كتاب : المحلى
المؤلف : أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري

الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ لِسَعْدٍ يَوْمَئِذٍ: "وَلَعَلَّكَ أَنْ تُخَلِّفَ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِك آخَرُونَ". وَهَكَذَا رَوَاهُ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ بِإِسْنَادِهِ. [ وَرَوَاهُ أَيْضًا كَذَلِكَ بَعْضُ النَّاسِ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ بِإِسْنَادِهِ ] وَبِلَفْظَةِ " الصَّدَقَةِ " فَقَالُوا: فَقَدْ مَنَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الصَّدَقَةِ فِي مَرَضِهِ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ.
قال أبو محمد: وَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّنَا رُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ نَفْسَهُ مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ فَذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ وَفِيهِ " قَالَ سَعْدٌ: فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَأُوصِي بِثُلُثَيْ مَالِي قَالَ: لاَ، قُلْتُ: فَبِشَطْرِ مَالِي قَالَ: لاَ، قُلْتُ: فَبِثُلُثِ مَالِي قَالَ: الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ " وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ. وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ قَالَ: ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونِ، كِلاَهُمَا، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ ذَكَرَ هَذَا الْخَبَرَ، وَفِيهِ " قَالَ: قُلْتُ: أَفَأَتَصَدَّقُ بِمَالِي كُلِّهِ قَالَ: لاَ، قُلْتُ: أَفَأُوصِي بِالشَّطْرِ قَالَ: لاَ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَبِمَ أُوصِي قَالَ: الثُّلُثُ: وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ وَذَكَرَ الْخَبَرَ، فَذَكَرُوا أَنَّهُ إنَّمَا سَأَلَ سَعْدٌ، عَنِ الْوَصِيَّةِ وَهُوَ خَبَرٌ وَاحِدٌ، عَنْ مَقَامٍ وَاحِدٍ فَصَحَّ أَنَّ لَفْظَةَ " الصَّدَقَةِ " الَّتِي رَوَاهَا: مَالِكٌ، وَسُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ إنَّمَا مَعْنَاهَا الْوَصِيَّةُ. كَمَا رَوَاهُ مَعْمَرٌ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونِ وَمَعْمَرٌ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ دُون مَالِكٍ وَسُفْيَانَ، وَالزُّهْرِيِّ، وَغَيْرُهُ، فَكَيْفَ وَقَدْ وَافَقَ مَعْمَرٌ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ عَلَى لَفْظَةِ " أُوصِي " وَفِي هَذَا الْخَبَرِ جَمَاعَةُ الإِثْبَاتِ. كَمَا رُوِّينَاهُ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ زَكَرِيَّا، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ الْجُعْفِيِّ، عَنْ زَائِدَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ. وَعَنْ مُسْلِمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّيِّ، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيِّ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيِّ، عَنْ ثَلاَثَةٍ مِنْ وَلَدِ سَعْدٍ، كُلِّهِمْ، عَنْ سَعْدٍ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحِيمِ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيّ، عَنْ هَاشِمِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ

السُّلَمِيِّ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، كُلُّهُمْ يَذْكُرُ نَصًّا: أَنَّ سَعْدًا إنَّمَا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَمَّا يُوصِي بِهِ. وَالْوَجْهُ الآخَرُ أَنَّهُمْ إنَّمَا يُمْنَعُونَ مِنْ الصَّدَقَةِ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فِي الْمَرَضِ الَّذِي يَمُوتُ مِنْهُ صَاحِبُهُ، لاَ الَّذِي يَبْرَأُ مِنْهُ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلِمَ أَنَّ سَعْدًا سَيَبْرَأُ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ " قَالَ: قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِينَا فَمَا تَرَكَ شَيْئًا يَكُونُ فِي مَقَامِهِ ذَلِكَ حَتَّى إلَى قِيَامِ السَّاعَةِ إِلاَّ أَخْبَرَ بِهِ حَفِظَهُ مَنْ حَفِظَهُ وَنَسِيَهُ مَنْ نَسِيَهُ قَدْ عَلِمَهُ أَصْحَابِي هَؤُلاَءِ.
قال أبو محمد: وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ هُوَ هَزَمَ عَسَاكِرَ الْفُرْسِ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ وَافْتَتَحَ مَدِينَةِ كِسْرَى فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ مَا أَخْبَرَ بِهِ عليه الصلاة والسلام بَلْ مِنْ أَكْبَرِ ذَلِكَ وَأَهَمِّهِ وَأَعَمِّهِ فَتْحًا فِي الإِسْلاَمِ. وَهَذَا قَدْ أَنْذَرَ بِهِ عليه السلام فِي ذَلِكَ الْمَرَضِ إذْ قَالَ لَهُ: لَعَلَّك سَتُخَلِّفُ حَتَّى يَنْتَفِعَ بِك أَقْوَامٌ وَيُضَرَّ بِك آخَرُونَ وَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِهِمْ. وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّ فِي نَصِّ الْخَبَرِ الَّذِي ذَكَرْنَا الآنَ إسْنَادُهُ مِنْ طَرِيقِ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِيِّ، عَنْ ثَلاَثَةٍ مِنْ وَلَدِ سَعْدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ يَوْمَئِذٍ: "إنَّ صَدَقَتَكَ مِنْ مَالِكَ صَدَقَةٌ وَإِنَّ نَفَقَتَكَ عَلَى عِيَالِكَ صَدَقَةٌ وَإِنَّ مَا تَأْكُلُ امْرَأَتُكَ مِنْ مَالِكَ صَدَقَةٌ" . قال علي: وهذا كُلُّهُ بِإِجْمَاعٍ مِنَّا وَمِنْهُمْ، وَمِنْ جَمِيعِ أَهْلِ الإِسْلاَمِ مِنْ رَأْسِ مَالِ الْمَرِيضِ مَاتَ أَوْ عَاشَ فَثَبَتَ يَقِينًا ضَرُورِيًّا: أَنَّ صَدَقَةَ الْمَرِيضِ خَارِجَةٌ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، لاَ مِنْ ثُلُثِهِ بِنَصِّ حُكْمِهِ صلى الله عليه وسلم وَبَطَلَ مَا خَالَفَ هَذَا بِيَقِينٍ لاَ إشْكَالَ فِيهِ، وَعَادَ هَذَا الْخَبَرُ أَعْظَمَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ، وَأَوْضَحَ حُجَّةً لِقَوْلِنَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَأَمَّا خَبَرُ أَبِي بَكْرٍ فِي نَحْلِهِ عَائِشَةَ رضي الله عنهما فَإِيرَادُهُمْ إيَّاهُ فَضِيحَةُ الدَّهْرِ، لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مِنْ هِبَةِ الْمَرِيضِ ذِكْرٌ أَصْلاً، لاَ بِنَصٍّ، وَلاَ بِدَلِيلٍ، وَإِنَّمَا كَانَ نَحَلَهَا ذَلِكَ فِي صِحَّتِهِ وَتَأَخَّرَ جِدَادُهَا لِذَلِكَ إلَى أَنْ مَاتَ رضي الله عنه فَكَيْفَ وَقَدْ صَحَّ رضي الله عنه أَنَّهُ رَغِبَ إلَيْهَا فِي رَدِّ تِلْكَ النِّحْلَةِ بِرِضَاهَا. فَكَيْفَ وَإِنَّمَا كَانَ وَعْدًا بِمَجْهُولٍ لاَ يُدْرَى مِنْ كَمْ مِنْ نَخْلَةٍ تَجِدُ الْعِشْرِينَ وَسْقًا، وَلاَ مِنْ أَيِّ تِلْكَ النَّخْلِ تَجِدُ فَسَقَطَتْ الأَقْوَالُ الْمَذْكُورَةُ بِيَقِينٍ لاَ مِرْيَةَ فِيهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ. وَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ قَوْلُنَا، وَقَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ: أَنَّ جَمِيعَ أَفْعَالِ الْمَرِيضِ مِنْ رَأْسِ مَالِهِ، إِلاَّ الْعِتْقَ فَإِنَّهُ مِنْ الثُّلُثِ. فَنَظَرْنَا فِيمَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ ذَهَبَ إلَى هَذَا. فَوَجَدْنَا الْخَبَرَ الصَّحِيحَ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ

أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، كِلاَهُمَا: عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ: أَنَّ رَجُلاً مِنْ الأَنْصَارِ أَعْتَقَ سِتَّةَ أَعْبُدٍ لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ فِيهِ قَوْلاً شَدِيدًا، ثُمَّ دَعَاهُمْ فَجَزَّأَهُمْ أَثْلاَثًا ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ، فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ، وَحَبِيبِ بْنِ الشَّهِيدِ، وَهِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، وَيَحْيَى بْنِ عَتِيقٍ، كُلِّهِمْ: عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ كَمَا أَوْرَدْنَا. وَسَمَاعُ ابْنِ سِيرِينَ مِنْ عِمْرَانَ صَحِيحٌ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ عَوْفِ بْنِ أَبِي جَمِيلَةَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قال أبو محمد: فَقُلْنَا: هَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ لاَ تَحِلُّ مُخَالَفَتُهُ إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ لِلْحَنَفِيِّينَ، وَلاَ لِلْمَالِكِيِّينَ، وَلاَ لِلشَّافِعِيِّينَ: الْحُجَّةُ بِهِ أَصْلاً، فِيمَا عَدَا الْعِتْقِ، لأََنَّهُ قِيَاسٌ، وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ كُلُّهُ. كَمَا لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ أَنْ يُقَاسَ عَلَى الْخَبَرِ الثَّابِتِ فِي التَّقْوِيمِ عَلَى مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ وَأَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَتَعَدَّى بِهِ مَا جَاءَ فِيهِ مِنْ الْعِتْقِ خَاصَّةً: لاَ إلَى صَدَقَةٍ، وَلاَ إلَى إنْفَاقٍ، وَلاَ إلَى إصْدَاقٍ، وَلاَ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ، لاَ سِيَّمَا وَالْحَنَفِيُّونَ قَدْ خَالَفُوا نَصَّهُ فِيمَا جَاءَ فِيهِ، فَكَيْفَ يَحْتَجُّونَ بِهِ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ مِنْهُ أَثَرٌ، وَهَذَا عَارٌ جِدًّا. وَأَمَّا أَصْحَابُنَا: فَلَيْسَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، لأََنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا الْخَبَرِ: أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ مَرِيضًا، وَإِنَّمَا فِيهِ عِنْدَ مَوْتِهِ وَقَدْ يَفْجَأُ الْمَوْتُ الصَّحِيحَ فَيُوقِنُ بِهِ، فَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُقْحَمَ فِي الْخَبَرِ مَا لَيْسَ فِيهِ مِنْ ذِكْرِ الْمَرَضِ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهِ. وَأَيْضًا: فَقَدْ بَيَّنَّا قَبْلُ أَنَّ هَذَا الْعِتْقَ لِلسِّتَّةِ الأَعْبُدِ إنَّمَا كَانَ وَصِيَّةً: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ، عَنْ أَيُّوبَ بِالإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ، وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ. وَوَجْهٌ ثَالِثٌ: هُوَ أَنَّهُ قَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ الْخَبَرَ أَنَّهُ لَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُمْ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِهَذَا حَقًّا، فَلاَ يَجُوزُ لأََحَدٍ عِتْقٌ فِي عَبْدٍ أَوْ عَبِيدٍ لاَ مَالَ لَهُ غَيْرُهُ، يُنَفَّذُ مِنْ ذَلِكَ الْعِتْقِ مَا وَقَعَ فِيمَنْ بِهِ عَنْهُ غِنًى، وَيَبْطُلُ فِي مِقْدَارِ مَا لاَ غِنًى بِهِ عَنْهُ. فَلَوْ صَحَّ أَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ لَمْ يَكُنْ وَصِيَّةً لَكَانَ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَحَقَّ بِظَاهِرِهِ، وَأَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى أَنَّهُ عليه السلام أَجَازَ لِلْمَرِيضِ ثُلُثَ مَالِهِ، إذْ لَيْسَ فِي الْخَبَرِ دَلِيلٌ عَلَى هَذَا أَصْلاً. فَبَطَلَ تَعَلُّقُ أَصْحَابِنَا بِهَذَا الْخَبَرِ جُمْلَةً، وَصَحَّ قَوْلُنَا وَلِلَّهِ الْحَمْدُ. وَكَذَلِكَ الْخَبَرُ السَّاقِطُ الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَنَا خَالِدٌ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ أَنَّ رَجُلاً مِنْهُمْ أَعْتَقَ غُلاَمًا لَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَعْتَقَ مِنْهُ الثُّلُثَ وَاسْتَسْعَى فِي الثُّلُثَيْنِ، فَالْقَوْلُ فِي هَذَا الْخَبَرِ وَلَوْ صَحَّ كَالْقَوْلِ فِي خَبَرِ عِمْرَانَ، فَكَيْفَ وَهُوَ بَاطِلٌ، لأََنَّهُ مُرْسَلٌ، وَعَنْ مَجْهُولٍ لاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ أَيْضًا. وَأَمَّا مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ، عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ فَبَاطِلٌ لاَ يَصِحُّ، لأََنَّ الْقَاسِمَ بْنَ

عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ كَانَ لأََبِيهِ إذْ مَاتَ عَبْدُ اللَّهِ رضي الله عنه سِتُّ سِنِينَ فَكَيْفَ ابْنُهُ ثُمَّ هُوَ أَيْضًا، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَهُوَ هَالِكٌ أَوْ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ مَجْهُولٌ، عَنِ الْقَاسِمِ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ، عَنْ عَلِيٍّ: فَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَهُوَ هَالِكٌ ثُمَّ هِيَ مُرْسَلَةٌ، لأََنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَلِيٍّ كَلِمَةً فَبَطَلَ أَنْ يَصِحَّ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، خِلاَفُ قَوْلِنَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

كتاب الامامة
لا يحل لمسلم أن يبيت ليلتين ليس في عنقه لامام بيعه
كِتَابُ الإِمَامَةِ
1768 - مَسْأَلَةٌ: لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَبِيتَ لَيْلَتَيْنِ لَيْسَ فِي عُنُقِهِ لأَِمَامٍ بَيْعَةٌ لِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ قَالَ: ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: قَالَ لِي عُمَرُ " سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ حُجَّةَ لَهُ وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً. فإن قيل: قَدْ مَاتَ عُمَرُ رضي الله عنه وَجَعَلَ الْخِلاَفَةَ شُورَى فِي سِتَّةِ نَفَرٍ: عُثْمَانُ، وَعَلِيٌّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَطَلْحَةُ، وَالزُّبَيْرُ، رضي الله عنهم، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَتَشَاوَرُوا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فِي أَيِّهِمْ يُوَلَّى. قلنا: نَعَمْ، وَلَيْسَ فِي هَذَا خِلاَفٌ لأََمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي ذَكَرْنَا، لأََنَّهُ رضي الله عنه اسْتَخْلَفَ أَحَدَهُمْ وَهُوَ الَّذِي يَتَّفِقُونَ عَلَيْهِ فَعُثْمَانُ هُوَ الْخَلِيفَةُ مِنْ حِينِ مَوْتِ عُمَرَ وَالنَّاسُ تِلْكَ الثَّلاَثَةِ الأَيَّامِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ بَعُدَ، عَنْ بَلَدِ الْخَلِيفَةِ فَلَمْ يَعْلَمْهُ بِاسْمِهِ، وَلاَ بِعَيْنِهِ إِلاَّ بَعْدَ مُدَّةٍ فَهُوَ مُعْتَقِدٌ لأَِمَامَتِهِ وَبَيْعَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْهُ بِاسْمِهِ، وَلاَ بِنَسَبِهِ، وَلاَ بِعَيْنِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ولا تحل الخلافة الا لرجل من قريش صليبة من ولد
1769 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ تَحِلُّ الْخِلاَفَةُ إِلاَّ لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ صَلِيبَةً، مِنْ وَلَدِ فِهْرِ بْنِ مَالِكٍ مِنْ قِبَلِ آبَائِهِ.، وَلاَ تَحِلُّ لِغَيْرِ بَالِغٍ وَإِنْ كَانَ قُرَشِيًّا، وَلاَ لِحَلِيفٍ لَهُمْ، وَلاَ لِمَوْلًى لَهُمْ، وَلاَ لِمَنْ أُمُّهُ مِنْهُمْ وَأَبُوهُ مِنْ غَيْرِهِمْ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ: ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لاَ يَزَالُ هَذَا الأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ مِنْ النَّاسِ اثْنَانِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَنَا شُعَيْبُ، هُوَ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ كَانَ يُحَدِّثُ، عَنْ مُعَاوِيَةَ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إنَّ هَذَا الأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ لاَ يُعَادِيهِمْ أَحَدٌ إِلاَّ أَكَبَّهُ اللَّهُ عَلَى وَجْهِهِ مَا أَقَامُوا الدِّينَ".

ولا يحل أن يكون في الدنيا الا أمام واحد والأمر للاول البيعة
1771 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يَكُونَ فِي الدُّنْيَا إِلاَّ إمَامٌ وَاحِدٌ، وَالأَمْرُ لِلأَوَّلِ بَيْعَةٌ: لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، كِلاَهُمَا سَمِعَ جَرِيرًا، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ رَبِّ الْكَعْبَةِ الصَّائِدِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنَ الْعَاصِ يَقُولُ " إنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ: "وَمَنْ بَايَعَ إمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ فَلْيُطْعِمْهُ إنْ اسْتَطَاعَ فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الآخَرِ". وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي يَعْفُورَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَرْفَجَةَ، هُوَ ابْنُ شُرَيْحٍ قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ أَوْ يُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ" .
وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ الطَّحَّانُ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إذَا بُويِعَ لِخَلِيفَتِهِ فَاقْتُلُوا الآخَرَ مِنْهُمَا". وبه إلى مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّازِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِهِ أَنَّهُ لاَ نَبِيَّ بَعْدِي وَسَتَكُونُ خُلَفَاءُ فَتَكْثُرُ قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: فُوا بِبَيْعَةِ الأَوَّلِ فَالأَوَّلِ، وَأَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ، فَإِنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ.

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض على كل مسلم
1772 - مَسْأَلَةٌ: وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ، عَنِ الْمُنْكَرِ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ إنْ قَدَرَ بِيَدِهِ فَبِيَدِهِ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ بِيَدِهِ فَبِلِسَانِهِ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ بِلِسَانِهِ فَبِقَلْبِهِ، وَلاَ بُدَّ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلاَ إيمَانَ لَهُ. وَمَنْ خَافَ الْقَتْلَ أَوْ الضَّرْبَ، أَوْ ذَهَابَ الْمَالِ، فَهُوَ عُذْرٌ يُبِيحُ لَهُ أَنْ يُغَيِّرَ بِقَلْبِهِ فَقَطْ وَيَسْكُتَ، عَنِ الأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَعَنِ النَّهْيِ، عَنِ الْمُنْكَرِ فَقَطْ. وَلاَ يُبِيحُ لَهُ ذَلِكَ: الْعَوْنُ بِلِسَانٍ، أَوْ بِيَدٍ عَلَى تَصْوِيبِ الْمُنْكَرِ أَصْلاً، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إحْدَاهُمَا عَلَى الأُُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ}. وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ، عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ}. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، لِمُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْعَلاَءِ أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى: ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، ثُمَّ اتَّفَقَ سُفْيَانُ، وَشُعْبَةُ، كِلاَهُمَا، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلَمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، وَقَالَ أَبُو كُرَيْبٍ: ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ، عَنْ أَبِيهِ، ثُمَّ اتَّفَقَ طَارِقٌ، وَرَجَاءٌ، كِلاَهُمَا: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ".
وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ النَّضْرِ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، وَاللَّفْظُ لَهُ، قَالُوا كُلُّهُمْ: ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ، عَنِ الْحَارِثِ، هُوَ ابْنُ الْفُضَيْلِ الْخِطْمِيُّ الأَنْصَارِيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ حَدَّثَهُ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلاَّ كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ ثُمَّ يَحْدُثُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا لاَ يُؤْمَرُونَ فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ لَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ. َحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْبَصِيرِ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ زُبَيْدٍ الْيَامِيِّ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ طَاعَةَ لِبَشَرٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ" وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ عَلَى الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ فِيمَا أَحَبَّ أَوْ كَرِهَ مَا لَمْ يُؤْمَرْ بِمَعْصِيَةٍ فَإِذَا أُمِرَ بِمَعْصِيَةٍ فَلاَ سَمْعَ، وَلاَ طَاعَةَ". وبه إلى أَبِي دَاوُد،

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الْوَارِثِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلاَلٍ، عَنْ بِشْرِ بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ رَهْطِهِ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَرِيَّةً فَسَلَحْتُ رَجُلاً مِنْهُمْ سَيْفًا فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ: لَوْ رَأَيْتَ مَا لاَمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "أَعْجَزْتُمْ إذْ بَعَثْتُ رَجُلاً فَلَمْ يَمْضِ لأََمْرِي أَنْ تَجْعَلُوا مَكَانَهُ مَنْ يَمْضِي لأََمْرِي ".
قال أبو محمد: عُقْبَةُ صَحِيحُ الصُّحْبَةِ، وَاَلَّذِي رُوِيَ عَنْهُ صَاحِبٌ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ فَالصَّحَابَةُ كُلُّهُمْ عُدُولٌ، فَإِذَا ثَبَتَتْ صِحَّةُ صُحْبَتِهِ فَهُوَ عَدْلٌ مَقْطُوعٌ بِعَدَالَتِهِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَاَلَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ. قَالَ عَلِيٌّ: [ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ ] وَكُلِّ مَنْ مَعَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَأُمِّ الْمُؤْمِنِينَ وَطَلْحَةَ، وَالزُّبَيْرِ، وَكُلِّ مَنْ مَعَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَمُعَاوِيَةَ، وَكُلِّ مَنْ مَعَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَالْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ، عَنْ جَمِيعِهِمْ وَكُلِّ مَنْ قَامَ فِي الْحَرَّةِ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ، وَغَيْرِهِمْ. وَهَذَا الأَحَادِيثُ نَاسِخَةٌ لِلأَخْبَارِ الَّتِي فِيهَا خِلاَفُ هَذَا، لأََنَّ تِلْكَ مُوَافِقَةٌ لِمَا كَانَ عَلَيْهِ الدِّينُ قَبْلَ الأَمْرِ بِالْقِتَالِ، وَلأََنَّ الأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ، عَنِ الْمُنْكَرِ بَاقٍ مُفْتَرَضٌ لَمْ يُنْسَخْ، فَهُوَ النَّاسِخُ لِخِلاَفِهِ بِلاَ شَكٍّ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وصفة الامام أن يكون مجتنبا للكبائر مستترا بالصغائر
1777 - مَسْأَلَةٌ: وَصِفَةُ الإِمَامِ أَنْ يَكُونَ مُجْتَنِبًا لِلْكَبَائِرِ، مُسْتَتِرًا بِالصَّغَائِرِ، عَالِمًا بِمَا يَخُصُّهُ، حَسَنُ السِّيَاسَةِ، لأََنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي كُلِّفَ، وَلاَ مَعْنَى لاََنْ يُرَاعَى أَنْ يَكُونَ غَايَةَ الْفَضْلِ، لأََنَّهُ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ، فَإِنْ قَامَ عَلَى الإِمَامِ الْقُرَشِيِّ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ أَوْ مِثْلُهُ، أَوْ دُونَهُ: قُوتِلُوا كُلُّهُمْ مَعَهُ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ جَائِزًا. فَإِنْ كَانَ جَائِزًا فَقَامَ عَلَيْهِ مِثْلُهُ أَوْ دُونُهُ: قُوتِلَ مَعَهُ الْقَائِمُ، لأََنَّهُ مُنْكَرٌ زَائِدٌ ظَهَرَ، فَإِنْ قَامَ عَلَيْهِ أَعْدَلُ مِنْهُ وَجَبَ أَنْ يُقَاتَلَ مَعَ الْقَائِمِ، لأََنَّهُ تَغْيِيرُ مُنْكَرٍ. وَأَمَّا الْجَوَرَةُ مِنْ غَيْرِ قُرَيْشٍ فَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُقَاتَلَ مَعَ أَحَدٍ مِنْهُمْ، لأََنَّهُمْ كُلُّهُمْ أَهْلُ مُنْكَرٍ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمْ أَقَلَّ جَوْرًا فَيُقَاتَلُ مَعَهُ مَنْ هُوَ أَجْوَرُ مِنْهُ، لِمَا ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

كتاب الاقضية
ولا يحل الحكم الا بما أنزل الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم
كِتَابُ الأَقْضِيَةِ
1778 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ الْحُكْمُ إِلاَّ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ الْحَقُّ وَكُلُّ مَا عَدَا ذَلِكَ فَهُوَ جَوْرٌ وَظُلْمٌ لاَ يَحِلُّ الْحُكْمُ بِهِ وَيُفْسَخُ أَبَدًا إذَا حَكَمَ بِهِ حَاكِمٌ.
برهان ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ} وَقَالَ تَعَالَى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ} . وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا يَنْطِقُ، عَنِ الْهَوَى إنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ}

ولا يحل أن بلى القضاء والحكم في شيء من أمور المسلمين وأهل الذمة الا مسلم بالغ عاقل ......
1775 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يَلِيَ الْقَضَاءَ وَالْحُكْمَ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ: إِلاَّ مُسْلِمٌ، بَالِغٌ، عَاقِلٌ، عَالِمٌ بِأَحْكَامِ الْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ الثَّابِتَةِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَاسِخِ كُلِّ ذَلِكَ، وَمَنْسُوخِهِ، وَمَا كَانَ مِنْ النُّصُوصِ مَخْصُوصًا بِنَصٍّ آخَرَ صَحِيحٍ، لأََنَّ الْحُكْمَ لاَ يَجُوزُ إِلاَّ بِمَا ذَكَرْنَا لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ. فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِمَا لاَ يَجُوزُ الْحُكْمُ إِلاَّ بِهِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِجَهْلِهِ بِالْحُكْمِ، وَلاَ يَحِلُّ لَهُ إذَا كَانَ جَاهِلاً بِمَا ذَكَرْنَا أَنْ يُشَاوِرَ مَنْ يَرَى أَنَّ عِنْدَهُ عِلْمًا ثُمَّ يَحْكُمَ بِقَوْلِهِ، لأََنَّهُ لاَ يَدْرِي أَفْتَاهُ بِحَقٍّ أَمْ بِبَاطِلٍ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ فَمَنْ أَخَذَ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فَقَدْ قَفَا مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَعَصَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ. وَلَيْسَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْجَاهِلِ مِنْ الْعَامَّةِ تَنْزِلُ بِهِ النَّازِلَةُ فَيَسْأَلُ مَنْ يُوصِفُ لَهُ بِعِلْمِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَيَأْخُذُ بِقَوْلِهِ بَعْدَ أَنْ يُخْبِرَهُ أَنَّهُ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ أَنَّ الْعَامِّيَّ مُكَلَّفٌ فِي تِلْكَ النَّازِلَةِ عَمَلاً مَا قَدْ افْتَرَضَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَلَمْ يُفْسَحْ لَهُ فِي إهْمَالِهِ فَعَلَيْهِ فِي ذَلِكَ أَنْ يَبْلُغَ فِي ذَلِكَ حَيْثُ بَلَغَ وُسْعُهُ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَلْزَمْهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} . وَأَمَّا الْحَاكِمُ فَبِضِدِّ هَذَا، لأََنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ مَا لاَ يَدْرِي مِنْ الْحُكْمِ بَيْنَ غَيْرِهِ مِنْ النَّاسِ، بَلْ هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَلَّفَهُ اللَّهُ تَعَالَى سِوَاهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ.

ولا يحل حكم بقياس ولا برأي ولا بالاستحسان
1776 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ الْحُكْمُ بِقِيَاسٍ، وَلاَ بِالرَّأْيِ، وَلاَ بِالأَسْتِحْسَانِ، وَلاَ بِقَوْلِ أَحَدٍ مِمَّنْ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دُونَ أَنْ يُوَافِقَ قُرْآنًا أَوْ سُنَّةً صَحِيحَةً، لأََنَّ كُلَّ ذَلِكَ حُكْمٌ بِغَالِبِ الظَّنِّ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا} . وَقَالَ تَعَالَى: {إنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمْ الْهُدَى} . وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ" . فإن قيل: فَإِنَّكُمْ فِي أَخْذِكُمْ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ مُتَّبِعُونَ لِلظَّنِّ.
قلنا: كَلًّا، بَلْ لِلْحَقِّ الْمُتَيَقَّنِ، قَالَ تَعَالَى: {إنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} . وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا يَنْطِقُ، عَنِ الْهَوَى إنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} . فإن قيل: فَإِنَّكُمْ فِي الْحُكْمِ بِالْبَيِّنَةِ وَالْيَمِينِ حَاكِمُونَ بِالظَّنِّ. قلنا: كَلًّا، بَلْ بِيَقِينٍ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَنَا بِذَلِكَ نَصًّا وَمَا عَلَيْنَا مِنْ مَغِيبِ الأَمْرِ شَيْءٌ إذْ لَمْ نُكَلَّفْهُ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لاَ يَخْلُو مَا أَوْجَبَهُ الْقِيَاسُ، أَوْ مَا قِيلَ بِرَأْيٍ أَوْ اسْتِحْسَانٍ أَوْ تَقْلِيدِ قَائِلٍ مِنْ أَحَدِ، أَوْجُهٍ ثَلاَثَةٍ لاَ رَابِعَ لَهَا ضَرُورَةً إمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مُوَافِقًا لِقُرْآنٍ أَوْ لِسُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَهَذَا إنَّمَا يُحْكَمُ فِيهِ بِالْقُرْآنِ أَوْ بِالسُّنَّةِ، وَلاَ مَعْنَى لِطَلَبِ قِيَاسٍ، أَوْ رَأْيٍ، أَوْ قَوْلِ قَائِلٍ مُوَافِقٍ لِذَلِكَ، وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِالْقُرْآنِ، أَوْ بِحُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَّا حَتَّى يُوَافِقَ ذَلِكَ قِيَاسٌ، أَوْ رَأْيٌ، أَوْ

ولا يقضي القاضي وهو غضبان
1777 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَقْضِي الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ، لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عَلِيُّ بْنُ حَجَرٍ أَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَقْضِي الْقَاضِي بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ".

ولا تجوز الوكالة عند الحاكم الا على جلب البينة
1778 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ تَجُوزُ الْوَكَالَةُ عِنْدَ الْحَاكِمِ إِلاَّ عَلَى جَلْبِ الْبَيِّنَةِ، وَعَلَى طَلَبِ

ولا يجوز التوكل على الاقرار والانكار أصلا ولا يقبل أنكار
1779 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَجُوزُ التَّوْكِيلُ عَلَى الإِقْرَارِ وَالإِنْكَارِ أَصْلاً، وَلاَ يُقْبَلُ إنْكَارُ أَحَدٍ، عَنْ أَحَدٍ، وَلاَ إقْرَارُ أَحَدٍ عَلَى أَحَدٍ، وَلاَ بُدَّ مِنْ قِيَامِ الْبَيِّنَةِ عِنْدَ الْحَاكِمِ عَلَى إقْرَارِ الْمُقِرِّ نَفْسِهِ أَوْ إنْكَارِهِ.
برهان ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا، وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}. وَقَدْ صَحَّ إجْمَاعُ أَهْلِ الإِسْلاَمِ عَلَى أَنْ لاَ يُصَدَّقَ أَحَدٌ عَلَى غَيْرِهِ إِلاَّ عَلَى حُكْمِ الشَّهَادَةِ فَقَطْ، ثُمَّ نَقَضَ مَنْ نَقَضَ فَأَنْفَذَ إقْرَارُ الْوَكِيلِ عَلَى مُوَكِّلِهِ وَأَخَذَهُ بِهِ فِي الدَّمِ، وَالْمَالِ، وَالْفَرْجِ، وَهَذَا أَمْرٌ يُوقَنُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ قَطُّ، وَلاَ جَازَ، وَلاَ عُرِفَ فِي عَصْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلاَ فِي عَصْرِ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ حَقًّا خِلاَفُ إجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ، وَخِلاَفُ الْقُرْآنِ، وَالْبَاطِلُ الَّذِي لاَ يَجُوزُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ويقضي على الغائب
1780 - مَسْأَلَةٌ: وَيُقْضَى عَلَى الْغَائِبِ كَمَا يُقْضَى عَلَى الْحَاضِرِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمَا. وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: لاَ يُقْضَى عَلَى غَائِبٍ. وقال أبو حنيفة، وَأَصْحَابُهُ: لاَ يُقْضَى عَلَى غَائِبٍ إِلاَّ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ وقال مالك: يُقْضَى عَلَى الْغَائِبِ فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلاَّ فِي الأَرْضِينَ، وَالدُّورِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ غَائِبًا غَيْبَةً طَوِيلَةً قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: كَمَا بَيْنَ مِصْرَ وَالأَنْدَلُسِ
قال أبو محمد: أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَظَاهِرُ الْخَطَأِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا تَفْرِيقُهُ بَيْنَ الْعَقَارِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ قَوْلٌ بِلاَ برهان، وَمَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ مِنْ عَقَارِ غَيْرِهِ إِلاَّ كَاَلَّذِي حَرَّمَهُ مِنْ غَيْرِ الْعَقَارِ، وَلاَ فَرْقَ، بَلْ الْعَقَارُ كَانَ أَوْلَى فِي الرَّأْيِ أَنْ يُحْكَمَ فِيهِ عَلَى الْغَائِبِ، لأََنَّهُ لاَ يُنْقَلُ، وَلاَ يُغَابُ عَلَيْهِ، وَلاَ يَفُوتُ، بَلْ يُسْتَدْرَكُ الْخَطَأُ فِيهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ سَائِرُ الأَمْوَالِ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي تَفْرِيقُهُ بَيْنَ الْغَائِبِ غَيْبَةً طَوِيلَةً وَغَيْبَةً غَيْرَ طَوِيلَةٍ، فَهَذَا قَوْلٌ بِلاَ برهان، وَتَفْرِيقٌ فَاسِدٌ، وَلَيْسَ فِي الْعَالَمِ غَيْبَةٌ إِلاَّ وَهِيَ طَوِيلَةٌ بِالإِضَافَةِ إلَى مَا هُوَ أَقْصَرُ مِنْهَا فِي الزَّمَانِ، وَالْمَكَانِ، وَهِيَ أَيْضًا قَصِيرَةٌ بِالإِضَافَةِ إلَى مَا هُوَ أَطْوَلُ مِنْهَا فِي الْمَكَانِ وَالزَّمَانِ، فَمَنْ غَابَ عَامَيْنِ إلَى الْعِرَاقِ فَقَدْ غَابَ غَيْبَةً طَوِيلَةً بِالإِضَافَةِ إلَى مَنْ غَابَ نِصْفَ عَامٍ إلَى مِصْرَ، وَقَدْ غَابَ غَيْبَةً قَصِيرَةً بِالإِضَافَةِ إلَى مَنْ غَابَ عَشَرَةَ أَعْوَامٍ إلَى الْهِنْدِ، وَهَكَذَا فِي كُلِّ زَمَانٍ وَكُلِّ مَكَان. ثُمَّ تَحْدِيدُ ابْنِ الْقَاسِمِ خَطَأٌ ثَالِثٌ: وَهَذَا قَوْلٌ مَا نَعْلَمُهُ لأََحَدٍ مِنْ

وكل من قضي عليه ببينة عدل بغرامة أوغيرها
1781 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَنْ قُضِيَ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةِ عَدْلٍ بِغَرَامَةٍ أَوْ غَيْرِهَا، ثُمَّ أَتَى هُوَ بِبَيِّنَةِ عَدْلٍ أَنَّهُ كَانَ قَدْ أَدَّى ذَلِكَ الْحَقَّ أَوْ بَرِئَ مِنْ ذَلِكَ الْحَقِّ: رُدَّ عَلَيْهِ مَا كَانَ غَرِمَ، وَفُسِخَ عَنْهُ الْقَضَاءُ الأَوَّلُ، لأََنَّهُ حَقٌّ ظَهَرَ لَمْ يَكُنْ فِي عِلْمِ الْبَيِّنَةِ الَّتِي شَهِدَتْ أَوَّلاً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وكل من ادعى على أحد وأنكر المدعى
1782 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَنْ ادَّعَى عَلَى أَحَدٍ وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَكُلِّفَ الْمُدَّعِي الْبَيِّنَةَ فَقَالَ: لِي بَيِّنَةٌ غَائِبَةٌ، أَوْ قَالَ: لاَ أَعْرِفُ لِنَفْسِي بَيِّنَةً، أَوْ قَالَ: لاَ بَيِّنَةَ لِي قِيلَ لَهُ: إنْ شِئْت فَدَعْ تَحْلِيفَهُ حَتَّى تُحْضِرَ بَيِّنَتَك أَوْ لَعَلَّك تَجِدُ بَيِّنَةً، وَإِنْ شِئْت حَلَفْته وَقَدْ سَقَطَ حُكْمُ بَيِّنَتِك الْغَائِبَةِ جُمْلَةً، فَلاَ يُقْضَى لَك بِهَا أَبَدًا، وَسَقَطَ حُكْمُ بَيِّنَةٍ تَأْتِي بِهَا بَعْدَ هَذَا عَلَيْهِ، لَيْسَ لَك إِلاَّ هَذَا فَقَطْ، فَأَيُّ الأَمْرَيْنِ اخْتَارَ قُضِيَ لَهُ بِهِ وَلَمْ يُلْتَفَتْ لَهُ إلَى بَيِّنَةٍ فِي تِلْكَ الدَّعْوَى بَعْدَهَا، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ تَوَاتُرٌ يُوجِبُ صِحَّةَ الْعِلْمِ وَيَقِينَهُ أَنَّهُ حَلَفَ كَاذِبًا فَيُقْضَى عَلَيْهِ بِالْحَقِّ أَوْ يُقِرُّ بَعْدَ أَنْ [ يَكُونَ ] حَلَفَ فَيَلْزَمُهُ مَا أَقَرَّ بِهِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: كَانَ شُرَيْحٌ يَسْتَحْلِفُ الرَّجُلَ مَعَ بَيِّنَتِهِ وَيَقْبَلُ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ الْيَمِينِ، وَيَقُولُ الْبَيِّنَةُ الْعَادِلَةُ أَحَقُّ مِنْ الْيَمِينِ الْفَاجِرَةِ. وَبِالْحُكْمِ عَلَى الْحَالِفِ إذَا أَقَامَ الطَّالِبُ بَيِّنَةً بَعْدَ يَمِينِ الْمَطْلُوبِ يَقُولُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. وقال مالك: إنْ عَرَفَ الطَّالِبُ أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً فَاخْتَارَ تَحْلِيفَ الْمَطْلُوبِ فَقَدْ سَقَطَ حُكْمُ بَيِّنَتِهِ، وَلاَ يُقْضَى بِهَا لَهُ إنْ جَاءَ بِهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَمَّا إنْ لَمْ يَعْرِفْ أَنَّ لَهُ بَيِّنَةً فَاخْتَارَ تَحْلِيفَ الْمَطْلُوبِ فَحَلَفَ، ثُمَّ وَجَدَ بَيِّنَةً، فَإِنَّهُ يُقْضَى لَهُ بِهَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: إنْ قَالَ الطَّالِبُ: إنَّ لَهُ بَيِّنَةً بَعِيدَةً وَلَكِنْ أَحْلِفْهُ لِي الآنَ، ثُمَّ إنْ حَضَرَتْ

فان لم يكن للطالب بينة
1783 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلطَّالِبِ بَيِّنَةٌ وَأَبَى الْمَطْلُوبُ مِنْ الْيَمِينِ: أُجْبِرَ عَلَيْهَا

أَحَبَّ أَمْ كَرِهَ بِالأَدَبِ، وَلاَ يُقْضَى عَلَيْهِ بِنُكُولِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ الأَشْيَاءِ أَصْلاً، وَلاَ تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الطَّالِبِ أَلْبَتَّةَ. وَلاَ تَرُدُّ يَمِينٌ أَصْلاً، إِلاَّ فِي ثَلاَثَةِ مَوَاضِعَ فَقَطْ: وَهِيَ الْقَسَامَةُ: فِيمَنْ وُجِدَ مَقْتُولاً، فَإِنَّهُ إنْ لَمْ تَكُنْ لأََوْلِيَائِهِ بَيِّنَةٌ حَلَفَ خَمْسُونَ مِنْهُمْ، وَاسْتَحَقُّوا الْقِصَاصَ أَوْ الدِّيَةَ، فَإِنْ أَبَوْا حَلَفَ خَمْسُونَ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ وَبَرِئُوا، فَإِنْ نَكَلُوا أُجْبِرُوا عَلَى الْيَمِينِ أَبَدًا وَهَذَا مَكَانٌ يَحْلِفُ فِيهِ الطَّالِبُونَ، فَإِنْ نَكَلُوا رُدَّ عَلَى الْمَطْلُوبِينَ. وَالْمَوْضِعُ الثَّانِي: الْوَصِيَّةُ فِي السَّفَرِ، لاَ يَشْهَدُ عَلَيْهَا إِلاَّ كُفَّارٌ، وَأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ الْكَافِرَيْنِ يَحْلِفَانِ مَعَ شَهَادَتِهَا، فَإِنْ نَكَلاَ لَمْ يُقْضَ بِشَهَادَتِهَا، فَإِنْ قَامَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بَيِّنَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِ حَلَفَ اثْنَانِ مِنْهُمْ مَعَ شَهَادَتِهِمَا، وَحُكِمَ بِهَا، وَفُسِخَ مَا شَهِدَ بِهِ الأَوَّلاَنِ، فَإِنْ نَكَلاَ بَطَلَتْ شَهَادَتُهَا، وَبَقِيَ الْحُكْمُ الأَوَّلُ كَمَا حُكِمَ بِهِ فَهَذَا مَكَانٌ يَحْلِفُ فِيهِ الشُّهُودُ لاَ الطَّالِبُ، وَلاَ الْمَطْلُوبُ. وَالْمَوْضِعُ الثَّالِثُ: مَنْ قَامَ لَهُ بِدَعْوَاهُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ عَدْلٌ، أَوْ امْرَأَتَانِ عَدْلَتَانِ، فَيَحْلِفُ وَيُقْضَى لَهُ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَبَرِئَ، فَإِنْ نَكَلَ أُجْبِرَ عَلَى الْيَمِينِ أَبَدًا، فَهَذَا مَكَانٌ يَحْلِفُ فِيهِ الطَّالِبُ فَإِنْ نَكَلَ رَدَّ عَلَيْهِ الْمَطْلُوبُ. وَفِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا اخْتِلاَفٌ: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنْ نَكَلَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، عَنِ الْيَمِينِ قُضِيَ عَلَيْهِ بِدَعْوَى الطَّالِبِ دُونَ أَنْ يَحْلِفَ. وَقَالَ آخَرُونَ: لاَ يُقْضَى عَلَيْهِ إِلاَّ حَتَّى يَحْلِفَ عَلَى صِحَّةِ دَعْوَاهُ، فَيُقْضَى لَهُ حِينَئِذٍ، فَالْقَائِلُونَ يُقْضَى عَلَى الْمَطْلُوبِ بِنُكُولِهِ دُونَ أَنْ تُرَدَّ الْيَمِينُ. فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، هُوَ ابْنُ هَارُونَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ أَبَاهُ عَبْدَ اللَّهِ بَاعَ عَبْدًا لَهُ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ بِالْبَرَاءَةِ، ثُمَّ إنَّ صَاحِبَ الْعَبْدِ خَاصَمَ فِيهِ ابْنَ عُمَرَ إلَى عُثْمَانَ فَقَالَ عُثْمَانُ لأَبْنِ عُمَرَ: احْلِفْ بِاَللَّهِ لَقَدْ بِعْته وَمَا بِهِ مِنْ دَاءٍ عَلِمْته فَأَبَى ابْنُ عُمَرَ مِنْ أَنْ يَحْلِفَ، فَرَدَّ عَلَيْهِ عُثْمَانُ الْعَبْدَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ أَمَرَ ابْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنْ يَسْتَحْلِفَ امْرَأَةً فَأَبَتْ أَنْ تَحْلِفَ، فَأَلْزَمَهَا ذَلِكَ وَرُوِيَ نَحْوُ ذَلِكَ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الْحَارِثِ، قَالَ: نَكَلَ رَجُلٌ عِنْدَ شُرَيْحٍ، عَنِ الْيَمِينِ، فَقَضَى عَلَيْهِ فَقَالَ: أَنَا أَحْلِفُ فَقَالَ شُرَيْحٌ: قَدْ مَضَى قَضَائِي. وَبِهَذَا يَأْخُذُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقُ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ. وقال أبو حنيفة: يُقْضَى عَلَى النَّاكِلِ، عَنِ الْيَمِينِ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ الأَمْوَالِ وَالْفُرُوجِ، وَالْقِصَاصِ فِيمَا دُونَ النَّفْسِ، حَاشَا الْقِصَاصَ فِي النَّفْسِ فَلاَ يُقْضَى فِيهِ بِنُكُولِ الْمَطْلُوبِ، وَلاَ تُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الطَّالِبِ، لَكِنْ يُسْجَنُ الْمَطْلُوبُ حَتَّى يَحْلِفَ أَوْ يُقِرَّ. وَقَالَ زُفَرُ: أَقْضِي فِي النُّكُولِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَفِي الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ وَمَا دُونَ النَّفْسِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٍ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمَا. وَقَالاَ مَرَّةً أُخْرَى: يُقْضَى بِالنُّكُولِ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَاشَ الْقِصَاصَ فِي النَّفْسِ وَفِيمَا دُونَهَا، فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الأَرْشُ وَالدِّيَةُ بِالنُّكُولِ

فِي كُلِّ ذَلِكَ، وَلاَ يُقَصُّ مِنْهُ. وَقَالُوا كُلُّهُمْ: مَنْ ادَّعَى عَلَى آخَرَ أَنَّهُ سَرَقَ مِنْهُ مَا فِيهِ الْقَطْعُ، وَلاَ بَيِّنَةَ لَهُ: حَلَفَ الْمَطْلُوبُ وَبَرِئَ، فَإِنْ نَكَلَ غَرِمَ الْمَالَ، وَلاَ قَطْعَ عَلَيْهِ. وَقَالُوا كُلُّهُمْ: لاَ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ حَتَّى يَدْعُوَهُ إلَى الْيَمِينِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. فَإِنْ أَبَى وَتَمَادَى قُضِيَ عَلَيْهِ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: إنْ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي مَحَلَّةِ قَوْمٍ فَادَّعَى أَوْلِيَاؤُهُ عَلَيْهِمْ قَتْلَهُ، وَلاَ بَيِّنَةَ لَهُمْ: حَلَفَ خَمْسُونَ مِنْهُمْ بِاَللَّهِ مَا قَتَلْنَاهُ، ثُمَّ يَغْرَمُونَ الدِّيَةَ، فَإِنْ نَكَلُوا قُتِلُوا قِصَاصًا. وقال مالك: مَنْ ادَّعَى حَقًّا مِنْ مَالٍ عَلَى مُنْكِرٍ وَأَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا حَلَفَ مَعَ شَاهِدِهِ، فَإِنْ أَبَى قِيلَ لِلْمَطْلُوبِ احْلِفْ فَتَبْرَأْ. فَإِنْ نَكَلَ قُضِيَ عَلَيْهِ بِمَا شَهِدَ بِهِ شَاهِدُ طَالِبِهِ عَلَيْهِ. قَالَ: وَمَنْ قَالَ: أَنَا أَتَّهِمُ فُلاَنًا بِأَنَّهُ أَخَذَ لِي مَالاً ذَكَرَ عَدَدَهُ، وَلاَ أُحَقِّقُ ذَلِكَ. قِيلَ لِلْمَطْلُوبِ: احْلِفْ وَتَبْرَأْ، فَإِنْ نَكَلَ قُضِيَ عَلَيْهِ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُتَّهَمُ دُونَ رَدِّ يَمِينٍ. قَالَ: مَنْ مَاتَ وَتَرَكَ وَرَثَتَهُ صِغَارًا فَأَقَامَ وَصِيُّهُمْ شَاهِدًا وَاحِدًا عَدْلاً بِدَيْنٍ لِمَوْرُوثِهِمْ عَلَى إنْسَانٍ: قِيلَ لِلْمُدَّعَى عَلَيْهِ: احْلِفْ حَتَّى تَبْلُغَ الصِّغَارُ فَيَحْلِفُوا مَعَ شَاهِدِهِمْ، وَيُقْضَى لَهُمْ، فَإِنْ حَلَفَ تُرِكَ حَتَّى يَبْلُغُوا وَيَحْلِفُوا وَيُقْضَى لَهُمْ، وَإِنْ نَكَلَ غَرِمَ مَا شَهِدَ بِهِ الشَّاهِدُ. وَقَالَ فِيمَنْ ادَّعَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ طَلاَقًا، أَوْ ادَّعَتْ عَلَيْهِ أَمَتُهُ أَوْ عَبْدُهُ عَتَاقًا، وَقَامَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ، شَاهِدٌ وَاحِدٌ عَدْلٌ: إنَّهُ يُقَالُ لَهُ: احْلِفْ مَا طَلَّقْت، وَلاَ أَعْتَقْت وَتَبَرَّأْ. فَإِنْ نَكَلَ قُضِيَ عَلَيْهِ بِالطَّلاَقِ وَالْعِتْقِ. وَقَالَ مَرَّةً أُخْرَى يُسْجَنُ حَتَّى يَطُولَ أَمْرُهُ، وَحَدَّ ذَلِكَ بِسَنَةٍ، ثُمَّ يُطَلِّقُ وَمَرَّةً قَالَ: يُسْجَنُ أَبَدًا حَتَّى يَحْلِفَ.
قال أبو محمد: أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَظَاهِرُ الْخَطَأِ، لأََنَّهُ مُتَنَاقِضٌ: مَرَّةً يَقْضِي بِالنُّكُولِ كَمَا أَوْرَدْنَا، وَفِي سَائِرِ الدَّعَاوَى لاَ يَقْضِي بِهِ، وَهَذِهِ فُرُوقٌ مَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَرَّقَ بِهَا قَبْلَهُ، وَلاَ دَلِيلَ لَهُ عَلَى تَفْرِيقِهِ، لاَ مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ، وَلاَ مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلاَ قَوْلِ أَحَدٍ سَبَقَهُ إلَى ذَلِكَ، وَلاَ قِيَاسٍ، بَلْ كُلُّ ذَلِكَ مُبْطِلٌ لِفُرُوقِهِ فَسَقَطَ هَذِهِ الْقَوْلُ بِيَقِينٍ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ: فَظَاهِرُ التَّنَاقُضِ أَيْضًا، وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا سَبَقَهُمْ إلَى تِلْكَ الْفُرُوقِ الْفَاسِدَةِ، وَلاَ إلَى تَرْدِيدِ دُعَائِهِ إلَى الْيَمِينِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَلاَ صَحَّحَ ذَلِكَ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ، وَلاَ رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ، وَلاَ قَوْلُ أَحَدٍ قَبْلَهُمْ، وَلاَ قِيَاسٌ، بَلْ كُلُّ ذَلِكَ مُخَالِفٌ لِفُرُوقِهِمْ. وَلاَ يَخْلُو الْحُكْمُ بِالنُّكُولِ مِنْ أَنْ يَكُونَ حَقًّا وَاجِبًا أَوْ بَاطِلاً، فَإِنْ كَانَ بَاطِلاً فَالْحُكْمُ بِالْبَاطِلِ لاَ يَحِلُّ، وَإِنْ كَانَ حَقًّا فَالْحُكْمُ بِهِ فِي كُلِّ مَكَان وَاجِبٌ: كَمَا قَالَ زُفَرُ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَأَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمَا إذْ لَمْ يَأْتِ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ بِالْفَرْقِ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا جُمْلَةً، وَمَا جَعَلَ اللَّهُ قَطُّ الأَحْتِيَاطَ لِلدَّمِ بِأَوْلَى مِنْ الأَحْتِيَاطِ لِلْفُرُوجِ، وَالْمَالِ، وَالْبَشَرَةِ، بَلْ الْحَرَامُ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ سَوَاءٌ فِي أَنَّهُ حَرَامٌ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ

عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ اللَّهُمَّ اشْهَدْ". بَلْ قَدْ وَجَدْنَا الدَّمَ يُبَاحُ بِشَاهِدَيْنِ، وَجَلْدِ مِائَةٍ فِي الزِّنَى أَوْ خَمْسِينَ لاَ يُبَاحُ إِلاَّ بِأَرْبَعَةِ عُدُولٍ فَصَحَّ أَنَّهُ التَّسْلِيمُ لِلنُّصُوصِ فَقَطْ. وَلَمْ يَبْقَ فِي الْحُكْمِ بِالنُّكُولِ إِلاَّ قَوْلُ زُفَرَ الَّذِي وَافَقَهُ عَلَيْهِ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ صَاحِبَاهُ، فَوَجَدْنَا مِنْ حُجَّةِ مَنْ ذَهَبَ إلَيْهِ أَنَّهُ ذَكَرَ آيَةَ اللِّعَانِ وَقَالَ: إنَّهُ لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ الزَّوْجَ إنْ نَكَلَ، عَنِ الأَيْمَانِ، أَوْ نَكَلَتْ هِيَ، فَإِنَّ عَلَى النَّاكِلِ حُكْمًا مَا يَلْزَمُهُ بِنُكُولِ النَّاكِلِ الْمَذْكُورِ إمَّا السِّجْنُ وَأَمَّا الْحَدُّ فَهَذَا قَضَاءٌ بِالنُّكُولِ..فَقُلْنَا: لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَا، لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الزَّوْجَ قَاذِفٌ، فَجَاءَ النَّصُّ بِإِزَالَةِ حَدِّ الْقَذْفِ عَنْهُ بِأَيْمَانِهِ الأَرْبَعِ وَلَعَنَتْهُ الْخَامِسَةُ فَلَزِمَتْ الطَّاعَةُ لِذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ فَالْحَدُّ بَاقٍ عَلَيْهِ بِالنَّصِّ وَأَمَّا الْمَرْأَةُ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا الْعَذَابَ، إِلاَّ أَنْ تَحْلِفَ، فَإِنْ حَلَفَتْ دُرِئَ عَنْهَا الْعَذَابُ بِأَيْمَانِهَا الأَرْبَعِ، وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهَا فِي الْخَامِسَةِ بِالنَّصِّ، وَإِنْ نَكَلَتْ فَالْعَذَابُ عَلَيْهَا وَاجِبٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ سَائِرُ الدَّعَاوَى، بِلاَ خِلاَفٍ مِنَّا وَمِنْكُمْ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ إنَّمَا حَصَلَ لَكُمْ مِنْ هَذِهِ الآيَةِ أَنَّ حُكْمًا مَا يَلْزَمُهَا بِالنُّكُولِ، وَهُوَ عِنْدَكُمْ السِّجْنُ، وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ نُكُولَ النَّاكِلِ، عَنِ الْيَمِينِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ وَجَبَتْ عَلَيْهِ يُوجِبُ أَيْضًا عَلَيْهِ حُكْمًا مَا وَهُوَ الأَدَبُ الَّذِي أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى كُلِّ مَنْ أَتَى مُنْكَرًا قَدَرْنَا عَلَى تَغْيِيرِهِ بِالْيَدِ وَهُوَ بِامْتِنَاعِهِ مِمَّا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ قَدْ أَتَى مُنْكَرًا فَوَجَبَ تَغْيِيرُهُ بِالْيَدِ فَبَطَلَ تَمْوِيهُهُمْ بِالآيَةِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهَا. وَقَالَ أَيْضًا: إنَّ الأُُمَّةَ مُجْمِعَةٌ عَلَى أَنَّ لِنُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ حُكْمًا مُوجِبًا لِلْمُدَّعِي حَقًّا، ثُمَّ اخْتَلَفُوا، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ رَدُّ الْيَمِينِ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ السِّجْنُ وَالأَدَبُ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ إنْفَاذُ الْحُكْمِ عَلَى النَّاكِلِ، فَبَطَلَ رَدُّ الْيَمِينِ، وَلاَ فَائِدَةَ لِلْمُدَّعِي فِي سِجْنِ الْمَطْلُوبِ النَّاكِلِ وَتَأْدِيبِهِ، فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ إلْزَامُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْحُكْمَ بِنُكُولِهِ.فَقُلْنَا: هَذَا الْقَوْلُ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، إذْ زِدْتُمْ فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ، وَلاَ حَقَّ لأََحَدٍ عِنْدَ أَحَدٍ إِلاَّ أَنْ يُوجِبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ أَوْ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم فَقَطْ، وَلاَ حَقَّ لِلْمُدَّعِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فِي ظَاهِرِ الأَمْرِ، وَالْحُكْمِ، إِلاَّ الْغَرَامَةُ إنْ أَقَرَّ أَوْ ثَبَتَ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ بِيَقِينِ الْحَاكِمِ، أَوْ الْيَمِينُ إنْ أَنْكَرَ فَقَطْ، فَلَمَّا لَمْ يُقِرَّ، وَلاَ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، وَلاَ تَيَقَّنَ الْحَاكِمُ صِدْقَ الْمُدَّعِي: سَقَطَتْ الْغَرَامَةُ، وَلَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ إِلاَّ الْيَمِينُ الَّتِي أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى، فَهُوَ حَقُّهُ قِبَلَ الْمَطْلُوبِ، فَوَجَبَ أَخْذُهُ بِهِ، وَلاَ بُدَّ، لاَ بِمَا سِوَاهُ مِمَّا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ سَوَاءٌ كَانَ لِلطَّالِبِ فِي ذَلِكَ فَائِدَةٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ لأََنَّ مُرَاعَاةَ فَائِدَتِهِ دَعْوَى كَاذِبَةٌ دُونَ مُرَاعَاةِ فَائِدَةِ الْمَطْلُوبِ. وَقَالَ: إنَّ قَطْعَ الْخُصُومَةِ حَقٌّ لِلْمُدَّعِي عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَوْ حَلَفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لاَنْقَطَعَتْ الْخُصُومَةُ، فَإِذْ نَكَلَ فَقَدْ

لَزِمَهُ قَطْعُ الْخُصُومَةِ، وَهِيَ لاَ تَنْقَطِعُ بِسَجْنِهِ، وَلاَ بِأَدَبِهِ، فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ قَطْعُهَا بِالْقَضَاءِ عَلَيْهِ بِمَا يَدَّعِيهِ الطَّالِبُ، وَكَانَ فِي سَجْنِهِ قَطْعٌ لَهُ، عَنِ التَّصَرُّفِ، وَذَلِكَ لاَ يَجُوزُ، فَتَقِفُ الْخُصُومَةُ، فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ الْحُكْمُ بِالنُّكُولِ.فَقُلْنَا: هَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ وَخِلاَفُ قَوْلِكُمْ: أَمَّا خِلاَفُ قَوْلِكُمْ: لَوْ حَلَفَ لاَنْقَطَعَتْ الْخُصُومَةُ، فَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: إنَّهَا لاَ تَنْقَطِعُ بِذَلِكَ، بَلْ مَتَى أَقَامَ الطَّالِبُ الْبَيِّنَةَ عَادَتْ الْخُصُومَةُ وَسَائِرُ قَوْلِكُمْ بَاطِلٌ. وَمَا عَلَيْهِ قَطْعُ الْخُصُومَةِ أَصْلاً إِلاَّ بِأَحَدِ وَجْهَيْنِ، لاَ ثَالِثَ لَهُمَا إمَّا بِالإِقْرَارِ، إنْ كَانَ الْمُدَّعِي صَادِقًا. وَأَمَّا بِالْيَمِينِ، إنْ كَانَ الْمُدَّعِي كَاذِبًا، وَعَلَى الْحَاكِمِ قَطْعُ الْخُصُومَةِ بِالْقَضَاءِ بِمَا تُوجِبُهُ الْبَيِّنَةُ، أَوْ بِيَمِينِ الْمَطْلُوبِ إنْ لَمْ تَكُنْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَقَطْ، وَلاَ بُدَّ مِنْ أَحَدِ الأَمْرَيْنِ. وَأَمَّا غَرَامَةً بِأَنْ لاَ يُوجِبَهَا قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ، فَهِيَ بَاطِلٌ بِيَقِينٍ. ثُمَّ الْعَجَبُ كُلُّهُ: أَنَّكُمْ بَعْدَ قَضَائِكُمْ عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ تَسْجُنُونَهُ حَتَّى يُؤَدِّيَ، قَدْ عُدْتُمْ إلَى السِّجْنِ الَّذِي أَنْكَرْتُمْ. وَهَذَا تَلَوُّثٌ وَسَخَافَةٌ نَاهِيكَ بِهَا. وَقَالَ: هُوَ قَوْلٌ رُوِيَ، عَنْ عُثْمَانَ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَبِي مُوسَى، فَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَكَيْفَ وَقَدْ رُوِيَ خِلاَفُ هَذَا، عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَالْمِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، رضي الله عنهم، فَمَا الَّذِي جَعَلَ قَوْلَ بَعْضِهِمْ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ بَعْضٍ مِنْهُمْ. فَكَيْفَ وَقَدْ خَالَفُوا عُثْمَانَ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ نَفْسِهَا، لأََنَّهُ لَمْ يُجِزْ الْبَيْعَ بِالْبَرَاءَةِ إِلاَّ فِي عَيْبٍ لَمْ يَعْلَمْهُ الْبَائِعُ وَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِكُمْ. وَمِنَ الْعَجَبِ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ عُثْمَانَ بَعْضُهُ حُجَّةٌ وَبَعْضُهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، هَذَا عَلَى أَنَّ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ رَوَى هَذَا الْخَبَرَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ سَالِمِ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ فِيهِ، عَنْ أَبِيهِ: فَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ وَارْتَجَعَ الْعَبْدَ فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّهُ اخْتَارَ أَنْ يَرْتَجِعَ الْعَبْدَ، فَرَدَّهُ إلَيْهِ عُثْمَانُ بِرِضَاهُ. فَبَطَلَ بِهَذَا أَنْ يَصِحَّ، عَنْ عُثْمَانَ الْقَضَاءُ بِالنُّكُولِ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ، عَنْ أَبِي مُوسَى فَأَسْقَطُ مِنْ أَنْ يُعْرَفَ أَوْ يُدْرَى مَخْرَجُهَا. وَأَمَّا ابْنُ عُمَرَ فَلَيْسَ فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ أَنَّهُ رَأَى الْحُكْمَ بِالنُّكُولِ جَائِزًا، وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُ حُكْمُ عُثْمَانُ، وَأَنْتُمْ مُخَالِفُونَ لِعُثْمَانَ فِي ذَلِكَ الْحُكْمِ بِعَيْنِهِ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَلاَ مُتَعَلَّقَ لَكُمْ بِهَا، لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهَا: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَلْزَمَ الْغَرَامَةَ بِالنُّكُولِ، إنَّمَا فِيهِ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَمَرَ أَنْ يَسْتَحْلِفَ الْمُدَّعَى عَلَيْهَا فَأَبَتْ، فَأَلْزَمَهَا ذَلِكَ وَهَذِهِ إشَارَةٌ إلَى الْيَمِينِ، إذْ لَيْسَ لِلْغَرَامَةِ فِي الْخَبَرِ ذِكْرٌ أَصْلاً، فَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ مُوَافِقٌ لِقَوْلِنَا، لاَ لِقَوْلِكُمْ. فإن قيل: فَإِنَّ أَبَا نُعَيْمٍ رَوَى، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ الأَسَدِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ هَذَا الْخَبَرَ، فَذَكَرَ فِيهِ: فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ فَضَمِّنْهَا. قِيلَ لَهُ: إسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الأَسَدِيُّ مَجْهُولٌ لاَ يَدْرِي أَحَدٌ مَنْ هُوَ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَسَدِيُّ مَتْرُوكٌ مُطَرَّحٌ. فَبَطَلَ أَنْ يَصِحَّ فِي هَذَا شَيْءٌ، عَنِ الصَّحَابَةِ أَصْلاً. فَبَطَلَ الْقَوْلُ بِأَنْ

يُقْضَى بِالْغَرَامَةِ عَلَى النَّاكِلِ لِتَعَرِّيهِ مِنْ الأَدِلَّةِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ بِرَدِّ الْيَمِينِ عَلَى الطَّالِبِ: فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ عَفَّانَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ مَسْلَمَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: اسْتَسْلَفَ الْمِقْدَادُ بْنُ الأَسْوَدِ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ سَبْعَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ فَلَمَّا قَضَاهُ أَتَاهُ بِأَرْبَعَةِ آلاَفٍ، فَقَالَ عُثْمَانُ: إنَّهَا سَبْعَةُ آلاَفٍ فَقَالَ الْمِقْدَادُ: مَا كَانَتْ إِلاَّ أَرْبَعَةَ آلاَفٍ، فَارْتَفَعَا إلَى عُمَرَ، فَقَالَ الْمِقْدَادُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لِيَحْلِفْ أَنَّهَا كَمَا يَقُولُ، وَيَأْخُذْهَا فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَنْصَفَك، احْلِفْ أَنَّهَا كَمَا تَقُولُ وَخُذْهَا. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْجَهْمِ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضُمَيْرَةَ بْنِ أَبِي ضُمَيْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ فَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، إذَا كَانَ قَدْ خَالَطَهُ، فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي.
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ كَانَ إذَا قَضَى بِالْيَمِينِ فَرَدَّهَا عَلَى الطَّالِبِ فَلَمْ يَحْلِفْ لَمْ يُعْطِهِ شَيْئًا، وَلَمْ يَسْتَحْلِفْ الآخَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ إذَا قَضَى بِالْيَمِينِ فَرَدَّهَا عَلَى الْمُدَّعِي فَأَبَى أَنْ يَحْلِفَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ شَيْئًا، وَقَالَ: لاَ أُعْطِيك مَا لاَ تَحْلِفُ عَلَيْهِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ: أَنَّ الشَّعْبِيَّ لَمْ يَقْضِ لِلطَّالِبِ إنْ نَكَلَ الْمَطْلُوبُ إِلاَّ حَتَّى يَحْلِفَ الطَّالِبُ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَنَا الشَّيْبَانِيُّ هُوَ أَبُو إِسْحَاقَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَانَ شُرَيْحٌ يَرُدُّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعِي إذَا طَلَبَ ذَلِكَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَكَانَ الشَّعْبِيُّ يَرَى ذَلِكَ. وَقَالَ هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا عُبَيْدَةُ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرُدُّ الْيَمِينَ وَرُوِيَ هَذَا أَيْضًا، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، وَسَوَّارِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيِّينَ الْقَاضِيَيْنِ هُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ وَأَحَدُ قَوْلَيْ إِسْحَاقَ. وَرُوِيَ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى قَوْلاَنِ: أَحَدُهُمَا: رَدُّ الْيَمِينِ جُمْلَةً عَلَى الإِطْلاَقِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ إنْ كَانَ مُتَّهَمًا رُدَّ عَلَيْهِ الْيَمِينُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُتَّهَمٍ لَمْ يُرَدَّ عَلَيْهِ وَالظَّاهِرُ مِنْ قَوْلِهِ أَنْ يَلْزَمَ الْمَطْلُوبَ الْيَمِينُ أَبَدًا، لأََنَّهُ لَمْ يُرْوَ عَنْهُ قَطُّ الْحُكْمُ بِالنُّكُولِ. وقال مالك: تُرَدُّ الْيَمِينُ فِي الأَمْوَالِ، وَلاَ يَرَى رَدَّهَا فِي النِّكَاحِ، وَلاَ فِي الطَّلاَقِ، وَلاَ فِي الْعِتْقِ. وقال الشافعي، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَسَائِرُ أَصْحَابِهِ: تُرَدُّ الْيَمِينُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَفِي الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ فَمَا دُونَهَا، وَفِي النِّكَاحِ، وَالطَّلاَقِ، وَالْعَتَاقِ فَمَنْ ادَّعَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ الطَّلاَقَ، وَعَبْدُهُ أَوْ أَمَتُهُ الْعَتَاقَ وَمَنْ ادَّعَى عَلَى امْرَأَتِهِ النِّكَاحَ أَوْ ادَّعَتْهُ عَلَيْهِ، وَلاَ شَاهِدَ لَهُمَا، وَلاَ بَيِّنَةَ: لَزِمَتْهُ الْيَمِينُ أَنَّهُ مَا طَلَّقَ، وَلاَ أَعْتَقَ، وَلَزِمَتْهُ الْيَمِينُ أَنَّهُ مَا أَنْكَحَهَا، أَوْ لَزِمَتْهَا الْيَمِينُ كَذَلِكَ، فَأَيُّهُمَا نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَصَحَّ الْعِتْقُ، وَالنِّكَاحُ، وَالطَّلاَقُ، وَكَذَلِكَ فِي الْقِصَاصِ.

قال أبو محمد: أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَظَاهِرُ الْخَطَأِ لِتَنَاقُضِهِ، وَلَئِنْ كَانَ رَدُّ الْيَمِينِ حَقًّا فِي مَوْضِعٍ، فَإِنَّهُ لَحَقٌّ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ يَجِبُ فِيهِ الْيَمِينُ عَلَى الْمُنْكِرِ، وَلَئِنْ كَانَ بَاطِلاً فِي مَكَان، فَإِنَّهُ لَبَاطِلٌ فِي كُلِّ مَكَان، إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَ بِإِيجَابِهِ فِي مَكَان دُونَ مَكَان: قُرْآنٌ أَوْ سُنَّةٌ، فَيَنْفُذُ ذَلِكَ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى وُجُودِ قُرْآنٍ، وَلاَ سُنَّةٍ بِذَلِكَ أَصْلاً فَبَطَلَ قَوْلُ مَالِكٍ، إذْ لاَ يُعَضِّدُهُ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ، وَلاَ رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ، وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ قَبْلَهُ، وَلاَ قِيَاسٌ. فَإِنْ قَالَ: إنَّمَا رُوِيَ، عَنِ الصَّحَابَةِ فِي الأَمْوَالِ. قلنا: بَاطِلٌ، لأََنَّهُ رُوِيَ، عَنْ عَلِيٍّ جُمْلَةً، وَرُوِيَ، عَنْ عُمَرَ، وَالْمِقْدَادِ فِي الدَّرَاهِمِ فِي الدَّيْنِ، فَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنْ تَقِيسُوا عَلَى ذَلِكَ سَائِرَ الأَمْوَالِ، وَسَائِرَ الدَّعَاوَى مِنْ الْغُصُوبِ، وَغَيْرَ ذَلِكَ، وَلَمْ تَقِيسُوا عَلَيْهِ كُلَّ دَعْوَى، فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى فِي رَدِّهِ الْيَمِينَ عَلَى الْمُتَّهَمِ، فَبَاطِلٌ، لأََنَّهُ تَقْسِيمٌ لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ، وَمَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْحُكْمِ بِالْبَيِّنَةِ أَوْ الْيَمِينِ عَلَى الْكَافِرِ، وَالْكَاذِبِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَعَلَى رَسُولِهِ عليه الصلاة والسلام مِنْ الْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى، وَالْمَجُوس، وَعَلَى الْمَشْهُورِينَ بِالْكَذِبِ، وَالْفِسْقِ، إِلاَّ الَّذِي جَعَلَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، وَأُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ، وَخُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ وَسَائِرِ الْمُهَاجِرِينَ، وَالأَنْصَارِ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:فِيهِمْ: أُولَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ وَفِي هَذَا إبْطَالُ كُلِّ رَأْيٍ، وَكُلِّ قِيَاسٍ، وَكُلِّ احْتِيَاطٍ فِي الدِّينِ، مِمَّا لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ لَوْ أَنْصَفُوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ. وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِآيَةِ الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ إنْ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى، وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إنَّا إذًا لَمِنْ الآثِمِينَ فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إثْمًا فَآخَرَانِ يَقُومَانِ مَقَامَهُمَا مِنْ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمْ الأَوْلَيَانِ فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إنَّا إذًا لَمِنْ الظَّالِمِينَ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا أَوْ يَخَافُوا أَنْ تُرَدَّ أَيْمَانٌ بَعْدَ أَيْمَانِهِمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاسْمَعُوا} . وَذَكَرُوا خَبَرَ الْقَسَامَةِ إذْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " لِبَنِي حَارِثَةَ فِي دَعْوَاهُمْ دَمَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَهْلٍ عَلَى يَهُودِ خَيْبَرَ يُقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَيُدْفَعُ بِرُمَّتِهِ، قَالُوا: أَمْرٌ لَمْ نَشْهَدْهُ كَيْفَ نَحْلِفُ قَالَ: فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِأَيْمَانِ خَمْسِينَ مِنْهُمْ" . وَذَكَرُوا وُجُوبَ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، " وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَكَمَ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ فَرَدَّ الْيَمِينَ عَلَى الطَّالِبِ مِنْ أَجْلِ شَاهِدِهِ"، فَكَانَ الشَّاهِدُ سَبَبًا لِرَدِّ الْيَمِينِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ النُّكُولُ مِنْ الْمَطْلُوبِ أَيْضًا سَبَبًا لِرَدِّ الْيَمِينِ وَلَمْ يَقْضِ لَهُ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ حَتَّى يَضُمَّ إلَيْهِ يَمِينَهُ، فَيَقُومُ مَقَامَ شَاهِدٍ آخَرَ، كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقْضَى لَهُ بِالنُّكُولِ حَتَّى يَضُمَّ إلَى ذَلِكَ يَمِينَهُ فَيَكُونَ نُكُولُ الْمَطْلُوبِ مَقَامَ شَاهِدٍ، وَيَمِينُ الطَّالِبِ مَقَامَ شَاهِدٍ آخَرَ.

قال أبو محمد: أَمَّا آيَةُ الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ فَحُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لاَ لَهُمْ، وَإِنَّ احْتِجَاجَهُمْ بِهَا لَفَضِيحَةُ الدَّهْرِ عَلَيْهِمْ لِوُجُوهٍ ثَلاَثَةٍ كَافِيَةٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُمْ لاَ يَأْخُذُونَ بِهَا فِيمَا جَاءَتْ فِيهِ، فَكَيْفَ يَسْتَحِلُّونَ الأَحْتِجَاجَ بِآيَةٍ هُمْ مُخَالِفُونَ لَهَا
وَالثَّانِي أَنَّهُ لَيْسَ فِيهَا مِنْ تَحْلِيفِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلاَ رَدِّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعِي كَلِمَةٌ، لاَ بِنَصٍّ، وَلاَ بِدَلِيلٍ، إنَّمَا فِيهَا تَحْلِيفُ الشُّهُودِ أَوَّلاً، وَتَحْلِيفُ الشَّاهِدِ وَالشَّاهِدَيْنِ، بِخِلاَفِ شَهَادَةِ الأَوَّلِ، فَكَيْفَ سَهُلَ عَلَيْهِمْ إبْطَالُ نَصِّ الآيَةِ، وَأَنْ يَحْكُمُوا مِنْهَا بِمَا لَيْسَ فِيهَا عَلَيْهِ، لاَ دَلِيلٌ، وَلاَ نَصٌّ. إنَّ هَذِهِ لَمُصِيبَةٌ. وَلَوْ احْتَجَّ بِهَذِهِ الآيَةِ مَنْ يَرَى تَحْلِيفَ الْمَشْهُودِ لَهُ مَعَ بَيِّنَتِهِ لَكَانَ أَشْبَهَ فِي التَّمْوِيهِ عَلَى مَا رُوِيَ، عَنْ شُرَيْحٍ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَغَيْرِهِمَا وَقَدْ رُوِيَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشِيرٍ الْقَاضِي بِقُرْطُبَةَ أَنَّهُ أَحْلَفَ شُهُودًا فِي تَزَكِّيهِ: بِاَللَّهِ إنَّ مَا شَهِدُوا بِهِ لَحَقٌّ. وَرُوِيَ، عَنِ ابْنِ وَضَّاحٍ، أَنَّهُ قَالَ: أَرَى لِفَسَادِ النَّاسِ أَنْ يُحَلِّفَ الْحَاكِمُ الشُّهُودَ، ذَكَرَ ذَلِكَ خَالِدُ بْنُ سَعْدٍ فِي كِتَابِهِ فِي " أَخْبَارِ فُقَهَاءِ قُرْطُبَةَ " فَلَوْ احْتَجَّ أَهْلُ هَذَا الْمَذْهَبِ بِهَذِهِ الآيَةِ لَكَانُوا أَوْلَى بِهَا مِمَّنْ احْتَجَّ فِي رَدِّ الْيَمِينِ عَلَى الطَّالِبِ، لاَ سِيَّمَا مَعَ مَا فِي نَصِّهَا مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا} وَلَكِنْ يُبْطِلُ هَذَا أَنَّهُ قِيَاسٌ، وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، إِلاَّ أَنَّهُ مِنْ أَقْوَى قِيَاسٍ فِي الأَرْضِ. وَأَمَّا حَدِيثُ الْقَسَامَةِ فَاحْتِجَاجُهُمْ بِهِ أَيْضًا إحْدَى فَضَائِحِهِمْ، لأََنَّ الْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ مُخَالِفُونَ لِمَا فِيهِ: فأما الْمَالِكِيُّونَ: فَخَالَفُوهُ جُمْلَةً. وَأَمَّا الشَّافِعِيُّونَ: فَخَالَفُوا مَا فِيهِ مِنْ إيجَابِ الْقَوَدِ، فَكَيْفَ يَسْتَحِلُّونَ الأَحْتِجَاجَ بِحَدِيثٍ قَدْ هَانَ عَلَيْهِمْ خِلاَفُهُ فِيمَا فِيهِ وَأَرَادُوا مِنْ ذَلِكَ تَثْبِيتَ الْبَاطِلِ الَّذِي لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مِنْهُ أَثَرٌ أَصْلاً. وَإِنَّمَا فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَحْلِيفُ الْمُدَّعِينَ أَوَّلاً خَمْسِينَ يَمِينًا بِخِلاَفِ جَمِيعِ الدَّعَاوَى ثُمَّ رَدُّ الْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ بِخِلاَفِ قَوْلِهِمْ فَمِنْ أَيْنَ رَأَوْا أَنْ يَقِيسُوا عَلَيْهِ ضِدَّهُ مِنْ تَحْلِيفِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوَّلاً. فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الْمُدَّعِي وَلَمْ يَقِيسُوا عَلَيْهِ فِي تَبْدِيَةِ الْمُدَّعِي فِي سَائِرِ الدَّعَاوَى. وَأَنْ يَجْعَلُوا الأَيْمَانَ فِي كُلِّ دَعْوَى خَمْسِينَ يَمِينًا، فَهَلْ فِي التَّخْلِيطِ، وَخِلاَفِ السُّنَنِ، وَعَكْسِ الْقِيَاسِ وَضَعْفِ النَّظَرِ: أَكْثَرُ مِنْ هَذَا وَأَمَّا خَبَرُ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ: فَحَقٌّ، وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لأََنَّ قَوْلَهُمْ: إنَّ النُّكُولَ يَقُومُ مَقَامَ الشَّاهِدِ: بَاطِلٌ، لَمْ يَأْتِ بِهِ قَطُّ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ، وَلاَ مَعْقُولٌ، وَقَدْ يَنْكُلُ الْمَرْءُ، عَنِ الْيَمِينِ تَصَاوُنًا وَخَوْفَ الشُّهْرَةِ، وَإِلَّا فَمَنْ اسْتَجَازَ أَكْلَ الْمَالِ الْحَرَامِ بِالْبَاطِلِ فَلاَ يُنْكَرُ مِنْهُ أَنْ يَحْلِفَ كَاذِبًا. وَإِنَّمَا الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي، فَلَمْ يَجِبْ بَعْدُ عَلَى الْمُنْكِرِ يَمِينٌ، فَلَمَّا أَتَى الْمُدَّعِي بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ: كَانَ بَعْدُ حُكْمِ طَلَبِهِ الْبَيِّنَةَ، وَلَمْ يَجِبْ بَعْدُ يَمِينٌ عَلَى الْمَطْلُوبِ، فَحَكَمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِلطَّالِبِ بِيَمِينِهِ ابْتِدَاءً لاَ رَدًّا لِلْيَمِينِ عَلَيْهِ، فَإِنْ أَبَى فَقَدْ أَسْقَطَ حُكْمَ شَاهِدِهِ، وَإِذَا أَسْقَطَ حُكْمَ شَاهِدِهِ فَلاَ بَيِّنَةَ لَهُ، وَإِذْ لاَ بَيِّنَةَ لَهُ: فَالآنَ وَجَبَتْ الْيَمِينُ عَلَى الْمَطْلُوبِ، لاَ أَنَّ هَاهُنَا رَدَّ يَمِينٍ أَصْلاً فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِالنُّصُوصِ الْمَذْكُورَةِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ رِوَايَةً هَالِكَةً: رُوِّينَاهَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ الأَنْدَلُسِيِّ، عَنْ أَصْبَغَ بْنِ الْفَرَجِ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ حَيْوَةِ بْنِ شُرَيْحِ: أَنَّ سَالِمَ بْنَ غَيْلاَنَ التُّجِيبِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ كَانَتْ لَهُ طَلِبَةٌ عِنْدَ أَخِيهِ فَعَلَيْهِ الْبَيِّنَةُ" وَالْمَطْلُوبُ أَوْلَى بِالْيَمِينِ فَإِنْ نَكَلَ حَلَفَ الطَّالِبُ وَأَخَذَ".
قال أبو محمد: هَذَا مُرْسَلٌ، وَلاَ حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ عِنْدَنَا، وَلاَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّينَ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً عَلَى الْمَالِكِيِّينَ، لأََنَّهُمْ مُخَالِفُونَ لِمَا فِيهِ مِنْ عُمُومِ رَدِّ الْيَمِينِ فِي كُلِّ طَلِبَةِ طَالِبٍ، وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ أَوَّلَهُ فِي كُلِّ دَعْوَى مِنْ دَم، أَوْ نِكَاحٍ، أَوْ طَلاَقٍ، أَوْ عَتَاقٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَتَخْصِيصُهُمْ آخِرَهُ فِي الأَمْوَالِ بَاطِلٌ وَتَنَاقُضٌ، وَخِلاَفٌ لِلْخَبَرِ الَّذِي مَوَّهُوا بِهِ، وَهَذَا قَبِيحٌ جِدًّا.
وقال مالك فِي "مُوَطَّئِهِ فِي بَابِ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ فِي كِتَابِ الأَقْضِيَةِ "أَرَأَيْت رَجُلاً ادَّعَى عَلَى رَجُلٍ مَالاً أَلَيْسَ يَحْلِفُ الْمَطْلُوبُ: مَا ذَلِكَ الْحَقُّ عَلَيْهِ، فَإِنْ حَلَفَ بَطَلَ ذَلِكَ عَنْهُ وَإِنْ أَبَى أَنْ يَحْلِفَ وَنَكَلَ، عَنِ الْيَمِينِ حَلَفَ طَالِبُ الْحَقِّ أَنَّ حَقَّهُ لَحَقٌّ وَثَبَتَ حَقُّهُ عَلَى صَاحِبِهِ فَهَذَا مَا لاَ اخْتِلاَفَ فِيهِ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ، وَلاَ فِي بَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ، فَبِأَيِّ شَيْءٍ أَخَذَ هَذَا أَمْ فِي أَيِّ كِتَابِ اللَّهِ وَجَدَهُ فَإِذَا أَقَرَّ بِهَذَا فَلْيُقِرَّ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى.
قال أبو محمد: وَهَذَا احْتِجَاجٌ نَاهِيكَ بِهِ عَجَبًا فِي الْغَفْلَةِ: أَوَّلُ ذَلِكَ قَوْلُهُ: إنَّهُ لاَ خِلاَفَ فِي رَدِّ الْيَمِينِ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ، وَلاَ فِي بَلَدٍ مِنْ الْبُلْدَانِ فَلَئِنْ كَانَ خَفِيَ عَلَيْهِ قَضَاءُ أَهْلِ الْعِرَاقِ بِالنُّكُولِ فَإِنَّهُ لَعَجَبٌ. ثُمَّ قَوْلُهُ: إذَا أَقَرَّ بِرَدِّ الْيَمِينِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَلْيُقِرَّ بِالْيَمِينِ عَلَى الشَّاهِدِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهَذَا أَيْضًا عَجَبٌ آخَرُ، لأََنَّ الْيَمِينَ مَعَ الشَّاهِدِ ثَابِتٌ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَهُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} .
وَأَمَّا رَدُّ الْيَمِينِ عَلَى الطَّالِبِ إذَا نَكَلَ الْمَطْلُوبُ فَمَا كَانَ قَطُّ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلاَ فِي سُنَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم فَبَيْنَ الأَمْرَيْنِ فَرْقٌ، كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ. وَإِذَا وَجَبَ الأَخْذُ بِمَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ، وَإِنْ لَمْ يُوجَبْ فِي لَفْظِ آيَاتِ الْقُرْآنِ فَمَا وَجَبَ قَطُّ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُؤْخَذَ بِمَا لاَ يُوجَدُ فِي الْقُرْآنِ، وَلاَ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
وَأَمَّا أَبُو ثَوْرٍ فَإِنَّهُ قَالَ: إذَا نَكَلَ الْمَطْلُوبُ، عَنِ الْيَمِينِ وَأَحْلَفَ الْحَاكِمُ الطَّالِبَ فَقَدْ اتَّفَقْنَا عَلَى وُجُوبِ الْقَضَاءِ لَهُ بِتِلْكَ الدَّعْوَى مَا لَمْ يَحْلِفْ الطَّالِبُ فَلَمْ نَتَّفِقْ عَلَى الْقَضَاءِ لَهُ بِتِلْكَ الدَّعْوَى فَوَجَبَ الْقَوْلُ بِمَا أَجْمَعْنَا عَلَيْهِ، وَأَنْ لاَ يُقْضَى عَلَى أَحَدٍ بِاخْتِلاَفٍ لاَ نَصَّ مَعَهُ.
قال أبو محمد: لَيْسَ قَوْلُ أَرْبَعَةٍ مِنْ التَّابِعِينَ، وَرِوَايَاتٌ سَاقِطَةٌ لاَ تَصِحُّ أَسَانِيدُهَا،

ثُمَّ بِظُنُونٍ غَيْرِ صَادِقَةٍ عَلَى سِتَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخْتَلِفِينَ مِمَّا يَقُولُ: إنَّهُ إجْمَاعٌ إِلاَّ مَنْ لاَ يَدْرِي مَا الإِجْمَاعُ. وَلَيْسَ مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: حُجَّةً عَلَى مَنْ لاَ يُقَلِّدُهُمْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} فَلَمْ يَأْمُرْ عَزَّ وَجَلَّ بِرَدِّ مَا اُخْتُلِفَ فِيهِ إلَى أَحَدٍ مِمَّنْ ذَكَرْنَا، فَمَنْ رَدَّ إلَيْهِمْ فَقَدْ خَالَفَ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ أَيْضًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ: بِعُمَرَ، وَالْمِقْدَادِ، وَعُثْمَانَ، رضي الله عنهم، فَلاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَوْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْهُمْ فَكَيْفَ وَهُوَ لاَ يَصِحُّ لأََنَّهُ مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ وَالشَّعْبِيُّ لَمْ يُدْرِكْ عُثْمَانَ، وَلاَ الْمِقْدَادَ فَكَيْفَ عُمَرُ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ، عَنْ عَلِيٍّ فَسَاقِطَةٌ، لأََنَّهَا، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ ضُمَيْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ وَهُوَ مَتْرُوكٌ ابْنُ مَتْرُوكٍ لاَ يَحِلُّ الأَحْتِجَاجُ بِرِوَايَتِهِ فَلَمْ يَصِحَّ فِي هَذَا، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ كَلِمَةٌ.
قال أبو محمد: وَأَمَّا قَوْلُنَا: فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: كَانَ بَيْنَ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مُنَازَعَةٌ وَخُصُومَةٌ فِي حَائِطٍ فَقَالَ: بَيْنِي وَبَيْنَك زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فَأَتَيَاهُ فَضَرَبَا عَلَيْهِ الْبَابَ، فَخَرَجَ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَلاَ أَرْسَلْتَ إلَيَّ حَتَّى آتِيَك فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فِي بَيْتِهِ يُؤْتَى الْحَكَمُ، فَأَخْرَجَ زَيْدٌ وِسَادَةً فَأَلْقَاهَا، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: هَذَا أَوَّلُ جَوْرِك وَأَبَى أَنْ يَجْلِسَ عَلَيْهَا، فَتَكَلَّمَا فَقَالَ زَيْدٌ لأَُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ: بَيِّنَتُك وَإِنْ رَأَيْت أَنْ تُعْفِيَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ الْيَمِينِ فَأَعْفِهِ فَقَالَ عُمَرُ: تَقْضِي عَلَيَّ بِالْيَمِينِ، وَلاَ أَحْلِفُ فَحَلَفَ. فَهَذَا زَيْدٌ لَمْ يَذْكُرْ رَدَّ يَمِينٍ، وَلاَ حُكْمًا بِنُكُولٍ، بَلْ أَوْجَبَ الْيَمِينَ عَلَى الْمُنْكِرِ قَطْعًا إِلاَّ أَنْ يُسْقِطَهَا الطَّالِبُ، وَهَذَا عُمَرُ يُنْكِرُ أَنْ يَحْكُمَ الْحَاكِمُ بِالْيَمِينِ، وَلاَ يُحَلِّفَ الْمُنْكِرَ وَهُوَ قَوْلُنَا نَصًّا.
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بُرْقَانَ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إلَى أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ فِي رِسَالَةٍ ذَكَرَهَا: الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ فَلَمْ يَذْكُرْ نُكُولاً، وَلاَ رَدَّ يَمِينٍ.
حدثنا حمام بْنُ أَحْمَدَ، حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الصَّائِغُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْكَرْمَانِيُّ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ الْجُمَحِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: كَتَبْت إلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فِي امْرَأَتَيْنِ كَانَتَا تُحْرِزَانِ حَرِيزًا فِي بَيْتٍ، وَفِي الْحُجْرَةِ حِدَاثٌ، فَأَخْرَجَتْ إحْدَاهُمَا يَدَهَا تَشْخَبُ دَمًا فَقَالَتْ: أَصَابَتْنِي هَذِهِ، وَأَنْكَرَتْ الأُُخْرَى، قَالَ: فَكَتَبَ إلَيَّ ابْنِ عَبَّاسٍ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: لَوْ أَنَّ النَّاس أُعْطُوا بِدَعْوَاهُمْ لاَدَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ قَوْمٍ وَأَمْوَالَهُمْ، اُدْعُهَا فَاقْرَأْ عَلَيْهَا : {إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً} الآيَةَ، قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ فَقَرَأْت عَلَيْهَا، فَاعْتَرَفَتْ". فَهَذَا فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلَمْ يُفْتِ إِلاَّ بِإِيجَابِ الْيَمِينِ فَقَطْ، وَأَبْطَلَ أَنْ يُعْطَى الْمُدَّعِي بِدَعْوَاهُ

وَلَمْ يَسْتَثْنِ فِي ذَلِكَ نُكُولَ الْمَطْلُوبِ، وَلاَ رَدَّ الْيَمِينِ أَصْلاً. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الشَّيْبَانِيِّ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ قَالَ: لاَ أَرُدُّ الْيَمِينَ. وَمِنْ طَرِيقِ الْكَشْوَرِيِّ، عَنِ الْحُذَافِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ قَالَ: كَانَ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ لاَ يَرَيَانِ الْيَمِينَ يَعْنِي لاَ يَرَيَانِ رَدَّهَا عَلَى الطَّالِبِ إذَا نَكَلَ الْمَطْلُوبُ. وَقَدْ ذَكَرْنَا قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالدَّمِ يَأْبَى، عَنِ الْيَمِينِ أَنَّهُ لاَ يُرَدُّ الْيَمِينُ عَلَى الطَّالِبِ، وَلاَ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ، لَكِنْ يُسْجَنُ أَبَدًا حَتَّى يَحْلِفَ.
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيمَنْ ادَّعَتْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ طَلاَقًا وَأَمَتُهُ أَوْ عَبْدُهُ عَتَاقًا وَأَقَامُوا شَاهِدًا وَاحِدًا عَدْلاً بِذَلِكَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ الْيَمِينُ، وَأَنَّهُ لاَ يُقْضَى عَلَيْهِ بِالنُّكُولِ، وَلاَ بِرَدِّ الْيَمِينِ، لَكِنْ يُسْجَنُ أَبَدًا حَتَّى يَحْلِفَ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا: فِي كُلِّ شَيْءٍ.
قال أبو محمد: فإن قيل: فَإِنَّكُمْ رَدَدْتُمْ الرِّوَايَةَ فِي رَدِّ الْيَمِينِ بِأَنَّهَا، عَنِ الشَّعْبِيِّ وَلَمْ يُدْرِكْ عُثْمَانَ، وَلاَ الْمِقْدَادَ، وَلاَ عُمَرُ ثُمَّ ذَكَرْتُمْ لأََنْفُسِكُمْ رِوَايَةَ حُكُومَةٍ كَانَتْ بَيْنَ عُمَرَ، وَأُبَيُّ. قلنا: لَمْ نُورِدْ شَيْئًا مِنْ هَذَا كُلِّهِ احْتِجَاجًا لأََنْفُسِنَا فِي تَصْحِيحِ مَا قُلْنَاهُ، وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ أَنْ نَرَى فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حُجَّةً فِي الدِّينِ، وَلَكِنْ تَكْذِيبًا لِمَنْ قَدْ سَهَّلَ الشَّيْطَانُ لَهُ الْكَذِبَ عَلَى جَمِيعِ الأُُمَّةِ فِي دَعْوَى الإِجْمَاعِ مُجَاهَرَةً، حَيْثُ لاَ يَجِدُ إِلاَّ رِوَايَاتٍ كُلَّهَا هَالِكَةً، بِظُنُونٍ كَاذِبَةٍ، عَلَى ثَلاَثَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ قَدْ رُوِيَ مِثْلُهَا بِخِلاَفِهَا، عَنْ ثَلاَثَةٍ آخَرِينَ مِنْهُمْ، فَأَرَيْنَاهُمْ لأََنْفُسِنَا مِثْلَهَا، بَلْ أَحْسَنَ مِنْهَا، عَنْ ثَلاَثَةٍ أَيْضًا مِنْهُمْ أَوْ أَرْبَعَةٍ، إِلاَّ أَنَّ الْمُوَافَقَةَ لِقَوْلِنَا أَصَحُّ، لأََنَّهَا، عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي ذِكْرِ قَضِيَّةٍ بَيْنَ عُمَرَ وَأُبَيٍّ قَضَى فِيهَا زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ بَيْنَهُمَا وَالشَّعْبِيُّ: قَدْ لَقِيَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَصَحِبَهُ وَأَخَذَ عَنْهُ كَثِيرًا فَهَذِهِ أَقْرَبُ بِلاَ شَكٍّ إلَى أَنْ تَكُونَ مُسْنَدَةً مِنْ تِلْكَ الَّتِي لَمْ يَلْقَ الشَّعْبِيَّ أَحَدًا مِمَّنْ ذَكَرَ فِي تِلْكَ الْقِصَّةِ، وَلاَ أَدْرَكَهُ بِعَقْلِهِ.
قال أبو محمد: مِنْ الْعَجَبِ أَنْ يُجَوِّزَ أَهْلُ الْجَهْلِ وَالْغَبَاوَةِ لأََبِي حَنِيفَةَ أَنْ لاَ يَقْضِيَ بِالنُّكُولِ، وَلاَ بِرَدِّ الْيَمِينِ، لَكِنْ بِالأَخْذِ بِالْيَمِينِ، وَلاَ بُدَّ فِي بَعْضِ الدَّعَاوَى دُونَ بَعْضٍ بِرَأْيِهِ وَيُجَوِّزَ مِثْلَ ذَلِكَ لِمَالِكٍ فِي دَعْوَى الطَّلاَقِ وَالْعَتَاقِ، وَلاَ يُجَوِّزَ لِمَنْ اتَّبَعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الدَّعَاوَى، إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ.
قال أبو محمد: فَإِذْ قَدْ بَطَلَ الْقَوْلُ بِالْقَضَاءِ بِالنُّكُولِ، وَالْقَوْلُ بِرَدِّ الْيَمِينِ عَلَى الطَّالِبِ إذَا نَكَلَ الْمَطْلُوبُ، لِتَعَرِّي هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ، عَنْ دَلِيلٍ مِنْ الْقُرْآنِ، أَوْ مِنْ السُّنَّةِ وَبَطَلَ أَنْ يَصِحَّ فِي أَحَدِهِمَا قَوْلٌ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم،، فَالْوَاجِبُ أَنْ نَأْتِيَ بِالْبُرْهَانِ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
قال أبو محمد: قَدْ صَحَّ مَا قَدْ أَوْرَدْنَاهُ آنِفًا مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْقَضَاءِ بِالْيَمِينِ عَلَى

الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ لَوْ أَعْطَى النَّاسَ بِدَعْوَاهُمْ لاَدَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ قَوْمٍ وَأَمْوَالَهُمْ، وَمَا قَدْ أَتَيْنَا بِهِ قَبْلُ فِي الْمَسْأَلَةِ الَّتِي قَبْلَ هَذِهِ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "بَيِّنَتُكَ أَوْ يَمِينُهُ لَيْسَ لَك إِلاَّ ذَلِكَ". فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى الْمُدَّعِي بِدَعْوَاهُ دُونَ بَيِّنَةٍ، فَبَطَلَ بِهَذَا أَنْ يُعْطَى شَيْئًا بِنُكُولِ خَصْمِهِ أَوْ بِيَمِينِهِ إذَا نَكَلَ خَصْمُهُ، لأََنَّهُ أُعْطِيَ بِالدَّعْوَى. وَصَحَّ أَنَّ الْيَمِينَ بِحُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ عليه الصلاة والسلام عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَوَجَبَ بِذَلِكَ أَنَّهُ لاَ يُعْطَى الْمُدَّعِي يَمِينًا أَصْلاً إِلاَّ حَيْثُ جَاءَ النَّصُّ بِأَنْ يُعْطَاهَا، وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلاَّ فِي الْقَسَامَةِ فِي الْمُسْلِمِ يُوجَدُ مَقْتُولاً، وَفِي الْمُدَّعِي يُقِيمُ شَاهِدًا عَدْلاً فَقَطْ، وَكَانَ مَنْ أَعْطَى الْمُدَّعِيَ بِنُكُولِ خَصْمِهِ فَقَطْ أَوْ بِيَمِينِهِ إذَا نَكَلَ خَصْمُهُ قَدْ أَخْطَأَ كَثِيرًا، وَذَلِكَ أَنَّهُ أَعْطَاهُ مَا أَخْبَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ، وَأَعْطَاهُ بِدَعْوَاهُ الْمُجَرَّدَةِ، عَنِ الْبَيِّنَةِ وَأَسْقَطَ الْيَمِينَ عَمَّنْ أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ، وَلَمْ يُزِلْهَا عَنْهُ إِلاَّ أَنْ يُسْقِطَهَا الَّذِي هِيَ لَهُ وَهُوَ الطَّالِبُ الَّذِي جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ الْبَيِّنَةَ فَيَأْخُذُ أَوْ يَمِينَ مَطْلُوبِهِ، فَإِذْ هِيَ لَهُ فَلَهُ تَرْكُ حَقِّهِ إنْ شَاءَ فَظَهَرَ صِحَّةُ قَوْلِنَا يَقِينًا. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَان} ِ. فَمَنْ أَطْلَقَ لِلْمَطْلُوبِ الأَمْتِنَاعَ مِنْ الْيَمِينِ وَلَمْ يَأْخُذْهُ بِهَا وَقَدْ أَوْجَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ فَقَدْ أَعَانَهُ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ، وَعَلَى تَرْكِ مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ إلْزَامَهُ إيَّاهُ وَأَخْذَهُ بِهِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي كَلاَمِنَا " فِي الإِمَامَةِ " قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ" إنْ اسْتَطَاعَ فَوَجَدْنَا الْمُمْتَنِعَ مِمَّا أَوْجَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَخْذَهُ بِهِ مِنْ الْيَمِينِ قَدْ أَتَى مُنْكَرًا بِيَقِينٍ، فَوَجَبَ تَغْيِيرُهُ بِالْيَدِ بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالتَّغْيِيرُ بِالْيَدِ: هُوَ الضَّرْبُ فِيمَنْ لَمْ يَمْتَنِعْ، أَوْ بِالسِّلاَحِ فِي الْمُدَافِعِ بِيَدِهِ، الْمُمْتَنِعِ مِنْ أَخْذِهِ بِالْحَقِّ فَوَجَبَ ضَرْبُهُ أَبَدًا حَتَّى يُحْيِيَهُ الْحَقُّ مِنْ إقْرَارِهِ، أَوْ يَمِينِهِ، أَوْ يَقْتُلَهُ الْحَقُّ، مِنْ تَغْيِيرِ مَا أَعْلَنَ بِهِ مِنْ الْمُنْكَرِ: وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَمَنْ أَطَاعَ اللَّهَ تَعَالَى فَقَدْ أَحْسَنَ. وَأَمَّا السِّجْنُ: فَلاَ يَخْتَلِفُ اثْنَانِ فِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ لَهُ قَطُّ سِجْنٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ لاَحَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ قَوْلَنَا ثَابِتٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا أَوْرَدْنَا، وَلاَ يَصِحُّ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، خِلاَفُهُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وليس على من وجبت عليه يمين أن يحلف الا بالله تعالى
1784 - مَسْأَلَةٌ: وَلَيْسَ عَلَى مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ يَمِينٌ أَنْ يَحْلِفَ إِلاَّ بِاَللَّهِ تَعَالَى، أَوْ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فِي مَجْلِسِ الْحَاكِمِ فَقَطْ، كَيْفَمَا شَاءَ مِنْ قُعُودٍ أَوْ قِيَامٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الأَحْوَالِ، وَلاَ يُبَالِي إلَى أَيِّ جِهَةٍ كَانَ وَجْهُهُ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا: فَرُوِّينَا، عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّهُ كَتَبَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَجُلٌ مِنْ الْعِرَاقِ: أَنَّ رَجُلاً قَالَ لأَمْرَأَتِهِ: حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ، فَكَتَبَ عُمَرُ إلَى عَامِلِهِ أَنْ يُوَافِيَهُ الرَّجُلُ بِمَكَّةَ فِي الْمَوْسِمِ، فَفَعَلَ، فَأَتَاهُ الرَّجُلُ وَعُمَرُ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَقَالَ لِعُمَرَ: أَنَا الرَّجُلُ الَّذِي أَمَرْتَ أَنْ أُجْلَبَ عَلَيْكَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَنْشُدُك

بِرَبِّ هَذِهِ الْبِنْيَةِ مَا أَرَدْت بِقَوْلِك "حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ" الْفِرَاقَ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: لَوْ اسْتَحْلَفْتَنِي فِي غَيْرِ هَذَا الْمَكَانِ مَا صَدَقْتُك أَرَدْت بِذَلِكَ الْفِرَاقَ قَالَ عُمَرُ: هُوَ مَا أَرَدْتَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّ رَجُلاً قَالَ لأَمْرَأَتِهِ فِي زَمَنِ عُمَرَ: حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَاسْتَحْلَفَهُ عُمَرُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ فَقَالَ: أَرَدْت الطَّلاَقَ ثَلاَثًا، فَأَمْضَاهُ عَلَيْهِ. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ الْعَرْزَمِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ: أَنَّ رَجُلاً قَالَ لأَمْرَأَتِهِ: حَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ، فَسَأَلَ ابْنَ مَسْعُودٍ فَكَتَبَ إلَى عُمَرَ، فَكَتَبَ عُمَرُ بِأَنْ يُوَافِيَهُ بِالْمَوْسِمِ، فَوَافَاهُ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
وَمِنْ طَرِيقِ الْكَشْوَرِيِّ، عَنِ الْحُذَافِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: اسْتَحْلَفَ مُعَاوِيَةُ فِي دَمٍ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ. وَذَكَرَ الشَّافِعِيُّ بِغَيْرِ إسْنَادٍ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ أَنْكَرَ التَّحْلِيفَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ إِلاَّ فِي دَمٍ أَوْ كَثِيرٍ مِنْ الْمَالِ. وَأَمَّا فِعْلُ مُعَاوِيَةَ الْمَذْكُورُ: فَإِنَّنَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ أَحْلَفَ مُصْعَبَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَمُعَاذَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْمَرٍ، وَعُقْبَةَ بْنَ جَعْوَنَةَ بْنِ شَعُوبٍ اللَّيْثِيُّ فِي دَمِ إسْمَاعِيلَ بْنِ هَبَّارٍ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ وَهَؤُلاَءِ مَدَنِيُّونَ اسْتَجْلَبَهُمْ إلَى مَكَّةَ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ: يُسْتَحْلَفُ أَهْلَ الْكِتَابِ " بِاَللَّهِ " حَيْثُ يَكْرَهُونَ. وبه إلى سُفْيَانَ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ كَعْبَ بْنَ سَوَّارٍ أَدْخَلَ يَهُودِيًّا الْكَنِيسَةَ وَوَضَعَ التَّوْرَاةَ عَلَى رَأْسِهِ وَاسْتَحْلَفَهُ بِاَللَّهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّ كَعْبَ بْنَ سَوَّارٍ كَانَ يُحَلِّفُ أَهْلَ الْكِتَابِ يَعْنِي النَّصَارَى يَضَعُ الإِنْجِيلَ عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ يَأْتِي بِهِ إلَى الْمَذْبَحِ فَيُحَلِّفُهُ بِاَللَّهِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي مسيرة قَالَ: اخْتَصَمَ إلَى الشَّعْبِيِّ مُسْلِمٌ وَنَصْرَانِيٌّ، فَقَالَ النَّصْرَانِيُّ: أَحْلِفُ بِاَللَّهِ فَقَالَ لَهُ الشَّعْبِيُّ: لاَ، يَا خَبِيثُ قَدْ فَرَّطْت فِي اللَّهِ، وَلَكِنْ اذْهَبْ إلَى الْبَيْعَةِ فَاسْتَحْلَفَهُ بِمَا يُسْتَحْلَفُ بِهِ مِثْلُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنْ دَاوُد بْنِ الْحُصَيْنِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا غَطَفَانَ بْنَ طَرِيفٍ الْمُرِّيَّ يَقُولُ: اخْتَصَمَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَابْنُ مُطِيعٍ إلَى مَرْوَانَ فِي دَارٍ، فَقَضَى مَرْوَانُ عَلَى زَيْدٍ بِالْيَمِينِ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ لَهُ زَيْدٌ: أَحْلِفُ لَهُ مَكَانِي فَقَالَ لَهُ مَرْوَانُ: لاَ، وَاَللَّهِ إِلاَّ فِي مَقَاطِعِ الْحُقُوقِ، فَجَعَلَ زَيْدٌ يَحْلِفُ أَنَّ حَقَّهُ لَحَقٌّ، وَيَأْبَى أَنْ يَحْلِفَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَجَعَلَ مَرْوَانُ يَعْجَبُ مِنْ زَيْدٍ. وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَحْلَفَ عُمَّالَ سُلَيْمَانَ عِنْدَ الصَّخْرَةِ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْكَشْوَرِيِّ، عَنِ الْحُذَافِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ

إسْرَائِيلَ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ أَحْلَفَ يَهُودِيًّا بِاَللَّهِ تَعَالَى فَقَالَ الشَّعْبِيُّ: لَوْ أَدْخَلَهُ الْكَنِيسَةَ. فَهَذَا يُوضِحُ أَنَّ أَبَا مُوسَى لَمْ يُدْخِلْهُ الْكَنِيسَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَزْهَرُ السَّمَّانُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ وَصِيَّ رَجُلٍ فَأَتَاهُ رَجُلٌ بِصَكٍّ قَدْ دَرَسَتْ أَسْمَاءُ شُهُودِهِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: يَا نَافِعٌ اذْهَبْ بِهِ إلَى الْمِنْبَرِ فَاسْتَحْلِفْهُ فَقَالَ: يَا ابْنَ عُمَرَ أَتُرِيدُ أَنْ تُسْمِعَ فِي الَّذِي يَسْمَعُنِي، ثُمَّ يَسْمَعُنِي هَاهُنَا فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: صَدَقَ فَاسْتَحْلَفَهُ، وَأَعْطَاهُ إيَّاهُ.
قال أبو محمد: لَيْسَ فِي هَذَا أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَرَى رَدَّ الْيَمِينِ عَلَى الطَّالِبِ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ الصَّكُّ بَرَاءَةً مِنْ حَقٍّ عَلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ فَحَقُّهُ الْيَمِينُ، إِلاَّ أَنْ يُقِيمَ بَيِّنَةً بِالْبَرَاءَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ وَلَدِ أَبِي الْهَيَّاجِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ بَعَثَ أَبَا الْهَيَّاجِ قَاضِيًا إلَى السَّوَادِ، وَأَمَرَ أَنْ يُحَلِّفَهُمْ بِاَللَّهِ. فَفِي هَذَا: عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَابْنِ مَسْعُودٍ: جُلِبَ رَجُلٌ مِنْ الْعِرَاقِ إلَى مَكَّةَ لِلْحُكْمِ وَإِحْلاَفِهِ عِنْدَ الْكَعْبَةِ، وَاسْتِحْلاَفُ مُعَاوِيَةَ فِي دَمٍ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ، وَإِنْكَارُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ الأَسْتِحْلاَفَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ، إِلاَّ فِي دَمٍ أَوْ كَثِيرٍ مِنْ الْمَالِ. وَعَنْ شُرَيْحٍ، وَالشَّعْبِيِّ: اسْتِحْلاَفُ الْكُفَّارِ حَيْثُ يُعَظِّمُونَ وَكَذَلِكَ كَعْبُ بْنُ سَوَّارٍ وَزَادَ: وَضْعَ التَّوْرَاةِ عَلَى رَأْسِ الْيَهُودِيِّ، وَالإِنْجِيلِ عَلَى رَأْسِ النَّصْرَانِيِّ. وَعَنْ مَرْوَانَ: أَنَّ الأَسْتِحْلاَفَ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ مِنْبَرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ اسْتِحْلاَفُ الْعُمَّالِ عِنْدَ صَخْرَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَزَيْدٍ، وَأَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ: الأَسْتِحْلاَفُ "بِاَللَّهِ" فَقَطْ حَيْثُ كَانَ مِنْ مَجْلِسِ الْحَاكِمِ. وَهُوَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَزَيْدٍ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ وَكَذَلِكَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا بِمَاذَا يَحْلِفُونَ فَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذَا فِي " بَابِ الْحُكْمِ بِالنُّكُولِ " تَحْلِيفَ عُثْمَانَ لأَبْنِ عُمَرَ " بِاَللَّهِ " فَقَطْ. وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ الْحَلِفُ بِاَللَّهِ لَقَدْ بَاعَ الْعَبْدَ وَمَا بِهِ دَاءٌ يَعْلَمُهُ. وَذَكَرْنَا آنِفًا، عَنْ عَلِيٍّ، وَأَبِي مُوسَى اسْتِحْلاَفَ الْكُفَّارِ " بِاَللَّهِ " فَقَطْ. وَعَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ الْحَلِفُ " بِاَللَّهِ " فَقَطْ وَهُوَ عَنْهُ، وَعَنْ عُثْمَانَ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ مِقْسَمٍ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ أَنْ يُسْتَحْلَفُوا " بِاَللَّهِ ".
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ سَمِعْت الشَّعْبِيَّ يَقُولُ فِي كَلاَمٍ كَثِيرٍ: إنْ لَمْ يُقِيمُوا الْبَيِّنَةَ فَيَمِينُهُ "بِاَللَّهِ". وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ: كُنْت مَعَ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ قَاضٍ فَاخْتَصَمَ إلَيْهِ: مُسْلِمٌ، وَنَصْرَانِيٌّ، فَقَضَى بِالْيَمِينِ عَلَى النَّصْرَانِيِّ فَقَالَ لَهُ الْمُسْلِمُ: اسْتَحْلِفْهُ

لِي فِي الْبَيْعَةِ فَقَالَ لَهُ أَبُو عُبَيْدَةَ: اسْتَحْلِفْهُ "بِاَللَّهِ" وَخَلِّ سَبِيلَهُ وَنَحْوُهُ، عَنْ عَطَاءٍ. وَعَنْ مَسْرُوقٍ: اسْتِحْلاَفُهُمْ بِاَللَّهِ فَقَطْ. وَمِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: يُسْتَحْلَفُونَ " بِاَللَّهِ " وَيُغَلَّظُ عَلَيْهِمْ بِدِينِهِمْ. وَعَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ كَانَ يَسْتَحْلِفُهُمْ بِدِينِهِمْ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ، عَنِ الشَّعْبِيِّ. وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: يُسْتَحْلَفُ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ فِي مَجْلِسِ الْحَاكِمِ. فأما الْمُسْلِمُ فَيُسْتَحْلَفُ "بِاَللَّهِ الَّذِي لاَ إلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالَمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ الطَّالِبُ الْغَالِبُ الَّذِي يَعْلَمُ مِنْ السِّرِّ مَا يَعْلَمُ مِنْ الْعَلاَنِيَةِ". وَيُسْتَحْلَفُ الْيَهُودِيُّ "بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى". وَيُسْتَحْلَفُ النَّصْرَانِيُّ " بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى". وَيُسْتَحْلَفُ الْمَجُوسِيُّ "بِاَللَّهِ الَّذِي خَلَقَ النَّارَ". وَكُلُّ هَذَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، إِلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي التَّحْلِيفِ الطَّالِبَ الْغَالِبَ وَرَأَى أَنْ يُحَلَّفَ فِي عِشْرِينَ دِينَارًا أَوْ فِي جِرَاحِ الْعَمْدِ عِنْدَ الْمَقَامِ بِمَكَّةَ، وَعِنْدَ مِنْبَرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ، وَأَنْ يُحَلَّفَ سَائِرُ أَهْلِ الْبِلاَدِ فِي جَوَامِعِهِمْ. وَأَمَّا مَا دُونَ عِشْرِينَ دِينَارًا فَفِي مَجْلِسِ الْحَاكِمِ. وَرَأَى أَنْ يُحَلَّفَ الْكُفَّارُ حَيْثُ يُعَظِّمُونَ. وقال مالك: يُحَلَّفُونَ فِي ثَلاَثَةِ دَرَاهِمَ فَصَاعِدًا فِي مَكَّةَ عِنْدَ الْمَقَامِ، وَفِي الْمَدِينَةِ عِنْدَ مِنْبَرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَمَّا سَائِرُ أَهْلِ الْبِلاَدِ فَحَيْثُ يُعَظَّمُ مِنْ الْجَوَامِعِ وَتَخْرُجُ الْمَرْأَةُ الْمَسْتُورَةُ لِذَلِكَ لَيْلاً. وَأَمَّا مَا دُونَ ثَلاَثَةِ دَرَاهِمَ فَفِي مَجْلِسِ الْحَاكِمِ. وَيُحَلَّفُ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ "بِاَللَّهِ الَّذِي لاَ إلَهَ إِلاَّ هُوَ". وقال أحمد بْنُ حَنْبَلٍ: يُحَلَّفُ الْمُسْلِمُ " بِاَللَّهِ " فِي مَجْلِسِ الْحَاكِمِ فِي الْمُصْحَفِ. وَأَمَّا الْكَافِرُ فَكَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ فِيهِمْ سَوَاءٌ سَوَاءٌ. وَ
مَا رُوِّينَا مِثْلُ قَوْلِ مَالِكٍ إِلاَّ، عَنْ شُرَيْحٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا دَاوُد، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ شُرَيْحٍ: ، أَنَّهُ قَالَ فِي كَلاَمٍ كَثِيرٍ " وَيَمِينُك بِاَللَّهِ الَّذِي لاَ إلَهَ إِلاَّ هُوَ " يَعْنِي عَلَى الْمَطْلُوبِ.
قال أبو محمد: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ فِيمَا يُسْتَحْلَفُ بِهِ الْمُسْلِمُ فَمَا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ أَخَذَاهُ، وَلاَ مُتَعَلَّقَ لَهُمْ فِيهِ بِقُرْآنٍ، وَلاَ بِسُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، وَلاَ سَقِيمَةٍ، وَلاَ بِقَوْلِ أَحَدٍ قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ. وقال بعضهم: قلنا عَلَى سَبِيلِ التَّأْكِيدِ فِي الْيَمِينِ. قلنا: مَا هَذَا بِتَأْكِيدٍ، لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى إذَا ذُكِرَ بِاسْمِهِ اقْتَضَى الْقُدْرَةَ وَالْعِلْمَ وَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ، وَأَنَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، وَاقْتَضَى كُلَّ مَا يُخْبَرُ بِهِ، عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْلُكُوا مَسْلَكَ الدُّعَاءِ وَالتَّعَبُّدِ فَكَانَ أَوْلَى بِكُمْ أَنْ تَزِيدُوا مَا زَادَهُ اللَّهُ تَعَالَى إذْ يَقُولُ: {الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} الآيَةَ، فَزِيدُوا هَكَذَا حَتَّى تَفْنَى أَعْمَارُكُمْ، وَتَنْقَطِعَ أَنْفَاسُكُمْ، وَإِنَّمَا نَحْنُ فِي مَكَانِ حُكْمٍ لاَ فِي تَفَرُّغٍ لِذِكْرٍ وَعِبَادَةٍ. ثُمَّ أَغْرَبُ شَيْءٍ زِيَادَةُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى " الطَّالِبَ الْغَالِبَ " فَمَا نَدْرِي مِنْ أَيْنَ وَقَعَ عَلَيْهِ، وَمَنْ كَثُرَ كَلاَمُهُ

بِمَا لَمْ يُؤْمَرْ بِهِ، وَلاَ نُدِبَ إلَيْهِ: كَثُرَ خَطَؤُهُ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الضَّلاَلِ. فَإِنْ قَالُوا: قَصَدْنَا بِذَلِكَ التَّغْلِيظَ قلنا: فَاجْلُبُوهُمْ مِنْ الْعِرَاقِ وَغَيْرِهَا إلَى مَكَّةَ فَهُوَ أَشَدُّ تَغْلِيظًا كَمَا رُوِيَ، عَنْ عُمَرَ، أَوْ حَلِّفُوهُمْ فِي الْمُصْحَفِ كَمَا قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، فَهُوَ أَشَدُّ تَغْلِيظًا، وَحَلِّفُوهُمْ بِمَا تَرَوْنَهُ أَيْمَانًا مِنْ الطَّلاَقِ، وَالْعَتَاقِ، وَصَدَقَةِ الْمَالِ، فَهُوَ عِنْدَكُمْ أَغْلَظُ وَأَوْكَدُ مِنْ الْيَمِينِ بِاَللَّهِ، فَأَيُّ شَيْءٍ قَالُوا رُدَّ عَلَيْهِمْ فِي هَذِهِ الزِّيَادَاتِ الَّتِي زَادُوهَا، وَلاَ فَرْقَ. أَوْ نَقُولُ: حَلِّفُوهُمْ بِ " عَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ إنْ كَانَ كَاذِبًا " قِيَاسًا عَلَى الْمُلاَعِنِ، أَوْ رُدُّوا عَلَيْهِ الأَيْمَانَ كَذَلِكَ. وَأَمَّا قَوْلُهُ وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ: أَنْ يُحَلَّفَ النَّصْرَانِيُّ " بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ الإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى " فَعَجَبٌ، وَلاَ نَدْرِي مِنْ أَيْنَ أَخَذَاهُ، فَمَا فِي الأَمْرِ لَهُمْ بِهَذِهِ الْيَمِينِ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ صَحِيحَةٌ، وَلاَ سَقِيمَةٌ، وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ أَصْلاً. وأعجب شَيْءٍ جَهْلُ مَنْ يُحَلِّفُهُمْ بِهَذَا، وَهُمْ لاَ يَعْرِفُونَهُ، وَلاَ يُقِرُّونَ بِهِ، وَلاَ قَالَ نَصْرَانِيٌّ قَطُّ: إنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الإِنْجِيلَ عَلَى عِيسَى، وَإِنَّمَا الإِنْجِيلُ عِنْدَ جَمِيعِ النَّصَارَى لاَ نُحَاشِي مِنْهُمْ أَحَدًا أَرْبَعَةُ تَوَارِيخَ: أَلَّفَ أَحَدَهَا: مَتَّى وَأَلَّفَ الآخَرَ: يُوحَنَّا وَهُمَا عِنْدَهُمْ حَوَارِيَّانِ. وَأَلَّفَ الثَّالِثَ: مُرْقُسُ وَأَلَّفَ الرَّابِعَ: لُوقَا، وَهُمَا تِلْمِيذَانِ لِبَعْضِ الْحَوَارِيِّينَ عِنْدَ كُلِّ نَصْرَانِيٍّ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ. وَلاَ يَخْتَلِفُونَ: أَنَّ تَأْلِيفَهَا كَانَ عَلَى سِنِينَ مِنْ رَفْعِ عِيسَى عليه السلام. فَإِنْ قَالُوا: حَلَّفْنَاهُمْ بِمَا هُوَ الْحَقُّ قلنا: فَحَلِّفُوهُمْ " بِالْقُرْآنِ " فَهُوَ حَقٌّ. فَإِنْ قَالُوا: هُمْ لاَ يُقِرُّونَ بِهِ. قلنا: وَهُمْ لاَ يُقِرُّونَ بِأَنَّ الإِنْجِيلَ أَنْزَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى عِيسَى عليه السلام، وَلاَ فَرْقَ. وَأَمَّا تَحْلِيفُهُمْ الْيَهُودَ "بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى" فَإِنَّهُمْ مَوَّهُوا فِي ذَلِكَ بِالْخَبَرَيْنِ الصَّحِيحَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مِنْ طَرِيقِ الْبَرَاءِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَيْهِ يَهُودِيٌّ مُحَمَّمٌ مَجْلُودٌ، فَدَعَا رَجُلاً مِنْ عُلَمَائِهِمْ فَقَالَ: "أَنْشُدُكَ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى أَهَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِكُمْ" قَالَ: لاَ، وَلَوْلاَ أَنَّكَ أَنْشَدْتَنِي بِهَذَا مَا أَخْبَرْتُكَ بِحَدِّ الرَّجْمِ . وَالآخَرُ: مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلْيَهُودِيِّ: "أَنْشُدُكُمْ بِاَللَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى مُوسَى مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ عَلَى مَنْ زَنَى إذَا أَحْصَنَ" قَالُوا: يُحَمَّمُ وَيُجَبَّهُ، وَشَابٌّ مِنْهُمْ سَكَتَ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
قال أبو محمد: وَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لأََنَّ هَذَا التَّحْلِيفَ لَمْ يَكُنْ فِي خُصُومَةٍ، وَإِنَّمَا كَانَ فِي مُنَاشَدَةٍ، وَنَحْنُ لاَ نَمْنَعُ الْمُنَاشِدَ أَنْ يَنْشُدَ بِمَا شَاءَ مِنْ تَعْظِيمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. وَلَيْسَ فِيهِمَا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ أَنْ يُحَلَّفَ هَكَذَا فَكَانَ مَنْ أَلْزَمَ ذَلِكَ فِي التَّحْلِيفِ شَارِعًا مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ يُسْتَحْلَفُ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ " بِاَللَّهِ الَّذِي لاَ إلَهَ إِلاَّ هُوَ " فَإِنَّهُمْ عَوَّلُوا فِي ذَلِكَ عَلَى خَبَرٍ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، حَدَّثَنَا عَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِرَجُلٍ أَحْلَفَهُ احْلِفْ: بِاَللَّهِ الَّذِي لاَ إلَهَ إِلاَّ

هُوَ مَا لَهُ عِنْدَكَ شَيْءٌ.
قال أبو محمد: هَذَا حَدِيثٌ سَاقِطٌ لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ، عَنْ أَبِي يَحْيَى وَهُوَ مِصْدَعٌ الأَعْرَجُ وَهُوَ مُجَرَّحٌ قُطِعَتْ عُرْقُوبَاهُ فِي التَّشَيُّعِ.
وَالثَّانِي أَنَّ أَبَا الأَحْوَصِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ إِلاَّ بَعْدَ اخْتِلاَطِ عَطَاءٍ، وَإِنَّمَا سَمِعَ مِنْ عَطَاءٍ قَبْلَ اخْتِلاَطِهِ: سُفْيَانُ، وَشُعْبَةُ، وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، وَالأَكَابِرُ الْمَعْرُوفُونَ. وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي يَحْيَى، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ "قَالَ: جَاءَ رَجُلاَنِ يَخْتَصِمَانِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لِلْمُدَّعِي: أَقِمْ الْبَيِّنَةَ، فَلَمْ يُقِمْ، وَقَالَ لِلآخَرِ: احْلِفْ، فَحَلَفَ بِاَللَّهِ الَّذِي لاَ إلَهَ إِلاَّ هُوَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ادْفَعْ حَقَّهُ وَسَتُكَفِّرُ عَنْكَ لاَ إلَهَ إِلاَّ هُوَ مَا صَنَعْتَ . فَسُفْيَانُ الَّذِي صَحَّ سَمَاعُهُ مِنْ عَطَاءٍ يَذْكُرُ أَنَّ الرَّجُلَ حَلَفَ كَذَلِكَ، لأََنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ أَنْ يَحْلِفَ كَذَلِكَ، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَأَبُو يَحْيَى لاَ شَيْءٌ ثُمَّ الْعَجَبُ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَكَانَ خِلاَفًا لِمَذْهَبِ مَالِكٍ فِي حُكْمِ الْحَاكِمِ بِعِلْمِهِ بِلاَ بَيِّنَةٍ. ثُمَّ هُوَ حَدِيثٌ مُنْكَرٌ مَكْذُوبٌ فَاسِدٌ، لأََنَّ مِنْ الْبَاطِلِ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُهُ بِالْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ، وَهُوَ عليه الصلاة والسلام يَدْرِي أَنَّهُ كَاذِبٌ فَيَأْمُرُهُ بِالْكَذِبِ، حَاشَ لِلَّهِ مِنْ هَذَا. وَعَلَى خَبَرٍ آخَرَ: مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، عَنْ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيِّ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "أَنَّ رَجُلاً حَلَفَ بِاَللَّهِ الَّذِي لاَ إلَهَ إِلاَّ هُوَ كَاذِبًا فَغُفِرَ لَهُ" .
قال أبو محمد: وَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهِ نَصٌّ، وَلاَ دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ الْحَلِفِ بِذَلِكَ فِي الْحُقُوقِ أَصْلاً، بَلْ هُوَ ضِدُّ قَوْلِهِمْ: إنَّهُمْ زَادُوا ذَلِكَ تَأْكِيدًا وَتَعْظِيمًا فَعَلَى هَذَا الْخَبَرِ مَا هِيَ إِلاَّ زِيَادَةُ تَخْفِيفٍ مُوجِبَةٌ لِلْمَغْفِرَةِ لِلْكَاذِبِ فِي يَمِينِهِ، مُسَهِّلَةٌ عَلَى الْفُسَّاقِ أَنْ يَحْلِفُوا بِهَا كَاذِبِينَ. وَنَحْنُ لاَ نُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ تَعْظِيمُ اللَّهِ تَعَالَى وَالتَّوْحِيدُ لَهُ يُوَازِنُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُوَازِنَهُ مِنْ الْمَعَاصِي فَيُذْهِبُهَا. قَالَ تَعَالَى {إنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}. وَذَكَرُوا حَدِيثًا آخَرَ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَفْصِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِي أَبِي، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "رَأَى عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَجُلاً يَسْرِقُ فَقَالَ لَهُ أَسَرَقْتَ فَقَالَ: لاَ، وَاَللَّهِ الَّذِي لاَ إلَهَ إِلاَّ هُوَ فَقَالَ عِيسَى عليه السلام: آمَنْتُ بِاَللَّهِ وَكَذَّبْتُ بَصَرِي" .
قال أبو محمد: وَحَتَّى لَوْ صَحَّ هَذَا، فَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ عِيسَى عليه السلام أَمَرَهُ بِأَنْ يَحْلِفَ كَذَلِكَ فِي خُصُومَةٍ ثُمَّ لَوْ كَانَ ذَلِكَ فِيهِ فَشَرِيعَةُ عِيسَى عليه السلام لاَ تَلْزَمُنَا، إنَّمَا يَلْزَمُنَا مَا أَتَانَا بِهِ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم.

وَذَكَرُوا الْخَبَرَ الَّذِي رُوِّينَاهُ أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ هِشَامٍ الْحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحِيمِ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الأَوْدِيِّ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَذَكَرَ أَنَّهُ قَتَلَ أَبَا جَهْلٍ يَوْمَ بَدْرٍ، قَالَ: ثُمَّ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: "آللَّهِ الَّذِي لاَ إلَهَ إِلاَّ هُوَ، قُلْت: آللَّهِ الَّذِي لاَ إلَهَ إِلاَّ هُوَ، قَالَ: آللَّهِ الَّذِي لاَ إلَهَ إِلاَّ هُوَ قُلْتُ: آللَّهِ الَّذِي لاَ إلَهَ إِلاَّ هُوَ قَالَ: انْطَلِقْ فَاسْتَثْبِتْ فَانْطَلَقْتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنْ جَاءَكُمْ يَسْعَى مِثْلَ الطَّيْرِ يَضْحَكُ فَقَدْ صَدَقَ" ، فَانْطَلَقْتُ فَاسْتَثْبَتُّ ثُمَّ جِئْتُ وَأَنَا أَسْعَى مِثْلَ الطَّيْرِ أَضْحَكُ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ: "انْطَلِقْ فَأَرِنِي مَكَانَهُ فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ فَأَرَيْتُهُ مَكَانَهُ فَحَمِدَ اللَّهَ وَقَالَ: هَذَا فِرْعَوْنُ هَذِهِ الأُُمَّةِ".
قال علي: وهذا خَبَرٌ لاَ مُتَعَلَّقَ لَهُمْ بِهِ أَصْلاً، لِوُجُوهٍ: مِنْهَا أَنَّهُ إسْنَادٌ مُتَكَلَّمٌ فِيهِ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إنَّمَا قَتَلَ أَبَا جَهْلٍ ابْنَا عَفْرَاءَ. ثُمَّ إنَّهَا لَمْ تَكُنْ خُصُومَةً، إنَّمَا كَانَتْ مُنَاشَدَةً. ثُمَّ إنْ كَانَتْ مُنَاشَدَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لأَبْنِ مَسْعُودٍ تُوجِبُ أَنْ لاَ يَكُونَ التَّحْلِيفُ فِي الْحُقُوقِ إِلاَّ كَذَلِكَ، فَإِنَّ تَكْرَارَهُ عليه الصلاة والسلام مُنَاشَدَتَهُ يُوجِبُ أَنْ تَتَكَرَّرَ الْيَمِينُ عَلَى الْحَالِفِ فِي الْحُقُوقِ، وَهَذَا بَاطِلٌ فَبَطَلَ مَا تَعَلَّقْتُمْ بِهِ.
قال أبو محمد: فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ حُجَّةٌ أَصْلاً فِي إيجَابِهِمْ هَذِهِ الزِّيَادَةَ فِي التَّحْلِيفِ. فَإِنْ قَالُوا: هِيَ زِيَادَةُ خَيْرٍ. قلنا: نَعَمْ فَأَلْزِمُوهُ الصَّدَقَةَ، وَأَنْ يُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، فَكُلُّ ذَلِكَ زِيَادَةُ خَيْرٍ، وَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ أَنْ يُلْزِمَ آخَرَ فِعْلَ شَيْءٍ مُعَيَّنٍ مِنْ الذِّكْرِ وَالْبِرِّ إِلاَّ بِقُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ يُوجِبُ نَصُّهُمَا ذَلِكَ، وَإِلَّا فَالْمُوجِبُ مَا لاَ نَصَّ فِي إيجَابِهِ عَاصٍ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مُتَعَدٍّ لِحُدُودِهِ.
قال أبو محمد: وَوَجَبَ أَنْ نَنْظُرَ فِيمَا يَشْهَدُ بِصِحَّةِ قَوْلِنَا مِنْ النُّصُوصِ: فَوَجَدْنَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ إنْ ارْتَبْتُمْ} . وَقَالَ تَعَالَى: {فَيُقْسِمَانِ بِاَللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا} . وَقَالَ تَعَالَى: {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ} . وَقَالَ تَعَالَى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ} . وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَقْسَمُوا بِاَللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} . وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ إي وَرَبِّي} . فَلَمْ يَأْمُرْ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ أَحَدًا بِأَنْ يَزِيدَ فِي الْحَلِفِ عَلَى " بِاَللَّهِ " شَيْئًا، فَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ أَنْ يَزِيدَ عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا مُوجِبًا لِتِلْكَ الزِّيَادَةِ. حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا أَبِي عَلِيِّ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ هُوَ الْمُقْرِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلاَ يَحْلِفْ إِلاَّ بِاَللَّهِ" . وَهَذَا نَصٌّ جَلِيٌّ عَلَى إبْطَالِ زِيَادَتِهِمْ وَإِيجَابِهِمْ مِنْ ذَلِكَ خِلاَفَ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ. وَصَحَّ أَنَّهُ عليه الصلاة

والسلام كَانَ يَحْلِفُ: لاَ وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ. فَصَحَّ: أَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ تَعَالَى كُلَّهَا يَحْلِفُ الْحَالِفُ بِأَيِّهَا شَاءَ.
قال أبو محمد: وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ مِمَّا صَحَّ عَنْهُمَا، وَمَا رُوِيَ، عَنْ أَبِي مُوسَى، وَعَلِيٍّ، وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله تعالى عنهم مُخَالِفٌ فِي ذَلِكَ أَصْلاً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَا وَجَدْنَا قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي ذَلِكَ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ: فَعَنْ شُرَيْحٍ وَحْدَهُ كَمَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ: مِنْ حَيْثُ يَحْلِفُ النَّاسُ، فَقَوْلٌ لَمْ يُوجِبْهُ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ، وَلاَ رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ، وَقَلَّدُوا فِيهَا مَرْوَانَ. وَخَالَفُوا: زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، وَابْنَ عُمَرَ، وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا. وَخَالَفُوا: عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فِي جَلْبِهِ رَجُلاً مِنْ الْعِرَاقِ لِيَحْلِفَ بِمَكَّةَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ بِالْعِرَاقِ، وَالْحِجَازِ، وَمُعَاوِيَةَ فِي جَلْبِهِ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ وَهُمْ يُعَظِّمُونَ مِثْلَ هَذَا إذَا وَافَقَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَا نَعْلَمُ لِقَوْلِهِمْ سَلَفًا مِنْ الصَّحَابَةِ تَعَلَّقُوا بِهِ، إِلاَّ أَنَّهُمْ شَغَبُوا بِأَخْبَارٍ نَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنْ هَاشِمِ بْنِ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نِسْطَاسٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ حَلَفَ عِنْدَ مِنْبَرِي هَذَا بِيَمِينٍ آثِمَةٍ تَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ ثَعْلَبَةَ أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَطِيَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ، حَدَّثَنَا أَبُو أُمَامَةَ بْنُ ثَعْلَبَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: " مَنْ حَلَفَ عِنْدَ مِنْبَرِي هَذَا بِيَمِينٍ كَاذِبَةٍ يَسْتَحِلُّ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لاَ يَقْبَلُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ عَدْلاً، وَلاَ صَرْفًا" . وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَضَّاحٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَرْضٍ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلْمُدَّعِي: "أَلَكَ بَيِّنَةٌ" قَالَ: لاَ، قَالَ: "فَلَكَ يَمِينُهُ". فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهُ فَاجِرٌ لَيْسَ يُبَالِي مَا حَلَفَ لَيْسَ يَتَوَرَّعُ مِنْ شَيْءٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ لَكَ مِنْهُ إِلاَّ ذَلِكَ" قَالَ: فَانْطَلَقَ لِيَحْلِفَ لَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَمَا وَاَللَّهِ لَئِنْ حَلَفَ عَلَى مَالِهِ لِيَأْكُلَهُ ظُلْمًا لَيَلْقَيَنَّ اللَّهَ وَهُوَ عَنْهُ مُعْرِضٌ" . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، نا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا حِبَّانُ، هُوَ ابْنُ هِلاَلٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، هُوَ ابْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ، هُوَ ابْنُ وَائِلٍ، عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ " أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ لِلْمُدَّعِي فِي أَرْضٍ: "بَيِّنَتُكَ" قَالَ: لَيْسَ لِي، قَالَ: "يَمِينُهُ" ، قَالَ: إذًا يَذْهَبُ بِمَالِي قَالَ: لَيْسَ لَكَ إِلاَّ ذَلِكَ، فَلَمَّا قَامَ لِيَحْلِفَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ اقْتَطَعَ

أَرْضًا ظَالِمًا لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَهُوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ".
قال أبو محمد: هَذَا كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ: فأما خَبَرُ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ: فَإِنَّ رَاوِيَ لَفْظَةِ "انْطَلَق": سِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ ثُمَّ لَيْسَ فِيهِ أَنَّهُ انْطَلَقَ إلَى الْمِنْبَرِ، وَقَدْ يُرِيدُ انْطَلَقَ فِي كَلاَمِهِ لِيَحْلِفَ، وَلاَ فِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُ بِالأَنْطِلاَقِ، وَلاَ بِالْقِيَامِ، وَلاَ حُجَّةَ فِي فِعْلِ أَحَدٍ دُونَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَأَمَّا الْخَبَرَانِ الأَوَّلاَنِ: فَلَيْسَ فِيهِمَا إِلاَّ تَعْظِيمُ الْيَمِينِ عِنْدَ مِنْبَرِهِ عليه الصلاة والسلام فَقَطْ، وَلَيْسَ فِيهِمَا أَنَّهُ أَمَرَ عليه الصلاة والسلام بِأَنْ لاَ يَحْلِفُ الْمَطْلُوبُ إِلاَّ عِنْدَهُ، وَنَحْنُ لَمْ نُخَالِفْهُمْ فِي هَذَا. وَلَوْ كَانَ هَذَانِ الْخَبَرَانِ يُوجِبَانِ أَنْ لاَ يَحْلِفَ الْمَطْلُوبُ إِلاَّ عِنْدَ مِنْبَرِهِ عليه الصلاة والسلام لَكَانَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، قَدْ خَالَفَهَا فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُمَا لاَ يُحَلِّفَانِ عِنْدَهُ إِلاَّ فِي مِقْدَارٍ مَا مِنْ الْمَالِ لاَ فِي أَقَلَّ مِنْهُ، فَلَيْتَ شِعْرِي أَيْنَ وَجَدَا هَذَا وَلَيْسَ فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ تَخْصِيصُ الْحَلِفِ عِنْدَهُ فِي عَدَدٍ دُونَ عَدَدٍ، بَلْ فِيهِ نَصُّ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فِي ذَلِكَ: كَمَا حَدَّثَنَا حمام، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ هَاشِمِ بْنِ عُتْبَةَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نِسْطَاسٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَحْلِفُ أَحَدٌ عِنْدَ مِنْبَرِي هَذَا عَلَى يَمِينٍ آثِمَةٍ وَلَوْ عَلَى سِوَاكٍ أَخْضَرَ إِلاَّ تَبَوَّأَ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ" . فَظَهَرَ خِلاَفُهُمْ لِهَذَا الْخَبَرِ نَفْسِهِ. وَالْمَوْضِعُ الآخَرُ أَنَّهُمَا يُحَلِّفَانِ مَنْ بَعُدَ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْجَوَامِعِ، فَقَدْ خَالَفَا هَذَا الْخَبَرَ أَيْضًا، وَلَئِنْ جَازَ أَنْ لاَ يُحَلَّفَ مَنْ بَعُدَ عَنْهُ عَلَيْهِ إنَّهُ لَجَائِزٌ فِيمَا قَرُبَ أَيْضًا، وَلاَ فَرْقَ، وَلَيْسَ لِلْبُعْدِ وَالْقُرْبِ حَدٌّ فِي الشَّرِيعَةِ، إِلاَّ أَنْ يَحُدَّ حَادٌّ بِرَأْيِهِ فَيَزِيدُ فِي الْبَلاَءِ وَالشَّرْعِ بِمَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى، وَقَدْ نَجِدُ مَنْ يَشُقُّ عَلَيْهِ الْمَشْيُ لِضَعْفِهِ مِائَةَ ذِرَاعٍ وَمَنْ لاَ يَشُقُّ عَلَيْهِ مَشْيُ خَمْسِينَ مِيلاً، فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ جُمْلَةً. وَأَيْضًا: فَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَصَحِّ طَرِيقٍ مِنْ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مَعْبَدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَخِيهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَأَوْجَبَ النَّار" َ، قَالُوا: وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: "وَإِنْ كَانَ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ" قَالَهَا ثَلاَثًا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبَزَّارِ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمْ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَذَكَرَ فِيهِمْ وَرَجُلٌ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ بَعْدَ صَلاَةِ الْعَصْرِ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ" .

قال أبو محمد: فَإِنْ كَانَ تَعْظِيمُ الْحَلِفِ عِنْدَ مِنْبَرِهِ عليه الصلاة والسلام مُوجِبًا لاََنْ لاَ يُحَلَّفَ الْمَطْلُوبُونَ إِلاَّ عِنْدَهُ، فَإِنَّ تَعْظِيمَهُ عليه الصلاة والسلام الْحَلِفَ بَعْدَ صَلاَةِ الْعَصْرِ مُوجِبٌ أَيْضًا: أَنْ لاَ يُحَلَّفَ الْمَطْلُوبُونَ إِلاَّ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، وَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِهِمْ. ثُمَّ الْعَجَبُ كُلُّهُ قِيَاسُهُمْ سَائِرَ الْجَوَامِعِ عَلَى مَسْجِدِهِ صلى الله عليه وسلم وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهُ لاَ فَضْلَ لِجَامِعٍ فِي سَائِرِ الْبِلاَدِ عَلَى سَائِرِ الْمَسَاجِدِ، وَأَنَّهُ لَوْ جُعِلَ مَسْجِدٌ آخَرُ جَامِعًا وَتُرِكَ التَّجْمِيعُ فِي الْجَامِعِ لَمَا كَانَ فِي ذَلِكَ حَرَجٌ أَصْلاً، وَلاَ كَرَاهَةٌ، فَمِنْ أَيْنَ خَرَجَتْ هَذِهِ الْقِيَاسَاتُ الْفَاسِدَةُ. فَإِنْ قَالُوا: فَعَلْنَا ذَلِكَ لِيَزْدَجِرَ الْمُبْطِلُ قلنا: فَافْعَلُوا ذَلِكَ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، فَإِنَّ الْوَعِيدَ جَاءَ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ سَوَاءً، حَتَّى فِي قَضِيبٍ مِنْ أَرَاكٍ، إِلاَّ إنْ كَانَ الْقَلِيلُ عِنْدَكُمْ خَفِيفًا فَهَذَا مَذْهَبُ النَّظَّامِ، وَأَبِي الْهُذَيْلِ الْعَلَّافِ، وَبِشْرِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، وَهُمْ الْقَوْمُ لاَ يُتَكَثَّرُ بِهِمْ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْمُحِقَّ قَدْ يَخْشَى السُّمْعَةَ وَالشُّهْرَةَ فِي حَمْلِهِ إلَى الْجَامِعِ فَيَتْرُكُ حَقَّهُ، فَقَدْ حَصَلْتُمْ بِنَظَرِكُمْ عَلَى إبْطَالِ الْحُقُوقِ، وَأُفٍّ لِهَذَا نَظَرًا.
قال أبو محمد: فَصَحَّ أَنَّهُ لَوْ وَجَبَتْ الْيَمِينُ فِي مَكَان دُونَ مَكَان، وَفِي حَالٍ دُونَ حَالٍ: لَبَيَّنَهَا عليه الصلاة والسلام فَإِذْ لَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ فَلاَ يُخَصُّ بِالْيَمِينِ مَكَانٌ دُونَ مَكَان، وَلاَ حَالٌ دُونَ حَالٍ. وَأَمَّا مِقْدَارُ مَا يَرَى فِيهِ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: التَّحْلِيفَ فِي الْجَوَامِعِ، فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الشَّافِعِيَّ ذَكَرَ: أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ أَنْكَرَ التَّحْلِيفَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ إِلاَّ فِي دَمٍ أَوْ كَثِيرٍ مِنْ الْمَالِ وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ لِوُجُوهٍ: أَوَّلُهَا: أَنَّهَا رِوَايَةٌ سَاقِطَةٌ لاَ يُدْرَى لَهَا أَصْلٌ، وَلاَ مُنْبَعَثٌ، وَلاَ مَخْرَجٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ فَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ إنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ مَاتَ زَمَنَ عُثْمَانَ رضي الله عنهما فَوَالِي مَكَّةَ يَوْمئِذٍ كَانَ بِلاَ شَكٍّ مِنْ الصَّحَابَةِ لِقُرْبِ الْعَهْدِ، فَلَيْسَ قَوْلُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِ مِنْ الصَّحَابَةِ. ثُمَّ لَمْ يَحُدَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ فِي كَثِيرِ الْمَالِ مَا حَدَّهُ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا سَبَقَ مَالِكًا إلَى تَحْدِيدِ ذَلِكَ بِثَلاَثَةِ دَرَاهِمَ، وَلاَ مَنْ سَبَقَ الشَّافِعِيِّ إلَى تَحْدِيدِهِ بِعِشْرِينَ دِينَارًا. فإن قيل: إنَّ فِي ثَلاَثَةِ دَرَاهِمَ تُقْطَعُ الْيَدُ فِيهَا. قلنا: وَمَنْ حَدَّ ذَلِكَ، إنَّمَا حَدَّ قَوْمٌ بِرُبُعِ دِينَارٍ، وَأَمَّا بِثَلاَثَةِ دَرَاهِمَ فَلاَ وَيُعَارِضُ هَذَا تَحْدِيدُ الشَّافِعِيِّ بِأَنَّ عِشْرِينَ دِينَارًا تَجِبُ فِيهَا الزَّكَاةُ، فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ تَخْصِيصُ ذَلِكَ دُونَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ الَّتِي صَحَّ فِيهَا النَّصُّ. أَوْ يُعَارِضُهُمْ آخَرُونَ بِمِقْدَارِ الدِّيَةِ، وَهَذَا كُلُّهُ تَخْلِيطٌ لاَ مَعْنَى لَهُ. وَيُقَالُ لَهُمْ: أَتَرَوْنَ مَا دُونَ مَا تُقْطَعُ فِيهِ الْيَدُ أَيُتَسَاهَلُ فِي ظُلْمِ الْمُسْلِمِينَ فِيهِ حَاشَ لِلَّهِ مِنْ هَذَا، وَقَدْ وَجَدْنَا أَلْفَ أَلْفِ دِينَارٍ تُؤْخَذُ غَصْبًا فَلاَ يَجِبُ فِيهَا قَطْعٌ، وَالْغَصْبُ وَالسَّرِقَةُ سَوَاءٌ فِي أَنَّهُمَا ظُلْمٌ، وَأَخْذُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ وَلَعَلَّ الْغَاصِبَ أَعْظَمُ إثْمًا، لأَهْتِضَامِهِ الْمُسْلِمَ عَلاَنِيَةً، بَلْ لاَ نَشُكُّ فِي أَنَّ غَاصِبَ دِينَارٍ أَعْظَمُ إثْمًا مِنْ سَارِقِ رُبُعِ دِينَارٍ، وَفِي الْمُسْلِمِينَ مَنْ الدِّرْهَمُ عِنْدَهُ عَظِيمٌ لِفَقْرِهِ، وَفِيهِمْ مَنْ أَلْفُ دِينَارٍ

عِنْدَهُ قَلِيلٌ لِيَسَارِهِ، فَظَهَرَ فَسَادُ هَذِهِ الأَقْوَالِ بِيَقِينٍ لاَ إشْكَالَ فِيهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

كتاب الشهادات
ولا يجوز أن تقبل في شيء من الشهادات من الرجال والنساء الاعدل رضى
بسم الله الرحمن الرحيم
كِتَابُ الشَّهَادَاتِ
1785 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقْبَلَ فِي شَيْءٍ مِنْ الشَّهَادَاتِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إِلاَّ عَدْلٌ رَضِيٌّ. وَالْعَدْلُ: هُوَ مَنْ لَمْ تُعْرَفْ لَهُ كَبِيرَةٌ، وَلاَ مُجَاهَرَةٌ بِصَغِيرَةٍ. وَالْكَبِيرَةُ: هِيَ مَا سَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَبِيرَةً، أَوْ مَا جَاءَ فِيهِ الْوَعِيدُ. وَالصَّغِيرَةُ: مَا لَمْ يَأْتِ فِيهِ وَعِيدٌ.
برهان ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ. وَلَيْسَ إِلاَّ فَاسِقٌ أَوْ غَيْرُ فَاسِقٍ، فَالْفَاسِقُ: هُوَ الَّذِي يَكُونُ مِنْهُ الْفِسْقُ، وَالْكَبَائِرُ كُلُّهَا فُسُوقٌ فَسَقَطَ قَبُولُ خَبَرِ الْفَاسِقِ، فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ الْعَدْلُ: وَهُوَ مَنْ لَيْسَ بِفَاسِقٍ. وَأَمَّا الصَّغَائِرُ: فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ: {إنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} . فَصَحَّ: أَنَّ مَا دُونَ الْكَبَائِرِ مُكَفَّرَةٌ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ، وَمَا كَفَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَسْقَطَهُ فَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ أَنْ يَذُمَّ بِهِ صَاحِبَهُ، وَلاَ أَنْ يَصِفَهُ بِهِ. وَكَذَلِكَ مَنْ تَابَ مِنْ الْكُفْرِ فَمَا دُونَهُ فَإِنَّهُ إذَا سَقَطَ عَنْهُ بِالتَّوْبَةِ مَا تَابَ عَنْهُ لَمْ يَجُزْ لأََحَدٍ أَنْ يَذُمَّهُ بِمَا سَقَطَ عَنْهُ، وَلاَ أَنْ يَصِفَهُ بِهِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا: فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: كُلُّ مُسْلِمٍ فَهُوَ عَدْلٌ حَتَّى يَثْبُتَ عَلَيْهِ الْفِسْقُ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ: ، حَدَّثَنَا كَثِيرُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ: ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ بُرْقَانَ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إلَى أَبِي مُوسَى: الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاَّ مُجَرَّبًا عَلَيْهِ شَهَادَةُ زُورٍ، أَوْ مَجْلُودًا فِي حَدٍّ، أَوْ ظَنِينًا فِي وَلاَءٍ، أَوْ قَرَابَةٍ. وَحَدَّثَنَاهُ أَيْضًا: أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ الْعُذُرِيُّ قَالَ: ، حَدَّثَنَا أَبُو ذَرٍّ الْهَرَوِيُّ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ الْفَارِسِيُّ قَالَ: ، حَدَّثَنَا أَبُو ذَرٍّ: ، حَدَّثَنَا الْخَلِيلُ بْنُ أَحْمَدَ الْقَاضِي السِّجِسْتَانِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ صَاعِدٍ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْوَلِيدِ بْنُ مَعْدَانَ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى فَذَكَرَهُ كَمَا هُوَ وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْحَسَنِ الْفَارِسِيُّ: ، حَدَّثَنَا الْقَاضِي أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَرْخِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَلَّافُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَرَّاقُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنُ أَبِي عُمَرَ الْعَدَنِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ إدْرِيسَ بْنِ يَزِيدَ الأَوْدِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إلَى أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، فَذَكَرَهُ كَمَا أَوْرَدْنَاهُ.
قال أبو محمد: فِي هَذِهِ الرِّسَالَةِ بِبَعْضِ هَذِهِ الأَسَانِيدِ " وَقِسْ الأُُمُورَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ " وَفِي بَعْضِهَا " وَاعْرِفْ الأَشْبَاهَ وَالأَمْثَالَ " وَعَلَيْهَا عَوَّلَ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ،

فِي الْحُكْمِ بِالْقِيَاسِ، ثُمَّ لَمْ يُبَالُوا بِخِلاَفِهَا فِي أَنَّ " الْمُسْلِمِينَ عُدُولٌ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ، إِلاَّ مُجَرَّبًا عَلَيْهِ شَهَادَةُ زُورٍ، أَوْ ظَنِينًا فِي وَلاَءٍ، أَوْ قَرَابَةٍ ". فَالْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ: مُجَاهِرُونَ بِخِلاَفِ هَذَا، وَالْمُسْلِمُونَ عِنْدَهُمْ عَلَى الرَّدِّ حَتَّى تَصِحَّ الْعَدَالَةُ. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ: فَالْمُسْلِمُونَ عِنْدَهُ عَلَى الْعَدَالَةِ حَتَّى يَطْعَنَ الْخَصْمُ فِي الشَّاهِدِ فَإِذَا طَعَنَ فِيهِ الْخَصْمُ تَوَقَّفَ فِي شَهَادَتِهِ حَتَّى تَثْبُتَ لَهُ الْعَدَالَةُ. فَهَذَا كُلُّهُ بِخِلاَفِ قَوْلِ عُمَرَ، فَمَرَّةً قَوْلُهُ حُجَّةٌ، وَمَرَّةً قَوْلُهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ، وَهَذَا كَمَا تَرَى، فإن قيل: قَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا الأَشْجَعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: الْعَدْلُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ الَّذِي لَمْ تَظْهَرْ مِنْهُ رِيبَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ: ، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ هُوَ أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا شُعَيْبُ، هُوَ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: سَمِعْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: إنَّ نَاسًا كَانُوا يُؤْخَذُونَ بِالْوَحْيِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِنَّ الْوَحْيَ قَدْ انْقَطَعَ، وَإِنَّمَا نَأْخُذُكُمْ الآنَ بِمَا ظَهَرَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ، فَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا خَيْرًا أَمِنَّاهُ وَقَرَّبْنَاهُ، وَلَيْسَ لَنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شَيْءٌ، وَاَللَّهُ يُحَاسِبُهُ فِي سَرِيرَتِهِ، وَمَنْ أَظْهَرَ لَنَا سُوءًا لَمْ نَأْمَنْهُ وَلَمْ نُصَدِّقْهُ، وَإِنْ قَالَ: إنَّ سَرِيرَتَهُ حَسَنَةٌ. قلنا: هَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ، عَنْ عُمَرَ، وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا عَنْهُ فَمُتَّفَقٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ فَهُوَ عَدْلٌ مَا لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ شَرٌّ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ إبْرَاهِيمَ، وَكَذَلِكَ مَا رُوِيَ مِنْ أَنَّ عُمَرَ قِيلَ لَهُ: إنَّ شَهَادَةَ الزُّورِ قَدْ فَشَتْ فَقَالَ: لاَ يُوسَرُ رَجُلٌ فِي الإِسْلاَمِ بِغَيْرِ الْعُدُولِ: مَعْنَاهُ عَلَى ظَاهِرِهِ: أَنَّ الْعُدُولَ هُمْ الْمُسْلِمُونَ إِلاَّ مَنْ صَحَّتْ عَلَيْهِ شَهَادَةُ زُورٍ. حَدَّثَنَا بِذَلِكَ حُمَامٌ، عَنِ الْبَاجِيَّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ، حَدَّثَنَا بَقِيُّ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَلَّا لاَ يُوسَرُ أَحَدٌ فِي الإِسْلاَمِ بِشُهُودِ الزُّورِ، فَإِنَّا لاَ نَقْبَلُ إِلاَّ الْعُدُولَ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ: ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: تَجُوزُ شَهَادَةُ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ مَا لَمْ يُصِبْ حُرًّا أَوْ تُعْلَمْ عَلَيْهِ خَرَبَةٌ فِي دِينِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ عَوْفٍ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يُجِيزُ شَهَادَةَ مَنْ صَلَّى إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَ الْخَصْمُ بِمَا يُجَرِّحُهُ بِهِ.
فإن قيل: قَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إبْرَاهِيمَ لاَ يَجُوزُ فِي الطَّلاَقِ شَهَادَةُ ظَنِينٍ، وَلاَ مُتَّهَمٍ. قلنا: قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ خَصَّ الطَّلاَقَ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:فِيهِ: إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ إلَى قوله تعالى: وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ فَلَمْ يَجُزْ فِي الطَّلاَقِ بِالنَّصِّ إِلاَّ مَنْ عُرِفَ لاَ مَنْ يُتَّهَمُ.
قال أبو محمد: احْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ الْمُسْلِمِينَ عُدُولٌ حَتَّى تَصِحَّ الْجُرْحَةُ: بِأَنَّهُ قَبْلَ

الْبُلُوغِ بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ جُرْحَةٍ، فَلَمَّا بَلَغَ مُسْلِمًا، فَالإِسْلاَمُ خَيْرٌ، بَلْ هُوَ جَامِعٌ لِكُلِّ خَيْرٍ فَقَدْ صَحَّ مِنْهُ الْخَيْرُ، فَهُوَ عَدْلٌ حَتَّى يُوقَنَ مِنْهُ بِضِدِّ ذَلِكَ..
فَقُلْنَا: إذَا بَلَغَ الْمُسْلِمُ فَقَدْ صَارَ فِي نِصَابِ مَنْ يُكْتَبُ لَهُ الْخَيْرُ، وَيُكْتَبُ عَلَيْهِ الشَّرُّ، وَلاَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَحَدٌ سَلِمَ مِنْ ذَنْبٍ. قَالَ تَعَالَى {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ} وَقَالَ تَعَالَى {وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ} . فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ أَحَدَ إِلاَّ وَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَاكْتَسَبَ إثْمًا، فَإِذْ قَدْ صَحَّ هَذَا، وَلاَ بُدَّ، فَلاَ بُدَّ مِنْ التَّوَقُّفِ فِي خَبَرِهِ وَشَهَادَتِهِ حَتَّى يُعْلَمَ أَيْنَ أَحَلَّتْهُ ذُنُوبُهُ فِي جُمْلَةِ الْفَاسِقِينَ: فَتَسْقُطُ شَهَادَتُهُ بِنَصِّ كَلاَمِ اللَّهِ تَعَالَى إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَمْ فِي جُمْلَةِ الْمَغْفُورِ لَهُمْ مَا أَذْنَبُوا، وَمَا ظَلَمُوا فِيهِ أَنْفُسَهُمْ، وَمَا كَسَبُوا مِنْ إثْمٍ بِالتَّوْبَةِ، أَوْ بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ، وَالتَّسَتُّرِ بِالصَّغَائِرِ: بِفَضْلِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا.
قال أبو محمد: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: مَنْ سَلِمَ مِنْ الْفَوَاحِشِ الَّتِي تَجِبُ فِيهَا الْحُدُودُ وَمَا يُشْبِهُ مَا يَجِبُ فِيهِ الْحُدُودُ مِنْ الْعَظَائِمِ، وَكَانَ يُؤَدِّي الْفَرَائِضَ، وَأَخْلاَقُ الْبِرِّ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ الْمَعَاصِي: قَبِلْنَا شَهَادَتَهُ، لأََنَّهُ لاَ يَسْلَمُ عَبْدٌ مِنْ ذَنْبٍ. وَإِنْ كَانَتْ الْمَعَاصِي أَكْثَرَ مِنْ أَخْلاَقِ الْبِرِّ رَدَدْنَا شَهَادَتَهُ. وَلاَ نُجِيزُ شَهَادَةَ مَنْ يَلْعَبُ بِالشِّطْرَنْجِ وَيُقَامِرُ عَلَيْهَا. وَلاَ مَنْ يَلْعَبُ بِالْحَمَامِ وَيُطَيِّرُهَا. وَلاَ مَنْ يُكْثِرُ الْحَلِفَ بِالْكَذِبِ.
قال أبو محمد: هَذَا كَلاَمٌ مُتَنَاقِضٌ، لأََنَّهُ بَنَاهُ عَلَى كَثْرَةِ الْخَيْرِ وَكَثْرَةِ الشَّرِّ وَهَذَا بَاطِلٌ، لأََنَّهُ مَنْ ثَبَتَ عَلَيْهِ زِنًى مَرَّةً فَهُوَ فَاسِقٌ حَتَّى يَتُوبَ. ثُمَّ رَدَّ الشَّهَادَةَ بِاللَّعِبِ بِالْحَمَامِ وَمَا نَدْرِي ذَلِكَ مُحَرَّمًا مَا لَمْ يَسْرِقْ حَمَامَ النَّاسِ.
وقال الشافعي: إذَا كَانَ الأَغْلَبُ وَالأَظْهَرُ مِنْ أَمْرِهِ الطَّاعَةَ وَالْمُرُوءَةَ: قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ، وَإِذَا كَانَ الأَغْلَبُ مِنْ أَمْرِهِ الْمَعْصِيَةَ، وَخِلاَفَ الْمُرُوءَةِ: رُدَّتْ شَهَادَتُهُ.
قال أبو محمد: كَانَ يَجِبُ أَنْ يَكْتَفِيَ بِذِكْرِ الطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ، وَأَمَّا ذِكْرُهُ الْمُرُوءَةَ هَاهُنَا فَفُضُولٌ مِنْ الْقَوْلِ وَفَسَادٌ فِي الْقَضِيَّةِ، لأََنَّهَا إنْ كَانَتْ مِنْ الطَّاعَةِ فَالطَّاعَةُ تُغْنِي عَنْهَا، وَإِنْ كَانَتْ لَيْسَتْ مِنْ الطَّاعَةِ فَلاَ يَجُوزُ اشْتِرَاطُهَا فِي أُمُورِ الدِّيَانَةِ، إذْ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ نَصُّ قُرْآنٍ، وَلاَ سُنَّةٍ.
وقال مالك فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْهُ: مَنْ كَانَ أَكْثَرُ أَمْرِهِ الطَّاعَةَ وَلَمْ يُقْدِمْ عَلَى كَبِيرَةٍ فَهُوَ عَدْلٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا، وَهُوَ الْحَقُّ كَمَا بَيَّنَّا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ولا يجوز أن يقبل في الزنا أقل نت أربعة رجال عدول
1786 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقْبَلَ فِي الزِّنَى أَقَلُّ مِنْ أَرْبَعَةِ رِجَالٍ عُدُولٍ مُسْلِمِينَ، أَوْ مَكَانَ كُلِّ رَجُلٍ امْرَأَتَانِ مُسْلِمَتَانِ عَدْلَتَانِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ ثَلاَثَةَ رِجَالٍ وَامْرَأَتَيْنِ، أَوْ

رَجُلَيْنِ وَأَرْبَعَ نِسْوَةٍ، أَوْ رَجُلاً وَاحِدًا وَسِتَّ نِسْوَةٍ، أَوْ ثَمَانِ نِسْوَةٍ فَقَطْ. وَلاَ يُقْبَلُ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ كُلِّهَا مِنْ الْحُدُودِ وَالدِّمَاءِ، وَمَا فِيهِ الْقِصَاصُ وَالنِّكَاحُ، وَالطَّلاَقُ، وَالرَّجْعَةُ، وَالأَمْوَالُ، إِلاَّ رَجُلاَنِ مُسْلِمَانِ عَدْلاَنِ، أَوْ رَجُلاَنِ وَامْرَأَتَانِ كَذَلِكَ، أَوْ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ كَذَلِكَ وَيُقْبَلُ فِي كُلِّ ذَلِكَ حَاشَا الْحُدُودَ رَجُلٌ وَاحِدٌ عَدْلٌ أَوْ امْرَأَتَانِ كَذَلِكَ مَعَ يَمِينِ الطَّالِبِ. وَيُقْبَلُ فِي الرَّضَاعِ وَحْدَهُ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ عَدْلَةٌ أَوْ رَجُلٌ وَاحِدٌ عَدْلٌ. فأما وُجُوبُ قَبُولِ أَرْبَعَةٍ فِي الزِّنَى فَبِنَصِّ الْقُرْآنِ، وَلاَ خِلاَفَ فِيهِ، قَالَ تَعَالَى وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً.
وَأَمَّا قَبُولُ رَجُلَيْنِ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ كُلِّهَا، أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فِي الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} إلَى قَوْلِهِ {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ} وَقَالَ تَعَالَى {إذَا طَلَّقْتُمْ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} إلَى قَوْلِهِ: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} .وَادَّعَى قَوْمٌ: أَنَّ قَبُولَ عَدْلَيْنِ مِنْ الرِّجَالِ فِي سَائِرِ الأَحْكَامِ قِيَاسًا عَلَى نَصِّ اللَّهِ تَعَالَى فِي الطَّلاَقِ وَالرَّجْعَةِ. وَاخْتَلَفُوا فِي قَبُولِ شَهَادَةِ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ فِي شَيْءٍ مِنْ الأَشْيَاءِ، وَفِي قَبُولِهِنَّ مَعَ رَجُلٍ فِيمَا عَدَا الدُّيُونَ الْمُؤَجَّلَةَ. وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِقَبُولِهِنَّ مُنْفَرِدَاتٍ فِي كَمْ يُقْبَلُ مِنْهُنَّ فِي ذَلِكَ. وَاخْتَلَفُوا أَيْضًا فِي الشَّاهِدِ وَيَمِينِ الطَّالِبِ فَقَالَ زُفَرُ صَاحِبُ أَبِي حَنِيفَةَ: لاَ يَجُوزُ قَبُولُ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ دُونَ رَجُلٍ فِي شَيْءٍ أَصْلاً، لاَ فِي وِلاَدَةٍ، وَلاَ فِي رَضَاعٍ، وَلاَ فِي عُيُوبِ النِّسَاءِ، وَلاَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَأَجَازَهُنَّ مَعَ رَجُلٍ فِي الطَّلاَقِ، وَالنِّكَاحِ، وَالْعِتْقِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ بُرْدٍ، عَنْ مَكْحُولٍ قَالَ: لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ إِلاَّ فِي الدَّيْنِ. وَرُوِّينَا ضِدَّ هَذَا، عَنِ الشَّعْبِيِّ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: مِنْ الشَّهَادَاتِ شَهَادَةٌ لاَ يَجُوزُ فِيهَا إِلاَّ شَهَادَاتُ النِّسَاءِ. وَمِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: مَضَتْ السُّنَّةُ أَنْ تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِيمَا لاَ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُنَّ وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنِ الْقَعْقَاعِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ وَحْدَهُنَّ إِلاَّ عَلَى مَا لاَ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُنَّ مِنْ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَحَمْلِهِنَّ وَحَيْضِهِنَّ. وَمِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى، عَنِ ابْنِ ضُمَيْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَلِيٍّ: لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ بَحْتًا حَتَّى يَكُونَ مَعَهُنَّ رَجُلٌ. وَعَنْ عَطَاءٍ مِثْلُ هَذَا وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِثْلُهُ صَحَّ عَنْهُمَا. وَعَنْ سَعِيدِ

ابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ: لاَ تُقْبَلُ النِّسَاءُ إِلاَّ فِيمَا لاَ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُنَّ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، قَالَ الزُّهْرِيُّ: عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ عُمَرَ، وَقَالَ الْحَكَمُ: عَنْ عَلِيٍّ، ثُمَّ اتَّفَقَ عُمَرُ، وَعَلِيٌّ عَلَى أَنَّهُ لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الطَّلاَقِ،، وَلاَ فِي النِّكَاحِ، وَلاَ فِي الدِّمَاءِ، وَلاَ الْحُدُودِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ: مَضَتْ السُّنَّةُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْخَلِيفَتَيْنِ بَعْدَهُ أَنَّهُ لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ، وَالنِّكَاحِ، وَالطَّلاَقِ. وَصَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الطَّلاَقِ، وَلاَ فِي النِّكَاحِ، وَلاَ فِي الْحُدُودِ وَأَجَازَ شَهَادَةَ امْرَأَتَيْنِ مَعَ رَجُلٍ فِي الْعِتْقِ، وَالْوَصِيَّةِ، وَالدَّيْنِ. وَصَحَّ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ، وَلاَ فِي جِرَاحِ الْعَمْدِ، وَلاَ فِي الطَّلاَقِ، وَلاَ فِي النِّكَاحِ، وَلاَ مَعَ رَجُلٍ، وَلاَ دُونَهُ، وَأَنَّهَا جَائِزَةٌ فِي جِرَاحِ الْخَطَأِ، وَفِي الْوَصَايَا، وَفِي الدُّيُونِ مَعَ رَجُلٍ، وَفِيمَا لاَ بُدَّ مِنْهُ. وَعَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ: فِي قَتْلٍ، وَلاَ فِي حَدٍّ، وَلاَ فِي طَلاَقٍ، وَلاَ نِكَاحٍ. وَعَنْ قَتَادَةَ: لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ: فِي طَلاَقٍ، وَلاَ فِي نِكَاحٍ. وَعَنِ الزُّهْرِيِّ لاَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ: فِي حَدٍّ، وَلاَ طَلاَقٍ، وَلاَ نِكَاحٍ، وَلاَ عِتْقٍ وَأَجَازَهَا: فِي الْوَصَايَا فِي الدُّيُونِ، وَفِي الْقَتْلِ. وَعَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الطَّلاَقِ. وَعَنْ رَبِيعَةَ: لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي طَلاَقٍ، وَلاَ نِكَاحٍ، وَلاَ حَدٍّ، وَلاَ عِتْقٍ وَتَجُوزُ فِي الْبُيُوعِ، وَفِي كُلِّ حَقٍّ يَتَرَاضَوْنَ فِيهِ، وَيَتَعَاطَوْنَ الْمَعْرُوفَ عَلَيْهِ. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ: تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الدِّيَةِ. وَصَحَّ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ أَجَازَ شَهَادَةَ امْرَأَتَيْنِ فِي عَتَاقَةٍ مَعَ رَجُلٍ. وَصَحَّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: قَبُولُ شَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فِي الطَّلاَقِ، وَجِرَاحِ الْخَطَأِ، وَلَمْ يُجِزْ شَهَادَةَ النِّسَاءِ فِي جِرَاحِ عَمْدٍ، وَلاَ فِي حَدٍّ. وَصَحَّ عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ: قَبُولُ النِّسَاءِ مَعَ رَجُلٍ فِي الطَّلاَقِ وَالنِّكَاحِ. وَصَحَّ عَنْ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ: قَبُولُ امْرَأَتَيْنِ فِي الطَّلاَقِ. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ: لاَ تُقْبَلُ النِّسَاءُ فِي الْحُدُودِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: أَنَّ شُرَيْحًا أَجَازَ شَهَادَةَ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ عَلَى رَجُلٍ فِي صَدَاقِ امْرَأَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حُجَيْرٍ عَمَّنْ يَرْضَى كَأَنَّهُ يُرِيدُ طَاوُوسًا قَالَ: تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي كُلِّ شَيْءٍ مَعَ الرِّجَالِ، إِلاَّ الزِّنَى مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لاَ يَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرْنَ إلَى ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، هُوَ ابْنُ هَارُونَ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، عَنِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْخِرِّيتِ، عَنْ أَبِي لَبِيدٍ قَالَ: إنَّ سَكْرَانَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاَثًا، فَشَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ، فَرُفِعَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَأَجَازَ شَهَادَةَ النِّسْوَةِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ حِرَاشِ بْنِ مَالِكٍ الْجَهْضَمِيِّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَجُلاً مِنْ عُمَانَ تَمَلَّأَ مِنْ الشَّرَابِ فَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلاَثًا، فَشَهِدَ عَلَيْهِ نِسْوَةٌ، فَكُتِبَ فِي ذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَأَجَازَ شَهَادَةَ النِّسْوَةِ، وَأَبَتَّ عَلَيْهِ الطَّلاَقَ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِي، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ،

حَدَّثَنَا أَبُو طَلْقٍ، عَنْ امْرَأَةٍ: أَنَّ امْرَأَةً وَطِئَتْ صَبِيًّا فَقَتَلَتْهُ، فَشَهِدَ عَلَيْهَا أَرْبَعُ نِسْوَةٍ، فَأَجَازَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ شَهَادَتَهُنَّ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ أَبِي طَلْقٍ، عَنْ أُخْتِهِ هِنْدَ بِنْتِ طَلْقٍ قَالَتْ: كُنْت فِي نِسْوَةٍ وَصَبِيٌّ مُسَجًّى، فَقَامَتْ امْرَأَةٌ فَمَرَّتْ فَوَطِئَتْهُ، فَقَالَتْ أُمُّ الصَّبِيِّ: قَتَلْتِهِ وَاَللَّهِ، فَشَهِدَ عِنْدَ عَلِيٍّ عَشْرُ نِسْوَةٍ أَنَا عَاشِرَتُهُنَّ فَقَضَى عَلِيٌّ عَلَيْهَا بِالدِّيَةِ وَأَعَانَهَا بِأَلْفَيْنِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: أَجَازَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ شَهَادَةَ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ: فِي الطَّلاَقِ، وَالنِّكَاحِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ أَجَازَ شَهَادَةَ النِّسَاء فِي النِّكَاحِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ الضَّرِيرُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: لَوْ شَهِدَ عِنْدِي ثَمَانِي نِسْوَةٍ عَلَى امْرَأَةٍ بِالزِّنَى لَرَجَمْتهَا.وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَتَجُوزُ عَلَى الزِّنَى امْرَأَتَانِ وَثَلاَثَةُ رِجَالٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ: أَنَّ رَجُلاً ادَّعَى مَتَاعَ الْبَيْتِ، فَجَاءَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ يَشْهَدْنَ فَقُلْنَ: دَفَعْنَا إلَيْهِ الصَّدَاقَ وَقُلْنَا: جَهِّزْهَا فَقَضَى شُرَيْحٌ عَلَيْهِ بِالْمَتَاعِ وَقَالَ لَهُ: إنَّ عُقْرَهَا مِنْ مَالِكَ هَذَا فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ. وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ: فَإِنَّ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ قَالَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: تُقْبَلُ الْمَرْأَتَانِ مَعَ رَجُلٍ فِي الْقِصَاصِ، وَفِي الطَّلاَقِ، وَالنِّكَاحِ، وَكُلِّ شَيْءٍ حَاشَ الْحُدُودَ وَيُقْبَلْنَ مُنْفَرِدَاتٍ فِيمَا لاَ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إِلاَّ النِّسَاءُ. وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ، وَسُفْيَانَ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: يُقْبَلْنَ مَعَ رَجُلٍ فِي الطَّلاَقِ، وَالنِّكَاحِ، وَكُلِّ شَيْءٍ حَاشَ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصَ وَيُقْبَلْنَ مُنْفَرِدَاتٍ فِيمَا لاَ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إِلاَّ النِّسَاءُ، وَلاَ يُقْبَلُ فِي الرَّضَاعِ إِلاَّ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاء مَعَ رَجُلٍ فِي الْحُدُودِ، وَتُصَدَّقُ الْمَرْأَةُ وَحْدَهَا فِي الْوِلاَدَةِ: أَنَّهَا وَلَدَتْ هَذَا الْوَلَدَ، وَيُلْحَقُ نَسَبُهُ وَإِنْ لَمْ يَشْهَدْ لَهَا بِذَلِكَ أَحَدٌ سِوَاهَا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: يُقْبَلْنَ مُنْفَرِدَاتٍ فِي عُيُوبِ النِّسَاءِ، وَمَا لاَ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إِلاَّ النِّسَاءُ، وَلاَ يُقْبَلُ فِي الرَّضَاعِ إِلاَّ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ أَوْ رَجُلاَنِ. وَقَالَ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ: يُقْبَلْنَ مُنْفَرِدَاتٍ فِيمَا لاَ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الرِّجَالُ، وَلاَ يُقْبَلْنَ مَعَ رَجُلٍ: لاَ فِي قِصَاصٍ، وَلاَ حَدٍّ، وَلاَ طَلاَقٍ، وَلاَ نِكَاحٍ وَتَجُوزُ شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ وَرَجُلٍ فِي الْعِتْقِ وَالْوَصِيَّةِ. وقال أبو حنيفة: تُقْبَلُ شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ، وَرَجُلٍ فِي جَمِيعِ الأَحْكَامِ أَوَّلِهَا، عَنْ آخِرِهَا، حَاشَ الْقِصَاصَ وَالْحُدُودَ وَيُقْبَلْنَ فِي الطَّلاَقِ وَالنِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ مَعَ رَجُلٍ، وَلاَ يُقْبَلْنَ مُنْفَرِدَاتٍ: لاَ فِي الرَّضَاعِ، وَلاَ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِالْوِلاَدَةِ، وَلاَ فِي الأَسْتِهْلاَلِ

لَكِنْ مَعَ رَجُلٍ وَيُقْبَلْنَ فِي الْوِلاَدَةِ الْمُطْلَقَةِ، وَعُيُوبِ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: وَيُقْبَلْنَ مُنْفَرِدَاتٍ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِالْوِلاَدَةِ، وَفِي الأَسْتِهْلاَلِ. وقال مالك: لاَ تُقْبَلُ النِّسَاءُ مَعَ رَجُلٍ، وَلاَ دُونَهُ: فِي قِصَاصٍ، وَلاَ حَدٍّ، وَلاَ طَلاَقٍ، وَلاَ نِكَاحٍ، وَلاَ رَجْعَةٍ، وَلاَ عِتْقٍ، وَلاَ نَسَبٍ، وَلاَ وَلاَءٍ، وَلاَ إحْصَانٍ. وَتَجُوزُ شَهَادَتُهُنَّ مَعَ رَجُلٍ فِي الدُّيُونِ، وَالأَمْوَالِ، وَالْوَكَالَةِ، وَالْوَصِيَّةِ الَّتِي لاَ عِتْقَ فِيهَا وَيُقْبَلْنَ مُنْفَرِدَاتٍ: فِي عُيُوبِ النِّسَاءِ، وَالْوِلاَدَةِ، وَالرَّضَاعِ وَالأَسْتِهْلاَلِ وَحَيْثُ يُقْبَلُ شَاهِدٌ وَيَمِينُ الطَّالِبِ، فَإِنَّهُ يُقْضَى فِيهِ بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ وَيَمِينِ الطَّالِبِ، وَيُقْضَى بِامْرَأَتَيْنِ مَعَ أَيْمَانِ الْمُدَّعِي فِي الْقَسَامَةِ. وقال الشافعي: تُقْبَلُ شَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ مَعَ رَجُلٍ فِي الأَمْوَالِ كُلِّهَا، وَفِي الْعِتْقِ، لأََنَّهُ مَالٌ، وَفِي قَتْلِ الْخَطَأِ، وَفِي الْوَصِيَّةِ لأَِنْسَانٍ بِمَالٍ، وَلاَ يُقْبَلْنَ فِي أَصْلِ الْوَصِيَّةِ لاَ مَعَ رَجُلٍ، وَلاَ دُونَهُ وَيُقْبَلْنَ مُنْفَرِدَاتٍ فِيمَا لاَ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إِلاَّ النِّسَاءُ. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: لاَ تُقْبَلُ النِّسَاءُ مَعَ رَجُلٍ إِلاَّ فِي الأَمْوَالِ خَاصَّةً. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: لاَ يُقْبَلْنَ مَعَ رَجُلٍ إِلاَّ فِي الأَمْوَالِ خَاصَّةً. وَأَمَّا اخْتِلاَفُهُمْ فِي عَدَدِ مَا يُقْبَلُ مِنْهُنَّ حَيْثُ يُقْبَلْنَ مُنْفَرِدَاتٍ. فَرُوِّينَا، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ كَمَا ذَكَرْنَا أَنَّ مَكَانَ كُلِّ شَاهِدٍ رَجُلٌ امْرَأَتَانِ فَلاَ يُقْبَلُ فِيمَا يُقْبَلُ فِيهِ رَجُلاَنِ إِلاَّ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ. وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ مِثْلُ ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمَا، وَعَطَاءٍ، وَقَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ جُمْلَةً، وَابْنِ شُبْرُمَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَصْحَابِهِ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِهِ، إِلاَّ أَنَّهُمْ قَالُوا: تُقْبَلُ فِي الرَّضَاعِ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ. وَقَالَ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ: لاَ يُقْبَلُ فِيمَا يُقْبَلُ فِيهِ النِّسَاءُ مُنْفَرِدَاتٍ إِلاَّ ثَلاَثُ نِسْوَةٍ لاَ أَقَلُّ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: تُقْبَلُ امْرَأَتَانِ فِي كُلِّ مَا يُقْبَلُ فِيهِ النِّسَاءُ مُنْفَرِدَاتٍ وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ إِلاَّ فِي الأَسْتِهْلاَلِ خَاصَّةً، فَإِنَّهُ يَقْبَلُ فِيهِ الْقَابِلَةُ وَحْدَهَا. وَقَالَ الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ: يُقْبَلُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ امْرَأَتَانِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى وَمَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ، وَأَبِي عُبَيْدٍ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: تُقْبَلُ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ. رُوِّينَا، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّهُ أَجَازَ شَهَادَةَ الْقَابِلَةِ وَحْدَهَا وَرُوِّينَا ذَلِكَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ رضي الله عنهما فِي الأَسْتِهْلاَلِ، وَأَنَّ عُمَرَ وَرَّثَ بِذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمَا وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَشُرَيْحٍ، وَأَبِي الزِّنَادِ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ وَرَبِيعَةَ، وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ قَالَ: وَإِنْ كَانَتْ يَهُودِيَّةً كُلُّ ذَلِكَ قَالُوهُ فِي الأَسْتِهْلاَلِ، إِلاَّ الشَّعْبِيُّ، وَحَمَّادًا فَقَالاَ: فِي كُلِّ مَا لاَ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إِلاَّ النِّسَاءُ وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: يُقْبَلُ فِي عُيُوبِ النِّسَاءِ، وَمَا لاَ يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إِلاَّ النِّسَاءُ امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِ وَصَحَّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَرُوِيَ، عَنْ عُثْمَانَ، وَعَلِيٌّ أَمِيرَيْ الْمُؤْمِنِينَ، وَابْنُ عُمَرَ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ وَرُوِيَ، عَنْ رَبِيعَةَ،

وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَأَبِي الزِّنَادِ، وَالنَّخَعِيِّ، وَشُرَيْحٍ، وطَاوُوس، وَالشَّعْبِيِّ: الْحُكْمُ فِي الرَّضَاعِ بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ. وَأَنَّ عُثْمَانَ فَرَّقَ بِشَهَادَتِهِمَا بَيْنَ الرِّجَالِ وَنِسَائِهِمْ وَذَكَرَ الزُّهْرِيُّ أَنَّ النَّاسَ عَلَى ذَلِكَ وَذَكَرَ الشَّعْبِيُّ ذَلِكَ، عَنِ الْقَضَاءِ جُمْلَةً وَرُوِيَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا تُسْتَحْلَفُ مَعَ ذَلِكَ. وَصَحَّ عَنْ مُعَاوِيَةَ أَنَّهُ قَضَى فِي دَارٍ بِشَهَادَةِ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها وَلَمْ يُشْهِدْ بِذَلِكَ غَيْرَهَا. وَرُوِّينَا، عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَالْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ لَمْ يُفَرِّقُوا بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الرَّضَاعِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ: أُفْتِي فِي ذَلِكَ بِالْفُرْقَةِ، وَلاَ أَقْضِي بِهَا. وَرُوِّينَا، عَنْ عُمَرَ: ، أَنَّهُ قَالَ: لَوْ فَتَحْنَا هَذَا الْبَابَ لَمْ تَشَأْ امْرَأَةٌ أَنْ تُفَرِّقَ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَتِهِ إِلاَّ فَعَلَتْ. وَقَالَ الأَوْزَاعِيِّ: أَقْضِي بِشَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، قَبْلَ النِّكَاحِ، وَأَمْنَعُ مِنْ النِّكَاحِ، وَلاَ أُفَرِّقُ بِشَهَادَتِهِمَا بَعْدَ النِّكَاحِ.
قال أبو محمد: فَكَانَ مِنْ حُجَّةِ مَنْ لَمْ يَرَ قَبُولَ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ، وَلاَ قَبُولَ امْرَأَةٍ مَعَ رَجُلٍ إِلاَّ فِي الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ فَقَطْ، أَنْ قَالُوا: أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الزِّنَى بِقَبُولِ أَرْبَعَةٍ، وَفِي الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ بِرَجُلَيْنِ، أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَفِي الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ بِاثْنَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ بِاثْنَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ يَحْلِفَانِ مَعَ شَهَادَتِهِمَا، وَفِي الطَّلاَقِ وَالرَّجْعَةِ بِذَوَيْ عَدْلٍ مِنَّا. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فِي التَّدَاعِي فِي أَرْضٍ شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ، لَيْسَ لَكَ إِلاَّ ذَلِكَ فَلَمْ يَذْكُرْ اللَّهُ تَعَالَى، وَلاَ رَسُولُهُ عليه الصلاة والسلام عَدَدَ الشُّهُودِ وَصِفَتَهُمْ إِلاَّ فِي هَذِهِ النُّصُوصِ فَقَطْ، فَوَجَبَ الْوُقُوفُ عِنْدَهَا، وَأَنْ لاَ تَتَعَدَّى، وَأَنْ لاَ يُقْبَلَ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ إِلاَّ مَا اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى قَبُولِهِ.
قال أبو محمد: مَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِمَّنْ يُخَالِفُنَا اتَّبَعَ فِي أَقْوَالِهِ فِي الشَّهَادَاتِ النُّصُوصَ الثَّابِتَةَ مِنْ الْقُرْآنِ، وَلاَ مِنْ السُّنَنِ، وَلاَ مِنْ الإِجْمَاعِ، وَلاَ مِنْ الْقِيَاسِ، وَلاَ مِنْ الأَحْتِيَاطِ، وَلاَ مِنْ قَوْلِ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، فَكُلُّ أَقْوَالٍ كَانَتْ هَكَذَا فَهِيَ مُتَخَاذِلَةٌ مُتَنَاقِضَةٌ بَاطِلٌ، لاَ يَحِلُّ الْقَوْلُ بِهَا فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلاَ يَجُوزُ الْحُكْمُ بِهَا، فِي دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَفُرُوجِهِمْ، وَأَبْشَارِهِمْ، وَأَمْوَالِهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّنَا هَبْكَ أَمْسَكْنَا الآنَ، عَنِ الأَعْتِرَاضِ عَلَى احْتِجَاجِهِمْ بِالنُّصُوصِ الْمَذْكُورَةِ، لَكِنْ لِنُرِيَهُمْ بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُوَّتِهِ مُخَالَفَتَهُمْ لَهَا جِهَارًا: أَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ: فَأَجَازَ شَهَادَةَ النِّسَاءِ فِي النِّكَاحِ، وَالطَّلاَقِ، وَالرَّجْعَةِ مَعَ رَجُلٍ، وَلَيْسَ هَذَا فِي شَيْءٍ مِنْ الآيَاتِ، بَلْ فِيهَا: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} . فَمَنْ أَعْجَبُ شَأْنًا مِمَّنْ يَرَى خَبَرَ الْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ خِلاَفًا لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} ، وَلاَ يَرَى قَوْلَهُ بِإِجَازَةِ امْرَأَتَيْنِ

مَعَ رَجُلٍ خِلاَفًا لقوله تعالى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُم} . فَإِنْ قَالُوا: إنَّ امْرَأَةً عَدْلَةً وَرَجُلاً عَدْلاً يَقَعُ عَلَيْهِمَا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنَّا قلنا: وَشَهَادَةُ ثَلاَثَةِ رِجَالٍ وَامْرَأَتَيْنِ فِي الزِّنَى يَقَعُ عَلَيْهِمْ وَعَلَى وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا أَرْبَعَةُ شُهَدَاءَ، وَلاَ فَرْقَ. ثُمَّ قَبِلُوا شَهَادَةَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ حَيْثُ تُقْبَلُ النِّسَاءُ مُنْفَرِدَاتٍ وَلَمْ يَقْبَلُوهَا فِي الرَّضَاعِ حَيْثُ جَاءَتْ السُّنَّةُ بِقَبُولِهَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ السَّلَفِ. فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا ذَلِكَ عَلَى الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ قلنا: فَقِيسُوا الْحُدُودَ فِي ذَلِكَ وَالْقِصَاصَ عَلَى الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ، وَلاَ فَرْقَ فَإِنْ ادَّعَوْا إجْمَاعًا عَلَى أَنْ لاَ يُقْبَلْنَ فِي الْحُدُودِ أَكْذَبَهُمْ عَطَاءٌ. فَإِنْ قَالُوا: خَالَفَ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ. قلنا: وَأَنْتُمْ خَالَفْتُمْ فِي أَنْ لاَ يُقْبَلْنَ النِّسَاءُ مُنْفَرِدَاتٍ فِي الرَّضَاعِ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ. وَأَمَّا مَالِكٌ: فَقَاسَ بَعْضَ الأَمْوَالِ عَلَى الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ وَلَمْ يَقِسْ عَلَيْهَا الْعِتْقَ وَقَبِلَ امْرَأَتَيْنِ لاَ رَجُلَ مَعَهُمَا مَعَ يَمِينِ الطَّالِبِ فِي الأَمْوَالِ وَالْقَسَامَةِ وَمَا نَعْلَمُ لَهُ سَلَفًا فِي هَذَا رُوِيَ عَنْهُ هَذَا الْقَوْلُ. وَخَالَفَ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ فِي رَدِّ شَهَادَةِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الأَسْتِهْلاَلِ. وَفِي قَبُولِ امْرَأَتَيْنِ تُقْبَلُ النِّسَاءُ مُنْفَرِدَاتٍ. وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ: فَقَاسَ الأَمْوَالَ عَلَى الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ فَيُقَالُ لَهُ: هَلَّا قِسْت سَائِرَ الأَحْكَامِ عَلَى ذَلِكَ وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَنْ قَالَ: أَقِيسُ عَلَى ذَلِكَ كُلَّ حُكْمٍ، لأََنَّهُ حُكْمٌ وَحُكْمٌ، وَبَيْنَ قَوْلِك أَقِيسُ عَلَى ذَلِكَ الأَمْوَالَ كُلَّهَا، لأََنَّهُ مَالٌ وَمَالٌ، وَهَلْ هَاهُنَا إِلاَّ التَّحَكُّمُ فَهَذَا خِلاَفُهُمْ لِلنُّصُوصِ، وَلِلْقِيَاسِ، وَلِقَوْلِ السَّلَفِ، وَلَيْسَ مِنْهُمْ أَحَدٌ رَاعَى الإِجْمَاعَ، لأََنَّنَا قَدْ ذَكَرْنَا، عَنْ زُفَرَ أَنَّهُ لاَ يُقْبَلُ النِّسَاءُ مُنْفَرِدَاتٍ فِي شَيْءٍ مِنْ الأَشْيَاءِ. وَقَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: الشَّهَادَةُ عَلَى الْقَتْلِ أَرْبَعَةٌ كَالشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَى. وَلَيْتَ شِعْرِي مِنْ أَيْنَ قَاسُوا الْقَتْلَ، وَالْقِصَاصَ، وَالْحُدُودَ عَلَى مَا يُقْبَلُ فِيهِ رَجُلاَنِ فَقَطْ دُونَ أَنْ يَقِيسُوهَا عَلَى الزِّنَى الَّذِي هُوَ أَشْبَهُ بِهَا، لأََنَّهُ حَدٌّ وَحَدٌّ، وَدَمٌ وَدَمٌ أَوْ عَلَى مَا يُقْبَلُ فِيهِ رَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ، لأََنَّهُ حُكْمٌ وَحُكْمٌ، وَشَهَادَةٌ وَشَهَادَةٌ فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ بِيَقِينٍ. فَإِذًا قَدْ سَقَطَتْ الأَقْوَالُ الْمَذْكُورَةُ فَإِنَّ وَجْهَ الْكَلاَمِ وَالصَّدْعِ بِالْحَقِّ: هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَنَا عِنْدَ التَّبَايُعِ بِالإِشْهَادِ، فَقَالَ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ} . وَأَمَرَنَا إذَا تَدَايَنَّا بِدَيْنٍ مُؤَجَّلٍ أَنْ نَكْتُبَهُ، وَأَنْ نُشْهِدَ شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِنَا، أَوْ رَجُلاً وَامْرَأَتَيْنِ مَرْضِيَّتَيْنِ. وَأَمَرَنَا عِنْدَ الطَّلاَقِ وَالْمُرَاجَعَةِ بِإِشْهَادِ ذَوَيْ عَدْلٍ مِنَّا. وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ النُّصُوصِ ذِكْرُ مَا نَحْكُمُ بِهِ عِنْدَ التَّنَازُعِ فِي ذَلِكَ وَالْخِصَامِ مِنْ عَدَدِ الشُّهُودِ، إذْ قَدْ يَمُوتُ الشَّاهِدَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا، أَوْ يَنْسَيَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا، أَوْ يَتَغَيَّرَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا. فَمَنْ أَعْجَبُ شَأْنًا أَوْ أَضَلُّ سَبِيلاً مِمَّنْ خَالَفَ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ جِهَارًا فَقَالَ: إذَا تَبَايَعْتُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْهِدُوا

وَإِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَلاَ تَكْتُبُوهُ إنْ شِئْتُمْ. وَلاَ تُشْهِدُوا عَلَيْهِ أَحَدًا إنْ أَرَدْتُمْ ثُمَّ أَرَادَ التَّمْوِيهَ بِالنَّصِّ الْمَذْكُورِ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ مِنْهُ شَيْءٌ فَخَالَفَ الآيَةَ فِيمَا فِيهَا وَادَّعَى عَلَيْهَا مَا لَيْسَ فِيهَا نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْبَلاَءِ. فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِالنُّصُوصِ الْمَذْكُورَةِ. وَأَمَّا قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ، لَيْسَ لَكَ إِلاَّ ذَلِكَ" فَإِنَّ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ أَوَّلُ مَنْ يَضُمُّ إلَى هَذَا النَّصِّ مَا لَيْسَ فِيهِ، فَيُجِيزُونَ فِي الأَمْوَالِ كُلِّهَا رَجُلاً وَامْرَأَتَيْنِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ إِلاَّ فِي الدُّيُونِ الْمُؤَجَّلَةِ فَقَطْ، فَقَدْ زَادُوا عَلَى مَا فِي هَذَا الْخَبَرِ بِقِيَاسِهِمْ الْفَاسِدِ. وَأَمَّا نَحْنُ: فَطَرِيقُنَا فِي ذَلِكَ غَيْرُ طَرِيقِهِمْ، لَكِنْ نَقُولُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَسْتَعِينُ: قَدْ صَحَّ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، وَالأَعْمَشِ، كِلاَهُمَا، عَنْ أَبِي وَائِلٍ أَنَّ الأَشْعَثَ دَخَلَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ يُحَدِّثُهُمْ بِنُزُولِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً} فَقَالَ الأَشْعَثُ: فِي نَزَلَتْ، وَفِي رَجُلٍ خَاصَمْتُهُ فِي بِئْرٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "أَلَكَ بَيِّنَةٌ" قُلْتُ: لاَ، قَالَ: فَلْيَحْلِفْ. فَوَجَدْنَاهُ عليه الصلاة والسلام قَدْ كَلَّفَ الْمُدَّعِيَ مَرَّةً شَاهِدَيْنِ، وَمَرَّةً بَيِّنَةً مُطْلَقَةً، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ الْبَيِّنَةُ كُلَّ مَا قَالَ قَائِلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ إنَّهُ بَيِّنَةٌ. وَوَجَدْنَا الشَّاهِدَيْنِ الْعَدْلَيْنِ يَقَعُ عَلَيْهِمَا اسْمُ بَيِّنَةٍ، فَوَجَبَ قَبُولُهُمَا فِي كُلِّ شَيْءٍ، حَاشَ حَيْثُ أَلْزَمَ اللَّهُ تَعَالَى أَرْبَعَةً فَقَطْ. وَوَجَدْنَاهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ الْهَادِي، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثٍ فَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ تَعْدِلُ شَهَادَةَ رَجُلٍ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ أَخْبَرَنِي زَيْدٌ، هُوَ ابْنُ أَسْلَمَ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي حَدِيثٍ: أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ قلنا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَطَعَ عليه الصلاة والسلام بِأَنَّ شَهَادَةَ امْرَأَتَيْنِ تَعْدِلُ شَهَادَةَ رَجُلٍ، فَوَجَبَ ضَرُورَةً أَنَّهُ لاَ يُقْبَلُ حَيْثُ يُقْبَلُ رَجُلٌ لَوْ شَهِدَ إِلاَّ امْرَأَتَانِ، وَهَكَذَا مَا زَادَ. فإن قيل: فَهَلاَّ قَبِلْتُمْ بِهَذَا الأَسْتِدْلاَلِ رَجُلاً وَاحِدًا، فَقَدْ صَحَّ ذَلِكَ، عَنْ شُرَيْحٍ، وَمُطَرِّفِ بْنِ مَازِنٍ، وَزُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، أَوْ شَهَادَةَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، فَقَدْ قَبِلَهَا مُعَاوِيَةُ قلنا: مَنَعَنَا مِنْ ذَلِكَ حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، فَلَوْ جَازَ قَبُولُ وَاحِدٍ حَيْثُ لَمْ يَقْبَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَكَانَتْ الْيَمِينُ فُضُولاً، وَحَاشَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ.فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ قَبُولُ رَجُلٍ وَاحِدٍ، وَلاَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ إِلاَّ فِي الْهِلاَلِ كَمَا ذَكَرْنَا فِي " كِتَابِ الصِّيَامِ " فَقَطْ وَفِي الرَّضَاعِ. لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَبِيعٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ الْبَلْخِيّ، وَيَعْقُوبُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، قَالاَ جَمِيعًا: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ

ابْنُ إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: وَقَدْ سَمِعْتُهُ مِنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ، وَلَكِنِّي لِحَدِيثِ عُبَيْدٍ أَحْفَظُ، قَالَ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ: إنِّي قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً، فَجَاءَتْ امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ إنِّي قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا وَهِيَ كَاذِبَةٌ فَأَعْرَضَ عَنِّي، فَأَتَيْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ فَقُلْتُ: إنَّهَا كَاذِبَةٌ، فَقَالَ: كَيْفَ بِهَا وَقَدْ زَعَمَتْ أَنَّهَا أَرْضَعَتْكُمَا دَعْهَا عَنْكَ .
قال أبو محمد: فَنَهْيُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم تَحْرِيمٌ، وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحُذَافِيِّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ " قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ إلَى أَهْلِ ثَلاَثَةِ أَبْيَاتٍ تَنَاكَحُوا فَقَالَتْ: هُمْ بَنِيَّ وَبَنَاتِي، فَفَرَّقَ عُثْمَانُ رضي الله عنه بَيْنَهُمْ. وَرُوِّينَا، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَنَّهُ قَالَ: فَالنَّاسُ يَأْخُذُونَ الْيَوْمَ بِذَلِكَ مِنْ قَوْلِ عُثْمَانَ فِي الْمُرْضِعَاتِ إذَا لَمْ يُتَّهَمْنَ. وَمِنْ طَرِيقِ قَتَادَةَ، عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ أَبِي الشَّعْثَاءِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: تَجُوزُ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الرَّضَاعِ.
قال أبو محمد: وَأَمَّا الْخَبَرُ الَّذِي صَدَّرْنَا بِهِ مِنْ قَوْلِ الزُّهْرِيِّ مَضَتْ السُّنَّةُ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَمِنْ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ: أَنْ لاَ تَجُوزَ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الطَّلاَقِ، وَلاَ فِي النِّكَاحِ، وَلاَ فِي الْحُدُودِ: فَبَلِيَّةٌ، لأََنَّهُ مُنْقَطِعٌ مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَهُوَ هَالِكٌ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ، عَنْ عُمَرَ " لَوْ فَتَحْنَا هَذَا الْبَابَ لَمْ تَشَأْ امْرَأَةٌ أَنْ تُفَرِّقَ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَتِهِ إِلاَّ فَعَلَتْ ذَلِكَ " فَهُوَ، عَنِ الْحَارِثِ الْغَنَوِيِّ وَهُوَ مَجْهُولٌ أَنَّ عُمَرَ. وَأَيْضًا فَإِنَّ هَذَا كَلاَمٌ بَعِيدٌ، عَنْ عُمَرَ قَوْلُ مِثْلِهِ، لأََنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ أَنْ لاَ يَشَاءَ رَجُلاَنِ قَتْلَ رَجُلٍ وَإِعْطَاءَ مَالِهِ لأَخَرَ، وَتَفْرِيقَ امْرَأَتِهِ عَنْهُ إِلاَّ قَدَرَا عَلَى ذَلِكَ، بِأَنْ يَشْهَدَا عَلَيْهِ بِذَلِكَ. وَبِضَرُورَةِ الْعَقْلِ يَدْرِي كُلُّ أَحَدٍ أَنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَ امْرَأَةٍ وَبَيْنَ رَجُلٍ، وَبَيْنَ رَجُلَيْنِ، وَبَيْنَ امْرَأَتَيْنِ، وَبَيْنَ أَرْبَعَةِ رِجَالٍ، وَبَيْنَ أَرْبَعِ نِسْوَةٍ، فِي جَوَازِ تَعَمُّدِ الْكَذِبِ وَالتَّوَاطُؤِ عَلَيْهِمْ، وَكَذَلِكَ الْغَفْلَةُ وَلَوْ حِينًا إلَى هَذَا، لَكِنَّ النَّفْسَ أَطْيَبُ عَلَى شَهَادَةِ ثَمَانِي نِسْوَةٍ مِنْهَا عَلَى شَهَادَةِ أَرْبَعَةِ رِجَالٍ. وَهَذَا كُلُّهُ لاَ مَعْنَى لَهُ، إنَّمَا هُوَ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ، وَلاَ مَزِيدَ. وَأَمَّا مَنْ احْتَجَّ بِتَخْصِيصِ مَا لاَ يَجُوزُ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهِ الرِّجَالُ فَبَاطِلٌ، وَمَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ مِنْ النَّظَرِ إلَى عَوْرَةِ الْمَرْأَةِ إِلاَّ كَاَلَّذِي يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ ذَلِكَ، وَلاَ يَجُوزُ ذَلِكَ إِلاَّ عِنْدَ الشَّهَادَةِ أَوْ الضَّرُورَةِ، كَنَظَرِهِمْ إلَى عَوْرَةِ الزَّانِيَيْنِ، وَالرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا الْيَمِينُ مَعَ الشَّاهِدِ: فَرُوِّينَا، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ.

وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ أَخْبَرَنِي ضَمْرَةُ: أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: سَمِعْت أَبِي يَقُولُ لِلْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ وَقَضَى بِهَا عَلِيٌّ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ.
وَمِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ، عَنْ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ قَضَى عَلَيْهِ بِدَيْنٍ لأَِنْسَانٍ أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا وَأَحْلَفَهُ مَعَ شَاهِدِهِ. وَصَحَّ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، وَعَنْ شُرَيْحٍ. وَرُوِيَ، عَنْ جَمَاعَةٍ: مِنْهُمْ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَأَبُو الزِّنَادِ، وَرَبِيعَةُ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ، وَإِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَيَحْيَى بْنُ مَعْمَرٍ، وَالْفُقَهَاءُ السَّبْعَةُ، وَغَيْرُهُمْ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، إِلاَّ أَنَّهُمَا لاَ يَقْضِيَانِ بِذَلِكَ إِلاَّ فِي الأَمْوَالِ. وَجَاءَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ قَضَى بِذَلِكَ فِي جِرَاحِ الْعَمْدِ وَالْخَطَأِ، وَيَقْضِي بِهِ مَالِكٌ أَيْضًا فِي الْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ، وَلاَ يَقْضِي بِهِ فِي الْعِتْقِ، وَالشَّافِعِيُّ يَقْضِي بِهِ فِي الْعِتْقِ. وَرُوِّينَا إنْكَارَ الْحَكَمِ بِهِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ: هُوَ بِدْعَةُ مَا أَحْدَثَهُ النَّاسُ أَوَّلُ مَنْ قَضَى بِهِ مُعَاوِيَةُ وَقَالَ عَطَاءٌ: أَوَّلُ مَنْ قَضَى بِهِ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ، وَأَشَارَ إلَى إنْكَارِهِ الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ. وَرُوِيَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: الرُّجُوعُ إلَى تَرْكِ الْقَضَاءِ بِهِ، لأََنَّهُ وَجَدَ أَهْلَ الشَّامِ عَلَى خِلاَفِهِ، وَمَنَعَ مِنْهُ: ابْنُ شُبْرُمَةَ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ.
قال أبو محمد: قَدْ ذَكَرْنَا بُطْلاَنَ التَّعَلُّقِ فِي رَدِّ هَذَا الْحُكْمِ وَغَيْرِهِ بِالتَّعَلُّقِ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} . وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} فِي الْفَصْلِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا.
وَكَذَلِكَ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ وَسَائِرُ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ فِي مَنْعِ الْحُكْمِ بِيَمِينٍ وَشَاهِدٍ أَهْذَارٌ، وَالْعَجَبُ اعْتِرَاضُهُمْ فِي هَذَا بِقَوْلِ الزُّهْرِيِّ أَوَّلُ مَنْ قَضَى بِذَلِكَ مُعَاوِيَةُ، وَهُمْ قَدْ أَخَذُوا بِقِيمَةٍ أَحْدَثَهَا مُعَاوِيَةُ فِي زَكَاةِ الْفِطْرِ، وَلاَ يَصِحُّ فِيهَا أَثَرٌ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
قال أبو محمد: وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، قَالاَ جَمِيعًا: ، حَدَّثَنَا سَيْفُ بْنُ سُلَيْمَانَ أَخْبَرَنِي قَيْسُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِيَمِينٍ وَشَاهِدٍ : ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ، حَدَّثَنَا أَبِي قَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ، حَدَّثَنَا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُنْقِرِيُّ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ قَالُوا كُلُّهُمْ: ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا أَبُو الْمُصْعَبِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ رَبِيعَةَ ابْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ

أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ. قَالَ أَبُو دَاوُد: وَزَادَنِي الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ فِي هَذَا الْخَبَرِ قَالَ: أَنَا الشَّافِعِيُّ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدَّرَاوَرْدِيِّ قَالَ: فَذَكَرْت ذَلِكَ لِسُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ فَقَالَ: أَخْبَرَنِي رَبِيعَةُ وَهُوَ ثِقَةٌ عِنْدِي أَنِّي حَدَّثْتُهُ إيَّاهُ، وَلاَ أَحْفَظُهُ، قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ: وَقَدْ كَانَتْ أَصَابَتْ سُهَيْلاً عِلَّةٌ أَذْهَبَتْ بَعْضَ عَقْلِهِ وَنَسِيَ بَعْضَ حَدِيثِهِ، فَكَانَ سُهَيْلٌ بَعْدُ يُحَدِّثُهُ، عَنْ رَبِيعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
قال أبو محمد: فَهَذِهِ آثَارٌ مُتَظَاهِرَةٌ لاَ يَحِلُّ التَّرْكُ لَهَا، فَالْوَاجِبُ أَنْ يُحْكَمَ بِذَلِكَ فِي الدِّمَاءِ وَالْقِصَاصِ، وَالنِّكَاحِ، وَالطَّلاَقِ، وَالرَّجْعَةِ، وَالأَمْوَالِ، حَاشَا الْحُدُودَ، لأََنَّ ذَلِكَ عُمُومُ الأَخْبَارِ الْمَذْكُورَةِ، وَلَمْ يَأْتِ فِي شَيْءٍ مِنْ الأَخْبَارِ مَنْعٌ مِنْ ذَلِكَ. وَأَمَّا الْحُدُودُ: فَلاَ طَالِبَ لَهَا إِلاَّ اللَّهُ تَعَالَى، وَلاَ حَقَّ لِلْمَقْذُوفِ فِي إثْبَاتِهَا، وَلاَ فِي إسْقَاطِهَا، وَلاَ فِي طَلَبِهَا، وَكَذَلِكَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ، وَالْمَزْنِيُّ بِامْرَأَتِهِ أَوْ حَرِيمَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ: فَلَيْسَ لِذَلِكَ كُلِّهِ طَالِبٌ بِلاَ يَمِينٍ فِي شَيْءٍ مِنْهَا. وقال الشافعي: إنَّ فِي بَعْضِ الآثَارِ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَكَمَ بِذَلِكَ فِي الأَمْوَالِ وَهَذَا لاَ يُوجَدُ أَبَدًا فِي شَيْءٍ مِنْ الآثَارِ الثَّابِتَةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَالْعَجَبُ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ يَقُولُونَ دَهْرَهُمْ كُلَّهُ: الْمُرْسَلُ، وَالْمُسْنَدُ: سَوَاءٌ، فِي كُلِّ بَلِيَّةٍ يَقُولُونَ بِهَا، ثُمَّ يَرُدُّونَ خَبَرَ جَابِرٍ هَذَا: بِأَنَّ غَيْرَ الثَّقَفِيِّ أَرْسَلَهُ، وَأَنَّهُ رُوِيَ مُرْسَلاً مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَغَيْرِهِ، فَاعْجَبُوا لِعَدَمِ الْحَيَاءِ وَرِقَّةِ الدِّينِ. وَعَجَبٌ آخَرُ: وَهُوَ أَنَّهُمْ يَقْضُونَ بِالنُّكُولِ فِي الدِّمَاءِ، وَالأَمْوَالِ، فَيُعْطُونَ الْمُدَّعِيَ بِلاَ شَاهِدٍ، وَلاَ يَمِينٍ، لَكِنْ بِدَعْوَاهُ الْمُجَرَّدَةِ وَإِنْ كَانَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا بِرَأْيِهِمْ الْفَاسِدِ، وَيَرُدُّونَ الْحُكْمَ بِالْيَمِينِ وَالشَّاهِدِ، وَيَقْضُونَ بِالْعَظَائِمِ بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ دُونَ يَمِينِ الطَّالِبِ بِآرَائِهِمْ الْفَاسِدَةِ، وَاخْتِيَارِهِمْ الْمُهْلِكِ، وَيُنْكِرُونَ الْحُكْمَ بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ مَعَ يَمِينِ الطَّالِبِ، وَبِشَهَادَةِ رَجُلٍ مَعَ يَمِينِ الطَّالِبِ، وَيُنْكِرُونَ الْحُكْمَ بِشَهَادَةِ مُسْلِمٍ ثِقَةٍ مَعَ يَمِينِ الطَّالِبِ، وَهُمْ يَقْضُونَ بِشَهَادَةِ يَهُودِيَّيْنِ، أَوْ نَصْرَانِيَّيْنِ حَيْثُ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ نَصُّ قُرْآنٍ، وَلاَ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ، وَيُضَعِّفُونَ سَيْفَ بْنَ سُلَيْمَانَ وَهُوَ ثِقَةٌ. وَهُمْ آخَذُ النَّاسِ بِرِوَايَةِ كُلِّ كَذَّابٍ، كَجَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، وَغَيْرِهِ، وَيَحْتَجُّونَ بِمَغِيبِ ذَلِكَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ وَعَطَاءٍ وَقَدْ غَابَ عَنْهُمَا حُكْمُ زَكَاةِ الذَّهَبِ وَزَكَاةِ الْبَقَرِ، أَوْ عَلِمَاهُ وَرَأَيَاهُ مَنْسُوخًا، فَلَمْ يَلْتَفِتُوا هُنَالِكَ إلَى قَوْلِهِمَا، وَقَلَّدُوهُمَا هَاهُنَا، وَهَذَا كَمَا تَرَوْنَ وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَاقِبَةَ وَرَأَى مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ: أَنْ لاَ يُقْضَى بِالْيَمِينِ وَالشَّاهِدِ، إِلاَّ فِي الأَمْوَالِ. قَالَ مَالِكٌ: وَفِي الْقَسَامَةِ وَهَذَا لاَ مَعْنَى لَهُ، لأََنَّهُ تَخْصِيصٌ لِلْخَبَرِ بِلاَ دَلِيلٍ.

ولا يجوز ان يقبل كافر أصلا لا على الكافر ولا على المسلم
1787 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقْبَلَ كَافِرٌ أَصْلاً، لاَ عَلَى كَافِرٍ، وَلاَ عَلَى مُسْلِمٍ

حَاشَ الْوَصِيَّةَ فِي السَّفَرِ فَقَطْ، فَإِنَّهُ يُقْبَلُ فِي ذَلِكَ مُسْلِمَانِ، أَوْ كَافِرَانِ مِنْ أَيِّ دِينٍ كَانَا أَوْ كَافِرٌ وَكَافِرَتَانِ، أَوْ أَرْبَعُ كَوَافِرَ. وَيُحَلَّفُ الْكُفَّارُ هَاهُنَا مَعَ شَهَادَتِهِمْ، وَلاَ بُدَّ بَعْدَ الصَّلاَةِ أَيِّ صَلاَةٍ كَانَتْ وَلَوْ أَنَّهَا الْعَصْرُ لَكَانَ أَحَبَّ إلَيْنَا بِاَللَّهِ إنْ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَنًا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى، وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ إنَّا إذًا لَمِنْ الآثِمِينَ ثُمَّ يُحْكَمُ بِمَا شَهِدُوا بِهِ، فَإِنْ جَاءَتْ بَيِّنَةٌ مُسْلِمُونَ: بِأَنَّ الْكُفَّارَ كَذَبُوا: حَلَفَ الْمُسْلِمَانِ الشَّاهِدَانِ، أَوْ الْمُسْلِمُ وَالْمَرْأَتَانِ، أَوْ الأَرْبَعُ نِسْوَةٍ بِاَللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إنَّا إذًا لَمِنْ الظَّالِمِينَ ثُمَّ يُفْسَخُ مَا شَهِدَ بِهِ الْكُفَّارُ. برهان ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} وَالْكَافِرُ فَاسِقٌ فَوَجَبَ أَنْ لاَ يُقْبَلَ. وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ} الآيَةَ فَوَجَبَ أَخْذُ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى كُلِّهِ، وَأَنْ يَسْتَثْنِيَ الأَخَصَّ مِنْ الأَعَمِّ، لِيُتَوَصَّلَ بِذَلِكَ إلَى طَاعَةِ الْجَمِيعِ، وَمَنْ تَعَدَّى هَذَا الطَّرِيقَ فَقَدْ خَالَفَ بَعْضَ أَوَامِرِ اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا لاَ يَحِلُّ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ زَاذَانَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ الآيَةَ، قَالَ: بَرِئَ النَّاسُ مِنْهَا غَيْرِي، وَغَيْرَ عَدِيِّ بْنِ بُدَاءٍ، وَكَانَا نَصْرَانِيَّيْنِ يَخْتَلِفَانِ إلَى الشَّامِ، فَأَتَيَا إلَى الشَّامِ، وَقَدِمَ عَلَيْهِمَا بُدَيْلُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ مَوْلَى بَنِي سَهْمٍ، وَمَعَهُ جَامٌ مِنْ فِضَّةٍ يُرِيدُ بِهِ الْمَلِكَ هُوَ عُظْمُ تِجَارَتِهِ، فَمَرِضَ، فَأَوْصَى إلَيْهَا، قَالَ تَمِيمٌ: فَلَمَّا مَاتَ أَخَذْنَا ذَلِكَ الْجَامَ فَبِعْنَاهُ بِأَلْفٍ ثُمَّ اقْتَسَمْنَاهُ أَنَا وَعَدِيُّ بْنُ بُدَاءٍ، فَلَمَّا قَدِمْنَا دَفَعْنَاهُ إلَى أَهْلِهِ، فَسَأَلُوا، عَنِ الْجَامِ.فَقُلْنَا: مَا دَفَعَ إلَيْنَا غَيْرَ هَذَا، فَلَمَّا أَسْلَمْتُ بَعْدَ قُدُومِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ تَأَثَّمْتُ مِنْ ذَلِكَ، فَأَتَيْتُ أَهْلَهُ فَأَخْبَرْتهمْ الْخَبَرَ، وَأَدَّيْتُ إلَيْهِمْ خَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَأَخْبَرْتُهُمْ: أَنَّ عِنْدَ صَاحِبِي مِثْلَهَا، فَأَتَوْا بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُمْ الْبَيِّنَةَ فَلَمْ يَجِدُوا، فَأَحْلَفَهُ بِمَا يُعْظَمُ بِهِ عَلَى أَهْلِ دِينِهِ فَحَلَفَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ} الآيَةَ، فَحَلَفَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَوَاحِدٌ مِنْهُمْ، فَنُزِعَتْ الْخَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْ عَدِيِّ بْنِ بُدَاءٍ. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْقَاسِمِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ تَمِيمٌ الدَّارِيِّ، وَعَدِيُّ بْنُ بُدَاءٍ: يَخْتَلِفَانِ إلَى مَكَّةَ لِلتِّجَارَةِ فَخَرَجَ مَعَهُمْ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَهْمٍ، فَتُوُفِّيَ بِأَرْضٍ لَيْسَ فِيهَا مُسْلِمٌ، فَأَوْصَى إلَيْهِمَا، فَدَفَعَا تَرِكَتَهُ إلَى أَهْلِهِ وَحَبَسَا جَامًا مِنْ فِضَّةٍ، مُخَوَّصًا بِالذَّهَبِ، فَفَقَدَهُ أَوْلِيَاؤُهُ، فَأَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَاسْتَحْلَفَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا كَتَمْنَا، وَلاَ اطَّلَعْنَا، ثُمَّ عُرِفَ الْجَامُ بِمَكَّةَ، فَقَالُوا:

اشْتَرَيْنَاهُ مِنْ تَمِيمٍ، وَعَدِيٍّ، فَقَامَ رَجُلاَنِ مِنْ أَوْلِيَاءِ السَّهْمِيِّ فَحَلَفَا بِاَللَّهِ إنَّ هَذَا لَجَامُ السَّهْمِيِّ، ولَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَمَا اعْتَدَيْنَا إنَّا إذًا لَمِنْ الظَّالِمِينَ فَأَخَذَا الْجَامَ، وَفِيهِمْ نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ. وَبِقَوْلِنَا يَقُولُ جَهْوَرُ السَّلَفِ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها: أَنَّ آخِرَ سُورَةٍ نَزَلَتْ سُورَةُ الْمَائِدَةِ، فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهَا حَلاَلاً فَحَلِّلُوهُ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهَا حَرَامًا فَحَرِّمُوهُ، وَهَذِهِ الآيَةُ فِي الْمَائِدَةِ فَبَطَلَ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ وَصَحَّ أَنَّهَا مُحْكَمَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الآيَةِ: هَذَا لِمَنْ مَاتَ وَعِنْدَهُ الْمُسْلِمُونَ فَأَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُشْهِدَ عَلَى وَصِيَّتِهِ عَدْلَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ} فَهَذَا لِمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ عِنْدَهُ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يُشْهِدَ عَلَى وَصِيَّتِهِ رَجُلَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنْ اُرْتِيبَ بِشَهَادَتِهِمَا اُسْتُحْلِفَا بَعْدَ الصَّلاَةِ بِاَللَّهِ لاَ نَشْتَرِي بِشَهَادَتِنَا ثَمَنًا قَلِيلاً فَإِذَا اطَّلَعَ الأَوَّلِيَّانِ عَلَى الْكَافِرَيْنِ كَذِبًا حَلَفَا: بِاَللَّهِ إنَّ شَهَادَةَ الْكَافِرَيْنِ بَاطِلٌ، وَإِنَّا لَمْ نَغْدِرْ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: فِي قوله تعالى: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} قَالَ: مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، وَزِيَادِ بْنِ أَيُّوبَ، قَالاَ جَمِيعًا: ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: أَنَّ رَجُلاً مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ " بِدَقُوقَا " فَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَشْهَدُ عَلَى وَصِيَّتِهِ، فَأَشْهَدَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَأَتَيَا أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ فَأَخْبَرَاهُ وَقَدِمَا بِتَرِكَتِهِ وَوَصِيَّتِهِ فَقَالَ أَبُو مُوسَى: هَذَا أَمْرٌ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ الَّذِي كَانَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَحْلَفَهُمَا بَعْدَ الْعَصْرِ " بِاَللَّهِ مَا خَانَا، وَلاَ كَذَبَا، وَلاَ بَدَّلاَ، وَلاَ كَتَمَا، وَلاَ غَيَّبَا، وَأَنَّهَا لَوَصِيَّةُ الرَّجُلِ وَتَرِكَتُهُ " فَأَمْضَى أَبُو مُوسَى شَهَادَتَهُمَا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَنْ أَبِي مَيْسَرَةَ هُوَ عَمْرُو بْنُ شُرَحْبِيلَ قَالَ: لَمْ يُنْسَخْ مِنْ سُورَةِ الْمَائِدَةِ شَيْءٌ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} قَالَ: مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ فِي قوله تعالى: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} قَالَ: مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيِّ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} قَالَ: مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمِلَّةِ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ: لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ إِلاَّ فِي وَصِيَّةٍ، وَلاَ تَجُوزُ فِي وَصِيَّةٍ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مُسَافِرًا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ،

عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ: لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ، إِلاَّ فِي السَّفَرِ، وَلاَ تَجُوزُ فِي السَّفَرِ إِلاَّ فِي الْوَصِيَّةِ.
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الطَّحَّانُ، عَنْ دَاوُد الطَّائِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ: إذَا مَاتَ الرَّجُلُ فِي أَرْضِ غُرْبَةٍ، وَلَمْ يَجِدْ مُسْلِمًا فَأَشْهَدَ مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ شَاهِدَيْنِ، فَشَهَادَتُهُمَا جَائِزَةٌ، فَإِنْ جَاءَ مُسْلِمَانِ فَشَهِدَا بِخِلاَفِ ذَلِكَ أُخِذَ بِشَهَادَةِ الْمُسْلِمَيْنِ وَتُرِكَتْ شَهَادَتُهُمَا.
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} قَالَ: مِنْ غَيْرِ أَهْلِ مِلَّتِكُمْ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ هُوَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي وَحْشِيَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} قَالَ: إذَا كَانَ بِأَرْضِ الشِّرْكِ فَأَوْصَى إلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُمَا يُحَلَّفَانِ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَإِنْ اُطُّلِعَ بَعْدَ حَلِفِهِمَا عَلَى أَنَّهُمَا خَانَا حَلَفَ أَوْلِيَاءُ الْمَيِّتِ أَنَّهُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَاسْتَحَقُّوا.
وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي قَالَ: ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُقَدَّمِيُّ، عَنِ الأَشْعَثِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} قَالَ: مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ أَيْضًا، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ مِنْ أَهْلِ الْمِلَّةِ: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} قَالَ: مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمِلَّةِ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا مَحْمُودُ بْنُ خِدَاشٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} قَالَ: مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمِلَّةِ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُوَيْد، عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمُرَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} قَالَ: مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْمِلَّةِ. وَمِنْ طَرِيقِ الطَّحَاوِيَّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ، وَعُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ قَالَ الْحَجَّاجُ: ، حَدَّثَنَا أَبُو هِلاَلٍ الرَّاسِبِيُّ، وَقَالَ عُثْمَانُ: ، حَدَّثَنَا عَوْفُ بْنُ أَبِي جَمِيلَةَ، كِلاَهُمَا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ فِي قوله تعالى: {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} قَالَ: مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ. فَهَؤُلاَءِ: أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ، وَابْنُ عَبَّاسٍ وَرُوِيَ أَيْضًا نَحْوُ ذَلِكَ، عَنْ عَلِيٍّ، رضي الله عنهم، وَلاَ مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم،. وَمِنْ التَّابِعِينَ عَمْرُو بْنُ شُرَحْبِيلَ، وَشُرَيْحٌ، وَعَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَمُجَاهِدٌ، وَأَبُو مِجْلَزٍ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَيَحْيَى بْنُ يَعْمُرَ، وَغَيْرُهُمْ، كَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَيَحْيَى بْنِ حَمْزَةَ، وَالأَوْزَاعِيُّ، وَأَبِي عُبَيْدٍ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَجُمْهُورِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ.وَبِهِ يَقُولُ أَبُو سُلَيْمَانَ وَجَمِيعُ أَصْحَابِنَا، وَخَالَفَهُمْ

آخَرُونَ فَرُوِّينَا، عَنِ الْحَسَنِ، أَنَّهُ قَالَ، {أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} مِنْ غَيْرِ قَبِيلَتِكُمْ. وَرُوِيَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ نَحْوُ هَذَا، أَنَّهُ قَالَ: مِنْ أَهْلِ الْمِيرَاثِ، وَأَنَّهُ تَوَقَّفَ فِي ذَلِكَ وَرُوِيَ أَيْضًا: عَنْ عِكْرِمَةَ. وَرُوِّينَا، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ أَيْضًا مِثْلُ ذَلِكَ.
قال أبو محمد: أَمَّا دَعْوَى النَّسْخِ فَبَاطِلٌ، لاَ يَحِلُّ أَنْ يُقَالَ فِي آيَةٍ إنَّهَا مَنْسُوخَةٌ لاَ تَحِلُّ طَاعَتُهَا وَالْعَمَلُ بِهَا إِلاَّ بِنَصٍّ صَحِيحٍ، أَوْ ضَرُورَةٍ مَانِعَةٍ، وَلَيْسَ هَاهُنَا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَلَوْ جَازَ مِثْلُ هَذَا لَمَا عَجَزَ أَحَدٌ، عَنْ أَنْ يَدَّعِيَ فِيمَا شَاءَ مِنْ الْقُرْآنِ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ، وَهَذَا لاَ يَحِلُّ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مِنْ غَيْرِ قَبِيلَتِكُمْ فَقَوْلٌ ظَاهِرُ الْفَسَادِ، وَالْبُطْلاَنِ، لأََنَّهُ لَيْسَ فِي أَوَّلِ الآيَةِ خِطَابٌ لِقَبِيلَةٍ دُونَ قَبِيلَةٍ إنَّمَا أَوَّلُهَا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} ، وَلاَ يَشُكُّ مُنْصِفٌ فِي أَنَّ غَيْرَ الَّذِينَ آمَنُوا هُمْ الَّذِينَ لَمْ يُؤْمِنُوا، وَلَكِنَّهَا مِنْ الْحَسَنِ زَلَّةُ عَالِمٍ لَمْ يَتَدَبَّرْهَا. وَقَالَ الْمُخَالِفُونَ: نَحْنُ نُهِينَا، عَنْ قَبُولِ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ، وَالْكَافِرُ أَفْسَقُ الْفُسَّاقِ. فَقُلْنَا: الَّذِي نَهَانَا، عَنْ قَبُولِ شَهَادَةِ الْفَاسِقِ هُوَ الَّذِي أَمَرَنَا بِقَبُولِ شَهَادَةِ الْكَافِرِ فِي الْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ فَنَقِفُ عِنْدَ أَمْرَيْهِ جَمِيعًا، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا بِأَوْلَى بِالطَّاعَةِ مِنْ الآخَرِ. وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا الَّتِي لاَ نَظِيرَ لَهَا: أَنَّ الْمُحْتَجِّينَ بِهَذَا هُمْ الْحَنَفِيُّونَ، وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ. فأما الْحَنَفِيُّونَ: فَأَجَازُوا شَهَادَةَ الْكُفَّارِ فِي كُلِّ شَيْءٍ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ بِغَيْرِ أَمْرٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ، بَلْ خَالَفُوا الْقُرْآنَ فِي نَهْيِهِ، عَنْ قَبُولِ نَبَأِ الْفَاسِقِ ثُمَّ خَالَفُوهُ فِي قَبُولِ الْكُفَّارِ فِي السَّفَرِ فَاعْجَبُوا لِهَذِهِ الْفَضَائِحِ، وَالْمُضَادَّةِ لِلَّهِ تَعَالَى. وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ: فَأَجَازُوا شَهَادَةَ طَبِيبَيْنِ كَافِرَيْنِ حَيْثُ لاَ يُوجَدُ طَبِيبٌ مُسْلِمٌ بِغَيْرِ أَمْرٍ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى بِذَلِكَ، بَلْ خَالَفُوا الْقُرْآنَ فِي كِلاَ الْوَجْهَيْنِ، كَمَا ذَكَرْنَا. وقال بعضهم: الْوَصِيَّةُ يَكُونُ فِيهَا إقْرَارٌ بِدَيْنٍ فَلَمَّا نُسِخَ ذَلِكَ مِنْ الآيَةِ دَلَّ عَلَى نَسْخِ سَائِرِ ذَلِكَ. فَقُلْنَا: كَذَبْتُمْ مَا سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ الإِقْرَارَ بِالدَّيْنِ وَصِيَّةً، لأََنَّ الْوَصِيَّةَ مِنْ الثُّلُثِ، وَالإِقْرَارَ بِالدَّيْنِ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ، وَمَا دَخَلَ قَطُّ الإِقْرَارُ بِالدَّيْنِ فِي الْوَصِيَّةِ، وَلاَ نُسِخَ مِنْ الآيَةِ شَيْءٌ ثُمَّ لَهُمْ بَعْدَ هَذَا أَهْذَارٌ يُشْبِهُ تَخْلِيطَ الْمُبَرْسَمِينَ لاَ مَعْنَى لَهَا، وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ وَالصَّحَابَةِ، وَلاَ مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَهُمْ يُعَظِّمُونَ ذَلِكَ إذَا وَافَقَ أَهْوَاءَهُمْ. وَذَكَرُوا خَبَرًا: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ بْنِ رَاشِدٍ الْيَمَامِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ مِلَّةٍ عَلَى مِلَّةٍ إِلاَّ مِلَّةُ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهَا تَجُوزُ عَلَى غَيْرِهِمْ" . قال أبو محمد: عُمَرُ بْنُ رَاشِدٍ سَاقِطٌ، وَهَذَا خَبَرُ أَوَّلُ مَنْ خَالَفَهُ أَبُو حَنِيفَةَ لأََنَّهُ يُجِيزُ شَهَادَةَ الْيَهُودِيِّ عَلَى النَّصْرَانِيِّ وَمَالِكٌ، فَإِنَّهُ يُجِيزُ شَهَادَةَ الْكُفَّارِ الأَطِبَّاءِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَلاَ نَدْرِي مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ هَذَا التَّخْصِيصُ لِلأَطِبَّاءِ دُونَ سَائِرِ مَنْ يُضْطَرُّ إلَيْهِ

مِنْ الشَّهَادَاتِ مِنْ النِّكَاحِ، وَالطَّلاَقِ، وَالدِّمَاءِ [ وَالْحُدُودِ ] وَالأَمْوَالِ، وَالْعِتْقِ وَمَا نَعْلَمُ هَذَا التَّفْرِيقَ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ.
وَأَمَّا شَهَادَةُ الْكُفَّارِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ، فَطَائِفَةٌ: مَنَعَتْ مِنْ ذَلِكَ جُمْلَةً وَهُوَ قَوْلُنَا. وَطَائِفَةٌ أَجَازَتْهَا عَلَى الْكُفَّارِ، وَلَمْ يُرَاعُوا اخْتِلاَفَ مِلَلِهِمْ. وَطَائِفَةٌ أَجَازَتْ شَهَادَةَ كُلِّ مِلَّةٍ عَلَى مِثْلِهَا وَلَمْ تُجِزْهَا عَلَى غَيْرِ مِثْلِهَا. فأما قَوْلُنَا فَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ. وَأَمَّا الْقَوْلُ الثَّانِي: فَصَحَّ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ أَجَازَ شَهَادَةَ نَصْرَانِيٍّ عَلَى مَجُوسِيٍّ، أَوْ مَجُوسِيٍّ عَلَى نَصْرَانِيٍّ. وَصَحَّ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، أَنَّهُ قَالَ: تَجُوزُ شَهَادَةُ النَّصْرَانِيِّ عَلَى الْيَهُودِيِّ، وَالْيَهُودِيِّ عَلَى النَّصْرَانِيِّ هُمْ كُلُّهُمْ أَهْلُ الشِّرْكِ. وَصَحَّ أَيْضًا هَذَا، عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَشُرَيْحٍ، وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، عَنْ عَوْنِ بْنِ مَعْمَرٍ، عَنْ إبْرَاهِيمَ الصَّائِغِ قَالَ: سَأَلْت نَافِعًا هُوَ مَوْلَى بْنِ عُمَرَ، عَنْ شَهَادَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فَقَالَ: تَجُوزُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: سَأَلْت الزُّهْرِيَّ، عَنْ شَهَادَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فَقَالَ: تَجُوزُ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَوَكِيعٍ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابِهِ، وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ. وَالثَّالِثُ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ قَتَادَةَ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: تَجُوزُ شَهَادَةُ النَّصْرَانِيِّ عَلَى النَّصْرَانِيِّ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ قَالَ: تَجُوزُ شَهَادَةُ النَّصْرَانِيِّ عَلَى النَّصْرَانِيِّ، وَالْيَهُودِيِّ عَلَى الْيَهُودِيِّ، وَلاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا عَلَى الآخَرِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ أَنَّهُ سَمِعَ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيَّ يَقُولُ: لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ النَّصْرَانِيِّ عَلَى الْيَهُودِيِّ، وَلاَ شَهَادَةُ الْيَهُودِيِّ عَلَى النَّصْرَانِيِّ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، وَرَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ كِلاَهُمَا قَالَ: تَجُوزُ شَهَادَةُ الْيَهُودِيِّ عَلَى الْيَهُودِيِّ، وَلاَ تَجُوزُ عَلَى النَّصْرَانِيِّ، وَلاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ النَّصْرَانِيِّ عَلَى الْيَهُودِيِّ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ: لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْيَهُودِيِّ عَلَى النَّصْرَانِيِّ، وَلاَ النَّصْرَانِيِّ عَلَى الْيَهُودِيِّ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: إذَا اخْتَلَفَتْ الْمِلَلُ لَمْ تَجُزْ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ إدْرِيسَ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْيَهُودِيِّ عَلَى النَّصْرَانِيِّ، وَلاَ النَّصْرَانِيِّ عَلَى الْمَجُوسِيِّ، وَلاَ مِلَّةٍ عَلَى غَيْرِ مِلَّتِهَا إِلاَّ الْمُسْلِمِينَ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ دَاوُد، عَنِ الشَّعْبِيِّ لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ مِلَّةٍ عَلَى مِلَّةٍ إِلاَّ الْمُسْلِمِينَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ مَعْمَرٍ،

عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصٌ، عَنْ أَشْعَثَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ أَهْلِ مِلَّةٍ إِلاَّ عَلَى أَهْلِ مِلَّتِهَا: الْيَهُودِيِّ عَلَى الْيَهُودِيِّ، وَالنَّصْرَانِيِّ عَلَى النَّصْرَانِيِّ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ مِلَّةٍ عَلَى مِلَّةٍ إِلاَّ الْمُسْلِمِينَ قَالَ وَكِيعٌ: وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى.
قال أبو محمد: وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ، وَاللَّيْثِ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ.
قَالَ عَلِيٌّ: فَرُوِيَ كِلاَ الْقَوْلَيْنِ كَمَا أَوْرَدْنَا، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَالزُّهْرِيِّ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ، وَرُوِيَ الْقَوْلُ الأَوَّلُ: عَنْ نَافِعٍ. وَرُوِيَ الثَّانِي: عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَرَبِيعَةَ الرَّأْيِ، وَقَتَادَةَ، وَالْحَسَنِ، وَعَطَاءٍ.
قال أبو محمد: وَلاَ يَصِحُّ، عَنْ عَلِيٍّ أَصْلاً، لأََنَّهُ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، ثُمَّ هُوَ أَيْضًا مُنْقَطِعٌ.
قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ: فَلَمْ يُرْوَ لاَ صَحِيحًا، وَلاَ سَقِيمًا، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، فَهُوَ خِلاَفٌ لِكُلِّ مَا جَاءَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، عَنِ الصَّحَابَةِ. وَأَمَّا مَالِكٌ: فَخَالَفَ شُيُوخَهُ الْمَدَنِيِّينَ: أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَنَافِعًا، وَالزُّهْرِيَّ، وَرَبِيعَةَ، وَيَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيَّ وَهُمْ يُعَظِّمُونَ هَذَا إذَا وَافَقَ رَأْيَ صَاحِبِهِمْ. وَاحْتَجَّ مَنْ أَجَازَ قَبُولَ شَهَادَةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الطَّحَاوِيَّ: ، حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ الْجُعْفِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ الرَّازِيّ، حَدَّثَنَا مُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ فِي حَدِيثِ الْيَهُودِيَّيْنِ اللَّذَيْنِ زَنَيَا لِلْيَهُودِ: ائْتُونِي بِالشُّهُودِ فَشَهِدَ أَرْبَعَةٌ مِنْهُمْ عَلَى ذَلِكَ، فَرَجَمَهُمَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم.
قال أبو محمد: مُجَالِدٌ هَالِكٌ، رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، أَنَّهُ قَالَ: لَوْ شِئْت أَنْ يَجْعَلَهَا لِي مُجَالِدٌ كُلَّهَا، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ لَفَعَلَ. وَعَنْ شُعْبَةَ: أَسْتَخِيرُ اللَّهَ وَأُدَمِّرُ عَلَى مُجَالِدٍ. وَعَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: إنَّ مُجَالِدًا يَزِيدُ فِي الإِسْنَادِ. وَعَنِ ابْنِ مَعِينٍ: مُجَالِدٌ لاَ يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِنْ احْتِجَاجِهِمْ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ وَهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذِهِ الآيَةِ وَقَالُوا ظَاهِرُهَا جَوَازُهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، ثُمَّ نُسِخَتْ، عَنِ الْمُسْلِمِينَ، فَبَقِيَتْ عَلَى الْكُفَّارِ.
قال أبو محمد: وَهَذَا تَجْلِيحٌ مِنْهُمْ بِالْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى جِهَارًا مِرَارًا. إحْدَاهَا دَعْوَى النَّسْخِ بِلاَ برهان. وَالثَّانِيَةُ قَوْلُهُمْ: إنَّ ظَاهِرَهَا جَوَازُ شَهَادَتِهِمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَلَيْسَ فِي الآيَةِ إِلاَّ عِنْدَ حُضُورِ الْمَوْتِ حِينَ الْوَصِيَّةِ فَقَطْ، ثُمَّ تَحْلِيفُهُمَا، ثُمَّ تَحْلِيفُ الْمُسْلِمَيْنِ الشَّاهِدَيْنِ بِخِلاَفِ شَهَادَتِهِمَا، فَمَا رَأَيْت أَقَلَّ حَيَاءً مِمَّنْ قَالَ مَا ذَكَرْنَا وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ وَالأَسْتِخْفَافِ بِالْكَذِبِ عَلَى الْقُرْآنِ. وَالثَّالِثَةُ قَوْلُهُمْ: نُسِخَتْ، عَنِ الْمُسْلِمِينَ وَبَقِيَتْ عَلَى

الْكُفَّارِ وَهَذَا بَاطِلٌ لأََنَّ الدِّينَ كُلَّهُ وَاحِدٌ عَلَيْنَا وَعَلَى الْكُفَّارِ، وَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ أَنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِمْ، وَلاَ لَهُمْ، إِلاَّ بِحُكْمِ الإِسْلاَمِ لَنَا وَعَلَيْنَا، إِلاَّ حَيْثُ جَاءَ النَّصُّ بِالْفَرْقِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وشهادة العبد والأمة مقبولة في كل شيء
1788 - مَسْأَلَةٌ: وَشَهَادَةُ الْعَبْدِ وَالأَمَةِ مَقْبُولَةٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ لِسَيِّدِهِمَا وَلِغَيْرِهِ كَشَهَادَةِ الْحُرِّ وَالْحُرَّةِ، وَلاَ فَرْقَ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا: فَصَحَّ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ قَضَى فِي الصَّغِيرِ يَشْهَدُ بَعْدَ كِبَرِهِ، وَالنَّصْرَانِيِّ بَعْدَ إسْلاَمِهِ، وَالْعَبْدِ بَعْدَ عِتْقِهِ: أَنَّهَا جَائِزَةٌ إنْ لَمْ تَكُنْ رُدَّتْ عَلَيْهِمْ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، وَعَطَاءٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ مِثْلَ ذَلِكَ. وَرُوِّينَا ذَلِكَ فِي شَهَادَةِ الْعَبْدِ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ عُمَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْعَبْدِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ حَسَّانَ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْكَرْمَانِيُّ، عَنْ إبْرَاهِيمَ الصَّائِغِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْمُكَاتَبِ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، وَوَكِيعٍ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، وَقَالَ وَكِيعٌ: عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالاَ جَمِيعًا: لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْعَبْدِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَاشِدٍ، عَنْ مَكْحُولٍ لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْعَبْدِ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: {شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} قَالَ: مِنْ الأَحْرَارِ قَالَ وَكِيعٌ: وَلاَ يُجِيزُ سُفْيَانُ شَهَادَةَ عَبْدٍ وَهُوَ قَوْلُ وَكِيعٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، وَوَكِيعٌ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، وَمُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ، قَالَ عِيسَى: عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ وَكِيعٌ: عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، وَأَبِي عَوَانَةَ، قَالَ أَبُو عَوَانَةَ: عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِيهِ، وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ: عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ شُرَيْحٍ، وَقَالَ مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ: عَنْ أَشْعَثَ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْحُمْرَانِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَقَالُوا كُلُّهُمْ: فِي الْعَبْدِ يُؤَدِّي الشَّهَادَةَ فَتُرَدُّ ثُمَّ يُعْتَقُ فَيَشْهَدُ بِهَا: أَنَّهَا لاَ تَجُوزُ، إِلاَّ الْحَسَنُ، وَالْحَكَمُ فَإِنَّهُمَا قَالاَ: إنَّهَا تَجُوزُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ إسْرَائِيلَ بْنِ يُونُسَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: أَهْلُ مَكَّةَ، وَأَهْلُ الْمَدِينَةِ: لاَ يُجِيزُونَ شَهَادَةَ الْعَبْدِ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْمُكَاتَبِ، وَلاَ يَرِثُ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ: إذَا شَهِدَ الْعَبْدُ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ، ثُمَّ أُعْتِقَ فَشَهِدَ بِهَا لَمْ تُقْبَلْ وَرُوِيَ ذَلِكَ، عَنْ فُقَهَاءِ

الْمَدِينَةِ السَّبْعَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الزِّنَادِ. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ ابْنِ شُبْرُمَةَ. وَأَجَازَتْ طَائِفَةٌ شَهَادَةَ الْعَبْدِ فِي بَعْضِ الأَحْوَالِ، وَرَدَّتْهَا فِي بَعْضٍ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، وَإِبْرَاهِيمُ الْهَرَوِيُّ، قَالَ عَلِيٌّ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إبْرَاهِيمَ، عَنْ شُرَيْحٍ، وَقَالَ سُلَيْمَانُ: عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ طَرِيفٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ وَقَالَ الْهَرَوِيُّ: عَنْ هِشَامٍ أَنَا مُغِيرَةُ، عَنْ إبْرَاهِيمَ: إنَّهُمْ ثَلاَثَتَهُمْ كَانُوا يُجِيزُونَ شَهَادَةَ الْعَبْدِ فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى الْمَازِنِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ، وَتَجُوزُ لِغَيْرِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ فِي الْعَبْدِ يُعْتَقُ بَعْضُهُ أَنَّ شَهَادَتَهُ جَائِزَةٌ. وَأَجَازَتْ طَائِفَةٌ شَهَادَتَهُ فِي كُلِّ شَيْءٍ كَالْحُرِّ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ النَّخَعِيُّ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَ شُرَيْحٌ: لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْعَبْدِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: لَكِنَّا نُجِيزُهَا، فَكَانَ شُرَيْحٌ بَعْدَ ذَلِكَ يُجِيزُهَا إِلاَّ لِسَيِّدِهِ. وبه إلى ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ قَالَ: سَأَلْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، عَنْ شَهَادَةِ الْعَبْدِ فَقَالَ: جَائِزَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ قَالَ: شَهِدْت شُرَيْحًا شَهِدَ عِنْدَهُ عَبْدٌ عَلَى دَارٍ فَأَجَازَ شَهَادَتَهُ فَقِيلَ: إنَّهُ عَبْدٌ فَقَالَ شُرَيْحٌ: كُلُّنَا عَبِيدٌ وَإِمَاءٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَتِيقٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى بِشَهَادَةِ الْمَمْلُوكِ بَأْسًا إذَا كَانَ عَدْلاً وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْجَهْمِ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ يَعْقُوبَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: شَهَادَةُ الْعَبْدِ، وَالْمَرْأَةِ جَائِزَةٌ فِي النِّكَاحِ، وَالطَّلاَقِ. كَتَبَ إلَيَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ قَالَ: ، حَدَّثَنَا أَبُو مُسْلِمٍ الْكَاتِبُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْمُغَلِّسِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَفَّانَ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: سُئِلَ إيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ شَهَادَةِ الْعَبْدِ قَالَ: أَنَا أَرُدُّ شَهَادَةَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَلَى الإِنْكَارِ لِرَدِّهَا.
قال أبو محمد: وَهُوَ قَوْلُ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى، وَعُثْمَانَ الْبَتِّيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمْ، وَأَحَدُ قَوْلَيْ ابْنِ شُبْرُمَةَ.
قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا قَوْلُ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ الَّذِي صَدَّرْنَا بِهِ فَهُوَ عَلَى الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ لاَ لَهُمْ، لأََنَّهُمْ خَالَفُوهُمَا فِي الصَّبِيِّ يَشْهَدُ فَيُرَدُّ، ثُمَّ يَبْلُغُ فَيَشْهَدُ. فَقَالُوا: يُقْبَلُ. وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ قَوْلِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ حُجَّةً، وَبَعْضُهُ غَيْرَ حَجَّةٍ، وَهَذَا تَلاَعُبٌ بِالدِّينِ مِمَّنْ سَلَكَ هَذَا

الطَّرِيقَ وَهُوَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لاَ يَصِحُّ، لأََنَّهُ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ إِلاَّ ابْنَ عُمَرَ، وَقَدْ صَحَّ خِلاَفُهُ، عَنْ أَنَسٍ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِالآثَارِ، وَبَقِيَ الأَحْتِجَاجُ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ.
قال أبو محمد: أَمَّا قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَمَنْ اتَّبَعَهُ: شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ مِنْ الأَحْرَارِ، فَبَاطِلٌ وَزَلَّةُ عَالِمٍ، وَتَخْصِيصٌ لِكَلاَمِ اللَّهِ تَعَالَى بِلاَ برهان، وَبِالضَّرُورَةِ يَدْرِي كُلُّ ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ: أَنَّ الْعَبِيدَ رِجَالٌ مِنْ رِجَالِنَا، وَأَنَّ الإِمَاءَ نِسَاءٌ مِنْ نِسَائِنَا، قَالَ تَعَالَى نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ بِلاَ خِلاَفٍ الْحَرَائِرُ وَالإِمَاءُ فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الْقَوْلِ، وَإِنَّمَا خَاطَبَ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَوَّلِ الآيَةِ الَّذِينَ آمَنُوا: وَالْعَبِيدُ، بِلاَ خِلاَفٍ مِنْهُمْ، فَهُمْ فِي جُمْلَةِ الْمُخَاطَبِينَ بِالْمُدَايَنَةِ، وَالإِشْهَادِ وَالشَّهَادَةِ. وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:عَبْدًا مَمْلُوكًا لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ
قال أبو محمد: تَحْرِيفُ كَلاَمِ اللَّهِ تَعَالَى، عَنْ مَوَاضِعِهِ مُهْلِكٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَلَمْ يَقُلْ تَعَالَى إنَّ كُلَّ عَبْدٍ فَهُوَ لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ، إنَّمَا ضَرَبَ اللَّهُ تَعَالَى الْمَثَلَ بِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِهِ هَذِهِ صِفَتُهُ، وَقَدْ تُوجَدُ هَذِهِ الصِّفَةُ فِي كَثِيرٍ مِنْ الأَحْرَارِ، وَمَنْ نَسَبَ غَيْرَ هَذَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ كَذَبَ عَلَيْهِ جِهَارًا، وَأَتَى بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ، لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لاَ يَقُولُ إِلاَّ حَقًّا، وَبِالْمُشَاهَدَةِ نَعْرِفُ كَثِيرًا مِنْ الْعَبِيدِ أَقْدَرَ عَلَى الأَشْيَاءِ مِنْ كَثِيرٍ مِنْ الأَحْرَارِ. وَنَقُولُ لَهُمْ: هَلْ يَلْزَمُ الْعَبِيدَ الصَّلاَةُ، وَالصِّيَامُ، وَالطَّهَارَةُ، وَيُحَرَّمُ عَلَيْهِمْ مِنْ الْمَآكِلِ، وَالْمَشَارِبِ، وَالْفُرُوجِ، كُلُّ مَا يُحَرَّمُ عَلَى الأَحْرَارِ، فَمَنْ قَوْلُهُمْ: نَعَمْ، فَقَدْ أَكَذَبُوا أَنْفُسَهُمْ، وَشَهِدُوا بِأَنَّهُمْ يَقْدِرُونَ عَلَى أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ وَتَمْوِيهُهُمْ بِهَذِهِ الآيَةِ. وَقَالُوا: {وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إذَا مَا دُعُوا} . قَالُوا: وَالْعَبْدُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى أَدَاءِ الشَّهَادَةِ، لأََنَّهُ مُكَلَّفٌ خِدْمَةَ سَيِّدِهِ..
فَقُلْنَا: كَذَبَ مَنْ قَالَ هَذَا، بَلْ هُوَ قَادِرٌ عَلَى أَدَاءِ الشَّهَادَةِ كَمَا يَقْدِرُ عَلَى الصَّلاَةِ، وَعَلَى النُّهُوضِ إلَى مَنْ يَتَعَلَّمُ مِنْهُ مَا يَلْزَمُهُ مِنْ الدِّينِ. وَلَوْ سَقَطَ، عَنِ الْعَبْدِ الْقِيَامُ بِالشَّهَادَةِ لِشُغْلِهِ بِخِدْمَةِ سَيِّدِهِ لَسَقَطَ أَيْضًا، عَنِ الْحُرَّةِ ذَاتِ الزَّوْجِ لِشُغْلِهَا بِمُلاَزَمَةِ زَوْجِهَا. وقال بعضهم: الْعَبْدُ سِلْعَةٌ وَكَيْفَ تَشْهَدُ سِلْعَةٌ. فَقُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا تَشْهَدُ السِّلْعَةُ، كَمَا يَلْزَمُ السِّلْعَةَ الصَّلاَةُ، وَالصِّيَامُ، وَالْقَوْلُ بِالْحَقِّ وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُتَعَلَّقًا، لاَ بِقُرْآنٍ، وَلاَ بِسُنَّةٍ، وَلاَ رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ، وَلاَ سَقِيمَةٍ، وَلاَ نَظَرٍ، وَلاَ مَعْقُولٍ، وَلاَ قِيَاسٍ، إِلاَّ بِتَخَالِيطَ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، وَأَهْذَارٍ بَارِدَةٍ وَقَدْ تَقَصَّيْنَا هَذَا فِي " كِتَابِ الإِيصَالِ " وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.
قال أبو محمد: وَكُلُّ نَصٍّ فِي قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ فِي شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِ الشَّهَادَاتِ فَكُلُّهَا شَاهِدَةٌ بِصِحَّةِ قَوْلِنَا، إذْ لَوْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ عليه الصلاة والسلام تَخْصِيصَ عَبْدٍ مِنْ حُرٍّ فِي ذَلِكَ لَكَانَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ: وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا قَالَ تَعَالَى: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ} . وَقَالَ تَعَالَى: {إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ

رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رضي الله عنهمْ وَرَضُوا عَنْهُ}. فَلَمْ يَخْتَلِفْ مُسْلِمَانِ قَطُّ فِي أَنَّ هَذَا خَيْرٌ يَدْخُلُ فِيهِ الْعَبِيدُ وَالإِمَاءُ كَدُخُولِ الأَحْرَارِ وَالْحَرَائِرِ، وَحَرَامٌ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ لاَ يَرْضَى عَمَّنْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ قَدْ رَضِيَ عَنْهُ، فَإِذْ قَدْ رَضِيَ اللَّهُ، عَنِ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ الْعَامِلِ بِالصَّالِحَاتِ، فَفُرِضَ عَلَيْنَا أَنْ نَرْضَى عَنْهُ، وَإِذْ فُرِضَ عَلَيْنَا أَنْ نَرْضَى عَنْهُ، فَفُرِضَ عَلَيْنَا قَبُولُ شَهَادَتِهِ. وَأَمَّا مَنْ رَدَّهَا لِسَيِّدِهِ فَإِنَّهُ قَالَ: قَدْ يُجْبِرُهُ سَيِّدُهُ عَلَى الشَّهَادَةِ لَهُ. قلنا: لَوْ كَانَ هَذَا مَانِعًا مِنْ قَبُولِ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ لَكَانَ مَانِعًا مِنْ قَبُولِ أَحَدٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لِلإِمَامِ إذَا شَهِدَ لَهُ، لأََنَّ الإِمَامَ أَقْدَرُ عَلَى رَعِيَّتِهِ مِنْ السَّيِّدِ عَلَى عَبْدِهِ، لأََنَّ الْعَبْدَ تُعْدِيهِ جَمِيعُ الْحُكَّامِ عَلَى سَيِّدِهِ إذَا تَظَلَّمَ مِنْهُ وَيَحُولُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَذَاهُ، وَلاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى أَنْ يَحُولَ بَيْنَ الإِمَامِ وَالرَّجُلِ مِنْ رَعِيَّتِهِ، فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِ مُخَالِفِينَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

وكل عدل فهو مقبول لكل أحد
1789 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ عَدْلٍ فَهُوَ مَقْبُولٌ لِكُلِّ أَحَدٍ وَعَلَيْهِ، كَالأَبِ وَالأُُمِّ لأَبْنَيْهِمَا، وَلأََبِيهِمَا وَالأَبْنِ وَالأَبْنَةِ لِلأَبَوَيْنِ وَالأَجْدَادِ، وَالْجَدَّاتِ، وَالْجَدِّ، وَالْجَدَّةِ لِبَنِي بَنِيهِمَا، وَالزَّوْجِ لأَمْرَأَتِهِ، وَالْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الأَقَارِبِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ، كَالأَبَاعِدِ، وَلاَ فَرْقَ. وَكَذَلِكَ الصَّدِيقُ الْمُلاَطِفُ لِصَدِيقِهِ، وَالأَجِيرُ لِمُسْتَأْجِرِهِ، وَالْمَكْفُولُ لِكَافِلِهِ، وَالْمُسْتَأْجِرُ لأََجِيرِهِ، وَالْكَافِلُ لِمَكْفُولِهِ، وَالْوَصِيُّ لِيَتِيمِهِ. وَفِيمَا ذَكَرْنَا خِلاَفٌ: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقٍ لاَ تَصِحُّ، عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ لاَ يُقْبَلُ الأَبُ لأَبْنِهِ، وَلاَ الأَبْنُ لأََبِيهِ، وَلاَ أَحَدُ الزَّوْجَيْنِ لِلآخَرِ. وَصَحَّ هَذَا كُلُّهُ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، وَعَنِ الْحَسَنِ، وَالشَّعْبِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِمَا فِي الأَبِ، وَالأَبْنِ. وَرُوِيَ، عَنِ الْحَسَنِ، وَالشَّعْبِيِّ: قَوْلٌ آخَرُ، وَهُوَ أَنَّ الْوَلَدَ يُقْبَلُ لأََبِيهِ، وَلاَ يُقْبَلُ الأَبُ لأَبْنِهِ، لأََنَّهُ يَأْخُذُ مَالَهُ مَتَى شَاءَ، وَأَنَّ الزَّوْجَ يُقْبَلُ لأَمْرَأَتِهِ، وَلاَ تُقْبَلُ هِيَ لَهُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ. وَلَمْ يُجِزْ الأَوْزَاعِيِّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو عُبَيْدٍ الأَبَ لِلأَبْنِ، وَلاَ الأَبْنَ لِلأَبِ. وَأَجَازُوا الْجَدَّ وَالْجَدَّةَ لأََوْلاَدِ بَنِيهِمَا، وَأَوْلاَدَ بَنِيهِمَا لَهُمَا. وَلَمْ يُجِزْ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ أَحَدًا مِنْ هَؤُلاَءِ، إِلاَّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ أَجَازَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ لِلآخَرِ. وَأَمَّا مَنْ رُوِيَ عَنْهُ إجَازَةُ كُلِّ ذَلِكَ: فَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: تَجُوزُ شَهَادَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ، وَالْوَلَدِ لِوَالِدِهِ، وَالأَخِ لأََخِيهِ. وَعَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ الزُّرَقِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ مِثْلُ هَذَا. وَرُوِيَ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه شَهِدَ لِفَاطِمَةَ رضي الله عنها عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رضي الله عنه وَمَعَهُ أُمُّ أَيْمَنَ فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: لَوْ شَهِدَ مَعَك رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ أُخْرَى لَقَضَيْت لَهَا بِذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: لَمْ يَكُنْ

يَتَّهِمُ سَلَفُ الْمُسْلِمِينَ الصَّالِحُ شَهَادَةَ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ، وَلاَ الْوَلَدِ لِوَالِدِهِ، وَلاَ الأَخِ لأََخِيهِ، وَلاَ الزَّوْجِ لأَمْرَأَتِهِ ثُمَّ دَخَلَ النَّاسُ بَعْدَ ذَلِكَ، فَظَهَرَتْ مِنْهُمْ أُمُورٌ حَمَلَتْ الْوُلاَةَ عَلَى اتِّهَامِهِمْ، فَتُرِكَتْ شَهَادَةُ مَنْ يُتَّهَمُ إذَا كَانَتْ مِنْ قَرَابَةٍ وَصَارَ ذَلِكَ مِنْ الْوَلَدِ، وَالْوَالِدِ، وَالأَخِ، وَالزَّوْجِ، وَالْمَرْأَةِ، لَمْ يُتَّهَمْ إِلاَّ هَؤُلاَءِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَازِبٍ، عَنْ جَدِّهِ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ قَالَ: كُنْت جَالِسًا عِنْدَ شُرَيْحٍ، فَأَتَاهُ عَلِيُّ بْنُ كَاهِلٍ، وَامْرَأَةٌ وَخَصْمٌ لَهَا، فَشَهِدَ لَهَا عَلِيُّ بْنُ كَاهِلٍ وَهُوَ زَوْجُهَا وَشَهِدَ لَهَا أَبُوهَا، فَأَجَازَ شُرَيْحٌ شَهَادَتَهُمَا، فَقَالَ الْخَصْمُ: هَذَا أَبُوهَا، وَهَذَا زَوْجُهَا. فَقَالَ لَهُ شُرَيْحٌ: هَلْ تَعْلَمُ شَيْئًا تُجَرِّحُ بِهِ شَهَادَتَهُمَا كُلُّ مُسْلِمٍ شَهَادَتُهُ جَائِزَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ شَبِيبِ بْنِ غَرْقَدَةَ قَالَ: سَمِعْت شُرَيْحًا: أَجَازَ لأَمْرَأَةٍ شَهَادَةَ أَبِيهَا وَزَوْجِهَا فَقَالَ الرَّجُلُ: إنَّهُ أَبُوهَا وَزَوْجُهَا. فَقَالَ شُرَيْحٌ: فَمَنْ يَشْهَدُ لِلْمَرْأَةِ إِلاَّ أَبُوهَا وَزَوْجُهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا شَبَابَةُ، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، قَالَ: شَهِدْت لأَُمِّي عِنْدَ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، فَقَضَى بِشَهَادَتِي. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: أَجَازَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ شَهَادَةَ الأَبْنِ لأََبِيهِ إذَا كَانَ عَدْلاً. فَهَؤُلاَءِ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَجَمِيعُ الصَّحَابَةِ، وَشُرَيْحٌ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ. وَبِهَذَا يَقُولُ إيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، وَعُثْمَانُ الْبَتِّيُّ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَالْمُزَنِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعُ أَصْحَابِنَا. وَرَأَى الشَّافِعِيُّ: وَأَصْحَابُهُ: قَبُولَ شَهَادَةِ الزَّوْجَيْنِ: كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِلآخَرِ وَرَأَى الأَوْزَاعِيِّ: أَنْ لاَ يُقْبَلُ الأَخُ لأََخِيهِ. وَذَكَرَ ذَلِكَ الزُّهْرِيُّ، عَنِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ الْوُلاَةِ الَّذِينَ رَدُّوا الأَبَ لأَبْنِهِ وَالأَبْنَ لأََبِيهِ، وَأَحَدَ الزَّوْجَيْنِ لِصَاحِبِهِ. وَأَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ: الأَخَ لأََخِيهِ. وَأَجَازَ مَالِكٌ لأََخِيهِ إِلاَّ فِي النَّسَبِ خَاصَّةً. وَرَدَّ مَالِكٌ شَهَادَةَ الصَّدِيقِ الْمُلاَطِفِ لِصِدِّيقِهِ
قال أبو محمد: احْتَجَّ الْمُخَالِفُونَ لَنَا بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ يَزِيدَ الْجَزَرِيِّ، قَالَ: أَحْسَبُهُ يَزِيدَ بْنَ سِنَانٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ خَائِنٍ، وَلاَ خَائِنَةٍ، وَلاَ ظَنِينٍ فِي وَلاَءٍ أَوْ قَرَابَةٍ، وَلاَ مَجْلُودٍ فِي حَدٍّ .
قال أبو محمد: وَهَذَا عَلَيْهِمْ لاَ لَهُمْ لِوُجُوهٍ: أَوَّلُهَا أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ لأََنَّهُ، عَنْ يَزِيدَ وَهُوَ مَجْهُولٌ فَإِنْ كَانَ يَزِيدُ بْنُ سِنَانٍ فَهُوَ مَعْرُوفٌ بِالْكَذِبِ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانُوا أَوَّلَ مُخَالِفٍ لَهُ فِي مَوْضِعَيْنِ: أَحَدُهُمَا تَفْرِيقُهُمْ بَيْنَ الأَخِ وَالأَبِ، وَبَيْنَ الْعَمِّ وَابْنِ الأَخِ، وَبَيْنَ الأَبِ وَالأَبْنِ وَكُلُّهُمْ سَوَاءٌ إذْ هُمْ مُتَقَارِبُونَ فِي التُّهْمَةِ بِالْقَرَابَةِ. وَكُلُّهُمْ يُجِيزُ الْمَوْلَى لِمَوْلاَهُ وَهَذَا خِلاَفُ الْخَبَرِ.

وَكُلُّهُمْ يُجِيزُ الْمَجْلُودَ فِي الْحَدِّ إذَا تَابَ وَهُوَ خِلاَفُ هَذَا الْخَبَرِ فَمَنْ أَضَلُّ سَبِيلاً، أَوْ أَفْسَدُ دَلِيلاً مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِخَبَرٍ هُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لَهُ. وَذَكَرُوا: مَا رُوِّينَاهُ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حُمَيْدٍ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إلَى أَبِي مُوسَى: الْمُسْلِمُونَ عُدُولٌ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاَّ مَجْلُودًا فِي حَدٍّ، أَوْ مُجَرَّبًا عَلَيْهِ شَهَادَةُ زُورٍ، أَوْ ظَنِينًا فِي وَلاَءٍ، أَوْ فِي قَرَابَةٍ، وَالْقَوْلُ فِي هَذَا كَاَلَّذِي قَبْلَهُ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ قَطُّ، عَنْ عُمَرَ، ثُمَّ قَدْ خَالَفُوهُ كَمَا ذَكَرْنَا سَوَاءً وَالأَثْبَتُ، عَنْ عُمَرَ: قَبُولُ الأَبِ لأَبْنِهِ. وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا: احْتِجَاجُهُمْ فِي هَذَا بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَنْتَ وَمَالُكَ لأََبِيكَ . وَمِنْ أَمْرِهِ هِنْدًا بِأَخْذِ قُوتِهَا مِنْ مَالِ زَوْجِهَا. وَهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا. وَأَمَّا نَحْنُ فَنُصَحِّحُهُمَا، وَنَقُولُ: لَيْسَ فِيهِمَا مَنْعٌ مِنْ قَبُولِ شَهَادَةِ الأَبْنِ لأََبَوَيْهِ، وَلاَ مِنْ قَبُولِ الأَبَوَيْنِ لَهُ وَإِنْ كَانَ هُوَ وَمَالُهُ لَهُمَا فَكَانَ مَاذَا وَنَحْنُ كُلُّنَا لِلَّهِ تَعَالَى وَأَمْوَالُنَا وَقَدْ أَمَرَنَا بِأَنْ نَشْهَدَ لَهُ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ} وَكُلُّ ذِي حَقٍّ فَهُوَ مَأْمُورٌ بِأَخْذِ حَقِّهِ مِمَّنْ هُوَ لَهُ عِنْدَهُ مَتَى قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ أَجْنَبِيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَ أَجْنَبِيٍّ وَمَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَأَعَانَ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَقَدَرَ عَلَى تَغْيِيرِ مُنْكَرٍ فَلَمْ يَفْعَلْ بَلْ أَقَرَّ الْمُنْكَرَ وَالْبَاطِلَ وَالْحَرَامَ وَلَمْ يُغَيِّرْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَمِنْ أَغْرَبِ مَا وَقَعَ: احْتِجَاجُ بَعْضِهِمْ فِي هَذَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:أَنْ اُشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ.
قال أبو محمد: وَهَذِهِ أَعْظَمُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ، لأََنَّ مِنْ الشُّكْرِ لَهُمَا بَعْدَ شُكْرِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْ يَشْهَدَ لَهُمَا بِالْحَقِّ، وَلَيْسَ مِنْ الشُّكْرِ لَهُمَا أَنْ يَشْهَدَ لَهُمَا بِالْبَاطِلِ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} فَقَدْ سَوَّى اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ كُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا فِي وُجُوبِ الإِحْسَانِ إلَيْهِمْ، فَيَلْزَمُ مَنْ اتَّهَمَهُ لِذَلِكَ فِي الْوَالِدَيْنِ، وَفِي بَعْضِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ، وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُهُ: أَنْ يَتَّهِمَهُ فِي سَائِرِهِمْ، فَلاَ يَقْبَلُ شَهَادَةَ أَحَدِهِمْ لِقَرِيبٍ جُمْلَةً، وَلاَ لِجَارٍ، وَلاَ لأَبْنِ سَبِيلٍ، وَلاَ لِيَتِيمٍ، وَلاَ لِمِسْكِينٍ، وَإِلَّا فَقَدْ تَلَوَّثُوا فِي التَّخْلِيطِ بِالْبَاطِلِ مَا شَاءُوا، فَلَمْ يَبْقَ فِي أَيْدِيهمْ إِلاَّ التُّهْمَةُ، وَالتُّهْمَةُ لاَ تَحِلُّ. وَبِالضَّرُورَةِ نَدْرِي أَنَّ مَنْ حَمَلَتْهُ قَرَابَةُ أَبَوَيْهِ وَبَنِيهِ وَامْرَأَتِهِ عَلَى أَنْ يَشْهَدَ لَهُمْ بِالْبَاطِلِ فَمَضْمُونٌ مَنْعُهُ قَطْعًا أَنْ يَشْهَدَ لِمَنْ يَرْشُوهُ مِنْ الأَبَاعِدِ لاَ فَرْقَ. وَلَيْسَ لِلتُّهْمَةِ فِي الإِسْلاَمِ مَدْخَلٌ وَنَحْنُ نَسْأَلُهُمْ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، وَأُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: لَوْ ادَّعَيَا عَلَى يَهُودِيٍّ بِدِرْهَمٍ بِحَقٍّ، أَتَقْضُونَ لَهُمَا بِدَعْوَاهُمَا فَإِنْ قَالُوا: نَعَمْ، خَالَفُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ عليه الصلاة والسلام وَإِجْمَاعَ الأُُمَّةِ الْمُتَيَقَّنَ وَتَرَكُوا قَوْلَهُمْ. وَإِنْ قَالُوا: لاَ، قلنا: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَاَللَّهِ مَا عَلَى أَدِيمِ الأَرْضِ مَنْ

يَقُولُ: إنَّهُ مُسْلِمٌ يَتَّهِمُ أَبَا ذَرٍّ، وَأُمَّ سَلَمَةَ رضي الله عنهما أَنَّهُمَا يَدَّعِيَانِ الْبَاطِلَ فِي الدُّنْيَا بِأَسْرِهَا، فَكَيْفَ فِي دِرْهَمٍ عَلَى يَهُودِيٍّ ثُمَّ نَسْأَلُهُمْ أَتُبَرِّئُونَ الْيَهُودِيَّ الْكَذَّابَ الْمَشْهُورَ بِالْفِسْقِ بِيَمِينِهِ مِنْ دَعْوَاهُمَا فَمَنْ قَوْلُهُمْ: نَعَمْ، قلنا لَهُمْ: وَهَلْ مَقَرُّ التُّهْمَةِ، وَالظِّنَّةِ، إِلاَّ فِي الْكُفَّارِ الْمُتَيَقَّنِ كَذِبُهُمْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَعَلَى رَسُولِهِ عليه الصلاة والسلام. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ: مِنْ إعْطَاءِ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ: الْمُدَّعِيَ الْمَالَ الْعَظِيمَ بِدَعْوَاهُ وَيَمِينِهِ، وَإِنْ كَانَ أَشْهَرُ فِي الْكَذِبِ وَالْمُجُونِ مِنْ حَاتِمٍ فِي الْجُودِ، إذَا أَبَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ مِنْ الْيَمِينِ، وَإِعْطَاءِ أَبِي حَنِيفَةَ إيَّاهُ ذَلِكَ بِدَعْوَاهُ الْمُجَرَّدَةِ بِلاَ بَيِّنَةٍ، وَلاَ يَمِينٍ، وَلاَ يَتَّهِمُونَهُ بِرَأْيِهِمْ: لاَ بِقُرْآنٍ، وَلاَ بِسُنَّةٍ، ثُمَّ يَتَّهِمُونَ النَّاسِكَ الْفَاضِلَ الْبَرَّ التَّقِيَّ فِي شَهَادَتِهِ لأَبْنِهِ، أَوْ لأَمْرَأَتِهِ أَوْ لأََبِيهِ بِدِرْهَمٍ نَبْرَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ الَّتِي لاَ شَيْءَ أَفْسَدُ مِنْهَا.
قال أبو محمد: وَهُمْ يُشَنِّعُونَ بِخِلاَفِ الصَّاحِبِ لاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ، وَقَدْ خَالَفُوهُ هَاهُنَا، وَلاَ يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ. ثُمَّ قَدْ حَكَى الزُّهْرِيُّ أَنَّهُ لَمْ يَخْتَلِفْ الصَّدْرُ الأَوَّلُ فِي قَبُولِ الأَبِ لأَبْنِهِ وَالزَّوْجَيْنِ أَحَدِهِمَا لِلآخَرِ، وَالْقَرَابَةِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ حَتَّى دَخَلَتْ فِي النَّاسِ الدَّاخِلَةُ وَهَذَا إخْبَارٌ، عَنْ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، فَكَيْفَ اسْتَجَازُوا خِلاَفَهُمْ لِظَنٍّ فَاسِدٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ. ثُمَّ لَيْتَ شِعْرِي: مَا الَّذِي حَدَثَ مِمَّا لَمْ يَكُنْ، وَاَللَّهِ لَقَدْ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ هُمْ شَرُّ خَلْقِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالْكُفَّارُ، وَالزُّنَاةُ، وَالسُّرَّاقُ، وَالْكَذَّابُونَ، فَمَا نَدْرِي مَا الَّذِي حَدَثَ، وَحَاشَ لِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يَحْدُثَ شَيْءٌ بِغَيْرِ الشَّرِيعَةِ. وَنَحْنُ نَشْهَدُ بِشَهَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنَّهُ تَعَالَى لَوْ أَرَادَ أَنْ لاَ يُقْبَلَ أَحَدٌ مِمَّنْ ذَكَرْنَا لِمَنْ شَهِدَ لَهُ لَبَيَّنَهُ وَمَا أَغْفَلَهُ فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِ مُخَالِفِينَا بِيَقِينٍ لاَ مِرْيَةَ فِيهِ. وأعجب شَيْءٍ أَنَّهُمْ أَجَازُوا الأَخَ لأََخِيهِ وَالزُّهْرِيُّ يَحْكِي، عَنِ الْمُتَأَخِّرِينَ اتِّهَامَهُمْ لَهُ، فَقَدْ خَالَفُوا مَنْ تَقَدَّمَ وَمَنْ تَأَخَّرَ، وَكَفَى بِهَذَا شُنْعَةً. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ومن شهد على عدوه نظر فان كان تخريجه عداوته له الى ما لا يحل
1790 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ شَهِدَ عَلَى عَدُوِّهِ نُظِرَ، فَإِنْ كَانَ تُخْرِجُهُ عَدَاوَتُهُ لَهُ إلَى مَا لاَ يَحِلُّ فَهِيَ جُرْحَةٌ فِيهِ تَرُدُّ شَهَادَتَهُ لِكُلِّ أَحَدٍ، وَفِي كُلِّ شَيْءٍ وَإِنْ كَانَ لاَ تُخْرِجُهُ عَدَاوَتُهُ إلَى مَا لاَ يَحِلُّ فَهُوَ عَدْلٌ يُقْبَلُ عَلَيْهِ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا. وقال أبو حنيفة: لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ الأَجِيرِ لِمَنْ اسْتَأْجَرَهُ فِي شَيْءٍ أَصْلاً وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ. وقال مالك كَذَلِكَ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ عَدْلاً مُبَرَّزًا فِي الْعَدَالَةِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ فِي عِيَالِهِ فَلاَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُ لَهُ.
وقال الشافعي: لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ الأَجِيرِ لِمَنْ اسْتَأْجَرَهُ فِيمَا اسْتَأْجَرَهُ فِيهِ خَاصَّةً، وَتَجُوزُ لَهُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ. وَكَذَلِكَ قَالُوا: فِي الْوَكِيلِ سَوَاءً سَوَاءً.

وقال مالك: إنْ كَانَ مُنْضَافًا إلَيْهِ لَمْ يُقْبَلْ لَهُ، وَلَمْ تَجُزْ شَهَادَةُ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ. وقال أبو حنيفة، وَمَالِكٌ: لاَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْخَصْمِ، لاَ لِلَّذِي وَكَّلَهُ، وَلاَ لِلَّذِي وُكِّلَ عَلَى أَنْ يُخَاصِمَهُ. وقال أبو حنيفة، وَالشَّافِعِيُّ: تَجُوزُ شَهَادَةُ الْفُقَرَاءِ وَالسُّؤَّالِ وقال مالك: لاَ تَجُوزُ إِلاَّ فِي الشَّيْءِ الْيَسِيرِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: لاَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ فَقِيرٍ وَأَشَارَ شَرِيكٌ إلَى ذَلِكَ.
قال أبو محمد: كُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا فِي هَؤُلاَءِ مَقْبُولُونَ لِكُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا، كَالأَجْنَبِيَّيْنِ، وَلاَ فَرْقَ. وَاحْتَجَّ الْمُخَالِفُ بِمَا رُوِّينَا، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَنَّهُ لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ ذِي غِمْرٍ عَلَى أَخِيهِ، وَلاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ الظِّنَّةِ، وَلاَ الإِحْنَةِ، وَلاَ شَهَادَةُ خَصْمٍ، وَلاَ ظَنِينٍ، وَلاَ الْقَانِعِ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ لَهُمْ. وَصَحَّ عَنْ شُرَيْحٍ: لاَ تَجُوزُ عَلَيْك شَهَادَةُ الْخَصْمِ، وَلاَ الشَّرِيكِ، وَلاَ الأَجِيرِ لِمَنْ اسْتَأْجَرَهُ. وَرُوِيَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ وَلَمْ يَصِحَّ لاَ أُجِيزُ شَهَادَةَ وَصِيٍّ، وَلاَ وَلِيٍّ، لأََنَّهُمَا خَصْمَانِ. وَصَحَّ عَنْ إبْرَاهِيمَ: لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ الشَّرِيكِ لِشَرِيكِهِ فِيمَا بَيْنَهُمَا، وَتَجُوزُ لَهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ. وَعَنْ شُرَيْحٍ مَضَتْ السُّنَّةُ فِي الإِسْلاَمِ أَنَّهُ لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ خَصْمٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ سَمْعَانَ وَهُوَ كَذَّابٌ لَمْ يَكُنْ السَّلَفُ يُجِيزُونَ شَهَادَةَ الْقَانِعِ
قال أبو محمد: الْقَانِعُ السَّائِلُ، وَصَحَّ عَنْ رَبِيعَةَ: تُرَدُّ شَهَادَةُ الْخَصْمِ، وَالظَّنِينِ فِي خَلاَئِقِهِ، وَشَكْلِهِ، وَمُخَالَفَتِهِ الْعُدُولَ فِي سِيرَتِهِ وَإِنْ لَمْ يُوقَفْ مِنْهُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَتُرَدُّ شَهَادَةُ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ. وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ: تُرَدُّ شَهَادَةُ الْعَدُوِّ عَلَى عَدُوِّهِ. هَذَا كُلُّ مَا يُذْكَرُ فِي ذَلِكَ عَمَّنْ سَلَفَ.
قال أبو محمد: أَمَّا الآثَارُ فِي ذَلِكَ فَكُلُّهَا بَاطِلٌ، لأََنَّ بَعْضَهَا مَرْوِيٌّ مُنْقَطِعٌ، وَمِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنَ رَاشِدٍ وَلَيْسَ بِالْقَوِيِّ. أَوْ مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَحْيَى الأَسْلَمِيِّ وَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ وَصَفَهُ بِذَلِكَ مَالِكٌ، وَغَيْرُهُ. أَوْ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ وَهِيَ صَحِيفَةٌ. أَوْ مُرْسَلٌ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ فَرُّوخَ. أَوْ مُرْسَلٌ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ طَلْحَةَ، وَلاَ يُدْرَى مَنْ هُمَا فِي النَّاسِ. أَوْ مُرْسَلاَنِ: مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ سَمْعَانَ، وَقَدْ كَذَّبَهُمَا مَالِكٌ، وَغَيْرُهُ. أَوْ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ الْجَزَرِيِّ وَهُوَ مَجْهُولٌ فَإِنْ كَانَ ابْنُ سِنَانٍ فَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ. أَوْ مُرْسَلٌ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَكُلُّ هَذَا لاَ يَحِلُّ الأَحْتِجَاجُ بِهِ. ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَكَانَتْ مُخَالِفَةً لَهُمْ، لأََنَّ فِيهَا أَنْ لاَ تَجُوزَ شَهَادَةُ ذِي الْغِمْرِ عَلَى أَخِيهِ مُطْلَقًا عَامًّا وَهُوَ قَوْلُنَا وَهُمْ يَمْنَعُونَهَا مِنْ الْقَبُولِ عَلَى عَدُوِّهِ فَقَطْ، وَيُجِيزُونَهَا عَلَى غَيْرِهِ وَهَذَا خِلاَفٌ لِتِلْكَ الآثَارِ. وَأَمَّا شَهَادَةُ الْخَصْمِ: فَإِنَّ الْمُدَّعِيَ لِنَفْسِهِ الْمُخَاصِمَ لاَ تُقْبَلُ دَعْوَاهُ لِنَفْسِهِ بِلاَ شَكٍّ. فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِتِلْكَ الآثَارِ لَوْ صَحَّتْ،

فَكَيْفَ وَهِيَ لاَ تَصِحُّ. ثُمَّ وَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى قَدْ قَالَ: وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَنْ لاَ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى فَأَمَرَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالْعَدْلِ عَلَى أَعْدَائِنَا. فَصَحَّ أَنَّ مَنْ حَكَمَ بِالْعَدْلِ عَلَى عَدُوِّهِ أَوْ صَدِيقِهِ أَوْ لَهُمَا، أَوْ شَهِدَ وَهُوَ عَدْلٌ عَلَى عَدُوِّهِ أَوْ صَدِيقِهِ أَوْ لَهُمَا، فَشَهَادَتُهُ مَقْبُولَةٌ وَحُكْمُهُ نَافِذٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا سَبَقَ مَالِكًا إلَى الْقَوْلِ بِرَدِّ شَهَادَةِ الصَّدِيقِ الْمُلاَطِفِ. وَأَمَّا مَنْ رَدَّ شَهَادَةَ الْفَقِيرِ فَعَظِيمَةٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} إلَى قَوْلِهِ: {أُولَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ} فَمَنْ رَدَّ شَهَادَةَ هَؤُلاَءِ لَخَاسِرٌ، وَإِنَّ مَنْ خَصَّهُمْ دُونَ سَائِرِ الْفُقَرَاءِ لَمُتَنَاقِضٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ فِي هَذِهِ الأَقْوَالِ سَلَفًا مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، أَصْلاً. وَأَطْرَفُ شَيْءٍ قَوْلُ رَبِيعَةَ: تُرَدُّ شَهَادَةُ مَنْ خَالَفَ الْعُدُولَ فِي سِيرَتِهِ وَإِنْ لَمْ يُوقَفْ مِنْهُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ: فَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا، لاَ نَدْرِي مِنْ أَيْنَ أَطْلَقَهُ فِي دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

ولا تقبل شهادة من لم يبلغ من الصيان لا ذكورهم ...
1791 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ مِنْ الصِّبْيَانِ، لاَ ذُكُورِهِمْ، وَلاَ إنَاثِهِمْ، وَلاَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَلاَ عَلَى غَيْرِهِمْ، لاَ فِي نَفْسٍ، وَلاَ جِرَاحَةٍ، وَلاَ فِي مَالٍ، وَلاَ يَحِلُّ الْحُكْمُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، لاَ قَبْلَ افْتِرَاقِهِمْ، وَلاَ بَعْدَ افْتِرَاقِهِمْ وَفِي هَذَا خِلاَفٌ كَثِيرٌ: فَصَحَّ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ قَالَ: إذَا جِيءَ بِهِمْ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ جَازَتْ شَهَادَتُهُمْ. قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: فَأَخَذَ الْقُضَاةُ بِقَوْلِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَأَجَازَ بَعْضُهُمْ شَهَادَتَهُمْ فِي خَاصٍّ مِنْ الأَمْرِ، لاَ فِي كُلِّ شَيْءٍ:
كَمَا رُوِّينَا، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: شَهَادَةُ الصَّبِيِّ عَلَى الصَّبِيِّ جَائِزَةٌ، وَشَهَادَةُ الْعَبْدِ عَلَى الْعَبْدِ جَائِزَةٌ. قَالَ الْحَسَنُ: وَقَالَ مُعَاوِيَةُ: شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ عَلَى الصِّبْيَانِ جَائِزَةٌ، مَا لَمْ يَدْخُلُوا الْبُيُوتَ فَيُعَلَّمُوا وَعَنْ عَلِيٍّ مِثْلُ هَذَا أَيْضًا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ: أَنَّ سِتَّةَ غِلْمَانٍ ذَهَبُوا يَسْبَحُونَ، فَغَرِقَ أَحَدُهُمْ، فَشَهِدَ ثَلاَثَةٌ عَلَى اثْنَيْنِ أَنَّهُمَا غَرَّقَاهُ، وَشَهِدَ اثْنَانِ عَلَى ثَلاَثَةٍ أَنَّهُمْ غَرَّقُوهُ: فَقَضَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عَلَى الثَّلاَثَةِ خُمُسَيْ الدِّيَةِ، وَعَلَى الاِثْنَيْنِ ثَلاَثَةَ أَخْمَاسِ الدِّيَةِ. وَرُوِّينَا أَيْضًا نَحْوَ هَذَا، عَنْ مَسْرُوقٍ. وَرُوِّينَا، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ فِرَاسٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ مَسْرُوقٍ: أَنَّ ثَلاَثَةَ غِلْمَانٍ شَهِدُوا عَلَى أَرْبَعَةٍ، وَشَهِدَ الأَرْبَعَةُ عَلَى الثَّلاَثَةِ، فَجَعَلَ مَسْرُوقٌ عَلَى الأَرْبَعَةِ ثَلاَثَةَ أَسْبَاعِ الدِّيَةِ، وَعَلَى الثَّلاَثَةِ أَرْبَعَةَ أَسْبَاعِ الدِّيَةِ. وَرُوِّينَا أَيْضًا، عَنِ ابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالزُّهْرِيِّ: جَوَازَ شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ بِقَوْلِهِمْ مَعَ أَيْمَانِ الْمُدَّعِي مَا لَمْ يَتَفَرَّقُوا، وَأَنَّهُ قَضَى بِمِثْلِ مَا قَضَى بِهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فِي دِيَةِ ضِرْسٍ. وَعَنْ أَبِي الزِّنَادِ: السُّنَّةُ أَنْ يُؤْخَذَ فِي شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْجِرَاحِ مَعَ أَيْمَانِ الْمُدَّعِينَ. وَعَنْ عُمَرَ

ابْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَنَّهُ أَجَازَ شَهَادَةَ الصِّبْيَانِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْجِرَاحِ الْمُتَقَارِبَةِ، فَإِذَا بَلَغَتْ النُّفُوسَ قَضَى بِشَهَادَتِهِمْ مَعَ أَيْمَانِ الطَّالِبِينَ. وَعَنْ رَبِيعَةَ: جَوَازُ شَهَادَةِ بَعْضِ الصِّبْيَانِ عَلَى بَعْضٍ مَا لَمْ يَتَفَرَّقُوا. وَعَنْ شُرَيْحٍ: أَنَّ شَهَادَةَ الصِّبْيَانِ تُقْبَلُ إذَا اتَّفَقُوا، وَلاَ تُقْبَلُ إذَا اخْتَلَفُوا، وَأَنَّهُ أَجَازَ شَهَادَةَ صِبْيَانٍ فِي مَأْمُومَةٍ. وَعَنِ ابْنِ قُسَيْطٍ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ: قَبُولُ شَهَادَةِ الصِّبْيَانِ فِيمَا بَيْنَهُمْ مَا لَمْ يَتَفَرَّقُوا. وَعَنْ عَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ: تَجُوزُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ عَلَى الصِّبْيَانِ. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: تَجُوزُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، وَقَالَ: كَانُوا يُجِيزُونَهَا فِيمَا بَيْنَهُمْ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: تَجُوزُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فِي كُلِّ شَيْءٍ. وقال مالك: تَجُوزُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ عَلَى الصِّبْيَانِ فَقَطْ، وَلاَ تَجُوزُ شَهَادَتُهُمْ عَلَى صَغِيرٍ أَنَّهُ جَرَحَ كَبِيرًا، وَلاَ عَلَى كَبِيرٍ أَنَّهُ جَرَحَ صَغِيرًا، وَلاَ تَجُوزُ إِلاَّ فِي الْجِرَاحِ خَاصَّةً، وَلاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ الصَّبَايَا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَصْلاً، وَلاَ تَجُوزُ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ شَهَادَةُ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ عَبْدًا، فَإِنْ اخْتَلَفُوا لَمْ يُلْتَفَتْ شَيْءٌ مِنْ قَوْلِهِمْ وَقُضِيَ عَلَى جَمِيعِهِمْ بِالدِّيَةِ سَوَاءً.
قال أبو محمد: مَا نَعْلَمُ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ فَرْقًا بَيْنَ صَبِيٍّ وَصَبِيَّةٍ، وَلاَ بَيْنَ عَبْدٍ مِنْهُمْ مِنْ حُرٍّ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ فِي شَيْءٍ أَصْلاً، كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ، عَنْ عُمَرَ، وَعُثْمَانَ فِي الصَّغِيرِ يَشْهَدُ فَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ، ثُمَّ يَبْلُغُ فَيَشْهَدُ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ أَنَّهَا لاَ تُقْبَلُ. وَصَحَّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ: لاَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الصِّبْيَانِ فِي شَيْءٍ. وَعَنْ عَطَاءٍ: لاَ تَجُوزُ شَهَادَةُ الْغِلْمَانِ حَتَّى يَكْبَرُوا وَعَنْ قَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَسَالِمٍ، وَالنَّخَعِيِّ مِثْلُ قَوْلِ عَطَاءٍ. وَعَنِ الْحَسَنِ: لاَ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْغِلْمَانِ عَلَى الْغِلْمَانِ. وَعَنِ ابْنِ سِيرِينَ: لاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ حَتَّى يَبْلُغُوا. وَعَنِ الشَّعْبِيِّ، وَشُرَيْحٍ أَنَّهُمَا كَانَا يَقْبَلاَنِهَا إذَا ثَبَتُوا عَلَيْهَا حَتَّى يَبْلُغُوا. وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي غِلْمَانٍ شَهِدَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ بِكَسْرِ يَدِ صَبِيٍّ مِنْهُمْ فَقَالَ: لَمْ تَكُنْ شَهَادَةُ الْغِلْمَانِ فِيمَا مَضَى مِنْ الزَّمَانِ تُقْبَلُ وَأَوَّلُ مَنْ قَضَى بِذَلِكَ مَرْوَانُ.
قال أبو محمد: وَبِمِثْلِ قَوْلِنَا يَقُولُ مَكْحُولٌ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعُ أَصْحَابِنَا.
قَالَ عَلِيٌّ: لَمْ نَجِدْ لِمَنْ أَجَازَ شَهَادَةَ الصِّبْيَانِ حُجَّةً أَصْلاً، لاَ مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ، وَلاَ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلاَ قِيَاسٍ، وَلاَ نَظَرٍ، وَلاَ احْتِيَاطٍ، بَلْ هُوَ قَوْلٌ مُتَنَاقِضٌ، لأََنَّهُمْ فَرَّقُوا بَيْنَ شَهَادَتِهِمْ عَلَى كَبِيرٍ أَوْ لِكَبِيرٍ، وَبَيْنَ شَهَادَتِهِمْ عَلَى صَغِيرٍ أَوْ لِصَغِيرٍ. وَفَرَّقَ مَالِكٌ بَيْنَ الْجِرَاحِ وَغَيْرِهَا، فَلَمْ يُجِزْهَا فِي تَخْرِيقِ ثَوْبٍ يُسَاوِي رُبُعَ دِرْهَمٍ، وَأَجَازَهَا فِي النَّفْسِ وَالْجِرَاحِ. وَفَرَّقَ بَيْنَ الصَّبَايَا وَالصِّبْيَانِ وَهَذَا كُلُّهُ تَحَكُّمٌ بِالْبَاطِلِ، وَخَطَأٌ لاَ خَفَاءَ بِهِ،

وَأَقْوَالٌ لاَ يَحِلُّ قَبُولُهَا مِنْ غَيْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَقَدْ اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِي ذَلِكَ، وَحُجَّةُ مَنْ قَالَ بِقَوْلِنَا هُوَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} وَقَالَ: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ} وَلَيْسَ الصِّبْيَانُ ذَوَيْ عَدْلٍ، وَلاَ يَرْضَاهُمْ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "رُفِعَ الْقَلَمُ، عَنْ ثَلاَثَةٍ، فَذَكَرَ الصَّبِيَّ حَتَّى يَبْلُغَ" . وَلَيْسَ فِي الْعَجَبِ أَكْثَرُ مِنْ رَدِّ شَهَادَةِ عَبْدٍ فَاضِلٍ، صَالِحٍ عَدْلٍ، رَضِيٍّ وَتُقْبَلُ شَهَادَةِ صَبِيَّيْنِ لاَ عَقْلَ لَهُمَا، وَلاَ دِينَ، وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وحكم القاضي لا يحل ما كان حراما قبل قضائه
1792- مَسْأَلَةٌ: وَحُكْمُ الْقَاضِي لاَ يُحِلُّ مَا كَانَ حَرَامًا قَبْلَ قَضَائِهِ، وَلاَ يُحَرِّمُ مَا كَانَ حَلاَلاً قَبْلَ قَضَائِهِ، إنَّمَا الْقَاضِي مُنَفِّذٌ عَلَى الْمُمْتَنِعِ فَقَطْ لاَ مَزِيَّةَ لَهُ سِوَى هَذَا. وقال أبو حنيفة: لَوْ أَنَّ امْرَأً رَشَا شَاهِدَيْنِ فَشَهِدَا لَهُ بِزُورٍ أَنَّ فُلاَنًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فُلاَنَةَ، وَأَعْتَقَ أَمَتَهُ فُلاَنَةَ وَهُمَا كَاذِبَانِ مُتَعَمِّدَانِ، وَأَنَّ الْمَرْأَتَيْنِ بَعْدَ الْعِدَّةِ رَضِيَتَا بِفُلاَنٍ زَوْجًا، فَقَضَى الْقَاضِي بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ، فَإِنَّ وَطْءَ تَيْنِكَ الْمَرْأَتَيْنِ: حَلاَلٌ لِلْفَاسِقِ الَّذِي شَهِدُوا لَهُ بِالزُّورِ، وَحَرَامٌ عَلَى الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بِالْبَاطِلِ. وَكَذَلِكَ مَنْ أَقَامَ شَاهِدَيْ زُورٍ عَلَى فُلاَنٍ أَنَّهُ أَنْكَحَهُ ابْنَتَهُ بِرِضَاهَا وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ لَمْ تَرْضَهُ قَطُّ، وَلاَ زَوَّجَهَا إيَّاهُ أَبُوهَا فَقَضَى الْقَاضِي بِذَلِكَ، فَوَطْؤُهُ لَهَا حَلاَلٌ.
قال أبو محمد: مَا نَعْلَمُ مُسْلِمًا قَبْلَهُ أَتَى بِهَذِهِ الطَّوَامِّ، وَنَبْرَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْهَا وَلَيْتَ شِعْرِي مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَنْ شَهِدَ لَهُ شَاهِدَا زُورٍ فِي أُمِّهِ أَنَّهَا أَجْنَبِيَّةٌ، وَأَنَّهَا قَدْ رَضِيَتْ بِهِ زَوْجًا، أَوْ عَلَى حُرٍّ أَنَّهُ عَبْدُهُ فَقَضَى لَهُ الْقَاضِي بِذَلِكَ وَمَا عُلِمَ مُسْلِمٌ قَطُّ قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ فَرَّقَ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ: "إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ" . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رضي الله عنها، أَنَّهُ قَالَ عليه الصلاة والسلام: "إنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ وَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ فَلَعَلَّ أَحَدَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَعْلَمَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَأَقْضِيَ لَهُ بِمَا أَسْمَعُ وَأَظُنُّهُ صَادِقًا فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِشَيْءٍ مِنْ حَقِّ صَاحِبِهِ فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنْ النَّارِ فَلْيَأْخُذْهَا أَوْ لِيَدَعْهَا فَإِذَا كَانَ حُكْمُهُ عليه الصلاة والسلام وَقَضَاؤُهُ لاَ يُحِلُّ لأََحَدٍ مَا كَانَ عَلَيْهِ حَرَامًا فَكَيْفَ الْقَوْلُ فِي قَضَاءِ أَحَدٍ بَعْدَهُ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْ الْخِذْلاَنِ.

ولا يحل التأني في انفاذ الحكم اذا ظهر
1797 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ التَّأَنِّي فِي إنْفَاذِ الْحُكْمِ إذَا ظَهَرَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا. وقال أبو حنيفة: إذَا طَمِعَ الْقَاضِي أَنْ يَصْطَلِحَ الْخَصْمَانِ فَلاَ

ويحكم على اليهود والنصارى والمجوس بحكم أهل الإسلام
1795 - مَسْأَلَةٌ: وَيُحْكَمُ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ بِحُكْمِ أَهْلِ الإِسْلاَمِ فِي كُلِّ شَيْءٍ رَضُوا أَمْ سَخِطُوا، أَتَوْنَا أَوْ لَمْ يَأْتُونَا، وَلاَ يَحِلُّ رَدُّهُمْ إلَى حُكْمِ دِينِهِمْ، وَلاَ إلَى حُكَّامِهِمْ أَصْلاً. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْت بَجَالَةَ التَّمِيمِيَّ قَالَ: أَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ: أَنْ اُقْتُلُوا كُلَّ سَاحِرٍ وَسَاحِرَةٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَ كُلِّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمٍ مِنْ الْمَجُوسِ، وَانْهَوْهُمْ، عَنِ الزَّمْزَمَةِ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَهْلُ الذِّمَّةِ إذَا كَانُوا فِينَا فَحَدُّهُمْ كَحَدِّ الْمُسْلِمِ. وَمِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فِي الْمَوَارِيثِ فِي أَهْلِ الذِّمَّةِ قَالَ: يُحْكَمُ عَلَيْهِمْ بِمَا فِي كِتَابِنَا وَهُوَ قَوْلُ قَتَادَةَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِنَا. وَرُوِّينَا غَيْرَ هَذَا: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ قَابُوسَ بْنِ مُخَارِقِ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ كَتَبَ إلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ فِي مُسْلِمٍ زَنَى بِنَصْرَانِيَّةٍ فَكَتَبَ إلَيْهِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: أَنْ يُقَامَ الْحَدُّ عَلَى الْمُسْلِمِ، وَتُرَدُّ النَّصْرَانِيَّةُ إلَى أَهْلِ دِينِهَا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ.
قال أبو محمد: هَذَا لاَ يَصِحُّ، عَنْ عَلِيٍّ، لأََنَّ فِيهِ سِمَاكَ بْنَ حَرْبٍ وَهُوَ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ وَقَابُوسُ بْنُ الْمُخَارِقِ وَأَبُوهُ مَجْهُولاَنِ فَبَطَلَ أَنْ يَصِحَّ، عَنِ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، فِي هَذَا الْبَابِ غَيْرُ مَا رُوِّينَا، عَنْ عُمَرَ. وَقَالَ الْمُخَالِفُونَ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:لاَ إكْرَاهَ فِي الدِّينِ فَإِذَا حُكِمَ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ حُكْمِ دِينِهِمْ فَقَدْ أُكْرِهُوا عَلَى غَيْرِ دِينِهِمْ.فَقُلْنَا: إنْ كَانَتْ هَذِهِ الآيَةُ تُوجِبُ أَنْ لاَ يُحْكَمَ عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ حُكْمِ دِينِهِمْ فَأَنْتُمْ أَوَّلُ مَنْ خَالَفَهَا فَأَقْرَرْتُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ بِخِلاَفِ الْحَقِّ، وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا، لأََنَّكُمْ تَقْطَعُونَهُمْ فِي السَّرِقَةِ بِحُكْمِ دِينِنَا، لاَ بِحُكْمِ دِينِهِمْ، وَتَحُدُّونَهُمْ فِي الْقَذْفِ بِحُكْمِ دِينِنَا لاَ بِحُكْمِ دِينِهِمْ، وَتَمْنَعُونَهُمْ مِنْ إنْفَاذِ حُكْمِ دِينِهِمْ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقَتْلِ وَالْخَطَأِ، وَبَيْعِ الأَحْرَارِ، فَقَدْ تَنَاقَضْتُمْ. فَإِنْ قَالُوا: هَذَا ظُلْمٌ لاَ يُقَرُّونَ عَلَيْهِ.فَقُلْنَا لَهُمْ: وَكُلُّ مَا خَالَفُوا فِيهِ حُكْمَ الإِسْلاَمِ فَهُوَ ظُلْمٌ لاَ يُقَرُّونَ عَلَيْهِ. وَقَالُوا: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} .فَقُلْنَا: هَذِهِ مَنْسُوخَةٌ نَسَخَهَا قوله تعالى: {وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} فَقَالُوا: هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ عَلَى ذَلِكَ. قلنا: نَعَمْ، رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نُسِخَتْ مِنْ هَذِهِ السُّورَةِ آيَتَانِ: آيَةُ: الْقَلاَئِدَ وَقَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُخَيَّرًا إنْ شَاءَ حَكَمَ بَيْنَهُمْ، وَإِنْ شَاءَ أَعْرَضَ عَنْهُمْ فَرَدَّهُمْ إلَى أَحْكَامِهِمْ، فَنَزَلَتْ: {وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ بِمَا فِي كِتَابِنَا.

قال أبو محمد: وَهَذَا مُسْنَدٌ، لأََنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَ بِنُزُولِ الآيَةِ فِي ذَلِكَ وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ، وَعِكْرِمَةَ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} وَالدِّينُ فِي الْقُرْآنِ وَاللُّغَةِ يَكُونُ الشَّرِيعَةَ، وَيَكُونُ الْحُكْمَ، وَيَكُونُ الْجَزَاءَ، فَالْجَزَاءُ فِي الآخِرَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لاَ إلَيْنَا. وَالشَّرِيعَةُ قَدْ صَحَّ أَنْ نُقِرَّهُمْ عَلَى مَا يَعْتَقِدُونَ إذَا كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ، فَبَقِيَ الْحُكْمُ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ كُلُّهُ حُكْمَ اللَّهِ كَمَا أَمَرَ. فَإِنْ قَالُوا: فَاحْكُمُوا عَلَيْهِمْ بِالصَّلاَةِ، وَالصِّيَامِ، وَالْحَجِّ، وَالْجِهَادِ، وَالزَّكَاةِ. قلنا: قَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُلْزِمْهُمْ شَيْئًا مِنْ هَذَا فَخَرَجَ بِنَصِّهِ وَبَقِيَ سَائِرُ الْحُكْمِ عَلَيْهِمْ عَلَى حُكْمِ الإِسْلاَمِ، وَلاَ بُدَّ. وَصَحَّ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام "قَتَلَ يَهُودِيًّا قَوَدًا بِصَبِيَّةٍ مُسْلِمَةٍ وَرَجَمَ يَهُودِيَّيْنِ زَنَيَا " وَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى حُكْمِ دِينِهِمْ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ بِآبِدَةٍ مُهْلِكَةٍ، وَهِيَ أَنْ قَالُوا: إنَّمَا أَنْفَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرَّجْمَ بِحُكْمِ التَّوْرَاةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا} ..فَقُلْنَا: هَذَا كُفْرٌ مِمَّنْ قَالَهُ، إذْ جَعَلَهُ عليه الصلاة والسلام مُنَفِّذًا لِحُكْمِ الْيَهُودِ، تَارِكًا لِتَنْفِيذِ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى، حَاشَا لَهُ مِنْ ذَلِكَ. وَأَيْضًا فَهَبْكَ أَنَّهُ كَمَا قُلْتُمْ فَارْجُمُوهُمْ أَنْتُمْ أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ نَفْسِهِ، وَإِلَّا فَقَدْ جَوَّرْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَأَمَّا الآيَةُ: فَإِنَّمَا هِيَ خَبَرٌ، عَنِ النَّبِيِّينَ السَّالِفِينَ فِيهِمْ، لأََنَّهُمْ لَيْسُوا لَنَا نَبِيِّينَ، إنَّمَا لَنَا نَبِيٌّ وَاحِدٌ فَصَحَّ أَنَّهُ غَيْرُ مَعْنِيٍّ بِهَذِهِ الآيَةِ. ثم نقول لَهُمْ: أَخْبِرُونَا، عَنْ أَحْكَامِ دِينِهِمْ أَحَقٌّ هِيَ إلَى الْيَوْمِ مُحْكَمٌ أَمْ بَاطِلٌ مَنْسُوخٌ، وَلاَ بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا: فَإِنْ قَالُوا: حَقٌّ مُحْكَمٌ كَفَرُوا جِهَارًا، وَإِنْ قَالُوا بَلْ بَاطِلٌ مَنْسُوخٌ. قلنا: صَدَقْتُمْ، وَأَقْرَرْتُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنَّكُمْ رَدَدْتُمُوهُمْ إلَى الْبَاطِلِ الْمَنْسُوخِ الْحَرَامِ، وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ. وَقَالَ تَعَالَى كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ وَلَيْسَ مِنْ الْقِسْطِ تَرْكُهُمْ يَحْكُمُونَ بِالْكُفْرِ الْمُبَدَّلِ أَوْ بِحُكْمٍ قَدْ أَبْطَلَهُ اللَّهُ تَعَالَى، أَوْ حَرَّمَ الْقَوْلَ بِهِ وَالْعَمَلَ بِهِ. وَقَالَ تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} . وَمِنْ رَدَّهُمْ إلَى حُكْمِ الْكُفْرِ الْمُبَدَّلِ وَالأَمْرِ الْمَنْسُوخِ الْمُحَرَّمِ، فَلَمْ يُعِنْ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، بَلْ أَعَانَ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ. وَقَالَ تَعَالَى حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ، عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ وَالصَّغَارُ هُوَ جَرْيُ أَحْكَامِنَا عَلَيْهِمْ، فَإِذَا مَا تُرِكُوا يَحْكُمُونَ بِكُفْرِهِمْ فَمَا أَصْغَرْنَاهُمْ بَلْ هُمْ أَصْغَرُونَا وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ.

وفرض على الحاكم أن يحكم بعلمه في الدماء
1796 - مَسْأَلَةٌ: وَفُرِضَ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِعِلْمِهِ فِي الدِّمَاءِ، وَالْقِصَاصِ، وَالأَمْوَالِ، وَالْفُرُوجِ، وَالْحُدُودِ، وَسَوَاءٌ عَلِمَ ذَلِكَ قَبْلَ وِلاَيَتِهِ أَوْ بَعْدَ وِلاَيَتِهِ، وَأَقْوَى مَا حَكَمَ بِعِلْمِهِ، لأََنَّهُ يَقِينُ الْحَقِّ، ثُمَّ بِالإِقْرَارِ، ثُمَّ بِالْبَيِّنَةِ. وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا: فَرُوِيَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ قَالَ: لَوْ رَأَيْت رَجُلاً عَلَى حَدٍّ لَمْ أَدْعُ لَهُ غَيْرِي حَتَّى يَكُونَ مَعِي شَاهِدٌ غَيْرِي،

وَأَنَّ عُمَرَ قَالَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: أَرَأَيْت لَوْ رَأَيْت رَجُلاً قَتَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ زَنَى قَالَ: شَهَادَتُك شَهَادَةُ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: صَدَقْت وَأَنَّهُ رُوِيَ نَحْوُ هَذَا، عَنْ مُعَاوِيَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ. وَمِنْ طَرِيقِ الضَّحَّاكِ: أَنَّ عُمَرَ اُخْتُصِمَ إلَيْهِ فِي شَيْءٍ يَعْرِفُهُ فَقَالَ لِلطَّالِبِ: إنْ شِئْت شَهِدْت وَلَمْ أَقْضِ، وَإِنْ شِئْت قَضَيْت وَلَمْ أَشْهَدْ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ اخْتَصَمَ إلَيْهِ اثْنَانِ فَأَتَاهُ أَحَدُهُمَا بِشَاهِدٍ، فَقَالَ لِشُرَيْحٍ وَأَنْتَ شَاهِدِي أَيْضًا، فَقَضَى لَهُ شُرَيْحٌ مَعَ شَاهِدِهِ بِيَمِينِهِ. وَرُوِيَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ: لاَ يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِعِلْمِهِ فِي الزِّنَى. وَصَحَّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: لاَ أَكُونُ شَاهِدًا وَقَاضِيًا. وقال مالك، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ وَأَحْمَدُ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ: لاَ يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِعِلْمِهِ فِي شَيْءٍ أَصْلاً. وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ: يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِعِلْمِهِ بِالأَعْتِرَافِ فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلاَّ فِي الْحُدُودِ خَاصَّةً. وَبِهِ قَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ فِي أَوَّلِ قَوْلَيْهِ: يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْ قِصَاصٍ وَغَيْرِهِ، إِلاَّ فِي الْحُدُودِ، وَسَوَاءٌ عَلِمَهُ قَبْلَ الْقَضَاءِ أَوْ بَعْدَهُ. وقال أبو حنيفة: لاَ يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ قَبْلَ وِلاَيَتِهِ الْقَضَاءَ أَصْلاً وَأَمَّا مَا عَلِمَهُ بَعْدَ وِلاَيَتِهِ الْقَضَاءَ فَإِنَّهُ يَحْكُمُ بِهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، إِلاَّ فِي الْحُدُودِ خَاصَّةً. وَقَالَ اللَّيْثُ: لاَ يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ إِلاَّ أَنْ يُقِيمَ الطَّالِبُ شَاهِدًا وَاحِدًا فِي حُقُوقِ النَّاسِ خَاصَّةً، فَيَحْكُمُ الْقَاضِي حِينَئِذٍ بِعِلْمِهِ مَعَ ذَلِكَ الشَّاهِدِ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: كُلُّ مَا عَلِمَ قَبْلَ وِلاَيَتِهِ لَمْ يَحْكُمْ فِيهِ بِعِلْمِهِ، وَمَا عَلِمَ بَعْدَ وِلاَيَتِهِ حَكَمَ فِيهِ بِعِلْمِهِ بَعْدَ أَنْ يَسْتَحْلِفَهُ، وَذَلِكَ فِي حُقُوقِ النَّاسِ وَأَمَّا الزِّنَا: فَإِنْ شَهِدَ بِهِ ثَلاَثَةٌ وَالْقَاضِي يَعْرِفُ صِحَّةَ ذَلِكَ حَكَمَ فِيهِ بِتِلْكَ الشَّهَادَةِ مَعَ عِلْمِهِ. وَقَالَ الأَوْزَاعِيِّ: إنْ أَقَامَ الْمَقْذُوفُ شَاهِدًا وَاحِدًا عَدْلاً وَعَلِمَ الْقَاضِي بِذَلِكَ حَدَّ الْقَاذِفَ. وقال الشافعي، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابُهُمْ كَمَا قلنا.
قال أبو محمد: فَنَظَرْنَا فِيمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ مَا عَلِمَ قَبْلَ الْقَضَاءِ وَمَا عَلِمَ بَعْدَ الْقَضَاءِ فَوَجَدْنَاهُ قَوْلاً لاَ يُؤَيِّدُهُ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ، وَلاَ رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ، وَلاَ قِيَاسٌ، وَلاَ أَحَدٌ قَالَهُ قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ بِلاَ شَكٍّ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ مَا اُعْتُرِفَ بِهِ فِي مَجْلِسِهِ وَبَيْنَ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا عَلِمَهُ، فَوَجَدْنَاهُ أَيْضًا كَمَا قلنا فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ إِلاَّ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: إنَّمَا جَلَسَ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا صَحَّ عِنْدَهُ. قلنا: صَدَقْتُمْ، وَقَدْ صَحَّ عِنْدَهُ كُلُّ مَا عَلِمَ قَبْلَ وِلاَيَتِهِ، وَفِي غَيْرِ مَجْلِسِهِ وَبَعْدَ ذَلِكَ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ مَا شَهِدَ بِهِ عِنْدَهُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ وَبَيْنَ مَا لَمْ يَشْهَدْ بِهِ عِنْدَهُ أَحَدٌ: فَوَجَدْنَاهُ أَيْضًا كَالْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ،

لأََنَّهُ فِي كُلِّ ذَلِكَ إنَّمَا حَكَمَ بِعِلْمِهِ فَقَطْ وَهُوَ قَوْلُنَا. وَأَمَّا حَاكِمٌ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ أَوْ بِثَلاَثَةٍ فِي الزِّنَى، فَهَذَا لاَ يَجُوزُ. وَأَمَّا شَاهِدٌ حَاكِمٌ مَعًا، وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ، وَلاَ إجْمَاعٌ بِتَصْوِيبِ هَذَا الْوَجْهِ خَاصَّةً. ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْحُدُودِ وَغَيْرِهَا، فَوَجَدْنَاهُ قَوْلاً لاَ يُعَضِّدُهُ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ. فَإِنْ ذَكَرُوا "ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ" . قلنا: هَذَا بَاطِلٌ مَا صَحَّ قَطُّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ الْحُدُودِ وَغَيْرِهَا فِي أَنْ يَحْكُمَ فِي كُلِّ ذَلِكَ بِالْحَقِّ، فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ قَوْلُ مَنْ قَالَ: لاَ يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِعِلْمِهِ فِي شَيْءٍ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: يَحْكُمُ الْحَاكِمُ بِعِلْمِهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ: فَوَجَدْنَا مَنْ مَنَعَ مِنْ أَنْ يَحْكُمَ الْحَاكِمُ بِعِلْمِهِ يَقُولُ: هَذَا قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُعَاوِيَةَ، وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ..فَقُلْنَا: هُمْ مُخَالِفُونَ لَكُمْ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ، لأََنَّهُ إنَّمَا رُوِيَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَالَ: إنَّهُ لاَ يُثِيرُهُ حَتَّى يَكُونَ مَعَهُ شَاهِدٌ آخَرُ. وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ شَهَادَتَهُ شَهَادَةُ رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَهَذَا يُوَافِقُ مَنْ رَأَى أَنْ يَحْكُمَ فِي الزِّنَى بِثَلاَثَةٍ هُوَ رَابِعُهُمْ، وَبِوَاحِدٍ مَعَ نَفْسِهِ فِي سَائِرِ الْحُقُوقِ. وَأَيْضًا فَلاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَأَيْضًا فَقَدْ خَالَفُوا أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَخَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَأَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ، وَابْنَ الزُّبَيْرِ فِي الْقِصَاصِ مِنْ اللَّطْمَةِ، وَمِنْ ضَرْبَةِ السَّوْطِ، وَمِمَّا دُونَ الْمُوضِحَةِ وَهُوَ عَنْهُمْ أَصَحُّ مِمَّا رَوَيْتُمْ عَنْهُمْ هَاهُنَا. وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ لَيْسَ لَكَ إِلاَّ ذَلِكَ" .
قال أبو محمد: وَهَذَا قَدْ خَالَفَهُ الْمَالِكِيُّونَ الْمُحْتَجُّونَ بِهِ، فَجَعَلُوا لَهُ الْحُكْمَ بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، وَالْيَمِينِ مَعَ نُكُولِ خَصْمِهِ، وَلَيْسَ هَذَا مَذْكُورًا فِي الْخَبَرِ. وَجَعَلَ لَهُ الْحَنَفِيُّونَ الْحُكْمَ بِالنُّكُولِ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي الْخَبَرِ. وَأَمَرُوهُ بِالْحُكْمِ بِعِلْمِهِ فِي الأَمْوَالِ الَّتِي فِيهَا جَاءَ هَذَا الْخَبَرُ. فَقَدْ خَالَفُوهُ جِهَارًا وَأَقْحَمُوا فِيهِ مَا لَيْسَ فِيهِ. فَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِخَبَرٍ هُوَ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ بِرَأْيِهِ. وَأَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ: إنَّهُ قَدْ صَحَّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ: بَيِّنَتُكَ أَوْ يَمِينُهُ وَمِنْ الْبَيِّنَةِ الَّتِي لاَ بَيِّنَةَ أَبْيَنُ مِنْهَا صِحَّةُ عِلْمِ الْحَاكِمِ بِصِحَّةِ حَقِّهِ، فَهُوَ فِي جُمْلَةِ هَذَا الْخَبَرِ. وَاحْتَجُّوا بِالثَّابِتِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَنَّ عِيسَى عليه السلام رَأَى رَجُلاً يَسْرِقُ فَقَالَ لَهُ عِيسَى: سَرَقْتَ قَالَ: كَلًّا وَاَللَّهِ الَّذِي لاَ إلَهَ إِلاَّ هُوَ، فَقَالَ عِيسَى عليه السلام: آمَنْتُ بِاَللَّهِ وَكَذَّبْت نَفْسِي فَقَالُوا: فَعِيسَى عليه السلام لَمْ يَحْكُمْ بِعِلْمِهِ.
قال أبو محمد: لَيْسَ يَلْزَمُنَا شَرْعُ عِيسَى عليه السلام، وَقَدْ يُخَرَّجُ هَذَا الْخَبَرُ عَلَى أَنَّهُ رَآهُ يَسْرِقُ أَيْ يَأْخُذُ الشَّيْءَ مُخْتَفِيًا بِأَخْذِهِ، فَلَمَّا قَرَّرَهُ حَلَفَ، وَقَدْ يَكُونُ صَادِقًا، لأََنَّهُ أَخَذَ مَالَهُ مِنْ ظَالِمٍ لَهُ. وَذَكَرُوا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " لَوْ كُنْتُ رَاجِمًا أَحَدًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ لَرَجَمْتُهَا" وَهَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ، لأََنَّ عِلْمَ الْحَاكِمِ أَبْيَنُ بَيِّنَةٍ وَأَعْدَلُهَا وَقَدْ تَقَصَّيْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ

فِي " كِتَابِ الإِيصَالِ " وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. وبرهان صِحَّةِ قَوْلِنَا: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ. وَلَيْسَ مِنْ الْقِسْطِ} أَنْ يَتْرُكَ الظَّالِمَ عَلَى ظُلْمِهِ لاَ يُغَيِّرُهُ. وَأَنْ يَكُونَ الْفَاسِقُ يُعْلِنُ الْكُفْرَ بِحَضْرَةِ الْحَاكِمِ، وَالإِقْرَارَ بِالظُّلْمِ، وَالطَّلاَقِ، ثُمَّ يَكُونُ الْحَاكِمُ يُقِرُّهُ مَعَ الْمَرْأَةِ، وَيَحْكُمُ لَهَا بِالزَّوْجِيَّةِ وَالْمِيرَاثِ، فَيَظْلِمُ أَهْلَ الْمِيرَاثِ حَقَّهُمْ. وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْحَاكِمَ إنْ عَلِمَ بِجُرْحَةِ الشُّهُودِ وَلَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ غَيْرُهُ، أَوْ عَلِمَ كَذِبَ الْمُجَرِّحِينَ لَهُمْ فَإِنَّهُ يَحْكُمُ فِي كُلِّ ذَلِكَ بِعِلْمِهِ فَقَدْ تَنَاقَضُوا. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ" وَالْحَاكِمُ إنْ لَمْ يُغَيِّرْ مَا رَأَى مِنْ الْمُنْكَرِ حَتَّى تَأْتِيَ الْبَيِّنَةُ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ عَصَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَصَحَّ أَنَّ فَرْضًا عَلَيْهِ أَنْ يُغَيِّرَ كُلَّ مُنْكَرٍ عَلِمَهُ بِيَدِهِ، وَأَنْ يُعْطِيَ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، وَإِلَّا فَهُوَ ظَالِمٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

واذا رجع الشاهد عن شهادته بعد أن حكم بها ....
1797 - مَسْأَلَةٌ: وَإِذَا رَجَعَ الشَّاهِدُ، عَنْ شَهَادَتِهِ بَعْدَ أَنْ حَكَمَ بِهَا، أَوْ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ بِهَا فُسِخَ مَا حَكَمَ بِهَا فِيهِ، فَلَوْ مَاتَ، أَوْ جُنَّ، أَوْ تَغَيَّرَ بَعْدَ أَنْ شَهِدَ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ بِشَهَادَتِهِ، أَوْ بَعْدَ أَنْ حَكَمَ بِهَا نَفَذَتْ عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَلَمْ تُرَدَّ.
قَالَ عَلِيٌّ: أَمَّا مَوْتُهُ وَجُنُونُهُ وَتَغَيُّرُهُ فَقَدْ تَمَّتْ الشَّهَادَةُ صَحِيحَةً، وَلَمْ يُوجِبْ فَسْخَهَا بَعْدَ ثُبُوتِهَا مَا حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ. وَأَمَّا رُجُوعُهُ، عَنْ شَهَادَتِهِ: فَلَوْ أَنَّ عَدْلَيْنِ شَهِدَا بِجُرْحَتِهِ حِينَ شَهِدَ لَوَجَبَ رَدُّ مَا شَهِدَ بِهِ، وَإِقْرَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْكَذِبِ أَوْ الْغَفْلَةِ أَثْبَتُ عَلَيْهِ مِنْ شَهَادَةِ غَيْرِهِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ. وَقَوْلُنَا هُوَ قَوْلُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ.

واداء الشهادة فرض على كل من عملها الا أن يكون عليه حرج
1798 - مَسْأَلَةٌ: وَأَدَاءُ الشَّهَادَةِ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مَنْ عَلِمَهَا، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ حَرَجٌ فِي ذَلِكَ لِبُعْدِ مَشَقَّةٍ، أَوْ لِتَضْيِيعِ مَالٍ، أَوْ لِضَعْفٍ فِي جِسْمِهِ، فَلْيُعْلِنْهَا فَقَطْ. قَالَ تَعَالَى وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إذَا مَا دُعُوا فَهَذَا عَلَى عُمُومِهِ إذَا دُعُوا لِلشَّهَادَةِ، أَوْ دُعُوا لأََدَائِهَا. وَلاَ يَجُوزُ تَخْصِيصُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ نَصٍّ، فَيَكُونُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ قَائِلاً عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ.

فان يعرف الحاكم الشهود سأل عنهم وأخبر المشهود بمن شهد
1799 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ الْحَاكِمُ الشُّهُودَ سَأَلَ عَنْهُمْ، وَأَخْبَرَ الْمَشْهُودَ بِمَنْ شَهِدَ عَلَيْهِ، وَكَلَّفَ الْمَشْهُودَ لَهُ أَنْ يُعَرِّفَهُ بِعَدَالَتِهِمْ. وَقَالَ لِلْمَشْهُودِ عَلَيْهِ: اُطْلُبْ مَا تَرُدُّ بِهِ شَهَادَتَهُمْ، عَنْ نَفْسِك، فَإِنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ عَدَالَتُهُمْ قَضَى بِهِمْ وَلَمْ يَتَرَدَّدْ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ وَإِنْ جُرِّحُوا قَبْلَ الْحُكْمِ لَمْ يَحْكُمْ بِشَهَادَتِهِمْ، وَإِنْ جُرِّحُوا عِنْدَهُ بَعْدَ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِمْ فَسَخَ مَا حَكَمَ بِهِ بِشَهَادَتِهِمْ، لأََنَّهُ مُفْتَرَضٌ عَلَيْهِ رَدُّ خَبَرِ الْفَاسِقِ، وَإِنْفَاذُ شَهَادَةِ الْعَدْلِ وَالتَّبَيُّنُ فِيمَا لاَ يُدْرَى حَتَّى يُدْرَى وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وجائزان تلى المرأة الحكم
1800 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ أَنْ تَلِيَ الْمَرْأَةُ الْحُكْمَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَدْ رُوِيَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ وَلَّى الشِّفَاءَ امْرَأَةً مِنْ قَوْمِهِ السُّوقَ. فإن قيل: قَدْ قَالَ

وجائز أن يلي العبد القضاء
1801 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ أَنْ يَلِيَ الْعَبْدُ الْقَضَاءَ، لأََنَّهُ مُخَاطَبٌ بِالأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ، عَنِ الْمُنْكَرِ. وَبِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْل} ِ. وَهَذَا مُتَوَجِّهٌ بِعُمُومِهِ إلَى الرَّجُلِ، وَالْمَرْأَةِ، وَالْحُرِّ، وَالْعَبْدِ، وَالدِّينُ كُلُّهُ وَاحِدٌ، إِلاَّ حَيْثُ جَاءَ النَّصُّ بِالْفَرْقِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ، وَالرَّجُلِ، وَبَيْنَ الْحُرِّ، وَالْعَبْدِ فَيُسْتَثْنَى حِينَئِذٍ مِنْ عُمُومِ إجْمَالِ الدِّينِ. وقال مالك، وَأَبُو حَنِيفَةَ: لاَ يَجُوزُ تَوْلِيَةُ الْعَبْدِ الْقَضَاءَ، وَمَا نَعْلَمُ لأََهْلِ هَذَا الْقَوْلِ حُجَّةً أَصْلاً وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ انْتَهَى إلَى الرَّبَذَةِ وَقَدْ أُقِيمَتْ الصَّلاَةُ فَإِذَا عَبْدٌ يَؤُمُّهُمْ، فَقِيلَ لَهُ: هَذَا أَبُو ذَرٍّ، فَذَهَبَ يَتَأَخَّرُ، فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ: "أَوْصَانِي خَلِيلِي يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَسْمَعَ وَأُطِيعَ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا مُجَدَّعَ الأَطْرَافِ" . فَهَذَا نَصٌّ جَلِيٌّ عَلَى وِلاَيَةِ الْعَبْدِ، وَهُوَ فِعْلُ عُثْمَانَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ لاَ يُنْكِرُ ذَلِكَ مِنْهُمْ أَحَدٌ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْعَلاَءِ، عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ قَالَ: قَالَ لِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: أَطِعْ الإِمَامَ وَإِنْ كَانَ عَبْدًا مُجَدَّعًا. فَهَذَا عُمَرُ لاَ يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ.

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29