كتاب : شرح منتهى الإرادات
المؤلف : منصور بن يونس بن إدريس البهوتي

( فَإِنْ لَمْ يُرَ ) الْهِلَالُ ( مَعَ صَحْوِ لَيْلَةِ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ لَمْ يَصُومُوا ) يَوْمَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَيْ : كُرِهَ صَوْمُهُ ؛ لِأَنَّهُ يَوْمُ الشَّكِّ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ

( وَإِنْ حَالَ دُونَ مَطْلَعِهِ ) أَيْ : الْهِلَالِ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ ( غَيْمٌ أَوْ قَتَرٌ ) بِالتَّحْرِيكِ الْغَبَرَةُ .
كَالْقَتَرَةِ ( أَوْ غَيْرِهِمَا ) أَيْ : الْغَيْمِ وَالْقَتَرِ كَالدُّخَانِ ، وَكَذَا الْبَعْدُ عِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ ( وَجَبَ صِيَامُهُ ) أَيْ : يَصُومُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ ( حُكْمًا ظَنِّيًّا احْتِيَاطًا ) لِلْخُرُوجِ مِنْ عُهْدَةِ الْوُجُوبِ ( بِنِيَّةِ ) أَنَّهُ مِنْ ( رَمَضَانَ ) فِي قَوْلِ عُمَرَ وَابْنِهِ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ ، وَأَنَسٍ وَمُعَاوِيَةَ وَعَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ ابْنَتَيْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ لِحَدِيثِ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { إنَّمَا الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ فَلَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ وَلَا تُفْطِرُوا حَتَّى تَرَوْهُ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ } .
قَالَ نَافِعٌ " كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إذَا مَضَى مِنْ الشَّهْرِ تِسْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا يَبْعَثُ مَنْ يَنْظُرُ لَهُ الْهِلَالَ فَإِنْ رُئِيَ فَذَلِكَ ، وَإِنْ لَمْ يُرَ ، وَلَمْ يَحُلْ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ وَلَا قَتَرٌ أَصْبَحَ مُفْطِرًا ، وَإِنْ حَالَ دُونَ مَنْظَرِهِ سَحَابٌ أَوْ قَتَرٌ أَصْبَحَ صَائِمًا " وَمَعْنَى " اُقْدُرُوا لَهُ " ضَيِّقُوا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ } و ( قَدِّرْ فِي السَّرْدِ ) وَالتَّضْيِيقِ : جَعَلَ شَعْبَانَ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَقَدْ فَسَّرَهُ ابْنُ عُمَرَ بِفِعْلِهِ وَهُوَ رَاوِيهِ وَأَعْلَمُ بِمَعْنَاهُ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَيْهِ ، كَتَفْسِيرِ التَّفَرُّقِ مِنْ خِيَارِ الْمُتَبَايِعَيْنِ ، وَقَدْ صَنَّفَ أَصْحَابٌ فِي الْمَسْأَلَةِ التَّصَانِيفَ ، وَنَصَرُوا الْمَذْهَبَ ، وَرَدُّوا حُجَجَ الْمُخَالِفِ بِمَا يَطُولُ ذِكْرُهُ ، وَإِنْ اشْتَغَلُوا عَنْ التَّرَائِي لِعَدُوٍّ أَوْ حَرِيقٍ أَوْ نَحْوِهِ فَذَلِكَ نَادِرٌ ، فَيُسْحَبُ عَلَيْهِ ذَيْلُ الْغَالِبِ ، وَفَارَقَ الْغَيْمَ وَالْقَتَرَ فَإِنَّ وُقُوعَهُمَا غَالِبٌ ، وَقَدْ اسْتَوَى مَعَهُمَا الِاحْتِمَالَانِ ، فَعَمِلْنَا بِأَحْوَطِهِمَا ، قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ .
( وَيُجْزِئُ ) صَوْمُ هَذَا الْيَوْمِ ( إنْ

ظَهَرَ ) أَنَّهُ ( مِنْهُ ) أَيْ : رَمَضَانَ بِأَنْ ثَبَتَتْ رُؤْيَتُهُ بِمَوْضِعٍ آخَرَ ، لِأَنَّ صَوْمَهُ وَقَعَ بِنِيَّةِ رَمَضَانَ لِمُسْتَنَدٍ شَرْعِيٍّ ، أَشْبَهَ الصَّوْمَ لِلرُّؤْيَةِ ( وَتُثْبَتُ ) تَبَعًا لِوُجُوبِ صَوْمِهِ ( أَحْكَامُ صَوْمِ ) رَمَضَانَ ( مِنْ صَلَاةِ تَرَاوِيحَ ) احْتِيَاطًا ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَعَدَ مَنْ صَامَهُ وَقَامَهُ بِالْغُفْرَانِ " وَلَا يَتَحَقَّقُ قِيَامُهُ كُلُّهُ إلَّا بِذَلِكَ ( وَ ) كَ ( وُجُوبِ كَفَّارَةٍ بِوَطْءٍ فِيهِ ) أَيْ : ذَلِكَ الْيَوْمِ ( وَنَحْوِهِ ) كَوُجُوبِ إمْسَاكٍ عَلَى مَنْ أَكَلَ فِيهِ جَاهِلًا ، أَوْ لَمْ يُبَيِّتْ النِّيَّةَ ( مَا لَمْ يَتَحَقَّقُ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ ) بِأَنْ لَمْ يُرَ مَعَ صَحْوٍ بَعْدَ ثَلَاثِينَ لَيْلَةً مِنْ اللَّيْلَةِ الَّتِي غَمَّ فِيهَا هِلَالُ رَمَضَانَ ، فَيَتَبَيَّنُ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ بِالْوَطْءِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ و ( لَا ) تُثْبَتُ ( بَقِيَّةُ الْأَحْكَامِ ) الشَّهْرِيَّةِ بِالْغَيْمِ ، فَلَا يَحِلُّ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ بِهِ ، وَلَا يَقَعُ طَلَاقٌ وَعِتْقٌ مُعَلَّقَيْنِ بِهِ ، وَلَا تَنْقَضِي عِدَّةٌ ، وَلَا مُدَّةُ إيلَاءٍ بِهِ وَنَحْوِهِ عَمَلًا بِالْأَصْلِ ، خُولِفَ لِلنَّصِّ ، وَاحْتِيَاطًا لِعِبَادَةٍ عَامَّةٍ

( وَكَذَا ) أَيْ : كَرَمَضَانَ فِي وُجُوبِ صَوْمِهِ إذَا غُمَّ هِلَالٌ ( حُكْمُ شَهْرٍ ) مُعَيَّنٍ ( نُذِرَ صَوْمُهُ ، أَوْ ) نُذِرَ ( اعْتِكَافُهُ فِي وُجُوبِ الشُّرُوعِ ) فِي الْمَنْذُورِ فِيهِ ( إذَا غُمَّ هِلَالُهُ ) أَيْ : الشَّهْرِ الْمَنْذُورِ احْتِيَاطًا لَا فِي تَرَاوِيحَ أَوْ وُجُوبِ كَفَّارَةٍ بِوَطْءٍ فِيهِ ، وَإِمْسَاكٍ إنْ لَمْ يَكُنْ بَيَّتَ النِّيَّةَ وَنَحْوَهُ ، لِخُصُوصِ ذَلِكَ بِرَمَضَانَ .

وَإِنْ صَامَ يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ بِلَا مُسْتَنَدٍ شَرْعِيٍّ مِمَّا تَقَدَّمَ ، وَلَوْ لِحِسَابٍ أَوْ نُجُومٍ لَمْ يُجْزِئْهُ ، وَلَوْ بَانَ مِنْهُ .

( وَالْهِلَالُ الْمَرْئِيُّ نَهَارًا وَلَوْ ) رُئِيَ ( قَبْلَ الزَّوَالِ ) فِي أَوَّلِ رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِ ، أَوْ فِي آخِرِهِ ( لِ ) لَيْلَةِ ( الْمُقْبِلَةِ ) نَصًّا ؛ لِأَنَّهَا لَيْلَةٌ رُئِيَ الْهِلَالُ فِي غَيْرِ يَوْمِهَا فَلَا يُجْعَلُ لَهَا ، كَمَا لَوْ رُئِيَ آخِرَ النَّهَارِ .
وَالْهِلَالُ يَخْتَلِفُ فِي الْكِبَرِ وَالصِّغَرِ وَالْعُلُوِّ وَالِانْخِفَاضِ ، وَقُرْبِهِ مِنْ الشَّمْسِ اخْتِلَافًا شَدِيدًا لَا يَنْضَبِطُ ، فَيَجِبُ طَرْحُهُ وَالْعَمَلُ بِمَا عَوَّلَ الشَّرْعُ عَلَيْهِ ، وَرَوَى الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ أَبِي حَدْرَدٍ مَرْفُوعًا { مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يَرَوْا الْهِلَالَ يَقُولُونَ ابْنُ لَيْلَتَيْنِ }

( وَإِذَا ثَبَتَتْ رُؤْيَتُهُ ) أَيْ : هِلَالِ رَمَضَانَ ( بِبَلَدٍ لَزِمَ الصَّوْمُ جَمِيعَ النَّاسِ ) لِحَدِيثِ { صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ } وَهُوَ خِطَابٌ لِلْأُمَّةِ كَافَّةً ؛ وَلِأَنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ مَا بَيْنَ الْهِلَالَيْنِ ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ هَذَا الْيَوْمَ مِنْهُ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ كَحُلُولِ دَيْنٍ وَوُقُوعِ طَلَاقٍ ، وَعِتْقٍ مُعَلَّقَيْنِ بِهِ وَنَحْوِهِ ، فَكَذَا حُكْمُ الصَّوْمِ ، وَلَوْ قُلْنَا بِاخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ ، وَلِكُلِّ بَلَدٍ حُكْمُ نَفْسِهِ فِي طُلُوعِ الشَّمْسِ وَغُرُوبِهَا لِمَشَقَّةِ تَكَرُّرِهَا ، بِخِلَافِ الْهِلَالِ ، فَإِنَّهُ فِي السَّنَةِ مَرَّةٌ

( وَإِنْ ثَبَتَتْ ) رُؤْيَةُ هِلَالِ رَمَضَانَ ( نَهَارًا ) وَلَمْ يَكُونُوا بَيَّتُوا النِّيَّةَ لِنَحْوِ غَيْمٍ ( أَمْسَكُوا ) عَنْ مُفْسِدَاتِ الصَّوْمِ لِحُرْمَةِ الْوَقْتِ ( وَقَضَوْا ) ذَلِكَ الْيَوْمَ ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَصُومُوهُ ( كَمَنْ أَسْلَمَ ) فِي أَثْنَاءِ نَهَارٍ ( أَوْ عَقَلَ ) مِنْ جُنُونٍ ( أَوْ طَهُرَتْ مِنْ حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ ) فِي أَثْنَاءِ نَهَارٍ ، فَيَجِبُ الْإِمْسَاكُ وَالْقَضَاءُ

( أَوْ تَعَمَّدَ مُقِيمٌ ) الْفِطْرَ ( أَوْ ) تَعَمَّدَتْ ( طَاهِرَةٌ الْفِطْرَ فَسَافَرَ ) الْمُقِيمُ بَعْدَ فِطْرِهِ عَمْدًا ( أَوْ حَاضَتْ ) الطَّاهِرَةُ بَعْدَ فِطْرِهَا عَمْدًا لَزِمَهَا إمْسَاكُ ذَلِكَ الْيَوْمِ مَعَ الْحَيْضِ وَالسَّفَرِ نَصًّا ، عُقُوبَةً ، وَالْقَضَاءُ

( أَوْ قَدِمَ مُسَافِرٌ أَوْ بَرِيءَ مَرِيضٌ مُفْطِرَيْنِ ) فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ لَزِمَهُمَا الْإِمْسَاكُ لِزَوَالِ الْمُبِيحِ لِلْفِطْرِ أَوْ الْقَضَاءُ .

( أَوْ بَلَغَ صَغِيرٌ ) ذَكَرٌ أَوْ أُنْثَى ( فِي أَثْنَائِهِ ) أَيْ : يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ وَهُوَ مُفْطِرٌ لَزِمَهُ إمْسَاكُ بَقِيَّةِ الْيَوْمِ لِتَكْلِيفِهِ وَالْقَضَاءُ ( مَا لَمْ يَبْلُغْ ) الصَّغِيرُ ( صَائِمًا بِسِنٍّ أَوْ احْتِلَامٍ ، وَقَدْ نَوَى ) الصَّوْمَ ( مِنْ اللَّيْلِ فَيُتِمُّ ) صَوْمَهُ ( وَيُجْزِئُ ) عَنْهُ ، فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ ( كَنَذْرِ إتْمَامِ نَفْلٍ ) بِخِلَافِ صَلَاةٍ وَحَجٍّ بَلَغَ فِيهِمَا غَيْرَ مَا يَأْتِي فِي الْحَجِّ

( وَإِنْ عَلِمَ مُسَافِرٌ ) بِرَمَضَانَ ( أَنَّهُ يَقْدَمُ غَدًا ) بَلَدَ قَصْدِهِ ( لَزِمَهُ الصَّوْمُ ) نَصًّا كَمَنْ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ ، وَعَلِمَ يَوْمَ قُدُومِهِ فَيَنْوِيهِ مِنْ اللَّيْلِ ( لَا صَغِيرٌ عَلِمَ أَنَّهُ يَبْلُغُ غَدًا ) بِرَمَضَانَ ، فَلَا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ مِنْ أَوَّلِ الْغَدِ ( لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ ) قَبْلَ دُخُولِ الْغَدِ ، بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .

فَصْلٌ وَيُقْبَلُ فِيهِ أَيْ : هِلَالِ رَمَضَانَ وَحْدَهُ خَبَرُ مُكَلَّفٍ لَا مُمَيِّزٍ ( عَدْلٍ ) نَصًّا ، لَا مَسْتُورٍ ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ { جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : رَأَيْت الْهِلَالَ فَقَالَ : أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : يَا بِلَالُ أَذِّنْ فِي النَّاسِ فَلْيَصُومُوهُ غَدًا } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ .
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ { تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلَالَ ، فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي رَأَيْته فَصَامَ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ؛ وَلِأَنَّهُ خَبَرٌ دِينِيٌّ لَا تُهْمَةَ فِيهِ ، بِخِلَافِ آخِرِ الشَّهْرِ ( وَلَوْ ) كَانَ الْمُخْبِرُ بِهِ ( عَبْدًا أَوْ أُنْثَى ) كَالرِّوَايَةِ ( أَوْ ) كَانَ إخْبَارُهُ ( بِدُونِ لَفْظِ الشَّهَادَةِ ) لِلْخَبَرَيْنِ ( وَلَا يَخْتَصُّ ) ثُبُوتُهُ ( بِحَاكِمٍ ) فَيَلْزَمُ الصَّوْمُ مَنْ سَمِعَ عَدْلًا يُخْبِرُ بِرُؤْيَةِ هِلَالِهِ ، وَلَوْ رَدَّهُ حَاكِمٌ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِحَالِ الْمُخْبِرِ ، وَقَدْ يَجْهَلُ الْحَاكِمُ مَنْ يَعْلَمُ غَيْرُهُ عَدَالَتَهُ ( وَتَثْبُتُ ) بِخَبَرِ الْوَاحِدِ ( بَقِيَّةُ الْأَحْكَامِ ) مِنْ حُلُولِ دُيُونٍ وَنَحْوِهَا تَبَعًا ، وَأَمَّا بَقِيَّةُ الشُّهُورِ فَلَا يُقْبَلُ فِيهَا إلَّا رَجُلَانِ عَدْلَانِ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ ، كَالنِّكَاحِ وَغَيْرِهِ ، وَالْفَرْقُ : الِاحْتِيَاطُ لِلْعِبَادَةِ

( فَلَوْ صَامُوا ) أَيْ : النَّاسُ ( ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ ) يَوْمًا ( ثُمَّ رَأَوْهُ ) أَيْ هِلَالَ شَوَّالٍ ( قَضَوْا يَوْمًا ) وَاحِدًا ( فَقَطْ ) نَصًّا ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ عَلِيٍّ ، وَلِبُعْدِ الْغَلَطِ بِيَوْمَيْنِ

( وَ ) إنْ صَامُوا ( بِشَهَادَةِ اثْنَيْنِ ) عَدْلَيْنِ ( ثَلَاثِينَ ) يَوْمًا ( وَلَمْ يَرَوْهُ ) أَيْ : هِلَالَ شَوَّالٍ ( أَفْطَرُوا ) مَعَ الصَّحْوِ وَالْغَيْمِ ، لِأَنَّ شَهَادَةَ الْعَدْلَيْنِ يَثْبُتُ بِهَا الْفِطْرُ ابْتِدَاءً ، فَتَبَعًا لِثُبُوتِ الصَّوْمِ أَوْلَى ، وَلِأَنَّهُمَا أَخْبَرَا بِالرُّؤْيَةِ السَّابِقَةِ عَنْ يَقِينٍ وَمُشَاهَدَةٍ ، فَلَا يُقَابِلُهَا الْإِخْبَارُ بِنَفْيٍ وَعَدَمٍ لَا يَقِينَ مَعَهُ لِاحْتِمَالِ حُصُولِ الرُّؤْيَةِ بِمَكَانٍ آخَرَ .
و ( لَا ) يُفْطِرُونَ إنْ صَامُوا ( ب ) شَهَادَةِ ( وَاحِدٍ ) ثَلَاثِينَ وَلَمْ يَرَوْهُ لِحَدِيثِ { وَإِنْ شَهِدَ اثْنَانِ فَصُومُوا وَأَفْطِرُوا } وَلِأَنَّ الْفِطْرَ لَا يَسْتَنِدُ إلَى شَهَادَةٍ وَاحِدَةٍ ، كَمَا لَوْ شَهِدَ بِهِلَالِ شَوَّالٍ ، بِخِلَافِ الْإِخْبَارِ بِغُرُوبِ الشَّمْسِ ، لِمَا عَلَيْهِ مِنْ الْقَرَائِنِ ( وَلَا ) إنْ صَامُوا ( لِغَيْمٍ ) ثَلَاثِينَ وَلَمْ يَرَوْهُ فَلَا يُفْطِرُونَ ؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ إنَّمَا كَانَ احْتِيَاطًا فَمَعَ مُوَافَقَتِهِ الْأَصْلَ - وَهُوَ بَقَاء رَمَضَانَ - أَوْلَى

( فَلَوْ غُمَّ ) الْهِلَالُ ( لِشَعْبَانَ ) وَغُمَّ أَيْضًا ( لِرَمَضَانَ وَجَبَ تَقْدِيرُ رَجَبٍ ، وَ ) تَقْدِيرُ ( شَعْبَانَ نَاقِصَيْنِ ) احْتِيَاطًا لِوُجُوبِ الصَّوْمِ ( فَلَا يُفْطِرُوا قَبْلَ اثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ ) يَوْمًا ( بِلَا رُؤْيَةٍ ) لِأَنَّ الصَّوْمَ إنَّمَا كَانَ احْتِيَاطًا وَالْأَصْلُ بَقَاءُ رَمَضَانَ ( وَكَذَا الزِّيَادَةُ ) أَيْ : زِيَادَةُ صَوْمِ يَوْمَيْنِ عَلَى الصَّوْمِ الْوَاجِبِ ( لَوْ غُمَّ ) الْهِلَالُ ( لِرَمَضَانَ وَشَوَّالٍ .
و ) صُمْنَا يَوْمَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ ، ثُمَّ ( أَكْمَلْنَا شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ ) أَيْ : فَرْضَاهُمَا كَامِلَيْنِ ، عَمَلًا بِالْأَصْلِ .
( وَ ) بَانَ أَنَّهُمَا ( كَانَا نَاقِصَيْنِ ) قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ : وَعَلَى هَذَا فَقِسْ ، إذَا غُمَّ هِلَالُ رَجَبٍ وَشَعْبَانَ وَرَمَضَانَ ، أَيْ : فَلَا يُفْطِرُوا قَبْلَ ثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ بِلَا رُؤْيَةٍ قَالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ : قَالُوا - يَعْنِي الْعُلَمَاءَ - لَا يَقَعُ النَّقْصُ مُتَوَالِيًا فِي أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ .

( وَمَنْ رَآهُ ) أَيْ : الْهِلَالَ ( وَحْدَهُ لِشَوَّالٍ .
لَمْ يُفْطِرْ ) لِحَدِيثِ { الْفِطْرُ يَوْمَ يُفْطِرُونَ وَالْأَضْحَى يَوْمَ يُضَحُّونَ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ ، وَلِلتِّرْمِذِيِّ مَعْنَاهُ عَنْ عَائِشَةَ وَقَالَ : حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ ، وَهُوَ وَإِنْ اعْتَقَدَهُ مِنْ شَوَّالٍ يَقِينًا فَلَا يَثْبُتُ بِهِ الْيَقِينُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ ، لِجَوَازِ أَنَّهُ خُيِّلَ إلَيْهِ ، فَيَنْبَغِي أَنْ يُتَّهَمَ فِي رُؤْيَتِهِ احْتِيَاطًا لِلصَّوْمِ وَمُوَافَقَةً لِلْجَمَاعَةِ ، وَالْمُنْفَرِدُ بِمَفَازَةٍ يَبْنِي عَلَى يَقِينِ رُؤْيَتِهِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَيَقَّنُ مُخَالَفَةَ الْجَمَاعَةِ ، ذَكَرَهُ الْمَجْدُ .

وَإِنْ رَآهُ عَدْلَانِ وَلَمْ يَشْهَدَا عِنْدَ حَاكِمٍ ، أَوْ شَهِدَا ، فَرَدَّهُمَا جَهْلًا بِحَالِهِمَا لَمْ يَجُزْ لِأَحَدِهِمَا وَلَا لِمَنْ عَرَفَ عَدَالَتَهُمَا الْفِطْرُ عِنْدَ الْمَجْدِ ، وَجَزَمَ الْمُوَفَّقُ بِالْجَوَازِ ، وَتَبِعَهُ فِي الْإِقْنَاعِ .

( وَ ) مَنْ رَأَى الْهِلَالَ وَحْدَهُ ( لِرَمَضَانَ ، وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ ، لَزِمَهُ الصَّوْمُ وَجَمِيعُ أَحْكَامِ الشَّهْرِ ، مِنْ طَلَاقٍ وَعِتْقٍ وَغَيْرِهِمَا ) كَظِهَارٍ ( مُعَلَّقٍ بِهِ ) لِأَنَّهُ يَوْمٌ عَلِمَهُ مِنْ رَمَضَانَ ، فَلَزِمَهُ حُكْمُهُ ، كَاَلَّذِي بَعْدَهُ وَإِنَّمَا جَعَلَ مِنْ شَعْبَانَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ ظَاهِرًا لِعَدَمِ عِلْمِهِمْ وَيَلْزَمُهُ إمْسَاكُهُ لَوْ أَفْطَرَ فِيهِ وَالْكَفَّارَةُ إنْ جَامَعَ فِيهِ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ عُقُوبَةً مَحْضَةً ، بَلْ عِبَادَةً ، أَوْ فِيهَا شَائِبَتُهَا

( وَإِنْ اشْتَبَهَتْ الْأَشْهُرُ عَلَى مَنْ أُسِرَ ، أَوْ طُمِرَ ، أَوْ ) عَلَى مَنْ ( بِمَفَازَةٍ وَنَحْوِهَا ) كَمَنْ أَسْلَمَ بِدَارِ كُفْرٍ ، وَعَلِمَ وُجُوبَ صَوْمِ رَمَضَانَ ، وَلَمْ يَدْرِ أَيَّ الشُّهُورِ يُسَمَّى رَمَضَانَ ( تَحَرَّى ) أَيْ : اجْتَهَدَ ( وَصَامَ ) مَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ رَمَضَانُ لِأَمَارَةٍ ، لِأَنَّهُ غَايَةُ جَهْدِهِ ( وَيُجْزِئُهُ ) الصَّوْمُ ( إنْ شَكَّ هَلْ وَقَعَ ) صَوْمُهُ ( قَبْلَهُ ) أَيْ : رَمَضَانَ ( أَوْ بَعْدَهُ ) كَمَنْ تَحَرَّى فِي غَيْمٍ وَصَلَّى ، وَشَكَّ هَلْ صَلَّى قَبْلَ الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهُ صَامَ أَوْ صَلَّى قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ ( كَمَا لَوْ وَافَقَهُ ) أَيْ : وَافَقَ صَوْمُهُ رَمَضَانَ ( أَوْ ) وَافَقَ ( مَا بَعْدَهُ ) مِنْ الشُّهُورِ ؛ لِأَنَّهُ أَدَّى فَرْضَهُ بِالِاجْتِهَادِ فِي مَحَلِّهِ ، فَإِذَا أَصَابَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ الْحَالَ أَجْزَأَهُ ، كَالْقِبْلَةِ إذَا اشْتَبَهَتْ عَلَى مُسَافِرٍ ( لَا إنْ وَافَقَ ) صَوْمُهُ رَمَضَانَ ( الْقَابِلَ ، فَلَا يُجْزِئُ ) الصَّوْمُ ( عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ) أَيْ : الرَّمَضَانَيْنِ لِاعْتِبَارِ نِيَّةِ التَّعْيِينِ ( وَ ) إنْ صَامَ شَوَّالًا أَوْ ذَا الْحِجَّةِ ، فَإِنَّهُ ( يَقْضِي مَا وَافَقَ عِيدًا أَوْ أَيَّامَ تَشْرِيقٍ ) لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ صَوْمُهَا عَنْ رَمَضَانَ

( وَلَوْ صَامَ ) مَنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْأَشْهُرُ ( شَعْبَانَ ثَلَاثَ سِنِينَ مُتَوَالِيَةً ، ثُمَّ عَلِمَ ) الْحَالَ ( قَضَى مَا فَاتَ ) وَهُوَ رَمَضَانُ ثَلَاثَ سِنِينَ قَضَاءً ( مُرَتَّبًا شَهْرًا عَلَى إثْرِ شَهْرٍ ) بِالنِّيَّةِ كَالْفَائِتَةِ مِنْ الصَّلَاةِ ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ : مَا يَأْتِي فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ : أَنْ لَا يُؤَخِّرَهُ عَنْ شَعْبَانَ ، وَأَنَّهُ لَا يَجِبُ التَّتَابُعُ ، بَلْ يَجُوزُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ الشُّهُورِ وَالْأَيَّامِ نَصًّا

( وَيَجِبُ ) صِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ ( عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ } فَلَا يَجِبُ عَلَى كَافِرٍ ، وَلَوْ أَسْلَمَ فِي أَثْنَائِهِ ، لَمْ يَلْزَمْهُ مَا مَضَى مِنْ الْأَيَّامِ لِحَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ " قَدِمُوا عَلَيْهِ فِي رَمَضَانَ وَضُرِبَ عَلَيْهِمْ قُبَّةٌ فِي الْمَسْجِدِ ، فَلَمَّا أَسْلَمُوا صَامُوا مَا بَقِيَ مِنْ الشَّهْرِ " وَلَا كُلُّ يَوْمٍ عِبَادَةٌ مُنْفَرِدَةٌ ( قَادِرٍ ) عَلَى صَوْمٍ لَا عَلَى عَاجِزٍ عَنْهُ لِنَحْوِ مَرَضٍ ، لِلْآيَةِ ( مُكَلَّفٍ ) فَلَا يَجِبُ عَلَى صَغِيرٍ وَلَا مَجْنُونٍ لِحَدِيثِ { رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ } ( لَكِنْ عَلَى وَلِيِّ صَغِيرٍ ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى ( مُطِيقٍ ) لِلصَّوْمِ ( أَمْرُهُ بِهِ وَضَرْبُهُ عَلَيْهِ ) أَيْ : الصَّوْمِ ( لِيَعْتَادَهُ ) إذَا بَلَغَ ، وَقَالَ الْمَجْدُ : لَا يُؤَاخَذُ بِهِ ، وَيُضْرَبُ عَلَيْهِ فِيمَا دُونَ الْعَشْرِ كَالصَّلَاةِ

( وَمَنْ عَجَزَ عَنْهُ ) أَيْ : الصَّوْمِ ( لِكِبَرٍ ) كَشَيْخٍ هَرِمٍ وَعَجُوزٍ يُجْهِدُهُمَا الصَّوْمُ ، وَيَشُقُّ عَلَيْهِمَا مَشَقَّةً شَدِيدَةً ( أَوْ ) عَجَزَ عَنْهُ لِ ( مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ أَفْطَرَ ، وَعَلَيْهِ ) أَيْ : مَنْ عَجَزَ عَنْهُ لِكِبَرٍ ، أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ إنْ كَانَ أَفْطَرَهُ ( لَا مَعَ عُذْرٍ مُعْتَادٍ كَسَفَرٍ ) إطْعَامٌ ( عَنْ كُلِّ يَوْمٍ لِمِسْكِينٍ مَا ) أَيْ : طَعَامٌ ( يُجْزِئُ فِي كَفَّارَةٍ ) مُدٌّ مِنْ بُرٍّ أَوْ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ غَيْرِهِ ، لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْله تَعَالَى : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ } لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ : هِيَ لِلْكَبِيرِ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الصَّوْمَ ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ، وَمَعْنَاهُ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ مُعَاذٍ ، وَلَمْ يُدْرِكْهُ ، رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَلِأَبِي دَاوُد بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ ابْنِ أَبِي لَيْلَى حَدَّثَنَا أَصْحَابُنَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ - فَذَكَرَهُ ، وَأَلْحَقَ بِهِ مَنْ لَا يُرْجَى بُرْءُ مَرَضِهِ ، فَإِنْ كَانَ الْعَاجِزُ عَنْهُ لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ مُسَافِرًا فَلَا فِدْيَةَ لِفِطْرِهِ لِعُذْرٍ مُعْتَادٍ ، وَلَا قَضَاءَ لِعَجْزِهِ عَنْهُ فَيُعَايَى بِهَا ( وَمَنْ أَيِسَ ) مِنْ بُرْئِهِ ( ثُمَّ قَدَرَ عَلَى قَضَاءِ ) مَا أَفْطَرَهُ لِمَرَضِهِ ( فَكَمَغْصُوبٍ ) عَجَزَ عَنْ حَجٍّ ( وَأَحَجَّ عَنْهُ ، ثُمَّ عُوفِيَ ) فَلَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا أَفْطَرَهُ ، وَأَخْرَجَ فَدِيَتَهُ اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الْوُجُوبِ .

( وَسُنَّ فِطْرٌ ، وَكُرِهَ صَوْمُ ) مُسَافِرٍ ( سَفَرَ قَصْرٍ وَلَوْ بِلَا مَشَقَّةٍ ) لِحَدِيثِ { لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَزَادَ { عَلَيْكُمْ بِرُخْصَةِ اللَّهِ الَّتِي رَخَّصَ لَكُمْ فَاقْبَلُوهَا } وَإِنْ صَامَ أَجْزَأَهُ نَصًّا لِحَدِيثِ { هِيَ رُخْصَةٌ مِنْ اللَّهِ فَمَنْ أَخَذَ بِهَا فَحَسَنٌ وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَصُومَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ .

( فَلَوْ سَافَرَ ) مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ بِرَمَضَانَ ( لِيُفْطِرَ ) فِيهِ ( حُرِّمَا ) أَيْ : السَّفَرُ وَالْإِفْطَارُ ، أَمَّا الْفِطْرُ فَلِعَدَمِ الْعُذْرِ الْمُبِيحِ وَهُوَ السَّفَرُ الْمُبَاحُ ، وَأَمَّا السَّفَرُ فَلِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى الْفِطْرِ الْمُحَرَّمِ .

( وَ ) سُنَّ فِطْرٌ وَكُرِهَ صَوْمٌ ( لِخَوْفِ مَرَضٍ بِعَطَشٍ أَوْ غَيْرِهِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ } وَلِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَرِيضِ ، لِتَضَرُّرِهِ بِالصَّوْمِ .

وَسُنَّ فِطْرٌ ( وَ ) كُرِهَ صَوْمٌ ل ( خَوْفِ مَرِيضٍ وَحَادِثٍ بِهِ فِي يَوْمِهِ ) مَرَضٌ ( ضَرَرًا بِزِيَادَتِهِ أَوْ طُولِهِ ) أَيْ : الْمَرَضِ ( بِقَوْلِ ) طَبِيبٍ مُسْلِمٍ ( ثِقَةٍ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } إلَى قَوْلِهِ { يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ } .
وَيُبَاحُ الْفِطْرُ لِمَرِيضٍ قَادِرٍ عَلَى صَوْمٍ يَتَضَرَّرُ بِتَرْكِ التَّدَاوِي ، وَلَا يُمْكِنُهُ فِيهِ كَمَنْ بِهِ رَمَدٌ يَخَافُ بِتَرْكِ الِاكْتِحَالِ ، وَكَاحْتِقَانٍ ، وَمُدَاوَاةِ مَأْمُومَةٍ أَوْ جَائِفَةٍ .

( وَجَازَ وَطْءٌ لِمَنْ بِهِ مَرَضٌ يَنْتَفِعُ بِهِ ) أَيْ : الْوَطْءِ ( فِيهِ ) أَيْ : الْمَرَضِ كَالْمُدَاوَاةِ ( أَوْ ) بِهِ ( شَبَقٌ وَلَمْ تَنْدَفِعْ شَهْوَتُهُ بِدُونِهِ ) أَيْ : الْوَطْءِ ( وَيَخَافُ تَشَقُّقَ أُنْثَيَيْهِ ) إنْ لَمْ يَطَأْ ( وَلَا كَفَّارَةَ ) نَقَلَهُ الشَّالَنْجِيُّ ، فَإِنْ انْدَفَعَتْ شَهْوَتُهُ بِدُونِهِ ، لَمْ يَجُزْ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ ( وَيَقْضِي ) عَدَدَ مَا أَفْسَدَهُ مِنْ الْأَيَّامِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } ( مَا لَمْ يَتَعَذَّرْ ) الْقَضَاءُ عَلَيْهِ ( لِشَبَقٍ فَيُطْعِمُ ) لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا ( كَكَبِيرٍ ) عَاجِزٍ عَنْ صَوْمٍ .
( وَمَتَى لَمْ يُمْكِنْهُ ) الْوَطْءُ ، لِدَفْعِ الشَّبَقِ ( إلَّا بِإِفْسَادِ صَوْمِ مَوْطُوءَةٍ ) فَإِنْ لَمْ تَنْدَفِعْ شَهْوَتُهُ بِاسْتِمْنَاءٍ بِيَدِهِ أَوْ يَدِ زَوْجَتِهِ أَوْ جَارِيَتِهِ ، وَلَا بِمُبَاشَرَةٍ دُونَ الْفَرْجِ ( جَازَ لَهُ ) الْوَطْءُ ( ضَرُورَةً ) أَيْ : لِدُعَاءِ الضَّرُورَةِ إلَيْهِ ، كَأَكْلِ مُضْطَرٍّ مَيْتَةً ، فَإِنْ كَانَتْ حَائِضٌ وَصَائِمَةٌ طَاهِرَةٌ مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ سُرِّيَّةٍ ( فَ ) وَطْءُ طَاهِرَةٍ ( صَائِمَةٍ أَوْلَى مِنْ ) وَطْءِ ( حَائِضٍ ) لِنَهْيِ الْكِتَابِ عَنْ وَطْءِ الْحَائِضِ ، وَتَعَدَّى ضَرَرُهُ ( وَتَتَعَيَّنُ ) لِلْوَطْءِ ( مَنْ لَمْ تَبْلُغْ ) مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ أَمَةٍ مُبَاحَةٍ ، كَمَجْنُونَةٍ وَكِتَابِيَّةٍ ، لِتَحْرِيمِ إفْسَادِ صَوْمِ الْبَالِغَةِ بِلَا ضَرُورَةٍ إلَيْهِ

( وَإِنْ نَوَى حَاضِرٌ صَوْمَ يَوْمٍ ) بِرَمَضَانَ ( وَسَافَرَ فِي أَثْنَائِهِ ) أَيْ : الْيَوْمِ طَوْعًا أَوْ كَرْهًا ( فَلَهُ الْفِطْرُ ) لِظَاهِرِ الْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ ، وَكَالْمَرَضِ الطَّارِئِ وَلَوْ بِفِعْلِهِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ ، لِأَنَّهَا حَيْثُ وَجَبَ إتْمَامُهَا لَمْ تُقْصَرْ لِآكَدِيِّتِهَا وَعَدَمِ مَشَقَّةِ إتْمَامِهَا ( إذَا خَرَجَ ) أَيْ : فَارَقَ بُيُوتَ قَرْيَتِهِ الْعَامِرَةِ وَنَحْوَهُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَهُ لَا يُسَمَّى مُسَافِرًا ( وَالْأَفْضَلُ ) لِحَاضِرٍ نَوَى صَوْمًا وَسَافَرَ فِي أَثْنَائِهِ ( عَدَمُهُ ) أَيْ : الْفِطْرِ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ .

( وَكُرِهَ صَوْمُ حَامِلٍ وَمُرْضِعٍ خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا أَوْ ) خَافَتَا عَلَى ( الْوَلَدِ ) كَالْمَرِيضِ وَأَوْلَى ( وَيَقْضِيَانِ الْفِطْرَ ) عَدَدَ أَيَّامِ فِطْرِهِمَا لِقُدْرَتِهِمَا عَلَى الْقَضَاءِ وَلَا إطْعَامَ عَلَيْهِمَا لِأَنَّهُمَا كَالْمَرِيضِ الْخَائِفِ عَلَى نَفْسِهِ ( وَيَلْزَمُ مَنْ يَمُونُ الْوَلَدَ إنْ خِيفَ عَلَيْهِ فَقَطْ ) مِنْ الصَّوْمِ ( إطْعَامُ مِسْكِينٍ كُلَّ يَوْمٍ ) أَفْطَرَتْهُ حَامِلٌ أَوْ مُرْضِعٌ خَوْفًا عَلَى الْوَلَدِ ( مَا ) أَيْ طَعَامًا ( يُجْزِئُ فِي كَفَّارَةٍ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ " كَانَتْ رُخْصَةً لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ ، وَهُمَا يُطِيقَانِ الصِّيَامَ : أَنْ يُفْطِرَا وَيُطْعِمَا مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا وَالْحُبْلَى وَالْمُرْضِعُ إذَا خَافَتَا عَلَى أَوْلَادِهِمَا أَفْطَرَتَا وَأَطْعَمَتَا " .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ ، وَلِأَنَّهُ فَطَرَ بِسَبَبِ نَفْسٍ عَاجِزَةٍ مِنْ طَرِيقِ الْخِلْقَةِ ، فَوَجَبَتْ بِهِ الْكَفَّارَةُ كَالشَّيْخِ الْهَرِمِ ( وَتُجْزِئُ ) كَفَّارَةٌ ( إلَى ) مِسْكِينٍ ( وَاحِدٍ جُمْلَةً ) وَاحِدَةً قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ : إخْرَاجُ الْإِطْعَامِ عَلَى الْفَوْرِ ، لِوُجُوبِهِ ، وَهَذَا أَقْيَسُ .
وَذَكَرَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ : إنْ أَتَى بِهِ مَعَ الْقَضَاءِ جَازَ ؛ لِأَنَّهُ كَالتَّكْمِلَةِ لَهُ ، فَإِنْ خَافَتَا عَلَى أَنْفُسِهِمَا فَقَطْ أَوْ مَعَ الْوَلَدِ ، فَلَا إطْعَامَ كَالْمَرِيضِ ( وَمَتَى قَبِلَ رَضِيعٌ ثَدْيِ غَيْرِهَا ) أَيْ : أُمِّهِ ( وَقَدَرَ أَنْ يَسْتَأْجِرَ لَهُ لَمْ تُفْطِرْ ) أُمُّهُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ ( وَظِئْرٌ ) أَيْ : مُرْضِعَةٌ لِوَلَدِ غَيْرِهَا ( كَأُمٍّ ) فِي إبَاحَةِ فِطْرٍ إنْ خَافَتْ عَلَى نَفْسِهَا أَوْ الرَّضِيعِ ، فَإِنْ وَجَبَ إطْعَامٌ ( فَ ) عَلَى مَنْ يَمُونُهُ ( لَوْ تَغَيَّرَ لَبَنُهَا ) أَيْ : الظِّئْرِ الْمُسْتَأْجَرَةِ لِلْإِرْضَاعِ ( ب ) سَبَبِ ( صَوْمِهَا أَوْ نَقَصَ ) لَبَنُهَا لِصَوْمِهَا ( فَلِمُسْتَأْجَرِهَا الْفَسْخُ ) لِلْإِجَارَةِ دَفْعًا لِلضَّرَرِ ( وَتُجْبَرُ ) بِطَلَبِ

مُسْتَأْجِرٍ ( عَلَى فِطْرٍ إنْ تَأَذَّى الرَّضِيعُ ) بِصَوْمِهَا فَإِنْ قَصَدَتْ الْإِضْرَارَ أَثِمَتْ ، ذَكَرَهُ ابْنُ الزَّاغُونِيِّ ، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ : إنْ تَأَذَّى الصَّبِيُّ بِنَقْصِهِ أَوْ تَغَيُّرِهِ لَزِمَهَا الْفِطْرُ

( وَيَجِبُ الْفِطْرُ عَلَى مَنْ احْتَاجَهُ ) أَيْ الْفِطْرَ ( لِإِنْقَاذِ مَعْصُومٍ مِنْ مَهْلَكَةٍ كَغَرَقٍ وَنَحْوِهِ ) لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ تَدَارُكُ الصَّوْمِ بِالْقَضَاءِ ، بِخِلَافِ الْغَرِيقِ وَنَحْوِهِ ، وَمَنْ خَافَ تَلَفًا بِصَوْمِهِ أَجْزَأَهُ صَوْمُهُ ، وَكُرِهَ صَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ : يَحْرُمُ صَوْمُهُ ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَلَمْ أَجِدْهُمْ ذَكَرُوا فِي الْإِجْزَاءِ خِلَافًا ، وَذَكَرَ جَمَاعَةٌ فِي صَوْمِ الظِّهَارِ يَجِبُ فِطْرُهُ بِمَرَضٍ مَخُوفٍ ، وَمَنْ صَنْعَتُهُ شَاقَّةٌ وَتَضَرَّرَ بِتَرْكِهَا ، وَخَافَ تَلَفًا أَفْطَرَ وَقَضَى ، ذَكَرَهُ الْآجُرِّيُّ

( وَلَيْسَ لِمَنْ أُبِيحَ لَهُ فِطْرٌ بِرَمَضَانَ ) كَمُسَافِرٍ ( صَوْمُ غَيْرِهِ ) أَيْ : رَمَضَانَ ( فِيهِ ) أَيْ : رَمَضَانَ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسَعُ غَيْرَ مَا فُرِضَ فِيهِ .

" تَتِمَّةٌ " يُنْكَرُ عَلَى مَنْ أَكَلَ فِي رَمَضَانَ ظَاهِرًا وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ عُذْرٌ قَالَهُ الْقَاضِي ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : إنْ كَانَتْ أَعْذَارٌ خَفِيفَةٌ مُنِعَ مِنْ إظْهَارِهِ .

فَصْلٌ وَشُرِطَ لِصَوْمِ كُلِّ يَوْمٍ وَاجِبٍ نِيَّةٌ مُعَيَّنَةٌ لَهُ بِأَنْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ يَصُومُ مِنْ رَمَضَانَ ، أَوْ قَضَائِهِ ، أَوْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ ، لِأَنَّ كُلَّ يَوْمٍ عِبَادَةٌ مُفْرَدَةٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفْسُدُ يَوْمٌ بِفَسَادِ يَوْمٍ آخَرَ ، وَكَالْقَضَاءِ ( مِنْ اللَّيْلِ ) لِحَدِيثِ { مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَلَا صِيَامَ لَهُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ .
وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا { مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَا صِيَامَ لَهُ } وَقَالَ : إسْنَادُهُ كُلُّهُ ثِقَاتٌ ، وَكَالْقَضَاءِ .
وَأَوَّلُ اللَّيْلِ وَأَوْسَطُهُ وَآخِرُهُ : مَحَلٌّ لِلنِّيَّةِ فَأَيُّ جُزْءٍ نَوَى فِيهِ أَجْزَأَهُ ( وَلَوْ أَتَى بَعْدَهَا ) أَيْ : النِّيَّةِ ( لَيْلًا بِمُنَافٍ لِلصَّوْمِ ) لَا لِلنِّيَّةِ كَأَكْلٍ وَشُرْبٍ وَجِمَاعٍ ، لِظَاهِرِ الْخَبَرِ ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَبَاحَ الْأَكْلَ لِآخِرِ اللَّيْلِ ، فَلَوْ بَطَلَتْ بِهِ فَاتَ مَحِلُّهَا ، وَإِنْ نَوَتْ حَائِضٌ صَوْمَ الْغَدِ الْوَاجِبِ ، وَقَدْ عَرَفَتْ أَنَّهَا تَطْهُرُ لَيْلًا صَحَّ لِمَشَقَّةِ الْمُقَارَنَةِ ( وَلَا ) تُعْتَبَرُ ( نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ ) بِأَنْ يَنْوِيَ الصَّوْمَ فَرْضًا لِإِجْزَاءِ التَّعْيِينِ عَنْهُ ، وَكَالصَّلَاةِ

( وَلَوْ نَوَى ) لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ ( إنْ كَانَ ) الزَّمَانُ ( غَدًا مِنْ رَمَضَانَ ، فَفَرْضٌ وَإِلَّا ) يَكُنْ مِنْ رَمَضَانَ ( فَنَفْلٌ ) لَمْ يُجْزِئْهُ .
أَوْ نَوَى إنْ كَانَ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ فَفَرْضٌ ( أَوْ ) إلَّا فَ ( عَنْ وَاجِبٍ ) عَيَّنَهُ مِنْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ ( وَعَيَّنَهُ ) أَيْ : الْوَاجِبَ ( بِنِيَّةٍ لَمْ تُجْزِئْهُ ) إنْ بَانَ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِ ، لَا عَنْ رَمَضَانَ ، وَلَا عَنْ ذَلِكَ الْوَاجِبِ لِعَدَمِ جَزْمِهِ بِالنِّيَّةِ لِأَحَدِهِمَا ( إلَّا إنْ قَالَ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ مِنْ رَمَضَانَ ) : إنْ كَانَ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ فَفَرْضِي ( وَإِلَّا فَأَنَا مُفْطِرٌ ) فَيُجْزِئُهُ إنْ بَانَ مِنْ رَمَضَانَ ؛ لِأَنَّهُ بَنَى عَلَى أَصْلٍ لَمْ يَثْبُتْ زَوَالُهُ ، وَلَا يَقْدَحُ تَرَدُّدُهُ لِأَنَّهُ حُكْمُ صَوْمِهِ مَعَ الْجُزْءِ .
( وَإِذَا نَوَى خَارِجَ رَمَضَانَ ) صَوْمًا ( وَقَضَاءً وَنَفْلًا ) فَنَفْلٌ ( أَوْ ) نَوَى قَضَاءً ، و ( نَذْرًا ، أَوْ ) نَوَى قَضَاءً ، و ( كَفَّارَةَ نَحْوِ ظِهَارٍ فَ ) هُوَ ( نَفْلٌ ) إلْغَاءً لِلْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ لِعَدَمِ الْجَزْمِ بِنِيَّتِهَا فَتَبْقَى نِيَّةُ الصَّوْمِ ، وَرَدَّهُ صَاحِبُ الْإِقْنَاعِ بِأَنَّ مَنْ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ ، لَا يَصِحُّ تَطَوُّعُهُ قَبْلَهُ .

( وَمَنْ قَالَ : أَنَا صَائِمٌ غَدًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، فَإِنْ قَصَدَ بِالْمَشِيئَةِ الشَّكَّ ) بِأَنْ شَكَّ هَلْ يَصُومُ أَوْ لَا ؟ ( أَوْ ) قَصَدَ بِهَا ( التَّرَدُّدَ فِي الْعَزْمِ ) فَلَمْ يَجْزِمْ بِالنِّيَّةِ ( أَوْ ) التَّرَدُّدِ فِي ( الْقَصْدِ ) بِأَنْ تَرَدَّدَ هَلْ يَنْوِي الصَّوْمَ بَعْدَ ذَلِكَ جَزْمًا أَوْ لَا ؟ قَالَهُ فِي شَرْحِهِ ( فَسَدَتْ نِيَّتُهُ ) لِعَدَمِ جَزْمِهِ بِهَا ( وَإِلَّا ) يَقْصِدُ الشَّكَّ وَلَا التَّرَدُّدَ ( فَلَا ) تَفْسُدُ نِيَّتُهُ ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ أَنَّ صَوْمَهُ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَوْفِيقِهِ وَتَيْسِيرِهِ ، كَمَا لَا يَفْسُدُ الْإِيمَانُ بِقَوْلِهِ : أَنَا مُؤْمِنٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، غَيْرَ مُتَرَدِّدٍ فِي الْحَالِ .
قَالَ الْقَاضِي : وَكَذَا نَقُولُ فِي سَائِرِ الْعِبَادَاتِ : لَا تَفْسُدُ بِذِكْرِ الْمَشِيئَةِ فِي نِيَّتِهَا ا هـ .
أَيْ : إذَا لَمْ يَقْصِدْ الشَّكَّ وَلَا التَّرَدُّدَ

( وَمَنْ خَطَرَ بِقَلْبِهِ لَيْلًا أَنَّهُ صَائِمٌ غَدًا فَقَدْ نَوَى ، وَكَذَا الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ بِنِيَّةِ الصَّوْمِ ) لِأَنَّ مَحَلَّ النِّيَّةِ الْقَلْبُ ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : هُوَ حِينَ يَتَعَشَّى عَشَاءَ مَنْ يُرِيدُ الصَّوْمَ ، وَلِهَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَ عَشَاءِ لَيْلَةِ الْعِيدِ وَعَشَاءِ لَيَالِي رَمَضَانَ

( وَلَا يَصِحُّ ) صَوْمٌ ( مِمَّنْ جُنَّ ) جَمِيعَ النَّهَارِ ( أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ جَمِيعَ النَّهَارِ ) لِأَنَّ الصَّوْمَ : الْإِمْسَاكُ ، مَعَ النِّيَّةِ لِحَدِيثِ " { يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى : كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصَّوْمَ ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ ، يَدَعُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ مِنْ أَجْلِي } فَأَضِفْ التَّرْكَ إلَيْهِ ، وَهُوَ لَا يُضَافُ إلَى الْمَجْنُونِ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ فَلَمْ يَجُزْ ، وَالنِّيَّةُ وَحْدَهَا لَا تُجْزِئُ .

( وَيَصِحُّ ) الصَّوْمُ ( مِمَّنْ أَفَاقَ ) مِنْ جُنُونٍ أَوْ إغْمَاءٍ ( جُزْءًا مِنْهُ ) أَيْ : النَّهَارِ مِنْ أَوَّلِهِ أَوْ آخِرِهِ حَيْثُ بَيَّتَ النِّيَّةَ ، لِصِحَّةِ إضَافَةِ التَّرْكِ إلَيْهِ إذَنْ ، وَيُفَارِقُ الْجُنُونُ الْحَيْضَ بِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ الْوُجُوبَ بَلْ الصِّحَّةَ وَيَحْرُمُ فِعْلُهُ ( أَوْ نَامَ جَمِيعَهُ ) أَيْ : النَّهَارِ ، فَيَصِحُّ صَوْمُهُ ؛ لِأَنَّ النَّوْمَ عَادَةٌ ، وَلَا يَزُولُ الْإِحْسَاسُ بِهِ بِالْكُلِّيَّةِ ؛ لِأَنَّهُ مَتَى نُبِّهَ انْتَبَهَ ( وَيَقْضِي مُغْمًى عَلَيْهِ ) زَمَنَ إغْمَائِهِ ؛ لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ ( فَقَطْ ) أَيْ : دُونَ مَجْنُونٍ ، لِأَنَّهُ غَيْرُ مُكَلَّفٍ ؛ لِأَنَّ مُدَّةَ الْإِغْمَاءِ لَا تَطُولُ غَالِبًا ، وَلَا تَثْبُتُ الْوِلَايَةُ عَلَى الْمُغْمَى عَلَيْهِ

( وَمَنْ نَوَى الْإِفْطَارَ ) أَوْ تَرَدَّدَ فِيهِ ( فَكَمَنْ لَمْ يَنْوِ ) الصَّوْمَ ، لِقَطْعِهِ النِّيَّةَ ، لَا كَمَنْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ ( فَيَصِحُّ أَنْ يَنْوِيَهُ ) أَيْ : صَوْمَ الْيَوْمِ الَّذِي نَوَى الْإِفْطَارَ فِيهِ ( نَفْلًا بِغَيْرِ رَمَضَانَ ) نَصًّا

( وَمَنْ قَطَعَ نِيَّةَ ) صَوْمِ ( نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ قَضَاءٍ ثُمَّ نَوَى ) صَوْمَ ( نَفْلًا صَحَّ ) نَفْلُهُ جَزَمَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ وَالتَّنْقِيحِ ، وَرَدَّهُ صَاحِبُ الْإِقْنَاعِ فِي الْقَضَاءِ بِمَا تَقَدَّمَ

( وَإِنْ قَلَبَ ) صَائِمٌ ( نِيَّةَ نَذْرٍ أَوْ قَضَاءٍ إلَى نَفْلٍ صَحَّ ) كَقَلْبِ فَرْضِ الصَّلَاةِ نَفْلًا ، وَخَالَفَ فِي الْإِقْنَاعِ فِي قَلْبِ الْقَضَاءِ لِمَا سَبَقَ ( وَكُرِهَ ) لَهُ ذَلِكَ ( لِغَيْرِ غَرَضٍ ) صَحِيحٍ كَالصَّلَاةِ .

( وَيَصِحُّ صَوْمُ نَفْلٍ بِنِيَّةٍ ) مِنْ ( أَثْنَاءِ ) النَّهَارِ ( وَلَوْ ) كَانَتْ ( بَعْدَ الزَّوَالِ ) نَصًّا ، وَهُوَ قَوْلُ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ ، وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ حَكَاهُ عَنْهُمْ إِسْحَاقُ فِي رِوَايَةِ حَرْبٍ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ : { دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ : هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ شَيْءٍ ؟ فَقُلْنَا : لَا قَالَ : فَإِنِّي إذَنْ صَائِمٌ } مُخْتَصَرٌ ، رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَلِأَنَّ اعْتِبَارَ نِيَّةِ التَّبْيِيتِ لِنَفْلِ الصَّوْمِ يُفَوِّتُ كَثِيرًا مِنْهُ ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَبْدُو لَهُ الصَّوْمُ بِالنَّهَارِ لِنَشَاطٍ أَوْ غَيْرِهِ ، فَسُومِحَ فِيهِ بِذَلِكَ ، كَمَا سُومِحَ فِي نَفْلِ الصَّلَاةِ بِتَرْكِ الْقِيَامِ وَغَيْرِهِ ، وَلِأَنَّ مَا بَعْدَ الزَّوَالِ مِنْ النَّهَارِ ، فَأَشْبَهَ مَا قَبْلَهُ بِلَحْظَةٍ ، وَبِهِ يَبْطُلُ تَعْلِيلُ الْمَنْعِ بَعْدَهُ : بِأَنَّ الْأَكْثَرَ خَلَا عَنْ نِيَّةٍ ، فَإِنَّ مَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَالزَّوَالِ يَزِيدُ عَلَى مَا بَيْنَ الزَّوَالِ وَالْغُرُوبِ ( وَيُحْكَمُ بِالصَّوْمِ الشَّرْعِيِّ الْمُثَابِ عَلَيْهِ مِنْ وَقْتِهَا ) أَيْ : النِّيَّةِ لِحَدِيثِ { وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى } وَمَا قَبْلَهُ لَمْ يُوجَدْ فِيهِ قَصْدُ الْقُرْبَةِ ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُمْسِكًا فِيهِ عَنْ الْمُفْسِدَاتِ لِتَحْقِيقِ مَعْنَى الْقُرْبَةِ ، وَحِكْمَةُ الصَّوْمِ فِي الْقَصْدِ وَالْمَنْوِيِّ ( فَيَصِحُّ تَطَوُّعُ مَنْ طَهُرَتْ ) فِي يَوْمٍ ( أَوْ ) مَنْ ( أَسْلَمَ فِي يَوْمٍ لَمْ يَأْتِيَا ) أَيْ : الَّتِي طَهُرَتْ وَمَنْ أَسْلَمَ ( فِيهِ ) أَيْ : ذَلِكَ الْيَوْمِ ( بِمُفْسِدٍ ) مِنْ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَنَحْوِهِمَا كَالْجِمَاعِ ،

وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ ( مَنْ ) أَيْ : صَائِمٌ ( أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ اسْتَعَطَ ) فِي أَنْفِهِ بِدَهْنٍ أَوْ غَيْرِهِ ، فَوَصَلَ إلَى حَلْقِهِ أَوْ دِمَاغِهِ .
وَفِي الْكَافِي : إلَى خَيَاشِيمِهِ ، فَسَدَ صَوْمُهُ ( أَوْ احْتَقَنَ ، أَوْ دَاوَى الْجَائِفَة فَوَصَلَ ) الدَّوَاءُ ( إلَى جَوْفِهِ ) فَسَدَ صَوْمُهُ نَصًّا

( أَوْ اكْتَحَلَ بِمَا ) أَيْ : شَيْءٍ ( عَلِمَ وُصُولَهُ إلَى حَلْقِهِ ) لِرُطُوبَتِهِ أَوْ بُرُودَتِهِ ( مِنْ كُحْلٍ أَوْ صَبْرٍ أَوْ قَطُورٍ ، أَوْ ذَرُورَةٍ أَوْ إثْمِدٍ كَثِيرٍ أَوْ يَسِيرِ مُطَيِّبٍ ) فَسَدَ صَوْمُهُ ؛ لِأَنَّ الْعَيْنَ مَنْفَذٌ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَادًا بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ كَدَهْنِ رَأْسِهِ ( أَوْ أَدْخَلَ إلَى جَوْفِهِ شَيْئًا ) مِنْ كُلِّ مَحَلٍّ يَنْفُذُ إلَى مَعِدَتِهِ ( مُطْلَقًا ) أَيْ : سَوَاءٌ كَانَ يَنْمَاعُ وَيُغَذِّي أَوْ لَا ، كَحَصَاةٍ وَقِطْعَةِ حَدِيدٍ وَرَصَاصٍ ، وَنَحْوِهِمَا وَلَوْ طَرَفَ سِكِّينٍ مِنْ فِعْلِهِ أَوْ فِعْلِ غَيْرِهِ بِإِذْنِهِ فَسَدَ صَوْمُهُ

( أَوْ وَجَدَ طَعْمَ عِلْكٍ مَضَغَهُ بِحَلْقِهِ ) فَسَدَ صَوْمُهُ لِأَنَّهُ دَلِيلُ وُصُولِ أَجْزَائِهِ إلَيْهِ .

( أَوْ وَصَلَ إلَى فَمِهِ نُخَامَةٌ مُطْلَقًا ) أَيْ : سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ دِمَاغِهِ أَوْ حَلْقِهِ ، أَوْ صَدْرِهِ فَابْتَلَعَهَا ، فَسَدَ صَوْمُهُ ، لِعَدَمِ مَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ عَنْهَا بِخِلَافِ الْبُصَاقِ ( وَيَحْرُمُ بَلْعُهَا ) أَيْ : النُّخَامَةِ بَعْدَ وُصُولِهَا إلَى فَمِهِ لِإِفْسَادِ صَوْمِهِ ( أَوْ ) وَصَلَ إلَى فَمِهِ ( قَيْءٌ أَوْ نَحْوُهُ ) كَقَلْسٍ بِسُكُونِ اللَّامِ ، قَالَ فِي الْقَامُوسِ : مَا خَرَجَ مِنْ الْحَلْقِ مِلْءَ الْفَمِ ، أَوْ دُونَهُ ، وَلَيْسَ بِقَيْءٍ ، فَإِنْ عَادَ فَهُوَ قَيْءٌ ( أَوْ تَنَجَّسَ رِيقُهُ ، فَابْتَلَعَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ ) أَيْ : مِنْ النُّخَامَةِ وَالْقَيْءِ وَنَحْوِهِ أَوْ رِيقَهُ الْمُتَنَجِّسَ فَسَدَ صَوْمُهُ

( أَوْ دَاوَى الْمَأْمُومَةَ ) أَيْ : الشَّجَّةَ الَّتِي تَصِلُ إلَى أُمِّ الدِّمَاغِ ( بِدَوَاءٍ ) وَصَلَ إلَى دِمَاغِهِ فَسَدَ صَوْمُهُ ( أَوْ قَطَّرَ فِي أُذُنِهِ مَا ) أَيْ شَيْئًا ( وَصَلَ إلَى دِمَاغِهِ ) فَسَدَ صَوْمُهُ ؛ لِأَنَّهُ وَاصِلٌ إلَى جَوْفِهِ بِاخْتِيَارِهِ ، أَشْبَهَ الْأَكْلَ

( أَوْ اسْتَقَاءَ ) أَيْ : اسْتَدْعَى الْقَيْءَ ( فَقَاءَ ) طَعَامًا أَوْ مِرَارًا أَوْ غَيْرَهُمَا ، وَلَوْ قَلَّ ، فَسَدَ صَوْمُهُ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { مَنْ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ

( أَوْ كَرَّرَ النَّظَرَ فَأَمْنَى ) لَا إنْ أَمْذَى ، فَسَدَ صَوْمُهُ ؛ لِأَنَّهُ أَنْزَلَ بِفِعْلٍ يَتَلَذَّذُ بِهِ يُمْكِنُ التَّحَرُّزُ عَنْهُ ، أَشْبَهَ الْإِنْزَالَ بِالْمَسِّ ( أَوْ اسْتَمْنَى ) بِيَدِهِ أَوْ غَيْرِهَا فَأَمْنَى أَوْ أَمْذَى فَسَدَ ( أَوْ قَبَّلَ ) فَأَمْنَى أَوْ أَمْذَى ( أَوْ لَمَسَ ) فَأَمْنَى أَوْ أَمْذَى فَسَدَ ( أَوْ بَاشَرَ دُونَ فَرْجٍ فَأَمْنَى أَوْ أَمْذَى ) فَسَدَ .
أَمَّا الْإِمْنَاءُ : فَلِمُشَابَهَتِهِ الْإِمْنَاءَ بِجِمَاعٍ ؛ لِأَنَّهُ إنْزَالٌ مُبَاشَرَةً ، وَأَمَّا الْإِمْذَاءُ : فَتَحَلُّلُ الشَّهْوَةِ لَهُ وَخُرُوجُهُ بِالْمُبَاشَرَةِ ، فَيُشْبِهُ الْمَنِيَّ ، وَبِهَذَا فَارَقَ الْبَوْلَ

( أَوْ حَجَمَ أَوْ احْتَجَمَ ، وَظَهَرَ دَمٌ عَمْدًا ذَاكِرًا ) عَالِمًا ( لِصَوْمِهِ ) فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ ( وَلَوْ جَهِلَ التَّحْرِيمَ ) لِشَيْءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ ( فَسَدَ ) صَوْمُ كُلٍّ مِنْ حَاجِمٍ وَمُحْتَجِمٍ ، وَلَزِمَهُمَا قَضَاءُ صَوْمٍ وَاجِبٍ نَصًّا ، وَبِهِ قَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةُ .
لِحَدِيثِ { أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ } رَوَاهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدَ عَشَرَ نَفْسًا ، قَالَ أَحْمَدُ : حَدِيثُ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ مِنْ أَصَحِّ حَدِيثٍ يُرْوَى فِي هَذَا الْبَابِ ، وَإِسْنَادُ حَدِيثِ رَافِعٍ - يَعْنِي ابْنَ خَدِيجٍ - إسْنَادُهُ جَيْدٌ ، وَقَالَ : حَدِيثُ ثَوْبَانَ وَشَدَّادٍ صَحِيحَانِ ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ : أَصَحُّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ ، حَدِيثُ شَدَّادٍ وَثَوْبَانَ .
وَحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ وَهُوَ صَائِمٌ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ : مَنْسُوخٌ ؛ لِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ رَاوِيهِ كَانَ يُعِدُّ الْحَجَّامَ وَالْمَحَاجِمَ قَبْلَ مَغِيبَ الشَّمْسِ ، فَإِذَا غَابَتْ الشَّمْسُ احْتَجَمَ ، كَذَلِكَ رَوَاهُ الْجُوزَجَانِيَّ ، فَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ دَمٌ لِمَ يُفْطِرْ ؛ لِأَنَّهَا لَا تُسَمَّى إذَنْ حِجَامَةً

( ك ) مَا يَفْسُدُ صَوْمٌ ب ( رِدَّةٍ مُطْلَقًا ) أَيْ : عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ فِي يَوْمِهِ ، أَوْ لَمْ يَعُدْ ، وَكَذَا كُلُّ عِبَادَةٍ ارْتَدَّ فِي أَثْنَائِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } ( وَ ) كَمَا يَفْسُدُ ب ( مَوْتٍ ) لِزَوَالِ أَهْلِيَّتِهِ ( وَيُطْعَمُ مِنْ تَرِكَتِهِ ) أَيْ : الْمَيِّتِ ( فِي نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ ) مِسْكِينٌ ، لِفَسَادِ صَوْمِ يَوْمِ مَوْتِهِ ، لِتَعَذُّرِ قَضَائِهِ ، و ( لَا ) يَفْسُدُ صَوْمُهُ إنْ فَعَلَ شَيْئًا مِمَّا تَقَدَّمَ ( نَاسِيًا أَوْ ) أَيْ : وَلَا إنْ فَعَلَهُ ( مُكْرَهًا ، وَلَوْ ) كَانَ إكْرَاهُهُ ( بِوُجُودِ مُغْمًى عَلَيْهِ مُعَالَجَةً ) لِإِغْمَائِهِ ، سَوَاءٌ أُكْرِهَ عَلَى الْفِعْلِ حَتَّى فَعَلَهُ أَوْ فُعِلَ بِهِ ، كَمَنْ صُبَّ فِي حَلْقِهِ الْمَاءُ مُكْرَهًا أَوْ وَهُوَ نَائِمٌ وَنَحْوُهُ نَصًّا ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّلَ فِي النَّاسِ بِقَوْلِ : { إنَّمَا اللَّهُ أَطْعَمَهُ وَسَقَاهُ } .
وَفِي لَفْظٍ { فَإِنَّمَا هُوَ رِزْقٌ سَاقَهُ اللَّهُ إلَيْهِ } وَهَذَا مَوْجُودٌ فِي حَقِّ مَنْ دَخَلَ الْمَاءُ فِي جَوْفِهِ وَهُوَ نَائِمٌ وَنَحْوُهُ

( وَلَا ) يَفْسُدُ صَوْمٌ ( بِفَصْدٍ ) لِأَنَّ الْقِيَاسَ لَا يَقْتَضِيهِ .
( وَ ) لَا ( شَرْطَ ) وَلَا جُرْحَ بَدَلُ حِجَامَةٍ لِلتَّدَاوِي ، وَلَا رُعَافَ : وَلَا خُرُوجَ دَمٍ يَقْطُرُ عَلَى وَجْهِ قَيْءٍ لِمَا تَقَدَّمَ ( وَلَا إنْ طَارَ إلَى حَلْقِهِ ذُبَابٌ أَوْ غُبَارُ ) طَرِيقٍ أَوْ نَخْلِ نَحْوِ دَقِيقٍ أَوْ دُخَانٍ بِلَا قَصْدٍ لِعَدَمِ إمْكَانِ الْحِرْزِ مِنْهُ ( أَوْ دَخَلَ فِي قُبُلٍ ) كَإِحْلِيلٍ ( وَلَوْ ) كَانَ الْقُبُلُ ( لِأُنْثَى ) أَيْ : فَرْجُهَا ( غَيْرُ ذَكَرٍ أَصْلِيٍّ ) كَأُصْبُعٍ وَعُودٍ وَذَكَرِ خُنْثَى مُشْكِلٍ بِلَا إنْزَالٍ ، لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهَا ؛ لِأَنَّ مَسْلَكَ الذَّكَرِ مِنْ فَرْجِهَا فِي حُكْمِ الظَّاهِرِ كَالْفَمِ لِوُجُوبِ غَسْلِ نَجَاسَةٍ .
وَإِذَا ظَهَرَ حَيْضُهَا إلَيْهِ وَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ فَسَدَ صَوْمُهَا بِخِلَافِ الدُّبُرِ .
وَإِنَّمَا فَسَدَ صَوْمُهَا بِإِيلَاجِ ذَكَرِ الرَّجُلِ فِيهِ لِكَوْنِهِ جِمَاعًا لَا وُصُولًا لِبَاطِنٍ وَالْجِمَاعُ يُفْسِدُهُ لِأَنَّهُ مَظِنَّةُ الْإِنْزَالِ فَأُقِيمَ مَقَامَهُ وَلِهَذَا يَفْسُدُ بِهِ صَوْمُ الرَّجُلِ وَأَبْلَغُ مِنْ هَذَا : أَنَّهُ لَوْ قَطَّرَ فِي إحْلِيلِهِ أَوْ غَيَّبَ فِيهِ شَيْئًا فَوَصَلَ إلَى الْمَثَانَةِ لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ نَصًّا ، هَذَا حَاصِلُ كَلَامِهِ فِي الْمُسْتَوْعِبِ .

( أَوْ فَكَّرَ فَأَنْزَلَ ) لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ لِأَنَّهُ بِغَيْرِ مُبَاشَرَةٍ وَلَا نَظَرٍ أَشْبَهَ الِاحْتِلَامَ وَالْفِكْرَةَ الْغَالِبَةَ ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَى الْمُبَاشَرَةِ وَالنَّظَرِ لِأَنَّهُ دُونَهُمَا .

( أَوْ احْتَلَمَ ) وَلَوْ أَنَزَلَ بَعْدَ يَقَظَتِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ بِلَا نِزَاعٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَبَبٍ مِنْ جِهَتِهِ وَكَذَا لَوْ أَنْزَلَ بِنَظْرَةٍ وَاحِدَةٍ ، أَوْ لِهَيَجَانِ شَهْوَتِهِ بِلَا مَسِّ ذَكَرِهِ ، أَوْ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ كَمَرَضٍ وَسَقْطَةٍ ، أَوْ نَهَارًا مِنْ وَطْءِ لَيْلٍ أَوْ لَيْلًا مِنْ مُبَاشَرَتِهِ

( أَوْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ ) بِذَالٍ مُعْجَمَةٍ أَيْ : غَلَبَهُ وَسَبَقَهُ وَلَمْ يَفْسُدْ لِمَا تَقَدَّمَ .

( أَوْ أَصْبَحَ وَفِي فِيهِ طَعَامٌ فَلَفَظَهُ ) أَيْ : طَرَحَهُ أَوْ شَقَّ عَلَيْهِ لَفْظُهُ فَبَلَعَهُ مَعَ رِيقِهِ بِلَا قَصْدٍ لَمْ يَفْسُدْ لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ وَإِنْ تَمَيَّزَ عَنْ رِيقِهِ فَبَلَعَهُ اخْتِيَارًا أَفْطَرَ نَصًّا .

( أَوْ لَطَّخَ بَاطِنَ قَدَمِهِ بِشَيْءٍ فَوَجَدَ طَعْمَهُ بِحَلْقِهِ ) لَمْ يَفْسُدْ لِأَنَّ الْقَدَمَ غَيْرُ نَافِذٍ لِلْجَوْفِ أَشْبَهَ مَا لَوْ دَهَنَ رَأْسَهُ فَوَجَدَ طَعْمَهُ فِي حَلْقِهِ

( أَوْ تَمَضْمَضَ ) أَوْ اسْتَنْشَقَ فَدَخَلَ الْمَاءُ حَلْقَهُ بِلَا قَصْدٍ ، أَوْ بَلَعَ مَا بَقِيَ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَاءِ بَعْدَ الْمَضْمَضَةِ لَمْ يَفْسُدْ ( وَلَوْ ) تَمَضْمَضَ أَوْ اسْتَنْشَقَ فَوْقَ ثَلَاثٍ أَوْ ( بَالَغَ ) فِيهِمَا ( أَوْ ) كَانَا ( لِنَجَاسَةٍ وَنَحْوِهَا ) كَقَذَرٍ لَمْ يَفْسُدْ لِحَدِيثِ عُمَرَ لَمَّا سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْقُبْلَةِ لِلصَّائِمِ فَقَالَ : { أَرَأَيْتَ لَوْ تَمَضْمَضْت مِنْ إنَاءٍ وَأَنْتَ صَائِمٌ ؟ قُلْت : لَا بَأْسَ قَالَ : فَمَهْ } وَلِوُصُولِهِ إلَى حَلْقِهِ مِنْ غَيْرِ قَصْدٍ أَشْبَهَ الْغُبَارَ ( وَكُرِهَ ) تَمَضْمُضُهُ أَوْ اسْتِنْشَاقُهُ ( عَبَثًا ، أَوْ سَرَفًا أَوْ لِحَرٍّ ، أَوْ عَطَشٍ ) نَصًّا ، وَقَالَ : يَرُشُّ عَلَى صَدْرِهِ أَعْجَبُ إلَيَّ ( كَغَوْصِهِ ) أَيْ الصَّائِمِ ( فِي مَاءٍ ) فَيُكْرَهُ إنْ كَانَ ( لَا لِغُسْلٍ مَشْرُوعٍ أَوْ تَبَرُّدٍ ) وَلَهُمَا : لَا يُكْرَه وَيُسَنُّ لِجُنُبٍ أَنْ يَغْتَسِلَ قَبْلَ الْفَجْرِ .

فَإِنْ غَاصَ فِي مَاءٍ ( فَدَخَلَ حَلْقَهُ ) لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْصِدْهُ وَلَا يُكْرَهُ غُسْلُ صَائِمٍ لِحَرٍّ أَوْ عَطَشٍ ، لِقَوْلِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ { لَقَدْ رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ الْمَاءَ ، وَهُوَ صَائِمٌ مِنْ الْعَطَشِ أَوْ الْحَرِّ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد قَالَ الْمَجْدُ : وَلِأَنَّ فِيهِ إزَالَةَ الضَّجَرِ مِنْ الْعِبَادَةِ كَالْجُلُوسِ فِي الظِّلَالِ الْبَارِدَةِ

( أَوْ أَكْلٍ وَنَحْوِهِ ) كَشُرْبٍ وَجِمَاعٍ ( شَاكًّا فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ ) الثَّانِي وَلَمْ يَتَبَيَّنْ طُلُوعَهُ إذْ ذَاكَ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ اللَّيْلِ ( أَوْ ) أَكَلَ وَنَحْوَهُ ( ظَانًّا غُرُوبَ شَمْسٍ ) وَلَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهَا لَمْ تَغْرُبْ لَمْ يَفْسُدْ فَلَا قَضَاءَ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ يَقِينٌ يُزِيلُ ذَلِكَ الظَّنَّ كَمَا لَوْ صَلَّى بِالِاجْتِهَادِ ثُمَّ شَكَّ فِي الْإِصَابَة بَعْدَ صَلَاتِهِ .

( وَإِنْ بَانَ ) لِمَنْ أَكَلَ وَنَحْوِهِ شَاكًّا فِي طُلُوعِ فَجْرٍ ( أَنَّهُ طَلَعَ ) قَضَى ( أَوْ ) بَانَ لِمَنْ أَكَلَ وَنَحْوِهِ ظَانًّا غُرُوبَ شَمْسٍ ( أَنَّهَا لَمْ تَغْرُبْ ) قَضَى لِتَبَيُّنِ خَطَئِهِ ( أَوْ أَكَلَ ) وَنَحْوَهُ شَاكًّا فِي غُرُوبِ شَمْسٍ ( وَدَامَ شَكُّهُ ) قَضَى لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ النَّهَارِ ، وَكَمَا لَوْ صَلَّى شَاكًّا فِي دُخُولِ وَقْتٍ فَإِنْ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الشَّمْسَ كَانَتْ غَرَبَتْ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِتَمَامِ صَوْمِهِ

( أَوْ ) أَكَلَ وَنَحْوَهُ فِي وَقْتٍ ( يَعْتَقِدُهُ نَهَارًا فَبَانَ لَيْلًا وَلَمْ يُجَدِّدْ نِيَّةً ) لِصَوْمٍ ( وَاجِبٍ ) قَضَاهُ لِانْقِطَاعِ النِّيَّةِ بِذَلِكَ فَيَحْصُلُ الْإِمْسَاكُ بِلَا نِيَّةٍ فَلَا يُجْزِئُهُ فَإِنْ شَكَّ أَوْ ظَنَّهُ لَيْلًا فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَمْنَعُ نِيَّةَ الصَّوْمِ غَيْرُ الْيَقِينِ لِأَنَّ الظَّانَّ شَاكٌّ ( أَوْ ) أَكَلَ وَنَحْوَهُ فِي وَقْتٍ يَعْتَقِدُهُ ( لَيْلًا ، فَبَانَ نَهَارًا ) فِي أَوَّلِ الصَّوْمِ أَوْ آخِرِهِ قَضَى لِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِإِتْمَامِ الصَّوْمِ إلَى اللَّيْلِ وَلَمْ يُتِمَّهُ وَعَنْ أَسْمَاءَ { أَفْطَرْنَا عَلَى عَهْدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي يَوْمِ غَيْمٍ ، ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ - قِيلَ لِهِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ ، وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ - أُمِرُوا بِالْقَضَاءِ ؟ قَالَ : لَا بُدَّ مِنْ قَضَاءٍ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ

( أَوْ أَكَلَ ) وَنَحْوَهُ ( نَاسِيًا فَظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَفْطَرَ ) بِذَلِكَ ( فَأَكَلَ ) وَنَحْوَهُ ( عَمْدًا قَضَى ) لِتَعَمُّدِهِ الْأَكْلَ ثَانِيًا .
وَفِي الْإِنْصَافِ : قُلْت : وَيُشْبِهُ ذَلِكَ لَوْ اعْتَقَدَ الْبَيْنُونَةَ فِي الْخُلْعِ لِأَجْلِ عَدَمِ الصِّفَةِ ، ثُمَّ فَعَلَ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ وَيَجِبُ إعْلَامُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ وَنَحْوِهِ بِرَمَضَانَ نَاسِيًا أَوْ جَاهِلًا

فَصْلٌ فِي جِمَاعِ صَائِمٍ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ( وَمَنْ جَامَعَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَلَوْ فِي يَوْمٍ لَزِمَهُ إمْسَاكُهُ ) لِنَحْوِ ثُبُوتِ الرُّؤْيَةِ نَهَارًا أَوْ عَدَمِ تَبْيِيتِ النِّيَّةِ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ تَعَاطِي مَا يُنَافِي الصَّوْمَ ( أَوْ ) جَامَعَ فِي يَوْمٍ ( رَأَى الْهِلَالَ لَيْلَتَهُ وَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ ) فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ لِجِمَاعِهِ فِي يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ وَلَا يُتَّهَمُ فِي حَقِّ نَفْسِهِ ( أَوْ ) كَانَ ( مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا ) أَوْ مُخْطِئًا كَأَنْ اعْتَقَدَهُ لَيْلًا ، فَبَانَ نَهَارًا .
وَكَذَا لَوْ جَامَعَ مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا لِاعْتِقَادِهِ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ ثُمَّ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ صَرَّحَ بِهِ فِي الْمُغْنِي لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْتَفْصِلْ الْوَاقِعَ عَنْ حَالٍ وَلِأَنَّ الْوَطْءَ يُفْسِدُ الصَّوْمَ فَأَفْسَدَهُ عَنْ كُلِّ حَالٍ كَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ ( بِذَكَرٍ ) مُتَعَلِّقٌ بِجَامِعَ ( أَصْلِيٍّ فِي فَرْجٍ أَصْلِيٍّ وَلَوْ ) كَانَ الْفَرْجُ دُبُرًا أَوْ ( لِمَيْتَةٍ أَوْ بَهِيمَةٍ ) لِأَنَّهُ يُوجِبُ الْغُسْلُ ( أَوْ أَنْزَلَ مَجْبُوبٌ بِمُسَاحَقَةٍ ) أَيْ : مَقْطُوعٌ ذَكَرُهُ أَوْ مَمْسُوحٌ بِمُسَاحَقَةٍ ( أَوْ ) أَنْزَلَتْ امْرَأَةٌ بِمُسَاحَقَة ( فَعَلَيْهِ ) أَيْ : مَنْ ذُكِرَ ( الْقَضَاءُ ) لِفَسَادِ صَوْمِهِ .
( وَ ) عَلَيْهِ ( الْكَفَّارَةُ ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : مَا لَكَ ؟ قَالَ : وَقَعْت عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا ؟ قَالَ : لَا قَالَ : فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ؟ قَالَ : لَا قَالَ : فَهَلْ تَجِدُ طَعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا ؟ قَالَ : لَا فَمَكَثَ النَّبِيُّ ، فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ أَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِفَرْقٍ فِيهِ تَمْرٌ - وَالْفَرْقُ الْمِكْتَلُ - فَقَالَ : أَيْنَ السَّائِلُ ؟ فَقَالَ : هَا أَنَا قَالَ : خُذْ

هَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ فَقَالَ الرَّجُلُ : عَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَوَاَللَّهِ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ : أَطْعِمْهُ أَهْلَ بَيْتِكَ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ مَاجَهْ { وَتَصُومُ يَوْمًا مَكَانَهُ } وَأُلْحِقَ بِهِ الْمَجْبُوبُ وَمُسَاحَقَةُ النِّسَاءِ مَعَ الْإِنْزَالِ لِوُجُوبِ الْغُسْلِ وَقَالَ الْأَكْثَرُ : لَيْسَ فِيهِ غَيْرُ الْقَضَاءِ .
وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ ( لَا ) إنْ أَوْلَجَ ( سَلِيمٌ ) ذَكَرَهُ ( دُونَ فَرْجٍ ، وَلَوْ ) كَانَ ( عَمْدًا ، أَوْ ) وَطِئَ ( ب ) ذَكَرٍ ( غَيْرِ أَصْلِيٍّ ) يَقِينًا كَذَكَرٍ زَائِدٍ مِنْ خُنْثَى مُشْكِلٍ غَيَّبَهُ ( فِي ) فَرْجٍ ( أَصْلِيٍّ وَعَكْسِهِ ) بِأَنْ وَطِئَ بِذَكَرٍ أَصْلِيٍّ فِي فَرْجٍ غَيْرِ أَصْلِيٍّ ، كَخُنْثَى لَمْ تَتَّضِحْ أُنُوثِيَّتُهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ ( إلَّا الْقَضَاءُ إنْ أَمْنَى أَوْ أَمَذَى ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِجِمَاعٍ وَوَجَبَ الْقَضَاءُ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ فِعْلٌ يَتَلَذَّذُ بِهِ يُمْكِنُ التَّحَرُّزَ مِنْهُ غَالِبًا ، أَشْبَهَ الْإِنْزَالَ بِالْقُبْلَةِ .

( وَالنَّزْعُ جِمَاعٌ ) لِأَنَّهُ يَتَلَذَّذُ بِهِ كَالْإِيلَاجِ فَمَنْ طَلَعَ عَلَيْهِ الْفَجْرُ وَهُوَ يُجَامِعُ فَنَزَعَ حَالَ طُلُوعِهِ قَضَى وَكَفَّرَ وَأَمَّا مَنْ حَلَفَ لَا يُجَامِعُ فَنَزَعَ فَلَا حِنْثَ لِتَعَلُّقِ الْيَمِينِ بِالْمُسْتَقْبَلِ أَوَّلَ أَوْقَاتِ إمْكَانِهِ ( وَ امْرَأَةٌ طَاوَعَتْ غَيْرَ جَاهِلَةٍ ) الْحُكْمَ ( أَوْ ) غَيْرَ ( نَاسِيَةٍ ) الصَّوْمَ ( كَرَجُلٍ ) فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ لِأَنَّهَا هَتَكَتْ حُرْمَةَ صَوْمِ رَمَضَانَ بِالْجِمَاعِ مُطَاوِعَةً فَأَشْبَهَتْ الرَّجُلَ وَلِأَنَّ تَمْكِينَهَا كَفِعْلِ الرَّجُلِ فِي حَدِّ الزِّنَا فَفِي الْكَفَّارَةِ أَوْلَى لِأَنَّهُ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ فَإِنْ كَانَتْ نَاسِيَةً أَوْ جَاهِلَةً ، أَوْ مُكْرَهَةً فَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهَا ، وَتَدْفَعُهُ إذَا أَكْرَهَهَا بِالْأَسْهَلِ فَالْأَسْهَلِ وَإِنْ أَدَّى إلَى قَتْلِهِ .

( وَمَنْ جَامَعَ فِي يَوْمٍ ) ثُمَّ جَامَعَ ( فِي ) يَوْمٍ ( آخَرَ وَلَمْ يُكَفِّرْ ) عَنْ جِمَاعٍ أَوَّلَ ( لَزِمَتْهُ ) كَفَّارَةٌ ( ثَانِيَةٌ ) لِأَنَّ كُلَّ يَوْمٍ عِبَادَةٌ مُفْرَدَةٌ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ بِفَسَادِهِ لَوْ انْفَرَدَ فَإِذَا أَفْسَدَ أَحَدَهُمَا بَعْدَ الْآخَرِ وَجَبَ كَفَّارَتَانِ ، كَحَجَّتَيْنِ أَوْ عُمْرَتَيْنِ ، وَكَمَا لَوْ كَانَا مِنْ رَمَضَانَيْنِ ( كَمَنْ أَعَادَهُ ) أَيْ : الْجِمَاعَ ( فِي يَوْمٍ بَعْدَ أَنْ كَفَّرَ لِجِمَاعِهِ الْأَوَّلِ ) فَتَلْزَمُهُ ثَانِيَةٌ نَصًّا قُلْت : فَإِنْ أَخْرَجَ بَعْضَ الْكَفَّارَةِ ثُمَّ وَطِئَ فِي يَوْمِهِ دَخَلَتْ بَقِيَّةُ الْأُولَى فِي الثَّانِيَةِ وَكَذَا مَنْ لَزِمَهُ الْإِمْسَاكُ إذَا جَامَعَ وَكَفَّرَ ، ثُمَّ أَعَادَ فِيهِ لَزِمَتْهُ أُخْرَى .

( وَلَا تَسْقُطُ ) كَفَّارَةُ وَطْءٍ عَنْ امْرَأَةٍ ( إنْ حَاضَتْ أَوْ نُفِسَتْ ) فِي يَوْمٍ بَعْدَ تَمْكِينِهَا طَاهِرًا ( أَوْ مَرِضَا ) أَيْ : الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ بَعْدَ الْجِمَاعِ حَالَ الصِّحَّةِ ( أَوْ جُنَّا أَوْ سَافَرَ بَعْدَ ) وَطْءٍ مُحَرَّمٍ ( فِي يَوْمِهِ ) فَلَا تَسْقُطُ عَنْهُمَا الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْأَلْ الْأَعْرَابِيَّ : هَلْ طَرَأَ لَهُ بَعْدَ وَطْئِهِ مَرَضٌ أَوْ غَيْرُهُ ؟ بَلْ أَمَرَهُ بِالْكَفَّارَةِ وَلَوْ اخْتَلَفَ الْحُكْمُ بِذَلِكَ لَسَأَلَ عَنْهُ وَلِأَنَّهُ أَفْسَدَ صَوْمًا وَاجِبًا مِنْ رَمَضَانَ بِجِمَاعٍ تَامٍّ فَاسْتَقَرَّتْ كَفَّارَتُهُ كَمَا لَوْ لَمْ يَطْرَأْ عُذْرٌ

( وَلَا ) تَجِبُ ( كَفَّارَةٌ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ ، وَالْإِنْزَالِ بِالْمُسَاحَقَةِ ) مِنْ مَجْبُوبٍ أَوْ امْرَأَةٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ( نَهَارَ رَمَضَانَ ) فَلَا كَفَّارَةَ بِمُبَاشَرَةٍ أَوْ قُبْلَةٍ وَنَحْوِهَا وَلَوْ مَعَ الْإِنْزَالِ وَلَا بِالْجِمَاعِ لَيْلًا ، أَوْ فِي قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ ، أَوْ كَفَّارَةٍ ، لِأَنَّ النَّصَّ إنَّمَا وَرَدَ بِالْجِمَاعِ فِي رَمَضَانَ وَلَيْسَ غَيْرُهُ فِي مَعْنَاهُ ، لِاحْتِرَامِهِ وَتَعَيُّنِهِ لِهَذِهِ الْعِبَادَةِ ، فَلَا يُقَاسُ غَيْرُهُ عَلَيْهِ ( وَلَا ) كَفَّارَةَ بِوَطْءٍ ( فِيهِ ) أَيْ : رَمَضَانَ ( سَفَرًا ، وَلَوْ ) كَانَ الْجِمَاعُ ( مِنْ صَائِمٍ ) فِيهِ فِي سَفَرِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَهْتِكْ الْحُرْمَةَ ، لِإِبَاحَةِ فِطْرِهِ ( فِيهِ ) وَلِفِطْرِهِ بِمُجَرَّدِ الْعَزْمِ عَلَى الْوَطْءِ

( وَهِيَ ) أَيْ : كَفَّارَةُ وَطْءٍ نَهَارَ رَمَضَانَ ( عِتْقُ رَقَبَةٍ ) مُؤْمِنَةٍ سَلِيمَةٍ عَلَى مَا يَأْتِي فِي الظِّهَارِ ( فَإِنْ لَمْ يَجِدْ ) رَقَبَةً أَوْ وَجَدَهَا تُبَاعُ بِدُونِ ثَمَنِهَا ( فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ) لِلْخَبَرِ ( فَلَوْ قَدَرَ ) عَلَيْهَا أَيْ : الرَّقَبَةِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي صَوْمٍ ( لَا بَعْدَ شُرُوعٍ فِيهِ لَزِمَتْهُ ) الرَّقَبَةُ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَ الْمُوَاقِعَ عَمَّا يَقْدِرُ عَلَيْهِ حِينَ أَخْبَرَهُ بِالْجِمَاعِ وَلَمْ يَسْأَلْهُ عَمَّا كَانَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ حَالَ الْمُوَاقَعَةِ وَهِيَ حَالَةُ الْوُجُوبِ هَكَذَا قَالُوا هُنَا وَيَأْتِي فِي الظِّهَارِ : أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْكَفَّارَاتِ وَقْتُ الْوُجُوبِ ، فَعَلَيْهِ : لَا تَلْزَمُهُ شَرَعَ فِيهِ أَوْ لَا ( فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ ) الصَّوْمَ ( فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا ) لِلْخَبَرِ ، لِكُلِّ مِسْكِينٍ مُدٌّ مِنْ بُرٍّ أَوْ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ غَيْرِهِ ، مِمَّا يُجْزِئُ فِي فِطْرِهِ لِمَا يَأْتِي فِي الظِّهَارِ .
( فَإِنْ لَمْ يَجِدْ ) مَا يُطْعِمُهُ لِلْمَسَاكِينِ ( سَقَطَتْ ) لِظَاهِرِ الْخَبَرِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يُطْعِمَهُ أَهْلَهُ وَلَمْ يَأْمُرْ بِكَفَّارَةٍ أُخْرَى وَلَا بَيَّنَ لَهُ بَقَاءَهَا فِي ذِمَّتِهِ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ ، وَكَفَّارَةِ الْوَطْءِ فِي الْحَيْضِ ( بِخِلَافِ كَفَّارَةِ حَجٍّ ) أَيْ : فِدْيَةٍ تَجِبُ فِيهِ ( وَ ) كَفَّارَةُ ( ظِهَارٍ ، وَ ) كَفَّارَةُ يَمِينٍ بِاَللَّهِ تَعَالَى ( وَنَحْوِهَا ) كَقَتْلٍ ، لِعُمُومِ أَدِلَّتِهَا لِلْوُجُوبِ حَالَ الْإِعْسَارِ وَلِأَنَّهُ الْقِيَاسُ ، خُولِفَ فِي رَمَضَانَ لِلنَّصِّ .
قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَلَيْسَ الصَّوْمُ سَبَبًا وَإِنْ لَمْ تَجِبْ إلَّا بِالصَّوْمِ وَالْجِمَاعِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ اجْتِمَاعُهُمَا ( وَيَسْقُطُ الْجَمِيعُ ) أَيْ : كَفَّارَةُ وَطْءٍ نَهَارَ رَمَضَانَ وَحَجٍّ وَظِهَارٍ وَيَمِينٍ وَقَتْلٍ ( بِتَكْفِيرِ غَيْرِهِ ) بِعِتْقٍ أَوْ إطْعَامٍ ( عَنْهُ بِإِذْنِهِ ) لِقِيَامِهِ مَقَامَهُ ، كَإِخْرَاجِ زَكَاتِهِ عَنْهُ بِإِذْنِهِ فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْهُ ، فَلَا لِعَدَمِ النِّيَّةِ ( وَلَهُ ) أَيْ :

مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ ( إنْ مَلَكَهَا إخْرَاجُهَا عَنْ نَفْسِهِ وَلَهُ أَكْلُهَا إنْ كَانَ أَهْلًا ) لِأَكْلِهَا لِلْخَبَرِ

بَابُ مَا يُكْرَهُ فِي الصَّوْمِ وَمَا يُسْتَحَبُّ فِي الصَّوْمِ وَحُكْمِ الْقَضَاءِ لِصَوْمِ رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ ( كُرِهَ لِصَائِمٍ ) فَرْضًا أَوْ نَفْلًا ( أَنْ يَجْمَعَ رِيقَهُ فَيَبْلَعَهُ ) خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ قَالَ يُفْطِرُ بِهِ ، وَلَا يُفْطِرُ بِبَلْعِهِ مَجْمُوعًا لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَجْمَعْهُ وَابْتَلَعَهُ قَصْدًا لَا يُفْطِرُ إجْمَاعًا فَكَذَا إنْ جَمَعَهُ ( وَيُفْطِرُ ) صَائِمٌ ( بِغُبَارٍ ) ابْتَلَعَهُ ( قَصْدًا ) لِإِمْكَانِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ عَادَةً ( وَ ) يُفْطِرُ أَيْضًا ( بِرِيقٍ أَخْرَجَهُ إلَى بَيْنِ شَفَتَيْهِ ) ثُمَّ بَلَعَهُ لِمَا سَبَقَ وَ ( لَا ) يُفْطِرُ بِبَلْعِ ( مَا ) أَيْ : رِيقٍ ( قَلَّ ) أَيْ : قَلِيلٌ ( عَنْ دِرْهَمٍ أَوْ حَصَاةٍ أَوْ خَيْطٍ وَنَحْوِهِ إذَا ) أَخْرَجَهُ وَ ( عَادَ إلَى فَمِهِ ) لِمَشَقَّةِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ .
( كَمَا ) لَا يُفْطِرُ بِبَلْعِ مَا ( عَلَى لِسَانِهِ ) مِنْ رِيقٍ وَلَوْ كَثُرَ ( إذَا أَخْرَجَهُ ) أَيْ : لِسَانَهُ ، ثُمَّ أَعَادَهُ إلَى فَمِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَارِقْ مَحَلَّهُ ، بِخِلَافِ مَا عَلَى الدِّرْهَمِ وَنَحْوِهِ ( وَحَرُمَ ) عَلَى صَائِمٍ ( مَضْغُ عِلْكٍ يَتَحَلَّلُ مُطْلَقًا ) أَيْ : بَلَعَ رِيقَهُ أَوْ لَمْ يَبْلَعْهُ لِأَنَّهُ تَعْرِيضٌ بِصَوْمِهِ لِلْفَسَادِ ( وَكُرِهَ ) مَضْغُ ( مَا لَا يَتَحَلَّلُ ) مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ نَصًّا لِأَنَّهُ يَجْمَعُ الرِّيقَ وَيَحْلُبُ الْفَمَ ، وَيُورِثُ الْعَطَشَ .
( وَ ) كُرِهَ لَهُ ( ذَوْقُ طَعَامٍ ) أَطْلَقَهُ جَمَاعَةٌ وَقَالَ الْمَجْدُ : الْمَنْصُوصُ عَنْهُ : لَا بَأْسَ بِهِ ، لِحَاجَةٍ وَمَصْلَحَةٍ وَاخْتَارَهُ فِي التَّنْبِيهِ وَابْنُ عَقِيلٍ وَحَكَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فَعَلَى الْكَرَاهَةِ : مَتَى وَجَدَ طَعْمَهُ بِحَلْقِهِ أَفْطَرَ .
( وَ ) كُرِهَ لِصَائِمٍ ( تَرْكُ بَقِيَّةِ طَعَامٍ بَيْنَ أَسْنَانِهِ ) خَشْيَةَ خُرُوجِهِ ، فَيَجْرِي بِهِ رِيقُهُ إلَى جَوْفِهِ .
( وَ ) كُرِهَ لَهُ ( شَمُّ مَا لَا يُؤْمَنُ ) مِنْ شَمِّهِ ( أَنْ يَجْذِبَهُ نَفَسٌ لِحَلْقِ ) شَامٍّ كَسَحِيقِ مِسْكٍ .
( وَ ) سَحِيقِ ( كَافُورٍ وَدُهْنٍ وَنَحْوِهِ ) كَبَخُورٍ بِنَحْوِ عُودٍ خَشْيَةَ وُصُولِهِ مَعَ نَفَسِهِ إلَى جَوْفِهِ

وَعُلِمَ مِنْهُ : أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ شَمُّ نَحْوِ وَرْدٍ وَقِطَعِ عَنْبَرٍ وَمِسْكٍ غَيْرِ مَسْحُوقٍ .
( وَ ) كُرِهَ لَهُ ( قُبْلَةٌ وَدَوَاعِي وَطْءٍ ) كَمُعَانَقَةٍ وَلَمْسٍ وَتَكْرَارِ نَظَرٍ ( لِمَنْ تُحَرِّكُ شَهْوَتَهُ ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَهَى عَنْ الْقُبْلَةِ شَابًّا ، وَرَخَّصَ لِشَيْخٍ } حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَكَذَا عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ فَإِنْ لَمْ تَتَحَرَّكْ شَهْوَتُهُ لَمْ تُكْرَهْ لِمَا تَقَدَّمَ وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ } لَمَّا كَانَ مَالِكًا لِإِرْبِهِ وَغَيْرُ ذِي الشَّهْوَةِ فِي مَعْنَاهُ .
( وَتَحْرُمُ ) قُبْلَةٌ وَدَوَاعِي وَطْءٍ ( إنْ ظَنَّ إنْزَالًا ) لِتَعْرِيضِهِ لِلْفِطْرِ ، ثُمَّ إنْ أَنْزَلَ أَفْطَرَ وَعَلَيْهِ قَضَاءُ وَاجِبٍ ( وَيَجِبُ ) مُطْلَقًا ( اجْتِنَابُ كَذِبٍ وَغِيبَةٍ وَنَمِيمَةٍ وَشَتْمٍ وَفُحْشٍ وَنَحْوِهِ ) لِحَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا { لَمَّا عُرِجَ بِي مَرَرْتُ بِقَوْمٍ لَهُمْ أَظْفَارٌ مِنْ نُحَاسٍ يَخْمُشُونَ وُجُوهَهُمْ وَصُدُورَهُمْ فَقُلْت : يَا جِبْرِيلُ مَنْ هَؤُلَاءِ ؟ قَالَ : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ لَحْمَ النَّاسِ وَيَقَعُونَ فِي أَعْرَاضِهِمْ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
( وَ ) وُجُوبُ اجْتِنَابِ ذَلِكَ ( فِي رَمَضَانَ ، وَ ) فِي ( مَكَان فَاضِلٍ ) كَالْحَرَمَيْنِ ( آكَدُ ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ وَلِمَا يَأْتِي : أَنَّ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيْئَاتِ تَتَضَاعَفُ بِالزَّمَانِ وَالْمَكَانِ الْفَاضِلِ .
قَالَ أَحْمَدُ : يَنْبَغِي لِلصَّائِمِ أَنْ يَتَعَاهَدَ صَوْمَهُ مِنْ لِسَانِهِ وَلَا يُمَارِي ، وَيَصُونَ صَوْمَهُ كَانُوا إذَا صَامُوا قَعَدُوا فِي الْمَسَاجِدِ ، وَقَالُوا : نَحْفَظُ صَوْمَنَا وَلَا نَغْتَابُ أَحَدًا وَلَا نَعْمَلُ عَمَلًا نَجْرَحُ بِهِ صَوْمَنَا

فَصْلٌ وَ سُنَّ لَهُ أَيْ : الصَّائِمِ كَثْرَةُ قِرَاءَةٍ وَكَثْرَةُ ذِكْرٍ ( وَصَدَقَةٍ وَكَفُّ لِسَانِهِ عَمَّا يُكْرَهُ ) وَيَجِبُ كَفُّهُ عَمَّا يَحْرُمُ مُطْلَقًا وَلَا يُفْطِرُ بِنَحْوِ غِيبَةٍ قَالَ أَحْمَدُ : لَوْ كَانَتْ الْغِيبَةُ تُفْطِرُ مَا كَانَ لَنَا صَوْمٌ .
( وَ ) سُنَّ ( قَوْلُهُ ) أَيْ : الصَّائِمِ ( جَهْرًا ) بِرَمَضَانَ وَغَيْرِهِ ، اخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ، لِأَنَّ الْقَوْلَ الْمُطْلَقَ بِاللِّسَانِ : هُوَ شِدَّةُ صَوْتِ اللِّسَانِ ا هـ .
وَفِي الرِّعَايَةِ : يَقُولُهُ مَعَ نَفْسِهِ أَيْ : زَاجِرًا لَهَا خَوْفَ الرِّيَاءِ وَاخْتَارَ الْمَجْدُ : إنْ كَانَ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ ( إذَا شَتَمَ : إنِّي صَائِمٌ ) لِخَبَرِ الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { إذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَصْخَبْ فَإِنْ شَاتَمَهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ } .
( وَ ) سُنَّ لَهُ ( تَعْجِيلُ فِطْرٍ إذَا تَحَقَّقَ غُرُوبَ شَمْسٍ ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { يَقُولُ اللَّهُ : إنَّ أَحَبَّ عِبَادِي إلَيَّ أَعْجَلُهُمْ فِطْرًا } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : حَسَنٌ غَرِيبٌ ( وَيُبَاحُ ) فِطْرُهُ ( إنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ ) غُرُوبُ شَمْسٍ ، إقَامَةً لِلظَّنِّ مَقَامَ الْيَقِينِ وَلَكِنَّ الِاحْتِيَاطَ حَتَّى يَتَيَقَّنَ ، وَالْفِطْرُ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ أَفْضَلُ لِحَدِيثِ أَنَسٍ { مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي حَتَّى يُفْطِرَ ، وَلَوْ عَلَى شَرْبَةٍ مِنْ مَاءٍ } رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ .
( وَكُرِهَ جِمَاعٌ مَعَ شَكٍّ فِي طُلُوعِ فَجْرٍ ثَانٍ ) نَصًّا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِمَّا يُتَقَوَّى بِهِ عَلَى الصَّوْمِ وَفِيهِ تَعْرِيضٌ لِوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَ ( لَا ) يُكْرَهُ ( سَحُورٌ ) إذَنْ نَصًّا ، .
وَفِي الرِّعَايَةِ الْأَوْلَى أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ إذَنْ وَجَزَمَ بِهِ الْمَجْدُ ( وَيُسَنُّ ) سَحُورٌ لِحَدِيثِ { تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ( ك ) مَا ( يُسَنُّ تَأْخِيرُهُ ) أَيْ : السَّحُورِ ( إنْ لَمْ يَخْشَهُ ) أَيْ : طُلُوعَ الْفَجْرِ لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ

قَالَ { تَسَحَّرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قُمْنَا إلَى الصَّلَاةِ قُلْت كَمْ كَانَ قَدْرُ ذَلِكَ ؟ قَالَ : قَدْرُ خَمْسِينَ آيَةٍ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ قَصْدَ السَّحُورِ : التَّقَوِّي عَلَى الصَّوْمِ وَمَا كَانَ أَقْرَبَ إلَى الْفَجْرِ كَانَ أَعَوْنَ عَلَيْهِ .
( وَتَحْصُلُ فَضِيلَتُهُ ) أَيْ : السَّحُورِ ( بِشُرْبٍ ) لِحَدِيثِ { وَلَوْ أَنْ يَجْرَعَ أَحَدُكُمْ جَرْعَةً مِنْ مَاءٍ } .
( وَ ) يَحْصُلُ ( كَمَالُهَا ) أَيْ : فَضِيلَةِ السَّحُورِ ( بِأَكْلٍ ) لِلْخَبَرِ ، وَأَنْ يَكُونَ مِنْ تَمْرٍ لِحَدِيثِ { نِعْمَ سَحُورِ الْمُؤْمِنِ التَّمْرُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
( وَ ) يُسَنُّ ( فِطْرٌ عَلَى رُطَبٍ ، فَإِنْ عَدِمَ فَتَمْرٌ فَإِنْ عَدِمَ فَمَاءٌ ) لِحَدِيثِ أَنَسٍ { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَعَلَى تَمَرَاتٍ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَمَرَاتٌ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : حَسَنٌ غَرِيبٌ وَفِي مَعْنَى الرُّطَبِ وَالتَّمْرِ : كُلُّ حُلْوٍ لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ .
( وَ ) سُنَّ ( قَوْلُهُ ) أَيْ : الصَّائِمِ ( عِنْدَهُ ) أَيْ : الْفِطْرِ ( اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ وَعَلَى رِزْقِك أَفْطَرْتُ سُبْحَانَكَ وَبِحَمْدِك اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنِّي إنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) لِحَدِيثِ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ أَنَسٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا أَفْطَرَ قَالَ : اللَّهُمَّ لَك صُمْنَا وَعَلَى رِزْقِك أَفْطَرْنَا فَتَقَبَّلْ مِنَّا إنَّك أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } .
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { كَانَ إذَا أَفْطَرَ قَالَ : ذَهَبَ الظَّمَأُ ، وَابْتَلَتْ الْعُرُوقُ وَوَجَبَ الْأَجْرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَفِي الْخَبَرِ { لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ دَعْوَةٌ لَا تُرَدُّ } وَيُسْتَحَبُّ تَفْطِيرُ الصَّائِمِ ، وَلَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ ، لِلْخَبَرِ

فَصْلٌ سُنَّ فَوْرًا لِمَنْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنْ رَمَضَانَ ( تَتَابُعُ قَضَاءِ رَمَضَانَ ) نَصًّا وِفَاقًا مُسَارَعَةً لِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُفَرِّقَ قَالَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { قَضَاءُ رَمَضَانَ إنْ شَاءَ فَرَّقَ و إنْ شَاءَ تَابَعَ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَلِأَنَّ وَقْتَهُ مُوَسَّعٌ وَإِنَّمَا لَزِمَ التَّتَابُعُ فِي الصَّوْمِ أَدَاءً لِمُقِيمٍ لَا عُذْرَ لَهُ : لِلْفَوْرِ ، وَتَعَيُّنِ الْوَقْتِ ، لَا لِوُجُوبِ التَّتَابُعِ فِي نَفْسِهِ ( إلَّا إذَا بَقِيَ مِنْ شَعْبَانَ قَدْرَ مَا عَلَيْهِ ) مِنْ الْأَيَّامِ الَّتِي فَاتَتْهُ مِنْ رَمَضَانَ ( فَيَجِبُ ) التَّتَابُعُ لِضِيقِ الْوَقْتِ كَأَدَاءِ رَمَضَانَ فِي حَقِّ مَنْ لَا عُذْرَ لَهُ ( وَمَنْ فَاتَهُ رَمَضَانُ ) كُلُّهُ ( قَضَى عَدَدَ أَيَّامِهِ ) تَامًّا كَانَ أَوْ نَاقِصًا كَأَعْدَادِ الصَّلَوَاتِ الْفَائِتَةِ ، فَمَنْ فَاتَهُ رَمَضَانُ فَصَامَ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ ، أَوْ أَثْنَائِهِ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَكَانَ الْفَائِتُ نَاقِصًا أَجْزَأَهُ عَنْهُ اعْتِبَارًا بِعَدَدِ الْأَيَّامِ لِلْآيَةِ ( وَ يُقَدَّمُ ) قَضَاءُ رَمَضَانَ وُجُوبًا ( عَلَى ) صَوْمِ ( نَذْرٍ لَا يَخَافُ فَوْتَهُ ) لِسَعَةِ وَقْتِهِ لِتَأَكُّدِ الْقَضَاءِ ، لِوُجُوبِهِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ فَإِنْ خَافَ فَوْتَ النَّذْرِ قَدَّمَهُ لِاتِّسَاعِ وَقْتِ الْقَضَاءِ ( وَحَرُمَ تَطَوُّعٌ قَبْلَهُ ) أَيْ : قَضَاءِ رَمَضَانَ ( وَلَا يَصِحُّ ) نَصًّا لِلْخَبَرِ ، مَعَ أَنَّهُ ضَعِيفٌ نَقَلَ حَنْبَلٌ : أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ، بَلْ يَبْدَأُ بِالْفَرْضِ ، حَتَّى يَقْضِيَهُ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ نَذْرٌ صَامَهُ يَعْنِي بَعْدَ الْفَرْضِ .
قَالَ فِي الشَّرْحِ ( وَ ) حَرُمَ ( تَأْخِيرُهُ ) أَيْ : قَضَاءِ رَمَضَانَ ( إلَى ) رَمَضَانَ ( آخَرَ ، بِلَا عُذْرٍ ) نَصًّا وَاحْتَجَّ بِقَوْلِ عَائِشَةَ { مَا كُنْت أَقْضِي مَا عَلَيَّ مِنْ رَمَضَانَ إلَّا فِي شَعْبَانَ ، لِمَكَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } .
وَكَمَا لَا تُؤَخَّرُ الصَّلَاةُ الْأُولَى إلَى الثَّانِيَةِ ( فَإِنْ أَخَّرَ ) قَضَاءَهُ إلَى آخِرَ بِلَا

عُذْرٍ ( قَضَى ) عَدَدَ مَا عَلَيْهِ ( وَأَطْعَمَ ) لِتَأْخِيرِهِ ( وَيُجْزِئُ ) إطْعَامٌ قَبْلَهُ أَيْ : الْقَضَاءِ وَبَعْدَهُ وَمَعَهُ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ " فَإِذَا قَضَى أَطْعَمَ " رَوَاهُ سَعِيدٌ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ قَالَ الْمَجْدُ : الْأَفْضَلُ عِنْدَنَا تَقْدِيمُهُ ، مُسَارَعَةً إلَى الْخَيْرِ وَتَخَلُّصًا مِنْ آفَاتِ التَّأْخِيرِ ( مِسْكِينًا لِكُلِّ يَوْمٍ ) أَخَّرَهُ إلَى رَمَضَانَ آخَرَ ( مَا ) أَيْ : طَعَامًا ( يُجْزِئُ فِي كَفَّارَةٍ وُجُوبًا ) رَوَاهُ سَعِيدٌ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالدَّارَقُطْنِيّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ : إسْنَادُهُ صَحِيحٌ .
وَذَكَرَهُ غَيْرُهُ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ( وَ ) إنْ أَخَّرَ الْقَضَاءَ إلَى آخَرَ ( لِعُذْرٍ مِنْ سَفَرٍ أَوْ مَرَضٍ ) ( قَضَى فَقَطْ ) أَيْ : بِلَا إطْعَامٍ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُفَرِّطٍ وَإِنْ أَخَّرَ الْبَعْضَ لِعُذْرٍ ، وَالْبَعْضَ لِغَيْرِهِ فَلِكُلٍّ حُكْمُهُ ( وَلَا شَيْءٍ عَلَيْهِ ) أَيْ : مَنْ أَخَّرَ الْقَضَاءَ لِعُذْرٍ ( إنْ مَاتَ ) نَصًّا لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى وَجَبَ بِالشَّرْعِ ، مَاتَ قَبْلَ إمْكَانِ فِعْلِهِ فَسَقَطَ إلَى غَيْرِ بَدَلٍ كَالْحَجِّ .
( وَ ) إنْ أَخَّرَهُ ( لِغَيْرِهِ ) أَيْ : لِغَيْرِ عُذْرٍ ( فَمَاتَ قَبْلَ ) أَنْ يُدْرِكَهُ رَمَضَانُ آخَرُ أَطْعَمَ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا ، بِلَا قَضَاءٍ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَقَالَ : الصَّحِيحُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا وَسُئِلَتْ عَائِشَةُ عَنْ الْقَضَاءِ فَقَالَتْ { لَا ، بَلْ يُطْعِمُ } ، رَوَاهُ سَعِيدٌ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَكَذَا .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ( أَوْ ) مَاتَ ( بَعْدَ أَنْ أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ فَأَكْثَرُ أَطْعَمَ عَنْهُ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا فَقَطْ ) أَيْ : بِلَا قَضَاءٍ لِأَنَّ الصَّوْمَ الْوَاجِبَ بِأَصْلِ الشَّرْعِ لَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ حَالَ الْحَيَاةِ فَبَعْدَ الْمَوْتِ كَذَلِكَ كَالصَّلَاةِ ، وَلَا يَلْزَمُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ أَكْثَرُ مِنْ إطْعَامِ مِسْكِينٍ ، وَلَوْ مَضَتْ رَمَضَانَاتٌ كَثِيرَةٌ .
( وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرُ صَوْمٍ فِي الذِّمَّةِ ، أَوْ ) عَلَيْهِ نَذْرُ ( حَجٍّ ) فِي الذِّمَّةِ ( أَوْ

) عَلَيْهِ نَذْرُ ( صَلَاةٍ ) فِي الذِّمَّةِ ( أَوْ ) نَذْرُ ( طَوَافٍ ) فِي الذِّمَّةِ ( أَوْ ) نَذْرُ ( اعْتِكَافٍ ) فِي الذِّمَّةِ نَصًّا ( لَمْ يَفْعَل مِنْهُ ) أَيْ : مَا ذُكِرَ ( شَيْئًا مَعَ إمْكَانِ ) فِعْلِ مَنْذُورٍ ، بِأَنْ مَضَى مَا يَتَّسِعُ لِفِعْلِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ ، وَإِلَّا تَبَيَّنَّا أَنَّ مِقْدَارَ مَا بَقِيَ مِنْهَا صَادَفَ نَذْرَهُ حَالَةَ مَوْتِهِ ، وَهُوَ يَمْنَعُ الثُّبُوتَ فِي ذِمَّتِهِ كَمَا لَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ مُعَيَّنٍ وَمَاتَ قَبْلَهُ ( غَيْرِ حَجٍّ ) فَيُفْعَلُ عَنْهُ مُطْلَقًا ، تَمَكَّنَ مِنْهُ أَوْ لَا ، جَوَازُ النِّيَابَةِ فِيهِ حَالَ الْحَيَاةِ ، فَبَعْدَ الْمَوْتِ أَوْلَى .
( سُنَّ لِوَلِيِّهِ ) أَيْ : الْمَيِّتِ ( فِعْلُهُ ) أَيْ : النَّذْرِ الْمَذْكُورِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ { أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ ، أَفَأَصُومُ عَنْهَا ؟ فَقَالَ : أَفَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ ، فَقَضَيْتِيهِ عَنْهَا أَكَانَ ذَلِكَ يُؤَدِّي عَنْهَا ؟ قَالَتْ : نَعَمْ قَالَ : فَصَوْمِي عَنْ أُمِّكِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي الْبَابِ غَيْرُهُ وَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ أَنَّهُ بَلَغَهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ : لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ ، وَلَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ " فَيُحْمَلُ عَلَى غَيْرِ النَّذْرِ ؛ لِلنُّصُوصِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ فِي النَّذْرِ وَالنِّيَابَةُ تَدْخُلُ فِي الْعِبَادَةِ بِحَسَبِ خِفَّتِهَا وَالنَّذْرُ أَخَفُّ حُكْمًا لِأَنَّهُ لَمْ يَجِبْ بِأَصْلِ الشَّرْعِ .

( وَيَجُوزُ لِغَيْرِهِ ) أَيْ : الْوَلِيِّ فِعْلُ مَا عَلَى مَيِّتٍ مِنْ نَذْرٍ ( بِإِذْنِهِ ) أَيْ الْوَلِيِّ ( وَدُونَهُ ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَّهَهُ بِالدَّيْنِ يَصِحُّ قَضَاؤُهُ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ ( وَيَجُوزُ صَوْمُ جَمَاعَةٍ ) عَنْ مَيِّتٍ نَذْرًا ( فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ ) بِأَنْ نَذَرَ شَهْرًا وَمَاتَ فَصَامَهُ عَنْهُ ثَلَاثُونَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ مَعَ إنْجَازِ إبْرَاءِ ذِمَّتِهِ فَظَاهِرُهُ : وَلَوْ كَانَ مُتَتَابِعًا وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمَجْدِ : لَا يَصِحُّ مَعَ التَّابِعِ قَالَ : وَتَعْلِيلُ الْقَاضِي يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ( وَإِنْ خَلَّفَ ) مَيِّتٌ نَاذِرٌ ( مَالًا وَجَبَ ) فِعْلُ نَذْرِهِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ لِثُبُوتِهِ فِي ذِمَّتِهِ كَقَضَاءِ دَيْنٍ مِنْ تَرِكَتِهِ ( فَيَفْعَلُهُ ) أَيْ النَّذْرَ ( وَلِيُّهُ ) إنْ شَاءَ ( أَوْ يَدْفَعُ ) مَالًا ( لِمَنْ يَفْعَلُ عَنْهُ ) ذَلِكَ وَكَذَا حَجَّةُ الْإِسْلَامِ ( وَيَدْفَعُ فِي صَوْمٍ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ طَعَامَ مِسْكِينٍ فِي كَفَّارَةٍ ) لِأَنَّهُ عَدْلُهُ فِي جَزَاءِ صَيْدٍ وَغَيْرِهِ .
( و لَا يُقْضَى ) عَنْ مَيِّتٍ مَا نَذَرَهُ مِنْ عِبَادَةٍ فِي زَمَنٍ ( مُعَيَّنٍ مَاتَ قَبْلَهُ ) كَنَذْرِ صَوْمٍ وَنَحْوِهِ بِرَجَبٍ وَمَاتَ قَبْلَهُ ، فَلَا صِيَامَ عَنْهُ وَلَا إطْعَامَ .
قَالَ الْمَجْدُ : لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا ( وَ ) إنْ مَاتَ ( فِي أَثْنَائِهِ ) أَيْ : الزَّمَنِ الْمُعَيَّنِ ، بِأَنْ نَذَرَ صَوْمَ رَجَبٍ مَثَلًا ، أَوْ اعْتِكَافَهُ ، وَمَاتَ فِي أَثْنَائِهِ ( سَقَطَ الْبَاقِي ) مِنْهُ ، كَمَا لَوْ مَاتَ قَبْلَ دُخُولِهِ كُلِّهِ ( وَإِنْ لَمْ يَصُمْهُ ) أَيْ : مَا أَدْرَكَهُ مِنْهُ ( لِعُذْرٍ ) مِنْ نَحْوِ مَرَضٍ أَوْ سَفَرٍ ( فَكَالْأَوَّلِ ) أَيْ : كَنَذْرِ صَوْمٍ فِي الذِّمَّةِ غَيْرِ مُعَيَّنٍ فَيَفْعَلُ عَنْهُ لِأَنَّ الْعُذْرَ لَا يُنَافِي ثُبُوتَهُ فِي الذِّمَّةِ فَلَا يَسْقُطُ بِمَوْتِهِ ( وَمَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمٌ مِنْ كَفَّارَةٍ أَوْ مُتْعَةٍ أَوْ قِرَانٍ وَنَحْوِهِ أُطْعِمَ عَنْهُ ) مِنْ رَأْسِ مَالِهِ أَوْصَى بِهِ أَوْ لَا ، بِلَا صَوْمٍ نَصًّا لِأَنَّهُ وَجَبَ بِأَصْلِ الشَّرْعِ كَقَضَاءِ رَمَضَانَ .

بَابُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ ( وَأَفْضَلُهُ ) أَيْ صَوْمِ التَّطَوُّعِ صَوْمُ ( يَوْمٍ وَ ) فِطْرُ ( يَوْمٍ ) نَصًّا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ عَمْرٍو { صُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا فَذَلِكَ صِيَامُ دَاوُد ، وَهُوَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ قُلْتُ : فَإِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ : لَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ( وَسُنَّ ) صَوْمُ ( ثَلَاثَةِ ) أَيَّامٍ ( مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو { صُمْ مِنْ الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ( وَأَيَّامُ ) اللَّيَالِي ( الْبِيضِ أَفْضَلُ وَهِيَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسَ عَشْرَةَ ) لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ { يَا أَبَا ذَرٍّ إذَا صُمْتَ مِنْ الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَصُمْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ وَخَمْسَةَ عَشَرَ } .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَسُمِّيَتْ لَيَالِيهَا بِالْبِيضِ : لِبَيَاضِ لَيْلِهَا كُلِّهِ بِالْقَمَرِ ( وَ ) سُنَّ صَوْمُ يَوْمِ ( الِاثْنَيْنِ وَ ) يَوْمِ ( الْخَمِيسِ ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُومُهُمَا فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ ؟ فَقَالَ : { إنَّ أَعْمَالَ النَّاسِ تُعْرَضُ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ .
وَفِي لَفْظٍ { وَأُحِبُّ أَنْ يُعْرَضَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ } ( وَ ) سُنَّ صَوْمُ ( سِتَّةٍ مِنْ شَوَّالٍ ، وَالْأَوْلَى تَتَابُعُهَا ، وَ ) كَوْنُهَا ( عَقِبَ الْعِيدِ وَصَائِمُهَا مَعَ رَمَضَانَ كَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ ) لِحَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ مَرْفُوعًا { مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ فَكَأَنَّمَا صَامَ الدَّهْرَ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ .
قَالَ أَحْمَدُ : هُوَ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا يَجْرِي مَجْرَى التَّقْدِيمِ لِرَمَضَانَ لِأَنَّ يَوْمَ الْعِيدِ فَاصِلٌ وَلِسَعِيدٍ عَنْ ثَوْبَانَ مَرْفُوعًا { مَنْ صَامَ رَمَضَانَ

شَهْرًا بِعَشْرَةِ أَشْهُرٍ ، وَصَامَ سِتَّةَ أَيَّامٍ بَعْدَ الْفِطْرِ ، وَذَلِكَ سَنَةٌ ، أَيْ : الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا فَالشَّهْرُ بِعَشَرَةِ أَشْهُرٍ وَالسِّتَّةُ بِسِتِّينَ يَوْمًا وَذَلِكَ سَنَةٌ } وَالْمُرَادُ بِالْخَبَرِ الْأُوَلِ : التَّشْبِيهُ بِصَوْمِ الدَّهْرِ فِي حُصُولِ الْعِبَادَةِ بِهِ عَلَى وَجْهٍ لَا مَشَقَّةَ فِيهِ كَحَدِيثِ { مَنْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ } مَعَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُكْرَهُ بَلْ يُسْتَحَبُّ وَتَحْصُلُ فَضِيلَتُهَا مُتَتَابِعَةً وَمُتَفَرِّقَةً .
( وَ ) سُنَّ ( صَوْمُ ) شَهْرِ اللَّهِ ( الْمُحَرَّمِ ) لِحَدِيثِ { أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ جَوْفُ اللَّيْلِ ، وَأَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمِ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَعَلَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُكْثِرْ الصَّوْمَ فِيهِ لِعُذْرٍ ، أَوْ لَمْ يَعْلَمْ فَضْلَهُ إلَّا آخِرًا .
قَالَ ابْنُ الْأَثِيرِ : إضَافَتُهُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى تَعْظِيمًا وَتَفْخِيمًا كَقَوْلِهِمْ : بَيْتُ اللَّهِ وَآلُ اللَّهِ ، لِقُرَيْشٍ ( وَآكَدُهُ ) وَعِبَارَةُ بَعْضِهِمْ : أَفْضَلُهُ ( الْعَاشِرُ ) وَيُسَمَّى عَاشُورَاءَ وَيَنْبَغِي التَّوْسِعَةُ فِيهِ عَلَى الْعِيَالِ قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ ( وَهُوَ ) أَيْ : صَوْمُ عَاشُورَاءَ ( كَفَّارَةُ سَنَةٍ ) لِحَدِيثِ { إنِّي لَأَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ } ( ثُمَّ ) يَلِي عَاشُورَاءَ فِي الْآكَدِيَّةِ ( التَّاسِعُ ) وَيُسَمَّى تَاسُوعَاءَ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا { لَئِنْ بَقِيتُ إلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ وَالْعَاشِرَ } رَوَاهُ الْخَلَّالُ وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ .
( وَ ) يُسَنُّ صَوْمُ ( عَشْرِ ذِي الْحِجَّةِ ) أَيْ : التِّسْعَةِ الْأُوَلِ مِنْهُ لِحَدِيثِ { مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ هَذِهِ الْأَيَّامِ الْعَشْرِ } ( وَآكَدُهُ يَوْمُ عَرَفَةَ وَهُوَ ) أَيْ : صَوْمُهُ ( كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ ) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ مَرْفُوعًا فِي صَوْمِهِ { إنِّي لَأَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى أَنْ

يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ } قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَالْمُرَادُ الصَّغَائِرُ حَكَاهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ الْعُلَمَاءِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ صَغَائِرُ رُجِيَ التَّخْفِيفُ مِنْ الْكَبَائِرِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُفِعَتْ الدَّرَجَاتُ ( وَلَا يُسَنُّ ) صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ ( لِمَنْ بِهَا ) أَيْ : بِعَرَفَةِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { نَهَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صِيَامِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَلِأَنَّهُ يُضْعِفُهُ وَيَمْنَعُهُ الدُّعَاءَ فِيهِ فِي ذَلِكَ الْمَوْقِفِ الشَّرِيفِ ( إلَّا لِمُتَمَتِّعٍ وَقَارِنٍ عَدِمَا الْهَدْيَ ) فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَجْعَلَا آخِرَ صِيَامِ الثَّلَاثَةِ فِي الْحَجِّ يَوْمَ عَرَفَةَ وَيَأْتِي .
( ثُمَّ ) يَلِي يَوْمَ عَرَفَةَ فِي الْآكَدِيَّةِ يَوْمُ ( التَّرْوِيَةِ ) وَهُوَ ثَامِنُ ذِي الْحِجَّةِ لِحَدِيثِ { صَوْمُ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ كَفَّارَةُ سَنَةٍ } الْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخِ فِي الثَّوَابِ وَابْنُ النَّجَّارِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا ( وَكُرِهَ إفْرَادُ رَجَبٍ ) بِصَوْمٍ .
قَالَ أَحْمَدُ : مَنْ كَانَ يَصُومُ السَّنَةَ صَامَهُ وَإِلَّا فَلَا يَصُمْهُ مُتَوَالِيًا بَلْ يُفْطِرُ فِيهِ وَلَا يُشَبِّهُهُ بِرَمَضَانَ ا هـ .
لِمَا رَوَى أَحْمَدُ عَنْ خَرَشَةَ بْنِ الْحُرِّ قَالَ " رَأَيْتُ عُمَرَ يَضْرِبُ أَكُفَّ الْمُتَرَجِّبِينَ ، حَتَّى يَضَعُوهَا فِي الطَّعَامِ وَيَقُولُ : كُلُوا ، فَإِنَّمَا هُوَ شَهْرٌ كَانَتْ تُعَظِّمُهُ الْجَاهِلِيَّةُ " وَبِإِسْنَادِهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ " أَنَّهُ كَانَ إذَا رَأَى النَّاسَ وَمَا يَعُدُّونَهُ لِرَجَبٍ كَرِهَهُ وَقَالَ " صُومُوا مِنْهُ وَأَفْطِرُوا " وَلَا يُكْرَهُ إفْرَادُ شَهْرٍ غَيْرِهِ .
( وَ ) كُرِهَ إفْرَادُ يَوْمِ ( الْجُمُعَةِ ) بِصَوْمٍ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { لَا يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إلَّا أَنْ يَصُومَ يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ يَوْمًا بَعْدَهُ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
( وَ ) كُرِهَ إفْرَادُ يَوْمِ ( السَّبْتِ بِصَوْمٍ ) لِحَدِيثِ { لَا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إلَّا فِيمَا اُفْتُرِضَ عَلَيْكُمْ } حَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ ، فَإِنْ صَامَ مَعَهُ

غَيْرَهُ لَمْ يُكْرَهْ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجُوَيْرِيَةَ قَالَ فِي الْكَافِي : فَإِنْ صَامَهُمَا أَيْ : الْجُمُعَةَ وَالسَّبْتَ مَعًا لَمْ يُكْرَهْ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ .
( وَ ) كُرِهَ ( صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ ، وَهُوَ الثَّلَاثُونَ مِنْ شَعْبَانَ ، إذَا لَمْ يَكُنْ حِينَ التَّرَائِيِ عِلَّةٌ ) مِنْ نَحْوِ غَيْمٍ أَوْ قَتَرٍ لِأَحَادِيثِ النَّهْيِ عَنْهُ ( إلَّا أَنْ يُوَافِقَ ) يَوْمُ الْجُمُعَةِ أَوْ السَّبْتِ أَوْ الشَّكِّ ( عَادَةً ، أَوْ يَصِلَهُ ) أَيْ : يَوْمَ الشَّكِّ ( بِصِيَامٍ قَبْلَهُ ) وَيَتَقَدَّمُ عَنْ رَمَضَانَ بِأَكْثَرَ مِنْ يَوْمَيْنِ فَلَا يُكْرَهُ نَصًّا لِظَاهِرِ خَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ { لَا يَتَقَدَّمَنَّ أَحَدُكُمْ رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ ، إلَّا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ } أَوْ يَكُونُ صَوْمُهُ ( قَضَاءً ) عَنْ رَمَضَانَ ( أَوْ ) يَكُونُ ( نَذْرًا ) فَيَصُومُهُ لِوُجُوبِهِ ، وَمِثْلُهُ صَوْمُهُ عَنْ كَفَّارَةٍ .
( وَ ) كُرِهَ صَوْمُ يَوْمِ ( النَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ ) هُمَا عِيدَانِ لِلْكُفَّارِ ( وَ ) صَوْمُ ( كُلِّ عِيدٍ لِلْكُفَّارِ أَوْ يَوْمٍ يُفْرِدُونَهُ بِتَعْظِيمٍ ) قِيَاسًا عَلَى يَوْمِ السَّبْتِ ، مَا لَمْ يُوَافِقْ عَادَةً أَوْ يَصُمْهُ عَنْ قَضَاءِ رَمَضَانَ ، أَوْ نَذْرٍ وَنَحْوِهِ .
( وَ ) كُرِهَ ( تَقَدُّمُ ) صَوْمِ ( رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ ) لَا بِأَكْثَرَ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ .
( وَ ) كُرِهَ ( وِصَالٌ ) بِأَنْ لَا يُفْطِرَ بَيْنَ الْيَوْمَيْنِ فَأَكْثَرَ ( إلَّا مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ { وَاصَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ فَوَاصَلَ النَّاسُ فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْوِصَالِ فَقَالُوا : إنَّكَ تُوَاصِلُ قَالَ : إنِّي لَسْتُ مِثْلَكُمْ إنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَمْ يَحْرُمْ لِأَنَّ النَّهْيَ وَقَعَ رِفْقًا وَرَحْمَةً وَ ( لَا ) يُكْرَهُ الْوِصَالُ ( إلَى السَّحَرِ ) لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا { فَأَيُّكُمْ أَرَادَ أَنْ يُوَاصِلَ فَلْيُوَاصِلْ إلَى السَّحَرِ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ( وَتَرْكِهِ )

أَيْ : الْوِصَالُ إلَى السَّحَرِ ( أَوْلَى ) مِنْ فِعْلِهِ لِفَوَاتِ فَضِيلَةِ تَعْجِيلِ الْفِطْرِ .
( وَلَا يَصِحُّ صَوْمُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ ) لِحَدِيثِ { وَأَيَّامُ مِنًى أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ مُخْتَصَرًا ( إلَّا عَنْ دَمِ مُتْعَةٍ أَوْ قِرَانٍ ) لِمَنْ عَدِمَهُ فَيَصِحُّ صَوْمُهَا عَنْهُ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ " لَمْ يُرَخَّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ إلَّا لِمَنْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ( وَلَا ) يَصِحُّ صَوْمُ ( يَوْمِ عِيدٍ مُطْلَقًا ) لَا فَرْضًا وَلَا نَفْلًا ( وَيَحْرُمُ ) صَوْمُهُ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { نُهِيَ عَنْ صَوْمِ يَوْمَيْنِ يَوْمِ فِطْرٍ وَيَوْمِ أَضْحَى } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَا يُكْرَهُ صَوْمُ الدَّهْرِ إنْ لَمْ يَتْرُكْ بِهِ حَقًّا وَلَا يَخَافُ مِنْهُ ضَرَرًا ، وَلَا صَامَ أَيَّامَ النَّهْيِ

فَصْلٌ وَمَنْ دَخَلَ فِي تَطَوُّعِ صَوْمٍ أَوْ غَيْرِهِ ( غَيْرِ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ لَمْ يَجِبْ ) عَلَيْهِ ( إتْمَامُهُ ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ وَفِيهِ { إنَّمَا مَثَلُ صَوْمِ التَّطَوُّعِ مَثَلُ الرَّجُلِ يُخْرِجُ مِنْ مَالِهِ الصَّدَقَةَ فَإِنْ شَاءَ أَمْضَاهَا وَإِنْ شَاءَ حَبَسَهَا } رَوَاهُ النَّسَائِيُّ ( وَيُسَنُّ ) إتْمَامُ تَطَوُّعٍ خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ وَيُكْرَهُ قَطْعُهُ بِلَا حَاجَةٍ ذَكَرَهُ النَّاظِمُ

( وَإِنْ فَسَدَ ) تَطَوُّعٌ دَخَلَ فِيهِ غَيْرُ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ ( فَلَا قَضَاءَ ) عَلَيْهِ نَصًّا بَلْ يُسَنُّ ، خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ وَأَمَّا تَطَوُّعُ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَيَجِبُ إتْمَامُهُ لِأَنَّ نَفْلَهُمَا كَفَرْضِهِمَا نِيَّةً وَفِدْيَةً وَغَيْرِهِمَا وَلِعَدَمِ الْخُرُوجِ مِنْهُمَا بِالْمَحْظُورَاتِ ( وَيَجِبُ إتْمَامُ فَرْضٍ مُطْلَقًا ) أَيْ : بِأَصْلِ الشَّرْعِ أَوْ بِالنَّذْرِ ( وَلَوْ ) كَانَ وَقْتُهُ ( مُوَسَّعًا كَصَلَاةٍ وَقَضَاءِ رَمَضَانَ وَنَذْرٍ مُطْلَقٍ وَكَفَّارَةٍ ) فِي قَوْلٍ لِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِدُخُولٍ فِيهِ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الْمُتَعَيِّنِ وَالْخُرُوجِ مِنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ مُتَعَيِّنٌ وَدَخَلَتْ التَّوْسِعَةُ فِي وَقْتِهِ وَفْقًا ( وَإِنْ بَطَلَ ) الْفَرْضُ ( فَلَا مَزِيدَ ) عَلَيْهِ فَيُعِيدُهُ أَوْ يَقْضِيهِ فَقَطْ ( وَلَا كَفَّارَةَ ) مُطْلَقًا غَيْرَ الْوَطْءِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ وَتَقَدَّمَ ( وَيَجِبُ قَطْعُ ) فَرْضٍ وَنَفْلٍ ( لِرَدِّ مَعْصُومٍ عَنْ مَهْلَكَةٍ وَإِنْقَاذِ غَرِيقٍ وَنَحْوِهِ ) كَحَرِيقٍ وَمَنْ تَحْتَ هَدْمٍ أَوْ بَهِيمَةٍ لِأَنَّهُ إذَا فَاتَ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهُ .
( وَ ) يَجِبُ قَطْعُ فَرْضِ صَلَاةٍ ( إذْ دَعَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ } ( وَلَهُ قَطْعُهُ ) أَيْ : الْفَرْضِ ( لِهَرَبِ غَرِيمٍ ، وَ ) لَهُ ( قَبْلَهُ نَفْلًا ) وَتَقَدَّمَ .

فَصْلٌ أَفْضَلُ الْأَيَّامِ يَوْمُ الْجُمُعَةِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : هُوَ أَفْضَلُ أَيَّامِ الْأُسْبُوعِ إجْمَاعًا وَقَالَ : يَوْمُ النَّحْرِ أَفْضَلُ أَيَّامِ الْعَامِ وَكَذَا قَالَ جَدُّهُ الْمَجْدُ وَظَاهِرُ مَا ذَكَرَهُ أَبُو حَكِيمٍ : أَنَّ يَوْمَ عَرَفَةَ أَفْضَلُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَهَذَا أَظْهَرُ .

( وَ ) أَفْضَلُ ( اللَّيَالِي : لَيْلَةُ الْقَدْرِ ) لِلْآيَةِ وَذَكَرَهُ الْخَطَّابِيِّ إجْمَاعًا وَهِيَ لَيْلَةٌ مُعَظَّمَةٌ قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ : وَالدُّعَاءُ فِيهَا مُسْتَجَابٌ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُقَدَّرُ فِيهَا مَا يَكُونُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ أَوْ لِعِظَمِ قَدْرِهَا عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى ، أَوْ لِضِيقِ الْأَرْضِ عَنْ الْمَلَائِكَةِ الَّتِي تَنْزِلُ فِيهَا وَلَمْ تُرْفَعُ ( وَتُطْلَبُ ) لَيْلَةُ الْقَدْرِ ( فِي الْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ ) فَهِيَ مُخْتَصَّةٌ بِهِ أَيْ الْعَشْرِ الْأَخِير مِنْهُ عِنْدَ أَحْمَدَ ، وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَغَيْرِهِمْ ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ وَتَسْتَقِلُّ فِيهِ ( وَأَوْتَارُهُ ) أَيْ : الْعَشْرِ الْأَخِير مِنْ رَمَضَانَ ، وَهِيَ الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ ، وَالثَّالِثَةُ ، وَالْخَامِسَةُ ، وَالسَّابِعَة ، وَالتَّاسِعَةُ ، وَالْعِشْرُونَ ( آكَدُ ) مِنْ غَيْرِ أَوْتَارِهِ ( أَرْجَاهَا ) أَيْ : لَيَالِي الْأَوْتَارِ ( سَابِعَتُهُ ) أَيْ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ نَصًّا وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَزِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ لِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ مَرْفُوعًا { لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
( وَسُنَّ كَوْنٌ مِنْ دُعَائِهِ فِيهَا ) أَيْ : لَيْلَةِ الْقَدْرِ مَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ : { يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ وَافَقْتُهَا فَبِمَ أَدْعُو ؟ قَالَ قُولِي اللَّهُمَّ إنَّكَ عَفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي } ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ وَأَمَارَتُهَا { أَنَّهَا لَيْلَةٌ صَافِيَةٌ بَلْجَةٌ ، كَأَنَّ فِيهَا قَمَرًا سَاطِعًا سَاكِنَةٌ سَاجِيَةٌ ، لَا بَرْدَ فِيهَا ، وَلَا حَرَّ وَلَا يَحِلُّ لِكَوْكَبٍ أَنْ يُرْمَى بِهِ فِيهَا ، حَتَّى تُصْبِحَ ، وَتَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ صَبِيحَتِهَا بَيْضَاءَ لَا شُعَاعَ لَهَا } .
وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ { مِثْلَ الطَّسْتِ } وَفِي بَعْضِهَا { مِثْلَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ لَا يَحِلُّ لِشَيْطَانٍ أَنْ يَخْرُجَ يَوْمَئِذٍ مَعَهَا } وَرَمَضَانُ أَفْضَلُ الشُّهُورِ وَعَشْرُ ذِي الْحِجَّةِ أَفْضَلُ مِنْ الْعَشْرِ الْأَخِير مِنْ رَمَضَانَ ، وَمِنْ سَائِرِ الْعُشُورِ

كِتَابُ الِاعْتِكَافِ لُغَةً : لُزُومُ الشَّيْءِ وَمِنْهُ { يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ } بِفَتْحِ الْكَافِ فِي الْمَاضِي وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا فِي الْمُضَارِعِ وَشَرْعًا ( لُزُومُ مُسْلِمٍ لَا غُسْلَ عَلَيْهِ عَاقِلٍ ، وَلَوْ ) كَانَ ( مُمَيِّزًا : مَسْجِدًا ) مَفْعُولُ " لُزُومُ " ( وَلَوْ ) كَانَ لُزُومُهُ ، أَيْ : وَقْتِهِ ( سَاعَةً ) مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ أَيْ : مَا يُسَمَّى بِهِ مُعْتَكِفًا لَابِثًا ( لِطَاعَةٍ ) مُتَعَلِّقٌ بِ " لُزُومُ " ( عَلَى صِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ ) تَأْتِي فَلَا يَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ ، وَلَا مِمَّنْ عَلَيْهِ غُسْلٌ لِجَنَابَةٍ أَوْ غَيْرِهَا ، وَلَا غَيْرِ عَاقِلٍ وَمَنْ دُونَ التَّمْيِيزِ ، وَلَا فِي غَيْرِ مَسْجِدٍ أَوْ بِغَيْرِ لُبْثٍ وَلَا يَلْزَمُ غَيْرَ مَسْجِدٍ لِنَحْوِ صِنَاعَةٍ ، وَمَشْرُوعِيَّتُهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ قَالَ فِي الْمُغْنِي : وَلَا نَعْلَمُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ خِلَافًا فِي أَنَّهُ مَسْنُونٌ وَيُسَمَّى جِوَارًا وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ : لَا يَحِلُّ أَنْ يُسَمَّى خَلْوَةً وَفِي الْفُرُوعِ : وَلَعَلَّ الْكَرَاهَةَ أَوْلَى .
( وَلَا يَبْطُلُ ) اعْتِكَافٌ ( بِإِغْمَاءٍ ) كَنَوْمٍ لِبَقَاءِ التَّكْلِيفِ ( وَسُنَّ ) اعْتِكَافُ ( كُلِّ وَقْتٍ ) لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُدَاوَمَتِهِ عَلَيْهِ وَاعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مَعَهُ ، وَبَعْدَهُ .
( وَ ) هُوَ ( فِي رَمَضَانَ آكَدُ ) لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَآكَدُهُ ) أَيْ : رَمَضَانَ ( عَشْرُهُ الْأَخِيرِ ) لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ { كُنْت أُجَاوِرُ هَذِهِ الْعَشْرَ ، يَعْنِي الْأَوْسَطَ ثُمَّ قَدْ بَدَا لِي أَنْ أُجَاوِرَ هَذِهِ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ فَمَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَلْبَثْ فِي مُعْتَكَفِهِ } وَلِمَا فِيهِ مِنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ الَّتِي هِيَ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ وَإِذَا نَذَرَ اعْتِكَافَ الْعَشْرِ الْأَخِيرِ فَنَقَصَ الشَّهْرُ أَجْزَأَهُ ، لَا إنْ نَذَرَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ فَنَقَصَ فَيَقْضِي يَوْمًا ( وَيَجِبُ ) اعْتِكَافٌ ( بِنَذْرٍ ) لِحَدِيثِ { مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
( وَإِنْ عَلَّقَ ) نَذْرَ اعْتِكَافٍ ( أَوْ غَيْرِهِ )

كَنَذْرِ صَوْمٍ أَوْ عِتْقٍ ( بِشَرْطٍ ) كَإِنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي لَأَعْتَكِفَنَّ أَوْ لَأَصُومَنَّ كَذَا ( تَقَيَّدَ بِهِ ) أَيْ : الشَّرْطِ فَلَا يَلْزَمُهُ قَبْلَهُ كَطَلَاقٍ ( وَيَصِحُّ ) اعْتِكَافٌ ( بِلَا صَوْمٍ ) لِحَدِيثِ عُمَرَ { يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إنِّي نَذَرْت فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْفِ بِنَذْرِك } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلَوْ كَانَ الصَّوْمُ شَرْطًا لِمَا صَحَّ اعْتِكَافُ اللَّيْلِ وَكَالصَّلَاةِ وَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ وَحَدِيثِ عَائِشَةَ { لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِصَوْمٍ } مَوْقُوفٌ عَلَيْهَا وَمَنْ رَفَعَهُ فَقَدْ وَهَمَ ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ لَوْ صَحَّ فَالْمُرَادُ بِهِ : الِاسْتِحْبَابُ وَ ( لَا ) يَصِحُّ اعْتِكَافٌ ( بِلَا نِيَّةٍ ) لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ وَلِحَدِيثِ { إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ } ( وَيَجِبُ أَنْ يُعَيَّنَ نَذْرٌ بِهَا ) أَيْ النِّيَّةِ ، لِيَتَمَيَّزَ النَّذْرُ عَنْ التَّطَوُّعِ ( وَمَنْ نَوَى خُرُوجَهُ مِنْهُ ) أَيْ : الِاعْتِكَافِ ( بَطَلَ ) كَصَلَاةٍ وَصَوْمٍ .
( وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَائِمًا ) لَزِمَهُ الْجَمْعُ ( أَوْ ) نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ ( بِصَوْمٍ ) لَزِمَهُ الْجَمْعُ ( أَوْ ) نَذَرَ أَنْ ( يَصُومَ مُعْتَكِفًا ) لَزِمَهُ الْجَمْعُ ( أَوْ بِاعْتِكَافٍ أَوْ ) نَذَرَ أَنْ ( يَعْتَكِفَ مُصَلِّيًا ) لَزِمَهُ الْجَمْعُ ( أَوْ ) نَذَرَ ( أَنْ يُصَلِّيَ مُعْتَكِفًا لَزِمَهُ الْجَمْعُ ) بَيْنَ الِاعْتِكَافِ وَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ لِحَدِيثِ { لَيْسَ عَلَى الْمُعْتَكِفِ صَوْمٌ ، إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ } وَقِيسَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا صِفَةٌ مَقْصُودَةٌ فِي الِاعْتِكَافِ فَلَزِمَتْ بِالنَّذْرِ كَالتَّتَابُعِ وَالْقِيَامِ فِي النَّافِلَةِ ( كَنَذْرِ صَلَاةٍ بِسُورَةٍ مُعَيَّنَةٍ ) مِنْ الْقُرْآنِ فَلَوْ فَرَّقَهُمَا أَوْ اعْتَكَفَ وَصَامَ مِنْ رَمَضَانَ وَنَحْوِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ وَلَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُصَلِّيَ جَمِيعَ النَّهَارِ ، بَلْ يَكْفِيهِ رَكْعَتَانِ .
( وَلَا يَجُوزُ لِزَوْجَةٍ وَقِنٍّ ) وَأُمِّ وَلَدٍ وَمُدَبَّرٍ وَمُعَلَّقٍ

عِتْقُهُ بِصِفَةٍ ( اعْتِكَافٌ بِلَا إذْنِ زَوْجٍ ) لِزَوْجَتِهِ .
( وَ ) لَا إذْنِ ( سَيِّدٍ ) لِرَقِيقِهِ ، لِتَفْوِيتِ حَقِّهِمَا عَلَيْهِمَا ( وَلَهُمَا ) أَيْ : الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ ( تَحْلِيلُهُمَا ) أَيْ : الزَّوْجَةِ وَالْقِنِّ ( مِمَّا شَرَعَا فِيهِ ) مِنْ اعْتِكَافٍ وَلَوْ مَنْذُورًا ( بِلَا إذْنِ ) زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ لِحَدِيثِ { لَا تَصُومُ الْمَرْأَةُ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ يَوْمًا مِنْ غَيْرِ رَمَضَانَ إلَّا بِإِذْنِهِ } رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ وَلِمَا فِيهِ مِنْ تَفْوِيتِ حَقِّ غَيْرِهِمَا بِغَيْرِ إذْنِهِ فَكَانَ لِرَبِّ الْحَقِّ الْمَنْعُ مِنْهُ ، كَمَنْعِ مَالِكٍ غَاصِبًا ( أَوْ ) كَانَا شَرَعَا فِيهِ ( بِهِ ) أَيْ : بِإِذْنِ زَوْجٍ وَسَيِّدٍ ( وَهُوَ ) أَيْ : مَا شَرَعَا فِيهِ ( تَطَوُّعٌ ) لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَذِنَ لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَزَيْنَبَ فِي الِاعْتِكَافِ ، ثُمَّ مَنَعَهُنَّ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ دَخَلْنَ فِيهِ } وَيُخَالِفُ الْحَجَّ لِأَنَّهُ يَجِبُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ وَلَيْسَ لَهُمَا تَحْلِيلُهُمَا مِنْ مَنْذُورٍ شَرَعَا فِيهِ بِالْإِذْنِ وَالْإِذْنُ فِي عَقْدِ النَّذْرِ إذْنٌ فِي فِعْلِهِ إنْ نَذَرَا مُعَيَّنًا بِالْإِذْنِ ( وَلِمُكَاتَبٍ اعْتِكَافٌ بِلَا إذْنِ ) سَيِّدِهِ نَصًّا لِمِلْكِهِ مَنَافِعَ نَفْسِهِ ، كَحُرٍّ مَدِينٍ ، بِخِلَافِ أُمِّ وَلَدٍ وَمُدَبَّرٍ .
( وَ ) لِمُكَاتَبٍ أَيْضًا ( حَجٌّ ) بِلَا إذْنٍ نَصًّا كَاعْتِكَافٍ وَأَوْلَى لِإِمْكَانِ التَّكَسُّبِ مَعَهُ لَكِنْ لَهُ مَنْعُهُ مِنْ السَّفَرِ وَيَأْتِي ( مَا لَمْ يَحِلَّ عَلَيْهِ نَجْمٌ ) مِنْ كِتَابَتِهِ فَإِنْ حَلَّ لَمْ يَحُجَّ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ ( وَمُبَعَّضٌ كَقِنٍّ ) كُلُّهُ فَلَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ لِأَنَّ لَهُ مِلْكًا فِي مَنَافِعِهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ ( إلَّا مَعَ مُهَايَأَةٍ ) فَلَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ وَيَحُجَّ ( فِي نَوْبَتِهِ ) بِلَا إذْنِ مَالِكٍ أَوْ بَعْضِهِ ( فَ ) إنَّهُ فِي نَوْبَتِهِ ( كَحُرٍّ ) لِمِلْكِهِ اكْتِسَابَهُ وَمَنَافِعَهُ .

فَصْلٌ وَلَا يَصِحُّ اعْتِكَافٌ ( مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا بِمَسْجِدٍ تُقَامُ فِيهِ ) الْجَمَاعَةُ ( وَلَوْ مِنْ مُعْتَكِفِينَ ) لِأَنَّهُ إذَا اعْتَكَفَ بِمَا لَا تُقَامُ فِيهِ أَفْضَى إلَى تَرْكِ الْجَمَاعَةِ الْوَاجِبَةِ أَوْ خُرُوجِهِ إلَيْهَا فَيَتَكَرَّرُ كَثِيرًا ، مَعَ إمْكَان تَحَرُّزِهِ مِنْهُ وَهُوَ مُنَافٍ لِلِاعْتِكَافِ ، إذْ هُوَ لُزُومُ الْمَسْجِدِ لِلطَّاعَةِ وَعُلِمَ مِنْهُ : أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِمَسْجِدٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ } وَالْمُبَاشَرَةُ مُحَرَّمَةٌ فِي الِاعْتِكَافِ مُطْلَقًا فَلَوْلَا اخْتِصَاصُهُ بِالْمَسَاجِدِ لَمَا قُيِّدَ بِهَا وَلِأَنَّ الْمَقَامَ فِيهِ عَوْنٌ عَلَى مَا يُرَادُ مِنْ الْعِبَادَةِ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ لَهَا ( إنْ أَتَى عَلَيْهِ ) أَيْ مَنْ تَلْزَمُهُ الْجَمَاعَةُ ( فِعْلُ صَلَاةٍ ) زَمَنَ اعْتِكَافِهِ ( وَإِلَّا ) تَلْزَمُهُ الْجَمَاعَةُ ، كَعَبْدٍ وَمَرِيضٍ ، أَوْ لَمْ يَأْتِ عَلَى مَنْ تَلْزَمُهُ فِعْلُ الصَّلَاةِ ، كَأَنْ اعْتَكَفَ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الزَّوَالِ ( صَحَّ ) اعْتِكَافُهُ ( بِكُلِّ مَسْجِدٍ ) لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ مِنْهُ مَحْذُورٌ ( كَ ) مَا يَصِحُّ اعْتِكَافٌ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ ( مِنْ أُنْثَى ) لِمَا تَقَدَّمَ ، إلَّا مَسْجِدَ بَيْتِهَا وَهُوَ مَا اتَّخَذَتْهُ مِنْهُ لِصَلَاتِهَا فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَسْجِدٍ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا لِجَوَازِ لُبْثِهَا فِيهِ حَائِضًا وَجُنُبًا وَعَدِمَ وُجُوبِ صَوْنِهِ مِنْ نَجَاسَةٍ وَتَسْمِيَتُهُ مَسْجِدًا مَجَازًا وَكَالرَّجُلِ وَسُنَّ اسْتِتَارُ مُعْتَكِفَةٍ بِخِبَاءٍ فِي مَكَان لَا يُصَلِّي بِهِ الرِّجَالُ وَيُبَاحُ لِرَجُلٍ ( وَمِنْهُ ) أَيْ الْمَسْجِدِ ( ظَهْرُهُ ) أَيْ سَطْحُهُ لِعُمُومٍ { فِي الْمَسَاجِدِ } ( وَ ) مِنْهُ ( رَحَبَتُهُ الْمَحُوطَةُ ) .
قَالَ الْقَاضِي : إنْ كَانَ عَلَيْهَا حَائِطٌ وَبَابٌ ، كَرَحَبَةِ جَامِعِ الْمَهْدِيِّ بِالرُّصَافَةِ هِيَ كَالْمَسْجِدِ لِأَنَّهَا مِنْهُ وَتَابِعَةٌ لَهُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَحُوطَةً ، كَرَحَبَةِ جَامِعِ الْمَنْصُورِ لَمْ يَثْبُتْ لَهَا حُكْمُ الْمَسْجِدِ .
( وَ ) مِنْهُ ( مَنَارَتُهُ الَّتِي هِيَ فِيهِ أَوْ

بَابُهَا فِيهِ ) أَيْ الْمَسْجِدِ ، لِمَنْعِ الْجُنُبِ مِنْهَا فَإِنْ كَانَتْ هِيَ أَوْ بَابُهَا خَارِجَةً ، وَلَوْ قَرِيبَةٌ وَخَرَجَ الْمُعْتَكِفُ إلَيْهِ لِلْأَذَانِ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ لِأَنَّهُ مَشَى حَيْثُ يَمْشِي جُنُبٌ لِأَمْرٍ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ ، كَخُرُوجِهِ إلَيْهَا لِغَيْرِهِ ( وَ ) مِنْهُ ( مَا زِيدَ فِيهِ ) أَيْ الْمَسْجِدِ ( حَتَّى فِي الثَّوَابِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) لِعُمُومِ الْخَبَرِ ( وَعِنْدَ جَمْعٍ ) مِنْهُمْ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَابْنُ رَجَبٍ وَحُكِيَ عَنْ السَّلَفِ ( وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَيْضًا ) فَزِيَادَتُهُ كَهُوَ فِي الْمُضَاعَفَةِ وَخَالَفَ فِيهِ جَمْعٌ ، مِنْهُمْ ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ وَقَالَ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى هَذِهِ الْمُضَاعَفَةُ تَخْتَصُّ بِالْمَسْجِدِ غَيْرَ الزِّيَادَةِ عَلَى ظَاهِرِ الْخَبَرِ ، وَقَوْلُ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ ( وَالْأَفْضَلُ لِرَجُلٍ تَخَلَّلَ اعْتِكَافَهُ جُمُعَةٌ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي جَامِعٍ ) أَيْ مَسْجِدٍ تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ حَتَّى لَا يَحْتَاجَ لِلْخُرُوجِ إلَيْهَا مِنْهُ وَلَا يَلْزَمُهُ لِأَنَّ الْخُرُوجَ إلَيْهَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ ، كَالْخُرُوجِ لِحَاجَتِهِ ، وَالْخُرُوجُ إلَيْهَا مُعْتَادٌ فَكَأَنَّهُ مُسْتَثْنًى ( وَيَتَعَيَّنُ ) جَامِعٌ لِاعْتِكَافٍ ( إنْ عَيَّنَ بِنَذْرٍ ) فَلَا يُجْزِئُهُ فِي مَسْجِدٍ لَا تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ ، حَيْثُ عَيَّنَ الْجَامِعَ بِنَذْرِهِ وَلَوْ لَمْ يَتَخَلَّلْ اعْتِكَافَهُ جُمُعَةٌ لِأَنَّهُ تَرَكَ لُبْثًا مُسْتَحَقًّا الْتَزَمَهُ بِنَذْرِهِ ( وَلِمَنْ لَا جُمُعَةَ عَلَيْهِ ) كَامْرَأَةٍ وَمُسَافِرٍ ( أَنْ يَعْتَكِفَ بِغَيْرِهِ ) أَيْ الْجَامِعِ مِنْ الْمَسَاجِدِ ( وَيَبْطُلُ ) اعْتِكَافُهُ ( بِخُرُوجِهِ إلَيْهَا ) أَيْ الْجُمُعَةِ لِأَنَّ لَهُ مِنْهُ بُدًّا ( إنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ ) أَيْ الْخُرُوجَ إلَى الْجُمُعَةِ ، كَعِيَادَةِ مَرِيضٍ

( وَمَنْ عَيَّنَ ) بِنَذْرِهِ لِاعْتِكَافِهِ أَوْ صَلَاتِهِ ( مَسْجِدًا غَيْرَ ) الْمَسَاجِدِ ( الثَّلَاثَةِ ) أَيْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الْمَدِينَةِ وَالْأَقْصَى ( لَمْ يَتَعَيَّنْ ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ : الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَمَسْجِدِي هَذَا ، وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَوْ تَعَيَّنَ غَيْرُهَا بِالتَّعْيِينِ لَزِمَ الْمُضِيُّ إلَيْهِ وَاحْتَاجَ إلَى شَدِّ الرَّحْلِ لِقَضَاءِ نَذْرِهِ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُعَيِّنْ لِعِبَادَتِهِ مَكَانًا فِي غَيْرِ الْحَجِّ ثُمَّ إنْ أَرَادَ النَّاذِرُ الِاعْتِكَافَ فِيمَا عَيَّنَهُ غَيْرَهَا ، فَإِنْ كَانَ قَرِيبًا فَهُوَ أَفْضَلُ وَإِلَّا بِأَنْ احْتَاجَ لِشَدِّ رَحْلٍ خُيِّرَ عِنْدَ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ وَجَزَمَ بَعْضُهُمْ بِإِبَاحَتِهِ وَاخْتَارَهُ الْمُوَفَّقُ فِي السَّفَرِ الْقَصِيرِ وَاحْتَجَّ بِخَبَرِ قُبَاءَ وَحُمِلَ النَّهْيُ عَلَى أَنَّهُ لَا فَضِيلَةَ فِيهِ وَحَكَاهُ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنْ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وَلَمْ يُجَوِّزْهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ( وَ أَفْضَلُهَا ) أَيْ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ الْمَسْجِدُ ( الْحَرَامُ ) وَهُوَ مَسْجِدُ مَكَّةَ ( فَمَسْجِدُ الْمَدِينَةِ ) عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ ( فَ ) مَسْجِدُ ( الْأَقْصَى ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ } رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد ( فَمَنْ نَذَرَ اعْتِكَافًا ، أَوْ ) نَذَرَ ( صَلَاةً فِي أَحَدِهَا ) أَيْ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ ( لَمْ يُجْزِئْهُ ) اعْتِكَافٌ وَلَا صَلَاةٌ ( فِي غَيْرِهِ ) أَيْ مَا عَيَّنَهُ لِتَعَيُّنِهِ لِذَلِكَ ( إلَّا ) أَنْ يَكُونَ مَا فَعَلَهُ فِيهِ ( أَفْضَلَ مِنْهُ ) أَيْ الَّذِي عَيَّنَهُ فَيُجْزِئَهُ فَمَنْ نَذَرَ فِي الْحَرَامِ لَمْ يُجْزِئْهُ فِي غَيْرِهِ وَفِي الْأَقْصَى أَجْزَأَهُ فِي الثَّلَاثَةِ وَفِي مَسْجِدِ الْمَدِينَةِ أَجْزَأَهُ فِيهِ وَفِي الْحَرَامِ لَا الْأَقْصَى لِحَدِيثِ جَابِرٍ { أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَوْمَ الْفَتْحِ : يَا

رَسُولَ اللَّهِ إنِّي نَذَرْت إنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْك مَكَّةَ أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَالَ : صَلِّ هَهُنَا ، فَسَأَلَهُ ، فَقَالَ : صَلِّ هَهُنَا فَسَأَلَهُ ، فَقَالَ : شَأْنَك إذَنْ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد ( وَمَنْ نَذَرَ ) اعْتِكَافًا وَنَحْوَهُ ( زَمَنًا مُعَيَّنًا ) كَعَشْرِ رَمَضَانَ الْأَخِيرِ مَثَلًا ( شَرَعَ فِيهِ قَبْلَ دُخُولِهِ ) أَيْ الْمُعَيَّنِ فَيَدْخُلُ مُعْتَكَفَهُ قَبْلَ غُرُوبِ شَمْسِ يَوْمِ الْعِشْرِينَ لِأَنَّ أَوَّلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ ، كَحُلُولِ دُيُونٍ وَوُقُوعِ عِتْقٍ ، وَطَلَاقِ مُعَلَّقَةٍ بِهِ ( وَتَأَخَّرَ ) عَنْ الْخُرُوجِ ( حَتَّى يَنْقَضِيَ ) بِأَنْ تَغْرُبَ شَمْسُ آخِرِ يَوْمٍ مِنْهُ نَصًّا لِيَسْتَوْفِيَ جَمِيعَهُ .
( وَ ) مَنْ نَذَرَ زَمَنًا مُعَيَّنًا صَوْمًا أَوْ اعْتِكَافًا وَنَحْوَهُ ( تَابَعَ ) وُجُوبًا ( لَوْ أَطْلَقَ ) فَلَمْ يُقَيِّدْ بِالتَّتَابُعِ لَا بِلَفْظِهِ ، وَلَا بِنِيَّتِهِ لِفَهْمِهِ مِنْ التَّعَيُّنِ ( وَ ) مَنْ ( نَذَرَ ) أَنْ يَصُومَ أَوْ يَعْتَكِفَ وَنَحْوَهُ ( عَدَدًا ) مِنْ أَيَّامٍ غَيْرِ مُعَيَّنَةٍ ( فَلَهُ ) أَيْ النَّاذِرُ ( تَفْرِيقُهُ ) أَيْ الْعَدَدِ وَلَوْ ثَلَاثِينَ يَوْمًا لِأَنَّهُ مُقْتَضَى اللَّفْظِ ، وَالْأَيَّامُ الْمُطْلَقَةُ تُوَحَّدُ بِدُونِ تَتَابُعٍ ( مَا لَمْ يَنْوِ ) فِي الْعَدَدِ ( تَتَابُعًا ) فَيَلْزَمُهُ كَمَا لَوْ نَذَرَ شَهْرًا مُطْلَقًا ( وَلَا تَدْخُلُ لَيْلَةُ يَوْمٍ نَذَرَ ) اعْتِكَافَهُ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْهُ .
قَالَ الْخَلِيلُ : الْيَوْمُ اسْمٌ لِمَا بَيْنَ طُلُوعِ الْفَجْرِ وَغُرُوبِ الشَّمْسِ ( كَ ) مَا لَا يَدْخُلُ ( يَوْمُ لَيْلَةٍ ) نَذَرَ اعْتِكَافَهَا لِأَنَّ الْيَوْمَ لَيْسَ مِنْ اللَّيْلَةِ ( وَمَنْ نَذَرَ ) أَنْ يَعْتَكِفَ وَنَحْوَهُ ( يَوْمًا لَمْ يَجُزْ تَفْرِيقُهُ بِسَاعَاتٍ مِنْ أَيَّامٍ ) لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ التَّتَابُعُ كَقَوْلِهِ " مُتَتَابِعًا " وَإِنْ قَالَ فِي أَثْنَاءِ يَوْمٍ : لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ يَوْمًا مِنْ وَقْتِي هَذَا لَزِمَهُ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ إلَى مِثْلِهِ مِنْ الْغَدِ لِتَعْيِينِهِ ذَلِكَ بِنَذْرِهِ وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ فَبَدَأَ لَيْلًا لَمْ يَلْزَمْهُ

شَيْءٌ وَفِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ اعْتَكَفَ الْبَاقِيَ مِنْهُ بِلَا قَضَاءٍ وَمَعَ عُذْرٍ يَمْنَعُ الِاعْتِكَافَ حَالَ قُدُومِهِ ، يَقْضِي بَاقِيَ الْيَوْمِ وَيُكَفِّرُ ( وَمَنْ نَذَرَ ) أَنْ يَعْتَكِفَ وَنَحْوَهُ ( شَهْرًا مُطْلَقًا ) فَلَمْ يُعَيِّنْ كَوْنَهُ رَمَضَانَ أَوْ غَيْرَهُ ( تَابَعَ ) وُجُوبًا ، لِاقْتِضَائِهِ ذَلِكَ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُ زَيْدًا شَهْرًا ، وَكَمُدَّةِ الْإِيلَاءِ وَنَحْوِهِ ( وَمَنْ نَذَرَ ) أَنْ يَعْتَكِفَ وَنَحْوَهُ ( يَوْمَيْنِ ) فَأَكْثَرَ مُتَتَابِعَةً ( أَوْ ) نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ وَنَحْوَهُ ( لَيْلَتَيْنِ فَأَكْثَرَ ) كَثَلَاثَةٍ أَوْ عَشْرٍ ( مُتَتَابِعَةٍ لَزِمَهُ مَا بَيْنَ ذَلِكَ ) أَيْ الْأَيَّامُ ( مِنْ لَيْلٍ ) إنْ كَانَ النَّذْرُ أَيَّامًا ( أَوْ ) مَا بَيْنَ اللَّيَالِي مِنْ ( نَهَارٍ ) إنْ كَانَ الْمَنْذُورُ لَيَالِيَ ، تَبَعًا لِوُجُوبِ التَّتَابُعِ

فَصْلٌ يَحْرُمُ خُرُوجُ مِنْ أَيْ مُعْتَكَفٍ لَزِمَهُ تَتَابُعٌ لِتَقْيِيدِهِ نَذْرَهُ بِالتَّتَابُعِ ، أَوْ نِيَّتِهِ ، لَهُ أَوْ إتْيَانِهِ بِمَا يَقْتَضِيهِ كَشَهْرٍ ( مُخْتَارًا ذَاكِرًا ) لِاسْتِكَافَةٍ فَلَا يَحْرُمُ خُرُوجُهُ مُكْرَهًا بِلَا حَقٍّ أَوْ نَاسِيًا ( إلَّا مَا لَا بُدَّ مِنْهُ ، كَإِتْيَانِهِ بِمَأْكَلٍ وَمَشْرَبٍ لِعَدَمِ ) مَنْ يَأْتِيهِ بِهِ نَصًّا ( وَكَقَيْءِ بَغْتَةٍ أَوْ غُسْلِ مُتَنَجِّسٍ يَحْتَاجُهُ وَكَبَوْلٍ وَغَائِطٍ وَطَهَارَةٍ وَاجِبَةٍ ) كَوُضُوءٍ وَغُسْلٍ وَلَوْ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ صَلَاةٍ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ لِمُحْدِثٍ ، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ { السُّنَّةُ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ لَا يَخْرُجَ إلَّا لِمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَتْ أَيْضًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَكَانَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَحَاجَةُ الْإِنْسَانِ : الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ لِاحْتِيَاجِ كُلِّ إنْسَانٍ إلَى فِعْلِهِمَا ( وَلَهُ ) أَيْ الْمُعْتَكِفُ ، إذَا خَرَجَ لِمَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ ( الْمَشْيُ عَلَى عَادَتِهِ ) فَلَا يَلْزَمُهُ مُخَالَفَتُهَا فِي سُرْعَةٍ .
( وَ ) لَهُ ( قَصْدُ بَيْتِهِ إنْ لَمْ يَجِدْ مَكَانًا يَلِيقُ بِهِ بِلَا ضَرَرٍ وَلَا مِنَّةٍ ) كَسِقَايَةٍ وَلَا يَحْتَشِمُ مِثْلُهُ مِنْهَا وَلَا نَقْصَ عَلَيْهِ وَإِنْ بَذَلَ لَهُ صَدِيقٌ أَوْ غَيْرُهُ مَنْزِلَهُ الْقَرِيبَ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ ، وَيَقْصِدُ أَقْرَبَ مَنْزِلَيْهِ وُجُوبًا ، لِدَفْعِ حَاجَةٍ بِهِ بِخِلَافِ مَنْ اعْتَكَفَ فِي مَسْجِدٍ أَبْعَدَ مِنْهُ ، لِعَدَمِ تَعَيُّنِ أَحَدِهِمَا قَبْلَ دُخُولِهِ لِلِاعْتِكَافِ ( وَ ) لَهُ ( غُسْلُ يَدِهِ بِسُجَّدٍ فِي إنَاءٍ مِنْ وَسَخٍ وَزَفَرٍ وَنَحْوِهِمَا ) كَقِيَامٍ مِنْ نَوْمِ لَيْلٍ وَيُفْرِغُ الْإِنَاءَ خَارِجَ الْمَسْجِدِ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمُصَلِّينَ بِهِ وَلَا يَخْرُجُ لِذَلِكَ لِأَنَّ لَهُ مِنْهُ بُدًّا وَ ( لَا ) يَجُوزُ لِمُعْتَكِفٍ ، وَلَا غَيْرِهِ ( بَوْلٌ ، وَ ) لَا ( فَصْدٌ ، وَ ) لَا ( حِجَامَةٌ بِإِنَاءٍ فِيهِ ) أَيْ الْمَسْجِدِ ، ( أَوْ فِي هَوَائِهِ ) أَيْ الْمَسْجِدِ ، لِأَنَّهُ لَمْ

يُبْنَ لِذَلِكَ فَوَجَبَتْ صِيَانَةُ الْمَسْجِدِ عَنْهُ ، وَهَوَاهُ كَقَرَارِهِ وَلِمُسْتَحَاضَةٍ اعْتِكَافٌ مَعَ أَمْنِ تَلْوِيثِهِ فَإِنْ خَافَتْ تَلْوِيثَهُ خَرَجَتْ ، لِأَنَّهَا لَا يُمْكِنُهَا التَّحَرُّزَ إلَّا بِتَرْكِ الِاعْتِكَافِ ( وَكَجُمُعَةٍ وَشَهَادَةٍ ) تَحَمُّلًا وَأَدَاءً ( لَزِمَتَاهُ ) لِوُجُوبِهَا بِأَصْلِ الشَّرْعِ فَيَخْرُجَ لَهُمَا ( وَكَمَرِيضٍ وَجِنَازَةٍ تَعَيَّنَ خُرُوجٌ إلَيْهِمَا ) قِيَاسًا عَلَى الشَّهَادَةِ ( وَلَهُ ) أَيْ الْمُعْتَكِفِ عِنْدَ ابْتِدَاءِ نَذْرِ اعْتِكَافِهِ ( شَرْطُ خُرُوجٍ إلَى مَا يَلْزَمُهُ ) خُرُوجٌ إلَيْهِ ( مِنْهُنَّ ) أَيْ الْجُمُعَةِ وَالشَّهَادَةِ وَالْمَرِيضِ وَالْجِنَازَةِ ( وَمِنْ كُلِّ قُرْبَةٍ لَمْ تَتَعَيَّنْ ) عَلَيْهِ ، كَزِيَارَةِ صَدِيقٍ ، وَصِلَةِ رَحِمٍ ( أَوْ مَا لَهُ مِنْهُ بُدٌّ وَلَيْسَ بِقُرْبَةٍ كَ ) شَرْطِ ( عَشَاءٍ وَمَبِيتٍ بِمَنْزِلِهِ ) لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ بِعَقْدِهِ كَالْوَقْفِ ، وَلِأَنَّهُ كَنَذْرِ مَا أَقَامَهُ وَلِتَأَكُّدِ الْحَاجَّةِ إلَيْهِمَا وَامْتِنَاعِ النِّيَابَةِ فِيهِمَا ، فَعَلَيْهِ لَا يَقْضِي : زَمَنَ الْخُرُوجِ إذَا نَذَرَ شَهْرًا مُطْلَقًا فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَصْحَابِنَا ، كَمَا لَوْ عَيَّنَ الشَّهْرَ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَ ( لَا ) يَصِحُّ شَرْطُ ( الْخُرُوجِ إلَى التِّجَارَةِ ، أَوْ ) شَرْطُ ( التَّكَسُّبِ بِالصَّنْعَةِ فِي الْمَسْجِدِ وَنَحْوِهِمَا ) كَالْخُرُوجِ لِمَا شَاءَ ، لِأَنَّهُ يُنَافِيهِ وَإِنْ قَالَ مَتَى مَرِضْت أَوْ عَرَضَ لِي عَارِضٌ خَرَجْت فَلَهُ شَرْطُهُ كَمَا فِي الْإِحْرَامِ ، وَفَائِدَتُهُ : جَوَازُ التَّحَلُّلِ إذَا حَدَثَ عَائِقٌ عَنْ الْمُضِيِّ قَالَهُ الْمَجْدُ ( وَسُنَّ ) لِمُعْتَكِفٍ ( أَنْ لَا يُبَكِّرَ ) لِخُرُوجِهِ ( لِجُمُعَةٍ ، وَ ) أَنْ ( لَا يُطِيلَ الْمَقَامَ بَعْدَهَا ) اقْتِصَارًا عَلَى قَدْرِ الْحَاجَةِ ( وَكَمَا لَا بُدَّ مِنْهُ ) فِي جَوَازِ الْخُرُوجِ ( تَعَيَّنَ نَفِيرٌ ) لِنَحْوِ عَدُوٍّ فَجَأَهُمْ ( وَ ) تَعَيَّنَ ( إطْفَاءُ حَرِيقٍ وَ ) تَعَيَّنَ ( إنْقَاذُ غَرِيقٍ وَنَحْوِهِ ) كَرَدِّ أَعْمَى عَنْ بِئْرٍ ، أَوْ حَيَّةٍ لِأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ قَطْعُ الْوَاجِبِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ ؛ إذَنْ فَمَا أَوْجَبَهُ عَلَى

نَفْسِهِ أَوْلَى ، وَكَذَا ( مَرَضٌ شَدِيدٌ ) لَا يُمْكِنُ مَعَهُ مَقَامٌ بِمَسْجِدٍ كَقِيَامِ مُتَدَارِكٍ وَسَلَسِ بَوْلٍ أَوْ يُمْكِنُ بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ كَاحْتِيَاجٍ لِفِرَاشٍ ، أَوْ مَرَضٍ ( وَ ) كَذَا ( خَوْفٌ مِنْ فِتْنَةٍ ) وَقَعَتْ ( عَلَى نَفْسِهِ ، أَوْ ) عَلَى ( حُرْمَتِهِ ، أَوْ ) عَلَى ( مَالِهِ وَنَحْوِهِ ) كَنَهْبٍ بِمَحَلَّتِهِ فَلَا يَحْرُمُ خُرُوجُهُ لَهُ وَلَا يَنْقَطِعُ اعْتِكَافُهُ بِهِ لِأَنَّ مِثْلَهُ يُبِيحُ تَرْكَ جُمُعَةٍ وَجَمَاعَةٍ ، وَعِدَّةِ وَفَاةٍ فِي مَنْزِلٍ مَعَ وُجُوبِهِنَّ بِأَصْلِ الشَّرْعِ فَمَا أَوْجَبَهُ بِنَذْرِهِ أَوْلَى وَعُلِمَ مِنْهُ : أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ لِمَرَضٍ خَفِيفٍ ، كَصُدَاعٍ وَوَجَعِ ضِرْسٍ لِأَنَّهُ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ .
( وَ ) كَذَا ( حَاجَةُ ) مُعْتَكِفٍ كَبِيرَةٌ ( لِفَصْدٍ أَوْ حِجَامَةٍ ) وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ كَمَرَضٍ يُمْكِنْهُ احْتِمَالُهُ .
( وَ ) كَذَا ( عِدَّةُ وَفَاةٍ ) إذَا مَاتَ زَوْجُ مُعْتَكِفَةٍ ، فَلَهَا الْخُرُوجُ فِي مَنْزِلِهَا لِوُجُوبِهِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ ، وَكَوْنِهِ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى وَحَقُّ آدَمِيٍّ ، يَفُوتُ إذَا تُرِكَ لَا إلَى بَدَلٍ ، بِخِلَافِ النَّذْرِ ( وَتَحَيُّضُ ) مُعْتَكِفَةٍ حَاضَتْ ( بِخِبَاءٍ فِي رَحَبَتِهِ ) أَيْ الْمَسْجِدِ غَيْرِ الْمَحُوطَةِ اسْتِحْبَابًا ( إنْ كَانَتْ ) لَهُ رَحَبَةٌ كَذَلِكَ ( وَأَمْكَنَ ) تَحَيُّضُهَا فِيهَا ( بِلَا ضَرَرٍ ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ { كُنَّ الْمُعْتَكِفَاتُ إذَا حِضْنَ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِخْرَاجِهِنَّ مِنْ الْمَسْجِدِ ، وَأَنْ يَضْرِبْنَ الْأَخْبِيَةَ فِي رَحْبَةِ الْمَسْجِدِ ، حَتَّى يَطْهُرْنَ } رَوَاهُ أَبُو حَفْصٍ ( وَإِلَّا ) يَكُنْ لِلْمَسْجِدِ رَحَبَةٌ ، أَوْ كَانَتْ فِيهِ ضَرَرٌ ، تَحَيَّضَتْ ( بِبَيْتِهَا ) لِأَنَّهُ أَوْلَى فِي حَقِّهَا إلَى أَنْ تَطْهُرَ ، فَتَعُودَ وَتُتِمَّ اعْتِكَافَهَا وَلَا شَيْءَ عَلَيْهَا إلَّا الْقَضَاءَ أَيَّامَ حَيْضِهَا ( وَكَحَيْضٍ ) فِيمَا تَقَدَّمَ ( نِفَاسٌ ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ ( وَيَجِبُ ) عَلَى مُعْتَكِفٍ ( فِي ) اعْتِكَافٍ ( وَاجِبٍ ) خَرَجَ لِعُذْرٍ يُبِيحُهُ ( رُجُوعٌ ) إلَى مُعْتَكَفِهِ ( بِزَوَالِ عُذْرٍ ) لِأَنَّ الْحُكْمَ يَدُورُ

مَعَ عِلَّتِهِ ( فَإِنْ أَخَّرَ ) رُجُوعَهُ ( عَنْ وَقْتِ إمْكَانِهِ ) أَيْ الرُّجُوعِ وَلَوْ يَسِيرًا ( فَكَمَا لَوْ خَرَجَ لِمَا لَهُ مِنْهُ بُدٌّ ) يَبْطُلُ مَا مَضَى مِنْ اعْتِكَافِهِ ، وَيَأْتِي ( وَلَا يَضُرُّ تَطَاوُلُ ) عُذْرٍ ( مُعْتَادٍ ، وَهُوَ ) أَيْ الْمُعْتَادُ ( حَاجَةُ الْإِنْسَانِ ) وَهُوَ الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ ( وَطَهَارَةُ الْحَدَثِ وَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْجُمُعَةِ ) فَلَا يَقْضِيَ زَمَنَهَا فَإِنَّهُ كَالْمُسْتَثْنَى لِكَوْنِهِ مُعْتَادًا وَلَا كَفَّارَةَ ( وَيَضُرُّ ) تَطَاوُلٌ ( فِي ) عُذْرٍ ( غَيْرِ مُعْتَادٍ ، كَنَفِيرٍ وَنَحْوِهِ ) كَغَسْلِ مُتَنَجِّسٍ يَحْتَاجُهُ ، وَقَيْءٍ بَغْتَةً ، وَإِنْجَاءِ غَرِيقٍ وَإِطْفَاءِ حَرِيقٍ فَإِنْ كَانَ يَسِيرًا لَمْ يُؤَثِّرْ ، وَإِنْ تَطَاوَلَ ( فَفِي نَذْرٍ مُتَتَابِعٍ ) كَشَهْرٍ ( غَيْرِ مُعَيَّنٍ يُخَيَّرُ بَيْنَ بِنَاءٍ ) عَلَى مَا مَضَى مِنْ اعْتِكَافِهِ ( وَقَضَاءِ ) فَائِتٍ ( مَعَ ) إخْرَاجِ ( كَفَّارَةِ يَمِينٍ ) لِأَنَّ النَّذْرَ حَلْفَةٌ وَلَمْ يُفْعَلْ عَلَى وَجْهِهِ ( أَوْ اسْتِئْنَافِ ) الْمَنْذُورِ مِنْ أَوَّلِهِ وَلَا كَفَّارَةَ لِأَنَّهُ أَتَى بِهِ عَلَى وَجْهِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَسْبِقْهُ اعْتِكَافٌ ( وَفِي ) نَذْرِ ( مُعَيَّنٍ ) كَشَهْرِ رَمَضَانَ ( يَقْضِي ) مَا فَاتَهُ مِنْهُ بِخُرُوجِهِ ( وَيُكَفِّرُ ) كَفَّارَةَ يَمِينٍ ، لِتَرْكِهِ الْمَنْذُورَ فِي وَقْتِهِ ( وَفِي ) نَذْرِ ( أَيَّامٍ مُطْلَقَةٍ ) كَعَشَرَةِ أَيَّامٍ وَلَمْ يَقُلْ : مُتَتَابِعَةٍ وَلَمْ يَنْوِهِ تَمَّمَ مَا بَقِيَ مِنْهَا بِالِاعْتِكَافِ فِيهِ ( بِلَا كَفَّارَةٍ ) لِأَنَّهُ أَتَى بِالنَّذْرِ عَلَى وَجْهِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَخْرُجْ ( لَكِنَّهُ لَا يَبْنِي عَلَى بَعْضِ ذَلِكَ الْيَوْمِ ) الَّذِي خَرَجَ فِيهِ ، بَلْ يَسْتَأْنِفُ بَدَلَهُ يَوْمًا كَامِلًا لِئَلَّا يُفَرِّقَهُ

فَصْلٌ وَإِنْ خَرَجَ مُعْتَكِفٌ لِمَا أَيْ أَمْرٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ ( فَبَاعَ أَوْ اشْتَرَى ) وَلَمْ يُعَرِّجْ أَوْ يَقِفْ لِذَلِكَ حَازَ ( أَوْ سَأَلَ عَنْ مَرِيضٍ ، أَوْ ) عَنْ ( غَيْرِهِ ) أَيْ الْمَرِيضِ ( وَلَمْ يُعَرِّجْ ) قَالَ فِي الْقَامُوسِ : عَرَّجَ تَعْرِيجًا ، مَيَّلَ وَأَقَامَ وَحَبَسَ الْمَطِيَّةَ عَلَى الْمَنْزِلِ ( أَوْ يَقِفْ لِذَلِكَ ) جَازَ قَالَ فِي شَرْحِهِ : لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " كَانَ يَفْعَلُهُ " وَعَنْ عَائِشَةَ " { إنِّي كُنْت لَأَدْخُلُ الْبَيْتَ ، وَالْمَرِيضُ فِيهِ ، فَمَا أَسْأَلُ عَنْهُ إلَّا وَأَنَا مَارَّةٌ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ بِهِ شَيْئًا مِنْ اللُّبْثِ الْمُسْتَحَقِّ أَشْبَهَ مَا لَوْ سَلَّمَ أَوْ رَدَّهُ فِي مُرُورِهِ ( أَوْ ) خَرَجَ لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ ، ( دَخَلَ مَسْجِدًا يُتِمُّ اعْتِكَافَهُ فِيهِ أَقْرَبَ إلَى مَحَلِّ حَاجَتِهِ مِنْ ) الْمَسْجِدِ ( الْأَوَّلِ ) الَّذِي كَانَ فِيهِ ( جَازَ ) لِأَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ بِصَرِيحِ النَّذْرِ ، فَأَوْلَى أَنْ لَا يَتَعَيَّنَ بِشُرُوعِهِ فِيهِ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ بِهِ لُبْثًا مُسْتَحَقًّا أَشْبَهُ مَا لَوْ انْهَدَمَ الْأَوَّلُ أَوْ أَخْرَجَهُ مِنْهُ سُلْطَانٌ ، فَخَرَجَ إلَى الْآخَرِ وَأَتَمَّ اعْتِكَافَهُ فِيهِ ( وَإِنْ كَانَ ) الْمَسْجِدُ الَّذِي دَخَلَهُ ( أَبْعَدَ ) مِنْ مَحَلِّ حَاجَتِهِ مِنْ الْأَوَّلِ بَطَلَ ( أَوْ خَرَجَ إلَيْهِ ) أَيْ الْمَسْجِدِ الثَّانِي ( ابْتِدَاءً ) بِلَا عُذْرٍ بَطَلَ ( أَوْ تَلَاصَقَا ) أَيْ الْمَسْجِدَانِ ( وَمَشَى فِي انْتِقَالِهِ ) بَيْنَهُمَا ( خَارِجًا عَنْهُمَا بِلَا عُذْرٍ ) بَطَلَ اعْتِكَافُهُ لِتَرْكِهِ لُبْثًا مُسْتَحَقًّا فَإِنْ لَمْ يَمْشِ خَارِجًا عَنْهُمَا فِي انْتِقَالِهِ لِلثَّانِي لَمْ يَبْطُلْ اعْتِكَافُهُ ( أَوْ خَرَجَ ) مُعْتَكِفٌ مِنْ مَسْجِدٍ ( لِاسْتِيفَاءِ حَقٍّ عَلَيْهِ ، وَأَمْكَنَهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ ) أَيْ الْحَقِّ عَلَيْهِ بِلَا خُرُوجٍ مِنْ مَسْجِدٍ ، فَلَمْ يَفْعَلْ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ لِأَنَّ لَهُ بُدًّا مِنْ أَنْ لَا يَخْرُجَ ( أَوْ سَكِرَ ) مُعْتَكِفٌ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ وَلَوْ لَيْلًا لِخُرُوجِهِ عَنْ كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْمَسْجِدِ فَإِنْ شَرِبَ

خَمْرًا وَلَمْ يَسْكَرْ ، أَوْ أَتَى كَبِيرَةً فَقَالَ الْمَجْدُ : ظَاهِرُ كَلَامِ الْقَاضِي : لَا يُفْسِدُ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْعِبَادَةِ وَالْمُقَامِ فِيهِ ( أَوْ ارْتَدَّ ) مُعْتَكِفٌ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ ، لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى : { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } وَلِخُرُوجِهِ عَنْ أَهْلِيَّةِ الْعِبَادَةِ وَكَالصَّوْمِ ( أَوْ خَرَجَ ) الْمُعْتَكِفُ ( كُلُّهُ لِمَا لَهُ مِنْهُ بُدٌّ ، وَلَوْ قَلَّ ) زَمَنُ خُرُوجِهِ ( بَطَلَ ) اعْتِكَافُهُ لِتَرْكِ اللُّبْثِ بِلَا حَاجَةٍ أَشْبَهَ مَا لَوْ طَالَ فَإِنْ خَرَجَ بَعْضُ جَسَدِهِ لَمْ يَبْطُلْ اعْتِكَافُهُ نَصًّا لِحَدِيثِ عَائِشَةَ { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا اعْتَكَفَ يُدْنِي رَأْسَهُ إلَيَّ فَأُرَجِّلُهُ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

( وَيَسْتَأْنِفُ ) اعْتِكَافَهُ عَلَى صِفَةِ مَا بَطَلَ فَإِنْ كَانَ ( مُتَتَابِعًا بِشَرْطٍ ) كَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةً أَوْ شَهْرًا ( أَوْ ) مُتَتَابِعًا بِ ( نِيَّةٍ ) كَأَنْ نَذَرَ عَشَرَةَ أَيَّامٍ وَنَوَاهَا مُتَتَابِعَةً ، ثُمَّ شَرَعَ وَبَطَلَ اعْتِكَافُهُ لِأَنَّهُ أَمْكَنَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْمَنْذُورِ عَلَى صِفَةٍ تَلْزَمُهُ كَحَالَةِ الِابْتِدَاءِ ( إنْ كَانَ ) فِعْلُهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْمُبْطِلَاتِ حَالَ كَوْنِهِ ( عَامِدًا مُخْتَارًا أَوْ مُكْرَهًا بِحَقٍّ وَلَا كَفَّارَةَ ) عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَنْذُورِهِ عَلَى صِفَتِهِ ( وَيَسْتَأْنِفُ ) نَذْرًا ( مُعَيَّنًا قُيِّدَ بِتَتَابُعٍ ) كَلِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ شَهْرَ الْمُحَرَّمِ مُتَتَابِعًا ( أَوْ لَا ) أَيْ أَوْ لَمْ يُقَيِّدْهُ بِتَتَابُعٍ ، كَأَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ الْمُحَرَّمَ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ لِدَلَالَةِ التَّعْيِينِ عَلَيْهِ ( وَيُكَفِّرُ ) فِي الصُّورَتَيْنِ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ ( وَيَكُونُ قَضَاءُ كُلٍّ ) مِنْ الْمُتَتَابِعِ بِشَرْطٍ أَوْ نِيَّةٍ وَالْمُعَيَّنِ .
( وَ ) يَكُونُ ( اسْتِئْنَافُهُ ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا ( عَلَى صِفَةِ أَدَائِهِ فِيمَا يُمْكِنُ ) فَإِنْ شَرَطَ فِي الْأَوَّلِ صَوْمًا أَوْ عَيَّنَهُ فِي أَحَدِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ وَنَحْوِهِ كَانَ قَضَاؤُهُ وَاسْتِئْنَافُهُ كَذَلِكَ ( وَيَفْسُدُ ) اعْتِكَافُهُ ( إنْ وَطِئَ ) مُعْتَكِفٌ فِيهِ ( وَلَوْ نَاسِيًا ) نَصًّا ( فِي فَرْجٍ ) لِمَا رَوَى حَرْبٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { إذَا جَامَعَ الْمُعْتَكِفُ بَطَلَ اعْتِكَافُهُ وَاسْتَأْنَفَ الِاعْتِكَافَ } وَلِأَنَّ الِاعْتِكَافَ عِبَادَةٌ تَفْسُدُ بِالْوَطْءِ عَمْدًا فَكَذَلِكَ سَهْوًا ، كَالْحَجِّ ( أَوْ أَنْزَلَ ) مُعْتَكِفٌ ( بِمُبَاشَرَةٍ دُونَهُ ) أَيْ الْفَرْجِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ } فَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ لَمْ يَفْسُدْ كَاللَّمْسِ بِشَهْوَةٍ ( وَيُكَفِّرُ ) كَفَّارَةَ يَمِينٍ وُجُوبًا ( لِإِفْسَادِ نَذْرِهِ ) وَ ( لَا ) يُكَفِّرُ ( لِوَطْئِهِ ) إنْ كَانَ اعْتِكَافُهُ نَفْلًا كَبَقِيَّةِ النَّوَافِلِ وَلِأَنَّ الْوُجُوبَ بِالشَّرْعِ وَلَمْ يَرِدْ

بِهَا

فَصْلٌ يُسَنُّ تَشَاغُلُهُ أَيْ الْمُعْتَكِفُ بِالْقُرَبِ كَقِرَاءَةٍ وَصَلَاةٍ وَذِكْرٍ .
( وَ ) سُنَّ لَهُ ( اجْتِنَابُ مَا لَا يَعْنِيهِ ) لِحَدِيثِ { مِنْ حُسْنِ إسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ } وَلَا بَأْسَ أَنْ تَزُورَهُ زَوْجَتُهُ فِي الْمَسْجِدِ ، وَتَتَحَدَّثَ مَعَهُ ، وَتُصْلِحَ رَأْسَهُ أَوْ غَيْرَهُ بِلَا الْتِذَاذٍ بِشَيْءٍ مِنْهَا وَلَهُ أَنْ يَتَحَدَّثَ مَعَ مَنْ يَأْتِيهِ مَا لَمْ يَكْثُرْ وَيَأْمُرُ بِمَا يُرِيدُ خَفِيفًا وَ ( لَا ) يُسَنُّ لَهُ ( إقْرَاءُ قُرْآنٍ ، وَ ) لَا إقْرَاءُ ( عِلْمٍ وَمُنَاظَرَةٍ فِيهِ ) أَيْ الْعِلْمِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يَتَعَدَّى نَفْعُهُ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كَانَ يَعْتَكِفُ فَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ الِاشْتِغَالُ بِغَيْرِ الْعِبَادَاتِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ } " وَكَالطَّوَافِ ( وَيُكْرَهُ الصَّمْتُ إلَى اللَّيْلِ ، وَإِنْ نَذَرَهُ ) أَيْ الصَّمْتَ ( لَمْ يَفِ بِهِ ) لِحَدِيثِ عَلِيٍّ { لَا صُمَاتَ يَوْمٍ إلَى اللَّيْلِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { بَيْنَمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ إذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَائِمٍ فَسَأَلَ عَنْهُ فَقَالُوا أَبُو إسْرَائِيلَ ، نَذَرَ أَنْ يَقُومَ فِي الشَّمْسِ وَلَا يَقْعُدَ وَلَا يَسْتَظِلَّ ، وَلَا يَتَكَلَّمَ ، وَأَنْ يَصُومَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مُرُوهُ فَلْيَسْتَظِلَّ ، وَلْيَتَكَلَّمْ ، وَلْيَقْعُدْ ، وَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُ وَقَوْلُ أَبِي بَكْرٍ " مَنْ صَمَتَ نَجَا " أَيْ عَمَّا لَا يَعْنِيهِ وَمَتَى لَمْ يَفِ كَفَّرَ عَلَى مَا يَأْتِي فِي نَذْرِ الْمَكْرُوهِ

( وَيَحْرُمُ جَعْلُ الْقُرْآنِ بَدَلًا عَنْ الْكَلَامِ ) كَقَوْلِكَ لِمَنْ اسْمُهُ يَحْيَى : يَا يَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ فِي غَيْرِ مَا هُوَ لَهُ أَشْبَهَ اسْتِعْمَالَ الْمُصْحَفِ فِي التَّوَسُّدِ ( وَيَنْبَغِي لِمَنْ قَصَدَ الْمَسْجِدَ أَنْ يَنْوِيَ الِاعْتِكَافَ مُدَّةَ لُبْثِهِ فِيهِ ) لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ صَائِمًا وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَنَظَّفَ الْمُعْتَكِفُ وَيُكْرَهُ لَهُ التَّطَيُّبَ وَ يُسْتَحَبُّ لَهُ تَرْكُ رَفِيعِ الثِّيَابِ ، وَالتَّلَذُّذِ بِمَا يُبَاحُ لَهُ قَبْلَ الِاعْتِكَافِ وَأَنْ لَا يَنَامَ إلَّا عَنْ غَلَبَةٍ وَلَوْ مَعَ قُرْبِ مَاءٍ ، وَأَنْ لَا يَنَامَ مُضْطَجِعًا ، بَلْ مُتَرَبِّعًا مُسْتَنِدًا وَلَا يُكْرَهُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَخْذُ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ وَلَا يَجُوزُ الْبَيْعُ وَالشِّرَاءُ لِلْمُعْتَكِفِ وَغَيْرِهِ فِي الْمَسْجِدِ نَصًّا قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ : مَنَعَ صِحَّتَهُ وَجَوَّزَهُ أَحْمَدُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَالْإِجَارَةُ كَالْبَيْعِ

كِتَابُ الْحَجِّ بِفَتْحِ الْحَاءِ لَا كَسْرِهَا فِي الْأَشْهَرِ وَعَكْسُهُ شَهْرُ الْحِجَّةِ ( فَرْضُ كِفَايَةٍ كُلَّ عَامٍ ) عَلَى مَنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ عَيْنًا نَقَلَهُ فِي الْآدَابِ الْكُبْرَى عَنْ الرِّعَايَةِ ، وَقَالَ : هُوَ خِلَافُ ظَاهِرِ قَوْلِ الْأَصْحَابِ انْتَهَى وَكَذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ خَالِدٌ فِي شَرْحِ جَمْعِ الْجَوَامِعِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ إنَّمَا هُوَ إحْيَاءُ الْكَعْبَةِ بِالْحَجِّ ، وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِالنَّفْلِ وَيَلْزَمُ مِنْ قَوْلِهِ بُطْلَانُ تَقْسِيمِ الْأَئِمَّةِ الْحَجَّ إلَى فَرْضٍ وَنَفْلٍ ، وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ ، فَالْمَلْزُومُ كَذَلِكَ نَصًّا لِلتَّعْظِيمِ لِلْبَيْتِ فُرِضَ سَنَةَ تِسْعٍ عِنْدَ الْأَكْثَرِ قَالَ تَعَالَى : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا } ( وَهُوَ لُغَةً ) الْقَصْدُ إلَى مَنْ يُعَظِّمُهُ أَوْ كَثْرَةُ الْقَصْدِ إلَيْهِ وَشَرْعًا ( قَصْدُ مَكَّةَ لِعَمَلٍ مَخْصُوصٍ فِي زَمَنٍ مَخْصُوصٍ ) يَأْتِي بَيَانُهُ وَهُوَ أَحَدُ أَرْكَانِ الْإِسْلَامِ وَمَبَانِيهِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ( وَ الْعُمْرَةُ ) لُغَةً : الزِّيَارَةُ وَشَرْعًا ( زِيَارَةُ الْبَيْتِ ) الْحَرَامِ ( عَلَى وَجْهٍ مَخْصُوصٍ ) يَأْتِي بَيَانُهُ وَيَنْبَغِي لِمَنْ أَرَادَهُ الْمُبَادَرَةُ وَالِاجْتِهَادُ فِي رَفِيقٍ حَسَنٍ ، وَيَكُونُ خُرُوجُهُ يَوْمَ خَمِيسٍ أَوْ اثْنَيْنِ بُكْرَةً وَيَقُولُ إذَا خَرَجَ أَوْ نَزَلَ مَنْزِلًا وَنَحْوَهُ : مَا وَرَدَ قَالَ بَعْضُهُمْ : وَيُصَلِّي فِي مَنْزِلِهِ رَكْعَتَيْنِ ( وَيَجِبَانِ ) أَيْ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } وَحَدِيثِ عَائِشَةَ قُلْت { يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَلْ عَلَى النِّسَاءِ مِنْ جِهَادٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ عَلَيْهِنَّ جِهَادٌ لَا قِتَالَ فِيهِ ، الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ وَإِذَا ثَبَتَ فِي النِّسَاءِ فَالرِّجَالُ أَوْلَى وَلِمُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " دَخَلَتْ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ( فِي الْعُمْرِ مَرَّةً ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ الْحَجَّ فَحُجُّوا فَقَالَ رَجُلٌ : أَكُلَّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَسَكَتَ حَتَّى قَالَهَا ثَلَاثًا فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَوْ قُلْت نَعَمْ لَوَجَبَتْ ، وَلَمَا اسْتَطَعْتُمْ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ ( بِشُرُوطٍ ) خَمْسَةٍ ( وَهِيَ إسْلَامٌ وَعَقْلٌ ) وَهُمَا شَرْطَانِ لِلْوُجُوبِ وَالصِّحَّةِ فَلَا يَصِحَّانِ مِنْ كَافِرٍ وَمَجْنُونٍ ، وَلَوْ أَحْرَمَ عَنْهُ وَلِيُّهُ ( وَبُلُوغٌ ، وَكَمَالُ حُرِّيَّةٍ ) وَهُمَا شَرْطَانِ لِلْوُجُوبِ وَالْإِجْزَاءِ دُونَ الصِّحَّةِ وَتَأْتِي الِاسْتِطَاعَةُ وَهِيَ شَرْطٌ لِلْوُجُوبِ دُونَ الْإِجْزَاءِ ( وَيَجْزِيَانِ ) أَيْ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ ( مِنْ ) أَيْ كَافِرٍ ( أَسْلَمَ ) وَهُوَ حُرٌّ مُكَلَّفٌ ، ثُمَّ أَحْرَمَ بِحَجٍّ قَبْلَ دَفْعٍ مِنْ عَرَفَةَ أَوْ بَعْدَهُ ، إنْ عَادَ فَوَقَفَ فِي وَقْتِهِ ، أَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ طَافَ وَسَعَى لَهَا ( أَوْ أَفَاقَ ) مِنْ جُنُونٍ وَهُوَ حُرٌّ بَالِغٌ ( ثُمَّ أَحْرَمَ ) بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَفَعَلَ مَا تَقَدَّمَ ( أَوْ بَلَغَ ) وَهُوَ حُرٌّ مُسْلِمٌ عَاقِلٌ مُحْرِمًا قَبْلَ دَفْعٍ مِنْ عَرَفَةَ أَوْ بَعْدَهُ ، إنْ عَادَ فَوَقَفَ فِي وَقْتِهِ ( أَوْ عَتَقَ ) قِنٌّ مُكَلَّفٌ ( مُحْرِمًا بِحَجٍّ قَبْلَ دَفْعٍ مِنْ عَرَفَةَ أَوْ بَعْدَهُ ) أَيْ الدَّفْعِ مِنْهَا ( إنْ عَادَ ) إلَى عَرَفَةَ ( فَوَقَفَ ) بِهَا ( فِي وَقْتِهِ ) أَيْ الْوُقُوفِ ، فَيُجْزِيهِ حَجُّهُ وَيَلْزَمُهُ الْعَوْدُ حَيْثُ أَمْكَنَهُ ( أَوْ ) بَلَغَ مُحْرِمًا بِعُمْرَةٍ ( قَبْلَ طَوَافِ عُمْرَةٍ ) ثُمَّ طَافَ وَسَعَى لَهَا فَتُجْزِيهِ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ وَيَكُونُ صَغِيرٌ بَلَغَ وَقِنٌّ عَتَقَ مُحْرِمًا ( كَمَنْ أَحْرَمَ إذَنْ ) أَيْ بَعْدَ بُلُوغِهِ وَعِتْقِهِ ، لِأَنَّهَا حَالٌ تَصْلُحُ لِتَعْيِينِ الْإِحْرَامِ كَحَالِ ابْتِدَاءِ الْإِحْرَامِ ( وَإِنَّمَا يُعْتَدُّ بِإِحْرَامٍ وَوُقُوفٍ مَوْجُودَيْنِ إذَنْ ) أَيْ حَالَ الْبُلُوغِ وَالْعِتْقِ ( وَأَنَّ مَا قَبْلَهُ تَطَوُّعٌ لَمْ يَنْقَلِبْ فَرْضًا ) قَالَهُ الْمُوَفَّقُ وَمَنْ تَابَعَهُ وَقَدَّمَهُ فِي التَّنْقِيحِ (

وَقَالَ جَمَاعَةٌ ) صَاحِبُ الْخِلَافِ وَالِانْتِصَارِ وَالْمَجْدُ وَغَيْرُهُمْ ( يَنْعَقِدُ إحْرَامُهُ ) أَيْ الصَّغِيرُ وَالْقِنُّ ( مَوْقُوفًا فَإِذَا تَغَيَّرَ حَالُهُ ) إلَى بُلُوغٍ أَوْ حُرِّيَّةٍ ( تَبَيَّنَ فَرْضِيَّتُهُ ) أَيْ الْإِحْرَامِ كَزَكَاةٍ مُعَجَّلَةٍ ( وَلَا يُجْزِئُ ) حَجُّ مَنْ بَلَغَ أَوْ عَتَقَ مُحْرِمًا قَبْلَ دَفْعٍ مِنْ عَرَفَةَ أَوْ بَعْدَهُ إذَا عَادَ وَوَقَفَ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ ( مَعَ سَعْيِ قِنٍّ وَصَغِيرٍ بَعْدَ طَوَافِ الْقُدُومِ قَبْلَ وَقُوفٍ وَلَوْ أَعَادَهُ ) أَيْ السَّعْيَ صَغِيرٌ أَوْ قِنٌّ ثَانِيًا ( بَعْدَ ) بُلُوغِهِ أَوْ عِتْقِهِ لِأَنَّ السَّعْيَ لَا تُشْرَعُ مُجَاوَزَةُ عَدَدِهِ وَلَا تَكْرَارِهِ ، بِخِلَافِ الْوُقُوفِ فَاسْتِدَامَتُهُ مَشْرُوعَةٌ وَلَا قَدْرَ لَهُ مَحْدُودٌ وَعُلِمَ مِمَّا سَبَقَ : أَنَّهُ لَوْ بَلَغَ أَوْ عَتَقَ بَعْدَ دَفْعٍ مِنْ عَرَفَةَ وَلَمْ يَعُدْ أَوْ عَادَ بَعْدَ الْوَقْتِ لَمْ تُجْزِئْهُ حَجَّتُهُ ، أَوْ بَلَغَ أَوْ عَتَقَ فِي أَثْنَاءِ طَوَافِ عُمْرَةٍ ، لَمْ تُجْزِئْهُ

فَصْلٌ وَيَصِحَّانِ أَيْ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ ( مِنْ صَغِيرٍ ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَلَوْ وُلِدَ لَحْظَةً لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ { أَنَّ امْرَأَةً رَفَعَتْ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَبِيًّا فَقَالَتْ : أَلِهَذَا حَجٌّ ؟ قَالَ : نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ ( وَيُحْرِمُ وَلِيٌّ ) فِي مَالٍ عَمَّنْ لَا يُمَيِّزُ لِتَعَذُّرِ النِّيَّةِ مِنْهُ وَوَلِيُّ الْمَالِ : الْأَبُ وَوَصِيُّهُ وَالْحَاكِمُ وَظَاهِرُهُ : لَا يَصِحُّ مِنْ غَيْرِهِمْ بِلَا إذْنِهِمْ قُلْتُ : إنْ لَمْ يَكُنْ وَلِيٌّ فَمَنْ يَلِي الصَّغِيرَ يَعْقِدُهُ لَهُ ، كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْإِقْنَاعِ وَغَيْرِهِ فِي قَبُولِ زَكَاةٍ وَهِبَةٍ وَمَعْنَى إحْرَامِهِ عَنْهُ : أَنْ يَعْقِدَ لَهُ الْإِحْرَامَ فَيَصِيرَ الصَّغِيرُ مُحْرِمًا فَيَصِحَّ ( وَلَوْ ) كَانَ الْوَلِيُّ ( مُحْرِمًا أَوْ لَمْ يَحُجَّ ) الْوَلِيُّ ، كَعَقْدِ النِّكَاحِ لَهُ وَيَقَعُ لَازِمًا وَحُكْمُهُ كَالْمُكَلَّفِ نَصًّا .
( وَ ) يُحْرِمُ ( مُمَيِّزٌ بِإِذْنِهِ ) أَيْ الْوَلِيِّ ( عَنْ نَفْسِهِ ) لِأَنَّهُ يَصِحُّ وُضُوءُهُ فَيَصِحُّ إحْرَامُهُ كَالْبَالِغِ وَلَا يُحْرِمُ عَنْهُ وَلِيُّهُ لِعَدَمِ الدَّلِيلِ وَحُكْمُهُ حُكْمُهُ فِي الضَّمَانِ ( وَ ) يَجْتَنِبُ الطِّيبَ وُجُوبًا وَ ( يَفْعَلُ وَلِيٌّ ) عَنْ مُمَيِّزٍ وَغَيْرِهِ ( مَا يُعْجِزُهُمَا ) مِنْ أَفْعَالِ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي الرَّمْيِ وَعَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ طَافَ بِابْنِ الزُّبَيْرِ فِي خِرْقَةٍ رَوَاهُمَا الْأَثْرَمُ وَعَنْ جَابِرٍ { حَجَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَنَا النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ ، فَلَبَّيْنَا عَنْ الصِّبْيَانِ وَرَمَيْنَا عَنْهُمْ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَكَانَتْ عَائِشَةُ تُجَرِّدُ الصِّبْيَانَ لِلْإِحْرَامِ ( لَكِنْ لَا يَبْدَأُ ) وَلِيٌّ ( فِي رَمْيِ ) جَمَرَاتٍ ( إلَّا بِنَفْسِهِ ) كَنِيَابَةِ حَجٍّ فَإِنْ رَمَى عَنْ مُوَلِّيهِ وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ إنْ كَانَ مُحْرِمًا بِفَرْضِهِ ( وَلَا يُعْتَدُّ بِرَمْيِ حَلَالٍ ) لَا عَنْ نَفْسِهِ وَلَا غَيْرِهِ وَإِنْ أَمْكَنَ مُنَاوَلَةُ صَغِيرٍ نَائِبًا الْحَصَا نَاوَلَهُ وَإِلَّا اُسْتُحِبَّ وَضْعُهُ فِي كَفِّهِ

، ثُمَّ أَخَذَ مِنْهُ وَيَرْمِيَ عَنْهُ وَإِنْ وَضَعَهَا نَائِبٌ فِي يَدِ صَغِيرٍ وَرَمَى بِهَا فَكَانَتْ يَدُهُ كَالْآلَةِ ، فَحَسَنٌ ( وَيُطَافُ بِهِ ) أَيْ الصَّغِيرِ ( لِعَجْزِهِ ) عَنْ طَوَافِ نَفْسِهِ ( رَاكِبًا أَوْ مَحْمُولًا ) كَكَبِيرٍ عَاجِزٍ ( وَيُعْتَبَرُ ) لِطَوَافِ صَغِيرٍ ( نِيَّةُ طَائِفٍ بِهِ ) لِتَعَذُّرِ النِّيَّةِ مِنْهُ قُلْت : إنْ لَمْ يَكُنْ مُمَيِّزًا ( وَكَوْنَهُ ) أَيْ الطَّائِفِ بِهِ ( يَصِحُّ أَنْ يَعْقِدَ لَهُ الْإِحْرَامَ ) بِأَنْ يَكُونَ وَلِيَّهُ أَوْ نَائِبَهُ لِتَتَأَتَّى نِيَّتُهُ عَنْهُ وَ ( لَا ) يُعْتَبَرُ ( كَوْنُهُ ) أَيْ الطَّائِفِ بِهِ ( طَائِفًا عَنْ نَفْسِهِ وَلَا ) كَوْنَهُ ( مُحْرِمًا ) لِوُجُودِ الطَّوَافِ مِنْ الصَّغِيرِ ، كَمَحْمُولٍ مَرِيضٍ ، فَلَمْ يُوجَدْ مِنْ طَائِفٍ بِهِ إلَّا النِّيَّةُ ، بِخِلَافِ الرَّمْيِ ( وَكَفَّارَةُ حَجٍّ ) صَغِيرٍ فِي مَالِ وَلِيِّهِ ، إنْ أَنْشَأَ السَّفَرَ بِهِ تَمْرِينًا عَلَى الطَّاعَةِ ( وَمَا زَادَ ) مِنْ نَفَقَةِ السَّفَرِ ( عَلَى نَفَقَةِ الْحَضَرِ فِي مَالِ وَلِيِّهِ إنْ أَنْشَأَ ) وَلِيُّهُ ( السَّفَرَ بِهِ ) أَيْ الصَّغِيرِ ( تَمْرِينًا ) لَهُ ( عَلَى الطَّاعَةِ ) لِأَنَّهُ الَّذِي أَدْخَلَهُ فِيهِ ، وَلَوْ تَرَكَهُ لَمْ يَتَضَرَّرْ بِتَرْكِهِ ( وَإِلَّا ) يُنْشِئْ السَّفَرَ بِهِ تَمْرِينًا عَلَى الطَّاعَةِ بَلْ سَافَرَ بِهِ لِتِجَارَةٍ أَوْ خِدْمَةٍ أَوْ لِيَسْتَوْطِنَ مَكَّةَ ، أَوْ يُقِيمَ بِهَا لِنَحْوِ عِلْمٍ مِمَّا يُبَاحُ السَّفَرُ لَهُ فِي وَقْتِ الْحَجِّ وَغَيْرِهِ ، وَمَعَ الْإِحْرَامِ وَعَدَمِهِ ( فَلَا ) يَجِبُ ذَلِكَ عَلَى الْوَلِيِّ بَلْ مِنْ مَالِ الصَّغِيرِ لِأَنَّهُ لِمَصْلَحَةٍ ( وَعَمْدُ صَغِيرٍ ) خَطَأٌ وَعَمْدُ ( مَجْنُونٍ ) لِمَحْظُورٍ ( خَطَأٌ لَا يَجِبُ فِيهِ إلَّا مَا يَجِبُ فِي خَطَإِ مُكَلَّفٍ ، أَوْ فِي نِسْيَانِهِ ) لِعَدَمِ اعْتِبَارِ قَصْدِهِ قَالَ الْمَجْدُ : أَوْ فَعَلَهُ بِهِ الْوَلِيُّ لِمَصْلَحَتِهِ ، كَتَغْطِيَةِ رَأْسِهِ لِبَرْدٍ ، أَوْ تَطْيِيبِهِ لِمَرَضٍ ، فَأَمَّا إنْ فَعَلَهُ الْوَلِيُّ لَا لِعُذْرٍ فَكَفَّارَتُهُ عَلَيْهِ ، كَحَلْقِ رَأْسِ مُحْرِمٍ بِغَيْرِ إذْنِهِ ( وَإِنْ وَجَبَ فِي كَفَّارَةٍ عَلَى وَلِيٍّ ) بِأَنْ أَنْشَأَ

السَّفَرَ بِهِ تَمْرِينًا عَلَى الطَّاعَةِ ( صَوْمٌ صَامَ ) الْوَلِيُّ ( عَنْهُ ) لَوْ جَوَّبَهَا عَلَيْهِ ابْتِدَاء كَصَوْمِهِ عَنْ نَفْسِهِ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْكَفَّارَةَ لَوْ لَمْ تَجِبْ عَلَى الْوَلِيِّ وَدَخَلَهَا صَوْمٌ لَمْ يَصُمْ الْوَلِيُّ لِأَنَّ الْوَاجِبَ بِأَصْلِ الشَّرْعِ لَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ ( وَوَطْؤُهُ ) أَيْ الصَّغِيرُ وَلَوْ عَمْدًا ( كَ ) وَطْءِ ( بَالِغٍ نَاسِيًا ، يَمْضِي فِي فَاسِدِهِ وَيَقْضِيهِ ) أَيْ الْحَجُّ ( إذَا بَلَغَ ) كَالْبَالِغِ وَلَا يَصِحُّ قَضَاؤُهُ قَبْلَهُ نَصًّا لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ ، وَنَظِيرُهُ : نَحْو وَطْءِ مَجْنُونٍ يُوجِبُ الْغُسْلَ عَلَيْهِ ، لِوُجُودِ سَبَبِهِ وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ إلَّا بَعْدَ إفَاقَتِهِ

فَصْلٌ وَيَصِحَّانِ أَيْ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ ( مِنْ قِنٍّ ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي الصَّغِيرِ الْحُرِّ ، لِعَدَمِ الْمَانِعِ ( وَيَلْزَمَانِهِ ) أَيْ يَلْزَمُ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ الْقِنَّ الْبَالِغَ ( بِنَذْرِهِ ) لَهُمَا لِعُمُومِ حَدِيثِ { مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ } وَلَا يَجُوزُ أَنْ ( يُحْرِمَ ) قِنٌّ بِنَذْرٍ و لَا نَفْلٍ وَمِثْلُهُ : مُدَبَّرٌ وَأُمُّ وَلَدٍ وَتَقَدَّمَ حُكْمُ مُكَاتَبٍ وَمُبَعَّضٍ ( وَلَا ) أَنْ تُحْرِمَ ( زَوْجَةٌ بِنَفْلٍ ) حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ ( إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدٍ وَزَوْجٍ ) لِتَفْوِيتِ حَقِّهِمَا بِالْإِحْرَامِ ( فَإِنْ عَقَدَاهُ ) أَيْ عَقَدَ قِنٌّ وَامْرَأَةٌ الْإِحْرَامَ بِنَفْلٍ بِلَا إذْنِ سَيِّدٍ وَزَوْجٍ ( فَلَهُمَا ) أَيْ السَّيِّدِ وَالزَّوْجِ ( تَحْلِيلُهُمَا ) أَيْ الْقِنِّ وَالزَّوْجَةِ لِتَفْوِيتِ حَقِّهِمَا ( وَيَكُونَانِ ) أَيْ الْقِنُّ وَالزَّوْجَةُ ( كَمُحْصَرٍ ) عَلَى مَا يَأْتِي ( وَيَأْثَمُ مَنْ لَمْ يَمْتَثِلْ ) مِنْ قِنٍّ وَزَوْجَةٍ وَلَهُ وَطْءُ زَوْجَةٍ وَأَمَةٍ أَحْرَمَتَا بِلَا إذْنِهِ بِنَفْلٍ إذَا أَمَرَهُمَا بِالتَّحَلُّلِ وَخَالَفَتَا وَ ( لَا ) يَجُوزُ لِسَيِّدٍ وَزَوْجٍ تَحْلِيلُهُمَا ( مَعَ إذْنِهِ ) لَهُمَا فِي إحْرَامٍ ، لِوُجُوبِهِ بِالشُّرُوعِ ( وَيَصِحُّ ) مِنْ سَيِّدٍ وَزَوْجٍ ( رُجُوعٌ فِيهِ ) أَيْ الْإِذْنِ بِإِحْرَامٍ ( قَبْلَ إحْرَامٍ ) كَوَاهِبِ إذْنٍ لِمَوْهُوبٍ لَهُ فِي قَبْضِ هِبَةٍ ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَهُ وَمَتَى عَلِمَا بِرُجُوعٍ امْتَنَعَ عَلَيْهِمَا الْإِحْرَامُ كَمَا لَوْ لَمْ يَأْذَنْ وَعُلِمَ مِنْهُ : أَنَّهُ لَا يَصِحُّ رُجُوعٌ فِي إذْنٍ بَعْدَ إحْرَامٍ لِلُزُومِهِ ( وَلَا ) يَجُوزُ لِسَيِّدٍ وَزَوْجٍ تَحْلِيلُ قِنٍّ وَزَوْجَةٍ أَحْرَمَا ( بِنَذْرٍ أَذِنَ فِيهِ ) زَوْجٌ وَسَيِّدٌ ( لَهُمَا ) أَيْ الْقِنِّ وَالزَّوْجَةِ لِأَنَّ الْإِذْنَ فِي نَذْرِهِ إذْنٌ فِي فِعْلِهِ ( أَوْ لَمْ يَأْذَنَ فِيهِ ) أَيْ النَّذْرُ ( لَهَا ) أَيْ الزَّوْجَةِ فَلَا يُحَلِّلُهَا مِنْهُ لِوُجُوبِهِ كَالْوَاجِبِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ .
( وَلَا يَمْنَعُهَا ) الزَّوْجُ ( مِنْ حَجِّ فَرْضٍ كَمُلَتْ شُرُوطُهُ ) كَبَقِيَّةِ الْوَاجِبَاتِ

وَيُسْتَحَبُّ لَهُمَا اسْتِئْذَانُهُ وَإِنْ كَانَ غَائِبًا كَتَبَتْ إلَيْهِ فَإِنْ أَذِنَ وَإِلَّا حَجَّتْ بِمَحْرَمٍ ( فَلَوْ لَمْ تَكْمُلْ ) شُرُوطُهُ فَلَهُ مَنْعُهَا .
( وَ ) إنْ ( أَحْرَمَتْ بِهِ بِلَا إذْنِهِ لَمْ يَمْلِكْ تَحْلِيلَهَا ) لِوُجُوبِ تَمَامِهِ بِشُرُوعِهَا فِيهِ ( وَمَنْ أَحْرَمَتْ بِوَاجِبٍ ) حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ بِأَصْلِ الشَّرْعِ أَوْ النَّذْرِ ( فَحَلَفَ زَوْجُهَا ، وَلَوْ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لَا تَحُجَّ الْعَامَ لَمْ يَجُزْ أَنْ تَحِلَّ ) مِنْ إحْرَامِهَا لِلُزُومِهِ وَعَنْهُ : هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُحْصَرِ وَنَقَلَهُ عَنْ عَطَاءٍ ( وَإِنْ أَفْسَدَ قِنٌّ حَجَّهُ بِوَطْءٍ ) فِيهِ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ ( مَضَى ) فِي فَاسِدِهِ ( وَقَضَاهُ ) كَحُرٍّ ( وَيَصِحُّ الْقَضَاءُ ) مِنْ قِنٍّ مُكَلَّفٍ ( فِي رِقِّهِ ) كَصَوْمٍ وَصَلَاةٍ فَإِنْ عَتَقَ بَدَأَ بِحِجَّةِ الْإِسْلَامِ ( وَلَيْسَ لِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ ) مِنْ قَضَاءٍ ( إنْ ) كَانَ ( شَرَعَ فِيمَا أَفْسَدَهُ ) مِنْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ ( بِإِذْنِهِ ) أَيْ السَّيِّدِ ، لِأَنَّ إذْنَهُ فِيهِ إذْنٌ فِي مُوجَبِهِ وَمِنْهُ قَضَاءُ مَا أَفْسَدَهُ عَلَى الْفَوْرِ ( وَإِنْ عَتَقَ ) قِنٌّ فِي الْحِجَّةِ الْفَاسِدَةِ ( أَوْ بَلَغَ الْحُرُّ فِي الْحِجَّةِ الْفَاسِدَةِ ) وَكَانَ عِتْقُهُ أَوْ بُلُوغُهُ ( فِي حَالٍ يُجْزِئُهُ عَنْ حِجَّةِ الْفَرْضِ لَوْ كَانَتْ ) الْحِجَّةُ الْفَاسِدَةُ ( صَحِيحَة ) عَلَى مَا تَقَدَّمَ آنِفًا ( مَضَى ) فِيهَا وَقَضَاهَا ( وَأَجْزَأَتْهُ حَجَّةُ الْقَضَاءِ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ ، وَ ) حِجَّةُ ( الْقَضَاءِ ) لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الْأَدَاءَ ( وَقِنٌّ فِي جِنَايَتِهِ ) بِفِعْلِ مَحْظُورٍ فِي إحْرَامِهِ ( كَحُرٍّ مُعْسِرٍ ) فِي الْفِدْيَةِ بِالصَّوْمِ عَلَى مَا يَأْتِي ( وَإِنْ تَحَلَّلَ ) قِنٌّ ( بِحَصْرِ ) عُدُولِهِ ( أَوْ حَلَّلَهُ سَيِّدُهُ ) لِإِحْرَامِهِ بِلَا إذْنِهِ ( لَمْ يَتَحَلَّلْ قَبْلَ الصَّوْمِ ) كَحُرٍّ أُحْصِرَ وَأَعْسَرَ ، فَيَصُومُ عَشْرَةَ أَيَّامٍ بِنِيَّةِ التَّحَلُّلِ ثُمَّ يَتَحَلَّلُ ( وَلَا يُمْنَعُ ) الْقِنُّ ( مِنْهُ ) أَيْ الصَّوْمِ نَصًّا كَقَضَاءِ رَمَضَانَ ( وَإِنْ مَاتَ ) قِنٌّ وَجَبَ عَلَيْهِ صَوْمٌ بِسَبَبِ إحْرَامِهِ (

وَلَمْ يَصُمْ فَلِسَيِّدِهِ أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ ) كَقَضَاءِ رَمَضَانَ ، بَلْ عَلَى مَا تَقَدَّمَ يُسَنُّ وَلَا يَصُومُ عَنْهُ ( وَإِنْ أَفْسَدَ ) قِنٌّ ( حَجَّهُ صَامَ ) عَنْ الْبَدَنَةِ عَشْرَةَ أَيَّامٍ كَحُرٍّ مُعْسِرٍ ( وَكَذَا إنْ تَمَتَّعَ ) قِنٌّ ( أَوْ قَرَنَ ) أَوْ أَفْسَدَ عُمْرَتَهُ صَامَ مِنْ الدَّمِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةً إذَا رَجَعَ ؛ لِمَا تَقَدَّمَ ( وَمُشْتَرِي ) الْقِنِّ ( الْمُحْرِمِ كَبَائِعِهِ فِي تَحْلِيلِهِ ) إنْ كَانَ أَحْرَمَ بِلَا إذْنٍ ( وَ ) فِي ( عَدَمِهِ ) إنْ كَانَ أَحْرَمَ بِإِذْنٍ ، لِقِيَامِ الْمُشْتَرِي مَقَامَ بَائِعِهِ ( وَلَهُ ) أَيْ الْمُشْتَرِي ( الْفَسْخُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ ) بِإِحْرَامِ الْقِنِّ ( وَلَمْ يَمْلِكْ تَحْلِيلَهُ ) لِتَعَطُّلِ مَنَافِعِهِ عَلَيْهِ زَمَنَ إحْرَامِهِ فَإِنْ مَلَكَ مُشْتَرٍ تَحْلِيلَهُ فَلَا فَسْخَ لَهُ لِأَنَّ إبْقَاءَهُ فِي الْإِحْرَامِ كَإِذْنِهِ لَهُ فِيهِ ابْتِدَاء وَكَذَا لَا فَسْخَ إنْ عَلِمَ أَنَّهُ مُحْرِمٌ ( وَلِكُلٍّ مِنْ أَبَوَيْ ) حُرٍّ ( مَنْعُهُ ) أَيْ وَلَدِهِمَا الْبَالِغِ ( مِنْ إحْرَامٍ بِنَفْلِ ) حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ ( كَ ) مَنْعِهِ مِنْ نَفْلِ ( جِهَادٍ ) لِلْإِخْبَارِ وَمَا يَفْعَلُهُ فِي الْحَضَرِ مِنْ نَفْلٍ نَحْو صَلَاةٍ وَصَوْمٍ ، فَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِ إذْنٌ وَكَذَا السَّفَرُ لِوَاجِبٍ كَحَجٍّ وَعِلْمٍ لِأَنَّهُ فَرْضُ عَيْنٍ ، كَالصَّلَاةِ وَتَجِبُ طَاعَتُهُمَا فِي غَيْرِ مَعْصِيَةٍ .
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : فِيمَا فِيهِ نَفْعٌ لَهُمَا وَلَا ضَرَرَ عَلَيْهِ وَلَوْ شَقَّ عَلَيْهِ ( وَلَا يُحَلِّلَانِهِ ) أَيْ الْبَالِغِ إذَا أَحْرَمَ ( وَلَا ) يُحَلِّلُ ( غَرِيمٌ مَدِينًا ) أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ لِوُجُوبِهِمَا بِالشُّرُوعِ ( وَلَيْسَ لِوَلِيٍّ سَفِيهٍ ) مُبَذِّرٍ ( بَالِغٍ ) مَنْعُهُ مِنْ حَجِّ الْفَرْضِ ( وَعُمْرَتِهِ وَلَا تَحْلِيلُهُ ) مِنْ إحْرَامٍ بِأَحَدِهِمَا لِتَعَيُّنِهِ عَلَيْهِ كَالصَّلَاةِ ( وَيَدْفَعُ نَفَقَتَهُ إلَى ثِقَةٍ يُنْفِقُ عَلَيْهِ فِي الطَّرِيقِ ) يَقُومُ مَقَامَهُ ( وَيَتَحَلَّلُ ) سَفِيهٌ ( بِصَوْمٍ ) كَحُرٍّ مُعْسِرٍ ( إذَا أَحْرَمَ بِنَفْلٍ ) لِمَنْعِهِ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي مَالٍ ( إنْ زَادَتْ نَفَقَتُهُ

) أَيْ السَّفَرِ ( عَلَى نَفَقَةِ الْإِقَامَةِ ، وَلَمْ يَكْتَسِبْهَا ) السَّفِيهُ فِي سَفَرِهِ فَإِنْ كَانَتْ بِقَدْرِ نَفَقَةِ الْحَضَرِ - أَوْ زَادَتْ ، وَكَانَ يَكْتَسِبُ الزَّائِدَ لَمْ يَحْلِلْ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ

فَصْلٌ الشَّرْطُ الْخَامِسُ لِوُجُوبِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ( الِاسْتِطَاعَةُ ) لِلْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ ( وَلَا تَبْطُلُ ) الِاسْتِطَاعَةُ ( بِجُنُونٍ ) وَلَوْ مُطْبِقًا ، فَيَحُجُّ عَنْهُ ( وَهِيَ ) أَيْ الِاسْتِطَاعَةُ ( مِلْكُ زَادٍ يَحْتَاجُهُ ) فِي سَفَرِهِ ذَهَابًا وَإِيَابًا مِنْ مَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ وَكِسْوَةٍ .
( وَ ) مِلْكُ ( وِعَائِهِ ) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ ( وَلَا يَلْزَمُهُ حَمْلُهُ ) أَيْ الزَّادُ ( إنْ وَجَدَهُ ) بِثَمَنِ مِثْلِهِ أَوْ زَائِدًا يَسِيرًا ( بِالْمَنَازِلِ ) فِي طُرُقِ الْحَاجِّ ، لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ ( وَمِلْكُ رَاحِلَةٍ ) لِرُكُوبِهِ ( بِآلَتِهَا ) بِشِرَاءٍ ( أَوْ كِرَاءٍ يَصْلُحَانِ ) أَيْ الرَّاحِلَةُ وَآلَتُهَا ( لِمِثْلِهِ ) لِحَدِيثِ أَحْمَدَ عَنْ الْحَسَنِ { لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ { " وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا " } قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا السَّبِيلُ ؟ قَالَ : الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ } وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا مَعْنَاهُ ( فِي مَسَافَةِ قَصْرٍ ) عَنْ مَكَّةَ ، مُتَعَلِّقٌ بِمِلْكِ رَاحِلَةٍ وَ ( لَا ) يُعْتَبَرُ مِلْكُ رَاحِلَةٍ ( فِي دُونِهَا ) أَيْ مَسَافَةِ الْقَصْرِ عَنْ مَكَّةَ ، لِلْقُدْرَةِ عَلَى الْمَشْيِ فِيهَا غَالِبًا وَلِأَنَّ مَشَقَّتَهَا يَسِيرَةٌ وَلَا يُخْشَى فِيهَا عَطَبٌ لَوْ انْقَطَعَ بِهَا ، بِخِلَافِ الْبَعِيدَةِ ( إلَّا لِعَاجِزٍ ) عَنْ مَشْيٍ ، كَشَيْخٍ كَبِيرٍ ، فَيُعْتَبَرُ لَهُ مِلْكُ الرَّاحِلَةِ بِآلَتِهَا حَتَّى فِي دُونِهَا ( وَلَا يَلْزَمُهُ ) السَّيْرُ ( حَبْوًا وَلَوْ أَمْكَنَهُ ) وَأَمَّا الزَّادُ فَيُعْتَبَرُ ، قَرُبَتْ الْمَسَافَةُ أَوْ بَعُدَتْ مَعَ الْحَاجَةِ إلَيْهِ ( أَوْ ) مَلَكَ ( مَا يَقْدِرُ بِهِ ) مِنْ نَقْدٍ أَوْ عَرَضٍ ( عَلَى تَحْصِيلِ ذَلِكَ ) أَيْ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ بِآلَتَيْهِمَا فَإِنْ لَمْ يَمْلِكْ ذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ الْحَجُّ وَلَكِنْ يُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَمْكَنَهُ الْمَشْيُ وَالْكَسْبُ بِالصَّنْعَةِ وَيُكْرَهُ لِمَنْ حِرْفَتُهُ الْمَسْأَلَةُ ( فَاضِلًا عَمَّا يَحْتَاجُهُ مِنْ كُتُبِ ) عِلْمٍ فَإِنْ اسْتَغْنَى بِإِحْدَى نُسْخَتَيْنِ مِنْ كِتَابٍ بَاعَ الْأُخْرَى .
( وَ )

مِنْ ( مَسْكَنٍ ) لِمِثْلِهِ .
( وَ ) مِنْ ( خَادِمٍ ) لِنَفْسِهِ ( وَ ) عَنْ ( مَا لَا بُدَّ مِنْهُ ) مِنْ لِبَاسِ مِثْلِهِ وَغِطَاءٍ وَوِطَاءٍ وَأَوَانٍ وَنَحْوِهَا ( لَكِنْ إنْ فَضَلَ عَنْهُ ) الْمَسْكَنُ ، أَوْ كَانَ الْخَادِمُ نَفِيسًا ( وَأَمْكَنَ بَيْعُهُ ) أَيْ الْمَسْكَنُ أَوْ الْخَادِمُ ( وَ ) أَمْكَنَ ( شِرَاءُ مَا يَكْفِيهِ وَيَفْضُلُ مَا يَحُجُّ بِهِ لَزِمَهُ ) ذَلِكَ لِأَنَّهُ مُسْتَطِيعٌ فَإِنْ لَمْ يَفْضُلْ عَنْهُ مَا يَحُجُّ بِهِ لَمْ يَلْزَمْهُ ( وَ ) يُعْتَبَرُ كَوْنُ زَادٍ وَرَاحِلَةٍ وَآلَتَيْهِمَا أَوْ ثَمَنُ ذَلِكَ فَاضِلًا عَنْ ( قَضَاءِ دَيْنٍ ) حَالٍّ أَوْ مُؤَجَّلٍ لِلَّهِ أَوْ لِآدَمِيٍّ ، لِتَضَرُّرِهِ بِبَقَائِهِ بِذِمَّتِهِ ( وَ ) أَنْ يَكُونَ فَاضِلًا عَنْ ( مُؤْنَتِهِ وَمُؤْنَةِ عِيَالِهِ ) لِحَدِيثِ { كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُولُ } ( عَلَى الدَّوَامِ ) حَتَّى بَعْدَ رُجُوعِهِ ( عَنْ عَقَارٍ أَوْ بِضَاعَةٍ ) يَتَّجِرُ فِيهَا ( أَوْ صِنَاعَةٍ وَنَحْوهَا ) كَعَطَاءٍ مِنْ دِيوَانٍ ، وَإِلَّا لَمْ يَلْزَمْهُ لِتَضَرُّرِهِ بِإِنْفَاقِ مَا فِي يَدِهِ إذْنٌ ( وَلَا يَصِيرُ ) مَنْ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ ( مُسْتَطِيعًا بِبَذْلِ غَيْرِهِ لَهُ ) مَا يَحْتَاجُهُ لِحَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ ، وَلَوْ أَبَاهُ أَوْ ابْنَهُ لِلْمِنَّةِ كَبَذْلِ رَقَبَةٍ لِمُكَفِّرٍ ، وَكَبَذْلِ إنْسَانٍ نَفْسَهُ لِيَحُجَّ عَنْ نَحْوِ مَرِيضٍ لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ وَلَيْسَ لَهُ مَا يَسْتَنِيبُ بِهِ ( وَمِنْهَا ) أَيْ الِاسْتِطَاعَةِ ( سَعَةُ وَقْتٍ ) بِأَنْ يَكُونَ مُتَّسِعًا يُمْكِنُ الْخُرُوجُ وَالسَّيْرُ فِيهِ حَسَبَ الْعَادَةِ ، لِعُذْرِ الْحَجِّ مَعَ ضِيقِ وَقْتِهِ فَلَوْ شَرَعَ مِنْ وَقْتِ وُجُوبِهِ فَمَاتَ فِي الطَّرِيقِ بَيَّنَّا عَدَمَ وُجُوبِهِ ؛ لِعَدَمِ وُجُودِ الِاسْتِطَاعَةِ ( وَ ) مِنْ الِاسْتِطَاعَةِ ( أَمْنُ طَرِيقٍ يُمْكِنُ سُلُوكُهُ ) لِأَنَّ فِي إيجَابِ الْحَجِّ مَعَ عَدَمِ ذَلِكَ ضَرَرًا ، وَهُوَ مَنْفِيٌّ شَرْعًا ( وَلَوْ ) كَانَ الطَّرِيقُ الْمُمْكِنُ سُلُوكُهُ ( بَحْرًا ) لِحَدِيثِ { لَا تَرْكَبُوا الْبَحْرَ إلَّا حَاجًّا أَوْ مُعْتَمِرًا أَوْ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَسَعِيدٌ وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ

رُكُوبُهُ مَعَ غَلَبَةِ السَّلَامَةِ لِلتِّجَارَةِ فِيهِ حَتَّى بِأَمْوَالِ الْيَتَامَى وَمَا رُوِيَ مِنْ النَّهْيِ عَنْ رُكُوبِهِ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا لَمْ تَغْلِبْ فِيهِ السَّلَامَةِ ( أَوْ ) كَانَ الطَّرِيقُ ( غَيْرَ مُعْتَادٍ ) لِأَنَّ قُصَارَاهُ أَنَّهُ مُشِقٌّ وَهُوَ لَا يَمْنَعُ الْوُجُوبُ ، كَبُعْدِ الْبَلَدِ جِدًّا وَيُشْتَرَطُ فِي الطَّرِيقِ إمْكَانُ سُلُوكِهِ ( بِلَا خِفَارَةٍ ) فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ سُلُوكُهُ إلَّا بِهَا لَمْ يَجِبْ وَلَوْ يَسِيرَةً فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ ، لِأَنَّهَا رِشْوَةٌ وَلَا يَتَحَقَّقُ الْأَمْنُ بِبَذْلِهَا .
( وَ ) أَنْ ( يُوجَدَ فِيهِ الْمَاءُ وَالْعَلَفُ عَلَى الْمُعْتَادِ ) بِالْمَنَازِلِ فِي الْأَسْفَارِ ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كُلِّفَ بِحَمْلِ مَائِهِ وَعَلَفِ بَهَائِمِهِ فَوْقَ الْمُعْتَادِ مِنْ ذَلِكَ أَدَّى إلَى مَشَقَّةٍ عَظِيمَةٍ فَإِنْ وَجَدَ عَلَى الْعَادَةِ وَلَوْ بِحَمْلٍ مِنْ مَنْهَلٍ إلَى آخَرَ أَوْ الْعَلَفِ مِنْ مَوْضِعٍ إلَى آخَرَ لَزِمَهُ لِأَنَّهُ مُعْتَادٌ .
( وَ ) مِنْ الِاسْتِطَاعَةِ ( دَلِيلٌ لِجَاهِلٍ ) طَرِيقَ مَكَّةَ ( وَ ) مِنْهَا ( قَائِدٌ لِأَعْمَى ) لِأَنَّ فِي إيجَابِهِ عَلَيْهِمَا بِلَا دَلِيلٍ وَقَائِدٍ : ضَرَرًا عَظِيمًا وَهُوَ مَنْفِيٌّ شَرْعًا ( وَيَلْزَمُهُمَا ) أَيْ الْجَاهِلَ وَالْأَعْمَى ( أُجْرَةُ مِثْلِهِمَا ) أَيْ الدَّلِيلِ وَالْقَائِدِ لِتَمَامِ الْوَاجِبِ بِهِمَا ( فَمَنْ كَمُلَ لَهُ ذَلِكَ ) الْمُتَقَدِّمُ مِنْ الشُّرُوطِ الْخَمْسَةِ ( وَجَبَ السَّعْيُ عَلَيْهِ ) لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ( فَوْرًا ) نَصًّا فَيَأْثَمُ إنْ أَخَّرَهُ بِلَا عُذْرٍ ، بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَمْرَ لِلْفَوْرِ وَلِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا { تَعَجَّلُوا الْحَجَّ يَعْنِي الْفَرِيضَةَ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَلِأَنَّ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَرْضُ الْعُمْرِ أَشْبَهَا الْإِيمَانَ وَأَمَّا تَأْخِيرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ ، فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لِعُذْرٍ ، كَخَوْفِهِ عَلَى الْمَدِينَةِ مِنْ الْمُنَافِقِينَ وَالْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ ، أَوْ نَحْوِهِ ( وَ الْعَاجِزُ ) عَنْ سَعْيٍ لِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ ( لِكِبَرٍ أَوْ مَرَضٍ لَا يُرْجَى

بُرْؤُهُ ) لِنَحْوِ زَمَانَةٍ ( أَوْ لِثِقَلٍ ) بِحَيْثُ ( لَا يَقْدِرُ مَعَهُ ) أَيْ الثِّقَلِ عَلَى ( رُكُوبِ ) رَاحِلَةٍ وَلَوْ فِي مَحْمَلٍ ( إلَّا بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ ) غَيْرِ مُحْتَمَلَةٍ ( أَوْ لِكَوْنِهِ ) أَيْ وَاجِدِ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ وَآلَتَيْهِمَا ( نِضْوَ الْخِلْقَةِ ) بِكَسْرِ النُّونِ ( لَا يَقْدِرُ ثُبُوتًا عَلَى رَاحِلَةٍ إلَّا بِمَشَقَّةٍ غَيْرِ مُحْتَمَلَةٍ لَزِمَهُ أَنْ يُقِيمَ مَنْ يَحُجُّ وَيَعْتَمِرُ عَنْهُ ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ : { أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبِي أَدْرَكَتْهُ فَرِيضَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْحَجِّ شَيْخًا كَبِيرًا ، لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى الرَّاحِلَةِ أَفَأَحُجُّ عَنْهُ ؟ قَالَ : حُجِّي عَنْهُ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعُلِمَ مِنْ الْخَبَرِ : جَوَازُ نِيَابَةِ الْمَرْأَةِ عَنْ الرَّجُلِ فَعَكْسُهُ أَوْلَى ( فَوْرًا مِنْ بَلَدِهِ ) أَيْ الْعَاجِزِ لِأَنَّهُ وَجَبَ عَلَيْهِ كَذَلِكَ وَيَكْفِي أَنْ يَنْوِيَ النَّائِبُ عَنْ الْمُسْتَنِيبِ ، وَإِنْ لَمْ يُسَمِّهِ لَفْظًا وَإِنْ نَسِيَ اسْمَهُ وَنَسَبَهُ نَوَى مَنْ دَفَعَ إلَيْهِ الْمَالَ لِيَحُجَّ عَنْهُ ( وَأَجْزَأَ ) فِعْلُ نَائِبٍ ( عَمَّنْ عُوفِيَ ) مِنْ نَحْوِ مَرَضٍ أُبِيحَ لِأَجْلِهِ الِاسْتِنَابَةُ لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا أُمِرَ بِهِ فَخَرَجَ مِنْ عُهْدَتِهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَبْرَأْ وَالْمُعْتَبَرُ لِجَوَازِ الِاسْتِنَابَةِ : الْيَأْسُ ظَاهِرًا ، وَسَوَاءٌ عُوفِيَ قَبْلَ فَرَاغِ نَائِبِهِ مِنْ النُّسُكِ أَوْ بَعْدَهُ وَ ( لَا ) يُجْزِئُ مُسْتَنِيبًا إنْ عُوفِيَ ( قَبْلَ إحْرَامِ نَائِبِهِ ) لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْمُبْدَلِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْبَدَلِ وَمَنْ يُرْجَى بُرْؤُهُ لَا يَسْتَنِيبُ فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يُجْزِئْهُ ( وَيَسْقُطَانِ ) أَيْ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ ( عَمَّنْ يَجِدُ نَائِبًا ) مَعَ عَجْزِهِ عَنْهُمَا لِعَدَمِ اسْتِطَاعَتِهِ بِنَفْسِهِ ، وَنَائِبِهِ ( وَمَنْ لَزِمَهُ ) حَجٌّ أَوْ عُمْرَةٌ بِأَصْلِ الشَّرْعِ أَوْ إيجَابِهِ عَلَى نَفْسِهِ ( فَتُوُفِّيَ قَبْلَهُ وَلَوْ قَبْلَ التَّمَكُّنِ ) مِنْ فِعْلِهِ ، لِنَحْوِ حَبْسٍ أَوْ أَسْرٍ أَوْ عِدَّةٍ : وَكَانَ اسْتَطَاعَ مَعَ سَعَةِ الْوَقْتِ ،

وَخَلَّفَ مَالًا ( أُخْرِجَ عَنْهُ ) أَيْ الْمَيِّتِ ( مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ حِجَّةً وَعُمْرَةً ) أَيْ مَا يُفْعَلَانِ بِهِ ( مِنْ حَيْثُ وَجَبَا ) أَيْ بَلَدِ الْمَيِّتِ نَصًّا لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَكُونُ بِصِفَةِ الْأَدَاءِ وَلَوْ لَمْ يُوصِ بِذَلِكَ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ : { أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ ، فَلَمْ تَحُجَّ حَتَّى مَاتَتْ ، أَفَأَحُجُّ عَنْهَا ؟ قَالَ : نَعَمْ حُجِّي عَنْهَا أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ ، أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ ؟ اقْضُوا اللَّهَ فَاَللَّهُ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ( وَيُجْزِئُ ) أَنْ يُسْتَنَابَ عَنْ مَعْضُوبٍ ، أَوْ مَيِّتٍ لَهُ وَطَنَانِ ( مِنْ أَقْرَبِ وَطَنَيْهِ ) لِتَخْيِيرِ الْمَنُوبِ عَنْهُ لَوْ أَدَّى بِنَفْسِهِ .
( وَ ) يُجْزِئُ أَنْ يُسْتَنَابَ عَنْهُ ( مِنْ خَارِجِ بَلَدِهِ إلَى دُونِ مَسَافَةِ الْقَصْرِ ) لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْحَاضِرِ ( وَيَسْقُطُ ) حَجٌّ عَمَّنْ وَجَبَ عَلَيْهِ وَمَاتَ قَبْلَهُ ( بِحَجِّ أَجْنَبِيٍّ عَنْهُ ) بِدُونِ مَالٍ وَدُونِ إذْنِ وَارِثٍ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَّهَهُ بِالدَّيْنِ وَكَذَا عُمْرَةٌ وَ ( لَا ) يَسْقُطُ حَجٌّ ( عَنْ ) مَعْضُوبٍ ( حَيٍّ بِلَا إذْنِهِ ) وَلَوْ مَعْذُورًا كَدَفْعِ زَكَاةِ مَالِ حَيٍّ عَنْهُ بِلَا إذْنِهِ بِخِلَافِ الدَّيْنِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعِبَادَةٍ ( وَيَقَعُ ) حَجُّ مَنْ حَجَّ عَنْ حَيٍّ بِلَا إذْنِهِ ( عَنْ نَفْسِهِ ) أَيْ الْحَاجِّ ( وَلَوْ ) كَانَ الْحَجُّ ( نَفْلًا ) عَنْ مَحْجُوجٍ عَنْهُ بِلَا إذْنٍ ، لَكِنَّ قِيَاسَ مَا سَبَقَ آخِرَ الْجَنَائِزِ : يَصِحُّ جَعْلُ ثَوَابِهِ لِحَيٍّ وَمَيِّتٍ ( وَ ) مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ نُسُكٌ وَمَاتَ قَبْلَهُ ، وَ ( ضَاقَ مَالُهُ ) عَنْ أَدَائِهِ مِنْ بَلَدِهِ اُسْتُنِيبَ بِهِ مِنْ حَيْثُ بَلَغَ ( أَوْ لَزِمَهُ دَيْنٌ ) وَعَلَيْهِ حَجٌّ وَضَاقَ مَالُهُ عَنْهُمَا ( أَخَذَ ) مِنْ مَالِهِ ( لِحَجٍّ بِحِصَّتِهِ ) كَسَائِرِ الدُّيُونِ ( وَحَجَّ بِهِ ) أَيْ بِمَا أَخَذَ لِلْحَجِّ ( مِنْ حَيْثُ بَلَغَ ) لِحَدِيثِ : { إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ } ( وَإِنْ مَاتَ ) مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَجٌّ

بِطَرِيقِهِ ( أَوْ ) مَاتَ ( نَائِبُهُ بِطَرِيقِهِ حَجَّ عَنْهُ مِنْ حَيْثُ مَاتَ ) هُوَ أَوْ نَائِبُهُ لِأَنَّ الِاسْتِنَابَةَ مِنْ حَيْثُ وَجَبَ الْقَضَاءُ وَالْمَنُوبُ عَنْهُ لَا يَلْزَمُهُ الْعَوْدُ إلَى وَطَنِهِ ، ثُمَّ الْعَوْدُ لِلْحَجِّ مِنْهُ فَيُسْتَنَابُ عَنْهُ ( فِيمَا بَقِيَ ) نَصًّا ( مَسَافَةً وَقَوْلًا وَفِعْلًا ) لِوُقُوعِ مَا فَعَلَهُ قَبْلَ مَوْقِعِهِ وَأَجْزَأَهُ ( وَإِنْ صَدَّ ) مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَجٌّ أَوْ نَائِبُهُ بِطَرِيقٍ ( فَعَلَ مَا بَقِيَ ) مَسَافَةً وَفِعْلًا وَقَوْلًا لِأَنَّهُ أَسْقَطَ بَعْضَ الْوَاجِبِ ( وَإِنْ وَصَّى ) شَخْصٌ ( بِ ) نُسُكٍ ( نَفْلٍ وَأَطْلَقَ ) فَلَمْ يَقُلْ : مِنْ مَحَلِّ كَذَا ( جَازَ ) أَنْ يَفْعَلَ عَنْهُ ( مِنْ مِيقَاتِهِ ) أَيْ مِيقَاتِ بَلَدِ الْمُوصَى نَصًّا ( مَا لَمْ تَمْنَعْ ) مِنْهُ ( قَرِينَةٌ ) كَجَعْلِ مَالٍ يُمْكِنُ الْحَجُّ بِهِ مِنْ بَلَدِهِ فَيُسْتَنَابُ بِهِ مِنْهُ ، كَحَجٍّ وَجَبَ كَمَا لَوْ صَرَّحَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَفِ ثُلُثُهُ بِحَجٍّ مِنْ مَحَلِّ وَصِيَّتِهِ حَجَّ بِهِ مِنْ حَيْثُ بَلَغَ ، أَوْ يُعَانُ بِهِ فِي الْحَجِّ نَصًّا ( وَلَا يَصِحُّ مِمَّنْ لَمْ يَحُجَّ عَنْ نَفْسِهِ ) وَكَذَا مَنْ عَلَيْهِ حَجُّ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ ( حَجٌّ عَنْ ) فَرْضِ ( غَيْرِهِ ، وَلَا عَنْ نَذْرِهِ ، وَلَا ) عَنْ ( نَافِلَتِهِ ) حَيًّا كَانَ الْمَحْجُوجُ عَنْهُ أَوْ مَيِّتًا ( فَإِنْ فَعَلَ ) أَيْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ قَبْلَ نَفْسِهِ ( انْصَرَفَ إلَى حِجَّةِ الْإِسْلَامِ ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ رَجُلًا يَقُولُ : لَبَّيْكَ عَنْ شُبْرُمَةَ قَالَ : حَجَجْتَ عَنْ نَفْسِكَ ؟ قَالَ : لَا قَالَ : حُجَّ عَنْ نَفْسِك ثُمَّ حُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَاحْتَجَّ بِهِ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ حِبَّانَ وَالطَّبَرَانِيُّ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ : إسْنَادُهُ صَحِيحٌ وَقَوْلُهُ { حُجَّ عَنْ نَفْسِك } أَيْ اسْتَدِمْهُ عَنْ نَفْسِك كَقَوْلِك لِلْمُؤْمِنِ : آمِنْ ، لِمَا رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقَيْنِ فِيهِمَا ضَعْفٌ { هَذِهِ عَنْك وَحُجَّ عَنْ شُبْرُمَةَ } وَكَذَا حُكْمُ مَنْ عَلَيْهِ الْعُمْرَةُ وَمَنْ أَدَّى أَحَدَ النُّسُكَيْنِ فَقَطْ صَحَّ

أَنْ يَنُوبَ فِيهِ قَبْلَ أَدَاءِ الْآخَرِ وَأَنْ يَفْعَلَ نَذْرَهُ وَنَفْلَهُ ( وَلَوْ أَحْرَمَ بِنَذْرِ ) حَجٍّ ( أَوْ نَفْلٍ مَنْ عَلَيْهِ حِجَّةُ الْإِسْلَامِ وَقَعَ ) حَجُّهُ ( عَنْهَا ) دُونَ النَّذْرِ وَالنَّفَلِ نَصًّا لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ وَتَبْقَى الْمَنْذُورَةُ فِي ذِمَّتِهِ وَكَذَا عُمْرَةٌ ( وَالنَّائِبُ كَالْمَنُوبِ عَنْهُ ) فَلَوْ أَحْرَمَ بِنَذْرٍ أَوْ نَفْلٍ عَمَّنْ عَلَيْهِ حِجَّةُ الْإِسْلَامِ وَقَعَ حَجُّهُ عَنْهَا وَكَذَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِ حِجَّةُ قَضَاءٍ ، وَأَحْرَمَ بِنَذْرٍ أَوْ نَفْلٍ وَقَعَ عَنْ الْقَضَاءِ دُونَ مَا نَوَاهُ ( وَيَصِحُّ أَنْ يَحُجَّ عَنْ مَعْضُوبٍ ) وَاحِدٌ فِي فَرْضِهِ وَآخَرُ فِي نَذْرِهِ فِي عَامٍ وَالْمَعْضُوبُ : الْعَاجِزُ عَنْ الْحَجِّ لِكِبَرٍ أَوْ نَحْوه مِنْ الْعَضْبِ بِمُهْمَلَةٍ فَمُعْجَمَةٍ وَهُوَ الْقَطْعُ ، كَأَنَّهُ قُطِعَ عَنْ كَمَالِ الْحَرَكَةِ وَالتَّصَرُّفِ .
( وَ ) يَصِحُّ أَنْ يَحُجَّ عَنْ ( مَيِّتٍ وَاحِدٌ فِي فَرْضِهِ وَآخَرُ فِي نَذْرِهِ فِي عَامٍ ) وَاحِدٍ لِأَنَّ كُلًّا عِبَادَةٌ مُفْرَدَةٌ كَمَا لَوْ اخْتَلَفَ نَوْعُهُمَا ( وَأَيُّهُمَا ) أَيْ النَّائِبَيْنِ ( أَحْرَمَ أَوَّلًا ) قَبْلَ الْآخَرِ ( فَعَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ ، ثُمَّ ) الْحِجَّةُ ( الْأُخْرَى ) الَّتِي تَأَخَّرَ إحْرَامُ نَائِبِهَا ( عَنْ نَذْرِهِ وَلَوْ لَمْ يَنْوِهِ ) أَيْ الثَّانِي عَنْ النَّذْرِ لِأَنَّ الْحَجَّ يُعْفَى فِيهِ عَنْ التَّعْيِينِ ابْتِدَاء لِانْعِقَادِهِ مُبْهَمًا ثُمَّ يُعَيَّنُ ، وَالْعُمْرَةُ فِي ذَلِكَ كَالْحَجِّ ( وَ ) يَصِحُّ ( أَنْ يَجْعَلَ قَارِنٌ ) أَحْرَمَ بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ بِهَا ثُمَّ بِهِ عَلَى مَا يَأْتِي ( الْحَجَّ عَنْ شَخْصٍ ) اسْتَنَابَهُ فِي الْحَجِّ ( وَ ) أَنْ يَجْعَلَ ( الْعُمْرَةَ عَنْ ) شَخْصٍ ( آخَرَ ) اسْتَنَابَهُ فِيهَا ( بِإِذْنِهِمَا ) أَيْ الشَّخْصَيْنِ لِأَنَّ الْقِرَانَ نُسُكٌ مَشْرُوعٌ فَإِنْ لَمْ يَأْذَنَا وَقَعَ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ لِلنَّائِبِ ، وَرَدَّ لَهُمَا مَا أَخَذَهُ مِنْهُمَا ، كَمَنْ أُمِرَ بِحَجٍّ فَاعْتَمَرَ أَوْ عَكْسِهِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ : يَقَعُ عَنْهُمَا وَيَرُدُّ مِنْ نَفَقَةِ كُلٍّ

نِصْفَهَا فَإِنْ أَذِنَ أَحَدُهُمَا رَدَّ عَلَى غَيْرِ الْآذَنِ نِصْفَ نَفَقَتِهِ لِأَنَّ الْمُخَالَفَةَ فِي صِفَتِهِ فَإِنْ أُمِرَ بِتَمَتُّعٍ فَقَرَنَ وَجَعَلَ النُّسُكَ الْآخَرَ لِنَفْسِهِ فَكَذَلِكَ وَدَمُ الْقِرَانِ عَلَى النَّائِبِ ، إنْ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِيهِ فَإِنْ أَذِنَا فَعَلَيْهِمَا وَإِنْ أَذِنَ أَحَدُهُمَا فَعَلَيْهِ نِصْفُهُ .
( وَ ) يَصِحُّ ( أَنْ يَسْتَنِيبَ قَادِرٌ ) عَلَى حَجٍّ ( وَغَيْرُهُ ) أَيْ غَيْرُ الْقَادِرِ عَلَيْهِ ( فِي نَفْلِ حَجٍّ ، وَ ) فِي ( فَرْضِهِ ) كَالصَّدَقَةِ ، وَكَذَا عُمْرَةٌ ، وَيَصِحُّ نُسُكُ نَفْلٍ عَنْ مَيِّتٍ وَيَقَعُ عَنْهُ وَكَانَ مُهْدِيًا إلَيْهِ ثَوَابَهُ وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَحُجَّ عَنْ أَبَوَيْهِ وَيُقَدِّمُ أُمَّهُ ، لِأَنَّهَا أَحَقُّ بِالْبِرِّ ، وَيُقَدِّمُ وَاجِبَ أَبِيهِ عَلَى نَفْلِهَا نَصًّا ( وَالنَّائِبُ ) فِي فِعْلِ نُسُكٍ ( أَمِينٌ فِيمَا أُعْطِيهِ ) مِنْ مَالٍ ( لِيَحُجَّ مِنْهُ ) أَوْ يَعْتَمِرَ فَيَرْكَبُ ، وَيُنْفِقُ مِنْهُ بِمَعْرُوفٍ ( وَيَضْمَنُ ) نَائِبٌ ( مَا زَادَ ) أَيْ أَنْفَقَهُ زَائِدًا ( عَلَى نَفَقَةِ الْمَعْرُوفِ أَوْ ) مَا زَادَ عَلَى نَفَقَةِ ( طَرِيقٍ أَقْرَبَ ) مِنْ الطَّرِيقِ الْبَعِيدِ إذَا سَلَكَهُ ( بِلَا ضَرَرٍ ) فِي مَسْلُوكٍ أَقْرَبَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَأْذُونٍ فِيهِ نُطْقًا وَلَا عُرْفًا .
( وَ ) يَجِبُ عَلَيْهِ ( أَنْ يَرُدَّ مَا فَضَلَ ) عَنْ نَفَقَتِهِ بِالْمَعْرُوفِ لِأَنَّهُ لَمْ يُمَلِّكْهُ لَهُ الْمُسْتَنِيبُ وَإِنَّمَا أَبَاحَ لَهُ النَّفَقَةَ مِنْهُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ : فَيُؤْخَذُ مِنْهُ لَوْ أَحْرَمَ ثُمَّ مَاتَ مُسْتَنِيبٌ أَخَذَهُ الْوَرَثَةُ وَضَمِنَ مَا أَنْفَقَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ ، وَيَتَوَجَّهُ : لَا لِلُّزُومِ مَا أُذِنَ فِيهِ ، وَقَالَ فِي الْإِرْشَادِ وَغَيْرِهِ : فِي : حُجَّ عَنِّي بِهَذَا ، فَمَا فَضَلَ فَهُوَ لَك : لَيْسَ لَهُ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ تِجَارَةً قَبْلَ حَجِّهِ .
( وَ ) يُحْسَبُ ( لَهُ ) أَيْ النَّائِبِ ( نَفَقَةُ رُجُوعِهِ ) بَعْدَ أَدَاءِ النُّسُكِ ، إلَّا أَنْ يَتَّخِذَهَا دَارًا ، وَلَوْ سَاعَةً فَلَا لِسُقُوطِهَا فَلَمْ تَعُدْ اتِّفَاقًا .
( وَ ) يُحْسَبُ لَهُ نَفَقَةُ ( خَادِمِهِ إنْ لَمْ يَخْدِمْ نَفْسَهُ

مِثْلُهُ ) لِأَنَّهُ مِنْ الْمَعْرُوفِ وَإِنْ مَاتَ ، أَوْ ضَلَّ ، أَوْ صُدَّ ، أَوْ مَرِضَ ، أَوْ تَلِفَ بِلَا تَفْرِيطٍ أَوْ أَعْوَزَ بَعْدَهُ لَمْ يَضْمَنْ ، وَيُصَدَّقُ ، إلَّا أَنْ يَدَّعِيَ أَمْرًا ظَاهِرًا ، فَبَيِّنَةٌ قَالَ : وَيَتَوَجَّهُ لَهُ صَرْفُ نَقْدٍ بِآخَرَ لِمَصْلَحَتِهِ ، وَشِرَاءُ مَاءٍ لِطَهَارَتِهِ وَتَدَاوٍ وَدُخُولِ حَمَّامٍ ( وَيَرْجِعُ ) نَائِبٌ ( بِمَا اسْتَدَانَهُ لِعُذْرٍ ) عَلَى مُسْتَنِيبِهِ .
( وَ ) يَرْجِعُ ( بِمَا أَنْفَقَ عَلَى نَفْسِهِ بِنِيَّةِ رُجُوعٍ ) وَظَاهِرُهُ : وَلَوْ لَمْ يَسْتَأْذِنْ حَاكِمًا لِأَنَّهُ قَامَ عَنْهُ بِوَاجِبٍ ( وَمَا لَزِمَ نَائِبًا بِمُخَالَفَتِهِ ) كَفِعْلٍ مَحْظُورٍ ( ضَمِنَهُ ) أَيْ النَّائِبُ لِأَنَّهُ بِجِنَايَتِهِ وَكَذَا نَفَقَةُ نُسُكٍ فَسَدَ ، وَقَضَائِهِ وَيَرُدُّ مَا أَخَذَ ؛ لِأَنَّ النُّسُكَ لَمْ يَقَعْ عَلَى مُسْتَنِيبِهِ لِجِنَايَتِهِ وَتَفْرِيطِهِ وَدَمُ تَمَتُّعٍ وَقِرَانٍ عَلَى مُسْتَنِيبٍ بِإِذْنٍ ، وَشَرْطُ أَحَدِهِمَا الدَّمَ الْوَاجِبَ عَلَيْهِ عَلَى الْآخَرِ لَا يَصِحُّ كَشَرْطِهِ عَلَى أَجْنَبِيٍّ

فَصْلٌ وَشُرِطَ لِوُجُوبِ حَجٍّ وَعُمْرَةٍ ( عَلَى أُنْثَى : مَحْرَمٌ ) نَصًّا قَالَ : الْمَحْرَمُ مِنْ السَّبِيلِ ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَحْرَمٌ لَمْ يَلْزَمْهَا الْحَجُّ بِنَفْسِهَا وَلَا بِنَائِبِهَا وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الشَّابَّةِ وَالْعَجُوزِ نَصًّا وَلَا بَيْنَ طَوِيلِ السَّفَرِ وَقَصِيرِهِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ { لَا تُسَافِرْ امْرَأَةٌ إلَّا مَعَ مَحْرَمٍ وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إلَّا وَمَعَهَا مَحْرَمٌ فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْرُجَ فِي جَيْشِ كَذَا وَكَذَا ، وَامْرَأَتِي تُرِيدُ الْحَجَّ فَقَالَ : اُخْرُجْ مَعَهَا } رَوَاهُ أَحْمَدُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ { إنَّ امْرَأَتِي خَرَجَتْ حَاجَّةً وَإِنِّي اكْتُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا قَالَ : انْطَلَقَ فَحُجَّ مَعَهَا } وَلَا فَرْقَ بَيْنَ حَجِّ الْفَرْضِ وَالتَّطَوُّعِ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْتَفْصِلْهُ عَنْ حَجِّهَا وَلَوْ اخْتَلَفَ لَمْ يَجُزْ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ وَفِي ( أَيِّ مَوْضِعٍ اُعْتُبِرَ ) الْمَحْرَمُ ( فَلِمَنْ لِعَوْرَتِهَا حُكْمٌ ، وَهِيَ بِنْتُ سَبْعِ سِنِينَ فَأَكْثَرَ ) لِأَنَّهَا الَّتِي يُخَافُ أَنْ يَنَالَهَا الرِّجَالُ ( وَهُوَ ) أَيْ الْمَحْرَمُ الْمُعْتَبَرُ لِوُجُوبِ النُّسُكِ وَجَوَازِ السَّفَرِ ( زَوْجٌ ) وَسُمِّيَ مَحْرَمًا مَعَ حِلِّهَا لَهُ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ صِيَانَتِهَا وَحِفْظِهَا بِهِ مَعَ إبَاحَةِ الْخَلْوَةِ بِهَا ( أَوْ ذَكَرٌ ) فَالْخُنْثَى الْمُشْكِلُ لَيْسَ مَحْرَمًا ( مُسْلِمٌ ) فَأَبٌ وَنَحْوُهُ كَافِرٌ ، لَيْسَ مَحْرَمًا لِمُسْلِمَةٍ نَصًّا لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا كَالْحَضَانَةِ خُصُوصًا الْمَجُوسِيُّ يَعْتَقِدُ حِلَّهَا ( مُكَلَّفٌ ) فَلَا مَحْرَمِيَّةَ لِصَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ لِعَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِهِ ( تَحْرُمُ عَلَيْهِ أَبَدًا ) فَالْعَبْدُ لَيْسَ مَحْرَمًا لِسَيِّدَتِهِ نَصًّا لِأَنَّهَا لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ أَبَدًا وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا وَكَذَا زَوْجُ أُخْتِهَا وَنَحْوه ( لِحُرْمَتِهَا ) فَلَيْسَ مُلَاعَنٌ مَحْرَمًا لِلْمُلَاعَنَةِ لِأَنَّ تَحْرِيمَهَا عَلَيْهِ أَبَدًا تَغْلِيظٌ عَلَيْهِ (

بِسَبَبٍ مُبَاحٍ ) مِنْ رَضَاعٍ أَوْ مُصَاهَرَةٍ ، بِخِلَافِ وَطْءِ شُبْهَةٍ وَزِنًا لِأَنَّ الْمَحْرَمِيَّةَ نِعْمَةٌ فَاعْتُبِرَ إبَاحَةُ سَبَبِهَا ، كَسَائِرِ الرُّخَصِ ( سِوَى نِسَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) فَهُنَّ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ فِي التَّحْرِيمِ دُونَ الْمَحْرَمِيَّةِ ( أَوْ بِنَسَبٍ ) كَابْنِهِ وَبِنْتِهِ وَأُخْتِهِ وَخَالَتِهِ وَ ( نَفَقَتُهُ ) أَيْ الْمَحْرَمِ زَمَنَ سَفَرِهِ مَعَهَا لِأَدَاءِ نُسُكِهَا ( عَلَيْهَا ) أَيْ الْمَرْأَةِ ( لِأَنَّهُ مِنْ سَبِيلِهَا فَيُشْتَرَطُ لَهَا ) أَيْ لِوُجُوبِ النُّسُكِ عَلَيْهَا ( مِلْكُ زَادٍ وَرَاحِلَةٍ ) بِآلَتِهِمَا ( لَهُمَا ) أَيْ لِلْمَرْأَةِ وَمَحْرَمِهَا ؛ وَأَنْ تَكُونَ الرَّاحِلَةُ وَآلَتِهَا صَالِحِينَ لَهُمَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ فَإِنْ لَمْ تَمْلِكْ ذَلِكَ لَهُمَا لَمْ يَلْزَمْهَا ( وَلَا يَلْزَمُهُ ) أَيْ الْمَحْرَمَ ( مَعَ بَذْلِهَا ذَلِكَ ) أَيْ الزَّادَ وَالرَّاحِلَةَ لَهُ وَمَا يَحْتَاجُهُ ( سَفَرُهُ مَعَهَا ) لِلْمَشَقَّةِ ، كَحَجِّهِ عَنْ نَحْو كَبِيرَةٍ عَاجِزَةٍ وَأَمْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا سَبَقَ الزَّوْجَ بِسَفَرِهِ مَعَهَا إمَّا بَعْدَ الْحَظْرِ ، أَوْ أَمْرُ تَخْيِيرٍ لِعِلْمِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ يُعْجِبُهُ السَّفَرُ مَعَهَا ( وَتَكُونُ ) إنْ امْتَنَعَ مَحْرَمُهَا مِنْ سَفَرٍ مَعَهَا ( كَمَنْ لَا مَحْرَمَ لَهَا ) فَلَا وُجُوبَ عَلَيْهَا وَظَاهِرُ كَلَامِهِمْ لَا يَلْزَمُهَا أُجْرَتُهُ .
وَفِي الْفُرُوعِ : وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يَجِبَ لَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ فَقَطْ لَا النَّفَقَةُ ، كَقَائِدِ الْأَعْمَى وَلَا دَلِيلَ يَخُصُّ وُجُوبَ النَّفَقَةِ ( وَمَنْ أَيِسَتْ مِنْهُ ) أَيْ الْمَحْرَمِ ( اسْتَنَابَتْ ) مَنْ يَفْعَلُ النُّسُكَ عَنْهَا ، كَكَبِيرٍ عَاجِزٍ فَإِنْ تَزَوَّجَتْ بَعْدُ فَحُكْمُهَا كَالْمَعْضُوبِ وَالْمُرَادُ أَيِسَتْ بَعْدَ أَنْ وَجَدَتْ الْمَحْرَمَ وَفَرَّطَتْ بِالتَّأْخِيرِ حَتَّى فُقِدَ ؛ لِمَا قَدَّمَاهُ مِنْ نَصِّ الْإِمَامِ ( وَإِنْ حَجَّتْ امْرَأَةٌ بِدُونِهِ ) أَيْ الْمَحْرَمِ ( حَرُمَ ) سَفَرُهَا بِدُونِهِ ( وَأَجْزَأَهَا ) حَجُّهَا كَمَنْ حَجَّ وَتَرَكَ حَقًّا يَلْزَمُهُ مِنْ نَحْوِ

دَيْنٍ قُلْت : فَلَا تَتَرَخَّصُ ( وَإِنْ مَاتَ ) مَحْرَمٌ سَافَرَتْ ( مَعَهُ بِالطَّرِيقِ مَضَتْ فِي حَجِّهَا ) لِأَنَّهَا لَا تَسْتَفِيدُ بِرُجُوعِهَا شَيْئًا لِأَنَّهُ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ ( وَلَمْ تَصِرْ مُحْصَرَةً ) إذْ لَا تَسْتَفِيدُ بِالتَّحَلُّلِ زَوَالَ مَا بِهَا كَالْمَرِيضِ وَيَصِحُّ حَجُّ مَغْصُوبٍ وَأَجِيرِ خِدْمَةٍ بِأُجْرَةٍ وَدُونِهَا وَتَاجِرٍ وَلَا إثْمَ نَصًّا قَالَ فِي الْفُصُولِ وَالْمُنْتَخَبِ : وَالثَّوَابُ بِحَسَبِ الْإِخْلَاصِ قَالَ أَحْمَدُ : لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَكَ تِجَارَةٌ كَانَ أَخْلَصَ

بَابُ الْمَوَاقِيتِ جَمْعُ مِيقَاتٍ وَهُوَ لُغَةً الْحَدُّ ، وَعُرْفًا ( مَوَاضِعُ وَ أَزْمِنَةٌ مُعَيَّنَةٌ لِعِبَادَةٍ مَخْصُوصَةٍ ) مِنْ حَجٍّ وَغَيْرِهِ وَالْكَلَامُ هُنَا فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ( فَمِيقَاتُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ : ذُو الْحُلَيْفَةِ ) بِضَمِّ الْحَاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ أَبْعَدُ الْمَوَاقِيتِ مِنْ مَكَّةَ ، بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ سِتَّةُ أَمْيَالٍ أَوْ سَبْعَةٌ ، وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ عَشْرُ مَرَاحِلَ وَتُعْرَفُ الْآنَ بِأَبْيَارِ عَلِيٍّ ( وَ ) مِيقَاتُ ( أَهْلِ الشَّامِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ : الْجُحْفَةُ ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ قَرْيَةٌ جَامِعَةٌ عَلَى طَرِيقِ الْمَدِينَةِ خَرِبَةٌ قُرْبَ رَابِغَ عَلَى يَسَارِ الذَّاهِبِ لِمَكَّةَ تُعْرَفُ الْآنَ بِالْمَقَابِرِ كَانَ اسْمُهَا مَهْيَعَةَ ؛ فَجَحَفَ السَّيْلُ بِأَهْلِهَا فَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ وَتَلِي ذَا الْحُلَيْفَةِ فِي الْبُعْدِ ، وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ ثَمَانِ مَرَاحِلِ وَبَيْنَهَا وَبَيْنَ مَكَّةَ ثَلَاثُ مَرَاحِلَ أَوْ أَرْبَعَةٌ وَمَنْ أَحْرَمَ مِنْ رَابِغٍ فَقَدْ أَحْرَمَ قَبْلَ الْمِيقَاتِ بِيَسِيرٍ ( وَ ) مِيقَاتُ أَهْلِ ( الْيَمَنِ : يَلَمْلَمُ ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ مَرْحَلَتَانِ ثَلَاثُونَ مِيلًا قَالَهُ الْحَافِظُ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ ( وَ ) مِيقَاتُ أَهْلِ ( نَجْدٍ الْحِجَازُ ، وَأَهْلُ الطَّائِفِ : قَرْنُ ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَسُكُونِ الرَّاءِ وَيُقَالُ لَهُ : قَرْنُ الْمَنَازِلِ وَقَرْنُ الثَّعَالِبِ ، عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مِنْ مَكَّةَ ( وَ ) مِيقَاتُ أَهْلِ ( الْمَشْرِقِ ) أَيْ الْعِرَاقِ وَخُرَاسَانَ وَبَاقِي الشَّرْقِ ( ذَاتُ عِرْقٍ ) مَنْزِلٌ مَعْرُوفٌ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِعِرْقٍ فِيهِ أَيْ جَبَلٍ صَغِيرٍ أَوْ أَرْضٍ سَبْخَةٍ تُنْبِتُ الطَّرْفَاءَ ( هَذِهِ لِأَهْلِهَا ) الْمَذْكُورِينَ ( وَلِمَنْ مَرَّ عَلَيْهَا ) مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا كَالشَّامِيِّ يَمُرُّ بِالْمَدِينَةِ ( وَمَنْ مَنْزِلُهُ دُونَهَا ) أَيْ هَذِهِ الْمَوَاقِيتِ مِنْ مَكَّةَ كَأَهْلِ عُسْفَانَ ( فَمِيقَاتُهُ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ مَنْزِلِهِ ( لِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ { وَقَّتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ ذَا الْحُلَيْفَةِ وَلِأَهْلِ الشَّامِ الْجُحْفَةَ وَلِأَهْلِ نَجْدٍ قَرْنَ الْمَنَازِلِ وَلِأَهْلِ الْيَمَنِ يَلَمْلَمُ هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِنَّ مِمَّنْ يُرِيدُ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمُهَلُّهُ مِنْ أَهْلِهِ وَكَذَلِكَ أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْهَا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَنْ عَائِشَةَ : أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَقَّتَ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ ذَاتَ عِرْقٍ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَعَنْ جَابِرٍ نَحْوه مَرْفُوعًا رَوَاهُ مُسْلِمٌ ( وَيُحْرِمُ مَنْ بِمَكَّةَ لِحَجٍّ مِنْهَا ) أَيْ مَكَّةَ لِلْخَبَرِ ( وَيَصِحُّ ) أَنْ يُحْرِمَ مَنْ بِمَكَّةَ لِحَجٍّ ( مِنْ الْحِلِّ ) كَعَرَفَةَ ( وَلَا دَمَ عَلَيْهِ ) كَمَا لَوْ خَرَجَ إلَى الْمِيقَاتِ الشَّرْعِيِّ وَكَالْعُمْرَةِ ( وَ ) يُحْرِمُ مَنْ بِمَكَّةَ ( لِعُمْرَةٍ مِنْ الْحِلِّ ) لِأَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ { أَنْ يُعْمِرَ عَائِشَةَ مِنْ التَّنْعِيمِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ أَفَعَالَ الْعُمْرَةِ كُلَّهَا فِي الْحَرَمِ فَلَمْ يَكُنْ بُدَّ مِنْ الْحِلِّ لِيَجْمَعَ فِي إحْرَامِهِ بَيْنَهُمَا بِخِلَافِ الْحَجِّ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ إلَى عَرَفَةَ فَيَحْصُلُ الْجَمْعَ ( وَيَصِحُّ ) إحْرَامُهُ لِعُمْرَةٍ ( مِنْ مَكَّةَ وَعَلَيْهِ ) أَيْ مَنْ أَحْرَمَ لِعُمْرَةٍ مِنْ مَكَّةَ ( دَمٌ ) لِتَرْكِهِ وَاجِبًا كَمَنْ جَاوَزَ مِيقَاتًا بِلَا إحْرَامٍ ( وَتُجْزِئُهُ ) عُمْرَةٌ أَحْرَمَ بِهَا مِنْ مَكَّةَ عَنْ عُمْرَةِ الْإِسْلَامِ لِأَنَّ الْإِحْرَامَ مِنْ الْحِلِّ لَيْسَ شَرْطًا لِصِحَّتِهَا وَكَالْحَجِّ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ إلَى الْحِلِّ قَبْلَ إحْلَالٍ مِنْهَا ( وَمَنْ لَمْ يَمُرَّ بِمِيقَاتٍ ) مِنْ الْمَذْكُورَاتِ ( أَحْرَمَ ) بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وُجُوبًا ( إذَا عَلِمَ أَنَّهُ حَاذَى أَقْرَبَهَا ) أَيْ الْمَوَاقِيتِ ( مِنْهُ ) لِقَوْلِ عُمَرَ " اُنْظُرُوا حَذْوَهَا مِنْ طَرِيقِكُمْ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ( وَسُنَّ لَهُ أَنْ يَحْتَاطَ ) لِيَخْرُجَ مِنْ عُهْدَةِ الْوُجُوبِ فَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ حَذْوَ الْمِيقَاتِ أَحْرَمَ مِنْ بَعْدُ ؛

إذْ الْإِحْرَامُ قَبْلَ الْمِيقَاتِ جَائِزٌ وَتَأْخِيرُهُ عَنْهُ حَرَامٌ ( وَإِذَا تَسَاوَيَا ) أَيْ الْمِيقَاتَانِ ( قُرْبًا ) مِنْهُ فَإِنَّهُ يُحْرِمُ ( مِنْ أَبْعَدِهِمَا ) مِنْ مَكَّةَ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ وَإِذَا لَمْ يُحَاذِ مِيقَاتًا ) كَاَلَّذِي يَجِيءُ مِنْ سَوَاكِنَ إلَى جُدَّةَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمُرَّ بِرَابِغٍ وَلَا يَلَمْلَمُ لِأَنَّهُمَا حِينَئِذٍ أَمَامَهُ ، فَيَصِلُ جُدَّةَ قَبْلَ مُحَاذَاتِهِمَا ( أَحْرَمَ عَنْ مَكَّةَ بِقَدْرِ مَرْحَلَتَيْنِ ) فَيُحْرِمُ فِي الْمِثَالِ مِنْ جُدَّةَ لِأَنَّهَا عَلَى مَرْحَلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ لِأَنَّهُ أَقَلُّ الْمَوَاقِيتِ

فَصْلٌ وَلَا يَحِلُّ لِمُكَلَّفٍ حُرٍّ مُسْلِمٍ أَرَادَ مَكَّةَ نَصًّا أَوْ أَرَادَ الْحَرَمَ أَوْ أَرَادَ نُسُكًا ( تَجَاوُزُ مِيقَاتٍ بِلَا إحْرَامٍ ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَّتَ الْمَوَاقِيتَ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ تَجَاوَزَ مِيقَاتًا بِلَا إحْرَامٍ وَعُلِمَ مِنْهُ : أَنَّهُ يَجُوزُ الْإِحْرَامُ مِنْ أَوَّلِ الْمِيقَاتِ وَآخِرِهِ لَكِنَّ أَوَّلَهُ أَوْلَى ( إلَّا ) إنْ تَجَاوَزَهُ ( لِقِتَالٍ مُبَاحٍ ) لِدُخُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُ وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ أَنَّهُ دَخَلَ مَكَّةَ مُحْرِمًا ذَلِكَ الْيَوْمَ ( أَوْ لِخَوْفٍ أَوْ حَاجَةٍ تَتَكَرَّرُ كَحَطَّابٍ وَنَحْوِهِ ) كَنَاقِلِ مِيرَةٍ وَحَشَّاشٍ فَلَهُمْ الدُّخُولُ بِلَا إحْرَامٍ لِمَا رَوَى حَرْبٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " لَا يَدْخُلُ إنْسَانٌ مَكَّةَ إلَّا مُحْرِمًا إلَّا الْحَمَّالِينَ وَالْحَطَّابِينَ وَأَصْحَابَ مَنَافِعِهَا " احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ ( وَكَمَكِّيٍّ يَتَرَدَّدُ لِقَرْيَتِهِ بِالْحِلِّ ) دَفْعًا لِلْمَشَقَّةِ وَالضَّرَرِ ، لِتَكَرُّرِهِ .
قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ : وَكَتَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ فِي حَقِّ قِيمَةٍ لِلْمَشَقَّةِ ( ثُمَّ إنْ بَدَا لَهُ ) أَيْ لِمَنْ لَمْ يَلْزَمْهُ الْإِحْرَامُ مِنْ أُولَئِكَ أَنْ يُحْرِمَ ( أَوْ بَدَا لِمَنْ لَمْ يَرِدْ الْحَرَمَ ) كَقَاصِدِ عُسْفَانَ وَنَحْوِهِ ( أَنْ يُحْرِمَ ) فَمِنْ مَوْضِعِهِ ( أَوْ لَزِمَ ) الْإِحْرَامُ ( مَنْ تَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ كَافِرًا أَوْ غَيْرَ مُكَلَّفٍ أَوْ رَقِيقًا ) بِأَنْ أَسْلَمَ كَافِرٌ وَكُلِّفَ غَيْرُ مُكَلَّفٍ وَعَتَقَ رَقِيقٌ ، أَحْرَمَ مِنْ مَوْضِعِهِ ( أَوْ تَجَاوَزَهَا ) أَيْ الْمَوَاقِيتَ ( غَيْرَ قَاصِدٍ مَكَّةَ ثُمَّ بَدَا لَهُ قَصْدُهَا فَمِنْ مَوْضِعِهِ ) يَحْرُمُ لِأَنَّهُ حَصَلَ دُونَ الْمِيقَاتِ عَلَى وَجْهٍ مُبَاحٍ فَأَشْبَهَ أَهْلَ ذَلِكَ الْمَكَانِ ( وَلَا دَمَ عَلَيْهِ ) لِأَنَّهُ لَمْ يُجَاوِزْ الْمِيقَاتَ حَالَ وُجُوبِ الْإِحْرَامِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ إحْرَامٍ ( وَأُبِيحَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ دُخُولُ مَكَّةَ

مُحِلِّينَ سَاعَةً ) مِنْ يَوْمِ الْفَتْحِ ( وَهِيَ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ لَا قَطْعَ شَجَرٍ ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ الْغَدُ مِنْ يَوْمِ فَتْحِ مَكَّةَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ { إنَّ مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ فَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا وَلَا يَعْضُدَ بِهَا شَجَرَةً فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ بِقِتَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُولُوا : إنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةً مِنْ النَّهَارِ وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا كَحُرْمَتِهَا فَلْيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ مِنْكُمْ الْغَائِبَ } ( وَمَنْ تَجَاوَزَهُ ) أَيْ الْمِيقَاتَ بِلَا إحْرَامٍ ( يُرِيدُ نُسُكًا ) فَرْضًا أَوْ نَفْلًا ( أَوْ كَانَ ) النُّسُكُ ( فَرْضَهُ ) وَإِنْ لَمْ يُرِدْهُ ( وَلَوْ ) كَانَ ( جَاهِلًا ) أَنَّهُ الْمِيقَاتُ أَوْ حُكْمُهُ ( أَوْ نَاسِيًا لَزِمَهُ أَنْ يَرْجِعَ ) إلَى الْمِيقَاتِ ( فَيُحْرِمَ مِنْهُ ) حَيْثُ أَمْكَنَ كَسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ ( إنْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَ حَجٍّ أَوْ غَيْرِهِ ) كَعَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ لِصًّا أَوْ غَيْرَهُ ، فَإِنْ خَافَ لَمْ يَلْزَمْهُ رُجُوعٌ وَيُحْرِمُ مِنْ مَوْضِعِهِ ( وَيَلْزَمُهُ إنْ أَحْرَمَ مِنْ مَوْضِعِهِ دَمٌ ) لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا { مَنْ تَرَكَ نُسُكًا فَعَلَيْهِ دَمٌ } وَقَدْ تَرَكَ وَاجِبًا وَسَوَاءٌ كَانَ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ ( وَلَا يَسْقُطُ ) الدَّمُ ( إنْ أَفْسَدَهُ ) أَيْ النُّسُكُ نَصًّا لِأَنَّهُ كَالصَّحِيحِ ( أَوْ رَجَعَ ) إلَى الْمِيقَاتِ بَعْدَ إحْرَامِهِ نَصًّا كَدَمٍ مَحْظُورٍ ( وَكُرِهَ إحْرَامٌ ) بِحَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ ( قَبْلَ مِيقَاتٍ ) وَيَنْعَقِدُ لِمَا رَوَى سَعِيدٌ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ ، أَحْرَمَ مِنْ مِصْرِهِ فَبَلَغَ عُمَرَ فَغَضِبَ ، وَقَالَ : يَتَسَامَعُ النَّاسُ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْرَمَ مِنْ مِصْرِهِ " وَقَالَ الْبُخَارِيُّ : كَرِهَ عُثْمَانُ أَنْ يُحْرِمَ مِنْ خُرَاسَانَ أَوْ كَرْمَانِ

وَلِحَدِيثِ أَبِي يَعْلَى الْمَوْصِلِيِّ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ مَرْفُوعًا { يَسْتَمْتِعُ أَحَدُكُمْ بِحِلِّهِ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ فِي إحْرَامِهِ } ( وَ ) كُرِهَ إحْرَامٌ ( بِحَجٍّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ ) قَالَ فِي الشَّرْحِ : بِغَيْرِ خِلَافٍ عَلِمْنَاهُ

( وَهِيَ ) أَيْ أَشْهُرُ الْحَجِّ ( شَوَّالُ وَذُو الْقَعْدَةِ وَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ ) مِنْهَا يَوْمُ النَّحْرِ ، وَهُوَ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { يَوْمُ النَّحْرِ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ تَعَالَى { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ } الْآيَةَ أَيْ فِي أَكْثَرِهِنَّ وَإِنَّمَا فَاتَ الْحَجُّ بِفَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ لِفَوَاتِ الْوُقُوفِ ، لَا لِخُرُوجِ وَقْتِ الْحَجِّ ثُمَّ الْجَمْعُ يَقَعُ عَلَى اثْنَيْنِ وَبَعْضِ آخَرَ وَالْعَرَبُ تُغَلِّبُ التَّأْنِيثَ فِي الْعَدَدِ خَاصَّةً لِسَبْقِ اللَّيَالِي فَتَقُولُ : سِرْنَا عَشْرًا ( وَيَنْعَقِدُ ) إحْرَامُ الْحَجِّ بِحَجٍّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { يَسْأَلُونَك عَنْ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ } الْآيَةِ وَكُلُّهَا مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ فَكَذَا الْحَجُّ ، وَكَالْمِيقَاتِ الْمَكَانِيِّ وَقَوْلِهِ { الْحَجُّ أَشْهُرٌ } الْآيَةَ أَيْ مُعْظَمُهُ فِيهَا كَحَدِيثِ { الْحَجُّ عَرَفَةَ } وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ " السُّنَّةُ أَنْ لَا يُحْرَمَ بِالْحَجِّ إلَّا فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ " عَلَى الِاسْتِحْبَابِ ، وَالْإِحْرَامُ تَتَرَاخَى الْأَفْعَالُ عَنْهُ فَهُوَ كَالطَّهَارَةِ وَنِيَّةُ الصَّوْمِ ، بِخِلَافِ نِيَّةِ الصَّلَاةِ

بَابُ الْإِحْرَامِ قَالَ ابْنُ فَارِسٍ : هُوَ نِيَّةُ الدُّخُولِ فِي التَّحْرِيمِ ، كَأَنَّهُ يُحَرِّمُ عَلَى نَفْسِهِ الطِّيبَ وَالنِّكَاحَ وَأَشْيَاءَ مِنْ اللِّبَاسِ كَمَا يُقَالُ : أَشْتَى إذَا دَخَلَ فِي الشِّتَاءِ ، وَأَرْبَعَ إذَا دَخَلَ فِي الرَّبِيعِ وَشَرْعًا ( نِيَّةُ النُّسُكِ ) أَيْ الدُّخُولِ فِيهِ ، لَا نِيَّتُهُ لِيَحُجَّ " أَوْ " يَعْتَمِرَ ( وَسُنَّ لِمُرِيدِهِ ) أَيْ الْإِحْرَامِ ( غُسْلٌ ) وَلَوْ نُفَسَاءَ أَوْ حَائِضًا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَمَرَ أَسْمَاءَ بِنْتَ عُمَيْسٍ وَهِيَ نُفَسَاءُ أَنْ تَغْتَسِلَ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
{ وَأَمَرَ عَائِشَةَ أَنْ تَغْتَسِلَ لِإِهْلَالِ الْحَجِّ ، وَهِيَ حَائِضٌ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَإِنْ رَجَتَا الطُّهْرَ قَبْلَ فَوَاتِ الْمِيقَاتِ أَخَّرَتَاهُ حَتَّى تَطْهُرَ ( أَوْ تَيَمُّمٌ لِعَدَمِ مَاءٍ ) أَوْ عَجْزٍ عَنْ اسْتِعْمَالِهِ لِنَحْوِ مَرَضٍ لِعُمُومِ { فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا } ( وَلَا يَضُرُّ حَدَثُهُ بَيْنَ غُسْلٍ وَإِحْرَامٍ ) كَغُسْلِ الْجُمُعَةِ ( وَ ) سُنَّ لَهُ ( تَنَظُّفٌ ) بِأَخْذِ شَعْرِهِ وَظُفْرِهِ ، وَقَطْعِ رَائِحَةٍ كَرِيهَةٍ كَالْجُمُعَةِ وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ يَمْنَعُ أَخْذَ الشُّعُورِ وَالْأَظْفَارِ فَاسْتُحِبَّ فِعْلُهُ قَبْلَهُ لِئَلَّا يَحْتَاجَ إلَيْهِ فِي إحْرَامِهِ فَلَا يَتَمَكَّنُ مِنْهُ فِيهِ .
( وَ ) سُنَّ لَهُ ( تَطَيُّبٌ فِي بَدَنِهِ ) بِمَا تَبْقَى عَيْنُهُ ، كَمِسْكٍ ، أَوْ أَثَرُهُ كَمَاءِ وَرْدٍ وَيَجُوزُ لِقَوْلِ عَائِشَةَ { كُنْت أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ وَقَالَتْ : كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى وَبِيصِ الطِّيبِ فِي مَفَارِقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُحْرِمٌ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : لَا خِلَافَ بَيْنَ جَمَاعَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالسِّيَرِ وَالْآثَارِ أَنَّ قِصَّةَ صَاحِبِ الْجُبَّةِ كَانَتْ عَامَ حُنَيْنٌ وَالْجِعْرَانَةَ ، سَنَةَ ثَمَانٍ وَحَدِيثُ عَائِشَةَ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ سَنَةَ عَشْرٍ أَيْ فَهُوَ نَاسِخٌ ( وَكُرِهَ ) لِمُرِيدِ الْإِحْرَامِ تَطَيُّبٌ ( فِي

ثَوْبِهِ ) وَلَهُ اسْتِدَامَةُ لُبْسِهِ فِي إحْرَامِهِ ، مَا لَمْ يَنْزِعْهُ ، فَإِنْ نَزَعَهُ لَمْ يَلْبِسْهُ حَتَّى يَغْسِلَ طِيبَهُ لُزُومًا لِأَنَّ الْإِحْرَامَ يَمْنَعُ الطِّيبَ وَلُبْسَ الْمُطَيَّبِ ، دُونَ الِاسْتِدَامَةِ وَمَتَى تَعَمَّدَ مُحْرِمٌ مَسَّ طِيبٍ عَلَى بَدَنِهِ ، أَوْ نَحَّاهُ عَنْ مَوْضِعِهِ ثُمَّ رَدَّهُ إلَيْهِ ، أَوْ نَقَلَهُ إلَى مَوْضِعٍ آخَرَ فَدَى لَا إنْ سَالَ بِعَرَقٍ أَوْ شَمْسٍ .
( وَ ) سُنَّ لِمُرِيدِهِ ( لُبْسُ إزَارٍ وَرِدَاءٍ أَبْيَضَيْنِ نَظِيفَيْنِ ) جَدِيدَيْنِ أَوْ خَلِقَيْنِ ( وَنَعْلَيْنِ ) لِحَدِيثِ { وَلْيُحْرِمْ أَحَدُكُمْ فِي إزَارٍ وَرِدَاءٍ وَنَعْلَيْنِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : ثَبَتَ ذَلِكَ وَالنَّعْلَانِ التسومة وَلَا يَجُوزُ لَهُ لُبْسُ سرموذة وَنَحْوهَا إنْ وَجَدَ النَّعْلَيْنِ وَيَكُونُ لُبْسُهُ ذَلِكَ ( بَعْدَ تَجَرُّدِ ذَكَرٍ عَنْ مَخِيطٍ ) كَقَمِيصٍ وَسَرَاوِيلَ وَخُفٍّ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { تَجَرَّدَ لِإِهْلَالٍ } رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ( وَ ) سُنَّ ( إحْرَامُهُ عَقِبَ صَلَاةِ فَرْضٍ أَوْ رَكْعَتَيْنِ نَفْلًا ) نَصًّا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَهَلَّ فِي دُبُرِ صَلَاةٍ } رَوَاهُ النَّسَائِيُّ ( وَلَا يَرْكَعُهُمَا ) أَيْ رَكْعَتَيْ النَّفْلِ ( وَقْتَ نَهْيٍ ) لِتَحْرِيمِ النَّفْلِ إذَنْ ( وَلَا ) يَرْكَعُهُمَا ( مَنْ عَدِمَ الْمَاءَ وَالتُّرَابَ ) لِحَدِيثِ { لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طُهُورٍ } قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَيَتَوَجَّهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ عِنْدَ إحْرَامِهِ صَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ .
( وَ ) سُنَّ لَهُ ( أَنْ يُعَيِّنَ نُسُكًا ) فِي ابْتِدَاءِ إحْرَامِهِ مِنْ عُمْرَةٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ قِرَانٍ ( وَيَلْفِظُ بِهِ ) أَيْ بِمَا عَيَّنَهُ لِلْأَخْبَارِ ( وَأَنْ يَشْتَرِطَ ) لِحَدِيثِ ضُبَاعَةَ بِنْتِ الزُّبَيْرِ حِينَ قَالَتْ لَهُ { إنِّي أُرِيدُ الْحَجَّ وَأَجِدُنِي وَجِعَةً فَقَالَ : حُجِّي وَاشْتَرِطِي وَقَوْلِي : اللَّهُمَّ مَحَلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ زَادَ النَّسَائِيُّ فِي رِوَايَةٍ إسْنَادُهَا جَيِّدٌ { فَإِنَّ لَك عَلَى رَبِّك مَا اسْتَثْنَيْتَ } ( فَيَقُولَ :

اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ النُّسُكَ الْفُلَانِيَّ فَيَسِّرْهُ لِي وَتَقَبَّلْهُ مِنِّي ) وَلَمْ يَذْكُرْ مِثْلَهُ فِي الصَّلَاةِ لِقِصَرِ مُدَّتِهَا وَتَيَسُّرِهَا عَادَةً ( وَإِنْ حَبَسَنِي حَابِسٌ فَمَحَلِّي حَيْثُ حَبَسْتَنِي ) فَيَسْتَفِيدُ : أَنَّهُ مَتَى حُبِسَ بِمَرَضٍ أَوْ عَدُوٍّ وَنَحْوِهِ حَلَّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ نَصًّا قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَغَيْرِهِ : إلَّا أَنْ يَكُونَ مَعَهُ هَدْيٌ فَيَلْزَمَهُ نَحْوه وَلَوْ قَالَ : فَلِي أَنْ أَحِلَّ ، خُيِّرَ ( وَلَوْ شَرَطَ أَنْ يَحِلَّ مَتَى شَاءَ ، أَوْ إنْ أَفْسَدَهُ لَمْ يَقْضِهِ لَمْ يَصِحَّ ) شَرْطُهُ لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ لَهُ فِيهِ وَعُلِمَ مِمَّا سَبَقَ : أَنَّهُ لَا يَكْفِيهِ اشْتِرَاطُهُ بِقَلْبِهِ ( وَيَنْعَقِدُ إحْرَامٌ حَالَ جِمَاعٍ ) لِأَنَّهُ لَا يُبْطِلُهُ وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ بِهِ إنْ وَقَعَ فِي أَثْنَائِهِ وَإِنَّمَا يُفْسِدُهُ وَيَلْزَمُ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ ( وَيَبْطُلُ ) إحْرَامٌ بِرِدَّةٍ ( وَيَخْرُجُ ) مُحْرِمٌ ( مِنْهُ بِرِدَّةٍ ) فِيهِ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى : { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } وَ ( لَا ) يَبْطُلُ وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ ( بِجُنُونٍ وَإِغْمَاءٍ وَسُكْرٍ كَمَوْتٍ ) وَيَأْتِي حُكْمُ مَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ فِي الْإِحْصَارِ وَتَقَدَّمَ حُكْمُ مَيِّتٍ ( وَلَا يَنْعَقِدُ إحْرَامٌ مَعَ وُجُودِ أَحَدِهَا ) أَيْ الْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ وَالسُّكْرِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْقَصْدِ إذَنْ ( وَيُخَيَّرُ مُرِيدُ ) إحْرَامٍ ( بَيْنَ ) ثَلَاثَةِ أَشْيَاءَ ( تَمَتُّعٌ وَهُوَ أَفْضَلُهَا ) نَصًّا قَالَ : لِأَنَّهُ آخِرُ مَا أَحْرَمَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ لَمَّا طَافُوا وَسَعَوْا أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً إلَّا مَنْ سَاقَ هَدْيًا وَثَبَتَ عَلَى إحْرَامِهِ لِسَوْقِهِ الْهَدْيَ وَتَأَسَّفَ بِقَوْلِهِ : لَوْ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ وَلَا حَلَلْتُ مَعَكُمْ } وَلَا يَنْقُلُ أَصْحَابَهُ إلَّا إلَى الْأَفْضَلِ وَلَا يَتَأَسَّفُ إلَّا عَلَيْهِ وَمَا أُجِيبَ بِهِ عَنْهُ مِنْ أَنَّهُ لِاعْتِقَادِهِمْ عَدَمَ جَوَازِ

الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مَرْدُودٌ بِأَنَّهُمْ لَمْ يَعْتَقِدُوهُ ثُمَّ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَخُصَّ بِهِ مَنْ لَمْ يَسُقْ الْهَدْيَ لِأَنَّهُمْ سَوَاءٌ فِي الِاعْتِقَادِ ، ثُمَّ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَتَأَسَّفْ هُوَ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُ جَوَازَ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَجَعَلَ الْعِلَّةَ فِيهِ سَوْقَ الْهَدْيِ وَلِمَا فِي التَّمَتُّعِ مِنْ الْيُسْرِ وَالسُّهُولَةِ مَعَ كَمَالِ أَفْعَالِ النُّسُكَيْنِ ( فَإِفْرَادٌ ) لِأَنَّ فِيهِ كَمَالُ أَفْعَالِ النُّسُكَيْنِ ( فَقِرَانٌ ) وَاخْتُلِفَ فِي حَجَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنْ قَالَ أَحْمَدُ : لَا أَشُكُّ أَنَّهُ كَانَ قَارِنًا وَالْمُتْعَةُ أَحَبُّ إلَيَّ .
( وَ ) صِفَةُ ( التَّمَتُّعِ : أَنْ يُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ) نَصًّا قَالَ الْأَصْحَابُ : وَيَفْرُغُ مِنْهَا .
وَفِي الْمُسْتَوْعِبِ : وَيَتَحَلَّلُ ( وَ ) يُحْرِمُ ( بِهِ ) أَيْ الْحَجِّ ( فِي عَامِهِ مُطْلَقًا ) أَيْ مِنْ مَكَّةَ أَوْ قُرْبِهَا أَوْ بَعِيدٍ مِنْهَا ( بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا ) أَيْ الْعُمْرَةِ فَلَوْ كَانَ أَحْرَمَ بِهَا قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا وَلَوْ أَتَمَّ أَفَعَالَهَا فِي أَشْهُرِهِ وَإِنْ أَدْخَلَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ صَارَ قَارِنًا ( وَ ) صِفَةُ ( الْإِفْرَادِ : أَنْ يُحْرِمَ ابْتِدَاءً بِحَجٍّ ثُمَّ يُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهُ ) أَيْ الْحَجِّ مُطْلَقًا ( وَ ) صِفَةُ ( الْقِرَانِ : أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا أَيْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ مَعًا أَوْ يُحْرِمَ بِهَا ) أَيْ الْعُمْرَةِ ( ثُمَّ يُدْخِلُهُ ) أَيْ الْحَجَّ ( عَلَيْهَا ) أَيْ الْعُمْرَةِ وَيَصِحُّ لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ فَعَلَهُ وَقَالَ { هَكَذَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } وَيَكُونُ إدْخَالُ الْحَجِّ عَلَيْهَا ( قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي طَوَافِهَا ) أَيْ الْعُمْرَةِ فَلَا يَصِحُّ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ لِمَنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ ، كَمَا لَوْ أَدْخَلَهُ عَلَيْهَا بَعْدَ سَعْيِهَا وَسَوَاءٌ كَانَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَوْ لَا ( وَيَصِحُّ ) إدْخَالُ حَجٍّ عَلَى عُمْرَةٍ ( مِمَّنْ مَعَهُ هَدْيٌ وَلَوْ بَعْدَ سَعْيِهَا ) بَلْ

يَلْزَمُهُ كَمَا يَأْتِي لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ إلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ } قَالَ فِي شَرْحِهِ هُنَا : وَيَصِيرُ قَارِنًا عَلَى الْمَذْهَبِ وَرَدَّهُ فِي أَثْنَاءِ الْفَصْلِ بَعْدُ ( وَمَنْ أَحْرَمَ بِهِ ) أَيْ الْحَجِّ ( ثُمَّ أَدْخَلَهَا ) أَيْ الْعُمْرَةَ ( عَلَيْهِ لَمْ يَصِحَّ إحْرَامُهُ بِهَا ) أَيْ الْعُمْرَةِ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ أَثَرٌ ، وَلَا يُسْتَفَادُ بِهِ فَائِدَةٌ بِخِلَافِ مَا سَبَقَ فَلَا يَصِيرُ قَارِنًا ، وَعَمَلُ قَارِنٍ كَمُفْرِدٍ نَصًّا وَيَسْقُطُ تَرْتِيبُهَا وَيَصِيرُ التَّرْتِيبُ لِلْحَجِّ فَيَتَأَخَّرَ حِلَاقٌ إلَى يَوْمِ النَّحْرِ فَوَطْؤُهُ قَبْلَ طَوَافِهِ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ لَا يُفْسِدُ عُمْرَتَهُ

فَصْلٌ وَيَجِبُ عَلَى مُتَمَتِّعٍ دَمٌ إجْمَاعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ } .
( وَ ) وَيَجِبُ ( عَلَى قَارِنٍ دَمٌ ) لِأَنَّهُ تَرَفَّهَ بِسُقُوطِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ كَالتَّمَتُّعِ وَهُوَ دَمُ ( نُسُكٍ ) لَا دَمُ جُبْرَانٍ ؛ إذْ لَا نَقْصَ فِي التَّمَتُّعِ يُجْبَرُ بِهِ ( بِشَرْطِ أَنْ لَا يَكُونَ ) أَيْ الْمُتَمَتِّعُ وَالْقَارِنُ ( مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } وَهَذَا فِي التَّمَتُّعِ ، وَالْقِرَانُ مَقِيسٌ عَلَيْهِ ( وَهُمْ ) أَيْ حَاضِرُو الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ( أَهْلُ الْحَرَمِ وَمَنْ هُوَ مِنْهُ ) دُونَ ( مَسَافَةِ قَصْرٍ ) لِأَنَّ حَاضِرِي الشَّيْءِ مَنْ حَلَّ فِيهِ أَوْ قَرُبَ مِنْهُ أَوْ جَاوَرَهُ بِدَلِيلِ رُخَصِ السَّفَرِ فَإِنْ كَانَ لَهُ مَنْزِلَانِ قَرِيبٌ وَبَعِيدٌ فَلَا دَمَ ( فَلَوْ اسْتَوْطَنَ أَفَقِيٌّ ) لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْحَرَمِ ( مَكَّةَ فَحَاضِرٌ ) لَا دَمَ عَلَيْهِ لِدُخُولِهِ فِي الْعُمُومِ ( وَمَنْ دَخَلَهَا ) أَيْ مَكَّةَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا مُتَمَتِّعًا أَوْ قَارِنًا ( وَلَوْ نَاوِيًا لِإِقَامَةٍ ) بِهَا فَعَلَيْهِ دَمٌ ( أَوْ ) كَانَ الدَّاخِلُ ( مَكِّيًّا اسْتَوْطَنَ بَلَدًا بَعِيدًا ) مَسَافَةَ قَصْرٍ فَأَكْثَرَ عَنْ الْحَرَمِ ثُمَّ عَادَ إلَيْهَا ( مُتَمَتِّعًا أَوْ قَارِنًا لَزِمَهُ دَمٌ ) وَلَوْ نَوَى الْإِقَامَةَ بِهَا لِأَنَّهُ حَالَ أَدَاءِ نُسُكِهِ لَمْ يَكُنْ مُقِيمًا ( وَيُشْتَرَطُ فِي وُجُوبِ دَمِ مُتَمَتِّعٍ وَحْدَهُ ) أَيْ دُونَ الْقَارِنِ زِيَادَةً عَمَّا تَقَدَّمَ سِتَّةُ شُرُوطٍ ( أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ } ( وَأَنْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ ) فَلَوْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَحَجَّ مِنْ عَامٍ آخَرَ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ لِلْآيَةِ لِأَنَّهَا تَقْتَضِي الْمُوَالَاةَ بَيْنَهُمَا وَلِأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ مَنْ اعْتَمَرَ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ حَجَّ مِنْ عَامِهِ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ فَهَذَا أَوْلَى لِأَنَّهُ أَكْثَرُ

تَبَاعُدًا ( وَأَنْ لَا يُسَافِرَ بَيْنَهُمَا ) أَيْ الْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ ( مَسَافَةَ قَصْرٍ فَإِنْ فَعَلَ ) أَيْ سَافَرَ بَيْنَهُمَا الْمَسَافَةَ ( فَأَحْرَمَ ) بِالْحَجِّ ( فَلَا دَمَ ) نَصًّا لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ " إذَا اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ ثُمَّ أَقَامَ فَهُوَ مُتَمَتِّعٌ ، فَإِنْ خَرَجَ وَرَجَعَ فَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ " وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ نَحْوُهُ وَلِأَنَّهُ إذَا رَجَعَ إلَى الْمِيقَاتِ أَوْ مَا دُونَهُ لَزِمَهُ الْإِحْرَامُ مِنْهُ فَإِذَا كَانَ بَعِيدًا فَقَدْ أَنْشَأَ سَفَرًا بَعِيدًا لِحَجِّهِ فَلَمْ يَتَرَفَّهْ بِتَرْكِ أَحَدِ السَّفَرَيْنِ ( فَلَا يَلْزَمُهُ دَمٌ وَأَنْ يَحِلَّ مِنْهَا ) أَيْ الْعُمْرَةِ ( قَبْلَ إحْرَامِهِ بِهِ ) أَيْ الْحَجِّ ( وَإِلَّا ) يَحِلُّ مِنْ الْعُمْرَةِ قَبْلَ إحْرَامِهِ بِالْحَجِّ بِأَنْ أَدْخَلَهُ عَلَيْهَا كَمَا فَعَلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ( صَارَ قَارِنًا ) فَيَلْزَمُهُ دَمُ الْقِرَانِ وَلَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ وَظَاهِرُهُ : وَلَوْ بَعْدَ سَعْيِهِ لِمَنْ مَعَهُ هَدْيٌ ( وَأَنْ يُحْرِمَ بِهَا ) أَيْ الْعُمْرَةِ ( مِنْ مِيقَاتٍ أَوْ مَسَافَةِ قَصْرٍ فَأَكْثَرَ مِنْ مَكَّةَ ) فَإِنْ أَحْرَمَ بِهَا مِنْ دُونِهَا فَلَا دَمَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، لَكِنْ إنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ بِلَا إحْرَامٍ فِي حَالٍ يَجِبُ فِيهَا ( لَزِمَهُ ) دَمٌ لِمُجَاوَزَةِ الْمِيقَاتِ ( وَأَنْ يَنْوِيَ التَّمَتُّعَ فِي ابْتِدَائِهَا ) أَيْ الْعُمْرَةِ ( أَوْ ) فِي ( أَثْنَائِهَا ) لِظَاهِرِ الْآيَةِ وَحُصُولِ التَّرَفُّهِ وَرَدَّهُ الْمُوَفِّقُ ( وَلَا يُعْتَبَرُ ) لِوُجُوبِ دَمِ تَمَتُّعٍ أَوْ قِرَانٍ ( وُقُوعُهُمَا ) أَيْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ( عَنْ ) شَخْصٍ ( وَاحِدٍ فَلَوْ اعْتَمَرَ عَنْ وَاحِدٍ وَحَجَّ عَنْ آخَرَ وَجَبَ الدَّمُ بِشَرْطِهِ ) وَ ( لَا ) تُعْتَبَرُ ( هَذِهِ الشُّرُوطُ ) جَمِيعُهَا ( فِي كَوْنِهِ ) أَيْ الْآتِي بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ يُسَمَّى ( مُتَمَتِّعًا ) فَإِنَّ الْمُتْعَةَ تَصِحُّ مِنْ الْمَكِّيِّ كَغَيْرِهِ وَرِوَايَةُ الْمَرْوَزِيِّ { لَيْسَ لِأَهْلِ مَكَّةَ مُتْعَةٌ } أَيْ لَيْسَ عَلَيْهِمْ دَمٌ ( وَ يَلْزَمُ الدَّمُ ) أَيْ دَمُ تَمَتُّعٍ أَوْ قِرَانٍ (

بِطُلُوعِ فَجْرِ يَوْمِ النَّحْرِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ } أَيْ فَلْيُهْدِ ، وَحَمْلُهُ عَلَى أَفْعَالِهِ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى إحْرَامِهِ ، كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { الْحَجُّ عَرَفَةَ } وَ { يَوْمُ النَّحْرِ يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ } وَلَا يَسْقُطُ دَمُ تَمَتُّعٍ وَقِرَانٍ بِفَسَادِ ( نُسُكِهِمَا ) لِأَنَّ مَا وَجَبَ الْإِتْيَانُ بِهِ فِي الصَّحِيح وَجَبَ فِي الْفَاسِدِ كَالطَّوَافِ وَغَيْرِهِ ( أَوْ ) أَيْ وَلَا يَسْقُطُ دَمُهُمَا ( بِفَوَاتِهِ ) أَيْ الْحَجِّ كَمَا لَوْ فَسَدَ ( وَإِذَا قَضَى الْقَارِنُ قَارِنًا لَزِمَهُ دَمَانِ ) دَمٌ لِقِرَانِهِ الْأَوَّلِ وَدَمٌ لِقِرَانِهِ الثَّانِي .
( وَ ) إنْ قَضَى الْقَارِنُ ( مُفْرِدًا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ) لِقِرَانِهِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ أَتَى بِنُسُكٍ أَفْضَلَ مِنْ نُسُكِهِ ( وَيُحْرِمُ ) قَارِنٌ قَضَى مُفْرِدًا ( مِنْ الْأَبْعَدِ ) مِنْ مِيقَاتَيْهِ اللَّذَيْنِ أَحْرَمَ مِنْهُمَا قَارِنًا وَمُفْرِدًا إنْ تَفَاوَتَا ( بِعُمْرَةٍ إذَا فَرَغَ ) مِنْ حَجِّهِ ( وَإِذَا قَضَى الْقَارِنُ مُتَمَتِّعًا أَحْرَمَ بِهِ ) أَيْ الْحَجِّ ( مِنْ الْأَبْعَدِ ) مِنْ الْمِيقَاتَيْنِ اللَّذَيْنِ أَحْرَمَ مِنْ أَحَدِهِمَا قَارِنًا وَمِنْ الْآخَرِ بِالْعُمْرَةِ ( إذَا فَرَغَ مِنْهَا ) أَيْ الْعُمْرَةِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْأَبْعَدُ الْأَوَّلَ فَالْقَضَاءُ يَحْكِيهِ لِأَنَّ الْحُرُمَاتِ قِصَاصٌ وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ بِحُلُولٍ فِيهِ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى الْفَوْرِ ( وَسُنَّ لِمُفْرِدٍ وَقَارِنٍ فَسْخُ نِيَّتِهِمَا بِحَجٍّ ) نَصًّا لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ { أَمَرَ أَصْحَابَهُ الَّذِينَ أَفْرَدُوا الْحَجَّ وَقَرَنُوا أَنْ يَحِلُّوا كُلُّهُمْ وَيَجْعَلُوهَا عُمْرَةً إلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَالَ سَلَمَةُ بْنُ شَبِيبٍ لِأَحْمَدَ كُلُّ شَيْءٍ مِنْكَ حَسَنٌ جَمِيلٌ إلَّا خُلَّةً وَاحِدَةً قَالَ مَا هِيَ ؟ قَالَ تَقُولُ : بِفَسْخِ الْحَجِّ ، قَالَ : كُنْتُ أَرَى أَنَّ لَكَ عَقْلًا ، عِنْدِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ حَدِيثًا صِحَاحًا جِيَادًا ،

كُلُّهَا فِي فَسْخِ الْحَجِّ ، أَتْرُكُهَا لِقَوْلِكَ ؟ وَلَيْسَ الْفَسْخُ إبْطَالًا لِلْإِحْرَامِ مِنْ أَصْلِهِ بَلْ نَقْلَهُ بِالْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ ( وَيَنْوِيَانِ ) أَيْ الْمُفْرِدُ وَالْقَارِنُ ( بِإِحْرَامِهِمَا بِذَلِكَ ) الَّذِي هُوَ إفْرَادٌ أَوْ قِرَانٌ ( عُمْرَةً مُفْرَدَةً ) فَمَنْ كَانَ مِنْهُمَا قَدْ طَافَ وَسَعَى قَصَّرَ وَحَلَّ مِنْ إحْرَامِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَافَ وَسَعَى فَإِنَّهُ يَطُوفُ وَيَسْعَى وَيُقَصِّرُ وَيَحِلُّ ( فَإِذَا خَلَا ) مِنْ الْعُمْرَةِ ( أَحْرَمَا بِهِ ) أَيْ الْحَجِّ ( لِيَصِيرَا مُتَمَتِّعَيْنِ وَيُتِمَّانِ ) أَفَعَالَ الْحَجِّ ( مَا لَمْ يَسُوقَا هَدْيًا ) فَإِنْ سَاقَاهُ لَمْ يُصْبِحْ الْفَسْخُ لِلْخَبَرِ نَقَلَ أَبُو طَالِبٍ : الْهَدْيُ يَمْنَعُهُ مِنْ التَّحَلُّلِ مِنْ جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ وَفِي الْعَشْرِ وَغَيْرِهِ ( أَوْ يَقِفَا بِعَرَفَةَ ) فَإِنْ وَقَفَا بِهَا لَمْ يَكُنْ لَهُمَا فَسْخُهُ ، لِعَدَمِ وُرُودِ مَا يَدُلُّ عَلَى إبَاحَتِهِ وَلَا يُسْتَفَادُ بِهِ فَضِيلَةُ التَّمَتُّعِ وَإِنْ سَاقَهُ أَيْ الْهَدْيَ ( مُتَمَتِّعٌ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَحِلَّ ) مِنْ عُمْرَتِهِ ( فَيُحْرِمُ بِحَجٍّ إذَا طَافَ وَسَعَى لِعُمْرَتِهِ قَبْلَ تَحَلُّلٍ بِحَلْقٍ ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ { تَمَتَّعَ النَّاسُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعُمْرَةِ إلَى الْحَجِّ فَقَالَ مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ مِنْ شَيْءٍ حَرُمَ عَلَيْهِ حَتَّى يَقْضِيَ حَجَّهُ } ( فَإِذَا ذَبَحَهُ يَوْمَ النَّحْرِ حَلَّ مِنْهُمَا ) أَيْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ( مَعًا ) نَصًّا لِأَنَّ التَّمَتُّعَ أَحَدُ نَوْعَيْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ كَالْقِرَانِ وَلَا يَصِيرُ قَارِنًا لِاضْطِرَارِهِ لِإِدْخَالِ الْحَجِّ عَلَى عُمْرَتِهِ هَذَا مَعْنَى كَلَامِهِ فِي شَرْحِهِ هُنَا وَتَقَدَّمَتْ الْإِشَارَةُ إلَيْهِ ( وَالْمُتَمَتِّعَةُ إنْ حَاضَتْ أَوْ نَفِسَتْ قَبْلَ طَوَافِ الْعُمْرَةِ فَخَشِيَتْ فَوَاتَ الْحَجِّ أَوْ خَشِي غَيْرُهَا فَوَاتَ الْحَجِّ أَحْرَمْت بِهِ ) وُجُوبًا كَغَيْرِهَا فَمَنْ خَشِيَ فَوَاتَهُ لِوُجُوبِهِ عَلَى الْفَوْرِ وَهَذَا طَرِيقُهُ ( وَصَارَتْ قَارِنَةً ) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ { أَنَّ

عَائِشَةَ كَانَتْ مُتَمَتِّعَةً فَحَاضَتْ فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهِلِّي بِالْحَجِّ } ( وَلَمْ تَقْضِ طَوَافَ الْقُدُومِ ) لِفَوَاتِ مَحِلِّهِ كَتَحِيَّةِ مَسْجِدٍ ( وَيَجِبُ عَلَى قَارِنٍ وَقَفَ ) بِعَرَفَةَ زَمَنَهُ ( قَبْلَ طَوَافٍ وَسَعْيٍ : دَمُ قِرَانٍ ) إنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قِيَاسًا عَلَى الْمُتَمَتِّعِ ، كَمَا تَقَدَّمَ فَإِنْ كَانَ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ وَطَافَ وَسَعَى لَهَا ثُمَّ أَدْخَلَ الْحَجِّ عَلَيْهَا لِسَوْقِهِ الْهَدْيَ فَعَلَيْهِ دَمُ التَّمَتُّعِ ، وَلَيْسَ بِقَارِنٍ كَمَا سَبَقَ ( وَتَسْقُطُ الْعُمْرَةُ ) عَنْ الْقَارِنِ فَتَنْدَرِجُ أَفْعَالُهَا فِي الْحَجِّ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { مَنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَجْزَأَهُ طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ عَنْهُمَا حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا } " إسْنَادُهُ جَيِّدٌ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ ، وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ

فَصْلٌ وَمَنْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا فَلَمْ يُعَيِّنْ نُسُكًا ( صَحَّ ) إحْرَامُهُ لِتَأَكُّدِهِ وَكَوْنِهِ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ بِمَحْظُورَاتِهِ ( وَصَرْفُهُ ) أَيْ الْإِحْرَامَ ( لِمَا شَاءَ ) مِنْ الْأَنْسَاكِ كَمَا فِي الِابْتِدَاءِ بِالنِّيَّةِ دُونَ اللَّفْظِ ( وَمَا عَمِلَ ) مَنْ أَحْرَمَ مُطْلَقًا ( قَبْلَ ) صَرْفِهِ لِأَحَدِهِمَا ( فَهُوَ لَغْوٌ ) لَا يُعْتَدُّ بِهِ لِعَدَمِ التَّعْيِينِ ( أَوْ ) إنْ أَحْرَمَ ( بِمِثْلِ مَا أَحْرَمَ بِهِ فُلَانٌ وَعَلِمَ ) ( بِمَا ) أَحْرَمَ بِهِ فُلَانٌ قَبْلَ إحْرَامِهِ أَوْ بَعْدَهُ ( انْعَقَدَ ) إحْرَامُهُ ( بِمِثْلِهِ ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ { أَنَّ عَلِيًّا قَدِمَ مِنْ الْيَمَنِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بِمَ أَهْلَلْت ؟ فَقَالَ : بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : فَأَهْدِ وَامْكُثْ حَرَامًا } وَعَنْ أَبِي مُوسَى نَحْوه مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا وَإِذَا تَبَيَّنَ إطْلَاقُهُ ) أَيْ إحْرَامُ فُلَانٍ ، بِأَنْ كَانَ أَحْرَمَ وَأَطْلَقَ ( فَلِلثَّانِي ) الَّذِي أَحْرَمَ بِمِثْلِهِ ( صَرْفُهُ ) أَيْ الْإِحْرَامَ ( إلَى مَا شَاءَ ) مِنْ الْأَنْسَاكِ وَلَا يَتَعَيَّنُ صَرْفُهُ إلَى مَا يَصْرِفُهُ إلَيْهِ الْأَوَّلُ وَلَا ، إلَى مَا كَانَ صَرْفُهُ إلَيْهِ بَعْدَ إحْرَامِهِ مُطْلَقًا وَيَعْمَلُ الثَّانِي بِقَوْلِ الْأَوَّلِ لَا بِمَا وَقَعَ فِي نَفْسِهِ ( وَإِنْ جَهِلَ ) مَنْ أَحْرَمَ بِمَا أَحْرَمَ بِهِ فُلَانٌ أَوْ بِمِثْلِهِ ( إحْرَامَهُ ) أَيْ فُلَانٍ ( فَلَهُ ) أَيْ الثَّانِي ( جَعْلُهُ عُمْرَةً ) لِصِحَّةِ فَسْخِ الْإِفْرَادِ وَالْقِرَانِ إلَيْهَا ( وَلَوْ شَكَّ ) الَّذِي أَحْرَمَ بِمَا أَحْرَمَ فُلَانٌ أَوْ بِمِثْلِهِ ( هَلْ أَحْرَمَ الْأَوَّلُ ؟ فَكَمَا لَوْ لَمْ يُحْرِمْ ) الْأَوَّلُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ ( فَيَنْعَقِدُ ) إحْرَامُهُ ( مُطْلَقًا ) فَصَرَفَهُ لِمَا شَاءَ ( وَلَوْ كَانَ إحْرَامُ الْأَوَّلِ فَاسِدًا ) بِأَنْ وَطِئَ فِيهِ ( فَكَنَذْرِهِ عِبَادَةٌ فَاسِدَةٌ ) فَيَنْعَقِدُ إحْرَامُ الثَّانِي بِمِثْلِهِ مِنْ الْأَنْسَاكِ ؛ وَيَأْتِي بِهِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ ( وَيَصِحُّ ) وَيَنْعَقِدُ إحْرَامُ قَائِلٍ ( أَحْرَمْت يَوْمًا أَوْ أَحْرَمْت

بِنِصْفِ نُسُكٍ وَنَحْوِهِمَا ) ك أَحْرَمْت مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ أَوْ بِثُلُثِ نُسُكٍ لِأَنَّهُ إذَا أَحْرَمَ زَمَنًا لَمْ يَصِرْ حَلَالًا فِيمَا بَعْدَهُ ، حَتَّى يُؤَدِّيَ نُسُكَهُ ، وَلَوْ رَفَضَ إحْرَامَهُ وَإِذَا دَخَلَ فِي نُسُكٍ لَزِمَهُ إتْمَامُهُ فَيَقَعُ إحْرَامُهُ مُطْلَقًا وَيَصْرِفُهُ لِمَا شَاءَ وَ ( لَا ) يَصِحُّ إحْرَامُ قَائِلٍ ( إنْ أَحْرَمَ زَيْدٌ مَثَلًا فَأَنَا مُحْرِمٌ ) لِعَدَمِ جَزْمِهِ بِتَعْلِيقِهِ إحْرَامَهُ وَكَذَا إنْ كَانَ زَيْدٌ مُحْرِمًا فَقَدْ أَحْرَمْت ، فَلَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا لِعَدَمِ جَزْمِهِ ( وَمَنْ أَحْرَمَ بِحَجَّتَيْنِ ) انْعَقَدَ بِإِحْدَاهُمَا ( أَوْ أَحْرَمَ بِعُمْرَتَيْنِ انْعَقَدَ بِإِحْدَاهُمَا ) لِأَنَّ الزَّمَنَ لَا يَصْلُحُ لَهُمَا مُجْتَمِعَيْنِ فَصَحَّ بِوَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ، كَتَفْرِيقِ الصَّفْقَةِ وَلَا يَنْعَقِدُ بِهِمَا مَعًا كَبَقِيَّةِ أَفْعَالِهِمَا ، وَكَنَذْرِهِمَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ يَجِبُ عَلَيْهِ أَحَدُهُمَا فِي ذَلِكَ الْعَامِ لِأَنَّ الْوَقْتَ لَا يَصْلُحُ لَهُمَا ، وَكَنِيَّةِ صَوْمَيْنِ فِي يَوْمٍ فَإِنْ فَسَدَتْ لَمْ يَلْزَمْهُ سِوَى قَضَائِهَا ( وَمَنْ أَحْرَمَ بِنُسُكِ ) تَمَتُّعٍ أَوْ إفْرَادٍ ( أَوْ قِرَانٍ ) وَنَسِيَهُ ( أَوْ ) أَحْرَمَ ( بِنَذْرٍ وَنَسِيَهُ ) أَيْ مَا نَذَرَهُ ( قَبْلَ طَوَافٍ صَرَفَهُ إلَى عُمْرَةٍ ) اسْتِحْبَابًا لِأَنَّهَا الْيَقِينُ ( وَيَجُوزُ ) صَرْفُ إحْرَامِهِ ( إلَى غَيْرِهَا ) أَيْ الْعُمْرَةِ لِعَدَمِ تَحَقُّقِ الْمَانِعِ فَإِنْ صَرَفَهُ ( إلَى قِرَانٍ أَوْ ) إلَى ( إفْرَادٍ يَصِحُّ حَجًّا فَقَطْ ) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَنْسِيُّ حَجًّا مُفْرَدًا فَلَا يَصِحُّ إدْخَالُ عُمْرَةٍ عَلَيْهِ فَلَا تَسْقُطُ بِالشَّكِّ ( وَلَا دَمَ ) عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُتَمَتِّعٍ وَلَا قَارِنٍ ( وَ ) إنْ صَرَفَهُ إلَى ( تَمَتُّعٍ فَكَفَسْخِ حَجٍّ إلَى عُمْرَةٍ ) فَيَصِحُّ إنْ لَمْ يَقِفْ بِعَرَفَةَ وَلَمْ يَسُقْ هَدْيًا لِأَنَّ قُصَارَاهُ أَنْ يَكُونَ أَحْرَمَ قَارِنًا أَوْ مُفْرِدًا ، وَفَسْخُهُمَا صَحِيحٌ لِمَا تَقَدَّمَ ( وَيَلْزَمُهُ دَمُ مُتْعَةٍ بِشُرُوطِهِ لِلْآيَةِ ( وَيُجْزِئُهُ تَمَتُّعُهُ عَنْهُمَا ) أَيْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لِصِحَّتِهِمَا بِكُلِّ حَالٍ .
(

وَ ) إنْ نَسِيَ مَا أَحْرَمَ بِهِ ( أَوْ ) نَذَرَهُ ( بَعْدَهُ ) أَيْ الطَّوَافِ ( وَلَا ) هَدْيَ مَعَهُ أَيْ النَّاسِي ( يَتَعَيَّنُ ) صَرْفُهُ ( إلَيْهَا ) أَيْ الْعُمْرَةِ ؛ لِامْتِنَاعِ إدْخَالِ الْحَجِّ عَلَيْهَا إذَنْ لِمَنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ

وَإِذَا حَلَقَ ) بَعْدَ سَعْيِهِ ( مَعَ بَقَاءِ وَقْتِ الْوُقُوفِ ) بِعَرَفَةَ ( يُحْرِمُ بِحَجٍّ وَيُتِمُّهُ ) أَيْ الْحَجَّ ( وَعَلَيْهِ لِلْحَلْقِ دَمٌ إنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ حَاجًّا ) مُفْرِدًا ، أَوْ قَارِنًا لِحَلْقِهِ قَبْلَ مَحِلِّهِ قُلْت : لَكِنْ إنْ فَسَخَ نِيَّتَهُ لِلْحَجِّ إلَى الْعُمْرَةِ قَبْلَ حَلْقِهِ فَلَا دَمَ عَلَيْهِ ( وَإِلَّا ) يَتَبَيَّنُ أَنَّهُ كَانَ حَاجًّا ( فَ ) عَلَيْهِ ( دَمُ مُتْعَةٍ ) بِشُرُوطِهِ ( وَمَعَ مُخَالَفَتِهِ ) مَا سَبَقَ بِأَنْ صَرَفَهُ مَعَ نِسْيَانِهِ بَعْدَ طَوَافٍ وَلَا هَدْيَ مَعَهُ ( إلَى حَجٍّ أَوْ إلَى قِرَانٍ يَتَحَلَّلُ بِفِعْلِ حَجٍّ ) كَمَا يَأْتِي ( وَلَمْ يُجْزِئْهُ فِعْلُهُ ذَلِكَ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ) أَيْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْمَنْسِيُّ عُمْرَةً ، فَلَا يَصِحُّ إدْخَالُ الْحَجِّ عَلَيْهَا بَعْدَ طَوَافِهَا ، أَوْ يَكُونَ الْمَنْسِيُّ حَجًّا ، فَلَا يَصِحُّ إدْخَالُهَا عَلَيْهِ ( وَلَا دَمَ عَلَيْهِ وَلَا قَضَاءَ ) لِلشَّكِّ فِي سَبَبِهِمَا ( وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ ) وَطَافَ ثُمَّ نَسِيَ مَا أَحْرَمَ بِهِ ( صَرَفَهُ إلَى الْحَجِّ ) وُجُوبًا ( وَأَجْزَأَهُ ) حَجُّهُ عَنْ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ لِصِحَّتِهِ بِكُلِّ حَالٍ ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّحَلُّلُ قَبْلَ تَمَامِ نُسُكِهِ كَمَا تَقَدَّمَ ( وَإِنْ أَحْرَمَ عَنْ اثْنَيْنِ ) اسْتَنَابَاهُ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ وَقَعَ عَنْ نَفْسِهِ ( أَوْ ) أَحْرَمَ عَنْ ( أَحَدِهِمَا ) لَا بِعَيْنِهِ وَقَعَ إحْرَامُهُ وَنُسُكُهُ ( عَنْ نَفْسِهِ دُونَهُمَا ) لِعَدَمِ إمْكَانِ وُقُوعِهِ عَنْهُمَا ، وَلِأَمْرِ حَجٍّ لِأَحَدِهِمَا ، وَكَذَا لَوْ أَحْرَمَ عَنْ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ بِالْأَوْلَى ( وَمَنْ أَحْرَمَ لِعَامَيْنِ ) بِأَنْ قَالَ : لَبَّيْكَ لِعَامٍ وَعَامٍ قَابِلٍ ( حَجِّ مِنْ عَامِهِ وَاعْتَمَرَ مِنْ قَابِلٍ ) قَالَهُ عَطَاءٌ حَكَاهُ عَنْهُ أَحْمَدُ وَلَمْ يُخَالِفْهُ ( وَمَنْ أَخَذَ مِنْ اثْنَيْنِ حَجَّتَيْنِ لِيَحُجَّ عَنْهُمَا فِي عَامٍ وَاحِدٍ أُدِّبَ ) عَلَى فِعْلِهِ ذَلِكَ ، لِفِعْلِهِ مُحَرَّمًا نَصًّا ( وَمَنْ اسْتَنَابَهُ اثْنَانِ بِعَامٍ فِي نُسُكٍ فَأَحْرَمَ عَنْ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ وَلَمْ يَنْسَهُ صَحَّ )

إحْرَامُهُ عَنْهُ لِعَدَمِ الْمَانِعِ ( وَلَمْ يَصِحَّ إحْرَامُهُ لِلْآخَرِ بَعْدَهُ ) نَصًّا فِي ذَلِكَ الْعَامِ بِحَجٍّ ، وَلَوْ بَعْدَ طَوَافِهِ لِلزِّيَارَةِ بَعْدَ نِصْفِ لَيْلَةِ النَّحْرِ ، لِبَقَاءِ تَوَابِعِ الْإِحْرَامِ لِلْأَوَّلِ مِنْ رَمْيٍ وَغَيْرِهِ فَكَأَنَّهُ بَاقٍ ، وَلَا يَدْخُلُ إحْرَامٌ عَلَى إحْرَامٍ ( وَإِنْ نَسِيَهُ : ) أَيْ الْمُعَيَّنُ بِالْإِحْرَامِ مِنْ مُسْتَنِيبِهِ ( وَتَعَذَّرَ عِلْمُهُ ، فَإِنْ فَرَّطَ ) نَائِبٌ ، كَأَنْ أَمْكَنَهُ كِتَابَةُ اسْمِهِ أَوْ مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ فَلَمْ يَفْعَلْ ( أَعَادَ الْحَجَّ عَنْهُمَا ) لِتَفْرِيطِهِ ، وَلَا يَكُونُ الْحَجُّ لِأَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ لِعَدَمِ أَوْلَوِيَّتِهِ ( وَإِنْ فَرَّطَ مُوصًى إلَيْهِ ) فَلَمْ يُسَمِّهِ لِلنَّائِبِ ( غَرِمَ ) مُوصًى إلَيْهِ ( ذَلِكَ ) أَيْ نَفَقَةُ إعَادَةِ الْحَجِّ عَنْهُمَا ( وَإِلَّا ) يُفَرِّطُ نَائِبٌ وَلَا مُوصًى إلَيْهِ ، فَالْغُرْمُ لِذَلِكَ ( مِنْ تَرِكَةِ مُوصِيهِ ) بِالْحَجِّ عَنْهُمَا ، لِأَنَّ الْحَجَّ عَنْهُمَا ، فَنَفَقَتُهُ عَلَيْهِمَا وَلَا مُوجِبَ لِضَمَانٍ عَنْهُمَا

فَصْلٌ وَيُسَنُّ لِمَنْ أَحْرَمَ ، عَيَّنَ نُسُكًا أَوْ أَطْلَقَ ( مِنْ عَقِبِ إحْرَامِهِ تَلْبِيَةٌ ) لِقَوْلِ جَابِرٍ : فَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّوْحِيدِ { لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَك لَبَّيْكَ ، إنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَك ، وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَك } الْحَدِيثِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ( حَتَّى عَنْ أَخْرَسَ وَمَرِيضٍ ) زَادَ بَعْضُهُمْ : وَمَجْنُونٍ وَمُغْمًى عَلَيْهِ زَادَ بَعْضُهُمْ : وَنَائِمٍ وَأَنْ تَكُونَ ( كَتَلْبِيَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } وَهِيَ ( لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إنَّ الْحَمْدَ ) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ نَصًّا لِإِفَادَةِ الْعُمُومِ وَيَجُوزُ الْفَتْحُ بِتَقْدِيرِ اللَّامِ ( وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ ) لِلْخَبَرِ ، وَرَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ مَرْفُوعًا ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالتَّلْبِيَةُ مِنْ أَلَبَّ بِالْمَكَانِ إذَا لَزِمَهُ ، كَأَنَّهُ قَالَ : أَنَا مُقِيمٌ عَلَى طَاعَتِك وَأَمْرِك ، وَثُنِّيَتْ وَكُرِّرَتْ لِإِرَادَةِ إقَامَةٍ بَعْدَ إقَامَةٍ وَلَفْظُ " لَبَّيْكَ " مُثَنًّى لَا وَاحِدَ لَهُ مِنْ لَفْظِهِ ، وَمَعْنَاهُ : التَّكْثِيرُ ، وَلَا تُسْتَحَبُّ الزِّيَادَةُ عَلَيْهِ ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَزِيدُ : " لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ ، وَالْخَيْرُ بِيَدَيْك ، وَالرَّغْبَاءُ إلَيْكَ وَالْعَمَلُ " ( وَسُنَّ ذِكْرُ نُسُكِهِ فِيهَا ) أَيْ التَّلْبِيَةِ ( وَسُنَّ بَدْءُ قَارِنٍ بِذِكْرِ الْعُمْرَةِ ) لِحَدِيثِ أَنَسٍ { سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ( وَسُنَّ إكْثَارُ تَلْبِيَةٍ ) لِحَدِيثِ : { مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُضَحِّي لِلَّهِ وَيُلَبِّي حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ ، إلَّا غَابَتْ بِذُنُوبِهِ فَعَادَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ ( وَتَتَأَكَّدُ التَّلْبِيَةُ إذَا عَلَا نَشَزًا ) بِالتَّحْرِيكِ أَيْ عَالِيًا ، ( أَوْ هَبَطَ وَادِيًا ، أَوْ صَلَّى مَكْتُوبَةً ، أَوْ أَقْبَلَ لَيْلٌ ،

أَوْ أَقْبَلَ نَهَارٌ ، أَوْ الْتَقَتْ الرِّفَاقُ ، أَوْ سَمِعَ مُلَبِّيًا ، أَوْ أَتَى مَحْظُورًا نَاسِيًا ، أَوْ رَكِبَ دَابَّتَهُ ، أَوْ نَزَلَ عَنْهَا ، أَوْ رَأَى الْبَيْتَ ) أَيْ الْكَعْبَةَ لِحَدِيثِ جَابِرٍ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُلَبِّي فِي حَجَّتِهِ إذَا لَقِيَ رَاكِبًا ، أَوْ عَلَا أَكَمَةً ، أَوْ هَبَطَ وَادِيًا ، وَفِي أَدْبَارِ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَةِ ، وَفِي آخِرِ اللَّيْلِ } وَقَالَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ " كَانُوا يَسْتَحِبُّونَ التَّلْبِيَةَ دُبُرَ الصَّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَةِ ، وَإِذَا هَبَطَ وَادِيًا ، وَإِذَا عَلَا نَشَزًا ، وَإِذَا لَقِيَ رَاكِبًا ، وَإِذَا اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ " ( وَسُنَّ جَهْرُ ذِكْرٍ بِهَا ) لِقَوْلِ أَنَسٍ " سَمِعْتُهُمْ يَصْرُخُونَ بِهَا صُرَاخًا " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَخَبَرُ السَّائِبِ بْنِ خَلَّادٍ { أَتَانِي جَبْرَائِيلُ ، فَأَمَرَنِي أَنْ آمُرَ أَصْحَابِي أَنْ يَرْفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالْإِهْلَالِ وَالتَّلْبِيَةِ } أَسَانِيدُهُ جَيِّدَةٌ رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ ( فِي غَيْرِ مَسَاجِدِ الْحِلِّ وَأَمْصَارِهِ ) بِخِلَافِ الْبَرَارِي وَعَرَفَاتٍ وَالْحَرَمِ وَمَكَّةَ قَالَ أَحْمَدُ : إذَا أَحْرَمَ فِي مِصْرِهِ لَا يُعْجِبُنِي أَنْ يُلَبِّيَ حَتَّى يَبْرُزَ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ لِمَنْ سَمِعَهُ يُلَبِّي بِالْمَدِينَةِ " إنَّ هَذَا الْمَجْنُونُ : إنَّمَا التَّلْبِيَةُ إذَا بَرَزْت " ( وَ ) فِي غَيْرِ ( طَوَافِ الْقُدُومِ وَالسَّعْيِ بَعْدَهُ ) لِئَلَّا يَخْلِطَ عَلَى الطَّائِفِينَ وَالسَّاعِينَ

( وَتُشْرَعُ تَلْبِيَةٌ بِالْعَرَبِيَّةِ لِقَادِرٍ ) عَلَيْهَا كَأَذَانٍ ( وَأَلَّا ) يَقْدِرَ عَلَيْهَا بِالْعَرَبِيَّةِ فَيُلَبِّي ( بِلُغَتِهِ ) لِأَنَّ الْقَصْدَ الْمَعْنَى ( وَسُنَّ دُعَاءٌ ) بَعْدَهَا ، فَيَسْأَلُ اللَّهَ الْجَنَّةَ ، وَيَسْتَعِيذُ بِهِ مِنْ النَّارِ ، وَيَدْعُو بِمَا أَحَبَّ بِلَا رَفْعِ صَوْتٍ لِحَدِيثِ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا فَرَغَ مِنْ تَلْبِيَتِهِ سَأَلَ اللَّهَ مَغْفِرَتَهُ وَرِضْوَانَهُ ، وَاسْتَعَاذَ بِرَحْمَتِهِ مِنْ النَّارِ } .
( وَ ) سُنَّ ( صَلَاةٌ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَهَا ) أَيْ التَّلْبِيَةِ ، لِأَنَّهُ مَوْضِعٌ شُرِعَ فِيهِ ذِكْرُ اللَّهِ فَشُرِعَ فِيهِ ذِكْرُ رَسُولِهِ كَالْأَذَانِ ( وَلَا ) يُسَنُّ ( تَكْرَارُهَا ) أَيْ التَّلْبِيَةِ ( فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ ) .
قَالَ أَحْمَدُ ، لِعَدَمِ وُرُودِهِ ، وَقَالَ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ : تَكْرَارُهَا ثَلَاثًا بِدُبُرِ الصَّلَاةِ حَسَنٌ ( وَكُرِهَ لِأُنْثَى جَهْرٌ بِتَلْبِيَةٍ ؛ بِأَكْثَرَ مَا تُسْمِعُ رَفِيقَتَهَا ) مَخَافَةَ الْفِتْنَةِ بِهَا وَ ( لَا ) يُكْرَهُ ( لِحَلَالٍ تَلْبِيَةٌ كَسَائِرِ الْأَذْكَارِ )

بَابُ مَحْظُورَاتِ أَيْ مَمْنُوعَاتِ الْإِحْرَامِ أَيْ الْمُحَرَّمَاتِ بِسَبَبِهِ ( تِسْعٌ أَحَدُهَا : إزَالَةُ شَعْرٍ ) مِنْ بَدَنِهِ كُلِّهِ ( وَلَوْ مِنْ أَنْفِهِ ) بِلَا عُذْرٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ } وَأُلْحِقَ بِالْحَلْقِ الْقَلْعُ وَالنَّتْفُ وَنَحْوه وَبِالرَّأْسِ سَائِرُ الْبَدَنِ بِجَامِعِ التَّرَفُّهِ

( وَ ) الثَّانِي ( تَقْلِيمُ ظُفْرِ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ ) أَصْلِيَّةٍ أَوْ زَائِدَةٍ أَوْ قَصُّهُ وَنَحْوه ، لِأَنَّهُ إزَالَةُ جُزْءٍ مِنْ بَدَنِهِ يَتَرَفَّهُ بِهِ أَشْبَهَ الشَّعْرَ ( بِلَا عُذْرٍ ) فَإِنْ أَزَالَ شَعْرَهُ أَوْ ظُفْرَهُ لِعُذْرٍ لَمْ يَحْرُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ } وَلِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ ، وَفِيهِ " فَقَالَ { كَأَنَّ هَوَامَّ رَأْسِك تُؤْذِيك فَقُلْت : أَجَلْ قَالَ : فَاحْلِقْهُ وَاذْبَحْ شَاةً ، أَوْ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ، أَوْ تَصَدَّقْ بِثَلَاثَةِ آصُعٍ مِنْ تَمْرٍ بَيْنَ سِتَّةِ مَسَاكِينَ } فَإِنْ أَزَالَهُ لَأَذَاهُ ( كَمَا لَوْ خَرَجَ بِعَيْنِهِ شَعْرٌ أَوْ كُسِرَ ظُفْرُهُ فَأَزَالَهُمَا ) أَيْ الشَّعْرَ بِعَيْنِهِ ، وَالظُّفْرَ الْمُنْكَسِرَ ، فَلَا فِدْيَةَ ، لِأَنَّهُ أُزِيلَ لِأَذَاهُ ، أَشْبَهَ قَتْلَ الصَّيْدِ الصَّائِلِ عَلَيْهِ ( أَوْ زَالَا ) أَيْ الشَّعْرُ وَالظُّفْرُ ( مَعَ غَيْرِهِمَا ) كَقَطْعِ جِلْدٍ عَلَيْهِ شَعْرٌ أَوْ أُنْمُلَةٍ كَظُفْرِهَا ( فَلَا يَفْدِي لِإِزَالَتِهِمَا ) لِأَنَّهُمَا بِالتَّبَعِيَّةِ لِغَيْرِهِمَا ، وَ التَّابِعُ لَا يُفْرَدُ بِحُكْمٍ ، كَقَطْعِ أَشْفَارِ عَيْنِ إنْسَانٍ يَضْمَنُهُمَا دُونَ أَهْدَابِهِمَا ( إلَّا أَنْ يَحْصُلَ التَّأَذِّي بِغَيْرِهِمَا كَقَرْحٍ وَنَحْوِهِ ) كَقَمْلٍ ، وَشِدَّةِ صُدَاعٍ وَحَرٍّ ، فَيَفْدِي لِإِزَالَتِهِمَا لِذَلِكَ ، كَمَا لَوْ احْتَاجَ لِأَكْلِ صَيْدٍ فَأَكَلَهُ ، فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ ( وَمَنْ طُيِّبَ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ، وَهُوَ مُحْرِمٌ بِإِذْنِهِ أَوْ سَكَتَ وَلَمْ يَنْهَهُ ( أَوْ حُلِقَ رَأْسُهُ ) مَثَلًا ، أَوْ قُلِمَ ظُفْرُهُ ( بِإِذْنِهِ أَوْ سَكَتَ وَلَمْ يَنْهَهُ ) أَيْ الْحَالِقَ وَلَوْ بِغَيْرِ إذْنِهِ ( أَوْ حَلَقَ رَأْسَ نَفْسِهِ أَوْ قَلَّمَ ظُفْرَهُ ) بِيَدِهِ ( كُرْهًا فَعَلَيْهِ ) أَيْ الْمُطَيَّبِ وَالْمَحْلُوقِ رَأْسُهُ عَلَى مَا ذُكِرَ ( الْفِدْيَةُ ) دُونَ الْفَاعِلِ ، وَلَوْ مُحْرِمًا ، لِأَنَّهُ تَعَالَى أَوْجَبَ الْفِدْيَةَ بِحَلْقِ الرَّأْسِ ، مَعَ أَنَّ الْعَادَةَ أَنَّ غَيْرَهُ يَحْلِقُهُ ،

وَلِأَنَّ الْمَفْعُولَ بِهِ مُفَرِّطٌ بِسُكُوتِهِ ، وَعَدَمِ نَهْيِهِ أَشْبَهَ الْوَدِيعَ يُفَرِّطُ فِي الْوَدِيعَةِ ، وَلِأَنَّ الْحَلْقَ وَالتَّقْلِيمَ مُكْرَهًا إتْلَافٌ ، وَيَسْتَوِي فِيهِ الْمُكْرَهُ وَغَيْرُهُ ، بِخِلَافِ مَنْ طُيِّبَ مُكْرَهًا ( وَإِنْ حُلِقَ رَأْسُهُ مُكْرَهًا بِيَدِ غَيْرِهِ أَوْ نَائِمًا فَالْفِدْيَةُ ) عَلَى حَالِقٍ ، وَكَذَا لَوْ قَلَّمَ ظُفْرَهُ ، لِأَنَّهُ أَزَالَ مَا مُنِعَ مِنْهُ شَرْعًا كَحَلْقِ مُحْرِمٍ رَأْسَ نَفْسِهِ ، وَلِأَنَّهُ لَا صُنْعَ مِنْ الْمَحْلُوقِ رَأْسُهُ ، كَإِتْلَافِ أَجْنَبِيٍّ وَدِيعَةَ غَيْرِهِ وَكَذَا مَنْ طَيَّبَ غَيْرَهُ مُكْرَهًا أَوْ أَلْبَسَهُ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ ( وَلَا فِدْيَةَ بِحَلْقِ مُحْرِمٍ ) شَعْرَ حَلَالٍ ( أَوْ تَطَيُّبِهِ ) أَيْ : الْمُحْرِمِ ( حَلَالًا ) بِلَا مُبَاشَرَةِ طِيبٍ وَكَذَا لَوْ قَلَمَ ظُفْرَ حَلَالٍ أَوْ أَلْبَسَهُ مَخِيطًا لِإِبَاحَتِهِ لِلْحَلَالِ ( وَيُبَاحُ ) لِمُحْرِمٍ ( غَسْلُ شَعْرِهِ بِسِدْرٍ وَنَحْوِهِ ) نَصًّا فِي حَمَّامٍ وَغَيْرِهِ بِلَا تَسْرِيحٍ وَاحْتَجَّ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُد بِالْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْهُ رَاحِلَتُهُ ، وَلِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهُ النَّظَافَةُ وَإِزَالَةُ الْوَسَخِ كَالْأُشْنَانِ وَلَهُ أَيْضًا حَكُّ بَدَنه وَرَأْسِهِ بِرِفْقٍ ؛ مَا لَمْ يَقْطَعْ شَعْرَهُ ( وَتَجِبُ الْفِدْيَةُ لِمَا ) أَيْ شَعْرٍ ( عُلِمَ أَنَّهُ بَانَ بِمُشْطٍ أَوْ تَخْلِيلٍ ) كَمَا لَوْ زَالَ بِغَيْرِهِمَا وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا فَسَقَطَ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ( وَهِيَ ) أَيْ الْفِدْيَةُ ( فِي كُلِّ يَوْمٍ فَرْدٍ ) أَيْ شَعْرَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ ظُفْرٍ وَاحِدٍ ( أَوْ بَعْضِهِ ) أَيْ الْفَرْدِ الْوَاحِدِ ( مِنْ دُونِ ثَلَاثٍ مِنْ شَعْرٍ أَوْ ظُفْرٍ ) كَشَعْرَتَيْنِ ، أَوْ ظُفْرَيْنِ ، أَوْ بَعْضِهِمَا ، أَوْ أَحَدِهِمَا وَبَعْضِ الْآخَرِ ( إطْعَامُ مِسْكِينٍ ) عَنْ كُلِّ شَعْرَةٍ أَوْ بَعْضِهَا ، وَعَنْ كُلِّ ظُفْرٍ أَوْ بَعْضِهِ ، لِأَنَّهُ أَقَلُّ مَا وَجَبَ فِدْيَةً شَرْعًا وَيَأْتِي حُكْمُ أَكْثَرَ مِنْ اثْنَيْنِ مِنْ ذَلِكَ فِي الْبَابِ بَعْدَهُ ( وَتُسْتَحَبُّ ) الْفِدْيَةُ ( مَعَ شَكٍّ ) هَلْ بَانَ الشَّعْرُ بِتَخْلِيلٍ أَوْ مَشْطٍ أَوْ كَانَ مَيِّتًا ، وَكَذَا لَوْ

خَلَّلَ لِحْيَتَهُ وَشَكَّ هَلْ سَقَطَ شَيْءٌ احْتِيَاطًا

( الثَّالِثُ : تَغْطِيَةُ الرَّأْسِ ) أَيْ رَأْسِ الذَّكَرِ إجْمَاعًا لِنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُحْرِمَ عَنْ لُبْسِ الْعَمَائِمِ وَالْبَرَانِسِ ، وَقَوْلُهُ فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْهُ نَاقَتُهُ { وَلَا تُخَمِّرُوا رَأْسَهُ ؛ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا وَتَقَدَّمَ " { الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ } " وَكَذَا الْبَيَاضُ فَوْقَهُمَا ( فَمَتَى غَطَّاهُ ) أَيْ الرَّأْسَ بِلَاصِقٍ مُعْتَادٍ كَبُرْنُسٍ وَعِمَامَةٍ أَوْ غَيْرِهِ ( وَلَوْ بِقِرْطَاسٍ بِهِ دَوَاءٌ أَوْ لَا دَوَاءَ بِهِ ، أَوْ غَطَّاهُ بِطِينٍ أَوْ نُورَةٍ أَوْ حِنَّاءٍ ، أَوْ عَصَبَهُ وَلَوْ يَسِيرًا ) حَرُمَ بِلَا عُذْرٍ وَفَدَى ، لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { إحْرَامُ الرَّجُلِ فِي رَأْسِهِ وَإِحْرَامُ الْمَرْأَةِ فِي وَجْهِهَا } وَهِيَ أَنْ يَشُدَّ الرَّجُلُ رَأْسَهُ بِالسَّبْرِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَنَقَلَهُ فِي الشَّرْحِ ( أَوْ ) سَتَرَهُ بِغَيْرِ لَاصِقٍ ، بِأَنْ ( اسْتَظَلَّ فِي مَحْمَلٍ وَنَحْوَهُ ) كَمِحَفَّةٍ أَوْ اسْتَظَلَّ ( بِثَوْبٍ وَنَحْوِهِ ) كَخُوصٍ أَوْ رِيشٍ يَعْلُو الرَّأْسَ وَلَا يُلَاصِقُهَا ( رَاكِبًا أَوْ لَا حَرُمَ بِلَا عُذْرٍ وَفَدَى ) لُزُومًا ، لِأَنَّهُ قَصَدَهُ بِمَا يَقْصِدُ بِهِ التَّرَفُّهَ أَوْ لِأَنَّهُ سَتَرَهُ بِمَا يَسْتَلْزِمُ وَيُلَازِمُهُ غَالِبًا أَشْبَهَ مَا لَوْ سَتَرَهُ بِشَيْءٍ يُلَاقِيهِ بِخِلَافِ نَحْوِ خَيْمَةٍ وَ ( لَا ) يُحْرِمُ وَلَا يُفْدَى مُحْرِمٌ ( إنْ حَمَلَ عَلَيْهِ ) أَيْ رَأْسِهِ شَيْئًا كَطَبَقٍ وَمِكْتَلٍ ( أَوْ نَصَبَ ) مُحْرِمٌ ( بِحِيَالِهِ ) أَيْ حِذَائِهِ وَمُقَابَلَتِهِ ( شَيْئًا ) يَسْتَظِلُّ بِهِ لِأَنَّهُ لَا يَقْصِدُ اسْتِدَامَته أَشْبَهَ الِاسْتِظْلَالَ بِالْحَائِطِ ( أَوْ اسْتَظَلَّ بِخَيْمَةٍ أَوْ شَجَرَةٍ ) وَلَوْ بِطَرْحِ شَيْءٍ عَلَيْهَا يَسْتَظِلُّ بِهِ تَحْتَهَا ( أَوْ بَيْتٍ ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ { وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعْرٍ فَضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ ، فَأَتَى عَرَفَةَ فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ فَنَزَلَ بِهَا حَتَّى إذَا زَاغَتْ الشَّمْسُ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ ( أَوْ غَطَّى ) مُحْرِمٌ

ذَكَرٌ ( وَجْهَهُ ) فَلَا إثْمَ وَلَا فِدْيَةَ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ سُنَّةُ التَّقْصِيرِ مِنْ الرَّجُلِ ، فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ سُنَّةُ التَّخْمِيرِ كَبَاقِي بَدَنِهِ

( الرَّابِعُ : لُبْسُ ) ذَكَرٍ ( الْمَخِيطَ ) فِي بَدَنِهِ أَوْ بَعْضِهِ وَهُوَ مَا عُمِلَ عَلَى قَدْرِ مَلْبُوسٍ عَلَيْهِ ، وَلَوْ دِرْعًا مَنْسُوجًا أَوْ لِبْدًا مَعْقُودًا وَنَحْوَهُ ( وَ ) لُبْسُ ( الْخُفَّيْنِ ) لِأَنَّهُمَا مِنْهُ ( إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ ) الْمُحْرِمُ ( إزَارًا فَلْيَلْبَسْ سَرَاوِيلَ ، أَوْ ) لَا يَجِدُ ( نَعْلَيْنِ فَيَلْبَسُ خُفَّيْنِ أَوْ نَحْوَهُمَا ) أَيْ الْخُفَّيْنِ ( كران ) وسرموذة لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { سُئِلَ مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ فَقَالَ : لَا يَلْبَسُ الْقَمِيصَ وَلَا الْعِمَامَةَ ، وَلَا الْبُرْنُسَ وَلَا السَّرَاوِيلَ ، وَلَا ثَوْبًا مَسَّهُ وَرْسٌ وَلَا زَعْفَرَانٌ وَلَا الْخُفَّيْنِ ، إلَّا أَنْ لَا يَجِدَ نَعْلَيْنِ فَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى يَكُونَا أَسْفَلَ مِنْ الْكَعْبَيْنِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ قَلِيلِ اللُّبْسِ وَكَثِيرِهِ .
قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ : وَلَوْ غَيْرَ مُعْتَادٍ كَجَوْرَبٍ فِي كَفٍّ وَخُفٍّ فِي رَأْسٍ ( وَيَحْرُمُ قَطْعُهُمَا ) أَيْ الْخُفَّيْنِ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ { سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ يَقُولُ : مَنْ لَمْ يَجِدْ نَعْلَيْنِ فَلْيَلْبَسْ الْخُفَّيْنِ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ إزَارًا فَلْيَلْبَسْ السَّرَاوِيلَ لِلْمُحْرِمِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ رَوَاهُ الْأَثْبَاتُ وَلَيْسَ فِيهِ " بِعَرَفَةَ " وَلَمْ يَذْكُرْهَا إلَّا شُعْبَةُ وَتَابَعَهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو وَلِمُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا مِثْلُهُ وَلَيْسَ فِيهِ " يَخْطُبُ بِعَرَفَاتٍ " وَلَمْ يُذْكَرْ فِي الْحَدِيثَيْنِ قَطْعُ الْخُفَّيْنِ قَالَ عَلِيٌّ " قَطْعُ الْخُفَّيْنِ فَسَادٌ " وَلِأَنَّ قَطْعَهُمَا لَا يَخْرُجُهُمَا عَنْ حَالَةِ الْحَظْرِ ، إذْ لُبْسُ الْمَقْطُوعِ كَلُبْسِ الصَّحِيح مَعَ الْقُدْرَةِ وَفِيهِ إتْلَافُ مَالِيَّةِ الْخُفِّ وَأُجِيبَ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ بِأَنَّ زِيَادَةَ الْقَطْعِ اُخْتُلِفَ فِيهَا فَإِنْ صَحَّتْ فَهِيَ بِالْمَدِينَةِ لِرِوَايَةِ أَحْمَدَ عَنْهُ سَمِعْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَلَى هَذَا الْمِنْبَرِ فَذَكَرَهُ وَخَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِعَرَفَاتٍ فَلَوْ كَانَ الْقَطْعُ وَاجِبًا

لَبَيِّنَهُ لِلْجَمْعِ الْعَظِيمِ الَّذِي لَمْ يَحْضُرْ أَكْثَرُهُمْ ذَلِكَ بِالْمَدِينَةِ وَقَوْلُ الْمُخَالِفِ : الْمُطْلَقُ يَقْضِي عَلَيْهِ الْمُقَيَّدُ : مَحِلُّهُ إذَا لَمْ يُمْكِنْ تَأْوِيلُهُ وَعَنْ قَوْلِهِ : حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ فِيهِ زِيَادَةُ لَفْظٍ لِأَنَّ خَبَرَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ فِيهِمَا زِيَادَةُ حُكْمٍ ، هُوَ جَوَازُ اللِّبْسِ بِلَا قَطْعٍ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ دَعْوَى النَّسْخِ ( حَتَّى إزَارًا أَوْ نَعْلَيْنِ ، وَلَا فِدْيَةَ ) لِظَاهِرِ الْخَبَرِ وَإِنْ لَبِسَ خُفًّا مَقْطُوعًا دُونَ الْكَعْبَيْنِ مَعَ وُجُودِ نَعْلٍ حَرُمَ وَفَدَى نَصًّا وَإِنْ شَقَّ إزَارَهُ وَشَدَّ كُلَّ نِصْفٍ عَلَى سَاقٍ فَكَسَرَاوِيلَ وَإِنْ وَجَدَ نَعْلًا لَا يُمْكِنُهُ لُبْسُهَا فَلَبِسَ الْخُفَّ فَدَى نَصًّا قَالَ فِي الْإِنْصَافِ : هَذَا الْمَذْهَبُ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَاخْتَارَ الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ لَا فِدْيَةَ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ ( وَلَا يَعْقِدُ مُحْرِمٌ عَلَيْهِ رِدَاءً وَلَا غَيْرَهُ ) وَلَا يُخَلِّلُهُ بِنَحْوِ شَوْكَةٍ ، وَلَا يَزُرُّهُ فِي نَحْوِ عُرْوَةٍ وَلَا يَغْرِزُهُ فِي إزَارِهِ فَإِنْ فَعَلَ أَثِمَ وَفَدَى لِأَنَّهُ كَمَخِيطٍ وَلِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ لِمُحْرِمٍ " وَلَا تَعْقِدْ عَلَيْك شَيْئًا " رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ وَالْأَثْرَمُ قَالَ أَحْمَدُ فِي مُحْرِمٍ حَزَمَ عِمَامَتَهُ عَلَى وَسَطِهِ : لَا يَعْقِدْهَا وَيُدْخِلُ بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ ( إلَّا إزَارَهُ ) فَلَهُ عَقْدُهُ لِحَاجَتِهِ لِسِتْرِ عَوْرَتِهِ ( وَ ) إلَّا ( مِنْطَقَةً وَ هِمْيَانًا فِيهِمَا نَفَقَةٌ ) وَلِقَوْلِ عَائِشَةَ " أَوْثِقْ عَلَيْك نَفَقَتَك " .
وَرُوِيَ مَعْنَاهُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَلِحَاجَتِهِ لِسَتْرِ نَفَقَتِهِ ( مَعَ حَاجَةٍ لِعَقْدِ ) الْمَذْكُورَاتِ فَإِنْ ثَبَتَ هِمْيَانٌ بِغَيْرِ عَقْدٍ بِأَنْ أَدْخَلَ السُّيُورَ بَعْضَهَا فِي بَعْضٍ ، لَمْ يَعْقِدْهُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ ؛ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي مِنْطَقَةٍ أَوْ هِمْيَانٍ نَفَقَةٌ لَمْ يَعْقِدْهُمَا فَإِنْ فَعَلَ وَلَوْ لَبِسَهُمَا لِحَاجَةٍ أَوْ وَجَعٍ فَدَى ( وَيَتَقَلَّدُ ) مُحْرِمٌ ( بِسَيْفٍ لِحَاجَةٍ ) لِقِصَّةِ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ رَوَاهَا الْبُخَارِيُّ وَلَا يَجُوزُ

بِلَا حَاجَةٍ نَصًّا لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ " لَا يَحْمِلُ الْمُحْرِمُ السِّلَاحَ فِي الْحَرَمِ " قَالَ الْمُوَفَّقُ : وَالْقِيَاسُ إبَاحَتُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى اللِّبْسِ قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ : وَلَا يَجُوزُ حَمْلُ السِّلَاحِ بِمَكَّةَ لِغَيْرِ حَاجَةٍ ( وَيَحْمِلُ ) مُحْرِمٌ ( جِرَابَهُ ) بِكَسْرِ الْجِيمِ فِي عُنُقِهِ كَهَيْئَةِ الْقِرْبَةِ قَالَ أَحْمَدُ : أَرْجُو لَا بَأْسَ ( وَ ) يَحْمِلُ ( قِرْبَةَ الْمَاءِ فِي عُنُقِهِ لَا ) فِي ( صَدْرِهِ ) نَصًّا أَيْ لَا يُدْخِلُ حَبْلَهَا فِي صَدْرِهِ ( وَلَهُ ) أَيْ الْمُحْرِمُ ( أَنْ يَأْتَزِرَ ) بِقَمِيصٍ فَيَجْعَلَهُ مَكَانَ الْإِزَارِ .
( وَ ) أَنْ ( يَلْتَحِفَ بِقَمِيصٍ ) أَيْ يَتَغَطَّى بِهِ ( وَ ) أَنْ ( يَرْتَدِيَ بِهِ ) أَيْ الْقَمِيصِ فَيَجْعَلَهُ مَكَان الرِّدَاءِ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِلُبْسِ مَخِيطٍ مَصْنُوعٍ لِمِثْلِهِ ( وَ ) أَنْ يَرْتَدِيَ ( بِرِدَاءٍ مُوَصَّلٍ ) لِأَنَّ الرِّدَاءَ لَا يُعْتَبَرُ كَوْنُهُ صَحِيحًا ( وَإِنْ طَرَحَ مُحْرِمٌ عَلَى كَتِفَيْهِ قَبَاءً فَدَى ) وَلَوْ لَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ فِي كُمَّيْهِ لِنَهْيِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لُبْسِهِ لِلْمُحْرِمِ رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَلِيٍّ وَلِأَنَّهُ عَادَةُ لُبْسِهِ كَالْقَمِيصِ ( وَإِنْ غَطَّى خُنْثَى مُشْكِلٌ وَجْهَهُ وَرَأْسَهُ ) فَدَى لِتَغْطِيَةِ رَأْسِهِ إنْ كَانَ ذَكَرًا أَوْ لِتَغْطِيَةِ الْوَجْهِ إنْ كَانَ أُنْثَى وَ ( لَا ) يَفْدِي خُنْثَى مُشْكِلٌ ( إنْ لَبِسَهُ ) أَيْ الْمَخِيطَ وَلَمْ يُغَطِّ وَجْهَهُ ( أَوْ غَطَّى وَجْهَهُ وَجَسَدَهُ بِلَا لُبْسِ ) مَخِيطٍ لِلشَّكِّ

( الْخَامِسُ : الطِّيبُ ) إجْمَاعًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَلَا ثَوْبًا مَسَّهُ وَرْسٌ وَلَا زَعْفَرَانٌ } وَأَمْرُهُ يَعْلَى بْنَ أُمَيَّةَ بِغَسْلِ الطِّيبِ وَقَوْلُهُ فِي الْمُحْرِمِ الَّذِي وَقَصَتْهُ دَابَّتُهُ " لَا تُحَنِّطُوهُ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا وَلِمُسْلِمٍ { لَا تَمَسُّوهُ بِطِيبٍ } ( فَمَتَى طَيَّبَ مُحْرِمٌ ثَوْبَهُ أَوْ بَدَنَهُ ) أَوْ شَيْئًا مِنْهُمَا حَرُمَ وَفَدَى ( أَوْ اسْتَعْمَلَ ) مُحْرِمٌ ( فِي أَكْلٍ أَوْ شُرْبٍ أَوْ ادِّهَانٍ أَوْ اكْتِحَالٍ أَوْ اسْتِعَاطٍ أَوْ احْتِقَانٍ طِيبًا يَظْهَرُ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ ) فِي الْمَذْكُورَاتِ حَرُمَ وَفَدَى ( أَوْ قَصَدَ ) مُحْرِمٌ ( شَمَّ دُهْنٍ مُطَيَّبٍ أَوْ قَصَدَ شَمَّ مِسْكٍ أَوْ شَمَّ كَافُورٍ أَوْ عَنْبَرٍ أَوْ زَعْفَرَانٍ أَوْ وَرْسٍ ) نَبَاتٍ أَصْفَرَ كَالسِّمْسِمِ بِالْيَمَنِ تُتَّخَذُ مِنْهُ الْحُمْرَةُ لِلْوَجْهِ حَرُمَ وَفَدَى وَلَوْ جَلَسَ عِنْدَ عَطَّارٍ أَوْ فِي مَوْضِعٍ لِيَشُمَّ الطِّيبَ ( أَوْ ) قَصَدَ شَمَّ ( بَخُورِ عُودٍ وَنَحْوِهِ ) كَعَنْبَرٍ ، وَلَوْ حَالَ تَجْمِيرِ الْكَعْبَةِ حَرُمَ وَفَدَى ( أَوْ ) قَصَدَ شَمَّ ( مَا يُنْبِتُهُ آدَمِيٌّ لِطِيبٍ وَيُتَّخَذُ مِنْهُ ) الطِّيبَ ( كَوَرْدٍ وَبَنَفْسَجٍ ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالنُّونِ وَالسِّينِ مُعَرَّبٌ ( وَمَنْثُورٍ ) وَهُوَ الْخَيْرِيُّ ( وَلَيْنَوْفَرَ وَيَاسَمِينٍ وَنَحْوِهِ ) كَبَانٍ وَزَنْبَقٍ ( وَشَمَّهُ ) حَرُمَ وَفَدَى ( أَوْ مَسَّ مَا يَعْلَقُ بِهِ ) أَيْ الْمَمْسُوسِ ( كَمَاءِ وَرْدٍ حَرُمَ وَفَدَى ) نَصًّا لِأَنَّهُ شَيْءٌ حَرُمَ بِالْإِحْرَامِ فَوَجَبَتْ بِهِ الْفِدْيَةُ كَاللِّبَاسِ وَ ( لَا ) إثْمَ وَلَا فِدْيَةَ ( إنْ شَمَّ ) مُحْرِمٌ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ ( بِلَا قَصْدٍ ) كَمَنْ دَخَلَ سُوقًا أَوْ الْكَعْبَةَ لِلتَّبَرُّكِ وَمُشْتَرِي الطِّيبِ لِنَحْوِ تِجَارَةٍ وَلَمْ يَمَسُّهُ وَلَهُ تَقْلِيبُهُ ، وَحَمْلُهُ وَلَوْ ظَهَرَ رِيحُهُ لِعُسْرِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ ( أَوْ مَسَّ ) مُحْرِمٌ مِنْ طِيبِ ( مَا لَا يَعْلَقُ ) بِهِ كَقِطَعِ عَنْبَرٍ وَكَافُورٍ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُسْتَعْمَلٍ لِلطِّيبِ ( أَوْ شَمَّ ) مُحْرِمٌ ( وَلَوْ قَصْدًا فَوَاكِهَ ) مِنْ نَحْو تُفَّاحٍ

، وَأُتْرُجٍّ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ طِيبًا ( أَوْ ) شَمَّ وَلَوْ قَصْدًا ( عُودًا ) لِأَنَّهُ لَا يُتَطَيَّبُ بِهِ بِالشَّمِّ وَإِنَّمَا يَقْصِدُ بَخُورَهُ ( أَوْ ) شَمَّ وَلَوْ قَصْدًا ( نَبَاتَ صَحْرَاءَ كَشِيحٍ ) بِكَسْرِ أَوَّلِهِ ( وَنَحْوِهِ كَخُزَامَى ) وَقَيْصُومٍ ( أَوْ مَا يُنْبِتُهُ آدَمِيٌّ لَا بِقَصْدِ طِيبٍ كَحِنَّاءٍ وَعُصْفُرٍ ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ ( وَقُرُنْفُلٍ ) وَيُقَالُ : قُرُنْفُولٌ ، ثَمَرَةُ شَجَرَةٍ بِسَفَالَةِ الْهِنْدِ أَفْضَلُ الْأَفَاوِيهِ الْحَارَّةِ وَأَذْكَاهَا ( وَدَارِ صِينِيٍّ وَنَحْوِهَا ) وَمِنْ أَنْوَاعِهِ الْقِرْفَةُ كَالزَّرْنَبِ ( أَوْ ) شَمَّ مَا يُنْبِتُهُ آدَمِيٌّ ( لِقَصْدِهِ ) أَيْ الطِّيبِ ( وَلَا يُتَّخَذُ مِنْهُ طِيبٌ كَرَيْحَانٍ فَارِسِيٍّ وَهُوَ الْحَبَقُ ) يُشْبِهُ النَّمَّامَ نَبْتٌ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ وَالرَّيْحَانُ عِنْدَ الْعَرَبِ الْآسُ وَلَا فِدْيَةَ فِي شَمِّهِ ( وَكَنَمَّامٍ وَ بَرَمٍ وَهُوَ ثَمَرُ الْعُصَاةِ كَأُمِّ غِيلَانَ وَنَحْوِهَا ، وَكَنَرْجِسِ ) بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِهَا وَكَسْرِ الْجِيمِ فِيهِمَا ( وَكَمَرْزَنْجُوشَ ) وَهُوَ الْمَرْدَقُوشُ وَ عَرَبِيَّتُهُ السَّمْسَقُ نَافِعٌ لِعُسْرِ الْبَوْلِ وَالْمَغَصِ وَلَسْعَةِ الْعَقْرَبِ ( وَنَحْوِهَا ) كَالنِّسْرِينِ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لَيْسَ بِطِيبٍ ( أَوْ ادَّهَنَ ) مُحْرِمٌ ( بِ ) دُهْنٍ ( غَيْرِ مُطَيِّبٍ ) كَشَيْرَجٍ وَزَيْتٍ نَصًّا ( وَلَوْ فِي رَأْسِهِ أَوْ بَدَنِهِ ) فَلَا إثْمَ وَلَا فِدْيَةَ فِيهِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَلَكِنَّهُ ضَعِيفٌ وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلِعَدَمِ الدَّلِيلِ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَالْأَصْلُ الْإِبَاحَةُ

( السَّادِسُ : قَتْلُ صَيْدِ الْبَرِّ ) إجْمَاعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ } ( وَاصْطِيَادُهُ ) أَيْ صَيْدُ الْبَرِّ ، وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْهُ أَوْ يَجْرَحْهُ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا } ( وَهُوَ ) أَيْ صَيْدُ الْبَرِّ ( الْوَحْشِيُّ الْمَأْكُولُ وَالْمُتَوَلِّدُ مِنْهُ ) أَيْ الْوَحْشِيِّ الْمَأْكُولِ ( وَمِنْ غَيْرِهِ ) كَمُتَوَلِّدٍ بَيْنَ وَحْشِيٍّ وَأَهْلِيٍّ وَمَأْكُولِ وَحْشِيٍّ وَغَيْرِهِ ، كَسِمْعٍ ، تَغْلِيبًا لِلتَّحْرِيمِ ( وَالِاعْتِبَارُ ) فِي كَوْنِهِ وَحْشِيًّا أَوْ أَهْلِيًّا ( بِأَصْلِهِ فَحَمَامٌ وَبَطٌّ ) وَهُوَ الْإِوَزُّ ( وَحْشِيٌّ ) وَلَوْ اسْتَأْنَسَ يَحْرُمُ قَتْلُهُ وَاصْطِيَادُهُ وَيَجِبُ جَزَاؤُهُ وَإِنْ تَوَحَّشَ أَهْلِيٌّ مِنْ إبِلٍ وَبَقَرٍ وَنَحْوِهِمَا لَمْ يَحْرُمْ أَكْلُهُ وَلَا جَزَاءَ فِيهِ قَالَ أَحْمَدُ فِي بَقَرَةٍ صَارَتْ وَحْشِيَّةً لَا شَيْءَ فِيهِ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهَا الْإِنْسِيَّةُ ( فَمَنْ أَتْلَفَهُ ) أَيْ صَيْدَ الْبَرِّ وَالْمُتَوَلَّدَ مِنْهُ وَمِنْ غَيْرِهِ وَهُوَ مُحْرِمٌ ( أَوْ تَلِفَ ) مَا ذُكِرَ ( بِيَدِهِ ) كُلُّهُ ( أَوْ بَعْضُهُ بِمُبَاشَرَةِ إتْلَافِهِ أَوْ سَبَبٍ وَلَوْ ) كَانَ السَّبَبُ ( بِجِنَايَةِ دَابَّةِ مُحْرِمٍ مُتَصَرِّفٍ فِيهَا ) بِأَنْ يَكُونَ رَاكِبًا أَوْ سَائِقًا أَوْ قَائِدًا فَيَضْمَنُ مَا أَتْلَفَتْ بِيَدِهَا وَفِيهِمَا ، لَا مَا نَفَحَتْ بِرِجْلِهَا وَإِنْ انْفَلَتَتْ لَمْ يَضْمَنْ مَا أَتْلَفَتْهُ ( أَوْ بِإِشَارَةِ مُحْرِمٍ لِمُرِيدِ صَيْدٍ أَوْ دَلَالَتُهُ ) أَيْ الْمُحْرِمِ لِمَنْ يُرِيدُ صَيْدَهُ ( أَنْ لَمْ يَرَهُ ) صَائِدُهُ ( أَوْ بِإِعَانَتِهِ ) أَيْ الْمُحْرِمِ لِمَنْ يُرِيدُ صَيْدَهُ ( وَلَوْ بِمُنَاوَلَتِهِ آلَتَهُ ) أَيْ الصَّيْدِ أَوْ إعَارَتِهَا لَهُ كَرُمْحٍ ، وَسِكِّينٍ ، وَلَوْ كَانَ مَعَ الصَّائِدِ آلَتُهُ وَإِنْ دَلَّهُ أَوْ أَشَارَ إلَيْهِ بَعْدَ رُؤْيَةِ صَائِدٍ لَهُ ، أَوْ ضَحِكَ الْمُحْرِمُ ، أَوْ اسْتَشْرَفَ عِنْدَ رُؤْيَةِ الصَّيْدِ فَفَطِنَ لَهُ غَيْرُهُ ، أَوْ أَعَارَهُ آلَةً لِغَيْرِ الصَّيْدِ فَاسْتَعْمَلَهَا فِيهِ فَلَا إثْمَ وَلَا ضَمَانَ ( وَيَحْرُمُ )

عَلَى الْمُحْرِمِ ( ذَلِكَ ) الْمَذْكُورُ مِنْ الْإِشَارَةِ وَالدَّلَالَةِ وَالْإِعَانَةِ لِأَنَّهُ مَعُونَةٌ عَلَى مُحَرَّمٍ أَشْبَهَ الْإِعَانَةَ عَلَى قَتْلِ آدَمِيٍّ مَعْصُومٍ وَلَا تَحْرُمُ ( دَلَالَةُ ) مُحْرِمٍ ( عَلَى طِيبٍ وَلِبَاسٍ ) لِأَنَّهُ لَا ضَمَانَ فِيهِمَا بِالسَّبَبِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا حُكْمٌ يَخْتَصُّ بِالدَّالِّ عَلَيْهِمَا بِخِلَافِ الصَّيْدِ فَإِنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الدَّالِّ أَكْلُهُ مِنْهُ وَيَجِبُ عَلَيْهِ جَزَاؤُهُ ، وَقَوْلُهُ ( فَعَلَيْهِ ) أَيْ مَنْ أَتْلَفَهُ بِمُبَاشَرَةٍ أَوْ سَبَبٍ ( الْجَزَاءُ ) جَوَابُ : فَمَنْ أَيْ جَزَاءُ الصَّيْدِ الَّذِي أَتْلَفَهُ أَوْ تَلِفَ بِيَدِهِ بِمُبَاشَرَةٍ أَوْ سَبَبٍ مِنْ دَلَالَةٍ أَوْ غَيْرِهَا لِخَبَرِ أَبِي قَتَادَةَ لَمَّا صَادَ الْحِمَارَ الْوَحْشِيَّ وَأَصْحَابُهُ مُحْرِمُونَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { هَلْ أَشَارَ إلَيْهِ إنْسَانٌ مِنْكُمْ ، أَوْ أَمَرَهُ بِشَيْءٍ ؟ قَالُوا : لَا } وَفِيهِ { أَبْصَرُوا حِمَارًا وَحْشًا فَلَمْ يُؤْذِنُونِي ، وَأَحَبُّوا لَوْ أَنِّي أَبْصَرْته فَالْتَفَتّ فَأَبْصَرْته ثُمَّ رَكِبْت وَنَسِيت السَّوْطَ وَالرُّمْحَ فَقُلْت لَهُمْ : نَاوِلُونِي السَّوْطَ وَالرُّمْحَ قَالُوا : وَاَللَّهِ لَا نُعِينُك عَلَيْهِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَرَوَى النَّجَّادُ الضَّمَانَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ فِي مُحْرِمٍ أَشَارَ ( إلَّا أَنْ يَقْتُلَهُ ) أَيْ الصَّيْدَ ( مُحْرِمٌ ) وَيَكُونَ الدَّالُّ وَنَحْوُهُ مُحْرِمًا ( فَ ) جَزَاؤُهُ ( بَيْنَهُمَا ) أَيْ الْقَاتِلِ وَالدَّالِّ وَنَحْوِهِ لِأَنَّهُمَا اشْتَرَكَا فِي التَّحْرِيمِ فَكَذَلِكَ فِي الْجَزَاءِ ( وَلَوْ دَلَّ وَنَحْوَهُ ) بِأَنْ أَشَارَ أَوْ أَعَانَ ( حَلَالٌ ) مُحْرِمًا عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَهُ الْمُحْرِمُ ( ضَمِنَهُ مُحْرِمٌ وَحْدَهُ ) أَيْ دُونَ الْحَلَالِ الدَّالِّ أَوْ نَحْوه ( كَشَرِكَةِ غَيْرِهِ ) أَيْ الْمُحْرِمِ ( مَعَهُ ) بِأَنْ اشْتَرَكَ حَلَالٌ وَمُحْرِمٌ فِي قَتْلِ صَيْدٍ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْحَلَالِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلًّا لِضَمَانِهِ وَيَضْمَنُهُ الْمُحْرِمُ كُلَّهُ تَغْلِيبًا لِلْإِيجَابِ ، كَصَيْدِ بَعْضِهِ بِالْحِلِّ وَبَعْضِهِ بِالْحَرَمِ وَكَشَرِكَةِ نَحْو سَبُعٍ

وَإِنْ سَبَقَ حَلَالٌ أَوْ نَحْوُ سَبُعٍ إلَى صَيْدٍ فَجَرَحَهُ ثُمَّ قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ فَعَلَيْهِ جَزَاؤُهُ مَجْرُوحًا وَإِنْ جَرَحَهُ مُحْرِمٌ ثُمَّ قَتَلَهُ حَلَالٌ ضَمِنَ الْمُحْرِمُ أَرْشَ جُرْحِهِ فَقَطْ وَإِنْ جَرَحَهُ مُحْرِمٌ ثُمَّ قَتَلَهُ مُحْرِمٌ فَعَلَى الْأَوَّلِ أَرْشُ جُرْحِهِ وَعَلَى الثَّانِي تَتِمَّةُ الْجَزَاءِ ( وَلَوْ دَلَّ حَلَالٌ حَلَالًا عَلَى صَيْدٍ بِالْحَرَمِ فَقَتَلَهُ فَكَدَلَالَةِ مُحْرِمٍ مُحْرِمًا ) فَالْجَزَاءُ بَيْنَهُمَا نَصًّا ( وَإِنْ نَصَبَ ) حَلَالٌ ( شَبَكَةً وَنَحْوَهَا ) كَفَخٍّ ( ثُمَّ أَحْرَمَ أَوْ أَحْرَمَ ثُمَّ حَفَرَ بِئْرًا بِحَقٍّ ) كَمَا لَوْ حَفَرَهَا فِي دَارِهِ أَوْ لِلْمُسْلِمِينَ فِي طَرِيقٍ وَاسِعٍ أَوْ بِمَوَاتٍ ( لَمْ يَضْمَنْ مَا حَصَلَ مِنْ تَلَفِ صَيْدٍ بِسَبَبِهِ ) أَيْ نَصْبِ الشَّبَكَةِ وَنَحْوِهَا وَحَفْرِ الْبِئْرِ لِعَدَمِ تَعَدِّيهِ ( إلَّا أَنْ ) ( يَتَحَيَّلَ ) عَلَى الصَّيْدِ فِي الْإِحْرَامِ بِنَصْبِ نَحْوِ الشَّبَكَةِ قَبْلَ إحْرَامِهِ لِيَأْخُذَهُ بَعْدَ تَحَلُّلِهِ مِنْهُ فَيَضْمَنُ عُقُوبَةً لَهُ بِضِدِّ قَصْدِهِ كَنَصْبِ الْيَهُودِ الشَّبَكَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَأَخْذِهِمْ يَوْمَ الْأَحَدِ مَا سَقَطَ فِيهَا فَإِنْ حَفَرَ بِئْرًا بِغَيْرِ حَقٍّ كَطَرِيقٍ ضَيِّقٍ ضَمِنَ مَا تَلِفَ بِهِ مُطْلَقًا لِتَعَدِّيهِ ، كَتَلَفِ آدَمِيٍّ بِهَا ( وَحَرُمَ أَكْلُهُ ) أَيْ الْمُحْرِمِ ( مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ ) أَيْ مَا صَادَهُ أَوْ دَلَّ أَوْ أَعَانَ عَلَيْهِ أَوْ أَشَارَ إلَيْهِ وَنَحْوِهِ لِمَفْهُومِ حَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ ( وَكَذَا مَا ذُبِحَ ) لِلْمُحْرِمِ ( أَوْ صِيدَ لِأَجْلِهِ ) نَصًّا لِحَدِيثِ الصَّحِيحَيْنِ { إنَّ الصَّعْبَ بْنَ جَثَّامَةَ أَهْدَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِمَارًا وَحْشِيًّا فَرُدَّ عَلَيْهِ فَلَمَّا رَأَى مَا فِي وَجْهِهِ قَالَ : إنَّا لَمْ نَرُدَّهُ عَلَيْك إلَّا أَنَّا حُرُمٌ } وَكَذَا مَا أَخَذَهُ مِنْ بَيْضِ الصَّيْدِ وَلَبَنِهِ لِأَجَلِهِ ( وَيَلْزَمُهُ ) أَيْ الْمُحْرِمَ ( بِأَكْلِهِ ) أَيْ مَا صِيدَ أَوْ ذُبِحَ لِأَجْلِهِ ( الْجَزَاءُ ) أَيْ جَزَاءُ مَا أَكَلَهُ مِمَّا ذُبِحَ أَوْ صِيدَ لَهُ لِأَنَّهُ إتْلَافٌ مُنِعَ مِنْهُ بِسَبَبِ

الْإِحْرَامِ أَشْبَهَ قَتْلَ الصَّيْدِ وَمَا قَتَلَهُ الْمُحْرِمُ ثُمَّ أَكَلَهُ ضَمِنَهُ لِقَتْلِهِ لَا لِأَكْلِهِ نَصًّا لِأَنَّهُ مَيْتَةٌ وَهِيَ لَا تُضْمَنُ ( وَمَا حَرُمَ عَلَيْهِ ) أَيْ الْمُحْرِمِ ( لِدَلَالَةٍ ) عَلَيْهِ أَوْ إعَانَةٍ عَلَيْهِ ( أَوْ صِيدَ أَوْ ذُبِحَ لَهُ ) أَيْ الْمُحْرِمِ ( لَا يَحْرُمُ عَلَى مُحْرِمٍ غَيْرِهِ كَ ) مَا لَا يَحْرُمُ ( عَلَى حَلَالٍ ) لِمَا رَوَى مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ عَنْ عُثْمَانَ " أَنَّهُ أَتَى بِلَحْمِ صَيْدٍ ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ : كُلُوا : فَقَالُوا أَلَا تَأْكُلُ ؟ فَقَالَ إنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ إنَّمَا صِيدَ لِأَجْلِي " ( وَإِنْ نَقَلَ ) مُحْرِمٌ ( بَيْضَ صَيْدٍ سَلِيمًا فَفَسَدَ ) بِنَقْلِهِ ، وَلَوْ كَانَ بَاضَ عَلَى فِرَاشِهِ أَوْ مَتَاعِهِ وَنَقَلَهُ بِرِفْقٍ ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ مَكَانه لِتَلَفِهِ بِسَبَبِهِ ( أَوْ أَتْلَفَ ) مُحْرِمٌ بَيْضَ صَيْدٍ ( غَيْرَ مُذْرٍ ) غَيْرَ ( مَا فِيهِ فَرْخٌ مَيِّتٌ ) ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ مَكَانَ إتْلَافِهِ إيَّاهُ فَإِنْ كَانَ مَذِرًا أَوْ فِيهِ فَرْخٌ مَيِّتٌ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُ ( إلَّا ) مَا كَانَ مِنْ ( بَيْضِ النَّعَامِ ) فَيَضْمَنُهُ ( لِأَنَّ لِقِشْرِهِ قِيمَةً ) فَيَضْمَنُهَا وَإِنْ فَسَدَ مَا فِيهِ ( أَوْ حَلَبَ ) مُحْرِمٌ ( صَيْدًا ) صَادَهُ فِي إحْرَامِهِ وَلَوْ بَعْدَ حِلِّهِ أَوْ مَحِلٌّ مَا صَادَهُ بِالْحَرَمِ وَلَوْ بَعْدَ إخْرَاجِهِ إلَى الْحِلِّ ( ضَمِنَهُ ) أَيْ الْحَلِيبَ ( بِقِيمَتِهِ نَصًّا مَكَانه ) أَيْ الْإِتْلَافِ أَمَّا الْبَيْضُ فَلِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ " فِي بَيْضِ النَّعَامِ قِيمَتُهُ " وَلِأَنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ فَوَجَبَتْ فِيهِ الْقِيمَةُ وَحَدِيثُ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { فِي بَيْضِ النَّعَامِ ثَمَنُهُ } الْمُرَادُ قِيمَتُهُ وَأَمَّا اللَّبَنُ فَلِأَنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكَانَ فِيهِ قِيمَتُهُ ، يَفْعَلُ بِهَا كَجَزَاءِ صَيْدٍ لِأَنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ وَإِنْ كَسَرَ بَيْضَةً فَخَرَجَ مِنْهَا فَرْخٌ وَعَاشَ فَلَا شَيْءَ فِيهَا لِأَنَّهُ لَمْ يُتْلِفْ شَيْئًا ( وَلَا يَمْلِكُ مُحْرِمٌ صَيْدًا ابْتِدَاءً ) أَيْ مِلْكًا مُتَجَدِّدًا ( بِغَيْرِ إرْثٍ ) فَلَا

يَمْلِكُهُ بِشِرَاءٍ وَلَا هِبَةٍ وَنَحْوِهِمَا ، وَلَوْ بِوَكِيلِهِ أَوْ نَصَبَ أُحْبُولَةً قَبْلَ إحْرَامِهِ ، فَوَقَعَ فِيهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ لِخَبَرِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ السَّابِقِ وَلِأَنَّ الصَّيْدَ لَيْسَ مَحَلًّا لِتَمَلُّكِ الْمُحْرِمِ لِتَحْرِيمِهِ عَلَيْهِ كَالْخَمْرِ ، وَيَمْلِكُهُ بِالْإِرْثِ لِأَنَّهُ لَا فِعْلَ مِنْهُ فِيهِ فَيُشْبِهُ الِاسْتِدَامَةَ وَفِي مَعْنَى الْإِرْثِ تَنَصُّفُ الصَّدَاقِ وَسُقُوطُهُ وَإِنْ رُدَّ عَلَيْهِ بِعَيْبٍ أَوْ خِيَارٍ لَزِمَهُ إرْسَالُهُ ( فَلَوْ قَبَضَهُ ) أَيْ الصَّيْدَ ( مُحْرِمٌ هِبَةً أَوْ رَهْنًا أَوْ بِشِرَاءٍ لَزِمَهُ رَدُّهُ ) إلَى مَنْ أَقْبَضَهُ إيَّاهُ لِفَسَادِ الْعَقْدِ ( وَعَلَيْهِ ) أَيْ قَابِضِهِ الْمُحْرِمِ ( إنْ تَلِفَ ) الصَّيْدُ ( قَبْلَهُ ) أَيْ الرَّدِّ ( الْجَزَاءُ ) لِمَسَاكِينِ الْحَرَمِ ( مَعَ قِيمَتِهِ ) لِمَالِكِهِ ( فِي هِبَةٍ وَشِرَاءٍ ) لِوُجُودِ مُقْتَضَى الضَّمَانَيْنِ وَعُلِمَ مِنْهُ : أَنَّهُ لَا يَضْمَنُهُ لِمَالِكِهِ فِي رَهْنٍ لِأَنَّهُ لَا ضَمَانَ فِي صَحِيحِهِ وَلِذَا قَالَ فِي الرِّعَايَةِ : لَا يَضْمَنُهُ لَهُ فِي الْهِبَةِ وَإِنْ أَرْسَلَهُ وَلَمْ يَرُدَّهُ فَضَمِنَهُ لِمَالِكِهِ وَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ وَإِنْ رَدَّهُ لِرَبِّهِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ مُطْلَقًا ( وَإِنْ أَمْسَكَهُ ) أَيْ الصَّيْدَ ( مُحْرِمًا ) بِالْحَرَمِ أَوْ الْحِلِّ ( أَوْ ) أَمْسَكَهُ ( حَلَالًا بِالْحَرَمِ فَذَبَحَهُ الْمُحْرِمُ وَلَوْ بَعْدَ حِلِّهِ ) مِنْ إحْرَامِهِ ( أَوْ ) ذَبَحَهُ مُمْسِكُهُ بِالْحَرَمِ وَلَوْ بَعْدَ ( إخْرَاجِهِ مِنْ الْحَرَامِ إلَى الْحِلِّ ضَمِنَهُ ) لِأَنَّهُ تَلِفَ بِسَبَبٍ كَانَ فِي إحْرَامِهِ أَوْ فِي الْحَرَمِ كَمَا لَوْ جَرَحَهُ فَمَاتَ بَعْدَ حِلِّهِ أَوْ بَعْدَ خُرُوجه مِنْ الْحَرَمِ ( وَكَانَ مَا ذَبَحَ لِغَيْرِ حَاجَةِ أَكْلِهِ مَيْتَةً ) نَصًّا وَلَوْ لِصَوْلِهِ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ ، لِمَعْنًى فِيهِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَذَبِيحَةِ الْمَجُوسِيِّ فَسَاوَاهُ فِيهِ وَإِنْ خَالَفَهُ فِي غَيْرِهِ وَمَفْهُومُهُ إنْ كَانَ لِحَاجَةِ أَكْلِهِ فَمُزَكًّى لِحِلِّ فِعْلِهِ وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ تَوْجِيهًا وَقَالَ الْقَاضِي : مَيْتَةٌ ( وَإِنْ ذَبَحَ

مُحِلٌّ صَيْدَ حَرَمٍ فَكَالْمُحْرِمِ ) فَمَا لِغَيْرِ حَاجَةِ أَكْلِهِ مَيْتَةٌ ( وَإِنْ كَسَرَ الْمُحْرِمُ بَيْضَ صَيْدٍ حَلَّ لِمَحَلِّ ) أَكْلُهُ كَلَبَنِ صَيْدٍ حَلَبَهُ مُحْرِمٌ ، لِأَنَّ حِلَّهُ لِلْمُحَلِّ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى حَلْبٍ وَلَا كَسْرٍ وَلَا يُعْتَبَرُ فِيهِمَا أَهْلِيَّةُ فَاعِلٍ وَكَمَا لَوْ كَسَرَهُ أَوْ حَلَبَهُ مَجُوسِيٌّ وَعُلِمَ مِنْهُ حُرْمَتُهُمَا عَلَى مُحْرِمٍ بَاشَرَ الْحَلْبَ وَالْكَسْرَ أَوْ لَمْ يُبَاشِرْهُمَا ( وَمَنْ أَحْرَمَ وَبِمِلْكِهِ صَيْدٌ لَمْ يَزُلْ ) مِلْكُهُ عَنْهُ لِقُوَّةِ الِاسْتِدَامَةِ ( وَلَا ) تَزُولُ عَنْهُ ( يَدُهُ الْحُكْمِيَّةُ ) الَّتِي لَا يُشَاهِدُهَا ، كَبَيْتِهِ وَنَائِبِهِ الْغَائِبِ عَنْهُ ( وَلَا يَضْمَنُهُ ) أَيْ الصَّيْدَ ( مَعَهَا ) أَيْ يَدِهِ الْحُكْمِيَّةِ إذَا تَلِفَ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ إزَالَتُهَا ، وَلَمْ يُوجَدْ مِنْهُ سَبَبٌ فِي تَلَفٍ وَلَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ بِنَحْوِ بَيْعٍ وَهِبَةٍ ( وَمَنْ غَصَبَهُ ) أَيْ الصَّيْدَ مِنْ يَدِ مُحْرِمٍ حُكْمِيَّةٍ ( لَزِمَهُ رَدُّهُ ) إلَيْهَا ، لِاسْتِدَامَتِهَا عَلَيْهِ ( وَمَنْ أَدْخَلَهُ ) أَيْ الصَّيْدَ مِنْ مُحْرِمٍ أَوْ حَلَالٍ ( الْحَرَمَ ) الْمَكِّيَّ لَزِمَهُ إرْسَالُهُ ( أَوْ أَحْرَمَ ) رَبُّ صَيْدٍ ( وَهُوَ بِيَدِهِ الْمُشَاهَدَةِ ) كَخَيْمَتِهِ أَوْ رَحْلِهِ أَوْ قَفَصٍ مَعَهُ أَوْ حَبْلٍ مَرْبُوطٍ بِهِ ( لَزِمَهُ إزَالَتُهَا ) أَيْ الْيَدِ الْمُشَاهَدَةِ عَنْهُ ( بِإِرْسَالِهِ ) فِي مَوْضِعٍ يَمْتَنِعُ فِيهِ لِئَلَّا يَكُونَ مُمْسِكًا لَهُ وَهُوَ مُحْرِمٌ عَلَيْهِ ، كَحَالَةِ الِابْتِدَاءِ ( وَمِلْكُهُ ) أَيْ الْمُحْرِمِ عَلَى صَيْدٍ بِيَدِهِ ( بَاقٍ ) عَلَيْهِ بَعْدَ إرْسَالِهِ لِعَدَمِ مَا يُزِيلُهُ ( فَيَرُدُّهُ ) أَيْ الصَّيْدَ ( آخِذُهُ ) عَلَى مَالِكِهِ إذَا حَلَّ ( وَيَضْمَنُهُ قَاتِلُهُ ) بِقِيمَتِهِ لَهُ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ وَزَوَالُ الْيَدِ لَا يُزِيلُ الْمِلْكَ كَالْغَصْبِ وَالْعَارِيَّةِ وَإِذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ ) الْمُحْرِمُ أَوْ مَنْ دَخَلَ الْحَرَمَ بِهِ مِنْ إرْسَالِ صَيْدٍ بِيَدِهِ ، بِأَنْ نَفَرَهُ فَلَمْ يَذْهَبْ ( وَتَلِفَ ) بِغَيْرِ فِعْلِهِ ( لَمْ يَضْمَنْهُ ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مُفَرِّطٍ وَلَا مُتَعَدٍّ

وَإِذَا تَمَكَّنَ ) مِنْ إرْسَالِهِ وَلَمْ يَفْعَلْ ( ضَمِنَهُ ) بِالْجَزَاءِ ( وَإِنْ لَمْ يُرْسِلْهُ فَلَا ضَمَانَ عَلَى مُرْسِلِهِ مِنْ يَدِهِ قَهْرًا ) لِزَوَالِ حُرْمَةِ يَدِهِ الْمُشَاهَدَةِ وَلِأَنَّهُ مِنْ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ اسْتَمَرَّ مُمْسِكًا لَهُ حَتَّى حَلَّ فَمِلْكُهُ بَاقٍ لِأَنَّهُ لَا يَزُولُ بِالْإِحْرَامِ ( وَمَنْ قَتَلَ ) وَهُوَ مُحْرِمٌ ( صَيْدًا صَائِلًا ) عَلَيْهِ ( دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ ) لَمْ يَحِلَّ وَلَمْ يَضْمَنْهُ لِأَنَّهُ الْتَحَقَ بِالْمُؤْذِيَاتِ طَبْعًا ، كَالْكَلْبِ الْعَقُورِ ، وَكَالْآدَمِيِّ الصَّائِلِ ، وَسَوَاءٌ خَشِيَ مَعَهُ تَلَفًا أَوْ ضَرَرًا بِجَرْحِهِ أَوْ إتْلَافِ مَالِهِ ، أَوْ بَعْضِ حَيَوَانَاتِهِ أَوْ أَهْلِهِ ( أَوْ ) قَتَلَ صَيْدًا ( بِتَخْلِيصِهِ مِنْ سَبُعٍ أَوْ شَبَكَةٍ لِيُطْلِقَهُ ) لَمْ يَحِلَّ وَلَمْ يَضْمَنْهُ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ لِحَاجَةِ الْحَيَوَانِ ( أَوْ قَطَعَ ) مُحْرِمٌ ( مِنْهُ ) أَيْ الصَّيْدِ ( عُضْوًا مُتَآكِلًا فَمَاتَ لَمْ يَحِلَّ وَلَمْ يَضْمَنْهُ ) لِأَنَّهُ لِمُدَاوَاتِهِ الْحَيَوَانَ أَشْبَهَ مُدَاوَاةَ الْوَلِيِّ مَحْجُورَهُ وَلَيْسَ بِمُتَعَمِّدٍ قَتْلَهُ فَلَا تَتَنَاوَلُهُ الْآيَةُ ( وَلَوْ أَخَذَهُ ) أَيْ الصَّيْدَ الضَّعِيفَ مُحْرِمٌ ( لِيُدَاوِيَهُ فَوَدِيعَةٌ ) لَا يَضْمَنُهُ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ لِمَا تَقَدَّمَ ( وَلَا تَأْثِيرَ لِحَرَمٍ أَوْ إحْرَامٍ فِي تَحْرِيمِ ) حَيَوَانٍ ( إنْسِيٍّ ) كَبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ وَدَجَاجٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَيْدٍ وَقَدْ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْبَحُ الْبُدْنَ فِي إحْرَامِهِ فِي الْحَرَمِ تَقَرُّبًا إلَى اللَّهِ تَعَالَى وَقَالَ : { أَفْضَلُ الْحَجِّ : الْعَجُّ وَالثَّجُّ } أَيْ إسَالَةُ الدِّمَاءِ بِالذَّبْحِ وَالنَّحْرِ ( وَلَا ) تَأْثِيرَ لِحَرَمٍ وَإِحْرَامٍ ( فِي مُحَرَّمِ الْأَكْلِ ) كَكَلْبٍ وَخِنْزِيرٍ وَنَمِرٍ وَأَسَدٍ وَذِئْبٍ وَفَهْدٍ ( إلَّا الْمُتَوَلِّدَ ) بَيْنَ أَهْلِيٍّ وَوَحْشِيٍّ ، أَوْ بَيْنَ مَأْكُولٍ وَغَيْرِهِ ، كَسِمْعٍ فَيَحْرُمُ قَتْلُهُ فِي الْإِحْرَامِ وَالْحَرَمِ ، تَغْلِيبًا لِلْحَظْرِ وَيَفْدِي ( وَيَحْرُمُ بِإِحْرَامٍ قَتْلُ قَمْلٍ وَصِئْبَانِهِ ) مِنْ رَأْسِهِ أَوْ

بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ ( وَلَوْ بِرَمْيِهِ ) لِمَا فِيهِ مِنْ التَّرَفُّهِ بِإِزَالَتِهِ أَشْبَهَ قَطْعَ الشَّعْرِ ( وَلَا جَزَاءَ فِيهِ ) أَيْ الْقَمْلِ لِأَنَّهُ لَا قِيمَةَ لَهُ أَشْبَهَ الْبَرَاغِيثَ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِصَيْدٍ وَ ( لَا ) يَحْرُمُ قَتْلُ ( بَرَاغِيثَ وَقُرَادٍ وَنَحْوِهِمَا ) كَدَلَمٍ وَبَقٍّ وَبَعُوضٍ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ قَرَّدَ بَعِيرَهُ بِالسُّقْيَا أَيْ نَزَعَ الْقُرَادَ مِنْهُ فَرَمَاهُ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ ( وَيُسَنُّ مُطْلَقًا ) أَيْ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ وَمَعَ وُجُودِ أَذًى وَدُونَهُ ( قَتْلُ كُلِّ مُؤْذٍ غَيْرِ آدَمِيٍّ ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ { أَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِ خَمْسِ فَوَاسِقَ فِي الْحَرَمِ : الْحِدَأَةِ ، وَالْغُرَابِ ، وَالْفَأْرَةِ ، وَالْعَقْرَبِ ، وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَفِي مَعْنَاهَا كُلُّ مُؤْذٍ وَأَمَّا الْآدَمِيُّ غَيْرُ الْحَرْبِيِّ فَلَا يَحِلُّ قَتْلُهُ إلَّا بِإِحْدَى الثَّلَاثِ لِلْخَبَرِ ( وَيُبَاحُ ) لِمُحْرِمٍ وَغَيْرِهِ ( لَا بِالْحَرَمِ : صَيْدُ مَا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ كَسَمَكٍ ، وَلَوْ عَاشَ فِي بَرٍّ أَيْضًا ، كَسُلَحْفَاةٍ وَسَرَطَانٍ ) لِقَوْلِهِ : { أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ } وَأَمَّا الْبَحْرُ بِالْحَرَمِ فَيَحْرُمُ صَيْدُهُ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ فِيهِ لِلْمَكَانِ فَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ صَيْدِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ( وَطَيْرُ الْمَاءِ بَرِّيٌّ ) لِأَنَّهُ يَبِيضُ وَيُفْرِخُ فِي الْبَرِّ فَيَحْرُمُ عَلَى مُحْرِمٍ صَيْدُهُ وَفِيهِ الْجَزَاءُ ( وَيُضْمَنُ جَرَادٌ ) إذَا أَتْلَفَهُ مُحْرِمٌ بِمُبَاشَرَةٍ أَوْ سَبَبٍ لِأَنَّهُ يُرَى مُشَاهَدٌ طَيَرَانُهُ فِي الْبَرِّ وَيُهْلِكُهُ الْمَاءُ إذَا وَقَعَ فِيهِ كَالْعَصَافِيرِ ( بِقِيمَتِهِ ) لِأَنَّهُ غَيْرُ مِثْلِيٍّ ( وَلَوْ بِمَشْيِ مُحْرِمٍ عَلَى ) جَرَادٍ ( مُفْتَرِشٍ بِطَرِيقٍ ) وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ طَرِيقٌ غَيْرُهُ لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ لِمَنْفَعَةِ نَفْسِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ اُضْطُرَّ إلَيْهِ ( وَكَذَا بَيْضُ طَيْرٍ أَتْلَفَهُ مُحْرِمٌ لِحَاجَةِ مَشْيٍ ) عَلَيْهِ ( فَيَضْمَنُهُ ) ( وَلِمُحْرِمٍ احْتَاجَ إلَى فِعْلِ مَحْظُورٍ وَفَعَلَهُ

يُفْدَى ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ } الْآيَةَ وَحَدِيثُ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ وَأُلْحِقَ بَاقِي الْمَحْظُورَاتِ وَمَنْ بِبَدَنِهِ شَيْءٌ لَا يُحِبُّ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ أَحَدٌ لَبِسَ وَفَدَى نَصًّا ( وَكَذَا لَوْ اُضْطُرَّ كَمَنْ بِالْحَرَمِ ) إذَا ( اُضْطُرَّ لِذَبْحِ صَيْدٍ ) فَلَهُ ذَبْحُهُ وَأَكْلُهُ ( مَيْتَةً فَيَحِقُّ غَيْرُهُ فَلَا يُبَاحُ إلَّا لِمَنْ يُبَاحُ لَهُ أَكْلُهَا ) أَيْ الْمَيْتَةِ بِأَنْ يَكُونَ مُضْطَرًّا وَإِنْ رَمَى مَحَلَّ صَيْدًا ثُمَّ أَحْرَمَ قَبْلَ إصَابَتِهِ ضَمِنَهُ ، لَا إنْ رَمَاهُ مُحْرِمًا ثُمَّ حَلَّ قَبْلَ إصَابَتِهِ اعْتِبَارًا بِحَالَةِ الْإِصَابَةِ فِيهِمَا

( السَّابِعُ : عَقْدُ النِّكَاحِ ) فَيَحْرُمُ وَلَا يَصِحُّ مِنْ مُحْرِمٍ فَلَوْ تَزَوَّجَ مُحْرِمٌ ، أَوْ زَوَّجَ ، أَوْ كَانَ وَلِيًّا ، أَوْ وَكِيلًا فِيهِ لَمْ يَصِحَّ نَصًّا تَعَمَّدَهُ أَوْ لَا لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ عُثْمَانَ مَرْفُوعًا { لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ } وَلِمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ : إنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَهُوَ مُحْرِمٌ فَرَدَّ عُمَرُ نِكَاحَهُ وَعَنْ عَلِيٍّ وَزَيْدٍ مَعْنَاهُ رَوَاهُمَا أَبُو بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ يَمْنَعُ الْوَطْءَ وَدَوَاعِيهِ ، فَيَمْنَعُ عَقْدَ النِّكَاحِ كَالْعِدَّةِ ( إلَّا فِي حَقِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) فَلَيْسَ مَحْظُورًا لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ : { تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ وَهُوَ مُحْرِمٌ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لَكِنْ رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ الْأَصَمِّ عَنْ مَيْمُونَةَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ حَلَالٌ قَالَ : وَكَانَتْ خَالَتِي وَخَالَةَ ابْنِ عَبَّاسٍ } وَلِأَبِي دَاوُد { وَتَزَوَّجَنِي وَنَحْنُ حَلَالَانِ بِسَرِفٍ } وَلِأَحْمَدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَحَسَّنَهُ عَنْ أَبِي رَافِعٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ مَيْمُونَةَ حَلَالًا وَبَنَى بِهَا حَلَالًا وَكُنْت الرَّسُولَ بَيْنَهُمَا } .
قَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ : إنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَوْهَلَ ، أَوْ قَالَ : أَوْهَمَ رَوَاهُمَا الشَّافِعِيُّ أَيْ سَبَقَ وَهْمُهُ إلَى ذَلِكَ وَكَذَا نَقَلَ أَبُو الْحَارِثِ عَنْ أَحْمَدَ : أَنَّهُ أَخْطَأَ ثُمَّ قِصَّةُ مَيْمُونَةَ مُعَارَضَةٌ ، وَحَدِيثُ عُثْمَانَ لَا مُعَارِضَ لَهُ فَإِنْ ثَبَتَ فِعْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ خَاصٌّ بِهِ ، جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ ( وَلَا فِدْيَةَ فِيهِ ) لِأَنَّهُ عَقْدٌ فَاسِدٌ لِلْإِحْرَامِ كَشِرَاءِ الصَّيْدِ ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْإِحْرَامُ صَحِيحًا أَوْ فَاسِدًا ( وَتُعْتَبَرُ حَالَتُهُ ) أَيْ الْعَقْدِ ، لَا حَالَةَ تَوْكِيلٍ ( فَلَوْ وَكَّلَ مُحْرِمٌ حَلَالًا صَحَّ عَقْدُهُ ) أَيْ الْوَكِيلِ ( بَعْدَ حِلِّ مُوَكِّلِهِ ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا حَلَالٌ حَالَ الْعَقْدِ ( وَلَوْ

وَكَّلَهُ ) أَيْ الْحَلَالُ فِي الْعَقْدِ ( حَلَالًا ، فَأَحْرَمَ مُوَكِّلٌ فَعَقَدَهُ الْوَكِيلُ حَالَ إحْرَامِهِ ) أَيْ الْمُوَكِّلِ ( لَمْ يَصِحَّ ) الْعَقْدُ لِلْخَبَرِ ( وَلَمْ يَنْعَزِلْ وَكِيلُهُ ) أَيْ الْحَلَالُ فِي الْعَقْدِ ( بِإِحْرَامِهِ ) أَيْ الْمُوَكِّلِ ( فَإِذَا حَلَّ عَقَدَهُ ) وَكِيلُهُ لِزَوَالِ الْمَانِعِ ( وَلَوْ ) وَقَعَ الْعَقْدُ ثُمَّ اخْتَلَفَ الزَّوْجَانِ فَ ( قَالَ ) الزَّوْجُ ( عَقَدَ قَبْلَ إحْرَامِي ) وَقَالَتْ الزَّوْجَةُ بَعْدَهُ ( قُبِلَ ) قَوْلُ الزَّوْجِ لِدَعْوَاهُ صِحَّةَ الْعَقْدِ ثُمَّ إنْ طَلَّقَ قَبْلَ الدُّخُولِ وَكَانَ أَقْبَضَهَا نِصْفَ الْمَهْرِ لَا رُجُوعَ لَهُ بِهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَقْبَضَهَا فَلَا طَلَبَ لَهَا بِهِ لِتَضَمُّنِ دَعْوَاهَا أَنَّهَا لَا تَسْتَحِقُّهُ لِفَسَادِ الْعَقْدِ ( وَكَذَا إنْ عَكَسَ ) فَقَالَتْ : عَقَدَ قَبْلَ إحْرَامِك ، وَقَالَ : بَعْدَهُ ، فَيُقْبَلُ قَوْلُهُ أَيْضًا لِأَنَّهُ يَمْلِكُ فَسْخَهُ فَقُبِلَ إقْرَارُهُ بِهِ ( لَكِنْ يَلْزَمُ نِصْفُ الْمَهْرِ ) فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّ إقْرَارَهُ عَلَيْهَا غَيْرُ مَقْبُولٍ ( وَيَصِحُّ ) النِّكَاحُ ( مَعَ جَهْلِهِمَا ) أَيْ الزَّوْجَيْنِ ( وُقُوعَهُ ) بِأَنْ جَهِلَا هَلْ وَقَعَ حَالَ إحْرَامِ أَحَدِهِمَا أَوْ إحْلَالِهِمَا لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ عُقُودِ الْمُسْلِمِينَ الصِّحَّةُ ( وَإِنْ قَالَ الزَّوْجُ : تَزَوَّجْتُك وَقَدْ حَلَلْت ، وَقَالَتْ : بَلْ وَأَنَا مُحْرِمَةٌ صُدِّقَ ) الزَّوْجُ لِمَا تَقَدَّمَ ( وَتُصَدَّقُ هِيَ فِي نَظِيرَتِهَا فِي الْعِدَّةِ ) بِأَنْ قَالَ الزَّوْجُ : تَزَوَّجْتُك بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِك ، وَقَالَتْ لَهُ : بَلْ قَبْلَهُ ، وَلَمْ تُمَكِّنْهُ مِنْ نَفْسِهَا فَقَوْلُهَا لِأَنَّهَا مُؤْتَمَنَةٌ عَلَى نَفْسِهَا ( وَمَتَى أَحْرَمَ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ امْتَنَعَتْ مُبَاشَرَتُهُ ) أَيْ الْمُحْرِمِ مِنْهُمَا ( لَهُ ) أَيْ : النِّكَاحِ لِلْخَبَرِ فَلَا يَعْقِدُهُ لِنَفْسِهِ وَ ( لَا ) بِوِلَايَةٍ عَامَّةٍ وَلَا تَمْتَنِعُ مُبَاشَرَةُ ( نُوَّابِهِ ) لِلنِّكَاحِ بِإِحْرَامِهِ ( بِالْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ ) فَلَهُمْ إذَا كَانُوا حَلَالًا تَزْوِيجُ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهَا لِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْهُ فِيهِ حَرَجٌ بِخِلَافِ

نَائِبِهِ فِي تَزْوِيجِ نَحْوِ ابْنَتِهِ فَلَيْسَ لَهُ عَقْدُهُ بَعْدَ إحْرَامِهِ حَتَّى يَحِلَّ وَأَمَّا تَزْوِيجُ نُوَّابِهِ لِنَحْوِ بَنَاتِهِمْ وَأَخَوَاتِهِمْ إذَا كَانُوا حَلَالًا فَصَحِيح لِأَنَّهُ لَا نِيَابَةَ لَهُمْ عَنْهُ فِيهِ ( وَتُكْرَهُ خِطْبَةُ مُحْرِمٍ ) بِكَسْرِ الْخَاءِ أَيْ أَنْ يَخْطُبَ امْرَأَةً أَوْ يَخْطُبَ حَلَالٌ مُحْرِمَةً لِحَدِيثِ عُثْمَانَ مَرْفُوعًا { لَا يُنْكَحُ لِمُحْرِمٍ وَلَا يَنْكِحُ وَلَا يَخْطُبُ } ( كَ ) مَا يُكْرَهُ لَهُ ( خِطْبَةُ عُقْدَةٍ ) أَيْ النِّكَاحِ وَتَأْتِي لِدُخُولِهَا فِي عُمُومِ " وَلَا يَخْطُبُ " ( وَ ) كَمَا يُكْرَهُ لَهُ ( حُضُورُهُ وَشَهَادَتُهُ فِيهِ ) أَيْ النِّكَاحِ بَيْنَ حَلَالَيْنِ نَقَلَ حَنْبَلٌ لَا يَخْطُبُ قَالَ مَعْنَاهُ : لَا يَشْهَدُ النِّكَاحَ وَ ( لَا ) تُكْرَهُ ( رَجْعَتُهُ ) أَيْ الْمُحْرِمِ لِمُطَلَّقَتِهِ الرَّجْعِيَّةِ لِأَنَّهَا إمْسَاكٌ وَلِأَنَّ الرَّجْعِيَّةَ مُبَاحَةٌ قَبْلَ الرَّجْعَةِ فَلَا إحْلَالَ ، وَكَالتَّكْفِيرِ لِلْمُظَاهِرِ ( وَلَا شِرَاءُ أَمَةٍ لِوَطْءٍ ) لِأَنَّ الشِّرَاءَ وَاقِعٌ عَلَى عَيْنِهَا ، وَهِيَ تُرَادُ لِلْوَطْءِ وَغَيْرِهِ وَلِذَلِكَ صَحَّ شِرَاءُ نَحْوِ الْمَجُوسِيَّةِ بِخِلَافِ عَقْدِ النِّكَاحِ فَإِنَّهُ عَلَى مَنْفَعَةِ الْبُضْعِ خَاصَّةً وَلِذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ نِكَاحُ نَحْوِ مَجُوسِيَّةٍ

( الثَّامِنُ : وَطْءٌ يُوجِبُ الْغُسْلَ ) وَهُوَ تَغْيِيبُ حَشَفَةٍ أَصْلِيَّةٍ فِي فَرْجٍ أَصْلِيٍّ ، قُبُلًا كَانَ أَوْ دُبُرًا مِنْ آدَمِيٍّ أَوْ غَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ } .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : هُوَ الْجِمَاعُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إلَى نِسَائِكُمْ } ( وَهُوَ ) أَيْ الْوَطْءُ ( يُفْسِدُ النُّسُكَ قَبْلَ تَحَلُّلٍ أَوَّلَ ) حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا وَلَوْ بَعْدَ وُقُوفٍ نَصًّا لِأَنَّ بَعْضَ الصَّحَابَةِ قَضَوْا بِفَسَادِ الْحَجِّ وَلَمْ يَسْتَفْصِلُوا وَحَدِيثُ { مَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ فَقَدْ تَمَّ حَجُّهُ } أَيْ قَارَبَهُ وَأَمِنَ فَوَاتَهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ عَامِدٍ وَنَاسٍ وَجَاهِلٍ وَعَالِمٍ وَمُكْرَهٍ وَغَيْرِهِ لِمَا تَقَدَّمَ ( وَعَلَيْهِمَا ) أَيْ الْوَاطِئِ وَالْمَوْطُوءَةِ ( الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ ) أَيْ النُّسُكِ وَلَا يُخْرَجُ مِنْهُ بِالْوَطْءِ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَحُكْمُهُ كَالْإِحْرَامِ الصَّحِيح لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } وَرُوِيَ مَرْفُوعًا " أُمِرَ الْمُجَامِعُ بِذَلِكَ " وَلِأَنَّهُ مَعْنًى يَجِبُ بِهِ الْقَضَاءُ فَلَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ كَالْفَوَاتِ فَيُفْعَلُ بَعْدَ الْإِفْسَادِ كَمَا كَانَ يُفْعَلُ قَبْلَهُ مِنْ وُقُوفٍ وَغَيْرِهِ وَيَجْتَنِبُ مَا يَجْتَنِبُهُ قَبْلَهُ مِنْ وَطْءٍ وَغَيْرِهِ ، وَيُفْدَى لِمَحْظُورٍ فَعَلَهُ بَعْدَهُ ( وَيَقْضِي ) مَنْ فَسَدَ نُسُكُهُ بِالْوَطْءِ ، كَبِيرًا كَانَ أَوْ صَغِيرًا نَصًّا ، وَاطِئًا أَوْ مَوْطُوءًا فَرْضًا كَانَ الَّذِي أَفْسَدَهُ أَوْ نَفْلًا ( فَوْرًا ) لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ " فَإِذَا أَدْرَكْت قَابِلًا حُجَّ وَاهْدِ " وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مِثْلُهُ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْأَثْرَمُ وَزَادَ " وَحِلَّ إذَا حَلُّوا فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ فَاحْجُجْ أَنْتَ وَامْرَأَتَك وَاهْدِيَا هَدْيًا فَإِنْ لَمْ تَحُجُّوا فَصُومَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعْتُمَا " ( إنْ كَانَ ) الْمُفْسِدُ نُسُكَهُ ( مُكَلَّفًا ) لِأَنَّهُ لَا عُذْرَ

لَهُ فِي التَّأْخِيرِ ( وَإِلَّا ) يَكُنْ مُكَلَّفًا ، بَلْ بَلَغَ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحِجَّةِ الْفَاسِدَةِ ( فَيَقْضِي بَعْدَ حِجَّةِ الْإِسْلَامِ فَوْرًا ) لِزَوَالِ عُذْرِهِ وَيُحْرِمُ مَنْ أَفْسَدَ نُسُكَهُ فِي الْقَضَاءِ ( مِنْ حَيْثُ أَحْرَمَ أَوَّلًا ) بِمَا فَسَدَ ( إنْ كَانَ ) إحْرَامُهُ بِهِ ( قَبْلَ مِيقَاتٍ ) لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الْأَدَاءَ وَلِأَنَّ دُخُوله فِي النُّسُكِ سَبَبٌ لِوُجُوبِهِ فَيَتَعَلَّقُ بِمَوْضِعِ الْإِيجَابِ كَالنَّذْرِ ( وَإِلَّا ) يَكُنْ أَحْرَمَ بِمَا فَسَدَ قَبْلَ مِيقَاتٍ ، بَلْ أَحْرَمَ مِنْهُ أَوْ دُونَهُ إلَى مَكَّةَ ( فَ ) إنَّهُ يُحْرِمُ ( مِنْهُ ) أَيْ الْمِيقَاتِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ مُجَاوَزَتُهُ بِلَا إحْرَامٍ ( وَمَنْ أَفْسَدَ الْقَضَاءَ ) فَوَطِئَ فِيهِ قَبْلَ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ ( قَضَى الْوَاجِبَ ) الَّذِي عَلَيْهِ بِإِفْسَادِ الْأَوَّلِ وَ ( لَا ) يَقْضِي ( الْقَضَاءَ ) كَقَضَاءِ صَلَاةٍ أَوْ صَوْمٍ أَفْسَدَهُ وَلِأَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَزْدَادُ بِقُوَّتِهِ بَلْ يَبْقَى عَلَى مَا كَانَ ( وَنَفَقَةُ قَضَاءِ ) نُسُكِ ( مُطَاوِعَةٍ ) عَلَى وَطْءٍ ( عَلَيْهَا ) لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ " وَاهْدِيَا هَدْيًا " أَضَافَ الْفِعْلَ إلَيْهِمَا وَقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَهْدِ نَاقَةً وَلْتُهْدِ نَاقَةً " وَلِإِفْسَادِهَا نُسُكًا بِمُطَاوَعَتِهَا أَشْبَهَتْ الرَّجُلَ .
( وَ ) نَفَقَةُ قَضَاءِ نُسُكِ ( مُكْرَهَةٍ عَلَى مُكْرِهٍ ) وَلَوْ طَلَّقَهَا لِإِفْسَادِهِ نُسُكِهَا كَنَفَقَةِ نُسُكِهِ وَقِيَاسُهُ : لَوْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَ نَائِمٍ فَعَلَيْهَا نَفَقَةُ قَضَائِهِ ( وَسُنَّ تَفَرُّقُهُمَا ) أَيْ وَاطِئٍ وَمَوْطُوءَةٍ ( فِي قَضَاءٍ مِنْ مَوْضِعِ وَطْءٍ فَلَا يَرْكَبُ مَعَهَا فِي مَحْمَلٍ وَلَا يَنْزِلُ مَعَهَا فِي فُسْطَاطٍ ) أَيْ بَيْتِ شَعْرٍ ( وَلَا نَحْوِهِ ) كَخَيْمَةٍ ( إلَى أَنْ يَحِلَّا ) مِنْ إحْرَامِ الْقَضَاءِ لِحَدِيثِ ابْنِ وَهْبٍ بِإِسْنَادِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ { أَنَّ رَجُلًا جَامَعَ امْرَأَتَهُ وَهُمَا مُحْرِمَانِ فَسَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهَا : أَتِمَّا حَجَّكُمَا ثُمَّ ارْجِعَا وَعَلَيْكُمَا حِجَّةٌ أُخْرَى مِنْ قَابِلٍ ، حَتَّى إذَا كُنْتُمَا فِي

الْمَكَانِ الَّذِي أَصَبْتهَا فَأَحْرِمَا وَتَفَرَّقَا وَلَا يُؤَاكِلُ أَحَدٌ مِنْكُمَا صَاحِبَهُ ثُمَّ أَتِمَّا مَنَاسِكَكُمَا وَاهْدِيَا } وَرَوَى سَعِيدٌ وَالْأَثْرَمُ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ .
( وَ ) الْوَطْءُ ( بَعْدَهُ ) أَيْ التَّحَلُّلِ الْأَوَّلِ ( لَا يُفْسِدُ نُسُكَهُ ) لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي رَجُلٍ أَصَابَ أَهْلَهُ قَبْلَ أَنْ يُفِيضَ يَوْمَ النَّحْرِ " يَنْحَرَانِ جَزُورًا بَيْنَهُمَا وَلَيْسَ عَلَيْهِ حَجٌّ مِنْ قَابِلٍ " رَوَاهُ مَالِكٌ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ( وَعَلَيْهِ ) أَيْ الْوَاطِئِ بَعْدَ تَحَلُّلٍ أَوَّلَ ( شَاةٌ ) لِفَسَادِ إحْرَامِهِ ( وَ ) عَلَيْهِ ( الْمُضِيُّ لِلْحِلِّ فَيُحْرِمُ ) مِنْهُ يَجْمَعُ فِي إحْرَامِهِ بَيْنَ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ ( لِيَطُوفَ ) لِلزِّيَارَةِ ( مُحْرِمًا ) لِأَنَّ الْحَجَّ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ لِأَنَّهُ رُكْنٌ ثُمَّ يَسْعَى إنْ لَمْ يَكُنْ سَعَى قَبْلَ الْحَجِّ وَتَحَلَّلَ ( وَ عُمْرَةٌ ) وَطِئَ فِيهَا ( كَحَجٍّ ) فِيمَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ ( فَيُفْسِدُهَا ) وَطْءٌ ( قَبْلَ تَمَامِ سَعْيٍ لَا بَعْدَهُ ) أَيْ السَّعْيِ ( وَقَبْلَ حَلْقٍ ) لِأَنَّهُ بَعْدَ تَحَلُّلٍ أَوَّلَ ( وَعَلَيْهِ ) بِوَطْئِهِ فِي عُمْرَةٍ ( شَاةٌ ) لِنَقْصِ حُرْمَةِ إحْرَامِهَا عَنْ الْحَجِّ ، لِنَقْصِ أَرْكَانِهَا وَدُخُولِهَا فِيهِ إذَا جَامَعَتْهُ ، سَوَاءٌ وَطِئَ قَبْلَ تَمَامِ السَّعْيِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ الْحَلْقِ ( وَلَا فِدْيَةَ عَلَى مُكْرَهَةٍ ) فِي وَطْءٍ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ لِحَدِيثِ { وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ } وَمِثْلُهَا النَّائِمَةُ وَلَا يَلْزَمُ الْوَاطِئَ أَنْ يَفْدِيَ عَنْهُمَا أَيْ النَّائِمَةِ وَالْمُكْرَهَةِ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27