَ بَأْسَ بِذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ, وَأَبِي ثَوْرٍ.
قال أبو محمد: لَمْ يُفْسِحْ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْ غَيْرِ كِتَابِيٍّ, وَأَخَذَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ الْمَجُوسِ وَمَا كَانَ لِيُخَالِفَ أَمْرَ رَبِّهِ تَعَالَى.
فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ تَقُولُوا إنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا، عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ. قلنا: إنَّمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا بِنَصِّ الآيَةِ نَهْيًا، عَنْ هَذَا الْقَوْلِ لاَ تَصْحِيحًا لَهُ; وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ}.

و لايحل أكل ما ذكاه غير اليهودي والنصراني والمجوسي
1060- مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ مَا ذَكَّاهُ غَيْرُ الْيَهُودِيِّ, وَالنَّصْرَانِيِّ, وَالْمَجُوسِيِّ, وَلاَ مَا ذَكَّاهُ مُرْتَدٌّ إلَى دِينٍ كِتَابِيٍّ أَوْ غَيْرِ كِتَابِيٍّ, وَلاَ مَا ذَكَّاهُ مَنْ انْتَقَلَ مِنْ دِينٍ كِتَابِيٍّ إلَى دِينٍ كِتَابِيٍّ, وَلاَ مَا ذَكَّاهُ مَنْ دَخَلَ فِي دِينٍ كِتَابِيٍّ بَعْدَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُبِحْ لَنَا إِلاَّ مَا ذَكَّيْنَاهُ أَوْ ذَكَّاهُ الْكِتَابِيُّ كَمَا قَدَّمْنَا. وَكُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا لَيْسَ كِتَابِيًّا لأََنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَفَرْضٌ عَلَيْهِمْ أَنْ يَرْجِعُوا إلَى الإِسْلاَمِ إذْ بَعَثَ اللَّهُ تَعَالَى مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم بِهِ, أَوْ الْقَتْلُ فَدُخُولُهُ فِي دِينٍ كِتَابِيٍّ غَيْرِ مَقْبُولٍ مِنْهُ، وَلاَ هُوَ مِنْ الَّذِينَ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَكْلِ ذَبَائِحِهِمْ, وَالْمُرْتَدُّ مِنَّا إلَيْهِمْ كَذَلِكَ, وَالْخَارِجُ مِنْ دِينٍ كِتَابِيٍّ إلَى دِينٍ كِتَابِيٍّ

كَذَلِكَ, لأََنَّهُ إنَّمَا تَذَمَّمَ وَحَرُمَ قَتْلُهُ بِالدِّينِ الَّذِي كَانَ آبَاؤُهُ عَلَيْهِ, فَخُرُوجُهُ إلَى غَيْرِهِ نَقْضٌ لِلذِّمَّةِ لاَ يَقَرُّ عَلَى ذَلِكَ وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ, وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ومن ذبح وهو سكران أو في جنونه لم يحل أكله
1061- مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ ذَبَحَ وَهُوَ سَكْرَانُ أَوْ فِي جُنُونِهِ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ, لأََنَّهُمَا غَيْرُ مُخَاطَبَيْنِ فِي حَالِ ذَهَابِ عُقُولِهِمَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ} فَإِنْ ذَكَّيَا بَعْدَ الصَّحْوِ وَالإِفَاقَةِ حَلَّ أَكْلُهُ, لأََنَّهُمَا مُخَاطَبَانِ كَسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وما ذبحه أو نحره من لم يبلغ لم يحل أكله لأنّه غير مخاطب
...
1062- مَسْأَلَةٌ: وَمَا ذَبَحَهُ أَوْ نَحَرَهُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ, لأََنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ. وَقَدْ أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الصَّبِيَّ مَرْفُوعٌ عَنْهُ الْقَلَمُ حَتَّى يَبْلُغَ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، نا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ، عَنْ أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ إذَا سُئِلَ، عَنْ ذَبِيحَةِ الْمَرْأَةِ, وَالصَّبِيِّ لاَ يَقُولُ فِيهِمَا شَيْئًا. وَبِالْمَنْعِ مِنْهُمَا يَقُولُ أَبُو سُلَيْمَانَ, وَأَصْحَابُنَا. وَأَبَاحَهَا: النَّخَعِيُّ: وَالشَّعْبِيُّ, وَالْحَسَنُ, وَعَطَاءٌ, وطَاوُوس, وَمُجَاهِدٌ.
قال أبو محمد: قَدْ وَافَقُونَا أَنَّ إنْكَاحَهُ لِوَلِيَّتِهِ, وَنِكَاحَهُ, وَبَيْعَهُ, وَابْتِيَاعَهُ, وَتَوْكِيلَهُ: لاَ يَجُوزُ, وَأَنَّهُ لاَ تَلْزَمُهُ صَلاَةٌ, وَلاَ صَوْمٌ, وَلاَ حَجٌّ, لأََنَّهُ غَيْرُ مُخَاطَبٍ بِذَلِكَ، وَلاَ يُجْزِي حَجُّهُ، عَنْ غَيْرِهِ فَمِنْ أَيْنَ أَجَازُوا ذَبِيحَتَهُ؟

وكل حيوان بين إثنين فصاعدا فذكاه أحدهما بغير إذن الآخر فهو ميتة لا يحل أكله
1063- مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ حَيَوَانٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا فَذَكَّاهُ أَحَدُهُمَا بِغَيْرِ إذْنِ الآخَرِ, فَهُوَ مَيْتَةٌ لاَ يَحِلُّ أَكْلُهُ, وَيَضْمَنُ لِشَرِيكِهِ مِثْلَ حِصَّتِهِ مُشَاعًا فِي حَيَوَانٍ مِثْلِهِ, فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ أَصْلاً فَقِيمَتُهُ, إِلاَّ أَنْ يَرَى بِهِ مَوْتًا أَوْ تَعْظُمُ مُؤْنَتُهُ فَيَضِيعُ, فَلَهُ تَذْكِيَتُهُ حِينَئِذٍ, وَهُوَ حَلاَلٌ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ تَحْرِيمِ اللَّهِ تَعَالَى أَكْلَ أَمْوَالِنَا بِالْبَاطِلِ. وَقَوْله تَعَالَى: {وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا} فَهُوَ مُتَعَدٍّ فِي ذَبْحِهِ مَتَاعَ غَيْرِهِ, فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ صَلاَحًا جَازَ كَمَا قلنا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلِنَهْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ, وَأَصْحَابِنَا.

ومن أمر أهله أو وكيله أو خادمه بتذكية ما شاءوا من حيوانه أو ما احتاجوا إليه في حضرته أو مغيبه جاز ذلك
1064- مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَمَرَ أَهْلَهُ, أَوْ وَكِيلَهُ, أَوْ خَادِمَهُ بِتَذْكِيَةِ مَا شَاءُوا مِنْ حَيَوَانِهِ, أَوْ مَا احْتَاجُوا إلَيْهِ فِي حَضْرَتِهِ, أَوْ مَغِيبِهِ جَازَ ذَلِكَ, وَهِيَ ذَكَاةٌ صَحِيحَةٌ لأََنَّهُ بِإِذْنِهِ كَانَ ذَلِكَ, وَلَمْ يَتَعَدَّ الْمُذَكِّي حِينَئِذٍ وَلَهُ ذَلِكَ فِي مَالِ نَفْسِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ولا يحل كسر قفا الذبيحة حتى تموت
1065- مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ كَسْرُ قَفَا الذَّبِيحَةِ حَتَّى تَمُوتَ فَإِنْ فَعَلَ بَعْدَ تَمَامِ الذَّكَاةِ فَقَدْ عَصَى وَلَمْ يَحْرُمْ أَكْلُهَا بِذَلِكَ, لأََنَّهُ لَمْ يُرِحْ ذَبِيحَتَهُ, إذْ كَسَرَ عُنُقَهَا, وَلَمْ يَحْرُمْ أَكْلُهَا, لأََنَّهُ إذَا تَمَّتْ ذَكَاتُهَا فَقَدْ حَلَّ أَكْلُهَا بِذَلِكَ إذَا مَاتَتْ.

وكل ما غاب عنا مما ذكاه مسلم فاسق
1066- مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَا غَابَ عَنَّا مِمَّا ذَكَّاهُ مُسْلِمٌ فَاسِقٌ, أَوْ جَاهِلٌ, أَوْ كِتَابِيٌّ فَحَلاَلٌ أَكْلُهُ لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ أَبُو ثَابِتٍ الْمَدِينِيُّ، نا أُسَامَةُ بْنُ حَفْصٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ قَوْمًا قَالُوا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إنَّ قَوْمًا يَأْتُونَنَا

وكل ما تردى أو أصابه سبع أو نطحه ناطح
1066- مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَا تَرَدَّى أَوْ أَصَابَهُ سَبُعٌ أَوْ نَطَحَهُ نَاطِحٌ, أَوْ انْخَنَقَ فَانْتَثَرَ دِمَاغُهُ, أَوْ انْقَرَضَ مُصْرَانُهُ, أَوْ انْقَطَعَ نُخَاعُهُ, أَوْ انْتَشَرَتْ حَشْوَتُهُ فَأُدْرِكَ وَفِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْحَيَاةِ فَذُبِحَ أَوْ نُحِرَ: حَلَّ أَكْلُهُ, وَإِنَّمَا حَرَّمَ تَعَالَى مَا مَاتَ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ.
بُرْهَانُهُ: قوله تعالى: {إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ} فَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ مَا أُدْرِكَتْ ذَكَاتُهُ, وَلاَ نُبَالِي مِنْ أَيِّهِمَا مَاتَ قَبْلُ, لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ بَلْ أَبَاحَ مَا ذَكَّيْنَا قَبْلَ الْمَوْتِ, فَلَوْ قَطَعَ السَّبُعُ حَلْقَهَا نُحِرَتْ وَحَلَّ أَكْلُهَا, وَلَوْ بَقِيَ فِي الْحَلْقِ مَوْضِعٌ يُذْبَحُ فِيهِ ذُبِحَتْ وَحَلَّ أَكْلُهَا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذُؤَيْبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ، عَنْ أَبِي مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ وَجَدَ شَاةً لَهُمْ تَمُوتُ فَذَبَحَهَا فَتَحَرَّكَتْ فَسَأَلْت زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَقَالَ: إنَّ الْمَيْتَةَ لاَ تَتَحَرَّكُ; فَسَأَلْت أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَالَ: كُلْهَا إذَا طَرَفَتْ عَيْنُهَا, أَوْ تَحَرَّكَتْ قَائِمَةً مِنْ قَوَائِمهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: إذَا ضَرَبَتْ بِرِجْلِهَا أَوْ ذَنَبِهَا أَوْ طَرَفَتْ بِعَيْنِهَا فَهِيَ ذَكِيٌّ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الرُّكَيْنِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ الأَسَدِيِّ قَالَ: عَدَا الذِّئْبُ عَلَى شَاةٍ فَفَرَى بَطْنَهَا فَسَقَطَ مِنْهُ شَيْءٌ إلَى الأَرْضِ, فَسَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: اُنْظُرْ مَا سَقَطَ مِنْهَا إلَى الأَرْضِ فَلاَ تَأْكُلْهُ, وَأَمَرَهُ أَنْ يُذَكِّيَهَا فَيَأْكُلَهَا.وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُد الْخُرَيْبِيُّ، عَنْ أَبِي شِهَابٍ هُوَ مُوسَى بْنُ رَافِعٍ، عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: رَأَى سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ فِي دَارِنَا نَعَامَةً تَرْكُضُ بِرِجْلِهَا, فَقَالَ: مَا هَذِهِ قلنا: وَقِيذٌ وَقَعَتْ فِي بِئْرٍ, فَقَالَ: ذَكُّوهَا, فَإِنَّ الْوَقِيذَ مَا مَاتَ فِي وَقْذِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، نا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، نا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالْمُنْخَنِقَةُ} قَالَ: هِيَ الَّتِي تَمُوتُ فِي خِنَاقِهَا. {وَالْمَوْقُوذَةُ} الَّتِي تُوقَذُ فَتَمُوتُ. {وَالْمُتَرَدِّيَةُ} الَّتِي تَتَرَدَّى فَتَمُوتُ. {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ} مِنْ هَذَا كُلِّهِ, فَإِذَا وَجَدْتهَا تَطْرِفُ عَيْنَهَا, أَوْ تُحَرِّكُ أُذُنَهَا مِنْ هَذَا كُلِّهِ: مُنْخَنِقَةً, أَوْ مَوْقُوذَةً, أَوْ مُتَرَدِّيَةً, أَوْ مَا أَكَلَ السَّبُعُ, أَوْ نَطِيحَةً فَهِيَ لَك حَلاَلٌ إذَا ذَكَّيْتَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، نا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنِ الرُّكَيْنِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ الأَسَدِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ سُئِلَ، عَنْ شَاةٍ بَقَرَ الذِّئْبُ بَطْنَهَا فَوَضَعَ قَصَبَهَا إلَى الأَرْضِ, ثُمَّ ذُبِحَتْ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَا سَقَطَ, مِنْ قَصَبِهَا إلَى الأَرْضِ

فَلاَ تَأْكُلْهُ, فَإِنَّهُ مَيْتَةٌ, وَكُلْ مَا بَقِيَ، وَلاَ يُعْرَفُ لِمَنْ ذَكَرْنَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَهِيَ رِوَايَةُ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ مَالِكٍ وَبِهِ يَأْخُذُ إسْمَاعِيلُ, وَمَا نَعْلَمُ لِلْقَوْلِ الآخَرِ حُجَّةً أَصْلاً، وَلاَ مُتَعَلِّقًا.
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، نا هُشَيْمٌ أَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: إذَا وَجَدَ الْمَوْقُوذَةَ, وَالْمُتَرَدِّيَةَ, وَالنَّطِيحَةَ, وَمَا أَصَابَ السَّبُعُ: فَوَجَدْتَ تَحْرِيكَ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ فَذَكِّهَا وَكُلْ. قَالَ هُشَيْمٌ: وَأَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ أَنَّ ابْنَ أَخِي مَسْرُوقٍ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ، عَنْ صَيْدِ الْمَنَاجِلِ فَقَالَ: إنَّهُ يَبِينُ مِنْهُ الشَّيْءُ وَهُوَ حَيٌّ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَمَّا مَا أَبَانَ مِنْهُ وَهُوَ حَيٌّ فَلاَ تَأْكُلْ وَكُلْ مَا سِوَى ذَلِكَ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: يُنْظَرُ مِنْ أَيِّ الأَمْرَيْنِ مَاتَ قَبْلُ فَقَوْلٌ فَاسِدٌ, لأََنَّهُ لاَ يُقْدَرُ فِيهِ عَلَى بُرْهَانٍ مِنْ قُرْآنٍ, وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ, وَنَسْأَلُهُ عَمَّنْ ذَبَحَ, أَوْ نَحَرَ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى, ثُمَّ رَمَى رَامٍ حَجَرًا, وَشَدَخَ رَأْسَ الذَّبِيحَةِ, أَوْ النَّحِيرَةِ, بَعْدَ تَمَامِ الذَّكَاةِ فَمَاتَتْ لِلْوَقْتِ أَتُؤْكَلُ أَمْ لاَ فَمِنْ قَوْلِهِمْ: نَعَمْ.فَصَحَّ أَنَّ الْمُرَاعَى إنَّمَا هُوَ مَا جَاءَ بِهِ النَّصُّ مِمَّا ذُكِّيَ, ثُمَّ لاَ نُبَالِي مِمَّا مَاتَ أَمِنْ الذَّكَاةِ أَمْ مِنْ غَيْرِهَا لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَشْتَرِطْ لَنَا ذَلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا. وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُلْزِمَنَا اللَّهُ تَعَالَى حُكْمًا, وَلاَ يُعَيِّنَهُ عَلَيْنَا.

كتاب الصيد
باب الصيد
ما شرد فلم يقدر عليه من حيوان البر كله وحشية أو إنسية
كِتَابُ الصَّيْدِ
1067- مَسْأَلَةٌ: مَا شَرَدَ فَلَمْ يُقْدَرْ عَلَيْهِ مِنْ حَيَوَانِ الْبَرِّ كُلِّهِ وَحْشِيِّهِ وَأَنِيسِهِ لاَ تُحَاشِ شَيْئًا, لاَ طَائِرًا، وَلاَ ذَا أَرْبَعٍ مِمَّا يَحِلُّ أَكْلُهُ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ أَنْ يُرْمَى بِمَا يَعْمَلُ عَمَلَ الرُّمْحِ, أَوْ عَمَلَ السَّهْمِ, أَوْ عَمَلَ السَّيْفِ, أَوْ عَمَلَ السِّكِّينِ حَاشَا مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لاَ تَحِلُّ التَّذْكِيَةُ بِهِ, فَإِنْ أُصِيبَ بِذَلِكَ, فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ تُدْرَكَ ذَكَاتُهُ فَأَكْلُهُ حَلاَلٌ, فَإِنْ أُدْرِكَ حَيًّا إِلاَّ أَنَّهُ فِي سَبِيلِ الْمَوْتِ السَّرِيعِ فَإِنْ ذُبِحَ, أَوْ نُحِرَ فَحَسَنٌ, وَإِلَّا فَلاَ بَأْسَ بِأَكْلِهِ, وَإِنْ كَانَ لاَ يَمُوتُ سَرِيعًا لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ إِلاَّ بِذَبْحٍ أَوْ نَحْرٍ, أَوْ بِأَنْ يُرْسَلَ عَلَيْهِ سَبُعٌ مِنْ سِبَاعِ الطَّيْرِ, أَوْ ذَوَاتِ الأَرْبَعِ, لاَ ذَكَاةَ لَهُ إِلاَّ بِأَحَدِ هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ.
لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْمِعْرَاضِ فَقَالَ: "إذَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَكُلْ وَإِذَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَقَتَلَ فَإِنَّهُ وَقِيذٌ فَلاَ تَأْكُلْ". وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، نا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ أَنَا جَرِيرٌ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ مَنْصُورٍ، هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ أَنَّ

رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: "إذَا رَمَيْتَ بِالْمِعْرَاضِ فَخَرَقَ فَكُلْهُ, وَإِنْ أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَلاَ تَأْكُلْهُ" . وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا: كَمَا رُوِّينَا، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ: إذَا رَمَيْت بِالْحَجَرِ أَوْ الْبُنْدُقَةِ ثُمَّ ذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الدَّرْدَاءِ, وَفَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ, وَابْنِ عُمَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ حَرْمَلَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: كُلُّ وَحْشِيَّةٍ قَتَلْتَهَا بِحَجَرٍ, أَوْ بِخَشَبَةٍ, أَوْ بِبُنْدُقَةٍ فَكُلْهَا وَإِذَا رَمَيْتَ فَنَسِيتَ أَنْ تُسَمِّيَ فَكُلْ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ حَرْمَلَةَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: كُلُّ وَحْشِيَّةٍ قَتَلْتَهَا بِحَجَرٍ, أَوْ بِبُنْدُقَةٍ, أَوْ بِمِعْرَاضٍ فَكُلْ, وَإِنْ أَبَيْتَ أَنْ تَأْكُلَ فَأْتِنِي بِهِ وَهُوَ قَوْلُ مَكْحُولٍ, وَالأَوْزَاعِيِّ. وَرُوِّينَا خِلاَفَ هَذَا، عَنْ عُمَرَ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: لاَ يَحْذِفَنَّ أَحَدُكُمْ الأَرْنَبَ بِعَصَاهُ أَوْ بِحَجَرٍ, ثُمَّ يَأْكُلُهَا وَلْيُذَكِّ لَكُمْ الأَسَلُّ: النَّبْلُ, وَالرِّمَاحُ.وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ, وَمَالِكٌ, وَالشَّافِعِيُّ, وَأَبُو سُلَيْمَانَ.
وَاحْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى قَوْلِ عَمَّارٍ, وَسَلْمَانَ, وَسَعِيدٍ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لَيَبْلُوَنَّكُمْ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} . وَبِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، عَنْ هَنَّادِ بْنِ السَّرِيِّ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ حَيْوَةَ بْنِ شُرَيْحٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَبِيعَةَ بْنَ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيَّ يَقُولُ: أَنَا أَبُو إدْرِيسَ عَائِذُ اللَّهِ الْخَوْلاَنِيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ يَقُولُ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ أَنَّكَ بِأَرْضِ صَيْدٍ فَمَا أَصَبْتَ بِقَوْسِكَ فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَكُلْ. قال أبو محمد: وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَيْنِ النَّصَّيْنِ, لأََنَّ حَدِيثَ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ الَّذِي ذَكَرْنَا فَرَضَ أَنْ يُضَافَ إلَيْهِمَا فَيُسْتَثْنَى مِنْهُمَا مَا اسْتَثْنَى فِيهِ, فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ تَرْكُ نَصٍّ لِنَصٍّ. وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ هَذَيْنِ مِنْ الصَّيْدِ لَيْسَا عَلَى عُمُومِهِمَا, لأََنَّهُ قَدْ تَنَالُ فِيهِ الْيَدُ الْمَيْتَةَ, وَقَدْ تُصَابُ بِالْقَوْسِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ فَلاَ يَكُونُ ذَكَاةً بِلاَ خِلاَفٍ. وَهَذَا مِمَّا تَنَاقَضَ فِيهِ الْحَنَفِيُّونَ لأََنَّهُمْ أَخَذُوا بِخَبَرِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ, وَهُوَ زَائِدٌ عَلَى مَا فِي الْقُرْآنِ, وَقَدْ امْتَنَعُوا مِنْ مِثْلِ هَذَا فِي إسْقَاطِ الزَّكَاةِ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ, وَغَيْرِ ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنْ أُدْرِكَ حَيًّا إِلاَّ أَنَّهُ فِي سَبِيلِ الْمَوْتِ السَّرِيعِ فَلاَ بَأْسَ بِنَحْرِهِ وَذَبْحِهِ، وَلاَ بَأْسَ بِتَرْكِهِ, فَلأََنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِأَكْلِ مَا خُزِقَ, وَلَمْ يَنْهَ، عَنْ ذَبْحِهِ, أَوْ نَحْرِهِ، وَلاَ أَمَرَ بِهِ فَهُوَ

حَلاَلٌ مُذَكًّى عَلَى كُلِّ حَالٍ, وَأَمَّا إذَا كَانَ لاَ يَمُوتُ مِنْ ذَلِكَ مَوْتَ الْمُذَكَّى فَلاَ يَحِلُّ أَكْلُهُ إِلاَّ بِذَكَاةٍ, لأََنَّ حُكْمَ الذَّكَاةِ إرَاحَةُ الْمُذَكَّى, وَتَعْجِيلُ الْمَوْتِ كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ وَسَنَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حُكْمَ إرْسَالِ الْجَارِحِ.

وكل ما ذكرنا أنه لا يجوز التذكية بِه فلا يحل ما قتل به من الصيد
...
1068- مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ التَّذْكِيَةُ بِهِ فَلاَ يَحِلُّ مَا قُتِلَ بِهِ مِنْ الصَّيْدِ, وَكُلُّ مَنْ قلنا: إنَّهُ لاَ يَحِلُّ أَكْلُ مَا ذَبَحَ أَوْ نَحَرَ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُ مَا قَتَلَ مِنْ الصَّيْدِ كَغَيْرِ الْكِتَابِيِّ وَالصَّبِيِّ, وَمَنْ تَصَيَّدَ بِآلَةٍ مَأْخُوذَةٍ بِغَيْرِ حَقٍّ. وَكُلُّ مَنْ قلنا: إنَّهُ يَحِلُّ أَكْلُ مَا ذَبَحَ أَوْ نَحَرَ أُكِلَ مَا قَتَلَ مِنْ الصَّيْدِ كَالْكِتَابِيِّ, وَالْمَرْأَةِ, وَالْعَبْدِ, وَغَيْرِهِمْ, وَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ مَا لَمْ يُسَمِّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَيْهِ مِمَّا قُتِلَ مِنْ الصَّيْدِ بِعَمْدٍ, أَوْ بِنِسْيَانٍ لأََنَّ الصَّيْدَ ذَكَاةٌ, وَقَدْ ذَكَرْنَا بُرْهَانَ ذَلِكَ: فِي كَلاَمِنَا فِي كِتَابِ التَّذْكِيَةِ آنِفًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَكَرِهَ بَعْضُ النَّاسِ أَكْلَ مَا قَتَلَهُ الْكِتَابِيُّونَ مِنْ الصَّيْدِ وَهَذَا بَاطِلٌ لأََنَّ الصَّيْدَ ذَكَاةٌ, وَقَدْ أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لَنَا مَا ذَكَّوْا وَلَمْ يَخُصَّ ذَبِيحَةً مِنْ نَحِيرَةٍ مِنْ صَيْدٍ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا}. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} وَلَمْ يُفَصِّلْ لَنَا تَحْرِيمَ هَذَا, فَلَوْ كَانَ حَرَامًا لَفَصَّلَ لَنَا تَحْرِيمَهُ, فَإِذْ لَمْ يُفَصِّلْ لَنَا تَحْرِيمَهُ فَهُوَ حَلاَلٌ مَحْضٌ. فَإِنْ مَوَّهُوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} . قلنا: وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ} فَحَرَّمُوا بِهَذِهِ الآيَةِ أَكْلَ مَا ذَبَحُوا إذًا, وَإِلَّا فَقَدْ تَنَاقَضْتُمْ وَقَوْله تَعَالَى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} زَائِدٌ عَلَى مَا فِي هَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ, فَالأَخْذُ بِهِ وَاجِبٌ. وَقَوْلُنَا هَهُنَا هُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ, وَاللَّيْثِ, وَالأَوْزَاعِيِّ, وَالثَّوْرِيِّ, وَأَبِي حَنِيفَةَ, وَالشَّافِعِيِّ, وَأَبِي سُلَيْمَانَ, وَأَصْحَابِهِمْ. وَالْقَوْلُ الآخَرُ هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ, وَلاَ نَعْلَمُ لَهُ سَلَفًا فِي هَذَا أَصْلاً;، وَلاَ جَاءَ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَلاَ التَّابِعِينَ التَّفْرِيقُ بَيْنَ ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَبَيْنَ صَيْدِهِمْ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قُلْت لِعَطَاءٍ: أَيُرْسِلُ الْمَجُوسِيُّ بَازِيَ قَالَ: نَعَمْ, إذَا أَرْسَلَ الْمَجُوسِيُّ كَلْبَك فَقَتَلَ فَكُلْ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ, وَغَيْرِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: قَدْ عَلِمْنَا أَنَّ النَّصْرَانِيَّ إذَا سَمَّى اللَّهَ تَعَالَى فَإِنَّمَا يَعْنِي بِهِ الْمَسِيحَ, فَسَوَاءٌ أَعْلَنَ بِاسْمِ الْمَسِيحِ أَوْ لَمْ يُعْلِنْ وَهَذَا بَاطِلٌ, لأََنَّنَا إنَّمَا نَتْبَعُ مَا أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ, وَلاَ نَعْتَرِضُ عَلَيْهِ بِآرَائِنَا. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلاَ تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} فَحَسْبُنَا إذَا سَمَّى اللَّهَ تَعَالَى فَقَدْ أَتَى بِالصِّفَةِ الَّتِي أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لَنَا بِهَا أَكْلَ مَا ذَكَّى، وَلاَ نُبَالِي مَا عَنَى, لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَأْمُرْنَا بِمُرَاعَاةِ نِيَّتِهِ الْخَبِيثَةِ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} وَإِذَا لَمْ يَذْكُرْ اللَّهَ تَعَالَى, أَوْ ذَكَرَ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى, فَقَدْ أَتَى بِالصِّفَةِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا الأَكْلَ مَعَ وُجُودِهَا, لأََنَّهُ أَهَلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ, وَلاَ نُبَالِي بِنِيَّتِهِ الْخَبِيثَةِ,

إذْ لَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ إِلاَّ كُلَّ أَحَدٍ فِي نَفْسِهِ خَاصَّةً.

ووقت تسمية الذابح اللّه تعالى في الذكاة هي مع أول وضعِ ما يذبح به أو ينحر في الجلد قبل القطع
...
1069- مَسْأَلَةٌ: وَوَقْتُ تَسْمِيَةِ الذَّابِحِ اللَّهَ تَعَالَى فِي الذَّكَاةِ هِيَ مَعَ أَوَّلِ وَضْعِ مَا يَذْبَحُ بِهِ أَوْ يَنْحَرُ فِي الْجِلْدِ قَبْلَ الْقَطْعِ، وَلاَ بُدَّ. وَوَقْتُهَا فِي الصَّيْدِ مَعَ أَوَّلِ إرْسَالِ الرَّمْيَةِ أَوْ مَعَ أَوَّلِ الضَّرْبَةِ, أَوْ مَعَ أَوَّلِ إرْسَالِ الْجَارِحِ لاَ تُجْزِي قَبْلَ ذَلِكَ، وَلاَ بَعْدَهُ, لأََنَّ هَذِهِ مَبَادِئُ الذَّكَاةِ فَإِذَا شَرَعَ فِيهَا قَبْلَ التَّسْمِيَةِ فَقَدْ مَضَى مِنْهَا شَيْءٌ قَبْلَ التَّسْمِيَةِ فَلَمْ يُذَكِّ كَمَا أُمِرَ, وَإِذَا كَانَ بَيْنَ التَّسْمِيَةِ وَبَيْنَ الشُّرُوعِ فِي التَّذْكِيَةِ مُهْلَةٌ فَلَمْ تَكُنْ الذَّكَاةُ مَعَ التَّسْمِيَةِ كَمَا أُمِرَ, فَلَمْ يُذَكِّ كَمَا أُمِرَ. وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ قَلِيلِ الْمُهْلَةِ وَبَيْنَ كَثِيرِهَا, وَلَوْ جَازَ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِطَرْفَةِ عَيْنٍ جَازَ أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِطَرْفَتَيْنِ وَثَلاَثٍ إلَى أَنْ يَبْلُغَ الأَمْرُ إلَى الْعَامِّ وَأَكْثَرَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، نا الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ السَّكُونِيُّ أَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: قَالَ لِي, رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ" ثُمَّ ذَكَرَ كَلاَمًا وَفِيهِ "وَإِنْ رَمَيْتَ سَهْمَكَ فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ". وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ، نا الشَّعْبِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ وَكَانَ لِي جَارًا وَدَخِيلاً وَرَبِيطًا بِالنَّهَرَيْنِ, أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أُرْسِلُ كَلْبِي فَأَجِدُ مَعَ كَلْبِي آخَرَ قَدْ أَخَذَ لاَ أَدْرِي أَيُّهُمَا أَخَذَ قَالَ: "فَلاَ تَأْكُلْ إنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى غَيْرِهِ" فَلَمْ يَجْعَلْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الإِرْسَالَ, إِلاَّ مَعَ التَّسْمِيَةِ بِلاَ مُهْلَةٍ, وَحَرَّمَ أَكْلُ مَا لَمْ يُسَمِّ عَلَيْهِ. وَقَدْ رُوِّينَا خِلاَفَ هَذَا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَكَمِ الْبَلَوِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: إنِّي أَخْرُجُ إلَى الصَّيْدِ فَأَذْكُرُ اسْمَ اللَّهِ حِينَ أَخْرُجُ فَرُبَّمَا مَرَّ بِي الصَّيْدُ حَثِيثًا فَأُعَجِّلُ فِي رَمْيِهِ قَبْلَ أَنْ أَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ: إذَا خَرَجْتَ قَانِصًا لاَ تُرِيدُ إِلاَّ ذَلِكَ فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ حِينَ تَخْرُجُ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكْفِيك، وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَكَيْفَ وَرِوَايَةُ ابْنِ لَهِيعَةَ وَهُوَ سَاقِطٌ ثُمَّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَكَمِ الْبَلَوِيِّ وَهُوَ مَجْهُولٌ.

وكل ما ضرب بحجر أو عود أو فرى مقاتله سبع بري أو طائر كذلك
1070- مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَا ضُرِبَ بِحَجَرٍ, أَوْ عُودٍ, أَوْ فَرَى مَقَاتِلَهُ سَبُعٌ بَرِّيٌّ أَوْ طَائِرٌ كَذَلِكَ, أَوْ وَثَنِيٌّ, أَوْ مَنْ لَمْ يُسَمِّ اللَّهَ تَعَالَى فَأُدْرِكَتْ فِيهِ بَقِيَّةٌ مِنْ الْحَيَاةِ ذُكِّيَ بِالذَّبْحِ أَوْ النَّحْرِ, وَحَلَّ أَكْلُهُ, لأََنَّهُ مِمَّا قَالَ فِيهِ تَعَالَى: {إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ} وَقَدْ تَقَصَّيْنَا هَذَا "فِيمَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَيَحْرُمُ" مِنْ كِتَابِنَا هَذَا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

فلو وضع اثنان فصاعدًا أيديهم على شفرة أو رمح فذكوا به حيوانا بأمر مالكه وسمى اللّه تعالى أحدهم أو كلهم
...
1071- مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ وَضَعَ اثْنَانِ فَصَاعِدًا أَيْدِيَهُمْ عَلَى شَفْرَةٍ, أَوْ رُمْحٍ فَذَكَّوْا بِهِ حَيَوَانًا بِأَمْرِ مَالِكِهِ وَسَمَّى اللَّهَ تَعَالَى أَحَدُهُمْ أَوْ كُلُّهُمْ فَهُوَ حَلاَلٌ. وَكَذَلِكَ, لَوْ رَمَى جَمَاعَةٌ سِهَامًا وَسَمَّى اللَّهَ تَعَالَى أَحَدُهُمْ أَوْ كُلُّهُمْ فَأَصَابُوا صَيْدًا فَأَكْلُهُ حَلاَلٌ وَهُوَ بَيْنَهُمْ إذَا أَصَابَتْ سِهَامُهُمْ مَقْتَلَهُ سَمَّى اللَّهَ تَعَالَى جَمِيعُهُمْ وَإِذَا لَمْ يُصِبْ أَحَدُهُمْ مَقْتَلَهُ, فَلاَ حَقَّ لَهُ فِيهِ, فَإِنْ كَانَ الَّذِي لَمْ يُصِبْ مَقْتَلَهُ هُوَ وَحْدَهُ الَّذِي سَمَّى اللَّهَ تَعَالَى فَهُوَ مَيْتَةٌ لاَ يَحِلُّ أَكْلُهُ فَإِنْ لَمْ يُسَمِّ اللَّهَ تَعَالَى أَحَدٌ مِمَّنْ أَصَابَ مَقْتَلَهُ فَلاَ حَقَّ لَهُ فِيهِ, وَهُوَ كُلُّهُ الَّذِي سَمَّى اللَّهَ تَعَالَى بِخِلاَفِ الْقَوْلِ فِي الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ الْمُتَمَلَّكِ, وَذَلِكَ لأََنَّ التَّسْمِيَةَ صَحَّتْ عَلَيْهِ فَهُوَ حَلاَلٌ, فأما الصَّيْدُ فَلاَ يُمْلَكُ إِلاَّ بِالتَّذْكِيَةِ أَوْ بِأَنْ يُقْدَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ مَوْتِهِ فَهَذَا لَمْ يُذَكِّهِ, لَكِنْ جَرَحَهُ فَلَمْ يَمْلِكْهُ وَإِنَّمَا مَلَكَهُ الَّذِي ذَكَّاهُ بِالتَّسْمِيَةِ, وَأَمَّا الْمُتَمَلَّكُ قَبْلَ أَنْ يُذَكَّى فَهُوَ مُذَكًّى بِتَسْمِيَةِ مَنْ سَمَّى, وَالْمِلْكُ بَاقٍ لِمَنْ سَلَفَ لَهُ فِيهِ مِلْكٌ كَمَا كَانَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ومن رمى صيدًا فأصابه وغاب عنه يومًا أو أكثر أو أقل
...
1072- مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ رَمَى صَيْدًا فَأَصَابَهُ وَغَابَ عَنْهُ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ, ثُمَّ وَجَدَهُ مَيِّتًا, فَإِنْ مَيَّزَ سَهْمَهُ وَأَيْقَنَ أَنَّهُ أَصَابَ مَقْتَلَهُ حَلَّ لَهُ أَكْلُهُ وَإِلَّا فَلاَ يَحِلُّ لَهُ. وَكَذَلِكَ لَوْ رَمَاهُ فَأَصَابَهُ, ثُمَّ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ أَوْ فِي مَاءٍ, فَإِنْ مَيَّزَ أَيْضًا سَهْمَهُ وَأَيْقَنَ أَنَّهُ أَصَابَ مَقْتَلَهُ حَلَّ لَهُ أَكْلُهُ وَإِلَّا فَلاَ.
لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، نا يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ حَدَّثَنِي عَاصِمٌ الأَحْوَلُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إذَا وَقَعَتْ رَمْيَتُكَ فِي مَاءٍ فَغَرِقَ فَمَاتَ فَلاَ تَأْكُلْ".
وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، نا غُنْدَرٌ، نا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "إذَا عَرَفْتَ سَهْمَكَ تَعْلَمُ أَنَّهُ قَتَلَهُ لَمْ تَرَ فِيهِ أَثَرًا لِغَيْرِهِ فَكُلْ".

وسواء أنتن أم لم ينتن ولا يصح الأثر الذي فيه في الذي يدرك صيده بعد ثلاث فكله ما لم ينتن
1073- مَسْأَلَةٌ: وَسَوَاءٌ أَنْتَنَ أَمْ لَمْ يُنْتِنْ, وَلاَ يَصِحُّ الأَثَرُ الَّذِي فِيهِ فِي الَّذِي يُدْرِكُ صَيْدَهُ بَعْدَ ثَلاَثٍ فَكُلْهُ مَا لَمْ يُنْتِنْ, لأََنَّهُ مِنْ طَرِيقِ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ, وَلاَ الْخَبَرُ الَّذِي فِيهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفْتِنِي فِي قَوْسِي قَالَ: كُلْ مَا رَدَّتْ عَلَيْكَ قَوْسُكَ ذَكِيٌّ وَغَيْرُ ذَكِيٍّ وَإِنْ تَغَيَّبَ عَنْكَ مَا لَمْ يَضِلَّ أَوْ تَجِدْ فِيهِ أَثَرًا غَيْرَ سَهْمِكَ لأََنَّهُ مِنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ مُسْنَدًا, وَلاَ الأَثَرُ الَّذِي فِيهِ كُلْ مَا أَصْمَيْتَ، وَلاَ تَأْكُلْ مَا أَنْمَيْتَ. وَتَفْسِيرُ الإِصْمَاءِ أَنْ تُقْعِصَهُ وَالإِنْمَاءُ أَنْ يَسْتَقِلَّ بِسَهْمِهِ حَتَّى يَغِيبَ عَنْهُ فَيَجِدَهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَيِّتًا بِيَوْمٍ أَوْ نَحْوِهِ وَهَكَذَا رُوِّينَا تَفْسِيرَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لأََنَّ رَاوِيَ الْمُسْنَدِ فِي ذَلِكَ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ مَسْمُولٍ وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ وَهُوَ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ وَأَبُوهُ مَجْهُولٌ. وَلاَ الْخَبَرُ الَّذِي فِيهِ: أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ

ومن رمى صيدا فأصابه فمنعه ذلك الأمر من الجري أو الطيران ولم يصب له مقتلا
ً
...
1074- مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ رَمَى صَيْدًا فَأَصَابَهُ فَمَنَعَهُ ذَلِكَ الأَمْرُ مِنْ الْجَرْيِ أَوْ الطَّيَرَانِ وَلَمْ يُصِبْ لَهُ مَقْتَلاً أَوْ أَصَابَ فَهُوَ لَهُ, وَلاَ يَكُونُ لِمَنْ أَخَذَهُ لأََنَّهُ قَدْ جَعَلَهُ مَقْدُورًا عَلَيْهِ غَيْرَ

مُمْتَنِعٍ فَمَلَكَهُ بِذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ومن رمى صيدًا فقطع منه عضوًا أي عضو كان فمات منه بيقين موتا سريعًا كموت سائر الذكاة
...
1075- مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ رَمَى صَيْدًا فَقَطَعَ مِنْهُ عُضْوًا, أَيَّ عُضْوٍ كَانَ فَمَاتَ مِنْهُ بِيَقِينٍ مَوْتًا سَرِيعًا كَمَوْتِ سَائِرِ الذَّكَاةِ, أَوْ بَطِيئًا إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْهُ إِلاَّ وَقَدْ مَاتَ, أَوْ هُوَ فِي أَسْبَابِ الْمَوْتِ الْحَاضِرِ: أَكَلَهُ كُلَّهُ, وَأَكَلَ أَيْضًا الْعُضْوَ الْبَائِنَ. فَلَوْ لَمْ يَمُتْ مِنْهُ مَوْتًا سَرِيعًا وَأَدْرَكَهُ حَيًّا وَكَانَ يَعِيشُ مِنْهُ أَكْثَرَ مِنْ عَيْشِ الْمُذَكَّى, ذَكَّاهُ وَأَكَلَهُ, وَلَمْ يَأْكُلْ الْعُضْوَ الْبَائِنَ, أَيَّ عُضْوٍ كَانَ; لأََنَّهُ إذَا مَاتَ مِنْهُ كَمَوْتِ الذَّكَاةِ فَهُوَ ذَكِيٌّ كُلُّهُ. فَلَوْ لَمْ يُدْرِكْهُ حَيًّا فَهُوَ ذَكِيٌّ مَتَى مَاتَ مِمَّا أَصَابَهُ وَهُوَ مُذَكًّى كُلُّهُ, وَمَا كَانَ بِخِلاَفِ ذَلِكَ فَهُوَ غَيْرُ مُذَكًّى, وَقَالَ عليه السلام, إذَا خُزِقَ فَكُلْ فَهَذَا عُمُومٌ لاَ يَجُوزُ تَعَدِّيهِ. وَإِذَا أُدْرِكَ حَيًّا فَذَكَاتُهُ فَرْضٌ لأََنَّهُ مَأْمُورٌ بِإِحْسَانِ الْقِتْلَةِ وَالإِرَاحَةِ. وَأَمَّا إذَا وَجَدَهُ فِي أَسْبَابِ الْمَوْتِ الْعَاجِلِ فَلاَ مَعْنَى لِذَبْحِهِ حِينَئِذٍ، وَلاَ لِنَحْرِهِ لأََنَّهُ لَيْسَ إرَاحَةً بَلْ هُوَ تَعْذِيبٌ, وَهُوَ بَعْدُ مُذَكًّى, فَهُوَ حَلاَلٌ. وَرُوِيَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ, وَابْنِ عَبَّاسٍ, وَعِكْرِمَةَ, وَقَتَادَةَ, وَإِبْرَاهِيمَ, وَعَطَاءٍ, وَأَبِي ثَوْرٍ: إذَا رَمَى الصَّيْدَ فَغَدَا حَيًّا وَقَدْ سَقَطَ مِنْهُ عُضْوٌ, فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ سَائِرُهُ حَاشَا ذَلِكَ الْعُضْوِ, فَإِنْ مَاتَ حِينَ ذَلِكَ أُكِلَ كُلُّهُ. وقال أبو حنيفة, وَمَالِكٌ, وَسُفْيَانُ, وَالأَوْزَاعِيُّ: إنْ قَطَعَهُ نِصْفَيْنِ أَكَلَ النِّصْفَيْنِ مَعًا, فَإِنْ كَانَتْ إحْدَاهُمَا أَقَلَّ مِنْ الأُُخْرَى, فَإِنْ كَانَتْ الْقِطْعَةُ الَّتِي فِي الرَّأْسِ هِيَ الصُّغْرَى أُكِلَ كِلْتَاهُمَا, وَإِنْ كَانَتْ الَّتِي فِيهَا الرَّأْسُ هِيَ الْكُبْرَى أُكِلَتْ هِيَ وَلَمْ تُؤْكَلْ الأُُخْرَى. وقال الشافعي: إنْ قَطَعَ مِنْهُ مَا يَمُوتُ بِهِ مَوْتَ الْمَنْحُورِ أَوْ الْمَذْبُوحِ أُكِلاَ مَعًا, وَإِنْ قَطَعَ مِنْهُ مَا يَعِيشُ بَعْدَهُ سَاعَةً فَأَكْثَرَ, ثُمَّ أَدْرَكَهُ فَذَكَّاهُ أُكِلَ, حَاشَا مَا قُطِعَ مِنْهُ. وَمَا نَعْلَمُ لِمَنْ حَدَّ الْحُدُودَ الَّتِي حَدَّهَا أَبُو حَنِيفَةَ, وَمَالِكٌ مُتَعَلِّقًا أَصْلاً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ومن رمى جماعة صيد وسمى الله تعالى ونوى أيها أصاب فأيها أصاب حلال
1076- مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ رَمَى جَمَاعَةَ صَيْدٍ, وَسَمَّى اللَّهَ تَعَالَى وَنَوَى أَيَّهَا أَصَابَ, فَأَيُّهَا أَصَابَ حَلاَلٌ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا إذَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَكُلْ. وَقَوْلِهِ عليه السلام: "إذَا رَمَيْتَ سَهْمَكَ فَاذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ فَإِنْ غَابَ عَنْكَ يَوْمًا فَلَمْ تَجِدْ إِلاَّ أَثَرَ سَهْمِكَ فَكُلْ" فَعَمَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَخُصَّ أَنْ يَقْصِدَ صَيْدًا مِنْ الْجُمْلَةِ بِعَيْنِهِ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا}.

فلو لم ينوِ إِلا واحدًا بعينه فإن أصابه فهو حلال وإن أصاب غيره فإن أدرك ذكاته فهو حلال
...
1077- مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ لَمْ يَنْوِ إِلاَّ وَاحِدًا بِعَيْنِهِ فَإِنْ أَصَابَهُ فَهُوَ حَلاَلٌ, وَإِنْ أَصَابَ غَيْرَهُ فَإِنْ أَدْرَكَ ذَكَاتَهُ فَهُوَ حَلاَلٌ, فَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ ذَكَاتَهُ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ. وَكَذَلِكَ لَوْ رَمَى وَسَمَّى اللَّهَ تَعَالَى وَلَمْ يَنْوِ صَيْدًا فَأَصَابَ صَيْدًا لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ إِلاَّ أَنْ يُدْرِكَ ذَكَاتَهُ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَرَادَ ذَبْحَ حَيَوَانٍ مُتَمَلَّكٍ بِعَيْنِهِ فَذَبَحَ غَيْرَهُ مُخْطِئًا لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ لأََنَّهُ لَمْ يُسَمِّ اللَّهَ تَعَالَى عَلَيْهِ قَاصِدًا إلَيْهِ, وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى".

ولو أن امرأ رمى صيدًا فأثخنه وجعله مقدورًا عليه
...
1078- مَسْأَلَةٌ: وَلَوْ أَنَّ امْرَأً رَمَى صَيْدًا فَأَثْخَنَهُ وَجَعَلَهُ مَقْدُورًا عَلَيْهِ, ثُمَّ رَمَاهُ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ فَسَمَّى اللَّهَ تَعَالَى فَقَتَلَهُ فَهُوَ مَيْتَةٌ فَلاَ يَحِلُّ أَكْلُهُ, لأََنَّهُ إذْ قَدَرَ عَلَيْهِ لَمْ تَكُنْ ذَكَاتُهُ إِلاَّ بِالذَّبْحِ أَوْ النَّحْرِ, فَلَمْ يُذَكِّهِ كَمَا أُمِرَ, فَهُوَ غَيْرُ مُذَكًّى, وَعَلَى قَاتِلِهِ إنْ كَانَ غَيْرَهُ ضَمَانُ مِثْلِهِ لِلَّذِي أَثْخَنَهُ, لأََنَّهُ قَدْ مَلَكَهُ بِالإِثْخَانِ وَخُرُوجِهِ، عَنِ الأَمْتِنَاعِ, فَقَاتِلُهُ مُعْتَدٍ عَلَيْهِ, وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} . وَلَوْ جَرَحَهُ إِلاَّ أَنَّهُ مُمْتَنِعٌ بَعْدُ, فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ, لأََنَّهُ لاَ يَمْلِكُهُ إِلاَّ بِالْخُرُوجِ، عَنِ الأَمْتِنَاعِ, فَمَا دَامَ مُمْتَنِعًا فَهُوَ غَيْرُ مَمْلُوكٍ بَعْدُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ومن نصب فخا أو حبالة أو حفر زبية كل ذلك للصيد فكل ما وقع في شيء من ذلك فهو له ولا يحل لأََحد سواه
...
1079- مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ نَصَبَ فَخًّا, أَوْ حِبَالَةً, أَوْ حَفَرَ زُبْيَةً كُلُّ ذَلِكَ لِلصَّيْدِ, فَكُلُّ مَا وَقَعَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ لَهُ، وَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ سِوَاهُ; فَإِنْ نَصَبَهَا لِغَيْرِ الصَّيْدِ فَوَقَعَ فِيهَا صَيْدٌ فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ. وَكَذَلِكَ مَنْ وَجَدَ صَيْدًا قَدْ صَادَهُ جَارِحٌ أَوْ فِيهِ رَمْيَةٌ قَدْ جَعَلْته غَيْرَ مُمْتَنِعٍ فَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهُ, لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى" . وَإِذَا نَوَى الصَّيْدَ فَقَدْ مَلَكَ كُلَّ مَا قَدَرَ عَلَيْهِ مِمَّا قَصَدَ تَمَلُّكَهُ, وَإِذَا لَمْ يَنْوِ الصَّيْدَ فَلَمْ يَتَمَلَّكْ مَا وَقَعَ فِيهَا فَهُوَ بَاقٍ عَلَى حَالِهِ لِكُلِّ مَنْ تَمَلَّكَهُ وَكَذَلِكَ مَا عَشَّشَ فِي شَجَرَةٍ أَوْ جُدْرَانِ دَارِهِ هُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ إِلاَّ أَنْ يُحْدِثَ لَهُ تَمَلُّكًا.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ التَّيْمِيُّ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عُمَيْرِ بْنِ سَلَمَةَ الضَّمْرِيِّ أَخْبَرَهُ، عَنِ الْبَهْزِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِالرَّوْحَاءِ فَإِذَا حِمَارُ وَحْشٍ عَقِيرٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "دَعُوهُ فَإِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ صَاحِبُهُ" , ثُمَّ مَضَى فَلَمَّا كَانَ بِالأُُثَايَةِ إذَا ظَبْيٌ حَاقِفٌ فِي ظِلٍّ وَفِيهِ سَهْمٌ فَأَمَرَ صلى الله عليه وسلم رَجُلاً يَثْبُتُ عِنْدَهُ لاَ يَرِيبُهُ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ.
قال أبو محمد: وَهَذَا يُبْطِلُ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ فِيمَنْ رَمَى صَيْدًا فَوَقَعَ بِحَضْرَةِ قَوْمٍ فَلَمْ يُذَكُّوهُ حَتَّى مَاتَ, فَهُوَ حَرَامٌ, لأََنَّهُ عليه السلام لَمْ يَأْمُرْ بِتَذْكِيَةِ ذَلِكَ الظَّبْيِ وَتَرَكَهُ لِصَاحِبِهِ الَّذِي رَمَاهُ, وَهَذَا الْبَهْزِيُّ هُوَ كَانَ صَاحِبَ ذَلِكَ الْحِمَارِ الْعَقِيرِ.

فلو مات في الحبالة أو الزبية لم يحل أكله سواء جعل هنالك حديدة أم لم يجعل لأََنَه لم يقصد تذكيته
...
1080- مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ مَاتَ فِي الْحِبَالَةِ, أَوْ الزُّبْيَةِ, لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ سَوَاءٌ جَعَلَ هُنَالِكَ حَدِيدَةً أَمْ لَمْ يَجْعَلْ, لأََنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ تَذْكِيَتَهُ كَمَا أُمِرَ أَنْ يُذَكِّيَهُ بِهِ مِنْ رَمْيٍ أَوْ قَتْلِ جَارِحٍ, وَالْحَيَوَانُ كُلُّهُ حَرَامٌ فِي حَالِ حَيَاتِهِ, فَلاَ يَنْتَقِلُ إلَى التَّحْلِيلِ إِلاَّ بِنَصٍّ، وَلاَ نَصَّ فِي هَذَا. وَقَدْ أَبَاحَهُ بَعْضُ السَّلَفِ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ، عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيُّ قَالَ: سَأَلْتُ الشَّعْبِيَّ عَمَّنْ وَضَعَ مِنْجَلَهُ فَيَمُرُّ بِهِ طَائِرٌ فَيَقْتُلُهُ فَكَرِهَ أَكْلَهُ وَسَأَلْتُ عَنْهُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فَلَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، نا

وكل من ملك حيوانا وحشيا حيا أو مذكى أو بعض صيد الماء كذلك فهو له كسائر ماله بلا خلاف
1081- مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَنْ مَلَكَ حَيَوَانًا وَحْشِيًّا حَيًّا أَوْ مُذَكًّى أَوْ بَعْضَ صَيْدِ الْمَاءِ كَذَلِكَ فَهُوَ لَهُ كَسَائِرِ مَالِهِ بِلاَ خِلاَفٍ, فَإِنْ أَفْلَتَ وَتَوَحَّشَ وَعَادَ إلَى الْبَرِّ أَوْ الْبَحْرِ فَهُوَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ مَالِكِهِ أَبَدًا, وَلاَ يَحِلُّ لِسِوَاهُ إِلاَّ بِطِيبِ نَفْسِ مَالِكِهِ, وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا تَنَاسَلَ مِنْ الإِنَاثِ مِنْ ذَلِكَ أَبَدًا. لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} . وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ". وَهَذَا مَالٌ مِنْ مَالِهِ بِإِجْمَاعِ الْمُخَالِفِينَ مَعَنَا فَلاَ يَحِلُّ لِسِوَاهُ إِلاَّ بِمَا يَحِلُّ بِهِ سَائِرُ مَالِهِ. وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ النَّاسِ. وقال مالك: إذَا تَوَحَّشَ فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ وَهَذَا قَوْلٌ بَيِّنُ الْفَسَادِ مُخَالِفٌ لِلْقُرْآنِ, وَالسُّنَّةِ, وَالنَّظَرِ, وَهُمْ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّهُمْ إنْ أَفْلَتَ فَأُخِذَ مِنْ يَوْمِهِ, أَوْ مِنْ الْغَدِ فَلاَ يَحِلُّ لِغَيْرِ مَالِكِهِ فَلِيُبَيِّنُوا لَنَا الْحَدَّ الَّذِي إذَا بَلَغَهُ خَرَجَ بِهِ، عَنْ مِلْكِ مَالِكِهِ، وَلاَ سَبِيلَ لَهُ إلَيْهِ. وَيَسْأَلُونَ عَمَّنْ مَلَكَ وَحْشِيًّا فَتَنَاسَلَ عِنْدَهُ ثُمَّ شَرَدَ نَسْلُهَا فَإِنْ قَالُوا: يَسْقُطُ مِلْكُهُ عَنْهُ لَزِمَهُمْ ذَلِكَ فِي كُلِّ حَيَوَانٍ فِي الْعَالَمِ, لأََنَّ جَمِيعَهَا فِي أَوَّلِ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى لَهَا كَانَتْ غَيْرَ مُتَمَلَّكَةٍ ثُمَّ مُلِّكَتْ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي حَمَامِ الأَبْرَاجِ, وَالنَّحْلُ كُلُّ مَا مَيَّزَ فَهُوَ وَنَسْلُهُ لِمَالِكِهِ أَبَدًا لِمَا ذَكَرْنَا. وَقَوْلُ مَالِكٍ الَّذِي ذَكَرْنَا, وَقَوْلُ اللَّيْثِ: مَنْ تَرَكَ دَابَّتَهُ بِمَضْيَعَةٍ فَهِيَ لِمَنْ وَجَدَهَا لاَ تُرَدُّ إلَى صَاحِبِهَا وَكَقَوْلِ اللَّيْثِ, أَوْ غَيْرِهِ مِنْ نُظَرَائِهِ: مَا عَطِبَ فِي الْبَحْرِ مِنْ السُّفُنِ فَرَمَى الْبَحْرُ مَتَاعًا مِمَّا غَرِقَ فِيهَا فَهُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ لاَ لِصَاحِبِهِ, وَلَوْ قَامَتْ لَهُ بِكُلِّ ذَلِكَ بَيِّنَةُ عَدْلٍ وَهَذِهِ أَقْوَالٌ فَاسِدَةٌ ظَاهِرَةُ الْبُطْلاَنِ, لأََنَّهُ إيكَالُ مَالِ مُسْلِمٍ, أَوْ ذِمِّيٍّ بِالْبَاطِلِ.

وأما حكم إرسال الجارِح فلا يخلو ذلك الجارح من أن يكون معلمًا أو غير معلم
...
1082- مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا حُكْمُ إرْسَالِ الْجَارِحِ, فَلاَ يَخْلُو ذَلِكَ الْجَارِحُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُعَلَّمًا أَوْ غَيْرَ مُعَلَّمٍ فَالْمُعَلَّمُ هُوَ الَّذِي لاَ يَنْطَلِقُ حَتَّى يُطْلِقَهُ صَاحِبُهُ, فَإِذَا أَطْلَقَهُ انْطَلَقَ, وَإِذَا أَخَذَ وَقَتَلَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْ ذَلِكَ الصَّيْدِ شَيْئًا, فَإِذَا تَعَلَّمَ هَذَا الْعَمَلَ, فَبِأَوَّلِ مُدَّةٍ يُقْتَلُ، وَلاَ يَأْكُلُ مِنْهُ شَيْئًا فَهُوَ مُعَلَّمٌ حَلاَلٌ أَكْلُ مَا قَتَلَ مِمَّا أَطْلَقَهُ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ وَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ إطْلاَقِهِ. وَسَوَاءٌ قَتَلَهُ بِجُرْحٍ أَوْ بِرَضٍّ, أَوْ بِصَدْمٍ, أَوْ بِخَنْقٍ كُلُّ ذَلِكَ حَلاَلٌ. فَإِنْ قَتَلَهُ وَأَكَلَ مِنْ لَحْمِهِ شَيْئًا فَذَلِكَ الصَّيْدُ حَرَامٌ لاَ يَحِلُّ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْهُ. وَسَوَاءٌ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا الْكَلْبُ, وَغَيْرُهُ مِنْ سِبَاعِ دَوَابِّ الأَرْبَعِ, وَالْبَازِي وَغَيْرُهُ مِنْ سِبَاعِ الطَّيْرِ، وَلاَ فَرْقَ. فأما الْفَرْقُ بَيْنَ الْمُعَلَّمِ وَغَيْرِ الْمُعَلَّمِ فَهُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} . وَمَا سَنَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا مِنْ

وإن شرب الجارح الكلب أو غيره من دم الصيد لم يضر ذلك شيئاً وحل أكل ما قتل
...
1083- مَسْأَلَةٌ: وَإِنْ شَرِبَ الْجَارِحُ الْكَلْبُ أَوْ غَيْرُهُ مِنْ دَمِ الصَّيْدِ لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ شَيْئًا وَحَلَّ أَكْلُ مَا قَتَلَ لأََنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْنَا أَكْلَ مَا قَتَلَ إذَا أَكَلَ, وَلَمْ يَنْهَنَا، عَنْ أَكْلِ مَا قَتَلَ إذَا وَلَغَ فِي الدَّمِ {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} وَإِذَا لَمْ يَأْكُلْ مِنْ الصَّيْدِ فَقَدْ أَمْسَكَهُ عَلَى مُرْسِلِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ, وَالشَّافِعِيِّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

فإن أكل من الرأس أو الرجل أو الحشوة
1084- مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ أَكَلَ مِنْ الرَّأْسِ, أَوْ الرِّجْلِ, أَوْ الْحَشْوَةِ, أَوْ قِطْعَةً انْقَطَعَتْ مِنْهُ, فَكُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ, وَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ مَا قَتَلَ, لأََنَّهُ أَكَلَ مِنْ الصَّيْدِ.

فإن كان الجارِح معلما كما ذكرنا ثم إنه عاد فأكل مما قتل لم يسقط بذلك
...
1085- مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ كَانَ الْجَارِحُ مُعَلَّمًا كَمَا ذَكَرْنَا ثُمَّ إنَّهُ عَادَ فَأَكَلَ مِمَّا قَتَلَ لَمْ يَسْقُطْ بِذَلِكَ، عَنْ أَنْ يَكُونَ مُعَلَّمًا, لَكِنْ يَحْرُمُ أَكْلُ الَّذِي قَتَلَ وَأَكَلَ مِنْهُ فَقَطْ, وَلاَ يَحْرُمُ أَكْلُ مَا قَتَلَ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ. وقال أبو حنيفة: قَدْ بَطَلَ تَعْلِيمُهُ وَعَادَ غَيْرَ مُعَلَّمٍ, فَلاَ يُؤْكَلُ مَا قَتَلَ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ حَتَّى يَفْعَلَ ذَلِكَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ فَيَعُودُ مُعَلَّمًا. وَقَالَ أَصْحَابُنَا: لاَ يَبْطُلُ بِذَلِكَ تَعْلِيمُهُ, لَكِنْ يُضْرَبُ وَيُؤَدَّبُ حَتَّى لاَ يَأْكُلَ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ, لأََنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، نا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ، نا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ بَيَانٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: "إذَا أَرْسَلْتَ كِلاَبَكَ الْمُعَلَّمَةَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا, فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ, وَإِنْ قَتَلَ, إِلاَّ إنْ أَكَلَ الْكَلْبُ فَإِنْ أَكَلَ فَلاَ تَأْكُلْ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا أَمْسَكَهُ عَلَى نَفْسِهِ" فَقَدْ سَمَّاهَا عليه السلام مُعَلَّمَةً وَلَمْ يُسْقِطْ حُكْمَ التَّعْلِيمِ بِأَكْلِ مَا أَكَلَ مِنْهَا, بَلْ نَهَى، عَنْ أَكْلِ مَا أَكَلَ مِنْهُ فَقَطْ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُوس، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إذَا أَكَلَ الْكَلْبُ الْمُعَلَّمُ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهُ, فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ فَسَمَّاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ مُعَلَّمًا وَإِنْ أَكَلَ وَقَدْ رُوِّينَا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا أَنَّهُ إذَا أَكَلَ فَبِئْسَ مَا عَلَّمْتَهُ لَيْسَ بِعَالِمٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

فإن أدركه مرسله حتى قتله
1086- مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ أَدْرَكَهُ مُرْسِلُهُ حَتَّى قَتَلَهُ وَهُوَ يُرِيدُ الأَكْلَ مِنْهُ فَأَخَذَهُ وَالْجَارِحُ يُنَازِعُهُ إلَى الأَكْلِ مِنْهُ, لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ أَصْلاً, وَهُوَ مَيْتَةٌ, لأََنَّنَا عَلَى يَقِينٍ حِينَئِذٍ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ لاَ عَلَى مُرْسِلِهِ, وَهَذِهِ الصِّفَةُ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم الأَكْلَ مِمَّا قَتَلَهُ الْجَارِحُ عَلَيْنَا.

فلو قتله ولم يأكل منه شيئًا وهو قادر على الأكل منه ثم أكل منه فباقيه حلال
...
1087- مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ قَتَلَهُ وَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ شَيْئًا وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الأَكْلِ مِنْهُ ثُمَّ أَكَلَ مِنْهُ فَبَاقِيهِ حَلاَلٌ, لأََنَّنَا عَلَى يَقِينٍ مِنْ أَنَّهُ إذَا لَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى الأَكْلِ مِنْهُ فَلَمْ يُمْسِكْ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى مُرْسِلِهِ, وَمَا كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَهُوَ حَلاَلٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ. وَإِذْ قَدْ صَحَّ تَحْلِيلُهُ بِذَلِكَ وَتَمَّتْ ذَكَاتُهُ فَلاَ يَضُرُّهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ لأََنَّهُ قَدْ بَدَا لَهُ

فلو قتل ولم يأكل ثم أخذه مرسله فقطع له قطعة فأكلها أو خلاه بين يده يأكله
1088- مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ قَتَلَ وَلَمْ يَأْكُلْ; ثُمَّ أَخَذَهُ مُرْسِلُهُ فَقَطَعَ لَهُ قِطْعَةً فَأَكَلَهَا أَوْ خَلَّاهُ بَيْنَ يَدِهِ يَأْكُلُهُ فَأَكَلَ مِنْهُ فَالْبَاقِي حَلاَلٌ, لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّهُ قَدْ صَحَّ إمْسَاكُهُ عَلَى مُرْسِلِهِ فَتَمَّتْ ذَكَاتُهُ بِذَلِكَ.

وأما غير المعلم فسواء كان متملكاً أو برياً من سباع الطير أو دواب الأربع غير متملك أرسل أو لم يرسل كل ذلك سواء
...
1089- مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا غَيْرُ الْمُعَلَّمِ فَسَوَاءٌ كَانَ مُتَمَلَّكًا أَوْ بَرِّيًّا مِنْ سِبَاعِ الطَّيْرِ أَوْ دَوَابِّ الأَرْبَعِ غَيْرَ مُتَمَلَّكٍ أُرْسِلَ أَوْ لَمْ يُرْسَلْ كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ, وَحُكْمُهُ أَنْ لاَ يُؤْكَلَ مَا قَتَلَ أَصْلاً, فَإِنْ أَدْرَكَ فِيهِ بَقِيَّةً مِنْ الرُّوحِ وَذَكَّى حَلَّ أَكْلُهُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ} فَاسْتَثْنَى تَعَالَى مَا ذَكَّيْنَا مِنْ كُلِّ مَا حَرَّمَ مِنْ قَبْلِ ذَلِكَ. وَلِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ أَنَا حَيْوَةُ، هُوَ ابْنُ شُرَيْحٍ أَخْبَرَنِي رَبِيعَةُ بْنُ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيُّ، عَنْ أَبِي إدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيِّ، عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: "وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الْمُعَلَّمِ فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ, وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ غَيْرِ الْمُعَلَّمِ فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَكُلْ" فَلَمْ يَسْتَثْنِ عليه السلام رَجَاءَ حَيَاةٍ مِنْ غَيْرِهَا, فَاسْتِثْنَاءُ ذَلِكَ بَاطِلٌ وَخِلاَفٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

وإِذا انطلق الجارح المعلم أو غير المعلم من غير أن يطلقه صاحبه لم يحل أكل ما قتل
...
1090- مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا انْطَلَقَ الْجَارِحُ الْمُعَلَّمُ أَوْ غَيْرُ الْمُعَلَّمِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُطْلِقَهُ صَاحِبُهُ لَمْ يَحِلَّ أَكْلُ مَا قَتَلَ إِلاَّ أَنْ تُدْرَكَ فِيهِ بَقِيَّةٌ مِنْ الرُّوحِ فَيُذَكَّى وَيُؤْكَلُ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَسَمَّيْتَ اللَّهَ" فَلَمْ يَجْعَلْ عليه السلام الذَّكَاةَ إِلاَّ بِإِرْسَالِهِ مَعَ تَسْمِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى, وَالذَّكَاةُ لاَ تَكُونُ إِلاَّ بِنِيَّةٍ مِنْ الإِنْسَانِ الْمُذَكِّي وَقَصْدٍ لِقَوْلِهِ عليه السلام: "وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى" . وَصَحَّ بِالنَّصِّ أَنَّهُ إذَا أَرْسَلَ جَارِحَهُ الْمُعَلَّمَ وَسَمَّى اللَّهَ تَعَالَى فَقَتَلَ الْجَارِحُ فَهِيَ ذَكَاةٌ صَحِيحَةٌ وَلَمْ يَصِحَّ فِي كَوْنِ مَا دُونَ ذَلِكَ ذَكَاةً نَصٌّ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ سَأَلَهُ، عَنْ إنْسَانٍ كَانَ يُعَلِّمُ

وكل من رمى بسهم مسموم فوجد الصيد ميتا لم يحل أكله إِلا إن كان السهم أنفذ مقاتله إنفاذًا كأن يموت منه
...
1091- مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ مَسْمُومٍ فَوَجَدَ الصَّيْدَ مَيِّتًا لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ إِلاَّ إنْ كَانَ السَّهْمُ أَنْفَذَ مَقَاتِلَهُ إنْفَاذًا كَأَنْ يَمُوتَ مِنْهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَسْمُومًا لأََنَّ مَا قُتِلَ بِالسُّمِّ فَهُوَ مَيْتَةٌ; لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِأَنَّهُ ذَكَاةٌ إِلاَّ أَنْ تُدْرَكَ فِيهِ بَقِيَّةُ رُوحٍ فَيُذَكَّى فَيَحِلَّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وكل جارح معلم فحلال أكل ما قتل
1092- مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ جَارِحٍ مُعَلَّمٍ فَحَلاَلٌ أَكْلُ مَا قَتَلَ كَمَا ذَكَرْنَا سَوَاءٌ عَلَّمَهُ وَثَنِيٌّ أَوْ مُسْلِمٌ, وَكَذَلِكَ الصَّيْدُ بِسَهْمٍ صَنَعَهُ وَثَنِيٌّ أَوْ مُسْلِمٌ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ" وَلَمْ يَخُصَّ عليه السلام تَعْلِيمَ مُسْلِمٍ مِنْ تَعْلِيمِ وَثَنِيٍّ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ, وَمَالِكٍ, وَالشَّافِعِيِّ, وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وَقَالَ قَوْمٌ: لاَ يُؤْكَلُ صَيْدُ جَارِحٍ عَلَّمَهُ مَنْ لاَ يَحِلُّ أَكْلُ مَا ذَكَّى.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، نا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ كَرِهَ صَيْدَ بَازِي الْمَجُوسِيِّ وَصَقْرِهِ; وَصَيْدُ الْمَجُوسِيِّ لِلسَّمَكِ كَرِهَهُ أَيْضًا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ حُمَيْدٍ بْنِ رُومَانَ، عَنِ الْحَجَّاجِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: لاَ تَأْكُلْ صَيْدَ كَلْبِ الْمَجُوسِيِّ، وَلاَ مَا أَصَابَ بِسَهْمِهِ. وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، نا عَتَّابُ بْنُ بَشِيرٍ أَنَا خُصَيْفٌ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لاَ تَأْكُلْ مَا صِدْت بِكَلْبِ الْمَجُوسِ وَإِنْ سَمَّيْت فَإِنَّهُ مِنْ تَعْلِيمِ الْمَجُوسِيِّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّهُ}. وَجَاءَ هَذَا الْقَوْلُ، عَنْ عَطَاءٍ, وَمُجَاهِدٍ, وَالنَّخَعِيِّ, وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ.
وَاحْتَجَّ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّهُ} قَالُوا فَجَعَلَ التَّعْلِيمَ لَنَا.
قَالَ عَلِيٌّ: وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَا, لأََنَّ خِطَابَ اللَّهِ تَعَالَى بِأَحْكَامِ الإِسْلاَمِ لاَزِمٌ لِكُلِّ أَحَدٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ الرِّوَايَةَ، عَنْ صَحَابَةٍ لاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم مُخَالِفٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ومن تصيد بجارح أخذ بغير حق فلا يحل أكل ما قتل
1093- مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ تَصَيَّدَ بِجَارِحٍ أُخِذَ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلاَ يَحِلُّ أَكْلُ مَا قَتَلَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلاَ تَعْتَدُوا} وَهَذَا مُعْتَدٍ فَلاَ يَكُونُ التَّعَدِّي ذَكَاةً أَصْلاً. فَلَوْ أُدْرِكَ حَيًّا, أَوْ نَصَبَ الْمَرْءُ حِبَالَةً مَأْخُوذَةً بِغَيْرِ حَقٍّ, أَوْ رَمَى بِآلَةٍ مَأْخُوذَةٍ بِغَيْرِ حَقٍّ, فَأَدْرَكَ كُلَّ ذَلِكَ فِيهِ بَقِيَّةُ حَيَاةٍ ذَكَّاهَا وَهِيَ لَهُ حَلاَلٌ, وَعَلَيْهِ أُجْرَةُ مِثْلِ ذَلِكَ الْجَارِحِ, وَذَلِكَ السَّهْمِ, وَالرُّمْحِ, وَتِلْكَ الْحِبَالَةِ لِصَاحِبِ كُلِّ ذَلِكَ, لأََنَّ الصَّيْدَ الَّذِي لاَ مِلْكَ لأََحَدٍ عَلَيْهِ هُوَ لِمَنْ أَخَذَهُ وَلَمْ يَمْلِكْهُ صَاحِبُ الآلَةِ, وَالْحِبَالَةِ, وَالْجَارِحِ; لأََنَّهُ لَمْ يَنْصِبْ ذَلِكَ، وَلاَ أَرْسَلَهُ قَاصِدًا لِتَمَلُّكِ مَا أَصَابَ

ومن وجد مع جارحه جارحًا آخر أو سبعًا لم يدر أيهما قتل الصيد فهو ميتة لا يحل أكله
...
1094- مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ وَجَدَ مَعَ جَارِحِهِ جَارِحًا آخَرَ أَوْ سَبُعًا لَمْ يَدْرِ أَيُّهُمَا قَتَلَ الصَّيْدَ فَهُوَ مَيْتَةٌ لاَ يَحِلُّ أَكْلُهُ إِلاَّ أَنْ تُدْرَكَ ذَكَاتُهُ فَيُذَكَّى فَيَحِلَّ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا سُوَيْد بْنُ نَصْرٍ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ: "فَإِنْ خَالَطَ كَلْبُكَ كِلاَبًا فَقَتَلْنَ فَلَمْ يَأْكُلْنَ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنَّكَ لاَ تَدْرِي أَيُّهَا قَتَلَ".

ولا يحل إمساك كلب أسود بهيم أو ذي نقطتين لا لصيد ولا لغيره
1095- مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ إمْسَاكُ كَلْبٍ أَسْوَدَ بَهِيمٍ أَوْ ذِي نُقْطَتَيْنِ لاَ لِصَيْدٍ، وَلاَ لِغَيْرِهِ, وَلاَ يَحِلُّ تَعْلِيمُهُ, وَلاَ أَكْلُ مَا قَتَلَ مِنْ الصَّيْدِ أَصْلاً, إِلاَّ أَنْ تُدْرَكَ ذَكَاتُهُ;، وَلاَ اتِّخَاذُ كَلْبٍ سِوَى ذَلِكَ أَصْلاً إِلاَّ لِزَرْعٍ, أَوْ مَاشِيَةٍ, أَوْ صَيْدٍ, أَوْ ضَرُورَةِ خَوْفٍ: لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، نا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، نا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِ الْكِلاَبِ ثُمَّ نَهَى، عَنْ قَتْلِهَا وَقَالَ: "عَلَيْكُمْ بِالأَسْوَدِ الْبَهِيمِ ذِي النُّقْطَتَيْنِ فَإِنَّهُ الشَّيْطَانُ". وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى، نا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، نا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْلاَ أَنَّ الْكِلاَبَ أُمَّةٌ مِنْ الأُُمَمِ لاََمَرْتُ بِقَتْلِهَا فَاقْتُلُوا مِنْهَا الأَسْوَدَ الْبَهِيمَ وَأَيُّمَا قَوْمٍ اتَّخَذُوا كَلْبًا لَيْسَ بِكَلْبِ حَرْثٍ, أَوْ صَيْدٍ, أَوْ مَاشِيَةٍ, فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ" وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ} فَإِذَا حَرَّمَ عليه السلام آنِفًا الأَسْوَدَ الْبَهِيمَ أَوْ ذَا النُّقْطَتَيْنِ فَلاَ يَحِلُّ اتِّخَاذُهُ, وَإِذْ لاَ يَحِلُّ اتِّخَاذُهُ فَاِتِّخَاذُهُ مَعْصِيَةٌ, وَالذَّكَاةُ بِالْجَارِحِ طَاعَةٌ, وَلاَ تَنُوبُ الْمَعْصِيَةُ لِلَّهِ تَعَالَى، عَنْ طَاعَتِهِ وَالْعَاصِي لَمْ يُذَكِّ كَمَا أُمِرَ فَهِيَ مَيْتَةٌ.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: أَكْرَهُ صَيْدَ الْكَلْبِ الأَسْوَدِ الْبَهِيمِ, لأََنَّ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِقَتْلِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَرِهَ صَيْدَ الْكَلْبِ الأَسْوَدِ الْبَهِيمِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، نا سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: كَيْفَ نَأْكُلُ صَيْدَ الْكَلْبِ الأَسْوَدِ الْبَهِيمِ وَقَدْ أُمِرْنَا بِقَتْلِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ, وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ. قَالَ أَحْمَدُ: مَا أَعْلَمُ أَحَدًا رَخَّصَ فِي أَكْلِ مَا قَتَلَ الْكَلْبُ الأَسْوَدُ مِنْ الصَّيْدِ وَقَدْ أَدْرَكَ أَحْمَدُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أُمَمًا.
قال أبو محمد: سَوَاءٌ حَيْثُ كَانَتْ النُّقْطَتَانِ مِنْ جَسَدِهِ فَإِنْ كَانَتْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ أَوْ أَكْثَرُ

ومن خرج بجارحه فأرسله وسمى ونوى ما أصاب من الصيد
1096- مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ خَرَجَ بِجَارِحِهِ فَأَرْسَلَهُ وَسَمَّى وَنَوَى مَا أَصَابَ مِنْ الصَّيْدِ فَسَوَاءٌ فَعَلَ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ مَنْزِلِهِ أَوْ فِي الصَّحْرَاءِ مَا أَصَابَ فِي ذَلِكَ الإِرْسَالِ مِنْ الصَّيْدِ; فَقَتَلَهُ فَأَكْلُهُ حَلاَلٌ, لأََنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ وَلَمْ يَخُصَّ: وَأَنْتَ تَرَى صَيْدًا مِنْ أَنْ لاَ تَرَاهُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ بْنِ زَيْدٍ عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: إنْ غَدَا بِكِلاَبٍ مُعَلَّمَةٍ فَذَكَرَ اسْمَ اللَّهِ حِينَ يَغْدُو كَانَ كُلُّ شَيْءٍ صَادَهُ إلَى اللَّيْلِ حَلاَلاً. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي إيَاسٍ قَالَ: إنَّا كُنَّا نَخْرُجُ بِكِلاَبِنَا إلَى الصَّيْدِ فَنُرْسِلُهَا, وَلاَ نَرَى شَيْئًا فَنَأْكُلُ مَا أَخَذَتْ.
قال أبو محمد: وقال أبو حنيفة: مَنْ رَمَى كَلْبًا أَوْ خِنْزِيرًا إنْسِيًّا فَأَصَابَ صَيْدًا لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ, فَلَوْ رَمَى أَسَدًا أَوْ ذِئْبًا أَوْ خِنْزِيرًا بَرِّيًّا فَأَصَابَ صَيْدًا حَلَّ لَهُ أَكْلُهُ, فَلَوْ أَرْسَلَ جَارِحَهُ عَلَى صَيْدٍ بِعَيْنِهِ فَأَصَابَ غَيْرَهُ حَلَّ أَكْلُهُ فَلَوْ أَرْسَلَهُ عَلَى سَمَكَةٍ فَأَصَابَ صَيْدًا لَمْ يَحِلَّ أَكْلُهُ. قَالَ عَلِيٌّ: هَذِهِ تَخَالِيطُ لاَ تُعْقَلُ، وَلاَ يُقْبَلُ مِثْلُهَا إِلاَّ مِمَّنْ لاَ يَسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَكُلُّ مَا ذُكِرَ فَسَوَاءٌ لاَ يَحِلُّ شَيْءٌ مِنْهُ لأََنَّهُ لَمْ يُسَمِّ اللَّهَ تَعَالَى, وَلاَ أَرْسَلَ جَارِحَهُ, وَلاَ سَهْمَهُ عَلَى الَّذِي أَصَابَ, فَهُوَ غَيْرُ مُذَكًّى وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ولا يحل بيع كلب أصلاً لا المباح اتخاذه ولا غيره
...
1097- مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ بَيْعُ كَلْبٍ أَصْلاً لاَ الْمُبَاحُ اتِّخَاذُهُ، وَلاَ غَيْرُهُ; لِصِحَّةِ نَهْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْهُ وَسَنَذْكُرُهُ فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فَمَنْ اُضْطُرَّ إلَيْهِ فَلَهُ أَخْذُهُ مِمَّنْ يَسْتَغْنِي عَنْهُ بِلاَ ثَمَنٍ, وَإِنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ لَهُ, فَلَهُ ابْتِيَاعُهُ وَالثَّمَنُ حَرَامٌ عَلَى الْبَائِعِ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي وَإِنَّمَا هُوَ كَالرِّشْوَةِ فِي الْمَظْلَمَةِ, وَفِدَاءِ الأَسِيرِ, لأََنَّهُ أَخْذُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

كتاب الأشرِبة وما يحل منها وما يحرم
باب الأشرِبة وما يحل منها وما يحرم
كل شئ أسكر كثير أحدا من الناس فالنقطة منه فما فوقها إلى أكثر المقادير خمر حرام ملكهكِتَابُ الأَشْرِبَةِ وَمَا يَحِلُّ مِنْهَا وَمَا يَحْرُمُ
1098- مَسْأَلَةٌ: كُلُّ شَيْءٍ أَسْكَرَ كَثِيرُهُ أَحَدًا مِنْ النَّاسِ فَالنُّقْطَةُ مِنْهُ فَمَا فَوْقَهَا إلَى أَكْثَرِ الْمَقَادِيرِ: خَمْرٌ حَرَامٌ: مِلْكُهُ, وَبَيْعُهُ, وَشُرْبُهُ, وَاسْتِعْمَالُهُ عَلَى أَحَدٍ وَعَصِيرُ الْعِنَبِ, وَنَبِيذُ التِّينِ, وَشَرَابُ الْقَمْحِ, وَالسَّيْكَرَانِ, وَعَصِيرُ كُلِّ مَا سِوَاهَا وَنَقِيعُهُ, وَشَرَابُهُ طُبِخَ كُلُّ ذَلِكَ أَوْ لَمْ يُطْبَخْ ذَهَبَ أَكْثَرُهُ أَوْ أَقَلُّهُ سَوَاءٌ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا، وَلاَ فَرْقَ. وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ, وَالشَّافِعِيِّ, وَأَحْمَدَ, وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَغَيْرِهِمْ وَفِي هَذَا اخْتِلاَفٌ قَدِيمٌ وَحَدِيثٌ بَعْدَ صِحَّةِ الإِجْمَاعِ عَلَى تَحْرِيمِ الْخَمْرِ قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا: فَرُوِّينَا، عَنْ طَائِفَةٍ أَنَّهَا قَالَتْ: شَرَابُ الْبُسْرِ وَحْدَهُ

وحد الإسكار الذي يحرم به الشراب وينتقل به من التحليل إلى التحريم
1099 - مَسْأَلَةٌ: وَحَدُّ الإِسْكَارِ الَّذِي يَحْرُمُ بِهِ الشَّرَابُ وَيَنْتَقِلُ بِهِ مِنْ التَّحْلِيلِ إلَى التَّحْرِيمِ هُوَ أَنْ يَبْدَأَ فِيهِ الْغَلَيَانُ وَلَوْ بِحَبَابَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَكْثَرَ, وَيَتَوَلَّدُ مِنْ شُرْبِهِ وَالإِكْثَارِ مِنْهُ عَلَى الْمَرْءِ فِي الأَغْلَبِ أَنْ يَدْخُلَ الْفَسَادُ فِي تَمْيِيزِهِ, وَيَخْلِطَ فِي كَلاَمِهِ بِمَا يَعْقِلُ وَبِمَا لاَ يَعْقِلُ, وَلاَ يَجْرِي كَلاَمُهُ عَلَى نِظَامِ كَلاَمِ التَّمْيِيزِ, فَإِذَا بَلَغَ الْمَرْءُ مِنْ النَّاسِ مِنْ الإِكْثَارِ مِنْ الشَّرَابِ إلَى هَذِهِ الْحَالِ فَذَلِكَ الشَّرَابُ مُسْكِرٌ حَرَامٌ, سَكِرَ مِنْهُ كُلُّ مَنْ شَرِبَهُ سَوَاءٌ أَسْكَرَ أَوْ لَمْ يُسْكِرْ, طُبِخَ أَوْ لَمْ يُطْبَخْ, ذَهَبَ بِالطَّبْخِ أَكْثَرُهُ أَوْ لَمْ يَذْهَبْ, وَذَلِكَ الْمَرْءُ سَكْرَانُ, وَإِذَا بَطَلَتْ هَذِهِ الصِّفَةُ مِنْ الشَّرَابِ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ فِيهِ مَوْجُودَةً فَصَارَ لاَ يَسْكَرُ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ مِنْ الإِكْثَارِ مِنْهُ, فَهُوَ حَلاَلٌ, خَلٌّ لاَ خَمْرٌ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} فَسَمَّى اللَّهُ تَعَالَى مَنْ لاَ يَدْرِي مَا يَقُولُ سَكْرَانَ, وَإِنْ كَانَ قَدْ يَفْهَمُ بَعْضَ الأَمْرِ. أَلاَ تَرَى أَنَّهُ قَدْ يَقُومُ إلَى الصَّلاَةِ فِي تِلْكَ الْحَالِ فَنَهَاهُ اللَّهُ تَعَالَى، عَنْ ذَلِكَ وَالْمَجْنُونُ مِثْلُهُ سَوَاءً سَوَاءً قَدْ يَفْهَمُ الْمَجْنُونُ فِي حَالِ تَخْلِيطِهِ كَثِيرًا، وَلاَ يُخْرِجُهُ ذَلِكَ، عَنْ أَنْ يُسَمَّى مَجْنُونًا فِي اللُّغَةِ وَأَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَوَّارِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ الْعَنْبَرِيُّ نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ هُوَ الثَّقَفِيُّ، عَنْ هِشَامٍ، هُوَ ابْنُ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: انْتَبِذْ فِي سِقَائِكَ وَأَوْكِهِ وَاشْرَبْهُ حُلْوًا.
قال أبو محمد: وَهَذَا قَوْلُنَا; لأََنَّهُ إذَا بَدَأَ يَغْلِي حَدَثَ فِي طَعْمِهِ تَغْيِيرٌ، عَنِ الْحَلاَوَةِ, وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ نَا هِشَامٌ هُوَ الدَّسْتُوَائِيُّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ لَيْسَ بِشُرْبِ الْعَصِيرِ وَبَيْعِهِ بَأْسٌ حَتَّى يَغْلِيَ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عَائِذٍ الأَسَدِيِّ قَالَ: سَأَلْت إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ، عَنِ الْعَصِيرِ فَقَالَ: اشْرَبْهُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ فِي الْعَصِيرِ قَالَ:

"اشْرَبْهُ حَتَّى يَغْلِيَ" وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ قُسَيْطٍ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: لَيْسَ بِشَرَابِ الْعَصِيرِ بَأْسٌ مَا لَمْ يُزْبِدْ فَإِذَا أَزْبَدَ فَاجْتَنِبُوهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ. وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا سُوَيْد بْنُ نُصَيْرٍ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ السُّلَمِيِّ، عَنْ أَبِي ثَابِتٍ الثَّعْلَبِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ فِي الْعَصِيرِ: اشْرَبْهُ مَا دَامَ طَرِيًّا.
وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي الْعَصِيرِ هَكَذَا, وَفِي مَا عَدَا الْعَصِيرِ إذَا تَجَاوَزَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ فَهُوَ حَرَامٌ وَهَذَا حَدٌّ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ, لاَ يُعَضِّدُهُ قُرْآنٌ, وَلاَ سُنَّةٌ, وَلاَ رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ, وَلاَ قِيَاسٌ, وَلاَ رَأْيٌ سَدِيدٌ, وَلاَ قَوْلُ أَحَدٍ نَعْلَمُهُ قَبْلَهُمَا. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا سُوَيْد بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الدِّمَشْقِيُّ نَا ثَابِتُ بْنُ عَجْلاَنَ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: سَمِعْت عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ يَقُولُ: اشْرَبْ الْعَصِيرَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ مَا لَمْ يَغْلِ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: اشْرَبُوا الْعَصِيرَ مَا لَمْ يَأْخُذْهُ شَيْطَانُهُ, قَالَ: وَمَتَى يَأْخُذُهُ شَيْطَانُهُ قَالَ: بَعْدَ ثَلاَثٍ, أَوْ قَالَ: فِي ثَلاَثٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مِينَا أَنَّهُ سَمِعَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُول: نَهَى أَنْ يُشْرَبَ النَّبِيذُ بَعْدَ ثَلاَثٍ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ نَا دَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: لاَ بَأْسَ بِشُرْبِ الْخَمْرِ مَا لَمْ يَغْلِ يَعْنِي الْعَصِيرَ. وَحَدَّتْ طَائِفَةٌ ذَلِكَ بِيَوْمٍ وَاحِدٍ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ كَانَ يَقُولُ: إذَا فَضَخْتَهُ نَهَارًا فَأَمْسَى فَلاَ تَقْرَبْهُ, وَإِذَا فَضَخْتَهُ لَيْلاً فَأَصْبَحَ, فَلاَ تَقْرَبْهُ.
قال أبو محمد: احْتَجَّ مَنْ حَدَّ ذَلِكَ بِثَلاَثٍ: بِالْخَبَرِ الَّذِي رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الأَعْمَشِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ هُوَ يَحْيَى الْبَهْرَانِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُنْقَعُ لَهُ الزَّبِيبُ فَيَشْرَبُهُ الْيَوْمَ وَالْغَدَ وَبَعْدَ الْغَدِ إلَى مَسَاءِ الثَّالِثَةِ فَإِذَا أَمْسَى أَمَرَ بِهِ أَنْ يُهْرَاقَ أَوْ يُسْقَى. وَاحْتَجَّ مَنْ حَدَّ ذَلِكَ بِيَوْمٍ وَاحِدٍ. رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نَا عِيسَى بْنُ مُحَمَّدٍ أَبُو عُمَيْرٍ الرَّمْلِيُّ نَا ضَمْرَةُ، عَنِ السَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الدَّيْلَمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُمْ سَأَلُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَعْنَابِهِمْ فَقَالَ: "زَبِّبُوهَا. قلنا: مَا نَصْنَعُ بِالزَّبِيبِ قَالَ: انْبِذُوهُ عَلَى غَدَائِكُمْ وَاشْرَبُوهُ عَلَى عَشَائِكُمْ وَانْبِذُوهُ عَلَى عَشَائِكُمْ وَاشْرَبُوهُ عَلَى غَدَائِكُمْ وَانْبِذُوهُ فِي الشِّنَانِ، وَلاَ تَنْبِذُوهُ فِي الْقُلَلِ فَإِنَّهُ إذَا تَأَخَّرَ، عَنْ عَصِيرِهِ

صَارَ خَلًّا".
هَذَا السَّيْبَانِيُّ بِالسِّينِ غَيْرِ مَنْقُوطَةٍ هُوَ يَحْيَى بْنُ أَبِي عَمْرٍو وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى نَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، عَنْ أُمِّهِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: كَانَ يُنْبَذُ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي سِقَاءٍ يُوكَأُ أَعْلاَهُ وَلَهُ عَزْلاَءُ يُنْبَذُ غُدْوَةً فَيَشْرَبُهُ عِشَاءً, وَيُنْبَذُ عِشَاءً فَيَشْرَبُهُ غُدْوَةً.
قال أبو محمد: هَذَا الْخَبَرُ, وَخَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ صَحِيحَانِ, وَلَيْسَا حَدًّا فِيمَا يَحْرُمُ مِنْ ذَلِكَ; لأََنَّهُمَا مُخْتَلِفَانِ, وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى مِنْ الآخَرِ, إنَّمَا هَذَا عَلَى قَدْرِ الْبِلاَدِ وَالآنِيَةِ فَتَجِدُ بِلاَدًا بَارِدَةً لاَ يَسْتَحِيلُ فِيهَا مَاءُ الزَّبِيبِ إلَى ابْتِدَاءِ الْحَلاَوَةِ إِلاَّ بَعْدَ جُمُعَةٍ أَوْ أَكْثَرَ, وَآنِيَةً غَيْرَ ضَارِيَةٍ كَذَلِكَ, وَتَجِدُ بِلاَدًا حَارَّةً وَآنِيَةً ضَارِيَةً يَتِمُّ فِيهَا النَّبِيذُ مِنْ يَوْمِهِ, وَالْحُكْمُ فِي ذَلِكَ لِقَوْلِهِ عليه السلام الَّذِي ذَكَرْنَا وَاشْرَبْهُ حُلْوًا وَكُلُّ مَا أَسْكَرَ حَرَامٌ فَقَطْ. وقال أبو حنيفة: إذَا غَلَى وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ فَهُوَ حِينَئِذٍ حَرَامٌ وَهَذَا قَوْلٌ بِلاَ دَلِيلٍ وَقَالَ آخَرُونَ: إذَا انْتَهَى غَلَيَانُهُ وَابْتَدَأَ بِأَنْ يَقِلَّ غَلَيَانُهُ فَحِينَئِذٍ يَحْرُمُ. وَقَالَ آخَرُونَ إذَنْ إذَا سَكَنَ غَلَيَانُهُ فَحِينَئِذٍ يَحْرُمُ وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلٌ بِلاَ بُرْهَانٍ. وَأَمَّا حَدُّ سُكْرِ الإِنْسَانِ فَإِنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ أَنَّهُ سُئِلَ، عَنِ السَّكْرَانِ فَقَالَ: أَنَا آخُذُ فِيهِ بِمَا رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِيهِ سَأَلْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، عَنْ حَدِّ السَّكْرَانِ فَقَالَ: هُوَ الَّذِي إذَا اُسْتُقْرِئَ سُورَةً لَمْ يَقْرَأْهَا, وَإِذَا خُلِطَتْ ثَوْبُهُ مَعَ ثِيَابٍ لَمْ يُخْرِجْهُ. قال أبو محمد: وَهُوَ نَحْوُ قَوْلِنَا فِي أَنْ لاَ يَدْرِيَ مَا يَقُولُ, وَلاَ يُرَاعِيَ تَمْيِيزَ ثَوْبِهِ, وقال أبو حنيفة لَيْسَ سَكْرَانَ إِلاَّ حَتَّى لاَ يُمَيِّزَ الأَرْضَ مِنْ السَّمَاءِ, وَأَبَاحَ كُلُّ سُكْرٍ دُونَ هَذَا فَاعْجَبُوا يَرْحَمُنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمْ.

فإن نبذ تمر أو رطب أو زهو أو بسر أو زبيب مع نوع منها أو نوع من غيرها
1100- مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ نُبِذَ تَمْرٌ, أَوْ رُطَبٌ, أَوْ زَهْوٌ, أَوْ بُسْرٌ, أَوْ زَبِيبٌ مَعَ نَوْعٍ مِنْهَا أَوْ نَوْعٍ مِنْ غَيْرِهَا, أَوْ خُلِطَ نَبِيذُ أَحَدِ الأَصْنَافِ بِنَبِيذِ صِنْفٍ مِنْهَا, أَوْ بِنَبِيذِ صِنْفٍ مِنْ غَيْرِهَا, أَوْ بِمَائِعِ غَيْرِهَا حَاشَا الْمَاءِ حَرُمَ شُرْبُهُ أَسْكَرَ أَوْ لَمْ يُسْكِرْ, وَنَبِيذُ كُلِّ صِنْفٍ مِنْهَا عَلَى انْفِرَادِهِ حَلاَلٌ, فَإِنْ مُزِجَ نَوْعٌ مِنْ غَيْرِ هَذِهِ الْخَمْسَةِ مَعَ نَوْعٍ آخَرَ مِنْ غَيْرِهَا أَيْضًا أَوْ نُبِذَا مَعًا, أَوْ خُلِطَ عَصِيرٌ بِنَبِيذٍ فَكُلُّهُ حَلاَلٌ: كَالْبَلَحِ وَعَصِيرِ الْعِنَبِ, وَنَبِيذِ التِّينِ, وَالْعَسَلِ, وَالْقَمْحِ, وَالشَّعِيرِ, وَغَيْرِ مَا ذَكَرْنَا لاَ تَحَاشَ شَيْئًا: لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ إِسْحَاقَ نَا عَفَّانَ

ابْنُ مُسْلِمٍ، نا أَبَانُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ الْعَطَّارِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ نَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي قَتَادَةَ, وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ كِلاَهُمَا، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ: أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى، عَنْ خَلِيطِ التَّمْرِ وَالْبُسْرِ, وَعَنْ خَلِيطِ الزَّبِيبِ وَالتَّمْرِ, وَعَنْ خَلِيطِ الزَّهْوِ وَالرُّطَبِ, وَقَالَ: "انْتَبِذُوا كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَتِهِ".
قال أبو محمد: وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ, وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ, وَابْنِ عَبَّاسٍ, وَأَبِي هُرَيْرَةَ, وَابْنِ عُمَرَ, وَعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا أَيْضًا آثَارًا مُتَوَاتِرَةً مُتَظَاهِرَةً فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ يَجْمَعُ كُلَّ مَا فِيهَا حَدِيثُ أَبِي قَتَادَةَ الْمَذْكُورُ. وَبِهِ يَقُولُ جُمْهُورُ السَّلَفِ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: نَهَى أَنْ يُنْتَبَذَ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ جَمِيعًا, وَالْبُسْرُ وَالرُّطَبُ جَمِيعًا, وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كَانَ أَنَسٌ إذَا أَرَادَ أَنْ يَنْبِذَ يَقْطَعُ مِنْ الثَّمَرَةِ مَا نَضِجَ مِنْهَا فَيَضَعُهُ وَحْدَهُ وَيَنْبِذُ التَّمْرَ وَحْدَهُ وَالْبُسْرَ وَحْدَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ حَاتِمِ بْنِ أَبِي صَغِيرَةَ، عَنْ أَبِي مُصْعَبٍ الْمَدَنِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: لَمَّا حُرِّمَتْ الْخَمْرُ كَانُوا يَأْخُذُونَ الْبُسْرَ فَيَقْطَعُونَ مِنْهُ كُلَّ مُذَنَّبٍ ثُمَّ يَأْخُذُ الْبُسْرَ فَيَفْضَخُهُ ثُمَّ يَشْرَبُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ ثَابِتِ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ: كَانَ أَبُو مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيُّ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِقَطْعِ الْمُذَنَّبِ فَيَنْبِذُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى حِدَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ زُرَيْقٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يَمُرُّ عَلَى أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَهُمْ مُتَوَافِرُونَ فَيَلْعَنُونَهُ وَيَقُولُونَ: هَذَا يَشْرَبُ الْخَلِيطَيْنِ الزَّبِيبَ وَالتَّمْرَ.
قال أبو محمد: هَذَا عِنْدَهُمْ إذَا وَافَقَهُمْ إجْمَاعٌ, وَقَدْ جَاءَ، عَنْ عُثْمَانَ أَيْضًا كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ لِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَوْ أَخْبَرَنِي عَنْهُ مَنْ أُصَدِّقُ: أَنْ لاَ يَجْمَعَ بَيْنَ الْبُسْرِ, وَالرُّطَبِ, وَالتَّمْرِ, وَالزَّبِيبِ, قُلْت لِعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ: هَلْ غَيْرُ ذَلِكَ قَالَ: لاَ; قُلْت لِعَمْرٍو: فَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا فِي الْحَبَلَةِ وَالنَّخْلَةِ, قَالَ: لاَ أَدْرِي, قُلْت لِعَمْرٍو: أَوْ لَيْسَ إنَّمَا نَهَى، عَنْ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فِي النَّبِيذِ وَأَنْ يَنْبِذَ جَمِيعًا قَالَ: بَلَى, وَقُلْت لِعَطَاءٍ: أَذَكَرَ جَابِرٌ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى، عَنْ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ غَيْرِ الرُّطَبِ وَالْبُسْرِ, وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ قَالَ: لاَ, إِلاَّ أَنْ أَكُونَ نَسِيتُ قُلْت لِعَطَاءٍ: أَيُجْمَعُ بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ يُنْبَذَانِ, ثُمَّ يُشْرَبَانِ

حُلْوَيْنِ قَالَ: لاَ قَدْ نُهِيَ، عَنِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا, قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: لَوْ نُبِذَ شَرَابٌ فِي ظَرْفٍ قَدْ نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْهُ لَمْ يُشْرَبْ حُلْوًا وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُنَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبُّ الْعَالَمِينَ. فَهَذَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ لَمْ يَرَ النَّهْيَ يُتَعَدَّى بِهِ مَا وَرَدَ بِهِ النَّصُّ وَهُوَ قَوْلُنَا. وَرُوِّينَا، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، أَنَّهُ قَالَ: لَوْ كَانَ فِي إحْدَى يَدَيَّ نَبِيذُ تَمْرٍ, وَفِي الأُُخْرَى نَبِيذُ زَبِيبٍ فَشَرِبْت كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَحْدَهُ لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا, وَلَوْ خَلَطْته لَمْ أَشْرَبْهُ. وَصَحَّ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ أَبِي الشَّعْثَاءِ أَنَّهُ سُئِلَ، عَنِ الْبُسْرِ, وَالتَّمْرِ يُجْمَعَانِ فِي النَّبِيذِ فَقَالَ: لاََنْ تَأْخُذَ الْمَاءَ فَتَغْلِيَهُ فِي بَطْنِك خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَجْمَعَهُمَا جَمِيعًا فِي بَطْنِك.
وقال مالك بِتَحْرِيمِ خَلِيطِ كُلِّ نَوْعَيْنِ فِي الأَنْتِبَاذِ وَبَعْدِ الأَنْتِبَاذِ, وَكَذَلِكَ فِيمَا عُصِرَ, وَلَمْ يَخُصَّ شَيْئًا مِنْ شَيْءٍ. وقال أبو حنيفة بِإِبَاحَةِ كُلِّ خَلِيطَيْنِ وَاحْتَجَّ لأََبِي حَنِيفَةَ مُقَلِّدُوهُ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مِسْعَرٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي أَسَدٍ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُنْبَذُ لَهُ زَبِيبٌ فَيُلْقَى فِيهِ تَمْرٌ أَوْ تَمْرٌ فَيُلْقَى فِيهِ زَبِيبٌ وَهَذَا لاَ شَيْءَ; لأََنَّهُ، عَنْ امْرَأَةٍ لَمْ تُسَمَّ. وَمِنْ طَرِيقِ زِيَادِ بْنِ يَحْيَى الْحَسَّانِيِّ أَنَا أَبُو بَحْرٍ نَا عَتَّابُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْحِمَّانِيُّ حَدَّثَتْنِي صَفِيَّةُ بِنْتُ عَطِيَّةَ أَنَّهَا سَمِعَتْ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ تَقُولُ وَقَدْ سُئِلَتْ، عَنِ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ فَقَالَتْ: كُنْت آخُذُ قَبْضَةً مِنْ تَمْرٍ وَقَبْضَةً مِنْ زَبِيبٍ فَأُلْقِيهِ فِي إنَاءٍ فَأَمْرُسُهُ, ثُمَّ أَسْقِيهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهَذَا مُرَدَّدٌ فِي السُّقُوطِ; لأََنَّهُ، عَنْ أَبِي بَحْرٍ لاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ، عَنْ عَتَّابِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْحِمَّانِيُّ وَهُوَ مَجْهُولٌ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ عَطِيَّةَ، وَلاَ تُعْرَفُ مَنْ هِيَ فَهَلْ سُمِعَ بِأَسْخَفَ مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِمِثْلِ هَذَا، عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَيَعْتَرِضُ فِي رِوَايَةِ أَبِي عُثْمَانَ الأَنْصَارِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ" . وَأَبُو عُثْمَانَ مَشْهُورٌ قَاضِي الرَّيِّ رَوَى عَنْهُ الأَئِمَّةُ. وَزَادُوا ضَلاَلاً فَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَاهُ، عَنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أُخْبِرْتُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ: أَجْمَعُ بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ فَقَالَ: لاَ, قَالَ: لِمَ قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لِمَ قَالَ: سَكِرَ رَجُلٌ فَحَدَّهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَمَرَ أَنْ يُنْظَرَ مَا شَرَابُهُ فَإِذَا هُوَ تَمْرٌ وَزَبِيبٌ, فَنَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَقَالَ: يُلْقَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَحْدَهُ. وَمِنْ طَرِيق أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ النَّجْرَانِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَكْرَانَ وَقَالَ لَهُ: أَيُّ شَيْءٍ شَرِبْتَ قَالَ: تَمْرٌ وَزَبِيبٌ, قَالَ: لاَ تَخْلِطُوهُمَا كُلُّ وَاحِدٍ يُلْقَى وَحْدَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ

الْخُدْرِيِّ, أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِنَشْوَانَ فَقَالَ: "إنِّي لَمْ أَشْرَبْ خَمْرًا إنَّمَا شَرِبْتُ زَبِيبًا وَتَمْرًا فِي إنَاءٍ. فَنُهِزَ بِالأَيْدِي وَخُفِقَ بِالنِّعَالِ وَنَهَى، عَنِ الزَّبِيبِ, وَالتَّمْرِ أَنْ يُخْلَطَا".
قال أبو محمد: أَمَا لِهَؤُلاَءِ الْمَخَاذِيلِ دِينٌ يَرْدَعُهُمْ, أَوْ حَيَاءٌ يَزَعُهُمْ, أَوْ عَقْلٌ يَمْنَعُهُمْ، عَنِ الأَحْتِجَاجِ بِالْبَاطِلِ عَلَى الْحَقِّ; ثُمَّ بِمَا لَوْ صَحَّ لَكَانَ أَعْظَمَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ, ابْنُ جُرَيْجٍ يَقُولُ: أُخْبِرْت، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، وَلاَ يُسَمِّي مَنْ أَخْبَرَهُ, ثُمَّ أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ النَّجْرَانِيِّ وَمَنْ النَّجْرَانِيُّ لَيْتَ شِعْرِي ثُمَّ هَبْكَ أَنَّنَا سَمِعْنَا كُلَّ ذَلِكَ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ, وَمِنْ ابْنِ عُمَرَ أَلَيْسَ قَدْ أَخْبَرَا: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى، عَنْ جَمْعِهِمَا وَأَمَرَ بِإِفْرَادِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَكَيْف يُجْعَلُ نَهْيُهُ نَفْسُهُ حُجَّةً فِي اسْتِبَاحَةِ مَا نَهَى عَنْهُ مَا بَعْدَ هَذَا الضَّلاَلِ ضَلاَلٌ, وَلاَ وَرَاءَ هَذِهِ الْمُجَاهَرَةِ مُجَاهَرَةٌ, وَلَوْلاَ كَثْرَةُ مَنْ ضَلَّ بِاتِّبَاعِهِمْ لَكَانَ الإِعْرَاضُ عَنْهُمْ أَوْلَى. وَقَالُوا: إنَّمَا نُهِيَ، عَنْ ذَلِكَ; لأََنَّ أَحَدَهُمَا يُعَجِّلُ غَلَيَانَ الآخَرِ. فَقُلْنَا: كَذَبْتُمْ وَقَفَوْتُمْ مَا لاَ عِلْمَ لَكُمْ بِهِ, وَافْتَرَيْتُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا لَمْ يَقُلْهُ قَطُّ، وَلاَ أَخْبَرَ بِهِ ثُمَّ هَبْ الأَمْرَ كَمَا قُلْتُمْ أَلَيْسَ قَدْ نَهَى عليه السلام عَنْهُ كَمَا ذَكَرْتُمْ فَانْهَوْا عَمَّا نَهَاكُمْ عَنْهُ إنْ كَانَ فِي قُلُوبِكُمْ إيمَانٌ بِهِ فَإِنْ قَالُوا: هَذَا نَدْبٌ قلنا: كَذَبْتُمْ وَقُلْتُمْ مَا لاَ دَلِيلَ لَكُمْ عَلَيْهِ ثُمَّ هَبْ الأَمْرَ كَمَا قُلْتُمْ فَاكْرَهُوهُ إذًا وَانْدُبُوا إلَى تَرْكِهِ, وَأَنْتُمْ لاَ تَفْعَلُونَ ذَلِكَ بَلْ هُوَ عِنْدَكُمْ وَمَا لَمْ يَنْهَ عَنْهُ أَصْلاً سَوَاءً. وَقَالُوا: إنَّمَا نَهَى عَنْهُ لِضِيقِ الْعَيْشِ, وَلأََنَّهُ مِنْ السَّرَفِ وَهَذَا قَوْلٌ يُوجِبُ عَلَى قَائِلِهِ مَقْتَ اللَّهِ تَعَالَى; لأََنَّهُ كَذِبٌ بَحْتٌ, وَمَعَ أَنَّهُ كَذِبٌ فَهُوَ بَارِدٌ مِنْ الْكَذِبِ سَخِيفٌ مِنْ الْبُهْتَانِ; لأََنَّهُ مَا كَانَ قَطُّ عِنْدَ ذِي عَقْلٍ رِطْلُ تَمْرٍ وَرِطْلُ زَبِيبٍ, سَرَفًا, أَوْ رِطْلُ زَهْوٍ وَرِطْلُ بُسْرٍ سَرَفًا, وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ وَالطَّائِفِ قَرِيبٌ, وَهُمَا بِلاَدُ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ. ثُمَّ كَيْفَ يَكُونُ رِطْلَ تَمْرٍ, وَرِطْلَ زَبِيبٍ, أَوْ رِطْلَ زَهْوٍ, وَرِطْلَ رُطَبٍ يُجْمَعَانِ سَرَفًا يَمْنَعُ مِنْهُ ضِيقُ الْعَيْشِ فَيُنْهَوْنَ عَنْهُ لِذَلِكَ، وَلاَ يَكُونُ مِائَةَ رِطْلِ تَمْرٍ, وَمِائَةَ رِطْلِ زَبِيبٍ, وَمِائَةَ رِطْل عَسَلٍ يُنْبَذُ كُلُّ صِنْفٍ مِنْهَا عَلَى حِدَتِهِ سَرَفًا. وَكَيْفَ يَكُونُ رِطْلَ تَمْرٍ, وَرِطْلَ زَهْوٍ يُنْبَذَانِ مَعًا سَرَفًا، وَلاَ وَيَكُونُ أَكْلُهُمَا مَعًا سَرَفًا كَذَلِكَ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ فِي الأَكْلِ مَعًا, لَقَدْ بَلَغَ الْغَايَةَ مِنْ سُخْفِ الْعَقْلِ, مَنْ هَذَا مِقْدَارُ عَقْلِهِ, وَلَقَدْ عَظُمَتْ بَلِيَّتُهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ.
وَأَيْضًا: فَإِنَّ أَكْلَ الدَّجَاجِ وَالنِّقْيِ وَالسُّكَّرِ أَدْخَلُ عَلَى أُصُولِكُمْ الْفَاسِدَةِ فِي السَّرَفِ, وَأَبْعَدُ مِنْ ضِيقِ الْعَيْشِ, وَمَا نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَطُّ, ثُمَّ هَبْكُمْ أَنَّهُ كَمَا تَقُولُونَ, فَأَيُّ رَاحَةٍ لَكُمْ فِي ذَلِكَ وَقَدْ كَانَ فِيهِمْ ذُو سَعَةٍ مِنْ الْمَالِ, قَالَتْ عَائِشَةُ: وَكَانَ الْهَدْيُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَذَوِي الْيَسَارَةِ, وَالْخَبَرُ الْمَشْهُورُ ذَهَبَ أَصْحَابُ الدُّثُورِ بِالأُُجُورِ وَكَانَ فِيهِمْ عُثْمَانُ; وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ,

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29