كتاب : المحلى
المؤلف : أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري

حكم الشرب في نهر غير ممتلك فيشرع السقي للأعلى فالأعلى لا حق للأسفل حتى يستوفي الأعلى حاجته
1352 - مَسْأَلَةٌ - وَأَمَّا الشُّرْبُ مِنْ نَهْرٍ غَيْرِ مُتَمَلَّكٍ فَالْحُكْمُ أَنَّ السَّقْيَ لِلأَعْلَى فَالأَعْلَى
لاَحِقٌ لِلأَسْفَلِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الأَعْلَى حَاجَتَهُ، وَحَقُّ ذَلِكَ أَنْ يُغَطِّيَ وَجْهَ الأَرْضِ حَتَّى لاَ تَشْرَبَهُ وَيَرْجِعُ لِلْجِدَارِ أَوْ السِّيَاجِ، ثُمَّ يُطْلِقُهُ، وَلاَ يُمْسِكُهُ أَكْثَرَ، وَسَوَاءٌ كَانَ الأَعْلَى أَحْدَثَ مِلْكًا أَوْ إحْيَاءً مِنْ الأَسْفَلِ، أَوْ مُسَاوِيًا لَهُ، أَوْ أَقْدَمَ مِنْهُ، وَلاَ يُتَمَلَّكُ شِرْبُ نَهْرٍ غَيْرِ مُتَمَلَّكٍ أَصْلاً، وَلاَ شِرْبُ سَيْلٍ، وَتَبْطُلُ الدُّوَلُ وَالْقِسْمَةُ فِيهَا وَإِنْ تَقَدَّمَتْ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ قَوْمٌ حَفَرُوا سَاقِيَةً وَبَنَوْهَا، فَلَهُمْ أَنْ يَقْتَسِمُوا مَاءَهَا بِقَدْرِ حِصَصِهِمْ فِيهَا.
بُرْهَانُ ذَلِكَ: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هُوَ الطَّيَالِسِيُّ أَنَا اللَّيْثُ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: "خَاصَمَ الزُّبَيْرُ رَجُلاً فِي شِرَاجِ الْحَرَّةِ الَّتِي يَسْقُونَ بِهَا، فَقَالَ الأَنْصَارِيُّ لِلزُّبَيْرِ: سَرِّحْ الْمَاءَ يَمُرُّ فَأَبَى عَلَيْهِ الزُّبَيْرُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلزُّبَيْرِ: اسْقِ يَا زُبَيْرُ ثُمَّ أَرْسِلْ إلَى

من غرس أشجارا فله ما أظلت أغصانها عند تمامها فإن انتثرت على أرض غيره أخذ بقطع ما انتثر منها على أرض غيره
1353 - مَسْأَلَةٌ - وَمَنْ غَرَسَ أَشْجَارًا فَلَهُ مَا أَظَلَّتْ أَغْصَانُهَا عِنْدَ تَمَامِهَا، فَإِنْ انْتَثَرَتْ عَلَى أَرْضِ غَيْرِهِ أَخَذَ بِقَطْعِ مَا انْتَثَرَ مِنْهَا عَلَى أَرْضِ غَيْرِهِ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خَالِدٍ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عُثْمَانَ حَدَّثَهُمْ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: اخْتَصَمَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلاَنِ فِي حَرِيمِ نَخْلَةٍ فَأَمَرَ عليه السلام بِجَرِيدَةٍ مِنْ جَرِيدِهَا فَذُرِعَتْ فَقَضَى بِذَلِكَ يَعْنِي بِمَبْلَغِهَا. وَأَمَّا انْتِثَارُهَا عَلَى أَرْضِ غَيْرِهِ فَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ " فَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ الأَنْتِفَاعُ بِمَالِ غَيْرِهِ إِلاَّ مَا دَامَتْ نَفْسُهُ لَهُ طَيِّبَةً بِذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

من ترك دابته بفلاة ضائعة فأخذها إنسان فقام عليها فصلحت أو أعطب في بحر أو نهر فرمى البحر متاعه فأخذه إنسان أو غاص عليه إنسان فأخذه فكل ذلك لصاحبه
1354 - مَسْأَلَةٌ - وَمَنْ تَرَكَ دَابَّتَهُ بِفَلاَةٍ ضَائِعَةً فَأَخَذَهَا إنْسَانٌ فَقَامَ عَلَيْهَا فَصَلَحَتْ، أَوْ عَطِبَ فِي بَحْرٍ أَوْ نَهْرٍ فَرَمَى الْبَحْرُ مَتَاعَهُ فَأَخَذَهُ إنْسَانٌ أَوْ غَاصَ عَلَيْهِ إنْسَانٌ فَأَخَذَهُ، فَكُلُّ ذَلِكَ لِصَاحِبِهِ الأَوَّلِ،
وَلاَ حَقَّ فِيهِ لِمَنْ أَخَذَ شَيْئًا مِنْهُ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ ". وَقَدْ جَاءَ فِي ذَلِكَ خِلاَفٌ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَنَا مَنْصُورٌ، هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ حُمَيْدٍ الْحِمْيَرِيِّ قَالَ: سَمِعْت الشَّعْبِيَّ يَقُولُ: مَنْ قَامَتْ عَلَيْهِ دَابَّتُهُ فَتَرَكَهَا فَهِيَ لِمَنْ أَحْيَاهَا: فَقُلْت لَهُ: عَمَّنْ يَا أَبَا عَمْرٍو قَالَ: إنْ شِئْت عَدَّدَتْ لَك كَذَا وَكَذَا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا خَالِدٌ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّحَّانُ الْوَاسِطِيُّ أَنَا مُطَرِّفٌ هُوَ ابْنُ طَرِيفٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي رَجُلٍ سَيَّبَ دَابَّتَهُ فَأَخَذَهَا رَجُلٌ فَأَصْلَحَهَا فَقَالَ الشَّعْبِيُّ: هَذَا قَدْ قَضَى فِيهِ إنْ كَانَ سَيَّبَهَا فِي كَلاٍَ، وَأَمْنٍ، وَمَاءٍ، فَصَاحِبُهَا أَحَقُّ بِهَا، وَإِنْ كَانَ سَيَّبَهَا فِي مَخَافَةٍ أَوْ مَفَازَةٍ فَاَلَّذِي أَخَذَهَا أَحَقُّ بِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ غِيَاثٍ قَالَ: سُئِلَ الْحَسَنُ عَمَّنْ تَرَكَ دَابَّتَهُ بِأَرْضِ قَفْرٍ فَأَخَذَهَا رَجُلٌ فَقَامَ عَلَيْهَا حَتَّى صَلَحَتْ قَالَ: هِيَ لِمَنْ أَحْيَاهَا. قَالَ: وَسُئِلَ الْحَسَنُ، عَنِ السَّفِينَةِ تَغْرَقُ فِي الْبَحْرِ فِيهَا مَتَاعٌ لِقَوْمٍ شَتَّى فَقَالَ:

لا يلزم من وجد متاعه إذا أخذه أن يؤدى إلى الذي وجده عنده
1354 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَلْزَمُ مَنْ وَجَدَ مَتَاعَهُ إذَا أَخَذَهُ أَنْ يُؤَدِّيَ إلَى الَّذِي وَجَدَهُ عِنْدَهُ مَا أَنْفَقَ عَلَيْهِ، لأََنَّهُ لَمْ يَأْمُرْهُ بِذَلِكَ،
فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ بِمَا أَنْفَقَ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَنَا دَاوُد بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ رَجُلاً أَضَلَّ بَعِيرًا لَهُ نِضْوًا فَأَخَذَهُ رَجُلٌ فَأَنْفَقَ عَلَيْهِ حَتَّى صَلَحَ وَسَمُنَ، فَوَجَدَهُ صَاحِبُهُ عِنْدَهُ فَخَاصَمَهُ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَقَضَى لَهُ بِالنَّفَقَةِ وَرَدِّ الدَّابَّةِ إلَى صَاحِبِهَا قَالَ الشَّعْبِيُّ: أَمَّا أَنَا فَأَقُولُ: يَأْخُذُ مَالَهُ حَيْثُ وَجَدَهُ سَمِينًا أَوْ مَهْزُولاً، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ.
الْمَرْفِقُ

المرفق
لكل أحد أن يفتح ما شاء في حائطه من كوة أو باب أو أن يهدمه إن شاء في دار جاره أو في درب غير نافذ
1355 - مَسْأَلَةٌ - وَلِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَفْتَحَ مَا شَاءَ فِي حَائِطِهِ مِنْ كُوَّةٍ أَوْ بَابٍ،
أَوْ أَنْ يَهْدِمَهُ إنْ شَاءَ فِي دَارِ جَارِهِ، أَوْ فِي دَرْبٍ غَيْرِ نَافِذٍ أَوْ نَافِذٍ، وَيُقَالُ لِجَارِهِ: ابْنِ فِي حَقِّك مَا تَسْتُرُ بِهِ عَلَى نَفْسِك إِلاَّ أَنَّهُ يُمْنَعُ مِنْ الأَطِّلاَعِ فَقَطْ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وقال مالك: يُمْنَعُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ.
قال أبو محمد : وَهَذَا خَطَأٌ; لأََنَّ كُلَّ ذِي حَقٍّ أَوْلَى بِحَقِّهِ. وَلاَ يَحِلُّ لِلْجَارِ أَنْ يَنْتَفِعَ بِحَائِطِ جَارِهِ إِلاَّ حَيْثُ جَاءَ النَّصُّ بِذَلِكَ. وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَهْدِمَ حَائِطَهُ فَلاَ يُكَلَّفُ بُنْيَانَهُ وَيَقُولُ لِجَارِهِ: اُسْتُرْ عَلَى نَفْسِك إنْ شِئْت، وَبَيْنَ أَنْ يَهْدِمَ هُوَ حَائِطُ نَفْسِهِ. وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ السَّقْفِ وَالأَطِّلاَعِ مِنْهُ وَبَيْنَ قَاعِ الدَّارِ وَالأَطِّلاَعِ مِنْهُ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ فَتْحِ كُوَّةٍ لِلضَّوْءِ وَبَيْنَ فَتْحِهَا هَكَذَا وَكِلاَ الأَمْرَيْنِ، يُمْكِنُ الأَطِّلاَعُ مِنْهُ، وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ، وَلاَ رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ، وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ يَمْنَعُ الْمَرْءَ مِنْ أَنْ يَفْتَحَ فِي حَقِّهِ وَفِي حَائِطِهِ مَا شَاءَ. فَإِنْ احْتَجُّوا بِالْخَبَرِ " لاَ ضَرَرَ، وَلاَ ضِرَارَ " هَذَا خَبَرٌ لاَ يَصِحُّ; لأََنَّهُ إنَّمَا جَاءَ مُرْسَلاً، أَوْ مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا زُهَيْرُ بْنُ ثَابِتٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ إِلاَّ أَنَّ مَعْنَاهُ صَحِيحٌ. وَلاَ ضَرَرَ أَعْظَمَ مِنْ أَنْ يُمْنَعَ الْمَرْءُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالِ نَفْسِهِ مُرَاعَاةً لِنَفْعِ غَيْرِهِ فَهَذَا هُوَ الضَّرَرُ حَقًّا. وَأَمَّا الأَطِّلاَعُ فَمَنْعُهُ وَاجِبٌ: لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمَدِينِيِّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم:" لَوْ أَنَّ امْرَأً اطَّلَعَ عَلَيْكَ بِغَيْرِ إذْنٍ فَحَذَفْتَهُ بِعَصًا فَفَقَأْتَ عَيْنَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ جُنَاحٌ " وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى بِحَصَاةٍ هُوَ أَصَحُّ.

ليس لأحد أن يرسل ماء سقفه أو داره على أرض جاره أصلا
1356- مَسْأَلَةٌ: وَلَيْسَ لأََحَدٍ أَنْ يُرْسِلَ مَاءَ سَقْفِهِ أَوْ دَارِهِ عَلَى أَرْضِ جَارِهِ أَصْلاً،
فَإِنْ أَذِنَ لَهُ كَانَ لَهُ الرُّجُوعُ مَتَى شَاءَ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ " فَإِطْلاَقُهُ مَاءَ دَارِهِ عَلَى أَرْضِ جَارِهِ تَصَرُّفٌ مِنْهُ فِي مَالِ غَيْرِهِ وَهُوَ عَلَيْهِ حَرَامٌ وَالإِذْنُ فِي ذَلِكَ إنَّمَا هُوَ مَا دَامَ إذْنًا; لأََنَّهُ لَمْ يُمَلِّكْهُ الرَّقَبَةَ، وَالإِذْنُ فِي شَيْءٍ مَا الْيَوْمَ غَيْرُ مَا لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ غَدًا بِلاَ شَكٍّ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

لا يجوز لأحد أن يدخن على جاره
1357 - مَسْأَلَةٌ - وَلاَ يَجُوزُ لأََحَدٍ أَنْ يُدَخِّنَ عَلَى جَارِهِ;
لأََنَّهُ أَذًى، وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى أَذَى الْمُسْلِمِ. وَلِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُعَلِّيَ بُنْيَانَهُ مَا شَاءَ وَإِنْ مَنَعَ جَارَهُ الرِّيحَ وَالشَّمْسَ لأََنَّهُ لَمْ يُبَاشِرْ مَنْعَهُ بِغَيْرِ مَا أُبِيحَ لَهُ. وَلِكُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَبْنِيَ فِي حَقِّهِ مَا شَاءَ مِنْ حَمَّامٍ، أَوْ فُرْنٍ، أَوْ رَحًى، أَوْ كَمَرٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، إذْ لَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِالْمَنْعِ مِنْ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.

لا يحل لأحد أن يمنع جاره من أن يدخل خشبا في جداره ويجبر إن لم يأذن له
1358 - مَسْأَلَةٌ - وَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ أَنْ يَمْنَعَ جَارَهُ مِنْ أَنْ يُدْخِلَ خَشَبًا فِي جِدَارِهِ وَيُجْبَرَ عَلَى ذَلِكَ
أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ إنْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُ، فَإِنْ أَرَادَ صَاحِبُ الْحَائِطِ هَدْمَ حَائِطِهِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ لِجَارِهِ: دَعِّمْ خَشَبَك أَوْ انْزَعْهُ فَإِنِّي أَهْدِمُ حَائِطِي، وَيُجْبَرُ صَاحِبُ الْخَشَبِ عَلَى ذَلِكَ: لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " لاَ يَمْنَعُ أَحَدُكُمْ جَارَهُ أَنْ يَغْرِزَ خَشَبَةً فِي جِدَارِهِ ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيْرَةَ: مَالِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ وَاَللَّهِ لاََرْمِيَنَّ بِهَا بَيْنَ أَكْتَافِكُمْ" فَهَذَا قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَلاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا. وقال أبو حنيفة، وَمَالِكٌ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَضَعَ خَشَبَهُ فِي جِدَارِ جَارِهِ.
قال أبو محمد : وَهَذَا خِلاَفٌ مُجَرَّدٌ لِلْخَبَرِ وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً أَصْلاً، إِلاَّ أَنَّ بَعْضَهُمْ ذَكَرَ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ ".
قَالَ عَلِيٌّ: الَّذِي قَالَ هَذَا هُوَ الَّذِي قَالَ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ كُلُّهُ حَقٌّ وَعَنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَكُلُّهُ وَاجِبٌ عَلَيْنَا السَّمْعُ لَهُ وَالطَّاعَةُ، وَلَيْسَ بَعْضُهُ مُعَارِضًا لِبَعْضٍ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ، وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} وَاَلَّذِي قَضَى بِالشُّفْعَةِ وَإِسْقَاطِ الْمِلْكِ بَعْدَ تَمَامِهِ، وَإِبْطَالِ الشِّرَاءِ بَعْدَ صِحَّتِهِ وَقَضَى بِالْعَاقِلَةِ، وَأَنْ يَغْرَمُوا مَا لَمْ يَجْنُوا، وَأَبَاحَ أَمْوَالَهُمْ فِي ذَلِكَ أَحَبُّوا أَمْ كَرِهُوا هُوَ الَّذِي قَضَى بِأَنْ يَغْرِزَ الْجَارُ خَشَبَهُ فِي جِدَارِ جَارِهِ، وَنَهَى، عَنْ مَنْعِهِ مِنْ ذَلِكَ. وَلَوْ أَنَّهُمْ اسْتَعْمَلُوا هَذَا الْحُكْمَ حَيْثُ أَبَاحُوا ثَمَرَ النَّخْلِ، وَكِرَاءِ الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ: كُلُّ ذَلِكَ لِمَنْ اشْتَرَاهُ مِنْ الْغَاصِبِ بِالْبَاطِلِ لَكَانَ أَوْلَى بِهِمْ،

كل من ملك ماء في نهر حفره أو ساقية أو عين أوبئر فهو أحق بماء كل ذلك ما دام محتاجا إليه
1359 - مَسْأَلَةٌ - وَكُلُّ مَنْ مَلَكَ مَاءً فِي نَهْرٍ حَفَرَهُ، أَوْ سَاقِيَةٍ حَفَرَهَا، أَوْ عَيْنٍ اسْتَخْرَجَهَا، أَوْ بِئْرٍ اسْتَنْبَطَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِمَاءِ كُلِّ ذَلِكَ مَا دَامَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ،
وَلاَ يَحِلُّ لَهُ مَنْعُ الْفَضْلِ، بَلْ يُجْبَرُ عَلَى بَذْلِهِ لِمَنْ يَحْتَاجُ إلَيْهِ، وَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُ عِوَضٍ عَنْهُ، لاَ بِبَيْعٍ، وَلاَ غَيْرِهِ: لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ جَرِيرٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " لاَ يُمْنَعُ فَضْلُ الْمَاءِ لِيُمْنَعَ بِهِ الْكَلاَ "ُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا دَاوُد بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ الْعَطَّارِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ، عَنْ إيَاسِ بْنِ عَبْدٍ قَالَ: " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ فَضْلِ الْمَاءِ ".

ما غلب عليه الماء من نهر أو نشع أو سير فاستغار فهو لصاحبه كما كان
1360 - مَسْأَلَةٌ - وَمَا غَلَبَ عَلَيْهِ الْمَاءُ مِنْ نَهْرٍ، أَوْ نَشْعٍ، أَوْ سَيْلٍ، فَاسْتَغَارَ فَهُوَ لِصَاحِبِهِ كَمَا كَانَ،
فَإِنْ انْتَقَلَ عَنْهُ يَوْمًا مَا وَلَوْ بَعْدَ أَلْفِ عَامٍ فَهُوَ لَهُ وَلِوَرَثَتِهِ، وَمَا رَمَى النَّهْرُ مِنْ أَحَدِ عَدْوَتَيْهِ إلَى أُخْرَى فَهُوَ بَاقٍ بِحَسْبِهِ كَمَا كَانَ لِمَنْ كَانَ لَهُ. وَقَالَ الْمَالِكِيُّونَ: بِخِلاَفِ ذَلِكَ وَهَذَا بَاطِلٌ لأََنَّ تَبَدُّلَ مَجْرَى الْمَاءِ لاَ يُسْقِطُ مِلْكًا، عَنْ مَالِكِهِ، وَلاَ يُحِلُّ مَالاً مُحَرَّمًا لِمَنْ حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ، وَهَذَا حُكْمٌ فِي الدِّينِ بِلاَ بُرْهَانٍ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَام "ٌ.

لا تكون الأرض بالاحياء إلا لمسلم
1361 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ تَكُونُ الأَرْضُ بِالإِحْيَاءِ إِلاَّ لِمُسْلِمٍ،
وَأَمَّا الذِّمِّيُّ فَلاَ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {إنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} وَقَوْله تَعَالَى {أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ} وَنَحْنُ أُولَئِكَ لاَ الْكُفَّارُ، فَنَحْنُ الَّذِينَ أَوْرَثَنَا اللَّهُ تَعَالَى الأَرْضَ فَلَهُ الْحَمْدُ كَثِيرًا.

كتاب الوكالة
في بيان جواز الوكالة في أشياء مخصوصة
بسم الله الرحمن الرحيم
كِتَابُ الْوَكَالَةِ
1362 - مَسْأَلَةٌ - الْوَكَالَةُ جَائِزَةٌ فِي الْقِيَامِ عَلَى الأَمْوَالِ، وَالتَّذْكِيَةِ، وَطَلَبِ الْحُقُوقِ وَإِعْطَائِهَا، وَأَخْذِ الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ فَمَا دُونِهَا،
وَتَبْلِيغِ الإِنْكَاحِ، وَالْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ، وَالإِجَارَةِ، وَالأَسْتِئْجَارِ: كُلُّ ذَلِكَ مِنْ الْحَاضِرِ، وَالْغَائِبِ سَوَاءٌ، وَمِنْ الْمَرِيضِ وَالصَّحِيحِ سَوَاءٌ، وَطَلَبُ الْحَقِّ كُلُّهُ وَاجِبٌ بِغَيْرِ تَوْكِيلٍ، إِلاَّ أَنْ يُبْرِئَ صَاحِبَ الْحَقِّ مِنْ حَقِّهِ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ: بِعْثَةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْوُلاَةَ لأَِقَامَةِ الْحُدُودِ، وَالْحُقُوقِ عَلَى النَّاسِ، وَلأََخْذِ الصَّدَقَاتِ وَتَفْرِيقِهَا. وَقَدْ كَانَ بِلاَلٌ عَلَى نَفَقَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ كَانَ لَهُ نُظَّارٌ عَلَى أَرْضِهِ بِخَيْبَرَ، وَفَدَكَ; وَقَدْ رُوِّينَا فِي "كِتَابِ الأَضَاحِيِّ" مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَعْطَاهُ غَنَمًا يَقْسِمُهَا بَيْنَ أَصْحَابِهِ. وَذَكَرْنَا فِي " الْحَجِّ " مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: " أَمَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَقُومَ عَلَى بُدْنِهِ وَأَنْ أُقَسِّمَ جُلُودَهَا وَجِلاَلَهَا " وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا [عَمِّي هُوَ يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ] نَا أَبِي هُوَ إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ: سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: أَرَدْت الْخُرُوجَ إلَى خَيْبَرُ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إذَا أَتَيْتَ وَكِيلِي بِخَيْبَرَ فَخُذْ مِنْهُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَسْقًا فَإِنْ ابْتَغَى مِنْكَ آيَةً فَضَعْ يَدَكَ عَلَى تَرْقُوَتِهِ ". وَفِي هَذَا الْخَبَرِ تَصْدِيقُ الرَّسُولِ إذَا عَلِمَ الْوَالِي بِصِدْقِهِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ، حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ، عَنْ أَبِي قَزَعَةَ الْبَاهِلِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فَذَكَرَ حَدِيثَ التَّمْرِ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " بِيعُوا تَمْرَهَا وَاشْتَرُوا لَنَا مِنْ هَذَا ". وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ أَبِي يَعْقُوبَ الثَّقَفِيُّ حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ فَمَاتَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ فَزَوَّجَهَا النَّجَاشِيُّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَمْهَرَهَا عَنْهُ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ وَبَعَثَ بِهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَ شُرَحْبِيلَ بْنِ حَسَنَةَ وَهَذَا خَبَرٌ مَنْقُولٌ نَقْلَ الْكَافَّةِ. وَأَمَرَ عليه السلام بِأَخْذِ الْقَوَدِ

وَبِالرَّجْمِ، وَالْجَلْدِ، وَبِالْقَطْعِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، وَرَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّ مُحَيِّصَةَ بْنَ مَسْعُودٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَهْلٍ انْطَلَقَا إلَى خَيْبَرَ فَتَفَرَّقَا فِي النَّخْلِ فَقُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ فَاتَّهَمُوا الْيَهُودَ فَجَاءَ أَخُوهُ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ سَهْلٍ وَابْنَا عَمِّهِ حُوَيِّصَةُ وَمُحَيِّصَةُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَتَكَلَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَانِ فِي أَمْرِ أَخِيهِ وَهُوَ أَصْغَرُهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" الْكُبْرَ الْكُبْرَ أَوْ قَالَ: لِيَبْدَأْ الأَكْبَرُ فَتَكَلَّمَا فِي أَمْرِ صَاحِبِهِمَا ". وقال أبو حنيفة: لاَ أَقْبَلُ تَوْكِيلَ حَاضِرٍ، وَلاَ مَنْ كَانَ غَائِبًا عَلَى أَقَلَّ مِنْ مَسِيرَةِ ثَلاَثٍ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْحَاضِرُ، أَوْ مَنْ ذَكَرْنَا مَرِيضًا، إِلاَّ بِرِضَى الْخَصْمِ وَهَذَا خِلاَفُ السُّنَّةِ وَتَحْدِيدٌ بِلاَ بُرْهَانٍ وَقَوْلٌ لاَ نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ قَبْلَهُ. وَقَالَ الْمَالِكِيُّونَ: لاَ نَتَكَلَّمُ فِي الْحُقُوقِ إِلاَّ بِتَوْكِيلِ صَاحِبِهَا وَهَذَا بَاطِلٌ لِمَا ذَكَرْنَا وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّه}ِ. وَقَوْله تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} فَوَاجِبٌ بِمَا ذَكَرْنَا إنْكَارُ الظُّلْمِ، وَطَلَبُ الْحَقِّ لِحَاضِرٍ وَغَائِبٍ، مَا لَمْ يَتْرُكْ حَقَّهُ الْحَاضِرَ سَوَاءٌ بِتَوْكِيلٍ أَوْ بِغَيْرِ تَوْكِيلٍ. وَطَلَبُ الْحَقِّ قَدْ وَجَبَ، وَلاَ يَمْنَعُ مِنْ طَلَبِهِ قَوْلُ الْقَائِلِ: لَعَلَّ صَاحِبَهُ لاَ يُرِيدُ طَلَبَهُ، وَيُقَالُ لَهُ: قَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِطَلَبِهِ، فَلاَ يُسْقِطُ هَذَا الْيَقِينَ مَا يَتَوَقَّعُهُ بِالظَّنِّ.

لا تجوز وكالة على طلاق ولا عتق ولا تدبير ولا رجعة
1363 - مَسْأَلَةٌ - وَلاَ تَجُوزُ وَكَالَةٌ عَلَى طَلاَقٍ، وَلاَ عَلَى عِتْقٍ، وَلاَ عَلَى تَدْبِيرٍ، وَلاَ عَلَى رَجْعَةٍ،
وَلاَ عَلَى إسْلاَمٍ، وَلاَ عَلَى تَوْبَةٍ، وَلاَ عَلَى إقْرَارٍ، وَلاَ عَلَى إنْكَارٍ، وَلاَ عَلَى عَقْدِ الْهِبَةِ، وَلاَ عَلَى الْعَفْوِ، وَلاَ عَلَى الإِبْرَاءِ، وَلاَ عَلَى عَقْدِ ضَمَانٍ، وَلاَ عَلَى رِدَّةٍ، وَلاَ عَلَى قَذْفٍ، وَلاَ عَلَى صُلْحٍ، وَلاَ عَلَى إنْكَاحٍ مُطَاقٍ بِغَيْرِ تَسْمِيَةِ الْمُنْكَحَةِ وَالنَّاكِحِ; لأََنَّ كُلَّ ذَلِكَ إلْزَامُ حُكْمٍ لَمْ يَلْزَمْ قَطُّ، وَحَلُّ عَقْدٍ ثَابِتٍ، وَنَقْلُ مِلْكٍ بِلَفْظٍ. فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَتَكَلَّمَ أَحَدٌ، عَنْ أَحَدٍ إِلاَّ حَيْثُ أَوْجَبَ ذَلِكَ نَصٌّ، وَلاَ نَصَّ عَلَى جَوَازِ الْوَكَالَةِ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْوُجُوهِ. وَالأَصْلُ أَنْ لاَ يَجُوزَ قَوْلُ أَحَدٍ عَلَى غَيْرِهِ، وَلاَ حُكْمُهُ عَلَى غَيْرِهِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا، وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا كَسْبٌ عَلَى غَيْرِهِ وَحُكْمٌ بِالْبَاطِلِ يُمْضِيهِ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

لا يحل للوكيل تعدي ما أمره به موكله فإن فعل لم ينفذ فعله
1364 - مَسْأَلَةٌ - وَلاَ يَحِلُّ لِلْوَكِيلِ تَعَدِّي مَا أَمَرَهُ بِهِ مُوَكِّلُهُ فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَنْفُذْ فِعْلُهُ
فَإِنْ فَاتَ ضَمِنَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَلاَ تَعْتَدُوا إنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ

فعل الوكيل نافذ فيما أمر به الموكل لازم للموكل
1365 - مَسْأَلَةٌ - وَفِعْلُ الْوَكِيلِ نَافِذٌ فِيمَا أَمَرَ بِهِ الْمُوَكِّلُ لاَزِمٌ لِلْمُوَكِّلِ مَا لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُ أَنَّ مُوَكِّلَهُ قَدْ عَزَلَهُ،
فَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ عِنْدَهُ لَمْ يَنْفُذْ حُكْمُهُ مِنْ حِينَئِذٍ وَيَفْسَخُ مَا فَعَلَ. وَأَمَّا كُلُّ مَا فَعَلَ مِمَّا أَمَرَهُ بِهِ الْمُوَكِّلُ مِنْ حِينِ عَزْلِهِ إلَى حِينِ بُلُوغِ الْخَبَرِ إلَيْهِ فَهُوَ نَافِذٌ طَالَتْ الْمُدَّةُ بَيْنَ ذَلِكَ أَوْ قَصُرَتْ. وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي عَزْلِ الإِمَامِ لِلأَمِيرِ، وَلِلْوَالِي، وَلِلْقَاضِي، وَفِي عَزْلِ هَؤُلاَءِ لِمَنْ جُعِلَ إلَيْهِمْ أَنْ يُوَلُّوهُ، وَلاَ فَرْقَ لأََنَّهُ عَزَلَهُ بِغَيْرِ أَنْ يُعْلِمَهُ بَعْدَ أَنْ وَلَّاهُ وَأَطْلَقَهُ عَلَى الْبَيْعِ، وَعَلَى الأَبْتِيَاعِ، وَعَلَى التَّذْكِيَةِ، وَالْقِصَاصِ، وَالإِنْكَاحِ لِمُسَمَّاةٍ وَمُسَمًّى: خَدِيعَةٌ وَغِشٌّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنْفُسَهُمْ}
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا " فَعَزْلُهُ لَهُ بَاطِلٌ إِلاَّ أَنْ يَقُولَ، أَوْ يَكْتُبَ إلَيْهِ أَوْ يُوصِي إلَيْهِ: إذَا بَلَغَك رَسُولِي فَقَدْ عَزَلْتُك فَهَذَا صَحِيحٌ; لأََنَّ لَهُ أَنْ يَتَصَرَّفَ فِي حُقُوقِ نَفْسِهِ كَمَا يَشَاءُ، فَإِذَا بَلَغَهُ فَقَدْ صَحَّ عَزْلُهُ، وَلَيْسَ لِلْخَصْمِ أَنْ يَمْنَعَ مَنْ يُخَاصِمُهُ مِنْ عَزْلِ وَكِيلِهِ وَتَوْلِيَةِ آخَرَ; لأََنَّ التَّوْكِيلَ فِي ذَلِكَ قَدْ صَحَّ، وَلاَ بُرْهَانَ عَلَى أَنَّ لِلْخَصْمِ مَنْعَهُ مِنْ عَزْلِ مَنْ شَاءَ وَتَوْلِيَةِ مَنْ شَاءَ.
فإن قيل: إنَّ فِي ذَلِكَ ضَرَرًا عَلَى الْخَصْمِ قلنا: لاَ ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ أَصْلاً، بَلْ الضَّرَرُ كُلُّهُ هُوَ الْمَنْعُ مِنْ تَصَرُّفِ الْمَرْءِ فِي طَلَبِ حُقُوقِهِ بِغَيْرِ قُرْآنٍ أَوْجَبَ ذَلِكَ، وَلاَ سُنَّةٍ وَهَذَا هُوَ الشَّرْعُ الَّذِي لَمْ يَأْذَنْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ.

الوكالة تبطل بموت الموكل بلغ ذلك إلى الوكيل أو لم يبلغ بخلاف موت الإمام
1366 - مَسْأَلَةٌ - وَالْوَكَالَةُ تَبْطُلُ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ بَلَغَ ذَلِكَ إلَى الْوَكِيلِ، أَوْ لَمْ يَبْلُغْ بِخِلاَفِ مَوْتِ الإِمَامِ،
فَإِنَّهُ إنْ مَاتَ فَالْوُلاَةُ كُلُّهُمْ نَافِذَةٌ أَحْكَامُهُمْ حَتَّى يَعْزِلَهُمْ الإِمَامُ الْوَالِي، وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا} وَالْمَالُ قَدْ انْتَقَلَ بِمَوْتِ الْمُوَكِّلِ إلَى وَرَثَتِهِ، فَلاَ يَجُوزُ فِي مَالِهِمْ حُكْمُ مَنْ لَمْ يُوَكِّلُوهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الإِمَامُ; لأََنَّ الْمُسْلِمِينَ لاَ بُدَّ

كتاب المضاربة وهي القراض
القراض كان في الجاهلية وأقره الشرع
كِتَابُ الْمُضَارَبَةِ وَهِيَ الْقِرَاضُ
1367- مَسْأَلَةٌ - الْقِرَاضُ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ،
وَكَانَتْ قُرَيْشٌ أَهْلَ تِجَارَةٍ لاَ مَعَاشَ لَهُمْ مِنْ غَيْرِهَا وَفِيهِمْ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ الَّذِي لاَ يُطِيقُ السَّفَرَ، وَالْمَرْأَةُ وَالصَّغِيرُ، وَالْيَتِيمُ، فَكَانُوا وَذَوُو الشُّغْلِ وَالْمَرَضِ يُعْطُونَ الْمَالَ مُضَارَبَةً لِمَنْ يَتَّجِرُ بِهِ بِجُزْءٍ مُسَمًّى مِنْ الرِّبْحِ فَأَقَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ فِي الإِسْلاَمِ وَعَمِلَ بِهِ الْمُسْلِمُونَ عَمَلاً مُتَيَقَّنًا لاَ خِلاَفَ فِيهِ، وَلَوْ وُجِدَ فِيهِ خِلاَفٌ مَا الْتَفَتَ إلَيْهِ; لأََنَّهُ نَقْلُ كَافَّةٍ بَعْدَ كَافَّةٍ إلَى زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعِلْمِهِ بِذَلِكَ. وَقَدْ خَرَجَ صلى الله عليه وسلم فِي قِرَاضٍ بِمَالِ خَدِيجَةَ، رضي الله عنها.

القراض إنما هو بالدنانير والدراهم فقط
1368 - مَسْأَلَةٌ - وَالْقِرَاضُ إنَّمَا هُوَ بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ، وَلاَ يَجُوزُ بِغَيْرِ ذَلِكَ،
إِلاَّ بِأَنْ يُعْطِيَهُ الْعَرَضَ فَيَأْمُرُهُ بِبَيْعِهِ بِثَمَنٍ مَحْدُودٍ، وَبِأَنْ يَأْخُذَ الثَّمَنَ فَيَعْمَلُ بِهِ قِرَاضًا، لأََنَّ هَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ، وَمَا عَدَاهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَلاَ نَصَّ بِإِيجَابِهِ، وَلاَ حُكْمَ لأََحَدٍ فِي مَالِهِ إِلاَّ بِمَا أَبَاحَهُ لَهُ النَّصُّ. وَمِمَّنْ مَنَعَ مِنْ الْقِرَاضِ بِغَيْرِ الدَّنَانِيرِ، وَالدَّرَاهِمِ: الشَّافِعِيُّ، وَمَالِكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَغَيْرُهُمْ.

لا يجوز القراض إلى أجل مسمى
1369 - مَسْأَلَةٌ - وَلاَ يَجُوزُ الْقِرَاضُ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى أَصْلاً إِلاَّ مَا جَاءَ بِهِ نَصٌّ، أَوْ إجْمَاعٌ.
وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِطَ عَبْدًا يَعْمَلُ مَعَهُ، أَوْ أَجِيرًا يَعْمَلُ مَعَهُ، أَوْ جُزْءًا مِنْ الرِّبْحِ لِفُلاَنٍ; لأََنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ بَاطِلٌ. وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ: فَتَنَاقَضُوا هَهُنَا فَقَالُوا فِي الْقِرَاضِ كَمَا قلنا، وَقَالُوا فِي " الْمُسَاقَاةِ " لاَ تَجُوزُ أَلْبَتَّةَ إِلاَّ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى.
وَكَذَلِكَ قَالُوا فِي " الْمُزَارَعَةِ " فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي أَجَازُوهَا فِيهِ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مَعَ خِلاَفِهِمْ فِي " الْمُزَارَعَةِ " و " الْمُسَاقَاةِ " السُّنَّةَ الْوَارِدَةَ فِي ذَلِكَ، وَتَرَكُوا الْقِيَاسَ أَيْضًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

لا يجوز القراض إلا بأن يسميا السهم الذي يقترضان عليه من الربح
1370 - مَسْأَلَةٌ - وَلاَ يَجُوزُ الْقِرَاضُ إِلاَّ بِأَنْ يُسَمِّيَا السَّهْمَ الَّذِي يَتَقَارَضَانِ عَلَيْهِ مِنْ الرِّبْحِ،
كَسُدُسٍ، أَوْ رُبْعٍ، أَوْ ثُلُثٍ، أَوْ نِصْفٍ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، وَيُبَيِّنَا مَا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الرِّبْحِ; لأََنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ هَكَذَا لَمْ يَكُنْ قِرَاضًا، وَلاَ عُرْفًا مَا يَعْمَلُ الْعَامِلُ عَلَيْهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

لا يحل للعامل أن يأكل من المال شيئا ولا أن يلبس منه شيئا
1371 - مَسْأَلَةٌ - وَلاَ يَحِلُّ لِلْعَامِلِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ الْمَالِ شَيْئًا، وَلاَ أَنْ يَلْبَسَ مِنْهُ شَيْئًا،
لاَ فِي سَفَرٍ، وَلاَ فِي حَضَرٍ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: مَا أَكَلَ الْمُضَارِبُ فَهُوَ دَيْنٌ عَلَيْهِ. وَصَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَالْحَسَنِ: أَنَّ نَفَقَتَهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ قَالَ إبْرَاهِيمُ: وَكِسْوَتُهُ كَذَلِكَ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ لَيْسَ كَذَلِكَ. وَقَوْلُنَا هَهُنَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ. وقال أبو حنيفة، وَمَالِكٌ: أَمَّا فِي الْحَضَرِ فَكَمَا قلنا، وَأَمَّا فِي السَّفَرِ فَيَأْكُلُ مِنْهُ وَيَكْتَسِي مِنْهُ وَيَرْكَبُ مِنْهُ بِالْمَعْرُوفِ إذَا كَانَ الْمَالُ كَثِيرًا وَإِلَّا فَلاَ، إِلاَّ أَنَّ مَالِكًا قَالَ: لَهُ فِي الْحَضَرِ أَنْ يَتَغَذَّى مِنْهُ بِالأَفْلُسُ. وَهَذَا تَقْسِيمٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ; لأََنَّهُ بِلاَ دَلِيلٍ، وَلَيْتَ شِعْرِي مَا مِقْدَارُ الْمَالِ الْكَثِيرِ الَّذِي أَبَاحُوا هَذَا فِيهِ وَمَا مِقْدَارُ الْقَلِيلِ الَّذِي مَنَعُوهُ فِيهِ وَهَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ لأََنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَلاَ يَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ فَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ فَهُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ. ثُمَّ أَيْضًا يَعُودُ الْمَالُ إلَى الْجَهَالَةِ فَلاَ يَدْرِي مَا يَخْرُجُ مِنْهُ، وَلاَ مَا يَبْقَى مِنْهُ وَقَلِيلُ الْحَرَامِ حَرَامٌ وَلَوْ أَنَّهُ مِقْدَارُ ذَرَّةٍ، وَكَثِيرُ الْحَلاَلِ حَلاَلٌ وَلَوْ أَنَّهُ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا. فَإِنْ قَالُوا هُوَ سَاعٍ فِي مَصْلَحَةِ الْمَالِقلنا: نَعَمْ، فَكَانَ مَاذَا وَإِنَّمَا هُوَ سَاعٍ لِرِبْحٍ يَرْجُوهُ، فَإِنَّمَا يَسْعَى فِي حَظِّ نَفْسِهِ.

كل ربح ربحاه فلهما أن يقتسماه فإن لم يفعلا وتركا الأمر بحسبه ثم خسرا في المال فلا ربح للعامل
1372 - مَسْأَلَةٌ - وَكُلُّ رِبْحٍ رَبِحَاهُ فَلَهُمَا أَنْ يَتَقَاسَمَاهُ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلاَ وَتَرَكَا الأَمْرَ بِحَسَبِهِ ثُمَّ خَسِرَ فِي الْمَالِ فَلاَ رِبْحَ لِلْعَامِلِ،
وَأَمَّا إذَا اقْتَسَمَا الرِّبْحَ فَقَدْ مَلَكَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا صَارَ لَهُ، فَلاَ يَسْقُطُ مِلْكُهُ عَنْهُ ; لأََنَّهُمَا عَلَى هَذَا تَعَامَلاَ، وَعَلَى أَنْ يَكُونَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَظٌّ مِنْ الرِّبْحِ، فَإِذَا اقْتَسَمَاهُ فَهُوَ عَقْدُهُمَا الْمُتَّفَقُ عَلَى جَوَازِهِ، فَإِنْ لَمْ يَقْتَسِمَاهُ فَقَدْ تَطَوَّعَا بِتَرْكِ حَقِّهِمَا وَذَلِكَ مُبَاحٌ.

لا ضمان على العامل فيما تلف من المال
1373 – مَسْأَلَةٌ - وَلاَ ضَمَانَ عَلَى الْعَامِلِ فِيمَا تَلِفَ مِنْ الْمَالِ وَلَوْ تَلِفَ كُلُّهُ،
وَلاَ فِيمَا خَسِرَ فِيهِ، وَلاَ شَيْءَ لَهُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ، إِلاَّ أَنْ يَتَعَدَّى أَوْ يُضَيِّعَ فَيَضْمَنُ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ ".

أيهما أراد ترك العمل فله ذلك ويجبر العامل على بيع السلع معجلا خسر أو ربح
1374 - مَسْأَلَةٌ - وَأَيُّهُمَا أَرَادَ تَرْكَ الْعَمَلِ فَلَهُ ذَلِكَ وَيُجْبَرُ الْعَامِلُ عَلَى بَيْعِ السِّلَعِ مُعَجِّلاً خَسِرَ أَوْ رَبِحَ
لأََنَّهُ لاَ مُدَّةَ فِي الْقِرَاضِ، فَإِذْ لَيْسَ فِيهِ مُدَّةٌ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُجْبَرَ الآبِي مِنْهُمَا عَلَى التَّمَادِي فِي عَمَلٍ لاَ يُرِيدُهُ أَحَدُهُمَا فِي مَالِهِ، وَلاَ يُرِيدُهُ الآخَرُ فِي عَمَلِهِ، وَلاَ يَجُوزُ التَّأْخِيرُ فِي ذَلِكَ; لأََنَّهُ لاَ يَدْرِي كَمْ يَكُونُ التَّأْخِيرُ وَقَدْ تَسْمُو قِيمَةُ السِّلَعِ، وَقَدْ تَنْحَطُّ، فَإِيجَابُ التَّأْخِيرِ فِي ذَلِكَ خَطَأٌ، وَلاَ يَلْزَمُ أَحَدًا أَنْ يُبِيحَ مَالَهُ لِغَيْرِهِ لِيُمَوِّلَهُ بِهِ. وَالْعَجَبُ مِمَّنْ أَلْزَمَ هَهُنَا إجْبَارَ صَاحِبِ الْمَالِ عَلَى الصَّبْرِ حَتَّى يَكُونَ لِلسِّلَعِ سُوقٌ لِيُمَوِّلَ بِذَلِكَ الْعَامِلَ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ، وَهُوَ لاَ يَرَى إجْبَارَهُ عَلَى تَدَارُكِ مَنْ يَمُوتُ جُوعًا مِنْ ذَوِي رَحِمِهِ، أَوْ غَيْرِهِمْ، بِمَا يُقِيمُ رَمَقَهُ، وَهَذَا عَكْسُ الْحَقَائِقِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

إن تعدى العامل فربح فإن كان اشترى في ذمته وزن من مال القراض فحكمه حكم الغاصب
1375 - مَسْأَلَةٌ - وَإِنْ تَعَدَّى الْعَامِلُ فَرَبِحَ، فَإِنْ كَانَ اشْتَرَى فِي ذِمَّتِهِ وَوَزَنَ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْغَاصِبِ
وَقَدْ صَارَ ضَامِنًا لِلْمَالِ إنْ تَلِفَ أَوْ لِمَا تَلِفَ مِنْهُ بِالتَّعَدِّي، وَيَكُونُ الرِّبْحُ لَهُ، لأََنَّ الشِّرَى لَهُ. وَإِنْ كَانَ اشْتَرَى بِمَالِ الْقِرَاضِ نَفْسِهِ فَالشِّرَى فَاسِدٌ مَفْسُوخٌ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ صَاحِبُهُ الْبَائِع مِنْهُ فَالرِّبْحُ لِلْمَسَاكِينِ; لأََنَّهُ مَالٌ لاَ يُعْرَفُ لَهُ صَاحِبٌ. وَهَذَا قَوْلُ النَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

أيهما مات بطل القراض
1376- مَسْأَلَةٌ: وَأَيُّهُمَا مَاتَ بَطَلَ الْقِرَاضُ :
أَمَّا فِي مَوْتِ صَاحِبِ الْمَالِ فَلأََنَّ الْمَالَ قَدْ صَارَ لِلْوَرَثَةِ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ ". أَمَّا فِي مَوْتِ الْعَامِلِ، فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا} وَعَقْدُ الَّذِي لَهُ الْمَالُ إنَّمَا كَانَ مَعَ الْمَيِّتِ لاَ مَعَ وَارِثِهِ، إِلاَّ أَنَّ عَمَلَ الْعَامِلِ بَعْدَ مَوْتِ صَاحِبِ الْمَالِ لَيْسَ تَعَدِّيًا، وَعَمَلَ الْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِ الْعَامِلِ إصْلاَحٌ لِلْمَالِ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} فَلاَ ضَمَانَ عَلَى الْعَامِلِ، وَلاَ عَلَى وَارِثِهِ إنْ تَلِفَ الْمَالُ بِغَيْرِ تَعَدٍّ، وَيَكُونُ الرِّبْحُ كُلُّهُ لِصَاحِبِ الْمَالِ، أَوْ لِوَارِثِهِ، وَيَكُونُ لِلْعَامِلِ هَهُنَا أَوْ لِوَرَثَتِهِ أَجْرُ مِثْلِ عَمَلِهِ فَقَطْ، لقوله تعالى: {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} فَحُرْمَةُ عَمَلِهِ يَجِبُ لَهُ أَنْ يُقَاصَّ بِمِثْلِهَا; لأََنَّهُ مُحْسِنٌ مُعِينٌ عَلَى بِرٍّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

إن اشترى العامل من مال القراض جارية فوطئها فهو زان وعليه حد الزنا
1377 - مَسْأَلَةٌ - وَإِنْ اشْتَرَى الْعَامِلُ مِنْ مَالِ الْقِرَاضِ جَارِيَةً فَوَطِئَهَا فَهُوَ زَانٍ عَلَيْهِ حَدُّ الزِّنَا;
لأََنَّ أَصْلَ الْمِلْكِ لِغَيْرِهِ، وَوَلَدُهُ مِنْهَا رَقِيقٌ لِصَاحِبِ الْمَالِ، وَكَذَلِكَ وَلَدُ الْمَاشِيَةِ،

كتاب الاقرار
من أقر لآخر أو لله تعالى بحق في مال أو دم أو بشرة وكان المقر عاقلا بالغا غير مكره لم يصله بما يفسده وقد لزمه ولا رجوع له بعد ذلك
كِتَابُ الإِقْرَارِ
1378 - مَسْأَلَةٌ - مَنْ أَقَرَّ لأَخَرَ، أَوْ لِلَّهِ تَعَالَى بِحَقٍّ فِي مَالٍ، أَوْ دَمٍ، أَوْ بَشَرَةٍ وَكَانَ الْمُقِرُّ عَاقِلاً بَالِغًا غَيْرَ مُكْرَهٍ وَأَقَرَّ إقْرَارًا تَامًّا، وَلَمْ يَصِلْهُ بِمَا يُفْسِدُهُ: فَقَدْ لَزِمَهُ،
وَلاَ رُجُوعَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَإِنْ رَجَعَ لَمْ يَنْتَفِعْ بِرُجُوعِهِ وَقَدْ لَزِمَهُ مَا أَقَرَّ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ دَمٍ، أَوْ حَدٍّ، أَوْ مَالٍ. فَإِنْ وَصَلَ الإِقْرَارُ بِمَا يُفْسِدُهُ بَطَلَ كُلُّهُ وَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ، لاَ مِنْ مَالٍ، وَلاَ قَوَدٍ، وَلاَ حَدٍّ: مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: لِفُلاَنٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِينَارٍ، أَوْ يَقُولُ: قَذَفْت فُلاَنًا بِالزِّنَى، أَوْ يَقُولُ زَنَيْت، أَوْ يَقُولُ: قَتَلْت فُلاَنًا، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ: فَقَدْ لَزِمَهُ، فَإِنْ رَجَعَ، عَنْ ذَلِكَ لَمْ يَلْتَفِتْ. فَإِنْ قَالَ: كَانَ لِفُلاَنٍ عَلَيَّ مِائَةُ دِينَارٍ وَقَدْ قَضَيْته إيَّاهَا، أَوْ قَالَ: قَذَفْت فُلاَنًا وَأَنَا فِي غَيْرِ عَقْلِي، أَوْ قَتَلْت فُلاَنًا; لأََنَّهُ أَرَادَ قَتْلِي وَلَمْ أَقْدِرْ عَلَى دَفْعِهِ، عَنْ نَفْسِي، أَوْ قَالَ: زَنَيْت وَأَنَا فِي غَيْرِ عَقْلِي، أَوْ نَحْوَ هَذَا، فَإِنَّ هَذَا كُلَّهُ يَسْقُطُ، وَلاَ يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَالْحُرُّ، وَالْعَبْدُ، وَالذَّكَرُ، وَالأُُنْثَى ذَاتُ الزَّوْجِ، وَالْبِكْرُ ذَاتُ الأَبِ، وَالْيَتِيمَةُ فِيمَا ذَكَرْنَا سَوَاءٌ وَإِنَّمَا هَذَا كُلُّهُ إذَا لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةُ فَإِذَا كَانَتْ الْبَيِّنَةُ فَلاَ مَعْنَى لِلإِنْكَارِ، وَلاَ لِلإِقْرَارِ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، هُوَ ابْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ جَارِيَةً وُجِدَ رَأْسُهَا قَدْ رُضَّ بَيْنَ حَجَرَيْنِ، فَسَأَلُوهَا مَنْ صَنَعَ هَذَا بِكِ فُلاَنٌ فُلاَنٌ حَتَّى ذَكَرُوا يَهُودِيًّا فَأَوْمَأَتْ بِرَأْسِهَا، فَأُخِذَ الْيَهُودِيُّ فَأَقَرَّ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُرَضَّ رَأْسُهُ بِالْحِجَارَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ [بْنِ مَسْعُودٍ]، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ قَوْلُ الْقَائِلِ: إنَّ ابْنِي كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ، وَإِنِّي أُخْبِرْتُ أَنَّ عَلَى ابْنِي الرَّجْمَ، فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةِ شَاةٍ وَوَلِيدَةٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاََقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ ": الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ رَدٌّ، وَعَلَى ابْنِكَ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ، اُغْدُ يَا أُنَيْسُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا، فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا، فَغَدَا عَلَيْهَا فَاعْتَرَفَتْ، فَأَمَرَ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرُجِمَتْ فَقُتِلَ عليه السلام بِالإِقْرَارِ وَرُجِمَ بِهِ، وَرُدَّ بِهِ الْمَالُ مِمَّنْ كَانَ بِيَدِهِ إلَى غَيْرِهِ. وَأَمَّا إذَا وَصَلَ بِهِ مَا يُفْسِدُهُ فَلَمْ يُقِرَّ بِشَيْءٍ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُلْزَمَ بَعْضَ إقْرَارِهِ، وَلاَ يُلْزَمَ سَائِرَهُ; لأََنَّهُ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ قُرْآن، وَلاَ سُنَّةٌ، وَلاَ إجْمَاعٌ.

وَقَدْ تَنَاقَضَ هَهُنَا الْمُخَالِفُونَ فَقَالُوا: إنْ قَالَ: لَهُ عَلَيَّ دِينَارٌ إِلاَّ رُبْعَ دِينَارٍ فَهُوَ كَمَا قَالَ وَإِنْ قَالَ: ابْتَعْت مِنْهُ دَارِهِ بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَأَنْكَرَ الآخَرُ الْبَيْعَ وَقَالَ: قَدْ أَقَرَّ لِي بِمِائَةِ دِينَارٍ وَادَّعَى ابْتِيَاعَ دَارِي، فَإِنَّهُمْ لاَ يَقُصُّونَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ أَصْلاً وَهَذَا تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ. وقال مالك: مَنْ قَالَ: أَحْسَنَ اللَّهُ جَزَاءَ فُلاَنٍ فَإِنَّهُ أَسْلَفَنِي مِائَتَيْ دِينَارٍ، وَأَمْهَلَنِي حَتَّى أَدَّيْتهَا كُلَّهَا إلَيْهِ، فَإِنَّهُ لاَ يَقْضِي لِذَلِكَ الْفُلاَنِ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ إنْ طَلَبَهُ بِهَذَا الإِقْرَارِ. وَلاَ يَخْتَلِفُونَ فِيمَنْ قَالَ: قَتَلْتُ رَجُلاً مُسْلَمًا الآنَ أَمَامَكُمْ، أَوْ قَالَ: أَخَذْت مِنْ هَذَا مِائَةَ دِينَارٍ الآنَ بِحَضْرَتِكُمْ، فَإِنَّهُ لاَ يَقْضِي عَلَيْهِ بِشَيْءٍ وَلَمْ يَقُولُوا: إنْ أَقَرَّ، ثُمَّ نَدِمَ، وَلاَ أَخَذُوا بِبَعْضِ قَوْلٍ دُونَ بَعْضٍ، وَهَذَا تَنَاقُضٌ ظَاهِرٌ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ، أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّ رَجُلاً اسْتَضَافَ نَاسًا مِنْ هُذَيْلٍ فَأَرْسَلُوا جَارِيَةً تَحْتَطِبُ فَأَعْجَبَتْ الضَّيْفَ فَتَبِعَهَا فَأَرَادَهَا فَامْتَنَعَتْ، فَعَارَكَهَا فَانْفَلَتَتْ فَرَمَتْهُ بِحَجَرٍ فَفَضَّتْ كَبِدَهُ فَمَاتَ، فَأَتَتْ أَهْلَهَا فَأَخْبَرَتْهُمْ، فَأَتَوْا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَأَخْبَرُوهُ فَقَالَ عُمَرُ: قَتِيلُ اللَّهِ لاَ يُودَى وَاَللَّهِ أَبَدً.ا
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، وَحُمَيْدٍ، وَمُطَرِّفٍ، كُلِّهِمْ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: غَزَا رَجُلٌ فَخَلَفَ عَلَى امْرَأَتِهِ رَجُلٌ مِنْ يَهُودَ، فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ صَلاَةِ الْفَجْرِ وَهُوَ يَقُولُ:
وَأَشْعَثَ غَرَّهُ الإِسْلاَمُ مِنِّي ... جَلَوْت بِعُرْسِهِ لَيْلَ التَّمَامِ
أَبِيت عَلَى تَرَائِبِهَا وَيُمْسِي ... عَلَى جَرْدَاءَ لاَحِقَةِ الْحِزَامِ
كَأَنَّ مَجَامِعَ الرَّبَلاَتِ مِنْهَا ... قِيَامٌ يَنْهَضُونَ إلَى فِئَامِ
فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَضَرَبَهُ بِسَيْفِهِ حَتَّى قَتَلَهُ فَجَاءَتْ الْيَهُودُ يَطْلُبُونَ دَمَهُ فَجَاءَ الرَّجُلُ فَأَخْبَرَهُ بِالأَمْرِ، فَأَبْطَلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ دَمَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ الأَوْدِيُّ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ أُتِيتُ وَأَنَا بِالْيَمَنِ بِامْرَأَةٍ فَسَأَلْتهَا فَقَالَتْ: مَا تَسْأَلُ، عَنْ امْرَأَةٍ حُبْلَى ثَيِّبٍ مِنْ غَيْرِ بَعْلٍ، أَمَا وَاَللَّهِ مَا خَالَلْت خَلِيلاً، وَلاَ خَادَنْتُ خِدْنًا، مُذْ أَسْلَمْت، وَلَكِنِّي بَيْنَمَا أَنَا نَائِمَةٌ بِفِنَاءِ بَيْتِي، فَوَاَللَّهِ مَا أَيْقَظَنِي إِلاَّ الرَّجُلُ حِينَ رَكِبَنِي وَأَلْقَى فِي بَطْنِي مِثْلَ الشِّهَابِ فَقَالَ: فَكَتَبْت فِيهَا إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَكَتَبَ إلَيَّ: أَنْ وَافِنِي بِهَا وَبِنَاسٍ مِنْ قَوْمِهَا فَوَافَيْته بِهَا فِي الْمَوْسِمِ، فَسَأَلَ عَنْهَا قَوْمَهَا فَأَثْنَوْا خَيْرًا، وَسَأَلَهَا فَأَخْبَرَتْهُ كَمَا أَخْبَرَتْنِي، فَقَالَ عُمَرُ: شَابَّةٌ تِهَامِيَّةٌ تَنَوَّمَتْ قَدْ كَانَ ذَلِكَ يُفْعَلُ، فَمَارَّهَا

عُمَرُ وَكَسَاهَا، وَأَوْصَى بِهَا قَوْمَهَا خَيْرًا هَذَا خَبَرٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ أَبِي الْحَكَمِ، عَنِ الْحَسَنِ: أَنَّ رَجُلاً رَأَى مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلاً فَقَتَلَهُ، فَارْتَفَعُوا إلَى عُثْمَانَ بْنِ عَفَانِ فَأَبْطَلَ دَمَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، قَالاَ جَمِيعًا: إنَّ رَجُلاً أَتَى امْرَأَةً لَيْلاً فَجَعَلَتْ تَسْتَصْرِخُ فَلَمْ يُصْرِخْهَا أَحَدٌ، فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ قَالَتْ: رُوَيْدَك حَتَّى أَسْتَعِدَّ وَأَتَهَيَّأَ، فَأَخَذَتْ فِهْرًا فَقَامَتْ خَلْفَ الْبَابِ، فَلَمَّا دَخَلَ ثَلَغَتْ بِهِ رَأْسَهُ فَارْتَفَعُوا إلَى الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ، فَأَبْطَلَ دَمَهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ أَخْبَرَنَا أَبُو عُقْبَةَ أَنَّ رَجُلاً ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ أَلْفَ دِرْهَمٍ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فَاخْتَصَمَا إلَى عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ يَعْلَى فَقَالَ: قَدْ كَانَتْ لَهُ عِنْدِي أَلْفُ دِرْهَمٍ فَقَضَيْته فَقَالَ: أَصْلَحَك اللَّهُ قَدْ أَقَرَّ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ يَعْلَى: إنْ شِئْت أَخَذْت بِقَوْلِهِ أَجْمَعَ، وَإِنْ شِئْت أَبْطَلْته أَجْمَعَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ يَعْلَى مِنْ التَّابِعِينَ وَلِيَ قَضَاءِ الْبَصْرَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُوس، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَنْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ فِي يَدِهِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ قَالَ: كُلُّ مَنْ كَانَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ فَالْقَوْلُ فِيهِ قَوْلُهُ وَقَوْلُنَا فِيمَا ذَكَرْنَا هُوَ قَوْلُ عُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ. وَأَمَّا الرُّجُوعُ، عَنِ الإِقْرَارِ: فَكُلُّهُمْ مُتَّفِقٌ عَلَى مَا قلنا، إِلاَّ فِي الرُّجُوعِ، عَنِ الإِقْرَارِ بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ، فَإِنَّ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ، قَالُوا: إنْ رَجَعَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ وَهَذَا بَاطِلٌ، وَالْقَوْمُ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ، فَهَلاَّ قَاسُوا الإِقْرَارَ بِالْحَدِّ عَلَى الإِقْرَارِ بِالْحُقُوقِ سَوَاءً وَأَيْضًا فَإِنَّ الْحَدَّ قَدْ لَزِمَهُ بِإِقْرَارِهِ، فَمَنْ ادَّعَى سُقُوطَهُ بِرُجُوعِهِ فَقَدْ ادَّعَى مَا لاَ بُرْهَانَ لَهُ بِهِ ; وَاحْتَجُّوا بِشَيْئَيْنِ: أَحَدُهُمَا: حَدِيثُ مَاعِزٍ. وَالثَّانِي: أَنْ قَالُوا: إنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ.
قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا حَدِيثُ مَاعِزٍ فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلاً، لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهِ: أَنَّ مَاعِزًا رَجَعَ، عَنِ الإِقْرَارِ أَلْبَتَّةَ، لاَ بِنَصٍّ، وَلاَ بِدَلِيلٍ، وَلاَ فِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إنْ رَجَعَ، عَنْ إقْرَارِهِ قَبْلَ رُجُوعِهِ أَيْضًا أَلْبَتَّةَ، فَكَيْفَ يَسْتَحِلُّ مُسْلِمٌ أَنْ يُمَوِّهَ عَلَى أَهْلِ الْغَفْلَةِ بِخَبَرٍ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِمَّا يَزْعُمُ وَإِنَّمَا رُوِيَ، عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ، أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ مَاعِزًا، وَالْغَامِدِيَّةَ لَوْ رَجَعَا بَعْدَ اعْتِرَافِهِمَا، أَوْ لَمْ يَرْجِعَا [بَعْدَ اعْتِرَافِهِمَا] لَمْ يَطْلُبْهُمَا: هَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيِّ، عَنْ بَشِيرِ بْنِ الْمُهَاجِرِ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ وَهَذَا ظَنٌّ، وَالظَّنُّ لاَ يَجُوزُ الْقَطْعُ بِهِ، وَقَوْلُ الْقَائِلِ: لَوْ فَعَلَ فُلاَنٌ كَذَا لَفَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمْرًا كَذَا: لَيْسَ بِشَيْءِ، إذْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ الْفُلاَنُ، وَلاَ غَيْرُهُ ذَلِكَ الْفِعْلَ

قَطُّ، وَلاَ فَعَلَهُ عليه السلام قَطُّ، وَقَدْ قَالَ جَابِرٌ: أَنَا أَعْلَمُ النَّاسِ بِأَمْرِ مَاعِزٍ إنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ وَجِئْتُمُونِي بِهِ " لِيَسْتَثْبِتَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْهُ، فأما لِتَرْكِ حَدٍّ فَلاَ: هَذَا نَصُّ كَلاَمِ جَابِرٍ، فَهُوَ أَعْلَمُ بِذَلِكَ، وَلَمْ يَرْجِعْ مَاعِزٌ قَطُّ، عَنْ إقْرَارِهِ، وَإِنَّمَا قَالَ: رُدُّونِي إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّ قَوْمِي قَتَلُونِي وَغَرُّونِي مِنْ نَفْسِي، وَأَخْبَرُونِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَيْرُ قَاتِلِي هَكَذَا رُوِّينَا كُلَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ: أَنَّ عَاصِمَ بْنَ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي حَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ لَهُ: كُلُّ مَا ذَكَرْنَا عَلَى نَصِّهِ فَبَطَلَ تَمْوِيهُهُمْ بِحَدِيثِ مَاعِزٍ. وَأَمَّا " ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ " فَمَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَطُّ مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا خَيْرٌ، وَلاَ نَعْلَمُهُ أَيْضًا جَاءَ عَنْهُ عليه السلام أَيْضًا، لاَ مُسْنَدًا، وَلاَ مُرْسَلاً وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلٌ رُوِيَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَعُمَرَ، فَقَطْ وَلَوْ صَحَّ لَكَانُوا أَوَّلَ مُخَالِفٍ لَهُ; لأََنَّ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ لاَ نَعْلَمُ أَحَدًا أَشَدَّ إقَامَةً لِلْحُدُودِ بِالشُّبُهَاتِ مِنْهُمْ. فَالْمَالِكِيُّونَ يَحُدُّونَ فِي الزِّنَى بِالرَّجْمِ وَالْجَلْدِ بِالْحَبَلِ فَقَطْ وَهِيَ مُنْكِرَةٌ وَقَدْ تُسْتَكْرَهُ وَتُوطَأُ بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ لَمْ يَشْتَهِرْ، أَوْ وَهِيَ فِي غَيْرِ عَقْلِهَا، وَيَقْتُلُونَ بِدَعْوَى الْمَرِيضِ: أَنَّ فُلاَنًا قَتَلَهُ، وَفُلاَنٌ مُنْكِرٌ، وَلاَ بَيِّنَةَ عَلَيْهِ. وَيَحُدُّونَ فِي الْخَمْرِ بِالرَّائِحَةِ، وَقَدْ تَكُونُ رَائِحَةَ تُفَّاحٍ، أَوْ كُمَّثْرَى شَتْوِيٍّ. وَيَقْطَعُونَ فِي السَّرِقَةِ مَنْ يَقُولُ: صَاحِبُ الْمَنْزِلِ بَعَثَنِي فِي هَذَا الشَّيْءِ وَصَاحِبُ الْمَنْزِلِ مُقِرٌّ لَهُ بِذَلِكَ. وَيَحُدُّونَ فِي الْقَذْفِ بِالتَّعْرِيضِ وَهَذَا كُلُّهُ هُوَ إقَامَةُ الْحُدُودِ بِالشُّبُهَاتِ. وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ فَإِنَّهُمْ يَقْطَعُونَ مَنْ دَخَلَ مَعَ آخَرَ فِي مَنْزِلِ إنْسَانٍ لِلسَّرِقَةِ فَلَمْ يَتَوَلَّ أَخْذَ شَيْءٍ، وَلاَ إخْرَاجَهُ، وَإِنَّمَا سَرَقَ الَّذِي دَخَلَ فِيهِ فَقَطْ، فَيَقْطَعُونَهُمَا جَمِيعًا فِي كَثِيرٍ لَهُمْ مِنْ مِثْلِ هَذَا قَدْ تَقَصَّيْنَاهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ. فَمَنْ أَعْجَبُ شَأْنًا مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِقَوْلِ قَائِلٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ هُوَ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِمَا احْتَجَّ بِهِ مِنْ ذَلِكَ، وَأَمَّا تَسْوِيَتُنَا بَيْنَ الْحُرِّ، وَالْعَبْدِ، وَالذَّكَرِ، وَالأُُنْثَى ذَاتِ الأَبِ الْبِكْرِ، وَغَيْرِ الْبِكْرِ، وَالْيَتِيمَةِ، وَذَاتِ الزَّوْجِ فَلأََنَّ الدِّينَ وَاحِدٌ عَلَى الْجَمِيعِ وَالْحُكْمَ وَاحِدٌ عَلَى الْجَمِيعِ، إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ: قُرْآنٌ أَوْ سُنَّةٌ، وَلاَ قُرْآنَ، وَلاَ سُنَّةَ، وَلاَ قِيَاسَ، وَلاَ إجْمَاعَ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا وَبِلاَ خِلاَفٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَاطَبَ كُلَّ مَنْ ذَكَرْنَا خِطَابًا قَصَدَ بِهِ إلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي ذَاتِ نَفْسِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى

أَنْفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} فَكُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا مَأْمُورٌ بِالإِقْرَارِ بِالْحَقِّ عَلَى نَفْسِهِ، وَمِنْ الْبَاطِلِ الْمُتَيَقَّنِ أَنْ يُفْتَرَضَ عَلَيْهِمْ مَا لاَ يُقْبَلُ مِنْهُمْ. وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: إقْرَارُ الْعَبْدِ بِمَا يُوجِبُ الْحَدَّ لاَ يَلْزَمُ; لأََنَّهُ مَالٌ فَإِنَّمَا هُوَ مُقِرٌّ فِي مَالِ سَيِّدِهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا}
قَالَ عَلِيٌّ: هُوَ وَإِنْ كَانَ مَالاً فَهُوَ إنْسَانٌ تَلْزَمُهُ أَحْكَامُ الدِّيَانَةِ، وَهَذِهِ الآيَةُ حُجَّتُنَا فِي ذَلِكَ; لأََنَّهُ كَاسِبٌ عَلَى نَفْسِهِ بِإِقْرَارِهِ. وَقَدْ وَافَقُونَا: لَوْ أَنَّ أَجِيرًا أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِحَدٍّ لَلَزِمَهُ، وَفِي إقْرَارِهِ بِذَلِكَ إبْطَالُ إجَارَتِهِ إنْ أَقَرَّ بِمَا يُوجِبُ قَتْلاً أَوْ قَطْعًا وَلَيْسَ بِذَلِكَ كَاسِبًا عَلَى غَيْرِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

يلزم كل ما ذكر في المسألة قبل هذه من حد أو قتل أو مال بإقراره مرة
1379 - مَسْأَلَةٌ - وَبِإِقْرَارِهِ مَرَّةً يَلْزَمُ كُلُّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ حَدٍّ، أَوْ قَتْلٍ،
أَوْ مَالٍ وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ: لاَ يَلْزَمُ الْحَدُّ فِي الزِّنَى إِلاَّ بِإِقْرَارِ أَرْبَعِ مَرَّاتٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لاَ يَلْزَمُ فِي السَّرِقَةِ إِلاَّ بِإِقْرَارٍ مَرَّتَيْنِ، وَأَقَامُوا ذَلِكَ مَقَامَ الشَّهَادَةِ وقال مالك، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ كَقَوْلِنَا وَاحْتَجَّ الْحَنَفِيُّونَ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: رَدَّ مَاعِزًا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ .
قَالَ عَلِيٌّ: قَدْ صَحَّ هَذَا وَجَاءَ أَنَّهُ رَدَّهُ أَقَلَّ، وَرُوِيَ أَكْثَرَ إنَّمَا رَدَّهُ عليه السلام لأََنَّهُ اتَّهَمَ عَقْلَهُ، وَاتَّهَمَهُ أَنَّهُ لاَ يَدْرِي مَا الزِّنَى هَكَذَا فِي نَصِّ الْحَدِيثِ، أَنَّهُ قَالَ: اسْتَنْكِهُوهُ هَلْ شَرِبَ خَمْرًا أَوْ كَمَا قَالَ عليه السلام وَأَنَّهُ عليه السلام بَعَثَ إلَى قَوْمِهِ يَسْأَلُهُمْ، عَنْ عَقْلِهِ وَأَنَّهُ عليه السلام قَالَ لَهُ: أَتَدْرِي مَا الزِّنَى لَعَلَّكَ غَمَزْتَ أَوْ قَبَّلْتَ فَإِذْ قَدْ صَحَّ هَذَا كُلُّهُ، وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ فِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ، وَلاَ سَقِيمَةٍ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ: لاَ يُحَدُّ حَتَّى يُقِرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُزَادَ هَذَا الشَّرْطُ فِيمَا تُقَامُ بِهِ حُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْقَوْمُ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ، فَيَلْزَمُهُمْ إذْ أَقَامُوا الإِقْرَارَ مَقَامَ الْبَيِّنَةِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ أَنْ يُقِيمُوهُ مَقَامَهَا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ، فَلاَ يَقْضُوا عَلَى أَحَدٍ أَقَرَّ بِمَالٍ حَتَّى يُقِرَّ مَرَّتَيْنِ وَهُمْ لاَ يَفْعَلُونَ هَذَا، وَقَدْ قَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْيَهُودِيَّ الَّذِي قَتَلَ الْجَارِيَةَ بِإِقْرَارٍ غَيْرِ مُرَدَّدٍ، وَالْقَتْلُ أَعْظَمُ الْحُدُودِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

إقرارا المريض في مرض موته وفي مرض إفاق منه لوارث ولغير وارث نافذ من رأس المال كإقرار صحيح ولا فرق
1380 - مَسْأَلَةٌ - وَإِقْرَارُ الْمَرِيضِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ، وَفِي مَرَضٍ أَفَاقَ مِنْهُ لِوَارِثٍ وَلِغَيْرِ وَارِثٍ نَافِذٌ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كَإِقْرَارِ الصَّحِيحِ، وَلاَ فَرْقَ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إذَا أَقَرَّ الْمَرِيضُ فِي مَرَضِهِ بِدَيْنٍ لِرَجُلٍ فَإِنَّهُ جَائِزٌ فَعَمَّ ابْنُ عُمَرَ وَلَمْ يَخُصَّ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ طَاوُوس قَالَ: إذَا أَقَرَّ لِوَارِثٍ بِدَيْنٍ جَازَ يَعْنِي فِي الْمَرَضِ. وبه إلى ابْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ عَامِرٍ الأَحْوَلِ قَالَ: سُئِلَ الْحَسَنُ عَنْهُ فَقَالَ: أُحَمِّلُهَا إيَّاهُ، وَلاَ أَتَحَمَّلُهَا عَنْهُ.

من قال هذ الشيء لشيء في يده كان لفلان ووهبه لي أو قال باعه مني صدق ولم يقض عليه بشيء
1381 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ قَالَ: هَذَا الشَّيْءُ لِشَيْءٍ فِي يَدِهِ كَانَ لِفُلاَنٍ، وَوَهَبَهُ لِي، أَوْ قَالَ: بَاعَهُ مِنِّي: صَدَقَ، وَلَمْ يُقْضَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ،
وَلأََنَّ الأَمْوَالَ، وَالأَمْلاَكَ بِلاَ شَكٍّ مُنْتَقِلَةٌ مِنْ يَدٍ إلَى يَدٍ: هَذَا أَمْرٌ نَعْلَمُهُ يَقِينًا. فَلَوْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِبَعْضِ إقْرَارِهِ هُنَا دُونَ سَائِرِهِ لَوَجَبَ إخْرَاجُ جَمِيعِ أَمْلاَك النَّاسِ، عَنْ أَيْدِيهِمْ، أَوْ أَكْثَرِهَا; لأََنَّك لاَ تَشُكُّ فِي الدُّورِ، وَالأَرَضِينَ، وَالثِّيَابِ الْمَجْلُوبَةِ وَالْعَبِيدِ، وَالدَّوَابِّ: أَنَّهَا كَانَتْ قَبْلُ مَنْ هِيَ بِيَدِهِ لِغَيْرِهِ بِلاَ شَكٍّ، وَإِنْ أَمْكَنَ فِي بَعْضِ ذَلِكَ أَنْ يُنْتِجَهُ فَإِنَّ الأُُمَّ وَأُمَّ الأُُمِّ بِلاَ شَكٍّ كَانَتْ لِغَيْرِهِ. وَكَذَلِكَ الزَّرِيعَةُ مِمَّا بِيَدِهِ مِمَّا يَنْبُتُ فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ جُمْلَةً. فَإِنْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ فِي شَيْءٍ مِمَّا بِيَدِهِ مِمَّا أَقَرَّ بِهِ، أَوْ مِمَّا لَمْ يُقِرَّ بِهِ أَنَّهُ كَانَ لِغَيْرِهِ قَضَى بِهِ لِذَلِكَ الْغَيْرِ حِينَئِذٍ، وَلَمْ يُصَدَّقْ عَلَى انْتِقَالِ مَا قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ لأَِنْسَانٍ بِعَيْنِهِ أَلْبَتَّةَ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ وَهَذَا مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَقَدْ حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَضَى بِالْبَيِّنَةِ لِلْمُدَّعِي .

من قال لفلان عندي مائة دينار دين ولي عنده مائة قفيز قمح ولا بينة عليه بشيء ولا له قوم القمح الذي ادعاه فإن ساوى أقل قضي بالفضل فقط
1382 - مَسْأَلَةٌ - وَمَنْ قَالَ: لِفُلاَنٍ عِنْدِي مِائَةُ دِينَارٍ دَيْنٌ وَلِي عِنْدَهُ مِائَةُ قَفِيزِ قَمْحٍ،
أَوْ قَالَ: إِلاَّ مِائَةَ قَفِيزِ تَمْرٍ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، أَوْ إِلاَّ جَارِيَةً، وَلاَ بَيِّنَةَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ، وَلاَ لَهُ قُوِّمَ الْقَمْحُ الَّذِي ادَّعَاهُ، فَإِنْ سَاوَى الْمِائَةَ الدِّينَارَ الَّتِي أَقَرَّ بِهَا، أَوْ سَاوَى أَكْثَرَ: فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ وَإِنْ سَاوَى أَقَلَّ: قُضِيَ بِالْفَضْلِ فَقَطْ لِلَّذِي أَقَرَّ لَهُ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ لَهُ قَطُّ إقْرَارًا تَامًّا، بَلْ وَصَلَهُ بِمَا أَبْطَلَ بِهِ أَوَّلَ كَلاَمِهِ، فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ قَطُّ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا. وَلَوْ جَازَ أَنْ يُؤْخَذَ بِبَعْضِ كَلاَمِهِ دُونَ بَعْضٍ لَوَجَبَ أَنْ يُقْتَلَ مَنْ قَالَ: لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ; لأََنَّ نِصْفَ كَلاَمِهِ إذَا انْفَرَدَ: كُفْرٌ صَحِيحٌ وَهُوَ قَوْلُهُ "لاَ إلَهَ" فَيُقَالُ لَهُ: كَفَرْت، ثُمَّ نَدِمْت وَهُوَ قَوْلٌ فَاسِدٌ جِدًّا وَلَوَجَبَ أَيْضًا أَنْ يَبْطُلَ الأَسْتِثْنَاءُ كُلُّهُ بِمِثْلِ هَذَا لأََنَّهُ إبْطَالٌ

كتاب اللقطة والضالة والآبق
من وجد مالا في قرية أو مدينة أو صحراء في أرض العجم أو العرب مدفونا أو غير مدفون إلا أن عليه علامة أنه ضرب في مدة الإسلام أو وجد مالا قد سقط فهو لقطة
كِتَابُ اللُّقَطَةِ وَالضَّالَّةِ وَالآبِقِ
1383 - مَسْأَلَةٌ - مَنْ وَجَدَ مَالاً فِي قَرْيَةٍ أَوْ مَدِينَةٍ، أَوْ صَحْرَاءَ فِي أَرْضِ الْعَجَمِ، أَوْ أَرْضِ الْعَرَبِ الْعَنْوَةِ أَوْ الصُّلْحِ مَدْفُونًا أَوْ غَيْرَ مَدْفُونٍ إِلاَّ أَنَّ عَلَيْهِ عَلاَمَةً أَنَّهُ مِنْ ضَرْبِ مُدَّةِ الإِسْلاَمِ أَوْ وَجَدَ مَالاً قَدْ سَقَطَ أَيَّ مَالٍ كَانَ: فَهُوَ لُقَطَةٌ،
وَفُرِضَ عَلَيْهِ أَخْذُهُ، وَأَنْ يُشْهِدَ عَلَيْهِ عَدْلاً وَاحِدًا فَأَكْثَرَ، ثُمَّ يُعَرِّفُهُ، وَلاَ يَأْتِي بِعَلاَمَتِهِ، لَكِنَّ تَعْرِيفَهُ هُوَ أَنْ يَقُولَ فِي الْمَجَامِعِ الَّذِي يَرْجُو وُجُودَ صَاحِبِهِ فِيهَا أَوْ لاَ يَرْجُو: مَنْ ضَاعَ لَهُ مَالٌ فَلْيُخْبِرْ بِعَلاَمَتِهِ، فَلاَ يَزَالُ كَذَلِكَ سَنَةً قَمَرِيَّةً، فَإِنْ جَاءَ مَنْ يُقِيمُ عَلَيْهِ بَيِّنَةً، أَوْ مَنْ يَصِفُ عِفَاصَهُ وَيُصَدَّقُ فِي صِفَتِهِ، وَيَصِفُ وِعَاءَهُ وَيُصَدَّقُ فِيهِ، وَيَصِفُ رِبَاطَهُ وَيُصَدَّقُ فِيهِ، وَيَعْرِفُ عَدَدَهُ وَيُصَدَّقُ فِيهِ، أَوْ يَعْرِفُ مَا كَانَ لَهُ مِنْ هَذَا. أَمَّا الْعَدَدُ، وَالْوِعَاءُ، إنْ كَانَ لاَ عِفَاصَ لَهُ، وَلاَ وِكَاءَ، أَوْ الْعَدَدُ إنْ كَانَ مَنْثُورًا فِي غَيْرِ وِعَاءٍ: دَفَعَهَا إلَيْهِ كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ أَوْ لَمْ تَكُنْ. وَيُجْبَرُ الْوَاجِدُ عَلَى دَفْعِهِ إلَيْهِ، وَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ. وَلَوْ جَاءَ مَنْ يُثْبِتُهُ بِبَيِّنَةٍ فَإِنْ لَمْ يَأْتِ أَحَدٌ يَصْدُقُ فِي صِفَتِهِ بِمَا ذَكَرْنَا، وَلاَ بَيِّنَةَ فَهُوَ عِنْدَ تَمَامِ السَّنَةِ مَالٌ مِنْ مَالِ الْوَاجِدِ غَنِيًّا كَانَ أَوْ فَقِيرًا يَفْعَلُ فِيهِ مَا شَاءَ، وَيُورَثُ عَنْهُ، إِلاَّ أَنَّهُ مَتَى قَدِمَ مَنْ يُقِيمُ فِيهِ بَيِّنَةً أَوْ يَصِفُ شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْنَا فَيَصْدُقُ ضَمِنَهُ لَهُ إنْ كَانَ حَيًّا، أَوْ ضَمِنَهُ لَهُ الْوَرَثَةُ إنْ كَانَ الْوَاجِدُ لَهُ مَيِّتًا. فَإِنْ كَانَ مَا وَجَدَ شَيْئًا وَاحِدًا كَدِينَارٍ وَاحِدٍ.

أَوْ دِرْهَمٍ وَاحِدٍ، أَوْ لُؤْلُؤَةٍ وَاحِدَةٍ، أَوْ ثَوْبٍ وَاحِدٍ، أَوْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ كَذَلِكَ لاَ رِبَاطَ لَهُ، وَلاَ وِعَاءَ، وَلاَ عِفَاصَ: فَهُوَ لِلَّذِي يَجِدُهُ مِنْ حِينِ يَجِدُهُ وَيُعَرِّفُهُ أَبَدًا طُولَ حَيَاتِهِ، فَإِنْ جَاءَ مَنْ يُقِيمُ عَلَيْهِ بَيِّنَةً قَطُّ: ضَمِنَهُ لَهُ فَقَطْ هُوَ أَوْ وَرَثَتُهُ بَعْدَهُ وَإِلَّا فَهُوَ لَهُ، أَوْ لِوَرَثَتِهِ يَفْعَلُ فِيهِ مَا شَاءَ مِنْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ وَرَثَتُهُ بَعْدَهُ، وَلاَ يُرَدُّ مَا أَنَفَذُوا فِيهِ. فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي حَرَمِ مَكَّةَ حَرَسَهَا اللَّهُ تَعَالَى، أَوْ فِي رُفْقَةِ قَوْمٍ نَاهِضِينَ إلَى الْعُمْرَةِ أَوْ الْحَجِّ: عَرَّفَ أَبَدًا، وَلَمْ يَحِلَّ لَهُ تَمَلُّكُهُ، بَلْ يَكُونُ مَوْقُوفًا فَإِنْ يَئِسَ بِيَقِينٍ، عَنْ مَعْرِفَةِ صَاحِبِهِ فَهُوَ فِي جَمِيعِ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيق مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى الْعَبْسِيُّ، عَنْ شَيْبَانَ، عَنْ يَحْيَى، هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ أَخْبَرَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ فَقَالَ:" إنَّ اللَّهَ حَبَسَ، عَنْ مَكَّةَ الْفِيلَ، وَسَلَّطَ عَلَيْهَا نَبِيَّهُ وَالْمُؤْمِنِينَ، أَلاَ وَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لأََحَدٍ قَبْلِي، وَلاَ تَحِلُّ لأََحَدٍ بَعْدِي، أَلاَ وَإِنَّهَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ النَّهَارِ، أَلاَ وَإِنَّهَا سَاعَتِي هَذِهِ حَرَامٌ، لاَ يُخْبَطُ شَوْكُهَا، وَلاَ يُعْضَدُ شَجَرُهَا، وَلاَ يَلْتَقِطُ سَاقِطَتَهَا إِلاَّ مُنْشِدٌ ".
قال أبو محمد : مَكَّةُ هِيَ الْحَرَمُ كُلُّهُ فَقَطْ، وَهِيَ ذَاتُ الْحُرْمَةِ الْمَذْكُورَةِ، لاَ مَا عَدَا الْحَرَمَ بِلاَ خِلاَفٍ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَيْضًا. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ني أَبُو الطَّاهِرِ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَشَجِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ حَاطِبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عُثْمَانَ التَّيْمِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: نَهَى عَنْ لُقَطَةِ الْحَاجِّ.
قال أبو محمد : الْحَجُّ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْقَصْدُ، وَمِنْهُ سُمِّيَتْ الْمَحَجَّةُ مَحَجَّةً، فَالْقَاصِدُ مِنْ بَيْتِهِ إلَى الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ هُوَ فَاعِلٌ لِلْقَصْدِ الَّذِي هُوَ الْحَجُّ إلَى أَنْ يُتِمَّ جَمِيعَ أَعْمَالِ حَجِّهِ أَوْ عُمْرَتِهِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " فَإِذَا تَمَّتْ فَلَيْسَ حَاجًّا، لَكِنَّهُ كَانَ حَاجًّا، وَقَدْ حَجَّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَرُوِّينَا هَذَا، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَابْنِ الْمُسَيِّبِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ بْنُ شَيْبَانَ، عَنْ أَبِي نَوْفَلٍ، هُوَ ابْنُ أَبِي عَقْرَبٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَصَابَ بَدْرَةً بِالْمَوْسِمِ عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَعَرَّفَهَا فَلَمْ يَعْرِفْهَا أَحَدٌ فَأَتَى بِهَا عُمَرُ عِنْدَ النَّفَرِ وَقَالَ لَهُ: قَدْ عَرَّفْتُهَا فَأَغْنِهَا عَنِّي قَالَ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا تَأْمُرُنِي قَالَ: أَمْسِكْهَا حَتَّى تُوَافِيَ بِهَا الْمَوْسِمَ قَابِلاً فَفَعَلَ فَعَرَّفَهَا

فَلَمْ يَعْرِفْهَا أَحَدٌ، فَأَتَى بِهَا عُمَرُ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَدْ وَافَاهُ بِهَا كَمَا أَمَرَهُ، وَعَرَّفَهَا فَلَمْ يَعْرِفْهَا أَحَدٌ وَقَالَ لَهُ: أَغْنِهَا عَنِّي قَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا أَنَا بِفَاعِلٍ، وَلَكِنْ إنْ شِئْت أَخْبَرْتُك بِالْمَخْرَجِ مِنْهَا، أَوْ سَبِيلِهَا: إنْ شِئْت تَصَدَّقْت بِهَا، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا خَيَّرْتَهُ، فَإِنْ اخْتَارَ الْمَالَ رَدَدْت عَلَيْهِ الْمَالَ، وَكَانَ الأَجْرُ لَك، وَإِنْ اخْتَارَ الأَجْرَ كَانَ لَك نِيَّتُك فَهَذَا فِعْلُ عُمَرُ فِي لُقَطَةِ الْمَوْسِمِ. وَفَعَلَ فِي لُقَطَةِ غَيْرِ الْمَوْسِمِ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ أَنَّ مُعَاوِيَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَدْرٍ الْجُهَنِيَّ أَخْبَرَهُ، أَنَّ أَبَاهُ عَبْدَ اللَّهِ قَالَ إسْمَاعِيلُ: وَقَدْ سَمِعْت أَنَّ لَهُ صُحْبَةً أَقْبَلَ مِنْ الشَّامِ فَوَجَدَ صُرَّةً فِيهَا ذَهَبٌ مِائَةٌ فَأَخَذَهَا، فَجَاءَ بِهَا إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: اُنْشُدْهَا الآنَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ اعْتَرَفَتْ، وَإِلَّا فَهِيَ لَك، قَالَ: فَعَلْت فَلَمْ تُعْرَفْ، فَقَسَّمْتهَا بَيْنَ امْرَأَتَيْنِ لِي.
وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: كُنْت أَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَوَطِئْت عَلَى ذَهَبٍ، أَوْ فِضَّةٍ، فَلَمْ آخُذْهُ، فَذَكَرْت ذَلِكَ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فَقَالَ: بِئْسَ مَا صَنَعْت، كَانَ يَنْبَغِي لَك أَنْ تَأْخُذَهُ تُعَرِّفَهُ سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهُ رَدَدْتَهُ إلَيْهِ، وَإِلَّا تَصَدَّقْت بِهِ عَلَى ذِي فَاقَةٍ مِمَّنْ لاَ تَعُولُ.وَقَالَ فِي لُقَطَةِ غَيْرِ الْحَرَمِ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ: أَنَّ زَيْدَ بْنَ الأَخْنَسِ الْخُزَاعِيَّ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ قَالَ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: وَجَدْت لُقَطَةً أَفَأَتَصَدَّقُ بِهَا قَالَ: لاَ تُؤْجَرُ أَنْتَ، وَلاَ صَاحِبُهَا، قُلْت: أَفَأَدْفَعُهَا إلَى الأُُمَرَاءِ قَالَ: إذًا يَأْكُلُونَهَا أَكْلاً سَرِيعًا قُلْت: وَكَيْفَ تَأْمُرُنِي قَالَ: عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ اعْتَرَفَتْ وَإِلَّا فَهِيَ لَك كَمَالِك فَهَذَا سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: بِإِيجَابِ أَخْذِ اللُّقَطَةِ، وَلاَ بُدَّ، وَيَرَاهَا بَعْدَ الْحَوْلِ قَدْ صَارَتْ مِنْ مَالِ الْمُلْتَقِطِ، إِلاَّ لُقَطَةَ مَكَّةَ. وَقَوْلُنَا فِي لُقَطَةِ مَكَّةَ هُوَ قَوْلُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، نَا بِذَلِكَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَسُورِ قَالَ: حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى بْنُ رِفَاعَةَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ بِذَلِكَ وَعَنْ أَبِي عُبَيْدٍ مِنْ قَوْلِهِ. وَأَمَّا مَا عَدَا لُقَطَةَ الْحَرَمِ، وَالْحَاجِّ، فَلِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا خَالِدٌ هُوَ الْحَذَّاءُ، عَنْ أَبِي الْعَلاَءِ هُوَ يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ مُطَرِّفٍ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ أَخَذَ لُقَطَةً فَلْيُشْهِدْ ذَا عَدْلٍ، أَوْ ذَوَيْ عَدْلٍ، وَلاَ يَكْتُمُ، وَلاَ يَغِيبُ، فَإِنْ وَجَدَ صَاحِبَهَا فَلْيَرُدَّهَا عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَهُوَ مَالُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يُؤْتِيهِ مَنْ شَاءَ ". وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ بِإِسْنَادِهِ فَقَالَ: فَلْيُشْهِدْ ذَوَيْ عَدْلٍ.
قال أبو محمد : وَزَادَ مُسَدَّدٌ كَمَا ذَكَرْنَا وَلَيْسَ شَكًّا، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ شَيْءٌ

مِمَّا رُوِيَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَنَّهُ شَكٌّ إِلاَّ بِيَقِينِ أَنَّهُ شَكٌّ، وَإِلَّا فَظَاهِرُهُ الإِسْنَادُ.
وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادٍ، عَنْ رَبِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: سُئِلَ، عَنِ اللُّقَطَةِ فَقَالَ: اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَعِدَّتَهَا وَوِعَاءَهَا، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَعَرَفَهَا فَادْفَعْهَا إلَيْهِ وَإِلَّا فَهِيَ لَكَ . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنَا الضَّحَّاكُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ هُوَ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: "سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ اللُّقَطَةِ فَقَالَ: عَرِّفْهَا سَنَةً فَإِنْ لَمْ تُعْتَرَفْ فَاعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا، ثُمَّ كَمِّلْهَا فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَأَدِّهَا إلَيْهِ ". وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ، عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ أَنَّ "أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ قَالَ لَهُ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنِ اللُّقَطَةِ؟ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اعْرِفْ عَدَدَهَا، وَوِكَاءَهَا، وَوِعَاءَهَا، ثُمَّ اسْتَمْتِعْ بِهَا، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَعَرَفَ عَدَدَهَا وَوِكَاءَهَا وَوِعَاءَهَا فَأَعْطِهَا إيَّاهُ وَإِلَّا فَهِيَ لَكَ "
وَأَمَّا الشَّيْءُ الْوَاحِدُ الَّذِي لاَ وِكَاءَ لَهُ، وَلاَ عِفَاصَ، وَلاَ وِعَاءَ فَلأََنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا أَمَرَ بِتَعْرِيفِ السَّنَةِ فِيمَا لَهُ عَدَدٌ، وَعِفَاصٌ، وَوِكَاءٌ، أَوْ بَعْضُ هَذِهِ فأما مَا لاَ عِفَاصَ لَهُ، وَلاَ وِعَاءَ، وَلاَ وِكَاءَ، وَلاَ عَدَدَ: فَهُوَ خَارِجٌ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ، وَحُكْمُهُ فِي حَدِيثِ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ: فَحُكْمُهُ أَنْ يُنْشَدَ ذَلِكَ أَبَدًا لِقَوْلِهِ عليه السلام لاَ يَكْتُمُ، وَلاَ يُغَيِّبُ وَلِقَوْلِهِ عليه السلام هُوَ مَالُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ فَقَدْ آتَاهُ اللَّهُ وَاجِدَهُ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا حُجَيْنُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، هُوَ ابْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ قَالَ: كَانَ سُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ، وَزَيْدُ بْنُ صُوحَانَ وَثَالِثٌ مَعَهُمَا فِي سَفَرٍ فَوَجَدَ أَحَدُهُمْ هُوَ سُوَيْدٌ بِلاَ شَكٍّ سَوْطًا فَأَخَذَهُ، فَقَالَ لَهُ صَاحِبَاهُ: أَلْقِهِ فَقَالَ: أَسْتَمْتِعُ بِهِ فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهُ أَدَّيْته إلَيْهِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَأْكُلَهُ السِّبَاعُ فَلَقِيَ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: أَصَبْت وَأَخْطَآ فَفِي هَذَا أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ رَأَى وُجُوبَ أَخْذِ اللُّقَطَةِ.
قال أبو محمد: فِيمَا ذَكَرْنَا اخْتِلاَفٌ، فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ قَوْمًا قَالُوا: لاَ تُؤْخَذُ اللُّقَطَةُ أَصْلاً، وَقَالَ آخَرُونَ: مُبَاحٌ أَخْذُهَا وَتَرْكُهَا مُبَاحٌ، فأما مَنْ نَهَى، عَنْ أَخْذِهَا فَلِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا. وَكَمَا رُوِّينَا، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّ الْوَلِيدَ بْنَ سَعْدٍ حَدَّثَهُ قَالَ: كُنْت مَعَ ابْنِ عُمَرَ فَرَأَيْت دِينَارًا فَذَهَبْت لأَخُذَهُ

فَضَرَبَ ابْنُ عُمَرَ يَدِي وَقَالَ: مَا لَك وَلَهُ اُتْرُكْهُ. وَمِنْ طَرِيقِ قَابُوسِ بْنِ أَبِي ظَبْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لاَ تَرْفَعْ اللُّقَطَةَ لَسْت مِنْهَا فِي شَيْءٍ، تَرْكُهَا خَيْرٌ مِنْ أَخْذِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الأَعْلَى سُئِلَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ الْفَاكِهَةِ تُوجَدُ فِي الطَّرِيقِ قَالَ: لاَ تُؤْكَلُ إِلاَّ بِإِذْنِ رَبِّهَا. وَعَنِ الرَّبِيعِ بْنِ خَيْثَمٍ أَنَّهُ كَرِهَ أَخْذَ اللُّقَطَةِ. وَعَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ مَرَّ بِدِرْهَمٍ فَتَرَكَهُ. وقال أبو حنيفة، وَمَالِكٌ: كِلاَ الأَمْرَيْنِ مُبَاحٌ، وَالأَفْضَلُ أَخْذُهَا. وقال الشافعي مَرَّةً: أَخْذُهَا أَفْضَلُ وَمَرَّةً قَالَ: الْوَرَعُ تَرْكُهَا.
قال أبو محمد : أَمَّا مَنْ أَبَاحَ كِلاَ الأَمْرَيْنِ فَمَا نَعْلَمُ لَهُ حُجَّةً أَصْلاً، فَإِنْ حَمَلُوا أَمْرَهُ عليه السلام بِأَخْذِهَا عَلَى النَّدْبِ قِيلَ لَهُمْ: فَاحْمِلُوا أَمْرَهُ بِتَعْرِيفِهَا عَلَى النَّدْبِ، وَلاَ فَرْقَ. فَإِنْ قَالُوا: أَمْوَالُ النَّاسِ مُحَرَّمَةٌ قلنا: وَإِضَاعَتُهَا مُحَرَّمَةٌ، وَلاَ فَرْقَ. وَأَمَّا مَنْ مَنَعَ مِنْ أَخْذِهَا فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ " .فَقُلْنَا لَهُمْ: نَعَمْ، وَمَا أَمَرْنَاهُ بِاسْتِحْلاَلِهَا أَصْلاً، لَكِنْ أَمَرْنَاهُ بِالْمُفْتَرَضِ عَلَيْهِ مِنْ حِفْظِهَا وَتَرْكِ إضَاعَتِهَا الْمُحَرَّمَةِ عَلَيْهِ، ثُمَّ جَعَلْنَاهَا لَهُ حَيْثُ جَعَلَهَا لَهُ الَّذِي حَرَّمَ أَمْوَالَنَا عَلَيْنَا إِلاَّ بِمَا أَبَاحَهَا لَنَا، لاَ يَجُوزُ تَرْكُ شَيْءٍ مِنْ أَوَامِرِهِ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ أَوْلَى بِنَا مِنْ أَنْفُسِنَا، وَقَدْ كَفَرَ مَنْ وَجَدَ فِي نَفْسِهِ حَرَجًا مِمَّا قَضَى. وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ الْمُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: " لاَ يَأْوِي الضَّالَّةَ إِلاَّ ضَالٌّ " وَبِحَدِيثِ أَبِي مُسْلِمٍ الْجَرْمِيِّ أَوْ الْحَرَمِيِّ، عَنِ الْجَارُودِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " قَالَ: ضَالَّةُ الْمُسْلِمِ حَرْقُ النَّار "ِ. وَهَذَانِ خَبَرَانِ لاَ يَصِحَّانِ ; لأََنَّ الْمُنْذِرَ بْنَ جَرِيرٍ، وَأَبَا مُسْلِمٍ الْجَرْمِيَّ أَوْ الْحَرَمِيَّ غَيْرُ مَعْرُوفَيْنِ، لَكِنْ ضَالَّةُ الْمُسْلِمِ حَرْقُ النَّارِ قَدْ صَحَّ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى وَهَذَا لَفْظٌ مُجْمَلٌ فَسَّرَهُ سَائِرُ الآثَارِ وَهُوَ خَبَرٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ضَوَالِّ الإِبِلِ فَقَالَ عليه السلام: ضَالَّةُ الْمُسْلِمِ حَرْقُ النَّارِ وَهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ، فَأَمَرُوا بِأَخْذِ ضَوَالِّ الإِبِلِ، ثُمَّ لَوْ صَحَّا لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِمَا حُجَّةٌ ; لأََنَّ إيوَاءَ الضَّالَّةِ بِخِلاَفِ مَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَرْقُ النَّارِ، وَضَلاَلٌ بِلاَ شَكٍّ، وَمَا أَمَرْنَاهُ قَطُّ بِإِيوَائِهَا مُطْلَقًا، لَكِنْ بِتَعْرِيفِهَا وَضَمَانِهَا فِي الأَبَدِ، وَقَدْ جَاءَ بِهَذَا حَدِيثٌ أَحْسَنُ مِنْ حَدِيثِهِمْ:
كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ بَكْرِ بْنِ سَوَادَةَ، عَنْ أَبِي سَالِمٍ الْجَيَشَانِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ: " مَنْ أَخَذَ لُقَطَةً فَهُوَ ضَالٌّ مَا لَمْ يُعَرِّفْهَا ".وَمِنْهَا

مُدَّةُ التَّعْرِيفِ، وَقَدْ رُوِّينَا، عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه التَّعْرِيفَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، ثُمَّ سَنَةً .وَبِهِ يَقُولُ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ. وَيُحْتَجُّ لِهَذَا الْقَوْلِ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الصَّمَدِ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنِي مَنْ أَرْضَى، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَانِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، "أَنَّهُ قَالَ وَقَدْ سُئِلَ، عَنِ الضَّالَّةِ: اعْرِفْ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا، ثُمَّ عَرِّفْهَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَادْفَعْهَا إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ فَعَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَشَأْنَكَ بِهَا ." وَهَذَا حَدِيثٌ هَالِكٌ ; لأََنَّ اللَّيْثَ لَمْ يُسَمِّ مَنْ أَخَذَ عَنْهُ وَقَدْ يَرْضَى الْفَاضِلُ مَنْ لاَ يَرْضَى، هَذَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ يَقُولُ: لَمْ أَرَ أَصْدَقَ مِنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ وَجَابِرٌ مَشْهُورٌ بِالْكَذِبِ. ثُمَّ هُوَ خَطَأٌ ; لِ، أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ وَإِنَّمَا هُوَ، عَنْ يَزِيدَ لاَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ. وَوَجْهٌ آخَرُ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ الأَنْصَارِيُّ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَدْرٍ قَالَ: وَجَدَ أَبِي فِي مَبْرَكِ بَعِيرٍ مِائَةَ دِينَارٍ فَسَأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ: عَرِّفْهَا عَامًا، فَعَرَّفَهَا عَامًا فَلَمْ يَجِدْ لَهَا عَارِفًا فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: عَرِّفْهَا ثَلاَثَةَ أَعْوَامٍ، فَلَمْ يَجِدْ لَهَا عَارِفًا، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: هِيَ لَك. وَيُحْتَجُّ لِهَذَا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ قُدَامَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ قَالَ: قَالَ لِي أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ: الْتَقَطْتُ صُرَّةً فِيهَا مِائَةُ دِينَارٍ فَأَتَيْتُ بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: عَرِّفْهَا حَوْلاً فَعَرَّفْتُهَا حَوْلاً، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَرَّفْتُهَا حَوْلاً فَقَالَ: عَرِّفْهَا سَنَةً أُخْرَى فَعَرَّفْتُهَا سَنَةً أُخْرَى ثُمَّ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَرَّفْتُهَا سَنَةً فَقَالَ: عَرِّفْهَا سَنَةً أُخْرَى فَعَرَّفْتُهَا سَنَةً أُخْرَى ثُمَّ أَخْبَرْتُهُ عليه السلام بِذَلِكَ، فَقَالَ: انْتَفِعْ بِهَا وَاعْرِفْ وِكَاءَهَا وَخِرْقَتَهَا وَاحْصِ عَدَدَهَا فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا قَالَ جَرِيرٌ: لَمْ أَحْفَظْ مَا بَعْدَ هَذَا. وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الرَّقِّيَّيْنِ كِلاَهُمَا، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم . قال أبو محمد: هَذَا حَدِيثٌ ظَاهِرُهُ صِحَّةُ السَّنَدِ، إِلاَّ أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ كُهَيْلٍ أَخْطَأَ فِيهِ بِلاَ شَكٍّ ; لأََنَّنَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ فِيهِ: فَلَمْ أَجِدْ لَهَا عَارِفًا عَامَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ

عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ فِيهِ: عَرِّفْهَا عَامًا قَالَ: فَعَرَّفْتُهَا، فَلَمْ تُعْتَرَفْ، فَرَجَعْت فَقَالَ: عَرِّفْهَا عَامًا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا فَهَذَا شَكٌّ مِنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ. ثُمَّ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ نَافِعٍ، حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ قَالَ: سَمِعْت سُوَيْدٌ بْنَ غَفَلَةَ قَالَ: لَقِيت أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ فَذَكَرَ. الْحَدِيثَ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: عَرِّفْهَا حَوْلاً، فَعَرَّفْتُهَا فَلَمْ أَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهَا، ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَقَالَ: عَرِّفْهَا حَوْلاً، فَلَمْ أَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهَا ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَقَالَ: عَرِّفْهَا حَوْلاً فَلَمْ أَجِدْ مَنْ يَعْرِفُهَا، وَذَكَرَ بَاقِي الْحَدِيثِ: قَالَ شُعْبَةُ: فَلَقِيتُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِمَكَّةَ فَقَالَ: لاَ أَدْرِي ثَلاَثَةُ أَحْوَالٍ أَوْ حَوْلٌ وَاحِدٌ فَهَذَا تَصْرِيحٌ مِنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ بِالشَّكِّ، وَالشَّرِيعَةُ لاَ تُؤْخَذُ بِالشَّكِّ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ بِشْرٍ الْعَبْدِيُّ، حَدَّثَنَا بَهْزُ، هُوَ ابْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ قَالَ: سَمِعْت سُوَيْدٌ بْنَ غَفَلَةَ فَاقْتَصَّ الْحَدِيثَ قَالَ شُعْبَةُ: فَسَمِعْتُهُ بَعْدَ عَشْرِ سِنِينَ يَقُولُ: عَرِّفْهَا عَامًا وَاحِدًا.
فَصَحَّ أَنَّ سَلَمَةَ بْنَ كُهَيْلٍ تَثَبَّتَ وَاسْتَذْكَرَ، فَثَبَتَ عَلَى عَامٍ وَاحِدٍ، بَعْدَ أَنْ شَكَّ.فَصَحَّ أَنَّهُ وَهْمٌ ثُمَّ اسْتَذْكَرَ، فَشَكَّ ثُمَّ اسْتَذْكَرَ فَتَيَقَّنَ، وَثَبَتَ وُجُوبُ تَعْرِيفِ الْعَامِ وَبَطَلَ تَعْرِيفُ مَا زَادَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
قال أبو محمد: وَهَهُنَا أَثَرَانِ آخَرَانِ أَحَدُهُمَا: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، هُوَ ابْنُ أَبِي مَيْسَرَةَ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ عَلِيًّا جَاءَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِدِينَارٍ وَجَدَهُ فِي السُّوقِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَرِّفْهُ ثَلاَثًا فَفَعَلَ فَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا يَعْتَرِفُهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: كُلْهُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ كُلَّهُ وَفِي آخِرِهِ " فَجَعَلَ أَجَلَ الدِّينَارِ وَشَبَهَهُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ " لِهَذَا الْحَدِيثِ
قال أبو محمد: لاَ نَدْرِي مِنْ كَلاَمِ مَنْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ، وَهَذَا خَبَرُ سُوءٍ لأََنَّهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ وَهُوَ مَشْهُورٌ بِوَضْعِ الْحَدِيثِ وَالْكَذِبِ، عَنْ شَرِيكٍ وَهُوَ مُدَلِّسٌ يُدَلِّسُ الْمُنْكَرَاتِ، عَنِ الضُّعَفَاءِ إلَى الثِّقَاتِ. وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقِ إسْرَائِيلَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَعْلَى، عَنْ جَدَّتِهِ حَكِيمَةَ، عَنْ أَبِيهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " مَنْ الْتَقَطَ لُقَطَةً يَسِيرَةً دِرْهَمًا أَوْ حَبْلاً أَوْ شِبْهَ ذَلِكَ فَلْيُعَرِّفْهُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ كَانَ فَوْقَ ذَلِكَ فَلْيُعَرِّفْهُ سِتَّةَ أَيَّامٍ " وَهَذَا

لاَ شَيْءَ: إسْرَائِيلُ ضَعِيفٌ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَجْهُولٌ، وَحَكِيمَةُ، عَنْ أَبِيهَا أَنْكَرُ وَأَنْكَرُ، ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ.
قال أبو محمد: رُوِّينَا، عَنْ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَالأَوْزَاعِيِّ تَعْرِيفَ اللُّقَطَةِ سَنَةً وَهُوَ الْقَوْلُ الظَّاهِرُ، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ خِلاَفُهُ. وَرُوِيَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَيْضًا: تَعْرِيفُ اللُّقَطَةِ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ شَرِيكٍ، عَنْ أَبِي يَعْقُوبَ الْعَبْدِيِّ، عَنْ أَبِي شَيْخٍ الْعَبْدِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ صُوحَانَ الْعَبْدِيِّ أَنَّ عُمَرَ أَمَرَ أَنْ يُعَرِّفَ قِلاَدَةً الْتَقَطَهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَإِنْ جَاءَ مَنْ يَعْرِفُهَا وَإِلَّا وَضَعَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ فَهَذِهِ، عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه خَمْسَةُ أَقْوَالٍ. وَرَوَى أَبُو نُعَيْمٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ مَنْ الْتَقَطَ دِرْهَمًا فَإِنَّهُ يُعَرِّفُهُ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةِ هِشَامِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ الرَّازِيّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْهُ: أَنَّ مَا بَلَغَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ فَصَاعِدًا فَإِنَّهُ يُعَرَّفُ سَنَةً. وَاخْتَلَفَا فِيمَا كَانَ أَقَلَّ فَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: يُعَرَّفُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ. وقال أبو حنيفة: يُعَرَّفُ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى الْمُلْتَقِطُ وَهَذِهِ آرَاءٌ فَاسِدَةٌ كَمَا تَرَى، وَمِنْهَا: دَفْعُ اللُّقَطَةِ إلَى مَنْ عَرَفَ الْعِفَاصَ، وَالْوِكَاءَ، وَالْعَدَدَ، وَالْوِعَاءَ فَقَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ كَمَا قلنا. وقال أبو حنيفة، وَالشَّافِعِيُّ: لاَ يَدْفَعُهَا إلَيْهِ بِذَلِكَ، فَإِنْ فَعَلَ ضَمِنَهَا; لأََنَّهُ قَدْ يَسْمَعُ صَاحِبَهَا يَصِفُهَا فَيَعْرِفُ صِفَتَهَا فَيَأْتِي بِهَا. وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْجَبَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَنَهَى، عَنْ أَنْ يُعْطَى أَحَدٌ بِدَعْوَاهُ. وَقَالَ عليه السلام: شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ لَيْسَ لَكَ غَيْرُ ذَلِكَ .
قال أبو محمد: هَذَا كُلُّهُ حَقٌّ، وَاَلَّذِي قَالَهُ هُوَ الَّذِي أَمَرَ بِأَنْ تُعْطَى اللُّقَطَةُ مَنْ عَرَفَ الْعِفَاصَ، وَالْوِكَاءَ، وَالْعَدَدَ، وَالْوِعَاءَ، وَلَيْسَ كَلاَمُهُ مُتَعَارِضًا، وَلاَ حُكْمُهُ مُتَنَاقِضًا، وَلاَ يَحِلُّ ضَرْبُ بَعْضِهِ بِبَعْضٍ، وَلاَ تَرْكُ بَعْضِهِ وَأَخْذُ بَعْضٍ، فَكُلُّهُ حَقٌّ، وَكُلُّهُ وَحْيٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهُمْ مُجْمِعُونَ مَعَنَا عَلَى أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إنْ أَقَرَّ قُضِيَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، فَقَدْ جَعَلُوا لِلْمُدَّعِي شَيْئًا غَيْرَ الشَّاهِدَيْنِ أَوْ يَمِينَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ صَحَّ الْحُكْمُ بِالإِقْرَارِ قلنا: وَقَدْ صَحَّ دَفْعُ اللُّقَطَةِ بِأَنْ يَصِفَ الْمُدَّعِي وِكَاءَهَا، وَعَدَدَهَا، وَعِفَاصَهَا وَوِعَاءَهَا، وَلاَ فَرْقَ، وَلَيْسَ كُلُّ الأَحْكَامِ تُوجَدُ فِي خَبَرٍ وَاحِدٍ، وَلاَ تُؤْخَذُ مِنْ خَبَرٍ وَاحِدٍ، وَلَكِنْ تُضَمُّ السُّنَنُ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ وَيُؤْخَذُ بِهَا كُلُّهَا، وَلَوْ أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ اعْتَرَضُوا أَنْفُسَهُمْ بِهَذِهِ الأَعْتِرَاضَاتِ فِي قَبُولِهِمْ امْرَأَةً وَاحِدَةً فِي عُيُوبِ النِّسَاءِ، وَالْوِلاَدَةِ وَلَوْ عَارَضُوا أَنْفُسَهُمْ

بِهَذَا فِي حُكْمِهِمْ لِلزَّوْجَيْنِ يَخْتَلِفَانِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ أَنَّ مَا أَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ لِلرِّجَالِ كَانَ لِلرَّجُلِ مَعَ يَمِينِهِ، وَمَا أَشْبَهَ أَنْ يَكُونَ لِلنِّسَاءِ كَانَ لِلْمَرْأَةِ بِيَمِينِهَا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، وَلاَ يَحْكُمُونَ بِذَلِكَ فِي الأُُخْتِ وَالأَخِ يَخْتَلِفَانِ فِي مَتَاعِ الْبَيْتِ الَّذِي هُمَا فِيهِ، وَلَوْ عَارَضُوا أَنْفُسَهُمْ بِهَذَا الأَعْتِرَاضِ فِي قَوْلِهِمْ: إنَّ مَنْ ادَّعَى لَقِيطًا هُوَ وَغَيْرُهُ فَأَتَى بِعَلاَمَاتٍ فِي جَسَدِهِ قُضِيَ لَهُ بِهِ، وَلاَ يَقْضُونَ بِذَلِكَ فِيمَنْ ادَّعَى مَعَ آخَرَ عَبْدًا فَأَتَى أَحَدُهُمَا بِعَلاَمَاتٍ فِي جَسَدِهِ وَفِي قَوْلِهِمْ: لَوْ أَنَّ مُسْتَأْجِرَ الدَّارِ تَدَاعَى مَعَ صَاحِبِ الدَّارِ فِي جُذُوعٍ مَوْضُوعَةٍ فِي الدَّارِ وَأَحَدِ مِصْرَاعَيْنِ فِي الدَّارِ: أَنَّ تِلْكَ الْجُذُوعَ إنْ كَانَتْ تُشْبِهُ الْجُذُوعَ الَّتِي فِي الْبِنَاءِ وَالْمِصْرَاعِ الْقَائِمِ كَانَ كُلُّ ذَلِكَ لِصَاحِبِ الدَّارِ بِلاَ بَيِّنَةٍ وَسَائِرُ تِلْكَ التَّخَالِيطِ الَّتِي لاَ تُعْقَلُ، ثُمَّ لاَ يُبَالُونَ بِمُعَارَضَةِ أَوَامِرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِآرَائِهِمْ الْفَاسِدَةِ. وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَإِنَّهُ قَضَى فِي الْقَتِيلِ يُوجَدُ فِي مَحَلَّةِ أَقْوَامٍ أَعْدَاءٌ لَهُ أَنَّ الْمُدَّعِينَ بِقَتْلِهِ عَلَيْهِ يَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا ثُمَّ يُقْضَى لَهُمْ بِالدِّيَةِ فَأَعْطَاهُمْ بِدَعْوَاهُمْ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّ السُّنَّةَ جَاءَتْ بِهَذَا قلنا لَهُمْ: وَالسُّنَّةُ جَاءَتْ بِدَفْعِ اللُّقَطَةِ إلَى مَنْ عَرَفَ عِفَاصَهَا، وَوِكَاءَهَا، وَعَدَدَهَا، وَوِعَاءَهَا، وَلاَ فَرْقَ. وَقَالُوا: قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَأَدِّهَا إلَيْهِ قلنا: نَعَمْ، وَصَاحِبُهَا هُوَ الَّذِي أَمَرَ عليه السلام بِدَفْعِهَا إلَيْهِ إذَا وَصَفَ مَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: قَدْ يَسْمَعُهَا مُتَحَيِّلٌ فَيُقَالُ لَهُمْ: وَقَدْ تَكْذِبُ الشُّهُودُ، وَلاَ فَرْقَ. وَقَالُوا: قَدْ قَالَ أَبُو دَاوُد السِّجِسْتَانِيُّ: هَذِهِ الزِّيَادَةُ فَإِنْ عَرَفَ عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا، وَعَدَدَهَا، فَادْفَعْهَا إلَيْهِ- غَيْرَ مَحْفُوظَةٍ.
قال أبو محمد: وَهَذَا لاَ شَيْءَ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِيمَا رَوَاهُ الثِّقَاتُ مُسْنَدًا: هَذَا غَيْرُ مَحْفُوظٍ، وَلاَ يَعْجِزُ أَحَدٌ عَنْ هَذِهِ الدَّعْوَى فِيمَا شَاءَ مِنْ السُّنَنِ الثَّوَابِتِ. وَقَدْ أَخَذَ الْحَنَفِيُّونَ بِزِيَادَةٍ جَاءَتْ فِي حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ فِي الزَّكَاةِ وَهِيَ سَاقِطَةٌ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ وَلَوْ صَحَّ إسْنَادُهَا مَا قلنا فِيهِ: غَيْرُ مَحْفُوظٍ. وَأَخَذُوا بِخَبَرِ الأَسْتِسْعَاءِ، وَقَدْ قَالَ مَنْ هُوَ أَجَلُّ مِنْ أَبِي دَاوُد: وَلَيْسَ الأَسْتِسْعَاءُ مَحْفُوظًا وَإِنَّمَا هُوَ مِنْ كَلاَمِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ. وَأَخَذُوا بِالْخَبَرِ مَنْ مَلَكَ ذَا رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ فَهُوَ حُرٌّ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ يَقُولُونَ: إنَّهُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ. وَأَخَذَ الشَّافِعِيُّ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ بِاللَّفْظَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا مَنْ لاَ يُعْتَدُّ بِهِ مِمَّنْ تَعُولُونَ وَهِيَ بِلاَ شَكٍّ سَاقِطَةٌ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ وَلَوْ صَحَّتْ مِنْ طَرِيقِ الإِسْنَادِ مَا اسْتَحْلَلْنَا أَنْ نَقُولَ فِيهَا: غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ. ثم نقول: أَخْطَأَ أَبُو دَاوُد فِي قَوْلِهِ: هِيَ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ بَلْ هِيَ مَحْفُوظَةٌ; لأََنَّهَا لَوْ لَمْ يَرْوِهَا إِلاَّ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَحْدَهُ لَكَفَى، لِثِقَتِهِ وَإِمَامَتِهِ وَكَيْفَ وَقَدْ وَافَقَهُ عَلَيْهَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ رَبِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَسُفْيَانُ أَيْضًا، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَبَطَلَ قَوْلُ مَنْ قَالَ:

هِيَ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ، بَلْ هِيَ مَشْهُورَةٌ مَحْفُوظَةٌ.وَمِنْهَا تَمَلُّكُ اللُّقَطَةِ بَعْدَ الْحَوْلِ: رُوِّينَا قَوْلَنَا، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَغَيْرِهِ، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ أَبِي السَّفْرِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ عَمْرٍو، وَعَاصِمٍ: ابْنَيْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِمَا أَنَّهُ الْتَقَطَ عَيْبَةً فَأَتَى بِهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَأَمَرَهُ أَنْ يُعَرِّفَهَا حَوْلاً، فَفَعَلَ، ثُمَّ أَخْبَرَهُ فَقَالَ: هِيَ لَك، إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَنَا بِذَلِكَ، قُلْت: لاَ حَاجَةَ لِي بِهَا، وَأَمَرَ بِهَا فَأُلْقِيَتْ فِي بَيْتِ الْمَالِ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ مِنْ طُرُقٍ جَمَّةٍ، وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ رَأَى تَمْرَةً مَطْرُوحَةً فِي السِّكَّةِ فَأَخَذَهَا فَأَكَلَهَا. وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ الْتَقَطَ حَبَّ رُمَّانٍ فَأَكَلَهُ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَنْ وَجَدَ لُقَطَةً مِنْ سَقْطِ الْمَتَاعِ: سَوْطًا، أَوْ نَعْلَيْنِ، أَوْ عَصَا، أَوْ يَسِيرًا مِنْ الْمَتَاعِ، فَلْيَسْتَمْتِعْ بِهِ وَلْيُنْشِدْهُ، فَإِنْ كَانَ وَدَكًا فَلْيَأْتَدِمْ بِهِ وَلْيُنْشِدْهُ، وَإِنْ كَانَ زَادًا فَلْيَأْكُلْهُ وَلْيُنْشِدْهُ، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهُ فَلِيَغْرَمْ لَهُ. وَهُوَ قَوْلٌ رُوِيَ أَيْضًا، عَنْ طَاوُوس، وَابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَعَطَاءٍ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمْ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يَتَصَدَّقُ بِهَا، فَإِنْ عُرِّفَتْ خُيِّرَ صَاحِبُهَا بَيْنَ الأَجْرِ وَالضَّمَانِ.
رُوِّينَا ذَلِكَ أَيْضًا: عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، قَالَ: لاَ آمُرُك أَنْ تَأْكُلَهَا وَعَنْ طَاوُوس أَيْضًا، وَعِكْرِمَةَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَسُفْيَانَ وَاحْتَجَّ هَؤُلاَءِ بِمَا رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ الْبَزَّارِ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا سُمَيٌّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ اللُّقَطَةِ فَقَالَ: لاَ تَحِلُّ اللُّقَطَةُ، فَمَنْ الْتَقَطَ شَيْئًا فَلْيُعَرِّفْهُ سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهُ فَلْيَرُدَّهُ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ فَلْيَتَصَدَّقْ بِهِ، فَإِنْ جَاءَ فَلْيُخَيِّرْهُ بَيْنَ الأَجْرِ وَبَيْنَ الَّذِي لَهُ ".
قال أبو محمد: وَهَذَا لاَ شَيْءَ ; لأََنَّ يُوسُفَ بْنَ خَالِدٍ، وَأَبَاهُ، مَجْهُولاَنِ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، لأََنَّ قَوْلَ لاَ تَحِلُّ اللُّقَطَةُ حَقٌّ، وَلاَ تَحِلُّ قَبْلَ التَّعْرِيفِ، وَأَمْرُهُ بِالصَّدَقَةِ بِهَا مَضْمُومٌ إلَى أَمْرِهِ عليه السلام بِاسْتِنْفَاقِهَا وَبِكَوْنِهَا مِنْ جُمْلَةِ مَالِهِ، إذْ لَوْ صَحَّ هَذَا لَكَانَ بَعْضُ أَمْرِهِ عليه السلام أَوْلَى بِالطَّاعَةِ مِنْ بَعْضٍ، وَلاَ يَحِلُّ مُخَالَفَةُ شَيْءٍ مِنْ أَوَامِرِهِ عليه السلام لأَخَرَ مِنْهَا، بَلْ كُلُّهَا حَقٌّ وَاجِبٌ اسْتِعْمَالُهُ، وَنَحْنُ لَمْ نَمْنَعْ وَاجِدَهَا مِنْ الصَّدَقَةِ بِهَا إنْ أَرَادَ فَيُحْتَجُّ عَلَيْنَا بِهَذَا فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ لَوْ صَحَّ، فَكَيْفَ وَهُوَ لاَ يَصِحُّ فَإِنْ ادَّعُوا إجْمَاعًا عَلَى الصَّدَقَةِ بِهَا كُذِّبُوا، لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ الأَخْنَسِ الْخُزَاعِيَّ أَخْبَرَهُ، أَنَّهُ قَالَ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: وَجَدْت لُقَطَةً أَفَأَتَصَدَّقُ بِهَا قَالَ: لاَ تُؤْجَرُ أَنْتَ، وَلاَ صَاحِبُهَا قُلْت: أَفَأَدْفَعُهَا إلَى الأُُمَرَاءِ قَالَ: إذًا يَأْكُلُونَهَا أَكْلاً سَرِيعًا، قُلْت: فَكَيْفَ تَأْمُرُنِي؟

قَالَ: عَرِّفْهَا سَنَةً فَإِنْ اعْتَرَفَتْ، وَإِلَّا فَهِيَ لَك. وَالْعَجَبُ أَنَّ بَعْضَهُمْ احْتَجَّ لِمَذْهَبِهِ الْخَطَأِ فِي هَذَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {ولاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} .
قَالَ عَلِيٌّ: احْتِجَاجُ هَذَا الْجَاهِلِ بِهَذِهِ الآيَةِ فِي هَذَا الْمَكَانِ دَلِيلٌ عَلَى رِقَّةِ دِينِهِ، إذْ جَعَلَ مَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَاطِلاً، وَلَوْ كَانَ لَهُ دِينٌ لَمَا عَارَضَ حُكْمَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم . وَلَوْ أَنَّهُ جَعَلَ هَذِهِ الْمُعَارَضَةَ لِقَوْلِهِمْ الْمَلْعُونِ: أَنَّ الْغَاصِبَ لِدُورِ الْمُسْلِمِينَ وَضِيَاعِهِمْ يَسْكُنُهَا وَيُكْرِيهَا، فَالْكِرَاءُ لَهُ حَلاَلٌ، وَاحْتِرَاثُ ضِيَاعِهِمْ لَهُ حَلاَلٌ لاَ يَلْزَمُهُ فِي ذَلِكَ شَيْءٌ. وَقَوْلُهُمْ: مَنْ اشْتَرَى شَيْئًا شِرَاءً فَاسِدًا فَقَدْ مَلَكَهُ مِلْكًا فَاسِدًا وَأَبَاحُوا لَهُ التَّصَرُّفَ فِيمَا اشْتَرَى بِالْبَاطِلِ بِالْوَطْءِ، وَالْعِتْقِ، وَسَائِرِ أَقْوَالِهِمْ الْخَبِيثَةِ لَكَانُوا قَدْ وَافَقُوا. ثُمَّ أَعْجَبُ شَيْءٍ أَمْرُهُمْ بِالصَّدَقَةِ بِهَا، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا ضَمَّنُوا الْمَسَاكِينَ إنْ وَجَدُوهُمْ، فَعَلَى أَصْلِهِمْ هُوَ أَيْضًا أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ. وَأَيُّ فَرْقٍ بَيْنَ أَنْ يَأْكُلَهَا الْوَاجِدُ وَضَمَانُهَا عَلَيْهِ، وَبَيْنَ أَنْ يَأْكُلُوهَا الْمَسَاكِينُ وَضَمَانُهَا عَلَيْهِمْ فَإِنْ لَمْ يُوجَدُوا فَعَلَيْهِ، وَلَئِنْ كَانَ أَحَدُ الْوَجْهَيْنِ أَكْلَ مَالٍ بِالْبَاطِلِ فَإِنَّ الآخَرَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ، وَلاَ فَرْقَ، وَلَئِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا أَكْلَ مَالٍ بِحَقٍّ، فَإِنَّ الآخَرَ أَكْلُ مَالٍ بِالْحَقِّ، وَلاَ فَرْقَ، إذْ الضَّمَانُ فِي الْعَاقِبَةِ فِي كِلاَ الْوَجْهَيْنِ، وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَعْقِلُونَ. وَاحْتَجُّوا بِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ مِنْ ضَالَّةِ الْمُسْلِمِ حَرْقُ النَّارِ، وَلاَ يَأْوِي الضَّالَّةَ إِلاَّ ضَالٌّ، وَلَوْ صَحَّا لَكَانَا عَلَيْهِمْ أَعْظَمَ حُجَّةً ; لأََنَّهُمْ يُبِيحُونَ أَخْذَ ضَوَالِّ الإِبِلِ الَّتِي فِيهَا وَرَدَ النَّصُّ الْمَذْكُورُ، فَاعْجَبُوا لِهَذِهِ الْعُقُولِ وأعجب شَيْءٍ احْتِجَاجُهُمْ هَهُنَا بِرِوَايَةٍ خَبِيثَةٍ رَوَاهَا أَبُو يُوسُفَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْعَرْزَمِيِّ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ: أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ، ثُمَّ ذَكَرَ بَاقِي الْحَدِيثِ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: فَإِنَّكَ ذُو حَاجَةٍ إلَيْهَا .
قال أبو محمد: هَذَا مُنْقَطِعٌ لأََنَّ سَلَمَةَ لَمْ يُدْرِكْ أُبَيًّا، ثُمَّ الْعَرْزَمِيُّ ضَعِيفٌ جِدًّا، وَأَبُو يُوسُفَ لاَ يَبْعُدُ عَنْهُ، فَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَرُدُّ مَا رَوَاهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، كِلاَهُمَا، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَيَأْخُذُ بِمَا رَوَاهُ أَبُو يُوسُفَ الْمَغْمُوزُ، عَنِ الْعَرْزَمِيِّ الضَّعِيفِ، عَنْ سَلَمَةَ، عَنْ أُبَيٍّ وَهُوَ لَمْ يَلْقَ أُبَيًّا قَطُّ، فَفِي مِثْلِ هَذَا فَلْيَعْتَبِرْ أُولُو الأَبْصَارِ. ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَهُمْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ الَّتِي لاَ تَصِحُّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهَا حُجَّةٌ ; لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إِلاَّ إبَاحَةُ اللُّقَطَةِ لِلْمُحْتَاجِ وَلَسْنَا نُنْكِرُ هَذَا، بَلْ هُوَ قَوْلُنَا، وَلَيْسَ فِيهَا مَنْعُ الْغَنِيِّ مِنْهَا لاَ بِنَصٍّ، وَلاَ بِدَلِيلٍ. ثُمَّ الْعَجَبُ كُلُّهُ رَدُّهُمْ كُلُّهُمْ فِي هَذَا الْمَكَانِ نَفْسِهِ حَدِيثَ عَلِيِّ

بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي الْتِقَاطِهِ الدِّينَارَ وَإِبَاحَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَهُ اسْتِنْفَاقَهُ بِأَنْ قَالُوا هُوَ مُرْسَلٌ، وَرَوَاهُ شَرِيكٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ فَالْمُرْسَلُ الَّذِي يَرْوِيه الضَّعِيفُ لاَ يَجُوزُ الأَخْذُ بِهِ إذَا خَالَفَ رَأْيَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْمُرْسَلُ الَّذِي رَوَاهُ الْعَرْزَمِيُّ وَهُوَ الْغَايَةُ فِي الضَّعْفِ لاَ يَجُوزُ تَرْكُهُ إذَا وَافَقَ رَأْيَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَاَللَّهِ لَتَطُولُنَّ نَدَامَةُ مَنْ هَذَا سَبِيلُهُ فِي دِينِهِ يَوْمَ لاَ يُغْنِي النَّدَمُ عَنْهُ شَيْئًا، وَمَا هَذِهِ طَرِيقُ مَنْ يَدِينُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ، لَكِنَّهُ الضَّلاَلُ وَالإِضْلاَلُ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ. ثُمَّ قَدْ كَذَبُوا، بَلْ قَدْ رُوِيَ حَدِيثُ عَلِيٍّ مِنْ غَيْرِ طَرِيقِ شَرِيكٍ، وَأُسْنِدَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُسَافِرٍ التِّنِّيسِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ الزَّمْعِيُّ هُوَ مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبِ بْنِ زَمْعَةَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَخْبَرَهُ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَجَدَ الْحُسَيْنَ وَالْحَسَنَ يَبْكِيَانِ مِنْ الْجُوعِ، فَخَرَجَ فَوَجَدَ دِينَارًا بِالسُّوقِ، فَجَاءَ بِهِ إلَى فَاطِمَةَ فَأَخْبَرَهَا فَقَالَتْ لَهُ: اذْهَبْ إلَى فُلاَنٍ الْيَهُودِيِّ فَخُذْ لَنَا دَقِيقًا فَذَهَبَ إلَى الْيَهُودِيِّ فَاشْتَرَى بِهِ دَقِيقًا فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: أَنْتَ خَتَنُ هَذَا الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَخُذْ دِينَارَكَ وَلَكَ الدَّقِيقُ، فَخَرَجَ عَلِيٌّ حَتَّى جَاءَ بِهِ فَاطِمَةَ، فَأَخْبَرَهَا فَقَالَتْ لَهُ اذْهَبْ إلَى فُلاَنٍ الْجَزَّارِ فَخُذْ لَنَا بِدِرْهَمٍ لَحْمًا فَذَهَبَ فَرَهَنَ الدِّينَارَ بِدِرْهَمِ لَحْمٍ، فَجَاءَ بِهِ فَعَجَنَتْ وَنَصَبَتْ وَخَبَزَتْ، وَأَرْسَلَتْ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَجَاءَهُمْ فَقَالَتْ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَذْكُرُ لَك، فَإِنْ رَأَيْتَهُ لَنَا حَلاَلاً أَكَلْنَا وَأَكَلْتَ مَعَنَا مِنْ شَأْنِهِ كَذَا وَكَذَا فَقَالَ عليه السلام كُلُوا بِاسْمِ اللَّهِ، فَأَكَلُوا، فَبَيْنَمَا هُمْ مَكَانَهُمْ إذَا غُلاَمٌ يَنْشُدُ اللَّهَ تَعَالَى وَالإِسْلاَمَ الدِّينَارَ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَدُعِيَ لَهُ [فَسَأَلَهُ] فَقَالَ: سَقَطَ مِنِّي فِي السُّوقِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَا عَلِيُّ اذْهَبْ إلَى الْجَزَّارِ فَقُلْ لَهُ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لَكَ: أَرْسِلْ إلَيَّ بِالدِّينَارِ، وَدِرْهَمُكَ عَلَيَّ، فَأَرْسَلَ بِهِ، فَدَفَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِلاَ بَيِّنَةٍ.
قال أبو محمد: هَذَا خَبَرٌ خَيْرٌ مِنْ خَبَرِهِمْ، وَهُوَ عليه السلام، وَعَلِيٌّ، وَفَاطِمَةُ، وَالْحَسَنُ، وَالْحُسَيْنُ رضي الله عنهم: لاَ تَحِلُّ لَهُمْ الصَّدَقَةُ أَغْنِيَاءَ كَانُوا أَوْ فُقَرَاءَ. وَقَدْ أَبَاحَ فِي هَذَا الْخَبَرِ شِرَاءَ الدَّقِيقِ بِالدِّينَارِ، فَإِنَّمَا أَخَذَهُ ابْتِيَاعًا، ثُمَّ أَهْدَى إلَيْهِ الْيَهُودِيُّ الدِّينَارَ، وَكَذَلِكَ رَهَنَ الدِّينَارَ فِي اللَّحْمِ، وَالْخَبَرُ الصَّحِيحُ يَكْفِي مِنْ كُلِّ هَذَا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه

قَالَ مَرَّ:" رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِتَمْرَةٍ مَطْرُوحَةٍ فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ: لَوْلاَ أَنِّي أَخَافُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الصَّدَقَةِ لاََكَلْتُهَا " فَهَذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَنِيٌّ لاَ فَقِيرٌ بِشَهَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ إذْ يَقُولُ: {وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى} يَسْتَحِلُّ أَكْلَ اللُّقَطَةِ، وَإِنَّمَا تَوَقَّعَ أَنْ تَكُونَ مِنْ الصَّدَقَةِ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا عَلَى تَحْقِيقِ الصِّفَةِ أَنَّهَا مِنْ الصَّدَقَةِ لأََنَّهَا لُقَطَةٌ وَهَذَا كَلاَمُ إنْسَانٍ عَدِيمِ عَقْلٍ وَحَيَاءٍ وَدِينٍ ; لأََنَّهُ كَلاَمٌ لاَ يُعْقَلُ، وَخِلاَفٌ لِمَفْهُومِ لَفْظِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكَذِبٌ مُجَاهَرٌ بِهِ، بَارِدٌ غَثٌّ وأعجب شَيْءٍ قَوْلُ بَعْضِهِمْ: قَدْ صَحَّ الإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يُعْطِيهَا غَنِيًّا غَيْرُهُ، فَكَانَ هُوَ كَذَلِكَ.
قال أبو محمد : لاَ شَيْءَ أَسْهَلَ مِنْ الْكَذِبِ الْمَفْضُوحِ عِنْدَ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ، ثُمَّ كَذِبُهُمْ إنَّمَا هُوَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَعَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَعَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الإِسْلاَمِ وَعَلَى الْعُقُولِ، وَالْحَوَاسِّ، لَيْتَ شِعْرِي مَتَى أُجْمِعُ مَعَهُمْ عَلَى هَذَا، وَمَنْ أَجْمَعَ مَعَهُمْ عَلَى هَذَا، أَبْقِيَةِ الْجَنْدَلِ، وَالْكَثْكَثِ وَأَيْنَ وَجَدُوا هَذَا الإِجْمَاعَ بَلْ كَذَبُوا فِي ذَلِكَ وَإِذَا أُدْخِلَتْ اللُّقَطَةُ فِي مِلْكِهِ بِانْقِضَاءِ الْحَوْلِ الَّذِي عَرَّفَهَا فِيهِ، فَإِنْ أَعْطَاهَا غَنِيًّا، أَوْ أَغْنِيَاءَ، أَوْ قَارُونُ لَوْ وَجَدَهُ حَيًّا أَوْ سُلَيْمَانُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَوْ كَانَ فِي عَصْرِهِ لَكَانَ ذَلِكَ مُبَاحًا لاَ شَيْءَ مِنْ الْكَرَاهِيَةِ فِيهِ. وَقَالُوا: قَدْ شَكَّ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ فِي أَمْرِ الْمُلْتَقِطِ بِأَنْ يَسْتَنْفِقَهَا، أَهُوَ مِنْ قَوْلِ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ أَوْ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَطَعَ مَرَّةً أُخْرَى عَلَى أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ يَزِيدَ قلنا: وَقَدْ أَسْنَدَهُ يَحْيَى أَيْضًا وَهَذَا كُلُّهُ صَحِيحٌ فِيهِ; لأََنَّهُ سَمِعَهُ مَرَّةً مُسْنَدً، وَسَمِعَ يَزِيدَ يَقُولُ: مِنْ فَتَيَاهُ أَيْضًا. ثُمَّ يَقُولُ: لَكِنَّ رَبِيعَةَ لَمْ يَشُكَّ فِي أَنَّهُ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَذَلِكَ أَيْضًا لَمْ يَشُكَّ بُسْرُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. رَوَى مَالِكٌ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ رَبِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: " فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَشَأْنَكَ بِهَا ". وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ رَبِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: " فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا وَإِلَّا فَشَأْنَكَ بِهَا ". وَرَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ رَبِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ النَّبِيِّ عليه السلام: فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَعَرَفَهَا فَادْفَعْهَا إلَيْهِ وَإِلَّا فَهِيَ لَكَ. وَرَوَى سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: أَنَّ رَبِيعَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ حَدَّثَهُ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ النَّبِيِّ عليه السلام أَنَّهُ سُئِلَ، عَنِ اللُّقَطَةِ فَقَالَ: عَرِّفْهَا سَنَةً، فَإِنْ اعْتَرَفَتْ وَإِلَّا فَاخْلِطْهَا بِمَالِكَ . وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيق سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ هُوَ الدَّرَاوَرْدِيُّ سَمِعْت رَبِيعَةَ يُحَدِّثُ، عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِي

آخِرِهِ: فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَأَدِّهَا إلَيْهِ وَإِلَّا فَاصْنَعْ بِهَا مَا تَصْنَعُ بِمَالِكَ . وَرَوَاهُ أَبُو النَّضْرِ مَوْلَى عَمْرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي اللُّقَطَةِ قَالَ: " عَرِّفْهَا سَنَةً فَإِنْ لَمْ تَعْتَرِفْ فَاعْرِفْ عِفَاصَهَا، وَوِكَاءَهَا، ثُمَّ كُلْهَا فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَأَدِّهَا إلَيْهِ ". وَرَوَاهُ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ، عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ: أَنَّ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ قَالَ لَهُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَهُ فِي اللُّقَطَةِ: " فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَعَرِّفْ عَدَدَهَا، وَوِكَاءَهَا، وَوِعَاءَهَا فَأَعْطِهَا إيَّاهُ، وَإِلَّا فَهِيَ لَكَ ". وَعَلَى هَذَا دَلَّ حَدِيثُ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، لاَ مِثْلَ تِلْكَ الْمُلَفَّقَاتِ الْمَكْذُوبَةِ مِنْ مُرْسَلٍ وَمَجْهُولٍ، وَمِنْ لاَ خَيْرَ فِيهِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَقَدْ جَاءَ خَبَرٌ مِنْ طَرِيقٍ لاَ يَزَالُ الْمُخَالِفُونَ يَحْتَجُّونَ بِهَا إذَا وَافَقْتهمْ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ "أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: كَيْفَ تَرَى مَا وُجِدَ فِي الطَّرِيقِ الْمِيْتَاءِ، أَوْ فِي الْقَرْيَةِ الْمَسْكُونَةِ قَالَ: عَرِّفْ سَنَةً، فَإِنْ جَاءَ بَاغِيهِ فَادْفَعْهُ إلَيْهِ وَإِلَّا فَشَأْنَكَ بِهِ، فَإِنْ جَاءَ طَالِبُهَا يَوْمًا مِنْ الدَّهْرِ فَأَدِّهَا إلَيْهِ ، وَمَا كَانَ فِي الطَّرِيقِ غَيْرَ الْمِيْتَاءِ، وَفِي الْقَرْيَةِ غَيْرَ الْمَسْكُونَةِ: فَفِيهِ، وَفِي الرِّكَازِ: الْخُمْسُ . وَأَمَّا نَحْنُ فَهَذِهِ صَحِيفَةٌ لاَ نَأْخُذُ بِهَا، فَهَذَا حُكْمُ اللُّقَطَةِ مِنْ غَيْرِ الْحَيَوَانِ.
وَأَمَّا الضَّوَالُّ مِنْ الْحَيَوَانِ فَلَهَا ثَلاَثَةُ أَحْكَامٍ: أَمَّا الضَّأْنُ وَالْمَعْزُ فَقَطْ كِبَارُهَا وَصِغَارُهَا تُوجَدُ بِحَيْثُ يُخَافُ عَلَيْهَا الذِّئْبَ، أَوْ مَنْ يَأْخُذُهَا مِنْ النَّاسِ، وَلاَ حَافِظَ لَهَا، وَلاَ هِيَ بِقُرْبِ مَاءٍ مِنْهَا: فَهِيَ حَلاَلٌ لِمَنْ أَخَذَهَا سَوَاءٌ جَاءَ صَاحِبُهَا، أَوْ لَمْ يَجِئْ، وَجَدَهَا حَيَّةً، أَوْ مَذْبُوحَةً، أَوْ مَطْبُوخَةً، أَوْ مَأْكُولَةً لاَ سَبِيلَ لَهُ عَلَيْهَا.وَأَمَّا الإِبِلُ الْقَوِيَّةُ عَلَى الرَّعْيِ، وَوُرُودِ الْمَاءِ: فَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ أَخْذُهَا، وَإِنَّمَا حُكْمُهَا: أَنْ تُتْرَكَ، وَلاَ بُدَّ، فَمَنْ أَخَذَهَا ضَمِنَهَا إنْ تَلِفَتْ عِنْدَهُ بِأَيِّ وَجْهٍ تَلِفَتْ وَكَانَ عَاصِيًا بِذَلِكَ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِنْ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ لُقَطَةٍ، أَوْ ضَالَّةٍ، يُعَرِّفُ صَاحِبَهَا، فَحُكْمُ كُلِّ ذَلِكَ أَنْ تُرَدَّ إلَيْهِ، وَلاَ تُعَرَّفُ فِي ذَلِكَ. وَأَمَّا كُلُّ مَا عَدَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ إبِلٍ لاَ قُوَّةَ بِهَا عَلَى وُرُودِ الْمَاءِ وَالرَّعْيِ وَسَائِرُ الْبَقَرِ، وَالْخَيْلِ، وَالْبِغَالِ، وَالْحَمِيرِ، وَالصُّيُودِ كُلِّهَا، الْمُتَمَلَّكَةِ، وَالأُُبَّاقِ مِنْ الْعَبِيدِ وَالإِمَاءِ، وَمَا أَضَلَّ صَاحِبُهُ مِنْهَا، وَالْغَنَمِ الَّتِي تَكُونُ ضَوَالَّ بِحَيْثُ لاَ يُخَافُ عَلَيْهَا الذِّئْبَ، وَلاَ إنْسَانٌ، وَغَيْرُ ذَلِكَ كُلِّهِ فَفَرَضَ أَخْذَهُ وَضَمَّهُ وَتَعْرِيفَهُ أَبَدًا، فَإِنْ يَئِسَ مِنْ مَعْرِفَةِ صَاحِبِهَا أَدْخَلَهَا الْحَاكِمُ أَوْ وَاجِدُهَا فِي جَمِيعِ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
سَوَاءٌ كَانَ كُلُّ مَا ذَكَرْنَا مِمَّا أَهْمَلَهُ صَاحِبُهُ لِضَرُورَةٍ، أَوْ لِخَوْفٍ، أَوْ لِهُزَالٍ

أَوْ مِمَّا ضَلَّ، وَلاَ فَرْقَ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَانِ، عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ، عَنِ اللُّقَطَةِ فَقَالَ: عَرِّفْهَا سَنَةً ثُمَّ اعْرِفْ وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا ثُمَّ اسْتَنْفِقْ بِهَا، فَإِنْ جَاءَ رَبُّهَا فَأَدِّهَا إلَيْهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَضَالَّةُ الْغَنَمِ قَالَ: خُذْهَا فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ أَوْ لأََخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَضَالَّةُ الإِبِلِ فَغَضِبَ عليه السلام حَتَّى احْمَرَّتْ وَجْنَتَاهُ أَوْ احْمَرَّ وَجْهُهُ وَقَالَ: مَا لَكَ وَلَهَا مَعَهَا حِذَاؤُهَا وَسِقَاؤُهَا حَتَّى يَلْقَاهَا رَبُّهَا ". وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ نَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ يَزِيدَ مَوْلَى الْمُنْبَعِثِ أَنَّهُ سَمِعَ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ الْجُهَنِيَّ يَقُولُ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَيْفَ تَرَى فِي ضَالَّةِ الْغَنَمِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: خُذْهَا فَإِنَّمَا هِيَ لَكَ أَوْ لأََخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ فَقَالَ: كَيْفَ تَرَى فِي ضَالَّةِ الإِبِلِ قَالَ: دَعْهَا، فَإِنَّ مَعَهَا حِذَاءَهَا وَسِقَاءَهَا تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ حَتَّى يَجِدَهَا رَبُّهَا فَأَمَرَ عليه السلام بِأَخْذِ ضَالَّةِ الْغَنَمِ الَّتِي يَخَافُ عَلَيْهَا الذِّئْبَ أَوْ الْعَادِي وَيَتْرُكُ الإِبِلَ الَّتِي تَرِدُ الْمَاءَ وَتَأْكُلُ الشَّجَرَ، وَخَصَّهَا بِذَلِكَ دُونَ سَائِرِ اللُّقَطَاتِ وَالضَّوَالِّ فَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ خِلاَفُ ذَلِكَ.
قال أبو محمد: وَأَمَّا مَا عَرَفَ رَبُّهُ فَلَيْسَ ضَالَّةً ; لأََنَّهَا لَمْ تَضِلَّ جُمْلَةً، بَلْ هِيَ مَعْرُوفَةٌ وَإِنَّمَا الضَّالَّةُ مَا ضَلَّتْ جُمْلَةً فَلَمْ يَعْرِفْهَا صَاحِبُهَا أَيْنَ هِيَ، وَلاَ عَرَفَ وَاجِدُهَا لِمَنْ هِيَ، وَهِيَ الَّتِي أَمَرَ عليه السلام بِنَشْدِهَا. وَبَقِيَ حُكْمُ الْحَيَوَانِ كُلِّهِ حَاشَا مَا ذَكَرْنَا مَوْقُوفًا عَلَى قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} وَمِنْ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى إحْرَازُ مَالِ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ فَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ مِنْ مَالِ أَحَدٍ إِلاَّ مَا أَحَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إلَى عُمَّالِهِ لاَ تَضُمُّوا الضَّوَالَّ فَلَقَدْ كَانَتْ الإِبِلُ تَتَنَاتَجُ هَمَلاً وَتَرِدُ الْمِيَاهَ لاَ يَعْرِضُ لَهَا أَحَدٌ حَتَّى يَأْتِيَ مَنْ يَعْتَرِفُهَا فَيَأْخُذُهَا، حَتَّى إذَا كَانَ عُثْمَانُ كَتَبَ: أَنْ ضُمُّوهَا وَعَرِّفُوهَا فَإِنْ جَاءَ مَنْ يَعْرِفُهَا وَإِلَّا فَبِيعُوهَا وَضَعُوا أَثْمَانَهَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ جَاءَ مَنْ يَعْتَرِفُهَا فَادْفَعُوا إلَيْهَم الأَثْمَانَ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ وَرْدَانَ سَأَلْت سَالِمَ بْنَ

عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ الشَّاةِ تُوجَدُ بِالأَرْضِ الَّتِي لَيْسَ بِهَا أَحَدٌ، فَقَالَ لِي: عَرِّفْهَا مَنْ دَنَا لَك، فَإِنْ عُرِفَتْ فَادْفَعْهَا إلَى مَنْ عَرَفَهَا وَإِلَّا فَشَاتُك وَشَاةُ الذِّئْبِ فَكُلْهَا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ وَرْدَانَ قَالَ: سَأَلْت سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ ضَالَّةِ الإِبِلِ فَقَالَ: مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا دَعْهَا إِلاَّ أَنْ تَعْرِفَ صَاحِبَهَا فَتَدْفَعُهَا إلَيْهِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ: وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ كِلاَهُمَا، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَنْ امْرَأَتِهِ قَالَ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَتْ: إنِّي وَجَدْت شَاةً فَقَالَتْ: اعْلِفِي وَاحْلِبِي وَعَرِّفِي، ثُمَّ عَادَتْ إلَيْهَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَقَالَتْ: تُرِيدِينَ أَنْ آمُرُك بِذَبْحِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ لِرَجُلٍ سَأَلَهُ، عَنْ ضَالَّةٍ وَجَدَهَا فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: أَصْلِحْ إلَيْهَا وَانْشُدْ، قَالَ: فَهَلْ عَلَيَّ إنْ شَرِبْت مِنْ لَبَنِهَا قَالَ: مَا أَرَى عَلَيْك فِي ذَلِكَ. وقال أبو حنيفة، وَأَصْحَابُهُ: تُؤْخَذُ ضَالَّةُ الإِبِلِ كَمَا تُؤْخَذُ غَيْرُهَا. وقال الشافعي: مَا كَانَ مِنْ الْخَيْلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْبِغَالِ، قَوِيًّا يَرِدُ الْمَاءَ، وَيَرْعَى لَمْ يُؤْخَذْ قِيَاسًا عَلَى الإِبِلِ، وَمَا كَانَ مِنْهَا وَمِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانِ لاَ يَمْتَنِعُ أُخِذَ. وقال أبو حنيفة، وَالشَّافِعِيُّ: مَنْ أَخَذَ ضَالَّةً مِنْ الْغَنَمِ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهَا إنْ أَكَلَهَا وقال مالك: أَمَّا ضَالَّةُ الْغَنَمِ فَمَا كَانَ بِقُرْبِ الْقُرَى فَلاَ يَأْكُلُهَا، وَلَكِنْ يَضْمَنُهَا إلَى أَقْرَبِ الْقُرَى، فَيُعَرِّفُهَا هُنَالِكَ، وَأَمَّا مَا كَانَ فِي الْفَلَوَاتِ وَالْمَهَامِهِ، فَإِنَّهُ يَأْكُلُهَا أَوْ يَأْخُذُهَا، فَإِنْ جَاءَ صَاحِبُهَا فَوَجَدَهَا حَيَّةً فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا، وَإِنْ وَجَدَهَا مَأْكُولَةً فَلاَ شَيْءَ لَهُ، وَلاَ يَضْمَنُهَا لَهُ وَاجِدُهَا الَّذِي أَكَلَهَا. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُهُ فِيهَا إنْ وَجَدَهَا مَذْبُوحَةً لَمْ تُؤْكَلْ بَعْدُ. قَالَ: وَأَمَّا الْبَقَرُ فَإِنْ خِيفَ عَلَيْهَا السَّبْعَ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الْغَنَمِ، وَإِنْ لَمْ يُخَفْ عَلَيْهَا السَّبْعَ فَحُكْمُهَا حُكْمُ الإِبِلِ يُتْرَكُ كُلُّ ذَلِكَ، وَلاَ يُعْتَرَضُ لَهُ، وَلاَ يُؤْخَذُ. وَأَمَّا الْخَيْلُ، وَالْبِغَالُ، وَالْحَمِيرُ، فَلْتُعَرَّفْ ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِهَا.
قال أبو محمد: أَمَّا تَقْسِيمُ مَالِكٍ فَخَطَأٌ; لأََنَّهُ لَمْ يَتْبَعْ النَّصَّ، إذْ فَرَّقَ بَيْنَ أَحْوَالِ وُجُودِ ضَالَّةِ الْغَنَمِ، وَلَيْسَ فِي النَّصِّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ تَفْرِيقُهُ بَيْنَ وُجُودِ الشَّاةِ صَاحِبُهَا حَيَّةً أَوْ مَأْكُولَةً، فَلَيْسَ فِي الْخَبَرِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ أَصْلاً لاَ بِنَصٍّ، وَلاَ بِدَلِيلٍ، وَلاَ الْقِيَاسَ طَرَدَ، وَلاَ قَوْلٍ مُتَقَدِّمٍ الْتَزَمَ ; لأََنَّ الْقِيَاسَ أَنْ لاَ يُبِيحَ الشَّاةَ لِوَاجِدِهَا أَصْلاً، كَمَا لاَ يُبِيحُ سَائِرَ اللُّقَطَاتِ، إِلاَّ إنْ كَانَ فَقِيرًا بَعْدَ تَعْرِيفِ عَامٍ، وَلاَ نَعْلَمُ فُرُوقَهُ هَذِهِ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَلاَ نَعْلَمُ لِقَوْلِهِ حُجَّةً أَصْلاً. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ خَالَفَ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كُلَّهُ جِهَارًا فَمَنَعَ مِنْ الشَّاةِ جُمْلَةً، وَأَمَرَ بِأَخْذِ ضَالَّةِ الإِبِلِ وَقَدْ غَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ ذَلِكَ غَضَبًا احْمَرَّ لَهُ وَجْهُهُ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، فأما هُوَ يَعْنِي أَبَا حَنِيفَةَ فَيُعْذَرُ لِجَهْلِهِ بِالآثَارِ، وَأَمَّا هَؤُلاَءِ الْخَاسِرُونَ فَوَاَللَّهِ

مَا لَهُمْ عُذْرٌ، بَلْ هُمْ قَدْ أَقْدَمُوا عَلَى مَا أَغْضَبَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلاَنِيَةً، فَحَصَلُوا فِي جُمْلَةِ مَنْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ: { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ} فَمَا أَخْوَفُنَا عَلَيْهِمْ مِنْ تَمَامِ الآيَةِ لأََنَّ الْحُجَّةَ قَدْ قَامَتْ عَلَيْهِمْ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّ الأَمْوَالَ حَرَامٌ عَلَى غَيْرِ أَهْلِهَا، وَوَاجِبٌ حِفْظُهَا، فَلاَ نَأْخُذُ بِخِلاَفِ ذَلِكَ بِخَبَرٍ وَاحِدٍ قلنا لَهُمْ: قَدْ أَخَذْتُمْ بِذَلِكَ الْخَبَرِ بِعَيْنِهِ فِيمَا أَنْكَرْتُمُوهُ نَفْسَهُ فَأَمَرْتُمْ بِإِتْلاَفِهَا بِالصَّدَقَةِ بِهَا بَعْدَ تَعْرِيفِ سَنَةً، فَمَرَّةً صَارَ عِنْدَكُمْ الْخَبَرُ حُجَّةً، وَمَرَّةً صَارَ عِنْدَكُمْ بَاطِلاً، وَهُوَ ذَلِكَ الْخَبَرُ بِعَيْنِهِ فَمَا هَذَا الضَّلاَلُ وَقَدْ رُوِّينَا لَهُمْ، عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَابْنِ عُمَرَ: إبَاحَةَ شُرْبِ لَبَنِ الضَّالَّةِ، وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِذَلِكَ. وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَنَقَضَ أَصْلَهُ وَلَمْ يَرَ أَخْذَ الشَّاةِ، وَأَقْحَمَ فِي حُكْمِ الْخَبَرِ مَا لَيْسَ فِيهِ، فَأَلْحَقَ بِالإِبِلِ مَا لَمْ يُذْكَرْ فِي النَّصِّ، وَجَعَلَ وُرُودَ الْمَاءِ، وَرَعْيَ الشَّجَرِ عِلَّةً قَاسَ عَلَيْهَا، وَلاَ دَلِيلَ لَهُ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ، وَإِنَّ الشَّاةَ لَتَرِدُ الْمَاءَ، وَتَرْعَى مَا أَدْرَكَتْ مِنْ الشَّجَرِ، كَمَا تَفْعَلُ الإِبِلُ، وَيَمْتَنِعُ مِنْهَا مَا لَمْ تُدْرِكْهُ، كَمَا يَمْتَنِعُ عَلَى الإِبِلِ مَا لاَ تُدْرِكُهُ، وَإِنَّ الذِّئْبَ لَيَأْكُلُ الْبَعِيرَ كَمَا يَأْكُلُ الشَّاةَ، وَلاَ مَنَعَةَ عِنْدَ الْبَعِيرِ مِنْهُ، وَإِنَّمَا يَمْتَنِعُ مِنْهُ الْبَقَرُ فَقَطْ هَذَا أَمْرٌ مَعْلُومٌ بِالْمُشَاهَدَةِ. وَقَالُوا: قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: " هِيَ لَكَ أَوْ لأََخِيكَ أَوْ لِلذِّئْبِ " لَيْسَ تَمْلِيكًا لِلذِّئْبِ، فَكَذَلِكَ لَيْسَ تَمْلِيكًا لِلْوَاجِدِ .فَقُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ مِنْ قَوْلِكُمْ، لأََنَّ الذِّئْبَ لاَ يَمْلِكُ وَالْوَاجِدُ يَمْلِكُ، وَالْوَاجِدُ مُخَاطَبٌ، وَالذِّئْبُ لَيْسَ مُخَاطَبًا، وَقَدْ أُمِرَ الْوَاجِدُ بِأَخْذِهَا، فَزِيَادَتُكُمْ كَاذِبَةٌ مَرْدُودَةٌ عَلَيْكُمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فَظَهَرَ سُقُوطُ هَذِهِ الأَقْوَالِ كُلِّهَا بِتَيَقُّنٍ، وَأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَخَذَ بِبَعْضِ الْخَبَرِ وَجَعَلَهُ حُجَّةً وَتَرَكَ بَعْضَهُ وَلَمْ يَرَهُ حُجَّةً. وَاخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ: فَأَخَذَ هَذَا مَا تَرَكَ هَذَا، وَتَرَكَ هَذَا مَا أَخَذَ الآخَرُ، وَهَذَا مَا لاَ طَرِيقَ لِلصَّوَابِ إلَيْهِ أَصْلاً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَلَئِنْ كَانَ الْخَبَرُ حُجَّةً فِي مَوْضِعٍ فَإِنَّهُ لَحُجَّةٌ فِي كُلِّ مَا فِيهِ، إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَ مُخَالَفَةٌ لَهُ بِنَاسِخٍ مُتَيَقَّنٍ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ حُجَّةً فِي شَيْءٍ مِنْهُ فَكُلُّهُ لَيْسَ حُجَّةً، وَالتَّحَكُّمُ فِي أَوَامِرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ يَجُوزُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

كتاب اللقيط
إن وجد صغير منبوذ ففرض على من بحضرته أن يقوم به ولا بد
كِتَابُ اللَّقِيطِ
1384 - مَسْأَلَةٌ - إنْ وُجِدَ صَغِيرٌ مَنْبُوذٌ فَفَرْضٌ عَلَى مَنْ بِحَضْرَتِهِ أَنْ يَقُومَ بِهِ، وَلاَ بُدَّ،
لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}. وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} . وَلاَ إثْمَ أَعْظَمَ مِنْ إثْمِ مَنْ أَضَاعَ نَسَمَةً مَوْلُودَةً عَلَى الإِسْلاَمِ صَغِيرَةً لاَ ذَنْبَ لَهَا حَتَّى تَمُوتَ جُوعًا وَبَرْدًا

أَوْ تَأْكُلَهُ الْكِلاَبُ هُوَ قَاتِلُ نَفْسٍ عَمْدًا بِلاَ شَكٍّ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:" مَنْ لاَ يَرْحَمُ النَّاسَ لاَ يَرْحَمُهُ اللَّهُ ".

اللقيط حر لا ولاء عليه لأحد
1385 - مَسْأَلَةٌ - وَاللَّقِيطُ حُرٌّ، وَلاَ وَلاَءَ عَلَيْهِ لأََحَدٍ
لأََنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ أَوْلاَدُ آدَمَ وَزَوْجِهِ حَوَّاءَ عليهما السلام وَهُمَا حُرَّانِ وَأَوْلاَدُ الْحُرَّةِ أَحْرَارٌ بِلاَ خِلاَفٍ مِنْ أَحَدٍ فَكُلُّ أَحَدٍ فَهُوَ حُرٌّ إِلاَّ أَنْ يُوجِبَ نَصُّ قُرْآنٍ، أَوْ سُنَّةٍ، وَلاَ نَصَّ فِيهِمَا يُوجِبُ إرْقَاقَ اللَّقِيطِ، وَإِذْ لاَ رِقَّ عَلَيْهِ فَلاَ وَلاَءَ لأََحَدٍ عَلَيْهِ ; لأََنَّهُ لاَ وَلاَءَ إِلاَّ بَعْدَ صِحَّةِ رِقٍّ عَلَى الْمَرْءِ، أَوْ عَلَى أَبٍ لَهُ قَرِيبٍ أَوْ بَعِيدٍ يَرْجِعُ إلَيْهِ بِنَسَبِهِ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إنَّمَا الْوَلاَءُ لِمَنْ أَعْتَقَ " وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَدَاوُد. وَقَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سِنِينَ أَبِي جَمِيلَةَ أَنَّهُ وَجَدَ مَنْبُوذًا فَأَتَى بِهِ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: هُوَ حُرٌّ، وَوَلاَؤُهُ لَك، وَنَفَقَتُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. وَرُوِّينَا أَيْضًا هَذَا، عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ جَعَلَ وَلاَءَ اللَّقِيطِ لِمَنْ الْتَقَطَهُ وَصَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: اللَّقِيطُ عَبْدٌ. وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ سُلَيْمَانَ هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ حَوْطٍ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: هُمْ مَمْلُوكُونَ يَعْنِي اللُّقَطَاءَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ الأَنْصَارِ قَالَ: إنَّ عَمْرًا أَعْتَقَ لَقِيطًا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ زُهَيْرٍ الْعَنْسِيّ أَنَّ رَجُلاً الْتَقَطَ لَقِيطًا فَأَتَى بِهِ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَأَعْتَقَهُ.
قال أبو محمد: لاَ يَعْتِقُ إِلاَّ مَمْلُوكٌ. قَالَ عَلِيٌّ: فإن قيل: قَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَأَلْت حَمَّادَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَالْحَكَمَ، عَنِ اللَّقِيطِ فَقَالاَ جَمِيعًا: هُوَ حُرٌّ فَقُلْت: عَمَّنْ؟ فَقَالَ الْحَكَمُ: عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَلِيٍّ. وَرَوَيْتُمْ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، وَمُوسَى الْجُهَنِيِّ قَالَ مُوسَى: رَأَيْت وَلَدَ زِنًا أَلْحَقَهُ عَلِيٌّ فِي مَائِهِ. وَقَالَ زُهَيْرٌ، عَنْ ذُهْلِ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ تَمِيمِ بْنِ مَسِيحٍ قَالَ: وَجَدْت لَقِيطًا فَأَتَيْت بِهِ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَأَلْحَقَهُ فِي مَائِهِ قلنا: لَيْسَ فِي هَذَا خِلاَفٌ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ ; لأََنَّ قَوْلَ عُمَرَ هُوَ حُرٌّ، وَقَوْلَ الْحَسَنِ، عَنْ عَلِيٍّ هُوَ حُرٌّ، إذَا ضُمَّ إلَى مَا رُوِيَ عَنْهُمَا مِنْ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَعْتَقَ اللَّقِيطَ، مَعَ مَا رُوِيَ، عَنْ عُمَرَ مِنْ أَنَّهُمْ مَمْلُوكُونَ، وَأَنَّ وَلاَءَهُ لِمَنْ وَجَدَهُ، اتَّفَقَ كُلُّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُمَا

رضي الله عنهما هُوَ حُرٌّ أَنَّهُ إعْتَاقٌ مِنْهُمَا لَهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. وَإِنَّ الْعَجَبَ لَيَطُولُ مِمَّنْ تَرَكَ السُّنَّةَ الثَّابِتَةَ لِرِوَايَةِ شَيْخٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، أَنَّهُ قَالَ "الْبَيْعُ، عَنْ صَفْقَةٍ أَوْ خِيَارٍ" وَلَوْ سَمِعْنَا هَذَا مِنْ عُمَرَ لَمَا كَانَ خِلاَفًا لِلسُّنَّةِ فِي أَنَّ الْبَيْعَيْنِ لاَ بَيْعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا، أَوْ يُخَيِّرَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، بَلْ كَانَ يَكُونُ مُوَافِقًا لِلسُّنَّةِ، فَالصَّفْقَةُ التَّفَرُّقُ، وَالْخِيَارُ التَّخْيِيرُ، ثُمَّ لاَ يَجْعَلُ مَا رَوَى سُنَيْنٌ وَلَهُ صُحْبَةٌ، عَنْ عُمَرَ حُجَّةً، وَمَا رَوَاهُ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ حُجَّةٌ، عَنْ عُمَرَ، وَهُوَ وَاَللَّهِ أَجَلُّ وَأَوْضَحُ مِنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ، وَلاَ يُعْرَفُ لِعُمَرَ، وَعَلِيٍّ هَهُنَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم، لاَ سِيَّمَا وَقَدْ جَاءَ أَثَرٌ هُمْ أَبَدًا يَأْخُذُونَ بِمَا دُونَهُ: وَهُوَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَهْمِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ الْهَيْثَمِ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ الْخَوْلاَنِيِّ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ رُؤْبَةَ قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ الْوَاحِدِ النَّصْرِيَّ يَقُولُ: سَمِعْت وَاثِلَةَ بْنَ الأَسْقَعِ يَقُولُ: " إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: تُحْرِزُ الْمَرْأَةُ ثَلاَثَةَ مَوَارِيثَ، لَقِيطَهَا، وَعَتِيقَهَا، وَوَلَدَهَا الَّذِي لاَ عَنَتْ عَلَيْهِ ".
قال أبو محمد : عُمَرُ بْنُ رُؤْبَةَ وَعَبْدُ الْوَاحِدِ النَّصْرِيُّ مَجْهُولاَنِ، وَلَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِهِ، وَأَمَّا هُمْ فَلاَ يُبَالُونَ بِهَذَا، وَلاَ أَحَدٌ إِلاَّ وَهُوَ أَعْرَفُ وَأَشْهَرُ مِنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ، وَقَدْ تَرَكُوا السُّنَّةَ الثَّابِتَةَ لِرِوَايَتِهِ. فَإِنْ قَالُوا: وَبِأَيِّ وَجْهٍ يَرِقُّ وَأَصْلُهُ الْحُرِّيَّةُ قلنا: يَا سُبْحَانَ اللَّهِ يَا هَؤُلاَءِ: مَا أَسْرَعَ مَا نَسِيتُمْ أَنْفُسَكُمْ، أَوَ لَسْتُمْ الْقَائِلِينَ: إنَّ رَجُلاً قُرَشِيًّا لَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ مُرْتَدًّا هُوَ وَامْرَأَتُهُ الْقُرَشِيَّةُ مُرْتَدَّةً، فَوَلَدَتْ هُنَالِكَ أَوْلاَدًا، فَإِنَّ أَوْلاَدَهُمْ أَرِقَّاءُ مَمْلُوكُونَ يُبَاعُونَ. وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ: إنَّ تِلْكَ الْقُرَشِيَّةَ تُبَاعُ وَتُتَمَلَّكُ، أَوْ لَيْسَ الرِّوَايَةُ، عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ إمَّا، عَنْ مَالِكٍ وَأَمَّا عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِ مَالِكٍ أَنَّ أَهْلَ دَارِ الْحَرْبِ لَوْ صَارُوا ذِمَّةً سُكَّانًا بَيْنَنَا، أَوْ بِأَيْدِيهِمْ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَحْرَارٌ وَحَرَائِرُ، أَسَرُوهُمْ وَبَقُوا عَلَى الإِسْلاَمِ فِي حَالِ أَسْرِهِمْ، فَإِنَّهُمْ مَمْلُوكُونَ لأََهْلِ الذَّمَّةِ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى يَتَبَايَعُونَهُمْ مَتَى شَاءُوا، وَهَذَا مَنْصُوصٌ عَنْهُ فِي الْمُسْتَخْرَجَةِ، فَأَيُّمَا أَشْنَعُ وَأَفْظَعُ، هَذَا كُلُّهُ، أَوْ إرْقَاقُ لَقِيطٍ لاَ يَدْرِي، عَنْ أُمِّهِ أَحُرَّةٌ أَمْ أَمَةٌ حَتَّى لَقَدْ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْبَكْرِيُّ التَّدْمِيرِيُّ وَمَا عَلِمْت فِيهِمْ أَفْضَلَ مِنْهُ، وَلاَ أُصَدِّقُ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ كِبَارِهِمْ أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي أَنَّ التَّاجِرَ، أَوْ الرَّسُولَ، إذَا

دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ فَأَعْطَوْهُ أُسَرَاءَ مِنْ أَحْرَارِ الْمُسْلِمِينَ وَحَرَائِرِهِمْ عَطِيَّةً، فَهُمْ عَبِيدٌ وَإِمَاءٌ لَهُ يَطَأُ وَيَبِيعُ كَسَائِرِ مَا يَمْلِكُ، شَاهَ وَجْهُ هَذَا الْمُفْتِي وَمَنْ اتَّبَعَهُ عَلَى هَذَا.
قال أبو محمد : وَرُوِّينَا عَنْ إبْرَاهِيمَ قَوْلاً آخَرَ، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي اللَّقِيطِ، قَالَ: لَهُ نِيَّتُهُ إنْ نَوَى أَنْ يَكُونَ حُرًّا فَهُوَ حُرٌّ، وَإِنْ نَوَى أَنْ يَكُونَ عَبْدًا فَهُوَ عَبْدٌ. وَقَوْلُنَا: بِأَنَّهُ لاَ رِقَّ عَلَيْهِ: هُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَعَطَاءٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالْحَكَمِ، وَحَمَّادٍ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا، عَنْ إبْرَاهِيمَ، وَعَهِدِنَا بِهِمْ يَقُولُونَ فِيمَا خَالَفَ الأُُصُولَ، وَالْقِيَاسَ إذَا وَافَقَ آرَاءَهُمْ: مِثْلُ هَذَا لاَ يُقَالُ بِالرَّأْيِ، فَهَلاَّ قَالُوا هَهُنَا هَذَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

كل ما وجد مع اللقيط من مال فهو له
1386 - مَسْأَلَةٌ - وَكُلُّ مَا وُجِدَ مَعَ اللَّقِيطِ مِنْ مَالٍ فَهُوَ لَهُ ;
لأََنَّ الصَّغِيرَ يَمْلِكُ، وَكُلُّ مَنْ يَمْلِكُ فَكُلُّ مَا كَانَ بِيَدِهِ فَهُوَ لَهُ، وَيُنْفِقُ عَلَيْهِ مِنْهُ.

كل من ادعى أن ذلك اللقيط ابنه من المسلمين حرا كان أو عبدا اصدق إن أمكن أن يكون ما قال حقا وإلا فلا
1387 - مَسْأَلَةٌ - وَكُلُّ مَنْ ادَّعَى أَنَّ ذَلِكَ اللَّقِيطَ ابْنُهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ حُرًّا كَانَ، أَوْ عَبْدًا: صُدِّقَ،
إنْ أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ مَا قَالَ حَقًّا، فَإِنْ تُيُقِّنَ كَذِبُهُ لَمْ يُلْتَفَتْ. بُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّ الْوِلاَدَاتِ لاَ تُعْرَفُ إِلاَّ بِقَوْلِ الآبَاءِ وَالأُُمَّهَاتِ، وَهَكَذَا أَنْسَابُ النَّاسِ كُلِّهِمْ، مَا لَمْ يُتَيَقَّنْ الْكَذِبُ. وَإِنَّمَا قلنا لِلْمُسْلِمِينَ لِلثَّابِتِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِ: " كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ وَعَلَى الْمِلَّةِ " وَقَوْلِهِ عليه السلام، عَنْ رَبِّهِ تَعَالَى فِي حَدِيثِ عِيَاضِ بْنِ حِمَارٍ الْمُجَاشِعِيِّ: " خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ ". وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إنَّا كُنَّا، عَنْ هَذَا غَافِلِينَ}. فَإِنْ ادَّعَاهُ كَافِرٌ لَمْ يُصَدَّقْ ; لأََنَّ فِي تَصْدِيقِهِ إخْرَاجَهُ، عَنْ مَا قَدْ صَحَّ لَهُ مِنْ الإِسْلاَمِ، وَلاَ يَجُوزُ ذَلِكَ إِلاَّ حَيْثُ أَجَازَهُ النَّصُّ مِمَّنْ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ كَافِرٍ مِنْ كَافِرَةٍ فَقَطْ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ فِيمَا ذَكَرْنَا وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ: لاَ يُصَدَّقُ الْعَبْدُ ; لأََنَّ فِي تَصْدِيقِهِ إرْقَاقَ الْوَلَدِ وَكَذَبُوا فِي هَذَا وَلَدُ الْعَبْدِ مِنْ الْحُرَّةِ حُرٌّ، لاَ سِيَّمَا عَلَى أَصْلِهِمْ فِي أَنَّ الْعَبْدَ لاَ يَتَسَرَّى وَأَمَّا نَحْنُ فَقَدْ قلنا: إنَّ النَّاسَ عَلَى الْحُرِّيَّةِ، وَلاَ تَحْمِلُ امْرَأَةُ الْعَبْدِ إِلاَّ عَلَى أَنَّهَا حُرَّةٌ فَوَلَدُهُ حُرٌّ، حَتَّى يَثْبُتَ انْتِقَالُهُ، عَنْ أَصْلِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

كتاب الوديعة
فرض على من أودعت عنده وديعة حفظها وردها إلى صاحبها إذا طلبها منه
بسم الله الرحمن الرحيم
كِتَابُ الْوَدِيعَةِ
1388 - مَسْأَلَةٌ - فَرْضٌ عَلَى مَنْ أَوْدَعْت عِنْدَهُ وَدِيعَةً حِفْظُهَا وَرَدُّهَا إلَى صَاحِبِهَا إذَا طَلَبَهَا مِنْهُ
لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا} وَمِنْ الْبِرِّ حِفْظُ مَالِ الْمُسْلِمِ أَوْ الذِّمِّيِّ، وَقَدْ صَحَّ

إن تلفت الوديعة من غير تعد ولا تضييع لها فلا ضمان عليه فيها
1389 - مَسْأَلَةٌ - فَإِنْ تَلِفَتْ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ مِنْهُ، وَلاَ تَضْيِيعٍ لَهَا فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيهَا ;
لأََنَّهُ إذَا حَفِظَهَا وَلَمْ يَتَعَدَّ، وَلاَ ضَيَّعَ فَقَدْ أَحْسَنَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ. وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ فَمَالُ هَذَا الْمُودِعِ حَرَامٌ عَلَى غَيْرِهِ مَا لَمْ يُوجِبْ أَخْذَهُ مِنْهُ نَصٌّ وَقَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ تَضْمِينُ الْوَدِيعَةِ وَرُوِيَ عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ أَنْ لاَ تُضَمَّنَ.

بيان صفة حفظ الوديعة
1390 - مَسْأَلَةٌ - وَصِفَةُ حِفْظِهَا
هُوَ أَنْ يَفْعَلَ فِيهَا مِنْ الْحِفْظِ مَا يَفْعَلُ بِمَالِهِ، وَأَنْ لاَ يُخَالِفَ فِيهَا مَا حَدَّ لَهُ صَاحِبُهَا إِلاَّ أَنْ يَكُونَ فِيمَا حَدَّ لَهُ يَقِينُ هَلاَكِهَا: فَعَلَيْهِ حِفْظُهَا ; لأََنَّ هَذَا هُوَ صِفَةُ الْحِفْظِ وَمَا عَدَاهُ هُوَ التَّعَدِّي فِي اللُّغَةِ وَمَعْرِفَةُ النَّاسِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

إن تعدى المودع في الوديعة أو أضاعها فتلفت لزمه ضمانها
1391 - مَسْأَلَةٌ - فَإِنْ تَعَدَّى الْمُودَعُ فِي الْوَدِيعَةِ أَوْ أَضَاعَهَا فَتَلِفَتْ لَزِمَهُ ضَمَانُهَا،
وَلَوْ تَعَدَّى عَلَى بَعْضِهَا دُونَ بَعْضٍ لَزِمَهُ ضَمَانُ ذَلِكَ الْبَعْضِ الَّذِي تَعَدَّى فِيهِ فَقَطْ ; لأََنَّهُ فِي الإِضَاعَةِ أَيْضًا مُتَعَدٍّ لِمَا أُمِرَ بِهِ. وَالتَّعَدِّي هُوَ التَّجَاوُزُ فِي اللُّغَةِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ، وَبِهَا خَاطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} فَيُضَمَّنُ ضَمَانَ الْغَاصِبِ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا فِي حُكْمِ الْغَصْبِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

القول في هلاك الوديعة و في ردها إلى صاحبها قول الذي أودعت عنده مع يمينه
1392 - مَسْأَلَةٌ - وَالْقَوْلُ فِي هَلاَكِ الْوَدِيعَةِ أَوْ فِي رَدِّهَا إلَى صَاحِبِهَا، أَوْ فِي دَفْعِهَا إلَى مَنْ أَمَرَهُ صَاحِبُهَا بِدَفْعِهَا إلَيْهِ:
قَوْلُ الَّذِي أُودِعَتْ عِنْدَهُ مَعَ يَمِينِهِ، سَوَاءً دُفِعَتْ إلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ أَوْ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ ; لأََنَّ مَالَهُ مُحَرَّمٌ كَمَا ذَكَرْنَا فَهُوَ مُدَّعًى عَلَيْهِ وُجُوبُ غَرَامَةٍ، وَقَدْ حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى مِنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ.
وَهَهُنَا خِلاَفٌ فِي مَوَاضِعَ: مِنْهَا أَنَّ مَالِكًا فَرَّقَ بَيْنَ الثِّقَةِ وَغَيْرِ الثِّقَةِ، فَرَأَى أَنْ لاَ يَمِينَ عَلَى الثِّقَةِ، وَهَذَا خَطَأٌ ; لأََنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذْ أَوْجَبَ الْيَمِينَ عَلَى مَنْ اُدُّعِيَ عَلَيْهِ لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ ثِقَةٍ وَغَيْرِ ثِقَةٍ، وَالْمَالِكِيُّونَ مُوَافِقُونَ لَنَا فِي أَنَّ نَصْرَانِيًّا، أَوْ يَهُودِيًّا، أَوْ فَاسِقًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ مُعْلِنًا لِلْفِسْقِ يَدَّعِي دَيْنًا عَلَى صَاحِبٍ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم، وَلاَ بَيِّنَةَ لَهُ: وَجَبَتْ الْيَمِينُ عَلَى الصَّاحِبِ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ دَعْوَى جَحْدِ الدِّينِ، وَبَيْنَ دَعْوَى جَحْدِ الْوَدِيعَةِ أَوْ تَضْيِيعِهَا، وَالْمُقْرَضُ مُؤْتَمَنٌ عَلَى مَا أُقْرِضَ، وَعَلَى مَا عُومِلَ فِيهِ، كَمَا أَنَّ الْمُودَعَ مُؤْتَمَنٌ، وَلاَ فَرْقَ، وَفَرْقٌ أَيْضًا بَيْنَ الْوَدِيعَةِ تُدْفَعُ بِبَيِّنَةٍ وَبَيْنَهَا إذَا دُفِعَتْ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، فَرَأَى إيجَابَ الضَّمَانِ فِيهَا إذَا دُفِعَتْ بِبَيِّنَةٍ وَهَذَا لاَ مَعْنَى لَهُ ; لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ ذَلِكَ: قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ،

إن لقي المودع من أودعه في غير الموضع الذي أودعه فيه فليس له مطالبته بالوديعة ونقل الوديعة بالحمل والرد على المودع
1393 - مَسْأَلَةٌ: وَإِنْ لَقِيَ الْمُودِعُ مَنْ أَوْدَعَهُ فِي غَيْرِ الْمَوْضِعِ الَّذِي أَوْدَعَهُ فِيهِ مَا أَوْدَعَهُ، فَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَتُهُ الْوَدِيعَةِ، وَنَقْلُ الْوَدِيعَةِ بِالْحَمْلِ، وَالرَّدِّ عَلَى الْمُودِعِ
لاَ عَلَى الْمُودَعِ، وَإِنَّمَا عَلَى الْمُودَعِ أَنْ لاَ يَمْنَعَهَا مِنْ صَاحِبِهَا فَقَطْ ; لأََنَّ بَشَرَتَهُ وَمَالَهُ مُحَرَّمَانِ، وَهَذَا بِخِلاَفِ الْغَاصِبِ، وَالْمُتَعَدِّي فِي الْوَدِيعَةِ، أَوْ غَيْرِهَا، وَأَخْذُ الْمَالِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَرَدُّهُ عَلَى الْمُتَعَدِّي وَالْغَاصِبِ، وَأَخْذُهُ بِغَيْرِ حَقٍّ إلَى صَاحِبِهِ حَيْثُ لَقِيَهُ مِنْ بِلاَدِ اللَّهِ تَعَالَى ; لأََنَّ فَرْضًا عَلَيْهِ الْخُرُوجُ مِنْ الظُّلْمِ وَالْمَطْلِ فِي كُلِّ أَوَانٍ وَمَكَانٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

كتاب الحجر
لا يجوز الحجر على أحد في ماله إلا على من لم يبلغ أو على المجنون في حال جنونه
كِتَابُ الْحَجْرِ
1394 - مَسْأَلَةٌ - لاَ يَجُوزُ الْحَجْرُ عَلَى أَحَدٍ فِي مَالِهِ إِلاَّ عَلَى مَنْ لَمْ يَبْلُغْ أَوْ عَلَى مَجْنُونٍ فِي حَالِ جُنُونِهِ:
فَهَذَانِ خَاصَّةً لاَ يَنْفُذُ لَهُمَا أَمْرٌ فِي مَالِهِمَا، فَإِذَا بَلَغَ الصَّغِيرُ، وَأَفَاقَ الْمَجْنُونُ جَازَ

المرض مرضا يموت منه أو يبرأ منه والحامل منذ تحمل إلى أن تضع أو تموت والموقوف للقتل بحق في قود أو حد أو بباطل والأسير عند من يقتل الأسرى أو من لا يقتلهم والمشرف على العطب إلخ كلهم سواء
1395 - مَسْأَلَةٌ: وَالْمَرِيضُ مَرَضًا يَمُوتُ مِنْهُ أَوْ يَبْرَأُ مِنْهُ، وَالْحَامِلُ مُذْ تَحْمِلُ إلَى أَنْ تَضَعَ أَوْ تَمُوتَ، وَالْمَوْقُوفُ لِلْقَتْلِ بِحَقٍّ فِي قَوَدٍ أَوْ حَدٍّ أَوْ بِبَاطِلٍ، وَالأَسِيرُ عِنْدَ مَنْ يَقْتُلُ الأَسْرَى أَوْ مَنْ لاَ يَقْتُلُهُمْ، وَالْمُشْرِفُ عَلَى الْعَطَبِ، وَالْمُقَاتِلُ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ كُلُّهُمْ سَوَاءٌ، وَسَائِرُ النَّاسِ فِي أَمْوَالِهِمْ، وَلاَ فَرْقَ فِي صَدَقَاتِهِمْ، وَبُيُوعِهِمْ، وَعِتْقِهِمْ وَهِبَاتِهِمْ وَسَائِرِ أَمْوَالِهِمْ.
وَقَالَ قَوْمٌ: بِالْحَجْرِ عَلَى هَؤُلاَءِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: وَأَصْحَابُنَا كَقَوْلِنَا إِلاَّ فِي الْعِتْقِ خَاصَّةً فَقَطْ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا: عِتْقُ الْمَرِيضِ خَاصَّةً دُونَ سَائِرِ مَنْ ذَكَرْنَا لاَ يَنْفُذُ إِلاَّ مِنْ الثُّلُثِ، سَوَاءً أَفَاقَ مِنْ مَرَضِهِ، أَوْ مَاتَ مِنْهُ أَيِّ مَرَضٍ كَانَ.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ فِي مَرَضِهِ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُ فَقَالَ مَسْرُوق: أُجِيزُهُ بِرُمَّتِهِ، شَيْءٌ جَعَلَهُ اللَّهُ لاَ أَرُدُّهُ وَقَالَ شُرَيْحٌ: أُجِيزَ ثُلُثَهُ وَأَسْتَسْعِيهِ فِي ثُلُثَيْهِ. قَالَ الشَّعْبِيُّ: قَوْلُ مَسْرُوقٍ أَحَبُّ إلَيَّ فِي الْفُتْيَا، وَقَوْلُ شُرَيْحٍ أَحَبُّ إلَيَّ فِي الْقَضَاءِ وَقَوْلُ النَّخَعِيِّ كَقَوْلِ

شُرَيْحٍ وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِيمَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ فِي مَرَضِهِ لاَ مَالَ لَهُ غَيْرُهُ قَالَ: اعْتِقْ ثُلُثَهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ أَنَّ رَجُلاً اشْتَرَى جَارِيَةً فِي مَرَضِهِ فَأَعْتَقَهَا عِنْدَ مَوْتِهِ فَجَاءَ الَّذِينَ بَاعُوهَا بِثَمَنِهَا فَلَمْ يَجِدُوا لَهُ مَالاً فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: اسْعِي فِي ثَمَنِك.
وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ سُئِلَ عَلِيٌّ عَمَّنْ أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ، وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ قَالَ: يَعْتِقُ وَيَسْعَى فِي الْقِيمَةِ وَقَالَ النَّخَعِيُّ فِيمَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا عِنْدَ مَوْتِهِ لاَ مَالَ لَهُ غَيْرُهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ أَنَّهُ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ فَيَقْضِي الدِّينَ، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلَهُ ثُلُثُهُ وَلِلْوَرَثَةِ ثُلُثَاهُ. وَقَالَ الْحَسَنُ، وَعَطَاءٌ: عِتْقُ الْمَرِيضِ مِنْ الثُّلُثِ
وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، وَمَكْحُولٍ ثُمَّ اخْتَلَفُوا، فَمِنْ مُرِقٍّ مِنْهُ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، وَمِنْ مُعْتَقٍ لِجَمِيعِهِ وَيَسْتَسْعِيهِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ. وَأَمَّا بَيْعُهُ وَشِرَاؤُهُ: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: فِي الْمَرِيضِ يَبِيعُ وَيَشْتَرِي، قَالَ: هُوَ فِي الثُّلُثِ وَإِنْ مَكَثَ عَشْرَ سِنِينَ. وَأَمَّا الْحَامِلُ: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ كَانَ يَرَى مَا صَنَعَتْ الْحَامِلُ فِي حَمْلِهَا مِنْ الثُّلُثِ قَالَ سُفْيَانُ: وَنَحْنُ لاَ نَأْخُذُ بِهَذَا، بَلْ نَقُولُ: مَا صَنَعَتْ فَهُوَ جَائِزٌ، إِلاَّ أَنْ تَكُونَ مَرِيضَةً مِنْ غَيْرِ الْحَمْلِ، أَوْ يَدْنُوَ مَخَاضُهَا يُرِيدُ أَنْ يَضُرَّ بِهَا الطَّلْقُ وَقَالَ عَطَاءٌ: مَا صَنَعَتْ الْحَامِلُ فِي حَمْلِهَا فَهُوَ وَصِيَّةٌ قُلْتُ: أَرَأْيٌ قَالَ: بَلْ سَمِعْنَاهُ وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ: وَعِكْرِمَةَ وَقَالَ الْحَسَنُ، وَالنَّخَعِيُّ، وَمَكْحُولٌ وَالزُّهْرِيِّ: عَطِيَّةُ الْحَامِلِ كَعَطِيَّةِ الصَّحِيحِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ أَنَّهُ سَمِعَ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ: مَا أَعْطَتْ الْحَامِلُ لِوَارِثٍ، أَوْ لِزَوْجٍ، فَمِنْ رَأْسِ مَالِهَا، إِلاَّ أَنْ تَكُونَ مَرِيضَةً وَقَالَ رَبِيعَةُ: كَذَلِكَ، إِلاَّ أَنْ تَثْقُلَ، أَوْ يَحْضُرَهَا نِفَاسٌ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ وَأَخْبَرْت بِهَذَا أَيْضًا، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَابْنِ حُجَيْرَةَ الْخَوْلاَنِيِّ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ، وَإِسْحَاقَ وَقَالَ النَّخَعِيُّ، وَمَكْحُولٌ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ وَالأَوْزَاعِيُّ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ، وَالشَّافِعِيُّ فِي عَطِيَّةِ الْحَامِلِ كَقَوْلِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ. وَرُوِيَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: عَطِيَّةُ الْغَازِي مِنْ الثُّلُثِ وَقَالَ مَكْحُولٌ: بَلْ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، إِلاَّ أَنْ تَقَعَ الْمُسَايَفَةُ وَعَطِيَّةُ رَاكِبِ الْبَحْرِ كَذَلِكَ. وَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ كَالصَّحِيحِ، وَكَذَلِكَ رَاكِبُ الْبَحْرِ، وَمَنْ كَانَ فِي بَلَدٍ قَدْ وَقَعَ فِيهِ

الطَّاعُونُ. وَقَالَ مَكْحُولٌ: كَذَلِكَ فِي رَاكِبِ الْبَحْرِ مَا لَمْ يَهِجْ الْبَحْرُ. وَقَالَ الْحَسَنُ فِي إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ لَمَّا حَبَسَهُ الْحَجَّاجُ: لَيْسَ لَهُ مِنْ مَالِهِ، إِلاَّ الثُّلُثُ، فَقَالَ إيَاسٌ إذْ بَلَغَهُ قَوْلُهُ: مَا فَقِهَ أَحَدٌ إِلاَّ سَاءَ ظَنُّهُ بِالنَّاسِ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: مَا صَنَعَ الْمُسَافِرُ فَمِنْ الثُّلُثِ مِنْ حَيْثُ يَقَعُ رَحْلُهُ فِي الْغَرْزِ قَالَ النَّخَعِيُّ: بَلْ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: مَا صَنَعَ الأَسِيرُ فَمِنْ الثُّلُثِ.
وقال أبو حنيفة: لَيْسَ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَقْضِيَ بَعْضَ غُرَمَائِهِ دُونَ بَعْضٍ. وَرَأَوْا مُحَابَاتَهُ فِي الْبَيْعِ، وَهِبَاتِهِ، وَصَدَقَاتِهِ، وَعِتْقِهِ، كُلُّ ذَلِكَ مِنْ الثُّلُثِ إنْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ، إِلاَّ أَنَّ الْعِتْقَ يَنْفُذُ كُلُّهُ وَيُسْتَسْعَى فِيمَا لاَ يَحْمِلُهُ الثُّلُثُ مِنْهُ، فَإِنْ أَفَاقَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ نَفَذَ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ. وَأَمَّا الْمَحْصُورُ، وَالْوَاقِفُ فِي صَفِّ الْحَرْبِ فَكَالصَّحِيحِ. وَأَمَّا الَّذِي يُقَدَّمُ لِلْقَتْلِ فِي قِصَاصٍ، أَوْ رَجْمٍ فَكَالْمَرِيضِ.وَمَنْ اشْتَرَى ابْنَهُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ فَإِنْ خَرَجَ مِنْ ثُلُثِهِ عَتَقَ وَوَرِثَهُ، وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ مِنْ ثُلُثِهِ عَتَقَ وَلَمْ يَرِثْهُ، وَاسْتَسْعَى فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ كَسَائِرِ الْوَرَثَةِ، فَإِنْ أَقَرَّ بِوَلَدِ أَمَتِهِ فِي مَرَضِ مَوْتِهِ لَحِقَ بِهِ وَوَرِثَهُ، وَإِنْ وَطِئَ أَمَةً فِي مَرَضِ مَوْتِهِ فَحَمَلَتْ فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَيَرِثُهُ وَلَدُهَا. وَوَافَقَهُ عَلَى ذَلِكَ كُلِّهِ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، إِلاَّ أَنَّ الَّذِي يَشْتَرِي وَلَدَهُ فِي مَرَضِهِ، وَلاَ يَحْمِلُهُ الثُّلُثُ فَإِنَّهُمَا قَالاَ: يَرِثُهُ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَيُسْتَسْعَى فِيمَا يَقَعُ مِنْ قِيمَتِهِ لِلْوَرَثَةِ فَيَأْخُذُونَهُ. وَقَالُوا كُلُّهُمْ: إنَّمَا هَذَا فِي الْمَرَضِ الْمُخِيفِ كَالْحُمَّى الصَّالِبِ وَالْبِرْسَامِ، وَالْبَطْنِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَلَمْ يَرَوْا ذَلِكَ فِي الْجُذَامِ، وَلاَ حُمَّى الرِّبْعِ، وَلاَ السُّلِّ، وَلاَ مَنْ يَذْهَبُ وَيَجِيءُ فِي مَرَضِهِ. وقال مالك: كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا إِلاَّ فِي الْحَامِلِ فَإِنَّ أَفْعَالَهَا عِنْدَهُ كَالصَّحِيحِ إلَى أَنْ تُتِمَّ سِتَّةَ أَشْهُرٍ، فَإِذَا أَتَمَّتْهَا فَأَفْعَالُهَا فِي مَالِهَا كَالْمَرِيضِ. حَتَّى أَنَّهُ مَنَعَهَا مِنْ مُرَاجَعَةِ زَوْجِهَا الَّذِي طَلَّقَهَا طَلاَقًا بَائِنًا وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ وَإِلَّا الأَسْتِسْعَاءُ فَلَمْ يَرَهُ، بَلْ أَرَقَّ مَا لَمْ يَحْمِلْ الثُّلُثُ مِنْهُ، وَإِلَّا فِيمَنْ اشْتَرَى ابْنَهُ فِي مَرَضِهِ وَلَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ فَإِنَّهُ أَعْتَقَ مِنْهُ مَا حَمَلَ الثُّلُثُ وَأَرَقَّ الْبَاقِيَ. وقال الشافعي، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَقْضِيَ بَعْضَ غُرَمَائِهِ دُونَ بَعْضٍ وقال الشافعي: فِعْلُ الْمَرِيضِ مَرَضًا مُخِيفًا مِنْ الثُّلُثِ، فَإِنْ أَفَاقَ فَمِنْ رَأْسِ مَالِهِ وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الَّذِي يُقَدَّمُ لِلْقَتْلِ فَمَرَّةً قَالَ: هُوَ كَالصَّحِيحِ وَمَرَّةً قَالَ: هُوَ كَالْمَرِيضِ.
قال أبو محمد: أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَرِيضِ أَنْ يَقْضِيَ بَعْضَ غُرَمَائِهِ دُونَ بَعْضٍ: فَخَطَأٌ فِي تَفْرِيقِهِمَا فِي ذَلِكَ بَيْنَ الصَّحِيحِ، وَالْمَرِيضِ، وَالْحَقُّ فِي ذَلِكَ هُوَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِأَنْ يُعْطَى كُلُّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَهُوَ فِي إنْصَافِهِ بَعْضَ غُرَمَائِهِ دُونَ بَعْضٍ مُعْطِي ذَلِكَ الَّذِي أَنْصَفَ حَقَّهُ، وَمَنْ فَعَلَ مَا أَمَرَ بِهِ فَهُوَ مُحْسِنٌ، وَالإِحْسَانُ لاَ يُرَدُّ، فَإِنْ كَانَ

الَّذِي لَمْ يُنْصِفْهُ حَاضِرًا طَالِبًا حَقَّهُ فَهُوَ عَاصٍ فِي أَنَّهُ لَمْ يُنْصِفْهُ، وَهُمَا قَضِيَّتَانِ أَصَابَ فِي إحْدَاهُمَا، وَظَلَمَ فِي الأُُخْرَى وَالْحَقُّ لاَ يُبْطِلُهُ ظُلْمُ فَاعِلِهِ فِي قِصَّةٍ أُخْرَى وَحَقُّ الْغَرِيمِ إنَّمَا هُوَ فِي ذِمَّةِ الْمَدِينِ لاَ فِي عَيْنِ مَالِهِ مَا دَامَ حَيًّا لَمْ يُفْلِسْ، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَقَدْ نَفَذَ الَّذِي أَعْطَى مَا أَعْطَاهُ بِحَقٍّ وَلَزِمَهُ أَنْ يُنْصِفَ مَنْ بَقِيَ إذْ حَقُّهُ فِي ذِمَّتِهِ لاَ فِي عَيْنِ مَا أَعْطَى الآخَرَ وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ صَحِيحٍ، وَمَرِيضٍ، وَمَا نَعْلَمُ لَهُمَا فِي قَوْلِهِمَا هَذَا سَلَفًا.
وَأَمَّا قَوْلُهُمَا فِيمَنْ اشْتَرَى وَلَدَهُ فِي مَرَضِهِ فَلَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ أَنَّهُ لاَ يَرِثُهُ، فَإِنْ حَمَلَهُ الثُّلُثُ عَتَقَ وَوَرِثَ: فَقَوْلٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَالْمُنَاقَضَةِ، وَلاَ نَعْلَمُ لَهُمَا فِيهِ سَلَفًا مُتَقَدِّمًا ; لأََنَّهُ إنْ كَانَ وَصِيَّةً، فَالْوَصِيَّةُ لِلْوَارِثِ لاَ تَجُوزُ فَيَنْبَغِي عَلَى أَصْلِهِمْ أَنْ لاَ يَنْفُذَ عِتْقُهُ أَصْلاً حَمَلَهُ الثُّلُثُ أَوْ لَمْ يَحْمِلْهُ وَقَدْ قَالَ بِهَذَا بَعْضُ الشَّافِعِيِّينَ. وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: الشِّرَاءُ فَاسِدٌ ; لأََنَّهُ وَصِيَّةٌ لِوَارِثٍ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ وَصِيَّةً فَمَا بَالُهُ لاَ يَرِثُ وَقَدْ صَارَ حُرًّا بِمِلْكِ أَبِيهِ لَهُ، ثُمَّ مُنَاقَضَتُهُمْ فِي الْمَرِيضِ يَطَأُ أَمَتَهُ فَتَحْمِلُ أَنَّهَا مِنْ رَأْسِ مَالِهِ حُرَّةً وَيَرِثُهُ وَلَدُهَا، فَإِنْ قَالُوا: حَمْلُهَا لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ قلنا: لَكِنَّ وَطْأَهُ لَهَا مِنْ فِعْلِهِ، وَإِقْرَارَهُ بِوَلَدِهَا مِنْ فِعْلِهِ، وَعِتْقَ الْوَلَدِ فِي كُلِّ حَالٍ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْحَامِلِ فَقَوْلٌ أَيْضًا لاَ نَعْلَمُ لَهُ فِيهِ سَلَفًا، وَاحْتَجَّ لَهُ بَعْضُ مُقَلِّدِيهِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: { فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا} .
قال أبو محمد : وَهَذَا إيهَامٌ مِنْهُمْ لِلأَحْتِجَاجِ بِمَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلاً ; لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَقُلْ إنَّ الإِثْقَالَ لَمْ تَكُنْ إِلاَّ بِتَمَامِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ: فَظَهَرَ تَمْوِيهُهُمْ بِمَا لَيْسَ لَهُمْ فِيهِ مُتَعَلَّقٌ. ثُمَّ لَيْتَ شِعْرِي مَنْ لَهُمْ بِأَنَّ الإِثْقَالَ جُمْلَةً يُدْخِلُهَا فِي حُكْمِ الْمَرِيضِ، وَقَدْ يَحْمِلُ الْحَمَّالُ حِمْلاً ثَقِيلاً فَلاَ يَكُونُ بِذَلِكَ فِي حُكْمِ الْمَرِيضِ عِنْدَهُمْ. فَإِنْ قَالُوا: قَدْ تَلِدُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ قلنا، وَقَدْ تُسْقِطُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَالإِسْقَاطُ أَخْوَفُ مِنْ الْوِلاَدَةِ أَوْ مِثْلُهَا فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ جُمْلَةً. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
قَالَ عَلِيٌّ: ثُمَّ نَأْخُذُ بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُوَّتِهِ فِي قَوْلِ مَنْ قَالَ: بِأَنَّ أَفْعَالَ الْمَرِيضِ، وَمَنْ خِيفَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ مِنْ الثُّلُثِ
قال أبو محمد: احْتَجُّوا بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ الْمَشْهُورِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ سِيرِينَ، وَأَبِي لْمُهَلَّبِ، كِلاَهُمَا، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ: أَنَّ رَجُلاً أَعْتَقَ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُمْ فَدَعَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجَزَّأَهُمْ أَثْلاَثًا، ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ، وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً . وَجَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ فِيهِ قَوْلاً شَدِيدًا. وَبِالْخَبَرِ الصَّحِيحِ الثَّابِتِ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ ; وَابْنِ عُيَيْنَةَ، وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ

بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: جَاءَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعُودُنِي مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ بَلَغَنِي مِنْ الْوَجَعِ مَا تَرَى، وَأَنَا ذُو مَالٍ، وَلاَ يَرِثُنِي إِلاَّ ابْنَةٌ لِي. أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي قَالَ عليه السلام: لاَ ، قُلْتُ: فَالشَّطْرُ قَالَ: لاَ، ثُمَّ قَالَ عليه السلام: الثُّلُثُ، وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ قَالُوا: فَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ عليه السلام بِالصَّدَقَةِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ. وَبِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُقَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْمُونٍ، عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنِ الصُّنَابِحِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إنَّ اللَّهَ قَدْ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ عِنْدَ مَوْتِكُمْ رَحْمَةً لَكُمْ وَزِيَادَةً فِي أَعْمَالِكُمْ وَحَسَنَاتِكُمْ وَمِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى سَمِعْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: جُعِلَ لَكُمْ ثُلُثُ أَمْوَالِكُمْ زِيَادَةً فِي أَعْمَالِكُمْ . وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي خَبَرٍ، عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، أَنَّهُ قَالَ: جَعَلْتُ لَكَ طَائِفَةً مِنْ مَالِكَ عِنْدَ مَوْتِكَ أَرْحَمُكَ بِهِ . وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ابْتَاعُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ، أَلاَ إنَّهُ لَيْسَ لأَمْرِئٍ شَيْءٌ، أَلاَ لاَ أَعْرِفَنَّ امْرَأً بَخِلَ بِحَقِّ اللَّهِ حَتَّى إذَا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَخَذَ يُذَعْذِعُ مَالَهُ هَهُنَا هَهُنَا . وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ طَلْحَةَ، هُوَ ابْنُ عَمْرٍو الْمَكِّيُّ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : إنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِالثُّلُثِ مِنْ أَمْوَالِكُمْ عِنْدَ وَفَاتِكُمْ زِيَادَةً لَكُمْ فِي أَعْمَالِكُمْ.
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَنَا حَجَّاجٌ، عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ بَدْرٍ، عَنْ أَبِي يَحْيَى الْمَكِّيِّ: أَنَّ رَجُلاً أَعْتَقَ غُلاَمًا لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَسْعَى فِي قِيمَتِهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَنَا خَالِدٌ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ أَنَّ رَجُلاً مِنْهُمْ أَعْتَقَ غُلاَمًا عِنْدَ مَوْتِهِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرَهُ، فَرَفَعَ ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَعْتَقَ مِنْهُ الثُّلُثَ وَاسْتَسْعَى فِي الثُّلُثَيْنِ: وَقَالُوا قَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي بَكْرٍ، أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ، رضي الله عنها، عِنْدَ مَوْتِهِ "إنِّي كُنْتُ نَحَلْتُكِ جَادَّ عِشْرِينَ وَسْقًا مِنْ مَالِي فَلَوْ كُنْتِ جَدَدْتِيهِ وَحُزْتِيهِ لَكَانَ لَكِ، وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمَ مَالُ الْوَارِثِ" قَالُوا: فَأَخْبَرَ أَبُو بَكْرٍ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ أَنَّ مَنْ قَارَبَ الْمَوْتَ فَمَالُهُ مَالُ الْوَارِثِ. وَقَالُوا: قَدْ جَاءَ مَا أَوْرَدْنَا، عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَلاَ مُخَالِفَ لَهُمَا يُعْرَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم فَهُوَ إجْمَاعٌ،

وَقَالُوا: قِسْنَاهُ عَلَى الْوَصِيَّةِ.
قال أبو محمد: هَذَا كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ، وَكُلُّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ: أَمَّا حَدِيثُ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ: فَمُرْسَلٌ، وَعَنْ مَجْهُولٍ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ مُخَالِفًا لِقَوْلِ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ ; لأََنَّهُمَا لاَ يَرَيَانِ الأَسْتِسْعَاءَ. وَأَمَّا خَبَرُ أَبِي يَحْيَى الْمَالِكِيِّ: فَهَالِكٌ ; لأََنَّهُ مُرْسَلٌ، وَعَنْ حَجَّاجٍ، وَهُوَ سَاقِطٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ مُخَالِفًا لِقَوْلِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَفِيهِ طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو الْمَكِّيُّ وَهُوَ كَذَّابٌ. وَأَمَّا حَدِيثُ قَتَادَةَ: فَمُرْسَلٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ ; لأََنَّ الْبُخْلَ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى لاَ نُخَالِفُهُمْ أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ، وَأَنَّ ذَعْذَعَةَ الْمَالِ هَهُنَا وَهَهُنَا لاَ تَجُوزُ عِنْدَنَا، لاَ فِي صِحَّةٍ، وَلاَ فِي مَرَضٍ، فَلَيْسَ ذَلِكَ الْخَبَرُ مُخَالِفًا لِقَوْلِنَا. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي قِلاَبَةَ: فَمُرْسَلٌ، وَكَذَلِكَ حَدِيثُ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ فَسَنَدُهُ غَيْرُ مَشْهُورٍ، وَلاَ نَدْرِي حَالَ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَيْمُونٍ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ هُوَ وَجَمِيعُ الآثَارِ الَّتِي ذَكَرْنَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا حُجَّةٌ أَصْلاً ; لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهَا كُلِّهَا إِلاَّ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ تَصَدَّقَ عَلَيْنَا عِنْدَ مَوْتِنَا بِثُلُثِ أَمْوَالِنَا: فَهَذَا يَخْرُجُ عَلَى أَنَّهُ الْوَصِيَّةُ الَّتِي هِيَ بِلاَ خِلاَفٍ نَافِذَةٌ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَمَعْرُوفٌ فِي اللُّغَةِ الَّتِي بِهَا خَاطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ: كَانَ أَمْرُ كَذَا عِنْدَ مَوْتِ فُلاَنٍ، وَارْتَدَّتْ الْعَرَبُ عِنْدَ مَوْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَوُلِّيَ عُمَرُ عِنْدَ مَوْتِ أَبِي بَكْرٍ هَذَا أَمْرٌ مَعْرُوفٌ مَشْهُورٌ. فَجَمِيعُ هَذِهِ الأَخْبَارِ خَارِجَةٌ عَلَى هَذَا أَحْسَنَ خُرُوجٍ، وَمُوَافِقَةٌ لِقَوْلِنَا عَلَى الْحَقِيقَةِ، حَاشَا خَبَرَ الْعَلاَءِ بْنِ بَدْرٍ، عَنْ أَبِي يَحْيَى الْمَكِّيِّ، فَإِنَّهُ لاَ يُخَرَّجُ لاَ عَلَى قَوْلِنَا، وَلاَ عَلَى قَوْلِ أَحَدٍ مِنْهُمْ، فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَحْتَجُّوا بِخَبَرٍ يُخَالِفُونَهُ ; لأََنَّ أَبَا حَنِيفَةَ يَقُولُ: إنْ كَانَ الدَّيْنُ لاَ يَسْتَغْرِقُ جَمِيعَ قِيمَةِ الْعَبْدِ فَإِنَّمَا يَسْعَى فِي الدَّيْنِ فَقَطْ، ثُمَّ فِي ثُلُثَيْ مَا يَبْقَى مِنْ قِيمَتِهِ بَعْدَ الدَّيْنِ فَقَطْ وَهُوَ قَوْلُنَا إذَا أَوْصَى بِعِتْقِهِ، وَنَحْنُ نَقُولُ: إنْ كَانَ الدَّيْنُ يَسْتَغْرِقُ جَمِيعَ قِيمَتِهِ ; فَالْعِتْقُ بَاطِلٌ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ. فَكُلُّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ قَدْ خَالَفَتْ ذَلِكَ الْحَدِيثَ. ثُمَّ جَمِيعُهُمْ مُخَالِفٌ لِجَمِيعِ هَذِهِ الآثَارِ ; لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهَا إِلاَّ: عِنْدَ مَوْتِهِ، وَعِنْدَ مَوْتِكُمْ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا ذِكْرٌ لِمَرَضٍ أَصْلاً، فَالْمَرَضُ شَيْءٌ زَادُوهُ بِآرَائِهِمْ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ الآثَارِ نَصٌّ مِنْهُ، وَلاَ دَلِيلٌ عَلَيْهِ، وَقَدْ يَمُوتُ الصَّحِيحُ فَجْأَةً، وَمِنْ مَرَضٍ خَفِيفٍ، فَاقْتِصَارُهُمْ عَلَى الْمَرَضِ مِنْ أَيْنَ خَرَجَ وَهَلَّا رَاعُوا مَا جَاءَتْ بِهِ الآثَارُ مِنْ لَفْظِ عِنْدَ مَوْتِهِ فَجَعَلُوا مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ عِنْدَ مَوْتِهِ صَحِيحًا فَعَلَهُ أَوْ مَرِيضًا مِنْ الثُّلُثِ، وَجَعَلُوا مَا فَعَلُوا فِي صِحَّتِهِ أَوْ مَرَضِهِ مِمَّا تَأَخَّرَ عَنْهُ مَوْتُهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ فَظَهَرَ أَنَّ جَمِيعَ هَذِهِ الآثَارِ مُخَالِفَةٌ لِقَوْلِهِمْ، وَأَنَّهَا مِنْ النَّوْعِ الَّذِي احْتَجُّوا بِهِ لأََقْوَالٍ لَهُمْ، لَيْسَ مِنْهَا شَيْءٌ فِيمَا احْتَجُّوا لَهُ بِهِ،

وَهَذَا إيهَامٌ مِنْهُمْ قَبِيحٌ، وَتَدْلِيسٌ فِي الدِّينِ فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَا. وَأَمَّا حَدِيثُ سَعْدٍ: فَإِنَّا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ. وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ. وَمِنْ طَرِيقِ مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيّ، عَنْ هَاشِمِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ، عَنْ ثَلاَثَةٍ مِنْ وَلَدِ سَعْدٍ، كُلُّهُمْ، عَنْ سَعْدٍ وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَانِ السُّلَمِيِّ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدٍ، وَعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، كُلُّهُمْ قَالَ فِي هَذَا الْخَبَرِ: أَفَأُوصِي بِمَالِي أَوْ بِثُلُثَيْ مَالِي يَا رَسُولَ اللَّهِ ثُمَّ بِنِصْفِهِ وَهُوَ خَبَرٌ وَاحِدٌ. فَصَحَّ أَنَّ الَّذِينَ رَوَوْا لَفْظَ " أَفَأَتَصَدَّقُ "، عَنِ الزُّهْرِيِّ إنَّمَا عَنَوْا بِهِ الْوَصِيَّةَ بِلاَ شَكٍّ، لاَ الصَّدَقَةَ فِي حَالِ الْحَيَاةِ ; لأََنَّهُ كُلَّهُ خَبَرٌ وَاحِدٌ، عَنْ مَقَامٍ وَاحِدٍ، عَنْ رَجُلٍ وَاحِدٍ، فِي حُكْمٍ وَاحِدٍ ; وَكُلُّ وَصِيَّةٍ صَدَقَةٌ. وَلَيْسَ كُلُّ صَدَقَةٍ وَصِيَّةً. نَعَمْ: وَرُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ قَالَ: نَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمَاجِشُونِ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، كِلاَهُمَا، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: مَرِضْتُ مَرَضًا شَدِيدًا فَأُشْفِيتُ مِنْهُ فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ لِي مَالاً كَثِيرًا وَإِنَّمَا تَرِثُنِي ابْنَةٌ لِي وَاحِدَةٌ، أَفَأَتَصَدَّقُ بِمَالِي كُلِّهِ قَالَ: لاَ، قُلْتُ: فَأُوصِي بِالشَّطْرِ، قَالَ: لاَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَبِمَ أُوصِي قَالَ: الثُّلُثَ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إنَّك أَنْ تَدَعَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدَعَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ . فَرَوَى مَالِكٌ ;، وَابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ أَفَأَتَصَدَّقُ وَرَوَى إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ مُرَّةَ: أَفَأَتَصَدَّقُ، وَمَرَّةً: أَفَأُوصِي وَرَوَى مَعْمَرٌ، وَسَعْدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ أَفَأُوصِي وَلَيْسَا دُونَ مَالِكٍ، وَابْنِ عُيَيْنَةَ. وَاتَّفَقَ سَائِرُ مَنْ ذَكَرْنَا عَلَى لَفْظِ: " أُوصِي " فَارْتَفَعَ الإِشْكَالُ جُمْلَةً. وَأَيْضًا: فَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ نَصٌّ، وَلاَ دَلِيلٌ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْحُكْمَ فِي الْمَرَضِ خَاصَّةً دُونَ الصِّحَّةِ، فَمَنْ قَالَ: إنَّهُ فِي الْمَرَضِ خَاصَّةً فَقَدْ كَذَبَ وَقَوَّلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا لَمْ يَقُلْ، وَهَذَا مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ. وَأَيْضًا: فَقَدْ عَلِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ سَعْدًا سَيَبْرَأُ وَتَكُونُ لَهُ آثَارٌ فِي الإِسْلاَمِ، فَبَطَلَ أَنْ

يَكُونَ ذَلِكَ حُكْمَ الْمَرَضِ الَّذِي يَمُوتُ الْمَرْءُ مِنْهُ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمًا فَمَا تَرَكَ شَيْئًا يَكُونُ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلاَّ أَخْبَرَ بِهِ، حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ، وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ، قَدْ عَلِمَ أَصْحَابِي هَؤُلاَءِ أَنَّهُ لِيَكُونَ مِنِّي الشَّيْءُ فَأَعْرِفُهُ فَأَذْكُرُهُ كَمَا يَذْكُرُ الرَّجُلُ وَجْهَ الرَّجُلِ إذَا غَابَ عَنْهُ فَإِذَا رَآهُ عَرَفَهُ.
قال أبو محمد: وَسَعْدٌ قَدْ فَتَحَ أَعْظَمَ الْفُتُوحِ، وَأَنْزَلَ مَلِكَ الْفُرْسِ، عَنْ سَرِيرِهِ، وَافْتَتَحَ قُصُورَهُ، وَدُورَهُ، وَمَدَائِنَهُ، فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ مُتَعَلَّقٌ أَصْلاً. وَأَمَّا خَبَرُ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ فِي السِّتَّةِ الأَعْبُدِ، فَأَوْلَى النَّاسِ أَنْ لاَ يُحْتَجَّ بِهِ: أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ الَّذِينَ لاَ يَسْتَحْيُونَ مِنْ أَنْ يَقُولُوا: إنَّهُ قِمَارٌ، وَإِنَّهُ فِعْلٌ بَاطِلٌ، وَحُكْمُ جَوْرٍ شَاهَ وَجْهُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ فِي حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَبَقِيَ الْكَلاَمُ فِيهِ مَعَ الْمَالِكِيِّينَ وَالشَّافِعِيِّينَ، وَأَصْحَابِنَا الْقَائِلِينَ بِهِ.
قَالَ عَلِيٌّ: فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ: إنَّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلاً لِوُجُوهٍ ثَلاَثَةٍ: أَوَّلُهَا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إِلاَّ الْعِتْقُ وَحْدَهُ، فَإِقْحَامُهُمْ مَعَ الْعِتْقِ جَمِيعَ أَفْعَالِ الْمَرِيضِ خَطَأٌ وَتَعَدٍّ لِحُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ، وَلَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَهُنَا بَاطِلاً ; لأََنَّهُمْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ حُكْمِ الْعِتْقِ وَسَائِرِ الأَحْكَامِ، فَيُوجِبُونَ فِيمَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ مِنْ عَبْدٍ أَنْ يُقَوَّمَ عَلَيْهِ بَاقِيهِ فَيَعْتِقُهُ، وَلاَ يَرَوْنَ فِيمَنْ تَصَدَّقَ بِنِصْفِ عَبْدِهِ أَوْ أَوْقَفَ نِصْفَ دَارِهِ، أَوْ نِصْفَ فَرَسِهِ، أَوْ تَصَدَّقَ بِنِصْفِ ثَوْبِهِ أَوْ بِنِصْفِ ضَيْعَتِهِ: أَنْ يُقَوَّمَ عَلَيْهِ بَاقِي ذَلِكَ، وَيَنْفُذَ فِعْلُهُ فِي جَمِيعِهِ: فَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ أَنْ يُقَاسَ عَلَى الْعِتْقِ هَهُنَا وَلَمْ يَجِبْ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ هُنَالِكَ إنَّ هَذَا لَتَحَكُّمٌ فَاسِدٌ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ: مِنْ فِعْلِ الْمَرِيضِ كَلِمَةٌ، وَلاَ دَلاَلَةٌ، وَلاَ إشَارَةٌ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ: إنَّمَا فِيهِ " أَعْتَقَ عِنْدَ مَوْتِهِ " فَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِمْ: أَنْ يَجْعَلُوا هَذَا الْحُكْمَ فِيمَنْ أَعْتَقَ عِنْدَ مَوْتِهِ صَحِيحًا أَوْ مَرِيضًا. فَمَاتَ إثْرَ ذَلِكَ، لاَ فِيمَنْ أَعْتَقَ مَرِيضًا، أَوْ صَحِيحًا، ثُمَّ تَرَاخَى مَوْتُهُ، فَإِنَّ هَذَا لَمْ يَعْتِقْ عِنْدَ مَوْتِهِ بِلاَ شَكٍّ وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ الْخَبَرَ الَّذِي احْتَجُّوا بِهِ فِيمَا فِيهِ، وَأَقْحَمُوا فِيهِ مَا لَيْسَ فِيهِ وَاحْتَجُّوا بِهِ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ مِنْهُ شَيْءٌ أَصْلاً، وَهَذِهِ قَبَائِحُ مُوبِقَةٌ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهَا. وَالثَّالِثُ: أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ حُجَّةٌ لَنَا عَلَيْهِمْ قَاطِعَةٌ ; لأََنَّ هَذَا الإِنْسَانَ

لَمْ يُبْقِ لِنَفْسِهِ شَيْئًا أَصْلاً، هَكَذَا فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ، وَهَذَا عِنْدَنَا مَرْدُودُ الْفِعْلِ صَحِيحًا كَانَ أَوْ مَرِيضًا، وَلاَ يَجُوزُ لأََحَدٍ فِي مَالِهِ عِتْقُ تَطَوُّعٍ، وَلاَ صَدَقَةُ تَطَوُّعٍ، وَلاَ هِبَةٌ يَبُتُّ بِهَا إِلاَّ فِيمَا أَبْقَى غِنًى، كَمَا قَالَ عليه السلام الصَّدَقَةُ، عَنْ ظَهْرِ غِنًى. وَقَدْ أَبْطَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِتْقَ إنْسَانٍ صَحِيحٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، قَالَ الْبُخَارِيُّ: ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ، وقال أحمد: أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي وَعَمِّي هُوَ يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ ثُمَّ اتَّفَقَ عَاصِمٌ، وَسَعْدٌ، وَيَعْقُوبُ أَبْنَاءُ إبْرَاهِيمَ، قَالُوا كُلُّهُمْ: ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَجُلاً أَعْتَقَ عَبْدًا لَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ فَرَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَابْتَاعَهُ مِنْهُ نُعَيْمُ بْنُ النَّحَّامِ قَالَ الزُّهْرِيُّونَ فِي رِوَايَتِهِمْ: فَرَدَّهُ عليه السلام: فَهَذَا إسْنَادٌ كَالشَّمْسِ لاَ يَسَعُ أَحَدًا خِلاَفُهُ. فَصَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا رَدَّ عِتْقَ أُولَئِكَ الأَعْبُدِ; لأََنَّ مُعْتِقَهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ، وَكَانَ عِتْقُهُ عليه السلام لِثُلُثِهِمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ كَمَا رُوِيَ فِي بَعْضِ الأَخْبَارِ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ إذْ جَعَلَ عَلَى نَفْسِهِ إذْ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ: يُجْزِيك مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ وَإِنْ كَانَ هَذَا اللَّفْظُ لاَ يَصِحُّ، لَكِنَّهُ عليه السلام قَالَ لَهُ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ ; فَأَمْسَكَ سَهْمَهُ بِخَيْبَرَ، فَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ الْمُعْتِقُ لَهُ فِي أَرْبَعَةٍ مِنْهُمْ غِنًى. وَبُرْهَانُ هَذَا: أَنَّ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ أَنَّهُ عليه السلام إنَّمَا أَعْتَقَ اثْنَيْنِ، وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً وَلَمْ يَذْكُرْ قِيمَةً، وَالثُّلُثُ عِنْدَ الْمُحْتَجِّينَ بِهَذَا الْخَبَرِ لاَ يَكُونُ هَكَذَا أَصْلاً، وَلاَ يَكُونُ إِلاَّ بِالْقِيمَةِ. وَوَجْهٌ رَابِعٌ وَهُوَ أَنَّنَا رُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ، وَابْنُ أَبِي عُمَرَ كِلاَهُمَا، عَنِ الثَّقَفِيِّ هُوَ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ: أَنَّ رَجُلاً أَوْصَى عِنْدَ مَوْتِهِ فَأَعْتَقَ سِتَّةَ مَمْلُوكِينَ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ، فَدَعَا بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجَزَّأَهُمْ أَثْلاَثًا ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ، وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً، وَقَالَ لَهُ قَوْلاً شَدِيدًا .
فَصَحَّ أَنَّ ذَلِكَ الْعِتْقَ إنَّمَا كَانَ وَصِيَّةً، وَلاَ خِلاَفَ أَنَّهَا الصَّحِيحُ وَالْمَرِيضُ سَوَاءٌ، وَلاَ تَجُوزُ إِلاَّ بِالثُّلُثِ، فَإِنْ كَانَتْ الرِّوَايَتَانِ حَدِيثًا وَاحِدًا وَهُوَ الأَظْهَرُ الَّذِي لاَ يَكَادُ يُمْكِنُ، وَلاَ يَجُوزُ غَيْرُهُ فَقَدْ ارْتَفَعَ الْكَلاَمُ، وَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهِ، وَإِنْ كَانَا خَبَرَيْنِ وَهَذَا مُمْكِنٌ بَعِيدٌ فَكِلاَهُمَا لَنَا، وَمُوَافِقٌ لِقَوْلِنَا وَمُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ ذِكْرٌ لِمَرَضٍ، وَلاَ لِفِعْلٍ فِي مَرَضٍ أَصْلاً، وَلاَ لأََنَّ الرَّدَّ إنَّمَا كَانَ ; لأََنَّ الْعِتْقَ وَقَعَ فِي مَرَضٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ فَبَطَلَ عَنْهُمْ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ مِنْ الآثَارِ الَّتِي هُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهَا، وَعَادَتْ كُلُّهَا لَنَا عَلَيْهِمْ حُجَّةً.

وَأَمَّا مَا رَوَوْا فِي ذَلِكَ، عَنِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم فَكَذَلِكَ أَيْضًا، وَإِنَّمَا هُمْ ثَلاَثَةٌ: أَبُو بَكْرٍ، وَعَلِيٌّ، وَابْنُ مَسْعُودٍ: فأما أَبُو بَكْرٍ فَإِنَّمَا تَعَلَّقُوا عَنْهُ بِقَوْلِهِ: وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمَ مَالُ الْوَارِثِ وَهَذَا لاَ مُتَعَلَّقَ لَهُمْ بِهِ أَصْلاً ; لأََنَّهُ لاَ يَخْتَلِفُ اثْنَانِ وَهُمْ مَعَنَا أَيْضًا فِي أَنَّهُ إنَّمَا عَنَى أَنَّهُ مَالُ الْوَارِثِ بَعْدَ مَوْتِهِ، وَأَنَّهُ لَمْ يَعْنِ بِذَلِكَ أَنَّ مَالَ الْمَرِيضِ الَّذِي يَمُوتُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ لِلْوَارِثِ مَا دَامَ شَيْءٌ مِنْ الرُّوحِ فِي الْمَرِيضِ، وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ أَسْمَاءَ لَوْ مَاتَتْ إذْ قَالَ أَبُو بَكْرٍ هَذَا الْقَوْلَ لَهَا لَمَا وَرِثَ عَبْدُ اللَّهِ، وَعُرْوَةُ، وَالْمُنْذِرُ، أَوْلاَدُهَا مِنْ مَالِ أَبِي بَكْرٍ حَبَّةَ خَرْدَلٍ، وَلاَ قِيمَتَهَا، فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ. وَلَوْ كَانَ مَالُ الْمَرِيضِ. قَدْ صَارَ مَالاً لِلْوَارِثِ فِي مَرَضِهِ لَوَرِثَهُ عَنْهُ إنْ مَاتَ وَرَثَتُهُ فِي حَيَاةِ الْمَرِيضِ، وَهَذَا لاَ يَقُولُهُ أَحَدٌ، وَلاَ أَحْمَقُ، وَلاَ عَاقِلٌ. وَأَيْضًا فَلاَ خِلاَفَ مِنَّا وَمِنْهُمْ فِي أَنَّ الْوَارِثَ لَوْ وَطِئَ أَمَةَ الْمَرِيضِ قَبْلَ مَوْتِهِ لَكَانَ زَانِيًا يُحَدُّ حَيْثُ يُحَدُّ لَوْ وَطِئَهَا وَهُوَ صَحِيحٌ، وَلاَ فَرْقَ وَأَنَّهُ لَوْ سَرَقَ مِنْ مَالِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ شَيْئًا فِي مِثْلِهِ الْقَطْعُ لَقُطِعَتْ يَدُهُ حَيْثُ تُقْطَعُ يَدُهُ لَوْ سَرَقَ مِنْهُ وَهُوَ صَحِيحٌ: فَظَهَرَ تَمْوِيهُهُمْ وَبُرْدُهُمْ وَتَدْلِيسُهُمْ فِي الدِّينِ بِإِيهَامِهِمْ الْبَاطِلَ مَنْ اغْتَرَّ بِهِمْ، وَأَحْسَنَ الظَّنَّ بِطُرُقِهِمْ. فَإِنْ أَتَوْنَا فِي صَرْفِ الأَخْبَارِ الَّتِي ذَكَرْنَا قَبْلُ، عَنْ ظَاهِرِهَا بِبُرْهَانٍ مِثْلِ هَذَا وَجَبَ الأَنْقِيَادُ لِلْحَقِّ، وَإِنْ لَمْ يَأْتُونَا إِلاَّ بِالْكَذِبِ الْبَحْتِ، وَبِالظَّنِّ الْفَاسِدِ، وَبِالتَّمْوِيهِ الْمُلْبِسِ، فَعَارُ ذَلِكَ وَنَارُهُ لاَ زِمَانِ لَهُمْ، لاَ لَنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِخَبَرِ أَبِي بَكْرٍ جُمْلَةً.
وَأَمَّا الْخَبَرُ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَمُرْسَلٌ ; لأََنَّ الْحَسَنَ، وَالْقَاسِمَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَانِ، لَمْ يُدْرِكَاهُ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ ; لأََنَّ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ أَنَّهُ ابْتَاعَهَا فِي مَرَضِهِ، فَأَجَازَ بَيْعَهُ وَأَعْتَقَهَا عِنْدَ مَوْتِهِ، فَأَمَرَهَا بِأَنْ تَسْعَى فِي ثَمَنِهَا لِلْغَرِيمِ. وَفِي الأُُخْرَى أَعْتَقَ عَبْدَهُ فِي مَرَضِهِ لاَ مَالَ لَهُ غَيْرُهُ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: عَتَقَ، ثُلُثَهُ وَالْقَوْلُ فِي هَذَا كَالْقَوْلِ فِي بَعْضِ الأَخْبَارِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا رَدَّ ذَلِكَ ; لأََنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ، فَرَاعَى مَا أَبْقَى لَهُ غِنًى. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصٌ، هُوَ ابْنُ غِيَاثٍ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ قَالَ: أَعْتَقَتْ امْرَأَةٌ جَارِيَةً لَهَا لَيْسَ لَهَا مَالٌ غَيْرُهَا، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: تَسْعَى فِي قِيمَتِهَا فَهَذَا عَبْدُ اللَّهِ قَدْ رَأَى السَّعْيَ فِي قِيمَتِهَا إذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالُ غَيْرُهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي مَرَضٍ أَصْلاً، فَعَادَ فِعْلُ ابْنُ مَسْعُودٍ لَوْ صَحَّ حُجَّةً عَلَيْهِمْ، فَكَيْفَ، وَلاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ، وَلاَ فِعْلِهِ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِابْنِ مَسْعُودٍ وَلاَحَ خِلاَفُهُمْ لَهُ وَأَمَّا الرِّوَايَةُ، عَنْ عَلِيٍّ فَمُنْقَطِعَةٌ; لأََنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَلِيٍّ شَيْئًا، ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَمَا كَانَ لَهُمْ بِهَا مُتَعَلَّقٌ أَصْلاً ; لأََنَّهُ لَمْ يَقُلْ عَلِيٌّ أَنَّهُ إنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ ; لأََنَّهُ أَعْتَقَهُ فِي مَرَضِهِ أَلْبَتَّةَ،

وَلاَ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ ذِكْرُ: أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي مَرَضٍ لاَ بِنَصٍّ، وَلاَ بِدَلِيلٍ، وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُ أَعْتَقَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ فَقَطْ، وَالأَظْهَرُ أَنَّ عَلِيًّا إنَّمَا أَوْجَبَ الأَسْتِسْعَاءَ فِي ذَلِكَ ; لأََنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَهَذَا هُوَ نَصُّ الْخَبَرِ، وَهُوَ قَوْلُنَا لاَ قَوْلُهُمْ كُلُّهُمْ، وَكَذَلِكَ نَقُولُ بِالأَسْتِسْعَاءِ فِي هَذَا إذَا فَضَلَ مِنْ قِيمَةِ الْعِتْقِ، عَنِ الدَّيْنِ شَيْءٌ قَلَّ أَوْ كَثُرَ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ خِلاَفٌ لِهَذَا، فَلاَحَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ كَثِيرًا أَنَّ كُلَّ مَا احْتَجُّوا بِهِ مِنْ أَثَرٍ صَحِيحٍ أَوْ سَقِيمٍ، أَوْ، عَنْ صَاحِبٍ فَلَيْسَ مِنْهُ شَيْءٌ أَصْلاً مُوَافِقًا لِقَوْلِهِمْ، وَأَنَّ إيرَادَهُمْ لِكُلِّ ذَلِكَ تَمْوِيهٌ، وَإِيهَامٌ بِالْبَاطِلِ، وَالظَّنِّ الْكَاذِبِ، وَأَنَّ كُلَّهُ أَوْ أَكْثَرَهُ حُجَّةٌ لَنَا، وَمُوَافِقٌ لِقَوْلِنَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِالتَّابِعِينَ، وَدَعْوَاهُمْ الإِجْمَاعَ فِي ذَلِكَ فَغَيْرُ مُنْكَرٍ مِنْ اسْتِسْهَالِهِمْ الْكَذِبَ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الإِسْلاَمِ وَقَدْ أَوْرَدْنَا فِي صَدْرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِأَصَحِّ طَرِيقٍ، عَنْ مَسْرُوقٍ خِلاَفَ قَوْلِهِمْ، وَأَنَّ عِتْقَ الْمَرِيضِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، وَإِنْ مَاتَ مِنْ مَرَضِهِ ذَلِكَ، وَأَنَّهُ إنَّمَا قَالَ بِذَلِكَ ; لأََنَّهُ شَيْءٌ جَعَلَهُ لِلَّهِ تَعَالَى، فَلاَ يُرَدُّ. فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ مَا فَعَلَهُ الْمَرِيضُ لِلَّهِ تَعَالَى فَمَاتَ مِنْ مَرَضِهِ أَوْ عَاشَ، فَمِنْ رَأْسِ مَالِهِ عِنْدَ مَسْرُوقٍ، فَظَهَرَ كَذِبُهُمْ فِي دَعْوَى الإِجْمَاعِ، فَكَيْفَ وَإِنَّمَا جَاءَتْ فِي ذَلِكَ آثَارٌ، عَنْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ مِنْ التَّابِعِينَ فَقَطْ شُرَيْحٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالْقَاسِمِ، وَسَالِمٍ، وَالزُّهْرِيِّ، وَرَبِيعَةَ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَعِكْرِمَةَ، وَمَكْحُولٍ، وَعَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ، أَكْثَرُ ذَلِكَ لاَ يَصِحُّ عَنْهُمْ ; لأََنَّهَا مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ وَمِثْلِهِ. ثُمَّ هُمْ مُخْتَلِفُونَ، فَمِنْهُمْ مَنْ رَأَى الْمُسَافِرَ مِنْ حِينِ يَضَعُ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ لاَ يَنْفُذُ لَهُ أَمْرٌ فِي مَالٍ إِلاَّ مِنْ ثُلُثِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى ذَلِكَ فِي الْحَامِلِ جُمْلَةً. وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَى ذَلِكَ فِي الأَسِيرِ جُمْلَةً، وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالْحَنَفِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ: مُخَالِفُونَ لِكُلِّ هَذَا. ثُمَّ قَوْلُهُمْ فِي تَفْسِيرِ الأَمْرَاضِ مُخَالِفٌ لِجَمِيعِهِمْ، فَإِنْ كَانَ هَؤُلاَءِ إجْمَاعًا فَقَدْ أَقَرُّوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِخِلاَفِ الإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَ لَيْسَ إجْمَاعًا فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي قَوْلِ مَنْ دُونَ الصَّحَابَةِ إذَا لَمْ يَكُنْ إجْمَاعًا عِنْدَهُمْ، فَكَيْفَ وَقَدْ رُوِّينَا، عَنْ مَسْرُوقٍ، وَالشَّعْبِيِّ، خِلاَفَ هَذَا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: إذَا أَبْرَأَتْ الْمَرْأَةُ زَوْجَهَا مِنْ صَدَاقِهَا فِي مَرَضِهَا فَهُوَ جَائِزٌ، وَقَالَ سُفْيَانُ: لاَ يَجُوزُ: فَصَحَّ أَنَّ إبْرَاهِيمَ إنَّمَا عَنَى مَرَضَهَا الَّذِي تَمُوتُ مِنْهُ، وَلَمْ يُرَاعِ ثُلُثًا، وَلاَ رَآهُ وَصِيَّةً. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي الرَّجُلِ يَتَصَدَّقُ بِمَالِهِ كُلِّهِ قَالَ: إذَا وَضَعَ مَالَهُ كُلَّهُ فِي حَقٍّ فَلاَ أَحَدَ أَحَقُّ بِمَالِهِ مِنْهُ، وَإِذَا أَعْطَى بَعْضَ

الْوَرَثَةِ دُونَ بَعْضٍ فَلَيْسَ لَهُ إِلاَّ الثُّلُثُ.
قال أبو محمد : لاَ يَخْلُو عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ الصَّحِيحَ، وَالْمَرِيضَ مَعًا، أَوْ الْمَرِيضَ وَحْدَهُ، أَوْ الصَّحِيحَ وَحْدَهُ: فَإِنْ أَرَادَ الصَّحِيحَ فَقَطْ فَقَدْ رَدَّ فِعْلَهُ فِي صَدَقَتِهِ بِمَالِهِ كُلِّهِ، وَإِنْ كَانَ أَرَادَ الْمَرِيضَ: فَقَدْ أَمْضَى فِعْلَهُ فِي مَالِهِ كُلِّهِ فَهَذَا خِلاَفٌ ظَاهِرٌ وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ كِلاَهُمَا، عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ رَجُلاً رَأَى فِيمَا يَرَى النَّائِمُ أَنَّهُ يَمُوتُ إلَى ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فَطَلَّقَ نِسَاءَهُ طَلْقَةً طَلْقَةً، وَقَسَّمَ مَالَهُ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لَهُ: أَجَاءَك الشَّيْطَانُ فِي مَنَامِك فَأَخْبَرَك: أَنَّك تَمُوتُ إلَى ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فَطَلَّقْتَ نِسَاءَك وَقَسَّمْتَ مَالَك رُدَّهُ وَلَوْ مِتَّ لَرَجَمْتُ قَبْرَك كَمَا يُرْجَمُ قَبْرُ أَبِي رِغَالٍ فَرَدَّ مَالَهُ وَنِسَاءَهُ، وَقَالَ لَهُ عُمَرُ: مَا أَرَاك تَلْبَثُ إِلاَّ يَسِيرًا حَتَّى تَمُوتَ وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: أَنَّ امْرَأَةً رَأَتْ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ أَنَّهَا تَمُوتُ إلَى ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فَشَذَّبَتْ مَالَهَا وَهِيَ صَحِيحَةٌ، ثُمَّ مَاتَتْ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ فَأَمْضَى أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ فِعْلَهَا. فَإِنْ كَانَ لِلْمُوقِنِ بِالْمَوْتِ حُكْمُ الْمَرِيضِ فِي مَالِهِ فَقَدْ أَمْضَاهُ أَبُو مُوسَى، فَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِهِمْ، وَإِنْ كَانَ لَهُ حُكْمُ الصَّحِيحِ فَقَدْ رَدَّهُ عُمَرُ، وَلَمْ يُمْضِ مِنْهُ ثُلُثًا، وَلاَ شَيْئًا، وَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِهِمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَمَنْ أَقْبَحُ مُجَاهِرَةً مِمَّنْ يَجْعَلُ مِثْلَ مَنْ ذَكَرْنَا قَبْلُ إجْمَاعًا ثُمَّ لاَ يُبَالِي بِمُخَالِفَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، وَأَبِي مُوسَى، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَغَيْرِهِمْ، وَطَوَائِفَ مِنْ التَّابِعِينَ فِي الْقِصَاصِ مِنْ اللَّطْمَةِ، وَضَرْبَةِ السَّوْطِ، لاَ مُخَالِفَ لَهُمْ يُعْرَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ جِدًّا قَدْ تَقَصَّيْنَا مِنْهُ جُزْءًا صَالِحًا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى الْوَصِيَّةِ، فَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ ; لأََنَّ الْوَصِيَّةَ إنَّمَا تَنْفُذُ بَعْدَ الْمَوْتِ وَهِيَ مِنْ الْمَرِيضِ. وَالصَّحِيحُ سَوَاءٌ بِلاَ خِلاَفٍ لاَ تَجُوزُ إِلاَّ فِي الثُّلُثِ فَمَا دُونَهُ، فَإِذَا قِيسَ فِعْلُ الْمَرِيضِ عَلَيْهَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي الْحَيَاةِ فِعْلُ الْمَرِيضِ كَفِعْلِ الصَّحِيحِ سَوَاءً سَوَاءً. وَأَيْضًا: لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ لاَ شَيْءَ أَشْبَهَ بِشَيْءٍ وَأَوْلَى بِأَنْ يُقَاسَ عَلَيْهِ مِنْ شَيْئَيْنِ شَبَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُمَا: وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي حَبِيبَةَ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الَّذِي يَعْتِقُ عِنْدَ الْمَوْتِ كَاَلَّذِي يُهْدِي بَعْدَ مَا يَشْبَعُ .
قَالَ عَلِيٌّ: وَلاَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ الَّذِي يُهْدِي بَعْدَ مَا يَشْبَعُ فَهَدِيَّتُهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ،

فَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا فَالْمُعْتِقُ عِنْدَ الْمَوْتِ مِثْلُهُ سَوَاءً سَوَاءً، فَوَاجِبٌ أَنْ يَكُونَ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، قَالَ تَعَالَى: {وَأَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلاَ أَخَّرْتَنِي إلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إذَا جَاءَ أَجَلُهَا} وَهَذَا نَصٌّ جَلِيٌّ لاَ يَحْتَمِلُ تَأْوِيلاً عَلَى جَوَازِ الصَّدَقَةِ لِلصَّحِيحِ وَالْمَرِيضِ مَا لَمْ يَأْتِهِ الْمَوْتُ وَيَجِئْ حُلُولُ أَجَلِهِ دُونَ تَأْخِيرٍ قَرِيبٍ أَوْ بَعِيدٍ، وَلَكِنَّهُمْ لاَ النُّصُوصَ يَتَّبِعُونَ، وَلاَ الْقِيَاسَ يُحْسِنُونَ. وَأَيْضًا: فَلاَ خِلاَفَ بَيْنَهُمْ أَصْلاً فِي أَنَّ مَا اشْتَرَاهُ الْمَرِيضُ مِنْ فَاكِهَةٍ، وَلَحْمٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ عَنْهُ فِي غِنًى، وَمَا تَصَدَّقَ بِهِ عَلَى سَائِلٍ بِالْبَابِ، فَإِنَّهُ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، فَلَوْ كَانَ فَعَلَهُ فِي مَرَضِهِ مِنْ الثُّلُثِ لَكَانَ هَذَا مِنْ الثُّلُثِ، بَلْ لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِنْ مَالِهِ إِلاَّ الثُّلُثُ، فِي مَرَضِهِ الَّذِي يَمُوتُ مِنْهُ لَمَا وَجَبَ أَنْ يُعَدَّ أَكْلَهُ وَنَفَقَتَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَعِيَالِهِ إِلاَّ مِنْ الثُّلُثِ ; لأََنَّ بَاقِيَ ذَلِكَ لاَ حُكْمَ لَهُ فِيهِ وَهُمْ لاَ يَقُولُونَ بِهَذَا فَظَهَرَ مِنْ تَخَاذُلِهِمْ وَتَنَاقُضِهِمْ وَفَسَادِ أَقْوَالِهِمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا بَعْضُهُ يَكْفِي وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

لا يجوز الحجر على امرأة ذات زوج ولا بكر ذات أب أو غير ذات أب وصدقتهما وهبتهما نافذ كل ذلك من رأس المال إذا حضرت كالرجال سواء بسواء
1396 - مَسْأَلَةٌ: وَكَذَلِكَ لاَ يَجُوزُ الْحَجْرُ أَيْضًا عَلَى امْرَأَةٍ ذَاتِ زَوْجٍ ;، وَلاَ بِكْرٍ ذَاتِ أَبٍ، وَلاَ غَيْرِ ذَاتِ أَبٍ وَصَدَقَتُهُمَا، وَهِبَتُهُمَا: نَافِذٌ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ إذَا حَاضَتْ كَالرَّجُلِ سَوَاءً سَوَاءً
وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ. وقال مالك: لَيْسَ لِذَاتِ الزَّوْجِ إِلاَّ الثُّلُثُ فَقَطْ تَهَبُهُ وَتَتَصَدَّقُ بِهِ أَحَبَّ زَوْجُهَا أَمْ كَرِهَ فَإِذَا مَضَتْ لَهَا مُدَّةٌ جَازَ لَهَا فِي ثُلُثِ مَا بَقِيَ أَيْضًا أَنْ تَفْعَلَ فِيهِ مَا شَاءَتْ أَحَبَّ زَوْجُهَا أَمْ كَرِهَ وَهَكَذَا أَبَدًا، فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ قَرِيبًا مِنْ فِعْلِهَا فِي الأَوَّلِ: فُسِخَ فَإِنْ زَادَتْ عَلَى الثُّلُثِ رَدَّ الْكُلَّ أَوَّلَهُ، عَنْ آخِرِهِ، بِخِلاَفِ الْمَرِيضِ إنْ شَاءَ زَوْجُهَا أَنْ يَرُدَّهُ، وَإِنْ أَنْفَذَهُ نَفَذَ، فَإِنْ خَفِيَ ذَلِكَ، عَنْ زَوْجِهَا حَتَّى تَمُوتَ أَوْ يُطَلِّقَهَا نَفَذَ كُلُّهُ قَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ صَاحِبُهُ: بَلْ لاَ يَرُدُّ الزَّوْجُ إِلاَّ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَقَطْ، وَيَنْفُذُ لَهَا الثُّلُثُ كَالْمَرِيضِ. قَالَ مَالِكٌ: فَإِنْ وَهَبَتْ لِزَوْجِهَا. مَالَهَا كُلَّهُ نَفَذَ ذَلِكَ، وَأَمَّا بَيْعُهَا وَابْتِيَاعُهَا فَجَائِزٌ أَحَبَّ زَوْجُهَا أَمْ كَرِهَ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُحَابَاةٌ. قَالَ: وَأَمَّا الْبِكْرُ فَمَحْجُورَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ ذَاتَ أَبٍ كَانَتْ أَوْ غَيْرَ ذَاتِ أَبٍ لاَ يَجُوزُ لَهَا فِعْلٌ فِي مَالِهَا، وَلاَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ، وَلاَ أَنْ تَضَعَ، عَنْ زَوْجِهَا مِنْ الصَّدَاقِ وَإِنْ عَنَسَتْ حَتَّى تَدْخُلَ بَيْتَ زَوْجِهَا، وَيُعْرَفُ مِنْ حَالِهَا فَإِنْ وَهَبَتْ قَبْلَ أَنْ تَتَزَوَّجَ ثُمَّ تَزَوَّجَتْ: كَانَ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ فِيمَا وَهَبَتْ إِلاَّ إنْ كَانَ يَسِيرًا، قَالَ: وَأَمَّا الَّتِي كَانَ لَهَا زَوْجٌ ثُمَّ تَأَيَّمَتْ فَكَالرَّجُلِ فِي نَفَاذِ حُكْمِهَا فِي مَالِهَا كُلِّهِ.

وَأَمَّا الْمُتَقَدِّمُونَ: فَرُوِّينَا عَنْهُمْ أَقْوَالاً: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ إسْمَاعِيلِ بْنِ خَالِدٍ، وَزَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، كِلاَهُمَا، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ: عَهِدَ إلَيَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ لاَ أُجِيزَ عَطِيَّةَ جَارِيَةٍ حَتَّى تَلِدَ وَلَدًا، أَوْ تَحُولَ فِي بَيْتِهَا حَوْلاً. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، حَدَّثَنَا الشَّعْبِيُّ قَالَ: قَالَ شُرَيْحٌ: أَمَرَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ لاَ أُجِيزَ لِجَارِيَةٍ مُمَلَّكَةٍ عَطِيَّةً حَتَّى تَحِيلَ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا حَوْلاً أَوْ تَلِدَ وَلَدًا، قَالَ: فَقُلْت لِلشَّعْبِيِّ: كَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ فَقَالَ: بَلْ شَافَهَهُ بِهِ مُشَافَهَةً. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَرَأْت كِتَابَ عُمَرَ إلَى شُرَيْحٍ بِذَلِكَ، وَذَلِكَ أَنَّ جَارِيَةً مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ لَهَا أَخُوهَا وَهِيَ مُمَلَّكَةٌ: تَصَدَّقِي عَلَيَّ بِمِيرَاثِك مِنْ أَبِيك فَفَعَلَتْ، ثُمَّ طَلَبَتْ مِيرَاثَهَا فَرَدَّهُ عَلَيْهَا وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنْ خِلاَسِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لاَ تُجِيزُوا نَحْلَ امْرَأَةٍ بِكْرٍ حَتَّى تَحِيلَ حَوْلاً فِي بَيْتِ زَوْجِهَا أَوْ تَلِدَ وَلَدًا.
قال أبو محمد : وَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، وَأَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَهِشَامِ بْنِ حَسَّانَ كُلُّهُمْ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: أَنَّ شُرَيْحًا قَالَ فِي الْمَرْأَةِ إذَا وَهَبَتْ مِنْ مَالِهَا: فَإِنَّهُ لاَ تَجُوزُ لَهَا هِبَتُهَا حَتَّى تَلِدَ وَلَدًا، أَوْ تَبْلُغَ، أَنَّى ذَلِكَ وَهُوَ سُنَّةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ، عَنِ الْحَسَنِ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ مُحَمَّدٌ: لاَ تَجُوزُ لأَمْرَأَةٍ عَطِيَّةٌ حَتَّى تَحُولَ حَوْلاً أَوْ تَلِدَ وَلَدًا، فَقَالَ الْحَسَنُ: حَتَّى تَلِدَ وَلَدًا أَوْ تَبْلُغَ، أَنَّى ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ قَالاَ جَمِيعًا: لِلْيَتِيمَةِ خِنَاقَانِ لاَ يَجُوزُ لَهَا شَيْءٌ مِنْ مَالِهَا حَتَّى تَلِدَ وَلَدًا، أَوْ تَمْضِيَ عَلَيْهَا سَنَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ، وَالشَّعْبِيِّ، إِلاَّ أَنَّهُ اخْتَلَفَ عَنْهُ إذَا عَنَسَتْ قَبْلَ ذَلِكَ فَرُوِّينَا عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ قَالَ: قُلْت لِلشَّعْبِيِّ: أَرَأَيْت إنْ عَنَسَتْ أَيَجُوزُ يَعْنِي هِبَتَهَا قَالَ: نَعَمْ. وَرُوِّينَا عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ قُلْت لِلشَّعْبِيِّ: أَرَأَيْت إنْ عَنَسَتْ قَالَ: لاَ يَجُوزُ، كِلاَهُمَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ، وَابْنِ أَبِي زَائِدَةَ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: إذَا حَالَتْ فِي بَيْتِهَا حَوْلاً جَازَ لَهَا مَا صَنَعَتْ، قَالَ الْمُغِيرَةُ، وَقَالَ إبْرَاهِيمُ: إذَا وَلَدَتْ الْجَارِيَةُ أَوْ وَلَدَ مِثْلُهَا جَازَتْ هِبَتُهَا وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ. وَقَوْلٌ آخَرُ رُوِيَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَهُوَ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِذَاتِ زَوْجٍ عَطِيَّةٌ فِي شَيْءٍ مِنْ مَالِهَا إِلاَّ بِإِذْنِ زَوْجِهَا.

وَمِنْ طَرِيقِ الْعَرْزَمِيِّ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لاَ يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَصَدَّقَ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا إِلاَّ بِإِذْنِهِ، وَأَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ أَبِي عُبَيْدٍ كَانَتْ لاَ تَعْتِقُ وَلَهَا سِتُّونَ سَنَةً إِلاَّ بِإِذْنِ ابْنِ عُمَرَ.
قال أبو محمد : هَذَا لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَرَى لَهَا ذَلِكَ جَائِزًا دُونَ إذْنِهِ، لَكِنَّهُ عَلَى حُسْنِ الصُّحْبَةِ فَقَطْ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُوس، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لاَ تَجُوزُ لأَمْرَأَةٍ عَطِيَّةٌ إِلاَّ بِإِذْنِ زَوْجِهَا وَقَدْ رُوِيَ هَذَا، عَنِ الْحَسَنِ، وَمُجَاهِدٍ وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، فَلَمْ يُجِزْ لِذَاتِ الزَّوْجِ عِتْقًا، وَلاَ حُكْمًا فِي صَدَاقِهَا، وَلاَ غَيْرِهِ إِلاَّ بِإِذْنِ زَوْجِهَا إِلاَّ الشَّيْءُ الْيَسِيرُ الَّذِي لاَ بُدَّ لَهَا مِنْهُ فِي صِلَةِ رَحِمٍ أَوْ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَمِمَّنْ رُوِيَ عَنْهُ مِثْلُ قَوْلِنَا: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْغَبَرِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَتْ: كُنْت أَخْدِمُ الزُّبَيْرَ خِدْمَةَ الْبَيْتِ، وَأَسُوسُ فَرَسَهُ، كُنْت أَحْتَشُّ لَهُ، وَأَقُومُ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَشَدَّ عَلَيَّ مِنْ سِيَاسَةِ الْفَرَسِ ثُمَّ جَاءَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَبِيٌّ فَأَعْطَاهَا خَادِمًا، ثُمَّ ذَكَرَتْ حَدِيثًا وَفِيهِ أَنَّهَا بَاعَتْهَا، قَالَتْ: فَدَخَلَ الزُّبَيْرُ وَثَمَّنَهَا فِي حِجْرِي فَقَالَ: هَبِيهَا إلَيَّ قَالَتْ: أَنَّى، لَكِنْ تَصَدَّقْت بِهَا فَهَذَا الزُّبَيْرُ، وَأَسْمَاءُ بِنْتُ الصِّدِّيقِ، قَدْ أَنْفَذَتْ الصَّدَقَةَ بِثَمَنِ خَادِمِهَا، وَبَيْعَهَا بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا، وَلَعَلَّهَا لَمْ تَكُنْ تَمْلِكُ شَيْئًا غَيْرَهَا، أَوْ كَانَ أَكْثَرَ مَا مَعَهَا كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، هُوَ ابْنُ الصَّبَّاحِ، عَنْ حَجَّاجٍ، هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ الأَعْوَرُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهَا جَاءَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَيْسَ لِي شَيْءٌ إِلاَّ مَا أَدْخَلَ عَلَيَّ الزُّبَيْرُ، فَهَلْ عَلَيَّ جُنَاحٌ فِي أَنْ أَرْضَخَ مِمَّا يُدْخِلُ عَلَيَّ قَالَ: ارْضَخِي مَا اسْتَطَعْتُ، وَلاَ تُوكِي فَيُوكَى عَلَيْكَ فَلَمْ يُنْكِرْ الزُّبَيْرُ ذَلِكَ . وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ امْرَأَةً رَأَتْ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ أَنَّهَا تَمُوتُ إلَى ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فَأَقْبَلَتْ عَلَى مَا بَقِيَ مِنْ الْقُرْآنِ عَلَيْهَا فَتَعَلَّمَتْهُ، وَشَذَّبَتْ مَالَهَا، وَهِيَ صَحِيحَةٌ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الثَّالِثِ دَخَلَتْ عَلَى جَارَاتِهَا فَجَعَلَتْ تَقُولُ: يَا فُلاَنَةُ أَسْتَوْدِعُك اللَّهَ، وَأَقْرَأُ عَلَيْك السَّلاَمَ فَجَعَلْنَ يَقُلْنَ لَهَا: لاَ تَمُوتِينَ الْيَوْمَ، لاَ تَمُوتِينَ الْيَوْمَ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَمَاتَتْ، فَسَأَلَ زَوْجُهَا أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ، عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ

لَهُ أَبُو مُوسَى: أَيُّ امْرَأَةٍ كَانَتْ امْرَأَتُك فَقَالَ: مَا أَعْلَمُ أَحَدًا كَانَ أَحْرَى مِنْهَا أَنْ تَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ الشَّهِيدَ، وَلَكِنَّهَا فَعَلَتْ مَا فَعَلَتْ، وَهِيَ صَحِيحَةٌ فَقَالَ أَبُو مُوسَى: هِيَ كَمَا تَقُولُ فَعَلَتْ مَا فَعَلَتْ، وَهِيَ صَحِيحَةٌ فَلَمْ يَرُدَّهُ أَبُو مُوسَى.وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ عَدِيٍّ الْكِنْدِيِّ قَالَ: كَتَبْت إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَسْأَلُهُ، عَنِ الْمَرْأَةِ تُعْطِي مِنْ مَالِهَا بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجِهَا فَكَتَبَ إمَّا هِيَ سَفِيهَةٌ أَوْ مُضَارَّةٌ فَلاَ يَجُوزُ لَهَا، وَأَمَّا هِيَ غَيْرُ سَفِيهَةٍ، وَلاَ مُضَارَّةٍ فَيَجُوزُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ الْفَضْلِ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي امْرَأَةٍ أَعْطَتْ مِنْ مَالِهَا: إنْ كَانَتْ غَيْرَ سَفِيهَةٍ، وَلاَ مُضَارَّةٍ فَأَجِزْ عَطِيَّتَهَا. وَعَنْ رَبِيعَةَ، أَنَّهُ قَالَ: لاَ يُحَالُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَبَيْنَ أَنْ تَأْتِيَ الْقَصْدَ فِي مَالِهَا فِي حِفْظِ رُوحٍ أَوْ صِلَةِ رَحِمٍ، أَوْ فِي مَوَاضِعِ الْمَعْرُوفِ، إذَا لَمْ يَجُزْ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُعْطِيَ مِنْ مَالِهَا شَيْئًا، كَانَ خَيْرًا لَهَا أَنْ لاَ تُنْكَحَ، وَأَنَّهَا إذًا تَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الأَمَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ قَيْسٍ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ قَالَ: قَالَ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: تَجُوزُ عَطِيَّةُ الْمَرْأَةِ فِي مَالِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: إذَا أَعْطَتْ الْمَرْأَةُ الْحَدِيثَةُ السِّنِّ ذَاتُ الزَّوْجِ قَبْلَ السَّنَةِ عَطِيَّةً، فَلَمْ تَرْجِعْ حَتَّى تَمُوتَ، فَهُوَ جَائِزٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: إذَا أَعْطَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ مَالِهَا فِي غَيْرِ سَفَهٍ، وَلاَ ضِرَارٍ جَازَتْ عَطِيَّتُهَا، وَإِنْ كَرِهَ زَوْجُهَا.
قال أبو محمد: أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَمَا نَعْلَمُ لَهُ مُتَعَلِّقًا، لاَ مِنْ الْقُرْآنِ، وَلاَ مِنْ السُّنَنِ، وَلاَ مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلاَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلاَ تَابِعٍ، وَلاَ أَحَدَ قَبْلَهُ نَعْلَمُهُ، إِلاَّ رِوَايَةً، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَدْ صَحَّ عَنْهُ خِلاَفُهَا كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا، وَلَمْ يَأْتِ عَنْهُ أَيْضًا تَقْسِيمُهُمْ الْمَذْكُورُ، وَلاَ عَنْ أَحَدٍ نَعْلَمُهُ، وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ، وَلاَ مِنْ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ، بَلْ كَانَ مَا ذَكَرْنَا مُخَالِفًا لِقَوْلِهِ هَهُنَا عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَالرِّوَايَةُ، عَنْ عُمَرَ رُوِّينَاهَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: جَعَلَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ لِلْمَرْأَةِ إذَا قَالَتْ: أُرِيدُ أَنْ أَصِلَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَقَالَ زَوْجُهَا: هِيَ تُضَارُّنِي فَأَجَازَ لَهَا الثُّلُثَ فِي حَيَاتِهَا. وَهُمْ قَدْ خَالَفُوا عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي سُجُودِهِ: {إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} وَفِي عَشَرَاتٍ مِنْ الْقَضَايَا وَهُمْ قَدْ خَالَفُوا هَهُنَا: عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَأَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، وَأَبَا هُرَيْرَةَ وَأَبَا مُوسَى

الأَشْعَرِيَّ، وَالزُّبَيْرَ، وَأَسْمَاءَ، وَجَمِيعَ الصَّحَابَةِ عَلَى مَا نَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَشُرَيْحًا، وَالشَّعْبِيَّ، وَالنَّخَعِيَّ، وَعَطَاءً وطَاوُوسًا، وَمُجَاهِدًا، وَالْحَسَنَ وَابْنَ سِيرِينَ، وَقَتَادَةَ، وَعُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَغَيْرَهُمْ. وَالْعَجَبُ مِنْ تَقْلِيدِهِمْ عُمَرَ رضي الله عنه فِي امْرَأَةِ الْمَفْقُودِ، وَفِي مَا يَدَّعُونَهُ عَلَيْهِ مِنْ الْحَدِّ فِي الْخَمْرِ ثَمَانِينَ، وَمِنْ تَأْجِيلِ الْعِنِّينِ سَنَةً، وَمِنْ تَحْرِيمِهِ عَلَى مَنْ تَزَوَّجَ فِي الْعِدَّةِ وَدَخَلَ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فِي الأَبَدِ وَقَدْ خَالَفَهُ غَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي كُلِّ ذَلِكَ وَرَجَعَ هُوَ، عَنْ بَعْضِ ذَلِكَ، ثُمَّ لَمْ يُقَلِّدُوهُ هَهُنَا. وَهَلَّا قَالُوا هَهُنَا: مِثْلَ هَذَا لاَ يُقَالُ بِالرَّأْيِ، كَمَا قَالُوهُ فِي كَثِيرٍ مِمَّا ذَكَرْنَا فَإِنَّ عُمَرَ وَمَنْ ذَكَرْنَا مَعَهُ أَبْطَلُوا فِعْلَ الْمَرْأَةِ جُمْلَةً قَبْلَ أَنْ تَلِدَ، أَوْ تَبْقَى فِي بَيْتِ زَوْجِهَا سَنَةً، ثُمَّ أَجَازَ بَعْدَ ذَلِكَ جُمْلَةً وَلَمْ يَجْعَلْ لِلزَّوْجِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مَدْخَلاً، وَلاَ حَدَّ ثُلُثًا مِنْ أَقَلَّ، وَلاَ مِنْ أَكْثَرَ. وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ فَيَلْزَمُهُمْ مِثْلُ هَذَا سَوَاءً سَوَاءً ; لأََنَّهُمْ قَلَّدُوا عُمَرَ فِي حَدِّ الْخَمْرِ، وَفِي تَأْجِيلِ الْعِنِّينِ سَنَةً، وَفِيمَا ادَّعَوْا عَلَيْهِ مِنْ شُرْبِ النَّبِيذِ الْمُسْكِرِ وَكَذَبُوا فِي ذَلِكَ، فَهَلاَّ قَلَّدُوهُ هَهُنَا وَقَالُوا: مِثْلُ هَذَا لاَ يُقَالُ بِالرَّأْيِ، وَلَكِنَّ الْقَوْمَ فِي غَيْرِ حَقِيقَةٍ وَنَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى نِعَمِهِ.
قال أبو محمد: وَمَوَّهَ الْمَالِكِيُّونَ بِأَنْ قَالُوا: صَحَّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِمَالِهَا وَجَمَالِهَا وَحَسَبِهَا وَدِينِهَا قَالُوا: فَإِذَا نَكَحَهَا لِمَالِهَا فَلَهُ فِي مَالِهَا مُتَعَلَّقٌ ; وَقَالُوا: قِسْنَاهَا عَلَى الْمَرِيضِ وَالْمُوصِي.
قال علي: وهذا تَحْرِيفٌ لِلسُّنَّةِ، عَنْ مَوَاضِعِهَا وَأَغَثُّ مَا يَكُونُ مِنْ الْقِيَاسِ وَأَشَدُّهُ بُطْلاَنًا: أَمَّا الْخَبَرُ الْمَذْكُورُ فَلاَ مَدْخَلَ فِيهِ لِشَيْءٍ مِنْ قَوْلِهِمْ فِي إجَازَةِ الثُّلُثِ وَإِبْطَالِ مَا زَادَ، وَإِنَّمَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ مَنْ يَذْهَبُ إلَى مَا رُوِيَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَنَسٍ، وطَاوُوس، وَاللَّيْثِ تَعَلُّقًا مُمَوَّهًا أَيْضًا عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ الْمَرْأَةَ عَلَى الْمَرِيضِ فَهُوَ قِيَاسٌ لِلْبَاطِلِ عَلَى الْبَاطِلِ، وَاحْتِجَاجٌ لِلْخَطَأِ بِالْخَطَأِ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَهُمْ فِي الْمَرِيضِ مَا ذَهَبُوا إلَيْهِ لَكَانُوا قَدْ أَخْطَئُوا مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا أَنَّ الْمَرْأَةَ صَحِيحَةٌ وَإِنَّمَا احْتَاطُوا بِزَعْمِهِمْ عَلَى الْمَرِيضِ لاَ عَلَى الصَّحِيحِ، وَقِيَاسُ الصَّحِيحِ عَلَى الْمَرِيضِ بَاطِلٌ عِنْدَ كُلِّ مَنْ يَقُولُ بِالْقِيَاسِ لأََنَّهُمْ إنَّمَا يَقِيسُونَ الشَّيْءَ عَلَى مِثْلِهِ لاَ عَلَى ضِدِّهِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ لاَ عِلَّةَ تَجْمَعُ بَيْنَ الْمَرْأَةِ الصَّحِيحَةِ وَبَيْنَ الْمَرِيضِ، وَلاَ شَبَهَ بَيْنَهُمَا أَصْلاً، وَالْعِلَّةُ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ إمَّا عَلَى عِلَّةٍ جَامِعَةٍ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ، َأَمَّا عَلَى شَبَهٍ بَيْنَهُمَا. وَالثَّالِثُ أَنَّهُمْ يُمْضُونَ فِعْلَ الْمَرِيضِ فِي الثُّلُثِ، وَيُبْطِلُونَ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، وَهَهُنَا يُبْطِلُونَ الثُّلُثَ، وَمَا زَادَ عَلَى

الثُّلُثِ فَقَدْ أَبْطَلُوا قِيَاسَهُمْ. وَالرَّابِعُ أَنَّهُمْ يُجِيزُونَ لِلْمَرْأَةِ ثُلُثًا بَعْدَ ثُلُثٍ، وَلاَ يُجِيزُونَ ذَلِكَ لِلْمَرِيضِ فَجَمَعُوا فِي هَذَا الْوَجْهِ مُنَاقَضَةَ الْقِيَاسِ، وَإِبْطَالَ أَصْلِهِمْ فِي الْحِيَاطَةِ لِلزَّوْجِ ; لأََنَّهَا لاَ تَزَالُ تُعْطِي ثُلُثًا بَعْدَ ثُلُثٍ حَتَّى تُذْهِبَ الْمَالَ إِلاَّ مَا لاَ قَدْرَ لَهُ وَهَذَا تَخْلِيطٌ لاَ نَظِيرَ لَهُ. فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَاهَا عَلَى الْمُوصِي قلنا: الْمُنَفِّذُ غَيْرُ الْمُوصِي وَدَخَلَ عَلَيْهِمْ كُلُّ مَا أَدْخَلْنَاهُ آنِفًا فِي قِيَاسِهِمْ عَلَى الْمَرِيضِ. فَإِنْ قَالُوا: إنَّ لِلزَّوْجِ طَرِيقًا فِي مَالِهَا إذْ قَدْ تَزَوَّجَ بِالْمَالِ فَسَنَذْكُرُ مَا يَفْسُدُ بِهِ هَذَا الْقَوْلُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إثْرَ هَذَا فِي كَلاَمِنَا عَلَى مَنْ يَمْنَعُهَا مِنْ الْحُكْمِ فِي شَيْءٍ مِنْ مَالِهَا ; لأََنَّ هَذَا الأَحْتِجَاجَ إنَّمَا هُوَ لَهُمْ، لاَ لِلْمَالِكِيِّينَ، بَلْ هُوَ عَلَيْهِمْ ; لأََنَّهُ لَوْ صَحَّ لَكَانَ مُوجِبًا لِلْمَنْعِ مِنْ قَلِيلِ مَالِهَا وَكَثِيرِهِ. لَكِنْ نَسْأَلُهُمْ، عَنِ الْحُرَّةِ لَهَا زَوْجٌ عَبْدٌ، وَالْكَافِرَةِ لَهَا زَوْجٌ مُسْلِمٌ، وَاَلَّتِي تُسْلِمُ تَحْتَ كَافِرٍ، هَلْ لِهَؤُلاَءِ مَنْعُهُنَّ مِنْ الصَّدَقَةِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ أَمْ لاَ فَإِنْ قَالُوا: لاَ، تَنَاقَضُوا، وَإِنْ قَالُوا: نَعَمْ، زَادُوا أُخْلُوقَةً. فَإِنْ قَالُوا: هِيَ مُحْتَاجَةٌ إلَى مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَمْ يَجُزْ مَنْعُهَا مِنْ جَمِيعِ مَالِهَا، وَكَانَ الثُّلُثُ قَلِيلاً قلنا: هَذَا يَفْسُدُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّهَا إنْ كَانَتْ مُحْتَاجَةً إلَى مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَمَا الَّذِي أَوْجَبَ أَنْ تُمْنَعَ مِنْ التَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْكَثِيرِ الزَّائِدِ عَلَى الثُّلُثِ كَغَيْرِهَا، وَلاَ فَرْقَ وَثَانِيهَا: أَنْ نَقُولَ لَهُمْ: وَالْمَحْجُورُ السَّفِيهُ بِإِقْرَارِكُمْ إلَى مَا يَتَقَرَّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِهِ كَمَا تُوجِبُونَ عَلَيْهِ الصَّلاَةَ. وَالصِّيَامَ، وَالزَّكَاةَ، وَالْحَجَّ، وَسَائِرَ الشَّرَائِعِ فَأَبِيحُوا لَهُ الثُّلُثَ أَيْضًا بِهَذَا الدَّلِيلِ السَّخِيفِ نَفْسِهِ. فَإِنْ قَالُوا: الْمَرْأَةُ لَيْسَتْ سَفِيهَةً. قلنا: فَأَطْلِقُوهَا عَلَى مَالِهَا وَدَعُوا هَذَا التَّخْلِيطَ بِمَا لاَ يُعْقَلُ وَثَالِثُهَا: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ فَقُلْتُمْ أَنْتُمْ: إنَّهُ قَلِيلٌ وَحَسْبُكُمْ هَذَا الَّذِي نَسْتَعِيذُ اللَّهَ مِنْ مِثْلِهِ. وَرَابِعُهَا: أَنَّ الثُّلُثَ عِنْدَكُمْ مَرَّةً كَثِيرٌ فَتَرُدُّونَهُ كَالْجَوَائِحِ، وَمَرَّةً قَلِيلٌ فَتُنْفِذُونَهُ مِثْلَ هَذَا الْمَوْضِعِ وَشِبْهَهُ فَكَمْ هَذَا التَّنَاقُضُ وَالْقَوْلُ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى بِمِثْلِ هَذِهِ الآرَاءِ وَخَامِسُهَا: أَنَّ حُجَّةَ الزَّوْجِ فِي مَالِهَا كَحُجَّةِ الْوَلَدِ، أَوْ الْوَالِدِ، أَوْ الأَخِ، بَلْ مِيرَاثُ هَؤُلاَءِ أَكْثَرُ ; لأََنَّ الزَّوْجَ مَعَ الْوَلَدِ لَيْسَ لَهُ إِلاَّ الرُّبْعُ، وَلِلْوَلَدِ ثَلاَثَةُ الأَرْبَاعِ وَالْوَالِدُ وَالْوَلَدُ كَالزَّوْجِ فِي أَنَّهُمْ لاَ يَحْجُبُهُمْ أَحَدٌ، عَنِ الْمِيرَاثِ أَصْلاً، فَامْنَعُوهَا مَعَ الْوَلَدِ، وَالْوَالِدِ، مِنْ الصَّدَقَةِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ بِهَذَا الأَحْتِيَاطِ الْفَاسِدِ، لاَ سِيَّمَا وَحَقُّ الأَبَوَيْنِ فِيمَا أُوجِبَ عِنْدَهُمْ وَعِنْدَنَا مِنْ حَقِّ الزَّوْجِ ; لأََنَّ الأَبَوَيْنِ إنْ افْتَقَرَا قَضَوْا بِنَفَقَتِهِمَا وَكِسْوَتِهِمَا وَإِسْكَانِهِمَا وَخِدْمَتِهِمَا عَلَيْهَا فِي مَالِهَا أَحَبَّتْ أَمْ كَرِهَتْ، وَلاَ يَقْضُونَ لِلزَّوْجِ فِي مَالِهَا بِشَيْءٍ وَلَوْ مَاتَ جُوعًا وَبَرْدًا فَكَيْفَ احْتَاطُوا لِلأَقَلِّ حَقًّا وَلَمْ يَحْتَاطُوا لِلأَكْثَرِ حَقًّا فَلاَحَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ الَّذِي لاَ نَدْرِي كَيْفَ يَنْشَرِحُ صَدْرُ مَنْ لَهُ أَدْنَى تَمْيِيزٍ لِتَقْلِيدِ مَنْ أَخْطَأَ فِيهِ الْخَطَأَ الَّذِي لاَ خَفَاءَ بِهِ، وَخَالَفَ فِيهِ كُلَّ مُتَقَدِّمٍ نَعْلَمُهُ، إِلاَّ رِوَايَةً، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ

قَدْ صَحَّ عَنْهُ خِلاَفُهَا لَيْسَ أَيْضًا فِي تَقْسِيمِهِمْ ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا مَنْ مَنَعَهَا مِنْ أَنْ تُنَفِّذَ فِي مَالِهَا شَيْئًا إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِالْخَبَرِ الْمَذْكُورِ، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ. وَبِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ، عَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ قَالَ: الَّذِي تَسُرُّهُ إذَا نَظَرَ، وَتُطِيعُهُ إذَا أَمَرَ، وَلاَ تُخَالِفُهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهَا بِمَا يَكْرَهُ . وَبِمَا حَدَّثَنَاهُ أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ نُوحٍ الأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ الْمَدِينِيُّ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَبْدِ الْغَفَّارِ بْنِ دَاوُد، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ الصَّائِغُ: لَيْسَ هُوَ الْعَرْزَمِيُّ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا حَقُّ الزَّوْجِ عَلَى زَوْجَتِهِ قَالَ: لاَ تَصَدَّقُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ، فَإِنْ فَعَلَتْ كَانَ لَهُ الأَجْرُ. وَكَانَ عَلَيْهَا الْوِزْرُ . وَمِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا فَتَحَ مَكَّةَ خَطَبَ فَقَالَ: لاَ تَجُوزُ لأَمْرَأَةٍ عَطِيَّةٌ فِي مَالِهَا إِلاَّ بِإِذْنِ زَوْجِهَا . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ رَجُلٍ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُوس قَالَ الرَّجُلُ: عَنْ عِكْرِمَةَ، وَقَالَ ابْنُ طَاوُوس: عَنْ أَبِيهِ، ثُمَّ اتَّفَقَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لاَ يَحِلُّ لأَمْرَأَةٍ شَيْءٌ فِي مَالِهَا إِلاَّ بِإِذْنِ زَوْجِهَا هَذَا لَفْظُ طَاوُوس، وَلَفْظُ عِكْرِمَةَ " فِي مَالِهَا شَيْءٌ " مَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَيْئًا غَيْرَ هَذَا أَصْلاً وَكُلُّ هَذِهِ النُّصُوصِ الآيَةِ وَالأَخْبَارِ مَا صَحَّ مِنْهَا وَمَا لَمْ يَصِحَّ فَحُجَّةٌ عَلَى الْمَالِكِيِّينَ، وَمُبْطِلٌ لِقَوْلِهِمْ فِي إبَاحَةِ الثُّلُثِ وَمَنْعِهِمْ مِمَّا زَادَ. فأما الْخَبَرُ تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لأََرْبَعٍ فَلَيْسَ فِيهِ التَّغْبِيطُ بِذَلِكَ، وَلاَ الْحَضُّ عَلَيْهِ، وَلاَ إبَاحَتُهُ فَضْلاً، عَنْ غَيْرِ ذَلِكَ، بَلْ فِيهِ الزَّجْرُ، عَنْ أَنْ تُنْكَحَ لِغَيْرِ الدِّينِ لِقَوْلِهِ عليه السلام فِي هَذَا الْخَبَرِ نَفْسِهِ فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ فَقَصَرَ أَمْرَهُ عَلَى ذَاتِ الدِّينِ، فَصَارَ مَنْ نَكَحَ لِلْمَالِ غَيْرَ مَحْمُودٍ فِي نِيَّتِهِ تِلْكَ. ثُمَّ هَبْكَ أَنَّهُ مُبَاحٌ مُسْتَحَبٌّ أَيُّ دَلِيلٍ فِيهِ عَلَى أَنَّهَا مَمْنُوعَةٌ مِنْ مَالِهَا بِكَوْنِهِ أَحَدَ الطَّمَّاعِينَ فِي مَالٍ لاَ يَحِلُّ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ إِلاَّ مَا يَحِلُّ مِنْ مَالِ جَارِهِ وَهُوَ مَا طَابَتْ لَهُ بِهِ نَفْسُهَا وَنَفْسُ جَارِهِ، وَلاَ مَزِيدَ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى افْتَرَضَ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ الَّتِي أَجْمَعَ أَهْلُ الإِسْلاَمِ عَلَيْهِمَا إجْمَاعًا مَقْطُوعًا بِهِ مُتَيَقَّنًا أَنَّ عَلَى الأَزْوَاجِ نَفَقَاتِ الزَّوْجَاتِ ; وَكِسْوَتَهُنَّ، وَإِسْكَانَهُنَّ، وَصَدُقَاتِهِنَّ، وَجَعَلَ لَهُنَّ الْمِيرَاثَ مِنْ الرِّجَالِ كَمَا جَعَلَهُ لِلرِّجَالِ مِنْهُنَّ سَوَاءً سَوَاءً فَصَارَ بِيَقِينٍ مِنْ كُلِّ ذِي مَسْكَةِ عَقْلٍ حَقُّ الْمَرْأَةِ فِي مَالِ زَوْجِهَا وَاجِبًا لاَزِمًا، حَلاَلاً يَوْمًا بِيَوْمٍ،

وَشَهْرًا بِشَهْرٍ، وَعَامًا بِعَامٍ، وَفِي كُلِّ سَاعَةٍ، وَكَرَّةِ الطَّرَفِ، لاَ تَخْلُو ذِمَّتُهُ مِنْ حَقٍّ لَهَا فِي مَالِهِ. بِخِلاَفِ مَنْعِهِ مِنْ مَالِهَا جُمْلَةً، وَتَحْرِيمِهِ عَلَيْهِ، إِلاَّ مَا طَابَتْ لَهُ نَفْسُهَا بِهِ، ثُمَّ تَرْجُو مِنْ مِيرَاثِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ كَمَا يَرْجُو الزَّوْجُ فِي مِيرَاثِهَا، وَلاَ فَرْقَ. فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ مُوجِبًا لِلرَّجُلِ مَنْعَهَا مِنْ مَالِهَا فَهُوَ لِلْمَرْأَةِ أَوْجَبُ، وَأَحَقُّ فِي مَنْعِهِ مِنْ مَالِهِ إِلاَّ بِإِذْنِهَا ; لأََنَّ لَهَا شِرْكًا وَاجِبًا فِي مَالِهِ، وَلَيْسَ لَهُ فِي مَالِهَا إِلاَّ التَّبُّ وَالزَّجْرُ، فَيَا لَلْعَجَبِ فِي عَكْسِ الأَحْكَامِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُطْلَقًا لَهَا مَنْعَهُ مِنْ مَالِهِ خَوْفَ أَنْ يَفْتَقِرَ فَيَبْطُلُ حَقُّهَا اللَّازِمُ فَأُبْعِدَ وَاَللَّهِ وَأُبْطِلَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُوجِبًا لَهُ مَنْعَهَا مِنْ مَالٍ لاَ حَقَّ لَهُ فِيهِ، وَلاَ حَظَّ إِلاَّ حَظُّ الْفِيلِ مِنْ الطَّيَرَانِ. وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ مِنْ إطْلاَقِهِمْ لَهُ الْمَنْعَ مِنْ مَالِهَا أَوْ مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ وَهُوَ لَوْ مَاتَ جُوعًا، أَوْ جَهْدًا، أَوْ هُزَالاً، أَوْ بَرْدًا، لَمْ يَقْضُوا لَهُ فِي مَالِهَا بِنَوَاةٍ يَزْدَرِدُهَا، وَلاَ بِجِلْدٍ يَسْتَتِرُ بِهِ، فَكَيْفَ اسْتَجَازُوا هَذَا إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ جُمْلَةً.
وَأَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَخُصَّ بِهَذَا الْكَلاَمِ زَوْجًا مِنْ أَبٍ، وَلاَ مِنْ أَخٍ. ثُمَّ لَوْ كَانَ فِيهَا نَصٌّ عَلَى الأَزْوَاجِ دُونَ غَيْرِهِمْ لَمَا كَانَ فِيهَا نَصٌّ، وَلاَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لَهُ مَنْعَهَا مِنْ مَالِهَا، وَلاَ مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ، وَإِنَّمَا كَانَ يَكُونُ فِيهِ أَنْ يَقُومُوا بِالنَّظَرِ فِي أَمْوَالِهِنَّ وَهُمْ لاَ يَجْعَلُونَ هَذَا لِلزَّوْجِ أَصْلاً بَلْ لَهَا عِنْدَهُمْ أَنْ تُوَكِّلَ فِي النَّظَرِ فِي مَالِهَا مَنْ شَاءَتْ عَلَى رَغْمِ أَنْفِ زَوْجِهَا .
وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهَا لاَ يَنْفُذُ عَلَيْهَا بَيْعُ زَوْجِهَا لِشَيْءٍ مِنْ مَالِهَا لاَ مَا قَلَّ، وَلاَ مَا كَثُرَ لاَ لِنَظَرٍ، وَلاَ لِغَيْرِهِ، وَلاَ ابْتِيَاعِهِ لَهَا أَصْلاً فَصَارَتْ الآيَةُ مُخَالِفَةً لَهُمْ فِيمَا يَتَأَوَّلُونَهُ فِيهَا. وَصَحَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ مَا لاَ خِلاَفَ فِيهِ مِنْ وُجُوبِ نَفَقَتِهِنَّ وَكِسْوَتِهِنَّ عَلَيْهِمْ، فَذَاتُ الزَّوْجِ عَلَى الزَّوْجِ، وَغَيْرُ ذَاتِ الزَّوْجِ إنْ احْتَاجَتْ عَلَى أَهْلِهَا فَقَطْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ فَصَارَتْ الآيَةُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ، وَكَاسِرَةً لِقَوْلِهِمْ. وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَإِنَّ يَحْيَى بْنَ بُكَيْرٍ رَوَاهُ، عَنِ اللَّيْثِ وَهُوَ أَوْثَقُ النَّاسِ فِيهِ، عَنِ ابْنِ عَجْلاَنَ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ فِيهِ: وَلاَ تُخَالِفُهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ بِمَا يَكْرَهُ . وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ: أَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ نَا ابْنُ عَجْلاَنَ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ خَيْرِ النِّسَاءِ قَالَ: الَّتِي تُطِيعُ إذَا أَمَرَ، وَتَسُرُّ إذَا نَظَرَ، وَتَحْفَظُهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ ثُمَّ لَوْ صَحَّ وَمَالِهَا دُونَ مُعَارِضٍ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِي تِلْكَ الرِّوَايَةِ مُتَعَلَّقٌ ; لأََنَّ هَذَا اللَّفْظَ إنَّمَا فِيهِ النَّدْبُ فَقَطْ لاَ الإِيجَابُ، وَإِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الطَّاعَةِ، وَالْمَنْعُ مِنْ الصَّدَقَةِ،

وَفِعْلِ الْخَيْرِ لَيْسَ طَاعَةً، بَلْ هُوَ صَدٌّ، عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ.
وَأَمَّا خَبَرُ ابْنِ عُمَرَ: فَهَالِكٌ ; لأََنَّ فِيهِ مُوسَى بْنَ أَعْيَنَ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَلَيْثَ بْنَ أَبِي سُلَيْمٍ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَأَمَّا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: فَصَحِيفَةٌ مُنْقَطِعَةٌ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ مَنْسُوخًا بِخَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي نَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا خَبَرُ طَاوُوس، وَعِكْرِمَةَ فَمُرْسَلاَنِ فَبَطَلَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
قال أبو محمد: فَإِذْ قَدْ سَقَطَتْ هَذِهِ الأَقْوَالُ فَالتَّحْدِيدُ الْوَارِدُ، عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه وَمَنْ اتَّبَعَهُ فِي أَنْ لاَ يَجُوزَ لَهَا عَطِيَّةٌ إِلاَّ بَعْدَ أَنْ تَلِدَ. أَوْ تَبْقَى فِي بَيْتِ زَوْجِهَا سَنَةً، فَلاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّمَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى الرُّجُوعَ عِنْدَ التَّنَازُعِ إلَى الْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ، لاَ إلَى قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. قَالَ عَلِيٌّ: فَبَطَلَتْ الأَقْوَالُ كُلُّهَا إِلاَّ قَوْلُنَا وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. وَمِنْ الْحُجَّةُ لِقَوْلِنَا: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا} فَبَطَلَ بِهَذَا مَنْعُهَا مِنْ مَالِهَا طَمَعًا فِي أَنْ يَحْصُلَ لِلْمَانِعِ بِالْمِيرَاثِ أَبًا كَانَ، أَوْ زَوْجًا. وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ} وَقَالَ تَعَالَى {وَأَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ} فَلَمْ يُفَرِّقْ عَزَّ وَجَلَّ بَيْنَ الرِّجَالِ فِي الْحَضِّ عَلَى الصَّدَقَةِ وَبَيْنَ امْرَأَةٍ وَرَجُلٍ، وَلاَ بَيْنَ ذَاتِ أَبٍ بِكْرٍ، أَوْ غَيْرِ ذَاتِ أَبٍ ثَيِّبٍ، وَلاَ بَيْنَ ذَاتِ زَوْجٍ. وَلاَ أَرْمَلَةٍ فَكَانَ التَّفْرِيقُ بَيْنَ ذَلِكَ بَاطِلاً مُتَيَقَّنًا، وَظُلْمًا ظَاهِرًا مِمَّنْ قَامَتْ الْحُجَّةُ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ فَقَلَّدَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي صَدْرِ هَذَا الْبَابِ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَسْمَاءَ بِالصَّدَقَةِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ عَلَيْهَا إذْنَ الزُّبَيْرِ، وَلاَ ثُلُثًا فَمَا دُونَ فَمَا فَوْقَ، بَلْ قَالَ لَهَا: ارْضَخِي مَا اسْتَطَعْتِ، وَلاَ تُوكِي فَيُوكَى عَلَيْكِ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ سَمِعْت عَطَاءً قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: أَشْهَدُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَصَلَّى قَبْلَ الْخُطْبَةِ ثُمَّ خَطَبَ فَرَأَى أَنَّهُ لَمْ يُسْمِعْ النِّسَاءَ فَأَتَاهُنَّ فَذَكَّرَهُنَّ وَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ وَبِلاَلٌ قَائِلٌ بِثَوْبِهِ، فَجَعَلَتْ الْمَرْأَةُ تُلْقِي: الْخَاتَمَ، وَالْخُرْصَ، وَالشَّيْءَ.
وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، هُوَ ابْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَمَرَ أَنْ يَخْرُجَ فِي الْعِيدَيْنِ الْعَوَاتِقُ وَذَوَاتُ الْخُدُورِ . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ دَاوُد بْنِ قَيْسٍ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ الْعَامِرِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ

رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَخْرُجُ يَوْمَ الأَضْحَى، وَيَوْمَ الْفِطْرِ، وَكَانَ يَقُولُ: تَصَدَّقُوا تَصَدَّقُوا، وَكَانَ أَكْثَرُ مَنْ يَتَصَدَّقُ النِّسَاءُ فَهَذَا أَمْرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم النِّسَاءَ بِالصَّدَقَةِ عُمُومًا. نَعَمْ، وَجَاءَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ، وَفِيهِنَّ الْعَوَاتِقُ الْمُخَدَّرَاتُ ذَوَاتُ الآبَاءِ وَذَوَاتُ الأَزْوَاجِ " فَمَا خَصَّ مِنْهُنَّ بَعْضًا دُونَ بَعْضٍ، وَفِيهِنَّ الْمُقِلَّةُ، وَالْغَنِيَّةُ فَمَا خَصَّ مِقْدَارًا دُونَ مِقْدَارٍ، وَهَذَا آخِرُ فِعْلِهِ عليه السلام، وَبِحَضْرَةِ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ، وَآثَارٌ ثَابِتَةٌ وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ.

للمرأة حق زائد وهو أن لها أن تتصدق من مال زوجها أحب أم كره وبغير إذنه غير مفسدة شيئا ولا يجوز للزوج أن يتصدق من مال إمرأته بشيء أصلا إلا بإذنها
1397 - مَسْأَلَةٌ: وَلِلْمَرْأَةِ حَقٌّ زَائِدٌ، وَهُوَ أَنَّ لَهَا أَنْ تَتَصَدَّقَ مِنْ مَالِ زَوْجِهَا أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ، وَبِغَيْرِ إذْنِهِ غَيْرَ مُفْسِدَةٍ، وَهِيَ مَأْجُورَةٌ بِذَلِكَ، وَلاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ مِنْ مَالِهَا بِشَيْءٍ أَصْلاً إِلاَّ بِإِذْنِهَا،
قَالَ تَعَالَى {وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا} فَبَطَلَ بِهَذَا حُكْمُ أَحَدٍ فِي مَالِ غَيْرِهِ. ثُمَّ وَجَبَ أَنْ يَخُصَّ مِنْ ذَلِكَ مَا خَصَّهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ طَرِيقِ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : لاَ تَصُمْ الْمَرْأَةُ وَبَعْلُهَا شَاهِدٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ، وَلاَ. تَأْذَنْ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاهِدٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ، وَمَا أَنْفَقَتْ مِنْ كَسْبِهِ مِنْ غَيْرِ أَمْرِهِ فَإِنَّ نِصْفَ أَجْرِهِ لَهُ . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : إذَا أَنْفَقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا غَيْرَ مُفْسِدَةٍ كَانَ لَهُ أَجْرُهُ بِمَا كَسَبَ، وَلَهَا مِثْلُهُ بِمَا أَنْفَقَتْ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ: سَمِعْت أَبَا وَائِلٍ يُحَدِّثُ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إذَا تَصَدَّقَتْ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا كَانَ لَهَا أَجْرٌ وَلِلزَّوْجِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَلِلْخَازِنِ مِثْلُ ذَلِكَ، وَلاَ يَنْقُصُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ أَجْرِ صَاحِبِهِ شَيْئًا .
قال أبو محمد: أَبُو وَائِلٍ أَدْرَكَ الْجَاهِلِيَّةَ، وَأَدْرَكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَغَيْرُ مُنْكَرٍ أَنْ يَسْمَعَهُ مِنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَمِنْ مَسْرُوقٍ عَنْهَا أَيْضًا.
قَالَ عَلِيٌّ: وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْجُهَّالِ فِي هَذِهِ الآثَارِ الْقَوِيَّةِ بِرِوَايَةٍ تُشْبِهُهُ مِنْ طَرِيقِ الْعَرْزَمِيِّ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " لاَ يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَتَصَدَّقَ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا بِغَيْرِ إذْنِهِ " وَهَذَا جَهْلٌ شَدِيدٌ ; لأََنَّهُ لاَ يَصِحُّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لِضَعْفِ الْعَرْزَمِيِّ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ فَلاَ يُعَارِضُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِرَأْيِ مَنْ دُونَهُ إِلاَّ فَاسِقٌ فَإِنْ قَالُوا: أَبُو هُرَيْرَةَ رَوَى هَذَا وَهُوَ تَرَكَهُ قلنا: قَدْ مَضَى الْجَوَابُ، وَإِنَّمَا اُفْتُرِضَ عَلَيْنَا الأَنْقِيَادُ لِمَا صَحَّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لاَ لِلْبَاطِلِ الَّذِي لَمْ يَصِحَّ

عَمَّنْ دُونَهُ، نَعَمْ، وَلاَ لِمَا صَحَّ عَمَّنْ دُونَهُ، وَالْحُجَّةُ فِي رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ لاَ فِي رَأْيِهِ، وَقَدْ أَفْرَدْنَا لَمَّا تَنَاقَضُوا فِي هَذَا الْمَكَانِ بَابًا ضَخْمًا فَكَيْفَ وَقَدْ صَحَّ عَنْ غَيْرِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْقَوْلُ بِهَذَا كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ امْرَأَتِهِ: أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَسَأَلَتْهَا امْرَأَةٌ هَلْ تَتَصَدَّقُ الْمَرْأَةُ مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا فَقَالَتْ عَائِشَةُ: نَعَمْ، مَا لَمْ تَقِ مَالَهَا بِمَالِهِ. فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ الْخَوْلاَنِيِّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ " سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لاَ تُنْفِقُ الْمَرْأَةُ شَيْئًا مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا إِلاَّ بِإِذْنِ زَوْجِهَا، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلاَ الطَّعَامَ قَالَ: ذَلِكَ أَفْضَلُ أَمْوَالِنَا . وَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُوَرِّقٍ الْعِجْلِيّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَأَلَتْهُ امْرَأَةٌ مَا يَحِلُّ مِنْ أَمْوَالِ أَزْوَاجِهِنَّ قَالَ: الرُّطَبُ تَأْكُلِينَهُ وَتُهْدِينَهُ . وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ زِيَادٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِثْلُهُ: إِلاَّ، أَنَّهُ قَالَ " الرَّطْبُ " بِفَتْحِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الطَّاءِ وَفِي الأَوَّلِ بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِ الطَّاءِ.
قال أبو محمد : فَهَذَا كُلُّهُ لاَ شَيْءَ، حَدِيثُ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ، عَنْ شُرَحْبِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ لاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ، لاَ يُعَارَضُ بِمِثْلِهِ الثَّابِتِ مِنْ طَرِيقِ أَسْمَاءَ، وَعَائِشَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، الْمُتَوَاتِرِ عَنْهُمْ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، وَعَبَّادِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَفَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ، عَنْ أَسْمَاءَ، وَمَسْرُوقٍ، وَشَقِيقٍ، عَنْ عَائِشَةَ، وَالأَعْرَجِ، وَهَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، هَذَا نَقْلُ تَوَاتُرٍ يُوجِبُ الْعِلْمَ فِي أَعْلاَمٍ مَشَاهِيرَ بِمِثْلِ هَذَا السُّقُوطِ وَالضَّعْفِ الَّذِي لَوْ انْفَرَدَ، عَنْ مُعَارِضٍ لَمْ يَحِلَّ الأَخْذُ بِهِ. وَالآخَرَانِ مُرْسَلاَنِ، عَلَى أَنَّ فِيهِمَا خِلاَفًا لِقَوْلِ الْمُخَالِفِ، لأََنَّ فِيهِ إبَاحَةَ الرُّطَبِ جُمْلَةً، وَقَدْ تَعْظُمُ قِيمَتُهُ، وَقَدْ رُوِيَتْ مَرَاسِيلُ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا بِخِلاَفِ قَوْلِهِمْ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : صَاحِبَتِي تَتَصَدَّقُ مِنْ مَالِي، وَتُطْعِمُ مِنْ طَعَامِي قَالَ: أَنْتُمَا شَرِيكَانِ قَالَ: أَرَأَيْتَ إنْ نَهَيْتَهَا، عَنْ ذَلِكَ قَالَ: لَهَا مَا نَوَتْ وَلَكَ مَا بَخِلْتَ . وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ لَهُ آخُذُ مِنْ مَالِ زَوْجِي فَأَتَصَدَّقُ بِهِ قَالَ: الْخُبْزُ وَالتَّمْرُ، قَالَتْ: فَدَرَاهِمُهُ قَالَ: أَتُحِبِّينَ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَيْكِ قَالَتْ: لاَ، قَالَ: فَلاَ تَأْخُذِي دَرَاهِمَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ أَوْ نَحْوُ هَذَا. قَالَ عَلِيٌّ: يَكْفِي مِنْ هَذَا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " غَيْرَ مُفْسِدَةٍ "

فَهَذَا يَجْمَعُ الْبَيَانَ كُلَّهُ. وَقَالَ تَعَالَى النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ. وَقَالَ تَعَالَى وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ، وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ فَمَنْ خَالَفَ هَذَا لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

العبد في جواز صدقته وهبته وبيعه وشركائه كالحر والأمة كالحرة مالم ينزع سيدها مالها
1398 - مَسْأَلَةٌ: وَالْعَبْدُ فِي جَوَازِ صَدَقَتِهِ، وَهِبَتِهِ، وَبَيْعِهِ، وَشِرَائِهِ كَالْحُرِّ، وَالأَمَةِ كَالْحُرَّةِ مَا لَمْ يَنْتَزِعْ سَيِّدُهُمَا مَالَهُمَا.
بُرْهَانُ ذَلِكَ: مَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِالصَّدَقَةِ، وَأَمْرِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم بِهَا. وَقَوْله تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ، وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ، عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ وَأَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلاَ أَخَّرْتَنِي إلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنْ الصَّالِحِينَ} وَقَوْله تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} . وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ الْعَبْدَ، وَالأَمَةَ مُخَاطَبَانِ بِالإِسْلاَمِ وَشَرَائِعِهِ، مُلْزَمَانِ بِتَخْلِيصِ أَنْفُسِهِمَا، وَالتَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِصَالِحِ الأَعْمَالِ، مُوعَدَانِ بِالْجَنَّةِ، مُتَوَعَّدَانِ بِالنَّارِ كَالأَحْرَارِ، وَلاَ فَرْقَ، فَالتَّفْرِيقُ بَيْنَهُمَا خَطَأٌ إِلاَّ حَيْثُ جَاءَ النَّصُّ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا.
قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا الْمَالِكِيُّونَ فَفُحْشُ اضْطِرَابِهِمْ هَهُنَا وَذَلِكَ أَنَّهُمْ أَبَاحُوا التَّسَرِّي بِإِذْنِ مَوْلاَهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ. وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ فِي أَنَّ الْعَبْدَ إنْ وَطِئَ أَمَةَ سَيِّدِهِ فَإِنَّهُ زَانٍ فَيُقَالُ لِلْمَالِكِيِّينَ: لاَ تَخْلُو هَذِهِ السُّرِّيَّةُ الَّتِي أَبَحْتُمْ فَرْجَهَا لِلْعَبْدِ مِنْ أَنْ تَكُونَ مِلْكَ يَمِينِهِ، فَهَذَا قَوْلُنَا، فَقَدْ صَحَّ مِلْكُهُ لِمَالِهِ، وَظَهَرَ تَنَاقُضُهُمْ أَوْ تَكُونَ لَيْسَتْ مِلْكَ يَمِينِهِ وَإِنَّمَا هِيَ مِلْكُ يَمِينِ سَيِّدِهِ، فَهُوَ زَانٍ عَادٍ، وَهَذَا مَا لاَ مَخْرَجَ مِنْهُ، وَإِذَا مَلَكَهَا فَقَدْ مَلَكَ بِلاَ شَكٍّ ثَمَنَهَا الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ، وَاَلَّذِي يَبِيعُهَا بِهِ. وَقَالَ تَعَالَى {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمْ الْمُؤْمِنَاتِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} فَأَمَرَ تَعَالَى بِإِعْطَاءِ الأَمَةِ صَدَاقَهَا، وَجَعَلَهُ مِلْكًا لَهَا، وَحَقًّا لَهَا، وَاَللَّهُ تَعَالَى لاَ يَأْمُرُ بِأَنْ يُعْطِيَ أَحَدٌ مَالَ غَيْرِهِ. فَصَحَّ أَنَّهُنَّ مَالِكَاتٌ كَسَائِرِ النِّسَاءِ الْحَرَائِرِ، وَلاَ فَرْقَ وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ، فَقَالُوا: لاَ يَمْلِكُ الْعَبْدُ أَصْلاً، وَلَمْ يُبِيحُوا لَهُ التَّسَرِّيَ، إِلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيِّينَ تَنَاقَضُوا أَيْضًا ; لأََنَّهُمْ أَوْجَبُوا عَلَيْهِ نَفَقَةَ زَوْجِهِ وَكِسْوَتَهَا، فَلَوْلاَ أَنَّهُ يَمْلِكُ لَمَا جَازَ أَنْ يَلْزَمَ غَرَامَةَ نَفَقَةِ وَكِسْوَةِ مَنْ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَمْلِكَ، وَلاَ مَنْ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَمْلِكَ.

وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ فَلَمْ يُوجِبُوا عَلَيْهِ نَفَقَةً أَصْلاً، لَكِنْ جَعَلُوهُ بِزَوَاجِهِ جَانِيًا جِنَايَةً تُوجِبُ أَنْ يُقْضَى بِرَقَبَتِهِ لِزَوْجَتِهِ فَيَنْفَسِخُ النِّكَاحُ إذَا مَلَكَتْهُ فَهَلْ سُمِعَ بِأَبْرَدَ مِنْ هَذِهِ الْوَسَاوِسِ الْمُضَادَّةِ لأََحْكَامِ الْقُرْآنِ، وَالسُّنَنِ، وَالْمَعْقُولِ بِلاَ دَلِيلٍ أَصْلاً وَاحْتَجَّ الْمَانِعُونَ مِنْ مِلْكِ الْعَبْدِ بِأَنْ ذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْدًا مَمْلُوكًا لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ}.
قال أبو محمد: وَقَالُوا: الْعَبْدُ لاَ يَرِثُ، وَلاَ يُوَرَّثُ. فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ يَمْلِكُ وَقَالُوا: الْعَبْدُ سِلْعَةٌ مِنْ السِّلَعِ، مَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَيْئًا غَيْرَ هَذَا أَصْلاً كُلُّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ: أَمَّا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْدًا مَمْلُوكًا لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ فَلاَ حُجَّةُ لَهُمْ فِيهِ لِوُجُوهٍ: أَوَّلُهَا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ اللَّهُ تَعَالَى إنَّ هَذِهِ صِفَةُ كُلِّ عَبْدٍ مَمْلُوكٍ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ مِنْ الْمَمَالِيكِ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاَهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ} فَهَلْ يَجِبُ مِنْ هَذَا أَنْ تَكُونَ، هَذِهِ صِفَةَ كُلِّ أَبْكَمَ، أَوْ أَنْ يَكُونَ الأَبْكَمُ لاَ يَمْلِكُ شَيْئًا هَذَا مَا لاَ يَقُولُونَهُ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ وُرُودِ الآيَتَيْنِ. وَنَحْنُ لاَ نُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ فِي الأَحْرَارِ، وَفِي الْعَبِيدِ مَنْ لاَ يَمْلِكُ شَيْئًا الْعِدْل ;، وَلاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ، وَلَيْسَ كُلُّهُمْ كَذَلِكَ وَالثَّانِي هُوَ أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ لَيْسَ فِيهَا نَصٌّ، وَلاَ دَلِيلَ، وَلاَ إشَارَةَ عَلَى ذِكْرِ مِلْكٍ، وَلاَ مَالٍ، وَإِنَّمَا فِيهَا أَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ، فَإِنَّمَا فِيهَا نَفْيُ الْقُدْرَةِ وَالْقُوَّةِ فَقَطْ، إمَّا بِضَعْفٍ وَأَمَّا بِمَرَضٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ. وَالثَّالِثُ أَنَّهُمْ إذَا أَسْقَطُوا مِلْكَهُ بِهَذِهِ الآيَةِ فَأَحْرَى بِهِمْ أَنْ يُسْقِطُوا عَنْهُ بِهَا الصَّلاَةَ وَالصَّوْمَ ; لأََنَّهُمَا شَيْئَانِ وَفِيهَا أَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ فَوَضَحَ فَسَادُ تَعَلُّقِهِمْ بِهَا جُمْلَةً.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّ الْعَبْدَ لاَ يَرِثُ، وَلاَ يُوَرَّثُ، فَنَعَمْ ; لأََنَّ السُّنَّةَ وَرَدَتْ بِذَلِكَ، وَلَيْسَ فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَمْلِكُ وَالْعَمَّةُ لاَ تَرِثُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ دَلِيلاً عَلَى أَنَّهَا لاَ تَمْلِكُ وَيَخُصُّ اللَّهُ تَعَالَى بِالْمِيرَاثِ مَنْ شَاءَ كَمَا قَالَ تَعَالَى {يُوصِيكُمْ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُُنْثَيَيْنِ} . وَقَالَ تَعَالَى {وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ} فَدَخَلَ فِي هَذَا بَنُو الْبَنَاتِ وَخَرَجُوا مِنْ الأُُولَى، لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ لَيْسُوا لَنَا أَوْلاَدًا. وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: الْعَبْدُ سِلْعَةٌ، فَنَعَمْ، فَكَانَ مَاذَا إنْ كَانُوا مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ سِلْعَةٌ جَعَلُوهُ لاَ يَمْلِكُ لِيُسْقِطُوا عَنْهُ الصَّلاَةَ، وَالطَّهَارَةَ، وَالصَّوْمَ، وَالْحُدُودَ ; لأََنَّ السِّلَعَ لاَ يَلْزَمُهَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ.
قال أبو محمد: يَكْفِي مِنْ هَذَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} فَقَدْ وَعَدَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِالْغِنَى، وَأَخْبَرَ أَنَّ الْفَقْرَ وَالْغِنَى جَائِزَانِ عَلَى الْعَبِيدِ وَالإِمَاءِ. وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ بِالْفَقْرِ إِلاَّ مَنْ يَمْلِكُ

فَيَعْدَمُ مَرَّةً وَيَسْتَغْنِي أُخْرَى، وَأَمَّا مَنْ لاَ يَمْلِكُ أَصْلاً فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ بِفَقْرٍ، وَلاَ بِغِنًى، كَالإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالسِّبَاعِ، وَالْجَمَادَاتِ، وَهَذَا وَاضِحٌ وَالْقُرْآنُ، وَالسُّنَنُ فِي أَكْثَرِ عُهُودِهِمَا شَاهِدُ كُلِّ ذَلِكَ بِصِحَّةِ قَوْلِنَا هَهُنَا، إذْ لَمْ يَأْتِ فَرْقٌ فِي شَيْءٍ مِنْ الأَوَامِرِ بِالْفَرْقِ فِي الأَمْوَالِ بَيْنَ حُرٍّ وَعَبْدٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُجِيبُ دَعْوَةَ الْمَمْلُوكِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لِمَالِهِ لَمْ يُجِبْ عليه السلام دَعْوَتَهُ، وَقَدْ قَبِلَ هَدِيَّةَ سَلْمَانَ وَهُوَ مَمْلُوكٌ وَأَكَلَهَا عليه السلام: كَمَا أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الطَّلْمَنْكِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ فَرَّاسٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَالِمٍ النَّيْسَابُورِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا ابْنُ إدْرِيسَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ، عَنْ مَحْمُودِ بْنِ لَبِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ حَدَّثَنِي سَلْمَانُ الْفَارِسِيُّ مِنْ فِيهِ قَالَ: كُنْت مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ وَاجْتَهَدْت فِي الْمَجُوسِيَّةِ ثُمَّ ذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ وَأَنَّهُ عَامَلَ رَكْبًا مِنْ كَلْبٍ عَلَى أَنْ يَحْمِلُوهُ إلَى أَرْضِهِمْ، قَالَ: فَظَلَمُونِي فَبَاعُونِي عَبْدًا مِنْ رَجُلٍ يَهُودِيٍّ، ثُمَّ بَاعَهُ ذَلِكَ الْيَهُودِيُّ مِنْ يَهُودِيٍّ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، ثُمَّ ذَكَرَ قُدُومَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ، قَالَ: فَلَمَّا أَمْسَيْتُ جَمَعْتُ مَا كَانَ عِنْدِي ثُمَّ خَرَجْتُ حَتَّى جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِقِبَا وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقُلْتُ: كَانَ عِنْدِي شَيْءٌ وَضَعْتُهُ لِلصَّدَقَةِ، رَأَيْتُكُمْ أَحَقَّ النَّاسِ بِهِ فَجِئْتُكُمْ بِهِ، فَقَالَ عليه السلام: كُلُوا، وَأَمْسَكَ هُوَ ثُمَّ تَحَوَّلَ عليه السلام إلَى الْمَدِينَةِ، فَجَمَعْتُ شَيْئًا، ثُمَّ جِئْتُ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ: رَأَيْتُكَ لاَ تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ، وَكَانَ عِنْدِي شَيْءٌ أُحِبُّ أَنْ أُكْرِمَكَ بِهِ هَدِيَّةً فَأَكَلَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ، ثُمَّ أَسْلَمْتُ ثُمَّ شَغَلَنِي الرِّقُّ حَتَّى فَاتَنِي بَدْرٌ، ثُمَّ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَاتِبْ، وَذَكَرَ الْحَدِيثَ: فَقَدْ أَجَازَ عليه السلام صَدَقَةَ الْعَبْدِ، وَهَدِيَّتَهُ، وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. نَعَمْ، وَأَجَازَهَا مَعَهُ عليه السلام الْحَاضِرُونَ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَلاَ مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ أَصْلاً. وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ هَلْ لَكُمْ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ شُرَكَاءَ فِيمَا رَزَقْنَاكُمْ فَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ}.
قال أبو محمد: وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهَا ; لأََنَّنَا لَمْ نُخَالِفْهُمْ فِي أَنَّ عَبِيدَنَا لاَ يَمْلِكُونَ أَمْوَالَنَا، وَلاَ هُمْ شُرَكَاءُ لَنَا فِيهَا، وَإِنَّمَا خَالَفْنَاهُمْ: هَلْ يَمْلِكُونَ أَمْوَالَهُمْ وَكَسْبَهُمْ أَمْ لاَ .
قال أبو محمد: وَأَمَّا انْتِزَاعُ السَّيِّدِ مَالَ عَبْدِهِ فَمُبَاحٌ، قَدْ جَاءَتْ السُّنَّةُ بِذَلِكَ فِي الْغُلاَمِ الَّذِي حَجَمَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ خَرَاجِهِ فَأُخْبِرَ، فَأَمَرَ عليه

السلام بِأَنْ يُخَفَّفَ عَنْهُ. فَصَحَّ أَنَّ لِلسَّيِّدِ أَخْذَ كَسْبِ عَبْدِهِ، فَإِذَا قَالَ السَّيِّدُ: قَدْ انْتَزَعْت كَسْبَك فَقَدْ سَقَطَ مِلْكُ الْعَبْدِ عَنْهُ وَصَارَ لِلسَّيِّدِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

بيان أن من لم يبلغ أو بلغ ولا هو يميز ولا يعقل أو ذهب تمييزه بعد أن بلغ مميزا غير مخاطب ولا ينفذ لهم أمر في شيء من مالهم
1399 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَبْلُغْ، أَوْ بَلَغَ وَهُوَ لاَ يُمَيِّزُ، وَلاَ يَعْقِلُ أَوْ ذَهَبَ تَمْيِيزُهُ بَعْدَ أَنْ بَلَغَ مُمَيِّزًا: فَهَؤُلاَءِ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ، وَلاَ يَنْفُذُ لَهُمْ أَمْرٌ فِي شَيْءٍ مِنْ مَالِهِمْ
لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : رُفِعَ الْقَلَمُ، عَنْ ثَلاَثٍ، فَذَكَرَ الصَّبِيَّ حَتَّى يَبْلُغَ، وَالْمَجْنُونَ حَتَّى يَبْرَأَ . فَإِنْ كَانَ الْمَجْنُونُ يُفِيقُ تَارَةً وَيَعْقِلُ، وَيُجَنُّ أُخْرَى: جَازَ فِعْلُهُ فِي السَّاعَاتِ الَّتِي يُفِيقُ فِيهَا، وَبَطَلَ فِعْلُهُ فِي السَّاعَاتِ الَّتِي يُجَنُّ فِيهَا لِمَا ذَكَرْنَا آنِفًا وَلأََنَّهُ مُخَاطَبٌ فِي سَاعَاتِ عَقْلِهِ غَيْرُ مُخَاطَبٍ فِي سَاعَاتِ جُنُونِهِ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَمِنْ حُجِرَ عَلَيْهِ مَالُهُ لِصِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ، فَسَوَاءٌ كَانَ عَلَيْهِ وَصِيٌّ مِنْ أَبٍ أَوْ مِنْ قَاضٍ كُلُّ مَنْ نَظَرَ لَهُ نَظَرًا حَسَنًا فِي بَيْعٍ أَوْ ابْتِيَاعٍ، أَوْ عَمَلٍ مَا: فَهُوَ نَافِذٌ لاَزِمٌ لاَ يُرَدُّ، وَإِنْ أَنْفَذَ عَلَيْهِ الْوَصِيُّ مَا لَيْسَ نَظَرًا لَمْ يَجُزْ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ} وقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} . لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى { إنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} . وَقَوْله تَعَالَى {الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ} بَعْضٍ وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ، وَلاَ يُسْلِمُهُ . فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ فَهُوَ وَلِيٌّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ، وَأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالنَّظَرِ لَهُ بِالأَحْوَطِ وَبِالْقِيَامِ لَهُ بِالْقِسْطِ، وَبِالتَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ; فَكُلُّ بِرٍّ وَتَقْوَى أَنْفَذَهُ الْمُسْلِمُ لِلصَّغِيرِ، وَاَلَّذِي لاَ يَعْقِلُ فَهُوَ نَافِذٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ نَصٌّ بِإِفْرَادِ الْوَصِيِّ بِذَلِكَ وَرَدَ مَا سِوَاهُ. فإن قيل: فَأَجِيزُوا هَذَا فِي الصَّغِيرِ الَّذِي لَهُ أَبٌ قلنا: نَعَمْ، هَكَذَا نَقُولُ، وَلَوْ أَنَّ أَبَاهُ يُسِيءُ لَهُ النَّظَرَ لَمُنِعَ مِنْ ذَلِكَ. فَإِنْ قَالُوا: فَأَجِيزُوا هَذَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ بِهَذَا اللَّيْلِ نَفْسِهِ قلنا: مَنَعَنَا مِنْ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا} فَالْمُخَاطَبُ الْمُكَلَّفُ الْمُتَمَلِّكُ مَالَهُ لاَ يَجُوزُ لأََحَدٍ أَنْ يَكْسِبَ عَلَيْهِ غَيْرَهُ، وَأَمَّا مَنْ لَيْسَ مُخَاطَبًا، وَلاَ مُكَلَّفًا، وَلاَ مُمَلَّكًا مَالَهُ فَلاَ شَكَّ فِي أَنَّ غَيْرَهُ هُوَ الْمَأْمُورُ بِإِصْلاَحِ مَالِهِ، فَمَنْ سَارَعَ إلَى مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ حَقُّهُ، وَكَذَلِكَ الْغَائِبُ الَّذِي يُضَيِّعُ مَالَهُ، فَكُلُّ مَنْ سَبَقَ إلَى حُسْنِ النَّظَرِ فِيهِ نَفَذَ ذَلِكَ، إِلاَّ فِيمَا يُمْنَعُ مِنْهُ إذَا قُدِّمَ وَكَانَ لاَ ضَرَرَ فِي تَرْكِ إنْفَاذِهِ فَهَذَا لَيْسَ لأََحَدٍ إنْفَاذُهُ عَلَيْهِ لِمَا ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

لا يجوز أن يدفع إلى من لم يبلغ شيء من ماله ولا نفقة يوم
1400- مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُدْفَعَ إلَى مَنْ لَمْ يَبْلُغْ شَيْءٌ مِنْ مَالِهِ، وَلاَ نَفَقَةُ يَوْمٍ
فَضْلاً، عَنْ ذَلِكَ إِلاَّ مَا يَأْكُلُ فِي وَقْتِهِ، وَمَا يَلْبَسُ لِطَرْدِ الْحَرِّ وَالْبَرْدِ مِنْ لِبَاسِ مِثْلِهِ، وَيُوَسَّعُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ ذَلِكَ.

من باع ما وجب بيعه لصغير أو لمحجور غير مميز أو لمفلس أو لغائب بحق أو اتباع لهم ما وجب ابتياعه أو باع في وصية الميت إلخ فهو سواء كما لو ابتاع لهم من غيره
1401 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ بَاعَ مَا وَجَبَ بَيْعُهُ لِصَغِيرٍ، أَوْ لِمَحْجُورٍ غَيْرِ مُمَيِّزٍ، أَوْ لِمُفْلِسٍ، أَوْ لِغَائِبٍ بِحَقٍّ، أَوْ ابْتَاعَ لَهُمْ مَا وَجَبَ ابْتِيَاعُهُ، أَوْ بَاعَ فِي وَصِيَّةِ الْمَيِّتِ، أَوْ ابْتَاعَ مِنْ نَفْسِهِ لِلْمَحْجُورِ، أَوْ لِلصَّغِيرِ، أَوْ لِغُرَمَاءِ الْمُفْلِسِ أَوْ لِلْغَائِبِ، أَوْ بَاعَ لَهُمْ مِنْ نَفْسِهِ فَهُوَ سَوَاءٌ، كَمَا لَوْ ابْتَاعَ لَهُمْ مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ بَاعَ لَهُمْ مِنْ غَيْرِهِ وَلَا فَرْقَ، إنْ لَمْ يُحَابِ نَفْسَهُ فِي كُلِّ ذَلِكَ، وَلَا غَيْرَهُ -:
جَازَ، وَإِنْ حَابَى نَفْسَهُ، أَوْ غَيْرَهُ: بَطَلَ ; لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِالْقِيَامِ بِالْقِسْطِ، وَالتَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ، فَإِذَا فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ فَهُوَ مُحْسِنٌ، وَإِذْ هُوَ مُحْسِنٌ، فَمَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَلَمْ يَأْتِ قَطُّ نَصُّ قُرْآنٍ، وَلَا سُنَّةٍ بِالْمَنْعِ مِنْ ابْتِيَاعٍ مِمَّنْ يَنْظُرُ لَهُ لِنَفْسِهِ أَوْ يَشْتَرِي لَهُ مِنْ نَفْسِهِ ؟ فَإِنْ قِيلَ: إنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ قَدْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ -: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى فَرَسٍ، فَقَالَ: إنَّ عَمِّي أَوْصَى إلَيَّ بِتَرِكَتِهِ وَهَذَا مِنْهَا أَفَأَشْتَرِيه ؟ قَالَ: لَا، وَلَا تَسْتَقْرِضْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ شَيْئًا قُلْنَا: قَدْ رُوِّينَا مَا حَدَّثَنَاهُ . أَبُو سَعِيدٍ الْجَعْفَرِيُّ قَالَ: نا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقْرِي نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إسْمَاعِيلَ النَّحْوِيُّ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ غُلَيْبِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ عَدِيٍّ نا أَبُو الأَُحْوَصِ نا أَبُو إِسْحَاقَ عَنْ يَرْفَا مَوْلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: أَنْزَلْت مَالَ اللَّهِ تَعَالَى مِنِّي بِمَنْزِلَةِ مَالِ الْيَتِيمِ، إنْ احْتَجْت إلَيْهِ أَخَذْت مِنْهُ، فَإِذَا أَيْسَرْتُ قَضَيْت . فَهَذَا عُمَرُ لَا يُنْكِرُ الِاسْتِقْرَاضَ مِنْ مَالِ الْيَتِيمِ .
وَكَذَلِكَ صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا . وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَخْذِ مَالِ الْيَتِيمِ قَرْضًا وَرَدِّ مِثْلِهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَبَيْنَ ابْتِيَاعِهِ بِمِثْلِ ثَمَنِهِ وَقِيمَتِهِ وَإِعْطَاءِ مِثْلِهِ نَقْدًا . فَإِنْ قَالُوا: يُتَّهَمُ فِي ذَلِكَ ؟ قُلْنَا: وَيُتَّهَمُ أَيْضًا أَنَّهُ يُدَلِّسُ أَيْضًا فِيمَا يَبْتَاعُ لَهُ مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ يَبِيعُهُ لَهُ مِنْ غَيْرِهِ، فَيَأْكُلُ وَيَخُونُ فِي الأَُمْرَيْنِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ اسْتَجَازَ عَيْنَ الْوَصِيَّةِ وَمَنْ فِي وِلَايَتِهِ فِيمَا يَبْتَاعُ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ، أَوْ مَا يَشْتَرِي مِنْهُ لِنَفْسِهِ، وَبَيْنَ أَنْ يَسْتَجِيزَ ذَلِكَ فِيمَا يَبْتَاعُ لَهُ مِنْ غَيْرِهِ، أَوْ يَبِيعُ لَهُ مِنْ غَيْرِهِ - وَمَا جَعَلَ اللَّهُ قَطُّ بَيْنَ الأَُمْرَيْنِ فَرْقًا يُعْقَلُ . وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَبْتَاعُ لِنَفْسِهِ مِنْ مَالِ يَتِيمِهِ شَيْئًا - وَرُوِيَ هَذَا عَنِ الشَّافِعِيِّ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ مَرَّةً أُخْرَى: إنْ ابْتَاعَ مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ الْقِيمَةِ جَازَ وَأَمَّا بِالْقِيمَةِ فَأَقَلَّ فَلَا - وَقَالَ مَالِكٌ يُحْمَلُ إلَى السُّوقِ فَإِنْ بَلَغَ أَكْثَرَ بَطَلَ عَقْدُهُ، وَإِلَّا فَهُوَ لَهُ لَازِمٌ . وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ مَنَعُوا مِنْ هَذَا وَأَجَازُوا أَنْ يَرْهَنَ عَنْ نَفْسِهِ مَالَ يَتِيمِهِ، وَأَبَاحَ الْمَالِكِيُّونَ أَنْ يُعْتِقَ عَبْدَ يَتِيمِهِ - وَهَذَا

تَنَاقُضٌ وَعَكْسٌ لِلْحَقَائِقِ . وَقَالَ بِقَوْلِنَا أَبُو يُوسُفَ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ فَعَلَى، كُلِّ حَالٍ قَدْ خَالَفُوا ابْنَ مَسْعُودٍ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ .

استدراك ما تقدم
1402 - مَسْأَلَةٌ: مُسْتَدْرَكَةٌ:
وَلاَ يَحِلُّ لِلْوَصِيِّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ مَالِ مَنْ إلَى نَظَرِهِ مُطَارَفَةً، لَكِنْ إنْ احْتَاجَ اسْتَأْجَرَهُ لَهُ الْحَاكِمُ بِأُجْرَةٍ مِثْلِ عَمَلِهِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَلاَ تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى {وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلِيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} قلنا: قَدْ قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: إنَّ هَذَا الأَكْلَ الْمَأْمُورَ بِهِ إنَّمَا هُوَ فِي مَالِ نَفْسِهِ، لاَ فِي مَالِ الْيَتِيمِ وَهُوَ الأَظْهَرُ ; لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {إنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا} فَهِيَ حَرَامٌ أَشَدُّ التَّحْرِيمِ إِلاَّ عَلَى سَبِيلِ الأُُجْرَةِ أَوْ الْبَيْعِ اللَّذَيْنِ أَبَاحَهُمَا اللَّهُ تَعَالَى وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

كتاب الاكراه
تقسيم الاكراه إلى قسمين
بسم الله الرحمن الرحيم
كِتَابُ الإِكْرَاهِ
1403 - مَسْأَلَةٌ: الإِكْرَاهُ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ:
إكْرَاهٌ عَلَى كَلاَمٍ، وَإِكْرَاهٌ عَلَى فِعْلٍ: فَالإِكْرَاهُ عَلَى الْكَلاَمِ لاَ يَجِبُ بِهِ شَيْءٌ، وَإِنْ قَالَهُ الْمُكْرَهُ، كَالْكُفْرِ، وَالْقَذْفِ، وَالإِقْرَارِ، وَالنِّكَاحِ، وَالإِنْكَاحِ، وَالرَّجْعَةِ، وَالطَّلاَقِ، وَالْبَيْعِ، وَالأَبْتِيَاعِ، وَالنَّذْرِ، وَالإِيمَانِ، وَالْعِتْقِ، وَالْهِبَةِ، وَإِكْرَاهِ الذِّمِّيِّ الْكِتَابِيِّ عَلَى الإِيمَانِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ ; لأََنَّهُ فِي قَوْلِهِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ إنَّمَا هُوَ حَاكٍ لِلَّفْظِ الَّذِي أُمِرَ أَنْ يَقُولَهُ، وَلاَ شَيْءَ عَلَى الْحَاكِي بِلاَ خِلاَفٍ وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الأَمْرَيْنِ فَقَدْ تَنَاقَضَ قَوْلُهُ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى قَوْلٍ وَلَمْ يَنْوِهِ مُخْتَارًا لَهُ فَإِنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ. وَالإِكْرَاهُ عَلَى الْفِعْلِ يَنْقَسِمُ قِسْمَيْنِ: أَحَدُهُمَا كُلُّ مَا تُبِيحُهُ الضَّرُورَةُ، كَالأَكْلِ

وَالشُّرْبِ فَهَذَا يُبِيحُهُ الإِكْرَاهُ ; لأََنَّ الإِكْرَاهَ ضَرُورَةٌ، فَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذَا فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ ; لأََنَّهُ أَتَى مُبَاحًا لَهُ إتْيَانُهُ. وَالثَّانِي مَا لاَ تُبِيحُهُ الضَّرُورَةُ، كَالْقَتْلِ، وَالْجِرَاحِ، وَالضَّرْبِ، وَإِفْسَادِ الْمَالِ، فَهَذَا لاَ يُبِيحُهُ الإِكْرَاهُ، فَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَزِمَهُ الْقَوَدُ وَالضَّمَانُ ; لأََنَّهُ أَتَى مُحَرَّمًا عَلَيْهِ إتْيَانُهُ. وَالإِكْرَاهُ: هُوَ كُلُّ مَا سُمِّيَ فِي اللُّغَةِ إكْرَاهًا، وَعُرِفَ بِالْحِسِّ أَنَّهُ إكْرَاهٌ كَالْوَعِيدِ بِالْقَتْلِ مِمَّنْ لاَ يُؤْمَنُ مِنْهُ إنْفَاذُ مَا تَوَعَّدَ بِهِ، وَالْوَعِيدُ بِالضَّرْبِ كَذَلِكَ أَوْ الْوَعِيدُ بِالسَّجْنِ كَذَلِكَ، أَوْ الْوَعِيدُ بِإِفْسَادِ الْمَالِ كَذَلِكَ، أَوْ الْوَعِيدُ فِي مُسَلِّمٍ غَيْرَهُ بِقَتْلٍ، أَوْ ضَرْبٍ، أَوْ سَجْنٍ، أَوْ إفْسَادِ مَالٍ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ، وَلاَ يُسْلِمُهُ .

من أكره على شرب لاخمر أو أكل الخنزير إلخ فمباح له أن يأكل ويشرب ولا شيء عليه لا حد ولا ضمان
1404 - مَسْأَلَةٌ: فَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى شُرْبِ الْخَمْرِ، أَوْ أَكْلِ الْخِنْزِيرِ، أَوْ الْمَيْتَةِ، أَوْ الدَّمِ، أَوْ بَعْضِ الْمُحَرَّمَاتِ، أَوْ أَكْلِ مَالِ مُسْلِمٍ، أَوْ ذِمِّيٍّ: فَمُبَاحٌ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ، وَيَشْرَبَ، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ لأََحَدٍ، وَلاَ ضَمَانَ،
لِقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ}. وَقَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ اُضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ، وَلاَ عَادٍ فَلاَ إثْمَ عَلَيْهِ} . وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ اُضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لأَِثْمٍ}. فَإِنْ كَانَ الْمُكْرَهُ عَلَى أَكْلِ مَالِ مُسْلِمٍ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ فَعَلَيْهِ قِيمَةُ مَا أَكَلَ; لأََنَّ هَكَذَا هُوَ حُكْمُ الْمُضْطَرِّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ حَاضِرٌ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ فِيمَا أَكَلَ لِمَا ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فإن قيل: فَهَلاَّ أَبَحْتُمْ قَتْلَ النَّفْسِ لِلْمُكْرَهِ، وَالزِّنَى، وَالْجِرَاحَ، وَالضَّرْبَ، وَإِفْسَادَ الْمَالِ بِهَذَا الأَسْتِدْلاَلِ قلنا: لأََنَّ النَّصَّ لَمْ يُبِحْ لَهُ قَطُّ أَنْ يَدْفَعَ، عَنْ نَفْسِهِ ظُلْمًا بِظُلْمِ غَيْرِهِ مِمَّنْ لَمْ يَتَعَدَّ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ عَلَيْهِ دَفْعُ الظَّالِمِ أَوْ قِتَالُهُ لقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} وَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلِيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ إنْ اسْتَطَاعَ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ ، لَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الإِيمَانِ شَيْءٌ. فَصَحَّ أَنَّهُ لَمْ يُبِحْ لَهُ قَطُّ الْعَوْنَ عَلَى الظُّلْمِ لاَ لِضَرُورَةٍ، وَلاَ لِغَيْرِهَا وَإِنَّمَا فَسَّحَ لَهُ إنْ عَجَزَ فِي أَنْ لاَ يُغَيِّرَهُ بِيَدِهِ، وَلاَ بِلِسَانِهِ، وَبَقِيَ عَلَيْهِ التَّغْيِيرُ بِقَلْبِهِ، وَلاَ بُدَّ، وَالصَّبْرُ لِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فَقَطْ، وَأُبِيحَ لَهُ فِي الْمَخْمَصَةِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ: الأَكْلُ، وَالشُّرْبُ، وَعِنْدَ الضَّرُورَةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

لو أمسكت امرأة حتى زني بها أو أمسك رجل فأدخل أحليله في فرج إمرأة فلا شيء عليه ولا عليها سواء انتشر أو لم ينتشر
1405 - مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ أُمْسِكَتْ امْرَأَةٌ حَتَّى زَنَى بِهَا، أَوْ أُمْسِكَ رَجُلٌ فَأُدْخِلَ إحْلِيلُهُ فِي فَرْجِ امْرَأَةٍ، فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، وَلاَ عَلَيْهَا، سَوَاءٌ انْتَشَرَ أَوْ لَمْ يَنْتَشِرْ،
أَمْنَى أَوْ لَمْ يُمْنِ، أَنْزَلَتْ هِيَ أَوْ لَمْ تُنْزِلْ ; لأََنَّهُمَا لَمْ يَفْعَلاَ شَيْئًا أَصْلاً وَالأَنْتِشَارُ وَالإِمْنَاءُ فِعْلُ الطَّبِيعَةِ الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْمَرْءِ أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ لاَ اخْتِيَارَ لَهُ فِي ذَلِكَ.

من كان في سبيل معصية كسفر لا يحل أو قتال لا يحل فلم يجد شيئا يأكله إلا الميتة أو الدم أو خنزير إلخ لم يحل له أكله إلا حتى يتوب
1406 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كَانَ فِي سَبِيلِ مَعْصِيَةٍ كَسَفَرٍ لاَ يَحِلُّ، أَوْ قِتَالٍ لاَ يَحِلُّ، فَلَمْ يَجِدْ شَيْئًا يَأْكُلُ إِلاَّ الْمَيْتَةَ، أَوْ الدَّمَ، أَوْ خِنْزِيرًا، أَوْ لَحْمَ سَبُعٍ أَوْ بَعْضَ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِ: لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَكْلُهُ إِلاَّ حَتَّى يَتُوبَ،
فَإِنْ تَابَ فَلِيَأْكُلْ حَلاَلاً، وَإِنْ لَمْ يَتُبْ فَإِنْ أَكَلَ أَكَلَ حَرَامًا، وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ، فَهُوَ عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى بِكُلِّ حَالٍ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي سُلَيْمَانَ وقال مالك: يَأْكُلُ.
قال أبو محمد : وَهَذَا خِلاَفٌ لِلْقُرْآنِ بِلاَ كُلْفَةٍ ; لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُبِحْ لَهُ ذَلِكَ إِلاَّ فِي حَالٍ يَكُونُ فِيهَا غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لأَِثْمٍ، وَلاَ بَاغِيًا، وَلاَ عَادِيًا، وَأَكْلُهُ ذَلِكَ عَوْنٌ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَقُوَّةٌ لَهُ عَلَى قَطْعِ الطَّرِيقِ وَفَسَادِ السَّبِيلِ، وَقَتْلِ الْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا. فَقَالُوا مَعْنَى قوله تعالى: غَيْرَ بَاغٍ، وَلاَ عَادٍ أَيْ غَيْرَ بَاغٍ فِي الأَكْلِ، وَلاَ عَادٍ فِيهِ .فَقُلْنَا: هَذَا الْبَاطِلُ، وَالْقَوْلُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِزِيَادَةٍ فِي الْقُرْآنِ بِلاَ بُرْهَانٍ، وَهَذَا لاَ يَحِلُّ، أَصْلاً لأََنَّهُ تَحْرِيفٌ لِلْكَلِمِ، عَنْ مَوَاضِعِهِ. فَإِنْ قَالُوا قَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ فَهُوَ إنْ لَمْ يَأْكُلْ قَاتِلٌ نَفْسَهُ .فَقُلْنَا: قَوْلُ اللَّهِ حَقٌّ، وَمَا أَمَرْنَاهُ قَطُّ بِقَتْلِ نَفْسِهِ بَلْ قلنا لَهُ: افْعَلْ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْك مِنْ التَّوْبَةِ، وَاتْرُكْ مَا حَرَّمَ عَلَيْك مِنْ السَّعْيِ فِي الأَرْضِ بِالْفَسَادِ، وَالْبَغْيِ، وَكُلْ فِي الْوَقْتِ حَلاَلاً طَيِّبًا، فَإِنْ أَضَفْتُمْ إلَى خِلاَفِكُمْ الْقُرْآنَ الإِبَاحَةَ لَهُ أَنْ لاَ يَتُوبَ، وَأَمْرَهُ بِأَنْ يُصِرَّ عَلَى الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ، فَمَا أَرَدْنَا مِنْكُمْ إِلاَّ أَقَلَّ مِنْ هَذَا وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ: لاَ يَلْزَمُ الإِكْرَاهُ عَلَى الْبَيْعِ، وَلاَ عَلَى الشِّرَاءِ، وَلاَ عَلَى الإِقْرَارِ، وَلاَ عَلَى الْهِبَةِ، وَلاَ عَلَى الصَّدَقَةِ، وَلاَ يَجُوزُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. قَالُوا: فَإِنْ أُكْرِهَ عَلَى النِّكَاحِ أَوْ الطَّلاَقِ، أَوْ الرَّجْعَةِ، أَوْ الْعِتْقِ، أَوْ النَّذْرِ، أَوْ الْيَمِينِ: لَزِمَهُ كُلُّ ذَلِكَ، وَقُضِيَ عَلَيْهِ بِهِ، وَصَحَّ ذَلِكَ النِّكَاحُ، وَذَلِكَ الطَّلاَقُ، وَذَلِكَ الْعِتْقُ، وَتِلْكَ الرَّجْعَةُ، وَلَزِمَهُ ذَلِكَ النَّذْرُ، وَتِلْكَ الْيَمِينُ.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ قُدَامَةَ الْجُمَحِيُّ حَدَّثَنِي أَبِي: أَنَّ رَجُلاً تَدَلَّى بِحَبْلٍ لِيَشْتَارَ عَسَلاً فَحَلَفَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ لَتَقْطَعَنَّ الْحَبْلَ أَوْ لَيُطَلِّقَنَّهَا ثَلاَثًا فَطَلَّقَهَا ثَلاَثًا، فَلَمَّا خَرَجَ أَتَى عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: ارْجِعْ إلَى امْرَأَتِك، فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ طَلاَقًا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ،

عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: لَيْسَ لِمُسْتَكْرَهٍ طَلاَقٌ. قَالَ الْحَسَنُ: وَأَخَذَ رَجُلاً أَهْلُ امْرَأَتِهِ فَطَلَّقَهَا إنْ لَمْ يَبْعَثْ بِنَفَقَتِهَا إلَى شَهْرٍ، فَجَاءَ الأَجَلُ وَلَمْ يَبْعَثْ شَيْئًا، فَخَاصَمُوهُ إلَى عَلِيٍّ، فَقَالَ: اضْطَهَدْتُمُوهُ حَتَّى جَعَلَهَا طَالِقًا فَرَدَّهَا عَلَيْهِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَلْحَةَ الْخُزَاعِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو يَزِيدَ الْمَدَنِيُّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ، أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ لِمُكْرَهٍ طَلاَقٌ. وَصَحَّ أَيْضًا: عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِنْ طُرُقٍ أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ طَلاَقُ الْمُكْرَهِ. وَمِنْ طَرِيقِ ثَابِتٍ الأَعْرَجِ قَالَ: سَأَلْت كُلَّ فَقِيهٍ بِالْمَدِينَةِ، عَنْ طَلاَقِ الْمُكْرَهِ فَقَالُوا: لَيْسَ بِشَيْءٍ، ثُمَّ أَتَيْت ابْنَ الزُّبَيْرِ، وَابْنَ عُمَرَ، فَرَدَّا عَلَيَّ امْرَأَتِي، وَكَانَ قَدْ أُكْرِهَ عَلَى طَلاَقِهَا ثَلاَثًا. وَصَحَّ هَذَا أَيْضًا: عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَالْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ، وطَاوُوس، وَشُرَيْحٍ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِمْ. وَصَحَّ إجَازَةُ طَلاَقِ الْمُكْرَهِ أَيْضًا: عَنِ ابْنِ عُمَرَ. وَرُوِيَ، عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَلَمْ يَصِحَّ عَنْهُمَا. وَصَحَّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَقَتَادَةَ، وَالنَّخَعِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. وَاحْتَجَّ الْمُجِيزُونَ لِذَلِكَ بِعُمُومِ قوله تعالى: { فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ} الآية .
قال أبو محمد : وَهَذَا تَمْوِيهٌ مِنْهُمْ ; لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى الَّذِي قَالَ هَذَا هُوَ الَّذِي قَالَ: { وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} وَالْمُكْرَهُ لَمْ يُطَلِّقْ قَطُّ، إنَّمَا قِيلَ لَهُ: قُلْ: هِيَ طَالِقٌ ثَلاَثًا فَحَكَى قَوْلَ الْمُكْرِهِ لَهُ فَقَطْ. وَالْعَجَبُ مِنْ تَخْلِيطِهِمْ، وَقِلَّةِ حَيَائِهِمْ يَحْتَجُّونَ بِعُمُومِ هَذِهِ الآيَةِ فِي إجَازَةِ طَلاَقِ الْمُكْرَهِ، ثُمَّ لاَ يُجِيزُونَ بَيْعَ الْمُكْرَهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَإِنْ قَالُوا: الْبَيْعُ لاَ يَكُونُ إِلاَّ، عَنْ تَرَاضٍ قلنا: وَالطَّلاَقُ لاَ يَكُونُ إِلاَّ، عَنْ رِضًا مِنْ الْمُطَلِّقِ وَنِيَّةٍ لَهُ بِالنُّصُوصِ الَّتِي قَدَّمْنَا. ثُمَّ قَدْ خَالَفُوا هَذَا الْعُمُومَ وَلَمْ يُجِيزُوا طَلاَقَ الصَّبِيِّ، وَلاَ طَلاَقَ النَّائِمِ، فَإِنْ قَالُوا: لَيْسَ هَذَانِ مُطَلِّقَيْنِ قلنا: وَلاَ الْمُكْرَهُ مُطَلِّقًا.
وَأَطْرَفُ شَيْءٍ أَنَّهُمْ احْتَجُّوا هَهُنَا فَقَالُوا: الْبَيْعُ يُرَدُّ بِالْغَيْبِ .فَقُلْنَا: نَعَمْ، وَلَكِنْ بَعْدَ صِحَّةٍ، فَأَخْبِرُونَا هَلْ وَقَعَ بَيْعُ الْمُكْرَهِ صَحِيحًا أَمْ لاَ فَإِنْ قُلْتُمْ: وَقَعَ صَحِيحًا، فَلاَ سَبِيلَ إلَى رَدِّهِ إِلاَّ بِرِضَاهُمَا، أَوْ بِنَصٍّ فِي ذَلِكَ، وَإِنْ قُلْتُمْ: لَمْ يَقَعْ صَحِيحًا وَهُوَ قَوْلُهُمْ قلنا: فَقِيَاسُكُمْ مَا لَمْ يَصِحَّ عَلَى مَا صَحَّ بَاطِلٌ فِي الْقِيَاسِ ; لأََنَّهُ قِيَاسُ الشَّيْءِ عَلَى ضِدِّهِ، وَعَلَى مَا لاَ يُشْبِهُهُ. وَقُلْنَا لَهُمْ أَيْضًا: وَكَذَلِكَ الطَّلاَقُ مِنْ الْمُكْرَهِ وَقَعَ بَاطِلاً، وَاحْتَجُّوا بِأَخْبَارٍ فَاسِدَةٍ: مِنْهَا: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ حَدَّثَنِي الْغَازِي بْنُ جَبَلَةَ الْجُبْلاَنِيُّ، عَنْ صَفْوَانَ

بْنِ عِمْرَانَ الطَّائِيِّ أَنَّ رَجُلاً جَعَلَتْ امْرَأَتُهُ سِكِّينًا عَلَى حَلْقِهِ وَقَالَتْ: طَلِّقْنِي ثَلاَثًا أَوْ لاََذْبَحَنَّكَ فَنَاشَدَهَا اللَّهَ تَعَالَى، فَأَبَتْ، فَطَلَّقَهَا ثَلاَثًا، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لاَ قَيْلُولَةَ فِي الطَّلاَقِ . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ، عَنْ بَقِيَّةَ، عَنِ الْغَازِي بْنِ جَبَلَةَ، عَنْ صَفْوَانَ الطَّائِيِّ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَهَذَا كُلُّهُ لاَ شَيْءَ ; لأََنَّ إسْمَاعِيلَ بْنَ عَيَّاشٍ، وَبَقِيَّةَ: ضَعِيفَانِ، وَالْغَازِيَ بْنَ جَبَلَةَ مَجْهُولٌ، وَصَفْوَانَ ضَعِيفٌ، ثُمَّ هُوَ مُرْسَلٌ. وَذَكَرُوا حَدِيثًا مِنْ طَرِيقِ مُطَيَّنٍ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ يُوسُفَ التَّمِيمِيِّ وَهُوَ مَجْهُولٌ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَرْوَانَ وَهُوَ مَجْهُولٌ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ عَجْلاَنَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : كُلُّ الطَّلاَقِ جَائِزٌ إِلاَّ طَلاَقَ الْمَعْتُوهِ الْمَغْلُوبِ عَلَى عَقْلِهِ .
قال أبو محمد: وَهَذَا قِلَّةُ حَيَاءٍ مِنْهُمْ أَنْ يَحْتَجُّوا بِرِوَايَةِ عَطَاءِ بْنِ عَجْلاَنَ وَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ، ثُمَّ هُمْ يَقُولُونَ: إنَّ الصَّاحِبَ إذَا رَوَى خَبَرًا وَخَالَفَهُ فَذَلِكَ دَلِيلٌ، عَلَى سُقُوطِ ذَلِكَ الْخَبَرِ، وَإِنَّمَا رُوِيَ هَذَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: إنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يَرَ طَلاَقَ الْمُكْرَهِ، فَيَلْزَمُهُمْ عَلَى أَصْلِهِمْ الْفَاسِدِ أَنْ يُسْقِطُوا كُلَّ هَذِهِ الأَخْبَارِ ; لأََنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَوَى بَعْضَهَا، وَخَالَفَهُ كَمَا فَعَلُوا فِيمَا كَذَبُوا فِيهِ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ مِنْ تَرْكِهِ مَا رَوَى هُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم مِنْ غَسْلِ الإِنَاءِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ سَبْعًا، وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ لاَ يَعْقِلُونَ. وَأَيْضًا: فَهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذَا الْخَبَرِ ; لأََنَّهُمْ لاَ يُجِيزُونَ طَلاَقَ النَّائِمِ يَتَكَلَّمُ فِي نَوْمِهِ بِالطَّلاَقِ، وَلاَ طَلاَقَ الصَّبِيِّ، وَلَيْسَا مَعْتُوهَيْنِ، وَلاَ مَغْلُوبَيْنِ عَلَى عُقُولِهِمَا. وَيَقُولُونَ فِيمَنْ قَالَ لأَمْرَأَتِهِ فِي غَضَبٍ: أَنْتِ خَلِيَّةٌ، أَوْ بَائِنٌ، أَوْ بَرِّيَّةٌ، أَوْ حَرَامٌ، أَوْ أَمْرُك بِيَدِك وَنَوَى طَلْقَةً وَاحِدَةً فَهِيَ لاَزِمَةٌ وَإِنْ نَوَى ثَلاَثًا فَهِيَ لاَزِمَةٌ وَإِنْ نَوَى اثْنَتَيْنِ لَزِمَتْ وَاحِدَةٌ وَلَمْ تَلْزَمْ الأُُخْرَى. فَمَنْ أَرَقُّ دِينًا مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِخَبَرٍ هُوَ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ عَلَى مَنْ لاَ يَرَاهُ حُجَّةً أَصْلاً، وَاحْتَجُّوا بِالآثَارِ الْوَارِدَةِ ثَلاَثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ .
قال أبو محمد: وَهِيَ آثَارٌ وَاهِيَةٌ كُلُّهَا لاَ يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ فِيهَا

حُجَّةٌ أَصْلاً ; لأََنَّ الْمُكْرَهَ لَيْسَ مُجِدًّا فِي طَلاَقِهِ، وَلاَ هَازِلاً، فَخَرَجَ أَنْ يَكُونَ لَهُمْ حُكْمٌ فِي ذَلِكَ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَأَيُّ عَجَبٍ أَكْثَرُ مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِهَذِهِ الأُُكْذُوبَاتِ الَّتِي هِيَ إمَّا مِنْ رِوَايَةِ كَذَّابٍ، أَوْ مَجْهُولٍ، أَوْ ضَعِيفٍ، أَوْ مُرْسَلَةٌ، ثُمَّ يَعْتَرِضُ عَلَى مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الرَّبِيعِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمُؤَذِّنِ، عَنْ بِشْرِ بْنِ بَكْرٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : عُفِيَ لأَُمَّتِي، عَنِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ . فَإِنْ قَالَ: سَأَلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَبَاهُ، عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ لَهُ: إنَّهُ رَوَاهُ شَيْخٌ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، وَمَالِكٌ. قَالَ مَالِكٌ: عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم . وَقَالَ الأَوْزَاعِيِّ: عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم . فَقَالَ أَحْمَدُ: هَذَا كَذِبٌ، وَبَاطِلٌ، لَيْسَ يُرْوَى إِلاَّ الْحَسَنُ، عَنِ النَّبِيِّ فَاعْجَبُوا لِلْعَجَبِ إنَّمَا كَذَّبَ أَحْمَدُ رحمه الله مَنْ رَوَى هَذَا الْخَبَرَ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَمِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَصَدَقَ أَحْمَدُ فِي ذَلِكَ: فَهَذَا لَمْ يَأْتِ قَطُّ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَلاَ مِنْ طَرِيقِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، إنَّمَا جَاءَ مِنْ طَرِيقِ بِشْرِ بْنِ بَكْرٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمَنْ بَدَّلَ الأَسَانِيدَ فَقَدْ أَخْطَأَ، أَوْ كَذَبَ إنَّ تَعَمَّدَ ذَلِكَ. ثُمَّ الْعَجَبُ كُلُّهُ عَلَيْهِمْ هَذَا الْخَبَرُ بِأَنَّهُ مُرْسَلٌ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ، وَهُمْ يَحْتَجُّونَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَفْسِهَا بِأَنْتَنَ مَا يَكُونُ مِنْ الْمَرَاسِيلِ، أَمَا هَذَا عَجَبٌ ثُمَّ قَالُوا: كَيْفَ يُرْفَعُ، عَنِ النَّاسِ مَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ وَقَدْ وَقَعَ مِنْهُمْ وَهَذَا اعْتِرَاضٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. ثُمَّ حَمَلَهُمْ قِلَّةُ الدِّينِ وَعَدَمُ الْحَيَاءِ عَلَى مِثْلِ هَذَا الأَعْتِرَاضِ الَّذِي هُوَ عَائِدٌ عَلَيْهِمْ بِذَاتِهِ كَمَا هُوَ عَائِدٌ فِي رَفْعِهِمْ الإِكْرَاهَ فِي الْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ، وَالإِقْرَارِ، وَالصَّدَقَةِ. ثُمَّ هُوَ كَلاَمٌ سَخِيفٌ مِنْهُمْ ; لأََنَّهُ لَمْ يَقُلْ عليه السلام قَطُّ: إنَّ الْمُكْرَهَ لَمْ يَقُلْ مَا أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَقُولَهُ، وَلاَ أَنَّهُ لَمْ يَفْعَلْ مَا أُكْرِهَ عَلَى فِعْلِهِ، لَكِنَّهُ أَخْبَرَ عليه السلام أَنَّهُ رُفِعَ عَنْهُ حُكْمُ كُلِّ ذَلِكَ، كَمَا رُفِعَ، عَنِ الْمُصَلِّي فِعْلُهُ بِالسَّهْوِ فِي السَّلاَمِ، وَالْكَلاَمِ، وَعَنِ الصَّائِمِ أَكْلُهُ، وَشُرْبُهُ، وَجِمَاعُهُ سَهْوًا، وَعَنِ الْبَائِعِ مُكْرَهًا بَيْعُهُ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.
قال أبو محمد: وَكُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ فِي هَذَا فَهُوَ مُبْطِلٌ لِقَوْلِهِمْ فِي إبْطَالِ بَيْعِ الْمُكْرَهِ وَابْتِيَاعِهِ، وَإِقْرَارِهِ، وَهِبَتِهِ، وَصَدَقَتِهِ، مِثْلُ قَوْلِهِمْ: إنَّنَا وَجَدْنَا الْمُكْرَهَةَ عَلَى إرْضَاعِ الصَّبِيِّ خَمْسَ رَضَعَاتٍ يُحَرِّمُهَا عَلَيْهِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِ مِمَّا يُحَرَّمُ عَلَيْهِ مِنْ جِهَتِهَا لَوْ أَرْضَعَتْهُ طَائِعَةً.
قال علي: وهذا عَلَيْهِمْ فِي الإِكْرَاهِ عَلَى الْبَيْعِ، وَالأَبْتِيَاعِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالإِقْرَارِ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29