كتاب : المحلى
المؤلف : أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري

أَثَرٌ لاَ يَصِحُّ. وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِنَا. وَرُوِيَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ.
وَاخْتَلَفَ الْحَاضِرُونَ عَلَى فِرَقٍ: فَطَائِفَةٌ مَنَعَتْ مِنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ جُمْلَةً، أَيَّ لَحْمٍ كَانَ لاَ تَحَاشَ شَيْئًا، بِأَيِّ حَيَوَانٍ كَانَ لاَ تَحَاشَ شَيْئًا، حَتَّى مَنَعُوا مِنْ بَيْعِ الْعَبْدِ بِاللَّحْمِ. وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي اللَّحْمِ بِاللَّحْمِ فَرُوِيَ عَنْهُ: أَنْ يُجْمَعَ لُحُومُ الْحَيَوَانِ كُلِّهَا طَائِرَةً وَوَحْشِيَّةً، وَالأَنْعَامِ، كُلِّهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ. وَرُوِيَ عَنْهُ: أَنَّ لَحْمَ كُلِّ نَوْعٍ صِنْفٌ عَلَى حِيَالِهِ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ عَنْهُ فِي أَنَّهُ لاَ يُبَاعُ لَحْمٌ بِلَحْمٍ أَصْلاً حَتَّى يَتَنَاهَى جَفَافُهُ وَيَبَسُهُ فَعَلَى أَحَدِ قَوْلَيْهِ: لاَ يُبَاعُ قَدِيدُ غَنَمٍ بِقَدِيدِ إبِلٍ، أَوْ بِقَدِيدِ دَجَاجٍ، أَوْ إوَزٍّ أَوْ مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَعَلَى الْقَوْلِ الثَّانِي أَنَّهُ لاَ يُبَاعُ قَدِيدُ غَنَمٍ بِقَدِيدِ غَنَمٍ، إِلاَّ يَدًا بِيَدٍ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، وَجَائِزٌ أَنْ يُبَاعَ بِقَدِيدِ الْبَقَرِ مُتَفَاضِلاً يَدًا بِيَدٍ. وقال أبو حنيفة: جَائِزٌ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ عَلَى كُلِّ حَالٍ، جَائِزٌ كُلُّ ذَلِكَ، كَقَوْلِنَا سَوَاءً بِسَوَاءٍ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: جَائِزٌ بَيْعُ لَحْمِ شَاةٍ بِشَاةٍ حَيَّةً، إذَا كَانَ اللَّحْمُ أَكْثَرَ مِنْ لَحْمِ الشَّاةِ الْحَيَّةِ، فَإِنْ كَانَ مِثْلَهُ أَوْ أَقَلَّ لَمْ يَجُزْ، وَأَجَازَ بَيْعَ شَاةٍ بِبَقَرَةٍ حَيَّةً كَيْفَ شَاءُوا. وَأَجَازَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ بَيْعَ لَحْمِ شَاةٍ بِلَحْمِ شَاةٍ مُتَمَاثِلاً نَقْدًا، وَلاَ بُدَّ، وَكَذَلِكَ لَحْمُ كُلِّ صِنْفٍ بِلَحْمٍ مِنْ صِنْفِهِ وَأَبَاحُوا التَّفَاضُلَ يَدًا بِيَدٍ فِي كُلِّ لَحْمٍ بِلَحْمٍ مِنْ غَيْرِ صِنْفِهِ، وَالْبَقَرُ عِنْدَهُمْ صِنْفٌ، وَالْغَنَمُ صِنْفٌ آخَرُ، وَالإِبِلُ صِنْفٌ ثَالِثٌ وَكَذَلِكَ كُلُّ حَيَوَانٍ فِي صِنْفِهِ، إِلاَّ الْحِيتَانُ فَإِنَّهَا كُلَّهَا عِنْدَهُ صِنْفٌ وَاحِدٌ، وَإِلَّا لُحُومُ الطَّيْرِ، فَرَأَوْا بَيْعَ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلاً يَدًا بِيَدٍ، لاَ نَسِيئَةً، كَلَحْمِ دَجَاجٍ بِلَحْمِ دَجَاجٍ، أَوْ بِلَحْمِ صَيْدٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ. وَرَأَى شَحْمَ الْبَطْنِ مِنْ كُلِّ حَيَوَانٍ صِنْفًا غَيْرَ لَحْمِهِ، وَغَيْرِ شَحْمِ ظَهْرِهِ. وَرَأَى الأَلْيَةَ صِنْفًا آخَرَ غَيْرَ اللَّحْمِ وَالشَّحْمِ. وَهَذِهِ وَسَاوِسُ لاَ نَظِيرَ لَهَا، وَأَقْوَالٌ لاَ تُعْقَلُ، وَلاَ تُعْلَمُ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ.
وقال مالك: ذَوَاتُ الأَرْبَعِ كُلُّهَا صِنْفٌ وَاحِدٌ: الْبَقَرُ، وَالْغَنَمُ، وَالإِبِلُ، وَالأَرَانِبُ، وَالأَيَايِلُ، وَحُمُرُ الْوَحْشِ، وَكُلُّ ذِي أَرْبَعٍ، فَلاَ يَحِلُّ لَحْمُ شَيْءٍ مِنْهَا بِحَيٍّ مِنْهَا فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُ لَحْمِ أَرْنَبٍ حَيٍّ بِلَحْمِ جَمَلٍ أَصْلاً، وَلاَ لَحْمِ جَمَلٍ بِلَحْمِ كَبْشٍ، إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلٍ، يَدًا بِيَدٍ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ ذَوَاتِ الأَرْبَعِ. وَرَأَى الطَّيْرَ كُلَّهُ صِنْفًا وَاحِدًا: الدَّجَاجُ، وَالْحَمَامُ، وَالنَّعَامُ، وَالإِوَزُّ، وَالْحَجَلُ، وَالْقَطَا، وَغَيْرُ ذَلِكَ فَلَمْ يَجُزْ أَيْضًا لَحْمُ شَيْءٍ مِنْهَا بِحَيٍّ مِنْهَا وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ نَوْعِهِ وَأَجَازَ فِي لَحْمِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ: التَّمَاثُلَ يَدًا بِيَدٍ، وَمَنَعَ مِنْ التَّفَاضُلِ، فَلَمْ يُجِزْ التَّفَاضُلَ فِي لَحْمِ دَجَاجٍ بِلَحْمِ حُبَارَى وَهَكَذَا فِي كُلِّ شَيْءٍ مِنْهَا. وَرَأَى الْحِيتَانَ كُلَّهَا صِنْفًا وَاحِدًا كَذَلِكَ أَيْضًا. وَرَأَى الْجَرَادَ صِنْفًا رَابِعًا عَلَى حِيَالِهِ، هَذَا وَهُوَ عِنْدَهُ صَيْدٌ مِنْ الطَّيْرِ يُجْزِيهِ الْمُحَرَّمَ. وَحَرَّمَ الْقَدِيدَ النِّيءَ بِاللَّحْمِ الْمَشْوِيِّ، وَحَرَّمَهُمَا جَمِيعًا بِاللَّحْمِ النِّيءِ

الطَّرِيِّ، وَأَجَازَ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الثَّلاَثَةِ الأَصْنَافِ بِاللَّحْمِ الْمَطْبُوخِ مِنْ صِنْفِهَا مُتَفَاضِلَةٍ وَمُتَمَاثِلَةٍ يَدًا بِيَدٍ، وَأَجَازَ اللَّحْمَ الْمَطْبُوخَ بِعَسَلٍ بِاللَّحْمِ الْمَطْبُوخِ بِلَبَنٍ مُتَمَاثِلاً وَمَنَعَ فِيهِ مِنْ التَّفَاضُلِ. وَأَجَازَ شَاةً مَذْبُوحَةً بِشَاةٍ مَذْبُوحَةٍ عَلَى التَّحَرِّي وَهَذَا ضِدُّ أَصْلِهِ. وَهَذِهِ أَقْوَالٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، وَلاَ نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهَا قَبْلَهُ وَلَوْ تَقَصَّيْنَا تَطْوِيلَهُمْ هَهُنَا وَتَنَاقُضَهُ، لَطَالَ جِدًّا وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ لِمَنْ نَصَحَ نَفْسَهُ.
قال أبو محمد : وَاحْتَجَّ الشَّافِعِيُّونَ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ بَيْعِ الْحَيَوَانِ بِاللَّحْمِ ". وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ النُّمَيْرِيُّ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ الأَيْلِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يُبْتَاعَ الْحَيُّ بِالْمَيِّتِ " قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَلاَ يَصْلُحُ بِشَاةٍ حَيَّةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي يَحْيَى، عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَجُلاً أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ جُزْءًا مِنْ لَحْمِ بَعِيرٍ بِشَاةٍ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: لاَ يَصْلُحُ هَذَا. وَصَحَّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنْ لاَ يُبَاعَ حَيٌّ بِمَذْبُوحٍ، وَأَنَّهُ لاَ يَجُوزُ بَعِيرٍ بِغَنَمٍ مَعْدُودَةٍ إنْ كَانَ يُرِيدُ الْبَعِيرَ لِيَنْحَرَهُ. وَقَالَ: كَانَ مِنْ مَيْسِرِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ بَيْعُ اللَّحْمِ بِالشَّاةِ. وَقَالَ أَبُو الزِّنَادِ: أَدْرَكْت النَّاسَ يَنْهَوْنَ، عَنْ بَيْعِ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ وَيَكْتُبُونَهُ فِي عُهُودِ الْعُمَّالِ فِي زَمَنِ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ، وَهِشَامِ بْنِ إسْمَاعِيلَ وَذَكَرَهُ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ، وَأَنَّهُمْ كَانُوا يُعَظِّمُونَ ذَلِكَ، وَلاَ يَتَرَخَّصُونَ فِيهِ.
قال أبو محمد: أَمَّا الْخَبَرُ فِي ذَلِكَ فَمُرْسَلٌ لَمْ يُسْنَدْ قَطُّ، وَالْعَجَبُ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ: إنَّ الْمُرْسَلَ لاَ يَجُوزُ الأَخْذُ بِهِ، ثُمَّ أَخَذَ هَهُنَا بِالْمُرْسَلِ. ثُمَّ عَجَبٌ آخَرُ مِنْ الْحَنَفِيِّينَ الْقَائِلِينَ: الْمُرْسَلُ كَالْمُسْنَدِ، ثُمَّ خَالَفُوا هَذَا الْمُرْسَلَ الَّذِي لَيْسَ فِي الْمَرَاسِيلِ أَقْوَى مِنْهُ يُعَظِّمُونَ هَذَا وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الْحَنَفِيُّونَ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ. ثُمَّ الْمَالِكِيُّونَ: فَعَجَبٌ ثَالِثٌ؛ لأََنَّهُمْ احْتَجُّوا بِهَذَا الْخَبَرِ، وَأَوْهَمُوا أَنَّهُمْ أَخَذُوا بِهِ، وَهُمْ قَدْ خَالَفُوهُ؛ لأََنَّهُمْ أَبَاحُوا لَحْمَ الطَّيْرِ بِالْغَنَمِ، وَهَذَا خِلاَفُ الْخَبَرِ وَإِنَّمَا هُوَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ. وَقَدْ خَالَفَ مَالِكٌ أَيْضًا هَهُنَا مَا رُوِيَ، عَنِ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ، وَعَمَلِ الْوُلاَةِ بِالْمَدِينَةِ، وَهَذَا يُعَظِّمُهُ جِدًّا إذَا وَافَقَ رَأْيَهُمْ وَاحْتَجُّوا بِخَبَرِ أَبِي بَكْرٍ وَهُوَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ أَبِي يَحْيَى إبْرَاهِيمَ، وَأَوَّلُ مَنْ أَمَرَ أَنْ لاَ تُؤْخَذَ رِوَايَتُهُ فَمَالِكٌ، ثُمَّ، عَنْ صَالِحٍ مَوْلَى التَّوْأَمَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ ضَعَّفَهُ فَمَالِكٌ فَيَا لِلَّهِ وَيَا لِلْمُسْلِمِينَ إذَا رَوَى الثِّقَاتُ خَبَرًا يُخَالِفُ رَأْيَهُمْ تَحَيَّلُوا بِالأَبَاطِيلِ فِي رَدِّهِ، وَإِذَا رَوَى مَنْ يَشْهَدُونَ

عَلَيْهِ بِالْكَذِبِ مَا يُوَافِقُهُمْ احْتَجُّوا بِهِ، فَأَيُّ دِينٍ يَبْقَى مَعَ هَذَا؟ فَإِنْ قَالَ الشَّافِعِيُّونَ: مَرَاسِيلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ حُجَّةٌ بِخِلاَفِ غَيْرِهِ قلنا لَهُمْ: السَّاعَةُ صَارَتْ حُجَّةً فَدُونَكُمْ مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ، عَنِ ابْنِ حَرْمَلَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ يُبَاعَ الْحَيَوَانُ بِالْمَفَاطِيمِ مِنْ الْغَنَمِ فَقُولُوا بِهِ، وَإِلَّا فَقَدْ تَلاَعَبْتُمْ، وَاتَّقُوا اللَّهَ. وَقَدْ رُوِيَتْ فِي هَذِهِ آثَارٌ أَيْضًا بِزِيَادَةٍ، فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ طَلْقٍ: أَنَّ رَجُلاً نَحَرَ جَزُورًا فَجَعَلَ يَبِيعُ الْعُضْوَ بِالشَّاةِ، وَبِالْقَلُوصِ، إلَى أَجَلٍ فَكَرِهَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ أَنَا إسْرَائِيلُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِصْمَةَ سَمِعْت ابْنَ عَبَّاسٍ وَسُئِلَ عَمَّنْ اشْتَرَى عُضْوًا مِنْ جَزُورٍ قَدْ نُحِرَتْ بِرِجْلِ عِنَاقٍ وَشُرِطَ عَلَى صَاحِبِهَا أَنْ يُرْضِعَهَا حَتَّى تُفْطَمَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لاَ يَصْلُحُ.
قال أبو محمد: هَذَا شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لاَ بَأْسَ أَنْ يُبَاعَ اللَّحْمُ بِالشَّاةِ. فإن قيل: هَذَا، عَنْ رَجُلٍ قلنا: وَخَبَرُ أَبِي بَكْرٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي يَحْيَى وَلَيْسَ بِأَوْثَقَ مِمَّنْ سَكَتَ عَنْهُ كَائِنًا مَنْ كَانَ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ: لاَ بَأْسَ بِالشَّاةِ الْقَائِمَةِ بِالْمَذْبُوحَةِ.

من ابتاع شيئا أي شيء كان مما يحل بيعه حاش القمح فلا يحل له أن يبيعه حتى يقبضه وتفسير القبض
1508- مسألة: ومن ابتاع شيئا أي شيء كان مما يحل بيعه, حاش القمح, فلا يحل له أن يبيعه حتى يقبضه, وقبضه له: هو أن يطلق يده عليه بأن لا يحال بينه وبينه, فإن لم يحل بينه وبينه مدة ما قلت أم كثرت ثم حيل بينه وبينه بغصب أو غيره: حل له بيعه;
لأنه قد قبضه, وله أن يهبه , وأن يؤاجر به, وأن يصدقه , وأن يقرضه , وأن يسلمه, وأن يتصدق به قبل أن يقبضه, وقبل أن تطلق يده عليه. فإن ملك شيئا ما أي شيء كان مما يحل بيعه بغير البيع , لكن بميراث أو هبة, أو قرض, أو صداق, أو صدقة, أو سلم, أو أرش , أو غير ذلك: جاز له بيعه قبل أن يقبضه, وأن يتصرف فيه بالإصداق, والهبة , والصدقة, حاش القمح. وأما القمح: فإنه بأي وجه ملكه من: بيع , أو هبة , أو صدقة, أو صداق, أو إجارة, أو أرش, أو سلم أو قرض, أو غير ذلك: فلا يحل له بيعه حتى يقبضه, كما ذكرنا بأن لا يحال بينه وبينه. فإن كان اشترى القمح خاصة جزافا, فلا يحل له بيعه حتى يقبضه كما ذكرنا , وحتى ينقله ولا بد عن موضعه الذي هو فيه إلى مكان آخر قريب ملاصق أو بعيد. فإن كان اشترى القمح خاصة بكيل لم يحل له أن يبيعه حتى يكتاله, فإذا اكتاله حل له بيعه وإن لم ينقله عن موضعه. ولا يحل له تصديق البائع في كيله وحتى لو اكتاله البائع لنفسه بحضرته وهو يراه ويشاهده ولا بد من

أن يكتاله المشتري لنفسه , وجائز له في كل ما ذكرنا أن يهبه , وأن يصدقه , وأن يؤاجر به , وأن يصالح , وأن يتصدق به , وأن يقرضه قبل , أن يكتاله , وقبل أن ينقله جزافا اشتراه أو بكيل وليست هذه الأحكام في غير القمح أصلا . برهان ذلك : ما روينا من طريق قاسم بن أصبغ أنا أحمد بن زهير بن حرب نا أبي أنا حيان بن هلال أنا همام بن يحيى بن أبي كثير : أن يعلى بن حكيم حدثه : أن يوسف بن ماهك حدثه : أن حكيم بن حزام حدثه أنه قال: يا رسول الله , إني رجل أشتري هذه البيوع , فما يحل لي منها مما يحرم علي ؟ قال: " يا ابن أخي إذا ابتعت بيعا فلا تبعه حتى تقبضه ". فهذا عموم لكل بيع , ولكل ابتياع , وتخصيص لهما مما ليسا بيعا ولا ابتياعا , وجواب منه عليه السلام إذ سئل عما يحل مما يحرم. فإن قيل: فإن هذا الخبر مضطرب. لأنكم رويتموه من طريق خالد بن الحارث الهجيمي عن هشام الدستوائي عن يحيى بن أبي كثير , قال : حدثني رجل من إخواننا حدثني يوسف بن ماهك : أن عبد الله بن عصمة الجشمي حدثه : أن حكيم بن حزام حدثه نذكر هذا الخبر وعبد الله بن عصمة متروك؟ قلنا: نعم , إلا أن همام بن يحيى رواه كما أوردنا قبل عن يحيى بن أبي كثير فسمى ذلك الرجل من الذي لم يسمه هشام , وذكر أنه يعلى بن حكيم ويعلى ثقة وذكر فيه : أن يوسف سمعه من حكيم بن حزام وهذا صحيح فإذا سمعه من حكيم فلا يضره أن يسمعه أيضا من غير حكيم عن حكيم , فصار حديث خالد بن الحارث لغوا كان أو لم يكن بمنزلة واحدة . فإن قيل : فقد رويت من طريق مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه ". ومن طريق سفيان بن عيينة أنا عمرو بن دينار عن طاوس عن ابن عباس أما الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يباع حتى يقبض فهو الطعام , قال ابن عباس برأيه : ولا أحسب كل شيء إلا مثله ؟ قلنا : نعم , هذان صحيحان : إلا أنهما بعض ما في حديث حكيم بن حزام فحديث حكيم بن حزام دخل فيه : الطعام وغير الطعام , فهو أعم , فلا يجوز تركه ; لأنه فيه حكما ليس في خبر ابن عباس , وابن عمر . فإن قيل : قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ما رويتم من طريق أحمد بن شعيب أخبرني زياد بن أيوب أنا هشيم أنا أبو بشر هو ابن أبي وحشية عن يوسف بن ماهك عن حكيم بن حزام قلت: يا رسول الله يسألني المرء البيع ليس عندي ما أبيعه منه ثم أبتاع له من السوق ؟ فقال عليه السلام: " لا تبتع ما ليس عندك ". قلنا : نعم , وبه نقول هو بين كما تسمع , إنما هو نهي عن بيع ما ليس في ملك كما في الخبر نصا , وإلا فكل ما يملكه المرء فهو عنده

ولو أنه بالهند يقول: عندي ضيعة سرية, وعندي فرس فارة وسواء عندنا كان مغصوبا أو لم يكن, وهو عند صاحبه, أي في ملكه وله. فإن قيل: فإنكم رويتم من طريق أبي داود أنا زهير بن حرب أنا إسماعيل هو ابن علية عن أيوب السختياني حدثني عمرو بن شعيب حدثني أبي عن أبيه عن أبيه حتى ذكر عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع ولا ربح ما لم يضمن ولا بيع ما ليس عندك " قلنا: نعم, هذا صحيح, وبه نأخذ, ولا نعلم لعمرو بن شعيب حديثا مسندا إلا هذا وحده , وآخر في الهبات رواه عن طاوس عن ابن عباس, وابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم في المنع من الرجوع في الهبات إلا الوالد فيما أعطى ولده وليس في هذا الخبر إلا الذي في حديث حكيم بن حزام من النهي عن بيع ما ليس لك فقط وبالله تعالى التوفيق.
وممن قال بقولنا في هذا: ابن عباس كما أوردناه . وكما روينا من طريق عبد الرزاق عن ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: لا تبع بيعا حتى تقبضه. ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني قال عبد الرحمن بن عوف والزبير لعمر: إنه تزيف علينا أوراق فنعطي الخبيث ونأخذ الطيب؟ قال: فلا تفعلوا, ولكن انطلق إلى البقيع فبع ورقك بثوب أو عرض , فإذا قبضت وكان لك فبعه وذكر الخبر. فهذا عمر يقول بذلك, ويبين أن القبض هو الذي يكون الشيء للمرء وقولنا في هذا كقول الحسن , وابن شبرمة وذهب قوم إلى أن هذا الحكم إنما هو في الطعام فقط يعني أن لا يباع قبل أن يقبض وذهب آخرون إلى أنه فيما يكال أو يوزن فقط: كما روينا من طريق يحيى بن سعيد القطان أنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن عبد ربه عن أبي عياض عن عثمان بن عفان: لا بأس إذا اشترى الرجل البيع أن يبيعه قبل أن يقبضه ما خلا الكيل والوزن. ومن طريق حماد بن سلمة عن قتادة عن سعيد بن المسيب: أنه كان لا يرى بأسا أن يبتاع الرجل بيعا لا يكال ولا يوزن أن يبيعه قبل أن يقبضه. ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين قال: لا بأس بأن يشتري شيئا لا يكال ولا يوزن بنقد ثم يبيعه قبل أن يقبضه وهو قول الحكم وإبراهيم, وحماد بن أبي سليمان وذكره النخعي عمن لقي. وقال عطاء: جائز بيع كل شيء قبل أن يقبض. وقال أبو حنيفة: كل ما ملك بعقد ينتقض العقد بهلاكه, فلا يجوز بيعه قبل قبضه: كالبيع , والإجارة, إلا العقار: فجائز بيعه قبل قبضه. قال: وكل ما ملك بعقد لا ينتقض العقد بهلاكه: فجائز بيعه قبل قبضه كالصداق, والجعل, والخلع, ونحوه وهذا قول لا نعلمه

عن أحد قبله. وقال مالك : كل ما يؤكل والماء: فلا يحل بيعه قبل أن يقبض وما عدا هذين فجائز بيعه قبل أن يقبض وقال مرة أخرى: كل ما يؤكل فقط , وأما الماء: فبيعه جائز قبل قبضه وجعل في كلا قوليه: زريعة الفجل الأبيض, وزريعة الجزر, وزريعة السلق: لا يباع شيء منها قبل القبض؟ فقلنا: هذا لا يأكله أحد أصلا, وهذا الذي أنكرتم على الشافعي في إدخاله السقمونيا فيما يؤكل؟ فقالوا: إنه يخرج منها ما يؤكل؟ فقلنا: والشجر يخرج منها ما يؤكل فامنعوا من بيعها قبل القبض, فانقطعوا وما نعلم قولهم هذا كله كما هو عن أحد قبلهم. وخالف الحنفيون, والمالكيون ههنا كل قول روي عن الصحابة رضي الله عنهم وأما الشافعي: فلم يجز بيع ما ملك ببيع, أو نكاح أو خلع, قبل القبض أصلا وهذا قول فاسد بلا دليل. فإن قالوا: قسنا النكاح والخلع على البيع؟ قلنا: القياس كله باطل, ثم لو صح لكان هذا منه عين الباطل, لأن النكاح يجوز بلا مهر يذكر أصلا, ولا يجوز البيع بلا ثمن يذكر, والنكاح لم يملك بصداق رقبة شيء أصلا, والخلع كذلك, بخلاف البيع فظهر فساد هذا القول وبالله تعالى التوفيق. أما حكم القمح: فالذي ذكرنا قبل هذا في الكلام المتصل بهذا من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أما الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يباع حتى يقبض فهو الطعام, فهذا تخصيص للطعام في البيع خاصة وعموم له بأي وجه ملك. فإن قيل: من أين خصصتم القمح بذلك دون سائر الطعام؟ قلنا: لأن اسم الطعام في اللغة التي بها خاطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يطلق هذا إلا على القمح وحده, وإنما يطلق على غيره بإضافة. وقد قال تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} فأراد عز وجل الذبائح لا ما يأكلون فإنهم يأكلون الميتة , والدم , والخنزير , ولم يحل لنا شيء من ذلك قط. وقال الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} فذكر تعالى الطعم في الماء بإضافة , ولا يسمى الماء طعاما. وقال لقيط بن معمر الإيادي جاهلي فصيح في شعر له مشهور:
لا يطعم النوم إلا ريث يبعثه ... هم يكاد جواه يحطم الضلعا
فأضاف الطعم إلى النوم والنوم ليس طعاما بلا شك. وقد ذكرنا قول عبد الله بن معمر وكان طعامنا يومئذ الشعير, فذكر الطعام في الشعير في إضافة لا بإطلاق. وقد ذكرنا من طريق أبي سعيد الخدري قوله: كنا نخرج على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر: صاعا من طعام, صاعا من شعير, صاعا من تمر, صاعا من أقط فلم يطلق الطعام إلا على القمح وحده. لا على الشعير ولا غيره. وروينا من طريق الحجاج بن المنهال أنا يزيد

بن إبراهيم أنا محمد بن سيرين قال: عرض علي عبد الله بن عتبة بن مسعود زيتا له؟ فقلت له: إن أصحاب الزيت قلما يستوفون حتى يبيعون, فقال: إنما سمي الطعام أي إنما أمر بالبيع بعد الاستيفاء في الطعام فلم ير الزيت طعاما. وأبو سعيد الخدري وعبد الله بن عتبة بن مسعود: حجتان في اللغة قاطعتان; لا سيما وعبد الله هذلي قبيلة مجاورة للحرم فلغتهم لغة قريش. وممن قال بقولنا: إن الطعام بإطلاق إنما هو القمح وحده: أبو ثور وأما القمح يشترى جزافا فلا يحل بيعه حتى يقبض وينقل عن موضعه: فلما رويناه من طريق البخاري أنا إسحاق هو ابن راهويه أنا الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه رضي الله عنه قال: رأيت الذين يشترون الطعام مجازفة يضربون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبيعوه حتى يؤووه إلى رحالهم. ورويناه من طريق مسلم أنا محمد بن عبد الله بن نمير أنا أبي أنا عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من اشترى طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه " قال وكنا نشتري الطعام من الركبان جزافا فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نبيعه حتى ننقله من مكانه ومن طريق مسلم أنا أبو بكر بن أبي شيبة أنا عبد الأعلى عن معمر عن الزهري عن سالم بن عبد الله بن عمرعن ابن عمر: أنهم كانوا يضربون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اشتروا طعاما جزافا أن يبيعوه في مكانه حتى يحولوه .
قال أبو محمد : ولا يمكن أن يكون غيره عليه السلام يضرب المسلمين بالمدينة على شريعة يؤمرون بها في الأسواق بغير علمه أصلا فصح أنه جرم كبير لا يرخص فيه. فإن قيل: إن في بعض ما رويتم "حتى يؤووه إلى رحالهم" ؟ قلنا : نعم , وكل مكان رحله إليه فهو رحل له إذا كان مباحا له أن يرحله إليه. فإن قيل: فقد رويتم هذا الحديث عن مالك عن نافع عن ابن عمر فلم يذكر فيه الجزاف؟ قلنا: عبيد الله بن عمر إن لم يكن فوق مالك, وإلا فليس هو دونه أصلا وقد رواه عن نافع فذكر فيه الجزاف. ورواه الزهري عن سالم كما أوردنا فذكر فيه الجزاف وهو خبر واحد بلا شك. وجمهور الرواة عن مالك لهذا الحديث في الموطأ وغيره ذكروا فيه عنه الجزاف, كما ذكره عبيد الله عن نافع, والزهري عن سالم, وإنما أسقط ذكر الجزاف: القعنبي, ويحيى, فقط فصح أنهما وهما فيه بلا شك; لأنه يتعين خبر واحد وبالله تعالى التوفيق. وإنما كان يصح الأخذ برواية القعنبي, ويحيى, لو أمكن أن يكونا خبرين اثنين عن موطئين مختلفين وقولنا ههنا هو قول الشافعي وأبي سليمان, ولم يقل به مالك, ولا نعلم لمقلده ولا له حجة أصلا وبالله تعالى التوفيق.

وأما القمح يبتاعه المرء بكيل فلا يحل له بيعه حتى يكتاله لنفسه, ثم يكتاله الذي يبيع منه ولا بد سواء حضرا كلاهما كيله قبل ذلك أو لم يحضرا, فلما رويناه من طريق أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار أنا محمد بن عبد الرحيم أنا مسلم هو ابن إبراهيم أنا مخلد بن الحسين الأزدي عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة قال: " نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان , فيكون لصاحبه الزيادة وعليه النقصان ". ورويناه من طريق أبي بكر بن أبي شيبة أنا شريك عن ابن أبي ليلى عن محمد بن بيان عن ابن عمر أنه سئل عمن اشترى الطعام وقد شهد كيله؟ قال: لا, حتى يجري فيه الصاعان. ومن طريق ابن أبي شيبة أنا محمد بن فضيل عن مطرف هو ابن طريف قلت للشعبي: أكون شاهد الطعام وهو يكال فأشتريه, آخذه بكيله؟ فقال: مع كل صفقة كيلة ومن طريق ابن أبي شيبة أنا مروان عن زياد مولى آل سعد قلت لسعيد بن المسيب: رجل ابتاع طعاما فاكتاله, أيصلح لي أن اشتريه بكيل الرجل؟ قال: لا, حتى يكال بين يديك وصح عنه أنه قال فيه: هذا ربا. ومن طريق ابن أبي شيبة أنا زيد بن الحباب عن سوادة بن حيان سمعت محمد بن سيرين سئل عن رجلين اشترى أحدهما طعاما والآخر معه؟ فقال: قد شهدت البيع والقبض؟ فقا : خذ مني ربحا وأعطنيه فقال: لا, حتى يجري فيه الصاعان, فتكون لك زيادته وعليك نقصانه. ومن طريق ابن أبي شيبة أنا وكيع عن عمر أبي حفص قال: سمعت الحسن البصري وسئل عمن اشترى طعاما ما وهو ينظر إلى كيله؟ قال: لا , حتى يكيله. ومن طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال: في السنة التي مضت: إن من ابتاع طعاما أو ودكا كيلا أن يكتاله قبل أن يبيعه, فإذا باعه اكتيل منه أيضا إذا باعه كيلا وهو قول عطاء بن أبي رباح , وأبي حنيفة , والشافعي , وأحمد بن حنبل , وإسحاق , وأبي سليمان . وقال مالك: إذا بيع بالنقد فلا بأس بأن يصدق البائع في كيله ولا يكتاله ويكره ذلك في الدين وهذا قول لا نعلمه عن أحد قبله, وخالف فيه صاحبا لا يعرف له مخالف منهم , وخالف فيه جمهور العلماء, وما نعلم لقوله حجة أصلا, لا من نص قرآن, ولا سنة, ولا رواية سقيمة, ولا قياس, ولا رأي له وجه. فإن قيل: فقد رويتم من طريق أبي داود عن محمد بن عوف الطائي أنا أحمد بن خالد الوهبي أنا محمد بن إسحاق عن أبي الزناد عن عبيد بن حنين عن ابن عمر قال: ابتعت زيتا في السوق فلما استوجبته لقيني رجل أعطاني به ربحا حسنا فأردت أن أضرب على يدي, فأخذ رجل من خلفي بذراعي فالتفت فإذا زيد بن ثابت فقال: لا تبعه حيث ابتعته حتى تحوزه إلى رحلك؟ فإن رسول الله

صلى الله عليه وسلم: " نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى تحوزها التجار إلى رحالهم " قلنا: هذا رواه أحمد بن خالد الوهبي وهو مجهول وبالله لو صح عندنا لسارعنا إلى الأخذ به نحمد الله على ما يسرنا له من ذلك كثيرا. وكل ما ذكرنا في هذه المسائل فمن فعل خلاف ذلك فسخ أبدا , فإن كان قد بلغه الخبر ضرب كما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم. ورواه ابن عمر قال عليه السلام: " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ".

المجلد التاسع
كتاب البيوع

الشركة والاقالة والتولية كلها بيوع مبتدأة لا يجوز في شيء منها
1508 - مَسْأَلَةٌ: وَالشَّرِكَةُ، وَالإِقَالَةُ، وَالتَّوْلِيَةُ: كُلُّهَا بُيُوعٌ مُبْتَدَأَةٌ لاَ يَجُوزُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا إِلاَّ مَا يَجُوزُ فِي سَائِرِ الْبُيُوعِ لاَ تَحَاشَ، شَيْئًا
وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِنَا فِي الشَّرِكَةِ، وَالتَّوْلِيَةِ. وَقَالُوا: "الإِقَالَةُ فَسْخُ بَيْعٍ، وَلَيْسَتْ بَيْعًا" وَقَالَ رَبِيعَةُ، وَمَالِكٌ: "كُلُّ مَا لاَ يَجُوزُ فِيهِ الْبَيْعُ قَبْلَ الْقَبْضِ أَوْ قَبْلَ الأَكْتِيَالِ فَإِنَّهُ لاَ بَأْسَ فِيهِ بِالشَّرِكَةِ، وَالتَّوْلِيَةِ، وَالإِقَالَةِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَقَبْلَ الأَكْتِيَالِ".
وَرُوِيَ هَذَا، عَنِ الْحَسَنِ فِي التَّوْلِيَةِ فَقَطْ. وَاحْتَجُّوا بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي رَبِيعَةُ بْنُ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ حَدِيثًا مُسْتَفَاضًا فِي الْمَدِينَةِ: "مَنْ ابْتَاعَ طَعَامًا فَلاَ يَبِعْهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ وَيَسْتَوْفِيَهُ، إِلاَّ أَنْ يُشْرِكَ فِيهِ أَوْ يُوَلِّيَهُ أَوْ يَقْبَلَهُ".
وقال مالك: "إنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ اجْتَمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى أَنَّهُ لاَ بَأْسَ بِالشَّرِكَةِ، وَالإِقَالَةِ، وَالتَّوْلِيَةِ فِي الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ يَعْنِي قَبْلَ الْقَبْضِ".
قال أبو محمد: "وَمَا نَعْلَمُ رُوِيَ هَذَا إِلاَّ، عَنْ رَبِيعَةَ، وَعَنْ طَاوُوس فَقَطْ وَقَوْلُهُ، عَنِ الْحَسَنِ فِي التَّوْلِيَةِ قَدْ جَاءَ عَنْهُ خِلاَفُهَ".
قَالَ عَلِيٌّ: "أَمَّا خَبَرُ رَبِيعَةَ فَمُرْسَلٌ، وَلاَ حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ، وَلَوْ اسْتَنَدَ لَسَارَعْنَا إلَى الأَخْذِ بِهِ، وَلَوْ كَانَتْ اسْتِفَاضَتُهُ، عَنْ أَصْلٍ صَحِيحٍ لَكَانَ الزُّهْرِيُّ أَوْلَى بِأَنْ يَعْرِفَ ذَلِكَ مِنْ رَبِيعَةَ، فَبَيْنَهُمَا فِي هَذَا الْبَابِ بَوْنٌ بَعِيدٌ، وَالزُّهْرِيُّ مُخَالِفٌ لَهُ فِي ذَلِكَ".
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: "التَّوْلِيَةُ بَيْعٌ فِي الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ
وبه إلى مَعْمَرٍ"، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ قَالَ: قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: "لاَ تَوْلِيَةَ حَتَّى يُقْبَضَ وَيُكَالَ".
وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ صُبَيْحٍ قَالَ: "سَأَلْت الْحَسَنَ، عَنِ الرَّجُلِ يَشْتَرِي الطَّعَامَ فَيُوَلِّيهِ الرَّجُلَ قَالَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُوَلِّيَهُ حَتَّى يَقْبِضَهُ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الشَّعْشَاعِ: يَا أَبَا سَعِيدٍ أَبِرَأْيِك تَقُولُهُ قَالَ: لاَ أَقُولُهُ بِرَأْيِي، وَلَكِنَّا أَخَذْنَاهُ، عَنْ سَلَفِنَا، وَأَصْحَابِنَا".
قَالَ عَلِيٌّ: "سَلَفُ الْحَسَنِ هُمْ الصَّحَابَةُ، رضي الله عنهم،، أَدْرَكَ مِنْهُمْ خَمْسَمِائَةِ صَاحِبٍ وَأَكْثَرَ، وَغَزَا مَعَ مِئِينَ مِنْهُمْ وَأَصْحَابُهُ هُمْ أَكَابِرُ التَّابِعِينَ، فَلَوْ أَقْدَمَ امْرُؤٌ عَلَى دَعْوَى الإِجْمَاعِ

هَهُنَا لَكَانَ أَصَحَّ مِنْ الإِجْمَاعِ الَّذِي ذَكَرَهُ مَالِكٌ بِلاَ شَكٍّ".
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ. وَفِطْرِ بْنِ خَلِيفَةَ، قَالَ زَكَرِيَّا: ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَقَالَ فِطْرٌ: "عَنِ الْحَكَمِ، ثُمَّ اتَّفَقَ الشَّعْبِيُّ، وَالْحَكَمُ عَلَى أَنَّ التَّوْلِيَةَ بَيْعٌ قَالَ سُفْيَانُ: وَنَحْنُ نَقُولُ: "وَالشَّرِكَةُ بَيْعٌ، وَلاَ يُشْرِكُ حَتَّى يَقْبِضَ فَهَؤُلاَءِ الصَّحَابَةُ، وَالتَّابِعُونَ كَمَا تَرَى".
قال أبو محمد: "الشَّرِكَةُ، وَالتَّوْلِيَةُ، إنَّمَا هُوَ نَقْلُ مِلْكِ الْمَرْءِ عَيْنًا مَا صَحَّ مِلْكُهُ لَهَا، أَوْ بَعْضَ عَيْنٍ مَا صَحَّ مِلْكُهُ لَهَا إلَى مِلْكٍ غَيْرِهِ بِثَمَنٍ مُسَمًّى وَهَذَا هُوَ الْبَيْعُ نَفْسُهُ، لَيْسَتْ هَذِهِ الصِّفَةُ أَلْبَتَّةَ إِلاَّ لِلْبَيْعِ، وَلاَ يَكُونُ بَيْعٌ أَصْلاً إِلاَّ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَصَحَّ أَنَّهُمَا بَيْعٌ صَحِيحٌ، وَهُمْ لاَ يُخَالِفُونَنَا فِي أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ فِيهِمَا إِلاَّ مَا يَجُوزُ فِي الْبَيْعِ، إِلاَّ فِيمَا ذَكَرْنَا هَهُنَا فَقَطْ وَهَذَا تَخْصِيصٌ بِلاَ برهان وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ: فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ بِالْمُرْسَلِ وَنَقَضُوا هَهُنَا أَصْلَهُمْ، فَتَرَكُوا مُرْسَلَ رَبِيعَةَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ وَمَا نَعْلَمُ الْمَالِكِيِّينَ احْتَجُّوا بِغَيْرِ مَا ذَكَرْنَا إِلاَّ أَنَّ بَعْضَهُمْ قَالَ: الشَّرِكَةُ، وَالتَّوْلِيَةُ، وَالإِقَالَةُ مَعْرُوفٌ.
فَقُلْنَا: فَكَانَ مَاذَا؟ وَالْبَيْعُ أَيْضًا مَعْرُوفٌ، وَمَا عَهِدَنَا الْمَعْرُوفَ تُبَاحُ فِيهِ مُحَرَّمَاتٌ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ لَكَانَ مُنْكَرًا لاَ مَعْرُوفًا. وَسَنَتَكَلَّمُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الإِقَالَةِ إثْرَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِي مَسْأَلَةٍ مُفْرَدَةٍ وَلاَ حَوْلَ، وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ".

الدليل على مشروعية الاقاله ومذاهب العلماء في ذلك
1509 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا الإِقَالَةُ فَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْحَضُّ عَلَيْهَا:
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ أَنَا حَفْصٌ، هُوَ ابْنُ غِيَاثٍ، عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ أَقَالَ نَادِمًا أَقَالَهُ اللَّهُ عَثْرَتَهُ" وقال أبو حنيفة، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ: "لَيْسَتْ بَيْعًا، إنَّمَا هِيَ فَسْخُ بَيْعٍ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: "هِيَ بَعْدَ الْقَبْضِ بَيْعٌ، وَقَبْلَ الْقَبْضِ فَسْخُ بَيْعٍ.وَرُوِيَ، عَنْ مَالِكٍ: أَنَّهَا بَيْعٌ.
وَرُوِيَ عَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا فَسْخُ بَيْعٍ: فأما تَقْسِيمُ أَبِي يُوسُفَ فَدَعْوَى بِلاَ برهان، وَتَقْسِيمٌ بِلاَ دَلِيلٍ، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ" وَأَمَّا مَنْ قَالَ: "لَيْسَتْ بَيْعًا"، فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَمَّاهَا بِاسْمِ الإِقَالَةِ، وَاتَّبَعَهُ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَلَمْ يُسَمِّهَا عليه السلام بَيْعًا، وَالتَّسْمِيَةُ فِي الدِّينِ لاَ تُؤْخَذُ إِلاَّ عَنْهُ عليه السلام، فَلاَ يَجُوزُ أَنْ تُسَمَّى بَيْعًا، لأََنَّهُ عليه السلام لَمْ يُسَمِّهَا هَذَا الأَسْمَ. وَقَالُوا: قَدْ صَحَّ الإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِ الإِقَالَةِ فِي السَّلَمِ، وَالْبَيْعُ قَبْلَ الْقَبْضِ لاَ يَجُوزُ.فَصَحَّ أَنَّهَا لَيْسَتْ بَيْعًا، مَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً غَيْرَ هَاتَيْنِ.
قال أبو محمد: "احْتِجَاجُهُمْ بِالتَّسْمِيَةِ مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَوْلُهُمْ حَقٌّ، إِلاَّ أَنَّنَا لاَ نُسَلِّمُ لَهُمْ أَنَّهُ عليه السلام سَمَّى إقَالَةً: "فِعْلَ مَنْ بَاعَ مِنْ آخَرَ بَيْعًا ثُمَّ اسْتَقَالَهُ فِيهِ، فَرَدَّ إلَيْهِ مَا ابْتَاعَ مِنْهُ وَأَخَذَ ثَمَنَهُ مِنْهُ، وَأَنَّهُ عليه السلام لَمْ يُسَمِّ ذَلِكَ بَيْعًا، وَلاَ يَجِدُونَ هَذَا أَبَدًا، لاَ فِي رِوَايَةٍ صَحِيحَةٍ".

وَلاَ سَقِيمَةٍ وهذا الخبر الْمُرْسَلُ مِنْ طَرِيقِ رَبِيعَةَ لَوْ شِئْنَا أَنْ نَسْتَدِلَّ مِنْهُ بِأَنَّ الإِقَالَةَ بَيْعٌ لَفَعَلْنَا لأََنَّهُ فِيهِ النَّهْيُ، عَنِ الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ إِلاَّ مَنْ أَشْرَكَ، أَوْ وَلَّى، أَوْ أَقَالَ فَهَذَا ظَاهِرٌ أَنَّهَا بُيُوعٌ مُسْتَثْنَاةٌ مِنْ جُمْلَةِ الْبُيُوعِ.وَأَمَّا الْخَبَرُ الصَّحِيحُ الَّذِي ذَكَرْنَا فَإِنَّمَا فِيهِ الْحَضُّ عَلَى الإِقَالَةِ فَقَطْ، وَالإِقَالَةُ تَكُونُ فِي غَيْرِ الْبَيْعِ، لَكِنْ فِي الْهِبَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَلاَ فِيهِ أَيْضًا أَنَّ الإِقَالَةَ لاَ تُسَمَّى بَيْعًا وَلاَ لَهَا حُكْمُ الْبَيْعِ فَبَطَلَ مَا صَدَّرُوا بِهِ مِنْ هَذَا الأَحْتِجَاجِ الصَّحِيحِ أَصْلَهُ الْمَوْضُوعَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ.وَأَمَّا دَعْوَاهُمْ الإِجْمَاعَ عَلَى جَوَازِ الإِقَالَةِ فِي السَّلَمِ قَبْلَ الْقَبْضِ فَبَاطِلٌ، وَإِقْدَامٌ عَلَى الدَّعْوَى عَلَى الأُُمَّةِ، وَمَا وَقَعَ الإِجْمَاعُ قَطُّ عَلَى جَوَازِ السَّلَمِ، فَكَيْفَ عَلَى الإِقَالَةِ فِيهِ. وَقَدْ رُوِّينَا، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَالْحَسَنِ، وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَشُرَيْحٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَالنَّخَعِيِّ وَابْنِ الْمُسَيِّبِ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلٍ وطَاوُوس، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحَسَنِ، وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمُجَاهِدٍ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَالْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، وَعَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ أَخِي أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ جُوَيْرِيَةَ أَنَّهُمْ مَنَعُوا مِنْ أَخْذِ بَعْضِ السَّلَمِ، وَالإِقَالَةِ فِي بَعْضِهِ، فَأَيْنَ الإِجْمَاعُ ؟فَلَيْتَ شِعْرِي هَلْ تُقِرُّوا جَمِيعَ الصَّحَابَةِ أَوَّلَهُمْ، عَنْ آخِرِهِمْ حَتَّى أَيْقَنُوا بِأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى ذَلِكَ؟ أَمْ تُقِرُّوا جَمِيعَ عُلَمَاءِ التَّابِعِينَ مِنْ أَقْصَى خُرَاسَانَ إلَى الأَنْدَلُسِ فَمَا بَيْنَ ذَلِكَ كَذَلِكَ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَهُمْ هَذَا وَهُوَ لاَ يَصِحُّ أَبَدًا فَمَا يَخْتَلِفُ مُسْلِمَانِ فِي أَنَّ مِنْ الْجِنِّ قَوْمًا صَحِبُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَآمَنُوا بِهِ، وَمَنْ أَنْكَرَ هَذَا فَهُوَ كَافِرٌ، لِتَكْذِيبِهِ الْقُرْآنَ، فَلأَُولَئِكَ الْجِنِّ مِنْ الْحَقِّ وَوُجُوبِ التَّعْظِيمِ مِنَّا، وَمِنْ مَنْزِلَةِ الْعِلْمِ، وَالدِّينِ، مَا لِسَائِرِ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم, هَذَا مَا لاَ شَكَّ فِيهِ عِنْدَ مُسْلِمٍ، فَمَنْ لَهُ بِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى ذَلِكَ وَرَحِمَ اللَّهُ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ فَلَقَدْ صَدَقَ إذْ يَقُولُ: "مَنْ يَدَّعِي الإِجْمَاعَ فَقَدْ كَذَبَ، مَا يُدْرِيهِ لَعَلَّ النَّاسَ اخْتَلَفُوا لَكِنْ لِيَقُلْ: لاَ أَعْلَمُ خِلاَفًا هَذِهِ أَخْبَارُ الْمَرِيسِيِّ، وَالأَصَمِّ".
قال أبو محمد: "لاَ تَحِلُّ دَعْوَى الإِجْمَاعِ إِلاَّ فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا: مَا تُيُقِّنَ أَنَّ جَمِيعَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم، عَرَفُوهُ بِنَقْلٍ صَحِيحٍ عَنْهُمْ وَأَقَرُّوا بِهِ وَالثَّانِي: مَا يَكُونُ مَنْ خَالَفَهُ كَافِرًا خَارِجًا، عَنِ الإِسْلاَمِ، كَشَهَادَةِ أَنْ لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَصِيَامِ رَمَضَانَ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَالإِيمَانِ بِالْقُرْآنِ، وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَجُمْلَةِ الزَّكَاةِ، وَالطَّهَارَةِ لِلصَّلاَةِ، وَمِنْ الْجَنَابَةِ، وَتَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ، وَالْخِنْزِيرِ، وَالدَّمِ، وَمَا كَانَ مِنْ هَذَا الصِّنْفِ فَقَطْ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَهُمْ مَا ادَّعَوْهُ مِنْ الإِجْمَاعِ عَلَى جَوَازِ الإِقَالَةِ فِي السَّلَمِ لَكَانَ بَيْعًا مُسْتَثْنًى بِالإِجْمَاعِ مِنْ جُمْلَةِ الْبُيُوعِ، فَكَيْفَ وَقَدْ صَحَّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ الإِقَالَةِ فِي السَّلَمِ".رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا سُفْيَانُ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو

بْنِ دِينَارٍ، عَنْ طَاوُوس، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "إذَا أَسْلَفْت فِي شَيْءٍ إلَى أَجَلٍ فَسَمِّي فَجَاءَ ذَلِكَ الأَجَلُ وَلَمْ تَجِدْ الَّذِي أَسْلَفْت فِيهِ: فَخُذْ عَرَضًا بِأَنْقَصَ، وَلاَ تَرْبَحْ مَرَّتَيْنِ وَلَمْ يُفْتِ بِالإِقَالَةِ".
قَالَ عَلِيٌّ: "وَلاَ تَجُوزُ الإِقَالَةُ فِي السَّلَمِ، لأََنَّهُ بَيْعُ مَا لَيْسَ عِنْدَكَ، وَبَيْعُ غَرَرٍ، وَبَيْعُ مَا لَمْ يُقْبَضْ، وَبَيْعٌ مَجْهُولٌ لاَ يَدْرِي أَيَّمَا فِي الْعَالَمِ هُوَ وَهَذَا هُوَ أَكْلُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ، إذْ لَمْ يَأْتِ بِجَوَازِهِ نَصٌّ فَيَسْتَثْنِيهِ مِنْ جُمْلَةِ هَذِهِ الْمُحَرَّمَاتِ، فَإِنَّمَا الْحُكْمُ فِيمَنْ لَمْ يَجِدْ مَا أَسَلَفَ فِيهِ أَنْ يَصْبِرَ حَتَّى يُوجَدَ، أَوْ يَأْخُذَ مِنْهُ قِصَاصًا وَمُعَاقَبَةً مَا اتَّفَقَا عَلَيْهِ وَتَرَاضَيَا بِهِ: قِيمَةَ مَا وَجَبَ لَهُ عِنْدَهُ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ} وَحَرِيمَةُ الْمَالِ حُرْمَةٌ مُحَرَّمَةٌ يَجِبُ أَنْ يُقْتَصَّ مِنْهَا، فَإِنْ أَرَادَ الإِحْسَانَ إلَيْهِ فَلَهُ أَنْ يُبَرِّئَهُ مِنْ كُلِّ مَا لَهُ عِنْدَهُ، أَوْ يَأْخُذَ بَعْضَ مَا لَهُ عِنْدَهُ، أَوْ يُبَرِّئَهُ مِمَّا شَاءَ مِنْهُ وَيَتَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ، كَمَا أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ فِي الْمُفْلِسِ إذْ قَالَ: "تَصَدَّقُوا عَلَيْهِ" ثُمَّ قَالَ عليه السلام: "خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ وَلَيْسَ لَكُمْ إِلاَّ ذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ " فِي التَّفْلِيسِ " وَفِي " الْجَوَائِحِ " مِنْ كِتَابِنَا هَذَا".
قال أبو محمد: "فَإِذَا بَطَلَ كُلُّ مَا احْتَجُّوا بِهِ فَلِنَقُلْ عَلَى تَصْحِيحِ قَوْلِنَا بِعَوْنِ اللَّه تَعَالَى، فَنَقُولُ وَبِهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ: إنَّ الإِقَالَةَ لَوْ كَانَتْ فَسْخُ بَيْعٍ لَمَا جَازَتْ إِلاَّ بِرَدِّ عَيْنِ الثَّمَنِ نَفْسِهِ لاَ بِغَيْرِهِ، وَلاَ بُدَّ لَهُ كَمَا قَالَ ابْنُ سِيرِينَ، كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا الرَّبِيعُ بْنُ حَبِيبٍ: "كُنَّا نَخْتَلِفُ إلَى السَّوَادِ فِي الطَّعَامِ وَهُوَ أَكْدَاسٌ قَدْ حُصِدَ فَنَشْتَرِيهِ مِنْهُمْ الْكُرَّ بِكَذَا وَكَذَا، وَنَنْقُدُ أَمْوَالَنَا، فَإِذَا أَذِنَ لَهُمْ الْعُمَّالُ فِي الدِّرَاسِ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَفِي لَنَا بِمَا سُمِّيَ لَنَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَقَصَ طَعَامُهُ فَيَطْلُبُ إلَيْنَا أَنْ نَرْتَجِعَ بِقَدْرِ مَا نَقَصَ رُءُوسُ أَمْوَالِنَا"، فَسَأَلْت الْحَسَنَ، عَنْ ذَلِكَ؟ فَكَرِهَهُ إِلاَّ أَنْ يُسْتَوْفَى مَا سُمِّيَ لَنَا، أَوْ نَرْتَجِعَ أَمْوَالَنَا كُلَّهَا، وَسَأَلْت ابْنَ سِيرِينَ؟ فَقَالَ: "إنْ كَانَتْ دَرَاهِمُك بِأَعْيَانِهَا فَلاَ بَأْسَ"، وَسَأَلْت عَطَاءً فَقَالَ: "مَا أَرَاك إِلاَّ قَدْ رَفَقْت وَأَحْسَنْت إلَيْهِ".
قال أبو محمد: "هَذِهِ صِفَةُ الْفَسْخِ، ثُمَّ نَرْجِعُ فَنَقُولُ: إنَّ الْبَيْعَ عَقْدٌ صَحِيحٌ بِالْقُرْآنِ، وَالسُّنَنِ، وَالإِجْمَاعِ الْمُتَيَقَّنِ الْمَقْطُوعِ بِهِ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ عَلَى أَدِيمِ الأَرْضِ كَانَ أَوْ هُوَ كَائِنٌ فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ بِالْيَقِينِ لاَ بِالدَّعَاوَى الْكَاذِبَةِ، فَلاَ يَحِلُّ فَسْخُ عَقْدٍ صَحَّحَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ، وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم إلَّا بِنَصٍّ آخَرَ، وَلاَ نَصَّ فِي جَوَازِ فَسْخِهِ مُطَارَفَةً بِتَرَاضِيهِمَا، إِلاَّ فِيمَا جَاءَ نَصٌّ بِفَسْخِهِ، كَالشُّفْعَةِ، وَمَا فِيهِ الْخِيَارُ بِالنَّصِّ، فَإِذْ ذَلِكَ كَذَالِك، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَ مَنْ أَجَازَ الْفَسْخَ نَصٌّ أَصْلاً فَقَدْ صَحَّ: أَنَّ الإِقَالَةَ بَيْعٌ مِنْ الْبُيُوعِ بِتَرَاضِيهِمَا، يَجُوزُ فِيهَا مَا يَجُوزُ فِي الْبُيُوعِ، وَيَحْرُمُ فِيهَا مَا يَحْرُمُ فِي الْبُيُوعِ. وَمَنْ رَأَى أَنَّ الإِقَالَةَ فَسْخُ بَيْعٍ لَزِمَهُ أَنْ

لاَ يُجِيزَهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا وَقَعَ بِهِ الْبَيْعُ، لأََنَّ الزِّيَادَةَ إذْ لَمْ تَكُنْ بَيْعًا فَهُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ.وَأَمَّا مَنْ رَآهَا بَيْعًا فَإِنَّهُ يُجِيزُهَا بِأَكْثَرَ مِمَّا وَقَعَ بِهِ الْبَيْعِ أَوَّلاً، وَبِأَقَلَّ، وَبِغَيْرِ مَا وَقَعَ بِهِ الْبَيْعُ، وَحَالًّا وَفِي الذِّمَّةِ، وَإِلَى أَجَلٍ فِيمَا يَجُوزُ فِيهِ الأَجَلُ"، وَبِهَذَا نَأْخُذُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

لا يحل بيع دين يكون لإنسان على غيره لا بنقد ولا بدين
1510 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ بَيْعُ دَيْنٍ يَكُونُ لأَِنْسَانٍ عَلَى غَيْرِهِ، لاَ بِنَقْدٍ، وَلاَ بِدَيْنٍ، لاَ بِعَيْنٍ وَلاَ بِعَرَضٍ، كَانَ بِبَيِّنَةٍ أَوْ مُقِرًّا بِهِ أَوْ لَمْ يَكُنْ: كُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ. وَوَجْهُ الْعَمَلِ فِي ذَلِكَ لِمَنْ أَرَادَ الْحَلاَلَ: أَنْ يَبْتَاعَ فِي ذِمَّتِهِ مِمَّنْ شَاءَ مَا شَاءَ، مِمَّا يَجُوزُ بَيْعُهُ، ثُمَّ إذَا تَمَّ الْبَيْعُ بِالتَّفَرُّقِ أَوْ التَّخَيُّرِ، ثُمَّ يُحِيلُهُ بِالثَّمَنِ عَلَى الَّذِي لَهُ عِنْدَهُ الدَّيْنُ، فَهَذَا حَسَنٌ.
برهان ذَلِكَ أَنَّهُ بَيْعٌ مَجْهُولٌ، وَمَا لاَ يَدْرِي عَيْنَهُ، وَهَذَا هُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ َهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ أَبِي زَائِدَةَ قَالَ: "سُئِلَ الشَّعْبِيُّ عَمَّنْ اشْتَرَى صَكًّا فِيهِ ثَلاَثَةُ دَنَانِيرَ بِثَوْبٍ قَالَ: لاَ يَصْلُحُ، قَالَ وَكِيعٌ: وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: هُوَ غَرَرٌ. وقال مالك: إنْ كَانَ مُقِرًّا بِمَا عَلَيْهِ جَازَ بَيْعُهُ بِعَرَضٍ نَقْدًا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُقِرًّا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ كَانَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَوْ لَمْ تَكُنْ لأََنَّهُ شِرَاءُ خُصُومَةٍ".
قال علي: "وهذا لاَ شَيْءَ، لأََنَّهُ وَإِنْ أَقَرَّ الْيَوْمَ فَيُمْكِنُ أَنْ يُنْكِرَ غَدًا، فَيَرْجِعُ الأَمْرُ إلَى الْبَيِّنَةِ بِإِقْرَارِهِ، فَيَحْصُلُ عَلَى شِرَاءِ خُصُومَةٍ، وَلاَ فَرْقَ.وَاحْتَجَّ الْمُجِيزُونَ لَهُ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا الأَسْلَمِيُّ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِالشُّفْعَةِ فِي الدَّيْنِ وَهُوَ الرَّجُلُ يَكُونُ لَهُ الدَّيْنُ عَلَى رَجُلٍ فَيَبِيعُهُ فَيَكُونُ صَاحِبُ الدَّيْنِ أَحَقَّ بِهِ". قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: وَحَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَضَى فِي مُكَاتَبٍ اشْتَرَى مَا عَلَيْهِ بِعَرَضٍ فَجَعَلَ الْمُكَاتَبَ أَوْلَى بِنَفْسِهِ، ثُمَّ قَالَ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ ابْتَاعَ دَيْنًا عَلَى رَجُلٍ فَصَاحِبُ الدَّيْنِ أَوْلَى إذَا أَدَّى مِثْلَ الَّذِي أَدَّى صَاحِبُهُ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَسْأَلُ عَمَّنْ لَهُ دَيْنٌ فَابْتَاعَ بِهِ غُلاَمًا قَالَ: لاَ بَأْسَ بِهِ".
قال أبو محمد: "حَدِيثَا عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ مُرْسَلاَنِ: أَحَدُهُمَا: عَنِ الأَسْلَمِيِّ وَهُوَ إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى وَهُوَ مَتْرُوكٌ مُتَّهَمٌ. وَالآخَرُ أَيْضًا: عَمَّنْ لَمْ يُسَمَّ، وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَهَذَا مِمَّا تَرَكَ فِيهِ الشَّافِعِيُّونَ صَاحِبًا لاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْهُمْ. وَلاَ حُجَّةَ لِلْمَالِكِيِّينَ فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ، وَلاَ فِي خَبَرِ جَابِرٍ، لأََنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا أَنَّهُ كَانَ بِإِقْرَارٍ دُونَ بَيِّنَةٍ فَهُمْ مُخَالِفُونَ لِعُمُومِ الْخَبَرِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ".

ولا يحل بيع الماء بوجه من الوجوه لا في ساقيه ولا من نهر
1511 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ بَيْعُ الْمَاءِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ لاَ فِي سَاقِيَةٍ، وَلاَ مِنْ نَهْرٍ

ولا يحل بيع الخمر
1512 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ بَيْعُ الْخَمْرِ، لاَ لِمُؤْمِنٍ، وَلاَ لِكَافِرٍ، وَلاَ بَيْعُ الْخَنَازِيرِ كَذَلِكَ، وَلاَ شُعُورِهَا، وَلاَ شَيْءٍ مِنْهَا، وَلاَ بَيْعُ صَلِيبٍ، وَلاَ صَنَمٍ، وَلاَ مَيْتَةٍ، وَلاَ دَمٍ إِلاَّ الْمِسْكَ وَحْدَهُ فَهُوَ حَلاَلٌ بَيْعُهُ وَمِلْكُهُ، فَمَنْ بَاعَ مِنْ الْمُحَرَّمِ الَّذِي ذَكَرْنَا شَيْئًا فُسِخَ أَبَدًا.
وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ [، عَنِ الأَعْمَشِ ]، عَنْ مُسْلِمٍ هُوَ أَبُو الضُّحَى، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ "خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى الْمَسْجِدِ فَحَرَّمَ التِّجَارَةَ فِي الْخَمْرِ" .وبه إلى مُسْلِمٍ: أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَنَا لَيْثٌ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ حَبِيبٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، "أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْفَتْحِ وَهُوَ بِمَكَّةَ يَقُولُ: إنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ، وَالأَصْنَامِ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ شَحْمَ الْمَيْتَةِ فَإِنَّهُ يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ، وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ قَالَ: لاَ، هُوَ حَرَامٌ، قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ إنَّ اللَّهَ لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ شُحُومَهَا أَجْمَلُوهُ ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ".
قال أبو محمد: "مَوَّهَ قَوْمٌ بِهَذَا الْخَبَرِ فِي تَصْحِيحِ الْقِيَاسِ، وَلَيْسَ فِيهِ لِلْقِيَاسِ أَثَرٌ، لَكِنْ فِيهِ: أَنَّ الأَوَامِرَ عَلَى الْعُمُومِ، لأََنَّهُ عليه السلام أَخْبَرَ: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ الشُّحُومَ عَلَى الْيَهُودِ فَاسْتَحَلُّوا بَيْعَهَا، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ أَشَدَّ الإِنْكَارِ، إذْ خَصُّوا التَّحْرِيمَ وَلَمْ يَحْمِلُوهُ عَلَى عُمُومِهِ. فَصَحَّ بِهَذَا أَنَّهُ مَتَى حُرِّمَ شَيْءٌ فَحَرَامٌ مِلْكُهُ، وَبَيْعُهُ، وَالتَّصَرُّفُ فِيهِ، وَأَكْلُهُ عَلَى عُمُومِ تَحْرِيمِهِ، إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَ نَصٌّ بِتَخْصِيصِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَيُوقَفُ عِنْدَهُ. وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الْخِنْزِيرَ، وَالْخَمْرَ وَالْمَيْتَةَ، وَالدَّمَ، فَحَرَّمَ مِلْكَ كُلِّ ذَلِكَ، وَشُرْبَهُ، وَالأَنْتِفَاعَ بِهِ، وَبَيْعَهُ. وَقَدْ أَوْجَبَ

للَّهُ تَعَالَى دِينَ الإِسْلاَمِ عَلَى كُلِّ إنْسٍ وَجِنٍّ.وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} فَوَجَبَ الْحُكْمُ عَلَى الْيَهُودِ، وَالنَّصَارَى، وَالْمَجُوس: بِحُكْمِ الإِسْلاَمِ، أَحَبُّوا أَمْ كَرِهُوا. وَمَنْ أَجَازَ لَهُمْ بَيْعَ الْخَمْرِ ظَاهِرًا وَشِرَاءَهَا كَذَلِكَ، وَتَمَلُّكَهَا عَلاَنِيَةً، وَتَمَلُّكَ الْخَنَازِيرِ كَذَلِكَ، لأََنَّهُمْ مِنْ دِينِهِمْ بِزَعْمِهِ، وَصَدَّقَهُمْ فِي ذَلِكَ: لَزِمَهُ أَنْ يَتْرُكَهُمْ أَنْ يُقِيمُوا شَرَائِعَهُمْ فِي بَيْعِ مَنْ زَنَى مِنْ النَّصَارَى الأَحْرَارِ، وَخِصَاءِ الْقِسِّيسِ إذَا زَنَى، وَقَتْلِ مَنْ يَرَوْنَ قَتْلَهُ وَهُمْ لاَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ فَظَهَرَ تَنَاقُضُهُمْ.وقال أبو حنيفة: "إذَا أَمَرَ الْمُسْلِمُ نَصْرَانِيًّا بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ خَمْرًا: جَازَ ذَلِكَ وَهَذِهِ مِنْ شُنْعِهِ الَّتِي نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ مِثْلِهَا.وَأَمَّا الْمِسْكُ فَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم التَّطَيُّبُ بِالْمِسْكِ وَتَفْضِيلُهُ عَلَى الطِّيبِ وَأَيْضًا فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ اسْمُ الدَّمِ وَصِفَاتِهِ وَحْدَهُ، فَلَيْسَ دَمًا، وَالأَحْكَامُ إنَّمَا هِيَ عَلَى الأَسْمَاءِ، وَالأَسْمَاءُ إنَّمَا هِيَ عَلَى الصِّفَاتِ، وَالْحُدُودِ".
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ أَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ أَنَا عُمَرُ الْمُكْتِبُ أَنَا حِزَامٌ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ زَكَا أَوْ زَكَّارٍ قَالَ: "نَظَرَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ إلَى زُرَارَةَ فَقَالَ: مَا هَذِهِ الْقَرْيَةُ قَالُوا: قَرْيَةٌ تُدْعَى زُرَارَةَ يُلْحَمُ فِيهَا، وَيُبَاعُ فِيهَا الْخَمْرُ قَالَ: أَيْنَ الطَّرِيقُ إلَيْهَا قَالُوا: بَابُ الْجِسْرِ، قَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ نَأْخُذُ لَك سَفِينَةً قَالَ: لاَ، تِلْكَ شَجَرَةٌ، وَلاَ حَاجَةَ لَنَا فِي الشَّجَرَةِ، انْطَلِقُوا بِنَا إلَى بَابِ الْجِسْرِ، فَقَامَ يَمْشِي حَتَّى أَتَاهَا، فَقَالَ عَلَيَّ بِالنِّيرَانِ أَضْرِمُوهَا فِيهَا، فَاحْتَرَقَتْ".وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ وَمَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْفَزَارِيّ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ شُبَيْلٍ، عَنْ أَبِي عَمْرٍو الشَّيْبَانِيِّ، قَالَ: "بَلَغَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَنَّ رَجُلاً مِنْ أَهْلِ السَّوَادِ أَثْرَى فِي تِجَارَةِ الْخَمْرِ، فَكَتَبَ: أَنْ اكْسِرُوا كُلَّ شَيْءٍ قَدَرْتُمْ لَهُ عَلَيْهِ، وَسَيِّرُوا كُلَّ مَاشِيَةٍ لَهُ، وَلاَ يُؤْوِيَنَّ أَحَدٌ لَهُ شَيْئًا. فَهَذَا حُكْمُ عَلِيٍّ، وَعُمَرَ، بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، فِيمَنْ بَاعَ الْخَمْرَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، وَلاَ مُخَالِفَ لَهُ يُعْرَفُ مِنْ الصَّحَابَةِ فَخَالَفُوهُمَا".

ولا يحل بيع كلب أصلا لاكلب صيد ولا كلب ماشية
1513 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ بَيْعُ كَلْبٍ أَصْلاً، لاَ كَلْبَ صَيْدٍ، وَلاَ كَلْبَ مَاشِيَةٍ، وَلاَ غَيْرَهُمَا فَإِنْ اُضْطُرَّ إلَيْهِ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يُعْطِيه إيَّاهُ فَلَهُ ابْتِيَاعُهُ، وَهُوَ حَلاَلٌ لِلْمُشْتَرِي حَرَامٌ عَلَى الْبَائِعِ يَنْتَزِعُ مِنْهُ الثَّمَنَ مَتَى قَدَرَ عَلَيْهِ، كَالرِّشْوَةِ فِي دَفْعِ الظُّلْمِ، وَفِدَاءِ الأَسِيرِ، وَمُصَانَعَةِ الظَّالِمِ، وَلاَ فَرْقَ.، وَلاَ يَحِلُّ اتِّخَاذُ كَلْبٍ أَصْلاً، إِلاَّ لِمَاشِيَةٍ، أَوْ لِصَيْدٍ، أَوْ لِزَرْعٍ، أَوْ لِحَائِطٍ وَاسْمُ الْحَائِطِ يَقَعُ عَلَى الْبُسْتَانِ وَجِدَارِ الدَّارِ فَقَطْ. وَلاَ يَحِلُّ أَيْضًا: قَتْلُ الْكِلاَبِ، فَمَنْ قَتَلَهَا ضَمِنَهَا بِمِثْلِهَا، أَوْ بِمَا يَتَرَاضَيَانِ عَلَيْهِ عِوَضًا مِنْهُ، إِلاَّ الأَسْوَدَ الْبَهِيمَ، أَوْ الأَسْوَدَ

ذَا النُّقْطَتَيْنِ أَيْنَمَا كَانَتْ النُّقْطَتَانِ مِنْهُ فَإِنْ عَظُمَتَا حَتَّى لاَ تُسَمَّيَا فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ نُقْطَتَيْنِ، لَكِنْ تُسَمَّى لَمْعَتَيْنِ: لَمْ يَجُزْ قَتْلُهُ، فَلاَ يَحِلُّ مِلْكُهُ أَصْلاً لِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا، وَقَتْلُهُ وَاجِبٌ حَيْثُ وُجِدَ.
برهان ذَلِك مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ حَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ قَارِظٍ، عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ حَدَّثَنِي رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "ثَمَنُ الْكَلْبِ خَبِيثٌ وَمَهْرُ الْبَغِيِّ خَبِيثٌ، وَكَسْبُ الْحَجَّامِ خَبِيثٌ" فَهَذَانِ صَاحِبَانِ فِي نَسَقٍ.وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى، عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَمَهْرِ الْبَغِيِّ، وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ" وَصَحَّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجَابِرٍ وَأَبِي جُحَيْفَةَ فَهَذَا نَقْلٌ تَوَاتَرَ لاَ يَسَعُ تَرْكُهُ، وَلاَ يَحِلُّ خِلاَفُهُ.وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ شَبِيبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: "أَرْبَعٌ مِنْ السُّحْتِ، ضِرَابُ الْفَحْلِ، وَثَمَنُ الْكَلْبِ، وَمَهْرُ الْبَغِيِّ، وَكَسْبُ الْحَجَّامِ". وَرُوِّينَاهُ، عَنْ جَابِرٍ أَيْضًا وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ إسْرَائِيلَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ حَبْتَرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ ثَمَنُ الْكَلْبِ وَمَهْرُ الْبَغِيِّ وَثَمَنُ الْخَمْرِ حَرَامٌ وَأَقَلُّ مَا فِيهِ أَنْ يَكُونَ قَوْلَ ابْنِ عَبَّاسٍ.وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ إدْرِيسَ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: "أَخْبَثُ الْكَسْبِ كَسْبُ الزَّمَّارَةِ، وَثَمَنُ الْكَلْبِ. الزَّمَارَةُ" الزَّانِيَةُ، سَمِعْت أَبَا عُبَيْدَةَ يَقُولُ ذَلِكَ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ أَبِي فَرْوَةَ سَمِعْت عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: "مَا أُبَالِي ثَمَنَ كَلْبٍ أَكَلْتُ، أَوْ ثَمَنَ خِنْزِيرٍ".وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ إدْرِيسَ، عَنْ شُعْبَةَ سَمِعْت الْحَكَمَ، وَحَمَّادَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ يَكْرَهَانِ ثَمَنَ الْكَلْبِ، وَلاَ يَصِحُّ خِلاَفُهُمَا، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ
وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَغَيْرِهِمْ. وَخَالَفَ الْحَنَفِيُّونَ السُّنَنَ فِي ذَلِكَ: "وَأَبَاحُوا بَيْعَ الْكِلاَبِ، وَأَكْلَ أَثْمَانِهَا". وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، قَالَ: "أَخْبَرَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ أَحْمَدَ الْمِصِّيصِيُّ، حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى، " عَنْ ثَمَنِ السِّنَّوْرِ وَالْكَلْبِ إِلاَّ كَلْبَ صَيْدٍ" وَبِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى بْنُ الصَّبَّاحِ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،

عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "ثَمَنُ الْكَلْبِ سُحْتٌ إِلاَّ كَلْبَ صَيْدٍ" وَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ عَمَّنْ أَخْبَرَهُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "ثَلاَثٌ هُنَّ سُحْتٌ: حُلْوَانُ الْكَاهِنِ، وَمَهْرُ الزَّانِيَةِ، وَثَمَنُ الْكَلْبِ اaْعَقُورِ". وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنِ الشِّمْرِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنْ حُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضُمَيْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ "أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى، عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ" .
قال أبو محمد: "أَمَّا حَدِيثَا ابْنِ وَهْبٍ هَذَانِ فَأَسْقَطُ مِنْ أَنْ يُشْتَغَلَ بِهِمَا إِلاَّ جَاهِلٌ بِالْحَدِيثِ، أَوْ مُكَابِرٌ يَعْلَمُ الْحَقَّ فَيُولِيَهُ ظَهْرَهُ، لأََنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فِي غَايَةِ السُّقُوطِ وَالأَطِّرَاحِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ النَّقْلِ، وَالآخَرَ مُنْقَطِعٌ فِي مَوْضِعَيْنِ. ثُمَّ لَوْ صَحَّا لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِمَا حُجَّةٌ، لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهِمَا إِلاَّ النَّهْيُ عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ فَقَطْ وَهَذَا حَقٌّ، وَلَيْسَ فِيهِ إبَاحَةُ ثَمَنِ مَا سِوَاهُ مِنْ الْكِلاَبِ وَجَاءَتْ الآثَارُ الْمُتَوَاتِرَةُ الَّتِي قَدَّمْنَا بِزِيَادَةٍ عَلَى هَذَيْنِ لاَ يَحِلُّ تَرْكُهَا".
وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ: فَفِي غَايَةِ السُّقُوطِ لأََنَّ فِيهِ يَحْيَى بْنَ أَيُّوبَ، وَالْمُثَنَّى بْنَ الصَّبَّاحِ، وَهُمَا ضَعِيفَانِ جِدًّا قَدْ شَهِدَ مَالِكٌ عَلَى يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ بِالْكَذِبِ، وَجَرَحَهُ أَحْمَدُ وَأَمَّا الْمُثَنَّى فَجَرَّحَهُ بِضَعْفِ الْحَدِيثِ أَحْمَدُ، وَتَرَكَهُ يَحْيَى، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ، لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إِلاَّ اسْتِثْنَاءَ كَلْبِ الصَّيْدِ فَقَطْ، وَهُمْ يُبِيحُونَ مَا حُرِّمَ فِيهِ مِنْ ثَمَنِ كَلْبِ الزَّرْعِ، وَكَلْبِ الْمَاشِيَةِ وَسَائِرِ الْكِلاَبِ فَهُمْ مُخَالِفُونَ لِمَا فِيهِ وَأَمَّا حَدِيثُ جَابِرٍ: فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْهُ، وَلَمْ يَسْمَعْهُ مِنْهُ بِإِقْرَارِ أَبِي الزُّبَيْرِ عَلَى نَفْسِهِ، حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ النَّمَرِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الأَزْدِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ أَحْمَدَ الْعُقَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الْحَلْوَانِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: "إنَّ أَبَا الزُّبَيْرِ دَفَعَ إلَيَّ كِتَابَيْنِ، فَقُلْت فِي نَفْسِي: لَوْ سَأَلْته أَسْمَعُ هَذَا كُلَّهُ مِنْ جَابِرٍ فَرَجَعْت إلَيْهِ فَقُلْت: هَذَا كُلُّهُ سَمِعْته مِنْ جَابِرٍ فَقَالَ: مِنْهُ مَا سَمِعْته، وَمِنْهُ مَا حَدَّثْت عَنْهُ، فَقُلْت لَهُ: أَعْلِمْ لِي عَلَى مَا سَمِعْتَ فَأَعْلَمَ لِي عَلَى هَذَا الَّذِي عِنْدِي".
قال أبو محمد: "فَكُلُّ حَدِيثٍ لَمْ يَقُلْ فِيهِ أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ جَابِرٍ، أَوْ حَدَّثَهُ بِهِ جَابِرٌ أَوْ لَمْ يَرْوِهِ اللَّيْثُ عَنْهُ"،عَنْ جَابِرٍ فَلَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ جَابِرٍ بِإِقْرَارِهِ. وَهَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أَبُو الزُّبَيْرِ سَمَاعًا مِنْ جَابِرٍ، وَلاَ هُوَ مِمَّا عِنْدَ اللَّيْثِ فَصَحَّ أَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ جَابِرٍ، فَحَصَلَ مُنْقَطِعًا. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانُوا مُخَالِفِينَ لَهُ، لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إبَاحَةُ ثَمَنِ شَيْءٍ مِنْ الْكِلاَبِ غَيْرَ كَلْبِ الصَّيْدِ، وَالنَّهْيِ عَنْ ثَمَنِ سَائِرِهَا وَهُمْ يُبِيحُونَ أَثْمَانَ سَائِرِ الْكِلاَبِ الْمُتَّخَذَةِ لِغَيْرِ الصَّيْدِ: فَبَطَلَ كُلُّ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ مِنْ الآثَارِ.وَأَمَّا النَّظَرُ فَإِنَّهُمْ قَالُوا: "كَانَ النَّهْيُ عَنْ ثَمَنِهَا حِينَ الأَمْرِ بِقَتْلِهَا، فَلَمَّا حُرِّمَ قَتْلُهَا وَأُبِيحَ اتِّخَاذُ بَعْضِهَا انْتَسَخَ النَّهْيُ عَنْ ثَمَنِ مَا أُبِيحَ اتِّخَاذُهُ مِنْهَا".

قال أبو محمد: "هَذَا كَذِبٌ بَحْتٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَعَلَى رَسُولِهِ عليه السلام، لأََنَّهُ إخْبَارٌ بِالْبَاطِلِ، وَبِمَا لَمْ يَأْتِ بِهِ قَطُّ نَصٌّ، وَدَعْوَى بِلاَ برهان، وَلَيْسَ نَسْخُ شَيْءٍ بِمُوجِبِ نَسْخِ شَيْءٍ آخَرَ، وَلَيْسَ إبَاحَةُ اتِّخَاذِ شَيْءٍ بِمُبِيحٍ لِبَيْعِهِ، فَهَؤُلاَءِ هُمْ الْقَوْمُ الْمُبِيحُونَ اتِّخَاذَ دُودِ الْقَزِّ، وَنَحْلِ الْعَسَلِ، وَلاَ يُحِلُّونَ ثَمَنَهُمَا إضْلاَلاً وَخِلاَفًا لِلْحَقِّ، وَاِتِّخَاذُ أُمَّهَاتِ الأَوْلاَدِ حِلٌّ، وَلاَ يَحِلُّ بِيَعُهُنَّ: فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الأَحْتِجَاجِ". وَقَالُوا: "حُرِّمَ ثَمَنُ الْكَلْبِ، وَكَسْبُ الْحَجَّامِ، فَلَمَّا نُسِخَ تَحْرِيمُ كَسْبِ الْحَجَّامِ نُسِخَ تَحْرِيمُ ثَمَنِ الْكَلْبِ".
قال أبو محمد: "وَهَذَا كَذِبٌ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ، وَكَلاَمٌ فَاسِدٌ، وَدَعْوَى بِلاَ برهان. وَيَلْزَمُهُمْ أَيْضًا أَنْ يُنْسَخَ أَيْضًا تَحْرِيمُ مَهْرِ الزَّانِيَةِ، لأََنَّهُ ذُكِرَ مَعَهُمَا، ثُمَّ مَنْ لَهُمْ بِنَسْخِ تَحْرِيمِ كَسْبِ الْحَجَّامِ إذَا وَقَعَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ. فَوَضَحَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ جُمْلَةً، وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ الآثَارَ الْمُتَوَاتِرَةَ، وَصَاحِبَيْنِ لاَ يَصِحُّ خِلاَفُهُمَا"، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فَإِنْ ذَكَرُوا قَضَاءَ عُثْمَانَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بِقِيمَةِ الْكَلْبِ الْعَقُورِ قلنا: " لَيْسَ هَذَا خِلاَفًا، لأََنَّهُ لَيْسَ بَيْعًا، وَلاَ ثَمَنًا، إنَّمَا هُوَ قِصَاصُ مَالٍ، عَنْ فَسَادِ مَالٍ فَقَطْ، وَلاَ ثَمَنَ لِمَيِّتٍ أَصْلاً".وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا وَكِيعٌ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، وَأَبِي الْمُهَزِّمِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُمَا كَرِهَا ثَمَنَ الْكَلْبِ إِلاَّ كَلْبَ صَيْدٍ، وَكَرِهَا ثَمَنَ الْهِرِّ وَأَبُو الْمُهَزِّمِ ضَعِيفٌ جِدًّا، وَقَدْ خَالَفُوهُمَا فِي ثَمَنِ الْهِرِّ كَمَا تَرَى. وَقَدْ رُوِّينَا إبَاحَةَ ثَمَنِ الْكَلْبِ، عَنْ عَطَاءٍ، وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَرَبِيعَةَ، وَعَنْ إبْرَاهِيمَ إبَاحَةَ ثَمَنِ كَلْبِ الصَّيْدِ، وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
وَأَمَّا مَنْ احْتَاجَ إلَيْهِ، فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلاَ تَنْسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} فَمَا لاَ يَحِلُّ بَيْعُهُ، وَتَحِلُّ هِبَتُهُ فَإِمْسَاكُ مَنْ عِنْدَهُ مِنْهُ فَضْلٌ، عَنْ حَاجَتِهِ ذَلِكَ: الْفَضْلُ عَمَّنْ هُوَ مُضْطَرٌّ إلَيْهِ ظُلْمٌ لَهُ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمْهُ، وَلاَ يُسْلِمْهُ" وَالظُّلْمُ وَاجِبٌ أَنْ يُمْنَعَ مِنْهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا اتِّخَاذُهَا: فَإِنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: "أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَتْلِ الْكِلاَبِ ثُمَّ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ، عَنْ قَتْلِهَا، وَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِالأَسْوَدِ الْبَهِيمِ ذِي النُّقْطَتَيْنِ فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ". وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ أَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَوْلاَ أَنَّ الْكِلاَبَ أُمَّةٌ مِنْ الأُُمَمِ لاََمَرْتُ بِقَتْلِهَا، فَاقْتُلُوا مِنْهَا الأَسْوَدَ الْبَهِيمَ، وَأَيُّمَا قَوْمٍ اتَّخَذُوا كَلْبًا لَيْسَ بِكَلْبِ حَرْثٍ، أَوْ صَيْدٍ، أَوْ مَاشِيَةٍ، فَإِنَّهُ يُنْقَصُ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطٌ". وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ

حَدَّثَنَا حَرْمَلَةُ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا لَيْسَ بِكَلْبِ صَيْدٍ، وَلاَ مَاشِيَةٍ وَلاَ أَرْضٍ، فَإِنَّهُ يُنْقَصُ مِنْ أَجْرِهِ قِيرَاطَانِ كُلَّ يَوْمٍ" وَتَدْخُلُ الدَّارُ فِي جُمْلَةِ الأَرْضِ، لأََنَّهَا أَرْضٌ. فَهَذِهِ الأَحَادِيثُ فِيهَا نَصُّ مَاقلنا. وَقَدْ رُوِّينَا،عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أُمِرْنَا بِقَتْلِ الْكَلْبِ الأَسْوَدِ،
وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ فِي " كِتَابِ الصَّيْدِ " مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ولا يحل بيع الهر فمن اضطر اليه لأذى الفأر
1514 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ بَيْعُ الْهِرِّ فَمَنْ اُضْطُرَّ إلَيْهِ لأََذَى الْفَأْرِ فَوَاجِبٌ وَعَلَى مَنْ عِنْدَهُ مِنْهَا فَضْلٌ ، عَنْ حَاجَتِهِ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْهَا مَا يَدْفَعُ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ الضَّرَرَ: كَمَا
قلنا فِيمَنْ اُضْطُرَّ إلَى الْكَلْبِ، وَلاَ فَرْقَ.
برهان ذَلِكَ: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ قَالَ: ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَعْيَنَ حَدَّثَنَا مَعْقِلٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ قَالَ: سَأَلْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ؟ فَقَالَ: زَجَرَ، عَنْ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
قال أبو محمد: "الزَّجْرُ أَشَدُّ النَّهْيِ".وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ كَرِهَ ثَمَنَ الْكَلْبِ وَالسِّنَّوْرِ. فَهَذِهِ فُتْيَا جَابِرٍ لِمَا رُوِيَ، وَلاَ نَعْرِفُ لَهُ مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ.وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ طَاوُوس، وَمُجَاهِدٍ أَنَّهُمَا كَرِهَا أَنَّ يُسْتَمْتَعَ بِمُسُوكِ السَّنَانِيرِ، وَأَثْمَانِهَا.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حَفْصٌ، هُوَ ابْنُ غِيَاثٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ طَاوُوس، وَمُجَاهِدٍ أَنَّهُمَا كَرِهَا بَيْعَ الْهِرِّ، وَثَمَنَهُ، وَأَكْلَهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَجَمِيعِ أَصْحَابِنَا. وَزَعَمَ بَعْضُ مَنْ لاَ عِلْمَ لَهُ، وَلاَ وَرَعَ يَزْجُرُهُ، عَنِ الْكَذِبِ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَأَبَا هُرَيْرَةَ: رَوَيَا، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إبَاحَةَ ثَمَنِ الْهِرِّ.
قال أبو محمد: "وَهَذَا لاَ نَعْلَمُهُ أَصْلاً مِنْ طَرِيقٍ وَاهِيَةٍ تُعْرَفُ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ، وَأَمَّا صَحِيحَةٍ فَنَقْطَعُ بِكَذِبِ مَنْ ادَّعَى ذَلِكَ جُمْلَةً.وَأَمَّا الْوَضْعُ فِي الْحَدِيثِ فَبَاقٍ مَا دَامَ إبْلِيسُ وَأَتْبَاعُهُ فِي الأَرْضِ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَهُمْ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ، لأََنَّهُ كَانَ يَكُونُ مُوَافِقًا لِمَعْهُودِ الأَصْلِ بِلاَ شَكٍّ وَلاَ مِرْيَةَ فِي أَنَّ حِينَ زَجْرِهِ عليه السلام، عَنْ ثَمَنِهِ بَطَلَتْ الإِبَاحَةُ السَّالِفَةُ، وَنُسِخَتْ بِيَقِينٍ لاَ مَجَالَ لِلشَّكِّ فِيهِ، فَمَنْ ادَّعَى أَنَّ الْمَنْسُوخَ قَدْ عَادَ فَقَدْ كَذَبَ وَافْتَرَى وَأَفِكَ وَقَفَا مَا لاَ عِلْمَ لَهُ بِهِ، وَحَاشَ لِلَّهِ أَنْ يَعُودَ مَا نَسَخَ، ثُمَّ لاَ يَأْتِي بَيَانٌ بِذَلِكَ تَقُومُ بِهِ حُجَّةُ اللَّهِ تَعَالَى فِيمَا نَسَخَ وَفِيمَا بَقِيَ عَلَى الْمَأْمُورِينَ بِذَلِكَ مِنْ عِبَادِهِ. هَيْهَاتَ دِينُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَعَزُّ مِنْ ذَلِكَ وَأَحْرَزُ. وَقَالَ الْمُبِيحُونَ لَهُ: لَمَّا صَحَّ الإِجْمَاعُ عَلَى وُجُوبِ دُخُولِ الْهِرِّ، وَالْكَلْبِ الْمُبَاحِ اتِّخَاذُهُ فِي

الْمِيرَاثِ، وَالْوَصِيَّةِ، وَالْمِلْكِ: جَازَ بَيْعُهُمَا".
قال أبو محمد: وَهَذَا مِمَّا جَاهَرُوا فِيهِ بِالْبَاطِلِ، وَبِخِلاَفِ أُصُولِهِمْ أَوَّلُ ذَلِكَ أَنَّهُ دَعْوَى بِلاَ
برهان ثُمَّ إنَّهُمْ يُجِيزُونَ دُخُولَ النَّحْلِ. وَدُودِ الْحَرِيرِ فِي الْمِيرَاثِ، وَالْوَصِيَّةِ، وَكَذَلِكَ الْكَلْبِ عِنْدَهُمْ، وَلاَ يُجِيزُونَ بَيْعَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَيُجِيزُونَ الْوَصِيَّةَ بِمَا لَمْ يُخْلَقْ بَعْدُ مِنْ ثَمَرِ النَّخْلِ وَغَيْرِهَا، وَيُدْخِلُونَهُ فِي الْمِيرَاثِ وَلاَ يُجِيزُونَ بَيْعَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، فَظَهَرَ تَخَاذُلُهُمْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ولا يحل البيع على ان تربحني للديناردرهما
1515 - مَسْأَلَةٌ : وَلاَ يَحِلُّ الْبَيْعُ عَلَى أَنْ تُرْبِحَنِي لِلدِّينَارِ دِرْهَمًا، وَلاَ عَلَى أَنِّي أَرْبَحُ مَعَك فِيهِ كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا، فَإِنْ وَقَعَ فَهُوَ مَفْسُوخٌ أَبَدًا فَلَوْ تَعَاقَدَا الْبَيْعَ دُونَ هَذَا الشَّرْطِ، لَكِنْ أَخْبَرَهُ الْبَائِعُ بِأَنَّهُ اشْتَرَى السِّلْعَةَ بِكَذَا وَكَذَا، وَأَنَّهُ لاَ يَرْبَحُ مَعَهُ فِيهَا إِلاَّ كَذَا وَكَذَا فَقَدْ وَقَعَ الْبَيْعُ صَحِيحًا، فَإِنْ وَجَدَهُ قَدْ كَذَبَ فِيمَا قَالَ لَمْ يَضُرَّ ذَلِكَ الْبَيْعَ شَيْئًا، وَلاَ رُجُوعَ لَهُ بِشَيْءٍ أَصْلاً، إِلاَّ مِنْ عَيْبٍ فِيهِ أَوْ غَبْنٍ ظَاهِرٍ كَسَائِرِ الْبُيُوعِ، وَالْكَاذِبُ آثِمٌ فِي كَذِبِهِ فَقَطْ.
برهان ذَلِكَ: أَنَّ الْبَيْعَ عَلَى أَنْ تُرْبِحَنِي كَذَا شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ وَالْعَقْدُ بِهِ بَاطِلٌ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ بَيْعٌ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ، لأََنَّهُمَا إنَّمَا تَعَاقَدَا الْبَيْعَ عَلَى أَنَّهُ يَرْبَحُ مَعَهُ لِلدِّينَارِ دِرْهَمًا، فَإِنْ كَانَ شِرَاؤُهُ دِينَارًا غَيْرَ رُبُعٍ كَانَ الشِّرَاءُ بِذَلِكَ، وَالرِّبْحُ دِرْهَمًا غَيْرَ رُبُعِ دِرْهَمٍ فَهَذَا بَيْعُ الْغَرَرِ الَّذِي نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالْبَيْعُ بِثَمَنٍ لاَ يَدْرِي مِقْدَارَهُ. فَإِذَا سَلِمَ الْبَيْعُ مِنْ هَذَا الشَّرْطِ فَقَدْ وَقَعَ صَحِيحًا كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى، وَكِذْبَةُ الْبَائِعِ مَعْصِيَةٌ لِلَّهِ تَعَالَى لَيْسَتْ مَعْقُودًا عَلَيْهَا الْبَيْعُ، لَكِنْ كَزِنَاهُ لَوْ زَنَى، أَوْ شُرْبِهِ لَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ، وَلاَ فَرْقَ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَبْدِ الأَعْلَى، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَرِهَ بَيْعَ " ده دوازده " مَعْنَاهُ أُرْبِحُك لِلْعَشَرَةِ اثْنَيْ عَشَرَ وَهُوَ بَيْعُ الْمُرَابَحَةِ وَرُوِّينَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّهُ قَالَ: هُوَ رِبًا وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، وَعَبْدِ الرَّزَّاقِ، قَالاَ جَمِيعًا: أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي نُعْمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: بَيْعُ " ده دوازده " رِبًا. وَقَالَ عِكْرِمَةُ: هُوَ حَرَامٌ وَكَرِهَهُ الْحَسَنُ وَكَرِهَهُ مَسْرُوقٌ وَقَالَ: بَلْ أَشْتَرِيهِ بِكَذَا أَوْ أَبِيعُهُ بِكَذَا.
وَرُوِّينَا، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ أَجَازَهُ إذَا لَمْ يَأْخُذْ لِلنَّفَقَةِ رِبْحًا. وَأَجَازَهُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ، وَشُرَيْحٌ وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: لاَ بَأْسَ " ده دوازده " وَتُحْسَبُ النَّفَقَةُ عَلَى الثِّيَابِ. وَلِمَنْ أَجَازَهُ تَطْوِيلٌ كَثِيرٌ فِيمَنْ ابْتَاعَ نَسِيئَةً، وَبَاعَ نَقْدًا، وَفِيمَنْ اشْتَرَى فِي نَفَاقٍ، وَبَاعَ فِي كَسَادٍ، وَمَا يُحْسَبُ كِرَاءِ الشَّدِّ وَالطَّيِّ، وَالصَّبَّاغِ، وَالْقَصَّارَةِ، وَمَا أُطْعِمَ الْحُرْفَا، وَأُجْرَةِ السِّمْسَارِ، وَإِذَا ادَّعَى غَلَطًا، وَإِذَا انْكَشَفَ أَنَّهُ كَذِبٌ وَكُلُّهُ رَأْيٌ فَاسِدٌ. لَكِنْ نَقُولُ: مَنْ اُمْتُحِنَ بِالتِّجَارَةِ فِي بَلَدٍ لاَ ابْتِيَاعَ فِيهِ

إِلاَّ هَكَذَا فَلْيَقُلْ: قَامَ عَلَيَّ بِكَذَا، وَبِحَسَبِ نَفَقَتِهِ عَلَيْهِ أَوْ يَقُولُ: ابْتَعْته بِكَذَا، وَلاَ يَحْسِبُ فِي ذَلِكَ نَفَقَةً، ثُمَّ يَقُولُ: لَكِنِّي لاَ أَبِيعُهُ عَلَى شِرَائِي، تُرِيدُ أَخْذَهُ مِنِّي بَيْعًا بِكَذَا وَكَذَا، وَإِلَّا فَدَعْ فَهَذَا بَيْعٌ صَحِيحٌ لاَ دَاخِلَةَ فِيهِ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: "مَرَّ رَجُلٌ بِقَوْمٍ فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ ثَوْبٌ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُهُمْ بِكَمْ ابْتَعْتَهُ فَأَجَابَهُ، ثُمَّ قَالَ: كَذَبْتَ وَفِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرَجَعَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْتَعْتُهُ بِكَذَا وَكَذَا بِدُونِ مَا كَانَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: تَصَدَّقْ بِالْفَضْلِ" وَهُمْ يَقُولُونَ: الْمُرْسَلُ كَالْمُسْنَدِ، وَهَذَا مُرْسَلٌ قَدْ خَالَفُوهُ، لأََنَّهُ لَمْ يَرُدَّ بَيْعَهُ، وَلاَ حَطَّ عَنْهُ شَيْئًا مِنْ الرِّبْحِ.

ولا يجوز البيع على الرقم ولا ان يغر أحدا بما يرقم
1516 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَجُوزُ الْبَيْعُ عَلَى الرَّقْمِ، وَلاَ أَنْ يُغْرِ أَحَدًا بِمَا يُرَقِّمُ عَلَى سِلْعَتِهِ، لَكِنْ يُسَوِّمُ وَيُبَيِّنُ الزِّيَادَةَ الَّتِي يَطْلُبُ عَلَى قِيمَةِ مَا يَبِيعُ، وَيَقُولُ: إنْ طَابَتْ نَفْسُك بِهَذَا، وَإِلَّا فَدَعْ .

ولا يحل بيعتان في بيعة مثل أبيعك سلعتى .....
1517 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ بَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ، مِثْلُ: أَبِيعُك سِلْعَتِي بِدِينَارَيْنِ عَلَى أَنْ تُعْطِيَنِي بِالدِّينَارَيْنِ كَذَا وَكَذَا دِرْهَمًا. أَوْ كَمَنْ ابْتَاعَ سِلْعَةً بِمِائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُ دَنَانِيرَ كُلَّ دِينَارٍ بِعَدَدٍ مِنْ الدَّرَاهِمِ وَمِثْلُ: أَبِيعُك سِلْعَتِي هَذِهِ بِدِينَارَيْنِ نَقْدًا أَوْ بِثَلاَثَةٍ نَسِيئَةً. وَمِثْلِ أَبِيعُك سِلْعَتِي هَذِهِ بِكَذَا وَكَذَا عَلَى أَنْ تَبِيعَنِي سِلْعَتَك هَذِهِ بِكَذَا وَكَذَا. فَهَذَا كُلُّهُ حَرَامٌ مَفْسُوخٌ أَبَدًا مَحْكُومٌ فِيهِ بِحُكْمِ الْغَصْبِ.
برهان ذَلِكَ: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعَتَيْنِ فِي بَيْعَةٍ" . وَرُوِّينَا، عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَنَّهُمَا كَرِهَا ذَلِكَ وَمَا نَعْلَمُ لِلْمَالِكِيِّينَ حُجَّةً إِلاَّ أَنَّهُمْ قَالُوا: الْبَيْعَةُ الأُُولَى لَغْوٌ فَهَذَا الأَحْتِجَاجُ أَفْسَدُ مِنْ الْقَوْلِ الَّذِي احْتَجُّوا لَهُ بِهِ، وَأَفْقَرُ إلَى حُجَّةٍ، لأََنَّهُ دَعْوَى مُجَرَّدَةٌ، عَلَى أَنَّهُمْ أَتَوْا بِعَظَائِمَ طَرْدًا مِنْهُمْ لِهَذَا الأَصْلِ الْفَاسِدِ: فَأَجَازُوا بَيْعَ هَذِهِ السِّلْعَةِ بِخِنْزِيرٍ، أَوْ بِقِسْطِ خَمْرٍ، عَلَى أَنْ يَأْخُذُوا بِالْخِنْزِيرِ، أَوْ الْخَمْرِ: دِينَارَيْنِ وَهَذِهِ عَظِيمَةٌ تَمْلاَُ الْفَمَ، وَيَكْفِي ذِكْرُهَا، عَنْ تَكَلُّفِ الرَّدِّ عَلَيْهِمْ، وَمَا الدَّيَّانَةُ كُلُّهَا إِلاَّ بِأَسْمَائِهَا وَأَعْمَالِهَا، لاَ بِأَحَدِ الأَمْرَيْنِ دُونَ الآخَرِ. وَنَحْنُ نَجِدُ الْمُسْتَقْرِضَ يَقُولُ: أَقْرِضْنِي دِينَارَيْنِ عَلَى أَنْ أَرُدَّ لَك دِينَارَيْنِ إلَى شَهْرٍ لَكَانَ قَوْلاً حَسَنًا، وَعَمَلاً صَحِيحًا، فَلَوْ قَالَ لَهُ يَعْنِي دِينَارَيْنِ بِدِينَارَيْنِ إلَى شَهْرٍ لَكَانَ قَوْلاً خَبِيثًا، وَعَمَلاً فَاسِدًا، حَرَامًا، وَالْعَمَلُ وَاحِدٌ وَالصِّفَةُ وَاحِدَةٌ وَمَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا إِلاَّ اللَّفْظُ. وَلَوْ قَالَ امْرُؤٌ لأَخَرَ: أَبِحْنِي وَطْءَ ابْنَتِك بِدِينَارٍ مَا شِئْت فَقَالَ لَهُ: نَعَمْ لَكَانَ قَوْلاً حَرَامًا: وَزِنًا مُجَرَّدًا، فَلَوْ قَالَ لَهُ: زَوِّجْنِيهَا بِدِينَارٍ، لَكَانَ قَوْلاً صَحِيحًا، وَعَمَلاً صَحِيحًا، وَالصِّفَةُ وَاحِدَةٌ، وَالْعَمَلُ

وكل صفقة جمعت حراما وحلالا فهى باطل كلها لا يصح
1518 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ صَفْقَةٍ جَمَعَتْ حَرَامًا وَحَلاَلاً فَهِيَ بَاطِلٌ كُلُّهَا، لاَ يَصِحُّ مِنْهَا شَيْءٌ مِثْلُ: أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْمَبِيعِ مَغْصُوبًا، أَوْ لاَ يَحِلُّ مِلْكُهُ، أَوْ عَقْدًا فَاسِدًا وَسَوَاءٌ كَانَ أَقَلَّ الصَّفْقَةِ، أَوْ أَكْثَرَهَا، أَوْ أَدْنَاهَا، أَوْ أَعْلاَهَا، أَوْ أَوْسَطَهَاوقال مالك: إنْ كَانَ ذَلِكَ وَجْهَ الصَّفْقَةِ بَطَلَتْ كُلُّهَا وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا بَطَلَ الْحَرَامُ، وَصَحَّ الْحَلاَلُ.
قال علي: "وهذا قَوْلٌ فَاسِدٌ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ، لاَ مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ، وَلاَ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلاَ قِيَاسٍ. وَمِنْ الْعَجَائِبِ احْتِجَاجُهُمْ لِذَلِكَ بِأَنْ قَالُوا: إنَّ وَجْهَ الصَّفْقَةِ هُوَ الْمُرَادُ وَالْمَقْصُودُ".فَقُلْنَا لَهُمْ: فَكَانَ مَاذَا وَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ بِذَلِكَ مَا ذَكَرْتُمْ وَمَا هُوَ إِلاَّ قَوْلُكُمْ احْتَجَجْتُمْ لَهُ بِقَوْلِكُمْ، فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ. وَقَالَ آخَرُونَ: يَصِحُّ الْحَلاَلُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ وَيَبْطُلُ الْحَرَامُ قَلَّ أَوْ كَثُرَ.
قال أبو محمد: "فَوَجَدْنَا هَذَا الْقَوْلَ يُبْطِلُهُ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً، عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} فَهَذَانِ لَمْ يَتَرَاضَيَا بِبَعْضِ الصَّفْقَةِ دُونَ بَعْضٍ، وَإِنَّمَا تَرَاضَيَا بِجَمِيعِهَا، فَمَنْ أَلْزَمَهُمَا بَعْضَهَا دُونَ بَعْضٍ فَقَدْ أَلْزَمَهُمَا

مَا لَمْ يَتَرَاضَيَا بِهِ حِينَ الْعَقْدِ، فَخَالَفَ أَمْرَ اللَّهِ تَعَالَى، وَحَكَمَ بِأَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ وَهُوَ حَرَامٌ بِالْقُرْآنِ، فَإِنْ تَرَاضَيَا الآنَ بِذَلِكَ لَمْ نَمْنَعْهُمَا، وَلَكِنْ بِعَقْدٍ مُجَرَّدٍ بِرِضَاهُمَا مَعًا، لأََنَّ الْعَقْدَ الأَوَّلَ لَمْ يَقَعْ هَكَذَا.وَأَيْضًا: فَإِنَّ الصَّحِيحَ مِنْ تِلْكَ الصَّفْقَةِ لَمْ يَتَعَاقَدَا صِحَّتَهُ إِلاَّ بِصِحَّةِ الْبَاطِلِ الَّذِي لاَ صِحَّةَ لَهُ، وَكُلُّ مَا لاَ صِحَّةَ لَهُ إِلاَّ بِصِحَّةِ مَا لاَ يَصِحُّ أَبَدًا فَلاَ صِحَّةَ لَهُ أَبَدًا وَهُوَ قَوْلُ أَصْحَابِنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ولا يحل بيع الحر
1519 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ بَيْعُ الْحُرِّ . برهان ذَلِكَ: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مَرْحُومٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: "ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ" .
قَالَ عَلِيٌّ: "وَفِي هَذَا خِلاَفٌ قَدِيمٌ وَحَدِيثٌ، نُورِدُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ مَا يَسَّرَ لأَِيرَادِهِ، لِيَعْلَمَ مُدَّعِي الإِجْمَاعِ فِيمَا هُوَ أَخْفَى مِنْ هَذَا أَنَّهُ كَاذِبٌ" رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَمُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيُّ، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: ، حَدَّثَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى وَقَالَ مُعَاذٌ: نَا أَبِي ثُمَّ اتَّفَقَ هِشَامٌ، وَهَمَّامٌ، كِلاَهُمَا: عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ: أَنَّ رَجُلاً بَاعَ نَفْسَهُ، فَقَضَى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ بِأَنَّهُ عَبْدٌ كَمَا أَقَرَّ نَفْسَهُ، وَجَعَلَ ثَمَنَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ هَذَا لَفْظُ هَمَّامٍ وَأَمَّا لَفْظُ هِشَامٍ فَإِنَّهُ أَقَرَّ لِرَجُلٍ حَتَّى بَاعَهُ، وَاتَّفَقَا فِيمَا عَدَا ذَلِكَ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ فِي كِلاَ اللَّفْظَيْنِ، وَلاَ بُدَّ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: إذَا أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِالْعُبُودِيَّةِ فَهُوَ عَبْدٌ.وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ مِقْسَمٍ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ فِيمَنْ سَاقَ إلَى امْرَأَتِهِ رَجُلاً حُرًّا فَقَالَ إبْرَاهِيمُ: هُوَ رَهْنٌ بِمَا جَعَلَ فِيهِ حَتَّى يَفْتَكَّ نَفْسَهُ. وَعَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى قَاضِي الْبَصْرَةِ مِنْ التَّابِعِينَ أَنَّهُ بَاعَ حُرًّا فِي دَيْنٍ. وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا الْقَوْلَ، عَنِ الشَّافِعِيِّ وَهِيَ قَوْلَةٌ غَرِيبَةٌ لاَ يَعْرِفُهَا مِنْ أَصْحَابِهِ إِلاَّ مَنْ تَبَحَّرَ فِي الْحَدِيثِ وَالآثَارِ.
قال علي: "هذا قَضَاءُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ، بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم،، وَلاَ يَعْتَرِضُهُمْ فِي ذَلِكَ مِنْهُمْ مُعْتَرِضٌ، فَإِنْ شَنَّعُوا هَذَا قلنا: يَا هَؤُلاَءِ لاَ عَلَيْكُمْ، وَاَللَّهِ لَقَدْ قُلْتُمْ بِأَشْنَعَ مِنْ هَذَا وَأَشَدَّ وَفِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَفْسِهَا". أَلَيْسَ الْحَنَفِيُّونَ يَقُولُونَ: إنْ ارْتَدَّ الْحَسَنِيُّ، أَوْ الْحُسَيْنِيُّ، أَوْ الْعَبَّاسِيُّ أَوْ الْمَنَافِيُّ، أَوْ الْقُرَشِيُّ، فَلَحِقَ بِأَرْضِ الْحَرْبِ فَإِنْ وُلِدَ وَلَدُهُ يُسْتَرَقُّونَ، وَإِنْ أَسْلَمُوا كَانُوا عَبِيدًا وَأَنَّ الْقُرَشِيَّةَ إنْ ارْتَدَّتْ وَلَحِقَتْ بِدَارِ الْحَرْبِ سُبِيَتْ وَأُرِقَّتْ، فَإِنْ أَسْلَمَتْ كَانَتْ مَمْلُوكَةً تُبَاحُ

وَيُسْتَحَلُّ فَرْجُهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ، وَإِنْ لَمْ تُسْلِمْ تُرِكَتْ عَلَى كُفْرِهَا، وَجَازَ أَنْ يَسْتَرِقَّهَا الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ أَوَ لَيْسَ ابْنُ الْقَاسِمِ صَاحِبَ مَالِكٍ يَقُولُ: "إنْ تَذَمَّمَ أَهْلُ الْحَرْبِ وَفِي أَيْدِيهِمْ أَسْرَى مُسْلِمُونَ، وَمُسْلِمَاتٌ أَحْرَارٌ، وَحَرَائِرُ، فَإِنَّهُمْ يُقَرُّونَ عَبِيدًا لَهُمْ وَأَمَّا يَتَمَلَّكُونَهُمْ وَيَتَبَايَعُونَهُمْ فَأُفٍّ لِهَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ وَتُفٍّ"، فَأَيُّهُمَا أَشْنَعُ مِمَّا لَمْ يُقَلِّدُوا فِيهِ عُمَرَ، وَعَلِيًّا رضي الله عنهما؟.
قال أبو محمد: "كُلُّ مَنْ صَارَ حُرًّا بِعِتْقٍ، أَوْ بِأَنْ كَانَ ابْنَ حُرٍّ مِنْ أَمَةٍ لَهُ، أَوْ بِأَنْ حَمَلَتْ بِهِ حُرَّةٌ، أَوْ بِأَنْ أُعْتِقَتْ أَمَةٌ وَهِيَ حَامِلٌ بِهِ، وَلَمْ يَسْتَثْنِهِ الْمُعْتِقُ، فَإِنَّ الْحُرِّيَّةَ قَدْ حَصَلَتْ لَهُ، فَلاَ تَبْطُلُ عَلَيْهِ، وَلاَ عَمَّنْ تَنَاسَلَ مِنْهُ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى عَلَى هَذِهِ السَّبِيلِ مِنْ الْوِلاَدَةِ الَّتِي ذَكَرْنَا أَبَدًا، لاَ بِأَنْ يَرْتَدَّ، وَلاَ بِأَنْ تَرْتَدَّ، وَلاَ بِأَنْ يُسْبَى، وَلاَ بِأَنْ يَرْتَدَّ أَبُوهُ أَوْ جَدُّهُ وَإِنْ بَعُدَ، أَوْ جَدَّتُهُ وَإِنْ بَعُدَتْ، وَلاَ بِلَحَاقِ بِأَرْضِ الْحَرْبِ مِنْ أَحَدِ أَجْدَادِهِ، أَوْ جَدَّاتِهِ أَوْ مِنْهُ أَوْ مِنْهَا: وَلاَ بِإِقْرَارِهِ بِالرِّقِّ، وَلاَ بِدَيْنٍ، وَلاَ بِبَيْعِهِ نَفْسِهِ، وَلاَ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ أَبَدًا لأََنَّهُ لَمْ يُوجِبْ ذَلِكَ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ، وَقَدْ جَاءَ أَثَرٌ بِأَنَّ الْحُرَّ كَانَ يُبَاعُ فِي الدَّيْنِ فِي صَدْرِ الإِسْلاَمِ إلَى أَنْ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ} وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ولا يحل بيع أمة من سيدها
1520 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ بَيْعُ أَمَةٍ حَمَلَتْ مِنْ سَيِّدِهَا، لِمَا حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ، حَدَّثَنَا مُصْعَبُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الرَّقِّيِّ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "لَمَّا وَلَدَتْ مَارِيَةُ إبْرَاهِيمَ" قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَعْتَقَهَا وَلَدُهَا" وَهَذَا خَبَرٌ صَحِيحُ السَّنَدِ وَالْحُجَّةُ بِهِ قَائِمَةٌ.
فإن قيل: "الثَّابِتُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْقَوْلُ بِجَوَازِ بَيْعِ أُمَّهَاتِ الأَوْلاَدِ، وهذا الخبر مِنْ رِوَايَتِهِ، فَمَا كَانَ لِيَتْرُكَ مَا رُوِيَ إِلاَّ لِضَعْفِهِ عِنْدَهُ، وَلِمَا هُوَ أَقْوَى عِنْدَهُ" قلنا: لَسْنَا نُعَارَضُ مَعْشَرَ الظَّاهِرِيِّينَ بِهَذَا الْغُثَاءِ مِنْ الْقَوْلِ، وَلاَ يَعْتَرِضُ بِهَذَا عَلَيْنَا إِلاَّ ضِعَافُ الْعَقْلِ، لأََنَّ الْحُجَّةَ عِنْدَنَا فِي الرِّوَايَةِ، لاَ فِي الرَّأْيِ، يُعَارِضُ بِهَذَا مَنْ يَتَعَلَّقُ بِهِ إذَا عُورِضَ بِالسُّنَنِ الثَّابِتَةِ. وَهُوَ مُخَالِفٌ لَهَا مِنْ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ، الَّذِينَ لاَ يُبَالُونَ بِالتَّنَاقُضِ فِي ذَلِكَ، مَرَّةً هَكَذَا وَمَرَّةً هَكَذَا، وَاَلَّذِينَ لاَ يُبَالُونَ بِأَنْ يَدَّعُوا هَهُنَا الإِجْمَاعَ ثُمَّ لاَ يُبَالُونَ بِأَنْ يَجْعَلُوا: ابْنَ مَسْعُودٍ، وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَعَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنَ عَبَّاسٍ، مُخَالِفِينَ لِلإِجْمَاعِ فَهَذِهِ صِفَةُ عِلْمِهِمْ بِالسُّنَنِ، وَهَذَا مِقْدَارُ عِلْمِهِمْ بِالإِجْمَاعِ وَحَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.
قال أبو محمد: "إذَا وَقَعَ مَنِيُّ السَّيِّدِ فِي فَرْجِ أَمَتِهِ فَأَمْرُهَا مُتَرَقَّبٌ، فَإِنْ بَقِيَ حَتَّى يَصِيرَ خَلْقًا يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ وَلَدٌ فَهِيَ حَرَامٌ بَيْعُهَا مِنْ حِينِ سُقُوطِ الْمَنِيِّ فِي فَرْجِهَا وَيُفْسَخُ بَيْعُهَا إنْ بِيعَتْ

وَإِنْ خَرَجَ عَنْهَا قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ خَلْقًا يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ وَلَدٌ، فَلَمْ يَحْرُمْ بَيْعُهَا قَطُّ. وبرهان صِحَّةِ هَذَا الْقَوْلِ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يُسْتَحَقَّ الْمَنْعُ مِنْ الْبَيْعِ فِي الْحَالِ الَّتِي ذَكَرْنَا لَكَانَ بَيْعُهَا حَلاَلاً، لَوْ كَانَ بَيْعُهَا حَلاَلاً لَحَلَّ فَرْجُهَا لِمُشْتَرِيهَا قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ الْمَنِيُّ وَلَدًا وَهَذَا خِلاَفُ النَّصِّ الْمَذْكُورِ. وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي الْمَيِّتِ إثْرَ كَوْنِ مَنِيِّهِ فِي فَرْجِ امْرَأَتِهِ أَنَّهُ مُتَرَقِّبٌ أَيْضًا، فَإِنْ وُلِدَ حَيًّا عَلِمْنَا أَنَّهُ قَدْ وَجَبَ مِيرَاثُهُ بِمَوْتِ أَبِيهِ، وَإِنْ وُلِدَ مَيِّتًا عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ لَهُ قَطُّ مِيرَاثٌ، إذْ لَوْ كَانَ غَيْرَ هَذَا لَمَا حَدَثَ لَهُ حَقٌّ فِي مِيرَاثٍ قَدْ اسْتَحَقَّهُ غَيْرُهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ولا يحل بيع الهواء أصلا
1521 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ بَيْعُ الْهَوَاءِ أَصْلاً، كَمَنْ بَاعَ مَا عَلَى سَقْفِهِ وَجُدْرَانِهِ لِلْبِنَاءِ عَلَى ذَلِكَ، فَهَذَا بَاطِلٌ مَرْدُودٌ أَبَدًا، لأََنَّ الْهَوَاءَ لاَ يَسْتَقِرُّ فَيُضْبَطُ بِمِلْكٍ أَبَدًا، وَإِنَّمَا هُوَ مُتَمَوِّجٌ يَمْضِي مِنْهُ شَيْءٌ وَيَأْتِي آخَرُ أَبَدًا، فَكَانَ يَكُونُ بَيْعُهُ أَكْلَ مَالٍ بِالْبَاطِلِ، لأََنَّهُ بَاعَ مَا لاَ يَمْلِكُ، وَلاَ يَقْدِرُ عَلَى إمْسَاكِهِ، فَهُوَ بَيْعُ غَرَرٍ، وَبَيْعُ مَا لاَ يَمْلِكُ، وَبَيْعُ مَجْهُولٍ. فإن قيل: إنَّمَا بِيعَ الْمَكَانُ لاَ الْهَوَاءُ
قلنا: لَيْسَ هُنَاكَ مَكَانٌ أَصْلاً غَيْرَ الْهَوَاءِ، فَلَوْ كَانَ مَا قُلْتُمْ لَكَانَ لَمْ يَبِعْ شَيْئًا أَصْلاً، لأََنَّهُ عَدَمٌ فَهُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ حَقًّا. فإن قيل: إنَّمَا بَاعَ سَطْحَ سَقْفِهِ وَجُدْرَانِهِ قلنا: هَذَا بَاطِلٌ وَهُوَ أَيْضًا شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ، لأََنَّهُ شَرَطَ لَهُ أَنْ يَهْدِمَ شَيْئًا مِنْ سَقْفِهِ، وَلاَ مِنْ رُءُوسِ جُدْرَانِهِ، وَهَذَا شَرْطٌ لَمْ يَأْتِ النَّصُّ بِإِبَاحَتِهِ فَهُوَ بَاطِلٌ حَرَامٌ مَفْسُوخٌ أَبَدًا وَقَدْ رُوِّينَا هَذَا الْقَوْلَ، عَنِ الشَّافِعِيِّ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي " كِتَابِ الْقِسْمَةِ " وَأَنَّهُ لاَ يَحِلُّ أَلْبَتَّةَ أَنْ يَمْلِكَ أَحَدٌ شَيْئًا وَيَمْلِكُ غَيْرُهُ الْعُلُوَّ الَّذِي عَلَيْهِ وَمَنْ بَاعَ سَقْفَهُ فَقَطْ فَحَلاَلٌ، وَيُؤْخَذُ الْمُشْتَرِي بِإِزَالَةِ مَا اشْتَرَى، عَنْ مَكَان مِلْكُهُ لِغَيْرِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ولا يجوز بيع من لا يعقل لسكر أو لجنون
1522 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ مَنْ لاَ يَعْقِلُ لِسُكْرٍ، أَوْ جُنُونٍ، وَلاَ يَلْزَمُهُمَا، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} . فَشَهِدَ عَزّ وَجَلَّ بِأَنَّ السَّكْرَانَ لاَ يَدْرِي مَا يَقُولُ، وَالْبَيْعُ قَوْلٌ، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَ الْقَوْلِ: مِمَّنْ لاَ يَقْدِرُ عَلَى الْقَوْلِ مِمَّنْ بِهِ آفَةٌ مِنْ الْخَرَسِ أَوْ بِفَمِهِ آفَةٌ، فَمَنْ لاَ يَدْرِي مَا يَقُولُ فَلَمْ يَبِعْ شَيْئًا، وَلاَ ابْتَاعَ شَيْئًا وَأَجَازَهُ قَوْمٌ، وَلاَ نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً أَصْلاً أَكْثَرَ مِنْ أَنْ قَالُوا: هُوَ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى وَعَزَّ وَجَلَّ وَأَدْخَلَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ.فَقُلْنَا نَعَمْ، وَحَقُّهُ عَلَى ذَلِكَ الْحَدُّ فِي الدُّنْيَا، وَالنَّارُ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُوجِبِ إلْزَامِهِ حُكْمًا زَائِدًا لَمْ يُلْزِمْهُ اللَّهُ تَعَالَى إيَّاهُ، وَهُمْ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِي سَكْرَانَ عَرْبَدَ فَوَقَعَ فَانْكَسَرَتْ سَاقُهُ، فَإِنَّ لَهُ مِنْ الرُّخْصَةِ فِي الصَّلاَةِ قَاعِدًا كَاَلَّذِي أَصَابَهُ ذَلِكَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلاَ فَرْقَ. وَكَذَلِكَ التَّيَمُّمُ إذَا جُرِحَ جِرَاحَاتٍ

ولا يحل بيع من لم يبلغ
1523- مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ بَيْعُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ، إِلاَّ فِيمَا لاَ بُدَّ لَهُ مِنْهُ ضَرُورَةً، كَطَعَامٍ لأََكْلِهِ وَثَوْبٍ يَطْرُدُ بِهِ، عَنْ نَفْسِهِ الْبَرْدَ وَالْحَرَّ، وَمَا جَرَى هَذَا الْمَجْرَى إذَا أَغْفَلَهُ أَهْلُ مَحَلَّتِهِ وَضَيَّعُوهُ.
برهان ذَلِكَ: قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي ذَكَرْنَا، فَإِذَا ضَيَّعَهُ أَهْلُ مَحَلَّتِهِ فَاشْتَرَى مَا ذَكَرْنَا بِحَقِّهِ، فَقَدْ وَافَقَ الْوَاجِبَ، وَعَلَى أَهْلِ مَحَلَّتِهِ إمْضَاؤُهُ، فَلاَ يَحِلُّ لأََحَدٍ رَدُّ الْحَقِّ وَتَكُونُ مُبَايَعَتُهُ حِينَئِذٍ إنْ كَانَ جَائِزَ الأَمْرِ هُوَ الَّذِي عَقَدَ ذَلِكَ الْعَقْدَ عَلَيْهِ، فَهُوَ عَقْدٌ صَحِيحٌ، فَإِنْ كَانَ أَيْضًا غَيْرَ جَائِزِ الأَمْرِ فَهُوَ كَمَا ذَكَرْنَا عَمَلٌ وَافَقَ الْحَقَّ الْوَاجِبَ فَلاَ يَجُوزُ رَدُّهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.وَأَمَّا بَيْعُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ لِغَيْرِهِ بِأَمْرِ ذَلِكَ الآخَرِ، وَابْتِيَاعُهُ لَهُ بِأَمْرِهِ فَهُوَ نَافِذٌ جَائِزٌ، لأََنَّ يَدَهُ وَعَقْدَهُ إنَّمَا هُمَا يَدُ الآمِرِ وَعَقْدُهُ فَهُوَ جَائِزٌ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ولا يجوز بيع نصف هذه الدار ولا هذا الثوب
1524 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ نِصْفِ هَذِهِ الدَّارِ، وَلاَ هَذَا الثَّوْبِ أَوْ هَذِهِ الأَرْضِ، أَوْ هَذِهِ الْخَشَبَةِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ، وَكَذَلِكَ ثُلُثُهَا أَوْ رُبُعُهَا أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ، فَلَوْ عُلِمَ مُنْتَهَى كُلِّ ذَلِكَ جَازَ، لأََنَّهُ مَا لَمْ يُعْلَمْ بَيْعُ مَجْهُولٍ، وَبَيْعُ الْمَجْهُولِ لاَ يَجُوزُ، لأََنَّ التَّرَاضِيَ لاَ يَقَعُ عَلَى مَجْهُولٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ولا يجوز بيع دار أو بيت أو أرض لا طريق لها
1525 - مَسْأَلَةٌ: لاَ يَجُوزُ بَيْعُ دَارٍ أَوْ بَيْتٍ أَوْ أَرْضٍ لاَ طَرِيقَ إلَيْهَا لأََنَّهُ إضَاعَةٌ لِلْمَالِ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُلْزَمَ طَرِيقًا لَمْ يَبِعْهُ، فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مُتَّصِلاً بِمَالِ الْمُشْتَرِي جَازَ ذَلِكَ الْبَيْعُ، لأََنَّهُ يَصِلُ إلَى مَا اشْتَرَى فَلاَ تَضْيِيعَ، فَلَوْ اُسْتُحِقَّ مَالُ الْمُشْتَرِي بَطَلَ هَذَا الشِّرَاءُ، لأََنَّهُ وَقَعَ فَاسِدًا إذَا كَانَ لاَ طَرِيقَ لَهُ إلَيْهِ أَلْبَتَّةَ.

ولا يحل بيع جملة مجهولة القدر على أن كل صاع منها بدرهم
1526 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ بَيْعُ جُمْلَةٍ مَجْهُولَةِ الْقَدْرِ عَلَى أَنَّ كُلَّ صَاعٍ مِنْهَا بِدِرْهَمٍ، أَوْ كُلَّ رَطْلٍ مِنْهَا بِدِرْهَمٍ، أَوْ كُلَّ ذِرَاعٍ مِنْهَا بِدِرْهَمٍ، أَوْ كُلَّ أَصْلٍ مِنْهَا، أَوْ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا بِكَذَا وَكَذَا وَهَكَذَا فِي جَمِيعِ الْمَقَادِيرِ وَالأَعْدَادِ، فَإِنْ عَلِمَا جَمِيعًا مِقْدَارَ مَا فِيهَا مِنْ الْعَدَدِ، أَوْ الْكَيْلِ، أَوْ الْوَزْنِ أَوْ الذَّرْعِ، وَعَلِمَا قَدْرَ الثَّمَنِ الْوَاجِبِ فِي ذَلِكَ: جَازَ ذَلِكَ، فَإِنْ بِيعَتْ الْجُمْلَةُ

ولا يحلا بيع الولاء لا هبته
1527 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ بَيْعُ الْوَلاَءِ، وَلاَ هِبَتُهُ : لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَمَالِكٍ، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، كُلِّهِمْ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْوَلاَءِ وَهِبَتِهِ" . وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الأُُمَّةُ فِي هَذَا، وَسَنَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى " فِي الْعِتْقِ " مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا، وَلاَ حَوْلَ، وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ، وَلاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

ولا يحل بيع من أكره على البيع
1528 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ بَيْعُ مَنْ أُكْرِهَ عَلَى الْبَيْعِ، وَهُوَ مَرْدُودٌ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللَّهَ عَفَا لأَُمَّتِي، عَنِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ" ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً، عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ بَيْعٍ لَمْ يَكُنْ عَنْ تَرَاضٍ فَهُوَ بَاطِلٌ، إِلاَّ بَيْعًا أَوْجَبَهُ النَّصُّ، كَالْبَيْعِ عَلَى مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَقٌّ وَهُوَ غَائِبٌ، أَوْ مُمْتَنِعٌ مِنْ الإِنْصَافِ، لأََنَّهُ مَأْمُورٌ بِإِنْصَافِ ذِي الْحَقِّ قِبَلَهُ، وَنَحْنُ مَأْمُورُونَ بِذَلِكَ. وَبِمَنْعِهِ مِنْ الْمَطْلِ الَّذِي هُوَ الظُّلْمُ، وَإِذْ لاَ سَبِيلَ إلَى مَنْعِهِ مِنْ الظُّلْمِ إِلاَّ بِبَيْعِ بَعْضِ مَالِهِ، فَنَحْنُ مَأْمُورُونَ

وأما المضطر الى البيع كمن جاع وخشى الموت
1529 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا الْمُضْطَرُّ إلَى الْبَيْعِ، كَمَنْ جَاعَ وَخَشِيَ الْمَوْتَ فَبَاعَ فِيمَا يُحْيِي بِهِ نَفْسَهُ وَأَهْلَهُ، وَكَمَنْ لَزِمَهُ فِدَاءُ نَفْسِهِ أَوْ حَمِيمِهِ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ أَوْ كَمَنْ أَكْرَهَهُ ظَالِمٌ عَلَى غُرْمِ مَالِهِ بِالضَّغْطِ وَلَمْ يُكْرِهْهُ عَلَى الْبَيْعِ، لَكِنْ أَلْزَمَهُ الْمَالَ فَقَطْ، فَبَاعَ فِي أَدَاءِ مَا أُكْرِهَ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي هَذَا: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَنَا صَالِحُ بْنُ رُسْتُمَ، حَدَّثَنَا شَيْخٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ قَالَ: خَطَبَنَا عَلِيٌّ، أَوْ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: " سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ عَضُوضٌ يَعَضُّ الْمُوسِرُ عَلَى مَا فِي يَدَيْهِ، وَلَمْ يُؤْمَرْ بِذَلِكَ، قَالَ: ، {تَنْسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} يَنْهَدُ الأَشْرَارُ، وَيُسْتَذَلُّ الأَخْيَارُ، وَيُبَايِعُ الْمُضْطَرُّونَ وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْمُضْطَرِّ، وَعَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ، وَعَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ قَبْلَ أَنْ يُطْعَمَ" به إلى هُشَيْمٍ، عَنْ كَوْثَرَ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ مَكْحُولٍ، قَالَ: بَلَغَنِي، عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ حَدَّثَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ: "إنَّ بَعْدَ زَمَانِكُمْ هَذَا زَمَانًا عَضُوضًا يَعَضُّ الْمُوسِرُ عَلَى مَا فِي يَدَيْهِ، وَلَمْ يُؤْمَرْ بِذَلِكَ" , قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} َيَنْهَدُ شِرَارُ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى يُبَايِعُونَ كُلَّ مُضْطَرٍّ، أَلاَ إنَّ بَيْعَ الْمُضْطَرِّينَ حَرَامٌ، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ، لاَ يَظْلِمُهُ، وَلاَ يَخُونُهُ، وَإِنْ كَانَ عِنْدَكَ خَيْرٌ فَعُدْ بِهِ عَلَى أَخِيكَ، وَلاَ تَزِدْهُ هَلاَكًا إلَى هَلاَكِهِ.
قال أبو محمد: لَوْ اسْتَنَدَ هَذَانِ الْخَبَرَانِ لَقُلْنَا بِهِمَا مُسَارِعِينَ، لَكِنَّهُمَا مُرْسَلاَنِ، وَلاَ يَجُوزُ الْقَوْلُ فِي الدِّينِ بِالْمُرْسَلِ. وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ مِنْ رَدِّ السُّنَنِ الثَّابِتَةِ بِرِوَايَةِ شَيْخٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ، وَيَقُولُ: الْمُرْسَلُ كَالْمُسْنَدِ مِنْ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ أَنْ يَقُولَ: "ِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ شَيْخٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، وَشَيْخٌ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ", وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ أَمْكَنُ وَأَوْضَحُ، ثُمَّ هِيَ، عَنْ عَلِيٍّ، وَعَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ، عَنْ حُذَيْفَةَ، وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ مُضْطَرِبُونَ.
قال أبو محمد: "َإِذَا لَمْ يَصِحَّ هَذَانِ الْخَبَرَانِ فَلْنَطْلُبْ هَذَا الْحُكْمَ مِنْ غَيْرِهِمَا: فَوَجَدْنَا كُلَّ مَنْ يَبْتَاعُ قُوتَ نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ لِلأَكْلِ وَاللِّبَاسِ فَإِنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَى ابْتِيَاعِهِ بِلاَ شَكٍّ", فَلَوْ بَطَلَ ابْتِيَاعُ هَذَا الْمُضْطَرِّ لَبَطَلَ بَيْعُ كُلِّ مَنْ لاَ يُصِيبُ الْقُوتَ مِنْ ضَيْعَتِهِ وَهَذَا بَاطِلٌ بِلاَ خِلاَفٍ، وَبِضَرُورَةِ النَّقْلِ مِنْ الْكَوَافِّ وَقَدْ ابْتَاعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَصْوُعًا مِنْ شَعِيرٍ لِقُوتِ أَهْلِهِ، وَمَاتَ عليه السلام وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ فِي ثَمَنِهَا فَصَحَّ أَنَّ بَيْعَ الْمُضْطَرِّ إلَى قُوتِهِ وَقُوتِ أَهْلِهِ، وَبَيْعَهُ مَا يَبْتَاعُ بِهِ الْقُوتَ

بَيْعٌ صَحِيحٌ لاَزِمٌ، فَهُوَ أَيْضًا بَيْعُ تَرَاضٍ لَمْ يُجْبِرْهُ أَحَدٌ عَلَيْهِ، فَهُوَ صَحِيحٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ. ثُمَّ نَظَرْنَا فِيمَنْ بَاعَ فِي إنْقَاذِ نَفْسِهِ، أَوْ حَمِيمِهِ، مِنْ يَدِ كَافِرٍ أَوْ ظُلْمِ ظَالِمٍ: فَوَجَدْنَا الْكَافِرَ وَالظَّالِمَ لَمْ يُكْرِهَا فَادِيَ الأَسِيرِ، وَلاَ الأَسِيرَ، وَلاَ الْمَضْغُوطَ عَلَى بَيْعِ مَا بَاعُوا فِي اسْتِنْقَاذِ أَنْفُسِهِمْ، أَوْ مَنْ يَسْعَوْنَ لأَسْتِنْقَاذِهِ وَإِنَّمَا أَكْرَهُوهُمْ عَلَى إعْطَاءِ الْمَالِ فَقَطْ، وَلَوْ أَنَّهُمْ أَتَوْهُمَا بِمَالٍ مِنْ قَرْضٍ، أَوْ مِنْ غَيْرِ الْبَيْعِ مَا أَلْزَمُوهُمَا الْبَيْعَ فَصَحَّ أَنَّهُ بَيْعُ تَرَاضٍ. وَالْوَاجِبُ عَلَى مَنْ طُلِبَ بِبَاطِلٍ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ، وَأَنْ يُغَيِّرَ الْمُنْكَرَ الَّذِي نَزَلَ بِهِ لاَ أَنْ يُعْطِيَ مَالَهُ بِالْبَاطِلِ فَصَحَّ أَنَّ بَيْعَهُ صَحِيحٌ لاَزِمٌ لَهُ، وَأَنَّ الَّذِي أُكْرِهَ عَلَيْهِ مِنْ دَفْعِ الْمَالِ فِي ذَلِكَ هُوَ الْبَاطِلُ الَّذِي لاَ يَلْزَمُهُ، فَهُوَ بَاقٍ فِي مِلْكِهِ كَمَا كَانَ يَقْضِي لَهُ بِهِ مَتَى قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ، وَيَأْخُذُهُ مِنْ الظَّالِمِ، وَمِنْ الْحَرْبِيِّ الْكَافِرِ، مَتَى أَمْكَنَهُ أَوْ مَتَى وَجَدَهُ فِي مَغْنَمٍ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، وَبَعْدَ الْقِسْمَةِ، مِنْ يَدِ مَنْ وَجَدَهُ فِي يَدِهِ، مِنْ مُسْلِمٍ، أَوْ ذِمِّيٍّ، أَوْ مِنْ يَدِ ذَلِكَ الْكَافِرِ، لَوْ تَذَمَّمَ، أَوْ أَسْلَمَ أَبَدًا هَذَا إذَا وَجَدَ ذَلِكَ الْمَالَ بِعَيْنِهِ، لأََنَّهُ مَالُهُ كَمَا كَانَ، وَلاَ يُطْلَبُ الْكَافِرُ بِغَيْرِهِ بَدَلاً مِنْهُ، لأََنَّ الْحَرْبِيَّ إذَا أَسْلَمَ أَوْ تَذَمَّمَ غَيْرُ مُؤَاخَذٍ بِمَا سَلَفَ مِنْ ظُلْمٍ أَوْ قَتْلٍ.وَأَمَّا الْمُسْلِمُ الظَّالِمُ فَيَتْبَعُهُ بِهِ أَبَدًا، أَوْ بِمِثْلِهِ، أَوْ قِيمَتِهِ، سَوَاءٌ كَانَ خَارِجِيًّا أَوْ مُحَارِبًا، أَوْ بَاغِيًا، أَوْ سُلْطَانًا، أَوْ مُتَغَلِّبًا، لأََنَّهُ أَخَذَ مِنْهُ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُّوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}.

ولا يحل بيع الحيوان الا لمنفعة
1530 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ بَيْعُ الْحَيَوَانِ إِلاَّ لِمَنْفَعَةٍ، إمَّا لأََكْلٍ، وَأَمَّا لِرُكُوبٍ، وَأَمَّا لِصَيْدٍ وَأَمَّا لِدَوَاءٍ . فَإِنْ كَانَ لاَ مَنْفَعَةَ فِيهِ لِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَحِلَّ بَيْعُهُ، وَلاَ مِلْكُهُ، لأََنَّهُ إضَاعَةُ مَالٍ مِنْ الْمُبْتَاعِ، وَأَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ مِنْ الْبَائِعِ. فَإِنْ كَانَ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا، أَوْ لِغَيْرِهِ جَازَ بَيْعُهُ، لأََنَّهُ بَيْعٌ، عَنْ تَرَاضٍ، وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَلَيْسَ إضَاعَةَ مَالٍ، وَلاَ أَكْلَ مَالٍ بِالْبَاطِلِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ولا يصح البيع بغير ثمن مسمى
1531 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَصِحُّ الْبَيْعُ بِغَيْرِ ثَمَنٍ مُسَمًّى، كَمَنْ بَاعَ بِمَا يَبْلُغُ فِي السُّوقِ، أَوْ بِمَا اشْتَرَى فُلاَنٌ، أَوْ بِالْقِيمَةِ، فَهَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ، لأََنَّهُ بَيْعُ غَرَرٍ، وَأَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ، لأََنَّهُ لَمْ يَصِحَّ فِيهِ التَّرَاضِي، وَلاَ يَكُونُ التَّرَاضِي إِلاَّ بِمَعْلُومِ الْمِقْدَارِ، وَقَدْ يَرْضَى، لأََنَّهُ يَظُنُّ أَنَّهُ يَبْلُغُ ثَمَنًا مَا فَإِنْ بَلَغَ أَكْثَرَ لَمْ يَرْضَ الْمُشْتَرِي، وَإِنْ بَلَغَ أَقَلَّ لَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ.
وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ: مَنْ بَاعَ بِالرِّبْحِ، أَوْ بِالْكَعْبَةِ، أَوْ بِلاَ ثَمَنٍ، فَإِنَّهُ لاَ يَمْلِكُهُ بِالْقَبْضِ، فَإِنْ بَاعَ بِالْمَيْتَةِ، أَوْ بِالدَّمِ فَكَذَلِكَ أَيْضًا. وَلاَ يَجُوزُ عِتْقُهُ لَهُ وَإِنْ قَبَضَهُ بِإِذْنِ بَائِعِهِ فَإِنْ بَاعَهُ بِثَمَنٍ لَمْ يُسَمِّيَاهُ، أَوْ بَاعَهُ بِخَمْرٍ، أَوْ خِنْزِيرٍ فَقَبَضَهُ بِإِذْنِ بَائِعِهِ فَأَعْتَقَهُ: جَازَ عِتْقُهُ لَهُ.
قَالَ عَلِيٌّ: مَا فِي الْجُنُونِ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا الْكَلاَمِ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الضَّلاَلِ. فَإِنْ قَالَ: إنَّ

ولا يحل بيع النرد
1532 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ بَيْعُ النَّرْدِ، لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ مَيْسَرَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ لَعِبَ بِالنَّرْدِ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ" فَهِيَ مُحَرَّمَةٌ فَمِلْكُهَا حَرَامٌ، وَبَيْعُهَا حَرَامٌ. وَقَدْ رُوِّينَا، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا أَخَذَ أَحَدًا مِنْ أَهْلِهِ يَلْعَبُ بِالنَّرْدِ ضَرَبَهُ وَكَسَرَهَا.
وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ أُمِّهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ: أَنَّهَا بَلَغَهَا أَنَّ أَهْلَ بَيْتٍ فِي دَارِهَا كَانُوا سُكَّانًا فِيهَا أَنَّ عِنْدَهُمْ نَرْدًا فَأَرْسَلَتْ إلَيْهِمْ لَئِنْ لَمْ تُخْرِجُوهَا لاَُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ دَارِي وَأَنْكَرَتْ عَلَيْهِمْ.

ولا يحل أن يبيع اثنان سلعتين متميزيتن
1533 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يَبِيعَ اثْنَانِ سِلْعَتَيْنِ مُتَمَيِّزَتَيْنِ لَهُمَا لَيْسَا فِيهِمَا شَرِيكَيْنِ مِنْ إنْسَانٍ وَاحِدٍ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ، لأََنَّ هَذَا بَيْعٌ بِالْقِيمَةِ، وَلاَ يَدْرِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَا يَقَعُ لِسِلْعَتِهِ حِينَ الْعَقْدِ فَهُوَ بَيْعُ غَرَرٍ، وَأَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ. وَأَمَّا بَيْعُ الشَّرِيكَيْنِ، أَوْ الشُّرَكَاءِ مِنْ وَاحِدٍ، أَوْ مِنْ أَكْثَرَ أَوْ ابْتِيَاعُ اثْنَيْنِ فَصَاعِدًا، مِنْ وَاحِدٍ، أَوْ مِنْ شَرِيكَيْنِ: فَحَلاَلٌ، لأََنَّ حِصَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا مَعْلُومَةُ الثَّمَنِ، مَحْدُودَتُهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ومن كان في بلد تجرى فيه سكك كثيرة شتى فلا يحل البيع
1534 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كَانَ فِي بَلَدٍ تَجْرِي فِيهِ سِكَكٌ كَثِيرَةٌ شَتَّى، فَلاَ يَحِلُّ الْبَيْعُ إِلاَّ بِبَيَانٍ مِنْ أَيِّ سِكَّةٍ يَكُونُ الثَّمَنُ، وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنَا ذَلِكَ: فَهُوَ بَيْعٌ مَفْسُوخٌ، مَرْدُودٌ، لأََنَّهُ وَقَعَ، عَنْ غَيْرِ تَرَاضٍ بِالثَّمَنِ، وَهُوَ أَيْضًا بَيْعُ غَرَرٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ولا يحل بيع كتابة المكاتب
1535 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ بَيْعُ كِتَابَةِ الْمُكَاتَبِ، وَلاَ خِدْمَةُ الْمُدَبَّرِ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَبِي حَنِيفَةَ. وَأَجَازَ مَالِكٌ كِلاَ الأَمْرَيْنِ: أَمَّا الْمُدَبَّرُ فَمِنْ نَفْسِهِ فَقَطْ، وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَمِنْ نَفْسِهِ وَمِنْ غَيْرِهِ، وَأَجَازَ بَيْعَهُمَا جُمْلَةً: الزُّهْرِيُّ، وَابْنُ الْمُسَيِّبِ.
وَرُوِّينَا مِثْلَ قَوْلِ مَالِكٍ، عَنْ عَطَاءٍ، وَابْنِ سِيرِينَ، لأََنَّ كِتَابَةَ الْمُكَاتَبِ إنَّمَا تَجِبُ بِالنُّجُومِ، وَلاَ تَجِبُ قَبْلَ ذَلِكَ، فَمَنْ بَاعَهَا فَقَدْ بَاعَ مَا لاَ يَمْلِكُ بَعْدُ، وَلاَ يَدْرِي أَيَجِبُ لَهُ أَمْ لاَ وَأَيْضًا: فَلَيْسَتْ عَيْنًا مُعَيَّنَةً، فَلاَ يَدْرِي الْبَائِعُ أَيَّ شَيْءٍ بَاعَ مِنْ نَوْعِ مَا بَاعَ، وَلاَ يَدْرِي الْمُشْتَرِي مَا اشْتَرَى فَهُوَ بَيْعُ غَرَرٍ، وَمَجْهُولُ الْعَيْنِ، وَأَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ. فإن قيل: فَقَدْ رُوِيَ، عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ أَجَازَ بَيْعَهَا قلنا: وَكَمْ قِصَّةٍ رُوِيَتْ، عَنْ جَابِرٍ خَالَفْتُمُوهَا: مِنْهَا: قَوْلُهُ الَّذِي قَدْ أَوْرَدْنَا أَنْ لاَ يُبَاعَ شَيْءٌ اُشْتُرِيَ كَائِنًا مَا كَانَ إِلاَّ حَتَّى يُقْبَضَ وَقَوْلُهُ: الْعُمْرَةُ فَرِيضَةٌ، وَقَوْلُهُ: لاَ يُحْرِمُ أَحَدٌ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ بِالْحَجِّ وَقَوْلُهُ: لاَ يَجُوزُ ثَمَنُ الْهِرِّ. وَغَيْرُ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِمَّا لاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، فِي ذَلِكَ، فَالآنَ صَارَ حُجَّةً وَهُنَالِكَ لاَ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ، وَلاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَوْلُنَا هُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ.

ولا يجوز بيع السمن المائع يقع فيه الفأر حيا أو ميتا
1536 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ السَّمْنِ الْمَائِعِ يَقَعُ فِيهِ الْفَأْرُ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا لأََمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِهَرْقِهِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي " كِتَابِ الطَّهَارَةِ " مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا وَفِي " كِتَابِ مَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَمَا يَحْرُمُ " فَأَغْنَى، عَنْ إعَادَتِهِ. فَإِنْ كَانَ جَامِدًا أَوْ وَقَعَ فِيهِ مَيْتَةٌ غَيْرُ الْفَأْرِ أَوْ نَجَاسَةٌ فَلَمْ تُغَيِّرْ لَوْنَهُ، وَلاَ طَعْمَهُ، وَلاَ رِيحَهُ، أَوْ وَقَعَ الْفَأْرُ الْمَيِّتُ أَوْ الْحَيُّ، أَوْ أَيُّ نَجَاسَةٍ، أَوْ أَيُّ مَيْتَةٍ كَانَتْ فِي مَائِعٍ غَيْرِ السَّمْنِ، فَلَمْ تُغَيِّرْ طَعْمًا، وَلاَ لَوْنًا، وَلاَ رِيحًا فَبَيْعُهُ حَلاَلٌ، وَأَكْلُهُ حَلاَلٌ، لأََنَّهُ لَمْ يَمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ نَصٌّ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} وَقَالَ تَعَالَى: {وماكَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِنَا، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ فِي الْكُتُبِ الْمَذْكُورَةِ، فَإِنْ تَغَيَّرَ طَعْمُهُ أَوْ لَوْنُهُ أَوْ رِيحُهُ: جَازَ بَيْعُهُ أَيْضًا، كَمَا يُبَاعُ الثَّوْبُ النَّجِسُ. وَقَد قلنا: إنَّ الطَّاهِرَ لاَ يُنَجَّسُ بِمُلاَقَاتِهِ النَّجِسَ وَلَوْ أَمْكَنَنَا أَنْ نَفْصِلَهُ مِنْ الْحَرَامِ لَحَلَّ أَكْلُهُ، وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ الأَنْتِفَاعِ بِهِ فِي غَيْرِ الأَكْلِ نَصٌّ فَهُوَ مُبَاحٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، يَعْنِي مَا تَغَيَّرَ لَوْنُهُ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ مِنْ الْمَائِعَاتِ الَّتِي حَلَّتْهَا النَّجَاسَاتُ، لأََنَّهُ إنَّمَا يُبَاعُ الشَّيْءُ الَّذِي حَلَّتْهُ النَّجَاسَةُ لاَ النَّجَاسَةُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ولا يحل بيع الصور الا للعب الصبايا فقط
1537 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ بَيْعُ الصُّوَرِ إِلاَّ لِلَعِبِ الصَّبَايَا فَقَطْ، فَإِنَّ اتِّخَاذَهَا لَهُنَّ حَلاَلٌ حَسَنٌ وَمَا جَازَ مِلْكُهُ جَازَ بَيْعُهُ إِلاَّ أَنْ يَخُصَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ نَصٌّ فَيُوقَفُ عِنْدَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} . وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} .وَكَذَلِكَ لاَ يَحِلُّ اتِّخَاذُ الصُّوَرِ إِلاَّ مَا كَانَ رَقْمًا فِي ثَوْبٍ لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لاَ تَدْخُلُ الْمَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ، وَلاَ صُورَةٌ" .وَمِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِي النَّضْرِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَبِي طَلْحَةَ يَعُودُهُ قَالَ: فَوَجَدَ عِنْدَهُ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ فَأَمَرَ أَبُو طَلْحَةَ بِنَزْعِ نَمَطٍ كَانَ تَحْتَهُ فَقَالَ لَهُ سَهْلٌ: لِمَ نَزَعْتَهُ؟ قَالَ: لأََنَّ فِيهِ

ولا يحل البيع مذ تزول الشمس من يوم الجمعة
1538 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ الْبَيْعُ مُذْ تَزُولُ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ إلَى مِقْدَارِ تَمَامِ الْخُطْبَتَيْنِ وَالصَّلاَةِ، لاَ لِمُؤْمِنٍ، وَلاَ لِكَافِرٍ، وَلاَ لأَمْرَأَةٍ، وَلاَ لِمَرِيضٍ، وَأَمَّا مَنْ شَهِدَ الْجُمُعَةَ فَإِلَى أَنْ تَتِمَّ صَلاَتُهُمْ لِلْجُمُعَةِ، وَكُلُّ بَيْعٍ وَقَعَ فِي الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ فَهُوَ مَفْسُوخٌ وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَأَجَازَ الْبَيْعَ فِي الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ: الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَمَّا النِّكَاحُ، وَالسَّلَمُ وَالإِجَارَةُ، وَسَائِرُ الْعُقُودِ فَجَائِزَةٌ كُلُّهَا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ لِكُلِّ أَحَدٍ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ وَلَمْ يُجِزْهَا مَالِكٌ.
برهان صِحَّةِ قَوْلِنَا: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاَةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} فَهُمَا أَمْرَانِ مُفْتَرَضَانِ السَّعْيُ إلَى ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَتَرْكُ الْبَيْعِ فَإِذَا سَقَطَ أَحَدُهُمَا بِنَصٍّ وَرَدَ فِيهِ كَالْمَرِيضِ، وَالْخَائِفِ وَالْمَرْأَةِ، وَالْمَعْذُورِ، لَمْ يَسْقُطْ الآخَرُ، إذْ لَمْ يُوجِبْ سُقُوطَهُ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ وَجَبَ إلْزَامُ الْكُفَّارِ كَذَلِكَ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَنْ اُحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} وَأَمَّا إدْخَالُ مَالِكٍ النِّكَاحَ، وَالإِجَارَةَ فِي ذَلِكَ، فَخَطَأٌ ظَاهِرٌ، لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى إنَّمَا نَهَى، عَنِ الْبَيْعِ، وَلَوْ أَرَادَ النَّهْيَ عَنِ النِّكَاحِ، وَالإِجَارَةِ لَمَا عَجَزَ، عَنْ ذَلِكَ، وَلاَ كَتَمْنَا

مَا أَلْزَمَنَا وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا وَتَعَدِّي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى لاَ يَحِلُّ. وَلَوْ كَانَ الْقِيَاسُ حَقًّا لَكَانَ هَذَا مِنْهُ بَاطِلاً، لأََنَّ الْقِيَاسَ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ إنَّمَا هُوَ أَنْ يُقَاسَ الشَّيْءُ عَلَى نَظِيرِهِ، وَلَيْسَ الْبَيْعُ نَظِيرَ النِّكَاحِ، لأََنَّهُ يَجُوزُ بِلاَ ذِكْرِ مَهْرٍ. وَلاَ يَجُوزُ الْبَيْعُ بِغَيْرِ ذِكْرِ ثَمَنٍ، وَالْمُتَنَاكِحَانِ لاَ يَمْلِكُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، وَلاَ فِي النِّكَاحِ نَقْلُ مِلْكٍ، وَالْبَيْعُ نَقْلُ مِلْكٍ وَأَمَّا الإِجَارَةُ فَإِنَّمَا هِيَ مُعَاوَضَةٌ فِي مَنَافِعَ لَمْ يَخْلُقْهَا اللَّهُ تَعَالَى بَعْدُ، وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ مَا لَمْ يُخْلَقْ بَعْدُ، وَيَجُوزُ أَنْ يُؤَاجِرَ الْحُرُّ نَفْسَهُ، وَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ نَفْسَهُ، فَلاَ شَبَهَ بَيْنَ الإِجَارَةِ وَالنِّكَاحِ وَبَيْنَ الْبَيْعِ. فَإِنْ عَلَّلَ النَّهْيَ، عَنِ الْبَيْعِ بِمَا يُشَاغِلُ، عَنِ السَّعْيِ: صَارَ إلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَلَزِمَهُ أَنْ يُجِيزَ مِنْ الْبَيْعِ مَا لاَ تَشَاغَلَ مِنْهُ، عَنِ السَّعْيِ، وَلاَ قِيَاسَ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ إِلاَّ عَلَى عِلَّةٍ، فَإِنْ لَمْ يُعَلِّلْ بَطَلَ الْقِيَاسُ وَمَا نَعْلَمُ لَهُ سَلَفًا فِي هَذَا الْقَوْلِ وَأَمَّا إجَازَةُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ: "الْبَيْعَ فِي الْوَقْتِ الْمَذْكُورِ فَخِلاَفٌ لأََمْرِ اللَّهِ تَعَالَى"، وَلاَ نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً أَصْلاً أَكْثَرَ مِنْ أَنْ قَالُوا: "إنَّمَا نَهَى، عَنِ التَّشَاغُلِ، عَنِ السَّعْيِ إلَى الصَّلاَةِ فَقَطْ، وَلَوْ أَنَّ امْرَأً بَاعَ فِي الصَّلاَةِ لَصَحَّ الْبَيْعُ".
قال أبو محمد: "وَهَذَانِ فَاسِدَانِ مِنْ الْقَوْلِ جِدًّا أَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّمَا أَرَادَ اللَّهُ بِذَلِكَ التَّشَاغُلَ، عَنِ السَّعْيِ فَقَطْ، فَعَظِيمٌ مِنْ الْقَوْلِ جِدًّا، لَيْتَ شِعْرِي مَنْ أَخْبَرَهُمْ بِذَلِكَ وَهُمْ يَسْمَعُونَ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ}. وَلَوْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرَادَ مَا قَالُوا لَمَا نَهَانَا"، عَنِ الْبَيْعِ مُطْلَقًا، وَلاَ عَجَزَ، عَنْ بَيَانِ مُرَادِهِ مِنْ ذَلِكَ، وَمَا هَهُنَا ضَرُورَةٌ تُوجِبُ فَهْمَ هَذَا، وَلاَ نَصٌّ، فَهُوَ بَاطِلٌ مَحْضٌ، وَدَعْوَى كَاذِبَةٌ بِلاَ برهان.وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: لَوْ بَاعَ فِي الصَّلاَةِ لَجَازَ الْبَيْعُ: فَتَمْوِيهٌ بَارِدٌ، لأََنَّ الْمُصَلِّيَ بِأَوَّلِ أَخْذِهِ فِي الْكَلاَمِ فِي الْمُسَاوَمَةِ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ فَصَارَ غَيْرَ مُصَلٍّ فَظَهَرَ فَسَادُ احْتِجَاجِهِمْ جُمْلَة فَإِنْ قَالُوا: "هَذَا نَدْبٌ قلنا: مَا دَلِيلُكُمْ عَلَى ذَلِكَ"، وَكَيْفَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى افْعَلْ، فَيَقُولُونَ: "مَعْنَاهُ لاَ تَفْعَلْ إنْ شِئْت أَمْ كَيْفَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لاَ تَفْعَلْ"، فَيَقُولُونَ: "مَعْنَاهُ: افْعَلْ إنْ شِئْت وَهَذَا إبْطَالُ الْحَقَائِقِ، وَنَفْسُ الْمَعْصِيَةِ، وَتَحْرِيفٌ لِلْكَلِمِ،عَنْ مَوَاضِعِهِ" فَإِنْ قَالُوا: "قَدْ وَجَدْنَا أَوَامِرَ وَنَوَاهِيَ مَعْنَاهَا": النَّدْبُ قلنا: نَعَمْ بِنَصٍّ آخَرَ بَيَّنَ ذَلِكَ وَكَذَلِكَ وَجَدْنَا آيَاتٍ مَنْسُوخَاتٍ بِنَصٍّ آخَرَ وَلَمْ يَجِبْ بِذَلِكَ حَمْلُ آيَةٍ عَلَى أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ، وَلاَ عَلَى أَنَّهَا نَدْبٌ، وَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَبْطَلَ مَا شَاءَ بِلاَ دَلِيلٍ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ الْقَاضِي حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ هُوَ الْمُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُد، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ مُعَاذٍ، حَدَّثَنَا سِمَاكٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لاَ يَصْلُحُ الْبَيْعُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حِينَ يُنَادَى لِلصَّلاَةِ، فَإِذَا قُضِيَتْ فَاشْتَرِ وَبِعْ، وَلاَ نَعْلَمُ لَهُ مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ. وَعَنْ

حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ أَبِي هِشَامٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ فَسَخَ بَيْعًا وَقَعَ بَيْنَ نِسَاءٍ وَبَيْنَ عَطَّارٍ بَعْدَ النِّدَاءِ لِلْجُمُعَةِ.

ومن لم يبق عليه من وقت الصلاة الا مقدار الدخول في الصلاة
1539- مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ مِنْ وَقْتِ الصَّلاَةِ إِلاَّ مِقْدَارَ الدُّخُولِ فِي الصَّلاَةِ بِالتَّكْبِيرِ وَهُوَ لَمْ يُصَلِّ بَعْدُ، وَهُوَ ذَاكِرٌ لِلصَّلاَةِ، عَارِفٌ بِمَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنْ الْوَقْتِ، فَكُلُّ شَيْءٍ فَعَلَهُ حِينَئِذٍ مِنْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ: بَاطِلٌ مَفْسُوخٌ أَبَدًا، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ عَمِلَ عَمَلاً لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ" وَهُوَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ الْبَيْعُ وَغَيْرُهُ، مَأْمُورٌ بِالدُّخُولِ فِي الصَّلاَةِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ عَارِفًا بِذَلِكَ: جَازَ كُلُّ مَا عَمِلَ فِيهِ، لأََنَّ وَقْتَ الصَّلاَةِ لِلنَّاسِي مُمْتَدٌّ أَبَدًا.وَأَمَّا مَنْ سَهَا فَسَلَّمَ قَبْلَ تَمَامِ صَلاَتِهِ فَمَا أَنْفَذَ مِنْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ فَمَرْدُودٌ كُلُّهُ، لأََنَّهُ قَدْ عَرَفَ النَّهْيَ، عَنْ ذَلِكَ مَا دَامَ فِي صَلاَتِهِ، وَهُوَ فِي صَلاَتِهِ، لَكِنْ عُفِيَ لَهُ، عَنِ النِّسْيَانِ، فَهُوَ إنَّمَا ظَنَّ أَنَّهُ بَاعَ وَلَمْ يَبِعْ لأََنَّهُ غَيَّرَ الْبَيْعَ الَّذِي أَحَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ، فَإِذًا هُوَ غَيْرُ جَائِزٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ولا يحل أن يجبر أحدا على أن يبيع مع شريكه لا ما ينقسم ولا مالا ينقسم
1540 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُجْبَرَ أَحَدٌ عَلَى أَنْ يَبِيعَ مَعَ شَرِيكِهِ لاَ مَا يَنْقَسِمُ، وَلاَ مَا لاَ يَنْقَسِمُ، وَلاَ عَلَى أَنْ يُقَاوِمَهُ فَيَبِيعَ أَحَدُهُمَا مِنْ الآخَرِ، لَكِنْ مَا شَاءَ مِنْ الشَّرِيكَيْنِ أَوْ الشُّرَكَاءِ أَنْ يَبِيعَ حِصَّتَهُ: فَلَهُ ذَلِكَ، وَمَنْ أَبَى لَمْ يُجْبَرْ، فَإِنْ أَجْبَرَهُ عَلَى ذَلِكَ حَاكِمٌ أَوْ غَيْرُهُ: فُسِخَ حُكْمُهُ أَبَدًا وَحُكِمَ فِيهِ بِحُكْمِ الْغَصْبِ.
برهان ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً، عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} . وَمَنْ أُجْبِرَ عَلَى بَيْعِ حَقِّهِ فَلَمْ يَرْضَ فَلاَ يَجُوزُ عَلَيْهِ، لأََنَّهُ خِلاَفُ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى، فَهُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ حَيْثُ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْبَيْعِ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ كَالشُّفْعَةِ، وَعَلَى الْغَائِبِ، وَعَلَى الصَّغِيرِ، وَعَلَى الظَّالِمِ وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِإِجْبَارِ الشَّرِيكِ عَلَى الْبَيْعِ مَعَ شَرِيكِهِ بِخَبَرٍ رُوِيَ فِيهِ "لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ" وَهَذَا خَبَرٌ لَمْ يَصِحَّ قَطُّ، إنَّمَا جَاءَ مُرْسَلاً، أَوْ مِنْ طَرِيقٍ فِيهَا إِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى وَهُوَ مَجْهُولٌ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً عَلَيْهِمْ، لأََنَّ أَعْظَمَ الضِّرَارِ وَالضَّرَرِ هُوَ الَّذِي فَعَلُوهُ مِنْ إجْبَارِهِمْ إنْسَانًا عَلَى بَيْعِ مَالِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ، وَبِغَيْرِ أَنْ يُوجِبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَمَا أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ أَنْ يُرَاعَى رِضَا أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ بِإِسْخَاطِ شَرِيكِهِ فِي مَالِهِ نَفْسِهِ، وَهَذَا هُوَ الْجَوْرُ وَالظُّلْمُ الصُّرَاحُ. وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُجَابَ أَحَدُ الشَّرِيكَيْنِ إلَى قَوْلِهِ: لاَ بُدَّ أَنْ يَبِيعَ شَرِيكِي مَعِي لأََسْتَجْزِلَ الثَّمَنَ فِي حِصَّتِي، وَبَيْنَ أَنْ يُجَابَ الآخَرُ إلَى قَوْلِهِ: لاَ بُدَّ أَنْ يُمْنَعَ شَرِيكِي مَعَ بَيْعِ حِصَّتِهِ، لأََنَّ فِي ذَلِكَ ضَرَرًا عَلَيَّ فِي حِصَّتِي، وَكِلاَ الأَمْرَيْنِ عُدْوَانٌ وَظُلْمٌ، لَكِنَّ الْحَقَّ أَنَّ كِلَيْهِمَا مُمَكَّنٌ مِنْ حِصَّتِهِ، مَنْ شَاءَ بَاعَ حِصَّتَهُ وَمَنْ شَاءَ أَمْسَكَ حِصَّتَهُ. وَقَدْ مَوَّهُوا فِي ذَلِكَ بِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنِ ابْنِ

ولا يجوز بيع ما غنمه المسلم من دار الحرب
1541 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ مَا غَنِمَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ لأََهْلِ الذِّمَّةِ لاَ مِنْ رَقِيقٍ وَلاَ مِنْ غَيْرِهِ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي " كِتَابِ الْجِهَادِ ".وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ، عَنْ أُمِّ مُوسَى قَالَتْ: أَتَى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِآنِيَةٍ مُخَوَّصَةٍ بِالذَّهَبِ مِنْ آنِيَةِ الْعَجَمِ فَأَرَادَ أَنْ يَكْسِرَهَا وَيُقَسِّمَهَا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَقَالَ نَاسٌ مِنْ الدَّهَاقِينَ: إنْ كَسَرْت هَذِهِ كَسَرْت ثَمَنَهَا، وَنَحْنُ نُغْلِي لَك بِهَا فَقَالَ عَلِيٌّ: لَمْ أَكُنْ لأََرُدَّ لَكُمْ مِلْكًا نَزَعَهُ اللَّهُ مِنْكُمْ، فَكَسَرَهَا وَقَسَّمَهَا بَيْنَ النَّاسِ.
قال أبو محمد: هَذَا مِنْ الصَّغَارِ، وَكُلُّ صَغَارٍ فَوَاجِبٌ حَمْلُهُ عَلَيْهِمْ وَأَمَّا الرَّقِيقُ: فَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنَّ الدُّعَاءَ إلَى الإِسْلاَمِ وَاجِبٌ بِكُلِّ حَالٍ، وَمِنْ الأَسْبَابِ الْمُعِينَةِ عَلَى الإِسْلاَمِ كَوْنُ الْكَافِرِ وَالْكَافِرَةِ فِي مِلْكِ الْمُسْلِمِ، وَمِنْ الأَسْبَابِ الْمُبْعِدَةِ، عَنِ الإِسْلاَمِ كَوْنُهُمَا عِنْدَ كَافِرٍ يُقَوِّي بَصَائِرَهُمَا فِي الْكُفْرِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ولا يحل بيع ممن يوقن أنه يعصى الله
1542- مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ بَيْعُ شَيْءٍ مِمَّنْ يُوقَنُ أَنَّهُ يَعْصِي اللَّهَ بِهِ أَوْ فِيهِ، وَهُوَ مَفْسُوخٌ أَبَدًا. كَبَيْعِ كُلِّ شَيْءٍ يُنْبَذُ أَوْ يُعْصَرُ مِمَّنْ يُوقَنُ بِهَا أَنَّهُ يَعْمَلُهُ خَمْرًا. وَكَبَيْعِ الدَّرَاهِمِ الرَّدِيئَةِ مِمَّنْ يُوقَنُ أَنَّهُ يُدَلِّسُ بِهَا. وَكَبَيْعِ الْغِلْمَانِ مِمَّنْ يُوقَنُ أَنَّهُ يَفْسُقُ بِهِمْ أَوْ يُخْصِيهِمْ. وَكَبَيْعِ الْمَمْلُوكِ

ومن باع شيئا جزافا يعلم كيله أو وزنه
1543 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ بَاعَ شَيْئًا جُزَافًا كَيْلُهُ أَوْ وَزْنُهُ أَوْ زَرْعُهُ أَوْ عَدَدُهُ، وَلَمْ يَعْرِفْ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ لاَ كَرَاهِيَةَ فِيهِ، لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ، عَنْ هَذَا الْبَيْعِ نَهْيٌ فِي نَصٍّ أَصْلاً، وَلاَ فِيهِ غِشٌّ، وَلاَ خَدِيعَةٌ وَمَنَعَ مِنْهُ: طَاوُوس، وَمَالِكٌ وَأَجَازَهُ: أَبُو حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ.
قَالَ عَلِيٌّ: "وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَعْلَمَ كَيْلَهُ أَوْ وَزْنَهُ، أَوْ زَرْعَهُ أَوْ عَدَدَهُ، وَلاَ يَعْلَمُهُ الْمُشْتَرِي وَبَيْنَ أَنْ يَعْلَمَ مَنْ نَسَجَ الثَّوْبَ، وَلِمَنْ كَانَ، وَمَتَى نُسِجَ، وَأَيْنَ أُصِيبَ هَذَا الْبُرُّ، وَهَذَا التَّمْرُ وَلاَ يَعْلَمُ الْمُشْتَرِي شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، وَالْمُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا مُخْطِئٌ وَقَائِلٌ بِلاَ دَلِيلٍ". وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، قَالَ: قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ: إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ "لاَ يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَبِيعَ طَعَامًا جُزَافًا قَدْ عَلِمَ كَيْلَهُ حَتَّى يَعْلَمَ صَاحِبُهُ وَهَذَا مُنْقَطِعٌ فَاحِشُ الأَنْقِطَاعِ" . ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً عَلَى الْمَالِكِيِّينَ، وَلَيْسَ فِي هَذَا الْمُرْسَلِ إِلاَّ الطَّعَامُ فَقَطْ. فَإِنْ قَالُوا: "قِسْنَا عَلَى الطَّعَامِ غَيْرَ الطَّعَامِ قلنا: فَهَلاَّ قِسْتُمْ عَلَى الطَّعَامِ غَيْرَ الطَّعَامِ فِي الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِهِ حَتَّى يُقْبَضَ فَإِنْ قَالُوا: لَمْ يَأْتِ النَّصُّ إِلاَّ فِي الطَّعَامِ.قلنا: وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ إِلاَّ الطَّعَامُ فأما اتَّبِعُوا النَّصَّيْنِ مَعًا دُونَ الْقِيَاسِ، وَأَمَّا قِيسُوا عَلَيْهِمَا جَمِيعًا، وَمَا عَدَا هَذَا فَبَاطِلٌ مُتَيَقَّنٌ، فَكَيْفَ وَالنَّصُّ قَدْ جَاءَ بِالنَّهْيِ، عَنِ الْبَيْعِ فِي كُلِّ مَا اُبْتِيعَ قَبْلَ أَنْ يُقْبَضَ فَخَالَفُوهُ" وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وبيع الحيتان
1544 - مَسْأَلَةٌ: وَبَيْعُ الْحِيتَانِ - الْكِبَارِ أَوْ الصِّغَارِ - أَوْ الأُُتْرُجِّ - الْكِبَارِ أَوْ الصِّغَارِ - أَوْ الدُّلَّاعِ، أَوْ الثِّيَابِ، أَوْ الْخَشَبِ، أَوْ الْحَيَوَانِ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ جُزَافًا: حَلَالٌ لَا كَرَاهِيَةَ فِيهِ، وَمَنَعَ مَالِكٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الْكِبَارِ مِنْ الْحِيتَانِ، وَالْخَشَبِ، وَأَجَازَهُ فِي الصِّغَارِ - وَهَذَا بَاطِلٌ لِوُجُوهٍ -:
أَوَّلُهَا أَنَّهُ خِلَافُ الْقُرْآنِ فِي قَوْلِ اللَّهِ - تَعَالَى -: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} . وَقَالَ - تَعَالَى -: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} فَهَذَا بَيْعٌ حَلَالٌ وَلَمْ يَأْتِ تَفْصِيلٌ بِتَحْرِيمِهِ. وَالثَّانِي أَنَّهُ فَاسِدٌ، إذْ لَمْ يَجِدْ الْكَبِيرَ الَّذِي مُنِعَ بِهِ مِنْ بَيْعِ الْجُزَافِ مِنْ الصَّغِيرِ الَّذِي أَبَاحَهُ بِهِ - وَهَذَا رَدِيءٌ جِدًّا، لِأَنَّهُ حَرَّمَ وَحَلَّلَ، ثُمَّ لَمْ يُبَيِّنْ مَا الْحَرَامُ فَيَجْتَنِبُهُ مَنْ يَبِيعُهُ، وَمَا الْحَلَالُ فَيَأْتِيهِ. وَالثَّالِثُ أَنَّهُ

وبيع البان النساء جائز
1545 - مَسْأَلَةٌ: وَبَيْعُ أَلْبَانِ النِّسَاءِ جَائِزٌ.وَكَذَلِكَ الشُّعُورُ، وَبَيْعُ الْعَذِرَةِ وَالزِّبْلِ لِلتَّزْبِيلِ، وَبَيْعُ الْبَوْلِ لِلصَّبَّاغِ : جَائِزٌ وَقَدْ مَنَعَ قَوْمٌ مِنْ بَيْعِ كُلِّ هَذَا.
قال أبو محمد: "لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَحْلُبَ لَبَنَهَا فِي إنَاءٍ وَتُعْطِيَهُ لِمَنْ يَسْقِيهِ صَبِيًّا، وَهَذَا تَمْلِيكٌ مِنْهَا لَهُ، وَكُلُّ مَا صَحَّ مِلْكُهُ وَانْتِقَالُ الإِمْلاَكِ فِيهِ حَلَّ بَيْعُهُ"، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى :{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} إِلاَّ مَا جَاءَ فِيهِ نَصٌّ بِخِلاَفِ هَذَا وَأَمَّا الشُّعُورُ، وَالْعَذِرَةُ، وَالْبَوْلُ: فَكُلُّ ذَلِكَ يُطْرَحُ، وَلاَ يُمْنَعُ مِنْهُ أَحَدٌ: هَذَا عَمَلُ جَمِيعِ أَهْلِ الأَرْضِ، فَإِذَا تُمُلِّكَ لأََحَدٍ جَازَ بَيْعُهُ كَمَا ذَكَرْنَا.رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ الْعَرْزَمِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ: لاَ بَأْسَ بِأَنْ يَسْتَمْتِعَ بِشُعُورِ النَّاسِ، كَانَ النَّاسُ يَفْعَلُونَهُ.

وبيع النحل ودود الحرير والضب
1546 - مَسْأَلَةٌ: وَبَيْعُ النَّحْلِ، وَدُودِ الْحَرِيرِ، وَالضَّبِّ، وَالضَّبُعِ: جَائِزٌ حَسَنٌ: أَمَّا الضَّبُّ وَالضَّبُعُ: فَحَلاَلٌ أَكْلُهُمَا كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ وَصَيْدٌ مِنْ الصَّيُودِ، وَمَا جَازَ تَمَلُّكُهُ جَازَ بَيْعُهُ كَمَا قَدَّمْنَا. وَأَمَّا النَّحْلُ، وَدُودُ الْحَرِيرِ: فَلَهُمَا مَنْفَعَةٌ ظَاهِرَةٌ، وَهُمَا مَمْلُوكَانِ: فَبَيْعُهُمَا جَائِزٌ. وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ وَمَا نَعْلَمُ لَهُ حُجَّةً أَصْلاً، وَلاَ أَحَدًا سَبَقَهُ إلَى الْمَنْعِ مِنْ بَيْعِ النَّحْلِ، وَدُودِ الْقَزِّ وَأَمَّا مَا عَسَّلَتْ النَّحْلُ فِي غَيْرِ خَلاَيَا مَالِكِهَا: فَهُوَ لِمَنْ سَبَقَ إلَيْهِ، لأََنَّهُ لَيْسَ بَعْضَهَا، وَلاَ مُتَوَلِّدًا مِنْهَا كَالْبَيْضِ، وَالْوَلَدِ، وَاللَّبَنِ، وَالصُّوفِ، لَكِنَّهُ كَسْبٌ لَهَا، كَصَيْدِ الْجَارِحِ، وَهُمَا غَيْرُ النَّحْلِ وَالْجَارِحِ: فَهُوَ لِمَنْ سَبَقَ إلَيْهِ وَأَمَّا مَا وَضَعَتْ فِي خَلاَيَا صَاحِبِهَا فَلَهُ، لأََنَّهُ لِذَلِكَ وَضَعَ الْخَلاَيَا، فَمَا صَارَ فِيهَا فَهُوَ لَهُ وَكَذَلِكَ مَنْ وَضَعَ حِبَالَةً لِلصَّيْدِ، أَوْ قُلَّةً لِلْمَاءِ، أَوْ حَظِيرًا لِلسَّمَكِ فَكُلُّ مَا وَقَعَ فِي ذَلِكَ فَهُوَ لَهُ، لأََنَّهُ قَدْ تَمَلَّكَهُ بِوَضْعِ مَا ذَكَرْنَا لَهُ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وابتياع الحرير جائز
1547 - مَسْأَلَةٌ: وَابْتِيَاعُ الْحَرِيرِ جَائِزٌ، وَقَالَ بِالْمَنْعِ مِنْهُ بَعْضُ السَّلَفِ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى أَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ طَاوُوس أَنَّهُ كَرِهَ التِّجَارَةَ فِي الشَّابِرِيِّ الرَّقِيقِ، وَالْحَرِيرِ وَلُبْسَهُ. جَاءَ فِي ذَلِكَ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ بُخْتٍ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: "أَنَّ

وابتياع ولد الزنا والزانية حلالا
1548 - مَسْأَلَةٌ: وَابْتِيَاعُ وَلَدِ الزِّنَى، وَالزَّانِيَةِ حَلاَلٌ .رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: "وَلَدُ الزِّنَى لاَ تَبِعْهُ، وَلاَ تَشْتَرِهِ، وَلاَ تَأْكُلْ ثَمَنَهُ".قَالَ عَلِيٌّ: "لاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَقَدْ أَمَرَ عليه الصلاة والسلام بِبَيْعِ الأَمَةِ الْمَحْدُودَةِ فِي الزِّنَى ثَلاَثَ مَرَّاتٍ إذَا زَنَتْ الرَّابِعَةَ".

وبيع جلود الميتات كلها حلال إذا دبغت
1549 - مَسْأَلَةٌ: وَبَيْعُ جُلُودِ الْمَيْتَاتِ كُلِّهَا حَلاَلٌ إذَا دُبِغَتْ، وَكَذَلِكَ جِلْدُ الْخِنْزِيرِ وَأَمَّا شَعْرُهُ وَعَظْمُهُ فَلاَ. وَلاَ يَحِلُّ عِظَامُ الْمَيْتَةِ أَصْلاً وَمَنَعَ مَالِكٌ مِنْ بَيْعِ جُلُودِهَا وَإِنْ دُبِغَتْ وَأَبَاحَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ. وَأَبَاحَ مَالِكٌ بَيْعَ صُوفِ الْمَيْتَةِ وَمَنَعَ مِنْهُ الشَّافِعِيُّ.
برهان صِحَّةِ قَوْلِنَا: قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "هَلَّا أَخَذُوا إهَابَهَا فَدَبَغُوهُ فَانْتَفَعُوا بِهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّهَا مَيْتَةٌ، قَالَ إنَّهَا حَرُمَ أَكْلُهَا" وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ فِي " كِتَابِ الطَّهَارَةِ " مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا فَأَغْنَى، عَنْ إعَادَتِهِ. فَأَمَرَ عليه السلام بِأَنْ يُنْتَفَعَ بِجُلُودِ الْمَيْتَةِ بَعْدَ الدِّبَاغِ، وَأَخْبَرَ أَنَّ أَكْلَهَا حَرَامٌ، وَالْبَيْعُ مَنْفَعَةٌ بِلاَ شَكٍّ، فَهُوَ دَاخِلٌ فِي التَّحْلِيلِ، وَخَارِجٌ، عَنِ التَّحْرِيمِ إذْ لَمْ يُفَصَّلْ تَحْرِيمُهُ، قَالَ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} أَمَّا الْخِنْزِيرُ: فَحَرَامٌ كُلُّهُ، حَاشَا طَهَارَةَ جِلْدِهِ بِالدِّبَاغِ فَقَطْ. وَمِنْ عَجَائِبِ احْتِجَاجِ الْمَالِكِيِّينَ هَهُنَا قَوْلُهُمْ: إنَّ الْجِلْدَ يَمُوتُ، وَكَذَلِكَ الرِّيشُ تُسْقِيهِ الْمَيْتَةُ، وَأَمَّا الصُّوفُ وَالشَّعْرُ فَلاَ يَمُوتُ فَلَوْ عُكِسَ قَوْلُهُمْ، فَقِيلَ لَهُمْ: بَلْ الْجُلُودُ لاَ تَمُوتُ وَكَذَلِكَ الرِّيشُ، وَأَمَّا الصُّوفُ وَالشَّعْرُ فَتُسْقِيهِ الْمَيْتَةُ بِأَيِّ شَيْءٍ كَانُوا يَنْفَصِلُونَ، وَهَلْ هِيَ إِلاَّ دَعْوَى كَدَعْوَى رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ لاَ بَأْسَ بِرِيشِ الْمَيْتَةِ، وَأَبَاحَ الأَنْتِفَاعَ بِعَظْمِ الْفِيلِ وَبَيْعَهُ: طَاوُوس، وَابْنُ سِيرِينَ، وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَمَنَعَ مِنْهُ الشَّافِعِيُّ، وَغَيْرُهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وبيع المكاتب قيل أن يودى شيئا من كتابته
1550 - مَسْأَلَةٌ: وَبَيْعُ الْمُكَاتَبِ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ شَيْئًا مِنْ كِتَابَتِهِ جَائِزٌ، وَتَبْطُلُ الْكِتَابَةُ بِذَلِكَ، فَإِنْ أَدَّى مِنْهَا شَيْئًا حَرُمَ بَيْعُ مَا قَابَلَ مِنْهُ مَا أَدَّى، وَجَازَ بَيْعُ مَا قَابَلَ مِنْهُ مَا لَمْ يُؤَدِّ، وَبَطَلَتْ الْكِتَابَةُ فِيمَا بِيعَ مِنْهُ، وَبَقِيَ مَا قَابَلَ مِنْهُ مَا أَدَّى حُرًّا مِثْلُ أَنْ يَكُونَ أَدَّى عُشْرَ كِتَابَتِهِ، فَإِنَّ عُشْرَهُ حُرٌّ وَيَجُوزُ بَيْعُ تِسْعَةِ أَعْشَارِهِ، وَهَكَذَا فِي كُلِّ جُزْءٍ كَثُرَ أَوْ قَلَّ وَهَذَا مَكَانٌ اخْتَلَفَ

وبيع المدبر والمدبرة حلال
1551 - مَسْأَلَةٌ: وَبَيْعُ الْمُدَبَّرِ، وَالْمُدَبَّرَةِ، حَلاَلٌ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ، وَلِغَيْرِ دَيْنٍ لاَ كَرَاهَةَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ. وَيَبْطُلُ التَّدْبِيرُ بِالْبَيْعِ، كَمَا تَبْطُلُ الْوَصِيَّةُ بِبَيْعِ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ، وَلاَ فَرْقَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ.وقال أحمد: "يُبَاعُ الْمُدَبَّرُ كَمَا قلنا، وَلاَ تُبَاعُ الْمُدَبَّرَةُ. وَهَذَا تَفْرِيقٌ لاَبرهان عَلَى صِحَّتِهِ"، وقال مالك: "لاَ يُبَاعُ الْمُدَبَّرُ، وَلاَ الْمُدَبَّرَةُ إِلاَّ فِي الدَّيْنِ فَقَطْ، فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ قَبْلَ التَّدْبِيرِ بِيعَا فِيهِ فِي حَيَاةِ سَيِّدِهِمَا، وَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ بَعْدَ التَّدْبِيرِ لَمْ يُبَاعَا فِيهِ فِي حَيَاةِ الْمُدَبِّر، وَبِيعَا فِيهِ بَعْدَ مَوْتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَحْمِلْ الثُّلُثَ الْمُدَبَّرُ، وَلاَ دَيْنَ هُنَالِكَ أُعْتِقَ مِنْهُ مَا يَحْمِلُ الثُّلُثَ وَرَقَّ" سَائِرُهُ. قَالَ: فَإِنْ بِيعَ فِي الْحَيَاةِ بِغَيْرِ دَيْنٍ فَأَعْتَقَهُ الَّذِي اشْتَرَاهُ نَفَذَ الْبَيْعُ وَجَازَ. وَهَذِهِ أَقْوَالٌ فِي غَايَةِ التَّنَاقُضِ، وَلَئِنْ كَانَ بَيْعُهُ حَرَامًا فَمَا يَحِلُّ بَيْعُهُ لاَ فِي دَيْنٍ، وَلاَ فِي غَيْرِهِ أُعْتِقَ أَوْ لَمْ يُعْتَقْ كَمَا لاَ تُبَاعُ أُمُّ الْوَلَدِ، وَلاَ يَنْفُذُ بَيْعُهَا وَإِنْ أُعْتِقَتْ وَلَئِنْ كَانَ بَيْعُهُ حَلاَلاً فَمَا يَحْرُمُ مَتَى شَاءَ سَيِّدُهُ بَيْعَهُ. وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ فِي هَذَا التَّقْسِيمِ حُجَّةً لاَ مِنْ نَصٍّ، وَلاَ مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلاَ قِيَاسٍ، وَلاَ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ.وقال أبو حنيفة: "لاَ يُبَاعُ الْمُدَبَّرُ لاَ فِي دَيْنٍ، وَلاَ فِي غَيْرِ دَيْنٍ لاَ فِي الْحَيَاةِ، وَلاَ بَعْدَ الْمَوْتِ" وَهُوَ مِنْ الثُّلُثِ، فَإِنْ لَمْ يَحْمِلْهُ الثُّلُثُ اسْتَسْعَى فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ وَقَالَ زُفَرُ: "هُوَ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ كَأُمِّ الْوَلَدِ، وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً أَصْلاً، وَلاَ مُتَعَلِّقَ لَهُمْ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} أَمَّا الْمَالِكِيُّونَ فَأَجَازُوا بَيْعَهُ فِي مَوَاضِعَ قَدْ ذَكَرْنَاهَا فَلَمْ يَفُوا بِالْعُقُودِ وَأَمَّا الْحَنَفِيُّونَ فَاسْتَسْعُوهُ فِي ثُلُثَيْ قِيمَتِهِ فَلَمْ يَفُوا بِالْعُقُودِ".
قال أبو محمد: "وَاحْتَجُّوا بِأَشْيَاءَ نَذْكُرُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا" خَبَرٌ رَوَاهُ عَبْدُ الْبَاقِي بْنُ قَانِعٍ عَنْ مُوسَى بْنِ زَكَرِيَّا، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ ثِقَةٌ، عَنْ عَمِّهِ عُبَيْدَةَ بْنِ حَسَّانَ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "الْمُدَبَّرُ لاَ يُبَاعُ وَلاَ يُشْتَرَى وَهُوَ حُرٌّ مِنْ الثُّلُثِ" وَهَذَا خَبَرٌ مَوْضُوعٌ، لأََنَّ عَبْدَ الْبَاقِي رَاوِي

كُلِّ بَلِيَّةٍ، وَقَدْ تُرِكَ حَدِيثُهُ، إذْ ظَهَرَ فِيهِ الْبَلاَءُ. ثُمَّ سَائِرُ مَنْ رَوَاهُ إلَى أَيُّوبَ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ، كُلُّهُمْ مَجْهُولُونَ، وَعَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ إنْ كَانَ هُوَ السِّنْجَارِيَّ فَهُوَ ضَعِيفٌ وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ فَهُوَ مَجْهُولٌ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ الْمَالِكِيُّونَ قَدْ خَالَفُوهُ. وَقَدْ أَجَازَ الْحَنَفِيُّونَ بَيْعَ الْمُدَبَّرِ فِي بَعْضِ الأَحْوَالِ، وَهُوَ أَنَّهُمْ قَالُوا فِي عَبْدٍ بَيْنَ اثْنَيْنِ دَبَّرَهُ أَحَدُهُمَا ثُمَّ أَعْتَقَ الآخَرُ نَصِيبَهُ: فَإِنَّ عَلَى الَّذِي دَبَّرَ نَصِيبَهُ أَنْ يَضْمَنَ قِيمَةَ نَصِيبِ صَاحِبِهِ الَّذِي أَعْتَقَ حِصَّتَهُ وَهَذَا بَيْعٌ لِلْمُدَبَّرِ فَقَدْ خَالَفُوا هَذَا الْخَبَرَ الْمَوْضُوعَ مَعَ احْتِجَاجِهِمْ بِهِ. وَإِنَّ الْعَجَبَ لَيَكْثُرُ مِمَّنْ يَرُدُّ حَدِيثَ بَيْعِ الْمُكَاتَبِ، وَحَدِيثَ الْمُصَرَّاةِ، وَحَدِيثَ النَّهْيِ، عَنْ بَيْعِ الْكَلْبِ، مَعَ صِحَّةِ أَسَانِيدِهَا وَانْتِشَارِهَا ثُمَّ يَحْتَجُّ بِهَذِهِ الْكَذِبَةِ. وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَاعَ خِدْمَةَ الْمُدَبَّرِ وَهَذَا مُرْسَلٌ، وَلاَ حُجَّةَ فِي مُرْسَلٍ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً عَلَى الْحَنَفِيِّينَ وَالْمَالِكِيِّينَ، أَنَّهُمْ لاَ يَرَوْنَ بَيْعَ خِدْمَةِ الْمُدَبَّرِ: مَا لَهُمْ أَثَرٌ غَيْرُ مَا ذَكَرْنَا.
وَاحْتَجُّوا بِرِوَايَةٍ، عَنْ نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ، عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ فِي أَوْلاَدِ الْمُدَبَّرَةِ: إذَا مَاتَ سَيِّدُهَا مَا نَرَاهُمْ إِلاَّ أَحْرَارًا، وَوَلَدُهَا كَذَلِكَ مِنْهَا فَكَأَنَّهُ عُضْوٌ مِنْهَا.وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ وَرَبِيعَةَ، قَالاَ جَمِيعًا: إنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ بَاعَتْ مُدَبَّرَةً لَهَا فِي الأَعْرَابِ، فَأُخْبِرَ بِذَلِكَ عُمَرُ فَبَعَثَ فِي طَلَبِ الْجَارِيَةِ فَلَمْ يَجِدْهَا، فَأَرْسَلَ إلَى عَائِشَةَ فَأَخَذَ الثَّمَنَ فَاشْتَرَى بِهِ جَارِيَةً فَجَعَلَهَا مَكَانَهَا عَلَى تَدْبِيرِهَا. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ أَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَرِهَ بَيْعَ الْمُدَبَّرِ هَذَا كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ، عَنِ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم،، وَكُلُّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ.
أَمَّا خَبَرُ عُمَرَ: فَسَاقِطٌ، لأََنَّ الزُّهْرِيَّ، وَرَبِيعَةَ، لَمْ يُولَدَا إِلاَّ بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ بِخَمْسٍ وَثَلاَثِينَ سَنَةً وَزِيَادَةً، فَهُوَ مُنْقَطِعٌ وَأَيْضًا فَفِيهِ عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عُمَرَ وَهُوَ ضَعِيفٌ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ هَذَا عَلَيْهِمْ لاَ لَهُمْ لِوُجُوه أَوَّلُهَا أَنَّ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ خَالَفَتْهُ فِي ذَلِكَ، فَلَيْسَ قَوْلُهُ حُجَّةً عَلَيْهَا، وَلاَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِهَا، وَهَذَا تَنَازُعٌ، فَالْوَاجِبُ عِنْدَ التَّنَازُعِ الرَّدُّ إلَى الْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ، وَهُمَا يُبِيحَانِ بَيْعَ الْمُدَبَّرِ وَالثَّانِي أَنَّهُمْ قَدْ خَالَفُوهُ، لأََنَّ فِيهِ أَنَّهُ قَدْ أَخَذَ الثَّمَنَ فَابْتَاعَ بِهِ جَارِيَةً فَجَعَلَهَا مُدَبَّرَةً مَكَانَهَا وَيُعِيذُ اللَّهُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ هَذَا الْحُكْمِ الْفَاسِدِ، الظَّاهِرِ الْعَوَارِ، إذْ يَحْرُمُ بَيْعُ مَمْلُوكَةٍ مِنْ أَجْلِ مَمْلُوكَةٍ أُخْرَى بِيعَتْ لاَ يَحِلُّ بَيْعُهَا. وَيَلْزَمُ عَلَى هَذَا مَنْ بَاعَ حُرًّا أَنْ يَبْتَاعَ بِالثَّمَنِ عَبْدًا فَيُعْتِقَهُ مَكَانَهُ، وَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا، وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} وَكَيْفَ إنْ ذَهَبَ الثَّمَنُ أَوْ لَمْ تُوجَدْ بِهِ رَقَبَةٌ أَوْ وُجِدَتْ بِهِ رِقَابٌ أَوْ وُجِدَتْ الْمَبِيعَةُ بَعْدَ أَنْ جُعِلَتْ هَذِهِ الأُُخْرَى مُدَبَّرَةً مَكَانَهَا، وَلَعَلَّ هَذِهِ تَمُوتُ مَمْلُوكَةً، فَكَيْفَ

الْعَمَلُ أَوْ لَعَلَّهَا تَعِيشُ وَتَمُوتُ الْمَبِيعَةُ مَمْلُوكَةً فَكَيْفَ الْعَمَلُ فِي هَذَا التَّخْلِيطِ حَاشَا لِلَّهِ مِنْ هَذَا فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِقَوْلِ عُمَرَ. وَأَمَّا خَبَرُ جَابِرٍ: فَلاَ مُتَعَلِّقَ لَهُمْ فِيهِ أَصْلاً، وَإِنَّمَا هُوَ تَمْوِيهٌ مِنْهُمْ مُجَرَّدٌ لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهِ الْمَنْعُ مِنْ بَيْعِ الْمُدَبَّرَةِ أَصْلاً، وَإِنَّمَا فِيهِ حُكْمُ وَلَدِهَا إنْ عَتَقَتْ هِيَ فَقَطْ. وَلَوْ كَانَ لَهُمْ حَيَاءٌ مَا مَوَّهُوا فِي الدِّينِ بِمِثْلِ هَذَا، فَكَيْفَ وَقَدْ جَاءَ، عَنْ جَابِرٍ خِلاَفُ قَوْلِهِمْ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: "وَلَدُ الْمُدَبَّرَةِ بِمَنْزِلَتِهَا يُرَقُّونَ بِرِقِّهَا، وَيُعْتَقُونَ بِعِتْقِهَا". وَذَكَرَ ابْنُ وَهْبٍ، عَنْ رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَغَيْرِهِمْ مِثْلَ قَوْلِ ابْنِ عُمَرَ فَهَذَا جَابِرٌ يَرَى إرْقَاقَ الْمُدَبَّرَةِ فإن قيل: "هَذَا مُرْسَلٌ" قلنا: "بِالْمُرْسَلِ احْتَجَجْتُمْ عَلَيْنَا فَخُذُوهُ أَوْ فَلاَ تَحْتَجُّوا بِهِ".وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فَإِنَّمَا فِيهِ الْكَرَاهَةُ فَقَطْ وَقَدْ صَحَّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ بَيَانُ جَوَازِ بَيْعِ الْمُدَبَّرَةِ، كَمَا رُوِّينَا بِأَصَحِّ سَنَدٍ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: لاَ يَطَأُ الرَّجُلُ وَلِيدَةً إِلاَّ وَلِيدَةً إنْ شَاءَ بَاعَهَا، وَإِنْ شَاءَ وَهَبَهَا، وَإِنْ شَاءَ صَنَعَ بِهَا مَا شَاءَ.وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ دَبَّرَ جَارِيَتَيْنِ لَهُ، فَكَانَ يَطَؤُهُمَا حَتَّى وَلَدَتْ إحْدَاهُمَا فَهَذَا نَصٌّ جَلِيٌّ مِنْ ابْنِ عُمَرَ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْمُدَبَّرَةِ. فَإِنْ ادَّعَوْا إجْمَاعًا عَلَى جَوَازِ وَطْئِهَا كَذَبُوا، لِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ يَطَأَ الرَّجُلُ مُدَبَّرَتَهُ، قَالَ مَعْمَرٌ: فَقُلْت لَهُ: "لِمَ تَكْرَهُهُ" فَقَالَ: لِقَوْلِ عُمَرَ: "لاَ تَقْرَبْهَا وَفِيهَا شَرْطٌ لأََحَدٍ". فَظَهَرَ فَسَادُ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ، عَنِ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم،، وَأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ حُجَّةٌ فِي شَيْءٍ جَاءَ عَنْهُمْ، وَمَوَّهُوا مِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ بِأَنْ قَالُوا: لَمَّا فَرَّقَ بَيْنَ اسْمِ الْمُدَبَّرِ، وَاسْمِ الْمُوصَى بِعِتْقِهِ، وَجَبَ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ حُكْمَيْهِمَا.
قال أبو محمد: "وَهَذَا بَاطِلٌ، لأََنَّهُ دَعْوَى بِلاَ برهان، وَلَيْسَ كُلُّ اسْمَيْنِ اخْتَلَفَا وَجَبَ أَنْ يَخْتَلِفَ مَعْنَاهُمَا وَحُكْمُهُمَا إذَا وُجِدَا فِي اللُّغَةِ مُتَّفِقِي الْمَعْنَى: فَإِنَّ " الْمُحَرَّرَ، وَالْمُعْتَقَ " اسْمَانِ مُخْتَلِفَانِ وَمَعْنَاهُمَا وَاحِدٌ، " وَالزَّكَاةُ، وَالصَّدَقَةُ " كَذَلِكَ، " وَالزَّوَاجُ، وَالنِّكَاحُ " كَذَلِكَ، وَهَذَا كَثِيرٌ جِدًّا. وَحَتَّى لَوْ صَحَّ لَهُمْ هَذَا الْحُكْمُ الْفَاسِدُ لَكَانَ الْوَاجِبُ إذَا جَاءَ فِيهِمَا نَصٌّ أَنْ يُوقَفَ عِنْدَهُ وَأَيْضًا فَلَيْسَ فِي اخْتِلاَفِ الأَسْمَيْنِ مَا يُوجِبُ أَنْ يُبَاعَ أَحَدُهُمَا،وَلاَ يُبَاعَ الآخَرُ، وَقَدْ اخْتَلَفَ اسْمُ: الْفَرَسِ وَالْعَبْدِ، وَكِلاَهُمَا يُبَاعُ".
قَالَ عَلِيٌّ: فَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ مُتَعَلِّقٌ أَصْلاً وَمِنْ الْبُرْهَانِ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ وَالْمُدَبَّرَةِ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} وَقَوْله تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} فَصَحَّ أَنَّ بَيْعَ كُلِّ مُتَمَلَّكٍ جَائِزٌ إِلاَّ مَا فَصَّلَ لَنَا تَحْرِيمَ بَيْعِهِ، وَلَمْ يُفَصِّلْ لَنَا تَحْرِيمَ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ، وَالْمُدَبَّرَةِ

فَبَيْعُهُمَا حَلاَلٌ. وَمِنْ السُّنَّةِ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ، كِلاَهُمَا، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَاعَ الْمُدَبَّرَ" .وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: دَبَّرَ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ غُلاَمًا لَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ يَبْتَاعُهُ مِنِّي فَاشْتَرَاهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ" قَالَ جَابِرٌ: غُلاَمٌ قِبْطِيًّا مَاتَ عَامَ أَوَّلَ فِي إمَارَةِ ابْنِ الزُّبَيْرِ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ وَأَيُّوبَ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ جَابِرٍ: فَهَذَا أَثَرٌ مَشْهُورٌ مَقْطُوعٌ بِصِحَّتِهِ بِنَقْلِ التَّوَاتُرِ وَأَمْرٌ كَانَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، كُلُّهُمْ مُسَلِّمٌ رَاضٍ، فَلَوْ ادَّعَى الْمُسْلِمُ هَهُنَا الإِجْمَاعَ لَمَا أَبْعَدَ، لاَ كَدَعَاوِيهِمْ الْكَاذِبَةِ فَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْكَذِبِ: بَيْعٌ فِي دَيْنٍ، وَإِلَّا فَلأََيِّ وَجْهٍ بِيعَ.فَقُلْنَا: "كَذَبْتُمْ وَأَفَكْتُمْ، وَإِنَّمَا بِيعَ"، لأََنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِمُدَبِّرِهِ مَالٌ غَيْرُهُ، فَلِهَذَا بَاعَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم.وَأَمَّا لَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ فَبَيْعُهُ مُبَاحٌ لاَ وَاجِبٌ كَسَائِرِ مَنْ تَمَلَّكَ.وَمِنْ طَرِيقِ النَّظَرِ أَنَّهُ صَحَّ الإِجْمَاعُ عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ قَبْل أَنْ يُدَبَّرَ، فَمَنْ مَنَعَ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ يُدَبَّرَ فَقَدْ أَبْطَلَ وَادَّعَى مَا لاَ برهان لَهُ بِهِ.وَمِنْ طَرِيقِ الْقِيَاسِ الَّذِي لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَصَحَّ مِنْ هَذَا وَهُوَ أَنَّ الْمُعْتَقَ بِصِفَةٍ لاَ يَدْرِي أَيُدْرِكُهَا الْمُعْتَقُ بِهَا أَمْ لاَ وَالْمُوصَى بِعِتْقِهِ: لاَ يَخْتَلِفُونَ فِي جَوَازِ بَيْعِهِ قَبْلَ مَجِيءِ تِلْكَ الصِّفَةِ، وَالْمُدَبَّرُ مُوصًى بِعِتْقِهِ، كِلاَهُمَا مِنْ الثُّلُثِ فَوَاجِبٌ إنْ صَحَّ الْقِيَاسُ أَنْ يُبَاعَ الْمُدَبَّرُ كَمَا يُبَاعُ الآخَرَانِ، وَلَكِنْ لاَ النُّصُوصَ يَتَّبِعُونَ، وَلاَ الْقِيَاسَ يُحْسِنُونَ. وَمِمَّنْ صَحَّ عَنْهُ بَيْعُ الْمُدَبَّرِ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ جَدَّتِهِ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، بَاعَتْ مُدَبَّرَةً لَهَا.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالاَ جَمِيعًا: الْمُدَبَّرُ وَصِيَّةٌ.وبه إلى مَعْمَرٍ،عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُوس، قَالَ: "سَأَلَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُنْكَدِرِ، عَنِ الْمُدَبَّرِ كَيْفَ كَانَ قَوْلُ أَبِي فِيهِ، أَيَبِيعُهُ صَاحِبُهُ" فَقُلْت: "كَانَ أَبِي يَقُولُ: يَبِيعُهُ إنْ احْتَاجَ فَقَالَ ابْنُ الْمُنْكَدِرِ: وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ".وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ: كَانَ طَاوُوس لاَ يَرَى بَأْسًا أَنْ يَعُودَ الرَّجُلُ فِي عَتَاقَتِهِ قَالَ عَمْرٌو: يَعْنِي التَّدْبِيرَ. وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ،عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: "الْمُدَبَّرُ وَصِيَّةٌ يَرْجِعُ فِيهِ إذَا شَاءَ".وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ سَمِعْت عَطَاءً يَقُولُ: يُعَادُ فِي الْمُدَبَّرِ، وَفِي كُلِّ وَصِيَّةٍ وَقَدْ رُوِّينَا، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، وَعَطَاءٍ: كَرَاهِيَةَ بَيْعِ الْمُدَبَّرِ، وَعَنِ الشَّعْبِيِّ يَبِيعُهُ الْجَرِيءُ، وَيَرَعُ عَنْهُ الْوَرِعُ.

قال أبو محمد: "بَلْ يَبِيعُهُ الْوَرِعُ اقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَيَقِفُ عَنْهُ الْجَاهِلُ وَتَاللَّهِ مَا تُخَافُ تَبِعَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَمْرٍ لَمْ يُفَصِّلْ لَنَا تَحْرِيمَهُ فِي كِتَابِهِ، وَلاَ فِي سُنَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم بَلْ نَخَافُ التَّبِعَةَ مِنْهُ، عَزَّ وَجَلَّ، فِي تَحْرِيمِنَا مَا لَمْ يُفَصِّلْ لَنَا تَحْرِيمَهُ، أَوْ فِي تَوَقُّفِنَا فِيهِ خَوْفَ أَنْ يَكُونَ حَرَامًا وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مِنْ هَذَا. قَالَ تَعَالَى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} وَبَيْعُ الْمُدَبَّرِ مِمَّا قَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا فَلاَ يَجِدُ فِي نَفْسِهِ حَرَجًا مِمَّا قَضَى فِيهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ".

وبيع ولد المدبرة من غير سيدها ...
1552 مَسْأَلَةٌ: وَبَيْعُ وَلَدِ الْمُدَبَّرَةِ مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا حَمَلَتْ بِهِ قَبْلَ التَّدْبِيرِ أَوْ بَعْدَهُ حَلاَل ٌ وَبَيْعُ مَا وَلَدَتْ الْمُكَاتَبَةُ قَبْلَ أَنْ تُكَاتَبَ وَبَعْدَ أَنْ كُوتِبَتْ مَا لَمْ تُؤَدِّ شَيْئًا مِنْ كِتَابَتِهَا: حَلاَلٌ. وَبَيْعُ وَلَدِ أُمِّ الْوَلَدِ مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهِ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ أُمَّ وَلَدٍ: حَلاَلٌ. هَذَا كُلُّهُ لاَ خِلاَفَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ، إِلاَّ مَا حَمَلَتْ بِهِ الْمُدَبَّرَةُ بَعْدَ التَّدْبِيرِ.وَأَمَّا مَا وَلَدَتْ أُمُّ الْوَلَدِ مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا بَعْدَ أَنْ صَارَتْ أُمَّ وَلَدٍ: فَحَرَامٌ بَيْعُهُ وَحُكْمُهُ كَحُكْمِ أُمِّهِ. وَسَنَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حُكْمَ مَا حَمَلَتْ بِهِ الْمُكَاتَبَةُ بَعْدَ أَنْ تُؤَدِّيَ شَيْئًا مِنْ كِتَابَتِهَا فِي " كِتَابِ الْمُكَاتَبِ " مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلاَ حَوْلَ، وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاَللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.
برهان صِحَّةِ قَوْلِنَا فِي وَلَدِ الْمُدَبَّرَةِ الَّتِي تَحْمِلُ بِهِ بَعْدَ التَّدْبِيرِ: هُوَ أَنَّهُ وَلَدُ أَمَةٍ جَائِزٌ بَيْعُهَا، فَهُوَ عَبْدٌ، لأََنَّ وَلَدَ الأَمَةِ عَبْدٌ.
وَرُوِّينَا مِثْلَ قَوْلِنَا هَذَا، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ: أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ عِكْرِمَةَ يَقُولُ: أَوْلاَدُ الْمُدَبَّرَةِ لاَ عِتْقَ لَهُمْ.وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ: وَابْنِ عُيَيْنَةَ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، وَعَطَاءٍ، كِلاَهُمَا، عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ، وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ، قَالَ: أَوْلاَدُ الْمُدَبَّرَةِ عَبِيدٌ، وَأَمَّا مَا حَمَلَتْ بِهِ ثُمَّ أَدْرَكَهَا الْعِتْقُ قَبْلَ أَنْ تَضَعَهُ فَهُوَ حُرٌّ مَعَهَا مَا لَمْ يَسْتَثْنِهِ السَّيِّدُ لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ: مِنْ أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَهَا فَهُوَ تَبَعٌ لَهَا.وَاحْتَجَّ الْمُخَالِفُونَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ وَلَدَ الْمُدَبَّرَةِ بِمَنْزِلَةِ أُمِّهِمْ بِأَنَّهُ قَدْ صَحَّ عَنْ عُثْمَانَ، وَجَابِرٍ وَابْنِ عُمَرَ وَرُوِيَ، عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَزَيْدٍ، وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ.
قال أبو محمد: "لاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ ذَكَرْنَا خِلاَفَهُمْ لِطَوَائِفَ مِنْ الصَّحَابَةِ لاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ، كَاَلَّذِي صَحَّ عَنْ عُثْمَانَ، وَصُهَيْبٍ، وَتَمِيمٍ الدَّارِيِّ مِنْ أَنَّ الْبَيْعَ لِدَارٍ وَاشْتِرَاطَ سُكْنَاهَا مُدَّةَ عُمُرِ الْبَائِعِ، وَذَلِكَ بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ لاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ، وَغَيْرُ ذَلِكَ كَثِيرٌ جِدًّا.وَأَمَّا وَلَدُ أُمِّ الْوَلَدِ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ أُمَّ وَلَدٍ فَلاَ خِلاَفَ فِيهِ.
وَأَمَّا مَا حَمَلَتْ بِهِ بَعْدَ أَنْ تَكُونَ أُمَّ وَلَدٍ فَلاَ يَحِلُّ بَيْعُهُمْ، لأََنَّهَا حَرَامٌ بَيْعُهَا وَهُوَ إذَا حَمَلَتْ بِهِ بَعْضُهَا: فَحَرَامٌ بَيْعُهُ، وَمَا حَرُمَ بَيْعُهُ بِيَقِينٍ فَلاَ يَحِلُّ بَعْدَ ذَلِكَ إِلاَّ بِنَصٍّ، وَلاَ نَصَّ فِي

جَوَازِ بَيْعِهِ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِ لَهَا.فَإِنْ ذَكَرُوا " كُلُّ ذَاتِ رَحِمٍ فَوَلَدُهَا بِمَنْزِلَتِهَا " فَهُوَ لَيْسَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلاَ حُجَّةَ فِيهِ ثُمَّ هُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذَا فِي وَلَدِ الْمُعْتَقَةِ بِصِفَةٍ، وَوَلَدُ الْمُعْتَقَةِ إلَى أَجَلٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وبيع المعتق الى أجل أو بصفة حلال
1553 - مَسْأَلَةٌ: وَبَيْعُ الْمُعْتَقِ إلَى أَجَلٍ، أَوْ بِصِفَةٍ : حَلاَلٌ مَا لَمْ يَجِبْ لَهُ الْعِتْقُ بِحُلُولِ تِلْكَ الصِّفَةِ، كَمَنْ قَالَ لِعَبْدِهِ: أَنْتَ حُرٌّ غَدًا، فَلَهُ بَيْعُهُ مَا لَمْ يُصْبِحْ الْغَدُ، أَوْ كَمَنْ قَالَ لَهُ: أَنْتَ حُرٌّ إذَا أَفَاقَ مَرِيضِي: فَلَهُ بَيْعُهُ مَا لَمْ يُفِقْ مَرِيضُهُ، لأََنَّهُ عَبْدٌ مَا لَمْ يَسْتَحِقَّ الْعِتْقَ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَأَصْحَابِهِمْ.وقال مالك: "كَذَلِكَ فِي الْمُعْتَقِ بِصِفَةٍ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ وَيُمْكِنُ أَنْ لاَ تَكُونَ، وَلَمْ يَقُلْهُ فِي الْمُعْتَقِ إلَى أَجَلٍ، وَاحْتَجَّ بِأَنَّهُ لاَ بُدَّ أَنْ يَكُونَ.فَقُلْنَا: نَعَمْ فَكَانَ مَاذَا إِلاَّ أَنَّهُ حَتَّى الآنَ لَمْ يَكُنْ بَعْدُ، وَلاَ دَلِيلَ لَهُمْ عَلَى هَذَا الْفَرْقِ أَصْلاً، وَإِنَّمَا هُوَ دَعْوَى وَاحْتِجَاجٌ لِقَوْلِهِمْ بِقَوْلِهِمْ".

وجائز لمن أتى السوق من أهله ومن غير أهله
1554 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ لِمَنْ أَتَى السُّوقَ مِنْ أَهْلِهِ، أَوْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ، أَنْ يَبِيعَ سِلْعَتَهُ بِأَقَلَّ مِنْ سِعْرِهَا فِي السُّوقِ، وَبِأَكْثَرَ، وَلاَ اعْتِرَاضَ لأََهْلِ السُّوقِ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، وَلاَ لِلسُّلْطَانِ وَقَالَ الْمَالِكِيُّونَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَ بِأَقَلَّ مِنْ سِعْرِهَا، وَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَلَهُ أَنْ يَبِيعَ بِأَكْثَرَ.
قال علي: "وهذا عَجَبٌ جِدًّا أَنْ يَمْنَعُوهُ مِنْ التَّرْخِيصِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَيُبِيحُونَ لَهُ التَّغْلِيَةَ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ وَمَا نَعْلَمُ قَوْلَهُمْ هَذَا، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَ مَالِكٍ. ثُمَّ زَادُوا فِي الْعَجَبِ وَاحْتَجُّوا بِاَلَّذِي رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يُوسُفَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَنَّ عُمَرَ مَرَّ بِحَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ وَهُوَ يَبِيعُ زَبِيبًا لَهُ بِالسُّوقِ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ إمَّا أَنْ تَزِيدَ فِي السِّعْرِ، وَأَمَّا أَنْ تَرْفَعَ، عَنْ سُوقِنَا".
قال علي: "هذا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِوُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ لاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَالثَّانِي أَنَّهُمْ كَمْ قِصَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا عُمَرَ كَإِجْبَارِهِ بَنِي عَمٍّ عَلَى النَّفَقَةِ عَلَى ابْنِ عَمِّهِمْ وَكَعِتْقِهِ كُلَّ ذِي رَحِمٍ مَحْرَمَةٍ إذَا مَلَكَ، وَغَيْرِ ذَلِكَ. وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ، عَنْ عُمَرَ، لأََنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُمَرَ إِلاَّ نَعْيَهُ النُّعْمَانَ بْنَ مُقْرِنٍ فَقَطْ. وَالرَّابِعُ أَنَّهُ لَوْ صَحَّ لَكَانُوا قَدْ أَخْطَئُوا فِيهِ عَلَى عُمَرَ، فَتَأَوَّلُوهُ بِمَا لاَ يَجُوزُ، وَإِنَّمَا أَرَادَ عُمَرُ بِذَلِكَ لَوْ صَحَّ عَنْهُ بِقَوْلِهِ إمَّا أَنْ تَزِيدَ فِي السِّعْرِ، يُرِيدُ أَنْ تَبِيعَ مِنْ الْمَكَايِيلِ أَكْثَرَ مِمَّا تَبِيعُ بِهَذَا الثَّمَنِ، وَهَذَا خِلاَفُ قَوْلِهِمْ هَذَا الَّذِي لاَ يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ بِعُمَرَ غَيْرُهُ، فَكَيْفَ وَقَدْ جَاءَ، عَنْ عُمَرَ مُبَيَّنًا
كَمَا رُوِّينَا هَذَا الْخَبَرَ عَنْهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ قَالَ: وَجَدَ عُمَرُ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ يَبِيعُ الزَّبِيبَ بِالْمَدِينَةِ فَقَالَ: كَيْفَ تَبِيعُ يَا حَاطِبٌ فَقَالَ: مُدَّيْنِ، فَقَالَ عُمَرُ: تَبْتَاعُونَ بِأَبْوَابِنَا، وَأَفْنِيَتِنَا

ومن ابتاع سلعة في السوق فلا يحل أن يحكم عليه بشر كفيها
1555 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ ابْتَاعَ سِلْعَةً فِي السُّوقِ فَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُحْكَمَ عَلَيْهِ بِأَنْ يُشْرِكُهُ فِيهَا أَهْلُ تِلْكَ السُّوقِ، وَهِيَ لِمُشْتَرِيهَا خَاصَّةً وَهُوَ قَوْلُ النَّاسِ.وَقَالَ الْمَالِكِيُّونَ: "يُجْبَرُ عَلَى أَنْ يُشْرِكُوهُ فِيهَا وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ غَيْرَهُمْ وَهُوَ ظُلْمٌ ظَاهِرٌ، وَيُبْطِلُهُ" قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً، عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} فَلَمْ يَتَرَاضَ الْبَائِعُ إِلاَّ مَعَ هَذَا الْمُبْتَاعِ لاَ مَعَ غَيْرِهِ، فَالْحُكْمُ بِهِ لِغَيْرِهِ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ بِلاَ دَلِيلٍ أَصْلاً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. بَلْ قَدْ جَاءَ، عَنْ عُمَرَ الْحُكْمُ عَلَى أَهْلِ السُّوقِ بِهَذَا فِي غَيْرِهِمْ لاَ لَهُمْ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: "قَدِمَ الْمَدِينَةَ طَعَامٌ فَخَرَجَ أَهْلُ السُّوقِ إلَيْهِ فَابْتَاعُوهُ، فَقَالَ لَهُمْ عُمَرُ: أَفِي سُوقِنَا هَذَا تَتَّجِرُونَ أَشْرِكُوا النَّاسَ، أَوْ اُخْرُجُوا فَاشْتَرُوا ثُمَّ ائْتُوا فَبِيعُوا".
قال علي: "وهذا الَّذِي حَكَمَ بِهِ الْمَالِكِيُّونَ أَعْظَمُ الضَّرَرِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، لأََنَّ أَهْلَ الصِّنَاعَةِ مِنْ السُّوقِ يَتَوَاطَئُونَ عَلَى إمَاتَةِ السِّلْعَةِ الَّتِي يَبِيعُهَا الْجَالِبُ أَوْ الْمُضْطَرُّ، وَيَتَّفِقُونَ عَلَى أَنْ لاَ يَزِيدُوا فِيهَا، وَيَتْرُكُوا وَاحِدًا مِنْهُمْ يَسُومُهُ حَتَّى يَتْرُكَ الْمُضْطَرُّ عَلَى حُكْمِهِ، ثُمَّ يَقْتَسِمُونَهَا بَيْنَهُمْ، وَهَذَا وَاجِبٌ مَنْعُهُمْ مِنْهُ، لأََنَّهُ غِشٌّ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ مِنَّا مَنْ غَشَّنَا" .

ولا يجوز البيع بالبراءة من كل عيب ولا على أن لا يقوم على العيب
1556 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَجُوزُ الْبَيْعُ بِالْبَرَاءَةِ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ، وَلاَ عَلَى أَنْ لاَ يُقَوَّمَ عَلَيَّ بِعَيْبٍ وَالْبَيْعُ هَكَذَا فَاسِدٌ مَفْسُوخٌ أَبَدًا، وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى جَوَازِ الْبَيْعِ بِالْبَرَاءَةِ، وَلَمْ يَرَ لِلْمُشْتَرِي الْقِيَامَ بِعَيْبٍ أَصْلاً عَلِمَهُ الْبَائِعُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْهُ. وَذَهَبَ سُفْيَانُ، وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ: إلَى أَنَّهُ لاَ يَبْرَأُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مِنْ الْعُيُوبِ عَلِمَهُ الْبَائِعُ أَوْ لَمْ يَعْلَمْهُ. وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إلَى أَنَّهُ لاَ يَبْرَأُ بِذَلِكَ مِنْ شَيْءٍ مِنْ الْعُيُوبِ إِلاَّ فِي الْحَيَوَانِ خَاصَّةً فَإِنَّهُ يَبْرَأُ بِهِ مِمَّا لَمْ يَعْلَمْ مِنْ عُيُوبِ الْحَيَوَانِ الْمَبِيعِ، وَلاَ يَبْرَأُ مِمَّا عَلِمَهُ مِنْ عُيُوبِهِ فَكَتَمَهُ. وَلِمَالِكٍ ثَلاَثَةُ أَقْوَالٍ: "أَحَدُهَا وَهُوَ الَّذِي ذَكَرْنَا أَنَّهُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ حَرْفًا حَرْفًا وَهُوَ قَوْلُهُ فِي الْمُوَطَّأِ.وَالثَّانِي أَنَّهُ لاَ يَبْرَأُ بِذَلِكَ إِلاَّ فِي الرَّقِيقِ خَاصَّةً، فَيَبْرَأُ مِمَّا لَمْ يَعْلَمْ وَلاَ يَبْرَأُ مِمَّا عَلِمَ

وبيع المصاحف جائز
1557 - مَسْأَلَةٌ: وَبَيْعُ الْمَصَاحِفِ جَائِزٌ وَكَذَلِكَ جَمِيعُ كُتُبِ الْعُلُومِ عَرَبِيُّهَا وَعَجَمِيُّهَا

لأََنَّ الَّذِي يُبَاعُ إنَّمَا هُوَ الرَّقُّ أَوْ الْكَاغَدُ أَوْ الْقِرْطَاسُ وَالْمِدَادُ، وَالأَدِيمُ إنْ كَانَتْ مُجَلَّدَةً وَحِلْيَةً إنْ كَانَتْ عَلَيْهَا فَقَطْ وَأَمَّا الْعِلْمُ فَلاَ يُبَاعُ، لأََنَّهُ لَيْسَ جِسْمًا وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي سُلَيْمَانَ.وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ الطَّحَّانُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ إيَاسٍ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ: "كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَكْرَهُونَ بَيْعَ الْمَصَاحِفِ، وَتَعْلِيمَ الصِّبْيَانِ بِالأَرْشِ يُعَظِّمُونَ ذَلِكَ".
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَجْلاَنَ هُوَ الأَفْطَسُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَدِدْت أَنِّي قَدْ رَأَيْت أَنَّ الأَيْدِيَ تُقْطَعُ فِي بَيْعِ الْمَصَاحِفِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا هَمَّامُ بْنُ يَحْيَى أَنَا قَتَادَةُ، عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى الْحَرَشِيِّ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: شَهِدْت فَتْحَ تُسْتَرَ مَعَ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ فَأَصَبْنَا دَانْيَالَ بِالسُّوسِ وَمَعَهُ رَبْعَةٌ فِيهَا كِتَابٌ، وَمَعَنَا أَجِيرٌ نَصْرَانِيٌّ فَقَالَ: تَبِيعُونِي هَذِهِ الرَّبْعَةَ وَمَا فِيهَا قَالُوا: إنْ كَانَ فِيهَا ذَهَبٌ أَوْ فِضَّةٌ أَوْ كِتَابُ اللَّهِ لَمْ نَبِعْك قَالَ: فَإِنَّ الَّذِي فِيهَا كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى، فَكَرِهُوا بَيْعَهُ، قَالَ: " فَبِعْنَاهُ الرَّبْعَةَ بِدِرْهَمَيْنِ، وَوَهَبْنَا لَهُ الْكِتَابَ"، قَالَ قَتَادَةُ: "فَمِنْ ثَمَّ كُرِهَ بَيْعُ الْمَصَاحِفِ، لأََنَّ الأَشْعَرِيَّ وَالصَّحَابَةَ كَرِهُوا بَيْعَ ذَلِكَ الْكِتَابِ".
قال أبو محمد: "إنَّمَا كَرِهُوا الْبَيْعَ نَفْسَهُ لَيْسَ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الْمُشْتَرِيَ كَانَ نَصْرَانِيًّا، أَلاَ تَرَى أَنَّهُمْ قَدْ وَهَبُوهُ لَهُ بِلاَ ثَمَنٍ".وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي حُصَيْنٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى سَأَلْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ، وَمَسْرُوقًا، وَشُرَيْحًا، عَنْ بَيْعِ الْمَصَاحِفِ فَقَالُوا: "لاَ نَأْخُذُ لِكِتَابِ اللَّهِ ثَمَنًا.وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ"، عَنْ سُفْيَانَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ ذَكَرَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ فِي الْمَصَاحِفِ: "اشْتَرِهَا، وَلاَ تَبِعْهَا". وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إدْرِيسَ الأَوْدِيُّ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ فِي الْمَصَاحِفِ: "اشْتَرِهَا، وَلاَ تَبِعْهَا.وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ إبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَرِهَ شِرَاءَ الْمَصَاحِفِ وَبَيْعَهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قُلْت لِعَلْقَمَةَ: أَبِيعُ مُصْحَفًا قَالَ: "لاَ". وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا ابْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: لَحْسُ الدُّبُرِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ بَيْعِ الْمَصَاحِفِ.وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ مِقْسَمٍ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: "لاَ يُورَثُ الْمُصْحَفُ": هُوَ لأََهْلِ الْبَيْتِ الْقُرَّاءِ مِنْهُمْ.وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ أَنَا خَالِدٌ هُوَ الْحَذَّاءُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ قَالَ:

كَانَ يَكْرَهُ بَيْعَ الْمَصَاحِفِ وَابْتِيَاعَهَا". وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ أَنَّهُ كَرِهَ بَيْعَ الْمَصَاحِفِ وَابْتِيَاعَهَا، وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ أَنَا مَهْدُ بْنُ مَيْمُونٍ سَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ، عَنْ كُتَّابِ الْمَصَاحِفِ بِالأَجْرِ فَقَالَ: "كَرِهَ كُتَّابَهَا وَاسْتِكْتَابَهَا وَبَيْعَهَا وَشِرَاءَهَا".وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا وَكِيعٌ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ سَالِمٍ هُوَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: "بِئْسَ التِّجَارَةُ بَيْعُ الْمَصَاحِفِ".
وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، وَشُعْبَةَ، قَالَ سَعِيدٌ: عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَقَالَ شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، ثُمَّ اتَّفَقَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ، وَابْنُ جُبَيْرٍ قَالاَ جَمِيعًا: اشْتَرِ الْمَصَاحِفَ، وَلاَ تَبِعْهَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: اشْتَرِ، وَلاَ تَبِعْ يَعْنِي الْمَصَاحِفَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا عَفَّانَ أَنَا هَمَّامٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ: سَأَلْت أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ عَنْ بَيْعِ الْمَصَاحِفِ قَالَ: اشْتَرِهَا، وَلاَ تَبِعْهَا وَهُوَ قَوْلُ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ: سَأَلْت الزُّهْرِيَّ، عَنْ بَيْعِ الْمَصَاحِفِ فَكَرِهَهُ.وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ أَنَا إسْرَائِيلُ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ عَامِرٍ الشَّعْبِيِّ قَالَ: اشْتَرِ الْمَصَاحِفَ، وَلاَ تَبِعْهَا. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَرِهَ بَيْعَ الْمَصَاحِفِ فَلَمْ يَزَلْ بِهِ مَطَرٌ الْوَرَّاقُ حَتَّى أَرْخَصَ لَهُ، فَهَؤُلاَءِ أَبُو مُوسَى الأَشْعَرِيُّ، وَكُلُّ مَنْ مَعَهُ مِنْ صَاحِبٍ أَوْ تَابِعٍ أَيَّامَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَابْنِ عُمَرَ: سِتَّةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ بِأَسْمَائِهِمْ، ثُمَّ جَمِيعُ الصَّحَابَةِ بِإِطْلاَقٍ لاَ مُخَالِفَ لَهُمْ مِنْهُمْ. وَمِنْ التَّابِعِينَ الْمُسَمَّيْنَ: مَسْرُوقٌ، وَشُرَيْحٌ، وَمُطَرِّفُ بْنُ مَالِكٍ، وَعَلْقَمَةُ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَعَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَسَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَقَتَادَةُ، وَالزُّهْرِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالْحَسَنُ، كُلُّهُمْ يَنْهَى، عَنْ بَيْعِ الْمَصَاحِفِ وَلاَ يَرَاهُ سِوَى مَنْ ذَكَرَ ذَلِكَ عَنْهُ مِنْ الْجُمْهُورِ مِمَّنْ لَمْ يُسَمِّ وَمَا نَعْلَمُهُ رَوَى إبَاحَةَ بَيْعِهَا إِلاَّ، عَنِ الْحَسَنِ، وَالشَّعْبِيِّ بِاخْتِلاَفٍ عَنْهُمَا، وَعَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، وَأَثَرَيْنِ مَوْضُوعَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ، عَنْ طَلْقِ بْنِ السَّمْحِ، عَنْ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عَمْرٍو الأَيْلِيِّ قَالَ: كَانَ ابْنُ مُصَبِّحٍ يَكْتُبُ الْمَصَاحِفَ فِي زَمَانِ عُثْمَانَ وَيَبِيعُهَا، وَلاَ يُنْكَرُ ذَلِكَ عَلَيْهِ. وَالآخَرُ أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ ابْنِ حَبِيبٍ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَدَنِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ عَنْ بُكَيْرٍ بْنِ مِسْمَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَبِيعَهَا يَتَّخِذُهَا مَتْجَرًا، وَلاَ يَرَى بَأْسًا بِمَا عَمِلَتْ يَدَاهُ

مِنْهَا أَنْ يَبِيعَهُ. ابْنُ حَبِيبٍ سَاقِطٌ، وَابْنُ مُصَبِّحٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ أَبِي الزُّبَيْرِ. وَطَلْقُ بْنُ السَّمْحِ لاَ يَدْرِي أَحَدٌ مَنْ هُمْ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَعَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عَمْرٍو سَاقِطٌ وَلَمْ يُدْرِكْ عُثْمَانَ، وَبُكَيْر بْنُ مِسْمَارٍ ضَعِيفٌ ثُمَّ هُمَا مُخَالِفَانِ لِقَوْلِهِمْ، لأََنَّهُ لَيْسَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مُصَبِّحٍ: أَنَّ عُثْمَانَ عَرَفَ بِذَلِكَ، وَلاَ أَنَّ أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ عَرَفَ بِذَلِكَ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَتَّخِذَ بَيْعَهَا مَتْجَرًا. فَأَيْنَ الْمَالِكِيُّونَ، وَالْحَنَفِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ الْمُشَنِّعُونَ بِخِلاَفِ الصَّاحِبِ الَّذِي لاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ، وَالْمُشَنِّعُونَ بِخِلاَفِ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ. وَقَدْ وَافَقُوا هَهُنَا كِلاَ الأَمْرَيْنِ. ثُمَّ الْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ، قَوْلُهُمْ فِي قَوْلِ عَائِشَةَ الَّذِي لَمْ يَصِحَّ عَنْهَا أَبْلَغَنِي زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ أَنَّهُ قَدْ أَبْطَلَ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنْ لَمْ يَتُبْ فِي ابْتِيَاعِهِ عَبْدًا إلَى الْعَطَاءِ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَبَيْعِهِ إيَّاهُ مِنْ الَّتِي بَاعَتْهُ مِنْهُ بِسِتِّمِائَةِ دِرْهَمٍ نَقْدًا، وَقَدْ خَالَفَهَا زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ فَقَالُوا: "مِثْلُ هَذَا لاَ يُقَالُ بِالرَّأْيِ فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ أَنَّهُ تَوْقِيفٌ.، وَلَمْ يَقُولُوا هَهُنَا فِيمَا صَحَّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ مِمَّا لَمْ يَصِحَّ، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلاَفُهُ مِنْ إبَاحَةِ قَطْعِ الأَيْدِي فِي بَيْعِ الْمَصَاحِفِ، وَعَنِ الصَّحَابَةِ جُمْلَةً فَهَلاَّ قَالُوا: "مِثْلُ هَذَا لاَ يُقَالُ بِالرَّأْيِ"، وَلَكِنْ هَهُنَا يَلُوحُ تَنَاقُضُهُمْ فِي كُلِّ مَا تَحْكُمُوا بِهِ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَنَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى السَّلاَمَةِ.وَأَمَّا نَحْنُ فَلاَ حُجَّةَ عِنْدَنَا فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَثُرَ الْقَائِلُونَ بِهِ أَمْ قَلُّوا كَائِنًا مَنْ كَانَ الْقَائِلُ، لاَ نَتَكَهَّنُ فَنَقُولُ: مِثْلُ هَذَا لاَ يُقَالُ بِالرَّأْيِ فَنَنْسُبُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا لَمْ يَقُلْهُ، وَهَذَا هُوَ الْكَذِبُ عَلَيْهِ جِهَارًا. وَالْحُجَّةُ كُلُّهَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} فَبَيْعُ الْمَصَاحِفِ كُلِّهَا حَلاَلٌ، إذْ لَمْ يُفَصِّلْ لَنَا تَحْرِيمَهُ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا وَلَوْ فَصَّلَ تَحْرِيمَهُ لَحَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى حَتَّى تَقُومَ بِهِ الْحُجَّةُ عَلَى عِبَادِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ومن باع سلعة بثمن مسمى .....
1558 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ بَاعَ سِلْعَةً بِثَمَنٍ مُسَمًّى حَالَّةً، أَوْ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا فَلَهُ أَنْ يَبْتَاعَ تِلْكَ السِّلْعَةَ مِنْ الَّذِي بَاعَهَا مِنْهُ بِثَمَنٍ مِثْلِ الَّذِي بَاعَهَا بِهِ مِنْهُ، وَبِأَكْثَرَ مِنْهُ، وَبِأَقَلَّ حَالًّا وَإِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى أَقْرَبَ مِنْ الَّذِي بَاعَهَا مِنْهُ إلَيْهِ، أَوْ أَبْعَدَ وَمِثْلَهُ، كُلُّ ذَلِكَ حَلاَلٌ لاَ كَرَاهِيَةَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ، مَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ، عَنْ شَرْطٍ مَذْكُورٍ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ، فَإِنْ كَانَ، عَنْ شَرْطٍ فَهُوَ حَرَامٌ مَفْسُوخٌ أَبَدًا مَحْكُومٌ فِيهِ بِحُكْمِ الْغَصْبِ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَصْحَابِهِمَا.
برهان ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} وَقَوْله تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} فَهَذَانِ بَيْعَانِ فَهُمَا حَلاَلاَنِ بِنَصِّ الْقُرْآنِ وَلَمْ يَأْتِ تَفْصِيلُ تَحْرِيمِهِمَا فِي كِتَابٍ، وَلاَ سُنَّةٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا فَلَيْسَا بِحَرَامٍ وَأَمَّا اشْتِرَاطُ ذَلِكَ فَلِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ"

وَذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ إلَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً بِثَمَنٍ مَا وَقَبَضَ السِّلْعَةَ ثُمَّ بَاعَهَا مِنْ الْبَائِعِ لَهَا مِنْهُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ قَبْلَ أَنْ يَنْقُدَ هُوَ الثَّمَنَ الَّذِي كَانَ اشْتَرَاهَا هُوَ بِهِ: فَالْبَيْعُ الثَّانِي بَاطِلٌ فَإِنْ بَاعَهَا مِنْ الَّذِي كَانَ ابْتَاعَهَا مِنْهُ بِدَنَانِيرَ، وَكَانَ هُوَ قَدْ اشْتَرَاهَا بِدَرَاهِمَ أَوْ ابْتَاعَهَا بِدَنَانِيرَ ثُمَّ بَاعَهَا مِنْ بَائِعِهَا بِدَرَاهِمَ فَإِنْ كَانَ قِيمَةُ الثَّمَنِ الثَّانِي أَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الثَّمَنِ الأَوَّلِ فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ. فَإِنْ كَانَ اشْتَرَاهَا بِدَنَانِيرَ أَوْ بِدَرَاهِمَ ثُمَّ بَاعَهَا مِنْ الَّذِي ابْتَاعَهَا هُوَ مِنْهُ بِسِلْعَةٍ جَازَ ذَلِكَ كَانَ ثَمَنُهَا أَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهَا بِهِ أَوْ أَكْثَرَ. فَإِنْ ابْتَاعَهَا فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا بِثَمَنٍ ثُمَّ بَاعَهَا مِنْ بَائِعِهَا مِنْهُ بِثَمَنٍ أَكْثَرَ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي ابْتَاعَهَا بِهِ مِنْهُ فَهُوَ جَائِزٌ. قَالَ: "وَكُلُّ مَا يَحْرُمُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْبَائِعِ الأَوَّلِ فَهُوَ يَحْرُمُ عَلَى شَرِيكِهِ فِي التِّجَارَةِ الَّتِي تِلْكَ السِّلْعَةُ مِنْهَا"، وَعَلَى وَكِيلِهِ، وَعَلَى مُدَبَّرِهِ، وَعَلَى مُكَاتَبِهِ، وَعَلَى عَبْدِهِ الْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ, وقال مالك: "مَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً بِثَمَنٍ مُسَمًّى إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، ثُمَّ ابْتَاعَهَا هُوَ مِنْ الَّذِي ابْتَاعَهَا مِنْهُ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ الأَجَلِ لَمْ يَجُزْ. فَإِنْ ابْتَاعَ سِلْعَةً لَيْسَتْ طَعَامًا، وَلاَ شَرَابًا بِثَمَنٍ مُسَمًّى ثُمَّ اشْتَرَاهَا مِنْهُ الَّذِي كَانَ بَاعَهَا مِنْهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا مِنْهُ بِأَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ أَوْ بِأَكْثَرَ فَلاَ بَأْسَ بِهِ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الْعَيْنَةِ وَقَدْ نَقَدَهُ الثَّمَنَ فَلاَ خَيْرَ فِيهِ فَإِنْ ابْتَاعَ سِلْعَةً بِثَمَنٍ مُسَمًّى إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِنَّهُ لاَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْ الَّذِي بَاعَهَا مِنْهُ بِثَمَنٍ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ، أَوْ بِسِلْعَةٍ تُسَاوِي أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ نَقْدًا، أَوْ إلَى أَجَلٍ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الأَجَلِ أَوْ مِثْلِهِ لَمْ يَجُزْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْ الَّذِي بَاعَهَا مِنْهُ بِثَمَنٍ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ نَقْدًا، أَوْ إلَى أَجَلٍ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ الأَجَلِ، أَوْ مِثْلِهِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهَا مِنْ بَائِعِهَا مِنْهُ بِثَمَنٍ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ إلَى أَبْعَدَ مِنْ ذَلِكَ الأَجَلِ، وَلاَ بِسِلْعَةٍ تُسَاوِي أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ الثَّمَنِ إلَى أَبْعَدَ مِنْ ذَلِكَ الأَجَلِ".
قال أبو محمد: "احْتَجَّ أَهْلُ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ امْرَأَتِهِ، وَمِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أُمِّهِ الْعَالِيَةَ بِنْتِ أَيْفَعَ بْنِ شُرَحْبِيلَ، ثُمَّ اتَّفَقَا عَنْهَا قَالَتْ: دَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَأُمِّ وَلَدٍ لِزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ فَقَالَتْ أُمُّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ: "إنِّي بِعْت غُلاَمًا مِنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ نَسِيئَةً إلَى الْعَطَاءِ وَاشْتَرَيْتُهُ بِسِتِّمِائَةٍ فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَبْلِغِي زَيْدًا أَنَّك قَدْ أَبْطَلْت جِهَادَك مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَّا أَنْ يَتُوبَ بِئْسَمَا اشْتَرَيْت وَبِئْسَمَا شَرَيْت قَالَتْ: أَرَأَيْت إنْ لَمْ آخُذْ إِلاَّ رَأْسَ مَالِي قَالَتْ فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ فَقَالُوا: مِثْلُ هَذَا الْوَعِيدِ لاَ يُقَالُ بِالرَّأْيِ، وَلاَ فِيمَا سَبِيلُهُ الأَجْتِهَادُ فَصَحَّ أَنَّهُ تَوْقِيفٌ". وَبِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ أَنَا سُفْيَانُ

الثَّوْرِيُّ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ حَيَّانَ بْنِ عُمَيْرٍ الْقَيْسِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي الرَّجُلِ يَبِيعُ الْجَرِيرَةَ إلَى رَجُلٍ فَكَرِهَ أَنْ يَشْتَرِيَهَا يَعْنِي بِدُونِ مَا بَاعَهَا. وَقَالُوا: "هِيَ دَرَاهِمُ بِأَكْثَرَ مِنْهَا" وَقَالُوا: "هَذَانِ أَرَادَا الرِّبَا فَتَحَيَّلاَ لَهُ بِهَذَا الْبَيْعِ مَا لَهُمْ شَيْءٌ شَغَبُوا بِهِ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَاهُ".
فأما خَبَرُ امْرَأَةِ أَبِي إِسْحَاقَ فَفَاسِدٌ جِدًّا، لِوُجُوهٍ أَوَّلُهَا أَنَّ امْرَأَةَ أَبِي إِسْحَاقَ مَجْهُولَةُ الْحَالِ، لَمْ يَرْوِ عَنْهَا أَحَدٌ غَيْرُ زَوْجِهَا، وَوَلَدُهَا يُونُسُ، عَلَى أَنَّ يُونُسَ قَدْ ضَعَّفَهُ شُعْبَةُ بِأَقْبَحِ التَّضْعِيفِ وَضَعَّفَهُ يَحْيَى الْقَطَّانُ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ جِدًّا، وَقَالَ فِيهِ شُعْبَةُ: أَمَا قَالَ لَكُمْ: حَدَّثَنَا ابْنُ مَسْعُودٍ وَالثَّانِي أَنَّهُ قَدْ صَحَّ أَنَّهُ مُدَلِّسٌ، وَأَنَّ امْرَأَةَ أَبِي إِسْحَاقَ لَمْ تَسْمَعْهُ مِنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ عَنْهَا زَوْجُهَا، وَلاَ وَلَدُهَا: أَنَّهَا سَمِعَتْ سُؤَالَ الْمَرْأَةِ لأَُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَلاَ جَوَابَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ لَهَا، إنَّمَا فِي حَدِيثِهَا دَخَلْت عَلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنَا، وَأُمُّ وَلَدٍ لِزَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، فَسَأَلَتْهَا أُمُّ وَلَدِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ وَهَذَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ السُّؤَالُ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِي غَيْرِهِ، فَوَجَدْنَا مَا حَدَّثَنَاهُ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ الأَنْصَارِيُّ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ اللَّخْمِيُّ أَخْبَرَنَا ابْنُ مُفَرِّجٍ الْقَاضِي أَنَا الْحَسَنُ بْنُ مَرْوَانَ الْقَيْسَرَانِيُّ أَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مُعَاوِيَةَ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَنْ امْرَأَةِ أَبِي السَّفَرِ أَنَّهَا بَاعَتْ مِنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ خَادِمًا لَهَا بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ إلَى الْعَطَاءِ، فَاحْتَاجَ فَابْتَاعَتْهَا مِنْهُ بِسِتِّمِائَةِ دِرْهَمٍ فَسَأَلَتْ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَتْ: "بِئْسَ مَا شَرَيْت وَبِئْسَ مَا اشْتَرَيْت مِرَارًا"، أَبْلِغِي زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ أَنَّهُ قَدْ بَطَلَ جِهَادُهُ إنْ لَمْ يَتُبْ قَالَتْ: "فَإِنْ لَمْ آخُذْ إِلاَّ رَأْسَ مَالِي قَالَتْ عَائِشَةُ: فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ", وَمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَنْ امْرَأَتِهِ قَالَتْ: "سَمِعْت امْرَأَةَ أَبِي السَّفَرِ تَقُولُ: سَأَلْت عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ فَقُلْت: بِعْت زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ خَادِمًا إلَى الْعَطَاءِ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَابْتَعْتهَا مِنْهُ بِسِتِّمِائَةِ دِرْهَمٍ فَقَالَتْ لَهَا عَائِشَةُ بِئْسَ مَا شَرَيْت أَوْ بِئْسَ مَا اشْتَرَيْت أَبْلِغِي زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ أَنَّهُ قَدْ أَبْطَلَ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَّا أَنْ يَتُوبَ قَالَتْ: أَفَرَأَيْت إنْ أَخَذْت رَأْسَ مَالِي قَالَتْ: "لاَ بَأْسَ فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ" فَبَيَّنَ سُفْيَانُ الدَّفِينَةَ الَّتِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَأَنَّهَا لَمْ تَسْمَعْهُ امْرَأَةُ أَبِي إِسْحَاقَ مِنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنَّمَا رَوَتْهُ، عَنْ امْرَأَةِ أَبِي السَّفَرِ، وَهِيَ الَّتِي بَاعَتْ مِنْ زَيْدٍ، وَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لِزَيْدٍ، وَهِيَ فِي الْجَهَالَةِ أَشَدُّ وَأَقْوَى مِنْ امْرَأَةِ أَبِي إِسْحَاقَ، فَصَارَتْ مَجْهُولَةً عَنْ أَشَدَّ مِنْهَا جَهَالَةً وَنَكِرَةً فَبَطَلَ جُمْلَةً وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ. وَلَيْسَ بَيْنَ يُونُسَ، وَبَيْنَ سُفْيَانَ نِسْبَةٌ فِي الثِّقَةِ وَالْحِفْظِ، فَالرِّوَايَةُ مَا رَوَى سُفْيَانُ. وَالثَّالِثُ أَنَّ مِنْ الْبُرْهَانِ الْوَاضِحِ عَلَى كَذِبِ هَذَا الْخَبَرِ وَوَضْعِهِ، وَأَنَّهُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ حَقًّا أَصْلاً: مَا فِيهِ مِمَّا نُسِبَ إلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنَّهَا قَالَتْ: أَبْلِغِي زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ أَنَّهُ قَدْ

أَبْطَلَ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنْ لَمْ يَتُبْ وَزَيْدٌ لَمْ يَفُتْهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَّا غَزْوَتَانِ فَقَطْ بَدْرٌ، وَأُحُدٌ فَقَطْ، وَشَهِدَ مَعَهُ عليه السلام سَائِرَ غَزَوَاتِهِ، وَأَنْفَقَ قَبْلَ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ، وَشَهِدَ بَيْعَةَ الرَّضْوَانِ تَحْتَ الشَّجَرَةِ بِالْحُدَيْبِيَةِ، وَنَزَلَ فِيهِ الْقُرْآنُ، وَشَهِدَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ بِالصِّدْقِ وَبِالْجَنَّةِ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ عليه السلام أَنَّهُ لاَ يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ وَنَصَّ الْقُرْآنُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ رَضِيَ عَنْهُ وَعَنْ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَوَاَللَّهِ مَا يُبْطِلُ هَذَا كُلَّهُ ذَنْبٌ مِنْ الذُّنُوبِ غَيْرُ الرِّدَّةِ، عَنِ الإِسْلاَمِ فَقَطْ، وَقَدْ أَعَاذَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهَا بِرِضَاهُ عَنْهُ، وَأَعَاذَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْ تَقُولَ هَذَا الْبَاطِلَ. وَالرَّابِعُ أَنَّهُ يُوَضِّحُ كَذِبَ هَذَا الْخَبَرِ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ صَحَّ أَنَّ زَيْدًا أَتَى أَعْظَمَ الذُّنُوبِ مِنْ الرِّبَا الْمُصَرَّحِ وَهُوَ لاَ يَدْرِي أَنَّهُ حَرَامٌ لَكَانَ مَأْجُورًا فِي ذَلِكَ أَجْرًا وَاحِدًا غَيْرَ آثِمٍ، وَلَكَانَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا لأَبْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه فِي إبَاحَةِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ جِهَارًا يَدًا بِيَدٍ، وَمَا لِطَلْحَةَ رضي الله عنه إذْ أَخَذَ دَنَانِيرَ مَالِكِ بْنِ أَوْسٍ ثُمَّ أَخَّرَهُ بِالدَّرَاهِمِ فِي صَرْفِهَا إلَى مَجِيءِ خَازِنِهِ مِنْ الْغَابَةِ بِحَضْرَةِ عُمَرَ رضي الله عنه: فَمَا زَادَ عُمَرُ عَلَى مَنْعِهِ مِنْ تَعْلِيمِهِ، وَلاَ زَادَ أَبُو سَعِيدٍ عَلَى لِقَاءِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَتَعْلِيمِهِ. وَمَا أَبْطَلَ عُمَرُ. وَلاَ أَبُو سَعِيدٍ بِذَلِكَ تَكْبِيرَةً وَاحِدَةً مِنْ عَمَلِ طَلْحَةَ. وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَكِلاَ الْوَجْهَيْنِ بِالنَّصِّ الثَّابِتِ رِبًا صُرَاحٌ، وَلاَ شَيْءَ فِي الرِّبَا فَوْقَهُ. فَكَيْفَ يُظَنُّ بِأُمِّ الْمُؤْمِنِينَ إبْطَالُ جِهَادِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ فِي شَيْءٍ عَمِلَهُ مُجْتَهِدًا، لاَ نَصَّ فِي الْعَالَمِ يُوجَدُ خِلاَفُهُ، لاَ صَحِيحٌ، وَلاَ مِنْ طَرِيقٍ وَاهِيَةٍ هَذَا وَاَللَّهِ الْكَذِبُ الْمَحْضُ الْمَقْطُوعُ بِهِ، فَلْيَتُبْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مَنْ يَنْسُبُهُ إلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَنْ يُحَرِّمُ بِهِ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى مَا لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَلاَ رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم. فَهَذِهِ بَرَاهِينُ أَرْبَعَةٌ فِي بُطْلاَنِ هَذَا الْخَبَرِ، وَأَنَّهُ خُرَافَةٌ مَكْذُوبَةٌ ثم نقول: "إنَّهُ لَوْ صَحَّ صِحَّةَ الشَّمْسِ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ لِوُجُوهٍ أَوَّلُهَا أَنَّهُ قَوْلٌ مِنْ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ"، وَمَا قَوْلُهَا بِأَوْلَى مِنْ قَوْلِ زَيْدٍ وَإِنْ كَانَتْ أَفْضَلَ مِنْهُ إذَا تَنَازَعَا، لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} وَلَمْ يَأْمُرْنَا بِالرَّدِّ إلَى أَحَدٍ دُونَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَالثَّانِي أَنْ نَقُولَ لَهُمْ كَمْ قَوْلَةٍ رَدَدْتُمُوهَا لأَُمِّ الْمُؤْمِنِينَ بِالدَّعَاوَى الْفَاسِدَةِ كَبَيْعِهَا الْمُدَبَّرَةَ وَإِبَاحَتِهَا الأَشْتِرَاطَ فِي الْحَجِّ، فَاطَّرَحْتُمْ حُكْمَهَا وَتَعَلَّقْتُمْ بِمُخَالَفَةِ عُمَرَ لَهَا فِي الْمُدَبَّرَةِ وَصَحَّ عَنْ عُمَرَ مَنْ قَدَّمَ ثِقْلَهُ مِنْ مِنًى قَبْلَ أَنْ يَنْفِرَ فَلاَ حَجَّ لَهُ، وَالأَشْتِرَاطُ فِي الْحَجِّ، فَأَطْرَحْتُمْ قَوْلَ عُمَرَ، وَلَمْ تَقُولُوا: "مِثْلُ هَذَا لاَ يُقَالُ بِالرَّأْيِ، فَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ أَنَّهُ تَوْقِيفٌ وَخَالَفْتُمُوهُ" لِقَوْلِ ابْنِهِ: لاَ أَعْرِفُ الأَشْتِرَاطَ فِي الْحَجِّ، فَمَرَّةً يَكُونُ قَوْلُ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ حُجَّةً، وَمَرَّةً لاَ يُشْتَغَلُ بِهِ، وَمَرَّةً تَكُونُ عَائِشَةُ حُجَّةً عَلَى زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، وَعُمَرُ حُجَّةً عَلَى عَائِشَةَ، وَابْنُ عُمَرَ حُجَّةً عَلَى عُمَرَ، وَغَيْرُ ابْنِ عُمَرَ حُجَّةً عَلَى ابْنِ عُمَرَ وَهَذَا هُوَ التَّلاَعُبُ بِالدِّينِ وَبِالْحَقَائِقِ

وَالثَّالِثُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَدْ صَحَّ عَنْهُ مَا أَوْرَدْنَاهُ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ: وَدِدْت أَنِّي رَأَيْت الأَيْدِيَ تُقْطَعُ فِي بَيْعِ الْمَصَاحِفِ فَهَلاَّ قُلْتُمْ مِثْلُ هَذَا لاَ يُقَالُ بِالرَّأْيِ كَمَا قُلْتُمْ هَهُنَا وَالرَّابِعُ أَنَّ مِنْ الضَّلاَلِ الْعَظِيمِ أَنْ يُظَنَّ أَنَّ عِنْدَهَا، رضي الله عنها، فِي هَذَا، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَثَرًا ثُمَّ تَكْتُمُهُ فَلاَ تَرْوِيهِ لأََحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى حَاشَا لَهَا مِنْ ذَلِكَ مِنْ أَنْ تَكْتُمَ مَا عِنْدَهَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى فَمَا حَصَلُوا إِلاَّ عَلَى الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي تَقْوِيلِهِ مَا لَمْ يَقُلْهُ قَطُّ، إذْ لَوْ قَالَهُ لَكَانَ مَحْفُوظًا بِحِفْظِ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى بَلَغَ إلَى أُمَّتِهِ، وَالْكَذِبِ عَلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ. وَالْخَامِسُ أَنَّهَا أَنْكَرَتْ الْبَيْعَ إلَى الْعَطَاءِ بِقَوْلِهَا بِئْسَ مَا شَرَيْت وَالْمَالِكِيُّونَ يُبِيحُونَهُ بِمِثْلِ هَذَا، وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا نِصْفُ كَلاَمِهَا حُجَّةٌ وَنِصْفُهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَالسَّادِسُ أَنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ خَدِيجِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَنْ أُمِّ مَحَبَّةَ خَتَنَةِ أَبِي السَّفَرِ أَنَّهَا نَذَرَتْ مَشْيًا إلَى مَكَّةَ فَعَجَزَتْ فَقَالَ لَهَا ابْنُ عَبَّاسٍ: هَلْ لَكِ ابْنَةٌ تَمْشِي عَنْكِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، وَلَكِنَّهَا أَعْظَمُ فِي نَفْسِهَا مِنْ ذَلِكَ. فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الطَّرِيقُ لاَ حُجَّةَ فِيهَا فَهِيَ تِلْكَ نَفْسُهَا أَوْ مِثْلُهَا، بَلْ قَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، عَنْ أُمِّ مَحَبَّةَ أَيْضًا، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْخَبَرُ حُجَّةً فَهَذَا حُجَّةٌ، وَإِلَّا فَقَدْ حَصَلَ التَّنَاقُضُ فَظَهَرَ فَسَادُ هَذَا الأَحْتِجَاجِ جُمْلَةً وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ.
وَأَمَّا خَبَرُ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَهُوَ رَأْيٌ مِنْهُ، وَقَدْ خَالَفَهُ ابْنُ عُمَرَ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: "ذُكِرَ لأَبْنِ عُمَرَ رَجُلٌ بَاعَ سَرْجًا بِنَقْدٍ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَبْتَاعَهُ بِدُونِ مَا بَاعَهُ قَبْلَ أَنْ يَنْتَقِد"َ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: "لَعَلَّهُ لَوْ بَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ بَاعَهُ بِدُونِ ذَلِكَ وَلَمْ يَرَ بِهِ بَأْسًا", وَكَمْ قِصَّةٍ لأَبْنِ عَبَّاسٍ خَالَفُوهُ فِيهَا كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذَا آنِفًا فَسَقَطَ تَعَلُّقُهُمْ بِابْنِ عَبَّاسٍ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ لاَ بَأْسَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ الشَّيْءَ إلَى أَجَلٍ ثُمَّ يَبِيعَهُ مِنْ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْهُ بِأَقَلَّ مِنْ الثَّمَنِ إذَا قَاصَصَهُ.
قال أبو محمد: وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهَا دَرَاهِمُ بِأَكْثَرَ مِنْهَا فَعَجَبٌ لاَ نَظِيرَ لَهُ جِدًّا، وَقَدْ قُلْت لِبَعْضِهِمْ: مَا تَقُولُونَ فِيمَنْ بَاعَ سِلْعَةً إلَى أَجَلٍ بِدِينَارٍ ثُمَّ اشْتَرَاهَا بِنَقْدٍ بِدِينَارَيْنِ؟ فَقَالَ: حَلاَلٌ فَقُلْت لَهُ: وَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ إذَا بَاعَهُ بِدِينَارَيْنِ وَاشْتَرَاهُ بِدِينَارٍ رِبًا وَدِينَارًا بِدِينَارَيْنِ، وَلَمْ يَجِبْ إذَا بَاعَهُ بِدِينَارٍ إلَى أَجَلٍ وَاشْتَرَاهُ بِدِينَارَيْنِ أَنْ يَكُونَ رِبًا وَدِينَارًا بِدِينَارَيْنِ، وَهَلْ فِي الْهَوَسِ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يَبِيعَ زَيْدٌ مِنْ عَمْرٍو دِينَارًا بِدِينَارَيْنِ فَيَكُونَ رِبًا، وَيَبِيعَ مِنْهُ دِينَارَيْنِ بِدِينَارٍ فَلاَ يَكُونُ رِبًا، لَيْتَ شِعْرِي فِي أَيِّ دِينٍ وَجَدْتُمْ هَذَا أَمْ فِي أَيِّ عَقْلٍ فَمَا أَتَى بِفَرْقٍ، وَلاَ يَأْتُونَ بِهِ أَبَدًا.وَأَمَا قَوْلُهُمْ: إنَّهُمَا أَرَادَا الرِّبَا كَمَا ذَكَرْنَا فَتَحَيَّلاَ بِهَذَا

الْعَمَلِ فَجَوَابُهُمْ أَنَّهُمَا إنْ كَانَا أَرَادَا الرِّبَا كَمَا ذَكَرْتُمْ فَتَحَيَّلاَ بِهَذَا الْعَمَلِ، فَبَارَكَ اللَّهُ فِيهِمَا، فَقَدْ أَحْسَنَا مَا شَاءَا إذْ هَرَبَا مِنْ الرِّبَا الْحَرَامِ إلَى الْبَيْعِ الْحَلاَلِ، وَفَرَّا مِنْ مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى إلَى مَا أَحَلَّ، وَلَقَدْ أَسَاءَ مَا شَاءَ مَنْ أَنْكَرَ هَذَا عَلَيْهِمَا، وَأَثِمَ مَرَّتَيْنِ لأَِنْكَارِهِ إحْسَانَهُمَا، ثُمَّ لِظَنِّهِ بِهِمَا مَا لَعَلَّهُمَا لَمْ يَخْطِرْ بِبَالِهِمَا، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "الظَّنُّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ" .
وَأَمَّا أَقْوَالُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَدْ ذَكَرْنَا طَرَفًا يَسِيرًا مِنْ تَقْسِيمِهِمَا، وَكُلُّ مَنْ تَأَمَّلَهُ يَرَى أَنَّهَا تَقَاسِيمُ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، وَالتَّنَاقُضِ. كَتَفْرِيقِ أَبِي حَنِيفَةَ بَيْنَ ابْتِيَاعِهِ بِسِلْعَةٍ وَبَيْنَ ابْتِيَاعِهِ بِدَنَانِيرَ، وَفِي كِلاَ الْوَجْهَيْنِ إنَّمَا بَاعَ بِدَرَاهِمَ وَكَتَحْرِيمِهِ ذَلِكَ عَلَى وَكِيلِهِ وَشَرِيكِهِ وَكَتَفْرِيقِ مَالِكٍ بَيْنَ ابْتِيَاعِهِ بِأَكْثَرَ مِمَّا كَانَ بَاعَهَا بِهِ فَيَرَاهُ حَلاَلاً، وَبَيْنَ ابْتِيَاعِهِ بِأَقَلَّ فَيَرَاهُ حَرَامًا، وَهَذِهِ عَجَائِبُ بِلاَ دَلِيلٍ كَمَا تَرَى ثُمَّ إنَّ أَبَا حَنِيفَةَ أَوْهَمَ أَنَّهُ أَخَذَ بِخَبَرِ عَائِشَةَ، رضي الله عنها، وَلَمْ يَأْخُذْ بِهِ، لأََنَّهُ يَرَى ذَلِكَ فِيمَنْ بَاعَ بِثَمَنٍ حَالٍّ مَا لَمْ يَنْتَقِدْ جَمِيعَ الثَّمَنِ، وَلَيْسَ هَذَا فِي خَبَرِ عَائِشَةَ أَصْلاً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وبيع دور مكة أعزها الله تعالى وابتياعها حلال
1559 - مَسْأَلَةٌ: وَبَيْعُ دُورِ مَكَّةَ أَعَزَّهَا اللَّهُ تَعَالَى وَابْتِيَاعُهَا حَلاَلٌ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي " كِتَابِ الْحَجِّ " فَأَغْنَى، عَنْ إعَادَتِهِ.

وبيع الأعمى أو ابتاعياعه بالصفة جائز
1560 - مَسْأَلَةٌ: وَبَيْعُ الأَعْمَى، أَوْ ابْتِيَاعُهُ بِالصِّفَةِ جَائِزٌ كَالصَّحِيحِ، وَلاَ فَرْقَ، لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ بِالْفَرْقِ بَيْنَ شَيْءٍ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ فَدَخَلَ فِي ذَلِكَ الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وبيع العبد وابتياعه بغير اذن
1561- مَسْأَلَةٌ: وَبَيْعُ الْعَبْدِ، وَابْتِيَاعُهُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ جَائِزٌ، مَا لَمْ يَنْتَزِعْ سَيِّدُهُ مَالَهُ فَإِنْ انْتَزَعَهُ فَهُوَ حِينَئِذٍ مَالُ السَّيِّدِ، لاَ يَحِلُّ لِلْعَبْدِ التَّصَرُّفُ فِيهِ، برهان ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} فَلَمْ يَخُصَّ حُرًّا مِنْ عَبْدٍ وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} فَلَوْ كَانَ بَيْعُ الْعَبْدِ مَالَهُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ حَرَامًا لَفَصَّلَهُ، عَزَّ وَجَلَّ، لَنَا، وَلَمَا أَلْجَأَنَا فِيهِ إلَى الظُّنُونِ الْكَاذِبَةِ وَالآرَاءِ الْمُدَبَّرَةِ. فَإِذْ لَمْ يُفَصِّلْ لَنَا تَحْرِيمَهُ فَصَحَّ أَنَّهُ حَلاَلٌ غَيْرُ حَرَامٍ، وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي " كِتَابِ الزَّكَاةِ " مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا وَغَيْرِهِ صِحَّةَ مِلْكِ الْعَبْدِ لِمَالِهِ، وَأَمَّا انْتِزَاعُ السَّيِّدِ مَالَ الْعَبْدِ فَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ أَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ وَسَأَلَ، عَنْ ضَرِيبَتِهِ فَأَمَرَ مَوَالِيَهِ أَنْ يُخَفِّفُوا عَنْهُ مِنْهَا. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ أَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ أَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ [ قَالَ ] "حَجَمَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَبْدٌ لِبَنِي بَيَاضَةَ فَأَعْطَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَجْرَهُ وَكَلَّمَ سَيِّدَهُ فَخَفَّفَ عَنْهُ مِنْ ضَرِيبَتِهِ" فَصَحَّ أَنَّ الْعَبْدَ يَمْلِكُ لأََنَّهُ عليه السلام أَعْطَاهُ أَجْرَهُ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا أَعْطَاهُ مَا لَيْسَ لَهُ وَصَحَّ أَنَّ لِلسَّيِّدِ أَخْذَهُ بِأَمْرِهِ عليه السلام بِأَنْ يُخَفِّفَ

وبيع المرأة مذ تبلغ البكر ذات الأب
1562 - مَسْأَلَةٌ: وَبَيْعُ الْمَرْأَةِ مُذْ تَبْلُغُ الْبِكْرِ ذَاتِ الأَُبِ، وَغَيْرِ ذَاتِ الأَُبِ وَالثَّيِّبِ ذَاتِ الزَّوْجِ وَاَلَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا جَائِزٌ، وَابْتِيَاعُهَا كَذَلِكَ، لِمَا ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ فِي " كِتَابِ الْحَجْرِ " مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا فَأَغْنَى عَنْ إعَادَتِهِ وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ.

ومن مالك معدنا له جاز بيعه
1563 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ مَلَكَ مَعْدِنًا لَهُ جَازَ بَيْعُهُ، لِأَنَّهُ مَالٌ مِنْ مَالِهِ، فَإِنْ كَانَ مَعْدِنَ ذَهَبٍ لَمْ يَحِلَّ بَيْعُهُ بِذَهَبٍ، لِأَنَّهُ ذَهَبٌ بِأَكْثَرَ مِنْهُ، إذْ الذَّهَبُ مَخْلُوقٌ فِي مَعْدِنِهِ كَمَا هُوَ هُوَ، جَائِزٌ بِالْفِضَّةِ يَدًا بِيَدٍ [ وَبِغَيْرِ الْفِضَّةِ ] نَقْدًا وَإِلَى أَجَلٍ وَحَالًّا فِي الذِّمَّةِ، فَإِنْ كَانَ مَعْدِنَ فِضَّةٍ جَازَ بَيْعُهُ بِفِضَّةٍ أَوْ بِذَهَبٍ نَقْدًا، أَوْ فِي الذِّمَّةِ، وَإِلَى أَجَلٍ، لِأَنَّهُ لَا فِضَّةَ هُنَالِكَ، وَإِنَّمَا يَسْتَحِيلُ تُرَابُهُ بِالطَّبْخِ فِضَّةً. وَمَنْ خَالَفَنَا فِي هَذَا فَقَدْ أَجَازَ بَيْعَ النَّخْلِ لَا ثَمَرَ فِيهَا بِالتَّمْرِ نَقْدًا وَحَالًّا فِي الذِّمَّةِ وَنَسِيئَةً، وَالتَّمْرُ يَخْرُجُ مِنْهَا وَكَذَلِكَ أَبَاحَ بَيْعَ الأَُرْضِ بِالْبُرِّ، وَكُلُّ هَذَا سَوَاءٌ - وَبِاَللَّهِ - تَعَالَى - التَّوْفِيقُ.

وبيع الكلأ جائز
1564 - مَسْأَلَةٌ: وَبَيْعُ الْكَلاَِ جَائِزٌ فِي أَرْضٍ وَبَعْدَ قَلْعِهِ، لأََنَّهُ مَالٌ مِنْ مَالِ صَاحِبِ الأَرْضِ وَكُلُّ مَا تَوَلَّدَ مِنْ مَالِ الْمَرْءِ فَهُوَ مِنْ مَالِهِ، كَالْوَلَدِ مِنْ الْحَيَوَانِ، وَالثَّمَرِ، وَالنَّبَاتِ وَاللَّبَنِ وَالصُّوفِ. وَغَيْرِ ذَلِكَ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِتَحْرِيمِ بَيْعِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا، وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ وقال أبو حنيفة: "لاَ يَحِلُّ بَيْعُ الْكَلاَِ إِلاَّ بَعْدَ قَلْعِهِ".قَالَ عَلِيٌّ: وَمَا نَعْلَمُ لِهَذَا الْقَوْلِ حُجَّةً أَصْلاً وَإِنَّمَا هُوَ تَقْسِيمٌ فَاسِدٌ، وَدَعْوَى سَاقِطَةٌ فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ حُرَيْزِ بْنِ عُثْمَانَ أَنَا أَبُو خِدَاشٍ " أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلاَثَ غَزَوَاتٍ فَسَمِعَهُ يَقُولُ: الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلاَثٍ الْمَاءُ وَالْكَلاَُ وَالنَّارُ" وَرَوَاهُ أَيْضًا حُرَيْزُ بْنُ عُثْمَانَ، عَنْ حِبَّانَ بْنِ زَيْدٍ الشَّرْعَبِيِّ وَهُوَ أَبُو خِدَاشٍ نَفْسُهُ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ قَرْنٍ وَمِنْ طَرِيقِ الْحُذَافِيِّ أَخْبَرَنِي يَزِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ الْجُرَيْرِيُّ قَالَ لِي وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "اتَّقُوا السُّحْتَ بَيْعَ الشَّجَرِ وَإِجَارَةَ الأَمَةِ الْمُسَافِحَةِ وَثَمَنَ الْخَمْرِ" وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ أَنَا أَبِي كَهْمَسٍ، عَنْ سَيَّارِ بْنِ مَنْظُورٍ الْفَزَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ بُهَيْسَةَ، عَنْ أَبِيهَا سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَا الَّذِي لاَ يَحِلُّ بَيْعُهُ فَأَجَابَهُ: الْمَاءُ، وَالْمِلْحُ.
قال أبو محمد: هَذَا كُلُّهُ لاَ شَيْءَ أَبُو خِدَاشٍ هُوَ حِبَّانُ بْنُ زَيْدٍ الشَّرْعَبِيُّ نَفْسُهُ وَهُوَ مَجْهُولٌ وَأَيْضًا فَإِنَّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الْحَنَفِيِّينَ، لأََنَّهُمْ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّ صَاحِبَ الْمَاءِ أَوْلَى بِهِ لاَ يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ، وَكَذَلِكَ صَاحِبُ النَّارِ فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ,وَأَيْضًا فَإِنَّهُمْ

وبيع الشطرنج والمزامير والعيدان والمعازف والطنابير حلال
1565 - مَسْأَلَةٌ: وَبَيْعُ الشِّطْرَنْجِ، وَالْمَزَامِيرِ، وَالْعِيدَانِ، وَالْمَعَازِفِ، وَالطَّنَابِيرِ: حَلاَلٌ كُلُّهُ، وَمَنْ كَسَرَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ ضَمِنَهُ، إِلاَّ أَنْ يَكُونَ صُورَةً مُصَوَّرَةً فَلاَ ضَمَانَ عَلَى كَاسِرِهَا، لِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ، لأََنَّهَا مَالٌ مِنْ مَالِ مَالِكِهَا.وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْمُغَنِّيَاتِ وَابْتِيَاعُهُنَّ. قَالَ تَعَالَى: { خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا}. وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ}. وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} وَلَمْ يَأْتِ نَصٌّ بِتَحْرِيمِ بَيْعِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ َرَأَى أَبُو حَنِيفَةَ الضَّمَانَ عَلَى مَنْ كَسَرَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَاحْتَجَّ الْمَانِعُونَ بِآثَارٍ لاَ تَصِحُّ، أَوْ يَصِحُّ بَعْضُهَا، وَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهَا، وَهِيَ مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد الطَّيَالِسِيِّ أَخْبَرَنَا هِشَامٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ،عَنْ أَبِي سَلاَمٍ،عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الأَزْرَقِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: " قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى لله عليه وسلم: كُلُّ شَيْءٍ يَلْهُو بِهِ الرَّجُلُ فَبَاطِلٌ، إِلاَّ رَمْيَ الرَّجُلِ بِقَوْسِهِ، أَوْ تَأْدِيبَهُ فَرَسَهُ، أَوْ مُلاَعَبَتَهُ امْرَأَتَهُ، فَإِنَّهُنَّ مِنْ الْحَقِّ" عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدِ بْنِ الأَزْرَقِ مَجْهُولٌ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ عِيسَى بْنِ يُونُسَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ جَابِرٍ أَنَا أَبُو سَلاَمٍ الدِّمَشْقِيُّ، عَنْ خَالِدِ بْنِ زَيْدٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ لِي عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ لَهْوُ الْمُؤْمِنِ إِلاَّ ثَلاَثٌ .. ثُمَّ ذَكَرَهُ. خَالِدُ

بْنُ زَيْدٍ مَجْهُولٌ.وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا سَعِيدٌ، أَخْبَرَنَا ابْنُ حَفْصٍ أَنَا مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحِيمِ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ رَأَيْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَجَابِرَ بْنَ عُبَيْدٍ الأَنْصَارِيَّيْنِ يَرْمِيَانِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلآخَر: " أَمَا سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: كُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ فَهُوَ لَعِبٌ، لاَ يَكُونُ أَرْبَعَةً: مُلاَعَبَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ، وَتَأْدِيبُ الرَّجُلِ فَرَسَهُ، وَمَشْيُ الرَّجُلِ بَيْنَ الْغَرَضَيْنِ، وَتَعْلِيمُ الرَّجُلِ السِّبَاحَةَ" هَذَا حَدِيثٌ مَغْشُوشٌ مُدَلَّسٌ دُلْسَةَ سُوءٍ، لأََنَّ الزُّهْرِيَّ الْمَذْكُورَ فِيهِ لَيْسَ هُوَ ابْنَ شِهَابٍ، لَكِنَّهُ رَجُلٌ زُهْرِيٌّ مَجْهُولٌ اسْمُهُ عَبْدُ الرَّحِيمِ. رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَهْبٍ الْحَرَّانِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ الْحَرَّانِيِّ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحِيمِ، هُوَ خَالِدُ بْنُ أَبِي يَزِيدَ، وَهُوَ خَالُ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَطَاءٍ: رَأَيْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَجَابِرَ بْنَ عُبَيْدٍ الأَنْصَارِيَّيْنِ يَرْمِيَانِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِلآخَرِ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "كُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ لَهْوٌ وَلَعِبٌ، إِلاَّ أَرْبَعَةً: مُلاَعَبَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَتَأْدِيبُ الرَّجُلِ فَرَسَهُ، وَمَشْيُهُ بَيْنَ الْغَرَضَيْنِ، وَتَعْلِيمُ الرَّجُلِ السِّبَاحَةَ" فَسَقَطَ هَذَا الْخَبَرُ.وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيم أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ أَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحِيمِ، عَنْ عَبْدِ الْوَهَّابِ بْنِ بُخْتٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ رَأَيْت جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، وَجَابِرَ بْنَ عُبَيْدٍ، فَذَكَرَهُ، وَفِيهِ "كُلُّ شَيْءٍ لَيْسَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ فَهُوَ لَغْوٌ وَسَهْو"ٌ عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ بُخْتٍ غَيْرُ مَشْهُورٍ بِالْعَدَالَةِ، ثُمَّ لَيْسَ فِيهِ إِلاَّ أَنَّهُ سَهْوٌ وَلَغْوٌ وَلَيْسَ فِيهِ تَحْرِيمٌ َرُوِيَ مِنْ طَرِيقِ الْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ الدُّورِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَثِيرٍ الْعَبْدِيِّ أَنَا جَعْفَرُ بْنُ سُلَيْمَانَ الضُّبَعِيُّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي رَزِينٍ، عَنْ أَخِيهِ، عَنْ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَابِطٍ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، رضي الله عنها، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْمُغَنِّيَةَ وَبَيْعَهَا وَثَمَنَهَا وَتَعْلِيمَهَا وَالأَسْتِمَاعَ إلَيْهَا" فِيهِ: لَيْثٌ، وَهُوَ ضَعِيفٌ، وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي رَزِينٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ لاَ يُدْرَى مَنْ هُوَ، عَنْ أَخِيهِ، وَمَا أَدْرَاك مَا عَنْ أَخِيهِ هُوَ مَا يُعْرَفُ وَقَدْ سُمِّيَ، فَكَيْفَ أَخُوهُ الَّذِي لَمْ يُسَمَّ وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ أَنَا أَبُو أَحْمَدَ سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ سَهْلٍ الْمَرْوَزِيُّ أَنَا لاَحِقُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْمَقْدِسِيُّ قَدِمَ مَرْوَ أَنَا أَبُو الْمُرَجَّى ضِرَارُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ عُمَيْرٍ الْقَاضِي الْجِيلاَنِيُّ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ الْحِمْصِيُّ أَنَا فَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ، عَنْ أَبِيهِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إذَا عَمِلَتْ أُمَّتِي خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً حَلَّ بِهَا الْبَلاَءُ فَذَكَرَ مِنْهُنَّ وَاِتَّخَذُوا الْقَيْنَاتِ، وَالْمِعْزَفَ فَلْيَتَوَقَّعُوا عِنْدَ ذَلِكَ رِيحًا حَمْرَاءَ، وَمَسْخًا وَخَسْفًا" لاَحِقُ بْنُ الْحُسَيْنِ. وَضِرَارُ بْنُ عَلِيٍّ، وَالْحِمْصِيُّ مَجْهُولُونَ. وَفَرَجُ

بْنُ فَضَالَةَ حِمْصِيٌّ مَتْرُوكٌ، تَرَكَهُ يَحْيَى، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ. وَمِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ أَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ إِسْحَاقَ النَّيْسَابُورِيُّ أَنَا أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ أَنَا أَبُو سَعِيدٍ مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْعَلاَءِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُهَاجِرِ، عَنْ كَيْسَانَ مَوْلَى مُعَاوِيَةَ أَنَا مُعَاوِيَةُ قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ تِسْعٍ وَأَنَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُنَّ الآنَ فَذَكَرَ فِيهِنَّ: الْغِنَاءَ، وَالنَّوْحَ" مُحَمَّدُ بْنُ الْمُهَاجِرِ ضَعِيفٌ. وَكَيْسَانُ مَجْهُولٌ.وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا مُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ أَنَا سَلاَمُ بْنُ مِسْكِينٍ، عَنْ شَيْخٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا وَائِلٍ يَقُولُ: "سَمِعْت ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إنَّ الْغِنَاءَ يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ" عَنْ شَيْخٍ عَجَبٌ جِدًّا. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ الْجَهْمِ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدُوسٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ أَنَا حَاتِمُ بْنُ حُرَيْثٍ،عَنْ مَالِكِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ حَدَّثَنِي أَبُو مَالِكٍ الأَشْعَرِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "يَشْرَبُ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا يُضْرَبُ عَلَى رُءُوسِهِمْ بِالْمَعَازِفِ وَالْقَيْنَاتِ يَخْسِفُ اللَّهُ بِهِمْ الأَرْضَ" مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ ضَعِيفٌ، وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ الْوَعِيدَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا هُوَ عَلَى الْمَعَازِفِ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى اتِّخَاذِ الْقَيْنَاتِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَى اسْتِحْلاَلِهِمْ الْخَمْرَ بِغَيْرِ اسْمِهَا وَالدِّيَانَةُ لاَ تُؤْخَذُ بِالظَّنِّ.
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْحَضْرَمِيُّ الْقَاضِي أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْخَلَّاصِ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ بْنِ شَعْبَانَ الْمِصْرِيُّ حَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ سَعِيدٍ أَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْغِمْرِ بْنِ أَبِي حَمَّادٍ بِحِمْصَ، وَيَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الصَّمَدِ أَنَا عُبَيْدُ بْنُ هِشَامٍ الْحَلَبِيُّ، هُوَ ابْنُ نُعَيْمٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:: "مَنْ جَلَسَ إلَى قَيْنَةٍ فَسَمِعَ مِنْهَا صَبَّ اللَّهُ فِي أُذُنَيْهِ الآنُكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" هَذَا حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ مُرَكَّبٌ، فَضِيحَةٌ مَا عُرِفَ قَطُّ مِنْ طَرِيقِ أَنَسٍ، وَلاَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، وَلاَ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ، وَلاَ مِنْ جِهَةِ ابْنِ الْمُبَارَكِ وَكُلُّ مَنْ دُونَ ابْنِ الْمُبَارَكِ إلَى ابْنِ شَعْبَانَ مَجْهُولُونَ. وَابْنُ شَعْبَانَ فِي الْمَالِكِيِّينَ نَظِيرُ عَبْدِ الْبَاقِي بْنِ قَانِعٍ فِي الْحَنَفِيِّينَ، قَدْ تَأَمَّلْنَا حَدِيثَهُمَا فَوَجَدْنَا فِيهِ الْبَلاَءَ الْبَيِّنَ، وَالْكَذِبَ الْبَحْتَ، وَالْوَضْعَ اللَّائِحَ، وَعَظِيمَ الْفَضَائِحِ، فإما تَغَيَّرَ ذِكْرُهُمَا، أَوْ اخْتَلَطَتْ كُتُبُهُمَا وَإمَّا تَعَمَّدَا الرِّوَايَةَ، عَنْ كُلِّ مَنْ لاَ خَيْرَ فِيهِ مِنْ كَذَّابٍ، وَمُغَفَّلٍ يَقْبَلُ التَّلْقِينَ.
وَأَمَّا الثَّالِثَةُ وَهُوَ ثَالِثَةُ الأَثَافِي: أَنْ يَكُونَ الْبَلاَءُ مِنْ قِبَلِهِمَا وَنَسْأَلُ اللَّهَ الْعَافِيَةَ، وَالصِّدْقَ وَصَوَابَ الأَخْتِيَارِ.وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ شَعْبَانَ قَالَ: رَوَى هَاشِمُ بْنُ نَاصِحٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ مُوسَى عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ مَاتَ وَعِنْدَهُ جَارِيَةٌ مُغَنِّيَةٌ فَلاَ تُصَلُّوا عَلَيْهِ . هَاشِمٌ، وَعُمَرُ: مَجْهُولاَنِ، وَمَكْحُولٌ لَمْ يَلْقَ عَائِشَةَ", وَحَدِيثٌ لاَ نَدْرِي لَهُ طَرِيقًا، إنَّمَا

ذَكَرُوهُ هَكَذَا مُطْلَقًا، أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى: " نَهَى، عَنْ صَوْتَيْنِ مَلْعُونَيْنِ صَوْتِ نَائِحَةٍ، وَصَوْتِ مُغَنِّيَةٍ" وَهَذَا لاَ شَيْءَ.وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ مُطَرِّحِ بْنِ يَزِيدَ أَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زَحْرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لاَ يَحِلُّ بَيْعُ الْمُغَنِّيَاتِ، وَلاَ شِرَاؤُهُنَّ وَثَمَنُهُنَّ حَرَامٌ وَقَدْ نَزَلَ تَصْدِيقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ: {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ، عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} الآيَةَ، وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا رَفَعَ رَجُلٌ قَطُّ عَقِيرَةَ صَوْتِهِ بِغِنَاءٍ إِلاَّ ارْتَدَفَهُ شَيْطَانَانِ يَضْرِبَانِهِ عَلَى صَدْرِهِ وَظَهْرِهِ حَتَّى يَسْكُتَ" إسْمَاعِيلُ ضَعِيفٌ، وَمُطَرِّحٌ مَجْهُولٌ، وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زُحَرَ ضَعِيفٌ، وَالْقَاسِمُ ضَعِيفٌ، وَعَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ دِمَشْقِيٌّ مُطَّرَحٌ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ.وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ الأَنْدَلُسِيِّ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الأُُوَيْسِيِّ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لاَ يَحِلُّ تَعْلِيمُ الْمُغَنِّيَاتِ، وَلاَ شِرَاؤُهُنَّ، وَلاَ بَيْعُهُنَّ، وَلاَ اتِّخَاذُهُنَّ، وَثَمَنُهُنَّ حَرَامٌ وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ ذَلِكَ فِي كِتَابِهِ: {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ، عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا رَفَعَ رَجُلٌ عَقِيرَتَهُ بِالْغِنَاءِ إِلاَّ ارْتَدَفَهُ شَيْطَانَانِ يَضْرِبَانِ بِأَرْجُلِهِمَا صَدْرَهُ وَظَهْرَهُ حَتَّى يَسْكُتَ".
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ حَبِيبٍ أَيْضًا، أَخْبَرَنَا ابْنُ مَعْبَدٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ أَعْيَنَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إنَّ اللَّهَ حَرَّمَ تَعْلِيمَ الْمُغَنِّيَاتِ وَشِرَاءَهُنَّ، وَبَيْعَهُنَّ، وَأَكْلَ أَثْمَانِهِنَّ" أَمَّا الأَوَّلُ: فَعَبْدُ الْمَلِكِ هَالِكٌ، وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ ضَعِيفٌ، وَعَلِيُّ بْنُ يَزِيدَ ضَعِيفٌ مَتْرُوكُ الْحَدِيثِ، وَالْقَاسِمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ضَعِيفٌ وَالثَّانِي: عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، وَالْقَاسِمِ أَيْضًا، وَمُوسَى بْنُ أَعْيَنَ ضَعِيفٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الأُُوَيْسِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِي إبِلٌ، أَفَأَحْدُو فِيهَا قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَفَأُغَنِّي فِيهَا قَالَ: اعْلَمْ أَنَّ الْمُغَنِّيَ أُذُنَاهُ بِيَدِ شَيْطَانٍ يُرْغِمُهُ حَتَّى يَسْكُتَ. هَذَا عَبْدُ الْمَلِكِ، وَالْعُمَرِيُّ الصَّغِيرُ وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا أَبُو دَاوُد هُوَ سُلَيْمُ بْنُ سَالِمٍ بَصْرِيٌّ أَنَا حَسَّانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يُمْسَخُ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ يَشْهَدُونَ أَنْ لاَ إلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ: نَعَمْ، وَيُصَلُّونَ، وَيَصُومُونَ، وَيَحُجُّونَ قَالُوا: فَمَا بَالُهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : اتَّخَذُوا الْمَعَازِفَ وَالْقَيْنَاتِ، وَالدُّفُوفَ، وَيَشْرَبُونَ هَذِهِ الأَشْرِبَةَ فَبَاتُوا عَلَى لَهْوِهِمْ، وَشَرَابِهِمْ، فَأَصْبَحُوا قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ" هَذَا عَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمَّ، وَلَمْ يُدْرَ مَنْ هُوَ
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَيْضًا أَنَا الْحَارِثُ بْنُ نَبْهَانَ

أَنَا فَرْقَدٌ السَّبَخِيُّ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:: " تَبِيتُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى لَهْوٍ وَلَعِبٍ، وَأَكْلٍ وَشُرْبٍ، فَيُصْبِحُوا قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ، يَكُونُ فِيهَا خَسْفٌ، وَقَذْفٌ، وَيُبْعَثُ عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَائِهِمْ رِيحٌ فَتَنْسِفُهُمْ، كَمَا نَسَفَتْ مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ بِاسْتِحْلاَلِهِمْ الْحَرَامَ، وَلُبْسِهِمْ الْحَرِيرَ، وَضَرْبِهِمْ الدُّفُوفَ، وَاِتِّخَاذِهِمْ الْقِيَانَ" وَالْحَارِثُ بْنُ نَبْهَانَ لاَ يُكْتَبُ حَدِيثُهُ. وَفَرْقَدٌ السَّبَخِيُّ ضَعِيفٌ، نَعَمْ: وَسُلَيْمُ بْنُ سَالِمٍ، وَحَسَّانُ بْنُ أَبِي سِنَانٍ، وَعَاصِمُ بْنُ عَمْرٍو: لاَ أَعْرِفُهُمْ فَسَقَطَ هَذَانِ الْخَبَرَانِ بِيَقِينٍ وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا فَرَجُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ اللَّهَ بَعَثَنِي رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَأَمَرَنِي بِمَحْوِ الْمَعَازِفِ، وَالْمَزَامِيرِ، وَالأَوْثَانِ، وَالصُّلُبِ لاَ يَحِلُّ بَيْعُهُنَّ، وَلاَ شِرَاؤُهُنَّ، وَلاَ تَعْلِيمُهُنَّ، وَلاَ التِّجَارَةُ بِهِنَّ، وَثَمَنُهُنَّ حَرَامٌ" نَعْنِي الضَّوَارِبَ الْقَاسِمُ ضَعِيفٌ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ قَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ: أَنَا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ أَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ أَنَا عَطِيَّةُ بْنُ قَيْسٍ الْكِلاَبِيُّ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غُنْمٍ الأَشْعَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَامِرٍ أَوْ أَبُو مَالِكٍ الأَشْعَرِيُّ وَوَاللَّهِ مَا كَذَبَنِي أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي قَوْمٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ، وَالْخَمْرَ، وَالْمَعَازِفَ وَهَذَا مُنْقَطِعٌ لَمْ يَتَّصِلْ مَا بَيْنَ الْبُخَارِيِّ وَصَدَقَةَ بْنِ خَالِدٍ، وَلاَ يَصِحُّ فِي هَذَا الْبَابِ شَيْءٌ أَبَدًا، وَكُلُّ مَا فِيهِ فَمَوْضُوعٌ، وَوَاللَّهِ لَوْ أُسْنِدَ جَمِيعُهُ أَوْ وَاحِدٌ مِنْهُ فَأَكْثَرَ مِنْ طَرِيقِ الثِّقَاتِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَا تَرَدَّدْنَا فِي الأَخْذِ بِهِ. وَلَوْ كَانَ مَا فِي هَذِهِ الأَخْبَارِ حَقًّا مِنْ أَنَّهُ لاَ يَحِلُّ بَيْعُهُنَّ لَوَجَبَ أَنْ يُحَدَّ مَنْ وَطِئَهُنَّ بِالشِّرَاءِ، وَأَنْ لاَ يَلْحَقَ بِهِ وَلَدُهُ مِنْهَا. ثُمَّ لَيْسَ فِيهَا تَحْرِيمُ مِلْكِهِنَّ، وَقَدْ تَكُونُ أَشْيَاءُ يَحْرُمُ بَيْعُهَا وَيَحِلُّ مِلْكُهَا وَتَمْلِيكُهَا كَالْمَاءِ، وَالْهِرِّ، وَالْكَلْبِ. هَذَا كُلُّ مَا حَضَرَنَا ذِكْرُهُ مِمَّا أُضِيفَ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَأَمَّا عَمَّنْ دُونَهُ عليه السلام: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ صَخْرٍ، عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ أَبِي الصَّهْبَاءِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى :{وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ، عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} الآيَةَ، فَقَالَ: الْغِنَاءُ، وَاَلَّذِي لاَ إلَهَ غَيْرُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الآيَةِ، قَالَ: الْغِنَاءُ، وَشِرَاءُ الْمُغَنِّيَةِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الآيَةِ، قَالَ: الْغِنَاءُ، وَنَحْوُهُ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ، عَنْ أَبِي هَاشِمٍ الْكُوفِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ

قَالَ: الدُّفُّ حَرَامٌ، وَالْمَعَازِفُ حَرَامٌ: وَالْمِزْمَارُ حَرَامٌ، وَالْكُوبَةُ حَرَامٌ وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: الْغِنَاءُ يُنْبِتُ النِّفَاقَ فِي الْقَلْبِ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا أَبُو وَكِيعٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: كَانَ أَصْحَابُنَا يَأْخُذُونَ بِأَفْوَاهِ السِّكَكِ يَخْرِقُونَ الدُّفُوفَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا وَكِيعٌ، عَنْ سُفْيَانَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} قَالَ: الْغِنَاءُ وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانُ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ فِي هَذِهِ الآيَةِ، قَالَ: هُوَ الْغِنَاءُ.
قال أبو محمد: "لاَ حُجَّةَ فِي هَذَا كُلِّهِ لِوُجُوهٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ لاَ حُجَّةَ لأََحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَالثَّانِي أَنَّهُ قَدْ خَالَفَ غَيْرَهُمْ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. وَالثَّالِثُ: أَنَّ نَصَّ الآيَةِ يُبْطِلُ احْتِجَاجَهُمْ بِهَا"، لأََنَّ فِيهَا { وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} وَهَذِهِ صِفَةٌ مَنْ فَعَلَهَا كَانَ كَافِرًا، بِلاَ خِلاَفٍ، إذَا اتَّخَذَ سَبِيلَ اللَّهِ تَعَالَى هُزُوًا. وَلَوْ أَنَّ امْرَأً اشْتَرَى مُصْحَفًا لِيُضِلَّ بِهِ، عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَتَّخِذُهَا هُزُوًا لَكَانَ كَافِرًا، فَهَذَا هُوَ الَّذِي ذَمَّ اللَّهُ تَعَالَى، وَمَا ذَمَّ قَطُّ، عَزَّ وَجَلَّ، مَنْ اشْتَرَى لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيَلْتَهِيَ بِهِ وَيُرَوِّحَ نَفْسَهُ، لاَ لِيُضِلَّ، عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى، فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِقَوْلِ كُلِّ مَنْ ذَكَرْنَا. وَكَذَلِكَ مَنْ اشْتَغَلَ عَامِدًا، عَنِ الصَّلاَةِ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، أَوْ بِقِرَاءَةِ السُّنَنِ، أَوْ بِحَدِيثٍ يَتَحَدَّثُ بِهِ أَوْ يَنْظُرُ فِي مَالِهِ، أَوْ بِغِنَاءٍ، أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ، فَهُوَ فَاسِقٌ، عَاصٍ لِلَّهِ تَعَالَى، وَمَنْ لَمْ يُضَيِّعْ شَيْئًا مِنْ الْفَرَائِضِ اشْتِغَالاً بِمَا ذَكَرْنَا فَهُوَ مُحْسِنٌ. وَاحْتَجُّوا فَقَالُوا: مِنْ الْحَقِّ الْغِنَاءُ أَمْ مِنْ غَيْرِ الْحَقِّ وَلاَ سَبِيلَ إلَى قِسْمٍ ثَالِثٍ فَقَالُوا: وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ} فَجَوَابُنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ نَوَى" بِاسْتِمَاعِ الْغِنَاءِ عَوْنًا عَلَى مَعْصِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ فَاسِقٌ، وَكَذَلِكَ كُلُّ شَيْءٍ غَيْرُ الْغِنَاءِ، وَمَنْ نَوَى بِهِ تَرْوِيحَ نَفْسِهِ لِيَقْوَى بِذَلِكَ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، وَيُنَشِّطَ نَفْسَهُ بِذَلِكَ عَلَى الْبِرِّ فَهُوَ مُطِيعٌ مُحْسِنٌ، وَفِعْلُهُ هَذَا مِنْ الْحَقِّ، وَمَنْ لَمْ يَنْوِ طَاعَةً، وَلاَ مَعْصِيَةً فَهُوَ لَغْوٌ مَعْفُوٌّ عَنْهُ كَخُرُوجِ الإِنْسَانِ إلَى بُسْتَانِهِ مُتَنَزِّهًا، وَقُعُودِهِ عَلَى بَابِ دَارِهِ مُتَفَرِّجًا وَصِبَاغِهِ ثَوْبَهُ لاَزَوَرْدِيًّا أَوْ أَخْضَرَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ، وَمَدِّ سَاقِهِ وَقَبْضِهَا وَسَائِرِ أَفْعَالِهِ فَبَطَلَ كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ بُطْلاَنًا مُتَيَقَّنًا وَلِلَّهِ تَعَالَى الْحَمْدُ، وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ شُبْهَةً غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا.

وَأَمَّا الشِّطْرَنْجُ: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ لَعِبَ بِالْمَيْسِرِ يَعْنِي النَّرْدَ وَالشِّطْرَنْجَ ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي مِثْلَ الَّذِي يَتَوَضَّأُ بِالْقَيْحِ وَدَمِ الْخِنْزِيرِ ثُمَّ يُصَلِّي أَفَنَقُولُ: يَقْبَلُ اللَّهُ صَلاَتَهُ" ؟ هَذَا مُرْسَلٌ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ سَاقِطٌ، وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ الْمَاجِشُونِ ضَعِيفٌ.
وهذا الخبر حُجَّةٌ عَلَى الْمَالِكِيِّينَ. وَالْحَنَفِيِّينَ، الْقَائِلِينَ بِالْمُرْسَلِ، لأََنَّهُمْ يَلْزَمُهُمْ الأَخْذُ بِهِ فَيَنْقُضُونَ الْوُضُوءَ بِلَعِبِ الشِّطْرَنْجِ، فَإِنْ تَرَكُوهُ تَنَاقَضُوا وَتَلاَعَبُواَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ أَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى. وَعَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ حَبَّةَ بْنِ سَلَمٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الشِّطْرَنْجُ مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَنْ لَعِبَ بِهَا، وَالنَّاظِرُ إلَيْهَا كَآكِلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ. ابْنُ حَبِيبٍ لاَ شَيْءَ، وَأَسَدٌ ضَعِيفٌ، وَحَبَّةُ بْنُ سَلَمٍ مَجْهُولٌ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ".
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ حَبِيبٍ حَدَّثَنَا الْجُذَامِيُّ، عَنِ ابْنِ أَبِي رَوَّادٍ، عَنْ أَبِيهِ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَاحِبُ الشَّاهِ الَّذِي يَقُولُ: قَتَلْتُهُ، وَاَللَّهِ أَهْلَكْتُهُ، وَاَللَّهِ اسْتَأْصَلْتُهُ، وَاَللَّهِ إفْكًا وَزُورًا وَكَذِبًا عَلَى اللَّهِ" عَبْدُ الْمَلِكِ لاَ شَيْءَ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ. وَرَوَوْا فِي ذَلِكَ عَمَّنْ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ حَبِيبٍ، عَنْ أَصْبَغَ بْنِ الْفَرَجِ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قَبِيلٍ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ: لاََنْ أَعْبُدَ وَثَنًا مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَلْعَبَ بِالشِّطْرَنْجِ هَذَا كَذِبٌ بَحْتٌ وَمَعَاذَ اللَّهِ أَنْ يَقُولَ صَاحِبٌ إنَّ عِبَادَةَ الأَوْثَانِ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى يَعْدِلُهَا شَيْءٌ مِنْ الذُّنُوبِ فَكَيْفَ أَنْ يَكُونَ الْكُفْرُ أَخَفَّ مِنْهَا وَيَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ لاَ شَيْءَ وَأَبُو قَبِيلٍ غَيْرُ مَذْكُورٍ بِالْعَدَالَةِ.وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ حَبِيبٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَعْبَدٍ، وَأَسَدِ بْنِ مُوسَى، عَنْ رِجَالِهِمَا: أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ مَرَّ بِرِجَالٍ يَلْعَبُونَ بِشِطْرَنْجٍ فَقَالَ: مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ لاََنْ يُمْسِكَ أَحَدُكُمْ جَمْرَةً حَتَّى تُطْفَى خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّهَا، لَوْلاَ أَنْ تَكُونَ سُنَّةً لَضَرَبْت بِهَا وُجُوهَكُمْ ثُمَّ أَمَرَ بِهِمْ فَحُبِسُوا. هَذَا مُنْقَطِعٌ، وَفِيهِ ابْنُ حَبِيبٍ مَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَيْئًا غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا. وَالْجَوَابُ، عَنْ قَوْلِهِمْ أَهُوَ مِنْ الْحَقِّ أَمْ مِنْ الْبَاطِلِ كَجَوَابِنَا فِي الْغِنَاءِ، وَلاَ فَرْقَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
قال أبو محمد: "فَلَمَّا لَمْ يَأْتِ، عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلاَ عَنْ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم تَفْصِيلٌ بِتَحْرِيمِ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا صَحَّ أَنَّهُ كُلُّهُ حَلاَلٌ مُطْلَقٌ" فَكَيْفَ وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي هَارُونُ بْنُ سَعِيدٍ الأَيْلِيُّ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ أَنَا عَمْرُو، هُوَ ابْنُ الْحَارِثِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ حَدَّثَهُ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ "أَنَّ أَبَا بَكْرٍ دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ وَتَضْرِبَانِ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُسَجًّى بِثَوْبِهِ، فَانْتَهَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ، فَكَشَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجْهَهُ وَقَالَ: دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ" وَبِهِ

أَيْضًا إلَى عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، هُوَ أَبُو الأَسْوَدِ حَدَّثَهُ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ " قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ بُعَاثٍ فَاضْطَجَعَ عَلَى الْفِرَاشِ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَانْتَهَرَنِي وَقَالَ لِي: أَمِزْمَارُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: دَعْهُمَا" فإن قيل: "قَدْ رَوَيْتُمْ هَذَا الْخَبَرَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ "، عَنْ عَائِشَةَ وَقَالَ فِيهِ: "وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ "قلنا: "نَعَمْ"، وَلَكِنَّهَا قَدْ قَالَتْ: "إنَّهُمَا كَانَتَا تُغَنِّيَانِ فَالْغِنَاءُ مِنْهُمَا قَدْ صَحّ"َ، وَقَوْلُهَا " لَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ " أَيْ لَيْسَتَا بِمُحْسِنَتَيْنِ. وَهَذَا كُلُّهُ لاَ حُجَّةَ فِيهِ إنَّمَا الْحُجَّةُ فِي إنْكَارِهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَبِي بَكْرٍ قَوْلَهُ: أَمِزْمَارُ الشَّيْطَانِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَحَّ أَنَّهُ مُبَاحٌ مُطْلَقٌ، لاَ كَرَاهِيَةَ فِيهِ، وَأَنَّ مَنْ أَنْكَرَهُ فَقَدْ أَخْطَأَ بِلاَ شَكٍّ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد أَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُبَيْدٍ الْغُدَانِيُّ أَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ أَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مُوسَى، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ قَالَ: "سَمِعَ ابْنُ عُمَرَ مِزْمَارًا فَوَضَعَ أُصْبُعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ، وَنَأَى"، عَنِ الطَّرِيقِ وَقَالَ لِي: "يَا نَافِعُ هَلْ تَسْمَعُ شَيْئًا" قُلْتُ: " لاَ، فَرَفَعَ أُصْبُعَيْهِ مِنْ أُذُنَيْهِ" وَقَالَ: "كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَسَمِعَ مِثْلَ هَذَا وَصَنَعَ مِثْلَ هَذَا".
قال أبو محمد: "هَذِهِ هِيَ الْحُجَّةُ الْقَاطِعَةُ بِصِحَّةِ هَذِهِ الأَسَانِيدِ، وَلَوْ كَانَ الْمِزْمَارُ حَرَامًا سَمَاعُهُ لَمَا أَبَاحَ عليه السلام لأَبْنِ عُمَرَ سَمَاعَهُ، وَلَوْ كَانَ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ حَرَامًا سَمَاعُهُ لَمَا أَبَاحَ لِنَافِعٍ سَمَاعَهُ، وَلاََمَرَ عليه السلام بِكَسْرِهِ وَبِالسُّكُوتِ عَنْهُ، فَمَا فَعَلَ عليه السلام شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. وَإِنَّمَا تَجَنَّبَ عليه السلام سَمَاعَهُ كَتَجَنُّبِهِ أَكْثَرَ الْمُبَاحِ مِنْ أَكْثَرِ أُمُورِ الدُّنْيَا، كَتَجَنُّبِهِ الأَكْلَ مُتَّكِئًا، وَأَنْ يَبِيتَ عِنْدَهُ دِينَارٌ أَوْ دِرْهَمٌ، وَأَنْ يُعَلِّقَ السُّتُرَ عَلَى سَهْوَةٍ فِي الْبَيْتِ وَالسُّتُرُ الْمُوَشَّى فِي بَيْتِ فَاطِمَةَ فَقَطْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ".وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ أَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ أَنَا جَرِيرٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ: جَاءَ حَبَشٌ يَزْفِنُونَ فِي يَوْمِ عِيدٍ فِي الْمَسْجِدِ فَدَعَانِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَتَّى وَضَعْتُ رَأْسِي عَلَى مَنْكِبِهِ فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إلَى لَعِبِهِمْ حَتَّى كُنْتُ أَنَا الَّتِي انْصَرَفْتُ، عَنِ النَّظَرِلارُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ الْبَجَلِيِّ أَنَّهُ رَأَى أَبَا مَسْعُودٍ الْبَدْرِيَّ، وَقَرَظَةَ بْنَ كَعْبٍ، وَثَابِتَ بْنَ يَزِيدَ وَهُمْ فِي عُرْسٍ وَعِنْدَهُمْ غِنَاءٌ فَقُلْت لَهُمْ: هَذَا وَأَنْتُمْ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: إنَّهُ رَخَّصَ لَنَا فِي الْغِنَاءِ فِي الْعُرْسِ، وَالْبُكَاءِ عَلَى الْمَيِّتِ مِنْ غَيْرِ نَوْحٍ لَيْسَ فِيهِ النَّهْيُ، عَنِ الْغِنَاءِ فِي غَيْرِ الْعُرْسِ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ أَنَا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ، وَهِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، وَسَلَمَةُ، هُوَ ابْنُ كُهَيْلٍ دَخَلَ حَدِيثُ بَعْضِهِمْ فِي حَدِيثِ بَعْضٍ، كُلِّهِمْ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ

أَنَّ رَجُلاً قَدِمَ الْمَدِينَةَ بِجِوَارٍ فَأَتَى إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ فَعَرَضَهُنَّ عَلَيْهِ، فَأَمَرَ جَارِيَةً مِنْهُنَّ فَأَحْدَتْ، قَالَ أَيُّوبُ: "ِالدُّفِّ", وَقَالَ هِشَامٌ: "ِالْعُود"، حَتَّى ظَنَّ ابْنُ عُمَرَ أَنَّهُ قَدْ نَظَرَ إلَى ذَلِكَ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: "َسْبُك سَائِرَ الْيَوْمِ مِنْ مَزْمُورِ الشَّيْطَانِ", فَسَاوَمَهُ، ثُمَّ جَاءَ الرَّجُلُ إلَى ابْنِ عُمَرَ فَقَالَ: "يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إنِّي غُبِنْتُ بِسَبْعِمِائَةِ دِرْهَمٍ", فَأَتَى ابْنُ عُمَرَ إلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ فَقَالَ لَهُ: إنَّهُ غُبِنَ بِسَبْعِمِائَةِ دِرْهَمٍ، فإما أَنْ تُعْطِيَهَا إيَّاهُ، وَأَمَّا أَنْ تَرُدَّ عَلَيْهِ بَيْعَهُ، فَقَالَ: بَلْ نُعْطِيهَا إيَّاهُ َهَذَا ابْنُ عُمَرَ قَدْ سَمِعَ الْغِنَاءَ وَسَعَى فِي بَيْعِ الْمُغَنِّيَةِ، وَهَذِهِ أَسَانِيدُ صَحِيحَةٌ لاَ تِلْكَ الْمُلَفَّقَاتُ الْمَوْضُوعَةُ َمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ أَنَا فُضَيْلُ بْنُ مَرْزُوقٍ، عَنْ مَيْسَرَةَ النَّهْدِيِّ قَالَ: مَرَّ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِقَوْمٍ يَلْعَبُونَ بِالشِّطْرَنْجِ فَقَالَ: مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ فَلَمْ يُنْكِرْ إِلاَّ التَّمَاثِيلَ فَقَطْ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عَنْهُ لاَ تِلْكَ الزِّيَادَةُ الْمَكْذُوبَةُ الَّتِي رَوَاهَا مَنْ لاَ خَيْرَ فِيهِ.فإن قيل: قَدْ رَوَى: أَعْلِنُوا النِّكَاحَ وَاضْرِبُوا عَلَيْهِ بِالْغِرْبَالِ قلنا: هَذَا سَاقِطٌ، لأََنَّهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ، عَنْ أَصْبَغَ، عَنِ السَّبِيعِيِّ، عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَهُ وَعَبْدُ الْمَلِكِ سَاقِطٌ، وَالسَّبِيعِيُّ مَجْهُولٌ، ثُمَّ هُوَ مُنْقَطِعٌ.فإن قيل: الدُّفُّ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ قلنا: هَذَا الْبَاطِلُ: وَرُوِّينَا مِنْ أَصَحِّ طَرِيقٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ أَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ حَدَّثَنِي مَنْصُورُ بْنُ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ: أَنَّ أَصْحَابَ ابْنِ مَسْعُودٍ كَانُوا يَسْتَقْبِلُونَ الْجَوَارِي فِي الْمَدِينَةِ مَعَهُنَّ الدُّفُوفُ فَيُشَقِّقُونَهَا. وَقَدْ جَاءَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُمَا كَانَا يُحْسِنَانِ اللَّعِبَ بِالشِّطْرَنْجِ وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ كَانَ يُغَنِّي بِالْعُودِ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

والبيع في المسجد مكروه وهو جائز
1566 - مَسْأَلَةٌ: وَالْبَيْعُ فِي الْمَسْجِدِ مَكْرُوهٌ، وَهُوَ جَائِزٌ لاَ يُرَدُّ، وَالْبَيْعُ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ جَائِزٌ. وَابْتِيَاعُ الْمَرْءِ مَا لَيْسَ عِنْدَهُ ثَمَنُهُ جَائِزٌ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَقَدْ رُوِيَتْ فِي ذَلِكَ آثَارٌ لاَ تَصِحُّ: رَوَى الرَّبِيعُ بْنُ حَبِيبٍ، عَنْ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ وَكُلُّهُمْ مَجْهُولُونَ عَنْ عَلِيٍّ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ السَّوْمِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ .وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي أُسَامَةُ، هُوَ ابْنُ زَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي الْمَسْجِدِ. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلاَنَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ التَّحَلُّقِ فِي الْمَسْجِدِ قَبْلَ الصَّلاَةِ، وَعَنِ الْبَيْعِ، وَالشِّرَاءِ فِي الْمَسْجِدِ هَذِهِ صَحِيفَةٌ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ وَكِيعٍ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ سِمَاكٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ابْتَاعَ مِنْ غَيْرِهِ بَيْعًا وَلَيْسَ عِنْدَهُ ثَمَنُهُ فَأَرْبَحَ فِيهِ فَبَاعَهُ وَتَصَدَّقَ بِالثَّمَنِ

عَلَى أَرَامِلِ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، ثُمَّ قَالَ: لاَ أَشْتَرِي بَعْدَهَا شَيْئًا إِلاَّ وَعِنْدِي ثَمَنُهُ سِمَاكٌ، وَشَرِيكٌ ضَعِيفَانِ. وَرُوِيَ مِنْ طَرِيقِ الدَّرَاوَرْدِيِّ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُصَيْفَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ بْنِ ثَوْبَانَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: " إذَا رَأَيْتُمْ الرَّجُلَ يَنْشُدُ فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا لَهُ لاَ رَدَّ اللَّهُ عَلَيْكَ، وَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ يَبِيعُ فَقُولُوا لَهُ: لاَ أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَكَ" لَيْسَ فِيهِ مَنْعٌ مِنْ الْبَيْعِ، وَلَكِنَّهَا كَرَاهِيَةٌ.

والحكرة المضرة بالناس حرام
1567 - مَسْأَلَةٌ: وَالْحُكْرَةُ الْمُضِرَّةُ بِالنَّاسِ حَرَامٌ سَوَاءٌ فِي الأَبْتِيَاعِ أَوْ فِي إمْسَاكِ مَا ابْتَاعَ وَيُمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ. وَالْمُحْتَكِرُ فِي وَقْتِ رَخَاءٍ لَيْسَ آثِمًا، بَلْ هُوَ مُحْسِنٌ، لأََنَّ الْجُلَّابَ إذَا أَسْرَعُوا الْبَيْعَ أَكْثَرُوا الْجَلْبَ، وَإِذَا بَارَتْ سِلْعَتُهُمْ وَلَمْ يَجِدُوا لَهَا مُبْتَاعًا تَرَكُوا الْجَلْبَ، فَأَضَرَّ ذَلِكَ بِالْمُسْلِمِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} فإن قيل: فَإِنَّكُمْ تُصَحِّحُونَ الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلاَنَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، عَنْ مَعْمَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْعَدَوِيِّ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لاَ يَحْتَكِرُ إِلاَّ خَاطِئٌ . قلنا: نَعَمْ، وَلَكِنَّنَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَحْبِسُ، نَفَقَةَ أَهْلِهِ سَنَةً، ثُمَّ يَجْعَلُ مَا بَقِيَ مِنْ ثَمَرِهِ مَجْعَلَ مَالِ اللَّهِ" فَهَذَا النَّبِيُّ عليه السلام قَدْ احْتَبَسَ قُوتَ أَهْلِهِ سَنَةً، وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ أَكْثَرَفَصَحَّ أَنَّ إمْسَاكَ مَا لاَ بُدَّ مِنْهُ مُبَاحٌ، وَالشِّرَاءُ مُبَاحٌ وَالْمَذْكُورُ بِالذَّمِّ هُوَ غَيْرُ الْمُبَاحِ بِلاَ شَكٍّ، فَهَذَا الأَحْتِكَارُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ، وَكُلُّ احْتِكَارٍ فَإِنَّهُ إمْسَاكٌ وَالأَحْتِكَارُ مَذْمُومٌ، وَلَيْسَ كُلُّ إمْسَاكٍ مَذْمُومًا، بَلْ هُوَ مُبَاحٌ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ بِالْمَنْعِ مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ فَهُوَ الْمَذْمُومُ حِينَئِذٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَقَدْ رُوِّينَا حَدِيثًا مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، عَنْ أَصْبَغَ بْنِ زَيْدٍ الْجُهَنِيِّ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ أَبِي الزَّاهِرِيَّةِ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ مُرَّةَ الْحَضْرَمِيِّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ احْتَكَرَ طَعَامًا أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَقَدْ بَرِئَ مِنْ اللَّهِ وَبَرِئَ اللَّهُ مِنْهُ. وَهَذَا لاَ يَصِحُّ، لأََنَّ أَصْبَغَ بْنَ زَيْدٍ، وَكَثِيرَ بْنَ مُرَّةَ مَجْهُولاَنِ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ الْمُعْتَمِرِ بْنِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ

لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ أَخْبَرَنِي أَبُو الْحَكَمِ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَحْرَقَ طَعَامًا اُحْتُكِرَ بِمِائَةِ أَلْفٍ وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرُّؤَاسِيُّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، عَنِ الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: قَالَ حُبَيْشٌ أَحْرَقَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بَيَادِرَ بِالسَّوَادِ كُنْت احْتَكَرْتهَا، لَوْ تَرَكَهَا لَرَبِحْت فِيهَا مِثْلَ عَطَاءِ الْكُوفَةِ الْبَيَادِرُ أَنَادِرُ الطَّعَامِ.
قال أبو محمد: وَهَذَا بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ، وَيَلْزَمُ مَنْ شَنَّعَ بِمِثْلِ هَذَا أَنْ يَأْخُذَ بِهِ.

وان كان التجار االمسلمون اذا دخلوا أرض الحرب ...
1568 - مَسْأَلَةٌ: وَإِنْ كَانَ التُّجَّارُ الْمُسْلِمُونَ إذَا دَخَلُوا أَرْضَ الْحَرْبِ أُذِلُّوا بِهَا وَجَرَتْ عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْكُفَّارِ ، فَالتِّجَارَةُ إلَى أَرْضِ الْحَرْبِ حَرَامٌ، وَيُمْنَعُونَ مِنْ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَنَكْرَهُهَا فَقَطْ، وَالْبَيْعُ مِنْهُمْ جَائِزٌ إِلاَّ مَا يَتَقَوَّوْنَ بِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ مِنْ دَوَابَّ أَوْ سِلاَحٍ أَوْ حَدِيدٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَلاَ يَحِلُّ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ مِنْهُمْ أَصْلاً، قَالَ تَعَالَى: {فَلاَ تَهِنُوا وَتَدْعُوا إلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ} فَالدُّخُولُ إلَيْهِمْ بِحَيْثُ تَجْرِي عَلَى الدَّاخِلِ أَحْكَامُهُمْ وَهَنٌ وَانْسِفَالٌ وَدُعَاءٌ إلَى السَّلْمِ وَهَذَا كُلُّهُ مُحَرَّمٌ، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلاَ تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} فَتَقْوِيَتُهُمْ بِالْبَيْعِ وَغَيْرِهِ مِمَّا يَقْوَوْنَ بِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حَرَامٌ، وَيُنَكَّلُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ، وَيُبَالَغُ فِي طُولِ حَبْسِهِ.

ومن اشترى سلعة على السلامة من العيوب فوجدها معيبة ....
1569 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً عَلَى السَّلاَمَةِ مِنْ الْعُيُوبِ فَوَجَدَهَا مَعِيبَةً فَهِيَ صَفْقَةٌ مَفْسُوخَةٌ كُلُّهَا، لاَ خِيَارَ لَهُ فِي إمْسَاكِهَا إِلاَّ بِأَنْ يُجَدِّدَا فِيهَا بَيْعًا آخَرَ بِتَرَاضٍ مِنْهُمَا، لأََنَّ الْمَعِيبَ بِلاَ شَكٍّ غَيْرُ السَّالِمِ، وَهُوَ إنَّمَا اشْتَرَى سَالِمًا فَأُعْطِيَ مَعِيبًا، فَاَلَّذِي أُعْطِيَ غَيْرُ الَّذِي اشْتَرَى فَلاَ يَحِلُّ لَهُ مَا لَمْ يَشْتَرِ، لأََنَّهُ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ" وَقَالَ تَعَالَى: {لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً، عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} وَقَدْ ذَكَرْنَا كَلاَمًا كَثِيرًا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا سَلَفَ مِنْ كِتَابِنَا هَذَا، وَفِي هَذَا كِفَايَةٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

فإن لم يشترط السلامة ولا بين له معيب
1570 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ السَّلاَمَةَ، وَلاَ بُيِّنَ لَهُ مَعِيبٌ فَوَجَدَ عَيْبًا فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ إمْسَاكٍ أَوْ رَدٍّ، فَإِنْ أَمْسَكَ فَلاَ شَيْءَ لَهُ، لأََنَّهُ قَدْ رَضِيَ بِعَيْنِ مَا اشْتَرَى فَلَهُ أَنْ يَسْتَصْحِبَ رِضَاهُ، وَلَهُ أَنْ يَرُدَّ جَمِيعَ الصَّفْقَةِ، لأََنَّهُ وَجَدَ خَدِيعَةً وَغِشًّا وَغَبْنًا وَالْغِشُّ، وَالْخَدِيعَةُ: حَرَامَانِ. وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُمْسِكَ مَا اشْتَرَى، وَيَرْجِعَ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ، لأََنَّهُ إنَّمَا لَهُ تَرْكُ الرِّضَا بِمَا غُبِنَ فِيهِ فَقَطْ، وَلأََنَّهُ لَمْ يُوجِبْ لَهُ حَقًّا فِي مَالِ الْبَائِعِ: قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ، بَلْ مَالُهُ عَلَيْهِ حَرَامٌ كَمَا ذَكَرْنَا، وَلَيْسَ لَهُ رَدُّ الْبَعْضِ، لأََنَّ نَفْسَ الْمُعَامِلِ لَهُ لَمْ تَطِبْ لَهُ بِبَعْضِ مَا بَاعَ مِنْهُ دُونَ بَعْضٍ، وَلاَ يَحِلُّ مَالُ أَحَدٍ إِلاَّ بِتَرَاضٍ، أَوْ بِنَصٍّ يُوجِبُ إحْلاَلَهُ لِغَيْرِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَعِيبُ وَجْهَ

هذا حكم كل معيب حاشا المصراة فقط
1571- مَسْأَلَةٌ: هَذَا حُكْمُ كُلِّ مَعِيبٍ حَاشَا الْمُصَرَّاةَ فَقَطْ ، فَإِنَّ حُكْمَهَا أَنَّ مَنْ اشْتَرَى مُصَرَّاةً وَهِيَ مَا كَانَ يُحْلَبُ مِنْ إنَاثِ الْحَيَوَانِ، وَهُوَ يَظُنُّهَا لَبُونًا فَوَجَدَهَا قَدْ رُبِطَ ضَرْعُهَا حَتَّى اجْتَمَعَ اللَّبَنُ، فَلَمَّا حَلَبَهَا افْتَضَحَ لَهُ الأَمْرُ: فَلَهُ الْخِيَارُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ، فَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ، وَلاَ شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ شَاءَ رَدَّهَا وَرَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، وَلاَ بُدَّ. وَسَوَاءٌ كَانَتْ الْمُصَرَّاةُ وَاحِدَةً أَوْ اثْنَتَيْنِ أَوْ أَلْفًا أَوْ أَكْثَرَ لاَ يَرُدُّ فِي كُلِّ ذَلِكَ إِلاَّ صَاعًا وَاحِدًا مِنْ تَمْرٍ، وَسَوَاءٌ كَانَ اشْتَرَاهَا بِكَثِيرٍ أَوْ بِقَلِيلٍ، وَلَوْ بِعُشْرِ صَاعِ تَمْرٍ. فَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ الَّذِي فِي ضَرْعِهَا يَوْمَ اشْتَرَاهَا حَاضِرًا رَدَّهُ كَمَا هُوَ حَلِيبًا أَوْ حَامِضًا فَإِنْ كَانَ قَدْ اسْتَهْلَكَهُ رَدَّ مَعَهَا لَبَنًا مِثْلَهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ مَخَضَهُ أَوْ عَقَدَهُ رَدَّهُ، فَإِنْ نَقَصَ عَنْ قِيمَتِهِ لَبَنًا رَدَّ مَا بَيْنَ النَّقْصِ وَالتَّمَامِ، لأََنَّهُ لَبَنُ الْبَائِعِ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ رَدُّ مَا حَدَثَ مِنْ اللَّبَنِ فِي كَوْنِهَا عِنْدَهُ، لأََنَّهُ حَدَثَ فِي مَالِهِ فَهُوَ لَهُ. فَإِنْ رَدَّهَا بِعَيْبٍ آخَرَ غَيْرِ التَّصْرِيَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ رَدُّ التَّمْرِ وَلاَ شَيْءٍ غَيْرِ اللَّبَنِ الَّذِي كَانَ فِي ضَرْعِهَا إذَا اشْتَرَاهَا، فَإِنْ انْقَضَتْ الثَّلاَثَةُ الأَيَّامُ، وَلَمْ يَرُدَّهَا بَعْدُ لَزِمَتْهُ، وَبَطَلَ خِيَارُهُ إِلاَّ مِنْ عَيْبٍ آخَرَ غَيْرِ التَّصْرِيَةِ. وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ مُصَرَّاةً، لأََنَّ التَّصْرِيَةَ هِيَ الْجَمْعُ وَهَذِهِ جُمِعَ لَبَنُهَا وَهِيَ أَيْضًا الْمُحَفَّلَةُ، لأََنَّهُ قَدْ حُفِّلَ لَبَنُهَا فِي ضَرْعِهَا.
برهان ذَلِكَ: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ: سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صلى الله عليه وسلم "مَنْ ابْتَاعَ مُحَفَّلَةً أَوْ مُصَرَّاةً فَهُوَ بِالْخِيَارِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إنْ شَاءَ أَنْ يُمْسِكَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَرُدَّهَا رَدَّهَا وَصَاعًا مِنْ تَمْرٍ لاَ سَمْرَاءَ" السَّمْرَاءُ الْبُرُّ فَهَذَا خَبَرٌ صَحِيحٌ يَقْتَضِي كُلَّ مَا قُلْنَاهُ وَهُوَ الزَّائِدُ عَلَى سَائِرِ الأَخْبَارِ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، ثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ جَبَلَةَ، حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنِي زِيَادٌ قَالَ: إنَّ ثَابِتًا مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ اشْتَرَى غَنَمًا مُصَرَّاةً فَاحْتَلَبَهَا فَإِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا، وَإِنْ سَخِطَهَا فَفِي حَلْبَتِهَا صَاعٌ مِنْ تَمْرٍ" .
قال أبو محمد: رُوِّينَا خَبَرَ الْمُصَرَّاةِ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ سِيرِينَ، وَثَابِتٍ مَوْلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ كَمَا أَوْرَدْنَا وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ، وَمُوسَى بْنُ يَسَارٍ وَأَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ وَهَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ وَالأَعْرَجِ، وَمُجَاهِدٍ، وَأَبِي إِسْحَاقَ، وَيَزِيدَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أُذَيْنَةَ، وَغَيْرِهِمْ. وَرَوَاهُ عَنْ هَؤُلاَءِ: حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، وَدَاوُد بْنُ قَيْسٍ، وَسُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ، وَمَعْمَرٌ، وَأَيُّوبُ، وَحَبِيبُ بْنُ الشَّهِيدِ، وَهِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، وَمَالِكٌ، وَابْنُ عُيَيْنَةَ

فان فات المعيب بموت أو بيع.....
1572 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ فَاتَ الْمَعِيبُ بِمَوْتٍ، أَوْ بَيْعٍ، أَوْ عِتْقٍ، أَوْ إيلاَدٍ أَوْ تَلَفٍ ، فَلِلْمُشْتَرِي أَوْ الْبَائِعِ: الرُّجُوعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ، لأََنَّهُ إذَا لَمْ يَرْهَنْ وَأَخَذَ الْعَيْبَ بِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْغَبْنِ فَمَالُهُ حَرَامٌ عَلَى آخِذِهِ بِغَيْرِ رِضَاهُ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى رَدِّ الصَّفْقَةِ، فَالْوَاجِبُ الرُّجُوعُ بِمَا لَمْ يَرْضَ بِبَدَلِهِ مِنْ مَالِهِ, وَكَذَلِكَ مَنْ غُبِنَ فِي بَيْعِهِ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْغَبْنِ، وَلاَ بُدَّ, وَكَذَلِكَ مَنْ اشْتَرَى زَرِيعَةً فَزَرَعَهَا فَلَمْ تَنْبُتْ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِمَا بَيْنَ قِيمَتِهَا كَمَا هِيَ رَدِيئَةٌ وَبَيْنَ قِيمَتِهَا نَابِتَةٌ، لأََنَّهَا قَدْ تَلِفَتْ عَيْنُهَا، فَإِنَّمَا لَهُ الرُّجُوعُ بِقِيمَةِ الْغَبْنِ، فَإِنْ كَانَ اشْتَرَاهَا عَلَى أَنَّهَا نَابِتَةٌ فَالصَّفْقَةُ

فَاسِدَةٌ وَيَرُدُّ مِثْلَهَا أَوْ قِيمَتَهَا إنْ لَمْ تُوجَدْ وَيَرْجِعُ بِالثَّمَنِ كُلِّهِ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

فا باعه فرد عليه لم يكن له أن يرد هو لكن يرجع ..
1573 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ بَاعَهُ فَرُدَّ عَلَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ، لَكِنْ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَيْبِ فَقَطْ، لأََنَّهُ قَدْ بَطَلَ مَا كَانَ لَهُ مِنْ الرَّدِّ بِخُرُوجِ الْمَعِيبِ، عَنْ مِلْكِهِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا} وَلَمْ يَجِبْ لَهُ إِلاَّ قِيمَةُ الْغَبْنِ فَقَطْ، وَمَا سَقَطَ حُكْمُهُ بِبُرْهَانٍ فَلاَ يَرْجِعُ إِلاَّ بِنَصٍّ يُوجِبُ رُجُوعَهُ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

فان مات الذى له الرد قبل أن يلفظ بالردو
1574 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ مَاتَ الَّذِي لَهُ الرَّدُّ قَبْلَ أَنْ يَلْفِظَ بِالرَّدِّ، وَبِأَنَّهُ لاَ يَرْضَى: فَقَدْ لَزِمَتْ الصَّفْقَةُ وَرَثَتَهُ، لأََنَّ الْخِيَارَ لاَ يُورَثُ، إذْ لَيْسَ مَالاً، وَلأََنَّهُ قَدْ رَضِيَ بِالْعَقْدِ، فَهُوَ عَلَى الرِّضَا مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهُ غَيْرُ رَاضٍ، فَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ ذَلِكَ، فَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا} .

فان مات الذى يجب عليه به الرد هو ما حط من الثمن الذى اشترى به
1575 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ مَاتَ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ الرَّدُّ كَانَ لِوَاجِدِ الْعَيْبِ أَنْ يَرُدَّ الْمَعِيبَ عَلَى الْوَرَثَةِ، لأََنَّ لَهُ الرِّضَا أَوْ الرَّدَّ، فَلاَ يُبْطِلُهُ مَوْتُ الْغَابِنِ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

والعيب الذى يجب به الرد هو هو ما حط من الثمن الذى اشترى به أو باع به
1576 - مَسْأَلَةٌ: وَالْعَيْبُ الَّذِي يَجِبُ بِهِ الرَّدُّ: هُوَ مَا حَطَّ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَى بِهِ أَوْ بَاعَ بِهِ مَالاً يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ ، لأََنَّ هَذَا هُوَ الْغَبْنُ، لاَ غَبْنَ غَيْرُهُ. فَإِنْ كَانَ اشْتَرَى الشَّيْءَ بِثَمَنٍ هُوَ قِيمَتُهُ مَعِيبًا، أَوْ بَاعَهُ بِثَمَنٍ هُوَ قِيمَتُهُ مَعِيبًا وَهُوَ لاَ يَدْرِي الْعَيْبَ ثُمَّ وَجَدَ الْعَيْبَ فَلاَ رَدَّ لَهُ، لأََنَّهُ لَمْ يَجِدْ عَيْبًا. وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: "لَهُ الرَّدُّ" وَهَذَا خَطَأٌ فَاحِشٌ، لأََنَّهُ ظُلْمٌ لِلْبَائِعِ، وَعِنَايَةٌ وَمُحَابَاةٌ لِلْمُشْتَرِي بِلاَ برهان، لاَ مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ سُنَّةٍ.

فلو كان قد اشترى بثمن ثم اطلع على عيب
1577 - مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ كَانَ قَدْ اشْتَرَى بِثَمَنٍ ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى عَيْبٍ كَانَ يَحُطُّ مِنْ الثَّمَنِ حِينَ اشْتَرَاهُ إِلاَّ أَنَّهُ قَدْ غَلاَ حَتَّى صَارَ لاَ يَحُطُّ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ شَيْئًا، أَوْ زَالَ الْعَيْبُ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمَ بِهِ أَوْ بَعْدَ أَنْ عَلِمَ بِهِ، فَلَهُ الرَّدُّ فِي كُلِّ ذَلِكَ، لأََنَّهُ حِينَ الْعَقْدِ وَقَعَ عَلَيْهِ غَبْنٌ فَلَهُ أَنْ لاَ يَرْضَى بِالْغَبْنِ إذَا عَلِمَهُ، وَلاَ يُوجِبُ سُقُوطَ مَا لَهُ مِنْ الْخِيَارِ لِمَا ذَكَرْنَا قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ومن باع بدراهم أو بدنانير في الذمة أو الى أجل
1578 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ بَاعَ بِدَرَاهِمَ أَوْ بِدَنَانِيرَ فِي الذِّمَّةِ أَوْ إلَى أَجَلٍ، أَوْ سَلَمٍ فِيمَا يَجُوزُ فِيهِ السَّلَمُ فَلَمَّا قَبَضَ الثَّمَنَ، أَوْ مَا سَلَّمَ فِيهِ وَجَدَ عَيْبًا أَوْ اسْتَحَقَّ مَا أَخَذَ أَوْ بَعْضَهُ فَلَيْسَ لَهُ إِلاَّ الأَسْتِبْدَالُ فَقَطْ، لأََنَّهُ لَيْسَ لَهُ عَيْنٌ مُعَيَّنَةٌ، إنَّمَا لَهُ صِفَةٌ، فَاَلَّذِي أُعْطِيَ هُوَ غَيْرُ حَقِّهِ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ مَا لَيْسَ لَهُ، وَأَنْ يَطْلُبَ مَا لَهُ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ومن وكل وكيلا ليبتاع له شيئا
1579 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ وَكَّلَ وَكِيلاً لِيَبْتَاعَ لَهُ شَيْئًا سَمَّاهُ، فَابْتَاعَهُ لَهُ بِغَبْنٍ بِمَا لاَ يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ، أَوْ وَجَدَهُ مَعِيبًا عَيْبًا يَحُطُّ بِهِ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ: فَلَهُ مِنْ الرَّدِّ، أَوْ الإِمْسَاكِ، أَوْ الأَسْتِبْدَالِ، أَوْ مِنْ فَسْخِ الصَّفْقَةِ كَاَلَّذِي ذَكَرْنَا قَبْلُ سَوَاءً سَوَاءً، لأََنَّ يَدَ وَكِيلِهِ هِيَ يَدُهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

فان لم يعرف هل العيب حادث أم كان قبل البيع
1580 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْ هَلْ الْعَيْبُ حَادِثٌ أَمْ كَانَ قَبْلَ الْبَيْعِ فَلَيْسَ عَلَى الْمَرْدُودِ عَلَيْهِ إِلاَّ الْيَمِينُ : بِاَللَّهِ مَا بِعْته إيَّاهُ وَأَنَا أَدْرِي فِيهِ هَذَا الْعَيْبَ وَيَبْرَأُ، إِلاَّ أَنْ تَقُومَ بَيِّنَةُ عَدْلٍ بِأَنَّ هَذَا الْعَيْبَ أَقْدَمُ مِنْ أَمَدِ التَّبَايُعِ فَيُرَدُّ، لأََنَّ الصَّفْقَةَ بَيْعٌ، وَقَدْ أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ، فَلاَ يَجُوزُ نَقْضُهُ بِالدَّعَاوَى وَلاَ بِالظُّنُونِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ومن اشترى من اثنين فأكثر سلعة واحدة
1581 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ اشْتَرَى مِنْ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ سِلْعَةً وَاحِدَةً صَفْقَةً وَاحِدَةً فَوَجَدَ عَيْبًا لَهُ أَنْ يَرُدَّ حِصَّةَ مَنْ شَاءَ وَيَتَمَسَّكَ بِحِصَّةِ مَنْ شَاءَ، وَلَهُ أَنْ يَرُدَّ الْجَمِيعَ إنْ شَاءَ، أَوْ يُمْسِكَ الْكُلَّ كَذَلِكَ وَكَذَلِكَ لَوْ اُسْتُحِقَّتْ حِصَّةُ أَحَدِهِمْ لَمْ يَنْفَسِخْ الْعَقْدُ فِي حِصَّةِ الآخَرِ، لأََنَّ بَيْعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَوْ مِنْهُمْ حِصَّتَهُ عَقْدٌ غَيْرُ عَقْدِ الآخَرِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا، وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} .

وكذلك لو اشترى اثنان فصاعدا
1582 - مَسْأَلَةٌ: وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَى اثْنَانِ فَصَاعِدًا سِلْعَةً مِنْ وَاحِدٍ فَوَجَدَا عَيْبًا فَأَيُّهُمَا شَاءَ أَنْ يَرُدَّ رَدَّ، وَأَيُّهُمَا شَاءَ أَنْ يُمْسِكَ أَمْسَكَ، لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَنَّ صَفْقَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ صَفْقَةِ الآخَرِ فَكَذَلِكَ لَوْ اُسْتُحِقَّ الثَّمَنُ الَّذِي دَفَعَهُ أَحَدُهُمَا، وَكَانَ بِعَيْنِهِ فَإِنَّهُ يَنْفَسِخُ، وَلاَ يَنْفَسِخُ بِذَلِكَ عَقْدُ الآخَرِ فِي حِصَّتِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ومن اشترى سلعة فوجد بها عيبا
1583 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ اشْتَرَى سِلْعَةً فَوَجَدَ بِهَا عَيْبًا وَقَدْ كَانَ حَدَثَ عِنْدَهُ فِيهَا عَيْبٌ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ تَعَالَى، أَوْ مِنْ فِعْلِهِ، أَوْ مِنْ فِعْلِ غَيْرِهِ فَلَهُ الرَّدُّ، كَمَا قلنا، أَوْ الإِمْسَاكُ، وَلاَ يَرُدُّ مِنْ أَجْلِ مَا حَدَثَ عِنْدَهُ شَيْئًا، وَلاَ مِنْ أَجْلِ مَا أَحْدَثَ هُوَ فِيهِ شَيْئًا، لأََنَّهُ فِي مِلْكِهِ وَحَقِّهِ لَمْ يَتَعَدَّ، وَلاَ ظَلَمَ فِيهِ أَحَدًا، وَالْغَبْنُ قَدْ تَقَدَّمَ، فَلَهُ مَا قَدْ وَجَبَ لَهُ مِنْ رَدِّ الْغَبْنِ الَّذِي ظُلِمَ فِيهِ، وَلأََنَّهُ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ غَرَامَةً قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
.

ومن اشترى جارية أو دابة أو ثوبا
1584 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ اشْتَرَى جَارِيَةً، أَوْ دَابَّةً، أَوْ ثَوْبًا، أَوْ دَارًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَوَطِئَ الْجَارِيَةَ أَوْ افْتَضَّهَا إنْ كَانَتْ بِكْرًا، أَوْ زَوَّجَهَا فَحَمَلَتْ أَوْ لَمْ تَحْمِلْ، أَوْ لَبِسَ الثَّوْبَ، وَأَنْضَى الدَّابَّةَ وَسَكَنَ الدَّارَ، وَاسْتَعْمَلَ مَا اشْتَرَى وَاسْتَغَلَّهُ، وَطَالَ اسْتِعْمَالُهُ الْمَذْكُورُ أَوْ قَلَّ، ثُمَّ وَجَدَ عَيْبًا، فَلَهُ الرَّدُّ كَمَا ذَكَرْنَا أَوْ الإِمْسَاكُ. وَلاَ يَرُدُّ مَعَ ذَلِكَ شَيْئًا مِنْ أَجْلِ اسْتِعْمَالِهِ لِذَلِكَ، لأََنَّهُ تَصَرَّفَ فِي مَالِ نَفْسِهِ، وَفِي مَتَاعِهِ بِمَا أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنْ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمْ الْعَادُونَ} فَمَنْ لَمْ يَلُمْهُ اللَّهُ تَعَالَى وَأَبَاحَ لَهُ فِعْلَهُ ذَلِكَ فَهُوَ بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ مُحْسِنٌ. وَقَالَ تَعَالَى: {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} وَإِغْرَامُ الْمَالِ سَبِيلٌ مُسَبَّلَةٌ عَلَى مَنْ كُلِّفَهَا، وَقَدْ أَسْقَطَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ ذَلِكَ ثُمَّ هُوَ كَسَائِرِ وَاجِدِي الْغَبْنِ فِي أَنَّ لَهُ الرِّضَا، أَوْ الرَّدَّ، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ

ومن اطلع فيما اشترى على عيب
1585 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ اطَّلَعَ فِيمَا اشْتَرَى عَلَى عَيْبٍ يَجِبُ بِهِ الرَّدُّ فَلَهُ أَنْ يَرُدَّ سَاعَةَ يَجِدُ الْعَيْبَ وَلَهُ أَنْ يُمْسِكَ ثُمَّ يَرُدَّهُ مَتَى شَاءَ طَالَ ذَلِكَ الأَمَدُ أَمْ قَرُبَ. وَلاَ يُسْقِطُ مَا وَجَبَ لَهُ مِنْ الرَّدِّ تَصَرُّفُهُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْعَيْبِ بِالْوَطْءِ، وَالأَسْتِخْدَامِ، وَالرُّكُوبِ، وَاللِّبَاسِ، وَالسُّكْنَى، وَلاَ مُعَانَاتِهِ إزَالَةَ الْعَيْبِ، وَلاَ عَرْضِهِ إيَّاهُ عَلَى أَهْلِ الْعِلْمِ بِذَلِكَ الْعَيْبِ، وَلاَ تَعْرِيضِهِ ذَلِكَ الشَّيْءَ لِلْبَيْعِ. وَلاَ يُسْقِطُ مَا وَجَبَ لَهُ مِنْ الرَّدِّ إِلاَّ أَحَدُ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ لاَ سَادِسَ لَهَا، وَهِيَ نُطْقُهُ بِالرِّضَا بِإِمْسَاكِهِ، أَوْ خُرُوجُهُ كُلُّهُ، أَوْ بَعْضُهُ، عَنْ مِلْكِهِ، أَوْ إيلاَدُ الأَمَةِ، أَوْ مَوْتُهُ، أَوْ ذَهَابُ عَيْنِ الشَّيْءِ أَوْ بَعْضِهَا بِمَوْتٍ أَوْ غَيْرِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي ثَوْرٍ، وَغَيْرِهِ, وَمَنْ ادَّعَى سُقُوطَ مَا وَجَبَ لَهُ مِنْ الرَّدِّ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا قَبْلُ فَقَدْ ادَّعَى مَا لاَ برهان لَهُ بِهِ وَهَذَا بَاطِلٌ.
وبرهان صِحَّةِ قَوْلِنَا: "هُوَ أَنَّ الرَّدَّ قَدْ وَجَبَ لَهُ بِاتِّفَاقٍ مِنَّا وَمِنْ مُخَالِفِينَا"، وَبِمَا أَوْرَدْنَا مِنْ بَرَاهِينِ الْقُرْآنِ، وَالسُّنَّةِ فِي تَحْرِيمِ الْغِشِّ وَإِيجَابِ النَّصِيحَةِ. فَهُوَ عَلَى مَا وَجَبَ لَهُ، لاَ يَجُوزُ أَنْ يُسْقِطَ عَنْهُ إِلاَّ نَصٌّ، أَوْ إجْمَاعٌ مُتَيَقَّنٌ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى وُجُودِهِمَا هَهُنَا، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا قَبْلُ رِضًا وَأَمَّا سُقُوطُ الرَّدِّ بِالرِّضَا أَوْ بِخُرُوجِ الشَّيْءِ أَوْ بَعْضِهِ، عَنِ الْمِلْكِ أَوْ بِذَهَابِ بَعْضِ عَيْنِهِ أَوْ كُلِّهِ أَوْ بِمَوْتِهِ فَقَدْ ذَكَرْنَا الْبُرْهَانَ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ فِي ذَهَابِ عَيْنِهِ أَوْ بَعْضِهَا مُمْتَنِعٌ مِنْهُ الرَّدُّ لِمَا اشْتَرَى، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} وَأَمَّا الإِيلاَدُ فَقَدْ ذَكَرْنَا الْبُرْهَانَ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ جَوَازِ تَمْلِيكِ الْمَرْءِ أُمَّ وَلَدِهِ غَيْرَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ومن اشترى شيئا فوجد في عمقه عيبا
1586 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا فَوَجَدَ فِي عُمْقِهِ عَيْبًا، كَبَيْضٍ، أَوْ قِثَّاءٍ، أَوْ قَرْعٍ، أَوْ خَشَبٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ: فَلَهُ الرَّدُّ، أَوْ الإِمْسَاكُ، سَوَاءٌ كَانَ مِمَّا يُمْكِنُ التَّوَصُّلُ إلَى مَعْرِفَتِهِ أَوْ مِمَّا لاَ يُمْكِنُ، إِلاَّ بِكَسْرِهِ أَوْ شَقِّهِ، لأََنَّ الْغَبْنَ لاَ يَجُوزُ، وَلاَ يَحِلُّ، إِلاَّ بِرِضَا الْمَغْبُونِ وَمَعْرِفَتِهِ بِقَدْرِ الْغَبْنِ، وَطِيبِ نَفْسِهِ بِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ، وَالْبَائِعُ وَإِنْ كَانَ لَمْ يَقْصِدْ الْغِشَّ فَقَدْ حَصَلَ بِيَدِهِ مَالُ أَخِيهِ بِغَيْرِ رِضًا مِنْهُ، وَاَللَّهُ تَعَالَى قَدْ حَرَّمَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً، عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} وَلاَ يُمْكِنُ وُجُودُ الرِّضَا إِلاَّ بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ بِمَا يَرْضَى بِهِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ.

ومن اشترى عبدا أو أمة فبين له بعيب ...
1587 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا أَوْ أَمَةً، فَبُيِّنَ لَهُ بِعَيْبِ الإِبَاقِ أَوْ الصَّرْعِ، فَرَضِيَهُ فَقَدْ لَزِمَهُ، وَلاَ رُجُوعَ لَهُ بِشَيْءٍ عَرَفَ مُدَّةَ الإِبَاقِ، وَصِفَةَ الصَّرْعِ أَوْ لَمْ يُبَيَّنْ لَهُ ذَلِكَ، لأََنَّ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الإِبَاقِ إبَاقٌ. وَجَمِيعَ أَنْوَاعِ الصَّرْعِ صَرْعٌ، وَقَدْ رَضِيَ بِجُمْلَةِ إطْلاَقِ ذَلِكَ. فَلَوْ قُلِّلَ لَهُ الأَمْرُ فَوَجَدَ خِلاَفَ مَا بُيِّنَ لَهُ بَطَلَتْ الصَّفْقَةُ، لأََنَّهُ غَيْرُ مَا اشْتَرَى وَلَوْ وَجَدَ زِيَادَةً عَلَى مَا بُيِّنَ لَهُ فَلَهُ الْخِيَارُ فِي رَدٍّ أَوْ إمْسَاكٍ، لأََنَّهُ عَيْبٌ لَمْ يُبَيَّنْ لَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ومن اشترى عدلا على أن فيه عددا مسمى من الثياب أو كذا
1588 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ اشْتَرَى عِدْلاً عَلَى أَنَّ فِيهِ عَدَدًا مُسَمًّى مِنْ الثِّيَابِ، أَوْ كَذَا وَكَذَا رَطْلاً مِنْ سَمْنٍ أَوْ عَسَلٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُوزَنُ، أَوْ كَذَا وَكَذَا تُفَّاحَةً، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يُعَدُّ، أَوْ كَذَا وَكَذَا مُدًّا مِمَّا يُكَالُ أَوْ اشْتَرَى صُبْرَةً عَلَى أَنَّ فِيهَا كَذَا وَكَذَا قَفِيزًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ، أَوْ شَيْئًا عَلَى أَنَّ فِيهِ كَذَا وَكَذَا ذِرَاعًا، فَوَجَدَ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ فَالصَّفْقَةُ كُلُّهَا مَفْسُوخَةٌ أَبَدًا، لأََنَّهُ أَخَذَ غَيْرَ مَا اشْتَرَى فَهُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ لاَ بِتِجَارَةٍ، عَنْ تَرَاضٍ. وَبِالضَّرُورَةِ يَدْرِي كُلُّ سَلِيمِ الْحِسِّ أَنَّ الْعِدْلَ الَّذِي فِيهِ خَمْسُونَ ثَوْبًا لَيْسَ هُوَ الْعِدْلَ الَّذِي فِيهِ تِسْعَةٌ وَأَرْبَعُونَ ثَوْبًا، وَلاَ هُوَ أَيْضًا الْعِدْلَ الَّذِي فِيهِ وَاحِدٌ وَخَمْسُونَ ثَوْبًا، وَهَكَذَا أَيْضًا فِي سَائِرِ الأَعْدَادِ، وَالأَوْزَانِ. وَالأَكْيَالِ، وَالذَّرْعِ. فَلَوْ لَمْ يَقَعْ عَقْدُ الْبَيْعِ عَلَى ذَلِكَ لَكِنَّ الْمَعْهُودَ وَالْمَعْرُوفَ أَنَّ فِي تِلْكَ الأَعْدَالِ عَدَدًا مَعْرُوفًا، وَكَذَلِكَ تِلْكَ الصُّبْرَةُ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْمَكِيلاَتِ، وَالْمَوْزُونَاتِ، وَالْمَذْرُوعَاتِ، وَالْمَعْدُودَاتِ، أَوْ وَصَفَهُ الْبَائِعُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ، إِلاَّ أَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَنْعَقِدْ عَلَى ذَلِكَ. فَإِنْ كَانَ مَا وَجَدَ مِنْ النَّقْصِ يَحُطُّ مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي اشْتَرَاهُ بِهِ مَا لاَ يَتَغَابَنُ بِهِ النَّاسُ بِمِثْلِهِ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ رَدٍّ أَوْ إمْسَاكٍ، وَلاَ شَيْءَ لَهُ غَيْرُ ذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ مَا وَجَدَ مِنْ الزِّيَادَةِ يَزِيدُ عَلَى الثَّمَنِ الَّذِي بَاعَ بِهِ الْبَائِعُ زِيَادَةً لاَ يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِهَا، فَالْبَائِعُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ رَدٍّ أَوْ رِضًا، لأََنَّ كِلاَ الأَمْرَيْنِ غَبْنٌ لأََحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ، وَالْغَبْنُ لاَ يَحِلُّ إِلاَّ بِرِضَا الْمَغْبُونِ وَمَعْرِفَتِهِ بِقَدْرِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ، لاَ تِجَارَةٌ، عَنْ تَرَاضٍ، ، وَلَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى بِالْحِيَاطَةِ وَالنَّظَرِ لَهُ مِنْ الآخَرِ، وَمَنْ قَالَ غَيْرَ هَذَا فَهُوَ مُبْطِلٌ مُتَحَكِّمٌ بِلاَ برهان، وَبِاَللَّهِ تَعَالَى نَتَأَيَّدُ.

ومن قال لمعاملة : هذه دراهمك أو دنانيرك
1589- مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ قَالَ لِمُعَامِلِهِ: هَذِهِ دَرَاهِمُك أَوْ دَنَانِيرُك وَجَدْت فِيهَا هَذَا الرَّدِيءَ، أَوْ قَالَ الْمُشْتَرِي: هَذِهِ سِلْعَتُك وَجَدْت فِيهَا عَيْبًا فَقَالَ الآخَرُ: ، مَا أُمَيِّزُهَا، وَلاَ أَدْرِي أَنَّهَا دَرَاهِمِي، أَوْ دَنَانِيرِي، أَوْ سِلْعَتِي أَمْ لاَ فَإِنْ كَانَتْ لِلَّذِي يَذْكُرُ وُجُودَ الْعَيْبِ وَالرَّدِيءِ بَيِّنَةٌ بِأَنَّهَا تِلْكَ قُضِيَ لَهُ وَإِلَّا فَعَلَى الَّذِي يَقُولُ: لاَ أَدْرِي، الْيَمِينُ بِاَللَّهِ تَعَالَى مَا أَدْرِي مَا تَقُولُ، وَيَبْرَأُ، لأََنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِالْبَيِّنَةِ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ وَالْمُدَّعِي هَهُنَا هُوَ الَّذِي يُرِيدُ أَخْذَ شَيْءٍ مِنْ الآخَرِ، وَالْمُدَّعَى عَلَيْهِ هُوَ الَّذِي يُنْكِرُ وُجُوبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ وَالثَّمَنُ بِيَدِ الْمُشْتَرِي، فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، لأََنَّهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ خُرُوجَ مَا بِيَدِهِ، عَنْ يَدِهِ.

ومن رد بعيب وقد اغتل الوالد
1590 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ رَدَّ بِعَيْبٍ وَقَدْ اغْتَلَّ الْوَلَدَ، وَاللَّبَنَ، وَالثَّمَرَةَ، وَالْخَرَاجَ، وَغَيْرَ ذَلِكَ فَلَهُ الرَّدُّ، وَلاَ يَرُدُّ شَيْئًا مِنْ كُلِّ ذَلِكَ، لأََنَّهُ حَدَثَ فِي مَالِهِ وَفِي مِلْكِهِ، وَلَيْسَ مِمَّا وَقَعَ عَلَيْهِ الشِّرَاءُ، فَلاَ حَقَّ لِلْمَرْدُودِ عَلَيْهِ فِيهِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ

ومن كان لآخر عنده حق من بيع أو سلم
1591 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ كَانَ لأَخَرَ عِنْدَهُ حَقٌّ مِنْ بَيْعٍ أَوْ سَلَمٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ بِكَيْلٍ أَوْ وَزْنٍ أَوْ ذَرْعٍ ، فَالْوَزْنُ وَالْكَيْلُ وَالذَّرْعُ عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ. وَمَنْ كَانَ عَلَيْهِ دَنَانِيرُ أَوْ دَرَاهِمُ أَوْ شَيْءٌ بِصِفَةٍ مِنْ سَلَمٍ، أَوْ صَدَاقٍ، أَوْ إجَارَةٍ، أَوْ كِتَابَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَالتَّقْلِيبُ عَلَى الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ أَيْضًا، لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَى كُلِّ مَنْ عَلَيْهِ حَقٌّ أَنْ يُوفِيَ مَا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ مَنْ هُوَ لَهُ عَلَيْهِ وَحَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَنْ يُعْطَى كُلُّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَمَنْ كَانَ حَقُّهُ كَيْلاً أَوْ وَزْنًا أَوْ ذَرْعًا أَوْ عَدَدًا مَوْصُوفًا بِطِيبٍ، أَوْ بِصِفَةٍ مَا فَعَلَيْهِ إحْضَارُ مَا عَلَيْهِ كَمَا هُوَ عَلَيْهِ وَلاَ شَيْءَ عَلَى الَّذِي لَهُ الْحَقُّ، إنَّمَا الْحَقُّ لَهُ، وَلاَ حَقَّ عَلَيْهِ وَقَالَ تَعَالَى: {أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ}

وَقَالَ تَعَالَى: {وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ، وَلاَ تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ} فَإِنْ ذَكَرُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ الَّذِينَ إذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} قلنا: نَعَمْ، هَذَا هُوَ قَوْلُنَا، لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ فِي هَذِهِ الآيَةِ الْكَيْلَ وَالْوَزْنَ عَلَى الَّذِينَ عَلَيْهِمْ الْحَقُّ، وَتَوَعَّدَهُمْ عَلَى إخْسَارِ ذِي الْحَقِّ، وَعَلَى التَّطْفِيفِ، وَلَيْسَ فِي إخْبَارِهِ تَعَالَى بِأَنَّهُمْ إذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ يَكْتَالُونَ لأََنْفُسِهِمْ، وَأَنَّ الَّذِي لَهُمْ عَلَيْهِ الْحَقُّ لاَ يَكِيلُ لَهُمْ، لأََنَّهُ تَعَالَى إنَّمَا ذَكَرَ اسْتِيفَاءَهُمْ مَا لَهُمْ مِنْ الْكَيْلِ فَقَطْ، وَالأَسْتِيفَاءُ يَكُونُ بِكَيْلِ كَائِلٍ مَا، فَلاَ مُتَعَلِّقَ لَهُمْ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ وَصَحَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} أَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ هُوَ يَكِيلُ وَيَزِنُ، وَأَنَّهُ مَنْهِيٌّ، عَنِ الإِخْسَارِ.

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29