كتاب : شرح منتهى الإرادات
المؤلف : منصور بن يونس بن إدريس البهوتي

بَابُ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَالتَّطَوُّعُ فِي الْأَصْلِ : فِعْلُ الطَّاعَةِ ، وَشَرْعًا ، وَعُرْفًا : طَاعَةٌ غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَالنَّفَلُ ، وَالنَّافِلَةُ : الزِّيَادَةُ وَالتَّنَفُّلُ : التَّطَوُّعُ ( صَلَاةُ التَّطَوُّعِ بَعْدَ جِهَادٍ ) أَيْ : قِتَالِ كُفَّارٍ ( فَ ) بَعْدَ ( تَوَابِعِهِ ) أَيْ : الْجِهَادِ ، كَالنَّفَقَةِ فِيهِ ( فَ ) بَعْدَ ( عِلْمٍ : تَعَلُّمِهِ وَتَعْلِيمِهِ ) قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ : " الْعَالِمُ وَالْمُتَعَلِّمُ فِي الْأَجْرِ سَوَاءٌ .
وَسَائِرُ النَّاسِ هَمَجٌ لَا خَيْرَ فِيهِمْ " .
( مِنْ حَدِيثٍ وَفِقْهٍ وَنَحْوِهِمَا ) كَتَفْسِيرٍ ( أَفْضُلُ تَطَوُّعِ الْبَدَنِ ) خَبَرُ : صَلَاةِ التَّطَوُّعِ فَأَفْضُلُ تَطَوُّعَاتِ الْبَدَنِ : الْجِهَادُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً } " ، وَحَدِيثِ { وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ } " فَالنَّفَقَةُ فِيهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ } " الْآيَةَ وَحَدِيثِ { مَنْ أَنْفَقَ نَفَقَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ كُتِبَتْ بِسَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ } " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ ، فَتَعَلُّمُ الْعِلْمِ وَتَعْلِيمُهُ لِحَدِيثِ { فَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِي عَلَى أَدْنَاكُمْ } " وَغَيْرُهُ وَالْمُرَادُ : نَفْلُ الْعِلْمِ ، وَيَتَعَيَّنُ مِنْهُ مَا يَقُومُ بِهِ دِينُهُ : كَصَلَاتِهِ وَصَوْمِهِ وَنَحْوِهِمَا ، وَمَا لَمْ يَتَعَيَّنْ مِنْهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ وَنَقَلَ مُهَنَّا { طَلَبُ الْعِلْمِ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ لِمَنْ صَحَّتْ نِيَّتُهُ } " قِيلَ لَهُ : فَأَيُّ شَيْءٍ تَصْحِيحُ النِّيَّةِ ؟ قَالَ : يَنْوِي يَتَوَاضَعُ فِيهِ .
وَيَنْفِي عَنْهُ الْجَهْلَ ، وَالْأَشْهَرُ عَنْهُ : الِاعْتِنَاءُ بِالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَالتَّحْرِيضُ عَلَى ذَلِكَ وَقَالَ : لَيْسَ قَوْمٌ خَيْرًا مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَعَابَ عَلَى مُحَدِّثٍ لَا يَتَفَقَّهُ .
وَفِي آدَابِ عُيُونِ الْمَسَائِلِ : الْعِلْمُ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ ، وَأَقْرَبُ الْعُلَمَاءِ إلَى اللَّهِ وَأَوْلَاهُمْ بِهِ

أَكْثَرُهُمْ لَهُ خَشْيَةً ، فَالصَّلَاةُ ، لِلْأَخْبَارِ : بِأَنَّهَا أَحَبُّ الْأَعْمَالِ إلَى اللَّهِ وَخَيْرُهَا ، وَمُدَاوَمَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نَفْلِهَا .
( وَنَصَّ ) أَحْمَدُ ( أَنَّ الطَّوَافَ لِغَرِيبٍ أَفْضَلُ مِنْهَا ) أَيْ : الصَّلَاةِ ( بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) لِأَنَّهُ خَاصٌّ بِهِ يَفُوتُ بِمُفَارَقَتِهِ ، بِخِلَافِ الصَّلَاةِ ، فَالِاشْتِغَالُ بِمَفْضُولٍ يَخُصُّ بُقْعَةً ، أَوْ زَمَنًا ، أَفْضُلُ مِنْ فَاضِلٍ لَا يَخْتَصُّ .
قَالَ ( الْمُنَقِّحُ ) فِي التَّنْقِيحِ ( وَالْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ أَفْضُلُ مِنْهُ ) أَيْ : الطَّوَافِ ، لِحَدِيثِ { الْحَجُّ عَرَفَةَ } " ( خِلَافًا لِبَعْضِهِمْ ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ صَاحِبَ الْفُرُوعِ ، حَيْثُ قَالَ : فَدَلَّ مَا سَبَقَ عَلَى أَنَّ الطَّوَافَ أَفْضَلُ مِنْ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ ، لَا سِيَّمَا وَهُوَ عِبَادَةٌ بِمُفْرَدِهِ ، يُعْتَبَرُ لَهُ مَا يُعْتَبَرُ لِلصَّلَاةِ غَالِبًا .

( ثُمَّ ) أَفْضَلُ تَطَوُّعِ الْبَدَنِ بَعْدَ الصَّلَاةِ ( مَا تَعَدَّى نَفْعُهُ ) مِنْ صَدَقَةٍ وَعِيَادَةِ مَرِيضٍ ، وَقَضَاءِ حَاجَةِ مُسْلِمٍ وَنَحْوِهَا ( وَيَتَفَاوَتُ ) مَا يَتَعَدَّى نَفْعُهُ فِي الْفَضْلِ ( فَصَدَقَةٌ عَلَى قَرِيبٍ مُحْتَاجٍ أَفْضَلُ مِنْ عِتْقِ ) أَجْنَبِيٍّ لِأَنَّهَا صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ ( وَهُوَ ) أَيْ : الْعِتْقُ أَفْضَلُ ( مِنْهَا ) أَيْ : مِنْ صَدَقَةٍ ( عَلَى أَجْنَبِيٍّ ) لِعِظَمِ نَفْعِهِ بِتَخْلِيصِهِ مِنْ أَسْرِ الرِّقِّ ( إلَّا زَمَنَ غَلَاءٍ وَحَاجَةٍ ) .
فَالصَّدَقَةُ مُطْلَقًا أَفْضَلُ مِنْهُ ، لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا إذَنْ ( ثُمَّ حَجٌّ ) لِقُصُورِ نَفْعِهِ عَلَيْهِ ( فَصَوْمٌ ) وَإِضَافَةُ اللَّهِ تَعَالَى الصَّوْمَ إلَيْهِ ، لِأَنَّهُ لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ ، وَهَذَا لَا يُوجِبُ أَفْضَلِيَّتَهُ ، فَإِنَّ مَنْ نَوَى صِلَةَ رَحِمِهِ ، وَأَنَّهُ يُصَلِّي وَيَتَصَدَّقُ وَيَحُجُّ ، كَانَتْ نِيَّتُهُ عِبَادَةً ، يُثَابُ عَلَيْهَا ، وَنُطْقُهُ جَهْرًا بِكَلِمَةِ التَّوْحِيدِ : أَفْضَلُ إجْمَاعًا ، أَوْ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْبُدْ بِهِ غَيْرَهُ فِي جَمِيعِ الْمِلَلِ ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ ، وَهُوَ أَيْضًا لَا يَقْتَضِي أَفْضَلِيَّتَهُ ، وَمَالَ صَاحِبُ الْفُرُوعِ إلَى أَنَّ عَمَلَ الْقَلْبِ أَفْضَلُ مِنْ عَمَلِ الْجَوَارِحِ .

وَنَقَلَ مُهَنَّا عَنْ أَحْمَدَ : أَفْضَلِيَّةَ الْفِكْرِ عَلَى الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ ( وَأَفْضُلُهَا ) أَيْ : صَلَاةِ التَّطَوُّعِ ( مَا سُنَّ ) أَنْ يُصَلَّى ( جَمَاعَةً ) لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِالْفَرَائِضِ ، ثُمَّ الرَّوَاتِبِ ( وَآكُدُهَا ) أَيْ : آكَدُ مَا يُسَنُّ جَمَاعَةً ( كُسُوفٌ ) لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهَا ، وَأَمَرَ بِهَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ ( فَاسْتِسْقَاءٌ ) لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْتَسْقِي ، تَارَةً وَيَتْرُكُ أُخْرَى ، بِخِلَافِ الْكُسُوفِ .
فَلَمْ يَتْرُكْ صَلَاتَهُ عِنْدَهُ فِيمَا نُقِلَ عَنْهُ ، لَكِنْ وَرَدَ مَا يَدُلُّ عَلَى الِاعْتِنَاءِ بِالِاسْتِسْقَاءِ ، كَحَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَنْ عَائِشَةَ { أَمَرَ بِمِنْبَرٍ ، فَوُضِعَ وَوَعَدَ النَّاسَ يَوْمًا يَخْرُجُونَ فِيهِ } " ( فَتَرَاوِيحُ ) لِأَنَّهَا تُسَنُّ لَهَا الْجَمَاعَةُ ( فَوِتْرٌ ) لِأَنَّهُ تُشْرَعُ لَهُ الْجَمَاعَةُ بَعْدَ التَّرَاوِيحِ ، وَهُوَ سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ .
وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ : مَنْ تَرَكَ الْوِتْرَ عَمْدًا ، فَهُوَ رَجُلُ سَوْءٍ ، لَا يَنْبَغِي أَنْ تُقْبَلَ لَهُ شَهَادَةٌ ( وَلَيْسَ ) الْوِتْرُ ( بِوَاجِبٍ ) قَالَ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ : الْوِتْرُ لَيْسَ بِمَنْزِلَةِ الْفَرْضِ ، فَإِنْ شَاءَ قَضَى الْوِتْرَ ، وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْضِهِ ، وَذَلِكَ لِحَدِيثِ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ : { أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَاذَا فَرَضَ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ مِنْ الصَّلَوَاتِ ؟ قَالَ : خَمْسُ صَلَوَاتٍ فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ .
قَالَ : هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهَا ؟ قَالَ : لَا ، إلَّا أَنْ تَطَوَّعَ } " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَأَمَّا حَدِيثُ { الْوِتْرُ حَقٌّ } " وَنَحْوُهُ : فَمَحْمُولٌ عَلَى تَأْكِيدِ اسْتِحْبَابِهِ ، جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ ( إلَّا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) فَكَانَ الْوِتْرُ وَاجِبًا عَلَيْهِ لِلْخَبَرِ .

( وَ ) الْأَفْضَلُ ( مِنْ ) سُنَنٍ ( رَوَاتِبَ ) تُفْعَلُ مَعَ فَرْضٍ ( سُنَّةُ فَجْرٍ ) لِقَوْلِ عَائِشَةَ { : لَمْ يَكُنْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ النَّوَافِلِ أَشَدَّ تَعَاهُدًا مِنْهُ عَلَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ } " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : صَلُّوا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ وَلَوْ طَرَدَتْكُمْ الْخَيْلُ } " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد .
( وَسُنَّ تَخْفِيفُهُمَا ) أَيْ : رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ لِلْخَبَرِ وَأَنْ يُقْرَأَ فِيهِمَا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ } ، وَ { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } " ، أَوْ فِي الْأُولَى { قُولُوا آمَنَّا بِاَللَّهِ } الْآيَةَ ، وَفِي الثَّانِيَةِ : { قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إلَى كَلِمَةٍ } الْآيَةَ " .
( وَ ) سُنَّ ( اضْطِجَاعٌ بَعْدَهَا عَلَى الْجَنْبِ الْأَيْمَنِ ) قَبْلَ صَلَاةِ الْفَرْضِ ، نَصًّا ، لِقَوْلِ عَائِشَةَ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا صَلَّى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ اضْطَجَعَ } " .
وَفِي رِوَايَةِ { إنْ كُنْت مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي وَإِلَّا اضْطَجَعَ } " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
( فَ ) يَلِي سُنَّةَ فَجْرٍ فِي الْأَفْضَلِيَّةِ : سُنَّةُ ( مَغْرِبٍ ) لِحَدِيثِ عُبَيْدٍ مَوْلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " سُئِلَ : { أَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِصَلَاةٍ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ سِوَى الْمَكْتُوبَةِ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ ، بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ ، وَيَقْرَأُ فِيهِمَا بَعْدَ الْفَاتِحَةِ : { " قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ } ، وَ { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } } ( ثُمَّ ) بَاقِي الرَّوَاتِبِ ( سَوَاءٌ ) فِي الْفَضِيلَةِ .
( وَوَقْتُ وِتْرٍ : مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ، وَلَوْ مَعَ ) كَوْنِ الْعِشَاءِ جُمِعَتْ مَعَ مَغْرِبٍ ( جَمْعَ تَقْدِيمٍ ) فِي وَقْتِ الْمَغْرِبِ ( وَطُلُوعِ الْفَجْرِ ) لِحَدِيثِ مُعَاذٍ : سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : { زَادَنِي رَبِّي صَلَاةً ، وَهِيَ الْوِتْرُ ، وَوَقْتُهَا : مَا بَيْنَ الْعِشَاءِ وَطُلُوعِ الْفَجْرِ } " رَوَاهُ أَحْمَدُ .
وَلِمُسْلِمٍ

{ ، أَوْتِرُوا قَبْلَ أَنْ تُصْبِحُوا } " .
وَحَدِيثِ { إنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَرَكُمْ بِصَلَاةٍ ، وَهِيَ خَيْرٌ لَكُمْ مِنْ حُمُرِ النَّعَمِ ، وَهِيَ الْوِتْرُ ، فَصَلُّوهَا فِيمَا بَيْنَ الْعِشَاءِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ } .
" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ .
( وَ ) الْوِتْرُ ( آخِرَ اللَّيْلِ لِمَنْ يَثِقُ بِنَفْسِهِ ) أَنْ يَقُومَ ( أَفْضَلُ ) لِحَدِيثِ { مَنْ خَافَ أَنْ لَا يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ فَلْيُوتِرْ مِنْ أَوَّلِهِ وَمَنْ طَمِعَ أَنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيْلِ فَإِنَّ صَلَاةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ وَذَلِكَ أَفْضَلُ } " رَوَاهُ مُسْلِمٌ .

( وَأَقَلُّهُ ) أَيْ : الْوِتْرِ ( رَكْعَةٌ ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا { الْوِتْرُ رَكْعَةٌ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ } " رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { : مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُوتِرَ بِوَاحِدَةٍ فَلْيَفْعَلْ } " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ وَالْحَاكِمُ ، وَقَالَ : إنَّهُ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ ( وَلَا يُكْرَهُ ) الْوِتْرُ ( بِهَا ) أَيْ : بِرَكْعَةٍ لِمَا تَقَدَّمَ وَلِثُبُوتِهِ أَيْضًا عَنْ عَشَرَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَائِشَةُ .

( وَأَكْثَرُهُ ) أَيْ : الْوِتْرُ ( إحْدَى عَشْرَةَ ) رَكْعَةً ( يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ ثِنْتَيْنِ وَيُوتِرُ بِرَكْعَةٍ ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً ، يُوتِرُ مِنْهَا بِوَاحِدَةٍ } " وَفِي لَفْظٍ { يُسَلِّمُ بَيْنَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ ، وَيُوتِرُ بِوَاحِدَةٍ } " .

وَلَهُ أَيْضًا : أَنْ يَسْرُدَ عَشَرًا ، ثُمَّ يَجْلِسَ فَيَتَشَهَّدَ ، وَلَا يُسَلِّمُ ثُمَّ يَأْتِي بِالْأَخِيرَةِ ، وَيَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ وَالْأُولَى أَفْضَلُ لِأَنَّهَا أَكْثَرُ عَمَلًا ، لِزِيَادَةِ النِّيَّةِ وَالتَّكْبِيرِ وَالتَّسْلِيمِ ( وَإِنْ ، أَوْتَرَ بِتِسْعِ ) رَكَعَاتٍ ( تَشَهَّدَ بَعْدَ ثَامِنَةٍ ) التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ ، وَلَا يُسَلِّمُ ( ثُمَّ ) تَشَهَّدَ بَعْدَ ( تَاسِعَةٍ ) التَّشَهُّدَ الْأَخِيرَ ( وَسَلَّمَ ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ ، وَسُئِلَتْ عَنْ وِتْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ { : كُنَّا نُعِدُّ لَهُ سِوَاكَهُ وَطَهُورَهُ ، فَيَبْعَثُهُ اللَّهُ مَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَهُ مِنْ اللَّيْلِ ، فَيَتَسَوَّكُ وَيَتَوَضَّأُ ، وَيُصَلِّي تِسْعَ رَكَعَاتٍ ، لَا يَجْلِسُ فِيهَا إلَّا فِي الثَّامِنَةِ فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ ، ثُمَّ يَنْهَضُ ، وَلَا يُسَلِّمُ ، ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّي التَّاسِعَةَ ، ثُمَّ يَقْعُدُ ، فَيَذْكُرُ اللَّهَ وَيَحْمَدُهُ وَيَدْعُوهُ ، ثُمَّ يُسَلِّمُ تَسْلِيمًا يُسْمِعنَاهُ } " .

( وَ ) إنْ ، أَوْتَرَ ( بِسَبْعِ ) رَكَعَاتٍ سَرَدَهُنَّ ( أَوْ ) أَوْتَرَ ( بِخَمْسِ ) رَكَعَاتٍ ( سَرَدَهُنَّ ) فَلَا يَجْلِسُ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي صِفَةِ وِتْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : { ثُمَّ تَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى سَبْعًا ، أَوْ خَمْسًا أَوْتَرَ بِهِنَّ لَمْ يُسَلِّمْ إلَّا فِي آخِرِهِنَّ } " رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَعَنْ أُمِّ سَلَمَةَ { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوتِرُ بِسَبْعٍ ، وَبِخَمْسٍ لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِسَلَامٍ وَلَا كَلَامٍ } " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ .

( وَأَدْنَى الْكَمَالِ ) فِي الْوِتْرِ ( ثَلَاثُ ) رَكَعَاتٍ ( بِسَلَامَيْنِ ) بِأَنْ يُصَلِّيَ ثِنْتَيْنِ وَيُسَلِّمَ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ عَمَلًا وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يُسَلِّمُ مِنْ رَكْعَتَيْنِ ، حَتَّى يَأْمُرَ بِبَعْضِ حَاجَتِهِ ( وَيَجُوزُ ) أَنْ يُصَلِّيَ الثَّلَاثَ ( ب ) سَلَامٍ ( وَاحِدٍ ) قَالَ أَحْمَدُ : إنْ ، أَوْتَرَ بِثَلَاثٍ لَمْ يُسَلِّمْ فِيهِنَّ ، لَمْ يُضَيَّقْ عَلَيْهِ عِنْدِي ( سَرْدًا ) مِنْ غَيْرِ جُلُوسٍ عَقِبَ الثَّانِيَةِ ، لِتُخَالِفَ الْمَغْرِبَ .
وَاخْتَارَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ : أَنْ يُصَلِّيَهَا كَالْمَغْرِبِ وَعَلَى الْأَوَّلِ : لَوْ صَلَّاهَا بِتَشَهُّدَيْنِ ، فَفِي بُطْلَانِ وِتْرِهِ وَجْهَانِ صَحَّحَ الْقَاضِي فِي شَرْحِهِ الصَّغِيرِ : الْبُطْلَانَ وَقَطَعَ فِي الْإِقْنَاعِ بِالصِّحَّةِ .

( وَمَنْ أَدْرَكَ مَعَ إمَامِهِ رَكْعَةً ) مِنْ وِتْرِهِ ( فَإِنْ كَانَ ) إمَامُهُ ( يُسَلِّمُ مِنْ ثِنْتَيْنِ ) مِنْ الْوِتْرِ كَالشَّافِعِيِّ وَالْحَنْبَلِيِّ وَالْمُرَادُ ( وَسَلَّمَ أَجْزَأَ ) الْمَأْمُومَ وِتْرُهُ لِأَنَّ أَقَلَّهُ رَكْعَةٌ وَقَدْ أَتَى بِهَا مُسْتَقِلَّةً ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يُسَلِّمْ مِنْ ثِنْتَيْنِ ، بَلْ أَحْرَمَ بِالثَّلَاثِ ، وَأَدْرَكَهُ مَأْمُومٌ فِي الثَّالِثَةِ ( قَضَى ) مَأْمُومٌ مَا فَاتَهُ كَصَلَاةِ إمَامِهِ نَصًّا ، لِئَلَّا يَخْتَلِفَ عَلَى إمَامِهِ .
.

وَإِذَا ، أَوْتَرَ بِثَلَاثٍ فَإِنَّهُ ( يَقْرَأُ ) نَدْبًا ( فِي الْأُولَى بِسَبِّحْ ) بَعْدَ الْفَاتِحَةِ .
( وَ ) فِي ( الثَّانِيَة : { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ } ) " بَعْدَهَا .
( وَ ) فِي ( الثَّالِثَةِ : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } ) بَعْدَهَا لِحَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كَانَ يَقْرَأُ بِهِنَّ فِي وِتْرِهِ } " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبْزَى مَرْفُوعًا مِثْلُهُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ .
وَقَالَ إِسْحَاقُ : " أَصَحُّ شَيْءٍ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقِرَاءَةِ فِي الْوِتْرِ : حَدِيثُ ابْنِ أَبْزَى " وَحَدِيثُ عَائِشَةَ " { فِي ضَمِّ الْمُعَوِّذَتَيْنِ مَعَ { " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } فِي الثَّالِثَةِ } " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ : ضَعِيفٌ .

( وَيَقْنُتُ ) فِي الْأَخِيرَةِ مِنْ وِتْرٍ ( بَعْدَ الرُّكُوعِ نَدْبًا ) لِأَنَّهُ صَحَّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ ، وَعَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ أَنَّهُمَا " كَانَا يَقْنُتَانِ بَعْدَ الرُّكُوعِ " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْأَثْرَمُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ : الْأَحَادِيثُ الَّتِي جَاءَ فِيهَا الْقُنُوتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ كُلُّهَا مَعْلُولَةٌ ثُمَّ إنَّ أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ عَمِلُوا بِمَا قُلْنَاهُ ، وَحَيْثُ تَقَرَّرَ أَنَّهُ بَعْدَ الرُّكُوعِ نُدِبَ .

" فَلَوْ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ " بَعْدَ الْقِرَاءَةِ ( ثُمَّ قَنَتَ قَبْلَهُ ) أَيْ : الرُّكُوعِ ( جَازَ ) لِحَدِيثِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ مَرْفُوعًا { كَانَ يَقْنُتُ فِي الْوِتْرِ قَبْلَ الرُّكُوعِ } " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا مِثْلُهُ رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ وَرَوَى الْأَثْرَمُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ " أَنَّهُ كَانَ يَقْنُتُ فِي الْوِتْرِ ، وَكَانَ إذَا فَرَغَ مِنْ الْقِرَاءَةِ كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَنَتَ " .

( فَيَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَى صَدْرِهِ ) حَالَ قُنُوتِهِ ( يَبْسُطُهُمَا وَبُطُونُهُمَا نَحْوَ السَّمَاءِ وَلَوْ ) كَانَ ( مَأْمُومًا ) لِحَدِيثِ سَلْمَانَ مَرْفُوعًا { إنَّ اللَّهَ يَسْتَحْيِ أَنْ يَبْسُطَ الْعَبْدُ يَدَهُ يَسْأَلُهُ فِيهِمَا خَيْرًا فَيَرُدُّهُمَا خَائِبَتَيْنِ } " رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا النَّسَائِيَّ .
وَعَنْ مَالِكِ بْنِ يَسَارٍ مَرْفُوعًا { إذَا سَأَلْتُمْ اللَّهَ فَاسْأَلُوهُ بِبُطُونِ أَكُفِّكُمْ ، وَلَا تَسْأَلُوهُ بِظُهُورِهَا } " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ أَحْمَدُ : كَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي الْقُنُوتِ إلَى صَدْرِهِ بِبُطُونِهِمَا مِمَّا يَلِي السَّمَاءَ ( وَيَقُولُ جَهْرًا : اللَّهُمَّ إنَّا نَسْتَعِينُكَ وَنَسْتَهْدِيكَ وَنَسْتَغْفِرُكَ ) أَيْ : نَطْلُبُ مِنْكَ الْعَوْنَ وَالْهِدَايَةَ وَالْمَغْفِرَةَ ( وَنَتُوبُ ) أَيْ : نَرْجِعُ ( إلَيْكَ وَنُؤْمِنُ ) أَيْ : نُصَدِّقُ ( بِكَ ، وَنَتَوَكَّلُ عَلَيْكَ ) أَيْ : نَعْتَمِدُ وَنُظْهِرُ عَجْزَنَا ( وَنُثْنِي عَلَيْكَ الْخَيْرَ ) أَيْ : نِصْفُكَ بِهِ ( كُلَّهُ ) وَنَمْدَحُك .
وَالثَّنَاءُ فِي الْخَيْرِ خَاصَّةً ، وَبِتَقْدِيمِ النُّونِ يُسْتَعْمَلُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ ( وَنَشْكُرُكَ ، وَلَا نَكْفُرُكَ ) أَيْ : لَا نَجْحَدُ نِعْمَتَك وَنَسْتُرُهَا لِاقْتِرَانِهِ بِالشُّكْرِ ( اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ ) .
قَالَ الْبَيْضَاوِيُّ : الْعِبَادَةُ أَقْصَى غَايَةِ الْخُضُوعِ وَالتَّذَلُّلِ ، وَلَا يَسْتَحِقُّهَا إلَّا اللَّهُ وَقَالَ الْفَخْرُ إسْمَاعِيلُ ، وَأَبُو الْبَقَاءِ : الْعِبَادَةُ مَا أُمِرَ بِهِ شَرْعًا مِنْ غَيْرِ اطِّرَادٍ عُرْفِيٍّ ، وَلَا اقْتِضَاءٍ عَقْلِيٍّ .
وَسُمِّيَ الْعَبْدُ عَبْدًا : لِذِلَّتِهِ وَانْقِيَادِهِ لِمَوْلَاهُ ( وَلَكَ نُصَلِّي وَنَسْجُدُ ) لَا لِغَيْرِك ( وَإِلَيْكَ نَسْعَى وَنَحْفِدُ ) بِفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْفَاءِ بِالدَّالِّ الْمُهْمَلَةِ ، خِلَافًا لِمَا فِي شَرْحِهِ ، أَيْ : نُسْرِعُ وَنُبَادِرُ ( نَرْجُو ) أَيْ : نُؤَمِّلُ ( رَحْمَتَك ) أَيْ : سَعَةَ عَطَائِك ( وَنَخْشَى عَذَابَك ) أَيْ : نَخَافُهُ قَالَ تَعَالَى : { نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ } .
( إنَّ

عَذَابَك الْجِدَّ ) بِكَسْرِ الْجِيمِ أَيْ : الْحَقُّ لَا اللَّعِبُ ( بِالْكُفَّارِ مُلْحِقٌ ) بِكَسْرِ الْحَاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ أَيْ : لَاحِقٌ وَبِفَتْحِهَا عَلَى مَعْنَى : أَنَّ اللَّهَ يُلْحِقُهُ الْكُفَّارَ .
قَالَ الْخَلَّالُ : سَأَلْت ثَعْلَبًا عَنْ مُلْحَقٍ وَمُلْحِقٍ ؟ فَقَالَ : الْعَرَبُ تَقُولُهُمَا جَمِيعًا وَهَذَا الْقُنُوتُ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى هُنَا : مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ ، وَفِي أَوَّلِهِ " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " وَفِي آخِرِهِ " اللَّهُمَّ عَذِّبْ كَفَرَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِك " وَهُمَا سُورَتَانِ : فِي مُصْحَفِ أُبَيٍّ .
قَالَ ابْنُ سِيرِينَ : كَتَبَهُمَا أُبَيٍّ فِي مُصْحَفِهِ ، إلَى قَوْلِهِ " مُلْحِقٌ " زَادَ غَيْرُ وَاحِدٍ " وَنَخْلَعُ وَنَتْرُكُ مَنْ يَكْفُرُك " ( اللَّهُمَّ اهْدِنَا فِيمَنْ هَدَيْت ) أَيْ : ثَبِّتْنَا عَلَى الْهِدَايَة ، أَوْ زِدْنَا مِنْهَا وَهِيَ الدَّلَالَةِ وَالْبَيَانِ قَالَ تَعَالَى : { وَإِنَّك لَتَهْدِي إلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } " وَأَمَّا قَوْلُهُ { إنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ } " فَهِيَ مِنْ اللَّهِ التَّوْفِيقُ وَالْإِرْشَادُ ( وَعَافِنَا فِيمَنْ عَافَيْت ) مِنْ الْأَسْقَامِ وَالْبَلَاءِ .
وَالْمُعَافَاةُ : أَنْ يُعَافِيَكَ اللَّهُ مِنْ النَّاسِ ، وَيُعَافِيَهُمْ مِنْكَ ( وَتَوَلَّنَا فِيمَنْ تَوَلَّيْت ) الْوَلِيُّ : ضِدُّ الْعَدُوِّ مِنْ تَلِيتُ الشَّيْءَ إذَا اعْتَنَيْتُ بِهِ ، كَمَا يَنْظُرُ الْوَلِيُّ حَالَ الْيَتِيمِ لِأَنَّ اللَّهَ يَنْظُرُ فِي أَمْرِ وَلِيِّهِ بِالْعِنَايَةِ .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَلَيْت الشَّيْءَ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَك وَبَيْنَهُ وَاسِطَة ، بِمَعْنَى أَنَّ الْوَلِيَّ يَقْطَعُ الْوَسَائِطَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى يَصِيرَ فِي مَقَامِ الْمُرَاقَبَةِ وَالْمُشَاهَدَةِ وَهُوَ مَقَامُ الْإِحْسَانِ ( وَبَارِكْ لَنَا ) الْبَرَكَةُ الزِّيَادَةُ ، أَوْ حُلُولُ الْخَيْرِ الْإِلَهِيّ فِي الشَّيْءِ ( فِيمَا أَعْطَيْت ) أَيْ : أَنْعَمْت بِهِ وَالْعَطِيَّةُ الْهِبَةُ .
( وَقِنَا شَرَّ مَا قَضَيْت إنَّك تَقْضِي وَلَا يُقْضَى عَلَيْك ) لَا رَادَّ لِأَمْرِهِ ، وَلَا مُعَقِّبَ

لِحُكْمِهِ ( إنَّهُ لَا يَذِلُّ مَنْ وَالَيْت ، وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْت تَبَارَكْت رَبَّنَا وَتَعَالَيْت ) رَوَاهُ أَحْمَدُ ، وَلَفْظُهُ لَهُ ، وَتَكَلَّمَ فِيهِ أَبُو دَاوُد وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ .
قَالَ { : عَلَّمَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَاتٍ أَقُولُهُنَّ فِي قُنُوتِ الْوِتْرِ : اللَّهُمَّ اهْدِنِي - إلَى - وَتَعَالَيْتَ } " وَلَيْسَ فِيهِ { وَلَا يَعِزُّ مَنْ عَادَيْتَ } " وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ وَأَثْبَتَهَا فِيهِ ، وَجَمَعَ ، وَالرِّوَايَةُ بِالْإِفْرَادِ لِيُشَارِكَ الْإِمَامَ الْمَأْمُومُ فِي الدُّعَاءِ ( اللَّهُمَّ إنَّا نَعُوذُ بِرِضَاك مِنْ سَخَطِك ، وَبِعَفْوِك مِنْ عُقُوبَتِك ، وَبِك مِنْك ) أَظْهَرَ الْعَجْزَ وَالِانْقِطَاعَ وَفَزِعَ إلَيْهِ مِنْهُ فَاسْتَعَاذَ بِهِ مِنْهُ .
( لَا نُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك ) أَيْ : لَا نُطِيقُهُ ( أَنْتَ كَمَا أَثَنَيْت عَلَى نَفْسِك ) اعْتِرَافٌ بِالْعَجْزِ عَنْ الثَّنَاءِ ، وَرَدٌّ إلَى الْمُحِيطِ عِلْمُهُ بِكُلِّ شَيْءٍ ، جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا ، رَوَى الْخَمْسَةُ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ فِي آخِرِ وِتْرِهِ { اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِك ، وَبِمُعَافَاتِك مِنْ عُقُوبَتِك ، وَأَعُوذُ بِك مِنْك لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك } " وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ .
قَالَ التِّرْمِذِيُّ : لَا نَعْرِفُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقُنُوتِ شَيْئًا أَحْسَنَ مِنْ هَذَا ، وَلَهُ أَنْ يَزِيدَ مَا شَاءَ مِمَّا يَجُوزُ بِهِ الدُّعَاءُ فِي الصَّلَاةِ ، .
قَالَ الْمَجْدُ : فَقَدْ صَحَّ عَنْ عُمَرَ " أَنَّهُ كَانَ يَقْنُتُ بِقَدْرِ مِائَةِ آيَةٍ " ( ثُمَّ يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) لِحَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ السَّابِقِ وَفِي آخِرِهِ " وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ .
وَعَنْ عُمَرَ " الدُّعَاءُ مَوْقُوفٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا يَصْعَدُ مِنْهُ شَيْءٌ حَتَّى تُصَلِّيَ عَلَى نَبِيِّك " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ .

( وَيُؤَمِّنُ مَأْمُومٌ ) عَلَى قُنُوتِ إمَامِهِ إنْ سَمِعَهُ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ ( وَيُفْرِدُ مُنْفَرِدٌ ) أَيْ : مُصَلٍّ وَحْدَهُ ( الضَّمِيرَ ) فَيَقُولُ : إنِّي أَسْتَعِيذُك ، اللَّهُمَّ اهْدِنِي إلَى آخِرِهِ ، وَيَجْهَرُ بِهِ نَصًّا ( ثُمَّ يَمْسَحُ وَجْهَهُ بِيَدَيْهِ هُنَا ) أَيْ : عَقِبَ الْقُنُوتِ ( وَخَارِجَ الصَّلَاةِ ) إذَا دَعَا ، لِعُمُومِ حَدِيثِ عُمَرَ { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى إذَا رَفَعَ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ لَمْ يَحُطَّهُمَا حَتَّى يَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ } " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ .
وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ { فَإِذَا فَرَغْت فَامْسَحْ بِهِمَا وَجْهَك } " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ { وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ إذَا أَرَادَ السُّجُودَ } " نَصًّا لِأَنَّ الْقُنُوتَ مَقْصُودٌ فِي الْقِيَامِ فَهُوَ كَالْقِرَاءَةِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي .

( وَكُرِهَ قُنُوتٌ فِي غَيْرِ وِتْرٍ ) حَتَّى فَجْرٍ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ لِحَدِيثِ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ قَالَ قُلْت لِأَبِي : ( يَا أَبَتِ إنَّكَ قَدْ صَلَّيْت خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ ، وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ ، هَهُنَا بِالْكُوفَةِ ، نَحْوَ خَمْسِ سِنِينَ ، أَكَانُوا يَقْنُتُونَ فِي الْفَجْرِ ؟ قَالَ : أَيْ : بُنَيَّ مُحْدَثٌ ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالنَّسَائِيُّ .
قَالَ التِّرْمِذِيُّ : حَسَنٌ صَحِيح وَالْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ .
وَعَنْ أَنَسٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ ، ثُمَّ تَرَكَهُ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ نَحْوُهُ مَرْفُوعًا ، وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ : ( أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْت ابْنِ عَبَّاسٍ يَقُولُ : إنَّ الْقُنُوتَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ بِدْعَةٌ ) رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ { مَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْنُتُ فِي الْفَجْرِ حَتَّى فَارَقَ الدُّنْيَا } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ : فَفِيهِ مَقَالٌ ، وَيُحْتَمَلُ : أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ : طُولَ الْقِيَامِ ، فَإِنَّهُ يُسَمَّى قُنُوتًا .

( إلَّا إنْ تَنْزِلَ بِالْمُسْلِمِينَ نَازِلَةٌ ) أَيْ : شِدَّةٌ مِنْ الشَّدَائِدِ ( فَيُسَنُّ لِإِمَامِ الْوَقْتِ ) أَيْ : الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ ( خَاصَّةً ) الْقُنُوتُ ( فِيمَا عَدَا الْجُمُعَةَ ) مِنْ الصَّلَوَاتِ لِرَفْعِ تِلْكَ النَّازِلَةِ وَأَمَّا الْجُمُعَةُ فَيَكْفِي الدُّعَاءُ فِي الْخُطْبَةِ ( وَيُجْهَرُ بِهِ ) أَيْ : الْقُنُوتُ لِلنَّازِلَةِ ( فِي ) صَلَاةٍ ( جَهْرِيَّةٍ ) كَالْقِرَاءَةِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ وَيَتَوَجَّهُ ، لَا يَقْنُتُ لِرَفْعِ الْوَبَاءِ فِي الْأَظْهَرِ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ الْقُنُوتُ فِي طَاعُونِ عَمَوَاسَ ، وَلَا فِي غَيْرِهِ وَلِأَنَّهُ شَهَادَةٌ لِلْأَخْيَارِ ، وَلَا يُسْأَلُ رَفْعُهُ .

( وَمَنْ ائْتَمَّ ) وَهُوَ لَا يَرَى الْقُنُوتَ فِي فَجْرٍ ( بِقَانِتٍ فِي فَجْرٍ .
تَابَعَ ) إمَامَهُ لِحَدِيثِ { إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ } ( وَأَمَّنَ ) عَلَى دُعَاءِ إمَامِهِ ، كَمَا لَوْ قَنَتَ لِنَازِلَةٍ ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ { قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَهْرًا مُتَتَابِعًا فِي الظُّهْرِ ، وَالْعَصْرِ ، وَالْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ ، وَالصُّبْحِ ، دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ ، إذَا قَالَ : سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ مِنْ الرَّكْعَةِ الْأَخِيرَةِ ، يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ ؛ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ ، وَيُؤَمِّنُ مَنْ خَلْفَهُ } .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ ، وَقَالَ : صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ ، وَيُسْتَحَبُّ إذَا فَرَغَ مِنْ وِتْرِهِ قَوْلَهُ : سُبْحَانَ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ ثَلَاثًا ، وَيَمُدُّ بِهَا صَوْتَهُ فِي الثَّالِثَةِ ، لِلْخَبَرِ ( وَالرَّوَاتِبُ الْمُؤَكَّدَةُ ) يُكْرَهُ تَرْكُهَا وَتَسْقُطُ عَدَالَةُ مُدَاوَمَةٍ .
وَيَجُوزُ لِزَوْجَةٍ وَأَجِيرٍ وَوَلَدٍ وَعَبْدٍ فِعْلُهَا مَعَ الْفَرْضِ وَلَا يَجُوزُ مَنْعُهُمْ ( عَشْرُ رَكَعَاتٍ : رَكْعَتَانِ قَبْلَ الظُّهْرِ ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَهَا وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْعِشَاءِ ، وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ الْفَجْرِ ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ { حَفِظْت عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ رَكَعَاتٍ : رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي بَيْتِهِ .
وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ فِي بَيْتِهِ ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الصُّبْحِ ، وَكَانَتْ سَاعَةً لَا يَدْخُلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا أَحَدٌ ، حَدَّثَتْنِي حَفْصَةُ : أَنَّهُ إذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ ، وَطَلَعَ الْفَجْرُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ ، } .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِثْلُهُ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا وَقَالَ : صَحِيحٌ ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ آكَدُ الرَّوَاتِبِ ( فَيُخَيَّرُ فِي ) فِعْلِ ( مَا عَدَاهُمَا وَ ) فِيمَا ( عَدَا وِتْرٍ سَفَرًا ) فَإِنْ شَاءَ فَعَلَهُ ، أَوْ تَرَكَهُ لِمَشَقَّةِ

السَّفَرِ ، فَأَمَّا رَكْعَتَا الْفَجْرِ فَيُحَافِظُ عَلَيْهِمَا حَضَرًا وَسَفَرًا لِمَا تَقَدَّمَ فِي رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ ، وَلِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { كَانَ يُسَبِّحُ عَلَى رَاحِلَتِهِ قِبَلَ أَيِّ وِجْهَةٍ تَوَجَّهَ ، وَيُوتِرُ عَلَيْهَا ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَةَ } " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .

( وَسُنَّ قَضَاءُ كُلٍّ ) مِنْ الرَّوَاتِبِ ، " لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ مَعَ الْفَجْرِ حِينَ نَامَ عَنْهُمَا ، وَقَضَى الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ بَعْدَ الْعَصْرِ " وَقِيسَ الْبَاقِي .
( وَ ) سُنَّ أَيْضًا قَضَاءُ ( وِتْرٍ ) لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ مَرْفُوعًا { مَنْ نَامَ عَنْ الْوِتْرِ ، أَوْ نَسِيَهُ فَلْيُصَلِّهِ إذَا أَصْبَحَ ، أَوْ ذَكَرَهُ } " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ .
( إلَّا مَا فَاتَ ) مِنْ رَوَاتِبَ ( مَعَ فَرْضِهِ وَكَثُرَ فَالْأَوْلَى تَرْكُهُ ) لِحُصُولِ الْمَشَقَّةِ بِهِ ( إلَّا سُنَّةَ فَجْرٍ ) فَيَقْضِيهَا مُطْلَقًا لِتَأَكُّدِهَا ( وَسُنَّةُ فَجْرٍ ، وَ ) سُنَّةُ ( ظُهْرٍ الْأَوْلَى بَعْدَهُمَا ) أَيْ : بَعْدَ الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ ( قَضَاءً ) لِأَنَّ السُّنَّةَ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَقْتُهَا مِنْ دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ إلَى فِعْلِ تِلْكَ الصَّلَاةِ فَإِذَا فُعِلَتْ بَعْدَهَا كَانَتْ قَضَاءً وَأَمَّا السُّنَّةُ بَعْدَ الصَّلَاةِ فَوَقْتُهَا : مِنْ فِعْلِ تِلْكَ الصَّلَاةِ إلَى خُرُوجِ وَقْتِهَا .

( وَالسُّنَنُ غَيْرُ الرَّوَاتِبِ عِشْرُونَ ) رَكْعَةً ( أَرْبَعٌ قَبْلَ الظُّهْرِ : وَأَرْبَعٌ بَعْدَهَا وَأَرْبَعٌ قَبْلَ الْعَصْرِ وَأَرْبَعٌ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَأَرْبَعٌ بَعْدَ الْعِشَاءِ ) لِحَدِيثِ أُمِّ حَبِيبَةَ مَرْفُوعًا { مَنْ حَافَظَ عَلَى أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الظُّهْرِ وَأَرْبَعٍ بَعْدَهَا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ } " صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ .
وَحَدِيثِ عَلِيٍّ فِي صِفَةِ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذُكِرَ فِيهِ { أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي أَرْبَعًا قَبْلَ الْعَصْرِ } " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ ، وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { مَنْ صَلَّى بَعْدَ الْمَغْرِبِ سِتَّ رَكَعَاتٍ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِيهِنَّ بِسُوءٍ عَدَلْنَ لَهُ بِعِبَادَةِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سُنَّةً } " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَفِي إسْنَادِهِ : عَمْرُو بْنُ أَبِي خَثْعَمَ ضَعَّفَهُ الْبُخَارِيُّ .
وَعَنْ عَائِشَةَ { مَا صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِشَاءَ قَطُّ إلَّا صَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ ، أَوْ سِتَّ رَكَعَاتٍ } " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
( وَيُبَاحُ اثْنَتَانِ بَعْدَ أَذَانِ الْمَغْرِبِ ) قَبْلَ صَلَاتِهَا لِحَدِيثِ أَنَسٍ { كُنَّا نُصَلِّي عَلَى عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ ، قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ } " .
قَالَ الْمُخْتَارُ بْنُ فُلْفُلٍ : فَقُلْت لَهُ " أَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّاهُمَا ؟ قَالَ : كَانَ يَرَانَا نُصَلِّيهِمَا فَلَمْ يَأْمُرْنَا وَلَمْ يَنْهَنَا " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ( وَ ) يُبَاحُ أَيْضًا رَكْعَتَانِ بَعْدَ الْوِتْرِ ( جَالِسًا ) .
قَالَ الْأَثْرَمُ : سَمِعْت أَبَا عَبْدِ اللَّهِ سُئِلَ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْوِتْرِ ؟ فَقَالَ : أَرْجُو إنْ فَعَلَهُ إنْسَانٌ أَلَّا يُضَيَّقَ عَلَيْهِ وَلَكِنْ يَكُونُ وَهُوَ جَالِسٌ كَمَا جَاءَ الْحَدِيثُ قُلْت : تَفْعَلُهُ أَنْتَ ؟ قَالَ : لَا مَا أَفْعَلُهُ أَيْ : لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ أَكْثَرُ الْوَاصِفِينَ لِتَهَجُّدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

( وَفِعْلُ ) السُّنَنِ ( الْكُلِّ ) الرَّوَاتِبِ وَالْوِتْرِ وَغَيْرِهَا ( بِبَيْتٍ أَفْضَلُ ) مِنْ فِعْلِهَا بِالْمَسْجِدِ لِحَدِيثِ { عَلَيْكُمْ بِالصَّلَاةِ فِي بُيُوتِكُمْ ، فَإِنَّ خَيْرَ صَلَاةِ الْمَرْءِ فِي بَيْتِهِ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ } " رَوَاهُ مُسْلِمٌ لَكِنْ مَا شُرِعَ لَهُ الْجَمَاعَةُ مُسْتَثْنًى أَيْضًا وَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى نَفْلُ الْمُعْتَكِفِ .

( وَسُنَّ فَصْلٌ بَيْنَ فَرْضٍ وَسُنَّتِهِ ) قَبْلِيَّةُ كَانَتْ ، أَوْ بَعْدِيَّةً ( بِقِيَامٍ ، أَوْ كَلَامٍ ) لِقَوْلِ مُعَاوِيَةَ { : إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرْنَا أَنْ لَا نُوصِلَ صَلَاةً ، حَتَّى نَتَكَلَّمَ ، أَوْ نَخْرُجَ } " رَوَاهُ مُسْلِمٌ .

( وَتُجْزِئُ سُنَّةُ ) صَلَاةٍ ( عَنْ تَحِيَّةِ مَسْجِدٍ ) لِأَنَّ الْقَصْدَ مِنْهَا أَنْ يَبْدَأَ الدَّاخِلُ بِالصَّلَاةِ ، وَقَدْ وُجِدَ ( وَلَا عَكْسَ ) فَلَا تُجْزِئُ تَحِيَّةٌ عَنْ سُنَّةٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهَا { وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى } " .

( وَإِنْ نَوَى بِرَكْعَتَيْنِ التَّحِيَّةَ وَالسُّنَّةَ ) حَصَلَا لِأَنَّهُ نَوَاهُمَا ( أَوْ ) نَوَى بِصَلَاةٍ التَّحِيَّةَ ( وَالْفَرْضَ ، حَصَلَا ) أَيْ : التَّحِيَّةُ وَمَا نَوَاهُ مَعَهَا أَمَّا التَّحِيَّةُ فَلِبَدْئِهِ بِالصَّلَاةِ مَعَ نِيَّتِهَا وَأَمَّا مَا نَوَاهُ مَعَهَا ، فَلِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا يَقْدَحُ فِي صِحَّتِهِ كَمَا لَوْ اغْتَسَلَ يَنْوِي الْجَنَابَةَ وَالْجُمُعَةَ وَلَا تَحْصُلُ تَحِيَّةٌ بِرَكْعَةٍ ، وَلَا بِصَلَاةِ جَنَازَةٍ ، وَسُجُودِ تِلَاوَةٍ وَشُكْرٍ .

( وَالتَّرَاوِيحُ ) سُنَّةٌ مُؤَكَّدَةٌ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ أَرْبَعًا وَيَتَرَوَّحُونَ سَاعَةً ، أَيْ : يَسْتَرِيحُونَ وَهِيَ ( عِشْرُونَ رَكْعَةً بِرَمَضَانَ جَمَاعَةً ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي فِي شَهْرِ رَمَضَانَ عِشْرِينَ رَكْعَةً } " رَوَاهُ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ فِي الشَّافِي بِإِسْنَادِهِ .
وَعَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ " كَانَ النَّاسُ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَقُومُونَ فِي رَمَضَانَ بِثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ رَكْعَةً " رَوَاهُ مَالِكٌ وَلَعَلَّ مَنْ زَادَ عَلَى ذَلِكَ فَعَلَهُ زِيَادَةَ تَطَوُّعٍ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّاهَا لَيَالِيَ فَصَلَّوْهَا مَعَهُ ، ثُمَّ تَأَخَّرَ وَصَلَّاهَا فِي بَيْتِهِ بَاقِيَ الشَّهْرِ وَقَالَ : إنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ فَتَعْجِزُوا عَنْهَا } " .
وَفِي الْبُخَارِيِّ " أَنَّ عُمَرَ جَمَعَ النَّاسَ عَلَى أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ فَصَلَّى بِهِمْ التَّرَاوِيحَ " ( يُسَلِّمُ مِنْ كُلِّ اثْنَتَيْنِ ، بِنِيَّةِ أَوَّلَ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ ) لِحَدِيثِ { صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى } " فَيَنْوِي أَنَّهُمَا مِنْ التَّرَاوِيحِ أَوْ مِنْ قِيَامِ رَمَضَانَ ( وَيُسْتَرَاحُ بَيْنَ ) أَيْ : بَعْدَ ( كُلِّ أَرْبَعِ ) رَكَعَاتٍ ، بِلَا دُعَاءٍ إذَنْ .
وَكَانَ أَهْلُ مَكَّةَ يَطُوفُونَ بَيْنَ كُلِّ تَرْوِيحَتَيْنِ أُسْبُوعًا وَيُصَلُّونَ رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ ( وَلَا بَأْسَ ) بِدُعَائِهِ بَعْدَ التَّرَاوِيحِ وَلَا ( بِزِيَادَةٍ ) عَلَى الْعِشْرِينَ نَصًّا ، وَقَالَ : رُوِيَ فِي هَذَا أَلْوَانٌ وَلَمْ يُقْضَ فِيهِ بِشَيْءٍ ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ : رَأَيْت أَبِي يُصَلِّي فِي رَمَضَانَ مَا لَا أُحْصِي .

( وَوَقْتُهَا ) أَيْ : التَّرَاوِيحِ ( بَيْنَ سُنَّةِ عِشَاءٍ وَوِتْرٍ ) لِأَنَّ سُنَّةَ الْعِشَاءِ يُكْرَهُ تَأْخِيرُهَا عَنْ وَقْتِ الْعِشَاءِ الْمُخْتَار ، فَإِتْبَاعُهَا بِهَا أَوْلَى وَأَشْبَهُ ، وَالتَّرَاوِيحُ لَا يُكْرَهُ مَدُّهَا وَتَأْخِيرُهَا بَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ ، فَهِيَ بِالْوِتْرِ أَشْبَهُ فَلَا تَصِحُّ قَبْلَ الْعِشَاءِ فَلَوْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَالتَّرَاوِيحَ ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ تَرَكَ مِنْ الْعِشَاءِ مَا يُبْطِلُهَا أَعَادَ التَّرَاوِيحَ ، وَلَهُ فِعْلُهَا بَعْدَ الْعِشَاءِ قَبْلَ سُنَّتِهَا لَكِنَّ الْأَفْضَلَ بَعْدَهَا أَيْضًا ، لِمَا تَقَدَّمَ .

( وَ ) التَّرَاوِيحُ ( بِمَسْجِدٍ ) أَفْضَلُ مِنْهَا بِبَيْتٍ ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ النَّاسَ عَلَيْهَا ثَلَاثَ لَيَالٍ مُتَوَالِيَةً ، كَمَا رَوَتْهُ عَائِشَةُ ، وَمَرَّةً ثَلَاثَ لَيَالٍ مُتَفَرِّقَةٍ ، كَمَا رَوَاهُ أَبُو ذَرٍّ وَقَالَ : { مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ حُسِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ } " وَكَانَ أَصْحَابُهُ يَفْعَلُونَهَا فِي الْمَسْجِدِ أَوْزَاعًا فِي جَمَاعَاتٍ مُتَفَرِّقَةٍ فِي عَهْدِهِ عَنْ عِلْمٍ مِنْهُ بِذَلِكَ ، وَإِقْرَارٍ عَلَيْهِ ، وَلَمْ يُدَاوِمْ عَلَيْهَا ، خَشْيَةَ أَنْ تُفْرَضَ ، وَقَدْ أُمِنَ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ .
( وَ ) فِعْلُهَا ( أَوَّلَ اللَّيْلِ أَفْضَلُ ) لِظَاهِرِ مَا تَقَدَّمَ ( وَ ) السُّنَّةُ أَنْ ( يُوتِرَ بَعْدَهَا ) أَيْ : التَّرَاوِيحِ ( فِي جَمَاعَةٍ ) لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ أَهْلَهُ وَأَصْحَابَهُ وَقَالَ : إنَّهُ مَنْ قَامَ مَعَ الْإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ ، حُسِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ } " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْإِمَامَ لَا يَنْصَرِفُ حَتَّى يُوتِرَ ( وَالْأَفْضَلُ لِمَنْ لَهُ تَهَجُّدٌ ، أَنْ يُوتِرَ بَعْدَهُ ) لِحَدِيثِ { اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا } " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَإِنْ أَحَبَّ مُتَابَعَةَ إمَامِهِ قَامَ إذَا سَلَّمَ إمَامُهُ مِنْ وِتْرِهِ ، فَشَفَعَهَا بِأُخْرَى ثُمَّ يُوتِرُ بَعْدَ تَهَجُّدِهِ .

( وَإِنْ ، أَوْتَرَ ) وَحْدَهُ ، أَوْ مَعَ الْإِمَامِ ( ثُمَّ أَرَادَهُ ) أَيْ : التَّهَجُّدَ ( لَمْ يَنْقُضْهُ ) أَيْ : لَمْ يَشْفَعْ وِتْرَهُ بِوَاحِدَةٍ ( وَصَلَّى ) تَهَجُّدَهُ ( وَلَمْ يُوتِرْ ) لِحَدِيثِ { لَا وِتْرَانِ فِي لَيْلَةٍ } " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد .
وَصَحَّ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كَانَ يُصَلِّي بَعْدَ الْوِتْرِ رَكْعَتَيْنِ } " " وَسُئِلَتْ عَائِشَةُ عَنْ الَّذِي يَنْقُضُ وِتْرَهُ ، فَقَالَتْ : ذَاكَ الَّذِي يَلْعَبُ بِوِتْرِهِ " رَوَاهُ سَعِيدٌ وَغَيْرُهُ .
( وَالتَّهَجُّدُ ) الصَّلَاةُ ( بَعْدَ نَوْمٍ ) لَيْلًا ( وَالنَّاشِئَةُ : مَا ) صَلَّى ( بَعْدَ رَقْدَةٍ ) قَالَ أَحْمَدُ : النَّاشِئَةُ لَا تَكُونُ إلَّا بَعْدَ رَقْدَةٍ ، وَمَنْ لَمْ يَرْقُدْ فَلَا نَاشِئَةَ لَهُ ، وَهِيَ أَشَدُّ وَطْئًا : أَيْ : تَثَبُّتًا ، تَفْهَمُ مَا تَقْرَأُ ، وَتَعِي أُذُنُكَ .

( وَكُرِهَ تَطَوُّعٌ بَيْنَهَا ) أَيْ : التَّرَاوِيحُ لِأَنَّهَا رَغْبَةٌ عَنْ إمَامِهِ .
وَرُوِيَ عَنْ ثَلَاثَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ : عُبَادَةَ ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ ، وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ ، وَذُكِرَ لِأَحْمَدَ فِيهِ رُخْصَةٌ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ ؟ فَقَالَ : هَذَا بَاطِلٌ .

وَ ( لَا ) يُكْرَهُ ( طَوَافٌ ) بَيْنَ التَّرَاوِيحِ لِمَا تَقَدَّمَ ، وَظَاهِرُهُ : وَلَا سُنَّةٌ .
( وَ ) لَا يُكْرَهُ أَيْضًا ( تَعْقِيبٌ ، وَهُوَ صَلَاتُهُ بَعْدَهَا ) أَيْ : التَّرَاوِيحِ ( وَبَعْدَ وِتْرٍ جَمَاعَةً ) نَصًّا وَلَوْ رَجَعُوا إلَيْهِ قَبْلَ النَّوْمِ ، ، أَوْ لَمْ يُؤَخِّرُوهُ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ لِقَوْلِ أَنَسٍ " لَا تَرْجِعُونَ إلَّا لِخَيْرٍ تَرْجُونَهُ " وَلِأَنَّهُ خَيْرٌ وَطَاعَةٌ ، .

وَلَا يُسْتَحَبُّ لِإِمَامٍ زِيَادَةٌ عَلَى خَتْمَةٍ فِي تَرَاوِيحَ إلَّا أَنْ يُوتِرُوهَا وَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُمْ أَنْ يُنْقِصُوا عَنْ خَتْمَةٍ لِيَحُوزُوا فَضْلَهَا ، وَيَفْتَتِحُهَا أَوَّلَ لَيْلَةٍ بِسُورَةِ الْقَلَمِ : فَإِنَّهَا أَوَّلُ مَا نَزَلَ ثُمَّ يَسْجُدُ ، ثُمَّ يَقُومُ ، فَيَقْرَأُ مِنْ الْبَقَرَةِ نَصًّا وَلَعَلَّهُ بَلَغَهُ فِيهِ أَثَرٌ وَيَجْعَلُ خَاتِمَةَ الْقُرْآنِ فِي آخِرِ رَكْعَةٍ وَيَدْعُو عَقِبَهَا قَبْلَ رُكُوعِهِ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ وَيُطِيلُ نَصًّا .

فَصْلٌ وَصَلَاةُ اللَّيْلِ أَيْ : النَّفَلُ الْمُطْلَقُ فِيهِ ( أَفْضَلُ ) مِنْ النَّفْلِ الْمُطْلَقِ بِالنَّهَارِ لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { أَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ : صَلَاةُ اللَّيْلِ } " وَلِأَنَّهُ مَحَلُّ الْغَفْلَةِ وَعَمَلُ السِّرِّ أَفْضَلُ مِنْ عَمَلِ الْعَلَانِيَةِ ، وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهَا ( وَنِصْفُهُ ) أَيْ : اللَّيْلِ ( الْأَخِيرُ : أَفْضَلُ مِنْ ) نِصْفِهِ ( الْأَوَّلِ ) لِحَدِيثِ مُسْلِمٍ { يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا ، إذَا مَضَى شَطْرُ اللَّيْلِ ، أَوْ ثُلُثَاهُ إلَخْ } " قَالَ ابْن حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ : يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النُّزُولُ فِي بَعْضِ اللَّيَالِيِ هَكَذَا .
وَفِي بَعْضِهَا هَكَذَا ( وَ ) نِصْفُهُ الْأَخِيرُ : أَفْضَلُ ( مِنْ الثُّلُثِ الْأَوْسَطِ ) لِلْخَبَرِ ( وَالثُّلُثُ بَعْدَ النِّصْفِ ) أَيْ : الَّذِي يَلِي النِّصْفَ الْأَوَّلَ ( أَفْضَلُ مُطْلَقًا ) نَصًّا لِحَدِيثِ { أَفْضَلُ الصَّلَاةِ صَلَاةُ دَاوُد كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ ، وَيَنَامُ سُدُسَهُ } " .
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي صِفَةِ تَهَجُّدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَنَّهُ نَامَ حَتَّى انْتَصَفَ اللَّيْلُ ، أَوْ قَبْلَهُ بِقَلِيلٍ ، ، أَوْ بَعْدَهُ بِقَلِيلٍ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ فَوَصَفَ تَهَجُّدَهُ وَقَالَ : ثُمَّ ، أَوْتَرَ ، ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى جَاءَهُ الْمُؤَذِّنُ } " .
( وَسُنَّ قِيَامُ اللَّيْلِ ) لِحَدِيثِ { عَلَيْكُمْ بِقِيَامِ اللَّيْلِ ، فَإِنَّهُ دَأْبُ الصَّالِحِينَ قَبْلَكُمْ ، وَهُوَ قُرْبَةٌ لَكُمْ إلَى رَبِّكُمْ ، وَمَكْفَرَةٌ لِلسَّيِّئَاتِ .
وَمَنْهَاةٌ عَنْ الْإِثْمِ } " رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَقَالَ : عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ .

( وَ ) يُسَنُّ ( افْتِتَاحُهُ ) أَيْ : قِيَامُ اللَّيْلِ ( بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنْ اللَّيْلِ فَلْيَفْتَتِحْ صَلَاتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ } " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَمُسْلِمٌ .

( وَ ) سُنَّ ( نِيَّتُهُ ) أَيْ : قِيَامِ اللَّيْلِ ( عِنْدَ ) إرَادَةِ ( النَّوْمِ ) لِحَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا { مَنْ نَامَ وَنِيَّتُهُ أَنْ يَقُومَ ، كُتِبَ لَهُ مَا نَوَى ، وَكَانَ نَوْمُهُ صَدَقَةً عَلَيْهِ } " حَدِيثٌ حَسَنٌ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ .

( وَكَانَ ) قِيَامُ اللَّيْلِ ( وَاجِبًا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { قُمْ اللَّيْلَ إلَّا قَلِيلًا } الْآيَةَ " ( وَلَمْ يُنْسَخْ ) وُجُوبُهُ عَلَيْهِ وَقَطَعَ فِي الْفُصُولِ وَالْمُسْتَوْعِبِ : بِنَسْخِهِ .

وَهَلْ الْوِتْرُ قِيَامُ اللَّيْلِ ، أَوْ غَيْرُهُ ؟ احْتِمَالَانِ الْأَظْهَرُ : الثَّانِي قَالَهُ فِي الْإِقْنَاعِ .

( وَوَقْتُهُ ) أَيْ : وَقْتُ قِيَامِ اللَّيْلِ ( مِنْ الْغُرُوبِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ ) الثَّانِي قَالَ أَحْمَدُ : قِيَامُ اللَّيْلِ مِنْ الْمَغْرِبِ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ .

( وَتُكْرَهُ مُدَاوَمَتُهُ ) أَيْ : قِيَامُ اللَّيْلِ { لِقَوْلِهِ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَا عَبْدَ اللَّهِ ، أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّك تَصُومُ النَّهَارَ وَتَقُومُ اللَّيْلَ ؟ قُلْت : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : فَلَا تَفْعَلْ صُمْ وَأَفْطِرْ وَقُمْ وَنَمْ .
فَإِنَّ لِجَسَدِك عَلَيْك حَقًّا وَلِزَوْجِك عَلَيْك حَقًّا } " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَحَمَلَهُ فِي حَاشِيَةِ التَّنْقِيحِ عَلَى مُدَاوَمَةِ قِيَامِهِ كُلِّهِ ، وَقَدْ ذَكَرْتُ كَلَامَهُ فِي الْحَاشِيَةِ .

( وَلَا يَقُومُهُ ) أَيْ : اللَّيْلَ ( كُلَّهُ ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ " مَا عَلِمْتُ { النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ لَيْلَةً حَتَّى الصَّبَاحِ } " وَظَاهِرُهُ حَتَّى لَيَالِي الْعَشْرِ وَاسْتَحَبَّهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَقَالَ : قِيَامُ بَعْضِ اللَّيَالِي كُلِّهَا مِمَّا جَاءَتْ بِهِ السُّنَّةُ ( إلَّا لَيْلَةَ عِيدِ ) فِطْرٍ وَأَضْحَى وَفِي مَعْنَاهَا : لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ لِلْخَبَرِ ( وَصَلَاةُ لَيْلٍ وَنَهَارٍ مَثْنَى ) أَيْ : يُسَلِّمُ فِيهَا مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { صَلَاةُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مَثْنَى مَثْنَى } رَوَاهُ الْخَمْسَةُ ، وَاحْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ .
وَلَا يُعَارِضُهُ حَدِيثُ { صَلَاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى } " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ وَقَعَ جَوَابًا لِسُؤَالِ سَائِلٍ عَيَّنَهُ فِي سُؤَالِهِ وَلَا النُّصُوصُ بِمُطْلَقِ الْأَرْبَعِ لِأَنَّهَا لَا تَنْفِي فَضْلَ الْفَصْلِ بِالسَّلَامِ .

( وَإِنْ تَطَوَّعَ نَهَارًا بِأَرْبَعٍ فَلَا بَأْسَ ) لِحَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ مَرْفُوعًا { كَانَ يُصَلِّي قَبْلَ الظُّهْرِ أَرْبَعًا ، لَا يَفْصِلُ بَيْنَهُنَّ بِتَسْلِيمٍ } " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ .
( وَ ) كَوْنُ الْأَرْبَعِ ( بِتَشَهُّدَيْنِ ) كَالظُّهْرِ ( أَوْلَى ) مِنْ كَوْنِهَا سَرْدًا لِأَنَّهُ أَكْثَرُ عَمَلًا ( وَيَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ) مِنْ أَرْبَعٍ تَطَوُّعًا نَهَارًا ( مَعَ الْفَاتِحَةِ سُورَةً ) كَسَائِرِ التَّطَوُّعَاتِ .
( وَإِنْ زَادَ عَلَى أَرْبَعِ ) رَكَعَاتٍ ( نَهَارًا ) صَحَّ وَكُرِهَ ( أَوْ ) زَادَ عَلَى ( ثِنْتَيْنِ لَيْلًا ، وَلَوْ جَاوَزَ ثَمَانِيًا ) نَهَارًا ، أَوْ لَيْلًا ( بِسَلَامٍ وَاحِدٍ صَحَّ ) ذَلِكَ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { صَلَّى الْوِتْرَ خَمْسًا ، وَسَبْعًا ، وَتِسْعًا بِسَلَامٍ وَاحِدٍ } " وَهُوَ تَطَوُّعٌ فَأُلْحِقَ بِهِ سَائِرُ التَّطَوُّعَاتِ .
وَعَنْ أُمِّ هَانِئٍ مَرْفُوعًا { صَلَّى يَوْمَ الْفَتْحِ الضُّحَى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ لَمْ يَفْصِلْ بَيْنَهُنَّ } " وَلَا يُنَافِيهِ مَا رُوِيَ عَنْهَا أَيْضًا { أَنَّهُ سَلَّمَ مِنْ كُلِّ رَكْعَتَيْنِ } " لِإِمْكَانِ التَّعَدُّدِ ( وَكُرِهَ ) لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ قُلْت : إلَّا فِي الْوِتْرِ وَالضُّحَى ، لِوُرُودِهِ ( وَيَصِحُّ تَطَوُّعٌ بِرَكْعَةٍ وَنَحْوِهَا ) كَثَلَاثٍ وَخَمْسٍ ، قِيَاسًا عَلَى الْوِتْرِ وَفِي الْإِقْنَاعِ : مَعَ الْكَرَاهَةِ .

( وَلَا تَصِحُّ صَلَاةُ مُضْطَجِعٍ غَيْرِ مَعْذُورٍ ) وَلَوْ نَفْلًا لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ ، وَدَلَّتْ النُّصُوصُ عَلَى افْتِرَاضِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالِاعْتِدَالِ عَنْهُمَا مَعَ عَدَمِ الْمُخَصِّصِ .

( وَأَجْرُ ) صَلَاةِ ( قَاعِدٍ عَلَى نِصْفِ ) أَجْرِ ( صَلَاةِ قَائِمٍ ) لِحَدِيثِ { مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهُوَ أَفْضَلُ .
وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ أَجْرُ نِصْفِ الْقَائِمِ } " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ( إلَّا الْمَعْذُورَ ) فَأَجْرُهُ قَاعِدًا كَأَجْرِهِ قَائِمًا لِلْعُذْرِ .

( وَسُنَّ تَرَبُّعُهُ ) أَيْ : الْمُصَلِّي جَالِسًا لِعُذْرٍ ، أَوْ غَيْرِهِ ( بِمَحَلِّ قِيَامٍ ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ { رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي مُتَرَبِّعًا } " رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ : عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ .
( وَ ) سُنَّ لَهُ أَيْضًا ( ثَنْيُ رِجْلَيْهِ بِرُكُوعٍ ) أَيْ : حَالَ رُكُوعِهِ ( وَسُجُودٍ ) .
رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ ، وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الرُّكُوعِ ، إنْ شَاءَ مِنْ قِيَامٍ ، وَإِنْ شَاءَ مِنْ قُعُودٍ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ الْأَمْرَيْنِ ( وَكَثْرَتُهُمَا ) أَيْ : الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ( أَفْضَلُ مِنْ طُولِ قِيَامٍ ) فِي غَيْرِ مَا وَرَدَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَطْوِيلُهُ ، كَصَلَاةِ كُسُوفٍ لِحَدِيثِ { أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ } " وَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالِاسْتِكْثَارِ مِنْ السُّجُودِ فِي غَيْرِ حَدِيثٍ وَلِأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ أَفْضَلُ وَآكَدُ لِأَنَّهُ يَجِبُ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ ، وَلَا يُبَاحُ بِحَالٍ إلَّا لِلَّهِ تَعَالَى بِخِلَافِ الْقِيَامِ ، وَالتَّطَوُّعُ سِرًّا أَفْضَلُ وَلَا بَأْسَ بِالْجَمَاعَةِ فِيهِ .
قَالَ الْمَجْدُ وَغَيْرُهُ : إلَّا أَنْ يُتَّخَذَ عَادَةً وَسُنَّةً .

( وَتُسَنُّ صَلَاةُ الضُّحَى ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ وَغَيْرِهِمَا ( غِبًّا ) بِأَنْ يُصَلِّيَهَا فِي بَعْضِ الْأَيَّامِ دُونَ بَعْضٍ ، لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الضُّحَى ، حَتَّى نَقُولَ : لَا يَدَعُهَا .
وَيَدَعُهَا حَتَّى نَقُولَ : لَا يُصَلِّيهَا } " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ ، وَقَالَ : حَسَنٌ غَرِيبٌ وَلِأَنَّهَا دُونَ الْفَرَائِضِ وَالسُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ ، فَلَا تُشَبَّهُ بِهِمَا .
( وَأَقَلُّهَا رَكْعَتَانِ ) لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّاهَا دُونَهُمَا وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { وَرَكْعَتَيْ الضُّحَى } " وَصَلَّاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعًا كَمَا فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَسِتًّا كَمَا فِي حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ ( وَأَكْثَرُهَا ثَمَانٍ ) لِحَدِيثِ أُمِّ هَانِئٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْفَتْحِ صَلَّى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ سُبْحَةَ الضُّحَى } " رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ .

( وَوَقْتُهَا ) أَيْ : صَلَاةُ الضُّحَى ( مِنْ خُرُوج وَقْتِ النَّهْيِ ، أَيْ : ارْتِفَاعِ الشَّمْسِ قَدْرَ رُمْحٍ ) لِحَدِيثِ { قَالَ اللَّهُ : ابْنَ آدَمَ ارْكَعْ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ ، أَكْفِك آخِرَهُ } " رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ ( إلَى قُبَيْلَ الزَّوَالِ ) أَيْ : إلَى دُخُولِ وَقْتِ النَّهْيِ بِقِيَامِ الشَّمْسِ ( وَأَفْضُلُهُ ) أَيْ : وَقْتُ صَلَاةِ الضُّحَى ( إذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ ) لِحَدِيثِ { صَلَاةُ الْأَوَّابِينَ : حِينَ تَرْمَضُ الْفِصَالُ } " رَوَاهُ مُسْلِمٌ .

( وَ ) تُسَنُّ ( صَلَاةُ الِاسْتِخَارَةِ ، وَلَوْ فِي خَيْرٍ ) كَحَجٍّ وَعُمْرَةٍ ( وَيُبَادِرُ بِهِ ) أَيْ : الْخَيْرِ ( بَعْدَهَا ) أَيْ : الِاسْتِخَارَةِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ { كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا ، كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ .
يَقُولُ : إذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالْأَمْرِ ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ .
ثُمَّ لِيَقُلْ : اللَّهُمَّ إنِّي أَسْتَخِيرُك بِعِلْمِك ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِك ، وَأَسْأَلُك مِنْ فَضْلِك الْعَظِيمِ فَإِنَّك تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ ، وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ اللَّهُمَّ إنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي ، أَوْ قَالَ فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَيَسِّرْهُ لِي وَبَارِكْ لِي فِيهِ .
وَإِنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي ، وَعَاقِبَةِ أَمْرِي ، أَوْ قَالَ : فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ فَاصْرِفْهُ عَنِّي ، وَاصْرِفْنِي عَنْهُ ، وَقَدِّرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ ، ثَمَّ أَرْضِنِي بِهِ وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ } .
" أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَفِيهِ ( ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ ) ( وَ ) تُسَنُّ ( صَلَاةُ الْحَاجَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى ، ، أَوْ ) إلَى ( آدَمِيٍّ ) لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى مَرْفُوعًا { مَنْ كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ إلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، أَوْ إلَى أَحَدٍ مِنْ بَنِي آدَمَ فَلْيَتَوَضَّأْ وَلْيُحْسِنْ الْوُضُوءَ ثُمَّ لِيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ لِيُثْنِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَلْيُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ لِيَقُلْ : لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْحَلِيمُ الْكَرِيمُ ، لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ سُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَسْأَلُك مُوجِبَاتِ رَحْمَتِك ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِك ، وَالْغَنِيمَةَ مِنْ كُلِّ بِرٍّ ، وَالسَّلَامَةَ مِنْ كُلِّ إثْمٍ ، لَا تَدَعَ لِي ذَنْبًا إلَّا غَفْرَتَهُ .
وَلَا هَمًّا إلَّا فَرَّجْته ، وَلَا حَاجَةً

هِيَ لَك رِضًا إلَّا قَضَيْتَهَا يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ } .
" رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : غَرِيبٌ .
( وَ ) تُسَنُّ ( صَلَاةُ التَّوْبَةِ ) لِحَدِيثِ { مَا مِنْ رَجُلٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا ، ثُمَّ يَقُومُ فَيَتَطَهَّرُ ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ إلَّا غُفِرَ لَهُ ، ثُمَّ قَرَأَ { " وَاَلَّذِينَ إذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً ، أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ } إلَى آخِرِ الْآيَةِ } .
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ ، وَفِي إسْنَادِهِ ، مَقَالٌ ( وَ ) تُسَنُّ الصَّلَاةُ ( عَقِبَ الْوُضُوءِ ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { قَالَ لِبِلَالٍ عِنْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ : يَا بِلَالُ ، حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الْإِسْلَامِ ، فَإِنِّي سَمِعْت دُفَّ نَعْلَيْك بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْجَنَّةِ فَقَالَ : مَا عَمِلْت عَمَلًا أَرْجَى عِنْدِي : أَنِّي لَمْ أَتَطَهَّرْ طَهُورًا فِي سَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ ، أَوْ نَهَارٍ إلَّا صَلَّيْت بِذَلِكَ الطَّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَنْ أُصَلِّيَ } " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَفْظُهُ لِلْبُخَارِيِّ فِ ( لِكُلٍّ ) مِنْ الِاسْتِخَارَةِ وَالْحَاجَةِ وَالتَّوْبَةِ وَعَقِبِ الْوُضُوءِ ( رَكْعَتَانِ ) لِمَا تَقَدَّمَ .

وَ ( لَا ) تُسَنُّ ( صَلَاةُ التَّسْبِيحِ ) لِقَوْلِ أَحْمَدَ : مَا تُعْجِبُنِي قِيلَ : لِمَ ؟ قَالَ : لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ يَصِحُّ ، وَنَفَضَ يَدَهُ كَالْمُنْكِرِ وَقَالَ الْمُوَفَّقُ : إنْ فَعَلَهَا إنْسَانٌ فَلَا بَأْسَ فَإِنَّ النَّوَافِلَ وَالْفَضَائِلَ لَا تُشْتَرَطُ صِحَّةُ الْحَدِيثِ فِيهَا وَهِيَ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً ، ثُمَّ يَقُولُ قَبْلَ أَنْ يَرْكَعَ : سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ ، خَمْسَةَ عَشْرَ مَرَّةً ، ثُمَّ يَقُولُهَا فِي رُكُوعِهِ عَشْرًا .
ثُمَّ فِي الِاعْتِدَالِ مِنْهُ عَشْرًا ثُمَّ فِي السَّجْدَةِ الْأَوْلَى ثُمَّ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ ، ثُمَّ فِي السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ ، ثُمَّ بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْهَا عَشْرًا عَشْرًا وَذَلِكَ خَمْسٌ وَسَبْعُونَ ثُمَّ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ كَذَلِكَ .

وَصَلَاةُ الرَّغَائِبِ وَالْأَلْفِيَّةِ لَيْلَةَ نِصْفِ شَعْبَانَ : بِدْعَةٌ لَا أَصْلَ لَهُمَا قَالَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ .

وَقَالَ : أَمَّا لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَفِيهَا فَضْلٌ وَكَانَ مِنْ السَّلَفِ مَنْ يُصَلِّي فِيهَا لَكِنَّ الِاجْتِمَاعَ فِي الْمَسَاجِدِ لِإِحْيَائِهَا بِدْعَةٌ .
ا هـ .
وَفِي اسْتِحْبَابِ قِيَامِهَا مَا فِي لَيْلَةِ الْعِيدِ ذَكَرَهُ فِي اللَّطَائِفِ .

فَصْلٌ وَسُجُودُ تِلَاوَةٍ وَسُجُودُ شُكْرٍ كَنَافِلَةٍ الصَّلَاةُ ذَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ ( فِيمَا يُعْتَبَرُ ) لَهَا مِنْ شُرُوطِ الصَّلَاةِ ( وَسُنَّ ) السُّجُودُ ( لِتِلَاوَةٍ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { إنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا } " وَحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ عَلَيْنَا السُّورَةَ فِيهَا السَّجْدَةُ ، فَيَسْجُدُ وَنَسْجُدُ مَعَهُ ، حَتَّى مَا يَجِدُ أَحَدُنَا مَوْضِعًا لِجَبْهَتِهِ } " .
وَلِمُسْلِمٍ { فِي غَيْرِ صَلَاةٍ } " وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ لِحَدِيثِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ { قَرَأْت عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَالنَّجْمِ } .
فَلَمْ يَسْجُدْ فِيهَا } " رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ .
وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ { فَلَمْ يَسْجُدْ مِنَّا أَحَدٌ } " وَرَوَى الْبُخَارِيُّ " أَنَّ عُمَرَ قَرَأَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ سُورَةَ النَّحْلِ ، حَتَّى إذَا جَاءَ السَّجْدَةَ نَزَلَ فَسَجَدَ فَسَجَدَ النَّاسُ حَتَّى إذَا كَانَتْ الْجُمُعَةُ الْقَابِلَةُ قَرَأَ بِهَا ، حَتَّى إذَا جَاءَ السَّجْدَةَ قَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، إنَّمَا نَمُرُّ بِالسُّجُودِ ، فَمَنْ سَجَدَ ، فَقَدْ أَصَابَ وَمَنْ لَمْ يَسْجُدْ ، فَلَا أَثُمَّ عَلَيْهِ وَلَمْ يَسْجُدْ عُمَرُ " وَرَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأِ .
وَقَالَ فِيهِ " إنَّ اللَّهَ لَمْ يَفْرِضْ عَلَيْنَا السُّجُودَ ، إلَّا أَنْ نَشَاءَ ، وَلَمْ يَسْجُدْ وَمَنَعَهُمْ أَنْ يَسْجُدُوا " .
وَكَانَ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكَرْ ، فَكَانَ إجْمَاعًا وَالْأَوَامِرُ بِهِ مَحْمُولَةٌ عَلَى النَّدْبِ ، وقَوْله تَعَالَى : { إنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ } " الْمُرَادُ بِهِ : الْتِزَامُ السُّجُودِ وَاعْتِقَادُهُ فَإِنَّ فِعْلَهُ لَيْسَ شَرْطًا فِي الْإِيمَانِ إجْمَاعًا ، وَلِهَذَا قَرَنَهُ بِالتَّسْبِيحِ .

( وَيُكَرِّرُهُ ) أَيْ : سُجُودَ التِّلَاوَةِ ( بِتَكَرُّرِهَا ) أَيْ : التِّلَاوَةِ ، لِأَنَّهَا سَبَبٌ ، فَيَتَكَرَّرُ بِتَكْرَارِهَا ، كَرَكْعَتَيْ الطَّوَافِ بِتَكَرُّرِهِ ، وَإِنْ سَمِعَ سَجْدَتَيْنِ مَعًا سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَكَذَا يَتَوَجَّهُ فِي تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ ، إنْ تَكَرَّرَ دُخُولُهُ .
وَيُسَنُّ السُّجُودُ لَهَا ( حَتَّى فِي طَوَافٍ ) كَالصَّلَاةِ ( مَعَ قَصْرِ فَصْلٍ ) بَيْنَ التِّلَاوَةِ ، أَوْ الِاسْتِمَاعِ ، أَوْ السُّجُودِ ( فَيَتَيَمَّمُ مُحْدِثٌ ) لِآيَةِ سَجْدَةٍ ، أَوْ اسْتِمَاعِهَا ( بِشَرْطِهِ ) وَهُوَ تَعَذُّرُ الْمَاءِ لِعَدَمٍ ، أَوْ ضَرَرٍ ( وَيَسْجُدُ مَعَ قَصْرِهِ ) أَيْ : الْفَصْلِ بَيْنَ السُّجُودِ وَسَبَبِهِ ، بِخِلَافِ مَا لَوْ تَوَضَّأَ لِطُولِ الْفَصْلِ ( لِقَارِئٍ وَمُسْتَمِعٍ ) لِآيَةِ السَّجْدَةِ ، لِمَا تَقَدَّمَ .

وَ ( لَا ) يُسَنُّ السُّجُودُ ل ( سَامِعٍ ) مِنْ غَيْرِ قَصْدِ الِاسْتِمَاعِ ، .
وَرُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ ، وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ عُثْمَانُ : " إنَّمَا السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ اسْتَمَعَ " وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَعِمْرَانُ " مَا جَلَسْنَا لَهَا " وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ " إنَّمَا السَّجْدَةُ عَلَى مَنْ سَمِعَهَا " مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا قَصَدَ .

( وَلَا ) يَسْجُدُ ( مُصَلٍّ إلَّا مُتَابَعَةً لِإِمَامِهِ ) فَلَا يَسْجُدُ إمَامٌ وَلَا مُنْفَرِدٌ لِتِلَاوَةِ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ بِاسْتِمَاعِ قِرَاءَةِ نَفْسِهِ وَالِاشْتِغَالِ بِصَلَاتِهِ ، مَنْهِيٌّ عَنْ اسْتِمَاعِ غَيْرِهِ ، وَلَا يَسْجُدُ مَأْمُومٌ إلَّا تَبَعًا لِإِمَامِهِ فَلَا يَسْجُدُ لِتِلَاوَةِ نَفْسِهِ ، وَلَا لِاسْتِمَاعِ تِلَاوَةِ غَيْرِ إمَامِهِ إنْ لَمْ يَسْجُدْ إمَامُهُ ( وَيُعْتَبَرُ ) لِاسْتِحْبَابِ السُّجُودِ لِمُسْتَمِعٍ ( كَوْنُ قَارِئٍ يَصْلُحُ إمَامًا لَهُ ) أَيْ : لِمُسْتَمِعٍ .
وَلَوْ فِي نَفْلٍ ( فَلَا يَسْجُدُ ) مُسْتَمِعٌ ( إنْ لَمْ يَسْجُدْ ) قَارِئٌ لِحَدِيثِ عَطَاءٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى إلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ، فَقَرَأَ رَجُلٌ مِنْهُمْ سَجْدَةً ، ثُمَّ نَظَرَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إنَّك كُنْت إمَامَنَا ، وَلَوْ سَجَدْتَ لَسَجَدْنَا } " رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ وَغَيْرُهُ ( وَلَا ) يَسْجُدُ مُسْتَمِعٌ ( قُدَّامَهُ ) أَيْ : التَّالِي ( أَوْ عَنْ يَسَارِهِ مَعَ خُلُوِّ يَمِينِهِ ) أَيْ : التَّالِي عَنْ سَاجِدٍ مَعَهُ ، لِعَدَمِ صِحَّةِ الِائْتِمَام بِهِ إذْن فَإِنْ سَجَدَ عَنْ يَمِينِهِ مَعَهُ جَازَ ، وَكَذَا عَنْ يَسَارِهِ مَعَ مَنْ عَنْ يَمِينِهِ .

وَلَا يَسْجُدُ ( رَجُلٌ ) مُسْتَمِعٌ وَلَا خُنْثَى ( لِتِلَاوَةِ امْرَأَةٍ ، وَ ) تِلَاوَةِ ( خُنْثَى ) لِعَدَمِ صِحَّةِ ائْتِمَامِهِ بِهِمَا ( وَيَسْجُدُ ) مُسْتَمِعٌ مِنْ رَجُلٍ وَأُنْثَى وَخُنْثَى ( لِتِلَاوَةِ ) رَجُلٍ ( أُمِّيٍّ ، وَ ) لِتِلَاوَةِ ( زَمِنٍ ) لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ وَالْقِيَامِ لَيْسَا رُكْنًا فِي السُّجُودِ .
( وَ ) تِلَاوَةِ ( صَبِيٍّ ) لِصِحَّةِ إمَامَتِهِ فِي النَّفْلِ .

( وَالسَّجَدَاتُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَجْدَةً ) : فِي آخِرِ الْأَعْرَافِ ، وَفِي الرَّعْدِ عِنْدَ { بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ } " وَفِي النَّمْلِ عِنْدَ { وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } " وَفِي الْإِسْرَاءِ { وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعًا } " وَفِي مَرْيَمَ { خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا } " " وَفِي الْحَجِّ ثِنْتَانِ " الْأُولَى : عِنْدَ { يَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ } " وَالثَّانِيَةُ { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } " وَفِي الْفُرْقَانِ { وَزَادَهُمْ نُفُورًا } " وَفِي النَّمْلِ { رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ } " وَفِي الم السَّجْدَةِ " لَا يَسْتَكْبِرُونَ " وَفِي فُصِّلَتْ { وَهُمْ لَا يَسْأَمُونَ } " وَفِي آخِرِ النَّجْمِ ، وَفِي الِانْشِقَاقِ { لَا يَسْجُدُونَ } " وَفِي آخِرِ اقْرَءُوا .

( يُكَبِّرُ ) فِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ تَكْبِيرَتَيْنِ ، سَوَاءٌ كَانَ فِي الصَّلَاةِ ، أَوْ خَارِجِهَا : تَكْبِيرَةٌ ( إذَا سَجَدَ وَ ) تَكْبِيرَةً ( إذَا رَفَعَ ) كَسُجُودِ صُلْبِ الصَّلَاةِ وَالسَّهْوِ ( وَيَجْلِسُ ) خَارِجَ الصَّلَاةِ بَعْدَ رَفْعِهِ ، لِيُسَلِّمَ جَالِسًا ( وَيُسَلِّمَ ) وُجُوبًا فَيُبْطِلُ بِتَرْكِهِ عَمْدًا وَسَهْوًا لِعُمُومِ حَدِيثِ { تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ } " ( وَلَا يَتَشَهَّدُ ) لِأَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ فِيهِ ( وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ ) نَدْبًا إذَا أَرَادَ السُّجُودَ ( وَلَوْ ) كَانَ ( فِي صَلَاةٍ ) نَصًّا .

( وَكُرِهَ جَمْعُ آيَاتِهِ ) أَيْ : السُّجُودِ فِي وَقْتٍ لِيَسْجُدَ لَهَا .

( وَ ) كُرِهَ ( حَذْفُهَا ) أَيْ : آيَاتِ السُّجُودِ بِأَنْ يَتْرُكَهَا حَتَّى لَا يَسْجُدَ لَهَا لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَمْ يُنْقَلْ عَنْ السَّلَفِ ، بَلْ نُقِلَتْ كَرَاهَتُهُ وَسَوَاءٌ فِي الصَّلَاةِ وَخَارِجَهَا .

( وَ ) كُرِهَ ( قِرَاءَةُ إمَامٍ ) آيَةَ ( سَجْدَةٍ بِصَلَاةٍ سِرٍّ ) كَظُهْرٍ وَعَصْرٍ لِأَنَّهُ إنْ سَجَدَ لَهَا خَلَطَ عَلَى الْمَأْمُومِينَ ، وَإِلَّا تَرَكَ السُّنَّةَ .
( وَ ) كُرِهَ ( سُجُودُهُ ) أَيْ : الْإِمَامِ ( لَهَا ) أَيْ : التِّلَاوَةِ بِصَلَاةِ سِرٍّ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّخْلِيطِ عَلَى مَنْ مَعَهُ وَرَدَّهُ فِي الْمُغْنِي بِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

( وَيَلْزَمُ الْمَأْمُومَ مُتَابَعَتُهُ ) أَيْ : الْإِمَامِ فِي سُجُودِ تِلَاوَةٍ ( فِي غَيْرِهَا ) أَيْ : السِّرِّيَّةِ لِحَدِيثِ { إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ } " وَأَمَّا صَلَاةُ السِّرِّ : فَإِنَّ الْمَأْمُومَ فِيهَا لَيْسَ بِتَالٍ وَلَا مُسْتَمِعٍ ، بِخِلَافِ الْجَهْرِيَّةِ وَإِنْ كَانَ ثَمَّ مَانِعٌ ، كَبُعْدٍ وَطَرَشٍ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْإِنْصَاتِ فِي الْجُمْلَةِ .

( وَسُجُودُ ) تِلَاوَةٍ ( عَنْ قِيَامٍ أَفْضُلُ ) تَشْبِيهًا لَهُ بِصَلَاةِ النَّفْلِ وَرَوَى إِسْحَاقُ عَنْ عَائِشَةَ " أَنَّهَا كَانَتْ تَقْرَأُ فِي الْمُصْحَفِ فَإِذَا انْتَهَتْ إلَى السَّجْدَةِ قَامَتْ فَسَجَدَتْ " ( وَالتَّسْلِيمَةُ الْأُولَى رُكْنٌ ) فِي سُجُودِ تِلَاوَةٍ لِمَا تَقَدَّمَ ( وَتُجْزِئُ ) أَيْ : تَكْفِي نَصًّا ، لِفِعْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ لَا نَصَّ فِيهَا وَلَا الْعُمُومَاتُ تَقْتَضِيهَا وَمَبْنَاهَا عَلَى التَّخْفِيفِ أَشْبَهَتْ صَلَاةَ الْجِنَازَةِ .

( وَسُنَّ ) سُجُودٌ ( لِشُكْرِ ) اللَّهِ ( عِنْدَ تَجَدُّدٍ نِعَمٍ ) مُطْلَقًا .
( وَ ) عِنْدَ ( انْدِفَاعِ نِقَمٍ مُطْلَقًا ) أَيْ : عَامَّةٍ ، أَوْ خَاصَّةٍ بِهِ كَتَجَدُّدِ وَلَدٍ ، وَنُصْرَةٍ عَلَى عَدُوٍّ وَلِحَدِيثِ أَبِي بَكْرَةَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إذَا أَتَاهُ أَمْرٌ يُسَرُّ بِهِ خَرَّ سَاجِدًا } " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَعُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ : تَجَدُّدِ نِعَمٍ : أَنَّهُ لَا يَسْجُدُ لِدَوَامِهَا لِأَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ فَلَوْ شُرِعَ السُّجُودُ لَهُ لَاسْتَغْرَقَ بِهِ عُمُرَهُ .

( وَإِنْ سَجَدَ لَهُ ) أَيْ : الشُّكْرَ ( فِي صَلَاةٍ بَطَلَتْ ) صَلَاتُهُ إنْ كَانَ عَالَمًا عَامِدًا لِأَنَّ سَبَبَهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالصَّلَاةِ بِخِلَافِ سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَ ( لَا ) تَبْطُلُ الصَّلَاةُ بِهِ ( مِنْ جَاهِلٍ ، أَوْ نَاسٍ ) كَمَا لَوْ زَادَ فِيهَا سُجُودًا كَذَلِكَ .

( وَصِفَتُهُ ) أَيْ : سُجُودِ الشُّكْرِ ( وَأَحْكَامُهُ كَسُجُودِهِ تِلَاوَةً ) فَيُكَبِّرُ إذَا سَجَدَ وَإِذَا رَفَعَ ، وَيَقُولُ فِيهِ : سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى ، وَيَجْلِسُ إذَا رَفَعَ وَيُسَلِّمُ وَتُجْزِئُ وَاحِدَةٌ وَيُسْتَحَبُّ سُجُودُ شُكْرٍ أَيْضًا عِنْدَ رُؤْيَةِ مُبْتَلًى فِي بَدَنِهِ ، أَوْ دِينِهِ .
فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ تَتَعَلَّقُ بِالْقُرْآنِ .

( تُبَاحُ الْقِرَاءَةُ فِي الطَّرِيقِ ) لِمَا رُوِيَ عَنْ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ قَالَ : " كُنْت أَقْرَأُ عَلَى أَبِي مُوسَى وَهُوَ يَمْشِي فِي الطَّرِيقِ " وَتُبَاحُ أَيْضًا : قَائِمًا ، وَقَاعِدًا ، وَمُضْطَجِعًا ، وَرَاكِبًا ، وَمَاشِيًا .
( وَ ) تُبَاحُ ( مَعَ حَدَثٍ ، أَصْغَرَ وَ ) مَعَ ( نَجَاسَةِ ثَوْبٍ ، وَ ) نَجَاسَةِ ( بَدَنٍ ، حَتَّى فَمُ ) لِأَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَى الْمَنْعِ ( وَحِفْظُ الْقُرْآنِ فَرْضُ كِفَايَةٍ ) إجْمَاعًا .
وَيَبْدَأ الرَّجُلُ ابْنَهُ بِالْقُرْآنِ لِيَتَعَوَّدَ الْقِرَاءَةَ وَيَلْزَمُهَا وَيُعَلِّمُهُ كُلَّهُ إلَّا أَنْ يَعْسُرَ نَصًّا وَالْمُكَلَّفُ ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ : يَتَوَجَّهُ أَنْ يُقَدِّمَ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ الْعِلْمِ ، كَمَا يُقَدِّمُ الْكَبِيرُ نَفْلَ الْعِلْمِ عَلَى نَفْلِ الْقِرَاءَةِ ( وَيَتَعَيَّنُ ) حِفْظُ ( مَا يَجِبُ فِي صَلَاةٍ ) وَهُوَ الْفَاتِحَةُ فَقَطْ عَلَى الْمَذْهَبِ ، ثُمَّ يَتَعَلَّمُ مِنْ الْعِلْمِ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ فِي أُمُورِ دِينِهِ وُجُوبًا ( وَتُسَنُّ الْقِرَاءَةُ فِي الْمُصْحَفِ ) لِاشْتِغَالِ حَاسَّةِ الْبَصَرِ بِالْعِبَادَةِ .
وَكَانَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لَا يَكَادُ يَتْرُكُ الْقِرَاءَةَ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعًا ( وَ ) يُسَنُّ ( الْخَتْمُ كُلَّ أُسْبُوعٍ مُرَّةً ) { لِقَوْلِهِ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِابْنِ عَمْرٍو اقْرَأْ الْقُرْآنَ كُلَّ أُسْبُوعٍ ، لَا تَزِدْ عَلَى ذَلِكَ } " ( وَلَا بَأْسَ بِهِ ) أَيْ : الْخَتْمِ ( كُلَّ ثَلَاثٍ ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَمْرٍو قَالَ : { قُلْت : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إنَّ لِي قُوَّةً قَالَ : اقْرَأْهُ فِي ثَلَاثٍ } " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد .
وَلَا بَأْسَ بِهِ فِيمَا دُونَهَا أَحْيَانًا وَفِي رَمَضَانَ ، خُصُوصًا لَيَالِي أَوْتَارِ عُشْرِهِ الْأَخِيرِ وَمَكَّةَ لِمَنْ دَخَلَهَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا فَيُسْتَحَبُّ إكْثَارُ الْقِرَاءَةِ إذَنْ ، اغْتِنَامًا لِلزَّمَانِ وَالْمَكَانِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ : يُقَدَّرُ بِالنَّشَاطِ ، وَعَدَمِ الْمَشَقَّةِ لِأَنَّ عُثْمَانَ كَانَ يَخْتِمُهُ فِي لَيْلَةٍ وَرُوِيَ عَنْ جَمْعٍ مِنْ السَّلَفِ ( وَكُرِهَ ) تَأْخِيرُ خَتْمِهِ ( فَوْقَ أَرْبَعِينَ ) يَوْمًا .
قَالَ أَحْمَدُ : أَكْثَرُ مَا سَمِعْت

أَنْ يُخْتَمَ الْقُرْآنُ : فِي أَرْبَعِينَ ، وَلِأَنَّ تَأْخِيرَهُ أَكْثَرُ يُفْضِي إلَى نِسْيَانِهِ وَالتَّهَاوُنِ بِهِ قَالَ أَحْمَدُ : مَا أَشَدَّ مَا جَاءَ فِيمَنْ حَفِظَهُ ثُمَّ نَسِيَهُ ( وَيُكَبِّرُ ) إذَا خَتَمَ نَدْبًا ( لِآخِرِ ) كُلِّ ( سُورَةٍ مِنْ ) سُورَةِ ( الضُّحَى ) إلَى آخِرِ الْقُرْآنِ فَيَقُولُ : اللَّهُ أَكْبَرُ فَقَطْ ( وَيَجْمَعُ أَهْلَهُ ) عِنْدَ خَتْمِهِ نَدْبًا ، رَجَاءَ عَوْدِ نَفْعِ ذَلِكَ وَثَوَابِهِ إلَيْهِمْ ، وَأَنْ يَكُونَ الْخَتْمُ فِي الشِّتَاءِ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَفِي الصَّيْفِ أَوَّلَ النَّهَارِ ، وَلَا يُكَرِّرُ سُورَةَ الصَّمَدِ وَلَا يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ ، وَخَمْسًا مِنْ الْبَقَرَةِ نَصًّا وَالتَّرْتِيلُ أَفْضَلُ مِنْ السُّرْعَةِ ، مَعَ تَبْيِينِ الْحُرُوفِ .
أَمَّا مَعَ عَدَمِهِ فَتُكْرَه ، وَتُسْتَحَبُّ الْقِرَاءَةُ عَلَى أَكْمَلِ الْأَحْوَالِ وَكَرِهَ أَحْمَدُ وَالْأَصْحَابُ قِرَاءَةَ الْأَلْحَانِ وَقَالَ : هِيَ بِدْعَةٌ أَمَّا تَحْسِينُ الصَّوْتِ وَالتَّرَنُّمُ ، فَمُسْتَحَبٌّ إذَا لَمْ يُفِضْ إلَى زِيَادَةِ حَرْفٍ وَنَحْوِهِ أَمَّا إنْ أَفْضَى إلَى زِيَادَةِ حَرْفٍ ، أَوْ جَعْلِ الْحَرَكَةِ حَرْفًا فَهُوَ حَرَامٌ .
وَلَا تُكْرَهُ قِرَاءَةُ جَمَاعَةٍ بِصَوْتٍ وَاحِدٍ وَيُكْرَهُ رَفْعُ الصَّوْتِ ، بِحَيْثُ يُغَلِّطُ مُصَلِّيًا وَمَعَ الْجِنَازَةِ وَيُسْتَحَبُّ اسْتِمَاعُ الْقِرَاءَةِ وَيُكْرَهُ الْحَدِيثُ عِنْدَهَا بِمَا لَا فَائِدَةَ فِيهِ وَلَا يَجُوزُ رَفْعُ الصَّوْتِ فِي الْأَسْوَاقِ بِالْقُرْآنِ مَعَ اشْتِغَالِ أَهْلِهَا بِتِجَارَتِهِمْ وَعَدَمِ اسْتِمَاعِهِمْ لِمَا فِيهِ مِنْ الِامْتِهَانِ .

( وَيُسَنُّ تَعَلُّمُ التَّأْوِيلِ ) أَيْ : التَّفْسِيرِ ( وَيَجُوزُ التَّفْسِيرُ ) لِلْقُرْآنِ ( بِمُقْتَضَى اللُّغَةِ ) الْعَرَبِيَّةِ ، لِأَنَّهُ نَزَلَ بِهَا وَ ( لَا ) يَجُوزُ التَّفْسِيرُ ( بِالرَّأْيِ : ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } " وَلِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا { مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ ، أَوْ بِمَا لَا يَعْلَمُ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ } وَرَوَى سَعِيدٌ بِسَنَدِهِ عَنْ الصِّدِّيقِ أَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي ، أَوْ أَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي ، أَوْ أَيْنَ أَذْهَبُ ، أَوْ كَيْفَ أَصْنَعُ ؟ إذَا أَنَا قُلْت فِي كِتَابِ اللَّهِ بِغَيْرِ مَا أَرَادَهُ اللَّهُ .
( وَيَلْزَمُ الرُّجُوعُ إلَى تَفْسِيرِ صَحَابِيٍّ ) لِأَنَّهُ شَاهَدَ التَّنْزِيلِ وَحَضَرَ التَّأْوِيلَ فَهُوَ أَمَارَةٌ ظَاهِرَةٌ وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ حُجَّةٌ وَ ( لَا ) يَلْزَمُ الرُّجُوعُ إلَى تَفْسِيرِ ( تَابِعِيٍّ ) فِيمَا لَا يَنْقُلُهُ عَنْ الْعَرَبِ لِأَنَّهُ يُخَالِفُ الصَّحَابِيَّ فِيمَا تَقَدَّمَ ( وَإِذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ مَا يُخَالِفُ الْقِيَاسَ فَهُوَ تَوْقِيفٌ ) أَيْ : إذَا قَالَ الصَّحَابِيُّ مَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يَقُولَهُ عَنْ اجْتِهَادٍ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْمَرْفُوعِ وَنَقَلَ الْبِرْمَاوِيُّ عَنْ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ وَالْأُصُولِ أَنَّهُ يَكُونُ مَرْفُوعًا .

وَلَا يَجُوزُ النَّظَرُ فِي كُتُبِ أَهْلِ الْكِتَابِ نَصًّا وَلَا كُتُبِ أَهْلِ الْبِدَعِ وَلَا الْكُتُبِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَلَا رِوَايَتُهَا .

فَصْلٌ أَوْقَاتُ النَّهْيِ عَنْ الصَّلَاةِ ( خَمْسَةٌ ) أَحَدُهَا ( مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ الثَّانِي إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ ) لِحَدِيثِ { إذَا طَلَعَ الْفَجْرُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ } احْتَجَّ بِهِ أَحْمَدُ وَرَوَاهُ هُوَ وَأَبُو دَاوُد مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُمَرَ وَلَا يُعَارِضُهُ حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ وَغَيْرِهِ { وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ } لِأَنَّهُ دَلِيلُ خِطَابٍ فَالْمَنْطُوقُ أَوْلَى مِنْهُ .
( وَ ) الثَّانِي ( مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ ) تَامَّةً ( وَلَوْ ) كَانَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ ( مَجْمُوعَةً ) مَعَ الظُّهْرِ ( وَقْتَ الظُّهْرِ إلَى ) الْأَخْذِ فِي ( وَقْتِ الْغُرُوبِ ) فَمَنْ لَمْ يُصَلِّ الْعَصْرَ أُبِيحَ لَهُ التَّنَفُّلَ وَإِنْ صَلَّى غَيْرَهُ .
وَكَذَا لَوْ أَحْرَمَ بِهَا ، ثُمَّ قَطَعَهَا ، أَوْ قَلَبَهَا نَفْلًا وَمَنْ صَلَّاهَا فَلَيْسَ لَهُ التَّنَفُّلُ وَإِنْ صَلَّى وَحْدَهُ : لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ وَغَيْرِهِ { لَا صَلَاةَ بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ } " ( وَتَفْعَلُ سُنَّةَ ظُهْرٍ بَعْدَهَا ) أَيْ : الْعَصْرِ الْمَجْمُوعَةِ ( وَلَوْ فِي جَمْعِ تَأْخِيرٍ ) لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ لَكِنْ لَيْسَ فِيهِ : أَنَّهُ كَانَ جَمْعٌ .
فَلِذَلِكَ صَحَّحَ الشَّارِحُ أَنَّ الرَّاتِبَةَ تُقْضَى بَعْدَ الْعَصْرِ .
( وَ ) الثَّالِثُ ( عِنْدَ طُلُوعهَا ) أَيْ : الشَّمْسِ ( إلَى ارْتِفَاعِهَا ) لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ { لَا صَلَاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ } " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مُخْتَصَرًا وَأَوَّلُ هَذَا الْوَقْتِ : ظُهُورُ شَيْءٍ مِنْ قُرْصِ الشَّمْسِ وَيَسْتَمِرُّ إلَى ارْتِفَاعِهَا ( قِيدَ ) أَيْ : قَدْرَ ( رُمْحٍ ) فِي رَأْيِ الْعَيْنِ .
( وَ ) الرَّابِعُ : عِنْدَ ( قِيَامِهَا حَتَّى تَزُولَ وَ ) الْخَامِسُ : عِنْدَ : ( غُرُوبِهَا حَتَّى يُتِمَّ ) لِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ { ثَلَاثُ سَاعَاتٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ ، وَأَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا ، حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً ، حَتَّى تَرْتَفِعَ وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ ، حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ

وَحِينَ تَتَضَيَّفُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ } .
رَوَاهُ ابْنُ مُسْلِمٍ ( وَيَجُوزُ فِعْلُ ) صَلَاةٍ ( مَنْذُورَةٍ ) بِأَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ وَأَطْلَقَ .
( وَ ) يَجُوزُ ( نَذْرُهَا ) أَيْ : الصَّلَاةِ ( فِيهَا ) بِأَنْ نَذَرَ أَنْ يُصَلِّيَ وَقْتَ النَّهْيِ لِأَنَّهَا وَاجِبَةٌ ، أَشْبَهَتْ الْفَرَائِضَ ( وَ ) يَجُوزُ فِيهَا ( قَضَاءُ فَرَائِضَ ) لِعُمُومِ حَدِيثِ { مَنْ نَامَ عَنْ صَلَاةٍ ، أَوْ نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَلِحَدِيثِ { إذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمْ سَجْدَةً مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .

( وَ ) يَجُوزُ فِعْلُ ( رَكْعَتَيْ طَوَافٍ ) فِي الْأَوْقَاتِ الْخَمْسَةِ لِحَدِيثِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ مَرْفُوعًا { يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى فِيهِ أَيَّ سَاعَةٍ شَاءَ مِنْ لَيْلٍ ، أَوْ نَهَارٍ } رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَلِأَنَّهُمَا تَبَعٌ لَهُ ، وَهُوَ جَائِزٌ كُلَّ وَقْتٍ .

( وَ ) يَجُوزُ ( إعَادَةُ جَمَاعَةٍ أُقِيمَتْ وَهُوَ بِالْمَسْجِدِ ) لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا { صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا فَإِنْ أُقِيمَتْ وَأَنْتَ بِالْمَسْجِدِ فَصَلِّ وَلَا تَقُلْ : إنِّي صَلَّيْت فَلَا أُصَلِّي } " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَلِتَأَكُّدِهَا لِلْخِلَافِ فِي وُجُوبِهَا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالْمَسْجِدِ لَمْ يُسْتَحَبَّ لَهُ الدُّخُولُ وَلَا يُعِيدُهَا فِيهِ .

وَ ( لَا ) يَجُوزُ ( صَلَاةُ جِنَازَةٍ لَمْ يَخَفْ عَلَيْهَا ، إلَّا بَعْدَ فَجْرٍ وَعَصْرٍ ) لِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ ، وَذِكْرُهُ لِلصَّلَاةِ مَقْرُونًا بِالدَّفْنِ : يَدُلُّ عَلَى إرَادَةِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ وَلِأَنَّهَا تُشْبِهُ النَّوَافِلَ لِكَوْنِهَا مِنْ غَيْرِ الْخَمْسِ وَأُبِيحَتْ فِي الْوَقْتَيْنِ الطَّوِيلَيْنِ لِطُولِ مُدَّتِهِمَا فَالِانْتِظَار يُخَافُ مِنْهُ عَلَيْهَا .
وَكَذَا إنْ خِيفَ عَلَيْهَا فِي الْأَوْقَاتِ الْقَصِيرَةِ لِلْعُذْرِ ( وَيَحْرُمُ إيقَاعُ تَطَوُّعٍ ) بِصَلَاةٍ ( أَوْ ) إيقَاعُ ( بَعْضِهِ ) أَيْ : التَّطَوُّعِ ( بِغَيْرِ سُنَّةِ فَجْرٍ قَبْلَهَا ) أَيْ : صَلَاةِ الْفَجْرِ فَلَا تَجُوزُ بَعْدَهَا حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ قَيْدَ رُمْحٍ ( فِي وَقْتٍ مِنْ ) الْأَوْقَاتِ ( الْخَمْسَةِ حَتَّى صَلَاةٌ عَلَى قَبْرٍ ) وَلَوْ كَانَ لَهُ دُونَ شَهْرٍ .
( وَ ) حَتَّى صَلَاةٌ عَلَى مَيِّتٍ ( غَائِبٍ ) لِأَنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الْجِنَازَةِ إنَّمَا أُبِيحَتْ وَقْتَ النَّهْيِ خَشْيَةَ الِانْفِجَارِ عَلَيْهَا .
وَهَذَا الْمَعْنَى مُنْتَفٍ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ وَالْغَائِبِ ( وَلَا يَنْعَقِدُ ) التَّطَوُّعُ ( إنْ ابْتَدَأَهُ ) مُصَلٍّ ( فِيهَا ) أَيْ : فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ ( وَلَوْ ) كَانَ الْمُصَلِّي ( جَاهِلًا ) بِالتَّحْرِيمِ ، أَوْ بِكَوْنِهِ وَقْتَ نَهْيٍ لِأَنَّ النَّهْيَ فِي الْعِبَادَاتِ يَقْتَضِي الْفَسَادَ .
وَظَاهِرُهُ : أَنَّهُ لَا يَبْطُلُ تَطَوُّعٌ ابْتَدَأَهُ قَبْلَهُ بِدُخُولِهِ ، لَكِنْ يَأْثَمُ بِإِتْمَامِهِ ( حَتَّى مَالَهُ سَبَبٌ ) مِنْ التَّطَوُّعِ ( كَسُجُودِ تِلَاوَةٍ ) فِي غَيْرِ صَلَاةِ شُكْرٍ ( وَصَلَاةِ كُسُوفٍ وَقَضَاءِ ) سُنَّةٍ ( رَاتِبَةٍ وَتَحِيَّةِ مَسْجِدٍ ) وَعَقِبَ الْوُضُوءِ وَالِاسْتِخَارَةِ ، لِعُمُومِ مَا سَبَقَ ( إلَّا ) تَحِيَّةَ مَسْجِدٍ دَخَلَ ( حَالَ خُطْبَةِ جُمُعَةٍ مُطْلَقًا ) أَيْ : فِي الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ ، وَمَعَ الْعِلْمِ وَعَدَمِهِ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا { نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ نِصْفَ النَّهَارِ إلَّا فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ } " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلِأَنَّهُ وَقْتُ انْتِظَارِ الْجُمُعَةِ .

بَابُ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ وَأَحْكَامِهَا وَمَا يُبِيحُ تَرْكَهَا وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ ( صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ وَاجِبَةٌ لِلصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ الْمُؤَدَّاةِ ) عَلَى الْأَعْيَانِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَإِذَا كُنْت فِيهِمْ فَأَقَمْت لَهُمْ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ } " وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ مَعَ الْخَوْفِ فَمَعَ الْأَمْنِ أَوْلَى وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { أَثْقَلُ صَلَاةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ : صَلَاةُ الْعِشَاءِ وَصَلَاةُ الْفَجْرِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلَاةِ فَتُقَامَ ، ثُمَّ آمُرَ رَجُلًا يُصَلِّي بِالنَّاسِ ، ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِي بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إلَى قَوْمٍ لَا يَشْهَدُونَ الصَّلَاةَ ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ } .
" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
{ وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا اسْتَأْذَنَهُ أَعْمَى لَا قَائِدَ لَهُ أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ : هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ ؟ فَقَالَ : نَعَمْ قَالَ : فَأَجِبْ } " رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ { لَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إلَّا مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ ، وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ ، حَتَّى يُقَامَ فِي الصَّفِّ } " رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَالتِّرْمِذِيَّ وَكَالْجُمُعَةِ ( عَلَى الرِّجَالِ ) لَا النِّسَاءِ وَالْخَنَاثَى ( الْأَحْرَارِ ) دُونَ الْعَبِيدِ وَالْمُبَعَّضِينَ ( الْقَادِرِينَ ) عَلَيْهَا دُونَ ذَوِي الْأَعْذَارِ ( وَلَوْ سَفَرًا فِي شِدَّةِ خَوْفٍ ) لِعُمُومِ الْآيَةِ السَّابِقَةِ ( لَا شَرْطًا ) أَيْ : لَيْسَتْ الْجَمَاعَةُ شَرْطًا لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ نَصًّا لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { صَلَاةُ الْجَمَاعَةُ تَفْضُلُ عَلَى صَلَاةِ الْفَذِّ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ دَرَجَةً } " رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا النَّسَائِيّ وَأَبَا دَاوُد وَلَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى الْمَعْذُور لِأَنَّهُ يُكْتَبُ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مَا كَانَ يَفْعَلُهُ لَوْلَا الْعُذْرُ لِلْخَبَرِ وَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ

يَجِبَ لِلْعِبَادَةِ شَيْءٌ وَتَصِحُّ بِدُونِهِ ، كَوْنُهُ كَوَاجِبَاتِ الْحَجِّ ، وَكَالصَّلَاةِ فِي الْوَقْتِ .

( فَتَصِحُّ ) الصَّلَاةُ ( مِنْ مُنْفَرِدٍ ) لَا عُذْرَ لَهُ ، وَيَأْثَمُ ، وَفِيهَا فَضْلٌ لِمَا تَقَدَّمَ ( وَلَا يَنْقُصُ أَجْرُهُ ) أَيْ : الْمُصَلِّي مُنْفَرِدًا ( مَعَ عُذْرٍ ) كَمَا سَبَقَ .

( وَتَنْعَقِدُ ) جَمَاعَةٌ ( بِاثْنَيْنِ ) لِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا { الِاثْنَانِ فَمَا فَوْقَهُمَا جَمَاعَةٌ } " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ { : وَلْيَؤُمَّكُمَا أَكْبَرُكُمَا } " ( فِي غَيْرِ جُمُعَةٍ وَعِيدٍ ) لِاشْتِرَاطِ الْعَدَدِ فِيهِمَا ( وَلَوْ ) كَانَتْ الْجَمَاعَةُ ( بِأُنْثَى ) وَالْإِمَامُ رَجُلٌ ، أَوْ خُنْثَى ، أَوْ أُنْثَى ( أَوْ ) كَانَتْ ب ( عَبْدٍ ) وَالْإِمَامُ حُرٌّ ، أَوْ عَبْدٌ لِعُمُومِ مَا سَبَقَ .

وَ ( لَا ) تَنْعَقِدُ ( بِصَبِيٍّ ) وَالْإِمَامُ بَالِغٌ ( فِي فَرْضٍ ) لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ إمَامًا فِي الْفَرْضِ وَيَصِحُّ فِي النَّفْلِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَمَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَهُوَ صَبِيٌّ فِي التَّهَجُّدِ } " وَيَصِحُّ أَنْ يَؤُمَّ رَجُلًا مُتَنَفِّلًا .

( وَتُسَنُّ ) جَمَاعَةٌ ( بِمَسْجِدٍ ) لِلْأَخْبَارِ ، وَلِإِظْهَارِ الشَّعَائِرِ وَكَثْرَةِ الْجَمَاعَةِ ، وَقَرِيبٌ مِنْهُ : إقَامَتُهَا بِالرُّبُطِ وَالْمَدَارِسِ وَنَحْوِهَا ، قَالَهُ بَعْضُهُمْ وَلَهُ فِعْلُهَا بِبَيْتٍ وَصَحْرَاءَ لِحَدِيثِ { جُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا } " نَعَمْ إنْ أَدَّى ذَهَابُهُ إلَى الْمَسْجِدِ إلَى انْفِرَادِ أَهْلِهِ فَالْمُتَّجَهُ إقَامَتُهَا فِي بَيْتِهِ تَحْصِيلًا لِلْوَاجِبِ .
وَلَوْ كَانَ إذَا صَلَّى فِي الْمَسْجِدِ صَلَّى مُنْفَرِدًا وَفِي بَيْتِهِ صَلَّى جَمَاعَةً تَعَيَّنَ فِعْلُهَا فِي بَيْتِهِ لِمَا تَقَدَّمَ وَلَوْ دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ فِعْلِهَا فِي الْمَسْجِدِ فِي جَمَاعَةٍ يَسِيرَةٍ وَفِي بَيْتِهِ فِي جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ ، كَانَ فِعْلُهَا فِي الْمَسْجِدِ أَوْلَى .

( وَ ) تُسَنُّ الْجَمَاعَةُ ( لِنِسَاءٍ مُنْفَرِدَاتٍ ) عَنْ رِجَالٍ ، سَوَاءٌ أَمَّهُنَّ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ لِفِعْلِ عَائِشَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ ذَكَرَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ { وَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمَّ وَرَقَةَ بِأَنْ تَجْعَلَ لَهَا مُؤَذِّنًا يُؤَذِّنُ لَهَا وَأَمَرَهَا أَنْ تَؤُمَّ أَهْلَ دَارِهَا } " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ .

( وَيُكْرَهُ لِحَسْنَاءَ حُضُورُهَا ) أَيْ : الْجَمَاعَةِ ( مَعَ رِجَالٍ ) خَشْيَةَ الِافْتِنَانِ بِهَا ( وَيُبَاحُ ) حُضُورُ جَمَاعَةٍ ( لِغَيْرِهَا ) أَيْ : غَيْرِ الْحَسْنَاءِ كَعَجُوزٍ لَا حُسْنَ لَهَا ، وَكَذَا مَجَالِسِ وَعْظٍ وَنَحْوِهَا .

( وَيُسَنُّ لِأَهْلِ كُلِّ ثَغْرٍ ) مِنْ ثُغُورِ الْإِسْلَامِ ( اجْتِمَاعٌ بِمَسْجِدٍ وَاحِدٍ ) لِأَنَّهُ أَعْلَى لِلْكَلِمَةِ ، وَأَوْقَعُ لِلْهَيْبَةِ ( وَالْأَفْضَلُ لِغَيْرِهِمْ ) أَيْ : غَيْرِ أَهْلِ الثَّغْرِ ( الْمَسْجِدُ الَّذِي لَا تُقَامُ فِيهِ ) الْجَمَاعَةُ ( إلَّا بِحُضُورِهِ ) لِأَنَّهُ يَعْمُرُهُ بِإِقَامَةِ الْجَمَاعَةِ فِيهِ وَيُحَصِّلُهَا لِمَنْ يُصَلِّي فِيهِ .
قَالَ جَمْعٌ ، مِنْهُمْ الْمُوَفَّقُ وَالشَّارِحُ : وَكَذَلِكَ إنْ كَانَتْ تُقَامُ فِيهِ مَعَ غَيْبَتِهِ ، إلَّا أَنَّ فِي صَلَاتِهِ فِي غَيْرِهِ كَسْرَ قَلْبِ إمَامِهِ ، أَوْ جَمَاعَتِهِ ، فَجَبْرُ قُلُوبِهِمْ ، أَوْلَى ( فَ ) الْمَسْجِدُ ( الْأَقْدَمُ ) لِأَنَّ الطَّاعَةَ فِيهِ أَسْبَقُ ( فَالْأَكْثَر جَمَاعَةٌ ) لِأَنَّهُ أَعْظَمُ أَجْرًا ( وَأَبْعَدُ ) مَسْجِدَيْنِ قَدِيمَيْنِ ، أَوْ جَدِيدَيْنِ ، سَوَاءٌ اخْتَلَفَا فِي كَثْرَةِ الْجَمْعِ وَقِلَّتِهِ ، أَوْ اسْتَوَيَا ( أَوْلَى مِنْ أَقْرَبُ ) لِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا { أَعْظَمُ النَّاسِ أَجْرًا فِي الصَّلَاةِ أَبْعَدُهُمْ فَأَبْعَدُهُمْ مَمْشًى } " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .

( وَحُرِّمَ أَنْ يَؤُمَّ بِمَسْجِدٍ لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ ) بِغَيْرِ إذْنِهِ قَبْلَهُ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ صَاحِبِ الْبَيْتِ وَهُوَ أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ مِمَّنْ سِوَاهُ لِحَدِيثِ { لَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي بَيْتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ } " وَلَا يُحْرَمُ أَنْ يَؤُمَّ بَعْدَ الرَّاتِبِ قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ : وَيَتَوَجَّهُ إلَّا لِمَنْ يُعَادِي الْإِمَامَ ( فَلَا تَصِحُّ ) إمَامَةُ غَيْرِ الرَّاتِبِ قَبْلَهُ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ لِلنَّهْيِ .
وَقُدِّمَ فِي الرِّعَايَةِ تَصِحُّ مَعَ الْكَرَاهَةِ ( إلَّا مَعَ إذْنِهِ ) أَيْ : الرَّاتِبِ فَيُبَاحُ لِلْمَأْذُونِ أَنْ يَؤُمَّ ، وَتَصِحُّ إمَامَتُهُ ( أَوْ ) مَعَ ( تَأَخُّرِهِ ) أَيْ : الرَّاتِبِ ( وَضِيقِ الْوَقْتِ ) { لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ صَلَّى حِينَ غَابَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَعَلَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنْتُمْ } " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِتَعَيُّنِ تَحْصِيلِ الصَّلَاةِ إذَنْ ، وَسَوَاءٌ عُلِمَ عُذْرُهُ أَوْ لَا ( وَيُرَاسَلُ ) رَاتِبٌ ( أَنَّ تَأَخَّرَ عَنْ وَقْتِهِ الْمُعْتَادِ مَعَ قُرْبِ ) مَحَلِّهِ ( وَعَدَمِ مَشَقَّةٍ ) لِيَحْضُرَ ، أَوْ يَأْذَنَ ، أَوْ يُعْلَمَ عُذْرُهُ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَقَدَّمَ غَيْرُهُ قَبْلَ ذَلِكَ ( وَإِنْ بَعُدَ ) مَحَلُّهُ ، أَوْ قَرُبَ وَفِيهِ مَشَقَّةٌ ( أَوْ لَمْ يُظَنَّ حُضُورُهُ ، أَوْ ظُنَّ ) حُضُورُهُ ( وَلَا يَكْرَهُ ) الرَّاتِبُ ( ذَلِكَ ) أَيْ : صَلَاةَ غَيْرِهِ عِنْدَ غَيْبَتِهِ ( صَلُّوا ) جَمَاعَةً ، لِأَنَّهُمْ مَعْذُورُونَ .
وَقَدْ أُسْقِطَ حَقُّهُ بِالتَّأَخُّرِ وَلِأَنَّ تَأَخُّرَهُ عَنْ وَقْتِهِ الْمُعْتَادِ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ وُجُودُ عُذْرٍ لَهُ وَتَقَدَّمَ فِي بَابِ النِّيَّةِ إذَا حَضَرَ بَعْدَ إحْرَامِ نَائِبِهِ وَإِنْ حَضَرَ الرَّاتِبُ أَوَّلَ الْوَقْتِ وَلَمْ يَتَوَفَّرْ الْجَمْعُ ، فَقِيلَ يَنْتَظِرُ وَمَالَ إلَيْهِ أَحْمَدُ وَقِيلَ : لَا .
وَفِي الْإِقْنَاعِ : وَفَضِيلَةُ أَوَّلِ الْوَقْتِ أَفْضَلُ مِنْ انْتِظَارِ كَثْرَةِ الْجَمْعِ ، وَتُقَدَّمُ الْجَمَاعَةُ مُطْلَقًا عَلَى أَوَّلِ الْوَقْتِ .

( وَمَنْ صَلَّى ) الْفَرْضَ مُنْفَرِدًا ، أَوْ فِي جَمَاعَةٍ ( ثُمَّ أُقِيمَتْ ) الصَّلَاةُ ( سُنَّ لَهُ أَنْ يُعِيدَ ) مَعَ الْجَمَاعَةِ ثَانِيًا مَعَ إمَامِ الْحَيِّ وَغَيْرِهِ لِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا { صَلِّ الصَّلَاةَ لِوَقْتِهَا فَإِنْ أُقِيمَتْ وَأَنْتَ فِي الْمَسْجِدِ فَصَلِّ وَلَا تَقُلْ إنِّي صَلَّيْت فَلَا أُصَلِّي } .
" رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ ( وَكَذَا ) يُسَنُّ أَنْ يُعِيدَ ( وَإِنْ جَاءَ مَسْجِدًا ) بَعْدَ أَنْ أُقِيمَتْ ( غَيْرَ وَقْتِ نَهْيٍ ) لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يُصَلِّ مَعَ حُضُورِهِ كَانَ مُسْتَخِفًّا بِحُرْمَةِ الْجَمَاعَةِ وَرُبَّمَا اُتُّهِمَ بِأَنَّهُ لَا يَرَى فَضْلَ الْجَمَاعَةِ .
وَمَفْهُومُهُ كَمَا تَقَدَّمَ : أَنَّهُ إنْ جَاءَ وَقْتُ نَهْيٍ لَا يُعِيدُ فَلَا يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ إذَنْ حَتَّى يُصَلُّوا ( لِغَيْرِ قَصْدِهَا ) أَيْ : الْإِعَادَةِ ، فَإِنْ جَاءَ لِقَصْدِهَا لَمْ يُسْتَحَبَّ ( إلَّا الْمَغْرِبَ ) فَلَا تُسَنُّ إعَادَتُهَا لِأَنَّ الْمُعَادَةَ تَطَوُّعٌ وَلَا يَكُونُ بِوِتْرٍ ( وَالْأُولَى ) مِنْ الصَّلَاتَيْنِ ( فَرْضُهُ ) دُونَ الْمُعَادَةِ فَهِيَ نَفْلٌ فَيَنْوِيَهَا مُعَادَةً وَنَفْلًا وَإِذَا أَدْرَكَ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ مَعَادَةٍ رَكْعَتَيْنِ ، لَمْ يُسَلِّمْ بَلْ يَقْضِي نَصًّا وَقَالَ الْآمِدِيُّ : يُسَلِّمُ مَعَهُ .

( وَلَا تُكْرَهُ إعَادَةُ جَمَاعَةٍ فِي مَسْجِدٍ ) لَهُ إمَامٌ رَاتِبٌ كَغَيْرِهِ ( غَيْرَ مَسْجِدَيْ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ ) فَتُكْرَهُ فِيهِمَا وَعَلَّلَهُ أَحْمَدُ : بِأَنَّهُ أَرْغَبُ فِي تَوْفِيرِ الْجَمَاعَةِ ، أَيْ : لِئَلَّا يَتَوَانَى النَّاسُ فِي حُضُورِ الْجَمَاعَةِ مَعَ الْإِمَامِ الْأَوَّلِ ( وَلَا ) تُكْرَهُ إعَادَةُ الْجَمَاعَةِ ( فِيهِمَا ) أَيْ : مَسْجِدِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ ( لِعُذْرٍ ) فِي إقَامَتِهَا ثَانِيًا لِأَنَّهَا أَخَفُّ مِنْ تَرْكِهَا .

( وَكُرِهَ قَصْدُ مَسْجِدٍ لَهَا ) أَيْ : لِلْإِعَادَةِ فِي جَمَاعَةٍ زَادَ بَعْضُهُمْ : وَلَوْ كَانَ صَلَّى فَرْضَهُ وَحْدَهُ ، أَوْ كَانَتْ فَاتَتْهُ التَّكْبِيرَةُ مَعَ الْإِمَامِ وَلَا يُكْرَهُ قَصْدُ الْمَسْجِدِ لِقَصْدِ الْجَمَاعَةِ ، نَصَّ عَلَى الثَّلَاثِ .

( وَيُمْنَعُ شُرُوعٌ فِي إقَامَةِ ) صَلَاةٍ يُرِيدُ الصَّلَاةَ مَعَ إمَامِهَا ( انْعِقَادُ نَافِلَةٍ ) رَاتِبَةٍ وَغَيْرِهَا مِمَّنْ لَمْ يُصَلِّ تِلْكَ الصَّلَاةَ لِحَدِيثِ { إذَا أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَلَا صَلَاةَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ } " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَكَانَ عُمَرُ يَضْرِبُ عَلَى الصَّلَاةِ بَعْدَ الْإِقَامَةِ وَإِنْ جَهِلَ الْإِقَامَةَ فَكَجَهْلِ وَقْتِ نَهْيٍ .

( وَمَنْ ) أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ ، وَهُوَ ( فِيهَا ) أَيْ : النَّافِلَةِ ( وَلَوْ ) كَانَ ( خَارِجَ الْمَسْجِدِ يُتِمُّ ) مَا ابْتَدَأَهُ مُخَفِّفًا ، وَلَا يَزِيدُ عَلَى رَكْعَتَيْنِ ( إنْ أَمِنَ فَوْتَ الْجَمَاعَةِ ) وَلَوْ فَاتَتْهُ رَكْعَةٌ ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَإِلَّا قَطَعَهَا لِأَنَّ الْفَرْضَ أَهَمُّ .

( وَمَنْ كَبَّرَ ) مَأْمُومًا ( قَبْلَ تَسْلِيمَةِ الْإِمَامِ الْأُولَى أَدْرَكَ الْجَمَاعَةَ ) فَيَبْنِي وَلَا يُجَدِّدُ إحْرَامًا لِأَنَّهُ أَدْرَكَ جُزْءًا مِنْ الصَّلَاةِ مَعَ الْإِمَامِ فَأَشْبَهَ مَا لَوْ أَدْرَكَ رَكْعَةً فَيَحْصُلُ لَهُ فَضْلُ الْجَمَاعَةِ وَإِنْ كَبَّرَ بَيْنَ التَّسْلِيمَتَيْنِ لَمْ تَنْعَقِدْ .

( وَمَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ ) مَعَ الْإِمَامِ بِأَنْ اجْتَمَعَ مَعَهُ فِيهِ ، بِحَيْثُ يَنْتَهِي إلَى قَدْرِ الْإِجْزَاءِ مِنْ الرُّكُوعِ ، قَبْلَ أَنْ يَزُولَ إمَامُهُ عَنْ قَدْرِ الْإِجْزَاءِ مِنْهُ ( دُونَ الطُّمَأْنِينَةِ ) أَيْ : وَلَمْ يُدْرِكْ الطُّمَأْنِينَةَ ( مَعَهُ اطْمَأَنَّ ثُمَّ تَابَعَ ) إمَامَهُ ( وَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ ) " لِحَدِيثِ { مَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ فَقَدْ أَدْرَكَ الرَّكْعَةَ } " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِالتَّكْبِيرِ قَائِمًا وَتَقَدَّمَ ( وَأَجْزَأَتْهُ تَكْبِيرَةُ الْإِحْرَامِ ) عَنْ تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ .
رُوِيَ عَنْ زَيْدٍ وَابْنِ عُمَرَ ، وَلَمْ يُعْرَفْ لَهُمَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ، وَلِأَنَّهُ اجْتَمَعَ وَاجِبَانِ مِنْ جِنْسٍ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ ، أَحَدُهُمَا رُكْنٌ فَسَقَطَ بِهِ ، كَطَوَافِ الْحَاجِّ لِلزِّيَارَةِ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنْ مَكَّةَ يُجْزِئُهُ عَنْ طَوَافِ الْوَدَاعِ ، فَإِنْ نَوَى بِتَكْبِيرَتِهِ الِانْتِقَالَ مَعَ الْإِحْرَامِ ، أَوْ وَحْدَهُ ، لَمْ تَنْعَقِدْ ، وَالْأَفْضَلُ : أَنْ يَأْتِيَ بِتَكْبِيرَتَيْنِ .

( وَسُنَّ دُخُولُهُ ) أَيْ : الْمَأْمُومِ ( مَعَهُ ) أَيْ : الْإِمَامِ ( كَيْفَ أَدْرَكَهُ ) وَإِنْ لَمْ يَعْتَدَّ لَهُ بِمَا أَدْرَكَهُ فِيهِ ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { إذَا جِئْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ وَنَحْنُ سُجُودٌ فَاسْجُدُوا ، وَلَا تَعُدُّوهَا شَيْئًا } " .

( وَيَنْحَطُّ ) مَأْمُومٌ أَدْرَكَ إمَامَهُ غَيْرَ رَاكِعٍ ( بِلَا تَكْبِيرٍ ) نَصًّا لِأَنَّهُ لَا يُعْتَدُّ لَهُ بِهِ ، وَقَدْ فَاتَهُ مَحَلُّ التَّكْبِيرِ .

( وَيَقُومُ مَسْبُوقٌ ) سَلَّمَ إمَامَهُ ( بِهِ ) أَيْ : التَّكْبِيرِ نَصًّا لِوُجُوبِهِ لِكُلِّ انْتِقَالٍ يَعْتَدُّ بِهِ الْمُصَلِّي وَهَذَا مِنْهُ .

( وَإِنْ قَامَ ) مَسْبُوقٌ لِقَضَاءِ مَا فَاتَهُ ( قَبْلَ سَلَامِ ) إمَامِهِ ( الثَّانِيَة وَلَمْ يَرْجِعْ ) لِيَقُومَ بَعْدَ سَلَامِهَا ( انْقَلَبَتْ ) صَلَاتُهُ ( نَفْلًا ) لِتَرْكِ الْعَوْدِ الْوَاجِبِ لِمُتَابَعَةِ إمَامِهِ بِلَا عُذْرٍ فَيَخْرُجُ مِنْ الِائْتِمَام وَيَبْطُلُ فَرْضُهُ .

( وَمَا أَدْرَكَ ) مَسْبُوقٌ مِنْ صَلَاةٍ مَعَ إمَامِهِ فَهُوَ ( آخِرُهَا ) أَيْ : آخِرُ صَلَاتِهِ ( وَمَا يَقْضِي ) مِمَّا فَاتَهُ ( أَوَّلُهَا ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَفِيهِ { فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَاقْضُوا } " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ .
وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ { فَصَلِّ مَا أَدْرَكْتَ وَاقْضِ مَا سَبَقَك } " .
وَالْمَقْضِيُّ هُوَ الْفَائِتُ ( فَيَسْتَفْتِحُ لَهُ ) أَيْ : لِمَا يَقْضِيهِ ( وَيَتَعَوَّذُ وَيَقْرَأُ سُورَةً ) فِيهِ لِأَنَّهُ أَوَّلُ صَلَاتِهِ ، وَيُخَيَّرُ فِي الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ فِي الْجَهْرِيَّةِ غَيْرِ الْجُمُعَةِ ، وَيُرَاعِي تَرْتِيبَ السُّوَرِ وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ إذَا فَاتَتْهُ الْأُولَى وَكَذَا مَسْبُوقٌ فِي صَلَاةِ جِنَازَةٍ يُتَابِعُ إمَامَهُ فِيمَا أَدْرَكَهُ مَعَهُ ، ثُمَّ يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ فِي أَوَّلِ تَكْبِيرَةٍ يَقْضِيهَا وَيُطِيلُ أَيْضًا الرَّكْعَةَ الْأُولَى ، إذَا قَضَاهَا عَلَى الثَّانِيَةِ وَلَوْ كَانَ أَدْرَكَهَا مَعَ الْإِمَامِ .

( لَكِنْ لَوْ أَدْرَكَ ) مَسْبُوقٌ مَعَ إمَامِهِ ( رَكْعَةً مِنْ ) صَلَاةٍ ( رُبَاعِيَّةٍ ، أَوْ ) مِنْ ( مَغْرِبٍ تَشَهَّدَ ) الْمَسْبُوقُ ( عَقِبَ ) قَضَاءِ رَكْعَةٍ ( أُخْرَى ) لِئَلَّا يُغَيِّرَ هَيْئَةَ الصَّلَاةِ ، فَيَقْطَعَ الرُّبَاعِيَّةَ عَلَى وِتْرٍ ، وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ ، أَوْ يَقْطَعَ الْمَغْرِبَ عَلَى شَفْعٍ ، وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ ، وَلَا ضَرُورَةَ إلَى ذَلِكَ .

( وَيَتَوَرَّكُ ) مَسْبُوقٌ ( مَعَهُ ) فِي تَشَهُّدٍ أَخِيرٍ مِنْ رُبَاعِيَّةٍ وَمَغْرِبٍ ، تَبَعًا لَهُ ( وَيُكَرِّرُ ) مَسْبُوقٌ ( التَّشَهُّدَ الْأَوَّلِ حَتَّى يُسَلِّمَ ) إمَامُهُ ؛ لِأَنَّهُ تَشَهُّدٌ وَاقِعٌ فِي وَسَطِ الصَّلَاةِ فَلَا تَشْرَعْ فِي الزِّيَادَةِ فِيهِ عَلَى الْأَوَّلِ .

( وَيَتَحَمَّلُ ) إمَامٌ ( عَنْ مَأْمُومٍ قِرَاءَةَ ) الْفَاتِحَةِ ، فَتَصِحُّ صَلَاةُ مَأْمُومٍ بِدُونِ قِرَاءَةٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا } " قَرَأْتَ وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا } " رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ وَصَحَّحَهُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ ، فَلَوْلَا أَنَّ الْقِرَاءَةَ لَا تَجِبُ عَلَى الْمَأْمُومِ بِالْكُلِّيَّةِ لَمَا أُمِرَ بِتَرْكِهَا مِنْ أَجْلِ سُنَّةِ الِاسْتِمَاعِ .
وَحَدِيثِ { مَنْ كَانَ لَهُ إمَامٌ فَقِرَاءَةُ الْإِمَامِ لَهُ قِرَاءَةٌ } " رَوَاهُ سَعِيدٌ وَأَحْمَدُ فِي مَسَائِلِ ابْنِهِ عَبْدِ اللَّهِ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَهُوَ وَإِنْ كَانَ مُرْسَلًا فَهُوَ عِنْدَنَا حُجَّةٌ .
( وَ ) يَتَحَمَّلُ عَنْ مَأْمُومٍ أَيْضًا ( سُجُودَ سَهْوٍ ) وَتَقَدَّمَ فِي بَابِهِ ( وَ ) يَتَحَمَّلُ عَنْهُ أَيْضًا ( سُجُودَ تِلَاوَةٍ ) إذَا قَرَأَ فِي صَلَاتِهِ آيَةَ سَجْدَةٍ وَلَمْ يَسْجُدْ إمَامُهُ ( وَ ) يَتَحَمَّلُ عَنْهُ أَيْضًا ( سُتْرَةَ ) الصَّلَاةِ وَتَقَدَّمَ .
( وَ ) يَتَحَمَّلُ عَنْهُ أَيْضًا ( دُعَاءَ قُنُوتٍ ) حَيْثُ سَمِعَهُ فَيُؤَمِّنُ فَقَطْ وَتَقَدَّمَ ( وَكَذَا تَشَهُّدٌ أَوَّلُ ) وَجُلُوسٌ لَهُ ، فَيَتَحَمَّلُهُ عَنْهُ ( إذَا سَبَقَ ) الْمَأْمُومَ ( بِرَكْعَةٍ ) مِنْ رُبَاعِيَّةٍ وَتَقَدَّمَ .

( وَسُنَّ ) لِمَأْمُومٍ ( أَنْ يَسْتَفْتِحَ وَ ) أَنْ ( يَتَعَوَّذَ فِي ) صَلَاةٍ ( جَهْرِيَّةٍ ) كَالصُّبْحِ ، لِأَنَّ مَقْصُودَ الِاسْتِفْتَاحِ وَالتَّعَوُّذِ لَا يَحْصُلُ بِاسْتِمَاعِ قِرَاءَةِ الْإِمَامِ ، لِعَدَمِ جَهْرِهِ بِهِمَا بِخِلَافِ الْقِرَاءَةِ .
( وَ ) سُنَّ لِمَأْمُومٍ أَيْضًا أَنْ ( يَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً حَيْثُ شُرِعَتْ ) السُّورَةُ ( فِي سَكَتَاتِهِ ) يَعْنِي أَنَّهُ يَسْتَفْتِحُ وَيَتَعَوَّذُ فِي السَّكْتَةِ الْأُولَى عَقِبَ إحْرَامِهِ ، وَيَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ عَقِبَ فَرَاغِهِ مِنْهَا وَيَقْرَأُ السُّورَةَ فِي الثَّالِثَةِ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنْهَا .
( وَهِيَ ) أَيْ : سَكَتَاتُ الْإِمَامِ ثَلَاثٌ ( قَبْلَ الْفَاتِحَةِ ) فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى فَقَطْ ( وَبَعْدَهَا ) أَيْ : الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ( وَتُسَنُّ ) أَنْ تَكُونَ سَكْتَةٌ ( هُنَا ) أَيْ : بَعْدَ الْفَاتِحَةِ ( بِقَدْرِهَا ) لِيَقْرَأَهَا الْمَأْمُومُ فِيهَا ( وَ ) الثَّالِثَةُ ( بَعْدَ فَرَاغِ الْقِرَاءَةِ ) لِيَتَمَكَّنَ الْمَأْمُومُ مِنْ قِرَاءَةِ سُورَةٍ فِيهَا .
( وَ ) يُسَنُّ لِمَأْمُومٍ أَيْضًا أَنْ يَسْتَفْتِحَ وَيَتَعَوَّذَ وَيَقْرَأَ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً حَيْثُ شُرِعَتْ ( فِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ ) إمَامُهُ كَالظُّهْرِ .
وَكَذَا يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ فِي الْأَخِيرَةِ مِنْ مَغْرِبٍ وَفِي الْأَخِيرَتَيْنِ مِنْ الْعِشَاءِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ { كُنَّا نَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ ، وَفِي الْأَخِيرَتَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ } " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ : أَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ يَرَوْنَ الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ ( أَوْ ) أَيْ : وَيُسَنُّ لِمَأْمُومٍ أَنْ يَأْتِيَ بِمَا تَقَدَّمَ حَيْثُ كَانَ ( لَا يَسْمَعُهُ ) أَيْ : الْإِمَامَ ( لِبُعْدٍ ) عَنْهُ ( أَوْ ) ل ( طَرَشٍ إنْ لَمْ يَشْغَلْ ) مَأْمُومٌ بِقِرَاءَتِهِ ( مَنْ بِجَنْبِهِ ) مِنْ الْمَأْمُومِينَ فَإِنْ شَغَلَهُ تَرَكَهُ .

وَإِنْ سَبَقَ الْإِمَامُ الْمَأْمُومَ بِقِرَاءَةٍ وَرَكَعَ تَبِعَهُ ، بِخِلَافِ التَّشَهُّدِ فَيُتِمُّهُ إذَا سَلَّمَ فَإِنْ بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ الدُّعَاءِ سَلَّمَ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَسِيرًا ( وَمَنْ رَكَعَ ، أَوْ سَجَدَ ) وَنَحْوُهُ ، كَمَنْ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ رُكُوعٍ ، أَوْ سُجُودٍ ( قَبْلَ إمَامِهِ عَمْدًا ، حَرُمَ ) عَلَيْهِ { لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : لَا تَسْبِقُونِي بِالرُّكُوعِ وَلَا بِالسُّجُودِ وَلَا بِالْقِيَامِ } " رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { أَمَا يَخْشَى الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ ، أَوْ يَجْعَلَ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ } " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَلَا تَبْطُلُ إنْ عَادَ لِلْمُتَابَعَةِ ( وَعَلَيْهِ ) أَيْ : الَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ عَمْدًا ( وَعَلَى جَاهِلٍ وَنَاسٍ ) فَعَلَ ذَلِكَ وَ ( ذَكَرَ أَنْ يَرْجِعَ لِ ) يَفْعَلَ مَا سَبَقَ بِهِ إمَامَهُ لِ ( يَأْتِيَ بِهِ ) أَيْ : بِمَا فَعَلَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ ( مَعَهُ ) أَيْ : مَعَ إمَامِهِ أَيْ : عَقِبَهُ ، لِيَكُونَ مُؤْتَمًّا بِهِ ( فَإِنْ أَبَى ) الرُّجُوعَ ( عَالِمًا ) وُجُوبَهُ ( عَمْدًا ) أَيْ : غَيْرَ سَاهٍ ( حَتَّى أَدْرَكَهُ ) إمَامُهُ ( فِيهِ ) أَيْ : فِيمَا سَبَقَهُ بِهِ ( بَطَلَتْ ) صَلَاتُهُ ، لِتَرْكِهِ الْمُتَابَعَةَ الْوَاجِبَةَ بِلَا عُذْرٍ .
وَ ( لَا ) تَبْطُلُ إنْ أَبَى الرُّجُوعَ ( جَاهِلًا ) الْحُكْمَ ( أَوْ نَاسِيًا ) لِلْعُذْرِ ( وَيَعْتَدُّ ) مَنْ لَمْ يَرْجِعْ لِيَأْتِيَ بِمَا سَبَقَ بِهِ إمَامَهُ مَعَهُ سَهْوًا ، أَوْ جَهْلًا ( بِهِ ) أَيْ : بِمَا سَبَقَهُ بِهِ فَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ ( وَالْأَوْلَى ) لِمَأْمُومٍ ( أَنْ يَشْرَعَ فِي أَفْعَالِهَا ) أَيْ : الصَّلَاةِ ( بَعْدَهُ ) أَيْ : الْإِمَامِ ، لِحَدِيثِ { إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ ، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا } .
.
إلَخْ وَفِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَغَيْرِهِمَا :

يُسْتَحَبُّ أَنْ يَشْرَعَ الْمَأْمُومُ فِي أَفْعَالِ الصَّلَاةِ بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ مِمَّا كَانَ فِيهِ ( فَإِنْ وَافَقَهُ ) فِي أَفْعَالِهَا ( كُرِهَ ) لَهُ ذَلِكَ ، وَلَمْ تَبْطُلْ بِهِ صَلَاتُهُ ( وَإِنْ كَبَّرَ ) مَأْمُومٌ ( لِإِحْرَامٍ مَعَهُ ) أَيْ : مَعَ إمَامِهِ ، لَمْ تَنْعَقِدْ ( أَوْ ) كَبَّرَ لِإِحْرَامٍ ( قَبْلَ إتْمَامِهِ ) أَيْ : الْإِمَامِ تَكْبِيرَةَ الْإِحْرَامِ ( لَمْ تَنْعَقِدْ ) صَلَاةُ مَأْمُومٍ وَلَوْ سَاهِيًا لِأَنَّ شَرْطَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِإِحْرَامِهِ بَعْدَ إحْرَامِهِ وَقَدْ فَاتَهُ .

( وَإِنْ سَلَّمَ ) مَأْمُومٌ ( قَبْلَهُ ) أَيْ : إمَامِهِ ( عَمْدًا بِلَا عُذْرٍ ) لِلْمَأْمُومِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ، لِأَنَّهُ تَرَكَ فَرْضَ الْمُتَابَعَةِ عَمْدًا ( أَوْ ) سَلَّمَ مَأْمُومٌ قَبْلَهُ ( سَهْوًا وَلَمْ يُعِدْهُ ) أَيْ : السَّلَامَ ( بَعْدَهُ ) أَيْ : بَعْدَ إمَامِهِ ( بَطَلَتْ ) صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ صَلَاتِهِ قَبْلَ إمَامِهِ .
وَإِنْ لَمْ يُعِدْهُ بَعْدَهُ فَقَدْ تَرَكَ فَرْضَ الْمُتَابَعَةِ .
( وَ ) إنْ سَلَّمَ مَأْمُومٌ ( مَعَهُ ) أَيْ : الْإِمَامِ فَإِنَّهُ ( يُكْرَهُ ) لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ سَلَّمَ الْأُولَى عَقِبَ فَرَاغِهِ مِنْهَا وَالثَّانِيَةَ كَذَلِكَ جَازَ ، وَالْأَوْلَى إنْ سَلَّمَ عَقِبَ فَرَاغِهِ مِنْ التَّسْلِيمَتَيْنِ .

( وَلَا يَضُرُّ سَبْقُ ) مَأْمُومٍ إمَامَهُ ( بِقَوْلِ غَيْرِهِمَا ) أَيْ : غَيْرِ تَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ وَالسَّلَامِ كَسَبْقِهِ بِالْقِرَاءَةِ ، أَوْ التَّشَهُّدِ .

وَلَا يُكْرَهُ ( وَإِنْ سَبَقَ ) مَأْمُومٌ إمَامَهُ ( بِرُكْنِ ) الرُّكُوعِ ( بِأَنْ رَكَعَ ) مَأْمُومٌ ( وَرَفَعَ قَبْلَ رُكُوعِهِ ) أَيْ : الْإِمَامِ عَالِمًا عَمْدًا بَطَلَتْ نَصًّا لِأَنَّهُ سَبَقَهُ بِرُكْنٍ كَامِلٍ ، هُوَ مُعْظَمُ الرَّكْعَةِ فَبَطَلَتْ كَمَا لَوْ سَبَقَهُ بِالسَّلَامِ ( أَوْ ) سَبَقَهُ ( بِرُكْنَيْنِ بِأَنْ رَكَعَ وَرَفَعَ قَبْلَ رُكُوعِهِ ) أَيْ : الْإِمَامِ ( وَهَوَى إلَى السُّجُودِ قَبْلَ رَفْعِهِ ) أَيْ : الْإِمَامِ ( عَالِمًا ) تَحْرِيمَ ذَلِكَ ( عَمْدًا ) غَيْرَ سَاهٍ ( بَطَلَتْ ) صَلَاتُهُ ، كَاَلَّتِي قَبْلَهَا وَأَوْلَى .
وَمَا دَامَ فِي رُكْنٍ لَمْ يُعِدْ سَابِقًا حَتَّى يَتَخَلَّصَ مِنْهُ فَإِذَا رَكَعَ وَرَفَعَ فَقَدْ سَبَقَ بِالرُّكُوعِ لِأَنَّهُ تَخَلَّصَ مِنْهُ بِالرَّفْعِ وَلَمْ يَحْصُلْ السَّبَقُ بِالرَّفْعِ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَتَخَلَّصْ مِنْهُ فَإِذَا هَوَى إلَى السُّجُودِ فَقَدْ تَخَلَّصَ مِنْ الْقِيَامِ وَحَصَلَ السَّبَقُ بِرُكْنَيْنِ ذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ .
( وَ ) إنْ سَبَقَهُ بِرُكْنٍ ، أَوْ رُكْنَيْنِ ( جَاهِلًا ، أَوْ نَاسِيًا بَطَلَتْ الرَّكْعَةُ ) الَّتِي وَقَعَ السَّبْقُ بِهَا ( إنْ لَمْ يَأْتِ بِذَلِكَ ) أَيْ : بِمَا سَبَقَهُ بِهِ ( مَعَهُ ) أَيْ : الْإِمَامِ ، وَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِحَدِيثِ { عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ } فَإِنْ أَتَى بِهِ اُعْتُدَّ لَهُ بِالرَّكْعَةِ وَ ( لَا ) تَبْطُلُ إنْ سَبَقَ إمَامَهُ ( بِرُكْنٍ غَيْرِ رُكُوعٍ ) كَقِيَامٍ وَهَوِيٍّ إلَى سُجُودٍ لِأَنَّ الرُّكُوعَ تُدْرَكُ بِهِ الرَّكْعَةُ وَتَفُوتُ بِفَوَاتِهِ فَغَيْرُهُ لَا يُسَاوِيهِ .

( وَإِنْ تَخَلَّفَ ) مَأْمُومٌ عَنْ إمَامِهِ ( بِرُكْنٍ بِلَا عُذْرٍ فَكَسَبْقٍ ) بِهِ بِلَا عُذْرٍ فَإِنْ كَانَ رُكُوعًا بَطَلَتْ ، وَإِلَّا فَلَا ( وَ ) إنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ بِرُكْنٍ ( لِعُذْرٍ ) مِنْ نَوْمٍ ، أَوْ سَهْوٍ ، أَوْ زِحَامٍ وَنَحْوِهِ فَ ( إنْ فَعَلَهُ ) أَيْ : الرُّكْنَ الَّذِي تَخَلَّفَ بِهِ ( وَلَحِقَهُ ) صَحَّتْ رَكْعَتُهُ وَيَلْزَمُهُ ذَلِكَ ، حَيْثُ أَمْكَنَهُ اسْتِدْرَاكُهُ مِنْ غَيْرِ مَحْذُورٍ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَفْعَلْهُ وَيَلْحَقْهُ بِأَنْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْهُ ( لَغَتْ الرَّكْعَةُ ) الَّتِي تَخَلَّفَ عَنْهُ بِرُكْنِهَا ، فَيَقْضِي بَدَلَهَا .
( وَ ) إنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ بِلَا عُذْرٍ ( بِرُكْنَيْنِ بَطَلَتْ ) صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ تَرَكَ الِائْتِمَامَ لِغَيْرِ عُذْرٍ أَشْبَهَ مَا لَوْ قَطَعَ الصَّلَاةَ .
( وَ ) إنْ كَانَ تَخَلُّفُهُ بِرُكْنَيْنِ ( لِعُذْرٍ كَنَوْمٍ وَسَهْوٍ وَزِحَامٍ ) لَمْ تَبْطُلْ لِلْعُذْرِ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِهِ وَيَلْحَقُ إمَامَهُ مَعَ أَمْنِ فَوْتِ الْآتِيَةِ ، فَ ( إنْ لَمْ يَأْتِ بِمَا تَرَكَهُ ) بِتَخَلُّفِهِ ( مَعَ أَمْنِ فَوْتِ ) الرَّكْعَةِ ( الْآتِيَةِ ) بِاشْتِغَالِهِ بِفِعْلِ مَا تَخَلَّفَ بِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ خَافَ فَوْتَ الْآتِيَةِ إنْ أَتَى بِمَا تَخَلَّفَ بِهِ ( لَغَتْ الرَّكْعَةُ ) الَّتِي وَقَعَ فِيهَا التَّخَلُّفُ لِفَوَاتِ بَعْضِ أَرْكَانِهَا ( وَ ) الرَّكْعَةُ ( الَّتِي تَلِيهَا ) أَيْ : اللَّاغِيَةَ ( عَوَضُهَا ) فَيَبْنِي عَلَيْهَا وَيُتِمُّ إذَا سَلَّمَ إمَامُهُ .

( وَإِنْ زَالَ عُذْرُ مَنْ أَدْرَكَ الرُّكُوعَ ) الرَّكْعَةَ ( الْأُولَى وَقَدْ رَفَعَ إمَامُهُ مِنْ رُكُوعِ ) الرَّكْعَةِ ( الثَّانِيَةِ تَابَعَهُ ) فِي السُّجُودِ ( وَتَصِحُّ لَهُ رَكْعَةٌ مُلَفَّقَةٌ ) مِنْ رَكْعَتَيْ إمَامِهِ ( تُدْرَكُ بِهَا الْجُمُعَةُ ) إنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ جُمُعَةً ، وَلَمْ نَقُلْ بِالتَّلْفِيقِ فِيمَنْ نَسِيَ أَرْبَعَ سَجَدَاتٍ مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ ، لِتَحْصُلَ الْمُوَالَاةُ بَيْنَ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ مُعْتَبَرٍ ( وَإِنْ ظَنَّ ) مَنْ أَدْرَكَ رُكُوعَ الْأُولَى ، ثُمَّ حَصَلَ لَهُ عُذْرٌ وَزَالَ بَعْدَ رَفْعِ إمَامِهِ مِنْ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ ( تَحْرِيمَ مُتَابَعَتِهِ ) أَيْ : الْإِمَامِ فِي سُجُودِ الثَّانِيَةِ ( فَسَجَدَ ) لِنَفْسِهِ ( جَهْلًا اُعْتُدَّ بِهِ ) أَيْ : بِالسُّجُودِ لِلْعُذْرِ ، كَسُجُودِهِ يَظُنُّ إدْرَاكَ الْمُتَابَعَةِ فَفَاتَتْ ، فَإِنْ أَدْرَكَهُ فِي التَّشَهُّدِ .
فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ يُدْرِكُ الْجُمُعَةَ ( وَلَوْ أَدْرَكَهُ ) أَيْ : الْمَأْمُومُ بَعْدَ أَنْ فَعَلَ مَا تَخَلَّفَ بِهِ عَنْهُ ( فِي رُكُوعِ ) الرَّكْعَةِ ( الثَّانِيَةِ تَبِعَهُ ) فِيهِ ( وَتَمَّتْ جُمُعَتُهُ ) لِأَنَّهُ قَدْ أَتَى بِالرَّكْعَتَيْنِ .
( وَ ) إنْ أَدْرَكَهُ ( بَعْدَ رَفْعِهِ مِنْهُ ) أَيْ : مِنْ رُكُوعِ الثَّانِيَةِ ( تَبِعَهُ ) فِي سُجُودِهَا ( وَقَضَى ) أَيْ : أَتَى بِرَكْعَةٍ وَتَتِمُّ جُمُعَتُهُ ( وَإِنْ تَخَلَّفَ ) مَأْمُومٌ ( بِرَكْعَةٍ فَأَكْثَرَ لِعُذْرٍ تَابَعَ ) إمَامَهُ ( وَقَضَى ) مَا تَخَلَّفَ بِهِ ( كَمَسْبُوقٍ ) قَالَ أَحْمَدُ ، فِي رَجُلٍ قَدْ نَعَسَ خَلْفَ الْإِمَامِ ، حَتَّى صَلَّى رَكْعَتَيْنِ : كَأَنَّهُ أَدْرَكَ رَكْعَتَيْنِ فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ .

( وَسُنَّ لِإِمَامٍ التَّخْفِيفُ ) لِلصَّلَاةِ ( مَعَ الْإِتْمَامِ ) لِلصَّلَاةِ ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ بِالنَّاسِ فَلْيُخَفِّفْ فَإِنَّ فِيهِمْ السَّقِيمَ وَالضَّعِيفَ وَذَا الْحَاجَةِ فَإِذَا صَلَّى لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ } " رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَتُكْرَهُ سُرْعَةُ إمَامٍ ( تَمْنَعُ مَأْمُومًا فِعْلَ مَا يُسَنُّ ) لَهُ فِعْلُهُ ، كَقِرَاءَةِ السُّورَةِ وَمَا زَادَ عَلَى مَرَّةٍ فِي تَسْبِيحِ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ وَنَحْوِهِ .
وَسُنَّ أَنْ يُرَتِّلَ الْقِرَاءَةَ وَالتَّسْبِيحَ وَالتَّشَهُّدَ بِقَدْرِ مَا يَرَى أَنَّ مَنْ يَثْقُلُ عَلَيْهِ مِمَّنْ خَلْفَهُ قَدْ أَتَى بِهِ ، وَأَنْ يَتَمَكَّنَ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ قَدْرَ مَا يَرَى أَنَّ الْكَبِيرَ وَالثَّقِيلَ وَغَيْرَهُمَا قَدْ أَتَى عَلَيْهِ ، وَأَنْ يُخَفِّفَ لِنَحْوِ بُكَاءِ صَبِيٍّ ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : تَلْزَمُهُ مُرَاعَاةُ الْمَأْمُومِ إنْ تَضَرَّرَ بِالصَّلَاةِ أَوَّلَ الْوَقْتِ ، أَوْ آخِرَهُ وَنَحْوَهُ .
وَقَالَ لَيْسَ : لَهُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى الْقَدْرِ الْمَشْرُوعِ وَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَفْعَل غَالِبًا مَا كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُهُ غَالِبًا وَيَزِيدُ وَيُنْقِصُ لِلْمَصْلَحَةِ كَمَا كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَزِيدُ وَيُنْقِصُ أَحْيَانًا ( مَا لَمْ يُؤْثِرْ مَأْمُومٌ التَّطْوِيلَ ) فَإِنْ اخْتَارُوهُ كُلُّهُمْ لَمْ يُكْرَه لِزَوَالِ عِلَّةِ الْكَرَاهَةِ وَهِيَ التَّنْفِيرُ .
قَالَ الْحَجَّاوِيُّ : إنْ كَانَ الْجَمْعُ قَلِيلًا فَإِنْ كَانَ كَثِيرًا لَمْ يَخْلُ مِمَّنْ لَهُ عُذْرٌ .
وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ الرِّعَايَةِ ( وَ ) يُسَنُّ لِإِمَامٍ وَغَيْرِهِ ( تَطْوِيلُ قِرَاءَةِ ) الرَّكْعَةِ ( الْأُولَى عَنْ ) قِرَاءَةِ الرَّكْعَةِ ( الثَّانِيَةِ ) لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ مَرْفُوعًا { كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَتَيْنِ ، وَفِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَكَانَ يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مَا لَا يُطَوِّلُ فِي الثَّانِيَةِ .
وَهَكَذَا فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ وَهَكَذَا فِي صَلَاةِ الصُّبْحِ } "

مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
زَادَ أَبُو دَاوُد { فَظَنَنَّا أَنَّهُ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يُدْرِكَ النَّاسُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى } ( إلَّا فِي صَلَاةِ خَوْفٍ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي ) بِأَنْ كَانَ لِعَدُوٍّ فِي غَيْرِ جِهَةِ الْقِبْلَةِ وَقَسَّمَ الْمَأْمُومِينَ طَائِفَتَيْنِ ( فَ ) الرَّكْعَةُ ( الثَّانِيَةُ أَطْوَلُ ) مِنْ الْأُولَى ، لِانْتِظَارِ الطَّائِفَةِ الَّتِي تَأْتِي لِتَأْتَمَّ بِهِ .
وَيَأْتِي تَوْضِيحُهُ ( أَوْ ) إلَّا إذَا كَانَ تَطْوِيلُ قِرَاءَةِ الثَّانِيَةِ عَنْ الْأُولَى ( بِيَسِيرٍ كَ ) مَا إذَا قَرَأَ بِ ( سَبِّحْ وَالْغَاشِيَةِ ) لِوُرُودِهِ فِي نَحْوِ الْجُمُعَةِ .
( وَ ) يُسَنُّ لِإِمَامٍ أَيْضًا ( انْتِظَارُ دَاخِلٍ ) مَعَهُ أَحَسَّ بِهِ فِي رُكُوعٍ وَنَحْوِهِ لِأَنَّ الِانْتِظَارَ ثَبَتَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ لِإِدْرَاكِ الْجَمَاعَةِ .
وَهَذَا الْمَعْنَى مَوْجُودٌ هُنَا وَلِحَدِيثِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى { وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُومُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ حَتَّى لَا يَسْمَعَ وَقْعَ قَدَمٍ } " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَلِأَنَّهُ تَحْصِيلُ مَصْلَحَةٍ بِلَا مَضَرَّةٍ ( إنْ لَمْ يَشُقَّ ) انْتِظَارُهُ ( عَلَى مَأْمُومٍ ) لِأَنَّ حُرْمَةَ مَنْ مَعَهُ أَعْظَمُ ، فَلَا يَشُقُّ عَلَيْهِ لِنَفْعِ الدَّاخِلِ .

( وَمَنْ اسْتَأْذَنَتْهُ امْرَأَتُهُ ) إلَى الْمَسْجِدِ ( أَوْ ) اسْتَأْذَنَتْهُ ( أَمَتُهُ إلَى الْمَسْجِدِ ) لَيْلًا ، أَوْ نَهَارًا ( كُرِهَ ) لَهُ ( مَنْعُهَا ) مِنْهُ لِحَدِيثِ { لَا تَمْنَعُوا إمَاءَ اللَّهِ مَسَاجِدَ اللَّهِ تَعَالَى } " وَتَخْرُجُ تَفِلَةً غَيْرَ مُطَيَّبَةٍ وَلَا لَابِسَةً ثَوْبَ زِينَةٍ ( وَبَيْتُهَا خَيْرٌ لَهَا ) لِقَوْلِهِ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " { وَبُيُوتُهُنَّ خَيْرٌ لَهُنَّ ، وَلْيَخْرُجْنَ تَفِلَاتٍ } " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَظَاهِرُهُ : حَتَّى مَسْجِدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " وَلِأَبٍ ثُمَّ وَلِيٍّ مَحْرَمٍ " لِامْرَأَةٍ كَأَخٍ وَعَمٍّ ( مَنْعُ مُوَلِّيَتِهِ ) مِنْ خُرُوجٍ مِنْ بَيْتِهَا ( إنْ خَشِيَ ) بِخُرُوجِهَا ( فِتْنَةً ، أَوْ ضَرَرًا ) اسْتِحْبَابًا لِلْحَصَانَةِ .
قَالَ أَحْمَدُ : الزَّوْجُ أَمْلَكُ مِنْ الْأَبِ ( وَ ) لِمَنْ ذُكِرَ مَنْعُهَا ( مِنْ الِانْفِرَادِ ) لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ دُخُولُ مَنْ يُفْسِدُهَا ، وَيُلْحِقُ الْعَارَ بِهَا وَبِأَهْلِهَا .

فَصْلٌ فِي مَسَائِلَ مِنْ أَحْكَامِ الْجِنِّ ( الْجِنُّ مُكَلَّفُونَ فِي الْجُمْلَةِ ) إجْمَاعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إلَّا لِيَعْبُدُونَ } " ( يَدْخُلُ كَافِرُهُمْ النَّارَ ) إجْمَاعًا ( وَ ) يَدْخُلُ ( مُؤْمِنُهُمْ الْجَنَّةَ ) لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ .
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ : وَيَصِيرُونَ تُرَابًا كَالْبَهَائِمِ وَثَوَابُهُ النَّجَاةُ مِنْ النَّارِ ( وَهُمْ ) أَيْ : مُؤْمِنُو الْجِنِّ ( فِيهَا ) أَيْ : الْجِنَّةِ ( كَغَيْرِهِمْ ) مِنْ الْآدَمِيِّينَ ( عَلَى قَدْرِ ثَوَابِهِمْ ) لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ : لَا يَأْكُلُونَ وَلَا يَشْرَبُونَ ، أَوْ أَنَّهُمْ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ ، أَيْ : مَا حَوْلَهَا .
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : وَنَرَاهُمْ فِيهَا وَلَا يَرَوْنَنَا ( وَتَنْعَقِدُ بِهِمْ ) أَيْ : مُؤْمِنِي الْجِنِّ ( الْجَمَاعَةُ ) قَالَ فِي شَرْحِهِ : لَا الْجُمُعَةُ .
وَفِي النَّوَادِرِ : تَنْعَقِدُ الْجُمُعَةُ وَالْجَمَاعَةُ بِالْمَلَائِكَةِ وَبِمُسْلِمِي الْجِنِّ ، وَهُوَ مَوْجُودٌ زَمَنَ النُّبُوَّةِ وَذَكَرَهُ أَيْضًا عَنْ أَبِي الْبَقَاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا .
قَالَ فِي الْفُرُوعِ : كَذَا قَالَا ، وَالْمُرَادُ بِالْجُمُعَةِ مَنْ لَزِمَتْهُ ( وَلَيْسَ مِنْهُمْ رَسُولٌ ) وقَوْله تَعَالَى : { يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ } " عَلَى حَدِّ قَوْله تَعَالَى : { يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ } " وقَوْله تَعَالَى : { وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا } " قَالَ ابْنُ حَامِدٍ : وَمَذَاهِبُ الْعُلَمَاءِ إخْرَاجُ الْمَلَائِكَةِ عَنْ التَّكْلِيفِ وَالْوَعِيدِ .
وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : لَيْسَ الْجِنُّ كَالْإِنْسِ فِي الْحَدِّ وَالْحَقِيقَةِ فَلَا يَكُونُ مَا أُمِرُوا بِهِ وَمَا نُهُوا عَنْهُ مُسَاوِيًا لِمَا عَلَى الْإِنْسِ فِي الْحَدِّ وَالْحَقِيقَةِ لَكِنَّهُمْ شَارِكُوهُمْ فِي جِنْسِ التَّكْلِيفِ بِالْأَمْرِ وَالنَّهْي وَالتَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ ، بِلَا نِزَاعٍ أَعْلَمُهُ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ ا هـ .
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { كَانَ النَّبِيُّ يُبْعَثُ إلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً } " يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يُبْعَثْ

إلَيْهِمْ نَبِيٌّ قَبْلَ نَبِيِّنَا .
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ( وَيُقْبَلُ قَوْلُهُمْ ) أَيْ : الْجِنِّ ( إنَّ مَا بِيَدِهِمْ مِلْكُهُمْ مَعَ إسْلَامِهِمْ ) كَمَا يَقْبَلُ قَوْلُ الْآدَمِيِّ بِيَمِينِهِ فِي ذَلِكَ فَيَصِحُّ مُعَامَلَتُهُمْ بِشَرْطِهَا .
وَيَجْرِي التَّوَارُثُ بَيْنَهُمْ ( وَكَافِرُهُمْ كَالْحَرْبِيِّ ) يُقْتَلُ إنْ لَمْ يُسْلِمْ ( وَيَحْرُمُ عَلَيْهِمْ ظُلْمُ الْآدَمِيِّينَ وَظُلْمُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا ) لِلْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ { يَا عِبَادِي إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَكَانَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : إذَا أُتِيَ بِالْمَصْرُوعِ وَعَظَ مَنْ صَرَعَهُ وَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ فَإِذَا انْتَهَى وَفَارَقَ الْمَصْرُوعَ ، أَخَذَ عَلَيْهِ الْعَهْدَ أَنْ لَا يَعُودَ ، وَإِنْ لَمْ يَأْتَمِرْ وَلَمْ يَنْتَهِ وَلَمْ يُفَارِقْهُ ضَرَبَهُ حَتَّى يُفَارِقَهُ ، وَالضَّرْبُ يَقَعُ فِي الظَّاهِرِ عَلَى الْمَصْرُوعِ وَإِنَّمَا يَقَعُ فِي الْحَقِيقَةِ عَلَى مَنْ صَرَعَهُ بِهِ وَيَصِيحُ وَيُخْبِرُ الْمَصْرُوعُ إذَا أَفَاقَ بِأَنَّهُ لَمْ يَشْعُرْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ( وَتَحِلُّ ذَبِيحَتُهُمْ ) أَيْ : مُؤْمِنِي الْجِنِّ لِعَدَمِ الْمَانِعِ وَأَمَّا مَا يَذْبَحُهُ الْآدَمِيُّ لِئَلَّا يُصِيبَهُ أَذًى مِنْ الْجِنِّ فَنُهِيَ عَنْهُ ( وَبَوْلُهُمْ وَقَيْؤُهُمْ طَاهِرَانِ ) لِظَاهِرِ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ { قَالَ : ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ نَامَ لَيْلَةً حَتَّى أَصْبَحَ قَالَ ذَاكَ رَجُلٌ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنِهِ } " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ خَصَّ الْأُذُنَ لِأَنَّهَا آلَةُ الِانْتِبَاه قَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ : ظَهَرَ عَلَيْهِ وَسَخِرَ مِنْهُ وَلِحَدِيثِ { لَمَّا سَمَّى ذَلِكَ الرَّجُلُ فِي أَثْنَاءِ طَعَامِهِ قَالَ قَاءَ الشَّيْطَانُ كُلَّ شَيْءِ أَكَلَهُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ .

فَصْلٌ فِي الْإِمَامَةِ ( الْأَوْلَى بِالْإِمَامَةِ الْأَجْوَدُ قِرَاءَةً الْأَفْقَهُ ) لِجَمْعِهِ بَيْنَ الْمَرْتَبَتَيْنِ فِي الْقِرَاءَةِ وَالْفِقْهِ ( ثُمَّ ) يَلِيهِ ( الْأَجْوَدُ قِرَاءَةً الْفَقِيهُ ) لِحَدِيثِ { يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى } " ( ثُمَّ ) يَلِيهِ ( الْأَقْرَأُ ) جَوْدَةً وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَقِيهًا إنْ كَانَ يَعْرِفُ فِقْهَ صَلَاتِهِ ، حَافِظًا لِلْفَاتِحَةِ ، لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ .
وَحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ { لِيُؤَذِّنْ لَكُمْ خِيَارُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَقْرَؤُكُمْ } " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَأَجَابَ أَحْمَدُ عَنْ قَضِيَّةِ تَقْدِيمِ أَبِي بَكْرٍ : بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا قَدَّمَهُ عَلَى مَنْ هُوَ أَقْرَأُ مِنْهُ لِتَفْهَمَ الصَّحَابَةُ مِنْ تَقْدِيمِهِ فِي الْإِمَامَةِ الصُّغْرَى اسْتِحْقَاقَهُ لِلْإِمَامَةِ الْكُبْرَى وَتَقْدِيمَهُ فِيهَا عَلَى غَيْرِهِ .
وَإِنَّمَا قُدِّمَ الْأَقْرَأُ جَوْدَةً عَلَى الْأَكْثَرِ قُرْآنًا لِأَنَّهُ أَعْظَمَ أَجْرًا ، لِحَدِيثِ { مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ فَأَعْرَبَهُ فَلَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ عَشْرُ حَسَنَاتٍ وَمَنْ قَرَأَهُ وَلَحَنَ فِيهِ فَلَهُ بِكُلِّ حَرْفٍ حَسَنَةٌ } " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ : حَسَنٌ صَحِيح وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ : رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إعْرَابُ الْقُرْآنِ أَحَبُّ إلَيْنَا مِنْ حِفْظِ بَعْضِ حُرُوفِهِ ( ثُمَّ ) مَعَ الِاسْتِوَاءِ فِي الْجَوْدَةِ يُقَدَّمُ ( الْأَكْثَرُ قُرْآنًا الْأَفْقَهُ ) لِجَمْعِهِ الْفَضِيلَتَيْنِ ( ثُمَّ ) يَلِيهِ ( الْأَكْثَرُ قُرْآنًا الْفَقِيهُ ثُمَّ ) يَلِيهِ ( قَارِئٌ ) أَيْ : حَافِظٌ لِمَا يَجِبُ فِي الصَّلَاةِ ( أَفْقَهُ ثُمَّ ) يَلِيهِ ( قَارِئٌ فَقِيهٌ ثُمَّ قَارِئٌ عَالَمٌ فِقْهَ صَلَاتِهِ مِنْ شُرُوطِهَا وَأَرْكَانِهَا ) وَوَاجِبَاتِهَا وَمُبْطِلَاتِهَا وَنَحْوِهَا ( ثُمَّ قَارِئٌ لَا يَعْلَمُهُ ) أَيْ : فِقْهَ صَلَاتِهِ ، بَلْ يَأْتِي بِهَا عَادَةً .
فَتَصِحُّ إمَامَتُهُ ( ثُمَّ ) إنْ اسْتَوَوْا فِي عَدَمِ الْقِرَاءَةِ قُدِّمَ ( أَفْقَهُ وَأَعْلَمُ بِأَحْكَامِ الصَّلَاةِ ) لِمَزِيَّةِ الْفِقْهِ ( ثُمَّ ) إنْ اسْتَوَوْا فِي الْقِرَاءَةِ وَالْفِقْهِ ، فَالْأَوْلَى (

أَسَنُّ ) أَيْ : أَكْبَرُ لِحَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ مَرْفُوعًا { إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ } " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْخُشُوعِ ، وَإِجَابَةِ الدُّعَاءِ .
وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ : تَقْدِيمُ الْأَقْدَمِ هِجْرَةً عَلَى الْأَسَنِّ وَصَحَّحَهُ الشَّارِحُ وَقَدَّمَهُ فِي الْكَافِي .
قَالَ الزَّرْكَشِيُّ : اخْتَارَهُ الشَّيْخَانِ انْتَهَى .
وَجَزَمَ بِهِ جَمْعٌ لِحَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ ( ثُمَّ ) مَعَ الِاسْتِوَاءِ فِي السِّنِّ أَيْضًا ( أَشْرَفُ وَهُوَ الْقُرَشِيُّ ) إلْحَاقًا لِلْإِمَامَةِ الصُّغْرَى بِالْكُبْرَى ، { وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ } " وَقَوْلِهِ { : قَدِّمُوا قُرَيْشًا وَلَا تَقَدَّمُوهَا } ( فَتُقَدَّمُ بَنُو هَاشِمٍ ) عَلَى غَيْرِهِمْ ، لِمَزِيَّتِهِمْ بِالْقُرْبِ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( ثُمَّ ) بَاقِي ( قُرَيْشٍ .
ثُمَّ ) مَعَ الِاسْتِوَاءِ فِي الشَّرَفِ أَيْضًا ( الْأَقْدَمُ هِجْرَةً بِنَفْسِهِ لَا بِآبَائِهِ ) لِحَدِيثِ أَبِي مَسْعُودٍ الْبَدْرِيِّ مَرْفُوعًا { يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً ، فَأَعْلَمُهُمْ بِالسَّنَةِ فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً ، فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً ، فَأَقْدَمُهُمْ سِنًّا وَلَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ وَلَا يَقْعُدْ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إلَّا بِإِذْنِهِ } .
" رَوَاهُ مُسْلِمٌ ( وَسَبْقٌ بِإِسْلَامٍ كَ ) سَبْقٍ ( بِهِجْرَةٍ ) فَيُقَدَّمُ مَعَ الِاسْتِوَاءِ فِيمَا تَقَدَّمَ السَّابِقُ إسْلَامًا مِمَّنْ أَسْلَمَ بِدَارِ إسْلَامٍ وَإِلَّا فَالسَّابِقُ إلَيْنَا هِجْرَةً كَمَا فِي الشَّرْحِ وَظَاهِرُهُ : وَلَوْ مَسْبُوقًا فِي الْإِسْلَامِ لِأَنَّهُ أَسْبَقُ إلَى الطَّاعَةِ .
وَفِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ وَمُسْلِمٍ { فَأَقْدَمُهُمَا سِلْمًا أَيْ : إسْلَامًا } ( ثُمَّ ) مَعَ الِاسْتِوَاءِ فِيمَا تَقَدَّمَ ( الْأَتْقَى وَالْأَوْرَعُ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ

اللَّهِ أَتْقَاكُمْ } " وَلِأَنَّ مَقْصُودَ الصَّلَاةِ الْخُضُوعُ ، وَرَجَاءَ إجَابَةِ الدُّعَاءِ .
وَالْأَتْقَى وَالْأَوْرَعُ أَقْرَبُ إلَى ذَلِكَ ، لَا سِيمَا وَالدُّعَاءُ لِلْمَأْمُومِينَ مِنْ بَابِ الشَّفَاعَةِ الْمُسْتَدْعِيَةِ كَرَامَةَ الشَّافِعِ عِنْدَ الْمَشْفُوعِ عِنْدَهُ .
قَالَ الْقُشَيْرِيِّ فِي رِسَالَتِهِ : الْوَرَعُ اجْتِنَابُ الشُّبُهَاتِ ، زَادَ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ : خَوْفًا مِنْ اللَّهِ تَعَالَى ( ثُمَّ يُقْرَعُ ) إنْ اسْتَوَوْا فِي كُلِّ مَا تَقَدَّمَ وَتَشَاحُّوا فَمَنْ قُرِعَ صَاحِبُهُ فَهُوَ أَحَقُّ .
قِيَاسًا عَلَى الْأَذَانِ ( وَصَاحِبُ الْبَيْتِ ) الصَّالِحُ لِلْإِمَامَةِ وَلَوْ عَبْدًا أَحَقُّ بِالْإِمَامَةِ مِمَّنْ حَضَرَ ، فِي بَيْتِهِ لِقَوْلِهِ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { لَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي بَيْتِهِ } " وَلِأَبِي دَاوُد عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ مَرْفُوعًا { مَنْ زَارَ قَوْمًا فَلَا يَؤُمَّهُمْ ، وَلْيَؤُمَّهُمْ رَجُلٌ مِنْهُمْ } ( وَإِمَامُ الْمَسْجِدِ ) الرَّاتِبُ الصَّالِحُ لِلْإِمَامَةِ ( وَلَوْ ) كَانَ ( عَبْدًا أَحَقُّ ) بِالْإِمَامَةِ فِيهِ ، وَلَوْ حَضَرَ أَفْقَهُ ، أَوْ أَقْرَأُ كَصَاحِبِ الْبَيْتِ .
وَلِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَتَى أَرْضًا لَهُ ، وَعِنْدَهَا مَسْجِدٌ يُصَلِّي فِيهِ مَوْلًى لَهُ فَصَلَّى ابْنُ عُمَرَ مَعَهُمْ فَسَأَلُوهُ أَنْ يَؤُمَّهُمْ ، فَأَبَى وَقَالَ : " صَاحِبُ الْمَسْجِدِ أَحَقُّ " رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ وَلِأَنَّ التَّقَدُّمَ عَلَيْهِ يُسِيءُ الظَّنَّ بِهِ وَيُنَفِّرُ عَنْهُ .
قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَيَتَّجِهُ يُسْتَحَبُّ تَقْدِيمُهُمَا لِأَفْضَلَ مِنْهُمَا ( إلَّا مِنْ ذِي سُلْطَانٍ فِيهِمَا ) فَيُقَدَّمُ ذُو سُلْطَانٍ عَلَى صَاحِبِ بَيْتٍ ، وَإِمَامِ الْمَسْجِدِ { لِقَوْلِهِ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَلَا فِي سُلْطَانِهِ وَ أَمَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِتْبَانُ بْنَ مَالِكٍ وَأَنَسًا فِي بُيُوتِهِمَا } " وَلِعُمُومِ وِلَايَتِهِ ( وَ ) إلَّا الْعَبْدَ فَلَيْسَ أَوْلَى مِنْ ( سَيِّدِهِ فِي بَيْتِهِ ) بَلْ السَّيِّدُ لِوِلَايَتِهِ عَلَى صَاحِبِ الْبَيْتِ .
وَلَا تُكْرَه إمَامَةُ عَبْدٍ فِي غَيْرِ

جُمُعَةٍ وَعِيدٍ ( وَحُرٌّ أَوْلَى ) بِإِمَامَةٍ ( مِنْ عَبْدٍ وَ ) مِنْ ( مُبَعَّضٍ ) لِأَنَّهُ أَكْمَلُ وَأَشْرَفُ ( وَهُوَ ) أَيْ : الْمُبَعَّضُ وَكَذَا الْمُكَاتَبُ ( أَوْلَى مِنْ عَبْدٍ ) لِأَنَّ فِيهِ بَعْضَ أَكْمَلِيَّةٍ وَأَشْرَفِيَّةٍ ( وَحَاضِرٌ ) أَيْ : مُقِيمٌ ، أَوْلَى مِنْ مُسَافِرٍ سَفَرَ قَصْرٍ ، لِأَنَّهُ رُبَّمَا قَصَرَ فَفَاتَ الْمَأْمُومِينَ بَعْضُ الصَّلَاةِ جَمَاعَةً .
وَلَا تُكْرَه إمَامَةُ مُسَافِرٍ بِمُقِيمِينَ ، إنْ قَصَرَ فَإِنْ أَتَمَّ كُرِهَتْ ( وَبَصِيرٌ ) ، أَوْلَى مِنْ أَعْمًى لِأَنَّهُ يَقْدِرُ عَلَى تَوَقِّي النَّجَاسَاتِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ ( وَحَضَرِيٌّ ) وَهُوَ النَّاشِئُ بِالْمُدُنِ وَالْقُرَى أَوْلَى مِنْ بَدْوِيٍّ وَهُوَ النَّاشِئُ بِالْبَادِيَةِ ، لِأَنَّ الْغَالِبَ عَلَى أَهْلِ الْبَادِيَةِ الْجَفَاءُ ، وَقِلَّةُ الْمَعْرِفَةِ بِحُدُودِ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ .
قَالَ تَعَالَى ، فِي حَقِّ الْأَعْرَابِ { وَأَجْدَرُ أَنْ لَا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ } " وَذَلِكَ لِبُعْدِهِمْ عَمَّنْ يَتَعَلَّمُونَ مِنْهُ ( وَمُتَوَضِّئٍ ) ، أَوْلَى مِنْ مُتَيَمِّمٍ لِأَنَّ الْوُضُوءَ يَرْفَعُ الْحَدَثَ ، بِخِلَافِ التَّيَمُّمِ ( وَمُعِيرٌ ) ، أَوْلَى مِنْ مُسْتَعِيرٍ فِي الْبَيْتِ الْمُعَارِ لِمِلْكِهِ مَعَ الْمُسْتَعِيرِ ( وَمُسْتَأْجِرٌ ) ، أَوْلَى مِنْ مُؤَجَّرٍ فِي الْبَيْتِ الْمُؤَجَّرِ لِأَنَّهُ الْمَالِكُ لِمَنْفَعَتِهِ وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ ( أَوْلَى مِنْ ضِدِّهِمْ ) الْمُتَقَدِّمِ بَيَانُهُ .

( وَتُكْرَه إمَامَةُ غَيْرِ الْأَوْلَى بِلَا إذْنِهِ ) لِلِافْتِيَاتِ عَلَيْهِ ( غَيْرَ إمَامِ مَسْجِدٍ ) رَاتِبٍ ( وَصَاحِبِ بَيْتٍ فَتَحْرُمُ ) إمَامَةُ غَيْرِهِ بِلَا إذْنِهِ كَمَا سَبَقَ .

( وَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ فَاسِقٍ مُطْلَقًا ) أَيْ : سَوَاءٌ كَانَ فِسْقُهُ بِالِاعْتِقَادِ ، أَوْ بِالْأَفْعَالِ الْمُحَرَّمَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ } " وَحَدِيثِ ابْنِ مَاجَهْ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا { لَا تَؤُمَّنَّ امْرَأَةٌ رَجُلًا ، وَلَا أَعْرَابِيٌّ مُهَاجِرًا ، وَلَا فَاجِرٌ مُؤْمِنًا ، إلَّا أَنْ يَقْهَرَهُ بِسُلْطَانٍ يَخَافُ سَوْطَهُ وَسَيْفَهُ } " وَسَوَاءٌ أَعْلَنَ فِسْقَهُ ، أَوْ أَخْفَاهُ ، وَتَصِحُّ خَلْفَ نَائِبِهِ الْعَدْلِ وَلَا يَؤُمَّ فَاسِقٌ فَاسِقًا لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ رَفْعُ مَا عَلَيْهِ مِنْ النَّقْصِ وَيُعِيدُ مَنْ صَلَّى خَلْفَ فَاسِقٍ مُطْلَقًا وَمَنْ صَلَّى بِأُجْرَةٍ لَمْ يُصَلَّ خَلْفَهُ قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَإِنْ أَعْطَى بِلَا شَرْطٍ فَلَا بَأْسَ ، نَصًّا ( إلَّا فِي جُمُعَةٍ وَعِيدٍ تَعَذُّرًا خَلْفَ غَيْرِهِ ) أَيْ : الْفَاسِقِ ، بِأَنْ تَتَعَذَّرَ أُخْرَى خَلْفَ عَدْلٍ لِلضَّرُورَةِ .
وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ ثُمَّ يُصَلِّي الظُّهْرَ أَرْبَعًا قَالَ : فَإِنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ فَرْضًا فَلَا يَضُرُّ صَلَاتِي ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ كَانَتْ تِلْكَ الصَّلَاةُ ظُهْرًا أَرْبَعًا ( وَإِنْ خَافَ إنْ ) لَمْ يُصَلِّ خَلْفَ فَاسِقٍ ( أَذًى ، صَلَّى خَلْفَهُ ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { إلَّا أَنْ يَقْهَرَهُ بِسُلْطَانٍ } " إلَخْ ( وَأَعَادَ ) نَصًّا ( فَإِنْ وَافَقَهُ ) أَيْ : الْفَاسِقَ ( فِي الْأَفْعَالِ مُنْفَرِدٌ ) بِأَنْ لَمْ يَنْوِ الِاقْتِدَاءَ بِهِ ( أَوْ ) وَافَقَهُ فِي الْأَفْعَالِ ( فِي جَمَاعَةٍ خَلْفَهُ بِإِمَامٍ ) عَدْلٍ ( لَمْ يُعِدْ ) لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتَدِ بِفَاسِقٍ وَكَذَا إنْ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ ، وَالْإِمَامُ لَا يَصْلُحُ ، وَيُصَلِّي خَلْفَ مَنْ لَا يَعْرِفُهُ .

( وَتَصِحُّ ) صَلَاةُ فَرْضٍ وَنَفْلٍ ( خَلْفَ أَعْمَى أَصَمَّ ) لِأَنَّ فَقْدَهُ تِلْكَ الْحَاسَّتَيْنِ لَا يُخِلُّ بِشَيْءٍ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَلَا شُرُوطِهَا ( وَ ) تَصِحُّ خَلْفَ ( أَقَلْفَ ) لِأَنَّهُ ذَكَرٌ مُسْلِمٌ عَدْلٌ قَارِئٌ فَصَحَّتْ إمَامَتُهُ كَالْمُخْتَتَنِ ، ثُمَّ إنْ كَانَ مَفْتُوقًا فَلَا بُدَّ مِنْ غَسْلِ النَّجَاسَةِ الَّتِي تَحْتَ الْقَلَفَةِ ، وَإِلَّا فَهِيَ مَعْفُوٌّ عَنْهَا لَا تُؤَثِّرُ فِي بُطْلَانِ الصَّلَاةِ .

( وَ ) تَصِحُّ الصَّلَاةُ خَلْفَ ( أَقْطَعَ يَدَيْنِ ، أَوْ ) أَقْطَعَ ( رِجْلَيْنِ ، أَوْ إحْدَاهُمَا ) أَيْ : أَقْطَعَ يَدٍ ، أَوْ رِجْلٍ إذَا أَمْكَنَهُ الْقِيَامُ وَإِلَّا فَبِمِثْلِهِ ( أَوْ ) أَقْطَعَ ( أَنْفٍ ) فَتَصِحُّ إمَامَتُهُ كَغَيْرِهِ .

( وَ ) تَصِحُّ خَلْفَ ( كَثِيرِ لَحْنٍ لَمْ يُحِلْ الْمَعْنَى ) كَجَرِّ دَالِ الْحَمْدِ ، وَضَمِّ هَاءِ لِلَّهِ ، وَنَحْوِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْمُؤْتَمُّ مِثْلَهُ ، أَوْ كَانَ لَا يَلْحَنُ لِأَنَّ مَدْلُولَ اللَّفْظِ بَاقٍ ، لَكِنْ مَعَ الْكَرَاهَةِ ، كَمَا يَأْتِي فَإِنْ لَمْ يَكُنْ كَثِيرَ اللَّحْنِ لَمْ يُكْرَهْ كَمَنْ سَبَقَ لِسَانُهُ يَسِيرًا إذْ قَلَّ مَنْ يَخْلُو مِنْ ذَلِكَ وَيَحْرُمُ تَعَمُّدُهُ .

( وَ ) تَصِحُّ خَلْفَ ( الْفَأْفَاءِ ) بِالْمَدِّ ( الَّذِي يُكَرِّرُ الْفَاءَ ، وَ ) خَلْفَ ( التَّمْتَامِ ) الَّذِي يُكَرِّرُ التَّاءَ ( وَ ) خَلْفَ ( مَنْ لَا يَفْصَحُ بِبَعْضِ الْحُرُوفِ ) كَالْقَافِ وَالضَّادِ ( أَوْ ) كَانَ ( يُصْرَعُ ، مَعَ الْكَرَاهَةِ ) فِي الْكُلِّ لِلِاخْتِلَافِ فِي صِحَّةِ إمَامَتِهِمْ ، قَالَ جَمَاعَةٌ : وَمَنْ تُضْحِكُ صُورَتُهُ ، أَوْ رُؤْيَتُهُ .

وَ ( لَا ) تَصِحُّ صَلَاةٌ ( خَلْفَ أَخْرَسَ ) وَلَوْ بِأَخْرَسَ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِفَرْضِ الْقِرَاءَةِ ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ .

( وَ ) لَا تَصِحُّ خَلْفَ ( كَافِرٍ ) وَلَوْ مَعَ جَهْلِ كُفْرِهِ ، ثُمَّ عُلِمَ لِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ لِنَفْسِهِ ، فَلَا تَصِحُّ لِغَيْرِهِ وَسَوَاءٌ كَانَ أَصْلِيًّا ، أَوْ مُرْتَدًّا مِنْ جِهَةِ بِدْعَةٍ ، أَوْ غَيْرِهَا ( وَإِنْ قَالَ ) إمَامٌ ( مَجْهُولٌ ) دِينُهُ بَعْدَ سَلَامِهِ ( هُوَ كَافِرٌ وَإِنَّمَا صَلَّى اسْتِهْزَاءً أَعَادَ مَأْمُومٌ ) بِهِ صَلَاتَهُ كَمَنْ ظَنَّ كُفْرَهُ ، أَوْ حَدَّثَهُ فَبَانَ بِخِلَافِهِ .
وَإِنْ عَلِمَ إسْلَامَهُ فَقَالَ بَعْدَ سَلَامِهِ : هُوَ كَافِرٌ وَإِنَّمَا صَلَّى اسْتِهْزَاءً لَمْ يُؤَثِّرْ فِي صَلَاةِ مَأْمُومٍ ( وَإِنْ عُلِمَ لَهُ ) أَيْ : الْإِمَامِ ( حَالَانِ ) مِنْ رِدَّةٍ وَإِسْلَامٍ ( أَوْ ) عُلِمَ لَهُ ( إفَاقَةٌ وَجُنُونٌ وَأَمَّ فِيهِمَا ) أَيْ : فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ( وَلَمْ يَدْرِ ) مَأْمُومٌ ( فِي أَيِّهِمَا ) أَيْ : الْحَالَتَيْنِ ( ائْتَمَّ ) بِهِ ( فَإِنْ عَلِمَ ) مَأْمُومٌ ( قَبْلَهَا ) أَيْ : إمَامَتِهِ ( إسْلَامَهُ أَوْ ) عَلِمَ قَبْلَهَا ( إفَاقَتَهُ ، وَشَكَّ ) مَأْمُومٌ ( فِي رِدَّتِهِ ، أَوْ جُنُونِهِ لَمْ يُعِدْ ) مَأْمُومٌ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ ، أَوْ الْإِفَاقَةِ وَإِلَّا أَعَادَ وَلَا يُصَلِّي خَلْفَهُ حَتَّى يَعْلَمَ : عَلَى أَيِّ دِينٍ هُوَ ؟ .

( وَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ مَنْ بِهِ حَدَثٌ مُسْتَمِرٌّ ) كَرُعَافٍ وَسَلَسٍ وَجُرْحٍ لَا يَرْقَأُ دَمُهُ أَوْ دُودُهُ إلَّا بِمِثْلِهِ لِأَنَّ فِي صَلَاتِهِ خَلَلًا غَيْرَ مَجْبُورٍ بِبَدَلٍ وَإِنَّمَا صَحَّتْ لِنَفْسِهِ لِلضَّرُورَةِ .

( أَوْ ) أَيْ : وَلَا تَصِحُّ خَلْفَ ( عَاجِزٍ عَنْ رُكُوعٍ ، أَوْ سُجُودٍ ، أَوْ قُعُودٍ وَنَحْوِهِ ) كَاعْتِدَالٍ ، أَوْ شَيْءٍ مِنْ الْوَاجِبَاتِ ( أَوْ ) عَاجِزٍ عَنْ ( شَرْطٍ ) كَاسْتِقْبَالٍ وَاجْتِنَابِ نَجَاسَةٍ وَعَادِمِ الطَّهُورَيْنِ لِمَا تَقَدَّمَ ( إلَّا بِمِثْلِهِ ) فِي الْعَجْزِ عَنْ ذَلِكَ الرُّكْنِ ، أَوْ الشَّرْطِ ( وَكَذَا ) الْعَاجِزُ ( عَنْ قِيَامٍ ) لَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ فِي الْفَرْضِ إلَّا بِمِثْلِهِ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ رُكْنِ الصَّلَاةِ فَلَمْ يَصِحَّ اقْتِدَاءُ الْقَادِرِ عَلَيْهِ بِهِ ، كَالْعَاجِزِ عَنْ الْقِرَاءَةِ .

( إلَّا الرَّاتِبَ بِمَسْجِدٍ ) إذَا عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ لِعِلَّةٍ ( الْمَرْجُوِّ زَوَالُ عِلَّتِهِ ، وَيَجْلِسُونَ ) أَيْ : الْمَأْمُومُونَ ، وَلَوْ مَعَ قُدْرَتِهِمْ عَلَى الْقِيَامِ ( خَلْفَهُ ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ { صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ وَهُوَ شَاكٍ ، فَصَلَّى جَالِسًا ، وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا فَأَشَارَ إلَيْهِمْ : أَنْ اجْلِسُوا ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ : إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ إلَى أَنْ قَالَ : وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ } " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ رُوِيَ هَذَا مَرْفُوعًا مِنْ طُرُقٍ مُتَوَاتِرَةٍ ( وَتَصِحُّ ) صَلَاتُهُمْ خَلْفَهُ ( قِيَامًا ) لِأَنَّ الْقِيَامَ هُوَ الْأَصْلُ وَلَمْ يَأْمُرْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَلَّى خَلْفَهُ قَائِمًا بِالْإِعَادَةِ .

( وَإِنْ اعْتَلَّ ) الْإِمَامُ ( فِي أَثْنَائِهَا ) أَيْ : الصَّلَاةِ ( فَجَلَسَ ) بَعْدَ أَنْ ابْتَدَأَهَا قَائِمًا ( أَتَمُّوا ) خَلْفَهُ ( قِيَامًا ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلَّى فِي مَرَضِ مَوْتِهِ قَاعِدًا وَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامًا " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ ابْتَدَأَ بِهِمْ الصَّلَاةَ قَائِمًا كَمَا أَجَابَ بِهِ أَحْمَدُ فَوَجَبَ أَنْ يُتِمُّوهَا كَذَلِكَ وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْأَخْبَارِ ، أَوْلَى مِنْ دَعْوَى النَّسْخِ ، ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ هُوَ الْإِمَامُ ، كَمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ وَأَنَسٍ .

( وَإِنْ تَرَكَ إمَامٌ رُكْنًا ) مُخْتَلَفًا فِيهِ ، كَطُمَأْنِينَةٍ بِلَا تَأْوِيلٍ ، أَوْ تَقْلِيدٍ ، أَعَادَ هُوَ وَمَأْمُومٌ ( أَوْ ) تَرَكَ إمَامٌ ( شَرْطًا مُخْتَلَفًا فِيهِ ) كَسَتْرِ أَحَدِ الْعَاتِقَيْنِ فِي فَرْضٍ ( بِلَا تَأْوِيلٍ ، أَوْ ) بِلَا ( تَقْلِيدٍ ) لِمُجْتَهِدٍ أَعَادَ ( أَوْ ) تَرَكَ إمَامٌ ( رُكْنًا ) عِنْدَهُ وَحْدَهُ ( أَوْ ) تَرَكَ ( شَرْطًا عِنْدَهُ وَحْدَهُ عَالِمًا ) بِأَنَّهُ رُكْنٌ ، أَوْ شَرْطٌ ( أَعَادَا ) أَيْ : الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ ، أَمَّا الْإِمَامُ فَلِتَرْكِهِ مَا تَتَوَقَّفُ عَلَيْهِ صِحَّةُ صَلَاتِهِ وَلِهَذَا أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسِيءَ صَلَاتَهُ بِالْإِعَادَةِ وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَلِاقْتِدَائِهِ بِمَنْ لَمْ تَصِحَّ صَلَاتُهُ وَقَوْلُهُ " عَالِمًا " لَا مَفْهُومَ لَهُ إلَّا إذَا نَسِيَ حَدَثَهُ أَوْ نَجَسَهُ ، كَمَا يَأْتِي مُفَصَّلًا إذْ الشُّرُوطُ لَا تَسْقُطُ عَمْدًا وَلَا سَهْوًا ، كَالْأَرْكَانِ وَكَذَا لَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ وَاجِبًا عَمْدًا .

( وَ ) إنْ تَرَكَ إمَامٌ رُكْنًا ، أَوْ شَرْطًا ، أَوْ وَاجِبًا ( عِنْدَ مَأْمُومٍ وَحْدَهُ ) كَحَنَفِيٍّ صَلَّى بِحَنْبَلِيٍّ ، وَكَشَفَ عَاتِقَيْهِ وَلَمْ يَطْمَئِنَّ ، وَلَمْ يُكَبِّرْ لِانْتِقَالِهِ ( لَمْ يُعِيدَا ) لِأَنَّ الْإِمَامَ تَصِحُّ صَلَاتُهُ لِنَفْسِهِ فَصَحَّتْ لِمَنْ خَلْفَهُ وَكَانَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ يُصَلِّي بَعْضُهُمْ خَلْفَ بَعْضٍ ، مَعَ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْفُرُوعِ .

( وَإِنْ اعْتَقَدَهُ ) أَيْ : الْمَتْرُوكَ مِنْ رُكْنٍ ، أَوْ شَرْطٍ ، أَوْ وَاجِبٍ لَا يَعْتَقِدُهُ الْإِمَامُ ( مَأْمُومٌ مُجْمَعًا عَلَيْهِ ) أَيْ : عَلَى رُكْنِيَّتِهِ ، أَوْ شَرْطِيَّتِهِ ، أَوْ وُجُوبِهِ ( فَبَانَ خِلَافُهُ ) أَيْ : بَانَ أَنَّهُ لَيْسَ رُكْنًا وَلَا شَرْطًا وَلَا وَاجِبًا عِنْدَ الْإِمَامِ ( أَعَادَ ) مَأْمُومٌ وَحْدَهُ لِاعْتِقَادِهِ بُطْلَانَ صَلَاةِ إمَامِهِ .

( وَتَصِحُّ ) الصَّلَاةُ ( خَلْفَ مَنْ خَالَفَ ) مَأْمُومَهُ ( فِي فَرْعٍ لَمْ يَفْسُقْ بِهِ ) كَالصَّلَاةِ خَلْفَ مَنْ يَرَى صِحَّةَ النِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ ، أَوْ شَهَادَةٍ ، لِفِعْلِ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ فَإِنْ خَالَفَ فِي أَصْلٍ كَمُعْتَزِلَةٍ ، أَوْ فَرْعٍ فَسَقَ بِهِ كَمَنْ شَرِبَ مِنْ النَّبِيذِ مَا لَا يُسْكِرُهُ مَعَ اعْتِقَادِ تَحْرِيمِهِ وَأَدْمَنَ عَلَى ذَلِكَ لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ خَلْفَهُ لِفِسْقِهِ ( وَلَا إنْكَارَ فِي مَسَائِلِ الِاجْتِهَادِ ) أَيْ : لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُنْكِرَ عَلَى مُجْتَهِدٍ ، أَوْ مُقَلِّدٍ ، فِيمَا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ وَلَوْ قُلْنَا الْمُصِيبُ وَاحِدٌ لِعَدَمِ الْقَطْعِ بِعَيْنِهِ .

( وَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ امْرَأَةٍ ) لِرَجُلٍ لِمَا رَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا { لَا تَؤُمَّنَّ امْرَأَةٌ رَجُلًا } وَلِأَنَّهَا لَا تُؤَذِّنُ لِلرِّجَالِ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تَؤُمَّهُمْ كَالْمَجْنُونِ ، وَلَا إمَامَتُهَا أَيْضًا لِخُنْثَى فَأَكْثَرَ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ذَكَرًا .
( وَ ) لَا تَصِحُّ إمَامَةُ ( خُنْثَى لِرِجَالٍ ) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ امْرَأَةً ( أَوْ ) أَيْ : وَلَا تَصِحُّ إمَامَةُ خُنْثَى ( لِخَنَاثَى ) لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ الْإِمَامُ امْرَأَةً وَالْمَأْمُومُونَ ذُكُورًا .
وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَلَوْ صَلَّى رَجُلٌ خَلْفَهُمَا لَمْ يَعْلَمْ ، ثُمَّ عَلِمَ لَزِمَتْهُ الْإِعَادَةُ وَعُلِمَ مِنْهُ : صِحَّةُ إمَامَةِ رَجُلٍ لِرَجُلٍ ، وَخُنْثَى وَامْرَأَةٍ ، وَإِمَامَةُ خُنْثَى وَامْرَأَةٍ لِامْرَأَةٍ ( إلَّا عِنْدَ أَكْثَرِ الْمُتَقَدِّمِينَ ، إنْ كَانَا ) أَيْ : الْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى ( قَارِئَيْنِ وَالرِّجَالُ أُمِّيُّونَ ) فَتَصِحُّ إمَامَتُهَا بِهِمْ ( فِي تَرَاوِيحَ فَقَطْ ) لِحَدِيثِ أُمِّ وَرَقَةَ { قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إنِّي أَحْفَظُ الْقُرْآنَ ، وَإِنَّ أَهْلَ بَيْتِي لَا يَحْفَظُونَهُ ، فَقَالَ : قَدِّمِي الرِّجَالَ أَمَامَك وَقُومِي وَصَلِّي مِنْ وَرَائِهِمْ } .
" فَحُمِلَ هَذَا عَلَى النَّفْلِ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَا تَقَدَّمَ ( وَيَقِفَانِ ) أَيْ : الْمَرْأَةُ وَالْخُنْثَى ( خَلْفَهُمْ ) أَيْ : خَلْفَ الرِّجَالِ الْأُمِّيِّينَ حَالَ الصَّلَاةِ لِلْخَبَرِ .

( وَلَا ) تَصِحُّ إمَامَةُ ( مُمَيِّزٍ لِبَالِغٍ فِي الْفَرْضِ ) لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ : لَا يَؤُمُّ الْغُلَامُ حَتَّى تَجِبَ عَلَيْهِ الْحُدُودُ وَقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ " لَا يَؤُمُّ الْغُلَامُ حَتَّى يَحْتَلِمَ " رَوَاهُمَا الْأَثْرَمُ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ غَيْرِهِمَا مِنْ الصَّحَابَةِ مَا يُخَالِفُهُ وَلِأَنَّ الْإِمَامَةَ حَالُ كَمَالٍ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا .
وَالْإِمَامُ ضَامِنٌ وَالصَّبِيُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الضَّمَانِ ( وَتَصِحُّ ) إمَامَةُ صَبِيٍّ لِبَالِغٍ ( فِي نَفْلٍ ) كَتَرَاوِيحَ وَوِتْرٍ وَصَلَاةِ كُسُوفٍ وَاسْتِسْقَاءٍ ، لِأَنَّهُ مُتَنَفِّلٌ يَؤُمُّ مُتَنَفِّلًا .
( وَ ) تَصِحُّ إمَامَةُ صَبِيٍّ ( فِي فَرْضِ ) وَقْتٍ كَظُهْرٍ وَعَصْرٍ ( بِمِثْلِهِ ) أَيْ : الصَّبِيِّ ، لِأَنَّهَا نَفْلٌ فِي حَقِّ كُلٍّ مِنْهُمَا .

( وَلَا ) تَصِحُّ ( إمَامَةُ مُحْدِثٍ ) حَدَثًا أَكْبَرَ ، أَوْ أَصْغَرَ يَعْلَمُ ذَلِكَ ( وَلَا ) إمَامَةُ ( نَجِسٍ ) أَيْ : بِبَدَنِهِ ، أَوْ ثَوْبِهِ ، أَوْ بُقْعَةِ نَجَاسَةٍ غَيْرِ مَعْفُوٍّ عَنْهَا ( بِعِلْمِ ذَلِكَ ) أَيْ : حَدَثِهِ ، أَوْ نَجَسِهِ لِأَنَّهُ أَخَلَّ بِشَرْطِ الصَّلَاةِ مَعَ الْقُدْرَةِ ، أَشْبَهَ الْمُتَلَاعِبَ ( وَإِنْ جَهِلَ ) إمَامٌ حَدَثَهُ ، أَوْ نَجَسَهُ ( مَعَ ) جَهْلِ ( مَأْمُومٍ ) بِذَلِكَ ( حَتَّى انْقَضَتْ ) الصَّلَاةُ ( صَحَّتْ ) الصَّلَاةُ ( لِمَأْمُومٍ وَحْدَهُ ) أَيْ : دُونَ إمَامِهِ .
لِحَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ { إذَا صَلَّى الْجُنُبُ بِالْقَوْمِ أَعَادَ صَلَاتَهُ وَتَمَّتْ لِلْقَوْمِ صَلَاتُهُمْ } " رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحَرَّانِيِّ .
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ " أَنَّهُ صَلَّى بِالنَّاسِ الصُّبْحَ ، ثُمَّ خَرَجَ إلَى الْجُرْنِ فَأَهْرَاقَ الْمَاءَ فَوَجَدَ فِي ثَوْبِهِ احْتِلَامًا فَأَعَادَ الصَّلَاةَ وَلَمْ يُعِدْ النَّاسُ " وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ عُثْمَانَ وَابْنِ عُمَرَ .
وَعَنْ عَلِيٍّ أَيْضًا مَعْنَاهُ ، وَلِأَنَّهُ مِمَّا يَخْفَى ، وَلَا سَبِيلَ إلَى مَعْرِفَتِهِ فَكَانَ عُذْرًا فِي الِاقْتِدَاءِ بِهِ وَعُلِمَ مِنْهُ : أَنَّهُ إنْ عَلِمَ الْإِمَامُ ، أَوْ بَعْضُ الْمَأْمُومِينَ قَبْلَ الصَّلَاةِ ، أَوْ فِيهَا أَعَادَ الْكُلُّ وَظَاهِرُهُ : وَلَوْ نَسِيَ بَعْدَ عِلْمِهِ بِهِ ( إلَّا إنْ كَانُوا بِجُمُعَةٍ ) ، أَوْ عِيدٍ ( وَهُمْ بِإِمَامٍ ) مُحْدِثٍ ، أَوْ نَجِسٍ أَرْبَعُونَ فَيُعِيدُ الْكُلُّ .
( أَوْ ) كَانُوا ( بِمَأْمُومٍ كَذَلِكَ ) أَيْ : مُحْدِثٍ ، أَوْ نَجِسٍ ( أَرْبَعُونَ فَيُعِيدُ الْكُلُّ ) أَيْ : الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُونَ لِأَنَّ الْمُحْدِثَ ، أَوْ النَّجِسَ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ فَيَنْقُصُ الْعَدَدُ الْمُعْتَبَرُ لِلْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ .

( وَلَا ) تَصِحُّ إمَامَةُ ( أُمِّيٍّ ) نِسْبَةً إلَى الْأُمِّ ، كَأَنَّهُ عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي وَلَدَتْهُ أُمُّهُ عَلَيْهَا وَقِيلَ : إلَى أُمَّةِ الْعَرَبِ .
وَأَصْلُهُ لُغَةً : مَنْ لَا يَكْتُبُ ( وَهُوَ ) عُرْفًا ( مَنْ لَا يُحْسِنُ ) أَنْ يَحْفَظَ ( الْفَاتِحَةَ ، أَوْ يُدْغِمُ فِيهَا مَا ) أَيْ : حَرْفًا ( لَا يُدْغَمُ ) كَإِدْغَامِ هَاءِ لِلَّهِ فِي رَاءِ رَبِّ ، وَهُوَ الْأَرَتُّ .
( أَوْ يُبَدِّلُ ) مِنْهَا ( حَرْفًا ) لَا يُبَدَّلُ ، وَهُوَ الْأَلْثَغُ لِحَدِيثِ { لِيَؤُمَّكُمْ أَقْرَؤُكُمْ } " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَقَالَ الزُّهْرِيُّ : مَضَتْ السُّنَّةُ أَنْ لَا يَؤُمَّ النَّاسَ مَنْ لَيْسَ مَعَهُ مِنْ الْقُرْآنِ شَيْءٌ وَلِأَنَّهُ بِصَدَدِ تَحَمُّلِ الْقِرَاءَةِ عَنْ الْمَأْمُومِ ( إلَّا ضَادَ الْمَغْضُوبِ ، و ) ضَادِ ( الضَّالِّينَ بِظَاءٍ ) فَلَا يَصِيرُ بِهِ أُمِّيًّا سَوَاءٌ عَلِمَ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا لَفْظًا وَمَعْنًى أَوْ لَا .
( أَوْ يَلْحَنُ ) عَطْفٌ عَلَى يُبَدِّلُ ( فِيهَا ) أَيْ : الْفَاتِحَةِ ( لَحْنًا يُحِيلُ ) أَيْ : يُغَيِّرُ ( الْمَعْنَى ، عَجْزًا عَنْ إصْلَاحِهِ ) كَكَسْرِ كَافِ ، أَوْ " إيَّاكَ " وَضَمِّ تَاءِ " أَنْعَمْتَ " ، أَوْ كَسْرِهَا لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ فَرْضِ الْقِرَاءَةِ فَلَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ ( إلَّا بِمِثْلِهِ ) فَلَا يَصِحُّ اقْتِدَاءُ عَاجِزٍ عَنْ نِصْفِ الْفَاتِحَةِ الْأَوَّلِ بِعَاجِزٍ عَنْ نِصْفِهَا الْأَخِيرِ وَلَا عَكْسُهُ فَإِنْ لَمْ يُحْسِنْهَا لَكِنْ أَحْسَنَ بِقَدْرِهَا مِنْ الْقُرْآنِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْتَمَّ بِمَنْ لَا يُحْسِنُ شَيْئًا مِنْهُ .
وَلَا اقْتِدَاءُ قَادِرٍ عَلَى الْأَقْوَالِ الْوَاجِبَةِ بِعَاجِزٍ عَنْهَا ( فَإِنْ تَعَمَّدَ ) غَيْرُ الْأُمِّيِّ إدْغَامَ مَا لَا يُدْغَمُ ، أَوْ إبْدَالَ مَا لَا يُبْدَلُ ، أَوْ اللَّحْنَ الْمُحِيلَ لِلْمَعْنَى ( أَوْ قَدَرَ ) أُمِّيٌّ ( عَلَى إصْلَاحِهِ ) فَتَرَكَهُ ( أَوْ زَادَ ) مَنْ يُدْغِمُ ، أَوْ يُبَدِّلُ ، أَوْ يَلْحَنُ كَذَلِكَ ( عَلَى فَرْضِ الْقِرَاءَةِ ) أَيْ : الْفَاتِحَةِ ، وَهُوَ ( عَاجِزٌ عَنْ إصْلَاحِهِ عَمْدًا لَمْ تَصِحَّ ) صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِهِ قُرْآنًا ، فَهُوَ كَسَائِرِ الْكَلَامِ .

قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَيَكْفُرُ إنْ اعْتَقَدَ إبَاحَتَهُ ( وَإِنْ أَحَالَهُ ) أَيْ : أَحَالَ اللَّحْنُ الْمَعْنَى ( فِيمَا زَادَ ) عَلَى فَرْضِ قِرَاءَةٍ ( سَهْوًا ، أَوْ جَهْلًا ، أَوْ لِآفَةٍ صَحَّتْ ) صَلَاتُهُ ، جَعْلًا لَهُ كَالْمَعْدُومِ ( وَمِنْ ) اللَّحْنِ ( الْمُحِيلِ ) لِلْمَعْنَى ( فَتْحُ هَمْزَةِ اهْدِنَا ) لِأَنَّهُ مِنْ أَهْدَى الْهَدِيَّةَ ، لَا طَلَبِ الْهِدَايَةِ .
.

وَمَنْ اقْتَدَى بِمَنْ لَا يَعْرِفُ لَمْ يَجِبْ الْبَحْثُ عَنْ كَوْنِهِ قَارِئًا عَمَلًا بِالْغَالِبِ ، فَإِنْ قَالَ بَعْدَ سَلَامِهِ : سَهَوْت عَنْ الْفَاتِحَةِ ، لَزِمَهُ وَمَنْ مَعَهُ الْإِعَادَةُ ، وَإِنْ لَمْ يَجْهَرْ فِي جَهْرِيَّةٍ ، وَقَالَ : أَسْرَرْتُ نِسْيَانًا ، أَوْ لِكَوْنِهِ جَائِزًا لَمْ تَجِبْ الْإِعَادَةُ وَكَذَا إنْ لَمْ يَقُلْ ذَلِكَ ، لَكِنْ تُسْتَحَبُّ الْإِعَادَةُ احْتِيَاطًا .

( وَكُرِهَ أَنْ يَؤُمَّ ) رَجُلٌ امْرَأَةً ( أَجْنَبِيَّةً ) مِنْهُ ( فَأَكْثَرَ ) مِنْ امْرَأَةٍ ( لَا رَجُلَ فِيهِنَّ ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { نَهَى عَنْ خَلْوَةِ الرَّجُلِ بِالْمَرْأَةِ } " وَلِمَا فِيهِ مِنْ مُخَالَطَةِ الْوَسْوَاسِ ، لَكِنْ إنْ كَانَ مَعَ خَلْوَةٍ حَرُمَ وَإِنْ أَمَّ مَحَارِمَهُ ، أَوْ أَجْنَبِيَّاتٍ مَعَهُنَّ رَجُلٌ ، أَوْ مَحْرَمَةٌ فَلَا كَرَاهَةَ لِأَنَّ النِّسَاءَ كُنَّ يَشْهَدْنَ الصَّلَاةَ مَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .

( أَوْ ) أَنْ يَؤُمَّ ( قَوْمًا أَكْثَرُهُمْ يَكْرَهُهُ بِحَقٍّ ) أَيْ : لِخَلَلٍ فِي دِينِهِ وَفَضْلِهِ لِحَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ مَرْفُوعًا { ثَلَاثَةٌ لَا تُجَاوِزُ صَلَاتُهُمْ آذَانَهُمْ : الْعَبْدُ الْآبِقُ حَتَّى يَرْجِعَ ، وَامْرَأَةٌ بَاتَتْ وَزَوْجُهَا عَلَيْهَا سَاخِطٌ ، وَإِمَامُ قَوْمٍ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ } " رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ ، فَإِنْ كَرِهُوهُ بِغَيْرِ حَقٍّ لَمْ يُكْرَهْ أَنْ يَؤُمَّهُمْ .

( وَلَا بَأْسَ بِإِمَامَةِ وَلَدِ زِنًا وَلَقِيطٍ وَمَنْفِيٍّ بِلِعَانٍ ، وَخَصِيِّ ، وَجُنْدِيٍّ وَأَعْرَابِيٍّ إذَا سَلِمَ دِينُهُمْ وَصَلُحُوا لَهَا ) أَيْ : الْإِمَامَةِ لِعُمُومِ حَدِيثِ { يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى } " وَقَالَتْ عَائِشَةُ فِي وَلَدِ الزِّنَا : " لَيْسَ عَلَيْهِ مِنْ وِزْرِ أَبَوَيْهِ شَيْءٌ قَالَ تَعَالَى : { وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى } " وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمْ حُرٌّ مَرْضِيٌّ فِي دِينِهِ فَصَلُحَ لَهَا كَغَيْرِهِ .

( وَلَا ) بَأْسَ ( أَنْ يَأْتَمَّ مُتَوَضِّئٌ بِمُتَيَمِّمٍ ) لِأَنَّهُ مُتَطَهِّرٌ وَالْمُتَوَضِّئُ ، أَوْلَى .

( وَيَصِحُّ ائْتِمَامُ مُؤَدِّي صَلَاةٍ ) مِنْ الْخَمْسِ ( بِقَاضِيهَا و ) يَصِحُّ ( عَكْسُهُ ) وَهُوَ ائْتِمَامُ قَاضِي صَلَاةٍ بِمُؤَدِّيهَا ، كَظُهْرٍ أَدَاءً خَلْفَ ظُهْرٍ قَضَاءً وَعَكْسِهِ لِأَنَّ الصَّلَاةَ وَاحِدَةٌ ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْوَقْتُ .
( وَ ) يَصِحُّ ائْتِمَامُ ( قَاضِيهَا ) أَيْ : الصَّلَاةِ ( مَنْ يُؤَمُّ بِقَاضِيهَا مِنْ ) يَوْمٍ ( آخَرَ ) كَظُهْرِ يَوْمِ خَمِيسٍ خَلْفَ مَنْ يَقْضِي ظُهْرَ يَوْمِ أَرْبِعَاءٍ وَنَحْوَهُ ، لِمَا تَقَدَّمَ .

وَ ( لَا ) يَصِحُّ ائْتِمَامُ مُصَلِّي ظُهْرٍ مَثَلًا ( بِمُصَلٍّ غَيْرَهَا ) كَعَصْرٍ لِاخْتِلَافِ الصَّلَاتَيْنِ .

( وَلَا ) يَصِحُّ ائْتِمَامُ ( مُفْتَرِضٍ بِمُتَنَفِّلٍ ) حَدِيثٌ { لِقَوْلِهِ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ } " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَكَوْنِ صَلَاةِ الْمَأْمُومِ غَيْرَ صَلَاةِ الْإِمَامِ اخْتِلَافٌ عَلَيْهِ لِأَنَّ صَلَاةَ الْمَأْمُومِ لَا تَتَأَدَّى بِنِيَّةِ صَلَاةِ الْإِمَامِ لَكِنْ تَصِحُّ الْعِيدُ خَلْفَ مَنْ يَقُولُ : إنَّهَا سُنَّةٌ وَإِنْ اعْتَقَدَ الْمَأْمُومُ أَنَّهَا فَرْضُ كِفَايَةٍ ، لِعَدَمِ الِاخْتِلَافِ عَلَيْهِ فِيمَا يَظْهَرُ ( إلَّا إذَا صَلَّى ) إمَامٌ ( بِهِمْ فِي خَوْفٍ صَلَاتَيْنِ ) وَهُوَ الْوَجْهُ الرَّابِعُ فَيَصِحُّ .

( وَيَصِحُّ عَكْسُهَا ) أَيْ : ائْتِمَامُ مُتَنَفِّلٍ بِمُفْتَرِضٍ لِأَنَّ فِي نِيَّةِ الْإِمَامِ مَا فِي نِيَّةِ الْمَأْمُومِ وَهُوَ نِيَّةُ التَّقَرُّبِ ، وَزِيَادَةٌ وَهِيَ نِيَّةُ الْوُجُوبِ فَلَا وَجْهَ لِلْمَنْعِ وَيَدُلُّ لِصِحَّتِهَا أَيْضًا حَدِيثُ { أَلَا رَجُلٌ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا فَيُصَلِّي مَعَهُ } " .

فَصْلٌ فِي مَوْقِفِ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ ( السُّنَّةُ وُقُوفُ إمَامِ جَمَاعَةٍ ) اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ ( مُتَقَدِّمًا ) عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { كَانَ إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ تَقَدَّمَ وَقَامَ أَصْحَابُهُ خَلْفَهُ } " وَلِمُسْلِمٍ وَأَبِي دَاوُد { أَنَّ جَابِرًا وَجَبَّارًا وَقَفَ أَحَدُهُمَا عَنْ يَمِينِهِ وَالْآخَرُ عَنْ يَسَارِهِ ، فَأَخَذَ بِأَيْدِيهِمَا حَتَّى أَقَامَهُمَا خَلْفَهُ } " .
وَالسُّنَّةُ أَيْضًا : تَوَسُّطُهُ الصَّفَّ وَقُرْبُهُ مِنْهُ ( إلَّا ) إمَامَ ( الْعُرَاةِ فَ ) يَقِفُ ( وَسَطًا ) بَيْنَهُمْ ( وُجُوبًا ) إلَّا أَنْ يَكُونُوا عُمْيَانًا ، أَوْ فِي ظُلْمَةٍ وَتَقَدَّمَ .
( وَ ) إلَّا ( امْرَأَةً أَمَّتْ نِسَاءً ، فَ ) تَقِفُ ( وَسَطًا ) بَيْنَهُنَّ ( نَدْبًا ) رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، وَرَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ وَلِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا .

( وَإِنْ تَقَدَّمَهُ ) أَيْ : الْإِمَامَ ( مَأْمُومٌ ، وَلَوْ بِإِحْرَامٍ ) بِالصَّلَاةِ ، ثُمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرَى حَتَّى وَقَفَ مَوْقِفَهُ ( لَمْ تَصِحَّ ) الصَّلَاةُ ( لَهُ ) أَيْ : الْمَأْمُومِ لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ فِي اقْتِدَائِهِ بِهِ إلَى الِالْتِفَاتِ فِي صَلَاتِهِ ، فَيَسْتَدْبِرُ الْقِبْلَةَ عَمْدًا وَإِلَّا لَأَدَّى إلَى مُخَالَفَتِهِ لَهُ فِي أَفْعَالِهِ وَكِلَاهُمَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَعُلِمَ مِنْهُ : صِحَّةُ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَإِنْ جَاءَ غَيْرُهُ فَوَقَفَ فِي مَوْقِفِهِ صَحَّتْ جَمَاعَةً ، وَكَذَا إنْ تَقَدَّمَ بَعْدَ إحْرَامِهِ مَعَ إمَامِهِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ وَيُتِمُّهَا الْإِمَامُ مُنْفَرِدًا .

( غَيْرُ قَارِئَةٍ أَمَّتْ رِجَالًا ) أُمِّيِّينَ فِي تَرَاوِيحَ ( أَوْ ) أَمَّتْ ( خَنَاثَى أُمِّيِّينَ فِي تَرَاوِيحَ ) فَتَقِفُ خَلْفَهُمْ ، لِحَدِيثِ أُمِّ وَرَقَةَ وَتَقَدَّمَ .

( وَفِيمَا إذَا تَقَابَلَا ) أَيْ : الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ دَاخِلَ الْكَعْبَةِ ( ، أَوْ تَدَابَرَا دَاخِلَ الْكَعْبَةِ ) فَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ تَقَدُّمُهُ عَلَيْهِ وَ ( لَا ) تَصِحُّ صَلَاةُ مَأْمُومٍ ( إنْ جَعَلَ ظَهْرَهُ إلَى وَجْهِ إمَامِهِ ) دَاخِلَ الْكَعْبَةِ كَخَارِجِهَا ، لِتَحَقُّقِ التَّقَدُّمِ ( وَفِيمَا إذَا اسْتَدَارَ الصَّفُّ حَوْلَهَا ) أَيْ : الْكَعْبَةِ ( وَالْإِمَامُ عَنْهَا ) أَيْ : الْكَعْبَةِ ( أَبْعَدُ مِمَّنْ ) أَيْ : الْمَأْمُومِ الَّذِي ( هُوَ فِي غَيْرِ جِهَتِهِ ) بِأَنْ كَانُوا فِي الْجِهَةِ الَّتِي عَنْ يَمِينِهِ ، أَوْ شِمَالِهِ ، أَوْ مُقَابِلَتِهِ ، وَأَمَّا الَّذِينَ فِي جِهَتِهِ الَّتِي يُصَلِّي إلَيْهَا ، فَمَتَى تَقَدَّمُوا عَلَيْهِ لَمْ تَصِحَّ لَهُمْ ، لِتَحَقُّقِ التَّقَدُّمِ .

( وَ ) إلَّا ( فِي شِدَّةِ خَوْفٍ ) فَلَا يَضُرُّ تَقَدُّمُ الْمَأْمُومِ لِلْعُذْرِ ، وَيَصِحُّ الِاقْتِدَاءُ ( إنْ أَمْكَنَتْ مُتَابَعَةُ ) مَأْمُومٍ لِإِمَامِهِ فَإِنْ لَمْ تُمْكِنْ مُتَابَعَتُهُ ، لَمْ يَصِحَّ الِاقْتِدَاءُ ( وَالِاعْتِبَارُ ) فِي التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ حَالَ قِيَامٍ ( بِمُؤَخَّرِ قَدَمٍ ) وَهُوَ الْعَقِبُ وَلَا يَضُرُّ تَقَدُّمُ أَصَابِعِ الْمَأْمُومِ لِطُولِ قَدَمِهِ وَلَا تَقَدُّمُ رَأْسِهِ فِي السُّجُودِ لِطُولِهِ ، فَإِنْ صَلَّى قَاعِدًا فَالِاعْتِبَارُ بِالْأَلْيَةِ ، لِأَنَّهَا مَحَلُّ الْقُعُودِ ، حَتَّى لَوْ مَدَّ رِجْلَيْهِ وَقَدَّمَهُمَا عَلَى إمَامِهِ ، لَمْ يَضُرَّ ، كَمَا لَوْ قَدَّمَ الْقَائِمُ رِجْلَهُ مَرْفُوعَةً عَنْ الْأَرْضِ ، لِعَدَمِ اعْتِمَادِهِ عَلَيْهَا .

( وَإِنْ وَقَفَ جَمَاعَةٌ عَنْ يَمِينِهِ ) أَيْ : الْإِمَامِ ( أَوْ ) وَقَفُوا ( بِجَانِبِهِ ) أَيْ : الْإِمَامِ ( صَحَّ ) اقْتِدَاؤُهُمْ بِهِ لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ { صَلَّى بَيْنَ عَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ ، وَقَالَ : هَكَذَا رَأَيْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ } " رَوَاهُ أَحْمَدُ : لَكِنْ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : لَا يَصِحُّ رَفْعُهُ .
وَالصَّحِيحُ : أَنَّهُ مِنْ قَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَأَجَابَ ابْنُ سِيرِينَ : بِأَنَّ الْمَسْجِدَ كَانَ ضَيِّقًا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ ( وَيَقِفُ ) مَأْمُومٌ ( وَاحِدٌ ، رَجُلٌ ، أَوْ خُنْثَى عَنْ يَمِينِهِ ) " أَيْ : الْإِمَامِ لِإِدَارَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَ عَبَّاسٍ وَجَابِرًا إلَى يَمِينِهِ ، لَمَّا وَقَفَا عَنْ يَسَارِهِ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ : وَيُنْدَبُ تَخَلُّفُهُ قَلِيلًا ، خَوْفًا مِنْ التَّقَدُّمِ ، وَمُرَاعَاةً لِلْمَرْتَبَةِ فَإِنْ بَانَ عَدَمُ صِحَّةِ مُصَافَّتِهِ لَهُ ، لَمْ تَصِحَّ .

( وَلَا يَصِحُّ ) أَنْ يَقِفَ الْوَاحِدُ ( خَلْفَهُ ) لِأَنَّهُ يَكُونُ فَذًّا ( وَلَا ) يَصِحُّ أَنْ يَقِفَ مَأْمُومٌ فَأَكْثَرُ ( مَعَ خُلُوِّ يَمِينِهِ ) أَيْ : الْإِمَامِ ( عَنْ يَسَارِهِ ) إنْ صَلَّى رَكْعَةً فَأَكْثَرَ ، لِأَنَّهُ خَالَفَ مَوْقِفَهُ لِإِدَارَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَ عَبَّاسٍ وَجَابِرًا لَمَّا وَقَفَا عَنْ يَسَارِهِ .
( وَإِنْ وَقَفَ ) أَحَدٌ ( يَسَارَهُ ) أَيْ : الْإِمَامِ ( أَحْرَمَ ) بِالصَّلَاةِ ( ، أَوْ أَدَارَهُ ) الْإِمَامُ ( مِنْ وَرَائِهِ ) يَمِينَهُ ، لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ ( فَإِنْ جَاءَ آخَرُ فَوَقَفَا ) أَيْ : الْجَائِيُّ وَاَلَّذِي قَبْلَهُ ( خَلْفَهُ ) أَصَابَا السُّنَّةَ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَقِفَا خَلْفَهُ ( أَدَارَهُمَا ) الْإِمَامُ ( خَلْفَهُ ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ .
قَالَ { قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي ، فَجِئْت فَقُمْت عَنْ يَسَارِهِ فَأَخَذَ بِيَدِي ، فَأَدَارَنِي فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ ثُمَّ جَاءَ جَبَّارُ بْنُ صَخْرٍ ، فَقَامَ عَنْ يَسَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ بِأَيْدِينَا جَمِيعًا فَدَفَعَنَا حَتَّى أَقَامَنَا خَلْفَهُ } " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد ( فَإِنْ شَقَّ ) عَلَيْهِ ، أَوْ عَلَيْهِمَا الْإِدَارَةُ ( تَقَدَّمَ ) الْإِمَامُ ( عَنْهُمَا ) لِيَصِيرَا خَلْفَهُ وَيُصِيبُوا السُّنَّةَ .
( وَإِنْ بَطَلَتْ صَلَاةُ أَحَدِ اثْنَيْنِ صَفًّا ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمَا غَيْرُهُمَا ( تَقَدَّمَ الْآخَرُ ) الَّذِي لَمْ تَبْطُلْ صَلَاتُهُ ( إلَى يَمِينِهِ ) أَيْ : الْإِمَامِ ( أَوْ ) إلَى ( صَفٍّ ) حَذَرًا مِنْ أَنْ يَكُونَ فَذًّا ، إنْ أَمْكَنَهُ ( أَوْ جَاءَ ) مَأْمُومٌ ( آخَرُ ) فَوَقَفَ يُصَلِّي مَعَهُ صَحَّتْ صَلَاتُهُمَا ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يُمْكِنْهُ التَّقَدُّمُ ، وَلَمْ يَأْتِ مَنْ يَقِفُ مَعَهُ ( نَوَى الْمُفَارَقَةَ ) لِلْعُذْرِ وَأَتَمَّهَا مُنْفَرِدًا ، وَإِلَّا بَطَلَتْ .

( وَإِنْ وَقَفَ الْخَنَاثَى صَفًّا .
لَمْ تَصِحَّ ) صَلَاتُهُمْ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَجُلًا ، وَالْبَاقِي نِسَاءً .
.

وَلَا تَصِحُّ صَلَاةُ رَجُلٍ لَيْسَ مَعَهُ إلَّا امْرَأَةٌ كَمَا يَأْتِي ( وَإِنْ أَمَّ رَجُلٌ ) امْرَأَةً وَقَفَتْ خَلْفَهُ لِحَدِيثِ أَنَسٍ { أَنَّ جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ .
دَعَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ فَأَكَلَ ، ثُمَّ قَالَ : قُومُوا لِأُصَلِّيَ لَكُمْ ، فَقُمْتُ إلَى حَصِيرٍ قَدْ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لَبِثَ ، فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ فَقَامَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقُمْتُ أَنَا وَالْيَتِيمُ وَرَاءَهُ وَقَامَتْ الْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا فَصَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ انْصَرَفَ } " رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ .

( أَوْ ) أَمَّ ( خُنْثَى امْرَأَةً فَخَلْفَهُ ) تَقِفُ ، لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ رَجُلًا .

فَإِنْ أَمَّتْ امْرَأَةٌ امْرَأَةً فَعَنْ يَمِينِهَا .

( وَإِنْ وَقَفَتْ ) مَأْمُومَةٌ ( بِجَانِبِهِ ) أَيْ : الْإِمَامِ ، رَجُلًا كَانَ أَوْ خُنْثَى ( فَكَرَجُلٍ ) فَإِنْ وَقَفَتْ عَنْ يَمِينِهِ صَحَّ ، لَا عَنْ يَسَارِهِ مَعَ خُلُوِّ يَمِينِهِ .

( وَ ) إنْ وَقَفَتْ امْرَأَةٌ ( بِصَفِّ رِجَالٍ لَمْ تَبْطُلْ صَلَاةُ مَنْ يَلِيهَا ) مِنْ الرِّجَالِ .
( وَ ) لَا صَلَاةُ مَنْ ( خَلْفَهَا ) مِنْهُمْ كَوُقُوفِهَا فِي غَيْرِ صَلَاةٍ وَلَا تَبْطُلُ أَيْضًا صَلَاتُهَا ( وَصَفٌّ تَامٌّ مِنْ نِسَاءٍ لَا يَمْنَعُ اقْتِدَاءَ مَنْ خَلْفَهُنَّ مِنْ الرِّجَالِ ) لِمَا تَقَدَّمَ ( وَسُنَّ أَنْ يُقَدَّمَ ) لِيَلِيَ الْإِمَامَ ( مِنْ أَنْوَاعِ ) مَأْمُومِينَ رِجَالٌ ( أَحْرَارٌ بَالِغُونَ ) الْأَفْضَلَ فَالْأَفْضَلَ ( فَعَبِيدٌ ) بَالِغُونَ ( الْأَفْضَلَ فَالْأَفْضَلَ ) لِحَدِيثِ { لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو الْأَحْلَامِ وَالنُّهَى } " رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَقُدِّمَ الْأَحْرَارُ لِفَضْلِ الْحُرِّيَّةِ ( فَصِبْيَانٌ ) أَحْرَارٌ ، ثُمَّ أَرِقَّاءُ الْأَفْضَلَ فَالْأَفْضَلَ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { صَلَّى فَصَفَّ الرِّجَالَ ، ثُمَّ صَفَّ خَلْفَهُمْ الْغِلْمَانَ } " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ( فَنِسَاءٌ كَذَلِكَ ) أَيْ : الْبَالِغَاتُ الْأَحْرَارُ ، ثُمَّ الْأَرِقَّاءُ ، ثُمَّ غَيْرُ الْبَالِغَاتِ الْأَحْرَارِ ، ثُمَّ الْأَرِقَّاءُ الْفُضْلَى فَالْفُضْلَى .
وَقَدَّمَ الصِّبْيَانَ عَنْ النِّسَاءِ لِفَضْلِهِمْ عَلَيْهِنَّ بِالذُّكُورِيَّةِ وَلِحَدِيثِ أَنَسٍ السَّابِقِ .
( وَ ) يُقَدَّمُ مِنْ ( جَنَائِزَ إلَيْهِ ) أَيْ : الْإِمَامِ ( وَإِلَى قِبْلَةٍ فِي قَبْرٍ ، حَيْثُ جَازَ ) دَفْنُ أَكْثَرَ مِنْ مَيِّتٍ فِيهِ ( حُرٌّ بَالِغٌ ، فَعَبْدٌ ) بَالِغٌ ( فَصَبِيٌّ ) حُرٌّ ، ثُمَّ عَبْدٌ ( فَخُنْثَى ) حُرٌّ بَالِغٌ ، ثُمَّ عَبْدٌ ، ثُمَّ حُرٌّ لَمْ يَبْلُغْ ، ثُمَّ عَبْدٌ كَذَلِكَ ( فَامْرَأَةٌ كَذَلِكَ ) لِمَا تَقَدَّمَ .

( وَمَنْ لَمْ يَقِفْ مَعَهُ ) فِي صَفَّهُ ( إلَّا كَافِرٌ ) فَفَذَّ لِأَنَّ صَلَاةَ الْكَافِرِ غَيْرُ صَحِيحَةٍ .

( وَ ) لَمْ يَقِفْ مَعَهُ إلَّا ( امْرَأَةٌ ، أَوْ خُنْثَى ) وَهُوَ ذَكَرٌ فَفَذَّ لِأَنَّهَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ الْوُقُوفِ مَعَهُ .

( أَوْ ) لَمْ يَقِفْ مَعَهُ إلَّا ( مَنْ يَعْلَمُ حَدَثَهُ ، أَوْ نَجَاسَتَهُ ، أَوْ مَجْنُونٌ ) فَفَذَّ مُطْلَقًا ، لِأَنَّ وُجُودَهُمْ كَعَدَمِهِمْ وَكَذَا سَائِرُ مَنْ لَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ .

( أَوْ ) لَمْ يَقِفْ مَعَ رَجُلٍ فِي فَرْضٍ إلَّا ( صَبِيٌّ ) فَفَذَّ أَيْ : فَرْدٌ ، لِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ إمَامَتُهُ بِالرَّجُلِ فِي الْفَرْضِ ، فَلَا تَصِحُّ مُصَافَّتُهُ لَهُ .

وَتَصِحُّ مُصَافَّةُ مُفْتَرِضٍ لِمُتَنَفِّلٍ بَالِغٍ ، كَأُمِّيٍّ وَأَخْرَسَ وَعَاجِزٍ عَنْ رُكْنٍ ، أَوْ شَرْطٍ وَنَاقِصِ طَهَارَةٍ وَنَحْوِهِ ، وَفَاسِقٍ ، وَمَجْهُولٍ حَدَثُهُ ، أَوْ نَجَاسَتُهُ .

( وَمَنْ ) أَرَادَ الصَّلَاةَ وَقَدْ أُقِيمَتْ الصُّفُوفُ فَإِنْ ( وَجَدَ فُرْجَةً ) بِضَمِّ الْفَاءِ وَفَتْحِهَا ، أَيْ : خَلَلًا فِي صَفٍّ ، وَلَوْ بَعِيدَةً وَقَفَ فِيهَا وَيُكْرَهُ مَشْيُهُ إلَيْهَا عَرْضًا ( أَوْ ) وَجَدَ ( الصَّفَّ غَيْرَ مَرْصُوصٍ وَقَفَ فِيهِ ) نَصًّا لِحَدِيثِ { إنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى الَّذِينَ يَصِلُونَ الصُّفُوفَ } " .
( وَإِلَّا ) أَيْ : وَإِنْ لَمْ يَجِدْ فُرْجَةً وَوَجَدَ الصَّفَّ مَرْصُوصًا ( فَعَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ ) يَقِفُ إنْ أَمْكَنَهُ لِأَنَّهُ مَوْقِفُ الْوَاحِدِ ( فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ ) الْوُقُوفُ عَنْ يَمِينِ الْإِمَامِ ( فَلَهُ أَنْ يُنَبِّهَ بِنَحْنَحَةٍ ، أَوْ كَلَامٍ ) كَقَوْلِهِ : لِيَتَأَخَّرْ أَحَدُكُمْ أُكَوِّنْ مَعَهُ صَفًّا وَنَحْوَهُ ( أَوْ ) يُنَبِّهَ ب ( إشَارَةِ مَنْ يَقُومُ مَعَهُ ) صَفًّا لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الِاقْتِدَاءِ ( وَيَتْبَعُهُ ) أَيْ : يَلْزَمُ الْمُنَبِّهَ أَنْ يَتَأَخَّرَ لِيَقِفَ مَعَهُ لِأَنَّ الْوَاجِبَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِهِ ( وَكُرِهَ ) تَنْبِيهُهُ ب ( جَذْبِهِ ) نَصًّا ، لِأَنَّهُ تَصَرَّفَ فِيهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ ، وَعَبْدُهُ وَابْنُهُ كَأَجْنَبِيٍّ وَلَمْ يَحْرُمْ ، بَلْ صَحَّحَ فِي الْمُغْنِي جَوَازَهُ لِدُعَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ ، كَسُجُودٍ عَلَى ظَهْرِ إنْسَان ، أَوْ قَدَمِهِ لِزِحَامٍ .

( وَمَنْ صَلَّى يَسَارَ إمَامٍ مَعَ خُلُوِّ يَمِينِهِ ) أَيْ : الْإِمَامِ ، رَكْعَةً : لَمْ تَصِحَّ .

( أَوْ ) صَلَّى ( فَذًّا وَلَوْ امْرَأَةً خَلْفَ امْرَأَةٍ رَكْعَةً لَمْ تَصِحَّ ) صَلَاتُهُ ، عَالِمًا كَانَ أَوْ جَاهِلًا ، أَوْ نَاسِيًا ، أَوْ عَامِدًا لِحَدِيثِ { وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي خَلْفَ الصَّفِّ ، فَأَمَرَهُ أَنْ يُعِيدَ الصَّلَاةَ } " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : أَثْبَتَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ هَذَا الْحَدِيثَ .
وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ شَيْبَانُ مَرْفُوعًا { لَا صَلَاةَ لِمُنْفَرِدٍ خَلْفَ الصَّفِّ } " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَلِأَنَّهُ خَالَفَ مَوْقِفَهُ ، وَظَاهِرُهُ : وَلَوْ زُحِمَ فِي ثَانِيَةِ الْجُمُعَةِ ، فَخَرَجَ مِنْ الصَّفِّ ، وَبَقِيَ مُنْفَرِدًا ، فَيَنْوِي الْمُفَارَقَةَ وَيُتِمُّ لِنَفْسِهِ ، وَإِلَّا بَطَلَتْ ، وَصَحَّحَهُ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ .

( وَإِنْ رَكَعَ فَذًّا لِعُذْرٍ ) كَخَوْفِ فَوْتِ الرَّكْعَةِ ( ثُمَّ دَخَلَ الصَّفَّ ) قَبْلَ سُجُودِ الْإِمَامِ صَحَّتْ ( أَوْ ) رَكَعَ فَذًّا لِعُذْرٍ ثُمَّ ( وَقَفَ مَعَهُ آخَرُ قَبْلَ سُجُودِ الْإِمَامِ صَحَّتْ ) صَلَاتُهُ ، { لِأَنَّ أَبَا بَكْرَةَ وَاسْمُهُ نُفَيْعٌ رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ ، ثُمَّ مَشَى حَتَّى دَخَلَ الصَّفَّ ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : زَادَك اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ } " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ .
وَفَعَلَهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ ، وَكَمَا لَوْ أَدْرَكَ مَعَهُ الرُّكُوعَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ ، لَمْ تَصِحَّ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ وَرَدَتْ فِي الْمَعْذُورِ فَلَا يُلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ ، وَقَدَّمَ فِي الْكَافِي " : تَصِحُّ ؛ لِأَنَّ الْمَوْقِفَ لَا يَخْتَلِفُ بِخِيفَةِ الْفَوَاتِ وَعَدَمِهِ .

فَصْلٌ فِي الِاقْتِدَاءِ ( يَصِحُّ اقْتِدَاءُ مَنْ يُمْكِنُهُ ) الِاقْتِدَاءُ بِإِمَامِهِ ، أَيْ : مُتَابَعَتُهُ ، وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثِمِائَةِ ذِرَاعٍ ( وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ) مُقْتَدٍ ( بِالْمَسْجِدِ ) بِأَنْ كَانَ خَارِجَهُ وَالْإِمَامُ بِالْمَسْجِدِ ، ، أَوْ خَارِجَهُ أَيْضًا ( إذَا رَأَى ) الْمُقْتَدِي ( الْإِمَامَ ، أَوْ رَأَى مَنْ وَرَاءَهُ ) أَيْ : الْإِمَامِ ( وَلَوْ ) كَانَتْ رُؤْيَتُهُ ( فِي بَعْضِهَا ) أَيْ : الصَّلَاةِ ( ، أَوْ ) كَانَتْ ( مَنْ شُبَّاكٍ ) لِتَمَكُّنِهِ إذَنْ مِنْ مُتَابَعَتِهِ ، وَلَا يَكْتَفِي إذَنْ بِسَمَاعِ التَّكْبِيرِ ، ( أَوْ كَانَا ) أَيْ : الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ ( بِهِ ) أَيْ : الْمَسْجِدِ ( وَلَوْ لَمْ يَرَهُ ) أَيْ : الْمَأْمُومُ ( وَلَا ) رَأَى ( مَنْ وَرَاءَهُ ) ، أَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا حَائِلٌ ( إذَا سَمِعَ ) مَأْمُومٌ ( التَّكْبِيرَ ) لِأَنَّهُ يَتَمَكَّنُ مِنْ مُتَابَعَتِهِ ، وَالْمَسْجِدُ مَعَهُ لِلِاجْتِمَاعِ .
( لَا ) يَكْفِي سَمَاعُ التَّكْبِيرِ بِلَا رُؤْيَةٍ لَهُ ، أَوْ لِمَنْ وَرَاءَهُ ( إنْ كَانَ الْمَأْمُومُ وَحْدَهُ خَارِجَهُ ) أَيْ : الْمَسْجِدِ الَّذِي بِهِ إمَامُهُ ، لِأَنَّهُ لَيْسَ مُعَدًّا لِلِاقْتِدَاءِ وَشَمِلَ كَلَامُهُ : مَا إذَا كَانَ الْمَأْمُومُ بِمَسْجِدٍ آخَرَ غَيْرِ الَّذِي بِهِ الْإِمَامُ ، فَلَا بُدَّ مِنْ رُؤْيَتِهِ الْإِمَامَ ، أَوْ مَنْ وَرَاءَهُ .
وَلَا يَكْفِي سَمَاعُ التَّكْبِيرِ ( وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا ) أَيْ : الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ ( نَهْرٌ تَجْرِي فِيهِ السُّفُنُ ) لَمْ تَصِحَّ ، فَإِنْ لَمْ تَجْرِ فِيهِ صَحَّتْ ( أَوْ ) كَانَ بَيْنَهُمَا ( طَرِيقٌ وَلَمْ تَتَّصِلْ الصُّفُوفُ ، حَيْثُ صَحَّتْ ) تِلْكَ الصَّلَاةُ ( فِيهِ ) أَيْ : الطَّرِيقِ ، كَجُمُعَةٍ وَعِيدٍ وَجِنَازَةٍ وَنَحْوِهَا لِضَرُورَةٍ لَمْ تَصِحَّ لِلْآثَارِ ، فَإِنْ اتَّصَلَتْ الصُّفُوفُ حَيْثُ صَحَّتْ فِيهِ صَحَّتْ ( أَوْ كَانَ ) الْمَأْمُومُ ( فِي غَيْرِ شِدَّةِ خَوْفٍ بِسَفِينَةٍ وَإِمَامُهُ فِي أُخْرَى ) غَيْرِ مَقْرُونَةٍ بِهَا ( لَمْ يَصِحَّ ) الِاقْتِدَاءُ ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ طَرِيقٌ وَلَيْسَتْ الصُّفُوفُ مُتَّصِلَةً فَإِنْ كَانَ فِي شِدَّة خَوْفٍ وَأَمْكَنَ الِاقْتِدَاءُ ، صَحَّ

لِلْعُذْرِ .

( وَكُرِهَ عُلُوُّ إمَامٍ عَنْ مَأْمُومٍ ) لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَنْ حُذَيْفَةَ مَرْفُوعًا { إذَا أَمَّ الرَّجُلُ الْقَوْمَ فَلَا يَقُومَنَّ فِي مَكَان أَرْفَعَ مِنْ مَكَانِهِمْ } " وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ مَعْنَاهُ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ ( مَا لَمْ يَكُنْ ) الْعُلُوُّ يَسِيرًا ( كَدَرَجَةِ مِنْبَرٍ ) فَلَا يُكْرَهُ ، لِحَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي أَوَّلِ يَوْمٍ وُضِعَ ، فَكَبَّرَ وَهُوَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ رَكَعَ ، ثُمَّ نَزَلَ الْقَهْقَرَى فَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ مَعَهُ ثُمَّ عَادَ حَتَّى فَرَغَ ، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ : يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّمَا فَعَلْت ذَلِكَ لِتَأْتَمُّوا بِي ، وَلِتَتَعَلَّمُوا صَلَاتِي } .
" مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ( وَتَصِحُّ ) الصَّلَاةُ ( وَلَوْ كَانَ ) الْعُلُوُّ ( كَثِيرًا وَهُوَ ) أَيْ : الْكَثِيرُ ( ذِرَاعٌ فَأَكْثَرُ ) مِنْ ذِرَاعٍ ، لِأَنَّ النَّهْيَ لَا يَعُودُ إلَى دَاخِلٍ فِي الصَّلَاةِ ( وَلَا بَأْسَ بِهِ ) أَيْ : الْعُلُوِّ ، وَلَوْ كَثِيرًا ( لِمَأْمُومٍ ) كَمَا لَوْ صَلَّى خَلْفَ الْإِمَامِ عَلَى سَطْحِ الْمَسْجِدِ لِمَا رَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ { أَنَّهُ صَلَّى عَلَى ظَهْرِ الْمَسْجِدِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ } " وَرَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ أَنَسٍ .

( وَلَا ) بَأْسَ ( بِقَطْعِ الصَّفِّ ) خَلْفَ الْإِمَامِ وَعَنْ يَمِينِهِ ( إلَّا ) أَنْ يَكُونَ قَطْعُهُ ( عَنْ يَسَارِهِ ) أَيْ : الْإِمَامِ ( إذَا بَعُدَ ) الْمُنْقَطِعُ ( بِقَدْرِ مَقَامِ ثَلَاثَةِ ) رِجَالٍ ، فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ .

قَالَ ابْنُ حَامِدٍ : وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى ( وَتُكْرَهُ صَلَاتُهُ ) أَيْ : الْإِمَامِ ( فِي طَاقِ الْقِبْلَةِ ) أَيْ : الْمِحْرَابِ ( إنْ مَنَعَ ذَلِكَ مُشَاهَدَتَهُ ) رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ لِأَنَّهُ مُسْتَتِرٌ عَنْ بَعْضِ الْمَأْمُومِينَ أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ حِجَابٌ فَيَقِفُ عَنْ يَمِينِ الْمِحْرَابِ نَصًّا ، إنْ لَمْ يَكُنْ حَاجَةٌ وَإِنْ لَمْ يَمْنَعْ مُشَاهَدَتَهُ لَمْ يُكْرَهْ .

( وَ ) يُكْرَهُ ( تَطَوُّعُهُ ) أَيْ : الْإِمَامِ ( بَعْدَ ) صَلَاةٍ ( مَكْتُوبَةٍ مَوْضِعُهَا ) نَصًّا لِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ مَرْفُوعًا { لَا يُصَلِّيَنَّ الْإِمَامُ فِي مَقَامِهِ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الْمَكْتُوبَةَ ، حَتَّى يَتَنَحَّى عَنْهُ } " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلِأَنَّ فِي تَحَوُّلِهِ إعْلَامًا بِأَنَّهُ صَلَّى فَلَا يُنْتَظَرُ .

( وَ ) يُكْرَهُ ( مُكْثُهُ ) أَيْ : الْإِمَامِ ( كَثِيرًا ) بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ ( مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَلَيْسَ ثَمَّ ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ ، أَيْ : هُنَاكَ ( نِسَاءٌ ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا سَلَّمَ لَمْ يَقْعُدْ إلَّا مِقْدَارَ مَا يَقُولُ : اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ ، وَمِنْك السَّلَامُ تَبَارَكَتْ يَا ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ } " رَوَاهُ مُسْلِمٌ ، وَيُسْتَحَبُّ لِلْمَأْمُومِ أَنْ لَا يَنْصَرِفَ قَبْلَهُ لِلْخَبَرِ ، إنَّ لَمْ يَطُلْ لُبْثُهُ فَإِنْ كَانَ ثَمَّ نِسَاءٌ مَكَثَ هُوَ وَالرِّجَالُ حَتَّى يَنْصَرِفَ النِّسَاءُ لِلْخَبَرِ وَلِئَلَّا يَخْتَلِطَ النِّسَاءُ بِالرِّجَالِ .

( وَ ) يُكْرَهُ ( وُقُوفُ مَأْمُومِينَ بَيْنَ سَوَارٍ تَقْطَعُ الصُّفُوفَ عُرْفًا ) لِقَوْلِ { أَنَسٍ كُنَّا نَتَّقِي هَذَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد ، وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ ، قَالَ أَحْمَدُ : لِأَنَّهُ يَقْطَعُ ، فَإِنْ كَانَ الصَّفُّ صَغِيرًا قَدْرَ مَا بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ لَمْ يُكْرَهْ ( بِلَا حَاجَةٍ فِي الْكُلِّ ) أَيْ : كُلِّ مَا تَقَدَّمَ ، كَضِيقِ مَسْجِدٍ ، أَوْ مَطَرٍ .

( وَيَنْحَرِفُ إمَامٌ ) اسْتِحْبَابًا بَعْدَ صَلَاتِهِ ( إلَى مَأْمُومٍ ) لِحَدِيثِ سَمُرَةَ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا صَلَّى صَلَاةً أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ } " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ ( جِهَةَ قَصْدِهِ ) أَيْ : الْإِمَامِ لِأَنَّهُ الْأَسْهَلُ عَلَيْهِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَقْصِدْ جِهَةً ( فَ ) يَنْحَرِفُ ( عَنْ يَمِينِهِ ) أَيْ : الْإِمَامِ ، فَتَلِي يَسَارَهُ الْقِبْلَةُ ، تَمْيِيزًا لِجَانِبِ الْيُمْنَى ( وَاِتِّخَاذُ الْمِحْرَابِ مُبَاحٌ ) وَإِنْ أَحْدَثَهُ النَّاسُ لِيَسْتَدِلَّ بِهِ الْجَاهِلُ عَلَى الْقِبْلَةِ وَلِهَذَا اسْتَحَبَّهُ بَعْضُهُمْ .

( وَحَرُمَ بِنَاءُ مَسْجِدٍ ، يُرَادُ بِهِ الضَّرَرُ لِمَسْجِدٍ بِقُرْبِهِ ، فَيُهْدَمُ ) مَا بُنِيَ ضِرَارًا وُجُوبًا لِحَدِيثِ { لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ } " فَإِنْ لَمْ يُقْصَدْ بِهِ الضَّرَرُ جَازَ وَإِنْ قَرُبَ ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : لَا وَيُهْدَمُ وَصَحَّحَهُ فِي التَّصْحِيحِ وَظَاهِرُهُ : أَنَّهُ إذَا بَعُدَ يَجُوزُ ، وَلَوْ قُصِدَ بِهِ الضَّرَرُ وَيُكْرَهُ اتِّخَاذُ غَيْرِ إمَامٍ مَكَانًا بِمَسْجِدٍ لَا يُصَلِّي فَرْضَهُ إلَّا فِيهِ ، وَيُبَاحُ فِي النَّفْلِ .
وَقَالَ الْمَرْوَزِيِّ : كَانَ أَحْمَدُ لَا يُوطِنُ الْأَمَاكِنَ وَيُكْرَهُ إيطَانُهَا قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَظَاهِرُهُ : وَلَوْ كَانَتْ فَاضِلَةً ، ثُمَّ ذَكَرَ احْتِمَالًا ، وَأَيَّدَهُ بِأَنَّ { سَلَمَةَ كَانَ يَتَحَرَّى الصَّلَاةَ عِنْدَ الْأُسْطُوَانَةِ الَّتِي عِنْدَهَا الْمُصْحَفُ .
وَقَالَ : إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَحَرَّى الصَّلَاةَ عِنْدَهَا } " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَالَ : وَظَاهِرُهُ أَيْضًا : وَلَوْ كَانَ لِحَاجَةٍ ، كَإِسْمَاعِ حَدِيثٍ وَتَدْرِيسٍ وَإِفْتَاءٍ وَنَحْوِهِ وَيُتَوَجَّهُ : لَا وَذَكَرَهُ بَعْضُهُمْ اتِّفَاقًا ، لِأَنَّهُ يَقْصِدُ .

( وَكُرِهَ حُضُورُ مَسْجِدٍ ، وَ ) حُضُورُ ( جَمَاعَةٍ لِآكِلِ بَصَلٍ ، ، أَوْ فُجْلٍ وَنَحْوِهِ ) كَثُومٍ وَكُرَّاثٍ ( حَتَّى يَذْهَبَ رِيحُهُ ) لِلْخَبَرِ وَلِإِيذَائِهِ وَظَاهِرُهُ : وَلَوْ لَمْ يَكُنْ بِالْمَسْجِدِ أَحَدٌ ، لِتَأَذِّي الْمَلَائِكَةِ وَيُسْتَحَبُّ إخْرَاجُهُ ، وَفِي مَعْنَاهُ : نَحْوُ مَنْ بِهِ صُنَانٌ ، أَوْ جُذَامٌ وَمِنْ الْأَدَبِ : وَضْعُ إمَامٍ نَعْلَهُ عَنْ يَسَارِهِ ، وَمَأْمُومٍ بَيْنَ يَدَيْهِ ، لِئَلَّا يُؤْذِيَ غَيْرَهُ .
فَصْلٌ يُعْذَرُ بِتَرْكِ جُمُعَةٍ وَجَمَاعَةٍ مَرِيضٌ .

لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { لَمَّا مَرِضَ تَخَلَّفَ عَنْ الْمَسْجِدِ .
وَقَالَ مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ } " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
( وَ ) كَذَا ( خَائِفٌ حُدُوثَ مَرَضٍ ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَرِيضِ ( لَيْسَا ) أَيْ : الْمَرِيضُ وَالْخَائِفُ حُدُوثَ مَرَضٍ ( بِالْمَسْجِدِ ) فَإِنْ كَانَا بِهِ لَزِمَتْهُمَا الْجُمُعَةُ وَالْجَمَاعَةُ لِعَدَمِ الْمَشَقَّةِ ، وَكَذَا مَنْ مُنِعَهُمَا لِنَحْوِ حَبْسٍ ( وَتَلْزَمُ الْجُمُعَةُ مَنْ لَمْ يَتَضَرَّرْ بِإِتْيَانِهَا رَاكِبًا ، أَوْ مَحْمُولًا وَتَبَرَّعَ ) لَهُ ( أَحَدٌ بِهِ ) أَيْ : بِأَنْ يُرْكِبَهُ ، أَوْ يَحْمِلَهُ ( أَوْ ) تَبَرَّعَ أَحَدٌ ( بِقَوْدِ أَعْمَى ) لِلْجُمُعَةِ .
فَتَلْزَمُهُ ، دُونَ الْجَمَاعَةِ ، لِتَكَرُّرِهَا ، فَتَعْظُمُ الْمِنَّةُ وَالْمَشَقَّةُ ( وَ ) يُعْذَرُ بِتَرْكِ جَمَاعَةٍ وَجُمُعَةٍ ( مَنْ يُدَافِعُ أَحَدَ الْأَخْبَثَيْنِ ) الْبَوْلَ وَالْغَائِطَ ، لِأَنَّهُ يَمْنَعُهُ مِنْ إِكْمَال الصَّلَاةِ وَخُشُوعِهَا ( أَوْ ) مَنْ ( بِحَضْرَةِ طَعَامٍ ، وَهُوَ ) أَيْ : مَنْ حَضَرَهُ الطَّعَامُ ( مُحْتَاجٌ إلَيْهِ ) أَيْ : الطَّعَامِ ( وَلَهُ الشِّبَعُ ) نَصًّا .
لِخَبَرِ أَنَسٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ { وَلَا تَعْجَلَنَّ حَتَّى تَفْرُغَ مِنْهُ } " وَأَمَّا حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ أُمَيَّةَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { دُعِيَ إلَى الصَّلَاةِ وَهُوَ يَحْتَزُّ مِنْ كَتِفِ شَاةٍ ، فَأَكَلَ مِنْهَا ، وَقَامَ يُصَلِّي } " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَا حَاجَةَ لَهُ إلَيْهِ ( أَوْ ) كَانَ ( لَهُ ضَائِعٌ يَرْجُوهُ ) أَنْ دَلَّ عَلَيْهِ بِمَكَانٍ وَخَافَ إنْ لَمْ يَمْضِ إلَيْهِ سَرِيعًا انْتَقَلَ إلَى غَيْرِهِ ، أَوْ قَدِمَ بَضَائِعُ لَهُ مِنْ سَفَرٍ ، وَخَافَ إنْ لَمْ يَتَلَقَّهُ أَخْفَاهُ .
قَالَ الْمَجْدُ : وَالْأَفْضَلُ : تَرْكُ مَا يَرْجُو وُجُودَهُ ، وَيُصَلِّي الْجُمُعَةَ وَالْجَمَاعَةَ ( أَوْ يَخَافُ ضَيَاعَ مَالِهِ ) كَغَلَّةٍ بِبَيَادِرِهَا ( أَوْ ) يَخَافُ ( فَوَاتَهُ ) كَشُرُودِ دَابَّتِهِ ، أَوْ إبَاقِ عَبْدِهِ ، أَوْ سَفَرِ نَحْوِ غَرِيمٍ لَهُ ( أَوْ ) يَخَافُ ( ضَرَرًا فِيهِ ) أَيْ : مَالِهِ ، كَاحْتِرَاقِ خُبْزٍ ، أَوْ طَبِيخٍ ،

وَإِطْلَاقِ مَاءٍ عَلَى نَحْوِ زَرْعِهِ بِغَيْبَتِهِ ( أَوْ ) يَخَافُ ضَرَرًا ( فِي مَعِيشَةٍ يَحْتَاجُهَا ) بِأَنْ عَاقَهُ حُضُورُ جُمُعَةٍ ، أَوْ جَمَاعَةٍ عَنْ فِعْلِ مَا هُوَ مُحْتَاجٌ لِأُجْرَتِهِ ، أَوْ ثَمَنِهِ ( أَوْ ) يَخَافُ ضَرَرًا فِي ( مَالٍ اُسْتُؤْجِرَ لِحِفْظِهِ ، وَلَوْ ) كَانَ مَا اُسْتُؤْجِرَ لَهُ ( نِظَارَةُ ) بِكَسْرِ النُّونِ أَيْ : حِفْظُهُ ( بُسْتَانٍ ) وَالنَّاظِرُ .
وَالنَّاظُورُ : حَافِظُ الْكَرْمِ وَالنَّخْلِ ( ، أَوْ ) يَخَافُ بِحُضُورِهِ جُمُعَةً ، أَوْ جَمَاعَةً : فَوْتَ ( قَرِيبِهِ ) نَصًّا ( أَوْ ) مَوْتَ ( رَفِيقِهِ ) فِي غَيْبَتِهِ عَنْهُ ( أَوْ كَانَ يَتَوَلَّى تَمْرِيضَهُمَا ، وَلَيْسَ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ ) فِي الْمَوْتِ ، أَوْ التَّمْرِيضِ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ اسْتَصْرَخَ عَلَى سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ وَهُوَ يَتَجَمَّرُ لِلْجُمُعَةِ ، فَأَتَاهُ بِالْعَقِيقِ .
وَتَرَكَ الْجُمُعَةَ .
وَكَذَا إنْ خَافَ عَلَى وَلَدِهِ وَأَهْلِهِ ( أَوْ ) يَخَافُ ( عَلَى نَفْسِهِ مِنْ ضَرَرِ ) نَحْوِ ( لِصٍّ ، أَوْ ) يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ ( سُلْطَانٍ ) يَأْخُذُهُ ( أَوْ ) مِنْ ( مُلَازَمَةِ غَرِيمٍ ) لَهُ ( وَلَا شَيْءَ مَعَهُ ) لِأَنَّ حَبْسَ الْمُعْسِرِ ظُلْمٌ .
وَكَذَا إنْ كَانَ الدَّيْنُ مُؤَجَّلًا وَخَشِيَ أَنْ يُطَالَبَ بِهِ قَبْلَ أَجَلِهِ ، فَإِنْ كَانَ حَالًّا ، وَقَدَرَ عَلَى وَفَائِهِ لَمْ يُعْذَرْ لِأَنَّهُ ظَالِمٌ ( أَوْ ) يَخَافُ ( فَوْتَ رُفْقَةٍ بِسَفَرٍ مُبَاحٍ ) أَيْ : غَيْرِ مَكْرُوهٍ وَلَا حَرَامٍ ( أَنْشَأَهُ ) أَيْ : السَّفَرَ ( ، أَوْ اسْتَدَامَهُ ) لِمَا فِي ذَلِكَ كُلِّهِ مِنْ الضَّرَرِ عَلَيْهِ ( أَوْ غَلَبَهُ نُعَاسٌ يَخَافُ بِهِ ) أَيْ : النُّعَاسِ ( فَوْتَهَا ) أَيْ : الصَّلَاةِ ( فِي الْوَقْتِ ) إذَا انْتَظَرَ الْجَمَاعَةَ ( أَوْ ) يَخَافُ بِهِ فَوْتَهَا ( مَعَ إمَامٍ ) فَيُعْذَرُ فِيهِمَا .
وَقَطَعَ فِي الْمَذْهَبِ وَالْوَجِيزِ : أَنَّهُ يُعْذَرُ فِيهِمَا بِخَوْفِهِ بُطْلَانَ وُضُوئِهِ بِانْتِظَارِهِمَا ( أَوْ ) يَخَافُ ( أَذًى بِمَطَرٍ وَوَحَلٍ ) بِفَتْحِ الْحَاءِ ، وَتَسْكِينُهَا لُغَةٌ رَدِيئَةٌ ( وَثَلْجٍ وَجَلِيدٍ وَرِيحٍ بَارِدَةٍ بِلَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ { كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى

اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَادِي مُنَادِيَهُ فِي اللَّيْلَةِ الْبَارِدَةِ ، أَوْ الْمَطِيرَةِ : صَلُّوا فِي رِحَالِكُمْ } " رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ .
وَرُوِيَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي يَوْمِ مَطَرٍ وَفِي رِوَايَةِ لِمُسْلِمٍ { وَكَانَ يَوْمُ جُمُعَةٍ } " ( أَوْ ) يَخَافُ أَذًى ( بِتَطْوِيلِ إمَامٍ ) لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ رَجُلًا صَلَّى مَعَ مُعَاذٍ ثُمَّ انْفَرَدَ فَصَلَّى وَحْدَهُ عِنْدَ تَطْوِيلِ مُعَاذٍ ، فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَخْبَرَهُ " ( أَوْ كَانَ عَلَيْهِ قَوَدٌ يَرْجُو الْعَفْوَ عَنْهُ ) وَلَوْ عَلَى مَالٍ وَكَذَا عُرْيَانٌ لَمْ يَجِدْ سُتْرَةً ، أَوْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَ مَا يَسْتُرُ عَوْرَتَهُ فِي غَيْرِ جَمَاعَةٍ عُرَاةٍ .

وَ ( لَا ) يُعْذَرُ بِتَرْكِ جُمُعَةٍ وَجَمَاعَةٍ ( مَنْ عَلَيْهِ حَدُّ ) اللَّهِ ، كَحَدِّ زِنًا وَشُرْبِ خَمْرٍ ، أَوْ لِآدَمِيٍّ كَقَذْفٍ قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ وَجْهٌ : إنْ رَجَا الْعَفْوَ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْإِقْنَاعِ ( أَوْ ) كَانَ ( بِطَرِيقِهِ ) أَيْ : الْمَسْجِدِ مُنْكَرٌ ( أَوْ بِالْمَسْجِدِ مُنْكَرٌ ، كَدُعَاةِ الْبُغَاةِ ) فَلَا يُعْذَرُ بِتَرْكِ جُمُعَةٍ وَلَا جَمَاعَةٍ نَصًّا لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الَّذِي هُوَ الصَّلَاةُ فِي جَمَاعَةٍ لِنَفْسِهِ ، لَا قَضَاءُ حَقٍّ لِغَيْرِهِ .
( وَيُنْكِرُهُ ) أَيْ : الْمُنْكَرَ ( بِحَسَبِهِ ) أَيْ : قَدْرِ مَا يُطِيقُهُ لِلْخَبَرِ وَعُلِمَ مِمَّا تَقَدَّمَ : أَنَّهُ لَا يُعْذَرُ بِتَرْكِ جُمُعَةٍ أَوْ جَمَاعَةٍ مَنْ جَهِلَ الطَّرِيقَ لِلْمَسْجِدِ ، إذَا وَجَدَ مَنْ يَهْدِيهِ وَلَا أَعْمًى وَجَدَ مَنْ يَقُودُهُ بِمِلْكٍ ، أَوْ إجَارَةٍ .
وَفِي الْخِلَافِ وَغَيْرِهِ وَيَلْزَمُهُ إنْ وَجَدَ مَا يَقُومُ مَقَامَ الْقَائِدِ كَمَدِّ الْحَبْلِ إلَى مَوْضِعِ الصَّلَاةِ ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ .
.

بَابُ صَلَاةِ أَهْلِ الْأَعْذَارِ جَمْعُ عُذْرٍ وَهُمْ : الْمَرِيضُ وَالْمُسَافِرُ وَالْخَائِفُ وَمَنْ يُلْحَقُ بِهِمْ .

( تَلْزَمُ ) صَلَاةٌ ( مَكْتُوبَةٌ الْمَرِيضَ قَائِمًا ) إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ ( وَلَوْ ) كَانَ ( كَرَاكِعٍ ، أَوْ ) كَانَ ( مُعْتَمِدًا ) فِي قِيَامِهِ إلَى شَيْءٍ ( أَوْ ) كَانَ ( مُسْتَنِدًا إلَى شَيْءٍ ، وَلَوْ بِأُجْرَةٍ يَقْدِرُ عَلَيْهَا ) لِعُمُومِ { صَلِّ قَائِمًا } " وَلِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ .
فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْأُجْرَةِ صَلَّى قَاعِدًا ( فَإِنْ عَجَزَ ) عَنْ الْقِيَامِ كَذَلِكَ ( أَوْ شَقَّ ) عَلَيْهِ الْقِيَامُ ( لِضَرَرٍ ) يَلْحَقُهُ بِهِ ( أَوْ زِيَادَةِ مَرَضٍ ، أَوْ بُطْءِ بُرْءٍ وَنَحْوِهِ ) كَوَهَنٍ بِقِيَامٍ ( فَ ) إنَّهُ تَلْزَمُهُ الْمَكْتُوبَةُ ( قَاعِدًا ) وَعَلَى قِيَاسِ مَا سَبَقَ : وَلَوْ مُعْتَمِدًا ، أَوْ مُسْتَنِدًا بِأُجْرَةٍ يَقْدِرُ عَلَيْهَا ( مُتَرَبِّعًا نَدْبًا ) وِفَاقًا ، كَمُتَنَفِّلٍ ، وَكَيْفَ قَعَدَ جَازَ ( وَيُثْنِي رِجْلَيْهِ فِي رُكُوعٍ وَسُجُودٍ كَمُنْتَفَلٍ ) وَأَسْقَطَ الْقَاضِي الْقِيَامَ بِضَرَرٍ مُتَوَهَّمٍ ، وَقَالَ : إنَّهُ لَوْ تَحَمَّلَ الصِّيَامَ وَالْقِيَامَ ، حَتَّى زَادَ مَرَضُهُ أَثِمَ ، ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ ( فَإِنْ عَجَزَ ) عَنْ الْقُعُودِ ( أَوْ شَقَّ ) عَلَيْهِ الْقُعُودُ ( وَلَوْ بِتَعَدِّيهِ بِضَرْبِ سَاقِهِ ) كَتَعَدِّيهَا بِضَرْبِ بَطْنِهَا فَنُفِسَتْ ( فَعَلَى جَنْبِهِ ) يُصَلِّي { لِقَوْلِهِ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ صَلِّ قَائِمًا ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ } " رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا مُسْلِمًا زَادَ النَّسَائِيُّ { فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَمُسْتَلْقِيًا } " ( وَ ) الْجَنْبُ ( الْأَيْمَنُ أَفْضُلُ ) لِحَدِيثِ عَلِيٍّ .

( وَتُكْرَهُ ) صَلَاةُ مَرِيضٍ عَجَزَ عَنْ قِيَامٍ وَقُعُودٍ ( عَلَى ظَهْرِهِ وَرِجْلَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ مَعَ قُدْرَتِهِ ) أَنْ يُصَلِّيَ ( عَلَى جَنْبِهِ ) وَتَصِحُّ ( وَإِلَّا ) أَيْ : وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ مَرِيضٌ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى جَنْبِهِ ( تَعَيَّنَ ) أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى ظَهْرِهِ وَرِجْلَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ لِحَدِيثِ عَلِيٍّ مَرْفُوعًا { يُصَلِّي الْمَرِيضُ قَائِمًا إنْ اسْتَطَاعَ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا .
فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَسْجُدَ ، أَوْمَأَ إيمَاءً .
وَجَعَلَ سُجُودَهُ أَخْفَضَ مِنْ رُكُوعِهِ .
فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُصَلِّيَ قَاعِدًا صَلَّى عَلَى جَنْبِهِ الْأَيْمَنِ ، مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ صَلَّى مُسْتَلْقِيًا وَرِجْلَاهُ مِمَّا يَلِي الْقِبْلَةَ } " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ ( وَيُومِئ بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ ) عَاجِزٌ عَنْهُمَا مَا أَمْكَنَهُ ، نَصًّا ، لِمَا تَقَدَّمَ ( وَيَجْعَلُهُ ) أَيْ : السُّجُودَ ( أَخْفَضَ ) لِلْخَبَرِ وَلِلتَّمْيِيزِ .

( وَإِذَا سَجَدَ ) مَرِيضٌ غَايَةَ ( مَا أَمْكَنَهُ عَلَى شَيْءٍ رُفِعَ ) لَهُ وَانْفَصَلَ لَهُ وَانْفَصَلَ عَنْ الْأَرْضِ ( كُرِهَ ) لَهُ ذَلِكَ لِلِاخْتِلَافِ فِي إجْزَائِهِ ( وَأَجْزَأَهُ ) نَصًّا لِأَنَّهُ أَتَى بِمَا أَمْكَنَهُ مِنْهُ أَشْبَهَ مَا لَوْ ، أَوْمَأَ .

( وَلَا بَأْسَ بِهِ ) أَيْ : السُّجُودِ ( عَلَى وِسَادَةٍ وَنَحْوِهَا ) بِلَا رَفْعٍ وَاحْتُجَّ بِفِعْلِ أُمِّ سَلَمَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمَا ، وَقَالَ : نَهَى عَنْهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ .

( فَإِنْ عَجَزَ ) عَنْ إيمَاءٍ بِرَأْسِهِ ( أَوْمَأَ بِطَرْفِهِ ) أَيْ : عَيْنِهِ ( نَاوِيًا مُسْتَحْضِرًا ) تَفْسِيرٌ لَهُ ( الْفِعْلَ ) عِنْدَ إيمَائِهِ .
( وَ ) نَاوِيًا ( الْقَوْلَ ) إذَا أَوْمَأَ لَهُ ( إنْ عَجَزَ عَنْهُ ) أَيْ : الْقَوْلِ ( بِقَلْبِهِ ) مُتَعَلِّقَيْنِ بِ مُسْتَحْضِرًا أَيْ : يَسْتَحْضِرُ الْفِعْلَ عِنْدَ إيمَائِهِ بِهِ وَيَسْتَحْضِرُ الْقَوْلَ إنْ عَجَزَ عَنْهُ بِلِسَانِهِ ( كَأَسِيرٍ خَائِفٍ ) أَنْ يَعْلَمُوا بِصَلَاتِهِ ، قَالَ أَحْمَدُ : لَا بُدَّ مِنْ شَيْءٍ مَعَ عَقْلِهِ وَفِي التَّبْصِرَةِ : صَلَّى بِقَلْبِهِ ، أَوْ طَرْفِهِ وَفِي الْخِلَافِ : أَوْمَأَ بِعَيْنِهِ وَحَاجِبِهِ ، أَوْ قَلْبِهِ ا هـ لِحَدِيثِ { إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ } " ( وَلَا تَسْقُطُ ) الصَّلَاةُ عَنْ مَرِيضٍ مَا دَامَ ثَابِتَ الْعَقْلِ لِقُدْرَتِهِ عَلَى الْإِيمَاءِ بِطَرْفِهِ مَعَ النِّيَّةِ بِقَلْبِهِ .

وَلَا يَنْقُصُ أَجْرُ مَرِيضٍ عَجَزَ عَنْ قِيَامٍ ، أَوْ قُعُودٍ إذَا صَلَّى عَلَى مَا يُطِيقُهُ لِخَبَرِ أَبِي مُوسَى مَرْفُوعًا { إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ ، أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ صَحِيحًا مُقِيمًا } " .

( فَإِنْ قَدَرَ ) مُصَلٍّ قَاعِدًا ( عَلَى قِيَامٍ ) فِي أَثَنَاءِ الصَّلَاةِ انْتَقَلَ إلَيْهِ ( أَوْ ) قَدَرَ مُصَلٍّ مُضْطَجِعًا عَجْزًا عَنْ قُعُودٍ عَلَى ( قُعُودٍ فِي أَثْنَائِهَا ) أَيْ : الصَّلَاةِ ( انْتَقَلَ إلَيْهِ ) لِتَعَيُّنِهِ عَلَيْهِ .
وَالْحُكْمُ يَدُورُ مَعَ عِلَّتِهِ ، وَأَتَمَّهَا ( فَيَقُومُ ) الْعَاجِزُ أَوَّلًا عَنْ الْقِيَامِ ( أَوْ يَقْعُدُ ) مَنْ كَانَ عَجَزَ عَنْ الْقُعُودِ لِزَوَالِ الْمُبِيحِ لِتَرْكِهِ ( وَيَرْكَعُ بِلَا قِرَاءَةٍ مَنْ ) كَانَ ( قَرَأَ ) حَالَ عَجْزِهِ لِحُصُولِهَا فِي مَحَلِّهَا ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَقْرَأْ حَالَ عَجْزِهِ ( قَرَأَ ) بَعْدَ قِيَامِهِ ، أَوْ قُعُودِهِ ، لِيَأْتِيَ بِفَرْضِهَا ، وَإِنْ كَانَ قَرَأَ الْبَعْضَ أَتَى بِالْبَاقِي ( وَإِنْ أَبْطَأَ مُتَثَاقِلًا ) حَالٌ مِنْ فَاعِلِ أَبْطَأَ .

( مَنْ أَطَاقَ الْقِيَامَ ) فِي أَثَنَاءِ صَلَاتِهِ بَعْدَ عَجْزِهِ عَنْهُ ( فَعَادَ الْعَجْزُ ) فِي الصَّلَاةِ ( فَإِنْ كَانَ ) إبْطَاؤُهُ ( بِمَحِلِّ قُعُودٍ ) مِنْ صَلَاتِهِ ( كَتَشَهُّدٍ صَحَّتْ ) صَلَاتُهُ لِأَنَّ جُلُوسَهُ بِمَحَلِّهِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ بِمَحَلِّ قُعُودٍ ( بَطَلَتْ صَلَاتُهُ ) لِزِيَادَتِهِ فِعْلًا فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ ( وَ ) بَطَلَتْ ( صَلَاةُ مَنْ خَلْفَهُ ، وَلَوْ جَهِلُوا ) لِارْتِبَاطِ صَلَاتِهِمْ بِصَلَاتِهِ .
وَكَمَا لَوْ سَبَقَهُ الْحَدَثُ ( وَيَبْنِي مَنْ ) ابْتَدَأَهَا قَائِمًا ، أَوْ قَاعِدًا ثُمَّ ( عَجَزَ فِيهَا ) أَيْ : الصَّلَاةِ : الصَّلَاةُ ( عَلَى مَا فَعَلَهُ ) لِوُقُوعِهِ صَحِيحًا ، كَالْآتِي مَنْ يَخَافُ ( وَتُجْزِئُ الْفَاتِحَةُ ) مَنْ كَانَ يُصَلِّي قَائِمًا ثُمَّ عَجَزَ عَنْهُ ( إنْ أَتَمَّهَا فِي ) حَالِ ( انْحِطَاطِهِ ) لِأَنَّهُ أَعْلَى مِنْ الْقُعُودِ الَّذِي صَارَ فَرْضَهُ وَ ( لَا ) تُجْزِئُ الْفَاتِحَةُ ( مَنْ ) صَلَّى قَاعِدًا عَجْزًا ثُمَّ ( صَحَّ ) فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ ( فَأَتَمَّهَا ) أَيْ : الْفَاتِحَةَ ( فِي ) حَالِ ( ارْتِفَاعِهِ ) أَيْ : نُهُوضِهِ ، كَقِرَاءَةِ الصَّحِيحِ حَالَ نُهُوضِهِ .

( وَمَنْ قَدَرَ عَلَى قِيَامٍ وَقُعُودٍ دُونَ رُكُوعٍ وَسُجُودٍ ، أَوْمَأَ بِرُكُوعٍ قَائِمًا ) لِأَنَّ الرَّاكِعَ كَالْقَائِمِ فِي نَصْبِ رِجْلَيْهِ .
( وَ ) أَوْمَأَ ( بِسُجُودٍ قَاعِدًا ) لِأَنَّ السَّاجِدَ كَالْجَالِسِ فِي جَمْعِ رِجْلَيْهِ ، وَلِيَحْصُل الْفَرْقُ بَيْنَ الْإِيمَاءَيْنِ .

وَمَنْ قَدَرَ أَنْ يَحْنِيَ رَقَبَتَهُ دُونَ ظَهْرِهِ حَنَاهَا وَإِذَا سَجَدَ قَرَّبَ وَجْهَهُ مِنْ الْأَرْضِ مَا أَمْكَنَهُ وَلَوْ قَدَرَ عَلَى سُجُودٍ عَلَى صُدْغَيْهِ لَمْ يَلْزَمْهُ .

( وَمَنْ قَدَرَ أَنْ يَقُومَ ) فِي الصَّلَاةِ ( مُنْفَرِدًا وَ ) قَدَرَ أَنْ ( يَجْلِسَ فِي جَمَاعَةٍ ، خُيِّرَ ) بَيْنَ الصَّلَاةِ مُنْفَرِدًا وَبَيْنَ الصَّلَاةِ جَالِسًا فِي جَمَاعَةٍ قَالَ فِي الشَّرْحِ : لِأَنَّهُ يَفْعَل فِي كُلٍّ مِنْهُمَا وَاجِبًا وَقِيلَ : يَلْزَمُهُ أَنْ يُصَلِّيَ قَائِمًا مُنْفَرِدًا لِأَنَّ الْقِيَامَ رُكْنٌ ، بِخِلَافِ الْجَمَاعَةِ وَصَوَّبَهُ فِي الْإِنْصَافِ .

( وَلِمَرِيضٍ ) وَلَوْ أَرْمَدَ ( يُطِيقُ قِيَامًا ) الصَّلَاةُ ( مُسْتَلْقِيًا لِمُدَاوَاةٍ بِقَوْلِ طَبِيبٍ ) سُمِّيَ بِهِ لِحِذْقِهِ وَفِطْنَتِهِ ( مُسْلِمٍ ثِقَةٍ ) لِأَنَّهُ أَمْرٌ دِينِيٌّ ، فَلَا يُقْبَلُ فِيهِ كَافِرٌ وَلَا فَاسِقٌ كَغَيْرِهِ مِنْ أُمُورِ الدِّينِ .
وَذَلِكَ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صَلَّى جَالِسًا حِينَ جُحِشَ شِقُّهُ " وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِعَجْزِهِ عَنْ الْقِيَامِ ، بَلْ فَعَلَهُ إمَّا لِلْمَشَقَّةِ ، أَوْ لِوُجُودِ الضَّرَرِ وَكِلَاهُمَا حُجَّةٌ وَأُمُّ سَلَمَةَ تَرَكَتْ السُّجُودَ لِرَمِدٍ بِهَا .

( وَ ) لِلْمَرِيضِ أَنْ ( يُفْطِرَ بِقَوْلِهِ ) أَيْ : الطَّبِيبِ الْمُسْلِمِ الثِّقَةِ ( إنَّ الصَّوْمَ مِمَّا يُمَكِّنُ الْعِلَّةَ ) أَيْ : الْمَرَضَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا ، أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } .

وَلَا تَصِحُّ مَكْتُوبَةٌ فِي سَفِينَةٍ قَاعِدًا لِقَادِرٍ عَلَى قِيَامٍ لِقُدْرَتِهِ عَلَى رُكْنِ الصَّلَاةِ ، كَمَنْ بِغَيْرِ سَفِينَةٍ فَإِنْ عَجَزَ عَنْ قِيَامٍ بِهَا وَخُرُوجٍ مِنْهَا صَلَّى جَالِسًا وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ ؛ وَدَارَ كُلَّمَا انْحَرَفَتْ فِي الْفَرْضِ لَا النَّفْلِ وَتُقَامُ الْجَمَاعَةُ فِيهَا مَعَ عَجْزٍ عَنْ قِيَامٍ ، كَمَعَ قُدْرَةٍ عَلَيْهِ .

( وَتَصِحُّ ) مَكْتُوبَةٌ ( عَلَى رَاحِلَةٍ ) وَاقِفَةٍ ، أَوْ سَائِرَةٍ ( لِتَأَذٍّ بِوَحْلٍ وَمَطَرٍ وَغَيْرِهِ ) كَثَلْجٍ ، أَوْ بَرْدٍ لِحَدِيثِ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَى إلَى مَضِيقٍ هُوَ وَأَصْحَابُهُ ، وَهُوَ عَلَى رَاحِلَتِهِ ، وَالسَّمَاءُ مِنْ فَوْقِهِمْ ، وَالْبَلَّةُ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ ، فَحَضَرَتْ الصَّلَاةُ فَأَمَرَ الْمُؤَذِّنَ ، فَأَذَّنَ وَأَقَامَ ، ثُمَّ تَقَدَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِهِمْ ، يَعْنِي إيمَاءً ، يَجْعَلُ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ } " رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ .
وَقَالَ : الْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَفَعَلَهُ أَنَسٌ ذَكَرَهُ أَحْمَدُ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى نُزُولٍ بِلَا مَضَرَّةٍ لَزِمَهُ ، وَقَامَ وَرَكَعَ كَغَيْرِهِ حَالَةَ الْمَطَرِ ، وَأَوْمَأَ بِسُجُودٍ إنْ كَانَ يُلَوِّثُ الثِّيَابَ ، بِخِلَافِ الْيَسِيرِ .
( وَ ) تَصِحُّ مَكْتُوبَةٌ عَلَى رَاحِلَةٍ لِخَوْفِ ( انْقِطَاعٍ عَنْ رُفْقَةٍ ) بِنُزُولٍ ( أَوْ خَوْفٍ عَلَى نَفْسِهِ ) إنْ نَزَلَ ( مِنْ عَدُوٍّ وَنَحْوِهِ ) كَسَيْلٍ وَسَبُعٍ ( ، أَوْ عَجْزِهِ عَنْ رُكُوبِهِ إنْ نَزَلَ ) لِلصَّلَاةِ ، فَإِنْ قَدَرَ وَلَوْ بِأُجْرَةٍ يَقْدِرُ عَلَيْهَا نَزَلَ وَالْمَرْأَةُ إنْ خَافَتْ تَبْرُزُ وَهِيَ خَفِرَةٌ صَلَّتْ عَلَى الرَّاحِلَةِ وَكَذَا مَنْ خَافَ حُصُولَ ضَرَرٍ بِالْمَشْيِ ذَكَرَهُمَا فِي الِاخْتِيَارَاتِ ( وَعَلَيْهِ ) أَيْ : الْمُصَلِّي عَلَى الرَّاحِلَةِ الْمَكْتُوبَةُ لِعُذْرِ ( الِاسْتِقْبَالِ وَمَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ ) مِنْ رُكُوعٍ ، أَوْ سُجُودٍ ، أَوْ إيمَاءٍ بِهِمَا ، وَطُمَأْنِينَةٍ لِحَدِيثِ { إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ } " ( وَلَا تَصِحُّ ) مَكْتُوبَةٌ عَلَى رَاحِلَةٍ ( لِمَرَضٍ ) نَصًّا لِأَنَّهُ أَثَرٌ لِلصَّلَاةِ عَلَيْهَا فِي زَوَالِهِ ، لِسَكَنٍ إنْ عَجَزَ عَنْ رُكُوبٍ إنْ نَزَلَ ، أَوْ خَافَ انْقِطَاعًا وَنَحْوَهُ جَازَ لَهُ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا كَالصَّحِيحِ وَأَوْلَى .

( وَمَنْ أَتَى بِكُلِّ فَرْضٍ وَشَرْطٍ ) لِمَكْتُوبَةٍ ، أَوْ نَافِلَةٍ ( وَصَلَّى عَلَيْهَا ) أَيْ : الرَّاحِلَةِ ( ، أَوْ ) صَلَّى ( بِسَفِينَةٍ وَنَحْوِهَا ) كَالْمِحَفَّةِ ( سَائِرَةً ، أَوْ وَاقِفَةً ، وَلَوْ بِلَا عُذْرٍ ) مِنْ مَرَضٍ ، أَوْ نَحْوِ مَطَرٍ ، أَوْ مَعَ إمْكَانِ خُرُوجٍ مِنْ نَحْوِ سَفِينَةٍ ( صَحَّتْ ) صَلَاتُهُ لِاسْتِيفَائِهَا مَا يُعْتَبَرُ لَهَا .
( وَمَنْ بِمَاءٍ وَطِينٍ ) لَا يُمْكِنُهُ الْخُرُوجُ مِنْهُ ( يُومِئ ) بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ ( كَمَصْلُوبٍ وَمَرْبُوطٍ ) لِحَدِيثِ { إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ } " ( وَيَسْجُدُ غَرِيقٌ عَلَى مَتْنِ الْمَاءِ ) أَيْ : ظَهْرِهِ ، لِأَنَّهُ غَايَةُ مَا يُمْكِنُهُ وَلَا إعَادَةَ فِي الْكُلِّ ( وَيُعْتَبَرُ الْمَقَرُّ لِأَعْضَاءِ السُّجُودِ ) لِحَدِيثِ { أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ } " .

( فَلَوْ وَضَعَ جَبْهَتَهُ عَلَى قُطْنٍ مَنْفُوشٍ وَنَحْوَهُ ) مِمَّا لَا تَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ الْأَعْضَاءُ لَمْ تَصِحَّ .

( أَوْ صَلَّى مُعَلَّقًا ) ، أَوْ فِي أُرْجُوحَةٍ ( وَلَا ضَرُورَةَ ) تَمْنَعُهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِالْأَرْضِ ( لَمْ تَصِحَّ ) صَلَاتُهُ ، لِعَدَمِ تَمَكُّنِهِ عُرْفًا وَعَدَمِ مَا يَسْتَقِرُّ عَلَيْهِ .

( وَتَصِحُّ ) الصَّلَاةُ ( إنْ حَاذَى صَدْرُهُ ) أَيْ : الْمُصَلِّي ( رَوْزَنَةً ) وَهِيَ الْكُوَّةُ قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ ( وَنَحْوَهَا ) كَشُبَّاكٍ وَمَا لَا يُجْزِئُ سُجُودُهُ عَلَيْهِ .

( وَ ) تَصِحُّ أَيْضًا ( عَلَى حَائِلٍ صُوفٍ وَغَيْرِهِ ) كَشَعْرٍ وَوَبَرٍ ( مِنْ حَيَوَانٍ ) طَاهِرٍ ، وَلَا كَرَاهَةَ لِحَدِيثِ { أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى فَرْوَةٍ مَدْبُوغَةٍ } " .

( وَ ) تَصِحُّ الصَّلَاةُ أَيْضًا ( عَلَى مَا مَنَعَ صَلَابَةَ الْأَرْضِ ) كَفِرَاشٍ مَحْشُوٍّ بِنَحْوِ قُطْنٍ ( وَ ) عَلَى ( مَا تُنْبِتُهُ ) الْأَرْضُ لِاسْتِقْرَارِ السُّجُودِ عَلَيْهِ وَتَقَدَّمَ فِي حَدِيث أَنَسٍ { صَلَاتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَصِيرٍ } " .

فَصْلٌ فِي الْقَصْرِ وَهُوَ جَائِزٌ إجْمَاعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنْ الصَّلَاةِ } " الْآيَةَ وَقَوْلُ يَعْلَى لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ { مَا لَنَا نَقْصُرُ وَقَدْ أَمِنَّا ؟ فَقَالَ : سَأَلْت النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ } .
" رَوَاهُ مُسْلِمٌ ( مَنْ نَوَى ) أَيْ : ابْتَدَأَ نَاوِيًا ( سَفَرًا مُبَاحًا ) أَيْ : لَيْسَ حَرَامًا وَلَا مَكْرُوهًا ، وَاجِبًا كَانَ كَحَجٍّ وَجِهَادٍ مُتَعَيِّنَيْنِ ، أَوْ مَسْنُونًا كَزِيَارَةِ رَحِمٍ ، أَوْ مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ كَتِجَارَةٍ ( وَلَوْ ) كَانَ ( نُزْهَةً وَفُرْجَةً ) ، أَوْ قَصَدَ مَشْهَدًا ، أَوْ قَبْرَ نَبِيٍّ ، أَوْ مَسْجِدًا غَيْرَ الثَّلَاثَةِ ، أَوْ نَحْوَهُ أَوْ عَصَى فِي سَفَرِهِ .
وَعُلِمَ مِنْهُ : أَنَّهُ لَا يَقْصُرُ مَنْ خَرَجَ فِي طَلَبِ آبِقٍ أَوْ ضَالَّةٍ ، وَلَوْ جَاوَزَ الْمَسَافَةَ ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ وَإِنَّ مَنْ نَوَاهُ وَقَصَرَ ، ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ اسْتِكْمَالِهِ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ وَيَأْتِي لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ نِيَّةُ الْمَسَافَةِ لَا حَقِيقَتُهَا ( ، أَوْ هُوَ ) أَيْ : السَّفَرُ الْمُبَاحُ ( أَكْثَرُ قَصْدِهِ ) كَتَاجِرٍ قَصَدَ التِّجَارَةَ ، وَقَصَدَ مَعَهَا أَنْ يَشْرَبَ مِنْ خَمْرِ تِلْكَ الْبَلْدَةِ .
فَإِنْ تَسَاوَى الْقَصْدَانِ ، أَوْ غَلَبَ الْحَظْرُ ، أَوْ سَافَرَ لِيَقْصُرَ فَقَطْ لَمْ يَجُزْ لَهُ الْقَصْرُ ، وَيَأْتِي لَوْ سَافَرَ لِيُفْطِرَ ، حَرُمَا ( يَبْلُغُ ) أَيْ : السَّفَرُ ( سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا تَقْرِيبًا ) لَا تَحْدِيدًا ( بَرًّا ، أَوْ بَحْرًا ) لِلْعُمُومَاتِ ( وَهِيَ ) أَيْ : السِّتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا ( يَوْمَانِ قَاصِدَانِ ) أَيْ : مَسِيرَةَ يَوْمَيْنِ مُعْتَدِلَيْنِ بِسَيْرِ الْأَثْقَالِ وَدَبِيبِ الْأَقْدَامِ ( أَرْبَعَةَ بُرُدٍ ) جَمْعُ بَرِيدٍ .
لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا { يَا أَهْلَ مَكَّةَ لَا تَقْصُرُوا فِي أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ بُرُدٍ مِنْ مَكَّةَ إلَى عُسْفَانَ } " رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ .
قَالَ الْخَطَّابِيِّ : هُوَ أَصَحُّ

الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ ، خُصُوصًا إذَا خَالَفَ الْقِيَاسَ .

( وَالْبَرِيدُ : أَرْبَعَةُ فَرَاسِخَ وَالْفَرْسَخُ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ هَاشِمِيَّةٌ ) نِسْبَةً إلَى هَاشِمٍ جَدِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَبِأَمْيَالِ بَنِي أُمَيَّةَ مِيلَانِ وَنِصْفٌ وَالْمِيلُ الْهَاشِمِيُّ اثْنَا عَشَرَ أَلْفَ قَدَمٍ ، وَهِيَ سِتَّةُ آلَافِ ذِرَاعٍ ) بِذِرَاعِ الْيَدِ ( وَالذِّرَاعُ أَرْبَعٌ وَعِشْرُونَ أُصْبُعًا مُعْتَرِضَةً مُعْتَدِلَةً ، كُلُّ أُصْبُعٍ ) مِنْهَا عَرْضُهَا ( سِتُّ حِبَّاتِ شَعِيرٍ ، بُطُونُ بَعْضِهَا إلَى ) بُطُونِ ( بَعْضٍ ، عَرْضُ كُلِّ شَعِيرَةٍ سِتُّ شَعَرَاتٍ بِرْذَوْنٍ ) .
قَالَ الْمُطَرِّزِيُّ : التُّرْكِيُّ مِنْ الْخَيْلِ وَهُوَ مَا أَبَوَاهُ نَبَطِيَّانِ ، عَكْسُ الْعِرَابِ ، وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ : الذِّرَاعُ الَّذِي ذُكِرَ قَدْ حُرِّرَ بِذِرَاعِ الْحَدِيدِ الْمُسْتَعْمَلِ الْآنَ فِي مِصْرَ وَالْحِجَازِ فِي هَذِهِ الْأَعْصَارِ يَنْقُصُ عَنْ ذِرَاعِ الْحَدِيدِ بِقَدْرِ الثُّمُنِ فَعَلَى هَذَا : فَالْمِيلُ بِذِرَاعِ الْحَدِيدِ ، عَلَى الْقَوْلِ الْمَشْهُورِ : خَمْسَةُ آلَافِ ذِرَاعٍ وَمِائَتَانِ وَخَمْسُونَ ذِرَاعًا قَالَ : وَهَذِهِ فَائِدَةٌ نَفِيسَةٌ قَلَّ مَنْ يَنْتَبِهُ لَهَا .

( أَوْ تَابَ فِيهِ ) أَيْ : فِي سَفَرٍ غَيْرِ مُبَاحٍ ( وَقَدْ بَقِيَتْ ) الْمَسَافَةُ فَإِنْ لَمْ تَبْقَ لَمْ يَقْصُرْ .

( أَوْ أُكْرِهَ ) عَلَى سَفَرٍ ( كَأَسِيرٍ ، أَوْ غُرِّبَ ) كَزَانٍ بِكْرٍ ( أَوْ شُرِّدَ ) كَقَاطِعِ طَرِيقٍ لَمْ يَقْتُلْ وَلَمْ يَأْخُذْ مَالًا و ( لَا ) يَقْصُرُ ( هَائِمٌ ) أَيْ : خَارِجٌ عَلَى وَجْهِهِ لَا يَدْرِي أَيْنَ يَذْهَبُ ؟ .
( وَ ) لَا ( سَائِحٌ ) لَا يَقْصِدُ مَكَانًا مُعَيَّنًا ( وَ ) لَا ( تَائِهَ ) أَيْ : ضَالُّ الطَّرِيقِ لِأَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِلْقَصْرِ قَصْدُ جِهَةٍ مُعَيَّنَةٍ .
وَلَيْسَ بِمَوْجُودِ مِنْهُمْ ( فَلَهُ قَصْرُ رُبَاعِيَّةٍ ) جَوَابٌ لِمَنْ ، أَوَّلَ الْفَصْلِ فَيَقْصُرُ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْعِشَاءَ إلَى رَكْعَتَيْنِ وَلَا تُقْصَرُ صُبْحٌ لِأَنَّهَا لَوْ سَقَطَ مِنْهَا رَكْعَةٌ بَقِيَتْ رَكْعَةٌ ، وَلَا نَظِيرَ لَهَا فِي الْفَرْضِ وَلَا مَغْرِبَ ، لِأَنَّهَا وِتْرُ النَّهَارِ فَإِنْ سَقَطَ مِنْهَا رَكْعَةٌ بَطَلَ كَوْنُهَا وِتْرًا وَإِنْ سَقَطَ رَكْعَتَانِ بَقِيَ رَكْعَةٌ ، وَلَا نَظِيرَ لَهَا فِي الْفَرْضِ ( و ) لَهُ ( فِطْرٌ ) بِرَمَضَانَ لِلْآيَةِ ، وَحَدِيثِ { لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ } ( وَلَوْ قَطَعَهَا ) أَيْ : الْمَسَافَةَ ( فِي سَاعَةٍ ) لِأَنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مُسَافِرٌ أَرْبَعَةَ بُرُدٍ .

( إذَا فَارَقَ ) مَنْ نَوَى سَفَرًا مُبَاحًا ( بُيُوتَ قَرْيَتِهِ الْعَامِرَةِ ) مُسَافِرًا ، دَاخِلَ السُّورِ كَانَتْ أَوْ خَارِجَهُ وَلِيَهَا بُيُوتٌ خَارِبَةٌ ، أَوْ بَرِّيَّةٌ ، فَإِنْ وَلِيَهَا بُيُوتٌ خَارِبَةٌ ثُمَّ بُيُوتٌ عَامِرَةٌ فَلَا بُدَّ مِنْ مُفَارَقَةِ الْعَامِرَةِ الَّتِي تَلِي الْخَارِبَةَ وَإِنْ لَمْ يَلِ الْخَرَابَ بُيُوتٌ عَامِرَةٌ لَكِنْ جُعِلَ الْخَرَابُ مَزَارِعَ وَبَسَاتِينَ لِيَسْكُنَهُ أَهْلُهُ فِي فَصْلٍ مِنْ الْفُصُولِ لِلنُّزْهَةِ .
فَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي : لَا يَقْصُرُ حَتَّى يُفَارِقَهَا ( أَوْ ) إذَا فَارَقَ ( خِيَامَ قَوْمِهِ ) إنْ اسْتَوْطَنُوا الْخِيَامَ ( ، أَوْ ) إذَا فَارَقَ مُسْتَوْطِنٌ قُصُورَ بَسَاتِينَ ( مَا ) أَيْ : مَحَلًّا ( نُسِبَتْ إلَيْهِ ) أَيْ : ذَلِكَ الْمَحَلِّ ( عُرْفًا سُكَّانُ قُصُورٍ وَبَسَاتِينَ وَنَحْوِهِمْ ) كَأَهْلِ عِزَبٍ ، مِنْ نَحْوِ قَصَبٍ ، : لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { إذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ } وَقَبْلَ مُفَارَقَةِ مَا ذُكِرَ لَا يَكُونُ ضَارِبًا وَلَا مُسَافِرًا ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا كَانَ يَقْصُرُ إذَا ارْتَحَلَ " .
( إنْ لَمْ يَنْوِ عَوْدًا ) قَبْلَ اسْتِكْمَالِ الْمَسَافَةِ ( أَوْ ) لَمْ ( يَعُدْ قَرِيبًا ) قَبْلَ بُلُوغِ الْمَسَافَةِ ( فَإِنْ نَوَاهُ ) أَيْ : الْعَوْدَ قَرِيبًا عِنْدَ خُرُوجِهِ ( أَوْ ) لَمْ يَنْوِهِ عِنْدَ خُرُوجِهِ بَلْ ( تَجَدَّدَتْ نِيَّتُهُ ) أَيْ : الْعَوْدِ بَعْدَ أَنْ خَرَجَ ( لِحَاجَةٍ ) لَهُ ( بَدَتْ ) ، أَوْ لِغَيْرِهِ ( فَلَا قَصْرَ ) إنْ لَمْ يَكُنِ رُجُوعُهُ سَفَرًا طَوِيلًا ( حَتَّى يَرْجِعَ وَيُفَارِقَ ) وَطَنَهُ كَمَا تَقَدَّمَ ( بِشَرْطِهِ ) السَّابِقِ ( أَوْ تَنْثَنِيَ نِيَّتُهُ ) عَنْ الْعَوْدِ ( وَيَسِيرَ ) فِي سَفَرِهِ ، فَلَهُ الْقَصْرُ لِلسَّفَرِ ، وَنِيَّتُهُ لَا تَكْفِي بِدُونِ وُجُودِهِ ، بِخِلَافِ الْإِمَامَةِ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ .

( وَلَا يُعِيدُ مَنْ قَصَرَ ) بِشَرْطِهِ ( ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ اسْتِكْمَالِ الْمَسَافَةِ ) ، لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُعْتَبَرَ نِيَّةُ الْمَسَافَةِ لَا حَقِيقَتُهَا .
( وَ ) يَجُوزُ أَنْ ( يَقْصُرَ مَنْ أَسْلَمَ ) بِسَفَرٍ مُبِيحٍ ( ، أَوْ بَلَغَ ) ، أَوْ عَقَلَ بِسَفَرٍ مُبِيحٍ ( ، أَوْ طَهُرَتْ ) مِنْ حَيْضٍ ، أَوْ نِفَاسٍ بِسَفَرٍ مُبِيحٍ .
( وَلَوْ بَقِيَ ) بَعْدَ إسْلَامٍ ، أَوْ بُلُوغٍ ، أَوْ طُهْرٍ ، أَوْ عَقْلٍ ( دُونَ الْمَسَافَةِ ) لِأَنَّ عَدَمَ تَكْلِيفِهِ فِي أَوَّلِ السَّفَرِ الْمُبِيحِ لَا أَثَرَ لَهُ فِي تَرْكِ الْقَصْرِ فِي آخِرِهِ إذْ عَدَمُ التَّكْلِيفِ لَيْسَ مَانِعًا مِنْ الْقَصْرِ ، بِخِلَافِ مَنْ أَنْشَأَ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ ثُمَّ تَابَ وَقَدْ بَقِيَ دُونَهَا كَمَا تَقَدَّمَ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ الْقَصْرِ فِي ابْتِدَائِهِ .

( وَقِنٌّ ) مُسَافِرٌ مَعَ سَيِّدِهِ ( وَزَوْجَةٌ ) سَافَرَتْ مَعَ زَوْجِهَا ( وَجُنْدِيٌّ ) سَافَرَ مَعَ أَمِيرٍ يَكُونُونَ ( تَبَعًا لِسَيِّدٍ وَزَوْجٍ وَأَمِيرٍ فِي سَفَرٍ وَنِيَّتِهِ ) أَيْ : السَّفَرِ فَإِنْ نَوَى سَيِّدٌ وَزَوْجٌ وَأَمِيرٌ سَفَرًا مُبَاحًا يَبْلُغُ الْمَسَافَةَ جَازَ لِلْقِنِّ وَالزَّوْجَةِ وَالْجُنْدِيِّ الْقَصْرُ ، وَإِلَّا فَلَا لِتَبَعِيَّتِهِمْ لَهُمْ .
وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ رَجَحَتْ نِيَّةُ إقَامَةِ أَحَدِهِمْ ( وَلَا يُكْرَهُ إتْمَامُ ) رُبَاعِيَّةٍ لِمَنْ لَهُ قَصْرُهَا لِحَدِيثِ عَائِشَةَ { أَتَمَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَصَرَ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَصَحَّحَهُ وَبَيَّنَ سَلْمَانُ أَنَّ الْقَصْرَ رُخْصَةٌ بِمَحْضَرِ اثْنَيْ عَشَرَ صَحَابِيًّا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ ( وَالْقَصْرُ أَفْضَلُ ) مِنْ الْإِتْمَامِ نَصًّا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَاءَهُ دَاوَمُوا عَلَيْهِ وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ عُمَرَ " إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ أَنْ تُؤْتَى رُخَصُهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ تُؤْتَى مَعْصِيَتُهُ " .

( وَمَنْ مَرَّ بِوَطَنِهِ ) لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُ بِهِ حَاجَةٌ ، غَيْرَ أَنَّهُ طَرِيقُهُ إلَى بَلَدٍ يَطْلُبُهُ بِخِلَافِ مَنْ أَقَامَ فِي أَثْنَاءِ طَرِيقِهِ إقَامَةً تَمْنَعُ الْقَصْرَ بِمَوْضِعٍ ثُمَّ عَادَ إلَيْهِ وَلَمْ يَقْصِدْ إقَامَةً بِهِ تَمْنَعُهُ ( أَوْ ) مَرَّ ( بِبَلَدٍ لَهُ بِهِ امْرَأَةٌ ) أَيْ : زَوْجَةٌ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَطَنَهُ لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ حَتَّى يُفَارِقَهُ ( أَوْ ) مَرَّ بِبَلَدٍ ( تَزَوَّجَ فِيهِ ) لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ ، حَتَّى يُفَارِقَهُ لِأَنَّهُ صَارَ فِي صُورَةِ الْمُقِيمِ وَظَاهِرُهُ : وَلَوْ بَعْدَ فِرَاقِ الزَّوْجَةِ .

( أَوْ دَخَلَ وَقْتُ صَلَاةٍ عَلَيْهِ حَضَرًا ) ثُمَّ سَافَرَ لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ تِلْكَ الصَّلَاةَ لِأَنَّهَا صَلَاةُ حَضَرٍ وَجَبَتْ تَامَّةً ( أَوْ ، أَوْقَعَ بَعْضَهَا فِيهِ ) أَيْ : الْحَضَرِ ، بِأَنْ أَحْرَمَ بِالصَّلَاةِ مَقْصُورَةً بِنَحْوِ سَفِينَةٍ ، ثُمَّ وَصَلَتْ وَطَنَهُ ، أَوْ مَحَلًّا نَوَى الْإِقَامَةَ بِهِ ، لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّهَا ، تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْحَضَرِ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ كَالْمُبِيحِ ( أَوْ ذَكَرَ صَلَاةَ حَضَرٍ بِسَفَرٍ ، أَوْ عَكْسَهُ ) بِأَنْ ذَكَرَ صَلَاةَ سَفَرٍ بِحَضَرٍ لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ .

( أَوْ ائْتَمَّ ) مُسَافِرٌ ( بِمُقِيمٍ ) لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ نَصًّا لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ( تِلْكَ السُّنَّةَ ) وَسَوَاءٌ ائْتَمَّ بِهِ فِي كُلِّ الصَّلَاةِ ، أَوْ بَعْضِهَا ، عَلِمَهُ مُقِيمًا ، أَوْ لَا وَيَشْمَلُ كَلَامُهُ : لَوْ اقْتَدَى بِمُسَافِرٍ فَاسْتَخْلَفَ لِعُذْرٍ مُقِيمًا لَزِمَ الْمَأْمُومَ الْإِتْمَامُ دُونَ الْإِمَامِ ( أَوْ ) ائْتَمَّ مُسَافِرٌ ( بِمَنْ يَشُكُّ فِيهِ ) أَيْ : فِي كَوْنِهِ مُسَافِرًا لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ ، وَلَوْ بَانَ الْإِمَامُ مُسَافِرًا ، لِعَدَمِ الْجَزْمِ بِكَوْنِهِ مُسَافِرًا عِنْدَ الْإِحْرَامِ ( وَيَكْفِي عِلْمُهُ ) أَيْ : الْمَأْمُومِ ( بِسَفَرِهِ ) أَيْ : الْإِمَامِ ( بِعَلَامَةِ ) سَفَرٍ مِنْ نَحْوِ لِبَاسٍ ، وَلَوْ قَالَ : إنْ قَصَرَ قَصَرْتُ ، وَإِنْ أَتَمَّ أَتْمَمْتُ لَمْ يَضُرَّ فِي نِيَّتِهِ .

( أَوْ شَكَّ إمَامٌ ) وَغَيْرُهُ ( فِي أَثْنَائِهَا ) أَيْ : الصَّلَاةِ ( أَنَّهُ نَوَاهُ ) أَيْ : الْقَصْرَ ( عِنْدَ إحْرَامِهَا ) أَيْ : الصَّلَاةِ وَلَوْ ذَكَرَ بَعْدَ أَنْ كَانَ نَوَاهُ ، لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ ، لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ وَإِطْلَاقُ النِّيَّةِ لَا يَنْصَرِفُ إلَيْهِ .

( أَوْ أَعَادَ ) صَلَاةً ( فَاسِدَةً يَلْزَمُهُ إتْمَامُهَا ) ابْتِدَاءً ، لِكَوْنِهِ ائْتَمَّ فِيهَا بِمُقِيمٍ أَوْ نَحْوَهُ فَفَسَدَتْ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ فِي الْإِعَادَةِ ، لِأَنَّهَا وَجَبَتْ كَذَلِكَ فَلَا تُعَادُ مَقْصُورَةً ، وَإِنْ ابْتَدَأَهَا جَاهِلًا حَدَثَهُ فَلَهُ الْقَصْرُ ( أَوْ لَمْ يَنْوِهِ ) أَيْ : الْقَصْرَ ( عِنْدَ إحْرَامٍ ) لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ ، لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فَإِطْلَاقُ النِّيَّةِ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ ( أَوْ نَوَاهُ ) أَيْ : الْقَصْرَ عِنْدَ إحْرَامٍ ( ثُمَّ رَفَضَهُ ) فَنَوَى الْإِتْمَامَ لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ لِعَدَمِ افْتِقَارِهِ إلَى التَّعْيِينِ ، فَبَقِيَتْ النِّيَّةُ مُطَلَّقَةً .

( أَوْ جَهِلَ ) أَيْ : شَكَّ مُسَافِرٌ ( أَنَّ إمَامَهُ نَوَاهُ ) أَيْ : الْقَصْرَ لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ لِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِهِ ، وَلَا يُعْتَبَرُ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ إمَامَهُ نَوَاهُ عَمَلًا بِالظَّنِّ ، لِأَنَّهُ يَتَعَذَّرُ الْعِلْمُ ذَكَرَهُ بِمَعْنَاهُ فِي الْفُرُوعِ وَالْإِقْنَاعِ .

( أَوْ نَوَى ) مُسَافِرٌ ( إقَامَةً مُطَلَّقَةً ) أَيْ : غَيْرَ مُقَيَّدَةٍ بِزَمَنٍ ، وَلَوْ فِي نَحْوِ مَفَازَةٍ لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ ، لِانْقِطَاعِ السَّفَرِ الْمُبِيحِ لِلْقَصْرِ ، أَوْ نَوَى إقَامَةً بِبَلَدٍ ( أَوْ ) مَفَازَةٍ ( أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ صَلَاةً ) لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ ، وَإِلَّا فَلَهُ الْقَصْرُ ، لِأَنَّ الَّذِي تَحَقَّقَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( أَقَامَ بِمَكَّةَ أَرْبَعَةَ أَيَّامٍ ) لِأَنَّهُ كَانَ حَاجًّا وَدَخَلَ مَكَّةَ صَبِيحَةَ رَابِعَةِ ذِي الْحِجَّةِ ، وَالْحَاجُّ لَا يَخْرُجُ قَبْلَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ .
قَالَ الْأَثْرَمُ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَذْكُرُ حَدِيثَ أَنَسٍ ، أَيْ : قَوْلُهُ : " أَقَمْنَا بِمَكَّةَ عَشْرًا نَقْصُرُ الصَّلَاةَ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَيَقُولُ أَيْ : أَحْمَدُ هُوَ كَلَامٌ لَيْسَ يَفْقَهُهُ كُلُّ أَحَدٍ ، أَيْ : لِأَنَّهُ حَسَبَ مُقَامَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ وَمِنًى وَيَحْسُبُ يَوْمَ الدُّخُولِ وَيَوْمَ الْخُرُوج مِنْ الْمُدَّةِ فَلَوْ دَخَلَ عِنْدَ الزَّوَالِ احْتَسَبَ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْيَوْمِ وَلَوْ خَرَجَ عِنْدَ الْعَصْرِ احْتَسَبَ بِمَا مَضَى مِنْ الْيَوْمِ .

( أَوْ ) نَوَى إقَامَةً ( لِحَاجَةٍ فَظَنَّ أَنَّهَا لَا تَنْقَضِي ) الْحَاجَةُ ( قَبْلَهَا ) أَيْ : الْأَرْبَعَةِ أَقَامَ بَلْ بَعْدَهَا لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى نِيَّةِ إقَامَتِهَا وَإِنْ يَظُنُّ انْقِضَاءَهَا فِي الْأَرْبَعَةِ أَيَّامٍ قَصَرَ .

( أَوْ شَكَّ ) مُسَافِرٌ ( فِي نِيَّةِ الْمُدَّةِ ) أَيْ : فِي كَوْنِهِ نَوَى إقَامَةَ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ صَلَاةً ، أَوْ لَا لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ ، فَلَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ مَعَ الشَّكِّ فِي مُبِيحِ الرُّخْصَةِ ( أَوْ عَزَمَ فِي صَلَاتِهِ ) ، أَوْ قَبْلَهَا ( عَلَى ) الْإِقَامَةِ ، أَوْ قَلَبَ سَفَرَهُ الْمُبَاحَ إلَى ( قَطْعِ الطَّرِيقِ وَنَحْوِهِ ) كَالزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ لِانْقِطَاعِ السَّفَرِ الْمُبَاحِ .
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ : لَوْ نَقَلَ سَفَرَهُ الْمُبَاحَ إلَى مُحَرَّمٍ امْتَنَعَ الْقَصْرُ ( ، أَوْ تَابَ مِنْهُ ) أَيْ : مِنْ السَّفَرِ لِقَطْعِ طَرِيقٍ وَنَحْوِهِ ( فِيهَا ) أَيْ : الصَّلَاةِ لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ تَامَّةً فَإِنْ كَانَ نَوَى الْقَصْرَ جَاهِلًا لَمْ يَضُرَّهُ ، وَإِنْ عَلِمَ لَمْ تَنْعَقِدْ وَيَأْتِي ( أَوْ أَخَّرَهَا ) أَيْ : الصَّلَاةَ ( بِلَا عُذْرٍ ) مِنْ نَحْوِ نَوْمٍ ( حَتَّى ضَاقَ وَقْتُهَا عَنْهَا ) أَيْ : عَنْ فِعْلِهَا كُلِّهَا فِيهِ مَقْصُورَةً ( لَزِمَهُ أَنْ يُتِمَّ ) لِأَنَّهُ صَارَ عَاصِيًا بِتَأْخِيرِهَا مُتَعَمِّدًا بِلَا عُذْرٍ فَهَذِهِ إحْدَى وَعِشْرُونَ مَسْأَلَةً ، يَلْزَمُ الْمُسَافِرَ فِيهَا الْإِتْمَامُ و ( لَا ) يَلْزَمُهُ إتْمَامٌ .

( إنْ سَلَكَ أَبْعَدَ طَرِيقَيْنِ ) إلَى بَلَدٍ قَصَدَهُ يَبْلُغُ الْمَسَافَةَ وَالْقَرِيبُ لَا يَبْلُغُهَا فَلَهُ الْقَصْرُ لِأَنَّهُ مُسَافِرٌ سَفَرًا يَبْلُغُهَا أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ سِوَاهَا أَوْ كَانَ الْأَقْرَبُ مَخُوفًا ، أَوْ مُشِقًّا ( أَوْ ذَكَرَ صَلَاةَ سَفَرٍ فِي ) سَفَرٍ ( آخَرَ ) تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ ، فَلَهُ قَصْرُهَا ؛ لِأَنَّ وُجُوبَهَا وَفِعْلَهَا وُجِدَا فِي السَّفَرِ الْمُبِيحِ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَدَّاهَا فِيهِ ، أَوْ قَضَاهَا فِي سَفَرٍ تَرَكَهَا فِيهِ ، فَإِنْ ذَكَرَهَا فِي إقَامَةٍ تَخَلَّلَتْ السَّفَرَ ثُمَّ نَسِيَهَا حَتَّى سَافَرَ أَتَمَّهَا ( أَوْ أَقَامَ لِحَاجَةٍ ) ، أَوْ جِهَادٍ ( بِلَا نِيَّةِ إقَامَةٍ لَا يَدْرِي مَتَى تَنْقَضِي ) فَلَهُ الْقَصْرُ ، غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ كَثْرَتُهُ ، أَوْ قِلَّتُهُ .
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُسَافِرَ يَقْصُرُ مَا لَمْ يَجْمَعْ ، أَيْ : يَعْزِمُ عَلَى إقَامَةٍ .
ا هـ وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَقَامَ بِتَبُوكَ عِشْرِينَ يَوْمًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ } رَوَاهُ أَحْمَدُ .
{ وَلَمَّا فَتَحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ أَقَامَ بِهَا تِسْعَةَ عَشْرَ يَوْمًا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ أَنَسٌ { أَقَامَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَامَ هُرْمُزَ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ يَقْصُرُونَ الصَّلَاةَ } رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ .

( أَوْ حُبِسَ ظُلْمًا ) حُبِسَ ( ، أَوْ بِمَرَضٍ ، ، أَوْ ) حُبِسَ بِ ( مَطَرٍ وَنَحْوِهِ ) كَثَلْجٍ وَبَرَدٍ فَلَهُ الْقَصْرُ مَا دَامَ حَبْسُهُ بِذَلِكَ لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ " أَقَامَ بِأَذْرَبِيجَانَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ .
وَقَدْ حَالَ الثَّلْجُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدُّخُولِ " رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَقِسْ عَلَيْهِ الْبَاقِيَ وَمَنْ قَصَرَ الْمَجْمُوعَتَيْنِ بِوَقْتِ أُولَاهُمَا سَفَرًا ثُمَّ قَدِمَ قَبْلَ دُخُولِ وَقْتِ ثَانِيَةٍ أَجْزَأَهُ ، كَمَنْ جَمَعَ بَيْنُهُمَا كَذَلِكَ بِتَيَمُّمٍ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ وَقْتَ ثَانِيَةٍ .

و ( لَا ) يَقْصُرُ مَنْ حُبِسَ ( بِأَسْرٍ ) عِنْدَ الْعَدُوِّ ، تَبَعًا لِإِقَامَتِهِمْ كَسَفَرِهِمْ ( وَمَنْ نَوَى ) بِسَفَرِهِ ( بَلَدًا بِعَيْنِهِ ) يَبْلُغُ الْمَسَافَة لَكِنَّهُ ( يَجْهَلُ مَسَافَتَهُ ) فِي أَوَّلِ سَفَرِهِ ( ثُمَّ عَلِمَهَا ) أَيْ : عَلِمَ أَنَّهُ يَبْلُغُ الْمَسَافَةَ ( قَصَرَ بَعْدَ عِلْمِهِ ) وَلَوْ كَانَ الْبَاقِي دُونَهَا كَمَا لَوْ عَلِمَ مِنْ ابْتِدَاءِ سَفَرِهِ ( كَجَاهِلٍ بِجَوَازِ الْقَصْرِ ابْتِدَاءً ) .
وَلَوْ كَانَ الْبَاقِي دُونَهُمَا كَمَا لَوْ عَلِمَ مِنْ ابْتِدَاءِ سَفَرِهِ ( وَ ) يَجُوزُ أَنْ ( يَقْصُرَ مَنْ ) نَوَى بَلَدًا بِعَيْنِهِ يَبْلُغُ الْمَسَافَةَ ، و ( عَلِمَهَا ) ابْتِدَاءً ( ثُمَّ نَوَى ) فِي سَفَرِهِ ( إنْ وَجَدَ غَرِيمَهُ ) فِي طَرِيقِهِ ( رَجَعَ ) لِأَنَّ سَبَبَ الرُّخْصَةِ انْعَقَدَ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِالنِّيَّةِ الْمُعَلَّقَةِ قَبْلَ وُجُودِ الشَّرْطِ وَإِنْ قَالَ : إنْ لَقِيتُ فُلَانًا بِالْبَلَدِ أَقَمْت بِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَلْقَهُ بِهِ فَلَهُ حُكْمُ السَّفَرِ وَإِنْ لَقِيَهُ بِهِ صَارَ مُقِيمًا مَا لَمْ يَفْسَخْ نِيَّتَهُ الْأُولَى قَبْلَ لِقَائِهِ ، أَوْ حَالَ لِقَائِهِ ، وَإِنْ فَسَخَهَا بَعْدَهُ لَمْ يَقْصُرْ حَتَّى يَشْرَعَ فِي السَّفَرِ .

( أَوْ نَوَى إقَامَةً ) لَا تَمْنَعُ الْقَصْرَ ( بِبَلَدٍ دُونَ مَقْصِدِهِ بَيْنَهُ ) أَيْ : بَلَدِ إقَامَتِهِ الْمَذْكُورَةِ ( وَبَيْنَ بَلَدِ نِيَّتِهِ الْأُولَى : دُونَ الْمَسَافَةِ ) فَلَهُ الْقَصْرُ لِأَنَّهُ مُسَافِرٌ سَفَرًا طَوِيلًا وَتِلْكَ الْإِقَامَةُ لَا أَثَرَ لَهَا .

( وَلَا يَسْتَرْخِصُ مَلَّاحٌ ) أَيْ : صَاحِبُ سَفِينَةٍ ( مَعَهُ أَهْلُهُ ) ، أَوْ لَا أَهْلَ لَهُ ( وَلَيْسَ لَهُ نِيَّةُ إقَامَةٍ بِبَلَدٍ ) نَصًّا لِأَنَّهُ غَيْرُ ظَاعِنٍ عَنْ وَطَنِهِ وَأَهْلِهِ أَشْبَهَ الْمُقِيمَ فَلَا يَقْصُرُ وَلَا يُفْطِرُ بِرَمَضَانَ لِأَنَّهُ يَقْضِيهِ فِي السَّفَرِ ، فَلَا فَائِدَةَ فِي فِطْرِهِ .
( وَمِثْلُهُ ) أَيْ : الْمَلَّاحِ ( مُكَارٍ ) يَحْمِلُ النَّاسَ وَالْمَتَاعَ عَلَى دَوَابِّهِ بِأُجْرَتِهِ ( وَرَاعٍ ) يَرْعَى الْبَهَائِمَ ( وَفَيْجٌ بِالْجِيمِ وَهُوَ رَسُولُ السُّلْطَانِ وَنَحْوُهُمْ ) كَسَاعٍ وَبَرِيدٍ ، فَلَا يَتَرَخَّصُونَهُ ، إذَا كَانَ مَعَهُمْ أَهْلُهُمْ وَلَمْ يَنْوُوا الْإِقَامَةَ بِبَلَدٍ وَعُلِمَ مِنْهُ : أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَهْلُهُ ، أَوْ كَانُوا مَعَهُ وَلَهُ نِيَّةُ إقَامَةٍ بِبَلَدٍ فَلَهُ الْقَصْرُ كَغَيْرِهِ .

( وَإِنْ نَوَى مُسَافِرٌ الْقَصْرَ حَيْثُ لَمْ يُبَحْ ) لَهُ الْقَصْرُ لِنَحْوِ نِيَّةِ إقَامَةٍ مِمَّا تَقَدَّمَ ، وَكَوْنِهِ سَفَرَ مَعْصِيَةٍ أَوْ لَا يَبْلُغُ الْمَسَافَةَ ( عَالِمًا ) عَدَمَ إبَاحَتِهِ لَهُ ( لَمْ تَنْعَقِدْ ) صَلَاتُهُ ( كَمَا لَوْ نَوَاهُ ) أَيْ : الْقَصْرَ ( مُقِيمٌ ) لِتَلَاعُبِهِ .
وَالْأَحْكَامُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالسَّفَرِ الطَّوِيلِ أَرْبَعَةٌ : الْقَصْرُ ، وَالْجَمْعُ ، وَالْمَسْحُ ثَلَاثًا ، وَالْفِطْرُ .

فَصْلٌ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ ( يُبَاحُ ) فَلَا يُكْرَهُ وَلَا يُسْتَحَبُّ ( جَمْعٌ بَيْنَ ظُهْرٍ وَعَصْرٍ ) بِوَقْتِ إحْدَاهُمَا .
( وَ ) بَيْنَ ( عِشَاءَيْنِ ) أَيْ : مَغْرِبٍ وَعِشَاءٍ ( بِوَقْتِ إحْدَاهُمَا ) أَيْ : إحْدَى الصَّلَاتَيْنِ ( وَتَرْكُهُ ) أَيْ : الْجَمْعِ ( أَفْضَلُ ) مِنْ فِعْلِهِ ، خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ ( غَيْرَ جَمْعَيْ عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ ) فَيُسَنُّ بِشَرْطِهِ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ تَقْدِيمًا .
وَفِي مُزْدَلِفَةَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ تَأْخِيرًا أَمَّا مَكِّيٌّ وَمَنْ نَوَى إقَامَةً بِمَكَّةَ فَوْقَ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ فَلَا يَجْمَعُ بِهِمَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسَافِرٍ سَفَرَ قَصْرٍ وَيُجْمَعُ فِي ثَمَانِ حَالَاتٍ ( بِسَفَرِ قَصْرٍ ) نَصًّا ، لِحَدِيثِ مُعَاذٍ مَرْفُوعًا { كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ إذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ زَيْغِ الشَّمْسِ أَخَّرَ الظُّهْرَ ، حَتَّى يَجْمَعَهَا إلَى الْعَصْرِ يُصَلِّيهِمَا جَمِيعًا وَإِنْ ارْتَحَلَ بَعْدَ زَيْغِ الشَّمْسِ ، صَلَّى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا ثُمَّ سَارَ وَكَانَ يَفْعَلُ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَعَنْ أَنَسٍ مَعْنَاهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَسَوَاءٌ كَانَ نَازِلًا ، أَوْ سَائِرًا فِي الْجَمْعَيْنِ .

( وَ ) الثَّانِيَةُ ( لِمَرِيضٍ يَلْحَقُهُ بِتَرْكِهِ ) أَيْ : الْجَمْعِ ( مَشَقَّةٌ ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ ، وَلَا مَطَرٍ } .
وَفِي رِوَايَةِ { مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا سَفَرٍ } رَوَاهُمَا مُسْلِمٌ وَلَا عُذْرَ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا الْمَرَضُ ( وَ ) الثَّالِثَةُ ( لِمُرْضِعٍ لِمَشَقَّةِ كَثْرَةِ نَجَاسَةٍ ) نَصًّا كَمَرِيضٍ .
( وَ ) الرَّابِعَةُ ( الْمُسْتَحَاضَةُ وَنَحْوِهَا ) كَذِي سَلَسٍ وَجُرْحٍ لَا يَرْقَأُ دَمُهُ { لِقَوْلِهِ : صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَمْنَةَ حِينَ اسْتَفْتَتْهُ فِي الِاسْتِحَاضَةِ وَإِنْ قَوِيَتْ عَلَى أَنْ تُؤَخِّرِي الظُّهْرَ وَتُعَجِّلِي الْعَصْرَ فَتَغْتَسِلِينَ ، ثُمَّ تُصَلِّينَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ جَمِيعًا ثُمَّ تُؤَخِّرِينَ الْمَغْرِبَ وَتُعَجِّلِينَ الْعِشَاءَ ، ثُمَّ تَغْتَسِلِينَ وَتَجْمَعِينَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فَافْعَلِي } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ .
وَيُقَاسُ عَلَيْهَا صَاحِبُ السَّلَسِ وَنَحْوُهُ .
( وَ ) الْخَامِسَةُ ( عَاجِزٌ عَنْ طَهَارَةٍ ) بِمَاءٍ ( ، أَوْ تَيَمُّمٍ ) بِتُرَابٍ ( لِكُلِّ صَلَاةٍ ) لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ .
وَالسَّادِسَةُ الْمُشَارُ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ : ( ، أَوْ ) عَاجِزٌ ( عَنْ مَعْرِفَةِ وَقْتٍ : كَأَعْمَى وَنَحْوِهِ ) كَمَطْمُورٍ ، أَوْمَأَ إلَيْهِ أَحْمَدُ لِمَا تَقَدَّمَ .
( وَ ) السَّابِعَةُ ( لِعُذْرٍ ) يُبِيحُ تَرْكَ جُمُعَةٍ وَجَمَاعَةٍ كَخَوْفِهِ عَلَى نَفْسِهِ ، أَوْ مَالِهِ ، أَوْ حُرْمَتِهِ وَالثَّامِنَةُ : ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ : ( أَوْ شُغْلٍ يُبِيحُ تَرْكَ جُمُعَةٍ وَجَمَاعَةٍ ) كَمَنْ يَخَافُ بِتَرْكِهِ ضَرَرًا فِي مَعِيشَةٍ يَحْتَاجُهَا فَيُبَاحُ الْجَمْعُ ، لِمَا تَقَدَّمَ بَيْنِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَبَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ .

( وَيَخْتَصُّ بِالْعِشَاءَيْنِ ثَلْجٌ وَبَرَدٌ وَجَلِيدٌ وَوَحْلٌ وَرِيحٌ شَدِيدَةٌ بَارِدَةٌ ) ظَاهِرُهُ : وَإِنْ لَمْ تَكُنْ اللَّيْلَةُ مُظْلِمَةً ، وَيُعْلَمُ مِمَّا تَقَدَّمَ : كَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ شَدِيدَةً بِلَيْلَةٍ مُظْلِمَةً ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ بَارِدَةً ( وَمَطَرٌ يَبُلُّ الثِّيَابَ وَتُوجَدُ مَعَهُ مَشَقَّةٌ ) لِأَنَّ السُّنَّةَ لَمْ تَرِدْ بِالْجَمْعِ لِذَلِكَ إلَّا فِي الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَرَوَى الْبُخَارِيُّ بِإِسْنَادِهِ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي لَيْلَةٍ مَطِيرَةٍ } ، وَفَعَلَهَا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ ، وَعُثْمَانُ ، وَأَمَرَ ابْنُ عُمَرَ مُنَادِيَهُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ ، فَنَادَى : الصَّلَاةُ فِي الرِّحَالِ " وَالْوَحْلُ أَعْظَمُ مَشَقَّةً مِنْ الْبَرْدِ فَيَكُونُ ، أَوْلَى .
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ : حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ { جَمَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِ خَوْفٍ وَلَا مَطَرٍ } وَلَا وَجْهَ يُحْمَلُ عَلَيْهِ مَعَ عَدَمِ الْمَرَضِ إلَّا الْوَحْلُ .
قَالَ الْقَاضِي : وَهُوَ أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى غَيْرِ عُذْرٍ ، وَالنَّسْخُ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى فَائِدَةٍ فَإِنْ بَلَّ الْمَطَرُ النَّعْلَ فَقَطْ ، أَوْ الْبَدَنَ ، أَوْ لَمْ تُوجَدْ مَعَهُ مَشَقَّةٌ ، فَلَا وَلَهُ الْجَمْعُ لِمَا سَبَقَ .

( وَلَوْ صَلَّى بِبَيْتِهِ ، أَوْ بِمَسْجِدٍ طَرِيقُهُ تَحْتَ سَابَاطٍ وَنَحْوِهِ ) كَمُجَاوِرَةٍ بِالْمَسْجِدِ فَالْمُعْتَبَرُ وُجُودُ الْمَشَقَّةِ فِي الْجُمْلَةِ إلَّا لِكُلِّ فَرْدٍ مِنْ الْمُصَلِّينَ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ الْعَامَّةَ يَسْتَوِي فِيهَا حَالُ وُجُودِ الْمَشَقَّةِ وَعَدَمُهَا كَالسَّفَرِ ( وَالْأَفْضَلُ ) لِمَنْ يَجْمَعُ ( فِعْلُ الْأَرْفَقِ بِهِ مِنْ تَأْخِيرِ ) الظُّهْرِ إلَى وَقْتِ الْعَصْرِ ، أَوْ الْمَغْرِبِ إلَى الْعِشَاءِ ( أَوْ تَقْدِيمٍ ) أَيْ : تَقْدِيمِ الْعَصْرِ وَقْتَ الظُّهْرِ ، أَوْ الْعِشَاءِ وَقْتَ الْمَغْرِبِ لِحَدِيثِ مُعَاذٍ السَّابِقِ .
( سِوَى جَمْعَيْ عَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ إنْ عَدِمَ ) الْأَرْفَقَ فِيهِمَا ، فَالْأَفْضَلُ بِعَرَفَةَ التَّقْدِيمُ مُطْلَقًا وَبِمُزْدَلِفَةَ التَّأْخِيرُ مُطْلَقًا لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمَا ( فَإِنْ اسْتَوَيَا ) أَيْ : التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ فِي الْأَرْفَقِيَّةِ ( فَتَأْخِيرٌ أَفْضَلُ ) لِأَنَّهُ أَحْوَطُ ، وَخُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ ( سِوَى جَمْعِ عَرَفَةَ ) فَالتَّقْدِيمُ فِيهِ مُطْلَقًا أَفْضَلُ ، اتِّبَاعًا لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ( وَيُشْتَرَطُ لَهُ ) أَيْ : الْجَمْعِ تَقْدِيمًا كَانَ ، أَوْ تَأْخِيرًا ( تَرْتِيبٌ مُطْلَقًا ) أَيْ : سَوَاءٌ ذَكَرَهُ ، أَوْ نَسِيَهُ ، بِخِلَافِ سُقُوطِهِ بِالنِّسْيَانِ فِي قَضَاءِ الْفَوَائِتِ ، خِلَافًا لِمَا فِي الْإِقْنَاعِ .

( وَ ) يُشْتَرَطُ ( لِجَمْعٍ بِوَقْتِ أُولَى ) الْمَجْمُوعَتَيْنِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ أَحَدُهَا ( نِيَّتُهُ ) أَيْ : الْجَمْعِ ( عِنْدَ إحْرَامِهَا ) أَيْ : الْأُولَى لِأَنَّهُ مَحَلُّ النِّيَّةِ كَنِيَّةِ الْجَمَاعَةِ .
( وَ ) الثَّانِي ( أَنْ لَا يُفَرِّقَ بَيْنَهُمَا ) أَيْ : الْمَجْمُوعَتَيْنِ ( إلَّا بِقَدْرِ إقَامَةٍ وَوُضُوءٍ خَفِيفٍ ) لِأَنَّ مَعْنَى الْجَمْعِ الْمُقَارَنَةُ وَالْمُتَابَعَةُ .
وَلَا يَحْصُلُ مَعَ تَفْرِيقٍ بِأَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَضُرُّ كَلَامٌ يَسِيرٌ لَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ تَكْبِيرِ عِيدٍ ، أَوْ غَيْرِهِ وَلَوْ غَيْرَ ذِكْرٍ وَلَا سُجُودِ سَهْوٍ ( فَيَبْطُلُ ) جَمْعٌ ( بِرُتْبَةٍ ) صَلَّاهَا ( بَيْنَهُمَا ) أَيْ : الْمَجْمُوعَتَيْنِ .
( وَ ) الثَّالِثُ ( وُجُودُ الْعُذْرِ ) الْمُبِيحِ لِلْجَمْعِ ( عِنْدَ افْتِتَاحِهِمَا ) أَيْ : الْمَجْمُوعَتَيْنِ ( وَ ) عِنْدَ ( سَلَامِ الْأُولَى ) مِنْهُمَا لِأَنَّ افْتِتَاحَ الْأُولَى مَوْضِعُ النِّيَّةِ .
وَسَلَامَهَا وَافْتِتَاحَ الثَّانِيَةِ مَوْضِعُ الْجَمْعِ ( وَ ) الرَّابِعُ ( اسْتِمْرَارُهُ ) أَيْ : الْعُذْرِ ( فِي غَيْرِ جَمْعِ مَطَرٍ وَنَحْوِهِ ) كَبَرْدٍ ( إلَى فَرَاغِ الثَّانِيَةِ ) مِنْ الْمَجْمُوعَتَيْنِ .

( فَلَوْ أَحْرَمَ بِالْأُولَى ) مِنْهُمَا نَاوِيًا الْجَمْعَ ( لِمَطَرٍ ثُمَّ انْقَطَعَ ) الْمَطَرُ ( وَلَمْ يَعُدْ فَإِنْ حَصَلَ وَحْلٌ ) لَمْ يَبْطُلْ الْجَمْعُ لِأَنَّ الْوَحْلَ يَنْشَأُ عَنْ الْمَطَرِ وَهُوَ مِنْ الْأَعْذَارِ الْمُبِيحَةِ أَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَنْقَطِعْ الْمَطَرُ ( وَإِلَّا ) أَيْ : وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ وَحْلٌ ( بَطَلَ ) الْجَمْعُ وَلَوْ خَلَفَهُ مَرَضٌ ، أَوْ نَحْوُهُ لِزَوَالِ مُبِيحِهِ فَيُؤَخِّرُ الثَّانِيَةَ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُهَا .

( وَإِنْ انْقَطَعَ سَفَرٌ بِأُولَى ) الْمَجْمُوعَتَيْنِ بِأَنْ نَوَى الْإِقَامَةَ ، أَوْ أَرْسَتْ بِهِ السَّفِينَةُ بِهَا عَلَى وَطَنِهِ ( بَطَلَ الْجَمْعُ وَالْقَصْرُ ) لِانْقِطَاعِ السَّفَرِ ( فَيُتِمُّهَا ) أَيْ : الْأُولَى ( وَتَصِحُّ ) فَرْضًا لِأَنَّهَا فِي وَقْتِهَا وَيُؤَخِّرُ الثَّانِيَةَ حَتَّى يَدْخُلَ وَقْتُهَا .
( وَ ) إنْ انْقَطَعَ سَفَرٌ ( بِثَانِيَةٍ ) كَمَنْ أَحْرَمَ بِهَا ( بَطَلَا ) أَيْ : الْجَمْعُ وَالْقَصْرُ لِمَا تَقَدَّمَ ( وَيُتِمُّهَا ) أَيْ : الثَّانِيَةَ ( نَفْلًا ) كَمَنْ أَحْرَمَ بِهَا ظَانًّا دُخُولَ وَقْتِهَا فَبَانَ عَدَمُهُ .
وَالْأُولَى وَقَعَتْ فِي مَوْقِعِهَا وَإِنْ انْقَطَعَ بَعْدَهُمَا فَلَا إعَادَةَ ( وَمَرَضٌ فِي جَمْعٍ كَسَفَرٍ ) فَإِنْ عُوفِيَ بِالْأُولَى أَتَمَّهَا وَصَحَّتْ وَفِي الثَّانِيَةِ صَحَّتْ نَفْلًا وَبَعْدَهُمَا أَجْزَأَتَا .

( وَ ) يُشْتَرَطُ ( لِجَمْعٍ بِوَقْتِ ثَانِيَةٍ ) وَهُوَ جَمْعُ التَّأْخِيرِ شَرْطَانِ أَحَدُهُمَا ( نِيَّتُهُ ) أَيْ : الْجَمْعِ ( بِوَقْتِ أُولَى ) الْمَجْمُوعَتَيْنِ مَعَ وُجُودِ مُبِيحِهِ ( مَا لَمْ يَضِقْ ) وَقْتُ الْأُولَى ( عَنْ فِعْلِهَا ) لِفَوَاتِ فَائِدَةِ الْجَمْعِ ، وَهِيَ التَّخْفِيفُ بِالْمُقَارَنَةِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ ، وَلِأَنَّ تَأْخِيرَهَا إلَى ضِيقِ الْوَقْتِ عَنْ فِعْلِهَا حَرَامٌ فَيُنَافِي الرُّخْصَةَ وَهِيَ الْجَمْعُ .
( وَ ) الثَّانِي ( بَقَاءُ عُذْرٍ ) مِنْ نِيَّةِ جَمْعٍ بِوَقْتِ أَوْلَى ( إلَى دُخُولِ وَقْتِ ثَانِيَةٍ ) لِأَنَّ الْمُبِيحَ لِلْجَمْعِ الْعُذْرُ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَمِرَّ إلَى وَقْتِ الثَّانِيَةِ زَالَ الْمُقْتَضَى لِلْجَمْعِ ، فَامْتَنَعَ كَمَرِيضٍ بَرِيءَ وَمُسَافِرٍ قَدِمَ ، و ( لَا ) يُشْتَرَطُ ( غَيْرُ ) مَا مَرَّ مِنْ الشُّرُوطِ فَلَا يُشْتَرَطُ نِيَّتُهُ عِنْدَ الْإِحْرَامِ وَلَا اسْتِمْرَارُهُ فِي وَقْتِ الثَّانِيَةِ ، لِأَنَّهُمَا صَارَتَا وَاجِبَتَيْنِ فِي ذِمَّتِهِ ، فَلَا بُدَّ مِنْ فِعْلِهِمَا ، وَلَا اتِّحَادُ إمَامٍ ، أَوْ مَأْمُومٍ .

( فَلَوْ صَلَّاهُمَا ) أَيْ : الْمَجْمُوعَتَيْنِ ( خَلْفَ إمَامَيْنِ ) كُلَّ وَاحِدَةٍ خَلْفَ إمَامٍ ( ، أَوْ ) صَلَّاهُمَا خَلْفَ ( مَنْ لَمْ يَجْمَعْ ) صَحَّ ( أَوْ ) صَلَّى ( إحْدَاهُمَا مُنْفَرِدًا ، أَوْ ) صَلَّى ( الْأُخْرَى جَمَاعَةً ) صَحَّ ( أَوْ ) صَلَّى إمَامًا ( لَا بِمَأْمُومِ الْأُولَى وب ) مَأْمُومٍ ( أَخَّرَ الثَّانِيَةَ ) صَحَّ ( أَوْ ) صَلَّاهُمَا إمَامًا ( بِمَنْ لَمْ يَجْمَعَ صَحَّ ) لِعَدَمِ الْمَانِعِ ، وَمَتَى ذَكَرَ أَنَّهُ نَسِيَ مِنْ الْأُولَى رُكْنًا أَوْ مِنْ إحْدَاهُمَا وَنَسِيَهَا أَعَادَهُمَا فِي الْوَقْتِ أَوْ قَضَاهُمَا بَعْدَهُ مُرَتَّبًا ، وَإِنْ بَانَ أَنَّهُ مِنْ الثَّانِيَةِ أَعَادَهَا ، أَوْ قَضَاهَا فَقَطْ ، وَلَا يَبْطُلُ جَمْعُ تَأْخِيرٍ مُطْلَقًا وَلَا جَمْعُ تَقْدِيمٍ إنَّ أَعَادَهَا قَرِيبًا بِحَيْثُ لَا تَفُوتُ الْمُوَالَاةُ .

فَصْلٌ فِي صَلَاةِ الْخَوْفِ وَمَشْرُوعِيَّتِهَا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَتَخْصِيصُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْخِطَابِ لَا يَقْتَضِي اخْتِصَاصَهُ بِالْحُكْمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } الْآيَةَ وَأَجْمَعَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَى فِعْلِهَا ، وَصَلَّاهَا عَلِيٌّ وَأَبُو مُوسَى وَحُذَيْفَةُ وَأَمَّا تَرْكُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَإِنَّمَا كَانَ قَبْلَ نُزُولِ الْآيَةِ أَوْ نِسْيَانًا ، أَوْ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ قِتَالُ مَنْ يَمْنَعُهُ مِنْ صَلَاةِ الْأَمْنِ ( تَصِحُّ صَلَاةُ الْخَوْفِ بِقِتَالٍ مُبَاحٍ ) لِأَنَّهَا رُخْصَةٌ .
فَلَا تُسْتَبَاحُ بِالْقِتَالِ الْمُحَرَّمِ كَقِتَالٍ مِنْ أَهْلِ بَغْيٍ وَقُطَّاعِ طَرِيقٍ ( وَلَوْ حَضَرَا ) لِأَنَّ الْمُبِيحَ الْخَوْفُ لَا السَّفَرُ ( مَعَ خَوْفِ هَجْمِ الْعَدُوِّ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { إنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا } الْآيَةَ .
( وَ ) تَصِحُّ ( فِي سَفَرٍ عَلَى سِتَّةِ أَوْجُهٍ ) قَالَ أَحْمَدُ : صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةُ الْخَوْفِ مِنْ خَمْسَةِ أَوْجُهٍ أَوْ سِتَّةٍ ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى : مِنْ سِتَّةِ أَوْجُهٍ أَوْ سَبْعَةٍ .
قَالَ الْأَثْرَمُ : قُلْت لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ : تَقُولُ بِالْأَحَادِيثِ كُلِّهَا ، أَمْ تَخْتَارُ وَاحِدًا مِنْهَا ؟ قَالَ : أَنَا أَقُولُ : مَنْ ذَهَبَ إلَيْهَا كُلَّهَا فَحَسَنٌ ، وَأَمَّا حَدِيثُ سَهْلٍ فَأَنَا أَخْتَارُهُ ( الْأَوَّلُ ) مِنْ الْوُجُوهِ ( إذَا كَانَ الْعَدُوُّ جِهَةَ الْقِبْلَةِ يَرَى ) الْمُسْلِمِينَ ( وَلَمْ يُخَفْ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ فِيهَا ( كَمِينٌ ) يَأْتِي مِنْ خَلْفِ الْمُسْلِمِينَ أَيْ قَوْمٌ يَكْمُنُونَ فِي الْحَرْبِ ( صَفَّهُمْ ) أَيْ الْمُسْلِمِينَ ( الْإِمَامُ صَفَّيْنِ فَأَكْثَرَ وَأَحْرَمَ بِالْجَمِيعِ ) مِنْ الصُّفُوفِ .
( فَإِذَا سَجَدَ ) الْإِمَامُ ( سَجَدَ مَعَهُ الصَّفُّ الْمُقَدَّمُ وَحَرَسَ ) الصَّفُّ ( الْآخَرُ حَتَّى يَقُومَ الْإِمَامُ إلَى ) الرَّكْعَةِ ( الثَّانِيَةِ فَيَسْجُدُ ) الصَّفُّ ( الْحَارِسُ وَيَلْحَقُهُ ) أَيْ الْإِمَامَ (

ثُمَّ الْأُولَى وَتَأَخَّرَ ) الصَّفُّ ( الْمُقَدَّمُ ) السَّاجِدُ مَعَ الْإِمَامِ ( وَتَقَدَّمَ ) الصَّفُّ ( الْمُؤَخَّرُ ) السَّاجِدُ بَعْدَهُ لِيَحْصُلَ التَّعَادُلُ بَيْنَهُمَا فِي فَضِيلَةِ الْمَوْقِفِ ( ثُمَّ فِي ) الرَّكْعَةِ ( الثَّانِيَةِ ) يَسْجُدُ مَعَهُ الْحَارِسُ فِي الْأُولَى و ( يَحْرُسُ السَّاجِدُ مَعَهُ أَوَّلًا ) أَيْ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى ( ثُمَّ يَلْحَقُهُ ) أَيْ الْإِمَامَ ( فِي التَّشَهُّدِ فَيُسَلِّمُ ) الْإِمَامُ ( بِجَمِيعِهِمْ ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ : { شَهِدْت مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْخَوْفِ فَصَفّنَا خَلْفَهُ صَفَّيْنِ ، وَالْعَدُوُّ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ ، فَكَبَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَبَّرْنَا جَمِيعًا ، ثُمَّ رَكَعَ وَرَكَعْنَا جَمِيعًا ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَرَفَعْنَا جَمِيعًا ، ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ ، وَقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السُّجُودَ قَامَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ وَانْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ وَقَامُوا .
ثُمَّ تَقَدَّمَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ ، وَتَأَخَّرَ الصَّفُّ الْمُقَدَّمُ ، ثُمَّ رَكَعَ وَرَكَعْنَا جَمِيعًا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ وَرَفَعْنَا جَمِيعًا ثُمَّ انْحَدَرَ بِالسُّجُودِ وَالصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ الَّذِي كَانَ مُؤَخَّرًا فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى وَقَامَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ فِي نَحْرِ الْعَدُوِّ ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السُّجُودَ بِالصَّفِّ الَّذِي يَلِيهِ انْحَدَرَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ بِالسُّجُودِ فَسَجَدُوا ، ثُمَّ سَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَلَّمْنَا جَمِيعًا } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِلْبُخَارِيِّ بَعْضُهُ وَرَوَاهُمَا أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَيَّاشٍ الزُّرَقِيِّ قَالَ : { فَصَلَّاهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً بِعُسْفَانَ وَمَرَّةً بِأَرْضِ بَنِي سُلَيْمٍ } ( وَيَجُوزُ جَعْلُهُمْ ) أَيْ الْمُسْلِمِينَ ( صَفًّا ) وَاحِدًا ( وَيَحْرُسُ

بَعْضُهُ ) فِي الْأُولَى وَالْبَاقِي فِي الثَّانِيَةِ ، لِأَنَّ تَعَدُّدَ الصَّفِّ لَا أَثَرَ لَهُ فِي حِرَاسَةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَا فِي إنْكَاءِ الْعَدُوِّ وَ ( لَا ) يَجُوزُ ( حَرْسُ صَفٍّ فِي الرَّكْعَتَيْنِ ) لِأَنَّهُ ظُلْمٌ بِتَرْكِهِمْ السُّجُودَ مَعَ الْإِمَامِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ .
الْوَجْهُ ( الثَّانِي : إذَا كَانَ ) الْعَدُوُّ ( بِغَيْرِ جِهَتِهَا ) أَيْ الْقِبْلَةِ ( أَوْ ) كَانَ ( بِهَا ) أَيْ جِهَةِ الْقِبْلَةِ ( وَلَمْ يُرَ ) أَيْ يَرَهُ الْمُسْلِمُونَ كُلُّهُمْ ، أَوْ بِهَا وَيُرَى وَيُخَافُ كَمِينٌ ( قَسَمَهُمْ ) أَيْ الْمُسْلِمِينَ الْإِمَامُ ( طَائِفَتَيْنِ تَكْفِي كُلُّ طَائِفَةٍ ) مِنْهُمْ ( الْعَدُوَّ ) زَادَ أَبُو الْمَعَالِي : بِحَيْثُ يَحْرُمُ فِرَارُهَا ( طَائِفَةٌ ) مِنْهُمْ تَذْهَبُ حَذْوَ الْعَدُوِّ ( وَتَحْرُسُ ) الْمُسْلِمِينَ ( وَهِيَ ) أَيْ الطَّائِفَةُ الْحَارِسَةُ ( مُؤْتَمَّةٌ بِهِ ) أَيْ الْإِمَامِ حُكْمًا ( فِي كُلِّ صَلَاتِهِ ) لِأَنَّهَا مِنْ حَيْثُ تَرْجِعُ مِنْ الْحِرَاسَةِ ، وَتُحْرِمُ لَا تُفَارِقُ الْإِمَامَ حَتَّى يُسَلِّمَ بِهَا .
وَالْمُرَادُ بَعْدَ دُخُولِهَا مَعَهُ لَا قَبْلَهُ ، كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْحَجَّاوِيُّ فِي حَاشِيَةِ التَّنْقِيحِ ( وَتَسْجُدُ مَعَهُ ) أَيْ الْإِمَامِ ( لِسَهْوِهِ ) وَلَوْ فِي الْأُولَى قَبْلَ دُخُولِهَا ، لَا لِسَهْوِهَا إنْ سَهَتْ ، لِتَحَمُّلِ الْإِمَامِ لَهُ ( وَطَائِفَةٌ ) يُحْرِمُ بِهَا ، وَ ( يُصَلِّي بِهَا رَكْعَةً ) وَهِيَ الْأُولَى مِنْ صَلَاتِهِ ، ثُمَّ تُفَارِقُهُ كَمَا يَأْتِي ( وَهِيَ ) أَيْ الطَّائِفَةُ الَّتِي يُصَلِّي بِهَا الرَّكْعَةَ الْأُولَى ( مُؤْتَمَّةٌ ) بِهِ ( فِيهَا ) أَيْ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى ( إذَا فَرَغَتْ ) أَيْ أَتَمَّتْ صَلَاتَهَا .
( فَإِذَا اسْتَتَمَّ ) الْإِمَامُ ( قَائِمًا إلَى ) الرَّكْعَةِ ( الثَّانِيَةِ نَوَتْ ) الطَّائِفَةُ الَّتِي صَلَّى بِهَا الرَّكْعَةَ الْأُولَى ( الْمُفَارَقَةَ ) لَهُ ( وَأَتَمَّتْ ) صَلَاتَهَا ( لِنَفْسِهَا ) مُنْفَرِدَةً ( وَسَلَّمَتْ وَمَضَتْ تَحْرُسُ ) مَكَانَ الطَّائِفَةِ الْحَارِسَةِ قَبْلَهَا ( وَيُبْطِلُهَا ) أَيْ صَلَاةَ الطَّائِفَةِ الَّتِي صَلَّى بِهَا الرَّكْعَةَ الْأُولَى ( مُفَارَقَتُهُ ) أَيْ الْإِمَامِ

( قَبْلَ قِيَامِهِ ) إلَى الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ ( بِلَا عُذْرٍ ) لَهَا فِي مُفَارَقَتِهِ ، لِتَرْكِهَا الْمُتَابَعَةَ بِلَا عُذْرٍ ( وَيُطِيلُ ) الْإِمَامُ ( قِرَاءَتَهُ ) فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ ( حَتَّى تَحْضُرَ ) الطَّائِفَةُ ( الْأُخْرَى ) الَّتِي كَانَتْ تَحْرُسُ ( فَتُصَلِّيَ مَعَهُ ) بَعْدَ إحْرَامِهَا الرَّكْعَةَ ( الثَّانِيَةَ ) وَلَا يَرْكَعُ بَعْدَ إحْرَامِهَا ، حَتَّى تَقْرَأَ قَدْرَ الْفَاتِحَةِ وَسُورَةٍ ، وَيَكْفِي إدْرَاكُهَا الرُّكُوعَ ، وَيُكْرَهُ تَأْخِيرُهُ الْقِرَاءَةَ إلَى مَجِيئِهَا .
( وَ ) إذَا فَرَغَ مِنْهَا وَجَلَسَ لِلتَّشَهُّدِ انْتَظَرَهَا ( يُكَرِّرُ التَّشَهُّدَ حَتَّى تَأْتِيَ بِرَكْعَةٍ ، وَ ) حَتَّى ( تَتَشَهَّدَ فَيُسَلِّمُ بِهَا ) وَلَا يُسَلِّمُ قَبْلَهُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ } فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَلَاتَهُمْ كُلَّهَا مَعَهُ ، وَتَحْصُلُ الْمُعَادَلَةُ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الْأُولَى أَدْرَكَتْ مَعَهُ فَضِيلَةَ الْإِحْرَامِ وَالثَّانِيَةَ فَضِيلَةَ السَّلَامِ .
وَهَذَا الْوَجْهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتُ بْنِ جُبَيْرٍ { عَمَّنْ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ صَلَاةَ الْخَوْفِ أَنَّ طَائِفَةً صَفَّتْ مَعَهُ وَطَائِفَةً وِجَاهَ الْعَدُوِّ ، فَصَلَّى بِاَلَّتِي مَعَهُ رَكْعَةً ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا ، وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ ، ثُمَّ انْصَرَفُوا وَصَفُّوا وِجَاهَ الْعَدُوِّ ، وَجَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَصَلَّى بِهِمْ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ مِنْ صَلَاتِهِ ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا وَأَتَمُّوا لِأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ سَلَّمَ بِهِمْ } وَصَحَّ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتُ عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ مَرْفُوعًا .
وَهَذَا الْحَدِيثُ هُوَ الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ أَحْمَدُ : أَنَّهُ اخْتَارَهُ لِأَنَّهُ أَنْكَأُ لِلْعَدُوِّ ، وَأَقَلُّ أَفْعَالًا ، وَأَشْبَهُ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَأَحْوَطُ لِلصَّلَاةِ وَالْحَرْبِ ( وَإِنْ أَحَبَّ ) الْإِمَامُ ( ذَا الْفِعْلَ ) أَيْ الصَّلَاةَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ ( مَعَ رُؤْيَةِ الْعَدُوِّ جَازَ ) نَصًّا ، لِعُمُومِ الْآيَةِ .
(

وَإِنْ انْتَظَرَهَا ) أَيْ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ الْإِمَامُ ( جَالِسًا بِلَا عُذْرٍ ) لَهُ فِي الْجُلُوسِ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ لِأَنَّهُ زَادَ جُلُوسًا فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ ( وَإِنْ ائْتَمَّتْ بِهِ مَعَ الْعِلْمِ ) بِبُطْلَانِ صَلَاتِهِ ( بَطَلَتْ ) صَلَاتُهُمْ ، أَيْ لَمْ تَنْعَقِدْ لِاقْتِدَائِهِمْ فِي صَلَاةٍ بَاطِلَةٍ ، فَإِنْ لَمْ يَعْلَمُوا ، فَظَاهِرُهُ : تَصِحُّ لَهُمْ لِلْعُذْرِ ( وَيَجُوزُ أَنْ تَتْرُكَ ) الطَّائِفَةُ ( الْحَارِسَةُ الْحِرَاسَةَ بِلَا إذْنِ ) الْإِمَامِ .
( وَ ) تَأْتِي ( تُصَلِّي ) مَعَهُ ( لِمَدَدٍ تَحَقَّقْتَ غَنَاءَهُ ) أَيْ إجْزَاءَهُ ( عَنْهَا ) لِحُصُولِ الْغَرَضِ ، وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهَا الْغِنَى أَوْ شَكَّتْ فِيهِ لَمْ يَجُزْ ، قَالَهُ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ ( وَلَوْ خَاطَرَ أَقَلُّ مِمَّنْ شَرَطْنَا ) بِأَنْ كَانَتْ كُلُّ طَائِفَةٍ لَا تَكْفِي الْعَدُوَّ ( وَتَعَمَّدُوا الصَّلَاةَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ صَحَّتْ ) صَلَاتُهُمْ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ لَمْ يَعُدْ إلَى شَرْطِ الصَّلَاةِ ، بَلْ إلَى الْمُخَاطَرَةِ بِهِمْ كَتَرْكِ حَمْلِ سِلَاحٍ مَعَ حَاجَةٍ ( وَيُصَلِّي ) إمَامٌ ( الْمَغْرِبَ بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ ، وَ ) بِالطَّائِفَةِ ( الْأُخْرَى رَكْعَةً ) لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ تَفْضِيلٍ فَالْأُولَى أَحَقُّ بِهِ .
وَمَا فَاتَ الثَّانِيَةَ يَنْجَبِرُ بِإِدْرَاكِهَا مَعَهُ السَّلَامَ ( وَلَا تَتَشَهَّدُ ) الثَّانِيَةُ بَعْدَ صَلَاتِهَا ( مَعَهُ ) الرَّكْعَةَ الثَّالِثَةَ ( عَقِبَهَا ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مَحَلَّ تَشَهُّدِهَا ، بَلْ تَقُومُ لِقَضَاءِ مَا فَاتَهَا ( وَيَصِحُّ عَكْسُهَا ) أَيْ أَنْ يُصَلِّيَ بِالْأُولَى رَكْعَةً وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَتَيْنِ نَصًّا .
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ لِأَنَّ الْأُولَى أَدْرَكَتْ مَعَهُ فَضِيلَةَ الْإِحْرَامِ فَيَجْبُرُ الثَّانِيَةَ بِزِيَادَتِهِ الرَّكَعَاتِ ، لَكِنَّ الْأُولَى أَوْلَى ؛ لِأَنَّ الثَّانِيَةَ تَفْعَلُ جَمِيعَ صَلَاتِهَا فِي حُكْمِ الِائْتِمَامِ وَالْأُولَى فِي حُكْمِ الِانْفِرَادِ .
( وَ ) يُصَلِّي إمَامٌ ( الرُّبَاعِيَّةَ التَّامَّةَ ) أَيْ لَا قَصْرَ فِيهَا ( بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ ) تَعْدِيلًا بَيْنَهُمَا ( وَيَصِحُّ ) أَنْ يُصَلِّيَ

الرُّبَاعِيَّةَ التَّامَّةَ ( بِطَائِفَةٍ ) مِنْهُمْ ( رَكْعَةً وَ ) بِطَائِفَةٍ ( أُخْرَى ثَلَاثًا ) لِحُصُولِ الْمَطْلُوبِ مِنْ الصَّلَاةِ بِالطَّائِفَتَيْنِ .
( وَتُفَارِقُهُ ) الطَّائِفَةُ ( الْأُولَى ) إذَا صَلَّى بِهَا رَكْعَتَيْنِ مِنْ مَغْرِبٍ ، أَوْ رُبَاعِيَّةٍ تَامَّةٍ ( عِنْدَ فَرَاغ التَّشَهُّدِ ) الْأَوَّلِ ( وَيَنْتَظِرُ ) الطَّائِفَةَ ( الثَّانِيَةَ جَالِسًا يُكَرِّرُهُ ) أَيْ التَّشَهُّدَ الْأَوَّلَ إلَى أَنْ تَحْضُرَ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ ( فَإِذَا أَتَتْ قَامَ ) لِتُدْرِكَ مَعَهُ جَمِيعَ الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ ، وَلِأَنَّ الْجُلُوسَ أَخَفُّ عَلَى الْإِمَامِ ، وَلِئَلَّا يَحْتَاجَ إلَى قِرَاءَةِ السُّورَةِ فِي الثَّالِثَةِ وَهُوَ خِلَافُ السُّنَّةِ .
قَالَ أَبُو الْمَعَالِي : تُحْرِمُ مَعَهُ ، ثُمَّ يَنْهَضُ بِهِمْ ( وَتُتِمُّ ) الطَّائِفَةُ ( الْأُولَى ) الَّتِي أَدْرَكَتْ الْأُولَيَيْنِ ( بِالْفَاتِحَةِ فَقَطْ وَ ) تُتِمُّ الطَّائِفَةُ ( الْأُخْرَى بِسُورَةٍ مَعَهَا ) أَيْ الْفَاتِحَةِ لِأَنَّ مَا تَقْضِيهِ أَوَّلُ صَلَاتِهَا ، وَتَسْتَفْتِحُ فِيهِ وَتَتَعَوَّذُ ، وَيُكَرِّرُ التَّشَهُّدَ حَتَّى تَفْرَغَ وَيُسَلِّمَ بِهَا ( وَإِنْ فَرَّقَهُمْ ) أَيْ الْإِمَامُ الْمُصَلِّينَ ( أَرْبَعًا صَلَّى ) الرُّبَاعِيَّةَ التَّامَّةَ ( بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً ) أَوْ فَرَّقَهُمْ ثَلَاثًا ، وَصَلَّى الْمَغْرِبَ بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً أَوْ بِالْأُولَى رَكْعَتَيْنِ ، وَبِالْبَاقِيَتَيْنِ رَكْعَةً رَكْعَةً مِنْ رُبَاعِيَّةٍ ( صَحَّتْ صَلَاةُ ) الطَّائِفَتَيْنِ ( الْأُولَيَيْنِ ) لِأَنَّهُمَا فَارَقَتَاهُ قَبْلَ بُطْلَانِ صَلَاتِهِ بِالِانْتِظَارِ الثَّالِثِ لِعَدَمِ وُرُودِهِ .
وَ ( لَا ) تَصِحُّ صَلَاةُ ( الْإِمَامِ ) لِأَنَّهُ زَادَ انْتِظَارًا لَمْ يَرِدْ بِهِ الشَّرْعُ أَشْبَهَ مَا لَوْ فَعَلَهُ لِغَيْرِ خَوْفٍ ( وَ ) لَا صَلَاةُ الطَّائِفَتَيْنِ ( الْأُخْرَيَيْنِ ) لِأَنَّهُمَا ائْتَمَّا بِمَنْ صَلَاتُهُ بَاطِلَةٌ ( إلَّا إنْ جَهِلُوا الْبُطْلَانَ ) أَيْ بُطْلَانَ صَلَاةِ الْإِمَامِ فَإِنْ جَهِلُوهُ صَحَّتْ لَهُمْ لِأَنَّهُ مِمَّا يَخْفَى ، وَكَمَنْ ائْتَمَّ بِمُحْدِثٍ لَا يَعْلَمُ حَدَثَهُ وَيَجُوزُ خَفَاؤُهُ عَلَى الْإِمَامِ أَيْضًا

الْوَجْهُ ( الثَّالِثُ : أَنْ ) يَقْسِمَهُمْ طَائِفَتَيْنِ كَمَا تَقَدَّمَ ، طَائِفَةٌ تَحْرُسُ ، وَ ( يُصَلِّي ) الْإِمَامُ ( بِطَائِفَةٍ رَكْعَةً ثُمَّ تَمْضِي ) فَتَحْرُسُ مَكَانَ الْأُخْرَى ( ثُمَّ ) يُصَلِّي ( بِالْأُخْرَى ) الْحَارِسَةِ إذَا أَتَتْ ( رَكْعَةً ، ثُمَّ تَمْضِي ) فَتَحْرُسُ ( وَيُسَلِّمُ ) إمَامٌ ( وَحْدَهُ ، ثُمَّ تَأْتِي ) الطَّائِفَةُ ( الْأُولَى ) الَّتِي صَلَّتْ مَعَ الْإِمَامِ الرَّكْعَةَ الْأُولَى ( فَتُتِمُّ صَلَاتَهَا بِقِرَاءَةِ ) سُورَةٍ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ ، وَتُسَلِّمُ وَتَمْضِي لِتَحْرُسَ ( ثُمَّ ) تَأْتِي ( الْأُخْرَى فَتَفْعَلُ ) كَذَلِكَ ( وَإِنْ أَتَمَّتْهَا ) أَيْ الصَّلَاةَ الطَّائِفَةُ ( الثَّانِيَةُ عَقِبَ مُفَارَقَتِهَا ) إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ ( وَمَضَتْ ) تَحْرُسُ ( ثُمَّ أَتَتْ الْأُولَى فَأَتَمَّتْ ) صَلَاتَهَا ( كَانَ ) ذَلِكَ ( أَوْلَى ) لِخَبَرِ ابْنِ مَسْعُودٍ .
وَوَجْهُ الْأَوَّلِ حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ قَالَ : { صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْخَوْفِ بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ ، وَالْأُخْرَى مُوَاجِهَةُ الْعَدُوَّ ، ثُمَّ انْصَرَفُوا وَقَامُوا فِي مَقَامِ أَصْحَابِهِمْ مُقْبِلِينَ عَلَى الْعَدُوِّ ، وَجَاءَ أُولَئِكَ فَصَلَّى بِهِمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَةً ، ثُمَّ سَلَّمَ ، ثُمَّ قَضَى هَؤُلَاءِ رَكْعَةً وَهَؤُلَاءِ رَكْعَةً } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
الْوَجْهُ ( الرَّابِعُ : أَنْ { يُصَلِّيَ الْإِمَامُ بِكُلِّ طَائِفَةٍ مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ صَلَاةً يُسَلِّمُ بِهَا أَيْ بِكُلِّ طَائِفَةٍ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ مَرْفُوعًا ، وَالشَّافِعِيُّ عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا وَغَايَتُهُ : اقْتِدَاءُ الْمُفْتَرِضِينَ بِالْمُتَنَفِّلِ وَهُوَ مُغْتَفَرٌ هُنَا الْوَجْهُ ( الْخَامِسُ : أَنْ يُصَلِّيَ ) الْإِمَامُ ( الرُّبَاعِيَّةَ الْجَائِزَ قَصْرُهَا ) لِكَوْنِهِمْ مُسَافِرِينَ ( تَامَّةً بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ بِلَا قَضَاءٍ ) مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ ( فَتَكُونُ لَهُ ) أَيْ الْإِمَامِ ( تَامَّةً وَلَهُمْ مَقْصُورَةٌ ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ : { أَقْبَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ

وَسَلَّمَ حَتَّى إذَا كُنَّا بِذَاتِ الرِّقَاعِ قَالَ : فَنُودِيَ بِالصَّلَاةِ فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ تَأَخَّرُوا وَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ ، قَالَ : فَكَانَتْ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعُ رَكَعَاتٍ ، وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَانِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ الْوَجْهُ ( السَّادِسُ : وَمَنَعَهُ الْأَكْثَرُ ) مِنْ الْأَصْحَابِ ( أَنْ يُصَلِّيَ ) الْإِمَامُ الرُّبَاعِيَّةَ الْجَائِزَ قَصْرُهَا ( بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً بِلَا قَضَاءٍ ) عَلَى الطَّائِفَتَيْنِ كَصَلَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خَبَرِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَحُذَيْفَةَ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَغَيْرِهِمْ وَهَذَا ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ .
قَالَ : مَا يُرْوَى عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهَا صِحَاحٌ ، ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ : رَكْعَةٌ رَكْعَةٌ ، إلَّا أَنَّهُ كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَكْعَتَانِ ، وَلِلْقَوْمِ رَكْعَةٌ رَكْعَةٌ وَلَمْ يَنُصَّ عَلَى خِلَافِهِ وَلِلْخَوْفِ وَالسَّفَرِ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَقَالَ فِي الْكَافِي : كَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مِنْ الْوُجُوهِ الْجَائِزَةِ ، إلَّا أَنَّ أَصْحَابَهُ قَالُوا : لَا تَأْثِيرَ لِلْخَوْفِ فِي عَدَدِ الرَّكَعَاتِ .
وَحَمَلُوا هَذِهِ الصِّفَةَ عَلَى شِدَّةِ الْخَوْفِ .
" تَتِمَّةٌ " السَّابِعُ مِنْ الْأَوْجُهِ الَّتِي أَشَارَ إلَيْهَا أَحْمَدُ : مَا أَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { أَنْ تَقُومَ مَعَهُ طَائِفَةٌ وَأُخْرَى تِجَاهَ الْعَدُوِّ وَظَهْرُهَا إلَى الْقِبْلَةِ ، ثُمَّ يُحْرِمُ وَتُحْرِمُ مَعَهُ الطَّائِفَتَانِ ، ثُمَّ يُصَلِّي رَكْعَةً هُوَ وَاَلَّذِينَ مَعَهُ ، ثُمَّ يَقُومُ إلَى الثَّانِيَةِ ، وَيَذْهَبُ الَّذِينَ مَعَهُ إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ ، وَتَأْتِي الْأُخْرَى فَتَرْكَعُ وَتَسْجُدُ ، ثُمَّ يُصَلِّي وَيَجْلِسُ ، وَتَأْتِي الَّتِي تِجَاهَ الْعَدُوِّ فَتَرْكَعُ وَتَسْجُدُ وَيُسَلِّمُ بِالْجَمِيعِ } .

( وَتَصِحُّ الْجُمُعَةُ فِي الْخَوْفِ حَضَرًا ) لَا سَفَرًا قَالَ فِي الْفُرُوعِ : وَيَتَوَجَّهُ أَنْ تَبْطُلَ إنْ بَقِيَ مُنْفَرِدًا بَعْدَ ذَهَابِ الطَّائِفَةِ كَمَا لَوْ نَقَصَ الْعَدَدُ ، وَقِيلَ : يَجُوزُ هُنَا لِلْعُذْرِ ( بِشَرْطِ كَوْنِ كُلِّ طَائِفَةٍ أَرْبَعِينَ ) مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهَا ( فَأَكْثَرَ ) لِاشْتِرَاطِ الِاسْتِيطَانِ وَالْعَدَدِ فِيهَا .
( وَ ) يُشْتَرَطُ أَيْضًا ( أَنْ يُحْرِمَ بِمَنْ حَضَرَتْ الْخُطْبَةَ ) مِنْ الطَّائِفَتَيْنِ ، لِاشْتِرَاطِ الْمُوَالَاةِ بَيْنَ الْخُطْبَةِ وَالصَّلَاةِ فَإِنْ أَحْرَمَ بِمَنْ لَمْ تَحْضُرْ الْخُطْبَةَ لَمْ تَصِحَّ .

( وَيُسِرَّانِ ) أَيْ الطَّائِفَتَانِ ( الْقِرَاءَةَ فِي الْقَضَاءِ ) أَيْ قَضَاءِ الرَّكْعَةِ ، كَالْمَسْبُوقِ بِرَكْعَةٍ مِنْهَا .

( وَيُصَلِّي لِلِاسْتِسْقَاءِ ) فِي الْخَوْفِ ( ضَرُورَةً ) أَيْ إذَا أَضَرَّ الْجَدْبُ ( كَمَكْتُوبَةٍ ) عَلَى مَا تَقَدَّمَ .
( وَ ) صَلَاةُ ( كُسُوفٍ وَ ) صَلَاةُ ( عِيدٍ ) مَعَ خَوْفٍ ( آكَدُ مِنْ الِاسْتِسْقَاءِ ) لِمَا تَقَدَّمَ : أَنَّ الْكُسُوفَ آكَدُ مِنْ الِاسْتِسْقَاءِ وَأَمَّا الْعِيدُ فَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ عَلَى الْمَذْهَبِ .

( وَسُنَّ ) فِي صَلَاةِ خَوْفٍ ( حَمْلُ ) مُصَلٍّ ( مَا يَدْفَعُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ ، وَلَا يُثْقِلُهُ : كَسِكِّينٍ وَسَيْفٍ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ } الْآيَةَ وَلِمَفْهُومِ قَوْلِهِ { وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ } الْآيَةَ وَالْأَمْرُ بِهِ لِلرِّفْقِ بِهِمْ وَالصِّيَانَةِ لَهُمْ فَلَمْ يَكُنْ لِلْإِيجَابِ وَلَا يُكْرَهُ حَمْلُ السِّلَاحِ فِي الصَّلَاةِ بِلَا حَاجَةٍ ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ الْأَكْثَرِ ، وَهُوَ أَظْهَرُ .
ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ ( وَكُرِهَ ) لِمُصَلٍّ حَمْلُ ( مَا مَنَعَ إكْمَالَهَا ) أَيْ الصَّلَاةِ ( كَمِغْفَرٍ ) بِوَزْنِ مِنْبَرٍ : زَرَدٌ مِنْ الدِّرْعِ يُلْبَسُ تَحْتَ الْقَلَنْسُوَةِ ، أَوْ حِلَقٌ يَتَقَنَّعُ بِهَا الْمُتَسَلِّحُ ذَكَرَهُ فِي الْقَامُوسِ ( أَوْ ) حَمْلُ ( مَا ضَرَّ غَيْرَهُ ) أَيْ غَيْرَ حَامِلِهِ ( كَرُمْحٍ مُتَوَسِّطٍ ) لِلْقَوْمِ فَإِنْ كَانَ فِي الْجَانِبِ لَمْ يُكْرَهْ ( أَوْ ) أَيْ .

وَيُكْرَهُ حَمْلُ ( مَا ) ( أَثْقَلَهُ كَجَوْشَنٍ ) وَهُوَ الصَّدْرُ وَالدِّرْعُ قَالَهُ فِي الْقَامُوسِ ( وَجَازَ ) فِي صَلَاةِ خَوْفٍ ( لِحَاجَةٍ : حَمْلُ نَجَسٍ ) لَا يُعْفَى عَنْهُ فِي غَيْرِهَا ( وَلَا يُعِيدُ ) مَا صَلَّاهُ فِي الْخَوْفِ مَعَ النَّجَسِ الْكَثِيرِ لِلْعُذْرِ .

فَصْلٌ وَإِذَا اشْتَدَّ الْخَوْفُ أَيْ تَوَاصَلَ الطَّعْنُ وَالضَّرْبُ وَالْكَرُّ وَالْفَرُّ ، وَلَمْ يُمْكِنْ تَفْرِيقُ الْقَوْمِ وَصَلَاتُهُمْ عَلَى مَا سَبَقَ ( صَلَّوْا ) إذَا حَضَرَتْ الصَّلَاةُ وُجُوبًا وَلَا يُؤَخِّرُونَهَا إلَى الْأَمْنِ ( رِجَالًا وَرُكْبَانًا ، لِلْقِبْلَةِ وَغَيْرِهَا ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا } الْآيَةَ قَالَ ابْنُ عُمَرَ " فَإِذَا كَانَ خَوْفٌ أَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ صَلَّوْا رِجَالًا قِيَامًا عَلَى أَقْدَامِهِمْ ، وَرُكْبَانًا مُسْتَقْبِلِي الْقِبْلَةِ وَغَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
زَادَ الْبُخَارِيُّ : قَالَ نَافِعٌ { لَا أَرَى ابْنَ عُمَرَ قَالَ ذَلِكَ إلَّا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ } وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ مَرْفُوعًا ( وَلَا يَلْزَمُ ) مُصَلِّيًا إذَنْ ( افْتِتَاحُهَا ) أَيْ الصَّلَاةِ ( إلَيْهَا ) أَيْ الْقِبْلَةِ ( وَلَوْ أَمْكَنَ ) الْمُصَلِّي ذَلِكَ كَبَقِيَّةِ الصَّلَاةِ ( يُومِئُونَ ) بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ ( طَاقَتَهُمْ ) وَالسُّجُودُ أَخْفَضُ مِنْ الرُّكُوعِ لِأَنَّهُمْ لَوْ تَمَّمُوا الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ لَكَانُوا هَدَفًا لِأَسْلِحَةِ الْعَدُوِّ ، مُعَرِّضِينَ أَنْفُسَهُمْ لِلْهَلَاكِ وَلَا يَجِبُ سُجُودٌ عَلَى ظَهْرِ الدَّابَّةِ ( وَكَذَا ) أَيْ كَشِدَّةِ الْخَوْفِ فِيمَا تَقَدَّمَ .

( حَالَةَ هَرَبٍ مِنْ عَدُوٍّ هَرَبًا مُبَاحًا ) بِأَنْ كَانَ الْكُفَّارُ أَكْثَرَ مِنْ مِثْلَيْ الْمُسْلِمِينَ ، أَوْ مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ ، أَوْ مُتَحَيِّزًا إلَى فِئَةٍ ( أَوْ ) هَرَبَ مِنْ ( سَيْلٍ أَوْ سَبُعٍ ) حَيَوَانٌ مَعْرُوفٌ وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ مُفْتَرِسٍ .
وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا ( أَوْ ) هَرَبَ مِنْ ( نَارٍ أَوْ غَرِيمٍ ظَالِمٍ ) فَإِنْ كَانَ بِحَقٍّ يَقْدِرُ عَلَى وَفَائِهِ لَمْ يَجُزْ ( أَوْ ) لَمْ يَكُنْ هَرَبَ لَكِنْ صَلَّى كَذَلِكَ ( خَوْفَ فَوْتِ عَدُوٍّ يَطْلُبُهُ ) لِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٌ { بَعَثَنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى خَالِدِ بْنِ سُفْيَانَ الْهُذَلِيِّ قَالَ : اذْهَبْ فَاقْتُلْهُ فَرَأَيْتُهُ وَقَدْ حَضَرَتْ صَلَاةُ الْعَصْرِ ، فَقُلْت : إنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ مَا يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا أُصَلِّي وَأُومِئُ إيمَاءً نَحْوَهُ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلِأَنَّ فَوْتَ عَدُوِّهِ ضَرَرٌ عَظِيمٌ فَأُبِيحَتْ لَهُ الصَّلَاةُ صَلَاةَ الْخَوْفِ كَحَالِ لِقَائِهِ .

( أَوْ ) خَوْفِ فَوْتِهِ ( وَقْتَ وُقُوفٍ بِعَرَفَةَ ) إنْ صَلَّى آمِنًا فَيُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ مَاشِيًا حِرْصًا عَلَى إدْرَاكِ الْحَجِّ ، وَلِمَا يَلْحَقُهُ بِفَوَاتِهِ مِنْ الضَّرَرِ ( أَوْ ) خَوْفٍ ( عَلَى نَفْسِهِ ) إنْ صَلَّى صَلَاةَ أَمْنٍ وَمِنْهُ مَنْ اخْتَفَى بِمَوْضِعٍ يَخَافَ أَنْ يُطَّلَعَ عَلَيْهِ ( أَوْ ) خَوْفٍ عَلَى ( أَهْلِهِ أَوْ مَالِهِ أَوْ ذَبِّهِ ) بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ ( عَنْ ذَلِكَ ) أَيْ دَفْعِهِ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ أَهْلِهِ أَوْ مَالِهِ فَيُصَلِّي صَلَاةَ خَائِفٍ ( أَوْ ) ذَبِّهِ ( عَنْ نَفْسِ غَيْرِهِ ) أَوْ مَالِ غَيْرِهِ ، صَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ ، دَفْعًا لِلضَّرَرِ ( فَإِنْ كَانَتْ ) صَلَاةُ الْخَوْفِ صُلِّيَتْ ( لِسَوَادٍ ) أَيْ شَخْصٍ ( ظَنَّهُ عَدُوًّا ) فَتَبَيَّنَ عَدَمُهُ أَعَادَ ( أَوْ ) صَلَّاهَا لِعَدُوٍّ ثُمَّ تَبَيَّنَ ( دُونَهُ مَانِعٌ ) كَبَحْرٍ يَحُولُ بَيْنَهُمَا ( أَعَادَ ) لِعَدَمِ وُجُودِ الْمُبِيحِ وَنُدْرَةِ صَلَاةِ الْخَوْفِ ، بِخِلَافِ مَنْ تَيَمَّمَ لِذَلِكَ ثُمَّ ظَهَرَ خِلَافُهُ لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِهِ فِي الْأَسْفَارِ .

وَ ( لَا ) يُعِيدُ ( إنْ ) صَلَّى صَلَاةَ خَوْفٍ لِعَدُوٍّ ثُمَّ ( بِأَنْ يَقْصِدَ غَيْرَهُ ) لِوُجُودِ سَبَبِ الْخَوْفِ وَهُوَ الْعَدُوُّ يَخْشَى هَجْمَهُ ( ك ) مَا لَا يُعِيدُ .

( مَنْ خَافَ عَدُوًّا إنْ تَخَلَّفَ عَنْ رُفْقَتِهِ ) وَصَلَّى صَلَاةَ أَمْنٍ ( فَصَلَّاهَا ) أَيْ صَلَاةَ الْخَوْفِ ( ثُمَّ بَانَ أَمْنُ الطَّرِيقِ ) لِعُمُومِ الْبَلْوَى بِذَلِكَ ( أَوْ خَافَ بِتَرْكِهَا ) أَيْ صَلَاةِ الْخَوْفِ ( كَمِينًا ) يُكْمَنُ لَهُ فِي طَرِيقِهِ ( أَوْ ) خَافَ بِتَرْكِهَا ( مَكِيدَةً أَوْ مَكْرُوهًا ، كَهَدْمِ سُورٍ ، أَوْ طَمِّ خَنْدَقٍ ) إنْ اشْتَغَلَ بِصَلَاةِ أَمْنٍ صَلَّى صَلَاةَ خَائِفٍ قَالَ الْقَاضِي : فَإِنْ عَلِمُوا أَنَّ الطَّمِّ وَالْهَدْمَ لَا تَتِمُّ لِلْعَدُوِّ إلَّا بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ الصَّلَاةِ صَلَّوْا صَلَاةَ أَمْنٍ .

( وَمَنْ خَافَ ) فِي صَلَاةٍ شَرَعَ فِيهَا آمِنًا ، انْتَقَلَ وَبَنَى لِوُجُودِ الْمُبِيحِ ( أَوْ أَمِنَ فِي صَلَاةٍ ) ابْتَدَأَهَا خَائِفًا ( انْتَقَلَ ) لِزَوَالِ الْمُبِيحِ ( وَبَنَى ) عَلَى مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِ ، كَعُرْيَانٍ وَجَدَ سُتْرَةً قَرِيبًا ( وَلَا يَزُولُ خَوْفٌ إلَّا بِانْهِزَامِ ) الْعَدُوِّ ( الْكُلِّ ) لِأَنَّ انْهِزَامَ بَعْضِهِ قَدْ يَكُونُ خُدْعَةً ( وَكَفَرْضِ تَنَفُّلٍ ) شُرِعَتْ لَهُ الْجَمَاعَةُ أَوَّلًا فَيُصَلِّي كَمَا تَقَدَّمَ ( وَلَوْ مُنْفَرِدًا ) لِعُمُومِ مَا سَبَقَ ( وَالْمُصَلِّي ) فِي خَوْفِ ( كَرٍّ ) عَلَى الْعَدُوِّ ( وَفَرٍّ ) مِنْهُ ( لِمَصْلَحَةٍ وَلَا تَبْطُلُ بِطُولِهِ ) لِأَنَّهُ مَوْضِعُ ضَرُورَةٍ بِخِلَافِ الصِّيَاحِ فَإِنَّهُ لَا حَاجَةَ بِهِ إلَيْهِ بَلْ السُّكُوتُ أَهْيَبُ فِي نُفُوسِ الْأَقْرَانِ .

بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ بِضَمِّ الْمِيمِ وَإِسْكَانِهَا وَفَتْحِهَا ، ذَكَرَهُ الْكَرْمَانِيُّ ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِجَمْعِهَا الْجَمَاعَاتِ وَلِجَمْعِ طِينَةِ آدَمَ فِيهَا وَقِيلَ : غَيْرُهُ وَالْأَصْلُ فِي مَشْرُوعِيَّتِهَا : قَوْله تَعَالَى { إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ } الْآيَةَ : وَالسُّنَّةُ بِهَا شَهِيرَةٌ وَهِيَ ( أَفْضَلُ مِنْ الظُّهْرِ ) بِلَا نِزَاعٍ قَالَهُ فِي الْإِنْصَافِ ( وَ ) هِيَ ( مُسْتَقِلَّةٌ ) لَيْسَتْ بَدَلًا عَنْ الظُّهْرِ ، لِجَوَازِهَا قَبْلَ الزَّوَالِ ، وَلِعَدَمِ جَوَازِ زِيَادَتِهَا عَلَى رَكْعَتَيْنِ ( فَلَا تَنْعَقِدُ ) الْجُمُعَةُ ( بِنِيَّةِ الظُّهْرِ مِمَّنْ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ كَعَبْدٍ وَمُسَافِرٍ ) لِحَدِيثِ { وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى } ( وَلَا لِمَنْ قُلِّدَهَا ) أَيْ قَلَّدَهُ الْإِمَامُ إمَامَةَ الْجُمُعَةِ ( أَنْ يَؤُمَّ فِي ) الصَّلَوَاتِ ( الْخَمْسِ ) وَكَذَا مَنْ قُلِّدَ الْخَمْسَ ، لَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَمَّ فِيهَا ، وَأَمَّا إمَامَةُ الْعِيدَيْنِ وَالِاسْتِسْقَاءِ وَالْكُسُوفِ فَلَا يَؤُمُّ فِيهَا إلَّا مَنْ قُلِّدَهَا ، إلَّا إذَا وَلِيَ إمَامَةَ الصَّلَوَاتِ فَتَدْخُلُ فِي عُمُومِهَا ذَكَرَهُ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَالْمُرَادُ : لَا يَسْتَفِيدُ ذَلِكَ ، وَإِلَّا فَلَا يُوقَفُ عَلَى إذْنِهِ كَمَا يَأْتِي .

( وَلَا تُجْمَعُ ) جُمُعَةٌ إلَى عَصْرٍ وَلَا غَيْرِهَا ( حَيْثُ أُبِيحَ الْجَمْعُ ) لِعَدَمِ وُرُودِهِ ( وَ ) صَلَاةُ الْجُمُعَةِ ( فَرْضُ الْوَقْتِ ) أَيْ وَقْتِهَا ( فَلَوْ صَلَّى الظُّهْرَ أَهْلُ بَلَدٍ ) يَبْلُغُونَ أَرْبَعِينَ ( مَعَ بَقَاءِ وَقْتِ الْجُمُعَةِ لَمْ تَصِحَّ ) ظُهْرُهُمْ لِأَنَّهُمْ صَلَّوْا مَا لَمْ يُخَاطَبُوا بِهِ وَتَرَكُوا مَا خُوطِبُوا بِهِ كَمَا لَوْ صَلَّوْا الْعَصْرَ مَكَانَ الظُّهْرِ ( وَتُتْرَكُ ) أَيْ تُؤَخَّرُ ( فَجْرٌ فَائِتَةٌ ) وَغَيْرُهَا مِثْلُهَا ( لِخَوْفِ فَوْتِ الْجُمُعَةِ ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَدَارُكُهَا ، بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِنْ الصَّلَوَاتِ ( وَالظُّهْرُ بَدَلٌ عَنْهَا ) أَيْ الْجُمُعَةِ ( إذَا فَاتَتْ ) لِأَنَّهَا لَا تُقْضَى .

( وَتَجِبُ ) الْجُمُعَةُ وُجُوبَ عَيْنٍ ( عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ مُكَلَّفٍ ) لِمَا تَقَدَّمَ ، لَا كَافِرٍ وَلَوْ مُرْتَدًّا وَلَا صَغِيرٍ وَلَوْ مُمَيِّزًا وَلَا مَجْنُونٍ ( ذَكَرٍ ) حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعًا لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَتْ مِنْ أَهْلِ حُضُورِ مَجَامِعِ الرِّجَالِ ( حُرٍّ ) لِحَدِيثِ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ مَرْفُوعًا { الْجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ إلَّا أَرْبَعَةً : عَبْدٌ ، مَمْلُوكٌ أَوْ امْرَأَةٌ ، أَوْ صَبِيٌّ ، أَوْ مَرِيضٌ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ : طَارِقٌ قَدْ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَسْمَعْ مِنْهُ شَيْئًا ، وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ .

( مُسْتَوْطِنٌ بِنَاءً ) مُعْتَادًا ( وَلَوْ مِنْ قَصَبٍ ) لَا يَرْتَحِلُ عَنْهُ صَيْفًا وَلَا شِتَاءً وَلَوْ فَرَاسِخَ نَصًّا فَلَا جُمُعَةَ عَلَى أَهْلِ خِيَامٍ ، وَخَرِكٍ ، وَبُيُوتِ شَعْرٍ ، لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانُوا حَوْلَ الْمَدِينَةِ وَكَانُوا لَا يُصَلُّونَ الْجُمُعَةَ ، وَلَا أَمَرَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهَا وَلِأَنَّهُمْ عَلَى هَيْئَةِ الْمُسَافِرِينَ ( أَوْ ) مُسْتَوْطِنِينَ ( قَرْيَةً خَرَابًا عَزَمُوا عَلَى إصْلَاحِهَا وَ ) عَلَى ( الْإِقَامَةِ بِهَا ) وَبَلَغُوا الْعَدَدَ فَتَلْزَمُ الْجُمُعَةُ مُسْتَوْطِنِينَ قَبْلَ إصْلَاحِهَا أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانُوا مُسْتَوْطِنِينَ وَانْهَدَمَتْ دُورُهُمْ وَأَرَادُوا إصْلَاحَهَا ( أَوْ ) مُسْتَوْطِنٍ مَكَانًا ( قَرِيبًا مِنْ الصَّحْرَاءِ ) وَكَذَا إقَامَةُ الْجُمُعَةِ بِمَكَانٍ مِنْ الصَّحْرَاءِ قَرِيبٍ مِنْ الْبَلَدِ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ لَيْسَ شَرْطًا فِيهَا .

( وَلَوْ تَفَرَّقَ ) بِنَاءُ الْبَلَدِ بِمَا جَرَتْ بِهِ الْعَادَةُ ( وَشَمِلَهُ ) أَيْ الْبِنَاءَ ( اسْمٌ وَاحِدٌ ) لِأَنَّهُ بَلَدٌ وَاحِدٌ وَإِنْ تَفَرَّقَ بِمَا لَمْ تَجْرِ بِهِ الْعَادَةُ لَمْ تَصِحَّ فِيهَا ، صَحَّحَهُ فِي الْمُبْدِعِ إلَّا أَنْ يَجْتَمِعَ مِنْهَا مَا يَسْكُنُهُ أَرْبَعُونَ فَتَجِبُ عَلَيْهِمْ الْجُمُعَةُ وَيَتْبَعُهُمْ الْبَاقُونَ وَرَبَضُ الْبَلَدِ وَهُوَ مَا حَوْلَهَا لَهُ حُكْمُهُ .
وَلَوْ كَانَ بَيْنَهُمَا فُرْجَةٌ ( إنَّ بَلَغُوا ) أَيْ أَهْلُ الْقَرْيَةِ ( أَرْبَعِينَ ) مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهَا ( أَوْ ) لَمْ يَبْلُغُوا أَرْبَعِينَ لَكِنْ ( لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَوْضِعِهَا ) أَيْ الْجُمُعَةِ مِنْ الْمِصْرِ ( أَكْثَرُ مِنْ فَرْسَخٍ ) نَصًّا ( تَقْرِيبًا فَتَلْزَمُهُمْ ) الْجُمُعَةُ ( بِغَيْرِهِمْ كَمَنْ بِخِيَامٍ وَنَحْوِهَا ) كَبُيُوتِ شَعْرٍ وَمُسَافِرٍ أَقَامَ مَا يَمْنَعُ الْقَصْرَ وَلَمْ يَسْتَوْطِنْ .

( وَلَا تَجِبُ ) جُمُعَةٌ ( عَلَى مُسَافِرٍ فَوْقَ فَرْسَخٍ ) لَا بِنَفْسِهِ وَلَا بِغَيْرِهِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ كَانُوا يُسَافِرُونَ فِي الْحَجِّ وَغَيْرِهِ فَلَمْ يُصَلِّ أَحَدٌ مِنْهُمْ الْجُمُعَةَ فِي السَّفَرِ ، مَعَ اجْتِمَاعِ الْخَلْقِ الْكَثِيرِ ( إلَّا فِي سَفَرٍ لَا قَصْرَ مَعَهُ ) كَسَفَرِ مَعْصِيَةٍ وَمَا دُونَ الْمَسَافَةِ ، فَتَلْزَمُهُ بِغَيْرِهِ ( أَوْ ) إلَّا أَنْ ( يُقِيمَ مَا يَمْنَعُهُ ) أَيْ الْقَصْرَ كَفَوْقِ أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ ( لِشُغْلٍ ) كَتَاجِرٍ مُقِيمٍ لِبَيْعِ مَتَاعِهِ ( أَوْ ) يُقِيمُ لِطَلَبِ ( عِلْمٍ وَنَحْوِهِ ) كَرِبَاطِ ( فَوْقِ أَرْبَعَةِ ) أَيَّامٍ ( فَتَلْزَمُهُ ) الْجُمُعَةُ ( بِغَيْرِهِ ) لِعُمُومِ الْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ .

وَ ( لَا ) تَجِبُ عَلَى ( عَبْدٍ ، وَ ) لَا عَلَى ( مُبَعَّضٍ ) وَمُكَاتَبٍ وَمُدَبَّرٍ مُعَلَّقٍ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ قَبْلَ وُجُودِهَا ( وَلَا امْرَأَةٍ وَلَا خُنْثَى ) مُشْكِلٍ ، لِحَدِيثِ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ ، وَالْخُنْثَى لَمْ تَتَحَقَّقْ ذُكُورِيَّتُهُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ لَهُ حُضُورُهَا احْتِيَاطًا ( وَمَنْ حَضَرَهَا ) أَيْ الْجُمُعَةَ ( مِنْهُمْ ) أَيْ مِنْ مُسَافِرٍ وَعَبْدٍ وَمُبَعَّضٍ وَامْرَأَةٍ وَخُنْثَى ( أَجْزَأَتْهُ ) عَنْ الظُّهْرِ لِأَنَّ إسْقَاطَ الْجُمُعَةِ عَنْهُمْ تَخْفِيفٌ ، فَإِذَا صَلَّاهَا فَكَالْمَرِيضِ إذَا تَكَلَّفَ الْمَشَقَّةَ ( وَلَمْ تَنْعَقِدْ ) الْجُمُعَةُ ( بِهِ ) فَلَا يُحْسَبُ مِنْ الْعَدَدِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهَا وَإِنَّمَا صَحَّتْ مِنْهُ تَبَعًا ( وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَؤُمَّ ) فِيهَا لِئَلَّا يَصِيرَ التَّابِعُ مَتْبُوعًا ( وَلَا ) يَجُوزُ أَنْ يَؤُمَّ أَيْضًا ( مَنْ لَزِمَتْهُ ) الْجُمُعَةُ ( بِغَيْرِهِ فِيهَا ) كَمُسَافِرٍ أَقَامَ لِطَلَبِ عِلْمٍ أَوْ تِجَارَةٍ ، وَمَنْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَوْضِعِهَا أَكْثَرُ مِنْ فَرْسَخٍ لِمَا تَقَدَّمَ ( وَالْمَرِيضُ وَنَحْوُهُ ) كَخَائِفٍ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ أَوْ أَهْلِهِ ، وَنَحْوُهُ مَنْ لَهُ شُغْلٌ أَوْ عُذْرٌ يُبِيحُ تَرْكَ الْجُمُعَةِ ( إذَا حَضَرَهَا وَجَبَتْ عَلَيْهِ وَانْعَقَدَتْ بِهِ ) وَجَازَ أَنْ يَؤُمَّ فِيهَا لِأَنَّ السَّاقِطَ عَنْهُ الْحُضُورُ لِلْمَشَقَّةِ فَإِذَا تَكَلَّفَهَا وَحَضَرَ تَعَيَّنَتْ كَمَرِيضٍ بِالْمَسْجِدِ .

( وَلَا تَصِحُّ ) صَلَاةُ ( الظُّهْرِ ) يَوْمَ الْجُمُعَةِ ( مِمَّنْ يَلْزَمُهُ حُضُورُ الْجُمُعَةِ ) بِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ ( قَبْلَ تَجْمِيعِ الْإِمَامِ ) أَيْ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ ( وَلَا مَعَ شَكٍّ فِيهِ ) أَيْ تَجْمِيعِ الْإِمَامِ لِأَنَّهَا فَرْضُ الْوَقْتِ فَقَدْ صَلَّى مَا لَمْ يُخَاطَبْ بِهِ وَتَرَكَ مَا خُوطِبَ بِهِ أَشْبَهَ مَا لَوْ صَلَّى الْعَصْرَ مَكَانَ الظُّهْرِ ، فَيُعِيدُهَا ظُهْرًا إنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ .
وَإِنْ ظَنَّ أَنْ يُدْرِكَ الْجُمُعَةَ سَعَى إلَيْهَا وَإِلَّا انْتَظَرَ حَتَّى يَتَيَقَّنَ فَوْتَهَا ( وَتَصِحُّ ) الظُّهْرُ ( مِنْ مَعْذُورٍ ) قَبْلَ تَجْمِيعِ إمَامٍ لِأَنَّهَا فَرْضُهُ ، وَقَدْ أَدَّاهُ ( وَلَوْ زَالَ عُذْرُهُ قَبْلَهُ ) أَيْ قَبْلَ تَجْمِيعِ الْإِمَامِ كَمَعْضُوبٍ حُجَّ عَنْهُ ثُمَّ عُوفِيَ ( إلَّا الصَّبِيَّ ) إذَا بَلَغَ وَلَوْ كَانَ بُلُوغُهُ ( بَعْدَهُ ) أَيْ بَعْدَ تَجْمِيعِ الْإِمَامِ ، وَكَانَ قَدْ صَلَّى الظُّهْرَ أَوَّلًا أَعَادَهَا بَلْ وَلَوْ بَلَغَ قَبْلَ الْمَغْرِبِ أَعَادَ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ كَمَا تَقَدَّمَ ، لِأَنَّ الْأُولَى كَانَتْ نَفْلًا وَقَدْ صَارَتْ فَرْضًا .

( وَحُضُورُهَا ) أَيْ الْجُمُعَةِ ( لِمَعْذُورٍ ) تَسْقُطُ عَنْهُ أَفْضَلُ .
( وَ ) حُضُورُهَا ( لِمَنْ اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهَا عَلَيْهِ كَعَبْدٍ أَفْضَلُ ) خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ ( وَنُدِبَ تَصَدُّقٌ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِهِ ) عَلَى التَّخْيِيرِ ( لِتَارِكِهَا ) أَيْ الْجُمُعَةِ ( بِلَا عُذْرٍ ) لِلْخَبَرِ ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ ، وَضَعَّفَهُ النَّوَوِيُّ وَرَدَّ تَصْحِيحَ الْحَاكِمِ لَهُ .

( وَحَرُمَ سَفَرُ مَنْ تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ ) بِنَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ ( فِي يَوْمِهَا بَعْدَ الزَّوَالِ حَتَّى يُصَلِّيَ ) الْجُمُعَةَ لِاسْتِقْرَارِهَا فِي ذِمَّتِهِ بِدُخُولِ أَوَّلِ الْوَقْتِ ، فَلَمْ يَجُزْ لَهُ تَفْوِيتُهَا بِالسَّفَرِ ، بِخِلَافِ غَيْرِهَا مَنْ الصَّلَوَاتِ لِإِمْكَانِ فِعْلِهَا حَالَ السَّفَرِ ( إنْ لَمْ يَخَفْ فَوْتَ رُفْقَتِهِ ) بِسَفَرٍ مُبَاحٍ ، فَإِنْ خَافَهُ سَقَطَ عَنْهُ وُجُوبُهَا وَجَازَ لَهُ السَّفَرُ ( وَكُرِهَ ) السَّفَرُ ( قَبْلَهُ ) أَيْ قَبْلَ الزَّوَالِ لِمَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ وُجُوبِهَا ، وَخُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ ، وَلَمْ يَحْرُمْ لِقَوْلِ عُمَرَ " لَا تَحْبِسُ الْجُمُعَةُ عَنْ سَفَرٍ " رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ فِي مُسْنَدِهِ ، وَكَمَا لَوْ سَافَرَ مِنْ اللَّيْلِ وَلِأَنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا بِالزَّوَالِ وَمَا قَبْلَهُ وَقْتُ رُخْصَةٍ ( إنْ لَمْ يَأْتِ ) مُسَافِرٌ ( بِهَا ) أَيْ الْجُمُعَةِ ( فِي طَرِيقِهِ فِيهِمَا ) أَيْ فِيمَا إذَا سَافَرَ بَعْدَ الزَّوَالِ وَقَبْلَهُ ، فَإِنْ أَتَى بِهَا فِي طَرِيقِهِ لَمْ يَحْرُمْ ، وَلَمْ يُكْرَهْ لِأَدَاءِ فَرْضِهِ .

فَصْلٌ وَلِصِحَّتِهَا أَيْ الْجُمُعَةِ شُرُوطٌ أَرْبَعَةٌ ( لَيْسَ مِنْهَا ) أَيْ الشُّرُوطِ ( إذْنُ الْإِمَامِ ) لِأَنَّ عَلِيًّا صَلَّى بِالنَّاسِ ، وَعُثْمَانُ مَحْصُورٌ ، فَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ ، وَصَوَّبَهُ عُثْمَانُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ بِمَعْنَاهُ وَقَالَ أَحْمَدُ : وَقَعَتْ الْفِتْنَةُ فِي الشَّامِ تِسْعَ سِنِينَ وَكَانُوا يُجْمِعُونَ ( أَحَدُهَا ) أَيْ شُرُوطِ الْجُمُعَةِ ( الْوَقْتُ ) لِأَنَّهَا مَفْرُوضَةٌ .
فَاعْتُبِرَ لَهَا الْوَقْتُ كَبَقِيَّةِ الْمَفْرُوضَاتِ ( وَهُوَ ) أَيْ وَقْتُ الْجُمُعَةِ ( مِنْ أَوَّلِ وَقْتِ الْعِيدِ ) نَصَّ عَلَيْهِ .
لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِيدَانَ السُّلَمِيُّ قَالَ " شَهِدْتُ الْجُمُعَةَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ فَكَانَتْ خُطْبَتُهُ وَصَلَاتُهُ قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ ثُمَّ شَهِدْتُهَا مَعَ عُمَرَ ، فَكَانَتْ خُطْبَتُهُ وَصَلَاتُهُ إلَى أَنْ أَقُولَ : قَدْ انْتَصَفَ النَّهَارُ ، ثُمَّ شَهِدْتهَا مَعَ عُثْمَانَ ، فَكَانَتْ خُطْبَتُهُ وَصَلَاتُهُ إلَى أَنْ أَقُولَ : زَالَ النَّهَارُ فَمَا رَأَيْتُ أَحَدًا عَابَ ذَلِكَ وَلَا أَنْكَرَهُ " .
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَجَابِرٍ وَسَعِيدٍ وَمُعَاوِيَةَ أَنَّهُمْ صَلَّوْا قَبْلَ الزَّوَالِ ، وَلَمْ يُنْكَرْ ، فَكَانَ إجْمَاعًا ، ( إلَى آخِرِ وَقْتِ الظُّهْرِ ) إلْحَاقًا لَهَا بِهَا لِوُقُوعِهَا مَوْضِعَهَا ( وَتَلْزَمُ ) الْجُمُعَةُ ( بِزَوَالٍ ) لِأَنَّ مَا قَبْلَهُ وَقْتُ جَوَازٍ .
( وَ ) فِعْلُهَا ( بَعْدَهُ ) أَيْ الزَّوَالِ ( أَفْضَلُ ) خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ وَلِأَنَّهُ الْوَقْتُ الَّذِي كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّيهَا فِي أَكْثَرِ أَوْقَاتِهِ وَالْأَوْلَى فِعْلُهَا عَقِبَ الزَّوَالِ صَيْفًا وَشِتَاءً ( وَلَا تَسْقُطُ ) الْجُمُعَةُ ( بِشَكٍّ فِي خُرُوجِهِ ) أَيْ الْوَقْتِ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ وَالْوُجُوبُ مُحَقَّقٌ ، فَإِنْ بَقِيَ مِنْ الْوَقْتِ قَدْرُ التَّحْرِيمَةِ بَعْدَ الْخُطْبَةِ فَعَلُوهَا ( فَإِنْ تَحَقَّقُوا ) خُرُوجَهُ ( قَبْلَ التَّحْرِيمَةِ صَلَّوْا ظُهْرًا ) لِأَنَّ الْجُمُعَةَ لَا تُقْضَى ( وَإِلَّا ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقُوا خُرُوجَهُ قَبْلَ التَّحْرِيمَةِ ( أَتَمُّوا جُمُعَةً ) نَصًّا لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27