كتاب : شرح منتهى الإرادات
المؤلف : منصور بن يونس بن إدريس البهوتي

( أَوْ انْكَسَرَ صُلْبُهُ فَذَهَبَ مَشْيُهُ وَنِكَاحُهُ فَدِيَتَاهُ ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْمَنْفَعَتَيْنِ مُسْتَقِلَّةٌ بِنَفْسِهَا فَضُمِنَتْ بِدِيَةٍ كَامِلَةٍ كَمَا لَوْ انْفَرَدَتْ ( وَإِنْ ذَهَبَ ) بِكَسْرِ صُلْبِهِ ( مَاؤُهُ ) فَالدِّيَةُ ( أَوْ ) ذَهَبَ بِكَسْرِ صُلْبِهِ ( إحْبَالُهُ ) بِأَنَّ صَارَ مَنِيُّهُ لَا يُحْمَلُ مِنْهُ ( فَالدِّيَةُ ) ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي الرَّوْضَةِ : إنْ ذَهَبَ نَسْلُهُ فَالدِّيَةُ

( وَلَا يَدْخُلُ أَرْشُ جِنَايَةٍ أَذْهَبَتْ عَقْلَهُ فِي دِيَتِهِ ) كَمَا لَوْ شَجَّهُ ، فَذَهَبَ بِهَا عَقْلُهُ فَعَلَيْهِ دِيَةٌ لِلْعَقْلِ ، وَأَرْشٌ لِلشَّجَّةِ لِأَنَّهُمَا شَيْئَانِ مُتَغَايِرَانِ أَشْبَهَ مَا لَوْ ضَرَبَهُ عَلَى رَأْسِهِ فَأَذْهَبَ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ

( وَيُقْبَلُ قَوْلُ مَجْنِيٍّ عَلَيْهِ فِي نَقْصِ بَصَرِهِ وَسَمْعِهِ ) بِيَمِينِهِ .
أَيْ : إنَّ سَمْعَهُ أَوْ بَصَرَهُ نَقَصَ ، لِأَنَّهُ لَا يُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ ، وَلَهُ حُكُومَةٌ ، وَإِنْ ادَّعَى نَقْصَ إحْدَى عَيْنَيْهِ عُصِبَتْ الَّتِي ادَّعَى نَقْصَ ضَوْئِهَا وَأُطْلِقَتْ الْأُخْرَى وَنُصِبَ لَهُ شَخْصٌ وَيَتَبَاعَدُ عَنْهُ حَتَّى تَنْتَهِي رُؤْيَتُهُ فَيُعْلَمُ الْمَوْضِعُ ، ثُمَّ تُشَدُّ الصَّحِيحَةُ وَتُطْلَقُ الْأُخْرَى .
وَيُنْصَبُ لَهُ شَخْصٌ ثُمَّ يَذْهَبُ حَتَّى تَنْتَهِيَ رُؤْيَتُهُ فَيُعْلَمُ .
ثُمَّ يُدَارُ الشَّخْصُ إلَى جَانِبٍ آخَرَ .
وَيُصْنَعُ كَذَلِكَ .
ثُمَّ يُعْلَمُ عِنْدَ الْمَسَافَتَيْنِ وَيُذَرَّعَانِ وَيُقَابَلُ بَيْنَهُمَا ، فَإِنْ اسْتَوَتَا فَقَدْ صَدَقَ وَلَهُ مِنْ الدِّيَةِ بِقَدْرِ مَا بَيْنَ الصَّحِيحَةِ وَالْعَلِيلَةِ مِنْ الرُّؤْيَةِ .
وَإِنْ اخْتَلَفَتْ الْمَسَافَتَانِ فَقَدْ كَذَبَ .
رَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ نَحْوَهُ عَنْ عُمَرَ

( وَ ) يُقْبَلُ قَوْلُ مَجْنِيٍّ عَلَيْهِ ( فِي قَدْرِ مَا أَتْلَفَ كُلٌّ مِنْ جَانِبَيْنِ فَأَكْثَرَ ) لِاتِّفَاقِ الْجَانِبَيْنِ عَلَى الْإِتْلَافِ فِي الْجُمْلَةِ .
وَالْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَعْلَمُ بِقَدْرِ مَا أَتْلَفَ كُلٌّ مِنْهُمَا ، وَغَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي الْإِخْبَارِ بِهِ ، وَلَيْسَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ مُدَّعِيًا ، وَلَا مُنْكِرًا ، فَهُوَ كَالشَّاهِدِ بَيْنَهُمَا

( وَإِنْ اخْتَلَفَا ) أَيْ الْجَانِي وَالْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ( فِي ذَهَابِ بَصَرِ ) مَجْنِيٍّ عَلَيْهِ بِفِعْلِ جَانٍ ( أَرَى ) مَجْنِيٌّ عَلَيْهِ ( أَهْلَ الْخِبْرَةِ ) بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ أَدْرَى بِهِ ( وَامْتُحِنَ بِتَقْرِيبِ شَيْءٍ إلَى عَيْنَيْهِ وَقْتَ غَفْلَتِهِ ) فَإِنْ حَرَّكَهُمَا فَهُوَ يُبْصِرُ ، لِأَنَّ طَبْعَ الْآدَمِيِّ الْحَذَرِ عَلَى عَيْنَيْهِ وَإِنْ بَقِيَتَا بِحَالِهِمَا دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُبْصِرُ

( وَ ) إنْ اخْتَلَفَ جَانٍ وَمَجْنِيٌّ عَلَيْهِ ( فِي ذَهَابِ سَمْعٍ أَوْ شَمٍّ أَوْ ذَوْقٍ صِيحَ بِهِ ) أَيْ : الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إنْ اخْتَلَفَا ( فِي ) ذَهَابِ سَمْعِهِ وَقْتَ ( غَفْلَتِهِ وَأُتْبِعَ بِمُنْتِنٍ ) إنْ اخْتَلَفَا فِي ذَهَابِ شَمِّهِ ( وَأُطْعِمَ ) الشَّيْءَ ( الْمُرَّ ) إنْ اخْتَلَفَا فِي ذَهَابِ ذَوْقِهِ ( فَإِنْ فَزَعَ مِنْ الصَّائِحِ أَوْ مِنْ مُقَرَّبٍ لِعَيْنَيْهِ أَوْ عَبَسَ لِلْمُنْتِنِ أَوْ الْمُرِّ سَقَطَتْ دَعْوَاهُ ) لِتَبَيُّنِ كَذِبِهِ ( وَأَلَّا ) يَفْزَعَ مِنْ صَائِحٍ وَلَا مُقَرِّبٍ لِعَيْنَيْهِ ، وَلَا عَبَسَ لِمُنْتِنٍ ( صُدِّقَ بِيَمِينِهِ ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ صِحَّةُ دَعْوَاهُ ( وَيَرُدُّ الدِّيَةَ آخِذٌ ) لَهَا ( عُلِمَ كَذِبُهُ ) لِتَبَيُّنِ أَنَّهُ قَبَضَهَا بِغَيْرِ حَقٍّ .

وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الشُّعُورِ الْأَرْبَعَةِ الدِّيَةُ كَامِلَةً ( وَهِيَ شَعْرُ رَأْسٍ وَ ) شَعْرُ ( لِحْيَةٍ وَ ) شَعْرُ ( حَاجِبَيْنِ وَ ) شَعْرُ ( أَهْدَابِ عَيْنَيْنِ ) .
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ : فِي الشَّعْرِ الدِّيَةُ ، وَلِأَنَّهُ إذْهَابُ الْجَمَالِ عَلَى الْكَمَالِ كَأُذُنَيْ الْأَصَمِّ وَأَنْفِ الْأَخْشَمِ بِخِلَافِ الْيَدِ الشَّلَّاءِ فَلَيْسَ جَمَالُهَا كَامِلًا

( وَفِي حَاجِبٍ نِصْفُ ) دِيَةٍ لِأَنَّ فِيهِ مِنْهُ شَيْئَيْنِ ( وَفِي هُدْبٍ رُبْعُ ) دِيَةٍ لِأَنَّ فِيهِ مِنْهُ أَرْبَعَةً

( وَفِي بَعْضِ كُلٍّ ) مِنْ الشُّعُورِ الْأَرْبَعَةِ ( بِقِسْطِهِ ) مِنْ الدِّيَةِ بِقَدْرِ الْمِسَاحَةِ كَالْأُذُنَيْنِ .
وَسَوَاءٌ كَانَتْ هَذِهِ الشُّعُورُ كَثِيفَةً أَوْ خَفِيفَةً ، جَمِيلَةً أَوْ قَبِيحَةً مِنْ صَغِيرٍ أَوْ كَبِيرٍ كَسَائِرِ مَا فِيهِ دِيَةٌ مِنْ الْأَعْضَاءِ

( وَفِي ) شَعْرِ ( شَارِبٍ حُكُومَةٌ ) نَصًّا ( وَمَا عَادَ ) مِنْ شَعْرٍ ( سَقَطَ مَا فِيهِ ) مِنْ دِيَةٍ أَوْ بَعْضِهَا ، أَوْ حُكُومَةٍ كَمَا تَقَدَّمَ فِي سِنَّةٍ وَنَحْوِهَا إذَا عَادَتْ .
وَإِنْ عَادَ بَعْدَ أَخْذِ مَا فِيهِ رَدَّهُ ، وَإِنْ رَجَا عَوْدَهُ انْتَظَرَ مَا يَقُولُ أَهْلُ الْخِبْرَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ

( وَمَنْ ) أَزَالَ وَاحِدًا مِنْ الشُّعُورِ الْأَرْبَعَةِ وَ ( تَرَكَ مِنْ لِحْيَةٍ أَوْ غَيْرِهَا ) مِنْهُ مَا لَا جَمَالَ فِيهِ أَيْ الْمَتْرُوكِ ( فَ ) عَلَيْهِ ( دِيَتُهُ كَامِلَةٌ ) لِإِذْهَابِهِ الْمَقْصُودَ مِنْهُ كُلَّهُ ، كَمَا لَوْ أَذْهَبَ ضَوْءَ عَيْنَيْهِ ، وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا احْتَاجَ بِجِنَايَتِهِ لِإِذْهَابِ الْبَاقِي لِزِيَادَتِهِ فِي الْقُبْحِ .
وَلَا قِصَاصَ فِي هَذِهِ الشُّعُورِ ، لِأَنَّ إتْلَافَهَا إنَّمَا يَكُونُ بِالْجِنَايَةِ عَلَى مَحَلِّهَا ، وَهُوَ غَيْرُ مَعْلُومِ الْمِقْدَارِ ، وَلَا تُمْكِنُ الْمُسَاوَاةُ فِيهِ

( وَإِنْ قَلَعَ جَفْنًا بِهُدْبِهِ فَدِيَةُ الْجَفْنِ فَقَطْ ) لِتَبَعِيَّةِ الشَّعْرِ لَهُ فِي الزَّوَالِ كَالْأَصَابِعِ مَعَ الْكَفِّ

( وَإِنْ قَطَعَ لَحْيَيْنِ بِأَسْنَانِهِمَا فَ ) عَلَيْهِ ( دِيَةُ الْكُلِّ ) مِنْ اللَّحْيَيْنِ وَالْأَسْنَانِ ، فَلَا تَدْخُلُ دِيَةُ الْأَسْنَانِ فِي دِيَةِ اللَّحْيَيْنِ لِأَنَّ الْأَسْنَانَ لَيْسَتْ مُتَّصِلَةً بِاللَّحْيَيْنِ بَلْ مَغْرُوزَةً فِيهِمَا ، وَكُلٌّ مِنْ اللَّحْيَيْنِ وَالْأَسْنَانِ يَنْفَرِدُ بِاسْمِهِ عَلَى الْآخَرِ .
وَاللَّحْيَانِ يُوجَدَانِ قَبْلَ الْأَسْنَانِ وَيَبْقَيَانِ بَعْدَ قَلْعِهِمَا بِخِلَافِ الْكَفِّ مَعَ الْأَصَابِعِ

( وَإِنْ قَطَعَ كَفًّا بِأَصَابِعِهِ لَمْ تَجِبْ غَيْرُ دِيَةِ يَدٍ ) لِدُخُولِ الْكُلِّ فِي مُسَمَّى الْيَدِ كَقَطْعِ ذَكَرٍ بِحَشَفَتِهِ ( وَإِنْ كَانَ بِهِ ) أَيْ : الْكَفِّ ( بَعْضُهَا ) أَيْ : الْأَصَابِعِ ( دَخَلَ فِي دِيَةِ الْأَصَابِعِ مَا حَاذَاهَا ) مِنْ الْكَفِّ لِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ سَالِمَةً كُلُّهَا لَدَخَلَ أَرْشُ الْكَفِّ كُلَّهُ فِي دِيَتِهَا ( وَعَلَيْهِ ) أَيْ الْجَانِي ( أَرْشُ بَقِيَّةُ الْكَفِّ ) الَّتِي لَمْ تُحَاذِ الْأَصَابِعَ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَا يَدْخُلُ فِي دِيَتِهِ فَوَجَبَ أَرْشُهُ كَمَا لَوْ كَانَتْ الْأَصَابِعُ كُلُّهَا مَقْطُوعَةً

( وَفِي كَفٍّ بِلَا أَصَابِعَ ) ثُلُثُ دِيَتِهِ

( وَ ) فِي ( ذِرَاعٍ بِلَا كَفٍّ ) ثُلُثُ دِيَتِهِ

( وَ ) فِي ( عَضُدٍ بِلَا ذِرَاعٍ ثُلُثُ دِيَتِهِ ) أَيْ : الْكَفِّ بِمَعْنَى الْيَدِ شَبَّهَهُ أَحْمَدُ بِعَيْنٍ قَائِمَةٍ ( وَكَذَا تَفْصِيلِيُّ رِجْلٍ ) وَمُقْتَضَى تَشْبِيهِ الْإِمَامِ بِالْعَيْنِ الْقَائِمَةِ أَنَّ فِي ذَلِكَ حُكُومَةً ، وَمَشَى عَلَيْهِ فِي الْإِقْنَاعِ وَقَالَ فِي حَاشِيَةِ التَّنْقِيحِ : إنَّهُ الْمَذْهَبُ ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْأَصْحَابِ

( وَفِي عَيْنِ أَعْوَرَ دِيَةٌ كَامِلَةٌ ) قَضَى بِهِ عُمَرُ وَابْنُهُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَلَا يُعْلَمُ لَهُمْ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ، وَلِأَنَّهُ أَذْهَبَ الْبَصَرَ كُلَّهُ فَوَجَبَ عَلَيْهِ جَمِيعُ دِيَتِهِ كَمَا لَوْ أَذْهَبَهُ مِنْ الْعَيْنَيْنِ لِأَنَّهُ يَحْصُلُ بِعَيْنِ الْأَعْوَرِ مَا يَحْصُلُ بِعَيْنَيْ الصَّحِيحِ لِرُؤْيَتِهِ الْأَشْيَاءَ الْبَعِيدَةَ وَإِدْرَاكِهِ الْأَشْيَاءَ اللَّطِيفَةَ ، وَعَمَلُهُ عَمَلُ الْبَصِيرِ ( وَإِنْ قَلَعَهَا ) أَيْ عَيْنَ الْأَعْوَرِ ( صَحِيحُ ) الْعَيْنَيْنِ ( أُقِيدَ ) أَيْ : قُلِعَتْ عَيْنُهُ ( بِشَرْطِهِ ) السَّابِقِ لِمَا تَقَدَّمَ ( وَعَلَيْهِ ) أَيْ : الصَّحِيحِ ( مَعَهُ ) أَيْ : الْقَوَدِ فِي نَظِيرَتِهَا ( نِصْفُ الدِّيَةِ ) لِأَنَّهُ أَذْهَبَ بَصَرَ الْأَعْوَرِ كُلَّهُ وَلَا يُمْكِنُ إذْهَابُ بَصَرِهِ كُلِّهِ لِمَا فِيهِ مِنْ أَخْذِ عَيْنَيْنِ بِعَيْنٍ وَاحِدَةٍ وَقَدْ اسْتَوْفَى نِصْفَ الْبَصَرِ تَبَعًا لِعَيْنِهِ بِالْقَوَدِ وَبَقِيَ النِّصْفُ الَّذِي لَا يُمْكِنُ الْقِصَاصُ فِيهِ فَوَجَبَتْ دِيَتُهُ

( وَإِنْ قَلَعَ الْأَعْوَرُ مَا يُمَاثِلُ صَحِيحَتَهُ ) أَيْ عَيْنَهُ الصَّحِيحَةَ ( مِنْ ) شَخْصٍ ( صَحِيحِ ) الْعَيْنَيْنِ ( عَمْدًا فَ ) عَلَى الْأَعْوَرِ ( دِيَةٌ كَامِلَةٌ وَلَا قَوَدَ ) عَلَيْهِ فِي قَوْلِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَلَا يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ لِأَنَّ الْقِصَاصَ يُفْضِي إلَى اسْتِيفَاءِ جَمِيعِ الْبَصَرِ وَهُوَ إنَّمَا أَذْهَبَ بَعْضَ بَصَرِ الصَّحِيحِ فَلَمَّا امْتَنَعَ الْقِصَاصُ وَجَبَتْ الدِّيَةُ كَامِلَةً لِئَلَّا تَذْهَبَ الْجِنَايَةُ مَجَّانًا وَكَانَتْ كَامِلَةً لِأَنَّهَا بَدَلُ الْقِصَاصِ السَّاقِطِ عَنْهُ رِفْقًا بِهِ وَلَوْ اُقْتُصَّ مِنْهُ ذَهَبَ مَا لَوْ ذَهَبَ بِالْجِنَايَةِ لَوَجَبَتْ فِيهِ دِيَةٌ كَامِلَةٌ .
( وَ ) إنْ قَلَعَ الْأَعْوَرُ مَا يُمَاثِلُ عَيْنَهُ الصَّحِيحَةَ ( خَطَأً فَنِصْفُهَا ) أَيْ : الدِّيَةِ كَمَا لَوْ قَلَعَهَا صَحِيحٌ وَكَذَا لَوْ قَلَعَ مَا لَا يُمَاثِلُ صَحِيحَتَهُ

( وَإِنْ قَلَعَ ) الْأَعْوَرُ ( عَيْنَيْ صَحِيحٍ عَمْدًا فَالْقَوَدُ أَوْ الدِّيَةُ فَقَطْ ) لِأَنَّهُ أَخَذَ جَمِيعَ بَصَرِهِ بِبَصَرِهِ

( وَ ) يَجِبُ ( فِي يَدِ أَقْطَعَ أَوْ رِجْلِهِ ) إنْ قُطِعَتْ يَدُهُ الْأُخْرَى أَوْ رِجْلُهُ الْأُخْرَى ( وَلَوْ عَمْدًا أَوْ مَعَ ذَهَابِ ) الْيَدِ أَوْ الرِّجْلِ ( الْأُولَى هَدَرًا نِصْفُ دِيَتِهِ ) أَيْ : الْأَقْطَعِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى أَوْ خُنْثَى مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا ، حُرًّا أَوْ رَقِيقًا ( كَبَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ ) لِأَنَّ أَحَدَ هَذَيْنِ الْعُضْوَيْنِ لَا يَقُومُ مَقَامَهُمَا بِخِلَافِ عَيْنِ الْأَعْوَرِ ( وَلَوْ قَطَعَ ) الْأَقْطَعُ ( يَدَ صَحِيحٍ ) أَوْ رِجْلَهُ ( أُقِيدَ بِشَرْطِهِ ) السَّابِقِ لِوُجُودِ الْمُوجِبِ وَانْتِفَاءِ الْمَانِعِ .

أَيْ : بَيَانُ مَا يَجِبُ فِيهَا وَأَصْلُ الشَّجِّ الْقَطْعُ وَمِنْهُ شَجَجْت الْمَفَازَةَ ، أَيْ : قَطَعْتهَا ( الشَّجَّةُ ) وَاحِدَةُ الشِّجَاجِ ( جُرْحُ الرَّأْسِ وَالْوَجْهِ ) فَقَطْ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِقَطْعِهَا الْجِلْدَ وَفِي غَيْرِهِمَا يُسَمَّى جُرْحًا لَا شَجَّةً .
( وَهِيَ ) أَيْ : الشَّجَّةُ بِاعْتِبَارِ أَسْمَائِهَا الْمَنْقُولَةِ عَنْ الْعُرْفِ ( عَشْرٌ ) مُرَتَّبَةٌ ( خَمْسٌ ) مِنْهَا ( فِيهَا حُكُومَةٌ ) إحْدَاهَا ( الْحَارِصَةُ ) بِالْحَاءِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَتَيْنِ ( الَّتِي تَحْرِصُ الْجِلْدَ ، أَيْ : تَشُقُّهُ وَلَا تُدْمِيهِ ) ، أَيْ : تُسِيلُ دَمَهُ مِنْ الْحَرْصِ وَهُوَ الشَّقُّ وَمِنْهُ حَرَصَ الْقَصَّارُ الثَّوْبَ إذَا شَقَّهُ قَلِيلًا ، وَيُقَالُ لِبَاطِنِ الْجِلْدِ الْحُرُصَاتِ فَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِوُصُولِ الشَّقِّ إلَيْهِ وَتُسَمَّى أَيْضًا الْقَاشِرَةُ وَالْقِشْرَةُ .
قَالَ الْقَاضِي وَابْنُ هُبَيْرَةَ وَالْمَلْطَاءِ ( ثُمَّ ) يَلِيهَا ( الْبَاذِلَةُ : الدَّامِيَةُ الدَّامِعَةُ ) بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ ( الَّتِي تُدْمِيهِ ) أَيْ : الْجِلْدَ يُقَالُ : بَذَلَ الشَّيْءَ ، إذَا سَالَ ، وَسُمِّيَتْ دَامِعَةً لِقِلَّةِ سَيَلَانِ الدَّمِ مِنْهَا تَشْبِيهًا لَهُ بِخُرُوجِ الدَّمْعِ مِنْ الْعَيْنِ ( ثُمَّ ) يَلِيهَا ( الْبَاضِعَةُ ) أَيْ ( الَّتِي تُبْضِعُ اللَّحْمَ ) أَيْ : تَشُقُّهُ بَعْدَ الْجِلْدِ وَمِنْهُ الْبُضْعُ ( ثُمَّ ) يَلِيهَا ( الْمُتَلَاحِمَةُ ) أَيْ : ( الْغَائِصَةُ فِيهِ ) أَيْ : اللَّحْمِ مُشْتَقَّةٌ مِنْ اللَّحْمِ لِغَوْصِهَا فِيهِ ( ثُمَّ ) يَلِيهَا ( السِّمْحَاقُ الَّتِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعَظْمِ قِشْرَةٌ ) رَقِيقَةٌ تُسَمَّى السِّمْحَاقَ سُمِّيَتْ الْجِرَاحَةُ الْوَاصِلَةُ إلَيْهَا بِهَا .
فَفِي كُلٍّ مِنْ هَذِهِ الْخَمْسِ حُكُومَةٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا تَوْفِيقَ فِيهَا مِنْ الشَّرْعِ وَلَا قِيَاسَ يَقْتَضِيهِ .
وَعَنْ مَكْحُولٍ قَالَ { قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمُوضِحَةِ بِخَمْسٍ مِنْ الْإِبِلِ وَلَمْ يَقْضِ فِيمَا دُونَهَا } ، ( وَخَمْسٌ ) مِنْ الشِّجَاجِ ( فِيهَا مُقَدَّرٌ ) أَوَّلُهَا ( الْمُوضِحَةُ ) .
وَهِيَ ( الَّتِي تُوضِحُ الْعَظْمَ أَيْ : تُبْرِزُهُ وَلَوْ بِقَدْرِ ) رَأْسِ (

إبْرَةٍ ) فَلَا يُشْتَرَطُ وُضُوحُهُ لِلنَّاظِرِ ، وَالْوَضَحُ : الْبَيَاضُ ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا أَبْدَتْ بَيَاضَ الْعَظْمِ ( وَفِيهَا نِصْفُ عُشْرِ الدِّيَةِ ) أَيْ : دِيَةِ الْحُرِّ الْمُسْلِمِ ( فَمِنْ حُرٍّ خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ ) لِمَا فِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ { وَفِي الْمُوضِحَةِ خَمْسٌ مِنْ الْإِبِلِ } وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا { فِي الْمَوَاضِحِ خَمْسٌ خَمْسٌ } رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَسَوَاءٌ كَانَتْ فِي الرَّأْسِ أَوْ الْوَجْهِ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ .
.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ ( وَهِيَ إنْ عَمَّتْ رَأْسًا ) أَوْ لَمْ تَعُمَّهُ ( وَنَزَلَتْ إلَى الْوَجْهِ مُوضِحَتَانِ ) ؛ لِأَنَّهُ أَوْضَحَهُ فِي عُضْوَيْنِ فَلِكُلٍّ حُكْمُ نَفْسِهِ ( وَإِنْ أَوْضَحَهُ ) مُوضِحَتَيْنِ ( ثِنْتَيْنِ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ فَ ) عَلَيْهِ ( عَشَرَةُ ) أَبْعِرَةٍ لِأَنَّهُمَا مُوضِحَتَانِ ( وَإِنْ ذَهَبَ ) الْحَاجِزُ ( بِفِعْلِ جَانٍ أَوْ سِرَايَةٍ صَارَا ) أَيْ : الْجُرْحَانِ مُوضِحَةً ( وَاحِدَةً ) كَمَا لَوْ أَوْضَحَ الْكُلَّ بِلَا حَاجِزٍ وَإِنْ انْدَمَلَتَا ثُمَّ أَزَالَ الْحَاجِزَ بَيْنَهُمَا فَعَلَيْهِ خَمْسَةَ عَشَرَ بَعِيرًا لِاسْتِقْرَارِ أَرْشِ الْأُولَيَيْنِ عَلَيْهِ بِانْدِمَالِهِمَا ثُمَّ لَزِمَهُ أَرْشُ الثَّالِثَةِ ، وَإِنْ انْدَمَلَتْ إحْدَاهُمَا ثُمَّ زَالَ الْحَاجِزَ بِفِعْلِ جَانٍ أَوْ سِرَايَةِ الْأُخْرَى فَمُوضِحَتَانِ ( وَإِنْ خَرَقَهُ ) أَيْ : الْحَاجِزَ بَيْنَ الْمُوضِحَتَيْنِ ( مَجْرُوحٌ ) فَعَلَى جَانٍ مُوضِحَتَانِ ( أَوْ ) خَرَقَهُ ( أَجْنَبِيٌّ ) أَيْ : غَيْرُ الشَّاجِّ وَالْمَجْرُوحِ ( فَ ) لِلْمَشْجُوجِ أَرْشُ ( ثَلَاثِ مَوَاضِحَ ( عَلَى الْأَوَّلِ مِنْهَا ثِنْتَانِ ) وَعَلَى الْآخَرِ وَاحِدَةٌ لِأَنَّ فِعْلَ إحْدَاهُمَا لَا يَنْبَنِي عَلَى فِعْلِ الْآخَرِ فَانْفَرَدَ كُلٌّ مِنْهُمَا بِحُكْمِ جِنَايَتِهِ وَلَا يَسْقُطُ عَنْ الْأَوَّلِ شَيْءَ مِنْ أَرْشِ الْمُوضِحَتَيْنِ بِخَرْقِ الْمَشْجُوجِ أَوْ غَيْرِهِ لِأَنَّ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ بِجِنَايَتِهِ لَا يَسْقُطُ عَنْهُ بِفِعْلِ غَيْرِهِ

( وَيُصَدَّقُ مَجْرُوحٌ بِيَمِينِهِ فِيمَنْ خَرَقَهُ عَلَى الْجَانِي ) الْأَوَّلِ فَلَوْ قَالَ الْجَانِي خَرَقْت مَا بَيْنَهُمَا فَصَارَتَا وَاحِدَةً وَقَالَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ بَلْ خَرَقَهُ غَيْرُك فَعَلَيْك الْمُوضِحَتَانِ ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِيَمِينِهِ ؛ لِوُجُوبِ سَبَبِ لُزُومِ الْمُوضِحَتَيْنِ وَالْجَانِي يَدَّعِي زَوَالَهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُهُ وَ ( لَا ) يُقْبَلُ قَوْلُ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ ( عَلَى الْأَجْنَبِيِّ ) الْمُنْكِرِ إزَالَتَهُ بِلَا بَيِّنَةٍ لِعُمُومِ حَدِيثِ { الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ } ( وَمِثْلُهُ ) أَيْ : الْجَانِي مُوضِحَتَيْنِ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ إذَا خَرَقَ مَا بَيْنَهُمَا فَصَارَتَا وَاحِدَةً

وَ ( مَنْ قَطَعَ ثَلَاثَ أَصَابِعَ حُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ فَعَلَيْهِ ثَلَاثُونَ بَعِيرًا إنْ لَمْ يَقْطَعْ غَيْرَهَا فَلَوْ قَطَعَ ) الْجَانِي أُصْبُعًا ( رَابِعَةً قَبْلَ بُرْءِ ) الثَّلَاثِ ( رُدَّتْ ) الْمَرْأَةُ ( إلَى عِشْرِينَ ) بَعِيرًا لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْمَرْأَةَ تُسَاوِي الذَّكَرَ فِيمَا دُونَ الثُّلُثِ وَعَلَى النِّصْفِ مِنْهُ فِي الثُّلُثِ فَمَا زَادَ عَلَيْهِ ( فَإِنْ اخْتَلَفَا ) أَيْ : قَاطِعُ أَصَابِعِهَا وَهِيَ ( فِي قَاطِعِهَا ) أَيْ : الْأُصْبُعِ الرَّابِعَةِ ، بِأَنْ قَالَ الْجَانِي أَنَا قَطَعْتهَا فَلَا يَلْزَمُنِي إلَّا عِشْرُونَ بَعِيرًا ، وَقَالَتْ هِيَ بَلْ قَطَعَهَا غَيْرُك فَيَلْزَمُك ثَلَاثُونَ بَعِيرًا ( صُدِّقَتْ ) بِيَمِينِهَا عَلَيْهِ لِأَنَّهُ يَدَّعِي زَوَالَ مَا وُجِدَ مِنْ سَبَبِ أَرْشِ الثَّلَاثِ وَهِيَ تُنْكِرُهُ وَالْأَصْلُ بَقَاؤُهُ

( وَإِنْ خَرَقَ جَانٍ بَيْنَ مُوضِحَتَيْنِ بَاطِنًا ) فَقَطْ ( أَوْ ) بَاطِنًا ( مَعَ ظَاهِرٍ فَ ) قَدْ صَارَتَا ( وَاحِدَةً ) لِاتِّصَالِهِمَا بَاطِنًا ( وَإِنْ ) خُرِقَ مَا بَيْنَهُمَا ( ظَاهِرًا فَقَطْ فَ ) هُمَا ( ثِنْتَانِ ) لِعَدَمِ اتِّصَالِهِمَا بَاطِنًا

( ثُمَّ ) يَلِي الْمُوضِحَةَ ( الْهَاشِمَةُ ) أَيْ : ( الَّتِي تُوضِحُ الْعَظْمَ ) أَيْ : تُبْرِزُهُ ( وَتُهَشِّمُهُ ) أَيْ تَكْسِرُهُ ( وَفِيهَا عَشَرَةُ أَبْعِرَةٍ ) رُوِيَ عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ ذُؤَيْبٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ، وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ مَا يُخَالِفُ الْقِيَاسَ تَوْقِيفٌ ، فَإِنْ هَشَّمَهُ هَاشِمَتَيْنِ بَيْنَهُمَا حَاجِزٌ فَفِيهِمَا عِشْرُونَ بَعِيرًا ، فَإِنْ زَالَ الْحَاجِزُ فَعَلَى مَا تَقَدَّمَ تَفْصِيلُهُ وَالْهَاشِمَةُ الصَّغِيرَةُ كَالْكَبِيرَةِ

( ثُمَّ ) يَلِيهَا ( الْمُنَقِّلَةُ ) وَهِيَ ( الَّتِي تُوضِحُ ) الْعَظْمَ ( وَتُهَشِّمُ ) الْعَظْمَ ( وَتُنَقِّلُ الْعَظْمَ ، وَفِيهَا خَمْسَةَ عَشَرَ بَعِيرًا ) حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعَ أَهْلِ الْعِلْمِ ، وَفِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ { وَفِي الْمُنَقِّلَةِ خَمْسَ عَشَرَةَ مِنْ الْإِبِلِ فَإِنْ كَانَتَا مُنَقِّلَتَيْنِ فَعَلَى مَا سَبَقَ }

( ثُمَّ ) يَلِيهَا ( الْمَأْمُومَةُ الَّتِي تَصِلُ إلَى جِلْدَةِ الدَّمِ وَتُسَمَّى الْآمَّةَ ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَهْلُ الْعِرَاقِ يَقُولُونَ لَهَا : الْآمَّةُ ، وَأَهْلُ الْحِجَازِ : الْمَأْمُومَةُ ( وَ ) تُسَمَّى أَيْضًا ( أُمَّ الدِّمَاغِ ) لِوُصُولِهَا إلَى الْجِلْدَةِ الَّتِي تُحَوِّطُ بِالدِّمَاغِ ( ثُمَّ ) يَلِيهَا ( الدَّامِغَةُ ) بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ ( الَّتِي تَخْرِقُ الْجِلْدَةَ ) أَيْ : جِلْدَةَ الدِّمَاغِ ( وَفِي كُلٍّ مِنْهُمَا ) أَيْ الْمَأْمُومَةِ وَالدَّامِغَةِ ( ثُلُثُ الدِّيَةِ ) لِمَا فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ مَرْفُوعًا { وَفِي الْمَأْمُومَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ } وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا مِثْلُهُ ، وَالدَّامِغَةُ أَوْلَى وَصَاحِبُهَا لَا يَسْلَمُ غَالِبًا

( وَإِنْ شَجَّهُ شَجَّةً بَعْضُهَا هَاشِمَةٌ ) وَبَقِيَّتُهَا دُونَهَا ( أَوْ ) بَعْضُهَا ( مُوضِحَةٌ ) فَقَطْ ( وَبَقِيَّتُهَا دُونَهَا فَ ) عَلَيْهِ ( دِيَةُ هَاشِمَةٍ ) فَقَطْ إنْ كَانَ بَعْضُهَا هَاشِمَةً ( أَوْ ) دِيَةُ ( مُوضِحَةٍ فَقَطْ ) إنْ كَانَ بَعْضُهَا مُوضِحَةً ؛ لِأَنَّهُ لَوْ هَشَّمَهُ كُلَّهُ أَوْ أَوْضَحَهُ كُلَّهُ لَمْ يَلْزَمْهُ فَوْقَ دِيَةِ الْهَاشِمَةِ أَوْ الْمُوضِحَةِ وَإِنْ أَوْضَحَهُ وَاحِدٌ ثُمَّ هَشَّمَهُ ثَانٍ ثُمَّ جَعَلَهَا ثَالِثٌ مُنَقِّلَةً ثُمَّ رَابِعٌ مَأْمُومَةً أَوْ دَامِغَةً ، فَعَلَى الرَّابِعِ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ بَعِيرًا وَثُلُثٌ وَعَلَى كُلٍّ مِنْ الثَّلَاثَةِ قَبْلَهُ خَمْسَةُ أَبْعِرَةٍ

( وَإِنْ هَشَّمَهُ بِمُثَقِّلٍ وَلَمْ يُوضِحْهُ ) فَحُكُومَةٌ

( أَوْ طَعَنَهُ فِي خَدِّهِ فَوَصَلَ ) الطَّعْنُ ( إلَى فَمِهِ ) فَحُكُومَةٌ

( أَوْ نَفَذَ ) جَانٍ بِخَرْزِهِ ( أَنْفًا أَوْ ذَكَرًا ) فَحُكُومَةٌ

( أَوْ ) نَفَذَ ( جَفْنًا إلَى بَيْضَةِ الْعَيْنِ ) فَحُكُومَةٌ

( أَوْ أَدْخَلَ ) غَيْرَ زَوْجٍ ( أُصْبُعَهُ فَرْجَ بِكْرٍ ) فَحُكُومَةٌ

( أَوْ ) أَدْخَلَ أُصْبُعَهُ ( دَاخِلَ عَظْمِ فَخِذٍ ) فَعَلَيْهِ ( حُكُومَةٌ ) لِأَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ فِي ذَلِكَ .

وَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ دِيَةٍ لِمَا فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ { وَفِي الْجَائِفَةِ ثُلُثُ الدِّيَةِ } ( وَهِيَ مَا ) أَيْ : جُرْحٌ ( يَصِلُ إلَى بَاطِنِ جَوْفٍ ) أَيْ مَا لَا يَظْهَرُ مِنْهُ لِلرَّائِي ( كَ ) دَاخِلِ ( بَطْنٍ وَلَوْ لَمْ يَخْرِقْ مَعًا وَ ) دَاخِلِ ( ظَهْرٍ وَصَدْرٍ وَحَلْقٍ وَمَثَانَةٍ وَبَيْنَ خُصْيَتَيْنِ وَ ) دَاخِلِ ( دُبُرٍ وَإِنْ جَرَحَ جَانِبًا فَخَرَجَ ) مَا جُرِحَ بِهِ ( مِنْ ) جَانِبٍ ( آخَرَ فَجَائِفَتَانِ ) نَصًّا لِمَا رَوَى سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَجُلًا رَمَى رَجُلًا بِسَهْمٍ فَأَنْفَذَهُ فَقَضَى أَبُو بَكْرٍ بِثُلُثَيْ الدِّيَةِ خَرَّجَهُ سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فَهُوَ كَالْإِجْمَاعِ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ عُمَرَ قَضَى فِي الْجَائِفَةِ إذَا نَفَذَتْ الْجَوْفَ بِأَرْشِ جَائِفَتَيْنِ وَلِأَنَّهُ أَنْفَذَهُ مِنْ مَوْضِعَيْنِ أَشْبَهَ مَا لَوْ أَنْفَذَهُ بِضَرْبَتَيْنِ وَلَوْ أَدْخَلَ شَخْصٌ يَدَهُ فِي جَائِفَةِ إنْسَانٍ فَخَرَقَ بَطْنَهُ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ لَزِمَهُ أَرْشُ جَائِفَةٍ بِلَا خِلَافٍ

( وَإِنْ جَرَحَ وَرِكَهُ فَوَصَلَ ) الْجُرْحُ ( جَوْفَهُ أَوْ أَوْضَحَهُ فَوَصَلَ ) الْإِيضَاحُ ( قَفَاهُ فَ ) عَلَى مَنْ جَرَحَ الْوَرِكَ فَوَصَلَ الْجَوْفَ ( مَعَ دِيَةِ جَائِفَةٍ ) حُكُومَةٌ ( أَوْ ) أَيْ : وَعَلَى مَنْ أَوْضَحَ شَخْصًا فَوَصَلَ قَفَاهُ مَعَ دِيَةِ ( مُوضِحَةٍ حُكُومَةٌ بِجَرْحِ قَفَاهُ أَوْ ) جَرْحِ ( وَرِكِهِ ) لِأَنَّ الْجَرْحَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْجَائِفَةِ وَفِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْمُوضِحَةِ فَانْفَرَدَ بِالضَّمَانِ كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ جَائِفَةٌ أَوْ مُوضِحَةٌ ( وَمَنْ وَسَّعَ فَقَطْ جَائِفَةً ) أَجَافَهَا غَيْرُهُ ( بَاطِنًا وَظَاهِرًا ) فَعَلَيْهِ دِيَةُ جَائِفَةٍ لِأَنَّ فِعْلَهُ لَوْ انْفَرَدَ فَهُوَ جَائِفَةٌ فَلَا يَسْقُطُ حُكْمُهُ بِانْضِمَامِهِ إلَى غَيْرِهِ

( أَوْ فَتَقَ جَائِفَةٍ مُنْدَمِلَةً أَوْ ) فَتَقَ ( مُوضِحَةً نَبَتَ شَعْرُهَا فَ ) عَلَيْهِ ( جَائِفَةٌ ) فِي الْأُولَى ( مُوضِحَةٌ ) فِي الثَّانِيَةِ لِأَنَّ الْجُرْحَ إذَا الْتَحَمَ صَارَ كَالصَّحِيحِ بِعَوْدِهِ إلَى حَالَتِهِ الْأُولَى فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ تَقَدَّمَهُ جِنَايَةٌ أُخْرَى مُتَجَدِّدَةٌ ( وَإِلَّا ) يُوَسِّعْ بَاطِنَ الْجَائِفَةِ وَظَاهِرَهَا بَلْ وَسَّعَ أَحَدَهُمَا فَقَطْ أَوْ لَمْ تَكُنْ الْجَائِفَةُ مُنْدَمِلَةً أَوْ الْمُوضِحَةُ نَبَتَ شَعْرُهَا فَفَتَقَهَا فَعَلَيْهِ ( حُكُومَةٌ ) لِأَنَّ فِعْلَهُ لَيْسَ جَائِفَةً وَلَا مُوضِحَةً ، وَلَا مُقَدَّرَ فِيهِ وَعَلَيْهِ أَيْضًا أُجْرَةُ الطَّبِيبِ وَثَمَنُ الْخَيْطِ وَإِنْ وَسَّعَ طَبِيبٌ جَائِفَةً بِإِذْنِ مَجْنِيٍّ عَلَيْهِ مُكَلَّفٍ أَوْ إذْنِ وَلِيِّ غَيْرِهِ لِمَصْلَحَةٍ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ

( مَنْ وَطِئَ زَوْجَةً صَغِيرَةً ) لَا يُوطَأ مِثْلُهَا ( أَوْ ) وَطِئَ زَوْجَةً ( نَحِيفَةً لَا يُوطَأُ مِثْلُهَا فَخَرَقَ ) بِوَطْئِهِ ( مَا بَيْنَ مَخْرَجِ بَوْلٍ وَ ) مَخْرَجِ ( مَنِيٍّ أَوْ ) خَرَقَ بِوَطْئِهِ ( مَا بَيْنَ السَّبِيلَيْنِ فَ ) عَلَيْهِ ( الدِّيَةُ ) كَامِلَةً ( إنْ لَمْ يَسْتَمْسِكْ بَوْلٌ ) لِإِبْطَالِهِ نَفْعَ الْمَحَلِّ الَّذِي يَجْتَمِعُ فِيهِ الْبَوْلُ كَمَا لَوْ جَنَى عَلَى شَخْصٍ فَصَارَ لَا يَسْتَمْسِكُ الْغَائِطَ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ اسْتَمْسَكَ الْبَوْلَ ( فَ ) عَلَيْهِ أَرْشُ ( جَائِفَةٍ ) ثُلُثُ الدِّيَةِ لِقَضَاءِ عُمَرَ فِي الْإِفْضَاءِ بِثُلُثِ الدِّيَةِ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ( 2 وَإِنْ كَانَتْ ) الزَّوْجَةُ ( مِمَّنْ يُوطَأُ مِثْلُهَا لِمِثْلِهِ أَوْ ) كَانَتْ الْمَوْطُوءَةُ حُرَّةً ( أَجْنَبِيَّةً ) أَيْ غَيْرَ زَوْجَةِ وَاطِئٍ ( كَبِيرَةً مُطَاوِعَةً وَلَا شُبْهَةَ ) لِوَاطِئٍ فَوَطِئَهَا ( فَوَقَعَ ذَلِكَ ) أَيْ خَرَقَ مَا بَيْنَ السَّبِيلَيْنِ أَوْ مَا بَيْنَ مَخْرَجِ بَوْلٍ وَمَنِيٍّ ( فَ ) هُوَ ( هَدَرٌ ) لِحُصُولِهِ مِنْ فِعْلٍ مَأْذُونٍ فِيهِ كَأَرْشِ بَكَارَتِهَا وَمَهْرِ مِثْلِهَا ، وَكَمَا لَوْ أَذِنَتْ فِي قَطْعِ يَدِهَا فَسَرَى الْقَطْعُ إلَى نَفْسِهَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَذِنَتْ فِي وَطْئِهَا فَقَطَعَ يَدَهَا لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَأْذُونِ فِيهِ وَلَا مِنْ ضَرُورَتِهِ ( وَلَهَا ) أَيْ : الْمَوْطُوءَةِ ( مَعَ شُبْهَةٍ أَوْ ) مَعَ ( إكْرَاهٍ الْمَهْرُ ) لِاسْتِيفَائِهِ مَنْفَعَةَ الْبُضْعِ ( وَ ) لَهَا ( الدِّيَةُ ) كَامِلَةً ( إنْ لَمْ يَسْتَمْسِكْ بَوْلٌ ) لِأَنَّهَا إنَّمَا أَذِنَتْ فِي الْفِعْلِ مَعَ الشَّبَهِ لِاعْتِقَادِهَا أَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ فَإِذَا كَانَ غَيْرَهُ ثَبَتَ عَلَيْهِ الضَّمَانُ وُجُوبًا كَمَنْ أَذِنَ فِي قَبْضِ دَيْنٍ ظَانًّا أَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ فَبَانَ غَيْرُهُ ، وَأَمَّا مَعَ الْإِكْرَاهِ فَلِأَنَّهُ ظَالِمٌ مُتَعَدٍّ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ اسْتَمْسَكَ بَوْلٌ مَعَ خَرْقِ مَا بَيْنَ السَّبِيلَيْنِ ، أَوْ مَا بَيْنَ مَخْرَجِ بَوْلٍ وَمَنِيٍّ مَعَ وَطْءِ شُبْهَةٍ أَوْ إكْرَاهٍ فَعَلَيْهِ مَعَ الْمَهْرِ ( ثُلُثُهَا ) أَيْ : الدِّيَةِ لِجِنَايَةِ جَائِفَةٍ

لِقَضَاءِ عُمَرَ كَمَا تَقَدَّمَ

( وَيَجِبُ أَرْشُ بَكَارَةٍ ) أَيْ حُكُومَةٍ ( مَعَ فَتْقٍ بِغَيْرِ وَطْءٍ ) لِعُدْوَانِهِ بِذَلِكَ الْفِعْلِ ( وَإِنْ الْتَحَمَ مَا ) أَيْ جُرِحَ ( أَرْشُهُ مُقَدَّرٌ ) كَجَائِفَةٍ وَمُوضِحَةٍ وَمَا فَوْقَهَا وَلَوْ عَلَى غَيْرِ شَيْنٍ ( لَمْ يَسْقُطْ ) أَرْشُهُ لِعُمُومِ النُّصُوصِ .

وَفِي كَسْرِ ضِلْعٍ بِكَسْرِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ اللَّامِ أَوْ إسْكَانِهَا ( جُبِرَ مُسْتَقِيمًا ) أَيْ : كَمَا كَانَ بِأَنْ لَمْ تَتَغَيَّرْ صِفَتُهُ ( بَعِيرٌ وَكَذَا ) أَيْ : كَالضِّلَعِ إذَا جُبِرَ مُسْتَقِيمًا ( تَرْقُوَةٌ ) بِفَتْحِ التَّاءِ جُبِرَتْ كَمَا كَانَتْ فَفِيهِمَا بَعِيرٌ نَصًّا وَفِي التَّرْقُوَتَيْنِ بَعِيرَانِ لِمَا رَوَى سَعِيدٌ بِسَنَدِهِ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي الضِّلَعِ جَمَلٌ وَفِي التَّرْقُوَةِ جَمَلٌ وَالتَّرْقُوَةُ الْعَظْمُ الْمُسْتَدِيرُ حَوْلَ الْعُنُقِ مِنْ ثَغْرَةِ النَّحْرِ إلَى الْكَتِفِ لِكُلِّ إنْسَانٍ تَرْقُوَتَانِ ( وَإِلَّا ) يُجْبَرْ الضِّلْعُ وَالتَّرْقُوَةُ مُسْتَقِيمَيْنِ ( فَ ) فِي كُلٍّ مِنْهُمَا ( حُكُومَةٌ ) وَتَأْتِي

( وَفِي كَسْرِ كُلِّ ) عَظْمٍ ( مِنْ زَنْدٍ ) بِفَتْحِ الزَّايِ ( وَ ) مِنْ ( عَضُدٍ وَفَخِذٍ وَسَاقٍ وَذِرَاعٍ وَهُوَ السَّاعِدُ الْجَامِعُ لِعَظْمَيْ الزَّنْدِ بَعِيرَانِ ) نَصًّا .
لِمَا رَوَى سَعِيدٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ كَتَبَ إلَى عُمَرَ فِي أَحَدِ الزَّنْدَيْنِ إذَا كُسِرَ فَكَتَبَ إلَيْهِ عُمَرُ أَنَّ فِيهِ بَعِيرَيْنِ ، وَإِذَا كُسِرَ الزَّنْدَانِ فَفِيهِمَا أَرْبَعٌ مِنْ الْإِبِلِ وَمِثْلُهُ لَا يُقَالُ مِنْ قِبَلِ الرَّأْيِ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ، وَأُلْحِقَ بِالزَّنْدِ فِي ذَلِكَ بَاقِي الْعِظَامِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّهَا مِثْلُهُ ( وَفِيمَا عَدَا مَا ذُكِرَ مِنْ جُرْحٍ وَ ) مِنْ ( كَسْرِ عَظْمٍ كَ ) كَسْرِ ( خَرْزَةٍ صُلْبٍ وَ ) كَسْرِ ( عُصْعُصٍ ) بِضَمِّ الْعَيْنَيْنِ وَقَدْ تُفْتَحُ الثَّانِيَةُ ، أَيْ : عَجْبُ ذَنَبٍ .
( وَ ) كَسْرِ عَظْمِ ( عَانَةٍ حُكُومَةٌ ) لِأَنَّهُ لَا مُقَدَّرَ فِيهَا ( وَهِيَ ) أَيْ : الْحُكُومَةُ ( أَنْ يُقَوَّمَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ كَأَنَّهُ قِنٌّ لَا جِنَايَةَ بِهِ ثُمَّ ) يُقَوَّمَ ( وَهِيَ ) أَيْ : الْجِنَايَةُ ( بِهِ قَدْ بَرِئَتْ فَمَا نَقَصَ مِنْ الْقِيمَةِ ) بِالْجِنَايَةِ ( فَلَهُ ) أَيْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ عَلَى جَانٍ ( كَنِسْبَتِهِ ) أَيْ : نَقْصِ الْقِيمَةِ ( مِنْ الدِّيَةِ فَ ) يَجِبُ ( فِيمَنْ قُوِّمَ ) لَوْ كَانَ قِنًّا ( صَحِيحًا بِعِشْرِينَ وَ ) قُوِّمَ لَوْ كَانَ قِنًّا ( مَجْنِيًّا عَلَيْهِ ) تِلْكَ الْجِنَايَةُ ( بِتِسْعَةَ عَشَرَ نِصْفُ عُشْرِ دِيَتِهِ ) أَيْ : الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لِنَقْصِهِ بِالْجِنَايَةِ نِصْفُ عُشْرِ قِيمَتِهِ لَوْ كَانَ قِنًّا وَلَوْ قُوِّمَ سَلِيمًا بِسِتِّينَ ثُمَّ مَجْنِيًّا عَلَيْهِ بِخَمْسِينَ فَفِيهِ سُدُسُ دِيَتِهِ لِنَقْصِهِ بِالْجِنَايَةِ سُدُسَ قِيمَتِهِ

( وَلَا يَبْلُغُ بِحُكُومَةِ ) جِنَايَةٍ فِي ( مَحَلٍّ لَهُ ) أَيْ : فِيهِ مُقَدَّرٌ شَرْعًا ( مُقَدَّرَهُ ) أَيْ : مَا قُدِّرَ فِيهِ ( فَلَا يَبْلُغُ بِهَا ) أَيْ الْحُكُومَةِ ( أَرْشَ مُوضِحَةٍ فِي شَجَّةٍ دُونَهَا ) كَالسِّمْحَاقِ ( وَلَا ) يَبْلُغُ بِحُكُومَةٍ ( دِيَةَ أُصْبُعٍ أَوْ ) دِيَةَ ( أُنْمُلَةٍ فِيمَا دُونَهُمَا ) أَيْ : الْأُصْبُعِ وَالْأُنْمُلَةِ وَلَا يُقَوَّمُ مَجْنِيٌّ عَلَيْهِ حَتَّى يَبْرَأَ لِيَسْتَقِرَّ الْأَرْشُ ( فَلَوْ لَمْ تَنْقُصْهُ ) أَيْ : الْجِنَايَةُ ( حَالَ بُرْءٍ قُوِّمَ حَالَ جَرَيَانِ دَمٍ ) لِئَلَّا تَذْهَبَ بِالْجِنَايَةِ عَلَى مَعْصُومٍ هَدَرًا ( فَإِنْ لَمْ تُنْقِصْهُ الْجِنَايَةُ ) أَيْضًا أَيْ : حَالَ جَرَيَانِ دَمٍ ( أَوْ زَادَتْهُ ) الْجِنَايَةُ ( حُسْنًا ) كَقَطْعِ سِلْعَةٍ أَوْ ثُؤْلُولٍ ( فَلَا شَيْءَ فِيهَا ) لِأَنَّهُ لَا نَقْصَ فِيهَا .

الْعَاقِلَةُ مِنْ الدِّيَةِ ( وَهِيَ ) أَيْ : الْعَاقِلَةُ ( مَنْ غَرِمَ ثُلُثَ دِيَةٍ فَأَكْثَرَ ) مِنْ ثُلُثِ الدِّيَةِ ( بِسَبَبِ جِنَايَةِ غَيْرِهِ ) أَيْ الْغَارِمِ سُمُّوا بِذَلِكَ لِأَنَّهُمْ يَعْقِلُونَ يُقَالُ عَقَلْتُ فُلَانًا إذَا أَعْطَيْتُ دِيَتَهُ ، وَعَقَلْتُ عَنْ فُلَانٍ إذَا غَرِمْتُ عَنْهُ دِيَةَ جِنَايَتِهِ ، وَأَصْلُهُ مِنْ عَقْلِ الْإِبِلِ وَهِيَ الْحِبَالُ الَّتِي تُثْنَى بِهَا أَيْدِيهَا ، ذَكَرَهُ الْأَزْهَرِيُّ وَقِيلَ مِنْ الْعَقْلِ : أَيْ : الْمَنْعِ ؛ لِأَنَّهُمْ يَمْنَعُونَ عَنْ الْقَاتِلِ أَوْ لِأَنَّهَا تَعْقِلُ لِسَانَ وَلِيِّ الْمَقْتُولِ ، وَلَمَّا عَرَّفَ الْعَاقِلَةَ بِالْحُكْمِ وَهُوَ مُنْتَقَدٌ بِالدَّوْرِ قَالَ ( وَعَاقِلَةُ جَانٍ ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى ( ذُكُورُ عَصَبَتِهِ نَسَبًا وَوَلَاءً حَتَّى عَمُودَيْ نَسَبِهِ وَ ) حَتَّى ( مَنْ بَعُدَ ) كَابْنِ ابْنِ ابْنِ عَمِّ جَدِّ جَانٍ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : { قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَنِينِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي لِحْيَانَ سَقَطَ مَيْتًا بِغُرَّةِ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ ثُمَّ إنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي قُضِيَ عَلَيْهَا بِالْغُرَّةِ تُوُفِّيَتْ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مِيرَاثَهَا لَبِنْتَيْهَا وَزَوْجِهَا وَأَنَّ الْعَقْلَ عَلَى عَصَبَتِهَا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى أَنْ يَعْقِلَ عَنْ الْمَرْأَةِ عَصَبَتُهَا مَنْ كَانُوا وَلَا يَرِثُونَ مِنْهَا إلَّا مَا فَضَلَ عَنْ وَرَثَتِهَا } رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ وَلِأَنَّ الْعَصَبَةَ يَشُدُّونَ أَزْرَ قَرِيبِهِمْ وَيَنْصُرُونَهُ فَاسْتَوَى قَرِيبُهُمْ وَبَعِيدُهُمْ فِي الْعَقْلِ وَلِأَنَّ الْأَبَ وَالِابْنَ أَحَقُّ بِنُصْرَتِهِ مِنْ غَيْرِهِمَا فَوَجَبَ أَنْ يَحْمِلَا عَنْهُ كَالْإِخْوَةِ وَبَنِي الْأَعْمَامِ ، وَأَمَّا حَدِيثُ { لَا يَجْنِي عَلَيْك وَلَا تَجْنِي عَلَيْهِ } أَيْ : إثْمُ جِنَايَتِك لَا يَتَخَطَّاكَ إلَيْهِ وَإِثْمُ جِنَايَتِهِ لَا يَتَخَطَّاهُ إلَيْك كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى }

وَإِذَا ثَبَتَ الْعَقْلُ فِي عَصَبَةِ النَّسَبِ فَكَذَا عَصَبَةُ الْوَلَاءِ لِعُمُومِ الْخَبَرِ وَأَمَّا الْأَخُ لِلْأُمِّ وَذَوُو الْأَرْحَامِ وَالنِّسَاءُ فَلَيْسُوا مِنْ الْعَاقِلَةِ بِلَا خِلَافٍ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ ( لَكِنْ لَوْ عَرَفَ نَسَبَهُ مِنْ قَبِيلَةٍ وَلَمْ يَعْلَمْ مِنْ أَيِّ بُطُونِهَا ) هُوَ ( لَمْ يَعْقِلُوا ) أَيْ : رِجَالُ الْقَبِيلَةِ ( عَنْهُ ) أَيْ : الْجَانِي الَّذِي لَمْ يُعْلَمْ مِنْ أَيِّ بُطُونِهَا ، فَلَوْ قُتِلَ قُرَشِيٌّ وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْ أَيِّ بُطُونِ قُرَيْشٍ لَمْ تَعْقِلْ قُرَيْشٌ عَنْهُ كَمَا لَا يَرِثُونَهُ لِتَفَرُّقِهِمْ وَصَيْرُورَةِ كُلِّ قَوْمٍ مِنْهُمْ يَنْتَسِبُونَ إلَى أَبٍ أَدْنَى يَتَمَيَّزُونَ بِهِ

( وَيَعْقِلُ ) عَصَبَةُ ( هَرِمٍ ) غَنِيٍّ ( وَزَمِنٍ ) غَنِيٍّ ( وَأَعْمَى ) غَنِيٍّ ( وَغَائِبٍ ) غَنِيٍّ ( كَضِدِّهِمْ ) أَيْ : كَشَابٍّ وَصَحِيحٍ وَبَصِيرٍ وَحَاضِرٍ لِاسْتِوَائِهِمْ فِي التَّعْصِيبِ وَكَوْنِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْمُوَاسَاةِ وَ ( لَا ) يَعْقِلُ ( فَقِيرٌ ) أَيْ : مَنْ لَا يَمْلِكُ نِصَابًا عِنْدَ حُلُولِ الْحَوْلِ فَاضِلًا عَنْهُ كَحَجٍّ وَكَفَّارَةِ ظِهَارٍ ( وَلَوْ ) كَانَ ( مُعْتَمِلًا ) لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْمُوَاسَاةِ كَالزَّكَاةِ ، وَلِأَنَّهَا وَجَبَتْ عَلَى الْعَاقِلَةِ تَخْفِيفًا عَلَى الْجَانِي فَلَا تَنْتَقِلُ عَلَى مَنْ لَا جِنَايَةَ مِنْهُ

( وَلَا ) يَعْقِلُ ( صَغِيرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ) لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ وَالْمُعَاضَدَةِ ( أَوْ امْرَأَةٌ ) وَلَوْ مُعْتَقَةً ( أَوْ خُنْثَى مُشْكِلٌ ) لِمَا تَقَدَّمَ ( أَوْ قِنٌّ ) لِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ ( أَوْ مُبَايِنٌ لِدِينٍ جَانٍ ) لِفَوَاتِ النُّصْرَةِ .
وَفِي الْكَافِي : بِنَاءً عَلَى تَوْرِيثِهِمْ فَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ يَعْقِلُ فِي الْوَلَاءِ

( وَلَا تَعَاقُلَ بَيْنَ ذِمِّيٍّ وَحَرْبِيٍّ ) لِانْقِطَاعِ التَّنَاصُرِ بَيْنَهُمَا

( وَيَتَعَاقَلُ أَهْلُ ذِمَّةٍ اتَّحَدَتْ مِلَلُهُمْ ) كَمَا يَتَوَارَثُونَ وَلِأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ النُّصْرَةِ كَالْمُسْلِمِينَ فَإِنْ اخْتَلَفَتْ مِلَلُهُمْ فَلَا تَعَاقُلَ كَمَا لَا تَوَارُثَ وَلَا يَعْقِلُ عَنْ الْمُرْتَدِّ أَأَحَدٌ لَا مُسْلِمٌ وَلَا ذِمِّيٌّ لِأَنَّهُ لَا يُقِرُّ فَخَطَؤُهُ فِي مَالِهِ

( وَخَطَأُ إمَامٍ وَ ) خَطَأُ ( حَاكِمٍ فِي حُكْمِهِمَا فِي بَيْتِ الْمَالِ ) لَا تَحْمِلُهُ عَاقِلَتُهُمَا لِأَنَّهُ يَكْثُرُ فَيَحُفُّ بِالْعَاقِلَةِ ، وَلِأَنَّ الْإِمَامَ وَالْحَاكِمَ نَائِبَانِ عَنْ اللَّهِ فَيَكُونُ أَرْشُ خَطَئِهِمَا فِي مَالِ اللَّهِ ( كَخَطَأِ وَكِيلٍ ) فَإِنَّهُ لَا ضَمَانَ عَلَيْهِ فِيمَا تَلِفَ مِنْهُ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ بَلْ يُضَيِّعُ عَلَى مُوَكِّلِهِ ، أَوْ كَخَطَأِ وَكِيلٍ يَتَصَرَّفُ لِعُمُومِ الْمُسْلِمِينَ كَالْوُزَرَاءِ فَخَطَؤُهُ فِي حُكْمِهِ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِمَا تَقَدَّمَ ( وَخَطَؤُهُمَا ) أَيْ : الْإِمَامِ وَالْحَاكِمِ ( فِي غَيْرِ حُكْمٍ ) كَرَمْيِهِمَا صَيْدًا فَيُصِيبَانِ آدَمِيًّا ( عَلَى عَاقِلَتِهِمَا ) كَخَطَأِ غَيْرِهِمَا

( وَمَنْ لَا عَاقِلَةَ لَهُ ، أَوْ لَهُ ) عَاقِلَةٌ ( وَعَجَزَتْ عَنْ الْجَمِيعِ ) أَيْ جَمِيعِ مَا وَجَبَ بِجِنَايَتِهِ خَطَأً ( فَالْوَاجِبُ مِنْ الدِّيَةِ ) إنْ لَمْ تَكُنْ عَاقِلَةً أَوْ كَانَتْ وَعَجَزَتْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهَا ( أَوْ تَتِمَّتُهُ ) إنْ عَجَزَتْ عَنْ بَعْضِهَا وَقَدَرَتْ عَلَى الْبَعْضِ ( مَعَ كُفْرِ جَانٍ عَلَيْهِ ) فِي مَالِهِ حَالًّا ( وَمَعَ إسْلَامِهِ ) أَيْ : الْجَانِي الْوَاجِبِ أَوْ تَتِمَّتُهُ ( فِي بَيْتِ الْمَالِ حَالًّا ) لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَدَى الْأَنْصَارِيَّ الَّذِي قُتِلَ بِخَيْبَرَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَلِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَرِثُونَ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ فَيَعْقِلُونَ عَنْهُ عِنْدَ عَدَمِ عَاقِلَتِهِ

( وَتَسْقُطُ ) الدِّيَةُ ( بِتَعَذُّرِ أَخْذٍ مِنْهُ ) أَيْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ حَيْثُ وَجَبَتْ فِيهِ ( لِوُجُوبِهَا ) أَيْ الدِّيَةِ ( ابْتِدَاءً عَلَيْهَا ) أَيْ : الْعَاقِلَةِ دُونَ الْقَاتِلِ لِأَنَّهُ لَا يُطَالِبُ بِهَا غَيْرَ الْعَاقِلَةِ وَلَا يَعْتَبِرُ تَحَمُّلَهُمْ لَهَا وَلَا رِضَاهُمْ فَلَا تُؤْخَذُ مِنْ غَيْرِ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ عَدِمَ الْقَاتِلَ

( وَمَنْ تَغَيَّرَ دِينُهُ ) بِأَنْ كَانَ كَافِرًا فَأَسْلَمَ وَقَدْ رَمَى ثُمَّ أَصَابَ بَيْنَ رَمْيٍ وَإِصَابَةٍ ( فَالْوَاجِبُ فِي مَالِهِ ) وَلَا يَعْقِلُ عَنْهُ الْمُسْلِمُونَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا حَالَ رَمْيِهِ وَلَا الْمُعَاهَدُونَ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ إلَّا وَهُوَ مُسْلِمٌ وَكَذَا إنْ رَمَى وَهُوَ مُسْلِمٌ ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ قَتَلَ السَّهْمُ إنْسَانًا لَمْ يَعْقِلْهُ أَحَدٌ

( وَإِنْ تَغَيَّرَ دِينُ جَارِحٍ حَالَتَيْ جُرْحٍ وَزُهُوقِ ) رُوحُ مَجْنِيٍّ عَلَيْهِ ( حَمَلَتْهُ عَاقِلَتُهُ ) أَيْ : الْجَارِحِ ( حَالَ جُرْحٍ ) لِأَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ فِعْلٌ بَعْدَ الْجُرْحِ

( وَإِنْ انْجَرَّ وَلَاءُ ابْنِ مُعْتَقَةٍ ) بِأَنْ عَتَقَ أَبُوهُ فَانْجَرَّ وَلَاءُ أَوْلَادِهِ إلَى مَوَالِيهِ ( بَيْنَ جُرْحٍ ) وَتَلَفٍ ( أَوْ ) بَيْنَ ( رَمْيٍ وَتَلَفٍ فَكَتَغَيُّرِ دِينٍ فِيهِمَا ) أَيْ : الْمَسْأَلَتَيْنِ فَفِي مَسْأَلَةِ الرَّامِي الْوَاجِبُ فِي مَالِ جَانٍ وَفِي مَسْأَلَةِ الْجُرْحِ عَلَى عَاقِلَتِهِ مِنْ مَوَالِي الْأُمِّ لِمَا تَقَدَّمَ .

وَلَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَجَبَ بِهِ قَوَدٌ ، وَلَا كَجَائِفَةٍ وَمَأْمُومَةٍ ( وَلَا ) تَحْمِلُ ( صُلْحَ إنْكَارٍ وَلَا ) تَحْمِلُ ( اعْتِرَافًا بِأَنْ يُقِرَّ ) جَانٍ ( عَلَى نَفْسِهِ بِجِنَايَةِ خَطَأٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ تُوجِبُ ثُلُثَ دِيَةٍ فَأَكْثَرَ وَتُنْكِرُ الْعَاقِلَةُ وَلَا ) تَحْمِلُ ( قِيمَةَ دَابَّةٍ أَوْ ) قِيمَةَ ( قِنٍّ أَوْ قِيمَةَ طَرَفِهِ وَلَا ) تَحْمِلُ ( جِنَايَتَهُ ) أَيْ : الْقِنِّ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا { لَا تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ عَمْدًا وَلَا عَبْدًا وَلَا صُلْحًا وَلَا اعْتِرَافًا } .
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلِأَنَّ الْقَاتِلَ عَمْدًا غَيْرُ مَعْذُورٍ فَلَا يَسْتَحِقُّ الْمُوَاسَاةَ وَلَا التَّخْفِيفَ وَلِأَنَّ الصُّلْحَ يَثْبُتُ بِفِعْلِهِ وَاخْتِيَارِهِ فَلَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ كَالِاعْتِرَافِ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِي مُوَاطَأَةِ الْمُقَرِّ لَهُمْ بِالْقَتْلِ لِيَأْخُذَ الدِّيَةَ مِنْ عَاقِلَتِهِ فَيُقَاسِمُهُمْ إيَّاهَا وَلِأَنَّ الْعَبْدَ يُضْمَنُ ضَمَانَ الْمَالِ أَشْبَهَ سَائِرَ الْأَمْوَالِ

( وَلَا ) تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ ( مَا دُونَ ثُلُثِ دِيَةِ ذَكَرٍ ) حُرٍّ ( مُسْلِمٍ ) كَثَلَاثِ أَصَابِعَ وَأَرْشِ مُوضِحَةٍ لِقَضَاءِ عُمَرَ أَنَّهَا لَا تَحْمِلُ شَيْئًا حَتَّى يَبْلُغَ عَقْلَ الْمَأْمُومَةِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الضَّمَانُ عَلَى الْجَانِي لِأَنَّهُ الْمُتْلِفُ خُولِفَ فِي ثُلُثِ الدِّيَةِ فَأَكْثَرَ لِإِجْحَافِهِ بِالْجَانِي لِكَثْرَتِهِ فَبَقِيَ مَا عَدَاهُ عَلَى الْأَصْلِ ( إلَّا غُرَّةَ جَنِينٍ مَاتَ مَعَ أُمِّهِ أَوْ ) مَاتَ ( بَعْدَهَا ) أَيْ : أُمِّهِ ( بِجِنَايَةٍ وَاحِدَةٍ ) فَتُحْمَلُ الْغُرَّةُ تَبَعًا لِدِيَةِ الْأُمِّ نَصًّا لِاتِّحَادِ الْجِنَايَةِ وَ ( لَا ) تُحْمَلُ الْغُرَّةُ إنْ مَاتَ بِجِنَايَةٍ عَلَيْهِ وَحْدَهُ دُونَ أُمِّهِ أَوْ مَاتَ ( قَبْلَهَا ) أَيْ : أُمِّهِ بِأَنْ أَجْهَضَتْهُ مَيِّتًا ثُمَّ مَاتَتْ وَلَوْ اتَّحَدَتْ الْجِنَايَةُ ( لِنَقْصِهِ ) أَيْ : مَا وَجَبَ فِي الْجَنِينِ مِنْ الْغُرَّةِ ( عَنْ الثُّلُثِ ) وَلَا تَبَعِيَّةَ لِتَقَدُّمِهِ

( وَتَحْمِلُ ) الْعَاقِلَةُ ( شِبْهَ عَمْدٍ ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ " اقْتَتَلَتْ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ " وَتَقَدَّمَ وَلِأَنَّهُ نَوْعُ قَتْلٍ لَا يُوجِبُ الْقِصَاصَ أَشْبَهَ الْخَطَأَ ( مُؤَجَّلًا ) مَا وَجَبَ فِي شِبْهِ الْعَمْدِ ( فِي ثَلَاثِ سِنِينَ كَوَاجِبٍ بِخَطَأٍ ) لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ أَنَّهُمَا قَضَيَا بِالدِّيَةِ عَلَى الْعَاقِلَةِ فِي ثَلَاثِ سِنِينَ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا فِي عَصْرِهِمَا وَلِأَنَّهَا تَحْمِلُهُ مُوَاسَاةً فَاقْتَضَتْ الْحِكْمَةُ تَخْفِيفَهُ عَلَيْهَا

( وَيَجْتَهِدُ حَاكِمٌ فِي تَحْمِيلِ ) كُلٍّ مِنْ الْعَاقِلَةِ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ فَرَجَعَ فِيهِ إلَى اجْتِهَادِهِ كَتَقْدِيرِ النَّفَقَةِ ( فَيُحَمِّلُ ) الْحَاكِمُ ( كُلًّا ( مِنْهُمْ ( مَا يَسْهُلُ عَلَيْهِ ) نَصًّا لِأَنَّ ذَلِكَ مُوَاسَاةٌ لِلْجَانِي وَتَخْفِيفٌ عَنْهُ فَلَا يَشُقُّ عَلَى غَيْرِهِ ( وَيَبْدَأُ ) فِي تَحْمِيلِ عَاقِلَةٍ ( بِالْأَقْرَبِ ) فَالْأَقْرَبِ ( كَإِرْثِ ) فَيَقْسِمُ عَلَى الْآبَاءِ وَالْأَبْنَاءِ ثُمَّ الْإِخْوَةِ ثُمَّ بَنِي الْإِخْوَةِ ثُمَّ الْأَعْمَامِ ثُمَّ بَنِيهِمْ ثُمَّ أَعْمَامِ الْأَبِ ثُمَّ بَنِيهِمْ ثُمَّ أَعْمَامِ الْجَدِّ ثُمَّ بَنِيهِمْ وَهَكَذَا أَبَدًا حَتَّى تَنْقَرِضَ عَصَبَةُ النَّسَبِ ثُمَّ الْوَلِيِّ الْمُعْتِقِ ثُمَّ عَصَبَةِ الْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ كَالْمِيرَاثِ ( لَكِنْ تُؤْخَذُ مِنْ بَعِيدٍ لِغَيْبَةِ قَرِيبٍ ) وَإِنْ اتَّسَعَتْ أَمْوَالُ الْأَقْرَبِينَ لِلدِّيَةِ لَمْ يَتَجَاوَزْهُمْ وَإِلَّا انْتَقَلَتْ إلَى مَنْ يَلِيهِمْ ( فَإِنْ تَسَاوَوْا ) فِي الْقُرْبِ ( وَكَثُرُوا وَزَّعَ الْوَاجِبَ بَيْنَهُمْ ) بِحَسَبِ مَا يَسْهُلُ عَلَى كُلٍّ مِنْهُمْ وَلَا يَتَجَاوَزْهُمْ وَإِنْ لَمْ تَتَّسِعْ أَمْوَالُهُمْ لِحَمْلِ الْوَاجِبِ انْتَقَلَ إلَى مَنْ يَلِيهِمْ ( وَمَا أَوْجَبَ ثُلُثَ دِيَةٍ ) فَقَطْ ( أُخِذَ فِي رَأْسِ الْحَوْلِ ) لِأَنَّ الْعَاقِلَةَ لَا تَحْمِلُ حَالًّا .
( وَ ) مَا أَوْجَبَ ( ثُلُثَيْهِمَا ) أَيْ الدِّيَةِ كَجَائِفَةٍ مَعَ مَأْمُومَةٍ ( فَأَقَلَّ ) كَدِيَةِ امْرَأَةٍ وَعَيْنٍ وَيَدٍ مِنْ حُرٍّ مُسْلِمٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ ( أُخِذَ ) فِي ( رَأْسِ الْحَوْلِ ثُلُثُ ) دِيَةٍ ( وَ ) أُخِذَتْ ( التَّتِمَّةُ ) لِلْوَاجِبِ ( فِي رَأْسِ ) حَوْلٍ ( آخَرَ ) رِفْقًا بِالْعَاقِلَةِ ( وَإِنْ زَادَ ) الْوَاجِبُ عَلَى ثُلُثَيْ الدِّيَةِ ( وَلَمْ يَبْلُغْ دِيَةً كَامِلَةً ) كَأَرْشِ سُبْعِ أَصَابِعَ فَأَكْثَرَ مِنْ ذَكَرٍ حُرٍّ مُسْلِمٍ ( أَخَذَ رَأْسَ كُلِّ حَوْلٍ ثُلُثَ ) دِيَةٍ .
( وَ ) أُخِذَتْ ( التَّتِمَّةُ ) مِنْ الْوَاجِبِ ( فِي رَأْسِ ) حَوْلٍ ( ثَالِثٌ وَإِنْ أَوْجَبَ ) خَطَأٌ أَوْ شِبْهُ عَمْدٍ ( دِيَةً أَوْ أَكْثَرَ ) مِنْ دِيَةٍ ( بِجِنَايَةٍ وَاحِدَةً كَضَرْبَةٍ أَذْهَبَتْ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ

فَفِي ) رَأْسِ ( كُلِّ حَوْلٍ ) يُؤْخَذُ مِنْ الْعَاقِلَةِ ( ثُلُثُ ) دِيَةٍ لِمَا تَقَدَّمَ وَكَذَا لَوْ قَتَلَتْ ضَرْبَةٌ حَامِلًا وَجَنِينَهَا بَعْدَ أَنْ اسْتَهَلَّ .
( وَ ) إنْ ذَهَبَ السَّمْعُ وَالْبَصَرُ أَوْ نَحْوُهُمَا ( بِجِنَايَتَيْنِ ) بِأَنْ ضَرَبَهُ فَأَذْهَبَ سَمْعَهُ ثُمَّ جَنَى عَلَيْهِ فَأَذْهَبَ بَصَرَهُ بِدِيَتِهِمَا فِي ثَلَاثِ سِنِينَ ( أَوْ قَتَلَ اثْنَيْنِ ) وَلَوْ بِجِنَايَةٍ ( فَدِيَتُهُمَا ) تُؤْخَذُ ( فِي ثَلَاثِ ) سِنِينَ لِانْفِرَادِ كُلٍّ مِنْ الْجِنَايَتَيْنِ بِحُكْمِهِ ( وَابْتِدَاءُ حَوْلِ قَتْلٍ ) مِنْ ( حِينِ زُهُوقِ ) رُوحٍ .
( وَ ) ابْتِدَاءُ حَوْلٍ فِي ( جُرْحٍ مِنْ بُرْءٍ ) لِأَنَّهُ وَقْتُ الِاسْتِقْرَارِ ( وَمَنْ صَارَ ) مِنْ الْعَاقِلَةِ ( أَهْلًا عِنْدَ الْحَوْلِ ) كَصَبِيٍّ بَلَغَ وَمَجْنُونٍ عَقَلَ عِنْدَهُ ( لَزِمَهُ ) مَا كَانَ يَلْزَمُهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ جَمِيعُ الْحَوْلِ لِوُجُودِهِ وَقْتَ الْوُجُوبِ وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ ( وَإِنْ حَدَثَ ) بِهِ ( مَانِعٌ بَعْدَ الْحَوْلِ ) كَأَنْ جُنَّ ( فَ ) عَلَيْهِ ( قِسْطُهُ ) أَيْ : ذَلِكَ الْحَوْلِ الَّذِي كَانَ فِيهِ أَهْلًا لِلْوُجُوبِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ حَدَثَ الْمَانِعُ مِنْ الْحَوْلِ أَوْ فِي أَثْنَائِهِ ( سَقَطَ ) قِسْطُ ذَلِكَ الْحَوْلِ عَنْهُ .
لِأَنَّهُ مَالٌ يَجِبُ مُوَاسَاةً فَسَقَطَ بِحُدُوثِ الْمَانِعِ قَبْلَ تَمَامِ الْحَوْلِ كَالزَّكَاةِ .

كَفَّارَةِ الْقَتْلِ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ مِنْ الْكَفْرِ بِفَتْحِ الْكَافِ .
أَيْ : السَّتْرِ .
لِأَنَّهَا تَسْتُرُ الذَّنْبَ وَتُغَطِّيهِ .
وَأَجْمَعُوا عَلَى وُجُوبِهَا فِي الْجُمْلَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ } - الْآيَةَ ( وَتَلْزَمُ ) الْكَفَّارَةُ ( كَامِلَةً فِي مَالِ قَاتِلٍ لَمْ يَتَعَمَّدْ ) الْقَتْلَ .
بِأَنْ قَتَلَ خَطَأً أَوْ شِبْهَ عَمْدٍ لِلْآيَةِ وَأُلْحِقَ بِالْخَطَأِ شِبْهُ الْعَمْدِ .
لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ .
بِخِلَافِ الْعَمْدِ الْمَحْضِ ( وَلَوْ ) كَانَ الْقَاتِلُ ( كَافِرًا أَوْ قِنًّا أَوْ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا ) لِأَنَّهَا حَقٌّ مَالِيٌّ يَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ أَشْبَهَتْ الدِّيَةَ ، وَأَيْضًا هِيَ عِبَادَةٌ مَالِيَّةٌ أَشْبَهَتْ الزَّكَاةَ ( أَوْ إمَامًا فِي خَطَأٍ يَحْمِلُهُ بَيْتُ الْمَالِ أَوْ مُشَارِكًا ) فِي الْقَتْلِ .
لِأَنَّ الْكَفَّارَةَ مُوجِبُ قَتْلِ آدَمِيٍّ فَوَجَبَ إكْمَالُهَا عَلَى كُلٍّ مِنْ الشُّرَكَاءِ فِيهِ كَالْقِصَاصِ ، وَسَوَاءٌ قَتَلَ بِمُبَاشَرَةٍ ( أَوْ بِسَبَبٍ ) كَحَفْرِ بِئْرٍ تَعَدِّيًا ، وَلَوْ كَانَ الْقَتْلُ بِهَا ( بَعْدَ مَوْتِهِ ) أَيْ : الْمُتَسَبِّبِ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى : { وَمَنْ قَتَلَ } ( نَفْسًا ) مَفْعُولٌ لَقَاتِلٍ ( مُحَرَّمَةً وَلَوْ نَفْسَهُ ) أَيْ : الْقَاتِلِ ( أَوْ ) نَفْسَ ( قِنِّهِ ) لِعُمُومِ الْآيَةِ ( أَوْ ) كَانَ الْمَقْتُولُ ( مُسْتَأْمَنًا ) لِأَنَّهُ آدَمِيٌّ قُتِلَ ظُلْمًا أَشْبَهَ الْمُسْلِمَ ، وَلِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ } .
( أَوْ ) كَانَ الْقَتِيلُ ( جَنِينًا ) بِأَنْ ضَرَبَ بَطْنَ حَامِلٍ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا أَوْ حَيًّا ثُمَّ مَاتَ لِأَنَّهُ نَفْسٌ مُحَرَّمَةٌ ؛ وَلَا كَفَّارَةَ بِإِلْقَاءِ مُضْغَةٍ لَمْ تَتَصَوَّرْ ( غَيْرَ أَسِيرٍ حَرْبِيٍّ يُمْكِنُهُ ) أَيْ : الَّذِي أَسَرَهُ ( أَنْ يَأْتِيَ بِهِ الْإِمَامَ ) فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ قَتْلُهُ ، وَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ ( وَ ) غَيْرَ ( نِسَاءِ ) أَهْلِ ( حَرْبٍ وَذُرِّيَّتِهِمْ وَ ) غَيْرَ ( مَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ )

أَيْ : دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ .
فَيَحْرُمُ قَتْلُهُمْ ، وَلَا كَفَّارَةَ لِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى : { وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ } - الْآيَةَ وَلِأَنَّهُمْ لَا أَمَانَ لَهُمْ وَلَا أَيْمَانَ ، وَالْمَنْعُ مِنْ قَتْلِهِمْ لِلِافْتِيَاتِ عَلَى الْإِمَامِ ، أَوْ انْتِفَاعِ الْمُسْلِمِينَ بِهِمْ .
أَوْ لِعَدَمِ الدَّعْوَةِ وَلِأَنَّهُمْ غَيْرُ مَضْمُونِينَ بِقِصَاصٍ وَلَا دِيَةٍ .
أَشْبَهُوا مُبَاحَ الدَّمِ وَ ( لَا ) كَفَّارَةَ عَلَى مَنْ قَتَلَ نَفْسًا ( مُبَاحَةً كَبَاغٍ ) وَمُرْتَدٍّ ، وَمَنْ تَحَتَّمَ قَتْلُهُ لِلْمُحَارَبَةِ ( وَكَا ) ( لِقَتْلِ قِصَاصًا أَوْ حَدًّا ) أَوْ قَتْلِهِ ( دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ ) لِصَوْلِهِ عَلَيْهِ .
لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ لَهُ فِيهِ شَرْعًا ، وَكَفَّارَتُهُ عِتْقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ، وَلَا إطْعَامَ فِيهَا .
وَتَقَدَّمَ فِي الظِّهَارِ ( وَيُكَفِّرُ قِنٌّ بِصَوْمٍ ) لِأَنَّهُ لَا مَالَ لَهُ يُعْتِقُ مِنْهُ .
( وَ ) يُكَفِّرُ ( مِنْ مَالِ غَيْرِ مُكَلَّفٍ ) كَصَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ ( وَلِيُّهُ ) فَيُعْتِقُ مِنْهُ رَقَبَةً لِعَدَمِ إمْكَانِ الصَّوْمِ مِنْهُمَا .
وَلَا تَدْخُلُهُ النِّيَابَةُ .
وَتَقَدَّمَ فِي الْحَجْرِ ، وَيُكَفِّرُ سَفِيهٌ وَمُفْلِسٌ بِصَوْمٍ

( وَتَتَعَدَّدُ ) الْكَفَّارَةُ ( بِتَعَدُّدِ قَتْلٍ ) كَتَعَدُّدِ الدِّيَةِ بِذَلِكَ لِقِيَامِ كُلِّ قَتِيلٍ بِنَفْسِهِ وَعَدَمِ تَعَلُّقِهِ بِغَيْرِهِ .

بَابُ الْقَسَامَةِ بِفَتْحِ الْقَافِ ( وَهِيَ ) اسْمُ مَصْدَرٍ مِنْ أَقْسَمَ إقْسَامًا وَقَسَامَةً .
قَالَ الْأَزْهَرِيُّ : هُمْ الْقَوْمُ يُقْسِمُونَ فِي دَعْوَاهُمْ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَتَلَ صَاحِبَهُمْ سُمُّوا قَسَامَةً بِاسْمِ الْمَصْدَرِ كَعَدْلٍ وَرِضًا .
وَشَرْعًا ( أَيْمَانٌ مُكَرَّرَةٌ فِي دَعْوَى قَتْلِ مَعْصُومٍ ) لَا نَحْوِ مُرْتَدٍّ وَلَوْ جَرَحَ مُسْلِمًا .
قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ : أَوَّلُ مَنْ قَضَى بِالْقَسَامَةِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ الْوَلِيدُ بْنُ الْمُغِيرَةِ .
فَأَقَرَّهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْإِسْلَامِ ( فَلَا تَكُونُ ) الْقَسَامَةُ ( فِي ) دَعْوَى قَطْعِ ( طَرَفٍ وَلَا ) فِي دَعْوَى ( جُرْحٍ ) لِأَنَّهَا ثَبَتَتْ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ فِي النَّفْسِ لِحُرْمَتِهَا فَاخْتَصَّتْ بِهَا كَالْكَفَّارَةِ ( وَشُرُوطُ صِحَّتِهَا ؛ عَشَرَةٌ ) أَحَدُهَا ( اللَّوْثُ وَهُوَ الْعَدَاوَةُ الظَّاهِرَةُ وُجِدَ مَعَهَا ) أَيْ : الْعَدَاوَةِ ( أَثَرُ قَتْلٍ ) كَدَمٍ فِي أُذُنِهِ أَوْ أَنْفِهِ ( أَوْ لَا ) لِحُصُولِ الْقَتْلِ بِمَا لَا أَثَرَ لَهُ كَضَمِّ الْوَجْهِ وَالْخَنْقِ وَعَصْرِ الْخُصْيَتَيْنِ ، وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْأَلْ الْأَنْصَارَ هَلْ بِقَتِيلِهِمْ أَثَرٌ أَمْ لَا ( وَلَوْ ) كَانَتْ الْعَدَاوَةُ ( مَعَ سَيِّدِ مَقْتُولٍ ) لِأَنَّ السَّيِّدَ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِدَمٍ ، وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرُ وَالْمُكَاتَبُ وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ فِي ذَلِكَ كَالْقِنِّ ، لِأَنَّهُ نَفْسٌ مَعْصُومَةٌ أَشْبَهَ الْحُرَّ .
وَالْعَدَاوَةُ الظَّاهِرَةُ ( نَحْوُ مَا كَانَ بَيْنَ الْأَنْصَارِ وَأَهْلِ خَيْبَرَ ، وَمَا بَيْنَ الْقَبَائِلِ الَّتِي يَطْلُبُ بَعْضُهَا بَعْضًا بِثَأْرٍ ) وَمَا بَيْنَ الْبُغَاةِ وَأَهْلِ الْعَدْلِ ، وَمَا بَيْنَ الشُّرْطَةِ وَاللُّصُوصِ .
وَلَا يُشْتَرَطُ مَعَ اللَّوْثِ أَنْ لَا يَكُونَ بِمَوْضِعِ الْقَتْلِ غَيْرُ الْعَدُوِّ نَصًّا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْأَلْ الْأَنْصَارَ هَلْ كَانَ بِخَيْبَرَ غَيْرُ الْيَهُودِ أَوْ لَا مَعَ أَنَّ الظَّاهِرَ وُجُودُ غَيْرِهِمْ فِيهَا لِأَنَّهَا كَانَتْ أَمْلَاكًا لِلْمُسْلِمِينَ يَقْصِدُونَهَا

لِاسْتِغْلَالِهَا .
وَفِي الْإِقْنَاعِ لَوْ وُجِدَ قَتِيلٌ فِي صَحْرَاءَ وَلَيْسَ مَعَهُ غَيْرُ عَبْدِهِ كَانَ ذَلِكَ لَوْثًا فِي حَقِّ الْعَبْدِ ( وَلَيْسَ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ صِحَّةُ الدَّعْوَى ) أَيْ : دَعْوَى الْقَتْلِ ( كَتَفَرُّقِ جَمَاعَةٍ عَنْ قَتِيلٍ وَ ) كَ ( وُجُودِهِ ) أَيْ : الْقَتِيلِ ( عِنْدَ مَنْ مَعَهُ مُحَدَّدٌ ) كَسِكِّينٍ وَخِنْجَرٍ ( مُلَطَّخٌ بِدَمٍ وَ ) كَ ( شَهَادَةِ مَنْ لَمْ يَثْبُتْ بِهِمْ قَتْلٌ ) كَنِسَاءٍ وَصِبْيَانٍ ( بِلَوْثٍ ) خَبَرُ لَيْسَ ( كَقَوْلِ مَجْرُوحٍ : فُلَانٌ جَرَحَنِي ) فَلَيْسَ لَوْثًا لِأَنَّهُ الْعَدَاوَةُ فَقَطْ لِأَنَّ الْقَسَامَةَ إنَّمَا ثَبَتَتْ مَعَ الْعَدَاوَةِ بِقَضِيَّةِ الْأَنْصَارِيِّ الَّذِي قُتِلَ بِخَيْبَرَ ، وَلَا يُقَاسُ عَلَيْهَا لِثُبُوتِ الْحُكْمِ بِالْمَظِنَّةِ ، وَلَا يُقَاسُ فِي الْمَظَانِّ وَلَا قِيَاسَ فِي الْمَظَانِّ لِأَنَّ الْحُكْمَ إنَّمَا يَتَعَدَّى بِتَعَدِّي سَبَبِهِ .
وَالْقِيَاسُ : الْمَظَانُّ جَمْعٌ بِمُجَرَّدِ الْحِكْمَةِ وَغَلَبَةِ الظُّنُونِ ؛ وَالْحُكْمُ بِالظُّنُونِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْقَرَائِنِ وَالْأَحْوَالِ وَالْأَشْخَاصِ فَلَا يُمْكِنُ رَبْطُ الْحُكْمِ بِهَا ( وَمَتَى فُقِدَ ) اللَّوْثُ ( وَلَيْسَتْ الدَّعْوَى بِ ) قَتْلِ ( عَمْدٍ ) بِأَنْ كَانَتْ بِقَتْلٍ خَطَأٍ أَوْ شِبْهِ عَمْدٍ ( حَلَفَ مُدَّعًى عَلَيْهِ يَمِينًا وَاحِدَةً ) لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا { الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ إلَّا فِي الْقَسَامَةِ } رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ ( وَلَا يَمِينَ فِي ) دَعْوَى قَتْلِ ( عَمْدٍ ) مَعَ فَقْدِ لَوْثٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ ( فَيُخْلَى سَبِيلُهُ ) أَيْ : الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الْقَتْلُ عَمْدًا حَيْثُ أَنْكَرَ وَلَا بَيِّنَةَ ( وَعَلَى رِوَايَةٍ فِيهَا قُوَّةٌ ) وَهِيَ أَشْهُرُ وَاخْتَارَهَا الْمُوَفَّقُ وَغَيْرُهُ وَقَدَّمَهَا فِي الْهِدَايَةِ وَالْمَذْهَبِ وَمَسْبُوكِ الذَّهَبِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمْ .
ذَكَرَهُ فِي التَّنْقِيحِ ( يَحْلِفُ ، فَلَوْ نَكَلَ لَمْ يَقْضِ عَلَيْهِ بِغَيْرِ الدِّيَةِ )

احْتِيَاطًا لِلدِّمَاءِ .
الشَّرْطُ ( الثَّانِي تَكْلِيفُ ) الـ ( قَاتِلِ ) أَيْ مُدَّعًى عَلَيْهِ الْقَتْلُ ( لِتَصِحَّ الدَّعْوَى ) لِأَنَّهَا لَا تَصِحُّ عَلَى صَغِيرٍ وَلَا مَجْنُونٍ .
الشَّرْطُ ( الثَّالِثُ إمْكَانُ الْقَتْلِ مِنْهُ ) أَيْ : الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( وَأَلَّا ) يُمْكِنَ مِنْهُ قَتْلٌ لِنَحْوِ زَمَانَةٍ لَمْ تَصِحَّ عَلَيْهِ دَعْوَاهُ ( كَبَقِيَّةِ الدَّعَاوَى ) الَّتِي يُكَذِّبُهَا الْحِسُّ ، وَإِنْ أَقَامَ مُدَّعًى عَلَيْهِ بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ يَوْمَ الْقَتْلِ فِي بَلَدٍ بَعِيدٍ مِنْ بَلَدِ الْمَقْتُولِ وَلَا يُمْكِنُهُ مَجِيئُهُ مِنْهُ إلَيْهِ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ بَطَلَتْ الدَّعْوَى .
قَالَ فِي الشَّرْحِ .
الشَّرْطُ ( الرَّابِعُ وَصْفُ الْقَتْلِ ) أَيْ : أَنْ يَصِفَهُ الْمُدَّعِي ( فِي الدَّعْوَى ) كَأَنْ يَقُولَ جَرَحَهُ بِسَيْفٍ أَوْ سِكِّينٍ وَنَحْوِهِ فِي مَحَلِّ كَذَا مِنْ بَدَنِهِ ، أَوْ خَنَقَهُ أَوْ ضَرَبَهُ بِنَحْوِ لَتٍّ فِي رَأْسِهِ وَنَحْوِهِ ( فَلَوْ اسْتَحْلَفَهُ ) أَيْ : الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( حَاكِمٌ قَبْلَ تَفْصِيلِهِ ) أَيْ : وَصْفِ مُدَّعٍ الْقَتْلَ ( لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ ) أَيْ الْحَلِفِ لِعَدَمِ صِحَّةِ الدَّعْوَى .
الشَّرْطُ ( الْخَامِسُ : طَلَبُ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ ) فَلَا يَكْفِي طَلَبُ بَعْضِهِمْ لِعَدَمِ انْفِرَادِهِ بِالْحَقِّ .
الشَّرْطُ ( السَّادِسُ اتِّفَاقُهُمْ ) أَيْ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ ( عَلَى الدَّعْوَى ) لِلْقَتْلِ ( فَلَا يَكْفِي عَدَمُ تَكْذِيبِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا ) إذْ السَّاكِتُ لَا يُنْسَبُ إلَيْهِ حُكْمٌ .
الشَّرْطُ ( السَّابِعُ : اتِّفَاقُهُمْ ) أَيْ جَمِيعِ الْوَرَثَةِ ( عَلَى الْقَتْلِ فَإِنْ أَنْكَرَ ) الْقَتْلَ ( بَعْضُ ) الْوَرَثَةِ ( فَلَا قَسَامَةَ ) الشَّرْطُ ( الثَّامِنُ : اتِّفَاقُهُمْ ) أَيْ الْوَرَثَةِ ( عَلَى ) عَيْنِ ( قَاتِلٍ ) نَصًّا ( فَلَوْ قَالَ بَعْضُ ) الْوَرَثَةِ ( قَتَلَهُ زَيْدٌ وَ ) قَالَ ( بَعْضُهُمْ قَتَلَهُ بَكْرٌ فَلَا قَسَامَةَ ) .
وَكَذَا لَوْ قَالَ بَعْضُهُمْ قَتَلَهُ زَيْدٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَمْ يَقْتُلْهُ زَيْدٌ ، عَدْلًا كَانَ الْمُكَذِّبُ أَوْ فَاسِقًا ؛ لِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ بِتَبْرِئَةِ زَيْدٍ ، وَكَذَا لَوْ قَالَ أَحَدُ ابْنَيْ الْقَتِيلِ قَتَلَهُ

زَيْدٌ ، وَقَالَ الْآخَرُ لَا أَعْلَمُ قَاتِلَهُ فَلَا قَسَامَةَ كَمَا لَوْ كَذَّبَهُ ؛ لِأَنَّ الْأَيْمَانَ أُقِيمَتْ مَقَامَ الْبَيِّنَةِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَقُومَ أَحَدُهُمَا مَقَامَ الْآخَرِ فِي الْأَيْمَانِ كَسَائِرِ الدَّعْوَى ( وَيَقْبَلُ تَعْيِينَهُمْ ) أَيْ الْوَرَثَةِ لِقَاتِلٍ ( بَعْدَ قَوْلِهِمْ لَا نَعْرِفُهُ ) لِإِمْكَانِ عِلْمِهِ بَعْدَ جَهْلِهِ .
الشَّرْطُ ( التَّاسِعُ : كَوْنُ فِيهِمْ ) أَيْ الْوَرَثَةِ ( ذُكُورٌ مُكَلَّفُونَ ) لِحَدِيثِ { يَقْسِمُ خَمْسُونَ رَجُلًا مِنْكُمْ وَتَسْتَحِقُّونَ دَمَ صَاحِبِكُمْ } وَلِأَنَّ الْقَسَامَةَ يَثْبُتُ بِهَا قَتْلُ الْعَمْدِ فَلَمْ تُسْمَعْ مِنْ النِّسَاءِ كَالشَّهَادَةِ ، وَالدِّيَةُ إنَّمَا تَثْبُتُ ضِمْنًا لَا قَصْدًا .
( وَلَا يَقْدَحُ غَيْبَةُ بَعْضِهِمْ ) أَيْ الْوَرَثَةِ ( وَ ) لَا ( عَدَمُ تَكْلِيفِهِ ) بِأَنْ كَانَ بَعْضُهُمْ صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا ( وَ ) لَا يَقْدَحُ ( نُكُولُهُ ) أَيْ : بَعْضِ الْوَرَثَةِ عَنْ الْيَمِينِ لِأَنَّ الْقَسَامَةَ حَقٌّ لَهُ وَلِغَيْرِهِ ، فَقِيَامُ الْمَانِعِ بِصَاحِبِهِ لَا يَمْنَعُ حَلِفَهُ وَاسْتِحْقَاقَهُ لِنَصِيبِهِ كَالْمَالِ الْمُشْتَرَكِ ( فَلِذَكَرٍ حَاضِرٍ مُكَلَّفٍ ) أَنْ يَحْلِفَ ( بِقِسْطِهِ ) مِنْ الْأَيْمَانِ ( وَيَسْتَحِقُّ نَصِيبَهُ مِنْ الدِّيَةِ ) كَمَا لَوْ كَانَ الْكُلُّ حَاضِرِينَ مُكَلَّفِينَ ( وَلِمَنْ قَدِمَ ) مِنْ الْغَائِبِينَ ( أَوْ كُلِّفَ ) أَيْ بَلَغَ أَوْ عَقَلَ مِنْ الْوَرَثَةِ ( أَنْ يَحْلِفَ بِقِسْطِ نَصِيبِهِ ) مِنْ الْأَيْمَانِ ( وَيَأْخُذُهُ ) أَيْ : نَصِيبَهُ مِنْ الدِّيَةِ لِبِنَائِهِ عَلَى أَيْمَانِ صَاحِبِهِ كَمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا مُكَلَّفًا ابْتِدَاءً .
الشَّرْطُ ( الْعَاشِرُ : كَوْنُ الدَّعْوَى عَلَى وَاحِدٍ ) لَا اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ ( مُعَيَّنٍ ) لِقَوْلِهِ لِلْأَنْصَارِ : { يَقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَيُدْفَعُ إلَيْكُمْ بِرُمَّتِهِ } وَلِأَنَّهَا بَيِّنَةٌ ضَعِيفَةٌ خُولِفَ بِهَا الْأَصْلُ فِي قَتْلِ الْوَاحِدِ فَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ ( فَلَوْ قَالُوا ) أَيْ وَرَثَةُ الْقَتِيلِ ( قَتَلَهُ هَذَا مَعَ آخَرَ ) فَلَا قَسَامَةَ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ اشْتِرَاطِ اتِّحَادِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( أَوْ )

قَالُوا قَتَلَهُ ( أَحَدُهُمَا فَلَا قَسَامَةَ ) لِأَنَّهَا لَا تَكُونُ إلَّا عَلَى مُعَيَّنٍ ( وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُهَا ) أَيْ الْقَسَامَةِ ( بِقَتْلٍ عَمْدٍ ) لِأَنَّهَا حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ فَوَجَبَ أَنْ يَثْبُتَ بِهَا الْخَطَأُ كَالْعَمْدِ .
( وَيُقَادُ فِيهَا ) أَيْ : الْقَسَامَةِ ( إذَا تَمَّتْ الشُّرُوطُ ) الْعَشَرَةُ ، وَشُرُوطُ الْقَوَدِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { يَحْلِفُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَيُدْفَعُ إلَيْكُمْ بِرُمَّتِهِ } .
وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ " وَيُسَلَّمُ إلَيْكُمْ " وَالرُّمَّةُ الْحَبْلُ الَّذِي يُرْبَطُ بِهِ مَنْ عَلَيْهِ الْقَوَدُ ، وَلِثُبُوتِ الْعَمْدِ بِالْقَسَامَةِ كَالْبَيِّنَةِ فَيَثْبُتُ أَثَرُهُ وَرَوَى الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ عَامِرٍ الْأَحْوَلِ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَادَ بِالْقَسَامَةِ فِي الطَّائِفِ } .

وَيَبْدَأُ فِيهَا أَيْ الْقَسَامَةِ ( بِأَيْمَانِ ذُكُورِ عَصَبَتِهِ ) أَيْ الْقَتِيلِ ( الْوَارِثِينَ ) بَدَأَ مِنْ الْعَصَبَةِ ، أَيْ : بِذُكُورِ الْوَارِثِينَ لَهُ فَيُقَدَّمُونَ بِهَا عَلَى أَيْمَانِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَا يُمَكَّنُ مُدَّعًى عَلَيْهِ مِنْ حَلِفٍ مَعَ وُجُودِ ذَكَرٍ مِنْ وَرَثَةِ الْقَتِيلِ وَمَعَ وُجُودِ شَرْطِ الْقَسَامَةِ ؛ لِقِيَامِ أَيْمَانِهِمْ مَقَامَ بَيِّنَتِهِمْ هُنَا خَاصَّةً لِلْخَبَرِ ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ الْعَصَبَةَ غَيْرَ الْوَارِثِ لَا يَحْلِفُ فِي الْقَسَامَةِ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ مِنْ الدَّمِ كَسَائِرِ الدَّعَاوَى ، وَلَا تَخْتَصُّ الْقَسَامَةُ بِالْعَصَبَةِ كَمَا تُوهِمُهُ عِبَارَتُهُ بَلْ بِذُكُورِ الْوَرَثَةِ كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي ( فَيَحْلِفُونَ خَمْسِينَ ) يَمِينًا ( بِقَدْرِ إرْثِهِمْ ) مِنْ الْقَتِيلِ لِأَنَّهُ حَقٌّ يَثْبُتُ تَبَعًا لِلْمِيرَاثِ أَشْبَهَ الْمَالَ ( وَيُكْمِلُ الْكَسْرَ كَابْنٍ وَزَوْجِ ) قَتِيلَةٍ ( فَيَحْلِفُ الِابْنُ ثَمَانِيَةً وَثَلَاثِينَ وَ ) يَحْلِفُ ( الزَّوْجُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ ) يَمِينًا لِأَنَّ لِلزَّوْجِ الرُّبُعَ وَهُوَ مِنْ الْخَمْسِينَ اثْنَا عَشَرَ وَنِصْفٌ فَيَكْمُلُ فَتَصِيرُ ثَلَاثَةَ عَشَرَ وَلِلِابْنِ الْبَاقِي وَهُوَ سَبْعَةٌ وَثَلَاثُونَ وَنِصْفٌ فَيَكْمُلُ فَتَصِيرُ كَمَا ذَكَرَ ( فَلَوْ كَانَ مَعَهُمَا ) أَيْ : الزَّوْجِ وَالِابْنِ ( بِنْتٌ حَلَفَ زَوْجٌ سَبْعَةَ عَشَرَ ) يَمِينًا ( وَ ) حَلَفَ ( ابْنٌ أَرْبَعَةً وَثَلَاثِينَ يَمِينًا ) لِأَنَّ حِصَّةَ الْبِنْتِ وَهِيَ الرُّبُعُ تُرَدُّ عَلَى الزَّوْجِ وَالِابْنِ بِقَدْرِ حِصَّتَيْهِمَا فَتُقْسَمُ الْخَمْسُونَ بَيْنَ الِابْنِ وَالزَّوْجِ عَلَى ثَلَاثَةٍ كَمَسَائِلِ الرَّدِّ وَيُكْمَلُ الْكَسْرُ ( وَإِنْ كَانُوا ) أَيْ : الْوَرَثَةُ ( ثَلَاثَةَ بَنِينَ ) فَقَطْ أَوْ مَعَ بَنَاتِ وَزَوْجَةٍ ( حَلَفَ كُلُّ ) ابْنٍ مِنْهُمْ ( سَبْعَةَ عَشَرَ يَمِينًا ) لِيَكْمُلَ الْكَسْرُ ( وَإِنْ انْفَرَدَ ) ذَكَرٌ ( وَاحِدٌ ) بِالْإِرْثِ أَوْ كَانَ مَعَهُ نِسَاءٌ ( حَلَفَهَا ) أَيْ : الْخَمْسِينَ يَمِينًا لِاعْتِبَارِ عَدَدِهَا كَنِصَابِ الشَّهَادَةِ ( وَإِنْ جَاوَزُوا ) أَيْ : ذُكُورُ الْوَرَثَةِ ( خَمْسِينَ ) رَجُلًا ( حَلَفَ

) مِنْهُمْ ( خَمْسُونَ ) رَجُلًا ( كُلُّ وَاحِدٍ يَمِينًا ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { يَقْسِمُ خَمْسُونَ مِنْكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فَيُدْفَعُ إلَيْكُمْ بِرُمَّتِهِ } ( وَسَيِّدٌ ) فِي ذَلِكَ وَلَوْ مُكَاتِبًا لَا مَأْذُونًا فِي تِجَارَةٍ ( كَوَارِثٍ ) فَإِنْ كَانَ رَجُلًا وَاحِدًا أَوْ مَعَهُ نِسَاءٌ حَلَفَهَا وَإِنْ كَانُوا اثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ حَلَفَ كُلٌّ مِنْهُمْ بِقَدْرِ مِلْكِهِ فِيهِ ، وَيُكْمَلُ كَسْرٌ ، وَإِنْ كَانَ امْرَأَةً أَوْ نِسَاءً فَكَمَا لَوْ كَانَ وَرَثَةُ الْحُرِّ كُلُّهُمْ نِسَاءً وَيَأْتِي

( وَيُعْتَبَرُ ) لِأَيْمَانِ قَسَامَةٍ ( حُضُورُ مُدَّعٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ وَقْتَ حَلِفٍ كَبَيِّنَةٍ عَلَيْهِ ) أَيْ : الْقَتْلِ فَلَا تُسْمَعُ إلَّا بِحَضْرَةِ كُلٍّ مِنْ مُدَّعٍ وَمُدَّعًى عَلَيْهِ وَيَجُوزُ لِلْأَوْلِيَاءِ أَنْ يُقْسِمُوا عَلَى الْقَاتِل إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِمْ أَنَّهُ قَتَلَهُ وَإِنْ كَانُوا غَائِبِينَ عَنْ مَكَانِ الْقَتْلِ .
قَالَهُ الْقَاضِي .
وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَحْلِفُوا إلَّا بَعْدَ الِاسْتِيثَاقِ وَغَلَبَةِ الظَّنِّ وَيَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَعِظَهُمْ وَيُعَرِّفَهُمْ مَا فِي الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ وَ ( لَا ) يُعْتَبَرُ فِيهَا ( مُوَالَاةُ الْإِيمَانِ .
وَلَا كَوْنُهَا فِي مَجْلِسٍ ) وَاحِدٍ فَلَوْ جِيءَ بِهَا فِي مَجَالِسَ أَجْزَأَتْ كَمَا لَوْ أَتَى مَنْ لَهُ بَيِّنَةٌ فِي كُلِّ مَجْلِسٍ بِشَاهِدٍ ( وَمَتَى حَلَفَ الذُّكُورُ ) مِنْ الْوَرَثَةِ ( فَالْحَقُّ ) الْوَاجِبُ بِالْقَتْلِ ( حَتَّى فِي ) قَتْلٍ ( عَمْدٍ لِلْجَمِيعِ ) أَيْ : جَمِيعِ الْوَرَثَةِ ذُكُورًا وَنِسَاءً ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ ثَبَتَ لِلْمَيِّتِ فَصَارَ لِوَرَثَتِهِ كَالدَّيْنِ

( وَإِنْ نَكَلُوا ) أَيْ : ذُكُورُ الْوَرَثَةِ عَنْ أَيْمَانِ ( الْقَسَامَةِ أَوْ كَانُوا ) أَيْ الْوَرَثَةُ ( كُلُّهُمْ خَنَاثَى أَوْ نِسَاءً حَلَفَ مُدَّعًى عَلَيْهِ خَمْسِينَ ) يَمِينًا ( وَبَرِئَ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فَتُبْرِئُكُمْ يَهُودُ بِأَيْمَانِ خَمْسِينَ مِنْهُمْ أَيْ يَبْرَءُونَ مِنْكُمْ } .
وَفِي لَفْظٍ " فَيَحْلِفُونَ خَمْسِينَ يَمِينًا وَيَبْرَءُونَ مِنْ دَمِهِ " ( إنْ رَضُوا ) أَيْ : الْوَرَثَةُ بِأَيْمَانِ مُدَّعًى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُحَلِّفْ الْيَهُودَ حِينَ قَالَ الْأَنْصَارُ كَيْفَ تَأْخُذُ بِأَيْمَانِ قَوْمٍ كُفَّارٍ

( وَمَتَى نَكَلَ ) مُدَّعًى عَلَيْهِ عَنْ شَيْءٍ مِنْ الْخَمْسِينَ يَمِينًا ( لَزِمَتْهُ الدِّيَةُ وَلَيْسَ لِلْمُدَّعِي إنْ رَدَّهَا ) أَيْ : الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( عَلَيْهِ أَنْ يَحْلِفَ ) لِنُكُولِهِ عَنْهَا أَوَّلًا

( وَإِنْ نَكَلُوا ) أَيْ : الْوَرَثَةُ عَنْ أَيْمَانِ الْقَسَامَةِ ( وَلَمْ يَرْضَوْا بِيَمِينِهِ ) أَيْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ( فَدَى الْإِمَامُ الْقَتِيلَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ ) وَخَلَّى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَدَى الْأَنْصَارِيَّ مِنْ عِنْدَهُ لَمَّا لَمْ تَرْضَ الْأَنْصَارُ بِيَمِينِ الْيَهُودِ ، وَلِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ سَبِيلٌ إلَى الثُّبُوتِ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُوجِبُ السُّقُوطَ فَوَجَبَ الْغُرْمُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِئَلَّا يَضِيعَ الْمَعْصُومُ هَدَرًا ( كَمَيِّتٍ فِي زَحْمَةٍ كَجُمُعَةٍ وَطَوَافٍ ) فَيُفْدَى مِنْ بَيْتِ الْمَالِ نَصًّا وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَمِنْهُ مَا رَوَى سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ عَنْ إبْرَاهِيمَ قَالَ : قُتِلَ رَجُلٌ فِي زِحَامِ النَّاسِ بِعَرَفَةَ فَجَاءَ أَهْلُهُ إلَى عُمَرَ فَقَالَ : بَيِّنَتُكُمْ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ ، فَقَالَ عَلِيٌّ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَا يُعَطَّلُ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ ، إنْ عَلِمَتْ قَاتِلَهُ ، وَإِلَّا فَأَعْطِ دِيَتَهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ

( وَإِنْ كَانَ ) الْمَيِّتُ ( قَتِيلًا وَثَمَّ ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ أَيْ : هُنَاكَ فِي مَحَلِّ الْقَتْلِ فِي الزَّحْمَةِ ( مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ ) أَيْ : الْقَتِيلِ ( عَدَاوَةٌ أَخَذَ بِهِ ) نَقَلَهُ مِنْهَا ، وَالْمُرَادُ إذَا تَمَّتْ شُرُوطُ الْقَسَامَةِ ، وَحَلَفَ ذُكُورُ وَرَثَتِهِ خَمْسِينَ يَمِينًا كَمَا تَقَدَّمَ قَالَ الْقَاضِي إنْ كَانَ فِي الْقَوْمِ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ وَأَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ هُوَ قَتَلَهُ فَهُوَ لَوْثٌ .

كِتَابُ الْحُدُودِ ( وَهِيَ جَمْعُ حَدٍّ وَهُوَ ) لُغَةً : الْمَنْعُ ، وَحُدُودُ اللَّهِ مَحَارِمُهُ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا } وَحُدُودُهُ أَيْضًا مَا حَدَّهُ وَقَدَّرَهُ كَالْمَوَارِيثِ وَتَزْوِيجِ الْأَرْبَعِ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا } وَمَا حَدَّهُ الشَّرْعُ لَا تَجُوزُ فِيهِ زِيَادَةٌ وَلَا نُقْصَانٌ وَعُرْفًا ( عُقُوبَةٌ مُقَدَّرَةٌ شَرْعًا فِي مَعْصِيَةٍ ) مِنْ زِنًا وَقَذْفٍ وَشُرْبٍ وَقَطْعِ طَرِيقٍ وَسَرِقَةٍ ( لِتَمْنَعَ ) تِلْكَ الْعُقُوبَةُ ( مِنْ الْوُقُوعِ فِي مِثْلِهَا ) أَيْ : الْمَعْصِيَةِ سُمِّيَ بِذَلِكَ إمَّا مِنْ الْمَنْعِ ؛ لِمَنْعِهِ الْوُقُوعَ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمَعْصِيَةِ ، أَوْ مِنْ التَّقْدِيرِ لِأَنَّهُ مُقَدَّرٌ شَرْعًا أَوْ مِنْ مَعْنَى الْمَحَارِمِ لِأَنَّهَا كَفَّارَةٌ لَهَا أَوْ زَوَاجِرُ عَنْهَا ( وَلَا يَجِبُ ) حَدٌّ إلَّا عَلَى مُكَلَّفٍ لِحَدِيثِ " رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَدُّ أَوْلَى بِالسُّقُوطِ مِنْ الْعِبَادَةِ لِعَدَمِ التَّكْلِيفِ لِأَنَّهُ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ ، وَمَنْ يُخْنَقُ إنْ أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى فِي إفَاقَتِهِ أَخَذَ بِإِقْرَارِهِ وَحُدَّ ، وَإِنْ أَقَرَّ فِي إفَاقَتِهِ أَنَّهُ زَنَى وَلَمْ يُضِفْهُ إلَى حَالٍ أَوْ شَهِدَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ أَنَّهُ زَنَى وَلَمْ تُضِفْهُ إلَى حَالِ إفَاقَتِهِ فَلَا حَدَّ ؛ لِلِاحْتِمَالِ ، وَكَذَا لَا حَدَّ عَلَى نَائِمٍ وَنَائِمَةٍ ( مُلْتَزِمِ ) أَحْكَامِنَا مِنْ مُسْلِمٍ وَذِمِّيٍّ ، بِخِلَافِ حَرْبِيٍّ وَمُسْتَأْمَنٍ ، وَتَقَدَّمَ فِي الْهُدْنَةِ يُؤْخَذُ مُهَادَنٌ بِحَدٍّ لِآدَمِيٍّ كَحَدِّ قَذْفٍ وَسَرِقَةٍ لَا بِحَدٍّ لِلَّهِ كَزِنًا ( عَالِمٍ بِالتَّحْرِيمِ ) لِقَوْلِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ لَا حَدَّ إلَّا عَلَى مَنْ عَلِمَهُ فَلَا حَدَّ عَلَى مَنْ جَهِلَهُ كَمَنْ جَهِلَ تَحْرِيمَ الزِّنَا أَوْ عَيْنَ الْمَرْأَةِ ، كَمَنْ زُفَّتْ إلَيْهِ غَيْرُ امْرَأَتِهِ فَوَطِئَهَا ظَنًّا أَنَّهَا امْرَأَتُهُ لِحَدِيثِ { ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ مَا اسْتَطَعْتُمْ }

( وَإِقَامَتُهُ ) أَيْ : الْحَدِّ ( لِلْإِمَامِ وَنَائِبِهِ مُطْلَقًا ) أَيْ : سَوَاءٌ كَانَ الْحَدُّ لِلَّهِ تَعَالَى كَحَدِّ زِنًا أَوْ لِآدَمِيٍّ كَحَدِّ قَذْفٍ لِأَنَّهُ يَفْتَقِرُ إلَى الِاجْتِهَادِ وَلَا يُؤْمَنُ فِيهِ الْحَيْفُ فَوَجَبَ تَفْوِيضُهُ إلَى نَائِبِ اللَّهِ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ .
وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُقِيمُ الْحُدُودَ فِي حَيَاتِهِ وَكَذَا خُلَفَاؤُهُ مِنْ بَعْدِهِ وَيَقُومُ نَائِبُ الْإِمَامِ فِيهِ مَقَامَهُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { وَاغْدُ يَا أُنَيْسٌ إلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا .
وَأَمَرَ بِرَجْمِ مَاعِزٍ وَلَمْ يَحْضُرْهُ } { وَقَالَ فِي سَارِقٍ أُتِيَ بِهِ اذْهَبُوا بِهِ فَاقْطَعُوهُ }

( وَتَحْرُمُ شَفَاعَةٌ ) فِي حَدِّ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ يَبْلُغَ الْإِمَامَ .
( وَ ) يَحْرُمُ ( قَبُولُهَا ) أَيْ : الشَّفَاعَةِ ( فِي حَدِّ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ أَنْ يَبْلُغَ الْإِمَامَ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فَهَلَّا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ } وَلِأَنَّ الشَّفَاعَةَ فِيهِ طَلَبُ فِعْلٍ مُحَرَّمٍ عَلَى مَنْ طُلِبَ مِنْهُ

( وَلِسَيِّدٍ حُرٍّ مُكَلَّفٍ عَالِمٍ بِهِ ) أَيْ الْحَدِّ ( وَبِشُرُوطِهِ وَلَوْ ) كَانَ السَّيِّدُ ( فَاسِقًا أَوْ امْرَأَةً إقَامَتُهُ ) أَيْ : الْحَدِّ ( بِجَلْدٍ ، وَإِقَامَةُ تَعْزِيرٍ عَلَى رَقِيقٍ كُلِّهِ ) لَا مُبَعَّضَ ( لَهُ ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أَقِيمُوا الْحُدُودَ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } وَلِأَنَّ السَّيِّدَ يَمْلِكُ تَأْدِيبَ رَقِيقِهِ وَضَرْبَهُ عَلَى الذَّنْبِ ، وَهَذَا مِنْ جِنْسِهِ ، وَلِكَوْنِ سَبَبِ وِلَايَتِهِ الْمِلْكَ ، اسْتَوَى الْعَدْلُ وَالذَّكَرُ فِيهِ وَضِدُّهُمَا وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَيْسَ لِمُكَاتِبٍ وَلَا شَرِيكٍ فِي قِنٍّ إقَامَتُهُ عَلَيْهِ لِقُصُورِ وِلَايَتِهِ ، وَلَا لِغَيْرِ مُكَلَّفٍ لِأَنَّهُ مُوَلًّى عَلَيْهِ ( وَلَوْ ) كَانَ الرَّقِيقُ ( مُكَاتَبًا أَوْ مَرْهُونًا أَوْ مُسْتَأْجَرًا ) فَلِسَيِّدِهِ جَلْدُهُ فِي الْحَدِّ بِشَرْطِهِ لِعُمُومِ الْخَبَرِ ، وَلِتَمَامِ مِلْكِهِ عَلَيْهِمْ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُكَاتَبِ تَبِعَ فِيهِ التَّنْقِيحَ وَالْفُرُوعَ .
وَنُقِلَ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ عَنْ أَكْثَرَ الْأَصْحَابِ خِلَافُهُ لِاسْتِقْلَالِهِ بِمَنَافِعِهِ وَكَسْبِهِ وَ ( لَا ) يُقِيمُهُ سَيِّدٌ عَلَى أَمَةٍ ( مُزَوَّجَةٍ ) لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ " إذَا كَانَتْ الْأَمَةُ مُزَوَّجَةً رُفِعَتْ إلَى السُّلْطَانِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا زَوْجٌ جَلَدَهَا سَيِّدُهَا نِصْفَ مَا عَلَى الْمُحْصَنِ " وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ، وَلِأَنَّ مَنْفَعَتَهَا مَمْلُوكَةٌ لِغَيْرِهِ مِلْكًا غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِوَقْتٍ أَشْبَهَتْ الْمُشْتَرَكَةَ ( وَمَا ثَبَتَ ) مِمَّا يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَى رَقِيقٍ ( يَعْلَمُهُ ) أَيْ : السَّيِّدُ بِرُؤْيَةٍ أَوْ غَيْرِهَا ( أَوْ إقْرَارِ ) رَقِيقٍ ( كَ ) الثَّالِثِ ( بِبَيِّنَةٍ ) لِأَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى التَّأْدِيبِ بِخِلَافِ الْحَاكِمِ فَإِنَّهُ مُتَّهَمٌ ، وَلِلسَّيِّدِ سَمَاعُ الْبَيِّنَةِ عَلَى رَقِيقِهِ إذَا عَلِمَ شُرُوطَهَا ( وَلَيْسَ لَهُ ) أَيْ السَّيِّدِ ( قَتْلٌ فِي رِدَّةٍ .
وَ ) لَا ( قَطْعٌ فِي سَرِقَةٍ ) لِأَنَّ الْأَصْلَ تَفْوِيضٌ إقَامَةِ الْحَدِّ إلَى الْإِمَامِ ، وَإِنَّمَا فُوِّضَ إلَى السَّيِّدِ الْجَلْدُ خَاصَّةً

لِأَنَّهُ تَأْدِيبٌ ، وَالْحَدِيثُ جَاءَ فِي جَارِيَةٍ زَنَتْ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ ذَلِكَ الْحَدَّ وَشَبَهَهُ وَلِأَنَّ فِي الْجَلْدِ سَتْرًا عَلَى رَقِيقِهِ لِئَلَّا يَفْتَضِحَ بِإِقَامَةِ الْإِمَامِ الْحَدَّ عَلَيْهِ فَتَنْقُصَ قِيمَتُهُ وَذَلِكَ مُنْتَفٍ فِيهِمَا

( وَتَجِبُ إقَامَةُ الْحَدِّ وَلَوْ كَانَ مَنْ يُقِيمُهُ ) أَيْ الْحَدَّ ( شَرِيكًا أَوْ عَوْنًا لِمَنْ يُقِيمُهُ ) أَيْ : الْحَدَّ ( عَلَيْهِ فِي ) تِلْكَ ( الْمَعْصِيَةِ ) لِوُجُوبِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ حَتَّى فِي هَذِهِ الْحَالَةِ وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَ مَعْصِيَتَيْنِ

( وَتَحْرُمُ إقَامَتُهُ ) أَيْ الْحَدِّ ( بِمَسْجِدٍ ) لِحَدِيثِ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يُسْتَقَادَ بِالْمَسْجِدِ وَأَنْ تُنْشَدَ الْأَشْعَارُ بِالْمَسْجِدِ وَأَنْ تُقَامَ فِيهِ الْحُدُودُ } وَلِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ مِنْ حُدُوثِ مَا يُلَوِّثُ الْمَسْجِدَ فَإِنْ أُقِيمَ بِهِ لَمْ يُعَدْ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ الزَّجْرِ

( أَوْ ) أَيْ : وَيَحْرُمُ ( أَنْ يُقِيمَهُ ) أَيْ الْحَدَّ ( إمَامٌ أَوْ نَائِبُهُ بِعِلْمِهِ ) أَيْ : بِلَا بَيِّنَةٍ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ } وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمْ الْكَاذِبُونَ } وَلِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ التَّكَلُّمُ بِهِ فَالْعَمَلُ أَوْلَى حَتَّى لَوْ رَمَاهُ بِمَا عَلِمَهُ مِنْهُ لَكَانَ قَاذِفًا بِحَدٍّ لِلْقَذْفِ

( أَوْ ) أَيْ : وَيَحْرُمُ أَنْ يُقِيمَ الْحَدَّ ( وَصِيٌّ عَلَى رَقِيقِ مُوَلِّيهِ ) لِأَنَّهُ لَا مِلْكَ لَهُ فِيهِ ( كَأَجْنَبِيٍّ ) فَلَا يُقِيمُهُ عَلَى رَقِيقِ غَيْرِهِ

( وَلَا يَضْمَنُ مَنْ ) أَقَامَ حَدًّا عَلَى مَنْ ( لَيْسَ لَهُ إقَامَتُهُ ) عَلَيْهِ ( فِيمَا حَدُّهُ الْإِتْلَافُ ) كَقَتْلِ زَانٍ مُحْصَنٍ وَقَطْعٍ فِي سَرِقَةٍ لَكِنْ يُؤَدَّبُ الْفَاعِلُ لِافْتِيَاتِهِ عَلَى الْإِمَامِ

( وَيَضْرِبُ الرَّجُلَ ) الْحَدَّ ( قَائِمًا ) لِيُعْطِيَ كُلَّ عُضْوٍ حَظَّهُ مِنْ الضَّرْبِ ( بِسَوْطٍ ) قَالَ فِي الرِّعَايَةِ : مَنْ عِنْدَهُ حَجْمُ السَّوْطِ بَيْنَ الْقَضِيبِ وَالْعَصَا ، وَهُوَ مَعْنَى مَا فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لِلْحَنَفِيَّةِ .
وَفِي الْمُخْتَارِ لَهُمْ بِسَوْطٍ لَا ثَمَرَةَ لَهُ ، قَالَ فِي الْمُبْدِعِ : فَيَتَعَيَّنُ أَنْ لَا يَكُونَ مِنْ الْجِلْدِ ( لَا خَلَقٌ ) نَصًّا .
بِفَتْحِ اللَّامِ .
لِأَنَّهُ لَمْ يُؤْلِمْ ( وَلَا جَدِيدٌ ) لِئَلَّا يَجْرَحَ .
وَفِي الرِّعَايَةِ : بَيْنَ الْيَابِسِ وَالرَّطْبِ .
وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ مُرْسَلًا { أَنَّ رَجُلًا اعْتَرَفَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُتِيَ بِسَوْطٍ مَكْسُورٍ .
فَقَالَ : فَوْقَ هَذَا فَأُتِيَ بِسَوْطٍ جَدِيدٍ لَمْ تُكْسَرْ ثَمَرَتُهُ .
فَقَالَ : بَيْنَ هَذَيْنِ } .
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُسْنَدًا ، وَعَنْ عَلِيٍّ ضَرْبٌ بَيْنَ ضَرْبَيْنِ ، وَسَوْطٌ بَيْنَ سَوْطَيْنِ أَيْ : لَا شَدِيدٌ فَيَقْتُلُ وَلَا ضَعِيفٌ فَلَا يُرْدِعُ ( بِلَا مَدٍّ وَلَا رَبْطٍ ، وَلَا تَجْرِيدٍ ) مِنْ ثِيَابٍ .
لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ : لَيْسَ فِي دِينِنَا مَدٌّ وَلَا قَيْدٌ وَلَا تَجْرِيدٌ ، وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِعْلُ ذَلِكَ ، وَيَكُونُ عَلَيْهِ الْقَمِيصُ وَالْقَمِيصَانِ ، وَيُنْزَعُ عَنْهُ فَرْوُ وَجُبَّةٌ مَحْشُوَّةٌ .
لِأَنَّهُ لَوْ تُرِكَ عَلَيْهِ ذَلِكَ لَمْ يُبَالِ بِالضَّرْبِ ( وَلَا يُبَالَغْ فِي ضَرْبٍ ) بِحَيْثُ يَشُقُّ الْجِلْدَ .
لِأَنَّ الْقَصْدَ أَدَبُهُ لَا إهْلَاكُهُ ( وَلَا يُبْدِي ضَارِبٌ إبْطَهُ فِي رَفْعِ يَدٍ ) لِلضَّرْبِ نَصًّا ( وَسُنَّ تَفْرِيقُهُ ) أَيْ : الضَّرْبُ ( عَلَى الْأَعْضَاءِ ) لِيَأْخُذَ مِنْهُ كُلُّ عُضْوٍ حَظَّهُ ، وَتَوَالِي الضَّرْبِ عَلَى عُضْوٍ وَاحِدٍ يُؤَدِّي إلَى قَتْلِهِ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِعَدَمِهِ .
قَالَ فِي الشَّرْحِ : وَيُكْثِرُ مِنْهُ فِي مَوَاضِعِ اللَّحْمِ كَالْأَلْيَتَيْنِ وَالْفَخِذَيْنِ ( وَيَضْرِبُ مِنْ جَالِسٍ ظَهْرَهُ وَمَا قَارَبَهُ ) أَيْ : الظَّهْرَ

( وَيَجِبُ ) فِي الْجَلْدِ ( اتِّقَاءُ وَجْهٍ وَ ) اتِّقَاءُ ( فَرْجٍ وَ ) اتِّقَاءُ ( مَقْتَلٍ ) كَفُؤَادٍ وَخُصْيَتَيْنِ .
لِئَلَّا يُؤَدِّيَ ضَرْبُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَوَاضِعِ إلَى قَتْلِهِ وَإِذْهَابِ مَنْفَعَتِهِ ، وَالْقَصْدُ أَدَبُهُ فَقَطْ

( وَامْرَأَةٌ كَرَجُلٍ .
إلَّا أَنَّهَا تُضْرَبُ جَالِسَةً ) لِقَوْلِ عَلِيٍّ تُضْرَبُ الْمَرْأَةُ جَالِسَةً وَالرَّجُلُ قَائِمًا ( وَتُشَدُّ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا ، وَتُمْسَكُ يَدَاهَا ) لِئَلَّا تَتَكَشَّفَ وَلِأَنَّ الْمَرْأَةَ عَوْرَةٌ ، وَفِعْلُ ذَلِكَ أَسْتَرُ لَهَا

( وَيُجْزِئُ ) ضَرْبٌ فِي حَدٍّ ( بِسَوْطٍ مَغْصُوبٍ ) عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى النَّهْيِ لِلْإِجْمَاعِ ، ذَكَرَهُ فِي التَّمْهِيدِ

( وَتُعْتَبَرُ ) لِإِقَامَةِ حَدٍّ ( نِيَّةٌ ) بِأَنْ يَنْوِيَهُ لِلَّهِ .
وَلِمَا وَضَعَ اللَّهُ ذَلِكَ لِحَدِيثِ { إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ } لَكِنْ إنْ نَوَى الْإِمَامُ وَأَمَرَ عَبْدًا أَعْجَمِيًّا لَا مَعْرِفَةَ لَهُ بِالنِّيَّةِ أَجْزَأَتْ نِيَّةُ الْإِمَامِ ، وَالْعَبْدُ كَالْآلَةِ .
ذَكَرَهُ فِي الْفُصُولِ ، فَلَوْ حَدَّهُ لِلتَّشَفِّي أَثِمَ وَيُعِيدُهُ .
ذَكَرَهُ فِي الْمَنْثُورِ عَنْ الْقَاضِي وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ لَا وَهُوَ أَظْهَرُ ، ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ

وَ ( لَا ) تُعْتَبَرُ ( مُوَالَاةُ ) الضَّرْبِ فِي الْجَلْدِ لِزِيَادَةِ الْعُقُوبَةِ وَلِسُقُوطِهِ بِالشُّبْهَةِ

( وَأَشَدُّهُ ) أَيْ الْجَلْدِ فِي الْحُدُودِ ( جَلْدُ زِنًا فَ ) جَلْدُ ( قَذْفٍ فَ ) جَلْدُ ( شُرْبِ ) خَمْرٍ ( فَ ) جَلْدُ ( تَعْزِيرٍ ) لِأَنَّهُ تَعَالَى خَصَّ الزِّنَا بِمَزِيدِ تَأْكِيدٍ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ } فَاقْتَضَى مَزِيدَ تَأْكِيدٍ وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي الْعَدَدِ فَيَكُونُ فِي الصِّفَةِ وَلِأَنَّ مَا دُونَهُ أَخَفُّ مِنْهُ فِي الْعَدَدِ فَكَذَا فِي الصِّفَةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَا خُفَّ عَدَدُهُ فِي صِفَتِهِ

( وَإِنْ رَأَى إمَامٌ أَوْ نَائِبُهُ الضَّرْبَ فِي حَدِّ شُرْبِ ) مُسْكِرٍ ( بِجَرِيدٍ أَوْ نِعَالٍ وَقَالَ جَمْعٌ وَبِأَيْدٍ ) قَالَ ( الْمُنَقِّحُ وَهُوَ أَظْهَرُ فَلَهُ ذَلِكَ ) لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ فَقَالَ اضْرِبُوهُ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَمِنَّا الضَّارِبُ بِنَعْلِهِ وَالضَّارِبُ بِثَوْبِهِ وَالضَّارِبُ بِيَدِهِ }

( وَلَا يُؤَخَّرُ اسْتِيفَاءُ حَدٍّ لِمَرَضٍ وَلَوْ رَجَى زَوَالُهُ ) لِأَنَّ عُمَرَ أَقَامَ الْحَدَّ عَلَى قُدَامَةَ بْنِ مَظْعُونٍ فِي مَرَضِهِ وَلَمْ يُؤَخِّرْهُ وَانْتَشَرَ ذَلِكَ وَلَمْ يُنْكِرْهُ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْأَمْرِ أَنَّهُ لِلْفَوْرِ فَلَا يُؤَخَّرُ الْمَأْمُورُ بِهِ بِلَا حُجَّةٍ

( وَلَا ) يُؤَخِّرُ ( الْحَرُّ أَوْ بَرْدٌ أَوْ ضَعْفٌ ) لِمَا تَقَدَّمَ ( فَإِنْ كَانَ ) الْحَدُّ ( جَلْدًا وَخِيفَ ) عَلَى الْمَحْدُودِ ( مِنْ السَّوْطِ لَمْ يَتَعَيَّنْ فَيُقَامُ ) عَلَيْهِ الْحَدُّ ( بِطَرَفِ ثَوْبٍ وَعُثْكُولِ نَخْلٍ ) وَالْعُثْكُولُ بِوَزْنِ عُصْفُورٍ هُوَ الضِّغْثُ بِالضَّادِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَتَيْنِ وَالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ فَإِذَا أَخَذَ ضِغْثًا بِهِ مِائَةُ شِمْرَاخٍ فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً وَاحِدَةً أَجْزَأَ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكِنْ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : فِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ وَلِأَنَّ ضَرْبَهُ التَّامَّ يُؤَدِّي إلَى إتْلَافِهِ وَتَرْكَهُ بِالْكُلِّيَّةِ غَيْرُ جَائِزٍ فَتَعَيَّنَ مَا ذَكَرَ

( وَيُؤَخَّرُ ) الْحَدُّ ( لِسُكْرٍ حَتَّى يَصْحُوَ ) الشَّارِبُ نَصًّا ( فَلَوْ خَالَفَ ) وَأَقَامَ الْحَدَّ عَلَيْهِ فِي سُكْرِهِ ( سَقَطَ ) الْحَدُّ ( إنْ أَحَسَّ ) بِأَلَمِ الضَّرْبِ كَمَا لَوْ يَكُنْ سَكْرَانَ ( وَإِلَّا ) يُحِسَّ بِأَلَمِ الضَّرْبِ ( فَلَا ) الْحَدُّ يَسْقُطُ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ مَا يَزْجُرُهُ

( وَيُؤَخَّرُ قَطْعٌ ) فِي سَرِقَةٍ وَنَحْوِهَا ( خَوْفَ تَلَفِ ) مَحْدُودٍ بِقَطْعِهِ لِمَا مَرَّ أَنَّ الْقَصْدَ زَجْرُهُ لَا إهْلَاكُهُ

( وَيَحْرُمُ بَعْدَ ) إقَامَةِ ( حَدٍّ حَبْسُ ) مَحْدُودٍ ( وَإِيذَاؤُهُ بِكَلَامٍ ) كَالتَّعْيِيرِ لِنَسْخِهِ بِمَشْرُوعِيَّةِ الْحَدِّ كَنَسْخِ حَبْسِ الْمَرْأَةِ

( وَمَنْ مَاتَ ) بِجَلْدٍ ( فِي تَعْزِيرٍ أَوْ ) مَاتَ فِي ( حَدٍّ بِقَطْعٍ أَوْ جَلْدٍ وَلَمْ يَلْزَمْهُ تَأْخِيرُهُ ) أَيْ الْحَدِّ ( فَ ) هُوَ ( هَدَرٌ ) لِأَنَّهُ مَاتَ مِنْ فِعْلٍ مَأْذُونٍ فِيهِ شَرْعًا وَلِأَنَّ الْإِمَامَ نَائِبٌ عَنْ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ فَكَانَ التَّلَفُ مَنْسُوبًا إلَى اللَّهِ فَإِنْ لَزِمَ تَأْخِيرُ الْحَدِّ بِأَنْ كَانَتْ حَامِلًا أَوْ كَانَ مَرِيضًا وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ وَاسْتَوْفَاهُ إذَنْ فَتَلِفَ الْمَحْدُودُ ضَمِنَهُ لِعُدْوَانِهِ

( وَمَنْ زَادَ ) فِي عَدَدِ جَلْدٍ ( وَلَوْ ) كَانَ الزَّائِدُ ( جَلْدَةً أَوْ ) زَادَ ( فِي السَّوْطِ ) الَّذِي ضَرَبَ بِهِ ( أَوْ اعْتَمَدَ فِي ضَرْبِهِ ) فَتَلِفَ الْمَحْدُودُ ضَمِنَهُ بِدِيَتِهِ ( أَوْ ) ضَرَبَهُ ( بِسَوْطٍ لَا يَحْتَمِلُهُ ) الْمَضْرُوبُ ( فَتَلِفَ ضَمِنَهُ ) الضَّارِبُ ( بِدِيَتِهِ ) كَامِلَةً لِحُصُولِ تَلَفِهِ بِعُدْوَانِهِ وَكَمَا لَوْ أَلْقَى حَجَرًا وَنَحْوَهُ عَلَى سَفِينَةٍ مَوْقُورَةٍ فَخَرَقَهَا

( وَمَنْ أُمِرَ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ( بِزِيَادَةٍ عَلَى الْجَلْدِ ) الْوَاجِبِ فِي الْجَلْدِ ( فَزَادَ جَهْلًا ) بِعَدَدِ الضَّرْبِ الْوَاجِبِ فَمَاتَ الْمَضْرُوبُ ( ضَمِنَهُ آمِرٌ ) لِأَنَّ الْجَلَّادَ مَعْذُورٌ بِالْجَهْلِ ( وَإِلَّا ) يَجْهَلْ الْجَلَّادُ ذَلِكَ ( فَضَارِبٌ ) يَضْمَنُهُ وَحْدَهُ كَمَنْ أَمَرَهُ السُّلْطَانُ بِالْقَتْلِ ظُلْمًا فَقَتَلَ مَعَ الْعِلْمِ بِهِ

( وَإِنْ تَعَمَّدَهُ ) أَيْ الزَّائِدَ ( الْعَادُّ فَقَطْ ) أَيْ دُونَ الْآمِرِ وَالضَّارِبِ ضَمِنَهُ الْعَادُّ لِحُصُولِ التَّلَفِ بِسَبَبِ تَعَمُّدٍ ( أَوْ أَخْطَأَ ) الْعَادُّ ( وَادَّعَى ضَارِبٌ الْجَهْلَ ) بِالزِّيَادَةِ ( ضَمِنَهُ الْعَادُّ ) لِحُصُولِ التَّلَفِ بِسَبَبِهِ وَيُقْبَلُ قَوْلُ ضَارِبٍ فِي الْجَهْلِ بِذَلِكَ لِيَمِينِهِ ، ذَكَرَهُ فِي شَرْحِهِ

( وَتَعَمُّدُ إمَامٍ لِزِيَادَةِ شِبْهِ عَمْدٍ تَحْمِلُهُ عَاقِلَتُهُ ) كَمَا لَوْ رَمَى صَيْدًا فَبَانَ آدَمِيًّا

( وَلَا يُحْفَرُ لِرَجْمٍ وَلَوْ ) كَانَ الرَّجْمُ ( لِأُنْثَى وَ ) لَوْ ( ثَبَتَ ) الزِّنَا عَلَيْهَا ( بِبَيِّنَةٍ ) لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَحْفِرْ لِلْجُهَيْنِيَّةِ وَلَا لِلْيَهُودِيَّيْنِ وَتُشَدُّ عَلَى الْمَرْأَةِ ثِيَابُهَا لِئَلَّا تَنْكَشِفَ عَوْرَتُهَا لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ قَالَ { فَأَمَرَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَشُدَّتْ عَلَيْهَا ثِيَابُهَا }

( وَيَجِبُ فِي ) إقَامَةِ ( حَدِّ زِنًا حُضُورُ إمَامٍ أَوْ نَائِبِهِ ) أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُمَا صَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ ( وَ ) يَجِبُ فِي حَدِّ زِنًا حُضُورُ ( طَائِفَةٍ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَلَوْ وَاحِدًا ) أَيْ : مَعَ مَنْ يُقِيمُ الْحَدَّ .
نَقَلَهُ فِي الْكَافِي عَنْ الْأَصْحَابِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ } ( وَسُنَّ حُضُورُ مَنْ شَهِدَ ) بِزِنًا ( أَوْ ) سُنَّ ( بُدَاءَتُهُمْ ) أَيْ الشُّهُودِ ( بِرَجْمٍ فَلَوْ ثَبَتَ بِإِقْرَارٍ سُنَّ بُدَاءَةُ إمَامِ مَنْ يُقِيمُهُ ) إمَامٌ مَقَامَهُ ؛ لِمَا رَوَى سَعِيدٌ عَنْ عَلِيٍّ " : الرَّجْمُ رَجَمَانِ فَمَا كَانَ مِنْهُ بِإِقْرَارٍ فَأَوَّلُ مَنْ يَرْجُمُ الْإِمَامُ ، وَمَا كَانَ بِبَيِّنَةٍ فَأَوَّلُ مَنْ يَرْجُمُ الْبَيِّنَةُ ثُمَّ النَّاسُ " وَلِأَنَّ فِعْلَ ذَلِكَ أَبْعَدُ مِنْ التُّهْمَةِ فِي الْكَذِبِ عَلَيْهِ ، وَالسُّنَّةُ أَنْ يَدُورَ النَّاسُ حَوْلَ الْمَرْجُومِ قَالَهُ فِي الشَّرْحِ قَالَ فِي الْإِقْنَاعِ إنْ ثَبَتَ بِبَيِّنَةٍ لَا بِإِقْرَارٍ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَهْرَبَ فَيُتْرَكَ

( وَمَتَى رَجَعَ مُقِرٌّ ) أَيْ بِزِنًا عَنْ إقْرَارٍ لَمْ يَقُمْ ( أَوْ ) رَجَعَ مُقِرٌّ ( بِسَرِقَةٍ أَوْ ) بِشُرْبِ خَمْرٍ عَنْ إقْرَارِهِ ( قَبْلَهُ ) أَيْ قَبْلَ أَنْ يُقَامَ عَلَيْهِ الْحَدُّ ( وَلَوْ بَعْدَ الشَّهَادَةِ عَلَى إقْرَارِهِ ) بِالزِّنَا أَوْ السَّرِقَةِ أَوْ الشُّرْبِ ( لَمْ يَقُمْ ) عَلَيْهِ ( وَإِنْ رَجَعَ فِي أَثْنَائِهِ ) أَيْ الْحَدِّ ( أَوْ هَرَبَ تُرِكَ ) لِأَنَّ { مَاعِزًا هَرَبَ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ هَلَّا تَرَكْتُمُوهُ يَتُوبُ فَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَيْهِ } .
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجَابِرٍ وَمَعْمَرِ بْنِ هَزَّالٍ وَغَيْرِهِمْ .
وَلِأَنَّ رُجُوعَهُ شُبْهَةٌ وَالْحُدُودُ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ ، وَكَمَا لَوْ رَجَعَتْ الْبَيِّنَةُ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ ، وَفَارَقَ سَائِرَ الْحُقُوقِ ؛ لِأَنَّهَا لَا تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ

( فَإِنْ تُمِّمَ ) حَدٌّ عَلَى رَاجِعٍ عَنْ إقْرَارِهِ ( فَلَا قَوَدَ ) فِيهِ لِلشُّبْهَةِ ( وَضَمِنَ رَاجِعٌ ) صَرِيحًا ( لَا هَارِبَ بِالدِّيَةِ ) لِزَوَالِ إقْرَارِهِ بِالرُّجُوعِ عَنْهُ بِخِلَافِ الْهَارِبِ وَمِثْلُهُ مَنْ طَلَبَ أَنْ يُرَدَّ لِلْحَاكِمِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ صَرِيحًا فِي رُجُوعِهِ

( وَإِنْ ثَبَتَ ) زِنًا أَوْ سَرِقَةٌ أَوْ شُرْبٌ ( بِبَيِّنَةٍ عَلَى الْفِعْلِ ) أَيْ فِعْلِ مَا ذَكَرَ لَا عَلَى الْإِقْرَارِ بِهِ ( فَهَرَبَ ) مَحْدُودٌ ( لَمْ يُتْرَكْ ) لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِرُجُوعِهِ وَلَا هَرَبِهِ إذَنْ

( وَمَنْ أَتَى ) مَا يُوجِبُ ( حَدًّا سَتَرَ نَفْسَهُ ) اسْتِحْبَابًا ( لَمْ يَجِبْ وَلَمْ يُسَنَّ أَنْ يُقِرَّ بِهِ عِنْدَ حَاكِمٍ ) لِحَدِيثِ { إنَّ اللَّهَ سِتِّيرٌ يُحِبُّ مِنْ عِبَادِهِ السِّتِّيرَ }

( وَمَنْ قَالَ الْحَاكِمُ أَصَبْت حَدًّا ) فَقَطْ ( لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ ) مَا لَمْ يُبَيِّنْهُ نَصًّا وَيُحَدُّ مَنْ زَنَى هَزِيلًا وَلَوْ بَعْدَ سِمَنِهِ وَكَذَا عُقُوبَةُ الْآخِرَةِ كَمَنْ قُطِعَتْ يَدُهُ ثُمَّ زَنَى أُعِيدَتْ بَعْدَ بَعْثِهِ وَعُوقِبَ .
ذَكَرَهُ فِي الْفُنُونِ ( وَالْحَدُّ كَفَّارَةٌ لِذَلِكَ الذَّنْبِ ) الَّذِي أَوْجَبَهُ نَصًّا لِلْخَبَرِ .

وَإِنْ اجْتَمَعَتْ حُدُودٌ لِلَّهِ تَعَالَى مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ ( بِأَنْ زَنَى ) مِرَارًا ( أَوْ سَرَقَ ) مِرَارًا ( أَوْ شَرِبَ الْخَمْرَ مِرَارًا تَدَاخَلَتْ فَلَا يُحَدُّ سِوَى مَرَّةٍ ) حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعَ كُلِّ مَنْ يَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ؛ لِأَنَّ الْغَرَضَ الزَّجْرُ عَنْ إتْيَانِ مِثْلِ ذَلِكَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ، وَهُوَ حَاصِلٌ بِحَدٍّ وَاحِدٍ وَكَالْكَفَّارَاتِ مِنْ جِنْسٍ

( وَ ) إنْ اجْتَمَعَتْ حُدُودٌ لِلَّهِ تَعَالَى ( مِنْ أَجْنَاسٍ ) كَأَنْ زَنَى وَسَرَقَ وَشَرِبَ الْخَمْرَ ( وَفِيهَا قَتْلٌ ) بِأَنْ كَانَ فِي الْمِثَالِ مُحْصَنًا ( اسْتَوْفَى ) الْقَتْلَ ( وَحْدَهُ ) لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ " إذَا اجْتَمَعَ حَدَّانِ أَحَدُهُمَا الْقَتْلُ أَحَاطَ الْقَتْلُ بِذَلِكَ " رَوَاهُ سَعِيدٌ وَلَا يُعْرَفُ لَهُ مُخَالِفٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَكَالْمُحَارِبِ إذَا قَتَلَ وَأَخَذَ الْمَالَ وَلِأَنَّ الْغَرَضَ الزَّجْرُ وَمَعَ الْقَتْلِ لَا حَاجَةَ لَهُ ، وَإِنْ اجْتَمَعَ مَا يُوجِبُ الْقَتْلَ لِلْمُحَارَبَةِ وَلِلرِّدَّةِ وَتَرْكِ الصَّلَاةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقْتَلَ لِلْمُحَارَبَةِ وَيَسْقُطَ غَيْرُهُ لِأَنَّ فِيهِ حَقَّ آدَمِيٍّ فِي الْقِصَاصِ ، وَالْمُحَارَبَةِ إنَّمَا أَثَّرَتْ بِتَحَتُّمِهِ وَحَقُّ الْآدَمِيِّ يَجِبُ تَقْدِيمُهُ ( وَإِلَّا ) يَكُنْ فِيهَا قَتْلٌ وَهِيَ مِنْ أَجْنَاسٍ كَبِكْرٍ زَنَى وَشَرِبَ وَسَرَقَ ( وَجَبَ أَنْ يُبْدَأَ بِالْأَخَفِّ فَالْأَخَفِّ ) ، فَيُحَدُّ أَوَّلًا لِشُرْبٍ ثُمَّ لِزِنًى ثُمَّ لِقَطْعٍ

( وَتُسْتَوْفَى حُقُوقُ آدَمِيٍّ كُلُّهَا ) فِيهَا قَتْلٌ أَوْ لَا كَسَائِرِ حُقُوقِهِ ، وَلِأَنَّ مَا دُونَ الْقَتْلِ حَقُّ الْآدَمِيِّ فَلَا يَسْقُطُ بِالْقَتْلِ كَالدُّيُونِ بِخِلَافِ حَقِّ اللَّهِ فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَامَحَةِ ( وَيُبْدَأُ بِغَيْرِ قَتْلٍ الْأَخَفُّ فَالْأَخَفُّ وُجُوبًا ) فَمَنْ قَذَفَ وَقَطَعَ عُضْوًا وَقَتَلَ مُكَافِئًا ، حُدَّ أَوَّلًا لِقَذْفٍ ثُمَّ قَطْعٍ ثُمَّ قَتْلٍ ( وَكَذَا لَوْ اجْتَمَعَتْ ) حُقُوقُ آدَمِيٍّ ( مَعَ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى ) فَتُسْتَوْفَى كُلُّهَا ( وَيُبْدَأُ بِحَقِّ آدَمِيٍّ فَلَوْ زَنَى وَشَرِبَ ) مُسْكِرًا ( وَقَذَفَ وَقَطَعَ يَدًا قُطِعَ ) أَيْ : قُطِعَتْ يَدُهُ لِأَنَّهُ مَحْضُ حَقِّ آدَمِيٍّ لِسُقُوطِهِ بِإِسْقَاطِهِ ( ثُمَّ حُدَّ الْقَذْفَ ) لِلِاخْتِلَافِ فِي كَوْنِهِ حَقَّ الْآدَمِيِّ ( ثُمَّ لِشُرْبٍ ثُمَّ لِزِنًا لَكِنْ لَوْ قَتَلَ ) مُكَافِئًا عَمْدًا ( وَارْتَدَّ أَوْ سَرَقَ ) مَا يُوجِبُ الْقَطْعَ ( وَقَطَعَ يَدًا قُتِلَ ) لَهُمَا ( أَوْ قُطِعَ لَهُمَا ) لِاتِّحَادِ مَحَلِّ الْحَقَّيْنِ فَتَدَاخَلَا ( وَلَا يُسْتَوْفَى حَدٌّ حَتَّى يَبْرَأَ مَا قَبْلَهُ ) لِئَلَّا يُؤَدِّيَ تَوَالِي الْحُدُودِ عَلَيْهِ إلَى تَلَفِهِ .

وَمَنْ قَتَلَ أَوْ أَتَى حَدًّا خَارِجَ حَرَمِ مَكَّةَ لَا الْمَدِينَةِ ( ثُمَّ لَجَأَ ) إلَيْهِ ( أَوْ ) لَجَأَ ( حَرْبِيٌّ أَوْ ) لَجَأَ ( مُرْتَدٌّ إلَيْهِ حَرُمَ أَنْ يُؤْخَذَ حَتَّى بِدُونِ قَتْلٍ فِيهِ ) أَيْ : الْحَرَمِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا } وَهُوَ خَبَرٌ أُرِيدَ بِهِ الْأَمْرُ أَيْ : أَمِّنُوهُ وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرُمَ سَفْكُ الدَّمِ بِمَكَّةَ .
وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فَقُولُوا إنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَكُمْ } وَقَوْلِهِ { إنَّ أَعْدَى النَّاسِ عَلَى اللَّهِ مَنْ قَتَلَ فِي الْحَرَمِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَحَدِيثِ أَبِي شُرَيْحٍ .
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ " لَوْ وَجَدْت قَاتِلَ عُمَرَ فِي الْحَرَمِ مَا هَجَمْته " رَوَاهُ أَحْمَدُ ( لَكِنْ لَا يُبَايَعُ وَلَا يُشَارَى وَلَا يُكَلَّمُ ) زَادَ فِي الرَّوْضَةِ وَلَا يُؤَاكَلُ وَلَا يُشَارَبُ ( حَتَّى يَخْرُجَ ) مِنْهُ ( فَيُقَامَ عَلَيْهِ ) لِئَلَّا يَتَمَكَّنَ مِنْ الْإِقَامَةِ دَائِمًا فَيَضِيعَ الْحَقُّ عَلَيْهِ ( وَمَنْ فَعَلَهُ ) أَيْ قَتَلَ أَوْ أَتَى حَدًّا ( فِيهِ ) أَيْ الْحَرَمِ ( أُخِذَ ) بِالْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ ( بِهِ ) أَيْ : بِمَا فَعَلَهُ ( فِيهِ ) أَيْ : الْحَرَمِ لِقَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ " مَنْ أَحْدَثَ حَدَثًا فِي الْحَرَمِ أُقِيمَ عَلَيْهِ مَا أَحْدَثَ مِنْ شَيْءٍ " رَوَاهُ الْأَثْرَمُ

( وَمَنْ قُوتِلَ فِيهِ ) أَيْ الْحَرَمِ ( دَفَعَ عَنْ نَفْسِهِ فَقَطْ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ ، فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ } وَلِأَنَّ أَهْلَ الْحَرَمِ مُحْتَاجُونَ إلَى الزَّجْرِ عَنْ ارْتِكَابِ الْمَعَاصِي كَغَيْرِهِمْ حِفْظًا لِأَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ وَأَعْرَاضِهِمْ ، وَلِهَتْكِ الْجَانِي وَنَحْوِهِ فِي الْحَرَمِ حُرْمَتَهُ فَلَا يَنْتَهِرُ لِتَحْرِيمِ دَمِهِ وَصِيَانَتِهِ ، كَالْجَانِي فِي دَارِ الْمُلْكِ لَا يُعْصَمُ لِحُرْمَةِ الْمُلْكِ وَنُسِخَ تَحْرِيمُ الْقِتَالِ فِي أَشْهُرِ الْحُرُمِ

( وَلَا تَعْصِمُ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ شَيْئًا مِنْ الْحُدُودِ وَالْجِنَايَاتِ ) فَلَوْ أَتَى بِشَيْءِ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ دَخَلَ شَهْرٌ حَرَامٌ أُقِيمَ عَلَيْهِ مَا وَجَبَ قَبْلَهُ لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ

( وَإِذَا أَتَى غَازٍ حَدًّا أَوْ ) أَتَى ( قَوَدًا ) وَهُوَ ( بِأَرْضِ الْعَدُوِّ لَمْ يُؤْخَذْ بِهِ ) أَيْ : الْحَدِّ وَالْقَوَدِ ( حَتَّى يَرْجِعَ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ ) لِحَدِيثِ { بُسْرِ بْنِ أَرْطَاةَ أَنَّهُ أُتِيَ بِرَجُلٍ فِي الْغَزَاةِ قَدْ سَرَقَ بُخْتِيَّةً فَقَالَ لَوْلَا أَنِّي سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا تُقْطَعُ الْأَيْدِي فِي الْغَزَاةِ لَقَطَعْتُك } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ ، وَرَوَى سَعِيدٌ بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْأَحْوَصِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ كَتَبَ إلَى النَّاسِ : أَنْ لَا يَجْلِدَنَّ أَمِيرُ الْجَيْشِ وَلَا سَرِيَّةٍ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَدًّا وَهُوَ غَازٍ حَتَّى يَقْطَعَ الدَّرْبَ قَافِلًا ، وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا تَلْحَقُهُ حَمِيَّةُ الشَّيْطَانِ فَيَلْحَقُ بِالْكُفَّارِ .

بِالْقَصْرِ فِي لُغَةِ الْحِجَازِ وَالْمَدِّ عِنْدَ تَمِيمٍ ( وَهُوَ فِعْلُ الْفَاحِشَةِ فِي قُبُلٍ أَوْ ) فِي ( دُبُرٍ ) وَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ الْكَبَائِرِ وَأَجْمَعُوا عَلَى تَحْرِيمِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا } وَحَدِيثِ { اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ } وَكَانَ حَدُّ الزِّنَا فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ الْحَبْسَ لِلنِّسَاءِ وَالْأَذَى بِالْكَلَامِ لِلرِّجَالِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَاَللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ } الْآيَتَيْنِ .
ثُمَّ نُسِخَ بِحَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ مَرْفُوعًا { خُذُوا عَنِّي .
قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا ، الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ } رَوَاهُ مُسْلِمٌ .
وَأَجَازَ أَصْحَابُنَا نَسْخَ الْكِتَابِ بِالسُّنَّةِ وَمَنْ مَنَعَ ذَلِكَ قَالَ لَيْسَ هَذَا نَسْخًا وَإِنَّمَا هُوَ تَفْسِيرٌ لِلْقُرْآنِ وَتَبْيِينٌ لَهُ لِأَنَّ مَا كَانَ مَشْرُوطًا بِشَرْطٍ وَزَالَ الشَّرْطُ لَا يَكُونُ نَسْخًا ، وَهَاهُنَا شَرَطَ اللَّهُ لِحَبْسِهِنَّ إلَى أَنْ يَجْعَلَ لَهُنَّ سَبِيلًا فَبَيَّنَتْ السُّنَّةُ السَّبِيلَ

( إذَا زَنَى ) مُكَلَّفٌ ( مُحْصَنٌ وَجَبَ رَجْمُهُ ) بِحِجَارَةٍ مُتَوَسِّطَةٍ كَالْكَفِّ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُثْخَنَ بِصَخْرَةٍ كَبِيرَةٍ وَلَا أَنْ يَطُولَ عَلَيْهِ بِحَصَاةٍ خَفِيفَةٍ وَيَتَّقِي الْوَجْهَ ( حَتَّى يَمُوتَ ) لِحَدِيثِ عُمَرَ قَالَ : { إنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَقِّ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ فَكَانَ فِيمَا أَنْزَلَ عَلَيْهِ آيَةُ الرَّجْمِ فَقَرَأْتهَا وَعَقَلْتهَا وَوَعَيْتهَا .
رَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَجَمْنَا بَعْدَهُ فَأَخْشَى إنْ طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ يَقُولُ قَاتِلٌ : مَا نَجِدُ الرَّجْمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَضِلَّ بِتَرْكِ فَرِيضَةٍ أَنْزَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى فَالرَّجْمُ حَقٌّ عَلَى مَنْ زَنَى إذَا أُحْصِنَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ إذَا قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ أَوْ كَانَ الْحَبَلُ أَوْ الِاعْتِرَافُ وَقَدْ قَرَأْتُهَا : الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ إذَا زَنَيَا فَارْجُمُوهُمَا أَلْبَتَّةَ نَكَالًا مِنْ اللَّهِ وَاَللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ( وَلَا يُجْلَدُ ) مُحْصَنٌ ( قَبْلَهُ ) أَيْ الرَّجْمِ .
قَالَ الْأَثْرَمُ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ فِي حَدِيثِ عُبَادَةَ : إنَّهُ أَوَّلُ حَدٍّ نَزَلَ وَأَنَّ حَدِيثَ مَاعِزٍ بَعْدَهُ رَجَمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَجْلِدْهُ وَعُمَرُ رَجَمَ وَلَمْ يَجْلِدْ ( وَلَا يُنْفَى ) الْمُحْصَنُ إذَا زَنَا بَلْ يُرْجَمُ لِمَا تَقَدَّمَ ( وَالْمُحْصَنُ مَنْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ ) لَا سُرِّيَّتَهُ ( بِنِكَاحٍ صَحِيحٍ ) لَا بَاطِلٍ وَلَا فَاسِدٍ ( وَلَوْ كِتَابِيَّةً فِي قُبُلِهَا وَلَوْ فِي حَيْضٍ أَوْ صَوْمٍ أَوْ إحْرَامٍ وَنَحْوِهِ ) وَكَفِي نِفَاسٌ أَوْ مَسْجِدٌ أَوْ مَعَ ضِيقِ وَقْتِ فَرِيضَةٍ ( وَهُمَا ) أَيْ : الزَّوْجَانِ ( مُكَلَّفَانِ حُرَّانِ وَلَوْ مُسْتَأْمَنَيْنِ أَوْ ذِمِّيَّيْنِ ) فَلَا إحْصَانَ مَعَ صِغَرِ أَحَدِهِمَا أَوْ جُنُونِهِ أَوْ رِقِّهِ فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا إحْصَانَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ وَلَا بِالْخَلْوَةِ ، وَلَا الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ أَوْ مَا دُونَ الْفَرْجِ ، وَلَا بِوَطْءِ زِنًا أَوْ شُبْهَةٍ ، وَلَا

يُشْتَرَطُ فِي الْإِحْصَانِ الْإِسْلَامُ لِأَمْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجْمِ الْيَهُودِيَّيْنِ الزَّانِيَيْنِ فَرُجِمَا .
مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَيُفَارِقُ الْإِحْصَانُ الْإِحْلَالَ حَيْثُ تَحِلُّ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا بِوَطْءِ زَوْجٍ وَلَوْ رَقِيقًا أَوْ غَيْرَ بَالِغٍ أَوْ مَجْنُونًا لِأَنَّ الْإِحْصَانَ اُعْتُبِرَ لِكَمَالِ النِّعْمَةِ فَمَنْ كَمُلَتْ النِّعْمَةُ فِي حَقِّهِ فَجِنَايَتُهُ أَفْحَشُ وَأَحَقُّ بِزِيَادَةِ الْعُقُوبَةِ وَالنِّعْمَةِ فِي حَقِّ الْحُرِّ الْمُكَلَّفِ أَكْمَلَ بِخِلَافِ الْإِحْلَالِ فَإِنَّ اعْتِبَارَ الْوَطْءِ فِي حَقِّ الْمُطَلِّقِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عُقُوبَةً لَهُ بِتَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ حَتَّى يَطَأَهَا غَيْرُهُ فَإِنَّهُ مِمَّا تَأْبَاهُ الطِّبَاعُ وَيَشُقُّ عَلَى النُّفُوسِ وَلَا يُرْجَمُ الْمُسْتَأْمَنُ إذَا زَنَى لِأَنَّهُ غَيْرُ مُلْتَزِمٍ لِحُكْمِنَا خِلَافًا لِمَا فِي شَرْحِهِ هُنَا بَلْ يَكُونُ مُحْصَنًا فَإِذَا زَنَى مُسْلِمًا أَوْ ذِمِّيًّا اُكْتُفِيَ فِي إحْصَانِهِ بِالنِّكَاحِ فِي أَمَانِهِ السَّابِقِ ( وَلَا يَسْقُطُ ) إحْصَانُ مَنْ أَحْصَنَ كَافِرًا ( بِإِسْلَامٍ ) نَصًّا ( وَتَصِيرُ هِيَ ) أَيْ : الزَّوْجَةُ ( أَيْضًا مُحْصَنَةً ) حَيْثُ كَانَ بِالصِّفَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ حَالَ الْوَطْءِ ( وَلَا إحْصَانَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا ) أَيْ : الْوَاطِئِ وَالْمَوْطُوءَةِ ( مَعَ فَقْدِ شَيْء مِمَّا ذُكِرَ ) مِنْ الْقُيُودِ السَّابِقَةِ ( وَيَثْبُتُ ) إحْصَانُهُ ( بِقَوْلِهِ ) أَيْ : الْحُرِّ الْمُكَلَّفِ ( وَطِئْتهَا أَوْ جَامَعْتُهَا أَوْ دَخَلْت بِهَا ) لِأَنَّ الْمَفْهُومَ مِنْهُ الْوَطْءُ وَكَذَا بَاضَعْتُهَا بِخِلَافِ أَصَبْتُهَا أَوْ بَاشَرْتهَا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَثْبُتَ بِهِ إحْصَانٌ ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا دُونَ الْوَطْءِ فِي الْفَرْجِ كَثِيرًا .
ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ وَكَذَا لَوْ قَالَتْ هِيَ شَيْئًا مِمَّا سَبَقَ ( وَلَا ) يَثْبُتُ إحْصَانٌ ( بِوَلَدِهِ مِنْهَا ) أَيْ امْرَأَتِهِ ( مَعَ إنْكَارِ وَطْئِهَا ) أَيْ امْرَأَتِهِ لِأَنَّ الْوَلَدَ يَلْحَقُ بِإِمْكَانِ الْوَطْءِ ، وَالْإِحْصَانَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِحَقِيقَةِ الْوَطْءِ وَكَذَا لَوْ كَانَ

لِامْرَأَتِهِ وَلَدٌ مِنْ زَوْجِهَا فَأَنْكَرَتْ أَنْ يَكُونَ وَطِئَهَا لَمْ يَثْبُتْ إحْصَانُهَا كَذَلِكَ ، وَإِذَا جُلِدَ زَانٍ عَلَى أَنَّهُ بِكْرٌ فَبَانَ مُحْصَنًا رُجِمَ لِحَدِيثِ جَابِرٍ { أَنَّ رَجُلًا زَنَى بِامْرَأَةٍ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَجَلَدَهُ الْحَدَّ ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ مُحْصَنٌ فَرُجِمَ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلِتَبَيُّنِ أَنَّهُ لَمْ يُحَدَّ الْحَدَّ الْوَاجِبَ وَيُكَفَّنُ الْمَحْدُودُ بِالرَّجْمِ وَيُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ إنْ كَانَ مُسْلِمًا .
.
قَالَ أَحْمَدُ سُئِلَ عَلِيٌّ عَنْ شُرَاحَةَ وَكَانَ رَجَمَهَا فَقَالَ : اصْنَعُوا بِهَا مَا تَصْنَعُونَ بِمَوْتَاكُمْ وَصَلَّى عَلِيٌّ عَلَيْهَا .
وَلِلتِّرْمِذِيِّ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ فِي الْجُهَيْنِيَّةِ " فَأَمَرَ بِهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَتْ وَصَلَّى عَلَيْهَا " وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ

( وَإِنْ زَنَى حُرٌّ غَيْرُ مُحْصَنٍ جُلِدَ مِائَةً ) بِلَا خِلَافٍ لِلْخَبَرِ ( وَغُرِّبَ ) إلَى مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ لَا هُوَ ( عَامًا وَلَوْ أُنْثَى ) مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا لِعُمُومِ الْخَبَرِ وَلِأَنَّهُ تَرَتَّبَ عَلَى الزَّانِي فَوَجَبَ عَلَى الْكَافِرِ كَالْقَوَدِ وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَرَبَ وَغَرَّبَ } وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ ضَرَبَ وَغَرَّبَ وَأَنَّ عُمَرَ ضَرَبَ وَغَرَّبَ " ، وَيَكُونُ تَغْرِيبُ أُنْثَى ( بِمَحْرَمٍ بَاذِلٍ ) نَفْسَهُ مَعَهَا ( وُجُوبًا ) لِعُمُومِ نَهْيِهَا عَنْ السَّفَرِ بِلَا مَحْرَمٍ ( وَعَلَيْهَا أُجْرَتُهُ ) أَيْ : الْمَحْرَمِ لِصَرْفِهِ نَفْعَهُ فِي أَدَاءِ مَا وَجَبَ عَلَيْهَا ( فَإِنْ تَعَذَّرَتْ ) أُجْرَتُهُ ( مِنْهَا ) أَيْ : لِعَدَمٍ أَوْ امْتِنَاعٍ ( فَمِنْ بَيْتِ الْمَالِ ) لِأَنَّهُ مِنْ الْمَصَالِحِ ( فَإِنْ أَبَى ) الْمَحْرَمُ السَّفَرَ مَعَهَا ( أَوْ تَعَذَّرَ ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا مَحْرَمٌ ( فَوَحْدَهَا ) تُغَرَّبُ ( إلَى مَسَافَةِ قَصْرٍ ) لِلْحَاجَةِ كَسَفَرِ الْهِجْرَةِ وَكَالْحَجِّ إذَا مَاتَ الْمَحْرَمُ فِي الطَّرِيقِ ( وَيُغَرَّبُ غَرِيبٌ ) زَنَى .
( وَ ) يُغَرَّبُ ( مُغَرَّبٌ ) زَنَى زَمَنَ غُرْبَتِهِ ( إلَى غَيْرٍ وَطَنِهِمَا ) لِأَنَّ عَوْدَهُ إلَى وَطَنِهِ لَيْسَ تَغْرِيبًا وَتَدْخُلُ بَقِيَّةُ التَّغْرِيبِ الْأَوَّلِ فِي الثَّانِي وَإِنْ عَادَ إلَى وَطَنِهِ قَبْلَ الْحَوْلِ مُنِعَ

( وَإِنْ زَنَى قِنٌّ جُلِدَ خَمْسِينَ ) جَلْدَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنْ الْعَذَابِ } ، وَالْعَذَابُ الْمَذْكُورُ فِي الْقُرْآنِ مِائَةُ جَلْدَةٍ ، فَيَنْصَرِفُ التَّنْصِيفُ إلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ ، وَالرَّجْمُ لَا يَتَأَتَّى تَنْصِيفُهُ ( وَلَا يُغَرَّبُ ) قِنٌّ زَنَى ؛ لِأَنَّهُ عُقُوبَةٌ لِسَيِّدِهِ دُونَهُ إذْ الْعَبْدُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي تَغْرِيبِهِ ؛ لِأَنَّهُ غَرِيبٌ فِي مَوْضِعِهِ وَيَتَرَفَّهُ فِيهِ بِتَرْكِ الْخِدْمَةِ وَيَتَضَرَّرُ سَيِّدُهُ بِذَلِكَ

( وَلَا يُعَيَّرُ ) زَانٍ بَعْدُ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فَلْيَحُدَّهَا وَلَا يُثَرِّبْ } يُقَالُ : ثَرَبَهُ أَثْرَبَهُ وَعَلَيْهِ : لَامَهُ وَعَيَّرَهُ بِذَنْبِهِ ، ذَكَرَهُ فِي الْقَامُوسِ

( وَيُجْلَدُ وَيُغَرَّبُ مُبَعَّضٌ ) زَنَى ( بِحِسَابِهِ ) فَالْمُتَنَصَّفُ يُجْلَدُ خَمْسًا وَسَبْعِينَ جَلْدَةً وَيُغَرَّبُ نِصْفَ عَامٍ نَصًّا ، وَيُحْسَبُ زَمَنُ التَّغْرِيبِ عَلَيْهِ مِنْ نَصِيبِهِ الْحُرِّ وَمَنْ ثُلُثُهُ حُرٌّ لَزِمَهُ ثُلُثَا حَدِّ الْحُرِّ سِتٌّ وَسِتُّونَ جَلْدَةً ، وَيَسْقُطُ الْكَسْرُ ؛ لِأَنَّ الْحَدَّ مَتَى دَارَ بَيْنَ الْوُجُوبِ وَالْإِسْقَاطِ سَقَطَ وَيُغَرَّبُ ثُلُثَ عَامٍ وَالْمُدَبَّرُ وَالْمُكَاتَبُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ كَالْقِنِّ فِي الْحَدِّ ؛ لِأَنَّهُ رَقِيقٌ كُلَّهُ

( وَإِنْ زَنَى مُحْصَنٌ بِبِكْرٍ ) أَوْ عَكْسُهُ ( فَلِكُلٍّ ) مِنْ الْمُحْصَنِ وَالْبِكْرِ ( حَدُّهُ ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَيْدِ بْنِ خَالِدٍ فِي { رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ ابْنُ أَحَدِهِمَا عَسِيفًا عِنْدَ الْآخَرِ فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ فَجَلَدَ ابْنَهُ مِائَةً وَغَرَّبَهُ عَامًا وَأَمَرَ أُنَيْسًا الْأَسْلَمِيَّ يَأْتِي امْرَأَةَ الْآخَرِ ، فَإِنْ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

( وَزَانٍ بِذَاتِ مَحْرَمٍ ) كَأُخْتِهِ ( كَ ) زَانٍ ( بِغَيْرِهَا ) عَلَى مَا سَبَقَ تَفْصِيلُهُ لِعُمُومِ الْأَخْبَارِ

( وَلَوْ وَطِئَ فَاعِلٌ مَفْعُولًا بِهِ كَزَانٍ ) فَمَنْ كَانَ مِنْهُمَا مُحْصَنًا رُجِمَ ، وَغَيْرُ الْمُحْصَنِ الْحُرُّ يُجْلَدُ مِائَةً وَيُغَرَّبُ عَامًا ، وَالرَّقِيقُ يُجْلَدُ خَمْسِينَ وَالْمُبَعَّضُ بِحِسَابِهِ ، لِحَدِيثِ { إذَا أَتَى الرَّجُلُ الرَّجُلَ فَهُمَا زَانِيَانِ ، } وَلِأَنَّهُ فَرْجٌ مَقْصُودٌ بِالِاسْتِمْتَاعِ أَشْبَهَ فَرْجَ الْمَرْأَةِ ( وَمَمْلُوكِهِ ) إذَا لَاطَ بِهِ ( كَأَجْنَبِيٍّ ) لِأَنَّ الذَّكَرَ لَيْسَ مَحَلَّ الْوَطْءِ فَلَا يُؤَثِّرُ مِلْكُهُ لَهُ

( وَدُبُرُ أَجْنَبِيَّةٍ ) أَيْ : غَيْرِ زَوْجَتِهِ وَسُرِّيَّتِهِ ( كَلِوَاطٍ ) .
وَيُعَزَّرُ مَنْ أَتَى زَوْجَتَهُ أَوْ سُرِّيَّتَهُ فِي دُبُرِهَا

( وَمَنْ أَتَى بَهِيمَةً ) وَلَوْ سَمَكَةً ( عُزِّرَ ) رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ لِأَنَّهُ لَا نَصَّ فِيهِ يَصِحُّ ، وَلَا يَصِحُّ قِيَاسُهُ عَلَى فَرْجِ الْآدَمِيِّ لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ وَالنُّفُوسُ تَعَافُهُ ( وَقُتِلَتْ ) الْبَهِيمَةُ الْمَأْتِيَّةُ مَأْكُولَةً كَانَتْ أَوْ لَا لِئَلَّا يُعَيَّرَ بِهَا لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا { مَنْ وَقَعَ عَلَى بَهِيمَةٍ فَاقْتُلُوهُ وَاقْتُلُوا الْبَهِيمَةَ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَضَعَّفَهُ الطَّحَاوِيُّ .
وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " مَنْ أَتَى بَهِيمَةً فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ " ( لَكِنْ ) لَا تُقْتَل إلَّا ( بِالشَّهَادَةِ عَلَى فِعْلِهِ بِهَا ) إنْ لَمْ تَكُنْ مِلْكَهُ لِأَنَّهُ لَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُ عَلَى مِلْكِ غَيْرِهِ ( وَيَكْفِي إقْرَارُهُ إنْ مَلَكَهَا ) مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ عَلَى نَفْسِهِ ( وَيَحْرُمُ أَكْلُهَا ) أَيْ : الْمَأْتِيَّةِ ، وَلَوْ مَأْكُولَةً ، لِأَنَّهَا حَيَوَانٌ وَجَبَ قَتْلُهُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى أَشْبَهَ سَائِرَ الْمَقْتُولَاتِ ( فَيَضْمَنُهَا ) الْآتِي لَهَا بِقِيمَتِهَا لِإِتْلَافِهَا بِسَبَبِهِ ، كَمَا لَوْ جَرَحَهَا فَمَاتَتْ ، وَوُجُوبِ قَتْلِهَا .

فَصْلٌ وَشُرُوطُهُ أَيْ حَدِّ الزِّنَا ( ثَلَاثَةٌ ) أَحَدُهَا ( تَغْيِيبِ حَشَفَةٍ أَصْلِيَّةٍ وَلَوْ مِنْ خَصِيٍّ أَوْ ) تَغْيِيبِ ( قَدْرِهَا ) أَيْ : الْحَشَفَةِ ( لِعَدَمِهَا فِي فَرْجٍ أَصْلِيٍّ مِنْ آدَمِيٍّ حَيٍّ وَلَوْ دُبُرًا ) لِذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى .
لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ { أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إنِّي وَجَدْت امْرَأَةً فِي الْبُسْتَانِ فَأَصَبْت مِنْهَا كُلَّ شَيْءٍ غَيْرَ أَنِّي لَمْ أَنْكِحْهَا فَافْعَلْ بِي مَا شِئْت فَقَرَأَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَقِمْ الصَّلَاةَ طَرَفَيْ النَّهَارِ وَزَلَفًا مِنْ اللَّيْلِ إنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ } رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فَلَا حَدَّ بِتَغْيِيبِ بَعْضِ الْحَشَفَةِ ، وَلَا بِتَغْيِيبِ ذَكَرِ خُنْثَى مُشْكِلٍ ، وَلَا بِتَغْيِيبٍ فِي فَرْجِهِ ، وَلَا بِالْقُبْلَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ دُونَ الْفَرْجِ ، وَلَا بِإِتْيَانِ الْمَرْأَةِ الْمَرْأَةَ ، وَيُعَزَّرُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ .
وَأَمَّا الرَّجُلُ الْمَذْكُورُ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ ، فَقَدْ جَاءَ تَائِبًا كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ ظَاهِرُ حَالِهِ ، عَلَى أَنَّ لِلْإِمَامِ تَرْكَ التَّعْزِيرِ إذَا رَآهُ كَمَا فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ .

الشَّرْطُ ( الثَّانِي انْتِفَاءُ الشُّبْهَةِ ) لِحَدِيثِ { ادْرَءُوا الْحُدُودَ بِالشُّبُهَاتِ مَا اسْتَطَعْتُمْ } ( فَلَوْ وَطِئَ زَوْجَتَهُ ) أَوْ سُرِّيَّتَهُ ( فِي حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ دُبُرِ ) هَا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ وَطْءٌ صَادَفَ مِلْكًا ( أَوْ ) وَطِئَ ( أَمَتَهُ الْمُحَرَّمَةَ ) أَبَدًا ( بِرَضَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ ) كَمَوْطُوءَةِ أَبِيهِ أَوْ ابْنِهِ أَوْ أُمِّ زَوْجَتِهِ ( أَوْ ) وَطِئَ أَمَتَهُ ( الْمُزَوَّجَةَ أَوْ ) أَمَتَهُ ( الْمُعْتَدَّةَ أَوْ ) أَمَتَهُ ( الْمُرْتَدَّةَ أَوْ ) أَمَتَهُ ( الْمَجُوسِيَّةَ أَوْ ) وَطِئَ ( أَمَةً لَهُ ) فِيهَا شِرْكٌ ( أَوْ لِوَلَدِهِ ) فِيهَا شِرْكُ ( أَوْ لِمُكَاتَبِهِ ) فِيهَا شِرْكٌ ( أَوْ لِبَيْتِ الْمَالِ فِيهَا شِرْكٌ ) فَلَا حَدَّ لِشُبْهَةِ مِلْكِ الْوَاطِئِ أَوْ وَلَدِهِ لِتَمَكُّنِ الشُّبْهَةِ فِي مِلْكِ وَلَدِهِ لِحَدِيثِ { أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك } ، وَلِشُبْهَةِ مِلْكِ مُكَاتِبِ الْوَاطِئِ وَكَذَا إنْ كَانَ لِبَيْتِ الْمَالِ فِيهَا شِرْكٌ ؛ لِأَنَّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ فِيهِ حَقًّا ( أَوْ ) وَطِئَ ( فِي نِكَاحٍ ) مُخْتَلَفٍ فِيهِ ( أَوْ ) فِ { ( مِلْكٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ كَ ) نِكَاحِ ( مُتْعَةٍ أَوْ ) نِكَاحٍ ( بِلَا وَلِيٍّ أَوْ ) فِي مِلْكٍ بِ ( شِرَاءٍ فَاسِدٍ بَعْدَ قَبْضِهِ ) أَيْ : الْمَبِيعَ ، لِأَنَّ الْبَائِعَ بِإِقْبَاضِهِ الْأَمَةَ كَأَنَّهُ أَذِنَهُ فِي فِعْلِ مَا يَمْلِكُهُ بِالْبَيْعِ الصَّحِيحِ وَمِنْهُ الْوَطْءُ .
فَإِنْ وَطِئَ فِي بَيْعٍ فَاسِدٍ قَبْلَ الْقَبْضِ حُدَّ ، وَقِيلَ لَا ( أَوْ ) وَطِئَ فِي مِلْكٍ ( بِعَقْدِ فُضُولِيٍّ وَلَوْ قَبْلَ الْإِجَازَةِ ) فَلَا حَدَّ ( أَوْ ) وَطِئَ ( امْرَأَةً ) وَجَدَهَا ( عَلَى فِرَاشِهِ أَوْ فِي مَنْزِلِهِ ظَنَّهَا زَوْجَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ أَوْ ظَنَّ أَنَّهُ ) لَهُ فِيهَا شِرْكٌ ( أَوْ لِوَلَدِهِ فِيهَا شِرْكٌ ) فَلَا حَدَّ ، أَوْ دَعَا ضَرِيرٌ امْرَأَتَهُ أَوْ أَمَتَهُ فَأَجَابَتْهُ غَيْرُهَا فَوَطِئَهَا ، فَلَا حَدَّ لِاعْتِقَادِهِ إبَاحَةَ الْوَطْءِ بِمَا يُعْذَرُ فِيهِ مِثْلُهُ أَشْبَهَ مَنْ أَدْخَلَ عَلَيْهِ غَيْرَ امْرَأَتِهِ ( أَوْ جَهِلَ ) زَانٍ ( تَحْرِيمَهُ ) أَيْ الزِّنَا ( لِقُرْبِ إسْلَامِهِ أَوْ

نَشْأَتِهِ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ ) عَنْ الْقُرَى ( أَوْ ) جَهِلَ ( تَحْرِيمَ نِكَاحٍ بَاطِلٍ إجْمَاعًا وَمِثْلُهُ يَجْهَلُهُ ) فَلَا حَدَّ .
وَيُقْبَلُ قَوْلُهُ إذَنْ ؛ لِأَنَّ عُمَرَ قَبِلَ قَوْلَ مُدَّعِي الْجَهْلِ بِتَحْرِيمِ النِّكَاحِ فِي الْعِدَّةِ ، فَإِنْ نَشَأَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَادَّعَى جَهْلَ تَحْرِيمِ ذَلِكَ لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ هُوَ كَذَلِكَ ( أَوْ ادَّعَى ) وَاطِئُ امْرَأَةٍ ( أَنَّهَا زَوْجَتُهُ وَأَنْكَرَتْ ) زَوْجِيَّتَهُ ( فَلَا حَدَّ ) لِأَنَّ دَعْوَاهُ ذَلِكَ شُبْهَةٌ لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ .
وَلِابْنِ مَاجَهْ .
مِنْ حَدِيث أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { ادْفَعُوا الْحُدُودَ مَا وَجَدْتُمْ لَهُ مَدْفَعًا } وَلِلتِّرْمِذِيِّ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا { ادْرَءُوا الْحُدُودَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ، فَإِنْ كَانَ لَهُ مَخْرَجٌ فَخَلُّوا سَبِيلَهُ فَإِنَّ الْإِمَامَ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعَفْوِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يُخْطِئَ فِي الْعُقُوبَةِ } وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ ؛ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَعُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ { إذَا اشْتَبَهَ عَلَيْك الْحُدُودُ فَادْرَأْهَا مَا اسْتَطَعْت }

( ثُمَّ إنْ أَقَرَّتْ ) مَوْطُوءَةٌ ( أَرْبَعًا ) أَيْ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ( بِأَنَّهُ زَنَى ) بِهَا مُطَاوِعَةً عَالِمَةً بِتَحْرِيمٍ ( حُدَّتْ ) وَحْدَهَا وَلَا مَهْرَ نَصًّا ؛ مُؤَاخَذَةً لَهَا بِإِقْرَارِهَا

( وَإِنْ وَطِئَ ) مُكَلَّفٌ امْرَأَةً ( فِي نِكَاحٍ بَاطِلٍ إجْمَاعًا مَعَ عِلْمِهِ ) بُطْلَانَ النِّكَاحِ وَتَحْرِيمَ الْوَطْءِ ( كَنِكَاحِ مُزَوَّجَةٍ أَوْ مُعْتَدَّةٍ ) مِنْ غَيْرِ زِنًا ( أَوْ خَامِسَةٍ أَوْ ذَاتِ مَحْرَمٍ مِنْ نَسَبٍ أَوْ رَضَاعٍ ) أَوْ مُصَاهَرَةٍ حُدَّ لِأَنَّهُ وَطْءٌ لَمْ يُصَادِفْ مِلْكًا وَلَا شُبْهَةَ مِلْكٍ ، وَرَوَى أَبُو نَصْرٍ الْمَرُّوذِيُّ عَنْ عُمَرَ " أَنَّهُ رُفِعَ لَهُ امْرَأَةٌ تَزَوَّجَتْ فِي عِدَّتِهَا فَقَالَ : هَلْ عَلِمْتُمَا ؟ قَالَا : لَا فَقَالَ لَوْ عَلِمْتُمَا لَرَجَمْتُكُمَا "

( أَوْ زَنَى بِحَرْبِيَّةٍ مُسْتَأْمَنَةٍ أَوْ بِمَنْ اسْتَأْجَرَهَا لِزِنًا أَوْ غَيْرِهِ ) حُدَّ لِأَنَّ الْأَمَانَ وَالِاسْتِئْجَارَ لَا يُبِيحَانِ الْبُضْعَ ( أَوْ ) زَنَى مُكَلَّفٌ ( بِمَنْ لَهُ عَلَيْهَا قَوَدٌ ) حُدَّ لِانْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ كَمَنْ لَهُ عَلَيْهَا دَيْنٌ ( أَوْ ) زَنَى ( بِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا أَوْ ) زَنَى بِأَمَةٍ ، ثُمَّ ( مَلَكَهَا ) حُدَّ لِوُجُوبِهِ بِوَطْئِهَا أَجْنَبِيَّةً فَلَا يَسْقُطُ بِتَغَيُّرِ حَالِهَا كَمَا لَوْ مَاتَتْ ( أَوْ أَقَرَّ عَلَيْهَا ) بِأَنْ قَالَ : زَنَيْت بِفُلَانَةَ وَهِيَ حَاضِرَةٌ ( فَسَكَتَتْ ) فَلَمْ تُصَدِّقْهُ وَلَمْ تُكَذِّبْهُ ( أَوْ جَحَدَتْ أَوْ ) زَنَا ( بِمَجْنُونَةٍ أَوْ صَغِيرَةٍ يُوطَأُ مِثْلُهَا ) كَبِنْتِ تِسْعِ سِنِينَ فَأَكْثَرَ حُدَّ ، لِأَنَّ سَبَبَ السُّقُوطِ فِي الْمَوْطُوءَةِ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي الْوَاطِئِ ( أَوْ ) وَطِئَ مُكَلَّفٌ ( أَمَتَهُ الْمُحَرَّمَةَ ) عَلَيْهِ ( بِنَسَبٍ ) كَأُخْتِهِ لِعِتْقِهَا عَلَيْهِ بِمُجَرَّدِ الْمِلْكِ ، فَلَا يَثْبُتُ الْمِلْكُ فِيهَا فَلَمْ تُوجَدْ الشُّبْهَةُ ( أَوْ ) زَنَى مُكَلَّفٌ ( مُكْرَهًا ) حُدَّ لِأَنَّ وَطْءَ الرَّجُلِ لَا يَكُونُ إلَّا مَعَ انْتِشَارٍ ، وَالْإِكْرَاهُ يُنَافِيهِ فَإِذَا وُجِدَ الِانْتِشَارُ انْتَفَى الْإِكْرَاهُ ، كَمَا لَوْ أُكْرِهَ عَلَى غَيْرِ الزِّنَا فَزَنَا ( أَوْ ) زَنَى مُكَلَّفٌ ( جَاهِلًا بِوُجُوبِ الْعُقُوبَةِ ) عَلَى الزِّنَى مَعَ عِلْمِ تَحْرِيمِهِ ( حُدَّ ) لِقِصَّةِ مَاعِزٍ وَكَذَا لَوْ زَنَى سَكْرَانُ أَوْ أَقَرَّ بِهِ فِي سُكْرِهِ

( وَإِنْ مَكَّنَتْ مُكَلَّفَةٌ مِنْ نَفْسِهَا مَجْنُونًا أَوْ مُمَيِّزًا أَوْ مَنْ يَجْهَلُهُ ) أَيْ تَحْرِيمَ الزِّنَا ( أَوْ ) مَكَّنَتْ مِنْ نَفْسِهَا ( حَرْبِيًّا أَوْ مُسْتَأْمَنًا ) فَوَطِئَهَا ( أَوْ اسْتَدْخَلَتْ ذَكَرَ نَائِمٍ ) فِي قُبُلِهَا أَوْ دُبُرِهَا ( حُدَّتْ ) لِأَنَّ سُقُوطَ الْحَدِّ عَنْ الْوَاطِئِ لَا يَكُونُ شُبْهَةً فِي سُقُوطِهِ عَنْهَا لِوُجُودِ الْمُسْقِطِ فِيهِ دُونَهَا

وَ ( لَا ) حَدَّ ( إنْ أُكْرِهَتْ ) مُكَلَّفَةٌ عَلَى الزِّنَا ( أَوْ ) أُكْرِهَ ( مَلُوطٌ بِهِ ) عَلَى اللِّوَاطِ ( بِإِلْجَاءٍ ) بِأَنْ غَلَبَهُمَا الْوَاطِئُ عَلَى أَنْفُسِهِمَا ( أَوْ ) بِ ( تَهْدِيدِ ) بِنَحْوِ قَتْلٍ أَوْ ضَرْبٍ ( أَوْ ) بِ ( مَنْعِ طَعَامٍ أَوْ ) مَنْعِ ( شَرَابٍ مَعَ اضْطِرَارٍ وَنَحْوِهِ فِيهِمَا ) أَيْ : الزِّنَا وَاللِّوَاطِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ امْرَأَةً اسْتَقَتْ رَاعِيًا فَأَبَى أَنْ يَسْقِيَهَا إلَّا أَنْ تُمَكِّنَّهُ مِنْ نَفْسِهَا فَفَعَلَتْ فَرُفِعَ ذَلِكَ إلَى عُمَرَ فَقَالَ لِعَلِيٍّ مَا تَرَى فِيهَا ؟ قَالَ : إنَّهَا مُضْطَرَّةٌ فَأَعْطَاهَا عُمَرُ شَيْئًا وَتَرَكَهَا .

الشَّرْطُ ( الثَّالِثُ ثُبُوتُهُ ) أَيْ الزِّنَا ( وَلَهُ ) أَيْ : الثُّبُوتِ ( صُورَتَانِ إحْدَاهُمَا أَنْ يُقِرَّ بِهِ مُكَلَّفٌ وَلَوْ ) كَانَ ( قِنًّا ) أَوْ مُبَعَّضًا ( أَرْبَعَ مَرَّاتٍ ) لِحَدِيثِ { مَاعِزِ بْنِ مَالِكٍ اعْتَرَفَ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةَ وَالثَّالِثَةَ وَرَدَّهُ فَقِيلَ لَهُ إنَّك إنْ اعْتَرَفَتْ عِنْدَهُ الرَّابِعَةَ رَجَمَك فَاعْتَرَفَ الرَّابِعَةَ فَحَبَسَهُ ثُمَّ سَأَلَ عَنْهُ فَقَالُوا لَا نَعْلَمُ إلَّا خَيْرًا فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ } رَوَى مِنْ طُرُقٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرٍ وَبُرَيْدَةَ وَأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ ( حَتَّى وَلَوْ ) كَانَ الِاعْتِرَافُ أَرْبَعًا ( فِي مَجَالِسَ ) لِأَنَّ مَاعِزًا أَقَرَّ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ عِنْدَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَجْلِسٍ وَاحِدٍ .
وَالْغَامِدِيَّةُ أَقَرَّتْ عِنْدَهُ بِذَلِكَ فِي مَجَالِسَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالدَّارَقُطْنِيّ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ ( وَيُعْتَبَرُ أَنْ يُصَرِّحَ ) مُقِرٌّ ( بِذِكْرِ حَقِيقَةِ الْوَطْءِ ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ { لَمَّا أَتَى مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ لَعَلَّك قَبَّلْت أَوْ غَمَزْت أَوْ نَظَرْت ، قَالَ : لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : أَنَكَحْتهَا لَا تُكَنِّي ، قَالَ : نَعَمْ فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَرَ بِرَجْمِهِ } رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد .
وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ { قَالَ لِلْأَسْلَمِيِّ أَنَكَحْتَهَا ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : كَمَا تُغَيِّبُ الْمِرْوَدَ فِي الْمُكْحُلَةِ وَالرِّشَاءَ فِي الْبِئْرِ ؟ قَالَ : نَعَمْ قَالَ : فَهَلْ تَدْرِي مَا الزِّنَا ؟ قَالَ : نَعَمْ أَتَيْت مِنْهَا حَرَامًا مَا يَأْتِي الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ حَلَالًا قَالَ فَمَا تُرِيدُ بِهَذَا الْقَوْلِ ؟ قَالَ : أُرِيدُ أَنْ تُطَهِّرَنِي ، قَالَ فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَلِأَنَّ الْحَدَّ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ فَلَا تَكْفِي فِيهِ الْكِنَايَةُ

( وَلَا ) يُعْتَبَرُ أَنْ يُصَرِّحَ ( بِمَزْنِيٍّ بِهَا ) فَلَوْ أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِفُلَانَةَ فَكَذَّبَتْهُ فَعَلَيْهِ الْحَدُّ دُونَهَا لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ مَرْفُوعًا ( وَ ) يُعْتَبَرُ ( أَنْ لَا يَرْجِعَ ) مُقِرٌّ بِزِنًا ( حَتَّى يَتِمَّ الْحَدُّ ) فَإِنْ رَجَعَ عَنْ إقْرَارِهِ أَوْ هَرَبَ تُرِكَ وَتَقَدَّمَ

( وَلَوْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ عَلَى إقْرَارِهِ بِهِ ) أَيْ الزِّنَا ( أَرْبَعًا فَأَنْكَرَ ) إقْرَارَهُ بِهِ ( أَوْ صَدَّقَهُمْ دُونَ أَرْبَعِ ) مَرَّاتٍ ( فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ ) لِرُجُوعِهِ ( وَلَا ) حَدَّ ( عَلَى مَنْ شَهِدَ ) عَلَيْهِ بِالزِّنَا لِكَمَالِهِمْ فِي النِّصَابِ

الصُّورَةُ ( الثَّانِيَةُ ) لِثُبُوتِ الزِّنَا ( أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ ) أَيْ الزَّانِي ( فِي مَجْلِسٍ ) وَاحِدٍ ( أَرْبَعَةُ رِجَالٍ عُدُولٍ وَلَوْ جَاءُوا مُتَفَرِّقِينَ ) وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ ( أَوْ صَدَّقَهُمْ ) زَانٍ ( بِزِنًا وَاحِدٍ ) مُتَعَلِّقٌ بِيَشْهَدُ ( وَ يَصِفُونَهُ ) أَيْ : الزِّنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ } .
الْآيَةَ ، وَقَوْلِهِ { فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ } فَيَجُوزُ لَهُمْ النَّظَرُ إلَيْهِمَا حَالَ الْجِمَاعِ لِإِقَامَةِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِمَا وَاعْتُبِرَ كَوْنُهُمْ رِجَالًا لِأَنَّ الْأَرْبَعَةَ اسْمٌ لِعَدَدِ الذُّكُورِ وَلِأَنَّ فِي شَهَادَةِ النِّسَاءِ شُبْهَةً لِتَطَرُّقِ الِاحْتِمَالِ إلَيْهِنَّ وَعُدُولًا كَسَائِرِ الشَّهَادَاتِ وَكَوْنِهَا فِي مَجْلِسٍ لِأَنَّ عُمَرَ حَدَّ الثَّلَاثَةَ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ بِالزِّنَا لَمَّا تَخَلَّفَ الرَّابِعُ ، وَلَوْلَا اعْتِبَارُ اتِّحَادُ الْمَجْلِسِ لَمْ يَحُدَّهُمْ لِاحْتِمَالِ أَنْ يُكَمَّلُوا بِرَابِعٍ فِي مَجْلِسٍ آخَرَ ، وَمَعْنَى وَصْفِهِمْ لِلزِّنَا أَنْ يَقُولُوا رَأَيْنَا ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا كَالْمِرْوَدِ فِي الْمُكْحُلَةِ أَوْ الرِّشَاءِ فِي الْبِئْرِ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْإِقْرَارِ ، بَلْ الشَّهَادَةُ أَوْلَى وَيَكْفِي أَنَّهُمْ رَأَوْا ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا ، وَالتَّشْبِيهُ تَأْكِيدٌ ( فَإِنْ شَهِدُوا فِي مَجْلِسَيْنِ فَأَكْثَرَ ) مِنْ مَجْلِسَيْنِ بِأَنْ شَهِدَ الْبَعْضُ وَلَمْ يَشْهَدْ الْبَاقِي حَتَّى قَامَ الْحَاكِمُ مِنْ مَجْلِسِهِ حُدَّ الْجَمِيعُ لِلْقَذْفِ ، لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ عُمَرَ وَلَا يُنَافِيهِ كَوْنُ الْمَجْلِسِ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْآيَةِ ، لِأَنَّ الْعَدَالَةَ أَيْضًا وَوَصْفَ الزِّنَا لَمْ يُذْكَرَا فِيهَا ، مَعَ اعْتِبَارِهِمَا لِدَلِيلٍ آخَرَ .
( أَوْ ) شَهِدَ بَعْضٌ بِالزِّنَا وَ ( امْتَنَعَ بَعْضُهُمْ ) مِنْ الشَّهَادَةِ ( أَوْ لَمْ يُكْمِلْهَا ) أَيْ : الشَّهَادَةَ بَعْضُهُمْ حُدَّ مَنْ شَهِدَ مِنْهُمْ لِلْقَذْفِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً }

وَجَلَدَ عُمَرُ وَأَبُو بَكْرٍ وَصَاحِبَاهُ حِينَ لَمْ يُكْمِلْ الرَّابِعُ شَهَادَتَهُ بِمَحْضَرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْكِرْ ( أَوْ كَانُوا ) أَيْ الشُّهُودُ كُلُّهُمْ ( أَوْ ) كَانَ ( بَعْضُهُمْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ فِيهِ ) أَيْ الزِّنَا ( لِعَمًى أَوْ فِسْقٍ أَوْ لِكَوْنِ أَحَدِهِمْ زَوْجًا حُدُّوا لِلْقَذْفِ ) ؛ لِعَدَمِ كَمَالِ شَهَادَتِهِمْ كَمَا لَوْ لَمْ يَكْمُلْ الْعَدَدُ وَ ( كَمَا لَوْ بَانَ مَشْهُودٌ عَلَيْهِ ) بِزِنًا ( مَجْبُوبًا أَوْ ) بَانَتْ مَشْهُودٌ عَلَيْهَا ( رَتْقَاءَ ) فَيُحَدُّونَ لِظُهُورِ كَذِبِهِمْ وَ ( لَا ) يُحَدُّ ( زَوْجٌ لَاعَنَ ) زَوْجَتَهُ بَعْدَ شَهَادَتِهِ عَلَيْهَا بِالزِّنَا وَتَقَدَّمَ ( أَوْ كَانُوا ) أَيْ الْأَرْبَعَةُ الشَّاهِدُونَ بِالزِّنَا ( مَسْتُورِي الْحَالِ أَوْ مَاتَ أَحَدُهُمْ ) أَيْ الْأَرْبَعَةِ ( قَبْلَ وَصْفِهِ ) أَيْ : عُدُولًا كَانُوا أَوْ مَسْتُورِينَ ( أَوْ بَانَتْ ) مَشْهُودٌ عَلَيْهَا ( عَذْرَاءَ ) فَلَا يُحَدُّونَ لِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى : { ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ } وَقَدْ جِيءَ هُنَا بِالْأَرْبَعِ وَلَا تُحَدُّ هِيَ وَلَا الرَّجُلُ

( وَإِنْ عَيَّنَ اثْنَانِ ) مِنْ أَرْبَعَةٍ شَهِدُوا بِزِنًا ( زَاوِيَةً ) زَنَا بِهَا فِيهَا ( مِنْ بَيْتٍ صَغِيرٍ عُرْفًا وَ ) عَيَّنَ ( اثْنَانِ ) مِنْهُمْ زَاوِيَةً ( أُخْرَى مِنْهُ ) أَيْ الْبَيْتِ الصَّغِيرِ كَمُلَتْ شَهَادَتُهُمْ لِإِمْكَانِ صِدْقِهِمْ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ ابْتِدَاؤُهُ فِي إحْدَى الزَّاوِيَتَيْنِ وَتَمَامُهُ فِي الْأُخْرَى بِخِلَافِ الْبَيْتِ الْكَبِيرِ لِتَبَاعُدِ مَا بَيْنَهُمَا ( أَوْ قَالَ اثْنَانِ ) فِي شَهَادَتِهِمَا زَنَى بِهَا ( فِي قَمِيصٍ أَبْيَضَ أَوْ ) قَالَ زَنَى بِهَا ( قَائِمَةً وَ ) قَالَ ( اثْنَانِ ) فِي شَهَادَتِهِمَا زَنَى بِهَا ( فِي ) قَمِيصٍ ( أَحْمَرَ أَوْ ) زَنَى بِهَا ( نَائِمَةً كَمُلَتْ شَهَادَتُهُمْ ) لِعَدَمِ التَّنَافِي لِاحْتِمَالِ كَوْنِهِ فِي قَمِيصٍ أَبْيَضَ تَحْتَهُ قَمِيصٌ أَحْمَرُ ثُمَّ خَلَعَ قَبْلَ الْفَرَاغِ وَاحْتِمَالِ كَوْنِهِ ابْتَدَأَ بِهَا الْفِعْلَ قَائِمَةً وَأَتَمَّهُ نَائِمَةً ( وَإِنْ كَانَ الْبَيْتُ كَبِيرًا ) عُرْفًا وَعَيَّنَ اثْنَانِ زَاوِيَةً وَاثْنَانِ أُخْرَى فَقَذَفَةٌ ( أَوْ عَيَّنَ اثْنَانِ بَيْتًا أَوْ ) عَيَّنَا ( بَلَدًا أَوْ ) عَيَّنَا ( يَوْمًا وَ ) عَيَّنَ ( اثْنَانِ ) فِي شَهَادَتِهِمَا بَيْتًا أَوْ بَلَدًا أَوْ يَوْمًا ( آخَرُ فَ ) الْأَرْبَعَةُ ( قَذَفَةٌ ) لِشَهَادَةِ كُلِّ اثْنَيْنِ مِنْهُمْ بِزِنًا غَيْرِ الَّذِي شَهِدَ بِهِ الْآخَرَانِ وَلَمْ تَكْمُلْ الشَّهَادَةُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَيُحَدُّونَ لِلْقَذْفِ ( وَلَوْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الزِّنَا وَاحِدٌ ) لِلْعِلْمِ بِكَذِبِهِمْ

( وَإِنْ قَالَ اثْنَانِ ) مِنْ أَرْبَعَةٍ ( زَنَى بِهَا مُطَاوِعَةً وَقَالَ اثْنَانِ ) زَنَى بِهَا ( مُكْرَهَةً لَمْ تُكْمَلْ ) شَهَادَتُهُ لِاخْتِلَافِهِمْ ( وَعَلَى شَاهِدَيْ الْمُطَاوَعَةِ حَدَّانِ ) حَدٌّ لِقَذْفِ الرَّجُلِ وَحَدٌّ لِقَذْفِ الْمَرْأَةِ ( وَ ) عَلَى ( شَاهِدَيْ الْإِكْرَاهِ ) حَدٌّ ( وَاحِدٌ لِقَذْفِ الرَّجُلِ وَحْدَهُ ) لِشَهَادَتِهِمَا أَنَّهَا كَانَتْ مُكْرَهَةً لِاخْتِلَافِهِمْ

( وَإِنْ قَالَ اثْنَانِ ) مِنْ أَرْبَعَةٍ شَهِدُوا بِالزِّنَا زَنَى بِهَا ( وَهِيَ بَيْضَاءُ وَقَالَ اثْنَانِ ) مِنْهُمْ ( غَيْرَهُ ) أَيْ : زَنَى بِهَا وَهِيَ سَوْدَاءُ وَنَحْوُهُ ( لَمْ تُقْبَلْ ) شَهَادَتُهُمْ لِأَنَّهَا لَمْ تَجْتَمِعْ عَلَى عَيْنٍ وَاحِدَةٍ بِخِلَافِ السَّرِقَةِ

( وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ ) بِزِنًا ( فَرَجَعُوا ) كُلُّهُمْ ( أَوْ ) رَجَعَ ( بَعْضُهُمْ قَبْلَ حَدٍّ ) مَشْهُودٍ عَلَيْهِ ( وَلَوْ بَعْدَ حُكْمٍ ) لَمْ يُحَدَّ مَشْهُودٌ عَلَيْهِ لِلشُّبْهَةِ وَ ( حُدَّ ) الشُّهُودُ ( الْجَمِيعُ ) أَمَّا مَعَ رُجُوعِهِمْ فَلِإِقْرَارِهِمْ بِأَنَّهُمْ قَذَفَةٌ وَأَمَّا مَعَ رُجُوعِ بَعْضِهِمْ فَلِنَقْصِ عَدَدِ الشُّهُودِ كَمَا لَوْ لَمْ يَشْهَدْ بِهِ غَيْرُ ثَلَاثَةٍ فَأَقَلَّ .
( وَ ) إنْ رَجَعَ بَعْضُهُمْ ( بَعْدَ حَدٍّ ) مَشْهُودٍ عَلَيْهِ ( بِحَدِّ رَاجِعٍ ) عَنْ شَهَادَتِهِ ( فَقَطْ ) أَيْ : دُونَ مَنْ لَمْ يَرْجِعْ لِأَنَّ إقَامَةَ الْحَدِّ كَحُكْمِ الْحَاكِمِ فَلَا يُنْقَضُ بِرُجُوعِ الشُّهُودِ أَوْ بَعْضِهِمْ لَكِنْ يُحَدُّ الرَّاجِعُ لِإِقْرَارِهِ بِالْقَذْفِ ( إنْ وَرِثَ حَدَّ قَذْفٍ ) بِأَنْ طَالَبَ بِهِ مَقْذُوفٌ قَبْلَ مَوْتِهِ وَإِلَّا فَلَا

( وَإِنْ شَهِدَ أَرْبَعَةٌ بِزِنَاهُ ) أَيْ فُلَانٍ ( بِفُلَانَةَ فَشَهِدَ أَرْبَعَةٌ آخَرُونَ أَنَّ الشُّهُودَ هُمْ الزُّنَاةُ بِهَا ) دُونَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ( حُدَّ ) الْأَرْبَعَةُ ( الْأَوَّلُونَ ) الشَّاهِدُونَ بِهِ ( فَقَطْ ) دُونَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ لِقَدْحِ الْآخَرِينَ فِي شَهَادَتِهِمْ عَلَيْهِ ( لِلْقَذْفِ وَلِلزِّنَا ) لِأَنَّهُمْ شَهِدُوا بِزِنًا لَمْ يَثْبُتْ فَهُمْ قَذَفَةٌ وَثَبَتَ عَلَيْهِمْ الزِّنَى بِشَهَادَةِ الْآخَرِينَ

وَإِذَا كَمُلَتْ الشَّهَادَةُ بِحَدٍّ ثُمَّ مَاتَ الشُّهُودُ أَوْ غَابُوا لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ إقَامَةَ الْحَدِّ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ ، وَاحْتِمَالُ رُجُوعِهِمْ لَيْسَ شُبْهَةً يُدْرَأُ بِهَا الْحَدُّ لِبُعْدِهِ

( وَإِنْ حَمَلَتْ مَنْ لَا لَهَا زَوْجٌ وَلَا سَيِّدٌ لَمْ تُحَدَّ بِذَلِكَ ) الْحَمْلِ ( بِمُجَرَّدِهِ ) لَكِنْ تُسْأَلُ وَلَا يَجِبُ سُؤَالُهَا لِمَا فِيهِ مِنْ إشَاعَةِ الْفَاحِشَةِ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَإِنْ ادَّعَتْ إكْرَاهًا أَوْ وَطْئًا بِشُبْهَةٍ أَوْ لَمْ تُقِرَّ بِالزِّنَا أَرْبَعًا لَمْ تُحَدَّ وَرَوَى سَعِيدٌ أَنَّ امْرَأَةً رُفِعَتْ إلَى عُمَرَ لَيْسَ لَهَا زَوْجٌ وَقَدْ حَمَلَتْ فَسَأَلَهَا عُمَرُ فَقَالَتْ : إنِّي امْرَأَةٌ ثَقِيلَةٌ الرَّأْسِ فَوَقَعَ عَلَيَّ رَجُلٌ وَأَنَا نَائِمَةٌ فَمَا اسْتَيْقَظْت حَتَّى فَرَغَ فَدَرَأَ عَنْهَا الْحَدَّ .
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ : إذَا كَانَ فِي الْحَدِّ لَعَلَّ وَعَسَى فَهُوَ مُعَطَّلٌ وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْحَدَّ يُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ وَهِيَ مُتَحَقِّقَةُ هَاهُنَا .

بَابُ الْقَذْفِ ( وَهُوَ ) لُغَةً الرَّمْيُ بِقُوَّةٍ ثُمَّ غَلَبَ عَلَى ( الرَّمْيِ بِزِنًا أَوْ لِوَاطٍ أَوْ شَهَادَةٍ بِأَحَدِهِمَا ) أَيْ الزِّنَا أَوْ اللِّوَاطِ ( وَلَمْ تَكْمُلْ الْبَيِّنَةُ ) بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا وَهُوَ مُحَرَّمٌ إجْمَاعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ } الْآيَةِ وَقَوْلِهِ : { إنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ } الْآيَةَ وَحَدِيثُ { اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

( مَنْ قَذَفَ وَهُوَ ) أَيْ : الْقَاذِفَ ( مُكَلَّفٌ مُخْتَارٌ وَلَوْ أَخْرَسَ ) وَقَذَفَ ( بِإِشَارَةٍ مُحْصَنًا وَلَوْ مَجْبُوبًا ) أَيْ مَقْطُوعَ الذَّكَرِ ( أَوْ ) كَانَتْ مَقْذُوفَةً ( ذَاتَ مَحْرَمٍ ) مِنْ قَاذِفٍ ( أَوْ ) كَانَتْ مَقْذُوفَةً ( رَتْقَاءَ حُدَّ ) لِعُمُومِ الْآيَةِ وَالْأَخْبَارِ

قَاذِفُ ( حُرٍّ ثَمَانِينَ ) جَلْدَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً }

( وَ ) حَدُّ قَاذِفِ ( قِنٍّ وَلَوْ عَتَقَ عَقِبَ قَذْفٍ ) اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الْوُجُوبِ كَالْقِصَاصِ ( أَرْبَعِينَ ) جَلْدَةً

( وَ ) حَدُّ قَاذِفِ ( مُبَعَّضٍ بِحِسَابِهِ ) فَمَنْ نِصْفُهُ حُرٌّ وَنِصْفُهُ رَقِيقٌ يُجْلَدُ سِتِّينَ ؛ لِأَنَّهُ حَدٌّ يَتَبَعَّضُ فَكَانَ عَلَى الْقِنِّ فِيهِ نِصْفُ مَا عَلَى الْحُرِّ وَالْمُبَعَّضُ بِالْحِسَابِ كَجَلْدِ الزِّنَا وَهُوَ يَخُصُّ عُمُومَ الْآيَةِ

( وَيَجِبُ ) حَدُّ قَذْفٍ ( بِقَذْفِ ) نَحْوِ قَرِيبٍ كَأُخْتِهِ وَلَوْ ( عَلَى وَجْهِ الْغَيْرَةِ ) بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ كَأَجْنَبِيٍّ لِعُمُومِ الْآيَةِ

وَ ( لَا ) يَجِبُ حَدُّ قَذْفٍ ( عَلَى أَبَوَيْنِ وَإِنْ عَلَوَا لِوَلَدٍ وَإِنْ سَفَلَ ) مِنْ وَلَدِ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ ( كَقَوَدٍ ) أَيْ : كَمَا لَا يَجِبُ قَوَدٌ لِوَلَدٍ وَإِنْ سَفَلَ عَلَى أَبَوَيْهِ وَإِنْ عَلَوْا فَلَا يَرِثُهُ أَيْ : حَدُّ قَذْفِ وَلَدٍ وَإِنْ سَفَلَ ( عَلَيْهِمَا ) أَيْ عَلَى أَبَوَيْهِ وَإِنْ عَلَوَا ( وَإِنْ وَرِثَهُ ) أَيْ : الْحَدَّ ( أَخُوهُ ) أَيْ : أَخُو الْوَلَدِ ( لِأُمِّهِ ) كَأَنْ قَذَفَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ وَطَالَبَتْهُ بِحَدِّ الْقَذْفِ ثُمَّ مَاتَتْ عَنْ وَلَدَيْنِ أَحَدُهُمَا مِنْ الْقَاذِفِ فَلَا يَرِثُ الْحَدَّ عَلَى أَبِيهِ ( وَحُدَّ ) الْقَاذِفُ ( لَهُ ) أَيْ : لِلْقَذْفِ بِطَلَبِ الْوَلَدِ الْآخَرِ ( لِتَبَعُّضِهِ ) أَيْ : مِلْكِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ الطَّلَبَ بِهِ كَامِلًا مَعَ تَرْكِ بَاقِيهِمْ إذَا طَالَبَ بِهِ مُوَرِّثُهُمْ قَبْلَ مَوْتِهِ لِلُحُوقِ الْعَارِ بِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْوَرَثَةِ عَلَى انْفِرَادِهِ ( وَالْحَقُّ فِي حَدِّهِ ) أَيْ : الْقَذْفِ ( لِلْآدَمِيِّ ) كَالْقَوَدِ ( فَلَا يُقَامُ ) حَدُّ قَذْفٍ ( بِلَا طَلَبِهِ ) أَيْ الْمَقْذُوفِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْرِضَ لَهُ إلَّا بِطَلَبِهِ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إجْمَاعًا ( لَكِنْ لَا يَسْتَوْفِيهِ ) مَقْذُوفٌ ( بِنَفْسِهِ ) فَإِنْ فَعَلَ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ .
قَالَ الْقَاضِي : لِأَنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهِ نِيَّةُ الْإِمَامِ أَنَّهُ حَدٌّ

( وَيَسْقُطُ ) حَدُّ قَذْفٍ ( بِعَفْوِهِ ) أَيْ : الْمَقْذُوفِ ( وَلَوْ ) عَفَا ( بَعْدَ طَلَبِهِ بِهِ ) كَمَا لَوْ عَفَا قَبْلَهُ وَكَذَا يَسْقُطُ بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ بِمَا قَذَفَهُ بِهِ وَبِتَصْدِيقِ مَقْذُوفٍ لَهُ فِيهِ وَلِعَانٍ مِنْهُ إنْ كَانَ زَوْجًا وَ ( لَا ) يَسْقُطُ حَدُّ قَذْفٍ بِعَفْوٍ ( عَنْ ) ( بَعْضِهِ ) بِأَنْ وَجَبَ حَدُّ الْقَذْفِ لِاثْنَيْنِ فَأَكْثَرَ فَعَفَا بَعْضُهُمْ حَدَّ لِمَنْ طَلَبَ كَامِلًا وَإِنْ طَالَبَ بِهِ أَحَدُهُمْ فَحَدَّ لَهُ بَعْضَ الْحَدِّ ثُمَّ عَفَا فَطَلَبَ الْبَاقُونَ تَمَّمَ مَا بَقِيَ مِنْ الْحَدِّ بِخِلَافِ قَوَدٍ لِأَنَّهُ لَا يَتَبَعَّضُ

( وَمَنْ قَذَفَ غَيْرَ مُحْصَنٍ وَلَوْ قِنَّهُ ) أَيْ : قِنَّ قَاذِفٍ ( عُزِّرَ ) رَدْعًا لَهُ عَنْ أَعْرَاضِ الْمَعْصُومِينَ وَكَفَالَةً عَنْ إيذَائِهِمْ ( وَالْمُحْصَنُ هُنَا ) أَيْ : فِي بَابِ الْقَذْفِ ( الْحُرُّ الْمُسْلِمُ الْعَاقِلُ الْعَفِيفُ عَنْ الزِّنَا ظَاهِرًا ) أَيْ : فِي ظَاهِرِ حَالِهِ ( وَلَوْ ) كَانَ ( تَائِبًا مِنْهُ ) أَيْ الزِّنَا لِأَنَّ التَّائِبَ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ ( وَمُلَاعَنَةٌ وَوَلَدُهَا وَوَلَدُ زِنًا كَغَيْرِهِمْ ) نَصًّا فَيُحَدُّ بِقَذْفِ كُلٌّ مِنْهُمْ إنْ كَانَ مُحْصَنًا

( وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ مِثْلِهِ ) أَيْ الْمَقْذُوفِ ( يَطَأُ أَوْ يُوطَأُ ) وَهُوَ ابْنُ عَشْرٍ فَأَكْثَرَ وَبِنْتُ تِسْعٍ فَأَكْثَرَ لِلُحُوقِ الْعَارِ لَهُمَا وَ ( لَا ) يُشْتَرَطُ ( بُلُوغُهُ ) أَيْ الْمَقْذُوفِ ( وَلَا يُحَدُّ قَاذِفٌ غَيْرُ بَالِغٍ حَتَّى يَبْلُغَ ) وَيُطَالَبُ بِهِ بَعْدَ بُلُوغِهِ إذْ لَا أَثَرَ لِطَلَبِهِ قَبْلَ بُلُوغِهِ لِعَدَمِ اعْتِبَارِ كَلَامِهِ وَلَا طَلَبَ لِوَلِيِّهِ عَنْهُ لِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْهُ التَّشَفِّي فَلَا يَقُومُ غَيْرُهُ مَقَامَهُ فِيهِ كَالْقَوَدِ

( وَكَذَا لَوْ جُنَّ ) مَقْذُوفٌ ( أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ طَلَبِهِ ) فَلَا يَسْتَوْفِي حَتَّى يُفِيقَ وَيُطَالَبَ بِهِ ( وَ ) جُنَّ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ ( بَعْدَهُ ) أَيْ الطَّلَبِ بِهِ ( يُقَامُ ) أَيْ : يُقِيمُهُ الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ عَلَى الْقَاذِفِ لِوُجُودِ شَرْطِهِ وَانْتِفَاءِ مَانِعِهِ

( وَمَنْ قَذَفَ ) مُحْصَنًا ( غَائِبًا لَمْ يُحَدَّ ) قَاذِفُهُ ( حَتَّى يَثْبُتَ طَلَبُهُ ) أَيْ : الْمَقْذُوفِ الْغَائِبِ ( فِي غَيْبَتِهِ بِشَرْطِهِ أَوْ يَحْضُرَ وَيَطْلُبَ ) بِنَفْسِهِ

( وَمَنْ قَالَ لِمُحْصَنَةٍ زَنَيْتِ وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ فَإِنْ فَسَّرَهُ بِدُونِ تِسْعِ ) سِنِينَ عُزِّرَ ( أَوْ قَالَهُ ) أَيْ : زَنَيْتَ وَأَنْتَ صَغِيرٌ ( ل ) مُحْصَنٍ ( ذَكَرٍ وَفَسَّرَهُ بِدُونِ عَشْرِ ) سِنِينَ ( عُزِّرَ ) لِمَا تَقَدَّمَ ( وَإِلَّا ) يُفَسِّرْهُ بِدُونِ ذَلِكَ ( حُدَّ ) لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ بُلُوغُ مَقْذُوفٍ

( وَإِنْ قَالَ ) لِمُحْصَنَةٍ زَنَيْت ( وَأَنْتِ كَافِرَةٌ أَوْ ) وَأَنْتِ ( أَمَةٌ أَوْ ) وَأَنْتِ ( مَجْنُونَةٌ وَلَمْ يَثْبُتْ كَوْنُهَا كَذَلِكَ ) أَيْ : كَافِرَةً أَوْ أَمَةً أَوْ مَجْنُونَةً ( حُدَّ ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ ذَلِكَ ( كَمَا لَوْ قَذَفَ مَجْهُولَةَ النَّسَبِ وَادَّعَى رِقَّهَا فَأَنْكَرَتْهُ ) فَيُحَدُّ لِأَنَّ الْأَصْلَ الْحُرِّيَّةُ ( وَإِنْ ثَبَتَ كَوْنُهَا كَذَلِكَ ) أَيْ : كَانَتْ كَافِرَةً أَوْ أَمَةً مَجْنُونَةً ( لَمْ يُحَدَّ ) لِإِضَافَتِهِ الزِّنَا إلَى حَالٍ لَمْ تَكُنْ فِيهَا مُحْصَنَةً ( وَلَوْ قَالَتْ أَرَدْت قَذْفِي فِي الْحَالِ وَأَنْكَرَهَا ) لِاخْتِلَافِهِمَا فِي نِيَّتِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ : وَأَنْتِ كَافِرَةٌ وَنَحْوُهُ جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ

( وَيُصَدَّقُ قَاذِفٌ ) مُحْصَنٌ ادَّعَى ( أَنَّ قَذْفَهُ ) كَانَ ( حَالَ صِغَرِ مَقْذُوفٍ ) لِأَنَّ الْأَصْلَ صِغَرُهُ وَالْبَرَاءَةُ مِنْ الْحَدِّ ( فَإِنْ أَقَامَا بَيِّنَتَيْنِ وَكَانَتَا مُطْلَقَتَيْنِ ) بِأَنْ قَالَتْ إحْدَاهُمَا قَذَفَهُ وَهُوَ صَغِيرٌ وَالْأُخْرَى وَهُوَ كَبِيرٌ ( أَوْ ) كَانَتَا ( مُؤَرَّخَتَيْنِ تَارِيخَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ ) بِأَنْ قَالَتْ إحْدَاهُمَا : قَذَفَهُ وَهُوَ صَغِيرٌ سَنَةَ عِشْرِينَ ، وَالْأُخْرَى : قَذَفَهُ وَهُوَ كَبِيرٌ سَنَةَ ثَلَاثِينَ مَثَلًا ( فَهُمَا قَذْفَانِ مُوجَبُ ) بِفَتْحِ الْجِيمِ ( أَحَدِهِمَا الْحَدُّ ) وَهُوَ الْقَذْفُ فِي الْكَبِيرِ ( وَ ) مُوجَبُ ( الْآخَرِ ) وَهُوَ الْقَذْفُ زَمَنَ الصِّغَرِ ( التَّعْزِيرُ ) إعْمَالًا لِلْبَيِّنَتَيْنِ لِعَدَمِ التَّنَافِي ( وَإِنْ أُرِّخَتَا تَأْرِيخًا وَاحِدًا وَقَالَتْ إحْدَاهُمَا وَهُوَ ) أَيْ الْمَقْذُوفُ حَالَ قَذْفِهِ ( صَغِيرٌ وَ ) قَالَتْ ( وَالْأُخْرَى وَهُوَ ) إذْ ذَاكَ ( كَبِيرٌ تَعَارَضَتَا وَسَقَطَتَا ) لِأَنَّهُ لَا مُرَجِّحَ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْأُخْرَى ( وَكَذَا لَوْ كَانَ تَارِيخُ بَيِّنَةِ الْمَقْذُوفِ ) الشَّاهِدَةِ بِكِبَرِهِ ( قَبْلَ تَارِيخِ بَيِّنَةِ الْقَاذِفِ ) الشَّاهِدَةِ بِصِغَرِ مَقْذُوفٍ فَيَتَعَارَضَانِ وَيَسْقُطَانِ ، وَيُرْجَعُ لِقَوْلِ قَاذِفٍ : إنَّ الْقَذْفَ كَانَ حِينَ صِغَرِ الْمَقْذُوفِ ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَرَاءَتُهُ مِنْ الْحَدِّ

( وَمَنْ قَالَ لِابْنِ عِشْرِينَ ) سَنَةً ( زَنَيْت مِنْ ثَلَاثِينَ سَنَةً لَمْ يُحَدَّ ) لِلْعِلْمِ بِكَذِبِهِ

( وَلَا يَسْقُطُ ) حَدُّ قَذْفٍ ( بِرِدَّةِ مَقْذُوفٍ بَعْدَ طَلَبٍ أَوْ زَوَالِ إحْصَانٍ ) وَلَوْ ( لَمْ يُحْكَمْ بِوُجُوبِهِ ) أَيْ : الْحَدِّ اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الْوُجُوبِ وَكَمَا لَوْ زَنَى بِامْرَأَةٍ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا .

فَصْلٌ وَيَحْرُمُ قَذْفٌ إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَرَى زَوْجَتَهُ تَزْنِي فِي طُهْرٍ لَمْ يَطَأْ ( هَا ) فِيهِ فَيَعْتَزِلَهَا ثُمَّ تَلِدُ مَا يُمْكِنُ كَوْنُهُ مِنْ الزَّانِي فَيَلْزَمَهُ قَذْفُهَا وَنَفْيُهُ أَيْ : الْوَلَدِ بِاللِّعَانِ لِجَرَيَانِ ذَلِكَ مَجْرَى الْيَقِينِ فِي أَنَّ الْوَلَدَ مِنْ الزَّانِي حَيْثُ أَتَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَأَكْثَرَ مِنْ وَطْئِهِ ، وَإِذَا لَمْ يَنْفِ الْوَلَدَ لَحِقَهُ وَوَرِثَهُ وَوَرِثَ أَقَارِبَهُ وَوَرِثُوا مِنْهُ وَنَظَرَ إلَى بَنَاتِهِ وَأَخَوَاتِهِ وَنَحْوِهِنَّ وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ فَوَجَبَ نَفْيُهُ إزَالَةً لِذَلِكَ وَلِحَدِيثِ { أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَدْخَلَتْ عَلَى قَوْمٍ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ فَلَيْسَتْ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ وَلَنْ يُدْخِلَهَا اللَّهُ جَنَّتَهُ وَأَيُّمَا رَجُلٍ جَحَدَ وَلَدَهُ وَهُوَ يَنْظُرُ إلَيْهِ احْتَجَبَ اللَّهُ مِنْهُ وَفَضَحَهُ عَلَى رُءُوسِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَوْلُهُ : وَهُوَ يَنْظُرُ إلَيْهِ ، يَعْنِي : يَرَى الْوَلَدَ مِنْهُ فَكَمَا حَرُمَ عَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تُدْخِلَ عَلَى قَوْمٍ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ فَالرَّجُلُ مِثْلُهَا وَلَوْ أَقَرَّتْ بِالزِّنَا وَوَقَعَ فِي نَفْسِهِ صِدْقُهَا فَهُوَ كَمَا رَآهَا تَزِنِي ( وَكَذَا إنْ وَطِئَهَا ) زَوْجُهَا ( فِي طُهْرٍ زَنَتْ فِيهِ وَقَوِيَ فِي ظَنِّهِ ) أَيْ الزَّوْجِ ( أَنَّ الْوَلَدَ مِنْ الزَّانِي لَشَبَهِهِ بِهِ ) أَيْ : الزَّانِي ( وَنَحْوِهِ ) كَكَوْنِ الزَّوْجِ عَقِيمًا لِأَنَّ ذَلِكَ مَعَ تَحَقُّقِ الزِّنَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْوَلَدَ مِنْ الزَّانِي وَلِقِيَامِ غَلَبَةِ الظَّنِّ مَقَامَ التَّحْقِيقِ

الْمَوْضِعُ ( الثَّانِي أَنْ يَرَاهَا تَزْنِي وَلَمْ تَلِدْ مَا ) أَيْ وَلَدًا ( يَلْزَمُهُ نَفْيُهُ ) بِأَنْ لَمْ تَلِدْ أَوْ وَلَدَتْ مَا لَا يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ مِنْ زَانٍ ( أَوْ يَسْتَفِيضُ زِنَاهَا ) بَيْنَ النَّاسِ ( أَوْ يُخْبِرَ بِهِ ثِقَةٌ ) لَا عَدَاوَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا ( أَوْ يَرَى مَعْرُوفًا بِهِ ) أَيْ الزِّنَا ( عِنْدَهَا فَيُبَاحُ ) لِزَوْجِهَا ( قَذْفُهَا بِهِ ) أَيْ بِالرَّجُلِ الْمَعْرُوفِ بِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِمَّا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ زِنَاهَا ، وَلَمْ يَجِبْ ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَى غَيْرِهَا حَيْثُ لَمْ تَلِدْ ( وَفِرَاقُهَا ) إذَنْ ( أَوْلَى ) لِأَنَّهُ أَسْتَرُ ، وَلِأَنَّ قَذْفَهَا يُفْضِي إلَى حَلِفِ أَحَدِهِمَا كَاذِبًا إنْ تَلَاعَنَا أَوْ إقْرَارِهَا فَتَفْتَضِحُ .
وَلَا يَجُوزُ قَذْفُهَا بِمَنْ لَا يُوثَقُ بِهِ إنْ لَمْ يَسْتَفِضْ زِنَاهَا لِجَوَازِ دُخُولِهِ سَارِقًا وَنَحْوَهُ

( وَإِنْ أَتَتْ ) زَوْجَةُ شَخْصٍ ( بِوَلَدٍ يُخَالِفُ لَوْنُهُ لَوْنَهُمَا ) كَالسَّوَادِ وَالزَّوْجَانِ أَبْيَضَانِ ( لَمْ يُبَحْ ) لِزَوْجِهَا ( نَفْيُهُ بِذَلِكَ ) أَيْ : بِمُخَالَفَةِ لَوْنِهِ لَوْنَهُمَا لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : { جَاءَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي فَزَارَةَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إنَّ امْرَأَتِي جَاءَتْ بِوَلَدٍ أَسْوَدَ يُعَرِّضُ بِنَفْيِهِ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَلْ لَك مِنْ إبِلٍ ؟ قَالَ : نَعَمْ .
قَالَ : فَمَا أَلْوَانُهَا قَالَ : حُمْرٌ .
قَالَ : هَلْ فِيهَا مِنْ أَوْرَقَ ؟ قَالَ : إنَّ فِيهَا لَوُرْقًا .
قَالَ : فَأَنَّى أَتَاهَا ذَلِكَ .
قَالَ : عَسَى أَنْ يَكُونَ نَزْعَةَ عِرْقٍ .
قَالَ : فَهَذَا عَسَى أَنْ يَكُونَ نَزْعَةَ عِرْقٍ .
قَالَ : وَلَمْ يُرَخِّصْ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الِانْتِفَاءِ مِنْهُ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ، وَلِأَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ مِنْ آدَمَ وَحَوَّاءَ ، وَأَلْوَانَهُمْ وَخِلَقَهُمْ مُخْتَلِفَةٌ .
فَلَوْلَا مُخَالَفَتُهُمْ صِفَةَ أَبَوَيْهِمْ لَكَانُوا عَلَى صِفَةٍ وَاحِدَةٍ ( بِلَا قَرِينَةٍ ) فَإِنْ كَانَتْ بِأَنْ رَأَى عِنْدَهَا رَجُلًا يُشْبِهُ مَا وَلَدَتْهُ ، فَلَهُ نَفْيُهُ ، لِأَنَّ ذَلِكَ مَعَ الشَّبَهِ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِهِ .

فَصْلٌ وَ لِلْقَذْفِ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ وَ ( صَرِيحُهُ : يَا مَنْيُوكَةُ ، بِأَنْ لَمْ يُفَسِّرْهُ ) قَاذِفٌ ( بِفِعْلِ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ ) فَإِنْ فَسَّرَهُ بِذَلِكَ فَلَيْسَ قَذْفًا ( يَا مَنْيُوكُ ، يَا زَانِي ، يَا عَاهِرُ .
أَوْ قَدْ زَنَيْت ، أَوْ زَنَى فَرْجُك وَنَحْوُهُ ) كَرَأَيْتُك تَزْنِي ، وَأَصْلُ الْعِهْرِ : إتْيَانُ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ لَيْلًا لِلْفُجُورِ بِهَا .
ثُمَّ غَلَبَ عَلَى الزَّانِي سَوَاءٌ جَاءَهَا أَوْ جَاءَتْهُ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا ( أَوْ ) قَالَ لَهُ ( يَا مَعْفُوجَ ) بِالْفَاءِ وَالْجِيمِ نَصًّا لِاسْتِعْمَالِ النَّاسِ لَهُ بِمَعْنَى الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ ، وَأَصْلُهُ الضَّرْبُ ( أَوْ ) قَالَ لَهُ ( يَا لُوطِيُّ ) لِأَنَّهُ فِي الْعُرْفِ مَنْ يَأْتِي الذُّكُورَ لِأَنَّهُ عَمَلُ قَوْمِ لُوطٍ ( فَإِنْ قَالَ أَرَدْت ) بِقَوْلِي يَا زَانِي وَنَحْوَهُ ( زَانِيَ الْعَيْنِ ) وَنَحْوَهُ ( أَوْ ) أَرَدْت بِقَوْلِي يَا عَاهِرُ ( عَاهِرَ الْيَدِ .
وَ ) قَالَ : أَرَدْت بِقَوْلِي يَا لُوطِيُّ ( أَنَّك مِنْ قَوْمِ لُوطٍ ، أَوْ ) أَنَّك ( تَعْمَلُ عَمَلَهُمْ غَيْرَ إتْيَانِ الذُّكُورِ ، لَمْ يُقْبَلْ ) مِنْهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ ، وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهِ .
( وَ ) قَوْلُ الْمُكَلَّفِ لِشَخْصٍ ( لَسْت لِأَبِيك .
وَ ) لَسْت ( بِوَلَدِ فُلَانٍ ) الَّذِي يُنْسَبُ إلَيْهِ ( قَذْفٌ لِأُمِّهِ ) أَيْ : الْمَقُولِ لَهُ لِإِثْبَاتِهِ الزِّنَا لِأُمِّهِ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ لِأَبِيهِ أَوْ غَيْرِهِ ، فَإِذَا نَفَاهُ عَنْ أَبِيهِ فَقَدْ أَثْبَتَهُ لِغَيْرِهِ ، وَالْغَيْرُ لَا يُمْكِنُ إحْبَالُهُ لَهَا فِي زَوْجِيَّةِ أَبِيهِ إلَّا بِزِنًا ، فَكَانَ قَذْفًا لَهَا ، وَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَنْظُرُوا لِاحْتِمَالِ الشُّبْهَةِ لِبُعْدِهِ ( إلَّا ) أَنْ يَكُونَ الْمَقُولُ لَهُ ذَلِكَ ( مَنْفِيًّا بِلِعَانٍ لَمْ يَسْتَلْحِقْهُ مُلَاعِنٌ ) بَعْدَ نَفْيِهِ ( وَلَمْ يُفَسِّرْهُ ) قَائِلُ ذَلِكَ ( بِزِنَا أُمِّهِ ) فَلَا يَكُونُ قَذْفًا لَهَا ( وَكَذَا لَوْ نَفَاهُ عَنْ قَبِيلَتِهِ ) فَهُوَ قَذْفٌ لِأُمِّهِ إلَّا مَنْفِيًّا بِلِعَانٍ لَمْ يُفَسِّرْهُ بِزِنَا أُمِّهِ لِحَدِيثِ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ مَرْفُوعًا { لَا أُوتَى بِرَجُلٍ

يَقُولُ : إنَّ كِنَانَةَ لَيْسَتْ مِنْ قُرَيْشٍ إلَّا جَلَدْته } " وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ " لَا جَلْدَ إلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٍ قَذَفَ مُحْصَنَةً أَوْ نَفَى رَجُلًا عَنْ أَبِيهِ " .
( وَ ) قَوْلُهُ لِآخَرَ ( مَا أَنْتَ ابْنَ فُلَانَةَ لَيْسَ بِقَذْفٍ مُطْلَقًا ) سَوَاءٌ أَرَادَ قَذْفَهُ بِهِ أَوْ لَا إذْ الْوَلَدُ مِنْ أُمِّهِ بِكُلِّ حَالٍ .
( وَ ) قَوْلُهُ لِوَلَدِهِ ( لَسْت بِوَلَدِي كِنَايَةٌ فِي قَذْفِ أُمِّهِ ) نَصًّا لِأَنَّ الْوَالِدَ إذَا أَنْكَرَ شَيْئًا مِنْ أَحْوَالِ وَلَدِهِ يَقُولُ لَهُ ذَلِكَ كَثِيرًا يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَا يُشْبِهُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَخْلُوقًا مِنْ مَائِهِ فَلَا يَكُونُ قَذْفًا لِأُمِّهِ مَعَ احْتِمَالِ إلَّا مَعَ إرَادَتِهِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُ بِخِلَافِ الْأَجْنَبِيِّ .
( وَ ) قَوْلُ إنْسَانٍ لِغَيْرِهِ ( أَنْتِ أَزْنَى النَّاسِ أَوْ ) أَنْتِ أَزْنَى ( مِنْ فُلَانَةَ ) أَوْ فُلَانٍ صَرِيحٌ فِي الْمُخَاطَبِ بِذَلِكَ فَقَطْ لِاسْتِعْمَالِ أَفْعَلَ فِي الْمُنْفَرِدِ بِالْفِعْلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { أَفَمَنْ يَهْدِي إلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي } وَقَوْلِهِ : { فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ } وَقَوْلِهِمْ : الْعَسَلُ أَحْلَى مِنْ الْخَلِّ ( أَوْ قَالَ لَهُ ) أَيْ الرَّجُلِ ( يَا زَانِيَةُ أَوْ ) قَالَ ( لَهَا ) أَيْ الْمَرْأَةِ ( يَا زَانٍ صَرِيحٌ فِي الْمُخَاطَبِ بِذَلِكَ ) لِأَنَّ مَا كَانَ قَذْفًا لِأَحَدِ الصِّنْفَيْنِ كَانَ قَذْفًا لِلْمُخَاطَبِ وَقَدْ يَكُونُ التَّأْنِيثُ وَالتَّذْكِيرُ بِمُلَاحَظَةِ الذَّاتِ وَالشَّخْصِ وَ ( كَفَتْحِ التَّاءِ وَكَسْرِهَا لَهُمَا ) أَيْ : الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى ( فِي ) قَوْلِهِ ( زَنَيْت ) لِأَنَّهُ خِطَابٌ لَهُمَا وَإِشَارَةٌ إلَيْهِمَا بِلَفْظِ الزِّنَا ، كَقَوْلِهِ لِامْرَأَةٍ : يَا شَخْصًا زَانِيًا وَلِرَجُلٍ يَا نَسَمَةَ زَانِيَةً ( وَلَيْسَ ) الْقَائِلُ : أَنْتَ أَزْنَى مِنْ فُلَانَةَ ( بِقَاذِفٍ لِفُلَانَةَ ) لِمَا تَقَدَّمَ ، وَلِقَوْلِ لُوطٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : { هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ } أَيْ : مِنْ أَدْبَارِ الذُّكُورِ ، وَلَا طَهَارَةَ فِيهَا ( وَمَنْ قَالَ عَنْ اثْنَيْنِ أَحَدُهُمَا زَانٍ

فَقَالَ ) لَهُ ( أَحَدُهُمَا : أَنَا ؟ فَقَالَ ) لَهُ ( لَا فَ ) هُوَ ( قَذْفٌ لِلْآخَرِ ) لِتَعَيُّنِهِ بِنَفْيِهِ عَنْ الْآخَرِ ( وَ ) قَوْلُهُ لِآخَرَ ( زَنَأْت مَهْمُوزًا صَرِيحٌ ) فِي قَذْفِهِ ( وَلَوْ زَادَ فِي الْجَبَلِ أَوْ عَرَفَ الْعَرَبِيَّةَ ) لِأَنَّ عَامَّةَ النَّاسِ لَا يَفْقَهُونَ مِنْهُ إلَّا الْقَذْفَ كَغَيْرِ الْمَهْمُوزِ .

فَصْلٌ وَكِنَايَتُهُ وَالتَّعْرِيضُ بِهِ ( زَنَتْ يَدَاك أَوْ ) زَنَتْ رِجْلَاك أَوْ زَنَتْ ( يَدُك أَوْ ) زَنَتْ ( رِجْلُك أَوْ ) زَنَى ( بَدَنُك ) لِأَنَّ زِنَى هَذِهِ الْأَعْضَاءِ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ .
لِحَدِيثِ { الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا النَّظَرُ وَالْيَدَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا الْبَطْشُ وَالرِّجْلَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا الْمَشْيُ وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الْفَرْجُ أَوْ يُكَذِّبُهُ } ( وَيَا خَنِيثُ بِالنُّونِ وَيَا نَظِيفُ يَا عَفِيفُ وَ ) لِامْرَأَةٍ ( يَا قَحْبَةُ يَا فَاجِرَةُ يَا خَبِيثَةُ ، وَلِزَوْجَةِ شَخْصٍ قَدْ فَضَحْته وَغَطَّيْت ) رَأْسَهُ ( أَوْ نَكَّسْت رَأْسَهُ وَجَعَلْت لَهُ قُرُونًا وَعَلَّقْت عَلَيْهِ أَوْلَادًا مِنْ غَيْرِهِ وَأَفْسَدْت فِرَاشَهُ وَ ) قَوْلُهُ ( لِعَرَبِيٍّ يَا نَبَطِيُّ ) أَوْ ( يَا فَارِسِيُّ ) أَوْ ( يَا رُومِيُّ وَ ) قَوْلُهُ ( لِأَحَدِهِمْ ) أَيْ : لِنَبَطِيٍّ وَفَارِسِيٍّ أَوْ رُومِيٍّ ( يَا عَرَبِيُّ وَ ) قَوْلُهُ ( لِمَنْ يُخَاصِمُهُ يَا حَلَالُ يَا ابْنَ الْحَلَالِ مَا يَعْرِفُك النَّاسُ بِالزِّنَا ، أَوْ مَا أَنَا بِزَانٍ مَا أُمِّي بِزَانِيَةٍ ، أَوْ يَسْمَعُ مَنْ يَقْذِفُ شَخْصًا فَيَقُولُ ) لَهُ ( صَدَقْت أَوْ صَدَقْت فِيمَا قُلْت ، أَوْ أَخْبَرَنِي فُلَانٌ ) أَنَّك زَنَيْت ( أَوْ أَشْهَدَنِي أَنَّك زَنَيْت وَكَذَّبَهُ فُلَانٌ ) .
وَفِي الرِّعَايَةِ قَوْلُهُ : لَمْ أَجِدْك عَذْرَاءَ كِنَايَةٌ .
قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ : لَا أَرَى الْحَدَّ إلَّا عَلَى مَنْ صَرَّحَ بِالْقَذْفِ أَوْ الشِّتْمَةِ ( فَإِنْ فَسَّرَهُ ) أَيْ : مَا تَقَدَّمَ مِنْ الْكِنَايَةِ وَالتَّعْرِيضِ ( بِمُحْتَمَلٍ غَيْرِ الْقَذْفِ ) كَقَوْلِهِ : أَرَدْت بِالنَّبَطِيِّ نَبَطِيَّ اللِّسَانِ وَنَحْوَهُ ، وَبِالرُّومِيِّ رُومِيَّ الْخِلْقَةِ ، وَبِقَوْلِي : أَفْسَدْت فِرَاشَهُ أَيْ خَرَقْته أَوْ أَتْلَفْته ، وَبِقَوْلِي عَلَّقْت عَلَيْهِ أَوْلَادًا مِنْ غَيْرِهِ الْتَقَطْت أَوْلَادًا وَنَسَبْتهمْ إلَيْهِ ، وَالْمُخَنَّثِ أَنَّ فِيهِ طِبَاعَ التَّأْنِيثِ أَيْ التَّشَبُّهِ بِالنِّسَاءِ ، وَبِقَحْبَةٍ : أَنَّهَا تَتَصَنَّعُ لِلْفُجُورِ وَنَحْوِهِ ( قُبِلَ ) مِنْهُ ( وَعُزِّرَ ) لِارْتِكَابِهِ مَعْصِيَةً لَا حَدَّ فِيهَا

وَلَا كَفَّارَةَ كَمَا يُعَزَّرُ بِ ( قَوْلِهِ : يَا كَافِرُ يَا فَاسِقُ يَا فَاجِرُ يَا حِمَارُ يَا تَيْسُ يَا رَافِضِيُّ يَا خَبِيثَ الْبَطْنِ أَوْ ) يَا خَبِيثَ ( الْفَرْجِ يَا عَدُوَّ اللَّهِ يَا ظَالِمُ يَا كَذَّابُ يَا خَائِنُ يَا شَارِبَ الْخَمْرِ يَا مُخَنَّثُ ) نَصًّا ( يَا قَرْنَانُ يَا قَوَّادُ وَنَحْوُهُمَا يَا دَيُّوثُ يَا كَشْخَانُ يَا قْرْطُبَانُ ) قَالَ إبْرَاهِيمُ الْحَرْبِيُّ : الدَّيُّوثُ الَّذِي يُدْخِلُ الرِّجَالَ عَلَى امْرَأَتِهِ .
وَقَالَ ثَعْلَبٌ : الْقَرْطُبَانُ الَّذِي يَرْضَى أَنْ يَدْخُلَ الرِّجَالُ عَلَى نِسَائِهِ .
وَقَالَ : الْقَرْنَانُ وَالْكَشْخَانُ لَمْ أَرَهُمَا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَمَعْنَاهُمَا عِنْدَ الْعَامَّةِ مِثْلُ مَعْنَى الدَّيُّوثِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهُ وَالْقَوَّادُ عِنْدَ الْعَامَّةِ السِّمْسَارُ فِي الزِّنَا وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي الْحُكْمِ قَوْلُهُ يَا عِلْقُ .
وَعِنْدَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ أَنَّ قَوْلَهُ ( يَا عِلْقُ ) تَعْرِيضٌ ( وَ ) لَفْظُ ( مَأْبُونٍ كَمُخَنَّثٍ عُرْفًا ) .
وَفِي الْفُنُونِ : هُوَ لُغَةً الْعَيْبُ وَيَقُولُونَ : عُودٌ مَأْبُونٌ ، وَالِابْنُ : الْجُنُونُ ، وَالْأُبْنَةُ : الْعَيْبُ .
ذَكَرَهُ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي كِتَابِ الزَّاهِرِ فَإِنْ كَانَ لَهُ عُرْفٌ بَيْنَ النَّاسِ فِي الْفِعْلِ بِهِ أَوْ الْفِعْلِ مِنْهُ فَلَيْسَ بِصَرِيحٍ .
لِأَنَّ الْأُبْنَةَ الْمُشَارَ إلَيْهَا لَا تُعْطِي أَنَّهُ يَفْعَلُ بِمُقْتَضَاهَا إلَّا بِقَوْلٍ آخَرَ يَدُلُّ عَلَى الْفِعْلِ كَقَوْلِهِ لِلْمَرْأَةِ يَا شَبِقَةُ يَا مُغْتَلِمَةُ

( وَإِنْ قَذَفَ أَهْلَ بَلَدٍ ) عُزِّرَ أَوْ قَذَفَ ( جَمَاعَةً لَا يُتَصَوَّرُ الزِّنَا مِنْهُمْ عَادَةً ) عُزِّرَ .
لِأَنَّهُ لَا عَارَ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ لِلْقَطْعِ بِكَذِبِ الْقَاذِفِ ( أَوْ اخْتَلَفَا ) فِي أَمْرٍ ( فَقَالَ أَحَدُهُمَا : الْكَاذِبُ ابْنُ الزَّانِيَةِ عُزِّرَ وَلَا حَدَّ ) عَلَيْهِ نَصًّا لِعَدَمِ تَعَيُّنِ الْكَاذِبِ ( كَقَوْلِهِ : مَنْ رَمَانِي فَهُوَ ابْنُ الزَّانِيَةِ ) وَيُعَزَّرُ ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ : لَكِنْ يُتَوَجَّهُ أَنَّهُ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى تَحْرِيمِ غِيبَةِ أَهْلِ قَرْيَةٍ لَا أَحَدِ هَؤُلَاءِ أَوْ وَصَفَ رَجُلًا بِمَكْرُوهٍ لِمَنْ لَا يَعْرِفُهُ .
لِأَنَّهُ لَا يَتَأَذَّى غَيْرُ الْمُعَيَّنِ ، كَقَوْلِهِ فِي الْعَالَمِ مَنْ يَزْنِي وَنَحْوُهُ إلَّا أَنْ يُعْرَفَ بَعْدَ الْبَحْثِ

( وَمَنْ قَالَ لِمُكَلَّفٍ : اقْذِفْنِي فَقَذَفَهُ لَمْ يُحَدَّ لِأَنَّهُ ) أَيْ : الْحَدَّ ( حَقٌّ لَهُ ) أَيْ : الْمَقْذُوفِ وَقَدْ أَسْقَطَهُ بِالْإِذْنِ فِيهِ ( وَعُزِّرَ ) لِفِعْلِهِ مَعْصِيَةً

( وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ : يَا زَانِيَةُ قَالَتْ : بِكِ زَنَيْت سَقَطَ حَقُّهَا بِتَصْدِيقِهَا وَلَمْ تَقْذِفْهُ ) نَصًّا .
لِأَنَّ الْإِقْرَارَ بِالزِّنَا مُضَافًا إلَى مُعَيَّنٍ لَا يَكُونُ قَذْفًا لَهُ كَقَوْلِهِ : زَنَيْت بِفُلَانَةَ فَلَيْسَ قَذْفًا لَهَا ( وَيُحَدَّانِ ) أَيْ : الْمُتَكَلِّمَانِ ( فِي ) مَا إذَا قَالَ لِامْرَأَتِهِ ( زَنَى بِك فُلَانٌ ، قَالَتْ : بَلْ أَنْتَ زَنَى بِك أَوْ ) قَالَ لَهَا ( يَا زَانِيَةُ قَالَتْ ) لَهُ ( بَلْ أَنْتَ زَانٍ ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَذَفَ الْآخَرِ

( وَلَيْسَ لِوَلَدٍ مُحْصَنٍ ) ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى ( قُذِفَ مُطَالَبَةُ ) قَاذِفٍ بِالْحَدِّ ( مَا دَامَ ) الْمَقْذُوفُ ( حَيًّا ) لِوُجُودِ الْمُسْتَحِقِّ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ ، فَإِنْ وَكَّلَ الْمَقْذُوفُ وَلَدَهُ فِي الطَّلَبِ بِهِ جَازَ ( فَإِنْ مَاتَ ) مَقْذُوفٌ ( وَلَمْ يُطَالِبْ ) قَاذِفًا ( بِهِ ) أَيْ بِالْحَدِّ ( سَقَطَ ) كَالشَّفِيعِ إذَا مَاتَ قَبْلَ طَلَبِ الشُّفْعَةِ ( وَإِلَّا ) بِأَنْ طَالَبَ بِهِ مَقْذُوفٌ قَبْلَ مَوْتِهِ ( فَلَا ) يَسْقُطُ لِلْعِلْمِ بِقِيَامِهِ عَلَى حَقِّهِ فَيَقُومُ وَارِثُهُ مَقَامَهُ فِيهِ ( وَهُوَ ) أَيْ : حَدُّ الْقَذْفِ ( لِجَمِيعِ الْوَرَثَةِ ) حَتَّى الزَّوْجَيْنِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ ( فَلَوْ عَفَا بَعْضُهُمْ ) أَيْ : الْوَرَثَةِ ( حُدَّ لِلْبَاقِي ) مِنْ الْوَرَثَةِ الَّذِي لَمْ يَعْفُ ( كَامِلًا ) لِلُحُوقِ الْعَارِ بِكُلٍّ مِنْهُمْ عَلَى انْفِرَادِهِ .
وَلِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ لَا يَسْقُطُ إلَى بَدَلٍ فَلَا يَمْلِكُ أَحَدُهُمْ إسْقَاطَ حَقِّ غَيْرِهِ فَوَجَبَ لِمَنْ لَمْ يَعْفُ كَامِلًا كَمَا لَوْ اسْتَوْفَاهُ الْمَقْذُوفُ قَبْلَ مَوْتِهِ

( وَمَنْ قَذَفَ مَيِّتًا وَلَوْ ) كَانَ الْمَيِّتُ ( غَيْرَ مُحْصَنٍ حُدَّ ) قَاذِفٌ ( بِطَلَبِ وَارِثٍ مُحْصَنٍ خَاصَّةً ) لِأَنَّ الْحَقَّ فِيهِ يَثْبُتُ لِلْوَارِثِ لِمَا يَلْحَقُهُ مِنْ الْعَارِ فَاعْتُبِرَ إحْصَانُهُ كَمَا لَوْ كَانَ هُوَ الْمَقْذُوفَ لِمَشْرُوعِيَّةِ حَدِّ الْقَذْفِ لِلتَّشَفِّي بِسَبَبِ الطَّعْنِ وَالْفِرْيَةِ .
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْوَارِثُ مُحْصَنًا لَمْ يُحَدَّ قَاذِفٌ

( وَمَنْ قَذَفَ نَبِيًّا ) مِنْ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ كَفَرَ ( أَوْ ) قَذَفَ ( أُمَّهُ ) أَيْ أَمَّ نَبِيٍّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ( كَفَرَ وَقُتِلَ حَتَّى وَلَوْ تَابَ ) لِأَنَّ تَوْبَتَهُ لَا تُقْبَلُ ظَاهِرًا .
لِأَنَّ الْقَتْلَ هُنَا حَدُّ الْقَاذِفِ وَحَدُّ الْقَذْفِ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ .
قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ وَكَذَا لَوْ قَذَفَ نِسَاءً لِقَدْحِهِ فِي دِينِهِ ( أَوْ ) أَيْ : وَيُقْتَلُ قَاذِفُ نَبِيٍّ أَوْ أُمِّهِ وَلَوْ ( كَانَ كَافِرًا ) ذِمِّيًّا ( فَأَسْلَمَ ) بَعْدَ قَذْفِهِ .
لِأَنَّ الْقَتْلَ حَدُّ مَنْ قَذَفَ الْأَنْبِيَاءَ أَوْ أُمَّهَاتَهُمْ فَلَا يَسْقُطُ بِالْإِسْلَامِ كَقَذْفِ غَيْرِهِمْ ، بِخِلَافِ سَبٍّ بِغَيْرِ قَذْفٍ

( وَلَا يَكْفُرُ مَنْ قَذَفَ أَبَاهُ ) أَيْ أَبَا شَخْصٍ ( إلَى آدَمَ ) نَصًّا وَسَأَلَهُ حَرْبٌ : رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى رَجُلٍ فَقَالَ يَا ابْنَ كَذَا وَكَذَا إلَى آدَمَ وَحَوَّاءَ ؟ فَعَظَّمَهُ جِدًّا وَقَالَ عَنْ الْحَدِّ : لَمْ يَبْلُغْنِي فِيهِ شَيْء وَذَهَبَ إلَى حَدٍّ وَاحِدٍ

( وَمَنْ قَذَفَ جَمَاعَةً يُتَصَوَّرُ زِنَاهُمْ عَادَةً بِكَلِمَةٍ ) وَاحِدَةٍ كَقَوْلِهِ : هُمْ زُنَاةٌ ( فَطَالَبُوهُ ) كُلُّهُمْ ( أَوْ ) طَلَبَ ( أَحَدُهُمْ فَ ) عَلَيْهِ ( حَدٌّ ) وَاحِدٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً } وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ قَذْفِ وَاحِدٍ وَجَمَاعَةٍ وَلِأَنَّهُ قَذْفٌ وَاحِدٌ فَلَا يَجِبُ بِهِ أَكْثَرَ مِنْ حَدٍّ وَلِأَنَّ الْحَدَّ شُرِعَ لِإِزَالَةِ الْمَعَرَّةِ بِالْقَذْفِ عَنْ الْمَقْذُوفِ وَبِحَدٍّ وَاحِدٍ يَظْهَرُ كَذِبُ الْقَاذِفِ .
وَتَزُولُ الْمَعَرَّةُ بِخِلَافِ مَا لَوْ قَذَفَ كُلًّا مِنْهُمْ قَذْفًا مُفْرَدًا ، فَإِنْ كَذِبَهُ فِي قَذْفٍ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ كَذِبُهُ فِي قَذْفٍ آخَرَ ، وَالْحَقُّ إذَنْ يَثْبُتُ لَهُمْ عَلَى سَبِيلِ الْبَدَلِ فَأَيُّهُمْ طَلَبَهُ اسْتَوْفَى وَيَسْقُطُ عَنْهُ الْحَدُّ لِغَيْرِ الْمُسْتَوْفِي ، وَإِنْ أَسْقَطَهُ أَحَدُهُمْ فَلِغَيْرِهِ الطَّلَبُ ، لِأَنَّ الْمَعَرَّةُ لَمْ تَزُلْ عَنْهُ بِعَفْوِ صَاحِبِهِ .
( وَ ) إنْ قَذَفَهُمْ ( بِكَلِمَاتٍ ) بِأَنْ قَذَفَ كُلًّا بِكَلِمَةٍ أَيْ : جُمْلَةٍ ( فَ ) عَلَيْهِ ( لِكُلِّ وَاحِدٍ ) مِنْهُمْ ( حَدٌّ ) لِتَعَدُّدِ الْقَذْفِ وَتَعَدُّدِ مَحَلِّهِ كَمَا لَوْ قَذَفَ كُلًّا مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْذِفَ الْآخَرَ

( وَمَنْ حُدَّ لِقَذْفٍ ثُمَّ أَعَادَهُ ) أَيْ : الْقَذْفَ عُزِّرَ .
لِأَنَّهُ قَذْفٌ وَاحِدٌ حُدَّ لَهُ فَلَا يُعَادُ كَمَا لَوْ أَعَادَهُ قَبْلَ الْحَدِّ ( أَوْ ) أَعَادَ مُلَاعِنٌ الْقَذْفَ ( بَعْدَ لِعَانِهِ عُزِّرَ وَلَا ) يُعَادُ ( لِعَانٌ ) لِأَنَّهُ قَذْفٌ وَاحِدٌ لَاعَنَ عَلَيْهِ مَرَّةً كَمَا لَوْ أَعَادَهُ قَبْلَ اللِّعَانِ

( وَ ) إنْ قَذَفَهُ ( بِزِنًا آخَرَ ) غَيْرِ الَّذِي حُدَّ لَهُ ( حُدَّ مَعَ طُولِ الزَّمَنِ ) لِأَنَّهُ غَيْرُ الْأَوَّلِ وَحُرْمَةَ الْمَقْذُوفِ لَمْ تَسْقُطْ ( وَإِلَّا ) يَطُلْ الزَّمَنُ ( فَلَا ) يُعَادُ عَلَيْهِ الْحَدُّ

( وَمَنْ قَذَفَ مُقِرًّا بِزِنًا وَلَوْ ) أَقَرَّ بِهِ ( دُونَ أَرْبَعِ ) مَرَّاتٍ ( عُزِّرَ ) لِارْتِكَابِهِ مُحَرَّمًا وَلَا يُحَدُّ .
لِأَنَّ الْمَعَرَّةَ عَلَى الْمَقْذُوفِ بِإِقْرَارِهِ لَا بِالْقَذْفِ وَلَا يُشْتَرَطُ لِصِحَّةِ تَوْبَةٍ مِنْ قَذْفٍ وَغِيبَةٍ وَنَحْوِهِمَا إعْلَامُهُ وَالتَّحَلُّلُ مِنْهُ .
وَحَرَّمَهُ الْقَاضِي وَعَبْدُ الْقَادِرِ وَصَحَّحَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ : لَا يَجِبُ الِاعْتِرَافُ لَوْ سَأَلَهُ فَيُعَرِّضُ وَلَوْ مَعَ اسْتِحْلَافِهِ لِأَنَّهُ مَظْلُومٌ لِصِحَّةِ تَوْبَتِهِ وَمَنْ أَصْبَحَ فَتَصَدَّقَ بِعِرْضِهِ عَلَى النَّاسِ لَمْ يَمْلِكْهُ وَلَمْ يُبَحْ وَإِسْقَاطُ الْحَقِّ قَبْلَ وُجُودِ سَبَبِهِ لَا يَصِحُّ وَإِذْنُهُ فِي عَرْضِهِ كَإِذْنِهِ فِي قَذْفِهِ .
ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ تَوْجِيهًا لَهُ فِي الْأَخِيرَةِ .

بَابُ حَدِّ تَنَاوُلِ الْمُسْكِرِ وَهُوَ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ السُّكْرِ أَيْ : اخْتِلَافِ الْعَقْلِ ( كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ يَحْرُمُ شُرْبُ قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { إنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ } وَحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا { إنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ الْخَمْرَ فَمَنْ أَدْرَكَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ وَعِنْدَهُ شَيْءٌ فَلَا يَشْرَبْ وَلَا يَبِعْ فَاسْتَقْبَلَ النَّاسُ بِمَا كَانَ عِنْدَهُمْ مِنْهَا طُرُقَ الْمَدِينَةِ فَسَفَكُوهَا } رَوَاهُ مُسْلِمٌ مُخْتَصَرًا وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ الْخَمْرِ لَكِنْ اخْتَلَفُوا فِيمَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُهُ ( مُطْلَقًا ) أَيْ سَوَاءٌ كَانَتْ مِنْ الْعِنَبِ أَوْ الشَّعِيرِ أَوْ غَيْرِهِمَا لِحَدِيثِ { كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد .
عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا { كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ .
وَمَا أَسْكَرَ مِنْهُ الْفَرَقُ فَمِلْءُ الْكَفِّ مِنْهُ حَرَامٌ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَالْفَرَقُ بِالتَّحْرِيكِ مِكْيَالٌ يَسَعُ سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا ، وَتَقَدَّمَ .
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَصَحَّحَهُ .
وَعَنْ جَابِرٍ مِثْلُهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ .
وَعَنْ عُمَرَ " نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَهِيَ مِنْ الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ وَالْعَسَلِ وَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ .
وَالْخَمْرُ : مَا خَامَرَ الْعَقْلَ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

( وَلَوْ ) شَرِبَ الْمُسْكِرَ ( لِعَطَشٍ ) لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ لَا يَحْصُلُ بِهِ رِيٌّ ، بَلْ مَا فِيهِ مِنْ الْحَرَارَةِ يُزِيدُ الْعَطَشَ ( بِخِلَافِ مَا نَجَسَ ) فَيَجُوزُ شُرْبُهُ لِعَطَشٍ عِنْدَ عَدَمِ غَيْرِهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْبَرْدِ وَالرُّطُوبَةِ ، وَلَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ لِدَوَاءٍ وَتَقَدَّمَ

( إلَّا لِدَفْعِ لُقْمَةٍ غَصَّ بِهَا وَلَمْ يَجِدْ غَيْرَهُ ) أَيْ الْمُسْكِرِ ( وَخَافَ تَلَفًا ) فَيَجُوزُ لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ ( وَيُقَدَّمُ عَلَيْهِ ) أَيْ الْخَمْرِ فِي دَفْعِ لُقْمَةٍ غَصَّ بِهَا ( بَوْلٌ ) لِوُجُوبِ الْحَدِّ بِاسْتِعْمَالِ الْمُسْكِرِ دُونَ الْبَوْلِ ( وَ ) يُقَدَّمُ ( عَلَيْهِمَا ) أَيْ الْمُسْكِرِ وَالْبَوْلِ فِي ذَلِكَ ( مَاءٌ نَجِسٌ ) لِأَنَّ أَصْلُهُ مَطْعُومٌ بِخِلَافِ الْبَوْلِ

( فَإِذَا شَرِبَهُ ) أَيْ الْمُسْكِرَ ( أَوْ ) شَرِبَ ( مَا خُلِطَ بِهِ ) أَيْ الْمُسْكِرِ ( وَلَمْ يُسْتَهْلَكْ ) الْمُسْكِرُ ( فِيهِ ) أَيْ : الْمَاءِ حُدَّ ، فَإِنْ اُسْتُهْلِكَ فِي الْمَاءِ فَلَا حَدَّ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْلُبْ عَنْ الْمَاءِ اسْمَهُ ( أَوْ اسْتَعَطَ ) بِمُسْكِرٍ ( أَوْ احْتَقَنَ بِهِ أَوْ أَكَلَ عَجِينًا لُتَّ بِهِ ) أَيْ الْمُسْكِرِ لَا إنْ خُبِزَ فَأَكَلَهُ ( مُسْلِمٌ مُكَلَّفٌ ) لَا صَغِيرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ( عَالِمًا أَنَّ كَثِيرَهُ يُسْكِرُ ، وَيَصْدُقُ إنْ قَالَ : لَمْ أَعْلَمْ ) أَنَّ كَثِيرَهُ يُسْكِرُ ( مُخْتَارًا ) لِشُرْبِهِ فَإِنْ أُكْرِهَ عَلَيْهِ لَمْ يُحَدَّ ( لِحِلِّهِ ) أَيْ : الْمُسْكِرِ ( لِمُكْرَهٍ ) عَلَى شُرْبِهِ بِإِلْجَاءٍ أَوْ وَعِيدٍ مِنْ قَادِرٍ لِحَدِيثِ { عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنْ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ } ( وَصَبْرُهُ ) أَيْ : الْمُكْرَهِ عَلَى شُرْبِ مُسْكِرٍ ( عَلَى الْأَذَى أَفْضَلُ ) مِنْ شُرْبِهَا مُكْرَهًا نَصًّا ، وَكَذَا كُلُّ مَا جَازَ لِمُكْرَهٍ .
ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَإِنْ أُكْرِهَ بِالْقَتْلِ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْفِعْلُ وَلَمْ يَجُزْ لَهُ التَّخَلُّفُ لِأَنَّهُ إلْقَاءٌ بِنَفْسِهِ إلَى التَّهْلُكَةِ

( أَوْ وُجِدَ ) مُسْلِمٌ مُكَلَّفٌ ( سَكْرَانَ أَوْ تَقَايَأَهُ ) أَيْ الْخَمْرَ مُسْلِمٌ مُكَلَّفٌ ( حُدَّ ) لِأَنَّهُ لَمْ يَسْكَرْ أَوْ يَتَقَيَّؤُهَا إلَّا وَقَدْ شَرِبَهَا ( حُرٌّ ) وُجِدَ مِنْهُ شَيْء مِمَّا تَقَدَّمَ ( ثَمَانِينَ ) جَلْدَةً لِمَا رَوَى الْجُوزَجَانِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُمَا : أَنَّ عُمَرَ اسْتَشَارَ النَّاسَ فِي حَدِّ الْخَمْرِ : فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ : اجْعَلْهُ كَأَخَفِّ الْحُدُودِ ثَمَانِينَ فَضَرَبَ عُمَرُ ثَمَانِينَ وَكَتَبَ بِهِ إلَى خَالِدٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ بِالشَّامِ .
وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ : فِي الْمَشُورَةِ : أَنَّهُ إذَا سَكِرَ هَذَى وَإِذَا هَذَى افْتَرَى فَحُدُّوهُ حَدَّ الْمُفْتَرِي .
( وَ ) حَدُّ ( رَقِيقٍ ) فِيمَا تَقَدَّمَ ( نِصْفُهَا ) أَيْ : أَرْبَعِينَ جَلْدَةً ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى وَلَوْ مُكَاتَبًا أَوْ مُدَبَّرًا أَوْ أَمَّ وَلَدٍ

( وَلَوْ ادَّعَى ) شَارِبٌ وَنَحْوُهُ حُرًّا كَانَ أَوْ قِنًّا ( جَهْلَ وُجُوبِ الْحَدِّ ) حَيْثُ عَلِمَ التَّحْرِيمَ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الزِّنَا

( وَيُعَزَّرُ مَنْ وُجِدَ مِنْهُ رَائِحَتُهَا ) أَيْ الْخَمْرِ وَلَا يُحَدُّ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ تَمَضْمَضَ بِهَا أَوْ ظَنَّهَا مَاءً فَلَمَّا صَارَتْ فِيهِ مَجَّهَا وَنَحْوَهُ ( أَوْ ) أَيْ وَيُعَزَّرُ مَنْ ( حَضَرَ شُرْبَهَا ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَرْفُوعًا { لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إلَيْهِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد

وَ ( لَا ) يُحَدُّ وَلَا يُعَزَّرُ ( شَارِبُ ) خَمْرٍ ( جَهِلَ التَّحْرِيمَ ) أَيْ : تَحْرِيمَ الْخَمْرِ ؛ لِقَوْلِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ : لَا حَدَّ إلَّا عَلَى مَنْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ ، وَلِأَنَّهُ يُشْبِهُ مَنْ شَرِبَهَا غَيْرَ عَالِمٍ أَنَّهَا خَمْرٌ ( وَلَا تُقْبَلُ دَعْوَى الْجَهْلِ ) بِالتَّحْرِيمِ ( مِمَّنْ نَشَأَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ ) لِأَنَّهُ لَا يَكَادُ يَخْفَى ، بِخِلَافِ حَدِيثِ عَهْدٍ بِإِسْلَامٍ وَنَاشِئٍ بِبَادِيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ الْإِسْلَامِ فَيُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ صِدْقِهِ

( وَلَا حَدَّ عَلَى كَافِرٍ ) وَلَوْ ذِمِّيًّا ( لِشُرْبِ ) خَمْرٍ لِاعْتِقَادِهِ حِلَّهُ كَنِكَاحِ مَجُوسِيٍّ ذَاتَ مَحْرَمِهِ

( وَيَثْبُتُ ) شُرْبُ مُسْكِرٍ ( بِإِقْرَارٍ ) بِهِ ( مَرَّةً كَقَذْفٍ ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا لَا يَتَضَمَّنُ إتْلَافًا بِخِلَافِ زِنًا وَسَرِقَةٍ ( أَوْ ) بِ ( شَهَادَةِ عَدْلَيْنِ ) عَلَى الشُّرْبِ أَوْ الْإِقْرَارِ بِهِ ( وَلَوْ لَمْ يَقُولَا ) شَرِبَ ( مُخْتَارًا عَالِمًا ) بِ ( تَحْرِيمِهِ ) لِأَنَّهُ الْأَصْلُ وَتَقَدَّمَ وَيُقْبَلُ رُجُوعُ مُقِرٍّ بِهِ فَلَا يُحَدَّ

( وَيَحْرُمُ عَصِيرُ ) عِنَبٍ أَوْ قَصَبٍ أَوْ رَكَانِ أَوْ غَيْرُهُ ( غَلَى ) كَغَلَيَانِ الْقِدْرِ بِأَنْ قَذَفَ بِزَبَدِهِ نَصًّا وَظَاهِرُهُ ، وَلَوْ لَمْ يُسْكِرْ لِأَنَّ عِلَّةَ التَّحْرِيمِ الشِّدَّةُ الْحَادِثَةُ فِيهِ وَهِيَ تُوجَدُ بِوُجُودِ الْغَلَيَانِ .
وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ { عَلِمْت أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَصُومُ فَتَحَيَّنْت فِطْرَهُ بِنَبِيذٍ صَنَعْته فِي دُبَّاءَ ثُمَّ أَتَيْته بِهِ فَإِذَا هُوَ يَنُشُّ .
فَقَالَ : اضْرِبْ بِهَذَا الْحَائِطَ فَإِنَّ هَذَا شَرَابُ مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ ( أَوْ ) أَيْ وَيَحْرُمُ عَصِيرٌ ( أَتَى عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهِنَّ ) وَإِنْ لَمْ يَغْلِ نَصًّا .
لِحَدِيثِ { اشْرَبُوا الْعَصِيرَ ثَلَاثًا مَا لَمْ يَغْلِ } رَوَاهُ الشَّالَنْجِيُّ .
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ فِي الْعَصِيرِ : اشْرَبْهُ مَا لَمْ يَأْخُذْهُ شَيْطَانُهُ ، قِيلَ : وَفِي كَمْ يَأْخُذُهُ شَيْطَانُهُ ؟ .
قَالَ فِي ثَلَاثَةٍ حَكَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ وَلِحُصُولِ الشِّدَّةِ فِي الثَّلَاثِ غَالِبًا وَهِيَ خَفِيَّةٌ تَحْتَاجُ لِضَابِطٍ ، وَالثَّلَاثُ تَصْلُحُ لِذَلِكَ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهَا بِهَا ( وَإِنْ طُبِخَ ) عَصِيرٌ ( قَبْلَ تَحْرِيمٍ ) أَيْ : قَبْلَ غَلَيَانِهِ وَإِتْيَانِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهِنَّ عَلَيْهِ ( حَلَّ إنْ ذَهَبَ ) بِطَبْخِهِ ( ثُلُثَاهُ ) فَأَكْثَرَ نَصًّا ، وَذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ لِأَنَّ أَبَا مُوسَى كَانَ يَشْرَبُ مِنْ الطِّلَاءِ مَا ذَهَبَ ثُلُثَاهُ وَبَقِيَ ثُلُثُهُ .
رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَلَهُ مِثْلُهُ عَنْ عُمَرَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ ، وَلِذَهَابِ أَكْثَرَ رُطُوبَتِهِ فَلَا يَكَادُ يَغْلِي فَلَا تَحْصُلُ فِيهِ الشِّدَّةُ ، بَلْ يَصِيرُ كَالرُّبِّ ( وَوَضْعُ زَبِيبٍ فِي خَرْدَلٍ كَعَصِيرٍ ) فَيَحْرُمُ إنْ غَلَى أَوْ أَتَى عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهِنَّ ( وَإِنْ صُبَّ عَلَيْهِ ) أَيْ زَبِيبٍ فِي خَرْدَلٍ ( خَلٌّ أُكِلَ ) نَصًّا وَلَوْ بَعْدَ ثَلَاثٍ لِأَنَّ الْخَلَّ يَمْنَعُ غَلَيَانُهُ

( وَيُكْرَهُ الْخَلِيطَانِ كَنَبِيذِ تَمْرٍ مَعَ زَبِيبٍ ) أَوْ بُسْرٍ مَعَ تَمْرٍ أَوْ رُطَبٍ ( وَكَذَا ) نَبِيذٌ ( مُذَنِّبٌ ) أَيْ : مَا نِصْفُهُ بُسْرٌ وَنِصْفُهُ رُطَبٌ ( وَحْدَهُ ) لِأَنَّهُ بُسْرٌ وَرُطَبٌ لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا { نَهَى أَنْ يُنْبَذَ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ جَمِيعًا ، وَنَهَى أَنْ يُنْبَذَ الرُّطَبُ وَالْبُسْرُ جَمِيعًا } رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا التِّرْمِذِيَّ .
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ { نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَخْلِطَ بُسْرًا بِتَمْرٍ وَزَبِيبًا بِتَمْرٍ أَوْ زَبِيبًا بِبُسْرٍ .
وَقَالَ مَنْ شَرِبَهُ مِنْكُمْ فَلْيَشْرَبْهُ زَبِيبًا فَرْدًا أَوْ تَمْرًا فَرْدًا أَوْ بُسْرًا فَرْدًا } رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ .
وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ { كُنَّا نَنْبِذُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سِقَاءٍ فَنَأْخُذُ قَبْضَةً مِنْ تَمْرٍ وَقَبْضَةً مِنْ زَبِيبٍ فَنَطْرَحُهُمَا فِيهِ وَنَصُبُّ عَلَيْهِ الْمَاءَ فَنَنْبِذُهُ غَدْوَةً فَيَشْرَبُهُ عَشِيَّةً وَنَنْبِذُهُ عَشِيَّةً فَيَشْرَبُهُ غَدْوَةً } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ قَالَ فِي شَرْحِهِ : فَمَحْمُولٌ عَلَى نَسْخِهِ لِعَدَمِ إمْكَانِ الْجَمْعِ بِغَيْرِ ذَلِكَ .
انْتَهَى .
وَفِيهِ نَظَرٌ ، إذْ شَرْطُ النَّسْخِ عِلْمُ التَّارِيخِ وَ ( لَا ) يُكْرَهُ ( وَضْعُ تَمْرٍ ) وَحْدَهُ ( أَوْ ) وَضْعُ ( زَبِيبٍ ) وَحْدَهُ ( أَوْ ) وَضْعُ ( نَحْوَهُمَا ) كَمِشْمِشٍ أَوْ عُنَّابٍ وَحْدَهُ ( فِي مَاءٍ لِتَحْلِيَتِهِ ) أَيْ : الْمَاءِ لِمَا تَقَدَّمَ ( مَا لَمْ يَشْتَدَّ ) أَيْ يَفْعَلْ ( أَوْ تَتِمَّ لَهُ ثَلَاثُ ) لَيَالٍ بِأَيَّامِهَا لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ { أَنَّهُ كَانَ يُنْقَعُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزَّبِيبُ فَيَشْرَبُهُ الْيَوْمَ وَالْغَدَ بَعْدَ الْغَدِ إلَى مَسَاءِ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ ثُمَّ يُؤْمَرُ بِهِ فَيُسْقَى ذَلِكَ الْخَدَمَ أَوْ يُهْرَاقُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ

( وَلَا ) يُكْرَهُ ( فُقَاعٌ ) حَيْثُ لَمْ يَشْتَدَّ وَلَمْ يَغْلِ ، لِأَنَّهُ نَبِيذٌ يُتَّخَذُ لِهَضْمِ الطَّعَامِ وَصِدْقِ الشَّهْوَةِ ، لَا لِلْإِسْكَارِ وَمِثْلُهُ الْأَقْسِمَاءُ إذَا كَانَ مِنْ زَبِيبٍ وَحْدَهُ مَا لَمْ يَغْلِ أَوْ تَأْتِ عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ بِلَيَالِيِهَا ( وَلَا ) يُكْرَهُ ( انْتِبَاذٌ فِي دُبَّاءَ ) بِضَمِّ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ ، أَيْ : الْقَرْعَةِ ( وَ ) لَا فِي ( حَنْتَمٍ ) أَيْ جِرَارٍ خُضْرٍ ( وَ ) لَا فِي ( مُقَيَّرٍ ) أَيْ : مَا حُفِرَ مِنْ خَشَبٍ كَقَصْعَةٍ وَقَدَحٍ ( وَ ) لَا فِي ( مُزَفَّتٍ ) أَيْ : مُلَطَّخٍ بِالزِّفْتِ لِحَدِيثِ بُرَيْدَةَ مَرْفُوعًا { كُنْت نَهَيْتُكُمْ عَنْ الْأَشْرِبَةِ إلَّا فِي ظُرُوفِ الْأُدْمِ فَاشْرَبُوا فِي كُلِّ وِعَاءٍ غَيْرَ أَنْ لَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا ( وَإِنْ غَلَى عِنَبٌ وَهُوَ عِنَبٌ ) بِلَا عَصْرٍ ( فَلَا بَأْسَ بِهِ ) نَصًّا وَمِثْلُهُ بِطِّيخٌ وَنَحْوُهُ ، وَإِنْ اسْتَحَالَ خَمْرًا حَرُمَ وَتَنَجَّسَ

( وَمَنْ تَشَبَّهَ بِالشُّرَّابِ ) بِضَمِّ الشِّينِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ جَمْعُ شَارِبٍ أَيْ : لِلْخَمْرِ ( فِي مَجْلِسِهِ وَآنِيَتِهِ ، وَحَاضَرَ مَنْ حَاضَرَهُ بِمَجَالِسِ الشُّرَّابِ ، حَرُمَ وَعُزِّرَ قَالَهُ فِي الرِّعَايَةِ ) وَلَوْ كَانَ الْمَشْرُوبُ لَبَنًا وَهَذَا مَنْشَأُ مَا وَقَعَ فِي قَهْوَةِ الْبُنِّ حَيْثُ اسْتَنَدَ إلَيْهِ مَنْ أَفْتَى بِتَحْرِيمِهَا ، وَلَا يَخْفَاك أَنَّ الْمُحَرَّمَ التَّشَبُّهُ لَا ذَاتُهَا حَيْثُ لَا دَلِيلَ يَخُصُّهُ لِعَدَمِ إسْكَارِهَا كَمَا هُوَ مَحْسُوسٌ

بَابُ التَّعْزِيرِ ( وَهُوَ ) لُغَةً الْمَنْعُ وَمِنْهُ التَّعْزِيرُ بِمَعْنَى النُّصْرَةِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ } لِمَنْعِ النَّاصِرِ الْمُعَادِي وَالْمُعَانِدِ لِمَنْ يَنْصُرُهُ ، وَاصْطِلَاحًا : ( التَّأْدِيبُ ) لِأَنَّهُ يَمْنَعُ مِمَّا لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ ( وَيَجِبُ ) التَّعْزِيرُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ نَصَّ عَلَيْهِ فِي سَبِّ صَحَابِيٍّ وَكَحَدٍّ وَكَحَقِّ آدَمِيٍّ طَلَبَهُ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الرَّدِّ عَلَى الرَّافِضِيِّ : لَا نِزَاعَ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ كَالصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ يُعَاقَبُ عَلَى الْفَاحِشَةِ تَعْزِيرًا بَلِيغًا ( فِي كُلِّ مَعْصِيَةٍ لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ كَمُبَاشَرَةٍ دُونَ الْفَرْجِ وَ ) إتْيَانِ ( امْرَأَةٍ امْرَأَةً وَسَرِقَةٍ لَا قَطْعَ فِيهَا ) لِفَقْدِ حِرْزٍ وَنَقْصِ نِصَابٍ وَنَحْوِهِ ( وَجِنَايَةٍ لَا قَوَدَ فِيهَا ) كَصَفْعٍ وَوَكْزٍ أَيْ : الدَّفْعِ وَالضَّرْبِ بِجَمْعِ الْكَفِّ ( وَكَقَذْفِ غَيْرِ وَلَدٍ بِغَيْرِ زِنًا ) وَلِوَاطٍ كَقَوْلِهِ : يَا فَاسِقُ وَنَحْوُهُ يَا شَاهِدَ زُورٍ ( وَكَلَعْنِهِ وَلَيْسَ لِمَنْ لُعِنَ رَدُّهَا ) عَلَى مَنْ لَعَنَهُ ( وَكَدُعَاءٍ عَلَيْهِ وَشَتْمِهِ بِغَيْرِ فِرْيَةٍ ) فَإِنْ شَتَمَهُ بِالْفِرْيَةِ أَيْ : الْقَذْفِ بِصَرِيحِ الزِّنَا أَوْ اللِّوَاطِ حُدَّ ( وَكَذَا ) قَوْلُهُ لِغَيْرِ وَلَدِهِ ( اللَّهُ أَكْبَرُ عَلَيْك وَنَحْوُ ذَلِكَ ) كَقَوْلِهِ ( خَصْمُك اللَّهُ ) وَكَذَا تَرْكُ الْوَاجِبَاتِ ( قَالَ بَعْضُ الْأَصْحَابِ ) أَيْ : الْقَاضِي وَمَنْ تَبِعَهُ إلَّا إذَا شَتَمَ نَفْسَهُ ( أَوْ سَبَّهَا ) فَلَا يُعَزَّرُ ، فَإِنْ كَانَ فِي الْمَعْصِيَةِ حَدٌّ كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ كَالظِّهَارِ وَالْإِيلَاءِ فَلَا تَعْزِيرَ

( وَلَا يُحْتَاجُ ) فِي إقَامَةِ تَعْزِيرٍ ( إلَى مُطَالَبَةٍ ) لِأَنَّهُ مَشْرُوعٌ لِلتَّأْدِيبِ ( فَيُعَزَّرُ مَنْ سَبَّ صَحَابِيًّا وَلَوْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ وَلَمْ يُطَالِبْ ) بِالتَّعْزِيرِ ، وَفِي سُقُوطِهِ بِعَفْوِ مَجْنِيٍّ عَلَيْهِ خِلَافٌ .
فَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ وَيَسْقُطُ بِعَفْوِ آدَمِيٍّ حَقُّهُ وَحَقُّ السَّلْطَنَةِ وَفِيهِ احْتِمَالٌ لَا لِلتَّهْذِيبِ وَالتَّقْوِيمِ .
وَفِي الِانْتِصَارِ فِي قَذْفِ مُسْلِمٍ كَافِرًا التَّعْزِيرُ لِلَّهِ فَلَا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِهِ

( وَيُعَزَّرُ بِعِشْرِينَ سَوْطًا بِشُرْبِ مُسْكِرٍ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ مَعَ الْحَدِّ ) لِمَا رَوَى أَحْمَدُ أَنَّ عَلِيًّا أَتَى بِالنَّجَاشِيِّ قَدْ شَرِبَ خَمْرًا فِي رَمَضَانَ فَجَلَدَهُ ثَمَانِينَ الْحَدَّ وَعِشْرِينَ سَوْطًا لِفِطْرِهِ فِي رَمَضَانَ ( وَمَنْ وَطِئَ أَمَةَ امْرَأَتِهِ حُدَّ مَا لَمْ تَكُنْ أَحَلَّتْهَا لَهُ فَيُجْلَدُ مِائَةً إنْ عَلِمَ التَّحْرِيمَ فِيهِمَا ) أَيْ : فِيمَا إذَا شَرِبَ مُسْكِرًا فِي نَهَارِ رَمَضَانَ أَوْ وَطِئَ أَمَةَ امْرَأَتِهِ الَّتِي أَحَلَّتْهَا لَهُ لِحَدِيثِ أَبِي دَاوُد عَنْ حَبِيبِ بْنِ سَالِمٍ " أَنَّ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَبِيبٍ وَقَعَ عَلَى جَارِيَةِ امْرَأَتِهِ فَرُفِعَ إلَى النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ وَهُوَ أَمِيرٌ عَلَى الْكُوفَةِ فَقَالَ : لَأَقْضِيَنَّ فِيكَ بِقَضِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنْ كَانَتْ أَحَلَّتْهَا لَكَ جَلَدْتُك مِائَةً ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ أَحَلَّتْهَا لَكَ رَجَمْتُك بِالْحِجَارَةِ فَوَجَدُوهَا أَحَلَّتْهَا فَجَلَدَهُ مِائَةً " ( وَإِنْ وَلَدَتْ مِنْهُ لَمْ يَلْحَقْهُ نَسَبُهُ ) لِانْتِفَاءِ الْمِلْكِ وَالشُّبْهَةِ ( وَلَا يَسْقُطُ حَدٌّ بِإِبَاحَةٍ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ) أَيْ : مَا إذَا أَحَلَّتْ امْرَأَةٌ أَمَتَهَا لِزَوْجِهَا

( وَمَنْ وَطِئَ أَمَةً لَهُ فِيهَا شِرْكٌ عُزِّرَ بِمِائَةٍ ) سَوْطٍ ( إلَّا سَوْطًا ) نَصًّا لِيَنْقُصَ عَنْ حَدِّ الزِّنَا ( وَلَهُ ) أَيْ : الْحَاكِمِ ( نَقْصُهُ ) أَيْ : التَّعْزِيرِ فِيمَا سَبَقَ بِحَسَبِ اجْتِهَادِهِ ( وَلَا يُزَادُ فِي ) جَلْدِ ( تَعْزِيرٍ عَلَى عَشْرِ ) جَلْدَاتٍ ( فِي غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ ) نَصًّا لِحَدِيثِ أَبِي بُرْدَةَ مَرْفُوعًا { لَا يُجْلَدُ أَحَدٌ فَوْقَ عَشَرَةِ أَسْوَاطٍ إلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلِلْحَاكِمِ نَقْصُهُ عَنْ الْعَشَرَةِ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدَّرَ أَكْثَرَهُ وَلَمْ يُقَدِّرْ أَقَلَّهُ فَيُرْجَعُ فِيهِ إلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ بِحَسَبِ حَالِ الشَّخْصِ وَيُشْهَرُ لِمَصْلَحَةٍ نَقَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ فِي شَاهِدِ زُورٍ وَيَكُونُ التَّعْزِيرُ أَيْضًا بِالْحَبْسِ وَالصَّفْعِ وَالتَّوْبِيخِ وَالْعَزْلِ عَنْ الْوِلَايَةِ وَإِقَامَتِهِ مِنْ الْمَجْلِسِ حَسْبَمَا يَرَاهُ الْحَاكِمُ وَيَصْلُبُهُ حَيًّا وَلَا يُمْتَنَعُ مِنْ أَكْلٍ وَوُضُوءٍ وَيُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ وَلَا يُعِيدُ .
وَفِي الْفُنُونِ لِلسُّلْطَانِ سُلُوكُ السِّيَاسَةِ وَهُوَ الْحَزْمُ عِنْدَنَا وَلَا تَقِفُ السِّيَاسَةُ عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ الشَّرْعُ

( وَيُحَرَّمُ تَعْزِيرٌ بِحَلْقِ لِحْيَةٍ وَقَطْعِ طَرَفٍ وَجَرْحٍ ) لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ ( وَ ) يُحَرَّمُ تَعْزِيرٌ ( بِأَخْذِ مَالٍ أَوْ إتْلَافِهِ ) لِأَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَرِدْ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ عَمَّنْ يُقْتَدَى بِهِ وَ ( لَا ) يُحَرَّمُ تَعْزِيرٌ ( بِتَسْوِيدِ وَجْهٍ وَلَا بِأَنْ يُنَادَى عَلَيْهِ بِذَنْبِهِ وَيُطَافَ بِهِ مَعَ ضَرْبِهِ ) قَالَ أَحْمَدُ فِي شَاهِدِ الزُّورِ فِيهِ ، عَنْ عُمَرَ يُضْرَبُ ظَهْرُهُ وَيُحْلَقُ رَأْسُهُ وَيُسَخَّمُ وَجْهُهُ وَيُطَافُ بِهِ وَيُطَالُ حَبْسُهُ

( وَمَنْ قَالَ لِذِمِّيٍّ يَا حَاجُّ ) أُدِّبَ لِمَا فِيهِ مِنْ تَشْبِيهِهِمْ فِي قَصْدِ كَنَائِسِهِمْ بِقُصَّادِ بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ وَفِيهِ تَعْظِيمٌ لِذَلِكَ ( أَوْ لَعَنَهُ مِنْ غَيْرِ مُوجِبٍ أُدِّبَ ) قَالَ فِي الْفُرُوعِ أَدَبًا خَفِيفًا لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَلْعَنَهُ إلَّا إنْ صَدَرَ مِنْهُ مَا يَقْتَضِي ذَلِكَ

( وَمَنْ عُرِفَ بِأَذَى النَّاسِ حَتَّى بِعَيْنِهِ حُبِسَ حَتَّى يَمُوتَ أَوْ يَتُوبَ ) .
وَفِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ لِلْوَالِي فِعْلُهُ لَا لِلْقَاضِي وَنَفَقَتُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ لِيَدْفَعَ ضَرَرَهُ قَالَ

( الْمُنَقِّحُ : لَا يَبْعُدُ أَنْ يَقْتُلَ الْعَائِنَ إذَا كَانَ يَقْتُلُ بِعَيْنِهِ غَالِبًا ، وَأَمَّا مَا يُتْلِفُهُ فَيَغْرَمُهُ انْتَهَى ) .
وَفِي شَرْحِ مَنَازِلِ السَّائِرِينَ لِابْنِ الْقَيِّمِ إنْ كَانَ ذَلِكَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ بَلْ غَلَبَ عَلَى نَفْسِهِ لَمْ يَقْتَصَّ مِنْهُ وَعَلَيْهِ الدِّيَةُ وَإِنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ وَقَدَرَ عَلَى رَدِّهِ ، وَعَلِمَ أَنَّهُ يَقْتُلُ بِهِ سَاغَ لِلْوَالِي أَنْ يَقْتُلَهُ بِمِثْلِ مَا قَتَلَهُ بِهِ فَيُعِينُهُ إنْ شَاءَ كَمَا أَعَانَ هُوَ الْمَقْتُولَ وَأَمَّا قَتْلُهُ بِالسَّيْفِ قِصَاصًا فَلَا ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ مِمَّا يَقْتُلُ غَالِبًا وَلَا هُوَ مُمَاثِلٌ لِلْجِنَايَةِ وَفُرِّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّاحِرِ مِنْ وَجْهَيْنِ ، قَالَ وَسَأَلْت شَيْخَنَا عَنْ الْقَتْلِ بِالْحَالِ هَلْ يُوجِبُ الْقِصَاصَ فَقَالَ لِلْوَلِيِّ أَنْ يَقْتُلَهُ بِالْحَالِ كَمَا قَتَلَ بِهِ

( وَمَنْ اسْتَمْنَى مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ لِغَيْرِ حَاجَةٍ حَرُمَ ) فِعْلُهُ ذَلِكَ ( وَعُزِّرَ ) عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ ( وَإِنْ فَعَلَهُ خَوْفًا مِنْ الزِّنَا ) أَوْ اللِّوَاطِ ( فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ ) كَمَا لَوْ فَعَلَهُ خَوْفًا عَلَى بَدَنِهِ بَلْ أَوْلَى ( فَلَا يُبَاحُ ) الِاسْتِمْنَاءُ لِرَجُلٍ بِيَدِهِ ( إلَّا إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى نِكَاحٍ وَلَوْ لِأَمَةٍ ) لِأَنَّهُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى ذَلِكَ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ وَقِيَاسُهُ الْمَرْأَةُ فَلَا يُبَاحُ لَهَا إلَّا إذَا لَمْ يَرْغَبْ أَحَدٌ فِي نِكَاحِهَا

( وَلَوْ اُضْطُرَّ إلَى جِمَاعٍ وَلَيْسَ مَنْ يُبَاحُ وَطْؤُهَا ) مِنْ زَوْجَةٍ أَوْ أَمَةٍ ( حُرِّمَ الْوَطْءُ ) بِخِلَافِ أَكْلِهِ فِي الْمَخْمَصَةِ مَا لَا يُبَاحُ فِي غَيْرِهَا لِأَنَّ الْحَيَاةَ لَا تَبْقَى مَعَ عَدَمِ الْأَكْلِ بِخِلَافِ الْوَطْءِ فَإِبَاحَةُ الْفَرْجِ بِالْعَقْدِ دُونَ الضَّرُورَةِ وَإِبَاحَةُ الْمَيْتَةِ بِالضَّرُورَةِ دُونَ الْعَقْدِ .
.

بَابُ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ أَجْمَعُوا عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا } .
الْآيَةَ وَحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا { تُقْطَعُ الْيَدُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا } إلَى غَيْرِهِ مِنْ الْأَخْبَارِ ( وَشُرُوطُهُ ) أَيْ الْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ ( ثَمَانِيَةٌ أَحَدُهَا السَّرِقَةُ ) لِأَنَّهُ تَعَالَى أَوْجَبَ الْقَطْعَ عَلَى السَّارِقِ فَإِذَا لَمْ تُوجَدْ السَّرِقَةُ لَمْ يَكُنْ الْفَاعِلُ سَارِقًا ( وَهِيَ ) أَيْ السَّرِقَةُ ( أَخَذُ مَالٍ مُحْتَرَمٍ لِغَيْرِهِ ) أَيْ : السَّارِقِ ( عَلَى وَجْهِ الِاخْتِفَاءِ مِنْ مَالِكِهِ أَوْ ) مِنْ ( نَائِبِهِ ) أَيْ : الْمَالِكِ مَأْخُوذَةٌ مِنْ اسْتِرَاقِ السَّمْعِ وَمُسَارَقَةِ النَّظَرِ إذَا اسْتَخْفَى بِذَلِكَ ( فَيُقْطَعُ الطَّرَّارُ ) مِنْ الطَّرِّ بِفَتْحِ الطَّاءِ أَيْ : الْقَطْعِ ( وَهُوَ مَنْ بَطَّ ) أَيْ شَقَّ ( جَيْبًا أَوْ كُمًّا أَوْ غَيْرَهُمَا ) كَصُفْنٍ بِالْفَاءِ شَيْءٌ مِنْ جِلْدَةٍ ( وَيَأْخُذُ مِنْهُ ) نِصَابًا ( أَوْ ) يَأْخُذُ ( بَعْدَ سُقُوطِهِ ) مِنْ نَحْوِ جَيْبٍ ( نِصَابًا ) لِأَنَّهُ سَرِقَةٌ مِنْ حِرْزٍ

( وَكَذَا ) يُقْطَعُ ( جَاحِدُ عَارِيَّةٍ ) يُمْكِنُ إخْفَاؤُهَا ( قِيمَتُهَا نِصَابٌ ) لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ { كَانَتْ مَخْزُومِيَّةٌ تَسْتَعِيرُ الْمَتَاعَ وَتَجْحَدُهُ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَطْعِ يَدِهَا } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَعَنْ عَائِشَةَ مِثْلُهُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مُطَوَّلًا قَالَ أَحْمَدُ لَا أَعْرِفُ شَيْئًا يَدْفَعُهُ .
وَفِي رِوَايَةِ الْمَيْمُونِيِّ هُوَ حُكْمٌ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ يَدْفَعُهُ شَيْء

وَ ( لَا ) يُقْطَعُ جَاحِدُ ( وَدِيعَةٍ وَلَا ) يُقْطَعُ ( مُنْتَهِبٌ ) يَأْخُذُ الْمَالَ عَلَى وَجْهِ الْغَنِيمَةِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ مَرْفُوعًا { لَيْسَ عَلَى الْمُنْتَهِبِ قَطْعٌ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد ( وَ ) لَا ( مُخْتَلِسٌ ) يَخْتَلِسُ الشَّيْءُ وَيَمُرُّ بِهِ ( وَ ) لَا ( غَاصِبٌ وَ ) لَا ( خَائِنٌ ) يُؤْتَمَنُ عَلَى شَيْء فَيُخْفِيهِ أَوْ بَعْضَهُ أَوْ يَجْحَدُهُ ، مِنْ التَّخَوُّنِ وَهُوَ التَّنْقِيصُ لِحَدِيثِ { لَيْسَ عَلَى الْخَائِنِ وَالْمُخْتَلِسِ قَطْعٌ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ لَمْ يَسْمَعْهُ ابْنُ جُرَيْجٍ مِنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ أَبُو دَاوُد بَلَغَنِي عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ إنَّمَا سَمِعَهُ مِنْ يَاسِينَ الزَّيَّاتِ ؛ وَلِأَنَّ الِاخْتِلَاسَ مِنْ نَوْعِ النَّهْبِ وَإِذَا لَمْ يُقْطَعْ الْخَائِنُ وَالْمُخْتَلِسُ فَالْغَاصِبُ أَوْلَى .

الشَّرْطُ ( الثَّانِي كَوْنُ سَارِقٍ مُكَلَّفًا ) لِأَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ مَرْفُوعٌ عَنْهُ الْقَلَمُ ( مُخْتَارًا ) لِأَنَّ الْمُكْرَهَ مَعْذُورٌ ( عَالِمًا بِمَسْرُوقٍ وَبِتَحْرِيمِهِ ) أَيْ : الْمَسْرُوقِ ( عَلَيْهِ فَلَا قَطْعَ عَلَى صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ وَمُكْرَهٍ ) عَلَى السَّرِقَةِ لِمَا تَقَدَّمَ ( وَلَا بِسَرِقَةِ مِنْدِيلٍ ) بِكَسْرِ الْمِيمِ ( بِطَرَفِهِ نِصَابٌ مَشْدُودٌ لَمْ يَعْلَمْهُ ) سَارِقُهُ أَيْ : النِّصَابَ الْمَشْدُودَ بِطَرَفِهِ ( وَلَا بِ ) سَرِقَةِ ( جَوْهَرٍ يَظُنُّ قِيمَتَهُ دُونَ نِصَابٍ ) فَبَانَتْ أَكْثَرَ لِأَنَّهُ لَا يَعْرِفُهُ إلَّا خَوَاصُّ النَّاسِ ( وَلَا ) قَطْعَ ( عَلَى جَاهِلِ تَحْرِيمِ ) سَرِقَةٍ لَكِنْ لَا تُقْبَلُ دَعْوَى جَهْلِ ذَلِكَ مِمَّنْ نَشَأَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ

الشَّرْطُ ( الثَّالِثُ كَوْنُ مَسْرُوقٍ مَالًا ) لِأَنَّ غَيْرَ الْمَالِ لَيْسَ لَهُ حُرْمَةُ الْمَالِ وَلَا يُسَاوِيهِ فَلَا يُلْحَقُ بِهِ وَالْأَخْبَارُ مُقَيِّدَةٌ لِلْآيَةِ ( مُحْتَرَمًا ) لِأَنَّ غَيْرَ الْمُحْتَرَمِ كَمَالِ الْحَرْبِيِّ تَجُوزُ سَرِقَتُهُ ( وَلَوْ ) كَانَ الْمَسْرُوقُ ( مِنْ غَلَّةِ وَقْفٍ وَلَيْسَ ) السَّارِقُ ( مِنْ مُسْتَحِقِّيهِ ) أَيْ الْوَقْفِ لِأَنَّهُ مَالٌ مُحْتَرَمٌ لِغَيْرِهِ وَلَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ أَشْبَهَ غَيْرَ مَالِ الْوَقْفِ وَ ( لَا ) يُقْطَعُ إنْ سَرَقَ ( مِنْ سَارِقٍ أَوْ غَاصِبٍ مَا سَرَقَهُ ) السَّارِقُ ( أَوْ غَصَبَهُ ) الْغَاصِبُ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْرِقْهُ مِنْ مَالِكِهِ وَلَا نَائِبِهِ ( وَثَمِينٌ ) مُبْتَدَأٌ ( كَجَوْهَرٍ وَمَا يُسْرِعُ فَسَادُهُ كَفَاكِهَةٍ ) كَغَيْرِهِ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { فِي التَّمْرِ مَنْ سَرَقَ مِنْهُ شَيْئًا فَبَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ فَفِيهِ الْقَطْعُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ .
وَرَوَى مَالِكٌ بِإِسْنَادِهِ " أَنَّ سَارِقًا سَرَقَ أُتْرُجَّةً فِي زَمَانِ عُثْمَانَ فَأَمَرَ عُثْمَانُ أَنْ تُقَوَّمَ فَقُوِّمَتْ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ مِنْ صَرْفِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا بِدِينَارٍ فَقَطَعَ عُثْمَانُ يَدَهُ " رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ هِيَ الْأُتْرُجَّةُ الَّتِي تَأْكُلُهَا النَّاسُ

( وَمَا أَصْلُهُ الْإِبَاحَةُ كَمِلْحٍ وَتُرَابٍ وَحَجَرٍ وَلَبِنٍ ) بِكَسْرِ الْبَاءِ ( وَكَلَإٍ وَشَوْكٍ وَثَلْجٍ وَصَيْدٍ كَغَيْرِهِ ) : خَبَرُ الْمُبْتَدَإِ ، وَمَا عُطِفَ عَلَيْهِ فَيُقْطَعُ سَارِقُهُ إذَا بَلَغَتْ قِيمَتُهُ نِصَابًا لِلْعُمُومَاتِ ( سِوَى مَاءٍ ) فَلَا يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ لِأَنَّهُ لَا يُتَمَوَّلُ عَادَةً ( وَ ) سِوَى ( سِرْجِينٍ نَجِسٍ ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ

( وَيُقْطَعُ بِسَرِقَةِ إنَاءِ نَقْدٍ ) ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ ( أَوْ ) بِسَرِقَةِ ( دَنَانِيرَ وَدَرَاهِمَ فِيهَا تَمَاثِيلُ ) لِأَنَّ صِنَاعَتَهَا الْمُحَرَّمَةَ لَا تُخْرِجُهَا عَنْ كَوْنِهَا مَالًا مُحْتَرَمًا .
( وَ ) يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ ( كُتُبِ عِلْمٍ ) وَلَوْ مُبَاحًا لِأَنَّهَا مَالٌ حَقِيقَةً وَشَرْعًا لَا مُحَرَّمًا وَلَا مَكْرُوهًا ( وَ ) يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ ( قِنٍّ نَائِمٍ أَوْ أَعْجَمِيٍّ وَلَوْ ) كَانَا ( كَبِيرَيْنِ ) لَا كَبِيرٍ غَيْرِ نَائِمٍ وَلَا غَيْرِ أَعْجَمِيٍّ لِأَنَّهُ لَا يُسْرَقُ وَإِنَّمَا يُخْدَعُ .
( وَ ) يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ قِنٍّ ( صَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ ) لِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ تَبْلُغُ قِيمَتُهُ نِصَابًا أَشْبَهَ سَائِرَ الْحَيَوَانَاتِ وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ { أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى بِرَجُلٍ يَسْرِقُ الصِّبْيَانَ ثُمَّ يَخْرُجُ بِهِمْ فَيَبِيعُهُمْ فِي أَرْضٍ أُخْرَى فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ فَقُطِعَتْ }

وَ ( لَا ) يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ ( مُكَاتَبٍ ) ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى لِأَنَّ مِلْكَ سَيِّدِهِ عَلَيْهِ لَيْسَ بِتَامٍّ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ مَنَافِعَهُ وَلَا اسْتِخْدَامَهُ وَلَا أَخْذَ أُرُوشِ جِنَايَاتٍ عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ أَشْبَهَ الْحُرَّ .
( وَ ) لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ ( أُمِّ وَلَدٍ ) لِأَنَّهَا لَا يَحِلُّ نَقْلُ الْمِلْكِ فِيهَا أَشْبَهَتْ الْحُرَّةَ ( وَلَا ) بِسَرِقَةِ ( حُرٍّ وَلَوْ صَغِيرًا ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَالٍ أَشْبَهَ الْكَبِيرَ النَّائِمَ ( وَلَا ) بِسَرِقَةِ ( مُصْحَفٍ ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ مَا فِيهِ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَحِلُّ أَخَذُ الْعِوَضِ عَنْهُ ( وَلَا بِ ) سَرِقَةِ ( مَا عَلَيْهِمَا ) أَيْ الْحُرِّ وَالْمُصْحَفِ ( مِنْ حُلِيٍّ وَنَحْوِهِ ) كَثَوْبِ صَغِيرٍ وَكِيسِ مُصْحَفٍ وَلَوْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ نِصَابًا لِأَنَّهُ تَابِعٌ لِمَا لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَتِهِ ( وَلَا ) يُقْطَعُ ( بِ ) سَرِقَةِ ( كُتُبِ بِدَعٍ وَ ) كُتُبٍ ( تَصَاوِيرَ ) لِأَنَّهَا وَاجِبَةُ الْإِتْلَافِ ، وَمِثْلُهَا سَائِرُ الْكُتُبِ الْمُحَرَّمَةِ ( وَلَا بِ ) سَرِقَةِ ( آلَةِ لَهْوٍ ) كَمِزْمَارٍ وَطَبْلِ غَيْرِ حَرْبٍ ؛ لِأَنَّهُ مَعْصِيَةٌ كَالْخَمْرِ وَمِثْلُهُ نَرْدٌ ، وَشِطْرَنْجٌ وَلِأَنَّ لِلسَّارِقِ حَقًّا فِي أَخْذِهَا لِكَسْرِهَا فَهُوَ شُبْهَةٌ وَلَوْ كَانَ عَلَيْهِ حِلْيَةٌ تَبْلُغُ نِصَابًا لِأَنَّهَا تَابِعَةٌ لِمَا لَا يُقْطَعُ بِهِ ( وَلَا ) يُقْطَعُ ( بِ ) سَرِقَةِ ( صَلِيبِ ) نَقْدٍ ( أَوْ صَنَمِ نَقْدٍ ) ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ تَبَعًا لِلصِّنَاعَةِ الْمُحَرَّمَةِ الْمُجْمَعِ عَلَى تَحْرِيمِهَا بِخِلَافِ صِنَاعَةِ الْآنِيَةِ أَشْبَهَتْ الْأَوْتَارَ الَّتِي بِالطُّنْبُورِ ( وَلَا بِآنِيَةٍ فِيهَا خَمْرٌ أَوْ ) فِيهَا ( مَاءٌ ) لِاتِّصَالِهَا بِمَا لَا قَطْعَ فِيهِ .

الشَّرْطُ ( الرَّابِعُ كَوْنُهُ ) أَيْ : الْمَسْرُوقِ ( نِصَابًا وَهُوَ ) أَيْ : نِصَابُ السَّرِقَةِ ( ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ خَالِصَةٍ أَوْ ) ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ ( تَخْلُصُ مِنْ ) فِضَّةٍ ( مَغْشُوشَةٍ ) بِنَحْوِ نُحَاسٍ ( أَوْ رُبْعِ دِينَارٍ ) أَيْ : مِثْقَالِ ذَهَبٍ ، وَيَكْفِي الْوَزْنُ مِنْ الْفِضَّةِ الْخَالِصَةِ أَوْ التِّبْرِ الْخَالِصِ ( وَلَوْ لَمْ يُضْرَبَا ) فَلَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ مَا دُونَ ذَلِكَ لِحَدِيثِ { لَا تُقْطَعُ الْيَدُ إلَّا فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَمُسْلِمٌ وَابْنُ مَاجَهْ .
وَحَدِيثِ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا { اقْطَعُوا فِي رُبْعِ دِينَارٍ وَلَا تَقْطَعُوا فِيمَا هُوَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ } وَكَانَ رُبْعُ الدِّينَارِ يَوْمَئِذٍ ثَلَاثَةَ دَرَاهِمَ ، وَالدِّينَارُ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا .
رَوَاهُ أَحْمَدُ وَهَذَانِ يَخُصَّانِ عُمُومَ الْآيَةِ ، وَأَمَّا حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ وَيَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَيُحْمَلُ عَلَى حَبْلٍ يُسَاوِي ذَلِكَ وَكَذَا الْبَيْضَةُ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ ، أَنْ يُرَادَ بِهَا بَيْضَةُ السِّلَاحِ وَهِيَ تُسَاوِي ذَلِكَ جَمْعًا بَيْنَ الْأَخْبَارِ ( وَيُكَمَّلُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ ) فَلَوْ سَرَقَ دِرْهَمًا وَنِصْفَ دِرْهَمٍ مِنْ خَالِصِ الْفِضَّةِ وَثُمُنَ دِينَارٍ مِنْ خَالِصِ الذَّهَبِ قُطِعَ لِأَنَّهُ قَدْ سَرَقَ نِصَابًا

( أَوْ ) سَرَقَ ( مَا يَبْلُغُ قِيمَةَ أَحَدِهِمَا ) أَيْ نِصَابِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ( مِنْ غَيْرِهِمَا ) كَثَوْبٍ وَنَحْوِهِ يُسَاوِي ذَلِكَ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ يَدَ سَارِقٍ سَرَقَ تُرْسًا مِنْ صُفَّةِ النِّسَاءِ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ .
وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَيْضًا { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَطَعَ فِي مِجَنٍّ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ } رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ .
وَفِي رِوَايَةٍ { لَا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ فِيمَا دُونَ ثَمَنِ الْمِجَنِّ .
قِيلَ لِعَائِشَةَ : مَا ثَمَنُ الْمِجَنِّ قَالَتْ رُبْعُ دِينَارٍ } رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كُلًّا مِنْ النَّقْدَيْنِ أَصْلٌ وَالْمِجَنُّ التُّرْسُ ( وَتُعْتَبَرُ الْقِيمَةُ ) أَيْ : قِيمَةُ مَسْرُوقٍ لَيْسَ ذَهَبًا وَلَا فِضَّةً ( حَالَ إخْرَاجِهِ مِنْ الْحِرْزِ ) اعْتِبَارًا بِوَقْتِ السَّرِقَةِ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْوُجُوبِ لِوُجُوبِ السَّبَبِ فِيهِ لَا مَا حَدَثَ بَعْدُ ( فَلَوْ نَقَصَتْ ) قِيمَةُ مَسْرُوقٍ ( بَعْدَ إخْرَاجِهِ قُطِعَ ) لِوُجُودِ النَّقْصِ بَعْدَ السَّرِقَةِ كَمَا لَوْ نَقَصَتْ قِيمَتُهُ بِاسْتِعْمَالِهِ

وَ ( لَا ) يُقْطَعُ ( إنْ أَتْلَفَهُ ) أَيْ الْمَسْرُوقَ ( فِيهِ ) أَيْ الْحِرْزِ ( بِأَكْلٍ أَوْ غَيْرِهِ ) كَإِرَاقَةِ مَائِعٍ ( أَوْ نَقْصِهِ بِذَبْحٍ ) كَشَاةٍ قِيمَتُهَا نِصَابٌ فَذَبَحَهَا فِي الْحِرْزِ فَنَقَصَتْ قِيمَتُهَا عَنْهُ ثُمَّ أَخْرَجَهَا فَلَا يُقْطَعُ لِأَنَّهُ لَمْ يُخْرِجْ مِنْ الْحِرْزِ مَا يَبْلُغُ نِصَابًا ( أَوْ ) نَقَصَهُ بِ ( غَيْرِهِ ) أَيْ : الذَّبْحِ بِأَنْ شَقَّ فِيهِ ثَوْبًا فَنَقَصَتْ قِيمَتُهُ عَنْ النِّصَابِ ( ثُمَّ أَخْرَجَهُ ) فَلَا قَطْعَ لِمَا تَقَدَّمَ

( وَإِنْ مَلَكَهُ ) أَيْ النِّصَابَ ( سَارِقٌ بِبَيْعٍ أَوْ هِبَةٍ أَوْ نَحْوِهِمَا ) مِنْ أَسْبَابِ الْمِلْكِ بَعْدَ إخْرَاجِهِ مِنْ حِرْزِهِ ( لَمْ يَسْقُطْ الْقَطْعُ ) بَعْدَ رَفْعِهِ لِلْحَاكِمِ ، وَلَيْسَ لِلْمَسْرُوقِ مِنْهُ الْعَفْوُ عَنْ السَّارِقِ نَصًّا لِحَدِيثِ { صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ بِأَنَّهُ نَامَ عَلَى رِدَائِهِ فِي الْمَسْجِدِ فَأُخِذَ مِنْ تَحْتِ رَأْسِهِ فَجَاءَ بِسَارِقِهِ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ بِقَطْعِهِ ، فَقَالَ صَفْوَانُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أُرِدْ ، هَذَا رِدَائِي عَلَيْهِ صَدَقَةٌ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَهَلَّا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ } رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالْجُوزَجَانِيُّ وَفِي لَفْظٍ قَالَ " فَأَتَيْته فَقُلْت أَتَقْطَعُهُ مِنْ أَجْلِ ثَلَاثِينَ دِرْهَمًا أَنَا أَبِيعُهُ وَأُنْسِئُهُ ثَمَنَهَا قَالَ فَهَلَّا كَانَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ " رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَأَبُو دَاوُد فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ قَبْلَ الرَّفْعِ لَدَرَأَ الْقَطْعَ لِتَعَذُّرِ شَرْطِ الْقَطْعِ ، وَهُوَ الطَّلَبُ ، وَقَدْ ذَكَرْت مَا فِيهِ فِي الْحَاشِيَةِ

( وَإِنْ سَرَقَ فَرْدَ خُفٍّ قِيمَةُ كُلِّ ) وَاحِدٍ مِنْهُمَا ( مُنْفَرِدًا دِرْهَمَانِ وَ ) قِيمَةُ الْمُنْفَرِدَيْنِ ( مَعًا عَشَرَةُ ) دَرَاهِمَ ( لَمْ يُقْطَعْ ) لِأَنَّهُ لَمْ يَسْرِقْ نِصَابًا ( وَعَلَيْهِ ) أَيْ : السَّارِقِ إنْ تَعَذَّرَ رَدُّ الْفَرْدِ وَهُوَ الَّذِي سَرَقَهُ ( ثَمَانِيَةُ ) دَرَاهِمَ ( قِيمَةُ ) الْفَرْدِ ( الْمُتْلَفِ ) دِرْهَمَانِ ( وَنَقْصُ التَّفْرِقَةِ ) سِتَّةُ دَرَاهِمَ ( وَكَذَا جُزْءٌ مِنْ كِتَابٍ ) سَرَقَهُ وَأَتْلَفَهُ وَنَقَصَ بِالتَّفْرِيقِ ، وَنَظَائِرُهُ كَمِصْرَاعَيْ بَابٍ ( وَيَضْمَنُ ) مُتَعَدٍّ ( مَا فِي وَثِيقَةٍ ) مِنْ نَحْوِ دَيْنٍ ( أَتْلَفَهَا إنْ تَعَذَّرَ ) اسْتِيفَاؤُهُ بِدُونِ إحْضَارِهَا ، وَكَذَا لَوْ أُتْلِفَتْ بِتَعَدِّيهِ فَإِنْ كَانَتْ عِنْدَهُ أَمَانَةٌ وَتَلِفَتْ بِلَا تَعَدٍّ وَلَا تَفْرِيطٍ لَمْ يَضْمَنْ

( وَإِنْ اشْتَرَكَ جَمَاعَةٌ فِي ) سَرِقَةِ ( نِصَابٍ قُطِعُوا ) كُلُّهُمْ لِوُجُوبِ سَبَبِ الْقَطْعِ مِنْهُمْ كَالْقَتْلِ ( حَتَّى مَنْ لَمْ يُخْرِجْ ) مِنْهُمْ ( نِصَابًا ) كَامِلًا نَصًّا لِاشْتِرَاكِهِمْ فِي هَتْكِ الْحِرْزِ وَإِخْرَاجِ النِّصَابِ كَمَا لَوْ كَانَ ثَقِيلًا فَحَمَلُوهُ ( وَلَوْ لَمْ يُقْطَعْ بَعْضُهُمْ لِشُبْهَةٍ أَوْ غَيْرِهَا ) كَأَنْ كَانَ شَرِيكًا لِأَبِي رَبِّ الْمَالِ أَوْ عَبْدًا لَهُ أَوْ غَيْرَ مُكَلَّفٍ ( قُطِعَ الْبَاقِي ) إنْ أَخَذَ نِصَابًا وَقِيلَ أَوْ أَقَلَّ قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ سُقُوطِ الْقَطْعِ عَنْ أَحَدِهِمْ لِمَعْنَى لَيْسَ فِي غَيْرِهِ أَنْ يَسْقُطَ عَنْ الْغَيْرِ كَشَرِيكِ أَبٍ فِي قَتْلِ وَلَدِهِ

( وَيُقْطَعُ سَارِقُ نِصَابٍ لِجَمَاعَةٍ ) لِوُجُودِ السَّرِقَةِ وَالنِّصَابِ كَمَا لَوْ كَانَ رَبُّ الْمَالِ وَاحِدًا

( وَإِنْ هَتَكَ اثْنَانِ حِرْزًا وَدَخَلَاهُ فَأَخْرَجَ أَحَدُهُمَا الْمَالَ ) دُونَ الْآخَرِ قُطِعَا نَصًّا لِأَنَّ الْمُخْرِجَ أَخْرَجَهُ بِقُوَّةِ صَاحِبِهِ وَمَعُونَتِهِ ( أَوْ ) هَتَكَ اثْنَانِ حِرْزًا وَ ( دَخَلَ أَحَدُهُمَا فَقَرَّبَهُ ) أَيْ النِّصَابَ ( الْمَسْرُوقَ مِنْ النَّقْبِ وَأَدْخَلَ الْآخَرَ يَدَهُ فَأَخْرَجَهُ ) أَيْ النِّصَابَ مِنْ النَّقْبِ قُطِعَا ؛ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِي هَتْكِ الْحِرْزِ وَإِخْرَاجِ النِّصَابِ كَمَا لَوْ حَمَلَاهُ وَأَخْرَجَاهُ ( أَوْ ) هَتَكَ اثْنَانِ حِرْزًا وَدَخَلَ أَحَدُهُمَا فَ ( وَضَعَهُ ) أَيْ النِّصَابَ ( وَسَطَ النَّقْبِ فَأَخَذَهُ الْخَارِجُ ) مِنْهُمَا ( قُطِعَا ) لِمَا سَبَقَ ( وَإِنْ رَمَاهُ ) أَيْ النِّصَابَ مَنْ دَخَلَ مِنْهُمَا ( إلَى ) رَفِيقِهِ ( الْخَارِجِ ) مِنْ الْحِرْزِ ( أَوْ نَاوَلَهُ ) أَيْ النِّصَابَ لِرَفِيقِهِ ( فَأَخَذَهُ ) رَفِيقُهُ وَهُوَ خَارِجُ الْحِرْزِ ( أَوْ لَا ) أَيْ لَمْ يَأْخُذْهُ مِنْهُ ( أَوْ أَعَادَهُ ) أَيْ النِّصَابَ ( فِيهِ ) أَيْ الْحِرْزِ ( أَحَدُهُمَا قُطِعَ الدَّاخِلُ ) مِنْهُمَا الْحِرْزَ ( وَحْدَهُ ) لِأَنَّهُ الْمُخْرِجُ لِلنِّصَابِ وَحْدَهُ فَاخْتُصَّ الْقَطْعُ بِهِ ( وَإِنْ هَتَكَهُ ) أَيْ الْحِرْزَ ( أَحَدُهُمَا ) وَحْدَهُ ( وَدَخَلَ الْآخَرُ فَأَخْرَجَ الْمَالَ ) وَحْدَهُ ( فَلَا قَطْعَ عَلَيْهِمَا ) أَيْ : عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَسْرِقْ .
وَالثَّانِي لَمْ يَهْتِكْ الْحِرْزَ ( وَلَوْ تَوَاطَآ ) عَلَى ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ لَا فِعْلَ لِأَحَدِهِمَا فِيمَا فَعَلَهُ الْآخَرُ فَلَمْ يَبْقَ إلَّا الْقَصْدُ وَالْقَصْدُ إذَا لَمْ يُقَارِنْهُ الْفِعْلُ لَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ حُكْمٌ

( وَمَنْ نَقَبَ وَدَخَلَ ) الْحِرْزَ ( فَابْتَلَعَ ) فِيهِ ( جَوَاهِرَ أَوْ ذَهَبًا ) أَوْ نَحْوَهُمَا ( وَخَرَجَ بِهِ ) قُطِعَ كَمَا لَوْ أَخْرَجَهُ فِي كُمِّهِ ( أَوْ تَرَكَ الْمَتَاعَ ) فِي الْحِرْزِ ( عَلَى بَهِيمَةٍ فَخَرَجَتْ بِهِ ) الْبَهِيمَةُ وَلَوْ بِلَا سَوْقٍ قُطِعَ لِأَنَّ الْعَادَةَ مَشْيُ الْبَهِيمَةِ بِمَا يُوضَعُ عَلَيْهَا ( أَوْ ) تَرَكَ الْمَتَاعَ ( فِي مَاءٍ جَارٍ ) فَأَخْرَجَهُ الْمَاءُ قُطِعَ ؛ لِأَنَّ الْبَهِيمَةَ وَالْمَاءَ لَا إرَادَةَ لَهُمَا فِي الْإِخْرَاجِ ( أَوْ أَمَرَ ) مَنْ هَتَكَ الْحِرْزَ ( غَيْرَ مُكَلَّفٍ ) كَصَغِيرٍ أَوْ مَجْنُونٍ ( 8 بِإِخْرَاجِهِ ) أَيْ النِّصَابِ ( فَأَخْرَجَهُ ) غَيْرُ الْمُكَلَّفِ قُطِعَ الْآمِرُ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ لَا حُكْمَ لِفِعْلِهِ فَهُوَ فِي مَعْنَى الْبَهِيمَةِ ( أَوْ ) تَرَكَ هَاتِكُ الْحِرْزِ الْمَتَاعَ ( عَلَى جِدَارٍ ) دَاخِلَ الْحِرْزِ ( فَأَخْرَجَهُ رِيحٌ ) قُطِعَ لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْفِعْلِ مِنْهُ فَلَا أَثَرَ لِلرِّيحِ ( أَوْ ) هَتَكَ الْحِرْزَ وَ ( رَمَى بِهِ ) أَيْ الْمَتَاعَ ( خَارِجًا ) عَنْ الْحِرْزِ لِأَنَّهُ أَخْرَجَهُ ( أَوْ ) هَتَكَ الْحِرْزَ وَ ( جَذَبَهُ ) أَيْ الْمَتَاعَ ( بِشَيْءٍ ) وَهُوَ خَارِجُ الْحِرْزِ قُطِعَ لِمُبَاشَرَتِهِ إخْرَاجَهُ ( أَوْ اسْتَتْبَعَ سَخْلَ شَاةٍ ) بِأَنْ قَرَّبَ إلَيْهِ أُمَّهُ وَهُوَ فِي حِرْزِ مِثْلِهِ فَتَبِعَهَا وَبَلَغَتْ قِيمَتُهُ نِصَابًا قُطِعَ لَا إنْ تَبِعَهَا السَّخْلُ بِلَا اسْتِتْبَاعٍ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ وَكَذَا عَكْسُهَا ( أَوْ ) هَتَكَ الْحِرْزَ وَ ( تَطَيَّبَ فِيهِ ) بِطِيبٍ كَانَ فِيهِ وَخَرَجَ بِهِ مِنْ الْحِرْزِ ( وَ ) كَانَ مَا تَطَيَّبَ بِهِ ( لَوْ اجْتَمَعَ بَلَغَ ) مَا يُسَاوِي ( نِصَابًا ) قُطِعَ لِهَتْكِهِ الْحِرْزَ وَإِخْرَاجِهِ مِنْهُ مَا يَبْلُغُ نِصَابًا كَمَا لَوْ كَانَ غَيْرَ طِيبٍ .
( أَوْ هَتَكَ الْحِرْزَ ) وَقْتًا ( وَأَخَذَ الْمَالَ وَقْتًا آخَرَ ) وَقَرُبَ مَا بَيْنَهُمَا قُطِعَ كَمَا لَوْ أَخَذَهُ عَقِبَ الْهَتْكِ ( أَوْ ) هَتَكَ الْحِرْزَ وَ ( أَخَذَ بَعْضَهُ ) أَيْ النِّصَابِ ( ثُمَّ أَخَذَ بَقِيَّتَهُ ) أَيْ النِّصَابِ ( وَقَرُبَ مَا بَيْنَهُمَا ) مِنْ الزَّمَنِ قُطِعَ لِأَنَّهَا سَرِقَةٌ

وَاحِدَةٌ وَلِأَنَّ بِنَاءَ فِعْلِ الْوَاحِدِ بَعْضِهِ عَلَى بَعْضٍ أَوْلَى مِنْ بِنَاءِ فِعْلِ أَحَدِ الشَّرِيكَيْنِ عَلَى فِعْلِ الْآخَرِ وَإِنْ بَعُدَ مَا بَيْنَهُمَا كَمَا لَوْ كَانَا فِي لَيْلَتَيْنِ فَلَا قَطْعَ لِأَنَّ كُلَّ سَرِقَةٍ مِنْهُمَا لَا تَبْلُغُ نِصَابًا وَإِنْ عَلِمَ الْمَالِكُ هَتْكَ الْحِرْزِ وَأَهْمَلَهُ فَلَا قَطْعَ أَيْضًا لِأَنَّ السَّرِقَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ ( أَوْ ) هَتَكَ أَوْ ( فَتَحَ أَسْفَلَ كِوَارَةٍ فَخَرَجَ الْعَسَلُ شَيْئًا فَشَيْئًا ) أَوْ أَخْرَجَهُ كَذَلِكَ حَتَّى بَلَغَتْ قِيمَتُهُ نِصَابًا قُطِعَ لِأَنَّهُ لَمْ يُهْمِلْ الْأَخْذَ كَمَا لَوْ أَخَذَهُ جُمْلَةً ( أَوْ أَخْرَجَهُ ) السَّارِقُ أَيْ الْمَتَاعَ ( إلَى سَاحَةِ دَارٍ مِنْ بَيْتٍ مُغْلَقٍ مِنْهَا ) أَيْ الدَّارِ ( وَلَوْ أَنَّ بَابَهَا ) أَيْ الدَّارِ الَّتِي بِهَا الْبَيْتُ ( مُغْلَقٌ قُطِعَ ) لِأَنَّهُ هَتَكَ الْحِرْزَ وَأَخْرَجَ مِنْهُ نِصَابًا كَمَا لَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الدَّارِ بَابٌ آخَرُ ( وَلَوْ عَلَّمَ إنْسَانٌ قِرْدًا ) أَوْ عُصْفُورًا وَنَحْوَهُ ( السَّرِقَةَ ) فَسَرَقَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا ( فَ ) عَلَى مُعَلِّمِهِ ( الْغُرْمُ ) أَيْ : غُرْمُ قِيمَةِ مَا أَخَذَهُ ( فَقَطْ ) أَيْ : دُونَ الْقَطْعِ لِأَنَّهُ لَمْ يَهْتِكْ الْحِرْزَ

الشَّرْطُ ( الْخَامِسُ إخْرَاجُهُ ) أَيْ النِّصَابِ ( مِنْ حِرْزٍ ) لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ { أَنَّ رَجُلًا مِنْ مُزَيْنَةُ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الثِّمَارِ فَقَالَ مَا أُخِذَ مِنْ غَيْرِ أَكْمَامِهِ وَاحْتُمِلَ فَفِيهِ قِيمَتُهُ وَمِثْلُهُ مَعَهُ ، وَمَا كَانَ مِنْ الْجَرِينِ فَفِيهِ الْقَطْعُ إذَا بَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَهُوَ مُخَصِّصٌ لِلْآيَةِ

( فَلَوْ سَرَقَ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ ) بِأَنْ وَجَدَ حِرْزًا مَهْتُوكًا أَوْ بَابًا مَفْتُوحًا فَأَخَذَ مِنْهُ نِصَابًا ( فَلَا قَطْعَ ) لِفَوَاتِ شَرْطِهِ كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ دَاخِلَ الْحِرْزِ بِأَكْلٍ أَوْ غَيْرِهِ وَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ

( وَمَنْ أَخْرَجَ بَعْضَ ثَوْبٍ قِيمَتُهُ ) أَيْ : بَعْضِ الثَّوْبِ ( نِصَابٌ قُطِعَ بِهِ ) أَيْ : بِالْبَعْضِ الَّذِي أَخْرَجَهُ ( إنْ قَطَعَهُ ) مِنْ الثَّوْبِ لِتَحَقُّقِ إخْرَاجِهِ إذَنْ ( وَإِلَّا ) يَقْطَعْ مَا أَخْرَجَهُ ( فَلَا قَطْعَ ) عَلَيْهِ كَمَا لَوْ أَخْرَجَ بَعْضَ خَشَبَةٍ وَبَاقِيهَا دَاخِلَ الْحِرْزِ وَلَمْ يَقْطَعْهَا لِلتَّبَعِيَّةِ وَمَنْ هَتَكَ حِرْزًا وَاحْتَلَبَ لَبَنَ مَاشِيَةٍ فَإِنْ أَخْرَجَهُ وَبَلَغَ نِصَابًا قُطِعَ وَإِنْ شَرِبَهُ دَاخِلَهُ أَوْ أَخْرَجَهُ دُونَ نِصَابٍ فَلَا

( وَحِرْزُ كُلِّ مَالٍ مَا حُفِظَ فِيهِ ) ذَلِكَ الْمَالُ ( عَادَةً ) لِأَنَّ مَعْنَى الْحِرْزِ الْحِفْظُ وَمِنْهُ احْتَرَزَ مِنْ كَذَا وَلَمْ يَرِدْ مِنْ الشَّرْعِ بَيَانُهُ وَلِأَنَّهُ عُرْفٌ لُغَوِيٌّ يَتَقَدَّرُ بِهِ كَالْقَبْضِ وَالتَّفَرُّقِ فِي الْبَيْعِ ( وَيَخْتَلِفُ ) الْحِرْزُ ( بِاخْتِلَافِ جِنْسِ ) الْمَالِ ( وَ ) بِاخْتِلَافِ ( بَلَدٍ ) كِبَرًا وَصِغَرًا لِخَفَاءِ السَّارِقِ بِالْبَلَدِ الْكَبِيرِ لِسَعَةِ أَقْطَارِهِ أَكْثَرَ مِنْهُ فِي الْبَلَدِ الصَّغِيرِ ( وَ ) يَخْتَلِفُ الْحِرْزُ أَيْضًا بِاخْتِلَافِ ( عَدْلِ السُّلْطَانِ وَقُوَّتِهِ وَضِدِّهِمَا ) أَيْ : جَوْرِهِ وَضَعْفِهِ ، فَإِنَّ السُّلْطَانَ الْعَدْلَ يُقِيمُ الْحُدُودَ فَتَقِلُّ السُّرَّاقُ خَوْفًا مِنْ الرَّفْعِ إلَيْهِ فَيَقْطَعُ فَلَا يَحْتَاجُ الْإِنْسَانُ إلَى زِيَادَةِ حِرْزٍ وَإِنْ كَانَ جَائِرًا يُشَارِكُ مَنْ الْتَجَأَ إلَيْهِ مِنْ الذُّعَّارِ وَيَذُبُّ عَنْهُمْ قَوِيَتْ صَوْلَتُهُمْ فَيَحْتَاجُ أَرْبَابُ الْأَمْوَالِ لِزِيَادَةِ التَّحَفُّظِ وَكَذَا الْحَالُ مَعَ قُوَّتِهِ وَضَعْفِهِ ( فَحِرْزُ جَوْهَرٍ ) وَنَحْوِهِ ( وَنَقْدٍ ) ذَهَبٍ وَفِضَّةٍ ( وَقُمَاشٍ فِي الْعُمْرَانِ ) أَيْ : الْأَبْنِيَةِ الْحَصِينَةِ فِي الْمَحَالِّ الْمَسْكُونَةِ مِنْ الْبَلَدِ ( بِدَارٍ وَدُكَّانٍ وَرَاءَ غَلْقٍ وَثِيقٍ ) أَيْ : قُفْلٍ خَشَبٍ أَوْ حَدِيدٍ ، فَإِنْ كَانَتْ الْأَبْوَابُ مُفَتَّحَةً وَلَا حَافِظَ فِيهَا فَلَيْسَتْ حِرْزًا ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا خَزَائِنُ مُغْلَقَةٌ ، فَالْخَزَائِنُ حِرْزٌ لِمَا فِيهَا ( وَصُنْدُوقٌ ) مُبْتَدَأٌ ( بِسُوقٍ وَثَمَّ ) بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ ( حَارِسٌ ) بِالسُّوقِ ( حِرْزٌ ) خَبَرٌ لِمَا فِي الصُّنْدُوقِ ، فَمَنْ أَخَذَ نِصَابًا قُطِعَ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ حَارِسٌ فَلَيْسَ حِرْزًا .
( وَحِرْزُ بَقْلٍ وَقُدُورِ بَاقِلَّا وَ ) قُدُورِ ( طَبِيخٍ وَ ) حِرْزُ ( خَزَفٍ وَثَمَّ حَارِسٌ وَرَاءَ الشَّرَائِجِ ) : جَمْعُ شَرِيجَةٍ ، شَيْءٌ يُعْمَلُ مِنْ نَحْوِ قَصَبٍ يُضَمُّ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ بِنَحْوِ حَبْلٍ ، لِأَنَّ الْعَادَةَ إحْرَازُ ذَلِكَ كَذَلِكَ ( وَحِرْزُ خَشَبٍ وَحَطَبٍ الْحَظَائِرُ ) جَمْعُ حَظِيرَةٍ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالظَّاءِ الْمُعْجَمَةِ

مَا يُعْمَلُ لِلْإِبِلِ وَالْغَنَمِ مِنْ الشَّجَرِ تَأْوِي إلَيْهِ فَيَصِيرُ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ وَيُرْبَطُ بِحَيْثُ يَعْسُرُ أَخْذُ شَيْء مِنْهُ وَأَصْلُ الْحَظْرِ الْمَنْعُ ، وَإِنْ كَانَتْ بِخَانٍ مُغْلَقٍ فَهُوَ أَحْرَزُ ( وَ ) حِرْزُ ( مَاشِيَةٍ ) مِنْ إبِلٍ ، وَبَقَرٍ وَغَنَمٍ ( الصَّيْرِ ) جَمْعُ صَيْرَةٍ وَهِيَ حَظِيرَةُ الْغَنَمِ ( وَ ) حِرْزُ مَاشِيَةٍ ( فِي مَرْعًى بِرَاعٍ يَرَاهَا غَالِبًا ) لِأَنَّ الْعَادَةَ حِرْزُهَا بِذَلِكَ فَمَا غَابَ عَنْ مُشَاهَدَتِهِ خَرَجَ عَنْ الْحِرْزِ .
( وَ ) حِرْزُ ( سُفُنٍ فِي شَطِّ بِرَبْطِهَا ) بِهِ عَلَى الْعَادَةِ ( وَ ) حِرْزُ ( إبِلٍ بَارِكَةٍ مَعْقُولَةٍ بِحَافِظٍ حَتَّى نَائِمٍ ) لِأَنَّ عَادَةَ مُلَّاكِهَا عَقْلُهَا إذَا نَامُوا فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَعْقُولَةً فَبِحَافِظٍ يَقْظَانَ ( وَ ) حِرْزُ ( حَمُولَتِهَا ) بِفَتْحِ الْحَاءِ أَيْ : الْإِبِلِ الْمُحَمَّلَةِ ( بِتَقْطِيرِهَا مَعَ قَائِدٍ يَرَاهَا ) إذَا الْتَفَتَ وَكَذَا مَعَ سَائِقٍ يَرَاهَا بَلْ أَوْلَى ( وَمَعَ عَدَمِ تَقْطِيرِ ) الْإِبِلِ الْمُحَمَّلَةِ ( سَائِقٌ يَرَاهَا ) لِأَنَّهُ الْعَادَةُ فِي حِفْظِهَا وَمَنْ سَرَقَ جَمَلًا بِمَا عَلَيْهِ وَصَاحِبُهُ عَلَيْهِ نَائِمٌ لَمْ يُقْطَعْ لِأَنَّهُ فِي يَدِ صَاحِبِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ يَدُ صَاحِبِهِ عَلَيْهِ قُطِعَ ( وَ ) حِرْزُ ( بُيُوتٍ فِي صَحْرَاءَ وَ ) حِرْزُ بُيُوتٍ ( فِي بَسَاتِينَ بِمُلَاحِظٍ ) يَرَاهَا إنْ كَانَتْ مَفْتُوحَةً ( فَإِنْ كَانَتْ مُغْلَقَةً فَبِنَائِمٍ ) فِيهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهَا أَحَدٌ وَلَا مُلَاحِظٌ ثَمَّ يَرَاهَا فَلَيْسَتْ حِرْزًا مُغْلَقَةً كَانَتْ أَوْ مَفْتُوحَةً ( وَكَذَا ) أَيْ كَالْبُيُوتِ فِي صَحْرَاءَ وَبَسَاتِينَ ( خَيْمَةٌ وَخَرْكَاةٌ وَنَحْوُهُمَا ) كَبَيْتِ شَعْرٍ فَإِنْ كَانَ ثَمَّ مُلَاحِظٌ وَكَانَتْ مُغْلَقَةً وَفِيهَا نَائِمٌ فَمُحْرَزَةٌ وَإِلَّا فَلَا قَطْعَ عَلَى سَارِقِهَا وَلَا عَلَى سَارِقٍ مِنْهَا ، لِأَنَّهَا غَيْرُ مُحْرَزَةٍ عَادَةً ( وَحِرْزُ ثِيَابٍ فِي حَمَّامٍ وَ ) حِرْزُ ( أَعْدَالٍ ) بِسُوقٍ ( وَ ) حِرْزُ ( غَزْلٍ بِسُوقٍ أَوْ ) فِي ( خَانٍ وَمَا كَانَ مُشْتَرَكًا فِي دُخُولٍ ) كَرِبَاطٍ ( بِحَافِظٍ ) يَرَاهَا ( كَقُعُودِهِ عَلَى مَتَاعٍ )

وَتَوَسُّدِهِ لِمَا تَقَدَّمَ فِي قَطْعِ سَارِقِ رِدَاءِ صَفْوَانَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَهُوَ مُتَوَسِّدُهُ

( وَإِنْ فَرَّطَ حَافِظٌ ) فِي حَمَّامٍ أَوْ سُوقٍ أَوْ مَكَانٍ مُشْتَرَكِ الدُّخُولِ كَالْمَصْبَغَةِ وَالتَّكِيَّةِ وَالْخَانِكَاهِ ( فَنَامَ أَوْ اشْتَغَلَ فَلَا قَطْعَ ) عَلَى السَّارِقِ لِأَنَّهُ لَمْ يَسْرِقْ مِنْ حِرْزٍ ( وَضَمِنَ الْمَسْرُوقَ حَافِظٌ ) مُعَدٌّ لِلْحِفْظِ ( وَإِنْ لَمْ يَسْتَحْفِظْهُ ) لِتَفْرِيطِهِ ، وَأَمَّا مَنْ لَيْسَ مُعَدًّا لِلْحِفْظِ كَجَالِسٍ بِمَسْجِدٍ وُضِعَ عِنْدَهُ مَتَاعٌ فَلَا ضَمَانَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَسْتَحْفِظْهُ وَيَقْبَلْ صَرِيحًا وَيُفَرِّطْ

( وَحِرْزُ كَفَنٍ مَشْرُوعٍ يُقْبَرُ عَلَى مَيِّتٍ ) فَمَنْ نَبَشَ قَبْرًا وَأَخَذَ مِنْهُ كَفَنًا أَوْ بَعْضَهُ يُسَاوِي نِصَابًا قُطِعَ لِعُمُومِ الْآيَةِ وَقَوْلِ عَائِشَةَ : سَارِقُ أَمْوَاتِنَا كَسَارِقِ أَحْيَائِنَا ، .
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ قَطَعَ نَبَّاشًا ، فَإِنْ كَانَ الْكَفَنُ غَيْرَ مَشْرُوعٍ كَأَنْ كُفِّنَ الرَّجُلُ فِي أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ لَفَائِفَ أَوْ امْرَأَةٌ أَكْثَرَ مِنْ خَمْسٍ فَسَرَقَ الزَّائِدَ عَنْ الْمَشْرُوعِ أَوْ تُرِكَ الْمَيِّتُ فِي تَابُوتٍ فَأَخَذَ التَّابُوتَ أَوْ تُرِكَ مَعَهُ طِيبٌ مَجْمُوعٌ أَوْ نَحْوُ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ فَأَخَذَ فَلَا قَطْعَ لِأَنَّهُ سَفَهٌ وَإِضَاعَةُ مَالٍ فَلَا يَكُونُ مُحْرَزًا بِالْقَبْرِ وَكَذَا إنْ لَمْ يُخْرِجْ الْكَفَنَ مِنْ الْقَبْرِ بَلْ مِنْ اللَّحْدِ وَوَضَعَهُ فِي الْقَبْرِ كَنَقْلِ الْمَتَاعِ فِي الْبَيْتِ مِنْ جَانِبٍ إلَى جَانِبٍ وَكَذَا إنْ أُكِلَ الْمَيِّتُ وَنَحْوُهُ وَبَقِيَ الْكَفَنُ فَلَا قَطْعَ عَلَى سَارِقِهِ كَمَا لَوْ زَالَ نَائِمٌ بِنَحْوِ مَسْجِدٍ عَنْ رِدَائِهِ ثُمَّ سُرِقَ ( وَهُوَ ) أَيْ : الْكَفَنُ ( مِلْكٌ لَهُ ) أَيْ : الْمَيِّتِ اسْتِصْحَابًا لِلْحَيَاةِ وَلَا يَزُولُ مِلْكُهُ إلَّا عَمَّا لَا حَاجَةَ بِهِ إلَيْهِ ( وَالْخَصْمُ فِيهِ الْوَرَثَةُ ) لِقِيَامِهِمْ مَقَامَهُ كَوَلِيِّ غَيْرِ مُكَلَّفٍ ( فَإِنْ عُدِمُوا ) أَيْ : الْوَرَثَةُ ( فَ ) الْخَصْمُ فِيهِ ( نَائِبُ الْإِمَامِ ) لِأَنَّهُ وَلِيُّ مَنْ لَا وَلِيَّ لَهُ كَالْقَوَدِ وَإِنْ كَفَّنَهُ أَجْنَبِيٌّ مُتَبَرِّعًا فَكَذَلِكَ وَهُوَ الْخَصْمُ فِيهِ لِبَقَاءِ مِلْكِهِ عَلَيْهِ لِانْتِفَاءِ صِحَّةِ تَمْلِيكِ الْمَيِّتِ بَلْ هُوَ إبَاحَةٌ .

( وَحِرْزُ بَابٍ تَرْكِيبُهُ بِمَوْضِعِهِ ) مَفْتُوحًا أَوْ مُغْلَقًا لِأَنَّهُ الْعَادَةُ ( وَ ) حِرْزُ ( حَلْقَتِهِ ) أَيْ الْبَابِ ( بِتَرْكِيبِهَا فِيهِ ) لِأَنَّهَا تَصِيرُ بِذَلِكَ كَبَعْضِهِ فَمَنْ أَخَذَ بَابًا مَنْصُوبًا أَوْ مِنْهُ مَا يَبْلُغُ نِصَابًا قُطِعَ ( وَتَأْزِيرٌ ) أَيْ مَا يُجْعَلُ فِي أَسْفَلِ الْحَائِطِ مِنْ لِبَادٍ أَوْ زُفُوفٍ وَنَحْوِهَا ( وَجِدَارٌ وَسَقْفٌ كَبَابٍ ) أَيْ : فَحِرْزُهُ وَضْعُهُ بِمَحَلِّهِ فَمَنْ أَخَذَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا قُطِعَ إنْ كَانَ فِي مَوْضِعِهِ وَإِلَّا فَلَا وَكَذَا لَا قَطْعَ إنْ فَكَّ التَّأْزِيرَ وَهَدَمَ الْجِدَارَ أَوْ فَكَّ خَشَبًا مِنْ السَّقْفِ وَلَمْ يَأْخُذْهُ ( وَنَوْمٌ ) مُبْتَدَأٌ ( عَلَى رِدَاءٍ ) بِمَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ ( أَوْ ) عَلَى ( مَجْرِ فَرَسِهِ لَمْ يَزُلْ عَنْهُ ) أَيْ : الرِّدَاءِ أَوْ مَجْرِ الْفَرَسِ ( وَنَعْلٌ بِرِجْلٍ ) وَمِثْلُهُ خُفٌّ وَنَحْوُهُ ( حِرْزٌ ) خَبَرٌ ؛ لِأَنَّهُ هَكَذَا يُحَرَّزُ عَادَةً ، وَلِقِصَّةِ رِدَاءِ صَفْوَانَ فَإِنْ زَالَ عَنْ الرِّدَاءِ أَوْ مَجْرِ الْفَرَسِ أَوْ كَانَ النَّعْلُ بِغَيْرِ رِجْلِهِ فَلَا قَطْعَ إنْ لَمْ يَكُنْ بِنَحْوِ دَارٍ

( فَمَنْ نَبَشَ قَبْرًا أَوْ أَخَذَ الْكَفَنَ ) الْمَشْرُوعَ وَبَلَغَ نِصَابًا قُطِعَ ، لَا مَنْ وَجَدَ قَبْرًا مَنْبُوشًا فَأَخَذَ مِنْهُ كَفَنًا

( أَوْ سَرَقَ رِتَاجَ الْكَعْبَةِ ) بِكَسْرِ الرَّاءِ أَيْ : بَابَهَا الْعَظِيمِ قُطِعَ ( أَوْ ) سَرَقَ ( بَابَ مَسْجِدٍ ) أَوْ رِبَاطٍ ( أَوْ سَقْفِهِ أَوْ تَأْزِيرِهِ ) قُطِعَ ( أَوْ سَحَبَ رِدَاءَهُ ) أَيْ النَّائِمِ مِنْ تَحْتِهِ ( أَوْ ) سَحَبَ ( مَجْرَ فَرَسِهِ مِنْ تَحْتِهِ أَوْ ) سَحَبَ ( نَعْلًا مِنْ رِجْلِ ) لَابِسِهِ ( وَبَلَغَ ) مَا أَخَذَ مِنْ تِلْكَ الْأَشْيَاءِ ( نِصَابًا قُطِعَ ) سَارِقُهُ لِسَرِقَتِهِ نِصَابًا حِرْزُ مِثْلِهِ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ ، وَالْمُطَالَبَةُ بِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَسْجِدِ لِلْإِمَامِ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ

وَ ( لَا ) يُقْطَعُ بِسَرِقَةِ ( سِتَارَةِ الْكَعْبَةِ الْخَارِجَةِ ) نَصًّا ( وَلَوْ ) كَانَتْ ( مُخَيَّطَةً عَلَيْهَا ) كَغَيْرِ الْمُخَيَّطَةِ لِأَنَّهَا غَيْرُ مُحَرَّزَةٍ ( وَلَا بِ ) سَرِقَةِ ( قَنَادِيلِ الْمَسْجِدِ وَحُصُرِهِ وَنَحْوِهِمَا ) مِمَّا هُوَ لِنَفْعِ الْمُصَلِّينَ كَقَفَصٍ يَضَعُونَ نِعَالَهُمْ فِيهِ وَخَابِيَةٍ يَشْرَبُونَ مِنْهَا ( إنْ كَانَ ) السَّارِقُ ( مُسْلِمًا ) لِأَنَّ لَهُ فِيهِ حَقًّا كَسَرِقَتِهِ مِنْ بَيْتِ الْمَال فَإِنْ كَانَ ذِمِّيًّا قُطِعَ

( وَمَنْ سَرَقَ تَمْرًا أَوْ طَلْعًا أَوْ جُمَّارًا أَوْ مَاشِيَةً ) فِي الْمَرْعَى ( مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ كَمِنْ شَجَرَةٍ وَلَوْ ) كَانَتْ الشَّجَرَةُ ( بِبُسْتَانٍ مُحَوَّطٍ ) عَلَيْهِ وَ ( فِيهِ حَافِظٌ فَلَا قَطْعَ ) لِحَدِيثِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ مَرْفُوعًا { لَا قَطْعَ فِي ثَمَرٍ وَلَا كَثَرٍ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ فَإِنْ كَانَتْ الشَّجَرَةُ بِدَارٍ مُحْرِزَةٍ قُطِعَ

( وَضُعِّفَتْ ) عَلَى سَارِقِهِ ( قِيمَتُهُ ) أَيْ : الْمَسْرُوقِ مِنْ ثَمَرٍ أَوْ طَلْعٍ أَوْ جُمَّارٍ أَوْ مَاشِيَةٍ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ فَيَضْمَنُ عِوَضَ مَا سَرَقَهُ مَرَّتَيْنِ لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ " قَالَ { سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الثَّمَرِ الْمُعَلَّقِ فَقَالَ مَنْ أَصَابَ مِنْهُ بِفِيهِ مِنْ ذِي حَاجَةٍ غَيْرَ مُتَّخِذٍ خُبْنَةً فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَمَنْ خَرَجَ بِشَيْءٍ مِنْهُ فَعَلَيْهِ غَرَامَةُ مِثْلَيْهِ وَالْعُقُوبَةُ وَمَنْ سَرَقَ مِنْهُ شَيْئًا بَعْدَ أَنْ يَأْوِيَهُ الْجَرِينُ فَبَلَغَ ثَمَنَ الْمِجَنِّ فَعَلَيْهِ الْقَطْعُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَلَفْظُهُ لَهُ .
قَالَ أَحْمَدُ : لَا أَعْلَمُ شَيْئًا يَدْفَعُهُ .
وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ أَيْضًا أَنَّ عُمَرَ غَرَّمَ حَاطِبَ بْنَ أَبِي بَلْتَعَةَ حِينَ نَحَرَ غِلْمَانُهُ نَاقَةَ رَجُلٍ مِنْ مُزَيْنَةُ مِثْلَيْ قِيمَتِهَا .
رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَالْخُبْنَةُ بِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ ، ثُمَّ نُونٍ : الْحُجْزَةُ ( وَلَا تُضَعَّفُ ) قِيمَتُهَا ( فِي غَيْرِ مَا ذُكِرَ ) لِأَنَّ التَّضْعِيفَ فِيهِ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِلنَّصِّ

( وَلَا قَطْعَ ) بِسَرِقَةٍ ( عَامِ مَجَاعَةٍ غِلَال لَمْ يَجِدْ ) سَارِقٌ ( مَا يَشْتَرِيهِ أَوْ ) مَا ( يَشْتَرِي بِهِ ) نَصًّا قَالَ جَمَاعَةٌ مَا لَمْ يُبْذَلْ لَهُ وَلَوْ بِثَمَنٍ غَالٍ ، وَفِي التَّرْغِيبِ : مَا يُحْيِي بِهِ نَفْسَهُ .

الشَّرْطُ ( السَّادِسُ انْتِفَاءُ الشُّبْهَةِ فَلَا قَطْعَ بِسَرِقَةٍ مِنْ ) مَالِ ( عَمُودَيْ نَسَبِهِ ) أَيْ : السَّارِقِ ، أَمَّا سَرِقَتُهُ مِنْ مَالِ وَلَدِهِ فَلِحَدِيثِ { أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك } ، وَأَمَّا سَرِقَتُهُ مِنْ مَالِ أَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ أَوْ أُمِّهِ أَوْ جَدَّتِهِ وَإِنْ عَلَوْا أَوْ مِنْ مَالِ وَلَدِ ابْنِهِ أَوْ وَلَدِ بِنْتِهِ وَإِنْ سَفَلَا ؛ فَلِأَنَّ بَيْنَهُمْ قَرَابَةً تَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِمْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ ، وَلِأَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ لِأَحَدِهِمْ عَلَى الْآخَرِ حِفْظًا لَهُ فَلَا يَجُوزُ إتْلَافُهُ حِفْظًا لِلْمَالِ ( وَلَا ) قَطْعَ بِسَرِقَةٍ ( مِنْ مَالٍ لَهُ ) أَيْ السَّارِقِ ( شِرْكٌ فِيهِ أَوْ لِأَحَدٍ مِمَّنْ لَا يُقْطَعُ ) السَّارِقُ ( بِالسَّرِقَةِ مِنْهُ ) شِرْكٌ فِيهِ كَأَبِيهِ وَوَلَدِهِ لِقِيَامِ الشُّبْهَةِ فِيهِ بِالْبَعْضِ الَّذِي لَا يَجِبُ بِسَرِقَتِهِ قَطْعٌ .
( وَ ) لَا قَطْعَ بِسَرِقَةٍ ( مِنْ غَنِيمَةٍ لِأَحَدٍ مِمَّنْ ذُكِرَ ) مِنْ سَارِقٍ وَعَمُودَيْ نَسَبِهِ ( فِيهَا حَقٌّ ) قَبْلَ الْقِسْمَةِ ، وَكَذَا قِنٌّ سَرَقَ مِنْ غَنِيمَةٍ لِسَيِّدِهِ فِيهَا حَقٌّ ( وَلَا ) قَطْعَ بِسَرِقَةِ ( مُسْلِمٍ مِنْ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ ) لِقَوْلِ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ مَنْ سَرَقَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَلَا قَطْعَ مَا مِنْ أَحَدٍ إلَّا وَلَهُ فِي هَذَا الْمَالِ حَقٌّ .
وَرَوَى سَعِيدٌ عَنْ عَلِيٍّ لَيْسَ عَلَى مَنْ سَرَقَ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ قَطْعٌ ( إلَّا الْقِنَّ ) نَصًّا ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ بِمَعْنَاهُ قَالَ ( الْمُنَقِّحُ : وَالصَّحِيحُ لَا قَطْعَ انْتَهَى لِأَنَّهُ ) أَيْ : الْقِنَّ ( لَا يُقْطَعُ بِسَرِقَةٍ مِنْ مَالٍ لَا يُقْطَعُ بِهِ سَيِّدُهُ ) وَسَيِّدُهُ لَا يُقْطَعُ بِالسَّرِقَةِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَكَذَا هُوَ وَلَا قَطْعَ بِسَرِقَةِ مُكَاتِبٍ مِنْ مُكَاتَبِهِ وَعَكْسِهِ كَقِنِّهِ ، إذْ الْمُكَاتَبُ قِنٌّ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ { أَنَّ عَبْدًا مِنْ رَقِيقِ الْخُمُسِ سَرَقَ مِنْ الْخُمُسِ فَرُفِعَ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يَقْطَعْهُ ، وَقَالَ : مَالُ اللَّهِ سَرَقَ بَعْضُهُ بَعْضًا } ( وَلَا )

قَطْعَ ( بِسَرِقَةِ زَوْجٍ أَوْ زَوْجَةٍ مِنْ مَالِ الْآخَرِ وَلَوْ أُحْرِزَ عَنْهُ ) رَوَاهُ سَعِيدٌ عَنْ عُمَرَ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَرِثُ صَاحِبَهُ بِغَيْرِ حَجْبٍ وَيَبْسُطُ فِي مَالِهِ أَشْبَهَ الْوَلَدَ مَعَ الْوَالِدِ ، وَكَمَا لَوْ مَنَعَهَا نَفَقَتَهَا ( وَلَا ) قَطْعَ ( بِسَرِقَةِ مَسْرُوقٍ مِنْهُ أَوْ ) بِسَرِقَةِ ( مَغْصُوبٍ مِنْهُ مَالُ سَارِقٍ أَوْ ) مَالُ ( غَاصِبٍ مِنْ الْحِرْزِ الَّذِي فِيهِ الْعَيْنُ الْمَسْرُوقَةُ أَوْ ) مِنْ الْحِرْزِ الَّذِي فِيهِ الْعَيْنُ ( الْمَغْصُوبَةُ ) لِأَنَّ لِكُلٍّ مِنْهُمَا شُبْهَةً فِي هَتْكِ الْحِرْزِ إذَنْ لِأَخْذِهِ عَيْنَ مَالٍ ، فَإِذَا هَتَكَ صَارَ كَأَنَّ الْمَسْرُوقَ مِنْ ذَلِكَ الْحِرْزِ أَخَذَهُ مِنْ غَيْرِ حِرْزٍ ( وَإِنْ سَرَقَهُ ) أَيْ : سَرَقَ الْمَسْرُوقَ مِنْهُ أَوْ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ مِنْ مَالِ سَارِقٍ أَوْ غَاصِبٍ ( مِنْ حِرْزِ آخَرَ ) غَيْرِ الَّذِي بِهِ مَا سَرَقَ مِنْهُ أَوْ غَصَبَ مِنْهُ قُطِعَ لِسَرِقَتِهِ مِنْ حِرْزٍ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ ( أَوْ ) سَرَقَ ( مَالَ مَنْ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ ) قُطِعَ ؛ لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِي الْمَالِ وَلَا الْحِرْزِ ( لَا ) إنْ سَرَقَ مِنْ مَالِ مَدِينِهِ ( بِقَدْرِهِ ) أَيْ الدَّيْنِ ( لِعَجْزِهِ ) عَنْ اسْتِخْلَاصِهِ بِحَاكِمٍ لِإِبَاحَةِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ لَهُ الْأَخْذَ إذَنْ كَالْوَطْءِ فِي نِكَاحٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ فَإِنْ سَرَقَ أَكْثَرَ مِنْ دَيْنِهِ وَبَلَغَ الزَّائِدُ نِصَابًا قُطِعَ ( أَوْ ) سَرَقَ ( عَيْنًا قُطِعَ بِهِ ) أَيْ : بِسَرِقَتِهَا ( فِي سَرِقَةٍ أُخْرَى ) مُتَقَدِّمَةٍ مِنْ حِرْزِهَا الْأَوَّلِ أَوْ غَيْرِهِ قُطِعَ .
لِأَنَّهُ لَمْ يَنْزَجِرْ بِالْقَطْعِ الْأَوَّلِ أَشْبَهَ مَا لَوْ سَرَقَ غَيْرَهَا بِخِلَافِ حَدِّ قَذْفٍ فَلَا يُعَادُ بِإِعَادَةِ الْقَذْفِ .
لِأَنَّ الْغَرَضَ إظْهَارُ كَذِبِهِ وَقَدْ ظَهَرَ

( أَوْ أَجَّرَ ) إنْسَانٌ دَارِهِ ( أَوْ أَعَارَ دَارِهِ ثُمَّ سَرَقَ ) مُؤَجِّرٌ ( مِنْهَا مَالُ مُسْتَأْجِرٍ أَوْ ) سَرَقَ مُعِيرٌ مِنْهَا مَالَ ( مُسْتَعِيرٍ ) قُطِعَ .
لِأَنَّهُ لَا شُبْهَةَ لَهُ فِي الْمَالِ وَلَا فِي هَتْكِ الْحِرْزِ ، كَمَا لَوْ سَرَقَهُ مِنْ مِلْكِ الْمُسْتَأْجِرِ أَوْ الْمُسْتَعِيرِ ، وَظَاهِرُهُ أَنَّ الْمَغْصُوبَ دَارُهُ لَا قَطْعَ عَلَيْهِ بِسَرِقَةٍ مِنْهَا ( أَوْ ) سَرَقَ ( مِنْ ) مَالِ ( قَرَابَةٍ ) لَهُ ( غَيْرَ عَمُودَيْ نَسَبِهِ كَأَخِيهِ وَنَحْوِهِ ) كَعَمِّهِ وَخَالِهِ قُطِعَ .
لِأَنَّ قَرَابَتَهُ لَا تَمْنَعُ قَبُولَ شَهَادَةِ أَحَدِهِمَا لِلْآخَرِ فَلَا تَمْنَعُ الْقَطْعَ ( أَوْ ) سَرَقَ ( مُسْلِمٌ مِنْ ذِمِّيٍّ أَوْ ) مِنْ ( مُسْتَأْمَنٍ ) قُطِعَ ( أَوْ ) سَرَقَ ( أَحَدُهُمَا ) أَيْ الذِّمِّيِّ أَوْ الْمُسْتَأْمَنِ ( مِنْهُ ) أَيْ الْمُسْلِمِ ( قُطِعَ ) سَارِقٌ .
لِأَنَّ مَالَ كُلٍّ مِنْهُمَا مَعْصُومٌ كَسَرِقَةِ مُسْلِمٍ مِنْ مُسْلِمٍ

( وَمَنْ سَرَقَ عَيْنًا وَادَّعَى مِلْكَهَا أَوْ ) مِلْكَ ( بَعْضِهَا ) لَمْ يُقْطَعْ ، وَسَمَّاهُ الشَّافِعِيُّ السَّارِقَ الظَّرِيفَ لِأَنَّ مَا ادَّعَاهُ مُحْتَمَلٌ فَهُوَ شُبْهَةٌ فِي دَرْءِ الْحَدِّ ( أَوْ ) سَرَقَ عَيْنًا وَادَّعَى ( الْإِذْنَ ) مِنْ صَاحِبِ الْحِرْزِ ( فِي دُخُولِ الْحِرْزِ لَمْ يُقْطَعْ ) لِمَا تَقَدَّمَ ( وَيَأْخُذُهَا ) أَيْ الْعَيْنَ الْمَسْرُوقَةَ مِنْ سَارِقٍ ادَّعَى مِلْكَهَا أَوْ بَعْضَهَا ( مَسْرُوقٌ مِنْهُ بِيَمِينِهِ ) أَنَّهَا مِلْكُهُ وَحْدَهُ حَيْثُ لَا بَيِّنَةَ لَهُ .
الشَّرْطُ

( السَّابِعُ ثُبُوتُهَا ) أَيْ السَّرِقَةِ ( بِشَهَادَةِ عَدْلَيْنِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ } وَالْأَصْلُ عُمُومُهُ لَكِنْ خُولِفَ فِيمَا فِيهِ دَلِيلٌ خَاصٌّ لِلدَّلِيلِ فَبَقِيَ فِيمَا عَدَاهُ عَلَى عُمُومِهِ ( بِصِفَاتِهَا ) أَيْ : السَّرِقَةِ فِي شَهَادَتِهِمَا وَإِلَّا لَمْ يُقْطَعْ .
لِأَنَّهُ حَدٌّ فَيُدْرَأُ بِالشُّبْهَةِ كَالزِّنَا ( وَلَا تُسْمَعُ ) شَهَادَتُهُمَا ( قَبْلَ الدَّعْوَى ) مِنْ مَالِكٍ مَسْرُوقٍ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَهُ ( أَوْ بِإِقْرَارِ ) السَّارِقِ ( مَرَّتَيْنِ ) لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إتْلَافًا فَاعْتُبِرَ تَكْرَارُ الْإِقْرَارِ فِيهِ كَالزِّنَا أَوْ يُقَالُ : الْإِقْرَارُ أَحَدُ حُجَّتَيْ الْقَطْعِ فَاعْتُبِرَ فِيهِ التَّكْرَارُ كَالشَّهَادَةِ ، وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا بِمَا حَكَاهُ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَلِيٍّ : لَا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ حَتَّى يَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ مَرَّتَيْنِ ( وَيَصِفَهَا ) أَيْ : السَّرِقَةَ السَّارِقُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ لِاحْتِمَالِ ظَنِّهِ وُجُوبَ الْقَطْعِ عَلَيْهِ مَعَ فَقْدِ بَعْضِ شُرُوطِهِ ( وَلَا يَنْزِعُ ) أَيْ : يَرْجِعُ عَنْ إقْرَارِهِ ( حَتَّى يُقْطَعَ ) فَإِنْ رَجَعَ تُرِكَ ( وَلَا بَأْسَ بِتَلْقِينِهِ ) أَيْ السَّارِقِ ( الْإِنْكَارَ ) لِحَدِيثِ أَبِي أُمَيَّةَ الْمَخْزُومِيِّ { أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُتِيَ بِلِصٍّ قَدْ اعْتَرَفَ فَقَالَ : مَا أَخَالُك سَرَقْت ؟ قَالَ بَلَى ، فَأَعَادَ عَلَيْهِ مَرَّتَيْنِ قَالَ : بَلَى .
فَأَمَرَ بِهِ فَقُطِعَ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد

الشَّرْطُ ( الثَّامِنُ مُطَالَبَةُ مَسْرُوقٍ مِنْهُ أَوْ ) مُطَالَبَةُ ( وَكِيلِهِ أَوْ ) مُطَالَبَةُ ( وَلِيِّهِ ) أَيْ إذَا كَانَ مَحْجُورًا عَلَيْهِ لِحَظِّهِ .
لِأَنَّ الْمَالَ يُبَاحُ بِالْبَذْلِ وَالْإِبَاحَةِ فَيُحْتَمَلُ إبَاحَةُ مَالِكِهِ إيَّاهُ أَوْ إذْنُهُ لَهُ فِي دُخُولِ حِرْزِهِ وَنَحْوِهِ مِمَّا يُسْقِطُ الْقَطْعَ فَإِذَا طَالَبَ رَبُّ الْمَالِ بِهِ زَالَ هَذَا الِاحْتِمَالُ وَانْتَفَتْ الشُّبْهَةُ ( فَلَوْ أَقَرَّ ) شَخْصٌ ( بِسَرِقَةٍ مِنْ غَائِبٍ أَوْ قَامَتْ بِهَا بَيِّنَةٌ اُنْتُظِرَ حُضُورُهُ وَدَعْوَاهُ ) أَيْ : الْغَائِبِ بِأَنْ يُطَالِبَ السَّارِقَ لِتَكْمُلَ شُرُوطُ الْقَطْعِ ( فَيُحْبَسُ ) السَّارِقُ إلَى قُدُومِ الْغَائِبِ وَطَلَبِهِ أَوْ تَرْكِهِ ( وَتُعَادُ ) شَهَادَةُ الْبَيِّنَةِ بَعْدَ دَعْوَاهُ لِأَنَّ تَقَدُّمَهَا عَلَيْهِ شَرْطٌ لِلِاعْتِدَادِ بِهَا ( وَإِنْ كَذَّبَ مُدَّعٍ نَفْسَهُ ) فِي شَيْء مِمَّا يُوجِبُ الْقَطْعَ سَقَطَ الْقَطْعُ لِفَوَاتِ شُرُوطِهِ .

فَصْلٌ وَإِذَا وَجَبَ الْقَطْعُ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى لِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ " فَاقْطَعُوا أَيْمَانَهُمَا " وَهُوَ إمَّا قِرَاءَةٌ أَوْ تَفْسِيرٌ سَمِعَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ لَا يُظَنُّ بِمِثْلِهِ أَنْ يُثْبِتَ شَيْئًا فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ ، وَلِأَنَّهُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ ؛ وَلِأَنَّ السَّرِقَةَ جِنَايَةُ الْيُمْنَى غَالِبًا فَتُقْطَعُ ( مِنْ مِفْصَلِ كَفِّهِ ) لِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ : تُقْطَعُ يُمْنَى السَّارِقِ مِنْ الْكُوعِ .
وَلِأَنَّ الْيَدَ تُطْلَقُ عَلَيْهَا إلَى الْكُوعِ وَإِلَى الْمِرْفَقِ وَإِلَى الْمَنْكِبِ وَإِرَادَةُ مَا سِوَى الْأَوَّلِ مَشْكُوكٌ فِيهِ فَلَا يُقْطَعُ مَعَ الشَّكِّ ( وَحُسِمَتْ وُجُوبًا ) { لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَارِقٍ اقْطَعُوهُ وَاحْسِمُوهُ } .
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي إسْنَادِهِ مَقَالًا ، وَحَسْمُهَا ( بِغَمْسِهَا فِي زَيْتٍ مَغْلِيٍّ ) لِتَسْتَدَّ أَفْوَاهُ الْعُرُوقِ فَيَنْقَطِعُ الدَّمُ إذْ لَوْ تُرِكَ بِلَا حَسْمٍ لَنَزَفَ الدَّمُ فَأَدَّى إلَى مَوْتِهِ

( وَسُنَّ تَعْلِيقُهَا ) أَيْ يَدِ السَّارِقِ الْمَقْطُوعَةِ ( فِي عُنُقِهِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إنْ رَآهُ الْإِمَامُ ) أَيْ أَدَّاهُ اجْتِهَادُهُ إلَيْهِ لِتَتَّعِظَ السُّرَّاقُ بِهِ

( فَإِنْ عَادَ ) مَنْ قُطِعَتْ يُمْنَاهُ إلَى السَّرِقَةِ ( قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى مِنْ مَفْصِلِ كَعْبِهِ بِتَرْكِ عَقِبِهِ ) أَمَّا قَطْعُ الرِّجْلِ فَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { فِي السَّارِقِ إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ ثُمَّ إنْ سَرَقَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ } وَلِأَنَّهُ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ لَا مُخَالِفَ لَهُمَا مِنْ الصَّحَابَةِ ، وَأَمَّا كَوْنُهَا الْيُسْرَى فَقِيَاسًا عَلَى الْمُحَارَبَةِ ، وَلِأَنَّهُ أَرْفَقُ بِهِ لِأَنَّ الْمَشْيَ عَلَى الرِّجْلِ الْيُمْنَى أَسْهَلُ وَأَمْكَنُ لَهُ مِنْ الْيُسْرَى ، وَأَمَّا كَوْنُهُ مِنْ مَفْصِلِ كَعْبِهِ وَتَرْكِ عَقِبِهِ فَلِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يَقْطَعُ مِنْ شَطْرِ الْقَدَمِ وَيَتْرُكُ عَقِبَهَا يَمْشِي عَلَيْهَا ( وَحُسِمَتْ ) كَمَا تَقَدَّمَ فِي يَدِهِ وَيَنْبَغِي فِي قَطْعِهِ أَنْ يُقْطَعَ بِأَسْهَلَ مَا يُمْكِنُ بِأَنْ يُجْلَسَ وَيُضْبَطَ لِئَلَّا يَتَحَرَّكَ فَيَجْنِي عَلَى نَفْسِهِ وَتَشْدِيدِهِ بِحَبْلٍ وَتُجَرَّ حَتَّى يَتَيَقَّنَ الْمَفْصِلَ ثُمَّ تُوضَعُ السِّكِّينُ وَتُجَرَّ بِقُوَّةٍ لِيَقْطَعَ فِي مَرَّةٍ

( فَإِنْ عَادَ ) فَسَرَقَ بَعْدَ قَطْعِ يَدِهِ وَرِجْلِهِ ( حُبِسَ حَتَّى يَتُوبَ وَيَحْرُمُ أَنْ يُقْطَعَ ) لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ " حَضَرْت عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَتَى بِرَجُلٍ مَقْطُوعِ الْيَدِ وَالرِّجْلِ قَدْ سَرَقَ فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ : مَا تَرَوْنَ فِي هَذَا ؟ قَالُوا اقْطَعْهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ : أَقْتُلُهُ إذَنْ وَمَا عَلَيْهِ الْقَتْلُ ، بِأَيِّ شَيْءٍ يَأْكُلُ الطَّعَامَ ؟ بِأَيِّ شَيْءٍ يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ ؟ بِأَيِّ شَيْءٍ يَغْتَسِلُ مِنْ جَنَابَتِهِ بِأَيِّ شَيْءٍ يَقُومُ إلَى حَاجَتِهِ ؟ فَرَدَّهُ إلَى السِّجْنِ أَيَّامًا ثُمَّ أَخْرَجَهُ فَاسْتَشَارَ أَصْحَابَهُ فَقَالُوا مِثْلَ قَوْلِهِمْ الْأَوَّلِ ، وَقَالَ لَهُمْ مِثْلَ مَا قَالَ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَجَلَدَهُ جَلْدًا شَدِيدًا ثُمَّ أَرْسَلَهُ " رَوَاهُ سَعِيدٌ .
وَلِأَنَّ فِي قَطْعِ يَدِهِ الْأُخْرَى تَفْوِيتًا لِمَنْفَعَةِ جِنْسِ الْيَدِ وَذَهَابَ عُضْوَيْنِ مِنْ شِقٍّ ، وَحِكْمَةُ حَبْسِهِ كَفُّهُ عَنْ السَّرِقَةِ وَتَعْزِيرُهُ

( فَلَوْ سَرَقَ ) شَخْصٌ ( وَيَمِينُهُ ) أَيْ يُمْنَى يَدِهِ ذَاهِبَةٌ ( أَوْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى ذَاهِبَةٌ قُطِعَ الْبَاقِي مِنْهُمَا ) أَيْ : مِنْ يُمْنَى يَدَيْهِ وَيُسْرَى رِجْلَيْهِ .
لِأَنَّ مَنْفَعَةَ الْجِنْسِ لَا تَتَعَطَّلُ بِذَلِكَ وَلَيْسَا مِنْ شِقٍّ وَاحِدٍ ( وَإِنْ كَانَ الذَّاهِبُ ) مِنْ السَّارِقِ ( يَدَهُ الْيُسْرَى وَرِجْلَهُ الْيُمْنَى لَمْ يُقْطَعْ ) مِنْهُ شَيْءٌ ( لِتَعْطِيلِ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ وَذَهَابِ عُضْوَيْنِ مِنْ شِقٍّ ) بِذَلِكَ الْقَطْعِ لَوْ فَعَلَ ( وَلَوْ كَانَ ) الذَّاهِبُ ( يَدَيْهِ أَوْ يُسْرَاهُمَا لَمْ تُقْطَعْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى ) لِذَهَابِ عُضْوَيْنِ مِنْ شِقٍّ ( وَلَوْ كَانَ ) الذَّاهِبُ ( رِجْلَيْهِ أَوْ يُمْنَاهُمَا ) أَيْ : يَمِينَ رِجْلَيْهِ ( قُطِعَتْ يُمْنَى يَدَيْهِ ؛ لِأَنَّهَا الْآلَةُ وَمَحَلُّ النَّصِّ ) وَلَا يَذْهَبُ بِقَطْعِهَا مَنْفَعَةُ جِنْسِهَا

( وَلَوْ ذَهَبَتْ بَعْدَ سَرِقَتِهِ يُمْنَى ) يَدَيْهِ ( أَوْ يُسْرَى يَدَيْهِ أَوْ ) ذَهَبَ بَعْدَ سَرِقَتِهِ يُمْنَى ( أَوْ ) يُسْرَى يَدَيْهِ مَعَ رِجْلَيْهِ أَوْ ذَهَبَتْ يُمْنَى أَوْ يُسْرَى يَدَيْهِ مَعَ ( إحْدَاهُمَا ) أَيْ إحْدَى رِجْلَيْهِ ( سَقَطَ الْقَطْعُ ) أَمَّا فِي الْأُولَى فَلِتَلَفِ مَحَلِّ الْقَطْعِ كَمَا لَوْ مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ قَوَدٌ .
وَأَمَّا سُقُوطُهُ فِي الثَّانِيَةِ فَلِذَهَابِ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ بِقَطْعِ يُمْنَاهُ .
وَأَمَّا فِي الْأَخِيرَتَيْنِ فَكَذَلِكَ وَأَوْلَى وَ ( لَا ) يَسْقُطُ الْقَطْعُ ( إنْ كَانَ الذَّاهِبُ ) بَعْدَ سَرِقَتِهِ ( يُمْنَى رِجْلَيْهِ أَوْ يُسْرَى رِجْلَيْهِ أَوْ هُمَا ) أَيْ رِجْلَيْهِ لِبَقَاءِ مَنْفَعَةِ جِنْسِ الْمَقْطُوعَةِ ( وَالشَّلَا ) مِنْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ ( وَلَوْ أُمِنَ التَّلَفُ بِقَطْعِهَا ) كَمَعْدُومَةٍ ( وَمَا ذَهَبَ مُعْظَمُ نَفْعِهَا ) مِنْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ ( كَمَعْدُومَةٍ ) كَأَنْ ذَهَبَ مِنْهَا ثَلَاثُ أَصَابِعَ ( لَا مَا ) أَيْ : يَدٌ أَوْ رِجْلٌ ( ذَهَبَ مِنْهَا خِنْصِرٌ وَبِنْصِرٌ ) بِكَسْرِ الصَّادِ فِيهِمَا فَقَطْ أَوْ ذَهَبَ مِنْ يَدٍ أَوْ رِجْلٍ ( أُصْبُعٌ سِوَاهُمَا ) أَيْ : الْخِنْصِرِ وَالْبِنْصِرِ ( وَلَوْ ) كَانَتْ الْأُصْبُعُ الذَّاهِبَةُ ( الْإِبْهَامَ ) فَلَيْسَتْ كَالْمَعْدُومَةِ لِبَقَاءِ مُعْظَمِ نَفْعِهَا فَيُقْطَعُ مِنْ السَّارِقِ مَا وَجَبَ قَطْعُهُ

( وَإِنْ وَجَبَ قَطْعُ يُمْنَاهُ ) أَيْ السَّارِقِ ( فَقَطَعَ قَاطِعٌ يُسْرَاهُ بِلَا إذْنِهِ عَمْدًا ) ( فَ ) عَلَيْهِ ( الْقَوَدُ ) لِقَطْعِهِ عُضْوًا مَعْصُومًا كَمَا لَوْ لَمْ يَجِبْ قَطْعُ يُمْنَاهُ ( وَإِلَّا ) يَتَعَمَّدْ قَاطِعٌ يُسْرَاهُ ( فَ ) عَلَيْهِ ( الدِّيَةُ ) أَيْ : دِيَةُ الْيَدِ .
لِأَنَّهُ خَطَأٌ ( وَلَا تُقْطَعُ يُمْنَى السَّارِقِ ) بَعْدَ قَطْعِ يُسْرَاهُ لِئَلَّا يُفْضِيَ إلَى تَعْطِيلِ مَنْفَعَةِ الْجِنْسِ ( وَفِي التَّنْقِيحِ بَلَى ) قَالَ : وَإِنْ قَطَعَ الْقَاطِعُ يُسْرَاهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً قُطِعَتْ يُمْنَاهُ .
انْتَهَى .
وَاخْتَارَ الْمُوَفَّقُ : تُجْزِئُ وَلَا ضَمَانَ

( وَيَجْتَمِعُ ) عَلَى سَارِقٍ ( الْقَطْعُ وَالضَّمَانُ ) أَيْ : ضَمَانُ مَا سَرَقَهُ نَصًّا .
لِأَنَّهُمَا حَقَّانِ لِمُسْتَحِقَّيْنِ فَجَازَ اجْتِمَاعُهُمَا كَالدِّيَةِ وَالْكَفَّارَةِ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ ( فَيَرُدُّ ) سَارِقٌ ( مَا سَرَقَهُ لِمَالِكِهِ ) إنْ بَقِيَ .
لِأَنَّهُ عَيْنُ مَالِهِ

( وَإِنْ تَلِفَ ) مَسْرُوقٌ ( فَ ) عَلَى سَارِقِهِ ( مِثْلُ مِثْلَيْ قِيمَةِ غَيْرِهِ ) كَمَغْصُوبٍ ( وَيُعِيدُ مَا خَرَّبَ مِنْ حِرْزٍ ) لِتَعَدِّيهِ وَالْقِيَاسُ : يَضْمَنُ أَرْشَ نَقْصِهِ ( وَعَلَيْهِ ) أَيْ : السَّارِقِ ( أُجْرَةُ قَاطِعِ ) يَدِهِ أَوْ رِجْلِهِ .
لِأَنَّ الْقَطْعَ حَقٌّ وَجَبَ عَلَيْهِ الْخُرُوجُ مِنْهُ فَكَانَتْ مُؤْنَتُهُ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ ( وَ ) عَلَيْهِ ( ثَمَنُ زَيْتِ حَسْمٍ ) حِفْظًا لِنَفْسِهِ إذْ لَا يُؤْمَنُ عَلَيْهَا التَّلَفُ بِدُونِهِ وَقِيلَ : هُمَا فِي بَيْتِ الْمَالِ لِأَنَّهُمَا مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ .

بَابُ حَدِّ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى : { إنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا - الْآيَةَ } .
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ : نَزَلَتْ فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى بَعْدَ ذَلِكَ { إلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ } وَالْكُفَّارُ تُقْبَلُ تَوْبَتُهُمْ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِمْ وَقَبْلَهَا وَأَمَّا الْحَدُّ فَلَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ بَعْدَ وُجُوبِهِ ( وَهُمْ الْمُكَلَّفُونَ الْمُلْتَزِمُونَ ) مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَهْلِ الذِّمَّةِ وَيُنْتَقَضُ بِهِ عَهْدُهُمْ ( وَلَوْ ) كَانَ الْمُكَلَّفُ الْمُلْتَزِمُ ( أُنْثَى ) لِأَنَّهَا تُقْطَعُ فِي السَّرِقَةِ فَلَزِمَهَا حُكْمُ الْمُحَارَبَةِ كَالرَّجُلِ بِجَامِعِ التَّكْلِيفِ ( الَّذِينَ يَعْرِضُونَ لِلنَّاسِ بِسِلَاحٍ وَلَوْ ) كَانَ سِلَاحُهُمْ ( عَصًا أَوْ حَجَرًا فِي صَحْرَاءَ أَوْ بُنْيَانٍ أَوْ بَحْرٍ ) لِعُمُومِ الْآيَةِ .
بَلْ ضَرَرُهُمْ فِي الْبُنْيَانِ أَعْظَمُ ( فَيَغْصِبُونَ مَالًا مُحْتَرَمًا مُجَاهَرَةً ) فَخَرَجَ الصَّغِيرُ وَالْمَجْنُونُ وَالْحَرْبِيُّ وَمَنْ يَعْرِضُ لِنَحْوِ صَيْدٍ أَوْ يَعْرِضُ لِلنَّاسِ بِلَا سِلَاحٍ ، لِأَنَّهُمْ لَا يُمْنَعُونَ مِنْ قَصْدِهِمْ ، وَخَرَجَ أَيْضًا مَنْ يَغْصِبُ نَحْوَ كَلْبٍ أَوْ سِرْجِينٍ نَجِسٍ أَوْ مَالِ حَرْبِيٍّ وَنَحْوِهِ ، وَمَنْ يَأْخُذُ خِفْيَةً لِأَنَّهُ سَارِقٌ وَأَمَّا الْمُحَارِبُ فَيَعْتَصِمُ بِالْقِتَالِ دُونَ الْخِفْيَةِ

( وَيُعْتَبَرُ ) لِوُجُوبِ حَدِّ الْمُحَارِبِ ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ أَحَدُهَا ( ثُبُوتُهُ ) أَيْ : قَطْعِ الطَّرِيقِ ( بِبَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ مَرَّتَيْنِ ) كَالسَّرِقَةِ .
( وَ ) الثَّانِي ( الْحِرْزُ ) بِأَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ يَدِ مُسْتَحِقِّهِ وَهُوَ بِالْقَافِلَةِ ؛ فَلَوْ وَجَدَهُ مَطْرُوحًا أَوْ أَخَذَهُ مِنْ سَارِقِهِ أَوْ غَاصِبِهِ أَوْ مُنْفَرِدًا عَنْ قَافِلَةٍ لَمْ يَكُنْ مُحَارِبًا .
( وَ ) الثَّالِثُ ( النِّصَابُ ) الَّذِي يُقْطَعُ بِهِ السَّارِقُ

( فَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ ) مِنْ الْمُحَارِبِينَ ( وَقَدْ قَتَلَ ) إنْسَانًا فِي الْمُحَارَبَةِ ( وَلَوْ ) كَانَ الْقَتْلُ بِمُثْقَلٍ أَوْ سَوْطٍ أَوْ عَصًا ، أَوْ قَتْلَ ( مَنْ لَا يُقَادُ بِهِ ) الْمُحَارِبُ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ فِي غَيْرِ الْحِرَابَةِ ( كَوَلَدِهِ وَقِنٍّ ) يَقْتُلُهُ حُرٌّ ( وَ ) كَ ( ذِمِّيٍّ ) يَقْتُلُهُ مُسْلِمٌ ، وَكَانَ قَتْلُ كُلٍّ مِمَّنْ ذُكِرَ ( لِقَصْدِ مَالِهِ وَأَخَذَ مَالًا قُتِلَ حَتْمًا ) لِوُجُوبِهِ لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ ( ثُمَّ صُلِبَ قَاتِلُ مَنْ يُقَادُ بِهِ ) لَوْ قَتَلَهُ فِي غَيْرِ الْمُحَارَبَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا } ( حَتَّى يُشْتَهَرَ ) لِيَرْتَدِعَ غَيْرُهُ ثُمَّ يُنْزَلُ وَيُغَسَّلُ وَيُكَفَّنُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَيُدْفَنُ ، ذَكَرَهُ فِي الْإِقْنَاعِ ( وَلَا يُقْطَعُ مَعَ ذَلِكَ ) أَيْ : مَعَ الْقَتْلِ وَالصَّلْبِ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ مَعَهُمَا فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي رَوَاهُ عَنْهُ الشَّافِعِيُّ بِإِسْنَادِهِ " إذَا قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ ، قُتِّلُوا وَصُلِّبُوا وَإِذَا قَتَلُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا الْمَالَ قُتِّلُوا وَلَمْ يُصَلَّبُوا ، وَإِذَا أَخَذُوا الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلُوا قُطِّعَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ ، وَإِذَا أَخَافُوا السَّبِيلَ وَلَمْ يَأْخُذُوا مَالًا نُفُوا مِنْ الْأَرْضِ " وَرَوَى نَحْوَهُ مَرْفُوعًا ، وَلِأَنَّ الْقَتْلَ وَالْقَطْعَ عُقُوبَتَانِ تَتَضَمَّنُ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى ، لِأَنَّ إتْلَافَ الْبَدَنِ يَتَضَمَّنُ إتْلَافَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ ، فَاكْتُفِيَ بِقَتْلِهِ كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ إنْسَانٍ وَرِجْلَهُ ، ثُمَّ قَتَلَهُ فِي الْحَالِ

( وَلَوْ مَاتَ ) مُحَارِبٌ قَتَلَ مَنْ يُكَافِئُهُ ( أَوْ قُتِلَ قَبْلَ قَتْلِهِ لِلْمُحَارَبَةِ لَمْ يُصَلَّبْ ) لِعَدَمِ الْفَائِدَةِ فِيهِ وَهِيَ اشْتِهَارُ أَمْرِهِ فِي الْقَتْلِ فِي الْمُحَارَبَةِ ، لِأَنَّهُ لَمْ يُقْتَلْ فِيهَا ، وَكَذَا قَاتِلُ مَنْ لَا يُكَافِئُهُ كَوَلَدِهِ وَذِمِّيٍّ وَقِنٍّ

( وَلَا يَتَحَتَّمُ قَوَدٌ فِيمَا دُونَ نَفْسٍ ) عَلَى مُحَارِبٍ ، فَإِنْ قَطَعَ يَدًا أَوْ رِجْلًا أَوْ نَحْوَهُمَا ، فَلِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ الْقَوَدُ أَوْ الْعَفْوُ لِأَنَّ الْقَوَدَ إنَّمَا تَحَتَّمَ إذَا قَتَلَ لِأَنَّهُ حَدُّ الْمُحَارَبَةِ بِخِلَافِ الطَّرَفِ فَإِنَّهُ يُسْتَوْفَى قِصَاصًا لَا حَدًّا

( وَرِدْءُ ) مُحَارِبٍ : مُبْتَدَأٌ ، أَيْ : مُسَاعِدُهُ وَمُغِيثُهُ إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ ( وَطَلِيعٍ ) يَكْشِفُ لِلْمُحَارِبِ حَالَ الْقَافِلَةِ لِيَأْتُوا إلَيْهَا ( كَمُبَاشِرٍ ) خَبَرٌ كَاشْتِرَاكِ الْجَيْشِ فِي الْغَنِيمَةِ إذَا دَخَلُوا دَارَ الْحَرْبِ وَبَاشَرَ بَعْضُهُمْ الْقِتَالَ وَوَقَفَ الْبَاقُونَ لِلْحِرَاسَةِ مِمَّنْ يَدْهَمُهُمْ مِنْ وَرَائِهِمْ ، وَكَذَا الْعَيْنُ الَّذِي يُرْسِلُهُ الْإِمَامُ لِيَعْرِفَ أَحْوَالَ الْعَدُوِّ ، وَظَاهِرُهُ حَتَّى فِي الْمَالِ .
وَفِي الْمُغْنِي وَالْوَجِيزِ ، إلَّا فِي ضَمَانِ الْمَالِ فَيَتَعَلَّقُ بِآخِذِهِ خَاصَّةً .
وَحَكَاهُ فِي الْفُرُوعِ بِقِيلَ ( فَرِدْءٌ غَيْرُ مُكَلَّفٍ كَهُوَ ) أَيْ : الْمُبَاشِرِ غَيْرِ الْمُكَلَّفِ فَيَضْمَنُ الرِّدْءُ الْمُكَلَّفُ مَا بَاشَرَ أَخْذَهُ غَيْرُ الْمُكَلَّفِ وَلَا حَدَّ لِأَنَّ الرِّدْءَ تَبَعٌ لِلْمُبَاشِرِ وَدِيَةُ قَتِيلِ غَيْرِ مُكَلَّفٍ عَلَى عَاقِلَتِهِ

( وَلَوْ قَتَلَ بَعْضُهُمْ ) أَيْ الْمُحَارِبِينَ الْمُكَلَّفِينَ وَلَمْ يَأْخُذْ مَالًا ( ثَبَتَ حُكْمُ الْقَتْلِ فِي حَقِّ جَمِيعِهِمْ ) فَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهِمْ قَبْلَ أَنْ يَتُوبُوا قَتَلَ مَنْ قَتَلَ وَمَنْ لَمْ يَقْتُلْ مِنْ الْمُكَلَّفِينَ لِمَا تَقَدَّمَ فِي الرِّدْءِ ( وَإِنْ قَتَلَ بَعْضٌ ) لِأَخْذِ الْمَالِ ( وَأَخَذَ الْمَالَ بَعْضٌ ) آخَرَ ( تَحَتَّمَ قَتْلُ الْجَمِيعِ وَصَلْبُهُمْ ) كَمَا لَوْ فَعَلَ ذَلِكَ كُلٌّ مِنْهُمْ

( وَإِنْ قَتَلَ ) مُحَارِبٌ ( فَقَطْ لِقَصْدِ الْمَالِ قُتِلَ حَتْمًا وَلَمْ يُصَلَّبْ ) لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَلِأَنَّ جِنَايَتَهُمْ بِالْقَتْلِ وَأَخْذِ الْمَالِ تَزِيدُ عَلَى جِنَايَتِهِمْ بِالْقَتْلِ وَحْدَهُ فَوَجَبَ اخْتِلَافُ الْعُقُوبَتَيْنِ

( وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ ) مُحَارِبٌ ( وَأَخَذَ نِصَابًا لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ ) مِنْ بَيْنِ الْقَافِلَةِ ( لَا مِنْ مُنْفَرِدٍ عَنْ قَافِلَةٍ قُطِعَتْ يَدُهُ ) أَيْ : يَدُ كُلٍّ مِنْ الْمُحَارِبِينَ ( الْيُمْنَى ثُمَّ رِجْلُهُ الْيُسْرَى ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { مِنْ خِلَافٍ } وَرِفْقًا بِهِ فِي إمْكَانِ مَشْيِهِ ( فِي مَقَامٍ وَاحِدٍ حَتْمًا ) فَلَا يُنْظَرُ بِقَطْعِ إحْدَاهُمَا انْدِمَالُ الْأُخْرَى لِأَنَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِقَطْعِهِمَا بِلَا تَعَرُّضٍ لِلتَّأْخِيرِ وَالْأَمْرُ لِلْفَوْرِ فَتُقْطَعُ يُمْنَى يَدَيْهِ وَتُحْسَمُ ثُمَّ رِجْلُهُ الْيُسْرَى وَتُحْسَمُ ( وَحُسِمَتَا ) وُجُوبًا لِحَدِيثِ { اقْطَعُوهُ وَاحْسِمُوهُ } ( وَيُخْلَى ) سَبِيلُهُ لِاسْتِيفَاءِ مَا لَزِمَهُ كَالْمَدِينِ يُوفِي دَيْنَهُ ( فَلَوْ كَانَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى مَفْقُودَةً ) قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى فَقَطْ ( أَوْ ) كَانَتْ يَمِينُهُ شَلَّاءَ ( أَوْ ) كَانَتْ يَمِينُهُ ( مَقْطُوعَةً أَوْ ) كَانَتْ يَمِينُهُ ( مُسْتَحَقَّةً فِي قَوَدٍ قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى فَقَطْ ) لِئَلَّا تَذْهَبَ مَنْفَعَةُ جِنْسِ الْيَدِ ( وَإِنْ عَدِمَ يُمْنَى يَدَيْهِ لَمْ تُقْطَعْ يُمْنَى رِجْلَيْهِ ) بَلْ يُسْرَاهُمَا فَقَطْ كَمَا تَقَدَّمَ ( وَإِنْ حَارَبَ ) مَرَّةً ( ثَانِيَةً ) بَعْدَ قَطْعِ يُمْنَى يَدَيْهِ وَيُسْرَى رِجْلَيْهِ ( لَمْ يُقْطَعْ مِنْهُ شَيْءٌ ) لِمَا تَقَدَّمَ فِي السَّارِقِ وَقِيَاسُهُ أَنْ يُحْبَسَ حَتَّى يَتُوبَ

( وَتَتَعَيَّنُ دِيَةٌ لِقَوَدٍ لَزِمَ بَعْدَ مُحَارَبَتِهِ ) بِأَنْ قَتَلَ بَعْدَهَا عَمْدًا مُكَافِئًا ( لِتَقْدِيمِهَا ) أَيْ : الْمُحَارَبَةِ ( بِسَبْقِهَا ، وَكَذَا لَوْ مَاتَ ) مُحَارِبٌ لَزِمَهُ قَوَدٌ بَعْدَ مُحَارَبَتِهِ ( قَبْلَ قَتْلِهِ لِلْمُحَارَبَةِ ) فَتَتَعَيَّنُ الدِّيَةُ لِفَوَاتِ مَحَلِّ الْقَوَدِ

( وَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ ) أَحَدٌ مِنْ الْمُحَارِبِينَ أَحَدًا ( وَلَا أَخَذَ مَالًا ) يَبْلُغُ نِصَابًا لَا شُبْهَةَ لَهُ فِيهِ مِنْ حِرْزِهِ ( نُفِيَ وَشُرِّدَ وَلَوْ قِنًّا ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْضِ } وَمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّ النَّفْيَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي هَذِهِ الْحَالِ ، وَلِأَنَّ الْمُنَاسِبَ أَنْ يَكُونَ الْأَخَفُّ بِإِزَاءِ الْأَخَفِّ ، وَمِنْهُ عُلِمَ أَنَّ أَوْ فِي الْآيَةِ لَيْسَتْ لِلتَّخْيِيرِ وَلَا لِلشَّكِّ بَلْ لِلتَّنْوِيعِ ( فَلَا يُتْرَكُ يَأْوِي إلَى بَلَدٍ حَتَّى تَظْهَرَ تَوْبَتُهُ ) عَنْ قَطْعِ الطَّرِيقِ ( وَتُنْفَى الْجَمَاعَةُ مُتَفَرِّقَةً ) كُلٌّ إلَى جِهَةٍ لِئَلَّا يَجْتَمِعُوا عَلَى الْمُحَارَبَةِ ثَانِيًا

( وَمَنْ تَابَ مِنْهُمْ ) أَيْ : الْمُحَارِبِينَ بَعْدَ قُدْرَةٍ عَلَيْهِ سَقَطَ عَنْهُ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى ( مِنْ صَلْبٍ وَقَطْعِ ) يَدٍ أَوْ رِجْلٍ ( وَنَفْيٍ وَتَحَتَّمَ قَتْلٌ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { إلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } ( وَكَذَا خَارِجِيٌّ وَبَاغٍ وَمُرْتَدٌّ وَمُحَارِبٌ ) تَابَ قَبْلَ قُدْرَةٍ عَلَيْهِ ، وَأَمَّا مَنْ تَابَ مِنْهُمْ بَعْدَ قُدْرَةٍ عَلَيْهِ فَلَا يَسْقُطُ عَنْهُ شَيْء مِمَّا وَجَبَ عَلَيْهِ لِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى : { مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ } وَلِأَنَّ ظَاهِرَ حَالِ مَنْ تَابَ قَبْلَ الْقُدْرَةِ أَنَّ تَوْبَتَهُ تَوْبَةُ إخْلَاصٍ ، وَأَمَّا بَعْدَهَا فَالظَّاهِرُ أَنَّهَا تَوْبَةُ تَقِيَّةٍ مِنْ إقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ ، وَلِأَنَّ فِي قَبُولِ تَوْبَتِهِ قَبْلَ الْقُدْرَةِ تَرْغِيبًا لَهُ فِيهَا بِخِلَافِ مَا بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ ، فَإِنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى تَرْغِيبِهِ فِيهَا

( وَيُؤْخَذُ غَيْرُ حَرْبِيٍّ ) مِنْ ذِمِّيٍّ أَوْ مُعَاهَدٍ وَمُسْتَأْمَنٍ ( أَسْلَمَ بِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى ) إنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَالَ كُفْرِهِ كَنَذْرٍ وَكَفَّارَةٍ لَا حَدِّ زِنًا وَنَحْوِهِ ( وَحَقِّ آدَمِيٍّ طَلَبَهُ ) مِنْ قِصَاصٍ فِي نَفْسٍ أَوْ دُونَهَا ، وَغَرَامَةِ مَالٍ وَدِيَةِ مَا لَا قِصَاصَ فِيهِ ، وَحَدِّ قَذْفٍ كَمَا قَبْلَ الْإِسْلَامِ .
وقَوْله تَعَالَى : { قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ } وَحَدِيثِ { الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ ، فِي الْحَرْبِيِّينَ } أَوْ خَاصٌّ بِالْكُفْرِ ؛ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ

( وَمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ حَدُّ سَرِقَةٍ أَوْ ) حَدُّ ( زِنًا أَوْ ) حَدُّ ( شُرْبٍ فَتَابَ ) مِنْهُ ( قَبْلَ ثُبُوتِهِ ) عِنْدَ حَاكِمٍ ( سَقَطَ ) عَنْهُ ( بِمُجَرَّدِ تَوْبَتِهِ قَبْلَ إصْلَاحِ عَمَلٍ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَاَللَّذَانِ يَأْتِيَانِهَا مِنْكُمْ فَآذُوهُمَا فَإِنْ تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا } وَقَوْلِهِ بَعْدَ ذِكْرِ حَدِّ السَّارِقِ { فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ ، فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ } وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ } وَلِإِعْرَاضِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُقِرِّ بِالزِّنَا ( حَتَّى أَقَرَّ أَرْبَعًا فَإِنْ ثَبَتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ لَمْ يَسْقُطْ بِالتَّوْبَةِ " لِحَدِيثِ { تَعَافَوْا الْحُدُودَ فِيمَا بَيْنَكُمْ فَمَا بَلَغَنِي مِنْ حَدٍّ فَقَدْ وَجَبَ } رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ ( كَ ) مَا يَسْقُطُ حَدٌّ مُطْلَقًا ( بِمَوْتٍ ) لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ كَسُقُوطِ غُسْلِ مَا ذَهَبَ مِنْ أَعْضَاءِ الطَّهَارَةِ

فَصْلٌ وَمَنْ أُرِيدَتْ أَيْ قُصِدَتْ ( نَفْسُهُ ) لِقَتْلٍ أَوْ يُفْعَلُ بِهَا الْفَاحِشَةُ ( أَوْ ) أُرِيدَتْ ( حُرْمَتُهُ ) كَأُمِّهِ وَأُخْتِهِ وَزَوْجَتِهِ وَنَحْوِهِنَّ لِزِنًا أَوْ قَتْلٍ ( أَوْ ) أُرِيدَ أَخْذُ ( مَالِهِ وَلَوْ قَلَّ ) مَا أُرِيدَ مِنْ مَالِهِ ( أَوْ لَمْ يُكَافِئْ ) مَنْ أُرِيدَتْ نَفْسُهُ أَوْ حُرْمَتُهُ أَوْ مَالُهُ ( الْمُرِيدَ ) لِذَلِكَ ( فَلَهُ دَفْعُهُ ) عَنْ نَفْسِهِ وَحُرْمَتِهِ وَمَالِهِ ( بِأَسْهَلَ مَا ) أَيْ : شَيْءٍ ( يَظُنُّ انْدِفَاعَهُ بِهِ ) لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى تَلَفِهِ وَأَذَاهُ وَتَسَلُّطِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ فَيُفْضِي إلَى الْهَرَجِ وَالْمَرَجِ .
وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ .
قَالَ { جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْت إنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي ؟ قَالَ : فَلَا تُعْطِهِ .
قَالَ : أَرَأَيْت إنْ قَاتَلَنِي ؟ قَالَ : قَاتِلْهُ .
قَالَ : أَرَأَيْت إنْ قَتَلَنِي ؟ قَالَ : فَأَنْتَ شَهِيدٌ .
قَالَ : أَرَأَيْت إنْ قَتَلْته ؟ قَالَ : هُوَ فِي النَّارِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ .
وَفِي لَفْظٍ لِأَحْمَدَ أَنَّهُ قَالَ لَهُ أَوَّلًا : أَنْشِدْهُ اللَّهَ .
قَالَ فَإِنْ أَبَى عَلَيَّ قَالَ : قَاتِلْهُ وَلِأَنَّ الْغَرَضَ مِنْ ذَلِكَ الدَّفْعُ ، فَإِنْ انْدَفَعَ بِالْأَسْهَلِ حَرُمَ الْأَصْعَبُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ ( فَإِنْ لَمْ يَنْدَفِعْ إلَّا بِقَتْلٍ أُبِيحَ ) قَتْلُهُ ( وَلَا شَيْء عَلَيْهِ ) لِظَاهِرِ الْخَبَرِ ( وَإِنْ قُتِلَ ) الدَّافِعُ ( كَانَ شَهِيدًا ) لِلْخَبَرِ ( وَمَعَ مَزْحٍ يُحَرَّمُ ) عَلَى دَافِعٍ ( قَتْلٌ وَيُقَادُ بِهِ ) لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَى الدَّفْعِ إذَنْ

( وَلَا يَضْمَنُ بَهِيمَةً صَالَتْ عَلَيْهِ ) وَلَمْ تَنْدَفِعْ بِدُونِ قَتْلٍ دَفْعًا عَنْ نَفْسِهِ أَوْ حُرْمَتِهِ أَوْ مَالِهِ ، كَصَغِيرٍ وَمَجْنُونٍ صَائِلٍ بِجَامِعِ الصَّوْلِ ( وَلَا ) يَضْمَنُ ( وَمَنْ دَخَلَ مَنْزِلَهُ مُتَلَصِّصًا ) إنْ لَمْ يَنْدَفِعْ بِدُونِ قَتْلٍ فَيَأْمُرُهُ رَبُّ الْمَنْزِلِ أَوَّلًا بِالْخُرُوجِ ، فَإِنْ خَرَجَ لَمْ يَفْعَلْ بِهِ شَيْئًا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ ضَرَبَهُ بِأَسْهَلَ مَا يَظُنُّ أَنَّهُ يَنْدَفِعُ بِهِ ، فَإِنْ انْدَفَعَ بِالْعَصَا لَمْ يَضْرِبْهُ بِحَدِيدٍ ، وَإِنْ وَلَّى هَارِبًا لَمْ يَقْتُلْهُ وَلَمْ يَتْبَعْهُ كَالْبُغَاةِ ، وَإِنْ ضَرَبَهُ ضَرْبَةً غَلِيظَةً لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ أَرْشٌ لِأَنَّهُ كَفَى شَرَّهُ وَإِنْ ضَرَبَهُ فَقَطَعَ يَمِينَهُ فَوَلَّى هَارِبًا فَضَرَبَهُ فَقَطَعَ رِجْلَهُ ضَمِنَهَا بِخِلَافِ الْيَدِ ، فَإِنْ مَاتَ بِسِرَايَةِ الْقَطْعِ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ ، فَإِنْ عَادَ إلَيْهِ بَعْدَ قَطْعِ رِجْلِهِ فَقَطَعَ يَدَهُ الْأُخْرَى ؛ فَالْيَدَانِ غَيْرُ مَضْمُونَتَيْنِ

( وَيَجِبُ ) الدَّفْعُ ( عَنْ حُرْمَتِهِ ) إذَا أُرِيدَتْ نَصًّا فَمَنْ رَأَى مَعَ امْرَأَتِهِ أَوْ بِنْتِهِ وَنَحْوِهَا رَجُلًا يَزْنِي بِهَا أَوْ مَعَ وَلَدِهِ وَنَحْوَهُ رَجُلًا يَلُوطُ بِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ قَتْلُهُ إنْ لَمْ يَنْدَفِعْ بِدُونِهِ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي بِهِ حَقَّ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الْكَفِّ عَنْ الْفَاحِشَةِ وَحَقَّ نَفْسِهِ بِالْمَنْعِ عَنْ أَهْلِهِ فَلَا يَسَعُهُ إضَاعَةُ الْحَقَّيْنِ ( وَكَذَا ) يَجِبُ الدَّفْعُ ( فِي غَيْرِ فِتْنَةٍ عَنْ نَفْسِهِ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إلَى التَّهْلُكَةِ } فَكَمَا يُحَرَّمُ عَلَيْهِ قَتْلُ نَفْسِهِ يُحَرَّمُ عَلَيْهِ إبَاحَةُ قَتْلِهَا ( وَ ) كَذَا يَجِبُ الدَّفْعُ فِي غَيْرِ فِتْنَةٍ عَنْ ( نَفْسِ غَيْرِهِ ) لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ مِنْهُ إيثَارُ الشَّهَادَةِ وَكَإِحْيَائِهِ بِبَذْلِ طَعَامِهِ ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ فَإِنْ كَانَ ثَمَّ فِتْنَةٌ لَمْ يَجِبْ الدَّفْعُ عَنْ نَفْسِهِ وَلَا نَفْسِ غَيْرِهِ لِقِصَّةِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

( لَا عَنْ مَالِهِ ) أَيْ : لَا يَجِبُ عَلَيْهِ دَفْعُ مَنْ أَرَادَ مَالَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ مِنْ الْمَحْذُورِ مَا فِي النَّفْسِ ( وَلَا يَلْزَمُهُ ) أَيْ : رَبَّ الْمَالِ ( حِفْظُهُ عَنْ الضَّيَاعِ وَالْهَلَاكِ وَلَهُ بَذْلُهُ ) لِمَنْ أَرَادَهُ مِنْهُ ظُلْمًا وَذَكَرَ الْقَاضِي أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الدَّفْعِ عَنْهُ .
قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ حَنْبَلٍ أَرَى دَفْعَهُ إلَيْهِ وَلَا يَأْتِي عَلَى نَفْسِهِ لِأَنَّهَا لَا عِوَضَ لَهَا وَقَالَ الْمَرُّوذِيُّ وَغَيْرُهُ .
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ لَا يَغْضَبُ لِنَفْسِهِ وَلَا يَنْتَصِرُ لَهَا

( وَيَجِبُ ) عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ الدَّفْعُ ( عَنْ حُرْمَةِ غَيْرِهِ وَكَذَا ) عَنْ ( مَالِهِ ) أَيْ : الْغَيْرِ لِئَلَّا تَذْهَبَ الْأَنْفُسُ أَوْ الْأَمْوَالُ أَوْ تُسْتَبَاحَ الْحُرَمُ ( مَعَ ظَنِّ سَلَامَتِهِمَا ) أَيْ : الدَّافِعِ وَالْمَدْفُوعِ ، قَالَ فِي الْمَذْهَبِ : أَمَّا دَفْعُ الْإِنْسَانِ عَنْ مَالِ غَيْرِهِ فَيَجُوزُ مَا لَمْ يُفْضِ إلَى الْجِنَايَةِ عَلَى نَفْسِ الطَّالِبِ أَوْ شَيْء مِنْ أَعْضَائِهِ ( وَإِلَّا ) تُظَنَّ سَلَامَتُهُمَا مَعَ الدَّفْعِ ( حَرُمَ ) لِإِلْقَائِهِ إلَى التَّهْلُكَةِ

( وَيَسْقُطُ ) وُجُوبُ دَفْعٍ حَيْثُ وَجَبَ ( بِإِيَاسِهِ ) مِنْ فَائِدَةِ دَفْعِهِ ( لَا بِظَنِّهِ أَنَّهُ ) أَيْ : دَفْعَهُ ( لَا يُفِيدُ ) لِتَيَقُّنِ الْوُجُوبِ فَلَا يُتْرَكُ بِالظَّنِّ وَكَرِهَ أَحْمَدُ الْخُرُوجَ إلَى صَيْحَةٍ لَيْلًا لِأَنَّهُ لَا يَدْرِي مَا يَكُونُ

( وَمَنْ عَضَّ يَدَ شَخْصٍ وَحَرُمَ ) الْعَضُّ بِأَنْ تَعَدَّى بِهِ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَقْدِرْ الْعَاضُّ عَلَى التَّخَلُّصِ مِنْ مَعْضُوضٍ أَمْسَكَهُ مِنْ مَحَلٍّ يَتَضَرَّرُ بِإِمْسَاكِهِ مِنْهُ وَنَحْوِهِ إلَّا بِهِ وَالْجُمْلَةُ حَالِيَّةٌ وَقَدْ مُقَدَّرَةٌ ( فَانْتَزَعَهَا ) أَيْ : يَدَهُ مِنْ فَمِ الْعَاضِّ ( وَلَوْ ) نَزَعَهَا ( بِعُنْفٍ ) أَيْ : شِدَّةٍ ( فَسَقَطَتْ ثَنَايَاهُ ) أَيْ الْعَاضِّ ( فَ ) هِيَ ( هَدَرٌ ) لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ { أَنَّ رَجُلًا عَضَّ رَجُلًا فَنَزَعَ يَدَهُ مِنْ فِيهِ فَوَقَعَتْ ثَنِيَّتَاهُ فَاخْتَصَمَا إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَعَضُّ أَحَدُكُمْ يَدَ أَخِيهِ كَمَا يَعَضُّ الْفَحْلُ ؟ ، لَا دِيَةَ لَك } رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد وَلِإِتْلَافِهَا لِضَرُورَةِ دَفْعِ شَرِّ صَاحِبِهَا كَالصَّائِلِ ( وَكَذَا ) أَيْ : كَالْعَضِّ فِي حُكْمِهِ ( مَا فِي مَعْنَى الْعَضِّ فَإِنْ عَجَزَ ) مَعْضُوضٌ عَنْ انْتِزَاعِ يَدِهِ مِنْ عَاضِّهِ ( دَفَعَهُ كَصَائِلٍ ) عَلَيْهِ بِالْأَسْهَلِ فَالْأَسْهَلِ .
وَلَهُ عَصْرُ خُصْيَتَيْهِ فَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ فَلَهُ أَنْ يَبْعَجَ بَطْنَهُ .
وَرُوِيَ أَنَّ جَارِيَةً خَرَجَتْ مِنْ الْمَدِينَةِ تَحْتَطِبُ فَتَبِعَهَا رَجُلٌ فَرَاوَدَهَا عَنْ نَفْسِهَا فَرَمَتْهُ بِفِهْرٍ - أَيْ حَجَرٍ - فَقَتَلَتْهُ فَرُفِعَ إلَى عُمَرَ فَقَالَ هَذَا قَتِيلُ اللَّهِ وَاَللَّهُ لَا يُؤَدِّي أَبَدًا ، وَمَعْنَى قَتِيلِ اللَّهِ أَنَّهُ أَبَاحَ قَتْلَهُ

( وَمَنْ نَظَرَ فِي بَيْتِ غَيْرِهِ مِنْ خَصَاصِ بَابٍ مُغْلَقٍ ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ : الْفُرُوجِ وَالْخُلُلِ الَّذِي فِيهِ ( وَنَحْوِهِ ) كَفُرُوجٍ بِحَائِطٍ أَوْ بَيْتِ شَعْرٍ وَكُوَّةٍ وَنَحْوِهَا ( وَلَوْ لَمْ يَتَعَمَّدْ ) النَّاظِرُ الِاطِّلَاعَ ( لَكِنْ ظَنَّهُ ) رَبُّ الْبَيْتِ ( مُتَعَمِّدًا ) وَسَوَاءٌ كَانَ فِي الدَّارِ نِسَاءٌ أَوْ لَا أَوْ كَانَ مَحْرَمًا أَوْ نَظَرَ مِنْ الطَّرِيقِ أَوْ مِلْكِهِ أَوْ لَا ( فَخَذَفَ ) بِفَتْحِ الْخَاءِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَتَيْنِ ( عَيْنَهُ أَوْ نَحْوَهَا ) كَحَاجِبِهِ فَتَلِفَتْ ( فَ ) ذَلِكَ ( هَدَرٌ ) وَكَذَا لَوْ طَعَنَهُ بِعُودٍ لَا إنْ رَمَاهُ بِحَجَرٍ كَبِيرٍ أَوْ رَشَقَهُ بِسَهْمٍ أَوْ طَعَنَهُ بِحَدِيدَةٍ ( وَلَا يَتْبَعُهُ ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا { مَنْ اطَّلَعَ فِي بَيْتٍ فَفَقَئُوا عَيْنَهُ فَلَا دِيَةَ وَلَا قِصَاصَ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ .
وَفِي رِوَايَةٍ { مَنْ اطَّلَعَ فِي بَيْتِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إذْنِهِمْ فَقَدْ حَلَّ لَهُمْ أَنْ يَفْقَئُوا عَيْنَهُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَلِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الصَّائِلِ لِأَنَّ الْمَسَاكِنَ حِمَى سَاكِنِهَا ، وَالْقَصْدُ مِنْهَا سَتْرُ عَوْرَاتِهِمْ عَنْ النَّاسِ وَالْعَيْنُ آلَةُ النَّظَرِ ( بِخِلَافِ مُسْتَمِعٍ ) أَعْمَى أَوْ بَصِيرٍ ( وَضَعَ أُذُنَهُ فِي خَصَاصِهِ ) أَيْ لِلْبَابِ الْمُغْلَقِ فَلَيْسَ لَهُ قَصْدُ أُذُنِهِ بِطَعْنٍ أَوْ نَحْوِهِ ( قَبْلَ إنْذَارِهِ ) ؛ اقْتِصَارًا عَلَى مَوْرِدِ النَّصِّ ، وَلِأَنَّ النَّظَرَ أَبْلَغُ مِنْ السَّمْعِ فَإِنْ أَنْذَرَهُ فَأَبَى فَلَهُ طَعْنُهُ كَدَفْعِ الصَّائِلِ ( وَ ) بِخِلَافِ نَاظِرٍ ( مِنْ ) بَابٍ ( مُنْفَتِحٍ ) لِتَفْرِيطِ رَبِّهِ بِتَرْكِهِ مَفْتُوحًا .

بَابُ قِتَالِ أَهْلِ الْبَغْيِ أَيْ : الْجَوْرِ وَالظُّلْمِ وَالْعُدُولِ عَنْ الْحَقِّ .
وَالْبَغِيُّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ : الزَّانِيَةُ ( وَهُمْ الْخَارِجُونَ عَلَى الْإِمَامِ وَلَوْ غَيْرَ عَدْلٍ بِتَأْوِيلٍ سَائِغٍ وَلَهُمْ شَوْكَةٌ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مُطَاعٌ ) سُمُّوا بُغَاةً لِعُدُولِهِمْ عَنْ الْحَقِّ وَمَا عَلَيْهِ أَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَالْأَصْلُ فِي قِتَالِهِمْ قَوْله تَعَالَى : { فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ } وَلِحَدِيثِ { مَنْ أَتَاكُمْ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعٌ عَلَى رَجُلٍ وَاحِدٍ يُرِيدُ أَنْ يَشُقَّ عَصَاكُمْ وَيُفَرِّقَ جَمَاعَتَكُمْ فَاقْتُلُوهُ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ .
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرْفُوعًا { مَنْ رَأَى مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَمِيتَتُهُ مِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ } مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَاتَلَ عَلِيٌّ أَهْلَ النَّهْرَوَانُ فَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ ( وَمَتَى اخْتَلَّ شَرْطٌ مِنْ ذَلِكَ ) بِأَنْ لَمْ يَخْرُجُوا عَلَى إمَامٍ أَوْ خَرَجُوا عَلَيْهِ بِلَا تَأْوِيلٍ أَوْ بِتَأْوِيلٍ غَيْرِ سَائِغٍ أَوْ كَانُوا جَمْعًا يَسِيرًا لَا شَوْكَةَ لَهُمْ كَالْعَشَرَةِ ( فَ ) هُمْ ( قُطَّاعُ طَرِيقٍ ) وَتَقَدَّمَ حُكْمُهُمْ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ

( وَنَصْبُ الْإِمَامِ فَرْضُ كِفَايَةٍ ) ؛ لِحَاجَةِ النَّاسِ لِذَلِكَ لِحِمَايَةِ الْبَيْضَةِ وَالذَّبِّ عَنْ الْحَوْزَةِ وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ وَاسْتِيفَاءِ الْحُقُوقِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ ، وَيُخَاطَبُ بِذَلِكَ مَنْ تُوجَدُ فِيهِ شَرَائِطُ الْإِمَامَةِ حَتَّى يَنْتَصِبَ أَحَدُهُمْ لَهَا وَتَأْتِيَ شُرُوطُهَا ، وَأَهْلُ الِاجْتِهَادِ حَتَّى يَخْتَارُوا وَشَرْطُهُمْ : الْعَدَالَةُ وَالْعِلْمُ الْمُوصِلُ إلَى مَعْرِفَةِ مُسْتَحِقِّ الْإِمَامَةِ وَأَنْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ وَالتَّدْبِيرِ الْمُؤَدِّيَيْنِ إلَى اخْتِيَارِ مَنْ هُوَ لِلْإِمَامَةِ أَصْلَحُ ( وَيَثْبُتُ ) نَصْبُ إمَامٍ ( بِإِجْمَاعِ ) أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ عَلَى اخْتِيَارِ صَالِحٍ لَهَا مَعَ إجَابَتِهِ كَخِلَافَةِ الصِّدِّيقِ فَيَلْزَمُ كَافَّةَ الْأُمَّةِ الدُّخُولُ فِي بَيْعَتِهِ وَالِانْقِيَادُ لِطَاعَتِهِ .
( وَ ) يَثْبُتُ أَيْضًا ( بِ ) نَصٍّ أَيْ : عَهْدِ إمَامٍ بِالْإِمَامَةِ لِمَنْ يَصْلُحُ لَهَا نَاصًّا عَلَيْهِ بَعْدَهُ وَلَا يَحْتَاجُ فِي ذَلِكَ إلَى مُوَافَقَةِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ كَعَهْدِ أَبِي بَكْرٍ إلَى عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي الْخِلَافَةِ ( وَ ) يَثْبُتُ أَيْضًا بِ ( اجْتِهَادٍ ) لِأَنَّ عُمَرَ جَعَلَ أَمْرَ الْإِمَامَةِ شُورَى بَيْنَ سِتَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فَوَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ( وَ ) يَثْبُتُ أَيْضًا بِ ( قَهْرِ ) مَنْ يَصْلُحُ لَهَا غَيْرَهُ عَلَيْهَا فَتَلْزَمُ الرَّعِيَّةَ طَاعَتُهُ لِأَنَّ عَبْدَ الْمَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ خَرَجَ عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ فَقَتَلَهُ وَاسْتَوْلَى عَلَى الْبِلَادِ وَأَهْلِهَا حَتَّى بَايَعُوهُ طَوْعًا وَكَرْهًا وَدَعَوْهُ إمَامًا وَلِأَنَّ فِي الْخُرُوجِ عَلَى مَنْ ثَبَتَتْ إمَامَتُهُ بِالْقَهْرِ شَقَّ عَصَا الْمُسْلِمِينَ وَإِرَاقَةَ دِمَائِهِمْ وَإِذْهَابَ أَمْوَالِهِمْ ( لِقُرَشِيٍّ ) مُتَعَلِّقٌ بِيَثْبُتُ لِقَوْلِ الْمُهَاجِرِينَ لِلْأَنْصَارِ إنَّ الْعَرَبَ لَا تَدِينُ إلَّا لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ وَرَوَوْا لَهُمْ فِي ذَلِكَ الْأَخْبَارَ .
قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ مُهَنَّا لَا يَكُونُ مِنْ غَيْرِ قُرَيْشٍ خَلِيفَةٌ ( حُرٍّ )

فَلَا يَكُونُ الْإِمَامُ رَقِيقًا وَلَا مُبَعَّضًا لِأَنَّ لَهُ الْوِلَايَةَ الْعَامَّةَ فَلَا يَكُونُ مُوَلًّى عَلَيْهِ ( ذَكَرٍ ) فَلَا وِلَايَةَ لِأُنْثَى كَالْقَاضِي وَأَوْلَى ( عَدْلٍ ) لِمَا سَبَقَ ، وَقَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ عَبْدُوسِ بْنِ مَالِكٍ الْعَطَّارِ : وَمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِمْ بِالسَّيْفِ حَتَّى صَارَ خَلِيفَةً وَسُمِّيَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ إنْ يَبِيتَ وَلَا يَرَاهُ إمَامًا بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا ( عَالِمٍ ) بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى مُرَاعَاتِهَا فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ ( كَافٍ ابْتِدَاءً وَدَوَامًا ) أَيْ : قَائِمًا بِأَمْرِ الْحَرْبِ وَالسِّيَاسَةِ وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ لَا تَلْحَقُهُ رَأْفَةٌ فِي ذَلِكَ وَلِذَبٍّ عَنْ الْأُمَّةِ وَالْإِغْمَاءُ لَا يَمْنَعُ عَقْدَهَا وَلَا اسْتِدَامَتَهَا لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فِي مَرَضِهِ وَيَمْنَعُهَا الْجُنُونُ وَالْخَبَلُ الْمُطْبَقُ ، وَكَذَا إنْ كَانَ فِي أَكْثَرِ زَمَانِهِ ، وَلَا يَمْنَعُهَا ضَعْفُ الْبَصَرِ إنْ عَرَفَ بِهِ الْأَشْخَاصَ إذَا رَآهَا ، وَلَا فَقْدُ الشَّمِّ وَذَوْقُ الطَّعَامِ ؛ لِأَنَّهُ لَا مَدْخَلَ لَهُمَا فِي الرَّأْيِ وَالْعَمَلِ ، وَلَا تَمْتَمَةُ اللِّسَانِ ، وَلَا ثِقَلُ السَّمْعِ مَعَ إدْرَاكِ الصَّوْتِ إذَا عَلَا وَلَا ، فَقْدُ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَيَيْنِ بِخِلَافِ قَطْعِ الْيَدَيْنِ وَالرِّجْلَيْنِ لِعَجْزِهِ عَمَّا يَلْزَمُهُ مِنْ حُقُوقِ الْأُمَّةِ مِنْ الْعَمَلِ بِالْيَدِ أَوْ النَّهْضَةِ بِالرِّجْلِ ، وَإِنْ قَهَرَهُ مِنْ أَعْوَانِهِ مَنْ يَسْتَبِدُّ بِتَدْبِيرِ الْأُمُورِ مِنْ غَيْرِ تَظَاهُرٍ بِمَعْصِيَةٍ وَلَا مُجَاهَرَةٍ بِشِقَاقٍ لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ مِنْ اسْتِدَامَتِهِ ، ثُمَّ إنْ جَرَتْ أَفْعَالُهُ عَلَى أَحْكَامِ الدِّينِ جَازَ إقْرَارُهُ عَلَيْهَا تَنْفِيذًا لَهَا وَإِمْضَاءً لِئَلَّا يَعُودَ الْأَمْرُ بِفَسَادٍ عَلَى الْأُمَّةِ ، وَإِنْ خَرَجَتْ عَنْ أَحْكَامِ الدِّينِ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُ عَلَيْهَا وَلَزِمَهُ أَنْ يَسْتَنْصِرَ مِنْ يَقْبِضُ عَلَى يَدِهِ وَيُزِيلُ تَغَلُّبَهُ

( وَيُجْبَرُ ) عَلَى إمَامَةٍ ( مُتَعَيَّنٌ لَهَا ) لِأَنَّهُ لَا بُدَّ لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ حَاكِمٍ لِئَلَّا تَذْهَبَ حُقُوقُ النَّاسِ

( وَهُوَ ) أَيْ : الْإِمَامُ ( وَكِيلُ ) الْمُسْلِمِينَ ( فَلَهُ عَزْلُ نَفْسِهِ ) مُطْلَقًا كَسَائِرِ الْوُكَلَاءِ ( وَلَهُمْ ) أَيْ الْمُسْلِمِينَ ( عَزْلُهُ إنْ سَأَلَهَا ) أَيْ : الْعُزْلَةَ بِمَعْنَى الْعَزْلِ لَا الْإِمَامَةِ لِقَوْلِ الصِّدِّيقِ : أَقِيلُونِي أَقِيلُونِي ، قَالُوا : لَا نُقِيلُك .
وَرَدَ فِي الْإِقْنَاعِ كَلَامُ التَّنْقِيحِ هُنَا كَمَا نَقَلْتُهُ فِي الْحَاشِيَةِ وَلَوْ حَمَلَهُ عَلَى مَا أَشَرْت إلَيْهِ لَمْ يُعَارِضْ كَلَامَهُ كَلَامُ غَيْرِهِ ( وَإِلَّا ) يَسْأَلْ الْعَزْلَ ( فَلَا ) يَعْزِلُونَهُ سَأَلَ الْإِمَامَةَ أَوْ لَا لِمَا فِيهِ مِنْ شَقِّ عَصَا الْمُسْلِمِينَ

( وَيَحْرُمُ قِتَالُهُ ) أَيْ الْإِمَامِ لِحَدِيثِ { مَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَّتِي وَهُمْ جَمْعٌ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ بِالسَّيْفِ كَائِنًا مَنْ كَانَ }

( وَإِنْ تَنَازَعَهَا ) أَيْ الْإِمَامَةَ ( مُتَكَافِئَانِ ) ابْتَدَءُوا دَوَامًا ( أَقُرِعَ ) بَيْنَهُمَا فَيُبَايَعُ مَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ ( وَإِنْ بُويِعَا ) وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ ( فَالْإِمَامُ ) هُوَ ( الْأَوَّلُ ) مِنْهُمَا ( وَ ) إنْ بُويِعَا ( مَعًا أَوْ جُهِلَ السَّابِقُ ) مِنْهُمَا ( بَطَلَ الْعَقْدُ ) لِامْتِنَاعِ تَعَدُّدِ الْإِمَامِ وَعَدَمِ الْمُرَجِّحِ لِأَحَدِهِمَا ، وَصِفَةُ الْعَقْدِ أَنْ يَقُولَ لَهُ كُلٌّ مِنْ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ : قَدْ بَايَعْنَاك عَلَى إقَامَةِ الْعَدْلِ وَالْإِنْصَافِ وَالْقِيَامِ بِفُرُوضِ الْأُمَّةِ وَلَا يُحْتَاجُ مَعَ ذَلِكَ إلَى صَفْقَةِ الْيَدِ فَإِذَا ثَبَتَتْ إمَامَتُهُ لَزِمَهُ حِفْظُ الدِّينِ عَلَى أُصُولِهِ الَّتِي أَجْمَعَ عَلَيْهَا سَلْفُ الْأُمَّةِ فَإِنْ زَاغَ ذُو شُبْهَةٍ عَنْهُ بَيَّنَ لَهُ الْحُجَّةَ ، وَأَخَذَهُ بِمَا يَلْزَمُهُ حِرَاسَةً لِلدِّينِ مِنْ الْخَلَلِ ، وَتَنْفِيذُ الْأَحْكَامِ بَيْنَ الْمُتَشَاجِرِينَ وَقَطْعُ خُصُومَتِهِمْ وَحِمَايَةُ الْبَيْضَةِ وَالذَّبُّ عَنْ الْحَوْزَةِ ؛ لِيَتَصَرَّفَ النَّاسُ فِي مَعَايِشِهِمْ وَيَسِيرُوا فِي الْأَسْفَارِ آمِنِينَ ، وَإِقَامَةُ الْحُدُودِ لِتُصَانَ مَحَارِمُ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقُ عِبَادِهِ ، وَتَحْصِينُ الثُّغُورِ بِالْعُدَّةِ الْمَانِعَةِ وَجِهَادُ مَنْ عَانَدَ الْإِسْلَامَ بَعْدَ الدَّعْوَةِ ، وَجِبَايَةُ الْفَيْءِ وَالصَّدَقَاتِ عَلَى مَا أَوْجَبَهُ الشَّرْعُ وَتَقْدِيرُ مَا يُسْتَحَقُّ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ بِلَا سَرَفٍ وَلَا تَقْصِيرٍ وَدَفْعُهُ فِي وَقْتِهِ بِلَا تَقْدِيمٍ وَلَا تَأْخِيرٍ وَاسْتِكْفَاءُ الْأُمَنَاءِ وَتَقْلِيدُ النُّصَحَاءِ فِيمَا يُفَوِّضُهُ إلَيْهِمْ ضَبْطًا لِلْأَعْمَالِ وَحِفْظًا لِلْأَمْوَالِ ، وَأَنْ يُبَاشِرَ بِنَفْسِهِ مُشَارَفَةَ الْأُمُورِ وَيَتَصَفَّحَ الْأَحْوَالَ لِيَنْهَضَ بِسِيَاسَةِ الْأُمَّةِ وَحِرَاسَةِ الْمِلَّةِ وَلَا يُعَوِّلُ عَلَى التَّفْوِيضِ فَرُبَّمَا خَانَ الْأَمِينُ وَغَشَّ النَّاصِحُ فَإِذَا قَامَ الْإِمَامُ بِحُقُوقِ الْأُمَّةِ فَلَهُ عَلَيْهِمْ حَقَّانِ : الطَّاعَةُ وَالنُّصْرَةُ ( وَتَلْزَمُهُ مُرَاسَلَةُ بُغَاةٍ ) لِأَنَّهَا طَرِيقٌ إلَى الصُّلْحِ وَرُجُوعِهِمْ إلَى الْحَقِّ .

وَرُوِيَ أَنَّ عَلِيًّا رَاسَلَ أَهْلَ الْبَصْرَةِ قَبْلَ وَقْعَةِ الْجَمَلِ ، وَلَمَّا اعْتَزَلَتْهُ الْحَرُورِيَّةُ بَعَثَ إلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ فَوَاضَعُوهُ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَرَجَعَ مِنْهُمْ أَرْبَعَةُ آلَافٍ .
( وَ ) تَلْزَمُهُ ( إزَالَةُ شُبَهِهِمْ ) لِيَرْجِعُوا إلَى الْحَقِّ ( وَ ) تَلْزَمُهُ إزَالَةُ ( مَا يَدْعُونَهُ مِنْ مَظْلَمَةٌ ) لِأَنَّهُ وَسِيلَةٌ إلَى الصُّلْحِ الْمَأْمُورِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا } فَإِنْ نَقَمُوا مِمَّا لَا يَحِلُّ فِعْلُهُ أَزَالَهُ ، وَإِنْ نَقَمُوا مِمَّا يَحِلُّ فِعْلُهُ لِالْتِبَاسِ الْأَمْرِ فِيهِ عَلَيْهِمْ فَاعْتَقَدُوا مُخَالَفَتَهُ لِلْحَقِّ بَيَّنَ لَهُمْ دَلِيلَهُ وَأَظْهَرَ لَهُمْ وَجْهَهُ ؛ لِبَعْثِ عَلِيٍّ ابْنَ عَبَّاسٍ إلَى الْخَوَارِجِ لَمَّا تَظَاهَرُوا بِالْعِبَادَةِ وَالْخُشُوعِ وَحَمْلِ الْمَصَاحِفِ فِي أَعْنَاقِهِمْ لِيَسْأَلَهُمْ عَنْ سَبَبِ خُرُوجِهِمْ وَبَيَّنَ لَهُمْ الْحُجَّةَ الَّتِي تَمَسَّكُوا بِهَا فِي قِصَّةٍ مَشْهُورَةٍ

( فَإِنْ فَاءُوا ) أَيْ رَجَعُوا عَنْ الْبَغْيِ وَطَلَبِ الْقِتَالِ تَرَكَهُمْ ( وَإِلَّا ) يَفِيئُوا ( لَزِمَ ) إمَامًا ( قَادِرًا قِتَالُهُمْ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلَى أَمْرِ اللَّهِ } .
( وَ ) يَجِبُ ( عَلَى رَعِيَّتِهِ مَعُونَتُهُ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } وَحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ مَرْفُوعًا { مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ شِبْرًا فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ } رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَرِبْقَةُ الْإِسْلَامِ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا اسْتِعَارَةٌ لِمَا يَلْزَمُ الْعُنُقَ مِنْ حُدُودِ الْإِسْلَامِ وَأَحْكَامِهِ ( فَإِنْ اسْتَنْظَرُوهُ ) أَيْ قَالُوا أَنْظِرْنَا ( مُدَّةً ) حَتَّى نَرَى رَأْيَنَا ( وَرَجَا فَيْئَتَهُمْ ) فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ ( أَنْظَرَهُمْ ) وُجُوبًا حِفْظًا لِدِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ ( وَإِنْ خَافَ مَكِيدَةً ) كَمَدَدٍ يَأْتِيهِمْ أَوْ تَحَيُّزِهِمْ إلَى فِئَةٍ تَمْنَعُهُمْ أَوْ يَكْثُرُ جَمْعُهُمْ وَنَحْوُهُ ( فَلَا ) يَجُوزُ لَهُ إنْظَارُهُمْ لِأَنَّهُ طَرِيقٌ إلَى قَهْرِ أَهْلِ الْحَقِّ ( وَلَوْ أَعْطَوْهُ مَالًا أَوْ رَهْنًا ) عَلَى تَأْخِيرِ الْقِتَالِ ، أَذِنَ لِأَنَّ الرَّهْنَ يُخْلِي سَبِيلَهُ إذَا انْقَضَتْ الْحَرْبُ كَالْأُسَارَى وَإِنْ سَأَلُوهُ الْإِنْظَارَ أَبَدًا وَيَدَعُهُمْ وَمَا عَلَيْهِ وَيُكَفُّوا عَنْ أَهْلِ الْعَدْلِ فَإِنْ قَوِيَ عَلَيْهِمْ لَمْ يَجُزْ إقْرَارُهُمْ وَإِلَّا جَازَ

( وَيُحَرَّمُ قِتَالُهُمْ بِمَا يَعُمُّ إتْلَافُهُ ) الْمُقَاتِلَ وَغَيْرَهُ وَالْمَالَ ( كَمَنْجَنِيقِ وَنَارٍ ) لِأَنَّ إتْلَافَ أَمْوَالِهِمْ وَغَيْرِ الْمُقَاتِلِ لَا يَجُوزُ إلَّا لِضَرُورَةٍ تَدْعُوهُ إلَيْهِ كَدَفْعِ الصَّائِلِ .
( وَ ) يُحَرَّمُ ( اسْتِعَانَةٌ ) عَلَيْهِمْ ( بِكَافِرٍ ) لِأَنَّهُ تَسْلِيطٌ لَهُ عَلَى دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ تَعَالَى : { وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا } ( إلَّا لِضَرُورَةٍ ) كَعَجْزِ أَهْلِ الْحَقِّ عَنْهُمْ ( وَكَفِعْلِهِمْ ) بِنَا ( إنْ لَمْ نَفْعَلْهُ ) بِهِمْ فَيَجُوزُ رَمْيُهُمْ بِمَا يَعُمُّ إتْلَافُهُ إذَا فَعَلُوهُ بِنَا لَوْ لَمْ نَفْعَلْهُ وَكَذَا الِاسْتِعَانَةُ بِكَافِرٍ .
( وَ ) يُحَرَّمُ ( أَخْذُ مَالِهِمْ ) لِأَنَّهُ مَالٌ مَعْصُومٌ .
( وَ ) يُحَرَّمُ أَخْذُ وَقَتْلُ ( ذُرِّيَّتِهِمْ ) لِأَنَّهُمْ مَعْصُومُونَ لَا قِتَالَ مِنْهُمْ وَلَا بَغْيَ .
( وَ ) يُحَرَّمُ ( قَتْلُ مُدْبِرِهِمْ وَ ) قَتْلُ ( جَرِيحِهِمْ ) وَلَوْ مِنْ نَحْوِ خَوَارِجَ ، إنْ لَمْ نَقُلْ بِكُفْرِهِمْ وَمَا فِي الْإِقْنَاعِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْقَوْلِ بِكُفْرِهِمْ كَمَا فِي الْكَافِي لِعِصْمَتِهِ وَزَوَالِ قِتَالِهِ وَرَوَى سَعِيدٌ عَنْ مَرْوَانَ قَالَ صَرَخَ صَارِخٌ لِعَلِيٍّ يَوْمَ الْجَمَلِ لَا يُقْتَلَنَّ مُدْبِرٌ وَلَا يُذَفَّفُ عَلَى جَرِيحٍ وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ وَعَنْ عَمَّارٍ نَحْوُهُ وَكَالصَّائِلِ وَلِأَنَّهُ قَتْلُ مَنْ لَمْ يُقَاتِلْ ، قَالَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ : الْمُدْبِرُ : مَنْ انْكَسَرَتْ شَوْكَتُهُ إلَّا الْمُنْحَرِفَ إلَى مَوْضِعٍ .
( وَ ) يُحَرَّمُ قَتْلُ ( مَنْ تَرَكَ الْقِتَالَ ) لِمَا تَقَدَّمَ ( وَلَا قَوَدَ فِيهِ ) أَيْ : فِي قَتْلِ مَنْ يُحَرَّمُ قَتْلُهُ مِنْهُمْ لِلشُّبْهَةِ ( وَيُضْمَنُ بِالدِّيَةِ ) لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ ( وَيُكْرَهُ ) لِعَدْلٍ ( قَصْدُ رَحْمَةِ الْبَاغِي ) كَأَخِيهِ وَعَمِّهِ ( بِقَتْلٍ ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَإِنْ جَاهَدَاك عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا } وَقَالَ الشَّافِعِيُّ { كَفَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَا حُذَيْفَةَ بْنَ عُتْبَةُ عَنْ قَتْلِ أَبِيهِ }

( وَتُبَاحُ اسْتِعَانَةٌ عَلَيْهِمْ ) أَيْ الْبُغَاةِ ( بِسِلَاحِ أَنْفُسِهِمْ وَخَيْلِهِمْ وَعَبِيدِهِمْ وَصِبْيَانِهِمْ لِضَرُورَةٍ فَقَطْ ) لِعِصْمَةِ الْإِسْلَامِ أَمْوَالَهُمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ، وَإِنَّمَا أُبِيحَ قِتَالُهُمْ لِرَدِّهِمْ إلَى الطَّاعَةِ وَأَمَّا جَوَازُهُ مَعَ الضَّرُورَةِ فَكَأَكْلِ مَالِ الْغَيْرِ فِي الْمَخْمَصَةِ

( مَنْ أُسِرَ مِنْهُمْ ) أَيْ الْبُغَاةِ ( وَلَوْ صَبِيًّا أَوْ أُنْثَى حُبِسَ حَتَّى مَنْ لَا شَوْكَةَ لَهُ وَلَا حَرْبَ ) دَفْعًا لِضَرَرِهِمْ عَنْ أَهْلِ الْعَدْلِ ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا تَحْصُلُ مِنْهُمْ مُسَاعَدَةُ الْمُقَاتِلَةِ وَفِي حَبْسِهِمْ كَسْرُ قُلُوبِ الْبُغَاةِ

( وَإِذَا انْقَضَتْ ) الْحَرْبُ ( فَمَنْ وَجَدَ مِنْهُمْ ) أَيْ الْبُغَاةِ ( مَالَهُ بِيَدِ غَيْرِهِ ) مِنْ أَهْلِ عَدْلٍ وَبَغْيٍ ( أَخَذَهُ ) مِنْهُمْ لِأَنَّ أَمْوَالَهُمْ كَأَمْوَالِ غَيْرِهِمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَجُوزُ اغْتِنَامُهَا لِبَقَاءِ مِلْكِهِمْ عَلَيْهَا ، وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ الْجَمَلِ : مَنْ عَرَفَ شَيْئًا مِنْ مَالِهِ مَعَ أَحَدٍ فَلْيَأْخُذْهُ فَعَرَفَ بَعْضُهُمْ قِدْرًا مَعَ أَصْحَابِ عَلِيٍّ وَهُوَ يَطْبُخُ فِيهَا فَسَأَلَهُ إمْهَالَهُ حَتَّى يَنْضَجَ الطَّبِيخُ فَأَبَى وَكَبَّهُ وَأَخَذَهَا

أقسام الكتاب
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27