كتاب : شرح منتهى الإرادات
المؤلف : منصور بن يونس بن إدريس البهوتي

( كِتَابُ الطَّهَارَةِ ) : هُوَ خَبَرٌ لِمُبْتَدَإٍ مَحْذُوفٍ ؛ أَيْ هَذَا كِتَابُ ، أَوْ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ ؛ أَيْ مِمَّا يُذْكَرُ كِتَابُ وَيَجُوزُ نَصْبُهُ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ ، لَكِنْ لَا يُسَاعِدُهُ الرَّسْمُ إلَّا مَعَ الْإِضَافَةِ ، وَكَذَا يُقَالُ فِي نَظَائِرِهِ وَهُوَ مَصْدَرٌ كَالْكَتْبِ وَالْكِتَابَةِ ، بِمَعْنَى الْجَمْعِ ، وَمِنْهُ الْكَتِيبَةُ بِالْمُثَنَّاةِ لِلْجَيْشِ ، وَالْكِتَابَةُ بِالْقَلَمِ لِجَمْعِ الْكَلِمَاتِ وَالْحُرُوفِ ، وَهُوَ هُنَا بِمَعْنَى الْمَكْتُوبِ الْجَامِعِ لِمَسَائِلِ الطَّهَارَةِ مِنْ بَيَانِ أَحْكَامِهَا وَمَا تُوجِبُهَا ، وَمَا يُتَطَهَّرُ بِهِ وَنَحْوُ ذَلِكَ ، فَلِذَلِكَ قَالُوا : إنَّهُ مُشْتَقٌّ مِنْ الْكَتْبِ .
وَبَدَأَ الْفُقَهَاءُ بِالطَّهَارَةِ لِأَنَّ آكَدَ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ ، بَعْدَ الشَّهَادَتَيْنِ الصَّلَاةُ : وَالطَّهَارَةُ شَرْطُهَا وَالشَّرْطُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمَشْرُوطِ ، وَقَدَّمُوا الْعِبَادَاتِ اهْتِمَامًا بِالْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ ، ثُمَّ الْمُعَامَلَاتِ لِأَنَّ مِنْ أَسْبَابِهَا الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ وَنَحْوَهُ مِنْ الضَّرُورِيِّ الَّذِي يَحْتَاجُ إلَيْهِ الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ وَشَهْوَتُهُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى شَهْوَةِ النِّكَاحِ ، وَقَدَّمُوهُ عَلَى الْجِنَايَاتِ وَالْحُدُودِ وَالْمُخَاصَمَاتِ لِأَنَّ وُقُوعَهَا فِي الْغَالِبِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ شَهْوَتَيْ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ ( الطَّهَارَةُ ) مَصْدَرُ طَهُرَ بِالْفَتْحِ وَالضَّمِّ ، كَمَا فِي الصِّحَاحِ ، وَالِاسْمُ الطُّهْرُ .
وَهِيَ لُغَةً : النَّظَافَةُ وَالنَّزَاهَةُ عَنْ الْأَقْذَارِ حَتَّى الْمَعْنَوِيَّةُ ، وَشَرْعًا ( ارْتِفَاعُ حَدَثٍ ) أَيْ زَوَالُ الْوَصْفِ الْحَاصِلِ بِهِ الْمَانِعِ مِنْ نَحْوِ صَلَاةٍ وَطَوَافٍ ، وَالِارْتِفَاعُ مَصْدَرُ ارْتَفَعَ ، فَفِيهِ الْمُطَابَقَةُ بَيْنَ الْمُفَسِّرِ وَالْمُفَسَّرِ فِي اللُّزُومِ بِخِلَافِ الرَّفْعِ ، وَيَأْتِي مَعْنَى الْحَدَثِ ( وَمَا فِي مَعْنَاهُ ) أَيْ مَعْنَى ارْتِفَاعِ الْحَدَثِ ، كَالْحَاصِلِ بِغُسْلِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ تَعَبُّدِيٌّ لَا عَنْ حَدَثٍ وَكَذَا غَسْلُ يَدَيْ الْقَائِمِ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ .
وَمَا يَحْصُلُ بِالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ الْمُسْتَحَبَّيْنِ ،

وَمَا زَادَ عَلَى الْمَرَّةِ فِي وُضُوءٍ وَغُسْلٍ وَبِغَسْلِ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ مِنْ الْمَذْيِ إنْ لَمْ يُصِبْهُمَا ، وَكَوُضُوءِ نَحْوِ الْمُسْتَحَاضَةِ إنْ قِيلَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ ( بِمَاءٍ ) مُتَعَلِّقٌ بِارْتِفَاعِ ( طَهُورٍ مُبَاحٍ ) فَلَا يَرْتَفِعُ حَدَثٌ بِغَيْرِ مَاءٍ طَهُورٍ مُبَاحٍ ( وَزَوَالُ خَبَثٍ ) أَيْ نَجَسٍ حُكْمِيٍّ ( بِهِ ) أَيْ بِالْمَاءِ الطَّهُورِ .
( وَلَوْ لَمْ يُبَحْ ) فَتَزُولُ النَّجَاسَةُ بِنَحْوِ مَغْصُوبٍ ، لِأَنَّ إزَالَتَهَا مِنْ قِسْمِ التُّرُوكِ ، بِخِلَافِ رَفْعِ الْحَدَثِ ، وَتَزُولُ النَّجَاسَةُ بِالْمَاءِ وَحْدَهُ إنْ لَمْ تَكُنْ مِنْ نَحْوِ كَلْبٍ ( أَوْ ) بِمَاءٍ طَهُورٍ ( مَعَ تُرَابٍ طَهُورٍ أَوْ نَحْوِهِ ) كَصَابُونٍ وَأُشْنَانٍ إنْ كَانَتْ مِنْهُ ، فَلَا يَكْفِي فِيهَا الْمَاءُ وَحْدَهُ ( أَوْ ) زَوَالُ خَبَثٍ ( بِنَفْسِهِ ) أَيْ بِغَيْرِ شَيْءٍ يُفْعَلُ بِهِ ، كَخَمْرَةٍ انْقَلَبَتْ بِنَفْسِهَا خَلًّا ، وَمَاءٍ كَثِيرٍ مُتَغَيِّرٍ بِنَجَاسَةٍ زَالَ تَغَيُّرُهُ بِنَفْسِهِ ، فَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ الْمَجَازِيَّةِ ( أَوْ ارْتِفَاعِ حُكْمِهِمَا ) أَيْ الْحَدَثِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ وَالْخَبَثِ ( بِمَا يَقُومُ مَقَامَهُ ) أَيْ الْمَاءُ كَالتَّيَمُّمِ وَالِاسْتِجْمَارِ - وَهَذَا الْحَدُّ لِصَاحِبِ التَّنْقِيحِ ، وَسَبَقَهُ إلَى قَرِيبٍ مِنْهُ الْمُوَفَّقُ ، وَاعْتَرَضَهُ الْحَجَّاوِيُّ ، كَمَا أَوْضَحْتُهُ فِي الْحَاشِيَةِ .

بَابُ بَيَانِ أَنْوَاعِ الْمِيَاهِ وَأَحْكَامِهَا وَمَا يَتْبَعُهَا وَبَابُ الشَّيْءِ مَا تُوُصِّلَ إلَيْهِ مِنْهُ فَبَابُ الْمِيَاهِ مَا تُوُصِّلَ مِنْهُ إلَى الْوُقُوفِ عَلَى مَسَائِلِهَا ( الْمِيَاهُ ) جَمْعُ مَاءٍ بِاعْتِبَارِ مَا يَتَنَوَّعُ إلَيْهِ شَرْعًا ( ثَلَاثَةٌ ) بِالِاسْتِقْرَاءِ ( طَهُورٌ ) وَهُوَ أَشْرَفُهَا .
قَالَ ثَعْلَبُ : طَهُورٌ بِفَتْحِ الطَّاءِ : الطَّاهِرُ فِي ذَاتِهِ الْمُطَهِّرُ لِغَيْرِهِ انْتَهَى ، فَهُوَ مِنْ الْأَسْمَاءِ الْمُتَعَدِّيَةِ ، قَالَ تَعَالَى : { وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ } وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ مَاءِ الْبَحْرِ { هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ } وَلَوْ لَمْ يَكُنْ مُتَعَدِّيًا بِمَعْنَى الْمُطَهِّرِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ جَوَابًا لِلْقَوْمِ حِينَ سَأَلُوهُ عَنْ الْوُضُوءِ بِهِ ، إذْ لَيْسَ كُلُّ طَاهِرٍ مُطَهِّرًا ، وَلَا يُنَافِيه : خُلِقَ الْمَاءُ طَهُورًا لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ .
فَقَدْ جَمَعَ الْوَصْفَيْنِ كَوْنُهُ نَزِهًا لَا يَتَنَجَّسُ بِغَيْرِهِ وَأَنَّهُ يُطَهِّرُ غَيْرَهُ ( يَرْفَعُ الْحَدَثَ ) أَيْ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ غَيْرُهُ بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ ( وَهُوَ ) أَيْ الْحَدَثُ ( مَا ) أَيْ مَعْنَى يَقُومُ بِالْبَدَنِ ( أَوْجَبَ وُضُوءًا ) أَيْ جَعَلَهُ الشَّرْعُ سَبَبًا لِوُجُوبِهِ ، وَيُوصَفُ بِالْأَصْغَرِ ( أَوْ ) أَوْجَبَ غُسْلًا ، وَيُوصَفُ بِالْأَكْبَرِ وَلَيْسَ نَجَاسَةً .
فَلَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ بِحَمْلِ مُحْدِثٍ ، وَالْمُحْدِثُ مَنْ لَزِمَهُ لِنَحْوِ صَلَاةٍ وُضُوءٌ ، أَوْ غُسْلٌ أَوْ تَيَمُّمٌ .
فَالطَّاهِرُ ضِدُّ الْمُحْدِثِ وَالنَّجِسِ ، وَالْمُحْدِثُ لَيْسَ نَجِسًا وَلَا طَاهِرًا ( إلَّا حَدَثَ رَجُلٍ ) إلَّا امْرَأَةٍ وَصَبِيٍّ .
( وَ ) إلَّا حَدَثَ ( خُنْثَى ) مُشْكِلٍ بَالِغٍ احْتِيَاطِيًّا فَلَا يَرْتَفِعُ ( ب ) مَاءٍ ( قَلِيلٍ ) لَا يَبْلُغُ قُلَّتَيْنِ ( خَلَتْ بِهِ امْرَأَةٌ ) مُكَلَّفَةٌ ( وَلَوْ كَانَتْ ) ( كَافِرَةً ) ؛ لِأَنَّهَا أَدْنَى مِنْ الْمُسْلِمَةِ وَأَبْعَدُ مِنْ الطَّهَارَةِ وَلِعُمُومِ الْخَبَرِ الْآتِي ( لِطَهَارَةٍ كَامِلَةٍ ) لَا بَعْضِهَا ( عَنْ حَدَثٍ ) بِحَيْثُ تَكُونُ خَلْوَتُهَا بِاسْتِعْمَالٍ

( كَخَلْوَةِ نِكَاحٍ ) فَلَا أَثَرَ إذَا شَاهَدَهَا مُمَيِّزٌ أَوْ كَافِرٌ أَوْ امْرَأَةٌ أَوْ قِنٌّ ( تَعَبُّدًا ) أَيْ قُلْنَا ذَلِكَ تَعَبُّدًا ، لِأَمْرِ الشَّارِعِ بِهِ ، وَعَدَمِ عَقْلِ مَعْنَاهُ قَالَ الْحَكَمُ بْنُ عَمْرٍو الْغِفَارِيُّ ( { نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَوَضَّأَ الرَّجُلُ بِفَضْلِ طَهُورِ الْمَرْأَةِ .
} ) رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا أَنَّ النَّسَائِيّ وَابْنَ مَاجَهْ قَالَا : " وُضُوءِ الْمَرْأَةِ " وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ ، وَقَالَ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ أَكْثَرُ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُونَ ذَلِكَ ، وَهُوَ لَا يَقْتَضِيه الْقِيَاسُ ، فَيَكُونُ تَوْقِيفًا ، وَمِمَّنْ كَرِهَهُ : عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَرْجِسَ ، وَخُصِّصَ بِالْخَلْوَةِ لِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ " تَوَضَّأْ أَنْتَ هَاهُنَا وَهِيَ هَاهُنَا فَإِذَا خَلَتْ بِهِ فَلَا تَقْرَبَنَّهُ " وَبِالْقَلِيلِ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ لَا تُؤَثِّرُ فِي الْكَثِيرِ ، فَهَذَا أَوْلَى ، وَلِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى النِّسَاءِ أَنْ يَتَطَهَّرْنَ مِنْ الْقَلِيلِ .
وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ : أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِخَلْوَتِهَا بِالتُّرَابِ ، وَلَا بِالْمَاءِ لِإِزَالَةِ خَبَثٍ ، أَوْ طُهْرٍ مُسْتَحَبٍّ ، وَلَا لِخَلْوَةِ خُنْثَى مُشْكِلٍ ، وَلَا لِغَيْرِ بَالِغَةٍ ، وَلَا لِبَعْضِ طَهَارَةٍ ( وَيُزِيلُ ) الْمَاءُ الطَّهُورُ ، عَطَفَ عَلَى يَرْفَعُ ، أَيْ وَيُزِيلُ ( الْخَبَثَ الطَّارِئَ ) عَلَى مَحَلٍّ طَاهِرٍ قَبْلَهُ غَيَّرَهُ ، لِمَا يَأْتِي فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ نَجَسَ الْعَيْنِ لَا يُمْكِنُ تَطْهِيرُهُ ( وَهُوَ ) أَيْ الْمَاءُ الطَّهُورُ الْمَاءُ ( الْبَاقِي عَلَى خِلْقَتِهِ ) أَيْ صِفَتِهِ ، وَهِيَ الطَّهُورِيَّةُ ، أَيْ هُوَ الْمَاءُ الْمُطْلَقُ الَّذِي لَمْ يُقَيَّدْ بِوَصْفٍ دُونَ آخَرَ ، وَهُوَ مَاءُ الْبَحْرِ وَالنَّهْرِ ، وَنَبْعِ الْأَرْضِ مِنْ عَيْنٍ أَوْ بِئْرٍ ، وَمَا نَزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَطَرٍ وَثَلْجٍ وَبَرَدٍ ، عَذْبًا كَانَ أَوْ مَالِحًا بَارِدًا أَوْ حَارًّا .

( وَلَوْ تَصَاعَدَ ) الْمَاءُ ( ثُمَّ قَطَرَ كَبُخَارِ الْحَمَّامَاتِ ) لِأَنَّهُ لَمْ يَطْرَأْ عَلَيْهِ مَا يُزِيلُ طَهُورِيَّتَهُ ( أَوْ اُسْتُهْلِكَ فِيهِ ) أَيْ الطَّهُورِ مَاءٌ ( يَسِيرٌ مُسْتَعْمَلٌ ، أَوْ ) اُسْتُهْلِكَ فِيهِ ( مَائِعٌ طَاهِرٌ ) كَلَبَنٍ ( وَلَوْ ) كَانَ اسْتِهْلَاكُهُ فِيهِ ( لِعَدَمِ كِفَايَةِ ) الطَّهُورِ لِلطَّهَارَةِ قَبْلَهُ ( وَلَمْ يُغَيِّرْهُ ) مَا اُسْتُهْلِكَ فِيهِ إنْ كَانَ مُخَالِفًا لَهُ فِي الصِّفَةِ أَوْ الْفَرْضِ ، فَيَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ وَتَصِحُّ الطَّهَارَةُ بِهِ .
وَالْخِلَافُ الْمُشَارُ إلَيْهِ فِي ذَلِكَ ، لَا فِي سَلْبِ الطَّهُورِيَّةِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ قُنْدُسٍ ، خِلَافًا لِلرِّعَايَتَيْنِ وَالْفُرُوعِ ، وَتَبِعَهُمْ فِي شَرْحِهِ ، فَإِنْ غَيَّرَهُ سَلَبَ الطَّهُورِيَّةَ ، وَيَأْتِي تَوْضِيحُهُ ( أَوْ اُسْتُعْمِلَ ) الطَّهُورُ ( فِي طَهَارَةٍ لَمْ تَجِبْ ) كَتَجْدِيدٍ وَغُسْلِ جُمُعَةٍ ( أَوْ ) اُسْتُعْمِلَ فِي ( غُسْلِ كَافِرٍ ) وَلَوْ ذِمِّيَّةٍ مِنْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ لِحِلِّ وَطْءٍ لِمُسْلِمٍ ، فَلَا يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَرْفَعْ حَدَثًا ، وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ النِّيَّةِ ( أَوْ غُسِلَ بِهِ ) أَيْ الطَّهُورِ وَلَوْ يَسِيرًا ( رَأْسٌ بَدَلًا عَنْ مَسْحٍ ) فِي وُضُوءٍ فَلَا يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ لِعَدَمِ وُجُوبِ غَسْلِهِ فِي الْوُضُوءِ ( وَالْمُتَغَيِّرُ بِمَحَلِّ تَطْهِيرٍ ) عُطِفَ عَلَى الْبَاقِي عَلَى خِلْقَته ، ذَكَرَهُ الْحَجَّاوِيُّ فِي حَاشِيَةِ التَّنْقِيحِ .
فَإِذَا كَانَ عَلَى الْعُضْوِ طَاهِرٌ ، كَزَعْفَرَانٍ وَعَجِينٍ وَتَغَيَّرَ بِهِ الْمَاءُ وَقْتَ غَسْلِهِ لَمْ يَمْنَعْ حُصُولَ الطَّهَارَةِ بِهِ ، لِأَنَّهُ فِي مَحَلِّ التَّطْهِيرِ كَتَغْيِيرِ الْمَاءِ الَّذِي تُزَالُ بِهِ النَّجَاسَةُ فِي مَحَلِّهَا .
( وَ ) الْمُتَغَيِّرُ ( بِمَا يَأْتِي ) ذِكْرُهُ ( فِيمَا كُرِهَ ) مِنْ الْمَاءِ .
( وَ ) فِي ( مَا لَا يُكْرَهُ ) مِنْهُ ثُمَّ بَيَّنَ الْمَكْرُوهَ بِقَوْلِهِ ( وَكُرِهَ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ ( مِنْهُ ) أَيْ مِنْ الطَّهُورِ ( مَاءُ زَمْزَمَ فِي إزَالَةِ خَبَثٍ ) تَعْظِيمًا لَهُ .
وَلَا يُكْرَهُ الْوُضُوءُ مِنْهُ وَلَا الْغُسْلُ عَلَى الْمَذْهَبِ ،

وَيَأْتِي فِي الْوَقْفِ : لَوْ سُبِّلَ مَاءٌ لِلشُّرْبِ لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ بِهِ ، وَلَا يُكْرَهُ مَا جَرَى عَلَى الْكَعْبَةِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ .
( وَ ) كُرِهَ مِنْهُ أَيْضًا ( مَاءُ بِئْرٍ بِمَقْبَرَةٍ ) بِتَثْلِيثِ الْبَاءِ مَعَ فَتْحِ الْمِيمِ ، وَبِفَتْحِ الْبَاءِ مَعَ كَسْرِ الْمِيمِ ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي الْأَطْعِمَةِ : وَكَرِهَ أَحْمَدُ مَاءَ بِئْرٍ بَيْنَ الْقُبُورِ ، وَشَوْكُهَا وَبَقْلُهَا ، قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : كَمَاءٍ سُمِّدَ بِنَجِسٍ وَالْجَلَّالَةِ انْتَهَى .
فَظَاهِرُهُ يُكْرَهُ اسْتِعْمَالُ مَائِهَا فِي أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَطَهَارَةٍ وَغَيْرِهَا .
( وَ ) كُرِهَ مِنْهُ أَيْضًا ( مَا اشْتَدَّ حَرُّهُ وَاشْتَدَّ بَرْدُهُ ) لِأَذَاهُ وَمَنْعِهِ كَمَالَ الطَّهَارَةِ .
( وَ ) كُرِهَ مِنْهُ أَيْضًا ( مُسَخَّنٌ بِنَجَاسَةٍ ) مُطْلَقًا ظُنَّ وُصُولُهَا إلَيْهِ أَوْ اُحْتُمِلَ أَوْ لَا ، حَصِينًا كَانَ الْحَائِلُ أَوْ غَيْرَ حَصِينٍ وَلَوْ بُرِّدَ .
وَيُكْرَهُ إيقَادُ النَّجَسِ وَإِنْ عُلِمَ وُصُولُ النَّجَاسَةِ إلَيْهِ ، وَكَانَ يَسِيرًا فَنَجِسٌ ( إنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ ) فَإِنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ تَعَيَّنَ ، وَكَذَا يُقَالُ فِي كُلِّ مَكْرُوهٍ ، إذْ لَا يُتْرَكُ وَاجِبٌ لِشُبْهَةٍ ( أَوْ ) مُسَخَّنٌ ( بِمَغْصُوبٍ ) وَنَحْوِهِ ، وَكَذَا مَاءُ بِئْرٍ فِي مَوْضِعِ غَصْبٍ ، أَوْ حَفْرُهَا أَوْ أُجْرَتُهُ غَصْبٌ .
فَيُكْرَهُ الْمَاءُ لِأَنَّهُ أَثَرٌ مُحَرَّمٌ .
( وَ ) يُكْرَهُ أَيْضًا ( مُتَغَيِّرٌ بِمَا لَا يُخَالِطُهُ ) أَيْ الْمَاءَ ( مِنْ عُودٍ قَمَارِيٍّ ) بِفَتْحِ الْقَافِ ، نِسْبَةً إلَى بَلْدَةِ قِمَارَ قَالَهُ فِي شَرْحِهِ .
وَقَالَ فِي الْمُطْلِعِ : بِكَسْرِ الْقَافِ ، مَنْسُوبٌ إلَى قِمَارٍ مَوْضِعٍ بِبِلَادِ الْهِنْدِ ، عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ الْبَكْرِيِّ ( أَوْ قِطَعِ كَافُورٍ أَوْ دُهْنٍ ) كَزَيْتٍ وَسَمْنٍ لِأَنَّهُ لَا يُمَازِجُ الْمَاءَ ، وَكَرَاهَتُهُ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ قَالَ فِي الشَّرْحِ : وَفِي مَعْنَاهُ مَا تَغَيَّرَ بِالْقَطِرَانِ وَالزِّفْتِ وَالشَّمْعِ ، لِأَنَّ فِيهِ دُهْنِيَّةً يَتَغَيَّرُ بِهَا الْمَاءُ ( أَوْ ) أَيْ وَكُرِهَ أَيْضًا مُتَغَيِّرٌ ( بِمُخَالِطٍ أَصْلُهُ الْمَاءُ ) كَالْمِلْحِ الْمَائِيِّ ،

لِأَنَّهُ مُنْعَقِدٌ مِنْ الْمَاءِ ، بِخِلَافِ الْمَعْدِنِيّ فَيَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ .
وَ ( لَا ) يُكْرَهُ مُتَغَيِّرٌ ( بِمَا يَشُقُّ صَوْنُهُ ) أَيْ الْمَاءَ ( عَنْهُ ، كَطُحْلُبٍ ) بِضَمِّ اللَّامِ وَفَتْحِهَا ، وَهُوَ خُضْرَةٌ تَعْلُو الْمَاءَ الْمُزْمِنَ ، أَيْ الرَّاكِدَ بِسَبَبِ الشَّمْسِ ( وَوَرَقِ شَجَرٍ ) سَقَطَ فِيهِ بِغَيْرِ فِعْلِ آدَمِيٍّ ، لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ ، وَكَذَا مَا بُعِثَ فِي الْمَاءِ ، وَالسَّمَكُ وَنَحْوُهُ ، وَالْجَرَادُ وَنَحْوُهُ ، وَمَا تُلْقِيهِ الرِّيَاحُ وَالسُّيُولُ ، وَمَا تَغَيَّرَ عُمْرُهُ أَوْ مَقَرُّهُ .
فَكُلُّهُ غَيْرُ مَكْرُوهٍ لِلْمَشَقَّةِ .
( وَ ) كَذَا مَا تَغَيَّرَ بِطُولِ ( مُكْثٍ ) فِي أَرْضٍ وَآنِيَةٍ مِنْ أُدْمٍ أَوْ نُحَاسٍ أَوْ غَيْرِهِمَا ، لِمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ مِنْهُ .
وَرُوِيَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { تَوَضَّأَ مِنْ بِئْرٍ كَأَنَّ مَاءَهُ نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ } .
( وَ ) لَا يُكْرَهُ أَيْضًا مُتَغَيِّرٌ ب ( رِيحٍ ) تَحْمِلُ الرَّائِحَةَ الْخَبِيثَةَ إلَى الطَّهُورِ ، فَيَتَرَوَّحُ بِهَا لِلْمَشَقَّةِ ( وَلَا ) يُكْرَهُ ( مَاءُ الْبَحْرِ ) الْمِلْحُ ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْخَبَرِ .
( وَ ) لَا مَاءُ ( الْحَمَّامِ ) لِأَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ دَخَلُوا الْحَمَّامَ وَرَخَّصُوا فِيهِ وَمَنْ نَقَلَ عَنْهُمْ الْكَرَاهَةَ عَلَّلَ بِخَوْفِ مُشَاهَدَةِ الْعَوْرَةِ ، أَوْ قَصْدِ التَّنَعُّمِ بِهِ ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ ، وَ ( لَا ) يُكْرَهُ ( مُسَخَّنٌ بِشَمْسٍ ) وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ لِلْكَرَاهَةِ مِنْ النَّهْيِ لَمْ يَصِحَّ .
كَمَا أَوْضَحْته فِي شَرْحِ الْإِقْنَاعِ ( أَوْ ) أَيْ وَلَا يُكْرَهُ مُسَخَّنٌ ( بِطَاهِرٍ ) إنْ لَمْ يَشْتَدَّ حَرُّهُ .
وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عُمَرَ " أَنَّهُ كَانَ يُسَخَّنُ لَهُ مَاءٌ فِي قُمْقُمٍ فَيَغْتَسِلُ بِهِ " وَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّهُ كَانَ يَغْتَسِلُ بِالْحَمِيمِ " ( وَلَا يُبَاحُ غَيْرُ بِئْرِ النَّاقَةِ مِنْ ) آبَارِ دِيَارِ ( ثَمُودَ ) قَوْمُ صَالِحٍ ، لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ { أَنَّ النَّاسَ نَزَلُوا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى

الْحِجْرِ أَرْضَ ثَمُودَ ، فَاسْتَقَوْا مِنْ آبَارِهَا وَعَجَنُوا بِهِ الْعَجِينَ ، فَأَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُهْرِيقُوا مَا اسْتَقَوْا مِنْ آبَارِهَا ، وَيَعْلِفُوا الْإِبِلَ الْعَجِينَ ، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَقُوا مِنْ الْبِئْرِ الَّتِي كَانَتْ تَرِدُهَا النَّاقَةُ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَظَاهِرُهُ مَنْعُ الطَّهَارَةِ بِهِ كَالْمَغْصُوبِ ، وَبِئْرُ النَّاقَةِ هِيَ الْبِئْرُ الْكَبِيرَةُ الَّتِي يَرِدُهَا الْحُجَّاجُ فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ لَمْ نَجِدْهَا .

النَّوْعُ ( الثَّانِي ) مِنْ الْمِيَاهِ ( طَاهِرٌ ) غَيْرُ مُطَهِّرٍ ( كَمَاءِ وَرْدٍ ) وَكُلِّ مُسْتَخْرَجٍ بِعِلَاجٍ لِأَنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمَاءِ بِلَا قَيْدٍ ، وَلَا يَلْزَمُ مَنْ وَكَّلَ فِي شِرَاءِ مَاءٍ قَبُولُهُ .
( وَ ) ك ( طَهُورٍ تَغَيَّرَ كَثِيرٌ مِنْ لَوْنِهِ أَوْ طَعْمِهِ أَوْ رِيحِهِ ) بِمُخَالِطٍ طَاهِرٍ طُبِخَ فِيهِ ، كَمَاءِ الْبَاقِلَاءِ وَالْحِمَّصِ ، أَوْ لَا ، كَزَعْفَرَانٍ سَقَطَ فِيهِ فَتَغَيَّرَ بِهِ كَذَلِكَ وَأَنَّهُ زَالَ إطْلَاقُ اسْمِ الْمَاءِ عَلَيْهِ ، وَزَالَ عَنْهُ أَيْضًا ، مَعْنَى الْمَاءِ ، فَلَا يُطْلَبُ بِشُرْبِهِ الْإِرْوَاءُ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ مَا تَغَيَّرَ جَمِيعُ أَوْصَافِهِ أَوْ كُلُّ صِفَةٍ مِنْهَا بِطَاهِرٍ أَوْ غَلَبَ عَلَيْهِ طَاهِرٌ بِالْأَوْلَى ، وَأَنَّ يَسِيرَ صِفَةٍ لَا يَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ ، لِحَدِيثِ أَحْمَدَ وَالنَّسَائِيِّ عَنْ أُمِّ هَانِئٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { اغْتَسَلَ هُوَ وَزَوْجَتُهُ مَيْمُونَةُ مِنْ قَصْعَةٍ فِيهَا أَثَرُ الْعَجِينِ } .
وَيَأْتِي حُكْمُ النَّبِيذِ فِي حَدِّ الْمُسْكِرِ ( فِي غَيْرِ مَحَلِّ التَّطْهِيرِ ) فَإِنْ تَغَيَّرَ فِي مَحَلِّهِ لَمْ يُؤَثِّرْ ، وَتَقَدَّمَ ( وَلَوْ ) كَانَ التَّغَيُّرُ ( بِوَضْعِ ) آدَمِيٍّ فِي الْمَاءِ ( مَا يَشُقُّ صَوْنُهُ عَنْهُ ) كَطُحْلُبٍ وَوَرَقِ شَجَرٍ وَضَعَهُ فِي الْمَاءِ قَصْدًا ، فَيَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ إذَا تَغَيَّرَ بِهِ كَمَا تَقَدَّمَ ، كَسَائِرِ الطَّاهِرَاتِ الَّتِي لَا يَشُقُّ التَّحَرُّزُ مِنْهَا ( أَوْ بِخَلْطِ ) أَيْ اخْتِلَاطِ الْمَاءِ ب ( مَا لَا يَشُقُّ ) صَوْنُهُ عَنْهُ ، كَحِبْرٍ ، سَوَاءٌ كَانَ بِفِعْلِ آدَمِيٍّ أَوْ لَا .
وَإِنْ تَغَيَّرَ بَعْضُ الْمَاءِ دُونَ بَعْضٍ فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ ، وَمَتَى زَالَ تَغَيُّرُهُ عَادَتْ طَهُورِيَّتُهُ ( غَيْرَ تُرَابٍ ) طَهُورٍ ، فَلَا يَسْلُبُ الْمَاءَ الطَّهُورِيَّةَ ( وَلَوْ ) وُضِعَ فِيهِ ( قَصْدًا ) لِأَنَّهُ أَحَدُ الطَّهُورَيْنِ .
( وَ ) غَيْرُ ( مَا مَرَّ ) فِي قِسْمِ الطَّهُورِ ، كَاَلَّذِي لَا يُخَالِطُ الْمَاءَ .
كَعُودٍ قَمَارِيٍّ ، وَقِطَعِ كَافُورٍ ، وَكَمِلْحٍ مَائِيٍّ سَوَاءٌ وُضِعَ قَصْدًا أَوْ لَا ، وَمَا يَشُقُّ صَوْنُ

الْمَاءِ عَنْهُ .
( وَ ) كَطَهُورٍ ( قَلِيلٌ اُسْتُعْمِلَ فِي رَفْعِ حَدَثٍ ) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { لَا يَغْتَسِلَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ وَهُوَ جُنُبٌ } وَلِأَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ فِي عِبَادَةٍ عَلَى وَجْهِ الْإِتْلَافِ ، فَلَمْ يُمْكِنْ اسْتِعْمَالُهُ فِيهَا ثَانِيًا ، كَالرَّقَبَةِ فِي الْكَفَّارَةِ ، " وَصَبَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَابِرٍ مِنْ وَضُوئِهِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، فَدَلَّ عَلَى طَهَارَتِهِ وَمِثْلُهُ مَاءٌ غُسِّلَ بِهِ مَيِّتٌ وَلَا فَرْقَ فِيمَا تَقَدَّمَ بَيْنَ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ وَالْأَصْغَرِ .
وَلَا بَيْنَ الْكَبِيرِ وَالصَّغِيرِ الَّذِي تَصِحُّ طَهَارَتُهُ ( وَلَوْ ) كَانَ اسْتِعْمَالُهُ فِي رَفْعِ الْحَدَثِ ( بِغَمْسِ بَعْضِ عُضْوِ مَنْ عَلَيْهِ حَدَثٌ أَكْبَرُ ) كَجَنَابَةٍ أَوْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ ( بَعْدَ نِيَّةِ رَفْعِهِ ) أَيْ الْحَدَثِ .
وَكَذَا لَوْ انْغَمَسَ كُلُّهُ أَوْ بَعْضُهُ ، ثُمَّ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ فِيهِ ، فَيَتَسَالَبُ الطَّهُورِيَّةَ لِمَا تَقَدَّمَ ، وَلَا يَرْتَفِعُ الْحَدَثُ عَنْ ذَلِكَ الْمَغْمُوسِ وَخَرَجَ بِقَوْلِهِ : أَكْبَرُ : مَنْ عَلَيْهِ حَدَثٌ أَصْغَرُ فَلَا يَضُرُّ اغْتِرَافُ مُتَوَضِّئٍ وَلَوْ بَعْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ ، إنْ لَمْ يَنْوِ غَسْلَهَا فِيهِ لِمَشَقَّةِ تَكَرُّرِهِ .
( وَلَا يَصِيرُ ) الْمَاءُ ( مُسْتَعْمَلًا ) فِي الطَّهَارَتَيْنِ ( إلَّا بِانْفِصَالِهِ ) عَنْ الْمَغْسُولِ ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ اُسْتُعْمِلَ ، وَمَا دَامَ الْمَاءُ مُتَرَدِّدًا عَلَى الْعُضْوِ فَطَهُورٌ ، كَالْكَثِيرِ ، لَكِنْ يُكْرَهُ الْغُسْلُ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ ، وَيَرْتَفِعُ حَدَثُهُ قَبْلَ انْفِصَالِهِ ( أَوْ ) أَيْ وَكَقَلِيلِ طَهُورٍ اُسْتُعْمِلَ فِي ( إزَالَةِ خَبَثٍ ) طَارِئٍ عَلَى أَرْضٍ أَوْ غَيْرِهَا ( وَانْفَصَلَ ) فَإِنْ لَمْ يَنْفَصِلْ فَطَهُورٌ ، وَإِنْ تَغَيَّرَ بِالنَّجَاسَةِ مَا دَامَ فِي مَحَلِّ التَّطْهِيرِ ( غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ ) فَإِنْ انْفَصَلَ مُتَغَيِّرٌ بِالنَّجَاسَةِ فَنَجِسٌ ( مَعَ زَوَالِهِ ) أَيْ الْخَبَثِ فَإِنْ انْفَصَلَ وَالْخَبَثُ بَاقٍ فَنَجِسٌ مُطْلَقًا مُتَغَيِّرٌ أَوْ غَيْرُ مُتَغَيِّرٍ ( عَنْ

مَحَلٍّ ، طَهُرَ ) أَيْ صَارَ طَاهِرًا ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَحِلُّ طَهُرَ ، كَمَا قَبْلَ السَّابِعَةَ حَيْثُ اُعْتُبِرَ السَّبْعُ : فَنَجِسٌ مُطْلَقًا ، وَحَيْثُ وُجِدَتْ الْقُيُودُ الْمَذْكُورَةُ فَهُوَ طَاهِرٌ ، لِأَنَّ الْمُنْفَصِلَ بَعْضُ الْمُتَّصِلِ .
وَالْمُتَّصِلُ طَاهِرٌ ، فَكَذَلِكَ الْمُنْفَصِلُ ( أَوْ ) أَيْ وَكَطَهُورٍ قَلِيلٍ ( غَسَلَ بِهِ ذَكَرَهُ وَأُنْثَيَيْهِ لِخُرُوجِ مَذْيٍ دُونَهُ ) أَيْ الْمَذْيِ لِتَنَجُّسِهِ بِهِ ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى غَسْلِ يَدَيْ الْقَائِمِ مِنْ نَوْمِ اللَّيْلِ ( أَوْ ) أَيْ وَكَطَهُورٍ قَلِيلٍ ( غُمِسَ فِيهِ كُلُّ يَدِ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ قَائِمٍ مِنْ نَوْمِ لَيْلٍ نَاقِضٌ لِوُضُوءٍ ) لَوْ كَانَ ( أَوْ حَصَلَ ) الْمَاءُ الْقَلِيلُ ( فِي كُلِّهَا ) أَيْ الْيَدِ ، بِأَنْ صَبَّ عَلَى جَمِيعِ يَدِهِ مِنْ الْكُوعِ إلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ ( وَلَوْ بَاتَتْ ) أَيْ الْيَدُ الْمَذْكُورَةُ ( مَكْتُوفَةً أَوْ بِجِرَابٍ ) بِكَسْرِ الْجِيمِ ( وَنَحْوَهُ ) كَكِيسِ صَفِيقٍ ( قَبْلَ غَسْلِهَا ) أَيْ الْيَدِ ( ثَلَاثًا ) فَلَا يَكْفِي غَسْلُهَا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ( نَوَاهُ ) أَيْ الْغَسْلَ ( بِذَلِكَ ) الْغَمْسِ أَوْ الْحُصُولُ ( أَوْ لَا ) أَيْ أَوْ لَمْ يَنْوِهِ .
لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُدْخِلَهُمَا فِي الْإِنَاءِ ثَلَاثًا .
فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَكَذَا الْبُخَارِيُّ ، إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ ثَلَاثًا فَلَوْلَا أَنَّهُ يُفِيدُ مَعْنًى لَمْ يَنْهَ عَنْهُ ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِغَمْسِ بَعْضِ الْيَدِ وَلَا يَدِ كَافِرٍ ، وَلَا غَيْرِ مُكَلَّفٍ ، وَلَا غَيْرِ قَائِمٍ مِنْ نَوْمِ لَيْلٍ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ ، كَنَوْمِ النَّهَارِ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ الْمُكَلَّفِينَ هُمْ الْمُخَاطَبُونَ بِذَلِكَ ، وَالْمَبِيتُ إنَّمَا يَكُونُ بِاللَّيْلِ وَالْخَبَرُ إنَّمَا وَرَدَ فِي كُلِّ الْيَدِ ، وَهُوَ تَعَبُّدِيٌّ ، فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ بَعْضُهَا .
وَلَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الْمُطْلَقَةِ وَالْمَشْدُودَةِ بِنَحْوِ جِرَابٍ ، لِعُمُومِ الْخَبَرِ .
وَلِأَنَّ الْحُكْمَ إذَا

عُلِّقَ عَلَى الْمَظِنَّةِ لَمْ تُعْتَبَرْ حَقِيقَةُ الْحِكْمَةِ ، كَالْعِدَّةِ لِاسْتِبْرَاءِ الرَّحِمِ مِنْ الصَّغِيرَةِ وَالْآيِسَةِ ( وَيُسْتَعْمَلُ ذَا ) الْمَاءُ الَّذِي غَمَسَ فِيهِ كُلَّ الْيَدِ أَوْ حَصَلَ فِي كُلِّهَا : فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ ، وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ ، وَكَذَا مَا غَسَلَ بِهِ ذَكَرَهُ وَأُنْثَيَيْهِ لِخُرُوجِ مَذْيٍ دُونَهُ ( إنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ ) لِقُوَّةِ الْخِلَافِ فِيهِ ، وَالْقَائِلُونَ بِطَهُورِيَّتِهِ أَكْثَرُ مِنْ الْقَائِلِينَ بِسَلْبِهَا ( مَعَ تَيَمُّمٍ ) أَيْ ثُمَّ يَتَيَمَّمُ وُجُوبًا حَيْثُ شَرَعَ ، لِأَنَّ الْحَدَثَ لَمْ يَرْتَفِعْ لِكَوْنِ الْمَاءِ غَيْرَ طَهُورٍ فَإِنْ تَرَكَ اسْتِعْمَالَهُ أَوْ التَّيَمُّمَ بِلَا عُذْرٍ ، أَعَادَ مَا صَلَّى بِهِ ، لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ .
فَإِنْ كَانَ لِعُذْرٍ فَلَا ، كَمَا يُعْلَمُ مِنْ كَلَامِهِمْ فِيمَا يَأْتِي ، وَلَا أَثَرَ لِغَمْسِهَا فِي مَائِعٍ طَاهِرٍ ، لَكِنْ يُكْرَهُ غَمْسُهَا فِي مَائِعٍ وَأَكْلُ شَيْءٍ رَطْبٍ بِهَا ، قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ ( وَطَهُورٍ مُنِعَ مِنْهُ لِخَلْوَةِ الْمَرْأَةِ ) الْمُكَلَّفَةِ بِهِ لِطَهَارَةٍ كَامِلَةٍ عَنْ حَدَثٍ ( أَوْلَى ) بِالِاسْتِعْمَالِ ، مَعَ عَدَمِ غَيْرِهِ مِنْ هَذَا الْمَاءِ ، لِبَقَاءِ طَهُورِيَّتِهِ ، وَيَتَيَمَّمُ فِي مَحَلِّهِ .
وَعَلَى هَذَا لَوْ وَجَدَ هَذَيْنِ الْمَاءَيْنِ وَعَدِمَ غَيْرَهُمَا فَالطَّهُورُ الْمَذْكُورُ أَوْلَى مَعَ التَّيَمُّمِ ( أَوْ ) أَيْ وَكَطَهُورٍ قَلِيلٍ ( خُلِطَ بِمُسْتَعْمَلٍ ) فِي رَفْعِ حَدَثٍ أَوْ إزَالَةِ خَبَثٍ ، وَانْفَصَلَ غَيْرَ مُتَغَيِّرٍ مَعَ زَوَالِهِ عَنْ مَحَلِّ طُهْرٍ ، أَوْ غَسَلَ بِهِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَيَيْنِ لِخُرُوجِ مَذْيٍ دُونَهُ ، أَوْ غَسَلَ كُلَّ يَدِ الْقَائِمِ مِنْ نَوْمِ لَيْلٍ نَاقِضٌ لِوُضُوءٍ ، أَوْ غَمَسَ فِيهِ ، أَوْ غُسِّلَ بِهِ مَيِّتٌ وَكَانَ الْمُسْتَعْمَلُ بِحَيْثُ ( لَوْ خَالَفَهُ ) أَيْ الطَّهُورُ ( صِفَةً ) أَيْ فِي صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ ، بِأَنْ يُفْرَضَ الْمُسْتَعْمَلُ مَثَلًا أَحْمَرَ أَوْ أَصْفَرَ أَوْ أَسْوَدَ ( غَيْرَهُ ) أَيْ الطَّهُورِ الْقَلِيلِ ، فَيَسْلُبُهُ الطَّهُورِيَّةَ ( وَلَوْ بَلَغَا ) أَيْ الطَّهُورُ وَالْمُسْتَعْمَلُ

إذَنْ ( قُلَّتَيْنِ ) كَالطَّاهِرِ غَيْرِ الْمَاءِ ، وَكَخَلْطِ مُسْتَعْمَلٍ بِمُسْتَعْمَلٍ يَبْلُغَانِ قُلَّتَيْنِ ، فَلَا يَصِيرُ طَهُورًا ، وَنَصُّهُ : فِيمَنْ انْتَضَحَ مِنْ وُضُوئِهِ فِي إنَائِهِ لَا بَأْسَ ، وَإِنْ كَانَ الطَّهُورُ قُلَّتَيْنِ وَخُلِطَ مُسْتَعْمَلٌ لَمْ يُؤَثِّرْ مُطْلَقًا .

النَّوْعُ ( الثَّالِثُ ) مِنْ الْمَاءِ ( نَجِسٌ ) بِتَثْلِيثِ الْجِيمِ وَسُكُونِهَا ، وَهُوَ ضِدُّ الطَّاهِرِ .
وَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ إلَّا لِضَرُورَةٍ ، كَلُقْمَةٍ غَصَّ بِهَا وَلَا طَاهِرَ ، أَوْ عَطَشٍ مَعَ صَوْمٍ ، أَوْ طَفْيِ حَرِيقٍ مُتْلِفٍ وَيَجُوزُ بَلُّ التُّرَابِ بِهِ وَجَعْلُهُ طِينًا يُطَيَّنُ بِهِ مَا لَا يُصَلَّى عَلَيْهِ ، لَا نَحْوَ مَسْجِدٍ ( وَهُوَ ) قِسْمَانِ : الْأُوَلُ : ( مَا تَغَيَّرَ ) بِمُخَالَطَةِ ( نَجَاسَةٍ ) قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا .
وَحَكَى ابْنُ الْمُنْذِرِ الْإِجْمَاعَ عَلَى نَجَاسَةِ الْمُتَغَيِّرِ بِالنَّجَاسَةِ وَ ( لَا ) يَنْجُسُ مَا تَغَيَّرَ بِنَجَاسَةٍ ( بِمَحَلِّ تَطْهِيرٍ ) مَا دَامَ مُتَّصِلًا لِبَقَاءِ عَمَلِهِ عَلَيْهِ .
الثَّانِي : ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ : ( وَكَذَا قَلِيلٌ لَاقَاهَا ) أَيْ النَّجَاسَةَ بِلَا تَغَيُّرٍ ( وَلَوْ ) كَانَ الْقَلِيلُ ( جَارِيًا ، أَوْ ) كَانَتْ النَّجَاسَةُ الَّتِي لَاقَتْهُ ( لَمْ يُدْرِكْهَا طَرْفٌ ) أَيْ بَصَرُ النَّاظِرِ إلَيْهَا لِقِلَّتِهَا ( أَوْ ) لَمْ ( يَمْضِ زَمَنٌ تَسْرِي فِيهِ ) النَّجَاسَةُ لِمَفْهُومِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ { سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمَاءِ يَكُونُ فِي الْفَلَاةِ ، وَمَا يَنُوبُهُ مِنْ الدَّوَابِّ وَالسِّبَاعِ ؟ فَقَالَ : إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجِّسْهُ شَيْءٌ } .
وَفِي رِوَايَةٍ { لَمْ يَحْمِلْ الْخَبَثَ } رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ : عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَفْظُهُ لِأَحْمَدَ ، وَسُئِلَ ابْنُ مَعِينٍ عَنْهُ فَقَالَ : إسْنَادُهُ جَيِّدٌ وَصَحَّحَهُ الطَّحَاوِيُّ قَالَ الْخَطَّابِيِّ : وَيَكْفِي شَاهِدًا عَلَى صِحَّتِهِ : أَنَّ نُجُومَ أَهْلِ الْحَدِيثِ صَحَّحُوهُ .
وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَمَرَ بِإِرَاقَةِ مَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ } وَلَمْ يُعْتَبَرْ التَّغَيُّرُ وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ قِيلَ " يَا رَسُولَ اللَّهِ ، { أَنَتَوَضَّأُ مِنْ بِئْرِ بُضَاعَةَ ، وَهِيَ بِئْرٌ تُلْقَى فِيهَا الْحِيَضُ وَلُحُومُ الْكِلَابِ وَالنَّتْنُ ؟ قَالَ : إنَّ الْمَاءَ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ

أَبُو دَاوُد فَالظَّاهِرُ أَنَّ مَاءَهَا كَانَ يَزِيدُ عَلَى الْقُلَّتَيْنِ وَحَدِيثُ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا { الْمَاءُ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إلَّا مَا غَلَبَ عَلَى رِيحِهِ وَطَعْمِهِ وَلَوْنِهِ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ مُطْلَقٌ وَحَدِيثُ الْقُلَّتَيْنِ مُقَيَّدٌ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ .
وَبَاءُ بِضَاعَةٍ : تُضَمُّ وَتُكْسَرُ ( كَمَائِعٍ ) مِنْ نَحْوِ زَيْتٍ وَخَلٍّ وَلَبَنٍ ( وَ ) مَاءٌ ( طَاهِرٌ ) غَيْرُ مُطَهِّرٌ ، كَمُسْتَعْمَلٍ ، فَيُنَجَّسَانِ بِمُجَرَّدِ الْمُلَاقَاةِ ( وَلَوْ كَثُرَا ) لِحَدِيثِ { الْفَارَةُ تَمُوتُ فِي السَّمْنِ ، فَإِنْ كَانَ جَامِدًا فَأَلْقُوهَا وَمَا حَوْلَهَا ، وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا تَقْرَبُوهُ } وَلِأَنَّهُمَا لَا يَدْفَعَانِ النَّجَاسَةَ عَنْ غَيْرِهِمَا ، فَكَذَا عَنْ نَفْسِهِمَا .
وَمَا ذُكِرَ مِنْ نَجَاسَةِ الطَّاهِرِ بِمُجَرَّدِ الْمُلَاقَاةِ وَلَوْ كَثُرَ جَزَمَ بِهِ فِي التَّنْقِيحِ وَصَحَّحَ فِي الْإِنْصَافِ أَنَّهُ إذَا كَانَ كَثِيرًا لَا يُنَجَّسُ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ ، كَالطَّهُورِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَغَيْرِهِ ، وَتَبِعَهُ فِي الْإِقْنَاعِ ( وَ ) الطَّهُورُ ( الْوَارِدُ بِمَحَلِّ تَطْهِيرٍ ) مِنْ بَدَنٍ أَوْ ثَوْبٍ أَوْ بُقْعَةٍ ، أَوْ نَحْوِهَا : نَجِسَةٍ ( طَهُورٌ ) وَلَوْ تَغَيَّرَ لِبَقَاءِ عَمَلِهِ ( كَمَا لَمْ يَتَغَيَّرْ مِنْهُ ) أَيْ الْوَارِدُ بِمَحَلِّ التَّطْهِيرِ ( إنْ كَثُرَ ) بِأَنْ كَانَ قُلَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ مَحَلَّ التَّطْهِيرِ إنْ وَرَدَ عَلَى الْقَلِيلِ نَجَّسَهُ بِمُجَرَّدِ الْمُلَاقَاةِ وَأَنَّ الرَّاكِدَ وَالْجَارِيَ سَوَاءٌ فِيمَا تَقَدَّمَ ( وَعَنْهُ ) أَيْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ( كُلُّ جَرْيَةٍ مِنْ ) مَاءٍ ( جَارٍ ) تُعْتَبَرُ مُفْرَدَةً ( ك ) مَاءٍ ( مُنْفَرِدٍ ) إنْ كَانَتْ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ ، فَنَجِسَةٌ بِمُجَرَّدِ الْمُلَاقَاةِ .
قَالَ فِي الْكَافِي : وَجَعَلَ أَصْحَابُنَا الْمُتَأَخِّرُونَ كُلَّ جَرْيَةٍ كَالْمَاءِ الْمُنْفَرِدِ قَالَ فِي الْحَاوِي الْكَبِيرِ : هَذَا ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ قَالَ الْأَصْحَابُ : فَيُفْضِي إلَى تَنْجِيسِ نَهْرٍ كَبِيرٍ بِنَجَاسَةٍ قَلِيلَةٍ لَا كَثِيرَةٍ ، لِقِلَّةِ مَا تُحَاذِي

الْقَلِيلَةَ ؛ إذْ لَوْ فَرَضْنَا كَلْبًا فِي جَانِبِ نَهْرٍ وَشَعْرَةً مِنْهُ فِي جَانِبِهِ الْآخَرِ لَكَانَ مَا يُحَاذِيهَا لَا يَبْلُغُ قُلَّتَيْنِ ، لِقِلَّتِهِ وَالْمُحَاذِي لِلْكَلْبِ يَبْلُغُ قِلَالًا كَثِيرَةً .
( فَ ) عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَة ( مَتَى امْتَدَّتْ نَجَاسَةٌ ب ) مَاءٍ ( جَارٍ ) وَكَانَتْ كُلُّ جَرْيَةٍ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ ( فَكُلُّ جَرْيَةٌ نَجَاسَةٌ مُفْرَدَةٌ ) وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هَذِهِ الرِّوَايَةَ لِقُوَّتِهَا وَتَشْهِيرِهَا ، وَذَكَرَ مَا بَنَى عَلَيْهَا لِيُنَبِّهَ عَلَى أَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَيْهَا لَا عَلَى الْمَذْهَبِ ، كَمَا يُوهِمُهُ كَلَامُهُ فِي الْإِنْصَافِ ، وَالْمَذْهَبُ : أَنَّ الْجَارِيَ كَالرَّاكِدِ ، وَيُعْتَبَرُ مَجْمُوعُهُ ، فَإِنْ بَلَغَ قُلَّتَيْنِ لَمْ يُنَجَّسْ إلَّا بِالتَّغْيِيرِ ، وَإِنْ كَانَتْ الْجَرْيَةُ دُونَهُمَا ( وَالْجَرْيَةُ مَا أَحَاطَ بِالنَّجَاسَةِ ) مِنْ الْمَاءِ يَمْنَةً وَيَسْرَةً وَعُلُوًّا وَسُفْلًا إلَى قَرَارِ النَّهْرِ .
قَالَ الْمُوَفَّقُ : وَمَا انْتَشَرَتْ إلَيْهِ عَادَةٌ أَمَامَهَا وَوَرَاءَهَا ( سِوَى مَا وَرَاءَهَا ) أَيْ النَّجَاسَةِ مِنْ الْمَاءِ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَصِلْ إلَيْهَا .
( وَ ) سِوَى مَا ( أَمَامَهَا ) لِأَنَّهَا لَمْ تَصِلْ إلَيْهِ ( وَإِنْ لَمْ يَتَغَيَّرْ ) الطَّهُورُ ( الْكَثِيرِ لَمْ يَنْجُسْ ) بِمُلَاقَاةِ النَّجَاسَةِ لِحَدِيثِ الْقُلَّتَيْنِ ( إلَّا بِبَوْلِ آدَمِيٍّ ) وَلَوْ صَغِيرًا ( أَوْ عَذِرَةٍ ) مِنْهُ ( رَطْبَةٍ ) مَائِعَةٍ أَوْ لَا ( أَوْ يَابِسَةٍ ذَابَتْ ) فِيهِ فَيَنْجُسُ بِهِمَا ، دُونَ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ ( عِنْدَ أَكْثَر الْمُتَقَدِّمِينَ ) مِنْ الْأَصْحَابِ ( وَالْمُتَوَسِّطِينَ ) .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : كَالْقَاضِي وَالشَّرِيفِ وَابْنِ الْبَنَّاءِ وَابْنِ عَبْدُوسٍ وَغَيْرِهِمْ ، .
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَهُوَ قَوْلُ الْحَسَنِ ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَجْرِي ثُمَّ يَغْتَسِلُ مِنْهُ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَهُوَ يَتَنَاوَلُ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ ، وَخَاصٌّ بِالْبَوْلِ ، فَحُمِلَ عَلَيْهِ الْغَائِطُ ، لِأَنَّهُ أَسْوَأُ مِنْهُ ، وَقَيَّدَ بِهِ حَدِيثَ الْقُلَّتَيْنِ (

إلَّا أَنْ تَعْظُمَ مَشَقَّةُ نَزْحِهِ ) أَيْ مَا حَصَلَ فِيهِ الْبَوْلُ أَوْ الْعَذِرَةُ عَلَى مَا ذُكِرَ ( كَمَصَانِعِ مَكَّةَ ) وَطُرُقِهَا الَّتِي جُعِلَتْ مَوْرِدًا لِلْحُجَّاجِ يَصْدُرُونَ عَنْهَا وَلَا تَنْفُذُ ، فَلَا تَنْجُسُ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ قَالَ فِي الشَّرْحِ : لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَلِيلِ الْبَوْلِ وَالْعَذِرَةِ وَكَثِيرِهِمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا وَمُقَابِلُ قَوْلِ أَكْثَرِ الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَوَسِّطِينَ : أَنَّ حُكْمَ الْبَوْلِ وَالْعَذِرَةِ حُكْمُ سَائِرِ النَّجَاسَاتِ ، فَلَا يَنْجُسُ الْكَثِيرُ بِهِمَا إلَّا بِالتَّغَيُّرِ .
قَالَ فِي التَّنْقِيحِ : اخْتَارَهُ أَكْثَر الْمُتَأَخِّرِينَ وَهُوَ أَظْهَرُ ا هـ .
قَالَ فِي شَرْحِهِ : لِأَنَّ نَجَاسَةَ بَوْلِ الْآدَمِيِّ لَا تَزِيدُ عَلَى نَجَاسَةِ بَوْلِ الْكَلْبِ ، وَهُوَ لَا يُنَجِّسُ الْقُلَّتَيْنِ وَحَدِيثُ النَّهْيِ عَنْ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ لَا بُدَّ مِنْ تَخْصِيصِهِ ، بِدَلِيلِ مَا لَا يُمْكِنُ نَزْحُهُ إجْمَاعًا وَيَكُونُ تَخْصِيصُهُ بِخَبَرِ الْقُلَّتَيْنِ أَوْلَى مِنْ تَخْصِيصِهِ بِالرَّأْيِ وَالتَّحَكُّمِ وَلَوْ تَعَارَضَا يُرَجَّحُ حَدِيثُ الْقُلَّتَيْنِ ، لِمُوَافَقَتِهِ الْقِيَاسَ ( فَ ) عَلَى الْأَوَّلِ ( مَا تَنَجَّسَ ) مِنْ الْمَاءِ ( بِمَا ذُكِرَ ) مِنْ بَوْلِ الْآدَمِيِّ وَعَذِرَتِهِ ( وَلَمْ يَتَغَيَّرْ ) بِهِمَا ( فَتَطْهِيرُهُ بِإِضَافَةِ مَا يَشُقُّ نَزْحُهُ ) إضَافَةً ( بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ ) عُرْفًا بِالصَّبِّ وَإِنْ لَمْ يَتَّصِلْ ، أَوْ إجْرَاءِ سَاقِيَةٍ إلَيْهِ وَنَحْوِهِ ، لِأَنَّ هَذَا الْمُضَافَ يَدْفَعُ تِلْكَ النَّجَاسَةَ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا يَنْجُسُ إلَّا بِالتَّغَيُّرِ لَوْ وَرَدَتْ عَلَيْهِ ، فَأَوْلَى إذَا كَانَ وَارِدًا عَلَيْهَا ، وَمِنْ ضَرُورَةِ الْحُكْمِ بِطَهُورِيَّتِهِ : طَهُورِيَّةُ مَا اخْتَلَطَ بِهِ

( وَإِنْ تَغَيَّرَ ) مَا تَنَجَّسَ بِبَوْلِ الْآدَمِيِّ أَوْ عُذْرَتِهِ ( فَإِنْ شَقَّ نَزْحُهُ فَ ) تَطْهِيرُهُ ( بِزَوَالِ تَغَيُّرِهِ بِنَفْسِهِ ، أَوْ ) زَوَالِ تَغَيُّرِهِ ( بِإِضَافَةِ مَا يَشُقُّ نَزْحُهُ ) إلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ ( أَوْ ) زَوَالِ تَغَيُّرِهِ ( بِنَزْحٍ ) مِنْهُ ، وَلَوْ مُتَفَرِّقًا بِحَيْثُ ( يَبْقَى بَعْدَهُ ) أَيْ النَّزْحِ ( مَا يَشُقُّ نَزْحُهُ ) لِأَنَّهُ لَا عِلَّةَ لِتَنْجِيسِ مَا بَلَغَ هَذَا الْحَدَّ ، إلَّا بِالتَّغَيُّرِ فَإِذَا زَالَ عَادَ إلَى أَصْلِهِ ، كَالْخَمْرَةِ تَنْقَلِبُ بِنَفْسِهَا خَلًّا .
وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي النَّزْحِ كَثْرَةٌ ، لِأَنَّ الْحُكْمَ بِالطَّهُورِيَّةِ مِنْ حَيْثُ زَوَالُ التَّغَيُّرِ ، وَأَنَّهُ لَوْ زَالَ التَّغَيُّرُ بِإِضَافَةِ غَيْرِ الْمَاءِ إلَيْهِ لَمْ يَطْهُرْ بِهِ بَلْ بِالْإِضَافَةِ ، وَأَنَّ الْمُضَافَ إذَا لَمْ يَشُقَّ نَزْحُهُ لَمْ يَطْهُرْ الْمَاءُ ، وَإِنْ صَارَ الْمَجْمُوعُ يَشُقُّ نَزْحُهُ ( وَإِنْ لَمْ يَشُقَّ ) نَزْحُ الْمُتَغَيِّرِ بِهَذِهِ النَّجَاسَةِ ( فَ ) تَطْهِيرُهُ ( بِإِضَافَةِ مَا يَشُقُّ نَزْحُهُ ) إلَيْهِ فَقَطْ ، لِمَا تَقَدَّمَ ( مَعَ زَوَالِ تَغَيُّرِهِ ) لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ تَطْهِيرُهُ ، مَعَ بَقَاءِ عِلَّةِ التَّنْجِيسِ ( وَمَا تَنَجَّسَ بِغَيْرِهِ ) أَيْ بِغَيْرِ مَا ذُكِرَ مِنْ الْبَوْلِ وَالْعَذِرَةِ ( وَلَمْ يَتَغَيَّرْ ) بِأَنْ كَانَ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ ( فَ ) تَطْهِيرُهُ ( بِإِضَافَةِ كَثِيرٍ ) بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ عُرْفًا ؛ لِأَنَّ هَذَا الْمُضَافَ يَدْفَعُ هَذِهِ النَّجَاسَةَ عَنْ نَفْسِهِ ، فَيَدْفَعُهَا عَمَّا اتَّصَلَ بِهِ

( وَإِنْ تَغَيَّرَ ) الْمُتَنَجِّسُ بِغَيْرِ الْبَوْلِ وَالْعَذِرَةِ ( فَإِنْ كَثُرَ ف ) تَطْهِيرُهُ ( بِزَوَالِ تَغَيُّرِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِإِضَافَةِ ) طَهُورٍ ( كَثِيرٍ أَوْ بِنَزْحٍ ) مِنْهُ بِحَيْثُ ( يَبْقَى بَعْدَهُ كَثِيرٌ ) لِمَا تَقَدَّمَ ( وَالْمَنْزُوحُ ) مِمَّا تَغَيَّرَ بِالْبَوْلِ أَوْ غَيْرِهِ ( طَهُورٌ بِشَرْطِهِ ) .
قَالَ ابْنُ قُنْدُسٍ : وَالْمُرَادُ آخِرُ مَا نُزِحَ مِنْ الْمَاءِ ، وَزَالَ مَعَهُ التَّغَيُّرُ ، وَلَمْ يُضَفْ إلَى غَيْرِهِ مِنْ الْمَنْزُوحِ الَّذِي لَمْ يَزُلْ التَّغَيُّرُ بِنَزْحِهِ .
وَفِيهِ وَجْهٌ : أَنَّهُ طَاهِرٌ قَالَ : وَمَحَلُّ الْخِلَافِ : إذَا كَانَ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ .
فَإِنْ كَانَ قُلَّتَيْنِ فَطَهُورٌ جَزْمًا ، وَأَطَالَ وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْإِنْصَافِ ، وَاعْتَبَرَ فِي شَرْحِهِ أَيْضًا أَنْ يَبْلُغَ حَدًّا يَدْفَعُ بِهِ تِلْكَ النَّجَاسَةَ الَّتِي نَزَحَ مِنْ أَجْلِهَا عَنْ نَفْسِهِ ، وَلَوْ سَقَطَتْ فِيهِ وَلَمْ تُغَيِّرْهُ ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِمَا تَقَدَّمَ لَكَ .
وَاعْتَبَرَ فِي الْإِنْصَافِ أَنْ لَا تَكُونَ عَيْنُ النَّجَاسَةِ فِيهِ وَهُوَ وَاضِحٌ حَيْثُ كَانَ الْكَلَامُ فِي الْقَلِيلِ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمَاءُ النَّجِسُ الْمُتَغَيِّرُ بِغَيْرِ الْبَوْلِ وَالْعَذِرَةِ كَثِيرًا ، بِأَنْ كَانَ قَلِيلًا ( أَوْ كَانَ كَثِيرًا مُجْتَمِعًا مِنْ مُتَنَجِّسٍ يَسِيرٍ فَ ) تَطْهِيرُهُ ( بِإِضَافَةِ ) طَهُورٍ ( كَثِير ) إلَيْهِ ( مَعَ زَوَالِ تَغَيُّرِهِ ) وَعُلِمَ مِنْهُ : أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ بِإِضَافَةِ الْيَسِيرِ ، لِأَنَّهُ لَا يَدْفَعُ النَّجَاسَةَ عَنْ نَفْسِهِ " تَنْبِيهٌ " ظَهَرَ مِمَّا سَبَقَ أَنَّ نَجَاسَةَ الْمَاءِ حُكْمِيَّةٌ ، وَصَوَّبَهُ فِي الْإِنْصَافِ ، وَذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ لِأَنَّهُ يُطَهِّرُ غَيْرَهُ ، فَنَفْسُهُ أَوْلَى وَأَنَّهُ كَالثَّوْبِ النَّجِسِ ، وَنُقِلَ فِي الْفُرُوعِ عَنْ بَعْضِهِمْ : أَنَّهُ يَصِحُّ بَيْعُهُ قُلْتُ : وَهُوَ بَعِيدٌ إذْ نَجَاسَةُ الْخَمْرِ حُكْمِيَّةٌ ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ .

( وَلَا يَجِبُ غَسْلُ جَوَانِبِ بِئْرٍ نُزِحَتْ ) ضَيِّقَةً كَانَتْ أَوْ وَاسِعَةً ، دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ ( وَالْكَثِيرُ ) مِنْ الْمَاءِ حَيْثُ أُطْلِقَ ( قُلَّتَانِ فَصَاعِدًا ) أَيْ فَأَكْثَر بِقِلَالِ هَجَرَ - بِفَتْحِ الْجِيمِ وَالْهَاءِ - قَالَ فِي الْقَامُوسِ : قَرْيَةٌ كَانَتْ قُرْبَ الْمَدِينَةِ ، إلَيْهَا تُنْسَبُ الْقِلَالُ ، وَالْقُلَّةُ الْجَرَّةُ الْعَظِيمَةُ ، لِأَنَّهَا تُقَلُّ بِالْأَيْدِي ، أَيْ تُرْفَعُ بِهَا .
( وَالْيَسِيرُ وَالْقَلِيلُ مَا دُونَهُمَا ) لِحَدِيثِ { إذَا بَلَغَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ } وَخُصَّتَا بِقِلَالِ هَجَرَ ، لِمَا رَوَى الْخَطَّابِيِّ بِإِسْنَادِهِ إلَى ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرْسَلًا { إذَا كَانَ الْمَاءُ قُلَّتَيْنِ بِقِلَالِ هَجَرَ } وَلِأَنَّهَا أَكْبَرُ مَا يَكُونُ مِنْ الْقِلَالِ ، وَأَشْهَرُهَا فِي عَصْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْخَطَّابِيِّ : هِيَ مَشْهُورَةُ الصِّفَةِ ، مَعْلُومَةُ الْمِقْدَارِ ، لَا تَخْتَلِفُ كَمَا لَا تَخْتَلِفُ الصِّيعَانُ وَالْمَكَايِيلُ .
فَلِذَلِكَ حَمَلْنَا الْحَدِيثَ عَلَيْهَا ، وَعَمِلْنَا بِالِاحْتِيَاطِ ( وَهُمَا خَمْسُمِائَةِ رَطْلٍ ) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا ( عِرَاقِيٌّ ) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ : رَأَيْت قِلَالَ هَجَرَ فَرَأَيْت الْقُلَّةَ تَسَعُ قِرْبَتَيْنِ وَشَيْئًا .
وَالْقِرْبَةُ مِائَةُ رِطْلٍ بِالْعِرَاقِيِّ ، بِاتِّفَاقِ الْقَائِلِينَ بِتَحْدِيدِ الْمَاءِ بِالْقِرَبِ وَالِاحْتِيَاطُ أَنْ يُجْعَلَ الشَّيْءُ نِصْفًا ، لِمَا يَأْتِي .
( وَ ) هُمَا ( أَرْبَعُمِائَةُ رِطْلٍ وَسِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ ) رِطْلًا ( وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ رِطْلٍ مِصْرِيٍّ وَمَا وَافَقَهُ ) كَالْمَكِّيِّ وَالْمَدَنِيِّ .
( وَ ) هُمَا ( مِائَةُ ) رِطْلٍ ( وَسَبْعَةُ ) أَرْطَالٍ ( وَسُبْعُ رِطْلٍ دِمَشْقِيٍّ وَمَا وَافَقَهُ ) فِي قَدْرِهِ ، كَالصَّفَدِيِّ .
( وَ ) هُمَا ( تِسْعَةٌ وَثَمَانُونَ ) رِطْلًا ( وَسُبْعَا رِطْلٍ حَلَبِيٍّ .
وَمَا وَافَقَهُ ) كَالْبَيْرُوتِيِّ ( وَ ) هُمَا ( ثَمَانُونَ ) رِطْلًا ( وَسُبْعَانِ وَنِصْفُ سُبْعِ رِطْلٍ قُدْسِيٍّ وَمَا وَافَقَهُ ) كَالنَّابُلُسِيِّ وَالْحِمْصِيِّ ( وَأَحَدٌ

وَسَبْعُونَ رِطْلًا وَثَلَاثَةُ أَسْبَاعِ رِطْلٍ بَعْلِيٍّ ، وَمَا وَافَقَهُ .
تَقْرِيبًا ) لَا تَحْدِيدًا ( فَلَا يَضُرُّ نَقْصٌ يَسِيرٌ ) كَرِطْلٍ عِرَاقِيٍّ أَوْ رِطْلَيْنِ ، لِأَنَّ الَّذِينَ نَقَلُوا تَقْدِيرَ الْقِلَالِ لَمْ يَضْبُطُوهَا بِحَدٍّ ، إنَّمَا قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ : الْقُلَّةُ تَسَعُ قِرْبَتَيْنِ أَوْ قِرْبَتَيْنِ وَشَيْئًا ، وَجَعَلُوا الشَّيْءَ نِصْفًا احْتِيَاطًا ، لِأَنَّهُ أَقْصَى مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ شَيْءٍ مُنَكَّرًا ، وَهَذَا لَا تَحْدِيدَ فِيهِ .
وَقَالَ يَحْيَى بْنُ عَقِيلٍ : أَظُنُّهَا تَسَعُ قِرْبَتَيْنِ ( وَمِسَاحَتُهُمَا أَيْ الْقُلَّتَيْنِ .
أَيْ مِسَاحَةُ مَا يَسَعُهُمَا مُرَبَّعًا : ذِرَاعٌ وَرُبُعٌ طُولًا وَ ) ذِرَاعٌ وَرُبُعٌ ( عَرْضًا .
وَ ) ذِرَاعٌ وَرُبُعٌ ( عُمْقًا ) قَالَهُ ابْنُ حَمْدَانَ وَغَيْرُهُ ( بِذِرَاعِ الْيَدِ ) .
قَالَ الْقَمُولِيُّ الشَّافِعِيُّ ( وَ ) مِسَاحَةُ مَا يَسَعُهُمَا ( مُدَوَّرًا ذِرَاعٌ طُولًا ) مِنْ كُلِّ جِهَةٍ مِنْ حَافَّتِهِ إلَى مَا يُقَابِلُهَا ( وَذِرَاعَانِ ) قَالَ ( الْمُنَقِّحُ : وَالصَّوَابُ وَنِصْفُ ذِرَاعٍ عُمْقًا ) قَالَ الْمُنَقِّحُ ( حَرَّرَتْ ذَلِكَ فَيَسَعُ كُلُّ قِيرَاطٍ ) مِنْ قَرَارِيطِ الذِّرَاعِ مِنْ الْمُرَبَّعِ ( عَشَرَةَ أَرْطَالٍ وَثُلُثَيْ رِطْلٍ عِرَاقِيٍّ ) ا هـ .
وَذَلِكَ أَنْ تَضْرِبَ الْبَسْطَ فِي الْبَسْطِ ، وَالْمَخْرَجَ فِي الْمَخْرَجَ ، وَتَقْسِمَ الْحَاصِلَ الْأَوَّلَ عَلَى الثَّانِي يُخْرِجُ الذِّرَاعَ ، فَخُذْ قَرَارِيطَهُ وَاقْسِمْ الْخَمْسَمِائَةِ رِطْلٍ عَلَيْهَا يَخْرُجُ مَا ذُكِرَ ، فَبَسْطُ الذِّرَاعِ وَالرُّبْعُ خَمْسَةٌ ، وَمَخْرَجُهُ أَرْبَعَةٌ ، وَقَدْ تَكَرَّرَ ثَلَاثًا : طُولًا وَعَرْضًا وَعُمْقًا ، فَإِذَا ضَرَبْت خَمْسَةً فِي خَمْسَةٍ وَالْحَاصِلَ فِي خَمْسَةٍ حَصَلَ مِائَةٌ وَخَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ .
وَإِذَا ضَرَبْت أَرْبَعَةً فِي أَرْبَعَةٍ وَالْحَاصِلَ فِي أَرْبَعَةٍ حَصَلَ أَرْبَعَةٌ وَسِتُّونَ فَاقْسِمْ عَلَيْهَا الْأَوَّلَ يَخْرُجْ ذِرَاعٌ وَسَبْعَةُ أَثْمَانِ ذِرَاعٍ وَخَمْسَةُ أَثْمَانِ ثُمُنِ ذِرَاعٍ ، فَإِذَا جَعَلْتهَا قَرَارِيطَ وَجَدْتهَا سِتَّةً وَأَرْبَعِينَ قِيرَاطًا وَسَبْعَةَ أَثْمَانِ قِيرَاطٍ ، فَاقْسِمْ عَلَيْهَا

الْخَمْسَمِائَةِ يَخْرُجْ مَا ذُكِرَ ، وَبِهَذَا يَظْهَرُ لَكَ سُقُوطُ اعْتِرَاضِ الْحَجَّاوِيِّ فِي حَاشِيَةِ التَّنْقِيحِ عَلَيْهِ ، وَأَمَّا قِيرَاطُ الْمُرَبَّعِ نَفْسِهِ فَيَسَعُ عِشْرِينَ رِطْلًا وَخَمْسَةَ أَسْدَاسِ رِطْلٍ عِرَاقِيٍّ .
( وَ ) الرِّطْلُ ( الْعِرَاقِيُّ ) وَزْنُهُ بِالدَّرَاهِمِ ( مِائَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ ) دِرْهَمًا ( وَأَرْبَعَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ وَ ) بِالْمَثَاقِيلِ ( تِسْعُونَ مِثْقَالًا ) بِالِاسْتِقْرَاءِ ، فَهُوَ سُبْعُ الْبَعْلِيِّ وَ ( سُبْعِ ) الرِّطْلِ ( الْقُدْسِيِّ وَثُمُنُ سُبْعِهِ وَسُبْعُ ) الرِّطْلِ ( الْحَلَبِيِّ وَرُبُعُ سُبْعِهِ وَسُبْعُ ) الرِّطْلِ ( الدِّمَشْقِيِّ وَنِصْفُ سُبْعِهِ وَنِصْفُ الْمِصْرِيِّ وَرُبْعُهُ وَسُبْعُهُ ) وَالرِّطْلُ الْبَعْلِيُّ : تِسْعُمِائَةُ دِرْهَمٍ .
وَالْقُدْسِيُّ : ثَمَانِمِائَةُ دِرْهَمٍ ، وَالْحَلَبِيُّ : سَبْعُمِائَةٍ وَعِشْرُونَ دِرْهَمًا ، وَالدِّمَشْقِيُّ سِتّمِائَةِ دِرْهَمٍ ، وَالْمِصْرِيُّ مِائَةٌ وَأَرْبَعَةٌ وَأَرْبَعُونَ دِرْهَمًا ، وَكُلُّ رِطْلٍ اثْنَتَا عَشْرَةَ أُوقِيَّةً فِي كُلِّ الْبُلْدَانِ ، وَأُوقِيَّةُ الْعِرَاقِيِّ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ وَخَمْسَةُ أَسْبَاعِ دِرْهَمٍ ، وَأُوقِيَّةُ الْمِصْرِيِّ اثْنَا عَشَرَ دِرْهَمًا ، وَأُوقِيَّةُ الدِّمَشْقِيِّ خَمْسُونَ دِرْهَمًا ، وَأُوقِيَّةُ الْحَلَبِيِّ سِتُّونَ دِرْهَمًا ، وَأُوقِيَّةُ الْقُدْسِيِّ سِتَّةٌ وَسِتُّونَ دِرْهَمًا وَثُلُثَا دِرْهَمٍ ، وَأُوقِيَّةُ الْبَعْلِيِّ خَمْسَةٌ وَسَبْعُونَ دِرْهَمًا ( وَلَهُ ) أَيْ مُرِيدِ الطَّهَارَةِ ( اسْتِعْمَالُ مَا لَا يَنْجُسُ ) مِنْ الْمَاءِ ( إلَّا بِالتَّغَيُّرِ ) وَهُوَ مَا بَلَغَ حَدًّا يَدْفَعُ بِهِ تِلْكَ النَّجَاسَةَ عَنْ نَفْسِهِ ( وَلَوْ مَعَ قِيَامِ [ النَّجَاسَةِ ] فِيهِ ) وَلَمْ يَتَغَيَّرْ بِهَا .
( وَ ) لَوْ كَانَ ( بَيْنَهُ ) أَيْ الْمُسْتَعْمَلِ ( وَبَيْنَهَا قَلِيلٌ ) لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْمَجْمُوعِ ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا قَرُبَ مِنْهَا وَمَا بَعُدَ ، فَإِنْ تَغَيَّرَ بَعْضُهُ فَالْبَاقِي طَهُورٌ إنْ كَثُرَ

( وَمَا اُنْتُضِحَ مِنْ ) مَاءٍ ( قَلِيلٍ لِسُقُوطِهَا ) أَيْ النَّجَاسَةَ ( فِيهِ : نَجُسَ ) لِأَنَّهُ لَاقَى النَّجَاسَةَ ، وَهُوَ قَلِيلٌ ، بِخِلَافِ مَا اُنْتُضِحَ مِنْ كَثِيرٍ وَلَمْ يَتَغَيَّرْ ، لِأَنَّهُ بَعْضُ الْمُتَّصِلِ ، فَيُعْطَى حُكْمَهُ ( وَيُعْمَلُ ) عِنْدَ الشَّكِّ ( بِيَقِينٍ فِي كَثْرَة مَاءٍ وَطَهَارَتِهِ وَنَجَاسَتِهِ ) لِحَدِيثِ { دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلَى مَا لَا يَرِيبُكَ } .
( وَلَوْ مَعَ سُقُوطِ عَظْمٍ وَرَوْثٍ شُكَّ فِي نَجَاسَتِهِمَا ) فَيُطْرَحُ الشَّكُّ ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْمَاءِ عَلَى حَالِهِ ( أَوْ ) مَعَ سُقُوطِ ( طَاهِرٍ وَنَجِسٍ وَتَغَيَّرَ ) أَيْ الْمَاءُ الْكَثِير بِ ( أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُعْلَمْ ) أَهُوَ الطَّاهِرُ أَوْ النَّجِسُ ؟ عُمِلَ بِالْأَصْلِ وَهُوَ بَقَاءُ الْمَاءِ عَلَى طَهُورِيَّتِهِ وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ تَغَيُّرُهُ لَوْ فُرِضَ بِالطَّاهِرِ لَسَلَبَهُ الطَّهُورِيَّةَ ، وَشَمِلَ كَلَامُهُمْ : مَا لَوْ شُكَّ فِي وُلُوغِ كَلْبٍ أَدْخَلَ رَأْسَهُ فِي إنَاءٍ ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ وَبِفِيهِ رُطُوبَةٌ ، فَلَا يَنْجُسُ لَكِنْ يُكْرَهُ مَا ظُنَّتْ نَجَاسَتُهُ احْتِيَاطًا .

( وَإِنْ أَخْبَرَهُ ) أَيْ مُرِيدَ الطَّهَارَةِ ( عَدْلٌ ) ظَاهِرًا ، رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ ، حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ ، لَا كَافِرٌ وَفَاسِقٌ ، وَغَيْرُ بَالِغٍ ( وَعَيَّنَ السَّبَبَ ) أَيْ سَبَبَ مَا أَخْبَرَ بِهِ مِنْ نَجَاسَةِ الْمَاءِ ( قُبِلَ ) لُزُومًا ، لِأَنَّهُ خَبَرٌ دِينِيٌّ ، كَالْقِبْلَةِ وَهِلَالِ رَمَضَانَ ، وَشَمِل كَلَامُهُ : مَا لَوْ أَخْبَرَهُ بِأَنَّ كَلْبًا وَلَغَ فِي هَذَا الْإِنَاءِ دُونَ هَذَا الْآخِرِ ، وَعَاكَسَهُ آخَرُ ، فَيُعْمَلُ بِكُلٍّ مِنْهُمَا فِي الْإِثْبَاتِ ، دُونَ النَّفْيِ .
لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِمَا ، مَا لَمْ يُعَيِّنَا كَلْبًا وَاحِدًا ، وَقْتًا لَا يُمْكِنُ شُرْبُهُ فِيهِ مِنْهُمَا ، فَيَتَسَاقَطَا فَإِنْ أَثْبَتَ أَحَدُهُمَا وَنَفَى الْآخَرَ قُدِّمَ قَوْلُ الْمُثْبِتِ ، إلَّا أَنْ يَكُونَ لَمْ يَتَحَقَّقْهُ ، مِثْلُ الضَّرِيرِ الَّذِي يُخْبِرُ عَنْ حِسِّهِ ، فَيُقَدَّمُ قَوْلُ الْبَصِيرِ وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ : أَنَّهُ إنْ لَمْ يُعَيِّنْ السَّبَبَ لَمْ يَلْزَمْ قَبُولُ خَبَرِهِ .
وَظَاهِرُهُ : وَلَوْ فَقِيهًا مُوَافِقًا ، لِاحْتِمَالِ نَحْوِ وَسْوَسَةٍ وَإِنْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ ثُمَّ عَلِمَ نَجَاسَتَهُ أَعَادَ وَنَصُّهُ : حَتَّى يَتَيَقَّنَ بَرَاءَتَهُ ، وَإِنْ شَكَّ هَلْ كَانَ اسْتِعْمَالُهُ قَبْلَ نَجَاسَةِ الْمَاءِ أَوْ بَعْدَهَا ؟ لَمْ يُعِدْ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ .

( وَإِنْ اشْتَبَهَ طَهُورٌ مُبَاحٌ بِمُحَرَّمٍ ) لَمْ يَتَحَرَّ ( أَوْ ) اشْتَبَهَ طَهُورٌ مُبَاحٌ ب ( نَجِسٍ لَمْ يَكُنْ تَطْهِيرُهُ بِهِ ) بِأَنْ كَانَ الطَّهُورُ دُونَ الْقُلَّتَيْنِ ، أَوْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إنَاءٌ يَسَعُهُمَا ( وَلَا طَهُورٌ مُبَاحٌ ) مِنْ الْمَاءِ عِنْدَهُ ( بِيَقِينٍ لَمْ يَتَحَرَّ ) أَيْ لَمْ يَجْتَهِدْ ، حَتَّى يَغْلِبَ عَلَى ظَنِّهِ أَيُّهُمَا الطَّهُورُ الْمُبَاحُ ؟ فَيَسْتَعْمِلُهُ ( وَلَوْ زَادَ عَدَدُ الطَّهُورِ الْمُبَاحِ ) لِأَنَّهُ اشْتِبَاهُ مُبَاحٍ بِمَحْظُورٍ فِيمَا لَا تُبِيحُهُ الضَّرُورَةُ ، فَلَمْ يُجْزِئُ التَّحَرِّي ، كَمَا لَوْ اشْتَبَهَتْ أُخْتُهُ بِأَجْنَبِيَّاتٍ أَوْ مُذَكَّاةٌ بِمَيِّتَةٍ .
فَإِنْ أَمْكَنَ تَطْهِيرُهُ بِهِ كَأَنْ كَانَ الطَّهُورُ قُلَّتَيْنِ ، وَعِنْدَهُ إنَاءٌ يَسَعُهُمَا لَزِمَهُ خَلْطُهُمَا وَاسْتِعْمَالُهُ .

( وَيَتَيَمَّمُ ) وَلَوْ ( بِلَا إعْدَامٍ ) بِإِرَاقَةٍ أَوْ خَلْطٍ ، خِلَافًا لِلْخِرَقِيِّ ، لِأَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ الطَّهُورِ ، كَمَنْ عِنْدَهُ بِئْرٌ لَا يُمْكِنُهُ وُصُولٌ لِمَائِهِ ( وَلَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ ) إذَا تَيَمَّمَ وَصَلَّى أَدَاءً ( وَلَوْ عَلِمَهُ ) أَيْ الطَّهُورَ الْمُبَاحَ ( بَعْدَ ) فَرَاغِهِ مِنْهَا ، لِأَنَّهُ فَعَلَ مَا هُوَ مَأْمُورٌ بِهِ ، كَمَنْ عَدِمَ الْمَاءَ وَصَلَّى بِالتَّيَمُّمِ ، ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ .
وَلَوْ تَوَضَّأَ مِنْ أَحَدِهِمَا حَالَ الِاشْتِبَاهِ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ طَهُورٌ ، لَمْ يَصِحَّ وُضُوءُهُ .

( وَيَلْزَمُ مَنْ عَلِمَ النَّجَسَ إعْلَامُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَسْتَعْمِلَهُ ) وَظَاهِرُهُ : وَلَوْ قِيلَ : إنَّ إزَالَتَهَا لَيْسَتْ شَرْطًا لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ ، خِلَافًا لِمَا فِي الْإِقْنَاعِ .
وَمَنْ أَصَابَهُ مَاءُ مِيزَابٍ ، وَلَا أَمَارَةَ عَلَى نَجَاسَتِهِ : كُرِهَ سُؤَالُهُ عَنْهُ ، نَقَلَهُ صَالِحٌ لِقَوْلِ عُمَرَ لِصَاحِبِ الْحَوْضِ ( لَا تُخْبِرْنَا ) فَلَا يَلْزَمُ جَوَابُهُ قَالَ الْأَزَجِيُّ : إنْ لَمْ يَعْلَمْ نَجَاسَتَهُ .

( وَيَلْزَمُهُ ) أَيْ مَنْ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ طَاهِرٌ بِنَجِسٍ ( التَّحَرِّي لِحَاجَةِ شُرْبٍ أَوْ أَكْلٍ ) كَمَنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ مَيِّتَةٌ بِمُذَكَّاةٍ وَاحْتَاجَ لِلْأَكْلِ أَوْ طَاهِرٌ بِنَجِسٍ وَاحْتَاجَ لِلشُّرْبِ ؛ لِأَنَّ النَّجِسَ هُنَا تُبِيحُهُ الضَّرُورَاتُ ، فَإِنْ لَمْ يَغْلِبْ عَلَى ظَنِّهِ شَيْءٌ اسْتَعْمَلَ أَحَدَهُمَا لِأَنَّهُ حَالُ ضَرُورَةٍ وَلَا يَلْزَمُهُ إذَا اسْتَعْمَلَ أَحَدَهُمَا ( غَسْلُ فَمِهِ ) لِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ .

( وَ ) إنْ اشْتَبَهَ طَهُورٌ ( بِطَاهِرٍ ) وَ ( أَمْكَنَ ) هـ ( جَعْلُهُ ) أَيْ الطَّاهِرَ ( طَهُورًا بِهِ ) أَيْ الطَّهُورَ ، كَأَنْ كَانَ الطَّهُورُ قُلَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ ، وَعِنْدَهُ مَا يَسَعُهُمَا ( أَوْ لَا ) أَيْ أَوْ لَمْ يُمْكِنْهُ جَعْلُهُ طَهُورًا بِهِ ( يَتَوَضَّأُ مَرَّةً ) أَيْ وُضُوءًا وَاحِدًا ، يَأْخُذُ لِكُلِّ عُضْوٍ ( مِنْ ذَا ) الْمَاءِ ( غَرْفَةً ، وَمِنْ ذَا ) الْمَاءِ ( غَرْفَةً ) يَعُمُّ بِكُلِّ غَرْفَةٍ الْعُضْوَ لُزُومًا لِأَنَّ الْوُضُوءَ الْوَاحِدَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ مَجْزُومٌ بِنِيَّةِ كَوْنِهِ رَافِعًا ، بِخِلَافِ الْوُضُوءَيْنِ فَلَا يُدْرَى أَيُّهُمَا الرَّافِعُ لِلْحَدَثِ .
( وَيُصَلِّي صَلَاةً ) أَيْ يُصَلِّي الْفَرْضَ مَرَّةً ( وَاحِدَةً ) قَالَ فِي الشَّرْح : لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا ( وَيَصِحُّ ذَلِكَ ) أَيْ الْوُضُوءُ مِنْ ذَا غُرْفَةٌ وَمِنْ ذَا غُرْفَةٌ ( وَلَوْ مَعَ طَهُورٍ بِيَقِينٍ ) لِأَنَّهُ اسْتَعْمَلَ الطَّهُورُ جَازِمًا بِالنِّيَّةِ ، بِخِلَافِهِ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ يَتَوَضَّأُ وُضُوءَيْنِ وَكَذَا حُكْمُ الْغُسْلِ وَإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ ، وَعُلِمَ مِنْهُ : أَنَّهُ لَا يَتَحَرَّى فِي مُطْلَقٍ وَطَاهِرٍ .

( وَإِنْ اشْتَبَهَتْ ثِيَابٌ طَاهِرَةٌ ) مُبَاحَةٌ ( ب ) ثِيَابٍ ( نَجِسَةٍ أَوْ ) بِثِيَابٍ ( مُحَرَّمَةٍ ، وَلَا طَاهِرَ مُبَاحَ بِيَقِينٍ ) عِنْدَهُ لِيَسْتُرَ مَا يَجِبُ سَتْرُهُ ( فَإِنْ عَلِمَ عَدَدَ ) ثِيَابٍ ( نَجِسَةٍ أَوْ ) ثِيَابٍ ( مُحَرَّمَةٍ ، صَلَّى فِي كُلِّ ثَوْبٍ ) مِنْهَا ( صَلَاةً ) بِعَدَدِ النَّجِسَةِ أَوْ الْمُحَرَّمَةِ ( وَزَادَ ) عَلَى الْعَدَدِ ( صَلَاةً ) يَنْوِي بِكُلِّ صَلَاةٍ الْفَرْضَ احْتِيَاطًا كَمَنْ نَسِيَ صَلَاةً مِنْ يَوْمٍ وَجَهِلَهَا لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ أَدَاءُ فَرْضِهِ بِيَقِينٍ ، فَلَزِمَهُ ، كَمَا لَوْ لَمْ تَشْتَبِهْ ، وَلَا أَثَرَ لِعِلْمِهِ عَدَدَ الطَّاهِرَةِ أَوْ الْمُبَاحَةِ .
( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ عَدَدَ نَجِسَةٍ أَوْ مُحَرَّمَةٍ ( فَ ) إنَّهُ يُصَلِّي فِي كُلِّ ثَوْبٍ مِنْهَا صَلَاةً ( حَتَّى يَتَيَقَّنَ صِحَّتَهَا ) أَيْ حَتَّى يَتَيَقَّنَ أَنَّهُ صَلَّى فِي طَاهِرٍ مُبَاحٍ ، وَلَوْ كَثُرَتْ ؛ لِأَنَّ هَذَا يَنْدُرُ جِدًّا فَأُلْحِقَ بِالْغَالِبِ وَفَرَّقَ أَحْمَدُ بَيْنَ الثِّيَابِ وَالْأَوَانِي ، بِأَنَّ الْمَاءَ يَلْصَقُ بِبَدَنِهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَا هُنَا وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ : أَنَّ عَلَيْهَا أَمَارَةً تَدُلُّ عَلَيْهَا وَلَا بَدَلَ لَهَا يُرْجَعُ إلَيْهِ ، وَلَا تَصِحُّ فِي الثِّيَابِ الْمُشْتَبِهَةِ مَعَ طَاهِرٍ مُبَاحٍ يَقِينًا ، وَلَوْ كَثُرَتْ لِأَنَّ هَذَا يَنْدُرُ ، وَلَا إمَامَةُ مَنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الثِّيَابُ .
( وَكَذَا ) أَيْ كَالثِّيَابِ النَّجِسَةِ إذَا اشْتَبَهَتْ بِطَاهِرَةٍ ، وَلَا طَاهِرَ بِيَقِينٍ ( أَمْكِنَةٌ ضَيِّقَةٌ ) بَعْضُهَا نَجِسٌ وَاشْتَبَهَ فَلَا يَتَحَرَّى ، بَلْ إنْ اشْتَبَهَتْ زَاوِيَةٌ مِنْهَا طَاهِرَةٌ بِنَجِسَةٍ وَلَا سَبِيلَ إلَى مَكَان طَاهِرٍ بِيَقِينٍ صَلَّى مَرَّتَيْنِ فِي زَاوِيَتَيْنِ مِنْهُ ، فَإِنْ تَنَجَّسَتْ زَاوِيَتَانِ كَذَلِكَ صَلَّى فِي ثَلَاثٍ ، وَكَذَا وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَ عَدَدَ النَّجَاسَةِ صَلَّى ، حَتَّى يَتَيَقَّنَ أَنَّهُ صَلَّى فِي مَكَان طَاهِرٍ ، احْتِيَاطًا وَيُصَلِّي فِي فَضَاءٍ وَاسِعٍ حَيْثُ شَاءَ ، بِلَا تَحَرٍّ ، دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ ، وَلَمَّا انْتَهَى مِنْ الْكَلَامِ عَلَى الْمَاءِ ، وَكَانَ لَا

يُقَوَّمُ إلَّا بِالْآنِيَةِ أَعْقَبَهُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَيُنَاسِبُهَا ، فَقَالَ :

بَابُ الْآنِيَةِ لُغَةً وَعُرْفًا ( الْأَوْعِيَةُ ) جَمْعُ إنَاءٍ وَوِعَاءٍ كَسِقَاءٍ وَأَسْقِيَةٍ .
وَجَمْعُ الْآنِيَةِ : أَوَانٍ ، وَالْأَوْعِيَةِ : أَوَاعٍ .
وَأَصْلُ أَوَانٍ : أَآنِي بِهَمْزَتَيْنِ ، أُبْدِلَتْ ثَانِيَتُهُمَا وَاوًا ، كَرَاهَةَ اجْتِمَاعِهِمَا .
كَأَوَادِمَ فِي جَمْعِ آدَمَ ( وَيَحْرُمُ اتِّخَاذُهَا ) أَيْ الْآنِيَةِ مِنْ ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ ، بِأَنْ يُجْعَلَا عَلَى هَيْئَةِ الْآنِيَةِ ، وَكَذَا تَحْصِيلُهُمَا بِنَحْوِ شِرَاءٍ ، لِأَنَّ مَا حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ مُطْلَقًا حَرُمَ اتِّخَاذُهُ عَلَى هَيْئَةِ الِاسْتِعْمَالِ ، كَالْمَلَاهِي .
( وَ ) يَحْرُمُ ( اسْتِعْمَالُهَا ) أَيْ الْآنِيَةِ ( مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ ) لِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ مَرْفُوعًا { لَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهِمَا ، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ } وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ تَرْفَعُهُ { الَّذِي يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا .
وَالْجَرْجَرَةُ : صَوْتُ وُقُوعِ الْمَاءِ بِانْحِدَارِهِ فِي الْجَوْفِ ، وَغَيْرُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي مَعْنَاهُمَا لِأَنَّهُمَا خَرَجَا مَخْرَجَ الْغَالِبِ وَلِأَنَّ فِي ذَلِكَ سَرَفًا وَخُيَلَاءَ ، وَكَسْرَ قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ وَتَضْيِيقَ النَّقْدَيْنِ .

( وَ ) يَحْرُمُ أَيْضًا اتِّخَاذُ الْآنِيَةِ وَاسْتِعْمَالُهَا مِنْ ( عَظْمِ آدَمِيٍّ وَجِلْدِهِ ) لِحُرْمَتِهِ ، وَفِي مَعْنَى الْآنِيَةِ فِيمَا تَقَدَّمَ : الْآلَةُ ، كَالْقَلَمِ ( حَتَّى الْمِيلُ وَنَحْوُهُ ) كَالْمِجْمَرَةِ وَالْمِدْخَنَةِ ، وَالدَّوَاةِ وَالْمُشْطِ ، وَالسِّكِّينِ وَالْكُرْسِيِّ ، وَالسَّرِيرِ ، وَالْخُفَّيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ ، وَلَا يَخْتَصُّ التَّحْرِيمُ بِالذَّكَرِ ، فَلِذَا قَالَ .
( وَ ) حَتَّى ( عَلَى أُنْثَى ) لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ ، وَعَدَمِ الْمُخَصِّصِ ، وَأَمَّا التَّحَلِّي فَأُبِيحَ لَهُنَّ لِحَاجَتِهِنَّ إلَيْهِ لِلزَّوْجِ .
وَهَذَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ ( وَتَصِحُّ الطَّهَارَةُ مِنْ إنَاءٍ مِنْ ذَلِكَ ) الْمَذْكُورِ تَحْرِيمُهُ ( وَ ) مِنْ إنَاءٍ ( مَغْصُوبٍ ) وَنَحْوُهُ ( أَوْ ) إنَاءٍ ( ثَمَنُهُ مُحَرَّمٌ ) لِكَوْنِهِ نَحْوَ مَغْصُوبٍ ، أَوْ خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ فِي غَصْبٍ أَوْ مُحَرَّمٍ ، وَالْفَرْقُ : أَنَّ الْقِيَامَ وَالْقُعُودَ وَالرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ فِي الْمُحَرَّمِ مُحَرَّمٌ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لَهُ ، وَأَفْعَالُ نَحْوِ الْوُضُوءِ مِنْ الْغُسْلِ وَالْمَسْحِ لَيْسَتْ بِمُحَرَّمَةٍ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لِلْمَاءِ لَا لِلْإِنَاءِ .
وَأَيْضًا فَالنَّهْيُ عَنْ نَحْوِ الْوُضُوءِ مِنْ الْإِنَاءِ الْمُحَرَّمِ يَعُودُ لِخَارِجٍ ، إذْ الْإِنَاءُ لَيْسَ رُكْنًا وَلَا شَرْطًا فِيهِ ، بِخِلَافِ الْبُقْعَةِ وَالثَّوْبِ فِي الصَّلَاةِ .
( وَ ) تَصِحُّ الطَّهَارَةُ أَيْضًا ( فِيهِ ) أَيْ فِي إنَاءٍ مُحَرَّمٍ ، كَمَا لَوْ غَصَبَ حَوْضًا يَسَعُ قُلَّتَيْنِ فَأَكْثَرَ ، فَمَلَأَهُ مَاءً مُبَاحًا وَانْغَمَسَ فِيهِ بِنِيَّةِ رَفْعِ الْحَدَثِ ، فَيَرْتَفِعُ حَدَثُهُ ، لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْإِنَاءَ لَيْسَ شَرْطًا .
كَمَا لَوْ صَلَّى وَفِي يَدِهِ خَاتَمُ ذَهَبٍ ( وَ ) تَصِحُّ طَهَارَةٌ أَيْضًا ( إلَيْهِ ) أَيْ إلَى إنَاءٍ مِنْ ذَلِكَ .
بِأَنْ جَعَلَهُ مَصَبًّا لِمَاءِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ ، كَالطَّشْتِ .
لِأَنَّ الْمَاءَ يَقَعُ فِيهِ بَعْدَ أَنْ رُفِعَ الْحَدَثُ وَكَذَا الطَّهَارَةُ بِهِ بِأَنْ اغْتَرَفَ بِهِ وَتَوَضَّأَ أَوْ اغْتَسَلَ .
( وَ ) إنَاءٌ ( مُمَوَّهٌ ) بِالرَّفْعِ مُبْتَدَأٌ ، وَهُوَ اسْمُ

مَفْعُولٍ مِنْ مَوَّهَ ، وَهُوَ إنَاءٌ مِنْ نَحْوِ نُحَاسٍ يُلْقَى فِيمَا أَذِيبٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ ، فَيَكْتَسِبُ لَوْنَهُ ، كَمُصْمَتٍ .
( وَ ) إنَاءٌ ( مَطْلِيٌّ ) بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ ، بِأَنْ يُجْعَلَا كَالْوَرِقِ وَيُطْلَى بِهِ الْإِنَاءُ مِنْ نَحْوِ حَدِيدٍ ، كَمُصْمَتٍ .
( وَ ) إنَاءٌ ( مُطَعَّمٌ ) بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ ، بِأَنْ يَحْفِرَ فِي الْإِنَاءِ مِنْ نَحْوِ خَشَبٍ حَفْرًا ، وَيُوضَعُ فِيهِ قِطَعُ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ بِقَدْرِهَا ، كَمُصْمَتٍ .
( وَ ) إنَاءٌ ( مُكَفَّتٌ ) بِأَنْ يُبَرَّدَ الْإِنَاءُ حَتَّى يَصِيرَ فِيهِ شَبَهُ الْمَجَارِي فِي غَايَةِ الدِّقَّةِ ، وَيُوضَعُ فِيهَا شَرِيطٌ دَقِيقٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ ، وَيُدَقُّ عَلَيْهِ حَتَّى يَلْصَقُ ( كَمُصْمَتٍ ) أَيْ كَمُنْفَرِدٍ مِمَّا مُوِّهَ أَوْ طُلِيَ أَوْ طُعِّمَ أَوْ كُفِّتَ بِهِ فِي التَّحْرِيمِ .
لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { مَنْ شَرِبَ مِنْ إنَاءٍ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ ، أَوْ مِنْ إنَاءٍ فِيهِ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ، فَإِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ ، وَلِوُجُودِ الْعِلَّةِ الَّتِي لِأَجْلِهَا حُرِّمَ الْمُصْمَتُ ، وَهِيَ الْخُيَلَاءُ وَكَسْرُ قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ وَتَضْيِيقُ النَّقْدَيْنِ ( وَكَذَا ) إنَاءٌ ( مُضَبَّبٌ ) بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَيُحَرَّمُ كَالْمُصْمَتِ .

( لَا ) إنْ ضُبِّبَ ( ب ) ضَبَّةٍ ( يَسِيرَةٍ عُرْفًا مِنْ فِضَّةٍ لِحَاجَةٍ ) كَأَنْ انْكَسَرَ إنَاءُ خَشَبٍ أَوْ نَحْوُهُ فَضُبِّبَ كَذَلِكَ فَلَا يَحْرُمُ ، لِحَدِيثِ أَنَسٍ { أَنَّ قَدَحَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْكَسَرَ ، فَاِتَّخَذَ مَكَانَ الشَّعْبِ سِلْسِلَةً مِنْ فِضَّةٍ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَهَذَا مُخَصَّصٌ بِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ .
فَإِنْ كَانَتْ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ كَبِيرَةً مِنْ فِضَّةٍ حَرُمَتْ مُطْلَقًا ، وَكَذَا إنْ كَانَتْ يَسِيرَةً لِغَيْرِ حَاجَةٍ ( وَهِيَ ) أَيْ الْحَاجَةُ ( أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهَا ) أَيْ الضَّبَّةِ الْمَذْكُورَةِ ( غَرَضٌ غَيْرُ زِينَةٍ ) بِأَنْ تَدْعُوَ الْحَاجَةُ إلَى فِعْلِهِ ، لَا أَنْ لَا تَنْدَفِعَ بِغَيْرِهِ فَتُبَاحَ ( وَلَوْ وَجَدَ غَيْرَهَا ) أَيْ الْفِضَّةِ ، كَحَدِيدٍ وَنُحَاسٍ ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : مُرَادُهُمْ أَنْ يَحْتَاجَ إلَى تِلْكَ الصُّورَةِ ، لَا إلَى كَوْنِهَا مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ ، فَإِنَّ هَذِهِ ضَرُورَةٌ ، وَهِيَ تُبِيحُ الْمُنْفَرِدَ .

( وَتُكْرَهُ مُبَاشَرَتُهَا ) أَيْ ضَبَّةِ الْفِضَّةِ الْمُبَاحَةِ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لِلْفِضَّةِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْآنِيَةِ ( بِلَا حَاجَةٍ ) إلَى مُبَاشَرَتِهَا ، فَإِنْ احْتَاجَ إلَيْهَا ، بِأَنْ كَانَ الْمَاءُ يَنْدَفِقُ لَوْ شُرِبَ مِنْ غَيْرِ جِهَتِهَا وَنَحْوِهِ لَمْ يُكْرَهْ ، دَفْعًا لِلْحَرَجِ ( وَكُلُّ ) إنَاءٍ ( طَاهِرٍ مِنْ غَيْرِ ذَلِكَ ) أَيْ الْمَذْكُورِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ وَعَظْمِ آدَمِيٍّ وَجِلْدِهِ ( مُبَاحٌ ) اتِّخَاذًا وَاسْتِعْمَالًا .
( وَلَوْ ) كَانَ ( ثَمِينًا ) أَيْ كَثِيرَ الثَّمَنِ ، كَالْمُتَّخَذِ مِنْ جَوْهَرٍ وَيَاقُوتٍ وَزُمُرُّدٍ ، لِعَدَمِ الْعِلَّةِ الَّتِي لِأَجْلِهَا حُرِّمَ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ لِأَنَّ هَذِهِ الْجَوَاهِرَ لَا يَعْرِفُهَا إلَّا خَوَّاصُ النَّاسِ .
فَلَا تَنْكَسِرُ قُلُوبُ الْفُقَرَاءِ ، لِأَنَّهُمْ لَا يَعْرِفُونَهَا وَلَا يَحْصُلُ بِاتِّخَاذِهَا تَضْيِيقٌ ، لِأَنَّهَا لَا يَكُونُ مِنْهَا دِرْهَمٌ وَلَا دِينَارٌ ، وَأَيْضًا فَلِقِلَّتِهَا لَا يَحْصُلُ اتِّخَاذُ آنِيَةٍ مِنْهَا إلَّا نَادِرًا ، وَلَوْ اُتُّخِذَتْ كَانَتْ مَصُونَةً لَا تُسْتَعْمَلُ غَالِبًا قَالَ فِي شَرْحِهِ : فَلَوْ جَعَلَ فَصَّ خَاتَمٍ جَوْهَرَةً ثَمِينَةً جَازَ ، وَلَوْ جَعَلَهُ ذَهَبًا لَمْ يَجُزْ ، وَمَعْنَاهُ فِي الْمُبْدِعِ .

( وَمَا لَمْ تُعْلَمْ نَجَاسَتُهُ مِنْ آنِيَةِ كُفَّارٍ وَلَوْ لَمْ تَحِلَّ ذَبِيحَتُهُمْ ) كَالْمَجُوسِ .
( وَ ) مَا لَمْ تُعْلَمْ نَجَاسَتُهُ مِنْ ( ثِيَابِهِمْ وَلَوْ وَلِيَتْ عَوْرَاتِهِمْ ) كَالسَّرَاوِيلِ ( وَكَذَا ) مَا لَمْ تُعْلَمْ نَجَاسَتُهُ مِنْ آنِيَةٍ وَثِيَابٍ ( مَنْ لَابَسَ النَّجَاسَةَ كَثِيرًا ) كَمُدْمِنِ الْخَمْرِ ( طَاهِرٌ مُبَاحٌ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ } وَهُوَ يَتَنَاوَلُ مَا لَا يَقُومُ إلَّا بِآنِيَةٍ .
وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ " تَوَضَّئُوا مِنْ مَزَادَةِ امْرَأَةٍ مُشْرِكَةٍ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الطَّهَارَةُ ، فَلَا تَزُولُ بِالشَّكِّ ، وَبَدَنُ الْكَافِرِ طَاهِرٌ .
وَكَذَا طَعَامُهُ وَمَاؤُهُ وَمَا صَبَغَهُ أَوْ نَسَجَهُ ، وَقِيلَ لِأَحْمَدَ : عَنْ صَبْغِ الْيَهُودِ بِالْبَوْلِ ؟ فَقَالَ : الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ فِي هَذَا ، أَيْ الصَّبْغِ ، سَوَاءٌ وَلَا تَسْأَلْ عَنْ هَذَا .
وَلَا تَبْحَثْ عَنْهُ ، فَإِنْ عَلِمْت نَجَاسَتَهُ فَلَا تُصَلِّ فِيهِ .
حَتَّى تَغْسِلَهُ انْتَهَى .
وَيَطْهُرُ بِغَسْلِهِ وَلَوْ بَقِيَ اللَّوْنُ وَسَأَلَهُ أَبُو الْحَارِثِ عَنْ اللَّحْمِ يُشْتَرَى مِنْ الْقَصَّاب ؟ قَالَ : يُغْسَلُ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : بِدْعَةٌ

( وَيُبَاحُ دَبْغُ جِلْدِ ) حَيَوَانٍ كَانَ طَاهِرًا حَيًّا ( نُجِّسَ بِمَوْتٍ ) مَأْكُولًا ، كَانَ كَالشَّاةِ ، أَوْ لَا كَالْهِرِّ .
( وَ ) يُبَاحُ ( اسْتِعْمَالُهُ بَعْدُ ) أَيْ بَعْدَ الدَّبْغِ فِي يَابِسٍ ، لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ شَاةً مَيِّتَةً أُعْطِيَتْهَا مَوْلَاةٌ لِمَيْمُونَةَ مِنْ الصَّدَقَةِ ، فَقَالَ : أَلَا أَخَذُوا إهَابَهَا فَدَبَغُوهُ ، فَانْتَفَعُوا بِهِ } وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ لَمَّا فَتَحُوا فَارِسَ انْتَفَعُوا بِسُرُوجِهِمْ وَأَسْلِحَتِهِمْ ، وَذَبَائِحِهِمْ مَيِّتَةً وَلِأَنَّ نَجَاسَتَهُ لَا تَمْنَعُ الِانْتِفَاعَ بِهِ ، كَالِاصْطِيَادِ بِالْكَلْبِ ، وَكَرُكُوبِ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا يُبَاحُ اسْتِعْمَالُهُ قَبْلَ الدَّبْغِ مُطْلَقًا ، وَلَا بَعْدَهُ فِي مَائِعٍ .

( وَ ) يُبَاحُ اسْتِعْمَالُ ( مُنْخُلٍ مِنْ شَعْرٍ نَجِسٍ ) كَشَعْرِ بَغْلٍ ( فِي يَابِسٍ ) لَا مَائِعٍ لِتَعَدِّي نَجَاسَتِهِ إلَيْهِ ( وَلَا يَطْهُرُ ) الْجِلْدُ ( بِهِ ) أَيْ بِالدَّبْغِ نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ .
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ ، وَابْنِهِ وَعَائِشَةَ وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّهُ كَتَبَ إلَى جُهَيْنَةَ : إنِّي كُنْت رَخَّصْت لَكُمْ فِي جُلُودِ الْمَيْتَةِ ، فَإِذَا جَاءَكُمْ كِتَابِي هَذَا فَلَا تَنْتَفِعُوا مِنْ الْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ } رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَقَالَ : إسْنَادُهُ جَيِّدٌ ، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَلَيْسَ فِيهِ " كُنْت رَخَّصْت " بَلْ هُوَ مِنْ رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ وَالدَّارَقُطْنِيّ .
وَفِي لَفْظٍ { أَتَانَا كِتَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِشَهْرٍ أَوْ شَهْرَيْنِ } وَهُوَ نَاسِخٌ لِمَا قَبْلَهُ ، لِتَأَخُّرِهِ ، وَكِتَابُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلَفْظِهِ وَلِذَلِكَ لَزِمَتْ الْحُجَّةُ مَنْ كَتَبَ إلَيْهِ ، وَحَصَلَ لَهُ الْبَلَاغُ ؛ وَلِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْمَيْتَةِ ، فَلَا يَطْهُرُ بِالْعِلَاجِ كَلَحْمِهَا ، وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ أَخِيرًا طَهَارَتَهُ لَكِنَّ الْمَذْهَبَ الْأَوَّلُ عِنْدَ الْأَصْحَابِ وَلَا يَحْصُلُ الدَّبْغُ بِتَشْمِيسٍ وَلَا تَتْرِيبٍ وَلَا بِنَجِسٍ ، وَلَا غَيْرِ مُنَشِّفٍ لِلرُّطُوبَةِ مُنْقٍ لِلْخَبَثِ ، بِحَيْثُ لَوْ نُقِعَ الْجِلْدُ بَعْدَهُ فِي الْمَاءِ لَمْ يَفْسُدْ ، وَجَعْلُ الْمُصْرَانِ وَالْكَرِشِ وَتَرًا : دِبَاغٌ .

( وَلَا ) يَطْهُرُ ( جِلْدٌ غَيْرُ مَأْكُولٍ بِذَكَاةٍ ) كَلَحْمِهِ .
وَلَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ لِذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : وَلَوْ فِي النَّزْعِ ( وَلَبَنٌ ) مُبْتَدَأٌ ، أَيْ مِنْ مَيْتَةٍ ( وَإِنْفَحَّةٌ ) مِنْهَا : بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَتَشْدِيدِ الْحَاءِ ، وَقَدْ تُكْسَرُ الْفَاءُ ، شَيْءٌ يُسْتَخْرَجُ مِنْ بَطْنِ الْجَدْيِ الرَّضِيعِ أَصْفَرُ ، فَيُعْصَرُ فِي اللَّبَنِ فَيَغْلُظُ كَالْجُبْنِ قَالَهُ فِي مُخْتَصَرِ الْقَامُوسِ ( وَجِلْدَتُهَا ) أَيْ جِلْدَةُ الْإِنْفَحَةِ مِنْ مَيْتَةٍ ( وَعَظْمٍ وَقَرْنٍ وَظُفْرٍ وَعَصَبٍ وَحَافِرٍ مِنْ مَيْتَةٍ نَجِسٌ ) خَبَرٌ ، لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَيْتَةِ الْمُحَرَّمَةِ .
وَاللَّبَنُ وَالْإِنْفَحَّةُ لَاقَيَا وِعَاءً نَجِسًا فَتَنَجَّسَا بِهِ .

( لَا ) يَنْجُسُ ( صُوفٌ وَشَعْرٌ وَرِيشٌ وَوَبَرٌ مِنْ ) حَيَوَانٍ ( طَاهِرٍ فِي حَيَاةٍ ) بِمَوْتِ أَصْلِهِ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَمِنْ أَصْوَافِهَا وَأَوْبَارِهَا وَأَشْعَارِهَا أَثَاثًا وَمَتَاعًا إلَى حِينٍ } وَالْآيَةُ سِيقَتْ لِلِامْتِنَانِ ، فَالظَّاهِرُ شُمُولُهَا الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ .
وَالرِّيشُ مَقِيسٌ عَلَى الثَّلَاثَةِ ، وَأَمَّا أُصُولُ ذَلِكَ فَنَجِسَةٌ ، لِأَنَّهَا مِنْ أَجْزَاءِ الْمَيْتَةِ ، وَيُكْرَهُ الْخَرْزُ بِشَعْرِ الْخِنْزِيرِ ، وَيَجِبُ غَسْلُ مَا خُرِزَ بِهِ رَطْبًا وَيُكْرَهُ الِانْتِفَاعُ بِالنَّجَاسَةِ ، وَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ شَعْرِ الْآدَمِيِّ لِحُرْمَتِهِ .
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ : يَحْرُمُ نَتْفُ نَحْوِ صُوفٍ مِنْ حَيٍّ .

وَفِي النِّهَايَةِ : يُكْرَهُ ( وَلَا ) يَنْجُسُ ( بَاطِنُ بَيْضَةِ مَأْكُولٍ ) كَدَجَاجٍ بِمَوْتِهِ ( صُلْبٌ قِشْرُهَا ) لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْوَلَدَ ، وَكَرَاهِيَةُ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ تُحْمَلُ عَلَى التَّنْزِيهِ ، اسْتِقْذَارًا لَهَا .
فَإِنْ لَمْ يَصْلُبْ قِشْرُهَا فَنَجِسَةٌ ، لِأَنَّهَا جُزْءٌ مِنْ الْمَيْتَةِ ( وَمَا أُبِينَ مِنْ ) حَيَوَانٍ ( حَيٍّ فَ ) هُوَ ( كَمَيْتَتِهِ ) طَهَارَةً وَنَجَاسَةً ، فَمَا قُطِعَ مِنْ السَّمَكِ مَعَ بَقَاء حَيَاتِهِ طَاهِرٌ ، بِخِلَافِ مَا قُطِعَ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ ، إلَّا نَحْوَ الطَّرِيدَةِ ، وَالْمِسْكِ وَفَأْرَتِهِ ، وَكَذَا مَا يَتَسَاقَطُ مِنْ قُرُونِ الْوُعُولِ فِي حَيَاتِهَا ، وَفِيهِ احْتِمَالٌ بِطَهَارَتِهَا كَالشَّعْرِ ، ذَكَرَهُ فِي الشَّرْح .
( تَتِمَّةٌ ) جِلْدُ الثَّعْلَبِ كَلَحْمِهِ ، أَيْ نَجِسٌ .
( وَسُنَّ تَخْمِيرُ ) أَيْ تَغْطِيَةُ ( آنِيَةٍ وَإِيكَاءُ ) أَيْ رَبْطُ فَمِ ( أَسْقِيَةٍ ) جَمْعُ سِقَاءٍ ، قَالَ فِي الْقَامُوسِ : السِّقَاءُ كَكِسَاءٍ جِلْدُ السَّخْلَةِ إذَا أَجْذَعَ ، يَكُونُ لِلْمَاءِ وَاللَّبَنِ انْتَهَى لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُغَطِّيَ الْإِنَاءَ وَنُوكِي السِّقَاءَ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .

بَابُ الِاسْتِنْجَاءِ مِنْ نَجَوْتُ الشَّجَرَةَ ، أَيْ قَطَعْتهَا ، لِأَنَّهُ يَقْطَعُ الْأَذَى ، أَوْ مِنْ النَّجْوَةِ ، وَهِيَ مَا يَرْتَفِعُ مِنْ الْأَرْضِ ، لِأَنَّ قَاضِيَ الْحَاجَةِ يَسْتَتِرُ بِهَا .
قَالَ فِي الْقَامُوسِ : وَاسْتَطَابَ وَاسْتَنْجَى ، كَأَطَابَ انْتَهَى .
فَيُسَمَّى اسْتِطَابَةً .
وَشَرْعًا ( إزَالَةُ خَارِجٍ ) مُعْتَادٍ وَغَيْرِهِ ( مِنْ سَبِيلٍ ) أَصْلِيٍّ ، قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ ( بِمَاءٍ ) طَهُورٍ ( أَوْ ) إزَالَةُ حُكْمِهِ بِمَا يَقُومُ مَقَامَ الْمَاءِ مِنْ ( حَجَرٍ وَنَحْوه ) كَخَشَبٍ وَخَزَفٍ ، وَيُسَمَّى بِالْحَجَرِ اسْتِجْمَارًا أَيْضًا مِنْ الْجِمَارِ ، وَهِيَ الْحِجَارَةُ الصِّغَارُ .
( يُسَنُّ لِدَاخِلِ خَلَاءٍ ) بِالْمَدِّ ، أَيْ مَا أُعِدَّ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ ، وَأَصْلُهُ الْمَكَانُ الْخَالِي ، يُسَمَّى بِهِ مَوْضِعُ الْحَاجَةِ بِخَلَائِهِ فِي غَيْرِ وَقْتِهَا الَّذِي لَا شَيْءَ فِيهِ ( وَنَحْوِهِ ) أَيْ نَحْوِ دَاخِلِ الْخَلَاءِ ، كَالْمُرِيدِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ بِنَحْوِ صَحْرَاءَ ( قَوْلُ : بِسْمِ اللَّهِ ) لِحَدِيثِ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا { سِتْرُ مَا بَيْنَ الْجِنِّ وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ إذَا دَخَلَ الْكَنِيفَ ، أَنْ يَقُولَ : بِسْمِ اللَّهِ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ ، وَقَالَ : لَيْسَ إسْنَادُهُ بِالْقَوِيِّ .
( أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الْخُبْثِ ) بِإِسْكَانِ الْبَاءِ ، قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ ، وَذَكَرَ الْقَاضِي عِيَاضٌ : أَنَّهُ أَكْثَرُ رِوَايَاتِ الشُّيُوخِ ، وَفَسَّرَهُ بِالشَّرِّ ( وَالْخَبَائِثَ ) بِالشَّيَاطِينِ ، فَكَأَنَّهُ اسْتَعَاذَ مِنْ الشَّرِّ وَأَهْلِهِ .
وَقَالَ الْخَطَّابِيِّ : بَلْ هُوَ بِضَمِّ الْبَاءِ ، وَهُوَ جَمْعُ خَبِيثٍ ، وَالْخَبَائِثُ جَمْعُ خَبِيثَةٍ ، وَكَأَنَّهُ اسْتَعَاذَ مِنْ ذُكْرَانِ الشَّيَاطِينِ وَإِنَاثِهِمْ .
وَقِيلَ : الْخُبْثُ الْكُفْرُ ، وَالْخَبَائِثُ الشَّيَاطِينُ ( الرَّجِسُ ) الْقَذَرُ .
وَيُحَرَّكُ ، وَتُفْتَحُ الرَّاءُ وَتُكْسَرُ الْجِيمِ قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ ( النَّجَسُ ) اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ نَجِسَ .
قَالَ الْفَرَّاءُ : إذَا قَالُوهُ مَعَ الرِّجْسِ أَتْبَعُوهُ إيَّاهُ ، أَيْ قَالُوهُ بِكَسْرِ النُّونِ وَسُكُونِ الْجِيمِ .
( الشَّيْطَانُ ) مِنْ شَطَنَ أَيْ

بَعُدَ ، وَمِنْهُ دَارٌ شَطُونٌ ، أَيْ بَعِيدَةٌ لِبُعْدِهِ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ، أَوْ مِنْ شَاطَ أَيْ هَلَكَ ، لِهَلَاكِهِ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ ( الرَّجِيمُ ) إمَّا بِمَعْنَى رَاجِمٍ ، لِأَنَّهُ يَرْجُمُ غَيْرَهُ بِالْإِغْوَاءِ ، أَوْ بِمَعْنَى مَرْجُومٍ ، لِأَنَّهُ يُرْجَمُ بِالْكَوَاكِبِ إذَا اسْتَرَقَ السَّمْعَ .
وَرَوَى أَنَسٌ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كَانَ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ قَالَ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْخُبْثِ وَالْخَبَائِثِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَلِلْبُخَارِيِّ " إذَا أَرَادَ دُخُولَهُ " .
وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ " أَعُوذُ بِاَللَّهِ " وَرَوَى أَبُو أُمَامَةَ مَرْفُوعًا { لَا يَعْجِزُ أَحَدُكُمْ إذَا دَخَلَ مِرْفَقَهُ أَنْ يَقُولَ : اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الرِّجْسِ النَّجِسِ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ كَالْمُقْنِعِ وَالْبُلْغَةِ : جَمْعٌ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ .
( وَ ) يُسَنُّ لِدَاخِلِ خَلَاءٍ وَنَحْوَهُ ( انْتِعَالُهُ وَتَغْطِيَةُ رَأْسِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كَانَ إذَا دَخَلَ الْمِرْفَقَ لَبِسَ حِذَاءَهُ وَغَطَّى رَأْسَهُ الشَّرِيفَ } رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ حَبِيبِ بْنِ صَالِحٍ مُرْسَلًا ( وَ ) يُسَنُّ لَهُ ( تَقْدِيمُ يُسْرَاهُ ) أَيْ : رِجْلِهِ الْيُسْرَى ( دُخُولًا ) ؛ لِأَنَّهَا لِمَا خَبُثَ .
وَرَوَى الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " مَنْ بَدَأَ بِرِجْلِهِ الْيُمْنَى قَبْلَ يُسْرَاهُ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ اُبْتُلِيَ بِالْفَقْرِ " ( وَ ) يُسَنُّ ( اعْتِمَادُهُ عَلَيْهَا ) أَيْ : رِجْلِهِ الْيُسْرَى ( جَالِسًا ) أَيْ : حَالَ جُلُوسِهِ لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ ، لِحَدِيثِ سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكٍ { أَمَرَنَا الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَتَّكِئَ عَلَى الْيُسْرَى ، وَأَنْ نَنْصِبَ الْيُمْنَى } رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ ؛ وَلِأَنَّهُ أَسْهَلُ لِخُرُوجِ الْخَارِجِ .
( وَ ) يُسَنُّ لَهُ تَقْدِيمُ ( يُمْنَاهُ خُرُوجًا ) ؛ لِأَنَّهَا أَحَقُّ بِالتَّقْدِيمِ إلَى الْأَمَاكِنِ الطَّيِّبَةِ ( كَخَلْعٍ ) أَيْ : كَمَا تُقَدَّمُ الْيُسْرَى فِي خَلْعِ نَحْو خُفٍّ وَنَعْلٍ ،

وَنَحْوِ قَمِيصٍ ، وَسَرَاوِيلَ ( وَعَكْسِهِ ) أَيْ : عَكْسِ ذَلِكَ ( مَسْجِدٌ ) وَمَنْزِلٌ ( وَانْتِعَالٌ ) وَلُبْسُ نَحْو قَمِيصٍ وَخُفٍّ وَسَرَاوِيلَ ، فَيُقَدِّمُ الْأَيْمَنَ عَلَى الْأَيْسَرِ ، لِمَا رَوَى الطَّبَرَانِيُّ فِي الْمُعْجَمِ الصَّغِيرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا انْتَعَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِالْيُمْنَى ، وَإِذَا خَلَعَ فَلْيَبْدَأْ بِالْيُسْرَى } .
( وَ ) يُسَنُّ لَهُ إذَا أَرَادَ قَضَاءَ الْحَاجَةِ ( بِفَضَاءٍ بَعُدَ ) حَتَّى لَا يُرَى ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كَانَ إذَا أَرَادَ الْبَرَازَ انْطَلَقَ حَتَّى لَا يَرَاهُ أَحَدٌ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { مَنْ أَتَى الْغَائِطَ فَلْيَسْتَتِرْ ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إلَّا أَنْ يَجْمَعَ كَثِيبًا مِنْ رَمْلٍ فَلْيَسْتَتِرْ بِهِ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَلْعَبُ بِمَقَاعِدِ بَنِي آدَمَ } مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ .
( وَ ) يُسَنُّ لَهُ ( طَلَبُ مَكَانٍ رَخْوٍ ) بِتَثْلِيثِ الرَّاءِ - يَبُولُ فِيهِ ، لِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى قَالَ : { كُنْت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَأَرَادَ أَنْ يَبُولَ ، فَأَتَى دَمِثًا فِي أَصْلِ جِدَارٍ فَبَالَ ، ثُمَّ قَالَ : إذَا بَال أَحَدُكُمْ فَلْيَرْتَدَّ لِبَوْلِهِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد .
وَفِي التَّبْصِرَةِ : وَيَقْصِدُ مَكَانًا عُلْوًا انْتَهَى ، أَيْ : لِيَنْحَدِرَ عَنْهُ الْبَوْلُ ( وَ ) يُسَنُّ لَهُ إنْ لَمْ يَجِدْ مَكَانًا رِخْوًا ( لَصْقُ ذَكَرِهِ بِصُلْبٍ ) بِضَمِّ الصَّادِ ، أَيْ : شَدِيدٍ ، لِيَأْمَنَ بِذَلِكَ مِنْ رَشَاشِ الْبَوْلِ ( وَكُرِهَ ) لَهُ ( رَفْعُ ثَوْبِهِ قَبْلَ دُنُوِّهِ مِنْ الْأَرْضِ ) بِلَا حَاجَةٍ إنْ لَمْ يَبُلْ قَائِمًا ، لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد مِنْ طَرِيقِ رَجُلٍ لَمْ يُسَمِّهِ ، وَسَمَّاهُ بَعْضُهُمْ الْقَاسِمَ بْنَ حَمَدٍ - عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كَانَ إذَا أَرَادَ الْحَاجَةَ لَمْ يَرْفَعْ ثَوْبَهُ حَتَّى يَدْنُوَ مِنْ الْأَرْضِ } وَلِأَنَّهُ أَسْتَرُ .
.
( وَ ) كُرِهَ لَهُ

أَيْضًا ( أَنْ يَصْحَبَ مَا فِيهِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى ) لِحَدِيثِ أَنَسٍ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا دَخَلَ الْخَلَاءَ نَزَعَ خَاتَمَهُ } رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا أَحْمَدَ ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ ، وَقَدْ صَحَّ أَنَّ نَقْشَ خَاتَمِهِ ( مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ) وَتَعْظِيمًا لِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ مَوْضِعِ الْقَاذُورَاتِ ( بِلَا حَاجَةٍ ) بِأَنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَحْفَظُهُ ، وَخَافَ ضَيَاعَهُ وَجَزَمَ بَعْضُهُمْ بِتَحْرِيمِهِ بِمُصْحَفٍ ، قَالَ فِي الْإِنْصَافِ : لَا شَكَّ فِي تَحْرِيمِهِ قَطْعًا مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ ، وَلَا يَتَوَقَّفُ فِي هَذَا عَاقِلٌ .
وَ ( لَا ) يُكْرَهُ أَنْ يَصْحَبَ ( دَرَاهِمَ وَنَحْوَهَا ) كَدَنَانِيرَ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ عَنْهَا وَمِثْلُهَا حِرْزٌ قَالَهُ صَاحِبُ النَّظْمِ وَأَوْلَى ( لَكِنْ يَجْعَلُ فَصَّ خَاتَمٍ ) احْتَاجَ أَنْ يَصْحَبَهُ مَعَهُ وَفِيهِ اسْمُ اللَّهِ ( بِبَاطِنِ كَفِّ ) يَدٍ ( يُمْنَى ) نَصًّا ، لِئَلَّا يَمَسَّ النَّجَاسَةَ أَوْ يُقَابِلَهَا .
( وَ ) يُكْرَهُ لَهُ أَيْضًا ( اسْتِقْبَالُ شَمْسٍ وَقَمَرٍ ) لِمَا فِيهِمَا مِنْ نُورِ اللَّهِ تَعَالَى ، .
وَرُوِيَ أَنَّ مَعَهُمَا مَلَائِكَةً .
وَأَنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ مَكْتُوبَةٌ عَلْيِهِمَا .
( وَ ) يُكْرَه لَهُ اسْتِقْبَالُ ( مَهَبِّ الرِّيحِ ) لِئَلَّا يَرُدَّ عَلَيْهِ الْبَوْلَ ، فَيُنَجِّسَهُ .
( وَ ) يُكْرَهُ لَهُ ( مَسُّ فَرْجِهِ ) بِيَمِينِهِ ( وَاسْتِجْمَارُهُ بِيَمِينِهِ ) لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ مَرْفُوعًا { لَا يُمْسِكَنَّ أَحَدُكُمْ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ وَهُوَ يَبُولُ ، وَلَا يَتَمَسَّحْ مِنْ الْخَلَاءِ بِيَمِينِهِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَلِمُسْلِمٍ عَنْ سَلْمَانَ { نَهَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَذَا ، وَأَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ } .
وَكَذَا فَرْجٌ أُبِيحَ لَهُ مَسُّهُ ( بِلَا حَاجَةٍ ) إلَى مَسِّهِ بِالْيَمِينِ فَإِنْ كَانَ مِنْ غَائِطٍ أَخَذَ الْحَجَرَ بِيَسَارِهِ فَمَسَحَ بِهِ وَمِنْ بَوْلٍ أَمْسَكَ ذَكَرَهُ بِيَسَارِهِ فَمَسَحَهُ عَلَى الْحَجَرِ ، وَنَحْوِهِ فَإِنْ احْتَاجَ إلَى يَمِينِهِ ( لِصِغَرِ حَجَرٍ تَعَذَّرَ وَضْعُهُ بَيْنَ عَقِبَيْهِ )

تَثْنِيَةُ عَقِبٍ ، كَكَتِفٍ مُؤَخَّرُ الْقَدَمِ ( أَوْ ) تَعَذَّرَ وَضْعُهُ بَيْنَ ( إصْبَعَيْهِ ) أَيْ إبْهَامَيْ رِجْلَيْهِ ( فَيَأْخُذُهُ ) أَيْ الْحَجَرَ ( بِهَا ) أَيْ : بِيَمِينِهِ ( وَيَمْسَحُ بِشِمَالِهِ ) فَتَكُونُ الْيُسْرَى هِيَ الْمُحَرِّكَةُ فَإِنْ كَانَ أَقْطَعَ الْيُسْرَى ، أَوْ بِهَا مَرَضٌ ، اسْتَجْمَرَ بِيَمِينِهِ .
قَالَ فِي التَّلْخِيصِ : يَمِينُهُ أَوْلَى مِنْ يَسَارِ غَيْرِهِ فَإِنْ أَمْكَنَهُ وَضْعُ الْحَجَرِ بَيْنَ عَقِبَيْهِ أَوْ إبْهَامَيْهِ كُرِهَ مَسْكُهُ بِيَمِينِهِ ، لَا الِاسْتِعَانَةُ بِهَا فِي الْمَاءِ لِلْحَاجَةِ ( وَ ) يُكْرَهُ أَيْضًا ( بَوْلُهُ فِي شَقٍّ ) بِفَتْحِ الشِّينِ .
( وَ ) بَوْلٌ فِي ( سَرَبٍ ) بِفَتْحِ السِّينِ وَالرَّاءِ بَيْتٌ يَتَّخِذُهُ الْوَحْشُ وَالدَّبِيبُ فِي الْأَرْضِ ، لِحَدِيثِ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَرْجِسَ { نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبَالَ فِي الْجُحْرِ } .
قَالُوا لِقَتَادَةَ : مَا يُكْرَهُ مِنْ الْبَوْلِ فِي الْجُحْرِ ؟ قَالَ : يُقَالُ إنَّهَا مَسَاكِنُ الْجِنِّ " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد .
وَرُوِيَ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَال بِجُحْرٍ بِالشَّامِ ، ثُمَّ اسْتَلْقَى مَيِّتًا ، فَسُمِعَ مِنْ بِئْرٍ بِالْمَدِينَةِ : نَحْنُ قَتَلْنَا سَيِّدَ الْخَزْرَجِ سَعْدَ بْنَ عُبَادَهْ وَرَمَيْنَاهُ بِسَهْمٍ فَلَمْ تُخْطِ فُؤَادَهْ فَحَفِظُوا ذَلِكَ الْيَوْمَ ، فَوَجَدُوهُ الْيَوْمَ الَّذِي مَاتَ فِيهِ سَعْدٌ وَخَشْيَةَ خُرُوجِ دَابَّةٍ بِبَوْلِهِ فَتُؤْذِيَهُ ، أَوْ تَرُدَّهُ عَلَيْهِ فَيُنَجِّسَهُ .
( وَ ) يُكْرَهُ بَوْلُهُ فِي ( إنَاءٍ بِلَا حَاجَةٍ ) نَصًّا فَإِنْ كَانَتْ لَمْ يُكْرَهْ ، لِقَوْلِ أُمَيْمَةَ بِنْتِ رَقِيقَةَ عَنْ أُمِّهَا { كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدَحٌ مِنْ عَيْدَانٍ تَحْت سَرِيرِهِ يَبُولُ فِيهِ بِاللَّيْلِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْعَيْدَانُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ : طِوَالُ النَّخْلِ .
( وَ ) يُكْرَه بَوْلُهُ فِي ( مُسْتَحَمٍّ غَيْرِ مُقَيَّرٍ أَوْ مُبَلَّطٍ ) لِحَدِيثِ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد عَنْ رَجُلٍ صَحِبَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ { نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَمَشَّطَ أَحَدُنَا كُلَّ يَوْمٍ ، أَوْ يَبُولَ فِي مُغْتَسَلِهِ } .
وَقَدْ رُوِيَ { أَنَّ عَامَّةَ الْوَسْوَاسِ مِنْهُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَابْنُ مَاجَهْ ، فَإِنْ كَانَ مُقَيَّرًا أَوْ مُبَلَّطًا أَوْ نَحْوَهُ ، وَأَرْسَلَ الْمَاءَ عَلَيْهِ فَلَا بَأْسَ بِهِ ، وَقَدْ قِيلَ : إنَّ الْبُصَاقَ عَلَى الْبَوْلِ يُورِثُ الْوَسْوَاسَ ، وَأَنَّ الْبَوْلَ عَلَى النَّارِ يُورِثُ السَّقَمَ .
( وَ ) يُكْرَهُ أَنْ يَبُولَ ( فِي مَاءٍ رَاكِدٍ ) وَلَوْ كَثِيرًا لِلنَّهْيِ عَنْهُ فِي الْمُتَّفِقُ عَلَيْهِ وَتَقَدَّمَ .
( وَ ) يُكْرَه بَوْلٌ فِي مَاءٍ ( قَلِيلٍ جَارٍ ) ؛ لِأَنَّهُ يُنَجِّسُهُ ، لَا فِي كَثِيرٍ جَارٍ ، لِمَفْهُومِ تَقْيِيدِهِ النَّهْيَ عَنْ الْبَوْلِ فِي الرَّاكِدِ .

( وَ ) يُكْرَهُ ( اسْتِقْبَالُ قِبْلَةٍ فِي فَضَاءٍ بِاسْتِنْجَاءٍ أَوْ اسْتِجْمَارٍ ) تَعْظِيمًا لَهَا ، بِخِلَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ فِي ظَاهِرِ نَقْلِ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ ، وَهُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْخِلَافِ .
وَحُمِلَ النَّهْيُ حَيْثُ كَانَ قِبْلَةً ، وَظَاهِرُ نَقْلِ حَنْبَلٍ : فِيهِ الْكَرَاهَةُ .

( وَ ) يُكْرَه ( كَلَامٌ فِيهِ ) أَيْ : الْخَلَاءِ وَنَحْوِهِ ( مُطْلَقًا ) أَيْ : سَوَاءٌ كَانَ مُبَاحًا فِي غَيْرِهِ ، كَسُؤَالٍ عَنْ شَيْءٍ ، أَوْ مُسْتَحَبَّا كَإِجَابَةِ مُؤَذِّنِ ، أَوْ وَاجِبًا ، كَرَدِّ سَلَامٍ نَصًّا لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ { مَرَّ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَبُولُ .
فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد .
وَقَالَ : " يُرْوَى { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمَّمَ ثُمَّ رَدَّ عَلَى الرَّجُلِ السَّلَامَ } وَإِنْ عَطَسَ حَمِدَ اللَّهَ بِقَلْبِهِ وَجَزَمَ صَاحِبُ النَّظْمِ بِتَحْرِيمِ الْقِرَاءَةِ فِي الْحُشِّ وَسَطْحِهِ وَهُوَ مُتَّجِهٌ عَلَى حَاجَتِهِ .
وَفِي الْغُنْيَةِ : وَلَا يَتَكَلَّمُ وَلَا يَذْكُرُ ، وَلَا يَزِيدُ عَلَى التَّسْمِيَةِ ، وَالتَّعَوُّذِ انْتَهَى لَكِنْ يَجِبُ تَحْذِيرُ نَحْو ضَرِيرٍ وَغَافِلٍ عَنْ هَلَكَةٍ .

وَلَا يُكْرَهُ الْبَوْلُ قَائِمًا ، مَعَ أَمْنِ تَلْوِيثٍ وَنَاظِرٍ ( وَيَحْرُمُ لُبْثُهُ ) أَيْ قَاضِي الْحَاجَةِ ( فَوْقَ حَاجَتِهِ ) ؛ لِأَنَّهُ كَشْفُ عَوْرَةٍ بِلَا حَاجَةٍ .
وَقِيلَ : إنَّهُ يُدْمِي الْكَبِدَ وَيُورِثُ الْبَاسُورَ ، وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { إيَّاكُمْ وَالتَّعَرِّي فَإِنَّ مَعَكُمْ مَنْ لَا يُفَارِقُكُمْ إلَّا عِنْدَ الْغَائِطِ وَحِينَ يُفْضِي الرَّجُلُ إلَى أَهْلِهِ ، فَاسْتَحْيُوهُمْ وَأَكْرِمُوهُمْ } .

( وَ ) حَرُمَ ( تَغَوُّطُهُ بِمَاءٍ ) قَلِيلٍ أَوْ كَثِيرٍ رَاكِدٍ أَوْ جَارٍ ؛ لِأَنَّهُ يُقْذِرُهُ وَيَمْنَعُ الِانْتِفَاعَ بِهِ ، إلَّا الْبَحْرُ وَالْمُعَدّ لِذَلِكَ ، كَالْجَارِي فِي الْمَطَاهِرِ .
( وَ ) حَرُمَ ( بَوْلُهُ وَتَغَوُّطُهُ بِمَوْرِدٍ ) أَيْ : الْمَاءِ ( وَ ) ب ( طَرِيقٍ مَسْلُوكٍ وَظِلٍّ نَافِعٍ ) لِحَدِيثِ مُعَاذٍ مَرْفُوعًا { اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَةَ : الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ .
وَالظِّلِّ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ ، وَمِثْلُ الظِّلِّ : مُتَشَمَّسُ النَّاسِ زَمَنَ الشِّتَاءِ ، وَمُتَحَدَّثُهُمْ .

( وَ ) حَرُمَ بَوْلُهُ وَتَغَوُّطُهُ ( تَحْتَ شَجَرَةٍ عَلَيْهَا ثَمَرٌ ) مَقْصُودٌ يُؤْكَلُ أَوْ لَا ؛ لِأَنَّهُ يُفْسِدُهُ وَتَعَافُهُ النَّفْسُ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا ثَمَرٌ لَمْ يَحْرُمْ ، إنْ لَمْ يَكُنْ ظِلٌّ نَافِعٌ ؛ لِأَنَّهُ يَزُولُ بِالْأَمْطَارِ إلَى مَجِيءِ الثَّمَرَةِ .

( وَ ) حَرُمَ بَوْلُهُ وَتَغَوُّطُهُ ( عَلَى مَا نُهِيَ عَنْ اسْتِجْمَارٍ بِهِ لِحُرْمَتِهِ ) كَطَعَامٍ وَمُتَّصِلٍ بِحَيَوَانٍ وَمَا فِيهِ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّهُ أَفْحَشُ مِنْ الِاسْتِجْمَارِ بِهِ .

( وَ ) حَرُمَ ( فِي فَضَاءٍ ) لَا بُنْيَانَ فِيهِ ( اسْتِقْبَالُ قِبْلَةٍ وَاسْتِدْبَارُهَا ) بِبَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ ، لِقَوْلِهِ { إذَا أَتَيْتُمْ الْغَائِطَ فَلَا تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلَا تَسْتَدْبِرُوهَا وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ غَرِّبُوا } رَوَاهُ الشَّيْخَانِ .
وَيَجُوزُ فِي الْبُنْيَانِ ، لِمَا رَوَى الْحَسَنُ بْنُ ذَكْوَانَ عَنْ مَرْوَانَ الْأَصْفَرِ قَالَ : " رَأَيْت ابْنَ عُمَرَ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ ثُمَّ جَلَسَ يَبُولُ إلَيْهَا .
فَقُلْتُ : أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، أَلَيْسَ قَدْ نُهِيَ عَنْ هَذَا ؟ فَقَالَ : إنَّمَا نُهِيَ عَنْ هَذَا فِي الْفَضَاءِ ، أَمَّا إذَا كَانَ بَيْنَك وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ شَيْءٌ يَسْتُرُك فَلَا " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ ؛ وَقَالَ : عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ ، وَالْحَسَنِ بْنِ ذَكْوَانَ ، وَإِنْ كَانَ جَمَاعَةٌ ضَعَّفُوهُ .
فَقَدْ قَوَّاهُ جَمَاعَةٌ .
وَرَوَى لَهُ الْبُخَارِيُّ فَتُحْمَلُ أَحَادِيثُ النَّهْيِ عَلَى الْفَضَاءِ وَأَحَادِيثُ الرُّخْصَةِ عَلَى الْبُنْيَانِ ، جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ ( وَيَكْفِي ) بِفَضَاءٍ ( انْحِرَافُهُ ) أَيْ : الْمُتَخَلِّي عَنْ الْقِبْلَةِ ، وَلَوْ يَسِيرًا ، يَمْنَةً أَوْ يَسْرَةً لِفَوَاتِ الِاسْتِقْبَالِ وَالِاسْتِدْبَارِ بِذَلِكَ ( وَ ) يَكْفِي أَيْضًا ( حَائِلٌ ) كَاسْتِتَارٍ بِدَابَّةٍ وَجِدَارٍ وَجَبَلٍ وَنَحْوِهِ ، وَإِرْخَاءِ ذَيْلِهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا يُعْتَبَرُ قُرْبُهُ مِنْهَا ، كَمَا لَوْ كَانَ فِي بَيْتٍ .
وَيَتَوَجَّهُ وَجْهٌ ، كَسُتْرَةِ صَلَاةٍ ( وَلَوْ ) كَانَ الْحَائِلُ ( كَمُؤْخِرَةِ رَحْلٍ ) لِحُصُولِ السَّتْرِ بِهِ لِأَسَافِلِهِ .

( وَيُسَنُّ ) لِلْمُتَخَلِّي ( إذَا فَرَغَ ) مِنْ حَاجَتِهِ ( مَسْحُ ذَكَرِهِ مِنْ حَلْقَةِ دُبُرِهِ ) بِسُكُونِ اللَّامِ ، فَيَضَعُ إصْبَعَ الْيُسْرَى الْوُسْطَى تَحْتَ الذَّكَرِ وَالْإِبْهَامَ فَوْقَهُ وَيَمُرُّ بِهِمَا ( إلَى رَأْسِهِ ثَلَاثًا ) لِيَجْذِبَ بَقَايَا بَلَلٍ .
( وَ ) يُسَنُّ أَيْضًا بَعْدَ ذَلِكَ ( نَتْرُهُ ) بِالْمُثَنَّاةِ أَيْ : الذَّكَرِ ( ثَلَاثًا ) نَصًّا قَالَ فِي الْقَامُوسِ : اسْتَنْيَرَ مِنْ بَوْلٍ اجْتَذَبَهُ وَاسْتَخْرَجَ بَقِيَّتَهُ مِنْ الذَّكَرِ عِنْدَ الِاسْتِنْجَاءِ حَرِيصًا عَلَيْهِ مُهْتَمًا بِهِ انْتَهَى لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلْيَنْتُرْ ذَكَرَهُ ثَلَاثًا } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد .
وَذَكَر جَمَاعَةٌ " وَيَتَنَحْنَحُ " زَادَ بَعْضُهُمْ " وَيَمْشِي خُطُوَاتٍ " وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : كُلُّهُ بِدْعَةٌ .
( وَ ) يُسَنُّ ( بَدْءُ ذَكَرٍ ) إذَا بَالَ وَتَغَوَّطَ فِي اسْتِنْجَاءٍ ( بِقُبُلٍ ) لِئَلَّا تَتَلَوَّثَ يَدُهُ إذَا بَدَأَ بِالدُّبُرِ ؛ لِأَنَّ ذَكَرَهُ بَارِزٌ .
( وَ ) يُسَنُّ أَيْضًا بَدْءُ ( بِكْرٍ ) كَذَلِكَ ( بِقُبُلٍ ) إلْحَاقًا لَهَا بِالذَّكَرِ ، لِوُجُودِ عُذْرَتِهَا ( وَتُخَيَّرُ ثَيِّبٌ ) فِي الْبُدَاءَةِ بِمَا شَاءَتْ مِنْ قُبُلٍ أَوْ دُبُرٍ لِتَسَاوِيهِمَا .
( وَ ) يُسَنُّ ( تَحَوُّلُ مَنْ يَخْشَى تَلَوُّثًا ) لِيَسْتَنْجِيَ أَوْ يَسْتَجْمِرَ ، وَيُكْرَهُ ذَلِكَ ، وَوُضُوءُهُ عَلَى مَوْضِعٍ نَجَسٍ ، لِئَلَّا يَتَنَجَّسَ بِهِ .

( وَ ) يُسَنُّ ( قَوْلُ خَارِجٍ ) مِنْ خَلَاءٍ وَنَحْوِهِ ( غُفْرَانَكَ ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا خَرَجَ مِنْ الْخَلَاءِ قَالَ : غُفْرَانَك } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ أَيْ : أَسْأَلُكَ غُفْرَانَكَ ، مِنْ الْغَفْرِ : وَهُوَ السَّتْرُ .
وَلَمَّا خَلَصَ مِمَّا يُثَقِّلُ الْبَدَنَ سَأَلَ الْخَلَاصَ ، مِمَّا يُثَقِّلُ الْقَلْبَ وَهُوَ الذَّنْبُ لِتَحْصُلَ لَهُ الرَّاحَةُ .
( وَ ) يُسَنُّ لَهُ أَيْضًا أَنْ يَقُولَ : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنِّي الْأَذَى وَعَافَانِي ) لِحَدِيثِ أَنَسٍ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا خَرَجَ مِنْ الْخَلَاءِ يَقُولُهُ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ .
وَفِيهِ إسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ وَقَدْ ضَعَّفَهُ الْأَكْثَرُ .
.
وَفِي مُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ { أَنَّ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَقُولُ إذَا خَرَجَ مِنْ الْخَلَاءِ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذَاقَنِي لَذَّتَهُ ، وَأَبْقَى فِي مَنْفَعَتَهُ ، وَأَذْهَبَ عَنِّي أَذَاهُ } .

( وَ ) يُسَنُّ لَهُ أَيْضًا ( اسْتِجْمَارٌ بِحَجَرٍ ثُمَّ مَاءٍ ) لِقَوْلِ عَائِشَةَ لِلنِّسَاءِ { مُرْنَ أَزْوَاجَكُنَّ أَنْ يُتْبِعُوا الْحِجَارَةَ الْمَاءَ ، فَإِنِّي أَسْتَحْيِيهِمْ .
وَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُهُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَاحْتَجَّ بِهِ فِي رِوَايَة حَنْبَلٍ ، وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيِّ وَصَحَّحَهُ .
وَلِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْإِنْقَاءِ .
( فَإِنْ عَكَسَ ) فَقَدَّمَ الْمَاءَ عَلَى الْحَجَرِ ( كُرِهَ ) نَصًّا ؛ لِأَنَّ الْحَجَرَ بَعْدَ الْمَاءِ يُقْذِرُ الْمَحَلَّ ( وَيُجْزِيهِ أَحَدُهُمَا ) أَيْ : الْحَجَرُ أَوْ الْمَاءُ ، لِحَدِيثِ أَنَسٍ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُ الْخَلَاءَ ؛ فَأَحْمِلُ أَنَا وَغُلَامٌ نَحْوِي إدَاوَةً مِنْ مَاءٍ وَعَنَزَةً ، فَيَسْتَنْجِي بِالْمَاءِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَحَدِيثُ جَابِرٍ مَرْفُوعًا { إذَا ذَهَبَ أَحَدُكُمْ إلَى الْغَائِطِ فَلْيَسْتَطِبْ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ ؛ فَإِنَّهَا تُجْزِي عَنْهُ } وَإِنْكَارُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ الِاسْتِنْجَاءَ بِالْمَاءِ كَانَ عَلَى مَنْ يَعْتَقِدُ وُجُوبَهُ وَكَذَا مَا حُكِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَعَطَاءٍ ( وَالْمَاءُ ) وَحْدَهُ ( أَفَضْلُ ) مِنْ الْحَجَرِ وَحْدَهُ ؛ لِأَنَّهُ يُطَهِّرُ الْمَحَلَّ وَأَبْلَغُ فِي التَّنْظِيفِ .
وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي أَهْلِ قُبَاءَ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَقَالَ : كَانُوا يَسْتَنْجُونَ بِالْمَاءِ ، فَنَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةُ } ( ك ) مَا إنَّ ( جَمْعَهُمَا ) أَفْضَلُ مِنْ الِاقْتِصَارِ عَلَى أَحَدِهِمَا ، لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ عَائِشَةَ ، وَإِنْ اسْتَعْمَلَ الْمَاءَ فِي فَرْجٍ وَالْحَجَرَ فِي آخَرَ ، فَلَا بَأْسَ .
( وَلَا يُجْزِي فِيمَا ) أَيْ : فِي خَارِجٍ مِنْ سَبِيلٍ ( تَعَدَّى ) أَيْ : تَجَاوُزُ ( مَوْضِعِ عَادَةٍ ) بِأَنْ انْتَشَرَ الْخَارِجُ عَلَى شَيْءٍ مِنْ الصَّفْحَةِ ، أَوْ امْتَدَّ إلَى الْحَشَفَةِ امْتِدَادًا غَيْرَ مُعْتَادٍ ( إلَّا الْمَاءُ ) لِأَنَّ الِاسْتِجْمَارَ فِي الْمُعْتَادِ رُخْصَةٌ لِلْمَشَقَّةِ فِي غَسْلِهِ ، لِتَكْرَارِ

النَّجَاسَةِ فِيهِ ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ ، كَمَا لَوْ تَعَدَّتْ لِنَحْوِ يَدِهِ أَوْ رِجْلِهِ .
فَيَتَعَيَّنُ الْمَاءُ لِمَا تَعَدَّى ، وَيُجْزِي الْحَجَرُ فِي الَّذِي فِي مَحَلِّ الْعَادَةِ .
قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا يُمْنَعُ الْقِيَامُ وَالِاسْتِجْمَارُ ، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ ، مَا لَمْ يَتَعَدَّ الْخَارِجُ .

( ك ) مَا لَا يُجْزِي فِي الْخَارِجِ مِنْ ( قُبُلَيْ خُنْثَى مُشْكِلٍ ) إلَّا الْمَاءُ ، وَكَذَا الْخَارِجُ مِنْ أَحَدِهِمَا ؛ لِأَنَّ الْأَصْلِيَّ مِنْهُمَا غَيْرُ مَعْلُومٍ .
وَالِاسْتِجْمَارُ لَا يُجْزِئُ إلَّا فِي أَصْلِيٍّ .
فَإِنْ كَانَ وَاضِحًا أَجْزَأَ الِاسْتِجْمَارُ فِي الْأَصْلِيِّ ، دُونَ الزَّائِدِ .
وَيُجْزِئُ فِي دُبُرِهِ ( وَ ) ك ( مَخْرَجٍ غَيْرِ فَرْجٍ ) تَنَجَّسَ بِخَارِجٍ مِنْهُ وَبِغَيْرِهِ ، فَلَا يُجْزِي فِيهِ غَيْرُ الْمَاءِ .
وَلَوْ اسْتَدَّ الْمَخْرَجُ الْمُعْتَادُ ؛ لِأَنَّهُ نَادِرٌ .
فَلَا تَثْبُتُ لَهُ أَحْكَامُ الْفَرْجِ ، وَلَمْسُهُ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ .
وَلَا يَتَعَلَّقُ بِالْإِيلَاجِ فِيهِ حُكْمُ الْوَطْءِ ، أَشْبَهَ سَائِرَ الْبَدَنِ .
( وَ ) ك ( تَنَجُّسِ مَخْرَجٍ بِغَيْرِ خَارِجٍ ) مِنْهُ أَوْ بِهِ وَجَفَّ .
( وَ ) ك ( اسْتِجْمَارٍ بِمَنْهِيٍّ عَنْهُ ) كَطَعَامٍ ، فَلَا يُجْزِي إلَّا الْمَاءُ .

( وَلَا يَجِبُ غَسْلُ ) مَا أَمْكَنَ مِنْ ( نَجَاسَةٍ و ) لَا ( جَنَابَةٍ بِدَاخِلِ فَرْجِ ثَيِّبٍ ) نَصًّا ، فَلَا تُدْخِلُ يَدَهَا أَوْ إصْبَعَهَا .
بَلْ مَا ظَهَرَ ؛ لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ تَلْحَقُ فِيهِ .
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ : وَهُوَ فِي حُكْمِ بَاطِنٍ ، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي وَالرِّعَايَةُ وَغَيْرُهُمَا : هُوَ فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ .
وَذَكَرَهُ فِي الْمُطْلِعِ عَنْ أَصْحَابِنَا .
وَالدُّبُرُ فِي حُكْمِ الْبَاطِنِ لِإِفْسَادِ الصَّوْمِ بِنَحْوِ الْحُقْنَةِ .

( لَا ) يَجِبُ غَسْلُ نَجَاسَةٍ وَلَا جَنَابَةٍ بِدَاخِلِ ( حَشَفَةِ أَقْلَفَ غَيْرِ مَفْتُوقٍ ) بِخِلَافِ الْمَفْتُوقِ : فَيَجِبُ غَسْلُهُمَا .
لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ فِيهِ .
وَإِنْ تَعَدَّى بَوْلُ الثَّيِّبِ إلَى مَخْرَجِ الْحَيْضِ فَقَالَ الْأَصْحَابُ : يَجِبُ غَسْلُهُ .
كَالْمُنْتَشِرِ عَنْ الْمَخْرَجِ .
وَصَحَّحَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ إجْزَاءَ الْحَجَرِ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ كَثِيرٌ .
وَالْعُمُومَاتُ تَعْضُدُهُ .
وَاخْتَارَهُ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ وَالْحَاوِي الْكَبِيرِ .
وَقَالَ هُوَ وَغَيْرُهُ : هَذَا إذَا قُلْنَا يَجِبُ تَطْهِيرُ بَاطِنِ فَرْجِهَا ، عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْقَاضِي .
وَالْمَنْصُوصُ عَنْ أَحْمَدَ : أَنَّهُ لَا يَجِبُ .
فَتَكُونُ كَالْبِكْرِ قَوْلًا وَاحِدًا .

" تَتِمَّةٌ " يُسْتَحَبُّ لِمَنْ اسْتَنْجَى بِالْمَاءِ أَنْ يَنْضَحَ فَرْجَهُ وَسَرَاوِيلَهُ ، وَمَنْ ظَنَّ خُرُوجَ شَيْءٍ .
فَقَالَ أَحْمَدُ : لَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ ، حَتَّى يَتَيَقَّنَ وَالْهُ عَنْهُ فَإِنَّهُ مِنْ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَذْهَبُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
وَلَمْ يَرَ أَحْمَدُ حَشْوَ الذَّكَرِ فِي ظَاهِرِ مَا نَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ ، وَأَنَّهُ لَوْ فَعَلَ ، فَصَلَّى ثُمَّ أَخْرَجَهُ وَبِهِ بَلَلٌ ، فَلَا بَأْسَ مَا لَمْ يَظْهَرْ خَارِجًا ، وَكَرِهَ الصَّلَاةَ فِيمَا أَصَابَهُ الِاسْتِنْجَاءُ ، حَتَّى يَغْسِلَهُ وَنَقَلَ صَالِحٌ : أَوْ يَمْسَحَهُ : وَنَقَلَ عَبْدُ اللَّهِ : لَا يَلْتَفِتُ إلَيْهِ .

( وَلَا يَصِحُّ اسْتِجْمَارٌ إلَّا بِطَاهِرٍ ) فَلَا يَصِحُّ بِنَجَسٍ .
؛ لِأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ { جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَجَرَيْنِ وَرَوْثَةٍ ، لِيَسْتَجْمِرَ بِهَا فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ .
وَقَالَ : هَذَا رِجْسٌ ، يَعْنِي نَجَسًا } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ؛ وَلِأَنَّهُ إزَالَةُ نَجَاسَةٍ .
أَشْبَهَ الْغُسْلَ .

( مُبَاحٍ ) فَلَا يَصِحُّ بِمُحَرَّمٍ ، كَمَغْصُوبٍ ، وَذَهَبٍ ، وَفِضَّةٍ ؛ لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ ، فَلَا تُسْتَبَاحُ بِمَعْصِيَةٍ .
وَلَا يُجْزِئُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا الْمَاءُ ( مُنْقٍ ) اسْم فَاعِلٍ مِنْ أَنْقَى ، فَلَا يُجْزِئُ بِأَمْلَسَ مِنْ نَحْوِ زُجَاجٍ ، وَلَا بِشَيْءٍ رَخْوٍ أَوْ نَدِيٍّ ، لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْهُ وَيُجْزِئُ الِاسْتِجْمَارُ بَعْدَهُ بِمُنْقٍ ( كَحَجَرٍ وَخَشَبٍ وَخِرَقٍ ) ؛ لِأَنَّهُ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِ الْحَدِيثِ { فَلْيَذْهَبْ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ ، أَوْ بِثَلَاثَةِ أَعْوَادٍ ، أَوْ بِثَلَاثِ حَثَيَاتٍ مِنْ تُرَابٍ } .
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ .
وَقَالَ : رُوِيَ مَرْفُوعًا .
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ مُرْسَلٌ .
وَلِمُشَارَكَةِ غَيْرِ الْحَجَرِ الْحَجَرَ فِي الْإِزَالَةِ ( وَهُوَ ) أَيْ : الْإِنْقَاءُ بِحَجَرٍ وَنَحْوِهِ ( أَنْ يَبْقَى أَثَرٌ لَا يُزِيلُهُ إلَّا الْمَاءُ و ) الْإِنْقَاءُ ( بِمَاءٍ خُشُونَةُ الْمَحَلِّ ) أَيْ مَحَلِّ الْخَارِجِ ، بِأَنْ يُدَلِّكَهُ حَتَّى يَعُودَ ( كَمَا كَانَ ) قَبْلَ خُرُوجِ الْخَارِجِ ، وَيُوَاصِلَ الصَّبَّ ، وَيَسْتَرْخِي قَلِيلًا .
وَلَا بُدَّ مِنْ الْعَدَدِ ، كَمَا يَأْتِي فِي إزَالَةِ النَّجَاسَةِ ( وَظَنُّهُ ) أَيْ الْإِنْقَاءِ بِحَجَرٍ أَوْ مَاءٍ ( كَافٍ ) فَلَا يُعْتَبَرُ الْيَقِينُ ، دَفْعًا لِلْحَرَجِ .

( وَحَرُمَ ) الِاسْتِجْمَارُ ( بِرَوْثٍ ) وَلَوْ لِمَأْكُولٍ ( وَعَظْمٍ ) وَلَوْ مِنْ مُذَكًّى لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا { لَا تَسْتَنْجُوا بِالرَّوْثِ وَلَا بِالْعِظَامِ .
فَإِنَّهُ زَادُ إخْوَانِكُمْ مِنْ الْجِنِّ } وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ ، وَعَدَمَ الْإِجْزَاءَ

( وَلَا يُجْزِئُ ) فِي الِاسْتِجْمَارِ ( أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثِ مَسَحَاتٍ ) إمَّا بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ وَنَحْوِهَا ، أَوْ بِحَجَرٍ وَاحِدٍ لَهُ ثَلَاثُ شُعَبٍ ( تَعُمُّ كُلُّ مَسْحَةٍ الْمَحَلَّ ) أَيْ : مَحَلَّ الْخَارِجِ ، لِحَدِيثِ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا { إذَا تَغَوَّطَ أَحَدُكُمْ فَلْيَمْسَحْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ } رَوَاهُ أَحْمَدُ .
وَهُوَ يُفَسِّرُ حَدِيثَ مُسْلِمٍ { لَا يَسْتَنْجِي أَحَدُكُمْ بِدُونِ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ } ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَكْرَارُ الْمَسْحِ لَا الْمَمْسُوحِ بِهِ ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ مَعْقُولٌ .
وَمُرَادُهُ مَعْلُومٌ .
وَالْحَاصِلُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ حَاصِلٌ مِنْ ثَلَاثِ شُعَبٍ وَكَمَا لَوْ مَسَحَ ذَكَرَهُ فِي ثَلَاثِ مُوَاضِعَ مِنْ صَخْرَةٍ عَظِيمَةٍ .
وَلَا مَعْنَى لِلْجُمُودِ عَلَى اللَّفْظِ ، مَعَ وُجُودِ مَا يُسَاوِيهِ ( فَإِنْ لَمْ يُنْقِ ) الْمَحَلَّ بِالْمَسَحَاتِ الثَّلَاثِ ( زَادَ ) حَتَّى يُنْقِيَ ، لِيَحْصُلَ مَقْصُودُ الِاسْتِجْمَارِ

( وَيُسَنُّ قَطْعُهُ ) أَيْ : مَا زَادَ عَلَى الثَّلَاثِ ( عَلَى وِتْرٍ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ اسْتَجْمَرَ فَلْيُوتِرْ ، مَنْ فَعَلَ فَقَدْ أَحْسَنَ ، وَمَنْ لَا فَلَا حَرَجَ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد فَإِنْ أَنْقَى بِرَابِعَةٍ زَادَ خَامِسَةً وَهَكَذَا ، وَإِنْ أَنْقَى بِوِتْرٍ كَخَامِسَةٍ لَمْ يَزِدْ شَيْئًا .

( وَيَجِبُ الِاسْتِنْجَاءُ ) بِمَاءٍ وَنَحْوِهِ كَحَجَرٍ ( لِكُلِّ خَارِجٍ ) مِنْ سَبِيلٍ ، وَلَوْ نَادِرًا ، كَالدُّودِ ، لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ ( إلَّا الرِّيحَ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ اسْتَنْجَى مِنْ الرِّيحِ فَلَيْسَ مِنَّا } رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي مُعْجَمِهِ الصَّغِيرِ .
وَقَالَ أَحْمَدُ : لَيْسَ فِي الرِّيحِ اسْتِنْجَاءٌ ، لَا فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الشَّرْحِ : وَلِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجِسَةٍ وَلَا تَصْحَبُهَا نَجَاسَةٌ .
وَفِي الْمُبْهِجِ : لِأَنَّهَا عَرَضٌ بِإِجْمَاعِ الْأُصُولِيِّينَ ، وَعُورِضَ بِأَنَّ لِلرِّيحِ الْخَارِجَةِ مِنْ الدُّبُرِ رَائِحَةً مُنْتِنَةً قَائِمَةً بِهَا .
وَلَا شَكَّ فِي كَوْنِ الرَّائِحَةِ عَرَضًا .
وَهُوَ لَا يَقُومُ بِعَرَضٍ عِنْدَ الْمُتَكَلِّمِينَ .
وَفِي النِّهَايَةِ : هِيَ نَجِسَةٌ ( وَ ) إلَّا الْخَارِجُ ( الطَّاهِرُ ) كَالْمَنِيِّ ( وَ ) إلَّا الْخَارِجُ النَّجَسُ ( غَيْرُ الْمُلَوَّثِ ) قَطَعَ بِهِ فِي التَّنْقِيحِ ، خِلَافًا لِمَا فِي الْإِنْصَافِ ؛ لِأَنَّ الِاسْتِنْجَاءَ إنَّمَا شُرِعَ لِإِزَالَةِ النَّجَاسَةِ وَلَا نَجَاسَةَ هُنَا .

( وَلَا يَصِحُّ وُضُوءٌ وَلَا تَيَمُّمٌ قَبْلَهُ ) أَيْ : قَبْلَ الِاسْتِنْجَاءِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الْمِقْدَادِ الْمُتَّفِقُ عَلَيْهِ { يَغْسِلُ ذَكَرَهُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ } وَلِأَنَّهَا طَهَارَةٌ يُبْطِلُهَا الْحَدَثُ .
فَاشْتُرِطَ تَقْدِيمُ الِاسْتِنْجَاءِ عَلَيْهَا كَالتَّيَمُّمِ ، وَظَاهِرُهُ : لَا فَرْقَ بَيْنَ التَّيَمُّمِ عَنْ حَدَثٍ أَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ ، أَوْ نَجَاسَةٍ بِبَدَنٍ .
فَإِنْ كَانَتْ النَّجَاسَةُ عَلَى غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ أَوْ عَلَيْهِمَا غَيْرَ خَارِجَةٍ مِنْهُمَا : صَحَّ الْوُضُوءُ وَالتَّيَمُّمُ قَبْلَ زَوَالِهَا .
وَيَحْرُمُ مَنْعُ الْمُحْتَاجِ إلَى الطَّهَارَةِ .
وَلَوْ وُقِفَتْ عَلَى طَائِفَةٍ مُعَيَّنَةٍ ، كَمَدْرَسَةٍ وَرِبَاطٍ ، وَلَوْ فِي مِلْكِهِ .
وَلَا أُجْرَةَ .
وَإِنْ كَانَ فِي دُخُولِ أَهْلِ الذِّمَّةِ طَهَارَةَ الْمُسْلِمِينَ تَضْيِيقٌ أَوْ تَنْجِيسٌ أَوْ إفْسَادُ مَاءٍ وَنَحْوِهِ : وَجَبَ مَنْعُهُمْ قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ .
قُلْت : وَمَنْ فِي مَعْنَاهُمْ مَنْ عُرِفَ - مِنْ نَحْوِ الرَّافِضَةِ - فَالْإِفْسَادُ عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ ، فَيُمْنَعُونَ مِنْ مَطَاهِرهِمْ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

بَابُ التَّسَوُّكِ مَصْدَرُ تَسَوَّكَ إذَا دَلَكَ فَمَهُ بِالْعُودِ ، وَالسِّوَاكُ بِمَعْنَاهُ ، وَالْعُودُ يُسْتَاكُ بِهِ .
يُقَالُ : جَاءَتْ الْإِبِلُ تَسْتَاكُ إذَا كَانَتْ أَعْنَاقُهَا تَضْطَرِبُ مِنْ الْهُزَالِ .
( وَكَوْنُهُ ) أَيْ : السِّوَاكِ ( عَرْضًا ) بِالنِّسْبَةِ إلَى أَسْنَانِهِ طُولًا بِالنِّسْبَةِ إلَى فَمِهِ .
لِحَدِيثِ الطَّبَرَانِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كَانَ يَسْتَاكُ عَرْضًا } وَكَوْنُهُ ( بِيُسْرَاهُ ) أَيْ : بِيَدِهِ الْيُسْرَى .
نَصًّا كَاسْتِنْثَارِهِ ( عَلَى أَسْنَانٍ ) جَمْعُ سِنٍّ بِكَسْرِ السِّينِ .
( وَ ) عَلَى ( لِثَةٍ ) بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ مُخَفَّفَةً ( وَ ) عَلَى ( لِسَانٍ ) فَإِنْ سَقَطَتْ أَسْنَانُهُ اسْتَاكَ عَلَى لِثَتِهِ وَلِسَانِهِ .
قُلْت : وَكَذَا لَوْ قُطِعَ لِسَانُهُ اسْتَاكَ عَلَى أَسْنَانِهِ وَلِثَتِهِ ، لِحَدِيثِ { إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ } ( بِعُودٍ رَطْبٍ ) أَيْ : لَيِّنٍ ، وَلَوْ عَبَّرَ بِهِ ، كَالْمُقْنِعِ وَغَيْرِهِ ، لَكَانَ أَوْلَى .
فَيَشْمَلُ الْيَابِسَ الْمُنْدِي ( يُنْقِي ) الْفَمَ ( لَا يَجْرَحُهُ وَلَا يَضُرُّهُ وَلَا يَتَفَتَّتُ ) فِي الْفَمِ .

( وَيُكْرَهُ ) لِلتَّسَوُّكِ ( بِغَيْرِهِ ) أَيْ : غَيْرِ الْعُودِ اللَّيِّنِ الْمُنَقِّي الَّذِي لَا يَجْرَحُ وَلَا يَضُرُّ .
وَلَا يَتَفَتَّتُ كَالْيَابِسِ .
وَاَلَّذِي يَجْرَحُ ، كَالْقَصَبِ الْفَارِسِيِّ ، وَاَلَّذِي يَضُرُّ كَالرَّيْحَانِ وَالرُّمَّانِ ، وَمَا يَتَفَتَّتُ فِي الْفَمِ .
وَلَا يَتَخَلَّلُ أَيْضًا بِرُمَّانٍ ، وَلَا رَيْحَانٍ ؛ لِأَنَّهُ يُحَرِّكُ عِرْقَ الْجُذَامِ كَمَا فِي الْخَبَرِ ، وَلَا بِالْقَصَبِ .
قَالَ بَعْضُهُمْ : وَلَا بِمَا يَجْهَلُهُ ، لِئَلَّا يَكُونَ مِنْ ذَلِكَ ( مَسْنُونٌ ) خَبَرٌ عَنْ التَّسَوُّكِ وَمَا عَطْفٌ عَلَيْهِ ( مُطْلَقًا ) أَيْ : فِي كُلِّ الْأَوْقَاتِ وَالْحَالَاتِ .
لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا { السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ } رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَأَبُو خُزَيْمَةَ وَالْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا .
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَابْنِ عُمَرَ .
وَرَوَى مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كَانَ إذَا دَخَلَ بَيْتَهُ بَدَأَ بِالسِّوَاكِ } .

( إلَّا الصَّائِمُ بَعْدَ الزَّوَالِ ، فَيُكْرَهُ ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَهُوَ إنَّمَا يَظْهَرُ غَالِبًا بَعْدَ الزَّوَالِ ؛ وَلِأَنَّهُ أَثَرُ عِبَادَةٍ مُسْتَطَابٌ شَرْعًا .
فَتُسْتَحَبُّ إدَامَتُهُ كَدَمِ الشَّهِيدِ عَلَيْهِ .
( وَيُبَاحُ ) التَّسَوُّكُ ( قَبْلَهُ ) أَيْ : الزَّوَالِ لِصَائِمٍ ( بِعُودٍ رَطْبٍ وَيَابِسٍ ) مُنَدَّى يُسْتَحَبُّ لِلصَّائِمِ قَبْلَهُ .
لِقَوْلِ عَامِر بْنِ رَبِيعَةَ { رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا لَا أُحْصِي يَتَسَوَّكُ وَهُوَ صَائِمٌ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ، وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا .
وَعَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا { مِنْ خَيْرِ خِصَالِ الصَّائِمِ : السِّوَاكُ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ .
وَهَذَانِ الْحَدِيثَانِ مَحْمُولَانِ عَلَى مَا قَبْلَ الزَّوَالِ لِحَدِيثِ الْبَيْهَقِيّ عَنْ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا { إذَا صُمْتُمْ فَاسْتَاكُوا بِالْغَدَاةِ ، وَلَا تَسْتَاكُوا بِالْعَشِيِّ } وَالرَّطْبُ مَظِنَّةُ التَّحَلُّلِ مِنْهُ ، فَلِذَلِكَ أُبِيحَ السِّوَاكُ بِهِ ، بِخِلَافِ الْيَابِسِ فَ ( يُسْتَحَبُّ ) كَمَا تَقَدَّمَ .
( وَلَمْ يُصِبْ السُّنَّةَ مَنْ اسْتَاكَ بِغَيْرِ عُودٍ ) كَمَنْ اسْتَاكَ بِأُصْبُعِهِ أَوْ خِرْقَةٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ الْإِنْقَاءُ حُصُولَهُ بِالْعُودِ ، وَظَاهِرُ كَلَامِهِ : التَّسَاوِي بَيْنَ جَمِيعِ الْعِيدَانِ ، غَيْرَ مَا تَقَدَّمَ اسْتِثْنَاؤُهُ .
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ : وَهُوَ الْمَذْهَبُ .
وَذَكَرَ الْأَزَجِيُّ : لَا يُعْدَلُ عَنْ الْأَرَاكِ وَالزَّيْتُونِ وَالْعُرْجُونِ إلَّا لِتَعَذُّرِهِ .

( وَيَتَأَكَّدُ ) اسْتِحْبَابُ السِّوَاكِ فِي خَمْسَةِ مُوَاضِعَ ( عِنْدَ صَلَاةٍ ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ } وَرَوَاهُ الْجَمَاعَةُ .
وَفِي لَفْظٍ لِأَحْمَدَ { لَفَرَضْتُ عَلَيْهِمْ السِّوَاكَ كَمَا فَرَضْتُ عَلَيْهِمْ الْوُضُوءَ } .
قَالَ الشَّافِعِيُّ : لَوْ كَانَ وَاجِبًا لَأَمَرَهُمْ بِهِ شَقَّ أَوْ لَمْ يَشُقَّ .
( وَ ) عِنْدَ ( انْتِبَاهٍ ) مِنْ نَوْمٍ ، لِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ بِالسِّوَاكِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، يُقَالُ : شَاصَهُ وَمَاصَهُ : إذَا غَسَلَهُ ، لِأَحْمَدَ عَنْ عَائِشَةَ : { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَرْقُدُ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ فَيَسْتَيْقِظُ إلَّا تَسَوَّكَ قَبْلَ أَنْ يَتَوَضَّأَ } .
.
( وَ ) عِنْدَ ( تَغَيُّرِ رَائِحَةِ فَمٍ ) بِمَأْكُولٍ أَوْ غَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ السِّوَاكَ شُرِعَ لِتَطْيِيبِ الْفَمِ وَإِزَالَةِ رَائِحَتِهِ فَتَأَكَّدَ عِنْدَ تَغَيُّرِهِ ( وَ ) عِنْدَ ( وُضُوءٍ ) لِحَدِيثِ أَحْمَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ وُضُوءٍ } وَهُوَ لِلْبُخَارِيِّ تَعْلِيقًا .

( وَ ) عِنْدَ ( قِرَاءَةِ ) قُرْآنٍ ، تَطْيِيبًا لِلْفَمِ ، حَتَّى لَا يَتَأَذَّى الْمَلَكُ عِنْدَ تَلَقِّي الْقِرَاءَةِ مِنْهُ ، وَزَادَ الزَّرْكَشِيُّ وَتَبِعَهُ فِي الْإِقْنَاعِ : وَعِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ وَالْمَنْزِلِ ، وَإِطَالَةِ السُّكُوتِ ، وَخُلُوِّ الْمِعْدَةِ ، مِنْ الطَّعَامِ ، وَاصْفِرَارِ الْأَسْنَانِ ( وَكَانَ ) السِّوَاكُ ( وَاجِبًا عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي عَامِرٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرَ بِالْوُضُوءِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ طَاهِرًا وَغَيْرَ طَاهِرٍ ، فَلَمَّا شَقَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ أُمِرَ بِالسِّوَاكِ لِكُلِّ صَلَاةٍ } ؟ وَهْل الْمُرَادُ الصَّلَاةُ الْمَفْرُوضَةُ أَوْ النَّافِلَةُ أَوْ مَا يَعُمُّهُمَا ؟ وَلَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ ، وَسِيَاقُ حَدِيثِ أَبِي دَاوُد يَقْتَضِي تَخْصِيصَهُ بِالْمَفْرُوضَةِ ذَكَرَهُ الزَّرْكَشِيُّ وَالشَّافِعِيُّ .
وَالسِّوَاكُ بِاعْتِدَالٍ يُطَيِّبُ الْفَمَ وَالنَّكْهَةَ ، وَيَجْلُو الْأَسْنَانَ وَيُقَوِّيهَا ، وَيَشُدُّ اللِّثَةَ ، وَيَقْطَعُ الْبَلْغَمَ ، وَيَجْلُو الْبَصَرَ ، وَيَمْنَعُ الْحَفْرَ ، وَيَذْهَبُ بِهِ ، وَيُصَحِّحُ الْمَعِدَةَ ، وَيُعِينُ عَلَى الْهَضْمِ ، وَيُشَهِّي الطَّعَامَ ، وَيُصَفِّي الصَّوْتَ ، وَيُسَهِّلُ مَجَارِيَ الْكَلَامِ ، وَيُنَشِّطُ ، وَيَطْرُدُ النَّوْمَ ، وَيُخَفِّفُ عَنْ الرَّأْسِ وَفَمِ الْمَعِدَةِ .

( وَيُسَنُّ بُدَاءَةُ ) الْجَانِبِ ( الْأَيْمَنِ ) مِنْ فَمٍ وَبَدَنٍ ( فِي سِوَاك ) قَالَ فِي الْمُطْلِعِ وَالْإِقْنَاعِ : مِنْ ثَنَايَاهُ إلَى أَضْرَاسِهِ ، وَقَالَ وَالِدُ الْمُصَنِّفِ فِي قِطْعَتِهِ عَلَى الْوَجِيزِ : يَبْدَأُ مِنْ أَضْرَاسِ الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ .
( تَتِمَّةٌ ) يُغْسَلُ مَا عَلَى السِّوَاكِ اسْتِحْبَابًا ، وَإِنْ لَمْ يَكْثُرْ ، فَلَا بَأْسَ بِعَدَمِهِ ، وَإِنْ كَانَ سِوَاكَ غَيْرِهِ ( وَ ) سُنَّ أَيْضًا بُدَاءَةٌ بِالْأَيْمَنِ فِي ( طُهْرِهِ ) أَيْ : تَطْهِيرِهِ .
( وَ ) فِي ( شَأْنِهِ كُلِّهِ ) كَتَرَجُّلٍ وَانْتِعَالٍ ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ { كَانَ يُحِبُّ التَّيَامُنَ فِي تَنَعُّلِهِ وَتَرَجُّلِهِ وَفِي شَأْنِهِ كُلِّهِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
( وَ ) سُنَّ ( ادِّهَانٌ غِبًّا ) يَفْعَلُهُ ( يَوْمًا و ) يَتْرُكُهُ ( يَوْمًا ) ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَهَى عَنْ التَّرَجُّلِ إلَّا غِبًّا ، وَنَهَى أَنَّ يَتَمَشَّطَ أَحَدُهُمْ كُلَّ يَوْمٍ } قَالَ فِي الْفُرُوعِ : فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ يُكْرَهُ غَيْرُ الْغِبِّ .
وَالتَّرَجُّلُ : تَسْرِيحُ الشَّعْرِ وَدَهْنُهُ .
وَظَاهِرُهُ : أَنَّ اللِّحْيَةَ كَالرَّأْسِ وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِعْلَ الْأَصْلَحِ لِلْبَدَنِ ، كَالْغُسْلِ بِمَاءٍ حَارٍّ بِبَلَدٍ رَطْبٍ ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَرْجِيلُ الشَّعْرِ ، وَلِأَنَّهُ فِعْلُ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَأَنَّ مِثْلَهُ نَوْعُ الْمَلْبَسِ وَالْمَأْكَلِ .
وَلَمَّا فَتَحُوا الْأَمْصَارَ كَانَ كُلٌّ مِنْهُمْ يَأْكُلُ مِنْ قُوتِ بَلَدِهِ وَيَلْبَسُ مِنْ لِبَاسِهِ ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْصِدُوا قُوتَ الْمَدِينَةِ وَلِبَاسَهَا .
( وَ ) سُنَّ ( اكْتِحَالٌ فِي كُلِّ عَيْنٍ ثَلَاثًا ) بِإِثْمِدٍ مُطَيَّبٍ بِالْمِسْكِ كُلَّ لَيْلَة قَبْلَ النَّوْمِ .
لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا { كَانَ يَكْتَحِلُ بِالْإِثْمِدِ كُلَّ لَيْلَةٍ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ .
وَكَانَ يَكْتَحِلُ فِي كُلِّ عَيْنٍ ثَلَاثَةَ أَمْيَالٍ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ .

" تَتِمَّةٌ " يُسَنُّ اتِّخَاذُ الشَّعْرِ .
قَالَ أَحْمَدُ : هُوَ سُنَّةٌ ، وَلَوْ نَقْوَى عَلَيْهِ اتَّخَذْنَاهُ ، وَلَكِنْ لَهُ كُلْفَةٌ وَمُؤْنَةٌ ، وَيَغْسِلُهُ وَيُسَرِّحُهُ وَيَفْرُقُهُ ، وَيَكُونُ إلَى أُذُنَيْهِ ، وَيَنْتَهِي إلَى مَنْكِبَيْهِ ، كَشَعْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُعْفِي لِحْيَتَهُ وَيَحْرُمُ حَلْقُهَا ، ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ، وَلَا يُكْرَهُ أَخْذ مَا زَادَ عَلَى الْقَبْضَةِ وَمَا تَحْتَ حَلْقِهِ ، وَأَخَذَ أَحْمَدُ مِنْ حَاجِبَيْهِ وَعَارِضَيْهِ ، نَقَلَهُ ابْنُ هَانِئٍ .
( وَ ) سُنَّ ( نَظَرٌ فِي مِرْآةٍ ) لِيُزِيلَ مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ بِوَجْهِهِ مِنْ أَذًى وَيَفْطُنُ إلَى نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي خَلْقِهِ وَيَقُولُ مَا وَرَدَ ، وَمِنْهُ " اللَّهُمَّ كَمَا حَسَّنْت خَلْقِي فَحَسِّنْ خُلُقِي ، وَحَرِّمْ وَجْهِي عَلَى النَّارِ " ( وَ ) سُنَّ ( تَطَيُّبٌ ) لِحَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ مَرْفُوعًا { أَرْبَعٌ مِنْ سُنَنِ الْمُرْسَلِينَ : الْحَيَاءُ ، وَالتَّعَطُّرُ ، وَالسِّوَاكُ ، وَالنِّكَاحُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَيُسْتَحَبُّ لِلرِّجَالِ مَا ظَهَرَ رِيحُهُ وَخَفِيَ لَوْنُهُ ، وَعَكْسُهُ لِلْمَرْأَةِ

( وَيَجِبُ خِتَانُ ذَكَرٍ ) بِأَخْذِ جِلْدَةِ الْحَشَفَةِ ، وَقَالَ جَمْعٌ : إنْ اقْتَصَرَ عَلَى أَكْثَرِهَا جَازَ ( وَ ) يَجِبُ خِتَانُ ( أُنْثَى ) بِأَخْذِ جِلْدَةٍ فَوْقَ مَحَلِّ الْإِيلَاجِ تُشْبِه عُرْفَ الدِّيكِ ، وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا تُؤْخَذَ كُلُّهَا نَصًّا ، لِحَدِيثِ { اخْفِضِي وَلَا تُنْهِكِي ، فَإِنَّهُ أَنْضَرُ لِلْوَجْهِ وَأَحْظَى عِنْد الزَّوْجِ } .
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَالْحَاكِمُ عَنْ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ مَرْفُوعًا ، وَلِلزَّوْجِ جَبْرُ زَوْجَتِهِ الْمُسْلِمَةِ عَلَيْهِ ، وَدَلِيلُ وُجُوبِهِ : قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ أَسْلَمَ { أَلْقِ عَنْكَ شَعْرَ الْكُفْرِ وَاخْتَتِنْ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَفِي حَدِيثٍ { اُخْتُتِنَ إبْرَاهِيمُ بَعْد مَا أَتَتْ عَلَيْهِ ثَمَانُونَ سَنَةَ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَلَفْظُهُ لِلْبُخَارِيِّ .
وَقَالَ تَعَالَى : { ثُمَّ أَوْحَيْنَا إلَيْكَ أَنْ اتَّبِعْ مِلَّةَ إبْرَاهِيمَ حَنِيفًا } وَلِأَنَّهُ مِنْ شَعَائِرِ الْمُسْلِمِينَ ، وَفِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَجَبَ الْغُسْلُ } دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يُخْتَتَنَّ .
قَالَ أَحْمَدُ : وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُشَدِّدُ فِي أَمْرِهِ ، حَتَّى قَدْ رُوِيَ عَنْهُ : أَنَّهُ لَا حَجَّ لَهُ وَلَا صَلَاةَ .
( وَ ) يَجِبُ خِتَانُ ( قُبُلَيْ خُنْثَى ) مُشْكِلٍ احْتِيَاطًا ( عِنْدَ بُلُوغٍ ) مُتَعَلِّقٌ بِيَجِبُ ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ لَيْسَ مُكَلَّفًا ( مَا لَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ ) تَلَفًا أَوْ ضَرَرًا ، فَإِنْ خَافَ سَقَطَ وُجُوبُهُ ، كَمَا لَوْ خَافَ ذَلِكَ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِي نَحْوِ الْوُضُوءِ ، ( وَيُبَاحُ ) الْخِتَانُ ( إذَنْ ) أَيْ : إذَا خَافَ عَلَى نَفْسِهِ .
( وَ ) الْخِتَانُ ( زَمَنَ صِغَرٍ أَفْضَلُ ) ؛ لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْبُرْءِ ( وَكُرِهَ ) خِتَانٌ ( فِي سَابِعِ ) الْوِلَادَةِ ، لِلتَّشَبُّهِ بِالْيَهُودِ ( وَ ) كُرِهَ خِتَانٌ ( مِنْ وِلَادَةٍ إلَيْهِ ) أَيْ : السَّابِعِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَلَمْ يَذْكُرْ كَرَاهَتَهُ الْأَكْثَرُ

( وَسُنَّ اسْتِحْدَادٌ ) اسْتِفْعَالٌ مِنْ التَّحْدِيدِ ، أَيْ : حَلْقُ الْعَانَةِ وَلَهُ قَصُّهُ وَإِزَالَتُهُ بِمَا شَاءَ ، وَالتَّنْوِيرُ فِي الْعَوْرَةِ وَغَيْرِهَا ، فَعَلَهُ أَحْمَدُ ، وَكَذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ ، مِنْ حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ بِإِسْنَادِ ثِقَاتٍ .
وَأُعِلَّ بِالْإِرْسَالِ ( وَ ) سُنَّ ( حَفُّ شَارِبٍ ) أَوْ قَصُّ طَرَفِهِ .
وَحَفُّهُ أَوْلَى نَصًّا .
وَهُوَ الْمُبَالَغَةُ فِي قَصِّهِ .
وَمِنْهُ السَّبَلَتَانِ وَهُمَا طَرَفَاهُ .
لِحَدِيثِ أَحْمَدَ { قُصُّوا سَبَلَاتِكُمْ وَلَا تَتَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ } .

( وَ ) سُنَّ ( تَقْلِيمُ ظُفْرٍ ) مُخَالِفًا وَغَسْلُهَا بَعْدَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ ، قَبْلَ الزَّوَالِ وَالصَّلَاةِ ، يَبْدَأُ بِخَنْصَرِ الْيُمْنَى ، ثُمَّ الْوُسْطَى ، ثُمَّ الْإِبْهَامِ ، ثُمَّ الْبِنْصِرِ ، ثُمَّ السَّبَّابَةِ ، ثُمَّ إبْهَامِ الْيُسْرَى ، ثُمَّ الْوُسْطَى ، ثُمَّ الْخِنْصَرِ ، ثُمَّ السَّبَّابَةِ ، ثُمَّ الْبِنْصِرِ وَسُنَّ أَنْ لَا يَحِيفَ عَلَيْهَا فِي الْغَزْوِ وَالسَّفَرِ .
( وَ ) سُنَّ ( نَتْفُ إبِطٍ ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { الْفِطْرَةُ خَمْسٌ : الْخِتَانُ ، وَالِاسْتِحْدَادُ ، وَقَصُّ الشَّارِبِ ، وَتَقْلِيمُ الْأَظَافِرِ ، وَنَتْفُ الْإِبْطِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَيُسْتَحَبُّ دَفْنُ مَا أَخَذَهُ مِنْ أَظْفَارِهِ أَوْ شَعْرِهِ قَالَ أَحْمَدُ : كَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ .
وَقِيلَ لَهُ فِي رِوَايَةِ سِنْدِيٍّ : حَلْقُ الْعَانَةِ وَتَقْلِيمُ الظُّفْرِ ، كَمْ يُتْرَكُ ؟ قَالَ : أَرْبَعِينَ لِلْحَدِيثِ .
فَأَمَّا الشَّارِبُ فَفِي كُلِّ جُمَعٍ ؛ لِأَنَّهُ يَصِيرُ وَحْشًا .

( وَكُرِهَ حَلْقُ الْقَفَا لِغَيْرِ حِجَامَةٍ وَنَحْوِهَا ) كَقُرُوحٍ ، أَيْ : مُنْفَرِدًا عَنْ الرَّأْسِ قَالَ فِي رِوَايَةِ الْمَرْوَزِيِّ : هُوَ مِنْ فِعْلِ الْمَجُوسِ .
وَمَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ .
( وَ ) كُرِهَ ( الْقَزَعُ .
وَهُوَ حَلْقُ بَعْضِ الرَّأْسِ وَتَرْكُ بَعْضِهِ ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { نَهَى عَنْ الْقَزَعِ وَقَالَ احْلِقْهُ كُلُّهُ أَوْ دَعْهُ كُلُّهُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَيُكْرَهُ حَلْقُ رَأْسِ امْرَأَةٍ وَقَصُّهُ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ .
لَا حَلْقُ رَأْسِ ذَكَرٍ كَقَصِّهِ ، وَحَرَّمَ بَعْضُهُمْ حَلْقَهُ عَلَى مُرِيدٍ لِشَيْخِهِ ؛ لِأَنَّهُ ذُلٌّ وَخُضُوعٌ لِغَيْرِ اللَّهِ .

( وَ ) كُرِهَ أَيْضًا ( نَتْفُ شَيْبٍ ) لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ : { نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَتْفِ الشَّيْبِ .
وَقَالَ إنَّهُ نُورُ الْإِسْلَامِ } .
( وَ ) كُرِهَ أَيْضًا ( تَغْيِيرُهُ ) أَيْ : الشَّيْبِ ( بِسَوَادٍ ) لِحَدِيثِ الصِّدِّيقِ { أَنَّهُ جَاءَ بِأَبِيهِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَأْسُهُ وَلِحْيَتُهُ كَالثَّغَامَةِ بَيَاضًا .
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : غَيِّرُوهُمَا .
وَجَنِّبُوهُمَا السَّوَادَ } قَالَ بَعْضُهُمْ فِي غَيْرِ حَرْبٍ

( وَ ) كُرِهَ أَيْضًا ( ثَقْبُ أُذُنِ صَبِيٍّ ) لَا جَارِيَةٍ نَصًّا ( وَيَحْرُمُ نَمْصٌ ) أَيْ : نَتْفُ الشَّعْرِ مِنْ الْوَجْهِ ( وَوَشْرٌ ) أَيْ : بَرْدُ الْأَسْنَانِ : لِتَحْدِيدٍ وَتَفَلُّجٍ وَتَحَسُّنٍ ( وَ وَشْمٌ ) أَيْ غَرْزُ الْجِلْدِ بِإِبْرَةٍ ثُمَّ حَشْوُهُ كُحْلًا ( وَوَصْلُ ) شَعْرٍ بِشَعْرٍ .
( وَلَوْ ) كَانَ ( بِشَعْرِ بَهِيمَةٍ أَوْ بِإِذْنِ زَوْجٍ ) ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَعَنَ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ ، وَالنَّامِصَةَ وَالْمُتَنَمِّصَةَ ، وَالْوَاشِرَةَ وَالْمُسْتَوْشِرَةَ } .
وَفِي خَبَرٍ آخَرَ { لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ } ذَكَرَهُمَا فِي الشَّرْح ، أَيْ : الْفَاعِلَةَ ذَلِكَ وَالْمَفْعُولَ بِهَا بِإِذْنِهَا .
وَفُهِمَ مِنْهُ : أَنَّ وَصْلَ الشَّعْرِ بِغَيْرِهِ لَا يَحْرُمُ ؛ لِأَنَّهُ لَا تَدْلِيسَ فِيهِ ، بَلْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ مِنْ تَحْسِينِ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا مِنْ غَيْرِ مَضَرَّةٍ وَيُكْرَه مَا زَادَ عَمَّا يُحْتَاجُ إلَيْهِ .
( وَتَصِحُّ الصَّلَاةُ مَعَ ) وَصْلِ الشَّعْرِ بِشَعْرٍ ( طَاهِرٍ ) لَا بِنَجَسٍ وَلِلْمَرْأَةِ حَلْقُ وَجْهِهَا ، وَحَفُّهُ وَتَحْسِينُهُ بِتَحْمِيرِهِ وَنَحْوِهِ .
وَكَرِهَهُ أَحْمَدُ لِرَجُلٍ وَيُكْرَه لَهُ التَّحْذِيفُ ، وَهُوَ إرْسَالُ الشَّعْرِ الَّذِي بَيْن الْعِذَارِ وَالنَّزَعَةِ لَا لَهَا ؛ لِأَنَّ عَلِيًّا كَرِهَهُ رَوَاهُ الْخَلَّالُ .

وَيُكْرَهُ النَّقْشُ وَالتَّطْرِيفُ .
قَالَ فِي الْإِفْصَاحِ : كَرِهَ الْعُلَمَاءُ أَنْ تُسَوِّدَ شَيْئًا ، بَلْ تُخَضِّبُ بِأَحْمَرَ .
وَكَرِهُوا النَّقْشَ .
قَالَ أَحْمَدُ بَلْ تَغْمِسُ يَدَهَا غَمْسًا .
وَكَرِهَ أَحْمَدُ الْحِجَامَةَ يَوْمَ السَّبْتِ وَالْأَرْبِعَاءِ بِلَا حَاجَةٍ .

فَصْلٌ : هُوَ الْحَجْزُ بَيْنَ شَيْئَيْنِ .
وَمِنْهُ فَصْلُ الرَّبِيعِ يَحْجِزُ بَيْنَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ .
وَهُوَ فِي كُتُبِ الْعِلْمِ : حَاجِزٌ بَيْنَ أَجْنَاسِ الْمَسَائِلِ وَأَنْوَاعِهَا .
( سُنَنُ وُضُوءٍ ) جَمْعُ سُنَّةٍ .
وَهُوَ مَا يُثَابُ عَلَى فِعْلِهِ وَلَا يُعَاقَبُ عَلَى تَرْكِهِ ( اسْتِقْبَالُ قِبْلَةٍ ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَهُوَ مُتَّجَهٌ فِي كُلِّ طَاعَةٍ إلَّا لِدَلِيلٍ ( وَسِوَاكٌ ) لِمَا تَقَدَّمَ .
وَيَكُونُ فِيهِ عِنْدَ الْمَضْمَضَةِ ( وَغَسْلُ يَدَيْ غَيْرِ قَائِمٍ مِنْ نَوْمِ لَيْلٍ نَاقِضٍ لِوُضُوءٍ ) لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا ذَكَرَهُ عُثْمَانُ ، وَعَلِيٌّ ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ فِي وَصْفِهِمْ وُضُوءَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَنْظِيفًا لَهُمَا احْتِيَاطًا .
لِنَقْلِهِمَا الْمَاءَ إلَى الْأَعْضَاءِ ( وَيَجِبُ ) غَسْلُهُمَا ( لِذَلِكَ ) أَيْ : الْقَائِمِ مِنْ نَوْمِ لَيْلٍ نَاقِضٍ لِوُضُوءٍ ( تَعَبُّدًا ) لِحَدِيثِ " إذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ " وَتَقَدَّمَ ( ثَلَاثٌ ) فَلَا يُجْزِئُ مَرَّةً وَلَا مَرَّتَيْنِ ( بِنِيَّةٍ شُرِطَتْ ) لِحَدِيثِ { إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ } .
( وَتَسْمِيَةٍ ) وَاجِبَةٍ مَعَ الذِّكْرِ .
كَالْوُضُوءِ ، وَهِيَ طَهَارَةٌ مُفْرَدَةٌ لَيْسَتْ مِنْ الْوُضُوءِ ؛ لِأَنَّهُ يَجُوز تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ بِالزَّمَنِ الطَّوِيلِ .
وَلَا تُجْزِئُ نِيَّةُ الْوُضُوءِ عَنْ نِيَّةِ غَسْلِهِمَا ، وَغَسْلُهُمَا لِمَعْنًى فِيهِمَا .
فَلَوْ اسْتَعْمَلَ الْمَاءَ ، وَلَمْ يُدْخِلْ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ لَمْ يَصِحَّ وُضُوءُهُ ، وَفَسَدَ الْمَاءُ .
فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا وَتَوَضَّأَ أَوْ اغْتَسَلَ مِنْهُ بِالْغَمْسِ فِيهِ وَلَمْ يَنْوِ غَسْلَهُمَا ارْتَفَعَ حَدَثُهُ ، وَلَمْ يُجْزِئْهُ عَنْ غَسْلِهِمَا .
ذَكَرَهُ فِي الشَّرْح مُلَخَّصًا ( وَيَسْقُطُ غَسْلُهُمَا ) سَهْوًا .
قُلْت : وَكَذَا جَهْلًا .
لِحَدِيثِ { عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ } ( وَ ) تَسْقُطُ ( التَّسْمِيَةُ ) فِيهِ ( سَهْوًا ) كَالْوُضُوءِ وَأَوْلَى ( وَبُدَاءَةٌ ) عَطْفٌ عَلَى اسْتِقْبَالِ قِبْلَةٍ ( قَبْلَ غَسْلِ وَجْهٍ بِمَضْمَضَةٍ ) بِيَمِينِهِ ( فَاسْتِنْشَاقٍ بِيَمِينِهِ وَاسْتِنْثَارٍ

) بِالْمُثَلَّثَةِ مِنْ النَّثْرَةِ ، وَهِيَ طَرَفُ الْأَنْفِ وَهُوَ ( بِيَسَارِهِ ) لِحَدِيثِ عَلِيٍّ { أَنَّهُ دَعَا بِوَضُوءٍ ، فَتَمَضْمَضَ ، وَاسْتَنْشَقَ ، وَنَثَرَهُ بِيَدِهِ الْيُسْرَى ، فَفَعَلَ هَذَا ثَلَاثًا .
ثُمَّ قَالَ : هَذَا طَهُورُ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ مُخْتَصَرًا

( وَمُبَالَغَةٍ فِيهِمَا ) أَيْ : فِي الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاقِ ( لِغَيْرِ الصَّائِمِ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي حَدِيثِ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ { وَبَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا } رَوَاهُ الْخَمْسَةُ ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ .
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا { اسْتَنْثِرُوا مَرَّتَيْنِ بَالِغَتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ .
وَتُكْرَهُ لِصَائِمٍ .
( وَ ) الْمُبَالَغَةُ بِالْغَسْلِ ( فِي بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ مُطْلَقًا ) قَالَ فِي شَرْحِهِ : أَيْ : فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ ، وَمَعَ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ ( فَ ) الْمُبَالَغَةُ ( فِي مَضْمَضَةٍ : إدَارَةُ الْمَاءِ بِجَمِيعِ الْفَمِ .
و ) الْمُبَالَغَةُ ( فِي اسْتِنْشَاقٍ : جَذْبُهُ ) أَيْ : الْمَاءِ ( بِنَفَسِهِ ) بِفَتْحِ الْفَاءِ ( إلَى أَقْصَى أَنْفٍ .
وَالْوَاجِبُ ) فِي الْمَضْمَضَة ( الْإِدَارَةُ ) وَلَوْ بِبَعْضِ الْفَمِ .
فَلَا يَكْفِي وَضْعُ الْمَاءِ فِيهِ ، بِلَا إدَارَةٍ .
( وَ ) الْوَاجِبُ فِي الِاسْتِنْشَاقِ ( جَذْبُهُ ) أَيْ : الْمَاءِ ( إلَى بَاطِنِ أَنْفٍ ) وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ أَقْصَاهُ أَوْ أَكْثَرَهُ ( وَلَهُ بَلْعُهُ ) أَيْ الْمَاءِ الَّذِي تَمَضْمَضَ أَوْ اسْتَنْشَقَ بِهِ ؛ لِأَنَّ الْغَسْلَ حَصَلَ ، كَإِلْقَائِهِ ( لَا جَعْلُ مَضْمَضَةٍ أَوَّلًا ) أَيْ : ابْتِدَاءٌ قَبْلَ إدَارَةٍ ( وَجُورًا ، وَ ) لَا جَعْلُ ( اسْتِنْشَاقٍ ) اُبْتُدِئَ قَبْلَ جَذْبِهِ ( سَعُوطًا ) لِعَدَمِ حُصُولِ الْغَسْلِ .
( وَ ) الْمُبَالَغَةُ ( فِي غَيْرِهِمَا ) أَيْ غَيْرِ الْمَضْمَضْةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ ( ذَلِكَ مَا يَنْبُو عَنْهُ الْمَاءُ ) أَيْ : لَا يَطْمَئِنُّ عَلَيْهِ .

( وَتَخْلِيلُ لِحْيَةٍ كَثِيفَةٍ ) بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ ( بِكَفٍّ مِنْ مَاءٍ يَضَعُهُ مِنْ تَحْتِهَا بِأَصَابِعِهِ مُشْتَبِكَةً ) لِحَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا { كَانَ إذَا تَوَضَّأَ أَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ ، فَجَعَلَهُ تَحْتَ حَنَكِهِ ، وَخَلَّلَ بِهِ لِحْيَتَهُ ، وَقَالَ : هَكَذَا أَمَرَنِي رَبِّي } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ( أَوْ ) يَضَعُهُ ( مِنْ جَانِبَيْهَا وَيَعْرُكُهَا ) أَيْ : لِحْيَتَهُ .
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ : وَيَكُونُ ذَلِكَ عِنْدَ غَسْلِهَا وَإِنْ شَاءَ إذَا مَسَحَ رَأْسَهُ ، نَصَّ عَلَيْهِ ( وَكَذَا عَنْفَقَةٌ وَشَارِبٌ وَحَاجِبَانِ ، وَلِحْيَةُ أُنْثَى وَخُنْثَى .
و ) يُسَنُّ تَخْلِيلُهَا إذَا كَثُفَتْ .

و ( مَسْحُ الْأُذُنَيْنِ بَعْدَ رَأْسٍ بِمَاءٍ جَدِيدٍ ) لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ { رَأَى الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ فَأَخَذَ لِأُذُنَيْهِ مَاءً خِلَافَ الَّذِي لِرَأْسِهِ } رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَصَحَّحَهُ ( وَتَخْلِيلُ الْأَصَابِعِ ) مِنْ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ ، لِحَدِيثِ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ { وَخَلِّلْ بَيْنَ الْأَصَابِعِ } .
قَالَ فِي الشَّرْح : وَهُوَ فِي الرِّجْلَيْنِ آكَدُ قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : بِخِنْصَرِ الْيُسْرَى .
وَيَبْدَأُ مِنْ الرِّجْلِ الْيُمْنَى بِخِنْصَرِهَا ، وَالْيُسْرَى بِالْعَكْسِ ، لِيَحْصُلَ التَّيَامُنُ فِي التَّخْلِيلِ .
زَادَ بَعْضُهُمْ : مِنْ أَسْفَلِ الرِّجْلِ ( وَمُجَاوَزَةُ مَحَلِّ فَرْضِهِ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إنَّ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ .
فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
( وَغَسْلَةٌ ثَانِيَةٌ ) غَسْلَةٌ ( وَثَالِثَةٌ ) لِحَدِيثِ عَلِيٍّ " أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { تَوَضَّأَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ .
وَقَالَ : هَذَا أَحْسَنُ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ .
وَأَصَحُّ .
وَلَيْسَ ذَلِكَ بِوَاجِبٍ ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ { تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً مَرَّةً } رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { تَوَضَّأَ مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ .
وَيَعْمَلُ فِي عَدَدِ الْغَسَلَاتِ بِالْيَقِينِ .
وَيَجُوزُ الِاقْتِصَارُ عَلَى وَاحِدَةٍ ، وَالِاثْنَتَانِ أَفْضَلُ مِنْهَا ، وَالثَّلَاثَةُ أَفْضُلُ مِنْهُمَا .
قَالَ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ : وَلَوْ غَسَلَ بَعْضَ أَعْضَاءِ وُضُوئِهِ أَكْثَرَ مِنْ بَعْضٍ لَمْ يُكْرَهْ ( وَكُرِهَ فَوْقَهَا ) أَيْ : الثَّلَاثِ .
لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ { جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهُ عَنْ الْوُضُوءِ فَأَرَاهُ ، ثَلَاثًا ثَلَاثًا ، وَقَالَ :

هَذَا الْوُضُوءُ .
فَمَنْ زَادَ عَلَى هَذَا فَقَدْ أَسَاءَ وَتَعَدَّى وَظَلَمَ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ .

بَابُ الْوُضُوءِ بِضَمِّ الْوَاوِ : فِعْلُ الْمُتَوَضِّئِ مِنْ الْوَضَاءَةِ ، وَهِيَ النَّظَافَةُ وَالْحُسْنُ ؛ لِأَنَّهُ يُنَظِّفُ الْمُتَوَضِّئَ وَيُحَسِّنُهُ ، وَبِفَتْحِهَا اسْمٌ لِمَا يُتَوَضَّأُ بِهِ ( اسْتِعْمَالُ مَاءٍ طَهُورٍ ) مُبَاحٍ ( فِي الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ ) الْوَجْهِ وَالْيَدَيْنِ وَالرَّأْسِ وَالرِّجْلَيْنِ ( عَلَى صِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ ) يَأْتِي بَيَانُهَا .
وَاخْتُصَّتْ هَذِهِ الْأَعْضَاءُ بِهِ ؛ لِأَنَّهَا أَسْرَعُ مَا يَتَحَرَّكُ مِنْ الْبَدَنِ لِلْمُخَالَفَةِ .
وَرُتِّبَ غَسْلُهَا عَلَى تَرْتِيبِ سُرْعَةِ حَرَكَتِهَا فِي الْمُخَالَفَةِ ، تَنْبِيهًا بِغَسْلِهَا ظَاهِرًا عَلَى تَطْهِيرِهَا بَاطِنًا .
ثُمَّ أَرْشَدَ بَعْدَهَا إلَى تَجْدِيدِ الْإِيمَانِ بِالشَّهَادَتَيْنِ : وَفُرِضَ مَعَ الصَّلَاةِ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ ( وَيَجِبُ ) الْوُضُوءُ ( بِحَدَثٍ ) أَيْ : بِسَبَبِهِ .
وَفِي الِانْتِصَارِ : بِإِرَادَةِ الصَّلَاةِ بَعْدَهُ .
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : لَا تَجِبُ الطَّهَارَةُ عَنْ حَدَثٍ وَنَجَسٍ قَبْلَ إرَادَةِ الصَّلَاةِ ، بَلْ تُسْتَحَبُّ .
وَفِي الْفُرُوعِ : يَتَوَجَّهُ قِيَاسُ الْمَذْهَبِ بِدُخُولِ الْوَقْتِ .
وَيَتَوَجَّهُ قِيَاسُهُ غَسْلٌ .
قَالَ شَيْخُنَا : وَهُوَ لَفْظِيٌّ ( وَيَحِلُّ ) الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ ( جَمِيعَ الْبَدَنِ كَجَنَابَةٍ ) يُؤَيِّدُهُ : أَنَّ الْمُحْدِثَ لَا يَحِلُّ لَهُ مَسُّ مُصْحَفٍ بِعُضْوٍ غَسَلَهُ فِي الْوُضُوءِ ، حَتَّى يُتَمِّمَ وُضُوءَهُ .

( وَتَجِبُ التَّسْمِيَةُ ) أَيْ : قَوْلُ " بِسْمِ اللَّهِ " فِي الْوُضُوءِ .
لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا وُضُوءَ لَهُ ، وَلَا وُضُوءَ لِمَنْ لَمْ يَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ .
وَلِأَحْمَدَ وَابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وَأَبِي سَعِيدٍ مِثْلُهُ .
قَالَ الْبُخَارِيُّ : أَحْسَنُ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ : حَدِيثُ رَبَاحِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، يَعْنِي حَدِيثَ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ .
وَسُئِلَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ : أَيُّ حَدِيثٍ أَصَحُّ فِي التَّسْمِيَةِ ؟ فَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ ، وَمَحَلُّهَا اللِّسَانُ ، وَوَقْتُهَا بَعْدَ النِّيَّةِ .
وَصِفَتُهَا " بِسْمِ اللَّهِ " ( وَتَسْقُطُ سَهْوًا ) نَصًّا .
لِحَدِيثِ { عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ } .
وَكَوَاجِبَاتِ الصَّلَاةِ ( ك ) مَا تَجِبُ ( فِي غُسْلٍ ) وَتَسْقُطُ فِيهِ سَهْوًا ، قِيَاسًا عَلَى الْوُضُوءِ ( لَكِنْ إنْ ذَكَرَهَا ) أَيْ التَّسْمِيَةَ ؟ ( فِي بَعْضِهِ ) أَيْ : الْوُضُوءِ مَنْ نَسِيَهَا فِي أَوَّلِهِ ( ابْتَدَأَ ) الْوُضُوءَ ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا عَلَى جَمِيعِهِ .
فَوَجَبَ كَمَا لَوْ ذَكَرَهَا فِي أَوَّلِهِ .
صَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ ، وَحَكَاهُ عَنْ الْفُرُوعِ .
وَقِيلَ : يَأْتِي بِهَا حِينَ ذَكَرَهَا ، وَيَبْنِي عَلَى وُضُوئِهِ ، قَطَعَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ .
وَحَكَاهُ فِي حَاشِيَةِ التَّنْقِيحِ عَنْ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ .
وَقَالَ : إنَّهُ الْمَذْهَبُ .
وَرَدَّ الْأَوَّلَ ( وَتَكْفِي إشَارَةُ أَخْرَسَ وَنَحْوِهِ ) كَمُعْتَقَلٍ لِسَانُهُ ( بِهَا ) أَيْ : بِالتَّسْمِيَةِ بِرَأْسِهِ ، أَوْ طَرْفِهِ أَوْ أُصْبُعِهِ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ غَايَةُ مَا يُمْكِنُهُ .

( وَفُرُوضُهُ ) أَيْ : الْوُضُوءُ ، جَمْعُ فَرْضٍ .
وَهُوَ مَا يَتَرَتَّبُ الثَّوَابُ عَلَى فِعْلِهِ وَالْعِقَابُ عَلَى تَرْكِهِ .
سِتَّةُ أَشْيَاءٍ : أَحَدُهَا : ( غَسْلُ الْوَجْهِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { إذَا قُمْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ } ( وَمِنْهُ ) أَيْ : الْوَجْهِ ( فَمٌ وَأَنْفٌ ) لِدُخُولِهِمَا فِي حَدِّهِ .
وَكَوْنُهُمَا فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ ، بِدَلِيلِ غَسْلِهِمَا مِنْ النَّجَاسَةِ ، وَفِطْرِ الصَّائِمِ بِعَوْدِ الْقَيْءِ بَعْدَ وُصُولِهِ إلَيْهِمَا .
وَأَنَّهُ لَا يُفْطِرُ بِوُصُولِ شَيْءٍ إلَيْهِمَا .
( وَ ) الثَّانِي ( غَسْلُ الْيَدَيْنِ مَعَ الْمِرْفَقَيْنِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَأَيْدِيَكُمْ إلَى الْمَرَافِقِ } وَكَلِمَةُ " إلَى " تُسْتَعْمَلُ بِمَعْنَى " مَعَ " كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إلَى أَمْوَالِكُمْ } وَفِعْلُهُ أَيْضًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَيِّنُهُ .
وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ جَابِرٍ قَالَ : { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا تَوَضَّأَ أَدَارَ الْمَاءَ عَلَى مِرْفَقَيْهِ } .
( وَ ) الثَّالِثُ ( مَسْحُ الرَّأْسِ كُلِّهِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ } وَالْبَاءُ فِيهِ لِلْإِلْصَاقِ فَكَأَنَّهُ قَالَ : امْسَحُوا رُءُوسَكُمْ .
قَالَ ابْنُ بَرْهَانَ : مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْبَاءَ لِلتَّبْعِيضِ ، فَقَدْ جَاءَ عَنْ أَهْلِ اللُّغَةِ بِمَا لَا يَعْرِفُونَهُ لِأَنَّ الَّذِينَ وَصَفُوا وُضُوءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ذَكَرُوا { أَنَّهُ مَسَحَ رَأْسَهُ كُلَّهُ } .
وَمَا رُوِيَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّهُ مَسَحَ مُقَدَّمَ رَأْسِهِ } فَمَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَعَ الْعِمَامَةِ ، كَمَا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ ، وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ .
وَعَفَا فِي الْمُبْهِجِ وَالْمُتَرْجِمِ عَنْ يَسِيرِهِ لِلْمَشَقَّةِ ، وَصَوَّبَهُ فِي الْإِنْصَافِ .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِينَ بِخِلَافِهِ ( وَمِنْهُ ) أَيْ : الرَّأْسِ ( الْأُذُنَانِ ) لِحَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ وَغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ مَرْفُوعًا { الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ }

فَيَجِبُ مَسْحُهُمَا .
( وَ ) الرَّابِعُ ( غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ مَعَ الْكَعْبَيْنِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَأَرْجُلَكُمْ إلَى الْكَعْبَيْنِ } وَالْكَلَامُ هُنَا فِي الْكَعْبَيْنِ ، كَالْكَلَامِ السَّابِقِ فِي الْمِرْفَقَيْنِ .
( وَ ) الْخَامِسُ ( التَّرْتِيبُ ) بَيْنَ الْأَعْضَاءِ .
كَمَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى ؛ لِأَنَّهُ أَدْخَلَ مَمْسُوحًا بَيْنَ مَغْسُولَيْنِ ، وَقَطَعَ النَّظِيرَ عَنْ نَظِيرِهِ ، وَهَذَا قَرِينَةُ إرَادَةِ التَّرْتِيبِ .
وَتَوَضَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُرَتِّبًا وَقَالَ : { هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إلَّا بِهِ } أَيْ بِمِثْلِهِ .
وَمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ { مَا أُبَالِي إذَا أَتْمَمْتُ وُضُوئِي بِأَيِّ أَعْضَائِي بَدَأْت } .
قَالَ أَحْمَدُ : إنَّمَا عَنَى بِهِ الْيُسْرَى قَبْلَ الْيُمْنَى ؛ لِأَنَّ مَخْرَجَهُمَا فِي الْكِتَابِ وَاحَدٌّ .
وَرَوَى أَحْمَدُ بِإِسْنَادِهِ " أَنَّ عَلِيًّا سُئِلَ ، فَقِيلَ لَهُ : أَحَدُنَا يَسْتَعْجِلُ ، فَيَغْسِلُ شَيْئًا قَبْلَ شَيْءٍ ؟ فَقَالَ : لَا ، حَتَّى يَكُونَ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى " وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ " لَا بَأْسَ أَنْ تَبْدَأَ بِرِجْلَيْكَ قَبْلَ يَدَيْكَ فِي الْوُضُوءِ " فَلَا يُعْرَفُ لَهُ أَصْلٌ .
وَالْوَاجِبُ التَّرْتِيبُ ، لَا عَدَمُ التَّنْكِيسِ ، فَلَوْ وَضَّأَهُ أَرْبَعَةٌ فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ لَمْ يُجْزِئْهُ .
وَلَوْ انْغَمَسَ فِي مَاءٍ رَاكِدٍ أَوْ جَارٍ ، يَنْوِي بِهِ رَفْعَ الْحَدَثِ لَمْ يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ ، حَتَّى يَخْرُجَ مُرَتَّبًا ، مَعَ مَسْحِ رَأْسِهِ فِي مَحَلِّهِ ، عَلَى مَا تَقَدَّمَ : أَنَّ الْجَارِيَ ، كَالرَّاكِدِ ، خِلَافًا لِمَا ذَكَرَهُ جَمْعٌ هُنَا .
وَإِنْ نَكَّسَ وُضُوءَهُ لَمْ يُحْتَسَبْ بِمَا غَسَلَهُ قَبْلَ وَجْهِهِ .
وَإِنْ تَوَضَّأَ مُنَكِّسًا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ صَحَّ وُضُوءُهُ إذَا كَانَ مُتَقَارِبًا يَحْصُل لَهُ مِنْ كُلِّ وُضُوءٍ : غَسْلُ عُضْوٍ .
( وَ ) السَّادِسُ ( الْمُوَالَاةُ ) لِحَدِيثِ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي ، وَفِي ظَهْرِ قَدَمِهِ لُمْعَةٌ قَدْرُ الدِّرْهَمِ لَمْ يُصِبْهَا الْمَاءُ ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ

الْوُضُوءَ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد ، وَزَادَ " وَالصَّلَاةُ " وَفِي إسْنَادِهِ : بَقِيَّةُ ، وَهُوَ اسْمُ رَجُلٍ ثِقَةٍ ، رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ .
وَلَوْ لَمْ تَجِبْ الْمُوَالَاةُ لَأَمَرَهُ بِغَسْلِ اللُّمْعَةِ فَقَطْ .
وَلِأَنَّ الْوُضُوءَ عِبَادَةٌ يُفْسِدُهَا الْحَدَثُ .
فَاشْتُرِطَتْ لَهَا الْمُوَالَاةُ كَالصَّلَاةِ .
وَلَمْ يُنْقَلُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ إلَّا مُتَوَالِيًا .
وَلَمْ يُشْتَرَطْ فِي الْغُسْلِ تَرْتِيبٌ وَلَا مُوَالَاةٌ ؛ لِأَنَّ الْمَغْسُولَ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ عُضْوٍ وَاحِدٍ ( وَيَسْقُطَانِ ) أَيْ : التَّرْتِيبُ وَالْمُوَالَاةُ ( مَعَ غُسْلٍ ) عَنْ حَدَثٍ أَكْبَرَ ، لِانْدِرَاجِ الْوُضُوءِ فِيهِ ، كَانْدِرَاجِ الْعُمْرَةِ فِي الْحَجِّ .
( وَهِيَ ) أَيْ : الْمُوَالَاةُ ( أَنْ لَا يُؤَخِّرَ غَسْلَ عُضْوٍ حَتَّى يَجِفَّ مَا ) أَيْ : الْعُضْوُ ( قَبْلَهُ ) أَوْ بَقِيَّةُ عُضْوٍ حَتَّى يَجِفَّ أَوَّلُهُ ( بِزَمَنٍ مُعْتَدِلٍ أَوْ قَدْرَهُ ) أَيْ : قَدْرَ الزَّمَنِ الْمُعْتَدِلِ ( مِنْ غَيْرِهِ ) أَيْ : غَيْرِ الْمُعْتَدِلِ ، بِأَنْ كَانَ حَارًّا أَوْ بَارِدًا ( وَيَضُرُّ ) أَيْ : تَفُوتُ الْمُوَالَاةُ ( إنْ جَفَّ ) عُضْوٌ أَوْ بَعْضُهُ قَبْلَ غَسْلِ مَا بَعْدَهُ ، أَوْ بَقِيَّتُهُ ( لِاشْتِغَالٍ بِتَحْصِيلِ مَاءٍ ) يُتَمِّمُ بِهِ وَضُوءَهُ ( أَوْ جَفَّ ) ذَلِكَ ( لِإِسْرَافٍ أَوْ إزَالَةِ نَجَاسَةٍ ) لَيْسَتْ بِمَحَلِّ التَّطْهِيرِ .
( أَوْ ) إزَالَةِ ( وَسَخٍ وَنَحْوِهِ ) كَجَبِيرَةٍ حَلَّهَا ( لِغَيْرِ طَهَارَةٍ ) بِأَنْ كَانَ ذَلِكَ فِي غَيْرِ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا لَمْ يُؤَثِّرْ ؛ لِأَنَّهُ إذَنْ مَنْ أَفْعَالِ الطَّهَارَةِ ، و ( لَا ) يَضُرُّ اشْتِغَالُهُ ( بِسُنَّةٍ ) مِنْ سُنَنِ الْوُضُوء ، ( كَتَخْلِيلِ ) لِحْيَةٍ وَأَصَابِعَ ( وَإِسْبَاغِ ) الْمَاءِ أَيْ : إبْلَاغِهِ مُوَاضِعَهُ مِنْ الْأَعْضَاءِ بِأَنْ يُؤْتِيَ كُلَّ عُضْوٍ حَقَّهُ ( وَإِزَالَةِ شَكٍّ ) بِأَنْ يُكَرِّرَ غَسْلَ عُضْوٍ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ اسْتَكْمَلَ غَسْلَهُ ( أَوْ ) إزَالَةِ ( وَسْوَسَةٍ ) ؛ لِأَنَّهَا شَكٌّ فِي الْجُمْلَةِ ، وَلَمَّا أَنْهَى الْكَلَامَ عَلَى فُرُوضِ الْوُضُوءِ شَرَعَ فِي

شُرُوطِهِ ، جَامِعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْغُسْلِ اخْتِصَارًا ، لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي أَكْثَرِهَا .

فَقَالَ : فَصْلٌ وَيُشْتَرَطُ لِوُضُوءٍ وَغُسْلٍ وَلَوْ مُسْتَحَبَّيْنِ نِيَّةٌ لِخَبَرِ { إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ } أَيْ لَا عَمَلَ جَائِزٌ وَلَا فَاضِلٌ إلَّا بِهَا .
وَلِأَنَّ النَّصَّ دَلَّ عَلَى الثَّوَابِ فِي كُلِّ وُضُوءٍ ، وَلَا ثَوَابَ فِي غَيْرِ مَنْوِيٍّ إجْمَاعًا .
قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ لِلتَّمْيِيزِ وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ .
وَمِنْ شَرْطِهَا : النِّيَّةُ ؛ وَأَمَّا اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ وَسَتْرُ الْعَوْرَةِ فَنِيَّةُ الصَّلَاةِ تَضَمَّنَتْهُمَا ، لِوُجُودِهِمَا فِيهَا حَقِيقَةً ، بِخِلَافِ الْوُضُوءِ .
فَإِنَّ الْمَوْجُودَ مِنْهُ فِي الصَّلَاةِ حُكْمُهُ .
وَهُوَ ارْتِفَاعُ الْحَدَثِ ، لَا حَقِيقَتُهُ .
وَلِذَلِكَ لَوْ حَلَفَ لَا يَتَوَضَّأُ ، وَكَانَ مُتَوَضِّئًا وَدَامَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَحْنَثْ ، بِخِلَافِ السَّتْرِ وَالِاسْتِقْبَالِ ( سِوَى غُسْلِ كِتَابِيَّةٍ ) لِزَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ مُسْلِمٍ مِنْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ جَنَابَةٍ .
( وَ ) سِوَى غُسْلِ ( مُسْلِمَةٍ مُمْتَنِعَةٍ ) مِنْ غُسْلٍ لِزَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ ، مِنْ نَحْوِ حَيْضٍ ، حَتَّى لَا يَطَأَهَا ( فَتُغْسَلَ قَهْرًا ) لِحَقِّ الزَّوْجِ أَوْ السَّيِّدِ وَيُبَاحُ لَهُ وَطْؤُهَا ( وَلَا نِيَّةَ ) أَيْ : يَسْقُطُ اشْتِرَاطُهَا ( لِلْعُذْرِ ) كَمُمْتَنِعٍ مِنْ زَكَاةٍ ( وَلَا تُصَلِّي بِهِ ) أَيْ : بِالْغُسْلِ الْمَذْكُور الْمُسْلِمَةُ الْمُمْتَنِعَةُ .
وَقِيَاسُهُ : مَنْعُهَا مِنْ طَوَافٍ وَقِرَاءَةِ قُرْآنٍ وَنَحْوِهِمَا مِمَّا يُشْتَرَطُ لَهُ الْغُسْلُ ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ وَطْؤُهَا لِحَقِّ زَوْجِهَا فِيهِ .
فَيَبْقَى مَا عَدَاهُ عَلَى أَصْلِ الْمَنْعِ ، وَلَا يُنْوَى عَنْهَا لِعَدَمِ تَعَذُّرِهَا مِنْهَا ؛ بِخِلَافِ الْمَيِّتِ .

( وَيَنْوِي ) الْغُسْلَ ( عَنْ مَيِّتٍ ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ ( وَ ) عَنْ ( مَجْنُونَةٍ ) مُسْلِمَةٍ أَوْ كِتَابِيَّةٍ حَاضَتْ وَنَحْوِهِ ( غُسْلًا ) لِتَعَذُّرِ النِّيَّةِ مِنْهُمَا .
وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي ، فِي الْمَجْنُونَةِ : لَا نِيَّةَ .
لِعَدَمِ تَعَذُّرِهَا مَآلًا ؛ لِأَنَّهَا تُفِيقُ بِخِلَافِ الْمَيِّتَةِ ، وَأَنَّهَا تُعِيدُ الْغُسْلَ إذَا أَفَاقَتْ .
( وَ ) الشَّرْطُ الثَّانِي ( طَهُورِيَّةُ مَاءٍ ) لِمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْمِيَاهِ .
( وَ ) الثَّالِثُ ( إبَاحَتُهُ ) فَلَا يَصِحُّ وُضُوءٌ وَلَا غُسْلٌ بِنَحْوِ مَاءٍ مَغْصُوبٍ ، لِحَدِيثِ { مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ } .
( وَ ) الرَّابِعُ " إزَالَةُ مَا يَمْنَعُ وُصُولَهُ " أَيْ الْمَاءِ إلَى الْبَشَرَةِ ، لِيَحْصُلَ الْإِسْبَاغُ الْمَأْمُورُ بِهِ .
( وَ ) الْخَامِسُ ( تَمْيِيزٌ ) ؛ لِأَنَّهُ أَدْنَى سِنٍّ يُعْتَبَرُ قَصْدًا لِصَغِيرٍ فِيهِ شَرْعًا : فَلَا يَصِحُّ وُضُوءٌ وَلَا غُسْلٌ مِمَّنْ لَمْ يُمَيِّزْ ( وَكَذَا ) يُشْتَرَطُ لِوُضُوءٍ وَغُسْلٍ ( إسْلَامٌ وَعَقْلٌ ) وَهُمَا السَّادِسُ وَالسَّابِعُ ( لِسِوَى مَنْ تَقَدَّمَ ) وَهُوَ الْكِتَابِيَّةُ وَالْمَجْنُونَةُ إذَا اغْتَسَلَتَا مِنْ نَحْوِ حَيْضٍ .
لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ .
( وَ ) يُشْتَرَطُ ( لِوُضُوءٍ ) وَحْدَهُ ( دُخُولُ وَقْتٍ عَلَى مَنْ حَدَثُهُ دَائِمٌ لِفَرْضِهِ ) أَيْ فَرْضِ ذَلِكَ الْوَقْتِ ؛ لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ ضَرُورَةً .
فَتَقَيَّدَتْ بِالْوَقْتِ كَالتَّيَمُّمِ .
فَإِنْ تَوَضَّأَ لِفَائِتَةٍ أَوْ جِنَازَةٍ أَوْ نَافِلَةٍ أَوْ طَوَافٍ وَنَحْوِهِ .
صَحَّ كُلُّ وَقْتٍ .
وَهَذَا الثَّامِنُ لِلْوُضُوءِ .
( وَ ) التَّاسِعُ ( فَرَاغُ خُرُوجِ خَارِجٍ ) مِنْ سَبِيلٍ أَوْ غَيْرِهِ كَقَيْءٍ .
لَكِنْ لَوْ قَالَ : انْقِطَاعُ مُوجِبٍ ، وَعَدَّهُ فِي الْمُشْتَرَكَةِ ، لَكَانَ أَخْصَرَ وَأَعَمَّ .
إذْ لَا يَشْمَلُ نَحْوَ لَمْسٍ ( وَ ) الْعَاشِرُ فَرَاغُ ( اسْتِنْجَاءٍ ) بِمَاءٍ ( أَوْ اسْتِجْمَارٍ ) بِنَحْوِ حَجَرٍ ، وَتَقَدَّمَ تَوْضِيحُهُ ( وَ ) يُشْتَرَطُ ( لِغُسْلِ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ فَرَاغُهُمَا ) أَيْ : انْقِطَاعُ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ ، لِمُنَافَاةِ وُجُودِهِمَا الْغُسْلَ لَهُمَا .
وَكَذَا

فَرَاغُ إنْزَالٍ وَجِمَاعٍ .
وَلَوْ قَالَ : فَرَاغُ وُجُوبِهِ لَكَانَ أَوْلَى .

( وَالنِّيَّةُ ) الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ لِنَحْوِ صَلَاةٍ ( قَصْدُ رَفْعِ الْحَدَثِ ) بِفِعْلِ الْوُضُوءِ أَوْ الْغُسْلِ لِنَحْوِ صَلَاةٍ ( أَوْ ) قَصْدُ ( اسْتِبَاحَةِ مَا ) أَيْ : فِعْلٍ كَصَلَاةٍ ، أَوْ قَوْلٍ ، كَقِرَاءَةٍ ( تَجِبُ لَهُ الطَّهَارَةُ ) أَيْ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ ، وَفِيَ مَعْنَاهُ : قَصْدُ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ لِنَحْوِ صَلَاةٍ وَإِنْ فَرَّقَ النِّيَّةَ عَلَى أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ أَجْزَأَتْهُ .

( وَتَتَعَيَّنُ ) الصُّورَةُ ( الثَّانِيَةُ ) وَهِيَ قَصْدُ الِاسْتِبَاحَةِ ( لِمَنْ حَدَثُهُ دَائِمٌ ) كَمُسْتَحَاضَةٍ ، وَمَنْ بِهِ سَلَسُ بَوْلٍ أَوْ قُرُوحٌ سَيَّالَةٌ ، وَلَا يَحْتَاجُ إلَى تَعْيِينِ نِيَّةِ الْفَرْضِ ، وَيَرْتَفِعُ حَدَثُهُ ، صَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ ( وَإِنْ انْتَقَضَتْ طَهَارَتُهُ بِطُرُوٍّ ) حَدَثٍ ( غَيْرِهِ ) أَيْ الدَّائِمِ ، كَمَا لَوْ كَانَ السَّلَسُ بَوْلًا ، وَخَرَجَ مِنْهُ رِيحٌ فَيَنْوِي الِاسْتِبَاحَةَ لَا رَفْعَ الْحَدَثِ ، لِمُنَافَاةِ الْخَارِجِ لَهُ صُورَةً وَإِنْ قُلْنَا يَرْتَفِعُ جَعْلًا لِلدَّائِمِ كَالْعَدَمِ لِلضَّرُورَةِ .

( وَتُسَنُّ ) النِّيَّةُ ( عِنْدَ أَوَّلِ مَسْنُونٍ وُجِدَ قَبْلَ وَاجِبٍ ) كَغُسْلِ الْكَفَّيْنِ ، إنْ كَانَ قَبْلَ التَّسْمِيَةِ ، لِتَشْمَلَ النِّيَّةُ فَرْضَ الْوُضُوءِ وَسُنَنَهُ ، فَيُثَابَ عَلَيْهَا .

( وَ ) يُسَنُّ ( نُطْقٌ بِهَا ) أَيْ النِّيَّةِ ( سِرًّا ) لِيُوَافِقَ لِسَانُهُ قَلْبَهُ ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : وَاتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُشْرَعُ الْجَهْرُ بِهَا ، وَتَكْرِيرُهَا ، بَلْ مَنْ اعْتَادَهُ يَنْبَغِي تَأْدِيبُهُ ، وَكَذَا بَقِيَّةُ الْعِبَادَاتِ ، قَالَ : وَيُعْزَلُ عَنْ الْإِمَامَةِ إنْ لَمْ يَنْتَهِ .
( وَ ) يُسَنُّ ( اسْتِصْحَابُ ذِكْرِهَا ) أَيْ النِّيَّةِ بِأَنْ يَسْتَحْضِرَهَا فِي جَمِيع الطَّهَارَةِ ، لِتَكُونَ أَفْعَالُهَا كُلُّهَا مَقْرُونَةً بِالنِّيَّةِ ( وَيُجْزِئُ اسْتِصْحَابُ حُكْمِهَا ) أَيْ النِّيَّةِ بِأَنْ لَا يَنْوِيَ قَطْعَهَا فَإِنْ عَزَبَتْ كُلُّهَا عَنْ خَاطِرِهِ لَمْ يُؤَثِّرْ ذَلِكَ فِي الطَّهَارَةِ ، وَلَا فِي الصَّلَاةِ .
قَالَ الْمَجْدُ : إنْ لَمْ يَنْوِ بِالْغُسْلِ غَيْرَهُ ، فَأَمَّا إنْ قَصَدَ بِهِ تَبَرُّدًا أَوْ تَنَظُّفًا أَوْ اسْتِحْمَامًا مَعَ عُزُوبِ النِّيَّةِ عَنْهُ لَمْ يُجْزِئْهُ .

( وَيَجِبُ تَقْدِيمُهَا ) أَيْ النِّيَّةُ ( عَلَى الْوَاجِبِ ) أَيْ عَلَى أَوَّلِ وَاجِبٍ ، وَهُوَ التَّسْمِيَةُ ، لِتَشْمَلَهُ النِّيَّةُ فَلَوْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ الْوَاجِبَاتِ قَبْلَ النِّيَّةِ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ ( وَيَضُرُّ كَوْنُهُ ) أَيْ التَّقَدُّمِ ( بِزَمَنٍ كَثِيرٍ ) كَالصَّلَاةِ ، فَإِنْ تَقَدَّمَتْ بِيَسِيرٍ لَمْ يَضُرَّ كَالصَّلَاةِ ، و ( لَا ) يَضُرُّ ( سَبْقُ لِسَانِهِ ) عِنْدَ تَلَفُّظِهِ بِالنِّيَّةِ ( بِغَيْرِ قَصْدِهِ ) كَقَوْلِ مَنْ أَرَادَ الْوُضُوءَ : نَوَيْت الصَّوْمَ لِأَنَّ النِّيَّةَ مَحَلُّهَا الْقَلْبُ لَا اللِّسَانُ ( وَلَا إبْطَالُهُ ) أَيْ الْوُضُوءِ وَفِي نُسْخَةٍ : إبْطَالُهَا ، أَيْ الطَّهَارَةِ أَوْ النِّيَّةِ ( بَعْدَ فَرَاغِهِ ) لِأَنَّهُ قَدْ تَمَّ صَحِيحًا ، وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُفْسِدُهُ فِيهِ .

( أَوْ شَكَّ فِيهَا ) أَيْ الطَّهَارَةِ أَوْ النِّيَّةِ ( بَعْدَهُ ) أَيْ بَعْدَ فَرَاغِهِ وَكَذَا سَائِرُ الْعِبَادَاتِ ، عَمَلًا بِالْيَقِينِ ، فَإِنْ كَانَ الشَّكُّ قَبْلَ فَرَاغِهِ أَتَى بِمَا شَكَّ فِيهِ وَبِمَا بَعْدَهُ ، وَإِنْ أَبْطَلَ النِّيَّةَ فِي نَحْوِ أَثْنَاءِ وُضُوءٍ بَطَلَ مَا مَضَى مِنْهُ ، وَإِنْ غَسَلَ بَعْضَ أَعْضَائِهِ بِنِيَّةِ الْوُضُوءِ وَبَعْضَهَا بِنِيَّةِ التَّبَرُّدِ ، ثُمَّ أَعَادَ مَا غَسَلَهُ بِنِيَّةِ التَّبَرُّدِ بِنِيَّةِ الْوُضُوءِ أَجْزَأَ ، مَا لَمْ يَطُلْ الْفَصْلُ ، وَإِنْ كَانَ الشَّكُّ وَهْمًا كَالْوَسْوَاسِ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ

( فَلَوْ نَوَى ) بِوُضُوئِهِ ( مَا تُسَنُّ لَهُ الطَّهَارَةُ ) مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ ( كَقِرَاءَةِ ) قُرْآنٍ ( وَذِكْرِ ) اللَّهِ تَعَالَى ( وَأَذَانٍ وَنَوْمٍ وَرَفْعِ شَكٍّ وَغَضَبٍ وَكَلَامٍ مُحَرَّمٍ وَفِعْلِ نُسُكٍ ) مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ نَصًّا ( غَيْرَ طَوَافٍ ) فَإِنَّهُ مِمَّا يَجِبُ لَهُ الْوُضُوءُ ( وَ ) ك ( جُلُوسٍ بِمَسْجِدٍ ، وَقِيلَ وَدُخُولِهِ ) وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ ( وَ ) قِيلَ و ( حَدِيثٍ وَتَدْرِيسِ عِلْمٍ ) وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ أَيْضًا ، قَالَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَفِيَ الْمَعْنَى وَغَيْرِهِ ( وَأَكْلٍ ) وَفِي النِّهَايَةِ ( وَزِيَارَةِ قَبْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) وَيَأْتِي أَنَّهُ يُسَنُّ لِوَطْءٍ ، وَأَكْلٍ وَشُرْبٍ ، لِجُنُبٍ وَنَحْوِهِ .

( أَوْ ) نَوَى بِوُضُوئِهِ ( التَّجْدِيدَ إنْ سُنَّ ) لَهُ التَّجْدِيدُ ( بِأَنْ صَلَّى بَيْنَهُمَا ) أَيْ بَيْنَ الْوُضُوءَيْنِ وَكَانَ أَحْدَثَ ، وَلَكِنْ نَوَى التَّجْدِيدَ ( نَاسِيًا حَدَثَهُ ارْتَفَعَ ) حَدَثُهُ بِالْوُضُوءِ الْمَسْنُونِ وَالتَّجْدِيدِ ، لِأَنَّهُ نَوَى طَهَارَةً شَرْعِيَّةً فَيَنْبَغِي أَنْ تَحْصُلَ لَهُ لِلْخَبَرِ ، وَلِأَنَّهُ نَوَى شَيْئًا مِنْ ضَرُورَتِهِ صِحَّةُ الطَّهَارَةِ ، وَهِيَ الْفَضِيلَةُ الْحَاصِلَةُ لِمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ عَلَى طَهَارَةٍ .
فَإِنْ نَوَى التَّجْدِيدَ عَالِمًا حَدَثَهُ لَمْ يَرْتَفِعْ لِتَلَاعُبِهِ ، و ( لَا ) يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ ( إنْ نَوَى طَهَارَةً ) وَأَطْلَقَ ( أَوْ ) نَوَى ( وُضُوءًا وَأَطْلَقَ ) بِأَنْ لَمْ يَنْوِهِ لِنَحْوِ صَلَاةٍ أَوْ قِرَاءَةٍ ، أَوْ رَفْعِ حَدَثٍ ، لِعَدَمِ الْإِتْيَانِ بِالنِّيَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ ، إذْ لَا تَمْيِيزَ فِيهَا ، وَذَلِكَ قَدْ يَكُونُ مَشْرُوعًا وَغَيْرُهُ .

( أَوْ ) نَوَى ( جُنُبٌ الْغُسْلَ وَحْدَهُ ) أَيْ دُونَ الْوُضُوءِ ، فَلَا يَرْتَفِعُ حَدَثُهُ الْأَصْغَرُ ، قَالَهُ فِي شَرْحِهِ ، وَقَالَ وَالِدُهُ فِي قِطْعَتِهِ عَلَى الْوَجِيزِ : يَعْنِي بِ وَحْدَهُ إطْلَاقَ نِيَّةِ الْغُسْلِ لِأَنَّهُ تَارَةً يَكُونُ عَادَةً وَتَارَةً يَكُونُ عِبَادَةً .

( أَوْ ) نَوَى جُنُبٌ الْغُسْلَ ( لِمُرُورِهِ ) فِي الْمَسْجِدِ ، فَإِنَّهُ لَا يَرْتَفِعُ ، لِأَنَّ هَذَا الْقَصْدَ لَا تُشْرَعُ لَهُ الطَّهَارَةُ ، أَشْبَهَ مَا لَوْ نَوَى بِطَهَارَتِهِ بِمَسِّ ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ ، قَالَهُ فِي شَرْحِهِ ، وَقَالَ ابْنُ قُنْدُسٍ : لَوْ نَوَى الْغُسْلَ لِمُرُورِهِ لَمْ يَرْتَفِعْ حَدَثُهُ الْأَصْغَرُ ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مُتَعَلِّقٌ بِالْجَنَابَةِ .

( وَمَنْ نَوَى غُسْلًا مَسْنُونًا ) وَعَلَيْهِ وَاجِبٌ ( أَوْ ) نَوَى غُسْلًا ( وَاجِبًا ) فِي مَحَلِّ مَسْنُونٍ ( أَجْزَأَ عَنْ الْآخَرِ ) كَمَا تَقَدَّمَ فِيمَنْ نَوَى التَّجْدِيدَ نَاسِيًا ( وَإِنْ نَوَاهُمَا ) أَيْ الْوَاجِبَ وَالْمَسْنُونَ بِغُسْلٍ وَاحِدٍ ( حَصَلَا ) أَيْ حَصَلَ لَهُ ثَوَابُهُمَا ، لِأَنَّهُ نَوَاهُمَا ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَغْتَسِلَ لِلْوَاجِبِ أَوَّلًا ثُمَّ لِلْمَسْنُونِ .

( وَإِنْ تَنَوَّعَتْ أَحْدَاثٌ ) أَيْ مُوجِبَاتُ وُضُوءٍ أَوْ غُسْلٍ ( وَلَوْ ) وُجِدَتْ ( مُتَفَرِّقَةً تُوجِبُ غُسْلًا أَوْ ) تُوجِبُ ( وُضُوءًا وَنَوَى ) بِغُسْلِهِ أَوْ وُضُوئِهِ ( أَحَدَهَا ) أَيْ الْأَحْدَاثِ ( لَا ) إنْ كَانَتْ نِيَّتُهُ ( عَلَى أَنْ لَا يَرْتَفِعَ غَيْرُهُ ) أَيْ غَيْرِ الْمَنْوِيِّ مِنْ الْأَحْدَاثِ بِذَلِكَ الْغُسْلِ أَوْ الْوُضُوءِ ( ارْتَفَعَ سَائِرُهَا ) أَيْ ارْتَفَعَتْ كُلُّهَا ، لِأَنَّهَا تَتَدَاخَلُ ، فَإِذَا نَوَى بَعْضَهَا غَيْرَ مُقَيَّدٍ ارْتَفَعَ جَمِيعُهَا كَمَا لَوْ نَوَى رَفْعَ الْحَدَثِ وَأَطْلَقَ ، وَإِنْ نَوَى رَفْعَ حَدَثٍ مِنْهَا عَلَى أَنْ لَا يَرْتَفِعَ غَيْرُهُ فَعَلَى مَا نَوَى ، لِحَدِيثِ " وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى " وَإِنْ نَوَى رَفْعَ حَدَثِ نَوْمٍ مَثَلًا غَلَطًا مَنْ عَلَيْهِ حَدَثُ بَوْلٍ ؛ ارْتَفَعَ لِتَدَاخُلِ الْأَحْدَاثِ .

فَصْلٌ وَصْفَةُ الْوُضُوءِ أَيْ كَيْفِيَّتُهُ الْكَامِلَةُ ( أَنْ يَنْوِيَ ) رَفْعَ الْحَدَثِ أَوْ اسْتِبَاحَةَ نَحْوِ صَلَاةٍ أَوْ الْوُضُوءِ لَهَا ( ثُمَّ يُسَمِّي ) فَيَقُولُ : بِسْمِ اللَّهِ ، لِمَا تَقَدَّمَ ( وَيَغْسِلُ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا ) لِمَا سَبَقَ ( ثُمَّ يَتَمَضْمَضُ ثُمَّ يَسْتَنْشِقُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ) إنْ شَاءَ مِنْ سِتٍّ وَإِنْ شَاءَ مِنْ ثَلَاثٍ ( وَ ) كَوْنُهُمَا ( مِنْ غُرْفَةٍ ) وَاحِدَةٍ ( أَفْضَلُ ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ ، لِحَدِيثِ عَلِيٍّ " أَنَّهُ تَوَضَّأَ ، فَتَمَضْمَضَ ثَلَاثًا وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا بِكَفٍّ وَاحِدَةٍ وَقَالَ : هَذَا وُضُوءُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " رَوَاهُ أَحْمَدُ .
وَيَشْهَدُ لِلثَّلَاثِ حَدِيثُ عَلِيٍّ أَيْضًا " أَنَّهُ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا بِثَلَاثِ غَرَفَاتٍ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَيَشْهَدُ لِلسِّتِّ حَدِيثُ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ { : رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْصِلُ بَيْنَ الْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَوُضُوءُهُ كَانَ ثَلَاثًا ثَلَاثًا فَلَزِمَ كَوْنُهُمَا مِنْ سِتٍّ .
( وَيَصِحُّ أَنْ يُسَمَّيَا ) أَيْ الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ ( فَرْضَيْنِ ) إذْ الْفَرْضُ وَالْوَاجِبُ وَاحِدٌ ، وَهُمَا وَاجِبَانِ فِي الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ لِمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ ، وَلِحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا { الْمَضْمَضَةُ وَالِاسْتِنْشَاقُ مِنْ الْوُضُوءِ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ } رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ فِي الشَّافِي .
وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { أَمَرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَضْمَضَةِ وَالِاسْتِنْشَاقِ } .
وَفِيَ حَدِيثِ لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ " إذَا تَوَضَّأْت فَتَمَضْمَضْ " أَخْرَجَهُمَا الدَّارَقُطْنِيُّ ، وَلِأَنَّ الَّذِينَ وَصَفُوا وُضُوءَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ذَكَرُوا أَنَّهُ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ، وَمُدَاوَمَتُهُ عَلَيْهِمَا تَدُلُّ عَلَى وُجُوبِهِمَا ، لِأَنَّ فِعْلَهُ يَصْلُحُ لَأَنْ يَكُونَ بَيَانًا لِأَمْرِهِ تَعَالَى .
( ثُمَّ ) يَغْسِلُ ( وَجْهَهُ ) ثَلَاثًا وَحَدُّهُ ( مِنْ مَنَابِتِ شَعْرِ الرَّأْسِ الْمُعْتَادِ

غَالِبًا ) فَلَا عِبْرَةَ ( بِالْأَفْرَعِ ) - بِالْفَاءِ - الَّذِي نَبَتَ شَعْرُهُ فِي بَعْضِ جَبْهَتِهِ ، وَلَا ( بِالْأَجْلَحِ ) الَّذِي انْحَسَرَ شَعْرُهُ عَنْ مُقَدَّمِ رَأْسِهِ ( إلَى النَّازِلِ مِنْ اللَّحْيَيْنِ ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِهَا ، وَهُمَا عَظْمَانِ فِي أَسْفَلِ الْوَجْهِ قَدْ اكْتَنَفَاهُ .
( وَالذَّقَنُ ) مَجْمَعُ اللِّحْيَةِ ( طُولًا ) نُصِبَ عَلَى التَّمْيِيزِ ، فَيَجِبُ غَسْلُ ذَلِكَ ( مَعَ مُسْتَرْسَلِ ) شَعْرِ ( اللِّحْيَةِ ) بِكَسْرِ اللَّامِ طُولًا ، وَمَا خَرَجَ عَنْ حَدِّ الْوَجْهِ عَرْضًا ، لِأَنَّ اللِّحْيَةَ تُشَارِكُ الْوَجْهَ فِي مَعْنَى التَّوَجُّهِ وَالْمُوَاجِهَةِ بِخِلَافِ مَا نَزَلَ مِنْ الرَّأْسِ عَنْهُ ، لِأَنَّهُ لَا يُشَارِكُ الرَّأْسَ فِي التَّرَؤُّسِ ( وَ ) حَدُّ الْوَجْهِ ( مِنْ الْأُذُنِ إلَى الْأُذُنِ عَرْضًا ) أَيْ مَا بَيْنَ الْأُذُنَيْنِ ، فَهُمَا لَيْسَا مِنْهُ .
وَأَمَّا إضَافَتُهُمَا إلَيْهِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَلِلْمُجَاوَرَةِ .
وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِمَّنْ يُعْتَدُّ بِهِ أَنَّهُ غَسَلَهُمَا مَعَ الْوَجْهِ ( فَيَدْخُلُ ) فِيهِ ( عِذَارٌ وَهُوَ شَعْرٌ نَابِتٌ عَلَى عَظْمٍ نَاتِئٍ يُسَامِتُ ) أَيْ يُحَاذِي ( صِمَاخَ ) بِكَسْرِ الصَّادِ ( الْأُذُنِ ) أَيْ خَرْقَهَا ( وَ ) يَدْخُلُ فِيهِ أَيْضًا ( عَارِضٌ و ) وَهُوَ ( مَا تَحْتَهُ ) أَيْ الْعِذَارِ ( إلَى ذَقَنٍ ) وَهُوَ مَا نَبَتَ عَلَى الْخَدِّ وَاللَّحْيَيْنِ .
قَالَ الْأَصْمَعِيُّ : مَا جَاوَزَتْهُ الْأُذُنُ عَارِضٌ وَ ( لَا ) يَدْخُلُ فِيهِ ( صُدْغٌ ) بِضَمِّ الصَّادِ ( وَهُوَ مَا فَوْقَ الْعِذَارِ ، يُحَاذِي رَأْسَ الْأُذُنِ وَيَنْزِلُ عَنْهُ قَلِيلًا ) بَلْ هُوَ مِنْ الرَّأْسِ ، لِأَنَّ فِي حَدِيثِ الرُّبَيِّعِ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَصُدْغَيْهِ وَأُذُنَيْهِ مَرَّةً وَاحِدَةً } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَلَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ أَنَّهُ غَسَلَهُ مَعَ الْوَجْهِ .
( وَلَا ) يَدْخُلُ ( ( تَحْذِيفٌ ) ، وَهُوَ ) الشَّعْرُ ( الْخَارِجُ إلَى طَرَفَيْ الْجَبِينِ مِنْ جَانِبَيْ الْوَجْهِ بَيْنَ

النَّزَعَةِ ) بِفَتْحِ الزَّايِ ، وَقَدْ تُسَكَّنُ ( وَمُنْتَهَى الْعِذَارِ ) لِأَنَّهُ شَعْرٌ مُتَّصِلٌ بِشَعْرِ الرَّأْسِ .
لَمْ يَخْرُجْ عَنْ حَدِّهِ أَشْبَهَ الصُّدْغَ ( وَلَا ) يَدْخُلُ فِي الْوَجْهِ أَيْضًا ( ( النَّزْعَتَانِ ) وَهُمَا مَا انْحَسَرَ عَنْهُ الشَّعْرُ مِنْ جَانِبَيْ الرَّأْسِ ) أَيْ جَانِبَيْ مُقَدَّمِهِ .
لِأَنَّهُ لَا تَحْصُلُ بِهِمَا الْمُوَاجَهَةُ .
وَلِدُخُولِ ذَلِكَ فِي الرَّأْسِ .
لِأَنَّهُ مَا تَرَأَّسَ وَعَلَا .
وَالْإِضَافَةُ إلَى الْوَجْهِ فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ فَلَا تَنْكِحِي إنْ فَرَّقَ الدَّهْرُ بَيْنَنَا أَغَمَّ الْقَفَا وَالْوَجْهِ لَيْسَ بِأَنْزَعَا لِلْمُجَاوَرَةِ " تَتِمَّةٌ " يُسْتَحَبُّ تَعَاهُدُ الْمِفْصَلِ بِالْغَسْلِ .
وَهُوَ مَا بَيْنَ اللِّحْيَةِ وَالْأُذُنِ نَصًّا ( وَلَا يُجْزِئُ غَسْلُ ظَاهِرِ شَعْرٍ ) فِي الْوَجْهِ يَصِفُ الْبَشَرَةَ ، لِأَنَّهَا ظَاهِرَةٌ تَحْصُلُ بِهَا الْمُوَاجَهَةُ فَوَجَبَ غُسْلُهَا كَاَلَّتِي لَا شَعْرَ فِيهَا ، وَوَجَبَ غَسْلُ الشَّعْرِ مَعَهَا ، لِأَنَّهُ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ فَتَبِعَهَا ( إلَّا أَنْ ) يَكُونَ الشَّعْرُ كَثِيفًا ( لَا يَصِفُ الْبَشَرَةَ ) فَيُجْزِئُهُ غَسْلُ ظَاهِرِهِ ، لِحُصُولِ الْمُوَاجَهَةِ بِهِ دُونَ الْبَشَرَةِ تَحْتَهُ ، فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِهِ ( وَيُسَنُّ تَخْلِيلُهُ ) لِمَا تَقَدَّمَ فِي السُّنَنِ .
فَإِنْ كَانَ بَعْضُ شَعْرِهِ كَثِيفًا وَبَعْضُهُ خَفِيفًا فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ .
وَفِي الرِّعَايَةِ : يُكْرَهُ غَسْلُ بَاطِنِهَا ، وَصَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ وَتَبِعَهُ فِي الْإِقْنَاعِ و ( لَا ) يُسَنُّ ( غَسْلُ دَاخِلِ عَيْنٍ ) فِي وُضُوءٍ وَلَا غُسْلٍ بَلْ يُكْرَهُ ، لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِعْلُهُ ، وَلَا الْأَمْرُ بِهِ ، وَلَا يَجِبُ غَسْلُهُ ( مِنْ نَجَاسَةٍ وَلَوْ أَمِنَ الضَّرَرَ ) فَيُعْفَى عَنْ نَجَاسَةٍ بِعَيْنٍ ، وَيَأْتِي ، وَيُسْتَحَبُّ تَكْثِيرُ مَاءِ الْوَجْهِ ، لِأَنَّ فِيهِ ( غُضُونًا ) ، جَمْعُ غَضْنٍ وَهُوَ التَّثَنِّي وَدَوَاخِلُ وَخَوَارِجُ ، لِيَصِلَ الْمَاءُ إلَى جَمِيعه .
وَفِي حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا ( وَكَانَ يَتَعَهَّدُ الْمَاقَيْنِ ) رَوَاهُ أَحْمَدُ .
وَهُمَا تَثْنِيَةُ الْمَاقِ ،

مَجْرَى الدَّمْعِ مِنْ الْعَيْنِ .
( ثُمَّ ) بَعْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ يَغْسِلُ ( يَدَيْهِ مَعَ مِرْفَقَيْهِ ) ثَلَاثًا لِمَا تَقَدَّمَ ( وَ ) مَعَ ( أُصْبُعٍ زَائِدَةٍ و ) مَعَ ( يَدٍ أَصْلُهَا بِمَحَلِّ الْفَرْضِ ) لِأَنَّهُ مُتَّصِلٌ بِمَحَلِّ الْفَرْضِ .
أَشْبَهَ الثُّؤْلُولَ ( أَوْ ) يَدِ أَصْلِهَا ( بِغَيْرِهِ ) أَيْ بِغَيْرِ مَحَلِّ الْفَرْضِ ، بِأَنْ تَدَلَّى ، لَهُ ذِرَاعَانِ بِيَدَيْنِ مِنْ الْعَضُدِ ( وَلَمْ تَتَمَيَّزْ ) الزَّائِدَةُ مِنْهُمَا فَيَغْسِلُهُمَا لِيَخْرُجَ مِنْ الْوُجُوهِ بِيَقِينٍ .
كَمَا لَوْ تَنَجَّسَتْ إحْدَى يَدَيْهِ وَجَهِلَهَا ( وَ ) مَعَ ( أَظْفَارِهِ ) وَلَوْ طَالَتْ لِأَنَّهَا مُتَّصِلَةٌ بِيَدِهِ خِلْقَةً فَدَخَلَتْ فِي مُسَمَّى الْيَدِ ( وَلَا يَضُرُّ وَسَخٌ يَسِيرٌ تَحْتَ ظُفْرٍ وَنَحْوِهِ ) كَدَاخِلِ أَنْفٍ ( يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ ) لِأَنَّهُ مِمَّا يَكْثُرُ وُقُوعُهُ عَادَةً ، فَلَوْ لَمْ يَصِحَّ الْوُضُوءُ مَعَهُ لَبَيَّنَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ ، وَأَلْحَقَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ بِهِ كُلَّ يَسِيرٍ مَنَعَ حَيْثُ كَانَ بِالْبَدَنِ ، كَدَمٍ وَعَجِينٍ وَنَحْوِهِمَا ، وَاخْتَارَهُ .
وَإِنْ تَقَلَّصَتْ جِلْدَةٌ مِنْ الذِّرَاعِ وَتَدَلَّتْ مِنْ الْعَضُدِ لَمْ يَجِبْ غَسْلُهَا لِأَنَّهَا صَارَتْ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْفَرْضِ ، وَبِالْعَكْسِ يَجِبُ غَسْلُهَا ؛ لِأَنَّهَا صَارَتْ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ ، وَإِنْ تَقَلَّصَتْ مِنْ أَحَدِ الْمَحَلَّيْنِ وَالْتَحَمَ رَأْسُهَا بِالْآخَرِ وَجَبَ غَسْلُ مَا حَاذَى مَحَلَّ الْفَرْضِ مِنْ ظَاهِرِهَا وَبَاطِنِهَا وَمَا تَحْتَهَا ، دُونَ مَا لَمْ يُحَاذِهِ وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَوْ كَانَتْ لَهُ يَدٌ زَائِدَةٌ أَصْلُهَا بِغَيْرِ مَحَلِّ الْفَرْضِ ، وَتَمَيَّزَتْ ، لَمْ يَجِبْ غَسْلُهَا قَصِيرَةً كَانَتْ أَوْ طَوِيلَةً .
( وَمَنْ خُلِقَ بِلَا مِرْفَقٍ غَسَلَ إلَى قَدْرِهِ ) أَيْ الْمِرْفَقِ ( فِي غَالِبِ النَّاسِ ) إلْحَاقًا لِلنَّادِرِ بِالْغَالِبِ ( ثُمَّ يَمْسَحُ جَمِيعَ ظَاهِرِ رَأْسِهِ ) بِالْمَاءِ ، فَلَوْ مَسَحَ الْبَشَرَةَ لَمْ يُجْزِئْهُ ، كَمَا لَوْ غَسَلَ بَاطِنَ اللِّحْيَةِ ، وَلَوْ حَلَقَ

الْبَعْضَ ، فَنَزَلَ عَلَيْهِ شَعْرُ مَا لَمْ يَحْلِقْ ، أَجْزَأَهُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ وَإِنْ مَسَحَ عَلَى مَعْقُوصٍ بِمَحَلِّ الْفَرْضِ وَلَوْلَا الْعَقْصُ لَنَزَلَ رِجْلَيْهِ ، وَيَغْسِلُهُمَا بِالْيُسْرَى نَدْبًا وَالْأَوْلَى تَرْكُ الْكَلَامِ عَلَى الْوُضُوءِ .
وَظَاهِرُ كَلَامِ الْأَكْثَرِ : لَا يُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَى الْمُتَوَضِّئِ وَلَا رَدُّهُ ( وَالْأَقْطَعُ مِنْ مَفْصِلِ مِرْفَقٍ ) الْمَفْصِلُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الصَّادِ وَأَمَّا بِالْعَكْسِ فَهُوَ اللِّسَانُ ، وَالْمِرْفَقُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَيَجُوزُ فَتْحُ الْمِيمِ وَكَسْرُ الْفَاءِ ( وَ ) مِنْ مَفْصِلِ ( كَعْبٍ ، يَغْسِلُ طَرَفَ عَضُدٍ وَ ) طَرَفَ ( سَاقٍ ) وُجُوبًا لِأَنَّهُ فِي مَحَلِّ الْفَرْضِ .
( وَ ) الْأَقْطَعُ ( مِنْ دُونِهِمَا ) أَيْ دُونَ مِفْصَلِ مِرْفَقٍ وَكَعْبٍ يَغْسِلُ مَا بَقِيَ مِنْ مَحَلِّ فَرْضٍ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ } " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْأَقْطَعَ مِنْ فَوْقَ مِفْصَلِ مِرْفَقٍ وَكَعْبٍ لَا غَسْلَ عَلَيْهِ ، لَكَن يُسْتَحَبُّ لَهُ مَسْحُ مَحَلِّ الْقَطْعِ بِالْمَاءِ لِئَلَّا يَخْلُوَ الْعُضْوُ عَنْ طَهَارَةٍ ( وَكَذَا ) أَيْ كَالْوُضُوءِ فِي ذَلِكَ ( تَيَمُّمٌ ) فَالْأَقْطَعُ مِنْ مِفْصَلِ كَفٍّ ، يَمْسَحُ مَحَلَّ قَطْعٍ بِالتُّرَابِ ، وَإِنْ كَانَ مِنْ دُونِهِ مَسَحَ مَا بَقِيَ مِنْ مَحَلِّ الْفَرْضِ وَمَنْ فَوْقَهُ يُسْتَحَبُّ لَهُ مَسْحُ مَحَلٍّ قُطِعَ بِتُرَابٍ خِلَافًا لِلْقَاضِي وَإِنْ وَجَدَ أَقْطَعُ وَنَحْوُهُ مَنْ يُوَضِّئُهُ بِأُجْرَةِ مِثْلٍ ، وَقَدَرَ عَلَيْهَا بِلَا ضَرَرٍ ؛ لَزِمَهُ ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ وَوَجَدَ مَنْ يُيَمِّمُهُ لَزِمَهُ ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَلَّى عَلَى حَسَبِ حَالِهِ ، وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ ، وَاسْتِنْجَاءُ مِثْلِهِ ، وَإِنْ تَبَرَّعَ بِتَطْهِيرِهِ لَزِمَهُ ذَلِكَ .
( وَسُنَّ لِمَنْ فَرَغَ ) مِنْ وُضُوءٍ قَالَ فِي الْفَائِقِ : وَكَذَا غُسْلٍ ( رَفَعَ بَصَرَهُ إلَى السَّمَاءِ وَقَوْلُ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ )

لِحَدِيثِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ ، فَيُبْلِغُ ، أَوْ يُسْبِغُ الْوُضُوءَ ، ثُمَّ يَقُولُ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ .
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ؛ إلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيُّهَا شَاءَ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ وَزَادَ " اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ عِبَادِكَ التَّوَّابِينَ .
وَاجْعَلْنِي مِنْ الْمُتَطَهِّرِينَ " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد .
وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِهِ ( فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ رَفَعَ نَظَرَهُ إلَى السَّمَاءِ ) وَسَاقَ الْحَدِيثَ زَادَ فِي الْإِقْنَاعِ " سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ ، أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إلَيْكَ " لِحَدِيثِ النَّسَائِيّ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ( وَيُبَاحُ ) لِلْمُتَوَضِّئِ ( تَنْشِيفٌ ) لِحَدِيثِ سَلْمَانَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ ، ثُمَّ قَلَبَ جُبَّةً كَانَتْ عَلَيْهِ .
فَمَسَحَ بِهَا وَجْهَهُ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْمُعْجَمِ الصَّغِيرِ .
وَتَرْكُهُ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ مَيْمُونَةَ لَمَّا أَتَتْهُ بِالْمَنْدِيلِ ، بَعْدَ أَنْ اغْتَسَلَ : لَا يَدُلُّ عَلَى الْكَرَاهَةِ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُتْرَكُ الْمُبَاحَ ، مَعَ أَنَّ هَذِهِ قَضِيَّةُ عَيْنٍ ، يُحْتَمَلُ أَنَّهُ تَرَكَ تِلْكَ الْمَنْدِيلَ لِأَمْرٍ يَخْتَصُّ عَنْهُ ، لَمْ يُجْزِئْهُ ، لِعُرُوضِ الْعَقْصِ ذَكَرَهُ الْمَجْدُ ، وَكَذَا لَوْ مَسَحَ عَلَى مَخْضُوبٍ بِمَا يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ إلَيْهِ وَحَدُّ الرَّأْسِ ( مِنْ حَدِّ الْوَجْهِ ) أَيْ مِنْ مَنَابِتَ شَعْرِ الرَّأْسِ الْمُعْتَادِ غَالِبًا ( إلَى مَا يُسَمَّى قَفًا ) بِالْقَصْرِ وَهُوَ مُؤَخَّرُ الْعُنُقِ .
( وَالْبَيَاضُ فَوْقَ الْأُذُنَيْنِ مِنْهُ ) أَيْ الرَّأْسُ ، فَيَجِبُ مَسْحُهُ ، وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الرَّأْسِ إجْمَاعًا ( يُمِرُّ يَدَيْهِ مِنْ مُقَدَّمِهِ ) أَيْ الرَّأْسِ ( إلَى قَفَاهُ ثُمَّ يَرُدُّهُمَا ) إلَى مُقَدَّمِهِ ، لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ { إنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ مَسَحَ رَأْسَهُ بِيَدَيْهِ ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَأَدْبَرَ .
بَدَأَ بِمُقَدَّمِ رَأْسِهِ ، ثُمَّ ذَهَبَ بِهِمَا إلَى قَفَاهُ ، ثُمَّ رَدَّهُمَا إلَى الْمَكَانِ الَّذِي بَدَأَ مِنْهُ } رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ .
فَظَاهِرُهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ مَنْ خَافَ انْتِشَارَ شَعْرِهِ وَغَيْرِهِ وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْإِقْنَاعِ وَغَيْرِهِ ( ثُمَّ ) يَأْخُذُ مَاءً جَدِيدًا لِأُذُنَيْهِ و ( يُدْخِلُ سَبَّابَتَيْهِ فِي صِمَاخَيْ أُذُنَيْهِ وَيَمْسَحُ بِإِبْهَامَيْهِ ظَاهِرَهُمَا ) لِمَا فِي النَّسَائِيّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ ، بَاطِنَهُمَا بِالسَّبَّابَتَيْنِ وَظَاهِرَهُمَا بِإِبْهَامَيْهِ } قَالَ فِي الشَّرْحِ : وَلَا يَجِبُ مَسْحُ مَا اسْتَتَرَ بِالْغَضَارِيفِ ، لِأَنَّ الرَّأْسَ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ لَا يَجِبُ مَسْحُ مَا اسْتَتَرَ مِنْهُ بِالشَّعْرِ ، فَالْأُذُنُ أَوْلَى .
( وَيُجْزِئُ الْمَسْحُ ) لِلرَّأْسِ وَالْأُذُنِ ( كَيْفَ مَسَحَ و ) يُجْزِئُ الْمَسْحُ أَيْضًا ( بِحَائِلٍ ) كَخِرْقَةٍ وَخَشَبَةٍ مَبْلُولَتَيْنِ ، لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى : { وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ } وَلَا يُجْزِئُ وَضْعُ يَدِهِ أَوْ نَحْوِ خِرْقَةٍ مَبْلُولَةٍ عَلَى رَأْسِهِ ، أَوْ بَلَّ خِرْقَةً عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ مَسْحٍ .
( وَ ) يُجْزِئُ ( غَسْلُ ) رَأْسِهِ ، زَادَ فِي الرِّعَايَةِ وَالْقَوَاعِدِ الْفِقْهِيَّةِ وَالْإِقْنَاعِ : وَيُكْرَهُ مَعَ إمْرَارِ يَدِهِ عَلَيْهِ ، لِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ " أَنَّهُ { تَوَضَّأَ لِلنَّاسِ كَمَا رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ .
فَلَمَّا بَلَغَ رَأْسَهُ غَرَفَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَتَلَقَّاهَا بِشِمَالِهِ ، حَتَّى وَضَعَهَا عَلَى وَسَطِ رَأْسِهِ ، حَتَّى قَطَرَ الْمَاءُ أَوْ كَادَ يَقْطُرُ ، ثُمَّ مَسَحَ مِنْ مُقَدَّمِهِ إلَى مُؤَخَّرِهِ ، وَمِنْ مُؤَخَّرِهِ إلَى مُقَدَّمِهِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
فَإِنْ لَمْ يُمِرَّ يَدَهُ لَمْ يُجْزِئْهُ لِعَدَمِ الْمَسْحِ ( أَوْ ) أَيْ وَيُجْزِئُ ( إصَابَةُ مَاءِ ) رَأْسَهُ مِنْ نَحْو مَطَرٍ ( مَعَ إمْرَارِ يَدِهِ ) لِوُجُودِ الْمَسْحِ بِمَاءٍ طَهُورٍ فَإِنْ لَمْ يُمِرَّهَا لَمْ يُجْزِئْهُ ،

وَالْأُذُنَانِ فِي ذَلِكَ كَالرَّأْسِ ، وَلَا يُسْتَحَبُّ تَكْرَارُ مَسْحٍ وَلَا مَسْحُ عُنُقٍ ( ثُمَّ يَغْسِلُ رِجْلَيْهِ مَعَ كَعْبَيْهِ ) ثَلَاثًا ( وَهُمَا الْعَظْمَانِ النَّاتِئَانِ ) فِي أَسْفَلِ السَّاقِ مِنْ جَانِبَيْ الْقَدَمِ .
قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ : الْكَعْبُ هُوَ الَّذِي فِي أَصْلِ الْقَدَمِ مُنْتَهَى السَّاقِ ، بِمَنْزِلَةِ كِعَابِ الْقَنَا ، وقَوْله تَعَالَى { : إلَى الْكَعْبَيْنِ } حُجَّةٌ لِذَلِكَ أَيْ كُلُّ رِجْلٍ تُغْسَلُ إلَى الْكَعْبَيْنِ ، وَلَوْ أَرَادَ جَمْعَ أَرْجُلٍ لَذَكَرَهُ بِلَفْظِ الْجَمْعِ ، كَمَا قَالَ : " الْمَرَافِقُ " وَيَصُبُّ الْمَاءَ بِيُمْنَى يَدَيْهِ عَلَى كِلْتَا بِهَا ، وَيُكْرَهُ نَفْضُ يَدِهِ لَا نَفْضُ الْمَاءِ بِيَدِهِ عَنْ بَدَنِهِ .
لِحَدِيثِ مَيْمُونَةَ ( وَ ) يُبَاحُ ( مُعِينٌ ) لِمُتَوَضِّئٍ لِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ " أَنَّهُ { أَفْرَغَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَضُوئِهِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ ( وَسُنَّ كَوْنُهُ ) أَيْ الْمُعِينُ ( عَنْ يَسَارِهِ ) أَيْ الْمُتَوَضِّئِ ، لِيَسْهُلَ تَنَاوُلُ الْمَاءِ عِنْدَ الصَّبِّ ( كَإِنَاءِ وُضُوءٍ ضَيِّقِ الرَّأْسِ ) فَيَجْعَلُهُ عَلَى يَسَارِهِ ، لِيَصُبَّ مِنْهُ بِهِ عَلَى يَمِينِهِ ( وَإِلَّا ) يَكُنْ الْإِنَاءُ ضَيِّقَ الرَّأْسِ ، بَلْ كَانَ وَاسِعًا ( فَ ) يَجْعَلُهُ ( عَنْ يَمِينِهِ ) لِيَغْتَرِفَ مِنْهُ بِهَا ( وَمَنْ وُضِّئَ أَوْ غُسِّلَ أَوْ يُمِّمَ ) بِبِنَاءِ الثَّلَاثَةِ لِلْمَفْعُولِ ( بِإِذْنِهِ ) أَيْ الْمَفْعُولِ بِهِ ( وَنَوَاهُ ) أَيْ الْمَفْعُولُ بِهِ : الْوُضُوءَ أَوْ الْغُسْلَ أَوْ التَّيَمُّمَ ( صَحَّ ) وُضُوءُهُ أَوْ غُسْلُهُ ، أَوْ تَيَمُّمُهُ قَالَ الْمَجْدُ : وَكُرِهَ انْتَهَى .
مُسْلِمًا كَانَ الْفَاعِلُ ، أَوْ كَافِرًا لِوُجُودِ النِّيَّةِ وَالْغُسْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ .
وَ ( لَا ) يَصِحُّ وُضُوءُهُ أَوْ غُسْلُهُ أَوْ تَيَمُّمُهُ ( إنْ أُكْرِهَ فَاعِلٌ ) أَيْ مُوَضِّئٌ أَوْ مُغَسِّلٌ أَوْ مُيَمِّمٌ لِغَيْرِهِ ، أَوْ صَابٌّ لِلْمَاءِ ، وَقَوَاعِدُ الْمَذْهَبِ تَقْتَضِي الصِّحَّةَ إذَا أُكْرِهَ الصَّابُّ ، لِأَنَّ الصَّبَّ لَيْسَ بِرُكْنٍ وَلَا شَرْطٍ ، فَيُشْبِهُ الِاغْتِرَافَ بِإِنَاءٍ مُحَرَّمٍ .
وَإِنْ

أُكْرِهَ الْمُتَوَضِّئُ وَنَحْوُهُ عَلَى وُضُوءٍ ، أَوْ عِبَادَةٍ لَفَعَلَهَا ، فَإِنْ كَانَ لِدَاعِي الشَّرْعِ ، لَا لِدَاعِي الْإِكْرَاهِ صَحَّتْ ، وَإِلَّا فَلَا ، وَمَفْهُومُ كَلَامِهِ : أَنَّهُ لَوْ وُضِّئَ بِغَيْرِ إذْنِهِ ؛ لَمْ يَصِحَّ .
وَلَوْ نَوَاهُ مَفْعُولٌ بِهِ لِعَدَمِ الْفِعْلِ مِنْهُ أَصَالَةً وَنِيَابَةً وَلَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ صَرَّحَ بِهِ .

بَابُ مَسْحِ الْخُفَّيْنِ وَمَا فِي مَعْنَاهُمَا كَالْجُرْمُوقَيْنِ وَالْجَوْرَبَيْنِ ، وَكَذَا عِمَامَةٌ وَخِمَارٌ ( رُخْصَةٌ ) وَهِيَ لُغَةً السُّهُولَةُ ، وَشَرْعًا مَا ثَبَتَ عَلَى خِلَافِ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ ، لِمُعَارِضٍ رَاجِحٍ .
وَضِدُّهَا ( الْعَزِيمَةُ ) .
وَهِيَ لُغَةً الْقَصْدُ الْمُؤَكَّدُ .
وَشَرْعًا : مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ ، خَالٍ عَنْ مُعَارِضٍ رَاجِحٍ وَهُمَا وَصْفَانِ لِلْحُكْمِ الْوَضْعِيِّ ( وَ ) الْمَسْحُ ( أَفْضَلُ مِنْ غُسْلٍ ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ إنَّمَا طَلَبُوا الْأَفْضَلَ وَعَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ يُؤْخَذَ بِرُخَصِهِ } وَفِيهِ مُخَالَفَةٌ لِأَهْلِ الْبِدْعَةِ ( وَ ) الْمَسْحُ ( يَرْفَعُ الْحَدَثَ ) لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ بِالْمَاءِ أَشْبَهَ الْغُسْلَ .

( وَلَا يُسَنُّ أَنْ يَلْبَسَ ) خُفًّا وَنَحْوَهُ ( لِيَمْسَحَ ) عَلَيْهِ كَسَفَرِهِ لِيَتَرَخَّصَ وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَغْسِلُ قَدَمَيْهِ إذَا كَانَتَا مَكْشُوفَتَيْنِ وَيَمْسَحُهُمَا إذَا كَانَتَا فِي الْخُفِّ " .

( وَكُرِهَ لُبْسٌ ) لِمَا يَمْسَحُ عَلَيْهِ ( مَعَ مُدَافَعَةِ أَحَدِ الْأَخْبَثَيْنِ ) أَيْ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ نَصًّا لِأَنَّ الصَّلَاةَ مَكْرُوهَةٌ بِهَذِهِ الطَّهَارَةِ فَكَذَلِكَ اللُّبْسُ الَّذِي يُرَادُ لِلصَّلَاةِ وَرَدَّهُ فِي الشَّرْحِ بِأَنَّ هَذِهِ طَهَارَةٌ كَامِلَةٌ أَشْبَهَ مَا لَوْ لَبِسَهُمَا عِنْدَ غَلَبَةِ النُّعَاسِ ، وَالْفَارِقُ بَيْنَ اللُّبْسِ وَالصَّلَاةِ : أَنَّ الصَّلَاةَ يُطْلَبُ فِيهَا الْخُشُوعُ وَاشْتِغَالُ قَلْبِهِ بِمُدَافَعَةِ الْأَخْبَثَيْنِ يُذْهِبُ بِهِ ، وَلَا يَضُرُّ ذَلِكَ فِي اللُّبْسِ .

( وَيَصِحُّ ) الْمَسْحُ ( عَلَى خُفٍّ ) فِي رِجْلَيْهِ .
قَالَ الْحَسَنُ : حَدَّثَنِي سَبْعُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ " وَقَالَ أَحْمَدُ : لَيْسَ فِي قَلْبِي مِنْ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ شَيْءٌ فِيهِ أَرْبَعُونَ حَدِيثًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى .
مِنْهَا : حَدِيثُ جَرِيرٍ قَالَ : { رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَالَ وَتَوَضَّأَ ، ثُمَّ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ } .
قَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ " فَكَانَ يُعْجِبُهُمْ ذَلِكَ لِأَنَّ إسْلَامَ جَرِيرٍ كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَقَدْ اسْتَنْبَطَهُ بَعْضُهُمْ مِنْ قِرَاءَةِ " أَرْجُلِكُمْ " بِالْجَرِّ وَحَمَلَ قِرَاءَةَ النَّصْبِ عَلَى الْغُسْلِ ؛ لِئَلَّا تَخْلُوَ إحْدَى الْقِرَاءَتَيْنِ عَنْ فَائِدَةٍ .

( وَ ) يَصِحُّ الْمَسْحُ أَيْضًا عَلَى ( جُرْمُوقٍ ) وَهُوَ ( خُفٌّ قَصِيرٌ ) وَيُسَمَّى أَيْضًا : الْمُوقَ ؛ { لِحَدِيثِ بِلَالٍ رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى الْمُوقَيْنِ وَالْخِمَارِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَلِأَبِي دَاوُد " كَانَ يَخْرُجُ يَقْضِي حَاجَتَهُ ؛ فَآتِيه بِالْمَاءِ ، فَيَتَوَضَّأُ وَيَمْسَحُ عَلَى عِمَامَتِهِ وَمُوقَيْهِ " وَلِسَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ عَنْ بِلَالٍ قَالَ : سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { امْسَحُوا عَلَى النَّصِيفِ وَالْمُوقِ } .

( وَ ) يَصِحُّ الْمَسْحُ أَيْضًا عَلَى ( جَوْرَبٍ صَفِيقِ ) نُعِلَ أَوَّلًا لِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : حَسَنٌ صَحِيحٌ .
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمَا كَانَا مَنْعُولَيْنِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَذْكُرْ النَّعْلَيْنِ .
إذْ لَا يُقَالُ : مَسَحَ عَلَى الْخُفِّ وَنَعْلِهِ ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ " تُرْوَى إبَاحَةُ الْمَسْحِ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ عَنْ تِسْعَةٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : عَلِيٍّ وَعَمَّارٍ ، وَابْنِ مَسْعُودٍ ، وَأَنَسٍ ، وَابْنِ عُمَرَ وَالْبَرَاءِ ، وَبِلَالٍ ، وَابْنِ أَبِي أَوْفَى ، وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ " انْتَهَى .
وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمْ مُخَالِفٌ فِي عَصْرِهِمْ ، وَلِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْخُفِّ إذْ هُوَ مَلْبُوسٌ سَاتِرٌ لِمَحَلِّ الْفَرْضِ يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ فِيهِ ، أَشْبَهَ الْخُفَّ وَتَكَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ بَعْضُهُمْ ، وَأُجِيبَ عَنْهُ بِمَا يُعْلَمُ مِنْ الْمُطَوَّلَاتِ ( وَالْجَوْرَبُ ) : غِشَاءٌ مِنْ صُوفٍ يُتَّخَذُ لِلدِّفْءِ ، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ .
وَفِي شَرْحِهِ : وَلَعَلَّهُ اسْمٌ لِكُلِّ مَا يُلْبَسُ فِي الرِّجْلِ عَلَى هَيْئَةِ الْخُفِّ ، مِنْ غَيْرِ الْجِلْدِ ( حَتَّى لِزَمِنٍ ) لَا يُمْكِنُهُ الْمَشْيُ لِعَاهَةٍ .
فَيَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ عَلَى هَذِهِ الْحَوَائِلِ كَالسَّلِيمِ .

( وَ ) يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى نَحْوِ خُفٍّ حَتَّى ( بِرِجْلٍ قُطِعَتْ أُخْرَاهَا مِنْ فَوْقِ فَرْضِ ) هَا فَإِنْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ أَرَادَ غَسْلَهُ وَمَسْحَ حَائِلَ الْأُخْرَى لَمْ يُجْزِئْ تَعْلِيمًا لِلْغُسْلِ ، لِأَنَّهُ فَرْضٌ وَاحِدٌ : فَلَا يُجْمَعُ فِيهِ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ .

وَ ( لَا ) يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى نَحْوِ الْخُفَّيْنِ ( لِمُحْرِمٍ ) ذَكَرٍ ( لَبِسَهُمَا لِحَاجَةٍ ) بِأَنْ لَمْ يَجِدْ النَّعْلَيْنِ ، كَالْمَرْأَةِ تَلْبَسُ الْعِمَامَةَ لِحَاجَةٍ وَلِأَنَّ شَرْطَ الْمَمْسُوحِ إبَاحَتُهُ مُطْلَقًا .
كَمَا يَأْتِي .
وَهُمَا لَا يُبَاحَانِ لِلْمُحْرِمِ مُطْلَقًا ، بَلْ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ .

( وَ ) يَصِحُّ الْمَسْحُ ( عَلَى عِمَامَةٍ ) { لِقَوْلِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى عِمَامَتِهِ وَخُفَّيْهِ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، وَعَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ { تَوَضَّأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْعِمَامَةِ } .
قَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
وَلِمُسْلِمٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْخِمَارِ } وَبِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَأَنَسٌ وَأَبُو أُمَامَةَ وَرَوَى الْخَلَّالُ عَنْ عُمَرَ : أَنَّهُ قَالَ : " مَنْ لَمْ يُطَهِّرْهُ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ فَلَا طَهَّرَهُ اللَّهُ " .

( وَ ) يَصِحُّ الْمَسْحُ عَلَى ( جَبَائِرَ ) جَمْعُ جَبِيرَةٍ .
نَحْوِ أَخْشَابٍ تَرْبُطُ عَلَى نَحْوِ كَسْرٍ .
سُمِّيَتْ بِذَلِكَ تَفَاؤُلًا لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا فِي صَاحِبِ الشَّجَّةِ { إنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْضُدَ ، أَوْ يَعْصِبَ عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً وَيَمْسَحَ عَلَيْهَا : وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ .
وَبِهِ قَالَ عُمَرُ : وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ .

( وَ ) يَصِحُّ الْمَسْحُ أَيْضًا عَلَى ( خُمُرِ نِسَاءٍ مُدَارَةً تَحْتَ حُلُوقِهِنَّ ) لِأَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ كَانَتْ تَمْسَحُ عَلَى خِمَارِهَا .
ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ .
لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { امْسَحُوا عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْخِمَارِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَلِأَنَّهُ سَاتِرٌ يَشُقُّ نَزْعُهُ ، أَشْبَهَ الْعِمَامَةَ ، بِخِلَافِ الْوِقَايَةِ فَإِنَّهُ لَا يَشُقُّ نَزْعُهَا ، فَتُشْبِهُ طَاقِيَّةَ الرَّجُلِ .

وَ ( لَا ) يَصِحُّ الْمَسْحُ عَلَى ( ( قَلَانِسَ ) ) جَمْعُ قَلَنْسُوَةٍ أَوْ قُلَنْسِيَةٍ : مُبَطَّنَاتٌ تُتَّخَذُ لِلنَّوْمِ .
وَمِثْلُهَا الدَّيِّنَاتُ : قَلَانِسُ كِبَارٌ كَانَتْ الْقُضَاةُ تَلْبَسُهَا .
قَالَ فِي مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ : هِيَ عَلَى هَيْئَةِ مَا يَتَّخِذُهُ الصُّوفِيَّةُ الْآنَ لِأَنَّهُ مَا يَشُقُّ نَزْعُهَا فَأَشْبَهَتْ الْكَلْتَة : شَيْء يُوضَعُ عَلَى الرَّأْسِ مِنْ غَيْرِ عِمَامَةٍ .

( وَ ) لَا يَصِحُّ الْمَسْحُ عَلَى ( لَفَائِفَ ) جَمْعُ لِفَافَةٍ : مَا يُلَفُّ مِنْ خِرَقٍ وَنَحْوِهَا عَلَى الرِّجْلِ ، تَحْتَهَا نَعْلٌ أَوْ لَا .
وَلَوْ مَعَ مَشَقَّةٍ .
لِعَدَمِ وُرُودِهِ ( إلَى حَلِّ جَبِيرَةٍ ) أَيْ يَمْسَحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ مَنْ لَبِسَهَا إلَى حَلِّهَا لِأَنَّهُ لِلضَّرُورَةِ ، فَيُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا .
وَالضَّرُورَةُ تَدْعُو إلَى مَسْحِهَا إلَى حَلِّهَا أَوْ بُرْئِهَا .
( وَلَا يَمْسَحُ فِي ) الطَّهَارَةِ ( الْكُبْرَى غَيْرَهَا ) أَيْ الْجَبِيرَةَ ، لِحَدِيثِ { صَفْوَانَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهِنَّ إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ } ( وَهُوَ ) أَيْ الْمَسْحُ ( عَلَيْهَا ) أَيْ الْجَبِيرَةِ ( عَزِيمَةٌ ) لَا رُخْصَةٌ ( فَيَجُوزُ بِسَفَرِ الْمَعْصِيَةِ ) كَالتَّيَمُّمِ ، أَيْ جَوَازًا مُسَاوِيًا لِلْجَوَازِ فِي سَفَرِ الطَّاعَةِ ، فَلَا يَرُدُّ عَلَيْهِ : أَنَّ مَسْحَ الْخُفِّ رُخْصَةٌ ، وَيَجُوزُ بِهِمَا لِاخْتِلَافِ مُدَّةِ الْمَسْحِ فِيهِمَا .

( وَغَيْرُهَا ) أَيْ غَيْرُ الْجَبِيرَةِ يُمْسَحُ ( مِنْ حَدَثٍ بَعْدَ لُبْسٍ ) لَهُ ( يَوْمًا وَلَيْلَةً لِمُقِيمٍ ) وَلَوْ عَاصِيًا بِإِقَامَتِهِ كَمَنْ أَمَرَهُ سَيِّدُهُ بِسَفَرٍ فَأَقَامَ وَكَمُسَافِرٍ دُونَ الْمَسَافَةِ .
( وَ ) لِ ( عَاصٍ بِسَفَرٍ ) لِأَنَّهُ كَالْمُقِيمِ فَلَا يَسْتَبِيحُ بِهِ الرُّخَصَ ( وَثَلَاثَةَ ) أَيَّامٍ ( بِلَيَالِيِهِنَّ لِمَنْ بِسَفَرِ قَصْرٍ لَمْ يَعْصِ بِهِ ) أَيْ بِالسَّفَرِ ، بِأَنْ كَانَ غَيْرَ مُحَرَّمٍ وَلَا مَكْرُوهٍ .
وَلَوْ عَصَى فِيهِ .
لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهِنَّ وَلِلْمُقِيمِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ } .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَيُتَصَوَّرُ أَنْ يُصَلِّيَ الْمُقِيمُ بِالْمَسْحِ سَبْعَ صَلَوَاتٍ ، وَالْمُسَافِرُ سَبْعَةَ عَشَرَ صَلَاةً ، وَلَوْ مَضَى مِنْ الْمَسْحِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ لِلْمُقِيمِ أَوْ ثَلَاثٌ لِلْمُسَافِرِ وَلَمْ يَمْسَحْ ، انْقَضَتْ مُدَّتُهُ ، وَمَا لَمْ يُحْدِثْ لَا يُحْسَبُ مِنْ الْمُدَّةِ ، فَلَوْ بَقِيَ بَعْدَ لُبْسِهِ يَوْمًا عَلَى طَهَارَةِ اللُّبْسِ ، ثُمَّ أَحْدَثَ اسْتَبَاحَ بَعْدَ الْحَدَثِ الْمُدَّةَ ، وَلَوْ مَضَتْ الْمُدَّةُ وَخَافَ النَّزْعَ ، لِنَحْوِ مَرَضٍ أَوْ تَضَرَّرَ رَفِيقُهُ بِسَفَرٍ بِانْتِظَارِهِ لَوْ اشْتَغَلَ بِنَزْعِ نَحْوِ خُفٍّ ، تَيَمَّمَ ، فَإِنْ مَسَحَ وَصَلَّى أَعَادَ .

( أَوْ سَافَرَ ) لَابِسُ نَحْوِ خُفٍّ ( بَعْدَ حَدَثٍ قَبْلَ مَسْحٍ ) اسْتَبَاحَ مَسْحَ مُسَافِرٍ ، لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ إلَّا فِي سَفَرِهِ .

( وَمَنْ مَسَحَ مُسَافِرًا ثُمَّ أَقَامَ ) قَبْلَ مُضِيِّ مُدَّتِهِ ، أَتَمَّ مَسْحَ مُقِيمٍ ، إنْ بَقِيَ مِنْهُ شَيْءٌ ، وَإِلَّا خَلَعَ فِي الْحَالِ .

( أَوْ ) مَسَحَ مُقِيمًا ( أَقَلَّ مِنْ مَسْحِ مُقِيمٍ ) أَيْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ( ثُمَّ سَافَرَ ) لَمْ يَزِدْ عَلَى مَسْحِ مُقِيمٍ ، تَغْلِيبًا لِلْحَضَرِ .

( أَوْ شَكَّ ) مَاسِحٌ بِسَفَرٍ ( فِي ابْتِدَائِهِ ) أَيْ الْمَسْحِ ، بِأَنْ لَمْ يَدْرِ : أَمَسَحَ مُقِيمًا أَوْ مُسَافِرًا ؟ ( لَمْ يَزِدْ عَلَى مَسْحِ مُقِيمٍ ) لِأَنَّهُ الْيَقِينُ ، وَمَا زَادَ عَلَيْهِ لَمْ يَتَحَقَّقْ شَرْطُهُ ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ .

( وَمَنْ شَكَّ ) ( مُقِيمًا كَانَ أَوْ مُسَافِرًا ) ( فِي بَقَاءِ الْمُدَّةِ ) أَيْ مُدَّةِ الْمَسْحِ وَتَوَضَّأَ ( لَمْ يَمْسَحْ ) مَا دَامَ شَاكًّا لِعَدَمِ تَحَقُّقِ شَرْطِهِ ، وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ ( فَإِنْ مَسَحَ ) مَعَ الشَّكِّ ( فَبَانَ بَقَاؤُهَا ) أَيْ الْمُدَّةِ ( صَحَّ ) وُضُوءُهُ ، لِتَحَقُّقِ الشَّرْطِ .
وَلَا يُصَلِّي بِهِ قَبْلَ أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ الْبَقَاءُ ، فَإِنْ فَعَلَ إذَنْ أَعَادَ ، فَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ بَقَاؤُهَا لَمْ يَصِحَّ وُضُوءٌ .

( بِشَرْطٍ ) مُتَعَلِّقٌ بِقَوْلِهِ : يَصِحُّ ( تَقَدُّمُ كَمَالِ الطَّهَارَةِ بِمَاءٍ ) لِحَدِيثِ { الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ : كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي سَفَرٍ ، فَأَفْرَغْت عَلَيْهِ مِنْ الْإِدَاوَةِ ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَغَسَلَ ذِرَاعَيْهِ وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ ، ثُمَّ أَهْوَيْتُ لِأَنْزَعَ خُفَّيْهِ ، فَقَالَ : دَعْهُمَا فَإِنِّي أَدْخَلْتُهُمَا طَاهِرَتَيْنِ ، فَمَسَحَ عَلَيْهِمَا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَعَنْهُ أَيْضًا قَالَ " قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيَمْسَحُ أَحَدُنَا عَلَى الْخُفَّيْنِ ؟ قَالَ : نَعَمْ .
إذَا أَدْخَلَهُمَا وَهُمَا طَاهِرَتَانِ " رَوَاهُ الْحُمَيْدِيُّ فِي مُسْنَدِهِ ، وَفِيَ الْبَابِ غَيْرُهُ وَأَلْحَقَ بِالْخُفِّ بَاقِي الْحَوَائِلِ .
فَإِنْ لَبِسَهُ عَلَى طَهَارَةٍ بِتَيَمُّمٍ لَمْ يَمْسَحْ .
لِأَنَّهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ ، أَوْ غَسَلَ رِجْلًا ثُمَّ أَدْخَلَهَا إيَّاهُ أَوْ لَبِسَ الْخُفَّيْنِ مُحْدِثًا .
ثُمَّ تَوَضَّأَ ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ دَاخِلَ الْخُفَّيْنِ ، أَوْ لَبِسَهُمَا مُتَطَهِّرًا ، فَأَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ تَصِلَ الْقَدَمُ إلَى مَوْضِعِهَا ، أَوْ نَوَى جُنُبٌ رَفْعَ حَدَثِهِ ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ ، ثُمَّ أَدْخَلَهُمَا فِي خُفَّيْهِ ، ثُمَّ أَتَمَّ طَهَارَتَهُ خَلَعَ ، ثُمَّ لَبِسَ قَبْلَ الْحَدَثِ ، وَالْأَلَمُ يَمْسَحُ .
وَكَذَا تَفْصِيلُ عِمَامَةٍ وَنَحْوِهَا .

( وَلَوْ مَسَحَ فِيهَا عَلَى حَائِلٍ ) بِأَنْ تَوَضَّأَ وُضُوءًا كَامِلًا مَسَحَ فِيهِ عَلَى نَحْوِ جَبِيرَةٍ أَوْ عِمَامَةٍ .
ثُمَّ لَبِسَ نَحْو خُفٍّ فَلَهُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ ، لِأَنَّهَا طَهَارَةٌ كَامِلَةٌ رَافِعَةٌ لِلْحَدَثِ ، كَاَلَّتِي لَمْ يَمْسَحْ فِيهَا عَلَى حَائِلٍ .

( أَوْ تَيَمَّمَ ) فِي طَهَارَةٍ بِمَاءِ ( الْجُرْحِ ) فِي بَعْضِ أَعْضَائِهِ ثُمَّ لَبِسَ نَحْوَ خُفٍّ جَازَ لَهُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ .
لِتَقَدُّمِ الطَّهَارَةِ بِمَاءٍ فِي الْجُمْلَةِ .

( أَوْ كَانَ حَدَثُهُ ) أَيْ لَابِسُ نَحْوِ خُفٍّ ( دَائِمًا ) كَمُسْتَحَاضَةٍ وَمَنْ بِهِ سَلَسٌ ، وَتَوَضَّأَ وَلَبِسَ خُفًّا ، فَلَهُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ .
لِأَنَّهَا كَامِلَةٌ فِي حَقِّهِ ، وَخُصُوصًا عَلَى مَا تَقَدَّمَ أَنَّهَا تَرْفَعُ الْحَدَثَ ، وَلِأَنَّ الْمَعْذُورَ أَوْلَى بِالرُّخَصِ .
وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ : أَنَّ الْجَبِيرَةَ كَغَيْرِهَا فِيمَا تَقَدَّمَ .
فَإِذَا وَضَعَهَا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ بِمَاءٍ نَزَعَهَا

( وَيَكْفِي مَنْ خَافَ ) تَلَفًا أَوْ ضَرَرًا مِنْ ( نَزْعِ جَبِيرَةٍ لَمْ يَتَقَدَّمْهَا طَهَارَةٌ ) بِمَاءٍ ( تَيَمَّمَ ) عِنْدَ غَسْلِ مَا تَحْتَهَا ، كَجُرْحٍ غَيْرِ مَشْدُودٍ ( فَلَوْ عَمَّتْ مَحَلَّهُ ) أَيْ التَّيَمُّمَ ، وَهُوَ الْوَجْهُ وَالْيَدَانِ ( مَسَحَهَا بِالْمَاءِ ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْ التَّيَمُّمِ وَالْمَسْحِ بَدَلٌ عَنْ الْغُسْلِ .
فَإِذَا تَعَذَّرَ أَحَدُهُمَا وَجَبَ الْآخَرُ .

( وَ ) يُشْتَرَطُ ( سَتْرُ مَحَلِّ فَرْضٍ ) وَهُوَ ثَانِي الشُّرُوطِ ، فَلَوْ ظَهَرَ مِنْهُ شَيْءٌ وَجَبَ الْغُسْلُ .
وَلَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ ، إذْ لَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ ، وَكَمَا لَوْ غَسَلَ إحْدَى الرِّجْلَيْنِ .
فَيَجِبُ غَسْلُ الْأُخْرَى .
( وَلَوْ ) كَانَ السَّتْرُ ( بِمُخْرَقٍ أَوْ مُفْتَقٍ وَيَنْضَمُّ بِلُبْسِهِ ) فَلَا يُشْتَرَطُ فِي السَّاتِرِ كَوْنُهُ صَحِيحًا ( أَوْ كَانَ ) الْقَدَمُ ( يَبْدُو بَعْضُهُ ) مِنْ الْمَلْبُوسِ ( لَوْلَا شَدُّهُ ) أَيْ رَبْطُهُ ( أَوْ شَرْجُهُ ) بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْجِيمِ ، ( كَالزُّرْبُولِ ) لَهُ سَاقٌ وَعُرًى يَدْخُلُ بَعْضُهَا فِي بَعْضٍ ، فَيَسْتُرُ مَحَلَّ الْفَرْضِ .
فَيَصِحُّ الْمَسْحُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ سَاتِرٌ يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ فِيهِ .
أَشْبَهَ غَيْرَ ذِي الشَّرْجِ .
فَإِنْ لَمْ يَنْضَمَّ بِلُبْسِهِ وَلَا غَيْرِهِ لَمْ يَصِحَّ الْمَسْحُ عَلَيْهِ ، كَبِيرًا كَانَ الْخَرْقُ أَوْ صَغِيرًا ، مِنْ مَحَلِّ الْخَرَزِ أَوْ غَيْرِهِ .

( وَ ) بِشَرْطِ ( ثُبُوتِهِ بِنَفْسِهِ أَوْ بِنَعْلَيْنِ ) وَهُوَ الثَّالِثُ ، فَيَمْسَحُ عَلَيْهِ ( إلَى خَلْعِهِمَا ) مَا دَامَتْ الْمُدَّةُ ، فَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا بِشَدِّهِ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِ ، لِفَقْدِ شَرْطِهِ ، وَيَمْسَحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَسُيُورَ النَّعْلَيْنِ قَدْرَ الْوَاجِبِ ، قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ، وَقَالَ الْمَجْدُ فِي شَرْحِهِ وَابْنُ عُبَيْدَانَ ، وَصَاحِبُ مَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ : ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ : إجْزَاءُ الْمَسْحِ عَلَى أَحَدِهِمَا ، قَدْرَ الْوَاجِبِ ، قَالَ فِي الْإِنْصَافِ : يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ .

( وَ ) بِشَرْطِ ( إمْكَانِ مَشْيٍ عُرْفًا بِمَمْسُوحٍ ) وَهُوَ الرَّابِعُ ، لَا كَوْنُهُ يَمْنَعُ نُفُوذَ الْمَاءِ أَوْ مُعْتَادًا ، فَيَصِحُّ عَلَى خُفٍّ مِنْ جِلْدٍ وَلُبَدٍ وَخَشَبٍ وَحَدِيدٍ وَزُجَاجٍ ، لَا يَصِفُ الْبَشَرَةَ وَنَحْوِهِ ، حَيْثُ أَمْكَنَ الْمَشْيُ فِيهِ ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ فِيهِ سَاتِرًا لِمَحَلِّ الْفَرْضِ .
أَشْبَهَ الْجِلْدَ .
وَقَدْ يُحْتَاجُ إلَى بَعْضِهَا فِي بَعْضِ الْبِلَادِ .
وَلَا يَضُرُّ عَدَمُ الْحَاجَةِ فِي غَيْرِهِ .

( وَ ) بِشَرْطِ ( إبَاحَتِهِ مُطْلَقًا ) وَهُوَ الْخَامِسُ ، أَيْ مَعَ الضَّرُورَةِ وَعَدَمِهَا .
فَلَا يَصِحُّ عَلَى نَحْوِ مَغْصُوبٍ وَإِنْ خَافَ بِنَزْعِهِ سُقُوطَ أَصَابِعِهِ مِنْ بَرْدٍ لِأَنَّ الْمَسْحَ رُخْصَةٌ .
فَلَا تُسْتَبَاحُ بِالْمَعْصِيَةِ ، كَمَا لَا يَسْتَبِيحُ الْمُسَافِرُ الرُّخَصَ بِسَفَرِ الْمَعْصِيَةِ .
وَكَذَا حَرِيرٌ لِرَجُلٍ ، وَمُذَهَّبٌ وَنَحْوُهُ .

( وَ ) بِشَرْطِ ( طَهَارَةِ عَيْنِهِ ) أَيْ الْمَمْسُوحِ .
وَهُوَ السَّادِسُ ( وَلَوْ فِي ضَرُورَةٍ ) فَلَا يَصِحُّ عَلَى نَجِسِ الْعَيْنِ خُفًّا كَانَ أَوْ جَبِيرَةً ، أَوْ غَيْرَهُمَا ( وَتَيَمَّمَ ) مَنْ لَبِسَ سَاتِرًا نَجِسًا ( مَعَهَا ) أَيْ الضَّرُورَةِ بِنَزْعِهِ ( لِمَسْتُورٍ ) بِالنَّجِسِ مِنْ رِجْلَيْنِ أَوْ رَأْسٍ أَوْ غَيْرِهِمَا .
فَإِنْ كَانَ طَاهِرَ الْعَيْنِ وَتَنَجَّسَ بَاطِنُهُ صَحَّ الْمَسْحُ عَلَيْهِ ، وَيَسْتَبِيحُ بِهِ مَسَّ مُصْحَفٍ لَا صَلَاةَ إلَّا بِغَسْلِهِ .
أَوْ عِنْدَ الضَّرُورَةِ ( وَيُعِيدُ مَا صَلَّى بِهِ ) أَيْ بِالنَّجِسِ ، لِحَمْلِهِ النَّجَاسَةَ فِيهَا .

( وَ ) بِشَرْطِ ( أَنْ لَا يَصِفَ ) نَحْوَ خُفٍّ ( الْبَشَرَةَ ) دَاخِلَهُ ( لِصَفَائِهِ أَوْ خِفَّتِهِ ) وَهُوَ السَّابِعُ ، فَإِنْ وَصَفَ الْقَدَمَ لِصَفَائِهِ كَزُجَاجٍ رَقِيقٍ ، أَوْ خِفَّتِهِ كَجَوْرَبٍ خَفِيفٍ .
لَمْ يَصِحَّ الْمَسْحُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ سَاتِرٍ لِمَحَلِّ الْفَرْضِ أَشْبَهَ النَّعْلَ .

( وَ ) بِشَرْطِ ( أَنْ لَا يَكُونَ وَاسِعًا يُرَى مِنْهُ بَعْضُ مَحَلِّ الْفَرْضِ ) وَهُوَ الثَّامِنُ لِأَنَّهُ غَيْرُ سَاتِرٍ لِمَحَلِّ الْفَرْضِ أَشْبَهَ الْمُخَرَّقَ الَّذِي لَا يَنْضَمُّ بِلُبْسِهِ ( وَإِنْ لَبِسَ ) لَابِسُ خُفٍّ ( عَلَيْهِ ) خُفًّا ( آخَرَ ، لَا بَعْدَ حَدَثٍ وَلَوْ مَعَ خَرْقِ أَحَدِهِمَا ) أَيْ الْخُفَّيْنِ ( صَحَّ الْمَسْحُ ) عَلَى الْفَوْقَانِيِّ ، لِأَنَّهُ سَاتِرٌ ثَبَتَ بِنَفْسِهِ .
أَشْبَهَ الْمُنْفَرِدَ .
وَسَوَاءٌ كَانَا صَحِيحَيْنِ أَوْ التَّحْتَانِيَّ وَحْدَهُ صَحِيحًا ، لَا إنْ كَانَا مُخَرَّقَيْنِ وَلَوْ سَتَرَا .
وَإِنْ لَبِسَ الْفَوْقَانِيَّ بَعْدَ أَنْ أَحْدَثَ .
لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ فَإِنْ تَطَهَّرَ وَلَبِسَ آخَرَ بَعْدَ مَسْحِهِ الْأَوَّلَ ؛ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَى الثَّانِي .
وَيَصِحُّ عَلَى خُفٍّ تَحْتَهُ لِفَافَةٌ ( وَإِنْ نَزَعَ ) الْخُفَّ ( الْمَمْسُوحَ لَزِمَ نَزْعُ مَا تَحْتَهُ ) وَغَسْلُ الرِّجْلَيْنِ ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الْمَسْحِ قَدْ زَالَ .
وَنَزْعُ إحْدَى الْخُفَّيْنِ كَنَزْعِهِمَا .
لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُسْتَقِلٌّ مِنْ الْغُسْلِ ، وَالرُّخْصَةُ تَعَلَّقَتْ بِهِمَا ، فَصَارَ كَانْكِشَافِ الْقَدَمِ .
وَلَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ مِنْ تَحْتِ الْفَوْقَانِيِّ وَمَسَحَ التَّحْتَانِيّ جَازَ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مَحَلٌّ لِلْمَسْحِ .
كَغَسْلِ قَدَمَيْهِ فِي الْخُفِّ مَعَ جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَيْهِ .
وَلَوْ لَبِسَ جُرْمُوقًا فِي إحْدَى رِجْلَيْهِ وَحْدَهَا .
جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ وَعَلَى خُفِّ الْأُخْرَى .
وَفِي الرِّعَايَةِ : لَوْ لَبِسَ عِمَامَتَهُ فَوْقَ عِمَامَةٍ لِحَاجَةٍ ، كَبَرْدٍ أَوْ غَيْرِهِ قَبْلَ حَدَثِهِ ، وَقَبْلَ مَسْحِ السُّفْلَى ، مَسَحَ الْعُلْيَا الَّتِي بِصِفَةِ السُّفْلَى ، وَإِلَّا فَلَا .
كَمَا لَوْ تَرَكَ فَوْقَهَا مِنْدِيلًا أَوْ نَحْوَهُ .

( وَشَرَطَ فِي ) مَسْحِ ( عِمَامَةٍ ) ثَلَاثَةَ شُرُوطٍ .
أَحَدُهَا : ( كَوْنُهَا ( مُحَنَّكَةً ) ) أَيْ مُدَارًا مِنْهَا تَحْتَ الْحَنَكِ كَوْرٌ ، بِفَتْحِ الْكَافِ ، أَوْ كَوَرَانٌ ، سَوَاءٌ كَانَ لَهَا ذُؤَابَةٌ أَوْ لَا ، لِأَنَّ هَذِهِ عِمَامَةُ الْعَرَبِ ، وَهِيَ أَكْثَرُ سَتْرًا ، وَيَشُقُّ نَزْعُهَا .
قَالَ الْقَاضِي : سَوَاءٌ كَانَتْ صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً ( أَوْ ) كَوْنُهَا ( ذَاتَ ذُؤَابَةٍ ) بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَبَعْدَهَا هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ ، وَهِيَ طَرَفُ الْعِمَامَةِ الْمُرْخَى ، مَجَازًا ، وَأَصْلُهَا النَّاصِيَةُ ، أَوْ مَنْبَتُهَا مِنْ الرَّأْسِ ، وَهُوَ شَعْرٌ فِي أَعْلَى نَاصِيَةِ الْفَرَسِ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُحَنَّكَةً وَلَا ذَاتَ ذُؤَابَةٍ لَمْ يَجُزْ الْمَسْحُ عَلَيْهَا ، لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ فِي نَزْعِهَا كَالْكَلْوَتَةِ ، وَلِأَنَّهَا تُشْبِهُ عَمَائِمَ أَهْلِ الذِّمَّةِ ، وَقَدْ نُهِيَ عَنْ التَّشَبُّهِ بِهِمْ .
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : الْمَحْكِيُّ عَنْ أَحْمَدَ الْكَرَاهَةُ ، وَالْأَقْرَبُ : أَنَّهَا كَرَاهَةٌ لَا تَرْتَقِي إلَى التَّحْرِيمِ ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يَمْنَعُ التَّرَخُّصَ كَسَفَرِ النُّزْهَةِ .
قَالَ فِي الْفُرُوعِ : كَذَا قَالَ ( وَ ) الثَّانِي كَوْنُهَا ( عَلَى ذَكَرٍ ) فَلَا تَمْسَحُ امْرَأَةٌ وَلَا خُنْثَى عِمَامَةً ، وَلَوْ لِحَاجَةِ بَرْدٍ .
( وَ ) الثَّالِثُ ( سَتْرُ ) الْعِمَامَةِ مِنْ الرَّأْسِ ( غَيْرَ مَا الْعَادَةُ كَشْفُهُ ) كَمُقَدَّمِ الرَّأْسِ وَالْأُذُنَيْنِ وَجَوَانِبِ الرَّأْسِ فَيُعْفَى عَنْهُ ، بِخِلَافِ خَرْقِ الْخُفِّ لِأَنَّ هَذَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِهِ ، وَيَشُقُّ التَّحَرُّزُ عَنْهُ .
( وَلَا يَجِبُ مَسْحُهُ ) أَيْ مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِكَشْفِهِ ( مَعَهَا ) أَيْ مَعَ الْعِمَامَةِ ، لِأَنَّهَا نَائِبَةٌ عَنْ الرَّأْسِ .
فَانْتَقَلَ الْفَرْضُ إلَيْهَا ، وَتَعَلَّقَ الْحُكْمَ بِهَا لَكِنَّهُ مُسْتَحَبٌّ .
قَالَ فِي الشَّرْحِ : نَصَّ عَلَيْهِ .
{ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ } فِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ وَهُوَ صَحِيحٌ ( وَيَجِبُ مَسْحُ أَكْثَرِهَا ) أَيْ أَكْثَرِ الْعِمَامَةِ لِأَنَّهَا أَحَدُ الْمَمْسُوحَيْنِ عَلَى وَجْهِ الْبَدَلِ ،

فَأَجْزَأَ مَسْحُ بَعْضِهِ كَالْخُفِّ ، وَإِنْ كَانَ تَحْتَ الْعِمَامَةِ قَلَنْسُوَةٌ يَظْهَرُ بَعْضُهَا ، فَالظَّاهِرُ جَوَازُ الْمَسْحِ عَلَيْهِمَا ؛ لِأَنَّهُمَا صَارَا كَالْعِمَامَةِ الْوَاحِدَةِ ، قَالَهُ فِي الْمُغْنِي

( وَ ) يَجِبُ مَسْحُ ( جَمِيع جَبِيرَةٍ ) عَلَى كَسْرٍ أَوْ جُرْحٍ .
لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد .
فِي صَاحِبِ الشَّجَّةِ ( إنَّمَا كَانَ يَكْفِيهِ أَنْ يَتَيَمَّمَ وَيَعْصِرَ أَوْ يَعْصِبَ عَلَى جُرْحِهِ خِرْقَةً وَيَمْسَحَ عَلَيْهَا وَيَغْسِلَ سَائِرَ جَسَدِهِ ) ( فَلَوْ تَعَدَّى ) أَيْ تَجَاوَزَ ( شَدُّهَا ) أَيْ الْجَبِيرَةَ ( مَحَلَّ الْحَاجَةِ ) إلَيْهَا وَهُوَ مَوْضِعُ الْكَسْرِ ، أَوْ الْجُرْحِ وَمَا أَحَاطَ بِهِ مِمَّا لَا يُمْكِنُ الشَّدُّ إلَّا بِهِ ( نَزَعَهَا ) كَمَا لَوْ شَدَّهَا عَلَى مَا لَا كَسْرَ وَلَا جُرْحَ فِيهِ إنْ لَمْ يَخَفْ تَلَفًا أَوْ ضَرَرًا .
( فَإِنْ خَافَ ) ذَلِكَ ( تَيَمَّمَ لِزَائِدٍ ) عَلَى مَحَلِّ الْحَاجَةِ ، لِأَنَّهُ مَوْضِعٌ يُخَافُ اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ فِيهِ .
فَجَازَ التَّيَمُّمُ لَهُ ، كَالْجُرْحِ ، فَيَغْسِلُ الصَّحِيحَ ، وَيَمْسَحُ مِنْ الْجَبِيرَةِ عَلَى كُلِّ مَا حَاذَى مَحَلَّ الْحَاجَةِ ، وَيَتَيَمَّمُ لِزَائِدٍ ( وَدَوَاءٍ ) عَلَى الْبَدَنِ ( وَلَوْ قَارًّا فِي شِقٍّ وَتَضَرَّرَ بِقَلْعِهِ .
كَجَبِيرَةٍ ) فِي الْمَسْحِ عَلَيْهِ ، إنْ وَضَعَهُ عَلَى طَهَارَةٍ ، وَمَنَعَهُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى طَهَارَةٍ ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهَا ، وَكَذَا لَوْ تَأَلَّمَتْ أُصْبُعُهُ فَأَلْقَمَهَا مَرَارَةً ، وَلَا يَصِحُّ الْمَسْحُ عَلَى جَبِيرَةِ غَصْبٍ أَوْ حَرِيرٍ أَوْ نَجِسَةٍ ، وَإِذَا كَانَ بِأُصْبُعِهِ جُرْحٌ أَوْ فِصَادٌ ، وَخَافَ انْدِفَاقَ الدَّمِ بِإِصَابَةِ الْمَاءِ ، جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ ، نَصًّا ، ذَكَرُهُ فِي الْإِنْصَافِ مُلَخَّصًا .

( وَ ) يَجِبُ مَسْحُ ( أَكْثَرِ أَعْلَى خُفٍّ وَنَحْوَهُ ) كَجُرْمُوقٍ وَجَوْرَبٍ ، جَعْلًا لِلْأَكْثَرِ كَالْكُلِّ ، وَلَا يُسَنُّ اسْتِيعَابُهُ ( وَسُنَّ ) الْمَسْحُ ( بِأَصَابِعِ يَدِهِ مِنْ أَصَابِعِهِ ) أَيْ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ ( إلَى سَاقِهِ ) يَمْسَحُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَرِجْلَهُ الْيُسْرَى بِيَدِهِ الْيُسْرَى لِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ فِي صِفَةِ وُضُوءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " ثُمَّ { تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ فَوَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى خُفِّهِ الْأَيْمَنِ ، وَوَضَعَ يَدَهُ الْيُسْرَى عَلَى خُفِّهِ الْأَيْسَرِ ، ثُمَّ مَسَحَ أَعْلَاهُمَا مَسْحَةً وَاحِدَةً ، حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى أَثَرِ أَصَابِعِهِ عَلَى الْخُفَّيْنِ } رَوَاهُ الْخَلَّالُ .
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ " مَسَحَ حَتَّى رُئِيَ أَثَرُ أَصَابِعِهِ عَلَى خُفَّيْهِ خُطُوطًا " وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُفَرِّجَ أَصَابِعَهُ قَالَهُ فِي الشَّرْحِ ( وَلَا يُجْزِي ) مَسْحُ ( أَسْفَلِهِ وَعَقِبِهِ ) أَيْ الْخُفِّ إنْ اقْتَصَرَ عَلَيْهِمَا .
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ : قَوْلًا وَاحِدًا ( وَلَا يُسَنُّ ) مَسْحُهُمَا مَعَ أَعْلَى الْخُفِّ ، لِقَوْلِ عَلِيٍّ " لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ أَسْفَلَ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ ظَاهِرِهِ ، وَقَدْ { رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ ظَاهِرَ خُفَّيْهِ } .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد ، وَأَمَّا حَدِيثُ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ أَعْلَى الْخُفِّ وَأَسْفَلَهُ } فَقَالَ التِّرْمِذِيُّ : إنَّهُ مَعْلُولٌ .
وَقَالَ : سَأَلْت أَبَا زُرْعَةَ وَمُحَمَّدًا عَنْهُ فَقَالَا : لَيْسَ بِصَحِيحٍ ، وَقَالَ أَحْمَدُ : إنَّهُ مِنْ وَجْهٍ ضَعِيفٍ

( وَحُكْمُهُ ) أَيْ مَسْحِ الْخُفِّ ( بِإِصْبَعٍ ) فَأَكْثَرَ ( أَوْ ) بِ ( حَائِلٍ ) كَخِرْقَةٍ وَخَشَبَةٍ مَبْلُولَتَيْنِ وَحُكْمُ ( غَسْلِهِ : حُكْمُ رَأْسٍ ) فِي وُضُوءٍ .
وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ يَجْزِي مَسْحُ الْوَاجِبِ كَيْفَ فَعَلَ وَكَذَا الْغُسْلُ مَعَ إمْرَارِ يَدِهِ ، وَكَذَا إصَابَةُ مَاءٍ .
وَلَوْ مَسَحَ مِنْ سَاقِ الْخُفِّ إلَى أَصَابِعِهِ أَجْزَأَ .

( وَكُرِهَ غَسْلُ ) الْخُفِّ لِعُدُولِهِ عَنْ الْمَأْمُورِ بِهِ ، وَلِأَنَّهُ مَظِنَّةُ إفْسَادِهِ .
( وَ ) كُرِهَ أَيْضًا ( تَكْرَارُ مَسْحِ ) الْخُفِّ - بِفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِهَا - اسْمُ مَصْدَرٍ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى غَسْلِهِ .
قُلْت : وَكَذَا يَنْبَغِي الْقَوْلُ فِي سَائِرِ مَا يَمْسَحُ .

( وَمَتَى ظَهَرَ ) بَعْدَ حَدَثٍ وَقَبْلَ انْقِضَاءِ مُدَّةٍ مِنْ عِمَامَةٍ مَمْسُوحَةٍ ( بَعْضُ رَأْسٍ ، وَفَحُشَ ) أَيْ كَثُرَ ؛ اسْتَأْنَفَ الطَّهَارَةَ ، فَإِنْ لَمْ يَفْحُشْ فَلَا بَأْسَ .

( أَوْ ) ظَهَرَ ( بَعْضُ قَدَمٍ ) مِنْ نَحْوِ خُفٍّ مَسَحَ عَلَيْهِ .
وَإِنْ لَمْ يَفْحُشْ ، أَوْ خَرَجَ الْقَدَمُ ( إلَى سَاقٍ ) نَحْو ( خُفٍّ ) اسْتَأْنَفَ الطَّهَارَةَ ، لِأَنَّ مَسْحَ الْعِمَامَةِ قَامَ مَقَامَ مَسْحِ الرَّأْسِ ، وَمَسْحُ الْخُفَّيْنِ أُقِيمَ مَقَامَ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ ، فَإِذَا زَالَ السَّاتِرُ الَّذِي جُعِلَ بَدَلًا ، بَطَلَ حُكْمُ الطَّهَارَةِ ، كَالْمُتَيَمِّمِ يَجِدُ الْمَاءَ ، وَلَوْ انْكَشَطَتْ ظِهَارَةُ الْخُفِّ وَبَقِيَتْ بِطَانَتُهُ ، لَمْ يَضُرَّ .

( أَوْ انْتَقَضَ بَعْضُ الْعِمَامَةِ ) الْمَمْسُوحَةِ وَلَوْ كَوْرًا ، اسْتَأْنَفَ الطَّهَارَةَ ، لِأَنَّهُ كَنَزْعِهَا لِزَوَالِ الْمَمْسُوحِ عَلَيْهِ .

( أَوْ انْقَطَعَ دَمُ مُسْتَحَاضَةٍ وَنَحْوِهَا ) كَمَنْ بِهِ قُرُوحٌ سَيَّالَةٌ وَكَذَا انْقِطَاعُ نَحْوِ سَلَسِ الْبَوْلِ .
اسْتَأْنَفَ الطَّهَارَةَ ، لِأَنَّ طَهَارَتَهُ إنَّمَا صَحَّتْ لِلْعُذْرِ فَإِذَا زَالَ بَطَلَتْ عَلَى الْأَصْلِ .
كَمَنْ يَتَيَمَّمُ لِمَرَضٍ وَعُوفِيَ مِنْهُ ( أَوْ انْقَضَتْ الْمُدَّة ) أَيْ مُدَّةُ الْمَسْحِ .
( وَلَوْ ) وُجِدَ شَيْءٌ مِمَّا تَقَدَّمَ ( فِي صَلَاةٍ [ بَطَلَتْ و ] اسْتَأْنَفَ الطَّهَارَةَ ) لِأَنَّ طَهَارَتَهُ مُؤَقَّتَةٌ ، فَبَطَلَتْ بِأَنَّهَا وَقْتُهَا كَخُرُوجِ وَقْتِ الصَّلَاةِ وَبَطَلَتْ فِي حَقِّ الْمُتَيَمِّمِ ، وَسَوَاءٌ فَاتَتْ الْمُوَالَاةُ أَوْ لَا ، وَذَلِكَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ الْمَسْحَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ .
وَعَلَى أَنَّ الْحَدَثَ لَا يَتَبَعَّضُ فِي النَّقْضِ .
فَإِذَا خَلَعَ عَادَ الْحَدَثُ إلَى الْعُضْوِ الَّذِي مَسَحَ الْحَائِلَ عَنْهُ .
فَيَسْرِي إلَى بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ .
فَيَسْتَأْنِفُ الْوُضُوءَ .
وَإِنْ قَرُبَ الزَّمَنُ .
قَالَ أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ : إنَّ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ ( وَزَوَالُ جَبِيرَةٍ ) وَلَوْ لَمْ يَبْرَأْ مَا تَحْتَهَا ( ك ) زَوَالِ ( خُفٍّ ) وَكَذَا بُرْؤُهَا .
لِأَنَّ مَسْحَهَا بَدَلٌ عَنْ غُسْلِ مَا تَحْتَهَا .
وَقَالَ فِي شَرْحِهِ وَغَيْرِهِ : إلَّا أَنَّهَا إذَا مَسَحَتْ فِي الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى وَزَالَتْ أَجْزَأَ غَسْلُ مَا تَحْتَهَا لِعَدَمِ وُجُوبِ الْمُوَالَاةِ فِي الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى انْتَهَى وَفِيهِ نَظَرٌ يَظْهَرُ مِمَّا سَبَقَ .

بَابُ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ جَمْعُ نَاقِضَةٍ بِمَعْنَى نَاقِضٍ .
إنْ قِيلَ : لَا يُجْمَعُ فَاعِلٌ وَصْفًا مُطْلَقًا عَلَى فَوَاعِلَ إلَّا مَا شَذَّ أَوْ جَمْعُ نَاقِضٍ إنْ خُصَّ الْمَنْعُ بِوَصْفِ الْعَاقِلِ ، عَلَى مَا اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ ( وَهِيَ مُفْسِدَاتُهُ ) أَيْ الْوُضُوءِ ، جُمْلَةٌ مُعْتَرِضَةٌ لِلتَّفْسِيرِ ؛ لِأَنَّ النَّقْضَ حَقِيقَةٌ فِي الْبِنَاءِ : وَاسْتِعْمَالُهُ فِي الْمَعَانِي كَنَقْضِ الْوُضُوءِ ، وَالْعِلَّةُ : مَجَازٌ ( ثَمَانِيَةٌ ) بِالِاسْتِقْرَاءِ أَحَدُهَا ( الْخَارِجُ وَلَوْ ) كَانَ ( نَادِرًا ) كَالرِّيحِ مِنْ الْقُبُلِ وَالدُّودِ وَالْحَصَى مِنْ الدُّبُرِ ، فَيَنْقُضُ كَالْمُعْتَادِ ، وَهُوَ الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ وَالرِّيحُ مِنْ الدُّبُرِ ، لِحَدِيثِ { فَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ أَنَّهَا كَانَتْ تُسْتَحَاضُ ، فَسَأَلَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إذَا كَانَ دَمُ الْحَيْضِ فَإِنَّهُ أَسْوَدُ يُعْرَفُ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَأَمْسِكِي عَنْ الصَّلَاةِ وَإِذَا كَانَ الْآخَرُ فَتَوَضَّئِي وَصَلِّي فَإِنَّمَا هُوَ دَمُ عِرْقٍ } .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ ، وَقَالَ إسْنَادُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ .
فَأَمَرَهَا بِالْوُضُوءِ لِكُلِّ صَلَاةٍ وَدَمُهَا غَيْرُ مُعْتَادٍ .
وَلِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ سَبِيلٍ .
أَشْبَهَ الْمُعْتَادَ وَلِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا وُضُوءَ إلَّا مِنْ حَدَثٍ أَوْ رِيحٍ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ يَشْمَلُ الرِّيحَ مِنْ الْقُبُلِ وَالْحَصَاةِ تَخْرُجُ مِنْ دُبُرِهِ نَجِسَةٌ ( أَوْ ) كَانَ الْخَارِجُ ( طَاهِرًا ) كَوَلَدٍ بِلَا دَمٍ ، فَيَنْقُضُ .
( أَوْ ) كَانَ ( مُقَطَّرًا ) بِفَتْحِ الطَّاءِ مُشَدَّدَةً ، بِأَنْ قَطَّرَ فِي إحْلِيلِهِ دُهْنًا .
ثُمَّ خَرَجَ فَيَنْقُضُ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ بَلَّةٍ نَجِسَةٍ تَصْحَبُهُ ، فَيَتَنَجَّسُ لِنَجَاسَةِ مَا لَاقَاهُ ، قَطَعَ بِهِ فِي الشَّرْح وَلَوْ قَطَّرَهُ فِي غَيْرِ السَّبِيلِ ، وَلَمْ يَصِلْ إلَى مَحَلٍّ نَجِسٍ .
كَمَا لَوْ قَطَّرَهُ فِي أُذُنِهِ فَوَصَلَ إلَى دِمَاغِهِ ، ثُمَّ خَرَجَ مِنْهَا لَمْ يُنْقَضْ وَكَذَا لَوْ خَرَجَ مِنْ فَمِهِ ( أَوْ )

كَانَ ( مُحْتَشًى ) بِأَنْ احْتَشَى قُطْنًا أَوْ نَحْوَهُ فِي دُبُرِهِ أَوْ قُبُلِهِ ( وَابْتَلَّ ) ثُمَّ خَرَجَ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ ، سَوَاءٌ كَانَ طَرَفُهُ خَارِجًا أَوْ لَا .
وَمَفْهُومُهُ : إنْ لَمْ يَبْتَلَّ لَا يُنْقَضْ .
قَالَ فِي شَرْحِهِ : وَهُوَ الْمَذْهَبُ : لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْنَ الْمَثَانَةِ وَالْجَوْفِ مَنْفَذٌ .
وَلَمْ تَصْحَبْهُ نَجَاسَةٌ .
فَلَمْ يُنْقَضْ انْتَهَى .
وَمُقْتَضَاهُ : أَنَّ الْمُحْتَشَى فِي دُبُرِهِ يَنْقُضُ إذَا خَرَجَ مُطْلَقًا .
وَفِي الْإِقْنَاعِ : يَنْقُضُ الْمُحْتَشَى إذَا خَرَجَ وَلَوْ لَمْ يَبْتَلَّ ( أَوْ ) كَانَ ( مَنِيًّا دَبَّ ) إلَى فَرْجٍ ثُمَّ خَرَجَ ( أَوْ ) مَنِيًّا ( اسْتُدْخِلَ ) بِنَحْوِ قِطْعَةٍ فِي فَرْجٍ ، ثُمَّ خَرَجَ نَقَضَ .
لِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنْ سَبِيلٍ ، لَا يَخْلُو عَنْ بَلَّةٍ تَصْحَبُهُ مِنْ الْفَرْجِ .
وَالْحُقْنَةُ إنْ خَرَجَتْ مِنْ الْفَرْجِ أَوْ أَدْخَلَ بَعْضَ الزَّرَّاقَةِ نَقَضَتْ ، سَوَاءٌ كَانَتْ فِي الْقُبُلِ أَوْ فِي الدُّبُرِ .
وَ ( لَا ) يَنْقُضُ الْخَارِجُ إنْ كَانَ ( دَائِمًا ) كَدَمِ مُسْتَحَاضَةٍ وَسَلَسِ بَوْلٍ وَنَحْوِهِ ، لِلضَّرُورَةِ ( مِنْ سَبِيلٍ ) مُتَعَلِّقٌ بِالْخَارِجِ .
وَهُوَ مَخْرَجُ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ .
فَيَنْقُضُ مَا خَرَجَ مِنْهُ ( إلَى مَا ) أَيْ مَحَلٍّ ( يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ ) لِأَنَّ مَا وَصَلَ إلَيْهِ الْخَارِجُ إذَا لَمْ يَلْحَقْهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ مِنْ الْخَبَثِ لَمْ يَلْحَقْ سَبَبَهُ حُكْمُ التَّطْهِير مِنْ الْحَدَثِ وَالْجَارُّ أَيْضًا مُتَعَلِّقٌ بِالْخَارِجِ ( وَلَوْ ) لَمْ يُنْقَلْ الْخَارِجُ ، بَلْ كَانَ ( بِظُهُورِ مَقْعَدَةٍ عُلِمَ بَلَلُهَا ) نَصًّا .
فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ بَلَلُهَا لَمْ يَلْزَمْهُ الْوُضُوءُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَكَذَا طَرَفُ مُصْرَانٍ وَرَأْسُ دُودَةٍ .
و ( لَا ) يَنْقُضُ ( يَسِيرُ نَجَسٍ ) خَرَجَ ( مِنْ أَحَدِ فَرْجَيْ ) أَيْ قُبُلَيْ ( خُنْثَى مُشْكِلٍ غَيْرَ بَوْلٍ وَغَائِطٍ ) لِلشَّكِّ فِي النَّاقِضِ .
وَهُوَ الْخُرُوجُ مِنْ فَرْجٍ أَصْلِيٍّ .
فَإِنْ كَانَ الْخَارِجُ كَثِيرًا أَوْ بَوْلًا أَوْ غَائِطًا أَوْ خَرَجَ النَّجِسَانِ أَوْ الطَّاهِرُ مِنْهُمَا .
نَقَضَ ( وَمَتَى اسْتَدَّ الْمَخْرَجُ ) الْمُعْتَادُ

وَلَوْ خِلْقَةً ( وَانْفَتَحَ غَيْرُهُ وَلَوْ ) كَانَ الْمُنْفَتِحُ ( أَسْفَلَ الْمَعِدَةِ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ ) أَيْ الْمُنْفَتِحِ ( حُكْمُ ) الْمَخْرَجِ ( الْمُعْتَادِ ) بَلْ هِيَ بَاقِيَةٌ لَهُ ( فَلَا نَقْضَ بِرِيحٍ مِنْهُ ) وَلَا بِمَسِّهِ ، وَلَا بِخُرُوجِ يَسِيرِ نَجَسٍ غَيْرَ بَوْلٍ وَغَائِطٍ ، وَلَا غُسْلٍ بِإِيلَاجٍ فِيهِ بِلَا إنْزَالٍ وَتَقَدَّمَ لَا يَجْزِي فِيهِ اسْتِجْمَارٌ ( الثَّانِي خُرُوجُ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ مِنْ بَاقِي الْبَدَنِ ) غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ .
وَتَقَدَّمَ حُكْمُهُمَا ( مُطْلَقًا ) أَيْ كَثِيرًا كَانَ الْبَوْلُ أَوْ الْغَائِطُ أَوْ يَسِيرًا ( أَوْ ) خُرُوجُ ( نَجَاسَةٍ غَيْرِهِمَا ) أَيْ غَيْرِ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ مِنْ بَاقِي الْبَدَنِ ( كَقَيْءٍ وَلَوْ ) خَرَجَ الْقَيْءُ ( بِحَالَةٍ ) بِأَنْ شَرِبَ نَحْوَ مَاءٍ وَقَذَفَهُ بِصِفَتِهِ ، لِأَنَّ نَجَاسَتَهُ بِوُصُولِهِ إلَى الْجَوْفِ لَا بِاسْتِحَالَتِهِ ( فَاحِشَةً ) نَعْتٌ لِنَجَاسَةٍ ( فِي نَفْسِ كُلِّ أَحَدٍ بِحَسَبِهِ ) .
رُوِيَ نَحْوُهُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ الْخَلَّالُ : الَّذِي اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ الرِّوَايَةُ : أَنَّ الْفَاحِشَ مَا يَسْتَفْحِشُهُ كُلُّ إنْسَانٍ فِي نَفْسِهِ .
لَا مَا يَسْتَفْحِشُهُ غَيْرُهُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { دَعْ مَا يَرِيبُكَ إلَى مَا لَا يَرِيبُكَ } وَلِأَنَّ اعْتِبَارَ حَالِ الْإِنْسَانِ بِمَا يَسْتَفْحِشُهُ غَيْرُهُ حَرَجٌ فَيَكُونُ مَنْفِيًّا .
وَبِالنَّقْضِ بِخُرُوجِ النَّجَاسَةِ الْفَاحِشَةِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ عُمَرَ .
لِحَدِيثِ مَعْدَانُ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَاءَ فَتَوَضَّأَ .
قَالَ فَلَقِيتُ ثَوْبَانَ فِي مَسْجِدِ دِمِشْقَ فَسَأَلْتُهُ .
فَقَالَ : صَدَقَ ، أَنَا سَكَبْتُ لَهُ وَضُوءَهُ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ .
وَقَالَ : هَذَا أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ .
قِيلَ لِأَحْمَدَ : حَدِيثُ ثَوْبَانَ ثَبَتَ عِنْدَكَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ( وَلَوْ ) كَانَ خُرُوجُ النَّجَاسَةِ الْفَاحِشَةِ مِنْ بَاقِي الْبَدَنِ ( بِقُطْنَةٍ أَوْ نَحْوِهَا ) كَخِرْقَةٍ ( أَوْ ) كَانَ ( بِمَصِّ عَلَقٍ ) لِأَنَّ الْفَرْقَ

بَيْنَ مَا خَرَجَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِمُعَالَجَةٍ لَا أَثَرَ لَهُ فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ وَعَدَمِهِ .
و ( لَا ) يَنْقُضُ مَا خَرَجَ بِمَصِّ ( بَعُوضٍ ) وَهُوَ صِغَارُ الْبَقِّ ( وَنَحْوِهِ ) كَبَقٍّ وَذُبَابٍ وَقَمْلٍ وَبَرَاغِيثَ ، لِقِلَّتِهِ وَمَشَقَّةِ الِاحْتِرَازِ مِنْهُ ( الثَّالِثُ : زَوَالُ عَقْلٍ ) كَحُدُوثِ جُنُونٍ أَوْ بِرْسَامٍ ، كَثِيرًا كَانَ أَوْ قَلِيلًا إجْمَاعًا ( أَوْ تَغْطِيَتُهُ ) أَيْ الْعَقْلِ بِسُكْرٍ أَوْ إغْمَاءٍ أَوْ دَوَاءٍ ( حَتَّى بِنَوْمٍ ) وَهُوَ غَشْيَةٌ ثَقِيلَةٌ تَقَعُ عَلَى الْقَلْبِ ، تَمْنَعُ الْمَعْرِفَةَ بِالْأَشْيَاءِ ، لِحَدِيثِ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا { الْعَيْنُ وِكَاءُ السَّهِ فَمَنْ نَامَ فَلْيَتَوَضَّأْ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ .
وَعَنْ مُعَاوِيَةَ يَرْفَعُهُ { الْعَيْنُ وِكَاءُ السَّهِ فَإِذَا نَامَتْ الْعَيْنَانِ اُسْتُطْلِقَ الْوِكَاءُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ " وَالسَّهُ " حَلْقَةُ الدُّبُرِ .
وَسُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ الْحَدِيثَيْنِ فَقَالَ : حَدِيثُ عَلِيٍّ أَثْبَتُ وَأَقْوَى وَفِي إيجَابِ الْوُضُوءِ بِالنَّوْمِ تَنْبِيهٌ عَلَى وُجُوبِهِ بِمَا هُوَ آكَدُ مِنْهُ كَالْجُنُونِ وَالسُّكْرِ .
وَلِأَنَّ ذَلِكَ مَظِنَّةُ الْحَدَثِ فَأُقِيمَ مَقَامَهُ .
قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ وَغَيْرُهُ : وَلَوْ تَلَحَّمَ عَلَى الْمَخْرَجِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ شَيْءٌ إلْحَاقًا بِالْغَالِبِ ( إلَّا نَوْمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) كَثِيرًا كَانَ أَوْ يَسِيرًا .
لِأَنَّ نَوْمَهُ كَانَ يَقَعُ عَلَى عَيْنَيْهِ دُونَ قَلْبِهِ ، كَمَا صَحَّ عَنْهُ .
( وَ ) إلَّا النَّوْمُ ( الْيَسِيرُ عُرْفًا مِنْ جَالِسٍ ) { لِحَدِيثِ أَنَسٍ كَانَ أَصْحَابُ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْتَظِرُونَ الْعِشَاءَ الْآخِرَةَ حَتَّى تَخْفِقَ رُءُوسُهُمْ ، ثُمَّ يُصَلُّونَ وَلَا يَتَوَضَّئُونَ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَلِأَنَّهُ يَكْثُرُ وُقُوعُهُ مِنْ مُنْتَظِرِي الصَّلَاةِ ، فَعُفِيَ عَنْهُ لِلْمَشَقَّةِ .
وَإِنْ رَأَى رُؤْيَا فَهُوَ كَثِيرٌ ، وَعَنْهُ لَا ، وَهِيَ أَظْهَرُ ، وَإِنْ خَطَرَ بِبَالِهِ شَيْءٌ لَا يَدْرِي أَرُؤْيَا أَوْ حَدِيثُ

نَفْسٍ ؟ فَلَا نَقْضَ .
( وَ ) إلَّا الْيَسِيرُ عُرْفًا مِنْ ( قَائِمٍ ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَمَّا بَاتَ عِنْدَ خَالَتِهِ مَيْمُونَةَ .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَلِأَنَّهُ يُشْبِهُ الْجَالِسَ فِي التَّحَفُّظِ وَاجْتِمَاعِ الْمَخْرَجِ .
وَرُبَّمَا كَانَ الْقَائِمُ أَبْعَدَ مِنْ الْحَدَثِ ( لَا ) إنْ كَانَ النَّوْمُ الْيَسِيرُ ( مَعَ احْتِبَاءٍ أَوْ اتِّكَاءٍ أَوْ اسْتِنَادٍ ) فَيَنْقُضُ مُطْلَقًا كَنَوْمِ الْمُضْطَجِعِ .
وَعُلِمَ مِنْهُ : النَّقْضُ بِالْيَسِيرِ أَيْضًا مِنْ رَاكِعٍ وَسَاجِدٍ .
( الرَّابِعُ : مَسُّ فَرْجِ آدَمِيٍّ ) دُونَ سَائِرِ الْحَيَوَانَاتِ ، تَعَمَّدَهُ أَوْ لَا ، ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى ، صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا ( وَلَوْ ) كَانَ الْفَرْجُ الْمَمْسُوسِ ( دُبُرًا ) لِأَحَدٍ مِمَّنْ ذُكِرَ .
أَمَّا مَسُّ الذَّكَرِ فَلِحَدِيثِ بُسْرَةَ بِنْتِ صَفْوَانَ مَرْفُوعًا { مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ } رَوَاهُ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ ، وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ .
وَقَالَ : حَسَنٌ صَحِيحٌ ، وَابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ ابْنُ مَعِينٍ .
وَقَالَ الْبُخَارِيُّ : أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثُ بُسْرَةَ .
وَعَنْ جَابِرٍ مِثْلُهُ .
رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْأَثْرَمُ .
وَأَمَّا مَسُّ غَيْرِ الذَّكَرِ فَلِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ مَسَّ فَرْجَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْأَثْرَمُ وَصَحَّحَهُ أَحْمَدُ وَأَبُو زُرْعَةَ .
وَلِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ { أَيُّمَا امْرَأَةٍ مَسَّتْ فَرْجَهَا فَلْتَتَوَضَّأْ } رَوَاهُ أَحْمَدُ .
وَإِذَا انْتَقَضَ بِمَسِّ فَرْجِ نَفْسِهِ مَعَ دُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَجَوَازِهِ .
فَمَسُّ فَرْجِ غَيْرِهِ أَوْلَى .
وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِ حَدِيثِ بُسْرَةَ " مَنْ مَسَّ الذَّكَرَ فَلْيَتَوَضَّأْ " فَيَشْمَلُ كُلَّ ذَكَرٍ ( أَوْ ) كَانَ الْمَمْسُوسُ فَرْجُهُ ( مَيِّتًا ) لِمَا سَبَقَ ، وَلِبَقَاءِ حُرْمَتِهِ ( مُتَّصِلٍ ) صِفَةٌ لِفَرْجٍ .
فَلَا نَقْضَ بِمَسٍّ مُنْفَصِلٍ لِذَهَابِ حُرْمَتِهِ بِقَطْعِهِ ( أَصْلِيٍّ ) صِفَةٌ أَيْضًا .
فَلَا يَنْقُضُ مَسُّ زَائِدٍ وَلَا أَحَدُ فَرْجَيْ خُنْثَى مُشْكِلٍ لِاحْتِمَالِ زِيَادَتِهِ .
(

وَلَوْ ) كَانَ الْفَرْجُ ( أَشَلَّ ) لَا نَفْعَ فِيهِ لِبَقَاءِ اسْمِهِ وَحُرْمَتِهِ ( أَوْ ) كَانَ الْمَمْسُوسُ ( قُلْفَةً ) بِضَمِّ الْقَافِ وَسُكُونِ اللَّامِ قَالَ فِي الْقَامُوسِ : وَتُحَرَّكُ : جِلْدَةُ الذَّكَرِ .
لِأَنَّهَا دَاخِلَةٌ فِي مُسَمَّى الذَّكَرِ وَحُرْمَتِهِ مَا اتَّصَلَتْ بِهِ ( أَوْ ) كَانَ الْمَمْسُوسُ ( قُبُلَيْ خُنْثَى مُشْكِلٍ ) لِأَنَّ أَحَدَهُمَا فَرْجٌ أَصْلِيٌّ ، فَيَنْقُضُ مَسُّهُ ، كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ زَائِدٌ ( أَوْ ) كَانَ مَسُّ غَيْرِ خُنْثَى مِنْ خُنْثَى ( لِشَهْوَةٍ مَا لِلَامِسِ مِثْلِهِ ) بِأَنْ مَسَّ ذَكَرٌ ذَكَرَ الْخُنْثَى لِشَهْوَةٍ ، وَالْأُنْثَى قُبُلَهُ الَّذِي يُشْبِهُ فَرْجَهَا لِشَهْوَةٍ .
فَيُنْقَضُ وُضُوءُ اللَّامِسِ ، لِتَحَقُّقِ النَّقْضِ بِكُلِّ حَالٍ .
فَإِنْ كَانَ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ فَلَا نَقْضَ .
لِاحْتِمَالِ الزِّيَادَةِ وَإِنْ مَسَّ خُنْثَى قُبُلَ خُنْثَى آخَرَ ، أَوْ قُبُلَيْ نَفْسِهِ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ لِتَيَقُّنِ النَّقْضِ ، وَإِنْ مَسَّ أَحَدَهُمَا فَلَا ، وَمَسُّ دُبُرِهِ كَدُبُرِ غَيْرِهِ .
لِأَنَّهُ أَصْلِيٌّ بِكُلِّ اعْتِبَارٍ .
وَإِنْ تَوَضَّأَ خُنْثَى وَلَمَسَ أَحَدَ فَرْجَيْهِ وَصَلَّى الظُّهْرَ ، ثُمَّ أَحْدَثَ وَتَطَهَّرَ ، وَلَمَسَ الْآخَرَ وَصَلَّى الْعَصْرَ أَوْ فَائِتَةً .
لَزِمَهُ إعَادَتُهُمَا ، دُونَ الْوُضُوءِ .
قَالَهُ فِي الْإِنْصَافِ ( بِيَدٍ ) مُتَعَلِّقٌ بِمَسَّ .
فَلَا نَقْضَ إذَا مَسَّهُ بِغَيْرِهَا ، لِحَدِيثِ أَحْمَدَ وَالدَّارَقُطْنِيّ " مَنْ أَفْضَى بِيَدِهِ إلَى ذَكَرِهِ " وَلِأَنَّ غَيْرَ الْيَدِ لَيْسَ بِآلَةٍ لِلْمَسِّ ( وَلَوْ ) كَانَتْ الْيَدُ ( زَائِدَةً ) لِعُمُومِ مَا سَبَقَ ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ بَطْنِ الْكَفِّ وَظَهْرِهَا وَحَرْفِهَا ، لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْهَا .
أَشْبَهَ بَطْنَهَا ( خَلَا ظُفْرٍ ) فَلَا يَنْقُضُ مَسُّهُ بِالظُّفْرِ ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمُنْفَصِلِ ( أَوْ ) مَسَّ ( الذَّكَرَ بِفَرْجِ غَيْرِهِ ) أَيْ إذَا مَسَّ بِذَكَرِهِ فَرْجًا غَيْرَ الذَّكَرِ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ ؛ لِأَنَّهُ أَفْحَشُ مِنْ مَسِّهِ بِالْيَدِ .
وَعُلِمَ مِنْهُ : أَنَّهُ لَا نَقْضَ بِمَسِّ ذَكَرٍ بِذَكَرٍ .
وَلَا دُبُرٍ بِدُبُرٍ .
وَلَا قُبُلِ امْرَأَةٍ بِقُبُلِ أُخْرَى

أَوْ دُبُرِهَا ( بِلَا حَائِلٍ ) مُتَعَلِّقٌ بِمَسَّ ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ أَفْضَى بِيَدِهِ إلَى ذَكَرِهِ لَيْسَ دُونَهُ سِتْرٌ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ .
فَإِنْ مَسَّ بِحَائِلٍ فَلَا نَقْضَ ، وَ ( لَا ) يَنْقُضُ مَسُّ ( مَحَلِّ ) ذَكَرٍ ( بَائِنٍ ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْجٍ وَكَذَا مَسُّ الْبَائِنِ لِذَهَابِ حُرْمَتِهِ كَمَا يُفْهَمُ مِمَّا سَبَقَ .
( وَ ) لَا يَنْقُضُ مَسُّ ( شُفْرَيْ امْرَأَةٍ دُونَ مَخْرَجٍ ) لِأَنَّ الْفَرْجَ مَخْرَجُ الْحَدَثِ ، لَا مَا قَارَبَهُ .
وَشُفْرَا الْفَرْجِ ، بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ : حَافَّتَاهُ .
وَلَا نَقْضَ بِمَسِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَلَا مَا بَيْنَ الْفَرْجَيْنِ .
( الْخَامِسُ : لَمْسُ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى الْآخَرَ ) أَيْ لَمَسَ ذَكَرٌ أُنْثَى ، أَوْ أُنْثَى ذَكَرًا ( لِشَهْوَةٍ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ } وَخَصَّ الْآيَة بِمَا إذَا كَانَ لِشَهْوَةٍ جَمْعًا بَيْنَ الْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ .
وَلِحَدِيثِ عَائِشَة قَالَتْ : { فَقَدْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً مِنْ الْفِرَاشِ ، فَالْتَمَسَتْهُ ، فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ ، وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ ، وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَنَصْبُهُمَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُصَلِّي .
{ وَعَنْهَا كُنْت أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجْلَايَ فِي قِبْلَتِهِ .
فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَقَبَضْت رِجْلِي } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ بِلَا حَائِلٍ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَلِأَنَّ اللَّمْسَ لَيْسَ بِحَدَثٍ .
وَإِنَّمَا هُوَ دَاعٍ إلَيْهِ فَاعْتُبِرَتْ الْحَالَةُ الَّتِي تَدْعُو فِيهَا إلَيْهِ .
وَهِيَ حَالُ الشَّهْوَةِ .
وَقِيسَ عَلَيْهِ مَسُّ الْمَرْأَةِ الرَّجُلَ وَمَتَى لَمْ يَنْقُضْ مَسُّ أُنْثَى اُسْتُحِبَّ الْوُضُوءُ نَصًّا ( بِلَا حَائِلٍ ) مُتَعَلِّقٌ بِلَمْسٍ فَإِنْ كَانَ بِحَائِلٍ لَمْ يَنْقُضْ .
لِأَنَّهُ لَمْ يَلْمِسْ الْبَشَرَةَ أَشْبَهَ لَمْسَ الثِّيَابِ .
وَالشَّهْوَةُ بِمُجَرَّدِهَا لَا تُوجِبُ الْوُضُوءَ كَمَا لَوْ وُجِدَتْ مِنْ غَيْرِ

لَمْسٍ ( وَلَوْ ) كَانَ اللَّمْسُ ( ب ) عُضْوٍ ( زَائِدٍ لِزَائِدٍ ) كَالْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ أَوْ الْأُصْبُعِ الزَّائِدَةِ كَالْأَصْلِيِّ ( أَوْ ) كَانَ اللَّمْسُ لِعُضْوٍ ( أَشَلَّ ) لَا نَفْعَ فِيهِ أَوْ بِهِ ( أَوْ ) كَانَ اللَّمْسُ لِ ( مَيِّتٍ ) لِلْعُمُومِ .
وَكَمَا يَجِبُ الْغُسْلُ بِوَطْءِ الْمَيِّتِ ( أَوْ ) كَانَ اللَّمْسُ ل ( هَرِمٍ أَوْ مَحْرَمٍ ) لِمَا سَبَقَ و ( لَا ) يَنْقُضُ مَسٌّ مُطْلَقًا ل ( شَعْرٍ وَظُفْرٍ وَسِنٍّ ) وَلَا اللَّمْسُ بِهَا ؛ لِأَنَّهَا تَنْفَصِلُ فِي حَالِ السَّلَامَةِ أَشْبَهَ لَمْسَ الدَّمْعِ وَلِذَلِكَ لَا يَقَعُ طَلَاقٌ وَنَحْوُهُ أَوْقَعَ بِهَا .
( وَ ) لَا يَنْقُضُ لَمْسُ ( مَنْ ) لَهَا ، أَوْ لَهُ ( دُونَ سَبْعٍ ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلًّا لِلشَّهْوَةِ .
( وَ ) لَا لَمْسُ ( رَجُلٍ لِأَمْرَدَ ) وَهُوَ الشَّابُّ ، طَرَّ شَارِبُهُ وَلَمْ تَنْبُتْ لِحْيَتُهُ .
قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ ، وَلَوْ لِشَهْوَةٍ .
وَكَذَا مَسُّ امْرَأَةٍ امْرَأَةً وَلَوْ لِشَهْوَةٍ ، لِعَدَمِ تَنَاوُلِ النَّصِّ لَهُ ( وَلَا إنْ وَجَدَ مَمْسُوسٌ فَرْجُهُ أَوْ مَلْمُوسٌ شَهْوَةً ) يَعْنِي لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُ مَمْسُوسٍ فَرْجُهُ بِشَهْوَةٍ .
وَإِنْ وُجِدَتْ مِنْهُ شَهْوَةٌ ، وَلَا وُضُوءُ مَلْمُوسٍ بَدَنُهُ لِشَهْوَةٍ ، وَلَوْ وُجِدَتْ مِنْهُ شَهْوَةٌ .
بَلْ يَخْتَصُّ النَّقْضُ بِالْمَاسِّ وَاللَّامِسِ ، لِعَدَمِ تَنَاوُلِ النَّصِّ لَهُمَا .
وَلَا نَقْضَ أَيْضًا بِانْتِشَارٍ بِفِكْرٍ أَوْ تَكْرَارِ نَظَرٍ .
( السَّادِسُ : غَسْلُ مَيِّتٍ ) مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا ، صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى .
لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ عَبَّاسٍ كَانَا يَأْمُرَانِ غَاسِلَ الْمَيِّتِ بِالْوُضُوءِ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ " أَقَلُّ مَا فِيهِ الْوُضُوءُ " وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُمْ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلِأَنَّ الْغَاسِلَ لَا يَسْلَمُ غَالِبًا مِنْ مَسِّ عَوْرَةِ الْمَيِّتِ .
فَأُقِيمَ مَقَامَهُ ، كَالنَّوْمِ مَعَ الْحَدَثِ ( أَوْ ) غَسْلُ ( بَعْضِهِ ) أَيْ الْمَيِّتِ ، وَلَوْ فِي قَمِيصٍ ، وَ ( لَا ) يُنْتَقَضُ وُضُوءُهُ ( إنْ يَمَّمَهُ ) أَيْ الْمَيِّتَ لِعُذْرٍ ، اقْتِصَارًا عَلَى الْوَارِدِ .
وَغَاسِلُ الْمَيِّتِ ، مَنْ يُقَلِّبُهُ

وَيُبَاشِرُهُ ، لَا مَنْ يَصُبُّ الْمَاءَ وَنَحْوَهُ ( السَّابِعُ : أَكْلُ لَحْمِ إبِلٍ ) عَلِمَهُ أَوْ جَهِلَهُ ، نِيئًا كَانَ أَوْ مَطْبُوخًا ، عَالِمًا بِالْحَدِيثِ أَوْ لَا .
لِحَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ { أَنَّ الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُئِلَ أَنَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْإِبِلِ ؟ قَالَ : نَعَمْ .
قِيلَ : أَنَتَوَضَّأُ مِنْ لُحُومِ الْغَنَمِ ؟ قَالَ : لَا } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ .
وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ مَرْفُوعًا مِثْلَهُ .
رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
قَالَ أَحْمَدُ : فِيهِ حَدِيثَانِ صَحِيحَانِ ، حَدِيثُ الْبَرَاءِ وَحَدِيثُ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ .
قَالَ الْخَطَّابِيِّ : ذَهَبَ إلَى هَذَا عَامَّةُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ .
وَدَعْوَى النَّسْخِ أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُضُوءِ غَسْلُ الْيَدَيْنِ مَرْدُودَةٌ .
وَقَدْ أَطَالَ فِيهِ فِي شَرْحِهِ وَ " إبِلٌ " بِكَسْرَتَيْنِ وَتُسَكَّنُ الْبَاءُ .
قَالَ فِي الْقَامُوسِ : وَاحِدٌ يَقَعُ عَلَى الْجَمْعِ .
وَلَيْسَ بِجَمْعٍ وَلَا اسْمِ جَمْعٍ .
وَجَمْعُهُ آبَالٌ ( تَعَبُّدًا ) فَلَا يَتَعَدَّى إلَى غَيْرِهِ ( فَلَا نَقْضَ ) بِأَكْلِ مَا سِوَى لَحْمِ الْإِبِلِ مِنْ اللُّحُومِ ، سَوَاءٌ كَانَتْ مُبَاحَةً أَوْ مُحَرَّمَةً وَلَا نَقْضَ ( بِتَنَاوُلِ بَقِيَّةِ أَجْزَائِهَا ) أَيْ الْإِبِلِ ، كَسَنَامِهَا وَقَلْبِهَا وَكَبِدِهَا وَطِحَالِهَا وَكَرِشِهَا وَمِصْرَانِهَا .
لِأَنَّ النَّصَّ لَمْ يَتَنَاوَلْهَا .
( وَ ) لَا نَقْضَ أَيْضًا ب ( شُرْبِ لَبَنِهَا وَ ) شُرْبِ ( مَرَقِ لَحْمِهَا ) لِأَنَّ الْأَخْبَارَ الصَّحِيحَةَ إنَّمَا وَرَدَتْ فِي اللَّحْمِ .
وَالْحُكْمُ فِيهِ غَيْرُ مَعْقُولِ الْمَعْنَى فَاقْتَصَرَ فِيهِ عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ ( الثَّامِنُ : الرِّدَّةُ ) عَنْ الْإِسْلَامِ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الطُّهُورُ شَطْرُ الْإِيمَانِ } وَالرِّدَّةُ تُبْطِلُ الْإِيمَانَ فَوَجَبَ أَنْ تُبْطِلَ مَا هُوَ شَطْرُهُ .
وَقَالَ الْقَاضِي : لَا مَعْنَى لِجَعْلِهَا مِنْ النَّوَاقِضِ ، مَعَ وُجُوبِ الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى ، يَعْنِي إذَا عَادَ لِلْإِسْلَامِ ، إذْ وُجُوبُ

الْغُسْلِ مُلَازِمٌ لِوُجُوبِ الْوُضُوءِ ، كَمَا ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ ( وَكُلُّ ) ( مَا أَوْجَبَ غُسْلًا ) ( غَيْرَ مَوْتٍ كَإِسْلَامٍ وَانْتِقَالِ مَنِيٍّ وَنَحْوِهِمَا ) كَحَيْضٍ وَنِفَاسٍ ( أَوْجَبَ وُضُوءًا )

وَأَمَّا الْمَيِّتُ فَلَا يَجِبُ وُضُوءُهُ ، بَلْ يُسَنُّ ، وَعُلِمَ مِمَّا سَبَقَ : أَنَّهُ لَا نَقْضَ بِنَحْوِ كَذِبٍ وَغِيبَةٍ وَرَفَثٍ وَقَذْفٍ .
نَصًّا ، وَلَا بِقَهْقَهَةٍ بِحَالٍ .
وَلَا بِأَكْلِ مَا مَسَّتْهُ النَّارُ .
لَكِنْ يُسَنُّ الْوُضُوءُ مِنْ كَلَامٍ مُحَرَّمٍ كَمَا تَقَدَّمَ .
وَمِنْ مَسِّ الْمَرْأَةِ حَيْثُ قُلْنَا لَا يُوجِبُ الْوُضُوءَ .
وَحَدِيثُ الْأَمْرِ بِإِعَادَةِ الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ مِنْ الْقَهْقَهَةِ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَهُوَ مِنْ مَرَاسِيلِ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ ابْنُ سِيرِينَ : لَا تَأْخُذُوا بِمَرَاسِيلِ الْحَسَنِ وَأَبِي الْعَالِيَةِ ، فَإِنَّهُمَا لَا يُبَالِيَانِ عَمَّنْ أَخَذَا .
وَالْقَهْقَهَةُ : أَنْ يَضْحَكَ حَتَّى يَحْصُلَ مِنْ ضَحِكِهِ حَرْفَانِ .

ذَكَرَهُ ابْنُ عَقِيلٍ ( وَلَا نَقْضَ بِإِزَالَةِ شَعْرٍ وَنَحْوِهِ ) كَظُفْرٍ .
لِأَنَّهُ لَيْسَ بَدَلًا عَمَّا تَحْتَهُ ، بِخِلَافِ الْخُفِّ .

فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مِنْ الشَّكِّ فِي الطَّهَارَةِ وَمَا يَحْرُمُ بِحَدَثٍ ، وَأَحْكَامُ الْمُصْحَفِ ( مَنْ شَكَّ ) أَيْ تَرَدَّدَ ، قَالَ فِي الْقَامُوسِ : الشَّكُّ خِلَافُ الْيَقِينِ ( فِي طَهَارَةٍ ) بَعْدَ تَيَقُّنِ حَدَثٍ ( أَوْ ) شَكَّ فِي ( حَدَثٍ ) بَعْدَ تَيَقُّنِ طَهَارَةٍ ( وَلَوْ ) كَانَ شَكُّهُ ذَلِكَ ( فِي غَيْرِ صَلَاةٍ بَنَى عَلَى يَقِينِهِ ) لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ { شُكِيَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّجُلُ يُخَيَّلُ إلَيْهِ أَنَّهُ يَجِدُ الشَّيْءَ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ : لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَلِمُسْلِمٍ مَعْنَاهُ مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ .
وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ " فِي الصَّلَاةِ " وَلِأَنَّهُ تَعَارَضَ عِنْدَهُ الْأَمْرَانِ بِالشَّكِّ ، فَوَجَبَ سُقُوطُهُمَا كَبَيِّنَتَيْنِ تَعَارَضَتَا .
فَيَرْجِعُ إلَى الْيَقِينِ ، سَوَاءٌ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَحَدُهُمَا أَوْ لَا ؛ لِأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا ضَابِطٌ فِي الشَّرْعِ لَمْ يُلْتَفَت إلَيْهَا .
كَظَنِّ صِدْقِ أَحَدِ الْمُتَدَاعِيَيْنِ بِخِلَافِ الْقِبْلَةِ .
وَالْيَقِينُ : مَا أَذْعَنَتْ النَّفْسُ لِلتَّصْدِيقِ بِهِ .
وَقَطَعَتْ بِهِ وَقَطَعَتْ بِأَنَّ قَطْعَهَا بِهِ صَحِيحٌ .
قَالَهُ الْمُوَفَّقُ فِي مُقَدِّمَةِ الرَّوْضَةِ .
وَسَمَّى مَا هُنَا يَقِينًا بَعْدَ وُرُودِ الشَّكِّ عَلَيْهِ اسْتِصْحَابًا لِلْأَصْلِ السَّابِقِ .

( وَإِنْ تَيَقَّنَهُمَا ) أَيْ الْحَدَثَ وَالطَّهَارَةَ ، أَيْ تَيَقَّنَ كَوْنَهُ اتَّصَفَ بِالْحَدَثِ وَالطَّهَارَةِ بَعْدَ الشُّرُوقِ مَثَلًا ( وَجَهِلَ أَسْبَقَهُمَا ) بِأَنْ لَمْ يَدْرِ : الْحَدَثَ قَبْلَ الطَّهَارَةِ أَوْ بِالْعَكْسِ ( فَإِنْ جَهِلَ قَبْلَهُمَا ) بِأَنْ لَمْ يَدْرِ : هَلْ كَانَ مُحْدِثًا أَوْ مُتَطَهِّرًا قَبْلَ الشُّرُوقِ ؟ ( تَطَهَّرَ ) وُجُوبًا ، إذَا أَرَادَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَيْهَا ، لِتَيَقُّنِهِ الْحَدَثَ فِي إحْدَى الْحَالَتَيْنِ .
وَ الْأَصْلُ بَقَاؤُهُ لِأَنَّ وُجُودَ يَقِينِ الطَّهَارَةِ فِي الْحَالِ الْأُخْرَى مَشْكُوكٌ فِيهِ : أَكَانَ قَبْلَ الْحَدَثِ أَوْ بَعْدَهُ ؟ وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ طَهَارَةٍ مُتَيَقَّنَةٍ أَوْ مَظْنُونَةٍ أَوْ مُسْتَصْحَبَةٍ ، وَلَا شَيْءَ مِنْ ذَلِكَ هُنَا ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَجْهَلْ حَالَةً قَبْلَهُمَا بَلْ عَلِمَهَا ( فَهُوَ عَلَى ضِدِّهَا ) فَإِنْ كَانَ مُتَطَهِّرًا فَمُحْدِثٌ ، وَإِنْ كَانَ مُحْدِثًا فَمُتَطَهِّرٌ ، لِأَنَّهُ قَدْ تَيَقَّنَ زَوَالَ تِلْكَ الْحَالِ إلَى ضِدِّهَا .
وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ ، لِأَنَّ مَا يُغَيِّرُهُ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ ( وَإِنْ عَلِمَهَا ) أَيْ قَبْلَهُمَا ( وَتَيَقَّنَ فِعْلَهُمَا ) أَيْ الطَّهَارَةِ وَالْحَدَثِ حَالَ كَوْنِ فِعْلِ الطَّهَارَةِ ( رَفْعًا لِحَدَثٍ وَ ) حَالَ كَوْنِ فِعْلِ الْحَدَثِ ( نَقْضًا لِطَهَارَةٍ ) فَهُوَ عَلَى مِثْلِهَا ، فَإِنْ كَانَ قَبْلَهُمَا مُتَطَهِّرًا فَمُتَطَهِّرٌ ؛ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ أَنَّهُ نَقَضَ تِلْكَ الطَّهَارَةَ ، ثُمَّ تَوَضَّأَ ، إذْ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَوَضَّأَ مَعَ بَقَاءِ تِلْكَ الطَّهَارَةِ ، لِتَيَقُّنِ كَوْنِ طَهَارَتِهِ عَنْ حَدَثٍ .
وَنَقْضُ هَذِهِ الطَّهَارَةِ مَشْكُوكٌ فِيهِ ، فَلَا يَزُولُ بِهِ الْيَقِينُ ، وَإِنْ كَانَ قَبْلُ مُحْدِثًا فَهُوَ الْآنَ مُحْدِثٌ ، لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ أَنَّهُ انْتَقَلَ عَنْهُ إلَى طَهَارَةٍ ثُمَّ أَحْدَثَ عَنْهَا وَلَمْ يَتَيَقَّنْ بَعْدَ الْحَدَثِ الثَّانِي طَهَارَةً ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ قَبْلَهُمَا تَطَهَّرَ لِمَا سَبَقَ ( أَوْ عَيَّنَ ) لِفِعْلِ طَهَارَةٍ وَحَدَثٍ ( وَقْتًا لَا يَسَعُهُمَا فَهُوَ عَلَى مِثْلِهَا ) أَيْ مِثْلِ حَالِهِ قَبْلَهُمَا ،

لِسُقُوطِ هَذَا الْيَقِينِ لِلتَّعَارُضِ وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ قَبْلَهُمَا ؛ تَطَهَّرَ .

( فَإِنْ جَهِلَ حَالَهُمَا ) بِأَنْ لَمْ يَدْرِ : الْحَدَثَ عَنْ طَهَارَةٍ أَوْ لَمْ يَدْرِ الطَّهَارَةَ عَنْ حَدَثٍ أَوْ لَا ( وَ ) جَهِلَ أَيْضًا ( أَسْبَقَهُمَا فَبِضِدِّهَا ) أَيْ ضِدِّ حَالِهِ قَبْلَهُمَا إنْ عَلِمَهَا لِمَا تَقَدَّمَ ، وَكَذَا لَوْ تَيَقَّنَ طَهَارَةً وَفِعْلَ حَدَثٍ ، أَوْ حَدَثًا وَفِعْلَ طَهَارَةٍ فَقَطْ ، لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ مَا تَيَقَّنَهُ هُوَ مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَ ضِدُّ ذَلِكَ هُوَ الطَّارِئُ ، وَقَدْ أَوْضَحْتُ الْكَلَامَ عَلَى أَصْلِ الْمَتْنِ وَمَا شُطِبَ مِنْهُ فِي الْحَاشِيَةِ

( وَإِنْ تَيَقَّنَ أَنَّ الطَّهَارَةَ عَنْ حَدَثٍ وَلَمْ يَدْرِ : الْحَدَثَ عَنْ طَهَارَةٍ أَوْ لَا ) وَجَهِلَ أَسْبَقَهُمَا ( فَمُتَطَهِّرٌ مُطْلَقًا ) مُحْدِثًا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ أَوْ مُتَطَهِّرًا ، لِتَيَقُّنِهِ رَفْعَ الْحَدَثِ بِالطَّهَارَةِ وَشَكِّهِ فِي وُجُودِهِ بَعْدَهَا

( وَعَكْسُ هَذِهِ ) بِأَنْ تَيَقَّنَ أَنَّ الْحَدَثَ عَنْ طَهَارَةٍ وَلَمْ يَدْرِ : الطَّهَارَةَ عَنْ حَدَثٍ أَوْ لَا ( بِعَكْسِهَا ) فَيَكُونُ مُحْدِثًا مُطْلَقًا ، سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْدِثًا أَوْ مُتَطَهِّرًا لِتَيَقُّنِهِ نَقْضَ الطَّهَارَةِ بِالْحَدَثِ وَشَكِّهِ فِي الطَّهَارَةِ بَعْدَهُ ، وَهَذَا كُلُّهُ إذَا كَانَ الشَّكُّ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَوْ فِيهَا ، وَأَمَّا بَعْدَهَا فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهَا مُطْلَقًا

( وَلَا وُضُوءَ عَلَى سَامِعِي صَوْتِ ) رِيحٍ مِنْ أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ ( أَوْ شَامِّي رِيحٍ مِنْ أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ يَتَحَقَّقْ مِنْهُ ، فَهُوَ مُتَيَقِّنُ الطَّهَارَةِ شَاكٌّ فِي الْحَدَثِ

( وَلَا ) وُضُوءَ ( إنْ مَسَّ وَاحِدٌ ذَكَرَ خُنْثَى وَ ) مَسَّ ( آخَرُ فَرْجَهُ ) لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَيَّهُمَا مَسَّ الْأَصْلِيَّ مِنْ الْفَرْجَيْنِ ، وَتَقَدَّمَ حُكْمُ مَسِّ ذَكَرٍ ذَكَرَهُ وَأُنْثَى قُبُلَهُ ( وَإِنْ أَمَّ أَحَدُهُمَا ) أَيْ أَحَدُ اثْنَيْنِ وَجَبَتْ الطَّهَارَةُ عَلَى أَحَدِهِمَا لَا بِعَيْنِهِ ( الْآخَرَ أَوْ صَافَّهُ وَحْدَهُ أَعَادَا ) صَلَاتَهُمَا ، لِتَيَقُّنِ كُلٍّ مِنْهُمَا أَنَّ أَحَدَهُمَا مُحْدِثٌ .
فَإِنْ صَافَّهُ مَعَ غَيْرِهِ فَلَا إعَادَةَ لِانْتِفَاءِ الْفِدْيَةِ .
وَإِنْ أَمَّهُ مَعَ آخَرَ الْمُؤْتَمُّ مِنْهُمَا صَلَاتُهُ ( وَإِنْ أَرَادَا ذَلِكَ ) أَيْ أَنْ يَؤُمَّ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ أَوْ يُصَافِفُهُ وَحْدَهُ ( تَوَضَّأَ ) لِيَزُولَ الِاعْتِقَادُ الَّذِي بَطَلَتْ صَلَاتُهُمَا لِأَجْلِهِ .
قَالَهُ فِي شَرْحِهِ وَلَا يَكْفِي فِي ذَلِكَ وُضُوءُ أَحَدِهِمَا .
لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الَّذِي أَحْدَثَ مِنْهُمَا هُوَ الَّذِي لَمْ يَتَوَضَّأْ ا هـ .
قُلْت : وَكَذَا فِي جُمُعَةٍ إنْ لَمْ يَتِمَّ الْعَدَدُ إلَّا بِهِمَا

( وَيَحْرُمُ بِحَدَثٍ ) أَصْغَرَ أَوْ أَكْبَرَ مَعَ قُدْرَةٍ عَلَى طَهَارَةٍ ( صَلَاةٌ ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ ، وَلَا صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ } رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ .
وَسَوَاءٌ الْفَرْضُ أَوْ النَّفَلُ وَسُجُودُ التِّلَاوَةِ وَالشُّكْرِ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ .
وَلَا يُكَفَّرُ مَنْ صَلَّى مُحْدِثًا ( وَ ) يَحْرُمُ أَيْضًا بِهِ ( طَوَافٌ ) فَرْضًا كَانَ أَوْ نَفْلًا .
لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ ، إلَّا أَنَّ اللَّهَ أَبَاحَ فِيهِ الْكَلَامَ } رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ .
( وَ ) يَحْرُمُ بِهِ أَيْضًا ( مَسُّ مُصْحَفٍ وَبَعْضِهِ ) وَلَوْ مِنْ صَغِيرٍ .
لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : { لَا يَمَسُّهُ إلَّا الْمُطَهَّرُونَ } .
وَلِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَبَ إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ كِتَابًا .
وَفِيهِ : لَا يَمَسُّ الْقُرْآنَ إلَّا طَاهِرٌ } رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَالنَّسَائِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ مُتَّصِلًا .
وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ .
وَرَوَاهُ مَالِكٌ مُرْسَلًا ( حَتَّى جِلْدَهُ ) أَيْ الْمُصْحَفِ ( وَحَوَاشِيهِ ) وَمَا فِيهِ مِنْ وَرَقٍ أَبِيضَ ، لِأَنَّهُ يَشْمَلُهُ اسْمُ الْمُصْحَفِ ، وَيَدْخُلُ فِي بَيْعِهِ ( بِيَدٍ وَغَيْرِهَا ) كَصَدْرِهِ إذْ كُلُّ شَيْءٍ لَاقَى شَيْئًا فَقَدْ مَسَّهُ ( بِلَا حَائِلٍ ) فَإِنْ كَانَ بِحَائِلٍ لَمْ يَحْرُمْ لِأَنَّ الْمَسّ إذَنْ لِلْحَائِلِ .

وَ ( لَا ) يَحْرُمُ عَلَى مُحْدِثٍ ( حَمْلُهُ بِعِلَاقَةٍ وَفِي كِيسٍ وَكُمٍّ ) مِنْ غَيْرِ مَسٍّ ، كَحَمْلِهِ فِي رَحْلِهِ .
لِأَنَّ النَّهْيَ وَرَدَ فِي الْمَسِّ ، وَالْحَمْلُ لَيْسَ بِمَسٍّ .
( وَ ) لَا يَحْرُمُ عَلَى مُحْدِثٍ ( تَصَفُّحُهُ ) أَيْ الْمُصْحَفِ ( بِهِ ) أَيْ بِكُمِّهِ ( أَوْ بِعُودٍ ) لِمَا تَقَدَّمَ وَلَا يَحْرُمُ عَلَى مُحْدِثٍ أَيْضًا ( مَسُّ تَفْسِيرٍ ) وَنَحْوِهِ كَكُتُبِ فِقْهٍ وَرَسَائِلَ فِيهَا آيَاتٌ مِنْ قُرْآنٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمَسُّ مُصْحَفًا .
( وَ ) لَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَيْضًا مَسُّ ( مَنْسُوخٍ تِلَاوَتُهُ ) وَمَأْثُورٍ عَنْ اللَّهِ كَالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ، وَلَا حَمْلُ رُقًى وَتَعَاوِيذَ فِيهَا قُرْآنٌ وَلَا مَسُّ ثَوْبٍ رُقِّمَ بِقُرْآنٍ أَوْ فِضَّةٍ نُقِشَتْ بِهِ .
( وَ ) لَا عَلَى وَلِيٍّ ( صَغِيرٍ ) تَمْكِينُهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ ( لَوْحًا فِيهِ قُرْآنٌ ) مِنْ مَحَلٍّ خَالٍ مِنْ الْكِتَابَةِ دُونَ الْمَكْتُوبِ .
وَإِنْ رُفِعَ الْحَدَثُ عَنْ عُضْوٍ لَمْ يَجُزْ مَسُّ الْمُصْحَفِ بِهِ قَبْلَ كَمَالِ طَهَارَتِهِ

( وَيَحْرُمُ مَسُّ مُصْحَفٍ بِعُضْوٍ مُتَنَجِّسٍ ) قِيَاسًا عَلَى مَسِّهِ مَعَ الْحَدَثِ .
قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَكَذَا مَسُّ ذِكْرِ اللَّهِ بِنَجِسٍ ا هـ .

وَلَا يَحْرُمُ مَسُّهُ بِعُضْوٍ طَاهِرٍ إذَا كَانَ عَلَى غَيْرِهِ نَجَاسَةٌ

( وَ ) يَحْرُمُ ( سَفَرٌ بِهِ ) أَيْ الْمُصْحَفِ ( لِدَارِ حَرْبٍ ) لِلْخَبَرِ ( وَ ) ( يَحْرُمُ تَوَسُّدُهُ ) أَيْ الْمُصْحَفِ ( وَ ) تَوَسُّدُ ( كُتُبِ عِلْمٍ فِيهَا قُرْآنٌ ) وَإِلَّا كُرِهَ ، وَيَحْرُمُ الْوَزْنُ بِهِ وَالِاتِّكَاءُ عَلَيْهِ .
وَقَالَ أَحْمَدُ ، فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ : إنْ خَافَ سَرِقَةً فَلَا بَأْسَ ، وَيَحْرُمُ كَتْبُ قُرْآنٍ وَذِكْرٍ بِنَجِسٍ .
( وَعَلَيْهِ قَالَ فِي الْفُنُونِ : إنْ قَصَدَ بِكَتْبِهِ بِنَجَسِ إهَانَةً ، فَالْوَاجِبُ قَتْلُهُ وَإِنْ كُتِبَا بِنَجَسٍ أَوْ عَلَيْهِ أَوْ فِيهِ أَوْ تَنَجَّسَا وَجَبَ غَسْلُهُمَا ( وَ ) يَحْرُمُ كَتْبُهُ ) أَيْ الْقُرْآنِ ( بِحَيْثُ يُهَانُ ) بِبَوْلِ حَيَوَانٍ ، أَوْ جُلُوسٍ عَلَيْهِ وَنَحْوِهِ .
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : إجْمَاعًا ، فَيَجِبُ إزَالَتُهُ وَيَحْرُمُ دَوْسُهُ وَدَوْسُ ذِكْرٍ .
قَالَ أَحْمَدُ : لَا يَنْبَغِي تَعْلِيقُ شَيْءٍ فِيهِ قُرْآنٌ يُهَانُ بِهِ .
وَفِي الْفُصُولِ : يُكْرَهُ أَنْ يُكْتَبَ عَلَى حِيطَانِ الْمَسْجِدِ ذِكْرٌ أَوْ غَيْرُهُ ؛ لِأَنَّهُ يُلْهِي الْمُصَلِّي .
وَكَرِهَ أَحْمَدُ شِرَاءَ ثَوْبٍ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى يُجْلَسُ عَلَيْهِ وَيُدَاسُ .
وَفِي الْبُخَارِيِّ " أَنَّ الصَّحَابَةَ حَرَقَتْهُ - بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ - لِمَا جَمَعُوهُ " .
قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ : ذَلِكَ لَصِيَانَتِهِ وَتَعْظِيمِهِ .
.
وَرُوِيَ أَنَّ عُثْمَانَ دَفَنَ الْمَصَاحِفَ بَيْنَ الْقَبْرِ وَالْمِنْبَرِ ، وَنَصَّ أَحْمَدُ : إذَا بَلِيَ الْمُصْحَفُ وَانْدَرَسَ : دُفِنَ .
( وَكُرِهَ مَدُّ رِجْلٍ إلَيْهِ وَاسْتِدْبَارُهُ ) أَيْ الْمُصْحَفِ ، وَكَذَا كُتُبُ عِلْمٍ فِيهَا قُرْآنٌ تَعْظِيمًا ( وَ ) كُرِهَ ( تَخَطِّيهِ ) وَكَذَا رَمْيُهُ بِالْأَرْضِ بِلَا وَضْعٍ وَلَا حَاجَةٍ تَدْعُو إلَيْهِ ، بَلْ هُوَ بِمَسْأَلَةِ التَّوَسُّدِ أَشْبَهُ .
وَقَدْ رَمَى رَجُلٌ بِكِتَابٍ عِنْدَ أَحْمَدَ فَغَضِبَ وَقَالَ أَحْمَدُ : هَكَذَا يُفْعَلُ بِكَلَامِ الْأَبْرَارِ .
( وَ ) كُرِهَ ( تَحْلِيَتُهُ ) أَيْ الْمُصْحَفِ ( بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ ) وَقَالَ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ : يَحْرُمُ كَتْبُهُ بِذَهَبٍ ؛ لِأَنَّهُ مِنْ زَخْرَفَةِ الْمَصَاحِفِ وَيُؤْمَرُ بِحَكِّهِ ، فَإِنْ كَانَ يَجْتَمِعُ مِنْهُ مَا

يُتَمَوَّلُ زَكَّاهُ .
قَالَ أَبُو الْخَطَّابِ : يُزَكِّيهِ إنْ كَانَ نِصَابًا .
وَلَهُ حَكُّهُ وَأَخْذُهُ ا هـ .

وَيَحْرُمُ تَحْلِيَةُ كُتُبِ عِلْمٍ ( وَيُبَاحُ تَطْيِيبُهُ وَاسْتَحَبَّهُ الْآمِدِيُّ ) لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ طَيَّبَ الْكَعْبَةَ ، وَهِيَ دُونَهُ وَأَمَرَ بِتَطْيِيبِ الْمَسَاجِدِ .
فَالْمُصْحَفُ أَوْلَى ( وَيُبَاحُ تَقْبِيلُهُ ) لِعَدَمِ التَّوْقِيفِ ، لِأَنَّ مَا طَرِيقُهُ الْقُرْبُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْقِيَاسِ فِيهِ مَدْخَلٌ لَا يُسْتَحَبُّ ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَعْظِيمٌ ، إلَّا بِتَوْقِيفٍ ، وَلِهَذَا قَالَ عُمَرُ عَنْ الْحَجَرِ " لَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُكَ مَا قَبَّلْتُكَ " وَأَنْكَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى مُعَاوِيَةَ الزِّيَادَةَ عَلَى فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَبَّلَ الْأَرْكَانَ كُلَّهَا .
وَظَاهِرُ هَذَا : أَنَّهُ لَا يُقَامُ لَهُ ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : إذَا اعْتَادَ النَّاسُ قِيَامَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ ، فَهُوَ أَحَقُّ

( وَ ) تُبَاحُ ( كِتَابَةُ آيَتَيْنِ فَأَقَلَّ إلَى كُفَّارٍ ) قَالَ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ : كَتَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْمُشْرِكِينَ

وَتَحْرُمُ مُخَالَفَةُ خَطِّ عُثْمَانَ فِي وَاوٍ وَيَاءٍ وَأَلِفٍ وَغَيْرِهَا نَصًّا .

وَيُمْنَعُ الْكَافِرُ مِنْ مَسِّ الْمُصْحَفِ مُطْلَقًا ، وَمِنْ قِرَاءَتِهِ ، وَتَمَلُّكِهِ ، فَإِنْ مَلَكَهُ بِإِرْثٍ أَوْ غَيْرِهِ أُجْبِرَ عَلَى إزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهُ وَلَهُ نَسْخُهُ بِدُونِ مَسٍّ وَحَمْلُهُ .
قَالَهُ الْقَاضِي فِي التَّعْلِيقِ وَغَيْرِهِ .

بَابُ ( الْغُسْلِ ) بِالضَّمِّ : الِاغْتِسَالُ ، وَالْمَاءُ يُغْتَسَلُ بِهِ ، وَبِالْفَتْحِ : مَصْدَرُ غَسَلَ ، وَبِالْكَسْرِ : مَا يُغْسَلُ بِهِ الرَّأْسُ مِنْ خِطْمِيٍّ وَغَيْرِهِ .
وَشَرْعًا ( اسْتِعْمَالُ مَاءٍ طَهُورٍ مُبَاحٍ فِي جَمِيع بَدَنِهِ ) أَيْ الْمُغْتَسِلِ ( عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ ) يَأْتِي بَيَانُهُ .
وَالْأَصْلُ فِي مَشْرُوعِيَّتِهِ قَوْله تَعَالَى { : وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا } مَعَ مَا يَأْتِي مِنْ السُّنَّة مُفَصَّلًا ، سُمِّيَ ( جُنُبًا ) لِنَهْيِهِ أَنْ يَقْرُبَ مَوَاضِعَ الصَّلَاةِ ، أَوْ لِمُجَانَبَتِهِ النَّاسَ ، حَتَّى يَتَطَهَّرَ ، أَوْ لِأَنَّ الْمَاءَ جَانَبَ مَحَلَّهُ ، وَيُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ فَمَا فَوْقَهُ جُنُبٌ ، وَقَدْ يُقَالُ : جُنُبَانِ وَجُنُبُونَ ( وَمُوجِبُهُ ) أَيْ الْحَدَثِ الَّذِي يُوجِبُ الْغُسْلَ بِاعْتِبَارِ أَنْوَاعِهِ ( سَبْعَةٌ ) أَحَدُهَا ( انْتِقَالُ مَنِيٍّ ) فَيَجِبُ الْغُسْلُ بِمُجَرَّدِ إحْسَاسِ الرَّجُلِ بِانْتِقَالِ مَنِيِّهِ عَنْ صُلْبِهِ ، وَالْمَرْأَةُ بِانْتِقَالِهِ عَنْ تَرَائِبِهَا ، لِأَنَّ الْجَنَابَةَ تُبَاعِدُ الْمَاءَ عَنْ مَوَاضِعِهِ .
وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ ؛ وَلِأَنَّ الْغُسْلَ تُرَاعَى فِيهِ الشَّهْوَةُ .
وَقَدْ وُجِدَتْ بِانْتِقَالِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ ظَهَرَ ( فَلَا يُعَادُ غُسْلٌ لَهُ بِخُرُوجِهِ ) أَيْ الْمَنِيِّ ( بَعْدَ ) الْغُسْلِ لِأَنَّ الْوُجُوبَ تَعَلَّقَ بِالِانْتِقَالِ ، وَقَدْ اغْتَسَلَ لَهُ .
فَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ غُسْلٌ ثَانٍ .
كَبَقِيَّةِ مَنِيٍّ خَرَجَتْ بَعْدَ الْغُسْلِ .
وَلَيْسَ عَلَيْهِ إلَّا الْوُضُوءَ ، بَالَ أَوْ لَمْ يَبُلْ .
نَصًّا .
( وَيَثْبُتُ بِهِ ) أَيْ انْتِقَالِ مَنِيٍّ ( حُكْمُ بُلُوغٍ وَفِطْرٍ وَغَيْرِهِمَا ) كَوُجُوبِ كَفَّارَةٍ ، قِيَاسًا عَلَى وُجُوبِ الْغُسْلِ ( وَكَذَا ) أَيْ كَانْتِقَالِ مَنِيٍّ ( انْتِقَالُ حَيْضٍ ) قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ .
فَيَثْبُتُ بِانْتِقَالِهِ مَا يَثْبُتُ بِخُرُوجِهِ فَإِذَا أَحَسَّتْ بِانْتِقَالِ حَيْضِهَا قَبْلَ الْغُرُوبِ وَهِيَ صَائِمَةٌ أَفْطَرَتْ وَلَوْ لَمْ يَخْرُجْ الدَّمُ إلَّا بَعْدَهُ ( الثَّانِي : خُرُوجُهُ ) أَيْ الْمَنِيِّ ( مِنْ مَخْرَجِهِ ) الْمُعْتَادِ .
( وَلَوْ ) كَانَ الْمَنِيُّ (

دَمًا ) أَيْ أَحْمَرَ كَالدَّمِ لِلْعُمُومَاتِ .
وَلِخُرُوجِ الْمَنِيِّ مِنْ جَمِيعِ الْبَدَنِ وَضَعَّفَهُ بِكَثْرَتِهِ ، جُبِرَ بِالْغُسْلِ ( وَتُعْتَبَرُ لَذَّةٌ ) أَيْ وُجُوهًا ، لِوُجُوبِ الْغُسْلِ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ ( فِي غَيْرِ نَائِمٍ وَنَحْوِهِ ) كَمُغْمًى عَلَيْهِ وَسَكْرَانَ .
قَالَ فِي شَرْحِهِ : وَيَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ اللَّذَّةِ أَنْ يَكُونَ دَفْقًا ، فَلِهَذَا اسْتَغْنَيْنَا عَنْ ذِكْرِ الدَّفْقِ بِاللَّذَّةِ .
( فَلَوْ ) خَرَجَ الْمَنِيُّ مِنْ غَيْرِ مَخْرَجِهِ أَوْ مِنْ يَقْظَانَ بِغَيْرِ لَذَّةٍ ، لَمْ يَجِبْ الْغُسْلُ وَهُوَ نَجِسٌ كَمَا فِي الرِّعَايَةِ ، أَوْ ( جَامَعَ وَأَكْسَلَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ أَنْزَلَ بِلَا لَذَّةٍ لَمْ يُعِدْ ) الْغُسْلَ ؛ لِأَنَّهَا جَنَابَةٌ وَاحِدَةٌ فَلَا تُوجِبُ غُسْلَيْنِ ( وَإِنْ أَفَاقَ نَائِمٌ وَنَحْوُهُ ) كَمُغْمًى عَلَيْهِ بَالِغٌ أَوْ مُمْكِنٌ بُلُوغُهُ ( وَجَدَ ) بِبَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ .
قَالَ أَبُو الْمَعَالِي وَالْأَزَجِيُّ : لَا بِظَاهِرِهِ لِاحْتِمَالِهِ مِنْ غَيْرِهِ ( بَلَلًا فَإِنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ مَنِيٌّ اغْتَسَلَ ) وُجُوبًا وَلَوْ لَمْ يَذْكُرْ احْتِلَامًا .
قَالَ الْمُوَفَّقُ : وَلَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا ( فَقَطْ ) أَيْ دُونَ غَسْلِ مَا أَصَابَهُ لِطَهَارَةِ الْمَنِيِّ .
وَإِنْ تَحَقَّقَ أَنَّهُ مَذْيٌ غَسَلَهُ وَلَمْ يَجِبْ غُسْلٌ ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ أَنَّهُ مَذْيٌ وَلَا مَنِيٌّ ( وَلَا سَبَبَ ) سَبَقَ نَوْمُهُ مِنْ مُلَاعَبَةٍ ، أَوْ نَظَرٍ أَوْ فِكْرٍ أَوْ نَحْوِهِ ، أَوْ كَانَ بِهِ إبْرِدَةٌ اغْتَسَلَ وُجُوبًا ( وَطَهَّرَ مَا أَصَابَهُ ) الْبَلَلُ مِنْ بَدَنٍ أَوْ ثَوْبٍ ( أَيْضًا ) احْتِيَاطًا .
فَإِنْ تَقَدَّمَ نَوْمَهُ سَبَبٌ مِمَّا سَبَقَ لَمْ يَجِبْ الْغُسْلُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مَذْيٌ لِوُجُودِ سَبَبِهِ ، إنْ لَمْ يَذْكُرْ احْتِلَامًا .
وَإِلَّا وَجَبَ الْغُسْلُ نَصًّا ( وَمَحَلُّ ذَلِكَ ) أَيْ مَا تَقَدَّمَ فِيمَا إذَا وَجَدَ نَائِمٌ وَنَحْوَهُ بَلَلًا ( فِي غَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ لَا يَحْتَلِمُ ) لِأَنَّهُ لَا يَنَامُ قَلْبُهُ ؛ وَلِأَنَّ الْحُلُمَ مِنْ الشَّيْطَانِ .
وَمَحَلُّهُ أَيْضًا : إذَا كَانَ الْبَلَلُ

بِثَوْبِهِ إذَا كَانَ الثَّوْبُ لَا يَنَامُ فِيهِ غَيْرُهُ مِمَّنْ يَحْتَلِمُ .
فَإِنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلَا غُسْلَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِعَيْنِهِ .
لَكِنْ لَا يَأْتَمُّ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ وَلَا يُصَافَّهُ وَحْدَهُ .
فَإِنْ أَرَادَا ذَلِكَ اغْتَسَلَا .
وَمَنْ وَجَدَ مَنِيًّا بِثَوْبٍ لَا يَنَامُ فِيهِ غَيْرُهُ اغْتَسَلَ .
وَأَعَادَ الصَّلَاةَ مِنْ آخِرِ نَوْمَةٍ نَامَهَا فِيهِ .
وَلَا غُسْلَ بِحُلْمٍ بِلَا إنْزَالٍ .
وَإِنْ أَنْزَلَ فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ مِنْ حِينِ أَنْزَلَ إنْ كَانَ بِشَهْوَةٍ ، وَإِلَّا تَبَيَّنَ وُجُوبُهُ مِنْ الِاحْتِلَامِ ، لِوُجُوبِهِ بِالِانْتِقَالِ فَيُعِيدُ مَا صَلَّى بَعْدَ الِانْتِبَاهِ ( الثَّالِثُ ) الْتِقَاءُ الْخِتَانَيْنِ ، أَيْ تَقَابُلُهُمَا وَتَحَاذِيهِمَا بِتَغْيِيبِ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرْجِ ، لَا إنْ تَمَاسَّا بِلَا إيلَاجٍ .
فَلِذَا قَالَ ( تَغْيِيبُ حَشَفَتِهِ ) أَيْ الذَّكَرِ وَيُقَالُ لَهَا الْكَمَرَةُ وَلَوْ لَمْ يَجِدْ بِذَلِكَ حَرَارَةً ( الْأَصْلِيَّةِ ) فَلَا غُسْلَ بِتَغْيِيبِ حَشَفَةٍ زَائِدَةٍ أَوْ مِنْ خُنْثَى مُشْكِلٍ لِاحْتِمَالِ الزِّيَادَةِ ( أَوْ ) تَغْيِيبِ ( قَدْرِهَا ) أَيْ الْحَشَفَةِ مِنْ مَقْطُوعِهَا ( بِلَا حَائِلٍ ) لِانْتِفَاءِ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ مَعَ الْحَائِلِ ، لِأَنَّهُ هُوَ الْمُلَاقِي لِلْخِتَانِ ( فِي فَرْجٍ أَصْلِيٍّ ) مُتَعَلِّقٌ بِتَغْيِيبٍ فَلَا غُسْلَ بِتَغْيِيبِ حَشَفَةٍ أَصْلِيَّةٍ فِي قُبُلٍ زَائِدٍ أَوْ قُبُلِ خُنْثَى مُشْكِلٍ لِاحْتِمَالِ زِيَادَتِهِ ( وَلَوْ ) كَانَ الْفَرْجُ الْأَصْلِيُّ ( دُبُرًا ) أَوْ كَانَ الْفَرْجُ الْأَصْلِيُّ ( لِمَيِّتٍ ) لِعُمُومِ الْخَبَرِ ( أَوْ ) كَانَ ( بَهِيمَةً ) حَتَّى سَمَكَةً .
قَالَهُ فِي التَّعْلِيقِ لِأَنَّهُ فَرْجٌ أَصْلِيٌّ .
أَشْبَهَ الْآدَمِيَّةَ ( مِمَّنْ يُجَامِعُ مِثْلُهُ ) وَهُوَ ابْنُ عَشْرٍ وَبِنْتُ تِسْعٍ ( وَلَوْ ) كَانَ ( نَائِمًا أَوْ مَجْنُونًا ) أَوْ نَحْوَهُ ( أَوْ لَمْ يَبْلُغْ ) كَالْحَدَثِ الْأَصْغَرِ بِنَقْضِ الْوُضُوءِ فِي حَقِّ الصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ .
وَمَعْنَى الْوُجُوبِ فِي حَقِّ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ : أَنَّ الْغُسْلَ شَرْطٌ لِصِحَّةِ صَلَاتِهِ وَنَحْوِهَا ، لَا التَّأْثِيمَ بِتَرْكِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ

مُكَلَّفٍ .
( فَيَلْزَمُ ) الْغُسْلُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ إنْ كَانَ يُجَامِعُ مِثْلُهُ ، وَوُجِدَ سَبَبُهُ ( إذَا أَرَادَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى غُسْلٍ ) كَقِرَاءَةٍ ( أَوْ ) مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى ( وُضُوءٍ ) كَصَلَاةٍ وَطَوَافٍ وَمَسِّ مُصْحَفٍ ( لِغَيْرِ لُبْثٍ بِمَسْجِدٍ ) فَإِنْ أَرَادَهُ كَفَاهُ الْوُضُوءُ كَالْبَالِغِ وَيَأْتِي .
وَكَذَا يَلْزَمُ مُمَيِّزًا وُضُوءٌ وَاسْتِنْجَاءٌ إذَا وُجِدَ سَبَبُهُمَا بِمَعْنَى تَوَقُّفِ صِحَّةِ صَلَاتِهِ عَلَى ذَلِكَ ( أَوْ مَاتَ وَلَوْ شَهِيدًا ) فَيُغَسَّلُ لِوُجُوبِ الْغُسْلِ عَلَيْهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ( وَاسْتِدْخَالُ ذَكَرِ أَحَدِ مَنْ ذُكِرَ ) مِنْ نَائِمٍ ، وَنَحْوِهِ : مَجْنُونٌ وَغَيْرُ بَالِغٍ وَمَيِّتٌ وَبَهِيمَةٌ ( كَإِتْيَانِهِ ) فَيَجِبُ عَلَى امْرَأَةٍ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَ نَائِمٍ أَوْ صَغِيرٍ ، وَلَوْ طِفْلًا أَوْ مَجْنُونٍ أَوْ مَيِّتٍ وَلَوْ طِفْلًا وَنَحْوَهُمْ : الْغُسْلُ لِعُمُومِ " إذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ وَجَبَ الْغُسْلُ " وَيُعَادُ غُسْلُ مَيِّتَةٍ جُومِعَتْ وَمَنْ جُومِعَ فِي دُبُرِهِ لَا غُسْلُ مَيِّتٍ اسْتُدْخِلَ ذَكَرُهُ .
وَمَنْ قَالَتْ : بِي جِنِّيٌّ يُجَامِعُنِي كَالرَّجُلِ ، فَعَلَيْهَا الْغُسْلُ ( الرَّابِعُ : إسْلَامُ كَافِرٍ ) ذَكَرٍ وَأُنْثَى أَوْ خُنْثَى ، لِحَدِيثِ { قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ أَنَّهُ أَسْلَمَ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَغْتَسِلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ( وَلَوْ ) كَانَ الْكَافِرُ ( مُرْتَدًّا ) لِمُسَاوَاتِهِ الْأَصْلِيَّ فِي الْمَعْنَى ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ ، فَوَجَبَ مُسَاوَاتُهُ لَهُ فِي الْحُكْمِ ( أَوْ ) كَانَ الْكَافِرُ ( لَمْ يُوجَدْ مِنْهُ فِي كُفْرِهِ مَا يُوجِبُهُ ) أَيْ الْغُسْلِ إقَامَةً لِلْمَظِنَّةِ مَقَامَ حَقِيقَةِ الْحَدَثِ .
وَإِذَا كَانَ يُوجَدُ مِنْهُ فِي كُفْرِهِ مَا يُوجِبُهُ ، كَفَاهُ غُسْلُ الْإِسْلَامِ عَنْهُ .
قَالَ أَحْمَدُ : وَيَغْسِلُ ثِيَابَهُ .
قَالَ بَعْضُهُمْ : إنْ قُلْنَا بِنَجَاسَتِهَا وَجَبَ وَإِلَّا اُسْتُحِبَّ ( أَوْ ) كَانَ ( مُمَيِّزًا ) وَأَسْلَمَ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ مُوجِبٌ ، فَاسْتَوَى فِيهِ الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ كَالْحَدَثِ

الْأَصْغَرِ ( وَوَقْتُ لُزُومِهِ ) أَيْ الْغُسْلِ لِلْمُمَيِّزِ ( كَمَا مَرَّ ) أَيْ إذَا أَرَادَ مَا يَتَوَقَّفُ عَلَى غُسْلٍ أَوْ وُضُوءٍ لِغَيْرِ لُبْثٍ بِمَسْجِدٍ ، أَوْ مَاتَ شَهِيدًا .
( الْخَامِسُ : خُرُوجُ حَيْضٍ ) وَيَأْتِي فِي بَابِهِ ، وَانْقِطَاعُهُ عَنْهُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْغُسْلِ لَهُ ، فَتُغَسَّلُ إنْ اُسْتُشْهِدَتْ قَبْلَ انْقِطَاعِهِ ( السَّادِسُ : خُرُوجُ دَمِ نِفَاسٍ ) وَانْقِطَاعُهُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْغُسْلِ لَهُ ، قَالَ فِي الْمُغْنِي : لَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الْغُسْلِ بِهِمَا ( فَلَا يَجِبُ ) الْغُسْلُ ( بِوِلَادَةٍ عَرَتْ عَنْهُ ) أَيْ الدَّمِ ، وَلَا يَحْرُمُ بِهَا وَطْءٌ .
وَلَا يَفْسُدُ صَوْمٌ ، وَلَا بِإِلْقَاءِ عَلَقَةٍ أَوْ مُضْغَةٍ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ ، وَلَا هُوَ فِي مَعْنَى الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ ، وَالْوَلَدُ طَاهِرٌ .
وَمَعَ الدَّمِ يَجِبُ غُسْلِهِ ( السَّابِعُ : الْمَوْتُ ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ " اغْسِلْنَهَا " وَغَيْرِهِ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْآتِيَةِ فِي مَحَلِّهِ ( تَعَبُّدًا ) لَا عَنْ حَدَثٍ ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ عَنْهُ لَمْ يَرْتَفِعْ مَعَ بَقَاء سَبَبِهِ ، وَلَا عَنْ نَجَسٍ ، وَإِلَّا لَمَا طَهُرَ مَعَ بَقَاء سَبَبِهِ ( غَيْرَ شَهِيدِ مَعْرَكَةٍ أَوْ مَقْتُولٍ ظُلْمًا ) فَلَا يُغَسَّلَانِ ، وَيَأْتِي فِي مَحَلِّهِ

( وَيُمْنَعُ مَنْ ) وَجَبَ ( عَلَيْهِ غُسْلٌ ) لِجَنَابَةٍ أَوْ غَيْرِهَا ( مِنْ قِرَاءَةِ آيَةٍ ) فَأَكْثَرَ ، لِحَدِيثِ عَلِيٍّ { كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَحْجُبُهُ - وَرُبَّمَا قَالَ لَا يَحْجِزُهُ - عَنْ الْقُرْآنِ شَيْءٌ ، لَيْسَ الْجَنَابَةَ } رَوَاهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ وَالْحَاكِمُ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَصَحَّحَاهُ .
وَ ( لَا ) يُمْنَعُ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ غُسْلٌ مِنْ ( بَعْضِهَا ) أَيْ بَعْضِ آيَةٍ ، لِأَنَّهُ لَا إعْجَازَ فِيهِ ( وَلَوْ كَرَّرَ ) قِرَاءَةَ الْبَعْضِ ( مَا لَمْ يَتَحَيَّلْ ) نَحْوُ الْجُنُبِ ( عَلَى قِرَاءَةٍ تَحْرُمُ ) بِأَنْ يُكَرِّرَ الْأَبْعَاضَ ، تَحَيُّلًا عَلَى قِرَاءَةِ آيَةٍ فَأَكْثَرَ ، فَيَمْتَنِعُ عَلَيْهِ ذَلِكَ كَسَائِرِ الْحِيَلِ الْمُحَرَّمَةِ .
قَالَ ( الْمُنَقِّحُ : مَا لَمْ تَكُنْ ) الْآيَةُ ( طَوِيلَةً ) فَيَمْتَنِعَ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ بَعْضِهَا ، كَآيَةِ الدَّيْنِ ( وَلَهُ ) أَيْ لِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ غُسْلٌ ( تَهَجِّيهِ ) أَيْ الْقُرْآنِ ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِقِرَاءَةٍ لَهُ .
فَتَبْطُلُ بِهِ الصَّلَاةُ ، لِخُرُوجِهِ عَنْ نَظْمِهِ وَإِعْجَازِهِ .
ذَكَرَهُ فِي الْفُصُولِ ، وَلَهُ التَّفَكُّرُ فِيهِ ( وَتَحْرِيكُ شَفَتَيْهِ إنْ لَمْ يُبَيِّنْ الْحُرُوف ) وَقِرَاءَةُ أَبْعَاضِ آيَةٍ مُتَوَالِيَةٍ ، أَوْ آيَاتٍ سَكَتَ بَيْنَهَا طَوِيلًا .
قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ .
( وَ ) لَهُ ( قَوْلُ مَا وَافَقَ قُرْآنًا ) مِنْ الْأَذْكَارِ ( وَلَمْ يَقْصِدْهُ ) أَيْ الْقُرْآنَ كَالْبَسْمَلَةِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَآيَاتِ الِاسْتِرْجَاعِ وَالرُّكُوبِ ، فَإِنْ قَصَدَ حَرُمَ .
وَكَذَا لَوْ قَرَأَ مَا لَا يُوَافِقُ ذِكْرًا وَلَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْقُرْآنَ .
وَلَهُ النَّظَرُ فِي الْمُصْحَفِ وَأَنْ يُقْرَأَ عَلَيْهِ وَهُوَ سَاكِتٌ .
( وَ ) لَهُ ( ذِكْرُ ) اللَّهِ تَعَالَى لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ } وَيَأْتِي

: يُكْرَهُ أَذَانُ جُنُبٍ ( وَيَجُوزُ لِجُنُبٍ ) وَكَافِرٍ أَسْلَمَ ( وَحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ انْقَطَعَ دَمُهُمَا دُخُولُ مَسْجِدٍ وَلَوْ بِلَا حَاجَةٍ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَا جُنُبًا إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ } وَهُوَ الطَّرِيقُ ، وَعَنْ جَابِرٍ " كَانَ أَحَدُنَا يَمُرُّ بِالْمَسْجِدِ جُنُبًا مُجْتَازًا " رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ .
وَسَوَاءٌ كَانَ لِحَاجَةٍ أَوْ لَا .
وَمِنْ الْحَاجَةِ كَوْنُهُ طَرِيقًا قَصِيرًا لَكِنْ كَرِهَ أَحْمَدُ اتِّخَاذَهُ طَرِيقًا .
وَكَذَا يَجُوزُ لِحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ دُخُولُ مَسْجِدٍ إذَا أَمِنَتَا تَلْوِيثَهُ .
وَ ( لَا ) يَجُوزُ لِجُنُبٍ وَحَائِضٍ وَنُفَسَاءَ انْقَطَعَ دَمُهُمَا ( لُبْثٌ بِهِ ) أَيْ بِالْمَسْجِدِ لِلْآيَةِ السَّابِقَةِ وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ( إلَّا بِوُضُوءٍ ) فَإِنْ تَوَضَّئُوا جَازَ لَهُمْ اللُّبْثُ فِيهِ .
لِمَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ وَالْأَثْرَمُ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ : " رَأَيْتُ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْلِسُونَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمْ مُجْنِبُونَ إذَا تَوَضَّئُوا وُضُوءَ الصَّلَاةِ " إسْنَادُهُ صَحِيحٌ .
قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ .
وَلِأَنَّ الْوُضُوءَ يُخَفِّفُ الْحَدَثَ ، فَيَزُولُ بَعْضُ مَا مَنَعَهُ .
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : وَحِينَئِذٍ فَيَجُوزُ أَنْ يَنَامَ فِي الْمَسْجِدِ حَيْثُ يَنَامُ غَيْرُهُ .
( فَإِنْ تَعَذَّرَ ) الْوُضُوءُ عَلَى الْجُنُبِ وَنَحْوِهِ ( وَاحْتَاجَ لِلُبْثٍ ) فِي الْمَسْجِدِ ابْتِدَاءً أَوْ دَوَامًا لِحَبْسٍ أَوْ خَوْفٍ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالٍ وَنَحْوِهِ ( جَازَ ) اللُّبْثُ ( بِلَا تَيَمُّمٍ ) نَصًّا .
وَاحْتُجَّ بِأَنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ " قَدِمُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْزَلَهُمْ الْمَسْجِدَ " وَالْأَوْلَى أَنْ يَتَيَمَّمَ ( وَتَيَمَّمَ ) جُنُبٌ وَنَحْوُهُ ( لِلَّبْثِ لِغُسْلٍ فِيهِ ) أَيْ الْمَسْجِدِ إذَا تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْوُضُوءُ وَالْغُسْلُ عَاجِلًا ، وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ لِلُّبْثِ ، خِلَافًا لِابْنِ قُنْدُسٍ ، لِأَنَّهُ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ جَازَ بِلَا

تَيَمُّمٍ

( وَلَا يُكْرَهُ ) غُسْلٌ فِي الْمَسْجِدِ ( وَلَا وُضُوءٌ ) فِيهِ ( مَا لَمْ يُؤْذِ ) الْمَسْجِدَ أَوْ مَنْ بِهِ ( بِهِمَا ) أَيْ بِمَاءِ الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ ( وَتُكْرَهُ إرَاقَةُ مَاءَيْهِمَا بِهِ ) أَيْ الْمَسْجِدِ ( وَبِمَا يُدَاسُ ) تَنْزِيهًا لِلْمَاءِ ( وَمُصَلَّى الْعِيدِ ، لَا ) مُصَلَّى ( الْجَنَائِزِ مَسْجِدٌ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَلْيَعْتَزِلْنَ الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى } .
وَأَمَّا صَلَاةُ الْجَنَائِزِ فَلَيْسَتْ ذَاتَ رُكُوعٍ وَلَا سُجُودٍ بِخِلَافِ الْعِيدِ ( وَيُمْنَعُ مِنْهُ مَجْنُونٌ وَسَكْرَانُ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى } وَالْمَجْنُونُ أَوْلَى مِنْهُ .
( وَ ) يُمْنَعُ مِنْهُ ( مَنْ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ تَتَعَدَّى ) لِئَلَّا يُلَوِّثَهُ ( وَيُكْرَهُ تَمْكِينُ صَغِيرٍ ) قَالَ فِي الْآدَابِ : وَالْمُرَادُ صَغِيرٌ لَا يُمَيِّزُ لِغَيْرِ فَائِدَةٍ .
وَقَالَ : يُبَاحُ غَلْقُ بَابِهِ ، لِئَلَّا يَدْخُلَهُ مَنْ يُكْرَهُ دُخُولُهُ إلَيْهِ نَصَّ عَلَيْهِ ( وَيَحْرُمُ تَكَسُّبٌ بِصَنْعَةٍ فِيهِ ) لِأَنَّهُ لَمْ يُبْنَ لِذَلِكَ .
وَاسْتَثْنَى بَعْضُهُمْ الْكِتَابَةَ لِأَنَّهَا نَوْعُ تَحْصِيلٍ لِلْعِلْمِ .
وَيَحْرُمُ فِيهِ أَيْضًا الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ .
وَلَا يَصِحَّانِ وَإِنْ عَمِلَ لِنَفْسِهِ نَحْوَ خِيَاطَةٍ لَا لِلتَّكَسُّبِ .
فَاخْتَارَ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ الْجَوَازَ ، وَقَالَ ابْنُ الْبَنَّاءِ : لَا يَجُوزُ .

فَصْلٌ وَالْأَغْسَالُ الْمُسْتَحَبَّةُ سِتَّةَ عَشَرَ غُسْلًا ( آكَدُهَا ) الْغُسْلُ ( لِصَلَاةِ جُمُعَةٍ ) لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا { غُسْلُ الْجُمُعَةِ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُحْتَلِمٍ } وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا .
وَقَوْلُهُ " وَاجِبٌ " أَيْ مُتَأَكِّدُ الِاسْتِحْبَابِ .
وَيَدُلُّ لِعَدَمِ وُجُوبِهِ مَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { مَنْ تَوَضَّأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ .
وَمَنْ اغْتَسَلَ فَالْغُسْلُ أَفْضَلُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ .
وَاخْتُلِفَ فِي سَمَاعِ الْحَسَنِ عَنْ سَمُرَةَ .
وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ عَنْ أَحْمَدَ : لَا يَصِحُّ سَمَاعُهُ مِنْهُ .
وَيُعَضِّدُهُ مَجِيءُ عُثْمَانَ إلَيْهَا بِلَا غُسْلٍ ( فِي يَوْمِهَا ) أَيْ الْجُمُعَةِ فَلَا يُجْزِي الِاغْتِسَالُ قَبْلَ طُلُوعِ فَجْرِهِ ، الْمَفْهُومُ مِمَّا سَبَقَ مِنْ الْأَحَادِيثِ ( لِذَكَرٍ حَضَرَهَا ) أَيْ الْجُمُعَةَ .
لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { مَنْ جَاءَ مِنْكُمْ الْجُمُعَةَ فَلْيَغْتَسِلْ } ( وَلَوْ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ ) الْجُمُعَةُ كَالْعَبْدِ وَالْمُسَافِرِ ( إنْ صَلَّى ) لِعُمُومِ مَا سَبَقَ ( وَ ) اغْتِسَالُهُ ( عِنْدَ جِمَاعٍ أَفْضَلُ ) لِلْخَبَرِ ، وَيَأْتِي فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ ( ثُمَّ ) يَلِيهِ الْغُسْلُ ( لِغُسْلِ مَيِّتٍ ) كَبِيرٍ أَوْ صَغِيرٍ ، ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى ، حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ، مُسْلِمٍ أَوْ كَافِرٍ .
وَظَاهِرُهُ : وَلَوْ فِي ثَوْبٍ .
لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا فَلْيَغْتَسِلْ وَمَنْ حَمَلَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ( ثُمَّ ) يَلِيهِ بَقِيَّةُ الْأَغْسَالِ الْآتِيَةِ ، وَهِيَ الْغُسْلُ ( ل ) صَلَاةِ ( عِيدٍ فِي يَوْمِهَا لِحَاضِرِهَا ) أَيْ الصَّلَاةِ ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْفَاكِهِ بْنِ سَعْدٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَغْتَسِلُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ .
( إنْ صَلَّى ) الْعِيدَ ( وَلَوْ

مُنْفَرِدًا ) بَعْدَ صَلَاةِ الْإِمَامِ ، لِأَنَّ الْغُسْلَ لِلصَّلَاةِ كَالْجُمُعَةِ فَلَا يُشْرَعُ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ وَلَا قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ .
( وَ ) الرَّابِعُ الْغُسْلُ ( ل ) صَلَاةِ ( كُسُوفٍ وَ ) الْخَامِسُ : الْغُسْلُ لِصَلَاةِ ( اسْتِسْقَاءٍ ) قِيَاسًا عَلَى الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ ، بِجَامِعِ الْإِجْمَاعِ لَهُمَا ( وَ ) السَّادِسُ : الْغُسْلُ ( لِجُنُونٍ .
وَ ) السَّابِعُ : الْغُسْلُ ( لِلْإِغْمَاءِ ) لِإِنْزَالٍ ( بِاحْتِلَامٍ ) أَوْ بِغَيْرِهِ ( فِيهِمَا ) أَيْ الْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { اغْتَسَلَ لِلْإِغْمَاءِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَلِأَنَّهُ لَا يَأْمَنُ أَنْ يَكُونَ احْتَلَمَ وَلَمْ يَشْعُرْ ، وَالْجُنُونُ فِي مَعْنَاهُ بَلْ أَبْلَغُ .
فَإِنْ أَنْزَلَ وَجَبَ الْغُسْلُ ( وَ ) الثَّامِنُ : الْغُسْلُ ( لِاسْتِحَاضَةٍ ) فَيُسَنُّ لِلْمُسْتَحَاضَةِ أَنْ تَغْتَسِلَ ( لِكُلِّ صَلَاةٍ ) { لِأَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِ أُمَّ حَبِيبَةَ لَمَّا اُسْتُحِيضَتْ ، فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
( وَ ) التَّاسِعُ : الْغُسْلُ ( لِإِحْرَامٍ ) بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ ، لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ " أَنَّهُ { رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَجَرَّدَ لِإِهْلَالِهِ وَاغْتَسَلَ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ( حَتَّى حَائِضٌ وَنُفَسَاءُ ) فَيُسَنُّ لَهُمَا الْغُسْلُ لِلْإِحْرَامِ ، لِلْخَبَرِ وَكَغَيْرِهِمَا .
( وَ ) الْعَاشِرُ : الْغُسْلُ ( لِدُخُولِ مَكَّةَ ) قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ : حَتَّى لِحَائِضٍ .
قُلْت : وَنُفَسَاءَ ، قِيَاسًا عَلَى الْإِحْرَامِ ، وَظَاهِرُهُ : وَلَوْ بِالْحَرَمِ ، كَمَنْ بِمِنَى إذَا أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ سُنَّ لَهُ الْغُسْلُ لِدُخُولِهَا .
( وَ ) الْحَادِيَ عَشَرَ : لِدُخُولِ ( حَرَمِهَا ) أَيْ مَكَّةَ .
( وَ ) الثَّانِي عَشَرَ : ل ( وُقُوفٍ بِعَرَفَةَ ) رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ .
( وَ ) الثَّالِثَ عَشَرَ : الْغُسْلُ ل ( طَوَافِ زِيَارَةٍ ) وَهُوَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ .
( وَ ) الرَّابِعَ عَشَرَ : الْغُسْلُ لِطَوَافِ ( وَدَاعٍ وَ ) الْخَامِسَ عَشَرَ : ل ( مَبِيتٍ بِمُزْدَلِفَةِ وَ ) السَّادِسَ عَشَرَ

: الْغُسْلُ ل ( رَمْي جِمَارٍ ) لِأَنَّ هَذِهِ كُلَّهَا أَنْسَاكٌ يَجْتَمِعُ لَهَا النَّاسُ فَاسْتُحِبَّ لَهَا الْغُسْلُ .
كَالْإِحْرَامِ وَدُخُولِ مَكَّةَ .
وَوَقْتُ الْغُسْلِ لِصَلَاةِ اسْتِسْقَاءٍ : عِنْدَ إرَادَةِ الْخُرُوجِ إلَيْهَا .
وَوَقْتُ الْكُسُوفِ : عِنْدَ وُقُوعِهِ ، وَفِي الْحَجِّ : عِنْدَ إرَادَةِ النُّسُكِ الَّذِي يُسَنُّ لَهُ قَرِيبًا مِنْهُ .
وَعُلِمَ مِمَّا سَبَقَ : أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ الْغُسْلُ لِغَيْرِ الْمَذْكُورَاتِ ، كَالْحِجَامَةِ وَدُخُولِ طَيْبَةَ وَكُلِّ مُجْتَمَعٍ

( وَيَتَيَمَّمُ ) اسْتِحْبَابًا ( لِلْكُلِّ ) أَيْ كُلِّ مَا يُسْتَحَبُّ لَهُ الْغُسْلُ ( لِحَاجَةٍ ) تُبِيحُ التَّيَمُّمَ ، كَتَعَذُّرِ الْمَاءِ ، لِعَدَمٍ أَوْ مَرَضٍ وَنَحْوِهِ ( وَ ) يَتَيَمَّمُ أَيْضًا اسْتِحْبَابًا ( لِمَا يُسَنُّ لَهُ الْوُضُوءُ ) مِنْ قِرَاءَةٍ وَأَذَانٍ وَشَكٍّ وَغَضَبٍ ، وَنَحْوِهَا مِمَّا تَقَدَّمَ ( لِعُذْرٍ ) يُبِيحُهُ ، إلْحَاقًا لِلْمَسْنُونِ بِالْوَاجِبِ بِجَامِعِ الْأَمْرِ .

فَصْلٌ فِي صِفَةِ الْغُسْلِ وَهُوَ كَامِلٌ وَمُجْزِئٌ ( وَصِفَةُ الْغُسْلِ الْكَامِلِ ) وَاجِبًا كَانَ أَوْ مُسْتَحَبًّا ( أَنْ يَنْوِيَ ) رَفْعَ الْحَدَثِ الْأَكْبَرِ ، أَوْ الْغُسْلَ لِلصَّلَاةِ ، أَوْ الْجُمُعَةِ مَثَلًا ( وَيُسَمِّيَ ) أَيْ يَقُولُ : بِسْمِ اللَّهِ ، بَعْدَ النِّيَّةِ ( وَيَغْسِلَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا ) خَارِجَ الْمَاءِ قَبْلَ إدْخَالِهِمَا الْإِنَاءَ وَيَصُبُّ الْمَاءَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ ( وَ ) يَغْسِلُ ( مَا لَوَّثَهُ ) طَاهِرًا ، كَالْمَنِيِّ ، أَوْ نَجِسًا كَالْمَذْيِ .
( ثُمَّ يَتَوَضَّأُ وُضُوءًا كَامِلًا وَيُرَوِّي ) بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ ( رَأْسَهُ ) أَيْ أُصُولَ شَعْرِهِ ( ثَلَاثًا ) يَحْثِي الْمَاءَ عَلَيْهِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ ( ثُمَّ ) يَغْسِلُ ( بَقِيَّةَ جَسَدِهِ ) بِإِفَاضَةِ الْمَاءِ عَلَيْهِ ( ثَلَاثًا ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ : { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ غَسَلَ يَدَيْهِ ثَلَاثًا وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ ، ثُمَّ يُخَلِّلُ شَعْرَهُ بِيَدَيْهِ ، حَتَّى إذَا ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ رَوَى بَشَرَتَهُ أَفَاضَ الْمَاءَ عَلَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ غَسَّلَ سَائِرَ جَسَدِهِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
( وَيَتَيَامَنُ ) أَيْ يَبْدَأُ بِمَيَامِنِهِ اسْتِحْبَابًا لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ { : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ دَعَا بِشَيْءٍ نَحْوَ الْحِلَابِ ، فَأَخَذَ بِكَفَّيْهِ فَبَدَأَ بِشِقِّ رَأْسِهِ الْأَيْمَنِ ، ثُمَّ الْأَيْسَرِ ، ثُمَّ أَخَذَ بِكَفَّيْهِ فَقَالَ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ( وَيُدَلِّكَهُ ) أَيْ جَسَدَهُ اسْتِحْبَابًا ، لِيَصِلَ الْمَاءُ إلَيْهِ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ ، { لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُمِّ سَلَمَةَ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ إنَّمَا يَكْفِيَكِ أَنْ تَحْثِيَ الْمَاءَ عَلَى رَأْسِكِ ثَلَاثَ حَثَيَاتٍ ، ثُمَّ تُفِيضِينَ عَلَيْكِ الْمَاءَ فَتَطْهُرِينَ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
( وَيُعِيدُ غَسْلَ رِجْلَيْهِ بِمَكَانٍ آخَرَ ) لِأَنَّ فِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ عَنْ مَيْمُونَةَ " ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ " وَتُكْرَهُ إعَادَةُ وُضُوءٍ بَعْدَ

غُسْلِ ( وَيَكْفِي الظَّنُّ ) أَيْ ظَنُّ الْمُغْتَسِلِ ( فِي الْإِسْبَاغِ ) أَيْ وُصُولِ الْمَاءِ إلَى الْبَشَرَةِ ، دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَقَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ : يُحَرِّكُ خَاتَمَهُ ، لِيَتَيَقَّنَ وُصُولَ الْمَاءِ .
( وَ ) صِفَةُ الْغُسْلِ ( الْمُجْزِئِ : أَنْ يَنْوِيَ وَيُسَمِّيَ ) كَمَا مَرَّ ( وَيَعُمَّ بِالْمَاءِ بَدَنَهُ ) جَمِيعَهُ ، سِوَى دَاخِلِ عَيْنٍ ، فَلَا يَجِبُ وَلَا يُسَنُّ ( حَتَّى مَا يَظْهَرُ مِنْ فَرْجِ امْرَأَةٍ عِنْدَ قُعُودِهَا ل ) قَضَاءِ ( حَاجَةِ ) بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ ( وَ ) حَتَّى ( بَاطِنِ شَعْرٍ ) خَفِيفٍ وَكَثِيفٍ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى ؛ لِأَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ الْبَدَنِ لَا مَشَقَّةَ فِي غَسْلِهِ .
فَوَجَبَ كَبَاقِيهِ ، وَيَتَفَقَّدُ أُصُولَ شَعْرِهِ .
وَغَضَارِيفَ أُذُنَيْهِ ، وَتَحْتَ حَلْقِهِ وَإِبِطَيْهِ ، وَعُمْقَ سُرَّتِهِ وَبَيْنَ أَلْيَتَيْهِ ، وَطَيْ رُكْبَتَيْهِ ، وَتَقَدَّمَ : لَا يَجِبُ غَسْلُ دَاخِلِ فَرْجٍ وَحَشَفَةٍ غَيْرِ مَفْتُوقٍ مِنْ جَنَابَةٍ ( وَيَجِبُ نَقْضُ ) شَعْرِ امْرَأَةٍ ( ل ) غُسْلِ ( حَيْضٍ ) وُجُوبًا ، لِحَدِيثِ { عَائِشَةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا إذَا كُنْتِ حَائِضًا خُذِي مَاءَكِ وَسِدْرَكِ ، وَامْتَشِطِي } وَلَا يَكُونُ الْمَشْطُ إلَّا فِي شَعْرٍ غَيْرِ مَضْفُورٍ .
وَلِلْبُخَارِيِّ " اُنْقُضِي شَعْرَكِ وَتَمَشَّطِي " وَلِابْنِ مَاجَهْ " اُنْقُضِي شَعْرَكِ وَاغْتَسِلِي " وَلِتَحَقُّقِ وُصُولِ الْمَاءِ إلَى مَا يَجِبُ غَسْلُهُ ، وَعُفِيَ عَنْهُ فِي غُسْلِ الْجَنَابَةِ ، لِأَنَّهُ يَكْثُرُ فَيَشُقُّ ذَلِكَ فِيهِ ، بِخِلَافِ الْحَيْضِ ، وَنِفَاسٌ مِثْلُهُ ( وَيَرْتَفِعُ حَدَثٌ ) أَصْغَرُ أَوْ أَكْبَرُ مِنْ جَنَابَةٍ أَوْ حَيْضٍ أَوْ غَيْرِهِمَا ( قَبْلَ زَوَالِ حُكْمِ خَبَثٍ ) لَا يَمْنَعُ وُصُولَ الْمَاءِ إلَى الْبَشَرَةِ ، كَطَاهِرٍ عَلَيْهِ لَا يَمْنَعُ ، بِخِلَافِ مَا يَمْنَعُهُ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27