كتاب : المحلى
المؤلف : أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري

ثم نقول لَهُمْ: إنَّ الرَّضَاعَ لاَ يُرَاعَى فِيهِ نِيَّةٌ، بَلْ رَضَاعُ الْمَجْنُونَةِ، وَالنَّائِمَةِ، كَرَضَاعِ الْعَاقِلَةِ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : يُحَرَّمُ مِنْ الرَّضَاعِ مَا يُحَرَّمُ مِنْ النَّسَبِ فَلاَ مَدْخَلَ لِلإِرَادَةِ فِي الرَّضَاعِ، وَلاَ هُوَ عَمَلٌ أُمِرَتْ بِهِ فَيُرَاعَى فِيهِ نِيَّتُهَا. وَقَالُوا: وَجَدْنَا مَنْ أُكْرِهَ عَلَى وَطْءِ امْرَأَةِ ابْنِهِ يُحَرِّمُهَا عَلَى الأَبْنِ.
قال أبو محمد: وَهَذَا عَلَيْهِمْ فِي الْبَيْعِ، وَالصَّدَقَةِ، وَالإِقْرَارِ. وَجَوَابُنَا نَحْنُ أَنَّهُ إنْ أُخِذَ فَرْجُهُ فَأُدْخِلَ فِي فَرْجِهَا لَمْ يُحَرِّمْ شَيْئًا; لأََنَّهُ لَمْ يَنْكِحْهَا وَأَمَّا إنْ تُهُدِّدَ، أَوْ ضُرِبَ حَتَّى جَامَعَهَا بِنَفْسِهِ قَاصِدًا: فَهُوَ زَانٍ مُخْتَارٌ قَاصِدٌ، وَعَلَيْهِ الْحَدُّ، وَتُحَرَّمُ ; لأََنَّهُ لاَ حُكْمَ لِلإِكْرَاهِ هَهُنَا.
قَالَ عَلِيٌّ: وَنَقُولُ لَهُمْ: هَبْكُمْ أَنَّكُمْ وَجَدْتُمْ فِي الطَّلاَقِ، وَالْعِتْقِ: هَذِهِ الآثَارَ الْمَكْذُوبَةَ، فَأَيُّ شَيْءٍ وَجَدْتُمْ فِي النِّكَاحِ وَبِأَيِّ شَيْءٍ أَلْزَمْتُمُوهُ وَقَدْ صَحَّ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إبْطَالُهُ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ، وَمُجَمِّعٍ، ابْنَيْ يَزِيدَ بْنِ جَارِيَةَ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِذَامِ الأَنْصَارِيَّةِ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهِيَ ثَيِّبٌ، فَكَرِهَتْ ذَلِكَ، فَأَتَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَرَدَّ نِكَاحَهُ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ دَاوُد الْمِصِّيصِيُّ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ جَارِيَةً بِكْرًا أَتَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ: إنَّ أَبِي زَوَّجَنِي وَهِيَ كَارِهَةٌ فَرَدَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نِكَاحَهَا. وَهَذَانِ سَنَدَانِ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ لاَ مُعَارِضَ لَهُمَا.
قال أبو محمد : فَمَنْ حَكَمَ بِإِمْضَاءِ نِكَاحِ مُكْرَهٍ، أَوْ طَلاَقِ مُكْرَهٍ، أَوْ عِتْقِ مُكْرَهٍ، فَحُكْمُهُ مَرْدُودٌ أَبَدًا، الْوَطْءُ فِي ذَلِكَ النِّكَاحِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ الطَّلاَقِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ الْعِتْقِ إنْ تَزَوَّجَ الْمُطَلَّقَةَ وَالْمُعْتَقَةَ: زَانٍ يُجْلَدْ، وَيُرْجَمْ إنْ كَانَ مُحْصَنًا، وَيُجْلَدْ مِائَةً وَيُغَرَّبْ عَامًا إنْ كَانَ غَيْرَ مُحْصَنٍ. وَالْعَجَبُ أَنَّهُمْ لاَ يَرَوْنَ الإِكْرَاهَ عَلَى الرِّدَّةِ تُبِينُ الزَّوْجَةَ، وَالرِّدَّةُ عِنْدَهُمْ تُبَيِّنُهَا وَهَذَا تَنَاقُضٌ مِنْهُمْ فِي إجَازَتِهِمْ الطَّلاَقَ بِالْكُرْهِ.

من أكره على سجود لصنم أو لصليب فليسجد لله تعالى مبادرا إلى ذلك ولا يبالي في أي جهة كان ذلك الصنم
1407 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ أُكْرِهَ عَلَى سُجُودٍ لِصَنَمٍ، أَوْ لِصَلِيبٍ، فَلْيَسْجُدْ لِلَّهِ تَعَالَى مُبَادِرًا إلَى ذَلِكَ، وَلاَ يُبَالِي فِي أَيِّ جِهَةٍ كَانَ ذَلِكَ الصَّنَمُ، وَالصَّلِيبُ ،
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى { فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ}.

لا فرق بين اكراه السلطان واللصوص أو من ليس كذلك
1408 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ إكْرَاهِ السُّلْطَانِ، أَوْ اللُّصُوصِ، أَوْ مَنْ لَيْسَ
كسُلْطَانًا، كُلُّ ذَلِكَ سَوَاءٌ فِي كُلِّ مَا ذَكَرْنَا ; لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَلاَ رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم .

ذهب الحنفية إلى أن الاكراه بضرب بسوط أو سوطين أو حبس يوم ليس اكراها
1409 - مَسْأَلَةٌ: وَقَالَ الْحَنَفِيُّونَ: الإِكْرَاهُ بِضَرْبِ سَوْطٍ أَوْ سَوْطَيْنِ أَوْ حَبْسِ يَوْمٍ: لَيْسَ إكْرَاهًا.
قال أبو محمد: وَهَذَا تَقْسِيمٌ فَاسِدٌ ; لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ، وَلاَ مَعْقُولٌ، وَالضَّرْبُ كُلُّهُ سَوْطٌ ثُمَّ سَوْطٌ إلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ أَكْثَرَ. وَهُمْ يُشَنِّعُونَ بِقَوْلِ الصَّاحِبِ الَّذِي لاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ: وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَيَّانَ يَحْيَى بْنُ سَعْدٍ التَّيْمِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ لِي الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدٌ: سَمِعْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: مَا مِنْ ذِي سُلْطَانٍ يُرِيدُ أَنْ يُكَلِّفَنِي كَلاَمًا يَدْرَأُ عَنِّي سَوْطًا أَوْ سَوْطَيْنِ إِلاَّ كُنْت مُتَكَلِّمًا بِهِ، وَلاَ يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم مُخَالِفٌ.

بيان من احتج لإلزام النذر واليمين بالكره بحديث حذيفة باطل
1410 - مَسْأَلَةٌ: وَاحْتَجُّوا فِي إلْزَامِ النَّذْرِ، وَالْيَمِينِ بِالْكُرْهِ: بِحَدِيثٍ فَاسِدٍ مِنْ طَرِيقِ حُذَيْفَةَ
أَنَّ الْمُشْرِكِينَ أَخَذُوهُ وَهُوَ يُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِبَدْرٍ فَأَحْلَفُوهُ أَنْ لاَ يَأْتِيَ مُحَمَّدًا، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ: نَفِي لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ، وَنَسْتَعِينُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ .
قال أبو محمد: وَهُوَ حَدِيثٌ مَكْذُوبٌ وَمَا كَانَ الْمُشْرِكُونَ الْمَانِعُونَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَطُّ فِي طَرِيقِ بَدْرٍ، وَحُذَيْفَةُ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ، إنَّمَا هُوَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ حَلِيفٌ لِلأَنْصَارِ وَنَصُّ الْقُرْآنِ. يُخْبِرُ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَجْتَمِعُوا بِبَدْرٍ، عَنْ وَعْدٍ، وَلاَ عِلْمِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، حَتَّى قَرُبَ الْعَسْكَرَانِ، وَلَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ إِلاَّ كَثِيبُ رَمْلٍ فَقَطْ وَمِثْلُهُمْ احْتَجَّ بِمِثْلِ هَذَا، وَحَاشَ لِلَّهِ أَنْ يَأْمُرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِإِنْفَاذِ عَهْدٍ بِمَعْصِيَةٍ. لَيْتَ شِعْرِي لَوْ عَاهَدُوا إنْسَانًا عَلَى أَنْ لاَ يُصَلِّيَ، أَوْ أَنْ يَأْتِيَ أُمَّهُ، أَكَانَ يَلْزَمُهُمْ هَذَا عِنْدَهُمْ إنَّ هَذَا لَعَجَبٌ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخِذْلاَنِ.

كتاب البيوع
البيع قسمان
كِتَابُ الْبُيُوعِ
1411 - مَسْأَلَةٌ: الْبَيْعُ قِسْمَانِ
إمَّا بَيْعُ سِلْعَةٍ حَاضِرَةٍ مَرْئِيَّةٍ مُقَلَّبَةٍ بِسِلْعَةٍ كَذَلِكَ، أَوْ بِسِلْعَةٍ بِعَيْنِهَا غَائِبَةٍ مَعْرُوفَةٍ مَوْصُوفَةٍ، أَوْ بِدَنَانِيرَ، أَوْ بِدَرَاهِمَ: كُلُّ ذَلِكَ حَاضِرٌ مَقْبُوضٌ، أَوْ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، أَوْ حَالَّةٍ فِي الذِّمَّةِ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ. وَالْقِسْمُ الثَّانِي: بَيْعُ سِلْعَةٍ بِعَيْنِهَا غَائِبَةٍ مَعْرُوفَةٍ أَوْ مَوْصُوفَةٍ بِمِثْلِهَا، أَوْ بِدَنَانِيرَ، أَوْ بِدَرَاهِمَ: كُلُّ ذَلِكَ حَاضِرٌ مَقْبُوضٌ، أَوْ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، أَوْ حَالَّةٍ فِي الذِّمَّةِ وَإِنْ لَمْ يَقْبِضْ. أَمَّا بَيْعُ الْحَاضِرِ الْمَرْئِيِّ الْمُقَلَّبِ بِمِثْلِهِ أَوْ بِدَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ حَاضِرَةٍ مَقْبُوضَةٍ أَوْ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى، أَوْ حَالَّةٍ فِي الذِّمَّةِ: فَمُتَّفَقٌ عَلَى جَوَازِهِ.

إن وجد مشتري السلعة الغائبة ما اشترى كما وصف له فالبيع له لازم وإن وجده بخلاف ما اشترى فلا بيع بينهما إلا بتجديد صفة أخرى
1412 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ وَجَدَ مُشْتَرِي السِّلْعَةِ الْغَائِبَةِ مَا اشْتَرَى كَمَا وُصِفَ لَهُ فَالْبَيْعُ لَهُ لاَزِمٌ، وَإِنْ وَجَدَهُ بِخِلاَفِ ذَلِكَ فَلاَ بَيْعَ بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِتَجْدِيدِ صِفَةٍ أُخْرَى بِرِضَاهُمَا جَمِيعًا.
برهان ذَلِكَ أَنَّهُ اشْتَرَى شِرَاءً صَحِيحًا إذَا وَجَدَ الصِّفَةَ كَمَا اشْتَرَى كَمَا ذَكَرْنَا آنِفًا، فَإِنْ وَجَدَ الصِّفَةَ بِخِلاَفِ مَا عُقِدَ الأَبْتِيَاعُ عَلَيْهِ فَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّهُ لَمْ يَشْتَرِ تِلْكَ السِّلْعَةَ الَّتِي وَجَدَ ; لأََنَّهُ اشْتَرَى سِلْعَةً بِصِفَةِ كَذَا، لاَ سِلْعَةً بِالصِّفَةِ الَّتِي وَجَدَ، فَالَّتِي وَجَدَ غَيْرَ الَّتِي اشْتَرَى بِلاَ شَكٍّ مِنْ أَحَدٍ فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِهَا فَلَيْسَتْ لَهُ. فإن قيل: فَأَلْزِمُوا الْبَائِعَ إحْضَارَ سِلْعَةٍ بِالصِّفَةِ الَّتِي بَاعَ قلنا: لاَ يَحِلُّ هَذَا ; لأََنَّهُ إنَّمَا بَاعَ عَيْنًا مُعَيَّنَةً لاَ صِفَةً مَضْمُونَةً، فَلاَ يَجُوزُ إلْزَامُهُ إحْضَارَ مَا لَمْ يَبِعْ فَصَحَّ أَنَّ عَقْدَهُ فَاسِدٌ ; لأََنَّهُ لَمْ يَقَعْ عَلَى شَيْءٍ أَصْلاً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ وَغَيْرِهِ.

إن بيع شيء من الغائبات بغير صفة ولم يكن مما عرفه البائع لا برؤية ولا بصفة من يصدق ممن رأى ما باعه ولا مما عرفه للمشتري برؤية أو بصفة من يصدق فالبيع فاسد
1413 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ بِيعَ شَيْءٌ مِنْ الْغَائِبَاتِ بِغَيْرِ صِفَةٍ وَلَمْ يَكُنْ مِمَّا عَرَفَهُ الْبَائِعُ لاَ بِرُؤْيَةٍ، وَلاَ بِصِفَةِ مَنْ يُصَدَّقُ مِمَّنْ رَأَى مَا بَاعَهُ، وَلاَ مِمَّا عَرَّفَهُ لِلْمُشْتَرِي بِرُؤْيَةٍ، أَوْ بِصِفَةِ مَنْ يُصَدَّقُ، فَالْبَيْعُ فَاسِدٌ مَفْسُوخٌ أَبَدًا،
لاَ خِيَارَ فِي جَوَازِهِ أَصْلاً. وَيَجُوزُ ابْتِيَاعُ الْمَرْءِ مَا وَصَفَهُ لَهُ الْبَائِعُ صَدَّقَهُ أَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ. وَيَجُوزُ بَيْعُ الْمَرْءِ مَا وَصَفَهُ لَهُ الْمُشْتَرِي صَدَّقَهُ أَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ فَإِنْ وَجَدَ الْمَبِيعَ بِتِلْكَ الصِّفَةِ، فَالْمَبِيعُ لاَزِمٌ، وَإِنْ وَجَدَ بِخِلاَفِهَا، فَالْمَبِيعُ بَاطِلٌ، وَلاَ بُدَّ. وَأَجَازَ الْحَنَفِيُّونَ بَيْعَ الْعَيْنِ الْمَجْهُولَةِ غَيْرِ الْمَوْصُوفَةِ، وَجَعَلُوا فِيهَا خِيَارَ الرُّؤْيَةِ، كَمَا ذَكَرْنَا وَقَوْلُنَا فِي أَنَّهُ لاَ يَجُوزُ إِلاَّ بِمَعْرِفَةِ وَصْفِهِ: هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي بَعْضِ ذَلِكَ، أَوْ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمَا.
قال أبو محمد: وَاحْتَجَّ الْحَنَفِيُّونَ لِقَوْلِهِمْ بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ نَهَى، عَنْ بَيْعِ الْحَبِّ قَبْلَ أَنْ يَشْتَدَّ، قَالُوا: فَفِي هَذَا إبَاحَةُ بَيْعِهِ بَعْدَ اشْتِدَادِهِ وَهُوَ فِي أَكْمَامِهِ بَعْدُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ، وَلاَ تُدْرَى صِفَتُهُ.
قال علي: وهذا مِمَّا مَوَّهُوا بِهِ وَأَوْهَمُوا أَنَّهُ حُجَّةٌ لَهُمْ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ ; لأََنَّهُ لَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ إِلاَّ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِهِ قَبْلَ اشْتِدَادِهِ فَقَطْ، وَلَيْسَ فِيهِ إبَاحَةُ بَيْعِهِ بَعْدَ اشْتِدَادِهِ، وَلاَ الْمَنْعُ مِنْ ذَلِكَ فَاعْجَبُوا لِجُرْأَةِ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْبَاطِلِ ; إذْ احْتَجُّوا بِهَذَا الْخَبَرِ مَا لَيْسَ فِيهِ مِنْهُ شَيْءٌ، وَخَالَفُوهُ فِيمَا جَاءَ فِيهِ نَصٌّ، فَهُمْ يُجِيزُونَ بَيْعَ الْحَبِّ قَبْلَ أَنْ يَشْتَدَّ عَلَى شَرْطِ الْقَطْعِ، فَيَا لَضَلاَلِ هَذِهِ الطَّرِيقَةُ.
قال أبو محمد: وَعَجَبٌ آخَرُ أَنَّهُمْ كَذَبُوا فِي هَذَا الْخَبَرِ فَأَقْحَمُوا فِيهِ مَا لَيْسَ فِيهِ مِنْهُ نَصٌّ، وَلاَ أَثَرٌ مِنْ إبَاحَةِ بَيْعِ الْحَبِّ بَعْدَ أَنْ يَشْتَدَّ، ثُمَّ لَمْ يَقْنَعُوا بِهَذِهِ الطَّامَّةِ حَتَّى أَوْجَبُوا بِهَذَا

الْخَبَرِ مَا لَيْسَ فِيهِ لَهُ ذِكْرٌ، وَلاَ إشَارَةٌ إلَيْهِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ: مِنْ بَيْعِ الْغَائِبَاتِ الَّتِي لاَ تُعْرَفُ صِفَاتُهَا، وَلاَ عَرَفَهَا الْبَائِعُ، وَلاَ الْمُشْتَرِي، وَلاَ وَصَفَهَا لَهُمَا أَحَدٌ، ثُمَّ لَمْ يَلْبَثُوا أَنْ نَقَضُوا ذَلِكَ كَكَرَّةِ الطَّرْفِ فَحَرَّمُوا بَيْعَ لَحْمِ الْكَبْشِ قَبْلَ ذَبْحِهِ، وَالنَّوَى دُونَ التَّمْرِ قَبْلَ أَكْلِهِ، وَبَيْعَ الزَّيْتِ فِي الزَّيْتُونِ قَبْلَ عَصْرِهِ، وَبَيْعَ الأَلْبَانِ فِي الضُّرُوعِ وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِأَنَّهُ كُلُّهُ مَجْهُولٌ لاَ تُدْرَى صِفَتُهُ، وَهَذَا مُوقٍ وَتَلاَعُبٍ بِالدِّينِ وَنَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ مِثْلِهِ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَنَحْنُ نُجِيزُ بَيْعَ الْحَبِّ بَعْدَ اشْتِدَادِهِ كَمَا هُوَ فِي أَكْمَامِهِ بِأَكْمَامِهِ، وَبَيْعَ الْكَبْشِ حَيًّا وَمَذْبُوحًا كُلِّهِ لَحْمِهِ مَعَ جِلْدِهِ، وَبَيْعَ الشَّاةِ بِمَا فِي ضَرْعِهَا مِنْ اللَّبَنِ، وَبَيْعَ النَّوَى مَعَ التَّمْرِ ; لأََنَّهُ كُلَّهُ ظَاهِرٌ مَرْئِيٌّ، وَلاَ يَحِلُّ بَيْعُهُ دُونَ أَكْمَامِهِ ; لأََنَّهُ مَجْهُولٌ لاَ يَدْرِي أَحَدٌ صِفَتَهُ، وَلاَ بَيْعُ اللَّحْمِ دُونَ الْجِلْدِ، وَلاَ النَّوَى دُونَ التَّمْرِ، وَلاَ اللَّبَنِ دُونَ الشَّاةِ كَذَلِكَ.
قال أبو محمد: وَلاَ يَخْلُو بَيْعُ كُلِّ ذَلِكَ قَبْلَ ظُهُورِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ إخْرَاجُهُ مُشْتَرَطًا عَلَى الْبَائِعِ، أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي، أَوْ عَلَيْهِمَا، أَوْ عَلَى غَيْرِهِمَا، أَوْ لاَ عَلَى أَحَدٍ، فَإِنْ كَانَ مُشْتَرَطًا عَلَى الْبَائِعِ، أَوْ عَلَى الْمُشْتَرِي: فَهُوَ بَيْعٌ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ وَإِجَارَةٌ بِثَمَنٍ مَجْهُولٍ وَهَذَا بَاطِلٌ ; لأََنَّ الْبَيْعَ لاَ يَحِلُّ بِنَصِّ الْقُرْآنِ إِلاَّ بِالتَّرَاضِي، وَالتَّرَاضِي بِضَرُورَةِ الْحِسِّ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ إِلاَّ بِمَعْلُومٍ لاَ بِمَجْهُولٍ، فَكَذَلِكَ إنْ كَانَ مُشْتَرَطًا عَلَيْهِمَا، أَوْ عَلَى غَيْرِهِمَا. وَأَيْضًا: فَإِنَّ كُلَّ ذَلِكَ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ، فَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْ عَلَى أَحَدٍ فَهُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ حَقًّا ; لأََنَّهُ لاَ يَصِلُ إلَى أَخْذِ مَا اشْتَرَاهُ
قَالَ عَلِيٌّ: وَالْبُرْهَانُ عَلَى بُطْلاَنِ بَيْعِ مَا لَمْ يُعْرَفْ بِرُؤْيَةٍ، وَلاَ بِصِفَةٍ: صِحَّةُ نَهْيِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ وَهَذَا عَيْنُ الْغَرَرِ ; لأََنَّهُ لاَ يَدْرِي مَا اشْتَرَى أَوْ بَاعَ. وَقَوْلُ اللَّهِ; تَعَالَى {إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً، عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} . وَلاَ يُمْكِنُ أَصْلاً وُقُوعُ التَّرَاضِي عَلَى مَا لاَ يُدْرَى قَدْرُهُ، وَلاَ صِفَاتُهُ، وَإِنَّمَا فَرَّقْنَا بَيْنَ صِفَةِ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي، أَوْ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ صَدَّقَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ أَوْ لَمْ يُصَدِّقْهُ فَأَجَزْنَا الْبَيْعَ بِذَلِكَ وَبَيْنَ صِفَةِ غَيْرِهِمَا، فَلَمْ يُجِزْهُ إِلاَّ مِمَّنْ يُصَدِّقُهُ الْمَوْصُوفُ لَهُ، فَلأََنَّ صِفَةَ الْبَائِعِ لِلْمُشْتَرِي، أَوْ صِفَةَ الْمُشْتَرِي لِلْبَائِعِ عَلَيْهَا وَقَعَ الْبَيْعُ، وَبِهَا تَرَاضَيَا، فَإِنْ وَجَدَ الْمَبِيعَ كَذَلِكَ عَلِمْنَا أَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ صَحِيحًا عَلَى حَقٍّ وَعَلَى مَا يَصِحُّ بِهِ التَّرَاضِي وَإِلَّا فَلاَ. وَأَمَّا إذَا وَصَفَهُ لَهُمَا غَيْرُهُمَا مِمَّنْ لاَ يُصَدِّقُهُ الْمَوْصُوفُ لَهُ فَإِنَّ

الْبَيْعَ هَهُنَا لَمْ يَقَعْ عَلَى صِفَةٍ أَصْلاً، فَوَقَعَ الْعَقْدُ عَلَى مَجْهُولٍ مِنْ أَحَدِهِمَا أَوْ مِنْ كِلَيْهِمَا وَهَذَا حَرَامٌ لاَ يَحِلُّ. فَإِنْ وَصَفَهُ مَنْ صَدَّقَهُ الْمَوْصُوفُ لَهُ، فَالتَّصْدِيقُ يُوجِبُ الْعِلْمَ، فَإِنَّمَا اشْتَرَى مَا عَلِمَ، أَوْ بَاعَ الْبَائِعُ مَا عَلِمَ، فَالْعَقْدُ صَحِيحٌ، وَالتَّرَاضِي صَحِيحٌ. فَإِنْ وَجَدَ الْمَبِيعَ كَذَلِكَ عَلِمَ أَنَّ الْبَيْعَ انْعَقَدَ عَلَى صِحَّةٍ، وَإِنْ وَجَدَ بِخِلاَفِ ذَلِكَ عَلِمَ أَنَّ الْبَيْعَ لَمْ يَنْعَقِدْ عَلَى صِحَّةٍ، كَمَا لَوْ وَجَدَهُ قَدْ اسْتَحَالَ عَمَّا عَرَفَهُ عَلَيْهِ، وَلاَ فَرْقَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

جائز بيع الثوب الواحد المطوي أو في جرابه والثياب الكبيرة كذلك إذا وصف كل ذلك فإن وجد كل ذلك كما وصف فالبيع لازم واإلا فالبيع باطل
1414 - مَسْأَلَةٌ: وَجَائِزٌ بَيْعُ الثَّوْبِ الْوَاحِدِ الْمَطْوِيِّ، أَوْ فِي جِرَابِهِ، أَوْ الثِّيَابِ الْكَبِيرَةِ كَذَلِكَ، إذَا وَصَفَ كُلَّ ذَلِكَ، فَإِنْ وَجَدَ كُلَّ ذَلِكَ كَمَا وَصَفَ فَالْبَيْعُ لاَزِمٌ، وَإِلَّا فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ .
قَالَ عَلِيٌّ: التَّفْرِيقُ بَيْنَ الْوَاحِدِ، وَالْكَثِيرِ، خَطَأٌ، وَلَيْسَ إِلاَّ حَرَامٌ، فَقَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ حَرَامٌ، أَوْ حَلاَلٌ، فَقَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ حَلاَلٌ وَهَذَا بِعَيْنِهِ هَوَّلُوا وَشَنَّعُوا عَلَى الْحَنَفِيِّينَ فِي إبَاحَتِهِمْ قَلِيلَ الْمُسْكِرِ وَتَحْرِيمِهِمْ كَثِيرَهُ، وَلاَ يُقْبَلُ مِثْلُ هَذَا إِلاَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَطْ، وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ شَيْئًا شَغَبُوا بِهِ إِلاَّ أَنَّهُمْ قَالُوا: أَمْرُ الثَّوْبِ الْوَاحِدِ يَسْهُلُ نَشْرُهُ وَتَقْلِيبُهُ وَطَيُّهُ، وَهَذَا يَصْعُبُ فِي الْكَثِيرِ .فَقُلْنَا لَهُمْ: وَأَيْنَ وَجَدْتُمْ هَذِهِ الشَّرِيعَةَ أَنْ تَكُونَ صُعُوبَةُ الْعَمَلِ تُبِيحُ الْمُحَرَّمَاتِ، وَالْبُيُوعَ الْمُحَرَّمَةَ ثم نقول لَهُمْ: مَا تَقُولُونَ فِي ثَوْبَيْنِ مُدْرَجَيْنِ فِي جِرَابٍ أَوْ جِرَابَيْنِ فَإِنْ أَبَاحُوا ذَلِكَ، سَأَلْنَاهُمْ، عَنِ الثَّلاَثَةِ، ثُمَّ، عَنِ الأَرْبَعَةِ، ثُمَّ نَزِيدُهُمْ هَكَذَا، وَاحِدًا فَوَاحِدًا فَإِنْ حَرَّمُوا سَأَلْنَاهُمْ، عَنِ الدَّلِيلِ عَلَى تَحْلِيلِ مَا أَحَلُّوا مِنْ ذَلِكَ وَتَحْرِيمِ مَا حَرَّمُوا، وَعَنِ الدَّلِيلِ عَلَى صُعُوبَةِ مَا جَعَلُوهُ لِصُعُوبَتِهِ حَلاَلاً، وَعَلَى سُهُولَةِ مَا جَعَلُوهُ لِسُهُولَتِهِ حَرَامًا وَهَذَا مَا لاَ سَبِيلَ إلَيْهِ. وَأَيْضًا: فَرُبَّ ثِيَابٍ يَكُونُ نَشْرُهَا وَطَيُّهَا أَسْهَلَ مِنْ نَشْرِ ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَطَيِّهِ، هَذَا أَمْرٌ يُعْرَفُ ضَرُورَةً، كَالْمَرْوِيِّ الْمَجْلُوبِ مِنْ بَغْدَادَ الَّذِي لاَ يَقْدِرُ عَلَى إعَادَةِ طَيِّهِ بَعْدَ نَشْرِهِ إِلاَّ وَاحِدٌ بَيْنَ أُلُوفٍ، وَإِنَّمَا الْحُكْمُ فِي ذَلِكَ كَوُجُوهِ صِحَّةِ التَّرَاضِي بِعِلْمِهَا بِالصِّفَةِ، وَارْتِفَاعِ الْغَرَرِ فِي عَقْدِ الْبَيْعِ، عَنِ الْجَهَالَةِ فَقَطْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

فرض على كل متبايعين لما قل أو كثر أن يشهدا على تبايعهما رجلين أو رجلا وامرأتين من العدول فإن لم يجدا عدولا سقط الإشهاد
1415 - مَسْأَلَةٌ: وَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُتَبَايِعَيْنِ لِمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ أَنْ يُشْهِدَا عَلَى تَبَايُعِهِمَا رَجُلَيْنِ، أَوْ رَجُلاً وَامْرَأَتَيْنِ مِنْ الْعُدُولِ، فَإِنْ لَمْ يَجِدَا عُدُولاً سَقَطَ فَرْضُ الإِشْهَادِ كَمَا ذَكَرْنَا،
فَإِنْ لَمْ يُشْهِدَا وَهُمَا يَقْدِرَانِ عَلَى الإِشْهَادِ فَقَدْ عَصَيَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَالْبَيْعُ تَامٌّ. فَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ بِثَمَنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَفَرْضٌ عَلَيْهِمَا مَعَ الإِشْهَادِ الْمَذْكُورِ أَنْ يَكْتُبَاهُ، فَإِنْ لَمْ يَكْتُبَاهُ، فَقَدْ عَصَيَا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَالْبَيْعُ تَامٌّ. فَإِنْ لَمْ يَقْدِرَا عَلَى كَاتِبٍ فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُمَا فَرْضُ الْكِتَابِ. برهان ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ، وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ

لا يجوز البيع إلا بلفظ البيع أو بلفظ الشراء أو بلفظ التجارة أو بلفظ يعبر به في سائر اللغات عن البيع
1416 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَجُوزُ الْبَيْعُ إِلاَّ بِلَفْظِ الْبَيْعِ، أَوْ بِلَفْظِ الشِّرَاءِ، أَوْ بِلَفْظِ التِّجَارَةِ، أَوْ بِلَفْظٍ يُعَبَّرُ بِهِ فِي سَائِرِ اللُّغَاتِ، عَنِ الْبَيْعِ،
فَإِنْ كَانَ الثَّمَنُ ذَهَبًا أَوْ فِضَّةً غَيْرَ مَقْبُوضَيْنِ لَكِنْ حَالَّيْنِ، أَوْ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى: جَازَ أَيْضًا بِلَفْظِ الدَّيْنِ أَوْ الْمُدَايَنَةِ، وَلاَ يَجُوزُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ بِلَفْظِ الْهِبَةِ، وَلاَ بِلَفْظِ الصَّدَقَةِ، وَلاَ بِشَيْءٍ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا أَصْلاً.
برهان ذَلِكَ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}. وَقَوْله تَعَالَى {لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً، عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} . وَقَوْله تَعَالَى { إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} . فَصَحَّ أَنَّ مَا حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى فَهُوَ حَرَامٌ، وَمَا أَحَلَّ فَهُوَ حَلاَلٌ، فَمَتَى أُخِذَ مَالٌ بِغَيْرِ الأَسْمِ الَّذِي أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ أَخْذَهُ كَانَ بَاطِلاً بِنَصِّ الْقُرْآنِ. وَصِفَةُ الْبَيْعِ وَالرِّبَا وَاحِدَةٌ وَالْعَمَلُ فِيهِمَا وَاحِدٌ، وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا الأَسْمُ فَقَطْ، وَإِنَّمَا هُمَا مُعَاوَضَةُ مَالٍ بِمَالٍ: أَحَدُهُمَا حَلاَلٌ طَيِّبٌ، وَالآخَرُ حَرَامٌ خَبِيثٌ، كَبِيرَةٌ مِنْ الْكَبَائِرِ، قَالَ تَعَالَى وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاَءِ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ قَالُوا سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا. وَقَالَ تَعَالَى {إنْ هِيَ إِلاَّ أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ}. فَصَحَّ أَنَّ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا تَوْقِيفٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى، لاَ سِيَّمَا أَسْمَاءُ أَحْكَامِ الشَّرِيعَةِ الَّتِي لاَ يَجُوزُ فِيهَا الإِحْدَاثُ، وَلاَ تُعْلَمُ إِلاَّ بِالنُّصُوصِ، وَلاَ خِلاَفَ بَيْنَ الْحَاضِرِينَ مِنَّا وَمِنْ خُصُومِنَا فِي أَنَّ امْرَءًا لَوْ قَالَ لِلآخَرِ:

أَقْرِضْنِي هَذَا الدِّينَارَ وَأَقْضِيك دِينَارًا إلَى شَهْرِ كَذَا، وَلَمْ يَحِدَّ وَقْتًا فَإِنَّهُ حَسَنٌ، وَأَجْرٌ، وَبِرٌّ. وَعِنْدَنَا إنْ قَضَاهُ دِينَارَيْنِ أَوْ نِصْفَ دِينَارٍ فَقَطْ وَرَضِيَ كِلاَهُمَا فَحَسَنٌ. وَلَوْ قَالَ لَهُ: بِعْنِي هَذَا الدِّينَارَ بِدِينَارٍ إلَى شَهْرٍ، وَلَمْ يُسَمِّ أَجَلاً، فَإِنَّهُ رِبًا، وَإِثْمٌ، وَحَرَامٌ، وَكَبِيرَةٌ مِنْ الْكَبَائِرِ وَالْعَمَلُ وَاحِدٌ، وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا الأَسْمُ فَقَطْ. وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ رَجُلٌ لأَمْرَأَةٍ: أَبِيحِي لِي جِمَاعَك مَتَى شِئْت فَفَعَلَتْ، وَرَضِيَ وَلِيُّهَا، لَكَانَ ذَلِكَ زِنًا إنْ وَقَعَ يُبِيحُ الدَّمَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ. وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْكِحِينِي نَفْسَك فَفَعَلَتْ، وَرَضِيَ وَلِيُّهَا لَكَانَ حَلاَلاً، وَحَسَنًا، وَبِرًّا، وَهَكَذَا عِنْدَنَا فِي كُلِّ شَيْءٍ. وَأَمَّا لَفْظُ الشِّرَى، فَلِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ حَدَّثَنِي ابْنُ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: رَحِمَ اللَّهُ امْرَءًا سَمْحًا إذَا بَاعَ، وَإِذَا اشْتَرَى، وَإِذَا اقْتَضَى .

كل متبايعيين صرفا أو غيره فلا يصح البيع بينهما أبدا وإن تقابضا السلعة والثمن مالم يتفرقا بأبدانهما من المكان الذي تعاقدا فيه البيع ولكل واحد منهما ابطال ذلك العقد أحب الآخر أم كره
1417 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مُتَبَايِعَيْنِ صَرْفًا أَوْ غَيْرَهُ فَلاَ يَصِحُّ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا أَبَدًا وَإِنْ تَقَابَضَا السِّلْعَةَ وَالثَّمَنَ، مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا مِنْ الْمَكَانِ الَّذِي تَعَاقَدَا فِيهِ الْبَيْعَ، وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إبْطَالُ ذَلِكَ الْعَقْدِ أَحَبَّ الآخَرُ أَمْ كَرِهَ
وَلَوْ بَقِيَا كَذَلِكَ دَهْرَهُمَا إِلاَّ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا لِلآخَرِ لاَ تُبَالِ أَيُّهُمَا كَانَ الْقَائِلُ بَعْدَ تَمَامِ التَّعَاقُدِ: اخْتَرْ أَنْ تُمْضِيَ الْبَيْعَ، أَوْ أَنْ تُبْطِلَهُ فَإِنْ قَالَ: قَدْ أَمْضَيْته فَقَدْ تَمَّ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا تَفَرَّقَا أَوْ لَمْ يَتَفَرَّقَا وَلَيْسَ لَهُمَا، وَلاَ لأََحَدِهِمَا فَسْخُهُ إِلاَّ بِعَيْبٍ، وَمَتَى مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا، وَلاَ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، فَالْمَبِيعُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْبَائِعِ كَمَا كَانَ، وَالثَّمَنُ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ الْمُشْتَرِي كَمَا كَانَ، يَنْفُذُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حُكْمُ الَّذِي هُوَ عَلَى مِلْكِهِ لاَ حُكْمُ الآخَرِ.
برهان ذَلِكَ: قَوْلُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الَّذِي رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ الْفَضْلِ عَارِمٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: اخْتَرْ وَرُبَّمَا قَالَ: أَوْ يَكُونُ بَيْعَ خِيَارٍ . وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا مُحْرِزُ بْنُ الْوَضَّاحِ، عَنْ إسْمَاعِيلَ، هُوَ ابْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ كَانَ، عَنْ خِيَارٍ، فَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ، عَنْ خِيَارٍ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ.

قال أبو محمد: هَذَا يُبَيِّنُ أَنَّ الْخِيَارَ الْمَذْكُورَ إنَّمَا هُوَ قَوْلُ أَحَدِهِمَا لِلآخَرِ: اخْتَرْ، لاَ عَقَدَ الْبَيْعَ عَلَى خِيَارِ مُدَّةٍ مُسَمَّاةٍ،ِ، لأَنَّهُ قَالَ عليه السلام: إنْ كَانَ الْبَيْعُ، عَنْ خِيَارٍ، فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ وَهَذَا خِلاَفُ حُكْمِ الْبَيْعِ الْمَعْقُودِ عَلَى خِيَارِ مُدَّةٍ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: كُلُّ بَيِّعَيْنِ لاَ بَيْعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا أَوْ يَكُونَ خِيَارًا .
وَهَكَذَا رَوَاهُ هُشَيْمٌ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ لاَ بَيْعَ بَيْنَهُمَا. وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ، عَنْ إسْمَاعِيلِ بْنِ جَعْفَرٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَشُعْبَةَ، كُلُّهُمْ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : لاَ بَيْعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ حَدَّثَهُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إذَا تَبَايَعَ الرَّجُلاَنِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَكَانَا جَمِيعًا أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، فَإِنْ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ، وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ تَبَايَعَا وَلَمْ يَتْرُكْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الْبَيْعَ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ .
قال أبو محمد: هَذَا الْحَدِيثُ يَرْفَعُ كُلَّ إشْكَالٍ، وَيُبَيِّنُ كُلَّ إجْمَالٍ، وَيُبْطِلُ التَّأْوِيلاَتِ الْمَكْذُوبَةَ الَّتِي شَغَبَ بِهَا الْمُخَالِفُونَ. وَمِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ، حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَمْلَى عَلَيَّ نَافِعٌ فِي أَلْوَاحِي قَالَ: سَمِعْت عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : إذَا تَبَايَعَ الْمُتَبَايِعَانِ الْبَيْعَ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مِنْ بَيْعِهِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يَكُنْ بَيْعُهُمَا، عَنْ خِيَارٍ . قَالَ نَافِعٌ: فَكَانَ ابْنُ عُمَرَ إذَا ابْتَاعَ الْبَيْعَ فَأَرَادَ أَنْ يَجِبَ لَهُ: مَشَى قَلِيلاً ثُمَّ رَجَعَ. وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَعَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى: ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، وَقَالَ عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ: ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مَهْدِيٍّ، ثُمَّ اتَّفَقَ يَحْيَى، وَعَبْدُ الرَّحْمَانِ، كِلاَهُمَا، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ هُوَ صَالِحُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : قَالَ: الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا، وَكَتَمَا مُحِقَ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ هَمَّامِ بْنِ يَحْيَى وَسَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ بِإِسْنَادِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بِإِسْنَادِهِ. وَهَذِهِ أَسَانِيدُ مُتَوَاتِرَةٌ مُتَظَاهِرَةٌ مُنْتَشِرَةٌ تُوجِبُ الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد السِّجِسْتَانِيِّ، حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ جَمِيلِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ

أَبِي الْوَضِيءِ قَالَ: غَزَوْنَا غَزْوَةً لَنَا فَنَزَلْنَا مَنْزِلاً فَبَاعَ صَاحِبٌ لَنَا فَرَسًا لِغُلاَمٍ، ثُمَّ أَقَامَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا وَلَيْلَتِهِمَا، فَلَمَّا أَصْبَحَا مِنْ الْغَدِ حَضَرَ الرَّحِيلُ قَامَ إلَى فَرَسِهِ لِيُسَرِّجَهُ فَنَدِمَ فَأَتَى الرَّجُلُ لِيَأْخُذَهُ بِالْبَيْعِ فَأَبَى أَنْ يَدْفَعَهُ إلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: بَيْنِي وَبَيْنَك أَبُو بَرْزَةَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَأَتَيَا أَبَا بَرْزَةَ فِي نَاحِيَةِ الْعَسْكَرِ فَقَالاَ لَهُ: هَذِهِ الْقِصَّةَ فَقَالَ: أَتَرْضَيَانِ أَنْ أَقْضِيَ بَيْنَكُمَا بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا . قَالَ هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ: قَالَ جَمِيلُ بْنُ مُرَّةَ: قَالَ أَبُو بَرْزَةَ: مَا أَرَاكُمَا افْتَرَقْتُمَا.
قال أبو محمد: أَبُو الْوَضِيءِ هُوَ عَبَّادُ بْنُ نَسِيبٍ تَابِعِيٌّ ثِقَةٌ سَمِعَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، وَأَبَا هُرَيْرَةَ، وَأَبَا بَرْزَةَ، فَهَؤُلاَءِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثَلاَثَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، وَعَنْهُمْ الأَئِمَّةُ مِنْ التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِ بْنِ نَبَاتٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ الْقَلَعِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الصَّوَّافُ بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُوسَى بْنِ صَالِحِ بْنِ شَيْخِ بْنِ عُمَيْرٍ الأَسَدِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عَاصِمٍ الثَّقَفِيُّ قَالَ: سَمِعْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يُحَدِّثُ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ قَالَ: إنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، وَالْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ تَحَاكَمَا إلَيْهِ فِي دَارٍ لِلْعَبَّاسِ إلَى جَانِبِ الْمَسْجِدِ أَرَادَ عُمَرُ أَخْذَهَا لِيَزِيدَهَا فِي الْمَسْجِدِ فَأَبَى الْعَبَّاسُ، فَقَالَ لَهُمَا أُبَيٌّ: لَمَّا أُمِرَ سُلَيْمَانُ بِبِنَاءِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ كَانَتْ أَرْضُهُ لِرَجُلٍ فَاشْتَرَاهَا مِنْهُ سُلَيْمَانُ فَلَمَّا اشْتَرَاهَا قَالَ لَهُ الرَّجُلُ: الَّذِي أَخَذْت مِنِّي خَيْرٌ أَمْ الَّذِي أَعْطَيْتنِي قَالَ سُلَيْمَانُ: بَلْ الَّذِي أَخَذْت مِنْك، قَالَ: فَإِنِّي لاَ أُجِيزُ الْبَيْعَ، فَرَدَّهُ، فَزَادَهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ، فَأَبَى أَنْ يُجِيزَهُ، فَلَمْ يَزُلْ يَزِيدُهُ وَيَشْتَرِي مِنْهُ، فَيَسْأَلُهُ فَيُخَيِّرُهُ، فَلاَ يُجِيزُ الْبَيْعَ، حَتَّى اشْتَرَاهَا مِنْهُ بِحُكْمِهِ عَلَى أَنْ لاَ يَسْأَلَهُ، فَاحْتَكَمَ شَيْئًا كَثِيرًا، فَتَعَاظَمَهُ سُلَيْمَانُ، فَأَوْحَى اللَّهُ إلَيْهِ: إنْ كُنْت إنَّمَا تُعْطِيهِ مِنْ عِنْدِك فَلاَ تُعْطِهِ، وَإِنْ كُنْت إنَّمَا تُعْطِيه مِنْ رِزْقِنَا فَأُعْطِهِ حَتَّى يَرْضَى بِهَا، فَقَضَى بِهَا لِلْعَبَّاسِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ قَالَ اللَّيْثُ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ خَالِدِ بْنِ مُسَافِرٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: بِعْت مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ مَالاً بِالْوَادِي بِمَالٍ لَهُ بِخَيْبَرَ، فَلَمَّا تَبَايَعْنَا رَجَعْت عَلَى عَقِبَيَّ حَتَّى خَرَجْت مِنْ بَيْتِهِ خَشْيَةَ أَنْ يُرَادَّنِي الْبَيْعَ وَكَانَتْ السُّنَّةُ أَنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ بِالْخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا. وَمِنْ طَرِيقِ اللَّيْثِ أَيْضًا: عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: كُنَّا

إذَا تَبَايَعْنَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقْ الْمُتَبَايِعَانِ فَتَبَايَعْت أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَبِعْته مَالاً لِي بِالْوَادِي بِمَالٍ لَهُ بِخَيْبَرَ، فَلَمَّا بَايَعْته طَفِقْت أَنْكُصُ عَلَى عَقِبَيَّ الْقَهْقَرَى خَشْيَةَ أَنْ يُرَادَّنِي عُثْمَانُ الْبَيْعَ قَبْلَ أَنْ أُفَارِقَهُ. فَهَذَا ابْنُ عُمَرَ يُخْبِرُ بِأَنَّ هَذَا مَذْهَبُ الصَّحَابَةِ وَعَمَلُهُمْ، وَمَذْهَبُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ ; لأََنَّهُ خَشِيَ أَنْ يُرَادَّهُ الْبَيْعَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ بِالأَبْدَانِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَذْهَبَ عُثْمَانَ مَا خَافَ ابْنُ عُمَرَ ذَلِكَ مِنْهُ وَيُخْبِرُ بِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ السُّنَّةُ. وَرُوِّينَا ذَلِكَ أَيْضًا: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي زُرْعَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، وطَاوُوس كَمَا رُوِّينَا، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ أَبِي عَتَّابٍ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، أَنَّ رَجُلاً سَاوَمَهُ بِفَرَسٍ لَهُ فَلَمَّا بَايَعَهُ خَيَّرَهُ ثَلاَثًا، ثُمَّ قَالَ: اخْتَرْ فَخَيَّرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ ثَلاَثًا، ثُمَّ قَالَ أَبُو زُرْعَةَ: سَمِعْت أَبَا هُرَيْرَةَ، يَقُولُ: هَذَا الْبَيْعُ، عَنْ تَرَاضٍ: فَهَذَا عُمَرُ، وَالْعَبَّاسُ، يَسْمَعَانِ أُبَيًّا يَقْضِي بِتَصْوِيبِ رَدِّ الْبَيْعِ بَعْدَ عَقْدِهِ فَلاَ يُنْكِرَانِ ذَلِكَ فَصَحَّ أَنَّهُمْ كُلُّهُمْ قَائِلُونَ بِذَلِكَ وَمَعَهُمْ عُثْمَانُ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَأَبُو بَرْزَةَ، وَابْنُ عُمَرَ، وَالصَّحَابَةُ جُمْلَةً، رضي الله عنهم، وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلَ سَمِعْت: طَاوُوسًا يَحْلِفُ بِاَللَّهِ: مَا التَّخْيِيرُ إِلاَّ بَعْدَ الْبَيْعِ.
وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ السُّلَمِيُّ سَمِعْت أَبَا الضُّحَى يُحَدِّثُ أَنَّهُ شَهِدَ شُرَيْحًا اخْتَصَمَ إلَيْهِ رَجُلاَنِ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا دَارًا مِنْ الآخَرِ بِأَرْبَعَةِ آلاَفٍ، فَأَوْجَبَهَا لَهُ، ثُمَّ بَدَا لَهُ فِي بَيْعِهَا قَبْلَ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ فَقَالَ: لاَ حَاجَةَ لِي فِيهَا، فَقَالَ الْبَائِعُ: قَدْ بِعْتُك وَأَوْجَبْت لَك، فَاخْتَصَمْنَا إلَى شُرَيْحٍ، فَقَالَ شُرَيْحٌ: هُوَ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ: وَشَهِدْت الشَّعْبِيَّ يَقْضِي بِهَذَا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ رَجُلاً اشْتَرَى بِرْذَوْنًا فَأَرَادَ أَنْ يَرُدَّهُ قَبْلَ أَنْ يَتَفَرَّقَا، فَقَضَى الشَّعْبِيُّ أَنَّهُ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ، فَشَهِدَ عِنْدَهُ أَبُو الضُّحَى: أَنَّ شُرَيْحًا أُتِيَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ فَرَدَّهُ عَلَى الْبَائِعِ فَرَجَعَ الشَّعْبِيُّ إلَى قَوْلِ شُرَيْحٍ. وَرُوِّينَا أَيْضًا: مِنْ طَرِيقِ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ شَهِدَ شُرَيْحًا يَقْضِي بَيْنَ الْمُخْتَصِمَيْنِ اشْتَرَى أَحَدُهُمَا مِنْ الآخَرِ بَيْعًا فَقَالَ: إنِّي لَمْ أَرْضَهُ، وَقَالَ الآخَرُ: بَلْ قَدْ رَضِيتَهُ فَقَالَ شُرَيْحٌ: بَيِّنَتُكُمَا أَنَّكُمَا تَصَادَرْتُمَا، عَنْ رِضًا بَعْدَ الْبَيْعِ أَوْ خِيَارٍ أَوْ يَمِينُهُ بِاَللَّهِ مَا تَصَادَرْتُمَا، عَنْ رِضًا بَعْدَ الْبَيْعِ، وَلاَ خِيَارٍ: وَهُوَ قَوْلُ هِشَامِ بْنِ يُوسُفَ، وَابْنِهِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ. وَقَالَ الْبُخَارِيُّ: هُوَ قَوْلُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، وَابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ. وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَالزُّهْرِيِّ، وَابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَالأَوْزَاعِيِّ، وَاللَّيْثِ، وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ الْقَاضِي، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَجَمِيعِ أَصْحَابِهِ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَأَبِي عُبَيْدٍ وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَمُحَمَّدِ بْنِ نَصْرٍ الْمَرْوَزِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ، وَأَهْلِ الْحَدِيثِ، وَأَهْلِ الْمَدِينَةِ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَيْمَنَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ

ابْنِ حَنْبَلٍ قَالَ: قَالَ لِي أَبِي: بَلَغَنِي، عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ أَنَّهُ بَلَغَهُ قَوْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ: لَيْسَ الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ فَقَالَ ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ: هَذَا حَدِيثٌ مَوْطُوءٌ بِالْمَدِينَةِ يَعْنِي مَشْهُورًا.
قال أبو محمد: إِلاَّ أَنَّ الأَوْزَاعِيَّ قَالَ: كُلُّ بَيْعٍ فَالْمُتَبَايِعَانِ فِيهِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا، إِلاَّ بِيُوعَا ثَلاَثَةً: الْمَغْنَمَ، وَالشُّرَكَاءَ فِي الْمِيرَاثِ يَتَقَاوَمُونَهُ، وَالشُّرَكَاءَ فِي التِّجَارَةِ يَتَقَاوَمُونَهَا. قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: وَحَدُّ التَّفَرُّقِ أَنْ يَغِيبَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، عَنْ صَاحِبِهِ حَتَّى لاَ يَرَاهُ وقال أحمد: كَمَا قلنا، إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يَعْرِفُ التَّخْيِيرَ، وَلاَ يَعْرِفُ إِلاَّ التَّفَرُّقَ بِالأَبْدَانِ فَقَطْ. وَهَذَا الشَّعْبِيُّ قَدْ فَسَخَ قَضَاءَهُ بَعْدَ ذَلِكَ وَرَجَعَ إلَى الْحَقِّ، فَشَذَّ، عَنْ هَذَا كُلِّهِ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَمَنْ قَلَّدَهُمَا، وَقَالاَ: الْبَيْعُ يَتِمُّ بِالْكَلاَمِ وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا، وَلاَ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، وَخَالَفُوا السُّنَنَ الثَّابِتَةَ، وَالصَّحَابَةَ، وَلاَ يُعْرَفُ لِمَنْ ذَكَرْنَا مِنْهُمْ مُخَالِفٌ أَصْلاً، وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ مِنْ التَّابِعِينَ سَلَفًا إِلاَّ إبْرَاهِيمَ وَحْدَهُ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: إذَا وَجَبَتْ الصَّفْقَةُ فَلاَ خِيَارَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: الْبَيْعُ جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا وَرِوَايَةٌ مَكْذُوبَةٌ مَوْضُوعَةٌ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَكَفَى بِهِ سُقُوطًا، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ شُرَيْحٍ قَالَ: إذَا كَلَّمَ الرَّجُلُ بِالْبَيْعِ وَجَبَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ، وَالصَّحِيحُ، عَنْ شُرَيْحٍ هُوَ مُوَافَقَةُ الْحَقِّ: كَمَا أَوْرَدْنَا قَبْلُ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الضُّحَى، وَابْنِ سِيرِينَ عَنْهُ. وَلَعَمْرِي ; إنَّ قَوْلَ إبْرَاهِيمَ لَيُخَرَّجُ عَلَى أَنَّهُ عَنَى كُلَّ صَفْقَةٍ غَيْرَ الْبَيْعِ، لَكِنْ الإِجَارَةَ، وَالنِّكَاحَ، وَالْهِبَاتِ، فَهَذَا مُمْكِنٌ ; لأََنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ الْبَيْعَ أَصْلاً فَحَصَلُوا بِلاَ سَلَفٍ. وَقَوْلُهُ: الْبَيْعُ جَائِزٌ وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا: صَحِيحٌ وَمَا قلنا: إنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ، وَلاَ قَالَ هُوَ: إنَّهُ لاَزِمٌ، وَإِنَّمَا قَالَ: إنَّهُ جَائِزٌ.
قال أبو محمد : وَمَوَّهُوا بِتَمْوِيهَاتٍ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ: مِنْهَا أَنَّهُمْ قَالُوا: مَعْنَى التَّفَرُّقِ أَيْ بِالْكَلاَمِ. فَقُلْنَا: لَوْ كَانَ كَمَا يَقُولُونَ لَكَانَ مُوَافِقًا لِقَوْلِنَا وَمُخَالِفًا لِقَوْلِكُمْ ; لأََنَّ قَوْلَ أَحَدِ الْمُتَبَايِعَيْنِ آخُذُهُ بِعَشَرَةٍ، فَيَقُولُ الآخَرُ: لاَ، وَلَكِنْ بِعِشْرِينَ لاَ شَكَّ عِنْدَ كُلِّ ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ أَنَّهُمَا مُتَفَرِّقَانِ بِالْكَلاَمِ، فَإِذَا قَالَ أَحَدُهُمَا بِخَمْسَةَ عَشَرَ، وَقَالَ الآخَرُ: نَعَمْ قَدْ بِعْتُكَهُ بِخَمْسَةَ عَشَرَ، فَالآنَ اتَّفَقَا وَلَمْ يَتَفَرَّقَا فَالآنَ وَجَبَ الْخِيَارُ لَهُمَا إذْ لَمْ يَتَفَرَّقَا بِنَصِّ الْحَدِيثِ فَاذْهَبُوا كَيْفَ شِئْتُمْ مَنْ عَارَضَ الْحَقَّ بَلَحَ وَافْتَضَحَ.
وَأَيْضًا: فَنَقُولُ لَهُمْ: قَوْلُكُمْ: التَّفَرُّقُ بِالْكَلاَمِ كَذِبٌ، دَعْوَى بِلاَ برهان، لاَ يَحِلُّ الْقَوْلُ بِهِمَا فِي الدِّينِ. وَأَيْضًا: فَرِوَايَةُ اللَّيْثِ. عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ الَّتِي أَوْرَدْنَا رَافِعَةٌ لِكُلِّ شَغَبٍ، وَمُبَيِّنَةٌ أَنَّهُ التَّفَرُّقُ، عَنِ الْمَكَانِ بِالأَبْدَانِ، وَلاَ بُدَّ. وقال بعضهم: مَعْنَى الْمُتَبَايِعَيْنِ هَهُنَا: إنَّمَا هُمَا الْمُتَسَاوِمَانِ، كَمَا سُمِّيَ الذَّبِيحُ وَلَمْ يُذْبَحْ وَقَالَ:

كَمَا قَالَ تَعَالَى {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} : إنَّمَا أَرَادَ تَقَارَبْنَ بُلُوغُ أَجَلِهِنَّ. وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ: إنَّمَا أَرَادَ بِقَوْلِهِ عليه السلام مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إنَّمَا هُوَ مَا بَيْنَ قَوْلِ أَحَدِهِمَا: قَدْ بِعْتُك سِلْعَتِي هَذِهِ بِدِينَارٍ فَهُوَ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَقُلْ لَهُ الآخَرُ: قَدْ قَبِلْت ذَلِكَ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ لِصَاحِبِهِ: قَدْ ابْتَعْت سِلْعَتَك هَذِهِ بِدِينَارٍ فَهُوَ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَقُلْ لَهُ الآخَرُ: قَدْ بِعْتُكهَا بِمَا قُلْت. وَقَالَ آخَرُونَ: إنَّمَا هُوَ مَا بَيْنَ قَوْلِ الْقَائِلِ: بِعْنِي سِلْعَتَك بِدِينَارٍ فَهُوَ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَقُلْ لَهُ الآخَرُ: قَدْ فَعَلْت، وَبَيْنَ قَوْلِ الْقَائِلِ: اشْتَرِ مِنِّي سِلْعَتِي هَذِهِ بِدِينَارٍ، فَلَهُ الْخِيَارُ مَا لَمْ يَقُلْ لَهُ الآخَرُ: قَدْ فَعَلْت فَجَوَابُ هَذِهِ الأَقْوَالِ كُلِّهَا وَاضِحٌ مُخْتَصَرٌ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: كَذَبَ قَائِلُ هَذَا وَأَفَكَ وَأَثِمَ ; لأََنَّهُ حَرَّفَ كَلاَمَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ مَوَاضِعِهِ بِلاَ برهان أَصْلاً، لَكِنْ مُطَارَفَةً وَمُجَاهَرَةً بِالدَّعْوَى الْبَاطِلِ، فَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ هَذِهِ الأَقْوَالُ وَمَنْ أَخْبَرَكُمْ بِأَنَّ هَذَا هُوَ مُرَادُهُ عليه السلام وَأَمَّا قَوْلُكُمْ: كَمَا سُمِّيَ الذَّبِيحُ وَلَمْ يُذْبَحْ فَمَا سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ ذَبِيحًا، وَلاَ صَحَّ ذَلِكَ أَيْضًا قَطُّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَإِذَا كَانَ هَكَذَا فَإِنَّمَا هُوَ قَوْلٌ مُطْلَقٌ عَامِّيٌّ لاَ حُجَّةَ فِيهِ، وَإِنَّمَا أَطْلَقَ ذَلِكَ مَنْ أَطْلَقَ مُسَامَحَةً، أَوْ لأََنَّهُ حَمَلَ الْخَلِيلُ عليه السلام السِّكِّينَ عَلَى حَلْقِهِ، وَهَذَا فِعْلٌ يُسَمَّى مِنْ فَاعِلِهِ ذَبْحًا، وَمَا نُبَالِي عَنْ هَذِهِ التَّسْمِيَةِ ; لأََنَّهَا لَمْ يَأْتِ بِهَا قَطُّ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ، فَلاَ يَقُومُ بِهَا حُجَّةٌ فِي شَيْءٍ أَصْلاً. وَأَمَّا قوله تعالى: {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} فَصَدَقَ اللَّهُ تَعَالَى وَكَذَبَ مَنْ قَالَ: إنَّهُ تَعَالَى أَرَادَ الْمُقَارَبَةَ، حَاشَ لِلَّهِ مِنْ هَذَا وَلَوْ كَانَ مَا ظَنُّوهُ لَكَانَ الإِمْسَاكُ وَالرَّجْعَةُ لاَ يَجُوزُ إِلاَّ فِي قُرْبِ بُلُوغِ الأَجَلِ، لاَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَهَذَا بَاطِلٌ بِلاَ خِلاَفٍ وَتَأْوِيلُ الآيَةِ مُوَافِقٌ لِظَاهِرِهَا بِلاَ كَذِبٍ، وَلاَ تَزَيُّدٍ، وَإِنَّمَا أَرَادَ تَعَالَى بِلاَ شَكٍّ بُلُوغَ الْمُطَلَّقَاتِ أَجَلَ الْعِدَّةِ بِكَوْنِهِنَّ فِيهَا مِنْ دُخُولِهِنَّ إيَّاهَا إلَى إثْرِ الطَّلاَقِ إلَى خُرُوجِهِنَّ عَنْهَا، وَهَذِهِ الْمُدَّةُ كُلُّهَا لِلزَّوْجِ فِيهَا الرَّجْعَةُ وَالإِمْسَاكُ بِلاَ خِلاَفٍ، أَوْ التَّمَادِي عَلَى حُكْمِ الطَّلاَقِ. وَحَتَّى لَوْ صَحَّ لَهُمْ مَا أَطْلَقُوا فِيهِ الْبَاطِلَ لَكَانَ لاَ مُتَعَلِّقَ لَهُمْ بِهِ ; لأََنَّهُ لَيْسَ إذَا وُجِدَ كَلاَمٌ قَدْ صُرِفَ، عَنْ ظَاهِرِهِ بِدَلِيلٍ وَجَبَ أَنْ يُصْرَفَ كُلُّ كَلاَمٍ، عَنْ ظَاهِرِهِ بِلاَ دَلِيلٍ، وَفِي هَذَا إفْسَادُ التَّفَاهُمِ، وَالْمَعْقُولِ، وَالشَّرِيعَةِ كُلِّهَا، فَكَيْفَ وَرِوَايَةُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ عليه السلام قَالَ: كُلُّ بَيِّعَيْنِ لاَ بَيْعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا فَاضِحٌ لِهَذَا الْكَذِبِ كُلِّهِ، وَمُبْطِلٌ لِتَخْصِيصِ بَعْضِ مَنْ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ بَيْعٍ مِنْ سَائِرِ مَنْ يَقَعُ عَلَيْهِ هَذَا الأَسْمُ. وَقَالُوا: هَذَا التَّفْرِيقُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ: هُوَ مِثْلُ التَّفْرِيقِ الْمَذْكُورِ فِي قوله تعالى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ . فَقُلْنَا: نَعَمْ، بِلاَ شَكٍّ، وَذَلِكَ التَّفَرُّقُ الْمَذْكُورُ فِي الآيَةِ تَفَرُّقٌ بِالْقَوْلِ يَقْتَضِي التَّفَرُّقَ

بِالأَبْدَانِ، وَلاَ بُدَّ، وَالتَّفَرُّقُ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ كَذَلِكَ أَيْضًا تَفَرُّقٌ بِالْقَوْلِ يَقْتَضِي التَّفَرُّقَ بِالأَبْدَانِ، وَلاَ بُدَّ، وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: إنَّ التَّفَرُّقَ الْمُرَاعَى فِيمَا يَحْرُمُ بِهِ الصَّرْفُ أَوْ يَصِحُّ إنَّمَا هُوَ تَفَرُّقُ الأَبْدَانِ، فَهَلاَّ قُلْتُمْ عَلَى هَذَا هَهُنَا: إنَّ التَّفَرُّقَ الْمَذْكُورَ فِي هَذَا الْخَبَرِ هُوَ أَيْضًا تَفَرُّقُ الأَبْدَانِ، لَوْلاَ التَّحَكُّمُ الْبَارِدُ حَيْثُ تَهْوُونَ. وَمَوَّهُوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً، عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ. فَأَبَاحَ تَعَالَى الأَكْلَ بَعْدَ التَّرَاضِي، قَالُوا: وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ الْمِلْكِ بِالْعَقْدِ.
قال أبو محمد: الَّذِي أَتَانَا بِهَذِهِ الآيَةِ هُوَ الَّذِي مِنْ عِنْدِهِ نَدْرِي: مَا هِيَ التِّجَارَةُ الْمُبَاحَةُ لَنَا مِمَّا حُرِّمَ عَلَيْنَا، وَمَا هُوَ التَّرَاضِي النَّاقِلُ لِلْمِلْكِ مِنْ التَّرَاضِي الَّذِي لاَ يَنْقُلُ الْمِلْكَ وَلَوْلاَهُ لَمْ نَعْرِفْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ. وَهُوَ الَّذِي أَخْبَرَنَا: أَنَّ الْعَقْدَ لَيْسَ بَيْعًا، وَلاَ هُوَ تِجَارَةً، وَلاَ هُوَ تَرَاضِيًا، وَلاَ يَنْقُلُ مِلْكًا إِلاَّ حَتَّى يَسْتَضِيفَ إلَيْهِ التَّفَرُّقَ، عَنْ مَوْضِعِهِمَا، أَوْ التَّخْيِيرَ، فَهَذَا هُوَ الْبَيْعُ، وَالتِّجَارَةُ، وَالتَّرَاضِي، لاَ مَا ظَنَّهُ أَهْلُ الْجَهْلِ بِآرَائِهِمْ بِلاَ برهان، لَكِنْ بِالدَّعْوَى الْفَاسِدَةِ. وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} وَهَذَا حَقٌّ إِلاَّ أَنَّ الَّذِي أَمَرَنَا بِهَذَا عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ هُوَ تَعَالَى الآمِرُ لِرَسُولِهِ عليه السلام أَنْ يُخْبِرَنَا أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ هَذَا التَّعَاقُدُ، وَلاَ يَتِمُّ، وَلاَ يَكُونُ عَقْدًا إِلاَّ بِالتَّفَرُّقِ، عَنْ مَوْضِعِهِمَا أَوْ بِأَنْ يُخَيِّرَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ بَعْدَ التَّعَاقُدِ، وَإِلَّا فَلاَ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِذَلِكَ الْعَقْدِ، وَهُمْ مُجْمِعُونَ مَعَنَا عَلَى أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُ أَحَدًا الْوَفَاءُ بِكُلِّ عَقْدٍ عَقَدَهُ، بَلْ أَكْثَرُ الْعُقُودِ حَرَامٌ الْوَفَاءُ بِهَا، كَمَنْ عَقَدَ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَزْنِيَ، أَوْ أَنْ يَشْرَبَ الْخَمْرَ. نَعَمْ، وَأَكْثَرُ الْعُقُودِ لاَ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ عِنْدَهُمْ وَعِنْدَنَا، كَمَنْ عَقَدَ أَنْ يَشْتَرِيَ، أَوْ أَنْ يَبِيعَ، أَوْ أَنْ يُغَنِّيَ، أَوْ أَنْ يَزْفِنَ أَوْ أَنْ يُنْشِدَ شِعْرًا. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِعَقْدٍ أَصْلاً، إِلاَّ عَقْدًا أَتَى النَّصُّ بِالْوَفَاءِ بِهِ بِاسْمِهِ وَعَيْنِهِ، وَهُمْ يَقُولُونَ يَعْنِي الْحَنَفِيِّينَ أَنَّ مَنْ بَايَعَ آخَرَ شَيْئًا غَائِبًا وَتَعَاقَدَا إسْقَاطَ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ أَنَّهُ عَقْدٌ لاَ يَلْزَمُ. وَالْمَالِكِيُّونَ يَقُولُونَ: مَنْ ابْتَاعَ ثَمَرَةً وَاشْتَرَطَ أَنْ لاَ يَقُومَ بِجَائِحَةٍ، وَعَقَدَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ، فَإِنَّهُ عَقْدٌ لاَ يَلْزَمُهُ، فَأَيْنَ احْتِجَاجُهُمْ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} . فَإِنْ قَالُوا: هَذِهِ عُقُودٌ قَامَتْ الأَدِلَّةُ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهَا قلنا: وَعَقْدُ الْبَيْعِ عَقْدٌ قَدْ قَامَ الْبُرْهَانُ حَقًّا عَلَى أَنَّهُ لاَ يَلْزَمُ الْوَفَاءُ بِهِ إِلاَّ بَعْدَ التَّفَرُّقِ بِالأَبْدَانِ، أَوْ بَعْدَ التَّخْيِيرِ، بِخِلاَفِ الأَدِلَّةِ الْفَاسِدَةِ الَّتِي خَصَّصْتُمْ بِهَا مَا خَصَّصْتُمْ مِنْ الْعُقُودِ الْمَذْكُورَةِ. وَمَوَّهُوا أَيْضًا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ} وَإِنَّ الْحَيَاءَ لَقَلِيلٌ فِي وَجْهِ مَنْ احْتَجَّ بِهَذِهِ الآيَةِ فِي هَذَا الْمَكَانِ لِوُجُوهٍ: أَوَّلِهَا أَنَّهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذِهِ الآيَةِ فِيمَا وَرَدَتْ فِيهِ مِنْ وُجُوبِ الإِشْهَادِ فَكَيْفَ يَسْتَحِلُّونَ الأَحْتِجَاجَ بِأَنَّهُمْ قَدْ عَصَوْا اللَّهَ تَعَالَى فِيهَا وَخَالَفُوهَا، وَلَمْ يَرَوْهَا حُجَّةً فِي وُجُوبِ الإِشْهَادِ فِي الْبَيْعِ وَالثَّانِي أَنَّهُ لَيْسَ فِي الآيَةِ نَصٌّ، وَلاَ دَلِيلٌ عَلَى بُطْلاَنِ التَّفَرُّقِ الْمَذْكُورِ فِي الْخَبَرِ، وَلاَ ذُكِرَ مِنْهُ أَصْلاً. وَالثَّالِثِ: أَنَّ نَصَّ الآيَةِ إنَّمَا هُوَ إيجَابُ الإِشْهَادِ إذَا تَبَايَعْنَا، وَاَلَّذِي

جَاءَنَا بِهَذِهِ الآيَةِ وَلَوْلاَهُ لَمْ نَدْرِ مَا الْمَبِيعُ الْمُبَاحُ مِنْ الْمُحَرَّمِ أَلْبَتَّةَ هُوَ الَّذِي أَخْبَرَنَا أَنَّهُ لاَ بَيْعَ أَصْلاً إِلاَّ بَعْدَ التَّفَرُّقِ، عَنْ مَوْضِعِهِمَا أَوْ التَّخْيِيرِ. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا إذَا تَبَايَعْتُمْ} إنَّمَا هُوَ أَمْرٌ بِالإِشْهَادِ بَعْدَ التَّفَرُّقِ، أَوْ التَّخْيِيرِ الَّذِي لاَ بَيْعَ بَيْنَهُمَا أَصْلاً إِلاَّ بَعْدَ أَحَدِهِمَا وَإِنْ رَغِمَتْ أُنُوفُ الْمُخَالِفِينَ ثُمَّ مَوَّهُوا بِإِيرَادِ أَخْبَارٍ ثَابِتَةٍ وَغَيْرِ ثَابِتَةٍ، مِثْلِ قَوْلِهِ عليه السلام: إذَا ابْتَعْت بَيْعًا فَلاَ تَبِعْهُ حَتَّى تَقْبِضَهُ وَالْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي الآيَةِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ ; لأََنَّهُ لاَ بَيْعَ بَيْنَهُمَا إِلاَّ بَعْدَ التَّفَرُّقِ أَوْ التَّخْيِيرِ، وَإِلَّا فَلَمْ يَبْتَعْ الْمُبْتَاعُ أَصْلاً، وَلاَ بَاعَ الْبَائِعُ أَلْبَتَّةَ. وَمِثْلِ مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ. وَمِثْلِ مَنْ بَاعَ نَخْلاً قَدْ أُبِرَتْ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَهَا الْمُبْتَاعُ. وَمِثْلِ النَّهْيِ، عَنْ بَيْعِ الطَّعَامِ حَتَّى يَجْرِيَ فِيهِ الصَّاعَانِ. وَإِذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فَالْقَوْلُ مَا قَالَ الْبَائِعُ. وَأَخْبَارٌ كَثِيرَةٌ جَاءَ فِيهَا ذِكْرُ الْبَيْعِ، وَالْقَوْلُ فِيهَا كُلِّهَا كَمَا قلنا آنِفًا: أَنَّ كُلَّ هَذِهِ الأَحْكَامِ إنَّمَا وَرَدَتْ فِي الْبَيْعِ وَاَلَّذِي أَمَرَ بِمَا صَحَّ مِنْهَا هُوَ الَّذِي أَخْبَرَ وَحَكَمَ وَقَالَ: إنَّهُ لاَ بَيْعَ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ مَا كَانَا مَعًا وَلَمْ يَتَفَرَّقَا، أَوْ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، فَتَبًّا لِمَنْ عَصَاهُ. وَالْعَجَبُ أَنَّ أَكْثَرَ هَذِهِ الأَخْبَارِ هُمْ مُخَالِفُونَ لِمَا فِي نُصُوصِهَا، فَلَمْ يَقْنَعُوا بِذَلِكَ حَتَّى أَضَافُوا إلَى ذَلِكَ غُرُورَ مَنْ أَحْسَنَ الظَّنَّ فِي أَنْ أَوْهَمُوهُمْ مَا لَيْسَ فِيهَا مِنْهُ شَيْءٌ أَصْلاً. وَلاَ فَرْقَ بَيْنَهُمْ فِي احْتِجَاجِهِمْ بِكُلِّ مَا ذَكَرْنَا فِي إبْطَالِ السُّنَّةِ الثَّابِتَةِ مِنْ أَنْ لاَ بَيْعَ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ إِلاَّ بَعْدَ التَّفَرُّقِ بِالأَبْدَانِ أَوْ التَّخْيِيرِ، وَبَيْنَ مَنْ احْتَجَّ بِهَا فِي إبَاحَةِ كُلِّ بَيْعٍ لَمْ يُذْكَرْ فِيهَا مِنْ الرِّبَا، وَالْغَرَرِ، وَالْحَصَاةِ، وَالْمُلاَمَسَةِ، وَالْمُنَابَذَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، بَلْ هُوَ كُلُّهُ عَمَلٌ وَاحِدٌ، نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْهُ. وَمِنْ عَجَائِبِهِمْ احْتِجَاجُهُمْ فِي هَذَا بِالْخَبَرِ الثَّابِتِ مِنْ أَنَّهُ لاَ يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدًا إِلاَّ أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا فَيَشْتَرِيَهُ فَيُعْتِقَهُ.
قال أبو محمد: وَلَوْلاَ أَنَّ الْقَوْمَ مُسْتَكْثِرُونَ مِنْ الْبَاطِلِ، وَالْخَدِيعَةِ فِي الإِسْلاَمِ لِمَنْ اغْتَرَّ بِهِمْ لَمْ يُخَفْ عَلَيْهِمْ هَذَا التَّطْوِيلُ بِلاَ مَعْنًى. وَنَعَمْ، الْخَبَرُ صَحِيحٌ وَمَا اشْتَرَى قَطُّ أَبَاهُ مَنْ لَمْ يُفَارِقْ بَائِعَهُ بِبَدَنِهِ، وَلاَ خَيَّرَهُ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَلاَ مَلَّكَهُ قَطُّ، بَلْ هُوَ فِي مِلْكِ بَائِعِهِ كَمَا كَانَ حَتَّى يُخَيِّرَهُ الْمُبْتَاعُ أَوْ يُفَارِقَهُ بِبَدَنِهِ، فَحِينَئِذٍ يَعْتِقُ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلاَ بِنَصِّ حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَذَكَرُوا أَيْضًا: الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ وَهَذَا خَبَرٌ مَكْذُوبٌ ; لأََنَّهُ إنَّمَا رَوَاهُ كَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ وَهُوَ سَاقِطٌ وَمَنْ هُوَ دُونَهُ، أَوْ مُرْسَلٌ، عَنْ عَطَاءٍ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ حُجَّةً لَنَا عَلَيْهِمْ ; لأََنَّ شُرُوطَ الْمُسْلِمِينَ لَيْسَتْ كُلَّ شَرْطٍ بِلاَ خِلاَفٍ، بَلْ إنَّمَا هِيَ الشُّرُوطُ الْمَأْمُورُ بِهَا، أَوْ الْمُبَاحَةُ بِأَسْمَائِهَا فِي الْقُرْآنِ وَصَحِيحِ السُّنَنِ. وَلَوْ كَانَ مَا أَوْهَمُوا بِهِ لَكَانَ شَرْطُ الزِّنَى، وَالْقِيَادَةِ، وَشُرْبِ الْخَمْرِ، وَالرِّبَا: شُرُوطًا لَوَازِمَ، وَحَاشَ لِلَّهِ مِنْ هَذَا الضَّلاَلِ. وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ: كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ كِتَابُ

اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ فَشَرْطُ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ التَّفَرُّقُ بِالأَبْدَانِ بَعْدَ الْعَقْدِ لِلْبَيْعِ أَوْ التَّخْيِيرُ، وَإِلَّا فَلاَ شَرْطَ هُنَالِكَ يَلْزَمُ أَصْلاً وأعجب شَيْءٍ احْتِجَاجُ بَعْضِهِمْ بِأَنَّ مَنْ بَاعَ بَيْعًا عَلَى أَنَّهُ ثَابِتٌ بِلاَ خِيَارٍ أَنَّ الْخِيَارَ سَاقِطٌ.
قال أبو محمد: لَيْتَ شِعْرِي مَنْ وَافَقَهُمْ عَلَى هَذَا الْجُنُونِ لاَ، وَلاَ كَرَامَةَ بَلْ لَوْ أَنَّ مُتَبَايِعَيْنِ عَقَدَا بَيْعَهُمَا عَلَى إسْقَاطِ الْخِيَارِ الْوَاجِبِ لَهُمَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ بِأَبْدَانِهِمَا، وَقَبْلَ التَّخْيِيرِ لَكَانَ شَرْطًا مَلْعُونًا، وَعَقْدًا فَاسِدًا، وَحُكْمَ ضَلاَلٍ لأََنَّهُمَا اشْتَرَطَا إبْطَالَ مَا أَثْبَتَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَرَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم. وَمَوَّهُوا أَيْضًا بِأَنْ قَالُوا: لَمَّا كَانَ عَقْدُ النِّكَاحِ، وَعَقْدُ الطَّلاَقِ، وَعَقْدُ الإِجَارَةِ، وَالْخُلْعُ، وَالْعِتْقُ، وَالْكِتَابَةُ تَصِحُّ، وَلاَ يُرَاعَى فِيهَا التَّفَرُّقُ بِالأَبْدَانِ وَجَبَ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْبَيْعِ.
قال أبو محمد: وَهَذَا قِيَاسٌ وَالْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ، لإِجْمَاعِهِمْ مَعَنَا عَلَى أَنَّ كُلَّ حُكْمٍ مِنْ هَذِهِ الَّتِي ذَكَرُوا لَهُ أَحْكَامٌ وَأَعْمَالٌ مُخَالِفَةٌ لِسَائِرِهَا، لاَ يَجُوزُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَهُمَا فِيهِ، فَالْبَيْعُ يَنْتَقِلُ فِيهِ مِلْكُ رَقَبَةِ الْمَبِيعِ وَثَمَنِهِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ الأَحْكَامِ الَّتِي ذَكَرُوا، وَالنِّكَاحُ فِيهِ إبَاحَةُ فَرْجٍ كَانَ مُحَرَّمًا بِغَيْرِ مِلْكِ رَقَبَتِهِ، وَلاَ يَجُوزُ فِيهِ اشْتِرَاطُ خِيَارٍ أَصْلاً، وَلاَ تَأْجِيلٌ. وَهُمْ يُجِيزُونَ الْخِيَارَ الْمُشْتَرَطَ فِي الْبَيْعِ وَالتَّأْجِيلِ، وَلاَ يَرَوْنَ قِيَاسَ أَحَدِهِمَا عَلَى الآخَرِ فِي ذَلِكَ جَائِزًا، وَالطَّلاَقُ تَحْرِيمُ فَرْجٍ مُحَلَّلٍ إمَّا فِي وَقْتِهِ وَأَمَّا إلَى مُدَّةٍ بِغَيْرِ نَقْلِ مِلْكٍ، وَلاَ يَجُوزُ فِيهِ اشْتِرَاطٌ بَعْدَ إيقَاعِهِ أَصْلاً، بِخِلاَفِ الْبَيْعِ وَالإِجَارَةُ إبَاحَةُ مَنَافِعَ بِعِوَضٍ لاَ تُمَلَّكُ بِهِ الرَّقَبَةُ، بِخِلاَفِ الْبَيْعِ، وَيَجُوزُ فِي الْحُرِّ بِخِلاَفِ الْبَيْعِ، وَهِيَ إلَى أَجَلٍ، وَلاَ بُدَّ، إمَّا مَعْلُومٍ وَأَمَّا مَجْهُولٍ إنْ كَانَ فِي عَمَلٍ مَحْدُودٍ، بِخِلاَفِ الْبَيْعِ. وَالْخُلْعُ طَلاَقٌ بِمَالٍ لاَ يَجُوزُ فِيهِ عِنْدَهُمْ خِيَارٌ مُشْتَرَطٌ، بِخِلاَفِ الْبَيْعِ، وَالْعِتْقُ كَذَلِكَ، وَالْكِتَابَةُ فَظَهَرَ سُخْفُ قِيَاسِهِمْ هَذَا وَأَنَّهُ هَوَسٌ وَتَخْلِيطٌ. وَكَمْ قِصَّةٍ لَهُمْ فِي التَّخْيِيرِ فِي الطَّلاَقِ أَوْجَبُوا فِيهِ الْخِيَارَ مَا دَامَا فِي مَجْلِسِهِمَا وَقَطَعُوهُ بِالتَّفَرُّقِ بِأَبْدَانِهِمَا حَيْثُ لَمْ يُوجِبْهُ قَطُّ رَبُّ الْعَالَمِينَ، وَلاَ رَسُولُهُ عليه السلام، وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ، وَلاَ مَعْقُولٌ، وَلاَ قِيَاسٌ شُبِّهَ بِهِ، لَكِنْ بِالآرَاءِ الْفَاسِدَةِ ثُمَّ أَبْطَلُوهُ حَيْثُ أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَنَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى السَّلاَمَةِ مِمَّا ابْتَلاَهُمْ بِهِ. وقال بعضهم: التَّفَرُّقُ بِالأَبْدَانِ فِي الصَّرْفِ قَبْلَ الْقَبْضِ يُبْطِلُ الْعَقْدَ فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَ مَا يُبْطِلُ الْعَقْدَ هُوَ الَّذِي يُثْبِتُهُ.
قال علي: وهذا كَلاَمٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ، وَلاَ نُنْكِرُ هَذَا إذَا جَاءَ بِهِ النَّصُّ فَقَدْ وَجَدْنَا النَّقْد

وَتَرْكَ، الأَجَلِ يُفْسِدُ السَّلَمَ عِنْدَهُمْ، وَيُصَحِّحُ الْبُيُوعَ الَّتِي يَقَعُ فِيهَا الرِّبَا حَتَّى لاَ تَصِحَّ إِلاَّ بِهِ. فَكَيْفَ وَالْمَعْنَى فِيمَا رَامُوا الْفَرْقَ بَيْنَهُ وَاحِدٌ وَهُوَ أَنَّ الْمُتَصَارِفَيْنِ لَمْ يَمْلِكَا شَيْئًا، وَلاَ تَبَايَعَا أَصْلاً قَبْلَ التَّقَابُضِ، وَكُلُّ مُتَبَايِعَيْنِ فَلَمْ يَتِمَّ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ أَصْلاً قَبْلَ التَّفَرُّقِ أَوْ التَّخْيِيرِ مُتَصَارِفَيْنِ كَانَا أَوْ غَيْرَ مُتَصَارِفَيْنِ فَإِنْ تَفَرَّقَ كُلُّ مَنْ ذَكَرْنَا بِأَبْدَانِهِمْ قَبْلَ مَا يَتِمُّ بِهِ الْبَيْعُ، فَمَنْ كَانَ قَدْ عَقَدَ عَقْدًا أُبِيحَ لَهُ تَمَّ لَهُ بِالتَّفَرُّقِ، وَمَنْ كَانَ لَمْ يَعْقِدْ عَقْدًا أُبِيحَ لَهُ فَلَيْسَ هَهُنَا شَيْءٌ يَتِمُّ لَهُ بِالتَّفَرُّقِ. وَقَالُوا أَيْضًا: مُتَعَقِّبِينَ لِكَلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَادِّينَ عَلَيْهِ: الْمُتَبَايِعَانِ إنَّمَا يَكُونَانِ مُتَبَايِعَيْنِ مَا دَامَا فِي حَالِ الْعَقْدِ لاَ بَعْدَ ذَلِكَ، كَالْمُتَضَارَبِينَ وَالْمُتَقَاتَلِينَ فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَكُونَا مُتَبَايِعَيْنِ مُتَفَاسِخَيْنِ مَعًا.
قال أبو محمد: وَهَذَا كَلاَمُ مَنْ لاَ عَقْلَ لَهُ، وَلاَ عِلْمَ، وَلاَ دِينَ، وَلاَ حَيَاءَ ; لأََنَّهُ سَفْسَطَةٌ بَارِدَةٌ، وَنَعَمْ، فَإِنَّ الْمُتَبَايِعَيْنِ لاَ يَكُونَانِ مُتَبَايِعَيْنِ إِلاَّ فِي حِينِ تَعَاقُدِهِمَا لَكِنَّ عَقْدَهُمَا بِذَلِكَ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلاَ يَتِمُّ إِلاَّ بِالتَّفَرُّقِ أَوْ التَّخْيِيرِ بَعْدَ الْعَقْدِ، كَمَا أَمَرَ مَنْ لاَ يُحَرِّمُ دَمَ أَحَدٍ إِلاَّ بِاتِّبَاعِهِ، أَوْ بِجِزْيَةٍ يَغْرَمُهَا إنْ كَانَ كِتَابِيًّا وَهُوَ صَاغِرٌ. وَمِنْ طَرِيفِ نَوَادِرِهِمْ احْتِجَاجُهُمْ فِي مُعَارَضَةِ هَذَا الْخَبَرِ بِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ " أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إِلاَّ أَنْ تَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ، وَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ . قَالُوا: فَالأَسْتِقَالَةُ لاَ تَكُونُ إِلاَّ بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ وَصِحَّةِ انْتِقَالِ الْمِلْكِ.
قَالَ عَلِيٌّ: قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ فَهَذَا حَدِيثٌ لاَ يَصِحُّ وَلَسْنَا مِمَّنْ يَحْتَجُّ لِنَفْسِهِ بِمَا لاَ يَصِحُّ، وَقَدْ أَعَاذَنَا اللَّهُ تَعَالَى مِنْ ذَلِكَ، وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ مُوَافِقًا لِقَوْلِنَا، إِلاَّ فِي الْمَنْعِ مِنْ الْمُفَارَقَةِ خَوْفَ الأَسْتِقَالَةِ فَقَطْ فَلَسْنَا نَقُولُ بِهِ ; لأََنَّ الْخَبَرَ الْمَذْكُورَ لاَ يَصِحُّ، وَلَوْ صَحَّ لَقُلْنَا بِمَا فِيهِ مِنْ تَحْرِيمِ الْمُفَارَقَةِ عَلَى هَذِهِ النِّيَّةِ، وَلَيْسَتْ الأَسْتِقَالَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي هَذَا الْخَبَرِ مَا ظَنَّ هَؤُلاَءِ الْجُهَّالُ، وَإِنَّمَا هِيَ فَسْخُ النَّادِمِ مِنْهُمَا لِلْبَيْعِ رَضِيَ الآخَرُ أَمْ كَرِهَ لأََنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ اسْتَقَلْت مِنْ عِلَّتِي، وَاسْتَقَلْت مَا فَاتَ عَنِّي: إذَا اسْتَدْرَكَهُ. وَالْبُرْهَانُ عَلَى صِحَّةِ قَوْلِنَا هَذَا وَعَلَى فَسَادِ تَأْوِيلِهِمْ وَكَذِبِهِ هُوَ أَنَّ الْمُفَارَقَةَ بِالأَبْدَانِ لاَ تَمْنَعُ مِنْ الأَسْتِقَالَةِ الَّتِي حَمَلُوا الْخَبَرَ عَلَيْهَا، بَلْ هِيَ مُمْكِنَةٌ أَبَدًا، وَلَوْ بَعْدَ عَشْرَاتِ أَعْوَامٍ، فَكَانَ الْخَبَرُ عَلَى هَذَا لاَ مَعْنَى لَهُ، وَلاَ حَقِيقَةَ، وَلاَ فَائِدَةَ. فَصَحَّ أَنَّهَا الأَسْتِقَالَةُ الَّتِي تَمْنَعُ مِنْهَا الْمُفَارَقَةُ بِلاَ شَكٍّ، وَهِيَ التَّفَرُّقُ بِالأَبْدَانِ الْمُوجِبُ لِلْبَيْعِ، الْمَانِعُ مِنْ فَسْخِهِ، وَلاَ بُدَّ، وَلاَ يُمْكِنُ غَيْرُ هَذَا، وَلاَ يَحْتَمِلُ لَفْظُ الْخَبَرِ مَعْنًى سِوَاهُ أَلْبَتَّةَ. فَصَارَ هَذَا الْخَبَرُ ثِقْلاً عَلَيْهِمْ عَلَى ثِقْلٍ، لأََنَّهُمْ صَحَّحُوهُ وَخَالَفُوا مَا فِيهِ، وَأَبَاحُوا لَهُ مُفَارَقَتَهُ خَشِيَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ أَوْ لَمْ يَخْشَ.
قال علي: هذا كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ وَكُلُّهُ عَائِدٌ عَلَيْهِمْ وَمُبْدِي تَخَاذُلَ عِلْمِهِمْ وَقِلَّةَ فَهْمِهِمْ

وَنَحْنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى نَذْكُرُ مَا هُوَ أَقْوَى شُبْهَةً لَهُمْ، وَنُبَيِّنُ حَسْمَ التَّعَلُّقِ بِهِ لِمَنْ عَسَى أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ قَالَ: وَقَالَ الْحُمَيْدِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا عَمْرٌو، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ فَكُنْتُ عَلَى بَكْرٍ صَعْبٍ لِعُمَرَ فَكَانَ يَغْلِبُنِي فَيَتَقَدَّمُ أَمَامَ الْقَوْمِ فَيَزْجُرُهُ عُمَرُ وَيَرُدُّهُ ثُمَّ يَتَقَدَّمُ فَيَزْجُرُهُ عُمَرُ وَيَرُدُّهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِعُمَرَ: بِعْنِيهِ قَالَ: هُوَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: بِعْنِيهِ فَبَاعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم هُوَ لَكَ يَا عَبْدَ اللَّهَ بْنَ عُمَرَ تَصْنَعُ بِهِ مَا شِئْتَ قَالُوا فَهَذَا بَيْعٌ صَحِيحٌ لاَ تَفَرُّقَ فِيهِ وَهِبَةٌ لِمَا ابْتَاعَ عليه السلام قَبْلَ التَّفَرُّقِ بِلاَ شَكٍّ.
قال أبو محمد: هَذَا خَبَرٌ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ لِوُجُوهٍ: أَوَّلُهَا أَنَّهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَفَرُّقٌ فِيهِ التَّخْيِيرُ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَلَيْسَ السُّكُوتُ عَنْهُ بِمَانِعٍ مِنْ كَوْنِهِ ; لأََنَّ صِحَّةَ الْبَيْعِ تَقْتَضِيه، وَلاَ بُدَّ وَلَمْ يُذْكَرْ فِي هَذَا الْخَبَرِ ثَمَنٌ أَيْضًا، فَيَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يُجِيزُوا الْبَيْعَ بِغَيْرِ ذِكْرِ ثَمَنٍ أَصْلاً ; لأََنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ ثَمَنٌ. فَإِنْ قَالُوا: لاَ بُدَّ مِنْ الثَّمَنِ بِلاَ شَكٍّ ; لأََنَّ الْبَيْعَ لاَ يَصِحُّ إِلاَّ بِهِ قلنا: وَلاَ بُدَّ مِنْ التَّفَرُّقِ أَوْ التَّخْيِيرِ ; لأََنَّ الْبَيْعَ لاَ يَكُونُ بَيْعًا، وَلاَ يَصِحُّ أَصْلاً إِلاَّ بِأَحَدِهِمَا، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَهُمْ فِي احْتِجَاجِهِمْ بِهَذَا الْخَبَرِ فِي إسْقَاطِ حُكْمِ مَا لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ مِنْ التَّخْيِيرِ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَبَيْنَ مَنْ احْتَجَّ بِهِ فِي الْبَيْعِ بِالْمُحَرَّمَاتِ ; لأََنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِيهِ ثَمَنٌ أَصْلاً، وَهَذِهِ هِبَةٌ لِمَا اُبْتِيعَ قَبْلَ الْقَبْضِ بِخِلاَفِ رَأْي الْحَنَفِيِّينَ فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي الإِشْهَادِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ حَتَّى لَوْ صَحَّ لَهُمْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي هَذَا الْبَيْعِ تَخْيِيرٌ، وَلاَ إشْهَادٌ أَصْلاً وَهُوَ لاَ يَصِحُّ أَبَدًا فَمَنْ لَهُمْ أَنَّ هَذِهِ الْقِصَّةَ كَانَتْ بَعْدَ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كُلُّ بَيِّعَيْنِ لاَ بَيْعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا أَوْ يُخَيِّرَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ وَبَعْدَ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بِالإِشْهَادِ، وَمَنْ ادَّعَى عِلْمَ ذَلِكَ فَهُوَ كَذَّابٌ أَفِكٌ يَتَبَوَّأُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ لِكَذِبِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. فَإِنْ كَانَ هَذَا الْخَبَرُ قَبْلَ ذَلِكَ كُلِّهِ فَنَحْنُ نَقُولُ: إنَّ الْبَيْعَ حِينَئِذٍ كَانَ يَتِمُّ بِالْعَقْدِ وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا، وَلاَ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، وَإِنَّ الإِشْهَادَ لَمْ يَكُنْ لاَزِمًا وَإِنَّمَا وَجَبَ كُلُّ مَا ذَكَرْنَا حِينَ الأَمْرِ بِهِ لاَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَأَمَّا نَحْنُ فَنَقْطَعُ بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ يُخَالِفُ أَمْرَ رَبِّهِ تَعَالَى، وَلاَ يَفْعَلُ مَا نَهَى عَنْهُ أُمَّتَهُ، هَذَا مَا لاَ شَكَّ فِيهِ عِنْدَنَا، وَمَنْ شَكَّ فِي هَذَا أَوْ أَجَازَ كَوْنَهُ فَهُوَ كَافِرٌ، نَتَقَرَّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِالْبَرَاءَةِ مِنْهُ. وَكَذَلِكَ نَقْطَعُ بِأَنَّهُ عليه السلام لَوْ نَسَخَ مَا أَمَرَنَا بِهِ لَبَيَّنَهُ حَتَّى لاَ يَشُكَّ عَالِمٌ بِسُنَّتِهِ فِي أَنَّهُ قَدْ نَسَخَ مَا نَسَخَ وَأَثْبَتَ مَا أَثْبَتَ. وَلَوْ جَازَ غَيْرُ هَذَا وَأَعُوذُ بِاَللَّهِ لَكَانَ دِينُ الإِسْلاَمِ فَاسِدًا لاَ يَدْرِي أَحَدٌ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ مِمَّا يَحِلُّ لَهُ مِمَّا أَوْجَبَ

رَبُّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ حَاشَ لِلَّهِ مِنْ هَذَا، إنَّ هَذَا لَهُوَ الضَّلاَلُ الْمُبِينُ الَّذِي يُكَذِّبُهُ اللَّهُ تَعَالَى إذْ يَقُولُ: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} َ {وَلِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ} . وَقَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الْغَيِّ، وَالدِّينُ كُلُّهُ رُشْدٌ وَخِلاَفُ كُلِّ شَيْءٍ مِنْهُ غَيٌّ، فَلَوْ لَمْ يَتَبَيَّنْ كُلَّ ذَلِكَ لَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى كَذِبًا، وَالرَّسُولُ عليه السلام لَمْ يُبَيِّنْ، وَلَمْ يُبَلِّغْ وَالدِّينُ ذَاهِبًا فَاسِدًا وَهَذَا هُوَ الْكُفْرُ الْمَحْضُ مِمَّنْ أَجَازَ كَوْنَهُ. وَالْوَجْهُ الثَّالِثِ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ الرَّاوِيَ مِنْ الصَّحَابَةِ أَعْلَمُ بِمَا رَوَى، وَابْنُ عُمَرَ هُوَ رَاوِي هَذَا الْخَبَرِ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ لاَ يَرَى الْبَيْعَ يَتِمُّ إِلاَّ بِالتَّفَرُّقِ بِالأَبْدَانِ، فَهُوَ عَلَى أَصْلِهِمْ أَعْلَمُ بِمَا رُوِيَ. وَسَقَطَ عَلَى أَصْلِهِمْ هَذَا تَعَلُّقُهُمْ بِهَذَا الْخَبَرِ جُمْلَةً وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبُّ الْعَالَمِينَ. وقال بعضهم: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ، وَمِنْ الْغَرَرِ أَنْ يَكُونَ لَهُمَا خِيَارٌ لاَ يَدْرِيَانِ مَتَى يَنْقَطِعُ.
قال أبو محمد: وَهَذَا كَلاَمٌ فَاسِدٌ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا أَنَّ الْعَقْدَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ بِالأَبْدَانِ، أَوْ التَّخْيِيرِ: لَيْسَ بَيْعًا أَصْلاً لاَ بَيْعَ غَرَرٍ، وَلاَ بَيْعَ سَلاَمَةٍ، كَمَا قَالَ عليه السلام: إنَّهُ لاَ بَيْعَ بَيْنَهُمَا مَا كَانَا مَعًا فَهُوَ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي بَيْعِ الْغَرَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّهُ لَيْسَ كَمَا قَالُوا: مِنْ أَنَّ لَهُمَا خِيَارًا لاَ يَدْرِيَانِ مَتَى يَنْقَطِعُ، بَلْ أَيُّهُمَا شَاءَ قَطْعَهُ قَطَعَهُ فِي الْوَقْتِ، بِأَنْ يُخَيِّرَ صَاحِبَهُ فأما يُمْضِيَهُ فَيَتِمُّ الْبَيْعُ وَيَنْقَطِعُ الْخِيَارُ، وَأَمَّا يَفْسَخُهُ فَيَبْطُلُ حُكْمُ الْعَقْدِ وَتَمَادِيهِ، أَوْ بِأَنْ يَقُومَ فَيُفَارِقَ صَاحِبَهُ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ ابْنُ عُمَرَ فَظَهَرَ بِرَدِّ هَذَا الأَعْتِرَاضِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالرَّأْيِ السَّخِيفِ، وَالْعَقْلِ الْهَجِينِ. وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ أَنَّهُ لاَ يَكُونُ غَرَرًا شَيْءٌ أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لأََنَّهُ لاَ يَأْمُرُ بِمَا نَهَى عَنْهُ مَعًا حَاشَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا الْغَرَرُ مَا أَجَازَهُ هَؤُلاَءِ بِآرَائِهِمْ الْفَاسِدَةِ مِنْ بَيْعِهِمْ اللَّبَنَ الَّذِي لَمْ يُخْلَقْ فِي ضُرُوعِ الْغَنَمِ شَهْرًا أَوْ شَهْرَيْنِ. وَبَيْعِ الْجَزَرِ الْمُغَيَّبِ فِي الأَرْضِ الَّذِي لَمْ يَرَهُ إنْسِيٌّ، وَلاَ عَرَفَ صِفَتَهُ، وَلاَ أَهُوَ جَزَرٌ أَمْ هُوَ مَعْفُونٌ مُسَوَّسٌ لاَ خَيْرَ فِيهِ وَبَيْعِ أَحَدِ ثَوْبَيْنِ لاَ يَدْرِي أَيَّهُمَا هُوَ الْمُشْتَرَى. وَالْمَقَاثِي الَّتِي لَمْ تُخْلَقْ، وَالْغَائِبِ الَّذِي لَمْ يُوصَفْ، وَلاَ عُرِفَ فَهَذَا هُوَ الْغَرَرُ الْمُحَرَّمُ الْمَفْسُوخُ الْبَاطِلُ حَقًّا. فَإِنْ ذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ هَاشِمِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ عُتْبَةَ الْيَمَامِيِّ، عَنْ أَبِي كَثِيرٍ السُّحَيْمِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا مِنْ بَيْعِهِمَا أَوْ يَكُونُ بَيْعُهُمَا بِخِيَارٍ .
قال أبو محمد: وَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا ; لأََنَّهُ عَلَيْهِمْ لَوْ صَحَّ، وَالتَّفَرُّقُ مِنْ الْبَيْعِ لاَ يَكُونُ إِلاَّ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ لاَ ثَالِثَ لَهُمَا إمَّا بِتَفَرُّقِ الأَبْدَانِ فَيَتِمُّ الْبَيْعُ حِينَئِذٍ وَيَتَفَرَّقَانِ مِنْهُ حِينَئِذٍ، لاَ قَبْلَ ذَلِكَ، وَأَمَّا أَنْ يَتَفَرَّقَا مِنْهُ بِفَسْخِهِ وَإِبْطَالِهِ: لاَ يُمْكِنُ غَيْرُ هَذَا فَكَيْفَ وَأَيُّوبُ بْنُ عُتْبَةَ ضَعِيفٌ لاَ نَرْضَى الأَحْتِجَاجَ بِرِوَايَتِهِ أَصْلاً وَإِنْ كَانَتْ لَنَا. وَأَتَى بَعْضُهُمْ بِطَامَّةٍ تَدُلُّ عَلَى رِقَّةِ دِينِهِ.

وَضَعْفِ عَقْلِهِ، فَقَالَ: مَعْنَى مَا لَمْ يَفْتَرِقَا: إنَّمَا أَرَادَ مَا لَمْ يَتَّفِقَا، كَمَا يُقَالُ لِلْقَوْمِ عَلَى مَاذَا افْتَرَقْتُمْ أَيْ عَلَى مَاذَا اتَّفَقْتُمْ فَأَرَادَ عَلَى مَاذَا افْتَرَقْتُمَا، عَنْ كَلاَمِكُمَا.
قال أبو محمد : وَهَذَا بَاطِلٌ مِنْ وُجُوهٍ: أَوَّلُهَا: أَنَّ هَذِهِ دَعْوَى كَاذِبَةً بِلاَ دَلِيلٍ، وَمَنْ لَكُمْ بِصَرْفِ هَذَا اللَّفْظِ إلَى هَذَا التَّأْوِيلِ وَمَا كَانَ هَكَذَا فَهُوَ بَاطِلٌ. وَالثَّانِي: أَنْ يَقُولَ: هَذَا هُوَ السَّفْسَطَةُ بِعَيْنِهِ، وَرَدُّ الْكَلاَمِ إلَى ضِدِّهِ أَبَدًا، وَلاَ يَصِحُّ مَعَ هَذَا حَقِيقَةً، وَلاَ يَعْجِزُ أَحَدٌ، عَنْ أَنْ يَقُولَ كَذَلِكَ فِي كُلِّ مَا جَاءَ عَنِ الْقُرْآنِ، وَالسُّنَنِ. وَهَذِهِ سَبِيلُ الرَّوَافِضِ، إذْ يَقُولُونَ: إنَّ الْجِبْتَ وَالطَّاغُوتَ إنَّمَا هُمَا إنْسَانَانِ بِعَيْنِهِمَا، وَأَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً إنَّمَا هِيَ فُلاَنَةُ بِعَيْنِهَا. وَالثَّالِثِ: أَنْ نَقُولَ لَهُمْ: فَكَيْفَ، وَلَوْ جَازَ هَذَا التَّأْوِيلُ لَكَانَ مَا رَوَاهُ اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : إذَا تَبَايَعَ الرَّجُلاَنِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا وَكَانَا جَمِيعًا، أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ فَإِنْ خَيَّرَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ فَتَبَايَعَا عَلَى ذَلِكَ وَجَبَ الْبَيْعُ وَإِنْ تَفَرَّقَا بَعْدَ أَنْ تَبَايَعَا وَلَمْ يَتْرُكْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا الْبَيْعَ، فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ مُكَذِّبًا لِهَذَا التَّأْوِيلِ الْكَاذِبِ الْمُدَّعَى بِلاَ دَلِيلٍ، وَمُبَيِّنًا أَنَّ التَّفَرُّقَ الَّذِي بِهِ يَصِحُّ الْبَيْعُ لاَ يَكُونُ أَلْبَتَّةَ عَلَى رَغْمِ أُنُوفِهِمْ، إِلاَّ بَعْدَ التَّبَايُعِ، كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ كَمَا ظَنَّ أَهْلُ الْجَهْلِ مِنْ أَنَّهُ فِي حَالِ التَّبَايُعِ وَمَعَ آخِرِ كَلاَمِهِمَا.
قال أبو محمد: وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ طَائِفَةً مِنْ الصَّحَابَةِ لاَ يُعْرَفُ لَهُمْ مِنْهُمْ مُخَالِفٌ، وَهُمْ يُعَظِّمُونَ هَذَا وَهَذَا مِمَّا خَالَفُوا فِيهِ جُمْهُورَ الْعُلَمَاءِ إِلاَّ رِوَايَةً، عَنْ إبْرَاهِيمَ، ثُمَّ جَاءَ بَعْضُهُمْ بِعَجَبٍ وَهُوَ أَنَّهُمْ زَادُوا فِي الْكَذِبِ، فَأَتَوْا بِرِوَايَةٍ رُوِّينَاهَا مِنْ طَرِيقِ عَطَاءٍ: أَنَّ عُمَرَ قَالَ: الْبَيْعُ صَفْقَةٌ أَوْ خِيَارٌ وَرُوِيَ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ عُمَرَ وَعَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: إنَّمَا الْبَيْعُ، عَنْ صَفْقَةٍ أَوْ خِيَارٍ، وَالْمُسْلِمُ عِنْدَ شَرْطِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: الْبَيْعُ، عَنْ صَفْقَةٍ أَوْ خِيَارٍ، وَلِكُلِّ مُسْلِمٍ شَرْطُهُ.
قال أبو محمد: مِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا، وَمِنْ الْبُرْهَانِ عَلَى الْبَرَاءَةِ مِنْ الْحَيَاءِ: الأَحْتِجَاجُ بِهَذِهِ الرِّوَايَاتِ فِي مُعَارَضَةِ السُّنَنِ، وَكُلُّهَا عَلَيْهِمْ لِوُجُوهٍ: أَوَّلِهَا أَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا يَصِحُّ ; لأََنَّهَا مُرْسَلاَتٌ، أَوْ مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ وَهُوَ مَالِكٌ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ وَمَا أَدْرَاك مَا شَيْخٌ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ لَيْتَ شِعْرِي أَبِهَذَا يَحْتَجُّونَ إذَا وَقَفُوا فِي عَرْصَةِ الْقَضَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِيَاذُك اللَّهُمَّ مِنْ التَّلاَعُبِ بِالدِّينِ. ثُمَّ لَوْ صَحَّتْ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهَا مُتَعَلَّقٌ، لأََنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا إبْطَالُ مَا حَكَمَ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أَنَّهُ لاَ بَيْعَ إِلاَّ بَعْدَ التَّفَرُّقِ أَوْ التَّخْيِيرِ . وَكَلاَمُ عُمَرَ هَذَا لَوْ سَمِعْنَاهُ مِنْ عُمَرَ لَمَا كَانَ خِلاَفًا لِقَوْلِنَا ; لأََنَّ الصَّفْقَةَ مَا صَحَّ مِنْ

الْبَيْعِ بِالتَّفَرُّقِ، وَالْخِيَارَ مَا صَحَّ مِنْ الْبَيْعِ بِالتَّخْيِيرِ، كَمَا قَالَ عليه السلام، وَحَكَمَ أَنْ لاَ بَيْعَ بَيْنَ الْبَيِّعَيْنِ إِلاَّ بِأَنْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يُخَيِّرَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ فَكَيْفَ، وَقَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ مِثْلُ قَوْلِنَا نَصًّا كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا لَيْثٌ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ قَالَ: أَقْبَلْت أَقُولُ: مَنْ يَصْطَرِفُ الدَّرَاهِمَ فَقَالَ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ وَهُوَ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَرِنَا ذَهَبَك ثُمَّ جِئْنَا إذَا جَاءَ خَادِمُنَا نُعْطِيك وَرِقَك فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: كَلًّا وَاَللَّهِ لَتُعْطِيَنَّهُ وَرِقَهُ أَوْ لَتَرُدَّنَّ إلَيْهِ دِرْهَمَهُ. فَهَذَا عُمَرُ يُبِيحُ لَهُ رَدَّ الذَّهَبِ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ وَتَرْكِ الصَّفْقَةِ. فإن قيل: لَمْ يَكُنْ تَمَّ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا قلنا: هَذَا خَطَأٌ ; لأََنَّ هَذَا خَبَرٌ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ أَوْسِ بْنِ الْحَدَثَانِ النَّصْرِيِّ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ الْتَمَسَ، صَرْفًا بِمِائَةِ دِينَارٍ قَالَ: فَدَعَانِي طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ فَتَرَاوَضْنَا حَتَّى اصْطَرَفَ مِنِّي وَأَخَذَ ذَهَبَهُ فَقَلَّبَهَا فِي يَدِهِ ثُمَّ قَالَ: حَتَّى يَأْتِيَنِي خَازِنِي مِنْ الْغَابَةِ وَعُمَرُ يَسْمَعُ فَقَالَ عُمَرُ: وَاَللَّهِ لاَ تُفَارِقُهُ حَتَّى تَأْخُذَهُ. فَهَذَا بَيَانُ أَنَّ الصَّرْفَ قَدْ كَانَ قَدْ انْعَقَدَ بَيْنَهُمَا فَصَحَّ أَنَّ عُمَرَ وَبِحَضْرَتِهِ طَلْحَةُ وَسَائِرُ الصَّحَابَةِ يَرَوْنَ فَسْخَ الْبَيْعِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ بِالأَبْدَانِ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ مَا ادَّعَوْهُ مَا كَانَ فِي قَوْلِهِ حُجَّةٌ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلاَ عَلَيْهِ، وَكَمْ قِصَّةٍ خَالَفُوا فِيهَا عُمَرَ وَمَعَهُ السُّنَّةُ أَوْ لَيْسَ مَعَهُ أَوَّلُ ذَلِكَ هَذَا الْخَبَرُ نَفْسُهُ، فَإِنَّهُمْ رَوَوْا، عَنْ عُمَرَ كَمَا تَرَى " وَالْمُسْلِمُ عِنْدَ شَرْطِهِ " وَهُمْ يُبْطِلُونَ شُرُوطًا كَثِيرَةً جِدًّا. وَنَسُوا خِلاَفَهُمْ لِعُمَرَ فِي قَوْلِهِ: الْمَاءُ لاَ يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ. وَأَخْذِهِ الصَّدَقَةَ مِنْ الرَّقِيقِ مِنْ كُلِّ رَأْسٍ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ أَوْ دِينَارًا. وَإِيجَابِهِ الزَّكَاةَ فِي نَاضِّ الْيَتِيمِ. وَتَرْكِهِ فِي الْخَرْصِ فِي النَّخْلِ مَا يَأْكُلُ أَهْلُهُ وَالْمَسْحِ عَلَى الْعِمَامَةِ، وَأَزِيدَ مِنْ مِائَةِ قَضِيَّةٍ فَصَارَ هَهُنَا الظَّنُّ الْكَاذِبُ فِي الرِّوَايَةِ الْكَاذِبَةِ، عَنْ عُمَرَ: حُجَّةً فِي رَدِّ السُّنَنِ. فَكَيْفَ وَقَدْ رُوِّينَا هَذِهِ الرِّوَايَةَ نَفْسَهَا مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: إنَّهُ لَيْسَ بَيْعٌ إِلاَّ، عَنْ صَفْقَةِ وَتَخَايُرٍ هَكَذَا بِوَاوِ الْعَطْفِ وَهَذَا مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ، وَمُوَافِقٌ لِقَوْلِنَا، وَمُوجِبٌ أَنَّ عُمَرَ لَمْ يَرَ الْبَيْعَ إِلاَّ مَا جَمَعَ الْعَقْدَ، وَالتَّخْيِيرُ سِوَى الْعَقْدِ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، عَنْ عُمَرَ أَيْضًا قَبْلُ مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحَةٍ، فَظَهَرَ فَسَادُ تَعَلُّقِهِمْ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ الثَّابِتِ عَنْهُ: مَا أَدْرَكْت

الصَّفْقَةَ حَيًّا مَجْمُوعًا فَهُوَ مِنْ الْمُبْتَاعِ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ.
قال أبو محمد: وَهَذَا مِنْ عَجَائِبِهِمْ ; لأََنَّهُمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لِهَذَا الْخَبَرِ: فَالْحَنَفِيُّونَ يَقُولُونَ: بَلْ هُوَ مِنْ الْبَائِعِ مَا لَمْ يَرَهُ الْمُبْتَاعُ أَوْ يُسَلِّمُهُ إلَيْهِ الْبَائِعُ وَالْمَالِكِيُّونَ يَقُولُونَ: بَلْ إنْ كَانَ غَائِبًا غِيبَةً بَعِيدَةً فَهُوَ مِنْ الْبَائِعِ. فَمَنْ أَعْجَبُ مِمَّنْ يَحْتَجُّ بِخَبَرٍ هُوَ عَلَيْهِ لاَ لَهُ، وَيُجَاهِرُ هَذِهِ الْمُجَاهَرَةَ وَمَا فِي كَلاَمِ ابْنِ عُمَرَ هَذَا شَيْءٌ يُخَالِفُ مَا صَحَّ عَنْهُ مِنْ أَنَّ الْبَيْعَ لاَ يَصِحُّ إِلاَّ بِالتَّفَرُّقِ بِالأَبْدَانِ. فَقَوْلُهُ: مَا أَدْرَكْت الصَّفْقَةَ، إنَّمَا أَرَادَ الْبَيْعَ التَّامَّ بِلاَ شَكٍّ. وَمِنْ قَوْلِهِ الْمَشْهُورِ عَنْهُ: إنَّهُ لاَ بَيْعَ يَتِمُّ أَلْبَتَّةَ إِلاَّ بِالتَّفَرُّقِ بِالأَبْدَانِ، أَوْ بِالتَّخْيِيرِ بَعْدَ الْعَقْدِ. قَالَ عَلِيٌّ: فَظَهَرَ عَظِيمُ فُحْشِهِمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَعَظِيمُ تَنَاقُضِهِمْ فِيهَا، وَهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ الْمُرْسَلَ كَالْمُسْنَدِ، وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ: بَلْ أَقْوَى مِنْهُ، وَيَحْتَجُّونَ بِهِ إذَا وَافَقَهُمْ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُوس، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ الْخِيَارَ بَعْدَ الْبَيْعِ.
قال أبو محمد: وَقَدْ ذَكَرْنَا، عَنْ طَاوُوس أَنَّ التَّخْيِيرَ لَيْسَ إِلاَّ بَعْدَ الْبَيْعِ، وَهُمْ يَقُولُونَ: الرَّاوِي أَعْلَمُ بِمَا رَوَى. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، حَدَّثَنَا قَاسِمٌ الْجُعْفِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : الْبَيْعُ، عَنْ تَرَاضٍ وَالتَّخْيِيرُ بَعْدَ الصَّفْقَةِ، وَلاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَغْبِنَ مُسْلِمًا . فَهَذَانِ مُرْسَلاَنِ مِنْ أَحْسَنِ الْمَرَاسِيلِ، مُبْطِلاَنِ لِقَوْلِهِمْ الْخَبِيثِ الْمُعَارِضِ لِلسُّنَنِ، فَأَيْنَ هُمْ عَنْهُ لَكِنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ يَقُولُوا مَا لاَ يَفْعَلُونَ نَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ مَقْتِهِ قَالَ عَلِيٌّ: وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْجَهْلِ وَالسُّخْفِ قَالَ: هَذَا خَبَرٌ جَاءَ بِأَلْفَاظٍ شَتَّى فَهُوَ مُضْطَرِبٌ. قَالَ عَلِيٌّ: وَقَدْ كَذَبَ بَلْ أَلْفَاظُهُ كُلُّهَا ثَابِتَةٌ مَنْقُولَةٌ نَقْلَ التَّوَاتُرِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهَا مُخْتَلِفًا أَصْلاً، لَكِنَّهَا أَلْفَاظٌ يُبَيِّنُ بَعْضُهَا بَعْضًا، كَمَا أُمِرَ عليه السلام بِبَيَانِ وَحَيِّ رَبِّهِ تَعَالَى.

بيان الرد على من يوجب التخيير في البيع ثلاث مرات وخالف الحديث في ذلك
1418 - مَسْأَلَةٌ: فإن قيل: فَهَلاَّ أَوْجَبْتُمْ التَّخْيِيرَ فِي الْبَيْعِ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ
لِمَا رَوَيْتُمُوهُ مِنْ طَرِيقِ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الْبَيِّعَانِ

بِالْخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا وَيَأْخُذَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ الْبَيْعِ مَا هَوِيَ أَوْ يَتَخَايَرَانِ ثَلاَثَ مِرَارٍ. وَمِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَنَا حَيَّانُ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا قَالَ هَمَّامٌ: وَجَدْت فِي كِتَابِي يَخْتَارُ ثَلاَثَ مِرَارٍ، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا فَعَسَى أَنْ يَرْبَحَا رِبْحًا وَيَمْحَقَا بَرَكَةَ بَيْعِهِمَا وَهَكَذَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَفَّانَ، عَنْ هَمَّامٍ أَيْضًا قلنا: رِوَايَةُ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ مُرْسَلَةٌ لَمْ يُسْمَعْ مِنْهُ إِلاَّ حَدِيثُ الْعَقِيقَةِ وَحْدَهُ. وَأَمَّا رِوَايَةُ هَمَّامٍ فَإِنَّهُ لَمْ يُحَدِّثْ بِهَذِهِ اللَّفْظَةِ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ أَنَّهُ وَجَدَهَا فِي كِتَابِهِ، وَلَمْ يَلْتَزِمْهَا، وَلاَ رَوَاهَا، وَلاَ أَسْنَدَهَا، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَلاَ يَجُوزُ الأَخْذُ بِهِ، وَلاَ تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ. وَقَدْ رَوَى هَذَا الْخَبَرَ هَمَّامٌ، عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ حَكِيمٍ فَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ: ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. وَرَوَاهُ شُعْبَةُ، وَسَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، كُلُّهُمْ، عَنْ قَتَادَةَ بِإِسْنَادِهِ وَلَفْظِهِ، فَلَمْ يَذْكُرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ: ثَلاَثَ مِرَارٍ. وَقَدْ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ سَعِيدِ الْخَيْرِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ أَحْمَدَ الْمُقْرِي، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ رَبِّهِ النَّجِيرَمِيُّ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَصْبَهَانِيُّ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ حَبِيبٍ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيُّ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، وَهَمَّامٌ، كِلاَهُمَا، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ شُعْبَةُ فِي حَدِيثِهِ: إنَّهُ سَمِعَ صَالِحًا أَبَا الْخَلِيلِ يُحَدِّث، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا . قَالَ أَبُو دَاوُد: وَحَدِيثُ هَمَّامٍ مِثْلُ هَذَا فَارْتَفَعَ الإِشْكَالُ وَثَبَتَ هَمَّامٌ عَلَى تَرْكِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ، وَلَمْ يَقُلْ إذْ وَجَدَهَا فِي كِتَابِهِ: إنَّهَا مِنْ رِوَايَتِهِ، وَوَاللَّهِ لَوْ ثَبَتَ هَمَّامٌ عَلَيْهَا مِنْ رِوَايَتِهِ، أَوْ غَيْرُهُ مِنْ الثِّقَاتِ لَقُلْنَا بِهَا; لأََنَّهَا كَانَتْ تَكُونُ زِيَادَةً.

إن تبايعا في بيت فخرج أحدهما عن البيت أو دخل حنية في البيت فقد تفرقا وتم البيع أو تبايعا في حنية فخرج أحدهم إلى البيت فقد تفرقا وتم البيع
1419 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ تَبَايَعَا فِي بَيْتٍ فَخَرَجَ أَحَدُهُمَا، عَنِ الْبَيْتِ، أَوْ دَخَلَ حَنِيَّةً فِي الْبَيْتِ: فَقَدْ تَفَرَّقَا وَتَمَّ الْبَيْعُ، أَوْ تَبَايَعَا فِي حَنِيَّةِ أَحَدِهِمَا إلَى الْبَيْتِ: فَقَدْ تَفَرَّقَا وَتَمَّ الْبَيْعُ.
فَلَوْ تَبَايَعَا فِي صَحْنِ دَارٍ فَدَخَلَ أَحَدُهُمَا الْبَيْتَ: فَقَدْ تَفَرَّقَا وَتَمَّ الْبَيْعُ. فَلَوْ تَبَايَعَا فِي دَارٍ، أَوْ خُصٍّ فَخَرَجَ أَحَدُهُمَا إلَى الطَّرِيقِ، أَوْ تَبَايَعَا فِي طَرِيقٍ فَدَخَلَ أَحَدُهُمَا دَارًا، أَوْ خُصًّا: فَقَدْ تَفَرَّقَا وَتَمَّ الْبَيْعُ. فَإِنْ تَبَايَعَا فِي سَفِينَةٍ فَدَخَلَ أَحَدُهُمَا الْبِلِّيجَ، أَوْ الْخِزَانَةَ، أَوْ مَضَى إلَى الفندقوق، أَوْ صَعِدَ الصَّارِي: فَقَدْ تَفَرَّقَا وَتَمَّ الْبَيْعُ.
وَكَذَلِكَ لَوْ تَبَايَعَا فِي أَحَدِ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ فَخَرَجَ أَحَدُهُمَا إلَى السَّفِينَةِ: فَقَدْ تَمَّ الْبَيْعُ إذْ تَفَرَّقَا فَإِنْ تَبَايَعَا فِي دُكَّانٍ فَزَالَ أَحَدُهُمَا إلَى دُكَّانٍ آخَرَ، أَوْ خَرَجَ إلَى

الطَّرِيقِ فَقَدْ تَمَّ الْبَيْعُ وَتَفَرَّقَا. وَلَوْ تَبَايَعَا فِي الطَّرِيقِ فَدَخَلَ أَحَدُهُمَا الدُّكَّانَ فَقَدْ تَمَّ الْبَيْعُ وَتَفَرَّقَا. فَلَوْ تَبَايَعَا فِي سَفَرٍ أَوْ فِي فَضَاءٍ فَإِنَّهُمَا لاَ يَفْتَرِقَانِ إِلاَّ بِأَنْ يَصِيرَ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ يُسَمَّى تَفْرِيقًا فِي اللُّغَةِ، أَوْ بِأَنْ يَغِيبَ، عَنْ بَصَرِهِ فِي الرُّفْقَةِ، أَوْ خَلْفَ رَبْوَةٍ، أَوْ خَلْفَ شَجَرَةٍ، أَوْ فِي حُفْرَةٍ وَإِنَّمَا يُرَاعَى مَا يُسَمَّى فِي اللُّغَةِ تَفْرِيقًا فَقَطْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

لو تنازع المتبايعان في التخيير وتمام البيع فالقول قول مبطل البيع منهما مع يمينه لأنه مدعى عليه عقد بيع لا يقربه ولا بينة عليه به فليس عليه إلا اليمين
1420 - مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ تَنَازَعَ الْمُتَبَايِعَانِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: تَفَرَّقْنَا وَتَمَّ الْبَيْعُ، أَوْ قَالَ: خَيَّرْتنِي، أَوْ قَالَ: خَيَّرْتُك فَاخْتَرْتَ أَوْ اخْتَرْتُ تَمَامَ الْبَيْعِ وَقَالَ الآخَرُ: بَلْ مَا تَفَرَّقْنَا حَتَّى فَسَخْتُ وَمَا خَيَّرْتنِي، وَلاَ خَيَّرْتُك، أَوْ أَقَرَّ بِالتَّخْيِيرِ وَقَالَ: فَلَمْ أَخْتَرْ أَنَا، أَوْ قَالَ: أَنْتَ تَمَامُ الْبَيْعِ: فَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ الْمَبِيعَةُ مَعْرُوفَةً لِلْبَائِعِ بِبَيِّنَةٍ، أَوْ بِعِلْمِ الْحَاكِمِ، وَلاَ نُبَالِي حِينَئِذٍ فِي يَدِ مَنْ كَانَتْ مِنْهُمَا، وَلاَ فِي يَدِ مَنْ كَانَ الثَّمَنُ مِنْهُمَا أَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَعْرُوفَةٍ إِلاَّ أَنَّهَا فِي يَدِهِ وَالثَّمَنُ عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَإِنَّ الْقَوْلَ فِي كُلِّ هَذَا قَوْلُ مُبْطِلِ الْبَيْعِ مِنْهُمَا كَائِنًا مَنْ كَانَ مَعَ يَمِينِهِ،
لأََنَّهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ عَقْدُ بَيْعٍ لاَ يُقَرُّ بِهِ، وَلاَ بَيِّنَةَ عَلَيْهِ بِهِ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلاَّ الْيَمِينُ بِحُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْيَمِينِ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. فَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي وَهِيَ غَيْرُ مَعْرُوفَةٍ لِلْبَائِعِ وَكَانَ الثَّمَنُ عِنْدَ الْبَائِعِ بَعْدُ: فَالْقَوْلُ قَوْلُ مُصَحِّحِ الْبَيْعِ مِنْهُمَا كَائِنًا مَنْ كَانَ مَعَ يَمِينِهِ ; لأََنَّهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ نَقْلُ شَيْءٍ، عَنْ يَدِهِ، وَمَنْ كَانَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ فَهُوَ فِي الْحُكْمِ لَهُ: فَلَيْسَ عَلَيْهِ إِلاَّ الْيَمِينُ. فَلَوْ كَانَتْ السِّلْعَةُ وَالثَّمَنُ مَعًا فِي يَدِ أَحَدِهِمَا فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ لأََنَّهُ مُدَّعًى عَلَيْهِ كَمَا قلنا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي كُلِّ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ الْمُتَبَايِعَانِ، مِثْلُ أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمَا: ابْتَعْته بِنَقْدٍ، وَيَقُولَ الآخَرُ: بَلْ بِنَسِيئَةٍ، أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: بِكَذَا أَوْ كَذَا، أَوْ قَالَ الآخَرُ: بَلْ أَكْثَرُ أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: بِعَرَضٍ وَقَالَ الآخَرُ: بِعَرَضٍ آخَرَ، أَوْ بِعَيْنٍ. أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: بِدَنَانِيرَ، وَقَالَ الآخَرُ بِدَرَاهِمَ أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا بِصِفَةِ كَذَا وَذَكَرَ مَا يَبْطُلُ بِهِ الْبَيْعُ وَقَالَ الآخَرُ. بَلْ بَيْعًا صَحِيحًا: فَإِنْ كَانَ فِي قَوْلِ أَحَدِهِمَا إقْرَارٌ لِلآخَرِ بِزِيَادَةٍ إقْرَارًا صَحِيحًا أُلْزِمَ مَا أَقَرَّ بِهِ، وَلاَ بُدَّ: فَإِنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ بِيَدِ الْبَائِعِ وَالثَّمَنُ بِيَدِ الْمُشْتَرِي، فَهُنَا هُوَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعًى عَلَيْهِ فَيَحْلِفُ الْبَائِعُ بِاَللَّهِ مَا بِعْتُهَا مِنْهُ كَمَا يَذْكُرُ، وَلاَ بِمَا يَذْكُرُ، وَيَحْلِفُ الْمُشْتَرِي بِاَللَّهِ مَا بَاعَهَا مِنِّي بِمَا يَذْكُرُ، وَلاَ كَمَا يَذْكُرُ، وَيَبْرَأُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ طَلَبِ، الآخَرِ، وَيَبْطُلُ مَا ذَكَرَا مِنْ الْبَيْعِ. وَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّ الْبَيِّعَيْنِ إذَا اخْتَلَفَا تَرَادَّا الْبَيْعَ دُونَ أَيْمَانٍ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مَعْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ بَاعَ مِنْ الأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ بَيْعًا فَاخْتَلَفَا فِي الثَّمَنِ، فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: بِعِشْرِينَ، وَقَالَ الأَشْعَثُ: بِعَشَرَةٍ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ: اجْعَلْ بَيْنِي وَبَيْنَك

رَجُلاً فَقَالَ لَهُ الأَشْعَثُ: أَنْتَ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِك، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: فَإِنِّي أَقُولُ بِمَا قَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فَالْقَوْلُ مَا قَالَ رَبُّ الْمَالِ، أَوْ يَتَرَادَّانِ الْبَيْعَ . وَرُوِيَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ قَالَ: يَحْلِفُ الْبَائِعُ فَإِنْ شَاءَ الْمُشْتَرِي أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَلَمْ يَذْكُرْ عَلَيْهِ يَمِينًا. وَقَالَ قَوْمٌ: إنْ كَانَتْ السِّلْعَةُ قَائِمَةً تَحَالَفَا وَفُسِخَ الْبَيْعُ، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ هَلَكَتْ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ، هَذَا إذَا لَمْ تَكُنْ هُنَالِكَ بَيِّنَةٌ وَهُوَ قَوْلُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَأَبِي يُوسُفَ، وَمَالِكٍ وَقَالَ إبْرَاهِيمُ، وَالثَّوْرِيُّ، وَالأَوْزَاعِيُّ فِي الْمُسْتَهْلَكَةِ بِذَلِكَ. وَقَالَ قَوْمٌ: إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ حَلَفَا جَمِيعًا، فَإِنْ حَلَفَا أَوْ نَكَلاَ فُسِخَ الْبَيْعُ وَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا وَنَكَلَ الآخَرُ قُضِيَ بِقَوْلِ الَّذِي حَلَفَ سَوَاءٌ كَانَتْ قَائِمَةً أَوْ مُسْتَهْلَكَةً وَهُوَ قَوْلُ شُرَيْحٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، إِلاَّ أَنَّهُمَا قَالاَ: يَتَرَادَّانِ ثَمَنَ الْمُسْتَهْلَكَةِ، وَقَالَ عَطَاءٌ يُرَدُّ الْبَيْعُ إِلاَّ أَنْ يَتَّفِقَا وَقَالَ زُفَرُ بْنُ الْهُذَيْلِ فِي السِّلْعَةِ الْقَائِمَةِ: يَتَحَالَفَانِ وَيَتَرَادَّانِ، وَأَمَّا الْمُسْتَهْلَكَةُ فَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى أَنَّ الثَّمَنَ كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُشْتَرِي، فَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْجِنْسِ تَحَالَفَا وَتَرَادَّا قِيمَةَ الْمَبِيعِ. وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ، وَأَبُو ثَوْرٍ: الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ قَائِمَةً كَانَتْ السِّلْعَةُ أَوْ مُسْتَهْلَكَةً قَوْلُ الْمُشْتَرِي مَعَ يَمِينِهِ.
قال أبو محمد: فأما قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَالشَّعْبِيِّ، وَأَحْمَدَ، فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِالْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرنَا فِيهِ وَرُوِّينَاهُ بِلَفْظٍ آخَرَ، وَهُوَ إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ فَالْقَوْلُ مَا قَالَ الْبَائِعُ، وَالْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ فَاللَّفْظُ الأَوَّلُ رُوِّينَاهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، عَنْ أَبِي عُمَيْسٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي عُمَيْسٍ أَيْضًا، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الأَشْعَثِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ مِنْ طَرِيقِ هُشَيْمٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ الْقَاضِي، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ: وَأَمَّا اللَّفْظُ الثَّانِي فَرُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَجْلاَنَ، عَنْ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ: أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ.
قال أبو محمد: وَهَذَا كُلُّهُ لاَ حُجَّةَ فِيهِ، وَلاَ يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْهُ ; لأََنَّهَا كُلَّهَا مُرْسَلاَتٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مَسْعُودٍ كَانَ لَهُ إذْ مَاتَ أَبُوهُ رضي الله عنه سِتُّ سِنِينَ فَقَطْ، لَمْ يَحْفَظْ مِنْهُ كَلِمَةً، وَالرَّاوِي عَنْهُ أَيْضًا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنُ أَبِي لَيْلَى وَهُوَ سَيِّئُ الْحِفْظِ وَعَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الأَشْعَثِ ظَالِمٌ مِنْ ظَلَمَةِ الْحَجَّاجِ لاَ حُجَّةَ فِي رِوَايَتِهِ وَأَيْضًا فَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ أَبُو عُمَيْسٍ شَيْئًا لِتَأَخُّرِ سَنِّهِ، عَنْ لِقَائِهِ وَأَيْضًا فَهُوَ خَطَأٌ، وَإِنَّمَا هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الأَشْعَثِ وَهُوَ مَجْهُولُ ابْنُ مَجْهُولٍ وَأَيْضًا مُحَمَّدُ بْنُ الأَشْعَثِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ ابْنِ مَسْعُودٍ: فَبَطَلَ التَّعَلُّقُ بِهِ جُمْلَةً. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَإِنَّهُ يُحْتَجُّ لَهُ بِمَا رُوِّينَا مِنْ

طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ، أَخْبَرَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، هُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: أَخْبَرَنِي إسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُبَيْدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ يَقُولُ: قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمُتَبَايِعَيْنِ سِلْعَةً يَقُولُ أَحَدُهُمَا: أَخَذْتُهَا بِكَذَا وَكَذَا، وَقَالَ الآخَرُ: بِعْتُهَا بِكَذَا وَكَذَا، بِأَنْ يُسْتَحْلَفَ الْبَائِعُ، ثُمَّ يَخْتَارَ الْمُبْتَاعُ، فَإِنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ. وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ إسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ ابْنٍ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهَذَا لاَ شَيْءَ لأََنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ سُئِلَ أَتَذْكُرُ مِنْ أَبِيك شَيْئًا قَالَ: لاَ وَلَمْ يَكُنْ لِعَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنه مِنْ الْوَلَدِ إِلاَّ أَبُو عُبَيْدَةَ وَهُوَ أَكْبَرُهُمْ وَعَبْدُ الرَّحْمَانِ تَرَكَهُ ابْنَ سِتِّ سِنِينَ، وَعُتْبَةُ وَكَانَ أَصْغَرَهُمْ وَعَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُبَيْدٍ الْمَذْكُورُ مَجْهُولٌ: فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ.
قال أبو محمد: وَأَمَّا سَائِرُ الأَقْوَالِ فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ أَصْلاً، لاَ سِيَّمَا مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ السِّلْعَةِ الْقَائِمَةِ وَالْمُسْتَهْلِكَةِ، وَمَنْ حَلَّفَ الْمُشْتَرِيَ: فَإِنَّهُ لاَ يُوجَدُ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ الآثَارِ أَصْلاً، إِلاَّ أَنَّهُمْ أَطْلَقُوا إطْلاَقًا سَامَحُوا فِيهِ قِلَّةَ الْوَرَعِ يَعْنِي الْحَنَفِيِّينَ وَالْمَالِكِيِّينَ فَلاَ يَزَالُونَ يَقُولُونَ فِي كُتُبِهِمْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : إذَا اخْتَلَفَ الْمُتَبَايِعَانِ وَالسِّلْعَةُ قَائِمَةٌ فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ وَيَتَرَادَّانِ . وَهَذَا لاَ يُوجَدُ أَبَدًا لاَ فِي مُرْسَلٍ، وَلاَ فِي مُسْنَدٍ، لاَ فِي قَوِيٍّ، وَلاَ فِي ضَعِيفٍ، إِلاَّ أَنْ يُوضَعَ لِلْوَقْتِ. قال علي: وهذا مِمَّا تَنَاقَضُوا فِيهِ، فَخَالَفُوا الْمُرْسَلَ الْمَذْكُورَ، وَخَالَفُوا ابْنَ مَسْعُودٍ، وَلاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ لِقَوْلِهِمْ فِي ذَلِكَ بِأَنْ قَالَ: لَمَّا كَانَ كِلاَهُمَا مُدَّعِيًا وَمُدَّعًى عَلَيْهِ وَجَبَ عَلَيْهِمَا الْيَمِينُ جَمِيعًا، فَإِنَّ الْبَائِعَ يَدَّعِي عَلَى الْمُشْتَرِي ثَمَنًا أَوْ عَقْدًا لاَ يُقِرُّ بِهِ الْمُشْتَرِي، وَالْمُشْتَرِي يَدَّعِي عَلَى الْبَائِعِ عَقْدًا لاَ يُقِرُّ بِهِ الْبَائِعُ.
قال أبو محمد: لَيْسَ هَذَا فِي كُلِّ مَكَان كَمَا ذَكَرُوا ; لأََنَّ مَنْ كَانَ بِيَدِهِ شَيْءٌ لاَ يَعْرِفُ لِغَيْرِهِ، وَقَالَ لَهُ إنْسَانٌ: هَذَا لِي بِعْته مِنْك بِمِثْقَالَيْنِ، وَقَالَ الَّذِي هُوَ فِي يَدِهِ: بَلْ ابْتَعْته مِنْك بِمِثْقَالٍ وَقَدْ أَنْصَفْتُك، فَإِنَّ الَّذِي الشَّيْءُ بِيَدِهِ لَيْسَ مُدَّعِيًا عَلَى الآخَرِ بِشَيْءٍ أَصْلاً ; لأََنَّ الْحُكْمَ أَنَّ كُلَّ مَا بِيَدِ الْمَرْءِ فَهُوَ لَهُ، فَإِنْ ادَّعَى فِيهِ مُدَّعٍ: حَلَفَ الَّذِي هُوَ بِيَدِهِ وَبَرِئَ وَلَمْ يُقِرَّ لَهُ قَطُّ بِمِلْكِهِ إقْرَارًا مُطْلَقًا، فَلَيْسَ الْبَائِعُ هَهُنَا مُدَّعًى عَلَيْهِ أَصْلاً. وَقَدْ عَظُمَ تَنَاقُضُهُمْ هَهُنَا، لاَ سِيَّمَا تَفْرِيقُهُمْ بَيْنَ السِّلْعَةِ الْقَائِمَةِ وَالْمُسْتَهْلِكَةِ فَهُوَ شَيْءٌ لاَ يُوجِبُهُ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ، وَلاَ رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ، وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ، وَلاَ قِيَاسٌ، وَلاَ مَعْقُولٌ، وَلاَ رَأْيٌ لَهُ وَجْهٌ. وَيُعَارِضُونَ بِمَا احْتَجَّ لَهُ أَصْحَابُنَا، وَأَبُو ثَوْرٍ، فِي قَوْلِهِمْ: إنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُشْتَرِي عَلَى كُلِّ حَالٍ مَعَ يَمِينِهِ ; لأََنَّهُمَا جَمِيعًا قَدْ اتَّفَقَا عَلَى الْبَيْعِ، وَعَلَى انْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَى الْمُشْتَرِي، ثُمَّ ادَّعَى الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِمَا لاَ يُقِرُّ لَهُ بِهِ الْمُشْتَرِي، وَهَذَا أَشْبَهُ بِأُصُولِ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ: مِنْ أَقْوَالِهِمْ فِي الإِقْرَارِ.

قال أبو محمد: وَلَيْسَ هَذَا أَيْضًا صَحِيحًا ; لأََنَّ الْبَائِعَ لَمْ يُوَافِقْ الْمُشْتَرِيَ قَطُّ عَلَى مَا ادَّعَاهُ فِي مَالِهِ، وَإِنَّمَا أَقَرَّ لَهُ بِانْتِقَالِ الْمِلْكِ وَبِالْبَيْعِ عَلَى صِفَةٍ لَمْ يُصَدِّقْهُ الْمُشْتَرِي فِيهَا، فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَقْضِيَ لِلْمُشْتَرِي بِإِقْرَارٍ هُوَ مَكْذُوبٌ لَهُ. فَصَحَّ أَنَّ الْقَوْلَ مَا قُلْنَاهُ: مِنْ أَنَّ كُلَّ مَا كَانَ بِيَدِ إنْسَانٍ فَهُوَ لَهُ، إِلاَّ أَنْ تَقُومَ بِمِلْكِهِ بَيِّنَةٌ لِغَيْرِهِ وَهُوَ قَوْلُ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَبِهَذَا جَاءَتْ السُّنَّةُ. وَالْعَجَبُ مِنْ إيهَامِ الْحَنَفِيِّينَ وَالْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَهُمْ قَدْ خَالَفُوهُ جُمْلَةً كَمَا أَوْرَدْنَا، لاَ سِيَّمَا الشَّافِعِيِّينَ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: لاَ يَجُوزُ الْحُكْمُ بِالْمُرْسَلِ، ثُمَّ أَخَذُوا هَهُنَا بِمُرْسَلٍ، وَلَيْتَهُمْ صَدَقُوا فِي أَخْذِهِمْ بِهِ، بَلْ خَالَفُوهُ، وَتَنَاقَضُوا كُلُّهُمْ مَعَ ذَلِكَ فِي، فَتَاوِيهمْ فِي فُرُوعِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَنَاقُضًا كَثِيرًا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وأعجب شَيْءٍ فِي هَذَا تَحْلِيفُ الْمَالِكِيِّينَ لِلْبَائِعِ، وَالْمُشْتَرِي: بِأَنْ يَحْلِفَ الْبَائِعُ: بِاَللَّهِ لَقَدْ بِعْتُكهَا بِكَذَا وَكَذَا، وَبِأَنْ يَحْلِفَ الْمُشْتَرِي: بِاَللَّهِ لَقَدْ اشْتَرَيْتهَا مِنْك بِكَذَا وَكَذَا، فَيَجْمَعُونَ فِي هَذَا أُعْجُوبَتَيْنِ: إحْدَاهُمَا تَحْلِيفُهُمَا عَلَى مَا يَدَّعِيَانِهِ لاَ عَلَى نَفْيِ مَا يَدَّعِي بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الآخَرِ، وَالأُُخْرَى أَنَّهُمْ يُحَلِّفُونَهُمَا كَذَلِكَ ثُمَّ لاَ يُعْطُونَهُمَا مَا حَلَفَا عَلَيْهِ، فَأَيُّ مَعْنًى لِتَحْلِيفِهِمَا بِذَلِكَ وَإِنَّمَا يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى نَفْيِ مَا يَدَّعِي بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الآخَرِ، وَالأُُخْرَى أَنَّهُمْ يُحَلِّفُونَهُمَا كَذَلِكَ ثُمَّ لاَ يُعْطُونَهُمَا مَا حَلَفَا عَلَيْهِ، فَأَيُّ مَعْنًى لِتَحْلِيفِهِمَا بِذَلِكَ وَإِنَّمَا يَحْلِفُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عَلَى نَفْيِ مَا اُدُّعِيَ عَلَيْهِ بِهِ وَيَبْرَأُ. وَأَمَّا هُمْ وَمَنْ يَرَى رَدَّ الْيَمِينِ: فَإِنَّهُ يَحْلِفُ الْمُدَّعِي عَلَى مَا ادَّعَى وَيَقْضُونَ لَهُ بِهِ، وَنَقَضُوا هَهُنَا أُصُولَهُمْ أَقْبَحَ نَقْضٍ وَأَفْسَدَهُ بِلاَ دَلِيلٍ أَصْلاً. وَقَالُوا أَيْضًا: إنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا صِحَّةَ الْعَمَلِ، وَالآخَرُ فَسَادَهُ: الْقَوْلُ قَوْلُ مُدَّعِي الصِّحَّةِ، وَلاَ يُدْرَى مِنْ أَيْنَ وَقَعَ لَهُمْ هَذَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

كل بيع وقع بشرط خيار للبائع أو للمشتري أولهما جميعا أو لغيرهما خيار ساعة أو يوم أو ثلاثة أيام أو أكثر فهو باطل تخيرا انفاذه أو لم يتخير
1421 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ بَيْعٍ وَقَعَ بِشَرْطِ خِيَارٍ لِلْبَائِعِ، أَوْ لِلْمُشْتَرِي، أَوْ لَهُمَا جَمِيعًا، أَوْ لِغَيْرِهِمَا: خِيَارَ سَاعَةٍ، أَوْ يَوْمٍ، أَوْ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، أَوْ أَكْثَرَ أَوْ أَقَلَّ: فَهُوَ بَاطِلٌ تَخَيَّرَا إنْفَاذَهُ أَوْ لَمْ يَتَخَيَّرَا فَإِنْ قَبَضَهُ الْمُشْتَرِي بِإِذْنِ بَائِعِهِ فَهَلَكَ فِي يَدِهِ بِغَيْرِ فِعْلِهِ فَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ، فَإِنْ قَبَضَهُ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ لَكِنْ بِحُكْمِ حَاكِمٍ، أَوْ بِغَيْرِ حُكْمِ حَاكِمٍ: ضَمِنَهُ ضَمَانَ الْغَصْبِ.
وَكَذَلِكَ إنْ أَحْدَثَ فِيهِ حَدَثًا ضَمِنَهُ ضَمَانَ التَّعَدِّي. وقال أبو حنيفة: بَيْعُ الْخِيَارِ جَائِزٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَلَهُمَا مَعًا، وَلأَِنْسَانٍ غَيْرِهِمَا، فَإِنْ رَدَّ الَّذِي لَهُ الْخِيَارُ الْبَيْعَ فَهُوَ مَرْدُودٌ، وَإِنْ أَمْضَاهُ فَهُوَ مَاضٍ، إِلاَّ أَنَّهُ لاَ يُجِيزُ مُدَّةَ الْخِيَارِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ لَكِنْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فَأَقَلَّ فَإِنْ اشْتَرَطَ الْخِيَارَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ بَطَلَ الْبَيْعُ، فَإِنْ تَبَايَعَا بِخِيَارٍ وَلَمْ يَذْكُرَا مُدَّةً فَهُوَ إلَى ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ. وَخَالَفَهُ أَبُو يُوسُفَ، وَمُحَمَّدٌ، فَقَالاَ: الْخِيَارُ جَائِزٌ إلَى مَا تَعَاقَدَاهُ طَالَتْ الْمُدَّةُ أَمْ قَصُرَتْ وَاتَّفَقُوا فِي كُلِّ مَا عَدَا ذَلِكَ وَالنَّقْدُ جَائِزٌ عِنْدَهُمْ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ بِتَطَوُّعِ الْمُشْتَرِي لاَ بِشَرْطٍ أَصْلاً فَإِنْ تَشَارَطَا النَّقْدَ فَسَدَ الْبَيْعُ، فَإِنْ مَاتَ الَّذِي لَهُ الْخِيَارُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَقَدْ لَزِمَهُ الْبَيْعُ، فَإِنْ تَلِفَ الشَّيْءُ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ: فَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَقَدْ لَزِمَهُ الْبَيْعُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ، وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ

فَعَلَى الْمُشْتَرِي قِيمَتُهُ لاَ ثَمَنُهُ، وَلِلَّذِي لَهُ الْخِيَارُ مِنْهُمَا إنْفَاذُ الرِّضَا بِغَيْرِ مَحْضَرِ الآخَرِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّ الْبَيْعَ إِلاَّ بِمَحْضَرِ الآخَرِ وَزَكَاةُ الْفِطْرِ إنْ تَمَّ الْبَيْعُ بِالرِّضَا عَلَى الْمُشْتَرِي، وَإِنْ لَمْ يَتِمَّ الْبَيْعُ بِالرَّدِّ عَلَى الْبَائِعِ.
قال أبو محمد: وَهَذِهِ وَسَاوِسُ، وَأَحْكَامٌ لاَ يُعْرَفُ لَهَا أَصْلٌ، وَأَقْسَامٌ وَأَحْكَامٌ لاَ تُحْفَظُ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ
وقال مالك: بَيْعُ الْخِيَارِ جَائِزٌ كَمَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ، إِلاَّ أَنَّ مُدَّةَ الْخِيَارِ عِنْدَهُ تَخْتَلِفُ: أَمَّا فِي الثَّوْبِ فَلاَ يَجُوزُ الْخِيَارُ عِنْدَهُ إِلاَّ يَوْمَيْنِ فَأَقَلَّ، فَمَا زَادَ فَلاَ خِيَرَ فِيهِ. وَأَمَّا الْجَارِيَةُ فَلاَ يَجُوزُ الْخِيَارُ عِنْدَهُ فِيهَا إِلاَّ جُمُعَةً فَأَقَلَّ، فَمَا زَادَ فَلاَ خِيَرَ فِيهِ: يَنْظُرُ إلَى خَبَرِهَا، وَهَيْئَتِهَا، وَعَمَلِهَا. وَأَمَّا الدَّابَّةُ فَيَوْمٌ فَأَقَلُّ، أَوْ سَيْرُ الْبَرِيدِ فَأَقَلُّ. وَأَمَّا الدَّارُ فَالشَّهْرُ فَأَقَلُّ وَإِنَّمَا الْخِيَارُ عِنْدَهُ لِيَسْتَشِيرَ وَيَخْتَبِرَ الْبَيْعَ وَأَمَّا مَا بَعُدَ مِنْ أَجْلِ الْخِيَارِ فَلاَ خِيَرَ فِيهِ ; لأََنَّهُ غَرَرٌ. وَلاَ يَجُوزُ عِنْدَهُ النَّقْدُ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ لاَ بِشَرْطٍ، وَلاَ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَإِنْ تَشَارَطَاهُ فَسَدَ الْبَيْعُ، فَإِنْ مَاتَ الَّذِي لَهُ الْخِيَارُ فَوَرَثَتُهُ يَقُومُونَ مَقَامَهُ. فَإِنْ تَلِفَ الْمَبِيعُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي مِنْ غَيْرِ فِعْلِهِ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ فَهُوَ مِنْ مُصِيبَةِ الْبَائِعِ، وَلاَ ضَمَانَ عَلَى الْمُشْتَرِي، سَوَاءٌ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي أَوْ لِلْبَائِعِ أَوْ لَهُمَا أَوْ لِغَيْرِهِمَا، وَلِلَّذِي لَهُ الْخِيَارُ الرَّدُّ وَالرِّضَا بِغَيْرِ مَحْضَرِ الآخَرِ وَبِمَحْضَرِهِ وَزَكَاةُ الْفِطْرِ عَلَى الْبَائِعِ فِي كُلِّ ذَلِكَ. قَالَ: فَإِنْ انْقَضَى أَمَدُ الْخِيَارِ وَلَمْ يَرُدَّ، وَلاَ رَضِيَ: فَلَهُ الرَّدُّ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَوْمٍ، فَإِنْ لَمْ يَرُدَّ فِي هَذَا الْقَدْرِ لَزِمَهُ الْبَيْعُ. وَهَذِهِ أَقْوَالٌ فِي الْفَسَادِ كَاَلَّتِي قَبْلَهَا، وَلاَ تُحْفَظُ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ، وَتَحْدِيدَاتٌ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ ; لأََنَّ كُلَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْجَارِيَةِ، وَالثَّوْبِ، وَالدَّارِ، وَالدَّابَّةِ: قَدْ يُخْتَبَرُ، وَيُسْتَشَارُ فِيهِ فِي أَقَلَّ مِنْ الْمُدَدِ الَّتِي ذَكَرُوا، وَفِي أَقَلَّ مِنْ نِصْفِهَا وَقَدْ يَخْفَى مِنْ عُيُوبِ كُلِّ ذَلِكَ أَشْيَاءُ فِي أَضْعَافِ تِلْكَ الْمُدَدِ، فَكُلُّ ذَلِكَ شَرْعٌ لَمْ يَأْذَنِ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ، وَلاَ أَوْجَبَتْهُ سُنَّةٌ، وَلاَ رِوَايَةٌ ضَعِيفَةٌ، وَلاَ قِيَاسٌ، وَلاَ قَوْلٌ مُتَقَدِّمٌ، وَلاَ رَأْيٌ لَهُ وَجْهٌ. وَلَيْتَ شِعْرِي مَا قَوْلُهُمْ إنْ كَانَ الْخِيَارُ لأََجْنَبِيٍّ فَمَاتَ فِي أَمَدِ الْخِيَارِ: أَيَقُومُ وَرَثَتُهُ مَقَامَهُ فِي ذَلِكَ أَمْ لاَ فَإِنْ قَالُوا: لاَ، تَنَاقَضُوا، وَجَعَلُوا الْخِيَارَ مَرَّةً يُوَرَّثُ، وَمَرَّةً لاَ يُوَرَّثُ وَإِنْ قَالُوا: نَعَمْ قلنا: فَلَعَلَّهُمْ صِغَارٌ، أَوْ سُفَهَاءُ، أَوْ غُيَّبٌ، أَوْ لاَ وَارِثَ لَهُ فَيَكُونَ الْخِيَارُ لِلإِمَامِ، أَوْ لِمَنْ شَاءَ اللَّهُ، إنَّ هَذِهِ لَعَجَائِبُ وقال الشافعي: يَجُوزُ الْخِيَارُ لأََحَدِهِمَا وَلَهُمَا مَعًا، وَلاَ يَجُوزُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي التَّبَايُعِ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ لأََجْنَبِيٍّ فَمَرَّةً أَجَازَهُ، وَمَرَّةً أَبْطَلَ الْبَيْعَ بِهِ، إِلاَّ عَلَى مَعْنَى الْوَكَالَةِ. وَالنَّقْدُ جَائِزٌ عِنْدَهُ فِي بَيْعِ الْخِيَارِ، فَإِنْ مَاتَ الَّذِي لَهُ الْخِيَارُ فَوَرَثَتُهُ يَقُومُونَ مَقَامَهُ، فَإِنْ

تَلِفَ الشَّيْءُ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ، فَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ لَهُمَا مَعًا: فَعَلَى الْمُشْتَرِي ضَمَانُ الْقِيمَةِ، وَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي فَقَدْ لَزِمَهُ الْبَيْعُ بِالثَّمَنِ الَّذِي ذَكَرَا وَلِلَّذِي لَهُ الْخِيَارُ عِنْدَهُ أَنْ يَرُدَّ وَأَنْ يَرْضَى بِغَيْرِ مَحْضَرِ الآخَرِ وَبِمَحْضَرِهِ. وَاحْتَجَّ هُوَ، وَأَبُو حَنِيفَةَ: فِي أَنَّ الْخِيَارَ لاَ يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلاَثٍ بِخَبَرِ الْمُصَرَّاةِ وَبِخَبَرِ الَّذِي كَانَ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ فَجَعَلَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْخِيَارَ ثَلاَثًا، وَأَمَرَهُ أَنْ يَقُولَ إذَا بَاعَ: لاَ خِلاَبَةَ . وَاحْتَجَّ الْحَنَفِيُّونَ فِي ذَلِكَ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْحُذَافِيِّ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ بْنِ شُرُوسٍ، أَخْبَرَنِي حَفْصُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْكُوفِيُّ، أَخْبَرَنِي أَبَانُ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ رَجُلاً اشْتَرَى بَعِيرًا وَاشْتَرَطَ الْخِيَارَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ، فَأَبْطَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْبَيْعَ وَقَالَ: إنَّمَا الْخِيَارُ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ قَالَ الْحُذَافِيُّ: وَحَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا رَجُلٌ سَمِعَ أَبَانًا يَقُولُ: عَنِ الْحَسَنِ اشْتَرَى رَجُلٌ وَجَعَلَ الْخِيَارَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : الْبَيْعُ مَرْدُودٌ وَإِنَّمَا الْخِيَارُ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ .
قال أبو محمد : أَمَّا احْتِجَاجُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ: بِحَدِيثِ مُنْقِذٍ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ لَهُ الْخِيَارَ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ فِيمَا اشْتَرَى فَعَجَبٌ عَجِيبٌ جِدًّا أَنْ يَكُونَا أَوَّلَ مُخَالِفٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَقَوْلُهُمَا بِفَسَادِ بَيْعِهِ جُمْلَةً إنْ كَانَ يَسْتَحِقُّ الْحَجْرَ وَيُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ أَوْ جَوَازِ بَيْعِهِ جُمْلَةً، وَلاَ يَرُدُّهُ إِلاَّ مِنْ عَيْبٍ إنْ كَانَ لاَ يَسْتَحِقُّ الْحَجْرَ فَكَيْفَ يَسْتَحِلُّ ذُو وَرَعٍ أَنْ يَعْصِيَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا أَمَرَ بِهِ ثُمَّ يُقَوِّلُهُ مَا لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ وَلَيْسَ فِي هَذَا الْخَبَرِ بَيْعٌ وَقَعَ بِخِيَارٍ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ لأََحَدِهِمَا أَوْ لَهُمَا وَفِي هَذَا نُوزِعُوا، فَوَا أَسَفَاهُ عَلَيْهِمْ وَأَمَّا احْتِجَاجُ أَبِي حَنِيفَةَ بِحَدِيثِ الْمُصَرَّاةِ: فَطَامَّةٌ مِنْ طَوَامِّ الدَّهْرِ وَهُوَ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ، وَزَارٍ عَلَيْهِ وَطَاعِنٍ فِيهِ، مُخَالِفٍ كُلَّ مَا فِيهِ، فَمَرَّةً يَجْعَلُهُ ذُو التَّوَرُّعِ مِنْهُمْ: مَنْسُوخًا بِتَحْرِيمِ الرِّبَا، وَكَذَبُوا فِي ذَلِكَ مَا لِلرِّبَا هَهُنَا مَدْخَلٌ وَمَرَّةً يَجْعَلُونَهُ كَذِبًا، وَيُعَرِّضُونَ بِأَبِي هُرَيْرَةَ وَاَللَّهُ تَعَالَى يَجْزِيهِمْ بِذَلِكَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَهُمْ أَهْلُ الْكَذِبِ، لاَ الْفَاضِلُ الْبَرُّ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه وَعَنْ جَمِيعِ الصَّحَابَةِ، وَكُبَّ الطَّاعِنُ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ لِوَجْهِهِ وَمَنْخَرَيْهِ. ثُمَّ لاَ يَسْتَحْيُونَ مِنْ أَنْ يَحْتَجُّوا بِهِ فِيمَا لَيْسَ فِيهِ مِنْهُ شَيْءٌ ; لأََنَّهُمْ إنَّمَا يُرِيدُونَ نَصْرَ تَصْحِيحِ بَيْعٍ وَقَعَ بِشَرْطِ خِيَارٍ لِلْبَائِعِ، أَوْ لِلْمُشْتَرِي، أَوْ لَهُمَا مَعًا أَوْ لِغَيْرِهِمَا، وَلَيْسَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ فِي خَبَرِ الْمُصَرَّاةِ أَثَرٌ، وَلاَ نَصٌّ، وَلاَ إشَارَةٌ، وَلاَ مَعْنًى، فَأَيُّ عَجَبٍ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا وَأَمَّا حَدِيثَا: الْحُذَافِيِّ الْمُسْنَدُ، وَالْمُرْسَلُ: فَهُمَا مِنْ طَرِيقِ أَبَانَ بْنِ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ وَهُوَ هَالِكٌ مُطَّرَحٌ وَالْمُسْنَدُ مِنْ طَرِيقِ حَفْصِ بْنِ سُلَيْمَانَ الْكُوفِيِّ وَهُوَ هَالِكٌ أَيْضًا مَتْرُوكٌ وَأَمَّا الْمُرْسَلُ فَعَنْ رَجُلٍ لَمْ يُسَمَّ، فَهُمَا فَضِيحَةٌ وَشَهْوَةٌ، لاَ يَأْخُذُ بِهِمَا فِي دِينِهِ إِلاَّ مَحْرُومُ

التَّوْفِيقِ. وَلَعَمْرِي لَقَدْ خَالَفَ الْمَالِكِيُّونَ هَهُنَا أُصُولَهُمْ فَإِنَّهُ لاَ مُؤْنَةَ عَلَيْهِمْ مِنْ الأَخْذِ بِمِثْلِهَا فِي الدَّنَاءَةِ وَالرَّذَالَةِ إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ، وَقَالُوا أَيْضًا: قَدْ اتَّفَقْنَا عَلَى جَوَازِ الْخِيَارِ ثَلاَثًا وَاخْتَلَفْنَا فِيمَا زَادَ.
قال أبو محمد وَهَذَا كَذِبٌ مَا وُفِّقُوا قَطُّ عَلَى ذَلِكَ: هَذَا مَالِكٌ لاَ يُجِيزُ الْخِيَارَ فِي الثَّوْبِ إِلاَّ يَوْمَيْنِ فَأَقَلَّ، وَلاَ فِي الدَّابَّةِ إِلاَّ الْيَوْمَ فَأَقَلَّ: فَبَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَيُعَارَضُونَ بِالْخَبَرِ الَّذِي فِيهِ: النَّهْيُ عَنْ تَلَقِّي الرُّكْبَانِ، فَمَنْ تَلَقَّى شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَصَاحِبُهُ بِالْخِيَارِ إذَا أَتَى السُّوقَ، هُوَ خَبَرٌ صَحِيحٌ، وَفِيهِ الْخِيَارُ إلَى دُخُولِ السُّوقِ وَلَعَلَّهُ لاَ يَدْخُلُهُ إِلاَّ بَعْدَ عَامٍ فَأَكْثَرَ وَسَنَذْكُرُهُ بِإِسْنَادِهِ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، فَظَهَرَ فَسَادُ أَقْوَالِ هَؤُلاَءِ جُمْلَةً وَأَنَّهَا آرَاءٌ أَحْدَثُوهَا مُتَخَاذِلَةٌ لاَ أَصْلَ لَهَا، وَلاَ سَلَفَ لَهُمْ فِيهَا. وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: شَرْطُ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ جَائِزٌ لَهُمَا، أَوْ لأََحَدِهِمَا، أَوْ لأََجْنَبِيٍّ، وَيَجُوزُ إلَى أَجَلٍ بَعِيدٍ أَوْ قَرِيبٍ. وَقَالَ اللَّيْثُ: يَجُوزُ الْخِيَارُ إلَى ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ فَأَقَلَّ. وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ: يَجُوزُ شَرْطُ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ، وَلَوْ شَرَطَاهُ أَبَدًا فَهُوَ كَذَلِكَ: لاَ أَدْرِي مَا الثَّلاَثُ إِلاَّ الْمُشْتَرِي إنْ بَاعَ مَا اشْتَرَى بِخِيَارٍ فَقَدْ رَضِيَهُ وَلَزِمَهُ وَإِنْ كَانَتْ جَارِيَةً بِكْرًا فَوَطِئَهَا فَقَدْ رَضِيَهَا وَلَزِمَتْهُ. وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَسَنِ: لاَ يُعْجِبُنِي شَرْطُ الْخِيَارِ الطَّوِيلِ فِي الْبَيْعِ إِلاَّ أَنَّ الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرِي مَا رَضِيَ الْبَائِعُ. وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: لاَ يَجُوزُ الْبَيْعُ إذَا شُرِطَ فِيهِ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ لَهُمَا وَقَالَ سُفْيَانُ: الْبَيْعُ فَاسِدٌ بِذَلِكَ، فَإِنْ شَرَطَ الْخِيَارَ لِلْمُشْتَرِي عَشَرَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَكْثَرَ جَازَ. وَرُوِّينَا فِي ذَلِكَ، عَنِ الْمُتَقَدِّمِينَ آثَارًا كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا، هُوَ ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ: اشْتَرَى عُمَرُ فَرَسًا وَاشْتَرَطَ حَبْسَهُ إنْ رَضِيَهُ وَإِلَّا فَلاَ بَيْعَ بَيْنَهُمَا بَعْدُ، فَحَمَلَ عُمَرُ عَلَيْهِ رَجُلاً فَعَطِبَ الْفَرَسُ، فَجَعَلاَ بَيْنَهُمَا شُرَيْحًا فَقَالَ شُرَيْحٌ لِعُمَرَ: سَلِّمْ مَا ابْتَعْت أَوْ رُدَّ مَا أَخَذْت فَقَالَ عُمَرُ: قَضَيْتَ بِمُرِّ الْحَقِّ. وَرُوِّينَا، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ فَرُّوخَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: اشْتَرَى نَافِعُ بْنُ عَبْدِ الْحَارِثِ مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ دَارًا لِلسَّجْنِ بِأَرْبَعَةِ آلاَفٍ فَإِنْ رَضِيَ عُمَرُ فَالْبَيْعُ بَيْعُهُ، وَإِنْ لَمْ يَرْضَ فَلِصَفْوَانَ أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ فَأَخَذَهَا عُمَرُ. وبه إلى سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْت ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: كُنْت أَبْتَاعُ إنْ رَضِيت حَتَّى ابْتَاعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُطِيعٍ نَجِيبَةً إنْ رَضِيَهَا فَقَالَ: إنَّ الرَّجُلَ لِيَرْضَى ثُمَّ يَدَّعِي: فَكَأَنَّمَا أَيْقَظَنِي، فَكَانَ يَبْتَاعُ وَيَقُولُ: هَا إنْ أَخَذْت.وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ الْبَرْصَاءِ قَالَ: بَايَعْت ابْنَ عُمَرَ بَيْعًا فَقَالَ لِي: إنْ جَاءَتْنَا نَفَقَتُنَا إلَى ثَلاَثِ لَيَالٍ فَالْبَيْعُ بَيْعُنَا، وَإِنْ لَمْ تَأْتِنَا نَفَقَتُنَا إلَى ذَلِكَ فَلاَ بَيْعَ بَيْنَنَا وَبَيْنَك، وَلَك سِلْعَتُك

قال أبو محمد: لاَ نَعْلَمُ، عَنِ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، فِي بَيْعِ الْخِيَارِ شَيْئًا غَيْرَ هَذَا، وَهُوَ كُلُّهُ خِلاَفٌ لأََقْوَالِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَهَذِهِ عِنْدَهُمْ بُيُوعٌ فَاسِدَةٌ مَفْسُوخَةٌ، فَأَيْنَ تَهْوِيلُهُمْ بِالصَّاحِبِ الَّذِي لاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ نَعَمْ، وَإِنْ عُرِفَ لَهُ مُخَالِفٌ. وَأَيْنَ رَدُّهُمْ السُّنَّةَ الثَّابِتَةَ فِي أَنْ لاَ بَيْعَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا أَوْ يُخَيِّرَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ بَعْدَ الْبَيْعِ بِرِوَايَةِ شَيْخٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ، عَنْ عُمَرَ الْبَيْعُ، عَنْ صَفْقَةٍ أَوْ خِيَارٍ وَلَيْسَ فِي هَذَا لَوْ صَحَّ خِلاَفٌ لِلسُّنَّةِ، بَلْ قَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ وَغَيْرِ عُمَرَ مِنْ الصَّحَابَةِ مُوَافَقَةُ السُّنَّةِ فِي ذَلِكَ، وَإِجَازَةُ رَدِّ الْبَيْعِ قَبْلَ التَّخْيِيرِ وَالتَّفَرُّقِ. ثُمَّ هَانَ عَلَيْهِمْ هَهُنَا خِلاَفُ عَمَلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، وَنَافِعِ بْنِ الْحَارِثِ، وَصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَكُلُّهُمْ صَحَابَةٌ: الْعَمَلَ الْمَشْهُورَ الَّذِي لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَخْفَى بِحَضْرَةِ الصَّحَابَةِ بِالْمَدِينَةِ، وَمَكَّةَ، وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ، وَلاَ عَلَيْهِمْ مِنْهُمْ مُنْكِرٌ مِمَّنْ يُجِيزُ الْبَيْعَ بِشَرْطِ الْخِيَارِ أَصْلاً بِأَصَحِّ طَرِيقٍ وَأَثْبَتِهِ فِي أَشْهَرِ قِصَّةٍ، وَهِيَ ابْتِيَاعُ دَارٍ لِلسَّجْنِ بِمَكَّةَ، وَمَا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ بِهَا لِلسَّجْنِ دَارٌ أَصْلاً. ثُمَّ فَعَلَ ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ مُطِيعٍ وَهُمَا صَاحِبَانِ يَبْتَاعَانِ كَمَا تَرَى بِخِيَارٍ إنْ أَخَذَا إلَى غَيْرِ مُدَّةٍ مُسَمَّاةٍ وَعُمَرُ قَبْلَ ذَلِكَ، وَصَفْوَانُ، وَنَافِعٌ يَتَبَايَعُونَ عَلَى الرِّضَا إلَى غَيْرِ مُدَّةٍ مُسَمَّاةٍ، لاَ يُعْرَفُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ مُخَالِفٌ مِمَّنْ يُجِيزُ الْبَيْعَ بِشَرْطِ خِيَارٍ، فَاعْجَبُوا لأََقْوَالِ هَؤُلاَءِ الْقَوْمِ
وَأَمَّا التَّابِعُونَ: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ ابْنِ طَاوُوس، عَنْ أَبِيهِ فِي الرَّجُلِ يَشْتَرِي السِّلْعَةَ عَلَى الرِّضَا قَالَ: الْخِيَارُ لِكِلَيْهِمَا حَتَّى يَفْتَرِقَا، عَنْ رِضًا. وبه إلى مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ إذَا بِعْت شَيْئًا عَلَى الرِّضَا فَلاَ تَخْلِطْ الْوَرِقَ بِغَيْرِهَا حَتَّى تَنْظُرَ أَيَأْخُذُ أَمْ يَرُدُّ. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: إذَا أَخَذَ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ الْبَيْعَ عَلَى أَنَّهُ فِيهِ بِالْخِيَارِ فَهَلَكَ مِنْهُ فَإِنْ كَانَ سَمَّى الثَّمَنَ فَهُوَ لَهُ ضَامِنٌ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ فَهُوَ أَمِينٌ، وَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ. وَعَنْ شُرَيْحٍ مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مَا نَعْلَمُ فِي هَذَا، عَنْ أَحَدٍ مِنْ التَّابِعِينَ غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا، وَكُلُّهُ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ، وَمَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ ; لأََنَّهُ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهُ ذِكْرُ مُدَّةٍ أَصْلاً. وَفِي قَوْلِ الْحَسَنِ: جَوَازُ ذَلِكَ بِغَيْرِ ذِكْرِ ثَمَنٍ. وَفِي قَوْلِ ابْنِ سِيرِينَ: جَوَازُ النَّقْدِ فِيهِ، وَلَمْ يَخُصَّ بِشَرْطٍ، وَلاَ بِغَيْرِ شَرْطٍ وَأَمَّا قَوْلُ طَاوُوس فَمُوَافِقٌ لِقَوْلِنَا ; لأََنَّهُ قَطَعَ بِأَنَّ كُلَّ بَيْعٍ يَكُونُ فِيهِ شَرْطُ خِيَارٍ فَإِنَّ الْخِيَارَ يَجِبُ فِيهِ لِلْبَائِعِ وَلِلْمُشْتَرِي حَتَّى يَتَّفِقَا. فَصَحَّ أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ عِنْدَهُ بَيْعًا أَصْلاً، وَأَنَّهُ بَاقٍ عَلَى حُكْمِهِ كَمَا كَانَ وَهَذَا قَوْلُنَا. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ أَقْوَالَ مَنْ ذَكَرْنَا مُخَالِفَةٌ لِكُلِّ مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ، عَنْ صَاحِبٍ أَوْ تَابِعٍ، وَأَنَّهُمَا لاَ سَلَفَ لَهُمْ فِيهَا، وَتَفْرِيقُ سُفْيَانَ، وَابْنِ شُبْرُمَةَ مِنْ كَوْنِ الْخِيَارِ لِلْبَائِعِ أَوْ لَهُمَا، فَلَمْ يُجِيزَاهُ، وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ

لِلْمُشْتَرِي وَحْدَهُ فَأَجَازَهُ سُفْيَانُ، لاَ مَعْنَى لَهُ ; لأََنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِالْفَرْقِ بَيْنَ ذَلِكَ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ، وَلاَ رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ، وَلاَ قَوْلٌ مُتَقَدِّمٌ، وَلاَ قِيَاسٌ، وَلاَ رَأْيٌ لَهُ وَجْهٌ وَلَيْسَ إِلاَّ جَوَازُ كُلِّ ذَلِكَ أَوْ بُطْلاَنُ كُلِّ ذَلِكَ. وَقَدْ رُوِّينَا بُطْلاَنَ ذَلِكَ، عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ السَّلَفِ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ: أَنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ كَرِهَتْ أَنْ تُبَاعَ الأَمَةُ بِشَرْطٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: أَرَادَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنْ يَشْتَرِيَ جَارِيَةً يَتَسَرَّاهَا مِنْ امْرَأَتِهِ فَقَالَتْ: لاَ أَبِيعُكهَا حَتَّى أَشْتَرِطَ عَلَيْك إنْ اتَّبَعَتْهَا نَفْسِي فَأَنَا أَوْلَى بِالثَّمَنِ فَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: حَتَّى أَسْأَلَ عُمَرَ، فَسَأَلَهُ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لاَ تَقْرَبْهَا وَفِيهَا شَرْطٌ لأََحَدٍ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: سَأَلْت عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ رَجُلٍ أَخَذَ مِنْ رَجُلٍ ثَوْبًا فَقَالَ: أَذْهَبُ بِهِ فَإِنْ رَضِيتُهُ أَخَذْتُهُ، فَبَاعَهُ الآخِذُ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إلَى صَاحِبِ الثَّوْبِ فَقَالَ عِكْرِمَةُ: لاَ يَحِلُّ لَهُ الرِّبْحُ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْحٍ قَالَ: قَالَ عَطَاءٌ: كُلُّ بَيْعٍ فِيهِ شَرْطٌ فَلَيْسَ بَيْعًا وَقَالَ طَاوُوس بِمَا ذَكَرْنَا قَبْلُ.
قال أبو محمد: هَذَا كُلُّهُ عِنْدَ كُلِّ ذِي حِسٍّ سَلِيمٍ أَوْضَحُ فِي إبْطَالِ الْبَيْعِ بِشَرْطِ الْخِيَارِ مِنْ دَعْوَاهُمْ أَنَّ عُمَرَ مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ فِي أَنْ لاَ بَيْعَ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ حَتَّى يَتَفَرَّقَا بِمَا لَمْ يَصِحَّ عَنْهُ مِنْ قَوْلِهِ: الْبَيْعُ، عَنْ صَفْقَةٍ أَوْ خِيَارٍ، وَمِنْ دَعْوَاهُمْ مِثْلُ ذَلِكَ عَلَى ابْنِ عُمَرَ فِي قَوْلِهِ: مَا أَدْرَكْت الصَّفْقَةَ حَيًّا مَجْمُوعًا فَمِنْ الْبَائِعِ، وَلَيْسَ فِي هَذَا إشَارَةٌ إلَى خِلاَفِ السُّنَّةِ الْمَذْكُورَةِ، بَلْ قَدْ صَحَّ عَنْهُمَا مُوَافَقَةُ السُّنَّةِ فِي ذَلِكَ.
قَالَ عَلِيٌّ: فَإِنْ كَانَ مَا رُوِيَ، عَنِ الصَّحَابَةِ، وَالتَّابِعِينَ فِي ذَلِكَ إجْمَاعٌ فَقَدْ خَالَفُوهُ، فَهُمْ مُخَالِفُونَ لِلإِجْمَاعِ كَمَا أَقَرُّوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ إجْمَاعًا فَلاَ حُجَّةَ فِي قَوْلٍ لَمْ يَأْتِ بِهِ نَصٌّ، وَلاَ إجْمَاعٌ. فَإِنْ احْتَجُّوا فِي إبَاحَةِ بَيْعِ الْخِيَارِ بِمَا رُوِيَ: الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ فَهَذَا لاَ يَصِحُّ لأََنَّهُ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ زَيْدٍ وَهُوَ مُطَّرَحٌ بِاتِّفَاقٍ، وَلاَ يَحِلُّ الأَحْتِجَاجُ بِمَا رَوَى. وَمِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى، عَنْ كَذَّابٍ، عَنْ مَجْهُولٍ، عَنْ مَجْهُولٍ مُرْسَلٍ مَعَ ذَلِكَ وَعَنْ عَطَاءٍ مُرْسَلٌ، وَلَوْ صَحَّ مَعَ ذَلِكَ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ مُتَعَلَّقٌ أَصْلاً ; لأََنَّ شُرُوطَ الْمُسْلِمِينَ لَيْسَ هِيَ كُلَّ مَا اشْتَرَطُوهُ، لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَلَزِمَ شَرْطُ الزِّنَى، وَالسَّرِقَةِ، وَهُمْ قَدْ أَبْطَلُوا أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ شَرْطٍ أَبَاحَهَا غَيْرُهُمْ، وَإِنَّمَا شُرُوطُ الْمُسْلِمِينَ: الشُّرُوطُ الَّتِي جَاءَ الْقُرْآنُ، وَالسُّنَّةُ بِإِبَاحَتِهَا نَصًّا فَقَطْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ .

قَالَ عَلِيٌّ: فَإِنْ احْتَجَّ مَنْ يُجِيزُ بَيْعَ الْخِيَارِ بِمَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : كُلُّ بَيِّعَيْنِ لاَ بَيْعَ بَيْنَهُمَا حَتَّى يَتَفَرَّقَا إِلاَّ بَيْعَ الْخِيَارِ فَلاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِيهِ ; لأََنَّ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ الْخِيَارَ مَا هُوَ وَأَنَّهُ قَوْلُ أَحَدِهِمَا لِلآخَرِ: اخْتَرْ. وَبَيَّنَهُ أَيْضًا اللَّيْثُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ بِمِثْلِهِ. وَأَوْضَحَهُ إسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، أَنَّهُ قَالَ: الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ، عَنْ خِيَارٍ، فَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ، عَنْ خِيَارٍ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ . فَصَحَّ ضَرُورَةً أَنَّ هَذَا الْخِيَارَ إنَّمَا هُوَ التَّخْيِيرُ مِنْ أَحَدِهِمَا لِلآخَرِ فَقَطْ. وَذَكَرُوا أَيْضًا خَبَرَ " الْمُصَرَّاةِ " وَسَنَذْكُرُهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ بِإِسْنَادِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ الْخِيَارَ لِوَاجِدِهَا ثَلاَثًا، فَإِنْ رَضِيَهَا أَمْسَكَهَا وَإِنْ كَرِهَهَا رَدَّهَا، وَرَدَّ مَعَهَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ. وَخَبَرَ مُنْقِذٍ إذْ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَنْ يَقُولَ إذَا بَاعَ أَوْ ابْتَاعَ: لاَ خِلاَبَةَ، ثُمَّ جَعَلَ لَهُ الْخِيَارَ ثَلاَثًا، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي "كِتَابِ الْحِجْرِ" مِنْ دِيوَانِنَا هَذَا. وَخَبَرَ تَلَقِّي السِّلَعِ الرُّكْبَانِ وَالنَّهْيَ عَنْهُ، وَأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ لِلْبَائِعِ الْخِيَارَ إذَا دَخَلَ السُّوقَ، وَبِالْخِيَارِ فِي رَدِّ الْبَيْعِ يُوجَدُ فِيهِ الْعَيْبُ.
قال أبو محمد: وَكُلُّ هَذَا لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ، وَاحْتِجَاجُهُمْ بِهِ فِي إبَاحَةِ بَيْعِ الْخِيَارِ إثْمٌ وَعَارٌ ; لأََنَّ خَبَرَ الْمُصَرَّاةِ إنَّمَا فِيهِ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي أَحَبَّ الْبَائِعُ أَمْ كَرِهَ لاَ بِرِضًا مِنْهُ أَصْلاً، وَلاَ بِأَنْ يَشْتَرِطَ فِي حَالِ عَقْدِ الْبَيْعِ فَكَيْفَ يَسْتَجِيزُ ذُو فَهْمٍ أَنْ يَحْتَجَّ بِهَذَا الْخِيَارِ فِي إبَاحَةِ بَيْعٍ يَتَّفِقُ فِيهِ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي عَلَى الرِّضَا بِشَرْطِ خِيَارٍ لأََحَدِهِمَا أَوْ لِكِلَيْهِمَا أَوْ لِغَيْرِهِمَا وَأَمَّا خَبَرُ مُنْقِذٍ فَكَذَلِكَ أَيْضًا ; لأََنَّهُ إنَّمَا هُوَ خِيَارٌ يَجِبُ لِمَنْ قَالَ عِنْدَ التَّبَايُعِ: لاَ خِلاَبَةَ، بَائِعًا كَانَ أَوْ مُشْتَرِيًا سَوَاءٌ رَضِيَ بِذَلِكَ مُعَامَلَةً أَوْ لَمْ يَرْضَ لَمْ يَشْتَرِطْهُ الَّذِي جَعَلَ لَهُ فِي نَفْسِ الْعَقْدِ، فَأَيُّ شَبَهٍ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ وَبَيْنَ خِيَارٍ يَتَّفِقَانِ بِرِضَاهُمَا عَلَى اشْتِرَاطِهِ لأََحَدِهِمَا أَوْ لِغَيْرِهِمَا، وَكُلُّهُمْ لاَ يَقُولُ بِهَذَا الْخَبَرِ أَصْلاً وَأَمَّا خَبَرُ تَلَقِّي السِّلَعِ فَكَذَلِكَ أَيْضًا إنَّمَا هُوَ خِيَارٌ جُعِلَ لِلْبَائِعِ أَحَبَّ الْمُشْتَرِي أَمْ كَرِهَ لَمْ يَشْتَرِطَاهُ فِي الْعَقْدِ. وَهُوَ أَيْضًا خِيَارٌ إلَى غَيْرِ مُدَّةٍ مَحْدُودَةٍ وَكُلُّهُمْ لاَ يُجِيزُ هَذَا أَصْلاً. فَأَيُّ عَجَبٍ يَفُوقُ قَوْلَ قَوْمٍ يُبْطِلُونَ الأَصْلَ، وَلاَ يُجِيزُونَ الْقَوْلَ بِهِ، وَيُصَحِّحُونَ الْقِيَاسَ عَلَيْهِ فِي مَا لاَ يُشْبِهُهُ وَيُخَالِفُونَ السُّنَنَ فِيمَا جَاءَتْ فِيهِ، ثُمَّ يَحْتَجُّونَ بِهَا فِيمَا لَيْسَ فِيهَا مِنْهُ أَثَرٌ، وَلاَ دَلِيلٌ، وَلاَ مَعْنًى فَخَالَفُوا الْحَقَائِقَ جُمْلَةً وَنَحْمَدُ اللَّهَ تَعَالَى عَلَى مَا مَنَّ بِهِ مِنْ التَّوْفِيقِ. فَإِنْ قَالُوا: لَمَّا جَازَ فِي هَذِهِ الأَخْبَارِ فِي أَحَدِهَا الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ، وَفِي الآخَرِ الْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي، وَفِي الثَّالِثِ الْخِيَارُ لِلْمَرْءِ بَائِعًا كَانَ أَوْ مُشْتَرِيًا، وَكَانَ فِي الشُّفْعَةِ الْخِيَارُ لِغَيْرِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي بِغَيْرِ أَنْ يُشْتَرَطَ فِي الْعَقْدِ شَيْءٌ

مِنْ ذَلِكَ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْتَفِتَ رِضَا الآخَرِ أَوْ رِضَا الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي كَانَ إذَا اشْتَرَطَاهُ بِتَرَاضِيهِمَا لأََحَدِهِمَا أَوْ لَهُمَا أَوْ لِغَيْرِهِمَا أَحْرَى أَنْ يَجُوزَ قلنا: هَذَا حُكْمُ الشَّيْطَانِ لاَ حُكْمَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهَذَا هُوَ تَعَدِّي حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَتِلْكَ دَعْوَى مِنْكُمْ لاَ برهان عَلَى صِحَّتِهَا، بَلْ الْبُرْهَانُ قَائِمٌ عَلَى بُطْلاَنِهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} . وَمَا تَدْرُونَ أَنْتُمْ، وَلاَ غَيْرُكُمْ مِنْ أَيْنَ قُلْتُمْ بِدَعْوَاكُمْ هَذِهِ ثُمَّ لَوْ صَحَّ الْقِيَاسُ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ، لأََنَّ الْقِيَاسَ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِهِ لاَ يَصِحُّ تَشْبِيهُ الْمُشَبَّهِ إِلاَّ حَتَّى يَصِحَّ الْمُشَبَّهُ بِهِ، وَلَيْسَ مِنْكُمْ أَحَدٌ يُصَحِّحُ حُكْمَ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الأَخْبَارِ إِلاَّ الْمُصَرَّاةَ، وَالشُّفْعَةَ فَقَطْ، فَكَيْفَ تَسْتَحِلُّونَ أَنْ تَحْكُمُوا بِحُكْمٍ لأََنَّهُ يُشْبِهُ حُكْمًا لاَ يَجُوزُ الْعَمَلُ بِهِ وَهَلْ سُمِعَ بِأَحْمَقَ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ وَاَلَّذِينَ يُصَحِّحُونَ مِنْكُمْ حُكْمَ الْمُصَرَّاةِ لاَ يَخْتَلِفُونَ فِي أَنَّهُ يَجُوزُ الْقِيَاسُ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ رَدِّ صَاعِ تَمْرٍ مَعَ الشَّيْءِ الَّذِي يَخْتَارُ الرَّادُّ رَدَّهُ، فَمِنْ أَيْنَ جَازَ عِنْدَكُمْ الْقِيَاسُ عَلَى بَعْضِ مَا فِي ذَلِكَ الْخَبَرِ وَحُرِّمَ الْقِيَاسُ عَلَى بَعْضِ مَا فِيهِ أَلَيْسَ هَذَا مِمَّا تَحْتَارُ فِيهِ أَوْهَامُ الْعُقَلاَءِ وَكَذَلِكَ الشُّفْعَةُ إنَّمَا هِيَ لِشَرِيكٍ عِنْدَكُمْ، أَوْ لِلْجَارِ فِيمَا بِيعَ مِنْ مُشَاعٍ فِي الْعَقَارِ خَاصَّةً، فَمِنْ أَيْنَ وَقَعَ بِكُمْ يَا هَؤُلاَءِ أَنْ تُحَرِّمُوا الْقِيَاسَ عَلَى ذَلِكَ مَا بِيعَ أَيْضًا مِنْ الْمُشَاعِ فِي غَيْرِ الْعَقَارِ لِلشَّرِيكِ أَيْضًا. وَلَوْ صَحَّ قِيَاسٌ فِي الدَّهْرِ كَانَ هَذَا أَوْضَحَ قِيَاسٍ وَأَصَحَّهُ لِتُسَاوِيهِمَا فِي الْعِلَّةِ وَالشَّبَهِ عِنْدَ كُلِّ نَاظِرٍ ثُمَّ تَقِيسُونَ عَلَيْهِ مَا لاَ يُشْبِهُهُ أَصْلاً مِنْ اشْتِرَاطِ اخْتِيَارٍ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي أَوْ لَهُمَا أَوْ لأََجْنَبِيٍّ، وَهُوَ ضِدُّ ذَلِكَ الْحُكْمِ جُمْلَةً، فَذَلِكَ لِلشَّرِيكِ وَهَذَا لِغَيْرِ الشَّرِيكِ، وَذَلِكَ فِي الْمُشَاعِ وَهَذَا فِي غَيْرِ الْمُشَاعِ، وَذَلِكَ مُشْتَرَطٌ، وَهَذَا غَيْرُ مُشْتَرَطٍ، وَذَلِكَ إلَى غَيْرِ مُدَّةٍ وَهَذَا إلَى مُدَّةٍ، فَمَا هَذَا التَّخْلِيطُ، وَالْخَبْطُ وَأَمَّا الْخِيَارُ فِي رَدِّ الْمَبِيعِ فَالْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي خِيَارِ الشُّفْعَةِ سَوَاءٌ سَوَاءٌ، مِنْ أَنَّهُ لاَ شَبَهَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اشْتِرَاطِ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ لِمَا قلنا آنِفًا، فَظَهَرَ فَسَادُ احْتِجَاجِهِمْ جُمْلَةً بِالأَخْبَارِ، وَبِالْقِيَاسِ. وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَيُّ قَوْلٍ أَفْسَدَ مِنْ قَوْلِ مَنْ يُبْطِلُ الْخِيَارَ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم لِلْمُتَبَايِعَيْنِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ بِأَبْدَانِهِمَا، وَقَبْلَ أَنْ يُخَيِّرَ أَحَدُهُمَا الآخَرَ فَيَخْتَارَ إمْضَاءً أَوْ رَدًّا. وَالْخِيَارُ الْوَاجِبُ لِمَنْ قَالَ عِنْدَ الْبَيْعِ: لاَ خِلاَبَةَ. وَالْخِيَارُ لِمَنْ بَاعَ سِلْعَتَهُ مِمَّنْ تَلَقَّاهَا إذَا دَخَلَ السُّوقَ. وَالْخِيَارُ الْوَاجِبُ لِمَنْ ابْتَاعَ مُصَرَّاةً. وَالْخِيَارُ الْوَاجِبُ لِمَنْ بَاعَ شِرْكًا مِنْ مَالٍ هُوَ فِيهِ شَرِيكٌ ثُمَّ أَوْجَبَ خِيَارًا لَمْ يُوجِبْهُ اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ،

وَلاَ رَسُولُهُ صلى الله عليه وسلم. وَمِنْ الْبُرْهَانِ عَلَى بُطْلاَنِ كُلِّ بَيْعٍ يُشْتَرَطُ فِيهِ خِيَارٌ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي أَوْ لَهُمَا أَوْ لِغَيْرِهِمَا: قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ اشْتَرَطَهُ مِائَةَ مَرَّةٍ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ كُلُّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ .
وَكَانَ اشْتِرَاطُ الْخِيَارِ الْمَذْكُورِ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلاَ فِي شَيْءٍ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَوْ كَانَ فِيهَا لَكَانَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ; لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ فِي كِتَابِهِ بِطَاعَةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم فَوَجَبَ بُطْلاَنُ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ يَقِينًا، وَإِذْ هُوَ بَاطِلٌ فَكُلُّ عَقْدٍ لَمْ يُصَحَّحْ إِلاَّ بِصِحَّةِ مَا لَمْ يَصِحَّ فَلاَ صِحَّةَ لَهُ بِلاَ شَكٍّ، فَوَجَبَ بُطْلاَنُ الْبَيْعِ الَّذِي عُقِدَ عَلَى شَرْطِ خِيَارٍ كَمَا ذَكَرْنَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إنَّ اللَّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ} .
قال أبو محمد : وَعَهْدُنَا بِهِمْ يَفْتَخِرُونَ بِاتِّبَاعِ الْمُرْسَلِ وَأَنَّهُ كَالْمُسْنَدِ: وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لاَ يَتَفَرَّقُ بَيِّعَانِ إِلاَّ، عَنْ تَرَاضٍ وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ الْمُرَاسِلِ، فَأَيْنَ هُمْ عَنْهُ وَفِيهِ النَّهْيُ عَنْ بَقَاءٍ، عَنِ الْخِيَارِ بَعْدَ التَّفَرُّقِ وَنَسْأَلُهُمْ، عَنْ بَيْعِ الْخِيَارِ هَلْ زَالَ مِلْكُ بَائِعِهِ عَنْهُ وَمَلَكَهُ الْمُشْتَرِي لَهُ أَمْ لاَ، إذَا اُشْتُرِطَ الْخِيَارَ لِلْبَائِعِ أَوْ لَهُمَا فَإِنْ قَالُوا: لاَ، فَهُوَ قَوْلُنَا وَصَحَّ أَنَّهُ لاَ بَيْعَ هُنَالِكَ أَصْلاً ; لأََنَّ الْبَيْعَ نَقْلُ مِلْكِ الْبَائِعِ وَإِيقَاعُ مِلْكِ الْمُشْتَرِي. وَإِنْ قَالُوا: نَعَمْ، قلنا: فَالْخِيَارُ لاَ مَعْنَى لَهُ، وَلاَ يَصِحُّ فِي شَيْءٍ قَدْ صَحَّ مِلْكُهُ عَلَيْهِ وَأَقْوَالُهُمْ تَدُلُّ عَلَى خِلاَفِ هَذَا. فَإِنْ قَالُوا قَدْ بَاعَ الْبَائِعُ وَلَمْ يَشْتَرِ الْمُشْتَرِي بَعْدُ قلنا: هَذَا تَخْلِيطٌ وَبَاطِلٌ لاَ خَفَاءَ بِهِ ; لأََنَّهُ لاَ يَكُونُ بَيْعٌ إِلاَّ وَهُنَالِكَ بَائِعٌ وَمُبْتَاعٌ وَانْتِقَالُ مِلْكٍ. وَهَكَذَا إنْ كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ فَقَطْ، فَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ يَنْعَقِدَ بَيْعٌ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَمْ يَنْعَقِدْ ذَلِكَ الْبَيْعُ عَلَى الْبَائِعِ. فَإِنْ كَانَ الْخِيَارُ لَهُمَا أَوْ لأََجْنَبِيٍّ: فَهَذَا بَيْعٌ لَمْ يَنْعَقِدْ لاَ عَلَى الْبَائِعِ، وَلاَ عَلَى الْمُبْتَاعِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَالْقَوْمُ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ. وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ النِّكَاحَ بِالْخِيَارِ لاَ يَجُوزُ، فَهَلاَّ قَاسُوا عَلَى ذَلِكَ الْبَيْعَ وَسَائِرِ مَا أَجَازُوا فِيهِ الْخِيَارَ، كَمَا فَعَلُوا فِي مُعَارَضَةِ السُّنَّةِ بِهَذَا الْقِيَاسِ نَفْسِهِ فِي إبْطَالِهِمْ الْخِيَارَ بَعْدَ الْبَيْعِ قَبْلَ التَّفَرُّقِ، فَلاَ نُصُوصَ الْتَزَمُوا، وَلاَ الْقِيَاسَ طَرَدُوا، وَالدَّلاَئِلُ عَلَى إبْطَالِ بَيْعِ الْخِيَارِ تَكْثُرُ، وَمُنَاقَضَاتُهُمْ فِيهِ جَمَّةٌ، وَإِنَّمَا أَقْوَالُهُمْ فِيهِ دَعَاوَى بِلاَ برهان مُخْتَلِفَةٌ مُتَدَافِعَةٌ كَمَا ذَكَرْنَاهَا قَبْلُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

كل بيع صح وتم فهلك المبيع أثر تمام البيع فمصيبته من المبتاع ولا رجوع له على البائع وكذلك كل ما عرض فيه من بيع سواء في كل ذلك كان المبيع غائبا أو حاضرا
1421 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ بَيْعٍ صَحَّ وَتَمَّ فَهَلَكَ الْمَبِيعُ إثْرَ تَمَامِ الْبَيْعِ فَمُصِيبَتُهُ مِنْ الْمُبْتَاعِ، وَلاَ رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْبَائِعِ .
وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا عُرِضَ فِيهِ مِنْ بَيْعٍ أَوْ نَقْصٍ سَوَاءٌ فِي كُلِّ ذَلِكَ كَانَ الْمَبِيعُ غَائِبًا أَوْ حَاضِرًا، أَوْ كَانَ عَبْدًا أَوْ أَمَةً فَجُنَّ أَوْ بَرِصَ أَوْ جُذِمَ إثْرَ تَمَامِ الْبَيْعِ فَمَا بَعْدَ ذَلِكَ، أَوْ كَانَ ثَمَرًا قَدْ حَلَّ بَيْعُهُ، فَأُجِيحَ كُلُّهُ أَوْ أَكْثَرُهُ أَوْ أَقَلُّهُ، فَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ الْمُبْتَاعِ، وَلاَ رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْبَائِعِ بِشَيْءٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَصْحَابِهِمَا.
وقال أبو حنيفة عَلَى الْبَائِعِ تَسْلِيمُ مَا بَاعَ، فَإِنْ هَلَكَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَهُ فَمُصِيبَتُهُ مِنْ الْبَائِعِ وقال مالك بِقَوْلِنَا، إِلاَّ فِي الرَّقِيقِ وَالثِّمَارِ خَاصَّةً، فَإِنَّهُ قَالَ: مَا أَصَابَ الرَّقِيقَ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ بَعْدَ بَيْعِ الرَّأْسِ مِنْ إبَاقٍ، أَوْ عَيْبٍ، أَوْ مَوْتٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَمِنْ مُصِيبَةِ الْبَائِعِ، فَإِذَا انْقَضَتْ بَرِئَ الْبَائِعُ، إِلاَّ مِنْ الْجُنُونِ، وَالْجُذَامِ، وَالْبَرَصِ: فَإِنَّ هَذِهِ الأَدْوَاءَ الثَّلاَثَةَ إنْ أَصَابَ شَيْءٌ مِنْهَا الرَّأْسَ الْمَبِيعَ قَبْلَ انْقِضَاءِ عَامٍ مِنْ حِينِ ابْتِيَاعِهِ كَانَ لَهُ الرَّدُّ بِذَلِكَ. قَالَ: وَلاَ يَقْضِي بِذَلِكَ إِلاَّ فِي الْبِلاَدِ الَّتِي جَرَتْ عَادَةُ أَهْلِهَا بِالْحُكْمِ بِذَلِكَ فِيهَا وَأَمَّا الْبِلاَدُ الَّتِي لَمْ تَجْرِ عَادَةُ أَهْلِهَا بِالْحُكْمِ بِذَلِكَ فِيهَا: فَلاَ حُكْمَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ. قَالَ: وَمَنْ بَاعَ بِالْبَرَاءَةِ بَطَلَ عَنْهُ حُكْمُ الْعُهْدَةِ، وَأَسْقَطَهَا جُمْلَةً فِيمَا بَاعَهُ السُّلْطَانُ لِغَرِيمٍ، أَوْ مِنْ مَالِ يَتِيمٍ وَأَجَازَ النَّقْدَ فِي عُهْدَةِ السَّنَةِ، وَلَمْ يُجِزْهُ فِي عُهْدَةِ الثَّلاَثِ. وَأَمَّا الثِّمَارُ فَمَنْ بَاعَ ثَمَرَةً كَانَتْ بَعْدَ أَنْ يَحِلَّ بَيْعُهَا وَالْمَقَاثِي، فَإِذَا أُجِيحَ مِنْ ذَلِكَ الثُّلُثُ فَصَاعِدًا رَجَعَ بِذَلِكَ عَلَى الْبَائِعِ، فَإِنْ أُجِيحَ مَا دُونَ الثُّلُثِ بِمَا قَلَّ أَوْ كَثُرَ فَهُوَ مِنْ مُصِيبَةِ الْمُشْتَرِي، وَلاَ رُجُوعَ لَهُ عَلَى الْبَائِعِ. قَالَ: فَإِنْ كَانَ بَقْلاً فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ بِذَلِكَ عَلَى الْبَائِعِ وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الْمَوْزِ، فَمَرَّةً قَالَ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ الثِّمَارِ فِي مُرَاعَاةِ الثُّلُثِ، وَمَرَّةً قَالَ: هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبَقْلِ فِي الرُّجُوعِ بِقَلِيلِ الْجَائِحَةِ وَكَثِيرِهَا. وَمَرَّةً قَالَ: لاَ يَرْجِعُ بِجَائِحَةٍ أَصَابَتْهُ كُلَّهُ أَوْ أَكْثَرَهُ أَوْ أَقَلَّهُ.
قال أبو محمد: أَمَّا إيجَابُ التَّسْلِيمِ فَمَا نَعْلَمُ فِيهِ لِلْحَنَفِيِّينَ حُجَّةً أَصْلاً، لاَ مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ، وَلاَ رِوَايَةٍ ضَعِيفَةٍ، وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلاَ قِيَاسٍ، وَلاَ رَأْيٍ سَدِيدٍ، وَإِنَّمَا عَلَى الْبَائِعِ أَنْ لاَ يَحُولَ بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَبَيْنَ قَبْضِ مَا بَاعَ مِنْهُ فَقَطْ، فَإِنْ فَعَلَ صَارَ عَاصِيًا وَضَمِنَ ضَمَانَ الْغَصْبِ فَقَطْ، وَلاَ يَحِلُّ أَنْ يُلْزِمَ أَحَدٌ حُكْمًا لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ، قَالَ تَعَالَى {شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ} فَسَقَطَ هَذَا الْقَوْلُ. وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فِي الرَّقِيقِ: فَإِنَّ مُقَلِّدِيهِ يَحْتَجُّونَ لَهُ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبَانُ، هُوَ ابْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: عُهْدَةُ الرَّقِيقِ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ

بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : عُهْدَةُ الرَّقِيقِ ثَلاَثٌ . وَقَالُوا: إنَّمَا قَضَى بِعُهْدَةِ الثَّلاَثِ لأََجْلِ حُمَّى الرِّبْعِ ; لأََنَّهَا لاَ تَظْهَرُ فِي أَقَلَّ مِنْ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ. وَذَكَرُوا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْم أَنَّهُ سَمِعَ أَبَانَ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَهِشَامَ بْنَ إسْمَاعِيلَ بْنِ هِشَامٍ يَذْكُرَانِ فِي خُطْبَتِهِمَا عُهْدَةَ الرَّقِيقِ فِي الأَيَّامِ الثَّلاَثَةِ مِنْ حِينِ يَشْتَرِي الْعَبْدَ أَوْ الْوَلِيدَةَ وَعُهْدَةَ السَّنَةِ، وَيَأْمُرَانِ بِذَلِكَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَضَى عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي عَبْدٍ اُشْتُرِيَ فَمَاتَ فِي الثَّلاَثَةِ الأَيَّامِ فَجَعَلَهُ عُمَرُ مِنْ الَّذِي بَاعَهُ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَحَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: الْقُضَاةُ مُنْذُ أَدْرَكْنَا يَقْضُونَ فِي الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ، وَالْبَرَصِ: سَنَةً. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَسَمِعْت سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ يَقُولُ: الْعِدَّةُ مِنْ كُلِّ دَاءٍ عُضَالٍ نَحْوَ الْجُنُونِ، وَالْجُذَامِ، وَالْبَرَصِ: سَنَةٌ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ سَمْعَانَ، قَالَ: سَمِعْت رِجَالاً مِنْ عُلَمَائِنَا مِنْهُمْ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيُّ يَقُولُونَ: لَمْ تَزُلْ الْوُلاَةُ بِالْمَدِينَةِ فِي الزَّمَانِ الأَوَّلِ يَقْضُونَ فِي الرَّقِيقِ بِعُهْدَةِ السَّنَةِ مِنْ الْجُنُونِ وَالْجُذَامِ، وَالْبَرَصِ إنْ ظَهَرَ بِالْمَمْلُوكِ شَيْءٌ فِي ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَحُولَ الْحَوْلُ عَلَيْهِ فَهُوَ رَدٌّ إلَى الْبَائِعِ، وَيَقْضُونَ فِي عُهْدَةِ الرَّقِيقِ بِثَلاَثِ لَيَالٍ فَإِنْ حَدَثَ فِي الرَّأْسِ فِي تِلْكَ الثَّلاَثِ حَدَثٌ مِنْ مَوْتٍ أَوْ سَقَمٍ فَهُوَ مِنْ الأَوَّلِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ عُهْدَةُ الثَّلاَثِ مِنْ الرُّبْعِ، وَلاَ يَسْتَبِينُ الرُّبْعُ إِلاَّ فِي ثَلاَثِ لَيَالٍ. هَذَا كُلُّ مَا شَغَبُوا بِهِ، وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ شَيْئًا غَيْرَ مَا أَوْرَدْنَا، وَكُلُّهُ لاَ حُجَّةَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ: أَمَّا الْحَدِيثَانِ فَسَاقِطَانِ ; لأََنَّ الْحَسَنَ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ شَيْئًا قَطُّ، وَلاَ سَمِعَ مِنْ سَمُرَةَ إِلاَّ حَدِيثَ الْعَقَبَةِ فَصَارَا مُنْقَطِعَيْنِ، وَلاَ حُجَّةَ فِي مُنْقَطِعٍ. وَقَدْ رُوِّينَاهُمَا بِغَيْرِ اللَّفْظِ، لَكِنْ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي مَسْلَمَةُ بْنُ عَلِيٍّ عَمَّنْ حَدَّثَهُ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : عُهْدَةُ الرَّقِيقِ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ وَثَلاَثَةٌ .
وَمِنْ طَرِيقِ قَاسِمِ بْنِ أَصْبَغَ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْجَهْمِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، هُوَ ابْنُ عَطَاءٍ الْخَفَّافُ، حَدَّثَنَا هِشَامٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: عُهْدَةُ الرَّقِيقِ أَرْبَعُ لَيَالٍ . وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ زِيَادٍ الأَعْلَمِ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لاَ عُهْدَةَ إِلاَّ بَعْدَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ .
قال أبو محمد: وَهَذَا مِمَّا نَقَضُوا فِيهِ أُصُولَهُمْ فَإِنَّ الْحَنَفِيِّينَ يَقُولُونَ: الْمُنْقَطِعُ، وَالْمُتَّصِلُ: سَوَاءٌ، وَقَدْ تَرَكُوا هَهُنَا هَذِهِ الأَخْبَارَ، وَمَا عَابُوهَا إِلاَّ بِالأَنْقِطَاعِ فَقَطْ. وَالْمَالِكِيُّونَ تَرَكُوا هَهُنَا الأَخْذَ بِالزِّيَادَةِ، فَهَلاَّ جَعَلُوا الْعُهْدَةَ أَرْبَعَ لَيَالٍ بِالآثَارِ الَّتِي

أَوْرَدْنَا فَظَهَرَ تَنَاقُضُهُمْ وَأَنَّهُمْ لاَ يَثْبُتُونَ عَلَى أَصْلٍ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا نَحْنُ فَنَقُولُ: إنَّ اللَّهَ تَعَالَى افْتَرَضَ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُبَيِّنَ لَنَا مَا نُزِّلَ إلَيْنَا وَمَا أَلْزَمَنَا إيَّاهُ، وَلَمْ يَجْعَلْ عَلَيْنَا فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ، وَقَوْلُ الْقَائِلِ عُهْدَةُ الرَّقِيقِ ثَلاَثٌ كَلاَمٌ لاَ يُفْهَمُ، وَلاَ تَدْرِي الْعُهْدَةَ مَا هِيَ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ، وَمَا فَهِمَ قَطُّ أَحَدٌ مِنْ قَوْلِ قَائِلٍ عُهْدَةُ الرَّقِيقِ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ أَنَّ مَعْنَاهُ مَا أَصَابَ الرَّقِيقَ الْمَبِيعَ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، فَمِنْ مُصِيبَةِ الْبَائِعِ، وَلاَ يَعْقِلُ أَحَدٌ هَذَا الْحُكْمَ مِنْ هَذَا اللَّفْظِ فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَقُلْهُ قَطُّ، وَلَوْ قَالَهُ لَبَيَّنَ عَلَيْنَا مَا أَرَادَ بِهِ. وَلاَ يَفْرَحُ الْحَنَفِيُّونَ بِهَذَا الأَعْتِرَاضِ فَإِنَّهُ إنَّمَا يَسُوغُ وَيَصِحُّ عَلَى أُصُولِنَا لاَ عَلَى أُصُولِهِمْ ; لأََنَّ الْحَنَفِيِّينَ إذْ رَزَقَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى عُقُولاً كَهَّنُوا بِهَا مَا مَعْنَى الْكَذِبِ الْمُضَافِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ نَهَى، عَنْ الْبُتَيْرَاءِ حَتَّى فَهِمُوا أَنَّ الْبُتَيْرَاءَ: هِيَ أَنْ يُوتِرَ الْمَرْءُ بِرَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ لاَ بِثَلاَثٍ، عَلَى أَنَّ هَذَا لاَ يَفْهَمُهُ إنْسِيٌّ، وَلاَ جِنِّيٌّ مِنْ لَفْظَةِ الْبُتَيْرَاءِ وَلَمْ يُبَالُوا بِالتَّزَيُّدِ مِنْ الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الإِخْبَارِ عَنْهُ بِمَا لَمْ يُخْبِرْ بِهِ، عَنْ نَفْسِهِ، فَمَا الْمَانِعُ لَهُمْ مِنْ أَنْ يُكَهِّنُوا أَيْضًا هَهُنَا مَعْنَى الْعُهْدَةِ فَمَا بَيْنَ الأَمْرَيْنِ فَرْقٌ. وَأَمَّا نَحْنُ فَلاَ نَأْخُذُ بِبَيَانِ شَيْءٍ مِنْ الدِّينِ إِلاَّ مِنْ بَيَانِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَطْ، فَهُوَ الَّذِي تَقُومُ بِهِ حُجَّةُ الْوَاقِفِ غَدًا بَيْنَ يَدَيْ اللَّهِ تَعَالَى لاَ بِمَا سِوَاهُ.
وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ فَهُمْ أَصْحَابُ قِيَاسٍ بِزَعْمِهِمْ، وَقَدْ جَاءَ الْحُكْمُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالشُّفْعَةِ فِي الْبَيْعِ، فَقَاسُوا عَلَيْهِ الشُّفْعَةَ فِي الصَّدَاقِ بِآرَائِهِمْ. وَجَاءَ النَّصُّ بِتَحْدِيدِ الْمَنْعِ مِنْ الْقَطْعِ فِي سَرِقَةِ أَقَلَّ مِنْ رُبْعِ دِينَارٍ فَقَاسُوا عَلَيْهِ الصَّدَاقَ وَلَمْ يَقِيسُوا عَلَيْهِ الْغَصْبَ وَهُوَ أَشْبَهُ بِالسَّرِقَةِ مِنْ النِّكَاحِ عِنْدَ كُلِّ ذِي مَسْكَةِ عَقْلٍ. وَقَدْ جَاءَ النَّصُّ بِالرِّبَا فِي الأَصْنَافِ السِّتَّةِ فَقَاسُوا عَلَيْهَا: الْكَمُّونَ، وَاللَّوْزَ، فَهَلاَّ قَاسُوا هَهُنَا عَلَى خَبَرِ الْعُهْدَةِ فِي الرَّقِيقِ سَائِرَ الْحَيَوَانِ وَلَكِنْ لاَ النُّصُوصَ يَلْتَزِمُونَ، وَلاَ الْقِيَاسَ يُحْسِنُونَ.
وَمِنْ طَرَائِفِهِمْ هَهُنَا أَنَّهُمْ قَاسُوا مَنْ أَصْدَقَ امْرَأَتَهُ عَبْدًا أَوْ ثَمَرَةً بَعْدَ أَنْ بَدَا صَلاَحُهَا فَمَاتَ الْعَبْدُ أَوْ أَبَقَ أَوْ أَصَابَهُ عَيْبٌ قَبْلَ انْقِضَاءِ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ، وَأُجِيحَتْ الثَّمَرَةُ بِأَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ فَلِلْمَرْأَةِ الْقِيَامُ بِالْجَائِحَةِ، وَلاَ قِيَامَ لَهَا فِي الْعَبْدِ بِعُهْدَةِ الثَّلاَثِ فَكَانَ " هَذَا طَرِيفًا جِدًّا. وَكِلاَ الأَمْرَيْنِ تَعَلَّقُوا فِيهِ بِخَبَرٍ وَعَمَلٍ، وَلاَ فَرْقَ وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِأَنَّ عُهْدَةَ الثَّلاَثِ إنَّمَا جُعِلَتْ مِنْ أَجْلِ حُمَّى الرِّبْعِ، فَلاَ يَخْلُو مِنْ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْعِلَّةُ مُخْرَجَةً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ، أَوْ مُضَافَةً إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا، فَإِنْ أَضَافُوهَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ ذَلِكَ كَذِبًا بَحْتًا مُوجِبًا لِلنَّارِ، وَإِنْ كَانُوا أَخْرَجُوهَا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ قلنا لَهُمْ: فَلِمَ

تَعَدَّيْتُمْ بِالْحُكْمِ بِذَلِكَ إلَى الإِبَاقِ، وَالْمَوْتِ، وَسَائِرِ الْعُيُوبِ الَّتِي يُقِرُّونَ بِأَنَّهَا حَادِثَةٌ بِلاَ شَكٍّ، كَذَهَابِ الْعَيْنِ مِنْ رَمْيَةٍ، وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهَذَا عَجَبٌ جِدًّا وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ قِيَاسٍ لأَفْتِرَاقِ الْعِلَّةِ. وَأَيْضًا: فَإِنْ كُنْتُمْ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ لِهَذِهِ الْعِلَّةِ فَنَرَاكُمْ قَدْ اطَّرَحْتُمْ الْخَبَرَ الْوَارِدَ فِي ذَلِكَ وَاقْتَصَرْتُمْ عَلَى عِلَّةٍ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ.
وَأَمَّا الآثَارُ الَّتِي شَغَبُوا بِهَا فَلاَ مُتَعَلَّقَ لَهُمْ بِشَيْءٍ مِنْهَا ; لأََنَّهُ لاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَيْضًا فَإِنَّ هِشَامَ بْنَ إسْمَاعِيلَ مِمَّنْ لاَ نَعْلَمُهُ تَجِبُ الْحُجَّةُ بِرِوَايَتِهِ فَكَيْفَ بِخُطْبَتِهِ وَأَمَّا خُطْبَةُ أَبَانَ بْنِ عُثْمَانَ بِذَلِكَ فَعَهْدُنَا بِهِمْ قَدْ خَالَفُوا أَبَانًا فِي قَوْلِهِ: إنَّ أَلْبَتَّةَ فِي الطَّلاَقِ وَاحِدَةٌ، وَفِي إبْطَالِهِ طَلاَقُ السَّكْرَانِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ: فَمَرَّةً يَكُونُ حُكْمُ أَبَانَ حُجَّةً، وَمَرَّةً لاَ يَكُونُ حُجَّةً وَهَذَا تَخْلِيطٌ شَدِيدٌ وَعَمَلٌ لاَ يَحِلُّ. وَأَمَّا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَالرِّوَايَةُ عَنْهُ بِذَلِكَ سَاقِطَةٌ ; لأََنَّهَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ، وَأَوَّلُ مَنْ ضَعَّفَ رِوَايَتَهُ فَمَالِكٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا وَهُمْ قَدْ اطَّرَحُوا حُكْمَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الثَّابِتَ عَنْهُ، وَالسُّنَّةُ مَعَهُ فِي أَمْرِهِ النَّاسَ عَلاَنِيَةً بِالسُّجُودِ فِي {إذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَحْكَامِهِ كَثِيرٌ جِدًّا، فَالآنَ صَارَ حُجَّةً وَهُنَالِكَ لَيْسَ حُجَّةً، مَا أَقْبَحَ هَذَا الْعَمَلَ فِي الدِّيَانَةِ. وَأَمَّا قَوْلُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ، فَمِنْ رِوَايَةِ ابْنِ سَمْعَانَ، وَهُوَ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ لاَ تَحِلُّ الرِّوَايَةُ عَنْهُ. وَأَمَّا قَوْلُ الزُّهْرِيِّ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: فَصَحِيحٌ عَنْهُمَا، وَلاَ حُجَّةَ فِي الدِّينِ فِي قَوْلِ أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَوْلُ سَعِيدٍ مُخَالِفٌ لَهُمْ ; لأََنَّهُ رَأَى عُهْدَةَ السَّنَةِ مِنْ كُلِّ دَاءٍ عُضَالٍ، وَلَمْ يَخُصَّ الْجُنُونَ، وَالْجُذَامَ، وَالْبَرَصَ فَقَطْ، وَقَدْ عَلِمَ كُلُّ ذِي حِسٍّ أَنَّ الأَكَلَةَ، وَالْحِرْبَةَ، وَالأَدَرَةَ: مِنْ الأَدْوَاءِ الْعُضَالِ، فَبَطَلَ كُلُّ مَا مَوَّهُوا بِهِ، وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ فِي عُهْدَةِ السَّنَةِ مِنْ الأَدْوَاءِ الْمَذْكُورَةِ أَثَرًا أَصْلاً، وَلاَ قَوْلَ صَاحِبٍ، وَلاَ قِيَاسًا. وقال بعضهم: هَذِهِ الأَدْوَاءُ لاَ تَظْهَرُ بِبَيَانٍ إِلاَّ بَعْدَ عَامٍ.
قال أبو محمد: وَهَذِهِ دَعْوَى كَاذِبَةٌ، وَقَوْلٌ بِلاَ برهان، وَمَا كَانَ هَكَذَا فَحُكْمُهُ الإِطْرَاحُ، وَلاَ يَحِلُّ الأَخْذُ بِهِ، وَمَا عُلِمَ هَذَا قَطُّ، لاَ فِي طِبٍّ، وَلاَ فِي لُغَةٍ عَرَبِيَّةٍ، وَلاَ فِي شَرِيعَةٍ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَذَكَرُوا أَيْضًا: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إنْ رَأَى عَيْبًا فِي ثَلاَثِ لَيَالٍ رَدَّ بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ، وَإِنْ رَأَى عَيْبًا بَعْدَ ثَلاَثٍ لَمْ يَرُدَّ إِلاَّ بِبَيِّنَةٍ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ يَعْلَى فِيمَنْ ابْتَاعَ غُلاَمًا فَوَجَدَهُ مَجْنُونًا قَالَ: إنْ ظَهَرَ ذَلِكَ فِي السَّنَةِ فَإِنَّهُ يَسْتَحْلِفُ الْبَائِعَ لَقَدْ بَاعَهُ وَمَا بِهِ جُنُونٌ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ السَّنَةِ فَيَمِينُهُ بِاَللَّهِ عَلَى عِلْمِهِ. وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ ; وَابْنَ

الزُّبَيْرِ سُئِلاَ، عَنِ الْعُهْدَةِ فَقَالاَ: لاَ نَجِدُ أَمْثَلَ مِنْ حَدِيثِ حِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ إذْ كَانَ يُخْدَعُ فِي الْبُيُوعِ فَجَعَلَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْخِيَارَ ثَلاَثًا إنْ شَاءَ أَخَذَ وَإِنْ شَاءَ رَدَّ. وَخَبَرٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَجَّلَ الْجَارِيَةَ بِهَا الْجُذَامُ، وَالدَّاءُ: سَنَةً.
قَالَ عَلِيٌّ: وَكُلُّ هَذَا لاَ حُجَّةً لَهُمْ فِيهِ: أَمَّا خَبَرُ عُمَرَ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ، فَلاَ بَيَانَ فِيهِ بِأَنَّهُمَا يَقُولاَنِ بِقَوْلِهِمْ أَصْلاً، بَلْ فِيهِ أَنَّهُ خِلاَفُ قَوْلِهِمْ لأََنَّهُمَا بَيَّنَّاهُ عَلَى حَدِيثِ حِبَّانَ بْنِ مُنْقِذٍ. وَالْمَالِكِيُّونَ مُخَالِفُونَ لِذَلِكَ الْخَبَرِ، فَقَوْلُ عُمَرَ، وَابْنِ الزُّبَيْرِ: حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ، وَلاَ وِفَاقَ فِيهِ لِقَوْلِهِمْ أَصْلاً لأََنَّهُ إنَّمَا فِيهِ الْخِيَارُ بَيْنَ الرَّدِّ وَالأَخْذِ فَقَطْ، دُونَ ذِكْرِ وُجُودِ عَيْبٍ، وَلاَ فِيهِ تَخْصِيصٌ لِلرَّقِيقِ دُونَ سَائِرِ ذَلِكَ، فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لاَ لَهُمْ. وَنَحْنُ نَقُولُ بِهَذَا إذَا قَالَ الْمُشْتَرِي: مَا أُمِرَ مُنْقِذٌ أَنْ يَقُولَهُ. وَأَمَّا خَبَرُ عَلِيٍّ: فَلَيْسَ فِيهِ أَيْضًا شَيْءٌ يَدُلُّ عَلَى مُوَافَقَةِ قَوْلِهِمْ، وَلاَ ذِكْرُ رَدٍّ أَصْلاً، وَإِنَّمَا يُمَوِّهُونَ بِالْخَبَرِ يَكُونُ فِيهِ لَفْظٌ كَبَعْضِ أَلْفَاظِ قَوْلِهِمْ، فَيَظُنُّ مَنْ لاَ يُمْعِنُ النَّظَرَ أَنَّ ذَلِكَ الْخَبَرَ مُوَافِقٌ لِقَوْلِهِمْ، وَلَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ مُخَالِفٌ لِقَوْلِهِمْ فِي الأَكْثَرِ، أَوْ لاَ مُوَافِقٌ، وَلاَ مُخَالِفٌ كَذَلِكَ أَيْضًا.
قال أبو محمد: وَقَدْ رَوَى ابْنُ جُرَيْجٍ أَنَّهُ سَأَلَ الزُّهْرِيَّ، عَنْ عُهْدَةِ الثَّلاَثِ وَالسَّنَةِ فَقَالَ: مَا عَلِمْت فِيهِ أَمْرًا سَالِفًا. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَسَأَلْت عَطَاءً، عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: لَمْ يَكُنْ فِيمَا مَضَى عُهْدَةٌ فِي الأَرْضِ، قُلْت: فَمَا ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ قَالَ: لاَ شَيْءَ.
قَالَ عَلِيٌّ: قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا ، وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} فَمِنْ الْبَاطِلِ أَنْ تَكُونَ جَارِيَةٌ مِلْكُهَا لِزَيْدٍ وَفَرْجُهَا لَهُ حَلاَلٌ وَيَكُونَ ضَمَانُهَا عَلَى خَالِدٍ، حَاشَ لِلَّهِ مِنْ هَذَا. وَقَدْ صَحَّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: مَا أَدْرَكْت الصَّفْقَةَ حَيًّا مَجْمُوعًا فَهُوَ مِنْ الْمُبْتَاعِ، وَلاَ يُعْلَمُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ وَهَذَا يُبْطِلُ عُهْدَةَ الثَّلاَثِ، وَالسَّنَةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
قال أبو محمد: ثم نقول لَهُمْ: أَخْبِرُونَا، عَنِ الْحُكْمِ بِعُهْدَةِ الثَّلاَثِ، وَالسَّنَةِ: أَسُنَّةٌ هُوَ وَحَقٌّ أَمْ لَيْسَ سُنَّةً، وَلاَ حَقًّا، وَلاَ بُدَّ مِنْ أَحَدِهِمَا فَإِنْ قَالُوا: هُوَ سُنَّةٌ وَحَقٌّ قلنا: فَمِنْ أَيْنَ اسْتَحْلَلْتُمْ أَنْ لاَ تَحْكُمُوا بِهَا فِي الْبِلاَدِ الَّتِي اصْطَلَحَ أَهْلُهَا عَلَى تَرْكِ الْحُكْمِ بِهَا فِيهَا وَمَتَى رَأَيْتُمْ سُنَّةً يُفْسَحُ لِلنَّاسِ فِي تَرْكِهَا وَمُخَالَفَتِهَا حَاشَ لِلَّهِ مِنْ هَذَا. وَإِنْ قَالُوا: لَيْسَتْ سُنَّةً، وَلاَ حَقًّا
قلنا: بِأَيِّ وَجْهٍ اسْتَحْلَلْتُمْ أَنْ تَأْخُذُوا بِهَا أَمْوَالَ النَّاسِ الْمُحَرَّمَةِ فَتُعْطُوهَا غَيْرَهُمْ بِالْكُرْهِ مِنْهُمْ وَلَعَلَّ الْمَحْكُومَ عَلَيْهِ فَقِيرٌ

هَالِكٌ، وَالْمَحْكُومَ لَهُ غَنِيٌّ أَشِرٌ، وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ فَفَسَخْتُمْ الْبُيُوعَ الصَّحِيحَةَ بِمَا لَيْسَ سُنَّةً، وَلاَ حَقًّا، إذْ أَبَحْتُمْ تَرْكَ الْحُكْمِ بِالسُّنَّةِ وَالْحَقِّ، وَلاَ مُخَلِّصَ لَكُمْ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَهَذَا كَمَا تَرَى.
وَأَمَّا قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْجَوَائِحِ: فَإِنَّهُ لاَ يُعْرَفُ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ مِمَّا ذَكَرْنَا عَنْهُ مِنْ التَّقْسِيمِ بَيْنَ الثِّمَارِ، وَالْمَقَاثِي، وَبَيْنَ الْبُقُولِ، وَالْمَوْزِ، وَلاَ يُعَضِّدُ قَوْلَهُ فِي ذَلِكَ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ، وَلاَ رِوَايَةٌ سَقِيمَةٌ أَصْلاً، وَلاَ قَوْلُ أَحَدٍ مِمَّنْ سَلَفَ، وَلاَ قِيَاسٌ، وَلاَ رَأْيٌ لَهُ وَجْهٌ. وَلَهُمْ فِي تَخْصِيصِ الثُّلُثِ آثَارٌ سَاقِطَةٌ نَذْكُرُهَا أَيْضًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَنُبَيِّنُ وَهْيَهَا وقولنا في هذا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي سُفْيَانَ وَأَحَدِ قَوْلَيْ الشَّافِعِيِّ، وَقَوْلِ جُمْهُورِ السَّلَفِ. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي عُبَيْدَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ أَخْبَرَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّ أَهْلَ بَيْتِهِ كَانُوا يُلْزِمُونَ الْمُشْتَرِيَ الْجَائِحَةَ قَالَ اللَّيْثُ: وَبَلَغَنِي، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَنَّهُ قَضَى بِالْجَائِحَةِ عَلَى الْمُشْتَرِي.
قال أبو محمد : وَذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَالشَّافِعِيُّ، فِي أَوَّلِ قَوْلِهِ إلَى حَطِّ الْجَائِحَةِ فِي الثِّمَارِ، عَنِ الْمُشْتَرِي قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ وَهَذَا قَوْلٌ لَهُ مُتَعَلَّقٌ بِأَثَرٍ صَحِيحٍ، نَذْكُرُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَنُبَيِّنُ وَجْهَهُ وَحُكْمَهُ بِحَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقُوَّتِهِ.
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ، حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَوْ بِعْتَ مِنْ أَخِيكَ ثَمَرًا فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ فَلاَ يَحِلُّ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا، بِمَ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيكَ بِغَيْرِ حَقٍّ . وَمِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْحَكَمِ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ الأَعْرَجِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَتِيقٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ .
قال علي: وهذانِ أَثَرَانِ صَحِيحَانِ. وَقَالُوا أَيْضًا عَلَى بَائِعِ الثَّمَرَةِ إسْلاَمُهَا إلَى الْمُشْتَرِي طَيِّبَةً كُلَّهَا فَإِذَا لَمْ يَفْعَلْ، سَقَطَ، عَنِ الْمُشْتَرِي بِمِقْدَارِ مَا لَمْ يُسَلَّمْ إلَيْهِ كَمَا يَلْزَمُ.
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ عِيَاضٍ أَنَّ أَبَا إِسْحَاقَ مُقَدَّمًا مَوْلَى أُمِّ الْحَكَمِ بِنْتِ عَبْدِ الْحَكَمِ حَدَّثَهُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَضَى بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ. وبه إلى ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْحَكَمِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: الْجَوَائِحُ كُلُّ ظَاهِرٍ مُفْسَدٍ مِنْ مَطَرٍ أَوْ بَرَدٍ أَوْ رِيحٍ أَوْ حَرِيقٍ أَوْ جَرَادٍ.
قال أبو محمد: إنْ لَمْ يَأْتِ مَا يُبَيِّنُ أَنَّ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ الْمَذْكُورَيْنِ عَلَى غَيْرِ ظَاهِرِهِمَا وَإِلَّا

فَلاَ يَحِلُّ خِلاَفُ مَا فِيهِمَا، وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَلاَ حُجَّةَ فِيهِمَا لِقَوْلِ مَالِكٍ، بَلْ هُمَا حُجَّةٌ عَلَيْهِ; لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهِمَا تَخْصِيصُ ثُلُثٍ مِنْ غَيْرِهِ. فَنَظَرْنَا هَلْ جَاءَ فِي هَذَا الْحُكْمِ غَيْرُ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ فَوَجَدْنَا مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا لَيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ بُكَيْرٍ، هُوَ ابْنُ الأَشَجِّ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: أُصِيبَ رَجُلٌ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي ثِمَارٍ ابْتَاعَهَا، فَكَثُرَ دَيْنُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : تَ صَدَّقُوا عَلَيْهِ فَتَصَدَّقَ النَّاسُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ وَفَاءَ دَيْنِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِغُرَمَائِهِ: خُذُوا مَا وَجَدْتُمْ وَلَيْسَ لَكُمْ إِلاَّ ذَلِكَ فَأَخْرَجَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ مَالِهِ لِغُرَمَائِهِ، وَلَمْ يُسْقِطْ عَنْهُ لأََجْلِ الْجَائِحَةِ شَيْئًا
فَنَظَرْنَا فِي هَذَا الْخَبَرِ مَعَ خَبَرَيْ جَابِرٍ الْمُتَقَدِّمَيْنِ. فَوَجَدْنَا خَبَرَيْنِ مِنْ طَرِيقِ جَابِرٍ، وَأَنَسٍ، قَدْ وَرَدَا بِبَيَانٍ تَتَأَلَّفُ بِهِ هَذِهِ الأَخْبَارُ كُلُّهَا بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى. كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي أَبُو الطَّاهِرِ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي مَالِكٌ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى، عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى تُزْهِيَ قَالُوا: وَمَا تُزْهِي قَالَ: تَحْمَرُّ، أَرَأَيْتَ إذَا مَنَعَ اللَّهُ الثَّمَرَةَ بِمَ تَسْتَحِلُّ مَالَ أَخِيكَ. وَمِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ الأَعْرَجِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ عَتِيقٍ، عَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى، عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ السِّنِينَ. فَصَحَّ بِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ أَنَّ الْجَوَائِحَ الَّتِي أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِوَضْعِهَا هِيَ الَّتِي تُصِيبُ مَا بِيعَ مِنْ الثَّمَرِ سِنِينَ، وَقَبْلَ أَنْ يُزْهِيَ، وَأَنَّ الْجَائِحَةَ الَّتِي لَمْ يُسْقِطْهَا وَأَلْزَمَ الْمُشْتَرِيَ مُصِيبَتَهَا، وَأَخْرَجَهُ، عَنْ جَمِيعِ مَالِهِ بِهَا: هِيَ الَّتِي تُصِيبُ الثَّمَرَ الْمَبِيعَ بَعْدَ ظُهُورِ الطَّيِّبِ فِيهِ وَجَوَازِ بَيْعِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَأَيْضًا: فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَوْ بِعْتَ مِنْ أَخِيك تَمْرًا فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ فَلاَ يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ شَيْئًا فَلَمْ يَخُصَّ عليه السلام شَجَرًا فِي وَرِقِهِ مِنْ ثَمَرٍ مَوْضُوعِ الأَرْضِ وَهُمْ يَخُصُّونَ ذَلِكَ بِآرَائِهِمْ، فَقَدْ صَحَّ خِلاَفُهُمْ لِهَذَا الْخَبَرِ وَتَخْصِيصُهُمْ لَهُ، وَبَطَلَ احْتِجَاجُهُمْ بِهِ عَلَى عُمُومِهِ وَالأَخْذُ فِيهِ. وَأَمَرَ بِوَضْعِ الْجَوَائِحِ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي ثَمَرٍ، وَلاَ فِي غَيْرِهِ، وَلاَ فِي أَيِّ جَائِحَةٍ هُوَ فَصَحَّ أَنَّهُمْ مُخَالِفُونَ لَهُ أَيْضًا، وَبَطَلَ أَنْ يَحْتَجُّوا بِهِ عَلَى عُمُومِهِ، وَصَارَ قَوْلُهُمْ، وَقَوْلُنَا فِي هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ سَوَاءً فِي تَخْصِيصِهِمْ، إِلاَّ أَنَّهُمْ خَصُّوهُمَا بِلاَ دَلِيلٍ
قال أبو محمد: وَالْخَسَارَةُ لأَنْحِطَاطِ السِّعْرِ جَائِحَةٌ بِلاَ شَكٍّ، وَهُمْ لاَ يَضَعُونَ عَنْهُ شَيْئًا لِذَلِكَ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ عَلَى الْبَائِعِ أَنْ يُسَلِّمَهَا طَيِّبَةً إلَى الْمُشْتَرِي فَبَاطِلٌ مَا عَلَيْهِ ذَلِكَ، إنَّمَا عَلَيْهِ أَنْ يُسَلِّمَ إلَيْهِ مَا بَاعَ بَيْعًا

فَقَطْ، إذْ لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ غَيْرَ ذَلِكَ نَصٌّ، وَلاَ إجْمَاعٌ وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ الْمَالِكِيُّونَ الْقِيَاسَ، وَالأُُصُولَ، إذَا جَعَلُوا مَالاً رِبْحُهُ وَمِلْكُهُ لِزَيْدٍ، وَخَسَارَتُهُ عَلَى عَمْرٍو: الَّذِي لاَ يَمْلِكُهُ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَأَمَّا الآثَارُ الْوَاهِيَةُ الَّتِي احْتَجَّ بِهَا مُقَلِّدُو مَالِكٍ: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ الأَنْدَلُسِيِّ، حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ، عَنْ أَبِي طُوَالَةَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إذَا أُصِيبَ ثُلُثُ الثَّمَرِ فَقَدْ وَجَبَ عَلَى الْبَائِعِ الْوَضِيعَةُ . قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَحَدَّثَنِي أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ، عَنِ السَّبِيعِيِّ عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ رَبِيعَةَ الرَّأْيِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِوَضْعِ الْجَائِحَةِ إذَا بَلَغَتْ ثُلُثَ الثَّمَرِ فَصَاعِدًا . قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: وَحَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ خَالِدِ بْنِ إيَاسٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : خَمْسٌ مِنْ الْجَوَائِحِ: الرِّيحُ، وَالْبَرَدُ، وَالْحَرِيقُ، وَالْجَرَادُ، وَالسَّيْلُ.
قال أبو محمد : هَذَا كُلُّهُ كَذِبٌ: عَبْدُ الْمَلِكِ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ. وَالأَوَّلُ مُرْسَلٌ مَعَ ذَلِكَ. وَالسَّبِيعِيُّ مَجْهُولٌ لاَ يَدْرِي أَحَدٌ مَنْ هُوَ وَعَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ عُمَرَ ضَعِيفٌ وَهُوَ أَيْضًا مُرْسَلٌ فَسَقَطَ كُلُّ ذَلِكَ، وَخَالِدُ بْنُ إيَاسٍ سَاقِطٌ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ فِيهِ أَمْرٌ بِإِسْقَاطِ الْجَوَائِحِ أَصْلاً، لاَ بِنَصٍّ، وَلاَ بِدَلِيلٍ، إِلاَّ أَنَّ الْحَنَفِيِّينَ الَّذِينَ يَحْتَجُّونَ بِرِوَايَاتِ الْكَذَّابِينَ وَمُرْسَلاَتِهِمْ: كَمُبَشِّرِ بْنِ عُبَيْدٍ الْحَلَبِيِّ، وَجَابِرٍ الْجُعْفِيِّ ; وَغَيْرِهِمَا: فَلاَ عُذْرَ لَهُمْ فِي أَنْ لاَ يَأْخُذُوا بِهَذِهِ الْمَرَاسِيلِ وَهَذَا مِمَّا تَنَاقَضُوا فِيهِ. وَذَكَرَ الْمَالِكِيُّونَ عَمَّنْ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضُمَيْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْضِي بِوَضْعِ الْجَائِحَةِ إذَا بَلَغَتْ ثُلُثَ الثَّمَرِ فَصَاعِدًا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ حَبِيبٍ أَيْضًا حَدَّثَنِي الْحُذَافِيُّ، عَنِ الْوَاقِدِيِّ، عَنْ مُوسَى بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: بَاعَ عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ عَوْفٍ مِنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَيْنًا لَهُ فَأَصَابَهُ الْجَرَادُ فَأَذْهَبَهُ أَوْ أَكْثَرَهُ، فَاخْتَصَمَا إلَى عُثْمَانَ فَقَضَى عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَانِ بِرَدِّ الثَّمَنِ إلَى سَعْدٍ. قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَكَانَ سَهْلُ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ، وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَالْقَاسِمُ، وَسَالِمٌ، وَعَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ: يَرَوْنَ الْجَائِحَةَ مَوْضُوعَةً، عَنِ الْمُشْتَرِي إذَا بَلَغَتْ الثُّلُثَ فَصَاعِدًا.
قال أبو محمد: هَذَا كُلُّهُ بَاطِلٌ، لأََنَّهُ كُلُّهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ، ثُمَّ الْحُسَيْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضُمَيْرَةَ مُطْرَحٌ، مُتَّفَقٌ عَلَى أَنْ لاَ يُحْتَجَّ بِرِوَايَتِهِ، وَأَبُوهُ مَجْهُولٌ، وَالْوَاقِدِيُّ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ. ثُمَّ لَوْ صَحَّ حَدِيثُ عُثْمَانَ لَكَانَ فِيهِ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَانِ بْنَ عَوْفٍ لَمْ يَرَ رَدَّ الْجَائِحَةِ وَإِنْ أَتَتْ عَلَى الثَّمَرِ كُلِّهِ أَوْ أَكْثَرَ وَإِذَا وَقَعَ الْخِلاَفُ فَلاَ حُجَّةَ فِي قَوْلِ بَعْضِهِمْ دُونَ

بَعْضٍ، وَالثَّابِتُ فِي هَذَا، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه وَهُوَ عَالِمُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فِي عَصْرِهِ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ مُحَمَّدٌ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : لاَ تَبِيعُوا الثَّمَرَ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهُ، فَقِيلَ لأَبْنِ عُمَرَ: مَا صَلاَحُهُ قَالَ: تَذْهَبُ عَاهَتُهُ.
قال أبو محمد: تَأَمَّلُوا هَذَا فَإِنَّ ابْنَ عُمَرَ رَوَى نَهْيَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ قَبْلَ، بُدُوِّ صَلاَحِهِ وَفَسَّرَ ابْنُ عُمَرَ بِأَنَّ بُدُوَّ صَلاَحِ الثَّمَرِ: هُوَ ذَهَابُ عَاهَتِهِ. فَصَحَّ يَقِينًا أَنَّ الْعَاهَةَ وَهِيَ الْجَائِحَةُ لاَ تَكُونُ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ إِلاَّ قَبْلَ بُدُوِّ صَلاَحِ الثَّمَرِ، وَأَنَّهُ لاَ عَاهَةَ، وَلاَ جَائِحَةَ بَعْدَ بُدُوِّ صَلاَحِ الثَّمَرِ، وَهَذَا هُوَ نَصُّ قَوْلِنَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَلاَ يَصِحُّ غَيْرُ هَذَا، عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، وَمِنْ تَنَاقُضِ الْمَالِكِيِّينَ فِي هَذَا أَنَّهُمْ يَقُولُونَ فِيمَنْ بَاعَ ثَمَرًا قَدْ طَابَ أَكْلُهُ وَحَضَرَ جِدَادُهُ فَأُجِيحَ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ: لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ لِذَلِكَ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ. وَهَذَا خِلاَفُ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا آنِفًا مِنْ الْمَوْضُوعَاتِ جُمْلَةً. فَإِنْ احْتَجُّوا فِي ذَلِكَ بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ . قلنا: نَعَمْ هَذَا فِي الْوَصِيَّةِ، وَلَكِنْ مِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنَّ الْكَثِيرَ مِنْ الْجَوَائِحِ يُوضَعُ دُونَ الْقَلِيلِ حَتَّى تَحُدُّوا ذَلِكَ بِالثُّلُثِ وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ فِي غَنِيٍّ لَهُ مِائَةُ أَلْفِ دِينَارٍ ابْتَاعَ ثَمَرًا بِثَلاَثَةِ دَرَاهِمَ فَأُجِيحَ فِي ثُلُثِ الثَّمَرَةِ ثُمَّ بَاعَ الْبَاقِيَ بِدِينَارٍ أَنَّهُ تُوضَعُ عَنْهُ الْجَائِحَةُ. وَتَقُولُونَ فِي مِسْكِينٍ ابْتَاعَ ثَمَرَةً بِدِينَارٍ فَذَهَبَ رُبْعُهَا ثُمَّ رَخُصَ الثَّمَرُ فَبَاعَ الْبَاقِيَ بِدِرْهَمٍ أَنَّهُ لاَ يُحَطُّ عَنْهُ شَيْءٌ، وَالْكَثِيرُ وَالْقَلِيلُ إنَّمَا هُمَا بِإِضَافَةٍ كَمَا تَرَى لاَ عَلَى الإِطْلاَقِ. ثُمَّ لَمْ يَلْبَثُوا أَنْ تَنَاقَضُوا أَسْمَجَ تَنَاقُضٍ وَأَغَثَّهُ وَأَبْعَدَهُ، عَنِ الصَّوَابِ لِلْمَرْأَةِ ذَاتِ الزَّوْجِ أَنْ تَحْكُمَ فِي الصَّدَقَةِ بِالثُّلُثِ مِنْ مَالِهَا فَأَقَلَّ بِغَيْرِ رِضَا زَوْجِهَا، وَلاَ يَجُوزُ لَهَا ذَلِكَ فِيمَا كَانَ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ إِلاَّ بِإِذْنِ زَوْجِهَا، فَجَعَلُوا الثُّلُثَ هَهُنَا قَلِيلاً كَمَا هُوَ دُونَ الثُّلُثِ وَجَعَلُوهُ فِي الْجَائِحَةِ كَثِيرًا بِخِلاَفِ مَا دُونَهُ. ثُمَّ قَالُوا: إنَّ اشْتَرَطَ الْمُحْبَسِ مِمَّا حَبَسَ الثُّلُثَ فَمَا زَادَ بَطَلَ الْحَبْسُ، فَإِنْ اشْتَرَطَ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ جَازَ وَصَحَّ الْحَبْسُ فَجَعَلُوا الثُّلُثَ هَهُنَا كَثِيرًا بِخِلاَفِ مَا دُونَهُ. ثُمَّ قَالُوا: مَنْ بَاعَ سَيْفًا مُحَلًّى بِفِضَّةٍ أَوْ مُصْحَفًا كَذَلِكَ يَكُونُ مَا عَلَيْهِمَا مِنْ الْفِضَّةِ ثُلُثَ قِيمَةِ الْجَمِيعِ فَأَقَلَّ فَهَذَا قَلِيلٌ، وَيَجُوزُ بَيْعُهُ بِالْفِضَّةِ وَإِنْ كَانَ مَا عَلَيْهِمَا مِنْ الْفِضَّةِ أَكْثَرَ مِنْ الثُّلُثِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُبَاعَا بِفِضَّةٍ أَصْلاً فَجَعَلُوا الثُّلُثَ هَهُنَا قَلِيلاً فِي حُكْمِ مَا دُونَهُ. وَأَبَاحُوا أَنْ يَسْتَثْنِيَ الْمَرْءُ مِنْ ثَمَرِ شَجَرِهِ وَمِنْ زَرْعِ أَرْضِهِ إذَا بَاعَهَا مَكِيلَةً تَبْلُغُ الثُّلُثَ فَأَقَلَّ وَمَنَعُوا مِنْ اسْتِثْنَاءِ مَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ فَجَعَلُوا الثُّلُثَ هَهُنَا قَلِيلاً فِي حُكْمِ مَا دُونَهُ.

ثُمَّ مَنَعُوا مَنْ بَاعَ شَاةً وَاسْتَثْنَى مِنْ لَحْمِهَا لِنَفْسِهِ أَرْطَالاً أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْهَا مِقْدَارَ ثُلُثِهَا فَصَاعِدًا، وَأَبَاحُوا لَهُ أَنْ يَسْتَثْنِيَ مِنْهَا أَرْطَالاً أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ فَجَعَلُوا الثُّلُثَ هَهُنَا كَثِيرًا بِخِلاَفِ مَا دُونَهُ. ثُمَّ أَبَاحُوا لِمَنْ اشْتَرَى دَارًا فِيهَا شَجَرٌ فِيهَا ثَمَرٌ لَمْ يَبْدُ صَلاَحُهُ أَنْ يُدْخِلَ الثَّمَرَ فِي كِرَاءِ الدَّارِ إنْ كَانَ الثُّلُثُ بِالْقِيمَةِ مِنْهُ وَمِنْ كِرَاءِ الدَّارِ وَمَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ إذَا كَانَ الثُّلُثَ فَأَكْثَرَ: فَجَعَلُوا الثُّلُثَ هَهُنَا قَلِيلاً فِي حُكْمِ مَا دُونَهُ. ثُمَّ جَعَلُوا الْعُشْرَ قَلِيلاً وَمَا زَادَ عَلَيْهِ كَثِيرًا فَقَالُوا فِيمَنْ أَمَرَ آخَرَ بِأَنْ يَشْتَرِيَ لَهُ خَادِمًا بِثَلاَثِينَ دِينَارًا فَاشْتَرَاهَا لَهُ بِثَلاَثَةٍ وَثَلاَثِينَ دِينَارًا: أَنَّهَا تَلْزَمُ الآمِرَ ; لأََنَّ هَذَا قَلِيلٌ، قَالُوا: فَإِنْ اشْتَرَاهَا لَهُ بِأَكْثَرَ لَمْ يَلْزَمْ الآمِرَ ; لأََنَّهُ كَثِيرٌ وَهَذَا يُشْبِهُ اللَّعِبَ، فَيَا لَلنَّاسِ أَبِهَذِهِ الآرَاءِ تُشَرَّعُ الشَّرَائِعُ وَتُحَرَّمُ وَتُحَلَّلُ، وَتُبَاعُ الأَمْوَالُ الْمُحَرَّمَةُ وَتُعَارَضُ السُّنَنُ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: لاَ جَائِحَةَ فِيمَا أُصِيبَ دُونَ ثُلُثِ رَأْسِ الْمَالِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ أَخْبَرَنِي مَنْ سَمِعَ الزُّهْرِيَّ قَالَ: قُلْت مَا الْجَائِحَةُ قَالَ: النِّصْفُ.
قَالَ عَلِيٌّ: فَهَذَا الزُّهْرِيُّ لاَ يَرَى الْجَائِحَةَ إِلاَّ النِّصْفَ. وَهَذَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ فَقِيهُ الْمَدِينَةِ لاَ يَرَى الْجَائِحَةَ إِلاَّ فِي الثُّمْنِ، لاَ فِي عَيْنِ الثَّمَرَةِ وَكُلُّ ذَلِكَ خِلاَفُ قَوْلِ مَالِكٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

بيع العبد الآبق عرف مكانه أو لم يعرف جائز وكذلك بيع الجمل الشارد عرف مكانه أو لم يعرف وكذلك الشارد من كل الحيوان ومن الطير المتفلت وغيره إذا صح الملك عليه قبل ذلك وأما مالم يملك بعد فليس لأحد بيعه
1423 - مَسْأَلَةٌ: وَبَيْعُ الْعَبْدِ الآبِقِ عُرِفَ مَكَانُهُ أَوْ لَمْ يُعْرَفْ جَائِزٌ وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْجَمَلِ الشَّارِدِ عُرِفَ مَكَانُهُ أَوْ لَمْ يُعْرَفْ. وَكَذَلِكَ الشَّارِدُ مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانِ، وَمِنْ الطَّيْرِ الْمُتَفَلِّتِ وَغَيْرِهِ، إذَا صَحَّ الْمِلْكُ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَإِلَّا فَلاَ يَحِلُّ بَيْعُهُ. وَأَمَّا كُلُّ مَا لَمْ يَمْلِكْ أَحَدٌ بَعْدُ فَإِنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَوْلَى بِهِ مِنْ أَحَدٍ، فَمَنْ بَاعَهُ فَإِنَّمَا بَاعَ مَا لَيْسَ لَهُ فِيهِ حَقٌّ، فَهُوَ أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ.
وَأَمَّا مَا عَدَا ذَلِكَ مِنْ كُلِّ مَا ذَكَرْنَا فَقَدْ صَحَّ مِلْكُ مَالِكِهِ لَهُ، وَكُلُّ مَا مَلَكَهُ الْمَرْءُ فَحُكْمُهُ فِيهِ نَافِذٌ بِالنَّصِّ: إنْ شَاءَ وَهَبَهُ، وَإِنْ شَاءَ بَاعَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَهُ، وَإِنْ مَاتَ فَهُوَ مَوْرُوثٌ عَنْهُ لاَ خِلاَفَ فِي أَنَّهُ مِلْكٌ وَمَوْرُوثٌ عَنْهُ، فَمَا الَّذِي حَرَّمَ بَيْعَهُ وَهِبَتَهُ وَقَدْ أَبْطَلْنَا قَبْلُ قَوْلَ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّيْدِ يَتَوَحَّشُ، وَبَيْنَ الإِبِلِ، وَالْغَنَمِ، وَالْبَقَرِ، وَالْخَيْلِ يَتَوَحَّشُ وَكَذَلِكَ لاَ فَرْقَ بَيْنَ الصَّيْدِ مِنْ السَّمَكِ، وَمِنْ الطَّيْرِ، وَمِنْ النَّحْلِ، وَمِنْ ذَوَاتِ الأَرْبَعِ كُلُّ مَا مُلِكَ مِنْ ذَلِكَ: فَهُوَ مَالٌ مِنْ مَالِ مَالِكِهِ بِلاَ خِلاَفٍ مِنْ أَحَدٍ. فَمَنْ ادَّعَى سُقُوطَ الْمِلْكِ عَنْهُ بِتَوَحُّشِهِ، أَوْ بِرُجُوعِهِ إلَى النَّهْرِ أَوْ الْبَحْرِ: فَقَدْ قَالَ الْبَاطِلَ، وَأَحَلَّ حَرَامًا بِغَيْرِ دَلِيلٍ لاَ مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ، وَلاَ مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلاَ مِنْ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ، وَلاَ مِنْ تَوَرُّعٍ، وَلاَ مِنْ رَأْيٍ يُعْقَلُ فإن قال قائل: فَإِنَّهُ لاَ يَعْرِفُهُ أَبَدًا صَاحِبُهُ، وَلاَ غَيْرُ صَاحِبِهِ

قلنا: فَكَانَ مَاذَا وَمِنْ أَيْنَ وَجَبَ عِنْدَكُمْ سُقُوطُ مِلْكِ الْمُسْلِمِ، عَنْ مَالِهِ بِجَهْلِهِ بِعَيْنِهِ وَبِأَنَّهُ لاَ يُمَيِّزُهُ، وَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْعَبْدِ يَأْبَقُ فَلاَ تُمَيِّزُهُ صُورَتُهُ أَبَدًا، وَالْبَعِيرُ كَذَلِكَ، وَالْفَرَسُ كَذَلِكَ أَفَتَرَوْنَ الْمِلْكَ يَسْقُطُ، عَنْ كُلِّ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لاَ يُمَيِّزُهُ أَحَدٌ أَبَدًا، لاَ صَاحِبُهُ، وَلاَ غَيْرُهُ وَلَئِنْ كَانَ النَّاسُ لاَ يَعْرِفُونَهُ، وَلاَ يُمَيِّزُونَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَعْرِفُهُ وَيُمَيِّزُهُ لاَ يَضِلُّ رَبِّي، وَلاَ يَنْسَى بَلْ هُوَ عَزَّ وَجَلَّ عَارِفٌ بِهِ، وَبِتَقَلُّبِهِ وَمَثْوَاهُ، كَاتِبٌ لِصَاحِبِهِ أَجْرَ مَا نِيلَ مِنْهُ، وَمَا يَتَنَاسَلُ مِنْهُ فِي الأَبَدِ. مَا الْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الأَرْضِ تَخْتَلِطُ فَلاَ تُحَازُ، وَلاَ تُمَيَّزُ أَتَرَوْنَ الْمِلْكَ يَسْقُطُ عَنْهَا بِذَلِكَ حَاشَ لِلَّهِ مِنْ هَذَا، بَلْ الْحَقُّ الْيَقِينُ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ بَاقٍ عَلَى مِلْكِ صَاحِبِهِ إلَى يَوْمِ الْبَعْثِ. وَنَحْنُ وَإِنْ حَكَمْنَا فِيمَا يُئِسَ مِنْ مَعْرِفَةِ صَاحِبِهِ بِالْحُكْمِ الظَّاهِرِ مِنْ أَنَّهُ فِي جَمِيعِ مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ، أَوْ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ، أَوْ لِمَنْ سَبَقَ إلَيْهِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ: فَإِنَّهُ لاَ يَسْقُطُ بِذَلِكَ حَقُّ صَاحِبِهِ، وَلَوْ جَاءَ يَوْمًا وَثَبَتَ أَنَّهُ حَقُّهُ لَصَرَفْنَاهُ إلَيْهِ، وَهُوَ لُقَطَةٌ مِنْ اللُّقَطَاتِ يَمْلِكُهُ مَنْ قُضِيَ لَهُ بِنَصِّ حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى يَأْتِيَ صَاحِبُهُ إنْ جَاءَ. وَمَنَعَ قَوْمٌ مِنْ بَيْعِ كُلِّ ذَلِكَ وَقَالُوا: إنَّمَا مَنَعْنَا مِنْ بَيْعِهِ لِمَغِيبِهِ
قَالَ عَلِيٌّ: وَقَدْ أَبْطَلْنَا بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى هَذَا الْقَوْلَ وَأَتَيْنَا بِالْبُرْهَانِ عَلَى وُجُوبِ بَيْعِ الْغَائِبَاتِ، وَمَنَعَ قَوْمٌ مِنْ ذَلِكَ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ لاَ يُقْدَرُ عَلَى تَسْلِيمِهِ: وَهَذَا لاَ شَيْءَ ; لأََنَّ التَّسْلِيمَ لاَ يَلْزَمُ، وَلاَ يُوجِبُهُ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ، وَلاَ دَلِيلٌ أَصْلاً، وَإِنَّمَا اللَّازِمُ أَنْ لاَ يَحُولَ الْبَائِعُ بَيْنَ الْمُشْتَرِي وَبَيْنَ مَا اشْتَرَى مِنْهُ فَقَطْ فَيَكُونَ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَاصِيًا ظَالِمًا، وَمَنَعَ آخَرُونَ مِنْ ذَلِكَ وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ غَرَرٌ ; وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ
قال أبو محمد: لَيْسَ هَذَا غَرَرًا لأََنَّهُ بَيْعُ شَيْءٍ قَدْ صَحَّ مِلْكُ بَائِعِهِ عَلَيْهِ وَهُوَ مَعْلُومُ الصِّفَةِ وَالْقَدْرِ، فَعَلَى ذَلِكَ يُبَاعُ وَيَمْلِكُهُ الْمُشْتَرِي مِلْكًا صَحِيحًا، فَإِنْ وَجَدَهُ فَذَلِكَ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ فَقَدْ اسْتَعَاضَ الأَجْرَ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا وَرَبِحَتْ صَفْقَتُهُ. وَلَوْ كَانَ هَذَا غَرَرًا لَكَانَ بَيْعُ الْحَيَوَانِ كُلِّهِ حَاضِرِهِ وَغَائِبِهِ غَرَرًا لاَ يَحِلُّ، وَلاَ يَجُوزُ ; لأََنَّهُ لاَ يَدْرِي مُشْتَرِيه أَيَعِيشُ سَاعَةً بَعْدَ ابْتِيَاعِهِ أَمْ يَمُوتُ، وَلاَ يَدْرِي أَيَسْلَمُ أَمْ يَسْقَمُ سَقَمًا قَلِيلاً يُحِيلُهُ أَوْ سَقَمًا كَثِيرًا يُفْسِدُهُ أَوْ أَكْثَرَهُ وَلَيْسَ مَا يُتَوَقَّعُ فِي الْمُسْتَأْنَفِ غَرَرًا لأََنَّ الأَقْدَارَ تَجْرِي بِمَا لاَ يُعْلَمُ، وَلاَ يُقْدَرُ عَلَى رَدِّهِ، وَلأََنَّهُ غَيْبٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قُلْ لاَ يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ. وَقَالَ تَعَالَى {وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدْ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ} . وَإِنَّمَا الْغَرَرُ مَا عُقِدَ عَلَى جَهْلٍ بِمِقْدَارِهِ وَصِفَاتِهِ حِينَ الْعَقْدِ. فَإِنْ قَالُوا: فَلَعَلَّهُ مَيِّتٌ حِينَ الْعَقْدِ، أَوْ قَدْ تَغَيَّرَتْ صِفَاتُهُ قلنا: هُوَ عَلَى الْحَيَاةِ الَّتِي قَدْ صَحَّتْ لَهُ حَتَّى يُوقَنَ مَوْتُهُ، وَعَلَى مَا تُيُقِّنَ مِنْ صِفَاتِهِ حَتَّى يَصِحَّ

تَغْيِيرُهُ، فَإِنْ صَحَّ مَوْتُهُ رُدَّتْ الصَّفْقَةُ، وَإِنْ صَحَّ تَغَيُّرُهُ فَكَذَلِكَ أَيْضًا. وَلَئِنْ قُلْتُمْ: إنَّ هَذَا يَمْنَعُ مِنْ بَيْعِهِ فَامْنَعُوا مِنْ بَيْعِ كُلِّ غَائِبٍ مِنْ الْحَيَوَانِ وَلَوْ أَنَّهُ خَلْفَ الْجِدَارِ إذْ لَعَلَّهُ قَدْ مَاتَ لِلْوَقْتِ حِينَ عَقَدَ الصَّفْقَةَ أَوْ تَغَيَّرَ بِكَسْرٍ، أَوْ وَجَعٍ، أَوْ عَوَرٍ. نَعَمْ، وَامْنَعُوا مِنْ بَيْعِ الْبَيْضِ، وَالْجَوْزِ، وَاللَّوْزِ، وَكُلِّ ذِي قِشْرٍ، إذْ لَعَلَّهُ فَاسِدٌ، وَلاَ فَرْقَ بَيْنَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا الْغَرَرُ مَا أَجَزْتُمُوهُ مِنْ بَيْعِ الْمُغَيَّبَاتِ الَّتِي لَمْ يَرَهَا أَحَدٌ قَطُّ: مِنْ الْجَزَرِ، وَالْبَقْلِ، وَالْفُجْلِ، وَلَعَلَّهَا مُسْتَاسَةٌ أَوْ مَعْفُونَةٌ، وَمَا أَجَازَهُ بَعْضُكُمْ مِنْ بَيْعِ مَا لَمْ يُخْلَقْ بَعْدُ مِنْ بُطُونِ الْمَقَاثِي الَّتِي لَعَلَّهَا لاَ تُخْلَقُ أَبَدًا وَمِنْ لَبَنِ الْغَنَمِ شَهْرَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً، وَلَعَلَّهَا تَمُوتُ، أَوْ تُحَارَدُ، فَلاَ يَدُرُّ لَهَا شَخْبٌ. وَمِنْ بَيْعِ لَحْمِ شَاةٍ مَذْبُوحَةٍ لَمْ تُسْلَخْ بَعْدُ، فَلاَ يَدْرِي أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى مَا صِفَتُهُ فَهَذَا وَأَشْبَاهُهُ هُوَ بَيْعُ الْغَرَرِ الْمُحَرَّمِ، وَقَدْ أَجَزْتُمُوهُ، لاَ مَا صَحَّ مِلْكُهُ، وَعُرِفَتْ صِفَاتُهُ. وقال بعضهم: إنَّمَا مَنَعْنَا مِنْ ذَلِكَ بِالنَّصِّ الْوَارِدِ فِيهِ. فَقُلْنَا: تِلْكَ آثَارٌ مَكْذُوبَةٌ لاَ يَحِلُّ الأَحْتِجَاجُ بِهَا، وَلَوْ صَحَّتْ لَكُنَّا أَبْدَرَ إلَى الأَخْذِ بِهَا مِنْكُمْ. وَهِيَ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْعَلاَءِ، عَنْ جَهْضَمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ الْعَبْدِيِّ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ الأَشْعَرِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْعَبْدِ وَهُوَ آبِقٌ، وَعَنْ أَنْ تُبَاعَ الْمَغَانِمُ قَبْلَ أَنْ تُقْسَمَ، وَعَنْ بَيْعِ الصَّدَقَاتِ قَبْلَ أَنْ تُقْبَضَ . وَمِنْ طَرِيق أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إسْمَاعِيلَ، عَنْ جَهْضَمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ الْبَاهِلِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ شِرَاءِ مَا فِي بُطُونِ الأَنْعَامِ حَتَّى تَضَعَ، وَعَنْ مَا فِي ضُرُوعِهَا إِلاَّ بِكَيْلٍ، وَعَنْ شِرَاءِ الْعَبْدِ الآبِقِ، وَعَنْ شِرَاءِ الْمَغَانِمِ حَتَّى تُقْسَمَ، وَعَنْ شِرَاءِ الصَّدَقَاتِ حَتَّى تُقْبَضَ، وَعَنْ ضَرْبَةِ الْغَائِصِ .
قال أبو محمد: جَهْضَمٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ زَيْدٍ الْعَبْدِيُّ: مَجْهُولُونَ، وَشَهْرٌ مَتْرُوكٌ ثُمَّ لَوْ صَحَّحُوهُ فَهُوَ دَمَارٌ عَلَيْهِمْ ; لأََنَّهُمْ مُخَالِفُونَ لِمَا فِيهِ، وَكُلُّهُمْ يَعْنِي الْحَاضِرِينَ مِنْ خُصُومِنَا يُجِيزُونَ بَيْعَ الأَجِنَّةِ فِي بُطُونِ الأُُمَّهَاتِ مَعَ الأُُمَّهَاتِ. وَالْمَالِكِيُّونَ يُجِيزُونَ بَيْعَ اللَّبَنِ الَّذِي لَمْ يُخْلَقْ بَعْدُ وَاَلَّذِي فِي الضُّرُوعِ بِغَيْرِ كَيْلٍ لَكِنْ شَهْرَيْنِ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. وَيُجِيزُونَ شِرَاءَ الْمَغَانِمِ قَبْلَ أَنْ تُقْسَمَ بَلْ هُوَ الْوَاجِبُ عِنْدَهُمْ وَالأَوْلَى وَالْحَنَفِيُّونَ يُجِيزُونَ أَخْذَ الْقِيمَةِ، عَنِ الصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ وَهَذَا هُوَ بَيْعُ الصَّدَقَةِ قَبْلَ أَنْ تُقْبَضَ، وَهَذَا بَيْعُ الْغَرَرِ حَقًّا ; لأََنَّهُ لاَ يَدْرِي مَا بَاعَ، وَلاَ أَيَّهَا بَاعَ، وَلاَ قِيمَةَ مَاذَا أَخَذَ: فَهُوَ أَكْلُ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ حَقًّا، وَالْغَرَرُ حَقًّا، وَالْحَرَامُ حَقًّا.
وَاحْتَجُّوا بِخَبَرٍ فِيهِ يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ فِيهِ النَّهْي، عَنْ بَيْعِ السَّمَكِ فِي الْمَاءِ، ثُمَّ

لَوْ صَحَّ لَمَا كَانَ لَهُمْ فِيهِ حُجَّةٌ ; لأََنَّهُ إنَّمَا يَكُونُ نَهْيًا، عَنْ بَيْعِهِ قَبْلَ أَنْ يُصَادَ وَهَكَذَا نَقُولُ، كَمَا حَمَلُوا خَبَرَهُمْ فِي النَّهْيِ، عَنْ بَيْعِ الآبِقِ عَلَى أَنَّهُ فِي حَالِ إبَاقِهِ: لاَ، وَهُوَ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ. وَمِنْ عَجَائِبِ الدُّنْيَا احْتِجَاجُهُمْ بِخَبَرِهِمْ أَوَّلُ مُخَالِفٍ لَهُ، وَحَرَّمُوا بِهِ مَا لَيْسَ فِيهِ مِنْ بَيْعِ الْجَمَلِ الشَّارِدِ فَإِنْ قَالُوا: قِسْنَا الْجَمَلَ الشَّارِدَ عَلَى الْعَبْدِ الآبِقِ قلنا: الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ، ثم نقول لِلْحَنَفِيِّينَ: هَلَّا قِسْتُمْ الْجَمَلَ الشَّارِدَ فِي إيجَابِ الْجُعْلِ فِيهِ عَلَى الْجُعْلِ فِي الْعَبْدِ الآبِقِ فَإِنْ قَالُوا: لَمْ يَأْتِ الأَثَرُ فِي الآبِقِ
قلنا: وَلاَ جَاءَ هَذَا الأَثَرُ السَّاقِطُ أَيْضًا إِلاَّ فِي الآبِقِ.
قَالَ عَلِيٌّ: وَرُوِّينَا، عَنْ سِنَانِ بْنِ سَلَمَةَ، وَعِكْرِمَةَ أَنَّهُمَا لَمْ يُجِيزَا بَيْعَ الْعَبْدِ الآبِقِ، قَالَ عِكْرِمَةُ: وَلاَ الْجَمَلِ الشَّارِدِ وَمِمَّنْ رُوِّينَا عَنْهُ مِثْلَ قَوْلِنَا: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانُ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ اشْتَرَى بَعِيرًا وَهُوَ شَارِدٌ. قَالَ عَلِيٌّ: مَا نَعْلَمُ لَهُ مُخَالِفًا مِنْ الصَّحَابَةِ، رضي الله عنهم، ، وَهَذَا إسْنَادٌ فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ وَالثِّقَةِ، وَهُمْ يُعَظِّمُونَ خِلاَفَ مِثْلِ هَذَا إذَا وَافَقَهُمْ وَيَجْعَلُونَهُ إجْمَاعًا، وَعَهْدُنَا بِالْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ يَقُولُونَ: إذَا رَوَى الصَّاحِبُ خَبَرًا وَخَالَفَهُ فَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا رَوَى، وَهُوَ حُجَّةٌ فِي تَرْكِ الْخَبَرِ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ . وَقَدْ صَحَّ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: إبَاحَةُ بَيْعِ الْجَمَلِ الشَّارِدِ فَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ غَرَرًا مَا خَالَفَ مَا رَوَى، هَذَا لاَزِمٌ لَهُمْ عَلَى أُصُولِهِمْ، وَإِلَّا فَالتَّنَاقُضُ حَاصِلٌ، وَهَذَا أَخَفُّ شَيْءٍ عَلَيْهِمْ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ شُرَيْحٍ: أَنَّ رَجُلاً أَتَاهُ فَقَالَ: إنَّ لِي عَبْدًا آبِقًا، وَإِنَّ رَجُلاً يُسَاوِمنِي بِهِ، أَفَأَبِيعُهُ مِنْهُ قَالَ: نَعَمْ، فَإِنَّك إذَا رَأَيْته فَأَنْتَ بِالْخِيَارِ إنْ شِئْت أَجَزْتَ الْبَيْعَ وَإِنْ شِئْتَ لَمْ تُجِزْهُ قَالَ الشَّعْبِيُّ: إذَا أَعْلَمَهُ مِنْهُ مَا كَانَ يَعْلَمُ مِنْهُ جَازَ بَيْعُهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ خِيَارٌ. وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ فَإِنَّ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ رَجُلاً أَبَقَ غُلاَمُهُ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: بِعْنِي غُلاَمَك فَبَاعَهُ مِنْهُ، ثُمَّ اخْتَصَمَا إلَى شُرَيْحٍ: فَقَالَ شُرَيْحٌ: إنْ كَانَ أَعْلَمَهُ مِثْلَ مَا عَلِمَ فَهُوَ جَائِزٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ، قَالَ: أَبَقَ غُلاَمٌ لِرَجُلٍ فَعَلِمَ مَكَانَهُ رَجُلٌ آخَرُ فَاشْتَرَاهُ مِنْهُ، فَخَاصَمَهُ إلَى شُرَيْحٍ بَعْدَ ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ سِيرِينَ: فَسَمِعْت شُرَيْحًا يَقُولُ لَهُ: أَكُنْت أَعْلَمْتَهُ مَكَانَهُ ثُمَّ اشْتَرَيْتَهُ فَرَدَّ الْبَيْعَ ; لأََنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَعْلَمَهُ.
قال أبو محمد: وَهَذَا صَحِيحٌ ; لأََنَّ كِتْمَانَهُ مَكَانَهُ وَهُوَ يَعْلَمُهُ، أَيُّهُمَا عَلِمَهُ فَكَتَمَهُ غِشٌّ وَخَدِيعَةٌ، وَالْغِشُّ، وَالْخَدِيعَةُ يُرَدُّ مِنْهُمَا الْبَيْعُ. وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ: أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ كَانَ لاَ يَرَى بَأْسًا بِشِرَاءِ الْعَبْدِ الآبِقِ إذَا كَانَ عِلْمُهُمَا فِيهِ وَاحِدًا. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ طَاوُوس، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ

لاَ يَرَى بَأْسًا أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ الدَّابَّةَ الْغَائِبَةَ إذَا كَانَ قَدْ رَآهَا، وَيَقُولُ إنْ كَانَتْ صَحِيحَةً فَهِيَ لِي، وَلَمْ يَخُصَّ غَيْرَ شَارِدَةٍ مِنْ شَارِدَةٍ وَالشَّارِدَةُ غَائِبَةٌ. وَمِمَّنْ أَجَازَ بَيْعَ الْجَمَلِ الشَّارِدِ، وَالْعَبْدِ الآبِقِ: عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ دَاوُد، وَأَصْحَابُنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

بيع السمك في نافجته مع النافجة والنوى في التمر مع التمر وما في داخل البيض وما شابه هذا جائز كل ذلك
1424 - مَسْأَلَةٌ: وَبَيْعُ الْمِسْكِ فِي نَافِجَتِهِ مَعَ النَّافِجَةِ، وَالنَّوَى فِي التَّمْرِ مَعَ التَّمْرِ، وَمَا فِي دَاخِلِ الْبَيْضِ مَعَ الْبَيْضِ، وَالْجَزَرِ، وَاللَّوْزِ، وَالْفُسْتُقِ، وَالصَّنَوْبَرِ، وَالْبَلُّوطِ، وَالْقَسْطَلِ، وَكُلِّ ذِي قِشْرٍ مَعَ قِشْرِهِ كَانَ عَلَيْهِ قَشِرَانِ أَوْ وَاحِدٌ وَالْعَسَلِ مَعَ الشَّمْعِ فِي شَمْعِهِ، وَالشَّاةِ الْمَذْبُوحَةِ فِي جِلْدِهَا مَعَ جِلْدِهَا: جَائِزٌ كُلُّ ذَلِكَ.
وَهَكَذَا كُلُّ مَا خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا هُوَ مِمَّا يَكُونُ مَا فِي دَاخِلِهِ بَعْضًا لَهُ. وَكَذَلِكَ الزَّيْتُونُ بِمَا فِيهِ مِنْ الزَّيْتِ، وَالسِّمْسِمُ بِمَا فِيهِ مِنْ الدُّهْنِ، وَالإِنَاثُ بِمَا فِي ضُرُوعِهَا مِنْ اللَّبَنِ، وَالْبُرُّ، وَالْعَلَسُ فِي أَكْمَامِهِ مَعَ الأَكْمَامِ، وَفِي سُنْبُلِهِ مَعَ السُّنْبُلِ: كُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ حَسَنٌ. وَلاَ يَحِلُّ بَيْعُ شَيْءٍ مَغِيبٍ فِي غَيْرِهِ مِمَّا غَيَّبَهُ النَّاسُ إذَا كَانَ مِمَّا لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ لاَ مَعَ وِعَائِهِ، وَلاَ دُونَهُ فَإِنْ كَانَ مِمَّا قَدْ رُئِيَ: جَازَ بَيْعُهُ عَلَى الصِّفَةِ، كَالْعَسَلِ، وَالسَّمْنِ فِي ظَرْفِهِ، وَاللَّبَنِ كَذَلِكَ، وَالْبُرِّ فِي وِعَائِهِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ كُلِّهِ الْجَزَرِ، وَالْبَصَلِ، وَالْكُرَّاثِ، وَالسَّلْجَمِ، وَالْفُجْلِ، قَبْلَ أَنْ يُقْلَعَ. وقال الشافعي: مَا لَهُ قَشِرَانِ فَلاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ حَتَّى يُزَالَ الْقِشْرُ الأَعْلَى.
قال أبو محمد: كُلُّ جِسْمٍ خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى فَلَهُ طُولٌ، وَعَرْضٌ، وَعُمْقٌ، قَالَ تَعَالَى وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا فَكَذَلِكَ بَيْعُهُ بِنَصِّ الْقُرْآنِ جَائِزٌ. وَقَدْ أَجْمَعُوا وَصَحَّتْ السُّنَنُ الْمُجْمَعُ عَلَيْهَا عَلَى جَوَازِ بَيْعِ التَّمْرِ، وَالْعِنَبِ، وَالزَّبِيبِ، وَفِيهَا النَّوَى، وَأَنَّ النَّوَى دَاخِلٌ فِي الْبَيْعِ. وَأَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِ بَيْعِ الْبَيْضِ كَمَا هُوَ، وَإِنَّمَا الْغَرَضُ مِنْهُ مَا فِي دَاخِلِهِ، وَدَخَلَ الْقِشْرُ فِي الْبَيْعِ بِلاَ خِلاَفٍ مِنْ أَحَدٍ. وَكَذَلِكَ الزَّيْتُونُ بِمَا فِيهِ مِنْ الزَّيْتِ، وَالسِّمْسِمُ بِمَا فِيهِ مِنْ الدُّهْنِ، وَالشَّاةُ الْمَذْبُوحَةُ كَمَا هِيَ فَلَيْتَ شِعْرِي: مَا الْفَرْقُ بَيْنَ ذَلِكَ وَبَيْنَ مَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، الْمِسْكُ فِي نَافِجَتِهِ مَعَ النَّافِجَةِ، وَالْعَسَلُ فِي شَمْعِهِ مَعَ الشَّمْعِ، وَلاَ سَبِيلَ إلَى فَرْقٍ لاَ فِي قُرْآنٍ، وَلاَ فِي سُنَّةٍ، وَلاَ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلاَ تَابِعٍ، وَلاَ قِيَاسٍ، وَلاَ مَعْقُولٍ، وَلاَ رَأْيٍ يَصِحُّ، وَكُلُّ ذَلِكَ بَيْعٌ قَدْ أَبَاحَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمْ يَخُصَّ مِنْهُ شَيْئًا، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ لَوْ كَانَ حَرَامًا لَفَصَّلَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَنَا، فَإِذْ لَمْ يُفَصِّلْهُ فَهُوَ مَنْصُوصٌ عَلَى تَحْلِيلِهِ. فَإِنْ قَالُوا: هُوَ غَرَرٌ قلنا: أَوْ لَيْسَ عَلَى قَوْلِكُمْ هَذَا سَائِرُ مَا ذَكَرْنَا غَرَرًا أَيْضًا وَإِلَّا فَمَا الْفَرْقُ، وَأَمَّا الْحَقُّ فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُ غَرَرًا ; لأََنَّهُ جِسْمٌ وَاحِدٌ خَلَقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا هُوَ وَكُلُّ مَا فِي دَاخِلِهِ بَعْضٌ لِجُمْلَتِهِ. وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَظَاهِرُ الْفَسَادِ ; لأََنَّهُ لاَ فَرْقَ فِي مُغَيَّبِ الْمَعْرِفَةِ

بِصِفَةِ مَا فِي الْقِشْرِ بَيْنَ كَوْنِهِ فِي قِشْرٍ وَاحِدٍ، وَبَيْنَ كَوْنِهِ فِي قَشِرَيْنِ، أَوْ أَكْثَرَ وَهُوَ قَدْ أَجَازَ بَيْعَ الْبَيْضِ فِي غُلاَفَيْنِ بِالْعَيَانِ، إحْدَاهُمَا: الْقِشْرُ الظَّاهِرُ، وَهُوَ الْقَيْضُ، وَالثَّانِي: الْغِرْقِئُ، وَلاَ غَرَضَ لِلْمُشْتَرِي إِلاَّ فِيمَا فِيهِمَا، لاَ فِيهِمَا مَعَ أَنَّهُ قَوْلٌ لاَ نَعْلَمُهُ، عَنْ أَحَدٍ قَبْلَهُ. فإن قيل: إنَّ مَا قَدَرْنَا عَلَى إزَالَتِهِ مِنْ الْغَرَرِ فَعَلَيْنَا أَنْ نُزِيلَهُ قلنا: وَإِنَّكُمْ لَقَادِرُونَ عَلَى إزَالَةِ الْقِشْرِ الثَّانِي فَأَزِيلُوهُ، وَلاَ بُدَّ، لأََنَّهُ غَرَرٌ. فَإِنْ قَالُوا: لاَ ذَلِكَ ضَرَرٌ عَلَى اللَّوْزِ، وَالْجَوْزِ، وَالْقَسْطَلِ، وَالْبَلُّوطِ قلنا: لاَ، مَا فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْبَلُّوطِ، وَلاَ عَلَى الْقَسْطَلِ، وَلاَ عَلَى اللَّوْزِ فِي الأَكْثَرِ. وَأَيْضًا: فَلاَ ضَرَرَ عَلَى التَّمْرِ فِي إزَالَةِ نَوَاهُ. وَأَيْضًا: فَمَا عَلِمْنَا حَرَامًا يُحِلُّهُ خَوْفُ ضَرَرٍ عَلَى فَاكِهَةٍ لَوْ خِيفَ عَلَيْهَا، وَلَوْ أَنَّ امْرَءًا لَهُ رُطَبٌ لاَ يَيْبَسُ وَلَمْ يَجِدْ مَنْ يَشْتَرِيه مِنْهُ إِلاَّ بِتَمْرٍ يَابِسٍ لَمَا حَلَّ لَهُ بَيْعُهُ خَوْفَ الضَّرَرِ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ امْرَءًا خَافَ عَدُوًّا ظَالِمًا عَلَى ثَمَرَتِهِ وَلَمْ يَكُنْ بَدَا صَلاَحُهَا لَمْ يَحِلَّ بَيْعُهَا خَوْفَ الضَّرَرِ عَلَيْهَا

بيان جواز بيع الحامل بحملها إذا كانت حاملا من غير سيدها
1425 - مَسْأَلَةٌ: وَمِنْ هَذَا بَيْعُ الْحَامِلِ بِحَمْلِهَا إذَا كَانَتْ حَامِلاً مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا،
لأََنَّ الْحَمْلَ خَلَقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ مَنِيِّ الرَّجُلِ وَمَنِيِّ الْمَرْأَةِ وَدَمِهَا، فَهُوَ بَعْضُ أَعْضَائِهَا وَحَشْوَتِهَا، مَا لَمْ يُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ، قَالَ تَعَالَى وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ سُلاَلَةٍ مِنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ فَبَيْعُهَا بِحَمْلِهَا كَمَا هِيَ جَائِزٌ، وَهِيَ وَحَمْلُهَا لِلْمُشْتَرِي. فَإِذَا نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ، فَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: هُوَ بَعْدَ ذَلِكَ غَيْرُهَا ; لأََنَّهَا أُنْثَى، وَقَدْ يَكُونُ الْجَنِينُ ذَكَرًا وَهِيَ فَرْدَةٌ وَقَدْ يَكُونُ فِي بَطْنِهَا اثْنَانِ، وَقَدْ تَكُونُ هِيَ كَافِرَةً وَمَا فِي بَطْنِهَا مُؤْمِنًا، وَقَدْ يَمُوتُ أَحَدُهُمَا وَيَعِيشُ الآخَرُ، وَيَكُونُ أَحَدُهُمَا مَعِيبًا وَالآخَرُ صَحِيحًا، وَيَكُونُ أَحَدُهُمَا أَسْوَدَ وَالآخَرُ أَبْيَضَ وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهَا قَتْلٌ لَمْ تُقْتَلْ هِيَ حَتَّى تَلِدَ. فَصَحَّ أَنَّهُ غَيْرُهَا، فَلاَ يَجُوزُ دُخُولُهُ فِي بَيْعِهَا وَهَكَذَا فِي إنَاثِ سَائِرِ الْحَيَوَانِ حَاشَ اخْتِلاَفَ الدِّينِ فَقَطْ، أَوْ الْقَتْلَ فَقَطْ. فَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ كَذَلِكَ إِلاَّ أَنَّهُ حَتَّى الآنَ مِمَّا خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا وَوَلَدُهُ مِنْهَا، وَلَمْ يُزَايِلْهَا بَعْدُ، فَحُكْمُهُ فِي الْبَيْعِ كَمَا كَانَ حَتَّى يُزَايِلَهَا وَلَيْسَ كَوْنُهُ غَيْرَهَا، وَكَوْنُ اسْمِهِ غَيْرَ اسْمِهَا، وَصِفَاتُهُ غَيْرَ صِفَاتِهَا: بِمُخْرِجٍ لَهُ عَمَّا كَانَ لَهُ مِنْ الْحُكْمِ إِلاَّ بِنَصٍّ وَارِدٍ فِي ذَلِكَ. وَهَذَا النَّوَى هُوَ بِلاَ شَكٍّ غَيْرُ التَّمْرِ، وَإِنَّمَا يُقَالُ: نَوَى التَّمْرِ، وَصِفَاتُهُ غَيْرُ صِفَاتِ التَّمْرِ، وَاسْمُهُ غَيْرُ اسْمِ التَّمْرِ وَكَذَلِكَ قِشْرُ الْبَيْضِ أَيْضًا. وَكَذَلِكَ بَيْضُ ذَاتِ الْبَيْضِ قَبْلَ أَنْ تَبِيضَهُ، وَكُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ بَيْعُهُ كَمَا هُوَ لأََنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ كُلَّ ذَلِكَ كَمَا هُوَ وَمَا زَالَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَبِعِلْمِهِ يَبِيعُونَ التَّمْرَ، وَيَتَوَاهَبُونَهُ. وَيَبِيعُونَ الْبَيْضَ وَيَتَهَادَوْنَهُ مِنْ بَيْضِ الدَّجَاجِ، وَالضِّبَابِ، وَالنَّعَامِ. وَيَتَبَايَعُونَ

الْعَسَلَ وَيَتَهَادَوْنَهُ، كَمَا يَشْتَرُونَهُ فِي شَمْعِهِ. وَيَتَبَايَعُونَ إنَاثَ الضَّأْنِ، وَالْبَقَرِ، وَالْخَيْلِ، وَالْمَعْزِ، وَالإِبِلِ، وَالإِمَاءِ وَالظِّبَاءِ حَوَامِلَ وَغَيْرَ حَوَامِلَ وَيَغْنَمُونَ كُلَّ ذَلِكَ وَيَقْتَسِمُونَهُنَّ، وَيَتَوَارَثُونَهُنَّ وَيَقْتَسِمُونَهُنَّ كَمَا هُنَّ، فَمَا جَاءَ قَطُّ نَصٌّ بِأَنَّ لِلأَوْلاَدِ حُكْمًا آخَرَ قَبْلَ الْوَضْعِ، فَبَيْعُ الْحَامِلِ بِحَمْلِهَا جَائِزٌ كَمَا هُوَ مَا لَمْ تَضَعْهُ.
قال علي: وهذا هُوَ الصَّوَابُ عِنْدَنَا وَبِهِ نَقُولُ ; لأََنَّهُ كُلُّهُ بَابٌ وَاحِدٌ، وَعَمَلٌ وَاحِدٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

ليس كذلك ما تولى المرء وضعه في الشيء كالبذر يزرع والنوى يغرس
1424 - مَسْأَلَةٌ: وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَا تَوَلَّى الْمَرْءُ وَضْعَهُ فِي الشَّيْءِ كَالْبَذْرِ يُزْرَعُ، وَالنَّوَى يُغْرَسُ،
فَإِنَّ هَذَا شَيْءٌ أَوْدَعَهُ الْمَرْءُ فِي شَيْءٍ آخَرَ مُبَايِنٍ لَهُ، بَلْ هَذَا وَوَضْعُهُ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ فِي الْكِيسِ، وَالْبُرَّ فِي الْوِعَاءِ، وَالسَّمْنَ فِي الإِنَاءِ سَوَاءٌ، وَلاَ يَدْخُلُ حُكْمُ أَحَدِهِمَا فِي الآخَرِ. وَمَنْ بَاعَ مِنْ مَالِهِ شَيْئًا لَمْ يَلْزَمْهُ بَيْعُ شَيْءٍ آخَرَ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ مَقْرُونًا مَعَهُ، وَمُضَافًا إلَيْهِ. فَمَنْ بَاعَ أَرْضًا فِيهِ بَذْرٌ مَزْرُوعٌ وَنَوًى مَغْرُوسٌ ظَهَرَا أَوْ لَمْ يَظْهَرَا فَكُلُّ ذَلِكَ لِلْبَائِعِ، وَلاَ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ لِمَا ذَكَرْنَا. وقال مالك: أَمَّا مَا يَظْهَرُ نَبَاتُهُ فَلاَ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ مِنْ الزَّرْعِ خَاصَّةً، وَأَمَّا مَا لَمْ يَظْهَرْ فَهُوَ فِي الْبَيْعِ.
قال أبو محمد: وَهَذَا فَرْقٌ فَاسِدٌ ; لأََنَّهُ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ لاَ مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ، وَلاَ مِنْ رِوَايَةٍ سَقِيمَةٍ، وَلاَ مِنْ قِيَاسٍ، وَلاَ مِنْ قَوْلِ أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ، وَلاَ مِنْ احْتِيَاطٍ، وَلاَ مِنْ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ، بَلْ الْقُرْآنُ يُبْطِلُ هَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً، عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} . وَوَجَدْنَا الْبَذْرَ، وَالنَّوَى: مَالاً لِلْبَائِعِ بِلاَ شَكٍّ، فَلاَ يَحِلُّ لِغَيْرِهِ أَخْذُهُ إِلاَّ بِالرِّضَا الَّذِي مَلَّكَهُ لَهُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

لا يحل بيع شيء من المغيبات المذكورة كلها دون ما عليها أصلا لا يحل بيع النوى قبل إخراجه وإظهاره دون ما عليه ولا بيع المسك دون النافجة
1425 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ الْمُغَيَّبَاتِ الْمَذْكُورَةِ كُلِّهَا دُونَ مَا عَلَيْهَا أَصْلاً:
لاَ يَحِلُّ بَيْعُ النَّوَى أَيُّ نَوًى كَانَ قَبْلَ إخْرَاجِهِ وَإِظْهَارِهِ دُونَ مَا عَلَيْهِ. وَلاَ بَيْعُ الْمِسْكِ دُونَ النَّافِجَةِ قَبْلَ إخْرَاجِهِ مِنْ النَّافِجَةِ. وَلاَ بَيْعُ الْبَيْضِ دُونَ الْقِشْرِ قَبْلَ إخْرَاجِهِ عَنْهُ. وَلاَ بَيْعُ حَبِّ الْجَوْزِ، وَاللَّوْزِ، وَالْفُسْتُقِ، وَالصَّنَوْبَرِ، وَالْبَلُّوطِ، وَالْقَسْطَلِ، وَالْجِلَّوْزِ، وَكُلِّ ذِي قِشْرَةٍ دُونَ قِشْرِهِ قَبْلَ إخْرَاجِهِ مِنْ قِشْرِهِ. وَلاَ بَيْعُ الْعَسَلِ دُونَ شَمْعِهِ قَبْلَ إخْرَاجِهِ مِنْ شَمْعِهِ. وَلاَ لَحْمِ شَاةٍ مَذْبُوحَةٍ دُونَ جِلْدِهَا قَبْلَ سَلْخِهَا. وَلاَ بَيْعُ زَيْتٍ دُونَ الزَّيْتُونِ قَبْلَ عَصْرِهِ. وَلاَ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ الأَدْهَانِ دُونَ مَا هُوَ فِيهِ قَبْلَ إخْرَاجِهِ مِنْهَا. وَلاَ بَيْعُ حَبِّ الْبُرِّ دُونَ أَكْمَامِهِ قَبْلَ إخْرَاجِهِ مِنْهَا. وَلاَ بَيْعُ سَمْنٍ مِنْ لَبَنٍ قَبْلَ إخْرَاجِهِ، وَلاَ بَيْعُ لَبَنٍ قَبْلَ حَلْبِهِ أَصْلاً. وَلاَ بَيْعُ الْجَزَرِ، وَالْبَصَلِ، وَالْكُرَّاثِ، وَالْفُجْلِ قَبْلُ قَلْعِهِ لاَ مَعَ الأَرْضِ، وَلاَ دُونَهَا لأََنَّ كُلَّ ذَلِكَ بَيْعُ غَرَرٍ، لاَ يُدْرَى مِقْدَارُهُ، وَلاَ صِفَتُهُ، وَلاَ رَآهُ أَحَدٌ فَيَصِفُهُ. وَهُوَ أَيْضًا أَكْلُ مَالٍ

بيان أن بيع الظاهر دون المغيب فيها حلال إلا أن يمنع من شيء منه نص فجائز بيع الثمرة واستثناء نواها وبيع جلد النافجة دون المسك الذي فيها
1428 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا بَيْعُ الظَّاهِرِ دُونَ الْمَغِيبِ فِيهَا فَحَلاَلٌ، إِلاَّ أَنْ يَمْنَعَ مِنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَصٌّ، فَجَائِزٌ بَيْعُ الثَّمَرَةِ وَاسْتِثْنَاءُ نَوَاهَا، وَبَيْعُ جِلْدِ النَّافِجَةِ دُونَ الْمِسْكِ الَّذِي فِيهَا،
وَالْجِرَابِ، وَالظُّرُوفِ كُلِّهَا دُونَ مَا فِيهَا، وَقِشْرِ الْبَيْضِ، وَاللَّوْزِ، وَالْجَوْزِ، وَالْجِلَّوْزِ، وَالْفُسْتُقِ، وَالْبَلُّوطِ، وَالْقَسْطَلِ، وَكُلِّ قِشْرٍ لاَ تُحَاشِي شَيْئًا دُونَ مَا تَحْتَهَا، وَبَيْعُ الشَّمْعِ دُونَ الْعَسَلِ الَّذِي فِيهِ، وَبَيْعُ التِّبْنِ دُونَ الْحَبِّ الَّذِي فِيهِ، وَجِلْدِ الْحَيَوَانِ الْمَذْبُوحِ أَوْ الْمَنْحُورِ دُونَ لَحْمِهِ، أَوْ دُونَ عُضْوٍ مُسَمًّى مِنْهَا، وَبَيْعُ الأَرْضِ دُونَ مَا فِيهَا مِنْ بَذْرٍ، أَوْ خَضْرَاوَاتٍ مُغَيَّبَةٍ أَوْ ظَاهِرَةٍ، وَدُونَ الزَّرْعِ الَّذِي فِيهَا، وَدُونَ الشَّجَرِ الَّذِي فِيهَا، وَالْحَيَوَانِ اللَّبُونِ دُونَ لَبَنِهِ الَّذِي اجْتَمَعَ فِي ضُرُوعِهِ، وَلاَ يَحِلُّ اسْتِثْنَاءُ لَبَنٍ لَمْ يَحْدُثْ بَعْدُ، وَلاَ اجْتَمَعَ فِي ضُرُوعِهِ. وَيَجُوزُ بَيْعُ الْحَامِلِ دُونَ حَمْلِهَا سَوَاءٌ نُفِخَ فِيهِ الرُّوحُ أَوْ لَمْ يُنْفَخْ. وَلاَ يَحِلُّ بَيْعُ حَيَوَانٍ حَيٍّ وَاسْتِثْنَاءُ عُضْوٍ مِنْهُ أَصْلاً. وَيَجُوزُ بَيْعُ عُصَارَةِ الزَّيْتُونِ، وَالسِّمْسِمِ، دُونَ الدُّهْنِ قَبْلَ عَصْرِهِ. وَلاَ يَحِلُّ بَيْعُ جِلْدِ حَيَوَانٍ حَيٍّ دُونَ لَحْمِهِ، وَلاَ دُونَ عُضْوٍ مُسَمًّى مِنْهُ أَصْلاً.، وَلاَ يَجُوزُ بَيْعُ مَخِيضِ لَبَنٍ قَبْلَ أَنْ يُمْخَضَ، وَلاَ الْمَيْشِ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ.
برهان كُلِّ مَا ذَكَرْنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} . وَقَوْله تَعَالَى {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} . فَكُلُّ بَيْعٍ لَمْ يَأْتِ فِي الْقُرْآنِ، وَلاَ فِي السُّنَّةِ تَحْرِيمُهُ بِاسْمِهِ مُفَصَّلاً فَهُوَ حَلاَلٌ بِنَصِّ كَلاَمِ اللَّهِ تَعَالَى وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَا فَمَالٌ لِلْبَائِعِ وَمِلْكٌ لَهُ يَبِيعُ مِنْهُ مَا شَاءَ فَهُوَ مِنْ مَالِهِ وَيُمْسِكُ مِنْهُ مَا شَاءَ فَهُوَ

مِنْ مَالِهِ، فَمَا ظَهَرَ مِنْ مَالِهِ وَرُئِيَ، أَوْ وَصَفَهُ مَنْ رَآهُ: فَبَيْعُهُ جَائِزٌ وَيُمْسِكُ مَا لَمْ يَرَهُ هُوَ، وَلاَ غَيْرُهُ، لأََنَّهُ لاَ يَحِلُّ بَيْعُ الْمَجْهُولِ كَمَا قَدَّمْنَا أَوْ لأََنَّهُ لاَ يُرِيدُ بَيْعَهُ فَذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ مَرْئِيًّا حَاضِرًا أَوْ مَوْصُوفًا غَائِبًا. وَأَمَّا قَوْلُنَا: لاَ يَحِلُّ اسْتِثْنَاءُ لَبَنٍ لَمْ يَحْدُثْ بَعْدُ، فَلأََنَّهُ إنَّمَا يَحْدُثُ إذَا أَحْدَثَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي مَالِ غَيْرِهِ فَلاَ يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَشْتَرِطَ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ شَيْئًا إِلاَّ أَنْ يَكُونَ الثَّمَنُ فِيمَا بَاعَ فَقَطْ ; لأََنَّهُ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنَّمَا مَنَعْنَا مِنْ بَيْعِ حَيَوَانٍ إِلاَّ عُضْوًا مُسَمًّى مِنْهُ. وَأَجَزْنَا بَيْعَ الْحَامِلِ دُونَ حَمْلِهَا، فَإِنَّ ذَلِكَ الْحَيَوَانَ لاَ يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ مِنْ بَنِي آدَمَ، أَوْ مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانِ، فَإِنْ كَانَ مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانِ فَاسْتِثْنَاءُ الْعُضْوِ الْمُعَيَّنِ مِنْهُ: أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ; لأََنَّهُ لاَ يُنْتَفَعُ بِهِ إِلاَّ بِذَبْحِهِ، فَفِي هَذَا الْبَيْعِ اشْتِرَاطُ ذَبْحِ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ عَلَى بَائِعِ الْعُضْوِ مِنْهُ، أَوْ عَلَى بَائِعِهِ إِلاَّ عُضْوًا مِنْهُ، وَهَذَا شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْحَيَوَانُ مِنْ بَنِي آدَمَ فَكَذَلِكَ أَيْضًا، وَهُوَ إضَاعَةٌ لِلْمَالِ جُمْلَةً، وَهَذَا مِمَّا يُوَافِقُنَا عَلَيْهِ الْحَاضِرُونَ كُلُّهُمْ مِنْ خُصُومِنَا. وَأَمَّا الْحَمْلُ، وَالصُّوفُ، وَالْوَبَرُ، وَالشَّعْرُ، وَقَرْنُ الإِبِلِ، وَكُلُّ مَا يُزَايِلُ الْحَيَوَانَ بِغَيْرِ مُثْلَةٍ، وَلاَ تَعْذِيبٍ، فَكَمَا قَدَّمْنَا أَنَّهُ مَالٌ لِبَائِعِهِ يَبِيعُ مِنْ مَالِهِ مَا شَاءَ وَيُمْسِكُ مَا شَاءَ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ إضَاعَةُ مَالٍ، أَوْ مُثْلَةٌ بِحَيَوَانٍ أَوْ إضْرَارٌ بِهِ فَلاَ يَحِلُّ لِصِحَّةِ النَّهْيِ، عَنِ الْمُثْلَةِ، وَعَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَأَمَّا مَنْعُنَا مِنْ بَيْعِ الْمَخِيضِ دُونَ السَّمْنِ قَبْلَ الْمَخْضِ، وَمِنْ بَيْعِ الْمَيْشِ دُونَ الْجُبْنِ قَبْلَ عَصْرِهِ، فَلأََنَّهُ لاَ يُرَى، وَلاَ يَتَمَيَّزُ، وَلاَ يُعْرَفُ مِقْدَارُهُ، فَقَدْ يَخْرُجُ الْمَخْضُ وَالْعَصِيرُ قَلِيلاً، وَقَدْ يَخْرُجُ كَثِيرًا وَهَذَا بِخِلاَفِ بَيْعِ عُصَارَةِ الزَّيْتُونِ، وَالسِّمْسِمِ، دُونَ الدُّهْنِ قَبْلَ الْعَصْرِ ; لأََنَّ الزَّيْتُونَ، وَالسِّمْسِمَ، وَاللَّوْزَ، وَالْجَوْزَ كُلُّ ذَلِكَ مَرْئِيٌّ مَعْرُوفٌ، وَإِنَّمَا الْخَافِي فَهُوَ الدُّهْنُ فَقَطْ، وَيَحِلُّ بَيْعُهُ قَبْلَ ظُهُورِهِ وَيَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ ; لأََنَّهُ إبْقَاءٌ لَهُ فِي مِلْكِ مَالِكِهِ وَهَذَا مُبَاحٌ حَسَنٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.
وَقَدْ جَاءَتْ فِي هَذَا آثَارٌ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ . وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنِ ابْنِ إدْرِيسَ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ . وَقَدْ أَبَاحَهُ بَعْضُ السَّلَفِ كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ الْعَوَّامِ، عَنْ هِشَامٍ، هُوَ ابْنُ حَسَّانَ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ كَانَ لاَ يَرَى بَأْسًا بِبَيْعِ الْغَرَرِ إذَا كَانَ عِلْمُهُمَا فِيهِ سَوَاءً. وَكَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ هُوَ إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ

قَالَ: لاَ أَعْلَمُ بِبَيْعِ الْغَرَرِ بَأْسًا. وَمِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ، عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ: مِنْ الْغَرَرِ مَا يَجُوزُ وَمِنْهُ مَا لاَ يَجُوزُ، فأما مَا يَجُوزُ فَشِرَاءُ السِّلْعَةِ الْمَرِيضَةِ، وَأَمَّا مَا لاَ يَجُوزُ فَشِرَاءُ السَّمَكِ فِي الْمَاءِ. وَقَدْ رُوِّينَا إجَازَةَ بَيْعِ السَّمَكِ فِي الْمَاءِ قَبْلَ أَنْ يُتَصَيَّدَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ. وَبِهِ يَقُولُ ابْنُ أَبِي لَيْلَى.
قال أبو محمد: لاَ حُجَّةَ فِي أَحَدٍ دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَاَلَّذِي ذَكَرَ إبْرَاهِيمُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنْهُ غَرَرًا، أَمَّا الْمَرِيضَةُ فَكُلُّ النَّاسِ يَمْرَضُ وَيَمُوتُ، وَقَدْ يَمُوتُ الصَّحِيحُ فَجْأَةً، وَيَبْرَأُ الْمَرِيضُ الْمُدْنَفُ، فَلاَ غَرَرَ هَهُنَا أَصْلاً. وَأَمَّا السَّمَكُ فِي الْمَاءِ فَإِنْ كَانَ قَدْ مُلِكَ قَبْلُ فَلَيْسَ بَيْعُهُ غَرَرًا بَلْ هُوَ بَيْعٌ صَحِيحٌ، وَقَدْ وَافَقَنَا الْحَاضِرُونَ مِنْ خُصُومِنَا عَلَى أَنَّ بِرْكَةً فِي دَارٍ لأَِنْسَانٍ صَغِيرَةً صَادَ صَاحِبُهَا سَمَكَةً وَرَمَاهَا فِيهَا حَيَّةً، فَإِنَّ بَيْعَهَا فِيهَا جَائِزٌ، وَأَمَّا مَا لَمْ يُمْلَكْ مِنْ السَّمَكِ بَعْدُ فَلَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ ; لأََنَّهُ غَرَرٌ، حَتَّى وَلَوْ كَانَتْ السَّمَكَةُ مَقْدُورًا عَلَيْهَا بِالضَّمَانِ مَا حَلَّ بَيْعُهَا، وَإِنَّمَا حُرِّمَ لأََنَّهُ بَيْعُ مَا لَيْسَ لَهُ وَهَذَا أَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ. وَقَدْ رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِيمَنْ بَاعَ أَمَةً وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا قَالَ: لَهُ ثُنْيَاهُ وَقَدْ صَحَّ هَذَا أَيْضًا، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي الْعِتْقِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: مَنْ بَاعَ حُبْلَى، أَوْ أَعْتَقَهَا وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا فَلَهُ ثُنْيَاهُ فِيمَا قَدْ اسْتَبَانَ خَلْقُهُ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَبِنْ خَلْقُهُ فَلاَ شَيْءَ لَهُ.
قَالَ عَلِيٌّ: سَوَاءٌ اسْتَبَانَ خَلْقُهُ، أَوْ لَمْ يَسْتَبِنْ لَهُ ثُنْيَاهُ لِمَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ مِنْ أَنَّهُ مَالُهُ يَسْتَثْنِيه إنْ شَاءَ فَلاَ يَبِيعُهُ، أَوْ يَدْخُلُ فِي صَفْقَةِ أُمِّهِ ; لأََنَّهُ بَعْضُهَا مَا لَمْ يُنْفَخْ فِيهِ الرُّوحُ، وَمِنْ جُمْلَتِهَا بَعْدَ نَفْخِ الرُّوحِ فِيهِ، وَلَكِنْ مَنْ اسْتَثْنَى حَمْلَ الْحَامِلِ الَّذِي بَاعَ كَمَا ذَكَرْنَا فَمَا وَلَدَتْ إنْ كَانَتْ مِنْ بَنِي آدَمَ إلَى تِسْعَةِ أَشْهُرٍ غَيْرَ سَاعَةٍ، فَهُوَ لَهُ إِلاَّ أَنْ يُوقِنَ أَنَّ حَمْلَهَا بِهِ كَانَ بَعْدَ الْبَيْعِ فَلاَ شَيْءَ لَهُ ; لأََنَّهُ حَدَثَ فِي مَالِ غَيْرِهِ وَيُنْظَرُ فِي سَائِرِ الْحَيَوَانِ كَذَلِكَ، فَمَا وَلَدَتْ لأََقْصَى مَا يَلِدُ لَهُ ذَلِكَ الْحَيَوَانُ فَهُوَ لِلَّذِي اسْتَثْنَاهُ، وَمَا وَلَدَتْ لأََكْثَرَ فَلَيْسَ لَهُ لِمَا ذَكَرْنَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يُجِيزُ ثُنْيَا الْحَمْلِ فِي الْبَيْعِ، وَلاَ يُجِيزُهُ فِي الْعِتْقِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَأَبِي ثَوْرٍ فِي الْبَيْعِ وَالْعِتْقِ، وَهُوَ كَمَا أَوْرَدْنَا قَوْلُ صَاحِبٍ لاَ يُعْرَفُ لَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ، وَهُمْ يُعَظِّمُونَ مِثْلَ هَذَا إذَا وَافَقَ تَقْلِيدَهُمْ.
وَرُوِّينَا: مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَيْمَنَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا أُبَيٌّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا عَبَّادُ بْنُ حَبِيبِ بْنِ الْمُهَلَّبِ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أَعْتَقَ ابْنُ عُمَرَ أَمَةً لَهُ وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا. وَبِهِ يَقُولُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ هُوَ

الْقَطَّانُ، عَنْ هِشَامٍ، هُوَ ابْنُ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ فِيمَنْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا فَقَالَ: لَهُ ثُنْيَاهُ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَمَانٍ، عَنْ سُفْيَانَ هُوَ الثَّوْرِيُّ، عَنْ جَابِرٍ، وَمَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ جَابِرٌ: عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَقَالَ مَنْصُورٌ: عَنْ إبْرَاهِيمُ، وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ ثُمَّ اتَّفَقَ الشَّعْبِيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ، وَعَطَاءٌ، قَالُوا كُلُّهُمْ: إذَا أَعْتَقَهَا وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا: فَلَهُ ثُنْيَاهُ. وبه إلى ابْنِ أَبِي شَيْبٍ، حَدَّثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ بْنِ أَبِي حَفْصَةَ، عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: سَأَلْتُ الْحَكَمَ، وَحَمَّادَ بْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ، عَنْ ذَلِكَ يَعْنِي مَنْ أَعْتَقَ أَمَتَهُ وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا فَقَالاَ جَمِيعًا: ذَلِكَ لَهُ. حَدَّثَنَا حُمَامٌ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَلِيٍّ الْبَاجِيَّ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا أَبُو ثَوْرٍ، حَدَّثَنَا أَسْبَاطٌ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ قَالَ: مَنْ كَاتَبَ أَمَتَهُ وَاسْتَثْنَى مَا فِي بَطْنِهَا فَلاَ بَأْسَ بِذَلِكَ. وَبِهِ يَقُولُ أَبُو ثَوْرٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فِي الْعِتْقِ، وَالْبَيْعِ. وَبِهِ يَقُولُ أَيْضًا إِسْحَاقُ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ. فَهَؤُلاَءِ جُمْهُورُ التَّابِعِينَ: الْحَسَنُ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَإِبْرَاهِيمُ، وَالشَّعْبِيُّ، وَعَطَاءٌ، وَالْحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ، وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، بَعْضُهُمْ فِي الْبَيْعِ، وَبَعْضُهُمْ فِي الْعِتْقِ، وَبَعْضُهُمْ فِي الأَمْرَيْنِ مَعًا وَمَا نَعْلَمُ الآنَ مُخَالِفًا لَهُمْ إِلاَّ الزُّهْرِيَّ ; وَقَالَ بِقَوْلِنَا هَذَا مِنْ الْفُقَهَاءِ كَمَا ذَكَرْنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَأَحْمَدُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ، وَغَيْرُهُمْ، وَلَيْتَ شِعْرِي أَيْنَ هُمْ، عَنْ حُجَّتِهِمْ بِالْمُسْلِمِينَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ وَأَمَّا اسْتِثْنَاءُ الْجِلْدِ، وَالسَّوَاقِطِ: فَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ الأَنْدَلُسِيِّ، حَدَّثَنَا أَصْبَغُ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غَزِيَّةَ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا خَرَجَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرَيْنِ، إلَى الْمَدِينَةِ اشْتَرَيَا مِنْ رَاعِي غَنَمٍ شَاةً وَشَرَطَا لَهُ إهَابَهَا .
قال أبو محمد: هَذَا بَاطِلٌ عَبْدُ الْمَلِكِ هَالِكٌ، وَعُمَارَةُ ضَعِيفٌ ثُمَّ هُوَ مُرْسَلٌ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ مَنْسُوخًا، لأََنَّهُ كَمَا تَرَى قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَقَدْ جَاءَ النَّهْيُ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَبَيْعُ لَحْمِ شَاةٍ حَيَّةٍ غَرَرٌ ; لأََنَّهُ لاَ يَدْرِي أَهَزِيلٌ أَمْ سَمِينٌ. أَوْ ذُو عَاهَةٍ أَمْ سَالِمٌ، ثُمَّ مِنْ أَيْنَ لَهُمْ أَنَّ ذَلِكَ إنَّمَا جَازَ لأََجْلِ السَّفَرِ، فَإِنَّ هَذَا ظَنٌّ لاَ يَصِحُّ. فَإِنْ قَالُوا: كَانَ فِي سَفَرٍ قلنا: وَكَانَ فِي طَرِيقِ الْمَدِينَةِ لاَ تُجِيزُوهُ فِي غَيْرِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ رَجُلاً بَاعَ بَقَرَةً وَاشْتَرَطَ رَأْسَهَا ثُمَّ بَدَا لَهُ فَأَمْسَكَهَا فَقَضَى لَهُ زَيْدٌ بِشَرْوَى رَأْسِهَا، قَالَ سُفْيَانُ: نَحْنُ نَقُولُ: الْبَيْعُ فَاسِدٌ. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ حَدَّثَنَا أُبَيٌّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ نُسَيْرِ

بْنِ ذُعْلُوقٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ رَاشِدٍ الأَشْجَعِيِّ أَنَّ رَجُلاً بَاعَ بُخْتِيَّةً وَاشْتَرَطَ ثُنْيَاهَا فَبَرِئَتْ فَرَغِبَ فِيهَا فَاخْتَصَمَا إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ: اذْهَبَا إلَى عَلِيٍّ، فَقَالَ عَلِيٌّ: اذْهَبْ بِهَا إلَى السُّوقِ فَإِذَا بَلَغَتْ أَفْضَلَ ثَمَنِهَا، فَأَعْطُوهُ حِسَابَ ثُنْيَاهَا مِنْ ثَمَنِهَا. وَرَيْنَاهُ مِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ نُسَيْرِ بْنِ ذُعْلُوقٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ رَاشِدٍ أَنَّ رَجُلاً بَاعَ بَعِيرًا مَرِيضًا وَاسْتَثْنَى جِلْدَهُ فَبَرَأَ الْبَعِيرُ فَقَالَ عَلِيٌّ: يُقَوِّمُ الْبَعِيرَ فِي السُّوقِ، ثُمَّ يَكُونُ لَهُ شِرَاؤُهُ.
وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ الأَنْدَلُسِيِّ حَدَّثَنِي أَصْبَغُ، عَنِ ابْنِ وَهْبٍ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ اشْتَرَى رَجُلٌ رَأْسَ جَمَلٍ وَنَقَدَ ثَمَنَهُ وَاشْتَرَى آخَرُ بَقِيَّتَهُ وَنَقَدَ ثَمَنَهُ لِيَنْحَرَاهُ فَعَاشَ الْجَمَلُ وَصَلُحَ فَقَالَ مُشْتَرِي الْجَمَلِ لِمُشْتَرِي الرَّأْسِ: إنَّمَا لَك ثَمَنُ الرَّأْسِ فَاخْتَصَمَا إلَى شُرَيْحٍ، فَقَالَ شُرَيْحٌ: هُوَ شَرِيكُك فِيهِ بِحِصَّةِ مَا نَقَدَ وَبِحُكْمِ شُرَيْحٌ هَذَا يَأْخُذُ عُثْمَانُ الْبَتِّيُّ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ. وَلَمْ يُجِزْ مَالِكٌ اسْتِثْنَاءَ الْجِلْدِ وَالرَّأْسِ إِلاَّ فِي السَّفَرِ، لاَ فِي الْحَضَرِ، فَخَالَفَ كُلَّ مَنْ ذَكَرْنَا وَلَمْ يُجِزْهُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَلاَ الشَّافِعِيُّ أَصْلاً. وَأَجَازَ الأَوْزَاعِيُّ اسْتِثْنَاءَ الْيَدِ أَوْ الرَّأْسِ أَوْ الْجِلْدِ عِنْدَ الذَّبْحِ خَاصَّةً، وَكَرِهَهُ إنْ تَأَخَّرَ الذَّبْحُ وَالْحَنَفِيُّونَ وَالْمَالِكِيُّونَ يُعَظِّمُونَ خِلاَفَ الصَّاحِبِ الَّذِي لاَ يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْهُمْ وَخَالَفُوا هَهُنَا: زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَلاَ يُعْرَفُ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ مُخَالِفٌ. وَأَمَّا الْمَالِكِيُّونَ: فَإِنَّهُمْ رَأَوْا فِيمَنْ بَاعَ بَعِيرًا وَاسْتَثْنَى جِلْدَهُ، فَاسْتَحْيَاهُ الَّذِي اشْتَرَاهُ: أَنَّ لَهُ شَرْوَى جِلْدِهِ أَوْ قِيمَتَهُ هَذَا فِي السَّفَرِ خَاصَّةً، وَهَذَا خِلاَفُ حُكْمِ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَزَيْدٍ ; لأََنَّهُمْ حَكَمُوا بِذَلِكَ مُطْلَقًا، لَمْ يَخُصُّوا سَفَرًا مِنْ حَضَرٍ ; وَرُوِّينَا مِثْلَ قَوْلِنَا، عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ: كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ قُلْتُ لأَِبْرَاهِيمَ: أَبِيعُ الشَّاةَ وَأَسْتَثْنِي بَعْضَهَا قَالَ: لاَ، وَلَكِنْ قُلْ: أَبِيعُك نِصْفَهَا قَالَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ: نَا عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ أَبِي الْجَارُودِ سَأَلْت جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ عَمَّنْ بَاعَ بَيْعًا وَاسْتَثْنَى بَعْضَهُ قَالَ: لاَ يَصِحُّ ذَلِكَ.

من باع ممن ذكر سابقا الظاهر دون المغيب أو باع مغيبا يجوز بيعه بصفة كالصوف في الفراش والعسل في الظرف فإن كان المكان للبائع فعليه تمكين المشتري من أخذ ما اشترى
1429 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ بَاعَ مِمَّنْ ذَكَرْنَا الظَّاهِرَ دُونَ الْمُغَيَّبِ، أَوْ بَاعَ مُغَيَّبًا: يَجُوزُ بَيْعُهُ بِصِفَةٍ، كَالصُّوفِ فِي الْفِرَاشِ، وَالْعَسَلِ فِي الظَّرْفِ، وَالثَّوْبِ فِي الْجِرَابِ، فَإِنَّهُ إنْ كَانَ الْمَكَانُ لِلْبَائِعِ فَعَلَيْهِ تَمْكِينُ الْمُشْتَرِي مِنْ أَخْذِ مَا اشْتَرَى، وَلاَ بُدَّ،
وَإِلَّا كَانَ غَاصِبًا مَانِعَ حَقٍّ، وَعَلَى الْمُشْتَرِي إزَالَةُ مَالِهِ، عَنْ مَكَانِ غَيْرِهِ، وَإِلَّا كَانَ غَاصِبًا لِلْمَكَانِ مَانِعَ حَقٍّ ; فَإِنْ كَانَ الْمَكَانُ لِلْمُشْتَرِي فَعَلَى الْبَائِعِ نَزْعُ مَالِهِ، عَنْ مَكَانِ غَيْرِهِ، وَإِلَّا كَانَ ظَالِمًا مَانِعَ حَقٍّ، فَإِنْ كَانَ الْمَكَانُ لَهُمَا جَمِيعًا فَأَيُّهُمَا أَرَادَ تَعْجِيلَ انْتِفَاعِهِ بِمَتَاعِهِ فَعَلَيْهِ أَخْذَهُ، وَلاَ يُجْبَرُ الآخَرُ

عَلَى مَا لاَ يُرِيدُ تَعْجِيلَهُ مِنْ أَخْذِ مَتَاعِهِ. فَإِنْ كَانَ الْمَكَانُ لِغَيْرِهِمَا فَعَلَيْهِمَا جَمِيعًا أَنْ يَنْزِعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالَهُ مِنْ مَكَانِ غَيْرِهِ، وَإِلَّا فَهُوَ ظَالِمٌ مَانِعُ حَقٍّ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ . وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم إذْ قَالَ سَلْمَانُ لأََبِي الدَّرْدَاءِ أَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَصَدَّقَهُ عليه السلام، وَصَوَّبَ قَوْلَهُ. فَمَنْ بَاعَ تَمْرًا دُونَ نَوَاهَا، فَأَخْذُ التَّمْرَةِ وَتَخْلِيصُهَا مِنْ النَّوَى عَلَى الْمُشْتَرِي لأََنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَخْذِ مَتَاعِهِ وَنَقْلِهِ وَتَرْكِ النَّوَى مَكَانَهُ إنْ كَانَ الْمَكَانُ لِلْبَائِعِ فَإِنْ أَبَى أُجْبِرَ، وَاسْتُؤْجِرَ عَلَيْهِ مَنْ يُزِيلُ التَّمْرَ، عَنِ النَّوَى، وَلاَ يُكَلَّفُ الْبَائِعُ ذَلِكَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ ; لأََنَّهُ لاَ يَلْزَمُهُ فَتْحُ ثَمَرَةِ غَيْرِهِ، وَلاَ أَنْ يَعْمَلَ لَهُ فِيهِ عَمَلاً. فَإِنْ كَانَ الْمَكَانُ لِلْمُشْتَرِي، فَإِنْ أَرَادَ الْمُشْتَرِي قَلْعَ ثَمَرَتِهِ فَلَهُ ذَلِكَ، وَلاَ يَتْرُكُ غَيْرَهُ يُؤَثِّرُ لَهُ فِيهَا أَثَرًا لاَ يُرِيدُهُ، فَإِنْ أَبَى الْمُشْتَرِي مِنْ ذَلِكَ فَعَلَى الْبَائِعِ إخْرَاجُ نَوَاهُ وَنَقْلُهُ عَلَى أَلْطَفِ مَا يُمْكِنُ، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ فَإِنْ تَعَدَّى ضَمِنَ مِقْدَارَ تَعَدِّيه فِي إفْسَادِ الثَّمَرَةِ. فَإِنْ كَانَ الْمَكَانُ لَهُمَا فَكَمَا قلنا: أَيُّهُمَا أَرَادَ تَعْجِيلَ أَخْذِ مَتَاعِهِ فَلَهُ أَخْذُهُ، فَإِنْ أَرَادَ ذَلِكَ الَّذِي لَهُ النَّوَى كَانَ لَهُ إخْرَاجُ نَوَاهُ بِأَلْطَفِ مَا يُمْكِنُ، إذْ لاَ بُدَّ لَهُ مِنْ ذَلِكَ، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ ; لأََنَّهُ فَعَلَ مُبَاحًا لَهُ، فَإِنْ تَعَدَّى ضَمِنَ. فَإِنْ كَانَ الْمَكَانُ لِغَيْرِهِمَا أُجْبِرَا جَمِيعًا عَلَى الْعَمَلِ مَعًا فِي تَخْلِيصِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَالَهُ. وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي نَافِجَةِ الْمِسْكِ، وَالظُّرُوفِ دُونَ مَا فِيهَا، وَالْقُشُورِ دُونَ مَا فِيهَا، وَالشَّمْعِ دُونَ الْعَسَلِ، وَالتِّبْنِ دُونَ الْحَبِّ، وَجِلْدِ الْحَيَوَانِ الْمَذْبُوحِ أَوْ الْمَنْحُورِ، وَلَحْمَةِ الزَّيْتُونِ، وَالسِّمْسِمِ، وَكُلِّ ذِي دُهْنٍ. وَأَمَّا مَنْ بَاعَ الأَرْضَ دُونَ الْبَذْرِ، أَوْ دُونَ الزَّرْعِ، أَوْ دُونَ الشَّجَرِ، أَوْ دُونَ الْبِنَاءِ، فَالْحَصَادُ عَلَى الَّذِي لَهُ الزَّرْعُ، وَالْقَلْعُ عَلَى الَّذِي لَهُ الشَّجَرُ، وَالْبِنَاءُ وَالْقَطْعُ أَيْضًا عَلَيْهِ ; لأََنَّ فَرْضًا عَلَيْهِ إزَالَةُ مَالِهِ، عَنْ أَرْضِ غَيْرِهِ. وَمَنْ بَاعَ الْحَيَوَانَ دُونَ اللَّبَنِ، أَوْ دُونَ الْحَمْلِ، فَالْحَلْبُ عَلَى الَّذِي لَهُ اللَّبَنُ، وَلاَ بُدَّ وَأُجْرَةُ الْقَابِلَةِ عَلَيْهِ أَيْضًا ; لأََنَّ وَاجِبًا عَلَيْهِ إزَالَةُ لَبَنِهِ، عَنْ ضَرْعِ حَيَوَانِ غَيْرِهِ، وَلَيْسَ عَلَى صَاحِبِ الْحَيَوَانِ إِلاَّ إمْكَانُهُ مِنْ ذَلِكَ فَقَطْ، لاَ خِدْمَتُهُ فِي حَلْبِ لَبَنِهِ. وَكَذَلِكَ عَلَى الَّذِي لَهُ مِلْكِ الْوَلَدِ: الْعَمَلُ فِي الْعَوْنِ فِي أَخْذِ مَمْلُوكِهِ، أَوْ مَمْلُوكَتِهِ فِي بَطْنِ أَمَةِ غَيْرِهِ بِمَا أُبِيحَ لَهُ مِنْ ذَلِكَ. وَمَنْ بَاعَ سَارِيَةَ خَشَبٍ، أَوْ حَجَرٍ فِي بِنَاءٍ فَعَلَى الْمُشْتَرِي قَلْعُ ذَلِكَ بِأَلْطَفِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِنْ التَّدْعِيمِ لِمَا حَوْلَ السَّارِيَةِ مِنْ الْبِنَاءِ، وَهَدْمُ مَا حَوَالَيْهَا مِمَّا لاَ بُدَّ لَهُ مِنْ هَدْمِهِ، وَلاَ شَيْءَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ ; لأََنَّ لَهُ أَخْذَ مَتَاعِهِ كَمَا يَقْدِرُ. وَمَنْ هُوَ مَأْمُورٌ بِشَيْءٍ، وَيَعْمَلُ فِي شَيْءٍ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ ; لأََنَّهُ يَفْعَلُ مَا يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكَ: مُحْسِنٌ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ، إنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ} فَإِنْ تَعَدَّى ضَمِنَ لِمَا ذَكَرْنَا.

من باع صوفا أو وبرا أو شعرا على حيوان فالجز على الذي له الصوف والشعر والوبر
1430 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ بَاعَ صُوفًا، أَوْ وَبَرًّا، أَوْ شَعْرًا عَلَى الْحَيَوَانِ فَالْجَزُّ عَلَى الَّذِي لَهُ الصُّوفُ، وَالشَّعْرُ، وَالْوَبَرُ ;
لأََنَّ عَلَيْهِ إزَالَةَ مَالِهِ، عَنْ مَالِ غَيْرِهِ، وَمَكَانِ الشَّعْرِ، وَالْوَبَرِ، وَالصُّوفِ وَهُوَ جِلْدُ الْحَيَوَانِ فَعَلَى الَّذِي لَهُ كُلُّ ذَلِكَ إزَالَةُ مَالِهِ، عَنْ مَكَانِ غَيْرِهِ، وَعَلَى الَّذِي لَهُ الْمَكَانُ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْ ذَلِكَ فَقَطْ. وَكَذَلِكَ مَنْ اشْتَرَى خَابِيَةً فِي بَيْتٍ فَعَلَيْهِ إخْرَاجُهَا، وَلَهُ أَنْ يَهْدِمَ مِنْ بَابِ الْبَيْتِ مَا لاَ بُدَّ لَهُ مِنْ هَدْمِهِ لأَِخْرَاجِ الْخَابِيَةِ، وَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ، إذْ لاَ سَبِيلَ لَهُ إلَى عَمَلِ مَا كُلِّفَ إِلاَّ بِذَلِكَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

لا يحل بيع تراب الصاغة أصلا
1431 - مَسْأَلَةٌ: وَلاَ يَحِلُّ بَيْعُ تُرَابِ الصَّاغَةِ أَصْلاً
بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ لأََنَّهُ إنَّمَا يَقْصِدُ الْمُشْتَرِي مَا فِيهِ مِنْ قَطْعِ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَهُوَ مَجْهُولٌ لاَ يُعْرَفُ فَهُوَ غَرَرٌ، وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ.

كل ما نخله الغبارون من التراب أو استخرجه غسالوا الطين من الطين فهو لقطة
1432 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ مَا نَخَلَهُ الْغَبَّارُونَ مِنْ التُّرَابِ، أَوْ اسْتَخْرَجَهُ غَسَّالُوا الطِّينِ مِنْ الطِّينِ، أَوْ اُسْتُخْرِجَ مِنْ تُرَابِ الصَّاغَةِ، فَهُوَ لُقَطَةٌ
مَا أَمْكَنَ أَنْ يُعَرَّفَ، كَالْفَصِّ، أَوْ الدِّينَارِ، أَوْ الدِّرْهَمِ، فَمَا زَادَ فَتَعْرِيفُهُ كَمَا ذَكَرْنَا فِي اللُّقَطَةِ ثُمَّ هُوَ لِلْمُلْتَقِطِ مَضْمُونًا لِصَاحِبِهِ إنْ جَاءَ وَمَا كَانَ مِنْهُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يُعْرَفَ صَاحِبُهُ أَبَدًا مِنْ قِطْعَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ: فَهُوَ حَلاَلٌ لِوَاجِدِهِ عَلَى مَا ذَكَرْنَا فِي "كِتَابِ اللُّقَطَةِ" وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

بيان تراب المعادن
1433 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا تُرَابُ الْمَعَادِنِ:
فَمَا كَانَ مِنْهُ مَعْدِنَ ذَهَبٍ فَلاَ يَحِلُّ بَيْعُهُ أَلْبَتَّةَ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ، لأََنَّ الذَّهَبَ فِيهِ مَخْلُوقٌ فِي خِلاَلِهِ مَجْهُولُ الْمِقْدَارِ. فَلَوْ كَانَ الذَّهَبُ الَّذِي فِيهِ مَرْئِيًّا كُلُّهُ مُحَاطًا بِهِ: جَازَ بَيْعُهُ بِمَا يَجُوزُ بِهِ بَيْعُ الذَّهَبِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَمَا كَانَ مِنْهُ تُرَابَ مَعْدِنِ فِضَّةٍ: جَازَ بَيْعُهُ بِدَرَاهِمَ وَبِذَهَبٍ نَقْدًا، وَإِلَى أَجَلٍ وَإِلَى غَيْرِ أَجَلٍ، وَبِالْعَرْضِ نَقْدًا، وَجَازَ السَّلَمُ فِيهِ. وَكَذَلِكَ تُرَابُ سَائِرِ الْمَعَادِنِ ; لأََنَّهُ لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْفِضَّةِ أَصْلاً، وَإِنَّمَا هُوَ تُرَابٌ مَحْضٌ، لاَ يَصِيرُ فِضَّةً إِلاَّ بِمُعَانَاةٍ وَطَبْخٍ، فَيَسْتَحِيلُ بَعْضُهُ فِضَّةً كَمَا يَسْتَحِيلُ الْمَاءُ مِلْحًا، وَالْبَيْضُ فَرَارِيجَ، وَالنَّوَى شَجَرًا، وَلاَ فَرْقَ.

بيع القصيل قبل أن يسنبل جائز وللبائع أن يتطوع للمشتري بتركه ما شاء
1434- مَسْأَلَةٌ: وَبَيْعُ الْقَصِيلِ قَبْلَ أَنْ يُسَنْبِلَ: جَائِزٌ وَلِلْبَائِعِ أَنْ يَتَطَوَّعَ لِلْمُشْتَرِي بِتَرْكِهِ
مَا شَاءَ إلَى أَنْ يَرْعَاهُ، أَوْ إلَى أَنْ يَحْصُدَهُ، أَوْ إلَى أَنْ يَيْبَسَ بِغَيْرِ شَرْطٍ، فَإِنْ غَفَلَ عَنْهُ حَتَّى زَادَ فِيهِ أَوْلاَدًا مِنْ أَصْلِهِ لَمْ تَكُنْ ظَاهِرَةً إذَا اشْتَرَاهُ فَاخْتَصَمَا فِيهَا: فَأَيُّهُمَا أَقَامَ الْبَيِّنَةَ بِمِقْدَارِ الْمَبِيعِ: قُضِيَ بِهَا، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُشْتَرِي إِلاَّ الْقَدْرُ الَّذِي اشْتَرَى، وَكَانَتْ الزِّيَادَةُ مِنْ الأَوْلاَدِ لِلْبَائِعِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بَيِّنَةٌ: حَلَفَا، وَقُسِّمَتْ الزِّيَادَةُ الَّتِي يَتَدَاعَيَانِهَا بَيْنَهُمَا. وَأَمَّا السُّنْبُلُ، وَالْخَرُّوبُ،

يجوز بيع القصيل على القطع
1435 - مَسْأَلَةٌ: وَأَمَّا بَيْعُ الْقَصِيلِ قَبْلَ أَنْ يُسَنْبِلَ عَلَى الْقَطْعِ فَجَائِزٌ ;
لأََنَّ فَرْضًا عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يُزِيلَ مَالَهُ، عَنْ أَرْضِ غَيْرِهِ، وَأَنْ لاَ يَشْغَلَهَا بِهِ، فَهَذَا شَرْطٌ وَاجِبٌ، مُفْتَرَضٌ، فَإِنْ تَطَوَّعَ لَهُ رَبُّ الأَرْضِ بِالتَّرْكِ مِنْ غَيْرِ شَرْطٍ: فَحَسَنٌ ; لأََنَّ لِكُلِّ أَحَدٍ إبَاحَةُ أَرْضِهِ لِمَنْ شَاءَ، وَلِمَا شَاءَ، مِمَّا لَمْ يُنْهَ عَنْهُ، فَإِنْ زَادَ فَلِصَاحِبِ الْمَالِ أَنْ يَتَطَوَّعَ لَهُ بِالزِّيَادَةِ ; لأََنَّهُ مَالُهُ يَهَبُهُ لِمَنْ شَاءَ مَا لَمْ يَمْنَعْهُ قُرْآنٌ، أَوْ سُنَّةٌ، وَالْهِبَةُ فِعْلُ خَيْرٍ وَفَضْلٍ، قَالَ اللَّه تَعَالَى {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ}، وَقَالَ تَعَالَى {وَلاَ تَنْسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} . فَإِنْ أَبَى فَالْبَيِّنَةُ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ فَهُمَا مُتَدَاعِيَانِ فِي الزِّيَادَةِ وَهِيَ بِأَيْدِيهِمَا مَعًا فَكُلُّ وَاحِدٍ يَقُولُ: هِيَ لِي، فَيَحْلِفَانِ، لأََنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُدَّعًى عَلَيْهِ، ثُمَّ يَبْقَى لِكُلِّ أَحَدٍ مَا بِيَدِهِ لِبَرَاءَتِهِ مِنْ دَعْوَى خَصْمِهِ بِيَمِينِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، مِنْ بَيْعِ الْقَصِيلِ حَتَّى يَصِيرَ حَبًّا يَابِسًا، وَلَمْ يَأْتِ بِهَذَا نَصٌّ أَصْلاً ثُمَّ تَنَاقَضُوا، فَأَجَازُوا بَيْعَهُ عَلَى الْقَطْعِ. وَكُلُّ هَذَا بِلاَ برهان أَصْلاً لاَ مِنْ قُرْآنٍ، وَلاَ مِنْ سُنَّةٍ، وَلاَ قَوْلِ صَاحِبٍ، وَلاَ قِيَاسٍ، وَلاَ رَأْيٍ لَهُ وَجْهٌ، وَلاَ دَلِيلَ لَهُمْ عَلَى مَا مَنَعُوا مِنْ ذَلِكَ، وَلاَ عَلَى مَا أَبَاحُوا مِنْهُ. وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى: لاَ يَجُوزُ بَيْعُ الْقَصِيلِ لاَ عَلَى الْقَطْعِ، وَلاَ عَلَى التَّرْكِ وَقَوْلُ هَؤُلاَءِ أَطْرُدُ وَأَصَحُّ فِي السُّنْبُلِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَدَّ. وَاخْتَلَفُوا إنْ تُرِكَ الزَّرْعُ فَزَادَ فَقَالَ مَالِكٌ: يَنْفَسِخُ الْبَيْعُ جُمْلَةً. وقال أبو حنيفة: لِلْمُشْتَرِي الْمِقْدَارُ الَّذِي اشْتَرَى وَيَتَصَدَّقُ بِالزِّيَادَةِ وَيُرْوَى عَنْهُ أَنَّهُ رَجَعَ فَقَالَ: لِلْمُشْتَرِي الْمِقْدَارُ الَّذِي اشْتَرَى، وَأَمَّا الزِّيَادَةُ فَلِلْبَائِعِ. وقال الشافعي: الْبَائِعُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَدَعَ لَهُ الزِّيَادَةَ فَيَجُوزُ الْبَيْعُ وَالْهِبَةُ مَعًا أَوْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: الزِّيَادَةُ لِلْمُشْتَرِي مَعَ مَا اشْتَرَى.
قال أبو محمد : أَمَّا فَسْخُ مَالِكٍ لِلْبَيْعِ فَقَوْلٌ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ أَصْلاً، وَلأََيِّ مَعْنًى يَفْسَخُ بَيْعًا وَقَعَ عَلَى صِحَّةٍ بِإِقْرَارِهِ هَذَا مَا لاَ يَجُوزُ إِلاَّ بِقُرْآنٍ، أَوْ سُنَّةٍ. وَأَمَّا أَوَّلُ قَوْلَيْ أَبِي حَنِيفَةَ فَخَطَأٌ ; لأََنَّ الزِّيَادَةَ إذْ جَعَلَهَا لِلْمُشْتَرِي فَلأََيِّ شَيْءٍ يَأْمُرُهُ بِالصَّدَقَةِ بِهَا دُونَ أَنْ يَأْمُرَهُ بِأَنْ يَتَصَدَّقَ بِالْقَدْرِ الَّذِي اشْتَرَى وَكِلاَهُمَا لَهُ وَأَمَّا الْقَوْلُ الَّذِي رَجَعَ إلَيْهِ مِنْ أَنَّ الزِّيَادَةَ لِلْبَائِعِ: فَصَحِيحٌ، إذَا قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِهَا وَبِمِقْدَارِ مَا اشْتَرَى. وَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فَظَاهِرُ الْخَطَأِ ; لأََنَّهُ إذْ جَعَلَ الزِّيَادَةَ لِلْبَائِعِ ; فَلأََيِّ مَعْنًى أَجْبَرَهُ عَلَى هِبَتِهَا لِلْمُشْتَرِي أَوْ فَسَخَ الْبَيْعَ وَلأََيِّ دَلِيلٍ مَنَعَهُ مِنْ طَلَبِ حَقِّهِ وَالْخِصَامِ فِيهِ وَالْبَقَاءِ عَلَيْهِ فَهَذِهِ آرَاءُ الْقَوْمِ كَمَا تَرَى فِي التَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ. وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي سُلَيْمَانَ: إنَّ الزِّيَادَةَ لِلْمُشْتَرِي فَخَطَأٌ ; لأََنَّ الْمُشْتَرِيَ إنَّمَا اشْتَرَى قَدْرًا

مَعْلُومًا فَلَهُ مَا حَدَثَ فِي الْعَيْنِ الَّذِي اشْتَرَى، وَلِلْبَائِعِ مَا زَادَ فِيمَا اسْتَبْقَى لِنَفْسِهِ وَلَمْ يَبِعْهُ مِنْ الْمُشْتَرِي، فَالزِّيَادَةُ فِي طُولِ السَّاقِ لِلْبَائِعِ لِمَا ذَكَرْنَا لأََنَّهُ لَيْسَ لِلْمُشْتَرِي إِلاَّ زَرْعُ مَا اشْتَرَى فَقَطْ، وَإِنَّمَا تَأْتِي الزِّيَادَةُ مِنْ الأَصْلِ. وَأَمَّا السُّنْبُلُ، وَالْحَبُّ، وَالنَّوْرُ، وَالْوَرَقُ، وَالتِّبْنُ، وَالْخَرُّوبُ فَلِلْمُشْتَرِي لأََنَّهُ فِي عَيْنِ مَالِهِ حَدَثَ وَقَدْ جَاءَ فِي هَذَا، عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ: مَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كُثَيِّرٌ قَالَ: لاَ بَأْسَ بِبَيْعِ الشَّعِيرِ لِلْعَلَفِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاَحُهُ إذَا كَانَ يَحْصُدُهُ مِنْ مَكَانِهِ، فَإِنْ غَفَلَ عَنْهُ حَتَّى يَصِيرَ طَعَامًا فَلاَ بَأْسَ بِهِ.

يجوز بيع ما ظهر من المقاثي وإن كان صغيرا جدا
1436 - مَسْأَلَةٌ: وَيَجُوزُ بَيْعُ مَا ظَهَرَ مِنْ الْمَقَاثِي وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا جِدًّا
لأََنَّهُ يُؤْكَلُ، وَلاَ يَحِلُّ بَيْعُ مَا لَمْ يَظْهَرْ بَعْدُ مِنْ الْمَقَاثِي، وَالْيَاسَمِينِ، وَالنَّوْرِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلاَ جِزَّةً ثَانِيَةً مِنْ الْقَصِيلِ ; لأََنَّ كُلَّ ذَلِكَ بَيْعُ مَا لَمْ يُخْلَقْ وَلَعَلَّهُ لاَ يُخْلَقُ وَإِنْ خُلِقَ فَلاَ يَدْرِي أَحَدٌ غَيْرُ اللَّهِ تَعَالَى مَا كَمِّيَّتُهُ، وَلاَ مَا صِفَاتُهُ: فَهُوَ حَرَامٌ بِكُلِّ وَجْهٍ، وَبَيْعُ غَرَرٍ، وَأَكْلُ مَالٍ بِالْبَاطِلِ. وَأَجَازَ مَالِكٌ كُلَّ ذَلِكَ وَمَا نَعْلَمُ لَهُ فِي تَخْصِيصِ هَذِهِ الأَشْيَاءِ سَلَفًا، وَلاَ أَحَدٌ قَالَهُ غَيْرُهُ قَبْلَهُ، وَلاَ حُجَّةً. وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ بِاسْتِئْجَارِ الظِّئْرِ وَهَذَا تَحْرِيفٌ لِكَلاَمِ اللَّهِ تَعَالَى، عَنْ مَوْضِعِهِ وَأَيْنَ الأَسْتِئْجَارُ مِنْ الْبَيْعِ، ثُمَّ أَيْنَ اللَّبَنُ الْمُرْتَضَعُ مِنْ الْقِثَّاءِ، وَالْيَاسَمِينِ وَهُمْ يُحَرِّمُونَ بَيْعَ لَبَنِ شَاةٍ قَبْلَ حَلْبِهِ، وَلاَ يَقِيسُونَهُ عَلَى الظِّئْرِ ثُمَّ يَقِيسُونَ عَلَيْهِ بَيْعَ الْقِثَّاءِ، وَالنَّوْرِ، وَالْيَاسَمِينَ قَبْلَ أَنْ يُخْلَقَ: رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ أَنَا هُشَيْمٌ أَنَا يُونُسُ بْنُ عُبَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَرِهَ بَيْعَ الرِّطَابِ جِزَّتَيْنِ جِزَّتَيْنِ. وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا شَرِيكٌ، عَنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ، قَالاَ جَمِيعًا: لاَ بَأْسَ بِبَيْعِ الرِّطَابِ جِزَّةً جِزَّةً. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: سَأَلْتُ عَطَاءَ بْنَ أَبِي رَبَاحٍ، عَنْ بَيْعِ الرَّطْبَةِ جِزَّتَيْنِ فَقَالَ: لاَ تَصْلُحُ إِلاَّ جِزَّةً. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ كَرِهَ بَيْعَ الْقَضْبِ، وَالْحِنَّاءِ، إِلاَّ جِزَّةً وَكَرِهَ بَيْعَ الْخِيَارِ وَالْخِرْبِزِ إِلاَّ جَنِيَّةً. وَمِنْ طَرِيقِ وَكِيعٍ، عَنْ إسْرَائِيلَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنِ ابْنِ أَشْوَعَ، وَالْقَاسِمِ أَنَّهُمَا كَرِهَا بَيْعَ الرِّطَابِ إِلاَّ جِزَّةً وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ، وَغَيْرِهِمْ.

لو باع المقثاة بأصولها والموز بأصوله وتطوع له بإبقاء ذلك في أرضه
1437 - مَسْأَلَةٌ: فَلَوْ بَاعَهُ الْمَقْثَأَةَ بِأُصُولِهَا، وَالْمَوْزَ بِأُصُولِهِ، وَتَطَوَّعَ لَهُ إبْقَاءَ كُلِّ ذَلِكَ
فِي أَرْضِهِ بِغَيْرِ شَرْطٍ جَازَ ذَلِكَ فَإِذَا مَلَكَ مَا ابْتَاعَ كَانَ لَهُ كُلُّ مَا تَوَلَّدَ فِيهِ ; لأََنَّهُ تَوَلَّدَ فِي مَالِهِ، وَلَهُ أَخْذُهُ بِقَلْعِ كُلِّ ذَلِكَ مَتَى شَاءَ لأََنَّهُ أُمْلَكُ بِمَالِهِ. وَلاَ يَحِلُّ لَهُ اشْتِرَاطُ إبْقَاءِ ذَلِكَ

بيع الأمة وبيان أنها حامل من غير سيدها لكن من زوج أو زنا أو اكراه بيع صحيح
1438 - مَسْأَلَةٌ: وَبَيْعُ الأَمَةِ، وَبَيَانُ أَنَّهَا حَامِلٌ مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهَا، لَكِنْ مِنْ زَوْجٍ، أَوْ زِنًى، أَوْ إكْرَاهٍ: بَيْعٌ صَحِيحٌ،
سَوَاءٌ كَانَتْ رَائِعَةً أَوْ وَخْشًا كَانَ الْبَيْعُ فِي أَوَّلِ الْحَمْلِ أَوْ فِي وَسَطِهِ أَوْ فِي آخِرِهِ. وقال مالك: يَجُوزُ فِي الْوَخْشِ، وَلاَ يَجُوزُ فِي الرَّائِعَةِ وَهَذَا قَوْلٌ لاَ دَلِيلَ عَلَيْهِ صْلاً، وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا سَبَقَهُ إلَيْهِ أَصْلاً، وَقَالَ تَعَالَى {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} وَمَا خَصَّ حَامِلاً مِنْ حَائِلٍ، وَلاَ رَائِعَةً مِنْ وَخْشٍ، وَلاَ امْرَأَةً مِنْ سَائِرِ إنَاثِ الْحَيَوَانِ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا.

بيع السيف دون الغمد جائز وبيع الغمد دون النصل جائز إلخ
1439 - مَسْأَلَةٌ: وَبَيْعُ السَّيْفِ دُونَ غِمْدِهِ جَائِزٌ. وَبَيْعُ الْغِمْدِ دُونَ النَّصْلِ جَائِزٌ.
وَبَيْعُ الْحِلْيَةِ دُونَهُمَا جَائِزٌ وَبَيْعُ نِصْفِهَا مُشَاعٌ، أَوْ ثُلُثِهَا، أَوْ عُشْرِهَا، أَوْ شَيْءٍ مِنْهَا بِعَيْنِهِ: كُلُّ ذَلِكَ جَائِزٌ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ. وَمَنَعَ أَبُو حَنِيفَةَ مِنْ بَعْضِ ذَلِكَ وَمَا نَعْلَمُ أَحَدًا قَالَهُ قَبْلَهُ، وَمَا نَعْلَمُ لَهُ دَلِيلاً أَصْلاً وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَكَذَلِكَ بَيْعُ قِطَعٍ مِنْ ثَوْبٍ أَوْ مِنْ خَشَبَةٍ مُعَيَّنَةٍ مَحْدُودَةٍ: جَائِزٌ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ.

بيع حلقة الخاتم دون الفص جائز وخلع الفص حينئذ على البائع وبيع الفص دون الحلقة جائز
1440 - مَسْأَلَةٌ: وَبَيْعُ حَلْقَةِ الْخَاتَمِ دُونَ الْفَصِّ جَائِزٌ، وَقَلْعُ الْفَصِّ حِينَئِذٍ عَلَى الْبَائِعِ، وَبَيْعُ الْفَصِّ دُونَ الْحَلْقَةِ جَائِزٌ، وَقَلْعُ الْفَصِّ حِينَئِذٍ عَلَى الْمُشْتَرِي;
لأََنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ وَالْفَصُّ فِي الْحَلْقَةِ فَهِيَ مَكَانٌ لِلْفَصِّ، فَفُرِضَ عَلَى الَّذِي لَهُ الْفَصُّ إخْرَاجُ الْفَصِّ مِنْ مَالِ غَيْرِهِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْغَلَ مَالَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ، وَلَيْسَ عَلَى صَاحِبِ الْحَلْقَةِ إِلاَّ إمْكَانُهُ مِنْ ذَلِكَ فَقَطْ، وَأَنْ لاَ يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَالِهِ. وَلِمُتَوَلِّي إخْرَاجِ الْفَصِّ تَوْسِيعُ الْحَلْقَةِ بِمَا لاَ بُدَّ مِنْهُ فِي اسْتِخْرَاجِ مَتَاعِهِ، وَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ، لأََنَّهُ فَعَلَ مَا هُوَ مَأْمُورٌ بِفِعْلِهِ، فَإِنْ تَعَدَّى ضَمِنَ. وَهَكَذَا الْقَوْلُ فِي الْجِذْعِ يُبَاعُ دُونَ الْحَائِطِ، أَوْ الْحَائِطِ يُبَاعُ دُونَهُ وَالشَّجَرَةِ دُونَ الأَرْضِ، أَوْ الأَرْضِ دُونَ الشَّجَرَةِ، وَلاَ فَرْقَ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

من باع شيئا فقال المشتري لا أدفع الثمن حتى أقبض ما ابتعت وقال البائع لا أدفع حتى أقبض أجبرا معا على دفع المبيع والثمن معا
1441 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ بَاعَ شَيْئًا فَقَالَ الْمُشْتَرِي: لاَ أَدْفَعُ الثَّمَنَ حَتَّى أَقْبِضَ مَا ابْتَعْت وَقَالَ الْبَائِعُ: لاَ أَدْفَعُ حَتَّى أَقْبِضَ: أُجْبِرَا مَعًا عَلَى دَفْعِ الْمَبِيعِ وَالثَّمَنِ مَعًا;
لأََنَّهُ لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَحَقَّ بِالإِنْصَافِ وَالأَنْتِصَافِ مِنْ الآخَرِ وَبِيَدِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقٌّ لِلآخَرِ، وَفَرْضٌ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنْ يُعْطِيَ الآخَرَ حَقَّهُ، فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ أَحَدُهُمَا بِالتَّقَدُّمِ، وَفِعْلُ ذَلِكَ جَوْرٌ،

إن أبى المشتري من أن يدفع الثمن مع قبضه لما اشترى وقال لا أدفع الثمن إلا بعد أن أقبض ما اشتريت فللبائع أن يحبس ما باع حتى ينتصف وينصف معا
1442- مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ أَبَى الْمُشْتَرِي مِنْ أَنْ يَدْفَعَ الثَّمَنَ مِنْ قَبْضِهِ لِمَا اشْتَرَى وَقَالَ: لاَ أَدْفَعُ الثَّمَنَ إِلاَّ بَعْدَ أَنْ أَقْبِضَ مَا اشْتَرَيْتُ فَلِلْبَائِعِ أَنْ يَحْبِسَ مَا بَاعَ حَتَّى يَنْتَصِفَ وَيُنْصِفَ مَعًا،
فَإِنْ تَلِفَ عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ مِنْهُ فَهُوَ مِنْ مُصِيبَةِ الْمُشْتَرِي وَعَلَيْهِ دَفْعُ الثَّمَنِ، وَلاَ ضَمَانَ عَلَى الْبَائِعِ فِيمَا هَلَكَ عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ تَعَدِّيهِ ; لأََنَّهُ احْتَبَسَ بِحَقٍّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} إِلاَّ أَنْ يَكُونَ فِي بَعْضِ مَا حَبَسَ وَفَاءً بِالثَّمَنِ، فَإِنَّهُ يَضْمَنُ مَا زَادَ عَلَى هَذَا الْمِقْدَارِ، لأََنَّهُ مُتَعَدٍّ بِاحْتِبَاسِهِ أَكْثَرَ مِمَّا تَعَدَّى عَلَيْهِ فِيهِ الآخَرُ هَذَا إنْ كَانَ مِمَّا يُمْكِنُ أَنْ يَنْقَسِمَ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لاَ يُمْكِنُ قِسْمَتُهُ إِلاَّ بِفَسَادِهِ، أَوْ حَطِّ ثَمَنِهِ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ أَصْلاً. فَلَوْ قَالَ الْبَائِعُ: لاَ أَدْفَعُ إِلاَّ بَعْدَ قَبْضِ الثَّمَنِ، وَدَعَاهُ الْمُشْتَرِي إلَى أَنْ يَقْبِضَ وَيَدْفَعَ مَعًا فَأَبَى، فَهُوَ هَهُنَا ضَامِنٌ ; لأََنَّهُ مُتَعَدٍّ بِاحْتِبَاسِهِ مَا حَبَسَ، وَقَدْ دُعِيَ إلَى الإِنْصَافِ فَأَبَى وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

من قال حين يبع لا خلا به فله الخيار ثلاث ليال بما في خلالهن من الأيام إن شاء رد بعيب أو بغير عيب أو بخديعة
1443 - مَسْأَلَةٌ: وَمَنْ قَالَ حِينَ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ: لاَ خِلاَبَةَ فَلَهُ الْخِيَارُ ثَلاَثَ لَيَالٍ بِمَا فِي خِلاَلِهِنَّ مِنْ الأَيَّامِ، إنْ شَاءَ رَدَّ بِعَيْبٍ أَوْ بِغَيْرِ عَيْبٍ، أَوْ بِخَدِيعَةٍ
أَوْ بِغَيْرِ خَدِيعَةٍ، وَبِغَبْنٍ أَوْ بِغَيْرِ غَبْنٍ، وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ: فَإِذَا انْقَضَتْ اللَّيَالِي الثَّلاَثُ بَطَلَ خِيَارُهُ وَلَزِمَهُ الْبَيْعُ، وَلاَ رَدَّ لَهُ، إِلاَّ مِنْ عَيْبٍ إنْ وُجِدَ وَاللَّيَالِي الثَّلاَثُ مُسْتَأْنَفَةٌ مِنْ حِينِ الْعَقْدِ، فَإِنْ بَايَعَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ بِقَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ وَلَوْ مِنْ حِينِ طُلُوعِهَا: فَإِنَّهُ يَسْتَأْنِفُ الثَّلاَثَ مُبْتَدِئَةً وَلَهُ الْخِيَارُ أَيْضًا فِي يَوْمِهِ ذَلِكَ. وَإِنْ بَايَعَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَلَهُ الْخِيَارُ مِنْ حِينَئِذٍ إلَى مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ اللَّيْلَةِ الرَّابِعَةِ: حدثنا حمام، حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ أَصْبَغَ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَيْمَنَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ التِّرْمِذِيُّ، حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إنَّ مُنْقِذًا سُفِعَ فِي رَأْسِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ مَأْمُومَةً فَخَبَلَتْ لِسَانَهُ، فَكَانَ إذَا بَايَعَ خُدِعَ فِي الْبَيْعِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : بَايِعْ وَقُلْ: لاَ خِلاَبَةَ ثُمَّ أَنْتَ بِالْخِيَارِ .، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ قَاسِمٍ أَنَا أَبُو قَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ قَاسِمٍ أَنَا جَدِّي قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ، حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ يَحْيَى الْبَلْخِيّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: إنَّ مُنْقِذًا سُفِعَ فِي رَأْسِهِ مَأْمُومَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَخَبَلَتْ لِسَانَهُ فَكَانَ يُخْدَعُ فِي الْبَيْعِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : بِعْ، وَقُلْ: لاَ خِلاَبَةَ، ثُمَّ أَنْتَ بِالْخِيَارِ ثَلاَثًا مِنْ بَيْعِكَ . قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَسَمِعْته يَقُولُ إذَا بَايَعَ: لاَ خِلاَبَةَ لاَ خِلاَبَةَ.

إن لم يقدر على أن يقول لا خلا به قالها كما يستطيع
1444 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَنْ يَقُولَ " لاَ خِلاَبَةَ " قَالَهَا كَمَا يَقْدِرُ لأَفَةٍ بِلِسَانِهِ أَوْ لِعُجْمَةٍ،
فَإِنْ عَجَزَ جُمْلَةً قَالَ بِلُغَتِهِ مَا يُوَافِقُ مَعْنَى "لاَ خِلاَبَةَ" وَلَهُ الْخِيَارُ الْمَذْكُورُ، أَحَبَّ الْبَائِعُ أَمْ كَرِهَ. برهان ذَلِكَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ مُنْقِذًا أَنْ يَقُولَهَا، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لاَ يَقُولُ إِلاَّ: لاَ خِذَابَةَ وَقَالَ تَعَالَى {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}.

إذا رضي في الثلاث وأسقط خياره لزمه البيع
1445 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ رَضِيَ فِي الثَّلاَثِ وَأَسْقَطَ خِيَارَهُ لَزِمَهُ الْبَيْعُ،
وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَعَلَ لَهُ الْخِيَارُ ثَلاَثًا، فَلَوْ كَانَ لاَ يَلْزَمُهُ الرِّضَا إنْ رَضِيَ فِي الثَّلاَثِ لَكَانَ إنَّمَا جَعَلَ لَهُ عليه السلام الْخِيَارَ فِي الرَّدِّ فَقَطْ لاَ فِي الرِّضَا وَهَذَا بَاطِلٌ ; لأََنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْمَلَ لَهُ الْخِيَارَ فَكَانَ عُمُومًا لِكُلِّ مَا يَخْتَارُ مِنْ رِضًا أَوْ رَدٍّ. وَلَوْ كَانَ الْخِيَارُ لاَ يَنْقَطِعُ بِإِسْقَاطِهِ إيَّاهُ وَإِقْرَارِهِ بِالرِّضَا لَوَجَبَ أَيْضًا ضَرُورَةَ أَنْ لاَ يَنْقَطِعَ خِيَارُهُ وَإِنْ رَدَّ الْبَيْعَ حَتَّى يَنْقَضِيَ الثَّلاَثُ وَهَذَا مُحَالٌ: فَظَاهِرُ اللَّفْظِ وَمَعْنَاهُ: أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ مُدَّةَ الثَّلاَثِ إنْ شَاءَ رَدَّ فَيَبْطُلَ الْبَيْعُ، وَلاَ رِضَا لَهُ بَعْدَ الرَّدِّ، وَإِنْ شَاءَ رَضِيَ فَيَصِحَّ الْبَيْعُ، وَلاَ رَدَّ لَهُ بَعْدَ الرِّضَا: لاَ يَحْتَمِلُ أَمْرُهُ عليه السلام غَيْرَ هَذَا أَصْلاً فَإِنْ لَمْ يَلْفِظْ بِالرِّضَا، وَلاَ بِالرَّدِّ: لَمْ يَجُزْ أَنْ يُجْبَرَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، وَبَقِيَ عَلَى خِيَارِهِ إلَى انْقِضَاءِ الثَّلاَثِ إنْ شَاءَ رَدَّ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ فَإِنْ انْقَضَتْ الثَّلاَثُ وَلَمْ يَرُدَّ فَقَدْ لَزِمَهُ الْبَيْعُ ; لأََنَّهُ بَيْعٌ صَحِيحٌ جُعِلَ لَهُ الْخِيَارُ فِي رَدِّهِ ثَلاَثًا، لاَ أَكْثَرَ فَإِنْ لَمْ يُبْطِلْهُ فَلاَ إبْطَالَ لَهُ بَعْدَ الثَّلاَثِ، إِلاَّ مِنْ عَيْبٍ كَسَائِرِ الْبُيُوعِ، وَبَقِيَ الْبَيْعُ بِصِحَّتِهِ لَمْ يَبْطُلْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

فإن غير لفظ لا خلابه بأن قال لا خديعة أو لا غش إلخ لم يكن له الخيار المجعول لمن قال لا خلابه
1446 - مَسْأَلَةٌ: فَإِنْ قَالَ لَفْظًا غَيْرَ " لاَ خِلاَبَةَ " لَكِنْ أَنْ يَقُولَ: لاَ خَدِيعَةَ، أَوْ لاَ غِشَّ، أَوْ لاَ كَيْدَ، أَوْ لاَ غَبْنَ، أَوْ لاَ مَكْرَ، أَوْ لاَ عَيْبَ، أَوْ لاَ ضَرَرَ، أَوْ عَلَى السَّلاَمَةِ، أَوْ لاَ دَاءَ، وَلاَ غَائِلَةَ، أَوْ لاَ خُبْثَ، أَوْ نَحْوَ هَذَا: لَمْ يَكُنْ لَهُ الْخِيَارُ الْمَجْعُولُ لِمَنْ قَالَ: لاَ خِلاَبَةَ،
لَكِنْ إنْ وَجَدَ شَيْئًا مِمَّا بَايَعَ عَلَى أَنْ لاَ يَعْقِدَ بَيْعُهُ عَلَيْهِ: بَطَلَ الْبَيْعُ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ لَزِمَهُ الْبَيْعُ.
برهان ذَلِكَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا أَمَرَ فِي الدِّيَانَةِ بِأَمْرٍ، وَنَصَّ فِيهِ بِلَفْظٍ مَا: لَمْ يَجُزْ تَعَدِّي ذَلِكَ اللَّفْظِ إلَى غَيْرِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ فِي مَعْنَاهُ أَوْ لَمْ يَكُنْ مَا دَامَ قَادِرًا عَلَى ذَلِكَ اللَّفْظِ، إِلاَّ بِنَصٍّ آخَرَ يُبَيِّنُ أَنَّ لَهُ ذَلِكَ ; لأََنَّهُ عليه السلام قَدْ حَدَّ فِي ذَلِكَ حَدًّا فَلاَ يَحِلُّ تَعَدِّيهِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا} .
وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا يَنْطِقُ، عَنِ الْهَوَى إنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى} وَقَالَ تَعَالَى {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} وَلَوْ جَازَ غَيْرُ هَذَا لَجَازَ الأَذَانُ بِأَنْ يَقُولَ: الْعَزِيزُ أَجَلْ، أَنْتَ لَنَا رَبٌّ إِلاَّ الرَّحْمَنُ، أَنْتَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مَبْعُوثٌ مِنْ الرَّحْمَانِ، هَلُمُّوا إلَى نَحْوِ الظُّهْرِ، هَلُمُّوا نَحْوَ الْبَقَاءِ،

كل شرط وقع في بيع منهما أو من أحدهما برضى الآخر فإنهما إن عقداه قبل عقد البيع أو بعد تمام البيع بالأبدان أو بالتأخير أو في أحد الوقتين ولم يذكراه حين العقد فالبيع صحيح
1447 - مَسْأَلَةٌ: وَكُلُّ شَرْطٍ وَقَعَ فِي بَيْعٍ مِنْهُمَا، أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا، بِرِضَا الآخَرِ فَإِنَّهُمَا إنْ عَقَدَاهُ قَبْلَ عَقْدِ الْبَيْعِ أَوْ بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ بِالتَّفَرُّقِ بِالأَبْدَانِ، أَوْ بِالتَّخْيِيرِ، أَوْ فِي أَحَدِ الْوَقْتَيْنِ يَعْنِي قَبْلَ الْعَقْدِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَمْ يَذْكُرَاهُ فِي حِينِ عَقْدِ الْبَيْعِ، فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ تَامٌّ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ لاَ يَلْزَمُ.
فَإِنْ ذَكَرَا ذَلِكَ الشَّرْطَ فِي حَالِ عَقْدِ الْبَيْعِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ مَفْسُوخٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ أَيَّ شَرْطٍ كَانَ لاَ تُحَاشِ شَيْئًا إِلاَّ سَبْعَةَ شُرُوطٍ فَقَطْ، فَإِنَّهَا لاَزِمَةٌ، وَالْبَيْعُ صَحِيحٌ، إنْ اُشْتُرِطَتْ فِي الْبَيْعِ وَهِيَ: اشْتِرَاطُ الرَّهْنِ فِيمَا تَبَايَعَاهُ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى. وَاشْتِرَاطُ تَأْخِيرِ الثَّمَنِ إنْ كَانَ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى. وَاشْتِرَاطُ أَدَاءِ الثَّمَنِ إلَى الْمَيْسَرَةِ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرَا أَجَلاً. وَاشْتِرَاطُ صِفَاتِ الْمَبِيعِ الَّتِي يَتَرَاضَيَانِهَا مَعًا وَيَتَبَايَعَانِ ذَلِكَ الشَّيْءَ عَلَى أَنَّهُ بِتِلْكَ الصِّفَةِ. وَاشْتِرَاطُ أَنْ لاَ خِلاَبَةَ. وَبَيْعُ الْعَبْدِ، أَوْ الأَمَةِ، فَيَشْتَرِطُ الْمُشْتَرِي مَالَهُمَا أَوْ بَعْضَهُ مُسَمًّى مُعَيَّنًا، أَوْ جُزْءًا مَنْسُوبًا مُشَاعًا فِي جَمِيعِهِ، سَوَاءٌ كَانَ مَالُهُمَا مَجْهُولاً كُلُّهُ، أَوْ مَعْلُومًا كُلُّهُ، أَوْ مَعْلُومًا بَعْضُهُ، مَجْهُولاً بَعْضُهُ. أَوْ بَيْعُ أُصُولِ نَخْلٍ فِيهَا ثَمَرَةٌ قَدْ أُبِرَتْ قَبْلَ الطِّيبِ أَوْ بَعْدَهُ، فَيَشْتَرِطُ الْمُشْتَرِي الثَّمَرَةَ لِنَفْسِهِ أَوْ جُزْءًا مُعَيَّنًا مِنْهَا أَوْ مُسَمًّى مُشَاعًا فِي جَمِيعِهَا. فَهَذِهِ، وَلاَ مَزِيدَ، وَسَائِرُهَا بَاطِلٌ كَمَا قَدَّمْنَا: كَمَنْ بَاعَ مَمْلُوكًا بِشَرْطِ الْعِتْقِ، أَوْ أَمَةً بِشَرْطِ الإِيلاَدِ، أَوْ دَابَّةً وَاشْتَرَطَ رُكُوبَهَا مُدَّةً مُسَمَّاةً قَلَّتْ أَوْ كَثُرَتْ أَوْ إلَى مَكَان مُسَمًّى قَرِيبٍ أَوْ بَعِيدٍ. أَوْ دَارًا وَاشْتَرَطَ سُكْنَاهَا سَاعَةً فَمَا فَوْقَهَا، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الشُّرُوطِ كُلِّهَا.
برهان ذَلِكَ: مَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمِ بْنِ الْحَجَّاجِ أَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ الْهَمْدَانِيُّ أَنَا أَبُو أُسَامَةَ هُوَ حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ أَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ فَذَكَرَتْ حَدِيثًا قَالَتْ فِيهِ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَطَبَ النَّاسَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَمَا بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، وَقُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالاَ جَمِيعًا: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، هُوَ ابْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: إنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ فَقَالَ: مَا بَالُ أُنَاسٍ يَشْتَرِطُونَ

شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، مَنْ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَلَيْسَ لَهُ وَإِنْ اشْتَرَطَ مِائَةَ مَرَّةٍ، شَرْطُ اللَّهِ أَحَقُّ وَأَوْثَقُ. فَهَذَا الأَثَرُ كَالشَّمْسِ صِحَّةً وَبَيَانًا يَرْفَعُ الإِشْكَالَ كُلَّهُ. فَلَمَّا كَانَتْ الشُّرُوطُ كُلُّهَا بَاطِلَةً غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا كَانَ كُلُّ عَقْدٍ مِنْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ: عُقِدَ عَلَى شَرْطٍ بَاطِلٍ بَاطِلاً، وَلاَ بُدَّ; لأََنَّهُ عُقِدَ عَلَى أَنَّهُ لاَ يَصِحُّ إِلاَّ بِصِحَّةِ الشَّرْطِ، وَالشَّرْطُ لاَ صِحَّةَ لَهُ، فَلاَ صِحَّةَ لِمَا عُقِدَ بِأَنْ لاَ صِحَّةَ لَهُ إِلاَّ بِصِحَّةِ مَا لاَ يَصِحُّ.
قال أبو محمد: وَأَمَّا تَصْحِيحُنَا الشُّرُوطَ السَّبْعَةَ الَّتِي ذَكَرْنَا، فَإِنَّهَا مَنْصُوصٌ عَلَى صِحَّتِهَا، وَكُلُّ مَا نَصَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِ فَهُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ تَعَالَى وَأَنْزَلْنَا إلَيْك الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَّ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إلَيْهِمْ. وَقَالَ تَعَالَى {وَمَا يَنْطِقُ، عَنِ الْهَوَى إنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى}. وَقَالَ تَعَالَى {مِنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} . فأما اشْتِرَاطُ الرَّهْنِ فِي الْبَيْعِ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ. وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الثَّمَنِ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} . وَأَمَّا اشْتِرَاطُ "أَنْ لاَ خِلاَبَةَ" فَقَدْ ذَكَرْنَا الْخَبَرَ فِي ذَلِكَ قَبْلَ هَذَا الْمَكَانِ بِنَحْوِ أَرْبَعِ مَسَائِلَ. وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الصِّفَاتِ الَّتِي يَتَبَايَعَانِ عَلَيْهَا مِنْ السَّلاَمَةِ، أَوْ مِنْ أَنْ لاَ خَدِيعَةَ، وَمِنْ صِنَاعَةِ الْعَبْدِ، أَوْ الأَمَةِ، أَوْ سَائِرِ صِفَاتِ الْمَبِيعِ، فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً، عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} فَنَصَّ تَعَالَى عَلَى التَّرَاضِي مِنْهُمَا وَالتَّرَاضِي لاَ يَكُونُ إِلاَّ عَلَى صِفَاتِ الْمَبِيعِ، وَصِفَاتِ الثَّمَنِ ضَرُورَةً. وَأَمَّا اشْتِرَاطُ الثَّمَنِ إلَى الْمَيْسَرَةِ فَلِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلَى مَيْسَرَةٍ} . وَرُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ أَخْبَرَنِي عُمَارَةُ بْنُ أَبِي حَفْصَةَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ إلَى يَهُودِيٍّ قَدِمَتْ عَلَيْهِ ثِيَابٌ: ابْعَثْ إلَيَّ بِثَوْبَيْنِ إلَى الْمَيْسَرَةِ وَذَكَرَ بَاقِيَ الْخَبَرِ. وَأَمَّا مَالُ الْعَبْدِ، أَوْ الأَمَةِ وَاشْتِرَاطُهُ، وَاشْتِرَاطُ ثَمَرِ النَّخْلِ الْمُؤَبَّرِ: فَلِمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ أَنَا مَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَنْ بَاعَ عَبْدًا وَلَهُ مَالٌ فَمَالُهُ لِلْبَائِعِ إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْمُبْتَاعُ وَمَنْ بَاعَ نَخْلاً قَدْ أُبِّرَتْ فَثَمَرَتُهَا لِلْبَائِعِ إِلاَّ أَنْ يَشْتَرِطَ الْمُبْتَاعُ .
قال أبو محمد: وَلَوْ وَجَدْنَا خَبَرًا يَصِحُّ فِي غَيْرِ هَذِهِ الشُّرُوطِ بَاقِيًا غَيْرَ مَنْسُوخٍ لَقُلْنَا بِهِ وَلَمْ نُخَالِفْهُ، وَسَنَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى حُكْمَ هَذَيْنِ الشَّرْطَيْنِ إذْ قَدْ ذَكَرْنَا غَيْرَهُمَا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَقَدْ ذَكَرْنَا رِوَايَةَ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: كُلُّ بَيْعٍ فِيهِ شَرْطٌ فَلَيْسَ بَيْعًا.

قَالَ عَلِيٌّ: فَإِنْ احْتَجَّ مُعَارِضٌ لَنَا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} وَقَوْله تَعَالَى {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إذَا عَاهَدْتُمْ} . وَبِمَا رُوِيَ الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ . قلنا: وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ أَمَّا أَمْرُ اللَّهِ تَعَالَى بِالْوَفَاءِ بِالْعُقُودِ: لاَ يَخْتَلِفُ اثْنَانِ فِي أَنَّهُ لَيْسَ عَلَى عُمُومِهِ، وَلاَ عَلَى ظَاهِرِهِ، وَقَدْ جَاءَ الْقُرْآنُ بِأَنْ نَجْتَنِبَ نَوَاهِيَ اللَّهِ تَعَالَى وَمَعَاصِيَهُ، فَمَنْ عَقَدَ عَلَى مَعْصِيَةٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهَا، فَإِذْ لاَ شَكَّ فِي هَذَا فَقَدْ صَحَّ أَنَّ كُلَّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ، وَالْبَاطِلُ مُحَرَّمٌ، فَكُلُّ مُحَرَّمٍ فَلاَ يَحِلُّ الْوَفَاءُ بِهِ. وَكَذَلِكَ قوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إذَا عَاهَدْتُمْ} فَلاَ يُعْلَمُ مَا هُوَ عَهْدُ اللَّهِ إِلاَّ بِنَصٍّ وَارِدٍ فِيهِ، وَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ كُلَّ عَهْدٍ نَهَى اللَّهُ عَنْهُ فَلَيْسَ هُوَ عَهْدَ اللَّهِ تَعَالَى، بَلْ هُوَ عَهْدُ الشَّيْطَان فَلاَ يَحِلُّ الْوَفَاءُ بِهِ، وَقَدْ نَصَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَنَّ كُلَّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ، وَالْبَاطِلُ لاَ يَحِلُّ الْوَفَاءُ بِهِ. وَأَمَّا الأَثَرُ فِي ذَلِكَ: فَإِنَّنَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ وَهْبٍ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ أَنَا كَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ رَبَاحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ . وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيق عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ الأَنْدَلُسِيِّ حَدَّثَنِي الْحِزَامِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ . وَمِنْ طَرِيق ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ: بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ . وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَاةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مُحَمَّدِ، عَنْ شَيْخٍ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ سَمِعْت عُمَرَ يَقُولُ: الْمُسْلِمُ عِنْد شَرْطِهِ. وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَانِ بْنِ غَنْمٍ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ "إنَّ مَقَاطِعَ الْحُقُوقِ، عِنْدَ الشُّرُوطِ".
وَمِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ أَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: " الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ ".
قال أبو محمد : كَثِيرُ بْنُ زَيْدٍ هُوَ كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ زَيْدٍ هَالِكٌ مَتْرُوكٌ بِاتِّفَاقٍ وَالْوَلِيدُ بْنُ رَبَاحٍ مَجْهُولٌ وَالآخَرُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ حَبِيبٍ هَالِكٌ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ هُوَ الْوَاقِدِيُّ مَذْكُورٌ بِالْكَذِبِ وَعَبْدُ الرَّحْمَانِ بْنُ مُحَمَّدٍ مَجْهُولٌ لاَ يُعْرَفُ وَمُرْسَلٌ أَيْضًا، وَالثَّالِثُ مُرْسَلٌ أَيْضًا، وَاَلَّذِي مِنْ طَرِيقِ عُمَرَ فِيهِ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَاةَ وَهُوَ هَالِكٌ وَخَالِدُ بْنُ مُحَمَّدٍ مَجْهُولٌ وَشَيْخٌ مِنْ بَنِي كِنَانَةَ وَالآخَرُ فِيهِ إسْمَاعِيلُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَلاَ أَعْرِفُهُ. وَخَبَرُ عَلِيٍّ مُرْسَلٌ ثُمَّ لَوْ صَحَّ كُلُّ مَا ذَكَرْنَا لَكَانَ حُجَّةً لَنَا وَغَيْرَ مُخَالِفٍ لِقَوْلِنَا، لأََنَّ شُرُوطَ الْمُسْلِمِينَ هِيَ الشُّرُوطُ الَّتِي أَبَاحَهَا اللَّهُ لَهُمْ، لاَ الَّتِي نَهَاهُمْ عَنْهَا، وَأَمَّا الَّتِي نُهُوا عَنْهَا فَلَيْسَتْ

شُرُوطَ الْمُسْلِمِينَ. وَقَدْ نَصَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أَنَّ كُلَّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَتْ مِائَةَ شَرْطٍ، أَوْ اشْتَرَطَ مِائَةَ مَرَّةٍ وَأَنَّهُ لاَ يَصِحُّ لِمَنْ اشْتَرَطَهُ: فَصَحَّ أَنَّ كُلَّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَبَاطِلٌ، فَلَيْسَ هُوَ مِنْ شُرُوطِ الْمُسْلِمِينَ. فَصَحَّ قَوْلُنَا بِيَقِينٍ. ثُمَّ إنَّ الْحَنَفِيِّينَ، وَالْمَالِكِيِّينَ، وَالشَّافِعِيِّينَ، أَشَدُّ النَّاسِ اضْطِرَابًا وَتَنَاقُضًا فِي ذَلِكَ ; لأََنَّهُمْ يُجِيزُونَ شُرُوطًا وَيَمْنَعُونَ شُرُوطًا كُلَّهَا سَوَاءٌ فِي أَنَّهَا بَاطِلٌ لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَيُجِيزُونَ شُرُوطًا وَيَمْنَعُونَ شُرُوطًا كُلَّهَا سَوَاءٌ فِي أَنَّهَا حَقٌّ ; لأََنَّهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى. فَالْحَنَفِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ يَمْنَعُونَ اشْتِرَاطَ الْمُبْتَاعِ مَالَ الْعَبْدِ، وَثَمَرَةَ النَّخْلِ الْمُؤَبَّرِ، وَلاَ يُجِيزُونَ لَهُ ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ إِلاَّ بِالشِّرَاءِ عَلَى حُكْمِ الْبُيُوعِ. وَالْمَالِكِيُّونَ، وَالْحَنَفِيُّونَ، وَالشَّافِعِيُّونَ: لاَ يُجِيزُونَ الْبَيْعَ إلَى الْمَيْسَرَةِ، وَلاَ شَرْطَ قَوْلِ: لاَ خِلاَبَةَ، عِنْدَ الْبَيْعِ، وَكِلاَهُمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، لأََمْرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِهِمَا، وَيَنْسَوْنَ هَهُنَا " الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ ". وَكُلُّهُمْ يُجِيزُ بَيْعَ الثَّمَرَةِ الَّتِي لَمْ يَبْدُ صَلاَحُهَا بِشَرْطِ الْقَطْعِ، وَهُوَ شَرْطٌ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، بَلْ قَدْ صَحَّ النَّهْيُ عَنْ هَذَا الْبَيْعِ جُمْلَةً، وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ.
قال أبو محمد : وَلاَ يَخْلُو كُلُّ شَرْطٍ اُشْتُرِطَ فِي بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ أَحَدِ ثَلاَثَةِ أَوْجُهٍ لاَ رَابِعَ لَهَا إمَّا إبَاحَةُ مَالٍ لَمْ يَجِبْ فِي الْعَقْدِ، وَأَمَّا إيجَابُ عَمَلٍ، وَأَمَّا الْمَنْعُ مِنْ عَمَلٍ، وَالْعَمَلُ يَكُونُ بِالْبَشَرَةِ، أَوْ بِالْمَالِ فَقَطْ وَكُلُّ ذَلِكَ حَرَامٌ بِالنَّصِّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَبْشَارَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ . وَأَمَّا الْمَنْعُ مِنْ الْعَمَلِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: {لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} . فَصَحَّ بُطْلاَنُ كُلِّ شَرْطٍ جُمْلَةً إِلاَّ شَرْطًا جَاءَ النَّصُّ مِنْ الْقُرْآنِ أَوْ السُّنَّةِ بِإِبَاحَتِهِ وَهَهُنَا أَخْبَارٌ نَذْكُرُهَا، وَنُبَيِّنُهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى لِئَلَّا يَعْتَرِضَ بِهَا جَاهِلٌ أَوْ مُشَغِّبٌ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إسْمَاعِيلَ الْعُذْرِيُّ الْقَاضِي بِسَرَقُسْطَةَ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الرَّازِيّ الْمُطَّوِّعِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمِ النَّيْسَابُورِيُّ أَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْخُلْدِيُّ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَيُّوبَ بْنِ زَاذَانَ الضَّرِيرُ أَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ الذُّهْلِيُّ أَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ التَّنُّورِيُّ قَدِمْت مَكَّةَ فَوَجَدْت بِهَا أَبَا حَنِيفَةَ، وَابْنَ أَبِي لَيْلَى، وَابْنَ شُبْرُمَةَ، فَسَأَلْتُ أَبَا حَنِيفَةَ عَمَّنْ بَاعَ بَيْعًا وَاشْتَرَطَ شَرْطًا فَقَالَ: الْبَيْعُ بَاطِلٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ ثُمَّ سَأَلْتُ ابْنَ أَبِي لَيْلَى، عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ ثُمَّ سَأَلْتُ ابْنَ شُبْرُمَةَ، عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ جَائِزٌ فَرَجَعْت إلَى أَبِي حَنِيفَةَ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالاَ فَقَالَ: لاَ أَدْرِي مَا قَالاَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: نَهَى، عَنْ بَيْعٍ وَشَرْطٍ الْبَيْعُ بَاطِلٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ فَأَتَيْت ابْنَ أَبِي لَيْلَى فَأَخْبَرَتْهُ بِمَا قَالاَ فَقَالَ: لاَ أَدْرِي مَا قَالاَ حَدَّثَنَا

هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: اشْتَرِي بَرِيرَةَ وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلاَءَ الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ فَأَتَيْت ابْنَ شُبْرُمَةَ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالاَ فَقَالَ: لاَ أَدْرِي مَا قَالاَ أَنَا مِسْعَرُ بْنُ كِدَامٍ، عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ بَاعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَمَلاً وَاشْتَرَطَ ظَهْرَهُ إلَى الْمَدِينَةِ الْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ جَائِزٌ. وَهَهُنَا خَبَرٌ رَابِعٌ: رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ شُعَيْبٍ أَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ السِّخْتِيَانِيُّ أَنَا عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِيهِ حَتَّى ذَكَرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : لاَ يَحِلُّ سَلَفٌ وَبَيْعٌ، وَلاَ شَرْطَانِ فِي بَيْعٍ، وَلاَ رِبْحُ مَا لَمْ يُضْمَنْ . وَبِهِ يَأْخُذُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ فَيُبْطِلُ الْبَيْعَ إذَا كَانَ فِيهِ شَرْطَانِ، وَيُجِيزُهُ إذَا كَانَ فِيهِ شَرْطٌ وَاحِدٌ وَذَهَبَ أَبُو ثَوْرٍ إلَى الأَخْذِ بِهَذِهِ الأَحَادِيثِ كُلِّهَا فَقَالَ: إنْ اشْتَرَطَ الْبَائِعُ بَعْضَ مِلْكِهِ كَسُكْنَى الدَّارِ مُدَّةً مُسَمَّاةً، أَوْ دَهْرَهُ كُلَّهُ أَوْ خِدْمَةَ الْعَبْدِ كَذَلِكَ، أَوْ رُكُوبَ الدَّابَّةِ كَذَلِكَ، أَوْ لِبَاسَ الثَّوْبِ كَذَلِكَ: جَازَ الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ ; لأََنَّ الأَصْلَ لَهُ، وَالْمَنَافِعَ لَهُ، فَبَاعَ مَا شَاءَ وَأَمْسَكَ مَا شَاءَ، وَكُلُّ بَيْعٍ اُشْتُرِطَ فِيهِ مَا يَحْدُثُ فِي مِلْكِ الْمُشْتَرِي فَالْبَيْعُ جَائِزٌ وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، كَالْوَلاَءِ وَنَحْوِهِ، وَكُلُّ بَيْعٍ اُشْتُرِطَ فِيهِ عَمَلٌ أَوْ مَالٌ عَلَى الْبَائِعِ أَوْ عَمَلُ الْمُشْتَرِي فَالْبَيْعُ وَالشَّرْطُ بَاطِلاَنِ مَعًا.
قال أبو محمد: هَذَا خَطَأٌ مِنْ أَبِي ثَوْرٍ، لأََنَّ مَنَافِعَ مَا بَاعَ الْبَائِعُ مِنْ دَارٍ، أَوْ عَبْدٍ، أَوْ دَابَّةٍ، أَوْ ثَوْبٍ، أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا هِيَ لَهُ مَا دَامَ كُلُّ ذَلِكَ فِي مِلْكِهِ، فَإِذَا خَرَجَ، عَنْ مِلْكِهِ فَمِنْ الْبَاطِلِ وَالْمُحَالِ أَنْ يَمْلِكَ مَا لَمْ يَخْلُقْهُ اللَّهُ تَعَالَى بَعْدُ، مِنْ مَنَافِعِ مَا بَاعَ، فَإِذَا أَحْدَثَهَا اللَّهُ تَعَالَى، فَإِنَّمَا أَحْدَثَهَا اللَّهُ تَعَالَى فِي مِلْكِ غَيْرِهِ، فَهِيَ مِلْكٌ لِمَنْ حَدَثَتْ عِنْدَهُ فِي مِلْكِهِ فَبَطَلَ تَوْجِيهُ أَبِي ثَوْرٍ، وَكَذَلِكَ بَاقِي تَقْسِيمِهِ ; لأََنَّهُ دَعْوَى بِلاَ برهان.
وَأَمَّا قَوْلُ أَحْمَدَ: فَخَطَأٌ أَيْضًا: لأََنَّ تَحْرِيمَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الشَّرْطَيْنِ فِي بَيْعٍ لَيْسَ مُبِيحًا لِشَرْطٍ وَاحِدٍ، وَلاَ مُحَرِّمًا لَهُ، لَكِنَّهُ مَسْكُوتٌ عَنْهُ فِي هَذَا الْخَبَرِ، فَوَجَبَ طَلَبُ حُكْمِهِ فِي غَيْرِهِ، فَوَجَدْنَا قَوْلَهُ صلى الله عليه وسلم : كُلِّ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ . فَبَطَلَ الشَّرْطُ الْوَاحِدُ، وَكُلُّ مَا لَمْ يُعْقَدْ إِلاَّ بِهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. وَبَقِيَ حَدِيثُ بَرِيرَةَ، وَجَابِرٍ فِي الْجَمَلِ، فَنَقُولُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ. إنَّنَا رُوِّينَا مَا حَدَّثَنَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نَبَاتٍ، حَدَّثَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُفَرِّجٍ أَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْوَرْدِ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ بْنِ بَادِيٍّ الْعَلَّافُ، أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ أَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ فَقَالَتْ: كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ فَأَعِينِينِي فَقَالَتْ عَائِشَةُ: إنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29