كتاب : أحكام القرآن
المؤلف : أحمد بن علي الرازي الجصاص 

واستمحق فإن احتج محتج بما حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن صالح قال حدثنا عبدالرزاق قال أخبرنا ابن جريج قال أخبرنا أبو الزبير أنه سمع عبدالرحمن بن أيمن مولى عروة يسئل ابن عمر وأبو الزبير يسمع فقال كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضا قال طلق عبدالله بن عمر امرأته وحي حائض على عهد رسول الله ص -

فسأل عمر رسول الله ص
- فقال إن عبدالله بن عمر طلق امرأته وهي حائض فقال عبدالله فردها علي ولم يرها شيئا وقال إذا طهرت فليطلق أو ليمسك قال ابن عمر فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم ياأيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن فقال المحتج فأخبر أنه ردها عليه ولم يرها شيئا وذلك يدل على أن الطلاق لم يقع فيقال له ليس فيما ذكرت دليل على أنه لم يحكم بالطلاق بل دلالته ظاهرة على وقوعه لأنه قال وردها علي وهو يعني الرجعة وقوله ولم يرها شيئا يعني أنه لم يبنها منه وقد روى حديث ابن عمر عنه عن أنس بن سيرين وابن جبير وزيد بن أسلم ومنصور عن أبي وائل كلهم يقول فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم
أمره أن يراجعها حتى تطهر وقوله تعالى فإذا
بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف يعني به مقاربة بلوغ الأجل لا حقيقة لأنه لا رجعة بعد بلوغ الأجل الذي هو انقضاء العدة ولم يذكر الله تعالى طلاق المدخول بها ابتداء إلا مقرونا بذكر الرجعة بقوله لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا يعني أن يبدو له فيراجعها وقوله فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف قال في سورة البقرة فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف
باب
الإشهاد على الرجعة أو الفرقة
قال الله تعالى فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم فأمر بالإشهاد على الرجعة والفرقة أيتهما اختار الزوج وقد روي عن عمران بن حصين وطاوس وإبراهيم وأبي قلابة أنه إذا رجع ولم يشهد فالرجعة صحيحة ويشهد بعد ذلك قال أبو بكر لما جعل له الإمساك او الفراق ثم عقبه بذكر الإشهاد كان معلوما وقوع الرجعة إذا رجع وجواز الإشهاد بعدها إذ لم يجعل الإشهاد شرطا في الرجعة ولم يختلف الفقهاء في أن المراد بالفراق المذكور في الآية إنما هو تركها حتى تنقضي عدتها وأن الفرقة تصح وإن لم يقع الإشهاد عليها ويشهد بعد ذلك وقد ذكر الإشهاد عقيب الفرقة ثم لم يكن شرطا في صحتها كذلك الرجعة وأيضا لما كانت الفرقة حقا

له وجازت بغير إشهاد إذ لا يحتاج فيها إلى رضا غيره وكانت الرجعة أيضا حقا له وجب أن تجوز بغير إشهاد وأيضا لما أمر الله بالإشهاد على الإمساك أو الفرقة احتياطا لهما ونفيا للتهمة عنهما إذا علم الطلاق ولم يعلم الرجعة أو لم يعلم الطلاق والفراق فلا يؤمن التجاحد بينهما ولم يكن معنى الاحتياط فيهما مقصورا على الإشهاد في حال الرجعة أو الفرقة بل يكون الاحتياط باقيا وإن أشهد بعدهما وجب أن لا يختلف حكمهما إذا أشهد بعد الرجعة بساعة أو ساعتين ولا نعلم بين أهل العلم خلافا في صحة وقوع الرجعة بغير شهود إلا شيئا يروى عن عطاء فإن سفيان روى عن ابن جريج عن عطاء قال الطلاق والنكاح والرجعة بالبينة وهذا محمول على أنه مأمور بالإشهاد على ذلك احتياطا من التجاحد لا على أن الرجعة لا تصح بغير شهود ألا ترى أنه ذكر الطلاق معها ولا يشك أحد في وقوع الطلاق بغير بينة وقد روى شعبة عن مطر الوراق عن عطاء والحكم قالا إذا غشيها في العدة فغشيانه رجعة وقوله تعالى وأقيموا الشهادة لله فيه أمر بإقامة الشهادات عند الحكام على الحقوق كلها لأن الشهادة هنا اسم للجنس وإن كان مذكورا بعد الأمر بإشهاد ذوي عدل على الرجعة لأن ذكرها بعده لا يمنع استعمال اللفظ على عمومه فانتظم ذلك معنيين أحدهما الأمر بإقامة الشهادة والآخر أن إقامة الشهادة حق لله تعالى وأفاد بذلك تأكيده والقيام به
باب

عدة الآيسة والصغيرة
قال الله تعالى واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن قال أبو بكر قد اقتضت الآية إثبات الإياس لمن ذكرت في الآية من النساء بلا ارتياب وقوله تعالى إن ارتبتم غير جائز أن يكون المراد به الارتياب في الإياس لأنه قد أثبت حكم من ثبت إياسها في أول الآية فوجب أن يكون الارتياب غير غير الإياس واختلف أهل العلم في الريبة المذكورة في الآية فروى مطرف عن عمرو بن سالم قال قال أبي بن كعب يا رسول الله إن عددا من عدد النساء لم تذكر في الكتاب الصغار والكبار وأولات الأحمال فأنزل الله تعالى واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن فأخبر في هذا الحديث أن سبب نزول الآية كان ارتيابهم في عدد من ذكر من

الصغار والكبار وأولات الأحمال وأن ذكر الارتياب في الاية إنما هو على وجه ذكر السبب الذي نزل عليه الحكم فكان بمعنى واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واختلف السلف ومن بعدهم من فقهاء الأمصار في التي يرتفع حيضها فروى ابن المسيب عن عمر رضي الله عنه قال أيما امرأة طلقت فحاضت حيضة أو حيضتين ثم رفعت حيضتها فإنه ينتظر بها تسعة أشهر فإن استبان بها حمل فذاك وإلا اعتدت بعد التسعة الأشهر بثلاثة أشهر ثم حلت وعن ابن عباس في التي ارتفع حيضها سنة قال تلك الريبة وروى معمر عن قتادة عن عكرمة في التي تحيض في كل سنة مرة قال هذه ريبة عدتها ثلاثة أشهر وروى سفيان عن عمرو عن طاوس مثله وروي عن علي وعثمان وزيد بن ثابت أن عدتها ثلاث حيض وروى مالك عن يحيى بن سعد عن محمد بن يحيى بن حبان أنه قال وكان عند جده حبان امرأتان هاشمية وأنصارية فطلق الأنصارية وهي ترضع فمرت به سنة ثم هلك ولم تحض فقالت أنا أرثه ولم أحض فاختصما إلى عثمان فقضى لها بالميراث فلامت الهاشمية عثمان فقال هذا عمل ابن عمك هو أشار علينا بذلك يعني علي بن أبي طالب وروى ابن وهب قال أخبرني يونس عن ابن شهاب بهذه القصة قال وبقيت تسعة أشهر لا تحيض وذكر القصة فشاور عثمان عليا وزيدا فقالا ترثه لأنها ليست من القواعد اللائي قد يئسن من المحيض ولا من الأبكار اللائي لم يحضن وهي عنده على حيضتها ما كانت من قليل أو كثير وهذا يدل من قولهما أن قوله تعالى إن ارتبتم ليس على ارتياب المرأة ولكنه على ارتياب الشاكين في حكم عددهن وأنها لا تكون آيسة حتى تكون من القواعد اللاتي لا يرجى حيضهن وروي عن ابن مسعود مثل ذلك واختلف فقهاء الأمصار في ذلك أيضا فقال أصحابنا في التي يرتفع حيضها لا بأس منه في المستأنف إن عدتها الحيض حتى تدخل في السن التي لا تحيض أهلها من النساء فتستأنف عدة الآيسة ثلاثة أشهر وهو قول الثوري والليث والشافعي قال مالك تنتظر تسعة أشهر فإن لم تحض فيهن اعتدت ثلاثة أشهر فإن حاضت قبل أن تستكمل الثلاثة أشهر استقبلت الحيض فإن مضت بها تسعة أشهر قبل أن تحيض اعتدت ثلاثة أشهر وقال ابن القاسم عن مالك إذا حاضت المطلقة ثم ارتابت فإنما تعتد بالتسعة الأشهر من يوم رفعت حيضتها لا من يوم طلقت قال مالك في قوله تعالى إن ارتبتم معناه إن لم تدروا ما تصنعون

في أمرها وقال الأوزاعي في رجل طلق امرأته وهي شابة فارتفعت حيضتها فلم تر شيئا ثلاثة أشهر فإنها تعتد سنة قال أبو بكر أوجب الله بهذه الآية عدة الآيسة ثلاثة أشهر واقتضى ظاهر اللفظ أن تكون هذه العدة لمن قد ثبت إياسها من الحيض من غير ارتياب كما كان قوله واللائي لم يحضن لمن ثبت أنها لم تحض وكقوله وأولات الأحمال أجلهن لمن قد ثبت حملها فكذلك قوله واللائي يئسن لمن قد ثبت إياسها وتيقن ذلك منها دون من يشك في إياسها ثم لا يخلو قوله إن ارتبتم من أحد وجوه ثلاثة إما أن يكون المراد الارتياب في أنها آيسة وليست بآيسة أو الارتياب في أنها حامل أو غير حامل أو ارتياب المخاطبين في عدة الآيسة والصغيرة وغير جائز أن يكون المراد الارتياب في أنها آيسة أو غير آيسة لأنه تعالى قد أثبت من جعل الشهور عدتها أنها آيسة والمشكوك فيها لا تكون آيسة لاستحالة مجامعة اليأس للرجاء إذ هما ضدان لا يجوز اجتماعهما حتى تكون آيسة من المحيض مرجوا ذلك منها فبطل أن يكون المعنى الارتياب في اليأس ومن جهة أخرى اتفاق الجميع على أن المسنة التي قد تيقن إياسها من الحيض مرادة بالآية والارتياب المذكور راجع إلى جميع المخاطبين وهو في التي قد تيقن إياسها ارتياب المخاطبين في العدة فوجب أن يكون في المشكوك في إياسها مثله لعموم اللفظ في الجميع وأيضا فإذا كانت عادتها وهي شابة أنها تحيض في كل سنة مرة فهذه غير مرتاب في إياسها بل قد تيقن أنها من ذوات الحيض فكيف يجوز أن تكون عدتها سنة مع العلم بأنها غير آيسة وأنها من ذوات الحيض وتراخي ما بين الحيضتين من المدة لا يخرجها من أن تكون من ذوات الحيض فالموجب عليها عدة الشهور مخالف للكتاب لأن الله تعالى جعل عدة ذوات الإقراء الحيض بقوله تعالى والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولم يفرق بين من طالت مدة حيضتها أو قصرت ولا يجوز أيضا أن يكون المراد الارتياب في الإياس من الحمل لأن اليأس من الحيض هو الإياس من الحبل وقد دللنا على بطلان قول من رد الارتياب إلى الحيض فلم يبق إلا الوجه الثالث وهو ارتياب المخاطبين على ما روي عن أبي بن كعب حين سأل النبي صلى الله عليه وسلم حين شك في عدة الآيسة والصغيرة وأيضا لو كان المراد الارتياب في الإياس لكان توجيه الخطاب إليهن أولى من توجيهه إلى الرجال لأن الحيض إنما يتوصل إلى معرفته من جهتها ولذلك كانت مصدقة فيه فكان يقول إن ارتبتن أو ارتبن

فلما خاطب الرجال بذلك دونهن علم أنه أراد ارتياب المخاطبين في العدة وقوله تعالى واللائي لم يحضن يعني واللائي لم يحضن عدتهن ثلاثة أشهر لأنه كلام لا يستقل بنفسه فلا بد له من ضمير وضميره ما تقدم ذكره مظهرا وهو العدة بالشهور
باب

عدة الحامل
قال الله تعالى وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن قال أبو بكر لم يختلف السلف والخلف بعدهم أن عدة المطلقة الحامل أن تضع حملها واختلف السلف في عدة الحامل المتوفى عنها زوجها فقال علي وابن عباس تعتد الحامل المتوفى عنها زوجها آخر الأجلين وقال عمر وابن مسعود وابن عمر وأبو مسعود البدري وأبو هريرة عدتها الحمل فإذا وضعت حلت للأزواج وهو قول فقهاء الأمصار قال أبو بكر روى إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود قال من شاء لاعنته ما نزلت وأولات الأحمال أجلهن إلا بعد آية المتوفى عنها زوجها قال أبو بكر قد تضمن قول ابن مسعود هذا معنيين أحدهما إثبات تاريخ نزول الآية وأنها نزلت بعد ذكر الشهور للمتوفى عنها زوجها والثاني أن الآية مكتفية بنفسها في إفادة الحكم على عمومها غير مضمنة بما قبلها من ذكر المطلقة فوجب اعتبار الحمل في الجميع من المطلقات والمتوفى عنهن أزواجهن وأن لا يجعل الحكم مقصورا على المطلقات لأنه تخصيص عموم بلا دلالة ويدل على أن المتوفى عنها زوجها داخلة في الآية مرادة بها اتفاق الجميع على أن مضي شهور المتوفى عنها زوجها لا يوجب انقضاء عدتها دون وضع الحمل فدل على أنها مرادة بها فوجب اعتبار الحمل فيها دون غيره ولو جاز اعتبار الشهور لأنها مذكورة في آية أخرى لجاز اعتبار الحيض مع الحمل في المطلقة لأنها مذكورة في قوله تعالى والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء وفي سقوط اعتبار الحيض مع الحمل دليل على سقوط اعتبار الشهور مع الحمل وقد روى منصور عن إبراهيم عن الأسود عن أبي السنابل بن بعكك أن سبيعة بنت الحارث وضعت بعد وفاة زوجها بثلاثة وعشرين فتشوفت للنكاح فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال إن تفعل فقد خلا أجلها وروى يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة بن عبدالرحمن قال اختلف ابن عباس وأبو هريرة في ذلك فأرسل ابن عباس كريبا إلى أم سلمة فقالت إن سبيعة وضعت بعد وفاة زوجها بأيام فأمرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن تتزوج وروى محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبي سلمة عن

سبيعة أنها وضعت بعد موت زوجها بشهرين فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجي وجعل أصحابنا عدة امرأة الصغير من الوفاة الحمل إذا مات عنها زوجها وهي حامل لقوله تعالى وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ولم يفرق بين امرأة الصغير والكبير ولا بين من يلحقه بالنسب أو لا يلحقه
باب السكنى للمطلقة

قال
الله تعالى أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم الآية قال أبو بكر اتفق الجميع من فقهاء الأمصار وأهل العراق ومالك والشافعي على وجوب السكنى للمبتوتة وقال ابن أبي ليلى لا سكنى للمبتوتة إنما هي للرجعية قال أبو بكر قوله تعالى فطلقوهن لعدتهن قد انتظم الرجعية والمبتوتة والدليل على ذلك أن من بقي من طلاقها واحدة فعليه أن يطلقها للعدة إذا أراد طلاقها بالآية وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم يطلقها طاهرا من غير جماع أو حاملا قد استبان حملها ولم يفرق بين التطليقة الأولى وبين الثالثة فإذا كان قوله فطلقوهن لعدتهن قد تضمن البائن ثم قال أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم وجب ذلك للجميع من البائن والرجعي فإن قيل لما قال تعالى لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا وقال فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف دل ذلك على أنه أراد الرجعي قيل له هذا أحد ما انتظمته الآية ولا دلالة فيه على أن أول الخطاب في الرجعي دون البائن وهو مثل قوله والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء وهو عموم في البائن والرجعي ثم قوله وبعولتهن أحق بردهن إنما هو حكم خاص في الرجعي ولم يمنع أن يكون قوله تعالى والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء عاما في الجميع واحتج ابن أبي ليلى بحديث فاطمة بنت قيس وسنتكلم فيه عند ذكر نفقة المبتوتة إن شاء الله تعالى واختلف فقهاء الأمصار في نفقة المبتوتة فقال أصحابنا والثوري والحسن بن صالح لكل مطلقة السكنى والنفقة ما دامت في العدة حاملا كانت أو غير حامل وروي مثله عن عمر وابن مسعود وقال ابن أبي ليلى لا سكنى للمبتوتة ولا نفقة وروي عنه أن لها السكنى ولا نفقة لها وقال عثمان البتي لكل مطلقة السكنى والنفقة وإن كانت غير حامل وكان يرى أنها تنتقل إن شاءت وقال مالك للمبتوتة السكنى ولا نفقة لها إلا أن تكون حاملا وروي عنه أن عليه نفقة الحامل المبتوتة إن

كان موسرا وإن كان معسرا فلا نفقة لها عليه وقال الأوزاعي والليث والشافعي للمبتوتة السكنى ولا نفقة لها إلا أن تكون حاملا قال الله تعالى أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وقد تضمنت هذه الآية الدلالة على وجوب نفقة المبتوتة من ثلاثة أوجه أحدها أن السكنى لما كانت حقا في مال وقد أوجبها الله لها بنص الكتاب إذ كانت الآية قد تناولت المبتوتة والرجعية فقد اقتضى ذلك وجوب النفقة إذ كانت السكنى حقا في مال وهي بعض النفقة والثاني قوله ولا تضاروهن والمضارة تقع في النفقة كهي في السكنى والثالث قوله لتضيقوا عليهن والتضييق قد يكون في النفقة أيضا فعليه أن ينفق عليها ولا يضيق عليها فيها وقوله تعالى وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن قد انتظم المبتوتة والرجعية ثم لا تخلو هذه النفقة من أن يكون وجوبها لأجل الحمل أو لأنها محبوسة عليه في بيته فلما اتفق الجميع على أن النفقة واجبة للرجعية بالآية لا للحمل بل لأنها محبوسة عليه في بيته وجب أن تستحق المبتوتة النفقة لهذه العلة إذ قد علم ضمير الآية في علية استحقاق النفقة للرجعية فصار كقوله فأنفقوا عليهن لعلة أنها محبوسة عليه في بيته لأن الضمير الذي تقوم الدلالة عليه بمنزلة المنطوق به ومن جهة أخرى وهي أن نفقة الحامل لا تخلو من أن تكون مستحقة للحمل أو لأنها محبوسة عليه في بيته فلو كانت مستحقة للحمل لوجب أن الحمل لو كان له مال أن ينفق عليها من ماله كما أن نفقة الصغير في مال نفسه فلما اتفق الجميع على أن الحمل إذا كان له مال كانت نفقة أمه على الزوج لا في مال الحمل دل على أن وجوب النفقة متعلق بكونها محبوسة في بيته وأيضا كان يجب أن تكون في الطلاق الرجعي نفقة الحامل في مال الحمل إذا كان له مال كما أن نفقته بعد الولادة من ماله فلما اتفق الجميع على أن نفقتها في الطلاق الرجعي لم تجب في مال الحمل وجب مثله في البائن وكان يجب أن تكون نفقة الحامل المتوفى عنها زوجها في نصيب الحمل من الميراث فإن قيل فما فائدة تخصيص الحامل بالذكر في إيجاب النفقة قيل له قد دخلت فيه المطلقة الرجعية ولم يمنع نفي النفقة لغير الحامل فكذلك في المبتوتة وإنما ذكر الحمل لأن مدته قد تطول وتقصر فأراد إعلامنا وجوب النفقة مع طول مدة الحمل التي هي في العدة أطول من مدة الحيض ومن جهة النظر أن الناشزة إذا خرجت من بيت زوجها لا تستحق النفقة مع بقاء الزوجية لعدم تسليم نفسها

في بيت الزوج ومتى عادت إلى بيته استحقت النفقة فثبت أن المعنى الذي تستحق به النفقة هو تسليم نفسها في بيت الزوج فلما اتفقنا ومن أوجب السكنى على وجوب السكنى وصارت بها مسلمة لنفسها في بيت زوجها وجب أن تستحق النفقة وأيضا لما اتفق الجميع على أن المطلقة الرجعية تستحق النفقة في العدة وجب أن تستحقها المبتوتة والمعنى فيها أنها معتدة من طلاق وإن شئت قلت أنها محبوسة عليه بحكم عقد صحيح وإن شئت قلت إنها مستحقة للسكنى فأي هذه المعاني اعتللت به صح القياس عليها ومن جهة السنة ما روى حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان عن الشعبي أن فاطمة بنت قيس طلقها زوجها طلاقا بائنا فأتت النبي صلى الله عليه وسلم

فقال لا نفقة لك ولا سكنى قال فأخبرت بذلك النخعي فقال قال عمر بن الخطاب
وأخبر بذلك فقال لسنا بتاركي آية في كتاب الله وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول امرأة لعلها أوهمت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول لها السكنى والنفقة وروى سفيان عن سلمة عن الشعبي عن فاطمة عن النبي
صلى الله عليه وسلم أنه لم يجعل لها حين طلقها زوجها ثلاثا سكنى ولا نفقة فذكرت ذلك لإبراهيم فقال قد رفع ذلك إلى عمر فقال لا ندع كتاب ربنا ولا سنة نبينا لقول امرأة لها السكنى والنفقة فقد نص هذان الخبران على إيجاب النفقة والسكنى وفي الأول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول لها السكنى والنفقة ولو لم يقل ذلك كان قوله لا ندع كتاب ربنا وسنة
نبينا يقضي أن يكون ذلك نصا من النبي صلى الله عليه وسلم في إيجابهما واحتج المبطلون للسكنى والنفقة ومن نفى النفقة دون السكنى بحديث فاطمة بنت قيس هذا وهذا حديث قد ظهر من السلف النكير على راويه ومن شرط قبول أخبار الآحاد تعريها من نكير السلف أنكره عمر بن الخطاب على فاطمة بنت قيس في الحديث الأول الذي قدمناه وروى القاسم بن محمد أن مروان ذكر لعائشة حديث فاطمة بنت قيس فقال لا يضرك أن لا تذكر حديث فاطمة بنت قيس وقالت في بعضه ما لفاطمة خير في أن تذكر هذا الحديث يعني قولها لا سكنى لك ولا نفقة وقال ابن المسيب تلك امرأة فتنت الناس استطالت على أحمائها بلسانها فأمرت بالانتقال وقال أبو سلمة أنكر الناس عليها ما كانت تحدث به وروى الأعرج عن أبي سلمة أن فاطمة كانت تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لها اعتدي في بيت ابن أم مكتوم قال وكان محمد بن أسامة يقول كان أسامة إذا ذكرت فاطمة من ذلك شيئا رماها بما كان في يده فلم يكن ينكر عليها هذا النكير إلا وقد علم بطلان ما روته وروى

عمار بن رزيق عن أبي إسحاق قال كنت عند الأسود بن يزيد في المسجد فقال الشعبي حدثتني فاطمة بنت قيس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها لا سكنى لك ولا نفقة قال فرماه الأسود بحصا ثم قال ويلك اتخذت بمثل هذا قد رفع إلى عمر فقال لسنا بتاركي كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة لا تدري لعلها كذبت قال الله تعالى لا تخرجوهن من بيوتهن وروى الزهري قال أخبرني عبيدالله بن عبدالله بن عتبة أن فاطمة بنت قيس أفتت بنت أخيها وقد طلقها زوجها بالانتقال من بيت زوجها فانكر ذلك مروان فأرسل إلى فاطمة يسئلها عن ذلك فذكرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفتاها بذلك فأنكر ذلك مروان وقال قال الله تعالى لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن قالت فاطمة إنما هذا في الرجعي لقوله تعالى لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف فقال مروان لم أسمع بهذا الحديث من أحد قبلك وسآخذ بالعصمة التي وجدت الناس عليها فقد ظهر من هؤلاء السلف النكير على فاطمة في روايتها لهذا الحديث ومعلوم أنهم كانوا لا ينكرون روايات الأفراد بالنظر والمقايسة فلو أنهم قد علموا خلافه من السنة ومن ظاهر الكتاب لما أنكروه عليها وقد استفاض خير فاطمة في الصحابة فلم يعمل به منهم أحد إلا شيئا روي عن ابن عباس رواه الحجاج بن أرطاة عن عطاء عن ابن عباس أنه كان يقول في المطلقة ثلاثا والمتوفى عنها زوجها لا نفقة لهما وتعتدان حيث شاءتا فهذا الذي ذكرنا في رد خبر فاطمة بنت قيس من جهة ظهور النكير من السلف عليها وفي روايتها ومعارضة حديث عمر إياه يلزم الفريقين من نفاة السكنى والنفقة وممن نفى النفقة وأثبت السكنى وهو لمن نفى النفقة دون السكنى ألزم لأنهم قد تركوا حديثها في نفي السكنى لعلة أوجبت ذلك فتلك العلة بعينها هي الموجبة لترك حديثها في نفي النفقة فإن قيل إنما لم يقبل حديثها في نفي السكنى لمخالفته لظاهر الكتاب وهو قوله تعالى أسكنوهن من حيث سكنتم قيل له قد احتجت هي في أن ذلك في المطلقة الرجعية ومع ذلك فإن جاز عليها الوهم والغلط في روايتها حدثنا مخالفا للكتاب فكذلك سبيلها في النفقة وللحديث عندنا وجه صحيح يستقيم على مذهبها فيما روته من نفي السكنى والنفقة وذلك لأنه قد روي أنها استطالت بلسانها على أحمائها فأمروها بالانتقال وكانت سبب النقلة وقال الله تعالى لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وقد روي عن ابن عباس في تأويله

إن تستطيل على أهله فيخرجوها فلما كان سبب النقلة من جهتها كانت بمنزلة الناشزة فسقطت نفقتها وسكناها جميعا فكانت العلة الموجبة لإسقاط النفقة هي الموجبة لإسقاط السكنى وهذا يدل على صحة أصلنا الذي قدمنا في أن استحقاق النفقة متعلق باستحقاق السكنى فإن قيل ليست النفقة كالسكنى لأن السكنى حق الله تعالى لا يجوز تراضيهما على إسقاطها والنفقة حق لها لو رضيت بإسقاطها لسقطت قيل له لا فرق بينهما من الوجه الذي وجب قياسها عليها وذلك لأن السكنى فيها معنيان أحدهما حق لله تعالى وهو كونها في بيت الزوج والآخر حق لها وهو ما يلزم في المال من أجرة البيت إن لم يكن له ولو رضيت بأن تعطي هي الأجرة وتسقطها عن الزوج جاز فمن حيث هي حق في المال قد استويا واختلفوا في نفقة الحامل المتوفى عنها زوجها فقال ابن عباس وابن مسعود وابن عمر وشريح وأبو العالية والشعبي وإبراهيم نفقتها من جميع المال وقال ابن عباس وجابر وابن الزبير والحسن وابن المسيب وعطاء لا نفقة لها في مال الزوج بل هي على نفسها واختلف فقهاء الأمصار أيضا في ذلك فقال أبو حنيفة وأبو يوسف وزفر ومحمد لا سكنى لها ولا نفقة في مال الميت حاملا كانت أو غير حامل وقال ابن أبي ليلى نفقتها في مال الزوج بمنزلة الدين على الميت إذا كانت حاملا وقال مالك نفقتها على نفسها وإن كانت حاملا ولها السكنى إن كانت الدار للزوج وإن كان عليه دين فالمرأة أحق بسكناها حتى ينقضي عدتها وإن كانت في بيت بكراء فأخرجوها لم يكن لها سكنى في مال الزوج هذه رواية ابن وهب وقال ابن القاسم عن مالك لا نفقة لها في مال الزوج الميت ولها السكنى إن كانت الدار للميت وإن كان عليه دين فهي أحق بالسكنى من الغرماء وتباع للغرماء ويشترط السكنى على المشتري وقال الأشجعي عن الثوري إذا كانت حاملا أنفق عليها من جميع المال حتى تضع فإذا وضعت أنفق على الصبي من نصيبه وروى المعافى عنه أن نفقتها من حصتها وقال الأوزاعي في المرأة يموت زوجها وهي حامل فلا نفقة لها وإن كانت أم ولد فلها النفقة من جميع المال حتى تضع وقال الليث في أم الولد إذا كانت حاملا منه فإنه ينفق عليها من جميع المال فإن ولدت كان ذلك في حظ ولدها وإن لم تلد كان ذلك دينا يتبع به وقال الحسن بن صالح للمتوفى عنها زوجها بالنفقة من جميع المال وقال الشافعي في المتوفى عنها زوجها قولين أحدهما لها السكنى والنفقة والآخر لا سكنى لها ولا نفقة قال أبو بكر قد اتفق الجميع على أن لا نفقة للمتوفى

عنها زوجها غير الحامل ولا سكنى فوجب أن تكون الحامل مثلها لاتفاق الجميع على أن هذه النفقة غير مستحقة للحمل ألا ترى أن أحدا منهم لم يوجبها في نصيب الحمل من الميراث وإنما قالوا فيه قولين قائل يجعل نفقتها من نصيبها وقائل يجعل النفقة من جميع مال الميت ولم يوجبها أحد في حصة الحمل فلما تجب النفقة لأجل الحمل ولم يجز أن تكون مستحقة لأجل كونها في العدة لأنها لو وجبت للعدة لوجبت لغير الحامل فلم يبق وجه تستحق به النفقة وأيضا لما لم تستحق السكنى في مال الزوج بدلائل قد قامت عليه لم تستحق النفقة وأيضا فإن النفقة إذا وجبت فإنما تجب حالا فحالا فلما مات الزوج انتقل ميراثه إلى الورثة وليس للزوج مال في هذه الحال وإنما هو مال الوارث فلا يجوز إيجابها عليهم فإن قيل تصير بمنزلة الدين قيل له الدين الذي يثبت في ميراث المتوفى إنما يثبت بأحد وجهين إما أن يكون ثابتا على الميت في حياته أو يتعلق وجوبه بسبب كان من الميت قبل موته مثل الجنايات وحفر البئر إذا وقع فيها إنسان بعد موته والنفقة خارجة عن الوجهين فلا يجوز إيجابها في ماله لعدم السبب الذي به تعلق وجوب النفقة وعدم ماله بزواله إلى الورثة ألا ترى أن النكاح قد بطل بالموت وإن ملك الميت قد زال إلى الورثة فلم يبق لإيجاب النفقة وجه ألا ترى أن غير الحامل لا نفقة لها بهذه العلة فإن قيل قال الله تعالى وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن وهو عموم في المتوفى عنها زوجها والمطلقة كما كان قوله وأولات الأحمال أجهلن أن يضعن حملهن عموما في الصنفين قيل له هذا غلط من قبل أن قوله تعالى أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم خطاب للأزواج وكذلك قوله تعالى وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن خطاب لهم وقد زال عنهم الخطاب بالموت ولا جائز أن يكون ذلك خطابا لغير الأزواج فلم تقتض الآية إيجاب نفقة المتوفى عنها زوجها بحال وقوله تعالى فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن قد انتظم الدلالة على أحكام منها أنها إذا رضيت بأن ترضعه بأجر مثلها لم يكن للأب أن يسترضع غيرها لأمر الله إياه بإعطاء الأجر إذا أرضعت ويدل على أن الأم أولى بحضانة الولد من كل أحد ويدل على أن الأجرة إنما تستحق بالفراغ من العمل ولا تستحق بالعقد لأنه أوجبها بعد الرضاع بقوله فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وقد دل على أن لبن المرأة وإن كان عينا فقد أجري مجرى المنافع التي تستحق بعقود الإجارات ولذلك لم يجز أصحابنا بيع لبن المرأة

كما لا يجوز عقد البيع على المنافع وفارق لبن المرأة بذلك لبن سائر الحيوان ألا ترى أنه لا يجوز استئجار شاة لرضاع صبي لأن الأعيان لا تستحق بعقود الإجارات كاستئجار النخل والشجر وقوله تعالى وأتمروا بينكم بمعروف يعني والله أعلم لا تشترط المرأة على الزوج فيما تطلبه من الأجرة ولا يقصر الزوج لها عن المقدار المستحق وقوله تعالى وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى قيل إنه إذا طلبت المرأة أكثر من أجر مثلها ورضيت غيرها بأن تأخذه بأجر مثلها فلزوج أن يسترضع الأجنبية ويكون ذلك في بيت الأم لأنها أحق بإمساكه والسكون عنده قوله تعالى لينفق ذو سعة من سعته يدل على أن النفقة تفرض عليه على قدر إمكانه وسعته وأن نفقة المعسر أقل من نفقة الموسر وقوله تعالى ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله قيل معناه من ضيق عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله يعني والله أعلم أنه لا يكلف نفقة الموسر في هذه الحال بل على قدر إمكانه ينفق وقوله تعالى لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها فيه بيان أن الله لا يكلف أحدا مالا يطيق وهذا وإن كان قد علم بالعقل إذ كان تكليف مالا يطاق قبحا وسفها فإن الله ذكره في الكتاب تأكيدا لحكمه في العقل وقد تضمن معنى آخر من جهة الحكم وهو الإخبار بأنه إذا لم يقدر على النفقة لم يكلفه الله الإنفاق في هذه الحال وإذا لم يكلف الإنفاق في هذه الحال لم يجز التفريق بينه وبين امرأته لعجزه عن نفقتها وفي ذلك دليل على بطلان قول من فرق بين العاجز عن نفقة امرأته وبينها فإن قيل فقد آتاه الطلاق فعليه أن يطلق قيل له قد بين به أنه لم يكلفه النفقة في هذه الحال فلا يجوز إجباره على الطلاق من أجلها لأن فيه إيجابه التفريق بشيء لم يجب وأيضا فإنه أخبر أنه لم يكلفه من الإنفاق إلا ما آتاه والطلاق ليس من الإنفاق فلم يدخل في اللفظ وأيضا إنما أراد أنه لا يكلفه مالا يطيق ولم يرد أنه يكلفه كل ما يطيق لأن ذلك مفهوم من خطاب الآية وقوله تعالى سيجعل الله بعد عسر يسرا يدل على أنه لا يفرق بينهما من أجل عجزه عن النفقة لأن العسر يرجى له اليسر آخر سورة الطلاق
ومن

سورة التحريم
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك روي في سبب نزول الآية

وجوه أحدها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يشرب ويأكل عند زينب فتواطأت عائشة وحفصة على أن تقولا له نجد منك ريح المغافير قال بل شربت عندها عسلا ولن أعود له فنزلت يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك وقيل إنه شرب عند حفصة وقيل عند سودة وأنه حرم العسل وفي بعض الروايات والله لا أذوقه وقيل إنه أصاب مارية القبطية في بيت حفصة فعلمت به فجزعت منه فقال لها ألا ترضين أن أحرمها فلا أقربها قالت بلى فحرمها وقال لا تذكري ذلك لأحد فذكرته لعائشة فأظهره الله عليه وأنزل عليه يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك الآية رواه محمد بن إسحاق عن الزهري عن عبيدالله بن عبدالله عن ابن عباس عن عمر بن الخطاب بذلك قال أبو بكر وجائز أن يكون الأمران جميعا قد كانا من تحريم مارية وتحريم العسل إلا أن الأظهر أنه حرم مارية وإن الآية فيها نزلت لأنه قال تبتغي مرضات أزواجك وليس في ترك شرب العسل رضا أزواجه وفي ترك قرب مارية رضاهن فروي في العسل أنه حرمه وروي أنه حلف أن لا يشربه وأما مارية فكان الحسن يقول حرمها وروى الشعبي عن مسروق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم آلى وحرم فقيل له الحرام حلال وأما اليمين فقد فرض الله لكم تحلة أيمانكم وقال مجاهد وعطاء حرم جاريته وكذلك روي عن ابن عباس وغيره من الصحابة وأما قول من قال إنه حرم وحلف أيضا فإن ظاهر الآية لا يدل عليه وإنما فيها التحريم فقط فغير جائز أن يلحق بالآية ما ليس فيها فوجب أن يكون التحريم يمينا لإيجاب الله تعالى فيها كفارة يمين بإطلاق لفظ التحريم ومن الناس من يقول لا فرق بين التحريم واليمين لأن اليمين تحريم للمحلوف عليه والتحريم أيضا يمين وهذا عند أصحابنا يختلف في وجه ويتفق في وجه آخر فالوجه الذي يوافق اليمين فيه التحريم أن الحنث فيهما يوجب كفارة اليمين والوجه الذي يختلفان فيه إنه لو حلف أنه لا يأكل هذا الرغيف فأكل بعضه لم يحنث ولو قال قد حرمت هذا الرغيف على نفسي فأكل منه اليسير حنث ولزمته الكفارة لأنهم شبهوا تحريمه الرغيف على نفسه بمنزلة قوله والله لا أكلت من هذا الرغيف شيئا تشبيها بسائر ما حرمه الله من الميتة والدم أنه اقتضى تحريم القليل منه والكثير واختلف السلف في الرجل يحرم امرأته فروي عن أبي بكر وعمر وابن مسعود وزيد بن ثابت وابن عمر أن الحرام يمين وهو قول الحسن وابن المسيب وجابر بن زيد وعطاء وطاوس

وروي عن ابن عباس رواية مثله وروي عنه غير ذلك وعن علي بن ابي طالب وزيد بن ثابت رواية وابن عمر رواية وأبي هريرة وجماعة من التابعين قالوا هي ثلاث وروى خصيف عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه كان يقول في الحرام بمنزلة الظهار وروى منصور عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال النذر والحرام إذا لم يسم مغلظة فتكون عليه رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينا وروى ابن جبير عن ابن عباس أيضا إذا حرم الرجل امرأته فهي يمين يكفرها أما لكم في رسول الله أسوة حسنة وهذا محمول على أنه إذا لم تكن له نية فهو بمنزلة يمين وأنه إن أراد الظهار كان ظهارا وقال مسروق ما أبالي إياها حرمت أو قصعة من ثريد وعن أبي سلمة بن عبدالرحمن ما أبالي حرمت امرأتي أو ماء فراتا قال أبو بكر وليس فيه دلالة على أنهم لم يروه يمينا لأنه لا جائز أن يكون قولهما في تحريم الثريد والماء أنه يمين فكأنهما لم يريا ذلك طلاقا وكذلك نقول أنه ليس بطلاق إلا أن ينويه فلم تظهر مخالفة هذين لمن ذكرنا قولهم من الصحابة واتفاقهم على أن هذا القول ليس بلغو وإنه إما أن يكون يمينا أو طلاقا أو ظهارا واختلف فقهاء الأمصار في الحرام فقال أصحابنا إن نوى الطلاق فواحدة بائنة أن لا ينوي ثلاثا وإن لم ينو طلاقا فهو يمين وهو مول وذكر ابن سماعة عن محمد أنه إن نوى ظهارا لم يكن ظهارا لأن الظهار أصله بحرف التشبيه وروى ابن شجاع عن أبي يوسف في اختلاف زفر وأبي يوسف أنه إن نوى ظهارا كان ظهارا وقال ابن أبي ليلى هي ثلاث ولا أسئله عن نيته وقال مالك فيما ذكر عنه ابن القاسم الحرام لا يكون يمينا في شيء إلا أن يحرم امرأته فيلزمه الطلاق وهو ثلاث إلا أن ينوي واحدة أو اثنتين فيكون على ما نوى وقال الثوري إن نوى ثلاثا فثلاث وإن نوى واحدة فواحدة بائنة وإن نوى يمينا فهي يمين يكفرها وإن لم ينو فرقة ولا يمينا فليس بشيء هي كذبة وقال الأوزاعي هو على ما نوى وإن ينو شيئا فهو يمين وقال عثمان البتي هو بمنزلة الظهار وقال الشافعي ليس بطلاق حتى ينوي فإذا نوى فهو طلاق على ما أراد من عدده وإن أراد تحريمها بلا طلاق فعليه كفارة يمين وليس بمول قال أبو بكر قد جعل أصحابنا التحريم يمينا إذا لم تقارنه نية الطلاق إذا حرم امرأته فيكون بمنزلة قوله لها والله لا أقربك فيكون موليا وأما إذا حرم غير امرأته من المأكول والمشروب وغيرهما فإنه بمنزلة قوله والله

لا آكل منه ووالله لا أشرب منه ونحو ذلك لقوله تعالى لم تحرم ما أحل الله لك ثم قال قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم فجعل التحريم يمينا فصارت اليمين في مضمون لفظ التحريم ومقتضاه في حكم الشرع فإذا أطلق كان محمولا على اليمين إلا أن ينوي غيرها فيكون ما نوى فإذا حرم امرأته وأراد الطلاق كان طلاقا لاحتمال اللفظ له وكل لفظ يحتمل الطلاق ويحتمل غيره فإنه متى أراد به الطلاق كان طلاقا والأصل فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم لركانة حين طلق امرأته البتة بالله ما أردت إلا واحدة فتضمن ذلك معنيين أحدهما أن كل لفظ يحتمل الثلاث ويحتمل غيرها فإنه متى أراد الثلاث كان ثلاثا لولا ذلك لم يستحلفه عليها والثاني أنه لم يلزمه الثلاث بوجود اللفظ وجعل القول قوله لاحتمال فيه فصار ذلك أصلا في أن كل لفظ يحتمل الطلاق وغيره إنا لا نجعله طلاقا إلا بمقارنة الدلالة لإرادة الطلاق ومما يدل على أن اللفظ المحتمل للطلاق يجوز إيقاع الطلاق به وإن لم يكن طلاقا في نفسه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسودة اعتدي ثم راجعها فأوقع الطلاق بقوله اعتدي لاحتماله له ولا نعلم أحدا من السلف منع إيقاع الطلاق بلفظ التحريم ومن قال منهم هو يمين فإنما أراد به عندنا إذا لم تكن له نية الطلاق ولم تقارنه دلالة الحال وزعم مالك ان من حرم على نفسه شيئا غير امرأته أنه لا يلزمه بذلك شيء وإن ذلك ليس بيمين وقد ذكرنا ما اقتضى قوله تعالى يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك من كونه يمينا لقوله تعالى قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم وأنه لا يجوز إسقاط موجب هذا اللفظ من كون الحرام يمينا برواية من روى أن النبي صلى الله عليه وسلم حلف أن لا يشرب العسل إذ غير جائز الاعتراض على حكم القرآن بخبر الواحد ولأن من روى اليمين يجوز أن يكون إنما عنى به التحريم وحده إذ كان التحريم يمينا ويدل من جهة النظر على أن التحريم يمين أن المحرم للشيء على نفسه قد اقتضى لفظه إيجاب الامتناع عنه كالأشياء المحرمة وذلك في معنى النذر وقول القائل لله علي أن لا أفعل ذلك فلما كان النذر يمينا بالسنة واتفاق الفقهاء وجب أن يكون تحريم الشيء بمنزلة النذر فتجب فيه كفارة يمين إذا حنث كما تجب في النذر وقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا روي عن علي في قوله قوا أنفسكم وأهليكم قال علموا أنفسكم وأهليكم الخير وقال الحسن تعلمهم وتأمرهم وتنهاهم قال أبو بكر وهذا يدل على أن علينا تعليم أولادنا وأهلينا الدين

والخير وما لا يستغنى عنه من الآداب وهو مثل قوله تعالى وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها ونحو قوله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم

وأنذر
عشيرتك الأقربين ويدل على أن للأقرب فالأقرب منا مزية في لزومنا تعليمهم وأمرهم بطاعة الله تعالى ويشهد له قول النبي صلى الله عليه وسلم
كلكم راع وكلكم مسؤل عن رعيته ومعلوم ان الراعي كما عليه حفظ من استرعى
وحمايته والتماس مصالحه فكذلك عليه تأديبه وتعليمه وقال صلى الله عليه وسلم فالرجل راع على أهله وهو مسؤل عنهم والأمير راع على رعيته وهو مسؤل عنهم وحدثنا عبدالباقي بن قانع قال حدثنا إسماعيل بن الفضل بن موسى قال حدثنا محمد بن عبدالله بن حفص قال حدثنا محمد بن موسى السعدي عن عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير عن سالم عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ما نحل والد ولدا خيرا من أدب حسن وحدثنا عبدالباقي قال حدثنا الحضرمي قال حدثنا جبارة قال حدثنا محمد بن الفضل عن أبيه عن عطاء عن ابن عباس قال قال النبي صلى الله عليه وسلم حق الولد على والده أن يحسن اسمه ويحسن أدبه وحدثنا عبدالباقي قال حدثنا عبدالله بن موسى بن أبي عثمان قال حدثنا يحيى بن معين قال حدثنا محمد بن ربيعة قال حدثنا محمد بن الحسن بن عطية قال حدثنا محمد بن عبدالرحمن عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
إذا بلغ أولادكم سبع سنين فعلموهم الصلاة وإذا بلغوا عشر سنين فاضربوهم
عليها وفرقوا بينهم في المضاجع وقوله تعالى يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم قال الحسن أكثر من كان يصيب الحدود في ذلك الزمان المنافقون فأمر أن يغلظ عليهم في إقامة الحد وقيل جهاد المنافقين بالقول وجهاد الكفار بالحرب قال أبو بكر فيه الدلالة على وجوب الغلظة على الفريقين من الكفار والمنافقين ونهى عن مقارنتهم ومعاشرتهم وروي عن ابن مسعود قال إذا لم تقدروا أن تنكروا على الفاجر فألقوه بوجه مكفهر وقوله تعالى فخانتاهما قال ابن عباس كانتا منافقتين ما زنت امرأة نبي قط وكانت خيانتهما أن امرأة نوح عليه السلام كانت تقول للناس إنه مجنون وكانت امرأة لوط عليه السلام تدل على الضيف آخر سورة التحريم
ومن
سورة نون
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى ولا تطع كل حلاف مهين قيل من يحلف بالله كاذبا وسماه مهينا

لاستجازته الكذب والحلف عليه والحلاف اسم لمن أكثر الحلف بحق أو باطل وقد نهى الله عن ذلك بقوله ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم وقوله تعالى هماز مشاء بنميم يعني وقاعا في الناس عائبا لهم بما ليس فيهم وقوله مشاء بنميم يعني ينقل الكلام من بعض إلى بعض على وجه التضريب بينهم وقال النبي صلى الله عليه وسلم

لا يدخل الجنة قتات يعني النمام وقوله تعالى عتل
بعد ذلك زنيم قيل في العتل أنه الفظ الغليظ والزنيم الدعي وحدثنا عبدالباقي بن قانع قال حدثنا الحسين بن إسحاق التستري قال حدثنا الوليد بن عتبة قال حدثنا الوليد بن مسلم قال حدثنا أبو شيبة إبراهيم بن عثمان عن عثمان بن عمير البجلي عن شهر بن حوشب عن شداد بن أوس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخل الجنة جواظ ولا جعظري ولا عتل زنيم قلت وما الجواظ قال كل جماع قلت وما الجعظري قال الفظ الغليظ قلت وما العتل الزنيم قال رحب الجوف آخر سورة نون
ومن سورة سأل سائل
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى الذين هم على صلاتهم دائمون روى أبو سلمة عن عائشة قالت كان أحب الصلاة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ديم عليه وقرأت الذين هم على صلاتهم دائمون وعن ابن مسعود قال دائمون على مواقيتها وعن عمران بن حصين في الآية قال الذي لا يلتفت في صلاته وقوله تعالى للسائل والمحروم روي عن ابن عباس الذي يسئل والمحروم الذي لا يستقيم له تجارة وقال أبو قلابة المحروم من ذهب ماله وقال الحسن بن محمد بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية فغنمت فجاء آخرون بعد ذلك فنزلت في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم
أن المحروم من حرم وصيته قال أبو بكر قد ذكرنا فيما تقدم معنى المحروم
واختلافهم فيه آخر سورة سأل سائل
ومن سورة المزمل
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا روى زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام قال قلت لعائشة انبئيني عن قيام رسول الله صلى الله عليه وسلم
قالت أما تقرأ هذه السورة يا أيها

المزمل قم الليل إلا قليلا قلت بلى قالت فإن الله افترض القيام في أول هذه السورة فقام النبي - وأصحابه حتى انتفخت أقدامهم وأمسك الله تعالى خاتمتها اثني عشر شهرا ثم أنزل التخفيف في آخر السورة فصار قيام الليل تطوعا بعد فريضة وقال ابن عباس لما نزلت أول المزمل كانوا يقومون نحو قيامهم في شهر رمضان حتى نزل آخرها وكان بين نزول أولها وآخرها نحو سنة وقوله تعالى ورتل القرآن ترتيلا قال ابن عباس بينه تبيينا وقال طاوس بينه حتى تفهمه وقال مجاهد ورتل القرآن ترتيلا قال وال بعضه على إثر بعض على تؤدة قال أبو بكر لا خلاف بين المسلمين في نسخ فرض قيام الليل وأنه مندوب إليه مرغب فيه وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم آثار كثيرة في الحث عليه والترغيب فيه روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال أحب الصلاة إلى الله صلاة داود كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه وأحب الصيام إلى الله صيام داود كان يصوم يوما ويفطر يوما وروي عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالليل ثماني ركعات حتى إذا انفجر عمود الصبح أوتر بثلاث ركعات ثم سبح وكبر حتى إذا انفجر الفجر صلى ركعتي الفجر وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم

كان يصلي من الليل إحدى عشرة ركعة وقوله تعالى إن
ناشئة الليل هي أشد وطأ قال ابن عباس وابن الزبير إذا نشأت قائما فهي ناشئة الليل كله وقال مجاهد الليل كله إذا قام يصلي فهو ناشئة وما كان بعد العشاء فهو ناشئة وعن الحسن مثله وقال في قوله تعالى أشد وطأ وأقوم قيلا قال أجهد للبدن وأثبت في الخير وقال مجاهد وأقوم قيلا قال أثبت قراءة وقوله تعالى واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا قال مجاهد أخلص إليه إخلاصا وقال قتادة أخلص إليه الدعاء والعبادة وقيل الإنقطاع إلى الله وتأميل الخير منه دون غيره ومن الناس من يحتج به في تكبيرة الافتتاح لأنه ذكر في بيان الصلاة فيدل على جواز الافتتاح بسائر أسماء الله تعالى وقوله تعالى سبحا طويلا قال قتادة فراغا طويلا وقوله تعالى هي أشد وطأ قال مجاهد واطأ اللسان القلب مواطأة ووطاء ومن قرأ وطاء قال معناه هي أشد من عمل النهار وقوله تعالى إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه إلى قوله تعالى فاقرأوا ما تيسر من القرآن قال أبو بكر قد انتظمت هذه الآية معاني أحدها أنه نسخ به قيام الليل المفروض كان بديا والثاني دلالتها على لزوم فرض القراءة في الصلاة بقوله تعالى فاقرأوا ما تيسر من القرآن والثالث دلالتها على جواز

الصلاة بقليل القراءة والرابع أنه من ترك قراءة فاتحة الكتاب وقرأ غيرها أجزأه وقد بينا ذلك فيما سلف فإن قيل إنما نزل ذلك في صلاة الليل وهي منسوخة قيل له إنما نسخ فرضها ولم ينسخ شرائطها وسائر أحكامها وأيضا فقد أمرنا بالقراءة بعد ذكر التسبيح بقوله تعالى فاقرأوا ما تيسر منه فإن قيل فإنما أمر بذلك في التطوع فلا يجوز الإستدلال به على وجوبها في الصلاة المكتوبة قيل إذا ثبت وجوبها في التطوع فالفرض مثله لأن أحدا لم يفرق بينهما وأيضا فإن قوله تعالى فاقرأوا ما تيسر من القرآن يقتضي الوجوب لأنه أمر والأمر على الوجوب ولا موضع يلزم قراءة القرآن إلا في الصلاة فوجب أن يكون المراد القراءة في الصلاة فإن قيل إذا كان المراد به بالقراءة في صلاة التطوع والصلاة نفسها ليست بفرض فكيف يدل على فرض القراءة قيل له إن صلاة التطوع وإن لم تكن فرضا فإن عليه إذا صلاها أن لا يصليها إلا بقراءة ومتى دخل فيها صارت القراءة فرضا كما أن عليه استيفاء شرائطها من الطهارة وستر العورة وكما أن الإنسان ليس عليه عقد السلم وسائر عقود البياعات ومتى قصد إلى عقدها فعليه أن لا يعقدها إلا على ما أباحته الشريعة ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم من أسلم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم وليس عليه عقد السلم ولكنه متى قصد إلى عقده فعليه أن يعقده بهذه الشرائط فإن قيل إنما المراد بقوله تعالى فاقرأوا ما تيسر من القرآن الصلاة نفسها فلا دلالة فيه على وجوب القراءة فيها قيل له هذا غلط لأن فيه صرف الكلام عن حقيقة معناه إلى المجاز وهذا لا يجوز إلا بدلالة وعلى أنه لو أسلم لك ما ادعيت كانت دلالته قائمة على فرض القراءة لأنه لم يعبر عن الصلاة بالقراءة إلا وهي من أركانها كما قال تعالى وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون قال مجاهد أراد به الصلاة وقال واركعوا مع الراكعين والمراد به الصلاة فعبر عن الصلاة بالركوع لأنه من أركانها آخر سورة المزمل
ومن سورة المدثر
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى ولا تمنن تستكثر قال ابن عباس وإبراهيم ومجاهد وقتادة والضحاك لا تعط عطية لتعطى أكثر منها وقال الحسن والربيع بن أنس لا تمنن حسناتك على الله مستكثرا لها فينقصك ذلك عند الله وقال آخرون لا تمنن بما أعطاك الله من النبوة والقرآن

مستكثرا به الأجر من الناس وعن مجاهد أيضا لا تضعف في عملك مستكثرا لطاعتك قال أبو بكر هذه المعاني كلها يحتملها اللفظ وجائز أن يكون جميعها مرادا به فالوجه حمله على العموم في سائر وجوه الاحتمال وقوله تعالى وثيابك فطهر يدل على وجوب تطهير الثياب من النجاسات للصلاة وأنه لا تجوز الصلاة في الثوب النجس لأن تطهيرها لا يجب إلا للصلاة وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم

أنه رأى عمارا يغسل ثوبه فقال مم تغسل ثوبك فقال من نخامة فقال إنما يغسل
الثوب من الدم والبول والمني وقال عائشة أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم بغسل المني من الثوب إذا كان رطبا وزعم بعضهم أن المراد بذلك ما روي عن أبي رزين قال عملك أصلحه وقال إبراهيم وثيابك فطهر من الإثم وقال عكرمة أمره أن لا يلبس ثيابه على عذرة وهذا كله مجاز لا يجوز صرف الكلام إليه إلا بدلالة واحتج هذا الرجل بانه لا يجوز أن النبي صلى الله عليه وسلم
كان يحتاج إلى أن يؤمر بغسل ثيابه من البول وما أشبهه قال أبو بكر وهذ
كلام شديد الاختلال والفساد والتناقض لأن في الآية أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهجر الأوثان بقوله تعالى والرجز فاهجر ومعلوم أنه صلى الله عليه وسلم
كان هاجرا للأوثان قبل النبوة وبعدها وكان مجتنبا للآثام والعذرات في
الحالين فإذا جاز خطابه بترك هذه الأشياء وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك تاركا لها فتطهير الثياب لأجل الصلاة مثله وقال الله تعالى مخاطبا لنبيه صلى الله عليه وسلم
ولا
تدع مع الله إلها آخر والنبي صلى الله عليه وسلم لم يدع مع الله إلها قط فهذا يدل على تناقض قول هذا الرجل وفساده وزعم أنه من أول ما نزل الله من القرآن قبل كل شيء من الشرائع من وضوء أو صلاة أو غيرها وإنما يدل على أنها الطهارة من أوثان الجاهلية وشركها والأعمال الخبيثة وقد نقض بهذا ما ذكره بديا من أنه لم يكن يحتاج إلى أن يؤمر بتطهير الثياب من النجاسة أفتراه ظن أنه كان يحتاج إلى أن يوصى بترك الأوثان فإذا لم يكن يحتاج إلى ذلك لأنه كان تاركا لها وقد جاز أن يخاطب بتركها فكذلك طهارة الثوب وأما قوله إن ذلك من أول ما نزل فما في ذلك ما يمنع أمره بتطهير الثياب لصلاة يفرضها عليه وقد روي عن عائشة ومجاهد وعطاء أن أول ما نزل من القرآن اقرأ باسم ربك الذي خلق آخر سورة المدثر

ومن

سورة القيامة
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى بل الإنسان على نفسه بصيرة روي عن ابن عباس أنه قال شاهد على نفسه وقيل معناه بل الإنسان على نفسه من نفسه بصيرة جوارحه شاهدة عليه يوم القيامة قوله تعالى ولو ألقى معاذيره قال ابن عباس لو اعتذر وقبل شهادة نفسه عليه أولى من اعتذاره قال أبو بكر لما احتمل اللفظ هذه المعاني وجب حمله عليها إذ لا تنافي في هذا ويدل على أن قوله مقبول على نفسه إذ جعله الله حجة على نفسه وشاهدا عليها ولما عبر عن كونه شاهدا على نفسه بأنه على نفسه بصيرة دل على تأكيد أمر شهادته على نفسه وثبوتها فيوجب ذلك جواز عقوده وإقراره وجميع ما اعترف بلزوم نفسه آخر سورة القيامة
ومن
سورة الإنسان
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى ويطعمون الطعام على حبه إلى قوله تعالى وأسيرا عن أبي وائل أنه أمر بأسرى من المشركين فأمر من يطعمهم ثم قرأ ويطعمون الطعام على حبه الآية وقال قتادة كان أسيرهم يومئذ المشرك فأخوك المسلم أحق أن تطعمه وعن الحسن وأسيرا قال كانوا مشركين وقال مجاهد الأسير المسجون وقال ابن جبير وعطاء ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا قال هم أهل القبلة وغيرهم قال أبو بكر الأظهر الأسير المشرك لأن المسلم المسجون لا يسمى أسيرا على الإطلاق وهذه الآية تدل على أن في إطعام الأسير قربة ويقتضي ظاهره جواز إعطائه من سائر الصدقات إلا أن أصحابنا لا يجيزون إعطاءه من الزكاة وصدقات المواشي وما كان أخذه منها إلى الإمام ويجيز أبو حنيفة ومحمد جواز إعطائه من الكفارات ونحوها وأبو يوسف لا يجيز دفع الصدقة الواجبة إلا إلى المسلم وقد بيناه فيما سلف آخر سورة الإنسان
ومن
سورة المرسلات
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الله تعالى ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا قال الشعبي يعني أنه جعل

ظهرها للأحياء وبطنها للأموات والكفات الضمام فأراد أنها تضمهم في الحالين وروى إسرائيل عن أبي يحيى عن مجاهد ألم نجعل الأرض كفاتا قال تكفت الميت فلا يرى منه شيء وأحياء قال الرجل في بيته لا يرى من عمله شيء قال أبو بكر وهذا يدل على وجوب مواراة الميت ودفنه ودفن شعره وسائر ما يزايله وهذا يدل على أن شعره وشيئا من بدنه لا يجوز بيعه ولا التصرف فيه لأن الله قد أوجب دفنه وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعن الله الواصلة وهي التي تصل شعر غيرها بشعرها فمنع الإنتفاع به وهو معنى ما دلت عليه الآية وهذه الآية نظير قوله تعالى ثم أماته فأقبره يعني أنه جعل له قبرا وروي في تأويل الآية غير ذلك وعن ابن مسعود أنه أخذ قملة فدفنها في المسجد في الحصى ثم قال الله تعالى ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا وعن أبي أمامة مثله وأخذ عبيد بن عمير قملة عن ابن عمر فطرحها في المسجد قال أبو بكر هذا التأويل لا ينفي الأول وعمومه يقتضي الجميع آخر سورة المرسلات
ومن سورة إذا السماء انشقت
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى فلا أقسم بالشفق قال مجاهد الشفق النهار ألا تراه قال الله تعالى والليل وما وسق وقال عمر بن عبدالعزيز الشفق البياض وقال أبو جعفر محمد بن علي الشفق السواد الذي يكون إذا ذهب البياض قال أبو بكر الشفق في الأصل الرقة ومنه ثوب شفق إذا كان رقيقا ومنه الشفقة وهو رقة القلب وإذا كان هذا أصله فهو البياض أولى منه بالحمرة لأن أجزاء الضياء رقيقة في هذه الحال وفي وقت الحمرة أكثف وقوله تعالى وإذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون يستدل به على وجوب سجدة التلاوة لذمه لتارك السجود عند سماع التلاوة وظاهره يقتضي إيجاب السجود عند سماع سائر القرآن إلا أنا خصصنا منه ما عدا مواضع السجود واستعملناه في مواضع السجود بعموم اللفظ ولأنا لو لم نستعمله على ذلك كنا قد ألغينا حكمه رأسا فإن قيل إنما أراد به الخضوع لأن اسم السجود يقع على الخضوع قيل له هو كذلك إلا أنه خضوع على وصف وهو وضع الجبهة على الأرض كما أن الركوع والقيام والصيام والحج وسائر العبادات خضوع ولا يسمى سجودا لأنه خضوع على صفة إذا خرج عنها لم يسم به آخر سورة إذا السماء انشقت

ومن

سورة سبح اسم ربك الأعلى
بسم الله الرحمن الرحيم قوله
تعالى قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى روي عن عمر بن عبدالعزيز وأبي العالية قالا أدى زكاة الفطر ثم خرج إلى الصلاة وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر بإخراج صدقة الفطر قبل الخروج إلى المصلى وقال ابن عباس السنة أن تخرج صدقة الفطر قبل الصلاة قال ابو بكر ويستدل بقوله تعالى وذكر اسم ربه فصلى على جواز افتتاح الصلاة بسائر الأذكار لأنه لما ذكر عقيب ذكر اسم الله الصلاة متصلا به إذ كانت الفاء للتعقيب بلا تراخ دل على أن المراد افتتاح الصلاة آخر سورة سبح
ومن سورة البلد
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى فك رقبة روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له رجل علمني عملا يدخلني الجنة قال اعتق النسمة وفك الرقبة قال أليسا سواء يا رسول الله فقال لا عتق النسمة أن تنفرد بعتقها وفك الرقبة أن تعين في ثمنها قال أبو بكر قد اقتضى ذلك جواز إعطاء المكاتب من الصدقات لأنه معونة في ثمنه وهو نحو قوله في شأن الصدقات وفي الرقاب وقوله تعالى ذي مسغبة ذي مجاعة وقوله تعالى أو مسكينا ذا متربة قال ابن عباس المتربة بقعة التراب أي هو مطروح في التراب لا يواريه عن الأرض شيء وعن ابن عباس أيضا رواية المتربة شدة الحاجة من قولهم ترب الرجل إذا افتقر وقوله تعالى ثم كان من الذين آمنوا معناه وكان من الذين آمنوا فصارت ثم ههنا بمعنى الواو آخر سورة البلد
ومن سورة الضحى
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى فأما اليتيم فلا تقهر قيل لا تقهره بظلمه وأخذ ماله وخص اليتيم لأنه لا ناصر له غير الله فغلظ في أمره لتغليظ العقوبة على ظالمه وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال اتقوا ظلم من لا ناصر له غير الله وقوله تعالى وأما السائل فلا تنهر فيه نهي عن إغلاظ القول له لأن الإنتهار هو الزجر وإغلاظ القول وقد أمر في آية أخرى بحسن

القول له وهو قوله تعالى وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولا ميسورا وهذا وإن كان خطابا للنبي صلى الله عليه وسلم فإنه قد أريد به جميع المكلفين آخر السورة
ومن سورة ألم نشرح
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا حدثنا عبدالله بن محمد المروزي قال حدثنا الحسن بن أبي الربيع قال أخبرنا عبدالرزاق عن معمر عن الحسن في قوله تعالى إن مع العسر يسرا قال خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوما وهو مسرور يضحك وهو يقول لن يغلب عسر يسرين لن يغلب عسر يسرين إن مع العسر يسرا قال أبو بكر يعني أن العسر المذكور بديا هو المثنى به آخرا لأنه معرف بالألف واللام فيرجع إلى المعهود المذكور واليسر الثاني غير الأول لأنه منكور ولو أراد الأول لعرفه بالألف واللام وقوله تعالى فإذا فرغت فانصب قال ابن عباس إذا فرغت من فرضك فانصب إلى ما رغبك تعالى فيه من العمل وقال الحسن فإذا فرغت من جهاد أعدائك فانصب إلى ربك في العبادة وقال قتادة فإذا فرغت من صلاتك فانصب إلى ربك في الدعاء وقال مجاهد فإذا فرغت من أمر دنياك فانصب إلى عبادة ربك وهذه المعاني كلها محتملة والوجه حمل اللفظ عليها فيكون كلها جميعها مرادا وإن كان خطابا للنبي صلى الله عليه وسلم فإن المراد به جميع المكلفين آخر السورة
ومن

سورة ليلة القدر
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى إنا أنزلناه في ليلة القدر إلى قوله ليلة القدر خير من ألف شهر قيل إنما هي خير من ألف شهر ليس فيها ليلة القدر وذلك لما يقسم فيها من الخير الكثير الذي لا يكون مثله في ألف شهر فكانت أفضل من ألف شهر لهذا المعنى وإنما وجه تفضيل الأوقات والأماكن بعضها على بعض لما يكون فيها من الخير الجزيل والنفع الكثير واختلاف الروايات عن النبي صلى الله عليه وسلم
في ليلة القدر متى تكون واختلف الصحابة فيها فروي عن النبي ص
- أنها ليلة ثلاث وعشرين رواه ابن عباس وروى أبو سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال التمسوها في العشر الأواخر واطلبوها في كل وتر وعن ابن مسعود قال

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم

ليلة تسع عشرة من رمضان وليلة إحدى وعشرين وليلة ثلاث وعشرين وعن ابن عمر
عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال تحروا ليلة القدر في السبع الأواخر وروي أنه قال في سبع وعشرين حدثنا محمد بن بكر البصري قال أخبرنا أبو داود قال حدثنا حميد بن زنجويه النسائي قال حدثنا سعيد بن أبي مريم قال حدثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير قال أخبرنا موسى بن عقبة عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عمر قال سئل النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أسمع عن ليلة القدر فقال هي في كل رمضان وحدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا سليمان بن حرب ومسدد قالا حدثنا حماد بن زيد عن عاصم عن زر قال قلت لأبي بن كعب أخبرني عن ليلة القدر يا أبا المنذر فإن صاحبنا يعني عبدالله بن مسعود سئل عنها فقال من يقم الحول يصبها فقال رحم الله أبا عبدالرحمن والله لقد علم أنها في رمضان ولكن كره أن يتكلوا والله إنها في رمضان ليلة سبع وعشرين قال أبو بكر هذه الأخبار كلها جائز أن تكون صحيحة فتكون في سنة في بعض الليالي وفي سنة أخرى في غيرها وفي سنة أخرى في العشر الأواخر من رمضان وفي سنة في العشر الأوسط وفي سنة في العشر الأول وفي سنة في غير رمضان ولم يقل ابن مسعود من يقم الحول يصيبها إلا من طريق التوقيف إذ لا يعلم ذلك إلا بوحي من الله تعالى إلى نبيه فثبت بذلك أن ليلة القدر غير مخصوصة بشهر من السنة وأنها قد تكون في سائر السنة ولذلك قال أصحابنا فيمن قال لامرأته أنت طالق في ليلة القدر أنها لا تطلق حتى يمضي حول لأنه لا يجوز إيقاع الطلاق بالشك ولم يثبت أنها مخصوصة بوقت فلا يحصل اليقين بوقوع الطلاق بمضي حول آخر السورة
ومن سورة لم يكن الذين كفروا
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء فيه أمر بإخلاص العبادة له وهو أن لا يشرك فيها غيره لأن الإخلاص ضد الإشراك وليس له تعلق بالنية لا في وجودها ولا في فقدها فلا يصح الإستدلال به في إيجاب النية لأنه متى اعتقد الإيمان فقد حصل له الإخلاص في العبادة ونفي الإشراك فيها آخر السورة

ومن

سورة أرأيت الذي يكذب بالدين
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى الذين هم عن صلاتهم ساهون قال ابن عباس يؤخرونها عن وقتها وكذلك قال مصعب بن سعد عن سعد وروى مالك بن دينار عن الحسن قال يسهون عن ميقاتها حتى يفوت وروى إسماعيل بن مسلم عن الحسن قال هم المنافقون يؤخرونها عن وقتها يراؤن بصلاتهم إذا صلوا وقال أبو العالية هو الذي لا يدري أعلى شفع انصرف أو على وتر قال أبو بكر يشهد لهذا التأويل ما حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا أحمد بن حنبل قال حدثنا عبدالرحمن بن مهدي عن سفيان عن أبي مالك الأشجعي عن أبي حازم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال لا غرار في الصلاة ولا تسليم ومعناه أنه لا ينصرف منها على غرار وهو
شاك فيها ونظيره ما روى أبو سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من شك في صلاته فلم يدر أثلاثا صلى أم أربعا فليصل ركعة أخرى وإن كان قد تمت صلاته فالركعة والسجدتان له نافلة وروي عن مجاهد ساهون قال لاهون قال أبو بكر كأنه أراد أنهم يسهون للهوهم عنها فإنما استحقوا اللوم لتعرضهم للسهو لقلة فكرهم فيها إذ كانوا مرائين في صلاتهم لأن السهو الذي ليس من فعله لا يستحق العقاب عليه وقوله تعالى يدع اليتيم قال ابن عباس ومجاهد وقتادة يدفعه عن حقه وقوله تعالى ويمنعون الماعون قال علي وابن عباس رواية ابن عمر وابن المسيب الماعون الزكاة وروى الحارث عن علي الماعون منع الفأس والقدر والدلو وكذلك قال ابن مسعود عن ابن عباس رضي الله عنهما رواية أخرى العارية وقال ابن المسيب الماعون المال وقال أبو عبيدة كل ما فيه منفعة فهو الماعون قال أبو بكر يجوز أن يكون جميع ما روي فيه مرادا لأن عارية هذه الآلات قد تكون واجبة في حال الضرورة إليها ومانعها مذموم مستحق للذم وقد يمنعها المانع لغير ضرورة فينبئ ذلك عن لؤم ومجانبة أخلاق المسلمين وقال النبي صلى الله عليه وسلم بعثت لأتمم مكارم الأخلاق آخر السورة
ومن سورة الكوثر
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى فصل لربك وانحر قال الحسن صلاة يوم النحر ونحر البدن وقال

عطاء ومجاهد صل الصبح بجمع وانحر البدن بمنى قال أبو بكر وهذا التأويل يتضمن معنيين أحدهما إيجاب صلاة الضحى والثاني وجوب الأضحية وقد ذكرناه فيما سلف وروى حماد بن سلمة عن عاصم الجحدري عن أبيه عن علي فصل لربك وانحر قال وضع اليد اليمنى على الساعد الأيسر ثم وضعه على صدره وروى أبو الجوزاء عن ابن عباس فصل لربك وانحر قال وضع اليمين على الشمال عند النحر في الصلاة وروي عن عطاء أنه رفع اليدين في الصلاة وقال الفراء يقال استقبل القبلة بنحرك فإن قيل يبطل التأويل الأول حديث البراء بن عازب قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأضحى إلى البقيع فبدأ فصلى ركعتين ثم أقبل علينا بوجهه وقال إن أول نسكنا في يومنا هذا أن نبدأ بالصلاة ثم نرجع فننحر فمن فعل ذلك فقد وافق سنتنا ومن ذبح قبل ذلك فإنما هو لحم عجله لأهله ليس من النسك في شيء فسمى صلاة العيد والنحر سنة فدل على أنه لم يؤمر بهما في الكتاب قيل له ليس كما ظننت لأن ما سنه الله وفرضه لجائز أن نقول هذا سنتنا وهذا فرضنا كما نقول هذا ديننا وإن كان الله فرضه علينا وتأويل من تأوله على حقيقة نحر البدن أولى لأنه حقيقة اللفظ ولأنه لا يعقل بإطلاق اللفظ غيره لأن من قال نحر فلان اليوم عقل منه نحر البدن ولم يعقل منه وضع اليمين على اليسار ويدل على أن المراد الأول اتفاق الجميع على أنه لا يضع يده عند النحر وقد روي عن علي وأبي هريرة وضع اليمين على اليسار أسفل السرة وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يضع يمينه على شماله في الصلاة من وجوه كثيرة آخر السورة
ومن

سورة الكافرون
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى لكم دينكم ولي دين قال أبو بكر هذه الآية وإن كانت خاصة في بعض الكفار دون بعض لأن كثيرا منهم قد أسلموا وقد قال ولا أنتم عابدون ما أعبد فإنها قد دلت على أن الكفر كله ملة واحدة لأن من لم يسلم منهم مع اختلاف مذاهبهم مرادون بالآية ثم جعل دينهم دينا واحدا ودين الإسلام دينا واحدا فدل على أن الكفر مع اختلاف مذاهبه ملة واحدة آخر السورة

ومن

سورة إذا جاء نصر الله
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى إذا جاء نصر الله والفتح روي أنه فتح مكة وهذا يدل على أنها فتحت عنوة لأن إطلاق اللفظ يقتضيه ولا ينصرف إلى الصلح إلا بتقييد وقوله تعالى فسبح بحمد ربك واستغفره روى أبو الضحى عن مسروق عن عائشة قالت كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي يتأول القرآن وروى الأعمش عن مسلم عن مسروق عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول قبل أن يموت سبحانك اللهم وبحمدك أستغفرك وأتوب إليك قالت قلت يا رسول الله ما هذه الكلمات التي أراك قد أحدثتها قال جعلت لي علامة في أمتي إذا رأيتها قلتها إذا جاء نصر الله والفتح إلى آخرها آخر السورة
ومن
سورة تبت
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى ما أغنى عنه ماله وما كسب روي عن ابن عباس وما كسب يعني ولده وسماهم ابن عباس الكسب الخبيث وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم إن أفضل ما أكل الرجل من كسبه وأن ولده من كسبه قال أبو بكر هو كقوله أنت ومالك لأبيك وهو يدل على صحة استيلاد الأب لجارية ابنه وأنه مصدق عليه وتصير أم ولده ويدل على أن الوالد لا يقتل بولده لأنه سماه كسبا له كما لا يقاد لعبده الذي هو كسبه وقوله تعالى سيصلى نارا ذات لهب إحدى الدلالات على صحة نبوة النبي صلى الله عليه وسلم لأنه أخبر بأنه وامرأته سيموتان على الكفر ولا يسلمان فوجد مخبره على ما أخبر به وقد كان هو وامرأته سمعا بهذه السورة ولذلك قالت امرأته إن محمدا هجانا فلو أنهما قالا قد أسلمنا وأظهرا ذلك وإن لم يعتقداه لكانا قد ردا هذا القول ولكان المشركون يجدون متعلقا ولكن الله علم أنهما لا يسلمان إلا بإظهاره ولا باعتقاده فأخبر بذلك وكان مخبره على ما أخبر به وهذا نظير قوله لو قال إنكما لا تتكلمان اليوم فلم يتكلما مع ارتفاع الموانع وصحة الآلة فيكون ذلك من أظهر الدلالات على صحة نبوته وإنما ذكر الله أبا لهب

بكنيته وذكر النبي صلى الله عليه وسلم باسمه وكذلك زيد وكل من ذكره في الكتاب فإنما ذكرهم بالإسم دون الكنية لأن أبا لهب كان اسمه عبدالعزى وغير جائز تسميته بهذا الإسم فلذلك عدل عن اسمه إلى كنيته آخر السورة
ومن سورة الفلق
بسم الله الرحمن الرحيم
حدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا عبدالله بن محمد النفيلي قال حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن عقبة بن عامر قال بينا أنا أسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم

بين الجحفة والأبواء إذ غشيتنا ريح وظلمة شديدة فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم
- يتعوذ بأعوذ برب الفلق وأعوذ برب الناس ويقول يا عقبة تعوذ بهما فما تعوذ متعوذ بمثلهما قال وسمعته يؤمنا بهما في الصلاة وروي عن جعفر بن محمد قال جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم
فرقاه بالمعوذتين وقالت عائشة أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم
- أن أسترقي من العين وروى الشعبي عن بريدة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
لا رقية إلا من عين أو حمى وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم
- مثله وحدثنا محمد بن بكر قال حدثنا أبو داود قال حدثنا محمد بن العلاء قال حدثنا أبو معاوية قال حدثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن يحيى بن الجزار عن ابن أخي زينب امرأة عبدالله عن زينب امرأة عبدالله عن عبدالله قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الرقى والتمائم والتولة شرك قالت قلت لم تقول هذا والله لقد كانت عيني تقذف فكنت أختلف إلى فلان اليهودي يرقيني فإذا رقاني سكنت فقال عبدالله إنما ذلك عمل الشيطان كان ينخسها بيده فإذا رقاهما كف عنهما إنما يكفيك أن تقولي كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أذهب الباس رب الناس اشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقما وقوله تعالى ومن شر النفاثات في العقد قال أبو صالح النفاثات في العقد السواحر وروى معمر عن قتادة أنه تلا ومن شر النفاثات في العقد قال إياكم وما يخالط السحر من هذه الرقى قال أبو بكر النفاثات في العقد السواحر ينفثن على العليل ويرقونه بكلام فيه كفر وشرك وتعظيم للكواكب ويطعمن العليل الأدوية الضارة والسموم القاتلة ويحتالون في التوصل إلى ذلك ثم يزعمن أن ذلك من رقاهن هذا لمن أردن ضرره

وتلفه وأما من يزعمن أنهن يردن نفعه فينفثن عليه ويوهمن أنهن ينفعن بذلك وربما يسقينه بعض الأدوية النافعة فينفق للعليل خفة الوجع فالرقية المنهي عنها هي رقية الجاهلية لما تضمنته من الشرك والكفر وأما الرقية بالقرآن وبذكر الله تعالى فإنها جائزة وقد أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم وندب إليها وكذلك قال أصحابنا في التبرك بالرقية بذكر الله وإنما أمر الله تعالى بالإستعاذة من شر النفاثات في العقد لأن من صدق بأنهن ينفعن بذلك كان ذلك ضررا عليه في الدين من حيث يعتقد جواز نفعها وضررها بتلك الرقية ومن جهة أخرى شرهن فيما يحتلن من سقي السموم والأدوية الضارة وقوله تعالى ومن شر حاسد إذا حسد حدثنا عبدالله بن محمد قال حدثنا الحسن بن أبي الربيع قال أخبرنا عبدالرزاق عن معمر عن قتادة في قوله تعالى ومن شر حاسد إذا حسد قال يقول من شر عينيه ونفسه قال أبو بكر قد روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تسترقي من العين وروى ابن عباس وأبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم

قال العين حق والأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم
- بصحة العين متظاهرة حدثنا ابن قانع قال حدثنا القاسم بن زكريا قال حدثنا سويد بن سعيد قال حدثنا أبو إبراهيم السقاء عن ليث عن طاوس عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم العين حق فلو كان شيء يسبق القدر لسبقته العين فإذا استغسلتم فاغسلوا قال أبو بكر زعم بعض الناس أن ضرر العين إنما هو من جهة شيء ينفصل من العائن فيتصل بالمعين وهذا هو شر وجهل وإنما العين في الشيء المستحسن عند العائن فيتفق في كثير من الأوقات ضرر يقع بالمعين ويشبه أن يكون الله تعالى إنما يفعل ذلك عند إعجاب الإنسان بما يراه تذكيرا له لئلا يركن إلى الدنيا ولا يعجب بشيء منها وهو نحو ما روي أن العضباء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم تكن تسبق فجاء أعرابي على قعود له فسابق بها فسبقها فشق ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم
فقال صلى الله عليه وسلم
- حق على الله أن لا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه وكذلك أمر العائن عند إعجابه بما يراه أن يذكر الله وقدرته فيرجع إليه ويتوكل عليه قال الله تعالى ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله فأخبر بهلاك جنته عند إعجابه بها بقوله فقال ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا إلى قوله تعالى ولولا إذ دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة إلا بالله أي لتبقى عليك نعم الله تعالى إلى وقت وفاتك وحدثنا

عبدالباقي قال حدثنا إسماعيل بن الفضل قال حدثنا العباس بن أبي طالب قال حدثنا حجاج قال حدثنا أبو بكر الهذلي عن ثمامة عن أنس قال قال النبي صلى الله عليه وسلم

من رأى شيئا أعجبه فقال الله الله ما شاء الله لا قوة إلا بالله لم يضره
شيء تم بحمد الله والله الموفق
أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19