كتاب : المحلى
المؤلف : أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري

ونستحب للمرأة والرجل أن يتطيبا عند الإحرام
825 - مَسْأَلَةٌ: وَنَسْتَحِبُّ لِلْمَرْأَةِ وَالرَّجُلِ أَنْ يَتَطَيَّبَا عِنْدَ الإِحْرَامِ بِأَطْيَبَ

ثم يقولون: لبيك بعمرة أو ينوِيان ذلك في أنفسهِما
...
826 - مَسْأَلَةٌ: ثُمَّ يَقُولُونَ: لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ, أَوْ يَنْوِيَانِ ذَلِكَ فِي أَنْفُسِهِمَا لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ" وَنَسْتَحِبُّ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إثْرَ صَلاَةِ فَرْضٍ أَوْ نَافِلَةٍ.

ثم يجتنبان تجدِيد قصد إلى الطيب فإِن مسهما من طِيب الكعبة شيء لم يضر
...
827 - مَسْأَلَةٌ: ثُمَّ يَجْتَنِبَانِ تَجْدِيدَ قَصْدٍ إلَى الطِّيبِ فَإِنْ مَسَّهُمَا مِنْ طِيبِ الْكَعْبَةِ شَيْءٌ لَمْ يَضُرَّ; أَمَّا اجْتِنَابُ الْقَصْدِ إلَى الطِّيبِ فَلاَ نَعْلَمُ فِيهِ خِلاَفًا, وَأَمَّا إنْ مَسَّهُ شَيْءٌ مِنْ طِيبِ الْكَعْبَةِ أَوْ غَيْرِهَا، عَنْ غَيْرِ قَصْدٍ, فَلاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ فِيهِ نَهْيٌ. وَقَدْ رُوِّينَا، عَنْ أَنَسٍ كَمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ أَصَابَهُ فَلَمْ يَغْسِلْهُ; وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ, وَسُئِلَ، عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَغْسِلَهُ.

ولا بأس أن يغطي الرجل وجهه بما هو ملتحف بِه أو بغيرِ ذلك ولا كراهة في ذلك
...
828 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ بَأْسَ أَنْ يُغَطِّيَ الرَّجُلُ وَجْهَهُ بِمَا هُوَ مُلْتَحِفٌ بِهِ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَلاَ كَرَاهَةَ فِي ذَلِكَ، وَلاَ بَأْسَ أَنْ تَسْدُلَ الْمَرْأَةُ الثَّوْبَ مِنْ عَلَى رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا. أَمَّا أَمْرُ الْمَرْأَةِ, فَلاَِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا نَهَاهَا، عَنِ النِّقَابِ;، وَلاَ يُسَمَّى السَّدْلُ نِقَابًا فَإِنْ كَانَ "الْبُرْقُعُ" يُسَمَّى نِقَابًا, لَمْ يَحِلَّ لَهَا لِبَاسُهُ.
وَأَمَّا اللِّثَامُ فَإِنَّهُ نِقَابٌ بِلاَ شَكٍّ; فَلاَ يَحِلُّ لَهَا. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ}.
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إذَا نَهَيْتُكُمْ، عَنْ شَيْءٍ فَدَعُوهُ". وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} فَصَحَّ أَنَّ مَا لَمْ يُفَصِّلْ لَنَا تَحْرِيمَهُ فَمُبَاحٌ, وَمَا لَمْ يَنْهَ عَنْهُ فَحَلاَلٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَقَدْ صَحَّ فِي ذَلِكَ خِلاَفٌ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: رَأَى ابْنُ عُمَرَ امْرَأَةً قَدْ سَدَلَتْ ثَوْبَهَا عَلَى وَجْهِهَا وَهِيَ مُحْرِمَةٌ فَقَالَ لَهَا: اكْشِفِي وَجْهَك فَإِنَّمَا حُرْمَةُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا.
وَصَحَّ خِلاَفُ هَذَا، عَنْ غَيْرِهِ, كَمَا رُوِّينَا، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ كَانَتْ تُغَطِّي وَجْهَهَا وَهِيَ مُحْرِمَةٌ. وَعَنْ وَكِيعٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ يَزِيدَ الرِّشْكِ، عَنْ مُعَاذَةَ الْعَدَوِيَّةِ قَالَتْ: سَأَلْت عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ مَا تَلْبَسُ الْمُحْرِمَةُ فَقَالَتْ: لاَ تَنْتَقِبُ, وَلاَ تَلْثِمُ, وَتَسْدُلُ الثَّوْبَ عَلَى وَجْهِهَا وَعَنْ عُثْمَانَ أَيْضًا ذَلِكَ, فَكَانَ الْمَرْجُوعُ فِي ذَلِكَ إلَى مَا مَنَعَ مِنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَطْ.
وَأَمَّا الرَّجُلُ: فَإِنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْفُرَافِصَةِ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ, وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ, وَابْنُ الزُّبَيْرِ يُخَمِّرُونَ وُجُوهَهُمْ وَهُمْ مُحْرِمُونَ. وَمِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ, وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ كِلَيْهِمَا، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ يَقُولُ: رَأَيْت عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ مُخَمِّرًا وَجْهَهُ بِقَطِيفَةِ أُرْجُوَانٍ بِالْعَرْجِ فِي يَوْمٍ صَائِفٍ وَهُوَ مُحْرِمٌ: نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ، نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ، نا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ، نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، نا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ: سَمِعْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: الْمُحْرِمُ يُغَطِّي مِنْ الْغُبَارِ وَيُغَطِّي وَجْهَهُ إذَا نَامَ وَيَغْتَسِلُ وَيَغْسِلُ ثِيَابَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ, وَابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُمَا كَانَا يُخَمِّرَانِ وُجُوهَهُمَا وَهُمَا مُحْرِمَانِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: الْمُحْرِمُ يُغَطِّي مَا دُونَ الْحَاجِبِ وَالْمَرْأَةُ تَسْدُلُ ثَوْبَهَا مِنْ قِبَلِ قَفَاهَا عَلَى هَامَتِهَا.

وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَيْضًا: إبَاحَةُ تَغْطِيَةِ الْمُحْرِمِ وَجْهَهُ وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ, وطَاوُوس, وَمُجَاهِدٍ, وَعَلْقَمَةَ, وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ, وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ كُلِّهِمْ أَفْتَى الْمُحْرِمَ بِتَغْطِيَةِ وَجْهِهِ وَبَيَّنَ بَعْضُهُمْ مِنْ الشَّمْسِ, وَالْغُبَارِ, وَالذُّبَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ, وَالشَّافِعِيِّ, وَأَبِي سُلَيْمَانَ, وَأَصْحَابِهِمْ وَرُوِيَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: لاَ يُغَطِّي الْمُحْرِمُ وَجْهَهُ وَقَالَ بِهِ مَالِكٌ, وَلَمْ يَرَ عَلَى الْمُحْرِمِ إنْ غَطَّى وَجْهَهُ شَيْئًا لاَ فِدْيَةَ, وَلاَ صَدَقَةَ, وَلاَ غَيْرَ ذَلِكَ إلاَّ أَنَّهُ كَرِهَهُ فَقَطْ, بَلْ قَدْ رَوَى عَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، نا سُفْيَانُ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: الذَّقَنُ مِنْ الرَّأْسِ فَلاَ تُغَطِّهِ, وَقَالَ: إحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا, وَإِحْرَامُ الرَّجُلِ فِي رَأْسِهِ وقال أبو حنيفة وَأَصْحَابُهُ: لاَ يُغَطِّي الْمُحْرِمُ وَجْهَهُ فَإِنْ فَعَلَ فَعَلَيْهِ الْفِدْيَةُ.
قال أبو محمد: مَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَ هَذَا قَبْلَ أَبِي حَنِيفَةَ, وَهُمْ يُعَظِّمُونَ خِلاَفَ الْجُمْهُورِ; وَقَدْ خَالَفُوا هَاهُنَا: عَبْدَ الرَّحْمَانِ بْنَ عَوْفٍ, وَعُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ, وَجَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ, وَابْنَ عَبَّاسٍ, وَابْنَ الزُّبَيْرِ, وَجُمْهُورَ التَّابِعِينَ; فَإِنْ تَعَلَّقُوا بِابْنِ عُمَرَ فَقَدْ ذَكَرْنَا فِي هَذَا الْبَابِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ نَهْيَ الْمَرْأَةِ، عَنْ أَنْ تَسْدُلَ عَلَى وَجْهِهَا وَقَدْ خَالَفُوهُ, وَرُوِّينَا عَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ تَغْطِيَةِ الْمُحْرِمِ وَجْهَهُ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا; فَمَرَّةً هُوَ حُجَّةٌ, وَمَرَّةً لَيْسَ هُوَ حُجَّةً, أُفٍّ لِهَذَا عَمَلاً.
قال أبو محمد: وَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَمَّا كَانَتْ الْمَرْأَةُ إحْرَامُهَا فِي وَجْهِهَا كَانَ الرَّجُلُ بِذَلِكَ أَحَقُّ لاَِنَّهُ أَغْلَظُ حَالاً مِنْهَا فِي الإِحْرَامِ.
قال أبو محمد: وَالسُّنَّةُ قَدْ فَرَّقَتْ بَيْنَ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ فِي الإِحْرَامِ فَوَجَبَ عَلَى الرَّجُلِ فِي الإِحْرَامِ كَشْفُ رَأْسِهِ وَلَمْ يَجِبْ عَلَى الْمَرْأَةِ, وَاتَّفَقَا فِي أَنْ لاَ يَلْبَسَا قُفَّازَيْنِ وَاخْتَلَفَا فِي الثِّيَابِ, فَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ أَنْ يُقَاسَ عَلَيْهَا فِي تَغْطِيَةِ وَجْهِهِ إنَّ هَذَا الْقِيَاسَ سَخِيفٌ جِدًّا, وَأَيْضًا: فَقَدْ كَذَبُوا وَمَا نُهِيَتْ الْمَرْأَةُ، عَنْ تَغْطِيَةِ وَجْهِهَا; بَلْ هُوَ مُبَاحٌ لَهَا فِي الإِحْرَامِ وَإِنْ نُهِيَتْ، عَنِ النِّقَابِ فَقَطْ فَظَهَرَ فَسَادُ قِيَاسِهِمْ.
وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ احْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي أَمْرِهِ فِي الَّذِي مَاتَ مُحْرِمًا أَنْ لاَ يُخَمَّرَ رَأْسُهُ, وَلاَ وَجْهُهُ رُوِّينَاهُ مِنْ طُرُقٍ جَمَّةٍ: مِنْهَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، نا أَبُو كُرَيْبٍ، نا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلاً أَوْقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ فَمَاتَ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "اغْسِلُوهُ بِمَاءٍ

وَسِدْرٍ, وَكَفِّنُوهُ فِي ثَوْبَيْهِ, وَلاَ تُخَمِّرُوا وَجْهَهُ، وَلاَ رَأْسَهُ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا".
قال أبو محمد: إنَّ الْحَيَاءَ لَفَضِيلَةٌ, وَكَمَا أَخْبَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ مِنْ الإِيمَانِ, وَهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ, وَأَوَّلُ عَاصٍ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهِ فَلاَ يَرَوْنَ فِيمَنْ مَاتَ مُحْرِمًا أَنْ يُكْشَفَ رَأْسُهُ وَوَجْهُهُ; بَلْ يُغَطُّونَ كُلَّ ذَلِكَ ثُمَّ يَحْتَجُّونَ بِهِ فِي أَنْ لاَ يُغَطِّيَ الْحَيُّ الْمُحْرِمُ وَجْهَهُ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ. وَيَقُولُونَ: إنَّ الصَّاحِبَ إذَا رَوَى خَبَرًا وَخَالَفَهُ فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى نَسْخِ ذَلِكَ الْخَبَرِ عِنْدَهُمْ هُوَ, وَابْنُ عَبَّاسٍ رَوَى هَذَا الْخَبَرَ وَهُوَ رَأْيٌ لِلْمُحْرِمِ الْحَيِّ أَنْ يُخَمِّرَ وَجْهَهُ; فَأَيْنَ لَك ذَلِكَ الأَصْلُ الْخَبِيثُ الَّذِي تَعَلَّقُوا بِهِ فِي رَدِّ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ الْحَيَّ الْمُحْرِمَ لاَ يَلْزَمُهُ كَشْفُ وَجْهِهِ, وَإِنَّمَا يَلْزَمُهُ كَشْفُ رَأْسِهِ فَقَطْ; فَإِذَا مَاتَ أَحْدَثَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ حُكْمًا زَائِدًا وَهُوَ أَنْ لاَ يُخَمَّرَ وَجْهُهُ، وَلاَ رَأْسُهُ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ تَعَالَى, وَالْقِيَاسُ ضَلاَلٌ, وَزِيَادَةٌ فِي الدِّينِ شَرْعًا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى.
قَالَ عَلِيٌّ: لَوْ كَانَ تَغْطِيَةُ الْمُحْرِمِ وَجْهَهُ مَكْرُوهًا أَوْ مُحَرَّمًا, لَبَيَّنَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا لَمْ يَنْهَ، عَنْ ذَلِكَ فَهُوَ مُبَاحٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ونستحب أن يكثر من التلبية من حين الإحرام فما بعده دائما في حال الركوب
829 - مَسْأَلَةٌ: وَنَسْتَحِبُّ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ التَّلْبِيَةِ مِنْ حِينِ الإِحْرَامِ فَمَا بَعْدَهُ دَائِمًا فِي حَالِ الرُّكُوبِ, وَالْمَشْيِ, وَالنُّزُولِ, وَعَلَى كُلِّ حَالٍ, وَيَرْفَعُ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ صَوْتَهُمَا بِهَا، وَلاَ بُدَّ, وَهُوَ فَرْضٌ وَلَوْ مَرَّةً وَهِيَ: لَبَّيْكَ, اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ, لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك وَالْمُلْكُ لاَ شَرِيكَ لَك.
نا أحمد بن محمد بن الجسور، نا أَحْمَدُ بْنُ الْفَضْلِ الدِّينَوَرِيُّ، نا مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ الْوَاسِطِيُّ، نا يَعْقُوبُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نا مُحَمَّدُ بْنُ مُوسَى، نا إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ جَعْفَرَ بْنِ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي دَاوُد الْمَازِنِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَبِي دَاوُد وَهُوَ بَدْرِيٌّ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْحَجِّ, فَلَمَّا كَانَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ, ثُمَّ لَبَّى دُبُرَ الصَّلاَةِ, ثُمَّ خَرَجَ إلَى بَابِ الْمَسْجِدِ, فَإِذَا رَاحِلَتُهُ قَائِمَةٌ فَلَمَّا انْبَعَثَتْ بِهِ أَهَلَّ ثُمَّ مَضَى, فَلَمَّا عَلاَ الْبَيْدَاءَ أَهَلَّ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَمِنْ حَيْثُ أَهَلَّ أَجْزَأَهُ لاَِنَّهُ فِعْلٌ لاَ أَمْرٌ: نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، نا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، نا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، نا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: إنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَخْبَرَنِي، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُهِلُّ مُلَبِّيًا يَقُولُ: "لَبَّيْكَ, اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ,

لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ, وَالْمُلْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لاَ يَزِيدُ عَلَى هَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ".
قال أبو محمد: وَقَدْ رَوَى غَيْرُهُ الزِّيَادَةَ, وَمَنْ زَادَ ذِكْرَ اللَّهِ تَعَالَى فَحَسَنٌ, وَمَنْ اخْتَصَرَ عَلَى هَذِهِ فَحَسَنٌ, كُلُّ ذَلِكَ ذِكْرٌ حَسَنٌ.
نا عبد الله بن ربيع، نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ، نا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، نا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ، هُوَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ مِنْ تَلْبِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَبَّيْكَ إلَهَ الْحَقِّ. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ مَا نَعْلَمُ أَحَدًا أَسْنَدَهُ إلاَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ وَهُوَ ثِقَةٌ.
نا عبد الله بن ربيع، نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ، عَنْ خَلاَّدِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "جَاءَنِي جِبْرِيلُ فَقَالَ لِي: يَا مُحَمَّدُ مُرْ أَصْحَابَكَ فَلْيَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ".
قال أبو محمد: هَذَا أَمْرٌ, وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: يُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ. قال علي: وهذا خِلاَفٌ لِلسُّنَّةِ; وقال بعضهم: لاَ تَرْفَعُ الْمَرْأَةُ. قال أبو محمد: هَذَا خَطَأٌ وَتَخْصِيصٌ بِلاَ دَلِيلٍ, وَقَدْ كَانَ النَّاسُ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَلاَ حَرَجَ فِي ذَلِكَ, وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُنَّ وَهُنَّ فِي حُدُودِ الْعِشْرِينَ سَنَةً وَفُوَيْقَ ذَلِكَ; وَلَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ فِي جَوَازِ ذَلِكَ وَاسْتِحْبَابِهِ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، نا هُشَيْمٌ أَنَا حُمَيْدٍ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ بِالتَّلْبِيَةِ حَتَّى أَنِّي لاََسْمَعُ دَوِيَّ صَوْتِهِ بَيْنَ الْجِبَالِ.
وَبِهِ إلَى هُشَيْمٍ أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ عَطِيَّةَ، نا أَبُو حَازِمٍ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا أَحْرَمُوا لَمْ يَبْلُغُوا الرَّوْحَاءَ حَتَّى تُبَحَّ أَصْوَاتُهُمْ.
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، نا إبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ قَالَ: قَدِمَتْ امْرَأَةٌ أَعْجَمِيَّةٌ فَخَرَجَتْ مَعَ النَّاسِ وَلَمْ تُهِلَّ بِشَيْءٍ إلاَّ أَنَّهَا كَانَتْ تَذْكُرُ اللَّهَ تَعَالَى, فَقَالَ عَطَاءٌ: لاَ يُجْزِئُهَا.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، نا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ

ابْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجَ مُعَاوِيَةُ لَيْلَةَ النَّفَرِ فَسَمِعَ صَوْتَ تَلْبِيَةٍ فَقَالَ: مَنْ هَذَا قِيلَ: عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ اعْتَمَرَتْ مِنْ التَّنْعِيمِ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِعَائِشَةَ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَوْ سَأَلَنِي لاََخْبَرْته; فَهَذِهِ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ تَرْفَعُ صَوْتَهَا حَتَّى يَسْمَعَهَا مُعَاوِيَةُ فِي حَالِهِ الَّتِي كَانَ فِيهَا. فإن قيل: قَدْ رُوِيَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: لاَ تَرْفَعُ الْمَرْأَةُ صَوْتَهَا بِالتَّلْبِيَةِ وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ: لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ أَنْ يَرْفَعْنَ أَصْوَاتَهُنَّ بِالتَّلْبِيَةِ قلنا: رِوَايَةُ ابْنِ عُمَرَ هِيَ مِنْ طَرِيقِ عِيسَى بْنِ أَبِي عِيسَى الْحَنَّاطِ وَهُوَ ضَعِيفٌ, وَرِوَايَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ هِيَ مِنْ طَرِيقِ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي حَبِيبَةَ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَلَوْ صَحَّا لَكَانَتْ رِوَايَةُ عَائِشَةَ مُوَافِقَةً لِلنَّصِّ.

فإذا قدم المعتمر أو المعتمرة مكة فليدخلا المسجد ولا يبدأ بشيء لا ركعتين
830 - مَسْأَلَةٌ: فَإِذَا قَدِمَ الْمُعْتَمِرُ, أَوْ الْمُعْتَمِرَةُ مَكَّةَ فَلْيَدْخُلاَ الْمَسْجِدَ، وَلاَ يَبْدَآ بِشَيْءٍ لاَ رَكْعَتَيْنِ، وَلاَ غَيْرَ ذَلِكَ قَبْلَ الْقَصْدِ إلَى الْحَجَرِ الأَسْوَدِ فَيُقَبِّلاَنِهِ, ثُمَّ يَلْقَيَانِ الْبَيْتَ عَلَى الْيَسَارِ، وَلاَ بُدَّ, ثُمَّ يَطُوفَانِ بِالْبَيْتِ مِنْ الْحَجَرِ الأَسْوَدِ إلَى أَنْ يَرْجِعَا إلَيْهِ سَبْعَ مَرَّاتٍ, مِنْهَا ثَلاَثُ مَرَّاتٍ خَبَبًا وَهُوَ مَشْيٌ فِيهِ سُرْعَةٌ, وَالأَرْبَعُ طَوَّافَاتِ الْبَوَاقِي مَشْيًا, وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَخُبَّ فِي الثَّلاَثِ الطَّوَّافَاتِ, وَهِيَ الأَشْوَاطُ مِنْ الرُّكْنِ الأَسْوَدِ مَارًّا عَلَى الْحَجَرِ إلَى الرُّكْنِ الْيَمَانِيِّ, ثُمَّ يَمْشِي رِفْقًا مِنْ الْيَمَانِيِّ إلَى الأَسْوَدِ فِي كُلِّ شَوْطٍ مِنْ الثَّلاَثَةِ فَذَلِكَ لَهُ وَكُلَّمَا مَرَّا عَلَى الْحَجَرِ الأَسْوَدِ قَبَّلاَهُ, وَكَذَلِكَ الرُّكْنُ الْيَمَانِيُّ أَيْضًا فَقَطْ, فَإِذَا تَمَّ الطَّوَافُ الْمَذْكُورُ أَتَيَا إلَى مَقَامِ إبْرَاهِيمَ عليه السلام فَصَلَّيَا هُنَالِكَ رَكْعَتَيْنِ وَلَيْسَتَا فَرْضًا. ثُمَّ خَرَجَا، وَلاَ بُدَّ إلَى الصَّفَا فَصَعِدَا عَلَيْهِ, ثُمَّ هَبَطَا فَإِذَا صَارَا فِي بَطْنِ الْوَادِي أَسْرَعَ الرَّجُلُ الْمَشْيَ حَتَّى يَخْرُجَ عَنْهُ ثُمَّ يَمْشِيَ حَتَّى يَأْتِيَ الْمَرْوَةَ فَيَصْعَدَ عَلَيْهَا ثُمَّ يَنْحَدِرَ كَذَلِكَ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى الصَّفَا ثُمَّ يَرْجِعَ كَذَلِكَ إلَى الْمَرْوَةِ هَكَذَا حَتَّى يُتِمَّ سَبْعَ مَرَّاتٍ: مِنْهَا ثَلاَثٌ خَبَبًا وَأَرْبَعٌ مَشْيًا, وَلَيْسَ الْخَبَبُ بَيْنَهُمَا فَرْضًا. ثُمَّ يَحْلِقُ الرَّجُلُ رَأْسَهُ, أَوْ يُقَصِّرُ مِنْ شَعْرِهِ، وَلاَ تَحْلِقُ الْمَرْأَةُ لَكِنْ تُقَصِّرُ مِنْ شَعْرِهَا, وَقَدْ تَمَّتْ الْعُمْرَةُ وَحَلَّ لَهُمَا كُلُّ مَا كَانَ حَرُمَ عَلَيْهِمَا بِالإِحْرَامِ مِنْ لِبَاسٍ وَغَيْرِهِ.
قال أبو محمد: لاَ خِلاَفَ فِيمَا ذَكَرْنَا إلاَّ فِي أَشْيَاءَ نُبَيِّنُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ, وَهِيَ: وُجُوبُ الْخَبَبِ فِي الطَّوَافِ, وَجَوَازُ تَنْكِيسِ الطَّوَافِ بِأَنْ يَلْقَى الْبَيْتَ عَلَى الْيَمِينِ, وَوُجُوبُ السَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ.
بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا مَا ناهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ، نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ لُوَيْنٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ

ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ الْمُشْرِكُونَ إنَّهُ يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ قَوْمٌ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ وَلَقُوا مِنْهَا شَرًّا فَأَطْلَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ عليه السلام عَلَى ذَلِكَ فَأَمَرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَرْمُلُوا وَأَنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ فَهَذَا أَمْرٌ وَاجِبٌ.
َبِهِ إلَى أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ قُدَامَةَ، نا يَحْيَى، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، هُوَ ابْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَرْمُلُ الثَّلاَثَ وَيَمْشِي الأَرْبَعَ وَيَزْعُمُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فَهَذَا بَيَانُ الرَّمَلِ إنَّمَا هُوَ فِي الثَّلاَثَةِ الأَشْوَاطِ الآُوَلِ, وَأَنَّ الرَّمَلَ فِي جَمِيعِ تِلْكَ الأَشْوَاطِ جَائِزٌ. فإن قيل: إنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ فِي الرَّمَلِ: لَيْسَ سُنَّةً, وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ قلنا: لاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ نَسْأَلُكُمْ مَا قَوْلُكُمْ, وَقَوْلُ أَهْلِ الإِسْلاَمِ فِيهِمْ لَوْ أَنَّهُمْ إذْ أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَنْ يَرْمُلُوا يَقُولُونَ لَهُ: لاَ نَفْعَلُ وَقَدْ أَعَاذَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ أَعُصَاةً كَانُوا يَكُونُونَ أَمْ مُطِيعِينَ.
وَأَمَّا وُجُوبُهُ: فَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُمَرَ, وَعَطَاءٍ, وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ, وَمَكْحُولٍ, لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ رَمَلٌ مِنْ طُرُقٍ لَوْ شِئْنَا لَتَكَلَّمَنَا فِي أَكْثَرِهَا لِضَعْفِهَا. وَرُوِّينَا، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, وَعَطَاءٍ, لَيْسَ عَلَى مَنْ تَرَكَ الرَّمَلَ شَيْءٌ وَعَنْ إبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، نا الثَّقَفِيُّ هُوَ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ، عَنْ حَبِيبٍ، هُوَ ابْنُ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ سَأَلَ، عَنِ الْمُجَاوِرِ إذَا أَهَلَّ مِنْ مَكَّةَ هَلْ يَسْعَى الأَشْوَاطَ الثَّلاَثَةَ قَالَ: إنَّهُمْ يَسْعَوْنَ قَالَ: فأما ابْنُ عَبَّاسٍ فَإِنَّهُ قَالَ: "نَّمَا ذَلِكَ عَلَى أَهْلِ الآفَاقِ".
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: خَرَجَ ابْنُ الزُّبَيْرِ, وَابْنُ عُمَرَ فَاعْتَمَرَا مِنْ الْجِعْرَانَةِ لَمَّا فَرَغَ ابْنُ الزُّبَيْرِ مِنْ بِنَاءِ الْكَعْبَةِ قَالَ مُجَاهِدٌ: وَكُنْت جَالِسًا عِنْدَ زَمْزَمَ فَلَمَّا دَخَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ نَادَاهُ ابْنُ عُمَرَ أَرْمِلْ الثَّلاَثَ الآُوَلَ فَرَمَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ السَّبْعَ كُلَّهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، عَنِ الْحَسَنِ, وَعَطَاءٍ قَالاَ: لَيْسَ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ رَمَلٌ, وَلاَ عَلَى مَنْ أَهَلَّ مِنْهَا إلاَّ أَنْ يَجِيءَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ مِنْ خَارِجٍ.
فَهَذِهِ رِوَايَةٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِيجَابِ الرَّمَلِ عَلَى أَهْلِ الآفَاقِ.
وَعَنِ الْحَسَنِ, وَعَطَاءٍ مِثْلُ ذَلِكَ وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ بِإِيجَابِهِ ذَلِكَ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَهُوَ

سَاكِنٌ بِمَكَّةَ, وَأَقَلُّ هَذَا أَنْ يَكُونَ اخْتِلاَفًا مِنْ قَوْلَيْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٍ.وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا تَرَكُوا فِيهِ الْجُمْهُورَ وَمَا انْفَرَدُوا بِهِ بِغَيْرِ سُنَّةٍ لَكِنْ بِرَأْيٍ; وَهُمْ يُعَظِّمُونَ ذَلِكَ, وَنَحْنُ لاَ نُنْكِرُهُ إذَا اُتُّبِعَتْ السُّنَّةُ فِي خِلاَفِهِ. وَأَمَّا تَقْبِيلُ الرُّكْنَيْنِ فَسُنَّةٌ وَلَيْسَ فَرْضًا, لاَِنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ أَمْرٌ, وَإِنَّمَا هُوَ عَمَلٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَطْ, وَقَدْ طَافَ عليه السلام رَاكِبًا يُشِيرُ بِمِحْجَنٍ فِي يَدِهِ إلَى الرُّكْنِ.
وَأَمَّا تَنْكِيسُ الطَّوَافِ فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَجَازَ تَنْكِيسَ الْوُضُوءِ, وَتَنْكِيسَ الأَذَانِ, وَتَنْكِيسَ الإِقَامَةِ, وَتَنْكِيسَ الطَّوَافِ.
قال أبو محمد: إذْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْخَبَبِ فِي الأَشْوَاطِ الْمَذْكُورَةِ فَقَدْ عَلَّمَهُمْ مِنْ أَيْنَ يَبْتَدِئُونَ وَكَيْفَ يَمْشُونَ فَصَارَ ذَلِكَ أَمْرًا, وَأَمْرُهُ عليه السلام فَرْضٌ, وَلاَ أَعْجَبُ مِمَّنْ لاَ يَرَى الْعُمْرَةَ, أَوْ الْحَجَّ يَبْطُلاَنِ بِمُخَالَفَةِ مَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ يَرَاهُمَا يَبْطُلاَنِ بِمَا لَمْ يَأْتِ فِيهِ أَمْرٌ بِذَلِكَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى, وَلاَ مِنْ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم كَتَعَمُّدِ الإِمْنَاءِ فِي مُبَاشَرَةِ امْرَأَتِهِ بِغَيْرِ جِمَاعٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَأَمَّا الطَّوَافُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فِي الْعُمْرَةِ فَإِنَّ أَنَسًا وَغَيْرَهُ قَالُوا: لَيْسَ فَرْضًا, رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ: {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}.
قال أبو محمد: هَذَا قَوْلٌ مِنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لاَ إدْخَالٌ مِنْهُ فِي الْقُرْآنِ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: الْعُمْرَةُ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ. وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، عَنْ عَاصِمٍ الأَحْوَلِ قَالَ: سَمِعْت أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقْرَأُ: {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} . وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مَخْلَدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِثْلُ ذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ بْنِ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِي، عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ مِثْلُ ذَلِكَ, وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ, وَمُجَاهِدٍ, وَمَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ فِي الطَّوَافِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ: هُمَا تَطَوُّعٌ. وَاحْتَجَّ مَنْ رَأَى هَذَا الْقَوْلَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {إنَّ الصَّفَّا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوْ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} . وَرُوِّينَا، عَنْ عَائِشَةَ، رضي الله عنها، إيجَابَ فَرْضِ السَّعْيِ بَيْنَهُمَا, وَقَالَتْ فِي هَذِهِ الآيَةِ: إنَّمَا نَزَلَتْ فِي نَاسٍ كَانُوا لاَ يَطُوفُونَ بَيْنَهُمَا; فَلَمَّا كَانَ الإِسْلاَمُ طَافَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
قال أبو محمد: لَوْ لَمْ تَكُنْ إلاَّ هَذِهِ الآيَةُ لَكَانَتْ غَيْرَ فَرْضٍ لَكِنَّ الْحُجَّةَ فِي فَرْضِ ذَلِكَ

مَا حدثناهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، نا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، نا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، نا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، نا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، نا شُعْبَةُ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُنِيخٌ بِالْبَطْحَاءِ فَقَالَ لِي: أَحَجَجْتَ فَقُلْتُ: نَعَمْ فَقَالَ: بِمَ أَهْلَلْتَ قَالَ قُلْتُ: لَبَّيْتُ بِإِهْلاَلٍ كَإِهْلاَلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "فَقَدْ أَحْسَنْتَ طُفْ بِالْبَيْتِ, وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَأَحِلَّ".
قَالَ عَلِيٌّ: بِهَذَا صَارَ السَّعْيُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فِي الْعُمْرَةِ فَرْضًا.
وَأَمَّا الرَّمَلُ بَيْنَهُمَا: فَنا عبد الله بن ربيع، نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا مَحْمُودُ بْنُ غِيلاَنَ الْمَرْوَزِيِّ، نا بِشْرُ بْنُ السَّرِيِّ، نا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ جُمْهَانَ قَالَ: رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ يَمْشِي بَيْنَ الصَّفَّا وَالْمَرْوَةِ فَقَالَ: إنْ أَمْشِ فَقَدْ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمْشِي, وَإِنْ أَسْعَ فَقَدْ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسْعَى.
قَالَ عَلِيٌّ: وَالْخَبَرُ الَّذِي فِيهِ "اسْعَوْا فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمْ السَّعْيَ" فَإِنَّمَا رَوَتْهُ صَفِيَّةُ بِنْتُ شَيْبَةَ، عَنْ امْرَأَةٍ لَمْ تُسَمَّ; وَقَدْ قِيلَ: هِيَ بِنْتُ أَبِي تَجْرَاةَ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ, وَلَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِوُجُوبِهِ, وَمَنْ عَجَزَ، عَنِ الْخَبَبِ الْمَذْكُورِ مَشَى، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا}.

ولا يحل للمحرِم بالعمرة أو بالحج تصيد شيء مما يصاد ليؤكل
...
831 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ لِلْمُحْرِمِ بِالْعُمْرَةِ أَوْ بِالْحَجِّ تَصَيُّدُ شَيْءٍ مِمَّا يُصَادُ لِيُؤْكَلَ, وَلاَ وَطْءٌ كَانَ لَهُ حَلاَلاً قَبْلَ إحْرَامِهِ, وَلاَ لِبَاسُ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا قَبْلُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى، عَنْ لِبَاسِ الْمُحْرِمِ, قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} . وَقَالَ تَعَالَى: {فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ} وَهَذَا أَيْضًا لاَ خِلاَفَ فِيهِ.

ومن أراد العمرة وهو بمكة إما من أهلها أو من غيرِ أهله
...
832 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَرَادَ الْعُمْرَةَ وَهُوَ بِمَكَّةَ إمَّا مِنْ أَهْلِهَا, أَوْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ لِلإِحْرَامِ بِهَا إلَى الْحِلِّ، وَلاَ بُدَّ فَيَخْرُجَ إلَى أَيِّ الْحِلِّ شَاءَ, وَيُهِلُّ بِهَا فَلاَِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَانِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ بِالْخُرُوجِ مِنْ مَكَّةَ إلَى التَّنْعِيمِ لِيَعْتَمِرَ مِنْهُ وَاعْتَمَرَ عليه السلام مِنْ الْجِعْرَانَةِ فَوَجَبَ ذَلِكَ فِي الْعُمْرَةِ خَاصَّةً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
نا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ، نا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، نا الْفَرَبْرِيُّ، نا الْبُخَارِيُّ، نا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ أَنَا أَبُو عَاصِمٍ، نا عُثْمَانُ بْنُ الأَسْوَدِ، نا ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ

وأما من أراد الحج فإنه إذا جاء إلى الميقات كما ذكرنا فلا يخلو من أن يكون معه هدي
833 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا مَنْ أَرَادَ الْحَجَّ فَإِنَّهُ إذَا جَاءَ إلَى الْمِيقَاتِ كَمَا ذَكَرْنَا فَلاَ يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ هَدْيٌ, أَوْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ, وَالْهَدْيُ إمَّا مِنْ الإِبِلِ, أَوْ الْبَقَرِ, أَوْ الْغَنَمِ, فَإِنْ كَانَ لاَ هَدْيَ مَعَهُ وَهَذَا هُوَ الأَفْضَلُ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ مُفْرَدَةٍ، وَلاَ بُدَّ لاَ يَجُوزُ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ; فَإِنْ أَحْرَمَ بِحَجٍّ; أَوْ بِقِرَانِ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَفْسَخَ إهْلاَلَهُ ذَلِكَ بِعُمْرَةٍ يَحِلُّ إذَا أَتَمَّهَا, لاَ يُجْزِئُهُ غَيْرُ ذَلِكَ; ثُمَّ إذَا أَحَلَّ مِنْهَا ابْتَدَأَ الإِهْلاَلَ بِالْحَجِّ مُفْرَدًا مِنْ مَكَّةَ وَهَذَا يُسَمَّى: مُتَمَتِّعًا. وَإِنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ سَاقَهُ مَعَ نَفْسِهِ فَنَسْتَحِبُّ لَهُ أَنْ يُشْعِرَ هَدْيَهُ إنْ كَانَ مِنْ الإِبِلِ, وَهُوَ أَنْ يَضْرِبَهُ بِحَدِيدَةٍ فِي الْجَانِبِ الأَيْمَنِ مِنْ جَسَدِهِ حَتَّى يُدْمِيَهُ ثُمَّ يُقَلِّدَهُ, وَهُوَ أَنْ يَرْبِطَ نَعْلاً فِي حَبْلٍ وَيُعَلِّقُهَا فِي عُنُقِ الْهَدْيِ وَإِنْ جَلَّلَهُ بِجَلٍّ فَحَسَنٌ, فَإِنْ كَانَ الْهَدْيُ مِنْ الْغَنَمِ فَلاَ إشْعَارَ فِيهِ لَكِنْ يُقَلِّدُهُ رُقْعَةَ جِلْدٍ فِي عُنُقِهِ; فَإِنْ كَانَ مِنْ الْبَقَرِ فَلاَ إشْعَارَ فِيهِ، وَلاَ تَقْلِيدَ كَانَتْ لَهُ أَسْنِمَةٌ أَوْ لَمْ تَكُنْ. ثُمَّ يَقُولُ: لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ وَحَجٍّ مَعًا, لاَ يُجْزِئُهُ إلاَّ ذَلِكَ، وَلاَ بُدَّ; وَإِنْ قَالَ: لَبَّيْكَ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ; أَوْ لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا, أَوْ حَجَّةً وَعُمْرَةً; أَوْ نَوَى كُلَّ ذَلِكَ فِي نَفْسِهِ, وَلَمْ يَنْطِقْ بِهِ فَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ; وَهَذَا يُسَمَّى: الْقِرَانَ.
وَمَنْ سَاقَ مِنْ الْمُعْتَمِرِينَ الْهَدْيَ فَعَلَ فِيهِ مِنْ الإِشْعَارِ, وَالتَّقْلِيدِ مَا ذَكَرْنَا; وَنُحِبُّ لَهُ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا أَنْ يَشْتَرِطَ فَيَقُولَ عِنْدَ إهْلاَلِهِ: "اللَّهُمَّ إنَّ مَحِلِّي حَيْثُ تَحْبِسُنِي", فَإِنْ قَالَ ذَلِكَ فَأَصَابَهُ أَمْرٌ مَا يَعُوقُهُ، عَنْ تَمَامِ مَا خَرَجَ لَهُ مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَحَلَّ، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ; لاَ هَدْيَ، وَلاَ قَضَاءَ إلاَّ إنْ كَانَ لَمْ يَحُجَّ قَطُّ، وَلاَ اعْتَمَرَ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ حَجَّةَ الإِسْلاَمِ وَعُمْرَتَهُ.
بُرْهَانُ مَا ذَكَرْنَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، نا ابْنُ أَبِي عُمَرَ، نا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "مَنْ أَرَادَ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ, أَوْ عُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ, وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ فَلْيُهِلَّ, وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلَّ" , قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِحَجٍّ, وَأَهَلَّ بِهِ نَاسٌ مَعَهُ وَأَهَلَّ نَاسٌ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ; وَأَهَلَّ نَاسٌ بِعُمْرَةٍ وَكُنْتُ فِيمَنْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ.
قال أبو محمد: فَهَذَا أَوَّلُ أَمْرِهِ عليه السلام بِذِي الْحُلَيْفَةِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ إحْرَامِهِمْ وَإِرَادَتِهِمْ الإِهْلاَلَ بِلاَ شَكٍّ, إذْ هُوَ نَصُّ الْحَدِيثِ.
نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، نا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، نا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نا

أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، نا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نا ابْنُ نُمَيْرٍ، نا أَبُو نُعَيْمٍ هُوَ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، نا مُوسَى بْنُ نَافِعٍ قَالَ: قَدِمْت مَكَّة مُتَمَتِّعًا بِعُمْرَةٍ قَبْلَ التَّرْوِيَةِ بِأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَقَالَ النَّاسُ: تَصِيرُ حَجَّتُك الآنَ مَكِّيَّةً فَدَخَلْت عَلَى عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ فَقَالَ: حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ حَجَّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ سَاقَ الْهَدْيَ مَعَهُ, وَقَدْ أَهَلُّوا بِالْحَجِّ مُفْرَدًا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَحِلُّوا مِنْ إحْرَامِكُمْ فَطُوفُوا بِالْبَيْتِ, وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ, وَقَصِّرُوا وَأَقِيمُوا حَلاَلاً حَتَّى إذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ فَأَهِلُّوا بِالْحَجِّ وَاجْعَلُوا الَّذِي قَدِمْتُمْ بِهَا مُتْعَةً".
وَبِهِ إلَى مُسْلِمٍ، نا إِسْحَاقُ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ، عَنْ حَاتِمِ بْنِ إسْمَاعِيلَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ، عَنْ حَجَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "حَتَّى إذَا كَانَ آخِرَ طَوَافٍ عَلَى الْمَرْوَةِ", قَالَ عليه السلام: "لَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقْ الْهَدْيَ وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحِلَّ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً" فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلأَبَدِ فَشَبَّكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَصَابِعَهُ وَاحِدَةً فِي الآُخْرَى وَقَالَ: "دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ مَرَّتَيْنِ, لاَ بَلْ لاَِبَدٍ أَبَدٍ".
نا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ، نا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، نا الْفَرَبْرِيُّ، نا الْبُخَارِيُّ، نا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ، نا وُهَيْبٍ، هُوَ ابْنُ خَالِدٍ، نا أَيُّوبُ هُوَ السِّخْتِيَانِيُّ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَنَحْنُ مَعَهُ بِالْمَدِينَةِ: "الظُّهْرَ أَرْبَعًا وَالْعَصْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ" ثُمَّ بَاتَ بِهَا حَتَّى الصُّبْحِ ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ حَمِدَ اللَّهَ وَسَبَّحَ وَكَبَّرَ ثُمَّ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهِمَا, فَلَمَّا قَدِمْنَا أَمَرَ النَّاسَ فَحَلُّوا حَتَّى إذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ أَهَلُّوا بِالْحَجِّ.
نا حمام بْنُ أَحْمَدَ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ، نا أَحْمَدُ بْنُ خَالِدٍ، نا عُبَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْكَشْوَرِيُّ، نا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْحُذَافِيُّ، نا عَبْدِ الرَّزَّاقِ، نا مَالِكٌ, وَمَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ, ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُهِلَّ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ، وَلاَ يَحِلَّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا".
قال أبو محمد: فَفِي هَذِهِ الأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ بُرْهَانُ كُلِّ مَا قلنا وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَحَادِيثَ: فَفِي الأَوَّلِ الَّذِي مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ أَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ مُفْرَدٍ،

وَلاَ هَدْيَ مَعَهُ بِأَنْ يَحِلَّ بِعُمْرَةٍ، وَلاَ بُدَّ, ثُمَّ يُهِلَّ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فَيَصِيرُ مُتَمَتِّعًا". وَفِي الْحَدِيثِ الثَّالِثِ الَّذِي مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ أَمْرُهُ صلى الله عليه وسلم مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ قَارِنًا، وَلاَ هَدْيَ مَعَهُ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ، وَلاَ بُدَّ; ثُمَّ يُهِلَّ بِالْحَجِّ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ فَيَصِيرُ أَيْضًا مُتَمَتِّعًا. وَفِي الْحَدِيثِ الثَّانِي الَّذِي مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ أَمْرُهُ صلى الله عليه وسلم كُلُّ مَنْ لاَ هَدْيَ مَعَهُ عُمُومًا بِأَنْ يَحِلَّ بِعُمْرَةٍ, وَأَنَّ هَذَا هُوَ آخِرُ أَمْرِهِ عَلَى الصَّفَا بِمَكَّةَ; وَأَنَّهُ عليه السلام أَخْبَرَ بِأَنَّ التَّمَتُّعَ أَفْضَلُ مِنْ سَوْقِ الْهَدْيِ مَعَهُ, وَتَأَسَّفَ إذْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ هُوَ, وَأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ هُوَ بَاقٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ, وَمَا كَانَ هَكَذَا فَقَدْ أَمِنَّا أَنْ يُنْسَخَ أَبَدًا; وَمَنْ أَجَازَ نَسْخَ مَا هَذِهِ صِفَتُهُ فَقَدْ أَجَازَ الْكَذِبَ عَلَى خَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهَذَا تَعَمُّدُهُ كُفْرٌ مُجَرَّدٌ; وَفِيهِ أَنَّ الْعُمْرَةَ قَدْ دَخَلَتْ فِي الْحَجِّ وَهَذَا هُوَ قَوْلُنَا لإِنَّ الْحَجَّ لاَ يَجُوزُ إلاَّ بِعُمْرَةٍ مُتَقَدِّمَةٍ لَهُ يَكُونُ بِهَا مُتَمَتِّعًا أَوْ بِعُمْرَةٍ مَقْرُونَةٍ مَعَهُ، وَلاَ مَزِيدَ. وَفِي الْحَدِيثِ الرَّابِعِ الَّذِي مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَمْرُهُ صلى الله عليه وسلم مَنْ مَعَهُ هَدْيٌ أَنْ يَقْرُنَ بَيْنَ الْحَجِّ, وَالْعُمْرَةِ:.وَبِهِ يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ, وَمُجَاهِدٌ, وَعَطَاءٌ, وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ, وَغَيْرُهُ.
نا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عِقَالٍ، نا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّينَوَرِيُّ، نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْجَهْمِ، نا أَبُو إسْمَاعِيلَ مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ، نا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، نا عَنْبَسَةُ حَدَّثَنِي يُونُسُ، هُوَ ابْنُ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ كُرَيْبٍ أَنَّهُ حَدَّثَهُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَا طَافَ رَجُلٌ بِالْبَيْتِ إنْ كَانَ حَاجًّا إلاَّ حَلَّ بِعُمْرَةٍ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ, وَلاَ طَافَ وَمَعَهُ هَدْيٌ إلاَّ اجْتَمَعَتْ لَهُ: حَجَّةٌ, وَعُمْرَةٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ، نا إِسْحَاقُ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ أَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: لاَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ حَاجٌّ، وَلاَ غَيْرُ حَاجٍّ إلاَّ حَلَّ. فَقُلْت لِعَطَاءٍ: مِنْ أَيْنَ تَقُولُ ذَلِكَ قَالَ: مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} . قُلْت: فَإِنَّ ذَلِكَ بَعْدَ الْمُعَرَّفِ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: هُوَ بَعْدَ الْمُعَرَّفِ وَقَبْلَهُ. وَكَانَ يَأْخُذُ ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَحِلُّوا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَمِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ, وَمُجَاهِدٍ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَأْمُرُ الْقَارِنَ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً إذَا لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ وَمِنْ طَرِيقِ طَاوُوس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَاَللَّهِ مَا تَمَّتْ حَجَّةُ رَجُلٍ قَطُّ إلاَّ بِمُتْعَةٍ إلاَّ رَجُلٌ اعْتَمَرَ فِي وَسَطِ السَّنَةِ.
نا عبد الله بن ربيع، نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ، نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، نا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مَهْدِيٍّ، نا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى

الأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِالْبَطْحَاءِ فَقَالَ: "بِمَ أَهْلَلْتَ" قُلْتُ: أَهْلَلْتُ بِإِهْلاَلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "هَلْ سُقْتَ مِنْ هَدْيٍ" قُلْتُ: لاَ, قَالَ: "طُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حِلَّ, فَطُفْتُ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ" ثُمَّ أَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ قَوْمِي فَمَشَطَتْنِي وَغَسَلَتْ رَأْسِي فَكُنْتُ أُفْتِي النَّاسَ بِذَلِكَ فِي إمَارَةِ أَبِي بَكْرٍ, وَإِمَارَةِ عُمَرَ; فَإِنِّي لَقَائِمٌ بِالْمَوْسِمِ إذْ جَاءَنِي رَجُلٌ فَقَالَ: إنَّكَ لاَ تَدْرِي مَا أَحْدَثَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِي شَأْنِ النُّسُكِ قُلْتُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ مَنْ كُنَّا أَفْتَيْنَاهُ بِشَيْءٍ فَلْيَتَّئِدْ فَإِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَادِمٌ عَلَيْكُمْ فَأَتَمُّوا بِهِ, فَلَمَّا قَدِمَ قُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا هَذَا الَّذِي أَحْدَثْتَ فِي شَأْنِ النُّسُكِ قَالَ: إنْ نَأْخُذْ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} وَإِنْ نَأْخُذْ بِسُنَّةِ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ لَمْ يَحِلَّ حَتَّى نَحَرَ الْهَدْيَ.
قال أبو محمد: هَذَا أَبُو مُوسَى قَدْ أَفْتَى بِمَا قلنا مُدَّةَ إمَارَةِ أَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ إمَارَةِ عُمَرَ رضي الله عنهما, وَلَيْسَ تَوَقُّفُهُ لِمَا شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَتَوَقَّفَ لَهُ حُجَّةٌ عَلَى مَا رُوِيَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَحَسْبُنَا قَوْلُهُ لِعُمَرَ مَا الَّذِي أَحْدَثْتَ فِي شَأْنِ النُّسُكِ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عُمَرُ. وَأَمَّا قَوْلُ عُمَرَ رضي الله عنه فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} فَلاَ إتْمَامَ لَهُمَا إلاَّ عَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ وَهُوَ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةُ, وَأُمِرَ بِبَيَانِ مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ.
وَأَمَّا كَوْنُهُ عليه السلام لَمْ يَحِلَّ حَتَّى نَحَرَ الْهَدْيَ فَإِنَّ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ ابْنَتَهُ حَفْصَةُ، رضي الله عنها، رَوَتْ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَيَانَ فِعْلِهِ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ حَفْصَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا وَلَمْ تَحِلَّ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ قَالَ: إنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي وَقَلَّدْت هَدْيِي فَلاَ أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ. وَرَوَاهُ أَيْضًا عَلِيٌّ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ الأَشْعَرِيُّ، نا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، نا حَجَّاجٌ يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ الأَعْوَرِ، نا يُونُسُ يَعْنِي أَبَا إِسْحَاقَ السَّبِيعِيَّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْبَرَاءِ، هُوَ ابْنُ عَازِبٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: "إنِّي سُقْتُ الْهَدْيَ وَقَرَنْتُ, لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَفَعَلْتُ كَمَا فَعَلْتُمْ, وَلَكِنِّي سُقْتُ الْهَدْيَ وَقَرَنْتُ". فَهَذَا أَوْلَى أَنْ يُتَّبَعَ مِنْ رَأْيٍ رَآهُ عُمَرُ قَدْ صَحَّ عَنْهُ رُجُوعُهُ عَنْهُ; وَقَدْ خَالَفُوهُ فِيهِ أَيْضًا كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ فِي

كِتَابِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: مَنْ شَاءَ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَلْيَسُقْ هَدْيَهُ مَعَهُ.
نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ الطَّلْمَنْكِيُّ، نا ابْنُ مُفَرِّجٍ، نا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ فِرَاسٍ، نا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصَّائِغُ، نا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، نا هُشَيْمٌ أَنَا مَنْصُورٌ، هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ قَالَ: حَجَّ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَحَجَجْت مَعَهُ فِي ذَلِكَ الْعَامِ فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ جَاءَ رَجُلٌ إلَى الْحَسَنِ فَقَالَ: يَا أَبَا سَعِيدٍ إنِّي رَجُلٌ بَعِيدُ الشُّقَّةِ مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ وَإِنِّي قَدِمْت مُهِلًّا بِالْحَجِّ فَقَالَ لَهُ الْحَسَنُ: اجْعَلْهَا عُمْرَةً وَأَحِلَّ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ النَّاسُ عَلَى الْحَسَنِ وَشَاعَ قَوْلُهُ بِمَكَّةَ فَأَتَى عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: صَدَقَ الشَّيْخُ, وَلَكِنَّا نَفْرُقُ أَنْ نَتَكَلَّمَ بِذَلِكَ.
قال أبو محمد: لَيْسَ إنْكَارُ أَهْلِ الْجَهْلِ حُجَّةً عَلَى سُنَنِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: مَنْ أَهَلَّ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى مِمَّنْ لَهُ مُتْعَةٌ بِالْحَجِّ خَالِصًا أَوْ بِحَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ فَهِيَ مُتْعَةُ سُنَّةِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم وَبِهِ إلَى عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُوس، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَأَلَ، عَنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ فَقَالَ: هُوَ الرَّجُلُ يُفْرِدُ الْحَجَّ وَيَذْبَحُ فَقَدْ دَخَلَتْ لَهُ عُمْرَةٌ فِي الْحَجِّ فَوَجَبَتَا لَهُ جَمِيعًا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، نا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ أَنَّهُ سَمِعَ مُجَاهِدًا يَقُولُ: مَنْ جَاءَ حَاجًّا فَأَهْدَى هَدْيًا فَلَهُ عُمْرَةٌ مَعَ حَجَّةٍ.
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، نا عَتَّابُ بْنُ بَشِيرٍ، نا خُصَيْفٌ، عَنْ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَأْمُرُ الْقَارِنَ أَنْ يَجْعَلَهَا عُمْرَةً إذَا لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ قَالَ خُصَيْفٌ: وَكُنْت مَعَ مُجَاهِدٍ فَأَتَاهُ الضَّحَّاكُ بْنُ سُلَيْمٍ وَقَدْ خَرَجَ حَاجًّا فَسَأَلَ مُجَاهِدًا فَقَالَ لَهُ مُجَاهِدٌ: اجْعَلْهَا عُمْرَةً, فَقَالَ: هَذَا أَوَّلُ مَا حَجَجْت فَلاَ تُشَايِعُنِي نَفْسِي فَأَيُّ ذَلِكَ تَرَى أَتَمَّ أَنْ أَمْكُثَ كَمَا أَنَا أَوْ أَجْعَلَهَا عُمْرَةً قَالَ خُصَيْفٌ: فَقُلْت لَهُ: أَظُنُّ هَذَا أَتَمَّ لِحَجِّك أَنْ تَمْكُثَ كَمَا أَنْتَ فَرَفَعَ مُجَاهِدٌ تَبِنَةً مِنْ الأَرْضِ وَقَالَ: مَا هُوَ بِأَتَمَّ مِنْ هَذَا, وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ.
وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ الْقَاضِي, وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ بِإِبَاحَةِ فَسْخِ الْحَجِّ لاَ بِإِيجَابِهِ وَمَنَعَ مِنْهُ أَبُو حَنِيفَةَ, وَمَالِكٌ, وَالشَّافِعِيُّ.
قَالَ عَلِيٌّ: رَوَى أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ لاَ هَدْيَ لَهُ أَنْ يَفْسَخَ حَجَّهُ بِعُمْرَةٍ وَيَحِلَّ بِأَوْكَدِ أَمْرٍ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ, وَعَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ, وَحَفْصَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَذَلِكَ, وَفَاطِمَةُ بِنْت رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم, وَعَلِيٌّ, وَأَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ, وَأَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ, وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ, وَأَنَسٌ، وَابْنُ عَبَّاسٍ, وَابْنُ عُمَرَ, وَسَبْرَةُ بْنُ مَعْبَدٍ, وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ, وَسُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ, وَمَعْقِلُ بْنُ يَسَارٍ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم،; وَرَوَاهُ، عَنْ هَؤُلاَءِ نَيِّفٌ وَعِشْرُونَ مِنْ التَّابِعِينَ; وَرَوَاهُ، عَنْ هَؤُلاَءِ مَنْ لاَ يُحْصِيهِ إلاَّ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ, فَلَمْ يَسَعْ أَحَدًا الْخُرُوجُ، عَنْ هَذَا.

وَاحْتَجَّ مَنْ خَالَفَ كُلَّ هَذَا بِاعْتِرَاضَاتٍ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهَا; مِنْهَا أَنَّهُمْ ذَكَرُوا خَبَرًا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ, وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ; وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْحَجِّ, فأما مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فَحَلَّ, وَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ أَوْ جَمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَلَمْ يَحِلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ.
وَبِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ عُرْوَةَ, وَقَدْ ذُكِرَ لَهُ، عَنْ رَجُلٍ ذَكَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "أَنَّهُ طَافَ بِالْبَيْتِ وَحَلَّ". فَقَالَ عُرْوَةُ، عَنْ عَائِشَةَ فِي حَدِيثٍ: قَالَتْ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَنَّهُ أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ ثُمَّ طَافَ بِالْبَيْتِ, ثُمَّ حَجَّ أَبُو بَكْرٍ فَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ, ثُمَّ عُمَرُ مِثْلُ ذَلِكَ, ثُمَّ حَجَّ عُثْمَانُ فَرَأَيْته أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ, ثُمَّ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ, ثُمَّ مُعَاوِيَةُ, وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ, ثُمَّ حَجَجْت مَعَ الزُّبَيْرِ أَبِي فَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ بَدَأَ بِهِ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ ثُمَّ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ, ثُمَّ رَأَيْت الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ, ثُمَّ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ، وَلاَ أَحَدٌ مِمَّنْ مَضَى مَا كَانُوا يَبْدَءُونَ بِشَيْءٍ حِينَ يَضَعُونَ أَقْدَامَهُمْ أَوَّلَ مِنْ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ ثُمَّ لاَ يَحِلُّونَ, وَقَدْ رَأَيْت أُمِّي, وَخَالَتِي تَقْدُمَانِ لاَ تَبْدَآنِ بِشَيْءٍ أَوَّلَ مِنْ الْبَيْتِ تَطُوفَانِ بِهِ ثُمَّ لاَ تَحِلاَّنِ, وَقَدْ أَخْبَرَتْنِي أُمِّي أَنَّهَا أَقْبَلَتْ هِيَ وَأُخْتُهَا وَالزُّبَيْرُ وَفُلاَنٌ وَفُلاَنٌ بِعُمْرَةٍ قَطُّ فَلَمَّا مَسَحُوا الرُّكْنَ حَلُّوا, وَقَدْ كَذَبَ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ ذَلِكَ".
وَبِخَبَرٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بَشِيرٍ الْعَبْدِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ حَاطِبٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِلْحَجِّ ثُمَّ ذَكَرْت أَنَّ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ أَهَلَّ بِحَجٍّ مُفْرَدٍ, أَوْ بِعُمْرَةٍ وَحَجٍّ فَلَمْ يَحْلِلْ حَتَّى قَضَى مَنَاسِكَ الْحَجِّ, وَمَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ مُفْرَدَةٍ طَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حَلَّ حَتَّى يَسْتَقْبِلَ حَجًّا".
قال أبو محمد: حَدِيثُ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ, وَحَدِيثُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ حَاطِبٍ عَنْهَا مُنْكَرَانِ, وَخَطَأٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ.
نا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عِقَالٍ، نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ السَّقَطِيُّ، نا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ، نا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الْخُتَّلِيُّ، نا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى الْجَوْهَرِيُّ السُّدَّانِيُّ، نا

أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَثْرَمُ، نا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فَذَكَرَ حَدِيثَ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ الَّذِي ذَكَرْنَا آنِفًا فَقَالَ أَحْمَدُ: إيشِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ الْعَجَبِ هَذَا خَطَأٌ, قَالَ الأَثْرَمُ: فَقُلْت لَهُ: الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ بِخِلاَفِهِ قَالَ أَحْمَدُ: نَعَمْ, وَهِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ.
قال أبو محمد: وَلاَِبِي الأَسْوَدِ الْمَذْكُورِ حَدِيثٌ آخَرُ فِي هَذَا الْبَابِ لاَ خَفَاءَ بِفَسَادِهِ, وَهُوَ خَبَرٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، نا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، نا ابْنُ وَهْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ نَوْفَلٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ مَوْلَى أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَ: حَدَّثَهُ أَنَّهُ كَانَ يَسْمَعُ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ تَقُولُ كُلَّمَا مَرَّتْ بِالْحَجُونِ: صَلَّى اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ لَقَدْ نَزَلْنَا مَعَهُ هَاهُنَا, وَنَحْنُ يَوْمئِذٍ خِفَافٌ قَلِيلٌ ظَهْرُنَا قَلِيلَةٌ أَزْوَادُنَا فَاعْتَمَرْت أَنَا وَأُخْتِي عَائِشَةُ, وَالزُّبَيْرُ, وَفُلاَنٌ, وَفُلاَنٌ; فَلَمَّا مَسَحْنَا الْبَيْتَ أَحْلَلْنَا ثُمَّ أَهْلَلْنَا مِنْ الْعَشِيِّ بِالْحَجِّ.
قال علي: وهذا بَاطِلٌ بِلاَ خِلاَفٍ مِنْ أَحَدٍ; لإِنَّ عَائِشَةَ، رضي الله عنها، لَمْ تَعْتَمِرْ فِي عَامِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَبْلَ الْحَجِّ أَصْلاً; لاَِنَّهَا دَخَلَتْ وَهِيَ حَائِضٌ حَاضَتْ بِسَرَفٍ وَلَمْ تَطُفْ بِالْبَيْتِ إلاَّ بَعْدَ أَنْ طَهُرَتْ يَوْمَ النَّحْرِ هَذَا أَمْرٌ فِي شُهْرَةِ الشَّمْسِ; وَلِذَلِكَ رَغِبَتْ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَعْمُرَهَا بَعْدَ الْحَجِّ فَأَعْمَرَهَا مِنْ التَّنْعِيمِ بَعْدَ انْقِضَاءِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ كُلِّهَا رَوَاهُ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ, وَرَوَاهُ، عَنْ عَائِشَةَ: عُرْوَةُ, وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ, وطَاوُوس, وَمُجَاهِدٌ, وَالأَسْوَدُ بْنُ زَيْدٍ، وَابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ.
وَبَلِيَّةٌ أُخْرَى فِي هَذَا الْخَبَرِ وَهِيَ قَوْلُهُ فِيهِ: ثُمَّ أَهْلَلْنَا مِنْ الْعَشِيِّ بِالْحَجِّ, وَهَذَا بَاطِلٌ بِلاَ خِلاَفٍ, لإِنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ; وَجَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ, وَابْنَ عَبَّاسٍ, كُلَّهُمْ رَوَوْا: أَنَّ الإِحْلاَلَ كَانَ يَوْمَ دُخُولِهِمْ مَكَّةَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَأَنَّ إهْلاَلَهُمْ بِالْحَجِّ كَانَ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَهُوَ يَوْمُ مِنًى وَبَيْنَ يَوْمِ إحْلاَلِهِمْ يَوْمَ إهْلاَلِهِمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ بِلاَ شَكٍّ; لإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ مَكَّةَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ صُبْحَ رَابِعَةٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ, وَالأَحَادِيثُ فِي ذَلِكَ مَشْهُورَةٌ قَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي كُتُبِنَا وَذَكَرَهَا النَّاسُ وَكُلُّ مَنْ جَمَعَ فِي الْمُسْنَدِ; فَظَهَرَ عَوَارُ رِوَايَةِ أَبِي الأَسْوَدِ. وَقَدْ رَوَى الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أَمْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَنْ لاَ هَدْيَ لَهُ بِفَسْخِ الْحَجِّ وَأَنَّهُمْ فَسَخُوهُ, وَلاَ يُعْدَلُ أَبُو الأَسْوَدِ بِالزُّهْرِيِّ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، نا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، نا اللَّيْثُ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ، عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فِي صِفَةِ حَجَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ قَالَ لِلنَّاسِ: "مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ

مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ, وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَيُقَصِّرُ وَلْيَحْلِلْ ثُمَّ لِيُهِلَّ بِالْحَجِّ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ"; قَالَ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ: إنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي تَمَتُّعِهِ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَهُ بِمِثْلِ مَا أَخْبَرَ بِهِ سَالِمٌ، عَنْ أَبِيهِ. وَرَوَاهُ أَيْضًا، عَنْ عَائِشَةَ مَنْ لاَ يُذْكَرُ مَعَهُ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ حَاطِبٍ وَهُمْ: الْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ; وَالأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ, وَذَكْوَانُ مَوْلاَهَا وَكَانَ يَؤُمُّهَا, وَعَمْرَةَ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَانِ, وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَؤُلاَءِ أَخَصُّ بِعَائِشَةَ وَأَعْلَمُ وَأَضْبَطُ وَأَوْثَقُ مِنْ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْغَيْلاَنِيُّ، نا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَرَ الْعَقَدِيُّ، نا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ الْحَدِيثَ: وَفِيهِ فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَِصْحَابِهِ: "اجْعَلُوهَا عُمْرَةً" فَأَحَلَّ النَّاسُ إلاَّ مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْيُ, فَكَانَ الْهَدْيُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ, وَعُمَرَ, وَذَوِي الْيَسَارَةِ ثُمَّ أَهَلُّوا حِينَ رَاحُوا.
وَيَكْفِي مِنْ كُلِّ هَذَا أَنَّ هَذِهِ الأَخْبَارَ الثَّلاَثَةَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الأَسْوَدِ, وَيَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ إنَّمَا هِيَ مَوْقُوفَةٌ لاَ مُسْنَدَةٌ, وَلاَ حُجَّةَ فِي مَوْقُوفٍ فَكَيْفَ إذَا رَوَى بِضْعَةٌ وَعِشْرُونَ مِنْ التَّابِعِينَ، عَنْ خَمْسَةَ عَشَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلاَفَ ذَلِكَ.
وَأَسْلَمُ الْوُجُوهِ لِحَدِيثَيْ أَبِي الأَسْوَدِ, وَحَدِيثِ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ أَنْ يُخَرَّجَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهَا: إنَّ الَّذِينَ أَهَلُّوا بِحَجٍّ, أَوْ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ لَمْ يَحِلُّوا إلَى يَوْمِ النَّحْرِ إنَّمَا كَانُوا مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَأَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا أَوْ أَضَافَ الْعُمْرَةَ إلَى الْحَجِّ كَمَا رَوَى مَالِكٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فَتَخْرُجُ حِينَئِذٍ هَذِهِ الأَخْبَارُ سَالِمَةً لإِنَّ مَا رَوَتْهُ الْجَمَاعَةُ عَنْهَا فِيهِ زِيَادَةٌ لَمْ يَذْكُرْهَا أَبُو الأَسْوَدِ, وَلاَ يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ لَوْ كَانَ مَا رَوَيَا مُسْنَدًا فَكَيْفَ وَلَيْسَ مُسْنَدًا وَنَحْمِلُ حَدِيثَ أَبِي الأَسْوَدِ، عَنْ عُرْوَةَ فِي حَجِّ أَبِي بَكْرٍ, وَعُمَرَ, وَسَائِرِ مَنْ ذَكَرْنَا عَلَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَسُوقُونَ الْهَدْيَ فَتَتَّفِقُ الأَخْبَارُ. وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِنَهْيِ عُمَرَ, وَعُثْمَانَ، عَنْ ذَلِكَ.

قال أبو محمد: هَذَا عَلَيْهِمْ لاَ لَهُمْ لاَِنَّهُ إنْ كَانَ نَهْيُهُمَا رضي الله عنهما حُجَّةً فَقَدْ صَحَّ عَنْهُمَا النَّهْيُ عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ, وَهُمْ يُخَالِفُونَهُمَا فِي ذَلِكَ.
نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ الطَّلْمَنْكِيُّ، نا ابْنُ مُفَرِّجٍ، نا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ فِرَاسٍ، نا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ الصَّائِغُ، نا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، نا هُشَيْمٌ, وَحَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ هُشَيْمٌ: أَنَا خَالِدُ هُوَ الْحَذَّاءُ وَقَالَ حَمَّادٌ: عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ ثُمَّ اتَّفَقَ أَيُّوبُ, وَخَالِدٌ كِلاَهُمَا، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: مُتْعَتَانِ كَانَتَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أُنْهِي عَنْهُمَا وَأَضْرِبُ عَلَيْهِمَا; هَذَا لَفْظُ أَيُّوبَ; وَفِي رِوَايَةِ خَالِدٍ: أَنَا أُنْهِي عَنْهُمَا, وَأُعَاقِبُ عَلَيْهِمَا: مُتْعَةُ النِّسَاء, وَمُتْعَةُ الْحَجِّ.
وَبِهِ إلَى سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، نا هُشَيْمٌ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَوْنٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ: أَنَّ عُثْمَانَ نَهَى، عَنِ الْمُتْعَةِ يَعْنِي مُتْعَةَ الْحَجِّ وَبِهِ إلَى سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ نَبِيهٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ سَمِعَ رَجُلاً يُهِلُّ بِعُمْرَةٍ وَحَجٍّ فَقَالَ: عَلَيَّ بِالْمُهِلِّ; فَضَرَبَهُ وَحَلَقَهُ.
قال أبو محمد: وَهُمْ يُخَالِفُونَهُمَا وَيُجِيزُونَ الْمُتْعَةَ حَتَّى أَنَّهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ, وَالشَّافِعِيِّ أَفْضَلُ مِنْ الإِفْرَادِ, فَسُبْحَانَ مَنْ جَعَلَ نَهْيَ عُمَرَ, وَعُثْمَانَ رضي الله عنهما، عَنْ فَسْخِ الْحَجِّ حُجَّةً وَلَمْ يَجْعَلْ نَهْيَهُمَا، عَنْ مُتْعَةِ الْحَجِّ وَضَرْبَهُمَا عَلَيْهَا حُجَّةً إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ فَإِنْ قَالُوا: قَدْ أَبَاحَهَا سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَغَيْرُهُ قلنا: وَقَدْ أَوْجَبَ فَسْخَ الْحَجِّ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ، وَلاَ فَرْقَ.
وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْبَزَّارِ، نا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ السِّجِسْتَانِيُّ، نا الْفِرْيَابِيُّ، نا أَبَانُ بْنُ أَبِي حَازِمٍ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ حَفْصٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ, إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَلَّ لَنَا الْمُتْعَةَ ثُمَّ حَرَّمَهَا عَلَيْنَا. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي ذَرٍّ كَانَتْ الْمُتْعَةُ فِي الْحَجِّ رُخْصَةً لَنَا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَعَنْ عُثْمَانَ: كَانَتْ مُتْعَةُ الْحَجِّ لَنَا لَيْسَتْ لَكُمْ.
قال أبو محمد: هَذَا كُلُّهُ خَالَفَهُ الْحَنَفِيُّونَ, وَالْمَالِكِيُّونَ, وَالشَّافِعِيُّونَ, لأَنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى إبَاحَةِ مُتْعَةِ الْحَجِّ وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ فَإِنَّمَا هُوَ فِي مُتْعَةِ النِّسَاءِ بِلاَ شَكٍّ, لاَِنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْهُ الرُّجُوعُ إلَى الْقَوْلِ بِهَا فِي الْحَجِّ; وَهَؤُلاَءِ مُخَالِفُونَ لِهَذَا الْخَبَرِ إنْ كَانَ مَحْمُولاً عِنْدَهُمْ عَلَى مُتْعَةِ الْحَجِّ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ طَاوُوس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: لَوْ اعْتَمَرْت فِي سَنَةٍ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ حَجَجْت لَجَعَلْت مَعَ حَجَّتِي عُمْرَةً. وَرُوِّينَاهُ

أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ طَاوُوس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ بِمِثْلِهِ.
وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طُرُقٍ.
وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْمُرَقَّعِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، أَنَّهُ قَالَ: كَانَ فَسْخُ الْحَجِّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَنَا خَاصَّةً. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ، عَنْ سُلَيْمَانَ أَوْ سُلَيْمِ بْنِ الأَسْوَدِ أَنَّ أَبَا ذَرٍّ قَالَ فِيمَنْ حَجَّ ثُمَّ فَسَخَهَا عُمْرَةً: لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ إلاَّ لِلرَّكْبِ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم; وَمِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: لَمْ يَكُنْ لاَِحَدٍ بَعْدَنَا أَنْ يَجْعَلَ حَجَّتَهُ عُمْرَةً إنَّمَا كَانَتْ لَنَا رُخْصَةً أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم.
قال أبو محمد: إنْ لَمْ يَكُنْ قَوْلُ أَبِي ذَرٍّ إنَّ مُتْعَةَ الْحَجِّ خَاصَّةً لَهُمْ حُجَّةٌ فَلَيْسَ قَوْلُهُ: إنَّ فَسْخَ الْحَجِّ خَاصَّةً لَهُمْ حُجَّةٌ; لاَ سِيَّمَا وَذَلِكَ الإِسْنَادُ عَنْهُ صَحِيحٌ; لاَِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ; وَهَذِهِ الأَسَانِيدُ عَنْهُ وَاهِيَةٌ; لاَِنَّهَا، عَنِ الْمُرَقَّعِ, وَسُلَيْمَانَ أَوْ سُلَيْمٍ, وَهُمَا مَجْهُولاَنِ. وَعَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ الرَّبَذِيِّ وَهُوَ ضَعِيفٌ فَكَيْفَ وَقَدْ خَالَفَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ, وَأَبُو مُوسَى فَلَمْ يَرَيَا ذَلِكَ خَاصَّةً، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي سُنَّةٍ ثَابِتَةٍ أَنَّهَا خَاصَّةٌ لِقَوْمٍ دُونَ قَوْمٍ إلاَّ بِنَصِّ قُرْآنٍ أَوْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ; لإِنَّ أَوَامِرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى لُزُومِ الإِنْسِ, وَالْجِنِّ, الطَّاعَةُ لَهَا وَالْعَمَلُ بِهَا.
فإن قيل: هَذَا لاَ يُقَالُ بِالرَّأْيِ قلنا: فَيَجِبُ عَلَى هَذَا مَتَى وُجِدَ أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ يَقُولُ فِي آيَةٍ أَنَّهَا مَخْصُوصَةٌ أَوْ مَنْسُوخَةٌ أَنْ يُقَالَ بِقَوْلِهِ; وَأَقَرَّ بِذَلِكَ قَوْلَهُمْ فِي الْمُتْعَةِ: إنَّهَا خَاصَّةٌ, وَقَدْ خَالَفُوا ذَلِكَ.
وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ رَبِيعَةَ الرَّأْيِ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ بِلاَلِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِيهِ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَسْخُ الْحَجِّ لَنَا خَاصَّةً أَوْ لِمَنْ بَعْدَنَا قَالَ: "لَكُمْ خَاصَّةً".
قال أبو محمد الْحَارِثُ بْنُ بِلاَلٍ مَجْهُولٌ وَلَمْ يُخَرِّجْ أَحَدٌ هَذَا الْخَبَرَ فِي صَحِيحِ الْحَدِيثِ; وَقَدْ صَحَّ خِلاَفُهُ بِيَقِينٍ; كَمَا أَوْرَدْنَا مِنْ طَرِيقِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ سُرَاقَةَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ لِرَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم إذْ أَمَرَهُمْ بِفَسْخِ الْحَجِّ فِي عُمْرَةٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, لِعَامِنَا هَذَا أَمْ لاَِبَدٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "بَلْ لاَِبَدِ الأَبَدِ".
وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، نا أَبُو النُّعْمَانِ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ عَارِمٌ، نا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ, وَعَنْ طَاوُوس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالاَ جَمِيعًا: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صُبْحَ رَابِعَةٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ يُهِلُّونَ بِالْحَجِّ لاَ يَخْلِطُهُ شَيْءٌ; فَلَمَّا قَدِمْنَا أَمَرَنَا فَجَعَلْنَاهَا عُمْرَةً, وَأَنْ نَحِلَّ إلَى نِسَائِنَا فَفَشَتْ فِي ذَلِكَ الْقَالَةُ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "بَلَغَنِي أَنَّ قَوْمًا يَقُولُونَ كَذَا وَكَذَا وَاَللَّهِ لاََنَا أَبَرُّ وَأَتْقَى لِلَّهِ مِنْهُمْ, وَلَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ

مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا أَهْدَيْتُ, وَلَوْلاَ أَنَّ مَعِي الْهَدْيَ لاََحْلَلْتُ فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ" فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ "هِيَ لَنَا أَوْ لِلأَبَدِ قَالَ: لاَ بَلْ لِلأَبَدِ".
قال أبو محمد: وَهَكَذَا رَوَاهُ مُجَاهِدٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ جَابِرٍ.
قال أبو محمد: فَبَطَلَ التَّخْصِيصُ وَالنَّسْخُ وَأُمِنَ مِنْ ذَلِكَ أَبَدًا, وَوَاللَّهِ إنَّ مَنْ سَمِعَ هَذَا الْخَبَرَ ثُمَّ عَارَضَ أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِكَلاَمِ أَحَدٍ وَلَوْ أَنَّهُ كَلاَمُ أُمَّيْ الْمُؤْمِنِينَ حَفْصَةَ, وَعَائِشَةَ, وَأَبَوَيْهِمَا، رضي الله عنهم، لَهَالِكٌ; فَكَيْفَ بِأُكْذُوبَاتٍ كَنَسْجِ الْعَنْكَبُوتِ الَّذِي هُوَ أَوْهَنُ الْبُيُوتِ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ بِلاَلٍ, وَالْمُرَقَّعِ, وَسُلَيْمَانَ أَوْ سُلَيْمٍ الَّذِينَ لاَ يُدْرَى مَنْ هُمْ فِي الْخَلْقِ, وَمُوسَى الرَّبَذِيِّ, وَكَفَاك وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ, وَلَيْسَ لاَِحَدٍ أَنْ يَقْتَصِرَ بِقَوْلِهِ عليه السلام: "دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ جَوَازَهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ دُونَ مَا بَيَّنَهُ جَابِرٌ, وَابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ إنْكَارِهِ عليه السلام أَنْ يَكُونَ الْفَسْخُ لَهُمْ خَاصَّةً أَوْ لِعَامِهِمْ دُونَ ذَلِكَ, وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ كَذَبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جِهَارًا.
قال أبو محمد: وَأَتَى بَعْضُهُمْ بِطَامَّةٍ, وَهِيَ أَنَّهُ ذَكَرَ الْخَبَرَ الثَّابِتَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ فِي الأَرْضِ فَقَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابُهُ صَبِيحَةَ رَابِعَةٍ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً فَتَعَاظَمَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الْحِلِّ قَالَ: "الْحِلُّ كُلُّهُ" فَقَالَ قَائِلُهُمْ: إنَّمَا أَمَرَهُمْ عليه السلام بِذَلِكَ لِيُوقِفَهُمْ عَلَى جَوَازِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ قَوْلاً وَعَمَلاً.
قال أبو محمد: وَهَذِهِ عَظِيمَةٌ; أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُ كَذِبٌ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي دَعْوَاهُمْ أَنَّهُ إنَّمَا أَمَرَهُمْ بِفَسْخِ الْحَجِّ فِي عُمْرَةٍ لِيُعَلِّمَهُمْ جَوَازَ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ. ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ: هَبْكَ لَوْ كَانَ ذَلِكَ وَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ أَبِحَقِّ أَمْرٍ أَمْ بِبَاطِلٍ فَإِنْ قَالُوا: بِبَاطِلٍ كَفَرُوا, وَإِنْ قَالُوا: بِحَقٍّ قلنا: فَلْيَكُنْ أَمْرُهُ عليه السلام بِذَلِكَ لاَِيِّ وَجْهٍ كَانَ قَدْ صَارَ حَقًّا وَاجِبًا, ثُمَّ لَوْ كَانَ هَذَا الْهَوَسُ الَّذِي قَالُوهُ فَلاَِيِّ مَعْنًى كَانَ يَخُصُّ بِذَلِكَ مَنْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ دُونَ مَنْ سَاقَ.
وَأَطَمُّ مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ هَذَا الْجَاهِلَ الْقَائِلَ بِذَلِكَ قَدْ عَلِمَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم اعْتَمَرَ بِهِمْ فِي ذِي الْقَعْدَةِ عَامًا بَعْدَ عَامٍ قَبْلَ الْفَتْحِ, ثُمَّ اعْتَمَرَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ عَامَ الْفَتْحِ, ثُمَّ قَالَ لَهُمْ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فِي ذِي الْحُلَيْفَةِ: مَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يُهِلَّ بِعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ, وَمَنْ شَاءَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ, وَمَنْ شَاءَ أَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ فَلْيَفْعَلْ; فَفَعَلُوا كُلَّ ذَلِكَ, فَيَا لِلَّهِ وَيَا لِلْمُسْلِمِينَ أَبَلَغَ الصَّحَابَةُ، رضي الله عنهم، مِنْ الْبَلاَدَةِ, وَالْبَلَهِ, وَالْجَهْلِ أَنْ لاَ يَعْرِفُوا مَعَ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ الْعُمْرَةَ جَائِزَةٌ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَقَدْ عَمِلُوهَا مَعَهُ عليه السلام عَامًا بَعْدَ عَامٍ بَعْدَ عَامٍ [فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ]

حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى أَنْ يَفْسَخَ حَجَّهُمْ فِي عُمْرَةٍ لِيَعْلَمُوا جَوَازَ ذَلِكَ, تَاللَّهِ إنَّ الْحَمِيرَ لِتُمَيِّزَ الطَّرِيقَ مِنْ أَقَلَّ مِنْ هَذَا; فَكَمْ هَذَا الإِقْدَامُ وَالْجُرْأَةُ عَلَى مُدَافَعَةِ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ فِي نَصْرِ التَّقْلِيدِ مَرَّةً بِالْكَذِبِ الْمَفْضُوحِ, وَمَرَّةً بِالْحَمَاقَةِ الْمَشْهُورَةِ, وَمَرَّةً بِالْغَثَاثَةِ وَالْبَرْدِ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ, وَالْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى السَّلاَمَةِ.
وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ فِي جَوَازِ الإِفْرَادِ بِالْحَجِّ بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُهِلَّنَ ابْنُ مَرْيَمَ بِفَجِّ الرَّوْحَاءِ حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا أَوْ لَيَثْنِيَنَّهُمَا".
قال أبو محمد: كُلُّ مُسْلِمٍ فَلاَ يَشُكُّ فِي أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَعْلَمْ هَذَا إلاَّ بِوَحْيٍ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إلَيْهِ لاَ يُمْكِنُ غَيْرُ هَذَا أَصْلاً;، وَلاَ شَكَّ فِي أَنَّ وَحْيَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يُتْرَكُ بِشَكٍّ لاَِنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يَشُكُّ.فَصَحَّ أَنَّ هَذَا الشَّكَّ مِنْ قِبَلِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَوْ مِمَّنْ دُونَهُ لاَ مِنْ قِبَلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم, ثُمَّ لَوْ صَحَّ أَنَّهُ مِنْ قِبَلِهِ عليه السلام لَكَانَ ذَلِكَ إذْ كَانَ الإِفْرَادُ مُبَاحًا, ثُمَّ نُسِخَ بِأَمْرِهِ عليه السلام مَنْ لاَ هَدْيَ مَعَهُ بِالْمُتْعَةِ، وَلاَ بُدَّ, وَمَنْ مَعَهُ الْهَدْيُ بِالْقِرَانِ، وَلاَ بُدَّ.
قَالَ عَلِيٌّ: فَظَهَرَ الْحَقُّ وَاضِحًا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ, وقال مالك: الإِفْرَادُ أَفْضَلُ, وَوَافَقَنَا هُوَ وَالشَّافِعِيُّ فِي صِفَةِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ قَارِنًا أَوْ مُتَمَتِّعًا, وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَهُمَا لِمَنْ سَاقَ الْهَدْيَ وَلِمَنْ لَمْ يَسُقْهُ. وقال الشافعي مَرَّةً: الإِفْرَادُ أَفْضَلُ, وَمَرَّةً قَالَ: التَّمَتُّعُ أَفْضَلُ, وَمَرَّةً قَالَ: الْقِرَانُ أَفْضَلُ; وَكُلُّ ذَلِكَ عِنْدَهُ جَائِزٌ كَمَا ذَكَرْنَا. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَإِنَّهُ قَالَ: الْقِرَانُ أَفْضَلُ ثُمَّ التَّمَتُّعُ ثُمَّ الإِفْرَادُ, وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَهُ لِمَنْ سَاقَ الْهَدْيَ وَلِمَنْ لَمْ يَسُقْهُ إلاَّ أَنَّهُ خَالَفَ فِي صِفَةِ التَّمَتُّعِ وَالْقِرَانِ عَلَى مَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَأَمَّا الإِشْعَارُ: فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَبِيعٍ، نا قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ الْفَلاَّسُ، نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، نا شُعْبَةُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي حَسَّانَ الأَعْرَجِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا كَانَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ أَمَرَ بِبَدَنَتِهِ فَأَشْعَرَ فِي سَنَامِهَا مِنْ الشِّقِّ الأَيْمَنِ ثُمَّ سَلَتَ الدَّمَ عَنْهَا وَقَلَّدَهَا نَعْلَيْنِ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ. وَبِهِ إلَى عَمْرِو بْنِ عَلِيٍّ، نا وَكِيعٌ حَدَّثَنِي أَفْلَحُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَشْعَرَ بُدْنَهُ.
وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، نا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ، نا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، نا الْفَرَبْرِيُّ، نا الْبُخَارِيُّ، نا أَبُو النُّعْمَانِ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ عَارِمٌ،

نا عَبْدُ الْوَاحِدِ، هُوَ ابْنُ زِيَادٍ، نا الأَعْمَشُ، نا إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: كُنْت أَفْتِلُ الْقَلاَئِدَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَيُقَلِّدُ الْغَنَمَ وَيُقِيمُ فِي أَهْلِهِ حَلاَلاً.
وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ, وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ, وَمَنْصُورٍ, كُلِّهِمْ، عَنْ إبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ.
قال أبو محمد: وَلَمْ يَأْتِ فِي الْبَقَرِ شَيْءٌ مِنْ هَذَا, وَرُوِّينَا كَمَا نَذْكُرُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ عَلِيًّا بِأَنْ يَقْسِمَ لُحُومَ الْبُدْنِ وَجَلاَّلِهَا; فَصَحَّ التَّجْلِيلُ فِيهَا.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مِسْهَرٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لاَ هَدْيَ إلاَّ مَا قَلَّدَ وَأَشْعَرَ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: إنْ شِئْت فَأَشْعِرْ, وَإِنْ شِئْت فَلاَ تُشْعِرْ, وَإِنْ شِئْت فَقَلِّدْ, وَإِنْ شِئْت فَلاَ تُقَلِّدْ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ أَنَّهُ أَرْسَلَ إلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فِي إشْعَارِ الْبَدَنَةِ فَقَالَتْ: إنْ شِئْت, إنَّمَا تُشْعِرُ لِيُعْلَمَ أَنَّهَا بَدَنَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يُشْعِرُ فِي الشِّقِّ الأَيْمَنِ حِينَ يُرِيدُ أَنْ يُحْرِمَ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: تُشْعِرُهَا مِنْ الأَيْمَنِ وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، نا أَفْلَحُ، هُوَ ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ: رَأَيْت الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ أَشْعَرَهَا فِي الْجَانِبِ الأَيْمَنِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ; وَأَبِي سُلَيْمَانَ; وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ عُمَرَ بْنِ ذَرٍّ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: رَأَيْت عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ تَفْتِلُ الْقَلاَئِدَ لِلْغَنَمِ تُسَاقُ مَعَهَا هَدْيًا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، نا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَقَدْ رَأَيْت الْغَنَمَ يُؤْتَى بِهَا مُقَلَّدَةً. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، نا حَاتِمُ بْنُ وَرْدَانَ، عَنْ بُرْدٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: رَأَيْت نَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَسُوقُونَ الْغَنَمَ مُقَلَّدَةً. وَعَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: رَأَيْت الْكِبَاشَ تُقَلَّدُ; وَعَنْ وَكِيعٍ، عَنْ بَسَّامٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: رَأَيْت الْكِبَاشَ تُقَلَّدُ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ طَاوُوس، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَأَيْت الْغَنَمَ تُقَلَّدُ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ قَالَ: رَأَيْت الْغَنَمَ تَقْدُمُ مَكَّةَ مُقَلَّدَةً.
قال أبو محمد: وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: أَكْرَهُ الإِشْعَارَ, وَهُوَ مُثْلَةٌ قَالَ عَلِيٌّ: هَذِهِ طَامَّةٌ مِنْ طَوَامِّ الْعَالَمِ أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ شَيْءٍ فَعَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أُفٍّ لِكُلِّ عَقْلٍ يَتَعَقَّبُ حُكْمَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَيَلْزَمُهُ أَنْ تَكُونَ الْحِجَامَةُ, وَفَتْحُ الْعِرْقِ مِثْلَهُ

فَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ, وَأَنْ يَكُونَ الْقِصَاصُ مِنْ قَطْعِ الأَنْفِ, وَقَلْعِ الأَسْنَانِ, وَجَدْعِ الآُذُنَيْنِ: مُثْلَةٌ; وَأَنْ يَكُونَ قَطْعُ السَّارِقِ وَالْمُحَارِبِ: مُثْلَةً; وَالرَّجْمُ لِلزَّانِي الْمُحْصَنِ: مُثْلَةً, وَالصَّلْبُ لِلْمُحَارِبِ: مُثْلَةً, إنَّمَا الْمُثْلَةُ فِعْلُ مَنْ بَلَّغَ نَفْسَهُ مَبْلَغَ انْتِقَادِ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَهَذَا هُوَ الَّذِي مَثَّلَ بِنَفْسِهِ; وَالإِشْعَارُ كَانَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَالنَّهْيُ، عَنِ الْمُثْلَةِ كَانَ قَبْلَ قِيَامِ ذَلِكَ بِأَعْوَامٍ; فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ مُثْلَةً وَهَذِهِ قَوْلَةٌ: لاَ يُعْلَمُ لاَِبِي حَنِيفَةَ فِيهَا مُتَقَدِّمٌ مِنْ السَّلَفِ, وَلاَ مُوَافِقٌ مِنْ فُقَهَاءِ أَهْلِ عَصْرِهِ إلاَّ مَنْ ابْتَلاَهُ اللَّهُ بِتَقْلِيدِهِ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْبَلاَءِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ, وَمَالِكٌ: يُشْعِرُ فِي الْجَانِبِ الأَيْسَرِ.
قال أبو محمد: وَهَذَا خِلاَفُ السُّنَّةِ كَمَا ذَكَرْنَا فَإِنْ قَالُوا: قَدْ رَوَيْتُمْ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا كَانَتْ بَدَنَةٌ وَاحِدَةٌ أَشْعَرَهَا فِي الْجَانِبِ الأَيْسَرِ وَإِذَا كَانَتْ بَدَنَتَيْنِ قَلَّدَ إحْدَاهُمَا فِي الْجَانِبِ الأَيْمَنِ, وَالآُخْرَى فِي الأَيْسَرِ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ الإِشْعَارَ فِي الْجَانِبِ الأَيْسَرِ قلنا: هَذَا مِمَّا اُخْتُلِفَ فِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ; وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَلَيْسَ هُوَ قَوْلُكُمْ, وَسَالِمٌ ابْنُهُ أَوْثَقُ وَأَجَلُّ وَأَعْلَمُ بِهِ مِنْ نَافِعٍ رَوَى عَنْهُ الإِشْعَارَ فِي الْجَانِبِ الأَيْمَنِ كَمَا أَوْرَدْنَا, وَلاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْعَجَبُ مِنْ احْتِجَاجِهِمْ بِابْنِ عُمَرَ فِي فِعْلٍ قَدْ اُخْتُلِفَ عَنْهُ فِيهِ فَمَرَّةً عَلَيْهِمْ وَمَرَّةً لَيْسَ لَهُمْ, وَهُمْ قَدْ خَالَفُوا قَوْلَهُ الَّذِي لَمْ يَخْتَلِفْ عَنْهُ فِيهِ مِنْ أَنَّهُ لاَ هَدْيَ إلاَّ مَا قَلَّدَ وَأَشْعَرَ, وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الْمَالِكِيُّونَ عَمَلَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ كَمَا ذَكَرْنَا.
فإن قيل: فَلِمَ لَمْ تَقُولُوا أَنْتُمْ: بِأَنَّهُ لاَ يَكُونُ هَدْيًا إلاَّ مَا أَشْعَرَ لِلْحَدِيثِ الَّذِي رَوَيْتُمْ آنِفًا، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَمَرَ بِبَدَنَتِهِ فَأُشْعِرَ فِي سَنَامِهَا قلنا: لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ أَمْرٌ بِالإِشْعَارِ, وَلَوْ كَانَ فِيهِ لَقُلْنَا بِإِيجَابِهِ مُسَارِعِينَ, وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُ أَمَرَ بِبَدَنَتِهِ فَأَشْعَرَ فِي سَنَامِهَا فَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ أَمَرَ بِهَا فَأُدْنِيَتْ إلَيْهِ فَأَشْعَرَ فِي سَنَامِهَا; لاَِنَّهُ هُوَ عليه السلام تَوَلَّى بِيَدِهِ إشْعَارَهَا, بِذَلِكَ صَحَّ الأَثَرُ عَنْهُ عليه السلام كَمَا ذَكَرْنَا. وَرُوِّينَا، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ, وَابْنِ عُمَرَ إشْعَارَ الْبَقَرِ فِي أَسْنِمَتِهَا. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ: الشَّاةُ لاَ تُقَلَّدُ. وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ خَالَفُوا ابْنَ عُمَرَ كَمَا أَوْرَدْنَا آنِفًا فِي قَوْلِهِ فِي الْهَدْيِ, فَمِنْ الْبَاطِلِ احْتِجَاجُهُمْ بِمَنْ لاَ مُؤْنَةَ عَلَيْهِمْ فِي مُخَالَفَتِهِ. وَرُوِّينَا، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: الإِبِلُ تُقَلَّدُ, وَتُشْعَرُ, وَالْغَنَمُ لاَ تُقَلَّدُ, وَلاَ تُشْعَرُ, وَالْبَقَرُ تُقَلَّدُ, وَلاَ تُشْعَرُ وقال أبو حنيفة, وَمَالِكٌ: لاَ تُقَلَّدُ الْغَنَمُ وَرَأَى مَالِكٌ إشْعَارَ الْبَقَرِ إنْ كَانَتْ لَهَا أَسْنِمَةٌ.
قال علي: وهذا خَطَأٌ وَمَقْلُوبٌ; بَلْ الإِبِلُ: تُقَلَّدُ, وَتُشْعَرُ; وَالْبَقَرُ: لاَ تُقَلَّدُ, وَلاَ تُشْعَرُ, وَالْغَنَمُ: تُقَلَّدُ, وَلاَ تُشْعَرُ. وقال أبو حنيفة: لاَ يُقَلَّدُ إلاَّ هَدْيُ الْمُتْعَةِ, وَالْقِرَانِ, وَالتَّطَوُّعِ مِنْ الإِبِلِ, وَالْبَقَرِ فَقَطْ: وَلاَ يُقَلَّدُ: هَدْيُ الإِحْصَارِ, وَلاَ الْجِمَاعِ, وَلاَ جَزَاءِ الصَّيْدِ. وقال مالك,

وَالشَّافِعِيُّ: يُقَلَّدُ كُلُّ هَدْيٍ وَيُشْعَرُ; وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ لِعُمُومِ فِعْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
قَالَ عَلِيٌّ: وَقَالَ بَعْضُ مَنْ أَعْمَاهُ الْهَوَى وَأَصَمَّهُ: إنَّمَا مَعْنَى مَا رُوِيَ، عَنْ عَائِشَةَ مِنْ هَدْيِ الْغَنَمِ مُقَلَّدَةً; إنَّمَا هُوَ أَنَّهَا فَتَلَتْ قَلاَئِدَ الْهَدْيِ مِنْ الْغَنَمِ أَيْ مِنْ صُوفِ الْغَنَمِ.
قال أبو محمد: وَهَذَا اسْتِسْهَالٌ لِلْكَذِبِ الْبَحْتِ وَخِلاَفٌ لِمَا رَوَاهُ النَّاسُ عَنْهَا مِنْ إهْدَائِهِ عليه السلام الْغَنَمَ مُقَلَّدَةً وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ الْعَظِيمِ مِنْ الْخِذْلاَنِ.
وَأَمَّا الاِشْتِرَاطُ: فَلِمَا نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، نا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، نا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، نا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، نا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ الْهَمْدَانِيُّ، نا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ لَهَا: أَرَدْتِ الْحَجَّ قَالَتْ: وَاَللَّهِ مَا أَجِدُنِي إلاَّ وَجِعَةً فَقَالَ لَهَا: حُجِّي وَاشْتَرِطِي وَقُولِي: اللَّهُمَّ مَحِلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي, وَكَانَتْ تَحْتَ الْمِقْدَادِ.
وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ لِضُبَاعَةَ حُجِّي وَاشْتَرِطِي أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ تَحْبِسُنِي.
وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ طَاوُوس, وَعِكْرِمَةَ, وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ, كُلِّهِمْ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ لِضُبَاعَةَ أَهِّلِي بِالْحَجِّ وَاشْتَرِطِي أَنَّ مَحِلِّي حَيْثُ تَحْبِسُنِي.
وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ ضُبَاعَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. فَهَذِهِ آثَارٌ مُتَظَاهِرَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ لاَ يَسَعُ أَحَدًا الْخُرُوجُ عَنْهَا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ قَالَ لِي عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إنْ حَجَجْت وَلَسْت صَرُورَةً فَاشْتَرَطَ إنْ أَصَابَنِي مَرَضٌ أَوْ كَسْرٌ أَوْ حَبْسٌ فَأَنَا حِلٌّ. وَرُوِّينَا أَيْضًا الأَمْرَ بِالاِشْتِرَاطِ فِي الْحَجِّ مِنْ طَرِيقِ: وَكِيعٍ, وَعَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ, وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ, كُلِّهِمْ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنْ سُوَيْد بْنِ غَفَلَةَ، عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَهْدِيٍّ, وَيَحْيَى:، أَنَّهُ قَالَ لَهُ: أَفْرِدْ الْحَجَّ وَاشْتَرِطْ, فَإِنَّ لَك مَا اشْتَرَطْت, وَلِلَّهِ عَلَيْك مَا شَرَطْت.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، نا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ مِثْلُ مَا رَوَاهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ: أَنَّ عُثْمَانَ رَأَى رَجُلاً وَاقِفًا بِعَرَفَةَ قَالَ لَهُ: أَشَارَطْتَ قَالَ: نَعَمْ.
وَمِنْ طَرِيقِ جَمَّةِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ مَيْسَرَةَ: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ كَانَ إذَا أَرَادَ الْحَجَّ قَالَ: اللَّهُمَّ حَجَّةٌ إنْ تَيَسَّرَتْ, أَوْ عُمْرَةٌ إنْ أَرَادَ الْعُمْرَةَ وَإِلاَّ فَلاَ حَرَجَ.

وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عُمَيْرَةَ بْنِ زِيَادٍ قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ مَسْعُودٍ: حُجَّ وَاشْتَرِطْ, وَقُلْ: اللَّهُمَّ الْحَجُّ أَرَدْت وَلَهُ عَمَدْت فَإِنْ تَيَسَّرَ وَإِلاَّ فَعُمْرَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ: اللَّهُمَّ لِلْحَجِّ خَرَجْت وَلَهُ عَمَدْت فَإِنْ قَضَيْت فَهُوَ الْحَجُّ وَإِنْ حَالَ دُونَهُ شَيْءٌ فَهِيَ عُمْرَةٌ; وَإِنَّهَا كَانَتْ تَأْمُرُ عُرْوَةَ بِأَنْ يَشْتَرِطَ كَذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ عَمَّارٍ، هُوَ ابْنُ يَاسِرٍ، أَنَّهُ قَالَ: إذَا أَرَدْت الْحَجَّ فَاشْتَرِطْ. وَمِنْ طَرِيقِ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَأْمُرُ بِالاِشْتِرَاطِ فِي الْحَجِّ.
فَهَؤُلاَءِ: عُمَرُ, وَعُثْمَانُ, وَعَلِيٌّ وَعَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ, وَعَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ, وَابْنُ مَسْعُودٍ, وَابْنُ عَبَّاسٍ وَمِنْ التَّابِعِينَ عُمَيْرَةُ بْنُ زِيَادٍ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: كَانُوا يَشْتَرِطُونَ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ إنْ تَيَسَّرَ, وَإِلاَّ فَعُمْرَةٌ إنْ تَيَسَّرَتْ, اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الْعُمْرَةَ إنْ تَيَسَّرَتْ وَإِلاَّ فَلاَ حَرَجَ عَلَيَّ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، نا الرَّبِيعُ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ, وَعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ, قَالاَ جَمِيعًا فِي الْمُحْرِمِ يَشْتَرِطُ: قَالاَ جَمِيعًا: لَهُ شَرْطُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ الأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: كَانَ عَلْقَمَةُ, وَالأَسْوَدُ يَشْتَرِطَانِ فِي الْحَجِّ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ، عَنِ الْمُسَيِّبِ بْنِ رَافِعٍ أَرَدْت الْحَجَّ فَأَرْسِلْ إلَيَّ عَبِيدَةُ هُوَ السَّلْمَانِيُّ أَنْ اشْتَرِطْ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ قَالَ: كَانَ شُرَيْحٌ الْقَاضِي يَشْتَرِطُ فِي الْحَجِّ فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إنَّك قَدْ عَرَفْت نِيَّتِي وَمَا أُرِيدُ; فَإِنْ كَانَ أَمْرًا تُتِمُّهُ فَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ حَرَجَ. وَعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ أَنَّهُ كَانَ يَشْتَرِطُ فِي الْعُمْرَةِ; وَجَاءَ أَيْضًا نَصًّا، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ, وَعَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ, وَعِكْرِمَةَ وقال الشافعي: إنْ صَحَّ الْخَبَرُ قُلْت بِهِ.
قال أبو محمد: قَدْ صَحَّ الْخَبَرُ وَبَالَغَ فِي الصِّحَّةِ فَهُوَ قَوْلُهُ وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدُ, وَإِسْحَاقَ, وَأَبِي ثَوْرٍ, وَأَبِي.سُلَيْمَانَ وَرُوِيَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا سَأَلَ، عَنِ الاِسْتِثْنَاءِ فِي الْحَجِّ قَالَ: لاَ أَعْرِفُهُ.
وَرُوِّينَا، عَنْ إبْرَاهِيمَ اضْطِرَابًا فَرُوِّينَا عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ الْمُغِيرَةِ، أَنَّهُ قَالَ: كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَشْتَرِطُوا عِنْدَ الإِحْرَامِ وَكَانُوا لاَ يَرَوْنَ الشَّرْطَ شَيْئًا لَوْ أَنَّ الرَّجُلَ اُبْتُلِيَ وَرُوِّينَا عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ الأَعْمَشِ، أَنَّهُ قَالَ كَانُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَشْتَرِطُوا فِي الْحَجِّ.
قال أبو محمد: هَذَا تَنَاقُضٌ فَاحِشٌ, مَرَّةً كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ الشَّرْطَ, وَمَرَّةً كَانُوا يَكْرَهُونَهُ, فَأَقَلُّ مَا فِي هَذَا تَرْكُ رِوَايَةِ إبْرَاهِيمَ جُمْلَةً لاِضْطِرَابِهَا. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ, وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُمَا قَالاَ: الْمُشْتَرِطُ وَغَيْرُ الْمُشْتَرِطِ سَوَاءٌ إذَا أَحْصَرَ فَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً.

وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَهُوَ سَاقِطٌ، عَنْ عَطَاءٍ مِثْلُ قَوْلِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ هَذَا, وَالصَّحِيحُ، عَنْ عَطَاءٍ خِلاَفُ هَذَا. وَمِنْ طَرِيقِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى الاِشْتِرَاطَ فِي الْحَجِّ شَيْئًا. وَعَنْ طَاوُوس الاِشْتِرَاطُ فِي الْحَجِّ لَيْسَ شَيْئًا. وَعَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ مُهَاجِرٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى الاِشْتِرَاطَ فِي الْحَجِّ شَيْئًا. وَعَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ, وَحَمَّادٍ مِثْلُ هَذَا; وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ, وَالْحَنَفِيِّينَ.
قال أبو محمد: وَشَغَبُوا فِي مُخَالَفَةِ السُّنَنِ الْوَارِدَةِ فِي هَذَا الْبَابِ بِأَنْ قَالُوا: هَذَا الْخَبَرُ خِلاَفٌ لِلْقُرْآنِ, لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} .
قَالَ عَلِيٌّ: هَذِهِ الآيَةُ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لاَ عَلَيْنَا لأَنَّهُمْ يُفْتُونَ مَنْ عَرَضَ لَهُ عَارِضٌ مِنْ مَرَضٍ أَوْ نَحْوِهِ أَنْ يَحِلَّ بِعُمْرَةٍ إنْ فَاتَهُ الْحَجُّ; فَقَدْ خَالَفُوا الآيَةَ فِي إتْمَامِ الْحَجِّ; وَأَمَّا نَحْنُ فَإِنَّا نَقُولُ: إنَّ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةُ وَأُمِرَ بِبَيَانِ مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ لَنَا قَدْ أَمَرَ بِالاِشْتِرَاطِ فِي الْحَجِّ، وَأَنَّ مَحِلَّهُ حَيْثُ حَبَسَهُ رَبُّهُ تَعَالَى بِالْقَدَرِ النَّافِذِ; فَنَحْنُ لَمْ نُخَالِفْ الآيَةَ إذَا أَخَذْنَا بِبَيَانِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَنْتُمْ خَالَفْتُمُوهَا بِآرَائِكُمْ الْفَاسِدَةِ إلَى مُخَالَفَتِكُمْ السُّنَّةَ الْوَارِدَةَ فِي ذَلِكَ.
وَقَالُوا: هَذَا الْخَبَرُ خِلاَفٌ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ} قلنا: كَذَبَ مَنْ ادَّعَى أَنَّ هَذَا الْخَبَرَ خِلاَفٌ لِهَذِهِ الآيَةِ; بَلْ أَنْتُمْ خَالَفْتُمُوهَا إذْ قُلْتُمْ: مَنْ أُحْصِرَ بِمَرَضٍ لَمْ يَحِلَّ إلاَّ بِعُمْرَةٍ بِرَأْيٍ لاَ نَصَّ فِيهِ; وَأَمَّا نَحْنُ.فَقُلْنَا بِهَذِهِ الآيَةِ: إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ كَمَا أَمَرَ الَّذِي أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الآيَةُ وَأَمَرَ بِبَيَانِهَا لَنَا
قال أبو محمد: وَمَنْ جَعَلَ هَذِهِ السُّنَّةَ مُعَارِضَةً لِلْقُرْآنِ فَالْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَ الرِّوَايَةَ فِي الْقَطْعِ فِي رُبْعِ دِينَارٍ وَعَشَرَةِ دَرَاهِمَ مُخَالِفَةً لِلْقُرْآنِ إذْ يَقُولُ تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا}. لإِنَّ حَدِيثَ الاِشْتِرَاطِ لَمْ يُضْطَرَبْ فِيهِ عَنْ عَائِشَةَ وَهُوَ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ; وَقَدْ اضْطَرَبَ فِي حَدِيثِ الْقَطْعِ فِي رُبْعِ دِينَارٍ عَلَيْهَا وَلَمْ يَصِحَّ قَطُّ خَبَرٌ فِي تَحْدِيدِ الْقَطْعِ فِي عَشَرَةِ دَرَاهِمَ بَلْ قَوْلُهُمْ هُوَ الْمُخَالِفُ لِلْقُرْآنِ حَقًّا; لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ. وَقَالَ تَعَالَى: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا}. وَقَالَ تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ، وَلاَ يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ} ، وَلاَ حَرَجَ, وَلاَ عُسْرَ, وَلاَ تَكْلِيفَ مَا لَيْسَ فِي الْوُسْعِ أَكْثَرُ مِنْ إيجَابِ الْبَقَاءِ عَلَى حَالِ الإِحْرَامِ, وَمَنْعِ الثِّيَابِ, وَالطِّيبِ, وَالنِّسَاءِ, لِمَنْ قَدْ مَنَعَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ; فَلَوْ لَمْ يَكُنْ إلاَّ هَذِهِ الآيَاتُ لَكَفَتْ فِي وُجُوبِ إحْلاَلِ مَنْ عَاقَهُ عَائِقٌ، عَنْ إتْمَامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ, فَكَيْفَ وَالسُّنَّةُ قَدْ جَاءَتْ بِذَلِكَ نَصًّا

وَشَغَبَ بَعْضُهُمْ بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلَيْسَ لَهُ, كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ".
قال أبو محمد: هَذَا مِنْ أَعْجَبْ شَيْءٍ لأَنَّهُمْ احْتَجُّوا بِمَا هُوَ أَعْظَمُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ, وَالاِشْتِرَاطُ فِي الْحَجِّ هُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى مَنْصُوصٌ مِمَّا ذَكَرْنَا مِنْ قوله تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَا}. {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}. {وَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ، وَلاَ يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ}. وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ} . وَقَوْله تَعَالَى: {وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} . وَإِنَّمَا الشُّرُوطُ الَّتِي لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهِيَ الشُّرُوطُ الَّتِي أَبَاحُوا: مِنْ أَنَّ كُلَّ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا عَلَى فُلاَنَةَ امْرَأَتِهِ فَهِيَ طَالِقٌ, وَكُلَّ أَمَةٍ اشْتَرَاهَا عَلَيْهَا فَهِيَ حُرَّةٌ. وَأَنْ يَكُونَ بَعْضُ الصَّدَاقِ لاَ يَلْزَمُ إلاَّ إلَى كَذَا وَكَذَا عَامًا وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً}. وَكَبَيْعِ السُّنْبُلِ وَعَلَى الْبَائِعِ دَرْسُهُ. وَكَنُزُولِ أَهْلِ الْحَرْبِ وَبِأَيْدِيهِمْ الأَسْرَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِشَرْطِ أَنْ لاَ يُمْنَعُوا مِنْ الْوَطْءِ لَهُنَّ، وَلاَ مِنْ رَدِّهِمْ إلَى بِلاَدِ الْكُفْرِ وَسَائِرُ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي أَبَاحُوا; وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ هَذَا الْخَبَرَ رَوَاهُ عُرْوَةُ, وَعَطَاءٌ, وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ, وطَاوُوس وَرُوِيَ عَنْهُمْ خِلاَفُهُ.
قال أبو محمد:.فَقُلْنَا: سَمِعْنَاكُمْ تَقْبَلُونَ هَذَا فِي الصَّاحِبِ إذَا رَوَى الْخَبَرَ وَخَالَفَهُ فَأَنْكَرْنَاهُ حَتَّى أَتَيْتُمْ بِالآبِدَةِ إذْ جَعَلْتُمْ تَرْكَ التَّابِعِ لِمَا رَوَى حُجَّةً فِي تَرْكِ السُّنَنِ; وَهَذَا إنْ أَدْرَجْتُمُوهُ بَلَغَ إلَيْنَا وَإِلَى مَنْ بَعْدَنَا فَصَارَ كُلُّ مَنْ بَلَغَهُ حَدِيثٌ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَتَرَكَهُ كَائِنًا مَنْ كَانَ مِنْ النَّاسِ حُجَّةً فِي رَدِّ السُّنَنِ; وَهَذَا حُكْمُ إبْلِيسَ اللَّعِينِ, وَمَا أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِاتِّبَاعِ رَأْيِ مَنْ ذَكَرْتُمْ; وَإِنَّمَا أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِ رِوَايَتِهِمْ; لأَنَّهُمْ ثِقَاتٌ عُدُولٌ وَلَيْسُوا مَعْصُومِينَ مِنْ الْخَطَإِ فِي الرَّأْيِ. وَلاَ عَجَبَ مِمَّنْ يَعْتَرِضُ فِي رَدِّ السُّنَنِ بِأَنَّ طَاوُوسًا, وَعَطَاءً, وَعُرْوَةَ, وَسَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ: خَالَفُوا مَا رَوَوْا مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ لَوْ أَنَّهُ عَزَمَ عَلَى صَبْغِ قَمِيصِهِ أَخْضَرَ فَقَالُوا لَهُ: بَلْ اُصْبُغْهُ أَحْمَرَ لَمْ يَرَ رَأْيَهُمْ فِي ذَلِكَ حُجَّةً، وَلاَ أَلْزَمَ نَفْسَهُ الأَخْذَ بِهِ ثُمَّ رَأْيُهُمْ حُجَّةٌ فِي مُخَالَفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَئِنْ كَانَ خَالَفَ هَؤُلاَءِ مَا رَوَوْا فَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُهُمْ وَلَمْ يُخَالِفْهُ: كَعِكْرِمَةَ, وَعَطَاءٍ;، وَلاَ يَصِحُّ، عَنْ عَطَاءٍ إلاَّ الْقَوْلُ بِهِ وَقَدْ رَوَاهُ، عَنْ عَائِشَةَ, وَابْنِ عَبَّاسٍ, وَأَخَذَا بِهِ.
وَقَالُوا: لَمْ يَعْرِفْهُ ابْنُ عُمَرَ. فَقُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا فَقَدْ عَرَفَهُ: عُمَرُ, وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ,

وَعَائِشَةُ, وَابْنُ مَسْعُودٍ, وَعَمَّارٌ, وَابْنُ عَبَّاسٍ, وَأَخَذُوا بِهِ, وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ جُمْهُورَ الصَّحَابَةِ بَلْ لَيْسَ لاِبْنِ عُمَرَ هَاهُنَا خِلاَفٌ; لاَِنَّهُ لَمْ يَقُلْ بِإِبْطَالِهِ, وَإِنَّمَا قَالَ: لاَ أَعْرِفُهُ. وَالْعَجَبُ كُلُّهُ أَنَّ عُمَرَ رَأَى الاِشْتِرَاطَ فِي الْحَجِّ وَمَعَهُ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ فَخَالَفُوهُ وَتَعَلَّقُوا فِي ذَلِكَ بِأَنَّ ابْنَهُ عَبْدَ اللَّهِ لَمْ يَعْرِفْهُ. وَصَحَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الإِهْلاَلُ يَوْمَ التَّرْوِيَةِ وَمَعَهُ السُّنَّةُ فَخَالَفُوهُ وَتَعَلَّقُوا بِرِوَايَةٍ جَاءَتْ فِي ذَلِكَ، عَنْ عُمَرَ وَقَالَ عُمَرُ, وَعُثْمَانُ, بِالاِشْتِرَاطِ فِي الْحَجِّ فَخَالَفُوهُمَا وَمَعَهُمَا السُّنَّةُ وَتَعَلَّقُوا بِهِمَا فِي الْمَنْعِ مِنْ فَسْخِ الْحَجِّ فِي عُمْرَةٍ إذْ جَاءَ عَنْهُمَا خِلاَفُ أَمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَكَأَنَّهُمْ مُغْرَمُونَ بِمُخَالَفَةِ السُّنَنِ, وَمُخَالَفَةِ الصَّحَابَةِ فِيمَا جَاءَ عَنْهُمْ مِنْ مُوَافَقَةِ السُّنَنِ:
وَالْقَوْمُ غَرْقَى فِي بِحَارِ هَوَاهُمْ ... وَبِكُلِّ مَا يُرْدِي الْغَرِيقَ تَعَلَّقُوا
وَذَكَرُوا قَوْلَ إبْرَاهِيمَ: كَانُوا يَشْتَرِطُونَ فِي الْحَجِّ، وَلاَ يَرَوْنَهُ شَيْئًا.
قال أبو محمد: وَهَذَا كَلاَمٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ وَلَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنَّهُ يَصِفُهُمْ بِفَسَادِ الرَّأْيِ وَالتَّلاَعُبِ; إذْ يَشْتَرِطُونَ مَا لاَ فَائِدَةَ فِيهِ, وَلاَ يَصِحُّ, وَلاَ يَجُوزُ, وَهَذِهِ صِفَةُ مَنْ لاَ عَقْلَ لَهُ, وَيَكْفِي مِنْ هَذَا كُلِّهِ أَنَّ السُّنَّةَ إذَا صَحَّتْ لَمْ يَحِلَّ لاَِحَدٍ خِلاَفُهَا, وَلَمْ يَكُنْ قَوْلُ أَحَدٍ حُجَّةً فِي مُعَارَضَتِهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ الْقُرْآنَ, وَالسُّنَّةَ الثَّابِتَةَ, وَجُمْهُورَ الصَّحَابَةِ, وَالْقِيَاسَ; لأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: مَنْ دَخَلَ فِي صَلاَةٍ فَعَجَزَ، عَنْ إتْمَامِهَا قَائِمًا, وَعَنِ الرُّكُوعِ, وَعَنِ السُّجُودِ: سَقَطَ عَنْهُ مَا لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ. وَمَنْ دَخَلَ فِي صَوْمِ فَرْضٍ فَعَجَزَ، عَنْ إتْمَامِهِ: سَقَطَ عَنْهُ وَلَمْ يُكَلَّفْهُ; وَكَذَلِكَ التَّطَوُّعُ, وَقَالُوا هَاهُنَا: مَنْ دَخَلَ فِي حَجِّ فَرْضٍ, أَوْ تَطَوُّعٍ, أَوْ عُمْرَةٍ, كَذَلِكَ فَعَجَزَ عَنْهُمَا: لَمْ يَسْقُطَا عَنْهُ; بَلْ هُوَ مُكَلَّفٌ مَا لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ الْوُصُولِ إلَى الْبَيْتِ.

وأما جواز تقديم لفظة العمرة على الحج أو لفظة الحج على العمرة
834 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا جَوَازُ تَقْدِيمِ لَفْظَةِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ, أَوْ لَفْظَةِ الْحَجِّ عَلَى الْعُمْرَةِ; فَلاَِنَّهُ قَالَ تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} فَبَدَأَ بِلَفْظَةِ الْحَجِّ; وَصَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ: لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجَّةً وَصَحَّ أَنَّهُ عليه السلام قَالَ: "دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" فَلاَ نُبَالِي أَيُّ ذَلِكَ قُدِّمَ فِي اللَّفْظِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

فإِذا جاء القارِن إلى مكة عمل في الطواف والسعي بين الصفا والمروة
...
835 - مَسْأَلَةٌ: فَإِذَا جَاءَ الْقَارِنُ إلَى مَكَّةَ عَمِلَ فِي الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ كَمَا قلنا فِي الْعُمْرَةِ إلاَّ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَرْمُلَ فِي الثَّلاَثِ, وَلَيْسَ ذَلِكَ فَرْضًا فِي الْحَجِّ ثُمَّ إذَا أَتَمَّ ذَلِكَ أَقَامَ مُحْرِمًا كَمَا هُوَ إلَى يَوْمِ مِنًى وَهُوَ الثَّامِنُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ فَإِذَا كَانَ الْيَوْمُ الْمَذْكُورُ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ مَنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا ثُمَّ نَهَضَ الْقَارِنُ, وَالْمُتَمَتِّعُ إلَى مِنًى فَيَبْقَيَانِ بِهَا نَهَارَهُمَا وَلَيْلَتَهُمَا فَإِذَا كَانَ مِنْ الْغَدِ وَهُوَ الْيَوْمُ التَّاسِعُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ نَهَضُوا كُلُّهُمْ إلَى

من كان له أهل حاضرو المسجد الحرام وأهل غير حاضرين فلا هدى عليه
مَسَائِلُ مِنْ هَذَا الْبَابِ
836 - مَسْأَلَةٌ: مَنْ كَانَ لَهُ أَهْلٌ حَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَأَهْلٌ غَيْرُ حَاضِرِينَ فَلاَ هَدْيَ عَلَيْهِ، وَلاَ صَوْمَ; لإِنَّ أَهْلَهُ حَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَنْ حَجَّ بِأَهْلِهِ فَتَمَتَّعَ, فَإِنْ أَقَامَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ بِأَهْلِهِ بِمَكَّةَ فَأَهْلُهُ حَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ, وَإِنْ لَمْ يُقِمْ بِهَا إلاَّ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فَأَقَلَّ فَلَيْسَ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ أَوْ الصَّوْمُ. وَقَدْ حَجَّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَهْلُهُ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، رضي الله عنهم، بِأَهْلِهِمْ فَوَجَبَ عَلَى مَنْ تَمَتَّعَ مِنْهُمْ الْهَدْيُ أَوْ الصَّوْمُ.فَصَحَّ أَنَّ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ فَلَيْسَ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ, وَإِنَّمَا أَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ عليه السلام بِمَكَّةَ أَرْبَعًا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ, ثُمَّ رَجَعْنَا، عَنْ هَذَا الْقَوْلِ إلَى أَنَّهُ إنْ أَقَامَ بِأَهْلِهِ بِمَكَّةَ عِشْرِينَ يَوْمًا فَأَقَلَّ فَلَيْسَ مِمَّنْ أَهْلُهُ حَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَإِنْ بَقِيَ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ يَوْمًا مُذْ يَدْخُلُ مَكَّةَ إلَى أَنْ يُهِلُّ بِالْحَجِّ فَهُوَ مِمَّنْ أَهْلُهُ حَاضِرُوا الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ; لإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَقَامَ بِتَبُوكَ عِشْرِينَ لَيْلَةً يُقْصِرُ الصَّلاَةَ. وَإِنْ كَانَ مَكِّيٌّ لاَ أَهْلَ لَهُ أَصْلاً, أَوْ لَهُ أَهْلٌ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ فَتَمَتَّعَ فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ أَوْ الصَّوْمُ, لاَِنَّهُ لَيْسَ مِمَّنْ أَهْلُهُ حَاضِرُوا الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ. وَالأَهْلُ: هُمْ الْعِيَالُ خَاصَّةً هَاهُنَا; لإِنَّ كُلَّ مَنْ حَجَّ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قُرَيْشٍ فَإِنَّ أَهْلَهُمْ كَانُوا بِمَكَّةَ يَعْنِي أَقَارِبَهُمْ فَلَمْ يُسْقِطْ هَذَا عَنْهُمْ حُكْمَ الْهَدْيِ أَوْ الصَّوْمِ الَّذِي عَلَى الْمُتَمَتِّعِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنَّ الْهَدْيَ الْوَاجِبَ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ رَأْسٌ مِنْ الْغَنَمِ أَوْ مِنْ الإِبِلِ أَوْ مِنْ الْبَقَرِ, أَوْ شِرْكٌ فِي بَقَرَةٍ أَوْ نَاقَةٍ بَيْنَ عَشْرَةٍ فَأَقَلَّ سَوَاءٌ كَانُوا مُتَمَتِّعِينَ أَوْ بَعْضُهُمْ, أَوْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ يُرِيدُ نَصِيبَهُ لَحْمًا لِلأَكْلِ أَوْ الْبَيْعِ أَوْ لِنَذْرٍ أَوْ لِتَطَوُّعٍ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ} وَاسْمُ الْهَدْيِ يَقَعُ عَلَى الشَّاةِ, وَالْبَقَرَةِ, وَالْبَدَنَةِ.
وَرُوِّينَا، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ يُجِيزُ فِي ذَلِكَ الشَّاةَ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلَ ذَلِكَ. وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ عَائِشَةَ فَرُوِيَ عَنْهَا مِثْلُ قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَرُوِيَ عَنْهَا أَيْضًا, وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ لاَ يُجْزِئُ فِي ذَلِكَ شَاةٌ وَأَنَّهُ إنَّمَا فِي ذَلِكَ النَّاقَةُ أَوْ الْبَقَرَةُ. كَمَا رُوِّينَا، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ هُوَ السَّبِيعِيِّ، عَنْ وَبَرَةَ

بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عُمَرَ: صَوْمُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعْت إلَى أَهْلِك أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ شَاةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ غَيْلاَنَ بْنِ جَرِيرٍ قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَسْأَلُ، عَنْ هَدْيِ الْمُتْعَةِ وَهُمْ يَذْكُرُونَ الشَّاةَ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: شَاةٌ شَاةٌ, وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ; لاَ; بَلْ بَقَرَةٌ, أَوْ نَاقَةٌ وَعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ مِثْلُ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ. وَرُوِّينَا، عَنْ طَاوُوس التَّرْتِيبَ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، نا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، هُوَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ، نا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ طَاوُوس يَزْعُمُ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: بِقَدْرِ يَسَارِ الرَّجُلِ إنْ اسْتَيْسَرَ جَزُورٌ فَجَزُورٌ, وَإِنْ اسْتَيْسَرَ بَقَرَةٌ فَبَقَرَةٌ, وَإِنْ لَمْ يَسْتَيْسِرْ إلاَّ شَاةً فَشَاةً. قَالَ: وَكَانَ أَبِي يُفَرِّقُ بَيْنَ مَا اسْتَيْسَرَ وَتَيَسَّرَ. قَالَ: فَإِنْ اسْتَيْسَرَ عَلَى قَدْرِ يَسَارِهِ, وَتَيَسَّرَ مَا شَاءَ.
قال أبو محمد: وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، نا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ أَنَا شُعْبَةُ، نا أَبُو جَمْرَةَ هُوَ نَصْرُ بْنُ عِمْرَانَ الضُّبَعِيُّ قَالَ: سَأَلْت ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما، عَنِ الْمُتْعَةِ فَأَمَرَنِي بِهَا وَسَأَلْته، عَنِ الْهَدْيِ فَقَالَ: فِيهَا جَزُورٌ, أَوْ بَقَرَةٌ, أَوْ شَاةٌ, أَوْ شِرْكٌ فِي دَمٍ; وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ فِي تَفْسِيرِ هَدْيِ الْمُتْعَةِ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, وَبِهَذَا نَأْخُذُ.
فأما إجَازَةُ الشَّاةِ فِي ذَلِكَ فَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ, وَمَالِكٍ, وَالشَّافِعِيِّ: وَأَمَّا الشِّرْكُ فِي الدَّمِ فَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ, وَالشَّافِعِيُّ, وَالأَوْزَاعِيُّ, وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ, وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ, وَإِسْحَاقُ, وَأَبُو ثَوْرٍ, وَأَبُو سُلَيْمَانَ; إلاَّ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: لاَ يَجُوزُ الشِّرْكُ فِي الدَّمِ إلاَّ بِأَنْ يَكُونُوا كُلُّهُمْ يُرِيدُونَهُ لِلْهَدْيِ, وَإِنْ اخْتَلَفَتْ أَسْبَابُهُمْ. وَقَالَ صَاحِبُهُ زُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ: لاَ يَجُوزُ إلاَّ بِأَنْ تَكُونَ أَسْبَابُهُمْ وَاحِدَةً, مِثْلُ أَنْ يَكُونُوا كُلُّهُمْ مُتَمَتِّعِينَ, أَوْ كُلُّهُمْ مُفْتَدِينَ, وَنَحْوُ هَذَا. وقال الشافعي, وَأَبُو سُلَيْمَانَ: كَمَا قلنا, إلاَّ أَنَّهُمْ كُلَّهُمْ قَالُوا: لاَ يَجُوزُ أَنْ يُشْرَكَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ سَبْعَةٍ.
فأما قَوْلُ مَالِكٍ: فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِرِوَايَةٍ رُوِّينَاهَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْعَالِيَةِ, وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ, وَابْنِ سِيرِينَ, كُلُّهُمْ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ. قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: يَقُولُونَ: الْبَدَنَةُ، عَنْ سَبْعَةٍ. وَالْبَقَرَةُ، عَنْ سَبْعَةٍ, مَا أَعْلَمُ النَّفْسَ تُجْزِئُ إلاَّ عَنِ النَّفْسِ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: مَا كُنْت أَشْعُرُ أَنَّ النَّفْسَ تُجْزِئُ إلاَّ عَنِ النَّفْسِ وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ عَنْهُ،

أَنَّهُ قَالَ: لاَ أَعْلَمُ وَمَا يُرَاقُ، عَنْ أَكْثَرَ مِنْ إنْسَانٍ وَاحِدٍ. وَهُوَ رَأْيُ ابْنِ سِيرِينَ; وَكَرِهَ ذَلِكَ الْحَكَمُ, وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ, مَا نَعْلَمُ لَهُمْ شُبْهَةً غَيْرَ هَذَا وَهَذَا لاَ حُجَّةَ فِيهِ, لإِنَّ ابْنَ عُمَرَ قَدْ رَجَعَ، عَنْ هَذَا إلَى إجَازَةِ الاِشْتِرَاكِ, وَإِنَّمَا أَخْبَرَ هَاهُنَا بِأَنَّهُ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ، وَلاَ شَعَرَ بِهِ, وَلَيْسَ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ حُجَّةً عَلَى مَنْ عَلِمَ.
نا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّمَرِيُّ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ بْنِ يُوسُفَ الأَزْدِيُّ الْقَاضِي، نا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ، نا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ مُوسَى الْعُقَيْلِيُّ، نا مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْهَاشِمِيُّ، نا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، نا وَكِيعُ بْنُ الْجَرَّاحِ، نا عَرِيفُ بْنُ دِرْهَمٍ، عَنْ جَبَلَةَ بْنِ سُحَيْمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: الْجَزُورُ, وَالْبَقَرَةُ, عَنْ سَبْعَةٍ.
قال أبو محمد: إجَازَتُهُ، عَنْ ذَلِكَ دَلِيلٌ بَيِّنٌ عَلَى أَنَّهُ عَلِمَ بِالسُّنَّةِ فِي ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ عَلِمَهَا, وَقَدْ جَاءَ هَذَا نَصًّا عَنْهُ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، نا ابْنُ نُمَيْرٍ، نا مُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ: الْبَقَرَةُ, وَالْبَعِيرُ تُجْزِئُ، عَنْ سَبْعَةٍ فَقَالَ: وَكَيْفَ أَلَهَا سَبْعَةُ أَنْفُسٍ فَقُلْتُ لَهُ: إنَّ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم الَّذِينَ بِالْكُوفَةِ أَفْتَوْنِي; فَقَالَ الْقَوْمُ: نَعَمْ قَدْ قَالَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: مَا شَعَرْتُ, فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِابْنِ عُمَرَ, وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ حَمَّادٌ, وَالْحَكَمُ, لَكِنْ كَرِهَاهُ فَقَطْ. فَصَحَّ أَنَّهُمَا مُجِيزَانِ لِذَلِكَ, وَإِنَّمَا، هُوَ ابْنُ سِيرِينَ رَأْيٌ لاَ، عَنْ أَثَرٍ فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ لِهَذَا الْقَوْلِ مُتَعَلَّقٌ أَصْلاً. وَقَدْ ذَكَرْنَا، عَنِ ابْنِ عُمَرَ آنِفًا أَنَّهُ رَأَى الصَّوْمَ فِي التَّمَتُّعِ وَلَمْ يُجِزْ الشَّاةَ فِي ذَلِكَ وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ سَأَلَ عَمَّنْ يُهْدِي جَمَلاً فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا فَعَلَ ذَلِكَ.
قَالَ عَلِيٌّ: مِنْ الْبَاطِلِ الْفَاحِشِ أَنْ يَكُونَ ابْنُ عُمَرَ, أَوْ غَيْرُهُ حُجَّةً فِي مَكَان غَيْرَ حُجَّةٍ فِي مَكَان آخَرَ وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم يَقُولُونَ: "الْبَدَنَةُ، عَنْ سَبْعَةٍ, وَالْبَقَرَةُ، عَنْ سَبْعَةٍ". وَعَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ كَانَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم يُشْرِكُونَ السَّبْعَةَ فِي الْبَدَنَةِ مِنْ الإِبِلِ. وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مُسْلِمٍ الْقَرِّيِّ، عَنْ حَبَّةَ الْعُرَنِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: الْبَدَنَةُ، عَنْ سَبْعَةٍ, وَالْبَقَرَةُ، عَنْ سَبْعَةٍ. وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ زُهَيْرِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ زَافِرٍ الْعَبْسِيِّ قَالَ: أَنَا وَأُمِّي أَخَذْنَا مَعَ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ مِنْ بَقَرَةٍ، عَنْ سَبْعَةٍ فِي الأَضْحَى. وَعَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ قَالَ: تُنْحَرُ الْبَدَنَةُ، عَنْ سَبْعَةٍ, وَالْبَقَرَةُ، عَنْ سَبْعَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، نا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ،

عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: الْبَقَرَةُ, وَالْجَزُورُ، عَنْ سَبْعَةٍ. وَبِهِ إلَى ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنِ ابْنِ فُضَيْلٍ، عَنْ مُسْلِمٍ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: الْبَقَرَةُ, وَالْجَزُورُ، عَنْ سَبْعَةٍ. وَعَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: الْجَزُورُ, وَالْبَقَرَةُ، عَنْ سَبْعَةٍ. وَصَحَّ الْقَوْلُ بِذَلِكَ أَيْضًا، عَنْ عَطَاءٍ, وطَاوُوس, وَسُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ, وَأَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ, وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ, وَقَتَادَةَ, وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ, وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ, وَغَيْرِهِمْ.
وَالْحُجَّةُ لِهَذَا الْقَوْلِ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّهُ قَالَ: نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ، عَنْ سَبْعَةٍ, وَالْبَقَرَةَ، عَنْ سَبْعَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، نا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، نا أُبَيٌّ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، نا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَذَكَرَ حَجَّةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفِيهَا فَنَحَرَ عليه السلام ثَلاَثًا وَسِتِّينَ, فَأَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ, وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا أَبُو دَاوُد هُوَ الطَّيَالِسِيُّ، نا عَفَّانَ بْنُ مُسْلِمٍ، نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَحَرَ الْبَدَنَةَ، عَنْ سَبْعَةٍ, وَالْبَقَرَةَ، عَنْ سَبْعَةٍ.
قال أبو محمد: فَصَحَّ هَذَا، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ إجْمَاعٌ مِنْ الصَّحَابَةِ كَمَا أَوْرَدْنَا وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ لَمْ يُجِزْ ذَلِكَ إلاَّ عَنْ سَبْعَةٍ فَإِنَّهُ تَعَلَّقَ بِمَا ذَكَرْنَا، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَنِ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم. فأما الصَّحَابَةُ، رضي الله عنهم، وَمَنْ بَعْدَهُمْ فَقَدْ اخْتَلَفُوا.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، نا الْحُسَيْنُ بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ عَلْيَاءَ بْنِ أَحْمَرَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَحَضَرَ النَّحْرُ فَنَحَرْنَا الْبَعِيرَ، عَنْ عَشَرَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحُذَافِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، نا مَعْمَرٌ، نا قَتَادَةُ قَالَ: قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: الْبَدَنَةُ، عَنْ عَشَرَةٍ.
فَهَذَا اخْتِلاَفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ, عَلَى أَنَّنَا إذَا تَأَمَّلْنَا فِعْلَ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، وَقَوْلَهُمْ فِي ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ أَنَّ الْبَقَرَةَ، عَنْ سَبْعَةٍ, وَالْبَدَنَةَ، عَنْ سَبْعَةٍ, وَهَذَا قَوْلٌ صَحِيحٌ, وَلَيْسَ فِيهِ مَنْعٌ مِنْ جَوَازِهِمَا، عَنْ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ. وَكَذَلِكَ الأَثَرُ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيْضًا إنَّمَا فِيهِ أَنَّهُ عليه السلام: "نَحَرَ الْبَدَنَةَ، عَنْ سَبْعَةٍ, وَالْبَقَرَةَ، عَنْ سَبْعَةٍ, وَهَذَا حَقٌّ وَدَيْنٌ, وَلَيْسَ فِيهِ مَنْعُ مَنْ نَحَرَهُمَا، عَنْ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ, أَوْ، عَنْ أَقَلَّ مِنْ سَبْعَةٍ" . وَكَذَلِكَ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ

طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، نا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ، نا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الْبَقَرَةُ، عَنْ سَبْعَةٍ, وَالْجَزُورُ، عَنْ سَبْعَةٍ". فَنَعَمْ, قَالَ: الْحَقُّ وَقَوْلُهُ الْحَقُّ, وَلَيْسَ فِي هَذَا مَنْعٌ مِنْ جَوَازِهِمَا، عَنْ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ إنْ جَاءَ بُرْهَانٌ بِذَلِكَ, وَإِلاَّ فَلاَ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ عَلَى ذَلِكَ بِالدَّعْوَى.
فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ، نا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ الرَّازِيّ قَالاَ جَمِيعًا: نا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَبَحَ عَمَّنْ اعْتَمَرَ مِنْ أَزْوَاجِهِ بَقَرَةً بَيْنَهُنَّ".
وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، نا عُثْمَانُ، هُوَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نا جَرِيرُ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، عَنِ الأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، رضي الله عنها، قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَلاَ نَرَى إلاَّ أَنَّهُ الْحَجُّ فَلَمَّا قَدِمْنَا تَطَوَّفْنَا بِالْبَيْتِ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ أَنْ يَحِلَّ فَحَلَّ مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْيَ وَنِسَاؤُهُ لَمْ يَسُقْنَ فَأَحْلَلْنَ.
قال أبو محمد: كُنَّ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِنَّ تِسْعًا خَرَجَتْ مِنْهُنَّ عَائِشَةُ لاَِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ لَكِنَّهَا أَرْدَفَتْ حَجًّا عَلَى عُمْرَتِهَا كَمَا جَاءَ فِي أَثَرٍ آخَرَ فَبَقِيَ ثَمَانٍ لَمْ يَسُقْنَ الْهَدْيَ فَأَحْلَلْنَ كَمَا تَسْمَعُ وَنَحَرَ عليه السلام عَنْهُنَّ كُلِّهِنَّ بَقَرَةً وَاحِدَةً فَهَذَا، عَنْ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعَةٍ. فإن قيل: قَدْ رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام أَهْدَى، عَنْ نِسَائِهِ الْبَقَرَ قلنا: هَذَا لَفْظٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَذَكَرَتْ حَدِيثًا, وَفِيهِ: فَأَتَيْنَا بِلَحْمٍ, فَقُلْتُ: مَا هَذَا قَالُوا: أَهْدَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، عَنْ نِسَائِهِ الْبَقَرَ.
وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ نَفْسَهُ عَمَّنْ هُوَ أَحْفَظُ وَأَضْبَطُ مِنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَبَيَّنَ مَا أَجْمَلَهُ ابْنُ الْمَاجِشُونِ. وَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، عَنْ مُسَدَّدٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَذَكَرَتْ الْحَدِيثَ "وَفِيهِ قَالَتْ: فَلَمَّا كُنَّا بِمِنًى أُتِيتُ بِلَحْمِ بَقَرٍ, فَقُلْتُ: مَا هَذَا قَالُوا: ضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، عَنْ أَزْوَاجِهِ بِالْبَقَرِ. فَبَيَّنَ سُفْيَانُ فِي هَذَا

الْخَبَرِ وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ الْمَاجِشُونِ نَفْسُهُ أَنَّ تِلْكَ الْبَقَرَ كَانَتْ أَضَاحِيَ, وَالأَضَاحِيُّ غَيْرُ الْهَدْيِ الْوَاجِبِ فِي التَّمَتُّعِ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ بِلاَ شَكٍّ.
وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، نا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُحَدِّثُ، عَنْ حَجَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إذَا أَحْلَلْنَا أَنْ نُهْدِيَ وَنَجْمَعَ النَّفَرَ مِنَّا فِي الْفِدْيَةِ وَذَلِكَ حِينَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَحِلُّوا فِي هَدْيِهِمْ مِنْ حَجِّهِمْ".
قال أبو محمد: هَذَا سَنَدٌ لاَ نَظِيرَ لَهُ, وَبَيَانٌ لاَ إشْكَالَ فِيهِ, وَالْبَقَرُ يَقَعُ عَلَى الْعَشَرَةِ وَأَقَلَّ وَأَكْثَرَ; فَنَظَرْنَا فِي الآيَةِ فَوَجَدْنَا اللَّهَ تَعَالَى أَيْضًا يَقُولُ: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ} وَ "مِنْ" لِلتَّبْعِيضِ فَجَازَ الاِشْتِرَاكُ فِي الْهَدْيِ بِظَاهِرِ الآيَةِ.
فإن قيل: فَمِنْ أَيْنَ اقْتَصَرْتُمْ عَلَى الْعَشَرَةِ فَقَطْ قلنا: لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِكَ فِي هَدْيِ فَرْضٍ أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةٍ وَالثَّانِي: مَا رُوِّينَاهُ، عَنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، نا مُسَدَّدٌ، نا أَبُو الأَحْوَصِ، نا سَعِيدُ بْنُ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فَذَكَرَ حَدِيثَ حُنَيْنٍ وَفِيهِ أَنَّهُ عليه السلام "قَسَمَ بَيْنَهُمْ وَعَدَلَ بَعِيرًا بِعَشْرِ شِيَاهٍ".
قَالَ عَلِيٌّ: قَدْ صَحَّ إجْمَاعُ الْمُخَالِفِينَ لَنَا مَعَ ظَاهِرِ الآيَةِ بِأَنَّ شَاةً تُجْزِئُ فِي الْهَدْيِ الْوَاجِبِ فِي التَّمَتُّعِ, وَالإِحْصَارِ, وَالتَّطَوُّعِ, وَقَدْ عَدَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَشْرَ شِيَاهٍ بِبَعِيرٍ. فَصَحَّ أَنَّ الشَّاةَ بِإِزَاءِ عُشْرِ الْبَعِيرِ جُمْلَةً;، وَأَنَّ الْبَقَرَةَ كَالْبَعِيرِ فِي جَوَازِ الاِشْتِرَاكِ فِيهَا فِي الْهَدْيِ الْوَاجِبِ فِيمَا ذَكَرْنَا. فَصَحَّ أَنَّ الْبَعِيرَ وَالْبَقَرَةَ يُجْزِئَانِ عَمَّا يُجْزِئُ عَنْهُ عَشْرُ شِيَاهٍ, وَعَشْرُ شِيَاهٍ تُجْزِئُ، عَنْ عَشْرَةٍ, فَالْبَعِيرُ, وَالْبَقَرَةُ يُجْزِئُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، عَنْ عَشَرَةٍ, وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ, وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ, وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ. وَبِهِ نَقُولُ لِمَا ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا مَنْ مَنَعَ مِنْ اخْتِلاَفِ أَغْرَاضِ الْمُشْتَرِكِينَ فِي الْهَدْيِ فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِأَنْ قَالُوا: إذَا كَانَ فِيهِمْ مَنْ يُرِيدُ نَصِيبَهُ لِلْبَيْعِ, أَوْ لِلأَكْلِ لاَ لِلْهَدْيِ فَلَمْ تَحْصُلْ الْبَدَنَةُ, وَلاَ الْبَقَرَةُ مُذَكَّاةً لِلْهَدْيِ الْمَقْصُودِ بِهِ إلَى اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ. وَحُجَّةُ زُفَرَ أَنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ الْهَدْيُ الْمَذْكُورُ إذَا اشْتَرَكَ فِيهِ الْمُحْصِرُ, وَالْمُتَمَتِّعُ, وَالْمُتَطَوِّعُ, وَالْقَارِنُ, فَلَمْ يَحْصُلْ مُذَكًّى لِمَا قَصَدَهُ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ, وَالذَّكَاةُ لاَ تَتَبَعَّضُ.

قال أبو محمد: وَهَذَا لاَ يَحِلُّ الاِحْتِجَاجُ بِهِ; لاَِنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَمَا أَوْرَدْنَا أَنَّهُ أَمَرَ أَنْ يَجْتَمِعَ النَّفَرُ مِنْهُمْ فِي الْهَدْيِ وَ، أَنَّهُ قَالَ عليه السلام: "الْبَقَرَةُ، عَنْ سَبْعَةٍ, وَالْجَزُورُ، عَنْ سَبْعَةٍ" فَعَمَّ عليه السلام وَلَمْ يَخُصَّ مَنْ اتَّفَقَتْ أَغْرَاضُهُمْ مِمَّنْ اخْتَلَفَتْ; وَإِنَّمَا أُمِرْنَا فِي الْهَدْيِ بِالتَّذْكِيَةِ وَبِالنِّيَّةِ عَمَّا يَقْصِدُهُ الْمَرْءُ, وَقَدْ قَالَ عليه السلام: "وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى" فَحَصَلَتْ الْبَدَنَةُ, وَالْبَقَرَةُ مُذَكَّاةٌ إذْ ذُكِّيَتْ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَمْرِ مَالِكِهَا وَسَمَّى اللَّهَ تَعَالَى عَلَيْهَا; ثُمَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي حِصَّتِهِ مِنْهَا نِيَّةٌ, قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إلاَّ عَلَيْهَا} فَأَحْكَامُ جُمْلَتِهَا أَنَّهَا مُذَكَّاةٌ; وَحُكْمُ كُلِّ جُزْءٍ مِنْهَا مَا نَوَاهُ فِيهِ مَالِكُهُ, وَلاَ فَرْقَ حِينَئِذٍ بَيْنَ أَجْزَاءِ سَبْعَةٍ مِنْ الْبَقَرَةِ, أَوْ الْبَعِيرِ وَبَيْنَ سَبْعِ شِيَاهٍ، وَلاَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّهُمْ, وَإِنْ كَانَتْ أَغْرَاضُهُمْ مُتَّفِقَةً وَكَانَ سَبَبُهُمْ كُلُّهُمْ وَاحِدًا, فَإِنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ حُكْمَهُ وَأَنَّهُ قَدْ يُمْكِنُ أَنْ يَقْبَلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ بَعْضِهِمْ, وَلاَ يَقْبَلُ مِنْ بَعْضِهِمْ;، وَلاَ يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي حِصَّةِ الْمُتَقَبَّلِ مِنْهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا قَوْلُنَا: لاَ يُجْزِئُهُ أَنْ يُهْدِيَهُ إلاَّ بَعْدَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ, وَأَنَّ لَهُ أَنْ يَذْبَحَهُ أَوْ يَنْحَرَهُ مَتَى شَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلاَ يُجْزِئُهُ أَنْ يُهْدِيَهُ, وَيَنْحَرَهُ إلاَّ بِمِنًى أَوْ بِمَكَّةَ; فَلاَِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ} فَإِنَّمَا أَوْجَبَهُ تَعَالَى عَلَى مَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ, لاَ عَلَى مَنْ لَمْ يَتَمَتَّعْ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ بِلاَ شَكٍّ فَهُوَ مَا لَمْ يُحْرِمْ بِالْحَجِّ فَلَمْ يَتَمَتَّعْ بَعْدُ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ, وَإِذْ لَمْ يَتَمَتَّعْ بَعْدُ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَالْهَدْيُ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ, وَلاَ يُجْزِئُ غَيْرُ وَاجِبٍ، عَنْ وَاجِبٍ إلاَّ بِنَصٍّ وَارِدٍ فِي ذَلِكَ; وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ فِي أَنَّهُ إنْ بَدَا لَهُ فَلَمْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ لاَ هَدْيَ عَلَيْهِ; فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ هَدْيٌ بَعْدُ, وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ فَلاَ يُجْزِئُهُ مَا لَيْسَ عَلَيْهِ عَمَّا يَكُونُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ; وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ, وَأَبِي سُلَيْمَانَ.
وَأَمَّا ذَبْحُهُ وَنَحْرُهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَلاَِنَّ هَذَا الْهَدْيَ قَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى لَنَا أَوَّلَ وَقْتِ وُجُوبِهِ, وَلَمْ يَحُدَّ آخِرَ وَقْتَ وُجُوبِهِ بِحَدٍّ, وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ دَيْنٌ بَاقٍ أَبَدًا حَتَّى يُؤَدَّى; وَالأَمْرُ بِهِ ثَابِتٌ حَتَّى يُؤَدَّى; وَمَنْ خَصَّهُ بِوَقْتٍ مَحْدُودٍ فَقَدْ قَالَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مَا لَمْ يَقُلْهُ، عَزَّ وَجَلَّ، وَهَذَا عَظِيمٌ جِدًّا.
وقال أبو حنيفة, وَمَالِكٌ: لاَ يُجْزِئُ هَدْيُهُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ, وَهَذَا قَوْلٌ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ بَلْ هُوَ دَعْوَى بِلاَ بُرْهَانٍ, وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ سَاقِطٌ; وَالْعَجَبُ مِنْ تَجْوِيزِ أَبِي حَنِيفَةَ تَقْدِيمَ الزَّكَاةِ وَإِجَازَةِ أَصْحَابِهِ لِمَنْ نَذَرَ صِيَامَ يَوْمِ الْخَمِيسِ فَصَامَ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ قَبْلَهُ أَجْزَأَهُ ثُمَّ لاَ يُجِيزُونَ هَدْيَ الْمُتْعَةِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ.

وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنَّهُ لاَ يُجْزِئُ إلاَّ بِمَكَّةَ أَوْ مِنًى فَإِنَّ قَوْمًا قَالُوا: يُجْزِئُ فِي كُلِّ بَلَدٍ; لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَحُدَّ مَوْضِعَ أَدَائِهِ فَهُوَ جَائِزٌ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ, وَلَوْ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى قَصْرَهُ عَلَى مَكَان دُونَ مَكَان لَبَيَّنَهُ كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} وَلَمْ يَقُلْ فِي هَدْيِ الْمُتْعَةِ, وَلاَ فِي هَدْيِ الْمُحْصِرِ: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} . فإن قيل: نَقِيسُ الْهَدْيَ عَلَى الْهَدْيِ فِي ذَلِكَ قلنا: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ, ثُمَّ لَوْ كَانَ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ; لاَِنَّهُ إنْ صَحَّحْتُمْ قِيَاسَكُمْ هَدْيَ الْمُتْعَةِ عَلَى هَدْيِ جَزَاءِ الصَّيْدِ لَزِمَكُمْ أَنْ تَقِيسُوهُ عَلَيْهِ فِي تَعْوِيضِ الإِطْعَامِ مِنْ الْهَدْيِ وَالصِّيَامِ فِي هَدْيِ الْمُتْعَةِ وَأَنْتُمْ لاَ تَقُولُونَ هَذَا; فَظَهَرَ فَسَادُ قِيَاسِكُمْ وَتَنَاقُضُهُ.
قال أبو محمد: لَكِنَّ الْحُجَّةَ فِي ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} {لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ} . وَقَالَ تَعَالَى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} . فَجَاءَ النَّصُّ بِأَنَّ شَعَائِرَ اللَّهِ تَعَالَى مَحِلُّهَا إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ، وَأَنَّ الْبُدْنَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ تَعَالَى فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ مَحِلُّهَا إلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ. وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ أَحَدٍ فِي أَنَّ حُكْمَ الْهَدْيِ كُلِّهِ كَحُكْمِ الْبُدْنِ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، نا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، نا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "قَدْ نَحَرْتُ هُنَا, وَمِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ". نا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ، نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عِقَالٍ، نا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّينَوَرِيُّ، نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْجَهْمِ، نا مُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى، نا مُسَدَّدٌ، نا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ عِنْدَ الْمَنْحَرِ: "هَذَا الْمَنْحَرُ, وَفِجَاجُ مَكَّةَ كُلُّهَا مَنْحَرٌ" وَقَالَ عليه السلام فِي مِنًى: "هَذَا الْمَنْحَرُ, وَفِجَاجُ مِنًى كُلُّهَا مَنْحَرٌ" فَصَحَّ أَنَّهُ حَيْثُمَا نُحِرَتْ الْبُدْنُ, وَالإِهْدَاءُ مِنْ فِجَاجِ مَكَّةَ وَمِنًى وَهُوَ الْحَرَمُ كُلُّهُ فَقَدْ أَصَابَ النَّاحِرُ, وَأَنَّهُ لاَ يَجُوزُ نَحْرُ الْبُدْنِ وَالْهَدْيِ فِي غَيْرِ الْحَرَمِ إلاَّ مَا خَصَّهُ النَّصُّ مِنْ هَدْيِ الْمُحْصِرِ, وَهَدْيِ التَّطَوُّعِ إذَا عَطِبَ قَبْلَ بُلُوغِهِ مَكَّةَ. وَرُوِّينَا، عَنْ طَاوُوس, وَعَطَاءٍ قَالاَ: كُلُّ مَا كَانَ مِنْ هَدْيٍ فَهُوَ بِمَكَّةَ, وَالصِّيَامُ وَالإِطْعَامُ حَيْثُ شِئْتَ وَعَنْ مُجَاهِدٍ: انْحَرْ حَيْثُ شِئْت.
وَأَمَّا قَوْلُنَا: وَمَنْ كَانَ أَهْلُهُ سَاكِنِينَ فِي الْحَرَمِ فَلاَ يَلْزَمُهُ فِي تَمَتُّعِهِ هَدْيٌ، وَلاَ صَوْمٌ, وَهُوَ مُحْسِنٌ فِي تَمَتُّعِهِ. وَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ مُسِيءٌ فِي تَمَتُّعِهِ.
قال أبو محمد: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ

يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}.
قَالَ عَلِيٌّ: فَقَالَ الْمُخَالِفُونَ: لَوْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ مَا قُلْتُمْ لَقَالَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ; فَصَحَّ أَنَّ الْمُتْعَةَ إنَّمَا هِيَ لِغَيْرِ أَهْلِ مَكَّةَ.
قال أبو محمد: لَيْسَ كَمَا قَالُوا; لإِنَّ الْهَدْيَ أَوْ الصَّوْمَ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي التَّمَتُّعِ إنَّمَا هُوَ نُسُكٌ زَائِدٌ وَفَضِيلَةٌ وَلَيْسَ جَبْرًا لِنَقْصٍ كَمَا ظَنَّ مَنْ لاَ يُحَقِّقُ; فَهُوَ لَهُمْ لاَ عَلَيْهِمْ.
بُرْهَانُ صِحَّةِ ذَلِكَ: قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ, وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً, وَلاََحْلَلْتُ" أَوْ كَمَا قَالَ عليه السلام; فَأَخْبَرَ عليه السلام بِفَضْلِ الْمُتْعَةِ, وَأَنَّهَا أَفْضَلُ أَعْمَالِ الْحَجِّ, وَأَسْقَطَ اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، الْهَدْيَ، عَنْ أَهْلِ مَكَّةَ وَالصَّوْمَ فِيهَا لِمَا هُوَ أَعْلَمُ بِهِ, وَظَاهِرُهُ الرِّفْقُ بِهِمْ, لاَِنَّهُ لاَ شَكَّ فِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَوْ كَلَّفَهُمْ ذَلِكَ لَكَانَ حَرَجًا عَلَيْهِمْ لِسُهُولَةِ الْعُمْرَةِ عَلَيْهِمْ وَلاِِمْكَانِهَا لَهُمْ كُلَّ يَوْمٍ بِخِلاَفِ أَهْلِ الآفَاقِ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ، وَلاَ يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ}. وَيُبْطِلُ قَوْلَ الْمُخَالِفِ: أَنَّ الآيَةَ لَوْ كَانَتْ كَمَا ظَنَّ لَحُرِّمَتْ الْعُمْرَةُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ وَالْحَرَمِ; وَهَذَا خِلاَفُ مَا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ مِنْ الْحَضِّ عَلَى الْعُمْرَةِ, وَأَنَّهَا كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا, فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ أَهْلُ مَكَّةَ وَغَيْرُهُمْ.
رُوِّينَا، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، نا هُشَيْمٌ، نا الْحَجَّاجُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَيْسَ عَلَى أَهْلِ مَكَّةَ هَدْيٌ فِي الْمُتْعَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، نا هُشَيْمٌ، وَوَكِيعٌ, قَالَ هُشَيْمٌ: نا الْمُغِيرَةُ بْنُ مِقْسَمٍ, وَيُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ, قَالَ الْمُغِيرَةُ: عَنِ النَّخَعِيِّ, وَقَالَ يُونُسُ: عَنِ الْحَسَنِ, وَقَالَ وَكِيعٌ: عَنِ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عَطَاءٍ, وطَاوُوس, وَمُجَاهِدٍ; ثُمَّ اتَّفَقَ عَطَاءٌ, وطَاوُوس, وَمُجَاهِدٌ, وَالْحَسَنُ, وَالنَّخَعِيُّ, قَالُوا كُلُّهُمْ: لَيْسَ عَلَى الْمَكِّيِّ هَدْيٌ فِي الْمُتْعَةِ.
وَمِنْ طَرِيقِ الْحُذَافِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ, وَمَعْمَرٍ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: عَنْ عَطَاءٍ, وَقَالَ مَعْمَرٌ, عَنِ الزُّهْرِيِّ; ثُمَّ اتَّفَقَ الزُّهْرِيُّ, وَعَطَاءٌ قَالاَ جَمِيعًا فِي الْمَكِّيِّ يَمُرُّ بِالْمِيقَاتِ فَيَعْتَمِرُ مِنْهُ: إنَّهُ لَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ وَبِهَذَا نَقُولُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، نا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ طَاوُوس، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: إذَا خَرَجَ الْمَكِّيُّ إلَى الْمِيقَاتِ فَتَمَتَّعَ مِنْهُ فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ.
قال أبو محمد: لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ; لإِنَّ أَهْلَهُ حَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَزَعَمَ الْمَالِكِيُّونَ: أَنَّ الْهَدْيَ إنَّمَا جُعِلَ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ لاِِسْقَاطِهِ سَفَرَ الْحَجِّ إلَى مَكَّةَ.

قال علي: وهذا بَاطِلٌ بَحْتٌ, وَالْعَجَبُ مِنْ تَسْهِيلِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ مِثْلَ هَذَا الْقَوْلِ الْفَاسِدِ الَّذِي يَفْتَضِحُونَ بِهِ مِنْ قُرْبٍ, وَيُقَالُ لَهُمْ: هَذِهِ الْعِلَّةُ نَفْسُهَا مَوْجُودَةٌ فِيمَنْ اعْتَمَرَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ, ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ حَتَّى حَجَّ فَقَدْ أَسْقَطَ أَحَدَ السَّفَرَيْنِ, وَأَنْتُمْ لاَ تَرَوْنَ عَلَيْهِ هَدْيًا، وَلاَ صَوْمًا, ثُمَّ تَقُولُونَ فِيمَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ خَرَجَ إلَى مَا وَرَاءَ أَبْعَدِ الْمَوَاقِيتِ فَأَهَلَّ بِالْحَجِّ مِنْهُ, وَهُوَ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ, أَوْ الشَّامِ, أَوْ الْعِرَاقِ أَنَّهُ لاَ هَدْيَ عَلَيْهِ، وَلاَ صَوْمَ, وَلَمْ يَسْقُطْ أَحَدُ السَّفَرَيْنِ, وَيَقُولُونَ فِيمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْبِلاَدِ فَخَرَجَ لِحَاجَتِهِ لاَ يُرِيدُ حَجًّا, وَكَانَتْ حَاجَتُهُ بِعُسْفَانَ, أَوَبِبَطْنٍ; فَلَمَّا صَارَ بِهَا بَدَا لَهُ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَحَجَّ بَعْدَ أَنْ اعْتَمَرَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ: فَلاَ هَدْيَ عَلَيْهِ, وَهُوَ قَدْ أَسْقَطَ السَّفَرَيْنِ إلَى الْحَجِّ, وَإِلَى الْعُمْرَةِ أَيْضًا; وَلَعَمْرِي مَا يَنْبَغِي لِمَنْ لَهُ دِينٌ, أَوْ عَقْلٌ أَنْ يُطْلِقَ، عَنِ اللَّهِ تَعَالَى مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ, وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ.
وَأَمَّا قَوْلُنَا: وَالْمُتَمَتِّعُ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ أَوْ الْهَدْيُ هُوَ مَنْ ابْتَدَأَ عُمْرَتَهُ بِأَنْ يُحْرِمَ لَهَا فِي أَحَدِ أَشْهُرِ الْحَجِّ لاَ قَبْلَ ذَلِكَ أَصْلاً, وَيُتِمَّ عُمْرَتَهُ ثُمَّ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ سَوَاءٌ رَجَعَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ إلَى الْمِيقَاتِ أَوْ إلَى مَنْزِلِهِ أَوْ إلَى أُفُقٍ أَبْعَدَ مِنْ مَنْزِلِهِ, أَوْ مِثْلِهِ أَوْ أَقْرَبَ مِنْهُ, أَوْ أَقَامَ بِمَكَّةَ, اعْتَمَرَ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ عُمَرًا كَثِيرَةً أَوْ لَمْ يَعْتَمِرْ; فَإِنْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ هِلاَلِ شَوَّالٍ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ, وَلاَ هَدْيَ عَلَيْهِ, وَلاَ صَوْمَ إنْ حَجَّ مِنْ عَامِهِ, أَقَامَ بِمَكَّةَ أَوْ لَمْ يُقِمْ عَمِلَ بَعْضَ عُمْرَتِهِ أَكْثَرَهَا أَوْ أَقَلَّهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ, أَوْ لَمْ يَعْمَلْ مِنْهَا شَيْئًا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ إلاَّ أَنْ يَعْتَمِرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَيَكُونَ مُتَمَتِّعًا: فَإِنَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا فِي هَذَا.
فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، نا إِسْحَاقُ بْنُ سُوَيْد قَالَ: سَمِعْت ابْنَ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ إنَّ الْمُتَمَتِّعَ لَيْسَ بِاَلَّذِي تَصْنَعُونَ يَتَمَتَّعُ أَحَدُكُمْ بِالْعُمْرَةِ قَبْلَ الْحَجِّ, وَلَكِنَّ الْحَاجَّ إذَا فَاتَهُ الْحَجُّ أَوْ ضَلَّتْ رَاحِلَتُهُ أَوْ كُسِرَ حَتَّى يَفُوتَهُ الْحَجُّ فَإِنَّهُ يَجْعَلُهَا عُمْرَةً, وَعَلَيْهِ الْحَجُّ مِنْ قَابِلٍ, وَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَقُولُ: الْمُتْعَةُ لِمَنْ أُحْصِرَ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْمُتَمَتِّعُ هُوَ مَنْ اعْتَمَرَ فِي أَيِّ أَشْهُرِ السَّنَةِ كَانَتْ عُمْرَتُهُ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ, ثُمَّ أَقَامَ حَتَّى حَجَّ مِنْ عَامِهِ, فَهَذَا عَلَيْهِ الْهَدْيُ أَوْ الصَّوْمُ; وَكَذَلِكَ مَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ أَقَامَ حَتَّى حَجَّ مِنْ عَامِهِ أَوْ لَمْ يَحُجَّ فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ أَوْ الصَّوْمُ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ طَاوُوس قَالَ: إذَا أَهَلَّ

بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ, وَإِنْ لَمْ يَحُجَّ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُوس، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: إنْ اعْتَمَرَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ أَقَامَ إلَى الْحَجِّ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ طَاوُوس، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: إذَا خَرَجَ الْمَكِّيُّ إلَى الْمِيقَاتِ فَاعْتَمَرَ مِنْهُ فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَيْسَ الْمُتَمَتِّعُ إلاَّ مِنْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ حَتَّى حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَإِنْ رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ فَلَيْسَ مُتَمَتِّعًا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، نا الْعُمَرِيُّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ: إذَا أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ أَقَامَ حَتَّى يَحُجَّ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ, وَإِذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ ثُمَّ حَجَّ فَلَيْسَ مُتَمَتِّعًا.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، نا وَكِيعٌ, وَحَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ قَالَ حَفْصٌ: عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ, وَقَالَ وَكِيعٌ: عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالاَ جَمِيعًا: مَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ رَجَعَ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ, ذَاكَ مَنْ أَقَامَ وَلَمْ يَرْجِعْ. وَبِهِ إلَى وَكِيعٍ، نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ الْمُغِيرَةِ, وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ الْمُغِيرَةُ: عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ, وَقَالَ يَحْيَى: عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ قَالاَ جَمِيعًا: مِثْلَ قَوْلِ عُمَرَ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْمُتَمَتِّعُ هُوَ مَنْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لاَ قَبْلَهَا, ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ حَتَّى حَجَّ مِنْ عَامِهِ, فَإِنْ خَرَجَ بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ إلَى مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ مِنْ مَكَّةَ فَلَيْسَ مُتَمَتِّعًا.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: لَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ حَتَّى يَعْتَمِرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ عَطَاءٌ عُمْرَتُهُ فِي الشَّهْرِ الَّذِي يُهِلُّ فِيهِ فَإِذَا سَافَرَ سَفَرًا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ.
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، نا سُفْيَانُ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ عَطَاءٍ فِيمَنْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ لَمْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ قَالَ: لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنَّ الْمُتَمَتِّعَ مَنْ طَافَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ, ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ, رُوِيَ ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: عُمْرَتُهُ فِي الشَّهْرِ الَّذِي يَطُوفُ فِيهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ قَالَتْ: أَحْرَمْنَا بِالْعُمْرَةِ فِي رَمَضَانَ فَقَدِمْنَا مَكَّةَ فِي شَوَّالٍ فَسَأَلْنَا الْفُقَهَاءَ وَالنَّاسُ مُتَوَافِرُونَ فَكُلُّهُمْ قَالَ: هِيَ مُتْعَةٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مَطَرٍ، عَنْ مَطَرٍ بِصَلاَتِهِ، عَنِ الْحَسَنِ وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ فِيمَنْ أَهَلَّ فِي رَمَضَانَ وَطَافَ فِي شَوَّالٍ قَالاَ جَمِيعًا: عُمْرَتُهُ فِي الشَّهْرِ الَّذِي طَافَ فِيهِ.
وَعَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: إذَا رَجَعَ إلَى

أَهْلِهِ قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ وَبَعْدَ أَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَلَيْسَ مُتَمَتِّعًا; فَإِنْ أَقَامَ حَتَّى يَحُجَّ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ, وَهُوَ كُلُّهُ قَوْلُ سُفْيَانَ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: إنْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فِي رَمَضَانَ فَدَخَلَ الْحَرَمَ قَبْلَ هِلاَلِ شَوَّالٍ فَلَيْسَ مُتَمَتِّعًا, وَإِنْ دَخَلَ الْحَرَمَ بَعْدَ هِلاَلِ شَوَّالٍ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ إذَا حَجَّ مِنْ عَامِهِ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ, وَابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ مَعْمَرٌ: عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاءٍ, وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: إذَا دَخَلَ الْمُحْرِمُ الْحَرَمَ قَبْلَ أَنْ يَرَى هِلاَلَ شَوَّالٍ فَلَيْسَ مُتَمَتِّعًا, وَإِنْ دَخَلَ الْحَرَمَ بَعْدَ أَنْ يَرَى هِلاَلَ شَوَّالٍ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ إذَا مَكَثَ إلَى الْحَجِّ وَهُوَ قَوْلُ الأَوْزَاعِيِّ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِثْلَ قَوْلِنَا: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: مَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فِي شَوَّالٍ أَوْ ذِي الْقَعْدَةِ أَوْ فِي ذِي الْحِجَّةِ قَبْلَ الْحَجِّ فَقَدْ اسْتَمْتَعَ, وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْهَدْيُ, أَوْ الصِّيَامُ إذَا لَمْ يَجِدْ هَدْيًا.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سَيْفٍ، عَنْ يَزِيدَ الْفَقِيرِ أَنَّ قَوْمًا اعْتَمَرُوا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ خَرَجُوا إلَى الْمَدِينَةِ فَأَهَلُّوا بِالْحَجِّ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: عَلَيْهِمْ الْهَدْيُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ فِي مَنْ قَدِمَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ مُعْتَمِرًا ثُمَّ بَدَا لَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ قَالَ: لاَ يَكُونُ مُتَمَتِّعًا حَتَّى يَأْتِيَ مِنْ مِيقَاتِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ, قُلْت لَهُ: أَرَأْيٌ أَمْ عِلْمٌ قَالَ: بَلْ عِلْمٌ.
قال أبو محمد: إنَّمَا وَافَقْنَا عَطَاءً فِي أَنَّهُ لاَ يَكُونُ الْمُتَمَتِّعُ إلاَّ مَنْ أَحْرَمَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ لاَ فِي قَوْلِهِ: إنَّ مَنْ قَدِمَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ مُحْرِمًا ثُمَّ اعْتَمَرَ ثُمَّ حَلَّ ثُمَّ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَنَّهُ لَيْسَ مُتَمَتِّعًا, بَلْ هُوَ مُتَمَتِّعٌ إنْ حَجَّ مِنْ عَامِهِ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: عُمْرَتُهُ فِي الشَّهْرِ الَّذِي أَهَلَّ فِيهِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، نا هُشَيْمٌ, وَأَبُو عَوَانَةَ, قَالَ أَبُو عَوَانَةَ: عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ, وَقَالَ هُشَيْمٌ: أَنَا يُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ, ثُمَّ اتَّفَقَ الْحَسَنُ وَسَعِيدٌ قَالاَ: فِي الْمُتَمَتِّعِ عَلَيْهِ الْهَدْيُ, وَإِنْ رَجَعَ إلَى بِلاَدِهِ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أُخْرَى: إنْ أَحْرَمَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَطَافَ مِنْ عُمْرَتِهِ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ ثُمَّ أَهَلَّ هِلاَلُ شَوَّالٍ فَأَتَمَّ عُمْرَتَهُ ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ أَوْ لَمْ يُقِمْ إلاَّ أَنَّهُ لَمْ يَرْجِعْ إلَى بَلَدِهِ أَوْ أَهَلَّ بِعُمْرَتِهِ كَذَلِكَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ, وَلَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ الْمَوَاقِيتِ, فَمَا دُونِهَا فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ عَلَيْهِ الْهَدْيُ أَوْ الصَّوْمُ, فَإِنْ أَهَلَّ بِعُمْرَتِهِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ, وَطَافَ مِنْ عُمْرَتِهِ ثَلاَثَةَ أَشْوَاطٍ, ثُمَّ أَهَلَّ هِلاَلُ شَوَّالٍ فَلَيْسَ مُتَمَتِّعًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ, وَوَافَقَهُ أَبُو يُوسُفَ عَلَى ذَلِكَ

إلاَّ، أَنَّهُ قَالَ: إذَا رَجَعَ إلَى مَا وَرَاءَ مِيقَاتٍ مِنْ الْمَوَاقِيتِ فَلَيْسَ مُتَمَتِّعًا, وَقَالُوا: مَنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا، وَلاَ هَدْيَ مَعَهُ فَإِنَّهُ يَحِلُّ إذَا أَتَمَّ عُمْرَتَهُ, فَإِنْ كَانَ أَتَى بِهَدْيِهِ فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْ الْحَجِّ يَوْمَ النَّحْرِ, فَإِنْ حَلَّ فَعَلَيْهِ هَدْيٌ آخَرُ لاِِحْلاَلِهِ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الطَّوَافِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ شَيْءٌ وَإِنْ قَلَّ فَأَهَلَّ هِلاَلُ شَوَّالٍ ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ أَوْ رَجَعَ إلَى أُفُقٍ دُونَ أُفُقِهِ فِي الْبُعْدِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ, فَإِنْ أَتَمَّ عُمْرَتَهُ فِي رَمَضَانَ فَلَيْسَ مُتَمَتِّعًا وَكَذَلِكَ الَّذِي يَعْتَمِرُ فِي شَهْرٍ مِنْ شُهُورِ الْحَجِّ, ثُمَّ يَرْجِعُ إلَى أُفُقِهِ أَوْ أُفُقٍ مِثْلِ أُفُقِهِ فِي الْبُعْدِ فَلَيْسَ مُتَمَتِّعًا, وَإِنْ حَجَّ مِنْ عَامِهِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مَنْ اعْتَمَرَ أَكْثَرَ عُمْرَتِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ, ثُمَّ أَقَامَ أَوْ خَرَجَ إلَى مَا دُونَ مِيقَاتٍ مِنْ الْمَوَاقِيتِ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ إذَا حَجَّ مِنْ عَامِهِ; فَإِنْ خَرَجَ إلَى مِيقَاتٍ مِنْ الْمَوَاقِيتِ أَوْ اعْتَمَرَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَلَيْسَ مُتَمَتِّعًا وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ.
قال أبو محمد: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فِي تَقْسِيمِهِ بَيْنَ الأَرْبَعَةِ الأَشْوَاطِ وَالأَقَلِّ فِيمَا يَكُونُ بِهِ مُتَمَتِّعًا, فَقَوْلٌ لاَ يُعْرَفُ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ, وَلاَ حُجَّةَ لَهُ فِيهِ لاَ مِنْ قُرْآنٍ, وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ, وَلاَ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ, وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ, وَلاَ تَابِعٍ; وَلاَ قِيَاسٍ. وَاحْتَجَّ لَهُ بَعْضُ مُقَلِّدِيهِ بِأَنَّهُ عَوَّلَ عَلَى قَوْلِ عَطَاءٍ فِي الْمَرْأَةِ تَحِيضُ بَعْدَ أَنْ طَافَتْ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ.
قال أبو محمد: وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ غَيْرُ الْمُتْعَةِ, وَقَوْلُ عَطَاءٍ أَيْضًا فِيهَا خَطَأٌ; لاَِنَّهُ خِلاَفُ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الْحَائِضَ أَنْ لاَ تَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَلاَِنَّهُ تَقْسِيمٌ بِلاَ دَلِيلٍ أَصْلاً.
وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ: إنَّ الْمُعْتَمِرَ الَّذِي مَعَهُ الْهَدْيُ الْمُرِيدَ الْحَجَّ فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْ حَجِّهِ فَإِنَّهُ بَنَى عَلَى الآثَارِ الْوَارِدَةِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِأَمْرِهِ مَنْ مَعَهُ الْهَدْيُ بِالْبَقَاءِ عَلَى إحْرَامِهِ, وَمَنْ لاَ هَدْيَ مَعَهُ بِالإِحْلاَلِ; وَالاِحْتِجَاجُ بِهَذِهِ الآثَارِ لِقَوْلٍ أَبِي حَنِيفَةَ جَهْلٌ مُظْلِمٌ وَقَوْلٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ, أَوْ تَعَمُّدٌ مِمَّنْ يَعْلَمُ الْكَذِبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَكِلاَهُمَا بَلِيَّةٌ; لإِنَّ جَمِيعَ تِلْكَ الآثَارِ إنَّمَا وَرَدَتْ بِأَنَّهُ عليه السلام أَمَرَ مَنْ لاَ هَدْيَ مَعَهُ مِنْ الْمُفْرِدِينَ لِلْحَجِّ وَالْقَارِنِينَ بِالإِحْلاَلِ, وَأَمَرَ مَنْ مَعَهُ الْهَدْيُ بِأَنْ يَقْرِنَ بَيْنَ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ; وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا أَنَّهُ عليه السلام أَمَرَ مُعْتَمِرًا لَمْ يُقْرِنْ بِالْبَقَاءِ عَلَى إحْرَامِهِ; وَقَدْ ذَكَرْنَاهَا فِي ذِكْرِنَا عَمَلَ الْحَجِّ مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا.
وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فِي تَفْرِيقِهِ بَيْنَ بَقَاءِ شَيْءٍ مِنْ السَّعْيِ لِعُمْرَتِهِ حَتَّى يَهُلَّ هِلاَلُ شَوَّالٍ فَلاَ يُحْفَظُ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ, وَلاَ لَهُ أَيْضًا مُتَعَلَّقٌ فِي ذَلِكَ لاَ بِقُرْآنٍ, وَلاَ بِسُنَّةٍ, وَلاَ بِرِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ, وَلاَ سَقِيمَةٍ, وَلاَ بِقَوْلِ صَاحِبٍ, وَلاَ تَابِعٍ، وَلاَ قِيَاسٍ.

وَقَوْلُ الشَّافِعِيِّ أَيْضًا: لاَ حُجَّةَ لَهُ فِيهِ أَصْلاً, وَإِنَّمَا هِيَ آرَاءٌ مَحْضَةٌ فَوَجَبَ النَّظَرُ فِي سَائِرِ الأَقْوَالِ فِي أَرْبَعَةِ مَوَاضِعَ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ: أَحَدُهَا: مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ, وَالثَّانِي: مَنْ أَقَامَ بِمَكَّةَ حَتَّى حَجَّ أَوْ رَجَعَ إلَى بَلَدِهِ أَوْ أَبْعَدَ مِنْ بَلَدِهِ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ; وَالثَّالِثُ: مَنْ اعْتَمَرَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ وَأَقَامَ بِمَكَّةَ ثُمَّ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ; وَالرَّابِعُ: هَلْ الْمُتَمَتِّعُ مَنْ فَاتَهُ الْحَجُّ كَمَا قَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ أَمْ لَيْسَ هَذَا مُتَمَتِّعًا؟
فَنَظَرْنَا فِي قَوْلِ ابْنِ الزُّبَيْرِ هَذَا فَوَجَدْنَا غَيْرَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، قَدْ خَالَفُوهُ; وَوَجَدْنَاهُ قَوْلاً بِلاَ دَلِيلٍ; بَلْ الدَّلِيلُ قَائِمٌ عَلَى خَطَئِهِ; لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّى مَنْ حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ إدْرَاكِ الْحَجِّ حَتَّى فَاتَ وَقْتُهُ: مُحْصَرًا, وَلَمْ يُسَمِّهِ: مُتَمَتِّعًا وَفَرَّقَ بَيْنَ حُكْمِهِ وَبَيْنَ حُكْمِ الْمُتَمَتِّعِ, قَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ} وَقَالَ تَعَالَى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} فَفَرَّقَ تَعَالَى بَيْنَ اسْمَيْهِمَا وَبَيْنَ حُكْمَيْهِمَا; فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ: هُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
ثُمَّ نَظَرْنَا فِي قَوْلِ طَاوُوس: إنَّ مَنْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ, وَإِنْ لَمْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ, فَوَجَدْنَاهُ خَطَأً; لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعْتُمْ} فَصَحَّ بِنَصِّ الْقُرْآنِ أَنَّهُ لَيْسَ مُتَمَتِّعًا إلاَّ مَنْ حَجَّ بَعْدَ عُمْرَتِهِ لِوُجُوبِ الصِّيَامِ عَلَيْهِ فِي الْحَجِّ إنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا.
ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَنْ اعْتَمَرَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ, أَوْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ, أَوْ اعْتَمَرَ بَعْضَ عُمْرَتِهِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ أَقَلَّهَا أَوْ أَكْثَرَهَا, وَبَعْضَهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَقَلَّهَا أَوْ أَكْثَرَهَا, وَفِيمَنْ أَقَامَ مِنْ هَؤُلاَءِ بِمَكَّةَ حَتَّى حَجَّ مِنْ عَامِهِ أَوْ لَمْ يُقِمْ لَكِنْ خَرَجَ إلَى مَسَافَةٍ تُقْصَرُ فِيهَا الصَّلاَةُ أَوْ لاَ تُقْصَرُ, أَوْ إلَى مِيقَاتٍ أَوْ وَرَاءَ مِيقَاتٍ إلَى بَلَدِهِ أَوْ مِثْلِ بَلَدِهِ أَوْ أَبْعَدَ مِنْ بَلَدِهِ, ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَكَانَ كُلُّ هَؤُلاَءِ مُمْكِنًا فِي اللُّغَةِ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ: مُتَمَتِّعٌ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ, وَمُمْكِنًا أَنْ لاَ يَقَعَ عَلَيْهِ أَيْضًا اسْمُ: مُتَمَتِّعٌ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُوقِعَ عَلَى أَحَدٍ إيجَابُ غَرَامَةِ هَدْيٍ أَوْ إيجَابُ صَوْمٍ بِالظَّنِّ إلاَّ بِبَيَانٍ جَلِيٍّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَلْزَمَهُ ذَلِكَ, فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى بَيَانِ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ.
فَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، نا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، نا اللَّيْثُ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ، عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ, وَأَهْدَى وَسَاقَ مَعَهُ الْهَدْيَ

مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَبَدَأَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ, فَكَانَ مِنْ النَّاسِ مَنْ أَهْدَى, فَسَاقَ الْهَدْيَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُهْدِ, فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ قَالَ لِلنَّاسِ: مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حُرِمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ, وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَيَقْصُرْ وَيَحِلَّ ثُمَّ لِيُهِلَّ بِالْحَجِّ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ; فَكَانَ فِي هَذَا الْخَبَرِ بَيَانُ مَنْ هُوَ الْمُتَمَتِّعُ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ الْهَدْيُ أَوْ الصَّوْمُ الْمَذْكُورُ وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا أَمَرَ بِهَذَا أَصْحَابَهُ الْمُتَمَتِّعِينَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ, وَهُمْ قَوْمٌ ابْتَدَءُوا الإِحْرَامَ لِعُمْرَتِهِمْ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجُّوا فِي تِلْكَ الأَشْهُرِ فَخَرَجَ بِهَذَا الْخَبَرِ الثَّابِتِ، عَنْ أَنْ يَكُونَ مُتَمَتِّعًا بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ كُلُّ مَنْ عَمِلَ شَيْئًا مِنْ عُمْرَتِهِ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ كُلِّهَا أَوْ أَكْثَرِهَا أَوْ أَقَلِّهَا; لاَِنَّهُ عليه السلام لَمْ يُخَاطِبْ بِهَذَا الْحُكْمِ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الصِّفَاتِ بِلاَ شَكٍّ وَارْتَفَعَ الإِشْكَالُ فِي أَمْرِ هَؤُلاَءِ بِيَقِينٍ. وَأَيْضًا فَيُقَالُ لِمَنْ قَالَ: إنْ عَمِلَ الأَكْثَرَ مِنْ عُمْرَتِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ: مِنْ أَيْنَ لَك هَذَا دُونَ أَنْ يَقُولَ: إنَّ مَنْ عَمِلَ مِنْهَا شَيْئًا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ;، وَلاَ سَبِيلَ إلَى دَلِيلٍ عَلَى ذَلِكَ وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا: مِنْ أَيْنَ لَكَ أَنَّ أَرْبَعَةَ أَشْوَاطٍ مِنْ طَوَافِ الْعُمْرَةِ هُوَ الأَكْثَرُ بَلْ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الأَقَلِّ; لإِنَّ الْعُمْرَةَ عِنْدَك وَعِنْدَنَا إحْرَامُ مُدَّةٍ ثُمَّ سَبْعَةِ أَشْوَاطٍ, ثُمَّ سَبْعَةِ أَطَوَافً بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ; فَالْبَاقِي بَعْدَ الأَرْبَعَةِ الأَشْوَاطِ قَدْ يَكُونُ أَكْثَرَ مِمَّا مَضَى لَهُ مِنْ عَمَلِ الْعُمْرَةِ. وَيُقَالُ لِمَنْ قَالَ: إنْ عَمِلَ مِنْ عُمْرَتِهِ شَيْئًا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ: مِنْ أَيْنَ قُلْتَ هَذَا دُونَ أَنْ تَقُولَ: إنْ عَمِلَ الأَكْثَرَ مِنْهَا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ;، وَلاَ سَبِيلَ إلَى دَلِيلٍ أَصْلاً; وَكِلْتَا الدَّعْوَتَيْنِ تُعَارِضُ الآُخْرَى, وَكِلْتَاهُمَا لاَ شَيْءَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَبَقِيَ أَمْرُ مَنْ خَرَجَ بَعْدَ اعْتِمَارِهِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ إلَى بَلَدِهِ أَوْ إلَى بَلَدٍ فِي الْبُعْدِ مِثْلِ بَلَدِهِ, أَوْ إلَى وَرَاءِ مِيقَاتٍ مِنْ الْمَوَاقِيتِ, أَوْ إلَى مِيقَاتٍ مِنْ الْمَوَاقِيتِ, أَوْ إلَى مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ: فَوَجَدْنَا هَذَا الْخَبَرَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمُبَيِّنِ، عَنِ اللَّهِ تَعَالَى مُرَادَهُ لَمْ يَشْتَرِطْ فِيهِ عَلَى مَنْ خَاطَبَهُ بِذَلِكَ الْحُكْمِ إقَامَةً بِمَكَّةَ وَتَرْكَ خُرُوجٍ مِنْهَا أَصْلاً {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إنْ هُوَ إلاَّ وَحْيٌ يُوحَى}، {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} وَلَوْ كَانَ هَذَا مِنْ شَرْطِ التَّمَتُّعِ لَمَا أَغْفَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيَانَهُ حَتَّى نَحْتَاجَ فِي ذَلِكَ إلَى بَيَانٍ بِرَأْيٍ فَاسِدٍ, وَظَنٍّ كَاذِبٍ, وَتَدَافُعٍ مِنْ الأَقْوَالِ بِلاَ بُرْهَانٍ. وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي هَذَا الْخَبَرِ الثَّابِتِ: وَيَحِلَّ ثُمَّ لِيُهِلَّ بِالْحَجِّ بَيَانٌ بِإِبَاحَةِ الْمُهْلَةِ بَيْنَ الإِحْلاَلِ وَالإِهْلاَلِ; وَلاَ مَانِعَ لِمَنْ عَرَضَتْ لَهُ مِنْهُمْ، رضي

الله عنهم، حَاجَةٌ مِنْ الْخُرُوجِ، عَنْ مَكَّةَ لَهَا فَبَطَلَ أَنْ تَكُونَ الإِقَامَةُ بِمَكَّةَ حَتَّى يَحُجَّ مِنْ شُرُوطِ التَّمَتُّعِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَصَحَّ أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ بِنَصِّ الْخَبَرِ الْمَذْكُورِ هُوَ مَنْ أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ فِي تِلْكَ الأَشْهُرِ فَقَطْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. ثُمَّ يُقَالُ لِمَنْ قَالَ: إنْ خَرَجَ إلَى بَلَدِهِ سَقَطَ عَنْهُ الْهَدْيُ وَالصَّوْمُ اللَّذَانِ افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى أَحَدَهُمَا عَلَى الْمُتَمَتِّعِ: مِنْ أَيْنَ لَك هَذَا وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ مَنْ قَالَ: إنْ خَرَجَ إلَى بَلَدٍ مِثْلِ بَلَدِهِ فِي الْبُعْدِ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ وَهَكَذَا يُقَالُ أَيْضًا لِمَنْ قَالَ: إنْ خَرَجَ إلَى بَلَدٍ فِي الْبُعْدِ مِثْلِ بَلَدِهِ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ مِنْ أَيْنَ قُلْتَ هَذَا وَهَلاَّ خَصَّصَتْ بِسُقُوطِ التَّمَتُّعِ مَنْ خَرَجَ إلَى بَلَدِهِ فَقَطْ; وَيُقَالُ لَهُمَا جَمِيعًا: هَلاَّ قُلْتُمَا مَنْ خَرَجَ إلَى وَرَاءِ مِيقَاتٍ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ؟
قال أبو محمد: لاَ مَخْلَصَ لَهُمْ مِنْ هَذَا السُّؤَالِ أَصْلاً إلاَّ أَنْ يَقُولَ قَائِلُهُمْ: كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِالْحَجِّ مِنْ بَلَدِهِ أَوْ مِنْ مِيقَاتٍ مِنْ الْمَوَاقِيتِ فَنَقُولُ لِمَنْ قَالَ هَذَا: قُلْت الْبَاطِلَ, وَمَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ أَنْ يَأْتِيَ بِالْحَجِّ مِنْ بَلَدِهِ، وَلاَ مِنْ مِثْلِ بَلَدِهِ فِي الْبُعْدِ، وَلاَ مِنْ مِيقَاتٍ، وَلاَ بُدَّ; بَلْ أَنْتُمْ مُجْمِعُونَ مَعَنَا عَلَى أَنَّ الْمُسْلِمَ فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِ الاِسْتِطَاعَةِ لِلْحَجِّ لَوْ خَرَجَ تَاجِرًا أَوْ مُسَافِرًا لِبَعْضِ الأَمْرِ قَبْلَ مِقْدَارٍ مَا إنْ أَرَادَ الْحَجَّ كَانَتْ لَهُ مُهْلَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْوَقْتِ الَّذِي إذَا أَهَلَّ فِيهِ أَدْرَكَ الْحَجَّ عَلَى سَعَةٍ وَمَهْلٍ, فَإِنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ الْخُرُوجُ إلَى مَكَّةَ حِينَئِذٍ أَصْلاً, وَأَنَّهُ إنْ قَرُبَ مِنْ مَكَّةَ لِحَاجَتِهِ فَقَرُبَ وَقْتُ الْحَجِّ وَهُوَ بِمُسْتَطِيعٍ لَهُ فَحَجَّ مِنْ ذَلِكَ الْمَكَانِ أَنَّهُ قَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ بِأَتَمِّ مَا يَلْزَمُهُ, وَأَنَّهُ لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ إذْ لَمْ يَأْتِ لِلْحَجِّ مِنْ بَلَدِهِ أَصْلاً. وَكَذَلِكَ لاَ خِلاَفَ فِيمَنْ جَازَ عَلَى مِيقَاتٍ لاَ يُرِيدُ حَجًّا, وَلاَ عُمْرَةً, وَلاَ دُخُولَ مَكَّةَ لَكِنْ لِحَاجَةٍ لَهُ فِي رِهَاطٍ أَوْ فِي بُسْتَانِ ابْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ الإِهْلاَلُ مِنْ هُنَالِكَ, وَأَنَّهُ إنْ بَدَا لَهُ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ, وَقَدْ تَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ فَإِنَّهُ يُهِلُّ مِنْ مَكَانِهِ ذَلِكَ, وَحَجُّهُ تَامٌّ وَعُمْرَتُهُ تَامَّةٌ, وَأَنَّهُ غَيْرُ مُقَصِّرٍ فِي شَيْءٍ مِمَّا يَلْزَمُهُ. فَصَحَّ أَنَّ الْقَصْدَ لِلْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ مِنْ بَلَدِ الإِنْسَانِ, أَوْ مِنْ مِثْلِ بَلَدِهِ فِي الْبُعْدِ, أَوْ مِنْ الْمِيقَاتِ لِمَنْ لَمْ يَمُرَّ بِهِ, وَهُوَ يُرِيدُ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً لَيْسَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ مِنْ شُرُوطِ الْحَجِّ, وَلاَ الْعُمْرَةِ فَبَطَلَتْ هَذِهِ الأَقْوَالُ الْفَاسِدَةُ جِدًّا, وَكَانَ تَعَارُضُهَا وَتَوَافُقُهَا بُرْهَانًا فِي فَسَادِ جَمِيعِهَا, فَإِنْ قَالَ مَنْ قَالَ: إنَّهُ إنْ خَرَجَ إلَى الْمِيقَاتِ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ; لإِنَّ أَهْلَ الْمَوَاقِيتِ لَيْسَ لَهُمْ التَّمَتُّعُ قلنا لَهُ: قَدْ قُلْتَ الْبَاطِلَ, وَاحْتَجَجْت لِلْخَطَأِ بِالْخَطَأِ, وَلِدَعْوَى كَاذِبَةٍ, وَكَفَى بِهَذَا مَقْتًا. فَإِنْ قَالَ: إنَّ أَهْلَ

الْمَوَاقِيتِ فَمَا دُونَهَا إلَى مَكَّةَ لاَ هَدْيَ عَلَيْهِمْ، وَلاَ صَوْمَ فِي التَّمَتُّعِ قلنا: قُلْت الْبَاطِلَ وَادَّعَيْت مَا لاَ يَصِحُّ, ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَك لَكَانَ حُجَّةً عَلَيْك; لإِنَّ أَهْلَ مَكَّةَ لاَ هَدْيَ عَلَيْهِمْ, وَلاَ صَوْمَ فِي التَّمَتُّعِ وَلَمْ يَكُنْ الْمُقِيمُ بِهَا حَتَّى يَحُجَّ كَذَلِكَ, بَلْ الْهَدْيُ عَلَيْهِ, أَوْ الصَّوْمُ; فَهَلاَّ إذْ كَانَ عِنْدَك مَنْ خَرَجَ إلَى مِيقَاتٍ فَمَا دُونَهُ إلَى مَكَّةَ يَصِيرُ فِي حُكْمِ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فِي سُقُوطِ الْهَدْيِ وَالصَّوْمِ عَلَيْهِ, جَعَلْت أَيْضًا الْمُقِيمَ بِمَكَّةَ حَتَّى يَحُجَّ فِي حُكْمِ أَهْلِ مَكَّةَ فِي سُقُوطِ الْهَدْيِ وَالصَّوْمِ عَنْهُمَا فَظَهَرَ تَنَاقُضُ هَذَا الْقَوْلِ الْفَاسِدِ أَيْضًا. ثُمَّ يُقَالُ لِمَنْ قَالَ: إنْ خَرَجَ إلَى مَكَان تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلاَةُ, سَقَطَ عَنْهُ الْهَدْيُ وَالصَّوْمُ: مِنْ أَيْنَ قُلْت هَذَا، وَلاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ أَصْلاً. فَإِنْ قَالَ: لاَِنَّهُ قَدْ سَافَرَ إلَى الْحَجِّ قلنا: نَعَمْ فَكَانَ مَاذَا وَمَا الَّذِي جَعَلَ سَفَرَهُ مُسْقِطًا لِلْهَدْيِ, وَالصَّوْمِ اللَّذَيْنِ أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ هَاتُوا شَيْئًا غَيْرَ هَذِهِ الدَّعْوَى، وَلاَ سَبِيلَ إلَى ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
قال أبو محمد: وَمِنْ هَذَا الْخَبَرِ الَّذِي ذَكَرْنَا غَلِطَ أَبُو حَنِيفَةَ, وَأَصْحَابُهُ فِي إيجَابِهِمْ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ الَّذِي سَاقَ الْهَدْيَ: أَنْ يَبْقَى عَلَى إحْرَامِهِ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ.
قال أبو محمد: وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ; لإِنَّ ابْنَ عُمَرَ رَاوِي الْخَبَرِ رضي الله عنه وَإِنْ كَانَ قَالَ فِي أَوَّلِهِ: تَمَتَّعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فِي الْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَإِنَّهُ بَيَّنَ إثْرَ هَذَا الْكَلاَمِ صِفَةَ عَمَلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ أَنَّهُ عليه السلام بَدَأَ فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ فَذَكَرَ صِفَةَ الْقِرَانِ. وَهَكَذَا صَحَّ فِي سَائِرِ الأَخْبَارِ مِنْ رِوَايَةِ الْبَرَاءِ, وَعَائِشَةَ, وَحَفْصَةَ أُمَّيْ الْمُؤْمِنِينَ, وَأَنَسٍ, وَغَيْرِهِمْ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ قَارِنًا. فَصَحَّ أَنَّ الَّذِينَ أَمَرَهُمْ عليه السلام إذْ أَهْدَوْا بِأَنْ لاَ يَحِلُّوا إنَّمَا كَانُوا قَارِنِينَ وَهَكَذَا رَوَتْ عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ، رضي الله عنها، أَنَّهُ عليه السلام أَمَرَ مَنْ مَعَهُ الْهَدْيُ بِأَنْ يُهِلَّ بِحَجٍّ مَعَ عُمْرَتِهِ فَعَادَ احْتِجَاجُهُمْ عَلَيْهِمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. فإن قال قائل: قَدْ صَحَّ الإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّ مَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَابْتَدَأَ عُمْرَتَهُ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ; ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ إلَى أَنْ حَجَّ لَمْ يَخْرُجْ عَنْهَا أَنَّهُ مُتَمَتِّعٌ عَلَيْهِ الْهَدْيُ, أَوْ الصَّوْمُ وَاخْتَلَفُوا فِيهِ إذَا أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ, وَإِذَا خَرَجَ بَيْنَ عُمْرَتِهِ, وَحَجِّهِ مِنْ مَكَّةَ أَمُتَمَتِّعٌ هُوَ أَمْ لاَ فَوَجَبَ أَنْ لاَ يَلْزَمَهُ الْهَدْيُ أَوْ الصَّوْمُ إلاَّ مَنْ أَجْمَعَ عَلَى أَنَّهُ يَلْزَمُهُ حُكْمُ الْمُتَمَتِّعِ قلنا: هَذَا خَطَأٌ, وَمَا أَجْمَعَ النَّاسُ قَطُّ عَلَى مَا قُلْتُمْ; وَقَدْ رُوِّينَا، عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ الْمُتَمَتِّعَ هُوَ الْمُحْصَرُ لاَ مَنْ حَجَّ بَعْدَ أَنْ اعْتَمَرَ, وَلاَ مَعْنَى لِمُرَاعَاةِ الإِجْمَاعِ مَعَ وُرُودِ بَيَانِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم; لإِنَّ فِي الْقَوْلِ بِهَذَا إيجَابَ مُخَالَفَةِ أَوَامِرِهِ عليه السلام مَا لَمْ يُجْمِعْ النَّاسُ عَلَيْهَا; وَهَذَا عَيْنُ الْبَاطِلِ بَلْ إذَا تَنَازَعَ النَّاسُ

رَدَدْنَا ذَلِكَ إلَى مَا افْتَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْنَا الرَّدَّ إلَيْهِ مِنْ الْقُرْآنِ, وَالسُّنَّةِ لاَ نُرَاعِي مَا أَجْمَعُوا عَلَيْهِ مَعَ وُجُودِ بَيَانِ السُّنَّةِ فِي أَحَدِ أَقْوَالِ الْمُتَنَازِعِينَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا قَوْلُنَا: لاَ يَجِبُ الْوُقُوفُ بِالْهَدْيِ بِعَرَفَةَ فَإِنْ وَقَفَ بِهَا فَحَسَنٌ, وَإِلاَّ فَحَسَنٌ; فَإِنَّ مَالِكًا وَمَنْ قَلَّدَهُ قَالَ: لاَ يُجْزِئُ مِنْ الْهَدْيِ الَّذِي يُبْتَاعُ فِي الْحَرَمِ إلاَّ أَنْ يُوقَفَ بِعَرَفَةَ، وَلاَ بُدَّ; وَإِلاَّ فَلاَ يُجْزِئُ إنْ كَانَ وَاجِبًا; فَإِنْ كَانَ تَطَوُّعًا فَلَمْ يُوقَفْ بِعَرَفَةَ فَإِنَّهُ يُنْحَرُ بِمَكَّةَ، وَلاَ بُدَّ, وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُنْحَرَ بِمِنًى, فَإِنْ اُبْتِيعَ الْهَدْيُ فِي الْحِلِّ ثُمَّ أُدْخِلَ الْحَرَمَ أَجْزَأَ, وَإِنْ لَمْ يُوقَفْ بِعَرَفَةَ وَالإِبِلُ, وَالْبَقَرُ, وَالْغَنَمُ عِنْدَهُمْ سَوَاءٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ. وَقَالَ اللَّيْثُ: لاَ يَكُونُ هَدْيًا إلاَّ مَا قَلَّدَ وَأَشْعَرَ وَوَقَفَ بِعَرَفَةَ: وقال أبو حنيفة, وَالشَّافِعِيُّ, وَسُفْيَانُ, وَأَبُو سُلَيْمَانَ: لاَ مَعْنَى لِلتَّعْرِيفِ بِالْهَدْيِ سَوَاءٌ اُبْتِيعَ فِي الْحَرَمِ أَوْ فِي الْحِلِّ, إنْ عَرَّفَ فَجَائِزٌ, وَإِنْ لَمْ يُعَرِّفْ فَجَائِزٌ.
قال أبو محمد: أَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فَمَا نَعْلَمُهُ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ لاَ قَبْلَهُ، وَلاَ مَعَهُ, وَلاَ نَعْرِفُ لَهُ وَجْهًا أَصْلاً لاَ مِنْ سُنَّةٍ صَحِيحَةٍ, وَلاَ مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ, وَلاَ مِنْ قَوْلِ سَلَفٍ, وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ, وَلاَ مِنْ رَأْيٍ لَهُ مَعْنَى. وَأَمَّا قَوْلُ اللَّيْثِ فَإِنَّهُ يُحْتَجُّ لَهُ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ حَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ, وَإِسْرَائِيلَ, وَيُونُسَ بْنِ يُونُسَ, قَالَ حَجَّاجٌ: عَنْ عَطَاءٍ; وَقَالَ إسْرَائِيلُ: عَنْ ثُوَيْرِ بْنِ أَبِي فَاخِتَةَ، عَنْ طَاوُوس أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَرَّفَ بِالْبُدْنِ.
قال علي: وهذانِ مُرْسَلاَنِ, وَلاَ حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ, ثُمَّ إنَّ الْحَجَّاجَ, وَإِسْرَائِيلَ, وَثُوَيْرًا كُلُّهُمْ ضُعَفَاءُ; ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ, لإِنَّ هَذَا فِعْلٌ لاَ أَمْرٌ, وَلاَ حُجَّةَ فِيهِ لِمَالِكٍ لاَِنَّهُ شَرَطَ شُرُوطًا لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ شَيْءٌ مِنْهَا, وَهَدْيُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إنَّمَا سِيقَ مِنْ الْمَدِينَةِ بِلاَ خِلاَفٍ; وَمَالِكٌ لاَ يُوجِبُ التَّوْقِيفَ بِعَرَفَةَ فِيمَا أُدْخِلَ مِنْ الْحِلِّ. وَيُحْتَجُّ لِقَوْلِ اللَّيْثِ أَيْضًا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، نا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، نا عُبَيْدُ اللَّهِ، هُوَ ابْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لاَ هَدْيَ إلاَّ مَا قُلِّدَ, وَسِيقَ, وَوُقِفَ بِعَرَفَةَ.
وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كُلُّ هَدْيٍ لَمْ يُشْعَرْ وَيُقَلَّدْ وَيُفَضْ بِهِ مِنْ عَرَفَةَ فَلَيْسَ بِهَدْيٍ إنَّمَا هِيَ ضَحَايَا.
قَالَ عَلِيٌّ: مَالِكٌ لاَ يُحْتَجُّ لَهُ بِهَذَا; لاَِنَّهُ لاَ يَرَى التَّرْكَ لِلتَّقْلِيدِ وَلِلإِشْعَارِ مَانِعًا مِنْ أَنْ يَكُونَ هَدْيًا.
قَالَ عَلِيٌّ: لاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ خَالَفَ ابْنُ عُمَرَ فِي هَذَا غَيْرَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، نا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، نا رَبَاحُ بْنُ أَبِي مَعْرُوفٍ،

عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إنْ شِئْت فَعَرِّفْ الْهَدْيَ, وَإِنْ شِئْت فَلاَ تُعَرِّفْ بِهِ إنَّمَا أَحْدَثَ النَّاسُ السِّيَاقَ مَخَافَةَ السُّرَّاقِ. وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، نا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، نا الأَعْمَشُ، عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: دَعَا الأَسْوَدُ مَوْلًى لَهُ فَأَمَرَهُ أَنْ يُخْبِرَنِي بِمَا قَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ, فَقَالَ: نَعَمْ سَأَلْتُ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ فَقُلْت: أُعَرِّفُ بِالْهَدْيِ فَقَالَتْ: لاَ عَلَيْك أَنْ لاَ تُعَرِّفَ بِهِ. وَعَنْ عَطَاءٍ, وطَاوُوس: لاَ يَضُرُّكَ أَنْ لاَ تُعَرِّفَ بِهِ. وَعَنِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهُ أَمَرَ بِتَعْرِيفِ بَدَنَةٍ أُدْخِلَتْ مِنْ الْحِلِّ.
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ لَمْ يَرَ هَدْيًا إلاَّ مَا عُرِّفَ بِهِ مِنْ الإِبِلِ وَالْبَقَرِ خَاصَّةً.
قال أبو محمد: لَمْ يَأْتِ أَمْرٌ بِتَعْرِيفِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فِي قُرْآنٍ, وَلاَ سُنَّةٍ, وَلاَ يَجِبُ إلاَّ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي أَحَدِهِمَا, وَلاَ قِيَاسَ يُوجِبُ ذَلِكَ أَيْضًا; لإِنَّ مَنَاسِكَ الْحَجِّ إنَّمَا تَلْزَمُ النَّاسَ لاَ الإِبِلَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا قَوْلُنَا: وَلاَ هَدْيَ عَلَى الْقَارِنِ غَيْرُ الْهَدْيِ الَّذِي سَاقَ مَعَ نَفْسِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ, وَهُوَ هَدْيُ تَطَوُّعٍ سَوَاءٌ مَكِّيًّا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَكِّيٍّ فَإِنَّ مَالِكًا, وَالشَّافِعِيَّ قَالاَ عَلَى الْقَارِنِ هَدْيٌ وَحُكْمُهُ كَحُكْمِ الْمُتَمَتِّعِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ فِي تَعْوِيضِ الصَّوْمِ مِنْهُ إنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا, وَلَيْسَ عَلَى الْمَكِّيِّ عِنْدَهُمَا هَدْيٌ, وَلاَ صَوْمٌ إنْ قَرَنَ, كَمَا لاَ شَيْءَ عَلَيْهِ فِي التَّمَتُّعِ. وقال مالك: لَمْ أَسْمَعْ قَطُّ أَنَّ مَكِّيًّا قَرَنَ. وقال أبو حنيفة: إنْ تَمَتَّعَ الْمَكِّيُّ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ لاَ هَدْيَ, وَلاَ صَوْمَ وَإِنْ قَرَنَ فَعَلَيْهِ هَدْيٌ، وَلاَ بُدَّ;، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُعَوَّضَ مِنْهُ صَوْمٌ وَجَدَ هَدْيًا أَوْ لَمْ يَجِدْ، وَلاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ شَيْئًا. قَالَ: وَالْمَكِّيُّ عِنْدَهُ مَنْ كَانَ سَاكِنًا فِي أَحَدِ الْمَوَاقِيتِ فَمَا دُونَهَا إلَى مَكَّةَ قَالَ: فَإِنْ تَمَتَّعَ مَنْ هُوَ سَاكِنٌ فِيمَا وَرَاءَ الْمَوَاقِيتِ أَوْ قَرَنَ; فَعَلَيْهِ هَدْيٌ وَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ, فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصَوْمُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ.
قال أبو محمد: أَمَّا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ فَفِيهِ وُجُوهٌ جَمَّةٌ مِنْ الْخَطَأِ: أَوَّلُهَا أَنَّهُ تَقْسِيمٌ لاَ يُعْرَفُ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ. وَالثَّانِي تَفْرِيقُهُ بَيْنَ قِرَانِ الْمَكِّيِّ وَبَيْنَ تَمَتُّعِهِ, وَتَسْوِيَتُهُ بَيْنَ قِرَانِ غَيْرِ الْمَكِّيِّ وَبَيْنَ تَمَتُّعِهِ بِلاَ بُرْهَانٍ. الثَّالِثُ تَعْوِيضُهُ الصَّوْمَ مِنْ هَدْيِ غَيْرِ الْمَكِّيِّ, وَمَنْعُهُ مِنْ تَعْوِيضِهِ الصَّوْمَ مِنْ هَدْيِ الْمَكِّيِّ; كُلُّ ذَلِكَ رَأْيٌ فَاسِدٌ لاَ سَلَفَ لَهُ فِيهِ, وَلاَ دَلِيلَ أَصْلاً. فَقَالُوا: إنَّ الْمَكِّيَّ إذَا قَرَنَ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي إسَاءَةٍ. فَقُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا وَأَيْنَ وَجَدْتُمْ أَنَّ مَنْ دَخَلَ فِي إسَاءَةٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُعَوِّضَ مِنْ هَدْيهِ دَمٌ وَهَذَا قَاتِلُ الصَّيْدِ مُحْرِمًا دَاخِلٌ فِي أَعْظَمِ الإِسَاءَةِ وَأَشَدِّ الإِثْمِ, وَقَدْ عَوَّضَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ هَدْيِهِ صَوْمًا وَإِطْعَامًا وَخَيَّرَهُ فِي أَيِّ ذَلِكَ شَاءَ وَهَذَا الْمُحْصَرُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي إسَاءَةٍ بَلْ مَأْجُورٌ مَعْذُورٌ وَلَمْ يُعَوِّضْ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ هَدْيِهِ صَوْمًا، وَلاَ إطْعَامًا; فَكَمْ هَذَا التَّخْلِيطُ وَالْخَبْطُ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى بِشَرْعِ الشَّرَائِعِ الْفَاسِدَةِ فِيهِ؟

وَأَيْضًا: فَالْمَكِّيُّ عِنْدَهُمْ إذَا تَمَتَّعَ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي إسَاءَةٍ أَوْ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي إسَاءَةٍ لاَ بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا, فَإِنْ كَانَ دَاخِلاً فِي إسَاءَةٍ فَلِمَ لَمْ يَجْعَلُوا عَلَيْهِ هَدْيًا كَاَلَّذِي جَعَلُوا فِي الْقِرَانِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ دَاخِلاً فِي إسَاءَةٍ فَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ أَنْ يَدْخُلَ إذَا قَرَنَ فِي إسَاءَةٍ فَهَلْ فِيمَا يَأْتِي بِهِ الْمَمْرُورُونَ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا وَأَمَّا نَحْنُ فَلَيْسَ الْمَكِّيُّ، وَلاَ غَيْرُهُ مُسِيئًا فِي قِرَانِهِ، وَلاَ فِي تَمَتُّعِهِ بَلْ هُمَا مُحْسِنَانِ فِي كُلِّ ذَلِكَ كَسَائِرِ النَّاسِ، وَلاَ فَرْقَ; فَسَقَطَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ لِعَظِيمِ تَنَاقُضِهِ وَفَسَادِهِ, وَأَمَّا مَالِكٌ, وَالشَّافِعِيُّ, فَإِنَّهُمَا قَاسَا الْقِرَانَ عَلَى الْمُتْعَةِ فِي الْمَكِّيِّ وَغَيْرِهِ.
قال أبو محمد: الْقِيَاسُ كُلُّهُ خَطَأٌ ثُمَّ لَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْخَطَأِ; لاَِنَّهُ لاَ شَبَهَ بَيْنَ الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ; لإِنَّ الْمُتَمَتِّعَ يَجْعَلُ بَيْنَ عُمْرَتِهِ وَحَجِّهِ إحْلاَلاً، وَلاَ يَجْعَلُ الْقَارِنُ بَيْنَ عُمْرَتِهِ وَحَجِّهِ إحْلاَلاً. وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْقَارِنَ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَنَا لاَ يَطُوفُ إلاَّ طَوَافًا وَاحِدًا، وَلاَ يَسْعَى إلاَّ سَعْيًا وَاحِدًا وَالْمُتَمَتِّعُ يَطُوفُ طَوَافَيْنِ وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ الْقَارِنَ لاَ بُدَّ لَهُ مِنْ عَمَلِ الْحَجِّ مَعَ عُمْرَتِهِ وَالْمُتَمَتِّعُ إنْ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَحُجَّ لَمْ يَلْزَمْهُ أَنْ يَحُجَّ, وَالْقِيَاسُ عِنْدَهُمَا لاَ يَكُونُ إلاَّ عَلَى عِلَّةٍ جَامِعَةٍ بَيْنَ الْحُكْمَيْنِ، وَلاَ عِلَّةَ تَجْمَعُ بَيْنَ الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ.
فَإِنْ قَالُوا: الْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ هِيَ إسْقَاطُ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ قلنا: هَذِهِ عِلَّةٌ مَوْضُوعَةٌ لاَ دَلِيلَ لَكُمْ عَلَى صِحَّتِهَا وَقَدْ أَرَيْنَاكُمْ بُطْلاَنَهَا مِرَارًا, وَأَقْرَبُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَحْرَمَ وَعَمِلَ عُمْرَتَهُ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ أَهَلَّ هِلاَلُ شَوَّالٍ إثْرَ إحْلاَلِهِ مِنْهَا ثُمَّ أَقَامَ بِمَكَّةَ وَلَمْ يَبْرَحْ حَتَّى حَجَّ مِنْ عَامِهِ ذَلِكَ فَلاَ هَدْيَ عَلَيْهِ عِنْدَهُمَا، وَلاَ صَوْمَ; وَقَدْ أَسْقَطَ أَحَدَ السَّفَرَيْنِ. وَكَذَلِكَ مَنْ قَصَدَ إلَى مَا دُونَ التَّنْعِيمِ دَاخِلَ الْعَامِ لِحَاجَةٍ فَلَمَّا صَارَ هُنَالِكَ وَهُوَ لاَ يُرِيدُ حَجًّا، وَلاَ عُمْرَةً بَدَا لَهُ فِي الْعُمْرَةِ فَاعْتَمَرَ مِنْ التَّنْعِيمِ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ; ثُمَّ أَقَامَ حَتَّى حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَلاَ هَدْيَ عَلَيْهِ، وَلاَ صَوْمَ عِنْدَهُمَا; وَهُوَ قَدْ أَسْقَطَ السَّفَرَيْنِ جَمِيعًا سَفَرَ الْحَجِّ وَسَفَرَ الْعُمْرَةِ. ثُمَّ يَقُولاَنِ فِيمَنْ حَجَّ بَعْدَهُ بِسَاعَةٍ إثْرَ ظُهُورِ هِلاَلِ شَوَّالٍ فَاعْتَمَرَ, ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْبَيْدَاءِ عَلَى أَقَلَّ مِنْ بَرِيدٍ مِنْ الْمَدِينَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ, أَوْ إلَى مَدِينَةِ الْفُسْطَاطِ, وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الإِسْكَنْدَرِيَّة عِنْدَ مَالِكٍ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ: فَعَلَيْهِ الْهَدْيُ أَوْ الصَّوْمُ, وَهُوَ لَمْ يُسْقِطْ سَفَرًا أَصْلاً; فَظَهَرَ فَسَادُ هَذِهِ الْعِلَّةِ الَّتِي لاَ عِلَّةَ أَفْسَدَ مِنْهَا, وَلاَ أَبْطَلَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَاحْتَجَّ بَعْضُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ مِمَّنْ يَرَى الْهَدْيَ فِي الْقِرَانِ بِأَنْ قَالَ: قَدْ صَحَّ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ, وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ, وَعَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ, وَعِمْرَانَ بْنَ الْحُصَيْنِ, وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُمْ سَمَّوْا الْقِرَانَ: تَمَتُّعًا, وَهُمْ الْحُجَّةُ فِي اللُّغَةِ; فَإِذْ الْقِرَانُ تَمَتُّعٌ فَالْهَدْيُ فِيهِ, أَوْ الصَّوْمُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ فِي إيجَابِ ذَلِكَ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ.

قال أبو محمد: لاَ يَخْتَلِفُ هَؤُلاَءِ، رضي الله عنهم، وَلاَ غَيْرُهُمْ فِي أَنَّ عَمَلَ الْمُهِلِّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ مَعًا هُوَ عَمَلٌ غَيْرُ عَمَلِ الْمُهِلِّ بِعُمْرَةٍ فَقَطْ, ثُمَّ يَحُجُّ مِنْ عَامِهِ بِإِهْلاَلٍ آخَرَ مُبْتَدَأً; فَإِذْ ذَلِكَ كَذَلِكَ فَالْمَرْجُوعُ إلَيْهِ هُوَ بَيَانُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهَبْكَ أَنَّ كِلَيْهِمَا يُسَمَّى تَمَتُّعًا إلاَّ أَنَّهُمَا عَمَلاَنِ مُتَغَايِرَانِ. فَنَظَرْنَا فِي ذَلِكَ فَوَجَدْنَا الْحَدِيثَ الَّذِي ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ فَتَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَهُ عليه السلام بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ, فَكَانَ مِنْ النَّاس مَنْ أَهْدَى فَسَاقَ الْهَدْيَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُهْدِ, فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ قَالَ لِلنَّاسِ: "مَنْ كَانَ مِنْكُمْ أَهْدَى فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حُرِمَ مِنْهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ, وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَيَقْصُرْ وَيَحِلَّ; ثُمَّ لِيُهِلَّ بِالْحَجِّ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا فَلْيَصُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ".
وَقَدْ ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ وَمَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ مَنْ مَعَهُ الْهَدْيُ بِأَنْ يَجْعَلَ مَعَ عُمْرَتِهِ حَجًّا. فَصَحَّ أَمْرُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ بِالْهَدْيِ, أَوْ الصَّوْمِ وَلَمْ يَأْمُرْ الْقَارِنَ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ.
وَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، نا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، نا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مُوَافِينَ لِهِلاَلِ ذِي الْحِجَّةِ فَكُنْتُ فِيمَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فَقَدِمْنَا مَكَّةَ فَأَدْرَكَنِي يَوْمُ عَرَفَةَ وَأَنَا حَائِضٌ لَمْ أَحِلَّ مِنْ عُمْرَتِي فَشَكَوْتُ ذَلِكَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "دَعِي عُمْرَتَكِ وَانْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ" قَالَتْ: فَفَعَلْتُ فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ وَقَدْ قَضَى اللَّهُ حَجَّنَا أَرْسَلَ مَعِي عَبْدَ الرَّحْمَانِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَأَرْدَفَنِي, وَخَرَجَ بِي إلَى التَّنْعِيمِ فَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ, وَقَضَى اللَّهُ حَجَّنَا وَعُمْرَتَنَا وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ هَدْيٌ, وَلاَ صَدَقَةٌ, وَلاَ صَوْمٌ.
وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، نا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُؤَذِّنُ أَنا مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا: "طَوَافُكِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ يَكْفِيكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ" فَصَحَّ أَنَّهَا كَانَتْ قَارِنَةً, وَلَمْ يَجْعَلْ عليه السلام فِي ذَلِكَ هَدْيًا، وَلاَ صَوْمًا.

فإن قيل: إنَّهَا، رضي الله عنها، رَفَضَتْ عُمْرَتَهَا. قلنا: إنْ كُنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنَّهَا حَلَّتْ مِنْهَا فَقَدْ كَذَبَ مَنْ قَالَ ذَلِكَ; لإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَهَا أَنَّ طَوَافَهَا وَسَعْيَهَا يَكْفِيهَا لِحَجَّتِهَا وَعُمْرَتِهَا, وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يَكْفِيَهَا، عَنْ عُمْرَةٍ قَدْ أَحَلَّتْ مِنْهَا; وَإِنْ كُنْتُمْ تُرِيدُونَ أَنَّهَا رَفَضَتْهَا وَتَرَكَتْهَا بِمَعْنَى أَخَّرَتْ عَمَلَ الْعُمْرَةِ مِنْ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ حَتَّى أَفَاضَتْ يَوْمَ النَّحْرِ فَطَافَتْ وَسَعَتْ لِحَجَّتِهَا وَعُمْرَتِهَا مَعًا فَنَعَمْ, وَهَذَا قَوْلُنَا. فإن قيل: فَإِنَّ وَكِيعًا رَوَى هَذَا الْخَبَرَ فَجَعَلَ قَوْلَهَا, وَلَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ هَدْيٌ، وَلاَ صَوْمٌ مِنْ قَوْلِ هِشَامٍ قلنا: فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ نُمَيْرٍ, وَعَبْدَةَ جَعَلاَهُ مِنْ كَلاَمِ عَائِشَةَ, وَمَا ابْنُ نُمَيْرٍ دُونَ وَكِيعٍ فِي الْحِفْظِ, وَالثِّقَةِ, وَكَذَلِكَ عَبْدَةٌ; وَكِلاَ الرِّوَايَتَيْنِ حَقٌّ قَالَتْهُ هِيَ, وَقَالَهُ هِشَامٌ, وَنَحْنُ أَيْضًا نَقُولُهُ.
فإن قيل: قَدْ صَحَّ أَنَّهُ عليه السلام أَهْدَى، عَنْ نِسَائِهِ الْبَقَرَ قلنا: نَعَمْ, وَقَدْ بَيَّنَ مَعْنَى ذَلِكَ الإِهْدَاءِ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ كَانَ أَضَاحِيَ, لاَ هَدْيَ مُتْعَةٍ, وَلاَ هَدْيًا، عَنْ قِرَانٍ.
قال أبو محمد: وَقَالُوا: قَدْ رُوِيَ، عَنْ عُمَرَ, وَجَابِرٍ وُجُوبُ الْهَدْيِ عَلَى الْقَارِنِ قلنا: أَمَّا الرِّوَايَةُ، عَنْ عُمَرَ فَإِنَّهَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ السَّلاَمِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ إبْرَاهِيمَ، عَنْ عُمَرَ, فَعَبْدُ السَّلاَمِ ضَعِيفٌ, وَأَبُو مَعْشَرٍ مِثْلُهُ، وَإِبْرَاهِيمُ لَمْ يُولَدْ إلاَّ بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ رضي الله عنه. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ، عَنْ جَابِرٍ فَرُوِّينَاهَا مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ سَأَلَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَنْ يَقْرِنَ بَيْنَ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ بِغَيْرِ هَدْيٍ فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا مِنَّا فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ, فَمُوسَى ضَعِيفٌ, وَبَعْضُ أَصْحَابِهِ عَجِبَ أَلْبَتَّةَ; ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَكَانَتْ مُوَافِقَةً لِقَوْلِنَا; لإِنَّ ظَاهِرَهَا الْمَنْعُ مِنْ الْقِرَانِ دُونَ أَنْ يَسُوقَ مَعَ نَفْسِهِ هَدْيًا, وَهَكَذَا نَقُولُ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْهُمَا لَكَانَ لاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَكَانَ قَدْ خَالَفَهُمَا غَيْرُهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا، عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ.
وَرُوِّينَا، عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، نا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ جُمْهَانَ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ مَعَ قَوْمٍ، عَنْ رَجُلٍ أَحْرَمَ بِالْقِرَانِ مَا كَفَّارَتُهُ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: كَفَّارَتُهُ أَنْ يَرْجِعَ بِأَجْرَيْنِ, وَيَرْجِعُونَ بِأَجْرٍ فَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ هَدْيٌ لاََفْتَاهُمْ بِهِ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، نا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَرَنَ بَيْنَ حَجٍّ, وَعُمْرَةٍ, وَلَمْ يُهْدِ قَالَ الْحَكَمُ: وَقَرَنَ أَيْضًا شُرَيْحٌ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ, وَلَمْ يُهْدِ. فإن قيل: فَقَدْ رَوَيْتُمْ، عَنِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ

إسْمَاعِيلَ، هُوَ ابْنُ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ وَبَرَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إذَا قَرَنَ الرَّجُلُ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ فَقِيلَ لَهُ: إنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: شَاةٌ, فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: الصِّيَامُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ شَاةٍ قلنا: نَعَمْ, وَأَنْتُمْ أَوَّلُ مَنْ خَالَفَ ابْنَ عُمَرَ فِي هَذَا; وَمِنْ التَّلاَعُبِ فِي الدِّينِ أَنْ تُوجِبُوا قَوْلَ الصَّاحِبِ حُجَّةً لاَ يَجُوزُ خِلاَفُهَا إذَا وَافَقَ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ, أَوْ مَالِكٍ, أَوْ الشَّافِعِيِّ, وَغَيْرَ حُجَّةٍ إذَا خَالَفَهُمْ نَبْرَأُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ هَذَا الْعَمَلِ.
وَأَمَّا قَوْلُنَا: مَنْ أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ مَكَّةَ, مِنْ مُعْتَمِرٍ, أَوْ قَارِنٍ, أَوْ مُتَمَتِّعٍ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ; فَفَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يَجْعَلَ آخِرَ عَمَلِهِ الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ, فَإِنْ تَرَدَّدَ بِمَكَّةَ بَعْدَ ذَلِكَ أَعَادَ الطَّوَافَ، وَلاَ بُدَّ, فَإِنْ خَرَجَ وَلَمْ يَطُفْ بِالْبَيْتِ فَفَرَضَ عَلَيْهِ الرُّجُوعَ, وَلَوْ كَانَ بَلَدُهُ بِأَقْصَى الدُّنْيَا حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ, فَإِنْ خَرَجَ، عَنْ مَنَازِلِ مَكَّةَ فَتَرَدَّدَ خَارِجًا مَاشِيًا, فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ الطَّوَافَ إلاَّ الَّتِي تَحِيضُ بَعْدَ أَنْ تَطُوفَ طَوَافَ الإِفَاضَةِ فَلَيْسَ عَلَيْهَا أَنْ تَنْتَظِرَ طُهْرَهَا لِتَطُوفَ لَكِنْ تَخْرُجُ كَمَا هِيَ; فَإِنْ حَاضَتْ قَبْلَ طَوَافِ الإِفَاضَةِ فَلاَ بُدَّ لَهَا أَنْ تَنْتَظِرَ حَتَّى تَطْهُرَ, وَتَطُوفَ, وَتُحْبَسُ عَلَيْهَا الْكِرَى وَالرُّفْقَةُ: فَلَمَّا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ قَالَ: نا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، نا سُفْيَانُ، عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ، عَنْ طَاوُوس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ النَّاسُ يَنْصَرِفُونَ فِي كُلِّ وَجْهٍ, فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَنْفِرَنَّ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ".
وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، نا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، نا اللَّيْثُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ حَاضَتْ صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيِّ بَعْدَمَا أَفَاضَتْ فَذَكَرَتْ حَيْضَتَهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ عليه السلام: "أَحَابِسَتُنَا هِيَ" فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا قَدْ كَانَتْ أَفَاضَتْ وَطَافَتْ بِالْبَيْتِ ثُمَّ حَاضَتْ بَعْدَ الإِفَاضَةِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "فَلْتَنْفِرْ".
قال أبو محمد: فَمَنْ خَرَجَ وَلَمْ يُوَدِّعْ مِنْ غَيْرِ الْحَائِضِ فَقَدْ تَرَكَ فَرْضًا لاَزِمًا فَعَلَيْهِ أَنْ يُؤَدِّيَهُ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ قَوْمًا نَفَرُوا وَلَمْ يُوَدِّعُوا فَرَدَّهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ حَتَّى وَدَّعُوا.
قَالَ عَلِيٌّ: وَلَمْ يَخُصَّ عُمَرُ مَوْضِعًا مِنْ مَوْضِعٍ. وقال مالك: بِتَحْدِيدِ مَكَان إذَا بَلَغَهُ لَمْ يَرْجِعْ مِنْهُ وَهَذَا قَوْلٌ لَمْ يُوجِبْهُ نَصٌّ, وَلاَ إجْمَاعٌ, وَلاَ قِيَاسٌ, وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، نا مُحَمَّدُ بْنُ رَاشِدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، عَنْ نَافِعٍ قَالَ: رَدَّ عُمَرُ

ابْنُ الْخَطَّابِ نِسَاءً مِنْ ثَنِيَّةَ هَرْشَى كُنَّ أَفَضْنَ يَوْمَ النَّحْرِ ثُمَّ حِضْنَ فَنَفَرْنَ فَرَدَّهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ وَيَطُفْنَ بِالْبَيْتِ, ثُمَّ بَلَغَ عُمَرَ بَعْدَ ذَلِكَ حَدِيثٌ غَيْرُ مَا صَنَعَ فَتَرَكَ صُنْعَهُ الأَوَّلَ.
قال أبو محمد: هَرْشَى هِيَ نِصْفُ الطَّرِيقِ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ بَيْنَ الأَبْوَاءِ وَالْجُحْفَةِ عَلَى فَرْسَخَيْنِ مِنْ الأَبْوَاءِ وَبِهَا عَلَمَانِ مَبْنِيَّانِ عَلاَمَةً; لاَِنَّهُ نِصْفُ الطَّرِيقِ. وَقَدْ رُوِيَ أَثَرٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَوَانَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ عَطَاءٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَوْسٍ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَفْتَيَاهُ فِي الْمَرْأَةِ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ يَوْمَ النَّحْرِ, ثُمَّ تَحِيضُ أَنْ يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهَا بِالْبَيْتِ".
قال أبو محمد: الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ غَيْرُ مَعْرُوفٍ; ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ دَاخِلاً فِي جُمْلَةِ أَمْرِهِ عليه السلام أَنْ لاَ يَنْفِرَ أَحَدٌ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ عَهْدِهِ بِالْبَيْتِ وَعُمُومُهُ, وَكَأَنْ يَكُونَ أَمْرُهُ عليه السلام الْحَائِضَ الَّتِي أَفَاضَتْ بِأَنْ تَنْفِرَ حُكْمًا زَائِدًا مَبْنِيًّا عَلَى النَّهْيِ الْمَذْكُورِ مُسْتَثْنًى مِنْهُ لِيُسْتَعْمَلَ الْخَبَرَانِ مَعًا، وَلاَ يُخَالَفَ شَيْءٌ مِنْهُمَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا قَوْلُنَا: مَنْ تَرَكَ عَمْدًا أَوْ بِنِسْيَانٍ شَيْئًا مِنْ طَوَافِ الإِفَاضَةِ أَوْ مِنْ السَّعْيِ الْوَاجِبِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ فَلْيَرْجِعْ أَيْضًا كَمَا ذَكَرْنَا مُمْتَنِعًا مِنْ النِّسَاءِ حَتَّى يَطُوفَ بِالْبَيْتِ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ, فَإِنْ خَرَجَ ذُو الْحِجَّةِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهُ, وَلَيْسَ عَلَيْهِ فِي رُجُوعِهِ لِطَوَافِ الْوَدَاعِ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ النِّسَاءِ فَلاَِنَّ طَوَافَ الإِفَاضَةِ فَرْضٌ. وَقَالَ تَعَالَى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهَا شَوَّالٌ, وَذُو الْقَعْدَةِ, وَذُو الْحِجَّةِ, فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَلاَ يَحِلُّ لاَِحَدٍ أَنْ يَعْمَلَ شَيْئًا مِنْ أَعْمَالِ الْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ فَيَكُونَ مُخَالِفًا لاَِمْرِ اللَّهِ تَعَالَى. وَأَمَّا امْتِنَاعُهُ مِنْ النِّسَاءِ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ} فَهُوَ مَا لَمْ يُتِمَّ فَرَائِضَ الْحَجِّ فَهُوَ فِي الْحَجِّ بَعْدُ. وَأَمَّا رُجُوعُهُ لِطَوَافِ الْوَدَاعِ فَلَيْسَ هُوَ فِي حَجٍّ, وَلاَ فِي عُمْرَةٍ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُحْرِمَ, وَلاَ أَنْ يَمْتَنِعَ مِنْ النِّسَاءِ; لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ, وَلاَ رَسُولُ اللَّهِ, وَلاَ إحْرَامَ إلاَّ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ لِطَوَافٍ مُجَرَّدٍ فَلاَ.
وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنَّ مَنْ لَمْ يَرْمِ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ حَتَّى خَرَجَ ذُو الْحِجَّةِ, أَوْ حَتَّى وَطِئَ عَمْدًا فَحَجُّهُ بَاطِلٌ, فَلِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ، نا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ هُوَ الْجَهْضَمِيُّ، نا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ أَنَا خَالِدٌ هُوَ الْحَذَّاءُ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَجُلاً قَالَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إنِّي أَمْسَيْتُ وَلَمْ أَرْمِ قَالَ: "ارْمِ، وَلاَ حَرَجَ" فَأَمَرَ عليه السلام بِالرَّمْيِ الْمَذْكُورِ, وَأَمْرُهُ

فَرْضٌ, وَأَخْبَرَ عليه السلام أَنَّهُ لاَ حَرَجَ فِي تَأْخِيرِهِ فَهُوَ بَاقٍ مَا دَامَ مِنْ أَشْهُرِ الْحَجِّ شَيْءٌ, وَلاَ يُجْزِئُ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ; لاَِنَّهُ مِنْ فَرَائِضِ الْحَجِّ لِمَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: إنْ ذَكَرَ, وَهُوَ بِمِنًى رَمَى, وَإِنْ فَاتَهُ ذَلِكَ حَتَّى يَنْفِرَ فَإِنَّهُ يَحُجُّ مِنْ قَابِلٍ وَيُحَافِظُ عَلَى الْمَنَاسِكِ.
قال أبو محمد: وَالْعَجَبُ كُلُّهُ مِمَّنْ يُبْطِلُ حَجَّ الْمُسْلِمِ بِأَنْ بَاشَرَ امْرَأَتَهُ حَتَّى أَمْنَى مِنْ غَيْرِ إيلاَجٍ, وَلاَ نَهْيَ، عَنْ ذَلِكَ أَصْلاً لاَ فِي قُرْآنٍ, وَلاَ فِي سُنَّةٍ, وَلاَ جَاءَ بِإِبْطَالِ حَجَّةٍ بِذَلِكَ نَصٌّ, وَلاَ إجْمَاعٌ, وَلاَ قِيَاسٌ, ثُمَّ لاَ يُبْطِلُ حَجَّهُ بِتَرْكِ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ, وَتَرْكِ مُزْدَلِفَةَ, وَقَدْ صَحَّ الأَمْرُ بِهِمَا فِي الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ الثَّابِتَةِ.
وَأَمَّا قَوْلُنَا: إنَّهُ يُجْزِئُ الْقَارِنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ طَوَافٌ وَاحِدٌ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ لَهُمَا جَمِيعًا, وَسَعْيٌ وَاحِدٌ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعَةَ أَشْوَاطٍ لَهُمَا جَمِيعًا, كَالْمُفْرِدِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ: فَلِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، نا قُتَيْبَةُ، نا اللَّيْثُ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَالَ لَهُمْ: اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ أَوْجَبْت حَجًّا مَعَ عُمْرَتِي, ثُمَّ انْطَلَقَ يُهِلُّ بِهِمَا جَمِيعًا حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ, وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَنْحَرْ وَلَمْ يَحْلِقْ, وَلاَ قَصَّرَ, وَلاَ أَحَلَّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ مِنْهُ حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ فَنَحَرَ وَحَلَقَ وَرَأَى أَنَّهُ قَدْ قَضَى طَوَافَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِطَوَافِهِ الأَوَّلِ, وَقَالَ: هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، نا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ، نا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ، نا وُهَيْبٍ، هُوَ ابْنُ خَالِدٍ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَاوُوس، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا أَهَلَّتْ بِعُمْرَةٍ فَقَدِمَتْ, وَلَمْ تَطُفْ بِالْبَيْتِ حَتَّى حَاضَتْ فَنَسَكَتْ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا, وَقَدْ أَهَلَّتْ بِالْحَجِّ, فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ النَّفَرِ: "يَسَعُكِ طَوَافُكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ" فَأَبَتْ, فَبَعَثَ بِهَا مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ إلَى التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرَتْ بَعْدَ الْحَجِّ.
وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي حَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ الْحُلْوَانِيُّ، نا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ حَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا حَاضَتْ بِسَرِفَ فَتَطَهَّرَتْ بِعَرَفَةَ, فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يُجْزِي عَنْكِ طَوَافُكِ بِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، عَنْ حَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ".
وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، نا قُتَيْبَةُ، نا اللَّيْثُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: أَقْبَلَتْ عَائِشَةُ بِعُمْرَةٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ; وَفِيهِ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَيْهَا, وَهِيَ تَبْكِي فَقَالَ:

"مَا شَأْنُكِ" قَالَتْ: [شَأْنِي أَنِّي] قَدْ حِضْتُ, وَقَدْ حَلَّ النَّاسُ, وَلَمْ أَحْلِلْ, وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَالنَّاسُ يَذْهَبُونَ إلَى الْحَجِّ الآنَ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ فَاغْتَسِلِي, ثُمَّ أَهِلِّي بِالْحَجِّ" فَفَعَلَتْ وَوَقَفَتْ الْمَوَاقِفَ حَتَّى إذَا طَهُرَتْ طَافَتْ بِالْكَعْبَةِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ, قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "قَدْ حَلَلْتِ مِنْ حَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ جَمِيعًا".
وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَنَا أَشْهَبُ أَنَّ مَالِكًا حَدَّثَهُمْ أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ وَهِشَامَ بْنَ عُرْوَةَ حَدَّثَاهُ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَدِمْنَا مَكَّةَ فَطَافَ الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ, ثُمَّ حَلُّوا, ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى لِحَجِّهِمْ; وَأَمَّا الَّذِينَ كَانُوا جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَإِنَّمَا طَافُوا طَوَافًا وَاحِدًا.
نا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عِقَالٍ، نا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّينَوَرِيُّ، نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْجَهْمِ، نا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرِ بْنِ مَطَرٍ، نا أَبُو الْمُصْعَبِ, وَجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْوَرَكَانِيُّ قَالاَ جَمِيعًا: نا الدَّرَاوَرْدِيُّ هُوَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ، نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ قَرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَلْيَطُفْ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا وَسَعْيًا وَاحِدًا".
فَهَذِهِ آثَارٌ مُتَوَاتِرَةٌ مُتَظَاهِرَةٌ تُوجِبُ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، نا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: لِلْقَارِنِ سَعْيٌ وَاحِدٌ, وَلِلْمُتَمَتِّعِ سَعْيَانِ.
وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُوس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: يَكْفِيك لَهُمَا طَوَافُك الأَوَّلُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ يَعْنِي الْقَارِنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ قَالَ: حَلَفَ لِي طَاوُوس مَا طَافَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِحَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ إلاَّ طَوَافًا وَاحِدًا. وَمِنْ طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ يَحْفَظُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ لِلْقَارِنِ طَوَافًا وَاحِدًا بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ خِلاَفَ مَا يَحْفَظُ أَهْلُ الْعِرَاقِ. وَمِنْ طَرِيقِ هُشَيْمِ بْنِ بَشِيرٍ، نا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ الْيَشْكُرِيِّ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: لَوْ أَهْلَلْتُ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ جَمِيعًا تُخِصُّ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا وَلَكُنْتُ مُهْدِيًا يَعْنِي سُوقَ الْهَدْيِ قَبْلَ الإِحْرَامِ. وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ, وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ, وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ, وَعَطَاءٍ, وطَاوُوس, وَمُجَاهِدٍ,

وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ, وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ, وَالزُّهْرِيِّ, وَمَالِكٍ, وَالشَّافِعِيِّ, وَأَحْمَدَ, وَإِسْحَاقَ, وَأَبِي ثَوْرٍ, وَدَاوُد, وَأَصْحَابِهِمْ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: بَلْ يَطُوفُ طَوَافَيْنِ, وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّ الصُّبَيّ بْنَ مَعْبَدٍ قَرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَطَافَ لَهُمَا طَوَافَيْنِ وَسَعَى سَعْيَيْنِ, وَلَمْ يَحِلَّ بَيْنَهُمَا وَأَهْدَى, وَأَخْبَرَ بِذَلِكَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ, فَقَالَ عُمَرُ: هُدِيتَ لِسُنَّةِ نَبِيِّكَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ, ويَاسِين الزَّيَّاتِ قَالَ يَاسِين: عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ الأَصْبَهَانِيِّ وَقَالَ عَبَّادٌ: عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الأَصْبَهَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ قَرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَطَافَ بِالْبَيْتِ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِعُمْرَتِهِ, ثُمَّ قَعَدَ فِي الْحِجْرِ سَاعَةً, ثُمَّ قَامَ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ سَبْعًا لِحَجِّهِ, ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّ النَّبِيَّ جَمَعَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَطَافَ لَهُمَا طَوَافَيْنِ وَسَعَى لَهُمَا سَعْيَيْنِ. وَرُوِيَ، عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ, كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي نَصْرٍ، هُوَ ابْنُ عَمْرٍو السُّلَمِيُّ وَمِنْ طَرِيقِ مَنْصُورٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ; وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عَوَانَةَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أُذَيْنَةَ; وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ بُكَيْرِ بْنِ عَطَاءٍ اللَّيْثِيِّ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ, وَمِنْ طَرِيقِ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ, وَزِيَادِ بْنِ مَالِكٍ, وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ سَمْعَانَ، عَنِ ابْنِ شُبْرُمَةَ, ثُمَّ اتَّفَقَ أَبُو نَصْرِ بْنُ عَمْرٍو, وَالرَّجُلُ السُّلَمِيُّ, وَالرَّجُلُ الْعُذْرِيُّ, وَعَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ أُذَيْنَةَ, وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ, وَزِيَادُ بْنُ مَالِكٍ, وَابْنُ شُبْرُمَةَ كُلُّهُمْ، عَنْ عَلِيٍّ، أَنَّهُ قَالَ: يَطُوفُ الْقَارِنُ طَوَافَيْنِ وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ وَمِنْ طَرِيقِ مَنْصُورِ بْنِ زَاذَانَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ مَالِكٍ وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ, ثُمَّ اتَّفَقَ زِيَادُ بْنُ مَالِكٍ, وَأَبُو إِسْحَاقَ كِلاَهُمَا، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى الْقَارِنِ طَوَافَانِ, وَسَعْيَانِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الأَسْوَدِ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: إذَا قَرَنْتَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَطُفْ طَوَافَيْنِ وَاسْعَ سَعْيَيْنِ وَهُوَ قَوْلُ مُجَاهِدٍ, وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ, وَشُرَيْحٍ الْقَاضِي, وَالشَّعْبِيِّ, وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ, وَحَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ, وَالْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ, وَرُوِيَ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ, وَسُفْيَانَ, وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ; وَأَشَارَ نَحْوَهُ الأَوْزَاعِيُّ وَهَا هُنَا قَوْلٌ ثَالِثٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ

قَالَ: نا جَهْمُ بْنُ وَاقِدٍ الأَنْصَارِيُّ سَأَلَتْ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ فَقُلْتُ: قَرَنْتُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَقَالَ: تَطُوفُ طَوَافَيْنِ بِالْبَيْتِ وَيُجْزِئُك سَعْيٌ وَاحِدٌ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ.
قال أبو محمد: أَمَّا قَوْلُ عَطَاءٍ هَذَا فَإِنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مِنْ فَرَائِضِ الْحَجِّ; فَلِذَلِكَ أَجْزَأَهُ عِنْدَهُ سَعْيٌ وَاحِدٌ بَيْنَهُمَا; لاَِنَّهُ لِلْحَجِّ وَحْدَهُ.
قال أبو محمد: أَمَّا مَا شَغَبَ بِهِ, مَنْ يَرَى أَنْ يَطُوفَ الْقَارِنُ طَوَافَيْنِ وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَسَاقِطٌ كُلُّهُ لاَ يَجُوزُ الاِحْتِجَاجُ بِهِ. وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا رَوَوْا فِي ذَلِكَ، عَنِ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، لاَ يَصِحُّ مِنْهُ, وَلاَ كَلِمَةٌ وَاحِدَةٌ, وَلَكِنَّهُ عَمَّنْ ذَكَرْنَا مِنْ التَّابِعِينَ صَحِيحٌ إلاَّ عَنِ الأَسْوَدِ وَحْدَهُ فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ جَابِرٍ الْجُعْفِيُّ.
أَمَّا حَدِيثُ الضَّبِّيِّ بْنِ مَعْبَدٍ فَإِنَّ إبْرَاهِيمَ لَمْ يُدْرِكْ الضَّبِّيَّ, وَلاَ سَمِعَ مِنْهُ, وَلاَ أَدْرَكَ عُمَرَ فَهُوَ مُنْقَطِعٌ, وَقَدْ رَوَاهُ الثِّقَاتُ: مُجَاهِدٌ, وَمَنْصُورٌ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنِ الضَّبِّيِّ فَلَمْ يَذْكُرُوا فِيهِ طَوَافًا, وَلاَ طَوَافَيْنِ, وَلاَ سَعْيًا, وَلاَ سَعْيَيْنِ أَصْلاً; وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُ قَرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَقَطْ.
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى فَمُرْسَلٌ; ثُمَّ هُوَ أَيْضًا، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُمَارَةَ;، وَلاَ يَجُوزُ الاِحْتِجَاجُ بِرِوَايَتِهِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ, فَعَنْ عَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ, ويَاسِين, وَكِلاَهُمَا ضَعِيفٌ جِدًّا فِي غَايَةِ السُّقُوطِ, فَسَقَطَ كُلُّ ذَلِكَ, وَتَسْقُطُ بِسُقُوطِهِ الرِّوَايَةُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ.
وَوَاللَّهِ مَا جَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى عُذْرًا لِمَنْ يُعَارِضُ رِوَايَةَ عَطَاءٍ, وطَاوُوس, وَمُجَاهِدٍ, وَعُرْوَةَ, عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَرِوَايَةُ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ وَأَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ, كِلاَهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِ هَذِهِ الْعُفُونَاتِ الذَّفِرَةِ, وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ.
وَأَمَّا الرِّوَايَةُ، عَنْ عَلِيٍّ فَأَبُو نَصْرِ بْنِ عَمْرٍو, وَعَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ أُذَيْنَةَ, وَزِيَادُ بْنُ مَالِكٍ, وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي عُذْرَةَ, وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ لاَ يَدْرِي أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى مَنْ هُمْ وَأَمَّا الْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ, وَابْنُ شُبْرُمَةَ فَلَمْ يُدْرِكْهُ عَلِيًّا، وَلاَ وَلَدًا إلاَّ بَعْدَ مَوْتِهِ, وَأَمَّا الرِّوَايَةُ، عَنِ الْحُسَيْنِ ابْنِهِ, فَعَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَهُوَ فِي غَايَةِ السُّقُوطِ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَزِيَادُ بْنُ مَالِكٍ لاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ. وَأَمَّا أَبُو إِسْحَاقَ فَلَمْ يُولَدْ إلاَّ سَنَةَ مَوْتِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَوْ بَعْدَهَا.
فَمَنْ أَعْجَبُ مِمَّنْ يُعَارِضُ رِوَايَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ, وَرِوَايَةَ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُوس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, وَرِوَايَةَ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ طَاوُوس، عَنِ الصَّحَابَةِ جُمْلَةً, وَرِوَايَةَ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ الْيَشْكُرِيِّ، عَنْ جَابِرٍ, وَرِوَايَةَ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ, وَهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، عَنْ كُلِّ مَنْ قَرَنَ مِنْ الصَّحَابَةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ

صلى الله عليه وسلم بِهَذِهِ النَّطَائِحِ الْمُتَرَدِّيَاتِ, وَهَذَا لِمَنْ تَأَمَّلَهُ إجْمَاعٌ صَحِيحٌ مِنْ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، بِحَضْرَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ يَكْدَحُ فِيهِ مَا جَاءَ بَعْدَهُ لَوْ جَاءَ فَكَيْفَ وَكُلُّهُ بَاطِلٌ مُطْرَحٌ؟
قال أبو محمد: وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي رَوَاهُ طَاوُوس, وَمُجَاهِدٌ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ, وَرَوَاهُ عَطَاءٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، عَنْ جَابِرٍ, وَرَوَاهُ طَاوُوس، عَنْ سُرَاقَةَ, كُلُّهُمْ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ".
قَالَ عَلِيٌّ: وَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ تَحْتَاجَ الْعُمْرَةُ إلَى عَمَلٍ غَيْرِ عَمَلِ الْحَجِّ, وَقَدْ دَخَلَتْ فِيهِ; وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا احْتِجَاجُهُمْ بِمَنْ ذَكَرْنَا مِنْ السُّقَّاطِ الَّذِينَ يُؤْنَسُ بِالْخَيْرِ فَقْدُهُمْ مِنْهُ, وَيُوحَشُ مِنْهُ وُجُودُهُمْ فِيهِ. ثُمَّ يَقُولُونَ فِي الثَّابِتِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَمْرِهِ مَنْ قَرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِأَنْ يَطُوفَ لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا وَسَعْيًا وَاحِدًا: هَذَا مِنْ رِوَايَةِ الدَّرَاوَرْدِيِّ, نَعَمْ, إنَّهُ لَمِنْ رِوَايَةِ الدَّرَاوَرْدِيِّ الثِّقَةِ الْمَأْمُونِ, لاَ مِنْ رِوَايَةِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ, وَعَبَّادِ بْنِ كَثِيرٍ, ويَاسِين الزَّيَّاتِ, الْمُطْرَحَيْنِ الْمَتْرُوكَيْنِ. ثُمَّ أَعْجَبُ شَيْءٍ: أَنَّ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أُذَيْنَةَ الْمَذْكُورِ، عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِمَنْ بَدَأَ بِالإِهْلاَلِ بِالْحَجِّ أَنْ يُرْدِفَ عَلَيْهِ عُمْرَةً فَجَعَلَ أَبُو حَنِيفَةَ مَا رَوَى ابْنُ أُذَيْنَةَ، عَنْ عَلِيٍّ مِنْ أَنَّ الْقَارِنَ يَطُوفُ طَوَافَيْنِ وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ حُجَّةً خَالَفَ لَهَا السُّنَنَ الثَّابِتَةَ وَإِجْمَاعَ الصَّحَابَةِ, وَلَمْ يَجْعَلْ مَا رَوَاهُ ابْنُ أُذَيْنَةَ، عَنْ عَلِيٍّ: مِنْ أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ لِمَنْ بَدَأَ بِالإِهْلاَلِ بِالْحَجِّ أَنْ يُضِيفَ إلَيْهِ عُمْرَةً: حُجَّةً, فَمَا هَذَا التَّلاَعُبُ وَلَئِنْ كَانَتْ رِوَايَةُ ابْنِ أُذَيْنَةَ، عَنْ عَلِيٍّ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ حُجَّةً: إنَّهَا لَحُجَّةٌ فِي الْوَجْهِ الآخَرِ, وَلَئِنْ لَمْ تَكُنْ حُجَّةً فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فَمَا هِيَ حُجَّةٌ فِي الآخَرِ. ثُمَّ اعْتَرَضُوا فِي الآثَارِ الْوَارِدَةِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِمَا رُوِيَ عَنْهُ مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ مُتَمَتِّعًا, وَلَوْ أَنَّ الَّذِي احْتَجَّ بِهَذَا يَسْتَحْيِي مِمَّنْ حَضَرَهُ مِنْ النَّاسِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَبْلُغَ إلَى الْحَيَاءِ مِنْ الْمَلاَئِكَةِ, ثُمَّ مِنْ الَّذِي إلَيْهِ مَعَادُهُ عَزَّ وَجَلَّ: لَرَدَعَهُ عَنْ هَذِهِ الْمُجَاهَرَةِ الْقَبِيحَةِ. وَهَذَا الْخَبَرُ قَدْ ذَكَرْنَاهُ وَفِيهِ مِنْ تَمَتُّعِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَدَأَ فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ, ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ فَوَصَفَ عَمَلَ الْقِرَانِ وَسَمَّاهُ: تَمَتُّعًا.
وَالْعَجَبُ أَنَّ هَذَا الْمُجَاهِرَ بِهَذِهِ الْعَظِيمَةِ يُنَاظِرُ الدَّهْرَ فِي إثْبَاتِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ قَارِنًا, ثُمَّ أَضْرَبَ، عَنْ ذَلِكَ الآنَ وَجَعَلَ يُوهِمُ أَنَّهُ كَانَ مُتَمَتِّعًا, وَهَذَا مِنْ الْغَايَةِ فِي السَّمَاجَةِ وَالصِّفَةِ الْمَذْمُومَةِ, وَاعْتَرَضَ فِي الآثَارِ الْمَذْكُورَةِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ

مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "اُرْفُضِي الْعُمْرَةَ, وَدَعِي الْعُمْرَةَ, وَاتْرُكِي الْعُمْرَةَ, وَامْتَشِطِي, وَانْقُضِي رَأْسَكِ, وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ" وَأَوْهَمَ هَذَا الْمُكَابِرُ بِهَذِهِ الأَلْفَاظِ: أَنَّهَا أَحَلَّتْ مِنْ الْعُمْرَةِ; وَهَذَا بَاطِلٌ لإِنَّ مَعْنَى اُرْفُضِي الْعُمْرَةَ, وَدَعِي الْعُمْرَةَ, وَاتْرُكِي الْعُمْرَةَ, وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ أَنْ تَدَعَ الطَّوَافَ الَّذِي هُوَ عَمَلُ الْعُمْرَةِ وَتَتْرُكَهُ, وَتَرْفُضَ عَمَلَ الْعُمْرَةِ مِنْ أَجْلِ حَيْضِهَا, وَتُدْخِلَ حَجًّا عَلَى عُمْرَتِهَا, فَتَكُونَ قَارِنَةً, فَإِذَا طَهُرَتْ طَافَتْ بِالْبَيْتِ حِينَئِذٍ لِلْعُمْرَةِ وَلِلْحَجِّ.
وَأَمَّا نَقْضُ الرَّأْسِ وَالاِمْتِشَاطُ فَلاَ يُكْرَهُ ذَلِكَ فِي الإِحْرَامِ بَلْ هُوَ مُبَاحٌ مُطْلَقٌ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَهَا حِينَئِذٍ طَوَافُكِ بِالْبَيْتِ وَسَعْيُكِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ يَكْفِيكِ لِحَجِّكِ وَعُمْرَتِكِ. فَكَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يَكْفِيَهَا طَوَافُهَا وَسَعْيُهَا لِعُمْرَةٍ قَدْ أَحَلَّتْ مِنْهَا لَوْلاَ الْهَوَى الْمُعْمِي الْمُصِمُّ الْمُقْحِمُ فِي بِحَارِ الضَّلاَلَةِ بِالْمُجَاهَرَةِ بِالْبَاطِلِ. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ إنَّمَا كَفَاهَا طَوَافُهَا وَسَعْيُهَا لِحَجِّهَا وَعُمْرَتِهَا اللَّذَيْنِ كَانَتْ قَارِنَةً بَيْنَهُمَا; هَذَا مَا لاَ يَحِيلُ عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى فَهْمٍ, وَلَمْ يَجِدْ مَا يُمَوِّهُ بِهِ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ, وَلاَ فِي حَدِيثِ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ الَّذِينَ جَمَعُوا بَيْنَ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ مِنْ الصَّحَابَةِ طَافُوا لَهُمَا طَوَافًا وَاحِدًا. فَرَجَعَ إلَى أَنْ قَالَ: إنَّ عَلِيًّا كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي حَجِّهِ وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ, فَلَمْ يَقُلْ مَا قَالَ إلاَّ عَنْ عِلْمٍ فَيُقَالُ لِمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ: إنَّك تَنْسِبُ إلَى عَلِيٍّ الْبَاطِلَ, وَقَوْلاً لَمْ يَثْبُتْ عَنْهُ قَطُّ, ثُمَّ لَوْ ثَبَتَ عَنْهُ فَأُمُّ الْمُؤْمِنِينَ كَانَتْ فِي تِلْكَ الْحَجَّةِ أَبْطَنَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَعْلَمَ بِهِ مِنْ عَلِيٍّ وَغَيْرِ عَلِيٍّ; وَإِذْ صَارَ عَلِيٌّ هَاهُنَا يَجِبُ تَقْلِيدُهُ وَإِطْرَاحُ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ; وَأَقْوَالِ سَائِرِ الصَّحَابَةِ لِقَوْلٍ لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ, فَهَلاَّ وَجَبَ تَقْلِيدُهُ فِي الثَّابِتِ عَنْهُ مِنْ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الأَوْلاَدِ, وَمِنْ قَوْلِهِ: إنَّ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الإِبِلِ خَمْسَ شِيَاهٍ; وَسَائِرِ مَا خَالَفُوهُ فِيهِ لِمَا هُوَ أَقَلُّ مِمَّا تَرَكُوا هَاهُنَا وَلَكِنَّ الْهَوَى إلَهٌ مَعْبُودٌ.
وَعَهْدُنَا بِهِمْ يَقُولُونَ فِيمَا رُوِيَ، عَنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ إذْ قَالَتْ لاُِمِّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ فِي بَيْعِهَا غُلاَمًا مِنْ زَيْدٍ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ إلَى الْعَطَاءِ, ثُمَّ ابْتَاعَتْهُ مِنْهُ بِسِتِّمِائَةِ دِرْهَمٍ نَقْدًا: أَبْلِغْ زَيْدًا أَنَّهُ قَدْ أَبْطَلَ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنْ لَمْ يَتُبْ: مِثْلُ هَذَا لاَ يُقَالُ بِالرَّأْيِ فَهَلاَّ قَالُوا هَاهُنَا فِي قَوْلِ عَائِشَةَ, وَجَابِرٍ, وَابْنِ عُمَرَ, وَابْنِ عَبَّاسٍ: إنَّ الْقَارِنَ يُجْزِئُهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ: مِثْلُ هَذَا لاَ يُقَالُ بِالرَّأْيِ, وَلَكِنْ حَسْبُهُمْ وَنَصْرُ الْمَسْأَلَةِ الْحَاصِلَةِ الْحَاضِرَةِ بِمَا يُمْكِنُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ويجزِى في الهدي المعيب والسالم أحب إلينا ولا تجزِئ جذعة من الإبل ولا من البقرِ ولا من الغنم إلا في جزاء الصيد فقط
...
837 - مَسْأَلَةٌ: وَيُجْزِئُ فِي الْهَدْيِ: الْمَعِيبُ, وَالسَّالِمُ أَحَبُّ إلَيْنَا، وَلاَ تُجْزِئُ جَذَعَةٌ مِنْ الإِبِلِ, وَلاَ مِنْ الْبَقَرِ, وَلاَ مِنْ الْغَنَمِ, إلاَّ فِي جَزَاءِ الصَّيْدِ فَقَطْ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ: أَنَّ نَهْيَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، عَنِ الْعَرْجَاءِ الْبَيِّنِ عَرَجُهَا, وَالْعَوْرَاءِ الْبَيِّنِ عَوَرُهَا,

وَالْمَرِيضَةِ الْبَيِّنِ مَرَضُهَا, وَالْعَجْفَاءِ الَّتِي لاَ تُنَقَّى, وَأَنْ لاَ يُضَحَّى بِشَرْقَاءَ, وَلاَ خَرْقَاءَ, وَلاَ مُقَابِلَةٍ, وَلاَ مُدَابِرَةٍ, إنَّمَا جَاءَ فِي الأَضَاحِيّ نَصًّا, وَالآُضْحِيَّةُ غَيْرُ الْهَدْيِ, وَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ. وَقَدْ وَافَقْنَا الْمُخَالِفَ عَلَى اخْتِلاَفِ حُكْمِ الْهَدْيِ وَالآُضْحِيَّةِ فِي الإِشْعَارِ وَالتَّقْلِيدِ, وَحُكْمُهُ إذَا عَطِبَ قِبَلَ مَحِلِّهِ. فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ يُقَاسَ حُكْمُ الْهَدْيِ عَلَى الأَضَاحِيّ فِي مَكَان, وَلاَ يُقَاسُ عَلَيْهِ فِي مَكَان آخَرَ بِغَيْرِ بُرْهَانٍ مُفَرِّقٍ بَيْنَ ذَلِكَ, وَالْهَدْيُ جَائِزٌ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ, وَلاَ تَجُوزُ الآُضْحِيَّةَ عِنْدَهُمْ إلاَّ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ; فَبَطَلَتْ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا الْجَذَعَةُ: فَلِ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، نا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ دَاوُد بْنِ أَبِي هِنْدَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ: أَنَّ خَالَهُ أَبَا بُرْدَةَ بْنَ نِيَارٍ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يَذْبَحَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ هَذَا الْيَوْمَ اللَّحْمُ فِيهِ مَكْرُوهٌ, وَإِنِّي عَجَّلْتُ نَسِيكَتِي لاُِطْعِمَ أَهْلِي, وَجِيرَانِي, وَأَهْلَ دَارِي فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَعِدْ نُسُكًا" فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ عِنْدِي عِنَاقَ لَبَنٍ هِيَ خَيْرٌ مِنْ شَاتَيْ لَحْمٍ فَقَالَ عليه السلام: "هِيَ خَيْرُ نَسِيكَتَيْكَ, وَلاَ تُجْزِئُ جَذَعَةٌ، عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ".
وَهَذَا عُمُومٌ مِنْهُ عليه السلام وَابْتِدَاءُ قَضِيَّةٍ قَائِمَةٍ بِذَاتِهَا وَإِنَّمَا كَانَ يَكُونُ هَذَا مَقْصُورًا عَلَى الآُضْحِيَّةَ لَوْ قَالَ عليه السلام: "وَلاَ تُجْزِئُ، عَنْ أَحَدٍ بَعْدَك", فَكَانَ يَكُونُ الضَّمِيرُ مَرْدُودًا إلَى الآُضْحِيَّةَ; لَكِنْ ابْتَدَأَ عليه السلام فَأَخْبَرَ أَنَّهُ لاَ يُجْزِئُ جَذَعَةٌ، عَنْ أَحَدٍ بَعْدَهَا; فَعَمَّ وَلَمْ يَخُصَّ. وَإِنَّمَا خَصَّصْنَا جَزَاءَ الصَّيْدِ بِنَصِّ قوله تعالى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ} فَعَمَّ تَعَالَى أَيْضًا, وَوَجَبَ أَنْ يُجْزِئَ الْجَذَعُ بِمِثْلِهِ, وَالصَّغِيرُ بِمِثْلِهِ, وَالْمَعِيبُ بِمِثْلِهِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ولا يجوز لاحد أن يطوف بالبيت عريان
838 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَجُوزُ لاَِحَدٍ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانَ, فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يُجْزِهِ, فَإِنْ غَطَّى قُبُلَهُ وَدُبُرَهُ, فَلاَ يُسَمَّى: عُرْيَانَ, فَإِنْ انْكَشَفَ سَاهِيًا لَمْ يَضُرَّهُ, قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ}. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ الْمُحَرِّرِ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنْت مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ حِينَ بَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى مَكَّةَ بِبَرَاءَةَ كُنَّا نُنَادِي أَنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إلاَّ نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ, وَلاَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانُ. وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ}.

والطواف بالبيت على غيرِ طهارة جائز
...
839 - مَسْأَلَةٌ: وَالطَّوَافُ بِالْبَيْتِ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ جَائِزٌ, وَلِلنُّفَسَاءِ, وَلاَ يَحْرُمُ إلاَّ عَلَى الْحَائِضِ فَقَطْ; لإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَنَعَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ إذْ حَاضَتْ مِنْ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ. وَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَأَمَرَهَا عليه السلام بِأَنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ, وَلَمْ يَنْهَهَا، عَنِ الطَّوَافِ;

فلو حاضت إمراة ولم يبق لها من الطواف إلا شوط أو بعضه
840 - مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ حَاضَتْ امْرَأَةٌ وَلَمْ يَبْقَ لَهَا مِنْ الطَّوَافِ إلاَّ شَوْطٌ أَوْ بَعْضُهُ, أَوْ أَشْوَاطٌ, فَكُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ, وَتَقْطَعُ، وَلاَ بُدَّ, فَإِذَا طَهُرَتْ بَنَتْ عَلَى مَا كَانَتْ طَافَتْهُ, وَلَهَا أَنْ تَطُوفَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ; لاَِنَّهَا لَمْ تُنْهَ إلاَّ عَنِ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ فَقَطْ. وَقَدْ وَافَقُونَا عَلَى إجَازَةِ كُلِّ ذَلِكَ لِلْحَائِضِ, لإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَنْهَهَا، عَنْ ذَلِكَ, فَكَذَلِكَ لَمْ يَنْهَ الْجُنُبَ, وَلاَ النُّفَسَاءَ, عَنِ الطَّوَافِ, وَلاَ فَرْقَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ومن قطع طوافه لعذر أو لكلل بنى على ما طاف
841 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ قَطَعَ طَوَافَهُ لِعُذْرٍ أَوْ لِكَلَلٍ بَنَى عَلَى مَا طَافَ, وَكَذَلِكَ السَّعْيُ; لاَِنَّهُ قَدْ طَافَ مَا طَافَ كَمَا أُمِرَ فَلاَ يَجُوزُ إبْطَالُهُ, فَلَوْ قَطَعَهُ عَابِثًا فَقَدْ بَطَلَ طَوَافُهُ, لاَِنَّهُ لَمْ يَطُفْ كَمَا أُمِرَ.

والطواف والسعي راكبا جائز
842 - مَسْأَلَةٌ: وَالطَّوَافُ وَالسَّعْيُ رَاكِبًا جَائِزٌ, وَكَذَلِكَ رَمْيُ الْجَمْرَةِ: لِعُذْرٍ وَلِغَيْرِ عُذْرٍ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ ثَنِيّ أَبُو الطَّاهِرِ وَحَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم طَافَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى بَعِيرٍ يَسْتَلِمُ الرُّكْنَ بِمِحْجَنٍ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ عَائِشَةَ, وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، نا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ أَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: طَافَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِيَرَاهُ النَّاسُ وَلِيُشْرِفَ وَلِيَسْأَلُوهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، نا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحِيمِ هُوَ خَالُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ وَاسْمُهُ خَالِدُ بْنُ أَبِي يَزِيدَ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ جَدَّتِهِ أُمِّ الْحُصَيْنِ قَالَتْ: حَجَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَجَّةَ الْوَدَاعِ

ولا يجوز التباعد عن البيت عند الطواف إلا في الزحام
843 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَجُوزُ التَّبَاعُدُ، عَنِ الْبَيْتِ عِنْدَ الطَّوَافِ إلاَّ فِي الزِّحَامِ; لإِنَّ التَّبَاعُدَ عَنْهُ عَمَلٌ بِخِلاَفِ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَبَثٌ لاَ مَعْنَى لَهُ فَلاَ يَجُوزُ.

والطواف بالبيت في كل ساعة جائز
844 - مَسْأَلَةٌ: وَالطَّوَافُ بِالْبَيْتِ فِي كُلِّ سَاعَةٍ جَائِزٌ, وَعِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ, وَعِنْدَ غُرُوبِهَا, وَيَرْكَعُ عِنْدَ ذَلِكَ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ الزُّهْرِيُّ، نا سُفْيَانُ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، نا أَبُو الزُّبَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَاهُ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لاَ تَمْنَعُنَّ أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ" . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بَابَاهُ بِإِسْنَادِهِ: وَرُوِّينَا، عَنِ الْحَسَنِ, وَالْحُسَيْنِ ابْنَيْ عَلِيٍّ, وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ: الطَّوَافُ بَعْدَ الْعَصْرِ وَالصَّلاَةُ حِينَئِذٍ إثْرَ الطَّوَافِ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ طَافَ بَعْدَ الْعَصْرِ: وَعَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ طَافَ بَعْدَ صَلاَةِ الصُّبْحِ وَصَلَّى الرَّكْعَتَيْنِ حِينَئِذٍ.
قال أبو محمد: إنَّمَا جَاءَ النَّهْيُ، عَنِ الصَّلاَةِ بَعْدَ الْعَصْرِ جُمْلَةً فَمَنْ أَجَازَ الطَّوَافَ بَعْدَ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ فَقَدْ تَحَكَّمَ بِلاَ دَلِيلٍ.

وجائز في رمي الجمرة والحلقِ والنحرِ والذبح ....
...
845 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ فِي رَمْيِ الْجَمْرَةِ, وَالْحَلْقِ, وَالنَّحْرِ, وَالذَّبْحِ, وَطَوَافِ الإِفَاضَةِ, وَالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَالسَّعْيِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ, أَنْ تُقَدِّمَ أَيَّهَا شِئْت عَلَى أَيُّهَا شِئْت لاَ حَرَجَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ، نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَهْزَادَ، نا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ أَنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَتَاهُ رَجُلٌ يَوْمَ النَّحْرِ وَهُوَ وَاقِفٌ عِنْدَ الْجَمْرَةِ فَقَالَ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي حَلَقْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ قَالَ: ارْمِ, وَلاَ حَرَجَ, وَأَتَاهُ آخَرُ فَقَالَ: إنِّي ذَبَحْتُ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ قَالَ: ارْمِ، وَلاَ حَرَجَ, وَأَتَاهُ آخَرُ وَقَالَ: إنِّي أَفَضْت إلَى الْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ أَرْمِيَ قَالَ: ارْمِ، وَلاَ حَرَجَ قَالَ فَمَا رَأَيْتُهُ يُسْأَلُ يَوْمَئِذٍ، عَنْ شَيْءٍ إلاَّ قَالَ: افْعَلُوا، وَلاَ حَرَجَ". وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ

ومن لم يبِت ليالي منى بمنى فقد أساء ولا شي عليه
...
846 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ لَمْ يَبِتْ لَيَالِيَ مِنًى بِمِنًى فَقَدْ أَسَاءَ، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ إلاَّ الرِّعَاءَ وَأَهْلَ سِقَايَةِ الْعَبَّاسِ فَلاَ نَكْرَهُ لَهُمْ الْمَبِيتُ فِي غَيْرِ مِنًى; بَلْ لِلرِّعَاءِ أَنْ يَرْمُوا يَوْمًا وَيَدَعُوا يَوْمًا.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، نا مُسَدَّدٌ، نا سُفْيَانُ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ, وَمُحَمَّدِ ابْنَيْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ أَبِيهِمَا، عَنْ أَبِي الْبَدَّاحِ بْنِ عَدِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَخَّصَ لِلرِّعَاءِ أَنْ يَرْمُوا يَوْمًا وَيَدْعُوا يَوْمًا. فَصَحَّ بِهَذَا الْخَبَرِ أَنَّ الرَّمْيَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ مِنًى لَيْسَ فَرْضًا. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، نا ابْنُ نُمَيْرٍ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، نا أَبِي، نا عُبَيْدُ اللَّهِ، هُوَ ابْنُ عُمَرَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَجْلِ سِقَايَتِهِ أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى فَأَذِنَ لَهُ.
قال أبو محمد: فَأَهْلُ السِّقَايَةِ مَأْذُونٌ لَهُمْ مِنْ أَجْلِ السِّقَايَةِ, وَبَاتَ عليه السلام بِمِنًى وَلَمْ يَأْمُرْ بِالْمَبِيتِ بِهَا, فَالْمَبِيتُ بِهَا سُنَّةٌ, وَلَيْسَ فَرْضًا, لإِنَّ الْفَرْضَ إنَّمَا هُوَ أَمْرُهُ صلى الله عليه وسلم فَقَطْ.
فإن قيل: إنَّ إذْنَهُ لِلرِّعَاءِ وَتَرْخِيصَهُ لَهُمْ وَإِذْنَهُ لِلْعَبَّاسِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ غَيْرَهُمْ بِخِلاَفِهِمْ قلنا: لاَ وَإِنَّمَا كَانَ يَكُونُ هَذَا لَوْ تَقَدَّمَ مِنْهُ عليه السلام أَمْرٌ بِالْمَبِيتِ وَالرَّمْيِ, فَكَانَ يَكُون هَؤُلاَءِ مُسْتَثْنَيْنَ مِنْ سَائِرِ مَنْ أُمِرُوا, وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَقَدَّمْ مِنْهُ أَمْرٌ عليه السلام فَنَحْنُ نَدْرِي أَنَّ هَؤُلاَءِ

مَأْذُونٌ لَهُمْ, وَلَيْسَ غَيْرُهُمْ مَأْمُورًا بِذَلِكَ، وَلاَ مَنْهِيًّا فَهُمْ عَلَى الإِبَاحَةِ: رُوِّينَا، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ: "لاَ يَبِيتَنَّ أَحَدٌ مِنْ وَرَاءِ الْعَقَبَةِ أَيَّامَ مِنًى" وَصَحَّ هَذَا عَنْهُ رضي الله عنه وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُ هَذَا; وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَرِهَ الْمَبِيتَ بِغَيْرِ مِنًى أَيَّامَ مِنًى, وَلَمْ يَجْعَلْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ فِدْيَةً أَصْلاً. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، نا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لاَ بَأْسَ لِمَنْ كَانَ لَهُ مَتَاعٌ بِمَكَّةَ أَنْ يَبِيتَ بِهَا لَيَالِي مِنًى. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، نا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، نا إبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إذَا رَمَيْت الْجِمَارَ فَبِتْ حَيْثُ شِئْت. وَبِهِ إلَى إبْرَاهِيمَ بْنِ نَافِعٍ، نا ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: لاَ بَأْسَ أَنْ يَبِيتَ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى فِي ضَيْعَتِهِ. وَعَنْ مُجَاهِدٍ لاَ بَأْسَ بِأَنْ يَكُونَ أَوَّلَ اللَّيْلِ بِمَكَّةَ وَآخِرَهُ بِمِنًى أَوْ أَوَّلَ اللَّيْلِ بِمِنًى وَآخِرَهُ بِمَكَّةَ وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، نا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَنْ بَاتَ لَيَالِيَ مِنًى بِمَكَّةَ تَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ أَوْ نَحْوِهِ. وَعَنْ بُكَيْرِ بْنِ مِسْمَارٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ مِثْلُ هَذَا أَيْضًا يَتَصَدَّقُ بِدِرْهَمٍ إذَا لَمْ يَبِتْ بِمِنًى. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: إذَا بَاتَ دُونَ الْعَقَبَةِ أَهْرَقَ دَمًا. وقال أبو حنيفة: بِمِثْلِ قَوْلِنَا, وَقَالَ سُفْيَانُ: يُطْعِمُ شَيْئًا, وقال مالك: مَنْ بَاتَ لَيْلَةً مِنْ لَيَالِي مِنًى بِغَيْرِ مِنًى أَوْ أَكْثَرَ لَيْلَتِهِ فَعَلَيْهِ دَمٌ, فَإِنْ بَاتَ الأَقَلَّ مِنْ لَيْلَتِهِ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ. وقال الشافعي: مَنْ بَاتَ لَيْلَةً مِنْ لَيَالِي التَّشْرِيقِ فِي غَيْرِ مِنًى فَلْيَتَصَدَّقْ بِمُدٍّ فَإِنْ بَاتَ لَيْلَتَيْنِ, فَمُدَّانِ فَإِنْ بَاتَ ثَلاَثًا فَدَمٌ وَرُوِيَ عَنْهُ فِي لَيْلَةٍ ثُلُثُ دَمٍ, وَفِي لَيْلَتَيْنِ ثُلُثَا دَمٍ وَفِي ثَلاَثِ لَيَالٍ دَمٌ.
قال أبو محمد: هَذِهِ الأَقْوَالُ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهَا يَعْنِي الصَّدَقَةَ بِدِرْهَمٍ أَوْ بِإِطْعَامِ شَيْءٍ أَوْ بِإِيجَابِ دَمٍ, أَوْ بِمُدٍّ, أَوْ مُدَّيْنِ, أَوْ ثُلُثِ دَمٍ, أَوْ ثُلُثَيْ دَمٍ, أَوْ الْفَرْقَ بَيْنَ الْمَبِيتِ أَكْثَرَ اللَّيْلِ, أَوْ أَقَلَّهُ, وَمَا كَانَ هَكَذَا فَالْقَوْلُ بِهِ لاَ يَجُوزُ, وَمَا نَعْلَمُ لِمَالِكٍ, وَلاَ لِلشَّافِعِيِّ فِي أَقْوَالِهِمْ هَذِهِ سَلَفًا أَصْلاً, لاَ مِنْ صَاحِبٍ, وَلاَ مِنْ تَابِعٍ.

ومن رمى يومين ثم نفر ولم يرم الثالث فلا بأس به ومن رمى الثالث فهو أحسن
847 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ رَمَى يَوْمَيْنِ, ثُمَّ نَفَرَ, وَلَمْ يَرْمِ الثَّالِثَ فَلاَ بَأْسَ بِهِ, وَمَنْ رَمَى الثَّالِثَ فَهُوَ أَحْسَنُ.
بُرْهَانُ ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلاَ إثْمَ عَلَيْهِ} وقال أبو حنيفة: إنْ نَفَرَ الْيَوْمَ الثَّانِيَ إلَى اللَّيْلِ لَزِمَهُ أَنْ يَرْمِي الثَّالِثَ.
قال علي: وهذا خَطَأٌ, وَحُكْمٌ بِلاَ دَلِيلٍ وَخِلاَفٌ لِلْقُرْآنِ.

والمرأة المتمتعة بعمرة إن حاضت قبل الطواف بالبيت
848 - مَسْأَلَةٌ: وَالْمَرْأَةُ الْمُتَمَتِّعَةُ بِعُمْرَةٍ إنْ حَاضَتْ قَبْلَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ فَفَرْضُهَا أَنْ تُضِيفَ حَجًّا إلَى عُمْرَتِهَا إنْ كَانَتْ تُرِيدُ الْحَجَّ مِنْ عَامِهَا وَتَعْمَلَ عَمَلَ الْحَجِّ حَاشَا الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ, فَإِذَا طَهُرَتْ طَافَتْ, وَهَذَا لاَِمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَائِشَةَ بِذَلِكَ قَدْ ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ.

ولا يلزم الغسل في الحج فرضا إلا المرأة
849 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَلْزَمُ الْغُسْلُ فِي الْحَجِّ فَرْضًا إلاَّ الْمَرْأَةَ تُهِلُّ بِعُمْرَةٍ تُرِيدُ التَّمَتُّعَ فَتَحِيضُ قَبْلَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ فَهَذِهِ تَغْتَسِلُ، وَلاَ بُدَّ وَتُقْرِنُ حَجًّا إلَى عُمْرَتِهَا; وَالْمَرْأَةُ تَلِدُ قَبْلَ أَنْ تُهِلَّ بِالْعُمْرَةِ, أَوْ بِالْقِرَانِ: فَفُرِضَ عَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ, وَلْتُهِلَّ بِالْحَجِّ.
لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، نا قُتَيْبَةُ، نا اللَّيْثُ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ: أَقْبَلَتْ عَائِشَةُ بِعُمْرَةٍ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ أَنَّهَا قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ حِضْتُ وَقَدْ حَلَّ النَّاسُ وَلَمْ أَحِلَّ وَلَمْ أَطُفْ بِالْبَيْتِ وَالنَّاسُ يَذْهَبُونَ إلَى الْحَجِّ الآنَ فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ فَاغْتَسِلِي وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ" . وَلاَِمْرِهِ عليه السلام, أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ إذْ وَلَدَتْ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ بِالشَّجَرَةِ أَنْ تَغْتَسِلَ وَتُهِلَّ; وَنَحْنُ قَاطِعُونَ بِائْتِمَارِهَا لَهُ عليه السلام, وَأَنَّهُمَا لَوْ لَمْ يَغْتَسِلاَ لَكَانَتَا عَاصِيَتَيْنِ, وَقَدْ أَعَاذَهُمَا اللَّهُ، عَزَّ وَجَلَّ، مِنْ ذَلِكَ.

وكل من تعمد معصية أي معصية كانت
850 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَنْ تَعَمَّدَ مَعْصِيَةً أَيَّ مَعْصِيَةٍ كَانَتْ وَهُوَ ذَاكِرٌ لِحَجِّهِ مُذْ يُحْرِمُ إلَى أَنْ يُتِمَّ طَوَافَهُ بِالْبَيْتِ لِلإِفَاضَةِ وَيَرْمِيَ الْجَمْرَةَ فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهُ; فَإِنْ أَتَاهَا نَاسِيًا لَهَا, أَوْ نَاسِيًا لاِِحْرَامِهِ وَدُخُولِهِ فِي الْحَجِّ أَوْ الْعُمْرَةِ: فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ فِي نِسْيَانِهَا, وَحَجُّهُ وَعُمْرَتُهُ تَامَّانِ فِي نِسْيَانِهِ كَوْنَهُ فِيهِمَا, وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ، وَلاَ فُسُوقَ، وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ} ، فَكَانَ مِنْ شَرْطِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْحَجِّ بَرَاءَتُهُ مِنْ الرَّفَثِ وَالْفُسُوقِ, فَمَنْ لَمْ يَتَبَرَّأْ مِنْهُمَا فَلَمْ يَحُجَّ كَمَا أُمِرَ, وَمَنْ لَمْ يَحُجَّ كَمَا أُمِرَ فَلاَ حَجَّ لَهُ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ".
وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا إبْطَالُهُمْ الْحَجَّ بِتَقْبِيلِهِ امْرَأَتَهُ الْمُبَاحَةَ لَهُ فَيُمْنِي وَلَمْ يَنْهَهُ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ، عَنْ هَذَا; ثُمَّ لاَ يُبْطِلُونَهُ بِالْفُسُوقِ مِنْ قَتْلِ النَّفْسِ الْمُحَرَّمَةِ, وَتَرْكِ الصَّلاَةِ, وَسَائِرِ الْفُسُوقِ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ
وأعجب مِنْ ذَلِكَ إبْطَالُ أَبِي حَنِيفَةَ الْحَجَّ بِوَطْءِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ نَاسِيًا لاِِحْرَامِهِ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لاَ يُؤَاخِذُ بِالنِّسْيَانِ, قَالَ تَعَالَى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} ثُمَّ لاَ يُبْطِلُ الْحَجَّ بِتَعَمُّدِ الْقَصْدِ إلَى أَنْ يَلُوطَ فِي إحْرَامِهِ أَوْ يُلاَطَ بِهِ, فَهَلْ فِي الْفَضَائِحِ وَالْقَبَائِحِ أَكْثَرُ مِنْ هَذِهِ الْمُصِيبَةِ وأعجب شَيْءٍ دَعْوَاهُمْ الإِجْمَاعَ عَلَى هَذَا، وَلاَ سَبِيلَ إلَى أَنْ يَأْتُوا بِرِوَايَةٍ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم،

فإِن أمكنه تجديد الإحرام فليفعل ويحج أو يعتمر
...
851 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ أَمْكَنَهُ تَجْدِيدُ الإِحْرَامِ فَلْيَفْعَلْ وَيَحُجَّ أَوْ يَعْتَمِرَ وَقَدْ أَدَّى فَرْضَهُ لإِنَّ إحْرَامَهُ الأَوَّلَ قَدْ بَطَلَ وَأَفْسَدَهُ, وَالتَّمَادِي عَلَيْهِ لاَ يَجُوزُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إنَّ اللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} . وَقَالَ الأَوْزَاعِيُّ: فِي سِبَابِ الْمُحْرِمِ دَمٌ; وَهُمْ يَجْعَلُونَ الدَّمَ فِيمَا لاَ يُكْرَهُ فِيهِ مِنْ الْمَبِيتِ فِي غَيْرِ مِنًى وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلاَ يَجْعَلُونَهُ فِي السِّبَابِ لِلْمُحْرِمِ فِي الْحَجِّ.

ومن وقف بعرفة على بعير مغصوب
852 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ عَلَى بَعِيرٍ مَغْصُوبٍ, أَوْ جَلاَّلٍ بَطَلَ حَجُّهُ إذَا كَانَ عَالِمًا بِذَلِكَ, وَأَمَّا مَنْ حَجَّ بِمَالٍ حَرَامٍ فَأَنْفَقَهُ فِي الْحَجِّ وَلَمْ يَتَوَلَّ هُوَ حَمْلَهُ بِنَفْسِهِ فَحَجُّهُ تَامٌّ.
أَمَّا الْمَغْصُوبُ, فَلاَِنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَلَمْ يَحُجَّ كَمَا أُمِرَ وَأَمَّا وُقُوفُهُ عَلَى بَعِيرٍ جَلاَّلٍ فَلِمَا صَحَّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِمَّا ناهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ، نا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ، نا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ، نا أَبُو دَاوُد، نا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي سُرَيْجٍ الرَّازِيّ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْجَهْمِ، نا عَمْرٌو، هُوَ ابْنُ أَبِي قَيْسٍ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، عَنِ الْجَلاَّلَةِ فِي الإِبِلِ أَنْ يُرْكَبَ عَلَيْهَا. وَبِهِ إلَى أَبِي دَاوُد، نا مُسَدَّدٌ، نا عَبْدُ الْوَارِثِ هُوَ التَّنُّورِيُّ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، عَنْ رُكُوبِ الْجَلاَّلَةِ.
قال أبو محمد: وَالْجَلاَّلَةُ هِيَ الَّتِي عَلَفُهَا الْجُلَّةُ وَهِيَ الْعَذِرَةُ; فَمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ عَلَى بَعِيرٍ جَلاَّلٍ فَلَمْ يَقِفْ كَمَا أُمِرَ; لاَِنَّهُ عَاصٍ فِي وُقُوفِهِ عَلَيْهِ وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ طَاعَةٌ وَفَرْضٌ, وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ تَنُوبَ الْمَعْصِيَةُ، عَنِ الطَّاعَةِ وَقَالَ عليه السلام: إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ فَمَنْ وَقَفَ بِهَا حَامِلاً لِمَالٍ حَرَامٍ, فَلَمْ يَقِفْ كَمَا أُمِرَ بَلْ وَقَفَ عَاصِيًا, فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِذَلِكَ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ, وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} وَمَنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ لِلْحَرَامِ عَالِمًا بِهِ فَلَيْسَ عَاصِيًا, وَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَاصِيًا فَهُوَ مُحْسِنٌ قَالَ تَعَالَى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} فَقَدْ وَقَفَ كَمَا أُمِرَ, وَعَفَا اللَّهُ تَعَالَى لَهُ عَمَّا لَمْ يَعْلَمْهُ.
وَأَمَّا نَفَقَةُ الْمَالِ الْحَرَامِ فِي الْحَجِّ وَطَرِيقُهُ: فَهُوَ إنْ كَانَ عَاصِيًا بِذَلِكَ فَلَمْ يُبَاشِرْ

وعرفة كلها موقف إلا بطن عرنة
853 - مَسْأَلَةٌ: وَعَرَفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلاَّ بَطْنَ عُرَنَةَ, وَمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ إلاَّ بَطْنَ مُحَسِّرٍ; لإِنَّ عَرَفَةَ مِنْ الْحِلِّ, وَبَطْنَ عُرَنَةَ مِنْ الْحَرَمِ فَهُوَ غَيْرُ عَرَفَةَ; وَأَمَّا مُزْدَلِفَةُ فَهِيَ الْمَشْعَرُ الْحَرَامُ وَهِيَ مِنْ الْحَرَمِ; وَبَطْنُ مُحَسِّرٍ مِنْ الْحِلِّ فَهُوَ غَيْرُ مُزْدَلِفَةَ.
نا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ، نا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُسَيْنِ بْنِ عِقَالٍ، نا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ الدِّينَوَرِيُّ، نا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْجَهْمِ، نا جَعْفَرُ الصَّائِغُ، نا أَبُو نَصْرٍ النِّمَارُ هُوَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعَمٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ عَرَفَاتٍ مَوْقِفٌ وَارْفَعُوا، عَنْ بَطْنِ عُرَنَةَ, وَالْمُزْدَلِفَةُ كُلُّهَا مَوْقِفٌ وَارْفَعُوا، عَنْ بَطْنِ مُحَسِّرٍ".

ورمي الجمارِ بحصى قد رمي به قبل ذلك جائز
...
854 - مَسْأَلَةٌ: وَرَمْيُ الْجِمَارِ بِحَصًى قَدْ رُمِيَ بِهِ قَبْلَ ذَلِكَ جَائِزٌ, وَكَذَلِكَ رَمْيُهَا رَاكِبًا حَسَنٌ; أَمَّا رَمْيُهَا بِحَصًى قَدْ رُمِيَ بِهِ فَلاَِنَّهُ لَمْ يَنْهَ، عَنْ ذَلِكَ قُرْآنٌ, وَلاَ سُنَّةٌ, وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ.
فإن قيل: قَدْ رُوِيَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ حَصَى الْجِمَارِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُ رُفِعَ, وَمَا لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنْهُ تُرِكَ وَلَوْلاَ ذَلِكَ لَكَانَ هِضَابًا تَسُدُّ الطَّرِيقَ قلنا: نَعَمْ فَكَانَ مَاذَا وَإِنْ لَمْ يُتَقَبَّلْ رَمْيُ هَذِهِ الْحَصَى مِنْ عَمْرٍو فَيُسْتَقْبَلُ مِنْ زَيْدٍ, وَقَدْ يَتَصَدَّقُ الْمَرْءُ بِصَدَقَةٍ فَلاَ يَقْبَلُهَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ; ثُمَّ يَمْلِكُ تِلْكَ الْعَيْنَ آخَرُ فَيَتَصَدَّقُ بِهَا فَتُقْبَلُ مِنْهُ.
وَأَمَّا رَمْيُهَا رَاكِبًا: نا عبد الله بن ربيع، نا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، نا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ، نا وَكِيعٌ، نا أَيْمَنُ بْنُ نَابِلٍ، عَنْ قُدَامَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَرْمِي جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ صَهْبَاءَ, لاَ ضَرْبَ, وَلاَ طَرْدَ, وَلاَ إلَيْكَ إلَيْكَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ قَبْلَ مَوْتِهِ بِأَقَلَّ مِنْ سَاعَةٍ: رَمْيُ الْجَمْرَتَيْنِ الآخِرَتَيْنِ رَاكِبًا أَفْضَلُ

ويبطل الحج تعمد الوطء في الحلال من الزوجة والأمة ذاكرا لحجه أو عمرته
855 - مَسْأَلَةٌ: وَيُبْطِلُ الْحَجَّ تَعَمُّدُ الْوَطْءِ فِي الْحَلاَلِ مِنْ الزَّوْجَةِ وَالأَمَةِ ذَاكِرًا لِحَجِّهِ أَوْ عُمْرَتِهِ فَإِنْ وَطِئَهَا نَاسِيًا; لاَِنَّهُ فِي عَمَلِ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ, وَكَذَلِكَ يَبْطُلُ بِتَعَمُّدِهِ أَيْضًا حَجُّ الْمَوْطُوءَةِ وَعُمْرَتُهَا قَالَ تَعَالَى: {فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ} وَالرَّفَثُ الْجِمَاعُ; فَمَنْ جَامَعَ فَلَمْ يَحُجَّ, وَلاَ اعْتَمَرَ كَمَا أُمِرَ, وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ". وَأَمَّا النَّاسِي, وَالْمُكْرَهُ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "رُفِعَ، عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ". وَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا.

وإن وطئ وعليه بقية من طواف الإفاضة أو شيء من رمي الجمرة فقد بطل حجه
856 - مَسْأَلَةٌ: وَإِنْ وَطِئَ وَعَلَيْهِ بَقِيَّةٌ مِنْ طَوَافِ الإِفَاضَةِ أَوْ شَيْءٌ مِنْ رَمْيِ الْجَمْرَةِ فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهُ كَمَا قلنا, قَالَ تَعَالَى: {فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ} . فَصَحَّ أَنَّ مَنْ رَفَثَ وَلَمْ يُكْمِلْ حَجَّهُ فَلَمْ يَحُجَّ كَمَا أُمِرَ, وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَقَوْلُ أَصْحَابِنَا. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لاَ يَبْطُلُ الْحَجُّ بِالْوَطْءِ بَعْدَ عَرَفَةَ; وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وقال مالك: إنْ وَطِئَ يَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ بَطَلَ حَجُّهُ, وَإِنْ وَطِئَ يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ لَمْ يَبْطُلْ حَجُّهُ, وَإِنْ وَطِئَ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ قَبْلَ رَمْيِ الْجَمْرَةِ لَمْ يَبْطُلْ حَجُّهُ. فأما قَوْلُ مَالِكٍ فَتَقْسِيمٌ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ أَصْلاً. وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْحَجُّ عَرَفَةَ".
قَالَ عَلِيٌّ: وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي هَذَا لإِنَّ الَّذِي قَالَ هَذَا هُوَ الَّذِي أَخْبَرَنَا، عَنِ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنَّهُ قَالَ: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} وَبِأَنَّهُ قَالَ: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ} . وَهُوَ الَّذِي أَمَرَ بِرَمْيِ الْجَمْرَةِ فَلاَ يَجُوزُ الأَخْذُ بِبَعْضِ قَوْلِهِ دُونَ بَعْضٍ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلاً} فَكَانَ الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ هُوَ الْحَجُّ كَعَرَفَةَ، وَلاَ فَرْقَ. وَقَوْلُهُ عليه السلام: "الْحَجُّ عَرَفَةَ" لاَ يَمْنَعُ مِنْ أَنْ يَكُونَ الْحَجُّ غَيْرَ عَرَفَةَ أَيْضًا; وَقَدْ وَافَقَنَا الْمُخَالِفُ عَلَى أَنَّ امْرَأً لَوْ قَصَدَ عَرَفَةَ فَوَقَفَ بِهَا فَلَمْ يُحْرِمْ، وَلاَ لَبَّى, وَلاَ طَافَ, وَلاَ سَعَى فَلاَ حَجَّ لَهُ; فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِقَوْلِهِ عليه السلام: "الْحَجُّ عَرَفَةَ".

فمن وطئ عامداً كما قلنا فبطل حجه
...
857 - مَسْأَلَةٌ: فَمَنْ وَطِئَ عَامِدًا كَمَا قلنا فَبَطَلَ حَجُّهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَمَادَى عَلَى عَمَلٍ فَاسِدٍ بَاطِلٍ لاَ يُجْزِئُ عَنْهُ لَكِنْ يُحْرِمُ مِنْ مَوْضِعِهِ, فَإِنْ أَدْرَكَ تَمَامَ الْحَجِّ فَلاَ شَيْءَ

ومن أخطأ في رؤية الهلال
858 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَخْطَأَ فِي رُؤْيَةِ الْهِلاَلِ لِذِي الْحِجَّةِ فَوَقَفَ بِعَرَفَةَ الْيَوْمَ الْعَاشِرَ وَهُوَ يَظُنُّهُ التَّاسِعَ, وَوَقَفَ بِمُزْدَلِفَةَ اللَّيْلَةَ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ وَهُوَ يَظُنُّهَا الْعَاشِرَةَ: فَحَجُّهُ تَامٌّ، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ, لإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَقُلْ: إنَّ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ لاَ يَكُونُ إلاَّ فِي الْيَوْمِ التَّاسِعِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ أَوْ اللَّيْلَةِ الْعَاشِرَةِ مِنْهَا; وَإِنَّمَا أَوْجَبَ عليه السلام الْوُقُوفَ بِهَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا. فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ مَنْ وَقَفَ بِهَا أَجْزَأَهُ مَا لَمْ يَقِفْ فِي وَقْتٍ لاَ يَخْتَلِفُ اثْنَانِ فِي أَنَّهُ لاَ يُجْزِيهِ فِيهِ. وَقَدْ تَيَقَّنَ الإِجْمَاعُ مِنْ الصَّغِيرِ, وَالْكَبِيرِ, وَالْخَالِفِ, وَالسَّالِفِ: أَنَّ مَنْ وَقَفَ بِهَا قَبْلَ الزَّوَالِ مِنْ الْيَوْمِ التَّاسِعِ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ أَوْ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ اللَّيْلَةِ الْحَادِيَةَ

عَشْرَةَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ فَلاَ حَجَّ لَهُ, وَكَذَلِكَ إنْ وَقَفَ بِهَا بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ اللَّيْلَةِ الْعَاشِرَةِ وَهُوَ يَدْرِي أَنَّهَا الْعَاشِرَةُ, وَهَذَا قَوْلُ جُمْهُورِ النَّاسِ.

فإن صح عنده بعلمٍ أو بِخبرٍ صادقٍ أن هذا هو اليوم التاسع
...
859 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ صَحَّ عِنْدَهُ بِعِلْمٍ أَوْ بِخَبَرٍ صَادِقٍ: أَنَّ هَذَا هُوَ الْيَوْمُ التَّاسِعُ إلاَّ أَنَّ النَّاسَ لَمْ يَرَوْهُ رُؤْيَةً تُوجِبُ أَنَّهَا الْيَوْمُ الثَّامِنُ فَفَرَضَ عَلَيْهِ الْوُقُوفَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي صَحَّ عِنْدَهُ أَنَّهُ الْيَوْمُ التَّاسِعُ, وَإِلاَّ فَحَجُّهُ بَاطِلٌ لِمَا ذَكَرْنَا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: شَهِدَ نَفَرٌ أَنَّهُمْ رَأَوْا هِلاَلَ ذِي الْحِجَّةِ فَذَهَبَ بِهِمْ سَالِمٌ إلَى ابْنِ هِشَامٍ وَهُوَ أَمِيرُ الْحَجِّ فَلَمْ يَقْبَلْهُمْ فَوَقَفَ سَالِمٌ بِعَرَفَةَ لِوَقْتِ شَهَادَتِهِمْ, ثُمَّ دَفَعَ, فَلَمَّا كَانَ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَقَفَ مَعَ النَّاسِ.

ومن أغمي عليه في إحرامه أو جن بعد أن أحرم في عقله فإحرامه صحيح
860 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي إحْرَامِهِ, أَوْ جُنَّ بَعْدَ أَنْ أَحْرَمَ فِي عَقْلِهِ فَإِحْرَامُهُ صَحِيحٌ, وَكَذَلِكَ لَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ, أَوْ جُنَّ بَعْدَ أَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ وَلَوْ طَرْفَةَ عَيْنٍ أَوْ بَعْدَ أَنْ أَدْرَكَ شَيْئًا مِنْ الصَّلاَةِ بِمُزْدَلِفَةَ مَعَ الإِمَامِ فَحَجُّهُ تَامٌّ; لإِنَّ الإِغْمَاءَ وَالْجُنُونَ لاَ يُبْطِلاَنِ عَمَلاً تَقَدَّمَ أَصْلاً, وَلاَ جَاءَ بِذَلِكَ نَصٌّ أَصْلاً، وَلاَ إجْمَاعٌ, وَلَيْسَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "رُفِعَ الْقَلَمُ، عَنْ ثَلاَثٍ" : فَذَكَرَ "النَّائِمَ حَتَّى يَنْتَبِهَ وَالْمُبْتَلَى حَتَّى يُفِيقَ وَالصَّبِيَّ حَتَّى يَبْلُغَ" بِمُوجِبِ بُطْلاَنِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ عَمَلِهِ, وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهُمْ فِي هَذِهِ الْحَالِ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ فَقَطْ, فَإِذَا أَفَاقُوا صَارُوا عَلَى حُكْمِهِمْ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ قَبْلُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ.

ومن أغمي عليه أو جن أو نام قبل الزوال من يوم عرفة فلم يفق
861 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ, أَوْ جُنَّ, أَوْ نَامَ قَبْلَ الزَّوَالِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ فَلَمْ يُفِقْ, وَلاَ اسْتَيْقَظَ إلاَّ بَعْدَ طُلُوعِ الْفَجْرِ مِنْ لَيْلَةِ يَوْمِ النَّحْرِ, فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهُ, سَوَاءٌ وَقَفَ بِهِ بِعَرَفَةَ أَوْ لَمْ يَقِفْ بِهِ. وَكَذَلِكَ مَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ أَوْ جُنَّ, أَوْ نَامَ قَبْلَ أَنْ يُدْرِكَ شَيْئًا مِنْ صَلاَةِ الصُّبْحِ بِمُزْدَلِفَةَ مَعَ الإِمَامِ فَلَمْ يُفِقْ، وَلاَ اسْتَيْقَظَ إلاَّ بَعْدَ سَلاَمِ الإِمَامِ مِنْ صَلاَةِ الصُّبْحِ; فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهُ. فَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةٌ فَنَامَتْ, أَوْ جُنَّتْ, أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهَا قَبْلَ أَنْ تَقِفَ بِمُزْدَلِفَةَ فَلَمْ تُفِقْ، وَلاَ انْتَبَهَتْ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ, فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهَا, وَسَوَاءٌ وَقَفَ بِهَا بِمُزْدَلِفَةَ, أَوْ لَمْ يَقِفْ, لإِنَّ الأَعْمَالَ الْمَذْكُورَةَ فَرْضٌ مِنْ فَرَائِضِ الْحَجِّ. وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى" . فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ يَجْزِي عَمَلٌ مَأْمُورٌ بِهِ إلاَّ بِنِيَّةِ الْقَصْدِ إلَيْهِ مُؤَدًّى بِإِخْلاَصٍ لِلَّهِ تَعَالَى فِيهِ كَمَا أَمَرَ عَزَّ وَجَلَّ; وَكُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا فَلَمْ يَعْبُدْ اللَّهَ

ومن أدرك مع الإمام صلاة الصبحِ بمزدلفة من الرجال
...
862 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أَدْرَكَ مَعَ الإِمَامِ صَلاَةَ الصُّبْحِ بِمُزْدَلِفَةَ مِنْ الرِّجَالِ فَلَمَّا سَلَّمَ الإِمَامُ ذَكَرَ هَذَا الإِنْسَانُ أَنَّهُ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهُ, لاَِنَّهُ لَمْ يُدْرِكْ الصَّلاَةَ مَعَ الإِمَامِ, وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُنَا لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ومن قتل صيدا متصيدا له ذاكرًا لاحرامه عامدًا لقتله
...
863 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ قَتَلَ صَيْدًا مُتَصَيِّدًا لَهُ ذَاكِرًا لاِِحْرَامِهِ عَامِدًا لِقَتْلِهِ فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهُ أَوْ عُمْرَتُهُ لِبُطْلاَنِ إحْرَامِهِ وَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ مَعَ ذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} الآيَةَ, فَحَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ أَنْ يَقْتُلَ الصَّيْدَ مُتَعَمِّدًا فِي إحْرَامِهِ فَإِذَا فَعَلَ فَلَمْ يُحْرِمْ كَمَا أُمِرَ; لإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا أَمَرَهُ بِإِحْرَامٍ لَيْسَ فِيهِ تَعَمُّدُ قَتْلِ صَيْدٍ, وَهَذَا الإِحْرَامُ هُوَ بِلاَ شَكٍّ غَيْرُ الإِحْرَامِ الَّذِي فِيهِ تَعَمُّدُ قَتْلِ الصَّيْدِ فَلَمْ يَأْتِ بِالإِحْرَامِ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ. وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ، وَلاَ فُسُوقَ، وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ} . وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ تَعَمُّدَ قَتْلِ الصَّيْدِ فِي الإِحْرَامِ فُسُوقٌ, وَمَنْ فَسَقَ فِي حَجِّهِ فَلَمْ يَحُجَّ كَمَا أُمِرَ, وَمَنْ لَمْ يَحُجَّ كَمَا أُمِرَ فَلَمْ يَحُجَّ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي، نا إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، نا عَبْدُ الْوَارِثُ بْنُ سَعِيدٍ التَّنُّورِيُّ، عَنِ اللَّيْثِ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: مَنْ قَتَلَ صَيْدًا مُتَعَمِّدًا فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهُ وَعَلَيْهِ الْهَدْيُ وَاعْتَرَضَ بَعْضُهُمْ بِأَنْ قَالَ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} فَسَمَّاهُمْ: حُرُمًا.
قال أبو محمد: وَهَذَا إقْدَامٌ مِنْهُمْ عَظِيمٌ عَلَى تَقْوِيلِ اللَّهِ تَعَالَى مَا لَمْ يَقُلْهُ قَطُّ, وَإِنَّمَا سَمَّاهُمْ اللَّهُ تَعَالَى حُرُمًا, قَبْلَ قَتْلِ الصَّيْدِ, وَنَهَاهُمْ إذَا كَانُوا حُرُمًا، عَنْ قَتْلِ الصَّيْدِ, وَمَا سَمَّاهُمْ تَعَالَى قَطُّ

وكل فسوق تعمده المحرِم ذاكرا لاحرامه فقد بطل إحرامه وحجه
...
864- مَسْأَلَةٌ: قال أبو محمد: وَكُلُّ فُسُوقٍ تَعَمَّدَهُ الْمُحْرِمُ ذَاكِرًا لاِِحْرَامِهِ فَقَدْ بَطَلَ إحْرَامُهُ, وَحَجُّهُ, وَعُمْرَتُهُ, لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {فَلاَ رَفَثَ، وَلاَ فُسُوقَ، وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ} فَصَحَّ أَنَّ مَنْ تَعَمَّدَ الْفُسُوقَ ذَاكِرًا لِحَجِّهِ, أَوْ عُمْرَتِهِ, فَلَمْ يَحُجَّ كَمَا أُمِرَ, وَقَدْ أَخْبَرَ عليه السلام: أَنَّ "الْعُمْرَةَ دَخَلَتْ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ". وَقَالَ عليه السلام: "مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ".
وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا: أَنَّ الآيَةَ وَرَدَتْ كَمَا تَلَوْنَا فَأَبْطَلُوا الْحَجَّ بِالرَّفَثِ وَلَمْ يُبْطِلُوهُ بِالْفُسُوقِ; وأعجب مِنْ هَذَا: أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: مَنْ وَطِئَ فِي إحْرَامِهِ نَاسِيًا غَيْرَ عَامِدٍ، وَلاَ ذَاكِرٍ لاَِنَّهُ مُحْرِمٌ امْرَأَتَهُ الَّتِي أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ وَطْأَهَا قَبْلَ الإِحْرَامِ أَوْ بَعْدَهُ فَقَدْ بَطَلَ حَجُّهُ; فَلَوْ تَعَمَّدَ اللِّيَاطَةَ بِذَكَرٍ, أَوْ أَنْ يُلاَطَ بِهِ ذَاكِرًا لاِِحْرَامِهِ فَحَجُّهُ تَامٌّ وَإِحْرَامُهُ مَبْرُورٌ فَأُفٍّ لِهَذَا الْقَوْلِ عَدَدَ الرَّمْلِ, وَالْحَصَى, وَالتُّرَابِ فَإِنْ قَالُوا: إنَّمَا يَبْطُلُ إحْرَامُهُ بِأَنْ يَأْتِيَ مَا حُرِّمَ فِي حَالِ الإِحْرَامِ فَقَطْ, لاَ بِمَا هُوَ حَرَامٌ قَبْلَ الإِحْرَامِ, وَفِي الإِحْرَامِ وَبَعْدَ الإِحْرَامِ قلنا: وَعَنْ هَذَا التَّقْسِيمِ الْفَاسِدِ سَأَلْنَاكُمْ، وَلاَ حُجَّةَ لَكُمْ فِيهِ, وَأَنْتُمْ تُبْطِلُونَ الصَّلاَةَ بِكُلِّ عَمَلٍ مُحَرَّمٍ, قَبْلَهَا, وَفِيهَا, وَبَعْدَهَا, كَمَا تُبْطِلُونَهَا بِمَا حُرِّمَ فِيهَا فَقَطْ. وَقَدْ نَقَضْتُمْ هَذَا الأَصْلَ الْفَاسِدَ فَلَمْ تُبْطِلُوا الإِحْرَامَ بِتَعَمُّدِ لِبَاسِ مَا حُرِّمَ فِيهِ مِمَّا هُوَ حَلاَلٌ قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ, فَقَدْ أَبْطَلْتُمْ هَذَا التَّقْسِيمَ الْفَاسِدَ فَأَيْنَ الْقِيَاسَ الَّذِي تَنْتَسِبُونَ إلَيْهِ بِزَعْمِكُمْ وَاَللَّهُ تَعَالَى قَدْ أَكَّدَ الْحَجَّ وَخَصَّهُ بِتَحْرِيمِ الْفُسُوقِ فِيهِ, كَمَا خَصَّهُ بِتَحْرِيمِ الرَّفَثِ فِيهِ، وَلاَ فَرْقَ.
أَخْبَرَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَبْدِ الْوَارِثِ الرَّازِيّ، نا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ النَّحَّاسِ بِمِصْرَ، نا أَبُو سَعِيدِ بْنُ الأَعْرَابِيِّ، نا عُبَيْدُ بْنُ غَنَّامِ بْنِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ النَّخَعِيُّ، نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ

بْنِ نُمَيْرٍ، نا أَحْمَدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ عَبْدِ السَّلاَمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَابِرٍ الأَحْمَسِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَابِرٍ الأَحْمَسِيَّةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهَا فِي امْرَأَةٍ حَجَّتْ مَعَهَا مُصْمِتَةً: قُولِي لَهَا: تَتَكَلَّمُ فَإِنَّهُ لاَ حَجَّ لِمَنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ. وَقَدْ ذَكَرْنَا رِوَايَةَ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ نُوحِ بْنِ حَبِيبٍ الْقُومِسِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. أَمَرَ الَّذِي أَحْرَمَ فِي جُبَّةٍ أَنْ يُجَدِّدَ إحْرَامًا.
قال أبو محمد: وَلاَ سَبِيلَ لَهُمْ إلَى أَنْ يُوجِدُوا، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، أَنَّ الْفُسُوقَ لاَ يُبْطِلُ الإِحْرَامَ; وَأَمَّا مَنْ فَسَقَ غَيْرَ ذَاكِرٍ لاِِحْرَامِهِ فَإِنَّهُ لاَ يَبْطُلُ بِذَلِكَ إحْرَامُهُ; لاَِنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ إبْطَالَهُ، وَلاَ أَتَى بِإِحْرَامِهِ بِخِلاَفِ مَا أُمِرَ بِهِ عَامِدًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

والجدال قسمان قسم في واجب وحق وقسم في باطل
865 - مَسْأَلَةٌ: وَالْجِدَالُ قِسْمَانِ: قِسْمٌ فِي وَاجِبٍ وَحَقٍّ, وَقِسْمٌ فِي بَاطِلٍ; فَاَلَّذِي فِي الْحَقِّ وَاجِبٌ فِي الإِحْرَامِ وَغَيْرِ الإِحْرَامِ قَالَ تَعَالَى: {اُدْعُ إلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}. وَمَنْ جَادَلَ فِي طَلَبِ حَقٍّ لَهُ فَقَدْ دَعَا إلَى سَبِيلِ رَبِّهِ تَعَالَى, وَسَعَى فِي إظْهَارِ الْحَقِّ وَالْمَنْعِ مِنْ الْبَاطِلِ, وَهَكَذَا كُلُّ مَنْ جَادَلَ فِي حَقٍّ لِغَيْرِهِ أَوْ لِلَّهِ تَعَالَى. وَالْجَدَلُ بِالْبَاطِلِ وَفِي الْبَاطِلِ عَمْدًا ذَاكِرًا لاِِحْرَامِهِ مُبْطِلٌ لِلإِحْرَامِ وَلِلْحَجِّ لقوله تعالى: فَلاَ رَفَثَ، وَلاَ فُسُوقَ، وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ومن لم يلب في شيء من حجه أو عمرته بطل حجه وعمرته
866 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ لَمْ يُلَبِّ فِي شَيْءٍ مِنْ حَجِّهِ أَوْ عُمْرَتِهِ بَطَلَ حَجُّهُ وَعُمْرَتُهُ فَإِنْ لَبَّى وَلَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً أَجْزَأَهُ, وَالاِسْتِكْثَارُ أَفْضَلُ; فَلَوْ لَبَّى وَلَمْ يَرْفَعْ صَوْتَهُ فَلاَ حَجَّ لَهُ، وَلاَ عُمْرَةَ لاَِمْرِ جِبْرِيلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِأَنْ يَأْمُرَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّلْبِيَةِ, فَمَنْ لَمْ يُلَبِّ أَصْلاً أَوْ لَبَّى وَلَمْ يَرْفَعْ صَوْتَهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ فَلَمْ يَحُجَّ، وَلاَ اعْتَمَرَ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى, وَقَدْ قَالَ عليه السلام: "مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ" وَلَوْ أَنَّهُمْ، رضي الله عنهم، إذْ أَمَرَهُمْ عليه السلام بِرَفْعِ أَصْوَاتِهِمْ بِالتَّلْبِيَةِ أَبَوْا لَكَانُوا عُصَاةً بِلاَ شَكٍّ, وَالْمَعْصِيَةُ فُسُوقٌ بِلاَ خِلاَفٍ, وَقَدْ أَعَاذَهُمْ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ذَلِكَ قَالَ تَعَالَى: {فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ} وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْفُسُوقَ يُبْطِلُ الْحَجَّ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَمَنْ لَبَّى مَرَّةً وَاحِدَةً رَافِعًا صَوْتَهُ فَقَدْ لَبَّى كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَوَقَعَ عَلَيْهِ اسْمُ: مُلَبٍّ وَعَلَى فِعْلِهِ اسْمُ: التَّلْبِيَةِ, فَقَدْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ, وَمَنْ أَدَّى مَا عَلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْهُ فَرْضًا أَنْ يُؤَدِّيَ مَا لَيْسَ عَلَيْهِ, وَالْفَرَائِضُ لاَ تَكُونُ إلاَّ مَحْدُودَةً لِيَعْلَمَ النَّاسُ مَا يَلْزَمُهُمْ مِنْهَا, وَمَا لاَ حَدَّ لَهُ فَلَيْسَ فَرْضًا عَلَيْهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ; لإِنَّ فِي إلْزَامِهِ تَكْلِيفَ مَا لاَ يُطَاقُ وَقَدْ أَمَّنَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ.

وجائز للمحرِمين من الرجال والنساء أن يتظلوا في المحامل
...
867- مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ لِلْمُحْرِمِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ أَنْ يَتَظَلَّلُوا فِي الْمَحَامِلِ

والكلام مع الناس في الطواف جائز
868 - مَسْأَلَةٌ: وَالْكَلاَمُ مَعَ النَّاسِ فِي الطَّوَافِ جَائِزٌ, وَذِكْرُ اللَّهِ أَفْضَلُ; لإِنَّ النَّصَّ لَمْ يَأْتِ بِمَنْعٍ مِنْ ذَلِكَ, وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} فَمَا لَمْ يُفَصِّلْ تَحْرِيمَهُ فَهُوَ حَلاَلٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ولا يحل لرجل ولا لامرأة أن يتزوج أو تتزوج
869 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ لِرَجُلٍ, وَلاَ لاِمْرَأَةٍ, أَنْ يَتَزَوَّجَ أَوْ تَتَزَوَّجَ, وَلاَ أَنْ يُزَوِّجَ الرَّجُلُ غَيْرَهُ مِنْ وَلِيَّتِهِ, وَلاَ أَنْ يَخْطُبَ خُطْبَةَ نِكَاحٍ مُذْ يُحْرِمَانِ إلَى أَنْ تَطْلُعَ

ويستحب الإكثار من شرب ماء زمزم
870 - مَسْأَلَةٌ: وَيُسْتَحَبُّ الإِكْثَارُ مِنْ شُرْبِ مَاءِ زَمْزَمَ, وَأَنْ يَسْتَقِيَ بِيَدِهِ مِنْهَا, وَأَنْ يَشْرَبَ مِنْ نَبِيذِ السِّقَايَةِ: لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، نا إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ، عَنْ حَاتِمِ بْنِ إسْمَاعِيلَ الْمَدَنِيِّ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَذَكَرَ حَدِيثَ حَجَّةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَفَاضَ بِالْبَيْتِ فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ وَأَتَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ فَقَالَ: انْزِعُوا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلَوْلاَ أَنْ يَغْلِبَكُمْ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ".
وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمِنْهَالِ الضَّرِيرُ، نا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيّ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: "قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى رَاحِلَتِهِ وَخَلْفَهُ أُسَامَةُ فَاسْتَسْقَى فَأَتَيْنَاهُ بِإِنَاءٍ مِنْ نَبِيذٍ فَشَرِبَ وَسَقَى فَضْلَهُ أُسَامَةَ وَقَالَ: أَحْسَنْتُمْ وَأَجْمَلْتُمْ هَكَذَا فَاصْنَعُوا, قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَنَحْنُ لاَ نُرِيدُ أَنْ نُغَيِّرَ مَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم". وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، نا مَعْمَرٌ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُوس، عَنْ أَبِيهِ فَذَكَرَ أَمْرَ شُرْبِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَمِنْ شَرَابِ سِقَايَةِ الْعَبَّاسِ النَّبِيذِ الْمَذْكُورِ فَقَالَ طَاوُوس: هُوَ مِنْ تَمَامِ الْحَجِّ.
قال أبو محمد: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}.

ومن فاتته الصلاة مع الإمام بعرفة أو مزدلفة في المغرِب والعشاء ففرض عليه أن يجمع بينهما
...
871 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ فَاتَتْهُ الصَّلاَةُ مَعَ الإِمَامِ بِعَرَفَةَ أَوْ مُزْدَلِفَةَ فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فَفَرْضٌ عَلَيْهِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ صَلاَّهُمَا مَعَ الإِمَامِ بِعَرَفَةَ. فَلَوْ أَدْرَكَ الإِمَامَ فِي الْعَصْرِ لَزِمَهُ أَنْ يَدْخُلَ مَعَهُ وَيَنْوِيَ بِهَا الظُّهْرَ، وَلاَ بُدَّ, لاَ يُجْزِيه غَيْرُ ذَلِكَ. فَإِذَا

ومن كان في طواف فرض أو تطوع
872 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كَانَ فِي طَوَافِ فَرْضٍ أَوْ تَطَوُّعٍ فَأُقِيمَتْ الصَّلاَةُ أَوْ عَرَضَتْ لَهُ صَلاَةُ جِنَازَةٍ, أَوْ عَرَضَ لَهُ بَوْلٌ, أَوْ حَاجَةٌ, فَلْيُصَلِّ وَلْيَخْرُجْ لِحَاجَتِهِ, ثُمَّ لِيَبْنِ عَلَى طَوَافِهِ وَيُتِمَّهُ. وَكَذَلِكَ مَنْ عَرَضَ لَهُ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا فِي سَعْيِهِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَلاَ فَرْقَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ, وَالشَّافِعِيِّ. وقال مالك: أَمَّا فِي الطَّوَافِ الْوَاجِبِ فَيَبْتَدِئُ، وَلاَ بُدَّ إلاَّ فِي الصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ فَقَطْ, فَإِنَّهُ يُصَلِّيهَا ثُمَّ يَبْنِي; وَأَمَّا فِي طَوَافِ التَّطَوُّعِ فَيَبْنِي فِي كُلِّ ذَلِكَ.
قال أبو محمد: هَذَا تَقْسِيمٌ لاَ بُرْهَانَ عَلَى صِحَّتِهِ أَصْلاً, وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ، وَلاَ إجْمَاعٌ عَلَى وُجُوبِ ابْتِدَاءِ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ إنْ قَطَعَ لِحَاجَةٍ, وَلاَ بِإِبْطَالِ مَا طَافَ مِنْ أَشْوَاطِهِ وَسَعَى, وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلاَ تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ } وَإِنَّمَا افْتَرَضَ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ سَبْعًا, وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِوُجُوبِ اتِّصَالِهِ وَإِنَّمَا هُوَ عَمَلٌ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَطْ, وَأَمَّا مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَبَثًا فَلاَ عَمَلَ لِعَابِثٍ، وَلاَ يُجْزِئُهُ: نا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ، نا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْبَصِيرِ، نا قَاسِمُ

ابْنُ أَصْبَغَ، نا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلاَمِ الْخُشَنِيُّ، نا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، نا مُؤَمَّلُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْحِمْيَرِيُّ، نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، نا جَمِيلُ بْنُ زَيْدٍ قَالَ: رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ طَافَ فِي يَوْمٍ حَارٍّ ثَلاَثَةَ أَطْوَافٍ, ثُمَّ أَصَابَهُ حَرٌّ فَدَخَلَ الْحِجْرَ فَجَلَسَ, ثُمَّ خَرَجَ فَبَنَى عَلَى مَا كَانَ طَافَ.
وَعَنْ عَطَاءٍ: لاَ بَأْسَ بِأَنْ يَجْلِسَ الإِنْسَانُ فِي الطَّوَافِ لِيَسْتَرِيحَ وَفِيمَنْ عَرَضَتْ لَهُ حَاجَةٌ فِي طَوَافِهِ لِيَذْهَبَ وَلِيَقْضِ حَاجَتَهُ, ثُمَّ يَبْنِي عَلَى مَا كَانَ طَافَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وأما الإحصار فإن كل من عرض له ما يمنعه من إتمام حجه أو عمرته قارِنا كان أو متمتعا
...
873 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا الإِحْصَارُ فَإِنَّ كُلَّ مَنْ عَرَضَ لَهُ مَا يَمْنَعُهُ مِنْ إتْمَامِ حَجِّهِ أَوْ عُمْرَتِهِ, قَارِنًا كَانَ, أَوْ مُتَمَتِّعًا, مِنْ عَدُوٍّ, أَوْ مَرَضٍ, أَوْ كَسْرٍ, أَوْ خَطَأِ طَرِيقٍ, أَوْ خَطَأٍ فِي رُؤْيَةِ الْهِلاَلِ, أَوْ سِجْنٍ, أَوْ أَيِّ شَيْءٍ كَانَ: فَهُوَ مُحْصِرٌ. فَإِنْ كَانَ اشْتَرَطَ عِنْدَ إحْرَامِهِ كَمَا قَدَّمْنَا أَنَّ مَحَلَّهُ حَيْثُ حَبَسَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَلْيُحِلَّ مِنْ إحْرَامِهِ، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ, سَوَاءٌ شَرَعَ فِي عَمَلِ الْحَجِّ, أَوْ الْعُمْرَةِ, أَوْ لَمْ يَشْرَعْ بَعْدُ, قَرِيبًا كَانَ أَوْ بَعِيدًا, مَضَى لَهُ أَكْثَرُ فَرْضِهِمَا أَوْ أَقَلُّهُ, كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ، وَلاَ هَدْيَ فِي ذَلِكَ، وَلاَ غَيْرِهِ, وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ إلاَّ أَنْ يَكُونَ لَمْ يَحُجَّ قَطُّ، وَلاَ اعْتَمَرَ, فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ وَيَعْتَمِرَ، وَلاَ بُدَّ. فَإِنْ كَانَ لَمْ يَشْتَرِطْ كَمَا ذَكَرْنَا فَإِنَّهُ يُحِلُّ أَيْضًا كَمَا ذَكَرْنَا سَوَاءٌ سَوَاءٌ، وَلاَ فَرْقَ, وَعَلَيْهِ هَدْيٌ، وَلاَ بُدَّ, كَمَا قلنا فِي هَدْيِ الْمُتْعَةِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ إلاَّ أَنَّهُ لاَ يُعَوَّضُ مِنْ هَذَا الْهَدْيِ صَوْمٌ، وَلاَ غَيْرُهُ, فَمَنْ لَمْ يَجِدْهُ فَهُوَ عَلَيْهِ دَيْنٌ حَتَّى يَجِدَهُ, وَلاَ قَضَاءَ عَلَيْهِ إلاَّ إنْ كَانَ لَمْ يَحُجَّ قَطُّ، وَلاَ اعْتَمَرَ, فَعَلَيْهِ أَنْ يَحُجَّ وَيَعْتَمِرَ.
وَاخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فِي الإِحْصَارِ: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ: نا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ, قَالَ: لاَ إحْصَارَ إلاَّ مِنْ عَدُوٍّ.
وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، نا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ أَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، نا زَكَرِيَّا، هُوَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ, قَالَ: لَمَّا أُحْصِرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ الْبَيْتِ صَالَحَهُ أَهْلُ مَكَّةَ عَلَى أَنْ يَدْخُلَهَا فَيَبْقَى بِهَا ثَلاَثًا، وَلاَ يَدْخُلَهَا إلاَّ بِجُلْبَانِ السِّلاَحِ السَّيْفِ وَقِرَابِهِ, وَلاَ يَخْرُجُ بِأَحَدٍ مَعَهُ مِنْ أَهْلِهَا, وَلاَ يَمْنَعُ أَحَدًا يَمْكُثُ بِهَا مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ فَسَمَّى الْبَرَاءُ مَنْعَ الْعَدُوِّ: إحْصَارًا. وَرُوِّينَا، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: الإِحْصَارُ مِنْ الْخَوْفِ وَالْمَرَضِ, وَالْكَسْرِ; وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: الإِحْصَارُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يَحْبِسُهُ. وَأَمَّا الْحَصْرُ: فَرُوِّينَا، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ قَالَ: الْحَصْرُ, وَالْمَرَضُ, وَالْكَسْرُ, وَشِبْهُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُوس، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لاَ حَصْرَ إلاَّ مَنْ حَبَسَهُ عَدُوٌّ. وَعَنْ طَاوُوس قَالَ: لاَ حَصْرَ الآنَ, قَدْ ذَهَبَ الْحَصْرُ.

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29