كتاب : أحكام القرآن
المؤلف : أحمد بن علي الرازي الجصاص 

وقوله وسلموا تسليما يحتج به أصحاب الشافعي في إيجاب فرض السلام في آخر الصلاة ولا دلالة فيه على ما ذكروا لأنه لم يذكر الصلاة فهو على نحو ما ذكرنا في الصلاة عليه ويحتجون به أيضا في فرض التشهد لأن فيه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم -

ولا دلالة فيه على ما ذهبوا إليه إذ لم يذكر السلام على النبي ص
- ويحتمل أن يريد به تأكيد الفرض في الصلاة عليه بتسليمهم لأمر الله إياهم بها كقوله ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما قال أبو بكر قد ذكر الله تعالى في كتابه اسمه وذكر نبيه ص - فأفرد نفسه بالذكر ولم يجمع الاسمين تحت كناية واحدة نحو قوله والله ورسوله أحق أن يرضوه ولم يقل ترضوهما لأن اسم الله واسم غيره لا يجتمعان في كناية وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم - أنه خطب بين يديه رجل فقال من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى فقال النبي صلى الله عليه وسلم -
قم فبئس خطيب القوم أنت لقوله ومن يعصهما فإن قيل فقد قال الله تعالى إن
الله وملائكته يصلون على النبي فجمع اسمه واسم ملائكته في الضمير قيل له إنما أنكرنا جمعهما في كناية يكون اسما لهما نحو الهاء التي هي كناية عن الاسم فأما الفعل الذي ليس باسم ولاكناية عنه وإنما فيه الضمير فلا يمتنع ذلك فيه وقد قيل أيضا في هذا الموضع أن قوله يصلون ضمير الملائكة دون اسم الله تعالى وصلاة الله على النبي مفهومة من الآية من جهة المعنى كقوله انفضوا إليها رد الكناية إلى التجارة دون اللهو لأنه مفهوم من جهة المعنى وكذلك قوله والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله المذكور في ضمير النفقة هو الفضة والذهب مفهوم من جهة المعنى قوله تعالى إن الذين يؤذون الله ورسوله يعني يؤذون أولياء الله ورسوله وذلك لأن الله لا يجوز أن يلحقه الأذى فأطلق ذلك مجازا لأن المعنى مفهوم عند المخاطبين كما قال واسئل القرية والمعنى أهل القرية وقوله تعالى والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا قد قيل إنه أراد من أضمر ذكره في الآية الأولى من أولياء الله فأظهر ذكرهم بعد الضمير وبين أنهم المرادون بالضمير وأخبر عن احتمالهم البهتان والاسم اللذين بهما يستحقون ما ذكر في الآية الأولى من اللعن والعذاب قوله تعالى يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن روي عن عبدالله قال الجلباب الرداء وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد يتجلببن ليعلم أنهن حرائر ولا يعرض لهن فاسق وروى محمد بن سيرين عن عبيدة يدنين

عليهن من جلابيبهن قال تقنع عبيدة وأخرج إحدى عينيه وحدثنا عبدالله بن محمد قال حدثنا الحسن بن أبي الربيع قال أخبرنا عبدالرزاق قال أخبرنا معمر عن الحسن قال كن إماء بالمدينة يقال لهن كذا وكذا يخرجن فيتعرض بهن السفهاء فيؤذونهن وكانت المرأة الحرة تخرج فيحسبون أنها أمة فيتعرضون لها فيؤذونها فأمر الله المؤمنات أن يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن أنهن حرائر فلا يؤذين وقال ابن عباس ومجاهد تغطي الحرة إذا خرجت جبينها ورأسها خلاف حال الإماء وحدثنا عبدالله بن محمد قال حدثنا الحسن قال أخبرنا عبدالرزاق قال أخبرنا معمر عن أبي خيثم عن صفية بنت شيبة عن أم سلمة قالت لما نزلت هذه الاية يدنين عليهن من جلابيبهن خرج نساء من الأنصار كان على رؤسهن الغربان من أكسية سود يلبسنها قال أبو بكر في هذه الآية دلالة على ان المرأة الشابة مأمورة بستر وجهها عن الأجنبيين وإظهار الستر والعفاف عند الخروج لئلا يطمع أهل الريب فيهن وفيها دلالة على أن الأمة ليس عليها ستر وجهها وشعرها لأن قوله تعالى ونساء المؤمنين ظاهره أنه أراد الحرائر وكذا روي في التفسير لئلا يكن مثل الإماء اللاتي هن غير مأمورات بستر الرأس والوجه فجعل الستر فرقا يعرف به الحرائر من الإماء وقد روي عن عمر أنه كان يضرب الإماء ويقول اكشفن رؤسكن ولا تشبهن بالحرائر قوله تعالى لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة الآية حدثنا عبدالله بن محمد قال حدثنا الحسن قال أخبرنا عبدالرزاق عن معمر عن قتادة أن ناسا من المنافقين أرادوا أن يظهروا نفاقهم فنزلت لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض والمرجفون في المدينة لنغرينك بهم أي لنحرشنك وقال ابن عباس لنغرينك بهم لنسلطنك عليهم ثم لا يجاورونك فيها إلا قليلا بالنفي عنها قال أبو بكر في هذه الآية دلالة على أن الإرجاف بالمؤمنين والإشاعة بما يغمهم ويؤذيهم يستحق به التعزير والنفي إذا أصر عليه ولم ينته عنه وكان قوم من المنافقين وآخرون ممن لا بصيرة لهم في الدين وهم الذين في قلوبهم مرض وهو ضعف اليقين يرجفون باجتماع الكفار والمشركين وتعاضدهم ومسيرهم إلى المؤمنين فيعظمون شأن الكفار بذلك عندهم ويخوفونهم فأنزل الله تعالى فيهم وأخبر تعالى باستحقاقهم النفي والقتل إذا لم ينتهوا عن ذلك فأخبر تعالى أن ذلك سنة الله وهو الطريقة المأمور بلزومها واتباعها وقوله تعالى ولن

تجد لسنة الله تبديلا يعني والله أعلم أن احدا لا يقدر على تغيير سنة الله وإبطالها آخر سورة الأحزاب
ومن

سورة سبأ
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى اعملوا آل داود شكرا روي عن عطاء بن يسار قال تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم - على المنبر اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور ثم قال ثلاث ومن أوتيهن فقد أوتي مثل ما أوتي آل داود العدل في الغضب والرضا والقصد في الغنى والفقر وخشية الله في السر والعلانية قوله تعالى يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل يدل على أن عمل التصاوير كان مباحا وهو محظور في شريعة النبي صلى الله عليه وسلم - لما روي عنه أنه قال لا يدخل الملائكة بيتا فيه صورة وقال من صور صورة كلف يوم القيامة أن يحييها وإلا فالنار وقال لعن الله المصورين وقد قيل فيه إن المراد من شبه الله تعالى بخلقه آخر سورة سبأ
ومن سورة فاطر
بسم الله الرحمن الرحيم
روى عكرمة قال ذكر عند ابن عباس بقطع الصلاة الكلب والحمار فقرأ إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه فما الذي يقطع هذا وروى سالم عن سعيد بن جبير الكلم الطيب يرفعه العمل الصالح قوله تعالى ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها الحلية ههنا اللؤلؤ وما يتحلى به مما يخرج من البحر واختلف الفقهاء في المرأة تحلف أن لا تلبس حليا فقال أبو حنيفة اللؤلؤ وحده ليس بحلي إلا أن يكون معه ذهب لقوله تعالى ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع وهذا في الذهب دون اللؤلؤ إذ لا توقد عليه وقوله حلية تلبسونها إنما سماه حلية في حال اللبس وهو لا يلبس وحده في العادة إنما يلبس مع الذهب ومع ذلك فإن إطلاق لفظ الحلية عليه في القرآن لا يوجب حمل اليمين عليه والدليل عليه قوله تأكلون لحما طريا وأراد به السمك ولو حلف أن لا يأكل لحما فأكل سمكا لم يحنث وكذلك قوله وجعل الشمس سراجا ومن حلف لا يقعد في سراج وقعد في الشمس لا يحنث قوله تعالى إنما يخشى الله من عباده العلماء فيه الإبانة عن فضيلة العلم وأن به يتوصل إلى خشية الله وتقواه لأن من

عرف توحيد الله وعدله بدلائله أوصله ذلك إلى خشية الله وتقواه إذ كان من لا يعرف الله ولا يعرف عدله وما قصد له بخلقه لا يخشى عقابه ولا يتقيه وقوله في آية أخرى يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات وقال تعالى إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية إلى قوله ذلك لمن خشي ربه خبر إن خير البرية من خشي ربه وأخبر في الآية أن العلماء بالله هم الذين يخشونه فحصل بمجموع الآيتين أن أهل العلم بالله هم خير البرية وإن كانوا على طبقات في ذلك ثم وصف أهل العلم بالله الموصوفين بالخشية منه فقال إن الذين يتلون كتاب الله واقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور فكان ذلك في صفة الخاشعين لله العاملين بعلمهم وقد ذكر في آية أخرى المعرض عن موجب علمه فقال واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه إلى آخر القصة فهذه صفة العالم غير العامل والأول صفة العالم المتقي لله وأخبر عن الأولين بأنهم واثقون بوعد الله وثوابه على أعمالهم بقوله تعالى يرجون تجارة لن تبور قوله تعالى الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن روى بعض السلف قال من شأن المؤمن الحزن في الدنيا ألا تراهم حين يدخلون الجنة يقولون الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم - أنه قال الدنيا سجن المؤمن قيل لبعض النساك ما بال أكثر النساك محتاجين إلى ما في يد غيرهم قال لأن الدنيا سجن المؤمن وهل يأكل المسجون إلا من يد المطلق قوله تعالى وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب روي عن الحسن والضحاك قالا ما يعمر من معمر ولا ينقص من عمر معمر آخر وقال الشعبي لا ينقص من عمره لا ينقضي ما ينقص منه وقتا بعد وقت وساعة بعد ساعة والعمر هو مدة الأجل التي كتبها الله لخلقه فهو عالم بما ينقص منها بمضي الأوقات والأزمان قوله تعالى أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير روي عن ابن عباس ومسروق أن العمر الذي ذكر الله به أربعون سنة وعن ابن عباس رواية وعن علي ستون سنة وحدثنا عبدالله بن محمد قال حدثنا الحسن بن أبي الربيع قال أخبرنا عبدالرزاق عن معمر قال أخبرني رجل من غفار عن سعيد المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم -

أنه قال لقد أعذر الله عبدا أحياه حتى بلغ ستين أو سبعين سنة لقد أعذر

الله إليه حدثنا عبدالله قال حدثنا الحسن قال أخبرنا عبدالرزاق عن معمر عن أبي خيثم عن مجاهد عن ابن عباس قال العمر الذي أعذر الله إلى ابن آدم ستون سنة وبإسناده عن مجاهد مثله من قوله تعالى وجاءكم النذير روي عن بعض أهل التفسير أن النذير محمد ص -

وروي أنه الشيب قال أبو بكر ويجوز أن يكون المراد النبي ص
- وسائر ما أقام الله من الدلائل على توحيده وتصديق رسله ووعده ووعيده وما يحدث في الإنسان من حين بلوغه إلى آخر عمره من التغير والإنتقال من حال إلى حال من غير صنع له فيه ولا اختيار منه له فيكون حدثا شابا ثم كهلا ثم شيخا وما ينقلب فيه فيما بين ذلك من مرض وصحة وفقر وغناء وفرح وحزن ثم ما يراه في غيره وفي سائر الاشياء من حوادث الدهر التي لا صنع للمخلوقين فيها وكل ذلك داع له إلى الله ونذير له إليه كما قال تعالى أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء فأخبر أن في جميع ما خلق دلالة عليه ورادا للعباد إليه آخر سورة فاطر
ومن
سورة يس
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى والشمس تجري لمستقر لها حدثنا عبدالله بن محمد قال حدثنا الحسن بن أبي الربيع قال أخبرنا معمر عن أبي إسحاق عن وهب بن جابر عن عبدالله بن عمر في قوله والشمس تجري لمستقر لها قال الشمس تطلع فيراها بنو آدم حتى إذا كان يوم غربت فتحبس ما شاء الله ثم يقال أطلعي من حيث غربت فهو يوم لا ينفع نفسا إيمانها الآية قال معمر وبلغني عن أبي موسى الأشعري أنه قال إذا كانت الليلة التي تطلع فيها الشمس من حيث تغرب قام المتهجدون لصلاتهم فصلوا حتى يملوا ثم يعودون إلى مضاجعهم يفعلون ذلك ثلاث مرات والليل كما هو والنجوم واقفة لا تسري حتى يخرج الرجل إلى أخيه ويخرج الناس بعضهم إلى بعض قال ابو بكر فكان معنى قوله لمستقر لها على هذا التأويل وقوفها عن السير في تلك الليلة إلى أن تطلع من مغربها قال معمر وبلغني أن بين أول الآيات وآخرها ستة أشهر قيل له وما الآيات قال زعم قتادة قال النبي صلى الله عليه وسلم -
بادروا بالأعمال ستا طلوع الشمس من مغربها والدجال والدخان ودابة الأرض
وخويصة أحدكم وأمر العامة قيل له هل بلغك أي الآيات أول قال

طلوع الشمس من مغربها وقد بلغني أن رجالا يقولون الدجال وحدثنا عبدالله بن محمد قال حدثنا الحسن قال أخبرنا عبدالرزاق قال أخبرنا معمر عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - لا تقوم الساعة على أحد يقول لا إله إلا الله وروى قتادة لمستقر لها قال لوقت واحد لها لا تعدوه قال أبو بكر يعني أنها استقرت على سير واحد وعلى مقدار واحد لا تختلف وقيل لمستقر لها لا بعد منازلها في الغروب قوله تعالى لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر حدثنا عبدالله بن محمد قال حدثنا الحسن بن أبي الربيع قال أخبرنا عبدالرزاق قال أخبرنا معمر عن الحسن في قوله لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر قال ذاك ليلة الهلال قال أبو بكر يعني والله أعلم أنها لا تدركه فتستره بشعاعها حتى تمنع رؤيته لأنهما مسخران مقسوران على ما رتبهما الله عليه لا يمكن واحدا منهما أن يتغير عن ذلك وقال أبو صالح لا يدرك أحدهما ضوء الآخر وقيل لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر حتى يكون نقصان ضوئها كنقصانها وقيل لا تدركه في سرعة السير وحدثنا عبدالله بن محمد قال حدثنا الحسن بن أبي الربيع قال أخبرنا عبدالرزاق عن معمر قال وبلغني أن عكرمة قال لكل واحد منهما سلطان للقمر سلطان الليل وللشمس النهار فلا ينبغي للشمس أن تطلع بالليل ولا الليل سابق النهار يقول لا ينبغي إذا كان الليل أن يكون ليل آخر حتى يكون نهارا فإن قيل هذا يدل على أن ابتداء الشهر نهار لا ليل لأنه قال ولا الليل سابق النهار فإذا لم يسبق الليل النهار واستحال اجتماعهما معا وجب أن يكون النهار سابقا لليل فيكون ابتداء الشهور من النهار لا من الليل قيل له ليس تأويل الآية ما ذهبت إليه وإنما معناها أحد الوجوه التي تقدم ذكرها عن السلف ولم يقل أحد منهم أن معناها أن ابتداء الشهور من النهار فهذا تأويل ساقط بالإجماع وأيضا فلما كانت الشهور التي تتعلق بها أحكام الشرع هي شهور الأهلة والهلال أول ما يظهر فإنما يظهر ليلا ولا يظهر ابتداء النهار وجب أن يكون ابتداؤها من الليل ولا خلاف بين أهل العلم أن أول ليلة من شهر رمضان هي من رمضان وأن أول ليلة من شوال هي من شوال فثبت بذلك أن ابتداء الشهور من الليل ألا ترى أنهم يبتدؤن بصلاة تراويح في أول ليلة منه وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم -

أنه قال إذا كان أول ليلة من رمضان صفدت فيه الشياطين وجميع ذلك يدل على
أن ابتداء الشهور من أول الليل وقد قال أصحابنا

فيمن قال لله علي اعتكاف شهر أنه يبتدئ به من الليل لأن ابتداء الشهور من الليل قوله تعالى وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون روي عن الضحاك وقتادة أنه أراد سفينة نوح قال أبو بكر فنسب الذرية إلى المخاطبين لأنه من جنسهم كأنه قال ذرية الناس وقوله تعالى وخلقنا لهم من مثله ما يركبون قال ابن عباس السفن بعد سفينة نوح وروي عن ابن عباس رواية أخرى وعن مجاهد أن الإبل سفن البر قوله تعالى ومن نعمره ننكسه في الخلق قال قتادة نصيره إلى حال الهرم التي تشبه حال الصبي في غروب العلم وضعف القوى وقال غيره نصيره بعد القوة إلى الضعف وبعد زيادة الجسم إلى النقصان وبعد الجدة والطراوة إلى البلى قال أبو بكر ومثله قوله تعالى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر وسماه أرذل العمر لأنه لا يرجى له بعده عود من النقصان إلى الزيادة ومن الجهل إلى العلم كما يرجى مصير الصبي من الضعف إلى القوة ومن الجهل إلى العلم ونظيره قوله تعالى ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة قوله تعالى وما علمناه الشعر وما ينبغي له حدثنا عبدالله بن محمد بن إسحاق قال حدثنا الحسن بن أبي الربيع قال أخبرنا عبدالرزاق عن معمر في قوله وما علمناه الشعر وما ينبغي له قال بلغني أن عائشة سئلت هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم - يتمثل بشيء من الشعر فقالت لا إلا ببيت أخي بني قيس بن طرفة ... ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا ... ويأتيك بالأخبار من لم تزود ...
قال فجعل النبي صلى الله عليه وسلم -

يقول يأتيك من لم تزود بالأخبار فقال أبو بكر ليس هكذا يا رسول الله قال
إني لست بشاعر ولا ينبغي لي قال أبو بكر لم يعط الله نبيه ص - العلم بإنشاء الشعر لم يكن قد علمه الشعر لأنه الذي يعطي فطنة ذلك من يشاء من عباده وإنما لم يعط ذلك لئلا تدخل به الشبهة على قوم فيما أتى به من القرآن أنه قوي على ذلك بما في طبعه من الفطنة للشعر وإذا كان التأويل أنه لم يعطه الفطنة لقول الشعر لم يمتنع على ذلك أن ينشد شعرا لغيره إلا أنه لم يثبت من وجه صحيح أنه تمثل بشعر لغيره وإن كان قد روي أنه قال ... هل أنت إلا أصبع دميت ... وفي سبيل الله ما لقيت ...
وقد روي أن القائل لذلك بعض الصحابة وأيضا فإن من أنشد شعرا لغيره أو قال بيتا أو بيتين لم يسم شاعرا أو لا يطلق عليه أنه قد علم الشعر أو قد تعلمه ألا ترى أن من

لا يحسن الرمي قد يصيب في بعض الأوقات برميته ولا يستحق بذلك أن يسمى راميا ولا أنه تعلم الرمي فكذلك من أنشد شعرا لغيره وأنشأ بيتا ونحوه لم يسم شاعرا قوله تعالى قال من يحيي العظام وهي رميم قل يحييها الذي أنشأها أول مرة فيه من أوضح الدليل على أن من قدر على الابتداء كان أقدر على الإعادة إذ كان ظاهر الأمر أن إعادة الشيء أيسر من ابتدائه فمن قدر على الإنشاء ابتداء فهو على الإعادة أقدر فيما يجوز عليه البقاء وفيه الدلالة على وجوب القياس والاعتبار لأنه ألزمهم قياس النشأة الثانية على الأولى وربما احتج بعضهم بقوله تعالى قال من يحيي العظام وهي رميم على أن العظم فيه حياة فيجعله حكم الموت بموت الأصل ويكون ميتة وليس كذلك لأنه إنما سماه حيا مجازا إذ كان عضوا يحيى الأرض بعد موتها ومعلوم أنه لا حياة فيها آخر سورة يس
ومن

سورة والصافات
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر إلى قوله وفديناه بذبح عظيم قال أبو بكر ظاهره يدل على أنه كان مأمورا بذبحه فجائز أن يكون الأمر إنما تضمن معالجة الذبح لا ذبحا يوجب الموت وجائز أن يكون الأمر حصل على شريطة التخلية والتمكن منه وعلى أن لا يفديه بشيء وأنه إن فدى منه بشيء كان قائما مقامه والدليل على أن ظاهره قد اقتضى الأمر قوله افعل ما تؤمر وقوله وفديناه بذبح عظيم فلو لم يكن ظاهره قد اقتضى الأمر بالذبح لما قال افعل ما تؤمر ولم يكن الذبح فداء عن ذبح متوقع وروي أن إبراهيم عليه السلام كان نذر إن رزقه الله ولدا ذكرا أن يجعله ذبيحا لله فأمر بالوفاء به وروي أن الله تعالى ابتدأ بالأمر بالذبح على نحو ما قدمنا وجائز أن يكون الأمر ورد بذبح ابنه وذبح فوصل الله أوداجه قبل خروج الروح وكانت الفدية لبقاء حياته قال أبو بكر وعلى أي وجه تصرف تأويل الآية قد تضمن الأمر بذبح الولد إيجاب شاة في العاقبة فلما صار موجب هذا اللفظ إيجاب شاة في المتعقب في شريعة إبراهيم عليه السلام وقد أمر الله باتباعه بقوله تعالى ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وقال أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده وجب على من نذر ذبح ولده شاة وقد اختلف السلف وفقهاء الأمصار بعدهم في ذلك

فروى عكرمة عن ابن عباس في الرجل يقول هو ينحر ابنه قال كبش كما فدى إبراهيم إسحاق وروى سفيان عن منصور عن الحكم عن علي في رجل نذر أن ينحر ابنه قال يهدي بدنة أو ديته شك الرواي وعن مسروق مثل قول ابن عباس وروى شعبة عن الحكم عن إبراهيم قال يحج ويهدي بدنة وروى داود بن أبي هند عن عامر في رجل حلف أن ينحر ابنه قال قال بعضهم مائة من الإبل وقال بعضهم كبش كما فدى إسحاق قال أبو بكر قال أبو حنيفة ومحمد عليه ذبح شاة وقال أبو يوسف لا شيء عليه وقال أبو حنيفة لو نذر ذبح عبده لم يكن عليه شيء وقال محمد عليه ذبح شاة وظاهر الآية يدل على قول أبي حنيفة في ذبح الولد لأن هذا اللفظ قد صار عبارة عن إيجاب شاة في شريعة إبراهيم عليه السلام فوجب بقاء حكمه ما لم يثبت نسخه وذهب أبو يوسف إلى حديث أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم -

قال لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم وروى الحسن عن
عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وسلم - قال لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين قال أبو بكر لا يلزم القائلين بالقول الأول وذلك لأن قوله علي ذبح ولدي لما صار عبارة عن إيجاب ذبح شاة صار بمنزلة ما لو قال علي ذبح شاة ولم يكن ذلك معصية وإنما لم يوجب أبو حنيفة على الناذر ذبح عبده شيئا لأن هذا اللفظ ظاهره معصية ولم يثبت في الشرع عبارة عن ذبح شاة فكان نذر معصية وقد قالوا جميعا فيمن قال لله علي أن أقتل ولدي أنه لا شيء عليه لأن هذا اللفظ ظاهره معصية ولم يثبت في الشرع عبارة عن ذبح شاة وقد روى يزيد بن هارون عن يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد قال كنت عند ابن عباس فجاءته امرأة فقالت إني نذرت أن انحر ابني قال لا تنحري ابنك وكفري عن يمينك فقال رجل عند ابن عباس إنه لا وفاء لنذر في معصية فقال ابن عباس مه قال الله تعالى في الظهار ما سمعت وأوجب فيه ما ذكره قال أبو بكر وليس ذلك بمخالف لما قدمنا من قول ابن عباس في إيجابه كبشا لأنه جائز أن يكون من مذهبه إيجابهما جميعا إذا أراد بالنذر اليمين كما قال أبو حنيفة ومحمد فيمن قال لله علي أن أصوم غدا فلم يفعل وأراد اليمين أن عليه كفارة اليمين والقضاء جميعا وقد اختلف في الذبيح من ولدي إبراهيم عليهم السلام فروي عن علي وابن مسعود وكعب والحسن وقتادة أنه إسحاق وعن ابن عباس وابن عمر وسعيد بن المسيب ومحمد بن كعب القرظي أنه إسماعيل وروي عن النبي

ص - القولان جميعا ومن قال هو إسماعيل يحتج بقوله عقيب ذكر الذبح وبشرناه بإسحاق نبيا فلما كانت البشارة بعد الذبح دل على أنه إسماعيل واحتج الآخرون بأنه ليس ببشارة بولادته وإنما هي بشارة بنبوته لأنه قال وبشرناه بإسحاق نبيا قوله تعالى فساهم فكان من المدحضين احتج به بعض الأغمار في إيجاب القرعة في العبيد يعتقهم المريض وذلك إغفال منه وذلك لأنه عليه السلام ساهم في طرحه في البحر وذلك لا يجوز عند أحد من الفقهاء كما لا تجوز القرعة في قتل من خرجت عليه وفي أخذ ماله فدل على أنه خاص فيه عليه السلام دون غيره قوله تعالى وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون قال ابن عباس بل يزيدون قيل إن معنى أو ههنا الإبهام كأنه قال أرسلناه إلى أحد العددين وقيل هو على شك المخاطبين إذ كان الله تعالى لا يجوز عليه الشك آخر سورة والصافات
ومن

سورة ص
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى يسبحن بالعشي والإشراق روي عن معمر عن عطاء الخراساني عن ابن عباس قال لم يزل في نفسي من صلاة الضحى حتى قرأت إنا سخرنا الجبال معه يسبحن بالعشي والإشراق وروى القاسم عن زيد بن أرقم قال خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم - على أهل قباء وهم يصلون الضحى فقال إن صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال من الضحى وروى شريك عن زيد بن أبي زياد عن مجاهد عن أبي هريرة قال أوصاني خليلي بثلاث ونهاني عن ثلاث أوصاني بصلاة الضحى والوتر قبل النوم وصيام ثلاثة أيام من كل شهر ونهاني عن نقر كنقر الديك والتفات كالتفات الثعلب وإقعاء كإقعاء الكلب وروى عطية عن أبي سعيد الخدري قال كان النبي صلى الله عليه وسلم - يصلي الضحى حتى نقول لا يدعها ويدعها حتى نقول لا يصليها وروي عن عائشة وأم هانئ أن النبي صلى الله عليه وسلم -
صلى الضحى وعن ابن عمر أن النبي ص
- لم يصلها وقال ابن عمر هي من أحب ما أحدث الناس إلي وروى ابن أبي مليكة عن ابن عباس أنه سئل عن صلاة الضحى فقال إنها لفي كتاب الله وما يغوص عليها إلا غواص ثم قرأ في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه يسبح له فيها بالغدو والآصال قوله تعالى إنا سخرنا الجبال معه قيل إنه سخرها معه فكانت تسير معه وجعل ذلك تسبيحا

منها لله تعالى لأن التسبيح لله هو تنزيهه عما لا يليق به فلما كان سيرها دلالة على تنزيه الله جعل ذلك تسبيحا منها له قوله تعالى وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب حدثنا عبدالله بن محمد بن إسحاق قال حدثنا الحسن بن أبي الربيع قال أخبرنا عبدالرزاق قال أخبرنا معمر عن عمرو بن عبيد عن الحسن في قوله وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب قال جزأ داود الدهر أربعة أيام يوما لنسائه ويوما لقضائه ويوما يخلو فيه لعبادة ربه ويوما لبني إسرائيل يسألونه وذكر الحديث قال أبو بكر وهذا يدل على أن القاضي لا يلزمه الجلوس للقضاء في كل يوم وأنه جائز له الاقتصار على يوم من أربعة أيام ويدل على أنه لا يجب على الزوج الكون عند امرأته في كل يوم وأنه جائز له أن يقسم لها يوما من أربعة أيام وقال أبو عبيدة المحراب صدر المجلس ومنه محراب المسجد وقيل إن المحراب الغرفة وقوله تعالى إذ تسوروا المحراب يدل على ذلك والخصم اسم يقع على الواحد وعلى الجماعة وإنما فزع منهم داود لأنهم دخلوا عليه في موضع صلاته على صورة الآدميين بغير إذن فقالوا لاتخف خصمان بغى بعضنا على بعض ومعناه أرأيت إن جاءك خصمان فقالا بغى بعضنا على بعض وإنما كان فيه هذا الضمير لأنه معلوم أنهما كانا من الملائكة ولم يكن من بعضهم بغي على بعض والملائكة لا يجوز عليهم الكذب فعلمنا أنهما كلماه بالمعاريض التي تخرجهما من الكذب مع تقريب المعنى بالمثل الذي ضرباه وقولهما إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة هو على معنى ما قدمنا من ضمير أرأيت إن كان له تسع وتسعون نعجة وأراد بالنعاج النساء وقد قيل إن داود كان له تسع وتسعون امرأة وأن أوريا بن حنان لم تكن له امرأة وقد خطب امرأة فخطبها داود مع علمه بأن أوريا خطبها وتزوجها وكان فيه شيآن مما سبيل الأنبياء التنزه عنه أحدهما خطبته على خطبة غيره والثاني إظهار الحرص على التزويج مع كثرة من عنده من النساء ولم يكن عنده أن ذلك معصية فعاتبه الله تعالى عليها وكانت صغيرة وفطن حين خاطبه الملكان بأن الأولى كان به أن لا يخطب المرأة التي خطبها غيره وقوله ولي نعجة واحدة يعني خطبت امرأة واحدة قد كان التراضي منا وقع بتزويجها وما روي في أخبار القصاص من أنه نظر إلى المرأة فرآها متجردة فهويها وقدم زوجها للقتل فإنه وجه لا يجوز على الأنبياء لأن الأنبياء لا يأتون المعاصي مع العلم بأنها معاص إذ لا يدرون لعلها كبيرة تقطعهم عن ولاية الله

تعالى ويدل على صحة التأويل الأول أنه قال وعزني في الخطاب فدل ذلك على أن الكلام إنما كان بينهما في الخطبة ولم يكن قد تقدم تزويج الآخر وقوله تعالى فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط يدل على أن للخصم أن يخاطب الحاكم بمثله وقوله تعالى لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه من غير أن يسئل الخصم عن ذلك يدل على أنه أخرج الكلام مخرج الحكاية والمثل على ما بينا وأن داود قد كان عرف ذلك من فحوى كلامه لولا ذلك لما حكم بظلمه قبل أن يسئله فيقر عنده أو تقوم عليه البينة به وقوله تعالى وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم علىبعض وهو يعني الشركاء يدل على أن العادة في أكثر الشركاء الظلم والبغي ويدل عليه أيضا قوله إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم قوله تعالى وظن داود أنما فتناه يدل على أنه عليه السلام لم يقصد المعصية بديا وإن كلام الملكين أوقع له الظن بأنه قد أتى معصية وإن الله تعالى قد شدد عليه المحنة بها لأن الفتنة في هذا الموضع تشديد التعبد والمحنة فحيئنذ علم أن ما أتاه كان معصية واستغفر منها وقوله تعالى وخر راكعا وأناب روى أيوب عن عكرمة عن ابن عباس قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم -

سجد في ص وليست من العزائم وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس عن النبي ص
- قال في سجدة ص سجدها داود توبة ونحن نسجدها شكرا وروى الزهري عن السائب بن يزيد أنه رأى عمر سجد في ص وروى عثمان وابن عمر مثله وقال مجاهد قلت لابن عباس من أين أخذت سجدة ص قال فتلا علي أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتد ه فكان داود سجد فيها فلذلك سجد فيها النبي صلى الله عليه وسلم -
وروى مسروق عن ابن مسعود أنه كان لا يسجد فيها ويقول هي توبة نبي وقول
ابن عباس في رواية سعيد بن جبير أن النبي صلى الله عليه وسلم - فعلها اقتداء بداود لقوله فبهداهم اقتده يدل على أنه رأى فعلها واجبا لأن الأمر على الوجوب وهو خلاف رواية عكرمة عنه أنها ليست من عزائم السجود ولما سجد النبي صلى الله عليه وسلم - فيها كما سجد في غيرها من مواضع السجود دل على أنه لا فرق بينها وبين سائر مواضع السجود وأما قول عبدالله أنها ليس بسجدة لأنها توبة نبي فإن كثيرا من مواضع السجود إنما هو حكايات عن قوم مدحوا بالسجود نحو قوله تعالى إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون وهو موضع السجود للناس بالاتفاق وقوله تعالى إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى

عليهم يخرون للأذقان سجدا ونحوها من الآي التي فيها حكاية سجود قوم فكانت مواضع السجود وقوله وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون يقتضي لزوم فعله عند سماع القرآن فلو خلينا والظاهر أوجبناه في سائر القرآن فمتى اختلفنا في موضع منه فإن الظاهر يقتضي وجوب فعله إلا أن تقوم الدلالة على غيره وأجاز أصحابنا الركوع عن سجود التلاوة وذكر محمد بن الحسن أنه قد روي في تأويل قوله تعالى وخر راكعا أن معناه خر ساجدا فعبر بالركوع عن السجود فجاز أن ينوب عنه إذ صار عبارة عنه قوله تعالى وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب روى أشعث عن الحسن قال العلم بالقضاء وعن شريح قال الشهود والأيمان وعن أبي حصين عن أبي عبدالرحمن السلمي قال فصل الخطاب قال الخصوم قال أبو بكر الفصل بين الخصوم بالحق وهذا يدل على أن فصل القضاء واجب على الحاكم إذا خوصم إليه وأنه غير جائز له إهمال الحكم وهو يبطل قول من يقول إن الناكل عن اليمين يحبس حتى يقرأ ويحلف لأن فيه إهمال الحكم وترك الفصل وروى الشعبي عن زياد أن فصل الخطاب أما بعد وليس زياد ممن يعتد به في الأقاويل ولكنه قد روى وعسى أن يكون ذهب إلى أنه فصل بين الدعاء في صدر الكتاب وبين الخطاب المقصود به الكتاب قوله تعالى يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى حدثنا عبدالباقي بن قانع قال حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال حدثنا أبو عبيد القاسم بن سلام قال حدثنا عبدالرحمن بن مهدي عن حماد بن سلمة عن حميد بن سلمة عن الحسن قال إن الله أخذ على الحكام ثلاثا أن لا يتبعوا الهوى وأن يخشوه ولا يخشوا الناس وأن لا يشتروا بآياته ثمنا قليلا ثم قرأ يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى الآية وقرأ إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا إلى قوله فلا تخشوا الناس واخشون وروى سليمان بن حرب عن حماد بن أبي سلمة عن حميد قال لما استقضى إياس بن معاوية أتاه الحسن فبكى إياس فقال له الحسن ما يبكيك يا أبا وائلة قال بلغني أن القضاة ثلاثة اثنان في النار وواحد في الجنة رجل اجتهد فأخطأ فهو في النار ورجل مال به الهوى فهو في النار ورجل اجتهد فأصاب فهو في الجنة قال الحسن إن فيما قص الله من نبأ داود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إلى قوله وكلا آتينا حكما وعلما فأثنى على سليمان ولم يذم داود ثم قال

الحسن إن الله أخذ على الحكام ثلاثا وذكر نحو الحديث الأول قال أبو بكر قد بين في حديث أبي بريدة معنى ما ذكر في الحديث الذي رواه إياس بن معاوية أن القاضي إذا أخطأ فهو في النار وهو ما حدثنا محمد بن بكر البصري قال حدثنا أبو داود السجستاني قال حدثنا محمد بن حسان السمني قال حدثنا خلف بن خليفة عن أبي هاشم عن ابن بريدة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم - قال القضاة ثلاثة واحد في الجنة واثنان في النار فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار فأخبر أن الذي في النار من المخطئين هو الذي تقدم على القضاء بجهل قوله تعالى إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد إلى قوله بالسوق والأعناق قال مجاهد صفوان الفرس رفع إحدى يديه حتى تكون على طرف الحافر وذاك من عادة الخيل والجياد السراع من الخيل يقال فرس جواد إذا جاء بالركض قوله تعالى إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي يحتمل وجهين أحدهما إني أحببت حب الخير الذي ينال بهذا الخيل فشغلت به عن ذكر ربي وهو الصلاة التي كان يفعلها في ذلك الوقت ويحتمل إني أحببت حب الخير وهو يريد به الخيل نفسها فسماها خيرا لما ينال بها من الخير بالجهاد في سبيل الله وقتال أعدائه ويكون قوله عن ذكر ربي معناه أن ذلك من ذكري لربي وقيامي بحقه في اتخاذ هذا الخيل قوله تعالى حتى توارت بالحجاب روي عن ابن مسعود حتى توارت الشمس بالحجاب قال أبو بكر وهو كقول لبيد ... حتى إذا لقيت يدا في كافر ... وأجن عورات الثغور ظلامها ...
وكقول حاتم ... أماوي ما يغني الثراء عن الفتى ... إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر ...
فأضمر النفس في قوله حشرجت وقال غير ابن مسعود حتى توارت الخيل بالحجاب وقوله تعالى ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والأعناق روي عن ابن عباس أنه جعل يمسح أعراف الخيل وعراقيبها حبالها وهذا كما حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا هارون بن عبدالله قال حدثنا هشام بن سعيد الطالقاني قال أخبرنا محمد بن المهاجر قال حدثني عقيل بن شبيب عن أبي وهب الجشمي وكانت له صحبة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -

ارتبطوا الخيل وامسحوا بنواصيها وأعجازها أو قال أكفالها وقلدوها ولا

تقلدوها الأوتار فجائز أن يكون سليمان إنما مسح أعرافها وعراقيبها على نحو ما ندب إليه نبينا ص - وقد روي عن الحسن أنه كشف عراقيبها وضرب أعناقها وقال لا تشغليني عن عبادة ربي مرة أخرى والتأويل الأول أصح والثاني جائز ومن تأوله على الوجه الثاني يستدل به على إباحة لحوم الخيل إذ لم يكن ليتلفها بلا نفع وليس كذلك لأنه جائز أن يكون محرم الأكل وتعبد الله بإتلافه ويكون المنفعة في تنفيذ الأمر دون غيره ألا ترى أنه كان جائز أن يميته الله تعالى ويمنع الناس من الانتفاع بأكله فكان جائزا أن يتعبد بإتلافه ويحظر الانتفاع بأكله بعده وقوله تعالى وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث روي عن ابن عباس أن امرأة أيوب قال لها إبليس إن شفيته تقولين لي أنت شفيته فأخبرت بذلك أيوب فقال إن شفاني الله ضربتك مائة سوط فأخذ شماريخ قدر مائة فضربها ضربة واحدة قال عطاء وهي للناس عامة وحدثنا عبدالله بن محمد بن إسحاق قال حدثنا الحسن بن أبي الربيع قال أخبرنا عبدالرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة في قوله وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث فأخذ عودا فيه تسعة وتسعون عودا والأصل تمام المائة فضرب به امرأته وذلك أن امرأته أرادها الشيطان على بعض الأمر فقال لها قولي لزوجك يقول كذا وكذا فقالت له قل كذا وكذا فحلف حينئذ أن يضربها فضربها تحلة ليمينه وتخفيفا على امرأته قال أبو بكر وفي هذه الآية دلالة على أن من حلف أن يضرب عبده عشرة أسواط فجمعها كلها وضربه ضربة واحدة أنه يبر في يمينه إذا أصابه جميعها لقوله تعالى وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث والضغث هو ملء الكف من الخشب أو السياط أو الشماريخ ونحو ذلك فأخبر الله تعالى أنه إذا فعل ذلك فقد بر في يمينه لقوله ولا تحنث وقد اختلف الفقهاء في ذلك فقال أبو حنيفة وأبو يوسف وزفر ومحمد إذا ضربه ضربة واحدة بعد أن يصيبه كل واحدة منه فقد بر في يمينه وقال مالك والليث لا يبر وهذا القول خلاف الكتاب لأن الله تعالى قد أخبر أن فاعل ذلك لا يحنث وقد روي عن مجاهد أنه قال هي لأيوب خاصة وقال عطاء للناس عامة قال أبو بكر دلالة الآية ظاهرة على صحة القول الأول من وجهين أحدهما أن فاعل ذلك يسمى ضاربا لما شرط من العدد وذلك يقتضي البر في يمينه والثاني أنه لا يحنث لقوله ولا تحنث وزعم بعض من يحتج لمذهب مالك أن ذلك لأيوب خاصة لأنه قال فاضرب به ولا

تحنث فلما أسقط عنه الحنث كان بمنزلة من جعلت عليه الكفارة فأداها أو بمنزلة من لم يحلف على شيء وهذا حجاج ظاهر السقوط لا يحتج بمثله من يعقل ذلك لتناقضه واستحالته ومخالفته لظاهر الكتاب وذلك لأن الله تعالى أخبر أنه إذا فعل ذلك لم يحنث واليمين تتضمن شيئين حنثا أو برا فإذا أخبر الله أنه لا يحنث فقد أخبر بوجود البر إذ ليس بينهما واسطة فتناقضه واستحالته من جهة أن قوله هذا يوجب أن كل من بر في يمينه بأن يفعل المحلوف عليه كان بمنزلة من جعلت عليه الكفارة على قضيته لسقوط الحنث ولو كان لأيوب خاصة وكان عبادة تعبد بها دون غيره كان الله أن يسقط عنه الحنث ولا يلزمه شيئا وإن لم يضربها بالضغث فلا معنى على قوله لضربها بالضغث إذ لم يحصل به بر في اليمين وزعم هذا القائل أن لله تعالى أن يتعبد بما شاء في الأوقات وفيما تعبدنا به ضرب الزاني قال ولو ضربه ضربة واحدة بشماريخ لم يكن حدا قال أبو بكر أما ضرب الزاني بشماريخ فلا يجوز إذا كان صحيحا سليما وقد يجوز إذا كان عليلا يخاف عليه لأنه لو أفرد كل ضربة لم يجز إذا كان صحيحا ولو جمع أسواطا فضربه بها وأصابه كل أحد منها وأعيد عليه ما وقع عليه من الأسواط وإن كانت مجتمعة فلا فرق بين حال الجمع والتفريق وأما في المرض فجائز أن يقتصر من الضرب على شماريخ أو درة أو نحو ذلك فيجوز أن يجمعه أيضا فيضربه به ضربة وقد روي في ذلك ما حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني قال حدثنا ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب قال أخبرني أبو أمامة بن سهل بن حنيف أنه أخبره بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - من الأنصار أنه اشتكى رجل منهم حتى أضنى فعاد جلدة على عظم فدخلت عليه جارية لبعضهم فهش لها فوقع عليها فلما دخل عليه رجال قومه يعودونه أخبرهم بذلك وقال استفتوا إلي النبي صلى الله عليه وسلم - فإني قد وقعت على جارية دخلت علي فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم -

وقالوا ما رأينا أحدا به من الضر مثل الذي هو به لو حملناه إليك لتفسخت
عظامه ما هو إلا جلد على عظم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم - أن يأخذوا له شماريخ مائة شمراخ فيضربوه بها ضربة واحدة ورواه بكير بن عبدالله بن الأشج عن أبي أمامة بن سهل عن سعيد بن سعد وقال فيه فخذوا عثكالا فيه مائة شمراخ فاضربوه بها ضربة واحدة ففعلوا وهو سعيد بن سعد بن عبادة وقد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم -
وأبو أمامة بن سهل بن حنيف هذا ولد في حياة رسول الله ص

فصل وفي هذه الآية دلالة على أن للزوج أن يضرب امرأته تأديبا لولا ذلك لم يكن أيوب ليحلف عليه ويضربها ولما أمره الله تعالى بضربها بعد حلفه والذي ذكره الله في القرآن وأباحه من ضرب النساء إذا كانت ناشزا بقوله واللاتي تخافون نشوزهن إلى قوله واضربوهن وقد دلت قصة أيوب على أن له ضربها تأديبا لغير نشوز وقوله تعالى الرجال قوامون على النساء فما روي من القصة فيه يدل على مثل دلالة قصة أيوب لأنه روي أن رجلا لطم امرأته على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم - فأراد أهلها القصاص فأنزل الله الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم وفي الآية دليل على أن للرجل أن يحلف ولا يستثني لأن أيوب حلف ولم يستثن ونظيره من سنة النبي صلى الله عليه وسلم - قوله في قصة الأشعريين حين استحملوه فقال والله لا أحملكم ولم يستثن ثم حملهم وقال من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه وفيها دليل على أن من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها ثم فعل المحلوف عليه أن عليه الكفارة لأنه لو لم تجب كفارة لترك أيوب ما حلف عليه ولم يحتج إلى أن يضربها بالضغث وهو خلاف قول من قال لا كفارة عليه إذا فعل ما هو خير وقد روي فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم - من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا فليأت الذي هو خير وذلك كفارته وفيها دليل على أن التعزير يجاوز به الحد لأن في الخبر أنه حلف أن يضربها مائة فأمره الله تعالى بالوفاء به إلا أنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم - أنه قال من بلغ حدا في غير حد فهو من المعتدين وفيها دليل على أن اليمين إذا كانت مطلقة فهي على المهلة وليست على الفور لأنه معلوم أن أيوب لم يضرب امرأته في فور صحته ويدل على أن من حلف على ضرب عبده أنه لا يبر إلا أن يضربه بيده لقوله وخذ بيدك ضغثا إلا أن أصحابنا قالوا فيمن لا يتولى الضرب بيده إن أمر غيره بضربه لا يحنث للعرف وفيها دليل على أن الإستثناء لا يصح إلا أن يكون متصلا باليمين لأنه لو صح الإستثناء متراخيا عنها لأمر بالإستثناء ولم يؤمر بالضرب وفيها دليل على جواز الحيلة في التوصل إلى ما يجوز فعله ودفع المكروه بها عن نفسه وعن غيره لأن الله تعالى أمره بضربها بالضغث ليخرج به من اليمين ولا يصل إليها كثير ضرر آخر سورة ص

ومن

سورة الزمر
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها ثم راجعة إلى صلة الكلام كأنه قال خلقكم من نفس واحدة ثم أخبر أنه جعل منها زوجها لأنه لا يصح رجوعها إلى المخلوقين من الأولاد على معنى الترتيب لأن الوالدين قبل الولد وهو مثل قوله ثم الله شهيد على ما يفعلون وقوله ثم آتينا موسى الكتاب تماما ونحو ذلك آخر سورة الزمر
ومن
سورة المؤمن
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى يا هامان ابن لي صرحا روى سفيان عن منصور عن إبراهيم في قوله يا هامان ابن لي صرحا قال بني بالآجر وكانوا يكرهون أن يبنو بالآجر ويجعلونه في قبورهم وقوله تعالى وقال ربكم ادعوني أستجب لكم روى الثوري عن الأعمش ومنصور عن سبيع الكندي عن النعمان بن بشير قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - إن الدعاء هو العبادة ثم قرأ ادعوني أستجب لكم الآية وقوله تعالى النار يعرضون عليها هذه الآية تدل على عذاب القبر لقوله تعالى ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب فدل على أن المراد النار يعرضون عليها غدوا وعشيا قبل القيامة آخر سورة المؤمن
ومن
سورة حم السجدة
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا فيه بيان أن ذلك أحسن قول ودل بذلك على لزوم فرض الدعاء إلى الله إذ لا جائز أن يكون النفل أحسن من الفرض فلو لم يكن الدعاء إلى الله فرضا وقد جعله من أحسن قول اقتضى ذلك أن يكون النفل أحسن من الفرض وذلك ممتنع وقوله تعالى إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا الآية قيل إن الملائكة تتنزل عليهم عند الموت فيقولون لا تخف مما أنت قادم عليه فيذهب الله خوفه ولا تحزن على الدنيا ولا على أهلها فيذهب الله خوفه وأبشر بالجنة وروي ذلك عن زيد بن أسلم وقال غيره إنما يقولون له ذلك في القيام عند الخروج من القبر فيرى تلك الأهوال

فيقول له الملائكة لا تخف ولا تحزن فإنما يراد بهذا غيرك ويقولون له نحن أولياؤك في الحياة الدنيا فلا يفارقونه تأنيسا له إلى أن يدخل الجنة وقال أبو العالية إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا قال أخلصوا له الدين والعمل والدعوة قوله تعالى ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم قال بعض أهل العلم ذكر الله العدو فأخبر بالحيلة فيه حتى تزول عداوته ويصير كأنه ولي فقال تعالى ادفع بالتي هي أحسن الآية قال وأنت ربما لقيت بعض من ينطوي لك على عداوة وضغن فتبدأه بالسلام أو تبسم في وجهه فيلين لك قلبه ويسلم لك صدره قال ثم ذكر الله الحاسد فعلم أن لا حيلة عندنا فيه ولا في استملاك سخيمته واستخراج ضغينته فقال تعالى قل أعوذ برب الفلق إلى قوله ومن شر حاسد إذا حسد فأمر بالتعوذ منه حين علم أن لا حيلة عندنا في رضاه قوله تعالى واسجدوا لله الذي خلقهن الآية قال أبو بكر اختلف في موضع السجود من هذه السورة فروي عن ابن عباس ومسروق وقتادة أنه عند قوله وهم لا يسأمون وروي عن أصحاب عبدالله والحسن وأبي عبدالرحمن أنه عند قوله إن كنتم إياه تعبدون قال أبو بكر الأولى أنها عند آخر الآيتين لأنه تمام الكلام ومن جهة أخرى أن السلف لما اختلفوا كان فعله بالآخر منهما أولى لاتفاق الجميع على جواز فعلها بأخراهما واختلافهم في جوازها بأولاهما قوله تعالى ولو جعلناه قرآنا أعجميا الآية يدل على أنه لو جعله أعجميا كان أعجميا فكان يكون قرآنا أعجميا وأنه إنما كان عربيا لأن الله أنزله بلغة العرب وهذا يدل على أن نقله إلى لغة العجم لا يخرجه ذلك من أن يكون قرآنا آخر سورة حم السجدة
ومن

سورة حم عسق
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وماله في الآخرة من نصيب فيه الدلالة على بطلان الإستئجار على ما سبيله أن لا يفعل إلا على وجه القربة لإخباره تعالى بأن من يريد حرث الدنيا فلا حظ له في الآخرة فيخرج ذلك من أن يكون قربة فلا يقع موقع الجواز وقوله تعالى قل لا أسئلكم عليه أجرا إلا المودة في القربى قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك والسدي معناه إلا أن تودوني لقرابتي منكم قالوا كل

قريش كانت بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم - قرابة وقال علي بن الحسن وسعيد بن جبير إلا أن تودوا قرابتي وقال الحسن إلا المودة في القربى أي إلا التقرب إلى الله والتودد بالعمل الصالح وقوله تعالى والذين استجابوا لربهم واقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم يدل على جلالة موقع المشورة لذكره لها مع الإيمان وإقامة الصلاة ويدل على أنا مأمورون بها قوله تعالى والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون روي عن إبراهيم النخعي في معنى الآية قال كانوا يكرهون للمؤمنين أن يذلوا أنفسهم فيجترئ عليهم الفساق وقال السدي هم ينتصرون معناه ممن بغى عليهم من غير أن يعتدوا عليهم قال أبو بكر قد ندبنا الله في مواضع من كتابه إلى العفو عن حقوقنا قبل الناس فمنه قوله وأن تعفوا أقرب للتقوى وقوله تعالى في شأن القصاص فمن تصدق به فهو كفارة له وقوله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم وأحكام هذه الآي ثابتة غير منسوخة وقوله والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون يدل ظاهره على أن الانتصار في هذا الموضع أفضل ألا ترى أنه قرنه إلى ذكر الإستجابة لله تعالى وإقامة الصلاة وهو محمول على ما ذكره إبراهيم النخعي أنهم كانوا يكرهون للمؤمنين أن يذلوا أنفسهم فيجترئ الفساق عليهم فهذا فيمن تعدى وبغى وأصر على ذلك والموضع المأمور فيه بالعفو إذا كان الجاني نادما مقلعا وقد قال عقيب هذه الآية ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل ومقتضى ذلك إباحة الانتصار لا الأمر به وقد عقبه بقوله ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور فهو محمول على الغفران عن غير المصر فأما المصر على البغي والظلم فالأفضل الانتصار منه بدلالة الآية التي قبلها وحدثنا عبدالله بن محمد قال حدثنا الحسن قال أخبرنا عبدالرزاق عن معمر عن قتادة قوله تعالى ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل قال فبما يكون بين الناس من القصاص فأما لو ظلمك رجل لم يحل لك أن تظلمه آخر سورة حم عسق
ومن

سورة الزخرف
بسم الله الرحمن الرحيم
في
التسمية عند الركوب
قوله تعالى لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه حدثنا عبدالله

ابن إسحاق قال حدثنا الحسن بن أبي الربيع قال أخبرنا عبدالرزاق عن معمر عن أبي إسحاق عن علي بن ربيعة أنه شهد عليا كرم الله وجهه حين ركب فلما وضع رجله في الركاب قال بسم الله فلما استوى قال الحمد لله ثم قال سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ثم قال حمدا لله ثلاثا وكبر ثلاثا ثم قال لا إله إلا أنت ظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ثم ضحك فقيل له مم تضحك يا أمير المؤمنين قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم - فعل مثل الذي فعلت وقال مثل الذي قلت ثم ضحك فقيل له مم تضحك يا نبي الله قال العبد أو قال عجب للعبد إذا قال لا إله إلا أنت ظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت يعلم أنه لا يغفر الذنوب إلا هو وحدثنا عبدالله بن محمد قال حدثنا الحسن قال حدثنا عبدالرزاق عن معمر عن ابن طاووس عن أبيه أنه كان إذا ركب قال بسم الله ثم قال هذا منك وفضلك علينا الحمد لله ربنا ثم يقول سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون وروى حاتم بن إسماعيل عن جعفر عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - على ذروة سنام كل بعير شيطان فإذا ركبتموها فقولوا كما أمركم الله سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وروي عن سفيان عن منصور عن مجاهد عن أبي معمر أن ابن مسعود قال إذا ركب الدابة فلم يذكر اسم الله عليه ردفه الشيطان فقال له تغن فإن لم يحسن قال له تمن
فصل

في إباحة لبس الحلي للنساء
قال أبو العالية ومجاهد رخص للنساء في الذهب ثم قرأ أو من ينشأ في الحلية وروى نافع عن سعيد عن أبي هند عن أبي موسى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -
لبس الحرير والذهب حرام على ذكور أمتي حلال لإناثها وروى شريك عن العباس
بن زريح عن البهي عن عائشة قالت سمعت النبي صلى الله عليه وسلم - يقول وهو يمص الدم عن شجة بوجه أسامة ويمجه لو كان أسامة جارية لحليناه لو كان أسامة جارية لكسوناه لتنفقه وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم - رأى امرأتين عليهما أسورة من ذهب فقال أتحبان أن يسوركما الله بأسورة من نار قالتا لا قال فأديا حق هذا وقالت عائشة لا بأس بلبس الحلي إذا أعطى زكاته وكاتب عمر إلى أبي موسى أن مر من قبلك من نساء المؤمنين أن يصدقن من الحلي وروى أبو حنيفة عن عمرو بن دينار أن عائشة حلت أخواتها الذهب وأن ابن

عمر حلى بناته الذهب وقد روى خصيف عن مجاهد عن عائشة قالت لما نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم - عن لبس الذهب قلنا يا رسول الله أو نربط المسك بشيء من الذهب قال أفلا تربطونه بالفضة ثم تلطخونه بشيء من زعفران فيكون مثل الذهب وروى جرير عن مطرف عن أبي هريرة قال كنت قاعدا عند النبي صلى الله عليه وسلم - فأتته امرأة فقالت يا رسول الله سواران من ذهب فقال النبي صلى الله عليه وسلم - سواران من نار فقالت قرطان من ذهب قال قرطان من نار قالت طوق من ذهب قال طوق من نار قالت يا رسول الله إن المرأة إذا لم تتزين لزوجها صلفت عنده فقال ما يمنعكن أن تجعلن قرطين من فضة تصفرينه بعنبر أو زعفران فإذا هو كالذهب قال أبو بكر الأخبار الواردة في إباحته للنساء عن النبي صلى الله عليه وسلم - والصحابة أظهر وأشهر من أخبار الحذر ودلالة الآية ظاهرة في إباحته للنساء وقد استفاض لبس الحلي للنساء منذ لدن النبي صلى الله عليه وسلم - والصحابة إلى يومنا هذا من غير نكير من أحد عليهن ومثل ذلك لا يعترض عليه بأخبار الآحاد قوله تعالى وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم مالهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون يعني أن الكفار قالوا لو شاء الله ما عبدنا الأصنام ولا الملائكة وإنا إنما عبدناهم لأن الله قد شاء منا ذلك فأكذبهم الله في قيلهم هذا وأخبر أنهم يخرصون ويكذبون بهذا القول في أن الله تعالى لم يشأ كفرهم ونظيره قوله سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيء كذلك كذب الذي من قبلهم أخبر فيه أنهم مكذبون لله ولرسوله بقولهم لو شاء الله ما أشركنا وأبان به أن الله قد شاء أن لا يشركوا وهذا كله يبطل مذهب الجبر الجهمية قوله تعالى بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة إلى قوله قل أو لو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم فيه الدلالة على إبطال التقليد لذمه إياهم على تقليد آبائهم وتركهم النظر فيما دعاهم إليه الرسول ص - قوله تعالى إلا من شهد بالحق وهم يعلمون ينتظم معنيين أحدهما أن الشهادة بالحق غير نافعة إلا مع العلم وأن التقليد لا يغني مع عدم العلم بصحة المقالة والثاني أن شرط سائر الشهادات في الحقوق وغيرها أن يكون الشاهد عالما بها ونحوه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم - إذا رأيت مثل الشمس فاشهد وإلا فدع وقوله تعالى وإنه لعلم للساعة حدثنا عبدالله بن محمد قال حدثنا الحسن قال أخبرنا عبدالرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى وإنه لعلم للساعة قال نزول عيسى بن مريم عليه السلام علم الساعة

وناس يقولون القرآن علم للساعة آخر سورة الزخرف
ومن

سورة الجاثية
بسم الله الرحمن الرحيم
حدثنا عبدالله بن محمد قال حدثنا الحسن قال أخبرنا عبدالرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة في قوله تعالى قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله قال نسخها قوله تعالى فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم قوله تعالى أفرأيت من اتخذ إلهه هواه حدثنا عبدالله بن محمد قال أخبرنا عبدالرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة في قوله أفرأيت من اتخذ إلهه هواه قال لا يهوى شيئا إلا ركبه لا يخاف الله قال أبو بكر وقد روي في بعض الأخبار أن الهوى إله يعبد وتلا قوله تعالى أفرأيت من اتخذ إلهه هواه يعني يطيعه كطاعة الإله وعن سعيد بن جبير قال كانوا يعبدون العزى وهو حجر أبيض حينا من الدهر فإذا وجدوا ما هو أحسن منه طرحوا الأول وعبدوا الآخر وقال الحسن اتخذ إلهه هواه يعني لا يعرف إلهه بحجة عقله وإنما يعرفه بهواه قوله تعالى وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر قيل هو على التقديم والتأخير أي نحيا ونموت من غير رجوع وقيل نموت ويحيا أولادنا كما يقال ما مات من خلف ابنا مثل فلان وقوله وما يهلكنا إلا الدهر فإنه حدثنا عبدالله بن محمد قال حدثنا الحسن قال أخبرنا عبدالرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة في قوله وما يهلكنا إلا الدهر قال قال ذلك مشركو قريش قالوا ما يهلكنا إلا الدهر يقولون إلا العمر قال أبو بكر هذا قول زنادقة قريش الذين كانوا ينكرون الصانع الحكيم وإن الزمان ومضي الأوقات هو الذي يحدث هذه الحوادث والدهر اسم يقع على زمان العمر كما قال قتادة يقال فلان يصوم الدهر يعنون عمره كله ولذلك قال أصحابنا إن من حلف لا يكلم فلانا الدهر أنه على عمره كله وكان ذلك عندهم بمنزلة قوله والله لا أكلمك الأبد وأما قوله لا أكلمك دهرا فإن ذلك عند أبي يوسف ومحمد على ستة أشهر ولم يعرف أبو حنيفة معنى دهرا فلم يجب فيه بشيء وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم - حديث في بعض ألفاظه لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر فتأوله أهل العلم على أن أهل الجاهلية كانوا ينسبون الحوادث المجحفة والبلايا النازلة والمصائب المتلفة إلى الدهر فيقولون فعل الدهر بنا وصنع بنا ويسبون الدهر كما

قد جرت عادة كثير من الناس بأن يقولوا اساء بنا الدهر ونحو ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم - لا تسبوا فاعل هذه الأمور فإن الله هو فاعلها ومحدثها وأصل هذا الحديث ما حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن الصباح قال حدثنا سفيان عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم - قال يقول الله تعالى يؤذيني ابن آدم يسب الدهر وأنا الدهر بيدي الأمر أقلب الليل والنهار قال ابن السرح عن ابن المسيب مكان سعيد فقوله وأنا الدهر منصوب بأنه ظرف للفعل كقوله تعالى أنا أبدأ بيدي الأمر أقلب الليل والنهار وكقول القائل أنا اليوم بيدي الأمر أفعل كذا وكذا ولو كان مرفوعا كان الدهر اسما لله تعالى وليس كذلك لأن أحدا من المسلمين لا يسمي الله بهذا الاسم وحدثنا عبدالله بن محمد قال حدثنا الحسن قال أخبرنا عبدالرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم - قال إن الله يقول لا يقولن أحدكم يا خيبة الدهر فإني أنا الدهر أقلب ليله ونهاره فإذا شئت قبضتهما فهذان هما أصل الحديث في ذلك والمعنى ما ذكرنا وإنما غلط بعض الرواة فنقل المعنى عنده فقال لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر وأما قوله في الحديث الأول يؤذيني ابن آدم يسب الدهر فإن الله تعالى لا يلحقه الأذى ولا المنافع والمضار وإنما هو مجاز معناه يؤذي أوليائي لأنهم يعلمون أن الله هو الفاعل لهذه الأمور التي ينسبها الجهال إلى الدهر فيتأذون بذلك كما يتأذون بسماع سائر ضروب الجهل والكفر وهو كقوله إن الذين يؤذون الله ورسوله ومعناه يؤذون أولياء الله آخر سورة حم الجاثية
ومن

سورة الأحقاف
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى وحمله وفصاله ثلاثون شهرا روي أن عثمان أمر برجم امرأة قد ولدت لستة أشهر فقال له علي قال الله تعالى وحمله وفصاله ثلاثون شهرا وقال وفصاله في عامين وروي أن عثمان سأل الناس عن ذلك فقال له ابن عباس مثل ذلك وأن عثمان رجع إلى قول علي وابن عباس وروي عن ابن عباس أن كل ما زاد في الحمل نقص من الرضاع فإذا كان الحمل تسعة أشهر فالرضاع واحد وعشرون شهرا وعلى هذا القياس جميع ذلك وروي عن ابن عباس أن الرضاع حولان في جميع الناس ولم يفرقوا بين من زاد

حمله أو نقص وهو مخالف للقول الأول وقال مجاهد في قوله وما تغيض الأرحام وما تزداد ما نقص عن تسعة أشهر أو زاد عليها قوله تعالى حتى إذا بلغ أشده روي عن ابن عباس وقتادة أشده ثلاث وثلاثون سنة وقال الشعبي هو بلوغ الحلم وقال الحسن أشده قيام الحجة عليه وقوله تعالى أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها روى الزهري عن ابن عباس قال قال عمر فقلت يا رسول الله ادع الله أن يوسع على أمتك فقد وسع على فارس والروم وهم لا يعبدون الله فاستوى جالسا وقال أفي شك أنت يا ابن الخطاب أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا وحدثنا عبدالله بن محمد قال حدثنا الجرجاني قال أخبرنا عبدالرزاق عن معمر في قوله أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا قال إن عمر بن الخطاب قال لو شئت أن أذهب طيباتي في حياتي لأمرت بجدي سمين يطبخ باللبن وقال معمر قال قتادة قال عمر لو شئت أن أكون أطيبكم طعاما وألينكم ثيابا لفعلت ولكني أستبقي طيباتي وعن عبدالرحمن بن أبي ليلى قال قدم على عمر بن الخطاب ناس من أهل العراق فقرب إليهم طعامه فرآهم كأنهم يتعذرون في الأكل فقال يا أهل العراق لو شئت أن يدهمق لي كما يدهمق لكم لفعلت ولكن نستبقي من دنيانا لآخرتنا أما سمعتم الله يقول أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا قال أبو بكر هذا محمول على أنه رأى ذلك أفضل لا على أنه لا يجوز غيره لأن الله قد أباح ذلك فلا يكون أكله فاعلا محظورا قال الله تعالى قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق آخر سورة الأحقاف
ومن

سورة محمد ص
-
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب قال أبو بكر قد اقتضى ظاهره وجوب القتل لا غير إلا بعد الإثخان وهو نظير قوله تعالى ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض حدثنا جعفر بن محمد بن الحكم قال حدثنا جعفر بن محمد بن اليمان قال حدثنا أبو عبيد قال حدثنا عبدالله بن صالح عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض قال ذلك يوم بدر والمسلمون يومئذ قليل فلما كثروا واشتد سلطانهم

أنزل الله تعالى بعد هذا في الأسارى فإما منا بعد وإما فداء فجعل الله النبي والمؤمنين في الأسارى بالخيار إن شاؤا قتلوهم وإن شاؤا استعبدوهم وإن شاؤا فادوهم شك أبو عبيد في وإن شاؤا استعبدوهم وحدثنا جعفر بن محمد قال حدثنا جعفر بن محمد بن اليمان قال حدثنا أبو عبيد قال حدثنا أبو مهدي وحجاج كلاهما عن سفيان قال سمعت السدي يقول في قوله فإما منا بعد وإما فداء قال هي منسوخة نسخها قوله فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم قال أبو بكر أما قوله فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب وقوله ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض وقوله فإما تثقفنهم في الحرب فشرد بهم من خلفهم فإنه جائز أن يكون حكما ثابتا غير منسوخ وذلك لأن الله تعالى أمر نبيه ص - بالإثخان بالقتل وحظر عليه الأسر إلا بعد إذلال المشركين وقمعهم وكان ذلك في وقت قلة عدد المسلمين وكثرة عدد عدوهم من المشركين فمتى أثخن المشركون وأذلوا بالقتل والتشريد جاز الإستبقاء فالواجب أن يكون هذا حكما ثابتا إذا وجد مثل الحال التي كان عليها المسلمون في أول الإسلام أما قوله فإما منا بعد وإما فداء ظاهره يقتضي أخذ شيئين إما من وإما فداء وذلك ينفي جواز القتل وقد اختلف السلف في ذلك حدثنا جعفر بن محمد قال حدثنا جعفر بن محمد بن اليمان قال حدثنا أبو عبيد قال حدثنا حجاج عن مبارك بن فضالة عن الحسن أنه كره قتل الأسير وقال من عليه أو فاده وحدثنا جعفر قال حدثنا جعفر قال حدثنا أبو عبيد قال أخبرنا هشيم قال أخبرنا أشعث قال سألت عطاء عن قتل الأسير فقال من عليه أو فاده قال وسألت الحسن قال يصنع به ما صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم - بأسارى بدر يمن عليه أو يفادي به وروي عن ابن عمر أنه دفع إليه عظيم من عظماء اصطخر ليقتله فأبى أن يقتله وتلا قوله فإما منا بعد وإما فداء وروي أيضا عن مجاهد ومحمد بن سيرين كراهة قتل الأسير وقد روينا عن السدي ان قوله فإما منا بعد وإما فداء منسوخ بقوله فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وروي مثله عن ابن جريج حدثنا جعفر قال حدثنا أبو عبيد قال حدثنا حجاج عن ابن جريج قال هي منسوخة وقال قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم - عقبة بن أبي معيط يوم بدر صبرا قال أبو بكر اتفق فقهاء الأمصار على جواز قتل الأسير لا نعلم بينهم خلافا فيه وقد تواترت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم - في قتله الأسير منها قتله عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث بعد الأسر يوم بدر وقتل يوم أحد أبا عزة الشاعر بعد ما أسر وقتل

بني قريظة بعد نزولهم على حكم سعد بن معاذ فحكم فيهم بالقتل وسبى الذرية ومن على الزبير بن باطا من بينهم وفتح خيبر بعضها صلحا وبعضها عنوة وشرط على ابن أبي الحقيق أن لا يكتم شيئا فلما ظهر على خيانته وكتمانه قتله وفتح مكة وأمر بقتل هلال بن خطل ومقيس بن حبابة وعبدالله بن سعد بن أبي سرح وآخرين وقال اقتلوهم وإن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة ومن على أهل مكة ولم يغنم أموالهم وروي عن صالح بن كيسان عن محمد بن عبدالرحمن عن أبيه عبدالرحمن بن عوف أنه سمع أبا بكر الصديق يقول وددت أني يوم أتيت بالفجاءة لم أكن أحرقته وكنت قتلته سريحا أو أطلقته نجيحا وعن أبي موسى انه قتل دهقان السوس بعد ما أعطاه الأمان على قوم سماهم ونسي نفسه فلم يدخلها في الأمان فقتله فهذه آثار متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم - وعن الصحابة في جواز قتل الأسير وفي استبقائه واتفق فقهاء الأمصار على ذلك وإنما اختلفوا في فدائه فقال أصحابنا جميعا لا يفادى الأسير بالمال ولا يباع السبي من أهل الحرب فيردوا حربا وقال أبو حنيفة لا يفادون بأسرى المسلمين أيضا ولا يردون حربا أبدا وقال أبو يوسف ومحمد لا بأس أن يفادى أسرى المسلمين بأسرى المشركين وهو قول الثوري والأوزاعي وقال الأوزاعي لا بأس ببيع السبي من أهل الحرب ولا يباع الرجال إلا أن يفادى بهم المسلمون وقال المزني عن الشافعي للإمام أن يمن على الرجال الذين ظهر عليهم أو يفادى بهم فأما المجيزون للفداء بأسرى المسلمين وبالمال فإنهم احتجوا بقوله فإما منا بعد وإما فداء وظاهره يقتضي جوازه بالمال وبالمسلمين وبأن النبي صلى الله عليه وسلم - فدى أسارى بدر بالمال ويحتجون للفداء بالمسلمين بما روى ابن المبارك عن معمر عن أيوب عن أبي قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين قال أسرت ثقيف رجلين من اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - واسر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم -

رجلا من بني عامر بن صعصعة فمر به على النبي ص
- وهو موثق فأقبل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم -
فقال علام أحبس قال بجريرة حلفائك فقال الأسير إني مسلم فقال النبي ص
- لو قلتها وأنت تملك أمرك لأفلحت كل الفلاح ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم -
فناداه أيضا فأقبل فقال إني جائع فأطعمني فقال النبي ص
- هذه حاجتك ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم -
فداه بالرجلين اللذين كانت ثقيف أسرتهما وروى ابن علية عن أيوب عن أبي
قلابة عن أبي المهلب عن عمران بن حصين أن النبي صلى الله عليه وسلم - فدى رجلين من المسلمين برجل من المشركين من بني عقيل ولم يذكر

إسلام الأسير وذكره في الحديث الأول ولا خلاف أنه لا يفادى الآن على هذا الوجه لأن المسلم لا يرد أهل الحرب وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم -

شرط في صلح الحديبية لقريش أن من جاء منهم مسلما رده عليهم ثم نسخ ذلك
ونهى النبي صلى الله عليه وسلم - عن الإقامة بين أظهر المشركين وقال أنا بريء من كل مسلم مع مشرك وقال من أقام بين أظهر المشركين فقد برئت منه الذمةة وأما ما في الآية من ذكر المن أو الفداء وما روي في أسارى بدر فإن ذلك منسوخ بقوله فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم وقد روينا ذلك عن السدي وابن جريج وقوله تعالى قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر إلى قوله تعالى حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون فتضمنت الآيتان وجوب القتال للكفار حتى يسلموا أو يؤدوا الجزية والفداء بالمال أو بغيره ينافي ذلك ولم يختلف أهل التفسير ونقلة الآثار أن سورة براءة بعد سورة محمد ص - فوجب أن يكون الحكم المذكور فيها ناسخا للفداء المذكور في غيرها قوله تعالى حتى تضع الحرب أوزارها قال الحسن حتى يعبد الله ولا يشرك به غيره وقال سعيد بن جبير خروج عيسى بن مريم عليه السلام فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويلقى الذئب الشاة فلايعرض لها ولا تكون عداوة بين اثنين وقال الفراء آثامها وشركها حتى لا يكون إلا مسلم أو مسالم قال أبو بكر فكان معنى الآية على هذا التأويل إيجاب القتال إلى أن لا يبقى من يقاتل وقوله تعالى فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم روي عن مجاهد لا تضعفوا عن القتال وتدعوا إلى الصلح وحدثنا عبدالله بن محمد قال حدثنا الحسن الجرجاني قال أخبرنا عبدالرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم قال لا تكونوا أول الطائفتين ضرعت إلى صاحبتها وأنتم الأعلون قال أنتم أولى بالله منهم قال أبو بكر فيه الدلالة على امتناع جواز طلب الصلح من المشركين وهو بيان لما أكد فرضه من قتال مشركي العرب حتى يسلموا وقتال أهل الكتاب ومشركي العجم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية والصلح على غير إعطاء الجزية خارج عن مقتضى الآيات الموجبة لما وصفنا فأكد النهي عن الصلح بالنص عليه في هذه الآية وفيه الدلالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم -
لم يدخل مكة صلحا وإنما فتحها عنوة لأن الله قد نهاه عن الصلح في هذه
الآية وأخبر أن

المسلمين هم الأعلون الغالبون ومتى دخلها صلحا برضاهم فهم متساوون إذ كان حكم ما يقع بتراضي الفريقين فهما متساويان فيه ليس أحدهما بأولى بأن يكون غالبا على صاحبه من الآخر وقوله تعالى ولا تبطلوا أعمالكم يحتج به في أن كل من دخل في قربة لا يجوز له الخروج منها قبل إتمامها لما فيه من إبطال عمله نحو الصلاة والصوم والحج وغيره آخر سورة محمد ص -

ومن
سورة الفتح
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عز و جل إنا فتحنا لك فتحا مبينا روي أنه أراد فتح مكة وقال قتادة قضينا لك قضاء مبينا والأظهر أنه فتح مكة بالغلبة والقهر لأن القضاء لا يتناوله الإطلاق وإذا كان المراد فتح مكة فإنه يدل على أنه فتحها عنوة إذ كان الصلح لا يطلق عليه اسم الفتح وإن كان قد يعبر مقيدا لأن من قال فتح بلد كذا عقل به الغلبة والقهر دون الصلح ويدل عليه قوله في نسق التلاوة وينصرك الله نصرا عزيزا وفيه الدلالة على أن المراد فتح مكة وأنه دخلها عنوة ويدل عليه قوله تعالى إذا جاء نصر الله والفتح لم يختلفوا أن المراد فتح مكة ويدل عليه قوله تعالى إنا فتحنا لك وقوله تعالى هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين وذكره ذلك في سياق القصة يدل على ذلك لأن المعنى سكون النفس إلى الإيمان بالبصائر التي بها قاتلوا عن دين الله حتى فتحوا مكة وقوله تعالى قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد روي أن المراد فارس والروم وروي أنهم بنو حنيفة فهو دليل على صحة إمامة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم لأن أبا بكر الصديق دعاهم إلى قتال بني حنيفة ودعاهم عمر إلى قتال فارس والروم وقد ألزمهم الله اتباع طاعة من يدعوهم إليه بقوله تقاتلونهم أو يسلمون فإن تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما فأوعدهم الله على التخلف عمن دعاهم إلى قتال هؤلاء فدل على صحة إمامتهما إذ كان المتولي عن طاعتهما مستحقا للعقاب فإن قيل قد روى قتادة أنهم هوازن وثقيف يوم حنين قيل له لا يجوز أن يكون الداعي لهم النبي صلى الله عليه وسلم -
لأنه قال فقل لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا ويدل على أن
المراد بالدعاة لهم غير النبي صلى الله عليه وسلم - ومعلوم أنه لم يدع

هؤلاء القوم بعد النبي صلى الله عليه وسلم -

إلا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما وقوله تعالى لقد
رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فيه الدلالة على صحة إيمان الذين بايعوا النبي صلى الله عليه وسلم - بيعة الرضوان بالحديبية وصدق بصائرهم فهم قوم بأعيانهم قال ابن عباس كانوا ألفين وخمس مائة وقال جابر ألفا وخمس مائة فدل على أنهم كانوا مؤمنين على الحقيقة أولياء الله إذ غير جائز أن يخبر الله برضاه عن قوم بأعيانهم إلا وباطنهم كظاهرهم في صحة البصيرة وصدق الإيمان وقد أكد ذلك بقوله فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم أخبر أنه علم من قلوبهم صحة البصيرة وصدق النية وأن ما أبطنوه مثل ما أظهروه وقوله تعالى فأنزل السكينة عليهم يعني الصبر بصدق نياتهم وهذا يدل على أن التوفيق يصحب صدق النية وهو مثل قوله إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما وقوله تعالى وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم الآية روي عن ابن عباس أنها نزلت في قصة الحديبية وذلك أن المشركين قد كانوا بعثوا أربعين رجلا ليصيبوا من المسلمين فأتى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم - أسرى فخلى سبيلهم وروي أنها نزلت في فتح مكة حين دخلها النبي صلى الله عليه وسلم - عنوة فإن كانت نزلت في فتح مكة فدلالتها ظاهرة على أنها فتحت عنوة لقوله تعالى من بعد أن أظفركم عليهم ومصالحتهم لا ظفر فيها للمسلمين فاقتضى ذلك أن يكون فتحها عنوة وقوله تعالى والهدي معكوفا أن يبلغ محله يحتج به من يجيز ذبح هدي الإحصار في غير الحرم لإخباره بكونه محبوسا عن بلوغ محله ولو كان قد بلغ الحرم وذبح فيه لما كان محبوسا عن بلوغ المحل وليس هذا كما ظنوا لأنه قد كان ممنوعا بديا عن بلوغ المحل ثم لما وقع الصلح زال المنع فبلغ محله وذبح في الحرم وذلك لأنه إذا حصل المنع في أدنى وقت فجائز أن يقال قد منع كما قال تعالى قالوا يا أبانا منع منا الكيل وإنما منع في وقت وأطلق في وقت آخر وفي الآية دلالة على أن المحل هو الحرم لأنه قال والهدي معكوفا أن يبلغ محله فلو كان محله غير الحرم لما كان معكوفا عن بلوغه فوجب أن يكون المحل في قوله ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله هو الحرم
باب
رمي حصون المشركين وفيهم أطفال المسلمين وأسراهم
قال أبو حنيفة وأبو يوسف وزفر ومحمد والثوري لا بأس برمي حصون المشركين

وإن كان فيها أسارى وأطفال من المسلمين ولا بأس بأن يحرقوا الحصون ويقصدوا به المشركين وكذلك إن تترس الكفار بأطفال المسلمين رمي المشركون وإن اصابوا أحدا من المسلمين في ذلك فلا دية ولا كفارة وقال الثوري فيه الكفارة ولا دية فيه وقال مالك لا تحرق سفينة الكفار إذا كان فيها اسارى من المسلمين لقوله تعالى لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما إنما صرف النبي صلى الله عليه وسلم - عنهم لما كان فيهم من المسلمين ولو تزيل الكفار عن المسلمين لعذب الكفار وقال الأوزاعي إذا تترس الكفار بأطفال المسلمين لم يرموا لقوله ولولا رجال مؤمنون الآية قال ولا يحرق المركب فيه أسارى المسلمين ويرمى الحصن بالمنجنيق وإن كان فيه أسارى مسلمون فإن أصاب أحدا من المسلمين فهو خطأ وإن جاؤا يتترسون بهم رمي وقصد العدو وهو قول الليث بن سعد وقال الشافعي لا بأس بأن يرمى الحصن وفيه أسارى أو أطفال ومن أصيب فلا شيء فيه ولو تترسوا ففيه قولان أحدهما يرمون والآخر لا يرمون إلا أن يكونوا ملتحمين فيضرب المشرك ويتوقى المسلم جهده فإن أصاب في هذه الحال مسلما فإن علمه مسلما فالدية مع الرقبة وإن لم يعلمه مسلما فالرقبة وحدها قال أبو بكر نقل أهل السير أن النبي صلى الله عليه وسلم - حاصر أهل الطائف ورماهم بالمنجنيق مع نهيه ص -

عن قتل النساء والولدان وقد علم ص
- أنه قد يصيبهم وهو لا يجوز تعمد بالقتل فدل على أن كون المسلمين فيما بين أهل الحرب لا يمنع رميهم إذ كان القصد فيه المشركين دونهم وروى الزهري عن عبيدالله بن عبدالله عن ابن عباس عن الصعب بن جثامة قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم -
عن أهل الديار من المشركين يبيتون فيصاب من ذراريهم ونسائهم فقال هم منهم
وبعث النبي صلى الله عليه وسلم - أسامة بن زيد فقال أغر على هؤلاء يا بني صباحا وحرق وكان يأمر السرايا بأن ينتظروا بمن يغزونهم فإن أذنوا للصلاة أمسكوا عنهم وإن لم يسمعوا أذانا أغاروا وعلى ذلك مضى الخلفاء الراشدون ومعلوم أن من أغار على هؤلاء لا يخلو من أن يصيب من ذراريهم ونسائهم المحظور قتلهم فكذلك إذا كان فيهم مسلمون وجب أن لا يمنع ذلك من شن الغارة عليهم ورميهم بالنشاب وغيره وإن خيف عليه إصابة المسلم فإن قيل إنما جاء ذلك لأن ذراري المشركين منهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم -
في حديث الصعب بن جثامة قيل له لا يجوز أن يكون مراده ص
- في ذراريهم أنهم منهم في الكفر لأن الصغار لا يجوز أن يكونوا

كفارا في الحقيقة ولا يستحقون القتل ولا العقوبة لفعل آبائهم في باب سقوط الدية والكفارة وأما احتجاج من يحتج بقوله ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات الآية في منع رمي الكفار لأجل من فيهم من المسلمين فإن الآية لا دلالة فيها على موضع الخلاف وذلك لأن أكثر ما فيها أن الله كف المسلمين عنهم لأنه كان فيهم قوم مسلمون لم يأمن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - لو دخلوا مكة بالسيف أن يصيبوهم وذلك إنما تدل إباحة ترك رميهم والإقدام عليهم فلا دلالة على حظر الإقدام عليهم مع العلم بأن فيهم مسلمين لأنه جائز أن يبيح الكف عنهم لأجل المسلمين وجائز أيضا إباحة الإقدام على وجه التخيير فإذا لا دلالة فيها على حظر الإقدام فإن قيل في فحوى الآية ما يدل على الحظر وهو قوله لم تعلموهم أن تطؤهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم فلولا الحظر ما أصابتهم معرة من قتلهم بإصابتهم إياهم قيل له قد اختلف أهل التأويل في معنى المعرة ههنا فروي عن ابن إسحاق أنه غرم الدية وقال غيره الكفارة وقال غيرهما الغم باتفاق قتل المسلم على يده لأن المؤمن يغم لذلك وإن لم يقصده وقال آخرون العيب وحكي عن بعضهم أنه قال المعرة الإثم وهذا باطل لأنه تعالى قد أخبر أن ذلك لو وقع كان بغير علم منا لقوله تعالى لم تعلموهم أن تطؤهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ولا مأثم عليه فيما لم يعلمه ولم يضع الله عليه دليلا قال الله تعالى وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم فعلمنا أنه لم يرد المأثم ويحتمل أن يكون ذلك كان خاصا في أهل مكة لحرمة الحرم ألا ترى أن المستحق للقتل إذ لجأ إليها لم يقتل عندنا وكذلك الكافر الحربي إذا لجأ إلى الحرم لم يقتل وإنما يقتل من انتهك حرمة الحرم بالجناية فيه فمنع المسلمين من الإقدام عليهم خصوصية لحرمة الحرم ويحتمل أن يريد ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات قد علم أنهم سيكونون من أولاد هؤلاء الكفار إذ لم يقتلوا فمنعنا قتلهم لما في معلومه من حدوث أولادهم مسلمين وإذا كان في علم الله أنه إذا أبقاهم كان لهم أولاد مسلمون أبقاهم ولم يأمر بقتلهم وقوله لو تزيلوا على هذا التأويل لو كان هؤلاء المؤمنون الذين في أصلابهم قد ولدوهم وزايلوهم لقد كان أمر بقتلهم وإذا ثبت ما ذكرنا من جواز الإقدام على الكفار مع العلم بكون المسلمين بين أظهرهم وجب جواز مثله إذا تترسوا بالمسلمين لأن القصد في الحالين رمي المشركين دونهم ومن أصيب منهم فلا دية فيه ولا كفارة كما أن من أصيب برمي حصون الكفار من

المسلمين الذين في الحصن لم يكن فيه دية ولا كفارة ولا أنه قد أبيح لنا الرمي مع العلم بكون المسلمين في تلك الجهة فصاروا في الحكم بمنزلة من أبيح قتله فلا يجب شيء وليست المعرة المذكورة دية ولا كفارة إذ لا دلالة عليه من لفظه ولا من غيره والأظهر منه ما يصيبه من الغم والحرج باتفاق قتل المؤمن على يده على ما جرت به العادة ممن يتفق على يده ذلك وقول من تأوله على العيب محتمل أيضا لأن الإنسان قد يعاب في العادة باتفاق قتل الخطأ على يده وإن لم يكن ذلك على وجه العقوبة قوله تعالى إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية قيل إنه لما أراد النبي صلى الله عليه وسلم - أن يكتب صلح الحديبية أمر علي بن ابي طالب رضي الله عنه فكتبه وأملى عليه بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما اصطلح عليه محمد رسول الله وسهيل بن عمرو فأبت قريش أن يكتبوا بسم الله الرحمن الرحيم ومحمد رسول الله وقالوا نكتب باسمك اللهم ومحمد بن عبدالله ومنعوه دخول مكة فكانت أنفتهم من الإقرار بذلك من حمية الجاهلية وقوله تعالى وألزمهم كلمة التقوى روي عن ابن عباس قال لا إله إلا الله وعن قتادة مثله وقال مجاهد كلمة الإخلاص وحدثنا عبدالله بن محمد قال حدثنا الحسن قال أخبرنا عبدالرزاق عن معمر عن الزهري في قوله وألزمهم كلمة التقوى قال

بسم الله الرحمن الرحيم قوله
تعالى لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤسكم ومقصرين قال أبو بكر المقصد إخبارهم بأنهم يدخلون المسجد الحرام آمنين متقربين بالإحرام فلما ذكر معه الحلق والتقصير دل على أنهما قربة في الإحرام وأن الإحلال بهما يقع لولا ذلك ما كان للذكر ههنا وجه وروى جابر وأبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم -
دعا للمحلقين ثلاثا وللمقصرين مرة وهذا أيضا يدل على أنهما قربة ونسك عند
الإحلال من الإحرام آخر سورة الفتح
ومن سورة الحجرات
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عز و جل لا تقدموا بين يدي الله ورسوله حدثنا عبدالله بن محمد قال حدثنا الحسن قال أخبرنا عبدالرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله إن ناسا كانوا يقولون لولا أنزل في كذا قال معمر وكان الحسن يقول هم قوم ذبحوا قبل أن يصلي النبي -
فأمرهم أن يعيدوا الذبح قال أبو بكر وروي عن مسروق أنه دخل على عائشة
فأمرت الجارية أن تسقيه فقال إني صائم وهو

اليوم الذي يشك فيه فقالت قد نهي عن هذا وتلت يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله في صيام ولا غيره قال أبو بكر اعتبرت عموم الآية في النهي عن مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم -

في قول أو فعل وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى لا تعجلوا بالأمر والنهي
دونه قال أبو بكر يحتج بهذه الآية في امتناع جواز مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم - في تقديم الفروض على أوقاتها وتأخيرها عنها في تركها وقد يحتج بها من يوجب أفعال النبي صلى الله عليه وسلم - لأن في ترك ما فعله تقدما بين يديه كما أن في ترك أمره تقدما بين يديه وليس ذلك كما ظنوا لأن التقدم بين يديه إنما هو فيما أراد منا فعله ففعله غيره فأما مالم يثبت أنه مراد منه فليس في تركه تقديم بين يديه ويحتج به نفاة القياس أيضا ويدل ذلك على جهل المحتج به لأن ما قامت دلالته فليس في فعله تقدم بين يديه وقد قامت دلالة الكتاب والسنة والإجماع على وجوب القول بالقياس في فروع الشرع فليس فيه إذا تقدم بين يديه قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي فيه أمر بتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم -
وتوقيره وهو نظير قوله تعالى لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وروي
أنها نزلت في قوم كانوا إذ سئل النبي صلى الله عليه وسلم - عن شيء قالوا فيه قبل النبي صلى الله عليه وسلم - وأيضا لما كان في رفع الصوت على الإنسان في كلامه ضرب من ترك المهابة والجرأة نهى الله عنه إذ كنا مأمورين لتعظيمه وتوقيره وتهييبه وقوله تعالى ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض زيادة على رفع الصوت وذلك أنه نهى عن أن تكون مخاطبتنا له كمخاطبة بعضنا لبعض بل على ضرب من التعظيم تخالف به مخاطبات الناس فيما بينهم وهو كقوله لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا وقوله إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون وروي أنها نزلت في قوم من بني تميم أتوا النبي صلى الله عليه وسلم -
فنادوه من خارج الحجرة وقالوا اخرج إلينا يا محمد فذمهم الله تعالى بذلك
وهذه الآيات وإن كانت نازلة في تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم - وإيجاب الفرق بينه وبين الأمة فيه فإنه تأديب لنا فيمن يلزمنا تعظيمه من والد وعالم وناسك وقائم بأمر الدين وذي سن وصلاح ونحو ذلك إذ تعظيمه بهذا الضرب من التعظيم في ترك الجهر دفع الصوت عليه وترك عليه والتمييز بينه وبين غيره ممن ليس في مثل حاله وفي النهي عن ندائه من وراء الباب والمخاطبة له بلفظ الأمر لأن الله قد ذم هؤلاء القوم بندائهم إياه من وراء الحجرة وبمخاطبته بلفظ الأمر في قولهم اخرج إلينا حدثنا عبدالله بن محمد

قال
حدثنا الحسن الجرجاني قال أخبرنا عبدالرزاق عن معمر عن الزهري أن ثابت بن قيس قال يا رسول الله لقد خشيت أن أكون قد هلكت لما نزلت هذه الآية لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي نهانا الله ان نرفع أصواتنا فوق صوتك وأنا امرؤ جهير الصوت ونهى الله المرء أن يحب أن يحمد بما لم يفعل وأجدني أحب الحمد ونهانا الله عن الخيلاء وأجدني أحب الجمال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم -
يا ثابت أما ترضى أن تعيش حميدا وتقتل شهيدا وتدخل الجنة فعاش حميدا وقتل
شهيدا يوم مسيلمة الكذاب
باب حكم خبر الفاسق
قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة الآية حدثنا عبدالله بن محمد قال حدثنا الحسن بن أبي الربيع قال أخبرنا عبدالرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا قال بعث النبي صلى الله عليه وسلم -
الوليد بن عقبة إلى بني المصطلق فأتاهم الوليد فخرجوا يتلقونه ففرق ورجع
إلى النبي صلى الله عليه وسلم - فقال ارتدوا فبعث النبي صلى الله عليه وسلم -
خالد بن الوليد فلما دنا منهم بعث عيونا ليلا فإذا هم يؤذنون ويصلون
فأتاهم خالد فلم ير منهم إلا طاعة وخيرا فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم - فأخبره قال وقال معمر فتلا قتادة لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم قال فأنتم أسخف رأيا وأطيش أحلاما فاتهم رجل رأيه وانتصح كتاب الله وروي عن الحسن قال والله لئن كانت نزلت في رجل يعني قوله إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا إنها لمرسلة إلى يوم القيامة ما نسخها شيء قال أبو بكر مقتضى الآية إيجاب التثبت في خبر الفاسق والنهي عن الإقدام على قبوله والعمل به إلا بعد التبين والعلم بصحة مخبره وذلك لأن قراءة هذه الاية على وجهين فتثبتوا من التثبت وفتبينوا كلتاهما يقتضي النهي عن قبول خبره إلا بعد العلم بصحته لأن قوله فتثبتوا فيه أمر بالتثبت لئلا يصيب بجهالة فاقتضى ذلك النهي عن الإقدام إلا بعد العلم لئلا يصيب قوما بجهالة وأما قوله فتبينوا فإن التبين هو العلم فاقتضى أن لا يقدم بخبره إلا بعد العلم فاقتضى ذلك النهي عن قبول شهادة الفاسق مطلقا إذ كان كل شهادة خبرا وكذلك سائر أخباره فلذلك قلنا شهادة الفاسق غير مقبولة في شيء من الحقوق وكذلك أخباره في الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم -
وكل ما كان من أمر الدين يتعلق به من إثبات شرع أو حكم أو إثبات حق على
إنسان واتفق أهل العلم على جواز قبول خبر

الفاسق في أشياء فمنها أمور المعاملات يقبل فيها خبر الفاسق وذلك نحو الهدية إذا

قال
إن فلانا أهدى إليك هذا يجوز له قبوله وقبضه ونحو قوله وكلني فلان ببيع عبده هذا فيجوز شراؤه منه ونحو الإذن في الدخول إذا قال له قائل ادخل لا تعتبر فيه العدالة وكذلك جميع أخبار المعاملات ويقبل في جميع ذلك خبر الصبي والعبد والذمي وقبل النبي صلى الله عليه وسلم -
خبر بريرة فيما أهدت إلى النبي ص
- وكان يتصدق عليها فقال النبي صلى الله عليه وسلم - هي لها صدقة ولنا هدية فقبل قولها في أنه تصدق به عليها وأن ملك المتصدق قد زال إليها ويقبل قول الفاسق وشهادته من وجه آخر وهو من كان فسقه من جهة الدين باعتقاد مذهب وهم أهل الأهواء فساق وشهادتهم مقبولة وعلى ذلك جرى أمر السلف في قبول أخبار أهل الأهواء في رواية الأحاديث وشهادتهم ولم يكن فسقهم من جهة التدين مانعا من قبول شهادتهم وتقبل أيضا شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض وقد بيناه فيما سلف من هذا الكتاب فهذه الوجوه الثلاثة يقبل فيها خبر الفاسق وهو مستثنى من جملة قوله تعالى إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا لدلائل قد قامت عليه فثبت أن مراد الآية في الشهادات وإلزام الحقوق أو إثبات أحكام الدين والفسق التي ليست من جهة الدين والإعتقاد وفي هذه الآية دلالة على أن خبر الواحد لا يوجب العلم إذ لو كان يوجب العلم بحال لما احتيج فيه إلى التثبت ومن الناس من يحتج به في جواز قبول خبر الواحد العدل ويجعل تخصيصه الفاسق بالتثبت في خبره دليلا على أن التثبت في خبر العدل غير جائز وهذا غلط لأن تخصيص الشيء بالذكر لا يدل على أن ما عداه فحكمه بخلافه
باب قتال أهل البغي
قال الله تعالى وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما حدثنا عبدالله بن محمد قال حدثنا الحسن بن أبي الربيع قال أخبرنا عبدالرزاق عن معمر عن الحسن أن قوما من المسلمين كان بينهم تنازع حتى اضطربوا بالنعال والأيدي فأنزل الله فيهم وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما قال معمر قال قتادة وكان رجلان بينهما حق تدارء فيه فقال أحدهما لآخذنه عنوة لكثرة عشيرته وقال الآخر بيني وبينك رسول الله صلى الله عليه وسلم - فتنازعا حتى كان بينهما ضرب بالنعال والأيدي وروي عن سعيد بن جبير والشعبي قالا كان قتالهم بالعصي والنعال وقال مجاهد هم الأوس والخزرج كان بينهم قتال

بالعصا قال أبو بكر قد اقتضى ظاهر الآية الأمر بقتال الفئة الباغية حتى ترجع إلى أمر الله وهو عموم في سائر ضروب القتال فإن فاءت إلى الحق بالقتال بالعصي والنعال لم يتجاوز به إلى غيره وإن لم تفئ بذلك قوتلت بالسيف على ما تضمنه ظاهر الآية وغير جائز لأحد الاقتصار على القتال بالعصي دون السلاح مع الإقامة على البغي وترك الرجوع إلى الحق وذلك أحد ضروب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم - من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذاك أضعف الإيمان فأمر بإزالة المنكر باليد ولم يفرق بين السلاح وما دونه فظاهره يقتضي وجوب إزالته بأي شيء أمكن وذهب قوم من الحشو إلى أن قتال أهل البغي إنما يكون بالعصي والنعال وما دون السلاح وأنهم لا يقاتلون بالسيف واحتجوا بما روينا من سبب نزول الآية وقتال القوم الذين تقاتلوا بالعصي والنعال وهذا لا دلالة فيه على ما ذكروا لأن القوم تقاتلوا بما دون السلاح فأمر الله تعالى بقتال الباغي منهما ولم يخصص قتالنا إياه بما دون السلاح وكذلك نقول متى ظهر لنا قتال من فئة على وجه البغي قابلناه بالسلاح وبما دونه حتى ترجع إلى الحق وليس في نزول الآية على حال قتال الباغي لنا بغير سلاح ما يوجب أن يكون الأمر بقتالنا إياهم مقصورا على ما دون السلاح مع اقتضاء عموم اللفظ للقتال بسلاح وغيره ألا ترى أنه لو قال من قاتلكم بالعصي فقاتلوه بالسلاح لم يتناقص القول به فكذلك أمره إيانا بقتالهم إذ كان عمومه يقتضي القتال بسلاح وغيره وجب أن يجري على عمومه وأيضا قاتل علي بن ابي طالب رضي الله عنه الفئة الباغية بالسيف ومعه من كبراء الصحابة وأهل بدر من قد علم مكانهم وكان محقا في قتاله لهم لم يحالف فيه أحد إلا الفئة الباغية التي قابلته وأتباعها وقال النبي صلى الله عليه وسلم - لعمار تقتلك الفئة الباغية وهذا خبر مقبول من طريق التواتر حتى أن معاوية لم يقدر على جحده لما قال له عبدالله بن عمر فقال إنما قتله من جاء به فطرحه بين أسنتنا رواه أهل الكوفة وأهل البصرة وأهل الحجاز وأهل الشام وهو علم من أعلام النبوة لأنه خبر عن غيب لا يعلم إلا من جهة علام الغيوب وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم -

في إيجاب قتال الخوارج وقتلهم أخبار كثيرة متواترة منها حديث أنس وأبي
سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال سيكون في أمتي اختلاف وفرقة قوم يحسنون القول ويسيئون العمل يمرقون من الدين كما يمرق السهم

من الرمية لا يرجعون حتى يرتد على فوقه هم شر الخلق والخليقة طوبى لمن قتلهم أو قتلوه يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شيء من قتلهم كان أولى بالله منهم قالوا يا رسول الله ما سيماهم قال التحليق وروى الأعمش عن خيثمة عن سويد بن غفلة قال سمعت عليا يقول إذا حدثتكم بشيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم -

فلأن أخر من السماء فتخطفني الطير أحب إلي من أن أكذب عليه وإذا حدثتكم
فيما بيننا فإن الحرب خدعة وإن سمعته ص - يقول يخرج قوم في آخر الزمان أحداث الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من خير قول البرية لا يجاوز إيمانهم حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فإن لقيتموهم فاقتلوهم فإن قتلهم أجر من قتلهم يوم القيامة ولم يختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - في وجوب قتال الفئة الباغية بالسيف إذا لم يردعها غيره ألا ترى أنهم كلهم رأوا قتال الخوارج ولو لم يروا قتال الخوارج وقعدوا عنها لقتلوهم وسبوا ذراريهم ونساءهم واصطلموهم فإن قيل قد جلس عن علي جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - منهم سعد ومحمد بن مسلمة وأسامة بن زيد وابن عمر قيل له لم يقعدوا عنه لأنهم لم يروا قتال الفئة الباغية وجائز أن يكون قعودهم عنه لأنهم رأوا الإمام مكتفيا بمن معه مستغنيا عنهم بأصحابه فاستجازوا القعود عنه لذلك ألا ترى أنهم قد قعدوا عن قتال الخوارج لا على أنهم لم يروا قتالهم واجبا لكنه لما وجدوا من كفاهم قتل الخوارج استغنوا عن مباشرة قتالهم فإن احتجوا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم - قال ستكون فتنة القائم فيها خير من الماشي والقاعد فيها خير من القائم قيل له إنما أراد به الفتنة التي يقتتل الناس فيها على طلب الدنيا وعلى جهة العصبية والحمية من غير قتال مع إمام تجب طاعته فأما إذا ثبت أن إحدى الفئتين باغية والأخرى عادلة مع الإمام فإن قتال الباغية واجب مع الإمام ومع من قاتلهم محتسبا في قتالهم فإن قالوا قال النبي صلى الله عليه وسلم - لأسامة بن زيد قتلته وهو قد قال لا إله إلا الله إنما يردد ذلك مرارا فوجب أن لا يقاتل من قال لا إله إلا الله ولا يقتل قيل له لأنهم كانوا يقاتلون وهم مشركون حتى يقولوا لا إله إلا الله كما قال ص - أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها فكانوا إذا أعطوا كلمة التوحيد أجابوا إلى ما دعوا إليه من خلع الأصنام واعتقاد التوحيد ونظير ذلك أن يرجع البغاة إلى الحق فيزول عنهم القتال لأنهم إنما يقاتلون على إقامتهم على قتال أهل العدل فمتى كفوا عن القتال ترك قتالهم كما

يقاتل المشركون على إظهار الإسلام فمتى أظهروه زال عنهم ألا ترى أن قطاع الطريق والمحاربين يقاتلون ويقتلون مع قولهم لا إله إلا الله
باب

ما يبدأ به أهل البغي
قال الله تعالى وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما قال أبو بكر أمرا عند ظهور القتال منهم بالإصلاح بينهم وهو أن يدعوا إلى الصلاح والحق وما يوجبه الكتاب والسنة والرجوع عن البغي وقوله تعالى فإن بغت إحداهما على الأخرى يعني والله أعلم إن رجعت إحداهما إلى الحق وأرادت الصلاح وأدامت الأخرى على بغيها وامتنعت من الرجوع فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فأمر تعالى بالدعاء إلى الحق قبل القتال ثم إن أبت الرجوع قوتلت وكذا فعل علي بن أبي طالب كرم الله وجهه بدأ بدعاء الفئة الباغية إلى الحق واحتج عليهم فلما أبوا القبول قاتلهم وفي هذه الآية دلالة على أن اعتقاد مذاهب أهل البغي لا يوجب قتالهم ما لم يقاتلوا لأنه قال فإن بغت إحداهما على الآخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإنما أمر بقتالهم إذا بغوا على غيرهم بالقتال وكذلك فعل علي بن أبي طالب رضي الله عنه مع الخوارج وذلك لأنهم حين اعتزلوا عسكره بعث إليهم عبدالله بن عباس فدعاهم فلما أبوا الرجوع ذهب إليهم فحاجهم فرجعت منهم طائفة وأقامت طائفة على أمرها فلما دخلوا الكوفة خطب فحكمت الخوارج من نواحي المسجد وقالت لا حكم إلا لله فقال علي رضي الله عنه كلمة حق يراد بها باطل أما إن لهم ثلاثا أن لا نمنعهم مساجد الله أن يذكروا فيها اسمه وأن لا نمنعهم حقهم من الفيء ما دامت أيديهم مع أيدينا وأن لا نقاتلهم حتى يقاتلونا
باب
الأمر فيما يؤخذ من أموال البغاة
قال أبو بكر اختلف أهل العلم في ذلك فقال محمد في الأصل لا يكون غنيمة ويستعان بكراعهم وسلاحهم على حربهم فإذا وضعت الحرب أوزارها رد المال عليهم ويرد الكراع أيضا عليهم إذا لم يبق من البغاة أحد وما استهلك فلا شيء فيه وذكر إبراهيم بن الجراح عن أبي يوسف قال ما وجد في أيدي أهل البغي من كراع أو سلاح فهو فيء يقسم ويخمس وإذا تابوا لم يؤخذوا بدم ولا مال استهلكوه وقال مالك ما استهلكه الخوارج

من دم أو مال ثم تابوا لم يؤخذوا به وما كان قائما بعينه رد وهو قول الأوزاعي والشافعي وقال الحسن بن صالح إذا قوتل اللصوص المحاربون فقتلوا وأخذ ما معهم فهو غنيمة لمن قاتلهم بعد إخراج الخمس إلا أن يكون شيء يعلم أنهم سرقوه من الناس قال أبو بكر واختلفت الرواية عن علي كرم الله وجهه في ذلك فروى فطر بن خليفة عن منذر بن يعلى عن محمد بن الحنفية قال قسم أمير المؤمنين علي رضي الله عنه يوم الجمل فياهم بين أصحابه ما قوتل به من الكراع والسلاح فاحتج من جعله غنيمة بهذا الحديث وهذا ليس فيه دلالة على أنه غنيمة لأنه جائز أن يكون قسم ما حصل في يده من كراع أو سلاح ليقاتلوا به قبل أن تضع الحرب أوزارها ولم يملكهم ذلك على ما قال محمد في الأصل وقد

روى
عكرمة بن عمار عن أبي زميل عن عبدالله بن الدولي عن ابن عباس أن الخوارج نقموا على علي رضي الله عنه أنه لم يسب ولم يغنم فحاجهم بأن قال لهم أفتسبون أمكم عائشة ثم تستحلون منها ما تستحلون من غيرها فلئن فعلتم لقد كفرتم وروى أبو معاوية عن الصلت بن بهرام عن أبي وائل قال سألته أخمس علي رضي الله عنه أموال أهل الجمل قال لا وقال الزهري وقعت الفتنة وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - متوافرون وأجمعوا أن كل دم أريق على وجه التأويل أو مال استهلك على وجه التأويل فلا ضمان فيه ويدل على أنه لا تغنم أموالهم التي ليست معهم مما تركوه في ديارهم لا تغنم وإن قتلوا كذلك ما معهم منها ألا ترى أن أهل الحرب لا يختلف فيما يغنم من أموالهم ما منعهم وما تركوه منها في ديارهم إن ما حصل في أيدينا منها مغنوم وأنه لا خلاف أنه لا تسبى ذراريهم ونساؤهم ولا تملك رقابهم فكذلك لا تغنم أموالهم فإن قيل مشركو العرب لا تملك رقابهم وتغنم أموالهم قيل لأنهم يقتلون إذا أسروا إن لم يسلموا وتسبى ذراريهم ونساؤهم فلذلك غنمت أموالهم والخوارج إذا لم تبق لهم منعة لا يقتل أسراهم ولا تسبى ذراريهم بحال فكذلك لا تغنم أموالهم
باب الحكم في أسرى أهل البغي وجرحاهم
روى كوثر بن حكيم عن نافع عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - يا ابن أم عبد كيف حكم الله فيمن بغى من هذه الأمة قال الله ورسوله أعلم قال لا يجهز على جرحها ولا يقتل أسيرها ولا يطلب هاربها وروى عطاء بن السائب عن أبي البختري وعامر قالا لما ظهر علي رضي الله عنه على أهل الجمل قال لا تتبعوا مدبرا ولا تذففوا على جريح وروى

شريك عن السدي عن عبد خير قال قال علي رضي الله عنه يوم الجمل لا تقتلوا أسيرا ولا تجهزوا على جريح ومن ألقى السلاح فهو آمن قال أبو بكر هذا حكم علي رضي الله عنه في البغاة ولا نعلم له مخالفا من السلف وقال أصحابنا إذا لم تبق لأهل البغي فئة فإنه لا يجهز على جريح ولا يقتل أسير ولا يتبع مدبر فإذا كانت لهم فئة فإنه يقتل الأسير إن رأى ذلك الإمام ويجهز على الجريح ويتبع المدبر وقول علي رضي الله عنه محمول على أنه لم تبق لهم فئة لأن هذا القول إنما كان منه في أهل الجمل ولم تبق لهم فئة بعد الهزيمة والدليل عليه أنه أسر ابن بثرى والحرب قائمة فقتله يوم الجمل فدل ذلك على أن مراده في الأخبار الأول إذا لم تبق لهم فئة
باب

في قضايا البغاة
قال أبو يوسف في البرمكي لا ينبغي لقاضي الجماعة أن يجيز كتاب قاضي أهل البغي ولا شهادته ولا حكمه قال أبو بكر وكذلك قال محمد وقال لو أن الخوارج ولوا قاضيا منهم فحكم ثم رفع إلى حاكم أهل العدل لم يمضه إلا أن يوافق رأيه فيستأنف القضاء فيه قال ولو ولوا قاضيا من أهل العدل بقضية أنفذها من رفعت إليه كما يمضى قضاء أهل العدل وقال مالك فيما حكم به أهل البغي تكشف أحكامهم فما كان منها مستقيما أمضي وقال الشافعي إذا غلب الخوارج على مدينة فأخذوا صدقات أهلها وأقاموا عليهم الحدود لم تعد عليهم ولا يرد من قضاء قاضيهم إلا ما يرد من قضاء قاضي غيرهم وإن كان غير مأمون برأيه على استحلال دم أو مال لم ينفذ حكمه ولم يقبل كتابه قال أبو بكر إذا قاتلوا وظهر بغيهم على أهل العدل فقد وجب قتلهم وقتالهم فغير جائز قبول شهادة من هذه سبيله لأن إظهار البغي وقتالهم لأهل العدل هو فسق من جهة الفعل وظهور الفسق من جهة الفعل يمنع قبول الشهادة كشارب الخمر والزاني والسارق فإن قيل فأنت تقبل شهادتهم فهلا أمضيت أحكامهم قيل له قد قال محمد بن الحسن إنهم إنما تقبل شهادتهم مالم يقاتلوا ولم يخرجوا على أهل العدل فأما إذا قاتلوا فإني لا أقبل شهادتهم فقد سوى بين القضاء وبين الشهادة ولم يذكر في ذلك خلافا بين أصحابنا وهذا سديد والعلة فيه ما ذكرنا فإن قيل فقد قالوا إن الخوارج إذا ظهروا وأخذوا صدقات المواشي والثمار إنه لا يعاد على أربابها فجعلوا أخذهم بمنزلة أخذ أهل العدل قيل له إن الزكاة لا تسقط عنهم بأخذ هؤلاء لأنهم قالوا إن على أرباب

الأموال إعادتها فيما بينهم وبين الله تعالى وإنما أسقطوا به حق الإمام في الأخذ لأن حق الإمام إنما يثبت في الأخذ لأجل حمايته أهل العدل فإذا لم يحمهم من البغاة لم يثبت حقه في الأخذ وكان ما أخذه البغاة بمنزلة أخذه في باب سقوط حقه في الأخذ ألا ترى أن أصحابنا قالوا لو مر رجل من أهل العدل على عاشر أهل البغي بمال فعشره أنه لا يحتسب له الإمام بذلك ويأخذ منه العشر إذا مر به على عاشر أهل العدل فعلمت أن المعنى في سقوط حق الإمام في الأخذ لا عل معنى أنهم جعلوا حكمهم كأحكام أهل العدل وإنما أجازوا قضاء قاضي البغاة إذا كان القاضي من أهل العدل من قبل أن الذي يحتاج إليه في صحة نفاذ القضاء هو أن يكون القاضي عدلا في نفسه ويمكنه تنفيذ قضائه وحمل الناس عليه بيد قوية سواء كان المولى له عدلا أو باغيا ألا ترى أنه لو لم يكن ببلد سلطان فاتفق أهله على أن ولوا رجلا منهم القضاء كان جائزا وكانت أحكامه نافذة عليهم فكذلك الذي ولاه البغاة القضاء إذا كان هو في نفسه عدلا نفذت أحكامه ويحتج من يجيز مجاوزة الحد بالتعزير بقوله تعالى فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فأمر بقتالهم إلى أن يرجعوا إلى الحق فدل على أن التعزير يجب إلى أن يعلم إقلاعه عنه وتوبته إذ كان التعزير للزجر والردع وليس له مقدار معلوم في العادة كما أن قتال البغاة لما كان الردع وجب فعله أن يرتدعوا وينزجروا قال أبو بكر إنما اقتصر من لم يبلغ بالتعزير الحد على ذلك بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم -

أنه قال من بلغ حدا في غير حد فهو من المعتدين وقوله تعالى إنما
المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم يعني أنهم إخوة في الدين كقوله تعالى فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم وفي ذلك دليل على جواز إطلاق لفظ الأخوة بين المؤمنين من جهة الدين وقوله تعالى فأصلحوا بين أخويكم يدل على أن من رجا صلاح ما بين متعاديين من المؤمنين أن عليه الإصلاح بينهما وقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم نهى الله بهذه الآية عن عيب من لا يستحق أن يعاب على وجه الإحتقار له لأن ذلك هو معنى السخرية وأخبر أنه وإن كان أرفع حالا منه في الدنيا فنسي أن يكون المسخور منه خيرا عند الله وقوله تعالى ولا تلمزوا أنفسكم وروي عن ابن عباس وقتادة لا يطعن بعضكم على بعض قال أبو بكر هو كقوله ولا تقتلوا أنفسكم لأن المؤمنين كنفس واحدة فكأنه بقتله أخاه قاتل نفسه وكقوله فسلموا على

أنفسكم يعني يسلم بعضكم على بعض واللمز العيب يقال لمزه إذا عابه وطعن عيه قال الله تعالى ومنهم من يلمزك في الصدقات قال زياد الأعجم ... إذا لقيتك تبدي لي مكاشرة ... وإن تغيبت الهامز اللمزه ... ما كنت أخشى وإن كان الزمان به ... حيف على الناس ان يغتابني عنزه ...
وإنما نهى بذلك عن عيب من لا يستحق وليس بمعيب فإن من كان معيبا فاجرا فعيبه بما فيه جائز وروي أنه لما مات الحجاج قال الحسن اللهم أنت أمته فاقطع عنا سنته فإنه أتانا أخيفش أعيمش يمد بيد قصيرة البنان والله ما عرق فيها عنان في سبيل الله يرحل جمته ويخطر في مشيته ويصعد المنبر فيهذر حتى تفوته الصلاة لا من الله يتقي ولا من الناس يستحي فوقه الله وتحته مائة ألف أو يزيدون لا يقول له لا قائل الصلاة أيها الرجل ثم قال الحسن هيهات والله حال دون ذلك السيف والسوط وقوله تعالى ولا تنابزوا بالألقاب روى حماد بن سلمة عن يونس عن الحسن أن أبا ذر كان عند النبي صلى الله عليه وسلم -

وكان بينه وبين رجل منازعة فقال له أبو ذر يا ابن اليهودية فقال النبي ص
- أما ترى ما ههنا ما شيء أحمر ولا أسود وما أنت أفضل منه إلا بالتقوى قال ونزلت هذه الآية ولا تنابزوا بالألقاب وقال قتادة في قوله تعالى ولا تنابزوا بالألقاب قال لا تقل لأخيك المسلم يا فاسق يا منافق حدثنا عبدالله بن محمد قال حدثنا الحسن قال أخبرنا عبدالرزاق عن معمر عن الحسن قال كان اليهودي والنصراني يسلم فقال له يا يهودي يا نصراني فنهوا عن ذلك حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا وهيب عن داود عن عامر قال حدثني أبو جبيرة بن الضحاك قال فينا نزلت هذه الآية في بني سلمة ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان قال قدم علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم -
وليس منا رجل إلا وله اسمان أو ثلاثة فجعل رسول الله ص
- يقول يا فلان فيقولون مه يا رسول الله إنه يغضب من هذا الاسم فأنزلت هذه الآية ولا تنابزوا بالألقاب وهذا يدل على أن اللقب المكروه هو ما يكرهه صاحبه ويفيد ما للموصوف به لأنه بمنزلة السباب والشتيمة فأما الأسماء والأوصاف الجارية غير هذا المجرى فغير مكروهة لم يتناولها النهي لأنها بمنزلة أسماء الأشخاص والأسماء المشتقة من أفعال وقد روى محمد بن إسحاق عن محمد بن يزيد بن خيثم عن محمد بن كعب قال حدثني محمد بن خيثم المحاربي عن

عمار بن ياسر قال كنت أنا وعلي بن أبي طالب رفيقين في غزوة العشيرة من بطن ينبع فلما نزل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم - أقام بها شهرا وصالح فيها بني مدلج وحلفاءهم من بني ضمرة ووادعهم فقال لي علي رضي الله عنه هل لك أن تأتي هؤلاء من بني مدلج يعملون في عير لهم ننظر كيف يعملون فأتيناهم فنظرنا إليهم ساعة ثم غشينا النوم فعمدنا إلى صور من النخل في دقعاء من الأرض فنمنا فما أنبهنا إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم - بقدمه فجلسنا وقد تتربنا من تلك الدقعاء فيومئذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - لعلي يا أبا تراب لما عليه من التراب فأخبرناه بما كان من أمرنا فقال ألا أخبركم بأشقى رجلين قلنا من هما يا رسول الله قال أحيمر ثمود الذي عقر الناقة والذي يضربك يا علي على هذا ووضع رسول الله صلى الله عليه وسلم - يده على رأسه حتى تبل منه هذه ووضع يده على لحيته وقال سهل بن سعد ما كان اسم أحب إلى علي رضي الله عنه أن يدعى به من أبي تراب فمثل هذا لا يكره إذ ليس فيه ذم ولا يكرهه صاحبه وحدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا إبراهيم بن مهدي قال حدثنا شريك عن عاصم عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -

يا ذا الأذنين وقد غير النبي ص
- اسماء قوم فسمى العاص عبدالله وسمى شهابا هشاما وسمى حربا سلما وفي جميع ذلك دليل على أن المنهي من الألقاب ما ذكرنا دون غيره وقد روي أن رجلا أراد أن يتزوج امرأة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم - انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئا يعني الصغر قال أبو بكر فلم يكن ذلك غيبة لأنه لم يرد به ذم المذكور ولا غيبته وقوله تعالى اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم اقتضت الآية النهي عن بعض الظن لا عن جميعه لأن قوله كثيرا من الظن يقتضي البعض وعقبه بقوله إن بعض الظن إثم فدل على أنه لم ينه عن جميعه وقال في آية أخرى إن الظن لا يغني من الحق شيئا وقال وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا فالظن على أربعة أضرب محظور ومأمور به ومندوب إليه ومباح فإن الظن المحظور فهو سوء الظن بالله تعالى حدثنا عبدالباقي بن قانع قال حدثنا معاذ بن المثنى ومحمد بن حبان التمار قالا حدثنا محمد بن كثير قال حدثنا سفيان عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم - قبل موته بثلاث يقول لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله عز و جل وحدثنا عبدالباقي بن قانع قال حدثنا أبو سعيد يحيى بن منصور الهروي قال حدثنا سويد بن نصر قال حدثنا ابن المبارك عن هشام بن الغازي عن حبان بن أبي

النصر قال سمعت وائلة بن الأسقع يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - يقول الله أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء وحدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا موسى بن إسماعيل قال حدثنا حماد بن سلمة عن محمد بن واسع عن شتير يعني ابن نهار عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم - قال حسن الظن من العبادة وهو مرفوع في حديث نصر بن علي غير مرفوع في حديث موسى بن إسماعيل فحسن الظن بالله فرض وسوء الظن به محظور منهي عنه وكذلك سوء الظن بالمسلمين الذين ظاهرهم العدالة محظور مزجور عنه وهو من الظن المحظور المنهي عنه وحدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن محمد المروزي قال حدثنا عبدالرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري عن علي بن حسين عن صفية قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم -

معتكفا فأتيته أزوره ليلا فحدثته وقمت فانقلبت فقام معي ليقلبني وكان
مسكنها في دار أسامة بن زيد فمر رجلان من الأنصار فلما رأيا النبي صلى الله عليه وسلم - أسرعا فقال النبي صلى الله عليه وسلم - على رسلكما إنها صفية بنت حيي قالا سبحان الله يا رسول الله قال إن الشيطان يجري من الإنسان مجرى الدم فخشيت أن يقذف في قلوبكما شيئا أو قال سوءا وحدثنا عبدالباقي بن قانع قال حدثنا معاذ بن المثنى قال حدثنا عبدالرحمن قال حدثنا وهيب قال حدثنا ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث فهذا من الظن المحظور وهو ظنه بالمسلم سوءا من غير سبب يوجبه وكل ظن فيما له سبيل إلى معرفته مما تعبد بعلمه فهو محظور لأنه لما كان متعبدا تعبد بعلمه ونصب له الدليل عليه فلم يتبع الدليل وحصل على الظن كان تاركا للمأمور به وأما ما لم ينصب له عليه دليل يوصله إلى العلم به وقد تعبد بتنفيذ الحكم فيه فالإقتصار على غالب الظن وإجراء الحكم عليه واجب وذلك نحو ما تعبدنا به من قبول شهادة العدول وتحري القبلة وتقويم المستهلكات وأروش الجنايات التي لم يرد بمقاديرها توقيف فهذه وما كان من نظائرها قد تعبدنا فيها بتنفيذ أحكام غالب الظن وأما الظن المباح فالشاك في الصلاة أمره النبي صلى الله عليه وسلم - بالتحري والعمل على ما يغلب في ظنه فلو غلب ظنه كان مباحا وإن عدل عنه إلى البناء على اليقين كان جائزا ونحوه ما روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال لعائشة إني كنت نحلتك جداد عشرين وسقا بالعالية وإنك لم تكوني حزتيه ولا قبضتيه وإنما هو مال الوارث وإنما هو أخواك وأختاك قال فقلت إنما هي أسماء فقال ألقي في روعي أن

ذا بطن خارجة جارية فاستجاز هذا الظن لما وقع في قلبه وحدثنا عبدالباقي بن قانع قال حدثنا إسماعيل بن الفضل قال حدثنا هشام بن عمار عن عبدالرحمن بن سعد عن عبدالله بن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - إذا ظننتم فلا تحققوا فهذا من الظن الذي يعرض بقلب الإنسان في أخيه مما يوجب الريبة فلا ينبغي أن يحققه وأما الظن المندوب إليه فهو حسن الظن بالأخ المسلم هو مندوب إليه مثاب عليه فإن قيل إذا كان سوء الظن محظورا فواجب أن يكون حسن الظن واجبا قيل له لا يجب ذلك لأن بينهما واسطة وهو أن لا يظن به شيئا فإذا أحسن الظن به فقد فعل مندوبا إليه قوله تعالى ولا تجسسوا حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود عن القعنبي عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تحسسوا وحدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن زيد بن وهب قال أتى ابن مسعود فقيل هذا فلان تقطر لحيته خمرا فقال عبدالله إنا قد نهينا عن التجسس ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذ به وعن مجاهد لا تجسسوا خذوا بما ظهر لكم ودعوا ما ستر الله فنهى الله في هذه الآيات عن سوء الظن بالمسلم الذي ظاهره العدالة والستر ودل به على أنه يجب تكذيب من قذفه بالظن وقال تعالى لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين فإذا وجب تكذيب القاذف والأمر بحسن الظن فقد اقتضى ذلك النهي عن تحقيق المظنون وعن إظهاره ونهى عن التجسس بل أمر بالستر على أهل المعاصي مالم يظهره منهم إصرار حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن يحيى بن فارس قال حدثنا الفريابي عن إسرائيل عن الوليد قال أبو داود ونسبه لنا زهير بن حرب عن حسين بن محمد عن إسرائيل في هذا الحديث قال الوليد بن أبي هشام عن زيد بن زائد عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - لا يبلغني أحد عن أحد شيئا فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر لكم وحدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا مسلم بن ابراهيم قال حدثنا عبدالمبارك عن إبراهيم بن نشيط عن كعب بن علقمة عن أبي الهيثم عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم - قال من رأى عورة فسترها كان كمن أحيى موءودة وحدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا قتيبة بن سعيد قال حدثنا الليث عن عقيل

عن الزهري عن سالم عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم - قال المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه من كان في حاجة أخيه فإن الله في حاجته ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة وجميع ما أمرنا الله به من ذلك يؤدي إلى صلاح ذات البين وفي صلاح ذات البين صلاح أمر الدنيا والدين قال الله تعالى فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم وحدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن العلاء قال حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن يزيد بن مرة عن سالم عن أم الدرداء عن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة قالوا بلى يا رسول الله قال إصلاح ذات البين وفساد ذات البين الحالقة وقوله تعالى ولا يغتب بعضكم بعضا حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا العنبي قال حدثنا عبدالعزيز بن محمد عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة أنه قيل يا رسول الله ما الغيبة قال ذكرك أخاك بما يكره قيل أفرأيت إن كان في أخي ما أقول قال إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته وحدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا مسدد قال حدثنا سفيان عن علي بن الأقمر عن أبي حذيفة عن عائشة قالت قلت للنبي ص - حسبك من صفية كيت وكيت قال غير مسدد نعني قصيرة فقال لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته قالت وحكيت له إنسانا آخر فقال ما أحب أني حكيت إنسانا وأن لي كذا وكذا وحدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا الحسن ابن علي قال حدثنا عبدالرزاق عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أن عبدالرحمن بن الصامت ابن عم أبي هريرة أخبره أنه سمع أبا هريرة يقول جاء الأسلمي إلى نبي الله ص - فشهد على نفسه أربع مرات أنه أصاب امرأة حراما وذكر الحديث إلى قوله فما تريد بهذا القول قال أريد أن تطهرني فأمر به فرجم فسمع نبي الله ص - رجلين من أصحابه يقول أحدهما لصاحبه انظر إلى هذا الذي ستر الله عليه فلم تدعه نفسه حتى رجم رجم الكلب فسكت عنهما ثم سار ساعة حتى مر بجيفة حمار شائل برجله فقال أين فلان وفلان فقال نحن ذان يا رسول الله قال انزلا فكلا من جيفة هذا الحمار فقالا يا نبي الله من يأكل من هذا قال فما نلتما من عرض أخيكما آنفا أشد من الأكل منه والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها وحدثنا عبدالباقي بن قانع قال حدثنا إبراهيم بن عبدالله

قال حدثنا يزيد بن مرة سنة ثلاث عشر ومائتين قال حدثنا ابن عون أن ناسا أتوا ابن سيرين فقالوا إنا ننال منك فاجعلنا في حل فقال لا أحل لكم ما حرم الله عليكم وروى الربيع بن صبيح أن رجلا قال للحسن يا أبا سعيد إني أرى أمرا أكرهه قال وما ذاك يا ابن أخي قال أرى أقواما يحضرون مجلسك يحفظون عليك سقط كلامك ثم يحكونك ويعيبونك فقال يا ابن أخي لا يكبرن هذا عليك أخبرك بما هو أعجب قال وما ذاك يا عم قال أطمعت نفسي في جوار الرحمن وحلول الجنان والنجاة من النيران ومرافقة الأنبياء ولم أطمع نفسي في السلامة من الناس أنه لو سلم من الناس أحد لسلم منهم خالقهم فإذا لم يسلم خالقهم فالمخلوق أجدر أن لا يسلم حدثنا عبدالباقي بن قانع قال أخبرنا الحارث ابن أبي أسامة قال حدثنا داود بن المجبر قال حدثنا عنبسة بن عبدالرحمن قال حدثني خالد بن يزيد اليمامي عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -

كفارة الاغتياب أن تستغفر لمن اغتبته وقوله تعالى
أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه تأكيد لتقبيح الغيبة والزجر عنه من وجوه أحدهما أن لحم الإنسان محرم الأكل فكذلك الغيبة والثاني النفوس تعاف أكل لحم الإنسان من جهة الطبع فلتكن الغيبة عندكم بمنزلته في الكراهة ولزوم اجتنابه من جهة موجب العقل إذا كانت دواعي العقل أحق بالاتباع من دواعي الطبع ولم يقتصره على ذكر الإنسان الميت حتى جعله أخاه وهذا أبلغ ما يكون في التقبيح والزجر فهذا كله إنما هو في المسلم الذي ظاهره العدالة ولم يظهر منه ما يوجب تفسيقه كما يجب علينا تكذيب قاذفه بذلك فإن كان المقذوف بذلك مهتوكا فاسقا فإن ذكر ما فيه من الأفعال القبيحة غير محظور كما لا يجب على سامعه النكير على قائله ووصفه بما يكرهه على ضربين أحدهما ذكر أفعاله القبيحة والآخر وصف خلقته وإن كان مشينا على جهة الاحتقار له وتصغيره لا على جهة ذمه بها ولا عيب صانعها على نحو ما روينا عن الحسن في وصفه الحجاج بقبح الخلقة وقد يجوز وصف قوم في الجملة ببعض ما إذا وصف به إنسان بعينه كان غيبة محظورة ثم لا يكون غيبة إذا وصف به الجملة على وجه التعريف كما روى أبو حازم عن أبي هريرة قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله إن تزوجت امرأة قال هل نظرت إليها فإن في أعين الأنصار شيئا فإنه لم يكن غيبة وجعل وصف عائشة الرجل بالقصر في الحديث الذي قدمنا غيبة لأن ذلك كان من النبي صلى الله عليه وسلم - وعلى وجه

التعريف لا على جهة العيب وهو كما روي عنه أنه قال لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما عراض الوجوه صغار العيون فطس الأنوف كأن وجوههم المجان المطرقة فلم يكن ذلك غيبة وإنما كان تعريفا لهم صفة القوم قوله تعالى إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا روي عن مجاهد وقتادة الشعوب النسب الأبعد والقبائل الأقرب فيقال بني فلان وفلان وقوله تعالى إن أكرمكم عند الله أتقاكم بدأ بذكر الخلق من ذكر وأنثى وهما آدم وحواء ثم جعلهم شعوبا يعني متشعبين متفرقين في الأنساب كالأمم المتفرقة نحو العرب وفارس والروم والهند ونحوهم ثم جعلهم قبائل وهم أخص من الشعوب نحو قبائل العرب وبيوتات العجم ليتعارفوا بالنسبة كما خالف بين خلقهم وصورهم ليعرف بعضهم بعضا ودل بذلك على أنه لا فضل لبعضهم على بعض من جهة النسب إذ كانوا جميعا من أب وأم واحدة ولأن الفضل لا يستحق بعمل غيره فبين الله تعالى ذلك لنا لئلايفخر بعضنا على بعض بالنسب وأكد ذلك بقوله تعالى إن أكرمكم عند الله أتقاكم فأبان أن الفضيلة والرفعة إنما تستحق بتقوى الله وطاعته وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم - في خطبته أنه قال إن الله قد أذهب نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء الناس من آدم وآدم من تراب أكرمكم عند الله أتقاكم لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى وقال ابن عباس وعطاء إن أكرمكم عند الله أتقاكم لا أعظمكم بيتا آخر سورة الحجرات
ومن سورة ق
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج حدثنا عبدالله بن محمد قال حدثنا الحسن بن أبي الربيع الجرجاني قال أخبرنا عبدالرزاق عن معمر عن قتادة في قوله فهم في أمر مريج قال من ترك الحق مرج عليه رأيه والتبس عليه دينه وقوله تعالى وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب روى جرير بن عبدالله عن النبي صلى الله عليه وسلم - قال إن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا ثم قرأ وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب وروي عن ابن عباس وقتادة أن المراد صلاة الفجر وصلاة العصر وقوله تعالى ومن الليل فسبحه قال مجاهد

صلاة الليل قال أبو بكر يجوز أن يريد صلاة المغرب والعتمة وقوله تعالى وأدبار السجود قال علي وعمر والحسن بن علي وابن عباس والحسن البصري ومجاهد والنخعي والشعبي وأدبار السجود ركعتان بعد المغرب وإدبار النجوم ركعتان قبل الفجر وعن ابن عباس مثله وعن مجاهد عن ابن عباس وأدبار السجود إذا وضعت جبهتك على الأرض أن تسبح ثلاثا قال أبو بكر اتفق من ذكرنا قوله بديا أن قوله وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب أراد به الصلاة وكذلك ومن الليل فسبحه هو صلاة الليل وهي العتمة والمغرب فوجب أن يكون قوله وأدبار السجود هو الصلاة لأن فيه ضمير فسبحه وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم -

التسبيح في دبر كل صلاة ولم يذكر أنه تفسير الآية وروى محمد بن سيرين عن
كثير بن أفلح عن زيد بن ثابت قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم - أن نسبح في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين ونحمد ثلاثا وثلاثين ونكبر أربعا وثلاثين فأتى رجل من الأنصار في المنام فقال أمركم محمد ص - أن تسبحوا في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين وتحمدوا ثلاثا وثلاثين وتكبروا أربعا وثلاثين فلو جعلتموها خمسا وعشرين خمسا وعشرين فاجعلوا فيها التهليل فذكر ذلك للنبي ص - فقال افعلوا وروى سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة قال قالوا يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالدرجات والنعيم المقيم قال كيف ذاك قالوا صلوا كما صلينا وجاهدوا كما جاهدنا وأنفقوا من فضول أموالهم وليست لنا أموال فقال أنا أخبركم بأمر تدركون به من كان قبلكم وتسبقون به من بعدكم لا يأتي أحد بمثل ما جئتم به إلا من جاء بمثله تسبحون الله في دبر كل صلاة عشرا وتحمدون الله عشرا وتكبرون عشرا وروى نحوه عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم -
إلا أنه قال تسبح في دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين وتحمد ثلاثا وثلاثين
وتكبر أربعا وثلاثين كعب بن عجرة عن النبي صلى الله عليه وسلم - نحوه وقال وتكبر أربعا وثلاثين وروى أبو هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم - يقول في آخر صلاته عند انصرافه سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين قال أبو بكر فإن حمل معنى الآية على الوجوب كان قوله وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس على صلاة الفجر وقبل الغروب على صلاة الظهر والعصر وكذلك روي عن الحسن ومن الليل فسبحه صلاة العتمة والمغرب فتكون الآية منتظمة للصلوات الخمس وعبر عن الصلاة بالتسبيح لأن التسبيح تنزيه لله عما لا يليق

به والصلاة تشتمل على قراءة القرآن وأذكار هي تنزيه لله تعالى آخر سورة ق
ومن

سورة الذاريات
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى كانوا قليلا من الليل ما يهجعون قال ابن عباس وإبراهيم والضحاك الهجوع النوم وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كانوا أقل ليلة تمر عليهم إلا صلوا فيها وقال قتادة عن الحسن لا ينامون فيها إلا قليلا وقال مطرف بن عبدالله أقل ليلة تأتي عليهم لا يصلون فيها إما من أولها وإما من أوسطها وقال مجاهد كانوا لا ينامون كل الليل وروى قتادة عن أنس قال كانوا ينتفلون بين المغرب والعشاء وروى أبو حيوة عن الحسن قال كانوا يطيلون الصلاة بالليل وإذا سجدوا استغفروا وروى عن قتادة قال كانوا لا ينامون عن العتمة ينتظرونها لوقتها كأنه جعل هجوعهم قليلا في جنب يقظتهم لصلاة العتمة قال أبو بكر قد كانت صلاة الليل فرضا فنسخ فرضها بما نزل في سورة المزمل ورغب فيها في هذه السورة وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم -
أخبار في فضلها والترغيب فيها وروى الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم - إن في الليل ساعة لا يوافقها عبد مسلم يدعو الله فيها بخير الدنيا والآخرة إلا أعطاه الله إياه وذلك في كل ليلة وقال أبو مسلم قلت لأبي ذر أي صلاة الليل أفضل قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم -
فقال نصف الليل وقليل فاعله وروى عمرو بن دينار عن عمرو بن أوس عن
عبدالله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم - قال أحب الصلاة إلى الله تعالى صلاة داود كان ينام نصف الليل ويصلي ثلث الليل وينام سدس الليل وروي عن الحسن كانوا قليلا من الليل ما يهجعون قال ما يرقدون وبالأسحار هم يستغفرون قال مدوا الصلاة إلى السحر ثم جلسوا في الدعاء والاستكانة والاستغفار وقوله تعالى وفي أموالهم حق قال أبو بكر اختلف السلف في تأويله فقال ابن عمر والحسن والشعبي ومجاهد هو حق سوى الزكاة واجب في المال وقال ابن عباس من أدى زكاة ماله فلا جناح عليه أن لا يتصدق وقال ابن سيرين وفي أموالهم حق معلوم قال الصدقة حق معلوم وروى حجاج عن الحكم عن ابن عباس قال نسخت الزكاة كل صدقة والحجاج عن أبي جعفر مثله واختلف الرواة عن النبي صلى الله عليه وسلم -
في ذلك فروي عنه ما يحتج به كل واحد من الفريقين فروى طلحة بن عبيد الله
قصة الرجل الذي

سأل النبي صلى الله عليه وسلم -

عما عليه فذكر الصلاة والزكاة والصيام فقال هل على شيء غير هذا قال لا
وروى عمرو بن الحارث عن دراج عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم - قال إذا أديت زكاة مالك فقد قضيت ما عليك فيه وروى دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - إذا أديت زكاة مالك فقد قضيت الحق الذي يجب عليك فهذه الأخبار يحتج بها من تأول حقا معلوما على الزكاة وأنه لا حق على صاحب المال غيرها واحتج ابن سيرين بأن الزكاة حق معلوم وسائر الحقوق التي يوجبها مخالفوه ليست بمعلومة واحتج من أوجب فيه حقا سوى الزكاة بما روى الشعبي عن فاطمة بنت قيس قالت سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم - أفي المال حق سوى الزكاة فتلاليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب الآية فذكر الزكاة في نسق التلاوة بعد قوله وآتى المال على حبه ويحتجون أيضا بحديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم - قال ما من صاحب إبل لا يؤدي حقها في عسرها ويسرها إلإ برز لها بقاع قرقر تطأه بأخفافها وذكر البقر والغنم فقال أعرابي يا أبا هريرة وما حقها قال تمنح الغزيرة وتعطى الكريمة وتحمل على الظهر وتسقى اللبن وفي حديث أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم - قالوا يا رسول الله وما حقها قال إطراق فحلها وإعارة دلوها ومنحتها وحلبها على الماء وحمل عليها في سبيل الله وروى الأعمش عن المعرور بن سويد عن أبي ذر قال انتهيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم - وهو جالس في ظل الكعبة فلما رآني مقبلا قال هم الأخسرون ورب الكعبة فقلت يا رسول الله من هم قال هم الأكثرون أموالا إلا من قال هكذا وهكذا حثا عن يمينه وعن شماله وبين يديه ما من رجل يموت ويترك إبلا لم يؤد زكاتها إلا جاءته يوم القيامة تنطحه بقرونها وتطأه بأخفافها كلما بعدت أخراها أعيدت عليه أولاها حتى يقضى بين الناس قال أبو بكر هذه الأخبار كلها مستعملة وفي المال حق سوى الزكاة باتفاق المسلمين منه ما يلزم من النفقة على والديه إذا كانا فقيرين وعلى ذوي أرحامه وما يلزم من إطعام المضطر وحمل المنقطع به وما جرى مجرى ذلك من الحقوق اللازمة عند ما يعرض من هذه الآحوال وقوله تعالىللسائل والمحروم قال ابن عباس رواية عائشة وابن المسيب ومجاهد رواية عطاء وأبو العالية والنخعي وعكرمة المحروم المحارف وقال الحسن المحروم الذي يطلب فلا يرزق وقال ابن عباس رواية ومجاهد المحروم الذي ليس له في الإسلام سهم وفي لفظ آخر الذي ليس له في الغنيمة شيء وقال عكرمة الذي لا ينمو

له مال وقال الزهري وقتادة المحروم المسكين المتعفف وقال عمر بن عبدالعزيز المحروم الكلب قال أبو بكر من تأوله على الكلب فإنه لا يجوز أن يكون المراد عنده بحق معلوم الزكاة لأن إطعام الكلب لا يجزى من الزكاة فينبغي أن يكون المراد عنده حقا غير الزكاة فيكون في إطعام الكلب قربة كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم - إن في كل ذي كبد حرى أجرا وإن رجلا سقى كلبا فغفر الله له والأظهر في قوله حق معلوم أنه الزكاة لأن الزكاة واجبة لا محالة وهي حق معلوم فوجب أن يكون مرادا بالآية إذ جائز أن ينطوي تحتها ويكون اللفظ عبارة عنها ثم جائز أن يكون جميع ما تأول السلف عليه المحروم مرادا بالآية في جواز إعطائه الزكاة وهو يدل على أن الزكاة إذا وضعت في صنف واحد أجزأ لأنه اقتصر على السائل والمحروم دون الأصناف المذكورة في آية الصدقات وفرق الله تعالى في الآية بين السائل والمحروم لأن الفقير قد يحرم نفسه بتركه المسألة وقد يحرمه الناس بترك إعطائه فإذا لم يسأل فقد حرم نفسه بترك المسألة فسمي محروما من هذا الوجه لأنه يصير محروما من وجهين من قبل نفسه ومن قبل الناس وقد روي عن الشعبي أنه قال أعياني أن أعلم ما المحروم آخر سورة الذاريات
ومن سورة الطور
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى وسبح بحمد ربك حين تقوم قال ابن مسعود وأبو الأحوص ومجاهد حين تقوم من كل مكان سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك وروى علي بن هاشم قال سئل الأعمش أكان إبراهيم يستحب إذا قام من مجلسه أن يقول سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك قال ما كان يستحب أن يجعل ذلك سنة وقال الضحاك عن عمر يعني به افتتاح الصلاة قال أبو بكر يعني به قوله سبحانك الله وبحمدك وتبارك اسمك إلى آخره وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول ذلك بعد التكبير وقال أبو الجوزاء حين تقوم من منامك قال أبو بكر يجوز أن يكون عموما في جميع ما روي من هذه التأويلات قوله تعالى وإدبار النجوم روي عن جماعة من الصحابة والتابعين أنه ركعتا الفجر وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم - أخبار في ركعتي الفجر منها حديث سعد بن هشام عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم -

ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها

وروى عبيد بن عمير عن عائشة قالت ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم -

أسرع إلى شيء من النوافل إسراعه إلى ركعتي الفجر ولا إلى غنيمة وروى أيوب
عن عطاء أن النبي صلى الله عليه وسلم - قال الركعتان قبل صلاة الفجر واجبتان على كل مسلم وروي عنه أنه قال لا تدعوهما فإن فيهما الرغائب وقال لا تدعوهما وإن طرقتكم الخيل آخر سورة الطور
ومن
سورة النجم
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى وما ينطق عن الهوى يحتج به من لا يجيز أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم - في الحوادث من جهة اجتهاد الرأي بقوله إن هو إلا وحي يوحى وليس كما ظنوا لأن اجتهاد الرأي إذا صدر عن الوحي جاز أن ينسب موجبه وما أدى إليه أنه عن وحي وقوله تعالى ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى روي عن ابن مسعود وعائشة ومجاهد والربيع قالوا رأى جبريل في صورته التي خلقه الله عليها مرتين وروي عن ابن عباس أنه رأى ربه بقلبه وهذا يرجع إلى معنى العلم وعن ابن مسعود والضحاك سدرة المنتهى في السماء السادسة وإليها ينتهي ما يعرج إلى السماء وقيل سميت سدرة المنتهى لأنه يتنهي إليها أرواح الشهداء وقال الحسن جنة المأوى هي التي يصير إليها أهل الجنة وفي هذه الآية دلالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم - قد صعد إلى السماء وإلى الجنة بقوله تعالى رآه عند سدرة المنتهى عندها جنة المأوى وقوله تعالى إلا اللمم قال ابن عباس رواية لم أر أشبه باللمم مما قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم - إن الله تعالى كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة فزنا العينين النظر وزنا اللسان النطق والنفس تمنى وتشتهي والفرج يصدق ذلك كله أو يكذبه وروي عن ابن مسعود وأبي هريرة أنه النظرة والغمزة والقبلة والمباشرة فإذا مس الختان الختان فهو الزنا ووجب الغسل وعن أبي هريرة أيضا أن اللمم النكاح وعنه أيضا أن اللمة من الزنا ثم يتوب فلا يعود وقال ابن عباس رواية اللمم ما بين الحدين حد الدنيا وحد الآخرة وقال ابن عباس أيضا رواية هو الذي يلم بالمرأة وقال عطاء اللمم ما دون الجماع وقال مجاهد أن تصيب الذنب ثم تتوب وروى عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس كان النبي صلى الله عليه وسلم - يقول اللهم إن تغفر تغفر جما وأي عبد لك لا الما ويقال إن اللمم هو الهم بالخطيئة من جهة حديث النفس بها من غير عزم عليها وقيل إن اللمم

مقاربة الشيء من غير دخول فيه يقال ألم بالشيء إلماما إذا قاربه وقيل إن اللمم الصغير من الذنوب لقوله تعالى إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وقوله تعالى لا تزر وازرة وزر أخرى هو كقوله ومن يكسب إثما فإنما يكسبه على نفسه وكقوله ولا تكسب كل نفس إلا عليها وقوله تعالى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى في معنى ذلك ويحتج به في امتناع جواز تصرف الأنسان على غيره في إبطال الحجر على الحر العاقل البالغ وقوله تعالى وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تمنى قال أبوبكر لما كان قوله الذكر والإنثى اسم للجنس استوعب الجميع وهذا يدل على انه لا يخلو من أن يكون ذكرا أو أنثى وإن الخنثى وإن اشتبه علينا أمره لا يخلو من أحدهما وقد قال محمد بن الحسن إن الخنثى المشكل إنما يكون ما دام صغيرا فإذا بلغ فلا بد من أن تظهر فيه علامة ذكر أو أنثى وهذه الآية تدل على صحة قوله آخر سورة النجم
ومن

سورة القمر
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى اقتربت الساعة وانشق القمر دلالة على صحة نبوة النبي صلى الله عليه وسلم -
لأن الله لا يقلب العادات بمثله إلا ليجعله دلالة على صحة نبوة النبي ص
- وروى انشقاق القمر عشرة من الصحابة منهم عبدالله بن مسعود وابن عمر وأنس وابن عباس وحذيفة وجبير بن مطعم في آخرين كرهت ذكر أسانيدها للإطالة فإن قيل معناها سينشق في المستقبل عند قيام الساعة لأنه لو كان قد انشق في زمان النبي صلى الله عليه وسلم - لما خفي على أهل الآفاق قيل له هذا فاسد من وجهين أحدهما أنه خلاف ظاهر اللفظ وحقيقته والآخر انه قد تواتر الخبر به عن الصحابة ولم يدفعه منهم أحد وأما قوله إنه لو كان ذلك قد وقع لما خفي على أهل الآفاق فإنه جائز أن يستره الله عنهم بغيم أو يشغلهم عن رؤيته ببعض الأمور لضرب من التدبير ولئلا يدعيه بعض المتنبئين في الآفاق لنفسه فأظهره للحاضرين عند دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم - إياهم واحتجاجه عليهم قوله تعالى ونبئهم أن الماء قسمة بينهم الآية تدل على جواز المهايأة على الماء لأنهم جعلوا شرب الماء يوما للناقة ويوما لهم ويدل أيضا على أن المهايأة قسمة المنافع لأن الله تعالى قد سمى ذلك قسمة وإنما هي مهايأة على الماء لا قسمة الأصل واحتج محمد بن الحسن بذلك في جواز المهايأة على الماء على هذا الوجه وهذا يدل من قوله على

أنه كان يرى شرائع من كان قبلنا من الأنبياء ثابتة مالم يثبت نسخها آخر سورة القمر
ومن

سورة الرحمن
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى والحب ذو العصف والريحان روي عن ابن عباس وقتادة والضحاك أن العصف التبي وعن ابن عباس ومجاهد والضحاك الريحان الورق وعن ابن عباس أيضا أن الريحان الحب وقال الحسن هو الريحان الذي يشم قال أبو بكر لا يمتنع أن يكون جميع ذلك مرادا لوقوع الاسم عليه والظاهر من الريحان أنه المشموم ولما عطف الريحان على الحب ذي العصف والعصف هو ساقه دل على أن الريحان ما يخرج من الأرض وله رائحة مستلذة قبل أن يصير له ساق وذلك نحو الضيمران والنمام والآس الذي يخرج ورقه ريحانا قبل أن يصير ذا ساق لأن العطف يقتضي ظاهره أن المعطوف غير المعطوف عليه وقوله تعالى يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان مراده من أحدهما لأنه إنما يخرج من الملح دون العذب وهو كقوله يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم وإنما أرسل من الإنس وقال ابن عباس والحسن وقتادة والضحاك المرجان صغار اللؤلؤ وقيل المرجان المختلط من الجواهر من مرجت أي خلطت وقيل إنه ضرب من الجواهر كالقضبان يخرج من البحر وقيل إنما قال يخرج منهما لأن العذب والملح يلتقيان فيكون العذب لقاحا للملح كما يقال يخرج الولد من الذكر والأنثى وإنما تلده الأنثى وقال ابن عباس إذا جاء القطر من السماء تفتحت الأصداف فكان من ذلك اللؤلؤ وقوله تعالى فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان روى أنها تحمر وتذوب كالدهن روى أن سماء الدنيا من حديد فإذا كان يوم القيامة صارت من الخضرة إلى الاحمرار من حر جهنم كالحديد إذا أحمي بالنار وقوله تعالى فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان قيل فيه لا يسأل سؤال استفهام لكن سؤال تقرير وتوقيف وقيل فيه لا يسأل في أول أحوال حضورهم يوم القيامة لما يلحقهم من الدهش والذهول ثم يسألون في وقت آخر وقوله تعالى قيها فاكهة ونخل ورمان يحتج به لأبي حنيفة في أن الرطب والرمان ليس من الفاكهة لأن الشيء لا يعطف على نفسه إنما يعطف على غيره هذا هو ظاهر الكلام ومفهومه إلا أن تقوم الدلالة على أنه انفرد بالذكر وإن كان من جنسه لضرب من التعظيم وغيره كقوله

تعالى من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال آخر سورة الرحمن
ومن

سورة الواقعة
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلا المطهرون روي عن سلمان أنه قال لا يمس القرآن إلا المطهرون فقرأ القرآن ولم يمس المصحف حين لم يكن على وضوء وعن أنس بن مالك في حديث إسلام عمر قال فقال لأخته أعطوني الكتاب الذي كنتم تقرأون فقالت إنك رجس وإنه لا يمسه إلا المطهرون فقم فاغتسل أو توضأ فتوضأ ثم أخذ الكتاب فقرأه وذكر الحديث وعن سعد إنه أمر ابنه بالوضوء لمس المصحف وعن ابن عمر مثله وكره الحسن والنخعي مس المصحف إلى غير وضوء وروي عن حماد أن المراد القرآن الذي في اللوح المحفوظ يمسه إلا المطهرون يعني الملائكة وقال أبو العالية في قوله لا يمسه إلا المطهرون قال هو في كتاب مكنون ليس أنتم من أصحاب الذنوب وقال سعيد بن جبير وابن عباس المطهرون الملائكة وقال قتادة لا يمسه عند الله إلا المطهرون فأما في الدنيا فإنه يمسه المجوسي والنجس والمنافق قال أبو بكر إن حمل اللفظ على حقيقة الخبر فالأولى أن يكون المراد القرآن الذي عند الله والمطهرون الملائكة وإن حمل على النهي وإن كان في صورة الخبر كان عموما فينا وهذا أولى لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم - في أخبار متظاهرة أنه كتب في كتابه لعمرو بن حزم ولا يمس القرآن إلا طاهر فوجب أن يكون نهيه ذلك بالآية إذ فيها احتمال له آخر سورة الواقعة
ومن سورة الحديد
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح الآية روي عن الشعبي قال فصل ما بين الهجرتين فتح الحديبية وفيه أنزلت هذه الآية قالوا يا رسول الله أفتح هو قال نعم عظيم وقال سعيد عن قتادة هو فتح مكة قال أبو بكر أبان عن فضيلة الإنفاق قبل الفتح على ما بعده لعظم عناء النفقة فيه وكثرة الانتفاع به ولأن الإنفاق في ذلك الوقت كان أشد على النفس لقلة المسلمين وكثرة الكفار مع شدة المحنة والبلاء وللسبق إلى الطاعة

ألا ترى إلى قوله الذين اتبعوه في ساعة العسرة وقوله والسابقون الأولون فهذه الوجوه كلها تقتضي تفضيلها وقوله تعالى فطال عليهم الأمد الآية يدل على أن كثرة المعاصي ومساكنتها وألفها تقسي القلب وتبعد من التوبة وهو نحو قوله كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون وقوله تعالى والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم روى البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم - أن كل مؤمن شهيد لهذه الآية وجعل قوله والشهداء صفة لمن تقدم ذكره من المؤمنين وهو قول عبدالله ومجاهد وقال ابن عباس ومسروق وأبو الضحى والضحاك هو ابتداء كلام وخبره لهم أجرهم ونورهم وقوله تعالى وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها الآية قال أبو بكر أخبر عما ابتدعوه من القرب والرهبانية ثم ذمهم على ترك رعايتها بقوله فما رعوها حق رعايتها والابتداع قد يكون بالقول وهو ما ينذره ويوجبه على نفسه وقد يكون بالفعل بالدخول فيه وعمومه يتضمن الأمرين فاقتضى ذلك أن كل من ابتدع قربة قولا أو فعلا فعليه رعايتها وإتمامها فوجب على ذلك أن من دخل في صلاة أو صوم أو حج أو غيرها من القرب فعليه إتمامها إلا وهي واجبة عليه فيجب عليه القضاء إذا أفسدها وروي عن أبي أمامة الباهلي قال كان ناس من بني إسرائيل ابتدعوا بدعا لم يكتبها الله عليهم ابتغوا بها رضوان الله فلم يرعوها حق رعايتها فعابهم الله بتركها فقال ورهبانية ابتدعوها الآية آخر سورة الحديد
ومن سورة المجادلة
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله عز و جل قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها إلى قوله وإن الله لعفو غفور روى سفيان عن خالد عن أبي قلابة قال كان طلاقهم في الجاهلية الإيلاء والظهار فلما جاء الإسلام جعل الله في الظهار ما جعل فيه وجعل في الإيلاء ما جعل فيه وقال عكرمة كانت النساء تحرم بالظهار حتى أنزل الله قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها الآية وأما المجادلة التي كانت في المرأة فإن عبدالله بن محمد حدثنا قال حدثنا الحسن بن أبي الربيع قال أخبرنا عبدالرزاق قال أخبرنا معمر عن أبي إسحاق في قوله قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها في امرأة يقال لها خويلة وقال عكرمة بنت ثعلبة زوجها أوس بن

الصامت قالت إن زوجها جعلها عليه كظهر أمه فقال النبي صلى الله عليه وسلم - ما أراك إلا قد حرمت عليه وهو يومئذ يغسل رأسه فقالت انظر جعلني الله فداك يا نبي الله قال ما أراك إلا قد حرمت عليه فأعادت ذلك مرارا فأنزل الله قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها إلى قوله ثم يعودون لما قالوا قال قتادة حرمها ثم يريد أن يعود لها فيطأها فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا قال أبو بكر قوله ص - ما أراك إلا قد حرمت عليه يحتمل أن يريد به تحريم الطلاق على ما كان عليه حكم الظهار ويحتمل أن يريد به تحريم الظهار والأولى أن يكون المراد بجميع الطلاق لأن حكم الظهار مأخوذ من الآية والآية نزلت بعد هذا القول فثبت أن مراده تحريم الطلاق ورفع النكاح وهذا يوجب أن يكون هذا الحكم قد كان ثابتا في الشريعة قبل نزول آية الظهار وإن كان قبل ذلك من حكم أهل الجاهلية فإن قيل إن كان النبي صلى الله عليه وسلم - قد حكم فيها بالطلاق بقوله ما أراك إلا قد حرمت فكيف حكم فيها بعينها بالظهار بعد حكمه بالطلاق بذلك القول بعينه في شخص بعينه وإنما النسخ يوجب الحكم في المستقبل بخلاف الأول في الماضي قيل له لم يحكم النبي صلى الله عليه وسلم - بالطلاق وإنما علق القول فيه فقال ما أراك إلا قد حرمت فلم يقطع بالتحريم وجائز أن يكون الله تعالى قد أعلمه قبل ذلك أنه سينسخ هذا الحكم وينقله من الطلاق إلى تحريم الظهار الآن فجوز النبي صلى الله عليه وسلم - أن ينزل الله الآية فلم يثبت الحكم فيه فلما نزلت الآية حكم فيها بموجبها وقوله تعالى وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا يعني والله أعلم في تشبيهها بظهر الأم لأن الإستمتاع بالأم محرم تحريما مؤبدا وهي لا تحرم عليه بهذا القول تحريما مؤبدا فكان ذلك منكرا من القول وزورا وقوله تعالى الذين يظاهرون منكم من نسائهم وذلك خطاب للمؤمنين يدل على أن الظهار مخصوص به المؤمنون دون أهل الذمة فإن قيل فقد قال الله تعالى والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا ولم يخصص المذكورين في الثانية قيل له المذكورون في الآية الثانية هم المذكورون في الآية الأولى فوجب أن يكون خاصا في المسلمين دون غيرهم وأما قوله ثم يعودون لما قالوا فقد اختلف الناس فيه فروى معمر عن طاوس عن أبيه ثم يعودون لما قالوا قال الوطء فإذا حنث فعليه الكفارة وهذا تأويل مخالف للآية لأنه قال فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا وقد روى سفيان عن ابن أبي نجيح عن طاوس قال إذا تكلم بالظهار لزمه وروي عن ابن عباس

أنه إذا قال أنت علي كظهر أمي لم تحل له حتى يكفر وروي عن ابن شهاب وقتادة إذا أراد جماعها لم يقربها حتى يكفر وقد اختلف فقهاء الأمصار في معنى العود فقال أصحابنا والليث بن سعد الظهار يوجب تحريما لا يرفعه إلا الكفارة ومعنى العود عندهم استباحة وطئها فلا يفعله إلا بكفارة يقدمها وذكر بشر بن الوليد عن أبي يوسف لو وطئها ثم ماتت لم يكن عليه كفارة وقال الثوري إذا ظاهره بها لم تحل له إلا بعد الكفارة وإن طلقها ثم تزوجها لم يطأها حتى يكفر وهذا موافق لقول أصحابنا وقال ابن وهب عن مالك إذا أجمع بعد الظهار على إمساكها وإصابتها فقد وجبت عليه الكفارة فإن طلقها بعد الظهار ولم يجمع على إمساكها وإصابتها فلا كفارة عليه وإن تزوجها بعد ذلك لم يمسها حتى يكفر كفارة الظهار وذكر ابن القاسم عنه أنه إذا ظاهر منه ثم وطئها ثم ماتت فلا بد من الكفارة لأنه وطئ بعد الظهار وقال أشهب عن مالك إذا أجمع بعد الظهار على إمساكها وإصابتها وطلب الكفارة فماتت امرأته فعليه الكفارة وقال الحسن إذا أجمع رأي المظاهر على أن يجامع امرأته فقد لزمته الكفارة وإن أراد تركها بعد ذلك لأن العود هو الإجماع على مجامعتها وقال عثمان البتي فيمن ظاهر من امرأته ثم طلقها قبل أن يطأها قال أرى عليه الكفارة راجعها أو لم يراجعها وإن ماتت لم يصل إلى ميراثها حتى يكفر وقال الشافعي إن أمكنه أن يطلقها بعد الظهار فلم يطلق فقد وجبت الكفارة ماتت أو عاشت وحكي عن بعض من لا يعد خلافا أن العود أن يعيد القول مرتين قال أبو بكر روت عائشة وأبو العالية أن آية الظهار نزلت في شأن خولة حين ظاهر منها زوجها أوس بن الصامت فأمر النبي صلى الله عليه وسلم - بعتق رقبة فقال لا أجد فقال صم شهرين متتابعين قال لو لم آكل في اليوم ثلاث مرات كاد أن يغشى على بصري فأمره بالإطعام وهذا يدل على بطلان قول من اعتبر العزم على إمساكها ووطئها لأنه لم يسئله عن ذلك وبطلان قول من اعتبر إرادة الجماع لأنه لم يسئله وبطلان قول من اعتبر الطلاق لأنه لم يقل هل طلقتها وبطلان قول من اعتبر إعادة القول لأنه لم يسئله هل أعدت القول مرتين فثبت قول أصحابنا وهو أن لفظ الظهار يوجب تحريما ترفعه الكفارة ومعنى قوله تعالى ثم يعودون لما قالوا يحتمل وجهين أحدهما ذكر الحال الذي خرج عليه الخطاب وهو أنه قد كان من عادتهم في الجاهلية الظهار فقال الذين يظاهرون منكم من نسائهم قبل هذه الحال ثم يعودون لما قالوا والمعنى ويعودون

بعد الإسلام إلى ذلك كما قال تعالى فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد ومعناه والله شهيد فيكون نفس القول عود إلى العادة التي كانت لهم في ذلك كما قال حتى عاد كالعرجون القديم والمعنى حتى صار كذلك وكما قال أمية بن أبي الصلت ... هذي المكارم لا قعبان من لبن ... شيبا بماء فعادا بعد أبوالا ...
معناه صارا كذلك لأنهما في الثدي لم يكونا كذلك وكما قال لبيد ... وما المرء إلا كالشهاب وضوئه ... يحور رمادا بعد إذ هو ساطع ...
ويحور يرجع وإنما معناه ههنا يصير رمادا كذلك ثم يعودون لما قالوا إنهم يصيرون إلى حال الظهار الذي كان يكون مثله منهم في الجاهلية والوجه الآخر أنه معلوم أن حكم الله في الظهار إيجاب تحريم الوطء موقتا بالكفارة فإذا كان الظهار مخصوصا بتحريم الوطء دون غيره ولا تأثير له في رفع النكاح وجب أن يكون العود هو العود إلى استباحة ما حرمه بالظهار فيكون معناه يعودون للمقول فيه كقوله عليه السلام العائد في هبته كالكلب يعود في قيئه وإنما هو عائد في الموهوب وكقولنا اللهم أنت رجاؤنا أي من رجونا وقال تعالى واعبد ربك حتى يأتيك اليقين يعني الموقن به وقال الشاعر ... أخبر من لاقيت إن قد وفيتم ... ولو شئت قال المنبأون أساؤا ... وإني لراجيكم على بطء سعيكم ... كما في بطون الحاملات رجاء ...
يعني مرجوا وكذلك قوله ثم يعودون لما قالوا معناه لما حرموا فيستبيحونه فعليهم الكفارة قبل الاستباحة ويبطل قول من اعتبر البقاء على النكاح من وجهين أحدهما أن الظهار لا يوجب تحريم العقد والإمساك فيكون العود إمساكها على النكاح لأن العود لا محالة قد اقتضى عودا إلى حكم معنى قد تقدم إيجابه فلا يجوز أن يكون للإمساك على النكاح فيه تأثير والثاني إنه قال ثم يعودون وثم يقتضي التراخي ومن جعل العود البقاء على النكاح فقد جعله عائدا عقيب القول بلا تراخ وذلك خلاف مقتضى الآية وأما من جعل العود العزيمة على الوطء فلا معنى لقوله أيضا لأن موجب القول هو تحريم الوطء لا تحريم العزيمة والعزيمة على المحظور وإن كانت محظورة فإنما تعلق حكمها بالوطء فالعزيمة على الإنفراد لا حكم لها وأيضا لا حظ للعزيمة في سائر الأصول ولا

تتعلق بها الأحكام ألا ترى أن سائر العقود والتحريم لا يتعلق بالعزيمة فلا اعتبار بها وقال النبي صلى الله عليه وسلم - إن الله عفا لأمتي عما حدثت أنفسها مالم يتكلموا به أو يعملوا به فإن قيل هلا كان العود إعادة القول مرتين لأن اللفظ يصلح أن يكون عبارة عنه كما قال الله تعالى ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه ومعناه لفعلوا مثل ما نهوا عنه قيل له هذا خطأ من وجهين أحدهما أن إجماع السلف والخلف جميعا قد انعقد بأن هذا ليس بمراد فقائله خارج عن نطاق الإجماع والثاني أنه يجعل قوله ثم يعودون لما قالوا تكرارا للقول واللفظ مرتين والله تعالى لم يقل ثم يكررون القول مرتين ففيه إثبات معنى لا يقتضيه اللفظ ولا يجوز أن يكون عبارة عنه وإن حملته على أنه عائد لمثل القول ففيه إضمار لمثل ذلك القول وذلك لا يجوز إلا بدلالة فالقائل بذلك خارج عن الإجماع ومخالف لحكم الآية ومقتضاها فإن قيل وأنت إذا حملته على تحريم الوطء وأن تقديم الكفارة لاستباحة الوطء فقد زلت عن الظاهر قيل له إذا كان الظهار قد أوجب تحريم الوطء فالذي يستبيحه منه هو الذي حرمه بالقول فجاز أن يكون ذلك عودا لما قال إذ هو مستبيح لذلك الوطء الذي حرمه بعينه وكان عودا لما قال من إيجاب التحريم ومن جهة أخرى أن الوطء إذا كان مستحقا بعقد النكاح وحكم الوطء الثاني كالأول في أنه مستحق بسبب واحد ثم حرمه بالظهار جاز أن يكون الإقدام على استباحته عودا لما حرم فكان هذا المعنى مطابقا للفظ فإن قيل إن كانت الإستباحة هي الموجبة للكفارة فليس يخلو ذلك من أن يكون العزيمة على الإستباحة وعلى الإقدام على الوطء أو إيقاع الوطء فإن كان المراد الأول فهذا يلزمك إيجاب الكفارة بنفس العزيمة قبل الوطء كما قال مالك والحسن بن صالح وإن كان المراد إيقاع الوطء فواجب أن لا تلزمه الكفارة إلا بعد الوطء وهذا خلاف الآية وليس هو قولك أيضا قيل له المعنى في ذلك هو ما قد بينا من الإقدام على استباحة الوطء فقيل له إذا أردت الوطء وعدت لإستباحة ما حرمته فلا تطأ حتى تكفر لا أن الكفارة واجبة ولكنها شرط في رفع التحريم كقوله تعالى فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم يعني فقدم الإستعاذة قبل القراءة وقوله إذا قمتم إلىالصلاة فاغسلوا والمعنى إذا أردتم القيام وأنتم محدثون فقدموا الغسل وكقوله إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة وكقوله إذا طلقتم النساء فطلقوهن

لعدتهن والمعنى إذا أردتم ذلك قال أبو بكر قد ثبت بما قدمنا أن الظهار لا يوجب كفارة وإنما يوجب تحريم الوطء ولا يرتفع إلا بالكفارة فإذا لم يرد وطأها فلا كفارة عليه وإن ماتت أو عاشت فلا شيء عليه إذ كان حكم الظهار إيجاب التحريم فقط موقتا بأداء الكفارة وأنه متى لم يكفر فالوطء محظور عليه فإن وطىء سقط الظهار والكفارة وذلك لأنه علق حكم الظهار وما أوجب به من الكفارة بأدائها قبل الوطء لقوله من قبل أن يتماسا فمتى وقع المسيس فقد فات الشرط فلا تجب الكفارة بالآية لأن كل فرض محصور بوقت أو معلق على شرط فإنه متى فات الوقت وعدم الشرط لم يجب باللفظ الأول واحتيج إلى دلالة أخرى في إيجاب مثله في الوقت الثاني فهذا حكم الظهار إذا وقع المسيس قبل التكفير إلا أنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم -

أن رجلا ظاهر من امرأته فوطئها قبل التكفير ثم سأل النبي ص
- فقال له استغفر الله ولا تعد حتى تكفر فصار التحريم الذي بعد الوطء واجبا بالسنة وقد اختلف السلف فيمن وطئ ما الذي يجب عليه من الكفارة بعده فقال الحسن وجابر بن زيد وإبراهيم وابن المسيب ليس عليه إلا كفارة واحدة وكذلك قول مجاهد وطاوس وابن سيرين في آخرين وقد روي عن عمرو بن العاص وقبيصة بن ذؤيب والزهري وقتادة عليه كفارتان قال وروي عن ابن عباس أن رجلا قال يا رسول الله ظاهرت من امرأتي فجامعتها قبل أن أكفر فقال استغفر الله ولا تعد حتى تكفر فلم يوجب عليه كفارتين بعد الوطء واختلف الفقهاء في توقيت الظهار فقال أصحابنا والثوري والشافعي إذا قال أنت علي كظهر أمي اليوم بطل الظهار بمضي اليوم وقال ابن أبي ليلى ومالك والحسن بن صالح هو مظاهر أبدا قال أبو بكر تحريم الظهار لا يقع إلا موقتا بأداء الكفارة فإذا وقته المظاهر وجب توقيته لأنه لو كان مما لا يتوقت لما انحل ذلك التحريم بالتكفير كالطلاق فأشبه الظهار اليمين التي يحلها الحنث فوجب توقيته كما يتوقت اليمين وليس كالطلاق لأنه لا يحله شيء فإن قيل تحريم الطلاق الثلاث يقع مؤقتا بالزوج الثاني ولا يتوقت بتوقيت الزوج إذا قال أنت طالق اليوم قيل له إن الطلاق لا يتوقت بالزوج الثاني وإنما يستفيد الزوج الأول بالزوج الثاني إذا تزوجها بعد ثلاث تطليقات مستقبلات والثلاث الأول واقعة على ما كانت وإنما استفاد طلاقا غيرها فليس في الطلاق توقيت بحال والظهار موقت لا محالة بالتكفير فجاز توقيته بالشرط واختلفوا في الظهار هل يدخل

عليه إيلاء فقال أصحابنا والحسن بن صالح والثوري في إحدى الروايتين والأوزاعي لا يدخل الإيلاء على المظاهر وإن طال تركه إياها وروى ابن وهب عن مالك لا يدخل على حر إيلاء في ظهار إلا أن يكون مضارا لا يريد أن يفيء من ظهاره وأما العبد فلا يدخل على ظهاره إيلاء وقال ابن القاسم عنه يدخل الإيلاء على الظهار إذا كان مضارا ومما يعلم به ضراره أن يقدر على الكفارة فلا يكفر فإنه إذا علم ذلك وقف مثل المولى فإما كفر وإما طلقت عليه امرأته وروي عن الثوري أن الإيلاء يدخل على الظهار قال أبو بكر ليس الظهار كناية عن الطلاق ولا صريحا فلا يجوز إثبات الطلاق به إلا بتوقيف وقال النبي صلى الله عليه وسلم - من أدخل على أمرنا ما ليس منه فهو رد ومن أدخل الإيلاء على المظاهر فقد أدخل عليه ما ليس منه وأيضا نص الله على حكم المولى بالفيء أو عزيمة الطلاق ونص على حكم المظاهر بإيجاب كفارة قبل المسيس فحكم كل واحد منهما منصوص عليه فغير جائز حمل أحدهما على الآخر إذ من حكم المنصوصات أن لا يقاس بعضها على بعض وإن كل واحد منها مجرى على بابه ومحمول على معناه دون غيره وأيضا فإن معنى الإيلاء وقوع الحنث ووجوب الكفارة بالوطء في المدة ولا تتعلق كفارة الظهار بالوطء فليس هو إذا في معنى الإيلاء ولا في حكمه وأيضا فإن المولى سواء قصد الضرار أو لم يقصد لا يختلف حكمه وقد اتفقنا أنه متى لم يقصد الضرار بالظهار لم يلزمه حكم الإيلاء بمضي المدة فوجب أن لا يلزمه وإن قصد الضرار فإن قيل لم يعتبر ذلك في الإيلاء لأن نفس الإيلاء ينبئ عن قصد الضرار إذ هو حلف على الإمتناع من الوطء في المدة قيل له الظهار قصد إلى الضرار من حيث حرم وطأها إلا بكفارة يقدمها عليه فلا فرق بينهما فيما يقتضيانه من المضارة واختلف السلف ومن بعدهم فقهاء الأمصار في الظهار من الأمة فروى عبدالكريم عن مجاهد عن ابن عباس قال من شاء باهلته أنه ليس من أمة ظهار وهذا قول إبراهيم والشعبي وابن المسيب وهو قول أصحابنا والشافعي وروي عن ابن جبير والنخعي وعطاء وطاوس وسليمان بن يسار قالوا هو ظهار وهو قول مالك والثوري والأوزاعي والليث والحسن بن صالح وقالوا يكون مظاهرا من أمته كما هو من زوجته وقال الحسن إن كان يطأها فهو مظاهر وإن كان لا يطأها فليس بظهار قال أبو بكر قال الله تعالى والذين يظاهرون من نسائهم وهذا اللفظ ينصرف من الظهار إلى الحرائر دون الإماء والدليل

عليه قوله تعالى أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن فكان المفهوم من قوله أو نسائهن الحرائر لولا ذلك ما صح عطف قوله أو ما ملكت أيمانهن عليه لأن الشيء لا يعطف على نفسه وقال تعالى وأمهات نسائكم فكان على الزوجات دون ملك اليمين فلما كان حكم الظهار مأخذوا من الآية وكان مقتضاها مقصورا على الزوجات دون ملك اليمين لم يجز إيجابه في ملك اليمين إذ لا مدخل للقياس في إثبات ظهار في غير ما ورد فيه ووجه آخر ما بينا فيما سلف أنهم قد كانوا يطلقون بلفظ الظهار فأبدل الله تعالى به تحريما ترفعه الكفارة فلما لم يصح طلاق الأمة لم يصح الظهار منها ووجه آخر وهو أن الظهار يوجب تحريما من جهة القول يوجب الكفارة والأمة لا يصح تحريمها من جهة القول فأشبه سائر المملوكات من الطعام والشراب متى حرمها بالقول لم تحرم ألا ترى أنه لو حرم على نفسه طعاما أو شرابا لم يحرم ذلك عليه وإنما يلزمه إذا أكل أو شرب كفارة يمين فكذلك ملك اليمين وجب أن لا يصح الظهار منها إذ لا يصح تحريمها من جهة القول
في

الظهار بغير الأم
واختلفوا فيمن قال لامرأته أنت علي كظهر أختي أو ذات محرم منه فقال أصحابنا هو مظاهر وإن قال كظهر فلانة وليست بمحرم منه لم يكن مظاهرا وهو قول الثوري والحسن بن صالح والأوزاعي وقال مالك وعثمان البتي يصح الظهار بالمحرم والأجنبية وللشافعي قولان أحدهما أن الظهار لا يصح إلا بالأم والآخر أنه يصح بذوات المحارم قال أبو بكر لما صح الظهار بالأم وكانت ذوات المحارم كالأم في التحريم وجب أن يصح الظهار بهن إذ لا فرق بينهن في جهة التحريم ألا ترى أن الظهار بالأم من الرضاعة صحيح مع عدم النسب لوجود التحريم فكذلك سائر ذوات المحارم وروي نحو قول أصحابنا عن جابر بن زيد والحسن وإبراهيم وعطاء وقال الشعبي إن الله تعالى لم ينس أن يذكر البنات والأخوات والعمات إنما الظهار من الأم وأيضا لما قال تعالى والذين يظاهرون من نسائهم اقتضى ظاهره الظهار بكل ذات محرم إذ لم يخصص الأم دون غيرها ومن قصرها على الأم فقد خص بلا دليل فإن قيل لما قال تعالى ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم دل علىأنه أراد الظهار بالأم قيل له إنما ذكر الأمهات لأنهن مما اشتمل عليهن حده الآية وذلك لا ينفي أن يكون قوله والذين يظاهرون من نسائهم

عموما في سائر من أوقع التشبيه بظهرها من سائر ذوات المحارم وأيضا فإن ذلك يدل على صحة الظهار من سائر ذوات المحارم لأنه قد نبه على المعنى الذي من أجله ألزمه حكم الظهار وهو قوله ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا فأخبر أنه ألزمهم هذا الحكم لأنهن لسن بأمهاتهم وإن قولهم هذا منكر من القول وزور فاقتضى ذلك إيجاب هذا الحكم في الظهار بسائر ذوات المحارم لأنه إذا ظاهر بأجنبية فليست هي أخته ولاذات محرم منه وهذا القول منكر من القول وزورا لأنه يملك بضع امرأته وهي مباحة له وذوات المحارم محرمات عليه تحريما مؤبدا فإن قيل يلزمك على هذا إيجاب الظهار بالأجنبية لعموم الآية ولدلالة فحواها على جواز الظهار بسائر ذوات المحارم إذ لم تفرق الآية بين شيء منهن ولأن تشبهها بالأجنية منكر من القول وزور قيل له لا يجب ذلك لأن الأجنبية لما كانت قد تحل له بحال لم يكن قوله أنت علي كظهر الأجنبية مفيدا للتحريم في سائر الأوقات لجواز أن يملك بضع الأجنبية فتكون مثلها وفي حكمها وأيضا لا خلاف أن التحريم بالأمتعة وسائر الأموال لا يصح بأن يقول أنت علي كمتاع فلان أو ولا كمال فلان لأن ذلك قد يملكه بحال فيستبيحه واختلفوا في الظهار بغير الظهر فقال أصحابنا إذا قال أنت علي كيد أمي او كرأسها أو ذكر شيئا يحل له النظر إليه منها لم يكن مظاهرا وإن قال كبطنها أو كفخذها ونحو ذلك كان مظاهرا لأنه لا يحل له النظر إليه كالظهر وقال ابن القاسم قياس قول مالك أن يكون مظاهرا بكل شيء من الأم وقال الثوري والشافعي إذا قال أنت علي كرأس أمي أو كيدها فهو مظاهر لأن التلذذ بذلك منها محرم قال أبو بكر نص الله تعالى على حكم الظهار وهو أن يقول أنت علي كظهر أمي والظهر مما لا يستبيح النظر إليه فوجب أن يكون سائر ما لا يستبيح النظر إليه في حكمه وما يجوز له أن يستبيح النظر إليه فليس فيه دلالة على تحريم الزوجة بتشبيهها به إذ ليس تحريمها من الأم مطلقا فوجب أن لا يصح الظهار به إذ كان الظهار يوجب تحريما وأيضا لما جاز له استباحة النظر إلى هذه الأعضاء أشبه سائر الأشياء التي يجوز أن يستبيح النظر إليها مثل الأموال والأملاك واختلفوا فيما يحرمه الظهار فقال الحسن للمظاهر أن يجامع فيما دون الفرج وقال عطاء يجوز أن يقبل أو يباشر لأنه قال من قبل أن يتماسا وقال الزهري وقتادة

من قبل أن يتماسا الوقاع نفسه وقال أصحابنا لا يقرب المظاهر ولا يلمس ولا يقبل ولا ينظر إلى فرجها لشهوة حتى يكفر وقال مالك مثل ذلك وقال لا ينظر إلى شعرها ولا صدرها حتى يكفر لأن ذلك لا يدعوه إلى خير وقال الثوري يأتيها فيما دون الفرج وإنما نهي عن الجماع وقال الأوزاعي يحل له فوق الإزار كالحائض وقال الشافعي يمنع القبلة والتلذذ احتياطا قال أبو بكر لما قال تعالى من قبل أن يتماسا كان ذلك عموما في حظر جميع ضروب المسيس من لمس بيد أو غيرها وأيضا لما قال والذين يظاهرون من نسائهم فألزمه حكم التحريم لتشبيهه بظهرها وجب أن يكون ذلك التحريم عاما في المباشرة والجماع كما أن مباشرة ظهر الأم ومسه محرم عليه وأيضا حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا زياد بن أيوب قال حدثنا إسماعيل قال حدثنا الحكم بن أبان عن عكرمة أن رجلا ظاهر من امرأته ثم واقعها قبل أن يكفر فأتى النبي صلى الله عليه وسلم -

فأخبره قال فاعتزلها حتى تكفر ورواه معمر عن الحكم بن أبان عن عكرمة عن
ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم - نحوه وقال لا تقربها حتى تكفر وذلك يمنع المسيس والقبلة
في
ظهار المرأة من زوجها
قال أصحابنا لا يصح ظهار المرأة من زوجها وهو قول مالك والثوري والليث والشافعي وذكر الطحاوي عن ابن أبي عمران عن علي بن صالح عن الحسن بن زياد أنها إذا قالت لزوجها أنت علي كظهر أمي أو كظهر أخي كانت مظاهرة من زوجها قال علي فسئلت محمد بن الحسن فقال ليس عليها شيء فأتيت أبا يوسف فذكرت له قوليهما فقال هذان شيخا الفقه أخطأ هو تحريم عليها كفارة يمين كقولها أنت علي حرام وقال الأوزاعي هي يمين تكفرها وقال الحسن بن صالح تعتق رقبة وتكفر بكفارة الظهار فإن لم تفعل وكفرت يمينا رجونا أن يجزيها وروى مغيرة عن إبراهيم قال خطب مصعب بن الزبير عائشة بنت طلحة فقالت هو عليها كظهر أبيها إن تزوجته فلما ولي الإمارة أرسل إليها فأرسلت تسئل والفقهاء يومئذ بالمدينة كثير فأفتوها أن تعتق رقبة وتتزوجه وقال إبراهيم لو كانت عنده يعني عند زوجها يوم قالت ذلك ما كان عليها عتق رقبة ولكنها كانت تملك نفسها حين قالت ما قالت وروي عن الأوزاعي أنها إذا قالت إن تزوجته فهو علي كظهر أبي كانت مظاهرة ولو قالت وهي تحت زوج كان عليها كفارة يمين قال أبو بكر لا يجوز أن

تكون عليها كفارة يمين لأن الرجل لا تلزمه بذلك كفارة يمين وهو الأصل فكيف يلزمها ذلك كما أن قول الرجل أنت طالق لا يكون غير طالق كذلك ظهارها لا يلزمها به شيء ولا يصح منها ظهار بهذا القول لأن الظهار يوجب تحريما بالقول وهي لا تملك ذلك كما لا تملك الطلاق إذ كان موضوعا لتحريم يقع بالقول واختلفوا فيمن قال أنت علي كظهر أبي فقال أصحابنا والأوزاعي والشافعي ليس بشيء وقال مالك هو مظاهر قال أبو بكر إنما حكم الله تعالى بالظهار فيمن شبهها بظهر الأم ومن جرى مجراها من ذوات المحارم التي لا يجوز له أن يستبيح النظر إلى ظهرها بحال وهو يجوز له النظر إلى ظهر أبيه والأب والأجنبي في ذلك سواء ولو قال أنت علي كظهر الأجنبي لم يكن شيئا فكذلك ظهر الأب واختلفوا فيمن ظاهر مرارا فقال أصحابنا والشافعي عليه لكل ظهار كفارة إلا أن يكون في مجلس واحد وأراد التكرار فتكون عليه كفارة واحدة وقال مالك من ظاهر من امرأته في مجالس متفرقة فليس عليه إلا كفارة واحدة وإن ظاهر ثم كفر ثم ظاهر فعليه الكفارة أيضا وقال الأوزاعي عليه كفارة واحدة وإن كان في مقاعد شتى قال أبو بكر الأصل أن الظهار لما كان سببا لتحريم ترفعه الكفارة إن تجب بكل ظهار كفارة إلا أنهم قالوا إذا أراد التكرار في مجلس واحد فعليه كفارة واحدة لاحتمال اللفظ لما أراد من التكرار فإن قيل قوله والذين يظاهرون من نسائهم يقتضي إيجاب كفارة واحدة وإن ظاهر مرارا لأن اللفظ لا يختص بالمرة الواحدة دون المرار الكثير قيل له لما كانت الكفارة في رفع التحريم متعلقة بحرمة اللفظ أشبه اليمين فمتى حلف مرارا لزمته لكل يمين كفارة إذا حنث ولم يكن قوله فكفارته إطعام عشرة مساكين موجبا للاقتصار بالأيمان الكثيرة على كفارة واحدة واختلفوا في المظاهر هل يجبر على التكفير فقال أصحابنا لا ينبغي للمرأة أن تدعه يقربها حتى يكفر وذكر الطحاوي عن عباد بن العوام عن سفيان بن حسين قال سألت الحسن وابن سيرين عن رجل ظاهر من امرأته فلم يكفر تهاونا قال تستعدي عليه قال وسألت أبا حنيفة فقال تستعدي عليه وقال مالك عليها أن تمنعه نفسها ويحول الإمام بينه وبينها وقول الشافعي يدل على أنه يحكم عليه بالتكفير قال أبو بكر قال أصحابنا يجبر على جماع المرأة فإن أبى ضربته رواه هشام وهذا يدل على أنه يجبر على التكفير ليوفيها حقها من الجماع واختلفوا في الرقبة الكافرة عن الظهار فقال

عطاء ومجاهد وإبراهيم وإحدى الروايتين عن الحسن يجزي الكافر وهو قول أصحابنا والثوري والحسن بن صالح وروي عن الحسن أنه لا يجزي في شيء من الكفارات إلا الرقبة المؤمنة وهو قول مالك والشافعي قال أبو بكر ظاهر قوله فتحرير رقبة يقتضي جواز الكافرة وكذلك قوله ص - للمظاهر أعتق رقبة ولم يشترط الإيمان ولا يجوز قياسها على كفارة القتل لامتناع جواز قياس المنصوص بعضه على بعض ولأن في إيجاب زيادة في النص وذلك عندنا يوجب النسخ واختلفوا في جواز الصوم مع وجود رقبة للخدمة فقال أصحابنا إذا كانت عنده رقبة للخدمة ولا شيء له غيرها أو كان عنده دراهم ثمن رقبة ليس له غيرها لم يجزه الصوم وهو قول مالك والثوري والأوزاعي وقال الليث والشافعي من له خادم لا يملك غيره فله أن يصوم قال الله فتحرير رقبة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فأوجب الرقبة بديا على واجدها ونقله إلى الصوم عند عدمها فلما كان هذا واجدا لها لم يجزه غيره فإن قيل هو بمنزلة من معه ماء يخاف على نفسه العطش فيجوز له التيمم قيل له لأنه مأمور في هذه الحال باستبقاء الماء وهو محظور عليه استعماله وليس بمحظور عليه عند الجميع عتق هذه الرقبة فعلمنا أنه واجد واختلفوا في عتق أم الولد والمدبر والمكاتب ونحوهم في الكفارة فقال أصحابنا لا يجوز عتق أم الولد والمدبر والمكاتب إذا كان قد أدى شيئا عن الكتابة ولا المدبر فإن لم يكن أدى شيئا أجزأه وإن اشترى أباه ينوي به عن كفارته جاز وكذلك كل ذي رحم محرم ولو قال كل عبد أشتريه فهو حر ثم اشترى عبدا ينويه عن كفارته لم يجزه وقال زفر لا يجزي المكاتب وإن لم يكن أدى شيئا وقال مالك لا يجزى المكاتب ولا المدبر ولا أم الولد ولا معتق إلى سنين عن الكفارة ولا الولد والوالد وقال الأوزاعي لا يجزى المكاتب ولا المدبر ولا أم الولد وقال عثمان البتي يجزي المدبر وأم الولد في كفارة الظهار واليمين وقال الليث يجزي أن يشتري أباه فيعتقه بالكفارة التي عليه وقال الشافعي لا يجزي من إذا اشتراه عتق عليه ويجزي المدبر ولا يجزي المكاتب وإن لم يؤدي شيئا ويجزي المعتق إلى سنين ولا تجزي أم الولد قال أبو بكر أما أم الولد والمدبر فإنهما لا يجزيان من قبل أنهما قد استحقا العتق من غير جهة الكفارة ألا ترى أن ما ثبت لهما من حق العتاق يمنع بيعهما ولا يصح فسخ ذلك عنهما فمتى أعتقهما فإنما عجل عتقا مستحقا وليس كذلك من قال له المولى أنت حر

بعد شهر أو سنة لأنه لم يثبت له حق بهذا القول يمنع بيعه ألا ترى أنه يجوز له أن يبيعه وأما المكاتب فإنه وإن لم يجز بيعه فإن الكتابة يلحقها الفسخ وإنما لا يجوز بيعه كما لا يجوز بيع الآبق والعبد المرهون والمستأجر فلا يمنع ذلك جواز عتقه عن الكفار فإذا أعتق المكاتب قبل أن يؤدي شيئا فقد أسقط المال فصار كمن أعتق عبدا غير مكاتب وإن كان قد أدى شيئا لم يجز من قبل أن الأداء لا ينفسخ بعتقه فقد حصل له عن عتقه بدل فلا يجزي عن الكفارة وأما إذا اشترى أباه فإنه يجزي إذا نوى لأن قبوله للشرى بمنزلة قوله أنت حر والدليل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم - لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه ومعلوم أن معناه يعتقه بشرائه إياه فجعل شراه بمنزلة قوله أنت حر فأجزأ بمنزلة من قال لعبده أنت حر واختلفوا في مقدار الطعام فقال أصحابنا والثوري لكل مسكين نصف صاع بر أو صاع تمر أو شعير وقال مالك مد بمد هشام وهو مدان إلا ثلثا بمد النبي صلى الله عليه وسلم - وذلك من الحنطة وأما الشعير فإن كان طعام أهل بلده فهو مثل الحنطة وكذلك التمر وإن لم يكونا طعام أهل البلد أطعمهم من كل واحد منهما وسطا من شبع الشعير والتمر وقال الشافعي لكل مسكين مد من طعام بلده الذي يقتات حنطة أو شعير أو أرز أو تمر أو أقط وذلك بمد النبي صلى الله عليه وسلم - ولا يعتبر مدا حدث بعده حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن سليمان الأنباري قالا حدثنا ابن إدريس عن محمد بن إسحاق عن محمد بن عمرو بن عطاء عن سليمان بن يسار عن سلمة بن صخر قال كنت امرأ أصيب من النساء وذكر قصة ظهاره من امرأته وإنه جامع امرأته وسأل النبي صلى الله عليه وسلم - فقال حرر رقبة فقلت والذي بعثك بالحق ما أملك رقبة غيرها وضربت صفحة رقبتي قال فصم شهرين متتابعين قال وهل أصبت الذي أصبت إلا من الصيام قال فأطعم وسقا من تمر بين ستين مسكينا قلت والذي بعثك بالحق نبيا لقد بتنا وحشين وما لنا طعام قال فانطلق إلى صاحب صدقة بني زريق فليدفعها إليك فأطعم ستين مسكينا وسقا من تمر وكل أنت وعيالك بقيتها فإن قيل روى إسماعيل بن جعفر عن محمد بن أبي حرملة عن عطاء بن يسار أن خولة بنت مالك بن ثعلبة ظاهر منها زوجها أوس بن الصامت فقال النبي صلى الله عليه وسلم - مريه فليذهب إلى فلان فإن عنده شطر وسق فليأخذه صدقة عليه ثم يتصدق به على ستين مسكينا وروى عبدالله بن إدريس عن محمد بن إسحاق عن معمر بن عبدالله بن حنظلة عن يوسف بن عبدالله بن

سلام عن خولة أن زوجها ظاهر منها فذكرت للنبي ص - فأمره أن يتصدق بخمسة عشر صاعا على ستين مسكينا قيل له قد روينا حديث محمد بن إسحاق عن محمد بن عمرو بن عطاء وأنه أمره بأن يطعم وسقا من تمر ستين مسكينا وهذا أولى لأنه زائد على خبرك وأيضا فجائز أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم - أعانه بهذا القدر ولا دلالة فيه على أن ذلك جميع الكفارة وقد بين ذلك في حديث إسرائيل عن أبي إسحاق عن يزيد بن زيدان زوج خولة ظاهر منها وذكر الحديث فأعانه رسول الله صلى الله عليه وسلم - بخمسة عشر صاعا وهذا يدل على أنه أعانه ببعض الكفارة وقد روي ذلك أيضا في حديث يوسف بن عبدالله بن سلام رواه يحيى بن زكريا عن محمد بن إسحاق عن معمر بن عبدالله عن يوسف بن عبدالله بن سلام قال حدثتني خولة بنت مالك بن ثعلبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - أعان زوجها حين ظاهر منها بعذق من تمر وأعانته هي بعذق آخر وذلك ستون صاعا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - تصدق به واختلفوا في المظاهر هل يجامع قبل أن يطعم فقال أصحابنا ومالك والشافعي لا يجامع حتى يطعم إذا كان فرضه الطعام روى زيد بن أبي الزرقاء عن الثوري أنه إذا أراد أن يطأها قبل أن يطعم لم يكن آثما وروى المعافى والأشجعي عن الثوري أنه لا يقربها حتى يطعم قال النبي صلى الله عليه وسلم - للمظاهر بعد ما ذكر عجزه عن الصيام ثم لا يقربها حتى يكفر وأيضا لما اتفق الجميع على أن الجماع محظور عليه قبل عتق الرقبة وجب بقاء حظره إذا عجز إذ جائز أن يجد الرقبة قبل الإطعام فيكون الوطء واقعا قبل العتق
باب

كيف يحيى أهل الكتاب
قال الله تعالى وإذ جاؤك حيوك بما لم يحيك به الله روى سعيد عن قتادة عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم -
بينما هو جالس مع أصحابه إذ أتى عليهم يهودي فسلم عليهم فردوا عليه قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم - هل تدرون ما قال قالوا سلم يا نبي الله قال قال سام عليكم أي تسامون دينكم وقال نبي الله ص - إذا سلم عليكم أحد من أهل الكتاب فقولوا عليكم أي عليك ما قلت وحدثنا عبدالباقي بن قانع قال حدثنا إسحاق بن الحسين قال حدثنا أبو حذيفة قال حدثا سفيان عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - إذا لقيم المشركين في الطريق فلا تبدؤهم بالسلام واضطروهم إلى أضيقه قال أبو بكر قد روي في حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم -
أنهم يريدون بقولهم السام إنكم تسامون دينكم وروي أنهم

يريدون به الموت لأن السام اسم من أسماء الموت قال أبو بكر ذكر هشام عن محمد عن أبي حنيفة قال نرى أن نرد على المشرك السلام ولا نرى أن نبدأه وقال محمد وهو قول العامة من فقهائنا وحدثنا عبدالباقي قال حدثنا معاذ بن المثنى قال حدثنا عمرو بن مرزوق قال حدثنا شعبة عن منصور عن إبراهيم عن علقمة قال صحبنا عبدالله في سفر ومعنا أناس من الدهاقين قال فأخذوا طريقا غير طريقنا فسلم عليهم فقلت لعبدالله أليس هذا تكره قال إنه حق الصحبة قال أبو بكر ظاهره يدل على أن عبدالله بدأهم بالسلام لأن الرد لا يكره عند أحد وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم - إذا سلموا عليكم فقولوا وعليكم قال أبو بكر وإنما كره الابتداء لأن السلام من تحية أهل الجنة فكره أن يبدأ به الكافر إذ ليس من أهلها ولا يكره الرد على وجه المكافأة قال الله تعالى وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها وحدثنا عبدالباقي قال حدثنا الحسن بن المثنى قال حدثنا عثمان قال حدثنا عبدالواحد قال حدثنا سليمان الأعمش قال قلت لإبراهيم اختلف إلي طبيب نصراني أسلم عليه قال نعم إذا كانت لك إليه حاجة فسلم عليه وقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا قال قتادة كانوا يتنافسون في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم - فقيل لهم تفسحوا وقال ابن عباس هو مجلس القتال قال قتادة وإذا قيل انشزوا قال إذا دعيتم إلى خير وقيل انشزوا أي ارتفعوا في المجلس ولهذا ذكر أهل العلم لأنهم أحق بالرفعة وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم - قد كان يرفع مجلس أهل العلم على غيرهم ليبين للناس فضلهم ومنزلتهم عنده وكذلك يجب أن يفعل بعد النبي صلى الله عليه وسلم -

وقال تعالى يرفع
الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم - ليليني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم فرتب أولي الأحلام والنهى في أعلى المراتب إذ جعلهم في المرتبة التي تلي النبوة وقوله تعالى إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة روى ليث عن مجاهد قال قال علي إن في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي كان عندي دينار فصرفته فكنت إذا ناجيت رسول الله صلى الله عليه وسلم - تصدقت بدرهم وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال إن المسلمين أكثروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم - المسائل حتى شقوا عليه فأراد الله أن يخفف عن نبيه فلما نزلت إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة كف كثير من المسلمين عن المسئلة فأنزل الله أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات

الآية فوسع لهم قال أبو بكر قد دلت الآية على أحكام ثلاثة أحدها تقديم الصدقة أمام مناجاتهم للنبي ص - لمن يجد والثاني الرخصة في المناجاة لمن لا يجد الصدقة بقوله فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم فهذا يدل على أن المسئلة كانت مباحة لمن لم يجد الصدقة والثالث وجوب الصدقة أمام المسئلة بقوله أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم حدثنا عبدالله بن محمد قال حدثنا الحسن بن أبي الربيع قال أخبرنا عبدالرزاق عن معمر عن أيوب عن مجاهد في قوله إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة الآية قال علي رضي الله عنه ما عمل بها أحد غيري حتى نسخت وما كانت إلا ساعة وقوله تعالى لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله قال أبو بكر المحادة أن يكون كل واحد منهما في حد وحيز غير حد صاحبه وحيزه فظاهره يقتضي أن يكون المراد أهل الحرب لأنهم في حد غير حدنا فهو يدل على كراهة مناكحة أهل الحرب وإن كانوا من أهل الكتاب لأن المناكحة توجب المودة قال الله تعالى ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة آخر سورة المجادلة
ومن

سورة الحشر
بسم ا لله الرحمن الرحيم
قوله تعالى هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر قال مجاهد وقتادة أول الحشر جلاء بني النضير من اليهود فمنهم من خرج إلى خيبر ومنهم من خرج إلى الشام وقال الزهري قاتلهم رسول الله صلى الله عليه وسلم - حتى صالحهم على الجلاء فأجلاهم إلى الشام وعلىأن لهم ما أقلت الإبل من شيء إلا الحلقة والحلقة السلاح قال أبو بكر قد انتظم ذلك معنيين أحدهما مصالحة أهل الحرب على الجلاء عن ديارهم من غير سبي ولا استرقاق ولا دخول في الذمة ولا أخذ جزية وهذا الحكم منسوخ عندنا إذا كان بالمسلمين قوة على قتالهم على الإسلام أو أداء الجزية وذلك لأن الله قد أمر بقتال الكفار حتى يسلموا أو يؤدوا الجزية قال الله تعالى قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله إلى قوله حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون وقال فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم فغير جائز إذا كان بالمسلمين قوة على قتالهم وإدخالهم في الذمة أو الإسلام أن يجلوهم ولكنه لو عجز

المسلمون عن مقاومتهم في إدخالهم في الإسلام أو الذمة جاز لهم مصالحتهم على الجلاء عن بلادهم والمعنى الثاني جواز مصالحة أهل الحرب على مجهول من المال لأن النبي صلى الله عليه وسلم - صالحهم على أراضيهم وعلى الحلقة وترك لهم ما أقلت الإبل وذلك مجهول وقوله تعالى فاعتبروا يا أولي الأبصار فيه أمر بالاعتبار والقياس في أحكام الحوادث ضرب من الاعتبار فوجب استعماله بظاهر الآية وقوله تعالى ما قطعتم من لينة قال ابن عباس وقتادة كل نخلة لينة سوى العجوة وقال مجاهد وعمرو بن ميمون كل نخلة لينة وقيل اللينة كرام النخل وروى ابن جريج عن مجاهد ما قطعتم من لينة النخلة نهي بعض المهاجرين عن قطع النخل وقال إنما هي مغانم المسلمين فنزل القرآن بتصديق من نهى وبتحليل من قطعها من الإثم قال أبو بكر صوب الله الذين قطعوا والذين أبوا وكانوا فعلوا ذلك من طريق الاجتهاد وهذا يدل على أن كل مجتهد مصيب وقد روي عن الزهري عن عروة عن أسامة بن زيد قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم - أن أغر على ابني صباحا وحرق وروى قتادة عن أنس قال لما قاتل أبو بكر أهل الردة قتل وسبي وحرق وروى عبدالله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم قال لما تحصن بنو النضير أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم - بقطع نخلهم وتحريقه فقالوا يا أبا القاسم ما كنت ترضى بالفساد فأنزل الله ما قطعتم من لينة الآية وروى عثمان بن عطاء عن أبيه قال لما وجه أبو بكر الجيش إلى الشام كان فيما أوصاهم به ولا تقطع شجرة مثمرة قال أبو بكر تأوله محمد بن الحسن على أنهم قد علموا أن الله سيغنمهم إياها وتصير للمسلمين بوعد النبي صلى الله عليه وسلم - لهم بفتح الشام فأراد عليهم أن تبقى للمسلمين وأما جيش المسلمين إذا غزوا أرض الحرب وأرادوا الخروج فإن الأولى أن يحرقوا شجرهم وزروعهم وديارهم وكذلك قال أصحابنا في مواشيهم إذا لم يمكنهم إخراجها ذبحت ثم أحرقت وأما ما رجوا أن يصير فيأ للمسلمين فإنهم إن تركوه ليصير للمسلمين جاز وإن أحرقوه غيظا للمشركين جاز استدلالا بالآية وبما فعله النبي صلى الله عليه وسلم - في أموال بني النضير وقوله تعالى وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل الآية الفيء الرجوع ومنه الفيء في الإيلاء في قوله فإن فاؤا وأفاءه عليه إذا رده عليه والفيء في مثل هذا الموضع ما صار للمسلمين من أموال أهل الشرك فالغنيمة فيء والجزية فيء والخراج فيء لأن جميع ذلك مما ملكه الله المسلمين من أموال أهل الشرك والغنيمة وإن كانت فيأ فإنها تختص بمعنى لا يشاركها فيه

سائر وجوه الفيء لأنها ما أخذ من أموال أهل الحرب عنوة بالقتال فمنها ما يجري فيه سهام الغانمين بعد إخراج الخمس لله عز و جل وروى الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان عن عمر بن الخطاب قال كانت أموال بني النضير فيأ مما أفاء الله على رسوله مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب فكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم - خاصة وكان ينفق منها على أهله نفقة سنة وما بقي جعله في الكراع والسلاح عدة في سبيل الله قال أبو بكر فهذا من الفيء الذي جعل الأمر فيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - ولم يكن لأحد فيه حق إلا من جعله له النبي صلى الله عليه وسلم -

فكان النبي ص
- ينفق منها على أهله ويجعل الباقي في الكراع والسلاح وذلك لما بينه الله في كتابه وهو أن المسلمين لم يوجفوا عليه بخيل ولا ركاب ولم يأخذوه عنوة وإنما أخذوه صلحا وكذلك كان حكم فدك وقرى عرينة فيما ذكره الزهري وقد كان للنبي ص -
من الغنيمة الصفي وهو ما كان يصطفيه من جملة الغنيمة قيل أن يقسم المال
وكان له أيضا سهم من الخمس فكان للنبي ص - من الفيء هذه الحقوق يصرفها في نفقة عياله والباقي في نوائب المسلمين ولم يكن لأحد فيها حق إلا من يختار هو ص - أن يعطيه وفي هذه الآية دلالة على أن كل مال من أموال أهل الشرك لم يغلب عليه المسلمون عنوة وإنما أخذ صلحا أنه لا يوضع في بيت مال المسلمين ويصرف على الوجوه التي يصرف فيها الخراج والجزية لأنه بمنزلة ما صار للنبي ص - من أموال بني النضير حين لم يوجف المسلمون عليه وقوله تعالى ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول الآية قال أبو بكر بين الله حكم مالم يوجف عليه المسلمون من الفيء فجعله للنبي ص - على ما قدمنا من بيانه ثم ذكر حكم الفيء الذي أوجف المسلمون عليه فجعله لهؤلاء الأصناف وهم الأصناف الخمس المذكورون في غيرها وظاهره يقتضي أن لا يكون للغانمين شيء منه إلا من كان منهم من هذه الأصناف وقال قتادة كانت الغنائم في صدر الإسلام لهؤلاء الأصناف ثم نسخ بقوله واعلموا أنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه قال أبو بكر لما فتح عمر رضي الله عنه العراق سأله قوم من الصحابة قسمته بين الغانمين منهم الزبير وبلال وغيرهما فقال إن قسمتها بينهم بقي آخر الناس لا شيء لهم واحتج عليهم بهذه الآية إلى قوله والذين جاؤا من بعدهم وشاور عليا وجماعة من الصحابة في ذلك فأشاروا عليه بترك القسمة وأن يقر أهلها عليها ويضع عليها الخراج ففعل ذلك ووافقته الجماعة عند احتجاجه بالآية وهذا

يدل على أن هذه الآية غير منسوخة وأنها مضمومة إلى آية الغنيمة في الأرضين المفتتحة فإن رأى قسمتها أصلح للمسلمين وأرد عليهم قسم وإن رأى إقرار أهلها عليها وأخذ الخراج منهم فيها فعل لأنه لو لم تكن هذه الآية ثابتة الحكم في جواز أخذ الخراج منها حتى يستوي الآخر والأول فيها لذكروه له وأخبروه بنسخها فلما لم يحاجوه بالنسخ دل على ثبوت حكمها عندهم وصحة دلالتها لديهم على ما استدل به عليه فيكون تقدير الآيتين بمجموعهما واعلموا أن ما غنمتم من شيء فإن لله خمسه في الأموال سوى الأرضين وفي الأرضين إذا اختار الإمام ذلك وما أفاء الله على رسوله من الأرضين فلله وللرسول إن اختار تركها على ملك أهلها ويكون ذكر الرسول ههنا لتفويض الأمر عليه في صرفه إلى من رأى فاستدل عمر رضي الله عنه من الآية بقوله كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم وقوله والذين جاؤوا من بعدهم وقال لو قسمتها بينهم لصارت دولة بين الأغنياء منكم ولم يكن لمن جاء بعدهم من المسلمين شيء وقد جعل لهم فيها الحق بقوله والذين جاؤا من بعدهم فلما استقر عنده حكم دلالة الآية وموافقة كل الصحابة على إقرار أهلها عليها ووضع الخراج بعث عثمان بن حنيف وحذيفة بن اليمان فمسحا الأرضين ووضعا الخراج على الأوضاع المعلومة ووضعا الجزية على الرقاب وجعلاهم ثلاث طبقات اثني عشر وأربعة وعشرين وثمانية وأربعين ثم لم يتعقب فعله هذا أحد ممن جاء بعده من الأئمة بالفسخ فصار ذلك اتفاقا واختلف أهل العلم في أحكام الأرضين المفتتحة عنوة فقال أصحابنا والثوري إذا افتتحها الإمام عنوة فهو بالخيار إن شاء قسمها وأهلها وأموالهم بين الغانمين بعد إخراج الخمس وإن شاء أقر أهلها عليها وجعل عليها وعليهم الخراج ويكون ملكا لهم ويجوز بيعهم وشراؤهم لها وقال مالك ما باع أهل الصلح من أرضهم فهو جائز وما افتتتح عنوة فإنه لا يشترى منهم أحد لأن أهل الصلح من أسلم منهم كان أحق بأرضه وماله وأما أهل العنوة الذين أخذوا عنوة فمن أسلم منهم أحرز له إسلامه نفسه وأرضه للمسلمين لأن بلادهم قد صارت فيأ للمسلمين وقال الشافعي ما كان عنوة فخمسها لأهله وأربعة أخماسها للغانمين فمن طاب نفسا عن حقه للإمام أن يجعلها وقفا عليهم ومن لم يطب نفسا فهو أحق بماله قال أبو بكر لا تخلوا الأرض المفتتحة عنوة من أن تكون للغانمين لا يجوز للإمام صرفها عنهم بحال إلا بطيبة من أنفسهم أو أن

يكون الإمام مخيرا بين إقرار أهلها على أملاكهم فيها ووضع الخراج عليها وعلى رقاب أهلها على ما فعله عمر رضي الله عنه في أرض السواد فلما اتفق الجميع من الصحابة على تصويب عمر فيما فعله في أرض السواد بعد خلاف من بعضهم عليه على إسقاط حق الغانمين عن رقابها دل ذلك على أن الغانمين لا يستحقون ملك الأرضين ولا رقاب أهلها إلا بأن يختار الإمام ذلك لهم لأن ذلك لو كان ملكا لهم لما عدل عنهم بها إلى غيرهم ولنازعوه في احتجاجه بالآية في قوله كيلا يكون دولة بين الأغنياء منكم وقوله والذين جاؤا من بعدهم فلما سلم له الجميع رأيه عند احتجاجه بالآية دل على أن الغانمين لا يستحقون ملك الأرضين إلا باختيار الإمام ذلك لهم وأيضا لا يختلفون أن للإمام أن يقتل الأسرى من المشركين ولا يستبقيهم ولو كان ملك الغانمين قد ثبت فيهم لما كان له إتلافه عليهم كما لا يتلف عليهم سائر أموالهم فلما كان له أن يقتل الأسرى وله أن يستبقيهم فيقسمهم بينهم ثبت أن الملك لا يحصل للغانمين بإحراز الغنيمة في الرقاب والأرضين إلا أن يجعلها الإمام لهم ويدل على ذلك أيضا ما روى الثوري عن يحيى بن سعيد عن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة قال قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم - خيبر نصفين نصفا لنوائبه وحاجته ونصفا بين المسلمين قسمها بينهم على ثمانية عشر سهما فلو كان الجميع ملكا للغانمين لما جعل نصفه لنوائبه وحاجته وقد فتحها عنوة ويدل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم - فتح مكة عنوة ومن على أهلها فأقرهم على أملاكهم فقد حصل بدلالة الآية وإجماع السلف والسنة تخيير الإمام في قسمة الأرضين أو تركها ملكا لأهلها ووضع الخراج عليها ويدل عليه حديث سهل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم - منعت العراق قفيزها ودرهمها ومنعت الشام مداها ودينارها ومنعت مصر أردبها ودينارها وعدتم كما بدأتم شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه فأخبر ص - عن منع الناس لهذه الحقوق الواجبة لله تعالى في الأرضين وإنهم يعودون إلى حال أهل الجاهلية في منعها وذلك يدل على صحة قول عمر رضي الله عنه في السواد وإن ما وضعه هو من حقوق الله تعالى التي يجب أداؤها فإن قيل ليس فيما ذكرت من فعل عمر في السواد إجماع لأن حبيب بن أبي ثابت وغيره قد رووا عن ثعلبة بن يزيد الحماني قال دخلنا على علي رضي الله عنه بالرحبة فقال لولا أن يضرب بعضكم وجوه بعض لقسمت السواد بينكم قيل له الصحيح عن علي رضي الله عنه أنه أشار على عمر

رضي الله عنه بترك قسمة السواد وإقرار أهله عليه ومع ذلك فإنه لا يجوز أن يصح عن علي ما ذكرت لأنه لا يخلوا من خاطبهم علي بذلك من أن يكونوا هم الذين فتحوا السواد فاستحقوا ملكه وقسمته بينهم من غير خيار للإمام فيه أو أن يكون المخاطبون به غير الذين فتحوه أو خاطب به الجيش وهم أخلاط منهم من شهد فتح السواد ومنهم من لم يشهده وغير جائز أن يكون الخطاب لمن لم يشهد فتحه لأن أحدا لا يقول ان الغنيمة تصرف إلى غير الغانمين ويخرج منها الغانمون وأن يكونوا أخلاطا فيهم من شهد الفتح واستحق الغنيمة وفيهم من لم يشهده وهذا مثل الأول لأن من لم يشهد الفتح لا يجوز أن يسهم له وتقسم الغنيمة بينه وبين الذين شهدوه أو أن يكون خاطب به من شهد الفتح دون غيره فإن كان كذلك وكانوا هم المستحقين له دون غيرهم من غير خيار للإمام فيه فغير جائز أن يجعل حقهم لغيرهم لأن بعضهم يضرب وجوه بعض إذ كان أتقى لله من أن يترك حقا يجب عليه القيام به إلى غيره لما وصفت وعلى أنه لم يخصص بهذا الخطاب الذين فتحوه دون غيرهم وفي ذلك دليل على فساد هذه الرواية وقد اختلف الناس بعد ثبوت هذا الأصل الذي ذكرنا وصحة الرواية عن عمر في كافة الصحابة عل ترك قسمة السواد وإقرار أهله عليه فقال قائلون أقرهم على أملاكهم وترك أموالهم في أيديهم ولم يسترقهم وهو الذي ذكرناه من مذهب أصحابنا وقال آخرون إنما أقرهم على أرضهم على أنهم وأرضهم فيء للمسلمين وأنهم غير ملاك لها وقال آخرون أقرهم على أنهم أحرار والأرضون موقوفة على مصالح المسلمين قال أبو بكر ولم يختلفوا أن من أسلم من أهل السواد كان حرا وأنه ليس لأحد أن يسترقه وقد روي عن علي رضي الله عنه أن دهقانا أسلم على عهده فقال له إن أقمت في أرضك رفعنا الجزية عن رأسك وأخذناها من أرضك وإن تحولت عنها فنحن أحق بها وكذلك روي عن عمر رضي الله عنه في دهقانة نهر الملك حين أسلمت فلو كانوا عبيدا لما زال عنهم الرق بالإسلام فإن قيل فقد قالا إن تحولت عنها فنحن أحق بها قيل له إنما أراد بذلك أنك إن عجزت عن عمارتها عمرناها نحن وزرعناها لئلا تبطل الحقوق التي قد وجبت للمسلمين في رقابها وهو الخراج وكذلك يفعل الإمام عندنا بأراضي العاجزين عن عمارتها ولما ثبت بما وصفنا أن من أسلم من أهل السواد فهو حر ثبت أن أراضيهم على إملاكهم كما كانت رقابهم مبقاة على أصل الحرية ومن حيث جاز للإمام عند مخالفينا أن يقطع حق

الغانمين عن رقابها ويجعلها موقوفة على المسلمين بصرف خراجها إليهم جاز إقرارها على أملاك أهلها ويصرف خراجها إلى المسلمين إذ لا حق للمسلمين في نفي ملك ملاكها عنها بعد أن لا يحصل للمسلمين ملكها وإنما حقهم في الحالين في خراجها لا في رقابها بأن يتملكوها وذكر يحيى بن آدم عن الحسن بن صالح قال سمعنا أن الغنيمة ما غلب عليه المسلمون حتى يأخذوه عنوة بالقتال وأن الفيء ما صولحوا عليه قال الحسن فأما سوادنا هذا فإنا سمعنا أنه كان في أيدي النبط فظهر عليهم أهل فارس فكانوا يؤدون إليهم الخراج فلما ظهر المسلمون على أهل فارس تركوا السواد ومن لم يقاتلهم من الدهاقين على حالهم ووضعوا الجزية على رؤوس الرجال ومسحوا ما كان في أيديهم من الأرضين ووضعوا عليهم الخراج وقبضوا على كل أرض ليست في يد أحد فكانت صوافي للإمام قال أبو بكر كأنه ذهب إلى أن النبط لما كانوا أحرارا في مملكة أهل فارس فكانت أملاكهم ثابتة في أراضيهم ثم ظهر المسلمون على أهل فارس وهم الذين قاتلوا المسلمين ولم يقاتلهم النبط كانت أراضيهم ورقابهم على ما كانت عليه في أيام الفرس لأنهم لم يقاتلوا المسلمين فكانت أرضوهم ورقابهم في معنى ما صولح عليه وأنهم إنما كانوا يملكون أراضيهم ورقابهم لو قاتلوهم وهذا وجه كان يحتمله الحال لولا أن محاجة عمر لأصحابه الذين سألوه قسمة السواد كانت من غير هذا الوجه وإنما احتج بدلالة الكتاب دون ما ذكره الحسن فإن قيل إنما دفع عمر السواد إلى أهله بطيبة من نفوس الغانمين على وجه الإجارة والأجرة تسمى خراجا قال النبي صلى الله عليه وسلم - الخراج بالضمان ومراده أجرة العبد المشترى إذا رد بالعيب قال أبو بكر هذا غلط من وجوه أحدها أن عمر لم يستطب نفوس القوم في وضع الخراج وترك القسمة وإنما شاور الصحابة وحاج من طلب القسمة بما أوضح به قوله ولو كان قد استطاب نفوسهم لنقل كما نقل ما كان بينه وبينهم من المراجعة والمحاجة فإن قيل قد نقل ذلك وذكر ما رواه إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال كنا ربع الناس فأعطانا عمر ربع السواد فأخذناه ثلاث سنين ثم وفد جرير إلى عمر بعد ذلك فقال عمر والله لولا أني قاسم مسؤل لكنتم على ما قسم لكم فأرى أن تردوه على المسلمين ففعل فأجازه عمر ثمانين دينارا فأتته امرأة فقالت يا أمير المؤمنين إن قومي صالحوك على أمر ولست أرضى حتى تملأ كفي ذهبا وتحملني على جمل ذلول وتعطيني قطيفة حمراء قال ففعل قال أبو بكر ليس فيه دليل على

أنه كان ملكهم رقاب الأرضين وجائز أن يكون أعطاهم ربع الخراج ثم رأى بعد ذلك أن يقتصر بهم على أعطياتهم دون الخراج ليكونوا أسوة لسائر الناس وكيف يكون ذلك باستطابة منه لنفوسهم وقد أخبر عمر أنه رأى رده على المسلمين وأظهر أنه لا يسعه غيره لما كان عنده أنه صلح للمسلمين وأما أمر المرأة فإنه أعطاها من بيت المال لأنه قد كان جائزا له أن يفعله من أخذ ما كان في أيديهم من السواد وأما قوله إن الخراج أجرة ففاسد من وجوه أحدها أنه لا خلاف أن الإجارات لا تجوز إلا على مدة معلومة إذا وقعت على المدة وأيضا فإن أهلها لم يخلوا من أن يكونوا عبيدا أو أحرارا فإن كانوا عبيدا فإن إجارة المولى من عبده لا تجوز وإن كانوا أحرارا فكيف جاز أن تترك رقابهم على أصل الحرية ولا تترك أراضيهم على أملاكهم وأيضا لو كانوا عبيدا لم يجز أخذ الجزية من رقابهم لأنه لا خلاف أن العبيد لا جزية عليهم وأيضا لا خلاف أن إجارة النخل والشجر غير جائزة وقد أخذ عمر الخراج من النخل والشجر فدل على أنه ليس بأجرة وقد اختلف الفقهاء في شرى أرض الخراج واستئجارها فقال أصحابنا لا بأس بذلك وهو قول الأوزاعي وقال مالك أكره استئجار أرض الخراج وكره شريك شرى أرض الخراج وقال لا تجعل في عنقك صغارا وذكر الطحاوي عن ابن أبي عمران عن سليمان بن بكار قال سأل رجل المعافى بن عمران عن الزرع في أرض الخراج فنهاه عن ذلك فقال له قائل فإنك تزرع أنت فيها فقال يا ابن أخي ليس في الشر قدوة وقال الشافعي لا بأس بأن يكتري المسلم ارض خراج كما يكتري دوابهم قال والحديث الذي جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - لا ينبغي لمسلم أن يؤدي الخراج ولا لمشرك أن يدخل المسجد الحرام إنما هو خراج الجزية قال أبو بكر روي عن عبدالله بن مسعود أنه اشترى أرض خراج وروي عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم - أنه قال لا تتخذوا الضيعة فترغبوا في الدنيا قال عبدالله وبراذان ما براذان وبالمدينة ما بالمدينة وذلك أنه كانت له ضيعة لبراذان وراذان من أرض الخراج وروي أن الحسن والحسين ابني علي رضي الله عنهم اشتروا من أرض السواد فهذا يدل على معنيين أحدهما أنها أملاك لأهلها والثاني أنه غير مكره للمسلم شراها وروي عن علي وعمر رضي الله عنهما فيمن أسلم من أهل الخراج أنه إن أقام على أرضه أخذ منه الخراج وروي عن ابن عباس أنه كره شرى أرض أهل الذمة وقال لا تجعل ما جعل الله في عنق هذا الكافر في عنقك وقال ابن عمر مثل ذلك

وقال لا تجعل في عنقك الصغار قال أبو بكر وخراج الأرض ليس بصغار لأنا لا نعلم خلافا بين السلف أن الذمي إذا كانت له أرض خراج فأسلم أنه يؤخذ الخراج من أرضه ويسقط عن رأسه فلو كان صغارا لسقط بالإسلام وقول النبي صلى الله عليه وسلم - منعت العراق قفيزها ودرهمها يدل على أنه واجب على المؤمنين لأنه أخبر عما يمنع المسلمون من حق الله في المستقبل ألا ترى أنه قال وعدتم كما بدأتم والصغار لا يجب على المسلمين وإنما يجب على الكفار للمسلمين وقوله تعالى والذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم يعني والله أعلم أن ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول وللذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم يعني الأنصار وقد كان إسلام المهاجرين قبل إسلام الأنصار ولكنه أراد الذين تبوؤا الدار والإيمان من قبل هجرة المهاجرين وقوله تعالى ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا قال الحسن يعني أنهم لا يحسدون المهاجرين على فضل آتاهم الله تعالى وقيل لا يجدون في أنفسهم ضيقا لما ينفقونه عليهم وقوله تعالى ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة الخصاصة الحاجة فأثنى عليهم بإيثارهم المهاجرين على أنفسهم فيما ينفقونه عليهم وإن كانوا هم محتاجين إليه فإن قيل روي عن النبي صلى الله عليه وسلم - أن رجلا قال له معي دينار فقال أنفقه على نفسك فقال معي دينار آخر فقال أنفقه على عيالك فقال معي دينار آخر قال تصدق به وأن رجلا جاء ببيضة من ذهب فقال يا رسول الله تصدق بهذه فإني ما أملك غيرها فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم - فجاءه من الشق الآخر فأعرض عنه إلى أن أعاد القول فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم - ورماه بها فلو أصابته لعقرته ثم قال يأتيني أحدهم بجميع ما يملك فيتصدق به ثم يقعد يتكفف الناس إنما الصدقة عن ظهر غنى وإن رجلا دخل المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم - يخطب والرجل بحال بذاذة فحث النبي صلى الله عليه وسلم -

على الصدقة فطرح قوم ثيابا ودراهم فأعطاه ثوبين ثم حثهم على الصدقة فطرح
الرجل أحد ثوبيه فأنكره النبي صلى الله عليه وسلم - ففي هذه الأخبار كراهة الإيثار على النفس والأمر بالإنفاق على النفس ثم الصدقة بالفضل قيل له إنما كره النبي صلى الله عليه وسلم - ذلك لأنه لم يثق منه بالصبر على الفقر وخشي أن يتعرض للمسألة إذا فقد ما ينفقه ألا ترى أنه قال يأتيني أحدهم بجميع ما يملك فيتصدق به ثم يقعد يتكفف الناس فإنما كره الإيثار لمن كانت هذه حاله فأما الأنصار الذين أثنى الله عليهم بالإيثار على النفس فلم يكونوا بهذه

الصفة بل كانوا كما قال الله تعالى والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس فكان الإيثار منهم أفضل من الإمساك والإمساك ممن لا يصبر ويتعرض للمسألة أولى من الإيثار وقد روى محارب بن دثار عن ابن عمر قال أهدي لرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - رأس شاة فقال إن فلانا وعياله أحوج إلى هذا منا به فبعث إليه فلم يزل يبعث به واحدا إلى آخر حتى تداولها تسعة أهل أبيات حتى رجعت إلى الأول فنزلت ومن يوق شح نفسه الآية وروى الأعمش عن جامع بن شداد عن الأسود بن هلال قال جاء رجل إلى عبدالله فقال يا أبا عبدالرحمن قد خفت أن تصيبني هذه الآية ومن يوق شح نفسه فوالله ما أقدر على أن أعطي شيئا أطيق منعه فقال عبدالله هذا البخل وبئس الشيء البخل ولكن الشح أن تأخذ مال أخيك بغير حق وروي عن سعيد بن جبير في قوله تعالى ومن يوق شح نفسه قال إدخال الحرام ومنع الزكاة آخر سورة الحشر
ومن سورة الممتحنة
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة روي أنها نزلت في حاطب بن ابي بلتعة حين كتب إلى كفار قريش يتنصح لهم فيه فأطلع الله نبيه على ذلك فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم - فقال أنت كتبت هذا الكتاب قال نعم قال وما حملك على ذلك قال أما والله ما ارتبت في الله منذ أسلمت ولكني كنت امرأ غريبا في قريش وكان لي بمكة مال وبنون فأردت أن أدفع بذلك عنهم فقال عمر ائذن لي يا رسول الله فأضرب عنقه فقال النبي صلى الله عليه وسلم - مهلا يا ابن الخطاب أنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فإني غافر لكم حدثنا بذلك عبدالله بن محمد قال حدثنا الحسن بن أبي الربيع قال أخبرنا عبدالرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري في قوله يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء عن عروة بن الزبير بمعنى ما قدمنا قال أبو بكر ظاهر ما فعله حاطب لا يوجب الردة وذلك لأنه ظن أن ذلك جائز له ليدفع به عن ولده وماله كما يدفع عن نفسه بمثله عند التقية ويستبيح إظهار كلمة الكفر ومثل هذا الظن إذا صدر عنه الكتاب الذي كتبه فإنه لا يوجب الإكفار ولو كان ذلك يوجب الإكفار لاستبابه النبي صلى الله عليه وسلم -

فلما لم يستتبه وصدقه على ما قال علم أنه ما كان مرتدا

وإنما قال عمر ائذن لي فأضرب عنقه لأنه ظن أنه فعله عن غير تأويل فإن قيل قد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم - أنه إنما منع عمر من قتله لأنه شهد بدرا وقال ما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم فجعل العلة المانعة من قتله كونه من أهل بدر وقيل له ليس كما ظننت لأن كونه من أهل بدر لا يمنع أن يكون كافرا مستحقا للنار إذا كفر وإنما معناه ما يدريك لعل الله قد علم أن أهل بدر وإن أذنبوا لا يموتون إلا على التوبة ومن علم الله منه وجود التوبة إذا أمهله فغير جائز أن يأمر بقتله أو يفعل ما يقتطعه به عن التوبة فيجوز أن يكون مراده أن أهل بدر وإن أذنبوا فإن مصيرهم إلى التوبة والإنابة وفي هذه الآية دلالة على أن الخوف على المال والولد لا يبيح التقية في إظهار الكفر وأنه لا يكون بمنزلة الخوف على نفسه لأن الله نهى المؤمنين عن مثل ما فعل حاطب مع خوفه على أهله وماله وكذلك قال أصحابنا إنه لو قال لرجل لأقتلن ولدك أو لتكفرن إنه لا يسعه إظهار الكفر ومن الناس من يقول فيمن له على رجل مال فقال لا أقر لك حتى تحط عني بعضه فحط عنه بعضه أنه لا يصح الحط عنه وجعل خوفه على ذهاب ماله بمنزلة الإكراه على الحط وهو فيما أظن مذهب ابن أبي ليلى وما ذكرناه يدل على صحة قولنا ويدل على أن الخوف على المال والأهل لا يبيح التقية أن الله فرض الهجرة على المؤمنين ولم يعذرهم في التخلف لأجل أموالهم وأهلهم فقال قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم الآية وقال قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها وقوله تعالى قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه الآية وقوله والذين معه قيل فيه الأنبياء وقيل الذين آمنوا معه فأمر الله الناس بالتأسي بهم في إظهار معاداة الكفار وقطع الموالاة بيننا وبينهم بقوله إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا فهذا حكم قد تعبد المؤمنون به وقوله إلا قول إبراهيم لأبيه يعني في أن لا يتأسوا به في الدعاء للأب الكافر وإنما فعل إبراهيم ذلك لأنه أظهر له الإيمان ووعده إظهاره فأخبر الله تعالى أنه منافق فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه فأمر الله تعالى بالتأسي بإبراهيم في كل أموره إلا في الاستغفار للأب الكافر وقوله تعالى ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا قال قتادة يعني بإظهارهم علينا فيروا أنهم على حق

وقال ابن عباس لا تسلطهم علينا فيفتنوننا
باب

صلة الرحم المشرك
قال الله تعالى لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين الآية روى هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أن أسماء سألت النبي صلى الله عليه وسلم - عن أم لها مشركة جاءتني أأصلها قال نعم صليها قال أبو بكر وقوله أن تبروهم وتقسطوا إليهم عموم في جواز دفع الصدقات إلى أهل الذمة إذ ليس هم من أهل قتالنا فيه النهي عن الصدقة على أهل الحرب لقوله إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وقد روي فيه غير ذلك حدثنا عبدالله بن محمد قال حدثنا الحسن قال أخبرنا عبدالرزاق عن معمر عن قتادة في قوله لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم قال نسخها قوله فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات الآية روى الزهري عن عروة عن المسور بن مخرمة عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال كان مما شرط سهيل بن عمرو على رسول الله صلى الله عليه وسلم - في صلح الحديبية لا يأتيك منا أحد وإن كان على دينك إلا رددته علينا فرد أبا جندل على أبيه سهيل بن عمرو ولم يأته أحد من الرجال إلا رده في تلك المدة وإن كان مسلما وجاء المؤمنات مهاجرات وكانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط من خرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم - يومئذ وهي عاتق فجاء أهلها يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم -
أن يرجعها فأنزل الله فيهن إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات الآية قال عروة
فأخبرتني عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - كان يمتحنهن بهذه الآية يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك قالت فمن أقر بهذه الشرط منهن قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم - قد بايعتك كلاما يكلمها به والله ما مست يده يد امرأة من أهل المبايعة وروى عكرمة بن عمار عن أبي زميل عن عمر بن الخطاب قال لقد صالح رسول الله صلى الله عليه وسلم - أهل مكة يوم الحديبية وجعل لهم أن من لحق بالكفار من المسلمين لم يردوه ومن لحق بالمسلمين من الكفار يردونه وروى الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال كان في الصلح يوم الحديبية أن من أسلم من أهل مكة فهو رد إليهم ونزلت سورة الممتحنة بعد الصلح فكان من أسلم من نسائهم تسأل ما أخرجك فإن كانت خرجت هربا من زوجها ورغبة عنه ردت وإن كانت خرجت رغبة في الإسلام أمسكت وردت على زوجها ما أنفق قال أبو بكر لا يخلو

الصلح من أن يكون كان خاصا في الرجال دون النساء على الوجه الذي ذكر من رد من جاء منهم مسلما إليهم أو أن يكون وقع بديا عاما ثم نسخ عن النساء وهذا أظهر الوجهين وذلك جائز عندنا وإن لم يرد النبي صلى الله عليه وسلم -

أحدا من النساء عليهم لأن النسخ جائز بعد التمكن من الفعل وإن لم يقع
الفعل وقوله يا أيها الذين آمنوا خطاب للمؤمنين والمراد به النبي صلى الله عليه وسلم - إذا هاجرن إليه لأنه هو الذي يتولى امتحانهن دون المؤمنين وقد أريد به سائر المؤمنين عند غيبة النبي صلى الله عليه وسلم - عن حضرتهم وقوله تعالى فإن علمتموهن مؤمنات المراد به العلم الظاهر لا حقيقة اليقين لأن ذلك لا سبيل لنا إليه وهو مثل قول أخوة يوسف إن ابنك سرق وما شهدنا إلا بما علمنا يعنون العلم الظاهر لأنه لم يكن سرق في الحقيقة ألا ترى إلى قوله وما كنا للغيب حافظين وإنما حكموا عليه بالسرقة من جهة الظاهر لما وجدوا الصواع في رحله وهو مثل شهادة الشهود الذين ظاهرهم العدالة قد تعبدنا الله بالحكم بها من طريق الظاهر وحمل شهادتهما على الصحة وكذلك قبول أخبار الآحاد عن النبي صلى الله عليه وسلم - من هذا الطريق وقد ألزمنا الله بهذه الآية قبول قول من أظهر لنا الإيمان والحكم بصحة ما أخبر به عن نفسه فيما بيننا وبينه وهذا أصل في تصديق كل من أخبر عما لا يطلع عليه غيره من حاله مثل المرأة إذا أخبرت عن حيضها وطهرها وحبلها ومثل الرجل يقول لامرأته أنت طالق إذا حضت أو قال إذا طهرت فيكون قولها مقبولا فيه وقال عطاء بن أبي رباح وتلا هذه الاية إذا جاءكم المؤمنات فقال عطاء ما علمنا إيمانهن إلا بما ظهر من قولهن وقال قتادة امتحانهن ما خرجن إلا للدين والرغبة في الإسلام وحب الله تعالى ورسوله
باب
وقوع الفرقة باختلاف الدارين
قال الله تعالى فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن الآية قال أبو بكر في هذه الآية ضروب من الدلالة على وقوع الفرقة باختلاف الدارين بين الزوجين واختلاف الدارين أن يكون أحد الزوجين من أهل دار الحرب والآخر من أهل دار الإسلام وذلك لأن المهاجرة إلى دار الإسلام قد صارت من أهل دار الإسلام وزوجها باق على كفره من أهل دار الحرب فقد اختلفت بهما الداران وحكم الله بوقوع الفرقة بينهما بقوله فلا ترجعوهن إلى الكفار

ولو كانت الزوجية باقية لكان الزوج أولى بها بأن تكون معه حيث أراد ويدل عليه أيضا قوله لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن وقوله وآتوهم ما أنفقوا يدل عليه أيضا لأنه أمر برد مهرها على الزوج ولو كانت الزوجية باقية لما استحق الزوج رد المهر لأنه لا يجوز أن يستحق البضع وبدله ويدل عليه قوله ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن ولو كان النكاح الأول باقيا لما جاز لها أن تتزوج ويدل عليه قوله ولا تمسكوا بعصم الكوافر والعصمة المنع فنهانا أن نمتنع من تزويجها لأجل زوجها الحربي واختلف أهل العلم في الحربية تخرج إلينا مسلمة فقال أبو حنيفة في الحربية تخرج إلينا مسلمة ولها زوج كافر في دار الحرب قد وقعت الفرقة فيما بينهم ولا عدة عليها وقال أبو يوسف ومحمد عليها العدة وإن أسلم الزوج لم تحل له إلا بنكاح مستقبل وهو قول الثوري وقال مالك والأوزاعي والليث والشافعي إن أسلم الزوج قبل أن تحيض ثلاث حيض فقد وقعت الفرقة ولا فرق عند الشافعي بين دار الحرب وبين دار الإسلام لا حكم للدار عنده قال أبو بكر روى قتادة عن سعيد بن المسيب عن علي قال إذا أسلمت اليهودية والنصرانية قبل زوجها فهو أحق بها ما داموا في دار الهجرة وروى الشيباني عن السفاح بن مطر عن داود بن كردوس قال كان رجل من بني تغلب نصراني عنده امرأة من بني تميم نصرانية فأسلمت المرأة وأبى الزوج أن يسلم ففرق عمر بينهما وروى ليث عن عطاء وطاوس ومجاهد في النصراني تسلم امرأته قالوا إن أسلم معها فهي امرأته وإن لم يسلم فرق بينهما وروى قتادة عن مجاهد قال إذا أسلم وهي في عدتها فهي امرأته وإن لم يسلم فرق بينهما وروى حجاج عن عطاء مثله وعن الحسن وابن المسيب مثله وقال إبراهيم إن أبى أن يسلم فرق بينهما وروى عباد بن العوام عن خالد بن عكرمة عن ابن عباس قال إذا أسلمت النصرانية قبل زوجها فهي أملك لنفسها قال أبو بكر حصل اختلاف السلف في ذلك على ثلاثة أنحاء فقال علي رضي الله عنه هو أحق بها ما داموا في دار الهجرة وهذا معناه عندنا إذا كانا في دار واحدة ومتى اختلفت بهما الدار فصار أحدهما في دار الحرب والآخر في دار الإسلام بانت وقال عمر رضي الله عنه إذا أسلمت وأبى الزوج الإسلام فرق بينهما وهذا أيضا على أنهما في دار الإسلام وقال آخرون ممن ذكرنا قوله هي امرأته ما دامت في العدة فإذا انقضت العدة وقعت الفرقة وقال ابن عباس تقع الفرقة بإسلامها واتفق فقهاء الأمصار على أنها لا تبين

منه بإسلامها إذا كانا في دار واحدة واختلفوا في وقت وقوع الفرقة إذا اسلمت ولم يسلم الزوج فقال أصحابنا إن كانا ذميين لم تقع الفرقة حتى يعرض الإسلام عليه فإن أسلم وإلا فرق بينهما وهو معنى ما روي عن علي وعمر وقالوا إن كانا حربيين في دار الحرب فأسلمت فهي امرأته ما لم تحض ثلاث حيض فإذا حاضت ثلاث حيض قبل أن يسلم فرق بينهما ويجوز أن يكون من روي عنه من السلف اعتبار الحيض إنما أرادوا به الحربيين في دار الحرب وقال أصحابنا إذا أسلم أحد الحربيين وخرج إلينا ايهما كان وبقي الآخر في دار الحرب فقد وقعت الفرقة باختلاف الدارين وقد ذكرنا وجوه دلائل الآية على صحة هذا القول ومن الدليل على ذلك قوله والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم قال أبو سعيد الخدري نزلت في سبايا أوطاس كان لهن أزواج في الشرك وأباحهن لهم بالسبي وروي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم قال كل ذات زوج فإتيانها زنا إلا ما سبيت وقال النبي صلى الله عليه وسلم - في السبايا لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تستبرأ بحيضة واتفق الفقهاء على جواز وطء المسبية بعد الإستبراء وإن كان لها زوج في دار الحرب إذا لم يسب زوجها معها فلا يخلو وقوع الفرقة من أن يتعلق بإسلامها أو باختلاف الدارين على الحد الذي بينا أو بحدوث الملك عليها وقد اتفق الجميع على أن إسلامها لا يوجب الفرقة في الحال وثبت أيضا أن حدوث الملك لا يرفع النكاح بدلالة أن الأمة التي لها زوج إذا بيعت لم تقع الفرقة وكذلك إذا مات رجل عن أمة لها زوج لم يكن انتقال الملك إلى الوارث رافعا للنكاح فلم يبق وجه لإيقاع الفرقة إلا اختلاف الدارين فإن قيل اختلاف الدارين لا يوجب الفرقة لأن المسلم إذا دخل دار الحرب بأمان لم يبطل نكاح امرأته وكذلك لو دخل حربي إلينا بأمان لم تقع الفرقة بينه وبين زوجته وكذلك لو أسلم الزوجان في دار الحرب ثم خرج أحدهما إلى دار الإسلام لم تقع الفرقة فعلمنا أنه لا تأثير لاختلاف الدارين في إيجاب الفرقة قيل له ليس معنى اختلاف الدارين ما ذهبت إليه وإنما معناه أن يكون أحدهما من أهل دار الإسلام إما بالإسلام أو بالذمة والآخر من أهل دار الحرب فيكون حربيا كافرا فأما إذا كانا مسلمين فهما من أهل دار واحدة وإن كان أحدهما مقيما في دار الحرب والآخر في دار الإسلام فإن احتج المخالف لنا بما روى يونس عن محمد بن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس

قال رد النبي صلى الله عليه وسلم - ابنته زينب على أبي العاص بن الربيع بالنكاح الأول بعد ست سنين وقد كانت زينب هاجرت إلى المدينة وبقي زوجها بمكة مشركا ثم ردها عليه بالنكاح الأول وهذا يدل على أنه لا تأثير لاختلاف الدارين في إيقاع الفرقة فيقال لا يصح الاحتجاج به للمخالف من وجوه أحدها أنه قال ردها بعد ست سنين بالنكاح الأول لأنه لا خلاف بين الفقهاء أنها لا ترد إليه بالعقد الأول بعد انقضاء ثلاث حيض ومعلوم أنه ليس في العادة أنها لا تحيض ثلاث في ست سنين فسقط احتجاج المخالف به من هذا الوجه ووجه آخر وهو ما روى خالد عن عكرمة عن ابن عباس في اليهودية تسلم قبل زوجها أنها أملك لنفسها فكان من مذهبه أن الفرقة قد وقعت بإسلامها وغير جائز أن يخالف النبي صلى الله عليه وسلم - فيما قد رواه عنه والوجه الثالث أن عمرو بن شعيب روى عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم - رد ابنته زينب على ابن العاص بنكاح ثان فهذا يعارض حديث داود بن الحصين وهو مع ذلك أولى لأن حديث ابن عباس إن صح فإنما هو إخبار عن كونها زوجة له بعدما أسلم ولم يعلم حدوث عقد ثان وفي حديث عمرو بن شعيب الإخبار عن حدوث عقد ثان بعد إسلامه فهو أولى لأن الأول إخبار عن ظاهر الحال والثاني إخبار عن معنى حادث قد علمه وهذ مثل ما نقوله في رواية ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم - تزوج ميمونة وهو محرم وحديث يزيد بن الأصم أنه تزوجها وهو حلال فقلنا حديث ابن عباس أولى لأنه أخبر عن حال حادثة وأخبر الآخر عن ظاهر الأمر الأول وحديث زوج بريرة أنه كان حرا حين أعتقت ورواية من روى أنه كان عبدا فكان الأول أولى لإخباره عن حال حادثة علمها وأخبر الآخر عن ظاهر الأمر الأول ولم يعلم حدوث حال أخرى
فصل وإنما قال أبو حنيفة في المهاجرة إنه لا عدة عليها من الزوج الحربي لقوله تعالى ولا جناح عليكم أن تنكحوهن فاباح نكاحها من غير ذكر عدة وقال في نسق التلاوة ولا تمسكوا بعصم الكوافر والعصمة المنع فحظر الامتناع من نكاحها لأجل زوجها الحربي والكوافر يجوز أن يتناول الرجال وظاهره في هذا الموضع الرجال لأنه في ذكر المهاجرات وأيضا أباح النبي صلى الله عليه وسلم -

وطء المسبية بعد الاستبراء ليس بعدة لأن النبي ص
- قال عدة الأمة حيضتان والمعنى فيها وقوع الفرقة باختلاف الدارين وقوله تعالى واسئلوا ما أنفقتم وليسئلوا ما أنفقوا قال معمر عن الزهري يعني رد الصداق واسئلوا أهل

الحرب مهر المرأة المسلمة إذا صارت إليهم وليسئلوا هم أيضا مهر من صارت إلينا مسلمة منهم وقال الزهري فأما المؤمنون فأقروا بحكم الله وأما المشركون فأبوا أن يقروا فأنزل الله وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا فأمر المسلمون أن يردوا الصداق إذا ذهبت امرأة من المسلمين ولها زوج مسلم أن يرد إليه المسلمون صداق امرأته إن كان في أيديهم مما يردون وأن يردوا إلى المشركين وروى خصيف عن مجاهد في قوله تعالى واسئلوا ما أنفقتم من الغنيمة أن يعوض منها وروى زكريا بن ابي زائدة عن الشعبي قال كانت زينب امرأة عبدالله بن مسعود ممن ذكر الله في القرآن واسئلوا ما أنفقتم وليسئلوا ما أنفقوا خرجت إلى المؤمنين وروى الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار قال ليس بينكم وبينهم عهد فعاقبتم وأصبتم غنيمة فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا قالوا عوضوا زوجها مثل الذي ذهب منه وروى سعيد عن قتادة مثله وزاد يعطى من جميع الغنيمة ثم يقسمون غنيمتهم وقال ابن إسحاق عن الزهري قال إن فات أحدكم أهله إلى الكفار ولم يأت من الكفار من تأخذون منه مثل ما أخذ منكم فعوضوهم من فيء إن أصبتموه وجائز أن تكون هذه الرواية عن الزهري غير مخالفة لما قدمنا من أنهم يعوضون من صداق إن وجب عليهم رده إلى الكفار وإنه إنما يجب رده من صداق وجب للكفار إذا كان هناك صداق قد وجب رده عليهم وإذا لم يكن صداق رد عليهم من الغنيمة وهذه الأحكام في رد المهر وأخذه من الكفار تعويض الزوج من الغنيمة أو من صداق قد وجب رده على أهل الحرب منسوخ عند جماعة أهل العلم غير ثابت الحكم إلا شيئا روي عن عطاء فإن عبدالرزاق روى عن ابن جريج قال قلت لعطاء أرأيت لو أن امرأة من أهل الشرك جاءت المسلمين فأسلمت أيعوض زوجها منها شيئا لقوله تعالى في الممتحنة وآتوهم ما أنفقوا قال إنما كان ذلك بين النبي صلى الله عليه وسلم - وبين أهل عهده قلت فجاءت امرأة الآن من أهل عهد قال نعم يعاض فهذا مذهب عطاء في ذلك وهو خلاف الإجماع فإن قيل ليس في القرآن ولا في السنة ما يوجب نسخ هذه الأحكام فمن أين وجب نسخها قيل له يجوز أن يكون منسوخا بقوله تعالى لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم وبقول

النبي صلى الله عليه وسلم - لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه وقوله تعالى ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن قال ابن عباس لا يلحقن بأزواجهن غير أولادهم وقيل إنه قد دخل فيه قذف أهل الإحصان والكذب على الناس وقذفهم بالباطل وما ليس فيهم وسائر ضروب الكذب وظاهر الآية يقتضي جميع ذلك وقوله تعالى ولا يعصينك في معروف روى معمر عن ثابت عن أنس قال أخذ النبي صلى الله عليه وسلم - على النساء حين بايعهن أن لا ينحن فقلن يا رسول الله إن نساء أسعدننا في الجاهلية فنساعدهن في الإسلام فقال النبي صلى الله عليه وسلم - لا إسعاد في الإسلام ولا شغار في الإسلام ولا جلب في الإسلام ولا جنب في الإسلام ومن انتهب فليس منا وروي عن شهر بن حوشب عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم - ولا يعصينك في معروف قال النوح وروى هشام عن حفصة عن أم عطية قالت أخذ علينا في البيعة أن لا ننوح وهو قوله تعالى ولا يعصينك في معروف وروى عطاء عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم - قال نهيت عن صوتين أحمقين صوت لعب ولهو ومزامير شيطان عند نغمة وصوت عند مصيبة خمش وجوه وشق جيوب ورنة شيطان قال أبو بكر هو عموم في جميع طاعة الله لأنها كلها معروف وترك النوح أحد ما أريد بالآية وقد علم الله أن نبيه لا يأمر إلا بمعروف إلا أنه شرط في النهي عن عصيانه إذا أمرهن بالمعروف لئلا يترخص أحد في طاعة السلاطين إذا لم تكن طاعة الله تعالى إذ كان الله تعالى قد شرط في طاعة أفضل البشر فعل المعروف وهو في معنى قوله ص - لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وقال النبي صلى الله عليه وسلم -

من أطاع مخلوقا في معصية الخالق سلط الله عليه ذلك المخلوق وفي لفظ آخر
عاد حامده من الناس ذاما وإنما خص النبي صلى الله عليه وسلم - بالمخاطبة في قوله تعالى يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك لأن بيعة من أسلم كان مخصوصا بها النبي صلى الله عليه وسلم -
وعم المؤمنين بذكر الممتحنة في قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم
المؤمنات مهاجرات لأنه لم يكن يختص بها النبي صلى الله عليه وسلم - دون غيره ألا ترى إ نا نمتحن المهاجرة الآن والله أعلم بالصواب آخر سورة الممتحنة
ومن
سورة الصف
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن

تقولوا مالا تفعلون قال ابو بكر يحتج به في أن كل من ألزم نفسه عبادة أو قربة وأوجب على نفسه عقدا لزمه الوفاء به إذ ترك الوفاء به يوجب أن يكون قائلا ما لا يفعل وقد ذم الله فاعل ذلك وهذا فيما لم يكن معصية فأما المعصية فإن إيجابها في القول لا يلزمه الوفاء بها وقال النبي صلى الله عليه وسلم - لا نذر في معصية وكفارته كفارة يمين وإنما يلزم ذلك فيما عقده على نفسه مما يتقرب به إلى الله عز و جل مثل النذور وفي حقوق الآدميين العقود التي يتعاقدونها وكذلك الوعد بفعل يفعله في المستقبل وهو مباح فإن الأولى الوفاء به مع الإمكان فأما قول القائل إني سأفعل كذا فإن ذلك مباح له على شريطة استثناء مشيئة الله تعالى وأن يكون في عقد ضميره الوفاء به ولا جائز له أن يعدوا في ضميره أن لا يفي به لأن ذلك هو المحظور الذي نهى الله عنه ومقت فاعله عليه وإن كان في عقد ضميره الوفاء به ولم يقرنه بالاستثناء فإن ذلك مكروه لأنه لا يدري هل يقع منه الوفاء به أم لا فغير جائز له إطلاق القول في مثله مع خوف إخلاف الوعد فيه وهو يدل على أن من قال إن فعلت كذا فأنا أحج او أهدي أو أصوم فإن ذلك بمنزلة الإيجاب بالنذر لأن ترك فعله يؤديه إلى أن يكون قائلا ما لم يفعل وروي عن ابن عباس ومجاهد أنها نزلت في قوم قالوا لو علمنا أحب الأعمال إلى الله تعالى لسارعنا إليه فلما نزل فرض الجهاد تثاقلوا عنه وقال قتادة نزلت في قوم كانوا يقولون جاهدنا وأبلينا ولم يفعلوا وقال الحسن نزلت في المنافقين وسماهم بالإيمان لإظهارهم له وقوله تعالى ليظهره على الدين كله من دلائل النبوة لأنه أخبر بذلك والمسلمون في ضعف وقلة وحال خوف مستذلون مقهورون فكان مخبره على ما أخبر به لأن الأديان التي كانت في ذلك الزمان اليهودية والنصرانية والمجوسية والصابئة وعباد الأصنام من السند وغيرهم فلم تبق من أهل هذه الأديان أمة إلا وقد ظهر عليهم المسلمون فقهروهم وغلبوهم على جميع بلادهم أو بعضها وشردوهم إلى أقاصي بلادهم فهذا هو مصداق هذه الآية التي وعد الله تعالى رسوله فيها إظهاره على جميع الأديان وقد علمنا أن الغيب لا يعلمه إلا الله عز و جل ولا يوحي به إلا إلى رسله فهذه دلالة واضحة على صحة نبوة محمد ص - فإن قيل كيف يكون ذلك إظهارا لرسول الله صلى الله عليه وسلم -

على جميع الأديان وإنما حدث بعد موته قيل له إنما وعد الله رسوله ص
- أن يظهر دينه على سائر الأديان لأنه قال هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله يعني دين

الحق وعلى أنه لو أراد رسوله لكان مستقيما لأنه إذا أظهر دينه ومن آمن به على سائر الأديان فجائز أن يقال قد أظهر نبيه ص - كما أن جيشا لو فتحوا بلدا عنوة جاز أن يقال إن الخليفة فتحه وإن لم يشهد القتال إذ كان بأمره وتجهيزه للجيش فعلوا وقوله تعالى هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم إلى قوله وفتح قريب وهذا أيضا من دلائل النبوة لوعده من أمر بالنصر والفتح وقد وجد ذلك لمن آمن منهم والله الموفق آخر سورة الصف
ومن سورة الجمعة
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم قيل إنما سموا أميين لأنهم كانوا لا يكتبون ولا يقرءون الكتابة وأراد الأكثر الأعم وإن كان فيهم القليل ممن يكتب ويقرأ وقال النبي صلى الله عليه وسلم - الشهر هكذا وهكذا وأشار بأصابعه وقال إنا نحن أمة أمية لا نحسب ولا نكتب وقال تعالى رسولا منهم لأنه كان أميا وقال تعالى الذين يتبعون الرسول النبي الأمي وقيل إنما سمي من لا يكتب أميا لأنه نسب إلى حال ولادته من الأم لأن الكتابة إنما تكون بالإستفادة والتعلم دون الحال التي يجري عليها المولود وأما وجه الحكمة في جعل النبوة في أمي إنه ليوافق ما تقدمت به البشارة في كتب الأنبياء السالفة ولأنه أبعد من توهم الإستعانة على ما أتى به من الحكمة بالكتابة فهذان وجهان من الدلالة في كونه أميا على صحة النبوة ومع أن حاله مشاكلة لحال الأمة الذين بعث فيهم وذلك إلى مساواته لو كان ذلك ممكنا فيه فدل عجزهم عما أتى به على مساواته لهم في هذا الوجه على أنه من قبل الله عز و جل وقوله تعالى مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها الآية وروي أنه أراد اليهود الذين أمروا بتعلم التوراة والعمل بها فتعلموها ثم لم يعملوا بها فشبههم الله بالحمار الذي يحمل الكتب وهي الأسفار إذ لم ينتفعوا بما حملوه كما لا ينتفع الحمار بالكتب التي حملها وهو نحو قوله إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا وقوله واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها إلى قوله كمثل الكلب وقوله تعالى قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس إلى قوله والله عليم بالظالمين روي أن اليهود زعموا أنهم أولياء لله من دون الناس فأنزل الله هذه الآية

وأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم - أنهم إن تمنوه ماتوا فقامت الحجة عليهم بها من وجهين أحدهما أنهم لو كانوا صادقين فيما ادعوه من المنزلة عند الله لتمنوا الموت لأن دخول الجنة مع الموت خير من البقاء في الدنيا والثاني إنه أخبر أنهم لا يتمنونه فوجد مخبره على ما أخبر به فهذا واضح من دلائل النبوة وقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله الآية قال أبو بكر يفعل في يوم الجمعة جماعة صلوات كما يفعل في سائر الأفعال ولم يبين في الآية أنها هي واتفق المسلمون على أن المراد الصلاة التي إذا فعلها مع الإمام جمعة لم يلزمه فعل الظهر معها وهي ركعتان بعد الزوال على شرائط الجمعة واتفق الجميع أيضا على أن المراد بهذا النداء هو الأذان ولم يبين في الآية كيفيته وبينه الرسول ص -

في حديث عبدالله بن زائد الذي رأى في المنام الأذان ورآه عمر أيضا كما
رآه ابن زيد وعلمه النبي صلى الله عليه وسلم - أبا محذورة وذكر فيه الترجيع وقد ذكرنا ذلك عند قوله تعالى وإذا ناديتم إلى الصلاة وروي عن ابن عمر والحسن في قوله إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة قال إذا خرج الإمام وأذن المؤذن فقد نودي للصلاة وروى الزهري عن السائب بن زيد قال ما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم - إلا مؤذن واحد يؤذن إذا قعد على المنبر ثم يقيم إذا نزل ثم أبو بكر كذلك ثم عمر كذلك فلما كان عثمان وفشا الناس وكثروا زاد النداء الثالث وقد روي عن جماعة من السلف إنكار الأذان الأول قبل خروج الإمام روى وكيع قال حدثنا هشام بن الغار قال سألت نافعا عن الأذان الأول يوم الجمعة قال قال ابن عمر بدعة وكل بدعة ضلالة وإن رآه الناس حسنا وروى منصور عن الحسن قال النداء يوم الجمعة الذي يكون عند خروج الإمام والذي قبل محدث وروى عبدالرزاق عن ابن جريج عن عطاء قال إنما كان أذان يوم الجمعة فيما مضى واحدا ثم الإقامة وأما الأذان الأول الذي يؤذن به الآن قبل خروج الإمام وجلوسه على المنبر فهو باطل أول من أحدثه الحجاج وأما أصحابنا فإنهم إنما ذكروا أذانا واحدا إذا قعد الإمام على المنبر فإذا نزل أقام على ما كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما وأما وقت الجمعة فإنه بعد الزوال وروى أنس وجابر وسهل بن سعد وسلمة بن الأكوع أن النبي صلى الله عليه وسلم - كان يصلي الجمعة إذا زالت الشمس وروى شعبة عن عمرو بن مرة عن عبدالله بن سلمة قال صلى بنا عبدالله بن مسعود وأصحابه الجمعة ضحى ثم قال إنما فعلت ذلك مخافة الحر عليكم

وروي عن عمر وعلي أنهما رضي الله عنهما صلياها بعد الزوال ولما قال عبدالله إني قدمت مخافة الحر عليكم علمنا أنه فعلها على غير الوجه المعتاد المتعارف بينهم ومعلوم أن فعل الفروض قبل أوقاتها لا يجوز لحر ولا لبرد إذا لم يوجد أسبابها ويحتمل أن يكون فعلها في أول وقت الظهر الذي هو أقرب أوقات الظهر إلى الضحى فسماه الراوي ضحى لقربه منه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم -

وهو يتسحر تعال إلى الغداء المبارك فسماه غداء لقربه من الغداء وكما قال
حذيفة تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم - وكان نهارا والمعنى قريب من النهار ولما اختلف الفقهاء في الذي يلزم من الفرض بدخول الوقت فقال قائلون فرض الوقت الجمعة والظهر بدل منها وقال آخرون فرض الوقت الظهر والجمعة بدل منه استحال أن يفعل البدل إلا في وقت يصح فيه فعل المبدل عنه وهو الظهر ولما ثبت أن وقتها بعد الزوال ثبت أن وقت النداء لها بعد الزوال كسائر الصلوات وقوله تعالى فاسعوا إلى ذكر الله قرأ عمر وابن مسعود وأبي وابن الزبير فامضوا إلى ذكر الله قال عبدالله لو قرأت فاسعوا لسعيت حتى يسقط ردائي قال أبو بكر يجوز أن يكون أراد التفسير لا نص القراءة كما قال ابن مسعود للأعجمي الذي كان يلقنه إن شجرة الزقوم طعام الأثيم فكان يقول طعام اليتيم فلما أعياه قال له طعام الفاجر وإنما أراد إفهامه المعنى وقال الحسن ليس يريد به العدو وإنما السعي بقلبك ونيتك وقال عطاء السعي الذهاب وقال عكرمة السعي العمل قال أبو عبيدة فاسعوا أجيبوا وليس من العدو قال أبو بكر الأولى أن يكون المراد بالسعي ههنا إخلاص النية والعمل وقد ذكر الله السعي في مواضع من كتابه ولم يكن مراده سرعة المشي منها قوله ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وإذا تولى سعى في الأرض وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وإنما أراد العمل وروى العلاء بن عبدالرحمن عن أبيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - إذا ثوب بالصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون ولكن ائتوها وعليكم السكينة والوقار فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا ولم يفرق بين الجمعة وغيرها واتفق فقهاء الأمصار على أنه يمشي إلى الجمعة على هينته
فصل واتفق فقهاء الأمصار على أن الجمعة مخصوصة بموضع لا يجوز فعلها في غيره لأنهم مجمعون على أن الجمعة لا تجوز في البوادي ومناهل الأعراب فقال أصحابنا هي مخصوصة بالأمصار ولا تصح في السواد وهو قول الثوري وعبيدالله بن الحسن

وقال مالك تصح الجمعة في كل قرية فيها بيوت متصلة وأسواق متصلة يقدمون رجلا يخطب ويصلي بهم الجمعة إن لم يكن لهم إمام وقال الأوزاعي لا جمعة إلا في مسجد جماعة مع الإمام وقال الشافعي إذا كانت قرية مجتمعة البناء والمنازل وكان أهلها لا يظعنون عنها إلا ظعن حاجة وهم أربعون رجلا حرا بالغا غير مغلوب على عقله وجبت عليهم الجمعة

قال
أبو بكر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم - أنه قال لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع وروي عن علي مثله وأيضا لو كانت الجمعة جائزة في القرى لورد النقل به متواترا كوروده في فعلها في الأمصار لعموم الحاجة إليه وأيضا لما اتفقوا على امتناع جوازها في البوادي لأنها ليست بمصر وجب مثله في السواد وروي انه قيل للحسن إن الحجاج أقام الجمعة بالأهواز فقال لعن الله الحجاج يترك الجمعة في الأمصار ويقيمها في حلاقيم البلاد فإن قيل روي عن ابن عمر أن الجمعة تجب على من أواه الليل وإن أنس بن مالك كان بألطف فربما جمع وربما لم يجمع وقيل من الطف إلى البصرة أقل من أربع فراسخ وأقل من مسيرة نصف يوم قيل له إنما هذا كلام فيما حكمه حكم المصر فرأى ابن عمر أن ما قرب من المصر فحكمه حكمه وتجب على أهله الجمعة وهذا يدل على أنهم لم يكونوا يرون الجمعة إلا في الأمصار أو ما حكمه حكم الأمصار والجمعة ركعتان نقلتها الأمة عن النبي صلى الله عليه وسلم - قولا وعملا وقال عمر صلاة السفر ركعتان وصلاة الفجر ركعتان وصلاة الجمعة ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم ص - وإنما قصرت الجمعة لأجل الخطبة
باب وجوب خطبة الجمعة
قال الله تعالى فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع فاقتضى ذلك وجوب السعي إلى الذكر ودل على أن هناك ذكرا واجبا يجب السعي إليه وقال ابن المسيب فاسعوا إلى ذكر الله موعظة الإمام وقال عمر في الحديث الذي قدمنا إنما قصرت الجمعة لأجل الخطبة وروى الزهري عن ابن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - إذا كان يوم الجمعة كان على كل باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الناس الأول فالأول فإذا خرج الإمام طويت الصحف واستمعوا الخطبة فالمهجر إلى الجمعة كالذي يهدي بدنة ثم الذي يليه كالمهدي بقرة ثم الذي يليه كالمهدي شاة ثم الذي يليه كالمهدي دجاجة ثم الذي يليه كالمهدي بيضة ويدل على أن المراد بالذكر ههنا هو الخطبة أن الخطبة هي التي

تلي النداء وقد أمر بالسعي إليه فدل على أن المراد الخطبة وقد روي عن جماعة من السلف أنه إذا لم يخطب صلى أربعا منهم الحسن وابن سيرين وطاوس وابن جبير وغيرهم وهو قول فقهاء الأمصار واختلف أهل العلم فيمن لم يدرك الخطبة وأدرك الصلاة أو بعضها فروي عن عطاء بن أبي رباح في الرجل تفوته الخطبة يوم الجمعة إنه يصلي الظهر أربعا وروى سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وعطاء وطاوس قالوا من لم يدرك الخطبة يوم الجمعة صلى أربعا وقال ابن عون ذكر لمحمد بن سيرين قول أهل مكة إذا لم يدرك الخطبة يوم الجمعة صلى أربعا قال ليس هذا بشيء قال أبو بكر ولا خلاف بين فقهاء الأمصار والسلف ما خلا عطاء ومن ذكرنا قوله إن من أدرك ركعة من الجمعة أضاف إليها أخرى ولم يخالفهم عطاء وغيره أنه لو شهد الخطبة فذهب يتوضأ ثم جاء فأدرك مع الإمام ركعة أنه يصلي ركعتين فلما لم يمنعه فوات الركعة من فعل الجمعة كانت الخطبة أولى وأحرى بذلك وروى الأوزاعي عن عطاء أن من أدرك ركعة من الجمعة أضاف إليها ثلاثا وهذا يدل على أنه فاتته الخطبة وركعة منها وروي عن عبدالله بن مسعود وابن عمر وأنس والحسن وابن المسيب والنخعي والشعبي إذا أدرك ركعة من الجمعة أضاف إليها أخرى وروى الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرةقال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - من أدرك ركعة من الجمعة فليصل إليها أخرى ومن فاتته الركعتان يصلي أربعا واختلف السلف وفقهاء الأمصار فيمن أدرك الإمام في التشهد فروى أبو وائل عن عبدالله بن مسعود قال من أدرك التشهد فقد أدرك الصلاة وروى ابن جريج عن عبدالكريم عن معاذ بن جبل قال إذا دخل في صلاة الجمعة قبل التسليم وهو جالس فقد أدرك الجمعة وروي عن الحسن وإبراهيم والشعبي قالوا من لم يدرك الركوع يوم الجمعة صلى أربعا وقال أبو حنيفة وأبو يوسف إذا أدركهم في التشهد صلى ركعتين وقال زفر ومحمد يصلي أربعا وذكر الطحاوي عن ابن أبي عمران عن محمد بن سماعة عن محمد أنه قال يصلي أربعا يقعد في الثنتين الأوليين قدر التشهد فإن لم يقعد قدر التشهد أمرته أن يصلي الظهر أربعا وقال مالك والثوري والحسن بن صالح والشافعي يصلي أربعا إلا أن مالكا قال إذا قام يكبر تكبيرة أخرى وقال الثوري إذا أدرك الإمام جالسا لم يسلم صلى أربعا ينوي الظهر وأحب إلي أن يستفتح الصلاة وقال عبدالعزيز بن أبي سلمة إذا أدرك الإمام يوم الجمعة في التشهد قعد بغير تكبير فإذا سلم الإمام قام فكبر ودخل في الصلاة نفسه

وإن قعد مع الإمام بتكبير سلم إذا فرغ الإمام ثم قام فكبر للظهر وقال الليث إذا أدرك ركعة مع الإمام يوم الجمعة وعنده أن الإمام قد خطب فإنما يصل إليها ركعة أخرى ثم يسلم فإن أخبره الناس أن الإمام لم يخطب وأنه صلى أربعا صلى ركعتين وسجد سجدتي السهو قال أبو بكر لما قال النبي صلى الله عليه وسلم - ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا وجب على مدرك الإمام في تشهد الجمعة اتباعه فيه والقعود معه ولما كان مدركا لهذا الجزء من الصلاة وجب عليه قضاء الفائت منها بظاهر قوله ص - وما فاتكم فاقضوا والفائت منها هي الجمعة فوجب أن يقضى ركعتين وأيضا لما كان مدرك المقيم في التشهد لزمه الإتمام إذا كان مسافرا وكان بمنزلة مدركه في التحريمة وجب مثله في الجمعة إذ الدخول في كل واحدة من الصلاتين بغير الفرض فإن قيل روي عن النبي صلى الله عليه وسلم - أنه قال من أدرك ركعة من الجمعة فليصل إليها أخرى وفي بعض الأخبار وإن أدركهم جلوسا صلى أربعا قيل له أصل الحديث من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك فقال الزهري وهو راوي الحديث ما أرى الجمعة إلا من الصلاة فذكر الجمعة إنما هو من كلام الزهري والحديث إنما يدور على الزهري مرة يرويه عن سعيد بن المسيب ومرة عن أبي سلمة عن أبي هريرة وقد قال حين روى الحديث في صلاة مطلقة أرى الجمعة من الصلاة فلو كان عنده عن النبي صلى الله عليه وسلم - نص في الجمعة لما قال ما أرى الجمعة إلا من الصلاة وعلى أن قوله من أدرك ركعة من الجمعة فقد أدرك لا دلالة فيه أنه إذا لم يدرك ركعة صلى أربعا كذلك قوله من أدرك ركعة من الجمعة فليضف إليها ركعة أخرى وأما ما روي وإن أدركهم جلوسا صلى أربعا فإنه لم يثبت أنه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم -

وجائز أن يكون من كلام بعض الرواة أدرجه في الحديث ولو صح عن النبي ص
- كان معناه وإن أدركهم جلوسا وقد سلم الإمام ولم يختلف الفقهاء أن وجوب الجمعة مخصوص بالأحرار البالغين المقيمين دون النساء والعبيد والمسافرين والعاجزين وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم - أنه قال أربعة لا جمعة عليهم العبد والمرأة والمريض والمسافر وأما الأعمى فإن أبا حنيفة قال لا جمعة عليه وجعله بمنزلة المقعد لأنه لا يقدر على الحضور بنفسه إلا بغيره وقال أبو يوسف ومحمد عليه الجمعة وفرقا بينه وبين المقعد لأن الأعمى بمنزلة من لا يهتدي الطريق فإذا هدي سعى بنفسه والمقعد لا يمكنه السعي بنفسه ويحتاج إلى من يحمله وفرق أبو حنيفة بين الأعمى وبين من لا يعرف الطريق لأن الذي لا يعرف وهو بصير إذا أرشد اهتدى بنفسه والأعمى لا يهتدي بنفسه ولا يعرفه

بالإرشاد والدلالة ويحتج لأبي يوسف ومحمد بحديث أبي رزين عن أبي هريرة أن ابن أم مكتوم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم -

فقال إني ضرير شاسع الدار وليس لي قائد يلازمني أفلي رخصة أن لا آتي
المسجد فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - لا وفي خبر حصين بن عبدالرحمن عن عبدالله بن شداد عن ابن أم مكتوم نحوه فقال النبي صلى الله عليه وسلم - أتسمع الإقامة قال نعم قال فأتها واختلفوا في عدد من تصح به الجمعة من المأمومين أبو حنيفة وزفر ومحمد والليث ثلاثة سوى الإمام وروي عن أبي يوسف اثنان سوى الإمام وبه قال الثوري وقال الحسن بن صالح إن لم يحضر الإمام إلا رجل واحد فخطب عليه وصلى به أجزأهما واما مالك فلم يجد فيه شيئا واعتبر الشافعي أربعين رجلا قال أبو بكر روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم - كان يخطب يوم الجمعة فقدم عير فنفر الناس إليه وبقي معه اثنا عشر رجلا فأنزل الله تعالى وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم - لم يترك الجمعة منذ قدم المدينة ولم يذكر رجوع القوم فوجب أن يكون قد صلى باثني عشر رجلا ونقل أهل السير أن أول جمعة كانت بالمدينة صلاها مصعب بن عمير بأمر النبي صلى الله عليه وسلم - باثني عشر رجلا وذلك قبل الهجرة فبطل بذلك اعتبار الأربعين وأيضا الثلاثة جمع صحيح فهي كالأربعين لاتفاقهما في كونهما جمعا صحيحا وما دون الثلاثة مختلف في كونه جمعا صحيحا فوجب الاقتصار على الثلاثة وإسقاط اعتبار ما زاد وقوله تعالى وذروا البيع قال أبو بكر اختلف السلف في وقت النهي عن البيع فروي عن مسروق والضحاك ومسلم بن يسار أن البيع يحرم بزوال الشمس وقال مجاهد والزهري يحرم بالنداء وقد قيل إن اعتبار الوقت في ذلك أولى إذ كان عليهم الحضور عند دخول الوقت فلا يسقط ذلك عنهم تأخير النداء ولما لم يكن للنداء قبل الزوال معنى دل ذلك على أن النداء الذي بعد الزوال إنما هو بعد ما قد وجب إتيان الصلاة واختلفوا في جواز البيع عند نداء الصلاة فقال أبو حنيفة وأبو يوسف وزفر ومحمد والشافعي البيع يقع مع النهي وقال مالك البيع باطل قال أبو بكر قال الله تعالى لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم وقال النبي صلى الله عليه وسلم - لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه وظاهره يقتضي وقوع الملك للمشتري في سائر الأوقات لوقوعه عن تراض فإن قيل قال الله تعالى وذروا البيع قيل له نستعملها فنقول يقع محظورا عليه عقد البيع في ذلك الوقت لقوله وذروا البيع ويقع الملك بحكم

الآية الأخرى والخبر الذي رويناه وأيضا لما لم يتعلق النهي بمعنى في نفس العقد وإنما تعلق بمعنى في غيره وهو الإشتغال عن الصلاة وجب أن لا يمنع وقوعه وصحته كالبيع في آخر وقت صلاة يخاف فوتها إن اشتغل به وهو منهي عنه ولا يمنع ذلك صحته لأن النهي تعلق باشتغاله عن الصلاة وأيضا هو مثل تلقي الجلب وبيع حاضر لباد والبيع في الأرض المغصوبة ونحوها كونه منهيا عنه لا يمنع وقوعه وقد روى عبدالعزيز الدراوروي عن يزيد بن خصيفة عن محمد بن عبدالرحمن بن ثوبان عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - إذا رأيتم من يبيع في المسجد فقولوا لا أربح الله تجارتك وإذا رأيتم من ينشد ضالة في المسجد فقولوا لا رد الله عليك وروى محمد بن عجلان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم - نهى أن يباع في المسجد وأن يشترى فيه وأن تنشد فيه ضالة أو تنشد فيه الأشعار ونهى عن التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة وروى عبدالرزاق قال حدثنا محمد بن مسلم عن عبدربه بن عبيدالله عن مكحول عن معاذ بن جبل قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم - جنبوا مساجدكم مجانينكم وصبيانكم ورفع أصواتكم وسل سيوفكم وبيعكم وشراكم وإقامة حدودكم وخصومتكم وجمروها يوم جمعكم واجعلوا مطاهركم على أبوابها فنهى النبي صلى الله عليه وسلم - عن البيع في المسجد ولو باع فيه جاز لأن النهي تعلق بمعنى في غير العقد
باب

السفر يوم الجمعة
قال أصحابنا لا بأس به قبل الزوال وبعده إذا كان يخرج من مصره قبل خروج وقت الظهر حكاه محمد في السير بلا خلاف وقال مالك لا أحب له أن يخرج بعد طلوع الفجر وليس بحرام وبعد الزوال لا ينبغي أن يسافر حتى يصلي الجمعة وكان الأوزاعي والليث والشافعي يكرهون السفر يوم الجمعة حتى يصلي وروى حماد بن سلمة عن الحجاج بن أرطاة عن الحكم بن عيينة عن مقسم عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم -
وجه ابن رواحة وجعفرا وزيد بن حارثة فتخلف ابن رواحة فقال رسول الله ص
- ما خلفك قال الجمعة يا رسول الله أجمع ثم أروح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - لغدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها قال فراح منطلقا وروى سفيان الثوري عن الأسود بن قيس عن أبيه عن عمر بن الخطاب قال لا تحبس الجمعة عن سفر ولا نعرف أحدا من الصحابة خالفه وروى يحيى بن سعيد عن نافع أن ابنا لعبدالله بن عمر كان بالعقيق على رأس أميال من المدينة

فأتى ابن عمر غداة الجمعة فأخبر بشكواه فانطلق إليه وترك الجمعة وقال عبيدالله بن عمر خرج سالم من مكة يوم الجمعة وروي عن عطاء والقاسم بن محمد أنهما كرها أن يخرج يوم الجمعة في صدر النهار وعن الحسن وابن سيرين قالا لا بأس بالسفر يوم الجمعة مالم تحضر الجمعة وروى إسرائيل عن إبراهيم بن مهاجر عن النخعي قال إذا أراد الرجل السفر يوم الخميس فليسافر غدوة إلى أن يرتفع النهار فإن أقام إلى العشي فلا يخرج حتى يصلي الجمعة وروي عن عطاء عن عائشة قالت إذا أدركتك ليلة الجمعة فلا تخرج حتى تجمع فهذا مذهب عائشة وإبراهيم قال الله تعالى هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها فأباح السفر في سائر الأوقات ولم يخصصه بوقت دون وقت فإن قيل هذا واضح في ليلة الجمعة ويوم الجمعة قبل الزوال وإباحة السفر فيهما والواجب أن يكون منهيا عنه بعد الزوال لأنه قد صار من أهل الخطاب بحضورها لقوله تعالى إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع قيل له لا خلاف أن الخطاب بذلك لم يتوجه إلى المسافرين وفرض الصلاة عندنا يتعلق بآخر الوقت فإذا خرج وصار مسافرا في آخر الوقت علمنا أنه لم يكن من أهل الخطاب بفعل الجمعة وقوله تعالى فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله قال الحسن والضحاك هو إذن ورخصة قال أبو بكر لما ذكر بعد الحظر كان الظاهر أنه إباحة وإطلاق من حظر كقوله تعالى وإذا حللتم فاصطادوا وقيل وابتغوا من فضل الله بعمل الطاعة والدعاء لله وقيل وابتغوا من فضل الله بالتصرف في التجارة ونحوها وهو إباحة أيضا وهو أظهر الوجهين لأنه قد حظر البيع في صدر الآية كما أمر بالسعي إلى الجمعة قال أبو بكر ظاهر قوله وابتغوا من فضل الله إباحة للبيع الذي حظر بديا وقال الله تعالى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فكان المعنى يبتغون من فضل الله بالتجارة والتصرف ويدل على أنه إنما أراد ذلك أنه قد عقبه بذكر الله فقال واذكروا الله كثيرا وفي هذه الآية دلالة على إباحة السفر بعد صلاة الجمعة لأنه قال فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله وقوله تعالى وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها روي عن جابر بن عبدالله والحسن قالا رأوا عير طعام قدمت المدينة وقد أصابتهم مجاعة وقال جابر اللهو المزامير وقال مجاهد الطبل قل ما عند الله من الثواب على سماع الخطبة وحضور الموعظة خير من اللهو ومن التجارة

قوله تعالى وتركوك قائما يدل على أن الخطبة قائما روى الأعمش عن إبراهيم أن رجلا سأل علقمة أكان النبي صلى الله عليه وسلم -

يخطب قائما أو قاعدا فقال ألست تقرأ القرآن وتركوك قائما وروى حصين عن
سالم عن جابر قال قدمت عير من الشام يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم - يخطب فانصرف الناس ينظرون وبقي رسول الله صلى الله عليه وسلم -
في اثني عشر رجلا فنزلت الآية وتركوك قائما وروى جعفر بن محمد عن أبيه عن
جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم - كان يخطب فجاءت عير فخرج الناس إليها حتى بقي اثني عشر رجلا فنزلت هذه الآية قال أبو بكر اختلف ابن فضيل وابن إدريس في الحديث الأول عن حصين فذكر ابن فضيل أنه قال كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم -
وذكر ابن إدريس أنه قال كان النبي ص
- يخطب ويحتمل أن يريد بقوله نصلي أنهم قد حضروا للصلاة منتظرين لها لأن من ينتظر الصلاة فهو في الصلاة وحدثنا عبدالله بن محمد قال حدثنا الحسن قال حدثنا عبدالرزاق قال أخبرنا معمر عن الحسن في قوله تعالى انفضوا إليها وتركوك قائما قال إن أهل المدينة أصابهم جوع وغلاء سعر فقدمت عير والنبي صلى الله عليه وسلم -
يخطب يوم الجمعة فسمعوا بها فخرجوا إليها والنبي ص
- قائم كما هو قال الله تعالى وتركوك قائما قال النبي صلى الله عليه وسلم - لو اتبع آخرهم أولهم لالتهب الوادي عليهم نارا آخر سورة الجمعة
ومن سورة المنافقين
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله إلى قوله اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله قال أبو بكر هذا يدل على أن قوله أشهد يمين لأن القوم قالوا نشهد فجعله الله يمينا بقوله اتخذوا أيمانهم جنة وقد اختلف الفقهاء في ذلك فقال أصحابنا والثوري والأوزاعي أشهد وأقسم وأعزم وأحلف كلها أيمان وقال زفر إذا قال أقسم لأفعلن فهو يمين ولو قال أشهد لأفعلن لم يكن يمينا وقال مالك إن أراد بقوله أقسم أي أقسم بالله فهو يمين وإلا فلا شيء وكذلك أحلف قال ولو قال أعزم لم يكن يمينا إلا أن يقول أعزم بالله ولو قال علي نذر أو قال نذر لله فهو على ما نوى وإن لم تكن له نية فكفارته كفارة يمين وقال الشافعي أقسم ليس بيمين وأقسم بالله يمين إن أرادها وإن أراد الموعد فليست بيمين وأشهد بالله إن نوى اليمين فيمين وإن لم ينو يمينا فليست

بيمين وأعزم بالله إن أراد يمينا فهو يمين وذكر الربيع عن الشافعي إذا قال أقسم أو أشهد أو أعزم ولم يقل بالله فهو كقوله والله وإن قال أحلف بالله فلا شيء عليه إلا أن ينوي اليمين قال أبو بكر لا يختلفون أن أشهد بالله يمين فكذلك أشهد من وجهين أحدهما أن الله حكى عن المنافقين أنهم قالوا نشهد إنك لرسول الله ثم جعل هذا الإطلاق يمينا من غير أن يقرنه باسم الله وقال تعالى فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله فعبر عن اليمين بالشهادة على الإطلاق والثاني أنه لما أخرج ذلك مخرج القسم وجب أن لا يختلف حكمه في حذف اسم الله تعالى وفي إظهاره وقد ذكر الله تعالى القسم في كتابه فأظهر تارة الاسم وحذفه أخرى والمفهوم باللفظ في الحالين واحد بقوله وأقسموا بالله جهد أيمانهم وقال في موضع آخر إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين فحذفه تارة اكتفاء بعلم المخاطبين بإضماره وأظهره أخرى وروى الزهري عن عبيدالله بن عبدالله بن عتبة عن ابن عباس إن أبا بكر عبر عند النبي صلى الله عليه وسلم -

رؤيا فقال النبي ص
- أصبت بعضا وأخطأت بعضا فقال أبو بكر أقسمت عليك يا رسول الله لتخبرني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم -
لا تقسم وروي أنه قال والله لتخبرني فجعل النبي ص
- قوله أقسمت عليك يمينا فمن الناس من يكره القسم لقوله لا تقسم ومنهم من لا يرى به بأسا وأنه إنما قال لا تقسم لأن عبارة الرؤيا ظن قد يقع فيها الخطأ وهذا يدل أيضا على أنه ليس على من أقسم عليه غيره أن يبر قسمه لأنه ص -
لم يخبره لما أقسم عليه ليخبره ويدل أيضا على أن من علم تأويل رؤيا فليس
عليه الإخبار به لأنه ص - لم يخبر بتأويل هذه الرؤيا وروى هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه قال كان أبو بكر قد استعمل عمر على الشام فلقد رأيتني وأنا أشد الإبل بأقتابها فلما أراد أن يرتحل قال له الناس تدع عمر ينطلق إلى الشام والله إن عمر ليكفيك الشام وهو ههنا قال أقسمت عليك لما أقمت وروي عن ابن عباس أنه قال للعباس فيما خاصم فيه عليا من أشياء تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم -
بإيثاره أقسمت عليك لما سلمته لعلي وقد روى البراء قال أمرنا رسول الله ص
- بإبرار القسم وهذا يدل على إباحة القسم وأنه يمين وهذا على وجه الندب لأنه ص - لم يبر قسم أبي بكر لما قال أقسمت عليك وعن ابن مسعود وابن عباس وعلقمة وإبراهيم وأبي العالية والحسن القسم يمين وقال الحسن وأبو العالية أقسمت وأقسمت بالله سواء

باب من فرط في زكاة ماله

قال
الله تعالى وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت الآية روى عبدالرزاق قال حدثنا سفيان عن أبي حباب عن أبي الضحى عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم - قال من كان له مال تجب فيه الزكاة ومال يبلغه بيت الله ثم لم يحج ولم يزك سأل الرجعة وتلا قوله تعالى وأنفقوا مما رزقناكم الاية وقد روي ذلك موقوفا على ابن عباس إلا أن دلالة الآية ظاهرة على حصول التفريط بالموت لأنه لو لم يكن مفرطا ووجب أداؤها من ماله بعد موته فكانت قد تحولت إلى المال فلزم الورثة إخراجها فلما سأل الرجعة علمنا أن الأداء فائت وأنه لا يتحول إلى المال ولا يؤخذ من تركته بعد موته إلا أن يتبرع به الورثة آخر سورة المنافقين
ومن سورة الطلاق
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن قال أبو بكر يحتمل تخصيص النبي بالخطاب وجوها أحدها اكتفاء بعلم المخاطبين بأن ماخوطب به النبي صلى الله عليه وسلم - خطاب لهم إذ كانوا مأمورين بالاقتداء به إلا ما خص به دونهم فخصه بالذكر ثم عدل بالخطاب إلى الجماعة إذ كان خطابه خطابا للجماعة والثاني أن تقديره يا أيها النبي قل لأمتك إذا طلقتم النساء والثالث على العادة في خطاب الرئيس الذي يدخل فيه الأتباع كقوله تعالى إلى فرعون وملائه وقوله تعالى فطلقوهن لعدتهن قال أبو بكر روي عن ابن عمر رضي الله عنه أنه طلق امرأته في الحيض فذكر ذلك عمر للنبي ص - فقال مره فليراجعها وليمسكها حتى تطهر من حيضتها ثم تحيض حيضةأخرى فإذا طهرت فليفارقها قبل أن يجامعها أو يمسكها فإنها العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء رواه نافع عن ابن عمر وروى ابن جريج عن أبي الزبير أنه سمع ابن عمر يقول قرأ النبي صلى الله عليه وسلم - فطلقوهن في قبل عدتهن قال طاهرا من غير جماع وروى وكيع عن سفيان عن محمد بن عبدالرحمن مولى أبي طلحة عن سالم عن ابن عمر أنه طلق امرأته في الحيض فذكر ذلك عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم - فقال مره فليراجعها ثم يطلقها وهي حامل أو غير حامل وفي لفظ آخر فليطلقها طاهرا من غير جماع أو حاملا قد استبان حملها قال أبو بكر بين النبي صلى الله عليه وسلم -
مراد الله في قوله

تعالى فطلقوهن لعدتهن وإن وقت الطلاق المأمور به أن يطلقها طاهرا من غير جماع أو حاملا قد استبان حملها وبين أيضا أن السنة في الإيقاع من وجه آخر وهو أن يفصل بين التطليقتين بحيضة بقوله يراجعها ثم يدعها حتى تطهر ثم تحيض حيضة أخرى ثم تطهر ثم يطلقها إن شاء فدل ذلك على أن الجمع بين التطليقتين في طهر واحد ليس من السنة وما نعلم أحدا أباح طلاقها في الطهر بعد الجماع إلا شيئا رواه وكيع عن الحسن بن صالح عن بيان عن الشعبي قال إذا طلقها وهي طاهر فقد طلقها للسنة وإن كان قد جامعها وهذا القول خلاف السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم - وخلاف إجماع الأمة إلا أنه قد روي عنه ما يدل على أنه أراد الحامل وهو ما رواه يحيى بن آدم عن الحسن بن صالح عن بيان عن الشعبي قال إذا طلقها حاملا فقد طلقها للسنة وإن كان قد جامعها فيشبه أن يكون هذا أصل الحديث وأغفل بعض الرواة ذكر الحامل وقوله تعالى فطلقوهن لعدتهن منتظم للواحدة وللثلاث مفرقة في الأطهار لأن إدخال اللام يقتضي ذلك كقوله تعالى أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل قد انتظم فعلها مكررا عند الدلوك فدل ذلك على معنيين أحدهما إباحة الثلاث مفرقة في الأطهار وإبطال قول من قال إيقاع الثلاث في الأطهار المتفرقة ليس من السنة وهو مذهب مالك والأوزاعي والحسن بن صالح والليث والثاني تفريقها في الأطهار وحظر جمعها في طهر واحد لأن قوله لعدتهن يقتضي ذلك لا فعل الجميع في طهر واحد كقوله تعالى لدلوك الشمس لم يقتض فعل صلاتين في وقت واحد وإنما اقتضى فعل الصلاة مكررة في الأوقات وقول أصحابنا إن طلاق السنة من وجهين أحدهما في الوقت وهو أن يطلقها طاهرا من غير جماع أو حاملا قد استبان حملها والآخر من جهة العدد وهو أن لا يزيد في الطهر الواحد على تطليقة واحدة والوقت مشروط لمن يطلق في العدة لأن من لا عدة عليها بأن كان طلقها قبل الدخول فطلاقها مباح في الحيض لقوله تعالى لا جناح عليكم إن طلقتم النساء مالم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة فاباح طلاقها في كل حال من طهر أو حيض وقد بينا بطلان قول من قال إن جمع الثلاث في طهر واحد من السنة ومن منع إيقاع الثلاث في الأطهار المتفرقة في سورة البقرة فإن قيل لما جاز طلاق الحامل بعد الجماع كذلك الحائل يجوز طلاقها في الطهر بعد الجماع قيل له لا حظ للنظر مع الأثر واتفاق السلف ومع ذلك فإن الفرق بينهما واضح وهو أنه إذا طهرت

من حيضتها ثم جامعها لا ندري لعلها قد حملت من الوطء وعسى أن لا يريد طلاقها إن كانت حاملا فيلحقه الندم وإذا لم يجامعها بعد الطهر فإن وجد الحيض علم براءة الرحم فيطلقها وهو على بصيرة من طلاقها قوله تعالى وأحصوا العدة يعني والله أعلم العدة التي أوجبها الله بقوله تعالى والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء وبقوله واللائي يئسن من المحيض إلى قوله واللائي يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن لأن جميع ذلك عدد للمطلقات على حسب اختلاف الأحوال المذكورة لهن فيكون إحصاؤها لمعان أحدها لما يريد من رجعة وإمساك أو تسريح وفراق والثاني مراعاة حالها في بقائها على الحال التي طلقت عليها من غير حدوث حال يوجب انتقال عدتها إليها والثالث لكي إذا بانت يشهد على فراقها ويتزوج من النساء غيرها ممن لم يكن يجوز له جمعها إليها ولئلا يخرجها من بيتها قبل انقضائها وذكر بعض من صنف في أحكام القرآن أن أبا حنيفة وأصحابه يقولون إن طلاق السنة واحدة وإن من طلاق السنة أيضا إذا أراد أن يطلقها ثلاثا طلقها عند كل طهر تطليقة فذكروا أن الأول هو السنة والثاني أيضا سنة فكيف يكون شيء وخلافه سنة ولو جاز ذلك لجاز أن يكون حراما حلالا ولو قال إن الثاني رخصة كان أشبه قال أبو بكر وهذا كلام من لا تعلق له بمعرفة أصول العبادات ولا يجوز وروده منها مما لا يجوز ولا يمنع أحد من أهل العلم جواز ورود العبادات بمثله إذ جائز أن يكون السنة في الطلاق أن يخير بن إيقاع الواحدة في طهر والاقتصار عليها وبين أن يطلق بعدها في الطهر الثاني والثالث وجميع ذلك مندوب إليه ويكون مع ذلك أحد الوجهين أحسن من الآخر كما قال تعالى والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن ثم قال وأن يستعففن خير لهن وخير الله الحانث في يمينه بين أحد أشياء ثلاثة وأيها فعل كان فرضه وقوله ولو جاز ذلك لجاز أن يكون حلالا حراما يوجب نفي التخيير في شيء من السنن والفروض كما امتنع أن يكون شيء واحد حراما حلالا وعوار هذا القول وفساده أظهر من أن يحتاج إلى الإطناب في الرد على قائله وروي نحو قولنا بعينه عن ابن مسعود وجماعة من التابعين وقوله تعالى لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن فيه نهي للزوج عن إخراجها ونهي لها من الخروج وفيه دليل على وجوب السكنى لها ما دامت في العدة لأن بيوتهن التي نهى الله عن إخراجها منها هي

البيوت التي كانت تسكنها قبل الطلاق فأمر بتبقيتها في بيتها ونسبها إليها بالسكنى كما قال وقرن في بيوتكن وإنما البيوت كانت للنبي ص - ولهذه الآية قال أصحابنا لا يجوز له أن يسافر بها حتى يشهد على رجعتها ومنعوها من السفر في العدة قال أبو بكر ولا خلاف نعلمه بين أهل العلم في أن على الزوج إسكانها ونفقتها في الطلاق الرجعي وأنه غير جائز له إخراجها من بيتها وقوله تعالى إلا أن يأتين بفاحشة مبينة روي عن ابن عمر قال خروجها قبل انقضاء العدة فاحشة وقال ابن عباس إلا أن تبذوا على أهله فإذا فعلت ذلك حل لهم أن يخرجوها وقال الضحاك الفاحشة المبينة عصيان الزوج وقال الحسن وزيد بن أسلم أن تزني فتخرج للحد وقال قتادة إلا أن تنشز فإذا فعلت حل إخراجها قال أبو بكر هذه المعاني كلها يحتملها اللفظ وجائز أن يكون جميعها مرادا فيكون خروجها فاحشة وإذا زنت أخرجت للحد وإذا بذت على أهله أخرجت أيضا وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم - فاطمة بنت قيس بالإنتقال حين بذت على أحمائها فأما عصيان الزوج والنشوز فإن كان في البذاء وسوء الخلق اللذين يتعذر المقام معها فيه فجائز أن يكون مرادا وإن كانت إنما عصت زوجها في شيء غير ذلك فإن ذلك ليس بعذر في إخراجها وما ذكرنا من التأويل المراد يدل على جواز انتقالها للعذر لأنه تعالى قد أباح لها الخروج للأعذار التي وصفنا قوله تعالى ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه يدل على أنه إذا طلق لغير السنة وقع طلاقه وكان ظالما لنفسه بتعديه حدود الله لأنه ذكر ذلك عقيب طلاق العدة فأبان أن من طلق لغير العدة فطلاقه واقع لأنه لو لم يقع طلاقه لم يكن ظالما لنفسه ويدل على أنه أراد وقوع طلاقه مع ظلمه لنفسه قوله تعالى عقيبه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا يعني أن يحدث له ندم فلا ينفعه لأنه قد طلق ثلاثا وهو يدل أيضا على بطلان قول الشافعي في أن إيقاع الثلاث في كلمة واحدة من السنة لأن الله جعله ظالما لنفسه حين طلق ثلاثا وترك اعتبار ما عسى أن يلحقه من الندم بإبانتها وحكم النبي صلى الله عليه وسلم - على ابن عمر بطلاقه إياها في الحيض وأمره بمراجعتها لأن الطلاق الأول كان خطأ فأمره بالرجعة ليقطع أسباب الخطأ ويبتدئه على السنة وزعم قوم أن الطلاق في حال الحيض لا يقع وقد بينا بطلان هذا القول في سورة البقرة من جهة الكتاب والسنة وسؤال يونس بن جبير لابن عمر عن الطلاق في الحيض وذكره لأمر النبي صلى الله عليه وسلم - إياه بالمراجعة قال قلت فيعتد بها قال فمه أرأيت إن عجز

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19